قَضِيباً عَلَى قَضْب، لمَّا وجَد فَعْلًا فِي الْجَمَاعَةِ مُسْتَمِرًّا. ابْنُ شُمَيْلٍ: القَضْبة شَجَرَةٌ يُسَوَّى مِنْهَا السَّهمُ. يُقَالُ: سَهْمُ قَضْبٍ، وسهمُ نَبْع، وَسَهْمُ شَوْحَطٍ. والقَضيبُ مِنَ الإِبل: الَّتِي رُكِبَتْ، وَلَمْ تُلَيَّنْ قَبْلَ ذَلِكَ. الْجَوْهَرِيُّ: القَضِيبُ الناقةُ الَّتِي لَمْ تُرَضْ؛ وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي لَمْ تَمْهَرِ الرياضةَ، الذكرُ والأُنثى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ؛ وأَنشد ثَعْلَبٌ:
مُخَيَّسةٌ ذُلًّا، وتَحْسِبُ أَنها، ... إِذا مَا بَدَتْ للناظِرِينَ، قَضِيبُ
يَقُولُ: هِيَ رَيِّضةٌ ذَليلةٌ، ولعِزَّةِ نفْسها يَحْسِبُها الناظرُ لَمْ تُرَضْ؛ أَلا تُرَاهُ يَقُولُ بَعْدَ هَذَا:
كمِثْلِ أَتانِ الوَحْشِ، أَما فؤادُها ... فصَعْبٌ، وأَما ظَهْرُها فرَكُوبُ
وقَضَبْتُها واقْتَضَبْتُها: أَخذتُها مِنَ الإِبل قَضِيباً، فَرُضْتُها. واقْتَضَبَ فلانٌ بَكْراً إِذا رَكِبَهُ ليُذِلَّه، قَبْلَ أَن يُراضَ. وناقةٌ قَضيبٌ وبَكْرٌ قَضِيبٌ، بِغَيْرِ هَاءٍ. وقَضَبْتُ الدابةَ واقْتَضَبْتُها إِذا رَكِبْتَهَا قَبْلَ أَن تُراضَ، وَكُلُّ مَنْ كلَّفته عَمَلًا قَبْلَ أَن يُحْسِنَه، فَقَدِ اقْتَضَبْتَه، وَهُوَ مُقْتَضَبٌ فِيهِ. واقْتِضابُ الْكَلَامِ: ارْتجالُه؛ يُقَالُ: هَذَا شعرٌ مُقْتَضَبٌ، وَكِتَابٌ مُقْتَضَبٌ. واقْتَضَبْتُ الحديثَ والشِّعْرَ: تَكلمْتُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تهيئةٍ أَو إِعْدادٍ لَهُ. وقَضِيبٌ: رجُلٌ، عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
لأَنْتُم، يومَ جاءَ القومُ سَيْراً ... عَلَى المَخْزاةِ، أَصْبَرُ مِنْ قَضِيبِ
هَذَا رَجُلٌ لَهُ حديثٌ ضَرَبه مَثَلًا فِي الإِقامة عَلَى الذُّلِّ أَي لَمْ تَطْلُبوا بقَتْلاكم، فأَنتم فِي الذُّلِّ كَهَذَا الرَّجُلِ. وقَضِيبٌ: وادٍ معروفٌ بأَرض قَيْسٍ، فِيهِ قَتَلَتْ مُرادُ عَمْرو بنَ أُمامة؛ وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ طَرَفَةُ:
أَلا إِنَّ خَيْرَ الناسِ، حَيّاً وهالِكاً، ... ببَطْنِ قَضِيبٍ عارِفاً ومُناكِرا
وقَضِيبُ الحمارِ وَغَيْرِهِ. أَبو حَاتِمٍ: يُقَالُ لذَكَر الثَّوْر: قَضِيبٌ وقَيْصومٌ. التَّهْذِيبُ: وَيُكَنَّى بالقَضيبِ عَنْ ذَكَرِ الإِنسان وَغَيْرِهِ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ. والقُضَّابُ نَبْتٌ، عَنْ كراع.
قطب: قَطَبَ الشيءَ يَقْطِبُهُ قَطْباً: جَمَعه. وقَطَبَ يَقْطِبُ قَطْباً وقُطوباً، فَهُوَ قاطِبٌ وقَطُوبٌ. والقُطوبُ: تَزَوِّي مَا بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ، عِنْدَ العُبوس؛ يُقَالُ: رأَيتُه غَضْبانَ قاطِباً، وَهُوَ يَقْطِبُ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ قَطْباً وقُطوباً، ويُقَطِّبُ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ تَقْطِيبًا. وقَطَبَ يَقْطِبُ: زَوَى مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وعَبَس، وكَلَح مِنْ شَرابٍ وَغَيْرِهِ، وامرأَة قَطُوبٌ. وقَطَّبَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ أَي جَمعَ كَذَلِكَ. والمُقَطَّبُ والمُقَطِّبُ والمُقْطِبُ مَا بَيْنَ الْحَاجِبَيْنِ. وقَطَّبَ وجهَه تَقْطيباً أَي عَبَسَ وغَضِبَ. وقَطَّب بَيْنَ عَيْنَيْهِ أَي جَمعَ الغُضُونَ. أَبو زَيْدٍ فِي الجَبِينِ: المُقَطِّبُ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْحَاجِبَيْنِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه أُتِيَ بنَبيذٍ فشَمَّه فقَطَّبَ
أَي قَبَضَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ، كَمَا يَفْعَلُهُ العَبُوسُ، وَيُخَفَّفُ وَيُثَقَّلُ. وَفِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ:
مَا بالُ قُرَيْشٍ يَلْقَوْننا بوُجُوهٍ قاطبةٍ؟
أَي مُقَطَّبة. قَالَ: وَقَدْ يجيءُ فَاعِلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، كَعِيشَةٍ رَاضِيَةٍ؛ قَالَ: والأَحسن أَن يَكُونَ فَاعِلٌ، عَلَى بَابِهِ، مِنْ(1/680)
قَطَبَ، الْمُخَفَّفَةِ. وَفِي حَدِيثِ
الْمُغِيرَةِ: دائمةُ القُطوب
أَي العُبُوس. يُقَالُ: قَطَبَ يَقْطِبُ قُطوباً، وقَطَبَ الشرابَ يَقْطِبُه قَطْباً وقَطَّبه وأَقْطَبه: كلُّه مَزَجه؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِل:
أَناةٌ، كأَنَّ المِسْكَ تَحْتَ ثيابِها، ... يُقَطِّبُه، بالعَنْبَرِ الوَرْدِ، مُقْطِبُ «1»
وشَرابٌ قَطِيبٌ: مَقْطُوبٌ. والقِطابُ: المِزاجُ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ الْجَمْعِ. التَّهْذِيبُ: القَطْبُ المَزْجُ، وَذَلِكَ الخَلْطُ، وَكَذَلِكَ إِذا اجْتَمَعَ القومُ وَكَانُوا أَضيافاً، فاختلَطوا، قِيلَ: قَطبوا، فَهُمْ قاطِبون؛ وَمِنْ هَذَا يُقَالُ: جاءَ القومُ قاطِبَةً أَي جَمِيعًا، مُخْتَلِطٌ بعضُهم بِبَعْضٍ. اللَّيْثُ: القِطابُ المِزاجُ فِيمَا يُشْرَبُ وَلَا يُشْرَبُ، كَقَوْلِ الطَّائِفِيَّةِ فِي صَنْعَةِ غِسْلَة؛ قَالَ أَبو فَرْوة: قَدِمَ فَرِيغُونُ بِجَارِيَةٍ، قَدِ اشْتَرَاهَا مِنَ الطَّائِفِ، فصيحةٍ، قَالَ: فدخلتُ عَلَيْهَا وَهِيَ تُعالِجُ شَيْئًا، فقلتُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَتْ: هَذِهِ غِسْلة. فقلتُ: وَمَا أَخلاطُها؟ فَقَالَتْ: آخُذُ الزبيبَ الجَيِّدَ، فأُلْقِي لَزَجَه، وأُلَجِّنُه وأُعَبِّيه بالوَخِيف، وأَقْطِبه؛ وأَنشد غَيْرَهُ:
يَشرَبُ الطِّرْمَ والصَّريفَ قِطابا
قَالَ: الطِّرْم العَسل، والصَّريفُ اللَّبن الحارُّ، قِطاباً: مِزاجاً. والقَطْبُ: القَطْع، وَمِنْهُ قِطابُ الجَيب؛ وقِطابُ الجَيْب: مَجمَعُه؛ قَالَ طَرَفَةُ:
رَحِيبُ قِطابِ الجَيبِ مِنْهَا، رَقيقَةٌ ... بجَسِّ النَّدامى، بَضَّةُ المُتَجَرَّدِ
يَعْنِي مَا يَتَضامُّ مِنْ جَانِبِي الجَيب، وَهِيَ اسْتِعَارَةٌ؛ وكلُّ ذَلِكَ مِنَ القَطْبِ الَّذِي هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ؛ قَالَ الْفَارِسِيُّ: قِطابُ الجَيبِ أَسفلُه. والقَطِيبَةُ: لَبَنُ المِعْزى والضأْن يُقْطَبانِ أَي يُخلَطانِ، وَهِيَ النَّخِيسَةُ؛ وَقِيلَ: لبنُ النَّاقَةِ وَالشَّاةِ يُخلَطان ويُجمَعان؛ وَقِيلَ اللبنُ الْحَلِيبُ أَو الحَقِينُ، يُخلَطُ بالإِهالة. وَقَدْ قَطَبْتُ لَهُ قَطِيبةً فشَرِبَها؛ وكلُّ مَمْزوج قَطِيبَةٌ. والقَطِيبة: الرَّثِيئَةُ. وجاءَ القومُ بقَطِيبِهم أَي بجَماعَتهم. وجاؤُوا قاطِبةً أَي جَمِيعًا؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَا يُستعمل إِلَّا حَالًا، وَهُوَ اسْمٌ يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ. اللَّيْثُ: قَاطِبَةٌ اسْمٌ يَجْمَعُ كلَّ جِيل مِنَ النَّاسِ، كَقَوْلِكَ: جاءَت العربُ قَاطِبَةً. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: لَمَّا قُبِضَ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ارْتَدَّتِ العَرَبُ قَاطِبَةً
أَي جميعُهم؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جاءَ فِي الْحَدِيثِ، نَكِرَةً مَنْصُوبَةً، غَيْرَ مُضَافَةٍ، وَنَصْبُهَا عَلَى الْمَصْدَرِ أَو الْحَالِ. والقَطْبُ أَن تُدْخَلَ إِحْدى عُرْوَتي الجُوالِقِ فِي الأُخرى عِنْدَ العَكْم، ثُمَّ تُثْنى، ثُمَّ يُجمَع بَيْنَهُمَا، فإِن لَمْ تُثْنَ، فَهُوَ السَّلْقُ؛ قَالَ جَنْدَلٌ الطُّهَويّ:
وحَوْقَلٍ ساعِدُه قَدِ انْمَلَقْ، ... يَقُولُ: قَطْباً ونِعِمّا، إِنْ سَلَقْ
وَمِنْهُ يُقَالُ: قَطَبَ الرجلُ إِذا ثَنَى جِلْدةَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ. وقَطَبَ الشيءَ يَقْطِبُه قَطْباً: قَطَعه. والقُطَابة: القِطْعة مِنَ اللَّحْمِ، عَنْ كُراع. وقِرْبة مَقْطُوبة أَي مملوءَة، عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. والقُطْبُ والقَطْبُ والقِطْبُ والقُطُبُ: الحديدة
__________
(1) . قوله [تحت ثيابها] رواه في التكملة دون ثيابها. وقال: ويروى يبكله أي بدل يقطبه.(1/681)
الْقَائِمَةُ الَّتِي تَدُورُ عَلَيْهَا الرَّحَى. وَفِي التَّهْذِيبِ: القُطْبُ الْقَائِمُ الَّذِي تَدُور عَلَيْهِ الرَّحَى، فَلَمْ يَذْكُرِ الْحَدِيدَةَ. وَفِي الصِّحَاحِ: قُطْبُ الرَّحى الَّتِي تَدُورُ حَوْلَها العُلْيا. وَفِي حَدِيثِ
فَاطِمَةَ، عَلَيْهَا السَّلَامُ: وَفِي يَدِهَا أَثَرُ قُطْبِ الرَّحَى
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هِيَ الْحَدِيدَةُ الْمُرَكَّبَةُ فِي وَسَطِ حجَر الرَّحَى السُّفْلى، وَالْجَمْعُ أَقْطابٌ وقُطُوبٌ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُرَى أَنَّ أَقْطاباً جَمْعُ قُطْبٍ وقُطُبٍ وقِطْبٍ، وأَنَّ قُطُوباً جمعُ قَطْبٍ. والقَطْبة: لُغة فِي القُطْب، حَكَاهَا ثَعْلَبٌ. وقُطْبُ الفَلَك وقَطْبُه وقِطْبُه: مَدَاره؛ وَقِيلَ القُطْبُ: كوكبٌ بَيْنَ الجَدْيِ والفَرْقَدَيْن يَدُورُ عَلَيْهِ الفَلَكُ، صَغِيرٌ أَبيضُ، لَا يَبْرَحُ مَكَانَهُ أَبداً، وإِنما شُبِّه بقُطْبِ الرَّحَى، وَهِيَ الْحَدِيدَةُ الَّتِي فِي الطَّبَقِ الأَسْفَل مِنَ الرَّحَيَيْنِ، يَدُورُ عَلَيْهَا الطَّبَقُ الأَعْلى، وتَدُور الكواكبُ عَلَى هَذَا الْكَوْكَبِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: القُطْبُ. أَبو عَدْنان: القُطْب أَبداً وَسَطُ الأَربع مِنْ بَنَات نَعْش، وَهُوَ كَوْكَبٌ صَغِيرٌ لَا يَزُولُ الدَّهْرَ، والجَدْيُ والفَرْقدانِ تَدُور عَلَيْهِ. ورأَيت حَاشِيَةً فِي نُسْخَةِ الشَّيْخِ ابْنِ الصَّلَاحِ الْمُحَدِّثِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: القَطْبُ لَيْسَ كَوْكَبًا، وإِنما هُوَ بُقْعَةٌ مِنَ السماءِ قَرِيبَةٌ مِنَ الجَدْي. والجَدْيُ: الْكَوْكَبُ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ القِبلة فِي الْبِلَادِ الشَّمالية. ابْنَ سِيدَهْ: القُطْبُ الَّذِي تُبْنَى عَلَيْهِ القِبْلَة. وقُطْبُ كُلِّ شَيْءٍ: مِلاكُه. وصاحبُ الْجَيْشِ قُطْبُ رَحَى الحَرْب. وقُطْبُ الْقَوْمِ: سيدُهم. وَفُلَانٌ قُطْبُ بَنِي فُلَانٍ أَي سيدُهم الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهِ أَمرهم. والقُطْبُ: مِنْ نِصالِ الأَهْداف. والقُطْبةُ: نَصْلُ الهَدَفِ. ابْنُ سِيدَهْ: القُطْبةُ نَصْلٌ صَغِيرٌ، قَصِيرٌ، مُرَبَّع فِي طَرَف سَهْمٍ، يُغْلى بِهِ فِي الأَهْداف؛ قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: وَهُوَ مِنَ المَرامي. قَالَ ثَعْلَبٌ: هُوَ طَرَفُ السَّهْمُ الَّذِي يُرْمى بِهِ فِي الغَرَض. النَّضْرُ: القُطْبةُ لَا تُعَدُّ سَهْماً. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه قَالَ لِرَافِعِ بْنِ خَديج، ورُمِيَ بِسَهْمٍ فِي ثَنْدُوَتِه: إِن شِئْتَ نَزَعْتُ السَّهْمَ، وتركتُ القُطْبة، وشَهِدْتُ لَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنك شهيدُ القُطْبة.
والقُطْبُ: نصلُ السَّهْمِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
فيأْخذ سهمَه، فَيَنْظُرُ إِلى قُطْبه، فَلَا يَرَى عَلَيْهِ دَماً.
والقُطْبة والقُطْبُ: ضَرْبَانِ مِنَ النَّبَاتِ؛ قِيلَ: هِيَ عُشْبة، لَهَا ثَمَرَةٌ وحَبٌّ مِثْلُ حَبِّ الهَراسِ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هُوَ ضربٌ مِنَ الشَّوْك يَتَشَعَّبُ مِنْهَا ثلاثُ شَوْكات، كأَنها حَسَكٌ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: القُطْبُ يَذْهَبُ حِبالًا عَلَى الأَرض طُولًا، وَلَهُ زَهْرَةٌ صَفْرَاءُ وشَوْكةٌ إِذا أَحْصَدَ ويَبِسَ، يَشُقُّ عَلَى النَّاسِ أَن يطؤُوها مُدَحْرَجة، كأَنها حَصاةٌ؛ وأَنشد:
أَنْشَيْتُ بالدَّلْوِ أَمْشِي نحوَ آجنةٍ، ... مِنْ دونِ أَرْجائِها، العُلَّامُ والقُطَبُ
واحدتُه قُطْبةٌ، وَجَمْعُهَا قُطَبٌ، وورَقُ أَصلِها يُشْبِهُ وَرَقَ النَّفَل والذُّرَقِ؛ والقُطْبُ ثَمرُها. وأَرض قَطِبةٌ: يَنْبُتُ فِيهَا ذَلِكَ النَّوْعُ مِنَ النَّبَاتِ. والقِطِبَّى: ضَرْبٌ مِنَ النَّبَاتِ يُصْنَعُ مِنْهُ حَبْل كَحَبْلِ النارَجيلِ، فَيَنْتَهي ثمنُه مائةَ دِينَارٍ عَيْناً، وَهُوَ أَفضل مِنَ الكِنْبارِ. والقَطَبُ المنهيُّ عَنْهُ: هُوَ أَن يأْخذَ الرجلُ الشَّيْءَ، ثُمَّ يأْخذ مَا بَقِيَ مِنَ الْمَتَاعِ، عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ بِغَيْرِ وَزْنٍ، يُعْتَبر فِيهِ بالأَول؛ عَنْ كُرَاعٍ. والقَطِيبُ: فَرَسٌ مَعْرُوفٌ لِبَعْضِ الْعَرَبِ.(1/682)
والقُطَيبُ: فرسُ سابقِ بْنِ صُرَدَ. وقُطْبَة وقُطَيْبة: اسْمَانِ. والقُطَيْبِيَّةُ: ماءٌ بِعَيْنِهِ؛ فأَما قَوْلُ عَبيدٍ فِي الشِّعْرِ الَّذِي كَسَّرَ بعضَه:
أَقْفَرَ، مِنْ أَهْلِه، مَلْحُوبُ، ... فالقُطَبِيَّاتُ، فالذَّنُوبُ
إِنما أَراد القُطَبِيَّة هَذَا الماءَ، فَجَمَعَهُ بِمَا حَوْلَه. وهَرمُ بنُ قُطْبَةَ الفَزاريّ: الَّذِي نافَرَ إِليه عامِرُ بنُ الطُّفيل وعَلْقَمةُ بنُ عُلاثَةَ.
قطرب: القُطْرُبُ: دُوَيْبَةٌ كانتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، يَزْعُمُونَ أَنها لَيْسَ لَهَا قَرارٌ الْبَتَّةَ؛ وَقِيلَ: لَا تَسْتَريح نهارَها سَعْياً؛ وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ مَسْعُودٍ: لَا أَعْرِفَنَّ أَحدكم جيفَةَ لَيْل، قُطْرُبَ نَهارٍ.
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: يُقَالُ إِن القُطْرُبَ لَا تَسْتَرِيحُ نَهَارَهَا سَعْياً؛ فشَبَّه عبدُ اللَّهِ الرجلَ يَسْعى نَهارَه فِي حَوَائِجِ دُنْياه، فإِذا أَمْسَى أَمْسَى كَالًّا تَعِباً، فينامُ ليلَتَه حَتَّى يُصْبِح كالجِيفة لَا يَتحرك، فَهَذَا جِيفةُ ليلٍ، قُطْرُبُ نَهار. والقُطْرُبُ: الْجَاهِلُ الَّذِي يَظْهَرُ بجَهْله. والقُطْرُب: السَّفِيهُ. والقَطارِيبُ: السُّفَهاء، حَكَاهُ ابْنُ الأَعرابي؛ وأَنشد:
عادٌ حُلُوماً، إِذا طاشَ القَطارِيبُ
وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ وَاحِدًا؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وخَلِيقٌ أَن يَكُونَ واحدُه قُطْرُوباً، إِلَّا أَن يَكُونَ ابنُ الأَعرابي أَخَذ القَطارِيبَ مِن هَذَا الْبَيْتِ، فإِن كَانَ ذَلِكَ، فَقَدْ يَكُونُ واحدُه قُطْرُوباً، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا تَثْبُتُ الياءُ فِي جَمْعِه رَابِعَةً مِن هَذَا الضَّرْبِ، وَقَدْ يَكُونُ جمعَ قُطْرُب، إِلَّا أَن الشَّاعِرَ احْتَاجَ فأَثبت الْيَاءَ فِي الْجَمْعِ؛ كَقَوْلِهِ:
نَفْيَ الدَّراهِيمِ تَنْقادُ الصَّياريفِ
وَحَكَى ثَعْلَبٌ أَن القُطْرُبَ: الْخَفِيفُ، وَقَالَ عَلَى إِثْر ذَلِكَ: إِنه لَقُطْرُبُ لَيْلٍ؛ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنها دُوَيْبَةٌ، وَلَيْسَ بِصِفَةٍ كَمَا زَعَمَ. وقُطْرُبٌ: لقبُ مُحَمَّدِ بْنِ المُسْتَنِير النَّحْوِيّ، وَكَانَ يُبَكِّر إِلى سِيبَوَيْهِ، فيَفْتَحُ سِيبَوَيْهِ بَابَهُ فيَجِدُه هُنَالِكَ، فَيَقُولُ لَهُ: مَا أَنتَ إِلَّا قُطْرُبُ لَيْلٍ، فلُقِّبَ قُطْرُباً لِذَلِكَ. وتَقَطْرَبَ الرجلُ: حَرَّك رأْسَه؛ حَكَاهُ ثَعْلَبٌ وأَنشد:
إِذا ذَاقَها ذُو الحِلْمِ منهمْ تَقَطْرَبا
وقيل تَقَطْرَب، هاهنا: صَارَ كالقُطْرُب الَّذِي هُوَ أَحدُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. والقُطْرُبُ: ذَكَرُ الغِيلانِ. اللَّيْثُ: القُطْرُبُ والقُطْرُوبُ الذَّكَرُ مِنَ السَّعالي. والقُطْرُبُ: الصغيرُ مِنَ الكِلاب. والقُطْرُبُ: اللِّصُّ الفارِهُ فِي اللُّصُوصِيَّة. والقُطْرُبُ: طَائِرٌ. والقُطْرُبُ: الذئبُ الأَمْعَط. والقُطْرُبُ: الجَبانُ، وإِن كَانَ عَاقِلًا. والقُطْرُبُ: المَصْرُوعُ مِنْ لَمَمٍ أَو مِرارٍ، وجمعُها كُلُّهَا قَطارِيبُ، والله أَعلم.
قعب: القَعْبُ: القَدَح الضَّخْمُ، الغلِيظُ. الْجَافِي؛ وَقِيلَ: قَدَح مِنْ خَشَب مُقَعَّر؛ وَقِيلَ: هُوَ قَدَحٌ إِلى الصِّغَر، يُشَبَّه بِهِ الحافرُ، وَهُوَ يُرْوِي الرجلَ. وَالْجَمْعُ الْقَلِيلُ: أَقْعُبٌ، عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
إِذا مَا أَتَتْكَ العِيرُ فانْصَحْ فُتُوقَها، ... وَلَا تَسْقِيَنْ جارَيْكَ مِنْهَا بأَقْعُبِ
وَالْكَثِيرُ: قِعَابٌ وقِعَبةٌ، مِثْلَ جَبْءٍ وجِبَأَةٍ. ابْنُ الأَعرابي: أَوَّلُ الأَقداح الغُمَرُ، وَهُوَ الَّذِي(1/683)
لَا يَبْلُغُ الرِّيَّ، ثُمَّ القَعْبُ، وَهُوَ قَدْ يُرْوِي الرجلَ، وَقَدْ يُرْوِي الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ، ثُمَّ العُسُّ. وَحَافِرٌ مُقَعِّبٌ: كأَنه قَعْبةٌ لِاسْتِدَارَتِهِ، مُشَبَّهٌ بالقَعْب. والتَّقْعِيبُ: أَن يَكُونَ الْحَافِرُ مُقَبَّباً، كالقَعْبِ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
ورُسُغاً وحافِراً مُقَعَّبا
وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
يَتْرُكُ خَوَّارَ الصَّفَا رَكُوبا، ... بمُكْرَباتٍ قُعِّبَتْ تَقْعِيبَا
والقَعْبةُ: حُقَّةٌ؛ وَفِي التَّهْذِيبِ: شِبْهُ حُقَّةٍ مُطْبَقةٍ يَكُونُ فِيهَا سَوِيقُ المرأَة؛ وَلَمْ يُخَصِّصْ فِي الْمُحْكَمِ بِسَوِيقِ المرأَة. والقاعِبُ: الذئبُ الصَّيَّاحُ. والتَّقْعِيبُ فِي الْكَلَامِ: كالتَّقْعِير. قَعَّبَ فلانٌ فِي كَلَامِهِ وقَعَّر، بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَهَذَا كَلَامٌ لَهُ قَعْبٌ أَي غَوْرٌ؛ وَفِي تَرْجَمَةِ قَنَعَ:
بمُقْنَعاتٍ كقِعابِ الأَوْراقْ
قَالَ قِعابُ الأَوْراق: يَعْنِي أَنها أَفتاء، فأَسْنانُها بيضٌ. والقَعِيبُ: الْعَدَدُ؛ قَالَ الأَفْوَه الأَوْديّ:
قَتَلْنا منهمُ أَسلافَ صِدْقٍ، ... وأُبْنَا بالأُسارَى والقَعِيبِ
قعثب: القَعْثَبُ: والقَعْثَبان: الكثيرُ مِنْ كُلِّ شيءٍ. وَقِيلَ: هِيَ دُوَيْبَّة «2» ، كالخُنْفُساءِ، تَكُونُ على النَّبات.
قعسب: القَعْسَبَة: عَدْوٌ شديدٌ بفَزَعٍ.
قعضب: القَعْضَبُ: الضَّخْمُ الشديدُ الجَريءُ. وخِمْسٌ قَعْضَبِيٌّ: شَدِيدٌ، عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
حَتَّى إِذا مَا مَرَّ خِمْسٌ قَعْضَبِيّ
وَرَوَاهُ يَعْقُوبُ: قَعْطَبِيٌّ، بالطاءِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. قَالَ الأَزهري: وَكَذَلِكَ قَرَبٌ مُقَعِّطٌ. والقَعْضَبَة: اسْتِئْصالُ الشَّيْءِ؛ تَقُولُ: قَعْضَبَه أَي استأْصله. والقَعْضَبَةُ: الشِّدَّة. وقَرَبٌ قَعْضَبِيٌّ، وقَعْطَبِيٌّ، ومُقَعِّطٌ: شَدِيدٌ. وقَعْضَبٌ: اسْمُ رَجُلٍ كَانَ يَعْمَلُ الأَسِنَّة فِي الْجَاهِلِيَّةِ، إِليه تُنْسَبُ أَسِنَّةُ قَعْضَبٍ.
قعطب: قَرَبٌ قَعْطَبِيٌّ وقَعْضَبِيٌّ ومُقَعِّطٌ: شَدِيدٌ. وخِمْسٌ قَعْطَبِيٌّ: شَديدٌ، كخِمْسٍ بَصْباصٍ، لَا يُبْلَغُ إِلَّا بالسَّيْر الشَّديدِ. وقَعْطَبَه قَعْطَبَةً: قَطَعَه وضَرَبه فقَعْطَبَه أَي قَطَعَه.
قعنب: الأَزهري: القُعْنُبُ الأَنْفُ المُعْوَجُّ. والقَعْنَبةُ: اعْوِجاجٌ فِي الأَنف. والقَعْنَبة: المرأَةُ القَصِيرَةُ. وعُقَابٌ عَقَنْباة وعَبَنْقاةٌ وقَعَنْباةٌ وبَعَنْقاةٌ: حديدةُ المَخالِبِ؛ وَقِيلَ: هِيَ السَّرِيعَةُ الخَطْفِ المُنْكَرةُ؛ وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: كُلُّ ذَلِكَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ، كَمَا قَالُوا أَسَدٌ أَسِدٌ، وكلْبٌ كَلِبٌ. والقَعْنَبُ: الصُّلْبُ الشَّديدُ مِن كُلِّ شيءٍ. وقَعْنَبٌ: اسْمُ رَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنْظلة، بِزِيَادَةِ النُّونِ. وَفِي حَدِيثِ عِيسَى بْنِ عُمَرَ:
أَقبلتُ مُجْرَمِّزاً حَتَّى اقْعَنْبَيْتُ بَيْنَ يَدَيِ الحَسَنِ.
اقْعَنْبَى الرجلُ إِذا جَعَلَ يَدَيْه عَلَى الأَرض، وقَعَدَ مُسْتَوْفِزاً.
__________
(2) . قوله [وقيل هي دويبة إلخ] في القاموس إن هذه الدويبة قعثبان بضم أوله وثالثه ومثله في التكملة.(1/684)
ققب: القَيْقَبُ: سَيرٌ يَدُورُ عَلَى القَرَبُوسَيْنِ كلَيْهما. والقَيْقَبُ والقَيْقَبانُ، عِنْدَ الْعَرَبِ: خَشَبٌ تُعمل مِنْهُ السُّرُوجُ؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ آزاذْدِرَخْت، وَهُوَ عِنْدُ المُوَلَّدين سَيْرٌ يَعْتَرضُ وراءَ القَرَبُوسِ المُؤَخَّر؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
يَزِلُّ لِبْدُ القَيْقَبِ المِركاحِ، ... عَنْ مَتْنِه، مِنْ زَلَقٍ رَشَّاحِ
فَجَعَلَ القَيْقَبَ السَّرْجَ نَفْسَهُ، كَمَا يُسَمُّونَ النَّبْل ضَالًا، والقوسَ شَوْحَطاً. وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: القَيْقَبُ شَجَرٌ تُتَّخَذُ مِنْهُ السُّروجُ؛ وأَنشد:
لَوْلا حِزَاماهُ ولَوْلا لَبَبُهْ، ... لقَحَّمَ الفارِسَ لَوْلَا قَيْقَبُه،
والسَّرْجُ حَتَّى قَدْ وَهَى مُضَبِّبُه
وَهِيَ الدُّكَيْنُ. قَالَ: واللِّجامُ حَدائِدُ قَدْ يَشْتَبك بعضُها فِي بَعْضٍ، مِنْهَا العِضَادَتانِ والمِسْحَلُ، وَهُوَ تَحْتَ الَّذِي فِيهِ سَيْر العِنانِ، وَعَلَيْهِ يَسِيلُ زَبَدُ فَمِه ودَمُه، وَفِيهِ أَيضاً فأْسُه، وأَطرافُه الحدائدُ الناتئةُ عِنْدَ الذَّقَن، وَهُمَا رأْسا العِضَادَتَيْنِ؛ والعِضَادَتانِ: نَاحِيَتَا اللِّجَامِ. قَالَ: والقَيْقَبُ الَّذِي فِي وَسَطِ الفأْس؛ وأَنشد:
إِنيَ منْ قومِيَ فِي مَنْصِبٍ، ... كمَوْضِعِ الفَأْس مِنَ القَيْقَبِ
فَجَعَلَ القَيْقَبَ حَدِيدَةً فِي فأْس اللِّجامِ. والقَيْقَبانُ: شجر معروف.
قلب: القَلْبُ: تَحْويلُ الشيءِ عَنْ وَجْهِهِ. قَلَبه يَقْلِبُه قَلْباً، وأَقْلَبه، الأَخيرةُ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَهِيَ ضَعِيفَةٌ. وَقَدِ انْقَلَب، وقَلَبَ الشيءَ، وقَلَّبه: حَوَّله ظَهْراً لبَطْنٍ. وتَقَلَّبَ الشيءُ ظَهْرًا لبَطْنٍ، كالحَيَّةِ تَتَقَلَّبُ عَلَى الرَّمْضاءِ. وقَلَبْتُ الشيءَ فانْقَلَبَ أَي انْكَبَّ، وقَلَّبْتُه بِيَدِي تَقْلِيباً، وَكَلَامٌ مَقْلوبٌ، وَقَدْ قَلَبْتُه فانْقَلَب، وقَلَّبْتُه فَتَقَلَّب. والقَلْبُ أَيضاً: صَرْفُكَ إِنْساناً، تَقْلِبُه عَنْ وَجْهه الَّذِي يُريده. وقَلَّبَ الأُمورَ: بَحَثَها، ونَظَر فِي عَواقبها. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ
؛ وكُلُّه مَثَلٌ بِمَا تَقَدَّم. وتَقَلَّبَ فِي الأُمور وَفِي الْبِلَادِ: تَصَرَّف فِيهَا كَيْفَ شاءَ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ
. مَعْنَاهُ: فَلَا يَغْرُرْكَ سَلامَتُهم فِي تَصَرُّفِهم فِيهَا، فإِنَّ عَاقِبَةَ أَمْرهم الهلاكُ. وَرَجُلٌ قُلَّبٌ: يَتَقَلَّبُ كَيْفَ شاءَ. وتَقَلَّبَ ظَهْرًا لبطْنٍ، وجَنْباً لجَنْبٍ: تَحوَّل. وقولُهم: هُوَ حُوَّلٌ قُلَّبٌ أَي مُحتالٌ، بَصِيرٌ بتَقْليبِ الأُمور. والقُلَّبُ الحُوَّلُ: الَّذِي يُقَلِّبُ الأُمورَ، ويحْتال لَهَا. وَرُوِيَ
عَنْ مُعاوية، لَمَّا احْتُضِرَ: أَنه كَانَ يُقَلَّبُ عَلَى فِرَاشِهِ فِي مَرَضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ: إِنكم لتُقَلِّبُونَ حُوَّلًا قُلَّباً، لَوْ وُقيَ هَوْلَ المُطَّلَعِ
؛ وَفِي النِّهَايَةِ: إِن وُقيَ كُبَّةَ النَّارِ، أَي رَجُلًا عَارِفًا بالأُمور، قَدْ رَكِبَ الصَّعْبَ والذَّلُول، وقَلَّبهما ظَهْراً لبَطْنٍ، وَكَانَ مُحْتالًا فِي أُموره، حَسَنَ التَّقَلُّبِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ تَرْجُف وتَخِفُّ مِنَ الجَزَع والخَوْفِ. قَالَ: وَمَعْنَاهُ أَن مَنْ كانَ قَلْبُه مُؤْمِناً بالبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ، ازدادَ بَصِيرَةً، ورأَى مَا وُعِدَ بِهِ، وَمَنْ كانَ قَلْبُهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، رأَى مَا يُوقِنُ مَعَهُ أَمْرَ الْقِيَامَةِ والبَعْث، فعَلِم ذَلِكَ بِقَلْبِهِ،(1/685)
وشاهَدَه بِبَصَرِهِ؛ فَذَلِكَ تَقَلُّبُ القُلُوب والأَبصار. وَيُقَالُ: قَلَبَ عَيْنَه وحِمْلاقَه، عِنْدَ الوَعيدِ والغَضَبِ؛ وأَنشد:
قالبُ حِمْلاقَيْهِ قَدْ كادَ يُجَنّ
وقَلَب الخُبْزَ ونحوَه يَقْلِبه قَلْباً إِذا نَضِج ظاهرُه، فَحَوَّله ليَنْضَجَ باطنُه؛ وأَقْلَبها: لُغَةٌ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَهِيَ ضَعِيفَةٌ. وأَقْلَبَتِ الخُبْزَةُ: حَانَ لَهَا أَن تُقْلَبَ. وأَقْلَبَ العِنَبُ: يَبِسَ ظاهرُه، فَحُوِّلَ. والقَلَبُ، بِالتَّحْرِيكِ: انْقِلابٌ فِي الشَّفَةِ العُلْيا، واسْتِرخاءٌ؛ وَفِي الصِّحَاحِ: انْقِلابُ الشَّفَةِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ بالعُلْيا. وشَفَة قَلْباءُ: بَيِّنَةُ القَلَب، وَرَجُلٌ أَقْلَبُ. وَفِي الْمَثَلِ: اقْلِبي قَلابِ؛ يُضْرَب لِلرَّجُلِ يَقْلِبُ لسانَه، فيَضَعُه حَيْثُ شاءَ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ الله عنه: بَيْنا يُكَلِّمُ إِنساناً إِذ اندفَعَ جرير يُطْرِيه ويُطْنِبُ، فأَقْبَلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا تَقُولُ يَا جَرِيرُ؟ وعَرَفَ الغَضَبَ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ: ذكرتُ أَبا بَكْرٍ وَفَضْلَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: اقْلِبْ قَلَّابُ، وسكتَ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَذَا مَثَلٌ يُضْرَب لِمَنْ تَكُونُ مِنْهُ السَّقْطة، فَيَتَدَارَكُهَا بأَن يَقْلِبَها عَنْ جِهتها، ويَصْرِفَها إِلى غَيْرِ مَعْنَاهَا؛ يُرِيدُ: اقْلِبْ يَا قَلَّابُ فأَسْقَطَ حرفَ النِّدَاءِ، وَهُوَ غَرِيبٌ؛ لأَنه إِنما يُحْذَفُ مَعَ الأَعْلام. وقَلَبْتُ القومَ، كَمَا تقولُ: صَرَفْتُ الصبيانَ، عَنْ ثَعْلَبٍ. وقَلَبَ المُعَلِّم الصِّبْيَانَ يَقْلِبُهم: أَرسَلَهم، ورَجَعَهُم إِلى مَنَازِلِهِمْ؛ وأَقْلَبَهم: لغةٌ ضعيفةٌ، عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، عَلَى أَنه قَدْ قَالَ: إِن كَلَامَ الْعَرَبِ فِي كُلِّ ذَلِكَ إِنما هُوَ: قَلَبْتُه، بِغَيْرِ أَلف. وَفِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ: أَنه كَانَ يقالُ لمُعَلِّم الصِّبْيَانِ: اقْلِبْهم
أَي اصْرفهُمْ إِلى مَنَازِلِهِمْ. والانْقِلابُ إِلى اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، المصيرُ إِليه، والتَّحَوُّلُ، وَقَدْ قَلَبه اللهُ إِليه؛ هَذَا كلامُ الْعَرَبِ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيِّ: أَقْلَبه؛ قَالَ وَقَالَ أَبو ثَرْوانَ: أَقْلَبَكُم اللهُ مَقْلَب أَوليائه، ومُقْلَبَ أَوليائه، فَقَالَهَا بالأَلف. والمُنْقَلَبُ يَكُونُ مَكَانًا، وَيَكُونُ مَصْدَرًا، مِثْلُ المُنْصَرَف. والمُنْقَلَبُ: مَصِيرُ العِبادِ إِلى الْآخِرَةِ. وَفِي حَدِيثِ دعاءِ السَّفَرِ:
أَعوذُ بِكَ مِنْ كَآبَةِ المُنْقَلَب
أَي الانْقِلابِ مِنَ السَّفَرِ، والعَوْدِ إِلى الوَطَن؛ يَعْنِي أَنه يَعُودُ إِلى بَيْتِهِ فَيرى فِيهِ مَا يَحْزُنه. والانْقِلابُ: الرجوعُ مُطْلَقًا؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
الْمُنْذِرِ ابن أَبي أَسِيدٍ، حِينَ وُلِدَ: فاقْلِبُوه، فَقَالُوا: أَقْلَبْناه يَا رَسُولَ اللَّهِ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَصَوَابُهُ قَلَبْناه أَي رَدَدْناه. وقَلَبه عَنْ وَجْهِهِ: صَرَفَه؛ وَحَكَى اللحيانيُّ: أَقْلَبه، قَالَ: وَهِيَ مَرْغوبٌ عَنْهَا. وقَلَبَ الثوبَ، والحديثَ، وكلَّ شيءٍ: حَوَّله؛ وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ فِيهِمَا أَقْلَبه. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَن الْمُخْتَارَ عِنْدَهُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ قَلَبْتُ. وَمَا بِالْعَلِيلِ قَلَبةٌ أَي مَا بِهِ شَيْءٌ، لَا يُسْتَعْمَل إِلا فِي النَّفْيِ، قَالَ الفراءُ: هُوَ مأْخوذ مِنَ القُلابِ: داءٍ يأْخذ الإِبل فِي رؤُوسها، فيَقْلِبُها إِلى فَوْقُ؛ قَالَ النَّمِرَ:
أَوْدَى الشَّبابُ وحُبُّ الخالةِ الخَلِبه، ... وَقَدْ بَرِئْتُ، فَمَا بالقلبِ مِنْ قَلَبَهْ
أَي بَرِئْتُ مِنْ داءِ الحُبِّ؛ وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي:(1/686)
مَعْنَاهُ لَيْسَتْ بِهِ عِلَّةٌ، يُقَلَّبُ لَهَا فيُنْظَرُ إِليه. تَقُولُ: مَا بِالْبَعِيرِ قَلَبة أَي لَيْسَ بِهِ داءٌ يُقْلَبُ لَهُ، فيُنْظَرُ إِليه؛ وَقَالَ الطَّائِيُّ: مَعْنَاهُ مَا بِهِ شيءٌ يُقْلِقُه، فَيَتَقَلَّبُ مِنْ أَجْلِه عَلَى فِرَاشِهِ. اللَّيْثُ: مَا بِهِ قَلَبة أَي لَا داءَ وَلَا غَائِلَةٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
فانْطَلَق يَمشي، مَا بِهِ قَلَبة
أَي أَلمٌ وَعِلَّةٌ؛ وَقَالَ الفراءُ: مَعْنَاهُ مَا بهِ عِلَّةٌ يُخْشى عَلَيْهِ مِنْهَا، وَهُوَ مأْخوذ مِن قَوْلِهِمْ: قُلِبَ الرجلُ إِذا أَصابه وَجَعٌ فِي قَلْبِهِ، وَلَيْسَ يَكادُ يُفْلِتُ مِنْهُ؛ وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: أَصلُ ذَلِكَ فِي الدَّوابِّ أَي مَا بِهِ داءٌ يُقْلَبُ مِنْهُ حافرُه؛ قَالَ حميدٌ الأَرْقَطُ يَصِفُ فَرَسًا:
وَلَمْ يُقَلِّبْ أَرْضَها البَيْطارُ، ... وَلَا لِحَبْلَيْه بِهَا حَبارُ
أَي لَمْ يَقْلِبْ قَوائمَها مِنْ عِلَّة بِهَا. وَمَا بالمريضِ قَلَبَة أَي عِلَّةٌ يُقَلَّبُ مِنْهَا. والقَلْبُ: مُضْغةٌ مِنَ الفُؤَاد مُعَلَّقةٌ بالنِّياطِ. ابْنُ سِيدَهْ: القَلْبُ الفُؤَاد، مُذَكَّر، صَرَّح بِذَلِكَ اللِّحْيَانِيُّ، وَالْجَمْعُ: أَقْلُبٌ وقُلوبٌ، الأُولى عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ نَزَلَ بِهِ جبريلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، عَلَيْكَ، فَوَعاه قَلْبُك، وثَبَتَ فَلَا تَنْساه أَبداً. وَقَدْ يُعَبَّرُ بالقَلْبِ عَنِ العَقْل، قَالَ الفراءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ
؛ أَي عَقْلٌ. قَالَ الفراءُ: وجائزٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ أَن تقولَ: مَا لَكَ قَلْبٌ، وَمَا قَلْبُك مَعَكَ؛ تَقُولُ: مَا عَقْلُكَ معكَ، وأَين ذَهَبَ قَلْبُك؟ أَي أَين ذَهَبَ عَقْلُكَ؟ وَقَالَ غَيْرُهُ: لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَي تَفَهُّمٌ وتَدَبُّرٌ. ورُوي
عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ: أَتاكم أَهل اليَمن، هُمْ أَرَقُّ قُلُوبًا، وأَلْيَنُ أَفْئِدَةً
، فوَصَفَ القلوبَ بالرِّقة، والأَفْئِدَةَ باللِّين. وكأَنَّ القَلْبَ أَخَصُّ مِنَ الفؤَاد فِي الِاسْتِعْمَالِ، وَلِذَلِكَ قَالُوا: أَصَبْتُ حَبَّةَ قلبِه، وسُوَيْداءَ قَلْبِهِ؛ وأَنشد بَعْضُهُمْ:
لَيْتَ الغُرابَ رَمى حَماطَةَ قَلْبهِ ... عَمْرٌو بأَسْهُمِه الَّتِي لَمْ تُلْغَبِ
وَقِيلَ: القُلُوبُ والأَفْئِدَةُ قريبانِ مِنَ السواءِ، وكَرَّرَ ذِكْرَهما، لِاخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ تأْكيداً. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: سُمِّي القَلْبُ قَلْباً لتَقَلُّبِه؛ وأَنشد:
مَا سُمِّيَ القَلْبُ إِلَّا مِنْ تَقَلُّبه، ... والرَّأْيُ يَصْرِفُ بالإِنْسان أَطْوارا
وَرُوِيَ
عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ: سُبْحانَ مُقَلِّب القُلُوب
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ
. قَالَ الأَزهري: ورأَيت بعضَ الْعَرَبِ يُسَمِّي لحمةَ القَلْبِ كُلها، شَحْمَها وحِجابَها: قَلْباً وفُؤَاداً، قَالَ: وَلَمْ أَرهم يَفْرِقُونَ بَيْنَهُمَا؛ قَالَ: وَلَا أُنْكِر أَن يَكُونَ القَلْبُ هِيَ العَلَقة السوداءُ فِي جَوْفِهِ. وقَلَبه يَقْلِبُه ويَقْلُبه قَلْباً، الضَّمُّ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ وحدَه: أَصابَ قَلْبَه، فَهُوَ مَقْلُوب، وقُلِبَ قَلْباً: شَكا قَلْبه. والقُلابُ: داءٌ يأْخذ فِي القَلْبِ، عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. والقُلابُ: داءٌ يأْخُذُ الْبَعِيرَ، فَيَشْتَكِي مِنْهُ قَلْبَه فيموتُ مِنْ يَوْمِهِ، يُقَالُ: بَعِيرٌ مَقْلُوبٌ، وَنَاقَةٌ مَقْلوبة. قَالَ كُرَاعٌ: وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ اسمُ داءٍ اشْتُقَّ مِنِ اسمِ العِضْو إِلا القُلاب مِنَ القَلْب، والكُباد مِنَ الكَبِدِ، والنُّكاف مِنَ النَّكَفَتَيْن، وَهُمَا غُدَّتانِ تَكْتَنِفانِ الحُلْقُومَ مِنْ أَصل اللَّحْي.(1/687)
وَقَدْ قُلِبَ قِلاباً؛ وَقِيلَ: قُلِبَ الْبَعِيرُ قِلاباً عاجَلَتْه الغُدَّة، فَمَاتَ. وأَقْلَبَ القومُ: أَصابَ إِبلَهم القُلابُ. الأَصمعي: إِذا عاجَلَتِ الغُدَّةُ البعيرَ، فَهُوَ مَقْلُوب، وَقَدْ قُلِبَ قِلاباً. وقَلْبُ النخلةِ وقُلْبُها وقِلْبُها: لُبُّها، وشَحْمَتُها، وَهِيَ هَنةٌ رَخْصةٌ بَيْضاءُ، تُمْتَسخُ فتُؤْكل، وَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ: قَلْبٌ وقُلْبٌ وقِلْبٌ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ مَرَّة: القُلْبُ أَجْوَدُ خُوصِ النَّخْلَةِ، وأَشدُّه بَيَاضًا، وَهُوَ الخُوص الَّذِي يَلِي أَعلاها، وَاحِدَتُهُ قُلْبة، بِضَمِّ الْقَافِ، وَسُكُونِ اللَّامِ، وَالْجَمْعُ أَقْلابٌ وقُلُوبٌ وقِلَبةٌ. وقَلَبَ النَّخْلَةَ: نَزَع قُلْبَها. وقُلُوبُ الشَّجَرِ: مَا رَخُصَ مِنْ أَجوافِها وعُروقها الَّتِي تَقُودُها. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا، صَلَوَاتُ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ، كَانَ يأْكل الجرادَ وقُلُوبَ الشَّجَرِ
؛ يَعْنِي الَّذِي يَنْبُتُ فِي وَسَطها غَضّاً طَريّاً، فَكَانَ رَخْصاً مِنَ البُقولِ الرَّطْبة، قَبْلَ أَن يَقْوَى ويَصْلُبَ، واحدُها قُلْبٌ، بِالضَّمِّ، للفَرْق. وقَلْبُ النَّخْلَةِ: جُمَّارُها، وَهِيَ شَطْبة بيضاءُ، رَخْصَة فِي وَسَطِها عِنْدَ أَعلاها، كأَنها قُلْبُ فِضَّةٍ رَخْصٌ طَيِّبٌ، سُمِّيَ قَلْباً لِبَيَاضِهِ. شَمِرٌ: يُقَالُ قَلْبٌ وقُلْبٌ لقَلْبِ النَّخْلَةِ، ويُجْمَع قِلَبةً. التَّهْذِيبُ: القُلْبُ، بِالضَّمِّ، السَّعَفُ الَّذِي يَطْلُع مِنَ القَلْب. والقَلْبُ: هُوَ الجُمَّارُ، وقَلْبُ كُلِّ شيءٍ: لُبُّه، وخالِصُه، ومَحْضُه؛ تَقُولُ: جئْتُك بِهَذَا الأَمرِ قَلْباً أَي مَحْضاً لَا يَشُوبُه شيءٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِن لكلِّ شيءٍ قَلْباً، وقلبُ الْقُرْآنِ يس.
وقَلْبُ العقْرب: مَنْزِلٌ مِنْ مَنَازِلِ القَمَر، وَهُوَ كَوْكَبٌ نَيِّرٌ، وبجانِبَيْه كَوْكَبَانِ. وَقَوْلُهُمْ: هُوَ عَرَبِيٌّ قَلْبٌ، وَعَرَبِيَّةٌ قَلْبة وقَلْبٌ أَي خَالِصٌ، تَقُولُ مِنْهُ: رَجُلٌ قَلْبٌ، وَكَذَلِكَ هُوَ عربيٌّ مَحْضٌ؛ قَالَ أَبو وجْزَة يَصِفُ امرأَة:
قَلْبٌ عَقيلةُ أَقوامٍ ذَوي حَسَبٍ، ... يُرْمَى المَقانبُ عَنْهَا والأَراجِيلُ
وَرَجُلٌ قَلْبٌ وقُلْبٌ: مَحْضُ النَسبِ، يَسْتَوِي فِيهِ المؤَنث، وَالْمُذَكَّرُ، وَالْجَمْعُ، وإِن شِئْتَ ثَنَّيْتَ، وجَمَعْتَ، وإِن شِئْتَ تَرَكْتَهُ فِي حَالِ التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، والأُنثى قَلْبٌ وقَلْبةٌ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا هَذَا عَرَبيٌّ قَلْبٌ وقَلْباً، عَلَى الصِّفَةِ وَالْمَصْدَرِ، وَالصِّفَةُ أَكثرُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
كَانَ عليٌّ قُرَشياً قَلْباً
أَي خَالِصًا مِنْ صَمِيمِ قُرَيْشٍ. وَقِيلَ: أَراد فَهِماً فَطِناً، مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ
. والقُلْبُ مِنَ الأَسْوِرَة: مَا كَانَ قَلْداً وَاحِدًا، وَيَقُولُونَ: سِوارٌ قُلْبٌ؛ وَقِيلَ: سِوارُ المرأَة. والقُلْبُ: الحيةُ البيضاءُ، عَلَى التَّشْبِيهِ بالقُلْب مِنَ الأَسْورة. وَفِي حَدِيثِ
ثَوْبانَ: أَن فَاطِمَةَ حَلَّتِ الحسنَ وَالْحُسَيْنَ، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، بقُلْبَيْن مِنْ فِضَّةٍ
؛ القُلْبُ: السِّوَارُ. وَمِنْهُ الْحَدِيثِ:
أَنه رأَى فِي يَدِ عَائِشَةَ قُلْبَيْن.
وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ، رَضِيَ الله عَنْهَا، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْها؛ قَالَتْ: القُلْبُ، والفَتَخَةُ.
والمِقْلَبُ: الحديدةُ الَّتِي تُقْلَبُ بِهَا الأَرضُ لِلزِّرَاعَةِ. وقَلَبْتُ المَمْلوكَ عِنْدَ الشراءِ أَقْلِبُه قَلْباً إِذا كَشَفْتَه لِتَنْظُرَ إِلى عُيوبه. والقُلَيْبُ، عَلَى لَفْظِ تَصْغِيرِ فَعْلٍ: خَرَزة يُؤَخَّذُ بِهَا، هَذِهِ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. والقِلِّيبُ، والقَلُّوبُ، والقِلَّوْبُ، والقَلُوبُ،(1/688)
والقِلابُ: الذئبُ، يَمانية؛ قَالَ شَاعِرُهُمْ:
أَيا جَحْمَتا بَكّي عَلَى أُم واهبٍ، ... أَكِيلَةِ قِلَّوْبٍ بِبَعْضِ المَذانبِ
والقَلِيبُ: البئرُ مَا كَانَتْ. والقليبُ: الْبِئْرُ، قَبْلَ أَن تُطْوَى، فإِذا طُوِيَتْ، فَهِيَ الطَّوِيُّ، وَالْجَمْعُ القُلُبُ. وَقِيلَ: هِيَ الْبِئْرُ العاديَّةُ القديمةُ، الَّتِي لَا يُعْلم لَهَا رَبٌّ، وَلَا حافِرٌ، تكونُ بالبَراري، تُذكَّر وتؤَنث؛ وَقِيلَ: هِيَ الْبِئْرُ الْقَدِيمَةُ، مَطْويَّةً كَانَتْ أَو غَيْرَ مَطْويَّةٍ. ابْنُ شُمَيْلٍ: القَلِيبُ اسْمٌ مِنْ أَسماءِ الرَّكِيّ، مَطْويَّةٌ أَو غَيْرُ مَطْوية، ذاتُ ماءٍ أَو غيرُ ذاتِ ماءٍ، جَفْرٌ أَو غيرُ جَفْرٍ. وَقَالَ شَمِرٌ: القَلِيبُ اسمٌ مِنْ أَسماءِ الْبِئْرِ البَديءِ والعادِيَّة، وَلَا يُخَصُّ بِهَا العاديَّةُ. قَالَ: وَسُمِّيَتْ قَليباً لأَنه قُلِبَ تُرابُها. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: القَلِيبُ مَا كَانَ فِيهِ عَيْنٌ وإِلا فَلَا، وَالْجَمْعُ أَقْلِبةٌ؛ قَالَ عَنْتَرَةُ يَصِفُ جُعَلًا:
كأَنَّ مُؤَشَّرَ العضُدَيْنِ حَجْلًا، ... هَدُوجاً بينَ أَقْلِبةٍ مِلاحِ
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه وقَفَ عَلَى قَلِيبِ بَدْرٍ.
القَلِيبُ: الْبِئْرُ لَمْ تُطْوَ، وَجَمْعُ الْكَثِيرِ: قُلُبٌ؛ قَالَ كُثَيِّرٌ:
وَمَا دامَ غَيْثٌ، مِنْ تِهامةَ، طَيِّبٌ، ... بِهَا قُلُبٌ عادِيَّةٌ وكِرارُ
والكِرارُ: جمعُ كَرٍّ للحِسْيِ. والعاديَّة: القديمةُ، وَقَدْ شَبَّه العجاجُ بِهَا الجِراحاتِ فَقَالَ:
عَنْ قُلُبٍ ضُجْمٍ تُوَرِّي مَنْ سَبَرْ
وَقِيلَ: الْجَمْعُ قُلُبٌ، فِي لُغَةِ مَنْ أَنَّثَ، وأَقْلِبةٌ وقُلُبٌ جَمِيعًا، فِي لُغَةِ مَن ذَكَّر؛ وَقَدْ قُلِبَتْ تُقْلَبُ. وقَلَبَتِ البُسْرَةُ إِذا احْمَرَّتْ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: القُلْبةُ الحُمْرَةُ. الأُمَوِيُّ فِي لُغَةُ بَلْحرث بْنِ كَعْبٍ: القالِبُ، بِالْكَسْرِ، البُسْرُ الأَحمر؛ يُقَالُ مِنْهُ: قَلَبَتِ البُسْرةُ تَقْلِبُ إِذا احْمَرَّتْ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: إِذا تَغَيَّرَتِ البُسْرة كلُّها، فَهِيَ القالِبُ. وَشَاةٌ قالِبُ لونٍ إِذا كَانَتْ عَلَى غَيْرِ لونِ أُمِّها. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن مُوسَى لَمَّا آجَرَ نَفْسَه مِنْ شُعَيْبٍ، قَالَ لِمُوسَى، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامِ: لَكَ مِنْ غَنَمِي مَا جاءَت بِهِ قالِبَ لونٍ؛ فجاءَتْ بِهِ كُلِّه قالِبَ لونٍ، غيرَ واحدةٍ أَو اثْنَتَيْنِ.
تَفْسِيرُهُ فِي الْحَدِيثِ:
أَنها جاءَت بِهَا عَلَى غَيْرِ أَلوانِ أُمَّهاتها، كأَنَّ لونَها قَدِ انْقَلَب.
وَفِي حَدِيثِ
عليٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وجهَه، فِي صِفَةِ الطُّيُورِ: فَمِنْهَا مغموس في قالَبِ [قالِبِ] لونٍ، لَا يَشُوبُه غيرُ لونِ مَا غُمِسَ فِيهِ.
أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ لِلْبَلِيغِ مِنَ الرِّجَالِ: قَدْ رَدَّ قالِبَ الكلامِ، وَقَدْ طَبَّقَ المَفْصِلَ، ووَضَع الهِناءَ مواضِعَ النَّقْبِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
كَانَ نساءُ بَنِي إِسرائيل يَلْبَسْنَ القَوالِبَ
؛ جَمْعُ قالَبٍ، وَهُوَ نَعْل مِنْ خَشَب كالقَبْقابِ، وتُكسَر لَامُهُ وَتُفْتَحُ. وَقِيلَ: إِنَّهُ مُعَرَّب. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ مَسْعُودٍ: كَانَتِ المرأَةُ تَلْبَسُ القالِبَيْنِ، تطاولُ بِهِمَا.
والقالِبُ والقالَبُ: الشيءُ الَّذِي تُفْرَغُ فِيهِ الجواهِرُ، لِيَكُونَ مِثالًا لِمَا يُصاغُ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ قالِبُ الخُفِّ وَنَحْوُهُ، دَخِيل. وَبَنُو القلَيْب: بَطْنٌ مِنْ تَمِيمٍ، وَهُوَ القُلَيْبُ بنُ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ. وأَبو قِلابةَ: رجلٌ من المحدّثين.
قلتب: التَّهْذِيبُ: قَالَ وأَما القَرْطَبانُ الَّذِي تَقُوله الْعَامَّةُ لِلَّذِي لَا غَيْرةَ لَهُ، فَهُوَ مُغَيَّر عَنْ وَجْهِهِ. الأَصمعي: القَلْتَبانُ مأْخوذ مِنَ الكَلَبِ، وَهِيَ(1/689)
القِيادَةُ، وَالتَّاءُ وَالنُّونُ زَائِدَتَانِ؛ قَالَ: وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ هِيَ الْقَدِيمَةُ عَنِ الْعَرَبِ. قَالَ: وغَيَّرتها العامّةُ الأُولى، فَقَالَتْ: القَلْطَبانُ؛ قال: وجاءَت عامة سُفْلى، فَغَيَّرَتْ عَلَى الأُولى فقالت: القَرْطبانُ.
قلطب: القَلْطَبانُ: أَصلها القَلْتبانُ، لَفْظَةٌ قَدِيمَةٌ عَنِ الْعَرَبِ، غَيَّرَتْهَا الْعَامَّةُ الأُولى فَقَالَتْ: القَلْطَبان، وجاءَت عَامَّةٌ سُفْلَى، فَغَيَّرَتْ عَلَى الأُولى، فَقَالَتْ: القَرْطَبان.
قلهب: اللَّيْثُ: القَلْهَبُ الْقَدِيمُ الضَّخْمُ مِنَ الرجال.
قنب: القُنْبُ: جِرَابُ قَضِيبِ الدَّابَّةِ. وَقِيلَ: هُوَ وِعاء قَضِيبِ كُلِّ ذِي حَافِرٍ؛ هَذَا الأَصلُ، ثُمَّ استُعمِل فِي غَيْرِ ذَلِكَ. وقُنْبُ الجَمل: وِعاءُ ثِيلِه. وقُنْبُ الحِمارِ: وِعاءُ جُرْدَانِه. وقُنْبُ المرأَة: بَظْرُها. وأَقْنَبَ الرجلُ إِذا اسْتَخْفَى مِنْ سُلْطان أَو غَرِيمٍ. والمِقْنَبُ: كَفُّ الأَسَد. وَيُقَالُ: مِخْلَبُ الأَسَدِ فِي مِقْنَبه، وَهُوَ الغِطاء الَّذِي يَسْتُره فِيهِ. وَقَدْ قَنَبَ الأَسدُ بمِخْلَبه إِذا أَدْخَلَه فِي وِعائه، يَقْنِبُه قَنْباً. وقُنْبُ الأَسد: مَا يُدْخِلُ فِيهِ مَخالِبَه مِنْ يَدِه، وَالْجَمْعُ قُنُوبٌ، وَهُوَ المِقْنابُ، وَكَذَلِكَ هُوَ مِنَ الصَّقْر والبازِي. وقَنَّبَ الزرعُ تَقْنِيباً إِذا أَعْصَفَ. وقِنَابَةُ الزَّرْعِ وقُنَّابُه: عَصِيفَتُه عِنْدَ الإِثْمار؛ والعَصِيفة: الورقُ المجتمعٌ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ السُّنْبل، وَقَدْ قَنَّبَ. وقَنَّبَ العنبَ: قَطَع عَنْهُ مَا يُفْسِدُ حَمْلَه. وقَنَّبَ الكرمَ: قَطَعَ بعضَ قُضْبانه، لِلتَّخْفِيفِ عَنْهُ، وَاسْتِيفَاءِ بَعْضِ قُوَّتِهِ، عَنْ أَبي حَنِيفَةَ. وَقَالَ النَّضْر: قَنَّبُوا العنبَ إِذا مَا قَطَعُوا عَنْهُ مَا لَيْسَ يحْمِل، وَمَا قَدْ أَدَّى حَمْلَهُ يُقْطَع مِنْ أَعلاه؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا حِينَ يُقْضَبُ عَنْهُ شَكِيرُه رَطْباً. والقَانِبُ: الذِّئْبُ العَوَّاءُ. والقَانِبُ: الفَيْج المُنْكَمِشُ. والقَيْنابُ: الفَيْجُ النَّشيطُ، وَهُوَ السِّفْسِيرُ. وقَنَّبَ الزَّهْرُ: خَرَج عَنْ أَكمامه. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: القُنُوبُ بَراعِيمُ النَّبَاتِ، وَهِيَ أَكِمَّةُ زَهَرِه، فإِذا بَدَتْ، قِيلَ: قَدْ أَقْنَبَ. وقَنَبَتِ الشَّمسُ تَقْنِبُ قُنُوباً: غَابَتْ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا شَيْءٌ. والقُنْبُ: شِراعٌ ضَخْمٌ مِنْ أَعظم شُرُعِ السَّفِينَةِ. والمِقْنَبُ: شَيْءٌ يَكُونُ مَعَ الصَّائِدِ، يَجْعَلُ فِيهِ مَا يَصيده، وَهُوَ مَشْهُورٌ شِبْهُ مِخْلاةٍ أَو خَريطة؛ وأَنشد:
أَنْشَدْتُ لَا أَصْطادُ مِنْهَا عُنْظُبا، ... إِلَّا عَوَاساء تَفاسَى مُقْرِبا،
ذاتَ أَوانَيْنِ تُوَقِّي المِقْنَبا
والمِقْنَب مِنَ الْخَيْلِ: مَا بَيْنَ الثَّلَاثِينَ إِلى الأَربعين، وقيل: زُهاءُ ثلاثمائة. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، واهْتمامِه بِالْخِلَافَةِ: فذُكِرَ لَهُ سَعْدٌ حِينَ طُعِنَ، فَقَالَ: ذَاكَ إِنما يَكُونُ فِي مِقْنَبٍ مِنْ مَقانِبكم
؛ المِقْنَبُ: بِالْكَسْرِ، جماعةُ الْخَيْلِ والفُرْسانِ، وَقِيلَ: هِيَ دُونَ الْمِائَةِ؛ يُرِيدُ أَنه صاحبُ حَرْبٍ وجُيوشٍ، وَلَيْسَ بِصَاحِبِ هَذَا الأَمر. وَفِي حَدِيثِ
عَدِيٍّ: كَيْفَ بِطَيِّئٍ ومَقانِبها؟
وقَنَّبَ القومُ وأَقْنَبُوا إِقْناباً وتَقْنِيباً إِذا صَارُوَا مِقْنَباً؛ قَالَ ساعدةُ بنُ جُؤَية الهُذَليّ:(1/690)
عَجِبْتُ لقَيْسٍ، والحوادثُ تُعْجِبُ، ... وأَصحابِ قَيْسٍ يومَ ساروا وقَنَّبُوا
وَفِي التَّهْذِيبِ:
وأَصحابِ قيسٍ يومَ سَارُوا وأَقنبوا
أَي بَاعَدُوا فِي السَّيْرِ، وَكَذَلِكَ تَقَنَّبُوا. والقَنِيبُ: جماعةُ النَّاسِ؛ وأَنشد:
ولعبدِ القَيسِ عِيصٌ أَشِبٌ، ... وقَنِيبٌ وهِجاناتٌ زُهُرْ
وَجَمْعُ المِقْنَب: مقَانِبُ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
وإِذا تَواكَلَتِ المَقانِبُ لَمْ يَزَلْ، ... بالثَّغْرِ مِنَّا، مِنْسَرٌ [مَنْسَرٌ] مَعْلُومُ
قَالَ أَبو عمرو: المِنْسَرُ [المَنْسَرُ] مَا بَيْنَ ثَلَاثِينَ فَارِسًا إِلى أَربعين. قَالَ: وَلَمْ أَره وَقَّتَ فِي المِقْنَبِ شَيْئًا. والقَنِيبُ: السحابُ. والقِنَّبُ: الأَبَق، عَرَبِيٌّ صَحِيحٌ. والقِنَّبُ والقُنَّبُ: ضَرْبٌ مِنَ الكَتَّانِ؛ وقولُ أَبي حَيَّةَ النُّمَيْرِيِّ:
فظَلَّ يَذُودُ، مثلَ الوَقْفِ، عِيطاً ... سَلاهِبَ مِثْلَ أَدْراكِ القِنَابِ
قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ: يُريدُ القِنَّبَ، وَلَا أَدري أَهي لُغَةٌ فِيهِ أَم بَنَى مِنَ القِنَّبِ فِعالًا؛ كَمَا قَالَ الْآخَرُ:
مِنْ نَسْج داودَ أَبي سَلَّامْ
وأَراد سُلَيْمانَ. والقُنَابة والقُنَّابة: أُطُمٌ مِنْ آطامِ المَدينة، والله أَعلم.
قهب: القَهْبُ: المُسِنُّ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
إِنَّ تَمِيمًا كَانَ قَهْباً مِنْ عادْ
وَقَالَ:
إِنَّ تَمِيماً كَانَ قَهْباً قَهْقَبَا
أَي كَانَ قَديمَ الأَصل عادِيَّهُ. وَيُقَالُ لِلشَّيْخِ إِذا أَسَنَّ: قَحْرٌ وقَحْبٌ وقَهْبٌ. والقَهْبُ مِنَ الإِبل: بَعْدَ الْبَازِلِ. والقَهْبُ: الْعَظِيمُ. وَقِيلَ: الطويلُ مِنَ الْجِبَالِ، وجمعُه قِهابٌ. وَقِيلَ: القِهابُ جِبَالٌ سُود تُخالِطُها حُمْرة. والأَقْهَبُ: الَّذِي يَخْلِطُ بياضَه حُمْرة. وَقِيلَ: الأَقْهَبُ الَّذِي فِيهِ حُمْرَة إِلى غُبْرة؛ وَيُقَالُ: هُوَ الأَبيضُ الأَكْدَرُ؛ وأَنشد لإمرئ الْقَيْسِ:
وأَدْرَكَهُنّ، ثانِياً مِنْ عِنانِه، ... كغَيْثِ العَشِيِّ الأَقْهَبِ المُتَوَدِّقِ
الضَّمِيرُ الْفَاعِلُ فِي أَدْرَكَ يَعُودُ عَلَى الْغُلَامِ الراكبِ الْفَرَسَ لِلصَّيْدِ، وَالضَّمِيرُ المؤَنث المنصوبُ عَائِدٌ عَلَى السِّرْبِ، وَهُوَ القَطِيعُ مِنَ البَقر والظباءِ وَغَيْرِهِمَا؛ وَقَوْلُهُ: ثَانِيًا مِنْ عِنانِه أَي لَمْ يُخْرِجْ مَا عِنْدَ الْفَرَسِ مِنْ جَرْيٍ، وَلَكِنَّهُ أَدْرَكَهُنَّ قَبْلَ أَن يَجْهَدَ؛ والأَقْهَبُ: مَا كَانَ لَوْنُه إِلى الكُدْرة مَعَ الْبَيَاضِ لِلسَّوَادِ. والأَقْهَبانِ: الفِيلُ والجامُوسُ؛ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَقْهَبُ، لِلَونه؛ قَالَ رؤْبة يَصِفُ نَفْسَه بالشدَّة:
لَيْثٌ يَدُقُّ الأَسدَ الهَمُوسا، ... والأَقْهَبَيْنِ: الفِيلَ والجامُوسا
وَالِاسْمُ القُهْبة؛ والقُهْبة: لَوْنُ الأَقْهَبِ، وَقِيلَ: هُوَ غُبْرة إِلى سَواد، وَقِيلَ: هُوَ لونٌ إِلى الغُبْرة مَا هُوَ، وَقَدْ قَهِبَ قَهَباً. والقَهْبُ: الأَبيضُ تَعْلوه كُدْرة، وَقِيلَ: الأَبيضُ، وخَصَّ بعضُهم بِهِ الأَبيضَ مِنْ أَولاد المَعَز وَالْبَقَرِ.(1/691)
يُقَالُ: إِنه لقَهْبُ الإِهابِ، وقُهابُه، وقُهَابِيُّه، والأُنثى قَهْبةٌ لَا غَيْرُ؛ وَفِي الصِّحَاحِ: وقَهْباء أَيضاً. الأَزهري: يُقَالُ إِنه لقَهْبُ الإِهابِ، وإِنه لقُهابٌ وقُهابيٌّ. والقَهْبِيُّ: اليَعْقُوب، وَهُوَ الذَّكَر مِنَ الحَجَل؛ قَالَ:
فأَضْحَتِ الدارُ قَفْراً، لَا أَنِيسَ بِهَا، ... إِلا القُهَابُ مَعَ القَهْبيّ، والحَذَفُ
والقُهَيْبةُ: طَائِرٌ يَكُونُ بتِهامةَ، فِيهِ بياضٌ وخُضْرة، وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الحَجَل. والقَهَوْبَةُ والقَهَوْباةُ «3» مِنْ نِصَالِ السِّهامِ: ذاتُ شُعَبٍ ثلاثٍ، وَرُبَّمَا كانَتْ ذاتَ حَديدَتَيْنِ، تَنْضَمَّانِ أَحْياناً، وتَنْفَرِجانِ أُخْرى. قَالَ ابْنُ جِنِّي: حُكِيَ أَبو عُبَيْدَةَ القَهَوْباةُ، وَقَدْ قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَيْسَ فِي الْكَلَامِ فَعَوْلى، وَقَدْ يُمْكِنُ أَن يُحْتَجَّ لَهُ، فَيُقَالُ: قَدْ يُمْكِنُ أَن يأْتي مَعَ الْهَاءِ مَا لَوْلَا هِيَ لَمَا أَتى، نَحْوَ تَرْقُوَةٍ وحِذْرِيَةٍ، وَالْجَمْعُ القَهَوْبات. والقَهُوبات: السِّهامُ الصِّغارُ المُقَرْطِساتُ، وَاحِدُهَا قَهُوبَةٌ؛ قَالَ الأَزهري: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي تَفْسِيرِ القَهُوبَة؛ وَقَالَ رؤْبة:
عَنْ ذِي خَناذيذَ قُهَابٍ أَدْلَمُه
قَالَ أَبو عَمْرٍو: القُهْبَةُ سَواد فِي حُمْرة. أَقْهَبُ: بَيِّنُ القُهْبة. والأَدْلَم: الأَسْوَدُ. فالقَهْبُ: الأَبيضُ، والأَقْهَبُ: الأَدْلَم، كما تَرى.
قهزب: القَهْزَبُ: القصير.
قهقب: القَهْقَبُّ أَو القَهْقَمُّ: الْجَمَلُ الضَّخْم. وَقَالَ اللَّيْثُ: القَهْقَبُ، بِالتَّخْفِيفِ: الطَّوِيلُ الرَّغِيبُ. وَقِيلَ: القَهْقَبُ، مثالُ قَرْهَبٍ، الضَّخْمُ المُسِنُّ. والقَهْقَبُّ: الضَّخْمُ؛ مَثَّل بِهِ سِيبَوَيْهِ، وفَسَّره السِّيرَافِيُّ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: القَهْقَبُ البَاذِنْجَانُ. الْمُحْكَمُ: القَهْقَبُ الصُّلْبُ الشَّدِيدُ. الأَزهري: القَهْقَابُ الارمى «4» .
قوب: القَوْبُ: أَن تُقَوِّبَ أَرْضاً أَو حُفْرةً شِبْهَ التَّقْوير. قُبْتُ الأَرضَ أَقُوبُها إِذا حَفَرْتَ فِيهَا حُفْرة مُقَوَّرة، فانْقَابَتْ هِيَ. ابْنُ سِيدَهْ: قابَ الأَرضَ قَوْباً، وقَوَّبَها تَقْويباً: حَفَر فِيهَا شِبْهَ التَّقْويرِ. وَقَدِ انْقَابَتْ، وتَقَوَّبَتْ، وتَقَوَّبَ مِنْ رأْسه مواضعُ أَي تَقَشَّرَ. والأَسْوَدُ المُتَقَوِّبُ: هُوَ الَّذِي سَلخَ جِلْدَه مِنَ الحَيَّات. اللَّيْثُ: الجَرَبُ يُقَوِّبُ جِلْدَ الْبَعِيرِ، فتَرى فِيهِ قُوباً قَدِ انْجَرَدَتْ مِنَ الوَبَر، وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ القُوَباءُ الَّتِي تَخْرُجُ فِي جِلْدِ الإِنسان، فتُداوَى بالرِّيق؛ قَالَ:
وَهَلْ تُدَاوَى القُوَبا بالرِّيقَهْ
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: القُوباء تؤَنث، وَتُذَكَّرُ، وتُحرَّك، وتسكَّن، فَيُقَالُ: هَذِهِ قُوَباءُ، فَلَا تُصْرَفُ فِي مَعْرِفَةٍ وَلَا نَكِرَةٍ، وَتُلْحَقُ بِبَابِ فُقَهاءَ، وَهُوَ نَادِرٌ. وَتَقُولُ فِي التَّخْفِيفِ: هَذِهِ قُوباءُ، فَلَا تُصْرَفُ فِي الْمَعْرِفَةِ، وَتُصْرَفُ فِي النَّكِرَةِ. وَتَقُولُ: هَذِهِ قُوباءٌ، تَنْصَرِفُ فِي الْمَعْرِفَةِ وَالنَّكِرَةِ، وتُلْحقُ بِبَابِ طُومارٍ؛ وأَنشد:
بِهِ عَرَصاتُ الحَيِّ قَوَّبْنَ مَتْنَه، ... وجَرَّدَ، أَثْباجَ الجَراثِيم، حاطِبُه
__________
(3) . قوله [والقهوبة والقهوباة] ضبطا بالأَصل والتهذيب والقاموس بفتح أولهما وثانيهما وسكون ثالثهما لكن خالف الصاغاني في القهوبة فقال بوزن ركوبة أي بفتح فضم.
(4) . قوله [القهقاب الارمى] كذا بالأَصل ولم نجده في التهذيب ولا في غيره.(1/692)
قَوَّبْنَ مَتْنَه أَي أَثَّرْنَ فِيهِ بمَوْطئِهم ومَحَلِّهم؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
مِنْ عَرَصاتِ الحَيِّ أَمْسَتْ قُوبا
أَي أَمْسَتْ مُقَوَّبة. وتَقَوَّبَ جِلْدُه: تَقَلَّعَ عَنْهُ الجَرَبُ، وانْحَلَق عَنْهُ الشَّعَرُ، وَهِيَ القُوبةُ والقُوَبةُ والقُوباءُ والقُوَباءُ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: القُوباء واحدةُ القُوبةِ والقُوَبةِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَدْري كَيْفَ هَذَا؟ لأَن فُعْلَة وفُعَلَةً لا يَكُونَانِ جَمْعًا لفُعْلاء، وَلَا هُمَا مِنْ أَبنية الْجَمْعِ، قَالَ: والقُوَبُ جَمْعُ قُوبةٍ وقُوَبة؛ قال: وهذا بَيِّن، لأَن فُعَلًا جَمْعٌ لفُعْلة وفُعَلَةٍ. والقُوباءُ والقُوَباءُ: الَّذِي يَظْهَر فِي الْجَسَدِ ويخرُج عَلَيْهِ، وَهُوَ داءٌ مَعْرُوفٌ، يَتَقَشَّر ويتسعُ، يُعَالَجُ ويُدَاوى بِالرِّيقِ؛ وَهِيَ مؤَنثة لَا تَنْصَرِفُ، وَجَمْعُهَا قُوَبٌ؛ وَقَالَ ابْنُ قَنَانٍ الرَّاجِزُ:
يَا عَجَبَا لِهَذِهِ الفَلِيقَهْ ... هَلْ تَغْلِبَنَّ القُوَباءُ الريقَهْ؟
الفليقةُ: الدَّاهِيَةُ. وَيُرْوَى: يَا عَجَباً، بِالتَّنْوِينِ، عَلَى تأْويل يَا قَوْمُ اعْجَبُوا عَجَباً؛ وإِن شئتَ جَعَلْتَهُ مُنادى مَنْكُورًا، وَيُرْوَى: يَا عَجَبَا، بِغَيْرِ تَنْوِينٍ، يُرِيدُ يَا عَجَبي، فأَبدَل مِنَ الياءِ أَلِفاً؛ عَلَى حَدِّ قَوْلِ الْآخَرِ:
يَا ابْنَةَ عَمَّا لَا تلُومي واهْجَعِي
وَمَعْنَى رَجَزِ ابْنِ قَنانٍ: أَنه تَعَجَّبَ مِنْ هَذَا الحُزاز الخَبيث، كَيْفَ يُزيلُه الريقُ، وَيُقَالُ: إِنه مُخْتَصٌّ بِرِيقِ الصائِم، أَو الجائِع؛ وَقَدْ تُسَكَّنُ الْوَاوُ مِنْهَا اسْتِثْقَالًا لِلْحَرَكَةِ عَلَى الْوَاوِ، فإِن سَكَّنْتَهَا، ذَكَّرْتَ وصَرَفْتَ، وَالْيَاءُ فِيهِ للإِلحاق بقِرْطاس، وَالْهَمْزَةُ مُنْقلبة مِنْهَا. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ فُعْلاء، مَضْمُومَةُ الْفَاءِ سَاكِنَةُ الْعَيْنِ، مَمْدُودَةُ الْآخِرِ، إِلَّا الخُشَّاءَ وَهُوَ العظمُ النَّاتِئُ وَرَاءَ الأُذن وقُوباءَ؛ قَالَ: والأَصل فِيهِمَا تَحْرِيكُ الْعَيْنِ، خُشَشَاءُ وقَوَباءُ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: والمُزَّاءُ عِنْدِي مثلُهما «5» ؛ فَمَنْ قَالَ: قُوَباء، بِالتَّحْرِيكِ، قَالَ فِي تَصْغِيرِهِ: قُوَيْباء، وَمَنْ سَكَّنَ، قَالَ: قُوَيْبيٌّ؛ وأَما قَوْلُ رُؤْبَةَ:
مِنْ ساحرٍ يُلْقي الحَصى فِي الأَكْوابْ، ... بنُشْرَةٍ أَثَّارةٍ كالأَقْوابْ
فإِنه جَمَعَ قُوباءَ، عَلَى اعتِقادِ حَذْفِ الزِّيَادَةِ عَلَى أَقوابٍ. الأَزهري: قابَ الرجلُ: تَقَوَّب جِلْدُه، وقابَ يَقُوبُ قَوْباً إِذا هَرَبَ. وقابَ الرَّجُلُ إِذا قَرُبَ. وَتَقُولُ: بَيْنَهُمَا قابُ قَوْسٍ، وقِيبُ قَوسٍ، وقادُ قَوْسٍ، وقِيدُ قَوس أَي قَدْرُ قَوْسٍ. والقابُ: مَا بَيْنَ المَقْبِضِ والسِّيَة. وَلِكُلِّ قَوْس قابانِ، وَهُمَا مَا بَيْنَ المَقْبِضِ والسِّيَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ
؛ أَراد قابَيْ قوْس، فَقَلَبَه. وَقِيلَ: قابَ قَوْسَيْن، طُولَ قَوْسَين. الْفَرَّاءُ: قابَ قَوْسَين أَي قَدْرَ قَوْسين، عَرَبِيَّتَيْنِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَقابُ قَوسِ أَحدكم، أَو موضعُ قِدِّه مِنَ الْجَنَّةِ، خيرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا.
قَالَ ابْنُ الأَثير: القابُ والقِيبُ بِمَعْنَى القَدْرِ، وعينُها وَاوٌ مِن قَوْلِهِمْ: قَوَّبوا فِي الأَرض أَي أَثَّروا فِيهَا بوَطْئِهم، وجعَلوا فِي مَساقيها عَلَامَاتٍ. وقَوَّبَ الشيءَ: قَلَعَه مِنْ أَصله. وتَقَوَّبَ الشيءُ إِذا انْقَلَعَ مَنْ أَصله. وقابَ الطائرُ بيضَتَه أَي فَلَقَها، فانْقابت البيضةُ؛ وتَقَوَّبَتْ بمعنًى.
__________
(5) . قوله [والمزاء عندي مثلهما إلخ] تصرف في المزاء في بابه تصرفاً آخر فارجع إليه.(1/693)
والقائبةُ والقابَةُ: البَيْضة. والقُوبُ، بِالضَّمِّ: الفَرْخُ. والقُوبِيُّ: المُولَعُ بأَكل الأَقْوابِ، وَهِيَ الفِراخُ؛ وأَنشد:
لهُنَّ وللمَشِيبِ ومَنْ عَلاهُ، ... مِنَ الأَمْثالِ، قائِبَةٌ وقُوبُ
مَثَّلَ هَرَبَ النساءِ مِنَ الشُّيُوخِ بهَرَبِ القُوبِ، وهو الفَرْخُ، من القائبةِ، وَهِيَ البَيْضة، فَيَقُولُ: لَا تَرْجِعُ الحَسْناءُ إِلى الشَّيْخِ، كَمَا لَا يَرْجِعُ الفرخُ إِلى الْبَيْضَةِ. وَفِي الْمَثَلِ: تَخَلَّصَتْ قائبةٌ مِنْ قُوبٍ، يُضْرَبُ مَثَلًا لِلرَّجُلِ إِذا انْفَصَلَ مِنْ صَاحِبِهِ. قَالَ أَعرابي مِنْ بَنِي أَسَدٍ لتاجرٍ اسْتَخْفَره: إِذا بَلَغْتُ بِكَ مَكَانَ كَذَا، فَبَرِئَتْ قائِبةٌ مِنْ قُوبٍ أَي أَنا بريءٌ مِنْ خُفارَتِكَ [خِفَارَتِكَ] . وتَقَوَّبَتِ البيضةُ إِذا تَفَلَّقَتْ عَنْ فَرْخها. يُقَالُ: انْقَضَتْ قائبةٌ مِنْ قُوبِها، وانْقَضَى قُوبِيٌّ مِنْ قاوِبَةٍ؛ مَعْنَاهُ: أَن الفَرْخ إِذا فارقَ بيضَتَه، لَمْ يَعُدْ إِليها؛ وَقَالَ:
فقائِبةٌ مَا نَحْنُ يَوْمًا، وأَنْتُمُ، ... بَني مالكٍ، إِن لَمْ تَفيئوا وقُوبُها
يُعاتِبُهم عَلَى تَحَوُّلِهم بنسَبهم إِلى الْيَمَنِ؛ يَقُولُ: إِن لَمْ تَرْجِعُوا إِلى نَسَبِكُمْ، لَمْ تَعُودُوا إِليه أَبداً. فَكَانَتْ ثلْبةَ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ. وسُمِّيَ الفَرْخُ قُوباً لانقِيابِ البيضةِ عَنْهُ. شَمِرٌ: قِيبَتِ البيضةُ، فَهِيَ مَقُوبة إِذا خَرَجَ فرْخُها. وَيُقَالُ: قَابَةٌ وقُوبٌ، بِمَعْنَى قائبةٍ وقُوبٍ. وَقَالَ ابْنُ هَانِئٍ: القُوَبُ قُشْوُرُ الْبَيْضِ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ يصِف بيضَ النَّعامِ.
عَلَى تَوائِم أَصْغَى مِنْ أَجِنَّتِها، ... إِلى وَساوِس، عَنْهَا قابتِ القُوَبُ
قَالَ: القُوَبُ: قُشُورُ الْبَيْضِ. أَصْغَى مِنْ أَجنتها، يَقُولُ: لَمَّا تحرَّك الْوَلَدُ فِي الْبَيْضِ، تَسَمَّع إِلى وسْواس؛ جَعَلَ تِلْكَ الْحَرَكَةَ وَسْوَسَةً. قَالَ: وقابَتْ تَفَلَّقَت. والقُوبُ: البَيْضُ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنه نَهَى عَنِ التَّمَتُّع بِالْعُمْرَةِ إِلى الْحَجِّ، وَقَالَ: إِنكم إِن اعْتَمَرْتُمْ فِي أَشهر الْحَجِّ، رأَيتموها مُجْزئةً مِنْ حَجِّكُمْ، فَفَرَغَ حَجكم، وَكَانَتْ قائِبةً مِنْ قُوبٍ
؛ ضُرِبَ هَذَا مَثَلًا لخَلاء مَكَّةَ مِنَ الْمُعْتَمِرِينَ سَائِرَ السَّنَةِ. وَالْمَعْنَى: أَن الْفَرْخَ إِذا فَارَقَ بَيْضَتَهُ لَمْ يَعُدْ إِليها، وَكَذَا إِذا اعْتَمروا فِي أَشهر الْحَجِّ، لَمْ يَعُودُوا إِلى مَكَّةَ. وَيُقَالُ: قُبْتُ البَيْضة أَقُوبُها قَوْباً، فانْقابَتِ انقِياباً. قَالَ الأَزهري: وَقِيلَ لِلْبَيْضَةِ قائِبةٌ، وَهِيَ مَقُوبة، أَراد أَنها ذاتُ فَرْخٍ؛ وَيُقَالُ لَهَا قاوِبةٌ إِذا خَرَجَ مِنْهَا الفَرْخُ، والفرخُ الْخَارِجُ يُقَالُ لَهُ: قُوبٌ وقُوبيّ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
وأَفْرَخَ منْ بيضِ الأَنوقِ مَقُوبُها
وَيُقَالُ: انْقابَ المكانُ، وتَقَوَّبَ إِذا جُرِّدَ فِيهِ مواضعُ مِنَ الشَّجَرِ والكلإِ. وَرَجُلٌ مَليءٌ قُوَبَةٌ، مِثْلُ هُمَزة: ثابتُ الدارِ مُقِيمٌ؛ يُقَالُ ذَلِكَ لِلَّذِي لَا يَبْرَحُ مِنَ الْمَنْزِلِ. وقَوِبَ مِنَ الغُبار أَي اغْبرَّ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ. والمُقَوَّبةُ مِنَ الأَرضين: الَّتِي يُصِيبُها المطرُ فيبقَى فِي أَماكِنَ مِنْهَا شجرٌ كَانَ بِهَا قَدِيمًا؛ حَكَاهُ أَبو حنيفة.
فصل الكاف
كأب: الكآبةُ: سُوءُ الحالِ، والانكِسارُ مِنَ الحُزن. كَئِبَ يَكْأَبُ كَأْباً وكأْبةً وَكَآبَةً، كنَشْأَةٍ ونشاءَة، ورَأْفَةٍ ورَآفة، واكْتَأَبَ اكتِئاباً: حَزِنَ واغْتَمَّ وَانْكَسَرَ، فَهُوَ كَئِبٌ وكَئِيبٌ.(1/694)
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَعوذُ بِكَ مِنْ كآبةِ المُنْقَلَبِ.
الكآبةُ: تَغَيُّر النَّفْس بِالِانْكِسَارِ، مِن شِدَّةِ الهمِّ والحُزْن، وَهُوَ كَئِيبٌ ومُكْتَئِبٌ. الْمَعْنَى: أَنه يَرْجِعُ مِنْ سَفَرِهِ بأَمر يَحْزُنه، إِما أَصابه مِنْ سَفَرِهِ وإِما قَدِمَ عَلَيْهِ مثلُ أَن يعودَ غَيْرَ مَقضِيِّ الْحَاجَةِ، أَو أَصابت مالَه آفةٌ، أَو يَقْدَمَ عَلَى أَهله فيجدَهم مَرْضَى، أَو فُقِدَ بَعْضُهُمْ. وامرأَةٌ كَئِيبةٌ وكَأْباءُ أَيضاً؛ قَالَ جَنْدَلُ بنُ المُثَنَّى:
عَزَّ عَلَى عَمِّكِ أَنْ تَأَوَّقي، ... أَو أَن تَبِيتي لَيْلَةً لَمْ تُغْبَقي،
أَو أَنْ تُرَيْ كَأْباء لَمْ تَبْرَنشِقي
الأَوْقُ: الثِّقَلُ؛ والغَبُوقُ: شُرْبُ العَشِيِّ؛ والإِبْرِنْشاقُ: الفَرَح والسُّرور. وَيُقَالُ: مَا أَكْأَبَكَ والكَأْباءُ: الحُزْنُ الشَّدِيدُ، عَلَى فَعْلاء. وأَكْأَبَ: دَخَل فِي الكَآبة. وأَكْأَبَ: وَقَعَ فِي هَلَكة؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ:
يَسِيرُ الدَّليلُ بِهَا خِيفةً، ... وَمَا بِكآبَتِه مِنْ خَفاءْ
فَسَّرَهُ فَقَالَ: قَدْ ضَلَّ الدليلُ بِهَا؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَن الكآبةَ، هَاهُنَا، الحُزْنُ، لأَن الخائفَ مَحْزُونٌ. ورَمادٌ مُكْتَئِبُ اللَّوْنِ: إِذا ضَرَبَ إِلى السَّواد، كَمَا يَكُونُ وَجْهُ الكَئِيبِ.
كبب: كَبَّ الشيءَ يَكُبُّه، وكَبْكَبَه: قَلَبه. وكَبَّ الرجلُ إِناءَه يَكُبُّه كَبّاً، وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي أَكَبَّهُ؛ وأَنشد:
يَا صاحبَ القَعْوِ المُكَبِّ المُدْبِرِ، ... إِنْ تَمْنَعي قَعْوَكِ أَمْنَعْ مِحْوَرِي
وكَبَّه لِوَجْهِهِ فانْكَبَّ أَي صَرَعَه. وأَكَبَّ هُوَ عَلَى وجْهه. وَهَذَا مِنَ النَّوَادِرِ أَن يُقَالَ: أَفْعَلْتُ أَنا، وفَعَلْتُ غَيْرِي. يُقَالُ: كَبَّ اللهُ عَدُوَّ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُقَالُ أَكَبَّ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ زِمْلٍ: فأَكَبُّوا رواحِلَهم عَلَى الطَّرِيقِ
، هَكَذَا الروايةُ؛ قِيلَ والصوابُ: كَبُّوا أَي أَلْزَموها الطريقَ. يُقَالُ: كَبَبْتُه فأَكَبَّ، وأَكَبَّ الرجلُ يُكِبُّ عَلَى عَمَلٍ عَمِلَه إِذا لَزِمَه؛ وَقِيلَ: هُوَ مِنْ بَابِ حَذْفِ الجارِّ، وإِيصال الْفِعْلِ، فَالْمَعْنَى: جَعَلُوها مُكِبَّةً عَلَى قَطْع الطَّرِيقِ أَي لَازِمَةً لَهُ غيرَ عادلةٍ عَنْهُ. وكَبَبْتُ القَصْعَةَ: قَلَبْتُها عَلَى وجْهِها، وطَعَنه فَكَبَّه لوَجْهه كَذَلِكَ؛ قَالَ أَبو النَّجْمِ:
فكَبَّه بالرُّمْح فِي دِمائِه
وَفِي حَدِيثِ
مُعَاوِيَةَ: إِنكم لَتُقَلِّبونَ حُوَّلًا قُلَّباً إِنْ وُقِيَ كَبَّةَ النَّارِ
؛ الكَبَّة، بِالْفَتْحِ: شِدَّة الشَّيْءِ ومُعْظَمُه. وكَبَّةُ النَّارِ: صَدْمَتُها. وأَكَبَّ عَلَى الشيءِ: أَقبلَ عَلَيْهِ يَفْعَلُهُ؛ ولَزِمَه؛ وانْكَبَّ بِمَعْنًى؛ قَالَ لَبِيدٌ:
جُنُوحَ الهالِكيِّ عَلَى يَدَيهِ ... مُكِبّاً، يَجْتَلي نُقَبَ النِّصالِ
وأَكَبَّ فلانٌ عَلَى فلانٍ يُطالِبُه. والفرسُ يَكُبُّ الحِمارَ إِذا أَلقاه عَلَى وَجْهِهِ؛ وأَنشد:
فَهُوَ يَكُبُّ العِيطَ مِنْهَا للذَّقَنْ
والفارسُ يَكُبُّ الوَحْشَ إِذا طَعَنَهَا فأَلقاها عَلَى وُجُوهِهَا. وكَبَّ فلانٌ الْبَعِيرَ إِذا عَقَرَه؛ قَالَ:
يَكُبُّونَ العِشارَ لِمَنْ أَتاهم، ... إِذا لَمْ تُسْكِتِ المائةُ الوَليدا(1/695)
أَي يَعْقِرُونَها. وأَكَبَّ الرَّجلُ يُكِبُّ إِكْباباً إِذا مَا نَكَّسَ. وأَكَبَّ عَلَى الشيءِ: أَقبل عَلَيْهِ وَلَزِمَهُ. وأَكَبَّ للشَّيء: تَجانَأَ. وَرَجُلٌ مُكِبٌّ ومِكْبابٌ: كَثِيرُ النَّظَر إِلى الأَرض. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ
. وكَبْكَبه أَي كَبَّه، وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَكُبْكِبُوا فِيها
. والكُبَّةُ، بِالضَّمِّ: جماعةُ الْخَيْلِ، وَكَذَلِكَ الكَبْكَبةُ. وكُبَّةُ الخيلِ: مُعْظَمُها، عَنْ ثَعْلَبٍ. وَقَالَ أَبو رياشٍ: الكُبَّة إِفْلاتُ الْخَيْلِ «1» ، وَهِيَ عَلَى المُقَوَّسِ للجَرْي، أَو لِلْحَمْلَةِ. والكَبَّةُ، بِالْفَتْحِ: الحَمْلةُ فِي الْحَرْبِ، والدَّفْعة فِي الْقِتَالِ والجَرْي، وشدَّتُه؛ وأَنشد:
ثارَ غُبَارُ الكَبَّة المائرُ
وَمِنْ كَلَامِ بَعْضِهِمْ لبعضِ الْمُلُوكِ: طَعَنْتُه فِي الكَبَّة، طَعْنةً فِي السَّبَّة، فأَخرجْتُها مِنَ اللَّبَّة. والكَبْكَبة: كالكَبَّةِ. وَرَمَاهُمْ بكَبَّتِه أَي بِجَمَاعَتِهِ ونَفْسِه وثِقْلِه. وكَبَّةُ الشِّتاءِ: شدَّته ودَفْعَتُه. والكَبَّةُ: الزِّحام. وَفِي حَدِيثِ
أَبي قَتَادَةَ: فَلَمَّا رأَى الناسُ المِيضأَة تَكابُّوا عَلَيْهَا
أَي ازْدَحَموا، وَهِيَ تَفَاعَلُوا مِنَ الكُبَّةِ، بِالضَّمِّ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ وَغَيْرِهِمْ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنه رأَى جَمَاعَةً ذَهَبَتْ فرَجَعَتْ، فَقَالَ: إِياكم وكُبَّةَ السُّوقِ فإِنها كُبَّةُ الشَّيْطَانِ
أَي جماعةَ السُّوق. والكُبُّ: الشيءُ المُجْتَمِعُ مِنْ ترابٍ وَغَيْرِهِ. وكُبَّةُ الْغَزْلِ: مَا جُمِعَ مِنْهُ، مُشْتَقٌّ مِنْ ذَلِكَ. الصِّحاح: الكُبَّةُ الجَرَوْهَقُ مِنَ الغزلِ، تَقُولُ مِنْهُ: كَبَبْتُ الغَزل أَي جَعَلْته كُبَباً. ابْنُ سِيدَهْ: كَبَّ الغَزْلَ: جَعَله كُبَّةً. والكُبَّةُ: الإِبلُ الْعَظِيمَةُ. وَفِي الْمَثَلِ: إِنَّكَ لَكَالْبَائِعِ الكُبَّةَ بالهُبَّة؛ الهُبَّةُ: الريحُ. وَمِنْهُمْ مَن رَوَاهُ: لَكَالْبَائِعِ الكُبَةَ بالهُبَة، بِتَخْفِيفِ الباءَين مِنَ الْكَلِمَتَيْنِ؛ جَعَلَ الكُبَة مِنَ الْكَابِي، والهُبَة مِنَ الْهَابِي. قَالَ الأَزهري: وَهَكَذَا قَالَ أَبو زَيْدٍ فِي هَذَا الْمَثَلِ، شَدَّدَ الباءَين مِنَ الكُبَّة والهُبَّةِ؛ قَالَ: وَيُقَالُ عَلَيْهِ كُبَّةٌ وبَقَرة أَي عَلَيْهِ عِيالٌ. ونَعَمٌ كُبابٌ إِذا رَكِبَ بعضُه بَعْضًا مِنْ كَثْرَتِهِ؛ قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
كُبابٌ مِنَ الأَخطارِ كانَ مُراحُهُ ... عَلَيْهَا، فأَوْدَى الظِّلْفُ مِنْهُ وجامِلُهْ
والكُبابُ: الكثيرُ مِنَ الإِبل، وَالْغَنَمِ وَنَحْوِهِمَا؛ وَقَدْ يُوصَفُ بِهِ فَيُقَالُ: نَعَمٌ كُبابٌ. وتَكَبَّبَتِ الإِبلُ إِذا صُرِعَتْ مِنْ داءٍ أَو هُزال. والكُبابُ: التُّراب؛ والكُبابُ: الطِّينُ اللازِبُ؛ والكُبابُ: الثَّرَى؛ والكُبابُ، بِالضَّمِّ: مَا تَكَبَّبَ مِنَ الرَّمل أَي تَجَعَّدَ لرُطوبته؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ ثَوْرًا حَفَرَ أَصلَ أَرْطاةٍ ليَكْنِسَ فِيهِ مِنَ الحَرِّ:
تَوَخَّاه بالأَظْلافِ، حَتَّى كأَنما ... يُثِرْنَ الكُبابَ الجَعْدَ عَنْ مَتنِ مِحْمَلِ
هَكَذَا أَورده الْجَوْهَرِيُّ يُثِرْنَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَصَوَابُ إِنشاده: يُثِيرُ أَي توخَّى الكِناسَ يَحْفِرُه بأَظْلافِه. والمِحْمَل: مِحْمَلُ السيفِ، شَبَّه عِرْقَ الأَرْطَى بِهِ. وَيُقَالُ: تَكَبَّبَ الرملُ إِذا نَدِيَ فتَعَقَّد، وَمِنْهُ سُمِّيت كُبَّةُ الغَزْل.
__________
(1) . قوله [والكبة إفلات إلخ] وقوله فيما بعد، والكبكبة كالكبة: بضم الكاف وفتحها فيهما كما في القاموس.(1/696)
والكُبابُ: الثَّرى النَّدِيُّ، والجَعْدُ الْكَثِيرُ الَّذِي قَدْ لَزمَ بعضُه بَعْضًا؛ وَقَالَ أُمَيَّة يَذْكُرُ حمامةَ نوحٍ:
فجاءَت بعد ما ركَضَتْ بقطْفٍ، ... عَلَيْهِ الثَّأْطُ والطينُ الكُبابُ
والكَبَابُ: الطَّباهِجَةُ، وَالْفِعْلُ التَّكْبِيبُ، وتَفْسيرُ الطَّباهجة مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. وكَبَّ الكَبَابَ: عَمِلَهُ. والكُبُّ: ضَرْبٌ مِنَ الحَمْضِ، يَصْلُح وَرَقُه لأَذْنابِ الخَيْلِ، يُحَسِّنُها ويُطَوِّلُها، وَلَهُ كُعُوبٌ وشَوْكٌ مثلُ السُّلَّجِ، يَنْبُتُ فِيمَا رَقَّ مِنَ الأَرض وسَهُلَ، واحدَتُه: كُبَّة؛ وَقِيلَ: هُوَ مِنْ نَجِيلِ العَلاةِ «1» ؛ وَقِيلَ: هُوَ شَجَرٌ. ابْنُ الأَعرابي: مِنَ الحَمْضِ النَّجيلُ والكُبُّ؛ وأَنشد:
يَا إِبلَ السَّعْدِيِّ لَا تَأْتَبِّي ... لِنُجُلِ القَاحَةِ، بعدَ الكُبِ
أَبو عَمْرٍو: كَبَّ الرجلُ إِذا أَوْقَدَ الكُبَّ، وَهُوَ شَجَرٌ جَيِّدُ الوَقُود، وَالْوَاحِدَةُ كُبَّة. وكُبَّ إِذا قُلِبَ. وكَبَّ إِذا ثَقُلَ. وأَلْقَى عَلَيْهِ كُبَّتَه أَي ثِقْلَه. قَالَ: والمُكَبَّبة حِنْطة غَبْراء، وسُنْبُلُها غليظٌ، أَمثالُ الْعَصَافِيرِ، وتِبْنُها غَليظٌ لَا تَنشَطُ لَهُ الأَكَلة. والكُبَّة: الجماعةُ مِنَ النَّاسِ؛ قَالَ أَبو زُبَيْدٍ:
وصَاحَ مَنْ صاحَ فِي الإِحْلابِ وانْبَعَثَتْ، ... وعاثَ فِي كُبَّةِ الوَعْواعِ والعِيرِ
وَقَالَ آخَرُ:
تَعَلَّمْ أَنَّ مَحْمِلَنا ثَقيلٌ، ... وأَنَّ ذِيادَ كُبَّتِنا شَديدُ
والكَبْكَبُ والكَبْكَبةُ: كالكُبَّةِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
كَبْكَبَةٌ مِن بَنِي إِسرائيل
أَي جماعةٌ. والكَبابةُ: دَوَاءٌ. والكَبْكَبَةُ: الرَّمْيُ فِي الهُوَّةِ، وَقَدْ كَبْكَبَه. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ
؛ قَالَ الليثُ: أَي دُهْوِرُوا، وجُمِعُوا، ثُمَّ رُمِيَ بِهِمْ فِي هُوَّةِ النَّارِ؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: كُبْكِبُوا طُرحَ بعضُهم عَلَى بَعْضٍ؛ وَقَالَ أَهلُ اللُّغَةِ: مَعْنَاهُ دُهْوِرُوا، وحقيقةُ ذَلِكَ فِي اللُّغَةِ تَكْرِيرُ الانْكِبابِ، كأَنه إِذا أُلْقِيَ يَنْكَبُّ مَرَّةً بَعْدَ مرَّة، حَتَّى يَسْتَقِرَّ فِيهَا، نَسْتَجيرُ بِاللَّهِ مِنْهَا؛ وَقِيلَ قَوْلُهُ: فَكُبْكِبُوا فِيها
أَي جُمِعُوا، مأْخوذ مِنَ الكَبْكَبة. وكَبْكَبَ الشيءَ: قَلَبَ بعضَه عَلَى بَعْضٍ. وَرَجُلٌ كُباكِبٌ: مُجْتَمِعُ الخَلْق. وَرَجُلٌ كُبَكِبٌ «2» : مُجْتَمِعُ الخَلْق شَدِيدٌ؛ ونَعَمٌ كُبَاكِبٌ: كَثِيرٌ. وجاءَ مُتَكَبْكِباً فِي ثِيَابِهِ أَي مُتَزَمِّلًا. وكَبْكَبٌ: اسْمُ جَبَلٍ بِمَكَّةَ، وَلَمْ يُقَيِّده فِي الصِّحَاحِ بِمَكَانٍ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
يَكُنْ مَا أَساءَ النارَ فِي رَأْسِ كَبْكَبَا
وَقِيلَ: هُوَ ثَنِيَّة؛ وَقَدْ صَرَفَه إمْرؤ الْقَيْسِ فِي قَوْلِهِ:
غَداةَ غَدَوْا فسَالكٌ بَطْنَ نَخْلَةٍ، ... وآخَرُ منْهم جازِعٌ نَجْدَ كَبْكَبِ
وتَرَكَ الأَعْشَى صَرْفَه فِي قَوْلِهِ:
ومَنْ يَغْتَرِبْ عَنْ قَوْمِهِ، لَا يَزَلْ يَرَى ... مَصارِعَ مَظْلُومٍ مَجَرّاً ومَسْحَبا
__________
(1) . قوله [من نجيل العلاة] كذا بالأَصل والذي في التهذيب من نجيل العداة أي بالدال المهملة.
(2) . قوله [ورجل كبكب] ضبط في المحكم كعلبط وفي القاموس والتكملة والتهذيب كقنفذ لكن بشكل القلم لا بهذا الميزان.(1/697)
وتُدْفَنُ مِنْهُ الصالحاتُ، وإِن يُسِئْ ... يكنْ مَا أَساءَ النارَ فِي رأْسِ كَبْكَبا
وَيُقَالُ لِلْجَارِيَةِ السَّمِينَةِ «3» : كَبْكابة وبَكْباكَةٌ. وكَبابٌ وكُبابٌ وكِبابٌ: اسْمُ مَاءٌ بِعَيْنِهِ؛ قَالَ الرَّاعِي:
قامَ السُّقاةُ، فناطُوها إِلى خَشَبٍ ... عَلَى كُبابٍ، وحَوْمٌ حامسٌ بَرِدُ
وَقِيلَ: كُبابٌ اسْمُ بئرٍ بعَيْنها. وقَيْسُ كُبَّةَ: قبيلةٌ مَنْ بُنِيَ بَجيلةَ؛ قَالَ الرَّاعِي يَهْجُوهم:
قُبَيِّلَةٌ مِنْ قَيْسِ كُبَّةَ ساقَها، ... إِلى أَهلِ نَجْدٍ، لُؤْمُها وافْتِقارُها
وَفِي النَّوَادِرِ: كَمْهَلْتُ المالَ كَمْهَلةً، وحَبْكَرْتُه حَبْكَرةً، ودَبْكَلْتُه دَبْكَلَةً، وحَبْحَبْتُه حَبْحَبةً، وزَمْزَمْتُه زَمْزَمَةً، وصَرْصَرْتُه صَرْصَرةً، وكَرْكَرْتُه إِذا جَمَعْتَهُ، ورَدَدْتَ أَطْرافَ مَا انْتَشرَ مِنْهُ؛ وكذلك كَبْكَبْتُه.
كتب: الكِتابُ: مَعْرُوفٌ، وَالْجَمْعُ كُتُبٌ وكُتْبٌ. كَتَبَ الشيءَ يَكْتُبه كَتْباً وكِتاباً وكِتابةً، وكَتَّبه: خَطَّه؛ قَالَ أَبو النَّجْمِ:
أَقْبَلْتُ مِنْ عِنْدِ زيادٍ كالخَرِفْ، ... تَخُطُّ رِجْلايَ بخَطٍّ مُخْتَلِفْ،
تُكَتِّبانِ فِي الطَّريقِ لامَ الِفْ
قَالَ: ورأَيت فِي بَعْضِ النسخِ تِكِتِّبانِ، بِكَسْرِ التَّاءِ، وَهِيَ لُغَةُ بَهْرَاءَ، يَكْسِرون التَّاءَ، فَيَقُولُونَ: تِعْلَمُونَ، ثُمَّ أَتْبَعَ الكافَ كسرةَ التَّاءِ. والكِتابُ أَيضاً: الاسمُ، عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. الأَزهري: الكِتابُ اسْمٌ لِمَا كُتب مَجْمُوعاً؛ والكِتابُ مَصْدَرٌ؛ والكِتابةُ لِمَنْ تكونُ لَهُ صِناعةً، مِثْلُ الصِّياغةِ والخِياطةِ. والكِتْبةُ: اكْتِتابُك كِتاباً تَنْسَخُهُ. وَيُقَالُ: اكْتَتَبَ فلانٌ فُلَانًا أَي سأَله أَن يَكْتُبَ لَهُ كِتاباً فِي حَاجَةٍ. واسْتَكْتَبه الشيءَ أَي سأَله أَن يَكْتُبَه لَهُ. ابْنُ سِيدَهْ: اكْتَتَبَه ككَتَبَه. وَقِيلَ: كَتَبَه خَطَّه؛ واكْتَتَبَه: اسْتَمْلاه، وَكَذَلِكَ اسْتَكْتَبَه. واكْتَتَبه: كَتَبه، واكْتَتَبْته: كَتَبْتُه. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا
؛ أَي اسْتَكْتَبَها. وَيُقَالُ: اكْتَتَبَ الرجلُ إِذا كَتَبَ نفسَه فِي دِيوانِ السُّلْطان. وَفِي الْحَدِيثِ:
قَالَ لَهُ رجلٌ إِنَّ امرأَتي خَرَجَتْ حاجَّةً، وإِني اكْتُتِبْت فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا
؛ أَي كَتَبْتُ اسْمِي فِي جُمْلَةِ الغُزاة. وَتَقُولُ: أَكْتِبْنِي هَذِهِ القصيدةَ أَي أَمْلِها عليَّ. والكِتابُ: مَا كُتِبَ فِيهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَن نَظَرَ فِي كِتابِ أَخيه بِغَيْرِ إِذنه، فكأَنما يَنْظُرُ فِي النَّارِ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَذَا تَمْثِيلٌ، أَي كَمَا يَحْذر النارَ، فَلْيَحْذَرْ هَذَا الصنيعَ، قَالَ: وَقِيلَ مَعْنَاهُ كأَنما يَنْظُر إِلى مَا يوجِبُ عَلَيْهِ النَّارَ؛ قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنه أَرادَ عُقوبةَ البَصرِ لأَن الْجِنَايَةَ مِنْهُ، كَمَا يُعاقَبُ السمعُ إِذا اسْتَمع إِلى قَوْمٍ، وَهُمْ لَهُ كارهُونَ؛ قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ محمولٌ عَلَى الكِتابِ الَّذِي فِيهِ سِرٌّ وأَمانة، يَكْرَه صاحبُه أَن يُطَّلَع عَلَيْهِ؛ وَقِيلَ: هُوَ عامٌّ فِي كُلِّ كِتَابٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا تَكْتُبوا عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ.
قَالَ ابْنُ الأَثير: وَجْهُ الجَمْعِ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَبَيْنَ إِذْنِهِ فِي كِتَابَةِ الحديث
__________
(3) . قوله [ويقال للجارية السمينة إلخ] مثله في التهذيب. زاد في التكملة وكواكة وكوكاءة ومرمارة ورجراجة، وضبطها كلها بفتح أولها وسكون ثانيها.(1/698)
عَنْهُ، فإِنه قَدْ ثَبَتَ إِذنه فِيهَا، أَن الإِذْنَ، فِي الْكِتَابَةِ، نَاسِخٌ لِلْمَنْعِ مِنْهَا بِالْحَدِيثِ الثَّابِتِ، وبإِجماع الأُمة عَلَى جَوَازِهَا؛ وَقِيلَ: إِنما نَهى أَن يُكْتَبَ الْحَدِيثُ مَعَ الْقُرْآنِ فِي صَحِيفَةٍ وَاحِدَةٍ، والأَوَّل الْوَجْهُ. وَحَكَى الأَصمعي عَنْ أَبي عَمْرِو بْنِ العَلاء: أَنه سَمِعَ بعضَ العَرَب يَقُولُ، وذَكَر إِنساناً فَقَالَ: فلانٌ لَغُوبٌ، جاءَتْهُ كتَابي فاحْتَقَرَها، فقلتُ لَهُ: أَتَقُولُ جاءَته كِتابي؟ فَقَالَ: نَعَمْ؛ أَليس بِصَحِيفَةٍ فقلتُ لَهُ: مَا اللَّغُوبُ؟ فَقَالَ: الأَحْمَقُ؛ وَالْجَمْعُ كُتُبٌ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: هُوَ مِمَّا اسْتَغْنَوْا فِيهِ ببناءِ أَكثرِ العَدَدِ عَنْ بِنَاءِ أَدْناه، فَقَالُوا: ثلاثةُ كُتُبٍ. والمُكاتَبَة والتَّكاتُبُ، بِمَعْنًى. والكِتابُ، مُطْلَقٌ: التوراةُ؛ وَبِهِ
فَسَّرَ الزَّجَّاجُ قولَه تَعَالَى: نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ
. وَقَوْلُهُ: كِتابَ اللَّهِ
؛ جَائِزٌ أَن يَكُونَ القرآنَ، وأَن يَكُونَ التوراةَ، لأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالنَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ نَبَذُوا التوراةَ.
وقولُه تَعَالَى: وَالطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ. قِيلَ: الكِتابُ مَا أُثْبِتَ عَلَى بَنِي آدَمَ مِنَ أَعْمالهم. والكِتابُ: الصَّحِيفَةُ والدَّواةُ، عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. قَالَ: وَقَدْ قُرِئَ وَلَمْ تَجدوا كِتاباً وكُتَّاباً وكاتِباً؛ فالكِتابُ مَا يُكْتَبُ فِيهِ؛ وَقِيلَ الصَّحِيفَةُ والدَّواةُ، وَأَمَّا الكاتِبُ والكُتَّاب فمعروفانِ. وكَتَّبَ الرجلَ وأَكْتَبَه إِكْتاباً: عَلَّمَه الكِتابَ. وَرَجُلٌ مُكْتِبٌ: لَهُ أَجْزاءٌ تُكْتَبُ مِنْ عِنْدِهِ. والمُكْتِبُ: المُعَلِّمُ؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هُوَ المُكَتِّبُ الَّذِي يُعَلِّم الكتابَة. قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ الْحَجَّاجُ مُكْتِباً بِالطَّائِفِ، يَعْنِي مُعَلِّماً؛ وَمِنْهُ قِيلَ: عُبَيْدٌ المُكْتِبُ، لأَنه كَانَ مُعَلِّماً. والمَكْتَبُ: مَوْضِعُ الكُتَّابِ. والمَكْتَبُ والكُتَّابُ: مَوْضِعُ تَعْلِيم الكُتَّابِ، وَالْجَمْعُ الكَتَاتِيبُ والمَكاتِبُ. المُبَرِّدُ: المَكْتَبُ مَوْضِعُ التَّعْلِيمِ، والمُكْتِبُ المُعَلِّم، والكُتَّابُ الصِّبيان؛ قَالَ: وَمَنْ جَعَلَ الموضعَ الكُتَّابَ، فَقَدْ أَخْطأَ. ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ لِصِبْيَانِ المَكْتَبِ الفُرْقانُ أَيضاً. ورجلٌ كاتِبٌ، وَالْجَمْعُ كُتَّابٌ وكَتَبة، وحِرْفَتُه الكِتابَةُ. والكُتَّابُ: الكَتَبة. ابْنُ الأَعرابي: الكاتِبُ عِنْدَهم الْعَالِمُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ؟ *
وَفِي كِتَابِهِ إِلى أَهل الْيَمَنِ:
قَدْ بَعَثْتُ إِليكم كاتِباً مِنْ أَصحابي
؛ أَراد عَالِمًا، سُمِّي بِهِ لأَن الغالبَ عَلَى مَنْ كَانَ يَعْرِفُ الكتابةَ، أَن عِنْدَهُ الْعِلْمَ وَالْمَعْرِفَةَ، وَكَانَ الكاتِبُ عِنْدَهُمْ عَزِيزًا، وَفِيهِمْ قَلِيلًا. والكِتابُ: الفَرْضُ والحُكْمُ والقَدَرُ؛ قَالَ الْجَعْدِيُّ:
يَا ابْنَةَ عَمِّي كِتابُ اللهِ أَخْرَجَني ... عَنْكُمْ، وَهَلْ أَمْنَعَنَّ اللهَ مَا فَعَلا؟
والكِتْبة: الحالةُ. والكِتْبةُ: الاكْتِتابُ فِي الفَرْضِ والرِّزْقِ. وَيُقَالُ: اكْتَتَبَ فلانٌ أَي كَتَبَ اسمَه فِي الفَرْض. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: مَنِ اكْتَتَبَ ضَمِناً، بعَثَه اللَّهُ ضَمِناً يَوْمِ الْقِيَامَةِ
، أَي مَنْ كَتَبَ اسْمَه فِي دِيوانِ الزَّمْنَى وَلَمْ يَكُنْ زَمِناً، يَعْنِي الرَّجُلَ مِنْ أَهلِ الفَيْءِ فُرِضَ لَهُ فِي الدِّيوانِ فَرْضٌ، فَلَمَّا نُدِبَ للخُروجِ مَعَ الْمُجَاهِدِينَ، سأَل أَن يُكْتَبَ فِي الضَّمْنَى، وَهُمُ الزَّمْنَى، وَهُوَ صَحِيحٌ. والكِتابُ يُوضَع مَوْضِعَ الفَرْض. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى
. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ
؛ مَعْنَاهُ: فُرِضَ.(1/699)
وَقَالَ: وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها
أَي فَرَضْنا. وَمِنْ هَذَا
قولُ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِرَجُلَيْنِ احتَكما إِليه: لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بكتابِ اللَّهِ
أَي بحُكْم اللهِ الَّذِي أُنْزِلَ فِي كِتابه، أَو كَتَبَه عَلَى عِبادِه، وَلَمْ يُرِدِ القُرْآنَ، لأَنَّ النَّفْيَ والرَّجْمَ لَا ذِكْر لَهُما فِيهِ؛ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَي بفَرْضِ اللَّهِ تَنْزيلًا أَو أَمْراً، بَيَّنه عَلَى لسانِ رَسُولِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقولُه تَعَالَى: كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
؛ مصْدَرٌ أُريدَ بِهِ الفِعل أَي كَتَبَ اللهُ عَلَيْكُمْ؛ قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ حُذَّاقِ النَّحْوِيِّينَ «1» . وَفِي حَدِيثِ
أَنَسِ بْنِ النَّضْر، قَالَ لَهُ: كِتابُ اللَّهِ القصاصُ
أَي فَرْضُ اللَّهِ عَلَى لسانِ نَبِيَّهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَقِيلَ: هُوَ إِشارة إِلى قَوْلَ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ: وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ. وَفِي حَدِيثِ
بَريرَةَ: مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطاً لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ
أَي لَيْسَ فِي حُكْمِهِ، وَلَا عَلَى مُوجِبِ قَضاءِ كتابِه، لأَنَّ كتابَ اللَّهِ أَمَرَ بِطَاعَةِ الرَّسُولِ، وأَعْلَم أَنَّ سُنَّته بيانٌ لَهُ، وَقَدْ جَعَلَ الرسولُ الوَلاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ، لَا أَنَّ الوَلاءَ مَذْكور فِي الْقُرْآنِ نَصًّا. والكِتْبَةُ: اكْتِتابُكَ كِتاباً تَنْسَخُه. واسْتَكْتَبه: أَمَرَه أَن يَكْتُبَ لَهُ، أَو اتَّخَذه كاتِباً. والمُكاتَبُ: العَبْدُ يُكاتَبُ عَلَى نَفْسه بِثَمَنِهِ، فإِذا سَعَى وأَدَّاهُ عَتَقَ. وَفِي حَدِيثِ
بَريرَة: أَنها جاءَتْ تَسْتَعِينُ بِعَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فِي كِتَابَتِهَا.
قَالَ ابْنُ الأَثير: الكِتابةُ أَن يُكاتِبَ الرجلُ عبدَه عَلَى مالٍ يُؤَدِّيه إِليه مُنَجَّماً، فإِذا أَدَّاه صَارَ حُرّاً. قَالَ: وَسُمِّيَتْ كِتَابَةً، بِمَصْدَرِ كَتَبَ، لأَنه يَكْتُبُ عَلَى نَفْسِهِ لِمَوْلَاهُ ثَمَنه، ويَكْتُبُ مَوْلَاهُ لَهُ عَلَيْهِ العِتْقَ. وَقَدْ كاتَبه مُكاتَبةً، والعبدُ مُكاتَبٌ. قَالَ: وإِنما خُصَّ العبدُ بِالْمَفْعُولِ، لأَن أَصلَ المُكاتَبة مِنَ المَوْلى، وَهُوَ الَّذِي يُكاتِبُ عَبْدَهُ. ابْنُ سِيدَهْ: كاتَبْتُ العبدَ: أَعْطاني ثَمَنَه عَلَى أَن أُعْتِقَه. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً
. مَعْنَى الكِتابِ والمُكاتَبةِ: أَن يُكاتِبَ الرجلُ عبدَه أَو أَمَتَه عَلَى مالٍ يُنَجِّمُه عَلَيْهِ، ويَكْتُبَ عَلَيْهِ أَنه إِذا أَدَّى نُجُومَه، فِي كلِّ نَجْمٍ كَذَا وَكَذَا، فَهُوَ حُرٌّ، فإِذا أَدَّى جَمِيعَ مَا كاتَبه عَلَيْهِ، فَقَدْ عَتَقَ، وولاؤُه لِمَوْلَاهُ الَّذِي كاتَبهُ. وَذَلِكَ أَن مَوْلَاهُ سَوَّغَه كَسْبَه الَّذِي هُوَ فِي الأَصْل لِمَوْلَاهُ، فَالسَّيِّدُ مُكاتِب، والعَبدُ مُكاتَبٌ إِذا عَقَدَ عَلَيْهِ مَا فارَقَه عَلَيْهِ مِنْ أَداءِ الْمَالِ؛ سُمِّيت مُكاتَبة لِما يُكْتَبُ لِلْعَبْدِ عَلَى السَّيِّدِ مِنَ العِتْق إِذا أَدَّى مَا فُورِقَ عَلَيْهِ، ولِما يُكتَبُ لِلسَّيِّدِ عَلَى الْعَبْدِ مِنَ النُّجُوم الَّتِي يُؤَدِّيها فِي مَحِلِّها، وأَنَّ لَهُ تَعْجِيزَه إِذا عَجَزَ عَنْ أَداءِ نَجْمٍ يَحِلُّ عَلَيْهِ. اللَّيْثُ: الكُتْبةُ الخُرزَةُ المضْمومة بالسَّيْرِ، وَجَمْعُهَا كُتَبٌ. ابْنُ سِيدَهْ: الكُتْبَةُ، بِالضَّمِّ، الخُرْزَة الَّتِي ضَمَّ السيرُ كِلا وَجْهَيْها. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: الكُتْبة السَّيْر الَّذِي تُخْرَزُ بِهِ المَزادة والقِرْبةُ، وَالْجَمْعُ كُتَبٌ، بِفَتْحِ التاءِ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
وَفْراءَ غَرْفِيَّةٍ أَثْأَى خَوارِزَها ... مُشَلْشَلٌ، ضَيَّعَتْه بَيْنَهَا الكُتَبُ
__________
(1) . قوله [وَهُوَ قَوْلُ حُذَّاقِ النَّحْوِيِّينَ] هذه عبارة الأَزهري في تهذيبه ونقلها الصاغاني في تكملته، ثم قال: وقال الكوفيون هو منصوب على الإغراء بعليكم وهو بعيد، لأَن ما انتصب بالإغراء لا يتقدم على ما قام مقام الفعل وهو عليكم وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي هَذَا الموضع. ولو كان النص عليكم كتاب الله لكان نصبه على الإغراء أحسن من المصدر.(1/700)
الوَفْراءُ: الوافرةُ. والغَرْفيةُ: المَدْبُوغة بالغَرْف، وَهُوَ شجرٌ يُدبغ بِهِ. وأَثْأَى: أَفْسَدَ. والخَوارِزُ: جَمْعُ خارِزَة. وكَتَبَ السِّقاءَ والمَزادة والقِرْبة، يَكْتُبه كَتْباً: خَرَزَه بِسَيرين، فَهِيَ كَتِيبٌ. وَقِيلَ: هُوَ أَن يَشُدَّ فمَه حَتَّى لَا يَقْطُرَ مِنْهُ شَيْءٌ. وأَكْتَبْتُ القِرْبة: شَدَدْتُها بالوِكاءِ، وَكَذَلِكَ كَتَبْتُها كَتْباً، فَهِيَ مُكْتَبٌ وكَتِيبٌ. ابْنُ الأَعرابي: سَمِعْتُ أَعرابياً يَقُولُ: أَكْتَبْتُ فمَ السِّقاءِ فَلَمْ يَسْتَكْتِبْ أَي لَمْ يَسْتَوْكِ لجَفائه وغِلَظِه. وَفِي حَدِيثِ
الْمُغِيرَةِ: وَقَدْ تَكَتَّبَ يُزَفُّ فِي قَوْمِهِ
أَي تَحَزَّمَ وجَمَعَ عَلَيْهِ ثيابَه، مِنْ كَتَبْتُ السقاءَ إِذا خَرَزْتَه. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: اكْتُبْ قِرْبَتَك اخْرُزْها، وأَكْتِبْها: أَوكِها؛ يَعْنِي: شُدَّ رأْسَها. والكَتْبُ: الْجَمْعُ، تَقُولُ مِنْهُ: كَتَبْتُ البَغْلة إِذا جمَعْتَ بَيْنَ شُفْرَيْها بحَلْقَةٍ أَو سَيْرٍ. والكُتْبَةُ: مَا شُدَّ بِهِ حياءُ الْبَغْلَةِ، أَو النَّاقَةِ، لِئَلَّا يُنْزَى عَلَيْهَا. وَالْجَمْعُ كَالْجَمْعِ. وكَتَبَ الدابةَ وَالْبَغْلَةَ والناقةَ يَكْتُبها، ويَكْتِبُها كَتْباً، وكَتَبَ عَلَيْهَا: خَزَمَ حياءَها بحَلْقةِ حديدٍ أَو صُفْرٍ تَضُمُّ شُفْرَيْ حيائِها، لِئَلَّا يُنْزَى عَلَيْهَا؛ قَالَ:
لَا تَأْمَنَنَّ فَزارِيّاً، خَلَوْتَ بِهِ، ... عَلَى بَعِيرِك واكْتُبْها بأَسْيارِ
وَذَلِكَ لأَنَّ بَنِي فَزَارَةَ كَانُوا يُرْمَوْنَ بغِشْيانِ الإِبل. والبعيرُ هُنَا: الناقةُ. ويُرْوَى: عَلَى قَلُوصِك. وأَسْيار: جَمْعُ سَيْر، وَهُوَ الشَّرَكَةُ. أَبو زَيْدٍ: كَتَّبْتُ الناقةَ تَكْتيباً إِذا صَرَرْتَها. والناقةُ إِذا ظَئِرَتْ عَلَى غَيْرِ وَلَدِهَا، كُتِبَ مَنْخُراها بخَيْطٍ، قبلَ حَلِّ الدُّرْجَة عَنْهَا، ليكونَ أَرْأَم لَهَا. ابْنُ سِيدَهْ: وكَتَبَ النَّاقَةَ يَكْتُبُها كَتْباً: ظَأَرها، فَخَزَمَ مَنْخَرَيْها بشيءٍ، لِئَلَّا تَشُمَّ البَوَّ، فَلَا تَرْأَمَه. وكَتَّبَها تَكْتيباً، وكَتَّبَ عَلَيْهَا: صَرَّرها. والكَتِيبةُ: مَا جُمِعَ فَلَمْ يَنْتَشِرْ؛ وَقِيلَ: هِيَ الْجَمَاعَةُ المُسْتَحِيزَةُ مِنَ الخَيْل أَي فِي حَيِّزٍ عَلَى حِدَةٍ. وَقِيلَ: الكَتيبةُ جَمَاعَةُ الخَيْل إِذا أَغارت، مِنَ الْمِائَةِ إِلى الأَلف. والكَتيبة: الْجَيْشُ. وَفِي حَدِيثِ
السَّقيفة: نَحْنُ أَنصارُ اللَّهِ وكَتيبة الإِسلام.
الكَتيبةُ: القِطْعة العظيمةُ مِنَ الجَيْش، وَالْجَمْعُ الكَتائِبُ. وكَتَّبَ الكَتائِبَ: هَيَّأَها كَتِيبةً كَتِيبَةً؛ قَالَ طُفَيْل:
فأَلْوَتْ بَغَايَاهُمْ بِنَا، وتَباشَرَتْ ... إِلى عُرْضِ جَيْشٍ، غيرَ أَنْ لَمْ يُكَتَّبِ
وتَكَتَّبَتِ الخيلُ أَي تَجَمَّعَتْ. قَالَ شَمِرٌ: كُلُّ مَا ذُكِرَ فِي الكَتْبِ قريبٌ بعضُه مِنْ بعضٍ، وإِنما هُوَ جَمْعُكَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ. يُقَالُ: اكْتُبْ بَغْلَتَك، وَهُوَ أَنْ تَضُمَّ بَيْنَ شُفْرَيْها بحَلْقةٍ، وَمِنْ ذَلِكَ سُمِّيَتِ الكَتِيبةُ لأَنها تَكَتَّبَتْ فاجْتَمَعَتْ؛ وَمِنْهُ قِيلَ: كَتَبْتُ الكِتابَ لأَنه يَجْمَع حَرْفاً إِلى حَرْفٍ؛ وَقَوْلُ سَاعِدَةَ بْنِ جُؤَيَّة:
لَا يُكْتَبُون وَلَا يُكَتُّ عَدِيدُهم، ... جَفَلَتْ بساحتِهم كَتائِبُ أَوعَبُوا
قِيلَ: مَعْنَاهُ لَا يَكْتُبُهم كاتبٌ مِنْ كَثْرَتِهِمْ، وَقَدْ قِيلَ: مَعْنَاهُ لَا يُهَيَّؤُونَ. وتَكَتَّبُوا: تَجَمَّعُوا. والكُتَّابُ: سَهْمٌ صَغِيرٌ، مُدَوَّرُ الرأْس، يَتَعَلَّم بِهِ الصبيُّ الرَّمْيَ، وبالثاءِ أَيضاً؛ وَالتَّاءُ فِي هَذَا الْحَرْفِ أَعلى مِنَ الثاءِ. وَفِي حَدِيثِ
الزُّهْرِيِّ: الكُتَيْبةُ أَكْثَرُها عَنْوةٌ،(1/701)
وَفِيهَا صُلْحٌ.
الكُتَيْبةُ، مُصَغَّرةً: اسْمٌ لِبَعْضِ قُرى خَيْبَر؛ يَعْنِي أَنه فتَحَها قَهْراً، لَا عَنْ صُلْحٍ. وبَنُو كَتْبٍ: بَطْنٌ، وَاللَّهُ أَعلم.
كثب: الكَثَبُ، بِالتَّحْرِيكِ: القُرْبُ. وَهُوَ كَثَبَك أَي قُرْبَكَ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَا يُستعمل إِلَّا ظَرْفًا. وَيُقَالُ: هُوَ يَرْمِي مِنْ كَثَبٍ، ومِنْ كَثَمٍ أَي مِنْ قُرْبٍ وتَمَكُّنٍ؛ أَنشد أَبو إِسحاق:
فهذانِ يَذُودانِ، ... وَذَا، مِنْ كَثَبٍ، يَرْمِي
وأَكْثَبَك الصيدُ والرَّمْيُ، وأَكْثَبَ لَكَ: دَنَا منكَ وأَمْكَنَك، فارْمِه. وأَكْثَبُوا لَكُمْ: دَنَوْا مِنْكُمْ. النَّضْرُ: أَكْثَبَ فلانٌ إِلى الْقَوْمِ أَي دَنَا مِنْهُمْ؛ وأَكْثَبَ إِلى الجَبل أَي دَنَا مِنْهُ. وكاثَبْتُ القومَ أَي دَنَوْتُ مِنْهُمْ. وَفِي حَدِيثِ
بَدْرٍ: إِنْ أَكْثَبَكُمُ القومُ فانْبِلوهم
؛ وَفِي رِوَايَةٍ: إِذا كَثَبُوكم فارْمُوهُمْ بالنَّبْل مِنْ كَثَب. وأَكْثَبَ إِذا قارَبَ، وَالْهَمْزَةُ فِي أَكْثَبكم لِتَعْدِيَةِ كَثَبَ، فَلِذَلِكَ عَدّاها إِلى ضَمِيرِهِمْ. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ تَصِفُ أَباها، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: وظَنَّ رجالٌ أَنْ قَدْ أَكْثَبَتْ أَطْماعُهم
أَي قَرُبَتْ. وَيُقَالُ: كَثَبَ القومُ إِذا اجتَمعوا، فَهُمْ كاثِبُون. وكَثَبُوا لَكُمْ: دخَلوا بَيْنَكُمْ وَفِيكُمْ، وَهُوَ مِنَ القُرْب. وكَثَبَ الشيءَ يَكْثِبُه ويَكْثُبه كَثْباً: جَمَعَه مِنْ قُرْبٍ وصبَّه؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
لأَصْبَحَ رَتْماً دُقاقُ الحَصَى، ... مكانَ النبيِّ من الكائِبِ
قَالَ: يُرِيدُ بالنبيِّ، مَا نَبا مِنَ الحَصَى إِذا دُقَّ فَنَدَر. والكاثِبُ: الجامِعُ لِمَا ندَر مِنْهُ؛ وَيُقَالُ: هُمَا مَوْضِعَانِ، وسيأْتي فِي أَثناء هَذِهِ التَّرْجَمَةِ أَيضاً. وَفِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ: كنتُ فِي الصُّفَّةِ، فبَعَثَ النبيُّ، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، بتَمْرِ عَجْوةٍ فكُثِبَ بَيْنَنَا، وَقِيلَ: كُلُوه وَلَا تُوَزِّعُوه
أَي تُرِكَ بَيْنَ أَيدينا مَجْموعاً. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
جئتُ عَلِيًّا، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ قَرَنْفُلٌ مَكْثوبٌ
أَي مَجْمُوعٌ. وانْكَثَبَ الرَّمْلُ: اجْتَمع. والكَثِيبُ مِنَ الرَّمْلِ: القِطْعةُ تَنْقادُ مُحْدَوْدِبةً. وَقِيلَ: هُوَ مَا اجتَمع واحْدَوْدَبَ، وَالْجَمْعُ: أَكْثِبةٌ وكُثُبٌ وكُثْبانٌ، مُشْتَقٌّ مِنْ ذَلِكَ، وَهِيَ تلالُ الرَّمْلِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلًا
. قَالَ الْفَرَّاءُ: الكَثيبُ الرَّمْل. والمَهِيلُ: الَّذِي تُحَرِّكُ أَسْفَلَه، فيَنْهالُ عَلَيْكَ مِنْ أَعلاه. اللَّيْثُ: كَثَبْتُ الترابَ فانْكَثَب إِذا نَثَرْتَ بعضَه فوقَ بَعْضٍ. أَبو زَيْدٍ: كَثَبْتُ الطعامَ أَكْثُبه كَثْباً، ونَثَرْتُه نَثْراً، وَهُمَا واحدٌ. وكلُّ مَا انْصَبَّ فِي شيءٍ وَاجْتَمَعَ، فَقَدِ انْكَثَب فِيهِ. والكُثْبة مِنَ الْمَاءِ واللَّبن. القَلِيلُ مِنْهُ؛ وَقِيلَ: هِيَ مِثْلُ الجَرْعَةِ تَبْقَى فِي الإِناءِ؛ وَقِيلَ: قَدْرُ حَلْبة. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: ملْءُ القَدَح مِنَ اللَّبن؛ وَمِنْهُ قولُ الْعَرَبِ، فِي بَعْضِ مَا تَضَعُه عَلَى أَلسنة الْبَهَائِمِ، قَالَتِ الضَّائنةُ: أُوَلَّدُ رُخالًا، وأُجَزُّ جُفَالًا، وأُحْلَبُ كُثَباً ثِقالًا، وَلَمْ تَرَ مِثْلي مَالًا. وَالْجَمْعُ الكُثَبُ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
بَرَّحَ بالعَيْنَيْنِ خطَّابُ الكُثَبْ، ... يقولُ: إِني خاطِبٌ وَقَدْ كَذَبْ،
وإِنما يَخْطُبُ عُسّاً منْ حَلَبْ(1/702)
يَعْنِي الرجلَ يَجيءُ بعِلَّةِ الخِطْبةِ، وإِنما يُريدُ القِرَى. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ للرَّجُل إِذا جاءَ يَطْلُبُ القِرَى، بعِلَّةِ الخِطْبة: إِنه ليَخْطُبُ كُثْبةً؛ وأَنشد الأَزهري لِذِي الرُّمَّةِ:
مَيْلاءَ، مِنْ مَعْدِنِ الصِّيرانِ، قاصِيَةً، ... أَبْعارُهُنَّ عَلَى أَهْدافِها كُثَبُ
وأَكْثَبَ الرجلَ: سَقَاهُ كُثْبةً مِنْ لَبَن. وكلُّ طائفةٍ مِنْ طَعَامٍ أَو تَمْرٍ أَو تُرَابٍ أَو نَحْوِ ذَلِكَ، فَهُوَ كُثْبةٌ، بَعْدَ أَن يَكُونَ قَلِيلًا. وَقِيلَ: كلُّ مُجْتَمِعٍ مِنْ طعامٍ، أَو غَيْرِهِ، بَعْدَ أَن يَكُونَ قَلِيلًا، فَهُوَ كُثْبةٌ. وَمِنْهُ سُمِّيَ الكَثِيبُ مِنَ الرَّمْلِ، لأَنه انْصَبَّ فِي مكانٍ فَاجْتَمَعَ فِيهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
ثلاثةٌ عَلَى كُثُبِ المِسْكِ
، وَفِي رِوَايَةٍ
عَلَى كُثْبانِ المِسْك
، هُمَا جَمْعُ كَثِيبٍ. والكَثِيبُ: المُسْتَطيلُ المُحْدَوْدِبُ. وَيُقَالُ للتَّمْر، أَو للبُرِّ وَنَحْوِهِ إِذا كَانَ مَصْبوباً فِي مَوَاضِعَ، فكُلُّ صُوبةٍ مِنْهَا: كُثْبة. وَفِي حَدِيثِ
ماعزِ بْنِ مالكٍ: أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَمَر بِرَجْمِه حِينَ اعْتَرَفَ بِالزِّنَى، ثُمَّ قَالَ: يَعْمِدُ أَحَدُكم إِلى المرأَة المُغِيبَة، فيَخْدَعُها بالكُثْبَة، لَا أُوتى بأَحدٍ مِنْهُمْ فَعَلَ ذَلِكَ، إِلَّا جعلْتُه نَكالًا.
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ قَالَ شُعْبةُ: سأَلتُ سِماكاً عَنِ الكُثْبة، فَقَالَ: القليلُ مِنَ اللَّبن؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَهُوَ كَذَلِكَ فِي غَيْرِ اللَّبَنِ. أَبو حَاتِمٍ: احْتَلَبوا كُثَباً أَي مِنْ كلِّ شاةٍ شَيْئًا قَلِيلًا. وَقَدْ كَثَبَ لَبَنُها إِذا قَلَّ إِمَّا عِنْدَ غزارةٍ، وإِما عِنْدَ قِلَّةِ كَلإٍ. والكُثْبة: كلُّ قَلِيلٍ جَمَعْتَه مِنْ طَعَامٍ، أَو لَبَنٍ، أَو غَيْرِ ذَلِكَ. والكَثْباءُ، مَمْدُودٌ: التُّرابُ. ونَعَمٌ كُثابٌ: كَثِيرٌ. والكُثَّابُ: السَّهْمُ «2» عامَّةً، وَمَا رَمَاهُ بكُثَّابٍ أَي بسَهْمٍ؛ وَقِيلَ: هُوَ الصَّغِيرُ مِنَ السِّهام هَاهُنَا. الأَصمعي: الكُثَّابُ سَهْمٌ لَا نَصْلَ لَهُ، وَلَا ريشَ، يَلْعَبُ بِهِ الصِّبيان؛ قَالَ الرَّاجِزُ فِي صِفَةِ الْحَيَّةِ.
كأَنَّ قُرْصاً مِنْ طَحِينٍ مُعْتَلِثْ، ... هامَتُه فِي مِثْلِ كُثَّابِ العَبِثْ
وجاءَ يَكْثُبه أَي يَتْلُوه. والكاثِبةُ مِنَ الفَرس: المَنْسِجُ؛ وَقِيلَ: هُوَ مَا ارْتَفَعَ مِنْ المَنْسِج؛ وَقِيلَ: هُوَ مُقَدَّمُ المَنْسِج، حَيْثُ تَقَع عَلَيْهِ يَدُ الفارِس، والجمعُ الكواثِبُ؛ وَقِيلَ: هِيَ مِنْ أَصل العُنُق إِلى مَا بَيْنَ الكَتِفَيْن؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
لَهُنَّ عَلَيْهِمْ عادةٌ قَدْ عَرَفْنَها، ... إِذا عُرِضَ الخَطِّيُّ فَوْقَ الكَواثِبِ
وَقَدْ قِيلَ فِي جَمْعِهِ: أَكْثابٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَدري كَيْفَ ذَلِكَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
يَضَعُونَ رِماحَهم عَلَى كَواثِبِ خَيْلِهِمْ
، وَهِيَ مِنَ الفَرس، مُجْتَمع كَتِفَيْه قُدَّامَ السَّرْج. والكاثِبُ: موضعٌ، وَقِيلَ: جَبَلٌ؛ قَالَ أَوْسُ بنُ حَجَر يَرْثي فَضالةَ بنَ كِلْدَة الأَسَدِيَّ:
عَلَى السَّيِّدِ الصَّعْبِ، لَوْ أَنه ... يَقُوم عَلَى ذِرْوَةِ الصَّاقِبِ
لأَصْبَحَ رَتْماً دُقاقُ الحَصى، ... مَكانَ النَّبِيِّ مِنَ الكاثِبِ
النبيُّ: مَوْضِعٌ، وَقِيلَ: هُوَ مَا نَبا وارْتَفَع. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: النبيُّ رَمْل مَعْرُوفٌ؛ وَيُقَالُ: هُوَ جمع
__________
(2) . قوله [والكثاب السهم إلخ] ضبطه المجد كشداد ورمان.(1/703)
نابٍ، كغازٍ وغَزِيٍّ. وَقَوْلُهُ: لأَصْبَحَ، هُوَ جَوَابُ لَوْ فِي الْبَيْتِ الَّذِي قَبْلَهُ؛ يَقُولُ: لَوْ عَلا فَضالةُ هَذَا عَلَى الصاقِبِ، وَهُوَ جَبَلٌ مَعْرُوفٌ فِي بِلَادِ بَنِي عَامِرٍ، لأَصْبَحَ مَدْقُوقاً مَكْسُورًا، يُعَظِّم بِذَلِكَ أَمْرَ فَضالةَ. وَقِيلَ: إِن قَوْلَهُ يقوم، بمعنى يُقاومُه.
كثعب: الكَثْعَبُ والكَعْثَبُ: الرَّكَبُ الضَّخْم المُمْتَلِئُ الناتِئُ. وامرأَة كَثْعَبٌ وكَعْثَبٌ: ضَخْمة الرَّكَب، يعني الفَرْجَ.
كحب: الكَحْبُ والكَحْمُ: الحِصْرِمُ، وَاحِدَتُهُ كَحْبةٌ، يَمَانِيَةٌ. وَقَدْ كَحَّبَ الكَرْمُ إِذا ظَهَرَ كَحْبُه، وَهُوَ البَرْوَقُ، وَالْوَاحِدُ كَالْوَاحِدِ. وَفِي حَدِيثِ
الدَّجَّالِ: ثُمَّ يأْتي الخِصْبُ، فيُعَقِّلُ الكَرْمُ ثُمَّ يُكَحِّبُ
أَي تَخْرُجُ عَناقيدُ الحِصْرِم، ثُمَّ يَطيبُ طَعْمُه. قَالَ اللَّيْثُ: الكَحْبُ بِلُغَةِ أَهل الْيَمَنِ: الْعَوْرَةُ؛ والحَبَّةُ مِنْهُ: كَحْبَةٌ. قَالَ الأَزهري: هَذَا حَرْفٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَاهُ أَحمد بْنُ يَحْيَى عَنِ ابْنِ الأَعرابي. قَالَ: وَيُقَالُ كَحَّبَ العِنَبُ تَكْحِيباً إِذا انْعَقَدَ بَعْدَ تَفْقيح نَوْره، وَرَوَى سَلَمة عَنِ الْفَرَّاءِ، يُقَالُ: الدَّراهمُ بَيْنَ يَدَيْهِ كاحِبةٌ إِذا واجَهَتْكَ كَثِيرَةً. قَالَ: وَالنَّارُ إِذا ارْتَفَعَ لَهَبُها، فَهِيَ كاحِبةٌ. والكَحْبُ بِلُغَتِهِمْ أَيضاً: الدُّبُر. وَقَدْ كَحَبَه: ضَرَبَ ذلك منه. وكَوْحَبٌ: موضع.
كحكب: كَحْكَبٌ: موضع.
كحلب: كَحْلَبٌ: اسم.
كدب: الكَدْبُ والكَدِبُ والكَدَبُ: البياضُ فِي أَظفار الأَحداث، وَاحِدَتُهُ كَدْبَةٌ وكَدَبة وكَدِبة، فإِذا صحَّت كَدْبة، بِسُكُونِ الدَّالِ، فَكَدْبٌ اسْمٌ لِلْجَمْعِ. ابْنُ الأَعرابي: المَكْدُوبة مِنَ النساءِ النَّقِيَّةُ البَياضِ. والكَدِبُ: الدَّمُ الطَّرِيُّ.
وقرأَ بَعْضُهُمْ: وجاؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بدَمٍ كَدِبٍ
«1» . وَسُئِلَ أَبو الْعَبَّاسِ عَنْ قِرَاءَةِ مَنْ قرأَ بدمٍ كَدِبٍ، بِالدَّالِ الْيَابِسَةِ، فَقَالَ: إِن قرأَ بِهِ إِمامٌ فَلَهُ مَخْرَج، قِيلَ لَهُ: فَمَا هُوَ وَلَهُ إِمام؟ فَقَالَ: الدَّمُ الكَدِبُ الَّذِي يَضْرِبُ إِلى البَياض
، مأْخوذ مِنْ كَدَب الظُّفْر، وَهُوَ وَبَشُ بَياضِه، وَكَذَلِكَ الكُدَيْباءُ، فكأَنه قَدْ أَثَّرَ فِي قَمِيصِهِ، فلَحِقَتْه أَعراضُه كالنَّقْشِ عليه.
كذب: الكَذِبُ: نقيضُ الصِّدْقِ؛ كَذَبَ يَكْذِبُ كَذِباً «2» وكِذْباً وكِذْبةً وكَذِبةً: هَاتَانِ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وكِذاباً وكِذَّاباً؛ وأَنشد اللِّحْيَانِيُّ:
نادَتْ حَليمةُ بالوَداع، وآذَنَتْ ... أَهْلَ الصَّفَاءِ، ووَدَّعَتْ بكِذَابِ
وَرَجُلٌ كاذِبٌ، وكَذَّابٌ، وتِكْذابٌ، وكَذُوبٌ، وكَذُوبةٌ، وكُذَبَةٌ مِثَالُ هُمَزة، وكَذْبانٌ، وكَيْذَبانٌ، وكَيْذُبانٌ، ومَكْذَبانٌ، ومَكْذَبانة، وكُذُبْذُبانٌ «3» ، وكُذُبْذُبٌ، وكُذُّبْذُبٌ؛ قال
__________
(1) . قوله [وقرأ بعضهم إلخ] عبارة التكملة وقرأ ابن عباس وأبو السمّال (أي كشداد) والحسن وسئل إلخ.
(2) . قوله [كذباً] أي بفتح فكسر، ونظيره اللعب والضحك والحبق، وقوله وكذباً، بكسر فسكون، كما هو مضبوط في المحكم والصحاح، وضبط في القاموس بفتح فسكون، وليس بلغة مستقلة بل بنقل حركة العين إلى الفاء تخفيفاً، وقوله: وكذبة وكذبة كفرية وفرحة كما هو بضبط المحكم ونبه عليه الشارح وشيخه.
(3) . قوله [وكذبذبان] قال الصاغاني وزنه فعلعلان بالضمات الثلاث ولم يذكره سيبويه في الأَمثلة التي ذكرها. وقوله: وإذا سمعت إلخ نسبه الجوهري لأَبي زيد وهو لجريبة بن الأَشيم كما نقله الصاغاني عن الأَزهري، لكنه في التهذيب قد بعتكم وفي الصحاح قد بعتها؛ قال الصاغاني والرواية قد بعته يعني جمله وقبله:
قد طال إيضاعي المخدّم لا أرى ... في الناس مثلي في معدّ يخطب
حتى تأَوَّبت البيوت عشية ... فحططت عنه كوره يتثأب(1/704)
جُرَيْبَةُ بنُ الأَشْيَمِ:
فإِذا سَمِعْتَ بأَنَّنِي قَدْ بِعْتُكم ... بوِصالِ غَانيةٍ، فقُلْ كُذُّبْذُبُ
قَالَ ابْنُ جِنِّي: أَما كُذُبْذُبٌ خَفِيفٌ، وكُذُّبْذُبٌ ثَقِيل، فهاتانِ بناءَانِ لَمْ يَحْكِهما سِيبَوَيْهِ. قَالَ: ونحوُه مَا رَوَيْتُه عَنْ بَعْضِ أَصحابنا، مِن قَوْلِ بَعْضِهِمْ ذُرَحْرَحٌ، بِفَتْحِ الراءَين. والأُنثى: كاذِبةٌ وكَذَّابة وكَذُوبٌ. والكُذَّب: جَمْعُ كاذبٍ، مِثْلُ راكِعٍ ورُكَّعٍ؛ قَالَ أَبو دُواد الرُّؤَاسِي:
مَتَى يَقُلْ تَنْفَعِ الأَقوامَ قَوْلَتُه، ... إِذا اضْمَحَلَّ حديثُ الكُذَّبِ الوَلَعَهْ
أَلَيْسَ أَقْرَبَهُم خَيْراً، وأَبعدَهُم ... شَرّاً، وأَسْمَحَهُم كَفّاً لمَنْ مُنِعَه
لَا يَحْسُدُ الناسَ فَضْلَ اللَّهِ عندهُمُ، ... إِذا تَشُوهُ نُفُوسُ الحُسَّدِ الجَشِعَهْ
الوَلَعَةُ: جَمْعُ والِعٍ، مِثْلُ كَاتِبٍ وكَتَبة. وَالْوَالِعُ: الْكَاذِبُ، والكُذُبُ جَمْعُ كَذُوب، مِثْلُ صَبُور وصُبُر، ومِنه
قَرَأَ بعضُهم: وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلسِنتُكُم الكُذُبُ
، فَجَعَلَهُ نَعْتًا للأَلسنة. الْفَرَّاءُ: يُحْكَى عَنِ الْعَرَبِ أَن بني نُمير ليس لَهُمْ مَكْذُوبةٌ. وكَذَبَ الرجلُ: أَخْبَر بالكَذِبِ. وَفِي الْمَثَلِ: لَيْسَ لمَكْذُوبٍ رَأْيٌ. ومِنْ أَمثالهم: المَعاذِرُ مَكاذِبُ. وَمِنْ أَمثالهم: أَنَّ الكَذُوبَ قَدْ يَصْدُقُ، وَهُوَ كَقَوْلِهِمْ: مَعَ الخَواطِئِ سَهْمٌ صائِبٌ. اللِّحْيَانِيُّ: رَجُلٌ تِكِذَّابٌ وتِصِدَّاقٌ أَي يَكْذِبُ ويَصْدُق. النَّضْرُ: يُقَالُ لِلنَّاقَةِ الَّتِي يَضْرِبُها الفَحْلُ فتَشُولُ، ثُمَّ تَرْجِعُ حَائِلًا: مُكَذِّبٌ وكاذِبٌ، وَقَدْ كَذَّبَتْ وكَذَبَتْ. أَبو عَمْرٍو: يُقَالُ لِلرَّجُلِ يُصاحُ بِهِ وَهُوَ ساكتٌ يُري أَنه نَائِمٌ: قَدْ أَكْذَب، وَهُوَ الإِكْذابُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
حَتَّى إِذا اسْتَيْأَسَ الرُّسلُ وظَنُّوا أَنهم قَدْ كُذِّبُوا؛ قراءَةُ أَهلِ المدينةِ، وَهِيَ قِراءَةُ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، بِالتَّشْدِيدِ وَضَمِّ الْكَافِ.
رُوِيَ
عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنها قَالَتْ: اسْتَيْأَسَ الرسلُ مِمَّنْ كَذَّبَهم مِنْ قَوْمِهِمْ أَن يُصَدِّقُوهم، وظَنَّتِ الرُّسُلُ أَن مَنْ قَدْ آمَنَ مِنْ قَوْمِهِمْ قَدْ كَذَّبُوهم جَاءَهُمْ نَصْرُ اللهِ
، وَكَانَتْ تَقْرؤُه بِالتَّشْدِيدِ، وَهِيَ قراءَة نَافِعٍ، وَابْنِ كَثِيرٍ، وأَبي عَمْرٍو، وَابْنِ عَامِرٍ؛ وقرأَ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: كُذِبُوا، بِالتَّخْفِيفِ. ورُوي
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنه قَالَ: كُذِبُوا، بِالتَّخْفِيفِ، وَضَمِّ الْكَافِ. وَقَالَ: كَانُوا بَشَراً
، يَعْنِي الرُّسُلَ؛ يَذْهَبُ إِلى أَن الرُّسُلَ ضَعُفُوا، فَظَنُّوا أَنهم قَدْ أُخْلِفُوا. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: إِن صَحَّ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فوَجْهُه عِنْدِي، وَاللَّهُ أَعلم، أَن الرُّسُلَ خَطَر فِي أَوهامهم مَا يَخْطُر فِي أَوهامِ الْبَشَرِ، مِن غَيْرِ أَن حَقَّقُوا تِلْكَ الخَواطرَ وَلَا رَكَنُوا إِليها، وَلَا كَانَ ظَنُّهم ظَنّاً اطْمَأَنُّوا إِليه، وَلَكِنَّهُ كَانَ خَاطِرًا يَغْلِبُه اليقينُ. وَقَدْ رُوِّينَا
عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ: تَجاوَزَ اللَّهُ عَنْ أُمتي مَا حدَّثَتْ بِهِ أَنفُسَها. مَا لَمْ يَنْطِقْ بِهِ لسانٌ أَو تَعْمله يَدٌ
، فَهَذَا وَجْهُ مَا رُوي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَدْ رُوي عَنْهُ أَيضاً:
أَنه قرأَ حَتَّى إِذا اسْتَيْأَسَ الرسلُ مِنْ قَوْمهم الإِجابةَ، وظَنَّ قَوْمُهُم أَن الرُّسُل قَدْ كذَبهم الوعيدُ.
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَسلم، وَبِالظَّاهِرِ أَشْبَهُ؛ وَمِمَّا يُحَقّقها مَا رُوي
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر أَنه قَالَ: اسْتيأَسَ الرسلُ مِنْ قَوْمِهِمْ، وظنَّ قومُهم أَن الرُّسُلَ(1/705)
قَدْ كُذِّبُوا، جاءَهم نَصْرُنا
؛ وَسَعِيدٌ أَخذ التَّفْسِيرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وقرأَ بَعْضُهُمْ: وظَنُّوا أَنهم قَدْ كَذَبوا
أَي ظَنَّ قَوْمُهم أَن الرسلَ قَدْ كَذَبُوهُمْ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وأَصَحُّ الأَقاويل مَا رُوِّينَا عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وبقراءَتها قرأَ أَهلُ الْحَرَمَيْنِ، وأَهلُ الْبَصْرَةِ، وأَهلُ الشَّامِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: أَي لَيْسَ يَرُدُّها شيءٌ، كَمَا تَقُولُ حَمْلَةُ فُلَانٍ لَا تَكْذِبُ أَي لَا يَرُدُّ حَمْلَتُه شَيْءٌ. قَالَ: وكاذِبةٌ مَصْدَرٌ، كَقَوْلِكَ: عَافَاهُ اللهُ عافِيةً، وعاقَبَه عاقِبةً، وَكَذَلِكَ كَذَبَ كَاذِبَةً؛ وَهَذِهِ أَسماء وُضِعَتْ مَوَاضِعَ الْمُصَادَرِ، كَالْعَاقِبَةِ وَالْعَافِيَةِ وَالْبَاقِيَةِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ؟ أَي بقاءٍ. وَقَالَ الفراءُ: لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ
أَي لَيْسَ لَهَا مَرْدُودٌ وَلَا رَدٌّ، فَالْكَاذِبَةُ، هَاهُنَا، مَصْدَرٌ. يُقَالُ: حَمَلَ فَمَا كَذَبَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: مَا كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى
؛ يَقُولُ: مَا كَذَبَ فؤَادُ محمدٍ مَا رَأَى؛ يَقُولُ: قَدْ صَدَقَه فُؤَادُه الَّذِي رأَى.
وقرئَ: مَا كَذَّبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى
، وَهَذَا كُلُّه قَوْلُ الْفَرَّاءِ. وَعَنْ أَبي الْهَيْثَمِ: أَي لَمْ يَكْذِب الفُؤَادُ رُؤْيَتَه، وَمَا رَأَى بِمَعْنَى الرُّؤْية، كَقَوْلِكَ: مَا أَنْكَرْتُ مَا قَالَ زيدٌ أَي قَوْلَ زِيدٍ. وَيُقَالُ: كَذَبَني فلانٌ أَي لَمْ يَصْدُقْني فَقَالَ لِيَ الكَذِبَ؛ وأَنشد للأَخطل:
كَذَبَتْكَ عَيْنُك، أَم رأَيتَ بواسطٍ ... غَلَسَ الظَّلامِ، مِن الرَّبابِ، خَيَالا؟
مَعْنَاهُ: أَوْهَمَتْكَ عَيْنُكَ أَنها رَأَتْ، وَلَمْ تَرَ. يَقُولُ: مَا أَوْهَمه الفؤَادُ أَنه رأَى، وَلَمْ يَرَ، بَلْ صَدَقه الفُؤَادُ رُؤْيَتَه. وَقَوْلُهُ: ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ
أَي صاحِبُها كاذِبٌ، فأَوْقَعَ الجُزْءَ مَوْقِعَ الجُملة. ورُؤْيَا كَذُوبٌ: كَذَلِكَ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
فَحَيَّتْ فَحَيَّاها فَهَبَّ فَحَلَّقَتْ، ... معَ النَّجْمِ رُؤْيا، فِي المَنامِ، كَذُوبُ
والأُكْذُوبةُ: الكَذِبُ. والكاذِبةُ: اسْمٌ لِلْمَصْدَرِ، كالعَافية. وَيُقَالُ: لَا مَكْذَبة، وَلَا كُذْبى، وَلَا كُذْبانَ أَي لَا أَكْذُبك. وكَذَّبَ الرجلَ تَكْذيباً وكِذَّاباً: جَعَلَهُ كاذِباً، وَقَالَ لَهُ: كَذَبْتَ؛ وَكَذَلِكَ كَذَّب بالأَمر تَكْذيباً وكِذَّاباً. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً
. وَفِيهِ: لَا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً
أَي كَذِباً. عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. قَالَ الفراءُ: خَفَّفَهما عليُّ بْنِ أَبي طَالِبٍ، عليه السَّلَامُ، جَمِيعًا، وثَقَّلَهما عاصمٌ وأَهل الْمَدِينَةِ، وَهِيَ لُغَةٌ يَمَانِيَّةٌ فَصِيحَةٌ. يَقُولُونَ: كَذَّبْتُ بِهِ كِذَّاباً، وخَرَّقْتُ القميصَ خِرَّاقاً. وكلُّ فَعَّلْتُ فمصدرُه فِعَّالٌ، فِي لُغَتِهِمْ، مُشدّدةً. قال: وقال لي أَعرابي مَرَّةً عَلَى المَرْوَة يَسْتَفْتيني: أَلْحَلْقُ أَحَبُّ إِليك أَم القِصَّار؟ وأَنشدني بعضُ بَنِي كُلَيْب:
لقدْ طالَ مَا ثَبَّطْتَني عَنْ صَحابتي، ... وَعَنْ حِوَجٍ، قِضَّاؤُها منْ شِفائيا
وَقَالَ الفرَّاءُ:
كَانَ الْكِسَائِيُّ يُخَفِّفُ لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذاباً
، لأَنها مُقَيَّدَة بفِعْلٍ يُصَيِّرُها مَصْدَرًا، ويُشَدِّدُ: وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً
؛ لأَن كَذَّبُوا يُقَيِّدُ الكِذَّابَ. قَالَ: وَالَّذِي قَالَ حَسَنٌ، وَمَعْنَاهُ: لَا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً أَي بَاطِلًا، وَلا كِذَّاباً
أَي لَا يُكَذِّبُ بَعْضُهم(1/706)
بَعْضاً «1» ، غَيْرُهُ. وَيُقَالُ للكَذِبِ: كِذابٌ؛ ومِنه قَوْلُهُ تَعَالَى:
لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلَا كِذاباً
أَي كَذِباً؛ وأَنشد أَبو الْعَبَّاسِ قولَ أَبي دُوادٍ:
قُلْتُ لمَّا نَصَلا منْ قُنَّةٍ: ... كَذَبَ العَيْرُ وإِنْ كانَ بَرَحْ
قَالَ مَعْنَاهُ: كَذَبَ العَيْرُ أَنْ يَنْجُوَ مِنِّي أَيَّ طَريقٍ أَخَذَ، سانِحاً أَو بارِحاً؛ قَالَ: وَقَالَ الفراءُ هَذَا إِغراءٌ أَيضاً. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ، قَالَ الْكِسَائِيُّ: أَهلُ الْيَمَنِ يَجْعَلُونَ مصدرَ فَعَّلْتُ فِعَّالًا، وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعَرَبِ تَفْعِيلًا. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: كِذَّاباً أَحد مَصَادِرِ المشدَّد، لأَن مَصْدَرَهُ قَدْ يجيءُ عَلَى التَّفْعِيلِ مِثْلَ التَّكْلِيم، وَعَلَى فِعَّالٍ مِثْلَ كِذَّابٍ، وَعَلَى تَفعِلَة مِثْلَ تَوْصِيَة، وَعَلَى مُفَعَّلٍ مِثْلَ: وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ. والتَّكاذُبُ مِثْلُ التَّصادُق. وتكَذَّبُوا عَلَيْهِ: زَعَمُوا أَنه كاذِبٌ؛ قَالَ أَبو بَكْرٍ الصدِّيق، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
رسُولٌ أَتاهم صادِقٌ، فَتَكَذَّبُوا ... عَلَيْهِ وقالُوا: لَسْتَ فِينَا بماكِثِ
وتَكَذَّبَ فلانٌ إِذا تَكَلَّفَ الكَذِبَ. وأَكْذَبَه: أَلْفاه كاذِباً، أَو قَالَ لَهُ: كَذَبْتَ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ
؛ قُرِئَتْ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّثْقِيلِ. وَقَالَ الفراءُ:
وقُرِئَ لَا يُكْذِبُونَكَ
، قَالَ: وَمَعْنَى التَّخْفِيفِ، وَاللَّهُ أَعلم، لَا يَجْعَلُونَكَ كذَّاباً، وأَن مَا جئتَ بِهِ باطلٌ، لأَنهم لَمْ يُجَرِّبُوا عَلَيْهِ كَذِباً فَيُكَذِّبُوه، إِنما أَكْذَبُوه أَي قَالُوا: إِنَّ مَا جِئْتَ بِهِ كَذِبٌ، لَا يَعْرِفونه مِنَ النُّبُوَّة. قَالَ: والتَّكْذيبُ أَن يُقَالَ: كَذَبْتَ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى كَذَّبْتُه، قلتُ لَهُ: كَذَبْتَ؛ وَمَعْنَى أَكْذَبْتُه، أَرَيْتُه أَن مَا أَتى بِهِ كَذِبٌ. قَالَ: وَتَفْسِيرُ قَوْلِهِ لَا يُكَذِّبُونَكَ
، لَا يَقْدِرُونَ أَن يَقُولُوا لَكَ فِيمَا أَنْبَأْتَ بِهِ مِمَّا فِي كُتُبِهِمْ: كَذَبْتَ. قَالَ: ووَجْهٌ آخَرُ لَا يُكَذِّبُونَكَ بِقُلُوبِهِمْ، أَي يَعْلَمُونَ أَنك صَادِقٌ؛ قَالَ: وَجَائِزٌ أَن يَكُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ
أَي أَنت عِنْدَهُمْ صَدُوق، وَلَكِنَّهُمْ جَحَدُوا بأَلسنتهم، مَا تَشْهَدُ قُلُوبُهم بِكَذِبِهِمْ فِيهِ. وَقَالَ الفراءُ فِي قَوْلِهِ تعالى: فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ
؛ يَقُولُ فَمَا الَّذِي يُكَذِّبُكَ بأَن الناسَ يُدانونَ بأَعمالهم، كأَنه قَالَ: فَمَنْ يَقْدِرُ عَلَى تَكْذِيبِنَا بالثواب والعقاب، بعد ما تَبَيَّنَ لَهُ خَلْقُنا للإِنسان، عَلَى مَا وَصَفْنَا لَكَ؟ وَقِيلَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ
؛ أَي مَا يَجْعَلُكَ مُكَذِّباً، وأَيُّ شيءٍ يَجْعَلُك مُكَذِّباً بالدِّينِ أَي بِالْقِيَامَةِ؟ وَفِي التَّنْزِيلِ العزيز: وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ.
رُوِي فِي التَّفْسِيرِ أَن إِخوةَ يُوسُفَ لَمَّا طَرَحُوه فِي الجُبِّ، أَخَذُوا قميصَه، وذَبَحُوا جَدْياً، فلَطَخُوا القَمِيصَ بدَمِ الجَدْي، فَلَمَّا رأَى يعقوبُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، القَميصَ، قَالَ: كَذَبْتُمْ، لَوْ أَكَلَه الذِّئبُ لمَزَّقَ قَمِيصَهُ.
وَقَالَ الفراءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: بِدَمٍ كَذِبٍ
؛ مَعْنَاهُ مَكْذُوبٍ. قَالَ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ للكَذِبِ: مَكْذُوبٌ، وللضَّعْف مَضْعُوفٌ، وللْجَلَد: مَجْلُود، وَلَيْسَ لَهُ مَعْقُودُ رَأْيٍ، يُرِيدُونَ عَقْدَ رَأْيٍ، فيجعلونَ المصادرَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْكَلَامِ مَفْعُولًا. وحُكي عَنْ أَبي ثَرْوانَ أَنه قَالَ: إِن بَنِي نُمَيْرٍ ليس لحَدِّهم مَكْذُوبةٌ
__________
(1) . زاد في التكملة: وعن عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ كذاباً، بضم الكاف وبالتشديد، ويكون صفة على المبالغة كوضاء وحسان، يقال كذب، أي بالتخفيف، كذاباً بالضم مشدداً أي كذباً متناهياً.(1/707)
أَي كَذِبٌ. وقال الأَخفش: بِدَمٍ كَذِبٍ
، جَعَلَ الدمَ كَذِباً، لأَنه كُذِبَ فِيهِ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ. وَقَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: هَذَا مَصْدَرٌ فِي مَعْنَى مَفْعُولٍ، أَراد بدَمٍ مَكْذُوب. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: بدَمٍ كذِبٍ أَي ذِي كَذِب؛ وَالْمَعْنَى: دَمٍ مَكْذُوبٍ فِيهِ.
وقُرِئَ بدَمٍ كَدِبٍ
، بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَرْجَمَةِ كَدَبَ. ابْنُ الأَنباري فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ
، قَالَ: سأَل سَائِلٌ كَيْفَ خَبَّر عَنْهُمْ أَنهم لَا يُكَذِّبُونَ النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، وَقَدْ كَانُوا يُظْهِرون تَكْذيبه ويُخْفُونه؟ قَالَ: فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقوال: أَحدها فإِنهم لَا يُكَذِّبُونَك بِقُلُوبِهِمْ، بَلْ يُكَذِّبُونَكَ بأَلسنتهم؛ وَالثَّانِي قراءَة نَافِعٍ وَالْكِسَائِيِّ، ورُويَتْ
عَنْ عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فإِنهم لَا يُكْذِبُونَك
، بِضَمِّ الياءِ، وَتَسْكِينِ الْكَافِ، عَلَى مَعْنَى لَا يُكَذِّبُونَ الَّذِي جِئْتَ بِهِ، إِنما يَجْحدون بِآيَاتِ اللَّهِ ويَتَعَرَّضُون لعُقوبته. وَكَانَ الْكِسَائِيُّ يَحْتَجُّ لِهَذِهِ القراءَة، بأَن الْعَرَبَ تَقُولُ: كَذَّبْتُ الرجلَ إِذا نَسَبَتْهُ إِلى الكَذِبِ؛ وأَكْذَبْتُه إِذا أَخبرت أَن الَّذِي يُحَدِّثُ بِهِ كَذِبٌ؛ قَالَ ابْنُ الأَنباري: وَيُمْكِنُ أَن يَكُونَ: فإِنهم لَا يُكْذِبُونَكَ، بِمَعْنَى لَا يَجدونَكَ كَذَّاباً، عِنْدَ البَحْث والتَّدَبُّر والتَّفْتيش. وَالثَّالِثُ أَنهم لَا يُكَذِّبُونَك فِيمَا يَجِدونه مُوَافِقًا فِي كِتَابِهِمْ، لأَن ذَلِكَ مِنْ أَعظم الْحُجَجِ عَلَيْهِمْ. الْكِسَائِيُّ: أَكْذَبْتُه إِذا أَخْبَرْتَ أَنه جاءَ بالكَذِبِ، وَرَوَاهُ: وكَذَّبْتُه إِذا أَخْبَرْتَ أَنه كاذِبٌ؛ وَقَالَ ثَعْلَبٌ: أَكْذَبه وكَذَّبَه، بِمَعْنًى؛ وَقَدْ يَكُونُ أَكْذَبَه بِمَعْنَى بَيَّن كَذِبَه، أَو حَمَلَه عَلَى الكَذِب، وَبِمَعْنَى وجَدَه كَاذِبًا. وكاذَبْتُه مُكاذَبةً وكِذاباً: كَذَّبْتُه وكَذَّبني؛ وَقَدْ يُستعمل الكَذِبُ فِي غَيْرِ الإِنسان، قَالُوا: كَذَبَ البَرْقُ، والحُلُمُ، والظَّنُّ، والرَّجاءُ، والطَّمَعُ؛ وكَذَبَتِ العَيْنُ: خَانَهَا حِسُّها. وكذَبَ الرأْيُ: تَوهَّمَ الأَمرَ بخلافِ مَا هُوَ بِهِ. وكَذَبَتْهُ نَفْسُه: مَنَّتْهُ بِغَيْرِ الْحَقِّ. والكَذوبُ: النَّفْسُ، لِذَلِكَ قَالَ:
إِني، وإِنْ مَنَّتْنيَ الكَذُوبُ، ... لَعالِمٌ أَنْ أَجَلي قَريبُ
أَبو زَيْدٍ: الكَذُوبُ والكَذُوبةُ: مِنْ أَسماءِ النَّفْس. ابْنُ الأَعرابي: المَكْذُوبة مِنَ النساءِ الضَّعيفة. والمَذْكُوبة: المرأَة الصَّالِحَةُ. ابْنُ الأَعرابي: تَقُولُ الْعَرَبُ للكَذَّابِ: فلانٌ لَا يُؤَالَفُ خَيْلاه، وَلَا يُسايَرُ خَيْلاه كَذِباً؛ أَبو الْهَيْثَمِ، أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ لَبِيدٌ:
أَكْذِبِ النَّفْسَ إِذَا حَدَّثْتَها
يَقُولُ: مَنِّ نَفْسَكَ العَيْشَ الطويلَ، لتَأْمُلَ الآمالَ الْبَعِيدَةَ، فتَجِدَّ فِي الطَّلَب، لأَنَّك إِذا صَدَقْتَها، فقلتَ: لَعَلَّكِ تموتينَ اليومَ أَو غَدًا، قَصُرَ أَمَلُها، وضَعُفَ طَلَبُها؛ ثُمَّ قَالَ:
غَيْرَ أَنْ لَا تَكْذِبَنْها فِي التُّقَى
أَي لَا تُسَوِّفْ بِالتَّوْبَةِ، وتُصِرَّ عَلَى المَعْصية. وكَذَبَتْهُ عَفَّاقَتُه، وَهِيَ اسْتُه وَنَحْوُهُ كَثِيرٌ. وكَذَّبَ عَنْهُ: رَدَّ، وأَراد أَمْراً، ثُمَّ كَذَّبَ عَنْهُ أَي أَحْجَم. وكَذَبَ الوَحْشِيُّ وكَذَّبَ: جَرى شَوْطاً، ثُمَّ وَقَفَ لِيَنْظُرَ مَا وَرَاءَهُ. وَمَا كَذَّبَ أَنْ فَعَلَ ذَلِكَ تَكْذيباً أَي مَا كَعَّ وَلَا لَبِثَ. وحَمَلَ عَلَيْهِ فَمَا كَذَّبَ، بِالتَّشْدِيدِ، أَي(1/708)
مَا انْثَنى، وَمَا جَبُنَ، وَمَا رَجَعَ؛ وَكَذَلِكَ حَمَلَ فَمَا هَلَّلَ؛ وحَمَلَ ثُمَّ كَذَّبَ أَي لَمْ يَصْدُقِ الحَمْلَة؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
لَيْثٌ بِعَثَّرَ يَصْطَادُ الرجالَ، إِذا ... مَا الليثُ كَذَّبَ عَنْ أَقْرانه صَدَقا
وَفِي حَدِيثِ
الزُّبَيْرِ: أَنه حمَلَ يومَ اليَرْمُوكِ عَلَى الرُّوم، وَقَالَ لِلْمُسْلِمِينَ: إِن شَدَدْتُ عَلَيْهِمْ فَلَا تُكَذِّبُوا
أَي لَا تَجْبُنُوا وتُوَلُّوا. قَالَ شَمِرٌ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا حَملَ ثُمَّ وَلَّى وَلَمْ يَمْضِ: قَدْ كَذَّبَ عَنْ قِرْنه تَكْذيباً، وأَنشد بَيْتَ زُهَيْرٍ. والتَّكْذِيبُ فِي الْقِتَالِ: ضِدُّ الصِّدْقِ فِيهِ. يُقَالُ: صَدَقَ القِتالَ إِذا بَذَلَ فِيهِ الجِدَّ. وكَذَّبَ إِذا جَبُن؛ وحَمْلةٌ كاذِبةٌ، كَمَا قَالُوا فِي ضِدِّها: صادقةٌ، وَهِيَ المَصْدوقةُ والمَكْذُوبةُ فِي الحَمْلةِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
صَدَقَ اللهُ وكَذَبَ بَطْنُ أَخِيك
؛ اسْتُعْمِلَ الكَذِبُ هَاهُنَا مَجَازًا، حَيْثُ هُوَ ضِدُّ الصِّدْقِ، والكَذِبُ يَخْتَصُّ بالأَقوال، فجعَل بطنَ أَخيه حَيْثُ لَمْ يَنْجَعْ فِيهِ العَسَلُ كَذِباً، لأَنَّ اللَّهَ قَالَ: فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ. وَفِي حَدِيثِ
صلاةِ الوِتْرِ: كَذَبَ أَبو مُحَمَّدٍ
أَي أَخْطأَ؛ سَمَّاهُ كَذِباً، لأَنه يُشْبهه فِي كَوْنِهِ ضِدَّ الصَّوَابِ، كَمَا أَن الكَذِبَ ضدُّ الصِّدْقِ، وإِنِ افْتَرَقا مِنْ حَيْثُ النيةُ والقصدُ، لأَن الكاذبَ يَعْلَمُ أَن مَا يَقُولُهُ كَذِبٌ، والمُخْطِئُ لَا يَعْلَمُ، وَهَذَا الرَّجُلُ لَيْسَ بمُخْبِرٍ، وإِنما قَالَهُ بِاجْتِهَادٍ أَدَّاه إِلى أَن الْوَتْرَ وَاجِبٌ، وَالِاجْتِهَادُ لَا يَدْخُلُهُ الكذبُ، وإِنما يدخله الخطَأُ؛ وأَبو مُحَمَّدٍ صَحَابِيٌّ، وَاسْمُهُ مَسْعُودُ بْنُ زَيْدٍ؛ وَقَدِ اسْتَعْمَلَتِ العربُ الكذِبَ فِي مَوْضِعِ الخطإِ؛ وأَنشد بَيْتَ الأَخطل:
كَذَبَتْكَ عينُكَ أَم رأَيتَ بواسِطٍ
وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
وَمَا فِي سَمْعِهِ كَذِبُ
وَفِي حَدِيثِ
عُرْوَةَ، قِيلَ لَهُ: إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ إِن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَبِثَ بِمَكَّةَ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَقَالَ: كَذَبَ
، أَي أَخْطَأَ. وَمِنْهُ
قَوْلُ عِمْرانَ لسَمُرَة حِينَ قَالَ: المُغْمَى عَلَيْهِ يُصَلِّي مَعَ كُلِّ صلاةٍ صَلَاةً حَتَّى يَقْضِيَها، فَقَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّهُ يُصَلِّيهن مَعًا
، أَي أَخْطَأْتَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا يَصْلُحُ الكذِبُ إِلا فِي ثَلَاثٍ
؛ قِيلَ: أَرادَ بِهِ مَعارِيضَ الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ كَذِبٌ مِنْ حَيْثُ يَظُنُّه السامعُ، وصِدْقٌ مِنْ حيثُ يقوله القائلُ، كَقَوْلِهِ: إِنَّ فِي المَعاريض لَمَنْدوحةً عَنِ الكَذِب، وَكَالْحَدِيثِ الْآخَرِ:
أَنه كَانَ إِذا أَراد سَفَرًا ورَّى بِغَيْرِهِ.
وكَذَبَ عَلَيْكُمُ الحجُّ، والحجَّ؛ مَنْ رَفَعَ، جَعَلَ كَذَبَ بِمَعْنَى وَجَبَ، ومَن نَصَبَ، فعَلى الإِغراءِ، وَلَا يُصَرَّفُ مِنْهُ آتٍ، وَلَا مصدرٌ، وَلَا اسْمُ فَاعِلٍ، وَلَا مفعولٌ، وَلَهُ تعليلٌ دَقِيقٌ، ومعانٍ غامِضةٌ تجيءُ فِي الأَشعار. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَذَبَ عَلَيْكُمُ الحجُّ، كَذَبَ عَلَيْكُمُ العُمْرةُ، كَذَبَ عَلَيْكُمُ الجِهادُ، ثلاثةُ أَسفارٍ كَذَبْنَ عَلَيْكُمْ
؛ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: كأَن كَذَبْنَ، هَاهُنَا، إِغْراءٌ أَي عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الأَشياءِ الثَّلَاثَةِ. قَالَ: وَكَانَ وجهُه النصبَ عَلَى الإِغراءِ، وَلَكِنَّهُ جاءَ شَاذًّا مَرْفُوعًا؛ وَقِيلَ مَعْنَاهُ: وَجَبَ عَلَيْكُمُ الحجُّ؛ وَقِيلَ مَعْنَاهُ: الحَثُّ والحَضُّ. يَقُولُ: إِنَّ الحجَّ ظنَّ بِكُمْ حِرصاً عَلَيْهِ، ورَغبةً فِيهِ، فكذَبَ ظَنُّه لِقِلَّةِ رَغْبَتِكُمْ فِيهِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مَعْنَى كَذَبَ عَلَيْكُمُ الحجُّ عَلَى كلامَين: كأَنه قَالَ كَذَب الحجُّ عليكَ الحجُّ أَي ليُرَغِّبْك الحجُّ؛ هُوَ واجبٌ عَلَيْكَ؛ فأَضمَر الأَوَّل لِدَلَالَةِ الثَّانِي عَلَيْهِ؛ ومَن نَصَبَ الحجَّ،(1/709)
فَقَدْ جَعَلَ عَلَيْكَ اسمَ فِعْلٍ، وَفِي كذَبَ ضَمِيرُ الحجِّ، وَهِيَ كلمةٌ نادرةٌ، جاءَت عَلَى غَيْرِ القِياس. وقيل: كَذَب عليكم الحَجُّ أَي وَجَبَ عَلَيْكُمُ الحَجُّ. وَهُوَ فِي الأَصل، إِنما هُوَ: إِن قِيلَ لَا حَجَّ، فَهُوَ كَذِبٌ؛ ابْنُ شُمَيْلٍ: كذبَك الحجُّ أَي أَمكَنَك فحُجَّ، وكذَبك الصَّيدُ أَي أَمكنَك فارْمِه؛ قَالَ: ورفْعُ الْحَجِّ بكَذَبَ مَعْنَاهُ نَصْبٌ، لأَنه يُرِيدُ أَن يَأْمُر بِالْحَجِّ، كَمَا يُقَالُ أَمْكَنَك الصَّيدُ، يريدُ ارْمِه؛ قَالَ عَنْتَرَةُ يُخاطبُ زَوْجَتَهُ:
كَذَبَ العَتيقُ، وماءُ شَنٍّ بارِدٌ، ... إِنْ كُنْتِ سائِلَتي غَبُوقاً، فَاذْهَبِي
يَقُولُ لَهَا: عليكِ بأَكل العَتيق، وَهُوَ التَّمْرُ الْيَابِسُ، وشُرْبِ الماءِ الْبَارِدِ، وَلَا تتعرَّضي لغَبُوقِ اللَّبن، وَهُوَ شُرْبه عَشِيّاً، لأَنَّ اللَّبَنَ خَصَصْتُ بِهِ مُهري الَّذِي أَنتفع بِهِ، ويُسَلِّمُني وإِياكِ مِنْ أَعدائي. وَفِي حَدِيثِ
عُمَر: شَكَا إِليه عَمْرُو بْنُ مَعْدِيكَرِبَ أَو غَيْرُهُ النِّقْرِسَ، فَقَالَ: كذَبَتْكَ الظَّهائِرُ
أَي عَلَيْكَ بِالْمَشْيِ فِيهَا؛ وَالظَّهَائِرُ جَمْعُ ظَهِيرَةٍ، وَهِيَ شِدَّةُ الْحَرِّ. وَفِي رِوَايَةٍ:
كَذَبَ عَلَيْكَ الظواهرُ
، جَمْعُ ظَاهِرَةٍ، وَهِيَ مَا ظَهَرَ مِنَ الأَرض وارْتَفَع. وَفِي حَدِيثٍ لَهُ آخَرَ:
إِن عَمْرَو بْنَ مَعْدِيكَرِبَ شَكا إِليه المَعَص، فَقَالَ: كَذَبَ عَلَيْكَ العَسَلُ
، يُرِيدُ العَسَلانَ، وَهُوَ مَشْيُ الذِّئب، أَي عَلَيْكَ بسُرعةِ الْمَشْيِ؛ والمَعَصُ، بِالْعَيْنِ الْمُهْمِلَةِ، التواءٌ فِي عصَبِ الرِّجل؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
عليٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: كذَبَتْكَ الحارقَةُ
أَي عَلَيْكَ بمثْلِها؛ والحارِقةُ: المرأَة الَّتِي تَغْلِبُها شهوَتُها، وَقِيلَ: الضَّيِّقَةُ الفَرْج. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَالَ الأَصمعي مَعْنَى كذَبَ عَلَيْكُمْ، مَعنى الإِغراء، أَي عَلَيْكُمْ بِهِ؛ وكأَن الأَصلَ فِي هَذَا أَن يكونَ نَصْباً، وَلَكِنَّهُ جاءَ عَنْهُمْ بِالرَّفْعِ شَاذًّا، عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ؛ قَالَ: وَمِمَّا يُحَقِّقُ ذَلِكَ أَنه مَرفوعٌ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
كَذَبْتُ عَلَيكَ لَا تزالُ تَقوفُني، ... كَمَا قافَ، آثارَ الوَسيقةِ، قائفُ
فَقَوْلُهُ: كذَبْتُ عَلَيْكَ، إِنما أَغْراه بِنَفْسِهِ أَي عَليكَ بِي، فَجَعَلَ نَفْسَه فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، أَلا تَرَاهُ قَدْ جاءَ بالتاءِ فَجَعَلها اسْمَه؟ قَالَ مُعَقِّرُ بْنُ حِمَارٍ البارقيُّ:
وذُبْيانيَّة أَوصَتْ بَنِيها ... بأَنْ كَذَبَ القَراطِفُ والقُروفُ
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَلَمْ أَسْمَعْ فِي هَذَا حَرْفًا مَنْصُوبًا إِلا فِي شيءٍ كَانَ أَبو عُبَيْدَةَ يَحْكِيهِ عَنْ أَعرابيٍّ نَظر إِلى نَاقَةٍ نِضْوٍ لِرَجُلٍ، فَقَالَ: كذَبَ عليكَ البَزْرُ والنَّوَى؛ وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ الضَّرِير فِي قَوْلِهِ:
كذَبْتُ عَلَيْكَ لَا تزالُ تقُوفُني
أَي ظَنَنْتُ بِكَ أَنك لَا تَنامُ عَنْ وِتْري، فَكَذَبْتُ عَلَيْكُمْ؛ فأَذَلَّه بِهَذَا الشِّعْرِ، وأَخْمَلَ ذِكْرَه؛ وَقَالَ فِي قَوْلِهِ:
بأَن كَذَبَ القَراطِفُ والقُروفُ
قَالَ: القَراطِفُ أَكْسِيَةٌ حُمْر، وَهَذِهِ امرأَة كَانَ لَهَا بَنُونَ يركَبُونَ فِي شَارَةٍ حَسَنةٍ، وَهُمْ فُقَراء لَا يَمْلكُون وراءَ ذَلِكَ شَيْئًا، فساءَ ذَلِكَ أُمَّهُم لأَنْ رأَتْهم فُقراءَ، فَقَالَتْ: كَذَبَ القَراطِفُ أَي إِنَّ زِينَتهم هَذِهِ كاذبةٌ، لَيْسَ وراءَها عِنْدَهُمْ شيءٌ. ابْنُ السِّكِّيتِ: تَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذا أَمَرْتَه بشيءٍ وأَغْرَيْته: كَذَب علَيك كَذَا وَكَذَا أَي عليكَ بِهِ، وَهِيَ كَلِمَةٌ نادرةٌ؛ قَالَ وأَنشدني ابْنُ الأَعرابي(1/710)
لخِداشِ بْنِ زُهَير:
كَذَبْتُ عَلَيْكُمْ، أَوْعِدُوني وعَلِّلُوا ... بيَ الأَرضَ والأَقْوامَ قِرْدانَ مَوْظِبِ
أَي عَلَيْكُمْ بِي وَبِهِجَائِي إِذا كُنْتُمْ فِي سَفَرٍ، واقْطَعُوا بِذِكْري الأَرضَ، وأَنْشِدوا القومَ هِجَائِي يَا قِرْدانَ مَوْظِبٍ. وكَذَبَ لَبنُ النَّاقَةِ أَي ذهَبَ، هَذِهِ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وكَذَبَ البعيرُ فِي سَيره إِذا ساءَ سيرُه؛ قَالَ الأَعشى:
جُمالِيَّةٌ تَغْتَلي بالرِّداف، ... إِذا كَذَبَ الآثِماتُ الهَجيرا
ابْنُ الأَثير فِي الْحَدِيثِ:
الحجامةُ عَلَى الرِّيق فِيهَا شِفاءٌ وبَرَكة، فَمَنِ احْتَجَمَ فيومُ الأَحدِ والخميسِ كَذَباك أَو يومُ الِاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاءِ
؛ مَعْنَى كَذَباك أَي عَلَيْكَ بِهِمَا، يَعْنِي الْيَوْمَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هَذِهِ كلمةٌ جَرَتْ مُجْرى المَثَل فِي كَلَامِهِمْ، فَلِذَلِكَ لَمْ تُصَرَّفْ، ولزِمَتْ طَريقةً وَاحِدَةً، فِي كَوْنِهَا فِعْلًا مَاضِيًا مُعَلَّقاً بالمُخاطَب وحْدَه، وَهِيَ فِي مَعْنَى الأَمْرِ، كَقَوْلِهِمْ فِي الدعاءِ: رَحِمَك اللَّهُ أَي لِيَرْحَمْكَ اللهُ. قَالَ: وَالْمُرَادُ بِالْكَذِبِ الترغيبُ والبعثُ؛ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: كَذَبَتْه نَفْسُه إِذا مَنَّتْه الأَمانيَّ، وخَيَّلَت إِليه مِنَ الْآمَالِ مَا لَا يكادُ يَكُونُ، وَذَلِكَ مِمَّا يُرَغِّبُ الرجلَ فِي الأُمور، ويَبْعَثُه عَلَى التَّعرُّض لَهَا؛ وَيَقُولُونَ فِي عَكْسِهِ صَدَقَتْه نَفْسُه، وخَيَّلَتْ إِليه العَجْزَ والنَّكَدَ فِي الطَّلَب. ومِن ثَمَّ قَالُوا للنَّفْسِ: الكَذُوبُ. فَمَعْنَى قَوْلِهِ كذَباك أَي ليَكْذِباك ولْيُنَشِّطاكَ ويَبْعَثاك عَلَى الْفِعْلِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَدْ أَطْنَبَ فِيهِ الزَّمَخْشَرِيُّ وأَطالَ، وَكَانَ هَذَا خلاصةَ قَوْلِهِ؛ وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: كأَنَّ كَذَبَ، هَاهُنَا، إِغراءٌ أَي عَلَيْكَ بِهَذَا الأَمر، وَهِيَ كَلِمَةٌ نَادِرَةٌ، جاءَت عَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ. يُقَالُ: كَذَبَ عَلَيْكَ أَي وَجَبَ عَلَيْكَ. والكَذَّابةُ: ثوبٌ يُصْبغ بأَلوانٍ يُنْقَشُ كأَنه مَوْشِيٌّ. وَفِي حَدِيثِ
المَسْعُودِيِّ: رأَيتُ فِي بَيْتِ الْقَاسِمِ كَذَّابَتَين فِي السَّقْفِ
؛ الكَذَّابةُ: ثوبٌ يُصَوَّرُ ويُلْزَقُ بسَقْفِ الْبَيْتِ؛ سُميت بِهِ لأَنها تُوهم أَنها فِي السَّقْف، وإِنما هِيَ فِي الثَّوْب دُونَه. والكَذَّابُ: اسمٌ لِبَعْضِ رُجَّازِ العَرب. والكَذَّابانِ: مُسَيْلِمةُ الحَنَفِيُّ والأَسوَدُ العَنْسِيُّ.
كرب: الكَرْبُ: عَلَى وَزْن الضَّرْبِ مَجْزُومٌ: الحُزْنُ والغَمُّ الَّذِي يأْخذُ بالنَّفْس، وَجَمْعُهُ كُرُوبٌ. وكَرَبه الأَمْرُ والغَمُّ يَكْرُبهُ كَرْباً: اشْتَدَّ عَلَيْهِ، فَهُوَ مَكْرُوبٌ وكَرِيبٌ، وَالِاسْمُ الكُرْبة؛ وإِنه لمَكْرُوبُ النَّفْسِ. والكَرِيبُ: المَكْروبُ. وأَمْرٌ كارِبٌ. واكْترَبَ لِذَلِكَ: اغْتَمَّ. والكَرائبُ: الشدائدُ، الواحدةُ كَرِيبةٌ؛ قَالَ سَعْدُ بْنُ ناشِبٍ المازِنيُّ:
فيالَ رِزامٍ رَشِّحُوا بِي مُقَدَّماً ... إِلى المَوْتِ، خَوّاضاً إِليه الكَرائِبا
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: مُقَدَّماً مَنْصُوبٌ برَشِّحُوا، عَلَى حَذْفٍ مَوْصُوفٍ، تَقْدِيرُهُ: رَشِّحُوا بِي رَجُلًا مُقَدَّماً؛ وأَصل التَّرْشيح: التَّرْبِيَةُ والتَّهْيِئَةُ؛ يُقَالُ: رُشِّحَ فلانٌ للإِمارة أَي هُيِّئَ لَهَا، وَهُوَ لَهَا كُفؤٌ. وَمَعْنَى رَشِّحُوا بِي مُقَدَّماً أَي اجْعَلُوني كُفؤاً مُهَيَّأً لِرَجُلٍ شُجاع؛ وَيُرْوَى: رَشِّحُوا بِي مُقَدِّماً أَي رَجُلًا مُتَقَدِّماً، وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِمْ وَجَّهَ فِي مَعْنَى توجَّه، ونَبَّه فِي مَعْنَى تَنَبَّه، ونَكَّبَ فِي مَعْنَى تَنكَّبَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
كَانَ إِذا أَتاه الوحيُ كُرِبَ(1/711)
لَهُ
«2» أَي أَصابَهُ الكَرْبُ، فَهُوَ مَكْروبٌ. وَالَّذِي كَرَبه كارِبٌ. وكَرَبَ الأَمْرُ يَكْرُبُ كُرُوباً: دَنا. يُقَالُ كَرَبَتْ حياةُ النارِ أَي قَرُبَ انْطِفاؤُها؛ قَالَ عبدُ القيسِ بنُ خُفافٍ البُرْجُمِيُّ «3» :
أَبُنَيَّ إِنَّ أَباكَ كارِبُ يَومِهِ، ... فإِذا دُعِيتَ إِلى المَكارِمِ فاعْجَلِ
أُوصِيكَ إِيْصاءَ امْرِئٍ، لَكَ، ناصِحٍ، ... طَبِنٍ برَيْبِ الدَّهْرِ غَيرِ مُغَفَّلِ
اللهَ فاتَّقْهِ، وأَوْفِ بِنَذْرِهِ، ... وإِذا حَلَفْتَ مُبارِياً فَتَحَلَّلِ
والضَّيْفَ أَكْرِمْهُ، فإِنَّ مَبِيتَه ... حَقٌّ، وَلَا تَكُ لُعْنَةً للنُّزَّلِ
واعْلَمْ بأَنَّ الضَّيفَ مُخْبِرُ أَهْلِه ... بمَبِيتِ لَيْلَتِه، وإِنْ لَمْ يُسْأَلِ
وَصِلِ المُواصِلَ مَا صَفَا لَكَ وُدُّه، ... واجْذُذْ حِبالَ الخَائِن المُتَبَذِّلِ
واحْذَرْ مَحَلَّ السوءِ، لَا تَحْلُلْ بِهِ، ... وإِذا نَبَا بِكَ مَنْزِلٌ فَتَحَوَّلِ
واسْتَأْنِ حِلْمَكَ فِي أُمورِكَ كُلِّها، ... وإِذا عَزَمْتَ عَلَى الْهَوَى فَتَوَكَّلِ
واسْتَغْنِ، مَا أَغْناكَ رَبُّك، بالغِنَى، ... وإِذا تُصِبْكَ خَصاصَةٌ فتَجَمَّلِ
وإِذا افْتَقَرْتَ، فَلَا تُرَى مُتَخَشِّعاً ... تَرْجُو الفَواضلَ عِنْدَ غيرِ المِفْضَلِ
وإِذا تَشاجَرَ فِي فُؤَادِك، مَرَّةً، ... أَمْرانِ، فاعْمِدْ للأَعَفِّ الأَجْمَلِ
وإِذا هَمَمْتَ بأَمْرِ سُوءٍ فاتَّئِدْ، ... وإِذا هَمَمْتَ بأَمْرِ خَيْرٍ فاعْجَلِ
وإِذا رَأَيْتَ الباهِشِينَ إِلى النَّدَى ... غُبْراً أَكُفُّهُمُ بقاعٍ مُمْحِلِ
فأَعِنْهُمُ وايْسِرْ بِمَا يَسَرُوا بِهِ، ... وإِذا هُمُ نَزَلُوا بضَنْكٍ، فانْزِلِ
وَيُرْوَى: فابْشَرْ بِمَا بَشِرُوا بِهِ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي التَّرْجَمَتَيْنِ. وكُلُّ شيءٍ دَنا: فَقَدْ كَرَبَ. وَقَدْ كَرَبَ أَن يَكُونَ، وكَرَبَ يكونُ، وَهُوَ، عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، أَحدُ الأَفعال الَّتِي لَا يُستعمل اسْمُ الْفَاعِلِ مِنْهَا موضعَ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ خَبَرُهَا؛ لَا تَقُولُ كَرَب كَائِنًا؛ وكَرَبَ أَن يَفْعَلَ كَذَا أَي كادَ يَفْعَلُ؛ وكَرَبَتِ الشمسُ للمَغِيب: دَنَتْ؛ وكَرَبَتِ الشمسُ: دَنَتْ للغُروب؛ وكَرَبَتِ الجاريةُ أَن تُدْرِكَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
فإِذا اسْتَغْنَى أَو كَرَبَ اسْتَعَفَ
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: كَرَبَ أَي دَنا مِنْ ذَلِكَ وقَرُبَ. وكلُّ دانٍ قريبٍ، فَهُوَ كارِبٌ. وَفِي حَدِيثِ
رُقَيْقَةَ: أَيْفَعَ الغُلامُ أَو كَرَبَ
أَي قارَبَ الإِيفاع. وكِرابُ المَكُّوكِ وَغَيْرِهِ مِنَ الآنِيَةِ: دونَ الجِمام. وإِناءٌ كَرْبانُ إِذا كَرَبَ أَنْ يَمْتَلِئَ؛ وجُمْجُمَة كَرْبى، وَالْجَمْعُ كَرْبى وكِرابٌ؛ وَزَعَمَ يَعْقُوبُ أَن كافَ كَرْبانَ بَدَلٌ مِنْ قَافِ قَرْبانَ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَيْسَ بشيءٍ.
__________
(2) . قوله [إِذَا أَتَاهُ الْوَحْيُ كُرِبَ له] كذا ضبط بالبناء للمجهول بنسخ النهاية ويعينه ما بعده ولم يتنبه الشارح له فقال: وكرب كسمع أصابه الكرب ومنه الحديث إلخ مغتراً بضبط شكل محرف في بعض الأَصول فجعله أصلًا برأسه وليس بالمنقول
(3) . قوله [قال عبد القيس إلخ] كذا في التهذيب. والذي في المحكم قَالَ خُفَافُ بْنُ عَبْدِ القيس البرجمي.(1/712)
الأَصمعي: أَكْرَبْتُ السِّقاءَ إِكْراباً إِذا مَلأْتَه؛ وأَنشد:
بَجَّ المَزادِ مُكْرَباً تَوْكِيرَا
وأَكْرَبَ الإِناءَ: قارَبَ مَلأَه. وَهَذِهِ إِبلٌ مائةٌ أَو كَرْبُها أَي نحوُها وقُرابَتُها. وقَيْدٌ مَكْرُوبٌ إِذا ضُيِّقَ. وكَرَبْتُ القَيْدَ إِذا ضَيَّقْتَه عَلَى المُقَيَّدِ؛ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَنَمَة الضَّبِّيُّ:
ازْجُرْ حِمارَك لَا يَرْتَعْ برَوْضَتِنا، ... إِذاً يُرَدُّ، وقَيْدُ العَيْرِ مَكْرُوبُ
ضَرَبَ الحمارَ ورَتْعَه فِي رَوْضتِهم مَثَلًا أَي لَا تَعَرَّضَنّ لشَتْمِنا، فإِنا قَادِرُونَ عَلَى تَقْيِيدِ هَذَا العَيْرِ ومَنْعه مِنَ التَّصَرُّفِ؛ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي شِعْرِهِ:
أُرْدُدْ حِمارَك لَا يَنْزِعْ سَوِيَّتَه، ... إِذاً يُرَدُّ، وقَيْدُ العَيْرِ مَكْرُوبُ
والسَّويَّةُ: كِساءٌ يُحْشَى بثُمام وَنَحْوِهِ كالبَرْذَعَة، يُطْرَحُ عَلَى ظَهْرِ الْحِمَارِ وَغَيْرِهِ، وَجَزْمُ يَنْزِعْ عَلَى جَوَابِ الأَمر، كأَنه قَالَ: إِنْ تَرْدُدْهُ لَا يَنْزِعْ سَوِيَّتَه الَّتِي عَلَى ظَهْرِهِ. وَقَوْلُهُ: إِذاً يُرَدُّ جوابٌ، عَلَى تَقْدِيرِ أَنه قَالَ: لَا أَرُدُّ حِمارِي، فَقَالَ مُجِيبًا لَهُ: إِذاً يُرَدُّ. وكَرَبَ وظِيفَيِ الْحِمَارِ أَو الْجَمَلِ: دَانَى بَيْنَهُمَا بِحَبْلٍ أَو قَيْدٍ. وكارَبَ الشيءَ: قارَبه. وأَكْرَبَ الرجلُ: أَسْرَعَ. وخُذْ رِجْلَيْكَ بأَكْرابٍ إِذا أُمِرَ بالسُّرْعة، أَي اعْجَلْ وأَسْرِعْ. قَالَ اللَّيْثُ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ: أَكْرَبَ الرجلُ إِذا أَخذ رِجْلَيْه بأَكْرابٍ، وقَلَّما يُقَالُ: وأَكْرَبَ الفرسُ وغيرُه مِمَّا يَعْدُو: أَسْرَعَ؛ هَذِهِ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. أَبو زَيْدٍ: أَكْرَبَ الرجلُ إِكْراباً إِذا أَحْضَرَ وعَدا. وكَرَبْتُ الناقةَ: أَوقَرْتُها. الأَصمعي: أُصولُ السَّعَفِ الغِلاظُ هِيَ الكَرانِيفُ، واحدتُها كِرْنافةٌ، والعَريضَة الَّتِي تَيْبَسُ فتصيرُ مِثلَ الكَتِفِ، هِيَ الكَرَبة. ابْنُ الأَعرابي: سُمِّيَ كَرَبُ النَّخْلِ كَرَباً لأَنه اسْتُغْنِيَ عَنْهُ، وكَرَبَ أَن يُقْطَعَ ودَنا مِنْ ذَلِكَ. وكَرَبُ النخلِ: أُصُولُ السَّعَفِ؛ وَفِي الْمُحْكَمِ: الكَرَبُ أُصُولُ السَّعَفِ الغِلاظُ العِراضُ الَّتِي تَيْبَسُ فتصيرُ مثلَ الكَتِفِ، واحدتُها كَرَبةٌ. وَفِي صِفَةِ نَخْلِ الْجَنَّةِ: كَرَبُها ذَهَبٌ، هو بِالتَّحْرِيكِ، أَصلُ السَّعَفِ؛ وَقِيلَ: مَا يَبْقَى مِنْ أُصوله فِي النَّخْلَةِ بَعْدَ الْقَطْعِ كالمَراقي؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ هُنَا وَفِي الْمَثَلِ:
مَتَّى كَانَ حُكمُ اللَّهِ فِي كَرَبِ النخلِ؟
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: لَيْسَ هَذَا الشَّاهِدُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ مَثَلًا، وإِنما هُوَ عَجُزُ بَيْتٍ لِجَرِيرٍ؛ وَهُوَ بِكَمَالِهِ:
أَقولُ وَلَمْ أَمْلِكْ سَوابقَ عَبْرةٍ: ... مَتَى كَانَ حُكْمُ اللهِ فِي كَرَبِ النخلِ؟
قَالَ ذَلِكَ لَمَّا بَلَغه أَنَّ الصَّلَتانَ العَبْدِيَّ فَضَّلَ الفرزدقَ عَلَيْهِ فِي النَّسِيب، وفَضَّلَ جَرِيرًا عَلَى الْفَرَزْدَقِ فِي جَوْدَةِ الشِّعْر فِي قَوْلِهِ:
أَيا شاعِراً لَا شاعِرَ اليومَ مِثْلُه، ... جَريرٌ، وَلَكِنْ فِي كُلَيْبٍ تَواضُعُ
فَلَمْ يَرْضَ جريرٌ قولَ الصَّلَتان، ونُصْرَتَه الفرزدقَ. قُلْتُ: هَذِهِ مشاحَّةٌ مِنَ ابْنِ بَرِّيٍّ لِلْجَوْهَرِيِّ فِي قَوْلِهِ: لَيْسَ هَذَا الشاهدُ مَثَلًا، وإِنما هُوَ عَجُزُ بَيْتٍ لِجَرِيرٍ. والأَمثال قَدْ وَرَدَتْ شِعْراً، وغيرَ شِعْرٍ، وَمَا يَكُونُ شِعْرًا لَا يَمْتَنِعُ أَن يَكُونَ مَثَلًا. والكَرَابة والكُرابَة: التَّمْر الَّذِي يُلْتَقَطُ مِنْ(1/713)
أُصول الكَرَب، بَعْدَ الجَدَادِ، والضمُّ أَعْلى، وَقَدْ تَكَرَّبَها. الْجَوْهَرِيُّ: والكُرَابة، بِالضَّمِّ، مَا يُلْتَقَطُ مِنَ التَّمْر فِي أُصُول السَّعَفِ بعد ما تَصَرَّمَ. الأَزهري: يُقَالُ تَكَرَّبْتُ الكُرَابَةَ إِذا تَلَقَّطْتَها، مِنَ الكَرَب. والكَرَبُ: الحَبْلُ الَّذِي يُشَدُّ عَلَى الدَّلْو، بَعْدَ المَنِينِ، وَهُوَ الحَبْل الأَوّل، فإِذا انْقَطَع المنِينُ بَقِيَ الكَرَبُ. ابْنُ سِيدَهْ: الكَرَبُ حَبْل يُشَدُّ عَلَى عَرَاقي الدَّلْو، ثُمَّ يُثْنى، ثُمَّ يُثَلَّثُ، وَالْجَمْعُ أَكْرابٌ؛ وَفِي الصِّحَاحِ: ثُمَّ يُثْنى، ثُمَّ يُثَلَّثُ ليكونَ هُوَ الَّذِي يَلِي الماءَ، فَلَا يَعْفَن الحَبْلُ الْكَبِيرُ. رأَيت فِي حَاشِيَةِ نُسْخَةٍ مِنَ الصِّحَاحِ الْمَوْثُوقِ بِهَا قولَ الْجَوْهَرِيِّ: لِيَكُونَ هُوَ الَّذِي يَلِي الماءَ، فَلَا يَعْفَن الحَبْلُ الْكَبِيرُ، إِنما هُوَ مِنْ صِفَةِ الدَّرَك، لَا الكَرَبِ. قُلْتُ: الدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذِهِ الْحَاشِيَةِ أَن الْجَوْهَرِيَّ ذَكَرَ فِي تَرْجَمَةِ دَرَكَ هَذِهِ الصُّورَةَ أَيضاً، فَقَالَ: والدَّرَكُ قطعةُ حَبْل يُشَدُّ فِي طَرَفِ الرِّشاءِ إِلى عَرْقُوَةِ الدَّلْوِ، لِيَكُونَ هُوَ الَّذِي يَلِي الماءَ، فَلَا يَعْفَنُ الرِّشاءُ. وَسَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِن شاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ وَقَالَ الْحُطَيْئَةُ:
قَوْمٌ، إِذا عَقَدوا عَقْداً لجارِهمُ، ... شَدُّوا العِناجَ، وشَدُّوا، فَوْقَه، الكَرَبَا
ودَلْو مُكْرَبة: ذاتُ كَرَب؛ وَقَدْ كَرَبَها يَكْرُبُها كَرْباً، وأَكْرَبَهَا، فَهِيَ مُكْرَبةٌ، وكَرَّبَها؛ قَالَ إمرؤُ الْقَيْسِ:
كالدَّلْوِ بُتَّتْ عُراها وَهِيَ مُثْقَلَةٌ، ... وَخَانَهَا وَذَمٌ مِنْهَا وتَكْريبُ
عَلَى أَنَّ التَّكْريبَ قَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ هُنَا اسْمًا، كالتَّنْبِيتِ والتَّمْتين، وَذَلِكَ لعَطْفِها عَلَى الوَذَم الَّذِي هُوَ اسْمٌ، لكنَّ البابَ الأَوَّلَ أَشْيَعُ وأَوْسَعُ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَعني أَن يَكُونَ مَصْدَرًا، وإِن كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى الِاسْمِ الَّذِي هُوَ الوَذَمُ. وكلُّ شديدِ العَقْدِ، مِنْ حَبْل، أَو بناءٍ، أَو مَفْصِل: مُكْرَبٌ. اللَّيْثُ: يُقَالُ لِكُلِّ شيءٍ مِنَ الْحَيَوَانِ إِذا كَانَ وَثيقَ المَفاصِل: إِنه لمَكْروب المفاصِل. وَرَوَى
أَبو الرَّبيع عَنْ أَبي الْعَالِيَةِ، أَنه قَالَ: الكَروبيُّون سادَةُ الملائكةِ، منهم جبريلُ ومِيكائيلُ وإِسرافيل، هُمُ المُقَرَّبُونَ
؛ وأَنشد شَمِرٌ لأُمَيَّة:
كَرُوبِيَّةٌ مِنْهُمْ رُكُوعٌ وسُجَّدُ
وَيُقَالُ لِكُلِّ حيوانٍ وَثِيقِ المَفاصِلِ: إِنه لَمُكْرَبُ الخَلْقِ إِذا كَانَ شَديدَ القُوى، والأَول أَشبه؛ ابْنُ الأَعرابي: الكَريبُ الشُّوبَقُ، وَهُوَ الفَيْلَكُونُ؛ وأَنشد:
لَا يَسْتَوي الصَّوْتانِ حينَ تَجاوَبا، ... صَوْتُ الكَريبِ وصَوْتُ ذِئْبٍ مُقْفِر
والكَرْبُ: القُرْبُ. وَالْمَلَائِكَةُ الكَرُوبِيُّونَ: أَقْرَبُ الْمَلَائِكَةِ إِلى حَمَلَةِ العَرْش. ووَظِيفٌ مُكْرَبٌ: امْتَلأَ عَصَباً، وحافرٌ مُكْرَبٌ: صُلْبٌ؛ قَالَ:
يَتْرُكُ خَوَّارَ الصَّفا رَكُوبا، ... بمُكْرَباتٍ قُعِّبَتْ تَقْعِيبا
والمُكْرَبُ: الشديدُ الأَسْرِ مِنَ الدَّوابِّ، بِضَمِّ الْمِيمِ، وَفَتْحِ الراءِ. وإِنه لمُكْرَبُ الخَلْق إِذا كَانَ شديدَ الأَسْر. أَبو عَمْرٍو: المُكْرَبُ مِنَ الْخَيْلِ الشديدُ الخَلْق والأَسْرِ. ابْنُ سِيدَهْ: وفرسٌ مُكْرَبٌ شديدٌ. وكَرَبَ الأَرضَ يَكْرُبُها كَرْباً وكِراباً:(1/714)
قَلَبها للحَرْثِ، وأَثارَها للزَّرْع. التَّهْذِيبُ: الكِرابُ: كَرْبُكَ الأَرضَ حَتَّى تَقلِبَها، وَهِيَ مَكْرُوبة مُثَارَة. التَّكْريبُ: أَن يَزْرَع فِي الكَريبِ الجادِسِ. والكَريبُ: القَراحُ؛ والجادِسُ: الَّذِي لَمْ يُزْرَعْ قَطُّ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّة يَصِفُ جَرْوَ الوَحْشِ:
تَكَرَّبنَ أُخرى الجَزْءِ، حَتَّى إِذا انْقَضَتْ ... بَقاياه والمُسْتَمْطَراتُ الرَّوائِحُ
وَفِي الْمَثَلِ: الكِرابُ عَلَى البَقَرِ لأَنها تَكْرُبُ الأَرضَ أَي لَا تُكْرَبُ الأَرضُ إِلا بالبَقَر. قَالَ: وَمِنْهُمْ مَن يَقُولُ: الكِلابَ عَلَى الْبَقَرِ، بِالنَّصْبِ، أَي أَوْسِدِ الكِلابَ عَلَى بَقَرِ الوَحْشِ. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: الْمَثَلُ هُوَ الأَول. والمُكْرَباتُ: الإِبلُ الَّتِي يُؤْتى بِهَا إِلى أَبواب البُيوت فِي شِدَّة الْبَرْدِ، ليُصِيبها الدُّخانُ فتَدْفأَ. والكِرابُ: مَجاري الماءِ فِي الْوَادِي. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: هِيَ صُدُورُ الأَوْدية؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْب يَصِفُ النَّحْلَ:
جَوارِسُها تَأْري الشُّعُوفَ دَوائِباً، ... وتَنْصَبُّ أَلْهاباً، مَصِيفاً كِرابُها
وَاحِدَتُهَا كَرْبَة. المَصِيفُ: المُعْوَجُّ، مِن صافَ السَّهْمُ؛ وَقَوْلُهُ:
كأَنما مَضْمَضَتْ مِنْ ماءِ أَكْربةٍ، ... عَلَى سَيابةِ نَخْلٍ، دُونه مَلَقُ
قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الأَكْرِبةُ هَاهُنَا شِعافٌ يسيلُ مِنْهَا ماءُ الجبالِ، واحدَتُها كَرْبةٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا لَيْسَ بقويٍّ، لأَن فَعْلًا لَا يُجْمَعُ عَلَى أَفْعِلَةٍ. وَقَالَ مرَّة: الأَكْرِبَةُ جَمْعُ كُرابةٍ، وَهُوَ مَا يَقَعُ مِنَ ثَمَرِ النَّخْلِ فِي أُصول الكَرَبِ؛ قَالَ: وَهُوَ غَلَطٌ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عِنْدِي غَلَط أَيضاً، لأَن فُعالَةَ لَا يُجْمَعُ عَلَى أَفْعِلَة، اللَّهُمَّ إِلا أَن يَكُونَ عَلَى طَرْحِ الزَّائِدِ، فَيَكُونُ كأَنه جَمَعَ فُعالًا. وَمَا بِالدَّارِ كَرَّابٌ، بِالتَّشْدِيدِ، أَي أَحَدٌ. والكَرْبُ: الفَتْلُ؛ يُقَالُ: كَرَبْتُه كَرْباً أَي فَتَلْتُه؛ قَالَ:
فِي مَرْتَعِ اللَّهْو لَمْ يُكْرَبْ إِلى الطِّوَلِ
والكَريبُ: الكَعْبُ مِنَ القَصَبِ أَو القَنا؛ والكَريبُ أَيضاً: الشُّوبَقُ، عَنْ كُرَاعٍ. وأَبو كَرِبٍ اليَمانيُّ، بِكَسْرِ الراءِ: مَلِكٌ مِنْ مُلوكِ حِمْير، وَاسْمُهُ أَسْعَدُ بْنُ مالكٍ الحِمْيَريُّ، وَهُوَ أَحد التَّبَابِعَةِ. وكُرَيْبٌ ومَعْدِيكرِبَ: اسمانِ، فِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ: معديكربُ بِرَفْعِ الباءِ، لَا يُصرف، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: معديكربٍ يُضيف ويَصْرِفُ كَرِباً، ومنهم من يقول: معديكربَ، يُضيف وَلَا يَصرف كَرِبًا، يَجْعَلُهُ مؤَنثاً مَعْرِفَةً، والياءُ مَنْ مَعْدِيكَرِبَ سَاكِنَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وإِذا نَسَبْتَ إِليه قُلْتَ: مَعْديّ، وَكَذَلِكَ النَّسَبُ فِي كُلَّ اسْمَيْنِ جُعلا وَاحِدًا، مِثْلُ بَعْلَبَكَّ وخَمْسَةَ عَشَر وتَأَبَّطَ شَرّاً، تُنْسَبُ إِلى الِاسْمِ الأَول؛ تَقُولُ بَعْليٌّ وخَمْسِيٌّ وتَأَبَّطيٌّ، وَكَذَلِكَ إِذا صَغَّرْتَ، تُصَغِّرُ الأَوَّل، والله أَعلم.
كرتب: يُقَالُ تَكَرْتَبَ فلانٌ عَلَيْنَا، بالتاءِ، أَي تَغَلَّبَ.
كرشب: الكِرْشَبُّ: المُسِنُّ، كالقِرْشَبِّ. وَفِي التَّهْذِيبِ: الكِرْشَبُّ المُسِنُّ الجافي. والقِرْشَبُّ: الأَكُولُ.(1/715)
كرنب: الكُرُنْبُ: بَقْلَة؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الكُرُنْبُ هَذَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ السِّلْق، عَنْ أَبي حَنِيفَةَ. التَّهْذِيبَ: الكِرْنِيبُ والكِرْنابُ: التَّمْر باللَّبَن. ابْنُ الأَعرابي: الكَرْنِيبُ المَجِيع، وَهُوَ الكُدَيْراءُ، يُقَالُ: كَرنِبُوا لضَيْفِكم، فإِنه لَتْحانُ.
كزب: الكُزْبُ: لُغَةٌ فِي الكُسْبِ، كالكُسْبَرة والكُزْبَرَة، وسيأْتي ذِكْرُهُ. ابْنُ الأَعرابي: الكَزَبُ صِغَر مُشْطِ الرِّجْل وتَقَبُّضُه، وهو عَيْبٌ.
كسب: الكَسْبُ: طَلَبُ الرِّزْقِ، وأَصلُه الْجَمْعُ. كَسَبَ يَكْسِبُ كَسْباً، وتَكَسَّبَ واكْتَسَب. قَالَ سِيبَوَيْهِ: كَسَبَ أَصابَ، واكْتَسَب: تَصَرَّف واجْتَهَد. قَالَ ابْنُ جِنِّي: قولُه تَعَالَى: لَها مَا كَسَبَتْ، وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ
؛ عَبَّر عَنِ الْحَسَنَةِ بِكَسَبَتْ، وَعَنِ السَّيِّئَةِ باكْتَسَبَتْ، لأَن مَعْنَى كَسَبَ دُونَ مَعْنَى اكْتَسَبَ، لِما فِيهِ مِنَ الزِّيَادَةِ، وَذَلِكَ أَن كَسْبَ الْحَسَنَةِ، بالإِضافة إِلى اكْتِسابِ السَّيِّئَةِ، أَمْرٌ يَسِيرٌ ومُسْتَصْغَرٌ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ، عَزَّ اسْمُه: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها، وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها؛ أَفلا تَرى أَن الحسنةَ تَصْغُر بإِضافتها إِلى جَزائها، ضِعْف الواحدِ إِلى الْعَشَرَةِ؟ وَلَمَّا كَانَ جَزاءُ السَّيِّئَةِ إِنما هُوَ بِمِثْلِهَا لَمْ تُحْتَقَرْ إِلى الجَزاءِ عَنْهَا، فعُلم بِذَلِكَ قُوَّةُ فِعْلِ السَّيِّئَةِ عَلَى فِعْلِ الْحَسَنَةِ، فإِذا كَانَ فِعْل السَّيِّئَةِ ذَاهِبًا بِصَاحِبِهِ إِلى هَذِهِ الْغَايَةِ الْبَعِيدَةِ المُتَرامِيَة، عُظِّمَ قَدْرُها وفُخِّمَ لَفْظُ الْعِبَارَةِ عَنْهَا، فَقِيلَ: لَها مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ
، فزيدَ فِي لَفْظِ فِعْل السَّيِّئَةِ، وانْتُقِصَ مِنْ لَفْظِ فِعْل الْحَسَنَةِ، لِمَا ذَكَرْنا. وقولهُ تَعَالَى: مَا أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ
؛ قِيلَ: مَا كَسَبَ، هنا، ولَدُه، إِنه لَطَيِّبُ الكَسْب، والكِسْبة، والمَكْسِبَة، والمَكْسَبَةِ، والكَسِيبةِ، وكَسَبْت الرجلَ خَيْرًا فكَسَبَه وأَكْسَبَه إِياه، والأُولى أَعلى؛ قَالَ:
يُعاتِبُني فِي الدَّيْنِ قَوْمي، وإِنما ... دُيونيَ فِي أَشياءَ تَكْسِبُهم حَمْدا
ويُروى: تُكْسِبُهم، وَهَذَا مِمَّا جاءَ عَلَى فَعَلْتُه ففَعَل، وَتَقُولُ: فلانٌ يَكْسِبُ أَهلَه خَيْراً. قَالَ أَحمد بْنُ يَحْيَى، كلُّ النَّاسِ يَقُولُ: كَسَبَكَ فلانٌ خَيْراً، إِلا ابنَ الأَعرابي، فإِنه قَالَ: أَكْسَبَكَ فلانٌ خَيْراً. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَطْيَبُ مَا يأْكلُ الرجلُ مِنْ كسْبه، ووَلَدُه مِنْ كَسْبِه.
قَالَ ابْنُ الأَثير: إِنما جَعَلَ الوَلَد كَسْباً، لأَن الوالدَ طَلَبه، وسَعَى فِي تَحْصِيلِهِ؛ والكَسْبُ: الطَّلَبُ والسَّعْيُ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ والمَعيشةِ؛ وأَراد بالطَّيِّب هَاهُنَا الحَلالَ؛ ونفقةُ الوالِدَيْن وَاجِبَةٌ عَلَى الْوَلَدِ إِذا كانا محتاجَيْنِ عاجِزَيْن عَنِ السَّعْي، عِنْدَ الشَّافِعِيِّ؛ وغيرُه لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ. وَفِي حَدِيثِ
خَدِيجَةَ: إِنك لتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَكْسِبُ المَعْدُومَ.
ابْنُ الأَثير: يُقَالُ: كَسَبْتُ زَيْدًا مَالًا، وأَكْسَبْتُ زَيْدًا مَالًا أَي أَعَنْتُه عَلَى كَسْبه، أَو جَعَلْتُه يَكْسِبُه، فإِن كَانَ مِنَ الأَوّل، فتُريدُ أَنك تَصِلُ إِلى كلِّ مَعْدوم وتَنالُه، فَلَا يَتَعَذَّرُ لبُعْدِه عَلَيْكَ، وإِن جَعَلْتَهُ متعدِّياً إِلى اثْنَيْنِ، فتُريدُ أَنك تُعْطِي النَّاسَ الشيءَ المعدومَ عِنْدَهُمْ، وتُوَصِّلُه إِليهم. قَالَ: وَهَذَا أَوْلَى القَوْلَين، لأَنه أَشبه بِمَا قَبْلَهُ، فِي بَابِ التَّفَضُّل والإِنْعامِ، إِذ لَا إِنْعام فِي أَن يَكْسِبَ هُوَ لِنَفْسِهِ مَالًا كَانَ مَعْدُومًا عِنْدَهُ، وإِنما الإِنعام أَن يُولِيَه غيرَه. وَبَابُ الحظِّ وَالسَّعَادَةِ فِي الِاكْتِسَابِ، غيرُ(1/716)
بابِ التَّفَضُّلِ والإِنعام. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه نَهَى عَنْ كَسْب الإِماءِ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جاءَ مُطْلَقًا فِي رِوَايَةِ أَبي هُرَيْرَةَ، وَفِي رِوَايَةِ
رَافِعِ بْنِ خَديج مُقَيَّداً، حَتَّى يُعْلَم مِنْ أَين هُوَ
، وَفِي رِوَايَةٍ أُخرى:
إِلا مَا عَمِلَتْ بِيَدِهَا
، ووجهُ الإِطلاق أَنه كَانَ لأَهل مَكَّةَ والمدينة إِماءٌ، عليهنَّ ضَرائِبُ، يَخْدُمْنَ الناسَ ويأْخُذْنَ أَجْرَهُنَّ، ويُؤَدِّينَ ضَرائبَهن، وَمَنْ تَكُونُ مُتَبَذِّلة دَاخِلَةً خَارِجَةً وَعَلَيْهَا ضريبةٌ فَلَا يُؤْمَنُ أَن تَبْدُرَ مِنْهَا زَلَّة، إِما لِلِاسْتِزَادَةِ فِي الْمَعَاشِ، وإِما لشَهوة تَغلِبُ، أَو لِغَيْرِ ذَلِكَ، والمعصومُ قَلِيلٌ؛ فنَهَى عَنْ كَسْبِهنَّ مُطْلَقًا تَنَزُّهاً عَنْهُ، هَذَا إِذا كَانَ للأَمة وجهٌ معلومٌ تَكْسِبُ مِنْهُ، فَكَيْفَ إِذا لَمْ يَكُنْ لَهَا وَجْهٌ مَعْلُومٌ؟ وَرَجُلٌ كَسُوبٌ وكَسَّابٌ، وتَكَسَّبَ أَي تَكَلَّف الكَسْبَ. والكَواسِبُ: الجوارحُ. وكَسابِ: اسْمٌ لِلذِّئْبِ، وَرُبَّمَا جاءَ فِي الشِّعر كُسَيباً. الأَزهري: وكَسابِ اسْمُ كَلْبة. وَفِي الصِّحَاحِ: كَسابِ مِثْلُ قَطامِ، اسْمُ كَلْبَةٍ. ابْنُ سِيدَهْ: وكَسابِ مِنْ أَسماءِ إِناث الْكِلَابِ، وَكَذَلِكَ كَسْبةُ؛ قَالَ الأَعشى:
ولَزَّ كَسْبةَ أُخْرى، فَرْعُها فَهِقُ
وكُسَيْبٌ: مِنْ أَسماءِ الْكِلَابِ أَيضاً، وكلُّ ذَلِكَ تَفَؤُّلٌ بالكَسْب والاكتِسابِ. وكُسَيْبٌ: اسْمُ رَجُلٍ، وَقِيلَ: هُوَ جَدُّ العَجَّاج لأُمِّه؛ قَالَ لَهُ بعضُ مُهاجِيه، أُراه جَرِيرًا:
يَا ابْنَ كُسَيْبٍ مَا عَلَيْنَا مَبْذَخُ، ... قَدْ غَلَبَتْكَ كاعِبٌ تَضَمَّخُ
يَعْنِي بِالْكَاعِبِ لَيْلى الأَخْيَلِيَّة، لأَنها هاجتِ العَجَّاجَ فَغَلَبَتْه. والكُسْبُ: الكُنْجارَقُ، فارسيةٌ؛ وبعضُ أَهل السَّواد يُسَمِّيه الكُسْبَجَ. والكُسْبُ، بِالضَّمِّ: عُصارةُ الدُّهْن. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: الكُسْبُ مُعَرَّبٌ وأَصله بِالْفَارِسِيَّةِ كُشْبٌ، فقُلِبَت الشِّينُ سِينًا، كَمَا قَالُوا سابُور، وأَصله شَاهْ بُور أَي مَلِكُ بُور. وبُورُ: الابْنُ، بِلِسَانِ الفُرْس؛ والدَّشْت أُعْرِبَ، فَقِيلَ الدَّسْتُ الصَّحْراءُ. وكَيْسَبٌ: اسْمٌ. وابنُ الأَكْسَبِ: رَجل مِنْ شُعَرَائِهِمْ؛ وَقِيلَ: هُوَ مَنِيعُ بْنُ الأَكْسَب بْنِ المُجَشَّر، مَنْ بني قَطَن ابن نَهْشَل.
كشب: الكَشْبُ: شِدَّةُ أَكْلِ اللحمِ وَنَحْوِهِ، وَقَدْ كَشَبه. الأَزهري: كَشَبَ اللحمَ كَشْباً: أَكله بشِدَّة. والتَّكْشِيبُ لِلْمُبَالَغَةِ؛ قَالَ:
ثُمَّ ظَلِلْنا فِي شِواءٍ، رُعْبَبُهْ ... مُلَهْوَجٍ مِثلِ الكُشَى نُكَشِّبُهْ
الكُشَى: جمعُ كُشْية، وَهِيَ شَحْمةُ كُلْية الضَّبِّ. وكُشُبٌ: جَبَلٌ مَعْرُوفٌ، وَقِيلَ اسْمُ جَبَلٍ فِي الْبَادِيَةِ.
كظب: ابْنُ الأَعرابي: حَظَبَ يَحْظُبُ حُظوباً، وكَظَبَ يَكْظُبُ كُظُوباً إِذا امْتَلأَ سِمَناً.
كَعْبٍ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ
؛
قرأَ ابنُ كَثِيرٍ، وأَبو عَمْرٍو: وأَبو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ وَحَمْزَةَ: وأَرجلِكم، خَفْضًا؛ والأَعشى عَنْ أَبي بَكْرٍ، بِالنَّصْبِ مِثْلَ حَفْصٍ؛ وقرأَ يعقوبُ وَالْكِسَائِيُّ وَنَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ: وأَرجلَكم؛ نَصْبًا
؛ وَهِيَ قراءَة ابْنِ عَبَّاسٍ، رَدَّه إِلى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَاغْسِلُوا(1/717)
وُجُوهَكُمْ، وَكَانَ الشافعيُّ يقرأُ: وأَرجلَكم. وَاخْتَلَفَ الناسُ فِي الْكَعْبَيْنِ بِالنَّصْبِ، وسأَل ابنُ جَابِرٍ أَحمدَ بْنُ يَحْيَى عَنِ الكَعْب، فأَوْمَأَ ثعلبٌ إِلى رِجْله، إِلى المَفْصِل مِنْهَا بسَبَّابَتِه، فوضَعَ السَّبَّابةَ عليه، ثُمَّ قَالَ: هَذَا قولُ المُفَضَّل، وَابْنُ الأَعرابي؛ قَالَ: ثُمَّ أَوْمَأَ إِلى الناتِئَين، وَقَالَ: هَذَا قَوْلُ أَبي عَمْرِو بْنِ العَلاء، والأَصمعي. قَالَ وكلٌّ قَدْ أَصابَ. والكَعْبُ: العظمُ لِكُلِّ ذِي أَربع. والكَعْبُ: كلُّ مَفْصِلٍ لِلْعِظَامِ. وكَعْبُ الإِنسان: مَا أَشْرَفَ فَوْقَ رُسْغِه عِنْدَ قَدَمِه؛ وَقِيلَ: هُوَ العظمُ الناشزُ فَوْقَ قدمِه؛ وَقِيلَ: هُوَ الْعَظْمُ النَّاشِزُ عِنْدَ مُلْتَقَى الساقِ والقَدَمِ. وأَنكر الأَصمعي قولَ الناسِ إِنه فِي ظَهْر القَدَم. وَذَهَبَ قومٌ إِلى أَنهما العظمانِ اللذانِ فِي ظَهْرِ القَدم، وَهُوَ مَذْهَبُ الشِّيعة؛ وَمِنْهُ قولُ يَحْيَى بْنِ الحرث: رأَيت القَتْلى يومَ زيدِ بنِ عليٍّ، فرأَيتُ الكِعابَ فِي وَسْطِ القَدَم. وَقِيلَ: الكَعْبانِ مِنَ الإِنسان العظمانِ النَّاشِزَانِ مِنْ جَانِبَيِ الْقَدَمِ. وَفِي حَدِيثِ الإِزارِ:
مَا كَانَ أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبين، فَفِي النَّارِ.
قَالَ ابْنُ الأَثير: الكَعْبانِ العظمانِ الناتئانِ، عِنْدَ مَفْصِلِ الساقِ والقَدم، عَنِ الْجَنْبَيْنِ، وَهُوَ مِنَ الفَرس مَا بَيْنَ الوَظِيفين والساقَيْنِ، وَقِيلَ: مَا بَيْنَ عَظْمِ الوَظِيف وعظمِ الساقِ، وَهُوَ الناتِئُ مِنْ خَلْفِه، وَالْجَمْعُ أَكْعُبٌ وكُعُوبٌ وكِعابٌ. ورجلٌ عَالِي الكَعْب: يُوصَفُ بالشَّرف والظَّفَر؛ قَالَ:
لَمَّا عَلا كَعْبُك بِي عَلِيتُ
أَرادَ: لَمَّا أَعْلاني كَعْبُك. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: الكَعْبُ والكَعْبةُ الَّذِي يُلْعَبُ بِهِ، وجمعُ الكَعْبِ كِعابٌ، وَجَمْعُ الكَعبة كَعْبٌ وكَعَباتٌ، لَمْ يَحْكِ ذَلِكَ غيرُه، كَقَوْلِكَ جَمْرة وجَمَراتٌ. وكَعَّبْتُ الشيءَ: رَبَّعْتُه. والكعبةُ: البيتُ المُرَبَّعُ، وجمعُه كِعابٌ. والكعبةُ: البيتُ الْحَرَامُ، مِنْهُ، لتَكْعِيبها أَي تَرْبِيعِهَا. وَقَالُوا: كَعْبةُ الْبَيْتِ فأُضِيفَ، لأَنهم ذَهَبُوا بكَعْبتِه إِلى ترَبُّعِ أَعلاه، وسُمِّيَ كَعْبةً لِارْتِفَاعِهِ وترَبُّعه. وَكُلُّ بيتٍ مُرَبَّعٍ، فَهُوَ عِنْدَ الْعَرَبِ: كَعْبةٌ. وَكَانَ لربيعةَ بيتٌ يَطُوفون بِهِ، يُسَمُّونه الكَعَباتِ. وَقِيلَ: ذَا الكَعَباتِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الأَسْوَدُ بْنُ يَعْفُرَ فِي شِعره، فَقَالَ:
والبيتِ ذِي الكَعَباتِ مِنْ سِنْدادِ
والكعبةُ: الغُرفة؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أُراه لتَرَبُّعها أَيضاً. وثوبٌ مُكَعَّبٌ: مَطْوِيٌّ شديدُ الأَدْراجِ فِي تَرْبيعٍ. وَمِنْهُمْ مَن لَمْ يُقَيِّدْه بالترْبيع. يُقَالُ: كَعَّبْتُ الثوبَ تَكْعيباً. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: بُرْدٌ مُكَعَّبٌ، فِيهِ وَشيٌ مُرَبَّع. والمُكَعَّبُ: المُوَشَّى، وَمِنْهُمْ مَن خَصَّصَ فَقَالَ: مِنَ الثِّيَابِ. والكَعْبُ: عُقْدَةُ مَا بَيْنَ الأُنْبُوبَيْنِ مِنَ القَصَبِ والقَنا؛ وَقِيلَ: هُوَ أُنْبوبُ مَا بَيْنَ كلِّ عُقْدتين؛ وَقِيلَ: الكعبُ هُوَ طَرَفُ الأُنْبوبِ الناشِزُ، وَجَمْعُهُ كُعُوب وكِعابٌ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
وأَلْقَى نفسَه وهَوَيْنَ رَهْواً، ... يُبارينَ الأَعِنَّةَ كالكِعابِ
يَعْنِي أَن بعضَها يَتْلو بَعْضًا، ككِعابِ الرُّمْح؛ ورُمْحٌ بكَعْبٍ واحدٍ: مُسْتَوِي الكُعُوب، لَيْسَ لَهُ كَعب أَغْلَظُ مِنْ آخَرَ؛ قَالَ أَوْسُ بْنُ حَجَر يَصِفُ قَناةً مُسْتَوية الكُعُوبِ، لَا تَعادِيَ فِيهَا،(1/718)
حَتَّى كأَنها كَعْبٌ وَاحِدٌ:
تَقاكَ بكَعْبٍ واحدٍ، وتَلَذُّه ... يَداكَ، إِذا مَا هُزَّ بالكَفِّ يَعْسِلُ
وكَعَّبَ الإِناءَ وغيرَه: مَلأَه. وكَعَبَتِ الجاريةُ، تَكْعُبُ وتَكْعِبُ، الأَخيرةُ عَنْ ثعلبٍ، كُعُوباً وكُعُوبةً وكِعابةً وكَعَّبَت: نَهَدَ ثَدْيُها. وَجَارِيَةٌ كَعابٌ ومُكَعِّبٌ وكاعِبٌ، وجمعُ الكاعِبِ كَواعِبُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَكَواعِبَ أَتْراباً
. وكِعابٌ عَنْ ثَعْلَبٍ؛ وأَنشد:
نَجِيبةُ بَطَّالٍ، لَدُنْ شَبَّ هَمُّه، ... لِعابُ الكِعابِ والمُدامُ المُشَعْشَعُ
ذَكَّرَ المُدامَ، لأَنه عَنى بِهِ الشَّرابَ. وكَعَبَ الثَّدْيُ يَكْعُبُ، وكَعَّبَ، بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ: نَهَدَ. وكَعَبَتْ تَكْعُبُ، بِالضَّمِّ، كُعُوباً، وكَعَّبَت، بِالتَّشْدِيدِ: مِثْلُهُ. وثَدْيٌ كاعِبٌ ومُكَعِّبٌ ومُكَعَّبٌ، الأَخيرة نَادِرَةٌ، ومُتَكَعِّبٌ: بِمَعْنًى وَاحِدٍ؛ وَقِيلَ: التَّفْلِيكُ، ثُمَّ النُّهودُ، ثُمَّ التَّكْعِيبُ. ووجهٌ مُكَعِّبٌ إِذا كَانَ جافِياً ناتِئاً، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: جاريةٌ دَرْماءُ الكُعُوبِ إِذا لَمْ يكن لرؤوسِ عِظامِها حَجْمٌ؛ وَذَلِكَ أَوْثَرُ لَهَا؛ وأَنشد:
سَاقًا بَخَنْداةً وكَعْباً أَدْرَما
وَفِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ: فجثَتْ فَتاةٌ كَعابٌ عَلَى إِحدى رُكْبَتيها
، قَالَ: الكَعابُ، بِالْفَتْحِ: المرأَةُ حِينَ يَبْدو ثَدْيُها للنُّهود. والكَعْبُ: الكُتْلةُ مِنَ السَّمْن. والكَعْب مِنَ اللَّبن والسَّمْنِ: قَدْرُ صُبَّةٍ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ مَعْدِيكَرِبَ، قَالَ: نَزَلْتُ بِقَوْمٍ، فأَتَوْني بقوسٍ، وثَوْرٍ، وكَعْبٍ، وتِبْنٍ فِيهِ لَبَنٌ. فالقَوْسُ: مَا يَبْقَى فِي أَصل الجُلَّة مِنَ التَّمْر؛ والثَّوْر: الكُتْلة مِنَ الأَقِطِ؛ والكَعْبُ: الصُّبَّةُ مِنَ السَّمْن؛ والتِّبْنُ: القَدَحُ الْكَبِيرُ. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: إِن كَانَ لَيُهْدَى لَنَا القِناعُ، فِيهِ كَعْبٌ مِنْ إِهالة، فنَفْرَحُ بِهِ
أَي قِطْعَةٌ مِنَ السَّمْن والدُّهن. وكَعَبه كَعْباً: ضَرَبه عَلَى يابسٍ، كالرأْس وَنَحْوِهِ. وكَعَّبْتُ الشيءَ تَكْعيباً إِذا مَلأْته. أَبو عَمْرٍو، وابنُ الأَعرابي: الكُعْبةُ عُذْرةُ الْجَارِيَةِ؛ وأَنشد:
أَرَكَبٌ تَمَّ، وتمَّتْ رَبَّتُهْ، ... قَدْ كانَ مَخْتوماً، ففُضَّتْ كُعْبَتُهْ
وأَكْعَبَ الرجلُ: أَسْرَعَ؛ وَقِيلَ: هُوَ إِذا انْطَلَقَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلى شيءٍ. وَيُقَالُ: أَعْلى اللَّهُ كَعْبَه أَي أَعْلى جَدَّه. وَيُقَالُ: أَعْلى اللَّهُ شَرَفَه. وَفِي حَدِيثِ
قَيْلةَ: وَاللَّهِ لَا يَزالُ كَعْبُك عَالِيًا
، هُوَ دُعاء لَهَا بالشَّرَف والعُلُوِّ. قَالَ ابْنُ الأَثير: والأَصل فِيهِ كَعْبُ القَناة، وَهُوَ أُنْبُوبُها، وَمَا بَيْنَ كلِّ عُقْدَتَين مِنْهَا كَعْبٌ، وكلُّ شيءٍ عَلَا وَارْتَفَعَ، فَهُوَ كَعْبٌ. أَبو سَعِيدٍ: أَكْعَبَ الرجلُ إِكْعاباً، وَهُوَ الَّذِي يَنْطَلِقُ مُضارّاً، لَا يُبالي مَا وَراءه، وَمِثْلُهُ كَلَّل تَكْليلًا. والكِعابُ: فُصوصُ النَّرْدِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه كَانَ يَكْرَهُ الضَّرْب بالكِعابِ
؛ واحدُها كَعْبٌ وكَعْبةٌ، واللَّعِبُ بِهَا حَرَامٌ، وكَرِهَها عامةُ الصَّحَابَةِ. وَقِيلَ: كَانَ ابنُ مُغَفَّلٍ يَفْعَلُهُ مَعَ امرأَته، عَلَى غَيْرِ قِمارٍ. وَقِيلَ: رَخَّص فِيهِ ابنُ الْمُسَيَّبِ، عَلَى غَيْرِ قِمَارٍ أَيضاً. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
لَا يُقَلِّبُ(1/719)
كَعَباتِها أَحَدٌ، يَنْتَظِرُ مَا تجيءُ بِهِ، إِلا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ
، هِيَ جَمْعُ سَلَامَةٍ للكَعْبة. وكَعْبٌ: اسْمُ رَجُلٍ. والكَعْبانِ: كَعْبُ بْنُ كِلابٍ، وكَعْبُ بْنُ ربيعةَ بْنِ عُقَيل بنِ كَعْبِ بْنِ ربيعةَ بْنِ عامِر بْنِ صَعْصَعَة؛ وَقَوْلُهُ:
رأَيتُ الشَّعْبَ مِنْ كَعْبٍ، وَكَانُوا ... مِنَ الشَّنَآنِ قَدْ صَارُوا كِعابا
قَالَ الْفَارِسِيُّ: أَرادَ أَنَّ آراءَهم تَفَرَّقَت وتَضادَّتْ، فَكَانَ كلُّ ذِي رأْيٍ مِنْهُمْ قَبيلًا عَلَى حِدَتِه، فَلِذَلِكَ قَالَ: صَارُوا كِعاباً. وأَبو مُكَعِّبٍ الأَسَدِيُّ، مُشَدَّد الْعَيْنِ: مِنْ شُعَرائهم؛ وَقِيلَ: إِنه أَبو مُكْعِتٍ، بِتَخْفِيفِ الْعَيْنِ، وبالتاءِ ذَاتِ النُّقْطَتَيْنِ، وسيأْتي ذِكْرُهُ. وَيُقَالُ للدَّوْخَلَّة: المُكَعَّبةُ، والمُقْعَدَة، والشَّوْغَرَةُ، والوَشيجَةُ.
كعثب: الكَعْثَبُ والكَثْعَبُ: الرَّكَبُ الضَّخْمُ المُمْتَلِئُ الناتِئُ؛ قَالَ:
أَرَيْتَ إِن أُعْطِيتَ نَهْداً كَعْثَبا
وامرأَة كَعْثَبٌ وكَثْعَبٌ: ضَخْمة الرَّكَب، يَعْنِي الفرجَ. وتَكَعْثَبَت العَرارَةُ، وَهِيَ نبتٌ: تجمَّعتْ وَاسْتَدَارَتْ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ لقُبلِ المرأَة: هُوَ كَعْثَبُها وأَجَمُّها وشَكْرُها. قَالَ الْفَرَّاءُ، وأَنشدني أَبو ثَرْوانَ:
قَالَ الجَوارِي: مَا ذَهَبْتَ مَذْهَبا ... وعِبْنَني، وَلَمْ أَكُنْ مُعَيَّبا
أَرَيْتَ إِنْ أُعْطِيتَ نَهْداً كَعْثَبا، ... أَذاكَ، أَمْ نُعْطِيكَ هَيْداً هَيْدَبا؟
أَرادَ بالكَعْثَب: الرَّكَبَ الشاخِصَ المُكْتَنِزَ، والهَيْدُ الهَيْدَبُ: الَّذِي فِيهِ رخَاوَة مِثْلُ رَكَبِ العَجائز المُسْتَرْخي، لكِبرِها. ورَكَبٌ كَعْثَبٌ: أَي ضَخْمٌ.
كعدب: الكَعْدَبُ والكَعْدَبة: كِلَاهُمَا الفَسْل مِنَ الرِّجَالِ. والكُعْدُبة: الحَجَاة والحَبَابة. وَفِي حَدِيثِ
عَمْرٍو أَنه قَالَ لمُعَاوية: لقَد رأَيتُك بالعِراق، وإِنَّ أَمْرَكَ كَحُقِّ الكُهول، أَو كالكُعْدُبة، ويُرْوى الجُعْدُبةِ.
قَالَ: وَهِيَ نُفَّاخةُ الْمَاءِ الَّتِي تَكُونُ مِنْ مَاءِ الْمَطَرِ، وَقِيلَ: بيتُ الْعَنْكَبُوتِ. أَبو عَمْرٍو: يُقَالُ لِبَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ الكُعْدُبةُ، والجُعْدُبة.
كعسب: كَعْسَبَ فلانٌ ذاهِباً إِذا مَشَى مِشْيةَ السَّكْران. وكَعْسَبٌ: اسْمٌ. وكَعْسَبَ وكَعْسَمَ إِذا هَرَبَ. وكَعْسَبَ يُكَعْسِبُ إِذا عَدا عَدْواً شَدِيدًا، مثل كَعْظَل يُكَعْظِلُ.
كعنب: كَعانِبُ الرأْس: عُجَرٌ تَكُونُ فِيهِ. وَرَجُلٌ كَعْنَبٌ: ذُو كَعانِبَ فِي رأْسه. الأَزهري: رَجُلٌ كَعْنَبٌ: قَصِيرٌ.
كوكب: التَّهْذِيبُ: ذَكَرَ اللَّيْثُ الكَوْكَبَ فِي بَابِ الرُّبَاعِيِّ، ذَهَبَ أَن الْوَاوَ أَصلية؛ قَالَ: وَهُوَ عِنْدَ حُذَّاق النَّحْوِيِّينَ مِنَ هَذَا الْبَابِ، صُدِّر بكافٍ زائدةٍ، والأَصلُ وَكَبَ أَو كَوَبَ، وَقَالَ: الكَوْكَبُ، مَعْرُوفٌ، مِنْ كَواكِبِ السماءِ، ويُشَبَّه بِهِ النَّور، فيُسَمى كَوْكَباً؛ قَالَ الأَعشى:
يُضاحِكُ الشَّمْسَ مِنْهَا كَوْكَبٌ شَرِقٌ، ... مُؤَزَّرٌ بعَمِيمِ النَّبْتِ، مُكْتَهِلُ(1/720)
ابْنُ سِيدَهْ وَغَيْرُهُ: الكَوْكَبُ والكَوْكَبةُ: النَّجْم، كَمَا قَالُوا عَجوزٌ وعَجوزة، وبَياضٌ وبَياضةٌ. قَالَ الأَزهري: وَسَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ يَقُولُ للزُّهَرة، مِنْ بَيْنِ النُّجوم: الكَوْكَبةُ، يُؤَنثونها، وسائرُ الكَواكبِ تُذَكَّر، فَيُقَالُ: هَذَا كَوكَبُ كَذَا وَكَذَا. والكَوْكَبُ والكَوْكَبةُ: بياضٌ فِي الْعَيْنِ. أَبو زَيْدٍ: الكَوْكَبُ البياضُ فِي سَواد الْعَيْنِ، ذَهَب البَصَرُ لَهُ، أَو لَمْ يَذْهَب. والكَوْكَبُ مِنَ النَّبْت: مَا طَالَ. وكَوْكَبُ الرَّوْضة: نَوْرُها. وكَوْكَبُ الْحَدِيدِ: بَريقُه وتوَقُّدُه، وَقَدْ كَوْكَبَ؛ وَيُقَالُ للأَمْعَزِ إِذا توَقَّدَ حَصاه ضَحاءً: مُكَوْكِبٌ؛ قَالَ الأَعشى يَذْكر نَاقَتَهُ:
تَقْطَعُ الأَمْعَزَ المُكَوكِبَ وَخْداً، ... بِنَواجٍ سَرِيعةِ الإِيغالِ
ويومٌ ذُو كَواكِبَ إِذا وُصِفَ بالشدَّة، كأَنه أَظْلَمَ بِمَا فِيهِ مِنَ الشَّدَائِدِ، حَتَّى ريئَتْ كَواكِبُ السماءِ. وغلامٌ كَوْكَبٌ ممتلئٌ إِذا تَرَعْرَعَ وحَسُنَ وجهُه؛ وَهَذَا كَقَوْلِهِمْ لَهُ: بَدْرٌ. وكَوْكَبُ كلِّ شيءٍ: مُعْظَمُه، مِثْلَ كَوْكَبِ العُشْبِ، وكَوكَبِ الماءِ، وكَوكَبِ الجَيْش؛ قَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ كَتيبةً:
ومَلْمُومةٍ لَا يَخْرِقُ الطَّرْفُ عَرْضَها، ... لَهَا كَوْكَبٌ فَخْمٌ، شَديدٌ وُضُوحُها
المُؤَرِّجُ: الكَوْكَبُ: الماءُ. والكَوْكَبُ: السَّيْفُ. والكَوْكَبُ: سَيِّدُ الْقَوْمِ. والكَوْكَبُ: الفُطْرُ، عَنْ أَبي حَنِيفَةَ. قَالَ: ولا أَذْكُرُه عَنْ عَالِمٍ، إِنما الكَوْكَبُ نَبَاتٌ مَعْرُوفٌ، لَمْ يُحَلَّ، يُقَالُ لَهُ: كَوْكَبُ الأَرض. والكَوْكَبُ: قَطَراتٌ تَقَعُ بِاللَّيْلِ عَلَى الْحَشِيشِ. والكَوْكَبةُ: الجماعةُ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: لَمْ يُسْتعمل كلُّ ذَلِكَ إِلَّا مَزِيدًا، لأَنا لَا نَعْرِفُ فِي الْكَلَامِ مِثْلَ كَبْكَبةٍ؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
كَبْداءُ جاءَتْ مِنْ ذُرَى كُواكِبِ
أَراد بالكَبْداءِ: رَحًى تُدار بِالْيَدِ، نُحِتَتْ مِنْ جَبَلِ كُواكِبَ، وَهُوَ جَبَلٌ بِعَيْنِهِ تُنْحَتُ مِنْهُ الأَرْحِيَة. وكَوْكَبٌ: اسْمُ مَوْضِعٍ؛ قَالَ الأَخطل:
شَوْقاً إِليهم ووَجْداً، يومَ أُتْبِعُهُم ... طَرْفي، وَمِنْهُمْ، بجَنْبَيْ كَوكَبٍ، زُمَرُ
التَّهْذِيبُ: وكَوْكَبَى، عَلَى فَوْعَلى: موضعٌ. قَالَ الأَخطل: بجَنْبَيْ كَوْكَبَى زُمَرُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
دَعا دَعْوةً كَوكَبِيَّةً
؛ قِيلَ: كَوْكَبٌ قَرْيَةٌ ظَلَم عاملُها أَهلَها، فدَعَوْا عَلَيْهِ دَعْوةً، فَلَمْ يَلْبَثْ أَن مَاتَ، فَصَارَتْ مَثَلًا؛ وَقَالَ:
فَيَا رَبَّ سَعْدٍ، دَعْوةً كَوْكَبِيَّةً، ... تُصادِفُ سَعْداً أَو يُصادِفُها سَعْدُ
أَبو عُبَيْدَةَ: ذَهَبَ القومُ تحتَ كلِّ كَوْكَبٍ أَي تَفَرَّقُوا. والكَوْكَبُ: شِدَّةُ الحَرِّ ومُعْظَمُه؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
ويَوْمٍ يَظَلُّ الفَرْخُ فِي بَيْتِ غَيْرِهِ، ... لَهُ كَوْكَبٌ فوقَ الحِدابِ الظَّواهِرِ
وكُوَيْكِبٌ: مِنْ مَسَاجِدِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَيْنَ الْمَدِينَةِ وتَبُوك. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنَّ عُثْمَانَ دُفِنَ بحُشِّ كَوْكَبٍ
؛ كَوْكَبُ: اسْمُ رَجُلٍ، أُضيف إِليه الحُشُّ، وَهُوَ البُسْتانُ. وكَوْكَبٌ أَيضاً: اسْمُ فُرْسٍ لِرَجُلٍ جاءَ يَطُوفُ عَلَيْهِ بِالْبَيْتِ، فكُتِبَ فِيهِ إِلى عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عنه، فقال: امْنَعُوه.(1/721)
كلب: الكَلْبُ: كُلُّ سَبُعٍ عَقُورٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَمَا تخافُ أَن يأْكُلَكَ كَلْبُ اللهِ؟ فجاءَ الأَسدُ لَيْلًا فاقْتَلَعَ هامَتَه مِنْ بَيْنِ أَصحابه.
والكَلْب، معروفٌ، واحدُ الكِلابِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ غَلَبَ الكلبُ عَلَى هَذَا النَّوْعِ النَّابِحِ، وَرُبَّمَا وُصِفَ بِهِ، يُقَالُ: امرأَةٌ كَلْبة؛ وَالْجَمْعُ أَكْلُبٌ، وأَكالِبُ جَمْعُ الْجَمْعِ، وَالْكَثِيرُ كِلابٌ؛ وَفِي الصِّحَاحِ: الأَكالِبُ جَمْعُ أَكْلُبٍ. وكِلابٌ: اسمُ رَجُلٍ، سُمِّيَ بِذَلِكَ، ثُمَّ غَلَبَ عَلَى الْحَيِّ وَالْقَبِيلَةِ؛ قَالَ:
وإِنّ كِلاباً هَذِهِ عَشْرُ أَبطُنٍ، ... وأَنتَ بَريءٌ مِنْ قَبائِلها العَشْرِ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَي إِنَّ بُطُونَ كِلابٍ عَشْرُ أَبطُنٍ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: كِلابٌ اسْمٌ لِلْوَاحِدِ، والنسبُ إِليه كِلابيٌّ، يَعْنِي أَنه لَوْ لَمْ يَكُنْ كِلابٌ اسْمًا لِلْوَاحِدِ، وَكَانَ جَمْعًا، لَقِيلَ فِي الإِضافة إِليه كَلْبيٌّ، وَقَالُوا فِي جَمْعِ كِلابٍ: كِلاباتٌ؛ قَالَ:
أَحَبُّ كَلْبٍ فِي كِلاباتِ الناسْ، ... إِليَّ نَبْحاً، كَلْبُ أُمِّ العباسْ
قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا ثلاثةُ كلابٍ، عَلَى قَوْلِهِمْ ثلاثةٌ مِنَ الكِلابِ؛ قَالَ: وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونُوا أَرادوا ثَلَاثَةَ أَكْلُبٍ، فاسْتَغْنَوْا ببناءِ أَكثر العَدَدِ عَنْ أَقلّه. والكَلِيبُ والكالِبُ: جماعةُ الكِلابِ، فالكَليبُ كالعبيدِ، وَهُوَ جَمْعٌ عَزِيزٌ؛ وَقَالَ يَصِفُ مَفازة:
كأَنَّ تَجاوُبَ أَصْدائِها ... مُكاءُ المُكَلِّبِ، يَدْعُو الكَلِيبَا
والكالِبُ: كالجامِلِ والباقِر. وَرَجُلٌ كالِبٌ وكَلَّابٌ: صاحبُ كِلابٍ، مِثْلَ تامرٍ ولابِنٍ؛ قَالَ رَكَّاضٌ الدُّبَيْريُّ:
سَدَا بيَدَيْهِ، ثُمَّ أَجَّ بسَيْرِه، ... كأَجِّ الظَّليمِ مِنْ قَنيصٍ وكالِبِ
وَقِيلَ: سائِسُ كِلابٍ. ومُكَلِّبٌ: مُضَرٍّ للكِلابِ عَلَى الصَّيْدِ، مُعَلِّمٌ لَهَا؛ وَقَدْ يكونُ التَّكْليبُ وَاقِعًا عَلَى الفَهْدِ وسِباعِ الطَّيْر. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ
؛ فَقَدْ دخَل فِي هَذَا: الفَهْدُ، وَالْبَازِي، والصَّقْرُ، والشاهينُ، وجميعُ أَنواعِ الجَوارح. والكَلَّابُ: صاحبُ الكِلاب. والمُكَلِّبُ: الَّذِي يُعَلِّم الكِلابَ أَخْذ الصيدِ. وَفِي حَدِيثِ الصَّيْدِ:
إِنَّ لِي كِلاباً مُكَلَّبةً، فأَفْتِني فِي صَيدها.
المُكَلَّبةُ: المُسَلَّطة عَلَى الصَّيْدِ، المُعَوَّدة بِالِاصْطِيَادِ، الَّتِي قَدْ ضَرِيَتْ بِهِ. والمُكَلِّبُ، بِالْكَسْرِ: صاحِبُها، وَالَّذِي يصطادُ بِهَا. وَذُو الكَلْبِ: رجلٌ؛ سُمي بِذَلِكَ لأَنه كَانَ لَهُ كَلْبٌ لَا يُفارقه. والكَلْبةُ: أُنْثى الكِلابِ، وَجَمْعُهَا كَلْباتٌ، وَلَا تُكَسَّرُ. وَفِي الْمَثَلِ: الكِلابُ عَلَى الْبَقَرِ، تَرْفَعُها وتَنْصِبُها أَي أَرسِلْها عَلَى بَقَر الوَحْش؛ وَمَعْنَاهُ: خَلِّ امْرَأً وصِناعَتَه. وأُمُّ كَلْبةَ: الحُمَّى، أُضِيفَتْ إِلى أُنثى الكِلابِ. وأَرض مَكْلَبة: كثيرةُ الكِلابِ. وكَلِبَ الكَلْبُ، واسْتَكْلَبَ: ضَرِيَ، وتَعَوَّدَ أَكْلَ النَّاسِ. وكَلِبَ الكَلْبُ كَلَباً، فَهُوَ كَلِبٌ: أَكَلَ لَحْمَ الإِنسان، فأَخذه لِذَلِكَ سُعارٌ وداءٌ شِبْهُ الجُنون. وَقِيلَ: الكَلَبُ جُنُونُ الكِلابِ؛ وَفِي الصِّحَاحِ: الكَلَبُ شبيهٌ بالجُنُونِ، وَلَمْ يَخُصَّ الكِلاب.(1/722)
اللَّيْثُ: الكَلْبُ الكَلِبُ: الَّذِي يَكْلَبُ فِي أَكْلِ لُحومِ النَّاسِ، فيَأْخُذُه شِبْهُ جُنُونٍ، فإِذا عَقَر إِنساناً، كَلِبَ المَعْقُورُ، وأَصابه داءُ الكَلَبِ، يَعْوِي عُوَاءَ الكَلْبِ، ويُمَزِّقُ ثيابَه عَنْ نَفْسِهِ، ويَعْقِرُ مَنْ أَصاب، ثُمَّ يَصِيرُ أَمْرُه إِلى أَن يأْخذه العُطاشُ، فيموتَ مِنْ شِدَّةِ العَطَش، وَلَا يَشْرَبُ. والكَلَبُ: صِياحُ الَّذِي قَدْ عَضَّه الكَلْبُ الكَلِبُ. قَالَ: وَقَالَ المُفَضَّل أَصْلُ هَذَا أَنَّ دَاءً يَقَعُ عَلَى الزَّرْعِ، فَلَا يَنْحَلُّ حَتَّى تَطْلُع عَلَيْهِ الشمسُ، فيَذُوبَ، فإِن أَكَلَ منه المالُ قَبْلَ ذَلِكَ مَاتَ. قَالَ: وَمِنْهُ مَا رُوي
عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه نَهَى عَنْ سَوْم اللَّيْلِ
أَي عَنْ رَعْيِه، وَرُبَّمَا نَدَّ بعيرٌ فأَكَلَ مِنْ ذَلِكَ الزَّرْعِ، قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فإِذا أَكله مَاتَ، فيأْتي كَلْبٌ فيأْكلُ مِنْ لَحْمِهِ، فيَكْلَبُ، فإِنْ عَضَّ إِنساناً، كَلِبَ المَعْضُوضُ، فإِذا سَمِعَ نُباحَ كَلْبٍ أَجابه. وَفِي الْحَدِيثِ:
سَيَخْرُجُ فِي أُمَّتي أَقوامٌ تَتَجارَى بِهِمُ الأَهْواءُ، كَمَا يَتَجارَى الكَلَبُ بِصَاحِبِهِ
؛ الكَلَبُ، بِالتَّحْرِيكِ: داءٌ يَعْرِضُ للإِنسان، مِن عَضِّ الكَلْب الكَلِب، فيُصيبُه شِبْهُ الجُنُونِ، فَلَا يَعَضُّ أَحَداً إِلا كَلِبَ، ويَعْرِضُ لَهُ أَعْراضٌ رَديئَة، ويَمْتَنِعُ مِنْ شُرْب الماءِ حَتَّى يَمُوتَ عَطَشاً؛ وأَجمعت العربُ عَلَى أَن دَواءَه قَطْرَةٌ مِنْ دَمِ مَلِكٍ يُخْلَطُ بماءٍ فيُسْقاه؛ يُقَالُ مِنْهُ: كَلِبَ الرجلُ كَلَباً: عَضَّه الكَلْبُ الكَلِبُ، فأَصابه مثلُ ذَلِكَ. ورَجُلٌ كَلِبٌ مِن رجالٍ كَلِبِينَ، وكَلِيبٌ مِنْ قَوْم كَلْبَى؛ وقولُ الكُمَيْت:
أَحْلامُكُمْ، لِسَقَامِ الجَهْلِ، شَافِيَةٌ، ... كَمَا دِماؤُكُمُ يُشْفَى بِهَا الكَلَبُ
قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: إِن الرجلَ الكَلِبَ يَعضُّ إِنساناً، فيأْتون رجلٍا شَرِيفًا، فيَقْطُرُ لَهُمْ مِنْ دَمِ أُصْبُعِه، فَيَسْقُونَ الكَلِبَ فيبرأُ. والكَلابُ: ذَهابُ العَقْلِ «4» مِنَ الكَلَب، وَقَدْ كُلِبَ. وكَلِبَتِ الإِبلُ كَلَباً: أَصابَها مثلُ الجُنون الَّذِي يَحْدُثُ عَنِ الكَلَب. وأَكْلَبَ القومُ: كَلِبَتْ إِبلُهم؛ قَالَ النَّابِغَةُ الجَعْدِيُّ:
وقَوْمٍ يَهِينُونَ أَعْراضَهُمْ، ... كَوَيْتُهُمُ كَيَّةَ المُكْلِبِ
والكَلَبُ: العَطَشُ، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ، لأَن صَاحِبَ الكَلَبِ يَعْطَشُ، فإِذا رأَى الماءَ فَزِعَ مِنْهُ. وكَلِبَ عَلَيْهِ كَلَباً: غَضِبَ فأَشْبَهَ الرجلَ الكَلِبَ. وكَلِبَ: سَفِهَ فأَشبه الكَلِبَ. ودَفَعْتُ عَنْكَ كَلَبَ فُلَانٍ أَي شَرَّه وأَذاه. وكَلَبَ الرَّجُلُ يَكْلِبُ، واسْتَكْلَبَ إِذا كَانَ فِي قَفْرٍ «5» ، فيَنْبَحُ لِتَسْمَعَهُ الكِلابُ فتَنْبَحَ فيَسْتَدِلَّ بِهَا؛ قَالَ:
ونَبْحُ الكِلابِ لمُسْتَكْلِبٍ
والكَلْبُ: ضَرْبٌ مِنَ السَّمَك، عَلَى شَكْلِ الكَلْبِ. والكَلْبُ مِنَ النُّجُومِ: بحِذاءِ الدَّلْو مِنْ أَسْفَلَ، وَعَلَى طَرِيقَتِهِ نجمٌ آخَرُ يُقَالُ لَهُ الرَّاعِي. والكَلْبانِ: نَجْمَانِ صَغِيرَانِ كالمُلْتَزِقَيْن بَيْنَ الثُّرَيَّا والدَّبَرانِ. وكِلابُ الشتاءِ: نُجومٌ، أَوَّلَه، وَهِيَ: الذراعُ والنَّثْرَةُ والطَّرْفُ والجَبْهة؛ وكُلُّ هَذِهِ النجومِ، إِنما سُمِّيَتْ بِذَلِكَ عَلَى التَّشْبِيهِ بالكِلابِ. وكَلْبُ الْفَرَسِ: الخَطُّ الَّذِي فِي وَسَطِ ظَهْرِه،
__________
(4) . قوله [والكلاب ذهاب العقل] بوزن سحاب وقد كلب كعني كما في القاموس.
(5) . قوله [وكلب الرجل إِذَا كَانَ فِي قَفْرٍ إلخ] من باب ضرب كما في القاموس.(1/723)
تَقُولُ: اسْتَوَى عَلَى كَلْبِ فَرَسه. ودَهْرٌ كَلِبٌ: مُلِحٌّ عَلَى أَهله بِمَا يَسُوءُهم، مُشْتَقٌّ مِنَ الكَلْبِ الكَلِبِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
مَا لِيَ أَرى الناسَ، لا أَبا لَهُمُ ... قَدْ أَكَلُوا لَحْمَ نابِحٍ كَلِبِ
وكُلْبَةُ الزَّمان: شِدَّةُ حَالِهِ وضِيقُه، مِنْ ذَلِكَ. والكُلْبةُ، مِثلُ الجُلْبةِ. والكُلْبة: شِدَّةُ البرْد، وَفِي الْمُحْكَمِ شِدَّةُ الشتاءِ، وجَهْدُه، مِنْهُ أَيضاً؛ أَنشد يَعْقُوبُ:
أَنْجَمَتْ قِرَّةُ الشِّتاءِ، وكانَتْ ... قَدْ أَقامَتْ بكُلْبةٍ وقِطارِ
وَكَذَلِكَ الكَلَبُ، بِالتَّحْرِيكِ، وَقَدْ كَلِبَ الشتاءُ، بِالْكَسْرِ. والكَلَبُ: أَنْفُ الشِّتاءِ وحِدَّتُه؛ وبَقِيَتْ عَلَيْنَا كُلْبةٌ مِنَ الشتاءِ؛ وكَلَبةٌ أَي بَقِيَّةُ شِدَّةٍ، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الكُلْبةُ كُلُّ شِدَّةٍ مِنْ قِبَلِ القَحْط والسُّلْطان وَغَيْرِهِ. وَهُوَ فِي كُلْبة مِنَ العَيْش أَي ضِيقٍ. وَقَالَ النَّضْرُ: الناسُ فِي كُلْبةٍ أَي فِي قَحْطٍ وشِدَّة مِنَ الزَّمَانِ. أَبو زَيْدٍ: كُلْبةُ الشِّتَاءِ وهُلْبَتُه: شِدَّتُه. وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: أَصابتهم كُلْبةٌ مِنَ الزَّمَانِ، فِي شِدَّةِ حَالِهِمْ، وعَيْشِهم، وهُلْبةٌ مِنَ الزَّمَانِ؛ قَالَ: وَيُقَالُ هُلْبة وجُلْبة مِنَ الحَرِّ والقُرِّ. وعامٌ كلِبٌ: جَدْبٌ، وكُلُّه مِنَ الكَلَب. والمُكالَبةُ: المُشارَّة وَكَذَلِكَ التَّكَالُبُ؛ يُقَالُ: هُمْ يَتَكَالبُونَ عَلَى كَذَا أَي يَتَواثَبُون عَلَيْهِ. وكالَبَ الرجلَ مُكالَبةً وكِلاباً: ضايَقَه كمُضايَقَة الكِلاب بَعْضِها بَعْضاً، عِنْدَ المُهارشة؛ وقولُ تَأَبَّطَ شَرّاً:
إِذا الحَرْبُ أَوْلَتْكَ الكَلِيبَ، فَوَلِّها ... كَلِيبَكَ واعْلَم أَنها سَوْفَ تَنْجَلِي
قِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ قَوْلَانِ: أَحدهما أَنه أَراد بالكَلِيب المُكالِبَ الَّذِي تَقَدَّم، والقولُ الآخرُ أَن الكَلِيبَ مَصْدَرُ كَلِبَتِ الحَرْبُ، والأَوَّل أَقْوَى. وكَلِبَ عَلَى الشيءِ كَلَباً: حَرَصَ عَلَيْهِ حِرْصَ الكَلْبِ، واشْتَدَّ حِرْصُه. وَقَالَ الحَسَنُ: إِنَّ الدُّنْيَا لَمَّا فُتِحَتْ عَلَى أَهلها، كَلِبُوا عَلَيْهَا أَشَدَّ الكَلَبِ، وعَدَا بعضُهم عَلَى بَعْضٍ بالسَّيْفِ؛ وَفِي النِّهَايَةِ: كَلِبُوا عَلَيْهَا أَسْوَأَ الكَلَبِ، وأَنْتَ تَجَشَّأُ مِنَ الشِّبَع بَشَماً، وجارُك قَدْ دَمِيَ فُوه مِنَ الْجُوعِ كَلَباً أَي حِرصاً عَلَى شيءٍ يُصِيبه. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَتَبَ إِلى ابْنِ عَبَّاسٍ حِينَ أَخَذَ مِنْ مَالِ البَصْرَة: فَلَمَّا رأَيتَ الزمانَ عَلَى ابْنِ عَمِّكَ قَدْ كَلِبَ، وَالْعَدُوُّ قَدْ حَرِبَ
؛ كَلِبَ أَي اشْتَدَّ. يُقَالُ: كَلِبَ الدَّهْرُ عَلَى أَهله إِذا أَلَحَّ عَلَيْهِمْ، واشْتَدَّ. وتَكالَبَ الناسُ عَلَى الأَمر: حَرَصُوا عَلَيْهِ حَتَّى كأَنهم كِلابٌ. والمُكالِبُ: الجَرِيءُ، يَمانية؛ وَذَلِكَ لأَنه يُلازِمُ كمُلازمَة الكِلابِ لِمَا تَطْمَعُ فِيهِ. وكَلِبَ الشَّوْكُ إِذا شُقَّ ورَقُه، فَعَلِقَ كَعَلَقِ الكِلابِ. والكَلْبَةُ والكَلِبَةُ مِنَ الشِّرْسِ: وَهُوَ صِغَارُ شَجَرِ الشَّوْكِ، وَهِيَ تُشْبِه الشُّكَاعَى، وَهِيَ مِنَ الذُّكُورِ، وَقِيلَ: هِيَ شَجَرة شاكَةٌ مِنَ العِضاهِ، لَهَا جِراءٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ تَشْبِيهٌ بالكَلْب. وَقَدْ كَلِبَتْ إِذا انْجَرَدَ ورَقُها، واقْشَعَرَّتْ، فَعَلِقَت الثيابَ وآذَتْ مَن مَرَّ بِهَا، كَمَا يَفْعَلُ الكَلْبُ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: قَالَ أَبو الدُّقَيْش كَلِبَ الشجرُ، فَهُوَ كَلِبٌ إِذا لَمْ يَجِدْ رِيَّهُ، فَخَشُنَ مِنْ غَيْرِ أَن تَذْهَبَ نُدُوَّتُه، فعَلِقَ ثَوْبَ مَن مَرَّ بِهِ كالكَلْب.(1/724)
وأَرض كَلِبةٌ إِذا لَمْ يَجِدْ نباتُها رِيّاً، فَيَبِسَ. وأَرضٌ كَلِبَةُ الشَّجر إِذا لَمْ يُصِبْها الربيعُ. أَبو خَيْرة: أَرضٌ كَلِبةٌ أَي غَلِيظةٌ قُفٌّ، لَا يَكُونُ فِيهَا شَجَرٌ وَلَا كَلأٌ، وَلَا تكونُ جَبَلًا، وَقَالَ أَبو الدُّقَيْشِ. أَرضٌ كَلِبَةُ الشَّجر أَي خَشِنَةٌ يابسةٌ، لَمْ يُصِبْها الربيعُ بَعْدُ، وَلَمْ تَلِنْ. والكَلِبةُ مِنَ الشَّجَرِ أَيضاً: الشَّوْكةُ العارِيةُ مِنَ الأَغْصان، وَذَلِكَ لِتَعَلُّقِهَا بِمَنْ يَمُرُّ بِهَا، كَمَا تَفْعل الكِلابُ. وَيُقَالُ لِلشَّجَرَةِ العارِدة الأَغْصانِ «1» والشَّوْكِ اليابسِ المُقْشَعِرَّةِ: كَلِبةٌ. وكَفُّ الكَلْبِ: عُشْبة مُنْتَشرة تَنْبُتُ بالقِيعانِ وَبِلَادِ نَجْدٍ، يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ إِذا يَبِسَتْ، تُشَبَّه بكَفِّ الكَلْبِ الحَيوانيِّ، وَمَا دامتْ خَضْراء، فَهِيَ الكَفْنةُ. وأُمُّ كَلْبٍ: شُجَيْرَةٌ شاكةٌ؛ تَنْبُتُ فِي غَلْظِ الأَرض وَجِبَالِهَا، صفراءُ الورقِ، خَشْناء، فإِذا حُرِّكَتْ، سَطَعَتْ بأَنْتَنِ رائحةٍ وأَخْبَثها؛ سُميت بِذَلِكَ لمكانِ الشَّوْكِ، أَو لأَنها تُنْتِنُ كَالْكَلْبِ إِذا أَصابه المَطَرُ. والكَلُّوبُ: المِنْشالُ، وَكَذَلِكَ الكُلَّابُ، وَالْجَمْعُ الكَلالِيبُ، وَيُسَمَّى المِهْمازُ، وَهُوَ الحَديدةُ الَّتِي عَلَى خُفِّ الرَّائِضِ، كُلَّاباً؛ قَالَ جَنْدَلُ بْنُ الرَّاعِي يَهْجو ابنَ الرِّقاعِ؛ وَقِيلَ هُوَ لأَبيه الرَّاعِي:
خُنادِفٌ لاحِقٌ، بالرأْسِ، مَنْكِبُه، ... كأَنه كَوْدَنٌ يُوشَى بكُلَّابِ
وكَلَبه: ضَرَبه بالكُلَّابِ؛ قَالَ الكُمَيْتُ:
ووَلَّى بأجْرِيّا ولافٍ، كأَنه ... عَلَى الشَّرَفِ الأَقْصَى يُساطُ ويُكلَبُ
والكُلَّابُ والكَلُّوبُ: السَّفُّودُ، لأَنه يَعْلَقُ الشِّواءَ ويَتَخَلَّله، هَذِهِ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. والكَلُّوبُ والكُلَّابُ: حديدةٌ مَعْطُوفَةٌ، كالخُطَّافِ. التَّهْذِيبُ: الكُلَّابُ والكَلُّوبُ خَشَبةٌ فِي رأْسها عُقَّافَةٌ مِنْهَا، أَو مِنْ حديدٍ. فأَمَّا الكَلْبَتانِ: فالآلةُ الَّتِي تَكُونُ مَعَ الحَدَّادين. وَفِي حَدِيثِ الرُّؤْيَا:
وإِذا آخَرُ قائمٌ بكَلُّوبِ حديدٍ
؛ الكَلُّوبُ، بِالتَّشْدِيدِ: حديدةٌ مُعْوَجَّةُ الرأْس. وكَلاليب الْبَازِي: مَخالِبُه، كلُّ ذَلِكَ عَلَى التَّشْبيه بمَخالِبِ الكِلابِ والسِّباعِ. وكلاليبُ الشَّجَرِ: شَوْكُه كَذَلِكَ. وكالَبَتِ الإِبلُ: رَعَتْ كلالِيبَ الشَّجَرِ، وَقَدْ تَكُونُ المُكالَبةُ ارتِعاءَ الخَشِنِ اليابسِ، وَهُوَ مِنْهُ؛ قَالَ:
إِذا لَمْ يَكُنْ إِلا القَتادُ، تَنَزَّعَتْ ... مَناجِلُها أَصْلَ القَتادِ المُكالَب
والكلْبُ: الشَّعِيرةُ. والكلْبُ: المِسْمارُ الَّذِي فِي قَائِمِ السَّيْفِ، وَفِيهِ الذُّؤابة لِتُعَلِّقَه بِهَا؛ وَقِيلَ كَلْبُ السَّيْفِ: ذُؤَابتُه. وَفِي حَدِيثِ
أُحُدٍ: أَنَّ فَرَساً ذبَّ بذَنبه، فأَصابَ كُلَّابَ سَيْفٍ، فاسْتَلَّه. الكُلَّابُ
والكَلْبُ: الحَلْقَةُ أَو المِسمار الَّذِي يَكُونُ فِي قَائِمِ السَّيْفِ، تَكُونُ فِيهِ عِلاقَتُه. والكَلْبُ: حديدةٌ عَقْفاءُ تكونُ فِي طَرَفِ الرَّحْل تُعَلَّق فِيهَا المَزادُ والأَدَاوى؛ قَالَ يَصِفُ سِقاء:
وأَشْعَثَ مَنْجُوبٍ شَسِيفٍ، رَمَتْ بِهِ، ... عَلَى الماءِ، إِحْدَى اليَعْمَلاتِ العَرامِسُ
فأَصْبَحَ فوقَ الماءِ رَيَّانَ، بَعْدَ ما ... أَطالَ بِهِ الكَلْبُ السُّرَى، وَهُوَ ناعِسُ
والكُلَّابُ: كالكَلْبِ، وكلُّ مَا أُوثِقَ بِهِ شيءٌ،
__________
(1) . قوله [العاردة الأَغصان] كذا بالأَصل والتهذيب بدال مهملة بعد الراء، والذي في التكملة: العارية بالمثناة التحتية بعد الراء.(1/725)
فَهُوَ كَلْبٌ، لأَنه يَعْقِلُه كَمَا يَعْقِلُ الكَلْبُ مَنْ عَلِقَه. والكَلْبتانِ: الَّتِي تكونُ مَعَ الحَدَّاد يأْخُذُ بِهَا الْحَدِيدَ المُحْمَى، يُقَالُ: حديدةٌ ذاتُ كَلْبَتَيْن، وحديدتانِ ذَوَاتَا كَلْبَتَيْنِ، وحدائدُ ذواتُ كَلْبتين، فِي الْجَمْعِ، وكلُّ مَا سُمِّي بِاثْنَيْنِ فَكَذَلِكَ. والكَلْبُ: سَير أَحمر يُجْعَلُ بَيْنَ طَرَفَي الأَديم. والكَلْبَةُ: الخُصْلة مِنَ اللِّيفِ، أَو الطاقةُ مِنْهُ، تُسْتَعْمَل كَمَا يُسْتَعْمَلُ الإِشْفَى الَّذِي فِي رأْسه جُحْر، ثُمَّ يُجْعَلُ السيرُ فِيهِ؛ كَذَلِكَ الكُلْبةُ يُجْعَلُ الخَيْطُ أَو السَّيْرُ فِيهَا، وَهِيَ مَثْنِيَّةٌ، فتُدخَلُ فِي مَوْضع الخَرْزِ، ويُدْخِلُ الخارزُ يَدَه فِي الإِداوةِ، ثُمَّ يَمُدُّه. وكَلَبَتِ الخارِزةُ السَّيْرَ تَكْلُبُه كلْباً: قَصُرَ عَنْهَا السيرُ، فثَنَتْ سَيراً يَدْخُلُ فِيهِ رأْسُ الْقَصِيرِ حَتَّى يَخْرُج مِنْهُ؛ قَالَ دُكَينُ بنُ رجاءٍ الفُقَيْميُّ يَصِفُ فَرَسًا:
كأَنَّ غَرَّ مَتْنِهِ، إِذْ نَجْنُبُهْ، ... سَيرُ صَناعٍ فِي خَرِيزٍ تَكْلُبُهْ
وَاسْتَشْهَدَ الْجَوْهَرِيُّ بِهَذَا عَلَى قَوْلِهِ: الكَلْبُ سَير يُجْعَلُ بَيْنَ طَرَفَي الأَديمِ إِذا خُرِزا؛ تَقُولُ مِنْهُ: كَلَبْتُ المَزادَةَ، وغَرُّ مَتْنِه مَا تَثَنَّى مِنْ جِلده. ابْنُ دُرَيْدٍ: الكَلْبُ أَنْ يَقْصُرَ السيرُ عَلَى الْخَارِزَةِ، فتُدْخِلَ فِي الثَّقْبِ سَيْرًا مَثْنِيّاً، ثُمَّ تَرُدَّ رأْسَ السَّير النَّاقِصَ فِيهِ، ثُمَّ تُخْرِجَهُ وأَنشد رَجَزَ دُكَينٍ أَيضاً. ابْنُ الأَعرابي: الكَلْبُ خَرْزُ السَّير بَينَ سَيرَينِ. كلَبْتُه أَكْلُبه كَلْباً، واكْتَلَبَ الرجلُ: استَعمَلَ هَذِهِ الكُلْبَةَ، هَذِهِ وَحْدَهَا عَنِ اللِّحْيَانِيِّ؛ قَالَ: والكُلْبَةُ: السَّير وراءَ الطاقةِ مِنَ اللِّيفِ، يُستَعمَل كَمَا يُسْتَعْمَلُ الإِشْفَى الَّذِي فِي رأْسه جُحْرٌ، يُدْخَلُ السَّيرُ أَو الخَيْطُ فِي الكُلْبة، وَهِيَ مَثْنِيَّة، فَيَدْخُلُ فِي مَوْضِعِ الخَرْز، ويُدْخِلُ الخارِز يدَه فِي الإِداوة، ثُمَّ يَمُدُّ السَّيرَ أَو الْخَيْطَ. والخارِزُ يُقَالُ لَهُ: مُكْتَلِبٌ. ابْنُ الأَعرابي: والكَلْبُ مِسمارٌ يَكُونُ فِي روافِدِ السَّقْبِ، تُجْعَلُ عَلَيْهِ الصُّفْنةُ، وَهِيَ السُّفْرة الَّتِي تُجْمَعُ بالخَيْط. قَالَ: والكَلْبُ أَوَّلُ زيادةِ الْمَاءِ فِي الْوَادِي. والكَلْبُ: مِسْمارٌ عَلَى رأْسِ الرَّحْل، يُعَلِّقُ عَلَيْهِ الراكبُ السَّطِيحةَ. والكَلْبُ: مسْمارُ مَقْبضِ السَّيْفِ، وَمَعَهُ آخرُ، يُقَالُ لَهُ: العجوزُ. وكَلَبَ البعيرَ يَكْلُبه كَلْباً: جمعَ بَيْنَ جَريرِه وزِمامِه بخَيطٍ فِي البُرَةِ. والكَلَبُ: الأَكْلُ الْكَثِيرُ بِلَا شِبَعٍ. والكَلَبُ: وقُوعُ الحَبْلِ بَيْنَ القَعْوِ والبَكَرة، وَهُوَ المرْسُ، والحَضْبُ، والكَلْب القِدُّ. ورَجلٌ مُكَلَّبٌ: مَشدودٌ بالقِدِّ، وأَسِيرٌ مُكَلَّبٌ؛ قَالَ طُفَيْل الغَنَوِيُّ:
فباءَ بِقَتْلانا مِنَ الْقَوْمِ مِثْلُهم، ... وَمَا لَا يُعَدُّ مِنْ أَسِيرٍ مُكَلَّبِ «2»
وَقِيلَ: هُوَ مَقْلُوبٌ عَنِ مُكَبَّلٍ. وَيُقَالُ: كَلِبَ عَلَيْهِ القِدُّ إِذا أُسِرَ بِهِ، فَيَبِسَ وعَضَّه. وأَسيرٌ مُكَلَّبٌ ومُكَبَّلٌ أَي مُقَيَّدٌ. وأَسيرٌ مُكَلَّبٌ: مَأْسُورٌ بالقِدِّ. وَفِي حَدِيثِ
ذِي الثُّدَيَّةِ: يَبْدو فِي رأْسِ يَدَيهِ شُعَيراتٌ، كأَنها كُلْبَةُ كَلْبٍ
، يَعْنِي مَخالِبَه. قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا قَالَ الْهَرَوِيُّ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: كأَنها كُلْبةُ كَلْبٍ، أَو كُلْبةُ سِنَّوْرٍ، وَهِيَ الشَّعَرُ النابتُ فِي جانِبَيْ خَطْمِه.
__________
(2) . قوله [فباء بقتلانا إلخ] كذا أنشده في التهذيب. والذي في الصحاح أَبَاءَ بِقَتْلَانَا مِنَ الْقَوْمِ ضعفهم، وكل صحيح المعنى، فلعلهما روايتان.(1/726)
وَيُقَالُ للشَّعَر الَّذِي يَخْرُزُ بِهِ الإِسْكافُ: كُلْبةٌ. قَالَ: وَمَنْ فَسَّرها بالمَخالب، نَظَرًا إِلى مَجيءِ الكَلالِيبِ فِي مَخالِبِ البازِي، فَقَدْ أَبْعَد. ولِسانُ الكَلْبِ: اسمُ سَيْفٍ كَانَ لأَوْسِ بْنِ حارثةَ ابنَ لأْمٍ الطَّائِيِّ؛ وَفِيهِ يَقُولُ:
فإِنَّ لِسانَ الكَلْبِ مانِعُ حَوْزَتي، ... إِذا حَشَدَتْ مَعْنٌ وأَفناء بُحْتُرِ
ورأْسُ الكَلْبِ: اسمُ جَبَلٍ مَعْرُوفٍ. وَفِي الصِّحَاحِ: ورأْسُ كَلْبٍ: جَبَلٌ. والكَلْبُ: طَرَفُ الأَكَمةِ. والكُلْبةُ: حانوتُ الخَمَّارِ، عَنْ أَبي حَنِيفَةَ. وكَلْبٌ وبنُو كَلْبٍ وبنُو أَكْلُبٍ وَبَنُو كَلْبةَ: كلُّها قبائلُ. وكَلْبٌ: حَيٌّ مِنْ قُضاعة. وكِلابٌ: فِي قُرَيْشٍ، وَهُوَ كِلابُ بنُ مُرَّةَ. وكِلابٌ: فِي هَوازِنَ، وَهُوَ كِلابُ بْنِ ربيعةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعة. وقولُهم: أَعزُّ مِنْ كُلَيْبِ وائلٍ، هُوَ كُلَيْبُ بْنُ رَبِيعَةَ مِنْ بَنِي تَغلِبَ بنِ وَائِلٍ. وأَما كُلَيْبٌ، رَهْطُ جريرٍ الشَّاعِرِ، فَهُوَ كُلَيْبُ بْنُ يَرْبُوع بْنِ حَنْظَلة. والكَلْبُ: جَبَل بِالْيَمَامَةِ؛ قَالَ الأَعشى:
إِذْ يَرْفَعُ الْآلُ رأْس الكَلْبِ فارْتَفَعا
هَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ سِيدَهْ. والكَلْبُ: جَبَلٌ بِالْيَمَامَةِ، وَاسْتَشْهَدَ عَلَيْهِ بِهَذَا الْبَيْتِ: رأْس الكَلْب. والكَلْباتُ: هَضَباتٌ مَعْرُوفَةٌ هُنَالِكَ. والكُلابُ، بِضَمِّ الْكَافِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ: اسْمُ مَاءٍ، كَانَتْ عِنْدَهُ وَقْعَةُ العَرَب؛ قَالَ السَّفَّاح بْنِ خَالِدٍ التَّغْلَبيُّ:
إِنَّ الكُلابَ ماؤُنا فَخَلُّوهْ، ... وساجِراً، وَاللَّهِ، لَنْ تَحُلُّوهْ
وساجرٌ: اسْمُ مَاءٍ يَجْتَمِعُ مِنَ السَّيْلِ. وَقَالُوا: الكُلابُ الأَوَّلُ، والكُلابُ الثَّانِي، وَهُمَا يَوْمَانِ مَشْهُورَانِ لِلْعَرَبِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
عَرْفَجَة: أَنَّ أَنْفَه أُصيبَ يومَ الكُلابِ، فاتَّخَذ أَنْفاً مِنْ فِضَّةٍ
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: كُلابٌ الأَوَّلُ، وكُلابٌ الثَّانِي يَوْمَانِ، كَانَا بَيْنَ مُلوكِ كنْدة وَبَنِي تَمِيم. قَالَ: والكُلابُ مَوْضِعٌ، أَو مَاءٌ، مَعْرُوفٌ، وَبَيْنَ الدَّهْناء وَالْيَمَامَةِ مَوْضِعٌ يُقَالُ لَهُ الكُلابُ أَيضاً. والكَلْبُ: فرسُ عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْل. والكَلَبُ: القِيادةُ، والكَلْتَبانُ: القَوَّادُ؛ مِنْهُ، حَكَاهُمَا ابْنُ الأَعرابي، يَرْفَعُهُمَا إِلى الأَصمعي، وَلَمْ يَذْكُرْ سِيبَوَيْهِ فِي الأَمثلة فَعْتَلاناً. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَمْثَلُ مَا يُصَرَّفُ إِليه ذَلِكَ، أَن يَكُونَ الكَلَبُ ثُلَاثِيًّا، والكَلْتَبانُ رُبَاعِيًّا، كَزَرِمَ وازْرَأَمَّ، وضَفَدَ واضْفَادَّ. وكلْبٌ وكُلَيْبٌ وكِلابٌ: قَبَائِلُ معروفة.
كلتب: الكَلْتَبانُ: مأْخوذ مِنَ الكَلَب؛ وَهِيَ القيادةُ. ابْنُ الأَعرابي: الكَلْتَبةُ القِيادة، وَاللَّهُ أَعلم.
كلحب: كَلْحَبه بِالسَّيْفِ: ضَرَبَهُ. وكَلْحَبةُ والكَلْحَبةُ: مِنْ أَسماءِ الرِّجَالِ. والكَلْحَبةُ اليَرْبُوعيُّ: اسْمُ هُبَيرة بْنُ عَبْدِ مَنافٍ. قَالَ الأَزهري: وَلَا يُدْرَى مَا هُوَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: الكَلْحَبةُ صوتُ النَّارِ ولهِيبُها، يُقَالُ: سَمِعْتُ حَدَمةَ النَّارِ وكَلْحَبَتَها.
كنب: كَنَبَ يَكْنُبُ كُنُوباً: غَلُظَ؛ وأَنشد لدُرَيْدِ بْنِ الصِّمَّة:
وأَنتَ امْرُؤٌ جَعْدُ القَفا مُتَعَكِّسٌ، ... مِنَ الأَقِطِ الحَوْلِيِّ شَبْعانُ كانِبُ
أَي شَعَرُ لِحْيته مُتَقَبِّضٌ لَمْ يُسَرَّحْ، وكُلُّ شيءٍ مُتَقَبِّضٍ، فَهُوَ مُتَعَكِّسٌ.(1/727)
وأَكْنَبَ: كَكَنَبَ. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: كانِب كانِزٌ، يُقَالُ: كَنَب فِي جِرابه شَيْئًا إِذا كَنزَه فِيهِ. والكَنَبُ: غِلَظٌ يَعْلُو الرِّجْلَ والخُفَّ والحافِرَ واليَدَ؛ وخَصَّ بعضُهم بِهِ اليَدَ إِذا غَلُظَتْ مِنَ العَمَل؛ كَنِبَتْ يَدُه وأَكْنَبَتْ، فَهِيَ مُكْنِبة. وَفِي الصِّحَاحِ: أَكْنَبَتْ، وَلَا يُقَالُ: كَنِبَتْ؛ وأَنشد أَحمد بْنُ يَحْيَى:
قَدْ أَكْنَبَتْ يَداكَ بَعْدَ لِينِ، ... وبعْدَ دُهْنِ البانِ والمَضْنُونِ،
وهَمَّتا بالصَّبرِ والمُرُونِ
والمَضْنُونُ: جنسٌ مِنَ الطِّيبِ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
قَدْ أَكْنَبَتْ نُسورُه وأَكْنَبا
أَي غَلُظَتْ وعَسَتْ. وَفِي حَدِيثِ
سَعدٍ: رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ أَكْنَبَتْ يَدَاهُ، فَقَالَ لَهُ: أَكنَبَتْ يَداك؛ فَقَالَ: أُعالِجُ بالمَرِّ والمِسْحاةِ؛ فأَخذ بِيَدِهِ وَقَالَ: هَذِهِ لَا تَمَسُّها النارُ أَبداً.
أَكْنَبتِ اليدُ إِذا ثَخُنَتْ وغَلُظَ جِلْدُها، وتَعَجَّرَ مِنْ مُعاناة الأَشياءِ الشاقَّةِ. والكَنَبُ فِي الْيَدِ: مثلُ المَجَلِ، إِذا صَلُبَت مِنَ العَمل. والمِكْنَبُ: الغليظُ مِنَ الْحَوَافِرِ. وخُفٌّ مُكْنَبٌ، بِفَتْحِ النُّونِ: كمُكْنِبٍ، عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
بكُلِّ مَرثُومِ النَّواحِي مُكْنَبِ
وأَكْنَبَ عَلَيْهِ بَطْنُه: اشْتدَّ. وأَكْنَبَ عَلَيْهِ لسانُه: احْتَبَس. وكَنَبَ الشيءَ يَكْنِبه كَنْباً: كَنَزَه. والكانِبُ: المُمْتَلِئُ شِبَعاً. والكِنابُ، بِالْكَسْرِ، والعاسِي: الشِّمراخُ. والكَنيبُ: اليبيسُ مِنَ الشَّجَرِ. قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الكَنِبُ، بِغَيْرِ يَاءٍ، شَبِيهٌ بقَتادِنا هَذَا، الَّذِي يَنْبُت عِنْدَنَا، وَقَدْ يُحْصَف عِنْدَنَا بلِحائِه، ويُفْتلُ مِنْهُ شُرُطٌ باقيةٌ عَلَى النَّدى. وَقَالَ مرَّة: سأَلتُ بعضَ الأَعراب عَنِ الكَنِبِ، فأَراني شِرْسَةً مُتَفرِّقَةً مِنْ نَبات الشَّوْك، بيضاءَ العيدانِ، كثيرةَ الشَّوْك، لَهَا فِي أَطرافها بَراعِيمُ، قَدْ بَدَتْ مِنْ كُلِّ بُرْعُومة شَوْكاتٌ ثلاثٌ. والكَنِبُ: نَبْتٌ؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ:
مُعالِياتٌ، عَلَى الأَريافِ، مَسْكَنُها ... أَطْرافُ نَجْدٍ، بأَرضِ الطَّلْحِ والكَنِبِ
اللَّيْثُ: الكَنِبُ شَجَرٌ؛ قَالَ:
فِي خَضَدٍ مِنَ الكَراثِ والكَنِبْ
وكُنَيْبٌ، مُصَغَّرًا: مَوْضِعٌ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
زيدُ بنُ بَدْرٍ حاضِرٌ بعُراعِرٍ، ... وَعَلَى كُنَيْبٍ مالكُ بنُ حِمارِ
كنثب: ابْنُ الأَعرابي: الكِنْثابُ الرمل المُنْهال.
كنخب: الكَنْخَبة: اختلاطُ الْكَلَامِ مِنَ الخطإِ، حَكَاهُ يُونُسُ.
كهب: الكُهْبَةُ: غُبرة مُشْرَبةٌ سَوَادًا فِي أَلوان الإِبل، زَادَ الأَزهري: خَاصَّةً. بَعِيرٌ أَكْهَبُ: بَيِّن الكَهَب، وَنَاقَةٌ كَهْباء. الْجَوْهَرِيُّ: الكُهْبة لونٌ مِثْلُ القُهبة. قَالَ أَبو عَمْرٍو: الكُهبة لَوْنٌ لَيْسَ بخالصٍ فِي الحُمرة، وَهُوَ فِي الحُمْرة خاصَّةً. وَقَالَ يَعْقُوبُ: الكُهْبة لونٌ إِلى الغُبرة مَا هُوَ، فَلَمْ يَخُصَّ شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ. قَالَ الأَزهري: لَمْ أَسمع الكُهْبة فِي أَلوان الإِبل، لِغَيْرِ اللَّيْثِ؛ قَالَ: وَلَعَلَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي أَلوان الثيابِ. الأَزهري: قَالَ ابْنُ الأَعرابي: وَقِيلَ الكَهَبُ لونُ الجاموسِ، والكُهْبةُ: الدُّهْمة؛ وَالْفِعْلُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ(1/728)
كَهِبَ وكَهُبَ كَهَباً وكُهْبةً، فَهُوَ أَكْهَبُ، وَقَدْ قِيلَ: كاهِبٌ؛ وَرَوَى بَيْتَ ذِي الرُّمَّة:
جَنُوحٌ عَلَى باقٍ سَحِيقٍ، كأَنَّهُ ... إِهابُ ابنِ آوَى كاهِبُ اللَّوْنِ أَطْحَلُهْ
ويروى: أَكْهَبُ.
كهدب: كَهْدَبٌ: ثَقِيلٌ وَخْمٌ.
كهكب: التَّهْذِيبُ فِي تَرْجَمَةِ كَهْكَمَ: ابْنُ الأَعرابي: الكَهْكَمُ والكَهْكَبُ الباذِنجانُ.
كوب: الكُوبُ: الكُوزُ الَّذِي لَا عُرْوَةَ لَهُ؛ قَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ:
مُتَّكِئاً تَصْفِقُ أَبوابُه، ... يَسْعَى عَلَيْهِ العَبْدُ بالكُوبِ
وَالْجَمْعُ أَكْوابٌ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ
. وَفِيهِ: يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ
. قَالَ الْفَرَّاءُ: الكُوبُ الكوزُ المستديرُ الرأْسِ الَّذِي لَا أُذُن لَهُ؛ وَقَالَ يَصِفُ مَنْجَنوناً:
يَصُبُّ أَكْواباً عَلَى أَكوابِ، ... تَدَفَّقَتْ مِنْ مَائِهَا الجَوابي
ابْنُ الأَعرابي: كابَ يَكُوب إِذا شَرِبَ بالكُوبِ «1» . والكَوَبُ: دِقَّة العُنق وعِظَمُ الرأْس. والكُوبة: الشِّطْرَنْجَةُ. والكُوبَةُ: الطَّبْل والنَّرْدُ، وَفِي الصِّحَاحِ: الطَّبْلُ الصَّغير المُخَصَّرُ. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: أَما الكُوبة، فإِن مُحَمَّدَ بْنَ كَثِيرٍ أَخبرني أَن الكُوبةَ النَّرْدُ فِي كَلَامِ أَهل الْيَمَنِ؛ وَقَالَ غَيْرُهُ، الكُوبَةُ: الطَّبْلُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِنَّ اللَّهَ حَرَّم الخَمْرَ والكُوبةَ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هِيَ النَّرْدُ؛ وَقِيلَ: الطَّبْل؛ وَقِيلَ: البَرْبَطُ، وَمِنْهُ حَدِيثُ
عَلِيٍّ: أُمِرْنا بكَسْرِ الكُوبةِ، والكِنَّارَة، والشِّياع.
فصل اللام
لبب: لُبُّ كلِّ شيءٍ، ولُبابُه: خالِصُه وخِيارُه، وَقَدْ غَلَبَ اللُّبُّ عَلَى مَا يُؤْكَلُ داخلُه، ويُرْمى خارجُه مِنَ الثَّمر. ولُبُّ الجَوْز واللَّوز، وَنَحْوُهُمَا: مَا فِي جَوْفه، والجمعُ اللُّبُوبُ؛ تَقُولُ مِنْهُ: أَلَبَّ الزَّرْعُ، مِثْلَ أَحَبَّ، إِذا دَخَلَ فِيهِ الأُكلُ. ولَبَّبَ الحَبُّ تَلْبِيباً: صَارَ لَهُ لُبٌّ. ولُبُّ النَّخلةِ: قَلْبُها. وخالِصُ كلِّ شيءٍ: لُبُّه. اللَّيْثُ: لُبُّ كلِّ شيءٍ مِنَ الثِّمَارِ داخلُه الَّذِي يُطْرَحُ خارجُه، نَحْوَ لُبِّ الجَوْز واللَّوز. قَالَ: ولُبُّ الرَّجُل: مَا جُعِل فِي قَلْبه مِنَ العَقْل. وشيءٌ لُبابٌ: خالِصٌ. ابْنُ جِنِّي: هُوَ لُبابُ قَومِه، وَهُمْ لُبابُ قَوْمِهِمْ، وَهِيَ لُبابُ قَوْمها؛ قَالَ جَرِيرٌ:
تُدَرِّي فوقَ مَتْنَيْها قُروناً ... عَلَى بَشَرٍ، وآنِسَةٌ لُبابُ
والحَسَبُ: اللُّبابُ الخالصُ، وَمِنْهُ سُمِّيَتِ المرأَة لُبابَة. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِنَّا حَيٌّ مِنْ مَذْحجٍ، عُبابُ سَلَفِها ولُبابُ شرَفِها.
اللُّبابُ: الخالِصُ مِنْ كُلِّ شيءٍ، كاللُّبِّ. واللُّبابُ: طَحِينٌ مُرَقَّقٌ. ولَبَّبَ الحَبُّ: جَرَى فِيهِ الدَّقيقُ. ولُبابُ القَمْح، ولُبابُ الفُسْتُقِ، ولُبابُ الإِبلِ: خِيارُها. ولُبابُ: الحَسَبِ: مَحْضُه. واللُّبابُ: الخالِصُ مِنْ كلِّ شيءٍ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ فَحْلًا مِئناثاً:
سِبَحْلًا أَبا شِرْخَينِ أَحْيا بَناتِه ... مَقالِيتُها، فَهِيَ اللُّبابُ الحَبائسُ
__________
(1) . قوله [كاب يكوب إذا إلخ] وكذلك اكتاب يكتاب كما يقال: كاز واكتاز إذا شرب بالكوز انتهى. تكملة.(1/729)
وَقَالَ أَبو الْحَسَنِ فِي الفالوذَج: لُبابُ القَمْحِ بِلُعابِ النَّحْل. ولُبُّ كلِّ شيءٍ: نفسُه وحَقِيقَتُه. وَرُبَّمَا سُمِّيَ سمُّ الحيةِ: لُبّاً. واللُّبُّ: العَقْلُ، وَالْجَمْعُ أَلبابٌ وأَلْبُبٌ؛ قَالَ الكُمَيْتُ:
إِليكُمْ، بَنِي آلِ النبيِّ، تَطَلَّعَتْ ... نَوازِعُ مِنْ قَلْبي، ظِماءٌ، وأَلْبُبُ
وَقَدْ جُمعَ عَلَى أَلُبٍّ، كَمَا جُمِعَ بُؤْسٌ عَلَى أَبْؤُس، ونُعْم عَلَى أَنْعُم؛ قَالَ أَبو طَالِبٍ:
قلْبي إِليه مُشْرِفُ الأَلُبِ
واللَّبابةُ: مصدرُ اللَّبِيب. وَقَدْ لَبُبْتُ أَلَبُّ، ولَبِبْتَ تَلَبُّ، بِالْكَسْرِ، لُبّاً ولَبّاً ولَبابةً: صِرْتَ ذَا لُبٍّ. وَفِي التَّهْذِيبِ: حَكَى لَبُبْتُ، بِالضَّمِّ، وَهُوَ نَادِرٌ، لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الْمُضَاعَفِ. وَقِيلَ لِصَفِيَّة بِنْتِ عَبَدِ المطَّلب، وضَرَبَت الزُّبَير: لِمَ تَضْرِبينَهُ؟ فقالتْ: لِيَلَبَّ، ويقودَ الجَيشَ ذَا الجَلَب أَي يَصِيرُ ذَا لُبٍّ. وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ: أَضْرِبُه لكيْ يَلَبَّ، ويَقودَ الجَيشَ ذَا اللَّجَب. قَالَ ابْنُ الأَثير: هَذِهِ لغةُ أَهلِ الحِجاز؛ وأَهْلُ نَجْدٍ يَقُولُونَ: لَبَّ يَلِبُّ بِوَزْنِ فَرَّ يَفِرُّ. وَرَجُلٌ ملبوبٌ: مَوْصُوفٌ باللَّبابة. ولَبيبٌ: عاقِلٌ ذُو لُبٍّ، مِن قَوْمٍ أَلِبَّاء؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَا يُكَسَّرُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، والأُنثى لبيبةٌ. الْجَوْهَرِيُّ: رجلٌ لَبيبٌ، مثلُ لَبٍّ؛ قَالَ المُضَرِّبُ بْنُ كَعْب:
فقلتُ لَهَا: فِيئي إِلَيكِ، فإِنَّني ... حَرامٌ، وإِني بَعْدَ ذاكَ لَبِيبُ
التَّهْذِيبُ: وَقَالَ حَسَّانُ:
وجارِيَةٍ مَلْبُوبةٍ ومُنَجَّسٍ ... وطارِقةٍ، فِي طَرْقِها، لَمْ تُشَدِّدِ
واسْتَلَبَّهُ: امْتَحَنَ لُبَّهُ. وَيُقَالُ: بناتُ أَلْبُبٍ عُروق فِي القَلْبِ، يَكُونُ مِنْهَا الرِّقَّةُ. وَقِيلَ لأَعْرابيةٍ تُعاتِبُ ابْنَها: مَا لَكِ لَا تَدْعِينَ عَلَيْهِ؟ قَالَتْ: تَأْبى لَهُ ذَلِكَ بناتُ أَلْبُبي. الأَصمعي قَالَ: كَانَ أَعرابيٌّ عِنْدَهُ امرأَة فَبَرِمَ بِهَا، فأَلقاها فِي بِئرٍ غَرَضاً بِهَا، فمَرَّ بِهَا نَفَرٌ فسَمِعوا هَمْهَمَتَها مِنَ الْبِئْرِ، فاسْتَخْرجوها، وَقَالُوا: مَنْ فَعَلَ هَذَا بِكَ؟ فَقَالَتْ: زَوْجِي، فَقَالُوا ادعِي اللهَ عَلَيْهِ، فقالَتْ: لَا تُطاوعُني بناتُ أَلبُبي. قَالُوا: وبَناتُ أَلبُبٍ عُروقٌ مُتَّصِلَةٌ بِالْقَلْبِ. ابْنُ سِيدَهْ: قَدْ عَلِمَتْ بِذَلِكَ بَناتُ أَلبُبِه؛ يَعْنونَ لُبَّه، وَهُوَ أَحدُ مَا شَذَّ مِنْ المُضاعَف، فجاءَ عَلَى الأَصل؛ هَذَا مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ، قَالَ يَعْنُونَ لُبَّه؛ وَقَالَ الْمُبَرِّدُ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:
قَدْ عَلِمَتْ ذاكَ بَناتُ أَلبَبِهْ
يريدُ بَناتِ أَعْقَلِ هَذَا الحَيِّ، فإِن جمعت أَلبُباً، قلتَ: أَلابِبُ، والتصغير أُلَيبِبٌ، وَهُوَ أَولى مِنْ قَوْلِ مَنْ أَعَلَّها. واللَّبُّ: اللَّطِيفُ القَريبُ مِنَ النَّاسِ، والأُنْثى: لَبَّةٌ، وَجَمْعُهَا لِبابٌ. واللَّبُّ: الحادِي اللَّازم لسَوقِ الإِبل، لَا يَفْتُر عَنْهَا وَلَا يُفارِقُها. ورجلٌ لَبٌّ: لازمٌ لِصَنْعَتِهِ لَا يُفَارِقُهَا. وَيُقَالُ: رجلٌ لَبٌّ طَبٌّ أَي لازِمٌ للأَمرِ؛ وأَنشد أَبو عَمْرٍو:
لَبّاً، بأَعْجازِ المَطِيِّ، لَاحِقَا
ولَبَّ بِالْمَكَانِ لَبّاً، وأَلَبَّ: أَقام بِهِ ولزمَه. وأَلَبَّ عَلَى الأَمرِ: لَزِمَه فَلَمْ يفارقْه.(1/730)
وقولُهم: لَبَّيكَ ولَبَّيهِ، مِنه، أَي لُزوماً لطاعَتِكَ؛ وَفِي الصِّحَاحِ: أَي أَنا مُقيمٌ عَلَى طاعَتك؛ قَالَ:
إِنَّكَ لَوْ دَعَوتَني، وَدُونِي ... زَوراءُ ذاتُ مَنْزَعٍ بَيُونِ،
لَقُلْتُ: لَبَّيْهِ، لمَنْ يَدعُوني
أَصله لَبَّبْت فعَّلْت، مِنْ أَلَبَّ بِالْمَكَانِ، فأُبدلت الْبَاءَ يَاءً لأَجلِ التَّضْعِيفِ. قَالَ الْخَلِيلُ، هُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: دَارُ فُلَانٍ تُلِبُّ دَارِي أَي تُحاذيها أَي أَنا مُواجِهُكَ بِمَا تُحِبُّ إِجابةً لَكَ، وَالْيَاءُ لِلتَّثْنِيَةِ، وَفِيهَا دَلِيلٌ عَلَى النَّصْبِ للمَصدر. وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: انْتَصَب لَبَّيْكَ، عَلَى الفِعْل، كَمَا انْتَصَبَ سبحانَ اللَّهِ. وَفِي الصِّحَاحِ: نُصِبَ عَلَى المصدر، كقولك: حَمْداً لله وَشُكْرًا، وَكَانَ حَقُّهُ أَن يُقَالَ: لَبّاً لكَ، وثُنِّي عَلَى مَعْنَى التَّوْكِيدِ أَي إِلْباباً بِكَ بَعْدَ إِلبابٍ، وإِقامةً بَعْدَ إِقامةٍ. قَالَ الأَزهري: سَمِعْتُ أَبا الْفَضْلِ المُنْذِرِيَّ يَقُولُ: عُرضَ عَلَى أَبي الْعَبَّاسِ مَا سمعتُ مِنْ أَبِي طَالِبٍ النَّحْوِيِّ فِي قَوْلِهِمْ لَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ، قَالَ: قَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَى لَبَّيْكَ، إِجابةً لَكَ بَعْدَ إِجابة؛ قَالَ: وَنَصْبُهُ عَلَى الْمَصْدَرِ. قَالَ: وَقَالَ الأَحْمَرُ: هُوَ مأْخوذٌ مِنْ لَبَّ بِالْمَكَانِ، وأَلَبَّ بِهِ إِذا أَقام؛ وأَنشد:
لَبَّ بأَرضٍ مَا تَخَطَّاها الغَنَمْ
قَالَ وَمِنْهُ قَوْلُ طُفَيْل:
رَدَدْنَ حُصَيْناً مِنْ عَدِيٍّ ورَهْطِهِ، ... وتَيْمٌ تُلَبِّي في العُروجِ، وتَحْلُبُ
أَي تُلازمُها وتُقيمُ فِيهَا؛ وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ قَوْلُهُ:
وَتَيَّمَ تُلَبِّي فِي الْعُرُوجِ، وَتَحْلُبُ
أَي تَحْلُبُ اللِّبَأَ وتَشْرَبهُ؛ جَعَلَهُ مِنَ اللِّبإِ، فَتَرَكَ هَمْزَهُ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ لَبَّ بِالْمَكَانِ وأَلَبَّ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَالَّذِي قَالَهُ أَبو الْهَيْثَمِ أَصوبُ. لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وتَحْلُبُ. قَالَ وَقَالَ الأَحمر: كأَنَّ أَصْلَ لَبَّ بِكَ، لَبَّبَ بِكَ، فَاسْتَثْقَلُوا ثَلَاثَ باءَات، فَقَلَبُوا إِحداهن يَاءً، كَمَا قَالُوا: تَظَنَّيْتُ، مِنَ الظَّنِّ. وَحَكَى أَبو عُبَيْدٍ عَنِ الْخَلِيلِ أَنه قَالَ: أَصله مِنْ أَلبَبْتُ بِالْمَكَانِ، فإِذا دَعَا الرجلُ صاحبَه، أَجابه: لَبَّيْكَ أَي أَنا مُقِيمٌ عِنْدَكَ، ثُمَّ وَكَّدَ ذَلِكَ بلَبَّيكَ أَي إِقامةً بَعْدَ إِقامة. وَحُكِيَ عَنِ الْخَلِيلِ أَنه قَالَ: هُوَ مأْخوذ مِنَ قَوْلِهِمْ: أُمٌّ لَبَّةٌ أَي مُحِبَّة عَاطِفَةٌ؛ قَالَ: فإِن كَانَ كَذَلِكَ، فَمَعْنَاهُ إِقْبالًا إِليك ومَحَبَّةً لَكَ؛ وأَنشد:
وكُنْتُمْ كأُمٍّ لَبَّةٍ، طَعَنَ ابْنُها ... إِليها، فَمَا دَرَّتْ عَلَيْهِ بساعِدِ
قَالَ، وَيُقَالُ: هُوَ مأْخوذ مِنْ قَوْلِهِمْ: دَارِي تَلُبُّ دارَك، وَيَكُونُ مَعْنَاهُ: اتِّجاهي إِليك وإِقبالي عَلَى أَمرك. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: اللَّبُّ الطاعةُ، وأَصله مِنَ الإِقامة. وَقَوْلُهُمْ: لَبَّيْكَ، اللَّبُّ واحدٌ، فإِذا ثَنَّيْتَ، قُلْتَ فِي الرَّفْعِ: لَبَّانِ، وَفِي النَّصْبِ وَالْخَفْضِ: لَبَّينِ؛ وَكَانَ فِي الأَصل لَبَّيْنِكَ أَي أَطَعْتُكَ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ حُذِفَت النُّونُ للإِضافة أَي أَطَعْتُكَ طَاعَةً، مُقِيمًا عِنْدَكَ إِقامةً بَعْدَ إِقامة. ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَزَعَمَ يُونُسُ أَن لَبَّيْكَ اسْمٌ مُفْرَدٌ، بِمَنْزِلَةِ عَلَيكَ، وَلَكِنَّهُ جاءَ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ فِي حَدِّ الإِضافة، وَزَعَمَ الْخَلِيلُ أَنها تَثْنِيَةٌ، كأَنه قَالَ: كُلَّمَا أَجَبْتُكَ فِي شيءٍ، فأَنا فِي الْآخَرِ لَكَ مُجِيبٌ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: ويَدُلُّك عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ الْخَلِيلِ قولُ بَعْضِ الْعَرَبِ: لَبِّ، يُجْريه مُجْرَى أَمْسِ وغاقِ؛ قَالَ: ويَدُلُّك عَلَى أَن لبَّيكَ لَيْسَتْ بِمَنْزِلَةِ عَلَيْكَ، أَنك إِذا أَظهرت الِاسْمَ، قُلْتَ:(1/731)
لَبَّيْ زَيْدٍ؛ وأَنشد:
دَعَوْتُ لِمَانا بَني مِسْوَراً، ... فَلَبَّى، فَلَبَّيْ يَدَيْ مِسْوَرِ
فَلَوْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ عَلَى لقلتَ: فَلَبَّى يَدَيْ، لأَنك لَا تقول: عَليْ زَيدٍ إِذا أَظهرتَ الِاسْمَ. قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: الأَلف فِي لَبَّى عِنْدَ بَعْضِهِمْ هِيَ يَاءُ التَّثْنِيَةِ فِي لَبَّيْكَ، لأَنهم اشْتَقُّوا مِنَ الِاسْمِ الْمَبْنِيِّ الَّذِي هُوَ الصَّوْتُ مَعَ حَرْفِ التَّثْنِيَةِ فِعْلًا، فَجَمَعُوهُ مِنْ حُرُوفِهِ، كَمَا قَالُوا مِن لَا إِله إِلا اللَّهُ: هَلَّلْتُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَاشْتَقُّوا لبَّيتُ مِنْ لَفْظِ لبَّيكَ، فجاؤُوا فِي لَفْظِ لبَّيْت بالياءِ الَّتِي لِلتَّثْنِيَةِ فِي لبَّيْكَ، وَهَذَا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ. قَالَ: وأَما يُونُسُ فَزَعَمَ أَن لبَّيْكَ اسْمٌ مُفْرَدٌ، وأَصله عِنْدَهُ لَبَّبٌ، وَزْنُهُ فَعْلَل، قَالَ: وَلَا يَجُوزُ أَن تَحْمِلَه عَلَى فَعَّلَ، لِقِلَّةِ فَعَّلَ فِي الْكَلَامِ، وَكَثْرَةِ فَعْلَلَ، فقُلِبَت الْبَاءُ، الَّتِي هِيَ اللَّامُ الثَّانِيَةُ مِنْ لَبَّبٍ، يَاءً، هَرباً مِنَ التَّضْعِيفِ، فَصَارَ لَبَّيٌ، ثُمَّ أَبدل الْيَاءُ أَلفاً لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا، فَصَارَ لَبَّى، ثُمَّ إِنه لَمَّا وُصِلَتْ بِالْكَافِ فِي لبَّيْك، وبالهاءِ فِي لَبَّيْه، قُلِبَت الأَلفُ يَاءً كَمَا قُلِبَتْ فِي إِلى وعَلى ولدَى إِذا وَصَلْتَهَا بِالضَّمِيرِ، فَقُلْتَ إِليك وَعَلَيْكَ وَلَدَيْكَ؛ وَاحْتَجَّ سِيبَوَيْهِ عَلَى يُونُسَ فَقَالَ: لَوْ كَانَتْ ياءُ لَبَّيْكَ، بِمَنْزِلَةِ يَاءِ عَلَيْكَ وَلَدَيْكَ، لَوَجَبَ، مَتى أَضَفْتَها إِلى المُظْهَر، أَن تُقِرَّها أَلِفاً، كَمَا أَنك إِذا أَضَفْتَ عَلَيْكَ وأُختيها إِلى المُظْهَرِ، أَقْرَرْتَ أَلفَها بِحَالِهَا، ولكُنْتَ تَقُولُ عَلَى هَذَا: لَبَّى زيدٍ، ولَبَّى جَعْفَرٍ، كَمَا تَقُولُ: إِلى زيدٍ، وَعَلَى عَمْرٍو، ولدَى خالدٍ؛ وأَنشد قَوْلَهُ: فلَبَّيْ يَدَيْ مِسْوَرِ؛ قَالَ: فَقَوْلُهُ لَبَّيْ، بالياءِ مَعَ إِضافته إِلى المُظْهَر، يَدُلُّ عَلَى أَنه اسْمٌ مُثَنَّى، بِمَنْزِلَةِ غلامَيْ زيدٍ، ولَبَّاهُ قالَ: لَبَّيْكَ، ولَبَّى بالحَجِّ كَذَلِكَ؛ وقولُ المُضَرِّبِ بْنِ كعبٍ:
وإِني بَعْدَ ذاكَ لَبيبُ
إِنما أَراد مُلَبٍّ بالحَج. وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَاكَ أَي مَعَ ذَاكَ. وَحَكَى ثَعْلَبٌ: لَبَّأْتُ بِالْحَجِّ. قَالَ: وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُولَ: لَبَّيْتُ بِالْحَجِّ. وَلَكِنَّ الْعَرَبَ قَدْ قَالَتْهُ بِالْهَمْزِ، وَهُوَ عَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ. وَفِي حَدِيثِ الإِهْلالِ بِالْحَجِّ:
لَبَّيْكَ اللهمَّ لبَّيْكَ
، هُوَ مِنَ التَّلْبية، وَهِيَ إِجابةُ المُنادِي أَي إِجابَتي لَكَ يَا ربِّ، وَهُوَ مأْخوذٌ مِمَّا تَقَدَّمَ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِخلاصِي لَكَ؛ مِن قَوْلِهِمْ: حَسَبٌ لُبابٌ إِذا كَانَ خَالِصًا مَحْضاً، وَمِنْهُ لُبُّ الطَّعام ولُبابُه. وَفِي حَدِيثِ
عَلْقمة أَنه قَالَ للأَسْوَدِ: يَا أَبا عَمْرو. قَالَ: لبَّيْكَ قَالَ: لبَّى يَدَيكَ.
قَالَ الخَطّابي: مَعْنَاهُ سَلِمَتْ يَدَاكَ وصَحَّتا، وإِنما تَرَكَ الإِعراب فِي قَوْلِهِ يَدَيْكَ، وَكَانَ حَقُّهُ أَن يَقُولَ: يَدَاكَ، لِيَزْدَوِجَ يَدَيْكَ بلَبَّيْكَ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مَعْنَى لَبَّى يَدَيْك أَي أُطيعُكَ، وأَتَصَرَّفُ بإِرادتك، وأَكونُ كالشيءِ الَّذِي تُصَرِّفُه بِيَدَيْكَ كَيْفَ شِئْتَ. ولَبابِ لَبَابِ يُريدُ بِهِ: لَا بأْس، بِلُغَةِ حِمْيَرَ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهُوَ عِنْدِي مِمَّا تقدم، كأَنه إِذا نَفَى البأْسَ عنه اسْتَحَبَّ مُلازمَته. واللَّبَبُ: معروف، وهو ما يُشدُّ على صَدْر الدابة أَو النَّاقَةِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ وغيرُه: يكونُ للرَّحْل والسَّرْج يمنعهما من الاستئخار، والجمعُ أَلبابٌ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَمْ يُجَاوِزُوا بِهِ هَذَا البناءَ. وأَلْبَبْتُ السَّرْجَ: عَمِلْتُ له لَبَباً. وأَلْبَبْتُ الفرسَ، فهو مُلْبَبٌ، جاءَ على الأَصل، وهو نادر، جَعَلْتُ له لَبَباً. قَالَ: وَهَذَا الْحَرْفُ هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ السِّكِّيتِ، بإِظهار التضعيف. وقال ابن كَيْسان: هو غلط، وقياسُه مُلَبٌّ، كما يقال مُحَبٌّ، مِن(1/732)
أَحْبَبْتُه، ومنه قولهم: فلان في لَبَبٍ رخِيٍّ إِذا كَانَ فِي حَالِ واسعة؛ ولَبَبْتُهُ، مخفف، كَذَلِكَ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: واللَّبَبُ: البالُ، يُقَالُ: إِنه لَرَخِيُّ اللَّبَبِ. التَّهْذِيبُ، يُقَالُ: فلانٌ فِي بالٍ رَخِيٍّ ولَبَبٍ رَخِيٍّ أَي فِي سَعَة وخِصْب وأَمْنٍ. واللَّبَبُ مِنَ الرَّمْل: مَا اسْتَرَقَّ وانحَدَرَ مِنْ مُعْظَمه، فَصَارَ بَيْنَ الجَلَد وغَلْظِ الأَرضِ؛ وَقِيلَ: لَبَبُ الكَثِيبِ: مُقَدَّمُه؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
بَرَّاقةُ الجِيدِ واللَّبَّاتِ واضحةٌ، ... كأَنها ظَبْيَةٌ أَفْضَى بِهَا لَبَبُ
قَالَ الأَحمر: مُعْظَمُ الرَّمْلِ العَقَنْقَلُ، فإِذا نَقَصَ قِيلَ: كَثِيبٌ؛ فإِذا نقَص قِيلَ: عَوْكَلٌ؛ فإِذا نَقَصَ قِيلَ: سِقْطٌ؛ فإِذا نَقَصَ قِيلَ: عَدابٌ؛ فإِذا نقَص قِيلَ: لَبَبٌ. التَّهْذِيبُ: واللَّبَبُ مِنَ الرَّمْلِ مَا كَانَ قَرِيبًا مِنَ حَبْل الرَّمْل. واللَّبَّةُ: وَسَطُ الصَّدْر والمَنْحَر، وَالْجَمْعُ لَبَّاتٌ ولِبابٌ، عَنْ ثَعْلَبٍ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: إِنها لَحَسنةُ اللَّبَّاتِ؛ كأَنهم جَعَلوا كلَّ جُزْءٍ مِنْهَا لَبَّةً، ثُمَّ جَمَعُوا عَلَى هَذَا. واللَّبَبُ كاللَّبَّةِ: وَهُوَ مَوْضِعُ الْقِلَادَةِ مِنَ الصَّدْرِ مِنْ كُلِّ شيءٍ، وَالْجَمْعُ الأَلْبابُ؛ وأَما مَا جاءَ فِي الْحَدِيثِ:
إِن اللَّهَ مَنَعَ مِنِّي بَني مُدْلِجٍ لصلَتِهِم الرَّحِم، وطَعْنِهم فِي أَلْبابِ الإِبل
، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ: فِي لَبَّاتِ الإِبل. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: مَنْ رَوَاهُ فِي أَلباب الإِبلِ، فَلَهُ مَعْنَيَانِ: أَحدهما أَن يَكُونَ أَراد جمعَ اللُّبِّ، ولُبُّ كلِّ شيءٍ خالصُه، كأَنه أَراد خالصَ إِبلهم وَكَرَائِمِهَا، وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَنه أَراد جمعَ اللَّبَب، وَهُوَ مَوْضِعُ المَنْحَر مِنْ كُلِّ شيءٍ. قَالَ ونُرَى أَن لَبَبَ الْفَرَسِ إِنما سُمِّيَ بِهِ، وَلِهَذَا قِيلَ: لَبَّبْتُ فُلَانًا إِذا جَمَعْتَ ثيابَه عِنْدَ صَدْره ونحْره، ثُمَّ جَرَرْتَه؛ وإِن كَانَ المحفوظُ اللَّبَّات، فَهِيَ جمعُ اللَّبَّةِ، وَهِيَ اللِّهْزِمةُ الَّتِي فَوْقَ الصَّدْرِ، وَفِيهَا تُنْحَرُ الإِبل. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي. ولَبَبْتُه لَبّاً: ضَرَبْتُ لَبَّتَه. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَما تكونُ الذكاةُ إِلَّا فِي الحَلْقِ واللَّبَّة.
ولَبَّه يَلُبُّه لَبّاً: ضَرَبَ لَبَّتَه. ولَبَّةُ الْقِلَادَةِ: واسطتُها. وتَلَبَّبَ الرجلُ: تَحَزَّم وتَشَمَّر. والمُتَلَبِّبُ: المُتَحَزِّمُ بِالسِّلَاحِ وَغَيْرِهِ. وَكُلُّ مُجَمِّعٍ لثيابِه: مُتَلَبِّبٌ؛ قَالَ عَنْتَرَةُ:
إِني أُحاذِرُ أَن تَقولَ حَلِيلَتي: ... هَذَا غُبارٌ ساطِعٌ، فَتَلَبَّبِ
وَاسْمُ مَا يُتَلَبَّبُ: اللَّبابَةُ؛ قَالَ:
ولَقَدْ شَهِدْتُ الخَيْلَ يَومَ طِرادِها، ... فطَعَنْتُ تَحْتَ لَبابةِ المُتَمَطِّر
وتَلَبُّب المرأَة بمِنْطَقَتِها: أَن تَضَعَ أَحد طَرَفَيْهَا عَلَى مَنكِبها الأَيسر، وتُخْرِجَ وسطَها مِنْ تَحْتِ يَدِهَا الْيُمْنَى، فتُغَطِّيَ بِهِ صَدرَها، وتَرُدَّ الطَّرَفَ الْآخَرَ عَلَى مَنكِبِها الأَيسر. والتَّلْبيبُ مِنَ الإِنسان: مَا فِي مَوْضِعِ اللَّبَبِ مِنْ ثِيَابِهِ. ولَبَّبَ الرجلَ: جَعَلَ ثِيَابَهُ فِي عُنقِه وَصَدْرِهِ فِي الْخُصُومَةِ، ثُمَّ قَبَضَه وجَرَّه. وأَخَذَ بتَلْبيبِه كَذَلِكَ، وَهُوَ اسْمٌ كالتَّمْتِينِ. التَّهْذِيبُ، يُقَالُ: أَخَذ فلانٌ بتَلْبِيبِ فُلَانٍ إِذا جمَع عَلَيْهِ ثَوْبَهُ الَّذِي هُوَ لَابِسُهُ عِنْدَ صَدْرِهِ، وقَبَض عَلَيْهِ يَجُرُّه. وَفِي الْحَدِيثِ:
فأَخَذْتُ بتَلْبيبِه وجَرَرْتُه
؛(1/733)
يُقَالُ لَبَّبَه: أَخذَ بتَلْبيبِه وتَلابيبِه إِذا جمعتَ ثيابَه عِنْدَ نَحْره وصَدْره، ثُمَّ جَرَرْته، وَكَذَلِكَ إِذا جعلتَ فِي عُنقه حَبْلًا أَو ثَوْبًا، وأَمْسَكْتَه بِهِ. والمُتَلَبَّبُ: موضعُ القِلادة. واللَّبَّة: موضعُ الذَّبْح، وَالتَّاءُ زَائِدَةٌ. وتَلَبَّبَ الرَّجُلانِ: أَخَذَ كلٌّ مِنْهُمَا بلَبَّةِ صاحِبه. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صَلَّى فِي ثوبٍ واحدٍ مُتَلَبِّباً بِهِ.
المُتَلَبِّبُ: الَّذِي تَحَزَّم بِثَوْبِهِ عِنْدَ صَدْرِهِ. وكلُّ مَنْ جَمَعَ ثَوْبَهُ مُتَحَزِّماً، فَقَدْ تَلَبَّبَ بِهِ؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
وتَمِيمَةٍ مِنْ قانِصٍ مُتَلَبِّبٍ، ... فِي كَفِّه جَشْءٌ أَجَشُّ وأَقْطَعُ
وَمِنْ هَذَا قِيلَ لِلَّذِي لَبِسَ السلاحَ وتَشَمَّر لِلْقِتَالِ: مُتَلَبِّبٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ المُتَنَخِّل:
واسْتَلأَموا وتَلَبَّبوا، ... إِنَّ التَّلَبُّبَ للمُغِير
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن رَجُلًا خَاصَمَ أَباه عِنْدَهُ، فأَمَرَ بِهِ فلُبَّ لَهُ.
يُقَالُ: لَبَبْتُ الرجلَ ولَبَّبْتُه إِذا جعلتَ فِي عُنقه ثَوْبًا أَو غَيْرَهُ، وجَرَرْتَه بِهِ. والتَّلْبيبُ: مَجْمَعُ مَا فِي مَوْضِعِ اللَّبَب مِنْ ثِيَابِ الرَّجُلِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه أَمر بإِخراج الْمُنَافِقِينَ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَقَامَ أَبو أَيُّوبَ إِلى رَافِعِ بْنِ وَدِيعةَ، فلَبَّبَه بِرِدَائِهِ، ثُمَّ نَتَره نَتْراً شَدِيدًا.
واللَّبيبةُ: ثوبٌ كالبَقِيرة. والتَّلْبيبُ: التَّرَدُّد. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَكَذَا حُكِيَ، وَلَا أَدرِي مَا هُوَ. اللَّيْثُ: والصَّريخ إِذا أَنذر القومَ واسْتَصْرَخَ: لَبَّبَ، وَذَلِكَ أَن يَجْعل كِنانَته وقَوْسَه فِي عُنقه، ثُمَّ يَقْبِضَ عَلَى تَلْبيبِ نَفْسِه؛ وأَنشد:
إِنا إِذا الدَّاعي اعْتَزَى ولَبَّبا
وَيُقَالُ: تَلْبيبُه تَرَدُّدُه. ودارُه تُلِبُّ دَارِيَ أَي تَمتَدُّ مَعَهَا. وأَلَبَّ لَكَ الشيءُ: عَرَضَ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
وإِنْ قَراً أَو مَنْكِبٌ أَلَبَّا
واللَّبْلَبةُ: لَحْسُ الشَّاةِ ولدَها، وقيل: هو أَن تُخْرِجَ الشاةُ لسانَها كأَنها تَلْحَسُ ولدَها، وَيَكُونُ مِنْهَا صوتٌ، كأَنها تَقول: لَبْ لَبْ. واللَّبْلَبة: الرِّقَّة عَلَى الْوَلَدِ، وَمِنْهُ: لَبْلَبَتِ الشاةُ عَلَى وَلَدِهَا إِذا لَحِسَتْه، وأَشْبَلَتْ عَلَيْهِ حِينَ تضَعُه. واللَّبْلَبة: فِعْلُ الشاةِ بِوَلَدِهَا إِذا لَحِسَتْه بِشَفَتِهَا. التَّهْذِيبُ، أَبو عَمْرٍو: اللَّبْلَبَةُ التَّفَرُّق؛ وَقَالَ مُخَارِقُ بنُ شِهَابٍ فِي صِفَةِ تَيْسِ غَنَمِه:
وراحَتْ أُصَيْلاناً، كأَنَّ ضُروعَها ... دِلاءٌ، وَفِيهَا واتِدُ القَرْن لَبْلَبُ
أَراد باللَّبْلَب: شَفَقَتَه عَلَى المِعْزى الَّتِي أُرْسِلَ فِيهَا، فَهُوَ ذُو لَبْلَبةٍ عَلَيْهَا أَي ذُو شَفَقةٍ. ولَبالِبُ الغَنم: جَلَبَتُها وصَوتها. واللَّبْلَبَة: عَطْفُك عَلَى الإِنسان ومَعُونتُه. واللَّبْلَبة: الشَّفَقة عَلَى الإِنسان، وَقَدْ لَبْلَبْتُ عَلَيْهِ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
ومِنَّا، إِذا حَزَبَتْكَ الأُمورُ، ... علَيْكَ المُلَبْلِبُ والمُشْبِلُ
وحُكيَ عَنْ يُونُسَ أَنه قَالَ: تَقُولُ الْعَرَبُ لِلرَّجُلِ تَعْطِفُ عَلَيْهِ: لَبابِ، لَبابِ، بِالْكَسْرِ، مِثْلَ حَذامِ وقَطامِ. واللَّبْلَبُ: النَّحْرُ. ولَبْلَبَ التَّيْسُ عِنْدَ السِّفادِ: نَبَّ، وَقَدْ يُقَالُ ذَلِكَ لِلظَّبْيِ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَمْرٍو: أَنه أَتى الطائفَ، فإِذا هُوَ يَرى التُّيوسَ تَلِبُّ، أَو(1/734)
تَنِبُّ عَلَى الغَنم
؛ قَالَ: هُوَ حِكَايَةُ صوتِ التُّيوس عِنْدَ السِّفادِ؛ لَبَّ يَلِبُّ، كَفَرَّ يَفِرُّ. واللَّبابُ مِنَ النَّبات: الشيءُ الْقَلِيلُ غَيْرُ الْوَاسِعِ، حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ. واللَّبْلابُ: حَشيشة. واللَّبْلابُ: نَبْتٌ يَلْتَوي عَلَى الشَّجَرِ. واللَّبْلابُ: بَقْلَةٌ مَعْرُوفَةٌ يُتَداوَى بِهَا. ولُبابةُ: اسْمُ امرأَة. ولَبَّى ولُبَّى ولِبَّى: موضعٌ؛ قَالَ:
أَسيرُ وَمَا أَدْرِي، لَعَلَّ مَنِيَّتي ... بلَبَّى، إِلى أَعْراقِها، قد تَدَلَّتِ
لتب: اللَّاتِبُ: الثابتُ، تَقُولُ مِنْهُ: لَتَبَ يَلْتُبُ لَتْباً ولُتوباً، وأَنشد أَبو الجَرَّاح:
فإِن يَكُ هَذَا مِنْ نَبيذٍ شَرِبْتُه، ... فإِنيَ، مِنْ شُرْبِ النَّبيذِ، لَتائِبُ
صُداعٌ وتَوصِيمُ العِظامِ وفَتْرَةٌ ... وغَمٌّ مَعَ الإِشْراقِ، فِي الجوفِ، لاتِبُ
الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مِنْ طِينٍ لازِبٍ، قَالَ: اللَّازبُ واللاتِبُ واحدٌ. قَالَ: وَقَيْسٌ تَقُولُ طينٌ لاتِبٌ، واللاتِبُ اللازِقُ مثلُ اللازبِ. وَهَذَا الشيءُ ضَرْبةُ لاتِبٍ، كضَرْبةِ لازِبِ. وَيُقَالُ: لَتَبَ عَلَيْهِ ثِيابَه ورتَبَها إِذا شَدَّها عَلَيْهِ. ولَتَّبَ عَلَى الْفَرَسِ جُلَّه إِذا شَدَّه عَلَيْهِ، وَقَالَ مَالِكُ بْنُ نُوَيْرة: «2»
فَلَهُ ضَريبُ الشَّوْلِ إِلا سُؤْرَهُ ... والجُلُّ، فَهُوَ مُلَتَّبٌ لَا يُخْلَعُ
يَعْنِي فَرَسَهُ. والمِلْتَبُ: اللازِم لِبَيْتِهِ فِراراً مِنَ الفِتَن. وأَلْتَبَ عَلَيْهِ الأَمرَ إِلْتباباً أَي أَوجَبه، فَهُوَ مُلْتَبٌ [مُلْتِبٌ] . ولَتَبَ فِي سَبَلة الناقةِ ومَنْحَرِها يَلْتُبُ لَتْباً: طَعَنَها ونَحَرها، مِثْلُ لَتَمْتُ. ولَتَبَ عَلَيْهِ ثَوْبَهُ، والتَتَبَ: لَبِسه، كأَنه لَا يُريد أَن يَخْلَعه. وَقَالَ اللَّيْثُ: اللَّتْبُ اللُّبْسُ، والمَلاتِبُ: الجِبابُ الخُلْقانُ.
لجب: اللَّجَبُ: الصَّوْتُ والصِّياحُ والجَلَبة، تَقُولُ: لَجِبَ، بِالْكَسْرِ. واللَّجَبُ: ارتفاعُ الأَصواتِ واخْتِلاطُها؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
عزيزٌ إِذا حَلَّ الحَليفانِ حَولَهُ، ... بذِي لَجَبٍ لَجَّاتُه وصَواهِلُهْ
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه كَثُرَ عِنْدَهُ اللَّجَبُ
، هُوَ، بِالتَّحْرِيكِ، الصوتُ والغَلَبة مَعَ اخْتلاطٍ، وكأَنه مَقْلُوبُ الجَلَبة. واللَّجَبُ: صوتُ العَسْكر. وعَسْكَرٌ لَجِبٌ: عَرَمْرَمٌ وَذُو لَجَبٍ وكثرةٍ. ورَعْدٌ لَجِبٌ، وسحابٌ لَجِبٌ، بالرَّعْد، وغَيْثٌ لَجِبٌ بالرَّعْد، وكلُّه عَلَى النَّسَب. واللَّجَبُ: اضْطرابُ مَوْجِ الْبَحْرِ. وَبَحْرٌ ذُو لَجَبٍ إِذا سُمِع اضْطرابُ أَمواجه، ولَجَبُ الأَمْواج، كَذَلِكَ. وشاةٌ لَجْبَة «3» ولُجْبة ولِجْبة ولَجَبَة ولَجِبةٌ ولِجَبَةٌ، الأَخيرتان عَنْ ثَعْلَبٍ: مُوَلِّيَةُ اللَّبنِ، وخَصَّ بعضُهم بِهِ المِعْزَى. الأَصمعي: إِذا أَتى عَلَى الشَّاءِ بَعْدَ نِتاجها أَربعةُ أَشهر فجَفَّ لبنُها وقَلَّ، فَهِيَ لِجابٌ؛ وَيُقَالُ مِنْهُ: لَجُبَت لُجُوبةً. وشِياهٌ لَجَباتٌ، وَيَجُوزُ لَجَّبَتْ. ابْنُ السِّكِّيتِ: اللَّجَبةُ
__________
(2) . 1 قوله" وقال مالك إلخ" الذي في التكملة وقال متمم بن نويرة فله إلخ. وقال شدد للمبالغة ويروى مربب.
(3) . قوله [وشاة لجبة] أي بتثليث أوله، وكقصبة وفرحة وعنبة كما في القاموس وغيره.(1/735)
النَّعْجَةُ الَّتِي قَلَّ لبَنُها؛ قَالَ: وَلَا يُقَالُ لِلْعَنْزِ لَجْبَةٌ؛ وَجَمْعُ لَجَبةٍ لَجَباتٌ، عَلَى الْقِيَاسِ؛ وَجَمْعُ لَجْبةٍ لَجَباتٌ، بِالتَّحْرِيكِ، وَهُوَ شَاذٌّ، لأَن حَقَّهُ التَّسْكِينُ، إِلَّا أَنه كَانَ الأَصل عِنْدَهُمْ أَنه اسْمٌ وُصِفَ بِهِ، كَمَا قَالُوا: امرأَة كَلْبة، فَجَمَعَ عَلَى الأَصل، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَجْبَة ولَجباتٌ نَادِرٌ، لأَن الْقِيَاسَ الْمُطَّرِدَ فِي جَمْعِ فَعْلة، إِذا كَانَتْ صِفَةً، تَسْكِينُ الْعَيْنِ، وَالتَّكْسِيرُ لِجابٌ؛ قَالَ مُهَلْهِلُ بْنُ رَبِيعَةَ:
عَجِبَتْ أَبناؤُنا مِنْ فِعْلِنا، ... إِذْ نَبيعُ الخَيْلَ بالمِعْزى اللِّجابْ
قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا شِياهٌ لَجَباتٌ، فحرَّكوا الأَوسَطَ لأَنَّ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ: شاةٌ لَجَبة، فإِنما جاؤُوا بِالْجَمْعِ عَلَى هَذَا؛ وَقَوْلُ عَمْرٍو ذِي الْكَلْبِ:
فاجْتالَ مِنْهَا لَجْبةً ذاتَ هَزَمْ، ... حاشِكةَ الدِّرَّةِ، وَرْهاءَ الرَّخَمْ
يَجُوزُ أَن تَكُونَ هَذِهِ الشاةُ لَجْبةً فِي وَقْتٍ، ثُمَّ تَكُونُ حاشِكةَ الدِّرَّة فِي وَقْتٍ آخَرَ؛ وَيَجُوزُ أَن تَكُونَ اللَّجْبةُ مِنَ الأَضْداد، فَتَكُونُ هُنَا الغزيرةَ، وَقَدْ لَجُبَتْ لُجُوبَةً، بِالضَّمِّ، ولَجَّبَتْ تَلْجِيباً. وَفِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ،
فقلتُ: ففِيمَ حَقُّكَ؟ قَالَ: فِي الثَّنِيَّة والجَذَعة.
اللَّجْبة، بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْجِيمِ: الَّتِي أَتى عَلَيْهَا مِنْ الْغَنَمِ بَعْدَ نِتاجِها أَربعةُ أَشهر فخَفَّ لبَنُها؛ وَقِيلَ: هِيَ مِنَ العَنز خَاصَّةً؛ وَقِيلَ: فِي الضأْن خَاصَّةً. وَفِي الْحَدِيثِ:
يَنْفَتِحُ لِلنَّاسِ مَعدِنٌ، فيَبْدو لَهُمْ أَمثالُ اللَّجَبِ مِنَ الذَّهَبِ.
قَالَ ابْنُ الأَثير: قَالَ الحَربيُّ: أَظُنُّه وهَماً، إِنما أَراد اللَّجَنَ، لأَنَّ اللُّجَيْنَ الفِضة؛ قَالَ: وَهَذَا لَيْسَ بشيءٍ، لأَنه لَا يُقَالُ أَمثالُ الْفِضَّةِ مِنَ الذَّهَبِ. قَالَ وَقَالَ غَيْرُهُ: لَعَلَّهُ أَمثالُ النُّجُب، جَمْعُ النَّجيب مِنَ الإِبل، فَصَحَّفَ الرَّاوِي. قَالَ: والأَولى أَن يَكُونَ غيرَ مَوْهُومٍ، وَلَا مُصَحَّفٍ، وَيَكُونُ اللَّجَبُ جَمْعَ لَجَبةٍ، وَهِيَ الشاةُ الْحَامِلُ الَّتِي قَلَّ لبنُها، أَو تَكُونُ، بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْجِيمِ، جَمْعُ لَجْبة كقَصْعةٍ وقِصَعٍ. وَفِي حَدِيثِ
شُرَيْح: أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ: ابْتَعْتُ مِنْ هَذَا شَاةً فَلَمْ أَجدْ لَهَا لَبَنًا؛ فَقَالَ لَهُ شُرَيْح: لَعَلَّهَا لَجَّبَتْ
أَي صَارَتْ لَجْبة. وَفِي حَدِيثِ
مُوسَى، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: والحَجَرِ فلَجَبه ثلاثَ لَجَباتٍ.
قَالَ ابْنُ الأَثير، قَالَ أَبو مُوسَى: كَذَا فِي مُسْنَد أَحمد بْنِ حَنْبَلٍ؛ قَالَ: وَلَا أَعرف وَجْهَهُ، إِلَّا أَن يَكُونَ بالحاءِ والتاءِ مِنَ اللَّحْتِ، وَهُوَ الضَّرْبُ، ولَحَتَه بِالْعَصَا أَي ضَرَبه. وَفِي حَدِيثِ
الدَّجَّال: فأَخذَ بلَجَبَتَيِ البابِ فَقَالَ: مَهْيَمْ
؛ قَالَ أَبو مُوسَى: هَكَذَا رُوِيَ، وَالصَّوَابُ بالفاءِ. وَقَالَ ابْنُ الأَثير فِي تَرْجَمَةِ لَجَفَ: وَيُرْوَى بالباءِ، وَهُوَ وَهَمٌ. وسَهْمٌ ملْجابٌ: رِيشَ وَلَمْ يُنْصَلْ بَعْدُ؛ قَالَ:
مَاذَا تقولُ لأَشياخٍ أُولي جُرُمٍ ... سُودِ الوُجوهِ، كأَمثالِ المَلاجيبِ؟
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: ومِنْجابٌ أَكثر، قَالَ: وأُرى اللامَ بَدَلًا من النون.
لحب: اللَّحْبُ: قَطْعُكَ اللَّحْمَ طُولًا. والمُلَحَّبُ: المُقَطَّعُ. ولَحَبَه ولَحَّبه: ضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ، أَو جَرَحَه، عَنْ ثَعْلَبٍ، قَالَ أَبو خِراشٍ:
تُطِيفُ عَلَيْهِ الطيْرُ، وَهُوَ مُلَحَّبٌ، ... خِلافَ البُيوتِ عِنْدَ مُحْتَمِل الصِّرْمِ
الأَصمعي: المُلَحَّبُ نَحْوٌ مَنِ المُخَذَّمِ. ولَحَبَ مَتْنُ الْفَرَسِ وعَجُزُه: امْلاسَّ فِي حُدُورٍ، ومَتْنٌ(1/736)
مَلْحُوبٌ، قَالَ الشَّاعِرُ:
فالعَيْنُ قادِحةٌ، والرِّجْلُ ضارِحةٌ، ... والقُصْبُ مُضْطَمِرٌ، والمَتْنُ مَلْحوبُ
ورَجُل مَلْحوبٌ: قَلِيلُ اللَّحْمِ، كأَنه لُحِبَ، قَالَ أَبو ذؤَيب:
أَدْرَكَ أَرْبابَ النَّعَمْ، ... بكلِّ مَلْحوبٍ أَشَمْ
واللَّحِيبُ مِنَ الإِبل: الْقَلِيلَةُ لَحْمِ الظَّهْرِ. ولَحَبَ الجَزَّارُ مَا عَلَى ظَهْر الجَزُور: أَخَذَه. ولَحَبَ اللَّحمَ عَنِ الْعَظْمِ يَلْحَبُه لَحْباً: قَشَره، وَقِيلَ: كُلُّ شيءٍ قُشِرَ فَقَدْ لُحِبَ. واللَّحْبُ: الطَّرِيقُ الْوَاضِحُ، واللاحِبُ مِثْلُهُ، وَهُوَ فَاعِلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ أَي مَلْحوب، تَقُولُ مِنْهُ: لَحَبَه يَلْحَبُه لَحْباً إِذا وَطِئَه ومَرَّ فِيهِ، وَيُقَالُ أَيضاً: لَحَبَ إِذا مَرَّ مَرّاً مُسْتقيماً. ولَحَبَ الطريقُ يَلْحُبُ لُحوباً: وَضَحَ كأَنه قَشَر الأَرضَ. ولَحَبَه يَلْحَبُه لَحْباً: بيَّنه، وَمِنْهُ
قَوْلُ أُم سَلَمة لِعُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: لَا تُعَفِّ طَريقاً كَانَ رَسُولُ اللَّه، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَحَبَها
أَي أَوْضَحها ونَهَجَها. وَطَرِيقٌ مُلَحَّبٌ: كلاحِب، أَنشد ثَعْلَبٌ:
وقُلُصٍ مُقْوَرَّةِ الأَلْياطِ، ... باتَتْ عَلَى مُلَحَّبٍ أَطَّاطِ
اللَّيْثُ: طريقٌ لاحِبٌ، ولَحْبٌ، ومَلْحوب إِذا كَانَ وَاضِحًا، قَالَ: وَسَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُ: التَحَبَ فُلَانٌ مَحَجَّةَ الطَّرِيقِ، ولَحَبها والْتَحَبَها إِذا رَكِبَها، وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
فانْصاعَ جانِبُه الوَحْشيُّ، وانْكَدَرَتْ ... يَلْحَبْنَ، لَا يَأْتَلي المَطْلُوبُ والطَّلَبُ
أَي يَرْكَبْنَ اللاحِبَ، وَبِهِ سُمِّي الطريقُ المُوَطَّأُ لاحِباً، لأَنه كأَنه لُحِبَ أَي قُشِرَ عَنْ وَجْههِ التُّراب، فَهُوَ ذُو لَحْبٍ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي زِمْل الجُهَنيِّ: رأَيتُ الناسَ عَلَى طَرِيق رَحْب لاحِبٍ.
اللاحِبُ: الطَّرِيقُ الْوَاسِعُ المُنْقادُ الَّذِي لَا يَنْقَطِع. ولَحَّبَ الشيءَ: أَثَّرَ فِيهِ، قَالَ مَعْقِلُ بْنُ خُوَيْلِدٍ يَصِفُ سَيْلًا:
لَهُمْ عِدْوَةٌ كالقِضافِ الأَتيِّ، ... مُدَّ بِهِ الكَدِرُ اللاحِبُ
ولَحَّبَه: كَلَحَبَه. ولَحَبه بالسِّياط: ضَرَبه، فأَثَّرَتْ فِيهِ. ولَحَبَ بِهِ الأَرض أَي صَرَعه. ومَرَّ يَلْحَبُ لَحْباً أَي يُسْرِع. ولَحَبَ يَلْحَبُ لَحْباً: نَكَحَ. التَّهْذِيبُ: المِلْحَبُ اللِّسان الفَصِيح. والمِلْحَبُ: الحَديدُ الْقَاطِعُ، وَفِي الصِّحَاحِ: كُلُّ شيءٍ يُقْشَرُ بِهِ ويُقْطَعُ، قَالَ الأَعشى:
وأَدْفَعُ عَنْ أَعْراضِكُم، وأُعِيرُكُمْ ... لِساناً، كمِقْراضِ الخَفاجِيِّ، مِلْحَبا
وَقَالَ أَبو دُواد:
رَفَعْناها ذَمِيلًا فِي ... مُمَلٍّ مُعْمَلٍ لَحْبِ
وَرَجُلٌ مِلْحَبٌ إِذا كَانَ سَبَّاباً بَذيءَ اللِّسان. وَقَدْ لَحِبَ الرجلُ، بِالْكَسْرِ، إِذا أَنْحَلَه الكِبَر، قَالَ الشَّاعِرُ:
عَجُوزٌ تُرَجِّي أَن تَكُونَ فَتِيَّةً، ... وَقَدْ لَحِبَ الجَنْبانِ، واحْدَوْدَبَ الظهرُ
ومَلْحُوبٌ: مَوْضِعٌ، قَالَ عَبيدٌ:(1/737)
أَقْفَرَ مِنْ أَهْلِه مَلْحوبُ، ... فالقُطَبِيَّاتُ فالذَّنُوبُ «4»
لخب: لَخَبَ المرأَةَ يَلْخُبُها ويَلْخَبُها لَخْباً: نَكَحَهَا؛ عَنْ كُرَاعٍ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالْمَعْرُوفُ عَنْ يَعْقُوبَ وَغَيْرِهِ: نَخَبها. واللَّخَبُ: شَجَرُ المُقْلِ؛ قَالَ:
مِنْ أَفيح ثُنَّة لَخَبٍ عَمِيمِ «5»
ابْنُ الأَعرابي: المَلاخِبُ المَلاطِمُ. والمُلَخَّبُ: المُلَطَّم فِي الخُصومات. واللِّخابُ: اللِّطامُ.
لذب: لَذَبَ بالمَكان لُذُوباً، ولاذَبَ: أَقامَ؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: وَلَا أَدري مَا صِحَّتُه.
لزب: اللَّزَبُ: الضِّيقُ. وعَيْشٌ لَزِبٌ: ضَيِّقٌ. واللِّزْبُ: الطريقُ الضَّيِّقُ. وماءٌ لَزِبٌ: قليلٌ، وَالْجَمْعُ لِزابٌ. واللُّزُوبُ: الْقَحْطُ. واللَّزْبةُ: الشِّدَّةُ، وَجَمْعُهَا لِزَبٌ؛ حَكَاهَا ابْنُ جِنِّي. وسَنَةٌ لَزْبةٌ: شَديدَةٌ، وَيُقَالُ: أَصابَتْهم لَزْبةٌ، يَعْنِي شِدَّةَ السَّنَةِ، وَهِيَ القَحْط. والأَزْمَةُ والأَزْبَةُ واللَّزْبَةُ: كُلُّهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَالْجَمْعُ اللَّزْباتُ، بِالتَّسْكِينِ، لأَنه صِفَةٌ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي الأَحْوَصِ: فِي عامِ أَزْبةٍ أَو لَزْبة
؛ اللَّزْبة: الشدَّةُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: هَذَا الأَمر ضربَةُ لازِبٍ أَي لازمٍ شَدِيدٍ. ولَزَب الشيءُ يَلْزُب، بِالضَّمِّ، لَزْباً ولُزُوباً: دخَل بعضُه فِي بعضٍ. ولَزَبَ الطينُ يَلْزُبُ لُزُوباً، ولَزُبَ: لَصِقَ وصَلُبَ، وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: ولاطَها بالبَلَّةِ حَتَّى لَزَبَتْ
أَي لَصِقَتْ ولَزِمَتْ. وطِينٌ لازِبٌ أَي لازِقٌ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: مِنْ طِينٍ لازِبٍ
. قَالَ الفراءُ: اللَّازِبُ واللَّاتِبُ واللَّاصِقُ واحدٌ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: لَيْسَ هَذَا بضَرْبةِ لازِمٍ ولازِبٍ، يُبْدِلُونَ الباءَ مِيمًا، لتَقارُبِ المَخارِج. قَالَ أَبو بَكْرٍ: مَعْنَى قَوْلِهِمْ مَا هَذَا بضَرْبَةِ لازِبٍ أَي مَا هَذَا بلازِمٍ واجِبٍ أَي مَا هَذَا بضرْبةِ سَيْفٍ لازِبٍ، وَهُوَ مَثَلٌ. واللازِبُ: الثابتُ، وَصَارَ الشيءُ ضَرْبةَ لازِبٍ أَي لَازِمًا؛ هَذِهِ اللُّغَةُ الجيِّدة، وَقَدْ قَالُوهَا بِالْمِيمِ، والأَوَّل أَفصح؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
وَلَا تَحْسَبُونَ الخَيْرَ لَا شَرَّ بَعْدَه، ... وَلَا تَحْسَبُونَ الشَّرَّ ضَرْبةَ لازِبِ
ولازِمٌ، لُغَيَّةٌ؛ وَقَالَ كُثَيِّرٌ فأَبدل:
فَمَا وَرَقُ الدُّنْيا بباقٍ لأَهْلِهِ، ... وَلَا شِدَّةُ البَلْوَى بضَرْبةِ لازِم
وَرَجُلٌ عَزَبٌ لَزَبٌ، وَقَالَ ابْنُ بُزُرْج مثلَه. وامرأَةٌ عَزَبةٌ لَزَبةٌ إِتْباعٌ. الْجَوْهَرِيُّ: والمِلْزابُ البَخِيلُ الشَّدِيدُ؛ وأَنشد أَبو عَمْرٍو:
لَا يَفْرَحُون، إِذا مَا نَضْخَةٌ وَقَعَتْ، ... وهُمْ كِرامٌ، إِذا اشْتَدَّ المَلازيبُ
ولَزَبَتْه العَقْرَبُ لَزْباً: لَسَعَتْه كلَسَبَتْه؛ عَنْ كُرَاعٍ.
لسب: لَسَبَتْه الحَيَّة والعَقْربُ والزُّنْبورُ، بِالْفَتْحِ، تَلْسِبُه وتَلْسَبُه لَسْباً: لَدَغَتْه، وأَكثر مَا يُسْتَعْمَلُ فِي العقرب.
__________
(4) . 1 قَوْلِهِ" أَقْفَرَ مِنْ أَهْلِهِ إلخ" هكذا أنشده هنا وفي مادة قطب كالمحكم، وقال فيها: قال عَبِيدٍ فِي الشِّعْرِ الَّذِي كسر بعضه. وكذا أنشده ياقوت في موضعين من معجمه كذلك.
(5) . قوله [من أفيح ثنة إلخ] كذا بالأَصل ولم نجده في الأَصول التي بأيدينا.(1/738)
وَفِي صِفَةِ حَيَّاتِ جَهَنَّمَ:
أَنْشَأْنَ بِهِ لَسْباً.
اللَّسْبُ واللَّسْعُ واللَّدْغُ: بِمَعْنًى وَاحِدٍ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ يُستعمل فِي غَيْرِ ذَلِكَ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
بِتْنا عُذُوباً، وباتَ البَقُّ يَلْسِبُنا، ... نَشْوي القَراحَ كأَنْ لَا حَيَّ بِالْوَادِي
يَعْنِي بالبَقِّ: البَعُوضَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا تَفْسِيرَ نَشْوي القَراحَ فِي مَوْضِعِهِ. ولَسِبَ بالشيءِ: مثلُ لَصِبَ بِهِ أَي لَزِقَ. ولَسَبَه أَسواطاً أَي ضَرَبه؛ ولَسِبَ العسلَ والسمْنَ وَنَحْوَهُ، بِالْكَسْرِ، يَلْسَبُه لَسْباً: لَعِقَه. واللُّسْبة، منه، كاللُّعْقة «1» .
لصب: لَصِبَ الجِلْدُ بِاللَّحْمِ يَلْصَبُ لَصَباً، فَهُوَ لَصِبٌ: لَزِقَ بِهِ مِنَ الهُزال. ولَصِبَ جِلْدُ فُلانٍ: لَصِقَ بِاللَّحْمِ مِنَ الهُزال. ولَصِبَ السيفُ فِي الغِمْد لَصَباً: نَشِبَ فِيهِ، فَلَمْ يَخْرُجْ. وَهُوَ سَيْفٌ مِلْصابٌ إِذا كَانَ كَذَلِكَ. ولَصِبَ الخاتمُ فِي الإِصْبع؛ وَهُوَ ضدُّ قَلِقَ. وَرَجُلٌ لَصِبٌ: عَسِرُ الأَخلاق، بَخِيل. وَفُلَانٌ لَحِزٌ لَصِبٌ: لَا يَكَادُ يُعْطي شَيْئًا. واللِّصْبُ: مَضِيق الْوَادِي، وَجَمْعُهُ لُصُوبٌ ولِصابٌ. واللِّصْبُ: شَقٌّ فِي الْجَبَلِ، أَضْيَقُ مِنَ اللِّهْبِ، وأَوسَعُ مِنَ الشِّعْبِ، وَالْجَمْعُ كَالْجَمْعِ. والْتَصَبَ الشيءُ: ضَاقَ؛ وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ؛ قَالَ أَبو دُوَادَ:
عَنْ أَبْهَرَيْنِ، وَعَنْ قَلْبٍ يُوَفِّرُه ... مَسْحُ الأَكُفِّ بفَجٍّ غَيْرِ مُلْتَصِبِ
وَطَرِيقٌ مُلْتَصِبٌ: ضَيِّقٌ. واللَّواصِب، فِي شِعْرِ كُثَيِّر «2» : الآبارُ الضَّيِّقةُ، البعيدةُ القَعْر. الأَصمعي: اللِّصْبُ، بِالْكَسْرِ، الشِّعْبُ الصَّغِيرُ فِي الجَبَل، وكلُّ مَضِيقٍ فِي الْجَبَلِ، فَهُوَ لِصْبٌ، وَالْجَمْعُ لِصابٌ ولُصوبٌ. واللَّصِبُ: ضَرْبٌ مِنَ السُّلْت، عَسِر الاستِنْقاءِ، يَنْداسُ مَا يَنْداسُ، ويَحْتاجُ الْبَاقِي إِلى المناحيز.
لعب: اللَّعِبُ واللَّعْبُ: ضدُّ الجِدِّ، لَعِبَ يَلْعَبُ لَعِباً ولَعْباً، ولَعَّبَ، وتَلاعَبَ، وتَلَعَّبَ مَرَّة بَعْدَ أُخرى؛ قَالَ إمرؤُ الْقَيْسِ:
تَلَعَّبَ باعِثٌ بذِمَّةِ خالدٍ، ... وأَوْدى عِصامٌ فِي الخُطوبِ الأَوائل
وَفِي حَدِيثِ
تَميم والجَسَّاسَة: صادَفْنا الْبَحْرَ حِينَ اغْتَلَم، فلَعِبَ بِنَا المَوْجُ شَهْرًا
؛ سَمَّى اضْطِرَابَ المَوْج لَعِباً، لَمَّا لَمْ يَسِرْ بِهِمْ إِلى الوجْه الَّذِي أَرادوه. وَيُقَالُ لِكُلِّ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَا يُجْدي عَلَيْهِ نَفْعاً: إِنما أَنتَ لاعِبٌ. وَفِي حَدِيثِ الاستنجاءِ:
إِن الشيطانَ يَلْعَبُ بمقاعِدِ بَنِي آدَمَ
أَي أَنَّهُ يحضُر أَمكنة الاستنجاءِ ويَرْصُدُها بالأَذَى وَالْفَسَادِ، لأَنها مَوَاضِعُ يُهْجَرُ فِيهَا ذِكْرُ اللَّهِ، وتُكْشَف فِيهَا العوراتُ، فأُمرَ بسَتْرها وَالِامْتِنَاعِ مِنَ التَعَرُّض لبَصَر النَّاظِرِينَ ومَهابِّ الرِّيَاحِ ورَشاش الْبَوْلِ، وكلُّ ذَلِكَ مِنْ لَعِبِ الشَّيْطَانِ. والتَّلْعابُ: اللَّعِبُ، صيغةٌ تدلُّ على تكثير
__________
(1) . زاد في التكملة: ما ترك فلان كسوباً ولا لسوباً أي شيئاً. وقد ذكره في كسب بالكاف أيضاً وضبطه في الموضعين بوزن تنور. إذا علمت هذا فما وقع في القاموس باللام فيهما تحريف وكذلك تحرف على الشارح.
(2) . قوله [واللواصب في شعر إلخ] هو أحد قولين الثَّانِي مَا قَالَهُ أَبُو عَمْرٍو أنه أراد بها إبلًا قد لصبت جلودها أي لصقت من العطش، والبيت:
لواصب قد أصبحت وانطوت ... وقد أطول الحيّ عنها لباثا
انتهى تكملة وضبط لباثا كسحاب.(1/739)
الْمَصْدَرِ، كفَعَّل فِي الفِعْل عَلَى غَالِبِ الأَمر. قَالَ سِيبَوَيْهِ: هَذَا بَابُ مَا تُكَثِّر فِيهِ المصدرَ مِنْ فَعَلْتُ، فتُلْحِقُ الزَّوَائِدَ، وتَبْنيه بِنَاءً آخَر، كَمَا أَنك قلتَ فِي فَعَلْتُ: فَعَّلْتُ، حِينَ كَثَّرْتَ الفعلَ، ثُمَّ ذَكَرَ الْمَصَادِرِ الَّتِي جاءَت عَلَى التَّفْعال كالتَّلْعاب وَغَيْرِهِ؛ قَالَ: وَلَيْسَ شيءٌ مِنَ ذَلِكَ مَصْدَرُ فَعَلْتُ، وَلَكِنْ لَمَّا أَردت التَّكْثِيرَ، بَنَيْتَ الْمَصْدَرَ عَلَى هَذَا، كَمَا بَنَيْتَ فَعَلْتُ عَلَى فَعَّلْتُ. وَرَجُلٌ لاعِبٌ ولَعِبٌ ولِعِبٌ، عَلَى مَا يَطَّرِد فِي هَذَا النَّحْوِ، وتِلْعابٌ وتِلْعابة، وتِلِعَّابٌ وتِلِعَّابة، وَهُوَ مِنَ المُثُل الَّتِي لَمْ يَذْكُرْهَا سِيبَوَيْهِ. قَالَ ابْنُ جِنِّي: أَما تِلِعَّابة، فإِن سِيبَوَيْهِ، وإِن لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الصفاتِ، فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْمَصَادِرِ، نَحْوَ تَحَمَّلَ تِحِمَّالًا، وَلَوْ أَرَدْتَ المرَّةَ الواحدةَ مِنْ هَذَا لوَجَبَ أَن تَكُونَ تِحِمَّالةً، فإِذا ذَكَر تِفِعَّالًا فكأَنه قَدْ ذَكَّرَهُ بالهاءِ، وَذَلِكَ لأَن الهاءَ فِي تَقْدِيرِ الِانْفِصَالِ عَلَى غَالِبِ الأَمر، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي تِلِقَّامةٍ، وسيأْتي ذِكْرُهُ. وَلَيْسَ لِقَائِلٍ أَن يَدَّعيَ أَن تِلِعَّابة وتِلِقَّامةً فِي الأَصل المرَّة الْوَاحِدَةُ، ثُمَّ وُصِفَ بِهِ كَمَا قَدْ يُقَالُ ذَلِكَ فِي الْمَصْدَرِ، نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً؛ أَي غائِراً، وَنَحْوِ قَوْلِهِ: فإِنما هِيَ إِقْبالٌ وإِدْبارُ؛ مِنْ قِبَلِ أَنَّ مَنْ وَصَفَ بِالْمَصْدَرِ، فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ زَوْرٌ وصَوْمٌ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فإِنما صَارَ ذَلِكَ لَهُ، لأَنه أَراد الْمُبَالَغَةَ، وَيَجْعَلُهُ هُوَ نَفْسَ الحدَث، لِكَثْرَةِ ذَلِكَ مِنْهُ، والمرَّة الْوَاحِدَةُ هِيَ أَقل الْقَلِيلِ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ، فَلَا يَجُوزُ أَن يُرِيدَ مَعْنَى غايةِ الكَثْرة، فيأْتي لِذَلِكَ بلفظِ غايةِ القِلَّةِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُجِيزوا: زَيْدٌ إِقْبالةٌ وإِدبارة، عَلَى زيدٌ إِقْبالٌ وإِدْبارٌ، فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ قَوْلُهُمْ: رَجُلٌ تِلِعَّابة وتِلِقَّامة، عَلَى حَدِّ قَوْلِكَ: هَذَا رجلٌ صَومٌ، لَكِنَّ الهاءَ فِيهِ كالهاءِ فِي عَلَّامة ونَسَّابة لِلْمُبَالَغَةِ؛ وقولُ النَّابِغَةِ الجَعْدِيّ:
تَجَنَّبْتُها، إِني امْرُؤٌ فِي شَبِيبَتي ... وتِلْعابَتي، عَنْ رِيبةِ الجارِ، أَجْنَبُ
فإِنه وَضَعَ الاسمَ الَّذِي جَرى صِفَةً مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ، وَكَذَلِكَ أُلْعُبانٌ، مَثَّل بِهِ سِيبَوَيْهِ، وَفَسَّرَهُ السِّيرَافِيُّ. وَقَالَ الأَزهري: رَجُلٌ تِلْعابة إِذا كَانَ يَتَلَعَّبُ، وَكَانَ كثيرَ اللَّعِبِ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: زَعَمَ ابنُ النَّابِغَةَ أَني تِلْعابةٌ
؛ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ:
أَنَّ عَليّاً كَانَ تِلْعابةً
أَي كثيرَ المَزْحِ والمُداعَبة، والتاءُ زَائِدَةٌ. وَرَجُلٌ لُعَبةٌ: كَثِيرُ اللَّعِب. ولاعَبه مُلاعبةً ولِعاباً: لَعِبَ مَعَهُ؛ وَمِنْهُ حَدِيثِ
جَابِرٍ: مَا لكَ وللعَذارى ولِعابَها؟
اللِّعابُ، بِالْكَسْرِ: مثلُ اللَّعِبِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا يَأْخُذَنَّ أَحدُكم مَتاعَ أَخيه لاعِباً جَادًّا
؛ أَي يأْخذه وَلَا يُرِيدُ سَرِقَتَهُ وَلَكِنْ يُرِيدُ إِدخال الْهَمِّ وَالْغَيْظِ عَلَيْهِ، فَهُوَ لاعبٌ فِي السَّرِقَةِ، جادٌّ فِي الأَذِيَّة. وأَلْعَبَ المرأَةَ: جَعَلَها تَلْعَبُ. وأَلْعَبها: جاءَها بِمَا تَلْعَبُ بِهِ؛ وقولُ عَبِيد بْنِ الأَبْرَص:
قَدْ بِتُّ أُلْعِبُها وَهْناً وتُلْعِبُني، ... ثُمَّ انْصَرَفْتُ وَهِيَ منِّي عَلَى بالِ
يُحْتَمَلُ أَن يَكُونَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا. وجاريةٌ لَعُوبٌ: حَسَنةُ الدَّلِّ، والجمعُ لَعائبُ. قَالَ الأَزهري: ولَعُوبُ اسمُ امرأَة، سُمِّيَتْ لَعُوبَ لِكَثْرَةِ لَعِبها، وَيَجُوزُ أَن تُسَمَّى لَعُوبَ، لأَنه يُلْعَبُ بِهَا. والمِلْعَبَة: ثوبٌ لَا كُمَّ لَهُ «3» ، يَلْعَبُ فِيهِ الصبيُّ.
__________
(3) . قوله [والملعبة ثوب إلخ] كذا ضبط بالأَصل والمحكم، بكسر الميم، وضبطها المجد كمحسنة، وقال شارحه وفي نسخة بالكسر.(1/740)
واللَّعَّابُ: الَّذِي حِرْفَتُه اللَّعِبُ. والأُلْعوبةُ: اللَّعِبُ. وَبَيْنَهُمْ أُلْعُوبة، مِن اللَّعِبِ. واللُّعْبةُ: الأَحْمَق الَّذِي يُسْخَرُ بِهِ، ويُلْعَبُ، ويَطَّرِدُ عَلَيْهِ بابٌ. واللُّعْبةُ: نَوْبةُ اللَّعِبِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: لَعِبْتُ لَعْبةً وَاحِدَةً؛ واللِّعْبةُ، بِالْكَسْرِ: نَوْعٌ مِنَ اللَّعِبِ. تَقُولُ: رَجُلٌ حَسَنُ اللِّعْبة، بِالْكَسْرِ، كَمَا تَقُولُ: حسَنُ الجِلْسة. واللُّعْبةُ: جِرْم مَا يُلْعَبُ بِهِ كالشِّطْرَنْج وَنَحْوِهِ. واللُّعْبةُ: التِّمْثالُ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: مَا رأَيت لكَ لُعْبةً أَحْسَنَ مِنْ هَذِهِ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ. ابْنُ السكيت تقول: لِمن اللُّعْبةُ؟ فَتَضُمُّ أَوَّلَها، لأَنها اسمٌ. والشِّطْرَنْجُ لُعْبةٌ، والنَّرْدُ لُعْبة، وكلُّ مَلْعوب بِهِ، فَهُوَ لُعْبة، لأَنه اسْمٌ. وَتَقُولُ: اقْعُدْ حَتَّى أَفْرُغَ مِنْ هَذِهِ اللُّعْبةِ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: مِنْ هَذِهِ اللَّعْبةِ، بِالْفَتْحِ، أَجودُ لأَنه أَراد الْمَرَّةَ الواحدةَ مِنَ اللَّعِب. ولَعِبَت الريحُ بِالْمَنْزِلِ: دَرَسَتْه. ومَلاعِبُ الرِّيحِ: مَدارِجُها. وتركتُه فِي مَلاعِب الْجِنِّ أَي حَيْثُ لَا يُدْرَى أَيْنَ هُوَ. ومُلاعِبُ ظِلِّه: طائرٌ بِالْبَادِيَةِ، وَرُبَّمَا قِيلَ خاطِفُ ظِلِّه؛ يُثَنَّى فِيهِ المضافُ والمضافُ إِليه، ويُجْمَعانِ؛ يُقَالُ لِلِاثْنَيْنِ: ملاعِبا ظِلِّهِما، وَلِلثَّلَاثَةِ: مُلاعِباتُ أَظْلالِهِنّ، وَتَقُولُ: رأَيتُ مُلاعِباتِ أَظْلالٍ لهُنَّ، وَلَا تَقُلْ أَظْلالِهنّ، لأَنه يَصِيرُ مَعْرِفَةً. وأَبو بَرَاء: هُوَ مُلاعِبُ الأَسِنَّةِ عامِرُ بْنِ مَالِكِ بْنِ جعفرِ بْنِ كِلابٍ، سُمي بِذَلِكَ يَوْمَ السُّوبان، وَجَعَلَهُ لبيدٌ مُلاعِبَ الرِّماحِ لِحَاجَتِهِ إِلى الْقَافِيَةِ؛ فَقَالَ:
لَوْ أَنَّ حَيّاً مُدْرِكَ الفَلاحِ، ... أَدْرَكَه مُلاعِبُ الرِّماحِ
واللَّعَّابُ: فرسٌ مِنْ خَيْلِ الْعَرَبِ، مَعْرُوفٍ؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ:
وطابَ عَنِ اللَّعَّابِ نَفْساً ورَبَّةً، ... وغادَرَ قَيْساً فِي المَكَرِّ وعَفْزَرا
ومَلاعِبُ الصبيانِ وَالْجَوَارِي فِي الدَّارِ مِنْ دِياراتِ الْعَرَبِ: حَيْثُ يَلْعَبُونَ، الواحدُ مَلْعَبٌ. واللُّعَابُ: مَا سَالَ مِنَ الْفَمِ. لَعَبَ يَلْعَبُ، ولَعِبَ، وأَلْعَبَ: سالَ لُعابُه، والأُولى أَعلى. وخَصَّ الجوهريُّ بِهِ الصبيَّ، فَقَالَ: لَعَبَ الصبيُّ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
لَعَبْتُ عَلَى أَكْتافِهِمْ وحُجورِهِمْ ... وَلِيداً، وسَمَّوْني لَبِيداً وعاصِمَا
وَرَوَاهُ ثَعْلَبٌ: لَعِبْتُ عَلَى أَكتافهم وَصُدُورِهِمْ، وَهُوَ أَحسنُ. وثَغْرٌ مَلْعُوبٌ أَي ذُو لُعَاب. وَقِيلَ لَعَبَ الرجلُ: سالَ لُعابُه، وأَلْعَبَ: صارَ لَهُ لُعابٌ يَسِيلُ مِنْ فَمِهِ. ولُعَابُ الْحَيَّةِ والجَرادِ: سَمُّهما. ولُعاب النَّحْلِ: مَا يُعَسِّلُه، وَهُوَ العَسَلُ. ولُعَابُ الشَّمْس: شَيْءٌ تَراه كأَنه يَنْحَدِر مِنَ السماءِ إِذا حَمِيَتْ وقامَ قائمُ الظَّهِيرة؛ قَالَ جَرِيرٌ:
أُنِخْنَ لتَهْجِيرٍ، وقَدْ وَقَدَ الحَصَى، ... وذابَ لُعَابُ الشَّمْسِ فَوْقَ الْجَمَاجِمِ
قَالَ الأَزهري: لُعَابُ الشَّمْسِ هُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ مُخَاطُ الشَّيْطانِ، وَهُوَ السَّهَام، بِفَتْحِ السِّينِ، وَيُقَالُ لَهُ: رِيقُ الشَّمْسِ، وَهُوَ شِبْهُ الخَيْطِ، تَراه فِي الهَواءِ إِذا اشْتَدَّ الحَرُّ ورَكَدَ الهَواءُ؛ ومَن قَالَ: إِن لُعَابَ الشَّمْسِ السَّرَابُ، فَقَدْ أَبطلَ؛ إِنما السَّرَابُ الَّذِي يُرَى كأَنه ماءٌ جارٍ نِصْفَ النَّهَارِ، وإِنما يَعْرِفُ هَذِهِ الأَشْياءَ مَن لَزِمَ الصَّحارِي(1/741)
والفَلَوات، وَسَارَ فِي الهَواجر فِيهَا. وقِيل: لُعابُ الشَّمْسِ مَا تَرَاهُ فِي شِدَّة الْحَرِّ مِثْلَ نَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ؛ وَيُقَالُ: هُوَ السَّرابُ. والاسْتِلْعابُ فِي النَّخْلِ: أَن يَنْبُتَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ البُسْر، بعد الصِّرام. قال أَبو سعيد: اسْتَلْعَبَتِ النخلةُ إِذا أَطْلَعَتْ طَلْعاً، وَفِيهَا بقيةٌ مِنْ حَمْلها الأَوَّل؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ يَصِفُ نَخْلَةً:
أَلْحَقَتْ مَا اسْتَلْعَبَتْ بِالَّذِي ... قَدْ أَنى، إِذْ حانَ وقتُ الصِّرام
واللَّعْباءُ: سَبِخةٌ مَعْرُوفَةٌ بِنَاحِيَةِ الْبَحْرَيْنِ، بحِذاءِ القَطِيفِ، وسِيفِ البحرِ. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: اللَّعْباءُ مَوْضِعٌ؛ وأَنشد الْفَارِسِيُّ:
تَرَوَّحْنا مِنَ اللَّعْباءِ قَصْراً، ... وأَعْجَلْنا إِلاهةَ أَنْ تَؤُوبا
وَيُرْوَى: الإِلهةَ، وَقَالَ إِلاهةُ اسم للشمس.
لغب: اللُّغُوبُ: التَّعَبُ والإِعْياءُ. لَغَبَ يَلْغُبُ، بِالضَّمِّ، لُغُوباً ولَغْباً ولَغِبَ، بِالْكَسْرِ، لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ: أَعْيا أَشدَّ الإِعْياءِ. وأَلْغَبْتُه أَنا أَي أَنْصَبْتُه. وَفِي حَدِيثِ
الأَرْنَب: فسَعَى القومُ فلَغِبُوا وأَدْركْتُها
أَي تَعِبُوا وأَعْيَوْا. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ
. وَمِنْهُ قِيلَ: فلانٌ ساغِبٌ لاغِبٌ أَي مُعْيٍ. وَاسْتَعَارَ بعضُ العربِ ذَلِكَ لِلرِّيحِ، فَقَالَ، أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
وبَلْدَةٍ مَجْهَلٍ تُمْسِي الرِّياحُ بِهَا ... لَواغِباً، وَهِيَ ناءٍ عَرْضُها، خاوِيَهْ
وأَلْغَبَه السيرُ، وتَلَغَّبه: فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ وأَتْعَبَه؛ قَالَ كُثَيِّر عَزَّةَ:
تَلَغَّبَها دونَ ابنِ لَيْلى، وشَفَّها ... سُهادُ السُّرى، والسَّبْسَبُ المتماحِلُ
وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:
بَلْ سَوْفَ يَكْفِيكَها بازٍ تَلَغَّبها، ... إِذا الْتَقَتْ، بالسُّعُودِ، الشمسُ والقمرُ
أَي يَكْفِيكَ المُسْرفين بازٍ، وَهُوَ عُمَرُ بْنُ هُبَيْرة. قَالَ: وتَلَغَّبها، تَولَّاها فَقَامَ بِهَا وَلَمْ يَعْجِزْ عَنْهَا. وتَلَغَّبَ سَيْرَ القومِ: سارَ بِهِمْ حَتَّى لَغِبُوا؛ قَالَ ابْنُ مُقْبل:
وحَيٍّ كِرامٍ، قَدْ تَلَغَّبْتُ سَيْرَهم ... بمَرْبُوعةٍ شَهْلاءَ، قَدْ جُدِلَتْ جَدْلا
والتَّلَغُّبُ: طُولُ الطِّرادِ؛ وَقَالَ:
تَلَغَّبَني دَهْرِي، فَلَمَّا غَلَبْتُه ... غَزاني بأَولادي، فأَدْرَكَني الدَّهْرُ
والمَلاغِبُ: جَمْعُ المَلْغَبة، مِن الإِعْياءِ. ولَغَبَ عَلَى الْقَوْمِ يَلْغَب، بِالْفَتْحِ فِيهِمَا، لَغْباً: أَفْسَدَ عَلَيْهِمْ. ولَغَبَ القومَ يَلْغَبُهم لَغْباً: حَدَّثَهم حَدِيثًا خَلْفاً؛ وأَنشد:
أَبْذُلُ نُصْحِي وأَكُفُّ لَغْبي
وَقَالَ الزِّبْرِقانُ:
أَلَمْ أَكُ باذِلًا وُدِّي ونَصْرِي، ... وأَصْرِفُ عنكُمُ ذَرَبي ولَغْبي
وكلامٌ لَغْبٌ: فاسِدٌ، لَا صائِبٌ وَلَا قاصِدٌ. وَيُقَالُ: كُفَّ عَنَّا لَغْبَك أَي سَيِّئَ كلامِك. ورجلٌ لَغْبٌ، بِالتَّسْكِينِ، ولَغُوبٌ، ووَغْبٌ: ضعيفٌ أَحمَقُ، بيِّنُ اللَّغَابةِ. حَكَى أَبو عَمْرِو بنُ العَلاءِ عَنْ أَعرابي مِنْ أَهل الْيَمَنِ: فلانٌ لَغُوبٌ، جاءَته كِتَابِي فاحْتَقَرَها؛ قلتُ: أَتقول جاءَته كِتَابِي؟ فَقَالَ: أَليس هُوَ الصحيفةَ؟ قلتُ: فَمَا اللَّغُوبُ؟ قَالَ: الأَحْمق. وَالِاسْمُ اللَّغابة واللُّغُوبةُ. واللَّغْبُ: الرِّيش الفاسِدُ مِثْلُ البُطْنانِ، مِنْهُ.(1/742)
وسَهْمٌ لَغْبٌ ولُغابٌ: فاسِدٌ لَمْ يُحْسَنْ عَمَلُه؛ وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي ريشُه بُطْنانٌ؛ وَقِيلَ: إِذا الْتَقَى بُطْنانٌ أَو ظُهْرانٌ، فهو لُغابٌ ولَغْبٌ. وَقِيلَ: اللُّغابُ مِنَ الرِّيشِ البَطْنُ، واحدتُه لُغابةٌ، وَهُوَ خلافُ اللُّؤَام. وَقِيلَ: هُوَ ريشُ السَّهْم إِذا لَمْ يَعْتَدِلْ، فإِذا اعْتَدَلَ فَهُوَ لُؤَامٌ؛ قَالَ بِشْرُ بْنُ أَبي خَازِمٍ:
فإِنَّ الوائِليَّ أَصابَ قَلْبي ... بسَهْمٍ ريشَ، لَمْ يُكْسَ اللُّغابا
وَيُرْوَى: لَمْ يَكُنْ نِكْساً لُغابَا. فإِما أَن يَكُونَ اللُّغابُ مِنْ صِفاتِ السَّهم أَي لَمْ يَكُنْ فَاسِدًا، وإِما أَن يَكُونَ أَراد لَمْ يَكُنْ نِكساً ذَا ريشٍ لُغابٍ؛ وَقَالَ تَأَبَّطَ شَرًّا:
وَمَا وَلَدَتْ أُمِّي مِنَ القومِ عَاجِزًا، ... وَلَا كَانَ رِيشِي مِنْ ذُنابى وَلَا لَغْبِ
وَكَانَ لَهُ أَخٌ يُقَالُ لَهُ: ريشُ لَغْبٍ، وَقَدْ حَرَّكه الكُمَيْتُ فِي قَوْلِهِ:
لَا نَقَلٌ ريشُها وَلَا لَغَبْ
مِثْلُ نَهْرٍ ونَهَرٍ، لأَجل حَرْفِ الحَلْق. وأَلْغَبَ السَّهْمَ: جَعَلَ ريشَه لُغاباً؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
لَيْتَ الغُرابَ رَمَى حَمَاطَةَ قَلْبه ... عَمْرٌو بأَسْهُمِه، الَّتِي لَمْ تُلْغَب
وريشٌ لَغِيبٌ؛ قَالَ الرَّاجِزُ فِي الذِّئْبِ:
أَشْعَرْتُه مُذَلَّقاً مَذْرُوبا، ... رِيشَ بِرِيشٍ لَمْ يَكُنْ لَغِيبَا
قَالَ الأَصمعي: مِن الرِّيشِ اللُّؤَامُ واللُّغابُ؛ فاللُّؤَامُ مَا كَانَ بَطْنُ القُذَةِ يَلي ظَهْرَ الأُخْرَى، وَهُوَ أَجْوَدُ مَا يكونُ، فإِذا الْتَقَى بُطْنانٌ أَو ظُهْرانٌ، فَهُوَ لُغابٌ ولَغْبٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَهْدَى مَكْسُومٌ أَخُو الأَشْرَم إِلى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سِلَاحًا فِيهِ سَهْمٌ لَغْبٌ
؛ سَهْمٌ لَغْبٌ إِذا لَمْ يَلْتَئِم ريشُه ويَصْطَحِبْ لرداءَته، فإِذا التأَم، فَهُوَ لُؤَام. واللَّغْباءُ: مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ؛ قَالَ عَمْرُو بْنُ أَحمر:
حَتَّى إِذا كَرَبَتْ، والليلُ يَطْلُبها، ... أَيْدي الرِّكابِ مِن اللَّغْباءِ تَنْحَدِرُ
واللَّغْبُ: الرَّدِيءُ مِنَ السِّهَام الَّذِي لَا يَذْهَبُ بَعيداً. ولَغَّبَ فلانٌ دابَّته إِذا تَحَامَلَ عَلَيْهِ حَتَّى أَعْيَا. وتَلَغَّبَ الدابةَ: وَجَدَها لاغِباً. وأَلْغَبها إِذا أَتْعَبَها.
لقب: اللَّقَبُ: النَّبْزُ، اسمٌ غَيْرُ مُسَمًّى بِهِ، وَالْجَمْعُ أَلْقَابٌ. وَقَدْ لَقَّبَه بِكَذَا فَتَلَقَّبَ بِهِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ
؛ يَقُولُ: لَا تَدْعوا الرجلَ إِلا بأَحَبّ أَسمائِه إِليه. وَقَالَ الزَّجَّاجُ يَقُولُ: لَا يَقُولُ المسلمُ لِمَنْ كَانَ يَهُودِيًّا أَو نَصْرَانِيًّا فأَسلم: يَا يَهُودِيُّ يَا نَصْرَانِيُّ، وَقَدْ آمَنَ. يُقَالُ: لَقَّبْتُ فُلاناً تَلْقِيباً، ولَقَّبْتُ الاسْمَ بالفِعل تَلْقيباً إِذا جَعَلْتَ لَهُ مِثَالًا مِنَ الْفِعْلِ، كقولك لجَوْرَبٍ فَوْعَل.
لكب: التَّهْذِيبُ: أَبو عَمْرٍو أَنه قَالَ: المَلْكَبَةُ النَّاقَةُ الكثيرةُ الشَّحْمِ وَاللَّحْمِ. والمَلْكَبَةُ: القِيادة، والله أَعلم.
لهب: اللَّهَبُ واللَّهيبُ واللُّهابُ واللَّهَبَانُ: اشْتِعَالُ النَّارِ إِذا خَلَصَ مِنَ الدُّخَانِ. وَقِيلَ: لَهِيبُ النَّارِ حَرُّها. وَقَدْ أَلْهَبها فالْتَهَبَتْ، ولَهَّبَها فَتَلَهَّبَتْ: أَوْقَدَها؛ قَالَ:
تَسْمَعُ مِنْها، فِي السَّلِيقِ الأَشْهَبِ، ... مَعْمعَةً مِثْلَ الضِّرَامِ المُلْهَبِ(1/743)
واللَّهَبانُ، بِالتَّحْرِيكِ: تَوَقُّدُ الجمْر بِغَيْرِ ضِرامٍ، وَكَذَلِكَ لَهَبَانُ الحَرِّ فِي الرَّمْضاءِ؛ وأَنشد:
لَهَبَانٌ وقَدَتْ حِزَّانُه، ... يَرْمَضُ الْجُنْدَبُ مِنْهُ فَيَصِرّ «1»
واللَّهَبُ: لَهَبُ النَّارِ، وَهُوَ لِسانُها. والْتَهَبَتِ النارُ وتَلَهَّبَتْ أَي اتَّقَدَتْ. ابْنُ سِيدَهْ: اللَّهَبَانُ شِدَّةُ الحَرِّ فِي الرَّمْضَاءِ وَنَحْوِهَا. ويومٌ لَهَبانٌ: شَدِيدُ الْحَرِّ؛ قَالَ:
ظَلَّتْ بيومٍ لَهَبَانٍ ضَبْحِ، ... يَلْفَحُها المِرْزَمُ أَيَّ لَفْحِ،
تَعُوذُ مِنْه بِنَواحي الطَّلْحِ
واللُّهْبَةُ: إِشْراقُ اللَّوْنِ مِنَ الجسَد. وأَلْهَبَ البَرْقُ إِلْهاباً؛ وإِلهابُهُ: تَدَارُكه، حَتَّى لَا يَكُونَ بَيْنَ البَرْقَتَيْنِ فُرْجَة. واللُّهابُ واللَّهَبانُ واللُّهْبَةُ، بِالتَّسْكِينِ: العَطَشُ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
فصَبَّحَتْ بَيْنَ المَلا وثَبْرَهْ، ... جُبّاً تَرَى جِمامَهُ مُخْضَرَّهْ،
وبَرَدَتْ مِنْهُ لِهابُ الحَرَّهْ
وَقَدْ لَهِبَ، بِالْكَسْرِ، يَلْهَبُ لَهَباً، فَهُوَ لَهْبانُ. وامرأَة لَهْبَى، وَالْجَمْعُ لِهابٌ. والْتَهَب عَلَيْهِ: غَضِبَ وتَحَرَّقَ؛ قَالَ بِشْرُ بْنُ أَبي خَازِمٍ:
وإِنَّ أَباكَ قَدْ لاقاهُ خِرْقٌ ... مِنَ الفِتْيانِ، يَلْتَهِبُ الْتِهابا
وَهُوَ يَتَلَهَّبُ جُوعاً ويَلْتَهِبُ، كَقَوْلِكَ يَتَحَرَّقُ ويَتَضَرَّمُ. واللَّهَبُ: الغُبار الساطعُ. الأَصمعي: إِذا اضْطَرَمَ جَرْيُ الْفَرَسِ، قِيلَ: أَهْذَبَ إِهْذاباً، وأَلْهَبَ إِلهاباً. وَيُقَالُ لِلْفَرَسِ الشَّدِيدِ الجرْي، المُثِير للغُبار: مُلْهِبٌ، وَلَهُ أُلْهوبٌ. وَفِي حَدِيثِ
صَعْصَعة، قَالَ لِمُعَاوِيَةَ: إِني لأَتْرُكُ الكلامَ، فَمَا أُرْهِفُ بِهِ وَلَا أُلْهِب فِيهِ
أَي لَا أُمْضِيه بسُرْعة؛ قَالَ: والأَصلُ فِيهِ الجَرْيُ الشَّديدُ الَّذِي يُثير اللَّهَبَ، وَهُوَ الغُبار السَّاطع، كالدُّخان الْمُرْتَفِعِ مِنَ النَّارِ. والأُلْهُوبُ: أَن يَجْتَهِدَ الفرسُ فِي عَدْوه حَتَّى يُثِيرَ الغُبارَ، وَقِيلَ: هُوَ ابْتداءُ عَدْوِه، ويوصَفُ بِهِ فَيُقَالُ: شَدٌّ أُلْهُوبٌ. وَقَدْ أَلْهَبَ الفرسُ: اضْطَرَمَ جَرْيهُ، وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: يَكُونُ ذَلِكَ لِلْفَرَسِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَعْدُو؛ قَالَ إمرؤُ الْقَيْسِ:
فللسَّوْطِ أُلْهُوبٌ، وللسَّاقِ دِرَّةٌ، ... وللزَّجْرِ مِنْهُ وَقْعُ أَخْرَجَ مُهْذِبِ
واللُّهَابَةُ: كِساءٌ «2» يوضَع فِيهِ حَجَر فيُرَجَّحُ بِهِ أَحَدُ جَوانِبِ الهَوْدَج أَو الحِمْلِ، عَنِ السِّيرَافِيِّ، عَنْ ثَعْلَبٍ. واللِّهْبُ، بِالْكَسْرِ: الفُرْجَة والهوَاء بَيْنَ الجبَلين، وَفِي الْمُحْكَمِ: مَهْواةُ مَا بَيْنَ كُلِّ جَبَلَيْنِ، وَقِيلَ: هُوَ الصَّدْعُ فِي الْجَبَلِ، عَنِ اللِّحْيَانِيِّ؛ وَقِيلَ: هُوَ الشِّعْبُ الصَّغِيرُ فِي الْجَبَلِ؛ وَقِيلَ: هُوَ وَجْهٌ مِنَ الجَبل كَالْحَائِطِ لَا يُستطاعُ ارْتِقاؤُه، وَكَذَلِكَ لِهْبُ أُفُقِ السماءِ، وَالْجَمْعُ أَلْهابٌ ولُهُوبٌ ولِهَابٌ؛ قَالَ أَوْسُ بْنُ حَجَر:
فأَبْصَر أَلْهاباً مِنَ الطَّوْدِ، دُونها ... يَرَى بَيْنَ رَأْسَيْ كُلِّ نِيقَيْنِ مَهْبِلا
__________
(1) . قوله [لهبان إلخ] كذا أنشده في التهذيب وتحرف في شرح القاموس.
(2) . قوله [واللهابة كساء إلخ] كذا ضبط بالأَصل، وقال شارح القاموس: اللهابة، بالضم، كساء إلخ انتهى. وأصل النقل من المحكم لكن ضبطت اللهابة في النسخة التي بأيدينا منه بشكل القلم، بكسر اللام، فحرره ولا تغتر بتصريح الشارح، بالضم، فكثيراً ما يصرح بضبط لم يسبق لغيره.(1/744)
وَقَالَ أَبو ذؤَيب:
جَوارِسُها تَأْري الشُّعوفَ دَوائِباً، ... وتَنْصَبُّ، أَلْهَاباً مَصِيفاً، كِرابُها
والجَوارِسُ: الأَوَاكِلُ مِن النَّحْل، تَقُولُ: جَرَسَتِ النَّحْلُ الشَّجرَ إِذا أَكَلَتْهُ. وتَأْرِي: تُعَسِّل. والشُّعوفُ: أَعالي الجِبال. والكِرَابُ: مَجَارِي الماءِ، واحدتُها كَرَبَةٌ. واللِّهْبُ: السَّرَبُ فِي الأَرض. ابْنُ الأَعرابي: المِلْهَبُ: الرَّائعُ الجَمال. والمِلْهَبُ: الْكَثِيرُ الشَّعَر مِنَ الرِّجَالِ. وأَبو لَهَبٍ: كنيةُ بعضِ أَعمام النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيلَ: كُنِيَ أَبو لَهَبٍ لِجَمَالِهِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ
؛ فَكَنَّاهُ، عَزَّ وَجَلَّ، بِهَذَا، وَهُوَ ذَمٌّ لَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ اسْمَهُ كَانَ عَبْدَ العُزَّى، فَلَمْ يُسَمِّه، عَزَّ وَجَلَّ، باسْمِه لأَن اسْمه مُحالٌ. وَبَنُو لِهْبٍ: قومٌ مِنَ الأَزْدِ. ولِهْبٌ: قَبِيلَةٌ مِنَ الْيَمَنِ فِيهَا عِيَافَةٌ وزَجرٌ. وَفِي الْمُحْكَمِ: لِهْبٌ قَبِيلَةٌ، زَعَمُوا أَنها أَعْيَفُ الْعَرَبِ، وَيُقَالُ لَهُمْ: اللِّهْبِيُّون. واللَّهَبَة: قَبِيلَةٌ أَيضاً. واللِّهابُ واللَّهباءُ: مَوْضِعَانِ. واللَّهِيبُ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ الأَفْوه:
وجَرَّدَ جَمْعُها بِيضاً خِفافاً ... عَلَى جَنْبَيْ تُضارِعَ، فاللَّهِيب
ولَهْبانُ: اسْمُ قَبِيلَةٍ مِنَ الْعَرَبِ. واللِّهابةُ: وادٍ بناحيةِ الشَّواجِن، فِيهِ رَكايا عَذْبةٌ، يَخْتَرِقُه طريقُ بَطْنِ فَلْجٍ، وكأَنَّه جمعُ لِهْبٍ «1»
لهذب: أَلْزَمَه لَهْذَباً وَاحِدًا؛ عَنْ كُراع أَي لِزَازاً ولِزاماً.
لوب: اللَّوْبُ واللُّوبُ واللُّؤُوبُ واللُّوَابُ: العَطَش، وَقِيلَ: هُوَ استدارةُ الحَائِم حَوْلَ الماءِ، وَهُوَ عَطشان، لَا يَصِل إِليه. وَقَدْ لَابَ يَلُوبُ لَوْباً ولُوباً ولُوَاباً ولَوَباناً أَي عَطِشَ، فَهُوَ لائِبٌ؛ والجمع، لُؤُوب، مِثْلُ: شاهدٍ وشُهُود؛ قَالَ أَبو مُحَمَّدٍ الفَقْعَسِيّ:
حَتَّى إِذا مَا اشْتَدَّ لُوبانُ النَّجَرْ، ... ولاحَ للعَيْنِ سُهَيْل بسَحَرْ
والنَّجَرُ: عَطَشٌ يُصيب الإِبلَ مِنْ أَكْلِ الحِبَّة، وَهِيَ بُزُور الصَّحْراء؛ قَالَ الأَصمعي: إِذا طَافَتِ الإِبل عَلَى الْحَوْضِ، وَلَمْ تَقْدِرْ عَلَى الماءِ، لِكَثْرَةِ الزِّحَامِ، فَذَلِكَ اللَّوْبُ. يُقال: تَرَكْتُها لَوَائِبَ عَلَى الْحَوْضِ، وإِبِل لُوبٌ، ونخلٌ لَوَائِبُ، ولُوبٌ: عِطاشٌ، بَعِيدَةٌ مِنَ الماءِ. ابْنُ السِّكِّيتِ: لابَ يَلُوبُ إِذا حامَ حَوْلَ الْمَاءِ مِنَ الْعَطَشِ؛ وأَنشد:
بأَلذَّ مِنكِ مُقَبَّلًا لِمُحَلَّإٍ ... عَطشَانَ، دَاغَشَ ثُمَّ عادَ يَلُوبُ
وأَلابَ الرجلُ، فَهُوَ مُلِيبٌ إِذا حامَتْ إِبلُه حولَ الماءِ مِنَ الْعَطَشِ. ابْنُ الأَعرابي: يُقال مَا وَجَدَ لَياباً أَي قَدْرَ لُعْقَةٍ مِنَ الطَّعام يَلُوكُها؛ قَالَ: واللَّيابُ أَقل مِنْ مِلْءِ الْفَمِ. واللُّوبةُ: القومُ يَكُونُونَ مَعَ الْقَوْمِ، فَلَا يُسْتَشارون فِي خَيْرٍ وَلَا شَرٍّ. واللَّابةُ واللُّوبةُ: الحَرَّة، وَالْجَمْعُ لابٌ ولُوبٌ ولاباتٌ، وَهِيَ الحِرَارُ. فأَما سِيبَوَيْهِ فَجَعَلَ اللُّوبَ جَمْعَ لابةٍ كقَارة وقُور. وَقَالُوا: أَسْوَدُ لُوبيٌّ ونُوبيٌّ، مَنْسُوبٌ إِلى اللُّوبة والنُّوبةِ،
__________
(1) . قوله [وكأنه جمع لهب] أي كأنَ لهابة، بالكسر، في الأَصل جمع لهب بمعنى اللصب، بكسر فسكون فيهما مثل الألهاب واللهوب فنقل للعلمية. قلت ويجوز أن يكون منقولًا من المصدر. قال في التكملة: واللهابة أي بالكسر، فعالة من التلهب.(1/745)
وَهُمَا الحَرَّةُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَرَّمَ مَا بَيْنَ لابَتَي الْمَدِينَةِ
؛ وَهُمَا حَرَّتانِ تَكْتَنِفانها؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: الْمَدِينَةُ مَا بَيْنَ حَرَّتَيْن عَظِيمَتَيْنِ؛ قَالَ الأَصمعي: هِيَ الأَرضُ الَّتِي قَدْ أَلبَسَتْها حجارةٌ سُود، وَجَمْعُهَا لاباتٌ، مَا بَيْنَ الثلاثِ إِلى العَشْر، فإِذا كُثِّرَت، فَهِيَ اللَّابُ واللُّوبُ؛ قَالَ بشْر يَذْكُرُ كَتِيبَةً «2» :
مُعالِيةٌ لَا هَمَّ إِلّا مُحَجِّرٌ، ... وحَرَّةُ لَيْلَى السَّهْلُ مِنْهَا فَلُوبُها
يُريدُ جَمْعَ لُوبة؛ قَالَ: وَمِثْلُهُ قارةٌ وقُورٌ، وساحةٌ وسُوحٌ. ابْنُ شُمَيْلٍ: اللُّوبة تَكُونُ عَقَبَةً جَواداً أَطْوَلَ مَا يَكُونُ، وَرُبَّمَا كَانَتْ دَعْوَةً. قَالَ: واللُّوبةُ مَا اشْتَدَّ سوادُه وغَلُظَ وانْقادَ عَلَى وَجْهِ الأَرض، وَلَيْسَ بالطَّويل فِي السماءِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى مَا حَوْله؛ والحَرَّةُ أَعظمُ مِنَ اللُّوبة، وَلَا تَكُونُ اللُّوبةُ إِلا حِجَارَةً سُوداً، وَلَيْسَ فِي الصَّمَّانِ لُوبةٌ، لأَن حِجَارَةَ الصَّمَّانِ حُمْرٌ، وَلَا تَكُونُ اللُّوبة إِلا فِي أَنْفِ الجَبلِ، أَو سِقْطٍ أَو عُرْض جَبَل. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ، ووصَفَتْ أَباها، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: بَعِيدُ مَا بَيْنَ اللَّابَتَيْنِ
؛ أَرادَتْ أَنه واسعُ الصَّدْر، واسعُ العَطَنِ، فاسْتعارتْ لَهُ اللَّابةَ، كَمَا يُقَالُ: رَحْبُ الفِناءِ واسعُ الجَنابِ. واللَّابةُ: الإِبل المُجْتمعةُ السُّودُ. واللُّوبُ: النَّحْلُ، كالنُّوبِ؛ عَنْ كُراع. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَمْ تَتَقَيَّأْه لُوبٌ، وَلَا مَجَّتْه نُوبٌ.
واللُّوباءُ، مَمْدُودٌ، قِيلَ: هُوَ اللُّوبِياءُ؛ يُقَالُ: هُوَ اللُّوبِياءُ، واللُّوبِيا، واللُّوبِياجُ، وَهُوَ مُذَكَّرٌ، يُمَدُّ ويُقْصَر. والمَلابُ: ضَرْبٌ مِنَ الطِّيبِ، فَارِسِيٌّ؛ زَادَ الْجَوْهَرِيُّ: كالخَلُوقِ. غَيْرُهُ: المَلابُ نوعٌ مِنَ العِطْرِ. ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ للزَّعْفَرانِ الشَّعَرُ، والفَيْدُ، والمَلابُ، والعَبِيرُ، والمَرْدَقُوشُ، والجِسادُ. قَالَ: والمَلَبَةُ الطاقَةُ مِنْ شَعَرِ الزَّعْفرانِ؛ قَالَ جَرِيرٌ يَهْجُو نساءَ بَنِي نُمَير:
وَلَوْ وَطِئَتْ نِساءُ بَنِي نُمَيْرٍ ... عَلَى تِبْراك، أَخْبَثْنَ التُّرابا
تَطلَّى، وَهِيَ سَيِّئَةُ المُعَرَّى، ... بصِنِّ الوَبْرِ تَحْسَبُه مَلابا
وشيءٌ مُلَوَّبٌ أَي مُلَطَّخٌ بِهِ. ولَوَّبَ الشَّيءَ: خَلَطَه بالملابِ؛ قَالَ الْمُتَنَخِّلُ الهُذَليُّ:
أَبِيتُ عَلَى مَعاريَ واضِحاتٍ، ... بِهِنَّ مُلَوَّبٌ كدَمِ العِباطِ
وَالْحَدِيدُ المُلَوَّبُ: المَلْويُّ، تُوصَفُ بِهِ الدِّرْع. الْجَوْهَرِيُّ فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ: وأَما المِرْوَدُ ونحوُه، فَهُوَ المُلَوْلَبُ، على مفوعل.
لولب: التَّهْذِيبُ فِي الثُّنَائِيِّ فِي آخِرِ تَرْجَمَةِ لَبَبَ: وَيُقَالُ للماءِ الْكَثِيرِ يَحْمِلُ منه المِفْتَحُ مَا يَسَعُه، فيَضِيقُ صُنْبُورُه عَنْهُ مِنْ كَثْرَتِهِ، فَيَسْتَدِيرُ الماءُ عِنْدَ فَمِهِ، وَيَصِيرُ كأَنه بُلْبُلُ آنِيةٍ: لَولَبٌ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَلَا أَدري أَعربي، أَم مُعَرَّب، غَيْرَ أَن أَهل العراقِ وَلِعُوا بِاسْتِعْمَالِ اللَّوْلَبِ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي تَرْجَمَةِ لَوَبَ: وأَما المِروَدُ ونحوُه فَهُوَ المُلَولَبُ، عَلَى مُفَوْعَل، وَقَالَ فِي تَرْجَمَةٍ فَوْلَفٍ: وَمِمَّا جاءَ عَلَى بناءِ
__________
(2) . قوله [يذكر كتيبة] كذا قال الجوهري أيضاً قال: في التكملة غلط ولكنه يذكر امرأة وصفها في صدر هذه القصيدة أنها معالية أي تقصد العالية وارتفع قوله معالية على أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ويجوز انتصابه على الحال.(1/746)
فَوْلَفٍ: لَوْلَبُ الماءِ.
ليب: اللَّيابُ: أَقَلُّ مِنْ مِلْءِ الْفَمِ مِنَ الطَّعَامِ، يُقَالُ: مَا وَجَدْنا لَياباً أَي قَدْرَ لُعْقة مِنَ الطَّعَامِ نَلُوكُها؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، والله أَعلم.
فصل الميم
مرب: مَأْرِبُ: بلادُ الأَزْدِ الَّتِي أَخْرَجَهُم مِنْهَا سَيْلُ العَرِم، وَقَدْ تَكَرَّرَتْ فِي الْحَدِيثِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَهِيَ مَدِينَةٌ بِالْيَمَنِ، كَانَتْ بها بَلْقِيسُ.
مرنب: قَالَ الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ مَرِنَ: قرأْت فِي كِتَابِ اللَّيْثُ، فِي هَذَا الْبَابِ: المِرْنِبُ جُرَذٌ فِي عِظَم اليَرْبُوع، قَصِيرُ الذَّنَب؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: هَذَا خطأٌ، وَالصَّوَابُ الفِرْنِبُ، بالفاءِ مَكْسُورَةً، وَهُوَ الفأْر، ومَن قَالَ مِرْنِبٌ، فَقَدْ صَحَّفَ.
ميب: المَيْبَةُ: شيءٌ مِنَ الأَدوية، فارسيٌّ.
فصل النون
نبب: نَبَّ التَّيْسُ يَنِبُّ نَبّاً ونَبِيباً ونُباباً، ونَبْنَبَ صاحَ عِنْدَ الهِيَاجِ.
وَقَالَ عُمَرُ لوفْدِ أَهلِ الْكُوفَةِ، حِينَ شَكَوْا سَعْداً: لِيُكَلِّمْني بعضُكم، وَلَا تَنِبُّوا عِنْدِي نَبِيبَ التُّيوسِ
أَي تَصيحوا. ونَبْنَبَ الرجلُ إِذا هَذَى عِنْدَ الْجِمَاعِ. وَفِي حَدِيثِ الْحُدُودِ:
يَعْمِدُ أَحدُهم، إِذا غَزَا الناسُ، فيَنِبُّ كَنَبِيبِ التَّيْسِ
؛ النَّبِيبُ: صَوْتُ التَّيْسِ عِنْدَ السِّفادِ. وَفِي حَدِيثِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمر: أَنه أَتى الطائفَ، فإِذا هُوَ يَرَى التُّيُوسَ تَلِبُّ أَو تَنِبُّ عَلَى الغَنم.
ونَبْنَبَ إِذا طَوَّلَ عَمَلَه وحَسَّنَه. ونَبَّ عَتُود فُلان إِذا تَكَبَّر؛ قَالَ الْفَرَزْدَقِ:
وكُنَّا إِذا الجَبَّارُ نَبَّ عَتُودُه، ... ضَرَبْناهُ تَحْتَ الأُنْثَيَين عَلَى الكَرْدِ
اللَّيْثُ: الأُنْبُوبُ والأُنْبُوبة: مَا بَيْنَ العُقْدتين فِي الْقَصَبِ والقَناةِ، وَهِيَ أُفْعُولة، وَالْجُمَعُ أُنْبُوبٌ وأَنابيبُ. ابْنُ سِيدَهْ: أُنْبُوبُ القَصَبة والرُّمْح: كعبُهما. ونَبَّبَتِ العِجْلَةُ، وَهِيَ بَقلَة مُسْتَطِيلَةٌ مَعَ الأَرض: صَارَتْ لَهَا أَنابيبُ أَي كُعُوبٌ؛ وأُنْبُوبُ النَّبَاتِ، كَذَلِكَ. وأَنابيبُ الرِّئَةِ: مخارجُ النَّفَس مِنْهَا، عَلَى التَّشْبِيهِ بِذَلِكَ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
أَصْهَبُ هدَّارٌ لكُلِّ أَرْكُبِ، ... بِغِيلَةٍ تَنْسَلُّ بَيْنَ الأَنْبُبِ
يَجُوزُ أَن يَعْنِيَ بِالأَنْبُبِ أَنابيبَ الرِّئةِ، كأَنه حَذَفَ زَوَائِدَ أُنبوب، فَقَالَ نَبٌّ؛ ثُمَّ كَسَّره عَلَى أَنُبٍّ، ثُمَّ أَظْهر التَّضْعِيفَ، وَكُلُّ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ. وَلَوْ قَالَ: بَيْنَ الأُنْبُبِ، فَضَمَّ الْهَمْزَةَ، لَكَانَ جَائِزًا ولَوَجَّهْناه عَلَى أَنه أَراد الأُنْبُوبَ، فَحَذَفَ، ولَساغ لَهُ أَن يَقُولَ: بَيْنَ الأُنْبُبِ، وإِن كَانَ بيْن يَقْتَضِي أَكثر مِنْ وَاحِدٍ، لأَنه أَراد الْجِنْسَ، فكأَنه قَالَ: بَيْنَ الأَنابيب. وأُنْبُوبُ القَرْن: مَا فَوْقَ العُقَدِ إِلى الطَّرف؛ وأَنشد:
بسَلِبٍ أُنْبُوبُه مِدْرَى
والأُنْبُوبُ: السَّطر مِنَ الشَّجَرِ. وأُنْبُوبُ الجَبل: طَرِيقَةٌ فِيهِ، هُذَلِيَّةٌ؛ قَالَ مَالِكُ بْنُ خَالِدٍ الخُناعيّ «1» :
فِي رأْسِ شاهِقةٍ، أُنْبُوبُها خَصِرٌ، ... دونَ السَّماءِ لَهَا فِي الجَوِّ قُرناسُ
الأُنْبُوبُ: طريقةٌ نادرةٌ فِي الجَبَل. وخَصِرٌ: باردٌ. وقُرْناسٌ: أَنْفٌ مُحَدَّدٌ مِنَ الجَبَل. وَيُقَالُ لأَشْرافِ الأَرض إِذا كانتْ رَقاقاً مُرْتفعةً. أَنابيبُ؛
__________
(1) . قوله [الخناعي] بالنون كما في التكملة، ووقع في شرح القاموس الخزاعي بالزاي تقليداً لبعض نسخ محرفة. ونسخة التكملة التي بأيدينا بلغت من الصحة الغاية وعليها خط مؤلفها والمجد والشارح نفسه.(1/747)
وَقَالَ الْعَجَّاجُ يَصِفُ ورُودَ العَيْر الماءَ:
بكُلِّ أُنْبُوبٍ لَهُ امْتِثالُ
وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
إِذا احْتَفَّتِ الأَعْلامُ بالآلِ، والْتَقَتْ ... أَنابيبُ تَنْبُو بالعُيونِ العَوارِفِ «1»
أَي تُنْكِرُها عَينٌ كانَتْ تَعْرِفُها. الأَصمعي: يُقَالُ الْزَم الأُنْبُوبَ، وَهُوَ الطريقُ، والزَم المَنْحَر، وَهُوَ القَصْدُ.
نتب: الْجَوْهَرِيُّ: نَتَبَ الشيءُ نُتُوباً، مِثْلُ نَهَدَ؛ وَقَالَ:
أَشْرَفَ ثَدْياها عَلَى التَّريبِ؛ ... لَمْ يَعْدُوَا التَّفْلِيكَ فِي النُّتُوبِ
نجب: فِي الْحَدِيثِ:
إِنَّ كلَّ نَبِيٍّ أُعْطِيَ سَبْعَةَ نُجَباءَ رُفَقاءَ.
ابْنُ الأَثير: النَّجيبُ الفاضلُ مِنْ كلِّ حيوانٍ؛ وَقَدْ نَجُبَ يَنْجُبُ نَجَابَةً إِذا كَانَ فَاضِلًا نَفيساً فِي نَوْعِهِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
إِن اللَّهَ يُحِبُّ التاجِرَ النَّجِيبَ
أَي الْفَاضِلَ الكَريم السَّخِيَّ. وَمِنْهُ حَدِيثُ
ابْنِ مَسْعُودٍ: الأَنعامُ مِنْ نَجائبِ القُزَانِ، أَو نواجِبِ الْقُرْآنِ
أَي مِنْ أَفاضل سُوَره. فالنَّجائِبُ جَمْعُ نَجيبةٍ، تأْنيثُ النَّجِيبِ. وأَما النَّواجِبُ، فَقَالَ شَمِر: هِيَ عِتاقُه، مِنْ قَوْلِهِمْ: نَجَبْتُهُ إِذا قَشَرْتَ نَجَبَه، وَهُوَ لِحاؤُه وقِشْرُه، وتَرَكْتَ لُبابَه وخالصَه. ابْنُ سِيدَهْ: النَّجِيبُ مِنَ الرِّجَالِ الكريمُ الحَسِيبُ، وَكَذَلِكَ البعيرُ والفرسُ إِذا كَانَا كَرِيمَيْنِ عَتِيقين، وَالْجَمْعُ أَنجاب ونُجَباءُ ونُجُبٌ. وَرَجُلٌ نَجِيبٌ أَي كِرِيمٌ، بَيِّنُ النَّجابة. والنُّجَبةُ، مثالُ الهُمَزة: النَّجِيبُ. يُقَالُ: هُوَ نُجَبَةُ القَوم إِذا كَانَ النَّجِيبَ مِنْهُمْ. وأَنْجَبَ الرجلُ أَي ولَدَ نَجِيباً؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
أَنْجَبَ أَزْمانَ والداهُ بِهِ، ... إِذ نَجَلاهُ، فنِعْمَ مَا نَجَلا
والنَّجيبُ مِنَ الإِبل، وَالْجَمْعُ النُّجُبُ والنَّجائبُ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ النَّجِيبِ مِنَ الإِبل، مُفْرَدًا وَمَجْمُوعًا، وَهُوَ القويُّ مِنْهَا، الْخَفِيفُ السَّرِيعُ، وناقَةٌ نَجِيبٌ ونجيبةٌ. وَقَدْ نَجُبَ يَنْجُبُ نَجابةً، وأَنجَبَ، وأَنجَبَتِ المرأَةُ، فَهِيَ مُنْجِبةٌ، ومِنْجابٌ. وَلَدَتِ النُّجَبَاءَ؛ ونسوةٌ مَناجِيبُ، وَكَذَلِكَ الرجلُ. يُقَالُ: أَنجَبَ الرجلُ والمرأَةُ إِذا وَلَدَا وَلَدًا نَجِيباً أَي كَرِيماً. وامرأَة مِنْجابٌ. ذَاتُ أَولادٍ نجَباء. ابْنُ الأَعرابي: أَنجَبَ الرجلُ جاءَ بِوَلَدٍ نَجِيبٍ. وأَنجَبَ: جاءَ بِوَلَدٍ جَبانٍ، قَالَ: فَمَنْ جَعَلَهُ ذَمّاً، أَخَذَه مِنَ النَّجَب، وَهُوَ قِشْرُ الشَّجَرِ. والنَّجابةُ: مَصْدَرُ النَّجِيبِ مِنَ الرِّجال، وَهُوَ الْكَرِيمُ ذُو الحَسَب إِذا خَرَج خُروجَ أَبيه فِي الكَرَم؛ والفِعْلُ نَجُبَ يَنْجُبُ نَجابةً، وَكَذَلِكَ النَّجابةُ فِي نجائبِ الإِبل، وَهِيَ عِتاقُها الَّتِي يُسابَقُ عَلَيْهَا. والمُنْتَجَبُ: المُختارُ مِنْ كُلِّ شيءٍ؛ وَقَدْ انْتَجَبَ فلانٌ فُلَانًا إِذا اسْتَخْلَصَه، واصْطَفاه اخْتياراً عَلَى غَيْرِهِ. والمِنْجابُ: الضَّعِيفُ، وَجَمْعُهُ مَناجيبُ؛ قَالَ عُرْوة بنُ مُرَّة الهُذَليُّ:
بَعَثْتُه فِي سَوادِ اللَّيلِ يَرْقُبُني، ... إِذ آثَرَ النَّومَ والدِّفْءَ المَناجيبُ
وَيُرْوَى المَناخِيبُ، وَهِيَ كالمَناجيب، وَهُوَ مذكور
__________
(1) . قوله [وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ إِذَا احتفت إلخ] وبعده كما في التكملة:
عسفت اللواتي تهلك الريح بينها ... كلالا وجنّان الهبلّ المسالف
أي البلاد اللواتي. وجنان، بكسر أوله وتشديد ثانيه. والهبل كهجف أي الشياطين الضخام، والمسالف اسم فاعل الذي قد تقدم.(1/748)
فِي مَوْضِعِهِ. والمِنْجابُ مِنَ السِّهَامِ: مَا بُرِيَ وأُصْلِحَ وَلَمْ يُرَشْ وَلَمْ يُنْصَلْ، قَالَهُ الأَصمعي. الْجَوْهَرِيُّ: المِنْجابُ السَّهْمُ الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ رِيشٌ وَلَا نَصلٌ. وإِناءٌ مَنْجُوبٌ: واسعُ الْجَوْفِ، وَقِيلَ: وَاسِعُ القَعْر، وَهُوَ مَذْكُورٌ بالفاءِ أَيضاً؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهُوَ الصَّوَابُ؛ وَقَالَ غَيْرُهُ: يَجُوزُ أَن تَكُونَ الْبَاءُ وَالْفَاءُ تَعَاقَبَتَا، وسيأْتي ذِكْرُهُ فِي الفاءِ أَيضاً. والنَّجَبُ، بِالتَّحْرِيكِ: لِحَاءُ الشَّجَرِ؛ وَقِيلَ: قِشْرُ عُرُوقِهَا؛ وَقِيلَ: قِشرُ مَا صَلُبَ مِنْهَا. وَلَا يُقَالُ لِمَا لانَ مِنْ قُشُور الأَغصانِ نَجَبٌ، وَلَا يُقَالُ: قِشْرُ العُروق، وَلَكِنْ يقالُ: نَجَبُ العُروق، وَالْوَاحِدَةُ نَجَبةٌ. والنَّجْبُ، بِالتَّسْكِينِ: مَصْدَرُ نَجَبْتُ الشَّجَرَةَ أَنْجُبُها وأَنجِبُها إِذا أَخذت قِشرَة ساقِها. ابْنُ سِيدَهْ: ونَجَبه يَنْجُبُه، ويَنْجِبُه نَجْباً، ونجَّبه تَنْجِيباً، وانْتَجَبَه: أَخذه. وذَهَبَ فلانٌ يَنتَجِبُ أَي يجْمَعُ النَّجَبَ. وَفِي حَدِيثِ
أُبَيّ: المُؤْمنُ لَا تُصيبُه ذَعْرة، وَلَا عَثْرة، وَلَا نَجْبةُ نملةٍ إِلَّا بذَنْبٍ
؛ أَي قَرْصَةُ نملةٍ، مِن نَجَبَ العُودَ إِذا قَشَرَه؛ والنَّجَبَةُ، بِالتَّحْرِيكِ: القِشرَةُ. قَالَ ابْنُ الأَثير: ذَكَرَهُ أَبو مُوسَى هاهنا، وَيُرْوَى بالخاءِ الْمُعْجَمَةِ، وسيأْتي ذِكْرُهُ؛ وأَما قَوْلُهُ:
يَا أَيُّها الزاعِمُ أَني أَجْتَلِبْ، ... وأَنني غَيرَ عِضاهي أَنْتَجِبْ
فَمَعْنَاهُ أَنني أَجْتَلِبُ الشِّعْرَ مِنْ غَيري، فكأَني إِنما آخُذُ القِشْرَ لأَدْبُغَ بِهِ مِنْ عِضاهٍ غَيْرِ عِضاهي. الأَزهري: النَّجَبُ قُشُورُ السِّدْر، يُصْبَغُ بِهِ، وَهُوَ أَحمر. وسِقاءٌ مَنْجوبٌ ونَجَبيٌّ: مَدْبُوغٌ بالنَّجَب، وَهِيَ قُشور سُوق الطَّلْح، وَقِيلَ: هِيَ لِحَاءُ الشَّجَر، وسِقاءٌ نَجَبيٌّ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: قَالَ أَبو مِسْحَل: سِقاءٌ مِنْجَبٌ مَدْبُوغٌ بالنَّجَب. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا لَيْسَ بشيءٍ، لأَن مِنْجَباً مِفْعَلٌ، ومِفْعَلٌ لَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِمَفْعُولٍ. والمَنجوبُ: الجلْدُ الْمَدْبُوغُ بقُشور سُوق الطَّلْح. والمَنْجُوبُ: القَدَحُ الواسِع. ومِنْجابٌ ونَجَبةُ: اسْمَانِ. والنَّجَبَةُ: موضعٌ بِعَيْنِهِ، عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
فنحنُ فُرْسانٌ غَداةَ النَّجَبَهْ، ... يومَ يَشُدُّ الغَنَوِيُّ أُرَبَهْ،
عَقْداً بعَشْرِ مائةٍ لَنْ تُتْعِبَهْ
قَالَ: أَسَرُوهم، ففَدَوْهُم بأَلْفِ ناقةٍ. والنَّجْبُ: اسْمُ مَوْضِعٌ؛ قَالَ القَتَّالُ الكِلابيُّ «1» :
عَفا النَّجْبُ بَعْدي فالعُرَيْشانِ فالبُتْرُ، ... فبُرْقُ نِعاجٍ مِنْ أُمَيْمَة فالحِجْرُ
ويومُ ذِي نَجَبٍ: يومٌ مِنْ أَيام الْعَرَبِ مشهور.
نحب: النَّحْبُ والنَّحِيبُ: رَفْعُ الصَّوتِ بالبكاءِ، وَفِي الْمُحْكَمِ: أَشدُّ البكاءِ. نحَبَ يَنْحِبُ بِالْكَسْرِ «2» ، نحِيباً، والانْتِحابُ مِثْلُهُ، وانتَحَبَ انتِحاباً. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ لَمَّا نُعِيَ إِليه حُجْرٌ: غَلَب عَلَيْهِ النَّحِيبُ
؛ النَّحِيبُ: البكاءُ بصَوْتٍ طَويلٍ ومَدٍّ. وَفِي حَدِيثِ
الأَسْوَدِ بْنِ المُطَّلِبِ: هَلْ أُحِلَّ النَّحْبُ؟
أَي أُحِلَّ البُكاءُ. وَفِي حَدِيثِ
مجاهدٍ: فنَحَبَ نَحْبَةً هاجَ مَا ثَمَّ مِنَ البَقْل.
وَفِي حديث
عليٍّ:
__________
(1) . قوله [قال القتال الكلابي] وبعده كما في ياقوت:
إلى صفرات الملح ليس بجوّها ... أنيس ولا ممن يحل بها شفر
شفر كقفل أي أحد. يقال ما بها شفر ولا كتيع كرغيف ولا دبيج كسكين.
(2) . قوله [نَحَبَ يَنْحِبُ، بالكسر] أي من باب ضرب كما في المصباح والمختار والصحاح، وكذا ضبط في المحكم. وقال في القاموس النحب أشد البكاء وقد نَحَبَ كمَنَعَ.(1/749)
فَهَلْ دَفَعَتِ الأَقاربُ، ونَفَعَتِ النَّواحِبُ؟
أَي الَبَوَاكِي، جَمْعُ ناحِبةٍ؛ وَقَالَ ابْنُ مَحْكان:
زَيَّافَةٌ لَا تُضِيعُ الحَيَّ مَبْرَكَها، ... إِذا نَعَوها لِرَاعِي أَهْلِها انْتَحَبا
ويُرْوَى: لَمَّا نَعَوْها؛ ذكَر أَنه نَحَر نَاقَةً كَرِيمَةً عَلَيْهِ، قَدْ عُرِفَ مَبرَكُها، كَانَتْ تُؤتى مِرَارًا فتُحْلَبُ للضَّيْف والصَّبيِّ. والنَّحْبُ: النَّذْرُ، تَقُولُ مِنْهُ: نَحَبْتُ أَنْحُبُ، بِالضَّمِّ؛ قَالَ:
فإِني، والهِجاءَ لآِلِ لأْمٍ، ... كذاتِ النَّحْبِ تُوفي بالنُّذورِ
وَقَدْ نَحَبَ يَنْحُبُ؛ قَالَ:
يَا عَمْرُو يَا ابنَ الأَكْرَمينَ نسْبا، ... قَدْ نَحَبَ المَجْدُ عَلَيْكَ نَحْبا
أَراد نَسَباً، فخَفَّفَ لِمَكَانِ نَحْبٍ أَي لَا يُزايِلُك، فَهُوَ لَا يَقْضي ذَلِكَ النَّذْرَ أَبَداً. والنَّحْبُ: الخطَرُ الْعَظِيمُ. وناحَبَهُ عَلَى الأَمر: خاطَرَه؛ قَالَ جَرِيرٌ:
بِطَخْفَة جالَدْنا المُلوكَ، وخَيْلُنا، ... عَشِيَّةَ بَسْطامٍ، جَرَينَ عَلَى نَحْبِ
أَي عَلَى خَطَر عَظِيمٍ. وَيُقَالُ: عَلَى نَذْرٍ. والنَّحْبُ: المُراهَنة وَالْفِعْلُ كَالْفِعْلِ «3» . والنَّحْبُ: الهِمَّة. والنَّحْبُ: البُرْهانُ. والنَّحْبُ: الْحَاجَةُ. والنَّحْبُ: السُّعَالُ. الأَزهري عَنْ أَبي زَيْدٍ: مِنْ أَمراض الإِبل النُّحابُ، والقُحابُ، والنُّحازُ، وَكُلُّ هَذَا مِنَ السُّعال. وَقَدْ نَحَبَ البعيرُ يَنحِبُ نُحاباً إِذا أَخَذه السُّعال. أَبو عَمْرٍو: النَّحْبُ النَّومُ؛ والنَّحْبُ: صَوْتُ البكاءِ؛ والنَّحْبُ: الطُّولُ؛ والنَّحْبُ: السِّمَنُ؛ والنَّحْبُ: الشِّدَّة؛ والنَّحْبُ: القِمارُ، كُلُّهَا بِتَسْكِينِ الحاءِ. وَرُوِيَ عَنِ الرِّياشيِّ: يومٌ نَحْبٌ أَي طويلٌ. والنَّحْبُ: الموتُ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ
؛ وَقِيلَ مَعْنَاهُ: قُتِلوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فأَدْرَكوا مَا تَمَنَّوْا، فَذَلِكَ قَضاءُ النَّحْب. وَقَالَ الزَّجَّاجُ وَالْفَرَّاءُ: فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَه أَي أَجَلَه. والنَّحْبُ: المدَّةُ وَالْوَقْتُ. يُقَالُ قَضى فلانٌ نَحْبَه إِذا مَاتَ. وَرَوَى
الأَزهري عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسحاق فِي قَوْلِهِ: فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ
، قَالَ: فَرَغَ مِنْ عَمَلِه، وَرَجَعَ إِلى رَبِّهِ؛ هَذَا لِمَنْ اسْتُشْهِدَ يومَ أُحُدٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ مَا وَعَدَه اللَّهُ تَعَالَى مِن نَصْرِه، أَو الشَّهَادَةِ، عَلَى مَا مَضَى عَلَيْهِ أَصْحابُه
؛ وَقِيلَ: فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نحْبه أَي قَضى نَذْره، كأَنه أَلْزَم نَفْسَه أَن يموتَ، فوَفَّى بِهِ. وَيُقَالُ: تَناحَبَ القومُ إِذا تَوَاعَدُوا لِلْقِتَالِ أَيَّ وقتٍ، وَفِي غَيْرِ الْقِتَالِ أَيضاً. وَفِي الْحَدِيثِ:
طَلْحةُ مِمَّنْ قَضى نَحْبَه
؛ النَّحْبُ: النَّذْرُ، كأَنه أَلزم نَفْسَهُ أَن يَصْدُقَ الأَعْداءَ فِي الحرْب، فوفَّى بِهِ وَلَمْ يَفْسَخْ؛ وَقِيلَ: هُوَ مِنَ النَّحْبِ الْمَوْتِ، كأَنه يُلْزِمُ نَفْسَهُ أَن يُقاتِلَ حَتَّى يموتَ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: النَّحْبُ النَّفْسُ، عَنْ أَبي عُبَيْدَةَ. والنَّحْبُ: السَّيرُ السَّرِيعُ، مِثْلَ النَّعْبِ. وسَيرٌ مُنَحِّبٌ: سَرِيعٌ، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ. ونَحَّبَ القومُ تَنْحِيباً: جَدُّوا فِي عَمَلهم؛ قَالَ طُفَيْلٌ:
يَزُرْنَ أَلالًا، مَا يُنَحِّبْنَ غَيرَه، ... بكُلِّ مُلَبٍّ أَشْعَثِ الرَّأْسِ مُحْرِمِ
وسارَ فلانٌ عَلَى نَحْبٍ إِذا سَارَ فأَجْهَدَ السَّيرَ، كَأَنه خاطَرَ عَلَى شَيْءٍ، فَجَدَّ؛ قَالَ الشاعر:
__________
(3) . قوله [والفعل كالفعل] أي فعل النحب بمعنى المراهنة كفعل النحب بمعنى الخطر والنذر وفعلهما كنصر وقوله والنحب الهمة إلخ. هذه الأَربعة من باب ضرب كما في القاموس.(1/750)
ورَدَ القَطا مِنْهَا بخَمْسٍ نَحْبِ
أَي دَأَبَتْ. والتَّنْحِيبُ: شِدَّةُ القَرَبِ للماءِ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
ورُبَّ مَفازةٍ قَذَفٍ جَمُوحٍ، ... تَغُولُ مُنَحِّبَ القَرَبِ اغْتِيالا
والقَذَفُ: البرِّيَّةُ الَّتِي تَقاذَفُ بِسَالِكِهَا. وتَغول: تُهْلِكُ. وسِرْنا إِليها ثلاثَ ليالٍ مُنَحِّباتٍ أَي دائباتٍ. ونحَّبْنا سَيْرَنا: دَأَبناهُ؛ وَيُقَالُ: سارَ سَيْرًا مُنَحِّباً أَي قَاصِدًا لَا يُريد غيرَه، كأَنه جَعَلَ ذَلِكَ نَذراً عَلَى نَفْسِهِ لَا يُرِيدُ غَيْرَهُ؛ قَالَ الكُمَيْت:
يَخِدْنَ بِنَا عَرْضَ الفَلاةِ وطولَها، ... كَمَا صارَ عَنْ يُمْنى يَدَيه المُنَحِّبُ
المُنَحِّبُ: الرجلُ؛ قَالَ الأَزهري: يَقُولُ إِن لَمْ أَبْلُغْ مَكانَ كَذَا وَكَذَا، فَلَكَ يَمِيني. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ فِي هَذَا الْبَيْتِ: أَنشده ثَعْلَبٌ وَفَسَّرَهُ، فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ حَلَف إِن لَمْ أَغْلِبْ قَطَعْتُ يَدِي، كأَنه ذهَبَ بِهِ إِلى مَعْنَى النَّذْرِ؛ قَالَ: وَعِنْدِي أَنّ هَذَا الرَّجُلَ جَرَتْ لَهُ الطَّيرُ مَيامينَ، فأَخَذ ذَاتَ اليمينِ عِلْماً مِنْهُ أَن الخَيرَ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ. قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يريدَ كَمَا صارَ بيُمْنى يَدَيه أَي يَضْرِبُ يُمْنى يَدَيْه بالسَّوْط لِلنَّاقَةِ؛ التَّهْذِيبُ، وَقَالَ لَبِيدٌ:
أَلا تَسْأَلانِ المَرْءَ مَاذَا يحاوِلُ: ... أَنَحْبٌ فيُقْضَى أَمْ ضلالٌ وباطِلُ
يَقُولُ: عَلَيْهِ نَذْرٌ فِي طُول سَعْيه. ونَحَبَه السَّيرُ: أَجْهَدَه. وناحَبَ الرجلَ: حاكمَه وفاخَرَه. وناحَبْتُ الرجلَ إِلى فلانٍ، مثلُ حاكمْتُه. وَفِي حَدِيثِ
طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنه قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: هَلْ لكَ أَن أُناحِبَكَ وتَرْفَعَ النبيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ، قَالَ الأَصمعي: ناحَبْتُ الرَّجلَ إِذا حاكمْتَه أَو قاضيتَه إِلى رَجُلٍ. قَالَ، وَقَالَ غَيْرُهُ: ناحَبْتُه، ونافَرْتُه مثلُه. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أَراد طلحةُ هَذَا الْمَعْنَى، كأَنه قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: أُنافِرك أَي أُفاخِرك وأُحاكمُكَ، فَتَعُدُّ فَضائِلَكَ وحَسَبَكَ، وأَعُدُّ فَضائلي؛ وَلَا تَذْكُرْ فِي فَضَائِلِكَ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقُرْبَ قَرَابَتِكَ مِنْهُ، فإِن هَذَا الفضلَ مُسَلَّم لَكَ، فارْفَعْه مِنَ الرأْس، وأُنافرُكَ بِمَا سِوَاهُ؛ يَعْنِي أَنه لَا يَقْصُرُ عَنْهُ، فِيمَا عَدَا ذَلِكَ مِنَ المَفاخر. والنُّحْبةُ: القُرْعة، وَهُوَ مِن ذَلِكَ لأَنها كَالْحَاكِمَةِ فِي الاسْتِهامِ. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
لَوْ عَلِم النَّاسُ مَا فِي الصفِّ الأَوَّل، لاقْتَتَلوا عَلَيْهِ، وَمَا تَقَدَّموا إِلَّا بِنُحْبَةٍ
أَي بقُرْعةٍ. والمُناحَبَةُ: المُخاطَرَة والمراهَنة. وَفِي حَدِيثِ
أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي مُناحَبَةِ: الم غُلِبَتِ الرُّومُ
؛ أَي مُراهَنَتِه لقُرَيْشٍ، بَيْنَ الرُّومِ والفُرْس. وَمِنْهُ حَدِيثُ الأَذان «1» :
اسْتَهَموا عَلَيْهِ.
قَالَ: وأَصله مِنَ المُناحبَة، وَهِيَ المُحاكمة. قَالَ: وَيُقَالُ للقِمار: النَّحْب، لأَنه كالمُساهَمَة. التَّهْذِيبُ، أَبو سَعِيدٍ: التَّنْحِيبُ الإِكْبابُ عَلَى الشيءِ لَا يُفَارِقُهُ، وَيُقَالُ: نَحَّبَ فُلان عَلَى أَمْره. قَالَ: وَقَالَ أَعرابي أَصابته شَوكةٌ، فَنَحَّبَ عَلَيْهَا يَسْتَخْرِجُها أَي أَكَبَّ عَلَيْهَا؛ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي كُلِّ شيءٍ، وَهُوَ مُنَحِّبٌ فِي كَذَا، وَاللَّهُ أَعلم.
نخب: انْتَخَبَ الشيءَ: اختارَه. والنُّخْبَةُ: مَا اخْتَارَهُ، مِنْهُ. ونُخْبةُ القَوم ونُخَبَتُهم:
__________
(1) . قوله [وَمِنْهُ حَدِيثُ الأَذان اسْتَهَمُوا عليه إلخ] كذا بالأَصل ولا شاهد فيه إلا أن يكون سقط منه محل الشاهد فحرره ولم يذكر في النهاية، ولا في التهذيب ولا في المحكم ولا في غيرها مما بأيدينا من كتب اللغة.(1/751)
خِيارُهم. قَالَ الأَصمعي: يُقَالُ هُمْ نُخَبة الْقَوْمِ، بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الخاءِ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُ: يُقَالُ نُخْبة، بإِسكان الخاءِ، وَاللُّغَةُ الْجَيِّدَةُ مَا اخْتَارَهُ الأَصمعي. وَيُقَالُ: جاءَ فِي نُخَبِ أَصحابه أَي فِي خِيَارِهِمْ. ونَخَبْتُه أَنْخُبه إِذا نَزَعْتَه. والنَّخْبُ: النَّزْعُ. والانْتِخابُ: الانتِزاع. والانتخابُ: الاختيارُ والانتقاءُ؛ وَمِنْهُ النُّخَبةُ، وَهُمُ الْجَمَاعَةُ تُخْتارُ مِنَ الرِّجَالِ، فتُنْتَزَعُ مِنْهُمْ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقِيلَ عُمَر: وخَرَجْنا فِي النُّخْبةِ
؛ النُّخْبة، بِالضَّمِّ: المُنْتَخَبُون مِنَ النَّاسِ، المُنْتَقَوْن. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ الأَكْوَع: انْتَخَبَ مِنَ الْقَوْمِ مائةَ رَجُلٍ.
ونُخْبةُ المَتاع: المختارُ يُنْتَزَعُ مِنْهُ. وأَنْخَبَ الرجلُ: جاءَ بِوَلَدٍ جَبان؛ وأَنْخَبَ: جاءَ بِوَلَدٍ شُجَاعٍ، فالأَوَّلُ مِنَ المَنْخُوب، وَالثَّانِي مِنَ النُّخْبة. اللَّيْثُ: يُقَالُ انْتَخَبْتُ أَفْضَلَهم نُخْبَةً، وانْتَخَبْتُ نُخْبَتَهُمْ. والنَّخْبُ: الجُبْنُ وضَعْفُ الْقَلْبِ. رجل نَخْبٌ، ونَخْبةٌ، ونَخِبٌ، ومُنْتَخَبٌ، ومَنْخُوبٌ، ونِخَبٌّ، ويَنْخُوبٌ، ونَخِيبٌ، وَالْجَمْعُ نُخَبٌ: جَبَانٌ كأَنه مُنْتَزَعُ الفُؤَادِ أَي لَا فُؤَادَ لَهُ؛ وَمِنْهُ نَخَبَ الصَّقْرُ الصيدَ إِذا انْتَزَعَ قَلْبَه. وَفِي حَدِيثِ
أَبي الدَّرْداءِ: بِئْسَ العَوْنُ عَلَى الدِّين قَلْبٌ نَخِيبٌ، وبَطْنٌ رَغِيبٌ
؛ النَّخِيبُ: الجبانُ الَّذِي لَا فُؤَادَ لَهُ، وَقِيلَ: هُوَ الفاسدُ الفِعْل؛ والمَنْخُوبُ: الذاهبُ اللَّحْم المَهْزولُ؛ وَقَوْلُ أَبي خِراشٍ:
بَعَثْتُه فِي سَوادِ اللَّيْل يَرْقُبُني، ... إِذْ آثَرَ، الدِّفْءَ والنَّوْمَ، المناخيبُ
قِيلَ: أَراد الضِّعافَ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِينَ لَا خَيْرَ عِنْدَهُمْ، واحدُهم مِنْخابٌ؛ ورُوي المَناجِيبُ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. وَيُقَالُ للمَنْخوب: النِّخَبُّ، النُّونُ مَكْسُورَةٌ، وَالْخَاءُ مَنْصُوبَةٌ، وَالْبَاءُ شَدِيدَةٌ، وَالْجَمْعُ المَنْخُوبُونَ. قَالَ: وَقَدْ يُقَالُ فِي الشَّعَرِ عَلَى مَفاعِلَ: مَناخبُ. قَالَ أَبو بَكْرٍ: يُقَالُ للجَبانِ نُخْبَةٌ، وللجُبَناءِ نُخَباتٌ؛ قَالَ جَرِيرٌ يَهْجُو الْفَرَزْدَقَ:
أَلم أَخْصِ الفَرَزْدَقَ، قَدْ عَلِمْتُمْ، ... فأَمْسَى لَا يَكِشُّ مَعَ القُرُوم؟
لَهُمْ مَرٌّ، وللنُّخَباتِ مَرٌّ، ... فقَدْ رَجَعُوا بِغَيْرِ شَظًى سَلِيم
وكَلَّمْتُه فَنَخَبَ عَلَيَّ إِذا كَلَّ عَنْ جَوابك. الْجَوْهَرِيُّ: والنَّخْبُ البِضاع؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: النَّخْبُ: ضَرْبٌ مِنَ المُباضَعةِ، قَالَ: وعَمَّ بِهِ بعضُهم. نَخَبَها الناخِبُ يَنْخُبها ويَنْخَبُها نَخْباً، واسْتَنْخَبَتْ هِيَ: طَلَبَتْ أَن تُنْخَبَ؛ قَالَ:
إِذا العَجُوزُ اسْتَنْخَبَتْ فانْخُبْها، ... وَلَا تُرَجِّيها، وَلَا تَهَبْها
والنَّخْبةُ: خَوْقُ الثَّفْر، والنَّخْبَةُ: الاسْتُ؛ قَالَ:
واخْتَلَّ حَدُّ الرُّمْح نَخْبةَ عامِرٍ، ... فَنَجا بِهَا، وأَقَصَّها القَتْلُ
وَقَالَ جَرِيرٌ:
وهَلْ أَنْتَ إِلّا نَخْبةٌ مِنْ مُجاشِعٍ؟ ... تُرى لِحْيَةً مِنْ غَيْرِ دِينٍ، وَلَا عَقْل
وَقَالَ الرَّاجِزُ:
إِنَّ أَباكِ كانَ عَبْداً جازِرا، ... ويَأْكُلُ النَّخْبَةَ والمَشافِرا «1»
__________
(1) . قوله [وَقَالَ الرَّاجِزُ إِنَّ أَبَاكِ إلخ] عبارة التكملة وقالت امرأة لضرتها إن أباك إلخ وفيها أيضاً النخبة، بالضم، الشربة العظيمة.(1/752)
واليَنْخُوبةُ: أَيضاً الاسْتُ «1» ؛ قَالَ جَرِيرٌ:
إِذا طَرَقَتْ يَنْخُوبةٌ مِنْ مُجاشعٍ
والمَنْخَبةُ: اسْمُ أُمّ سُوَيْدٍ «2» . والنِّخابُ: جِلْدَةُ الفُؤَاد؛ قَالَ:
وأُمُّكُمْ سارِقَةُ الحِجابِ، ... آكِلَةُ الخُصْيَيْنِ والنِّخاب
وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا أَصابَ المؤْمنَ مِنْ مَكْرُوهٍ، فَهُوَ كَفَّارة لِخَطَايَاهُ، حَتَّى نُخْبةِ النَّملةِ
؛ النُّخْبةُ: العَضَّةُ والقَرْصة. يُقَالُ نَخَبَتِ النملةُ تَنْخُبُ إِذا عَضَّتْ. والنَّخْبُ: خَرْقُ الجِلْدِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
أُبَيّ: لَا تُصِيبُ المؤمنَ مُصيبةٌ ذَعْرَةٌ، وَلَا عَثْرَةُ قَدَمٍ، وَلَا اخْتِلاجُ عِرْقٍ، وَلَا نُخْبَةُ نَمْلَةٍ، إِلا بذَنبٍ، وما يَعْفُو اللهُ أَكثرُ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ مَرْفُوعًا، وَرَوَاهُ بالخاءِ وَالْجِيمِ؛ قَالَ: وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ أَبو مُوسَى بِهِمَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَفِي حَدِيثِ
الزُّبَيْرِ: أَقْبَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ لِيَّةَ، فاستقبلَ نَخِباً ببصره
؛ هو اسْمُ مَوْضِعٍ هُنَاكَ. ونَخِبٌ: وادٍ بأَرض هُذَيْل؛ قَالَ أَبو ذؤَيب «3» :
لَعَمْرُك، مَا خَنْساءُ تَنْسَأُ شادِناً، ... يَعِنُّ لَهَا بالجِزْع مِنْ نَخِبِ النَّجلِ
أَراد: مِنْ نَجْلِ نَخِبٍ، فقَلَبَ؛ لأَنَّ النَّجْلَ الَّذِي هُوَ الْمَاءُ فِي بُطون الأَوْدية جِنْسٌ، وَمِنَ المُحال أَن تُضافَ الأَعْلامُ إِلى الأَجْناس، وَاللَّهُ أَعلم.
نخرب: النَّخارِبُ: خُرُوقٌ كبُيوتِ الزَّنَابِيرِ، واحدُها نُخْرُوبٌ. والنَّخاريبُ أَيضاً: الثُّقَبُ الَّتِي فِيهَا الزَّنَابِيرُ؛ وَقِيلَ: هِيَ الثُّقَبُ المُهَيَّأَةُ مِنَ الشَّمَعِ، وَهِيَ الَّتِي تَمُجُّ النَّحْلُ العسلَ فِيهَا؛ تَقُولُ: إِنه لأَضْيَقُ مِنَ النُّخْرُوبِ؛ وَكَذَلِكَ الثَّقْبُ فِي كُلِّ شيءٍ نُخْروبٌ. ونَخْرَبَ القادِحُ الشجرةَ: ثَقَبها؛ وَجَعَلَهُ ابْنُ جِنِّي ثُلَاثِيًّا مِنَ الخَرابِ. والنُّخْرُوبُ: وَاحِدُ النَّخاريبِ، وَهِيَ شُقُوقُ الحجَرِ. وشَجَرَةٌ مُنَخْربَة إِذا بَلِيَتْ وصارت فيها نَخاريبُ.
ندب: النَّدَبَةُ: أَثَرُ الجُرْح إِذا لَمْ يَرْتَفِعْ عَنِ الْجِلْدِ، وَالْجَمْعُ نَدَبٌ، وأَنْدابٌ ونُدُوبٌ: كِلَاهُمَا جَمْعُ الْجَمْعِ؛ وَقِيلَ: النَّدَبُ وَاحِدٌ، وَالْجَمْعُ أَنْدابٌ ونُدُوبٌ، وَمِنْهُ
قَوْلُ عُمَرَ، رَضِيَ الله عنه: إِياكم ورَضاعَ السَّوْءِ، فإِنه لَا بُدَّ مِنْ أَن يَنْتَدِبَ
أَي يَظْهَرَ يَوْمًا مَا؛ وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:
ومُكَبَّلٍ، تَرَك الحَديدُ بساقِه ... نَدَباً مِنَ الرَّسَفانِ فِي الأَحجالِ
وَفِي حَدِيثِ
مُوسَى، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: وإِنَّ بالحَجَر نَدَباً سِتَّةً أَو سَبْعَةً مِن ضَرْبِهِ إِياه
؛ فَشَبَّه أَثر الضَّرْبِ فِي الحَجر بأَثر الجَرْح. وَفِي حَدِيثِ
مُجاهد: أَنه قرأَ سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ؛ فَقَالَ: لَيْسَ بالنَّدَب، وَلَكِنَّهُ صُفْرَةُ الوَجْهِ والخُشُوعُ
؛ وَاسْتَعَارَهُ بعضُ الشُّعَرَاءِ للعِرْضِ، فَقَالَ:
نُبِّئْتُ قَافِيَةً قِيلَتْ، تَناشَدَها ... قومٌ سأَتْرُكُ، فِي أَعْراضِهِم، نَدَبا
أَي أَجْرَحُ أَعْراضَهم بالهجاءِ، فيُغادِرُ فِيهَا ذَلِكَ الجَرْحُ نَدَباً.
__________
(1) . قوله [والينخوبة أيضاً الاست] وبغير هاء مَوْضِعٍ؛ قَالَ الأَعشى:
يَا رَخَمًا قاظ على ينخوب
(2) . قوله [وَالْمَنْخَبَةُ اسْمُ أُمِّ سُوَيْدٍ] هي كنية الاست.
(3) . قوله [قال أبو ذؤيب] أي يصف ظبية وولدها، كما في ياقوت ورواه لعمرك ما عيساء بعين مهملة فمثناة تحتية.(1/753)
ونَدِبَ جُرْحُه نَدَباً، وأَنْدَبَ: صَلُبَتْ نَدَبَتُه. وجُرْحٌ نَديبٌ: مَنْدُوبٌ. وجُرْحٌ نَديبٌ أَي ذُو ندَبٍ؛ وَقَالَ ابْنُ أُم حَزْنَةَ يَصِفُ طَعْنة:
فإِن قَتَلَتْه، فلَم آلهُ، ... وإِنْ يَنْجُ مِنْهَا، فَجُرْحٌ نَديبْ
ونَدِبَ ظَهْرُه نَدَباً ونُدوبةً، فَهُوَ نَدِبٌ: صَارَتْ فِيهِ نُدُوبٌ. وأَنْدَبَ بظَهْره وَفِي ظَهْره: غادرَ فِيهِ نُدوباً. ونَدَبَ الميتَ أَي بَكَى عَلَيْهِ، وعَدَّدَ مَحاسِنَه، يَنْدُبه نَدْباً؛ وَالِاسْمُ النُّدْبةُ، بِالضَّمِّ. ابْنُ سِيدَهْ: ونَدَبَ الْمَيِّتَ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ غَيْرِ أَن يُقَيِّد بِبُكَاءٍ، وَهُوَ مِنَ النَّدَب لِلْجِرَاحِ، لأَنه احْتِراقٌ ولَذْعٌ مِنَ الحُزْن. والنَّدْبُ: أَن تَدْعُوَ النادِبةُ الميتَ بحُسْنِ الثناءِ في قولها: وا فُلاناهْ وا هَناه وَاسْمُ ذَلِكَ الْفِعْلِ: النُّدْبةُ، وَهُوَ مِنْ أَبواب النَّحْوِ؛ كلُّ شيءٍ فِي نِدائه وَا فَهُوَ مِنْ بَابِ النُّدْبة. وَفِي الْحَدِيثِ:
كلُّ نادِبةٍ كاذِبةٌ، إِلَّا نادِبةَ سَعْدٍ
؛ هُوَ مِنْ ذَلِكَ، وأَن تَذْكُرَ النائحةُ الميتَ بأَحسن أَوصافه وأَفعاله. وَرَجُلٌ نَدْبٌ: خَفِيفٌ فِي الْحَاجَةِ، سريعٌ، ظَريف، نَجِيبٌ؛ وَكَذَلِكَ الْفَرَسُ، وَالْجَمْعُ نُدوبٌ ونُدَباءُ، تَوَهَّمُوا فِيهِ فَعِيلًا، فكسَّروه عَلَى فُعَلاء، وَنَظِيرُهُ سَمْحٌ وسُمَحاء؛ وَقَدْ نَدُبَ نَدابةً، وَفَرَسٌ نَدْبٌ. اللَّيْثُ: النَّدْبُ الفرسُ الْمَاضِي، نَقِيضُ البَليدِ. والنَّدْبُ: أَن يَنْدُبَ إِنسانٌ قَوْمًا إِلى أَمر، أَو حَرْبٍ، أَو مَعُونةٍ أَي يَدْعُوهم إِليه، فيَنْتَدِبُون لَهُ أَي يُجِيبونَ ويُسارِعُون. ونَدَبَ القومَ إِلى الأَمْر يَنْدُبهم نَدْباً. دَعَاهُمْ وحَثَّهم. وانْتَدَبُوا إِليه: أَسْرَعُوا؛ وانْتَدَبَ القومُ مِنْ ذَوَاتِ أَنفسهم أَيضاً، دُونَ أَن يُنْدَبُوا لَهُ. الْجَوْهَرِيُّ: ندَبَه للأَمْر فانْتَدَبَ لَهُ أَي دَعاه لَهُ فأَجاب. وَفِي الْحَدِيثِ:
انْتَدَبَ اللهُ لِمَنْ يَخْرُجُ فِي سَبِيلِهِ
أَي أَجابه إِلى غُفْرانه. يُقَالُ: نَدَبْتُه فانْتَدَبَ أَي بَعَثْتُه ودَعَوْتُه فأَجاب. وَتَقُولُ: رَمَيْنا نَدَباً أَي رَشْقاً؛ وارْتَمَى نَدَباً أَو نَدَبَيْنِ أَي وَجْهاً أَو وَجْهَيْنِ. ونَدَبُنا يومُ كَذَا أَي يومُ انْتِدابِنا للرَّمْي. وتكلَّم فانْتَدَبَ لَهُ فلانٌ أَي عارَضَه. والنَّدَبُ: الخَطَرُ. وأَنْدَبَ نَفْسَه وَبِنَفْسِهِ: خاطَر بِهِمَا؛ قَالَ عُرْوة بنُ الوَرْد:
أَيَهْلِكُ مُعْتَمٌّ وزَيْدٌ، وَلَمْ أَقُمْ ... عَلَى نَدَبٍ، يَوْمًا، وَلِي نَفْسُ مُخْطِر
مُعْتَمٌّ وزيدٌ: بَطْنانِ مِنْ بُطُونِ الْعَرَبِ، وَهُمَا جَدَّاه «1» . وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: السَّبَقُ، والخَطَرُ، والنَّدَبُ، والقَرَعُ، والوَجْبُ: كُلُّه الَّذِي يُوضَعُ فِي النِّضال والرِّهانِ، فَمَنْ سَبَقَ أَخذه؛ يُقَالُ فِيهِ كُلِّه: فَعَّلَ مُشَدَّداً إِذا أَخذه. أَبو عَمْرٍو: خُذْ مَا اسْتَبَضَّ، واسْتَضَبَّ، وانْتَدَمَ، وانْتَدَبَ، ودَمَع، ودَمَغ، وأَوْهَفَ، وأَزْهَفَ، وتَسَنَّى، وفَصَّ وإِن كَانَ يَسِيرًا. والنَّدَبُ: قَبِيلَةٌ. ونَدْبةُ، بِالْفَتْحِ: اسْمُ أُم خُفافِ بْنُ نَدْبةَ السُّلَمِيّ، وَكَانَتْ سَوْداءَ حَبَشِيَّةً. ومَنْدُوبٌ: فَرَسُ أَبي طَلْحَةَ زَيْدِ بْنِ سَهْل، رَكِبَه سيدُنا رسولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ فِيهِ:
إِنْ وجَدْناه لَبَحْراً.
وَفِي الْحَدِيثِ:
كَانَ لَهُ فَرَسٌ يُقَالُ لَهُ المَنْدُوبُ
أَي الْمَطْلُوبُ، وهو من النَّدَبِ،
__________
(1) . قوله [وهما جداه] مثله في الصحاح وقال الصاغاني هو غلط وذلك أن زيداً جدّه ومعتم ليس من أجداده وساق نسبهما.(1/754)
وَهُوَ الرَّهْنُ الَّذِي يُجْعَل فِي السِّباقِ؛ وَقِيلَ سُمِّيَ بِهِ لِنَدَبٍ كَانَ فِي جِسْمه، وَهِيَ أَثَرُ الجُرْح.
نرب: النَّيْرَبُ: الشَّرُّ وَالنَّمِيمَةُ؛ قَالَ الشاعرُ عَدِيُّ بْنُ خُزاعِيٍّ:
ولَسْتُ بِذِي نَيْرَبٍ فِي الصَّديقِ، ... ومَنَّاعَ خَيْرٍ، وسَبَّابَها
وَالْهَاءُ لِلْعَشِيرَةِ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ وَصَوَابُ إِنشاده:
ولستُ بِذِي نَيْرَبٍ فِي الكَلامِ، ... ومَنَّاعَ قَوْمِي، وسَبَّابَها
وَلَا مَنْ إِذا كانَ فِي مَعْشَرٍ، ... أَضاعَ العَشِيرةَ، واغْتابَها
ولكِنْ أُطاوِعُ ساداتِها، ... وَلَا أُعْلِمُ الناسَ أَلْقابَها
ونَيْرَبَ الرجلُ: سَعَى ونَمَّ. ونَيْرَبَ الكلامَ: خَلَطه. ونَيْرَبَ، فَهُوَ يُنَيْرِبُ: وَهُوَ خَلْطُ القَوْل، كَمَا تُنَيْربُ الريحُ الترابَ عَلَى الأَرض فَتَنْسُجُه؛ وأَنشد:
إِذا النَّيْرَبُ الثَّرثارُ قَالَ فأَهْجَرا
وَلَا تُطْرَح الْيَاءُ مِنْهُ، لأَنها جُعِلَتْ فَصْلًا بَيْنَ الراءِ وَالنُّونِ. والنَّيْرَبُ: الرجلُ الجَلِيدُ. ورجلٌ نَيْرَبٌ وَذُو نَيْرَب أَي ذُو شَرٍّ وَنَمِيمَةٍ، ومَرَةٌ نَيرَبةٌ. أَبو عَمْرٍو: المَيربةُ النَّميمة.
نزب: النَّزيبُ: صوتُ تَيْسِ الظباءِ عِنْدَ السِّفاد. ونَزَبَ الظَّبْيُ يَنْزِبُ، بِالْكَسْرِ، فِي الْمُسْتَقْبَلِ، نَزْباً ونَزيباً ونُزاباً إِذا صَوَّت، وَهُوَ صوتُ الذَّكَرِ مِنْهَا خَاصَّةً. والنَّيْزَبُ: ذَكَرُ الظباءِ والبَقَر عَنِ الهَجَرِيّ؛ وأَنشد:
وظَبْيةٍ للوَحْشِ كالمُغاضِبِ، ... فِي دَوْلَجٍ ناءٍ عَنِ النَّيازِبِ
والنَّزَبُ: اللَّقَبُ، مثل النَّبَزِ.
نسب: النَّسَبُ: نَسَبُ القَراباتِ، وَهُوَ واحدُ الأَنْسابِ. ابْنُ سِيدَهْ: النِّسْبةُ والنُّسْبَةُ والنَّسَبُ: القَرابةُ؛ وَقِيلَ: هُوَ فِي الْآبَاءِ خاصَّةً؛ وَقِيلَ: النِّسْبَةُ مصدرُ الانْتِسابِ؛ والنُّسْبَةُ: الاسمُ. التَّهْذِيبُ: النَّسَبُ يَكُونُ بالآباءِ، ويكونُ إِلى الْبِلَادِ، وَيَكُونُ فِي الصِّناعة، وَقَدِ اضْطُرَّ الشَّاعِرُ فأَسكن السِّينَ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
يَا عَمْرُو، يَا ابنَ الأَكْرَمِينَ نَسْبا، ... قَدْ نَحَبَ المَجْدُ عَلَيْكَ نَحْبا
النَّحْبُ هُنَا: النَّذْرُ، والمُراهَنة، والمُخاطَرة أَي لَا يُزايلُك، فَهُوَ لَا يَقْضِي ذَلِكَ النَّذْرَ أَبداً؛ وَجَمْعُ النَّسَب أَنْسابٌ. وانْتَسَبَ واسْتَنْسَبَ: ذَكَرَ نَسَبه. أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا سُئِلَ عَنْ نَسَبه: اسْتَنْسِبْ لَنَا أَي انْتَسِبْ لَنَا حَتَّى نَعْرفَك. ونَسَبَه يَنْسُبُه ويَنْسِبُهُ «2» نَسَباً: عَزاه. ونَسَبه: سَأَله أَن يَنْتَسِبَ. ونَسَبْتُ فُلاناً إِلى أَبيه أَنْسُبه وأَنْسِبُهُ نَسْباً إِذا رَفَعْتَ فِي نَسَبه إِلى جَدِّه الأَكبر. الْجَوْهَرِيُّ: نَسَبْتُ الرجلَ أَنْسبُه، بِالضَّمِّ، نِسْبةً ونَسْباً إِذا ذَكَرْتَ نَسَبه، وانْتَسَبَ إِلى أَبيه أَي اعْتَزَى. وَفِي الْخَبَرِ:
أَنَّها نَسَبَتْنا، فانْتَسَبْنا لها
،
__________
(2) . قوله [ونسبه ينسبه] بضم عين المضارع وكسرها والمصدر النسب والنسب كالضرب والطلب كما يستفاد الأَوّل من الصحاح والمختار والثاني من المصباح واقتصر عليه المجد ولعله أهمل الأَول لشهرته واتكالًا على القياس، هذا في نسب القرابات وأما في نسيب الشعر فسيأتي أن مصدره النسب محركة والنسيب.(1/755)
رَوَاهُ ابْنُ الأَعرابي: وناسَبَه: شَرِكَه فِي نَسَبِه. والنَّسِيبُ: المُناسِبُ، وَالْجَمْعُ نُسَباءُ وأَنْسِباءُ؛ وفلانٌ يناسِبُ فُلَانًا، فَهُوَ نَسِيبه أَي قَريبه. وتَنَسَّبَ أَي ادَّعَى أَنه نَسِيبُكَ. وَفِي الْمَثَلِ: القَريبُ مَن تَقَرَّبَ، لَا مَنْ تَنَسَّبَ. وَرَجُلٌ نَسِيبٌ مَنْسُوب: ذُو حَسَبٍ ونَسَبٍ. وَيُقَالُ: فلانٌ نَسِيبي، وَهُمْ أَنْسِبائي. والنَّسَّابُ: الْعَالِمُ بالنَّسَب، وَجَمْعُهُ نَسَّابونَ؛ وَهُوَ النَّسَّابةُ؛ أَدخَلوا الهاءَ لِلْمُبَالَغَةِ وَالْمَدْحِ، وَلَمْ تُلْحَقْ لتأْنيثِ الْمَوْصُوفِ بِمَا هِيَ فِيهِ، وإِنما لَحِقَتْ لإِعْلام السَّامِعِ أَن هَذَا الموصوفَ بِمَا هِيَ فِيهِ قَدْ بَلَغَ الغايةَ وَالنِّهَايَةَ، فجَعَل تأْنيثَ الصِّفَةِ أَمارة لِما أُريد مِنْ تأْنيث الغايةِ والمبالغةِ، وَهَذَا القولُ مُسْتَقْصًى فِي عَلَّامة؛ وَتَقُولُ: عِنْدِي ثلاثةُ نَسَّاباتٍ وعَلَّاماتٍ، تُريد ثلاثةَ رجالٍ، ثُمَّ جئتَ بنَسَّاباتٍ نَعْتاً لَهُمْ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَكَانَ رَجُلًا نَسَّابةً
؛ النَّسَّابةُ: الْبَلِيغُ الْعَالِمُ بالأَنسابِ. وَتَقُولُ: لَيْسَ بَيْنَهُمَا مُناسَبة أَي مُشاكَلةٌ. ونَسَبَ بالنساءِ، يَنْسُبُ، ويَنْسِبُ نَسَباً ونَسِيباً، ومَنْسِبة: شَبَّبَ «1» بِهِنَّ فِي الشعْر وتَغزَّل، وَهَذَا الشِّعْر أَنْسَبُ مِنْ هَذَا أَي أَرَقُّ نَسِيباً، وكأَنهم قَدْ قَالُوا: نَسيبٌ ناسِبٌ، عَلَى الْمُبَالَغَةِ، فبُني هَذَا مِنْهُ. وَقَالَ شَمِرٌ: النَّسِيبُ رَقيقُ الشِّعْر فِي النساءِ؛ وأَنشد:
هَلْ فِي التَّعَلُّلِ مِنْ أَسْماءَ مَن حُوبِ، ... أَم فِي القَريضِ وإِهْداءِ المَناسِيبِ؟
وأَنْسَبَتِ الريحُ: اشْتَدَّتْ، واسْتافَتِ التُّرابَ والحَصى. والنَّيْسَبُ والنَّيْسَبانُ: الطريقُ الْمُسْتَقِيمُ الواضحُ؛ وَقِيلَ: هُوَ الطريقُ المُسْتَدِقُّ، كطَريق النَّمْل والحَيَّةِ، وطريقِ حُمُر الوَحْش إِلى مَواردها؛ وأَنشد الْفَرَّاءُ لدُكَينٍ:
عَيْناً، تَرى الناسَ إِليه نَيْسَبا، ... مِنْ صادرٍ أَو وارِدٍ، أَيْدي سَبَا
قَالَ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: نَيْسَم، بِالْمِيمِ، وَهِيَ لُغَةٌ. الْجَوْهَرِيُّ: النَّيْسَبُ الَّذِي تَرَاهُ كالطَّريق مِنَ النَّمْلِ نَفْسِهَا، وَهُوَ فَيْعَلٌ؛ وَقَالَ دُكَيْنُ بنُ رَجاء الفُقَيْميُّ:
عَيْناً تَرَى الناسَ إِليها نَيْسَبا
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ وَالَّذِي فِي رَجزه:
مُلْكاً، تَرَى الناسَ إِليه نَيْسَبا، ... مِنْ داخِلٍ وخارجٍ، أَيْدي سَبَا «2»
وَيُرْوَى مِنْ صَادِرٍ أَو وَارِدٍ. وَقِيلَ: النَّيْسَبُ مَا وُجِدَ مِنْ أَثر الطَّرِيقِ. ابْنُ سِيدَهْ: والنَّيْسَبُ طريقُ النَّمْلِ إِذا جاءَ منها واحدٌ فِي إِثرِ آخَرَ. وَفِي النَّوَادِرِ: نَيْسَبَ فلانٌ بَيْنَ فلانٍ وفلانٍ نَيْسَبةً إِذا أَدْبَرَ وأَقْبَلَ بَيْنَهُمَا بِالنَّمِيمَةِ وَغَيْرِهَا. ونُسَيْبٌ: اسْمُ رَجُلٍ عَنِ ابْنِ الأَعرابي وَحْدَهُ.
نشب: نَشِبَ الشيءُ فِي الشيءِ، بِالْكَسْرِ، نَشَباً ونُشوباً ونُشْبةً: لَمْ يَنْفُذْ؛ وأَنْشَبَه ونَشَبَه؛ قَالَ:
هُمُ أَنْشَبُوا صُمَّ القَنا فِي صُدُورِهِم، ... وبِيضاً تَقِيضُ البَيْضَ مِنْ حيثُ طائرُهْ
__________
(1) . قوله [ومنسبة شبب إلخ] عبارة التكملة المنسب والمنسبة (بكسر السين فيهما بضبطه) النسيب في الشعر. وشعر منسوب فيه نسيب والجمع المناسيب.
(2) . قوله [وقال ابن بري إلخ] وعبارة التكملة والرواية ملكاً إلخ أي أعطه ملكاً.(1/756)
وأَنْشَبَ الْبَازِي مَخالِبَه فِي الأَخيذَة. ونَشِبَ فلانٌ مَنْشَبَ سَوْءٍ إِذا وَقَعَ فِيمَا لَا مَخْلَص مِنْهُ؛ وأَنشد:
وإِذا المَنِيَّةُ أَنْشَبَتْ أَظْفارَها، ... أَلْفَيْتَ كلَّ تَميمةٍ لَا تَنْفَعُ
ونَشَّبَ فِي الشيءِ، كنَشَّمَ؛ حَكَاهُمَا اللِّحْيَانِيُّ، بَعْدَ أَن ضَعَّفَهما. قَالَ ابْنُ الأَعرابي قَالَ الحرث بْنُ بَدْرٍ الغُدانيُّ: كنتُ مَرَّةً نُشْبَةً، وأَنا الْيَوْمَ عُقْبَةٌ أَي كنتُ مَرَّةً إِذا نَشِبْتُ أَي عَلِقْتُ بإِنسان لَقِيَ مِنِّي شَرًّا، فَقَدْ أَعْقَبْتُ اليومَ، ورَجَعْتُ. والمِنْشَبُ، والجمعُ المَناشِبُ: بُسْرُ الخَشْوِ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: المِنْشَبُ الخَشْوُ؛ يُقَالُ: أَتَوْنا بخَشْوٍ مِنْشَبٍ يأْخُذُ بالحَلْق. اللَّيْثُ: نَشِبَ الشيءُ فِي الشيءِ نَشَباً، كَمَا يَنْشَبُ الصَّيْدُ فِي الحِبالة. الْجَوْهَرِيُّ: نَشِبَ الشيءُ فِي الشيءِ، بِالْكَسْرِ، نُشوباً أَي عَلِقَ فِيهِ؛ وأَنْشَبْتُه أَنا فِيهِ أَي أَعْلَقْتُه، فانْتَشَب؛ وأَنْشَبَ الصائدُ: أَعْلَقَ. وَيُقَالُ: نَشِبَت الحربُ بَيْنَهُمْ؛ وَقَدْ ناشَبه الحرْبَ أَي نابَذَه. وَفِي حَدِيثِ
الْعَبَّاسِ، يَوْمَ حُنَيْنٍ: حَتَّى تَناشَبُوا حَولَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
، أَي تَضامُّوا، ونَشِبَ بعضُهم فِي بَعْضٍ أَي دَخَلَ وتَعَلَّقَ. يُقَالُ: نَشِبَ فِي الشيءِ إِذا وَقَعَ فِيمَا لَا مَخْلَص لَهُ مِنْهُ. وَلَمْ يَنْشَبْ أَنْ فَعَل كَذَا أَي لَمْ يَلْبَثْ؛ وحقيقتُه لَمْ يَتَعَلَّقْ بشيءٍ غَيْرِهِ، وَلَا اشْتَغَلَ بِسِوَاهُ. وَفِي حَدِيثِ
عائشةَ وزينبَ: لَمْ أَنْشَبْ أَن أَثْخَنْتُ عَلَيْهَا.
وَفِي حَدِيثِ
الأَحْنَفِ: أَنَّ الناسَ نَشِبُوا فِي قَتْلِ عُثْمَانَ
أَي عَلِقُوا. يُقَالُ: نَشِبَتِ الحرْبُ بَيْنَهُمْ نُشُوباً: اشْتَبَكَتْ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن رَجُلًا قَالَ لشُرَيح: اشتريتُ سِمْسِماً، فنَشِبَ فِيهِ رجلٌ
، يَعْنِي اشْتَرَاهُ؛ فَقَالَ شُرَيْحٌ: هُوَ للأَوَّل؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
وتِلْكَ بَنُو عَدِيٍّ قَدْ تَأَلَّوْا، ... فَيَا عَجَبا لناشبةِ المَحالِ «1»
فَسَّرَهُ فَقَالَ: ناشِبةُ المَحالِ البَكْرَةُ الَّتِي لَا تجْري «2» أَي امْتَنَعُوا مِنَّا، فَلَمْ يُعِينُونا؛ شَبَّهَهُم فِي امتِناعِهِم عَلَيْهِ، بامتِناعِ البَكْرَة مِنَ الجَرْي. والنُّشَّابُ: النَّبْلُ، واحدتُه نُشَّابة. والناشِبُ: ذُو النُّشَّاب، وَمِنْهُ سُمِّيَ الرَّجُلُ ناشِباً. والناشِبةُ: قومٌ يَرْمونَ بالنُّشَّابِ. والنُّشَّابُ: السِّهامُ. وَقَوْمٌ نَشَّابة: يَرْمُونَ بالنُّشَّابِ، كُلُّ ذَلِكَ عَلَى النَّسَب لأَنه لَا فِعْلَ لَهُ، والنَّشَّابُ مُتَّخِذُه. والنُّشَبةُ مِنَ الرِّجَالِ: الَّذِي إِذا نَشِبَ بشيءٍ، لَمْ يَكَدْ يُفارِقُه. والنَّشَبُ والمَنْشَبةُ: المالُ الأَصيلُ مِنَ الناطقِ وَالصَّامِتِ. أَبو عُبَيْدٍ: وَمِنْ أَسماءِ المال عندهم، النَّشَبُ والنَّشَبَةُ؛ يُقَالُ: فلانٌ ذُو نَشَبٍ، وفلانٌ مَا لَهُ نَشَبٌ. والنَّشَبُ: المالُ والعَقارُ. وأَنْشَبَتِ الريحُ: اشْتَدَّتْ وسافتِ الترابَ. وانْتَشَبَ فلانٌ طَعَامًا أَي جَمَعَه، واتَّخذ مِنْهُ نُشَباً. وانْتَشَبَ حَطَباً: جَمَعَه؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
وأَنْفَدَ النملُ بالصَّرائم مَا ... جَمَّعَ، والحاطِبون مَا انتَشَبوا
ونُشْبَةُ: مِنْ أَسماءِ الذِّئْب. ونُشْبة، بِالضَّمِّ: اسْمُ رَجُلٍ، وَهُوَ نُشْبة بنُ غَيْظِ بنِ مُرَّةَ بنِ عَوف بنِ سعدِ بنِ ذِبْيانَ، وَاللَّهُ أَعلم.
__________
(1) . قوله [قد تألوا إلخ] كذا بالأَصل ونقله عنه شارح القاموس والذي في التهذيب قد تولوا.
(2) . قوله [الْبُكْرَةُ الَّتِي لَا تَجْرِي] قال شارح القاموس ومنه يعلم ما في كلام المجد من الإطلاق في محل التقييد.(1/757)
نصب: النَّصَبُ: الإِعْياءُ مِنَ العَناءِ. والفعلُ نَصِبَ الرجلُ، بِالْكَسْرِ، نَصَباً: أَعْيا وتَعِبَ؛ وأَنْصَبه هُوَ، وأَنْصَبَني هَذَا الأَمْرُ. وهَمٌّ ناصِبٌ مُنْصِبٌ: ذُو نَصَبٍ، مِثْلُ تامِرٍ ولابِنٍ، وَهُوَ فاعلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، لأَنه يُنْصَبُ فِيهِ ويُتْعَبُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
فاطمةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، يُنْصِبُني مَا أَنْصَبَها
أَي يُتْعِبُني مَا أَتْعَبَها. والنَّصَبُ: التَّعَبُ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
كِليني لهَمٍّ، يَا أُمَيْمَةَ، ناصِبِ
قَالَ: ناصِب، بِمَعْنَى مَنْصُوب؛ وَقَالَ الأَصمعي: ناصِب ذِي نَصَبٍ، مثلُ لَيْلٌ نائمٌ ذُو نومٍ يُنامُ فِيهِ، وَرَجُلٌ دارِعٌ ذُو دِرْعٍ؛ وَيُقَالُ: نَصَبٌ ناصِبٌ، مِثْلُ مَوْتٌ مائِت، وشعرٌ شَاعِرٌ؛ وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: هَمٌّ ناصبٌ، هُوَ عَلَى النَّسَب. وَحَكَى أَبو عَلِيٍّ فِي التَّذْكرة: نَصَبه الهَمُّ؛ فناصِبٌ إِذاً عَلَى الفِعْل. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: ناصِبٌ فَاعِلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ فِيهِ، لأَنه يُنْصَبُ فِيهِ ويُتْعَبُ، كَقَوْلِهِمْ: لَيْلٌ نائمٌ أَي يُنامُ فِيهِ، وَيَوْمٌ عاصِفٌ أَي تَعْصِفُ فِيهِ الرِّيحِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَدْ قِيلَ غَيْرُ هَذَا الْقَوْلِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ أَن يَكُونَ ناصِبٌ بِمَعْنَى مُنْصِبٍ، مِثْلَ مَكَانٌ باقلٌ بِمَعْنَى مُبْقِل، وَعَلَيْهِ قَوْلُ النَّابِغَةِ؛ وَقَالَ أَبو طَالِبٍ:
أَلا مَنْ لِهَمٍّ، آخِرَ اللَّيْلِ، مُنْصِبِ
قَالَ: فناصِبٌ، عَلَى هَذَا، ومُنْصِب بِمَعْنًى. قَالَ: وأَما قَوْلُهُ ناصِبٌ بِمَعْنَى مَنْصوب أَي مَفْعُولٍ فِيهِ، فَلَيْسَ بشيءٍ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ
؛ قَالَ قَتَادَةُ: فإِذا فرغتَ مِنْ صَلاتِكَ، فانْصَبْ فِي الدُّعاءِ؛ قَالَ الأَزهري: هُوَ مِنْ نَصِبَ يَنْصَبُ نَصَباً إِذا تَعِبَ؛ وَقِيلَ: إِذا فَرَغْتَ مِنَ الْفَرِيضَةِ، فانْصَبْ فِي النَّافِلَةِ. وَيُقَالُ: نَصِبَ الرجلُ، فَهُوَ ناصِبٌ ونَصِبٌ؛ ونَصَبَ لهُمُ الهَمُّ، وأَنْصَبَه الهَمُّ؛ وعَيْشٌ ناصِبٌ: فِيهِ كَدٌّ وجَهْدٌ؛ وَبِهِ فَسَّرَ الأَصمعي قَوْلَ أَبي ذُؤَيْبٍ:
وغَبَرْتُ بَعْدَهُمُ بعيشٍ ناصِبٍ، ... وإِخالُ أَني لاحِقٌ مُسْتَتْبِعُ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فأَما قَوْلُ الأُمَوِيِّ إِن مَعْنَى ناصِبٍ تَرَكَني مُتَنَصِّباً، فَلَيْسَ بشيءٍ؛ وعَيْشٌ ذُو مَنْصَبةٍ كَذَلِكَ. ونَصِبَ الرجلُ: جَدَّ؛ وَرَوَى بيتُ ذِي الرُّمَّةِ:
إِذا مَا رَكْبُها نَصِبُوا
ونَصَبُوا. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو فِي قَوْلِهِ ناصِب: نَصَب نَحْوي أَي جَدَّ. قَالَ اللَّيْثُ: النَّصْبُ نَصْبُ الدَّاءِ؛ يُقَالُ: أَصابه نَصْبٌ مِنَ الدَّاءِ. والنَّصْبُ والنُّصْبُ والنُّصُبُ: الداءُ والبَلاءُ والشرُّ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ
. والنَّصِبُ: المريضُ الوَجِعُ؛ وَقَدْ نَصَبه الْمَرَضُ وأَنْصَبه. والنَّصْبُ: وَضْعُ الشيءِ ورَفْعُه، نَصَبه يَنْصِبُه نَصْباً، ونَصَّبَه فانْتَصَبَ؛ قَالَ:
فباتَ مُنْتَصْباً وَمَا تَكَرْدَسا
أَراد: مُنْتَصِباً، فَلَمَّا رأَى نَصِباً مِنْ مُنْتَصِبٍ، كفَخِذٍ، خَفَّفَهُ تَخْفِيفَ فَخِذٍ، فَقَالَ: مُنْتَصْباً. وتَنَصَّبَ كانْتَصَبَ. والنَّصِيبةُ والنُّصُبُ: كلُّ مَا نُصِبَ، فجُعِلَ عَلَماً. وَقِيلَ: النُّصُب جَمْعُ نَصِيبةٍ، كَسَفِينَةٍ وسُفُن، وَصَحِيفَةٍ وصُحُفٍ. اللَّيْثُ: النُّصُبُ جَمَاعَةُ النَّصِيبة، وَهِيَ عَلَامَةٌ تُنْصَبُ لِلْقَوْمِ.(1/758)
والنَّصْبُ والنُّصُبُ: العَلَم المَنْصُوب. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ:
كأَنهم إِلى نَصْبٍ يُوفِضُونَ؛ قُرِئَ بِهِمَا جَمِيعًا
، وَقِيلَ: النَّصْبُ الْغَايَةُ، والأَول أَصحّ. قَالَ أَبو إِسحاق: مَن قرأَ إِلى نَصْبٍ، فمعناه إِلى عَلَمٍ مَنْصُوبٍ يَسْتَبِقُون إِليه؛ وَمَنْ قرأَ إِلى نُصُبٍ، فَمَعْنَاهُ إِلى أَصنام كَقَوْلِهِ: وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ
، وَنَحْوَ ذَلِكَ قَالَ الْفَرَّاءُ؛ قَالَ: والنَّصْبُ واحدٌ، وَهُوَ مَصْدَرٌ، وَجَمْعُهُ الأَنْصابُ. واليَنْصُوبُ: عَلم يُنْصَبُ فِي الفلاةِ. والنَّصْبُ والنُّصُبُ: كلُّ مَا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْجَمْعُ أَنْصابٌ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: النُّصُبُ جَمْعٌ، وَاحِدُهَا نِصابٌ. قَالَ: وَجَائِزٌ أَن يَكُونَ وَاحِدًا، وَجَمْعُهُ أَنْصاب. الْجَوْهَرِيُّ: النَّصْبُ مَا نُصِبَ فعُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَذَلِكَ النُّصْب، بِالضَّمِّ، وقد يُحَرّكُ مثل عُسْر؛ قَالَ الأَعشى يَمْدَحُ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وذا النُّصُبَ المَنْصُوبَ لا تَنْسُكَنَّهُ ... لعافيةٍ، واللهَ رَبَّكَ فاعبُدا «3»
أَراد: فاعبدنْ، فَوَقَفَ بالأَلف، كَمَا تَقُولُ: رأَيت زَيْدًا؛ وَقَوْلُهُ: وَذَا النُّصُبَ، بِمَعْنَى إِياك وَذَا النُّصُبَ؛ وَهُوَ لِلتَّقْرِيبِ، كَمَا قَالَ لَبِيدٌ:
وَلَقَدْ سَئِمْتُ مِنَ الحَياةِ وطولِها، ... وسُؤَالِ هَذَا الناسِ كَيْفَ لَبيدُ
وَيُرْوَى عَجُزُ بَيْتِ الأَعشى: وَلَا تَعْبُدِ الشيطانَ، واللهَ فاعْبُدا التَّهْذِيبُ، قَالَ الْفَرَّاءُ: كأَنَّ النُّصُبَ الآلهةُ الَّتِي كَانَتْ تُعْبَدُ مِنْ أَحجار. قَالَ الأَزهري: وَقَدْ جَعَلَ الأَعشى النُّصُبَ وَاحِدًا حَيْثُ يَقُولُ:
وذا النُّصُبَ المَنْصُوبَ لا تَنْسُكَنَّه
والنَّصْبُ وَاحِدٌ، وَهُوَ مَصْدَرٌ، وَجَمْعُهُ الأَنْصابُ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
طَوَتْها بِنَا الصُّهْبُ المَهاري، فأَصْبَحَتْ ... تَناصِيبَ، أَمثالَ الرِّماحِ بِهَا، غُبْرا
والتَّناصِيبُ: الأَعْلام، وَهِيَ الأَناصِيبُ، حجارةٌ تُنْصَبُ عَلَى رُؤُوسِ القُورِ، يُسْتَدَلُّ بِهَا؛ وَقَوْلُ الشاعر:
وَجَبَتْ لَهُ أُذُنٌ، يُراقِبُ سَمْعَها ... بَصَرٌ، كناصِبةِ الشُّجاعِ المُرْصَدِ
يُرِيدُ: كَعَيْنِهِ الَّتِي يَنْصِبُها لِلنَّظَرِ. ابْنُ سِيدَهْ: والأَنْصابُ حِجَارَةٌ كَانَتْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ، تُنْصَبُ فيُهَلُّ عَلَيْهَا، ويُذْبَحُ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وأَنْصابُ الْحَرَمِ: حُدوده. والنُّصْبةُ: السَّارِية. والنَّصائِبُ: حِجَارَةٌ تُنْصَبُ حَولَ الحَوض، ويُسَدُّ مَا بَيْنَهَا مِنَ الخَصاص بالمَدَرة الْمَعْجُونَةِ، وَاحِدَتُهَا نَصِيبةٌ؛ وكلُّه مِنْ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ
، وَقَوْلُهُ: وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ
؛ الأَنْصابُ: الأَوثان. وَفِي حَدِيثِ
زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُرْدِفي إِلى نُصُبٍ مِنَ الأَنْصاب، فذَبحنا لَهُ شَاةً، وَجَعَلْنَاهَا فِي سُفْرتِنا، فلَقِيَنا زيدُ بْنُ عَمْرو، فقَدَّمْنا لَهُ السُّفرةَ، فَقَالَ: لَا آكُلُ مِمَّا ذُبحَ لِغَيْرِ اللَّهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ:
أَن زَيْدَ بْنَ عَمْرٍو مَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فَدَعَاهُ إِلى الطَّعَامِ فَقَالَ زيدٌ: إِنَّا لَا نأْكل مِمَّا ذُبحَ عَلَى النُّصُب.
قَالَ ابْنُ الأَثير، قَالَ الحربيُّ: قَوْلُهُ ذَبحنا لَهُ شاةً له وجهان:
__________
(3) . قوله [لعافية] كذا بنسخة من الصحاح الخط وفي نسخ الطبع كنسخ شارح القاموس لعاقبة(1/759)
أَحدهما أَن يَكُونَ زَيْدٌ فَعَلَهُ مِنْ غَيْرِ أَمر النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَلَا رِضاه، إِلَّا أَنه كَانَ مَعَهُ، فنُسِب إِليه، ولأَنَّ زَيْدًا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مِنَ العِصْمة، مَا كَانَ مَعَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَالثَّانِي أَن يَكُونَ ذَبَحَهَا لِزَادِهِ فِي خُرُوجِهِ، فَاتَّفَقَ ذَلِكَ عِنْدَ صَنَمٍ كَانُوا يَذْبَحُونَ عِنْدَهُ، لَا أَنه ذَبَحَهَا لِلصَّنَمِ، هَذَا إِذا جُعِلَ النُّصُب الصَّنم، فأَما إِذا جُعِلَ الْحَجَرَ الَّذِي يُذْبَحُ عِنْدَهُ، فَلَا كَلَامَ فِيهِ، فَظَنَّ زَيْدُ بْنُ عَمْرٍو أَن ذَلِكَ اللَّحْمَ مِمَّا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَذْبَحُهُ لأَنصابها، فَامْتَنَعَ لِذَلِكَ، وَكَانَ زَيْدٌ يُخَالِفُ قُرَيْشًا فِي كَثِيرٍ مِنْ أُمورها، وَلَمْ يَكُنِ الأَمْرُ كَمَا ظَنَّ زَيْدٌ. القُتَيْبيُّ: النُّصُب صَنَم أَو حَجَرٌ، وَكَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَنْصِبُه، تَذْبَحُ عِنْدَهُ فيَحْمَرُّ للدمِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
أَبي ذَرٍّ فِي إِسلامه، قَالَ: فخَررْتُ مَغْشِيّاً عَلَيَّ ثُمَّ ارْتَفَعْتُ كأَني نُصُبٌ أَحمر
؛ يُرِيدُ أَنهم ضَرَبُوه حَتَّى أَدْمَوْه، فَصَارَ كالنُّصُب المُحْمَرِّ بِدَمِ الذَّبَائِحِ. أَبو عُبَيْدٍ: النَّصائِبُ مَا نُصِب حَوْلَ الحَوْضِ مِنَ الأَحْجار؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
هَرَقْناهُ فِي بَادِي النَّشِيئةِ داثرٍ، ... قَديمٍ بعَهْدِ الماءِ، بُقْعٍ نَصائِبُهْ
والهاءُ فِي هَرَقْناه تَعُودُ عَلَى سَجْلٍ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ. الْجَوْهَرِيُّ: والنَّصِيبُ الحَوْضُ. وَقَالَ اللَّيْثُ: النَّصْبُ رَفْعُك شَيْئًا تَنْصِبُه قَائِمًا مُنْتَصِباً، والكلمةُ المَنْصوبةُ يُرْفَعُ صَوْتُها إِلى الْغَارِ الأَعْلى، وكلُّ شيءٍ انْتَصَبَ بشيءٍ فَقَدْ نَصَبَهُ. الْجَوْهَرِيُّ: النَّصْبُ مَصْدَرُ نَصَبْتُ الشيءَ إِذا أَقَمته. وصَفِيحٌ مُنَصَّبٌ أَي نُصِبَ بعضُه عَلَى بَعْضٍ. ونَصَّبَتِ الخيلُ آذانَها: شُدِّد لِلْكَثْرَةِ أَو لِلْمُبَالَغَةِ. والمُنَصَّبُ مِنَ الخَيلِ: الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى خَلْقه كُلِّه نَصْبُ عِظامه، حَتَّى يَنْتَصِبَ مِنْهُ مَا يَحْتَاجُ إِلى عَطْفه. ونَصَبَ السَّيْرَ يَنْصِبه نَصْباً: رَفَعه. وَقِيلَ: النَّصْبُ أَن يسيرَ القومُ يَوْمَهُم، وَهُوَ سَيْرٌ لَيِّنٌ؛ وَقَدْ نَصَبوا نَصْباً. الأَصمعي: النَّصْبُ أَن يَسِيرَ القومُ يومَهم؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
كأَنَّ راكِبَها، يَهْوي بمُنْخَرَقٍ ... مِنَ الجَنُوبِ، إِذا ما رَكْبُها نَصَبوا
قَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ جَدُّوا السَّيْرَ. وَقَالَ النَّضْرُ: النَّصْبُ أَوَّلُ السَّيْر، ثُمَّ الدَّبيبُ، ثُمَّ العَنَقُ، ثُمَّ التَزَيُّدُ، ثُمَّ العَسْجُ، ثُمَّ الرَّتَكُ، ثُمَّ الوَخْدُ، ثُمَّ الهَمْلَجَة. ابْنُ سِيدَهْ: وكلُّ شيءٍ رُفِعَ واسْتُقْبِلَ بِهِ شيءٌ، فَقَدْ نُصِبَ. ونَصَبَ هُوَ، وتَنَصَّبَ فلانٌ، وانْتَصَبَ إِذا قَامَ رَافِعًا رأْسه. وَفِي حَدِيثِ الصَّلَاةِ:
لَا يَنْصِبُ رأْسه وَلَا يُقْنِعُه
أَي لَا يَرْفَعُهُ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: كَذَا فِي سُنَنِ أَبي دَاوُدَ، وَالْمَشْهُورُ: لَا يُصَبِّي ويُصَوِّبُ، وَهُمَا مَذْكُورَانِ فِي مَوَاضِعِهِمَا. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: مِنْ أَقْذَرِ الذُّنوبِ رجلٌ ظَلَمَ امْرَأَةً صَداقَها
؛ قِيلَ للَّيْثِ: أَنَصَبَ ابنُ عُمَرَ الحديثَ إِلى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: وَمَا عِلْمُه، لَوْلَا أَنه سَمِعَهُ مِنْهُ أَي أَسنَدَه إِليه ورَفَعَه. والنَّصْبُ: إِقامةُ الشيءِ ورَفْعُه؛ وَقَوْلُهُ:
أَزَلُّ إِنْ قِيدَ، وإِنْ قامَ نَصَبْ
هُوَ مِنْ ذَلِكَ، أَي إِن قَامَ رأَيتَه مُشْرِفَ الرأْس والعُنُق. قَالَ ثَعْلَبٌ: لَا يَكُونُ النَّصْبُ إِلا بِالْقِيَامِ. وَقَالَ مَرَّةً: هُوَ نُصْبُ عَيْني، هَذَا فِي الشيءِ الْقَائِمِ(1/760)
الَّذِي لَا يَخْفى عليَّ، وإِن كَانَ مُلْقًى؛ يَعْنِي بِالْقَائِمِ، فِي هَذِهِ الأَخيرة: الشيءَ الظاهرَ. الْقُتَيْبِيُّ: جَعَلْتُه نُصْبَ عَيْنِي، بِالضَّمِّ، وَلَا تَقُلْ نَصْبَ عَيْنِي. ونَصَبَ لَهُ الحربَ نَصْباً: وَضَعَها. وناصَبَه الشَّرَّ والحربَ والعَداوةَ مُناصبةً: أَظهَرَهُ لَهُ ونَصَبه، وكلُّه مِنَ الانتصابِ. والنَّصِيبُ: الشَّرَكُ المَنْصوب. ونَصَبْتُ للقَطا شَرَكاً. وَيُقَالُ: نَصَبَ فلانٌ لِفُلَانٍ نَصْباً إِذا قَصَدَ لَهُ، وَعَادَاهُ، وتَجَرَّدَ لَهُ. وتَيْسٌ أَنْصَبُ: مُنْتَصِبُ القَرْنَيْنِ؛ وعَنْزٌ نَصْباءُ: بَيِّنةُ النَّصَب إِذا انْتَصَبَ قَرْناها؛ وتَنَصَّبَتِ الأُتُنُ حَوْلَ الحِمار. وَنَاقَةٌ نَصْباءُ: مُرْتَفِعةُ الصَّدْر. وأُذُنٌ نَصْباءُ: وَهِيَ الَّتِي تَنْتَصِبُ، وتَدْنُو مِنَ الأُخرى. وتَنَصَّبَ الغُبارُ: ارْتَفَعَ. وثَرًى مُنَصَّبٌ: جَعْدٌ. ونَصَبْتُ القِدْرَ نَصْباً. والمِنْصَبُ: شيءٌ مِنْ حَدِيدٍ، يُنْصَبُ عَلَيْهِ القِدْرُ؛ ابْنُ الأَعرابي: المِنْصَبُ مَا يُنْصَبُ عَلَيْهِ القِدْرُ إِذا كَانَ مِنْ حَدِيدٍ. قَالَ أَبو الْحَسَنِ الأَخفش: النَّصْبُ، فِي القَوافي، أَن تَسْلَمَ القافيةُ مِنَ الفَساد، وتكونَ تامَّةَ البناءِ، فإِذا جاءَ ذَلِكَ فِي الشِّعْرِ المجزوءِ، لَمْ يُسَمَّ نَصْباً، وإِن كَانَتْ قَافِيَتُهُ قَدْ تَمَّتْ؛ قَالَ: سَمِعْنَا ذَلِكَ مِنَ العربِ، قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا سَمَّى الخليلُ، إِنما تؤْخَذ الأَسماءُ عَنِ الْعَرَبِ؛ انْتَهَى كَلَامُ الأَخفش كَمَا حَكَاهُ ابْنُ سِيدَهْ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ، قَالَ ابْنُ جِنِّي: لَمَّا كَانَ مَعْنَى النَّصْبِ مِنَ الانْتِصابِ، وَهُوَ المُثُولُ والإِشْرافُ والتَّطاوُل، لَمْ يُوقَعْ عَلَى مَا كَانَ مِنَ الشِّعْرِ مَجْزُوءًا، لأَن جَزْأَه عِلَّةٌ وعَيْبٌ لَحِقَه، وَذَلِكَ ضِدُّ الفَخْرِ والتَّطاوُل. والنَّصِيبُ: الحَظُّ مِنْ كلِّ شيءٍ. وَقَوْلُهُ، عَزَّ وَجَلَّ: أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ
؛ النَّصِيب هُنَا: مَا أَخْبَرَ اللهُ مِنْ جَزائهم، نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى؛ ونحوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً؛ وَنَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ؛ وَنَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ، فَهَذِهِ أَنْصِبَتُهم مِنَ الْكِتَابِ، عَلَى قَدْرِ ذُنُوبِهم فِي كُفْرِهِمْ؛ وَالْجَمْعُ أَنْصِباءُ وأَنْصِبةٌ. والنِّصْبُ: لُغَةٌ فِي النَّصِيبِ. وأَنْصَبَه: جَعَلَ لَهُ نَصِيباً. وَهُمْ يَتَناصَبُونَه أَي يَقْتَسمونه. والمَنْصِبُ والنِّصابُ: الأَصل والمَرْجِع. والنِّصابُ: جُزْأَةُ السِّكِّين، وَالْجَمْعُ نُصُبٌ. وأَنْصَبَها: جَعَلَ لَهَا نِصاباً، وَهُوَ عَجْزُ السِّكِّينِ. ونِصابُ السِّكِّينِ: مَقْبِضُه. وأَنْصَبْتُ السِّكِّينَ: جَعَلْتُ لَهُ مَقْبِضاً. ونِصابُ كلِّ شيءٍ: أَصْلُه. والمَنْصِبُ: الأَصلُ، وَكَذَلِكَ النِّصابُ؛ يُقَالُ: فلانٌ يَرْجِعُ إِلى نِصاب صِدْقٍ، ومَنْصِبِ صِدْقٍ، وأَصْلُه مَنْبِتُه ومَحْتِدُه. وهَلَكَ نِصابُ مالِ فلانٍ أَي مَا اسْتَطْرفه. والنِّصابُ مِنَ الْمَالِ: القَدْرُ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إِذا بَلَغَه، نَحْوَ مائَتَيْ دِرْهَمٍ، وخَمْسٍ مِنَ الإِبل. ونِصابُ الشَّمْسِ: مَغِيبُها ومَرْجِعُها الَّذِي تَرْجِعُ إِليه. وثَغْرٌ مُنَصَّبٌ: مُسْتَوي النِّبْتةِ كأَنه نُصبَ فسُوِّيَ. والنَّصْبُ: ضَرْبٌ مِنْ أَغانيّ الأَعراب. وَقَدْ نَصَبَ الراكبُ نَصْباً إِذا غَنَّى النَّصْبَ. ابْنُ سِيدَهْ: ونَصْبُ العربِ ضَرْبٌ مِنْ أَغانِيّها.(1/761)
وَفِي حَدِيثِ نَائِلٍ «1» ، مَوْلَى عُثْمَانَ: فَقُلْنَا لرباحِ بْنِ المُغْتَرِفِ: لَوْ نَصَبْتَ لَنَا نَصْبَ العَرب أَي لَوْ تَغَنَّيْتَ؛ وَفِي الصِّحَاحِ: لَوْ غَنَّيْتَ لَنَا غِناءَ العَرَب، وَهُوَ غِناءٌ لَهُمْ يُشْبِه الحُداءَ، إِلا أَنه أَرَقُّ مِنْهُ. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: النَّصْبُ حُداءٌ يُشْبِهُ الغِناءَ. قَالَ شَمِرٌ: غِناءُ النَّصْبِ هُوَ غِناءُ الرُّكْبانِ، وَهُوَ العَقِيرةُ؛ يُقَالُ: رَفَعَ عَقيرته إِذا غَنَّى النَّصْبَ؛ وَفِي الصِّحَاحِ: غِناءُ النَّصْبِ ضَرْب مِنَ الأَلْحان؛ وَفِي حَدِيثِ
السائبِ بْنِ يَزِيدَ: كَانَ رَباحُ بنُ المُغْتَرِفِ يُحْسِنُ غِناءَ النَّصْبِ
، وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ أَغانيّ العَرب، شَبيهُ الحُداءِ؛ وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي أُحْكِمَ مِنَ النَّشِيد، وأُقِيمَ لَحْنُه ووزنُه. وَفِي الْحَدِيثِ:
كُلُّهم كَانَ يَنْصِبُ
أَي يُغَنِّي النَّصْبَ. ونَصَبَ الْحَادِي: حَدا ضَرْباً مِنَ الحُداءِ. والنَّواصِبُ: قومٌ يَتَدَيَّنُونَ ببِغْضَةِ عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ. ويَنْصُوبُ: مَوْضِعٌ. ونُصَيْبٌ: الشَّاعِرُ، مصغَّر. ونَصيبٌ ونُصَيْبٌ: اسْمَانِ. ونِصابٌ: اسْمُ فَرَسٍ. والنَّصْبُ، فِي الإِعْراب: كَالْفَتْحِ، فِي البناءِ، وَهُوَ مِنْ مُواضَعات النَّحْوِيِّينَ؛ تَقُولُ مِنْهُ: نَصَبْتُ الحرفَ، فانْتَصَبَ. وغُبار مُنْتَصِبٌ أَي مُرْتَفِع. ونَصِيبينَ: اسمُ بَلَدٍ، وَفِيهِ لِلْعَرَبِ مَذْهَبَانِ: مِنْهُمْ مَن يَجْعَلُهُ اسْمًا وَاحِدًا، ويُلْزِمُه الإِعرابَ، كَمَا يُلْزم الأَسماءَ المفردةَ الَّتِي لَا تَنْصَرِفُ، فَيَقُولُ: هَذِهِ نَصِيبينُ، وَمَرَرْتُ بنَصِيبينَ، ورأَيتُ نَصِيبينَ، وَالنِّسْبَةُ نَصِيبيٌّ، وَمِنْهُمْ مَن يُجْريه مُجْرى الْجَمْعِ، فَيَقُولُ هَذِهِ نَصِيبُونَ، وَمَرَرْتُ بنَصِيبينَ، ورأَيت نَصِيبينَ. قَالَ: وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي يَبْرِينَ، وفِلَسْطِينَ، وسَيْلَحِينَ، وياسمِينَ، وقِنَّسْرينَ، وَالنِّسْبَةُ إِليه، عَلَى هَذَا: نَصِيبينيٌّ، ويَبْرينيٌّ، وَكَذَلِكَ أَخواتها. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ، رَحِمَهُ اللَّهُ: ذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ أَنه يُقَالُ: هَذِهِ نَصِيبينُ ونَصِيبون، وَالنِّسْبَةُ إِلى قَوْلِكَ نَصِيبين، نصيبيٌّ، وإِلى قَوْلِكَ نَصِيبُونَ، نَصِيبِينِيٌّ؛ قَالَ: وَالصَّوَابُ عَكْسُ هَذَا، لأَن نَصِيبينَ اسْمٌ مُفْرَدٌ مُعْرَبٌ بِالْحَرَكَاتِ، فإِذا نسبتَ إِليه أَبقيته عَلَى حَالِهِ، فَقُلْتَ: هَذَا رجلٌ نَصِيبينيٌّ؛ وَمَنْ قَالَ نَصِيبُونَ، فَهُوَ مُعْرَبٌ إِعراب جُمُوعِ السَّلَامَةِ، فَيَكُونُ فِي الرَّفْعِ بِالْوَاوِ، وَفِي النَّصْبِ وَالْجَرِّ بالياءِ، فإِذا نَسَبْتَ إِليه، قُلْتَ: هَذَا رَجُلٌ نَصِيبيّ، فَتَحْذِفُ الْوَاوَ وَالنُّونَ؛ قَالَ: وَكَذَلِكَ كلُّ مَا جَمَعْتَهُ جَمْعَ السَّلَامَةِ، تَرُدُّه فِي النَّسَبِ إِلى الْوَاحِدِ، فَتَقُولُ فِي زَيْدُونَ، اسْمُ رَجُلٍ أَو بَلَدٍ: زَيْدِيٌّ، وَلَا تَقُلْ زَيْدُونِيٌّ، فَتَجْمَعُ فِي الِاسْمِ الإِعرابَين، وَهُمَا الْوَاوُ وَالضَّمَّةُ.
نضب: نَضَبَ الشيءُ: سالَ. ونَضَبَ الماءُ يَنْضُبُ، بِالضَّمِّ، نُضوباً، ونَضَّبَ إِذا ذَهَبَ فِي الأَرض؛ وَفِي الْمُحْكَمِ: غارَ وبَعُدَ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
أَعْدَدْتُ للحَوْض، إِذا مَا نَضَبا، ... بَكْرَةَ شِيزى، ومُطاطاً سَلْهَبا
ونُضُوبُ الْقَوْمِ أَيضاً: بُعْدُهم. والنَّاضِبُ: الْبَعِيدُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا نَضَبَ عَنْهُ البحرُ، وَهُوَ حُيٌّ، فَمَاتَ، فكُلُوه
؛ يَعْنِي حيوانَ الْبَحْرِ أَي نَزَحَ ماؤُه ونَشِفَ. وَفِي حَدِيثِ
الأَزْرَقِ بْنِ قَيْس:
__________
(1) . قوله [وفي حديث نائل] كذا بالأَصل كنسخة من النهاية بالهمز وفي أخرى منها نابل بالموحدة بدل الهمز.(1/762)
كُنَّا عَلَى شاطئِ النَّهْرِ بالأَهواز، وَقَدْ نَضَبَ عَنْهُ الماءُ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَدْ يُسْتَعَارُ لِلْمَعَانِي. وَمِنْهُ حَدِيثُ
أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: نَضَبَ عُمْرُه، وضَحَى ظِلُّه
أَي نَفِدَ عُمْرُه، وانْقَضَى. ونَضَبَتْ عَيْنُه تَنْضُبُ نُضوباً: غارَتْ؛ وخَصَّ بَعْضُهم بِهِ عَيْنَ النَّاقَةِ؛ وأَنشد ثَعْلَبٌ:
مِنَ المُنْطِياتِ المَوْكِبَ المَعْجَ، بَعْدَ ما ... يُرى، فِي فُروع المُقْلَتَيْنِ، نُضُوبُ
ونَضَبَتِ المَفازةُ نُضُوباً: بَعُدَتْ؛ قَالَ:
إِذا تَغالَين بسَهْمٍ ناضِبِ
وَيُرْوَى: بسهمٍ ناصبِ، يَعْنِي شَوْطاً وطَلَقاً بَعِيدًا، وكلُّ بعيدٍ ناضِبٌ؛ وأَنشد ثَعْلَبٌ:
جَريءٌ عَلَى قَرْعِ الأَساوِدِ وَطْؤُه، ... سميعٌ بِرِزِّ الكَلْبِ، والكَلْبُ ناضِبُ
وجَرْيٌ ناضِبٌ أَي بعيدٌ. الأَصمعي: الناضِبُ الْبَعِيدُ، وَمِنْهُ قِيلَ للماءِ إِذا ذَهَبَ: نَضَبَ أَي بَعُدَ. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: إِن فُلَانًا لَناضِبُ الخَير أَي قَلِيلُ الْخَيْرِ، وَقَدْ نَضَبَ خيرُه نُضوباً؛ وأَنشد:
إِذا رَأَيْنَ غَفْلةً مِنْ راقِبِ، ... يُومِينَ بالأَعْينِ والحَواجِبِ،
إِيماءَ بَرْقٍ فِي عَماءٍ ناضِبِ
ونَضَبَ الخِصْبُ: قَلَّ أَو انْقَطَعَ. ونَضَبَتِ الدَّبَرَةُ نُضُوباً: اشْتَدَّت. ونَضَبَ الدَّبَرُ إِذا اشْتَدَّ أَثَرُهُ فِي الظَّهْر. وأَنْضَبَ القَوْسَ، لغةٌ فِي أَنْبَضَها: جَبَذَ وتَرها لتُصَوِّتَ؛ وَقِيلَ: أَنْضَبَ القوسَ إِذا جَبَذَ وتَرها، بِغَيْرِ سَهْمٍ، ثُمَّ أَرسله. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: أَنْضَبَ فِي قَوْسِهِ إِنْضاباً، أَصاتَها؛ مَقْلُوبٌ. قَالَ أَبو الْحَسَنِ: إِن كَانَتْ أَنْضَبَ مَقْلُوبَةً، فَلَا مَصْدَرَ لَهَا، لأَن الأَفعال الْمَقْلُوبَةَ لَيْسَتْ لَهَا مَصَادِرُ لِعِلَّةٍ قَدْ ذَكَرَهَا النَّحْوِيُّونَ: سِيبَوَيْهِ، وأَبو عَلِيٍّ، وسائرُ الحُذَّاق؛ وإِن كَانَ أَنْضَبْتُ، لُغَةً فِي أَنْبَضْتُ، فَالْمَصْدَرُ فِيهِ سَائِغٌ حَسَنٌ؛ فأَما أَن يَكُونَ مَقْلُوبًا ذَا مَصْدَرٍ، كَمَا زَعَمَ أَبو حَنِيفَةَ، فَمُحَالٌ. الْجَوْهَرِيُّ: أَنْضَبْتُ وتَرَ القَوْس، مِثْلَ أَنْبَضْتُه، مَقْلُوبٌ مِنْهُ. أَبو عَمْرٍو: أَنْبَضْتُ القوسَ وانْتَضَبْتُها إِذا جَذَبْتَ وتَرَها لتُصَوِّتَ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
تُرِنُّ إِرناناً إِذا مَا أَنْضَبا
وَهُوَ إِذا مَدَّ الوتَرَ، ثُمَّ أَرسله. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا مِنَ الْمَقْلُوبِ. ونَبَضَ العِرْقُ يَنْبِضُ نِباضاً، وَهُوَ تَحَرُّكُه. شَمِرٌ: نَضَّبَتِ النَّاقَةُ؛ وتَنْضِيبُها: قلةُ لَبَنِهَا وَطُولُ فُواقِها، وإِبطاءُ دِرَّتِها. والتَّنْضُبُ: شَجَرٌ يَنْبُتُ بِالْحِجَازِ، وَلَيْسَ بِنَجْدٍ مِنْهُ شيءٌ إِلا جِزْعةً وَاحِدَةً بطَرَفِ ذِقانٍ، عِنْدَ التُّقَيِّدة، وَهُوَ يَنْبُتُ ضَخْماً عَلَى هَيْئَةِ السَّرْحِ، وعيدانُه بيضٌ ضَخمة، وَهُوَ مُحْتَظَر، وورقُه مُتَقَبِّضٌ، وَلَا تَرَاهُ إِلا كأَنه يَابِسٌ مُغْبَرٌّ وإِن كَانَ نَابِتًا، وَلَهُ شَوْكٌ مِثْلُ شَوْكِ العَوْسَج، وَلَهُ جَنًى مِثْلُ العِنَبِ الصِّغَارِ، يؤْكل وَهُوَ أُحَيْمِرٌ. قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: دخانُ التَّنْضُب أَبيض فِي مِثْلِ لَوْنِ الْغُبَارِ، وَلِذَلِكَ شَبَّهَتِ الشعراءُ الغُبارَ به؛ قَالَ عُقَيْل بْنُ عُلَّفة المُرِّي:
وَهَلْ أَشْهَدَنْ خَيلًا، كأَنَّ غُبارَها، ... بأَسفلِ علْكَدٍّ، دَواخِنُ تَنْضُبِ؟
وَقَالَ مرَّة: التَّنْضُبُ شَجَرٌ ضِخَامٌ، لَيْسَ لَهُ وَرَقٌ، وَهُوَ يُسَوِّقُ ويَخْرُجُ لَهُ خَشَبٌ ضِخام وأَفنانٌ كَثِيرَةٌ، وإِنما ورقُه قُضْبان، تأْكله الإِبل وَالْغَنَمُ.(1/763)
وَقَالَ أَبو نَصْرٍ: التَّنْضُبُ شَجَرٌ لَهُ شَوْكٌ قِصارٌ، وَلَيْسَ مِنْ شَجَرِ الشَّواهِق، تأْلفه الحَرابِيُّ؛ أَنشد سِيبَوَيْهِ لِلنَّابِغَةِ الجَعْدِيّ:
كأَنَّ الدُّخانَ، الَّذِي غادَرَتْ ... ضُحَيّاً، دواخِنُ مِنْ تَنْضُبِ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنه إِنما سُمِّي بِذَلِكَ لِقِلَّةِ مَائِهِ. وأَنشد أَبو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ لِرَجُلٍ واعدتْه امرأَةٌ، فعَثَر عَلَيْهِ أَهلُها، فَضَرَبُوهُ بالعِصِيِّ؛ فَقَالَ:
رأَيْتُكِ لَا تُغْنِينَ عَنِّي نَقْرَةً، ... إِذا اخْتَلَفَتْ فِيَّ الهَراوَى الدَّمامِكُ
فأَشْهَدُ لَا آتِيكِ، مَا دامَ تَنْضُبٌ ... بأَرْضِكِ، أَو ضَخْمُ العَصا مِنْ رِجالِكِ
وَكَانَ التَّنْضُبُ قَدِ اعْتِيد أَن تُقْطَعَ مِنْهُ العِصِيُّ الجِيادُ، وَاحِدَتُهُ تَنْضُبة؛ أَنشد أَبو حَنِيفَةَ:
أَنَّى أُتِيح لَهُ حِرْباء تَنْضُبةٍ، ... لَا يُرْسِلُ الساقَ، إِلَّا مُمْسِكاً سَاقَا
التَّهْذِيبُ، أَبو عُبَيْدٍ: وَمِنَ الأَشجار التَّنْضُبُ، واحدتُها تَنْضُبَةٌ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: هِيَ شَجَرَةٌ ضَخْمة، تُقطع مِنْهَا العُمُد للأَخْبِيَةِ، وَالتَّاءُ زَائِدَةً، لأَنه لَيْسَ فِي الْكَلَامِ فَعْلُل؛ وَفِي الْكَلَامِ تَفعُل، مِثْلَ تَقْتُل وتَخْرُجُ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
إِذا حَنَّ بَيْنَ القَوْم نَبْعٌ وتَنْضُبُ
قَالَ ابْنُ سَلَمَةَ: النَّبعُ شَجَرُ القِسِيّ، وتَنْضُبُ شَجَرٌ تُتَّخَذ منه السِّهامُ.
نطب: النَّواطِبُ: خُروق تُجعل فِي مِبْزَلِ الشَّراب، وَفِيمَا يُصَفَّى بِهِ الشيءُ، فيُبْتَزَلُ مِنْهُ ويَتَصَفَّى، واحدتُه ناطبةٌ؛ قَالَ:
تَحلَّبَ مِنْ نَواطِبَ ذِي ابْتِزالِ
وخُروقُ المِصْفاةِ تُدْعَى النَّواطِبَ؛ وأَنشد الْبَيْتَ أَيضاً: ذِي نَواطِبَ وابْتِزال. والمَنْطَبَةُ والمِنْطَبَةُ والمَنْطَبُ والمِنطَبُ: المِصفاةُ. ونَطَبه يَنْطُبُه نَطْباً: ضَرَبَ أُذنه بأُصْبُعِه. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الأَحْمق: مَنْطَبَةٌ؛ وَقَوْلُ الجُعَيْدِ المُرادي:
نَحْنُ ضَرَبْناه عَلَى نِطابهِ
قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: لَمْ يُفَسِّرْهُ أَحد؛ والأَعْرَفُ: عَلَى تَطْيابه أَي عَلَى مَا كَانَ فِيهِ مِنْ الطِّيبِ، وَذَلِكَ أَنه كَانَ مُعَرِّساً بامرأَة مِنْ مُرادٍ؛ وَقِيلَ: النِّطابُ هُنَا حَبْلُ العُنُق، حَكَاهُ أَبو عَدْنان، وَلَمْ يُسمع مِن غَيْرِهِ؛ وَقَالَ ثَعْلَبٌ: النِّطابُ الرأْس. ابْنُ الأَعرابي: النِّطابُ حَبْلُ العاتِق؛ وأَنشد:
نحنُ ضَرَبْناهُ عَلَى نِطابِه، ... قُلْنا بهِ، قُلْنا بِهِ، قُلْنا بهِ
قُلْنا بِهِ أَي قتَلْناه. أَبو عَمْرٍو: النَّطْبُ نَقْرُ الأُذُن؛ يُقَالُ: نَطَبَ أُذُنَه، ونَقَرَ، وبَلَّطَ، بِمَعْنًى وَاحِدٍ. الأَزهري: النَّطْمة النَّقْرةُ مِنَ الدِّيكِ، وَغَيْرِهِ، وَهِيَ النَّطْبة، بالباءِ أَيضاً.
نعب: نَعَبَ الغرابُ وَغَيْرُهُ، يَنْعَب ويَنْعِبُ نَعْباً، ونَعِيباً، ونُعاباً، وتَنْعاباً، ونَعَباناً: صاحَ وصَوَّتَ، وَهُوَ صَوْتُه؛ وَقِيلَ: مَدَّ عُنقَه، وحَرَّك رأْسَه فِي صِيَاحِهِ. وَفِي
دُعاءِ داودَ، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: يَا رازِقَ النَّعَّابِ في عُشِّه
؛ النَّعَّابُ: الغُراب. قِيلَ: إِنَّ فَرْخَ الغُراب إِذا خَرَجَ مِنْ بَيْضِه، يَكُونُ أَبيضَ كالشَّحْمة، فإِذا رآهُ الغُراب أَنكره وَتَرَكَهُ، وَلَمْ يَزُقَّه، فيسوقُ اللَّهُ إِليه البَقَّ، فيَقَعُ(1/764)
عَلَيْهِ لزُهُومة رِيحِهِ، فيَلْقُطُها ويَعيشُ بِهَا إِلى أَن يَطْلُع ريشُه ويَسْوَدَّ، فيُعاوِدَه أَبوه وأُمُّه. وَرُبَّمَا قَالُوا: نَعَبَ الدِّيكُ، عَلَى الِاسْتِعَارَةِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
وقَهْوَةٍ صَهْباءَ، باكَرْتُها ... بجُهْمةٍ، والديكُ لَمْ يَنْعَبِ
ونَعَبَ المُؤَذِّنُ كَذَلِكَ. وأَنْعَبَ الرجلُ إِذا نَعَرَ فِي الفِتَنِ. والنَّعِيبُ أَيضاً: صَوْتُ الْفَرَسِ. والنَّعْبُ: السيرُ السَّرِيعُ. وَفَرَسٌ مِنْعَبٌ: جَوادٌ، يَمُدُّ عُنُقَه، كَمَا يَفعَل الغُرابُ؛ وَقِيلَ: المِنْعَبُ الَّذِي يَسْطُو برأْسه، وَلَا يَكُونُ فِي حُضْرِه مَزيدٌ. والمِنْعَبُ: الأَحْمَقُ المُصَوِّتُ؛ قَالَ إمرؤُ الْقَيْسِ:
فلِلسَّاقِ أُلْهُوبٌ، وللسَّوْطِ دِرَّةٌ، ... وللزَّجْرِ مِنه وَقْعُ أَهْوَجَ مِنْعَبِ
والنَّعْبُ: مِنْ سَيْرِ الإِبل؛ وَقِيلَ: النَّعْبُ أَن يُحَرِّكَ البعيرُ رأْسَه إِذا أَسرعَ، وَهُوَ مِنْ سَيْرِ النَّجائبِ، يَرْفَعُ رأْسه، فيَنْعَبُ نَعَباناً. ونَعَبَ البعيرُ يَنْعَبُ نَعْباً: وَهُوَ ضَرْبٌ مِن السَّيْرِ، وَقِيلَ مِن السُّرْعة، كالنَّحْب. وَنَاقَةٌ ناعبةٌ، ونَعُوبٌ، ونَعَّابة، ومِنْعَبٌ: سَرِيعَةٌ، وَالْجَمْعُ نُعُبٌ؛ يُقَالُ: إِنَّ النَّعْبَ تحَرُّكُ رأْسِها، فِي المَشْيِ، إِلى قُدَّام. وريحٌ نَعْبٌ: سريعةُ المَرِّ؛ أَنشد ابن الأَعرابي:
أَحْدَرْنَ، واسْتَوَى بهنَّ السَّهْبُ، ... وعارَضَتْهُنّ جَنُوبٌ نَعْبُ
وَلَمْ يُفَسِّرْ هُوَ النَّعْبَ، وإِنما فَسَّرَهُ غَيْرُهُ: إِما ثعلبٌ، وإِما أَحدُ أَصحابه. وَبَنُو ناعِبٍ: حَيٌّ. وَبَنُو ناعِبةَ: بطنٌ منهم.
نغب: نَغَبَ الإِنسانُ الرِّيقَ يَنْغَبُه ويَنْغُبه نَغْباً: ابْتلعه. ونَغَبَ الطائرُ يَنْغَبُ نَغْباً: حَسا مِنَ الماءِ؛ وَلَا يُقَالُ شَرِبَ. اللَّيْثُ: نَغَبَ الإِنسانُ يَنْغَبُ ويَنْغُب نَغْباً: وَهُوَ الابْتِلاعُ لِلرِّيقِ والماءِ نَغْبةً بَعْدَ نَغْبةٍ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: نَغِبْتُ مِنَ الإِناءِ، بِالْكَسْرِ، نَغْباً أَي جَرَعْتُ مِنْهُ جَرْعاً. ونَغَبَ الإِنسانُ فِي الشُّرْب، يَنْغُبُ نَغْباً: جَرَعَ؛ وَكَذَلِكَ الْحِمَارُ. والنَّغْبة والنُّغْبة، بِالضَّمِّ: الجَرْعة، وَجَمْعُهَا نُغَبٌ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
حَتَّى إِذا زلَجَتْ عَنْ كلِّ حَنجَرَةٍ ... إِلى الغَليلِ، وَلِمَ يَقْصَعْنَه، نُغَبُ
وَقِيلَ: النَّغْبة المَرَّة الواحدةُ. والنُّغْبة: الاسمُ، كَمَا فُرِقَ بَيْنَ الجَرْعةِ والجُرْعة، وسائِر أَخواتها بِمِثْلِ هَذَا؛ وَقَوْلُهُ:
فَبادَرَتْ شِرْبَها عَجْلى مُثابِرةً، ... حَتَّى اسْتَقَتْ، دُونَ مَحْنى جِيدِها، نُغَما
إِنما أَراد نُغَباً، فأَبدل الْمِيمَ مِنَ الباءِ لِاقْتِرَابِهِمَا. والنَّغْبة: الجَوْعةُ، وإِقْفارُ الحَيِّ. وَقَوْلُهُمْ: مَا جُرِّبَتْ عَلَيْهِ نُغْبةٌ قَطُّ أَي فَعْلة قبيحةٌ.
نقب: النَّقْبُ: الثَّقْبُ فِي أَيِّ شيءٍ كَانَ، نَقَبه يَنْقُبه نَقْباً. وشيءٌ نَقِيبٌ: مَنْقُوب؛ قَالَ أَبو ذؤَيب:
أَرِقْتُ لذِكْرِه، مِنْ غيرِ نَوْبٍ، ... كَما يَهْتاجُ مَوْشِيٌّ نَقِيبُ
يَعْنِي بالمَوْشِيِّ يَراعةً. ونَقِبَ الجِلْدُ نَقَباً؛ وَاسْمُ تِلْكَ النَّقْبة نَقْبٌ أَيضاً. ونَقِبَ البعيرُ، بِالْكَسْرِ، إِذا رَقَّتْ أَخْفافُه. وأَنْقَبَ الرجلُ إِذا نَقِبَ بعيرُه. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ،(1/765)
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَتاه أَعرابيّ فَقَالَ: إِني عَلَى نَاقَةٍ دَبْراءَ عَجْفاءَ نَقْباءَ، واسْتَحْمَله فَظَنَّهُ كَاذِبًا، فَلَمْ يَحْمِلْه، فانطَلَقَ وَهُوَ يَقُولُ:
أَقْسَمَ باللهِ أَبو حَفْصٍ عُمَرْ: ... مَا مَسَّها مِنْ نَقَبٍ وَلَا دَبَرْ
أَراد بالنَّقَبِ هَاهُنَا: رِقَّةَ الأَخْفافِ. نَقِبَ البعيرُ يَنْقَبُ، فَهُوَ نَقِبٌ. وَفِي
حَدِيثِهِ الْآخَرِ قَالَ لامرأَةٍ حَاجَّةٍ: أَنْقَبْتِ وأَدْبَرْتِ
أَي نَقِبَ بعيرُك ودَبِرَ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: ولْيَسْتَأْنِ بالنَّقِبِ والظَّالِع
أَي يَرْفُقْ بِهِمَا، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنَ الجَرَب. وَفِي حَدِيثِ
أَبي مُوسَى: فنَقبَتْ أَقْدامُنا
أَي رَقَّتْ جُلودُها، وتَنَفَّطَتْ مِنَ المَشْيِ. ونَقِبَ الخُفُّ الملبوسُ نَقَباً: تَخَرَّقَ، وَقِيلَ: حَفِيَ. ونَقِبَ خُفُّ الْبَعِيرِ نَقَباً إِذا حَفِيَ حَتَّى يَتَخَرَّقَ فِرْسِنُه، فَهُوَ نَقِبٌ؛ وأَنْقَبَ كَذَلِكَ؛ قَالَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ:
وَقَدْ أَزْجُرُ العَرْجاءَ أَنْقَبَ خُفُّها، ... مَناسِمُها لَا يَسْتَبِلُّ رَثِيمُها
أَراد: ومَناسِمُها، فَحَذَفَ حَرْفَ الْعَطْفِ، كَمَا قَالَ: قَسَمَا الطَّارِفَ التَّلِيدَ؛ وَيُرْوَى: أَنْقَبُ خُفِّها مَناسِمُها. والمَنْقَبُ مِنَ السُّرَّة: قُدَّامُها، حَيْثُ يُنْقَبُ البَطْنُ، وَكَذَلِكَ هُوَ مِنَ الْفَرَسِ؛ وَقِيلَ: المَنْقَبُ السُّرَّةُ نَفْسُها؛ قَالَ النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ يَصِفُ الْفَرَسَ:
كأَنَّ مَقَطَّ شَراسِيفِه، ... إِلى طَرَفِ القُنْبِ
فالمَنْقَبِ، لُطِمْنَ بتُرْسٍ، شَدِيدِ الصِّفَاقِ، ... مِنْ خَشَبِ الجَوْز، لَمْ يُثْقَبِ
والمِنْقَبةُ: الَّتِي يَنْقُب بِهَا البَيْطارُ، نادرٌ. والبَيْطارُ يَنْقُبُ فِي بَطْنِ الدَّابَّةِ بالمِنْقَبِ فِي سُرَّته حَتَّى يَسيل مِنْهُ مَاءٌ أَصْفر؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
كالسِّيدِ لَمْ يَنْقُبِ البَيْطارُ سُرَّتَه، ... وَلَمْ يَسِمْه، وَلِمَ يَلْمِسْ لَهُ عَصَبا
ونَقَبَ البَيْطارُ سُرَّة الدَّابَّةِ؛ وَتِلْكَ الحديدةُ مِنْقَبٌ، بِالْكَسْرِ؛ وَالْمَكَانُ مَنْقَبٌ، بِالْفَتْحِ؛ وأَنشد الْجَوْهَرِيُّ لمُرَّة بْنِ مَحْكَانَ:
أَقَبّ لَمْ يَنْقُبِ البَيْطارُ سُرَّتَه، ... وَلَمْ يَدِجْهُ، وَلَمْ يَغْمِزْ لَهُ عَصَبا
وَفِي حَدِيثِ
أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنه اشْتَكَى عَيْنَه، فكَرِهَ أَنْ يَنْقُبَها
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: نَقْبُ العَيْنِ هُوَ الَّذِي تُسَمِّيه الأَطباءُ القَدْح، وَهُوَ مُعالجةُ الماءِ الأَسْودِ الَّذِي يَحْدُثُ فِي الْعَيْنِ؛ وأَصله أَن يَنْقُر البَيْطارُ حَافِرَ الدَّابَّةِ ليَخْرُجَ مِنْهُ مَا دَخل فِيهِ. والأَنْقابُ: الآذانُ، لَا أَعْرِفُ لَهَا وَاحِدًا؛ قَالَ القَطامِيُّ:
كانتْ خُدُودُ هِجانِهِنَّ مُمالةً ... أَنْقابُهُنَّ، إِلى حُداءِ السُّوَّقِ
وَيُرْوَى: أَنَقاً بِهنَّ أَي إِعْجاباً بِهنَّ. التَّهْذِيبُ: إِن عَلَيْهِ نُقْبةً أَي أَثَراً. ونُقْبةُ كُلِّ شيءٍ: أَثَرُه وهَيْأَتُهُ. والنُّقْبُ والنُّقَبُ: القِطَعُ المتفرّقَةُ مِنَ الجَرَب، الْوَاحِدَةُ نُقْبة؛ وَقِيلَ: هِيَ أَوَّلُ مَا يَبْدُو مِنَ الجَرَب؛ قَالَ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ:
مُتَبَذِّلًا، تَبدُو مَحاسِنُه، ... يَضَعُ الهِناءَ مواضِعَ النُّقْبِ
وَقِيلَ: النُّقْبُ الجَربُ عَامَّةً؛ وَبِهِ فَسَّرَ ثَعْلَبٌ قولَ أَبي محمدٍ، الحَذْلَمِيِّ:
وتَكْشِفُ النُّقْبةَ عَنْ لِثامِها(1/766)
يَقُولُ: تُبْرِئُ مِنَ الجَرَب. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَا يُعْدي شيءٌ شَيْئًا؛ فَقَالَ أَعرابيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ النُّقْبةَ تَكُونُ بِمِشْفَرِ البَعيرِ، أَو بذَنَبِه فِي الإِبل الْعَظِيمَةِ، فتَجْرَبُ كُلُّها؛ فَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَمَا أَعْدى الأَوّلَ؟
قَالَ الأَصمعي: النُّقْبةُ هِيَ أَوَّل جَرَبٍ يَبْدُو؛ يُقَالُ لِلْبَعِيرِ: بِهِ نُقْبة، وَجَمْعُهَا نُقْبٌ، بِسُكُونِ الْقَافِ، لأَنها تَنْقُبُ الجِلْد أَي تَخْرِقُه. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: والنُّقْبةُ، فِي غَيْرِ هَذَا، أَن تُؤْخذَ القِطْعةُ مِنَ الثَّوْبِ، قَدْرَ السَّراويلِ، فتُجْعل لَهَا حُجْزةٌ مَخِيطَةٌ، مِنْ غَيْرِ نَيْفَقٍ، وتُشَدّ كَمَا تُشَدُّ حُجْزةُ السَّرَاوِيلِ، فإِذا كَانَ لَهَا نَيْفَقٌ وساقانِ فَهِيَ سَرَاوِيلُ، فإِذا لَمْ يَكُنْ لَهَا نَيْفَقٌ، وَلَا ساقانِ، وَلَا حُجْزة، فَهُوَ النِّطاقُ. ابْنُ شُمَيْلٍ: النُّقْبَةُ أَوَّلُ بَدْءِ الجَرَب، تَرَى الرُّقْعَة مِثْلَ الكَفِّ بجَنْبِ البَعير، أَو وَرِكِه، أَو بِمِشْفَره، ثُمَّ تَتَمَشَّى فِيهِ، حتَّى تُشْرِيَه كُلَّهُ أَي تَمْلأَه؛ قَالَ أَبو النَّجْمِ يَصِفُ فَحْلًا:
فاسْوَدَّ، مِنْ جُفْرتِه، إِبْطاها، ... كَمَا طَلى، النُّقْبةَ، طالِياها
أَي اسْوَدَّ مِنَ العَرَق، حينَ سَالَ، حَتَّى كأَنه جَرِبَ ذَلِكَ الموضعُ، فطُلِيَ بالقَطِرانِ فاسْوَدَّ مِنَ العَرَق؛ والجُفْرةُ: الوَسَطُ. والناقِبةُ: قُرْحة تَخْرُجُ بالجَنْب. ابْنُ سِيدَهْ: النُّقْب قرْحة تَخْرج فِي الجَنْب، وتَهْجُمُ عَلَى الْجَوْفِ، ورأْسُها مِنْ دَاخِلٍ. ونَقَبَتْه النَّكْبةُ تَنْقُبه نَقْباً: أَصابته فبَلَغَتْ مِنْهُ، كنَكَبَتْه. والناقبةُ: داءٌ يأْخذ الإِنسانَ، مِنْ طُول الضَّجْعة. والنُّقْبة: الصَّدَأُ. وَفِي الْمُحْكَمِ: والنُّقْبة صَدَأُ السيفِ والنَّصْلِ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
جُنُوءَ الهالِكِيِّ عَلَى يَدَيْهِ، ... مُكِبّاً، يَجْتَلي نُقَبَ النِّصالِ
وَيُرْوَى: جُنُوحَ الهالِكِيِّ. والنَّقْبُ والنُّقْبُ: الطريقُ، وَقِيلَ: الطريقُ الضَّيِّقُ فِي الجَبل، وَالْجَمْعُ أَنْقابٌ، ونِقابٌ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ لِابْنِ أَبي عَاصِيَةَ:
تَطَاوَلَ لَيْلي بالعراقِ، وَلَمْ يَكُنْ ... عَليَّ، بأَنْقابِ الحجازِ، يَطُولُ
وَفِي التَّهْذِيبِ، فِي جَمْعِهِ: نِقَبةٌ؛ قَالَ: وَمِثْلُهُ الجُرْفُ، وجَمْعُه جِرَفَةٌ. والمَنْقَبُ والمَنْقَبةُ، كالنَّقْبِ؛ والمَنْقَبُ، والنِّقابُ: الطَّرِيقُ فِي الغَلْظِ؛ قَالَ:
وتَراهُنَّ شُزَّباً كالسَّعالي، ... يَتَطَلَّعْنَ مِنْ ثُغُورِ النِّقابِ
يَكُونُ جَمْعًا، وَيَكُونُ وَاحِدًا. والمَنْقَبة: الطَّرِيقُ الضَّيِّقُ بَيْنَ دارَيْنِ، لَا يُسْتطاع سُلوكُه. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا شُفْعةَ فِي فَحْل، وَلَا مَنْقَبةٍ
؛ فسَّروا المَنْقبةَ بِالْحَائِطِ، وسيأْتي ذِكْرُ الْفَحْلِ؛ وَفِي رِوَايَةٍ:
لَا شُفْعةَ فِي فِناءٍ، وَلَا طريقٍ، وَلَا مَنْقَبة
؛ المَنْقَبةُ: هِيَ الطَّرِيقُ بَيْنَ الدَّارَيْنِ، كأَنه نُقِبَ مِنْ هَذِهِ إِلى هَذِهِ؛ وَقِيلَ: هُوَ الطَّرِيقُ الَّتِي تَعْلُو أَنْشازَ الأَرض. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِنهم فَزِعُوا مِنَ الطَّاعُونِ، فَقَالَ: أَرْجُو أَن لَا يَطْلُع إِلينا نِقابَها
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هِيَ جُمَعُ نَقْبٍ، وَهُوَ الطَّرِيقُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ؛ أَراد أَنه لَا يَطْلُع إِلينا مِنْ طُرُق الْمَدِينَةِ، فأَضْمَر عَنْ غَيْرِ مَذْكُورٍ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
عَلَى أَنْقابِ المدينةِ مَلَائِكَةٌ، لَا يَدْخُلُها الطاعُونُ، وَلَا الدجالُ
؛ هُوَ جَمْعُ قِلَّةٍ للنَّقْب.(1/767)
والنَّقْبُ: أَن يَجْمَعَ الفرسُ قَوَائِمَهُ فِي حُضْرِه وَلَا يَبْسُطَ يَدَيْهِ، وَيَكُونَ حُضْرُه وَثْباً. والنَّقِيبةُ النَّفْسُ؛ وَقِيلَ: الطَّبيعَة؛ وَقِيلَ: الخَليقةُ. والنَّقِيبةُ: يُمْنُ الفِعْل. ابْنُ بُزُرْجَ: مَا لَهُمْ نَقِيبةٌ أَي نَفاذُ رَأْيٍ. وَرَجُلٌ مَيْمونُ النَّقِيبة: مباركُ النَّفْسِ، مُظَفَّرٌ بِمَا يُحاوِلُ؛ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: إِذا كَانَ مَيْمونَ الأَمْرِ، يَنْجَحُ فِيمَا حاوَل ويَظْفَرُ؛ وَقَالَ ثَعْلَبٌ: إِذا كَانَ مَيْمُون المَشُورة. وَفِي حَدِيثِ
مَجْدِيِّ بْنِ عَمْرٍو: أَنه مَيْمُونُ النَّقِيبة
أَي مُنْجَحُ الفِعَال، مُظَفَّرُ المَطالب. التَّهْذِيبُ فِي تَرْجَمَةِ عَرَكَ: يُقَالُ فُلَانٌ مَيْمُونُ العَريكَة، والنَّقِيبة، والنَّقِيمة، والطَّبِيعَةِ؛ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. والمَنْقَبة: كَرَمُ الفِعْل؛ يُقَالُ: إِنه لكريمُ المَناقِبِ مِنَ النَّجَدَاتِ وَغَيْرِهَا؛ والمَنْقَبةُ: ضِدُّ المَثْلَبَةِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: النَّقِيبةُ مِنَ النُّوقِ المُؤْتَزِرَةُ بضَرْعِها عِظَماً وحُسْناً، بَيِّنةُ النِّقابةِ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: هَذَا تَصْحِيفٌ، إِنما هِيَ الثَّقِيبَةُ، وَهِيَ الغَزيرَةُ مِنَ النُّوق، بالثاءِ. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: نَاقَةٌ نَقِيبةٌ، عظيمةُ الضَّرْع. والنُّقْبةُ: مَا أَحاطَ بِالْوَجْهِ مِنْ دَوائره. قَالَ ثَعْلَبٌ: وَقِيلَ لامرأَة أَيُّ النساءِ أَبْغَضُ إِليكِ؟ قَالَتِ: الحَديدَةُ الرُّكْبةِ، القَبيحةُ النُّقْبةِ، الحاضِرَةُ الكِذْبةِ؛ وَقِيلَ: النُّقْبة اللَّوْنُ والوَجْهُ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ ثَوْرًا:
ولاحَ أَزْهَرُ مَشْهُورٌ بنُقْبَتهِ، ... كأَنَّه، حِينَ يَعْلُو عاقِراً، لَهَبُ
قَالَ ابْنُ الأَعرابي: فلانٌ مَيْمُونُ النَّقِيبة والنَّقِيمة أَي اللَّوْنِ؛ وَمِنْهُ سُمِّيَ نِقابُ المرأَةِ لأَنه يَسْتُر نِقابَها أَي لَوْنَها بلَوْنِ النِّقابِ. والنُّقْبةُ: خِرْقةٌ يُجْعَلُ أَعلاها كَالسَّرَاوِيلِ، وأَسْفَلُها كالإِزار؛ وَقِيلَ: النُّقْبةُ مِثْلُ النِّطَاقِ، إِلا أَنه مَخِيطُ الحُزَّة نَحْوُ السَّراويلِ؛ وَقِيلَ: هِيَ سَرَاوِيلُ بِغَيْرِ ساقَيْنِ. الْجَوْهَرِيُّ: النُّقْبة ثَوْبٌ كالإِزار، يُجْعَلُ لَهُ حُجْزة مَخِيطةٌ مِنْ غَيْرِ نَيْفَقٍ، ويُشَدُّ كَمَا يُشَدُّ السَّرَاوِيلُ. ونَقَبَ الثوبَ يَنْقُبه: جَعَلَهُ نُقْبة. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَلْبَسَتْنا أُمُّنا نُقْبَتَها
؛ هِيَ السراويلُ الَّتِي تَكُونُ لَهَا حُجْزةٌ، مِنْ غَيْرِ نَيْفَقٍ، فإِذا كَانَ لَهَا نَيْفَقٌ، فَهِيَ سَراويلُ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ مَوْلاةَ امْرَأَةٍ اخْتَلَعَت مِنْ كُلِّ شيءٍ لَهَا، وكلِّ ثَوْبٍ عَلَيْهَا، حَتَّى نُقْبَتِها، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ.
والنِّقابُ: القِناع عَلَى مارِنِ الأَنْفِ، وَالْجَمْعُ نُقُبٌ. وَقَدْ تَنَقَّبَتِ المرأَةُ، وانْتَقَبَتْ، وإِنها لَحَسَنة النِّقْبة، بِالْكَسْرِ. والنِّقابُ: نِقابُ المرأَة. التَّهْذِيبُ: والنِّقابُ عَلَى وُجُوهٍ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: إِذا أَدْنَتِ المرأَةُ نِقابَها إِلى عَيْنها، فَتِلْكَ الوَصْوَصَةُ، فإِن أَنْزَلَتْه دُونَ ذَلِكَ إِلى المَحْجِرِ، فَهُوَ النِّقابُ، فإِن كَانَ عَلَى طَرَفِ الأَنْفِ، فَهُوَ اللِّفَامُ. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: النِّقابُ عَلَى مارِنِ الأَنْفِ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ سِيرِين: النِّقاب مُحْدَثٌ؛ أَراد أَنَّ النساءَ مَا كُنَّ يَنْتَقِبْنَ أَي يَخْتَمِرْن؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: لَيْسَ هَذَا وجهَ الْحَدِيثِ، وَلَكِنَّ النِّقابُ، عِنْدَ الْعَرَبِ، هُوَ الَّذِي يَبْدُو مِنْهُ مَحْجِرُ الْعَيْنِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ إِبداءَهُنَّ المَحَاجِرَ مُحْدَثٌ، إِنما كَانَ النِّقابُ لاحِقاً بِالْعَيْنِ، وَكَانَتْ تَبْدُو إِحدى الْعَيْنَيْنِ، والأُخْرَى مَسْتُورَةٌ، والنِّقابُ لَا يَبْدُو مِنْهُ إِلا الْعَيْنَانِ، وَكَانَ اسْمُهُ عِنْدَهُمُ الوَصْوَصَةَ، والبُرْقُعَ، وَكَانَ مِنْ لباسِ النساءِ، ثُمَّ أَحْدَثْنَ النِّقابَ بعدُ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده سِيبَوَيْهِ:
بأَعْيُنٍ منها مَلِيحاتِ النُّقَبْ [النِّقَبْ] ، ... شَكْلِ التِّجارِ، وحَلالِ المُكْتَسَبْ
يُرْوَى: النُّقَبَ والنِّقَبَ؛ رَوَى الأُولى سِيبَوَيْهِ، وَرَوَى الثانيةَ الرِّياشِيُّ؛ فَمَن قَالَ النُّقَب، عَنَى(1/768)
دوائرَ الْوَجْهِ، ومَن قَالَ النِّقَب، أَرادَ جمعَ نِقْبة، مِن الانتِقاب بالنِّقاب. والنِّقاب: الْعَالِمُ بالأُمور. وَمِنْ كَلَامِ الْحَجَّاجِ فِي مُناطَقَتِه للشَّعْبِيِّ: إِن كَانَ ابنُ عَبَّاسٍ لنِقاباً، فَمَا قَالَ فِيهَا؟ وَفِي رِوَايَةٍ: إِن كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ لمِنْقَباً. النِّقابُ، والمِنْقَبُ، بِالْكَسْرِ وَالتَّخْفِيفِ: الرَّجُلُ الْعَالِمُ بالأَشياءِ، الكثيرُ البَحْثِ عَنْهَا، والتَّنْقِيبِ عَلَيْهَا أَي مَا كَانَ إِلا نِقاباً. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: النِّقابُ هُوَ الرَّجُلُ العَلَّامة؛ وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ الرَّجُل العالمُ بالأَشياءِ، المُبَحِّث عَنْهَا، الفَطِنُ الشَّديدُ الدُّخُولِ فِيهَا؛ قَالَ أَوْسُ بْنُ حَجَر يَمْدَحُ رَجُلًا:
نَجِيحٌ جَوادٌ، أَخُو مَأْقِطٍ، ... نِقابٌ، يُحَدِّثُ بالغائِبِ
وَهَذَا الْبَيْتُ ذِكْرَهُ الْجَوْهَرِيُّ: كَرِيمٌ جَوَادٌ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَالرِّوَايَةُ:
نَجِيحٌ مَلِيحٌ، أَخو مأْقِطٍ
قَالَ: وإِنما غَيَّرَهُ مَنْ غَيَّرَهُ، لأَنه زَعَمَ أَن الْمَلَاحَةَ الَّتِي هِيَ حُسْن الخَلْق، لَيْسَتْ بِمَوْضِعٍ لِلْمَدْحِ فِي الرِّجَالِ، إِذ كَانَتِ المَلاحة لَا تَجْرِي مَجْرَى الْفَضَائِلِ الْحَقِيقِيَّةِ، وإِنما المَليحُ هُنَا هُوَ المُسْتَشْفَى برأْيه، عَلَى مَا حُكِيَ عَنْ أَبي عَمْرٍو، قَالَ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: قريشٌ مِلْح الناسِ أَي يُسْتَشْفَى بِهِمْ. وَقَالَ غَيْرُهُ: المَلِيحُ فِي بَيْتِ أَوْسٍ، يُرادُ بِهِ المُسْتَطابُ مُجالَسَتُه. ونَقَّبَ فِي الأَرض: ذَهَبَ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ
؟ قَالَ الفَرَّاء: قرأَه القُراء فَنَقَّبوا «2» ، مُشَدَّداً؛ يَقُولُ: خَرَقُوا البلادَ فَسَارُوا فِيهَا طَلَباً للمَهْرَبِ، فَهَلْ كَانَ لَهُمْ محيصٌ مِنَ الْمَوْتِ؟ قَالَ: وَمَنْ قرأَ فنَقِّبوا، بِكَسْرِ الْقَافِ، فإِنه كَالْوَعِيدِ أَي اذْهَبُوا فِي الْبِلَادِ وجِيئُوا؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: فنَقِّبُوا، طَوِّفُوا وفَتِّشُوا؛ قَالَ: وقرأَ الْحَسَنُ فنَقَبُوا، بِالتَّخْفِيفِ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
وَقَدْ نَقَّبْتُ فِي الآفاقِ، حَتَّى ... رَضِيتُ مِنَ السَّلامةِ بالإِيابِ
أَي ضَرَبْتُ فِي البلادِ، أَقْبَلْتُ وأَدْبَرْتُ. ابْنُ الأَعرابي: أَنْقَبَ الرجلُ إِذا سَارَ فِي الْبِلَادِ؛ وأَنْقَبَ إِذا صَارَ حاجِباً؛ وأَنْقَبَ إِذا صَارَ نَقِيباً. ونَقَّبَ عَنِ الأَخْبار وَغَيْرِهَا: بَحَثَ؛ وَقِيلَ: نَقَّبَ عَنِ الأَخْبار: أَخْبر بِهَا. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِني لَمْ أُومَرْ أَنْ أُنَقِّبَ عَنْ قُلُوبِ الناسِ
أَي أُفَتِّشَ وأَكْشِفَ. والنَّقِيبُ: عَريفُ الْقَوْمُ، والجمعُ نُقَباءُ. والنَّقيب: العَريفُ، وَهُوَ شاهدُ الْقَوْمِ وضَمِينُهم؛ ونَقَبَ عَلَيْهِمْ يَنْقُبُ نِقابةً: عَرَف. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً
. قَالَ أَبو إِسحاق: النَّقِيبُ فِي اللغةِ كالأَمِينِ والكَفِيلِ. وَيُقَالُ: نَقَبَ الرجلُ عَلَى القَومِ يَنْقُبُ نِقابةً، مِثْلَ كَتَبَ يَكْتُبُ كِتابةً، فَهُوَ نَقِيبٌ؛ وَمَا كَانَ الرجلُ نَقِيباً، وَلَقَدْ نَقُبَ. قَالَ الْفَرَّاءُ: إِذا أَردتَ أَنه لَمْ يَكُنْ نَقِيباً ففَعَل، قُلْتَ: نَقُبَ، بِالضَّمِّ، نَقابة، بِالْفَتْحِ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: النِّقَابَةُ، بِالْكَسْرِ، الِاسْمُ، وَبِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ، مِثْلُ الوِلاية والوَلاية. وَفِي حَدِيثِ
عُبادة بْنِ الصَّامِتِ: وَكَانَ مِنَ النُّقباءِ
؛ جَمْعُ نَقِيبٍ، وَهُوَ كالعَرِيف عَلَى الْقَوْمِ، المُقَدَّم عَلَيْهِمُ، الَّذِي يَتَعَرَّف أَخْبَارَهم، ويُنَقِّبُ عَنْ أَحوالهم أَي يُفَتِّشُ. وَكَانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ جَعلَ، ليلةَ العَقَبَةِ، كلَّ وَاحِدٍ مِنَ الجماعة الذين
__________
(2) . قوله [قرأه الفراء إلخ] ذكر ثلاث قراءات: نقبوا بفتح القاف مشددة ومخخفة وبكسرها مشددة، وفي التكملة رابعة وهي قراءة مقاتل بن سليمان فنقبوا بكسر القاف مخففة أي ساروا في الأنقاب حتى لزمهم الوصف به.(1/769)
بَايَعُوهُ بِهَا نَقيباً عَلَى قَوْمِهِ وَجَمَاعَتِهِ، ليأْخُذوا عَلَيْهِمُ الإِسلامَ ويُعَرِّفُوهم شَرائطَه، وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ نَقيباً كُلُّهُمْ مِنَ الأَنصار، وَكَانَ عُبادة بْنُ الصَّامِتِ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: النَّقِيبُ الرئيسُ الأَكْبَرُ. وَقَوْلُهُمْ: فِي فلانٍ مَنَاقِب جميلةٌ أَي أَخْلاقٌ. وَهُوَ حَسَنُ النَّقِيبةِ أَي جميلُ الْخَلِيقَةِ. وإِنما قِيلَ للنَّقِيب نَقيبٌ، لأَنه يَعْلَمُ دخيلةَ أَمرِ الْقَوْمِ، وَيَعْرِفُ مَناقبهم، وَهُوَ الطريقُ إِلى مَعْرِفَةِ أُمورهم. قَالَ: وَهَذَا الْبَابُ كلُّه أَصلُه التأْثِيرُ الَّذِي لَهُ عُمْقٌ ودُخُولٌ؛ وَمِنْ ذَلِكَ يُقَالُ: نَقَبْتُ الْحَائِطَ أَي بَلغت فِي النَّقْب آخرَه. وَيُقَالُ: كَلْبٌ نَقِيبٌ، وَهُوَ أَن يَنْقُبَ حَنْجَرَةَ الكلبِ، أَو غَلْصَمَتَه، ليَضْعُفَ صوتُه، وَلَا يَرْتَفِع صوتُ نُباحِه، وإِنما يَفْعَلُ ذَلِكَ البُخلاء مِنَ الْعَرَبِ، لِئَلَّا يَطْرُقَهم ضَيْفٌ، بِاسْتِمَاعِ نُباح الْكِلَابِ. والنِّقَابُ: البطنُ. يُقَالُ فِي المَثل، فِي الِاثْنَيْنِ يَتَشَابَهانِ: فَرْخَانِ فِي نِقابٍ. والنَّقِيبُ: المِزْمارُ. وناقَبْتُ فُلَانًا إِذا لَقِيتَه فَجْأَةً. ولَقِيتُه نِقاباً أَي مُواجَهة؛ وَمَرَرْتُ عَلَى طَرِيقٍ فَناقَبَني فِيهِ فلانٌ نِقاباً أَي لَقِيَني عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ، وَلَا اعْتِمَادٍ. وورَدَ الماءَ نِقاباً، مِثْلُ التِقاطاً إِذا ورَد عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَن يَشْعُرَ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ؛ وَقِيلَ: وَرَدَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ. ونَقْبٌ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ سُلَيْكُ بنُ السُّلَكَة:
وهُنَّ عِجَالٌ مِنْ نُباكٍ، وَمِنْ نَقْبِ
نكب: نَكَبَ عَنِ الشيءِ وَعَنِ الطَّرِيقِ يَنْكُب نَكْباً ونُكُوباً، ونَكِبَ نَكَباً، ونَكَّبَ، وتَنَكَّبَ: عَدَلَ؛ قَالَ:
إِذا مَا كنتَ مُلْتَمِساً أَيامَى، ... فَنَكِّبْ كلَّ مُحْتِرةٍ صَناعِ
وَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَعراب، وَقَدْ كَبِرَ، وَكَانَ فِي دَاخِلِ بَيْتِهِ، ومَرَّتْ سَحابةٌ: كيفَ تَراها يَا بُنَيَّ؟ قَالَ: أَراها قَدْ نَكَّبَتْ وتَبَهَّرَتْ؛ نَكَّبَتْ: عَدَلَتْ؛ وأَنشد الْفَارِسِيُّ:
هُمَا إِبلانِ، فِيهِمَا مَا عَلِمْتُمُ، ... فَعَنْ أَيِّها، مَا شِئْتُمُ، فتَنَكَّبُوا
عدَّاه بِعَنْ، لأَن فِيهِ مَعْنَى اعْدلوا وتباعَدُوا، وَمَا زَائِدَةٌ. قَالَ الأَزهري: وَسَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُ نَكَبَ فلانٌ عَنِ الصَّوَابِ يَنْكُبُ نُكُوباً إِذا عَدَل عَنْهُ. ونَكَّبَ عَنِ الصَّوَابِ تَنْكِيبًا، ونَكَّبَ غيرَه. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنه قَالَ لِهُنَيّ مَوْلَاهُ: نَكِّبْ عَنَّا ابْنِ أُمّ عَبدٍ
أَي نَحِّه عَنَّا. وتَنَكَّبَ فلانٌ عَنَّا تَنَكُّباً أَي مَالَ عَنَّا. الْجَوْهَرِيُّ: نَكَّبه تَنْكيباً أَي عَدَل عَنْهُ وَاعْتَزَلَهُ. وتَنَكَّبَه أَي تَجَنَّبَه. ونَكَّبَه الطريقَ، ونَكَّبَ بِهِ: عَدَلَ. وطريقٌ يَنْكُوبٌ: عَلَى غَيْرِ قَصْدٍ. والنَّكَبُ، بِالتَّحْرِيكِ: المَيَلُ فِي الشيءِ. وَفِي التَّهْذِيبِ: شِبْهُ مَيَل فِي المَشْي؛ وأَنشد: عَنِ الحَقِّ أَنْكَبُ أَي مائلٌ عَنْهُ؛ وإِنه لَمِنْكابٌ عَنِ الحَقِّ. وقامةٌ نَكْبَاءُ: مَائِلَةٌ، وقِيَمٌ نُكْبٌ. والقامةُ: البَكْرَةُ. وَفِي حَدِيثِ حَجَّة الْوَدَاعِ:
فَقَالَ بأُصْبُعه السَّبَّابة يَرْفَعُها إِلى السماءِ، ويَنْكُبُها إِلى النَّاسِ
أَي يُميلُها إِليهم؛ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَن يُشْهِدَ اللهَ عَلَيْهِمْ. يُقَالُ: نَكَبْتُ الإِناءَ نَكْباً ونَكَّبْتُه تَنْكيباً إِذا أَماله وكَبَّه. وَفِي حَدِيثِ الزَّكَاةِ:
نَكِّبُوا عَنِ الطَّعام
؛ يُريد(1/770)
الأَكُولةَ وذواتِ اللَّبَنِ ونحوَهما أَي أَعْرِضُوا عَنْهَا، وَلَا تأْخذوها فِي الزَّكَاةِ، ودَعُوها لأَهلها، فَيُقَالُ فِيهِ: نَكَبَ ونَكَّبَ. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ:
نَكِّبْ عَنْ ذَاتِ الدَّرِّ.
وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ،
قَالَ لوَحْشِيٍّ: تَنَكَّبْ عَنْ وَجْهي
أَي تَنَحَّ، وأَعْرِضْ عَنِّي. والنَّكْبَاءُ: كلُّ ريحٍ؛ وَقِيلَ كلُّ رِيحٍ مِنَ الرِّيَاحِ الأَربع انْحَرَفَتْ ووقَعَتْ بَيْنَ رَيِحَيْنِ، وَهِيَ تُهلِكُ المالَ، وتحْبِسُ القَطْرَ؛ وَقَدْ نَكَبَتْ تَنْكُبُ نُكُوباً، وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: النَّكْبَاءُ الَّتِي لَا يُخْتَلَفُ فِيهَا، هِيَ الَّتِي تَهُبُّ بَيْنَ الصَّبَا والشَّمَال. والجِرْبِيَاءُ: الَّتِي بينَ الجَنُوب والصَّبَا؛ وَحَكَى ثعلبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: أَنَّ النُّكْبَ مِنَ الرِّيَاحِ أَربعٌ: فنَكْبَاءُ الصَّبا والجَنُوبِ مِهْيَافٌ مِلْوَاحٌ مِيباسٌ للبَقْلِ، وَهِيَ الَّتِي تجيءُ بَيْنَ الرِّيِحَيْنِ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: تُسَمَّى الأَزْيَبَ؛ ونَكْبَاءُ الصَّبا والشَّمَال مِعْجَاجٌ مِصْرَاد، لَا مَطَر فِيهَا وَلَا خَيْرَ عِنْدَهَا، وَتُسَمَّى الصَّابِيةَ، وَتُسَمَّى أَيضاً النُّكَيْبَاءَ، وإِنما صَغَّروها، وَهُمْ يُرِيدُونَ تَكْبِيرَهَا، لأَنهم يَسْتَبْرِدُونها جِدّاً؛ ونَكْبَاءُ الشَّمَال والدَّبُور قَرَّةٌ، وَرُبَّمَا كَانَ فِيهَا مَطَرٌ قَلِيلٌ، وَتُسَمَّى الجِرْبِياءَ، وَهِيَ نَيِّحَةُ الأَزْيَبِ؛ ونَكْبَاءُ الجَنُوبِ والدَّبُور حارَّة مِهْيافٌ، وَتُسَمَّى الهَيْفَ، وَهِيَ نَيِّحَةُ النُّكَيْبَاء، لأَن الْعَرَبَ تُناوِحُ بَيْنَ هَذِهِ النُّكْبِ، كَمَا ناوحُوا بَيْنَ القُوم مِنَ الرياحِ؛ وَقَدْ نَكَبَتْ تَنْكُبُ نُكُوباً. ودَبور نَكْبٌ: نَكْباءُ. الْجَوْهَرِيُّ: والنَّكْباءُ الرِّيحُ النَّاكِبَةُ، الَّتِي تَنْكُبُ عَنْ مَهَابِّ الرياحِ القُومِ، والدَّبُور رِيحٌ مِنْ رِيَاحِ القَيْظِ، لَا تَكُونُ إِلا فِيهِ، وَهِيَ مِهْيَافٌ؛ والجَنوبُ تَهُبُّ كلَّ وَقْتٍ. وَقَالَ ابنُ كِناسَةَ: تَخرج النَّكْباءُ مَا بَيْنَ مَطْلَعِ الذِّراع إِلى القُطْب، وَهُوَ مَطْلَع الكَواكب الشَّامِيَّةِ، وجعَلَ مَا بَيْنَ القُطْبِ إِلى مَسْقَطِ الذِّرَاعِ، مَخْرَجَ الشَّمال، وَهُوَ مَسْقَطُ كُلِّ نَجْمٍ طَلَعَ مِنْ مَخْرج النَّكْباءِ، مِنَ الْيَمَانِيَةِ، وَالْيَمَانِيَةُ لَا يَنْزِلُ فِيهَا شَمْسٌ وَلَا قَمَرٌ، إِنما يُهْتَدَى بِهَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، فَهِيَ شَامِيَّةٌ. قَالَ شَمِرٌ: لِكُلِّ رِيحٍ مِنَ الرِّيَاحِ الأَربع نَكْباءُ تُنْسَبُ إِليها، فالنَّكْباءُ الَّتِي تُنْسَبُ إِلى الصَّبا هِيَ الَّتِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشَّمَالِ، وَهِيَ تُشْبِهُهَا فِي اللِّينِ، وَلَهَا أَحياناً عُرامٌ، وَهُوَ قَلِيلٌ، إِنما يَكُونُ فِي الدَّهْرِ مَرَّةً؛ والنَّكْباءُ الَّتِي تُنْسَبُ إِلى الشَّمال، وَهِيَ الَّتِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ الدَّبُور، وَهِيَ تُشْبِهها فِي البَرْد، وَيُقَالُ لِهَذِهِ الشَّمال: الشامِيَّةُ، كلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا عِنْدَ الْعَرَبِ شَامِيَّةٌ؛ والنَّكْباءُ الَّتِي تُنْسَبُ إِلى الدَّبُور، هِيَ الَّتِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ الجَنُوب، تجيءُ مِنْ مَغِيبِ سُهَيْل، وَهِيَ تُشْبِه الدَّبور فِي شِدَّتها وعَجاجِها؛ والنَّكْباءُ الَّتِي تُنْسَبُ إِلى الجَنوب، هِيَ الَّتِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّبا، وَهِيَ أَشْبَهُ الرِّياح بِهَا، فِي رِقَّتِهَا وَفِي لِينِهَا فِي الشتاءِ. وَبَعِيرٌ أَنْكَبُ: يَمْشي مُتَنَكِّباً. والأَنْكَبُ مِنَ الإِبل: كأَنما يَمْشِي فِي شِقٍّ؛ وأَنشد:
أَنْكَبُ زَيَّافٌ، وَمَا فِيهِ نَكَبْ
ومَنْكِبا كلِّ شيءٍ: مُجْتَمَعُ عَظْمِ العَضُدِ والكتِفِ، وحَبْلُ العاتِق مِنَ الإِنسانِ والطائرِ وكلِّ شيءٍ. ابْنُ سِيدَهْ: المَنْكِبُ مِنَ الإِنسان وَغَيْرِهِ: مُجْتَمَعُ رأْسِ الكَتِفِ والعَضُدِ، مُذَكَّرٌ لَا غَيْرَ، حَكَى ذَلِكَ اللِّحْيَانِيُّ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: هُوَ اسْمٌ للعُضْو، لَيْسَ عَلَى الْمَصْدَرِ وَلَا الْمَكَانِ، لأَن فِعْلَه نَكَبَ يَنكُبُ، يَعْنِي أَنه لَوْ كَانَ عَلَيْهِ، لَقَالَ: مَنْكَبٌ؛ قَالَ: وَلَا يُحْمَل عَلَى بَابِ مَطْلِع، لأَنه نَادِرٌ، أَعني بابَ مَطْلِع. وَرَجُلٌ شديدُ المَناكِبِ، قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هُوَ مِنَ الْوَاحِدِ الَّذِي يُفَرَّقُ فَيُجْعَلُ جَمِيعًا؛ قَالَ: وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ هَذَا كَثِيرًا، وقياسُ قَوْلِ سِيبَوَيْهِ، أَن(1/771)
يَكُونُوا ذَهَبُوا فِي ذَلِكَ إِلى تَعْظِيمِ الْعُضْوِ، كأَنهم جَعَلُوا كُلَّ طَائِفَةٍ مِنْهُ مَنْكِباً. ونَكِبَ فلانٌ يَنْكَبُ نَكَباً إِذا اشْتَكى مَنْكِبَهُ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: خِيارُكم أَلْيَنُكُمْ مَناكِبَ فِي الصَّلَاةِ؛ أَراد لزُومَ السَّكِينَةِ فِي الصَّلَاةِ؛ وَقِيلَ أَراد أَن لَا يَمْتَنِعَ عَلَى مَنْ يجيءُ لِيَدْخُلَ فِي الصَّفِّ، لِضِيقِ الْمَكَانِ، بَلْ يُمَكِّنُه مِنْ ذَلِكَ. وانْتَكَبَ الرجلُ كِنانَتَهُ وقَوْسَه، وتَنَكَّبها: أَلْقاها عَلَى مَنْكِبِه. وَفِي الْحَدِيثِ:
كَانَ إِذا خَطَبَ بالمُصَلَّى، تَنَكَّبَ عَلَى قَوْسٍ أَو عَصاً
أَي اتَّكأَ عَلَيْهَا؛ وأَصله مِن تَنَكَّبَ القوسَ، وانْتَكَبها إِذا عَلَّقها فِي مَنْكبه. والنَّكَبُ، بِفَتْحِ النُّونِ وَالْكَافِ: داءٌ يأْخذ الإِبلَ فِي مَناكبها، فَتَظْلَعُ مِنْهُ، وَتَمْشِي مُنْحَرِفةً. ابْنُ سِيدَهْ: والنَّكَبُ ظَلَعٌ يأْخذ البعيرَ مِنْ وَجَع فِي مَنْكِبه؛ نَكِبَ البعيرُ، بِالْكَسْرِ، يَنْكَبُ نَكَباً، وَهُوَ أَنْكَبُ؛ قَالَ:
يَبْغِي فيُرْدِي وخَدانَ الأَنْكَبِ
الْجَوْهَرِيُّ: قَالَ العَدَبَّسُ: لَا يَكُونُ النَّكَبُ إِلا فِي الكَتِفِ؛ وَقَالَ رجلٌ مِنْ فَقْعَسٍ:
فهَلَّا أَعَدُّوني لمِثْلي تَفاقَدُوا، ... إِذا الخَصْمُ، أَبْزى، مائِلُ الرأْسِ أَنكَبُ
قَالَ: وَهُوَ مِنْ صِفَةِ المُتَطاوِل الجائرِ. ومَناكِب الأَرضِ: جبالُها؛ وَقِيلَ: طُرُقها؛ وَقِيلَ: جَوانِبُها؛ وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَامْشُوا فِي مَناكِبِها
؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: يُرِيدُ فِي جَوَانِبِهَا؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ فِي جِبَالِهَا؛ وَقِيلَ: فِي طُرُقها. قَالَ الأَزهري: وأَشبَهُ التَّفْسِيرِ، وَاللَّهُ أَعلم، تَفْسِيرُ مَنْ قَالَ: فِي جِبَالِهَا، لأَن قَوْلَهُ: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا، مَعْنَاهُ سَهَّلَ لَكم السُّلوكَ فِيهَا، فأَمكنكم السُّلُوكُ فِي جِبَالِهَا، فَهُوَ أَبلغ فِي التَّذْلِيلِ. والمَنْكِبُ مِنَ الأَرض: الموضعُ الْمُرْتَفِعُ. وَفِي جَناح الطائرِ عِشْرُونَ رِيشَةً: أَوَّلُها القَوادِمُ، ثُمَّ المَناكِبُ، ثُمَّ الخَوافي، ثُمَّ الأَباهِرُ، ثُمَّ الكُلى؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَعْرِفُ للمَناكب مِنَ الرِّيشِ وَاحِدًا، غَيْرَ أَن قِيَاسَهُ أَن يَكُونَ مَنْكِباً. غَيْرُهُ: والمَناكِبُ فِي جَناحِ الطَّائِرِ أَربعٌ، بَعْدَ القَوادِم؛ ونَكَبَ عَلَى قَوْمِهِ يَنْكُبُ نِكابَةً ونُكوباً، الأَخيرة عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، إِذا كَانَ مَنْكِباً لَهُمْ، يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ. وَفِي الْمُحْكَمِ عَرَفَ عَلَيْهِمْ؛ قَالَ: والمَنْكِبُ العَرِيفُ، وَقِيلَ: عَوْنُ العَريفِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: مَنْكِبُ الْقَوْمِ رأْسُ العُرَفاءِ، عَلَى كَذَا وَكَذَا عَرِيفًا مَنْكِبٌ، وَيُقَالُ لَهُ: النِّكابةُ فِي قَوْمِهِ. وَفِي حَدِيثِ
النَّخَعِيِّ: كَانَ يَتَوَسَّطُ العُرَفاءَ والمَناكِب
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: المَناكِبُ قومٌ دُونَ العُرَفاءِ، واحدُهم مَنْكِبٌ؛ وَقِيلَ: المَنْكِبُ رأْسُ العُرفاءِ. والنِّكابةُ: كالعِرافَةِ والنِّقابة. ونَكَبَ الإِناءَ يَنْكُبُه نَكْباً: هَراقَ مَا فِيهِ، وَلَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ شيءٍ غَيْرِ سَيّالٍ، كَالتُّرَابِ وَنَحْوِهِ. ونَكَبَ كِنانَتَه يَنْكُبُها نَكْباً: نَثَرَ مَا فِيهَا، وَقِيلَ إِذا كَبَّها ليُخْرِجَ مَا فِيهَا مِنَ السِّهام. وَفِي حَدِيثِ
سَعْدٍ، قَالَ يَوْمَ الشُّورَى: إِني نَكَبْتُ قرَني «3» ، فأَخَذْتُ سَهْمِي الفالِجَ
أَي كَبَبْتُ كِنانَتي. وَفِي حَدِيثِ
الْحَجَّاجِ: أَن أَمير المؤْمنين نَكَبَ كنانَتَه، فَعَجَم عِيدانَها.
والنَّكْبَةُ: المُصيبةُ مِنْ مَصائب الدَّهْرِ، وإِحْدى
__________
(3) . قوله [إني نكبت قرني] القرن بالتحريك جعبة صغيرة تقرن إلى الكبيرة والفالج السهم الفائز في النضال. والمعنى إني نظرت في الآراء وقلبتها فاخترت الرأي الصائب منها وهو الرضى بحكم عبد الرحمن.(1/772)
نَكَباتِه، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْهَا. والنَّكْبُ: كالنَّكْبَة؛ قَالَ قَيْسُ بْنُ ذُرَيْح:
تَشَمَّمْنَه، لَوْ يَسْتَطِعْنَ ارْتَشَفْنَه، ... إِذا سُفْنَهُ، يَزْدَدْنَ نَكْباً عَلَى نَكْبِ
وَجَمْعُهُ: نُكُوبٌ. ونَكَبه الدهرُ يَنْكُبه نَكْباً ونَكَباً: بَلَغَ مِنْهُ وأَصابه بنَكْبةٍ؛ وَيُقَالُ: نَكَبَتْهُ حوادثُ الدَّهْر، وأَصابَتْه نَكْبَةٌ، ونَكَباتٌ، ونُكُوبٌ كَثِيرَةٌ، ونُكِبَ فلانٌ، فَهُوَ مَنْكُوبٌ. ونَكَبَتْه الحجارةُ نَكْباً أَي لَثَمَتْه. والنَّكْبُ: أَن يَنْكُبَ الحجرُ ظُفْراً، أَو حَافِرًا، أَو مَنْسِماً؛ يُقَالُ: مَنْسِمٌ مَنْكوبٌ، ونَكِيبٌ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
وتَصُكُّ المَرْوَ، لمَّا هَجَّرَتْ، ... بِنَكِيبٍ مَعِرٍ، دَامِي الأَظَلّ
الْجَوْهَرِيُّ: النَّكِيبُ دائرةُ الحافِر، والخُفِّ؛ وأَنشد بَيْتَ لَبِيدٍ: ونَكَبَ الحَجرُ رِجْلَهُ وظُفْره، فَهُوَ مَنْكُوبٌ ونَكِيبٌ: أَصابه. وَيُقَالُ: لَيْسَ دونَ هَذَا الأَمر نَكْبة، ولا ذُياحٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: حَكَاهُ ابْنُ الأَعرابي، ثُمَّ فَسَّرَهُ فَقَالَ: النَّكْبةُ أَن يَنْكُبه الحَجَرُ؛ والذُّياحُ: شَقٌّ فِي بَاطِنِ القَدَم. وَفِي حَدِيثِ قُدوم المُسْتَضْعَفين بِمَكَّةَ:
فجاؤُوا يَسُوقُ بِهِمُ الوليدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَسَارَ ثَلَاثًا عَلَى قَدَمَيْه، وَقَدْ نَكَبَتْه الحَرَّةُ
أَي نَالَتْهُ حجارتُها وأَصابته؛ وَمِنْهُ النَّكْبةُ، وَهُوَ مَا يُصيبُ الإِنسان مِنَ الحَوادث. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه نُكِبَتْ إِصبَعُه
أَي نَالَتْهَا الْحِجَارَةُ. ورجلٌ أَنْكَبُ: لَا قَوْسَ مَعَهُ. ويَنْكُوبٌ: ماءٌ معروفٌ؛ عَنْ كُرَاعٍ.
نهب: النَّهْبُ: الغَنيمة. وَفِي الْحَدِيثِ:
فأُتِيَ بنَهْبٍ
أَي بغَنيمة، وَالْجَمْعُ نِهابٌ ونُهُوبٌ؛ وَفِي شِعْرِ الْعَبَّاسِ بنِ مِرْدَاسٍ:
كانتْ نِهاباً، تَلافَيْتُها ... بِكَرِّي عَلَى المُهرِ، بالأَجرَعِ
والانْتِهابُ: أَن يأْخُذَه مَنْ شاءَ. والإِنْهاب: إِباحَتُه لِمَنْ شاءَ. ونَهَبَ النَّهْبَ يَنْهَبُه نَهْباً وانْتَهَبَه: أَخذه. وأَنْهَبَه غَيرَه: عَرَّضَه لَهُ؛ يقالُ أَنْهَبَ الرجلُ مالَه، فانْتَهبوه ونَهَبُوه، وناهَبُوه: كلُّه بِمَعْنًى. ونَهَبَ الناسُ «1» فُلَانًا إِذا تَناولوه بِكَلَامِهِمْ؛ وَكَذَلِكَ الكلبُ إِذا أَخَذَ بعُرْقُوبِ الإِنسان، يُقَالُ: لَا تَدَعْ كلْبَك يَنْهَبِ الناسَ. والنُّهْبَة، والنُّهْبَى، والنُّهَيْبَى، والنُّهَّيْبَى: كلُّه اسمُ الانْتِهاب، والنَّهْبِ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: النَّهْبُ مَا انْتَهَبْتَ؛ والنُّهْبةُ والنُّهْبى: اسمُ الانْتِهابِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا يَنتَهِبُ نُهْبةً ذاتَ شَرَفٍ، يَرْفَعُ الناسُ إِليها أَبصارَهم، وَهُوَ مؤْمِنٌ.
النَّهْبُ: الغارةُ والسَّلْبُ؛ أَي لَا يَخْتَلِسُ شَيْئًا لَهُ قيمةٌ عاليةٌ. وَكَانَ للفِزْرِ بَنُونَ يَرْعَوْنَ مِعْزاه، فتَواكلُوا يَوْمًا أَي أَبَوْا أَنْ يَسْرَحُوها، قَالَ: فساقَها، فأَخْرَجَها، ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ: هِيَ النُّهَّيْبَى، وَرُوِيَ بِالتَّخْفِيفِ أَي لَا يَحِلُّ لأَحدٍ أَن يأْخُذَ مِنْهَا أَكثر مِنْ واحدٍ؛ وَمِنْهُ المَثَلُ: لَا يَجْتَمِعُ ذَلِكَ حَتَّى تجْتَمِعَ مِعْزَى الفِزْر. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه نُثِرَ شيءٌ فِي إِمْلاكٍ، فَلَمْ يأْخُذُوه، فَقَالَ: مَا لَكَمَ لَا تَنْتَهِبُون؟ قَالُوا: أَوَليس قَدْ نَهَيْتَ عَنِ النُّهْبى؟ قَالَ: إِنما نَهَيْتُ عَنْ نُهْبى العساكِر، فانْتَهِبُوا.
قَالَ ابْنُ الأَثير: النُّهْبَى بِمَعْنَى النَّهْبِ، كالنُّحْلى والنُّحْلِ، للعَطِيَّةِ. قال:
__________
(1) . قوله [ونهب الناس إلخ] مثله ناهب الناس فلاناً كما في التكملة.(1/773)
وَقَدْ يَكُونُ اسمَ مَا يُنْهَبُ، كالعُمْرَى والرُّقْبى. وَفِي حَدِيثِ
أَبي بَكْرٍ، رضي اللَّهُ عَنْهُ: أَحْرَزْتُ نَهْبي وأَبْتَغِي النوافلَ
أَي قَضَيْتُ مَا عَليَّ مِنَ الوِتْر، قَبْلَ أَنْ أَنامَ لِئَلَّا يَفُوتَني، فإِن انْتَبَهْتُ، تَنَفَّلْتُ بِالصَّلَاةِ؛ قَالَ: والنَّهْبُ هَاهُنَا بِمَعْنَى المَنْهوبِ، تَسميةً بِالْمَصْدَرِ؛ وَفِي شِعْرِ الْعَبَّاسِ بْنِ مِرْداسٍ:
أَتَجْعَلُ نَهْبي ونَهْبَ العُبَيْدِ، ... بينَ عُيَيْنَةَ والأَقْرَعِ؟
عُبَيْدٌ، مصغَّر: اسْمُ فَرَسِهِ. وتَناهَبَتِ الإِبلُ الأَرضَ: أَخَذَتْ بقَوائمها مِنْهَا أَخْذاً كَثِيرًا. والمُناهَبَةُ: المُباراةُ فِي الحُضْرِ والجَرْيِ؛ فرسٌ يُناهِبُ فَرَسًا. وتَناهَبَ الفَرسانِ: ناهَبَ كلُّ واحدٍ مِنْهُمَا صاحِبَه؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ:
ناهَبْتُهم بنَيْطَلٍ جَرُوفِ
وفرسٌ مِنْهَبٌ «1» ، عَلَى طَرْحِ الزَّائِدِ، أَو عَلَى أَنه نُوهِبَ، فَنَهَبَ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ يَصِفُ عَيراً وأُتُنَه:
وإِن تُناهِبْه، تَجِدْهُ مِنْهَبا
ومِنْهَبٌ: فرسُ عُوَيَّة بنِ سَلْمى. وانْتَهَبَ الفرسُ الشَّوْطَ: اسْتَوْلَى عَلَيْهِ. وَيُقَالُ للفَرَسِ الجَوادِ: إِنه لَيَنْهَبُ الغايةَ والشَّوطَ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
والخَرْقُ، دُونَ بَناتِ السَّهْبِ، مُنْتَهَبُ
يَعْنِي فِي التَّباري بَيْنَ الظَّلِيم والنَّعامة. وَفِي النَّوَادِرِ: النَّهْبُ ضَرْبٌ مِنَ الرَّكْضِ. والنَّهْبُ: الْغَارَةُ «2» . ومِنْهَبٌ: أَبو قَبِيلَةٍ.
نوب: نابَ الأَمْرُ نَوْباً ونَوبةً: نزلَ. ونابَتْهم نَوائبُ الدَّهْر. وَفِي حَدِيثِ خَيْبَر:
قسَمها نِصْفَينِ: نِصْفاً لنَوائِبِه وحاجاتِه، ونِصفاً بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.
النَّوائِبُ: جَمْعُ نائبةٍ، وَهِيَ مَا يَنُوبُ الإِنسانَ أَي يَنْزِلُ بِهِ مِنَ المُهمَّات والحَوادِثِ. والنَّائِبَةُ: المُصيبةُ، واحدةُ نوائبِ الدَّهْر. وَالنَّائِبَةُ: النازلةُ، وَهِيَ النَّوائِبُ والنُّوَبُ، الأَخيرةُ نَادِرَةٌ. قَالَ ابْنُ جِنِّي: مَجِيءُ فَعْلةٍ عَلَى فُعَلٍ، يُرِيكَ كأَنها إِنما جاءَتْ عِنْدَهُمْ مِنْ فُعْلَة، فكأَنَّ نَوْبَةً نُوبَةٌ، وإِنما ذَلِكَ لأَن الْوَاوَ مِمَّا سَبِيلُهُ أَن يأْتي تَابِعًا لِلضَّمَّةِ؛ قَالَ: وَهَذَا يؤَكد عِنْدَكَ ضَعْفَ حُرُوفِ اللِّينِ الثَّلَاثَةِ، وَكَذَلِكَ القولُ فِي دَوْلَةٍ وجَوبةٍ، وكلٌّ مِنْهُمَا مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. وَيُقَالُ: أَصبَحْتَ لَا نَوْبةَ لَكَ أَي لَا قُوَّة لَكَ؛ وَكَذَلِكَ: ترَكْتُه لَا نَوْبَ لَهُ أَي لَا قُوَّةَ لَهُ. النَّضْرُ: يُقَالُ للمَطَرِ الجَوْد: مُنِيبٌ، وأَصابنا رَبيعٌ صِدْقٌ مُنِيبٌ، حَسَنٌ، وَهُوَ دُونُ الجَوْدِ. ونِعْمَ المَطَرُ هَذَا إِن كَانَ لَهُ تابعةٌ أَي مَطْرةٌ تَتْبَعه. ونابَ عَنِّي فلانٌ يَنُوبُ نَوْباً ومَناباً أَي قَامَ مَقَامِي؛ ونابَ عَني فِي هَذَا الأَمْرِ نِيَابَةً إِذا قَامَ مقامَك. والنَّوْب: اسْمٌ لِجَمْعِ نائبٍ، مثلُ زائرٍ وزَوْرٍ؛ وَقِيلَ هُوَ جَمْعٌ. والنَّوْبةُ: الجماعةُ مِنَ النَّاسِ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ:
انْقَطَع الرِّشاءُ، وانحَلَّ الثَّوْبْ، ... وجاءَ مِنْ بَناتِ وَطَّاءِ النَّوْبْ،
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: يَجُوزُ أَن يَكُونَ النَّوْبُ فِيهِ مِنَ الْجَمْعِ الَّذِي لَا يُفارق واحدَه إِلَّا بالهاءِ، وأَن يَكُونَ جمعَ نائبٍ، كزائرٍ وزَوْرٍ، عَلَى مَا تَقَدَّم. ابْنُ شُمَيْلٍ: يُقَالُ لِلْقَوْمِ في السَّفَر: يَتَناوبونَ،
__________
(1) . قوله [وفرس منهب] أي كمنبر فائق في العدو.
(2) . قوله [والنهب الغارة] واسم موضع أيضاً. والنهبان، مثناه: جبلان بتهامة. والنهيب، كأمير: موضع، كما في التكملة.(1/774)
ويَتَنازَلُونَ، ويَتَطاعَمُون أَي يأْكلون عِنْدَ هَذَا نُزْلةً وَعِنْدَ هَذَا نُزْلةً؛ والنُّزْلةُ: الطعامُ يَصْنَعه لَهُمْ حَتَّى يَشْبَعُوا؛ يُقَالُ: كَانَ اليومَ عَلَى فُلَانٍ نُزْلَتُنا، وأَكلْنا عِنْدَهُ نُزْلَتَنا؛ وَكَذَلِكَ النَّوْبة؛ والتَّناوُبُ عَلَى كُلِّ واحدٍ مِنْهُمْ نَوْبةٌ يَنُوبُها أَي طعامُ يومٍ، وجمعُ النَّوْبةِ نُوَبٌ. والنَّوْبُ: مَا كَانَ مِنْكَ مَسيرةَ يومٍ وليلةٍ، وأَصله فِي الوِرْدِ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
إِحْدَى بَني جَعْفَرٍ كَلِفْتُ بِهَا، ... لَمْ تُمْسِ نَوْباً مِني، وَلَا قَرَبا
وَقِيلَ: مَا كَانَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيام؛ وَقِيلَ: مَا كَانَ عَلَى فَرسخين، أَو ثَلَاثَةٍ؛ وَقِيلَ: النَّوْبُ، بِالْفَتْحِ، القُرْب، خِلافُ البُعْد؛ قَالَ أَبو ذؤَيب:
أَرِقْتُ لذكْرِهِ مِنْ غَير نَوْبٍ، ... كَمَا يَهْتاجُ مَوْشِيٌّ نَقِيبُ
أَراد بالمَوْشِيِّ الزَّمَّارةَ مِن القَصَبِ المُثَقَّبِ. ابْنُ الأَعرابي: النَّوْبُ القَرَبُ «1» . يَنُوبُها: يعهَدُ إِليها، يَنَالُهَا؛ قَالَ: والقَرَبُ والنَّوْبُ واحدٌ. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: القَرَبُ أَن يأْتيَها فِي ثَلَاثَةِ أَيام مرَّة. ابْنُ الأَعرابي: والنَّوْبُ أَن يَطرُدَ الإِبلَ باكِراً إِلى الماءِ، فيُمْسي عَلَى الماءِ يَنْتابُه. والحُمَّى النائبةُ: الَّتِي تأْتي كلَّ يَوْمٍ. ونُبْتُه نَوْباً وانْتَبْتُه: أَتيتُه عَلَى نَوْب. وانْتابَ الرجلُ القومَ انْتياباً إِذا قصَدَهم، وأَتاهم مَرَّةً بَعْدَ مَرَّة، وَهُوَ يَنتابُهم، وَهُوَ افْتِعال مِنَ النَّوبة. وَفِي حَدِيثِ الدعاءِ:
يَا أَرْحَمَ مَن انْتابه المُسْتَرحِمُون.
وَفِي حَدِيثِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ:
كَانَ الناسُ يَنْتابونَ الْجُمُعَةَ مِنْ مَنازِلهم
؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
احْتاطُوا لأَهْلِ الأَمْوالِ فِي النَّائبة والواطِئَةِ
أَي الأَضْيافِ الَّذِينَ يَنُوبونهم، ويَنْزلون بِهِمْ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ أُسامةَ الهُذَليّ:
أَقَبُّ طَريدٌ، بِنُزْهِ الفَلاةِ، ... لَا يَرِدُ الماءَ إِلَّا انْتِيابا
وَيُرْوَى: ائْتِيَابَا؛ وَهُوَ افْتِعال مِنْ آبَ يَؤُوبُ إِذا أَتى لَيْلًا. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هُوَ يَصِفُ حمارَ وَحْشٍ. والأَقَبُّ: الضَّامِرُ البَطْنِ. ونُزْهُ الفَلاةِ: مَا تَباعَدَ مِنْهَا عَنِ الماءِ والأَرْياف. والنُّوبةُ، بِالضَّمِّ: الِاسْمُ مِنْ قَوْلِكَ نَابَهُ أَمْرٌ، وانْتابه أَي أَصابه. وَيُقَالُ: المَنايا تَتَناوبُنا أَي تأْتي كُلًّا مِنَّا لنَوْبَتِه. والنَّوبة: الفُرْصة والدَّوْلة، وَالْجَمْعُ نُوَبٌ، نَادِرٌ. وتَناوَبَ القومُ الماءَ: تَقاسَمُوه عَلَى المَقْلةِ، وَهِيَ حَصاة القَسْم. التَّهْذِيبِ: وتَناوَبْنا الخَطْبَ والأَمرَ، نَتَناوَبه إِذا قُمنا بِهِ نَوبةً بَعْدَ نَوبة. الْجَوْهَرِيُّ: النَّوبةُ واحدةُ النُّوَبِ، تَقُولُ: جاءتْ نَوْبَتُكَ ونِيابَتُك، وَهُمْ يَتَناوبون النَّوبة فِيمَا بَيْنَهُمْ فِي الماءِ وَغَيْرِهِ. ونابَ الشيءُ عَنِ الشيءِ، يَنُوبُ: قَامَ مَقامه؛ وأَنَبْتُه أَنا عَنْهُ. وناوَبه: عاقَبه. ونابَ فلانٌ إِلى اللَّهِ تَعَالَى، وأَنابَ إِليه إِنابةً، فَهُوَ مُنِيبٌ: أَقْبَلَ وتابَ، ورجَع إِلى الطَّاعَةِ؛ وَقِيلَ: نابَ لَزِمَ الطَّاعَةَ، وأَنابَ: تابَ ورجَعَ. وَفِي حَدِيثِ الدعاءِ:
وإِليك أَنَبْتُ.
الإِنابةُ: الرجوعُ إِلى اللَّهِ بالتَّوبة. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: مُنِيبِينَ إِلَيْهِ*
؛ أَي رَاجِعِينَ إِلى مَا أَمَرَ بِهِ، غَيْرَ خَارِجِينَ عَنْ شيءٍ مِنْ أَمرِه. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ
؛ أَي تُوبوا إِليه وارْجِعُوا، وَقِيلَ إِنها نزلتْ فِي قَوْمٍ فُتِنُوا فِي دِينِهم، وعُذِّبُوا بِمَكَّةَ، فرجَعُوا عَنِ الإِسلام، فَقِيلَ: إِنَّ هؤُلاء لَا يُغْفَرُ لَهُمْ بَعْدَ رُجوعهم عَنِ الإِسلام، فأَعْلم اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ،
__________
(1) . قوله [ابْنُ الأَعرابي النَّوْبُ الْقَرَبُ إلخ] هكذا بالأَصل وهي عبارة التهذيب وليس معنا من هذه المادة شيء منه فانظره فإنه يظهر أن فيه سقطاً مِنْ شِعْرٍ أَوْ غَيْرِهِ.(1/775)
أَنهم إِن تَابُوا وأَسلموا، غَفَرَ لَهُمْ. والنُّوبُ والنُّوبةُ أَيضاً: جِيلٌ مِنَ السُّودانِ، الْوَاحِدُ نُوبيّ. والنُّوبُ: النَّحْلُ، وَهُوَ جمعُ نائبٍ، مِثْلُ عائطٍ وعُوطٍ، وفارهٍ وفُرْه، لأَنها تَرْعى وتَنُوبُ إِلى مَكَانِهَا؛ قَالَ الأَصمعي: هُوَ مِنَ النُّوبةِ الَّتِي تَنُوبُ الناسَ لِوَقْتٍ معروفٍ، وَقَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
إِذا لَسَعَتْهُ النَّحْلُ، لَمْ يَرْجُ لَسْعَها، ... وحالفَها فِي بَيْت نُوبٍ عَواسِلِ
قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: سميتْ نُوبًا، لأَنها تَضْرِبُ إِلى السَّواد؛ وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: سُمِّيَتْ بِهِ لأَنها تَرْعَى ثُمَّ تَنُوبُ إِلى موضِعها؛ فمَن جَعَلَهَا مُشَبَّهةً بالنُّوبِ، لأَنها تَضْرِبُ إِلى السَّواد، فَلَا وَاحِدَ لَهَا؛ ومَن سَمَّاهَا بِذَلِكَ لأَنها تَرْعى ثُمَّ تَنُوبُ، فواحدُها نائبٌ؛ شَبَّه ذَلِكَ بنَوبةِ الناسِ، والرجوعِ لوَقتٍ، مَرَّةً بَعْدَ مرَّة. والنُّوبُ: جَمْعُ نائبٍ مِنَ النَّحْلِ، لأَنها تَعُودُ إِلى خَلِيَّتها؛ وَقِيلَ: الدَّبْرُ تُسَمَّى نُوباً، لسوادِها، شُبِّهَتْ بالنُّوبةِ، وَهُمْ جِنْس مِنَ السُّودانِ. والمَنابُ: الطريقُ إِلى الماءِ. ونائِبٌ: اسمُ رجل.
نيب: النَّابُ مُذَكَّرٌ «1» : مِنَ الأَسنانِ. ابْنُ سِيدَهْ: النَّابُ هِيَ السِّنُّ الَّتِي خَلْفَ الرَّباعِيَةِ، وَهِيَ أُنثى. قَالَ سِيبَوَيْهِ: أَمالوا نَابًا، فِي حَدِّ الرَّفْعِ، تَشْبِيهًا لَهُ بأَلِف رَمَى، لأَنها مُنْقَلِبَةٌ عَنْ ياءٍ، وَهُوَ نَادِرٌ؛ يَعْنِي أَن الأَلِف الْمُنْقَلِبَةُ عَنِ الياءِ وَالْوَاوِ، إِنما تُمَالُ إِذا كَانَتْ لَامًا، وَذَلِكَ فِي الأَفعال خَاصَّةً، وَمَا جَاءَ مِنْ هَذَا فِي الِاسْمِ، كالمَكا، نَادِرٌ؛ وأَشذُّ مِنْهُ مَا كَانَتْ أَلفه مُنْقَلِبَةٌ عَنْ يَاءٍ عَيْنًا، وَالْجَمْعُ أَنْيُبٌ، عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وأَنْيابٌ ونُيُوبٌ وأَناييبُ، الأَخيرة عَنْ سِيبَوَيْهِ، جمعُ الْجَمْعِ كأَبْياتٍ وأَبايِيتَ. وَرَجُلٌ أَنْيَبُ: غَليظُ النابِ، لَا يَضْغَمُ شَيْئًا إِلَّا كَسَرَه، عَنْ ثَعْلَبٍ؛ وأَنشد:
فَقُلْتُ: تَعَلَّمْ أَنَّني غيرُ نائمٍ ... إِلى مُسْتَقِلٍّ بالخِيانَةِ، أَنْيَبا
ونُيُوبٌ نُيَّبٌ: عَلَى المُبالغة؛ قَالَ:
مَجُوبةٌ جَوْبَ الرَّحَى، لَمْ تُثْقَبِ، ... تَعَضُّ مِنْهَا بالنُّيُوبِ النُّيَّبِ
ونِبْتُه: أَصَبْتُ نَابَهُ، وَاسْتَعَارَ بعضُهم الأَنْيابَ للشَّرِّ؛ وأَنشد ثَعْلَبٌ:
أَفِرُّ حِذارَ الشَّرِّ، والشَّرُّ تارِكي، ... وأَطْعُنُ فِي أَنْيابِه، وَهُوَ كالِحُ
والنَّابُ والنَّيُوبُ: الناقةُ المُسِنَّة، سَمَّوْها بِذَلِكَ حِينَ طَالَ نابُها وعَظُم، مؤَنثة أَيضاً، وَهُوَ مِمَّا سُمِّي فِيهِ الكُلُّ بِاسْمِ الجُزْءِ. وتصغيرُ النَّابِ مِنَ الإِبل: نُيَيْبٌ، بِغَيْرِ هَاءٍ، وَهَذَا عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِمْ للمرأَة: مَا أَنتِ إِلَّا بُطَيْنٌ، وَلِلْمَهْزُولَةِ: إِبْرةُ الكَعْبِ وإِشْفَى المِرْفَقِ. والنَّيُوبُ: كالنَّابِ، وَجَمْعُهُمَا مَعًا أَنْيابٌ ونُيُوبٌ ونِيبٌ، فَذَهَبَ سِيبَوَيْهِ إِلى أَن نِيباً جمعُ نابٍ، وَقَالَ: بَنَوها عَلَى فُعْل، كَمَا بَنَوا الدارَ عَلَى فُعْل، كَرَاهِيَةَ نُيُوبٍ، لأَنها ضَمَّةٌ فِي ياءٍ، وَقَبْلَهَا ضَمَّةٌ، وَبَعْدَهَا وَاوٌ، فَكَرِهُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا فِيهَا أَيضاً: أَنْيابٌ، كقَدَم وأَقْدامٍ؛ هَذَا قَوْلُهُ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ، وَالَّذِي عِنْدِي أَنَّ أَنْياباً جَمْعُ نابٍ، عَلَى مَا فَعَلْتُ فِي هَذَا النَّحْوِ، كقَدَمٍ وأَقْدامٍ؛ وأَن نِيباً جَمْعُ نَيُوب، كَمَا حَكَى هُوَ عَنْ يُونُسَ، أَن مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ صِيدٌ وبِيضٌ، فِي جَمْعِ صَيُود وبَيُوض، عَلَى مَنْ قَالَ رُسْل، وَهِيَ التميميَّة؛ وَيُقَوِّي مَذْهَبَ سِيبَوَيْهِ أَن نِيباً، لَوْ كَانَتْ جَمْعَ نَيُوبٍ، لكانتْ خَليقةً بِنُيُب، كَمَا قالوا في
__________
(1) . قوله [الناب مذكر] مثله في التهذيب والمصباح.(1/776)
صَيُود صُيُد، وَفِي بَيُوض بُيُض، لأَنهم لَا يَكْرَهُونَ فِي الياءِ، مِنْ هَذَا الضَّرْبِ، كَمَا يَكْرَهُونَ فِي الْوَاوِ، لخفَّتها وَثِقَلِ الْوَاوِ، فإِن لَمْ يَقُولُوا نُيُب، دليلٌ عَلَى أَن نِيباً جمعُ نابٍ، كَمَا ذَهَبَ إِليه سِيبَوَيْهِ، وَكِلَا الْمَذْهَبَيْنِ قياسٌ إِذا صَحَّتْ نَيُوب، وإِلَّا فنِيبٌ جَمْعُ نابٍ، كَمَا ذَهَبَ إِليه سِيبَوَيْهِ، قِيَاسًا عَلَى دُورٍ. وَنَابَهُ يَنِيبُه أَي أَصابَ نَابَهُ. ونَيَّبَ سَهْمَه أَي عَجمَ عُودَه، وأَثَّرَ فِيهِ بِنَابِهِ. والنَّابُ: المُسِنَّة مِنَ النُّوق. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَهُمْ مِنَ الصَّدَقةِ الثِّلْبُ والنَّابُ.
وَفِي الْحَدِيثِ،
أَنه قَالَ لقَيْسِ بْنِ عاصمٍ: كيفَ أَنْتَ عِنْدَ القِرَى؟ قَالَ: أُلْصِقُ بالنَّاب الفانيةِ
، وَالْجَمْعُ النِّيبُ. وَفِي الْمَثَلِ: لَا أَفْعَلُ ذَلِكَ مَا حَنَّتِ النِّيبُ؛ قال مَنْظُورُ ابنُ مَرْثَدٍ الفَقْعَسِيُّ:
حَرَّقَها حَمْضُ بلادٍ فِلِّ، ... فَمَا تَكادُ نِيبُها تُوَلِّي
أَي تَرْجِعُ مِنَ الضَّعْفِ، وَهُوَ فُعْلٌ، مِثْلُ أَسَدٍ وأُسْدٍ، وإِنما كَسروا النُّونَ لِتَسْلَمَ الياءُ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
عُمَرَ: أَعْطاهُ ثلاثةَ أَنيابٍ جَزائر
؛ وَالتَّصْغِيرُ نُيَيْبٌ؛ يُقَالُ: سُمِّيَتْ لِطُولِ نابِها، فَهُوَ كَالصِّفَةِ، فَلِذَلِكَ لَمْ تَلْحقه الْهَاءُ، لأَن الهاءَ لَا تَلحقُ تَصْغِيرَ الصِّفَاتِ. تَقُولُ مِنْهُ: نَيَّبَتِ الناقةُ أَي صَارَتْ هَرِمَةً؛ وَلَا يُقَالُ لِلْجَمَلِ نابٌ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ فِي تَصْغِيرِ نابٍ: نُوَيْبٌ، فيجيءُ بِالْوَاوِ، لأَن هَذِهِ الأَلف يَكْثُرُ انقلابُها مِنَ الْوَاوَاتِ، وَقَالَ ابْنُ السَّرَّاجِ: هَذَا غَلَطٌ مِنْهُ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ أَن ابْنَ السَّرَّاجِ غلَّط سِيبَوَيْهِ، فِيمَا حَكَاهُ، قَالَ: وَلَيْسَ الأَمر كَذَلِكَ، وإِنما قَوْلُهُ: وَهُوَ غَلَطٌ مِنْهُ، مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ سِيبَوَيْهِ، إِلَّا أَنه قَالَ: مِنْهُمْ؛ وغَيَّره ابْنُ السَّرَّاجِ، فَقَالَ: مِنْهُ، فإِن سِيبَوَيْهِ قَالَ: وَهَذَا غَلَطٌ مِنْهُمْ أَي مِنَ الْعَرَبِ الَّذِينَ يَقُولُونَهُ كَذَلِكَ. وَقَوْلُ ابْنِ السَّرَّاجِ غَلَطٌ مِنْهُ، هُوَ بِمَعْنَى غَلَطٌ مِنْ قَائِلِهِ، وَهُوَ مِنْ كَلَامِ سِيبَوَيْهِ، لَيْسَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ السَّرَّاجِ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: النَّابُ مِنَ الإِبل مؤَنثة لَا غَيْرَ، وَقَدْ نَيَّبَتْ وَهِيَ مُنَيِّبٌ. وَفِي حَدِيثِ
زَيْدِ بْنِ ثابتٍ: أَن ذِئباً نَيَّبَ فِي شَاةٍ، فذَبَحُوها بمَرْوَة
أَي أَنْشَبَ أَنْيابَه فِيهَا. والنَّابُ: السِّنُّ التي خلف الرَّباعِية. ونابُ الْقَوْمِ: سيدُهم. والنَّابُ: سيدُ الْقَوْمِ، وَكَبِيرُهُمْ؛ وأَنشد أَبو بَكْرٍ قولَ جَمِيلٍ:
رَمَى اللهُ فِي عَيْنَيْ بُثَيْنَةَ بالقَذَى، ... وَفِي الغُرِّ مِنْ أَنْيابِها، بالقَوادِحِ
قَالَ: أَنْيابُها ساداتُها أَي رَمَى اللهُ بِالْهَلَاكِ وَالْفَسَادِ فِي أَنيابِ قَومِها وساداتِها إِذ حَالُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ زِيَارَتِي؛ وَقَوْلُهُ:
رَمَى اللهُ فِي عَيْنَيْ بُثَيْنةَ بالقَذَى
كَقَوْلِكَ: سُبحانَ اللهِ مَا أَحْسَنَ عَيْنَها. ونحوٌ مِنْهُ: قاتَله اللهُ مَا أَشْجَعه، وهَوَتْ أُمُّه مَا أَرْجَلَه. وَقَالَتِ الكِنْدِيَّة تَرْثي إِخْوَتَها:
هَوَتْ أُمُّهُمْ، مَا ذامُهُمْ يَوْمَ صُرِّعُوا، ... بنَيْسانَ مِنْ أَنْيابِ مَجْدٍ تَصَرَّمَا
وَيُقَالُ: فلانٌ جَبَلٌ مِنَ الجِبالِ إِذا كَانَ عَزِيزًا، وعِزُّ فلانٍ يُزاحِمُ الجِبالَ؛ وأَنشد:
أَلِلبأْسِ، أَمْ لِلْجُودِ، أَمْ لمُقاوِمٍ، ... مِنَ العِزِّ، يَزْحَمْنَ الجِبالَ الرَّواسِيا؟
ونَيَّبَ النَّبْتُ وتَنَيَّبَ: خرجتْ أَرومَتُه، وَكَذَلِكَ الشَّيْبُ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُراه عَلَى التَّشبيه بالنَّابِ؛ قَالَ مُضَرِّسٌ:(1/777)
فَقَالَتْ: أَما يَنْهاكَ عَنْ تَبَع الصِّبا ... مَعالِيكَ، والشَّيْبُ الذي قد تَنَيَّبا؟
فصل الهاء
هبب: ابْنُ سِيدَهْ: هَبَّتِ الريحُ تَهُبُّ هُبُوباً وهَبِيباً: ثارَتْ وهاجَتْ؛ وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: هَبَّتْ هَبّاً، وَلَيْسَ بِالْعَالِي فِي اللُّغَةِ، يَعْنِي أَن الْمَعْرُوفَ إِنما هُوَ الهُبُوبُ والهَبيبُ؛ وأَهَبَّها اللهُ. الْجَوْهَرِيُّ: الهَبُوبةُ الرِّيحُ الَّتِي تُثِير الغَبَرة، وَكَذَلِكَ الهَبُوبُ والهَبيبُ. تَقُولُ: مِنْ أَين هَبَبْتَ يَا فُلَانُ؟ كأَنك قُلْتَ: مِنْ أَين جِئْتَ؟ مِنْ أَينَ انْتَبَهْتَ لَنَا؟ وهَبَّ مِنْ نَومه يَهُبُّ هَبّاً وهُبُوباً: انْتَبه؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
فحَيَّتْ، فحَيَّاها، فهَبَّ، فحَلَّقَتْ، ... مَعَ النَّجْم، رُؤْيا فِي المَنام كَذُوبُ
وأَهَبَّه: نَبَّهَه، وأَهْبَبْتُه أَنا. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: فإِذا هَبَّتِ الرِّكابُ
أَي قامَت الإِبلُ للسَّير؛ هُوَ مِنْ هَبَّ النائمُ إِذا اسْتَيْقَظَ. وهَبَّ فلانٌ يَفْعَل كَذَا، كَمَا تَقُولُ: طَفِقَ يَفْعَلُ كَذَا. وهَبَّ السيفُ يَهُبُّ هَبَّةً وهَبّاً: اهْتَزَّ، الأَخيرةُ عَنْ أَبي زَيْدٍ. وأَهَبَّه: هَزَّه؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. الأَزهري: السيفُ يَهُبُّ، إِذا هُزَّ، هَبَّةً؛ الْجَوْهَرِيُّ: هَزَزْتُ السيفَ والرُّمْحَ، فهَبَّ هَبَّةً، وهَبَّتُه هِزَّتُه ومَضاؤُه فِي الضَّريبة. وهَبَّ السيفُ يَهُبُّ هَبّاً وهَبَّةً وهِبَّةً إِذا قطَعَ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: اتَّقِ هَبَّةَ السيفِ، وهِبَّتَه. وسَيْفٌ ذُو هَبَّةٍ أَي مَضاءٍ فِي الضَّرِيبَةِ؛ قَالَ:
جَلا القَطْرُ عَنْ أَطْلالِ سَلْمى، كأَنما ... جَلا القَيْنُ عَنْ ذِي هَبَّةٍ، داثِرَ الغِمْدِ
وإِنه لَذُو هَبَّةٍ إِذا كَانَتْ لَهُ وَقْعة شَدِيدَةٌ. شَمِرٌ: هَبَّ السيفُ، وأَهْبَبْتُ السيفَ إِذا هَزَزْته فاهْتَبَّه وهَبَّه أَي قَطَعَه. وهَبَّتِ الناقةُ فِي سَيرِها تَهِبُّ هِباباً: أَسْرَعَتْ. والهِبابُ: النَّشاطُ، مَا كَانَ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: هَبَّ البعيرُ، مِثْلَه، أَي نَشِطَ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
فَلَهَا هِبابٌ فِي الزِّمامِ، كأَنها ... صَهْباءُ راحَ، مَعَ الجَنُوبِ، جَهامُها
وكلُّ سائرٍ يَهِبُّ، بِالْكَسْرِ، هَبّاً وهُبُوباً وهِباباً: نَشِطَ. يُونُسُ: يُقَالُ هَبَّ فلانٌ حِيناً، ثُمَّ قَدِمَ أَي غابَ دَهْراً، ثُمَّ قَدِمَ. وأَينَ هَبِبْتَ عَنَّا «2» ؟ أَي أَينَ غِبْتَ عَنَّا؟ أَبو زَيْدٍ: غَنِينا بِذَلِكَ هِبَّةً مِنَ الدَّهْرِ أَي حِقْبةً. قَالَ الأَزهري: وكأَن الَّذِي رُوِيَ ليُونُسَ، أَصلُه مِنْ هِبَّة الدَّهْرِ. الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ عِشْنا بِذَلِكَ هِبَّةً مِنَ الدَّهْرِ أَي حِقْبةً، كَمَا يُقَالُ سَبَّةً. والهِبَّةُ أَيضاً: الساعةُ تَبْقَى مِنَ السَّحَر.
وَرَوَى النَّضْرُ بْنُ شُمَيْل، بإِسناده فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ عَنْ رَغْبانَ، قَالَ: لَقَدْ رأَيتُ أَصحابَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَهُبُّونَ إِليهما، كَمَا يَهُبُّونَ إِلى الْمَكْتُوبَةِ
؛ يَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ أَي يَنْهَضُونَ إِليهما، والهِبابُ: النَّشاطُ. قَالَ النَّضْرُ: قَوْلُهُ يَهُبُّون أَي يَسْعَونَ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: هُبَّ إِذا نُبِّه «3» ، وهَبَّ إِذا انْهَزَمَ. والهِبَّةُ، بِالْكَسْرِ: هِياجُ الفَحْل. وهَبَّ التَّيْسُ يَهِبُّ [يَهُبُ] هَبّاً وهِباباً وهَبِيباً، وهَبْهَبَ: هاجَ، ونَبَّ للسِّفاد؛ وَقِيلَ: الهَبْهَبَةُ صَوْتُه عِنْدَ السِّفادِ. ابْنُ سِيدَهْ: وهَبَّ الفَحْلُ مِنَ الإِبلِ وَغَيْرِهَا يَهُبُّ هِباباً وهَبِيباً، واهْتَبَّ:
__________
(2) . قوله [وأين هببت عنا] ضبطه في التكملة، بكسر العين، وكذا المجد.
(3) . قوله [هب إذا نبه] أي، بالضم، وهب، بالفتح، إذا انهزم كما ضبط في التهذيب وصرح به في التكملة.(1/778)
أَراد السِّفادَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه قَالَ لامرأَة رِفاعةَ: لَا، حَتَّى تَذُوقي عُسَيْلَتَه، قَالَتْ: فإِنه يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ جاءَني هَبَّةً
أَي مَرَّةً وَاحِدَةً؛ مِنْ هِبابِ الفَحْل، وَهُوَ سِفادُه؛ وَقِيلَ: أَرادتْ بالهَبَّةِ الوَقْعَةَ، مِنْ قَوْلِهِمْ: احْذَرْ هَبَّةَ السَّيْفِ أَي وَقْعَتَه. وَفِي بَعْضِ الْحَدِيثِ:
هَبَّ التَّيْسُ
أَي هاجَ للسِّفادِ، وَهُوَ مِهْبابٌ ومِهْبَبٌ. وهَبْهَبْتُه: دَعَوْتُه «1» ليَنْزُوَ، فتَهَبْهَبَ تَزَعْزَعَ. وإِنه لحَسَن الهِبَّةِ: يُرادُ بِهِ الحالُ. والهِبَّةُ: القِطْعة مِنَ الثَّوْبِ. والهِبَّة: الخِرْقة؛ وَيُقَالُ لِقِطَع الثَّوْبِ: هِبَبٌ، مِثْلَ عِنَب؛ قَالَ أَبو زُبَيْدٍ:
غَذاهُما بدِماءِ القَوْمِ، إِذْ شَدَنا، ... فَمَا يَزالُ لوَصْلَيْ راكِبٍ يَضَعُ
عَلَى جَناجِنِه، مِن ثَوْبه، هِبَبٌ، ... وَفِيهِ، مِنْ صائكٍ مُسْتَكْرَهٍ، دُفَعُ
يَصِفُ أَسَداً أَتى لشِبْلَيْه بوَصْلَيْ راكبٍ؛ والوَصْلُ: كلُّ مَفْصِلٍ تامٍّ، مِثْلَ مَفْصِل العَجُز مِنَ الظَّهْر؛ والهاءُ فِي جَناجِنِه تَعُودُ عَلَى الأَسد؛ والهاءُ فِي قَوْلِهِ مِنْ ثَوْبِهِ تَعُودُ عَلَى الرَّاكِبِ الَّذِي فَرَسَه، وأَخَذَ وَصْلَيْه؛ ويَضَعُ: يَعْدو؛ وَالصَّائِكُ: اللَّاصِقُ. وثَوْبٌ هَبايِبُ وخَبايِبُ، بِلَا هَمْزٍ فِيهِمَا، إِذا كَانَ مُتَقَطِّعاً. وتَهَبَّبَ الثوبُ: بَلي. وثَوْبٌ هِبَبٌ وأَهْبابٌ: مُخَرَّقٌ؛ وَقَدْ تَهَبَّبَ؛ وهَببه: خَرَّقَه، عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
كأَنَّ، فِي قمِيصِه المُهَبَّبِ، ... أَشْهَبَ، مِنْ ماءِ الحديدِ الأَشْهَبِ
وهَبَّ النجمُ: طَلَع. والهَبْهابُ: اسمٌ مِنْ أَسماءِ السَّراب. ابْنُ سِيدَهْ: الهَبْهابُ السَّرابُ. وهَبْهَبَ السَّرابُ هَبْهَبةً إِذا تَرَقْرَقَ. والهَبْهابُ: الصَّيَّاحُ. والهَبْهَبُ والهَبْهَبِيُّ: الْجَمَلُ السَّرِيعُ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
قَدْ وَصَلْنا هَوْجَلًا بهَوْجَلِ، ... بالهَبْهَبِيَّاتِ العِتاقِ الزُّمَّلِ
والاسْمُ: الهَبْهَبةُ. وناقةٌ هَبْهَبيَّةٌ: سريعةٌ خَفيفةٌ؛ قَالَ ابْنُ أَحْمر:
تَماثِيلَ قِرْطاسٍ عَلَى هَبْهَبيَّةٍ، ... نَضا الكُورُ عَنْ لَحْمٍ لَهَا، مُتَخَدِّدِ
أَراد بِالتَّمَاثِيلِ: كُتُباً يَكْتُبُونَها. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِن فِي جَهَنَّمَ وَادِيًا يُقَالُ لَهُ: هَبْهَبٌ، يَسْكُنُه الجَبَّارُون.
الهَبْهَبُ: السَّريعُ. وهَبْهَبَ السَّرابُ إِذا تَرَقْرَقَ. والهَبْهَبِيُّ: تَيْسُ الغَنَم؛ وَقِيلَ: رَاعِيهَا؛ قَالَ:
كأَنه هَبْهَبيٌّ، نامَ عنْ غَنَمٍ، ... مُسْتَأْوِرٌ فِي سَوادِ الليلِ، مَذْؤُوبُ
والهَبْهَبيُّ: الحَسَنُ الحُداءِ، وَهُوَ أَيضاً الحَسَنُ الخِدْمَةِ. وكلُّ مُحْسِنِ مهْنةٍ: هَبْهَبيٌّ؛ وخَصَّ بعضُهم بِهِ الطَّبَّاخَ والشَّوَّاءَ. والهَبْهابُ: لُعْبة لصِبيانِ العِراقِ؛ وَفِي التَّهْذِيبِ: ولُعْبةٌ لصِبْيانِ الأَعْرابِ يُسَمُّونَها: الهَبْهابَ؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ:
يَقُودُ بِهَا دليلَ القَوْمِ نَجْمٌ، ... كعَيْنِ الكَلْبِ، فِي هُبَّى قِباعِ
قَالَ: هُبَّى مِنْ هُبُوب الرِّيحِ؛ وَقَالَ: كعَيْن الْكَلْبِ، لأَنه لَا يَقْدرُ أَن يَفْتَحَها. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: كَذَا وَقَعَ فِي نَوَادِرِ ثعلب؛ قال: والصحيح
__________
(1) . قوله [وهبهبته دعوته] هذه عبارة الصحاح، وقال في التكملة: صوابه وهبهبت به دعوته. ثم قال والهباب الهباء أي كسحاب فيهما.(1/779)
هُبًّى قِباع، مِنَ الهَبْوةِ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. وهَبْهَبَ إِذا زَجَرَ. وهَبْهَبَ إِذا ذَبَح. وهَبْهَبَ إِذا انْتَبَه. ابْنُ الأَعرابي: الهَبْهَبيُّ القَصَّابُ، وَكَذَلِكَ الفَغْفَغِيُّ؛ قَالَ الأَخطل:
عَلَى أَنَّها تَهْدي المَطِيَّ إِذا عَوَى، ... مِنَ اللَّيْلِ، مَمْشُوقُ الذراعَيْنِ هَبْهَبُ
أَراد بِهِ: الخَفيفَ مِنَ الذئاب.
هدب: الهُدْبة والهُدُبةُ: الشَّعَرةُ النَّابِتةُ عَلَى شُفْر العَيْن، وَالْجَمْعُ هُدْبٌ وهُدُبٌ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَلَا يُكسَّرُ لِقِلَّةِ فُعُلة فِي كَلَامِهِمْ، وَجَمْعُ الهُدْبِ والهُدُبِ: أَهْدابٌ. والهَدَبُ: كالهُدْب، وَاحِدَتُهُ هَدَبَةٌ. اللِّيْثُ: وَرَجُلٌ أَهْدَبُ طويلُ أَشْفارِ الْعَيْنِ، النَّابِتُ كثيرُها. قَالَ الأَزهري: كأَنه أَراد بأَشفار الْعَيْنِ الشعرَ النابتَ عَلَى حُرُوفِ الأَجْفانِ، وَهُوَ غَلَط؛ إِنما شُفْرُ الْعَيْنِ مَنْبِتُ الهُدْبِ مِنْ حَرْفَي الجَفْنِ، وَجَمْعُهُ أَشْفارٌ. الصِّحَاحُ: الأَهْدَبُ الْكَثِيرُ أَشْفار الْعَيْنِ. وَفِي صِفَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
كَانَ أَهْدَبَ الأَشْفار
؛ وَفِي رِوَايَةٍ:
هَدِبَ الأَشفار
أَي طَويلَ شَعَر الأَجْفان. وَفِي حَدِيثِ
زِيَادٍ: طَويلُ العُنُق أَهْدَبُ.
وهَدِبَتِ العَيْنُ هَدَباً، وَهِيَ هَدْباءُ: طالَ هُدْبُها؛ وَكَذَلِكَ أُذُنٌ هَدْباءُ، ولِحْيةٌ هَدْباءُ. ونَسْرٌ أَهْدَبُ: سابِغُ الرِّيشِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا مِنْ مُؤْمن يَمْرَضُ، إِلا حَطَّ اللهُ هُدْبةً مِنْ خَطاياه
أَي قِطْعةً وَطَائِفَةً؛ وَمِنْهُ هُدْبةُ الثوبِ. وهُدْبُ الثَّوْبِ: خَمْلُه، والواحدُ كالواحدِ فِي اللُّغَتَيْنِ. وهَيْدَبُه كَذَلِكَ، واحدتُه هَيْدَبةٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
كأَني أَنْظُرُ إِلى هُدَّابِها
؛ هُدْبُ الثَّوْبِ، وهُدْبَتُه، وهُدَّابُه: طَرَفُ الثوبِ، مِمَّا يَلي طُرَّتَه. وَفِي حَدِيثِ
امرأَةِ رِفاعةَ: أَنَّ مَا مَعَهُ مثلُ هُدْبةِ الثَّوْبِ
؛ أَرادت مَتاعَه، وأَنه رِخْوٌ مِثْلُ طَرَفِ الثَّوبِ، لَا يُغْني عَنْهَا شَيْئًا. الْجَوْهَرِيُّ: والهُدْبة الخَمْلَة، وَضَمُّ الدَّالِ لُغَةٌ. والهَيْدَبُ: السَّحَابُ الَّذِي يَتَدَلَّى وَيَدْنُو مِثلَ هُدْب القَطِيفةِ. وَقِيلَ: هَيْدَبُ السحابِ ذَيْلُه؛ وَقِيلَ: هُوَ أَن تَراه يَتَسَلْسَلُ فِي وَجْهه للوَدْقِ، يَنْصَبُّ كأَنه خُيُوطٌ مُتَّصِلة؛ الْجَوْهَرِيُّ: هَيْدَبُ السَّحابِ مَا تَهَدَّبَ مِنْهُ إِذا أَرادَ الوَدْقَ كأَنه خُيُوطٌ؛ وَقَالَ عَبيدُ بنُ الأَبْرَص:
دَانٍ مُسِفٌّ، فُوَيْقَ الأَرْضِ هَيْدَبُه، ... يَكادُ يَدْفَعُه، مَن قَامَ، بالرَّاحِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: البيتُ يُروى لعَبيد بْنِ الأَبْرص، ويُروى لأَوْسِ بْنِ حَجَر يَصِفُ سَحاباً كَثيرَ المَطَر. والمُسِفُّ: الَّذِي قَدْ أَسَفَّ عَلَى الأَرْضِ أَي دَنا مِنْهَا. والهَيْدَبُ: سَحابٌ يَقْرُبُ مِنَ الأَرض، كأَنه مَتَدَلٍّ، يكادُ يُمْسِكُه، مَنْ قَامَ، بِرَاحَتِهِ. اللِّيْثُ: وَكَذَلِكَ هَيْدَبُ الدَّمْعِ؛ وأَنشد:
بِدَمْعٍ ذِي حَزازاتٍ، ... عَلَى الخَدَّيْنِ، ذِي هَيْدَبْ
وَقَوْلُهُ:
أَرَيْتَ إِنْ أُعْطِيتَ نَهْداً كَعْثَبا، ... أَذاكَ، أَمْ أُعْطِيتَ هَيْداً هَيدَبا؟
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: لَمْ يُفَسِّرْ ثَعْلَبٌ هَيْدَباً، إِنما فَسَّرَ هَيداً، فَقَالَ: هُوَ الكثِيرُ. ولِبْدٌ أَهْدَبُ: طالَ زِئْبِرُهُ؛ اللِّيْثُ: يُقَالُ للِّبْد وَنَحْوِهِ إِذا طَالَ زِئْبرُه: أَهْدَبُ؛ وأَنشد:
عَنْ ذِي دَرانِيكَ ولِبْدٍ أَهْدَبا(1/780)
الدُّرْنُوكُ: المِنْديلُ. وَفَرَسٌ هَدِبٌ: طَويلُ شَعَر النَّاصِيَةِ. وهَدَبُ الشَّجَرةِ: طُولُ أَغْصانِها، وتَدَلِّيها، وَقَدْ هَدِبَتْ هَدَباً، فَهِيَ هَدْباءُ. والهُدَّابُ والهَدَبُ: أَغْصانُ الأَرْطَى وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا وَرَقَ لَهُ، واحدَتُه هَدَبةٌ، وَالْجَمْعُ أَهْدابٌ. والهَدَبُ مِنْ وَرَقِ الشجَر: مَا لَمْ يكنْ لَهُ عَيْرٌ، نحوُ الأَثْلِ، والطَّرْفاءِ، والسَّرْو، والسَّمُر. قَالَ الأَزهري: يُقَالُ هُدْبٌ وهَدَبٌ لوَرَقِ السَّرْو والأَرْطَى وَمَا لَا عَيرَ لَهُ. الْجَوْهَرِيُّ: الهَدَبُ، بِالتَّحْرِيكِ، كلُّ وَرَق لَيْسَ لَهُ عَرْضٌ، كَوَرَق الأَثْلِ، والسَّرْوِ، والأَرْطَى، والطَّرْفاءِ، وَكَذَلِكَ الهُدَّابُ؛ قَالَ عُبَيْدُ بْنُ زَيْدٍ العَبَّادي يَصِفُ ظَبْياً فِي كِنَاسِهِ:
فِي كِناسٍ ظاهِرٍ يَسْتُرُه ... مِنْ عَلُ، الشَّفَّانَ، هُدَّابُ الفَنَنْ
الشَّفَّان: البَرَدُ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ بإِسقاط حَرْفِ الجرِّ أَي يَسْتُرُه هُدَّابُ الفَنَن مِنَ الشَّفَّان. وَفِي حَدِيثِ وَفْدِ مَذْحِج:
إِن لَنَا هُدَّابَها.
الهُدَّابُ: وَرَقُ الأَرْطَى، وكلُّ مَا لَمْ يَنْبَسِطْ وَرَقُه. وهُدَّابُ النَّخْل: سَعَفُه. ابْنُ سِيدَهْ: الهُدَّابُ اسْمٌ يَجْمَعُ هُدْبَ الثَّوْبِ. وهَدَبَ الأَرْطَى؛ قَالَ الْعَجَّاجِ يَصِفُ ثَوْرًا وَحْشِيّاً:
وشَجَرَ الهُدَّابَ عَنه، فَجَفا ... بسَلْهَبَيْنِ، فوقَ أَنْفٍ أَذْلَفا
والواحدةُ: هُدَّابةٌ وهُدْبةٌ؛ قَالَ الْشَّاعِرُ:
مَناكِبُه أَمثالُ هُدْبِ الدَّرانِكِ
وَيُقَالُ: هُدْبةُ الثوبِ والأَرْطَى، وهُدْبُه؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
أَعْلى ثَوْبِه هُدَبُ
وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الهَدَبُ مِنَ النَّبَاتِ مَا لَيْسَ بِوَرَقٍ، إِلا أَنه يَقُومُ مَقَامَ الوَرَق. وأَهْدَبَتْ أَغْصانُ الشَّجرة، وهَدِبَتْ، فَهِيَ هَدْباءُ: تَهَدَّلَتْ مِنْ نَعْمَتِها، واسْتَرْسَلَتْ؛ قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: وَلَيْسَ هَذَا مِنْ هَدَبِ الأَرْطَى وَنَحْوِهِ؛ والهَدَبُ: مَصْدَرُ الأَهْدَب والهَدْباءِ؛ وَقَدْ هَدِبَتْ هَدَباً إِذا تَدَلَّتْ أَغْصانُها مِنْ حَوالَيْها. وَفِي حَدِيثِ
المُغِيرة: لَهُ أُذُنٌ هَدْباءُ
أَي مُتَدَلِّية مُسْتَرْخِيَة. وهَدَبَ الشيءَ إِذا قَطَعَه. وهَدَّبَ الثمرةَ تَهْديباً، واهْتَدَبَها: جَناها. وَفِي حَدِيثِ
خَبَّابٍ: ومنَّا مَن أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرتُه، فَهُوَ يَهْدِبُها
؛ مَعْنَى يَهْدِبُها أَي يَجْنِيها ويَقْطِفُها، كَمَا يَهْدِبُ الرجلُ هَدَبَ الغَضا والأَرْطى. قَالَ الأَزهري: والعَبَلُ مثلُ الهَدَب سَوَاءً. وهَدَبَ الناقةَ يَهْدِبُها هَدْباً: احْتَلَبَها، والهَدْبُ، جَزْمٌ: ضَرْبٌ مِنَ الحَلَبِ؛ يُقَالُ: هَدَبَ الحالبُ الناقةَ يَهْدِبُها هَدْباً إِذا حَلَبَها؛ رَوَى الأَزهري ذَلِكَ عَنِ ابْنِ السِّكِّيتِ؛ وَقَوْلَ أَبي ذؤَيب:
يَسْتَنُّ فِي عُرُضِ الصَّحْراءِ فائِرُه، ... كأَنَّه سَبِطُ الأَهْدابِ، مَمْلُوحُ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ، قِيلَ فِيهِ: الأَهْدابُ الأَكْتافُ، قَالَ: وَلَا أَعْرِفُه. الأَزهري: أَهْدَبَ الشجرُ إِذا خَرَجَ هُدْبُهُ، وَقَدْ هَدَبَ الهَدَبَ يَهْدِبُه إِذا أَخَذَه مِنْ شَجره؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
عَلَى جَوانِبه الأَسْباطُ والهَدَبُ
والهَيْدَبُ: ثَدْيُ المرأَة ورَكَبُها إِذا كَانَ مُسْتَرْخِياً، لَا انْتِصابَ لَهُ، شُبِّهَ بهَيْدَبِ السَّحابِ، وَهُوَ مَا تَدَلى مِنْ أَسافله إِلى الأَرض. قَالَ: وَلَمْ أَسمع الهَيْدَبَ فِي صِفَةِ الودْق المُتَّصِل،(1/781)
وَلَا فِي نَعْتِ الدَّمْعِ، والبيتُ، الَّذِي احْتَجَّ بِهِ اللِّيْثُ، مَصْنُوع لَا حُجَّة بِهِ. وبيتُ عَبيدٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الهَيْدَبَ مِنْ نَعْتِ السَّحابِ؛ وَهُوَ قَوْلُهُ: دانٍ مُسِفٌّ فُوَيْقَ الأَرضِ هَيْدَبُه والهَيْدَبُ والهُدُبُّ مِنَ الرِّجَالِ: العَيِيُّ الثَّقيلُ، وَقِيلَ: الأَحْمَقُ؛ وَقِيلَ: الهَيْدَبُ الضَّعِيفُ. الأَزهري: الهَيْدَبُ العَبامُ مِنَ الأَقْوام، الفَدْمُ الثَّقِيلُ؛ وأَنشد لأَوْسِ بنِ حَجَر شَاهِدًا عَلَى العَبامِ العَيِيِّ الثَّقيل:
وشُبِّهَ الهَيْدَبُ العَبامُ مِنَ ... الأَقْوامِ، سَقْباً مُجَلِّلًا فَرَعا
قَالَ: الهَيْدَبُ مِنَ الرِّجَالِ الْجَافِي الثقيلُ، الْكَثِيرُ الشَّعَر؛ وَقِيلَ: الهَيْدَبُ الَّذِي عَلَيْهِ أَهْدابٌ تَذَبْذَبُ مِنْ بِجادٍ أَو غَيْرِهِ، كأَنها هَيْدَبٌ مِنْ سَحاب. والهَيْدَبى: ضَرْبٌ مِنْ مَشْي الخَيْل. والهُدْبةُ والهُدَبةُ، الأَخيرَةُ عَنْ كُرَاعٍ: طُوَيئِرٌ أَغْبَرٌ يُشْبِه الهامَة، إِلا أَنه أَصْغَرُ مِنْهَا. وهُدْبَةُ: اسْمُ رَجُل. وابنُ الهَيْدَبى: مِنْ شُعَراء الْعَرَبِ. وهَيْدَبٌ: فرسُ عَبْدِ عَمْرو بنِ راشِدٍ. وهِنْدَبٌ، وهِنْدَبا، وهِنْدَباة: بَقْلَةٌ؛ وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: الهِنْدِبا، بِكَسْرِ الدال، يمدّ ويقصر.
هذب: التَّهْذيبُ: كالتَّنْقِيةِ. هَذَبَ الشيءَ يَهْذِبُه هَذْباً، وهَذَّبه: نَقَّاه وأَخْلصه، وَقِيلَ: أَصْلَحه. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: التَّهْذيبُ فِي القِدْحِ العَملُ الثَّانِي، والتَّشْذيبُ الأَوَّل، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. والمُهَذَّبُ مِنَ الرِّجَالِ: المُخَلَّصُ النَّقِيُّ مِنَ العُيوب؛ وَرَجُلٌ مُهَذَّبٌ أَي مُطَهَّرُ الأَخْلاقِ. وأَصلُ التهذيبِ: تَنْقِيةُ الحَنْظَل مِنْ شَحْمِه، ومُعالجَةُ حَبِّه، حَتَّى تَذْهَبَ مَرَارَتُه، ويَطيبَ لِآكِلِهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ أَوْسٍ:
أَلم تَرَيا، إِذ جئْتُما، أَنَّ لَحْمَها ... بِهِ طَعْمُ شَرْيٍ، لَمْ يُهَذَّبْ، وحَنْظَلِ
وَيُقَالُ: مَا فِي مَوَدَّته هَذَبٌ أَي صَفاءٌ وخُلُوصٌ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
مَعْدِنُك الجَوهَرُ المُهَذَّبُ، ذُو ... الإِبْرِيزِ، بَخٍّ مَا فَوْقَ ذَا هَذَبُ
وهَذَبَ النَّخْلَةَ: نَقَّى عَنْهَا اللِّيفَ. وهَذَبَ الشيءُ يَهْذِبُ هَذْباً: سالَ؛ وَقَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
دِيارٌ عَفَتْها، بَعْدَنا، كلُّ ديمةٍ ... دَرُورٍ، وأُخْرى، تُهْذِبُ الماءَ، ساجِرُ
قَالَ الأَزهري: يُقَالُ أَهْذَبَتِ السحابةُ ماءَها إِذا أَسالته بسُرْعة. والإِهذابُ والتَّهذيبُ: الإِسراعُ فِي الطَّيَران، والعَدْوِ، وَالْكَلَامِ؛ قَالَ إمرؤُ الْقَيْسِ:
وللزَّجْرِ مِنْهُ وَقْعُ أَخْرَجَ مُهْذِبِ
وأَهْذَبَ الإِنسانُ فِي مَشْيِه، والفَرسُ فِي عَدْوِه، والطائرُ فِي طَيَرانِه: أَسْرَعَ؛ وقولُ أَبي العِيالِ:
ويَحْمِلُه حَمِيمٌ ... أَرْيَحِيٌّ، صادِقٌ هَذِبُ
هُوَ عَلَى النَّسَب أَي ذُو هَذْبٍ؛ وَقَدْ قِيلَ فِيهِ: هَذَبَ وأَهْذَبَ وهَذَّبَ، كلُّ ذَلِكَ مِنَ الإِسراع. وَفِي حَدِيثِ
سَرِيَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ: إِني أَخْشَى عَلَيْكُمُ الطَّلَبَ، فَهَذِّبُوا
أَي أَسْرِعوا السَّيْرَ؛ والاسمُ: الهَيْذَبَى: وَقَالَ ابْنُ الأَنباري: الهَيْذَبى أَن يَعْدُوَ فِي شِقّ؛ وأَنشد:
مَشَى الهَيْذَبى فِي دَفِّه ثُمَّ فَرْفَرَا
وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ: مَشَى الهِرْبِذا، وهو بِمَنْزِلَةِ الهَيْذَبى.(1/782)
وَفِي حَدِيثِ
أَبي ذَرٍّ: فجَعَل يُهْذِبُ الرُّكوعَ
أَي يُسْرِعُ فِيهِ ويُتابعه. والهَيْذَبى: ضَرْبٌ مِنْ مَشْيِ الْخَيْلِ. الفراءُ: المُهْذِبُ السريعُ، وَهُوَ مِنْ أَسماءِ الشَّيْطانِ؛ وَيُقَالُ لَهُ: المُذْهِبُ أَي المُحَسِّنُ للمَعاصي. وإِبل مَهاذيبُ: سِراعٌ؛ وَقَالَ رؤْبة:
ضَرْحاً، وَقَدْ أَنْجَدْنَ مِنْ ذاتِ الطُّوَقْ، ... صَوادِقَ العَقْبِ، مَهاذيبَ الوَلَقْ
والطائرُ يُهاذِبُ فِي طَيَرانِه: يَمُرُّ مَرّاً سَريعاً؛ حَكَاهُ يَعْقُوبُ، وأَنشد بيتَ أَبي خِراشٍ:
يُبادِرُ جُنْحَ اللَّيلِ، فَهُوَ مُهاذِبٌ، ... يَحُثُّ الجَناحَ بالتَّبَسُّطِ والقَبْضِ
وَقَالَ أَبو خِرَاشٍ أَيضاً:
فهَذَّبَ عَنْها مَا يَلي البَطْنَ، وانْتَحَى ... طَريدةَ مَتْنٍ بَيْنَ عَجْبٍ وكاهِلِ
قَالَ السُّكَّرِيُّ: هَذَّبَ عنها فَرَّقَ.
هذرب: الهَذْرَبَةُ «2» : كثرةُ الْكَلَامِ في سُرْعة.
هرب: الهَرَبُ: الفِرارُ. هَرَبَ يَهْرُبُ هَرَباً: فَرَّ، يَكونُ ذَلِكَ للإِنسان، وَغَيْرِهِ مِنَ أَنواع الْحَيَوَانِ. وأَهْرَبَ: جَدَّ فِي الذَّهابِ مَذْعُوراً؛ وَقِيلَ: هُوَ إِذا جَدَّ فِي الذَّهَابِ مَذْعُوراً، أَو غيرَ مَذْعور؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: يَكُونُ ذَلِكَ للفَرَس وَغَيْرِهِ مِمَّا يَعْدُو؛ وهَرَّبَ غيرَه تَهْريباً. وَقَالَ مرَّة: جاءَ مُهْرِباً أَي جَادًّا فِي الأَمْرِ؛ وَقِيلَ: جاءَ مُهْرِباً إِذا أَتاك هارِبا فَزِعاً؛ وفلانٌ لَنَا مَهْرَبٌ. وأَهْرَبَ الرجلُ إِذا أَبْعَدَ فِي الأَرض؛ وأَهْرَبَ فلانٌ فُلَانًا إِذا اضْطَرَّه إِلى الهَربِ. وَيُقَالُ: هَرَبَ مِنَ الوَتِدِ نِصْفُه فِي الأَرض أَي غابَ؛ قَالَ أَبو وَجْزَةَ:
ومُجْنَأً كإِزاءِ الحَوْضِ مُنْثَلِماً، ... ورُمَّةً نَشِبَتْ فِي هارِبِ الوَتِدِ «3»
وساحَ فُلَانٌ فِي الأَرضِ وهَرَبَ فِيهَا. قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَهْرَبَ فلانٌ أَي أَغْرَقَ فِي الأَمْر. الأَصمعي، فِي نَفْيِ الْمَالِ: مَا لَه هارِبٌ وَلَا قارِبٌ أَي صادرٌ عَنِ الماءِ وَلَا وارِد؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: مَعْنَاهُ مَا لَهُ شيءٌ، وَمَا لَهُ قَوْمٌ؛ قَالَ: وَمِثْلُهُ مَا لَهُ سَعْنةٌ وَلَا مَعْنَةٌ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الهارِبُ الَّذِي صَدَر عَنِ الماءِ؛ قَالَ: والقارِبُ الَّذِي يَطْلُبُ الماءَ. وَقَالَ الأَصمعي فِي قَوْلِهِمْ مَا لَه هارِبٌ وَلَا قارِبٌ: مَعْنَاهُ لَيْسَ لَهُ أَحَدٌ يَهْرُبُ مِنْهُ، وَلَا أَحدٌ يَقْرُبُ مِنْهُ أَي فَلَيْسَ هُوَ بشيءٍ؛ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ مَا لَه بَعِيرٌ يَصْدُرُ عَنِ الماءِ، وَلَا بَعِيرٌ يَقْرُبُ الماءَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
قَالَ لَهُ رَجُلٌ: مَا لِي وَلِعِيَالِي هارِبٌ وَلَا قارِبٌ غيرَها
أَي مَا لِي بعيرٌ صادرٌ عَنِ الْمَاءِ، وَلَا واردٌ سِوَاهَا، يَعْنِي ناقتَه. ابْنُ الأَعرابي: هَرِبَ الرجُلُ إِذا هَرِمَ؛ وأَهْرَبَتِ الريحُ مَا عَلَى وجهِ الأَرض مِنْ التُّراب والقَمِيم وَغَيْرِهِ إِذا سَفَتْ بِهِ. والهُرْبُ: الثَّرْبُ، يَمَانِيَةٌ. وهَرَّابٌ ومُهْرِبٌ: اسْمَانِ. وهارِبةُ البَقْعاءِ: بَطْنٌ.
هرجب: الهِرْجابُ مِنَ الإِبل: الطويلةُ الضَّخْمَةُ؛ قَالَ رُؤْبةُ بنُ العَجَّاج:
تَنَشَّطَتْه كُلُّ هِرجابٍ فُنُقْ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: تَرْتِيبُ إِنْشادِه فِي رَجَزِه:
تَنَشَّطَتْه كُلُّ مِغْلاةِ الوَهَقْ، ... مَضْبُورَةٍ، قَرْواءَ، هِرْجابٍ، فُنُقْ
والمِغْلاةُ: الناقةُ الَّتِي تُبْعِدُ الخَطْوَ. والوَهَقُ:
__________
(2) . قوله [الهذربة] قال في التكملة: هي لغة في الهذرمة.
(3) . قوله [ومجنأ] أي نؤياً انتهى. تكملة.(1/783)
المُباراةُ والمُسايرة. ومَضْبُورَةٌ: مجتمعةُ الخَلْقِ. والقَرْواءُ: الطويلَةُ القَرَى، وَهُوَ الظَّهْر. والفُنُقُ: الفَتِيَّةُ الضَّخْمة؛ وَالْهَاءُ فِي تَنَشَّطَتْه تَعُودُ عَلَى الخَرْق الَّذِي وُصِفَ قَبْلَ هَذَا فِي قَوْلِهِ:
وقاتِمِ الأَعْماقِ خاوِي المُخْتَرَقْ
وَمَعْنَى تَنَشَّطَتْهُ: قَطَعَتْهُ، وأَسْرَعَتْ قَطْعَه. والهَراجيبُ والهَراجيلُ من الإِبل: الضِّخام؛ قَالَ رؤْبة:
مِنْ كُلِّ قَرْواءَ وهِرْجابٍ فُنُقْ
وَهُوَ الضَّخْمُ مِنْ كُلِّ شيءٍ؛ وَقِيلَ: الهِرْجابُ الَّتِي امْتَدَّتْ مَعَ الأَرْضِ طُولًا؛ وأَنشد:
ذُو العَرْشِ والشَّعْشَعاناتُ الهَراجِيبُ
ونَخْلَةٌ هِرجابٌ، كَذَلِكَ؛ قَالَ الأَنْصاري:
تَرَى كُلَّ هِرْجابٍ سَحُوقٍ، كأَنَّها ... تَطَلَّى بقَارٍ، أَوْ بأَسْوَدَ ناتِحِ
وهِرْجابٌ: اسْمُ مَوضِع؛ أَنشد أَبو الْحَسَنِ:
بِهِرْجابَ، مَا دامَ الأَراكُ بِهِ خُضْرا
الأَزهري: هِرْجابٌ مَوْضِعٌ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبل:
فطافَتْ بِنا مُرْشِقٌ جَأْبَةٌ، ... بِهِرجابَ تَنْتابُ سِدْراً، وَضالا
هردب: الهِرْدَبُّ والهِرْدَبَّةُ: الجَبانُ الضَّخْمُ، المُنْتَفِخُ الجوفِ الَّذِي لَا فُؤَاد لَهُ؛ وَقِيلَ: هُوَ الجَبانُ الضَّخْمُ، القليلُ العَقْلِ. والهِرْدَبَّةُ: العجوزُ؛ قَالَ:
أُفٍّ لِتِلْكَ الدِّلْقِمِ الهِرْدَبَّهْ، ... العَنْقَفِيرِ، الجِلْبِحِ، الطُّرْطُبَّهْ
العَنْقَفيرُ والجِلْبِح: المُسِنَّةُ. والطُّرْطُبَّة: الكبيرةُ الثَّدْيَيْنِ. الأَزهري: يُقَالُ لِلرَّجُلِ العَظيمِ الطويلِ الجسمِ هِرْطالٌ وهِرْدَبَّة وهَقَوَّر وقَنَوَّرٌ. والهَرْدَبةُ: عَدْوٌ فِيهِ ثِقَلٌ، وَقَدْ هَرْدَبَ.
هرشب: التَّهْذِيبِ فِي الرُّبَاعِيِّ: عَجُوزٌ هِرْشَفَّة، وهِرْشَبَّةٌ، بالفاءِ، والباءِ: باليةٌ، كبيرة.
هزب: الهَوْزَبُ: المُسِنُّ، الجَرِيءُ مِنَ الإِبِل؛ وَقِيلَ: الشَّديدُ، القَوِيُّ الجَرْيِ؛ قَالَ الأَعْشَى:
أُزْجِي سَراعِيفَ كالقِسِيِّ مِنَ الشَوْحَطِ، ... صَكَّ المُسَفَّعِ الحَجَلا
والهَوْزَبَ العَوْدَ أَمْتَطِيهِ بِهَا، ... والعَنْتَريسَ الوَجْناءَ، والجَمَلا
وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ بِهَا، تَعُودُ عَلَى سَراعيف. وأُزْجي: أَسُوقُ. والسَّراعِيفُ: الطِّوالُ مِنَ الإِبِل، الضَّوامِرُ، الخِفافُ، واحدُها سُرْعُوفٌ. وجَعَلها تَصُكُّ الأَرضَ بأَخْفافِها، كصَكِّ الصَّقْرِ المُسَفَّعِ الحَجَلَ. والوَجْناءُ: الغَليظةُ، مأْخوذةٌ مِنَ الوَجْن، وَهُوَ مَا غَلُظَ مِنَ الأَرض. والمُسَفَّعُ: الَّذِي فِي لَوْنِهِ سُفْعة. والهَوْزَبُ: النَّسْرُ، لِسِنِّهِ. والهازِبى: جنسٌ مِنَ السَّمَك. والهَيْزَبُ: الحديدُ. وهَزَّابٌ: اسم رجل.
هضب: الهَضْبَةُ: كلُّ جَبَلٍ خُلِقَ مِنْ صخرةٍ واحدةٍ؛ وَقِيلَ: كلُّ صخرةٍ راسيةٍ، صُلْبةٍ، ضَخْمةٍ: هَضْبةٌ؛ وَقِيلَ: الهَضْبةُ والهَضْبُ الجَبَل المنْبَسِطُ، يَنْبَسِطُ عَلَى الأَرض؛ وَفِي التَّهْذِيبِ الهَضْبَةُ؛ وَقِيلَ: هُوَ الجبلُ الطويلُ، المُمْتَنِع، المُنْفَرِدُ، وَلَا تَكُونُ إِلا فِي حُمْرِ الْجِبَالِ، وَالْجَمْعُ هِضابٌ، وَالْجَمْعُ هَضْبٌ، وهِضَبٌ، وهِضابٌ؛ وَفِي حَدِيثٍ
قُسٍّ: مَاذَا لنا بهَضْبةٍ؟
الهَضْبةُ: الرَّابِيَةُ. وَفِي حَدِيثِ
ذِي المِشْعارِ: وأَهلُ جِنابِ الهَضْبِ
؛ الجِنابُ، بِالْكَسْرِ: اسْمُ مَوْضِعٍ. والأُهْضُوبةُ: كالهَضْبِ، وإِيَّاها كَسَّرَ عَبِيدٌ فِي قَوْلِهِ:
نَحْنُ قُدْنا مِنْ أَهاضِيبِ المَلا الْخَيْلَ ... فِي الأَرْسانِ، أَمْثالَ السَّعالي(1/784)
وَقَوْلُ الهُذَليِّ:
لَعَمْرُ أَبي عَمْرو، لَقَدْ ساقَه المُنى ... إِلى جَدَثٍ، يُورَى لَهُ بالأَهاضِبِ
أَراد: الأَهاضِيبَ، فحَذَفَ اضْطراراً. والهَضْبة: المَطْرَةُ الدَّائِمَةُ، العظيمةُ القَطْرِ؛ وَقِيلَ: الدُّفْعةُ مِنْهُ، وَالْجَمْعُ هِضَبٌ، مِثْلُ بَدْرَةٍ وبِدَرٍ، نادرٌ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
فباتَ يُشْئِزهُ فَأْدٌ، ويُسْهِرُه ... تَذَؤُّبُ الرِّيحِ، والوَسْواسُ، والهِضَبُ
وَيُرْوَى: والهَضَبُ، وَهُوَ جَمْعُ هاضِبٍ، مِثْلُ تابعٍ وتَبَعٍ، وباعدٍ وبَعَدٍ، وَهِيَ الأُهْضُوبةُ. الْجَوْهَرِيُّ: والأَهاضِيبُ واحدُها هِضابٌ، وواحدُ الهِضابِ هَضْبٌ، وَهِيَ جَلَباتُ القَطْرِ، بَعْدَ القَطْرِ؛ وَتَقُولُ: أَصابتهم أُهْضوبةٌ مِنَ الْمَطَرِ، وَالْجَمْعُ الأَهاضِيبُ. وهَضَبَتْهم السماءُ أَي مَطَرَتْهم. وَفِي حَدِيثِ
لَقِيطٍ: فأَرْسِل السَّمَاءَ بهَضْبٍ
أَي مَطَرٍ، ويُجْمَع عَلَى أَهْضابٍ ثُمَّ أَهاضِيبَ، كقَوْلٍ وأَقْوالٍ وأَقاويلَ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: تَمْريهِ الجَنُوبُ دِرَرَ أَهاضِيبِه
؛ وَفِي وَصْفِ بَنِي تَمِيمٍ: هَضْبةٌ حَمْراءُ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: قِيلَ أَراد بالهَضْبة المَطْرةَ الْكَثِيرَةَ القَطر؛ وَقِيلَ: أَراد بِهِ الرابيةَ. وهَضَبَتِ السماءُ: دامَ مَطَرُها أَياماً لَا يُقْلِعُ. وهَضَبَتْهُم: بلَّتْهم بَلَلًا شَدِيدًا. وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: الهَضْبَةُ دَفْعةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ مَطَرٍ، ثُمَّ تَسْكُن، وَكَذَلِكَ جَرْية واحدةٌ؛ وأَنشد للكُمَيْت يَصِفُ فَرَساً:
مُخَيَّفٌ، بعضُه وَرْدٌ، وسائِرُهُ ... جَوْنٌ، أَفانِينُ إِجْرِيَّاه، لَا هَضَبُ
وإِجْرِيَّاه: جَرْيُه، وعادَةُ جَرْيِهِ. أَفانينُ أَي فُنُونٌ وأَلْوانٌ. لَا هَضَبُ: لَا لَوْنٌ واحِدٌ. وهَضَبَ فلانٌ فِي الْحَدِيثِ إِذا انْدَفَعَ فِيهِ، فأَكثر؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
لَا أُكْثِرُ القَوْلَ فِيمَا يَهْضِبُونَ بِهِ، ... مِنَ الكلامِ، قليلٌ مِنْهُ يَكْفينِي
وهَضَبَ القومُ واهْتَضَبوا فِي الْحَدِيثِ: خاضُوا فِيهِ دُفْعةً بَعْدَ دُفْعةٍ، وارْتَفَعَتْ أَصواتُهم؛ يُقَالُ: أَهْضِبُوا يَا قَوْم أَي تَكَلَّموا. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنَّ أَصحابَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانُوا مَعَهُ فِي سَفَر، فعَرَّسوا وَلَمْ يَنْتبِهوا حَتَّى طَلَعَتِ الشمسُ، والنبيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَائِمٌ، فَقَالُوا: أَهْضِبُوا
؛ مَعْنَى أَهْضِبُوا: تَكَلَّمُوا، وأَفِيضُوا فِي الْحَدِيثِ لِكَيْ يَنْتَبِهَ رسولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِكَلَامِهِمْ؛ يُقَالُ: هَضَبَ فِي الْحَدِيثِ وأَهْضَبَ إِذا انْدَفَعَ فِيهِ؛ كَرِهُوا أَن يُوقِظُوه، فأَرادوا أَن يَسْتَيْقِظَ بِكَلَامِهِمْ. وَيُقَالُ اهْتَضَبَ إِذا فَعَلَ ذَلِكَ؛ وَقَالَ الكُمَيْتُ يَصِفُ قَوْساً:
فِي كَفِّه نَبْعةٌ مُوَتَّرَةٌ، ... يَهْزِجُ إِنباضُها، ويَهْتَضِبُ
أَي يُرِنُّ فيُسْمَعُ لرَنِينِه صَوْتٌ. أَبو عَمْرٍو: هَضَبَ وأَهْضَبَ، وضَبَّ وأَضَبَّ: كلُّه كلامٌ فِيهِ جَهارةٌ. وَفِي النَّوَادِرِ: هَضَبَ القومُ، وضَهَبُوا، وهَلَبُوا، وأَلَبُوا، وحَطَبوا: كلُّه الإِكْثارُ، والإِسراعُ؛ وقولُ أَبي صَخْرٍ الْهُذَلِيِّ:
تَصابَيْتُ حَتَّى الليلِ، منهنَّ رَغْبَتي، ... رَوانيَ فِي يَوْمٍ، مِنَ اللَّهْوِ، هاضِبِ
مَعْنَاهُ: كَانُوا قَدْ هَضَبُوا فِي اللُّهْوِ؛ قَالَ: وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلا عَلَى النَّسَب أَي ذِي هَضْبٍ. ورجلٌ هَضْبةٌ أَي كَثِيرُ الْكَلَامِ. والهَضْبُ: الضَّخْمُ مِنَ الضِّبابِ وَغَيْرِهَا. وسُرِقَ لأَعْرابيةٍ ضَبٌّ، فحُكِمَ(1/785)
لَهَا بضَبٍّ مِثْلِهِ، فَقَالَتْ: لَيْسَ كَضَبِّي، ضَبِّي ضَبٌّ هِضَبٌّ؛ والهِضَبُّ: الشديدُ الصُّلْبُ مثلُ الهِجَفِّ. والهِضَبُّ مِنَ الخَيْل: الكثيرُ العَرَق؛ قَالَ طَرَفَةُ:
منْ عَناجِيجَ ذُكُورٍ وُقُحٍ، ... وهِضَبَّاتٍ، إِذا ابْتَلَّ العُذَرْ
والوُقُح: جَمْعُ وَقاحٍ، لِلْحَافِرِ الصُّلْب. والعَناجِيجُ: الجِيادُ مِنَ الْخَيْلِ، واحدُها عُنْجُوجٌ.
هقب: الهَقْبُ: السَّعَة. وَرَجُلٌ هِقَبٌّ: واسعُ الحَلْقِ، يَلْتَقِمُ كُلَّ شيءٍ. والهِقَبُّ: الضَّخْمُ فِي طُولٍ وجِسمٍ، وخصَّ بعضُهم بِهِ الفَحْلَ مِنَ النَّعام. قَالَ الأَزهري، قَالَ اللَّيْثَ: الهِقَبُّ الضَّخْمُ الطويلُ مِنَ النَّعام؛ وأَنشد:
مِنَ المُسُوحِ هِقَبٌّ شَوْقَبٌ خَشِبُ
وهِقَبْ: مِنْ زَجْرِ الْخَيْلِ.
هكب: الأَزهري: رَوَى ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: الهَكْبُ الاسْتِهْزاءُ، أَصلُه هَكْمٌ، بِالْمِيمِ.
هلب: الهُلْبُ الشَّعَرُ كُلُّه؛ وَقِيلَ: هُوَ فِي الذَّنَبِ وحْدَه؛ وَقِيلَ: هُوَ مَا غَلُظَ مِنَ الشعَر؛ زَادَ الأَزهري: كشَعَرِ ذَنَبِ الناقةِ. الْجَوْهَرِيُّ: الهُلْبةُ شَعَرُ الخِنْزيرِ الَّذِي يُخْرَزُ بِهِ، وَالْجَمْعِ الهُلْبُ. والأَهْلَبُ: الفَرَسُ الكثيرُ الهُلْبِ. وَرَجُلٌ أَهْلَبُ: غليظُ الشَّعَر. وَفِي التَّهْذِيبِ: رَجُلٌ أَهْلَبُ إِذا كَانَ شَعَرُ أَخْدَعَيْهِ وجَسَدِه غِلاظاً. والأَهْلَبُ: الكثيرُ شَعَر الرأْس والجسدِ. والهُلْبُ: أَيضاً: الشَّعَر النابتُ عَلَى أَجْفانِ العَيْنَيْن. والهُلْبُ: الشَّعَر تَنْتِفُه مِنَ الذَّنَب، واحدَتُه هُلْبة. والهُلَبُ: الأَذْنابُ والأَعْرافُ المَنْتُوفةُ. وهَلَبَ الفَرَسَ هَلْباً، وهَلَّبَه: نَتَفَ هُلْبَه، فَهُوَ مَهْلُوبٌ ومُهَلَّبٌ. والمُهَلَّبُ: اسمٌ، وَهُوَ مِنْهُ؛ وَمِنْهُ سُمِّي المُهَلَّبُ بنُ أَبي صُفْرَة أَبو المَهالِبة. فمُهَلَّبٌ عَلَى حارثٍ وعباسٍ، والمُهَلَّبُ عَلَى الحَارث والعَبَّاس. وانْهَلَبَ الشَّعرُ، وتَهَلَّبَ: تَنَتَّفَ. وفرسٌ مَهْلُوبٌ: مُسْتَأْصَلُ شَعْرِ الذَّنَبِ، قَدْ هُلِبَ ذَنَبُه أَي اسْتُؤْصِلَ جَزّاً. وذَنَبٌ أَهْلَبُ أَي مُنْقَطِعٌ؛ وأَنشد:
وإِنَّهُمُ قدْ دَعَوْا دَعْوَةً، ... سَيَتْبَعُها ذَنَبٌ أَهْلَبُ
أَي مُنْقَطِعٌ عَنْكُمْ، كَقَوْلِهِ:
الدُّنْيا وَلَّت حَذَّاءَ
أَي مُنْقَطِعَةً. والأَهْلَبُ: الَّذِي لَا شَعَر عَلَيْهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
إنَّ صاحبَ رايةِ الدَّجَّالِ، فِي عَجْبِ ذَنَبه مثلُ أَلْيةِ البَرَقِ، وَفِيهَا هَلَباتٌ كهَلَبات الفَرَس
أَي شَعَراتٌ، أَو خُصَلاتٌ مِنَ الشَّعر. وَفِي حَدِيثِ
مُعاوية: أَفْلَت وانْحَصَّ الذَّنَب، فَقَالَ: كَلَّا إِنه لَبِهُلْبه
؛ وَفَرَسٌ أَهْلَبُ وَدَابَّةٌ هَلْباءُ. وَمِنْهُ حَدِيثُ
تَميم الدَّاريِّ: فلَقِيَهم دابةٌ أَهْلَبُ
؛ ذَكَّرَ الصفةَ، لأَنَّ الدَّابَّةَ تَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ والأُنثى. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَمْرٍو: الدابةُ الهَلْباءُ الَّتِي كَلَّمت تمِيماً هِيَ دابةُ الأَرضِ الَّتِي تُكَلِّمُ الناسَ
، يَعْنِي بِهَا الجَسَّاسةَ. وَفِي حَدِيثِ
المُغِيرة: ورَقَبَةٌ هَلْباءُ
أَي كثيرةُ الشَّعر. وَفِي حَدِيثِ
أَنسٍ: لَا تَهْلُبُوا أَذْنابَ الخَيل
أَي لَا تَسْتَأْصِلُوها بالجَزِّ والقَطْع. والهَلَبُ: كثرةُ الشَّعَر؛ رجلٌ أَهْلَبُ وامرأَةٌ هَلْباءُ. والهَلْباءُ: الاسْتُ، اسْمٌ غالبٌ، وأَصلُه الصفةُ. ورجلٌ أَهْلَبُ العَضْرَطِ: فِي اسْتِه شَعَرٌ، يُذْهَبُ بِذَلِكَ إِلى اكتِهالِهِ وتَجْرِبَتِه؛ حَكَاهُ ابنُ الأَعرابي، وأَنشد:
مَهْلًا، بَني رُومانَ بعضَ وَعِيدِكُمْ ... وإِيَّاكُمُ والهُلْبَ مِنَّا عَضارِطا(1/786)
وَرَجُلٌ هَلِبٌ: نابتُ الهُلْبِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لأَنْ يَمْتَلِئَ مَا بَينَ عانَتي وهُلْبَتي
؛ الهُلْبة: مَا فوقَ العانةِ إِلى قَرِيبٍ مِنَ السُّرَّة. والهَلِبُ: رجلٌ كَانَ أَقْرَع، فمَسَح سيدُنا رسولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يدَه عَلَى رأْسه فنَبَت شَعَرُه. وهُلْبَةُ الشِّتاءِ: شِدَّتُه. وأَصابَتْهم هُلْبةُ الزَّمَانِ: مثلُ الكُلْبة، عَنْ أَبي حَنِيفَةَ. وَوَقَعْنا فِي هُلْبةٍ هَلباءَ أَي فِي داهيةٍ دَهْياءَ، مِثْلُ هُلْبة الشِّتاءِ. وعامٌ أَهْلَبُ أَي خَصِيبٌ، مثلُ أَزَبَّ، وَهُوَ عَلَى التَّشْبِيهِ. والهَلَّابةُ: الرِّيحُ البارِدَةُ مَعَ قَطْرٍ. ابْنُ سِيدَهْ: والهَلَّابُ رِيحٌ بَارِدَةٌ مَعَ مَطَرٍ، وَهُوَ أَحدُ مَا جاءَ مِنَ الأَسماءِ عَلَى فَعَّالٍ كالجَبَّانِ والقَذَّافِ؛ قَالَ أَبو زُبَيْدٍ «4» :
هَيْفاءُ مُقْبِلةً، عَجْزاءُ مُدْبرَةً، ... مَحْطُوطَةٌ، جُدِلَتْ، شَنْباءُ أَنْيابا
تَرْنُو بعَيْنَيْ غَزالٍ، تَحْتَ سِدْرَتِه ... أَحَسَّ، يَوْمًا، مِنَ المَشْتَاتِ، هَلَّابا
هَلَّابا: هاهنا بدلٌ مِنْ يَوْمٍ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: أَتى سِيبَوَيْهِ بِهَذَا الْبَيْتِ شَاهِدًا عَلَى نَصْبِ قَوْلِهِ أَنيابا، عَلَى التَّشْبِيهِ بِالْمَفْعُولِ بِهِ، أَو عَلَى التَّمْيِيزِ. وَمُقْبِلَةً نُصِبَ عَلَى الْحَالِ، وَكَذَلِكَ مُدْبِرَةٌ، أَي هِيَ هَيْفَاءُ فِي حَالِ إِقبالها، عَجْزَاءُ فِي حَالِ إِدبارها، والهَيَفُ: ضُمْرُ البَطْن. والمَحْطوطة: المَصْقُولة؛ يُرِيدُ أَنها بَرَّاقةُ الجِسْمِ. والمِحَطُّ: خَشَبَةٌ يُصْقَلُ بِهَا الجُلُود. والمَجْدُولةُ: الَّتِي لَيْسَتْ برَهْلة مُسْتَرْخيةِ اللَّحْمِ. والشَّنَبُ: بَرْدٌ فِي الأَسْنان، وعُذُوبةٌ فِي الرِّيقِ. والهَلَّابةُ: الرِّيحُ الباردةُ. وهَلَبَتْهم السماءُ تَهْلُبُهم هَلْباً: بَلَّتْهم. وَفِي حَدِيثِ خَالِدٍ «5» : مَا مِنْ عَمَلِي شيءٌ أَرْجى عِنْدي بَعْدَ لَا إِله إِلَّا اللَّهُ، مِنْ ليلةٍ بِتُّها، وأَنا مُتَتَرِّسٌ بتُرْسِي، والسماءُ تَهْلُبني أَي تَبُلُّني وتُمْطِرُني. وَقَدْ هَلَبَتْنا السماءُ إِذا مَطَرَتْ بجَودٍ. التَّهْذِيبُ: يُقَالُ هَلَبَتْنا السماءُ إِذا بَلَّتْهم بشيءٍ مِنْ نَدًى، أَو نَحْوِ ذَلِكَ. ابْنُ الأَعرابي: الهَلُوبُ الصِّفَةُ المحمودةُ، أُخِذَتْ مِنَ الْيَوْمِ الهَلَّابِ إِذا كَانَ مَطَرُه سَهْلًا لَيِّناً دائِماً غَيرَ مُؤْذٍ؛ والصِّفةُ المَذْمُومة أُخِذَتْ مِنَ الْيَوْمِ الهَلَّابِ إِذا كَانَ مَطَرُه ذَا رَعْدٍ، وبَرْقٍ، وأَهوالٍ، وهَدْم لِلْمَنَازِلِ. ويومٌ هَلَّابٌ، وعامٌ هَلَّابٌ: كَثِيرُ المَطَر وَالرِّيحِ. الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ حلب: يَوْمٌ حَلَّابٌ، وَيَوْمٌ هَلَّابٌ، وَيَوْمٌ هَمَّامٌ، وصَفْوانُ، ومِلْحانُ، وشِيبانُ؛ فأَمَّا الهَلَّابُ: فاليابِسُ بَرْداً، وأَما الحَلَّابُ: فَفِيهِ نَدًى، وأَما الهَمَّام: فَالَّذِي قَدْ هَمَّ بالبَرْد. قَالَ: والهَلْبُ تَتابُع القَطْر؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
والمُذْرِياتُ بالدَّوَارِي حَصْبا ... بِهَا جُلالا، ودُقاقاً هَلْبا
وَهُوَ التَّتابُعُ والمَرُّ. الأُمَوِيُّ: أَتَيْتُه فِي هُلْبة الشِّتاءِ أَي فِي شِدَّة بَرْدِه. أَبو يَزيدَ الغَنَوِيُّ: فِي الكانونِ الأَول الصِّنُّ والصِّنَّبْرُ والمَرْقِيُّ فِي القَبْر، وَفِي الْكَانُونِ الثَّانِي هَلَّابٌ ومُهَلَّبٌ وهَلِيبٌ يَكُنَّ فِي هُلْبةِ الشَّهْر أَي فِي آخِرِهِ. وَمِنْ أَيام الشتاءِ: هالِبُ الشَّعَر ومُدَحْرِجُ البَعَرِ. قَالَ غَيْرُهُ: يُقَالُ هُلْبةُ الشتاءِ وهُلُبَّتُه، بِمَعْنًى وَاحِدٍ. ابْنُ سِيدَهْ: لَهُ أُهْلُوبٌ أَي الْتِهابٌ في
__________
(4) . قوله [قال أبو زبيد] أي يصف امرأة اسمها خنساء كما في التكملة
(5) . قوله [وفي حديث خالد إلخ] عبارة التكملة وَفِي حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ الوليد أنه قال لما حضرته الوفاة: لقد طلبت القتل مظانه فلم يقدر لي إلا أن أموت على فراشي وما من عملي إلخ.(1/787)
الشَّدِّ وَغَيْرِهِ، مقلوبٌ عَنْ أُلْهُوبٍ أَو لغةٌ فِيهِ. وامرأَةٌ هَلُوبٌ: تَتَقَرَّبُ مِنْ زَوجِها وتُحِبُّه، وتُقْصِي غيرَه وتَتَباعَدُ عَنْهُ؛ وَقِيلَ: تَتقرَّبُ مِن خِلِّها وتُحِبُّه، وتُقْصِي زَوجَها، ضِدُّ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ الله تعالى عَنْهُ: رَحِمَ اللَّهُ الهَلوبَ؛ يَعني الأُولى، ولَعَنَ اللهُ الهَلُوبَ
؛ يَعْني الأُخرى؛ وَذَلِكَ مِنْ هَلَبْتُه بِلِسَانِيِّ إِذا نِلْتَ مِنْهُ نَيْلًا شَدِيدًا، لأَن المرأَة تَنالُ إِما مِنْ زَوْجِهَا وإِما مِنْ خِدْنِها، فتَرَحَّمَ عَلَى الأُولى ولَعَنَ الثانيةَ. ابْنُ شُمَيْلٍ: يُقَالُ إِنه ليَهْلِبُ الناسَ بلِسانه إِذا كَانَ يَهْجُوهم ويَشْتُمهم. يُقَالُ: هُوَ هَلَّابٌ أَي هَجَّاءٌ، وَهُوَ مُهَلَّبٌ أَي مَهْجُوٌّ. وَقَالَ خَلِيفَةٌ الحُصَيْنِيُّ: يُقَالُ رَكِبَ كلٌّ مِنْهُمْ أُهْلُوباً مِنَ الثَّناءِ أَي فَنّاً، وَهِيَ الأَهالِيبُ؛ وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: هِيَ الأَسالِيبُ، وَاحِدُهَا أُسْلُوبٌ. أَبو عُبَيْدٍ: الهُلابةُ غُسالة السَّلى، وَهِيَ فِي الحُوَلاءِ، والحُوَلاءُ رأْسُ السَّلى، وَهِيَ غِرْسٌ، كقَدْرِ القَارورةِ، تَراها خَضْراء بَعْدَ الوَلدِ، تُسَمَّى هُلابَةَ السِّقْيِ. وَيُقَالُ: أَهْلَبَ فِي عَدْوِه إِهْلاباً، وأَلْهَبَ إِلهاباً، وعَدْوُه ذُو أَهالِيبَ. وَفِي نَوَادِرِ الأَعراب: اهْتَلَبَ السيفَ مِنْ غِمْده وأَعْتَقَه وامْتَرقَه واخْتَرَطَه إِذا اسْتَلَّه. وأُهْلُوبٌ: فرسُ رَبِيعَةَ بْنِ عَمْرٍو.
هلجب: التَّهْذِيبُ: الهِلْجابُ الضَّخْمَةُ مِنَ القُدورِ، وَكَذَلِكَ العَيْلَمُ.
هلقب: الأَزهري، أَبو عَمْرٍو: جُوعٌ هُنْبُغٌ وهِنْباغٌ وهِلَّقْسٌ، وهِلَّقْبٌ أَي شديدٌ.
هنب: امرأَة هَنْباءُ: وَرْهاءُ، يُمَدُّ ويُقْصَر؛ وَرَوَى الأَزهري عَنْ أَبي خَلِيفة أَن مُحَمَّدَ بْنَ سَلَّام أَنشده لِلنَّابِغَةِ الجَعْدِيِّ:
وشَرُّ حشْوِ خِباءٍ، أَنتَ مُولِجُه، ... مَجْنُونةٌ هُنَّباءٌ، بنتُ مَجْنُونِ
قَالَ: وهُنَّباءُ مِثْلُ فُعَّلاءُ، بِتَشْدِيدِ العينِ والمَدِّ؛ قَالَ: وَلَا أَعرف فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لَهُ نَظِيرًا. قَالَ: والهُنَّباءُ الأَحمق؛ وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: امرأَة هُنَّبا وهُنَّباءُ، يُمَدُّ ويُقْصر. وهِنْبٌ، بِكَسْرِ الهاءِ: اسْمُ رَجُلٍ، وَهُوَ هِنْبُ بنُ أَفْصَى بنِ دُعْمِيِّ بْنِ جَديلةَ بْنِ أَسَد بْنُ ربيعةَ بْنِ نِزار بنِ مَعَدٍّ. وَبَنُو هِنْبٍ: حيٌّ مِنْ رَبيعة. والهَنَبُ، بِالتَّحْرِيكِ: مصدرُ قَوْلِكَ امرأَةٌ هَنْباءُ أَي بَلْهاءُ بَيِّنَةُ الهَنَب. الأَزهري، ابْنُ الأَعرابي: المِهْنَبُ الْفَائِقُ الحُمْقِ؛ قَالَ: وَبِهِ سُمِّي الرَّجُلُ هِنْباً. قَالَ: وَالَّذِي جاءَ فِي الْحَدِيثِ:
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَفَى مُخَنَّثَيْن: أَحدهما هِيتٌ، والآخر ماتِعٌ
، إِنما هُوَ هِنْبٌ، فصحَّفه أَصحابُ الْحَدِيثِ، قَالَ الأَزهري: رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ هِيتٌ، قَالَ: وأَظنه صَوَابًا.
هندب: الهِنْدَبُ، والهِنْدَبا، والهِنْدِباءُ والهِنْدَباءُ: كُلُّ ذَلِكَ بَقْلَةٌ مِنْ أَحْرارِ البُقُول، يُمَدُّ ويُقْصر. وَقَالَ كُرَاعٌ: هِيَ الهِنْدَبا، مَفْتُوحُ الدَّالِّ مَقْصُورٌ. والهِنْدَباءُ أَيضاً: مَفْتُوحُ الدَّالِ مَمْدُودٌ؛ قَالَ: وَلَا نَظِيرَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. الأَزهري: أَكثر أَهل الْبَادِيَةِ يَقُولُونَ هِنْدَبٌ، وَكُلٌّ صَحِيحٌ. ابْنُ بُزُرْجَ: هَذِهِ هِنْدَباءُ وباقِلاءُ، فأَنَّثُوا ومَدُّوا، وَهَذِهِ كَشُوثاءُ، مؤَنثة. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: وَاحِدُ الهِنْدِباءِ هِنْدِباءَة. وهِنْدابَةُ: اسْمُ امرأَة.
هنقب: الهَنْقَبُ: القَصير، وَلَيْسَ بثَبَتٍ.
هوب: الهَوْبُ: الرجلُ الكثيرُ الْكَلَامِ، وَجَمْعُهُ أَهْوابٌ. والهَوْبُ: اسمُ النَّارِ. والهَوْبُ: اشْتِعالُ النارِ(1/788)
ووَهَجُها؛ يَمَانِيَةٌ. وهَوْبُ الشمسِ: وهَجُها، بِلُغَتِهِمْ. وَتَرَكَتْهُ بِهَوْبٍ دابِرٍ، وهُوبٍ دابِرٍ أَي بِحَيْثُ لَا يُدْرَى أَين هُوَ. والهَوْبُ: البُعْدُ.
هيب: الهَيْبةُ: المَهابةُ، وَهِيَ الإِجلالُ والمَخافة. ابْنُ سِيدَهْ: الهَيْبةُ التَّقِيَّةُ مِنْ كُلِّ شيءٍ. هابَهُ يَهابُه هَيْباً ومَهابةً، والأَمْرُ مِنْهُ هَبْ، بِفَتْحِ الهاءِ، لأَن أَصله هابْ، سَقَطَتِ الأَلف لِاجْتِمَاعِ السَّاكِنَيْنِ، وإِذا أَخبرت عَنْ نفسِك قلتَ: هِبْتُ، وأَصله هَيِبْتُ، بِكَسْرِ الياءِ، فَلَمَّا سَكَنَتْ سَقَطَتْ لِاجْتِمَاعِ السَّاكِنَيْنِ ونُقِلَت كَسْرَتُهَا إِلى مَا قَبِلَهَا، فَقِسْ عَلَيْهِ؛ وَهَذَا الشَّيْءُ مَهْيَبةٌ لكَ. وهَيَّبْتُ إِليه الشيءَ إِذا جَعَلْته مَهيباً عِنْدَهُ. وَرَجُلٌ هائِبٌ، وهَيُوبٌ، وهَيَّابٌ، وهَيَّابة، وهَيُّوبة، وهَيِّبٌ، وهَيَّبانٌ، وهَيِّبانٌ؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: الهَيَّبانُ الَّذِي يُهابُ، فإِذا كَانَ ذَلِكَ كَانَ الهَيَّبانُ فِي مَعْنَى الْمَفْعُولِ، وَكَذَلِكَ الهَيُوب قَدْ يَكُونُ الهائِبَ، وَقَدْ يَكُونُ المَهِيبَ. الصِّحَاحُ: رَجُلٌ مَهِيبٌ أَي يهابُه الناسُ، وَكَذَلِكَ رَجُلٌ مَهُوبٌ، ومكانٌ مَهُوب، بُنيَ عَلَى قَوْلِهِمْ: هُوبَ الرجلُ، لمَّا نُقِلَ مِنَ الياءِ إِلى الْوَاوِ، فِيمَا لَمْ يُسَمَّ فاعِلُه؛ أَنشد الْكِسَائِيُّ لحُمَيْدِ بْنِ ثَور:
ويأْوي إِلى زُغْبٍ مَساكينَ، دونَهُم ... فَلًا، لَا تَخَطَّاه الرِّفاقُ، مَهُوبُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُ إِنشاده: وتأْوي بالتاءِ، لأَنه يَصِفُ قَطاةً؛ وَقَبْلَهُ:
فجاءَتْ، ومَسْقاها الَّذِي وَرَدَتْ بِهِ، ... إِلى الزَّوْر، مَشْدودُ الوَثاقِ، كَتِيبُ
والكَتِيبُ: مِنَ الكَتْبِ، وَهُوَ الخَرْزُ؛ وَالْمَشْهُورُ فِي شِعْرِهِ:
تَعِيثُ بِهِ زُغْباً مساكينَ دونَهم
ومكانٌ مَهابٌ أَي مَهُوبٌ؛ قَالَ أُمَيَّة بْنُ أَبي عَائِذٍ الهُذَليُّ:
أَلا يَا لَقَومِ لِطَيْفِ الخَيالْ، ... أَرَّقَ مِنْ نازحٍ، ذِي دَلالْ،
أَجازَ إِلينا، عَلَى بُعْدِهِ، ... مَهاوِيَ خَرْقٍ مَهابٍ مَهالْ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَالْبَيْتُ الأَول مِنْ أَبياتِ كِتَابِ سِيبَوَيْهِ، أَتى بِهِ شَاهِدًا عَلَى فَتْحِ اللَّامِ الأُولى، وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ، فَرْقًا بَيْنَ المُسْتغاث بِهِ وَالْمُسْتَغَاثِ مِنْ أَجله. والطَّيفُ: مَا يُطِيفُ بالإِنسان فِي الْمَنَامِ مِنْ خَيال مَحْبُوبَتِهِ. والنازحُ: الْبَعِيدُ. وأَرَّقَ: مَنَعَ النَّومَ. وأَجازَ: قَطَع، وَالْفَاعِلُ الْمُضْمَرُ فِيهِ يَعُودُ عَلَى الخَيال. ومَهابٌ: موضعُ هَيْبة. ومَهالٌ: مَوْضِعُ هَوْلٍ. والمَهاوِي: جمعُ مَهْوًى ومَهْواةٍ، لِمَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ وَنَحْوِهِمَا. والخَرْقُ: الفَلاةُ الْوَاسِعَةُ. والهَيَّبانُ: الجَبانُ. والهَيُوبُ: الجَبانُ الَّذِي يَهابُ الناسَ. وَرَجُلٌ هَيُوبٌ: جَبانٌ يَهابُ مِنْ كلِّ شيءٍ. وَفِي حَدِيثُ
عُبَيدِ بْنِ عُمَيْرٍ: الإِيمانُ هَيُوبٌ
أَي يُهابُ أَهْلُه، فَعُولٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، فَالنَّاسُ يَهابونَ أَهلَ الإِيمان لأَنهم يَهابونَ اللهَ ويَخافونَه؛ وَقِيلَ: هُوَ فَعُول بِمَعْنَى فَاعِلٍ أَي إِن المؤمنَ يَهابُ الذُّنوبَ والمعاصِيَ فيَتَّقِيها؛ قَالَ الأَزهري: فِيهِ وَجْهَانِ: أَحدهما أَن الْمُؤْمِنَ يَهابُ الذَّنْبَ فيَتَّقِيه، وَالْآخَرُ: المؤمنُ هَيُوبٌ أَي مَهْيُوبٌ، لأَنه يَهابُ اللهَ تَعَالَى، فيَهابُه الناسُ، حَتَّى يُوَقِّرُوه؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
لَمْ يَهَبْ حُرْمةَ النَّدِيمِ
أَي لَمْ يُعَظِّمْها. يُقَالُ: هَبِ الناسَ يَهابوكَ أَي وَقِّرْهُمْ يُوَقِّرُوكَ.(1/789)
يُقَالُ: هابَ الشيءَ يَهابُه إِذا خافَه، وإِذا وَقَّرَه، وإِذا عظَّمَهُ. واهْتابَ الشَّيءَ كَهَابَهُ؛ قَالَ:
ومَرْقَبٍ، تَسْكُنُ العِقْبانُ قُلَّتَهُ، ... أَشْرَفْتُه مُسْفِراً، والشَّمسُ مُهْتابَهْ
وَيُقَالُ: تَهَيَّبَني الشيءُ بِمَعْنَى تَهَيَّبْتُه أَنا. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: تَهَيَّبْتُ الشيءَ وتَهَيَّبَني: خِفْتُه وخَوَّفَني؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِل:
وَمَا تَهَيَّبُني المَوْماةُ، أَرْكَبُها، ... إِذا تَجَاوَبَتِ الأَصْداءُ بالسَّحَر
قَالَ ثَعْلَبٌ: أَي لَا أَتَهَيَّبُها أَنا، فنَقَلَ الفِعلَ إِليها. وَقَالَ الجَرْمِيُّ: لَا تَهَيَّبُني المَوْماةُ أَي لَا تَمْلأُني مَهابةً. والهَيَّبانُ: زَبَدُ أَفْواهِ الإِبلِ. والهَيَّبانُ: الترابُ؛ وأَنشد:
أَكُلَّ يَوْمٍ شِعِرٌ مُسْتَحْدَثُ؟ ... نحْنُ إِذاً، فِي الهَيَّبانِ، نَبْحَثُ
والهَيَّبانُ: الرَّاعي؛ عَنِ السِّيرَافِيِّ. والهَيَّبانُ: الكثيرُ مِن كُلِّ شيءٍ. والهَيَّبانُ: المُنْتَفِشُ الخَفيفُ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
تَمُجُّ اللُّغامَ الهَيَّبانَ، كأَنهُ ... جَنَى عُشَرٍ، تَنْفيه أَشداقُها الهُدْلُ
وَقِيلَ: الهَيَّبانُ، هُنَا، الْخَفِيفُ النَّحِزُ. وأَورد الأَزهري هَذَا الْبَيْتَ مُسْتَشْهِدًا بِهِ عَلَى إِزبادِ مَشافِرِ الإِبل، فَقَالَ: قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ إِبلًا وإِزْبادها مشافِرَها. قال: وجَنى العُشَرِ يَخْرُجُ مِثْلَ رُمّانة صَغِيرَةٍ، فتَنْشَقُّ عَنْ مِثْلِ القَزّ، فَشَبَّه لُغامَها بِهِ، والبَوادي يَجْعَلُونه حُرَّاقاً يُوقِدُونَ بِهِ النارَ. وهابْ هابْ: مِن زَجْرِ الإِبل. وأَهابَ بالإِبل: دَعاها. وأَهابَ بصاحِبه: دَعاهُ، وأَصله فِي الإِبل. وَفِي حَدِيثِ الدُّعاءِ:
وقَوَّيْتَني عَلَى مَا أَهَبْتَ بِي إِليه مِنْ طاعتِكَ.
يُقَالُ: أَهَبْتُ بِالرَّجُلِ إِذا دَعَوْتَه إِليك؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي بناءِ الْكَعْبَةِ. وأَهابَ الناسَ إِلى بَطْحِه أَي دَعاهم إِلى تَسويَتِه. وأَهابَ الرَّاعِي بغَنَمِه أَي صَاحَ بِهَا لِتَقِفَ أَو لتَرْجِعَ. وأَهاب بِالْبَعِيرِ؛ وَقَالَ طَرَفةُ بْنُ الْعَبْدِ:
تَرِيعُ إِلى صَوْتِ المُهِيبِ، وتَتَّقي، ... بذِي خُصَلٍ، رَوْعاتِ أَكلَفَ مُلْبِدِ
تَرِيعُ: تَرْجِعُ وتَعُودُ. وتتَّقِي بِذي خُصَل: أَراد بذَنَبٍ ذِي خُصَل. ورَوْعات: فَزَعات. والأَكلَفُ: الفَحْلُ الَّذِي يَشُوبُ حُمْرتَه سَوادٌ. والمُلْبِدُ: الَّذِي يَخطِرُ بذَنَبِه، فيَتَلَبَّد البولُ عَلَى وَرِكَيْه. وهابِ: زَجْرٌ للخَيْل. وهَبِي: مِثلُه أَي أَقْدِمي وأَقْبِلي، وهَلًا أَي قَرِّبي؛ قَالَ الكميت:
نُعَلِّمها هَبِي وهَلًا وأَرْحِبْ
والهابُ: زَجْرُ الإِبل عِنْدَ السَّوْق؛ يُقَالُ: هابِ هابِ، وَقَدْ أَهابَ بِهَا الرجلُ؛ قَالَ الأَعشى:
ويَكْثُرُ فِيهَا هَبِي، واضْرَحِي، ... ومَرْسُونُ خَيْلٍ، وأَعطالُها
وأَما الإِهابةُ فَالصَّوْتُ بالإِبل ودُعاؤها، قَالَ ذَلِكَ الأَصمعي وَغَيْرُهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنُ أَحمر:
إِخالُها سمِعَتْ عَزْفاً، فتَحْسَبُه ... إِهابةَ القَسْرِ، لَيْلًا، حِينَ تَنْتَشِرُ
وقَسْرٌ: اسمُ رَاعِي إِبل ابْنِ أَحمر قائلِ هَذَا الشِّعْرِ. قَالَ الأَزهري: وسمعتُ عُقَيْلِيّاً يَقُولُ لأَمَةٍ كَانَتْ تَرْعَى روائدَ خَيْلٍ، فَجَفَلَتْ فِي يَوْمٍ عاصفٍ، فَقَالَ لَهَا: أَلا وأَهِيبي بِهَا، تَرِعْ إِليكِ؛ فجعَل دُعاءَ الْخَيْلِ إِهابةً أَيضاً. قَالَ: وأَما هابِ، فَلَمْ أَسْمَعْه إِلا فِي الْخَيْلِ دُونَ الإِبل؛ وأَنشد بَعْضُهُمْ:
والزَّجْرُ هابِ وَهَلًا تَرَهَّبُهْ(1/790)
فصل الواو
وأب: حافرٌ وأْبٌ: شديدٌ، مُنْضَمُّ السَّنابِك، خفيفٌ؛ وَقِيلَ: هُوَ الجَيِّدُ القَدْرِ؛ وَقِيلَ: هُوَ المُقَعَّبُ، الكثيرُ الأَخْذِ مِنَ الأَرض؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
بكُلِّ وَأْبٍ للحَصَى رَضّاحِ، ... ليسَ بمُصْطَرٍّ، وَلَا فِرْشاحِ
وَقَدْ وَأَبَ وَأْباً: التهذيبُ: حافِرٌ وَأْبٌ إِذا كَانَ قَدْراً، لَا وَاسِعًا عَريضاً، وَلَا مَصْرُوراً. الأَزهري: وأَبَ الحافِرُ يَأَبُ وَأْبَةً إِذا انضَمَّتْ سِنابِكُه. وإِنه لَوَأْبُ الْحَافِرِ؛ وحافِرٌ وَأْبٌ: حَفيظٌ. وقَدَحٌ وَأْبٌ: ضَخْمٌ، مُقَعَّب، واسعٌ. وإِناءٌ وَأْبٌ: واسعٌ، والجمعُ أَوْآبٌ؛ وقِدْرٌ وَأْبةٌ: كَذَلِكَ. التَّهْذِيبُ: وقِدْرٌ وَئِيبةٌ، عَلَى فَعيلة، مِن الْحَافِرِ الوَأْبِ. وقِدْرٌ وَئيَّةٌ، بِياءَين، مِن الفَرَس الوَآةِ، وَسَيُذْكُرُ فِي الْمُعْتَلِّ. وَبِئْرٌ وَأْبةٌ: واسعةٌ بَعِيدَةٌ؛ وَقِيلَ: بعيدةُ القَعْرِ فَقَطْ. والوَأْبةُ: النقْرة فِي الصَّخْرَة تُمْسِكُ الْمَاءَ. الْجَوْهَرِيُّ: الوَأْبُ الْبَعِيرُ الْعَظِيمُ. وناقَة وَأْبةٌ: قَصِيرَةٌ عَرِيضَةٌ، وَكَذَلِكَ المرأَة. والوَئيبُ: الرَّغِيبُ. والإِبةُ والتُؤَبةُ، عَلَى الْبَدَلِ، والمَوْئِبةُ: كُلُّهَا الخِزْيُ، والحَياءُ، والانْقِباضُ. والمُوئباتُ، مِثْلُ المُوغِبات، المُخْزِياتُ. والوَأْبُ: الانْقِباضُ والاسْتِحْياءُ. أَبو عُبَيْدٍ: الإِبةُ العَيْب؛ قَالَ ذُو الرُّمَّة يَهْجُو إمرَأَ القَيْسِ، رجُلًا كَانَ يُعادِيه:
أَضَعْنَ مَواقِتَ الصَّلَواتِ عَمْداً، ... وحالَفْنَ المَشاعِلَ والجِرَارا
إِذا المَرَئيُّ شَبَّ لَهُ بناتٌ، ... عَصَبْنَ برَأْسِه إِبةً وَعَارًا
قَالَ ابنُ بَرِّيّ: المَرَئيُّ مَنْسُوب إِلى إمرئِ القَيس، عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَكَأَنَّ قِيَاسَهُ مَرْئيّ، بِسُكُونِ الراءِ، عَلَى وَزْنِ مَرْعِيّ. والمَشاعِلُ: جَمْعُ مِشْعَل، وَهُوَ إِناءٌ مِنْ جُلُود، تُنْتَبَذُ فِيهِ الْخَمْرُ. أَبو عَمْرٍو الشَّيبانيُّ: التُّؤَبَةُ الاستحياءُ، وأَصلُها وُأَبة، مأْخوذٌ مِنَ الإِبَةِ، وَهِيَ العَيْبُ. قَالَ أَبو عَمْرٍو: تَغَدَّى عِنْدِي أَعرابيّ فَصِيحٌ، مِنْ بَنِي أَسَد، فَلَمَّا رَفَعَ يَدَهُ، قُلْتُ لَهُ: ازْدَدْ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا طعامُك يَا أَبا عَمْرٍو بِذِي تُؤَبةٍ أَي لَا يُسْتَحْيا مِنْ أَكْله، وأَصْلُ التاءِ وَاوٌ. ووَأَب مِنْهُ واتَّأَبَ: خَزِيَ واستَحْيا. وأَوْأَبه، وأَتْأَبَه: رَدَّه بِخِزْيٍ وَعَارٍ، وَالتَّاءُ فِي كُلِّ ذَلِكَ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ. ونَكَحَ فلانٌ فِي إِبةٍ: وَهُوَ العارُ وَمَا يُسْتَحْيا مِنْهُ، والهاءُ عِوَضٌ مِنَ الْوَاوِ. وأَوْأَبْتُه: رَدَدْتُه عَنْ حَاجَتِهِ. التَّهْذِيبُ: وَقَدِ اتَّأَبَ الرجلُ مِنَ الشيءِ يَتَّئِبُ، فَهُوَ مُتَّئِبٌ: اسْتحيا، افْتِعالٌ؛ قَالَ الأَعشى يَمْدَحُ هَوْذَةَ بنَ عليٍّ الحَنَفِيِّ:
مَنْ يَلْقَ هَوْذَةَ يَسْجُدْ غَيرَ مُتَّئِبٍ، ... إِذا تَعَمَّمَ فَوْقَ التَّاج، أَو وَضَعا
التَّهْذِيبُ: وَهُوَ افْتِعالٌ، مِن الإِبةِ والوَأْبِ. وَقَدْ وَأَبَ يَئِبُ إِذا أَنِفَ، وأَوْأَبْتُ الرجلَ إِذا فَعَلْتَ بِهِ فِعْلًا يُسْتَحْيا مِنْهُ؛ وأَنشد شَمِرٌ:
وإِني لَكَيْءٌ عَنِ المُوئِبات، ... إِذا مَا الرَّطِيءُ انْمأَى مَرْتَؤُهْ
الرَّطِيءُ: الأَحْمَقُ. مَرْتَؤُه: حُمْقُه. ووَئِبَ: غَضِبَ، وأَوْأَبْتُه أَنا. والوَأْبةُ، بالباءِ، المُقارِبة الخَلْقِ.
وَبَبَ: التَّهْذِيبُ: الوَبُّ: التَّهَيُّؤُ للحَمْلة فِي الْحَرْبِ، يُقَالُ: هَبَّ ووَبَّ إِذا تَهَيَّأَ للحَمْلَة؛ قَالَ الأَزهري: الأَصل فِيهِ أَبَّ، فقُلِبَت الْهَمْزَةُ واواً، وقد مضى.(1/791)
وثب: الوَثْبُ: الطَّفْرُ. وَثَبَ يَثِبُ وَثْباً، ووثَباناً، ووُثوباً، ووِثاباً، ووَثيباً: طَفَرَ؛ قَالَ:
وَزَعْتُ بكالهِراوة أَعْوَجِيّاً، ... إِذا وَنَتِ الرِّكابُ جَرَى وِثابا
وَيُرْوَى وَثابا، عَلَى أَنه فَعَلَ، وَقَدْ تَقدَّم؛ وَقَالَ يَصِفُ كِبْرَهُ:
وَمَا أُمِّي وأُمُّ الوحْش، لمَّا ... تَفَرَّعَ فِي مَفارِقِيَ المَشِيبُ؟
فَما أَرْمِي، فأَقْتُلَها بسَهْمِي، ... وَلَا أَعْدُو، فأُدْرِكَ بالوَثِيب
يَقُولُ: مَا أَنا والوحشُ؟ يَعْنِي الجَواريَ، وَنَصَبَ أَقْتُلَها وأَدْركَ، عَلَى جَوَابِ الجَحْد بالفاءِ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، يومَ صِفِّينَ: قَدَّمَ للوَثْبَةِ يَداً، وأَخَّرَ للنُّكُوصِ رِجْلًا
، أَي إِنْ أَصابَ فُرْصَةً نَهَضَ إِليها، وإِلَّا رَجَعَ وتَرَك. وَفِي حَدِيثِ
هُذَيْل: أَيَتَوَثَّبُ أَبو بَكْرٍ عَلَى وَصِيِّ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وَدَّ أَبو بَكْرٍ أَنه وَجَدَ عَهْداً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأَنه خُزِم أَنفُه بخِزامةٍ
أَي يَسْتَوْلي عَلَيْهِ ويظلِمه مَعْنَاهُ: لَوْ كَانَ عَليٌّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مَعْهوداً إِليه بِالْخِلَافَةِ، لَكَانَ فِي أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مِنَ الطَّاعَةِ والانْقياد إِليه، مَا يَكُونُ فِي الجَمَل الذَّلِيلِ، المُنْقاد بخِزامَتهِ. ووَثَبَ وثْبةً وَاحِدَةً، وأَوْثَبْتُه أَنا، وأَوْثَبَه الموضعَ: جَعله يَثِبُه. وواثبَه أَي ساوَرَه. وَيُقَالُ: تَوَثَّبَ فلانٌ فِي ضَيْعةٍ لِي أَي اسْتَوْلى عَلَيْهَا ظُلْمًا. والوَثَبَى: مِنَ الوَثْب. ومَرَةٌ وثَبى: سريعةُ الوَثْبِ. والوَثْبُ: القُعُود، بِلُغَةِ حِمْير. يُقَالُ: ثِبْ أَي اقْعُدْ. ودَخَلَ رَجُل مِنَ العَرب عَلَى مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ حِمْيَر، فَقَالَ لَهُ الملكُ: ثِبْ أَي اقْعُدْ، فوَثَبَ فتَكَسَّر، فَقَالَ الْمَلِكُ: لَيْسَ عِنْدَنَا عَرَبِيَّتْ؛ مَنْ دَخَلَ ظَفارِ حَمَّرَ أَي تكلَّم بالحِمْيَرية؛ وَقَوْلُهُ: عَرَبِيَّت، يُريد العربيةَ، فَوَقَفَ عَلَى الهاءِ بالتاءِ. وَكَذَلِكَ لُغَتُهُمْ، وَرَوَاهُ بعضُهم: لَيْسَ عِنْدَنَا عَرَبيَّة كعَرَبِيَّتكُم. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهُوَ الصَّوَابُ عِنْدِي، لأَنَّ الْمَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْرِجَ نَفْسَه مِنَ الْعَرَبِ، وَالْفِعْلُ كَالْفِعْلِ. والوِثابُ: الفِراشُ، بِلُغَتِهِمْ. وَيُقَالُ وثَّبْتُه وِثاباً أَي فرَشْت لَهُ فِراشاً. وَتَقُولُ: وَثَّبَهُ تَوْثِيباً أَي أَقْعَدَه عَلَى وِسادة، وَرُبَّمَا قَالُوا وثَّبَه وِسَادَةً إِذا طَرَحها لَهُ، ليَقْعُدَ عَلَيْهَا. وَفِي حَدِيثِ
فَارِعَةَ، أُخت أُمَيَّة بْنُ أَبي الصَّلْتِ، قَالَتْ: قَدِمَ أَخي مِنْ سَفَرٍ، فوَثَبَ عَلَى سَرِيرِي
أَي قَعَدَ عَلَيْهِ واسْتَقَرَّ. والوُثوبُ، فِي غَيْرِ لغةِ حِمْيَرَ: النُّهوضُ والقيامُ.
وقَدِمَ عامِرُ بنُ الطُّفَيْلِ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوَثَّبَ لَهُ وِسادةً
أَي أَقعَدَه عَلَيْهَا؛ وَفِي رِوَايَةٍ:
فوَثَّبَه وِسادةً
أَي أَلقاها لَهُ. والمِيثَبُ: الأَرضُ السَّهْلة؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ يصفُ نَعامة:
قَرِيرَةُ عَينٍ، حينَ فَضَّتْ بخَطْمِها ... خَراشِيَّ قَيْضٍ، بَيْنَ قَوْزٍ ومِيثَبِ
ابْنُ الأَعرابي: المِيثَبُ: الجالسُ، والمِيثَبُ: القافِزُ. أَبو عَمْرٍو: المِيثَبُ الجَدْوَلُ. وَفِي نَوَادِرِ الأَعراب: المِيثَبُ مَا ارْتَفَعَ مِنَ الأَرض. والوِثابُ: السَّريرُ؛ وَقِيلَ: السَّرِيرُ الَّذِي لَا يَبْرَحُ المَلِكُ عَلَيْهِ. وَاسْمُ الملِك: مُوثَبَان. والوِثابُ، بِكَسْرِ الْوَاوِ: المَقاعِدُ؛ قَالَ أُمية:
بإِذنِ اللَّهِ، فاشْتَدَّتْ قُواهُمْ ... عَلَى مَلْكين، وهْي لهُمْ وِثابُ(1/792)
يَعْنِي أَن السماءَ مقاعدُ لِلْمَلَائِكَةِ. والمُوثَبانُ بِلُغَتِهِمْ: الملِكُ الَّذِي يَقْعُد، ويَلْزَم السَّريرَ، وَلَا يَغْزو. والمِيثَبُ: اسْمُ مَوْضِعٍ؛ قَالَ النَّابِغَةُ الجَعْدِيُّ:
أَتاهُنَّ أَنَّ مِياهَ الذُّهاب ... فالأَوْرَقِ، فالمِلْحِ، فالمِيثَبِ
وجب: وَجَبَ الشيءُ يَجِبُ وُجوباً أَي لزمَ. وأَوجَبهُ هُوَ، وأَوجَبَه اللَّهُ، واسْتَوْجَبَه أَي اسْتَحَقَّه. وَفِي الْحَدِيثِ:
غُسْلُ الجُمُعةِ واجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِم.
قَالَ ابْنُ الأَثير: قَالَ الخَطَّابي: مَعْنَاهُ وُجُوبُ الاخْتِيار والاسْتِحْبابِ، دُونَ وُجُوب الفَرْض واللُّزوم؛ وإِنما شَبَّهَه بِالْوَاجِبِ تأْكيداً، كَمَا يَقُولُ الرجلُ لِصَاحِبِهِ: حَقُّكَ عليَّ واجبٌ، وَكَانَ الحَسنُ يَرَاهُ لَازِمًا، وَحَكَى ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ. يُقَالُ: وَجَبَ الشيءُ يَجِبُ وُجوباً إِذا ثَبَتَ، ولزِمَ. والواجِبُ والفَرْضُ، عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، سواءٌ، وَهُوَ كُلُّ مَا يُعاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ؛ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا أَبو حَنِيفَةَ، فالفَرْض عِنْدَهُ آكَدُ مِنَ الْوَاجِبِ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ الله عنه: أَنه أَوجَبَ نَجِيباً
أَي أَهْداه فِي حَجٍّ أَو عُمْرَةٍ، كأَنه أَلزَمَ نَفْسَهُ بِهِ. والنَّجِيبُ: مِنْ خِيَارِ الإِبل. ووجَبَ البيعُ يَجبُ جِبَةً، وأَوجَبْتُ البيعَ فوَجَبَ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَجَبَ البيعُ جِبَةً ووُجوباً، وَقَدْ أَوْجَبَ لَكَ البيعَ وأَوْجَبهُ هُوَ إِيجاباً؛ كلُّ ذَلِكَ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وأَوْجَبَه البيعَ مُوَاجَبَةً، ووِجاباً، عَنْهُ أَيضاً. أَبو عَمْرٍو: الوَجِيبةُ أَن يُوجِبَ البَيْعَ، ثُمَّ يأْخذَه أَوَّلًا، فأَوَّلًا؛ وَقِيلَ: عَلَى أَن يأْخذ مِنْهُ بَعْضًا فِي كُلِّ يَوْمٍ، فإِذا فَرَغَ قِيلَ: اسْتَوْفى وَجِيبَتَه؛ وَفِي الصِّحَاحِ: فإِذا فَرَغْتَ قِيلَ: قَدِ استَوفيْتَ وَجِيبَتَك. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِذا كَانَ البَيْعُ عَنْ خِيار فَقَدْ وجَبَ
أَي تَمَّ ونَفَذ. يُقَالُ: وَجَبَ البيعُ يَجِبُ وُجُوبًا، وأَوْجَبَه إِيجاباً أَي لَزِمَ وأَلْزَمَه؛ يَعْنِي إِذا قَالَ بَعْدَ العَقْد: اخْتَرْ رَدَّ الْبَيْعِ أَو إِنْفاذَه، فاختارَ الإِنْفاذَ، لزِمَ وإِن لَمْ يَفْتَرِقا. واسْتَوْجَبَ الشيءَ: اسْتَحَقَّه. والمُوجِبةُ: الكبيرةُ مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي يُسْتَوْجَبُ بِهَا العذابُ؛ وَقِيلَ: إِن المُوجِبَةَ تَكون مِنَ الحَسَناتِ وَالسَّيِّئَاتِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
اللَّهُمَّ إِني أَسأَلك مُوجِبات رَحْمَتِك.
وأَوْجَبَ الرجلُ: أَتى بمُوجِبةٍ مِن الحَسناتِ أَو السَّيِّئَاتِ. وأَوْجَبَ الرجلُ إِذا عَمِلَ عَمَلًا يُوجِبُ له الجَنَّةَ أَو النارَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا، فَقَدْ أَوْجَبَ
أَي وَجَبَتْ لَهُ الجنةُ أَو النارُ. وفي الحديث:
أَوْجَبَ طَلْحَةُ
أَي عَمِل عَمَلًا أَوْجَبَ لَهُ الجنةَ. وَفِي حَدِيثِ
مُعاذٍ: أَوْجَبَ ذُو الثَّلَاثَةِ وَالِاثْنَيْنِ
أَي مَنْ قَدَّم ثَلَاثَةً مِنَ الْوَلَدِ، أَو اثْنَيْنِ، وَجَبَت له الجنةُ. وفي حديث
طَلحة: كَلِمَةٌ سَمِعتُها مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُوجِبةٌ لَمْ أَسأَله عَنْهَا، فَقَالَ عُمَرُ: أَنا أَعلم مَا هِيَ: لَا إِله إِلا اللَّهُ
، أَي كَلِمَةٌ أَوْجَبَتْ لِقَائِلِهَا الْجَنَّةَ، وجمعُها مُوجِباتٌ. وَفِي حَدِيثِ
النَّخَعِيِّ: كَانُوا يَرَوْنَ المشيَ إِلى المسجدِ فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ، ذاتِ المَطَر وَالرِّيحِ، أَنها مُوجِبةٌ
، والمُوجِباتُ الكبائِرُ مِنَ الذُّنُوب الَّتِي أَوْجَبَ اللهُ بِهَا النارَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن قَوْمًا أَتَوا النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِن صاحِباً لَنَا أَوْجَبَ أَي رَكِبَ خطيئةً اسْتَوْجَبَ بِهَا النارَ، فَقَالَ: مُرُوه فلْيُعْتِقْ رَقَبَةً.
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه مَرَّ بِرَجُلَيْنِ يَتَبايعانِ شَاةً، فَقَالَ أَحدُهما: وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى كَذَا، وَقَالَ الْآخَرُ: وَاللَّهِ لَا أَنقُصُ مِنْ كَذَا، فَقَالَ:(1/793)
قَدْ أَوْجَبَ أَحدُهما
أَي حَنِثَ، وأَوْجَبَ الإِثم والكَفَّارةَ عَلَى نَفْسِهِ. ووَجَبَ الرجلُ وُجُوباً: ماتَ؛ قَالَ قَيْسُ بْنُ الخَطِيم يَصِفُ حَرْباً وَقَعَتْ بَيْنَ الأَوْسِ والخَزْرَج، فِي يَوْمِ بُعاثَ، وأَن مُقَدَّم بَنِي عَوْفٍ وأَميرَهم لَجَّ فِي المُحاربة، ونَهَى بَنِي عَوْفٍ عَنِ السِّلْمِ، حَتَّى كانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ:
ويَوْمَ بُعاثٍ أَسْلَمَتْنا سيُوفُنا ... إِلى نَشَبٍ، فِي حَزْمِ غَسَّانَ، ثاقِبِ
أَطاعتْ بَنُو عَوْفٍ أَمِيراً نَهاهُمُ ... عَنِ السِّلْمِ، حَتَّى كَانَ أَوَّلَ وَاجِبِ
أَي أَوَّلَ مَيِّتٍ؛ وَقَالَ هُدْبة بْنُ خَشْرَم:
فقلتُ لَهُ: لَا تُبْكِ عَيْنَكَ، إِنه ... بِكَفَّيَّ مَا لاقَيْتُ، إِذ حانَ مَوْجِبي
أَي مَوْتِي. أَراد بالمَوْجِبِ مَوْتَه. يُقَالُ: وَجَبَ إِذا ماتَ مَوْجِباً. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جاءَ يَعُودُ عبدَ اللَّهِ بنَ ثابتٍ، فوَجَدَه قَدْ غُلِبَ، فاسْتَرْجَعَ، وَقَالَ: غُلِبْنا عَلَيْكَ يَا أَبا الرَّبِيعِ، فصاحَ النساءُ وبَكَيْنَ، فَجعلَ ابنُ عَتِيكٍ يُسَكِّتُهُنَّ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعْهُنَّ، فإِذا وَجَبَ فَلَا تَبْكِيَنَّ باكيةٌ، فَقَالَ: مَا الوُجوبُ؟ قَالَ: إِذا ماتَ.
وَفِي حَدِيثِ أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فإِذا وَجَبَ ونَضَبَ عُمْرُه. وأَصلُ الوُجُوبِ: السُّقوطُ والوقُوعُ. ووَجَبَ الميتُ إِذا سقَط وماتَ. وَيُقَالُ لِلْقَتِيلِ: واجِبٌ. وأَنشد:
حَتَّى كانَ أَوَّلَ واجِبِ
. والوَجْبة: السَّقطة مَعَ الهَدَّة. وَوجَبَ وجْبة: سَقَط إِلى الأَرض؛ لَيْسَتِ الفَعْلة فِيهِ للمرَّة الْوَاحِدَةِ، إِنما هُوَ مصدرُ كالوُجوب. ووَجَبَتِ الشمسُ وَجْباً، ووُجوباً: غَابَتْ، والأَوَّلُ عَنْ ثَعْلَبٍ. وَفِي حَدِيثِ
سعيدٍ: لَوْلَا أَصْواتُ السافِرَة لسَمِعْتم وَجْبةَ الشَّمْسِ
أَي سُقُوطَها مَعَ المَغيب. وَفِي حَدِيثِ
صِلَةَ: فإِذا بوَجْبةٍ
وَهِيَ صَوت السُّقُوط. ووَجَبَتْ عَيْنُه: غارَتْ، عَلَى المَثَل. ووَجَبَ الحائطُ يَجِبُ وَجْباً ووَجْبةً: سَقَطَ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَجَبَ البيتُ وكلُّ شيءٍ: سَقَطَ وَجْباً ووَجْبَة. وَفِي الْمَثَلِ: بِجَنْبِه فلْتَكُنْ الوَجْبَة، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها
؛ قِيلَ مَعْنَاهُ سَقَطَتْ جُنُوبها إِلى الأَرض؛ وَقِيلَ: خَرَجَت أَنْفُسُها، فسقطتْ هِيَ، فَكُلُوا مِنْها؛ وَمِنْهُ قولُهم: خَرَجَ القومُ إِلى مَواجِبِهِم أَي مَصارِعِهم. وَفِي حَدِيثِ الضَّحِيَّةِ:
فَلَمَّا وَجَبَتْ جُنُوبُها
أَي سَقَطَتْ إِلى الأَرض، لأَن الْمُسْتَحَبَّ أَن تُنْحَرَ الإِبل قِيَامًا مُعَقَّلةً. ووَجَّبْتُ بِهِ الأَرضَ تَوجيباً أَي ضَرَبْتُها بِهِ. والوَجْبَةُ: صوتُ الشيءِ يَسْقُطُ، فيُسْمَعُ لَهُ كالهَدَّة، ووَجَبَت الإِبلُ ووَجَّبَتْ إِذا لَمْ تَكَدْ تَقُومُ عَنْ مَبارِكها كأَنَّ ذَلِكَ مِنَ السُّقوط. وَيُقَالُ لِلْبَعِيرِ إِذا بَرَكَ وَضَرَبَ بِنَفْسِهِ الأَرضَ: قَدْ وَجَّبَ تَوْجِيباً. ووَجَّبَتِ الإِبل إِذا أَعْيَتْ. ووَجَبَ القلبُ يَجِبُ وَجْباً ووَجِيباً ووُجُوباً ووَجَباناً: خَفَق واضْطَرَبَ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: وَجَبَ القَلْبُ وَجِيباً فَقَطْ. وأَوْجَبَ اللهُ قَلْبَه؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ وَحْدَهُ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ: سمعتُ لَهَا وَجْبَةَ قَلْبه
أَي خَفَقانَه. وَفِي حَدِيثِ
أَبي عُبَيْدَةَ ومُعاذٍ: إِنَّا نُحَذِّرُك يَوْمًا تَجِبُ فِيهِ القُلوبُ.
والوَجَبُ: الخَطَرُ، وَهُوَ السَّبقُ الَّذِي يُناضَلُ عَلَيْهِ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وَقَدْ وَجَبَ الوَجَبُ وَجْباً، وأَوْجَبَ عَلَيْهِ: غَلَبه عَلَى الوَجَب. ابْنُ الأَعرابي: الوَجَبُ والقَرَعُ الَّذِي يُوضَع فِي النِّضال والرِّهان،(1/794)
فَمَنْ سَبقَ أَخذَه. وَفِي حَدِيثِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غالبٍ: أَنه كَانَ إِذا سَجَد، تَواجَبَ الفِتْيانُ، فَيَضَعُون عَلَى ظَهْره شَيْئًا، ويَذْهَبُ أَحدُهم إِلى الكَلَّاءِ، ويجيءُ وَهُوَ ساجدٌ.
تَواجَبُوا أَي تَراهَنُوا، فكأَنَّ بعضَهم أَوْجَبَ عَلَى بَعْضٍ شَيْئًا، والكَلَّاءُ، بِالْمَدِّ وَالتَّشْدِيدِ: مَرْبَطُ السُّفُن بِالْبَصْرَةِ، وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْهَا. والوَجْبةُ: الأَكْلَة فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ. قَالَ ثَعْلَبٌ: الوَجْبة أَكْلَةٌ فِي الْيَوْمِ إِلى مِثْلِهَا مِنَ الغَد؛ يُقَالُ: هُوَ يأْكلُ الوَجْبَةَ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هُوَ يأْكل وَجْبةً؛ كلُّ ذَلِكَ مَصْدَرٌ، لأَنه ضَرْبٌ مِنَ الأَكل. وَقَدْ وَجَّبَ لِنَفْسِهِ تَوْجيباً، وَقَدْ وَجَّبَ نَفْسَه تَوجيباً إِذا عَوَّدَها ذَلِكَ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: وَجَبَ الرجلُ، بِالتَّخْفِيفِ: أَكلَ أَكْلةً فِي الْيَوْمِ؛ ووَجَّبَ أَهلَه: فَعَلَ بِهِمْ ذَلِكَ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَجَّبَ فلانٌ نفسَه وعيالَه وفرَسَه أَي عَوَّدَهم أَكْلَةً وَاحِدَةً فِي النَّهَارِ. وأَوْجَبَ هُوَ إِذا كَانَ يأْكل مَرَّةً. التَّهْذِيبُ: فلانٌ يَأْكُلُ كلَّ يَوْمٍ وَجْبةً أَي أَكْلَةً وَاحِدَةً. أَبو زَيْدٍ: وَجَّبَ فلانٌ عيالَه تَوْجيباً إِذا جَعَل قُوتَهم كلَّ يَوْمٍ وَجْبةً، أَي أَكلةً وَاحِدَةً. والمُوَجِّبُ: الَّذِي يأْكل فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مَرَّةً. يُقَالُ: فلانٌ يأْكل وَجْبَةً. وَفِي الْحَدِيثِ:
كُنْتُ آكُلُ الوَجْبَة وأَنْجُو الوَقْعةَ
؛ الوَجْبةُ: الأَكلةُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، مَرَّةً وَاحِدَةً. وَفِي حَدِيثِ
الْحَسَنِ فِي كفَّارة الْيَمِينِ: يُطْعِمُ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ وَجْبةً وَاحِدَةً.
وَفِي حَدِيثِ
خَالِدِ بْنِ معَد: إِنَّ مَنْ أَجابَ وَجْبةَ خِتان غُفِرَ لَهُ.
ووَجَّبَ النَّاقَةَ، لَمْ يَحْلُبْها فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ إِلا مَرَّةً. والوَجْبُ: الجَبانُ؛ قَالَ الأَخْطَلُ:
عَمُوسُ الدُّجَى، يَنْشَقُّ عَنْ مُتَضَرِّمٍ، ... طَلُوبُ الأَعادي، لا سَؤُومٌ وَلَا وَجْبُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُ إِنشاده وَلَا وجبِ؛ بِالْخَفْضِ؛ وَقَبْلَهُ:
إِليكَ، أَميرَ المؤْمنين، رَحَلْتُها ... عَلَى الطائرِ المَيْمُونِ، والمَنْزِلِ الرَّحْبِ
إِلى مُؤْمِنٍ، تَجْلُو صَفائِحُ وَجْهِهِ ... بلابلَ، تَغْشَى مِنْ هُمُومٍ، ومِنْ كَرْبِ
قَوْلُهُ: عَموسُ الدُّجى أَي لَا يُعَرِّسُ أَبداً حَتَّى يُصْبِحَ، وإِنما يُريدُ أَنه ماضٍ فِي أُموره، غيرُ وانٍ. وَفِي يَنْشَقُّ: ضَمِيرُ الدُّجَى. والمُتَضَرِّمُ: المُتَلَهِّبُ غَيْظاً؛ والمُضْمَرُ فِي مُتَضَرِّم يَعُودُ عَلَى الْمَمْدُوحِ؛ والسَّؤُوم: الكالُّ الَّذِي أَصابَتْه السآمةُ؛ وَقَالَ الأَخطل أَيضاً:
أَخُو الحَرْبِ ضَرَّاها، وَلَيْسَ بناكِلٍ ... جَبان، وَلَا وَجْبِ الجَنانِ ثَقِيلِ
وأَنشد يَعْقُوبُ:
قَالَ لَهَا الوَجْبُ اللئيمُ الخِبْرَهْ: ... أَما عَلِمْتِ أَنَّني مِنْ أُسْرَهْ
لَا يَطْعَم الْجَادِي لَديْهم تَمْرَهْ؟
تَقُولُ مِنْهُ: وَجُبَ الرجلُ، بِالضَّمِّ، وُجُوبةً. والوَجَّابةُ: كالوَجْبِ، عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
ولستُ بدُمَّيْجَةٍ فِي الفِراشِ، ... ووَجَّابةٍ يَحْتَمي أَن يُجِيبا
وَلَا ذِي قَلازِمَ، عِنْدَ الحِياضِ، ... إِذا مَا الشَّريبُ أَرادَ الشَّريبا
قَالَ: وَجَّابةٌ فَرِقٌ. ودُمَّيْجة: يَنْدَمِج فِي الفِراشِ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي لرؤْبة:
فجاءَ عَوْدٌ، خِنْدِفِيٌّ قَشْعَمُهْ، ... مُوَجِّبٌ، عَارِي الضُّلُوعِ جَرْضَمُهْ
وَكَذَلِكَ الوَجَّابُ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
أَو أَقْدَمُوا يَوْمًا فأَنتَ وَجَّابْ(1/795)
والوَجْبُ: الأَحْمَقُ، عَنِ الزَّجَّاجِيِّ. والوَجْبُ: سِقاءٌ عَظِيمٌ مِنْ جلْد تَيْسٍ وافرٍ، وَجَمْعُهُ وِجابٌ، حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ. ابْنُ سِيدَهْ: والمُوَجِّبُ مِنَ الدَّوابِّ الَّذِي يفْزَعُ مِنْ كُلِّ شيءٍ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَلَا أَعرفه. وَفِي نَوَادِرِ الأَعراب: وَجَبْتُه عَنْ كَذَا ووكَبْتُه إِذا رَدَدْتُه عَنْهُ حَتَّى طالَ وُجُوبُه ووكُوبُه عَنْهُ. ومُوجِبٌ: مِنْ أَسماءِ المُحَرَّم، عادِيَّةٌ.
ودب: الوَدَبُ: سُوءُ الْحَالِ.
وذب: الوِذابُ: خُرَبُ المَزادةِ، وَقِيلَ هِيَ الأَكراشُ الَّتِي يُجْعَلُ فِيهَا اللَّبَنُ ثُمَّ تُقْطَعُ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَمْ أَسمع لَهَا بِوَاحِدٍ. قَالَ الأَفْوَهُ الأَوْديّ:
وَوَلَّوْا هارِبينَ بكُلِّ فَجٍّ، ... كأَنَّ خُصاهُمُ قِطَعُ الوِذابِ
ورب: الوَرْبُ: وِجارُ الوَحْشِيِّ. والوَرْبُ: العِضْوُ؛ وَقِيلَ: هُوَ مَا بَيْنَ الأَصابع «6» . يُقَالُ: عِضْوٌ مُوَرَّبٌ أَي مُوَفَّر. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: الْمَعْرُوفُ فِي كَلَامِهِمْ: الإِرْبُ العِضْوُ؛ قَالَ: وَلَا أُنْكِرُ أَن يَكُونَ الوِرْبُ لُغَةً، كَمَا يَقُولُونَ لِلْمِيرَاثِ: وِرْثٌ: وإِرثٌ. اللَّيْثُ: المُواربةُ المُداهاةُ والمُخاتَلَةُ. وَقَالَ بَعْضُ الحكماءِ: مُوارَبةُ الأَريبِ جَهْلٌ وعَناءٌ، لأَن الأَريبَ لَا يُخْدَعُ عَنْ عَقْله. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: المُوارَبة مأْخوذة مِنَ الإِرْبِ، وَهُوَ الدَّهاءُ، فحُوِّلت الْهَمْزَةُ وَاوًا. والوَرْبُ: الفِتْرُ، وَالْجَمْعُ أَورابٌ. والوَرْبةُ: الحُفْرة الَّتِي فِي أَسفل الجَنْب، يَعْنِي الخاصِرَةَ. والوَرْبةُ: الاسْتُ. والوَرْبُ: الفَساد. ووَرِبَ جَوْفُه ورَباً: فَسَدَ. وعِرْقٌ وَرِبٌ: فاسدٌ؛ قَالَ أَبو ذَرَّةَ الْهُذَلِيُّ:
إِنْ يَنْتَسِبْ، يُنْسَبْ إِلى عِرْقٍ وَرِبْ، ... أَهلِ خَزُوماتٍ، وشَحَّاجٍ صَخِبْ
وإِنه لَذُو عِرْقٍ وَرِبٍ أَي فاسدٍ. وَيُقَالُ: وَرِبَ العِرْقُ يَوْرَبُ أَي فَسَد؛ وَفِي الْحَدِيثِ:
وإِن بايَعْتَهُم وَارَبُوكَ
؛ ابْنُ الأَثير: أَي خادَعُوكَ، مِنَ الوِرْبِ وَهُوَ الْفَسَادُ، قَالَ: وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ من الإِرْبِ، وَهُوَ الدَّهاءُ، وقَلَبَ الهمزةَ وَاوًا. وَيُقَالُ: سَحابٌ وَرِبٌ واهٍ، مُسْتَرْخ؛ قَالَ أَبو وَجْزَةَ:
صابَتْ بِهِ دَفَعاتُ اللَّامِعِ الوَرِبِ
صابَتْ تَصُوبُ: وقَعَتْ. التَّهْذِيبُ: التَّوْريبُ أَن تُورِّيَ عَنِ الشيءِ بالمُعارَضاتِ والمُباحاتِ.
وزب: التَّهْذِيبُ: وَزَبَ الشيءُ، يَزِبُ وزُوباً إِذا سالَ. الْجَوْهَرِيُّ: المِيزابُ المِثْعَبُ، فَارِسِيٌّ مُعَرَّب؛ قَالَ: وَقَدْ عُرِّبَ بِالْهَمْزِ، وَرُبَّمَا لَمْ يُهْمَزْ، وَالْجَمْعُ مآزِيبُ إِذا هَمزت، ومَيازيبُ إِذا لَمْ تَهْمِزْ.
وسب: الوِسْبُ: العُشْبُ واليَبيسُ. وسَبَتِ الأَرضُ وأَوْسَبَتْ: كَثُرَ عُشْبُها؛ وَيُقَالُ لنَباتِها: الوِسْبُ، بِالْكَسْرِ. والوَسْبُ: خَشَبٌ يُوضَع فِي أَسفل الْبِئْرِ لِئَلَّا تَنهالَ، وَجَمْعُهُ وُسُوبٌ. ابْنُ الأَعرابي: الوَسَبُ الوَسَخُ؛ وَقَدْ وَسِبَ وَسَباً، ووَكِبَ وَكَباً، وحَشِنَ حَشَناً، بِمَعْنًى وَاحِدٍ.
وشب: الأَوْشابُ: الأَخْلاطُ مِنَ النَّاسِ والأَوْباشُ، واحدُهم وِشْبٌ. يُقَالُ: بِهَا أَوباشٌ مِنَ النَّاسِ، وأَوْشابٌ مِنَ النَّاسِ، وَهُمُ الضُّروبُ المُتَفَرِّقون.
__________
(6) . قوله [وَقِيلَ هُوَ مَا بَيْنَ الأَصابع] الذي في القاموس ما بين الضلعين. قال شارحه: ولعله ما بين إصبعين بدليل ما في اللسان فصحف الكاتب انتهى. لكن الذي في القاموس هو بعينه في التكملة بخط مؤلفها وكفى به حجة فإن لم يكن ما في اللسان تحريفاً فهما فائدتان ولا تصحف باللسان.(1/796)
وَفِي حَدِيثِ الحُديبية:
قَالَ لَهُ عُرْوةُ بْنَ مَسْعُودٍ الثَّقَفيُّ: وإِني لأَرى أَشْواباً مِنَ النَّاسِ لخَلِيقٌ أَن يَفِرُّوا ويَدَعُوك
؛ الأَشْوابُ والأَوْباشُ والأَوْشابُ: الأَخْلاطُ مِنَ النَّاسِ، والرَّعاعُ. وتَمْرَةٌ وَشْبةٌ: غليظةُ اللِّحاءِ، يمانية.
وصب: الوَصَبُ: الوَجَعُ والمرضُ. وَالْجَمْعُ أَوْصابٌ. ووَصِبَ يَوْصَبُ وَصَباً، فَهُوَ وَصِبٌ. وتَوَصَّبَ، ووَصَّبَ، وأَوْصَبَ، وأَوْصَبَه اللهُ، فَهُوَ مُوصَبٌ. والمُوَصَّبُ بِالتَّشْدِيدِ: الْكَثِيرُ الأَوْجاعِ. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ: أَنا وصَّبْتُ رسولَ الله، صلى الله وَسَلَّمَ
، أَي مَرَّضْتُه فِي وَصَبه؛ الوَصَب: دوامُ الوَجَع ولُزومه، كَمَرَّضْتُه مِنَ المرضِ أَي دَبَّرْته فِي مَرَضِه، وَقَدْ يُطْلَقُ الوَصَبُ عَلَى التَّعب والفُتُور فِي البَدَن. وَفِي حَدِيثِ
فارعَةَ، أُختِ أُمَيَّة، قَالَتْ لَهُ: هَلْ تَجِدُ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا، إِلا تَوْصِيباً
أَي فُتوراً؛ وَقَالَ رؤْبة:
بِي والبِلى أَنْكَرُ تِيكَ الأَوْصابْ
الأَوْصابُ: الأَسْقامُ، الواحدُ وَصَبٌ. ورجلٌ وَصِبٌ مِنْ قَوْمٍ وَصَابَى ووِصابٍ. وأَوْصَبَه الداءُ وأَوْبَرَ عَلَيْهِ: ثَابَرَ. والوُصُوبُ: دَيمومةُ الشيءِ. ووَصَبَ يَصِبُ وُصُوباً، وأَوْصَبَ: دامَ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَلَهُ الدِّينُ واصِباً
؛ قَالَ أَبو إِسحاق قِيلَ فِي مَعْنَاهُ: دائِباً أَي طاعتُه دائمةٌ واجبةٌ أَبداً؛ قَالَ وَيَجُوزُ، وَاللَّهُ أَعلم، أَن يَكُونَ: وَلَهُ الدِّينُ واصِباً
أَي لَهُ الدينُ وَالطَّاعَةُ؛ رَضِيَ العبدُ بِمَا يُؤْمر بِهِ أَو لَمْ يَرْضَ بِهِ، سَهُلَ عَلَيْهِ أَو لَمْ يَسْهُلْ، فَلَهُ الدينُ وإِن كَانَ فِيهِ الوَصَبُ. والوَصَبُ: شِدَّة التَّعَب. وفيه: عَذابٌ واصِبٌ
أَي دَائِمٍ ثَابِتٍ، وَقِيلَ: مُوجِعٌ؛ قَالَ مُلَيْحٌ:
تَنَبَّهْ لِبرْقٍ، آخِرَ اللَّيْلِ، مُوصِبٍ ... رَفيعِ السَّنا، يَبْدُو لَنا، ثُمَّ يَنْضُبُ
أَي دَائِمٌ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: وَصَبَ الشحمُ دَامَ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ. وأَوْصَبَتِ الناقةُ الشَّحْمَ: ثَبَتَ شَحمُها، وَكَانَتْ مَعَ ذَلِكَ باقيةَ السِّمَن. وَيُقَالُ: واظَبَ عَلَى الشيءِ، وواصَبَ عَلَيْهِ إِذا ثابَرَ عَلَيْهِ. يُقَالُ وَصَبَ الرجلُ عَلَى الأَمْر إِذا وَاظَبَ عَلَيْهِ؛ وأَوْصَبَ القومُ عَلَى الشيءِ إِذا ثابَروا عَلَيْهِ؛ ووَصَبَ الرجلُ فِي مالِه وَعَلَى مالِه يَصِبُ، كوَعَدَ يَعِدُ، وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ ووَصِبَ يَصِبُ، بِكَسْرِ الصَّادِ فِيهِمَا جَمِيعًا، نادرٌ إِذا لَزِمَه وأَحْسَنَ القيامَ عَلَيْهِ؛ كِلَاهُمَا عَنْ كُراع، وقدَّمَ النادِرَ عَلَى الْقِيَاسِ، وَلَمْ يَذْكُرِ اللُّغَوِيُّونَ وَصِبَ يَصِبُ، مَعَ مَا حَكَوا مَنْ وَثِق يَثِقُ، ووَمِقَ يَمِقُ، ووَفِقَ يَفِقُ، وَسَائِرُهُ. وفَلاةٌ واصِبةٌ: لَا غَايَةَ لَهَا مِن بُعْدها. ومَفازة واصِبَة: بعيدةٌ لا غاية لها.
وطب: الوَطْبُ: سِقاءُ اللبنِ؛ وَفِي الصِّحَاحِ: سِقَاءُ اللَّبنِ خاصَّة، وَهُوَ جِلْدُ الجَذَعِ فَمَا فَوْقَهُ، وَالْجَمْعُ أَوْطُبٌ، وأَوْطابٌ، ووِطابٌ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
وأَفْلَتَهُنَّ عِلْباءٌ جَريضاً، ... وَلَوْ أَدْرَكْتُه، صَفِرَ الوِطابُ
وأَواطِبُ: جَمْعُ أَوْطُبٍ كأَكالِبٍ فِي جَمْعِ أَكْلُبٍ؛ أَنشد سِيبَوَيْهِ:
تُحْلَبُ مِنْهَا سِتَّةُ الأَواطِبِ
ولأَفُشَّنَّ وَطْبَكَ أَي لأَذْهَبَنَّ بِتِيهِكَ وكِبْرِك، وَهُوَ عَلَى المَثَل. وامرأَة وَطْباءُ: كَبِيرَةُ الثَّدْيَيْنِ، يُشَبَّهانِ بالوَطْبِ كأَنها تَحمِلُ وَطْباً مِنَ اللَّبَنِ؛ وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا ماتَ أَو قُتِلَ: صَفِرَتْ وِطابُه أَي فَرَغَتْ وخَلَتْ؛ وَقِيلَ: إِنهم يَعْنُون بِذَلِكَ(1/797)
خُروجَ دَمِه مِنْ جَسَدِه؛ وأَنشد بَيْتَ امْرِئِ الْقَيْسِ:
وَلَوْ أَدركتُه صَفِرَ الوِطابُ
وَقِيلَ: مَعْنَى صَفِرَ الوِطابُ: خَلا لِسَاقِيهِ مِنَ الأَلْبان الَّتِي يُحقَنُ فِيهَا لأَنَّ نَعَمَه أُغِيرَ عَلَيْهَا، فَلَمْ يَبقَ لَهُ حَلُوبة. وعِلباءُ فِي هَذَا الْبَيْتِ: اسْمُ رَجُلٍ. والجَرِيضُ: غُصَصُ الْمَوْتِ؛ يُقَالُ: أَفْلَتَ جَرِيضاً وَلَمْ يمُتْ بَعْدُ. وَمَعْنَى صَفِرَ وِطابُه أَي مَاتَ؛ جَعَلَ رُوحَه بِمَنْزِلَةِ اللَّبَنِ الَّذِي فِي الوِطَابِ، وَجَعَلَ الوَطْب بِمَنْزِلَةِ الجَسَد فَصَارَ خُلُوُّ الجَسَدِ مِنَ الرُّوح كخُلُوِّ الوَطْبِ مِنَ اللَّبَن؛ وَمِنْهُ قَوْلُ تأَبط شَرًّا:
أَقُولُ لِجنَّانٍ، وَقَدْ صَفِرَتْ لَهُمْ ... وِطابي، ويَوْمِي ضَيِّقُ الحَجْرِ مُعْوِرُ
وَفِي حَدِيثِ
أُم زَرْعٍ: خَرَجَ أَبو زَرْعٍ، والأَوْطابُ تُمْخَضُ، لِيَخْرُجَ زُبْدُها.
الصِّحَاحُ: يُقَالُ لجِلْدِ الرَّضِيعِ الَّذِي يُجْعَلُ فِيهِ اللَّبنُ شَكْوَةٌ، ولِجِلْدِ الفَطِيم بَدْرَةٌ، وَيُقَالُ لِمِثْلِ الشَّكْوَةِ مِمَّا يَكُونُ فِيهِ السمنُ عُكَّةٌ، ولمِثل البَدْرَةِ المِسْأَد. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه أُتِيَ بوَطْبٍ فِيهِ لَبَنٌ
؛ الوَطْبُ: الزِّقُّ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ السَّمْنُ واللَّبَنُ. والوَطْبُ: الرجلُ الجَافي. والوَطْبَاءُ: المرأَةُ الْعَظِيمَةُ الثَّدْيِ، كأَنها ذَاتُ وَطْبٍ. والطِّبَةُ: القِطْعَةُ الْمُرْتَفِعَةُ أَو الْمُسْتَدِيرَةُ مِنَ الأَدَم، لُغَةٌ فِي الطِّبَّة؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: لَا أَدري أَهو مَحْذُوفُ الْفَاءِ أَم مَحْذُوفُ اللَّامِ، فإِن كَانَ محذوفَ الْفَاءِ، فَهُوَ مِنَ الوَطْبِ، وإِن كَانَ مَحْذُوفَ اللَّامِ، فَهُوَ مَنْ طَبَيْتُ وطَبَوْتُ أَي دَعَوْتُ، وَالْمَعْرُوفُ الطِّبَّةُ، بِتَشْدِيدِ الباءِ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. وَفِي حَدِيثِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ: نَزَلَ رسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى أَبي، فقرَّبْنا إِليه طَعَامًا، وَجَاءَهُ بوَطْبَةٍ، فأَكل مِنْهَا
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: رُوِيَ
الحُميديُّ هَذَا الحديثَ فِي كِتَابِهِ: فقَرَّبنا إِليه طَعَامًا ورُطَبَةً، فأَكل مِنْهَا
؛ وَقَالَ: هَكَذَا جاءَ فِيمَا رأَينا مِنْ نَسْخِ كِتَابِ مُسْلِمٍ، رُطبَة، بالراءِ، فأَكل؛ قَالَ: وَهُوَ تَصْحِيفٌ مِنَ الرَّاوِي، وإِنما هُوَ بِالْوَاوِ، قَالَ: وَذَكَرَهُ أَبو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ، وأَبو بَكْرٍ البَرْقانيُّ فِي كِتَابَيْهِمَا بِالْوَاوِ، وَفِي آخِرِهِ قَالَ النَّضْرُ: الوَطْبة الحَيْسُ يجمَعُ بَيْنَ التَّمْرِ والأَقِطِ وَالسَّمْنِ؛ وَنَقَلَهُ عَنْ شُعْبَةَ، عَلَى الصِّحَّةِ، بِالْوَاوِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَالَّذِي قرأْته فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ وَطْبة، بِالْوَاوِ، قَالَ: وَلَعَلَّ نَسْخَ الْحَمِيدِيِّ قَدْ كَانَتْ بالراءِ، كَمَا ذَكَرَهُ؛ وَفِي رِوَايَةٍ فِي حَدِيثِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ: أَتَيْناه بوَطِيئة
، فِي بَابِ الْهَمْزِ، وَقَالَ: هِيَ طَعَامٌ يُتَّخَذُ مِنْ التَّمْرِ، كالحَيْس، ويُروى بالباءِ الْمُوَحَّدَةِ، وقيل: هو تصحيف.
وظب: وَظبَ عَلَى الشيءِ، ووَظِبَه وُظُوباً، وواظَب: لَزِمَه، وَدَاوَمَهُ، وتَعَهَّدَه. اللَّيْثُ: وَظَب فلانٌ يَظِبُ وُظُوباً: دَامَ. والمُواظَبةُ: المُثابَرةُ عَلَى الشيءِ، والمُداومَة عَلَيْهِ. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: يُقَالُ فلانٌ مُواكِظٌ عَلَى كَذَا وَكَذَا، وواكِظٌ وواظِبٌ ومُواظِبٌ، بِمَعْنًى وَاحِدٍ أَي مُثابرٌ؛ وَقَالَ سَلَامَةُ بْنُ جَنْدل يَصِفُ وَادِيًا:
شِيبِ المَبارِكِ، مَدْرُوسٍ مَدافِعُه، ... هَابِي المَراغ، قليلِ الوَدْقِ، مَوْظُوبِ
أَراد: شِيب مَباركه، وَلِذَلِكَ جَمَعَ. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ فِي قَوْلِهِ مَوظُوب: قَدْ وُظِب عَلَيْهِ حَتَّى أُكِلَ مَا فِيهِ. وَقَوْلُهُ: هَابِي المَراغ أَي منتفخُ التُّراب، لَا يَتَمَرَّغ بِهِ بَعِيرٌ، قَدْ تُرِكَ لِخَوْفِهِ. وَقَوْلُهُ: مَدْرُوس مَدافِعُه أَي قَدْ دُقَّ، ووُطِئَ، وأُكِلَ نَبْتُه.(1/798)
ومَدافِعُه: أَوْدِيَتُه شِيبُ المَبارك، قَدِ ابْيَضَّتْ مِنَ الجُدوبة. والمُواظَبة: المُثابرَةُ عَلَى الشيءِ. وَفِي حَدِيثِ
أَنس: كُنَّ أُمَّهاتي يُواظِبْنَني عَلَى خِدْمَتِه
أَي يَحْمِلْنَني ويَبْعَثْنَني عَلَى مُلَازَمَةِ خِدْمَتِهِ، والمُداومة عَلَيْهَا، ورُوي بِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْهَمْزِ، مِنَ المواطأَة عَلَى الشيءِ. وأَرض مَوْظُوبةٌ، ورَوْضَةٌ مَوْظُوبة: تُدُووِلَتْ بالرَّعْيِ، وتُعُهِّدَت حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِيهَا كَلأٌ، ولَشَدَّ مَا وُطِئَتْ. ووادٍ مَوْظُوبٌ: مَعْرُوكٌ. والوَظْبَةُ: الحَياءُ مِنْ ذَواتِ الْحَافِرِ. ومَوْظَبٌ، بِفَتْحِ الظاءِ: أَرض مَعْرُوفَةٌ؛ وَقَالَ أَبو العَلاء: هُوَ مَوْضعُ مَبْرَكِ إِبل بَنِي سَعْد، مِمَّا يَلِي أَطرافَ مَكَّةَ، وَهُوَ شَاذٌّ كمَوْرَقٍ، وَكَقَوْلِهِمْ: ادْخُلوا مَوْحَدَ مَوْحَدَ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وإِنما حَقُّ هَذَا كُلِّهِ الْكَسْرُ، لأَنَّ آتِيَ الْفِعْلِ مِنْهُ، إِنما هُوَ عَلَى يَفْعِل، كيَعِد؛ قَالَ خِدَاش بْنِ زُهَير:
كذَبْتُ عَلَيْكُمْ، أَوْعِدُوني وعَلِّلوا ... بِيَ الأَرضَ والأَقْوامَ، قِرْدَانَ مَوْظَبا
أَي عَلَيْكُمْ بِي وَبِهِجَائِي يَا قِرْدَانَ مَوْظَبَ إِذا كنتُ فِي سَفَر، فاقْطَعُوا بذِكْري الأَرضَ؛ قَالَ: وَهَذَا نَادِرٌ، وقياسُه مَوْظِبٌ. وَيُقَالُ لِلرَّوْضَةِ إِذا أُلِحَّ عليها فِي الرَّعْي: قَدْ وُظِبَتْ، فَهِيَ مَوْظُوبة. وَيُقَالُ: فُلَانٌ يَظِبُ عَلَى الشيءِ، ويُواظِبُ عَلَيْهِ. ورجلٌ مَوْظُوبٌ إِذا تَدَاوَلَتْ مالَه النَّوائب؛ قَالَ سلامةُ بنُ جَنْدَلٍ:
كُنَّا نَحُلُّ، إِذا هَبَّتْ شآمِيَةٌ، ... بكلِّ وادٍ، حديثِ البَطْنِ، مَوْظُوبِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُ إِنشاده:
حَطِيبِ الجَوْنِ مَجْدُوبِ
قَالَ: وأَما مَوْظُوبٌ، فَفِي الْبَيْتِ الَّذِي بَعْدَهُ:
شِيبِ المَباركِ، مَدْرُوسٍ مَدافِعُه، ... هَابِي المَراغِ، قليلِ الوَدْقِ، مَوْظُوبِ
وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْبَيْتُ فِي اسْتِشْهَادِ غَيْرِ الْجَوْهَرِيِّ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ. والمَجْدُوبُ: المُجْدِبُ، وَيُقَالُ: المَعِيبُ، مِنْ قَوْلِهِمْ جَدَبْتُه أَي عِبْتُه. وشِيبُ المَبارك: بيضُ الْمَبَارِكِ، لِغَلَبَةِ الجَدْب عَلَى الْمَكَانِ. والمَدافع: مواضعُ السَّيْلِ. ودُرِسَتْ أَي دُقَّتْ، يَعْنِي مَدافعُ الْمَاءِ إِلى الأَودية، الَّتِي هِيَ مَنابِتُ العُشب، قَدْ جَفَّتْ وأُكِلَ نَبْتُها، وَصَارَ تُرَابُهَا هابِياً. وَهَابِي المَراغِ: مثلُ قَوْلِكَ هَابِي التُّراب، وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ أَيضاً فِي صَدْرِ التَّرْجَمَةِ، وَاللَّهُ أَعلم.
وعب: الوَعْبُ: إِيعابُكَ الشيءَ فِي الشيءِ، كأَنه يأْتي عَلَيْهِ كلِّه، وَكَذَلِكَ إِذا اسْتُؤْصِلَ الشيءُ، فَقَدِ اسْتُوعِبَ. وعَبَ الشيءَ وَعْباً، وأَوْعَبه، واسْتَوْعَبه: أَخَذَه أَجْمَعَ، واسْتَرَطَ مَوْزَةً فأَوْعَبَها، عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، أَي لَمْ يَدَعْ مِنْهَا شَيْئًا. واسْتَوْعَبَ المكانُ والوِعاءُ الشيءَ: وَسِعَه، مِنْهُ. والإِيعابُ والاسْتِيعابُ: الاسْتِئْصالُ، والاستِقْصاءُ فِي كُلِّ شيءٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِنَّ النِّعْمَةَ الواحدةَ تَسْتَوعِب جميعَ عَمَل الْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
، أَي تأْتي عَلَيْهِ؛ وَهَذَا عَلَى المَثَل. واسْتَوْعَبَ الجِرابُ الدقيقَ. وَقَالَ
حُذَيْفَة فِي الجُنُب: يَنام قَبْلَ أَن يَغْتَسِل، فَهُوَ أَوْعَبُ للغُسل
، يَعْنِي أَنه أَحْرَى أَن يُخْرِجَ كلَّ بَقِيَّة فِي ذَكرِهِ مِن الْمَاءِ، وَهُوَ حَدِيثٌ ذَكَرَهُ ابْنُ الأَثير؛ قَالَ: وَفِي حَدِيثِ
حُذَيْفَةَ: نَوْمَةٌ بَعْدَ الْجِمَاعِ أَوْعَبُ لِلْمَاءِ
أَي أَحْرَى أَن تُخْرِجَ كلَّ مَا بَقي مِنْهُ فِي الذَّكَر وتَسْتَقْصِيَه. وبيتٌ وعِيبٌ ووِعاءٌ وعِيبٌ: واسعٌ يَسْتَوْعِب(1/799)
كلَّ مَا جُعِلَ فِيهِ. وطريقٌ وَعْبٌ: واسعٌ، وَالْجَمْعُ وِعابٌ؛ وَيُقَالُ لِهَنِ المرأَة إِذا كَانَ وَاسِعًا وَعِيبٌ. والوَعْبُ: مَا اتَّسَع مِنَ الأَرض، والجمعُ كَالْجَمْعِ. وأَوْعَبَ أَنْفَه: قَطَعه أَجْمَعَ؛ قَالَ أَبو النَّجْمِ يَمْدَحُ رَجُلًا:
يَجْدَعُ، مَنْ عَادَاهُ جَدْعاً مُوْعِبا، ... بَكْرٌ، وبَكْرٌ أَكرمُ الناسِ أَبا
وأَوْعَبه: قَطَعَ لِسَانَهُ أَجْمَعَ. وَفِي الشَّتْم: جَدَعه اللهُ جَدْعاً مُوعِباً. وجَدَعَه فأَوْعَبَ أَنْفَه أَي استأْصَلَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
فِي الأَنْفِ إِذا اسْتُوعِبَ جَدْعاً الدِّيةُ
أَي إِذا لَمْ يُتْرَكْ مِنْهُ شيءٌ؛ وَيُرْوَى
إِذا أُوعِبَ جَدْعُه كلُّه
أَي قُطِعَ جَمِيعه، وَمَعْنَاهُمَا اسْتُؤْصِلَ. وكلُّ شَيْءٍ اصْطُلِم فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ فَقَدْ أُوعِبَ واسْتُوعِبَ، فَهُوَ مُوعَبٌ. وأَوْعَبَ القومُ: حَشَدوا وجاؤُوا مُوعِبين أَي جَمَعوا مَا اسْتَطاعوا مِنْ جَمْعٍ. وأَوْعَبَ بَنو فُلَانٍ: جَلَوْا أَجمعون. قَالَ الأَزهري: وَقَدْ أَوْعَبَ بَنُو فُلَانٍ جَلاءً، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ بِبَلَدِهِمْ أَحَدٌ. ابْنُ سِيدَهْ: وأَوْعَبَ بَنُو فُلَانٍ لفلانٍ، لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحدٌ إِلا جاءَه. وأَوْعَبَ بَنُو فلانٍ لِبَنِي فلانٍ: جَمَعُوا لَهُمْ جَمْعاً، هَذِهِ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وأَوْعَبَ القومُ إِذا خَرَجُوا كلُّهم إِلى الغزْو. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ يُوعِبون فِي النَّفير مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
، أَي يَخرُجُون بأَجْمعهم فِي الغَزْو. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَوْعَبَ الْمُهَاجِرُونَ والأَنصارُ مَعَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، يومَ الْفَتْحِ.
وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:
أَوْعَبَ الأَنصارُ مَعَ عليٍّ إِلى صِفِّين
أَي لَمْ يَتَخَلَّفْ مِنْهُمْ أَحدٌ عَنْهُ؛ وَقَالَ عَبِيدُ بنُ الأَبرصِ فِي إِيعاب الْقَوْمِ إِذا نَفَرُوا جَمِيعًا:
أُنْبِئْتُ أَنَّ بَنِي جَدِيلَةَ أَوعَبُوا، ... نُفَراء مِنْ سَلْمَى لَنَا، وتَكَتَّبُوا
وانْطَلَقَ القومُ فأَوْعَبُوا أَي لَمْ يَدَعُوا مِنْهُمْ أَحداً. وأَوْعَبَ الشيءَ فِي الشيءِ: أَدْخَلَه فِيهِ. وأَوْعَبَ الفرسُ جُرْدانَه فِي ظَبْيةِ الحِجْر، مِنْهُ. وأَوْعَبَ فِي مَالِهِ: أَسْلَف؛ وَقِيلَ: ذَهَبَ كلَّ مَذْهَب فِي إِنفاقه. الْجَوْهَرِيُّ: جَاءَ الفرسُ برَكْضٍ وَعِيبٍ أَي بأَقْصَى مَا عِنْدَهُ. ورَكْضٌ وَعِيبٌ إِذا اسْتَفْرَغَ الحُضْرَ كلَّه. وَفِي الشَّتْم: جَدَعَه اللَّهُ جَدْعاً مُوعِباً أَي مُسْتَأْصِلًا، والله أَعلم.
وغب: الوَغْبُ والوَغْدُ: الضَّعِيفُ فِي بَدَنه، وَقِيلَ: الأَحْمَقُ؛ قال رؤْبة:
لا تَعْذِلِيني، واسْتَحي بإِزْبِ، ... كَزِّ المُحَيَّا، أُنَّحٍ، إِرْزَبِّ،
وَلَا بِبِرْشامِ الوِخامِ وَغْبِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الَّذِي رَوَاهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي تَرْجَمَةِ بَرْشَعَ: وَلَا بِبِرْشاع الوِخامِ وَغْب؛ قَالَ: والبِرْشاعُ الأَهْوَجُ. وأَما البِرْشام، فَهُوَ حِدَّةُ النَّظر. والوِخامُ، جَمْعُ وَخْم: وَهُوَ الثَّقِيلُ. والإِرْزَبُّ: اللَّئيم، والقَصيرُ الغَليظُ. والأُنَّحُ: الْبَخِيلُ الَّذِي إِذا سُئِلَ تَنَحْنَح. وجَمْعُ الوَغْب: أَوْغابٌ ووِغابٌ؛ والأُنثى: وَغْبَةٌ. وَفِي حَدِيثِ
الأَحْنَف: إِياكم وحَمِيَّةَ الأَوْغابِ
؛ هُمُ اللِّئام والأَوْغادُ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: الوَغَبَةُ الأَحْمَقُ، فحرَّك؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُراه إِنما حَرَّكَ، لِمَكَانِ حَرْفِ الْحَلْقِ. والوَغْبُ أَيضاً: سَقَطُ الْمَتَاعِ. وأَوْغابُ البيتِ: رَدِيءُ مَتاعه، كالقَصْعة، والبُرْمة، والرَّحيَينِ، والعُمدِ، وَنَحْوِهَا. وأَوغابُ البُيوتِ: أَسْقاطُها، الواحدُ وَغْبٌ. والوَغْبُ أَيضاً: الْجَمَلُ الضَّخْمُ؛ وأَنشد:
أَجَزْتُ حِضْنَيْهِ هِبَلًّا وغْبا
وَقَدْ وَغُبَ الجملُ، بِالضَّمِّ، وُغُوبةً ووَغابةً.(1/800)
وقب: الأَوْقابُ: الكُوَى، واحدُها وَقْبٌ. والوَقْبُ فِي الجبَل: نُقْرة يَجْتَمِعُ فِيهَا الْمَاءُ. والوَقْبةُ: كُوَّة عَظِيمَةٌ فِيهَا ظِلٌّ. والوَقْبُ والوَقْبةُ: نَقْرٌ فِي الصَّخْرة يَجْتَمِعُ فِيهِ الماءُ؛ وَقِيلَ: هِيَ نحوُ الْبِئْرِ فِي الصَّفَا، تَكُونُ قَامَةً أَو قَامَتَيْنِ، يَسْتَنْقِع فِيهَا ماءُ السَّمَاءِ. وكلُّ نَقْرٍ فِي الجَسدِ: وَقْبٌ، كنَقْرِ الْعَيْنِ والكَتِفِ. ووَقْبُ العَيْن: نُقْرَتُها؛ تَقُولُ: وَقَبَتْ عَيْناه، غارَتَا. وَفِي حَدِيثِ جَيْشِ الخَبَطِ:
فاغْتَرَفْنا مِنْ وَقْبِ عَيْنه بالقِلالِ الدُّهْنَ
؛ الوَقْبُ: هُوَ النُّقْرة الَّتِي تَكُونُ فِيهَا الْعَيْنُ. والوَقْبانِ مِنَ الفَرس: هَزْمتانِ فَوْقَ عَيْنَيْه، وَالْجَمْعُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ وُقوبٌ ووِقابٌ. ووَقْبُ المحالةِ: الثَّقْبُ الَّذِي يدخُل فِيهِ المِحْوَرُ. ووَقْبةُ الثَّريد والمُدْهُنِ: أُنْقُوعَتُه. اللَّيْثُ: الوَقْبُ كلُّ قَلْتٍ أَو حُفْرة، كقَلْتٍ فِي فِهْر، وكوَقْبِ المُدْهُنةِ؛ وأَنشد:
فِي وَقْبِ خَوْصاءَ، كوَقْبِ المُدْهُنِ
الْفَرَّاءُ: الإِيقابُ إِدْخالُ الشيءِ فِي الوَقْبةِ. ووَقَبَ الشيءُ يَقِبُ وَقْباً: دَخَلَ، وَقِيلَ: دَخَل فِي الوَقْبِ. وأَوْقَبَ الشيءَ: أَدْخَلَه فِي الوَقْبِ. ورَكِيَّةٌ وَقْباءُ: غائرةُ الْمَاءِ. وامرأَة مِيقابٌ: واسعةُ الفَرْج. وبنُو المِيقابِ: نُسِبُوا إِلى أُمِّهم، يُرِيدُونَ سَبَّهم بِذَلِكَ. ووَقَبَ القمرُ وُقُوباً: دخَل فِي الظِّلِّ الصَّنَوبَريّ الَّذِي يَكْسِفُه. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ
؛ الْفَرَّاءُ: الغاسِقُ اللَّيْلُ؛ إِذا وَقَبَ إِذا دخَل فِي كُلِّ شَيْءٍ وأَظْلَمَ. ورُوي عَنْ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمَّا طَلَع القمرُ: هَذَا الغاسِقُ إِذا وَقَبَ، فتَعَوَّذي بِاللَّهِ مِنْ شَرِّه.
وَفِي حديثٍ آخَرَ
لِعَائِشَةَ: تَعَوَّذي بِاللَّهِ مِنْ هَذَا الغاسقِ إِذا وَقَبَ
أَي اللَّيْلِ إِذا دخَلَ وأَقْبَلَ بظَلامِه. ووَقَبَتِ الشمسُ وَقْباً ووُقُوباً: غابَتْ؛ وَفِي الصِّحَاحِ: ودخَلَتْ مَوْضِعَها. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُكَرَّمِ: فِي قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ دخَلَتْ موضِعَها، تَجَوُّزٌ فِي اللَّفْظِ، فإِنها لَا موضعَ لَهَا تَدْخُله. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَمَّا رَأَى الشمسَ قَدْ وَقَبَتْ قَالَ: هَذَا حِينُ حِلِّها
؛ وَقَبَتْ أَي غابَتْ؛ وحِينُ حِلِّها أَي الوَقْتُ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ أَداؤُها، يَعْنِي صلاةَ الْمَغْرِبِ. والوُقُوبُ: الدُّخُولُ فِي كُلِّ شَيْءٍ؛ وَقِيلَ: كلُّ مَا غابَ فَقَدْ وَقَبَ وقْباً. ووَقَبَ الظلامُ: أَقْبَلَ، ودخَل عَلَى النَّاسِ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ
؛ قَالَ الحسنُ: إِذا دخَل عَلَى النَّاسِ. والوَقْبُ: الرجلُ الأَحمقُ، مثلُ الوَغْبِ؛ قَالَ الأَسْوَد بنُ يَعْفُرَ:
أَبَنِي نُجَيْحٍ، إِنَّ أُمَّكُمُ ... أَمَةٌ، وإِنَّ أَباكُمُ وَقْبُ
«7» أَكَلَتْ خَبيثَ الزادِ، فاتَّخَمَتْ ... عَنْهُ، وشَمَّ خِمارَها الكَلْبُ
ورجلٌ وَقْبٌ: أَحمقُ، وَالْجَمْعُ أَوْقابٌ، والأُنثى وَقْبة. والوُقْبيُّ: المُولَعُ «8» بصُحْبةِ الأَوْقابِ، وَهُمُ الحَمْقَى. وَفِي حَدِيثِ
الأَحْنَفِ: إِياكم وحَمِيَّةَ الأَوْقابِ
؛ هُمُ الحَمْقَى. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: الوَقْبُ الدَّنِيءُ النَّذْلُ، مِن قَوْلِكَ وَقَبَ فِي الشَّيْءِ: دخَل فكأَنه يدخُل فِي الدَّناءَة، وَهَذَا مِنَ الِاشْتِقَاقِ الْبَعِيدِ. والوَقْبُ: صوتٌ يخرُج مِنْ قُنْبِ الفَرَس، وهو
__________
(7) . قوله [أبني نجيح] كذا بالأَصل كالصحاح والذي في التهذيب أبني لبينى.
(8) . قوله [والوقبي المولع إلخ] ضبطه المجد، بضم الواو، ككردي وضبطه في التكملة كالتهذيب، بفتحها.(1/801)
وِعاءُ قَضِيبِه. ووَقَبَ الفرسُ يَقِبُ وقْباً ووَقيباً، وَهُوَ صَوْتُ قُنْبِه؛ وَقِيلَ: هُوَ صوتُ تَقَلْقُلِ جُرْدانِ الْفَرَسِ فِي قُنْبِه، وَلَا فِعْلَ لِشَيْءٍ مِنْ أَصواتِ قُنْبِ الدابةِ، إِلَّا هَذَا. والأَوْقابُ: قُماشُ الْبَيْتِ. والمِيقابُ: الرجلُ الكثيرُ الشُّرْبِ لِلنَّبِيذِ. وَقَالَ مُبْتَكِرٌ الأَعْرابي: إِنهم يَسِيرُونَ سَيْرَ المِيقابِ؛ وَهُوَ أَن يُواصِلُوا بَيْنَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. والمِيقَبُ: الوَدَعَةُ. وأَوْقَبَ القومُ: جاعُوا. والقِبَةُ: الَّتِي تَكُونُ فِي البَطْن، شِبْهُ الفِحْثِ. والقِبَةُ: الإِنْفَحةُ إِذا عَظُمَتْ مِنَ الشاةِ؛ وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: لَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الشاءِ. والوَقْباء: مَوْضِعٌ، يُمَدُّ ويُقْصَرُ، والمَدُّ أَعْرَفُ. الصِّحَاحُ: والوَقْبَى ماءٌ لَبَنِي مازِنٍ؛ قَالَ أَبو الغُول الطُّهَويُّ:
هُمُ مَنَعُوا حِمَى الوَقْبَى بضَرْبٍ، ... يُؤَلِّفُ بَيْنَ أَشْتاتِ المَنُون
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صوابُ إِنْشادِه: حِمَى الوَقَبَى؛ بِفَتْحِ الْقَافِ. والحِمَى: الْمَكَانُ الْمَمْنُوعُ؛ يُقَالُ: أَحْمَيْتُ الموضعَ إِذا جَعَلْتَهُ حِمًى. فأَما حَمَيْتُه، فَهُوَ بِمَعْنَى حَفِظْته. والأَشْتاتُ: جَمْعُ شَتٍّ، وَهُوَ الْمُتَفَرِّقُ. وَقَوْلُهُ: يؤلِّف بَيْنَ أَشْتاتِ المَنُون، أَراد أَن هَذَا الضربَ جَمَعَ بينَ مَنايا قَوْمٍ مُتَفَرَّقِي الأَمكنة، لَوْ أَتَتْهُم مَناياهم فِي أَمكنتهم، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، أَتَتْهُم المنايا مجتمعة.
وَكَبَ: المَوْكِبُ: بابةٌ مِنَ السَّيْر. وَكَبَ وُكُوباً ووَكَباناً: مَشَى فِي دَرَجانٍ، وَهُوَ الوَكَبانُ. تَقُولُ: ظَبْيةٌ وَكُوبٌ، وعَنْزٌ وَكُوبٌ، وَقَدْ وَكَبَت تَكِبُ وُكُوباً؛ وَمِنْهُ اشْتُقَّ اسمُ المَوكِبِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ ظَبْيَةً:
لَهَا أُمٌّ مُوَقَّفةٌ وَكُوبٌ، ... بحيثُ الرَّقْوُ، مَرْتَعُها البَريرُ
والمَوْكِبُ: الجماعةُ مِنَ النَّاسِ رُكْباناً ومُشاةً، مُشْتَقٌّ مِنْ ذَلِكَ؛ قَالَ:
أَلا هَزِئَتْ بنا قُرْشِيَّةٌ، ... يَهْتَزُّ مَوْكِبُها
والمَوْكِبُ: الْقَوْمُ الرُّكُوبُ عَلَى الإِبل لِلزِّينَةِ، وَكَذَلِكَ جَمَاعَةُ الفُرْسان. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه كَانَ يَسِيرُ فِي الإِفاضةِ سَيْرَ المَوْكِب
؛ المَوْكِبُ: جماعةٌ رُكْبانٌ يَسِيرُونَ بِرِفْقٍ، وَهُمْ أَيضاً القومُ الرُّكُوبُ لِلزِّينَةِ والتَّنَزُّهِ، أَراد أَنه لَمْ يَكُنْ يُسْرعُ السَّيْرَ فِيهَا. وأَوْكَبَ البعيرُ: لَزِمَ المَوْكِبَ. وَنَاقَةٌ مُواكِبةٌ: تُسايِرُ المَوْكِبَ. وَفِي الصِّحَاحِ: ناقة مُواكِبَة، للتي تُعْنِقُ فِي سَيْرِهَا. وظَبْيةٌ وَكُوبٌ: لازِمةٌ لِسِرْبها. الرِّياشِيُّ: أَوْكَبَ الطائرُ إِذا نَهَضَ للطَّيران، وأَنشد: أَوْكَبَ ثُمَّ طَارَا. وَقِيلَ: أَوْكَبَ تَهَيَّأَ للطَّيران. وواكَبَ القومَ: بادَرَهُمْ. وَتَقُولُ: واكَبْتُ القَوم إِذا رَكِبْتَ مَعَهُمْ، وَكَذَلِكَ إِذا سابَقْتَهم. ووكَبَ الرجلُ عَلَى الأَمر، وواكَبَ إِذا واظَبَ عَلَيْهِ. وَيُقَالُ: الوَكْبُ الانْتِصابُ، والواكِبةُ القائمةُ، وفلانٌ مُواكِبٌ عَلَى الأَمر، وواكِبٌ أَي مُثابر، مُواظِبٌ. والتَّوكِيبُ: المُقاربةُ فِي الصِّرار. والوَكَبُ: الوَسَخُ يَعْلُو الجِلْدَ والثَّوبَ؛ وَقَدْ وَكِبَ يَوكَبُ وَكَباً، وَوسِبَ وَسَباً، وحَشِنَ حَشَناً إِذا رَكبه الوَسَخُ والدَّرَنُ. والوَكَبُ: سَوادُ التَّمْرِ إِذا نَضجَ، وأَكثر مَا يُستعمل فِي العِنَب. وَفِي التَّهْذِيبِ: الوَكَبُ سَوادُ(1/802)
اللَّون، مِنْ عِنَبٍ أَو غَيْرِ ذَلِكَ إِذا نَضِجَ. ووَكَّبَ العِنَبُ تَوكيباً إِذا أَخذَ فِيهِ تَلوِينُ السَّوادِ، واسمُه فِي تِلْكَ الْحَالِ مُوَكِّبٌ؛ قَالَ الأَزهري: وَالْمَعْرُوفُ فِي لَوْنِ العِنَبِ والرُّطَبِ إِذا ظَهَرَ فِيهِ أَدْنى سَواد التَّوكِيتُ، يُقَالُ: بُسْرٌ مُوَكِّتٌ؛ قَالَ: وَهَذَا مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَصحاب النَّخِيلِ فِي الْقُرَى الْعَرَبِيَّةِ. والمُوَكِّبُ: البُسْرُ يُطْعَنُ فِيهِ بالشَّوكِ حَتَّى يَنْضَجَ؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ، وَاللَّهُ أَعلم.
وَلَبَ: وَلَبَ فِي البيتِ والوجهِ: دخَل. والوالِبةُ: فِراخُ الزَّرْعِ، لأَنها تَلِبُ فِي أُصُول أُمَّهاتِه؛ وَقِيلَ: الوالِبةُ الزَّرْعةُ تَنْبُتُ مِنْ عُروق الزَّرعة الأُولى، تَخْرُجُ الوُسْطَى، فَهِيَ الأُمُّ، وتَخْرُجُ الأَوالِبُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَتَلاحَقُ. ووَالبةُ الْقَوْمِ: أَولادُهم ونَسْلُهُم. أَبو الْعَبَّاسِ، سمعَ ابْنَ الأَعرابي يَقُولُ: الوالبةُ نَسْلُ الإِبل والغَنَم والقَومِ. ووَالبةُ الإِبلِ: نَسْلُها وأَوْلادُها. قَالَ الشَّيْباني: الوالِبُ الذاهِبُ فِي الشيءِ، الداخلُ فِيهِ؛ وَقَالَ عُبَيْدٌ القُشَيْرِيّ:
رأَيتُ عُمَيراً والِباً فِي دِيارِهِمْ، ... وَبِئْسَ الفَتى، إِن نابَ دَهْرٌ بِمُعْظَمِ
وَفِي رِوَايَةِ أَبي عَمْرٍو: رأَيتُ جُرَيّاً. ووَلَبَ إِليه الشيءُ يَلِبُ وُلوباً: وَصَلَ إِليه، كَائِنًا مَا كَانَ. ووالبةُ: اسْمُ مَوضِع؛ قَالَتْ خِرْنِقُ:
مَنَتْ لَهُمُ بوالِبَةَ المَنايا
ووالبةُ: اسمُ رجلٍ.
وَنَبَ: وَنَّبه: لُغَةٌ فِي أَنَّبَهُ.
وَهَبَ: فِي أَسماءِ اللَّهِ تَعَالَى: الوَهَّابُ. الهِبةُ: العَطِيَّة الخاليةُ عَنِ الأَعْواضِ والأَغْراضِ، فإِذا كَثُرَتْ سُمِّي صاحِبُها وَهَّاباً، وَهُوَ مِنْ أَبنية المُبالغة. غَيْرُهُ: الوَهَّابُ، مِنْ صفاتِ اللَّهِ، المُنعِمُ عَلَى الْعِبَادِ، واللهُ تَعَالَى الوهَّابُ الواهِبُ. وكلُّ مَا وُهِبَ لَكَ، مِنْ ولَد وَغَيْرِهِ: فَهُوَ مَوهُوبٌ. والوَهُوبُ: الرجلُ الكثيرُ الهِباتِ. ابْنُ سِيدَهْ: وَهَبَ لَكَ الشيءَ يَهَبُه وَهْباً، ووَهَباً، بِالتَّحْرِيكِ، وهِبَةً؛ وَالِاسْمُ المَوهِبُ، والمَوهِبةُ، بِكَسْرِ الهاءِ فِيهِمَا. وَلَا يُقَالُ: وَهَبَكَه، هَذَا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ. وَحَكَى السِّيرَافِيُّ عَنْ أَبي عَمْرٍو: أَنه سَمِعَ أَعرابياً يَقُولُ لِآخَرَ: انْطَلِقْ مَعِي، أَهَبْكَ نَبْلًا. ووَهَبْتُ لَهُ هِبةً، ومَوهِبَةً، ووَهْباً، ووَهَباً إِذا أَعْطَيْتَهُ. ووهَبَ اللهُ لَهُ الشيءَ، فَهُوَ يَهَبُ هِبةً؛ وتَواهَبَ الناسُ بَيْنَهُمْ؛ وَفِي حَدِيثِ
الأَحْنَفِ: وَلَا التَّواهُبُ فِيمَا بينَهم ضَعَةٌ
؛ يَعْنِي أَنهم لَا يَهَبُونَ مُكْرَهِينَ. ورجلٌ واهِبٌ ووَهَّابٌ ووَهُوبٌ ووَهَّابةٌ أَي كثيرُ الهِبة لأَمْواله، وَالْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ. والمَوهُوبُ: الولدُ، صِفَةٌ غَالِبَةٌ. وتَواهَبَ الناسُ: وَهَبَ بَعْضُهم لِبَعْضٍ. والاسْتِيهابُ: سُؤَالُ الهِبَةِ. واتَّهَبَ: قَبِلَ الهِبَةَ. واتَّهَبْتُ منكَ دِرْهَماً، افْتَعَلْتُ، مِنَ الهِبَةِ. والاتِّهابُ: قَبُولُ الهِبة. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَقَدْ هَمَمْتُ أَن لَا أَتَّهِبَ إِلَّا مِنْ قُرَشِيٍّ أَو أَنصارِيٍّ أَو ثَقَفِيٍ
أَي لَا أَقبلُ هِبَةً إِلَّا مِنْ هؤُلاء، لأَنهم أَصحابُ مُدُنٍ وقُرًى، وَهُمْ أَعْرَفُ بِمَكَارِمِ الأَخلاق. وقال أَبو عُبَيْدٍ: رأَى النبيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جَفاءً فِي أَخلاقِ الْبَادِيَةِ، وذَهاباً عَنِ المُروءَة، وطَلباً لِلزِّيَادَةِ عَلَى مَا وَهَبُوا، فخَصَّ أَهلَ القُرى العربيةِ خاصَّةً بقَبولِ الهَدِيَّةِ مِنْهُمْ، دُونَ أَهل الْبَادِيَةِ، لِغَلَبَةِ الجَفاء عَلَى أَخلاقهم، وبُعْدِهم مِنْ ذَوِي النُّهَى والعُقُولِ. وأَصلُه: اوْتَهَب، فَقُلِبَتِ الْوَاوُ تَاءً، وأُدغمت فِي تَاءِ الافتعالِ، مِثْلَ(1/803)
اتَّزَن واتَّعَدَ، مِنَ الوَزْنِ والوَعْدِ. والمَوْهِبةُ: الهِبةُ، بِكَسْرِ الهاءِ، وجمعُها مواهبُ. وواهَبَه، فَوَهَبَه يَهَبُهُ ويَهِبُهُ: كَانَ أَكثر هِبةً مِنْهُ. والمَوْهِبةُ: العطيَّةُ. وَيُقَالُ لِلشَّيْءِ إِذا كَانَ مُعَدّاً عِنْدَ الرَّجُل، مِثْلَ الطَّعَامِ: هُوَ مُوهَبٌ، بِفَتْحِ الْهَاءِ. وأَصْبَحَ فُلَانٌ مُوهِباً، بِكَسْرِ الْهَاءِ، أَي مُعِدّاً قَادِرًا. وأَوهَبَ لَكَ الشيءَ: أَعدَّه. وأَوْهَبَ لَكَ الشيءُ: دامَ. قَالَ أَبو زَيْدٍ وَغَيْرُهُ: أَوهَبَ الشيءُ إِذا دَامَ، وأَوهَبَ الشيءُ إِذا كَانَ مُعَدّاً عِنْدَ الرَّجُلِ، فَهُوَ مُوهِب؛ وأَنشد:
عَظِيمُ القَفا، ضَخْمُ الخَواصِرِ، أَوهَبَتْ ... لَهُ عَجْوَةٌ مَسْمُونةٌ، وخَمِيرُ «1»
وأَوهَبَ لَكَ الشيءُ: أَمْكَنَك أَن تأْخُذَه وتَنالهُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي وَحْدَهُ. قَالَ وَلَمْ يَقُولُوا أَوهَبْتُه لك. والمَوهَبة والمَوهِبَةُ: غديرُ ماءٍ صغيرٌ؛ وَقِيلَ: نُقْرة فِي الْجَبَلِ يَسْتَنْقِع فِيهَا الماءُ. وَفِي التَّهْذِيبِ: وأَما النُّقْرةُ فِي الصَّخْرة، فمَوْهَبَة، بِفَتْحِ الْهَاءِ، جَاءَ نَادِرًا؛ قَالَ:
ولَفُوكِ أَطْيَبُ، إِن بَذَلْتِ لَنَا، ... مِنْ ماءِ مَوهَبَةٍ، عَلَى خَمْر «2»
أَي مَوْضُوعٍ عَلَى خَمْر، مَمْزُوجٌ بِمَاءٍ. والمَوهَبةُ: السَّحابةُ تَقَعُ حَيْثُ وَقَعَتْ، وَالْجَمْعُ مَواهِبُ. وَيُقَالُ: هَذَا وادٍ مُوهِبُ الحَطَبِ أَي كَثِيرُ الْحَطَبِ. وَتَقُولُ: هَبْ زَيْداً مُنْطَلِقاً، بِمَعْنَى احْسُبْ، يَتَعَدَّى إِلى مَفْعُولَيْنِ، وَلَا يَسْتَعْمِلُ مِنْهُ ماضٍ وَلَا مُسْتَقْبلٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى. ابْنُ سِيدَهْ: وهَبْني فَعَلْتُ ذَلِكَ أَي احْسُبْني واعْدُدْني، وَلَا يُقَالُ: هَبْ أَني فَعَلْتُ. وَلَا يُقَالُ فِي الْوَاجِبِ: وَهَبْتُك فَعَلْتَ ذَلِكَ، لأَنها كَلِمَةٌ وُضِعَتْ للأَمر؛ قَالَ ابْنُ هَمَّامٍ السَّلوليُّ:
فقلتُ: أَجِرْني أَبا خالِدٍ، ... وإِلَّا فهَبْني امْرأً هالِكا
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وأَنشد الْمَازِنِيُّ:
فكُنْتُ كَذِي داءٍ، وأَنْتَ شِفاؤُهُ، ... فهَبْني لِدائي، إِذ مَنَعْتَ شِفائِيا
أَي احْسُبْني. قَالَ الأَصمعي: تَقُولُ الْعَرَبُ: هَبْني ذَلِكَ أَي احْسُبْني ذَلِكَ، واعْدُدْني. قَالَ: وَلَا يُقَالُ: هَبْ، وَلَا يُقَالُ فِي الْوَاجِبِ: قَدْ وَهَبْتُكَ، كَمَا يُقَالُ: ذَرْني ودَعْني، وَلَا يُقَالُ: وَذَرْتُك. وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي: وَهَبَني اللهُ فِداكَ أَي جَعَلَني فِداك؛ ووُهِبْتُ فِداكَ، جُعِلْتُ فِداكَ. وَقَدْ سَمَّتْ وَهْباً، ووُهَيْباً، ووَهْبانَ، وواهِباً، ومَوْهَباً. قال سيبويه: جاؤوا بِهِ عَلَى مَفْعَلٍ، لأَنه اسْمٌ لَيْسَ عَلَى الْفِعْلِ، إِذ لَوْ كَانَ عَلَى الْفِعْلِ، لَكَانَ مَفْعِلًا، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ لِمَكَانِ الْعَلَمِيَّةِ، لأَنَّ الأَعلام مِمَّا تُغَيَّر عَنِ الْقِيَاسِ. وأُهْبانُ: اسمٌ، وَقَدْ ذُكِرَ تَعْلِيلُهُ فِي مَوْضِعِهِ. وواهِبٌ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ بِشْرُ بْنُ أَبي خَازِمٍ:
كأَنَّها، بَعْدَ عَهْدِ العاهِدينَ بِهَا، ... بينَ الذَّنوبِ، وحَزْمَيْ واهِبٍ صُحُفُ
ومَوْهَبٌ: اسْمُ رَجُلٍ؛ قَالَ أَبَّاقٌ الدُّبَيْرِيّ:
قَدْ أَخَذَتْني نَعْسَةٌ أُرْدُنُّ، ... ومَوْهَبٌ مُبْزٍ بِهَا مُصِنُ
قَالَ: وَهُوَ شاذٌّ، مِثْلَ مَوْحَدٍ. وَقَوْلُهُ مُبْزٍ أَي قوِيٌّ عَلَيْهَا أَي هُوَ صَبُور عَلَى دَفْعِ النَّوْمِ، وإِن
__________
(1) . قوله [ضخم الخواصر] كذا بالمحكم والتهذيب والذي في الصحاح رخو الخواصر.
(2) . قوله [ولفوك أطيب إلخ] كذا أنشده في المحكم والذي في التهذيب كالصحاح
ولفوك أشهى لو يحل لنا من ماء
إلخ.(1/804)
كَانَ شَدِيدَ النُّعاس. ووَهْبُ بْنُ مُنَبِّه، تَسْكِينُ الْهَاءِ فِيهِ أَفصح. الأَزهري: ووَهْبِينُ جبلٌ مِنْ جِبال الدَّهْناء، قَالَ: وَقَدْ رأَيته. ابْنُ سِيدَهْ: وَهْبِينُ اسْمُ مَوْضِعٍ؛ قَالَ الرَّاعِي:
رَجاؤُك أَنساني تَذَكُّرَ إِخْوَتي، ... ومالُكَ أَنساني، بوَهْبِينَ، مالِيا
وَيَبَ: وَيْبٌ: كلمةٌ مثلُ وَيْلٍ. وَيْباً لِهَذَا الأَمْر أَي عَجَباً لَهُ. ووَيْبةً: كوَيْلَةٍ. تَقُولُ: وَيْبَكَ، ووَيْبَ زيدٍ كَمَا تَقُولُ: وَيْلَك مَعْنَاهُ: أَلْزَمَكَ اللَّهُ وَيلًا نُصِبَ نَصْبَ الْمَصَادِرِ، فإِن جِئْتَ بِاللَّامِ رفعتَ، قُلْتَ: وَيْبٌ لِزَيْدٍ، ونَصَبتَ منوَّناً، فَقُلْتَ: وَيْلًا لِزَيْدٍ، فالرفعُ مَعَ اللَّامِ، عَلَى الِابْتِدَاءِ، أَجودُ مِنَ النَّصْبِ؛ والنصبُ مَعَ الإِضافة أَجودُ مِنَ الرَّفْعِ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: مِنَ الْعَرَبِ مَن يَقُولُ: وَيْبَكَ، ووَيْبَ غيرِك وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: وَيْباً لِزَيْدٍ كَقَوْلِكَ: وَيْلًا لزيدٍ وَفِي حَدِيثِ إِسلام كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ:
أَلا أَبْلِغا عَنِّي بُجَيراً رِسالةً: ... عَلَى أَيِّ شيءٍ، وَيبَ غَيرِكَ، دَلَّكا؟
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَفِي حَاشِيَةِ الْكِتَابِ بَيْتٌ شَاهِدٌ عَلَى وَيْبٍ، بِمَعْنَى وَيْلٍ؛ وَهُوَ:
حَسِبْتُ بُغامَ رَاحلَتي عَناقاً، ... وَمَا هِيَ، وَيْبَ غَيرِكَ، بالعَناقِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: لَمْ يَذْكُرْ قَائِلَهُ، وَهُوَ لِذِي الخِرَق الطُّهَوِيِّ يُخاطِب ذِئباً تَبِعَه فِي طَرِيقِهِ؛ وَبَعْدَهُ:
فَلَوْ أَني رَمَيْتُكَ مِنْ قَريبٍ، ... لَعاقَكَ، عَنْ دُعاءِ الذِّئْبِ، عاقِ
وَقَوْلُهُ: حَسِبْتُ بُغام رَاحِلَتِي عَناقاً؛ أَراد بُغامَ عَناق، فَحَذَفَ الْمُضَافَ، وأَقام الْمُضَافَ إِليه مُقَامَهُ، وَقَوْلُهُ عاقٍ: أَراد عَائِقٌ. وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي: وَيْبِ فلانٌ، بِكَسْرِ الْبَاءِ، وَرَفْعِ فُلَانٍ، إِلَّا بَنِي أَسَدٍ؛ لَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا فَسَّرَهُ. وَحَكَى ثَعْلَبٌ: وَيْبِ فلانٍ، وَلَمْ يَزِدْ. قَالَ ابْنُ جِنِّي: لَمْ يَسْتَعْمِلُوا مِنَ الوَيْبِ فِعْلًا، لِمَا كَانَ يَعْقُبُ مِنَ اجْتماع إِعلال فَائِهِ كوَعَد، وعَيْنِه كباعَ. وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِي الوَيْح، والوَيْسِ، والوَيْلِ. والوَيْبةُ: مِكْيال مَعْرُوفٌ.
فصل الياء المثناة تحتها
يَبَبَ: أَرْضٌ يَبابٌ أَي خرابٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ خَرابٌ يَباب، وَلَيْسَ بِإِتْبَاعٍ. التَّهْذِيبُ: فِي قَوْلِهِمْ خَرابٌ يَبابٌ؛ اليَبابُ، عِنْدَ الْعَرَبِ: الذي لَيْسَ فِيهِ أَحد؛ وَقَالَ ابْنُ أَبي رَبِيعَةَ:
مَا عَلَى الرَّسْمِ، بالبُلَيَّيْنِ، لَوْ بَيْيَنَ ... رَجْعَ السَّلامِ، أَو لَوْ أَجابا؟
فإِلى قَصْرِ ذِي العَشيرةِ، فالصَّالِفِ، ... أَمْسَى مِنَ الأَنِيسِ يَبابا
مَعْنَاهُ: خَالِيًا لَا أَحد بِهِ. وَقَالَ شَمِرٌ: اليبابُ الْخَالِي لَا شَيْءَ بِهِ. يُقَالُ: خَرابٌ يَبابٌ، إِتباعٌ لخَرابٍ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
بيَبابٍ مِنَ التَّنائِفِ مَرْتٍ، ... لَمْ تُمَخَّطْ بِهِ أُنوفُ السِّخالِ
لَمْ تُمَخَّطْ أَي لَمْ تُمْسَحْ. والتَّمْخِيطُ: مَسْحُ مَا عَلَى الأَنف مِنَ السَّخْلة إِذا وُلِدَتْ.
يَطِبْ: مَا أَيْطَبه: لُغَةٌ فِي مَا أَطْيَبه وأَقبلت الشاةُ فِي أَيْطَبَتِها أَي فِي شِدَّةِ اسْتِحْرامِها، وَرَوَاهُ أَبو عَلِيٍّ عَنْ أَبي زَيْدٍ: فِي أَيْطِبَّتها، مُشَدَّدًا، قَالَ: وإِنها أَفْعِلَّة، وإِن كَانَ بِنَاءً لَمْ يأْت، لِزِيَادَةِ الْهَمْزَةِ أَولًا، وَلَا يَكُونُ فَيْعِلَّة، لِعَدَمِ الْبِنَاءِ، وَلَا مِنْ بَابِ اليَنْجَلِبِ، وانْقَحْلٍ، لِعَدَمِ الْبِنَاءِ، وَتَلَافِي الزيادتين، والله أَعلم.(1/805)
يُلَبِّ: اليَلَبُ: الدُّرُوع، يَمَانِيَةٌ. ابْنُ سِيدَهْ: اليَلَبُ التَّرِسَة؛ وَقِيلَ: الدَّرَقُ؛ وَقِيلَ: هِيَ البَيْضُ، تُصْنَع مِنْ جُلُودِ الإِبل، وَهِيَ نُسُوعٌ كَانَتْ تُتَّخَذ وتُنْسَجُ، وتُجْعَلُ عَلَى الرؤوس مكانَ البَيْض؛ وَقِيلَ: جُلود يُخْرَزُ بعضُها إِلى بَعْضٍ، تُلْبس على الرؤوس خَاصَّةً، وَلَيْسَتْ عَلَى الأَجساد؛ وَقِيلَ: هِيَ جُلودٌ تُلْبَس مِثْلَ الدُّروع؛ وَقِيلَ: جُلودٌ تُعْمل مِنْهَا دُروع، وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ، الواحدُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ: يَلَبةٌ. واليَلَبُ: الفُولاذُ مِنَ الْحَدِيدِ؛ قَالَ:
ومِحْوَرٍ أُخْلِصَ مِنْ ماءِ اليَلَبْ
وَالْوَاحِدُ كَالْوَاحِدِ. قَالَ: وأَما ابْنُ دُرَيْدٍ، فَحَمَلَهُ عَلَى الغَلطِ، لأَنَّ اليَلَبَ لَيْسَ عِنْدَهُ الحديدَ. التَّهْذِيبُ، ابْنُ شُمَيْلٍ: اليَلَبُ خَالِصُ الْحَدِيدِ؛ قَالَ عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ:
عَلَيْنَا البَيْضُ، واليَلَبُ الْيَمَانِيُّ، ... وأَسيافٌ يَقُمْنَ، ويَنْحَنِينا
قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: سَمِعَهُ بَعْضُ الأَعراب، فَظَنَّ أَنّ اليَلَبَ أَجْوَدُ الْحَدِيدِ؛ فَقَالَ:
ومِحْوَرٍ أُخْلِصَ مِنْ ماءِ اليَلَبْ
قَالَ: وَهُوَ خطأٌ، إِنما قَالَهُ عَلَى التَّوَهُّمِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَيُقَالُ: اليَلَبُ كُلَّ مَا كَانَ مِنْ جُنَنِ الجُلودِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْحَدِيدِ. قَالَ: وَمِنْهُ قِيلَ للدَّرَق: يَلَبٌ؛ وَقَالَ:
عَلَيْهِمْ كلُّ سابغةٍ دِلاصٍ، ... وَفِي أَيديهمُ اليَلَبُ المُدارُ
قَالَ: واليَلَبُ، فِي الأَصل، اسْمُ ذَلِكَ الْجِلْدِ؛ قَالَ أَبو دِهْبِلٍ الجُمَحِيُّ:
دِرْعِي دِلاصٌ، شَكُّها شَكٌّ عَجَبْ، ... وجَوْبُها القاتِرُ مِنْ سَيْرِ اليَلَبْ
يَهَبُ: فِي الْحَدِيثِ ذَكَرَ يِهَابٍ، وَيُرْوَى إِهابٍ «3» ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ مَوْضِعٌ قُرْبَ الْمَدِينَةِ، شَرَّفَهَا اللَّهُ تعالى.
__________
(3) . قوله [يهاب وإهاب] قال ياقوت بالكسر، انتهى. وكذا ضبطه القاضي عياض وصاحب المراصد كما في شرح القاموس وضبطه المجد تبعاً للصاغاني كسحاب.(1/806)
الجزء الثاني
ت
حرف التاء المثناة فوقها
ت: التَّاءُ مِنَ الْحُرُوفِ الْمَهْمُوسَةِ، وَهِيَ مِنَ الْحُرُوفِ النَّطْعِيَّة، وَالطَّاءُ وَالدَّالُ وَالثَّاءُ، ثَلَاثَةٌ فِي حَيَّزٍ وَاحِدٍ.
فصل الهمزة
أبت: أَبَتَ اليومُ يَأْبِتُ ويَأْبُتُ أَبْتاً وأُبُوتاً، وأَبِتَ، بِالْكَسْرِ، فَهُوَ أَبِتٌ وآبِتٌ وأَبْتٌ: كُلُّهُ بِمَعْنَى اشتدَّ حَرُّه وغَمُّه، وسَكَنَتْ رِيحُهُ؛ قَالَ رؤْبة:
مِنْ سافعاتٍ وهَجِيرٍ أَبْتِ
وَهُوَ يومٌ أَبْتٌ، وليلةٌ أَبْتَةُ، وَكَذَلِكَ حَمْتٌ، وحَمْتَةٌ، ومَحْتٌ، ومَحْتَةٌ: كُلُّ هَذَا فِي شِدَّةِ الْحَرِّ؛ وأَنشد بَيْتَ رُؤْبَةَ أَيضاً. وأَبْتَةُ الغَضَبِ: شدَّتُه وسَوْرَتُه. وتَأَبَّتَ الجَمْرُ: احْتَدَمَ.
أتت: أَتَّهُ يَؤُتُّه أَتّاً: غَتَّه بِالْكَلَامِ، أَو كَبَتَهُ بالحُجَّةٍ وغَلَبَه. ومَئِتَّةً: مَفْعِلة.
أرت: أَبو عَمْرٍو: الأُرْتَةُ الشَّعر الَّذِي عَلَى رأْس الحِرْباءِ.
أست: تَرْجَمَهَا الْجَوْهَرِيُّ: قَالَ أَبو زَيْدٍ: مَا زَالَ عَلَى اسْتِ الدَّهْر مَجْنُوناً أَي لَمْ يَزَلْ يُعْرَفُ بالجُنون، وَهُوَ مثلُ أُسّ الدَّهْر، وَهُوَ القِدَمُ، فأَبدلوا مِنْ إِحدى السِّينَيْنِ تَاءً، كَمَا قَالُوا للطَّسِّ طَسْتٌ؛ وأَنشد لأَبي نُخَيْلة:
مَا زَالَ مُذْ كانَ عَلَى اسْتِ الدَّهْرِ، ... ذَا حُمُقٍ يَنْمِي، وعَقْلٍ يَحْرِي
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: مَعْنَى يَحْري يَنْقُصُ. وَقَوْلُهُ: عَلَى اسْتِ الدَّهْر، يُرِيدُ مَا قَدُمَ مِنَ الدَّهْرِ؛ قَالَ: وَقَدْ وَهِمَ الْجَوْهَرِيُّ فِي هَذَا الْفَصْلِ، بأَن جَعَلَ اسْتاً فِي فَصْلِ أَسَتَ، وإِنما حَقُّهُ أَن يَذْكُرَهُ فِي فَصْلِ سَتَه، وَقَدْ ذَكَرَهُ أَيضاً هُنَاكَ. قَالَ: وَهُوَ الصحيحُ، لأَنَّ هَمْزَةَ اسْتٍ مَوْصُولَةٌ، بِإِجْمَاعٍ، وإِذا كَانَتْ مَوْصُولَةً فَهِيَ زَائِدَةٌ؛ قَالَ: وَقَوْلُهُ إِنهم أَبدلوا مِنَ السِّينِ فِي أُسٍّ التَّاءَ، كَمَا أَبدلوا مِنَ السِّينِ تَاءً فِي قَوْلِهِمْ طَسّ، فَقَالُوا طَسْتٌ، غَلَطٌ لأَنه كَانَ يَجِبُ أَن يُقَالَ فِيهِ(2/3)
إِسْت، بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ؛ قَالَ: وَنَسَبَ هَذَا الْقَوْلَ إِلى أَبي زَيْدٍ وَلَمْ يَقُلْهُ، وإِنما ذَكَر اسْتَ الدَّهْر مَعَ أُسِّ الدَّهْرِ، لِاتِّفَاقِهِمَا فِي الْمَعْنَى لَا غَيْرُ، واللَّه أَعلم.
أفت: أَفَتَه عَنْ كَذَا كأَفَكَه أَي صَرَفَه. والإِفْتُ: الْكَرِيمُ مِنَ الإِبل، وَكَذَلِكَ الأُنثى. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: الإِفْتُ الْكَرِيمُ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: الأَفْتُ، بِالْفَتْحِ، الناقةُ السَّرِيعَةُ، وَهِيَ الَّتِي تَغْلِبُ الإِبلَ عَلَى السَّيْرِ؛ وأَنشد لِابْنِ أَحمر:
كأَنِّي لَمْ أَقُلْ: عاجِ لأَفْتٍ، ... تُراوِحُ بَعْدَ هِزَّتِها الرَّسِيما
وَفِي نُسْخَةٍ: الإِفْتُ، بِالْكَسْرِ. التَّهْذِيبُ، وَقَوْلُ الْعَجَّاجِ:
إِذا بَناتُ الأَرْحَبِيِّ الأَفْتِ «4»
قال ابن الأَعرابي: الأَفْتُ يَعْنِي الناقةَ الَّتِي عِنْدَهَا مِنَ الصَّبْرِ والبقاءِ مَا لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِهَا، كَمَا قَالَ ابْنُ أَحمر. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: الإِفْتُ الكريم؛ قال: كَذَا فِي نُسْخَةٍ قُرِئَتْ عَلَى شَمِرٍ:
إِذا بَنَاتُ الأَرْحَبِيِّ الإِفْتِ
قال ابن الأَعرابي: فَلَا أَدري، أَهي لغة أَو خطأٌ.
ألت: الأَلْتُ: الحَلِفُ. وأَلَتَه بيمينٍ أَلْتاً: شدَّد عَلَيْهِ. وأَلَتَ عَلَيْهِ: طلَب مِنْهُ حَلِفاً أَو شَهَادَةً، يَقُومُ له بها.
ورُوي عَنْ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: أَن رَجُلًا قَالَ لَهُ: اتَّق اللَّه يَا أَمير الْمُؤْمِنِينَ، فسَمِعَها رجلٌ، فَقَالَ: أَتَأْلِتُ عَلَى أَمير الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ عُمَرُ: دَعْهُ، فَلَنْ يَزالُوا بخيرٍ مَا قَالُوهَا لَنَا
؛ قَالَ ابْنُ الأَعرابي: مَعْنَى قَوْلِهِ أَتَأْلِتُه أَتَحُطُّه بِذَلِكَ؟ أَتَضَعُ مِنْهُ؟ أَتُنَقِّصُه؟ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَشْبَهُ بِمَا أَراد الرَّجُلُ؛ رُوِيَ عَنِ الأَصمعي أَنه قَالَ: أَلَتَه يَمِينًا يَأْلِته أَلْتاً إِذا أَحْلَفه، كأَنه لَمَّا قَالَ لَهُ: اتَّق اللَّهَ، فَقَدْ نَشَدَه باللَّه. تَقُولُ الْعَرَبُ: أَلَتُّكَ باللَّه لمَا فعلْتَ كَذَا، مَعْنَاهُ: نَشَدْتُكَ باللَّه. والأَلْتُ: القَسَم؛ يُقَالُ: إِذا لَمْ يُعْطِكَ حَقَّكَ فَقَيِّدْه بالأَلْت. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: الأُلْتَةُ اليمينُ الغَموسُ. والأُلْتةُ: العَطِيَّةُ الشَّقْنَةُ. وأَلَته أَيضاً: حَبَسَهُ عَنْ وَجْهِه وصَرَفه مِثْلَ لاتَه يَلِيتُه، وَهُمَا لُغَتَانِ، حَكَاهُمَا الْيَزِيدِيُّ عَنْ أَبي عَمْرِو ابن الْعَلَاءِ. وأَلتَه مالَه وحَقَّه يَأْلِتُه أَلْتاً، وأَلاتَهُ، وآلَتَه إِياه: نَقَصَه. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ
. قَالَ الْفَرَّاءُ: الأَلْتُ النَّقْص، وَفِيهِ لُغَةٌ أُخرى: وَمَا لِتْناهم، بِكَسْرِ اللَّامِ؛ وأَنشد فِي الأَلْتِ:
أَبْلِغْ بَني ثُعَلٍ، عَنِّي، مُغَلْغَلَةً ... جَهْدَ الرِّسالَةِ، لَا أَلْتاً وَلَا كَذِبا
أَلَتَه عَنْ وَجْهِه أَي حَبَسه. يَقُولُ: لَا نُقْصانَ وَلَا زِيَادَةَ. وَفِي حَدِيثِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ يَوْمَ الشُّورَى: وَلَا تَغْمِدُوا سيوفَكم عَنْ أَعدائِكم، فتُولِتُوا أَعمالكم
؛ قَالَ القُتَيبي: أَي تَنْقُصُوها؛ يُرِيدُ أَنهم كَانَتْ لَهُمْ أَعمال فِي الْجِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللَّه، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإِذا هُمْ تَرَكوها، وأَغْمَدُوا سُيُوفَهم، واخْتَلَفوا، نَقَصُوا أَعمالَهم؛ يُقَالُ: لاتَ يَلِيتُ، وأَلَتَ يَأْلِتُ، وَبِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ، قَالَ: وَلَمْ أَسمع أَوْلَتَ يُولِتُ، إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ.
__________
(4) . قوله [إِذا بنات إلخ] عجزه كما في التكملة
[قاربن أَقصى غوله بالمت]
والغول البعد، بالضم فيهما، والمت المد في السير.(2/4)
قَالَ: وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ
؛ يَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنْ أَلَتَ، وَمِنْ أَلاتَ، قَالَ: وَيَكُونُ أَلاتَهُ يُلِيتُه إِذا صَرَفه عَنِ الشيءِ. والأَلْتُ: البُهتان؛ عَنْ كُرَاعٍ. وأَلِّيتُ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ:
برَوْضَةِ أَلِّيتَ وقَصْرِ خَناثَى
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا البناءُ عَزِيزٌ، أَو مَعْدُومٌ، إِلَّا مَا حَكَاهُ أَبو زَيْدٍ مِنْ قَوْلِهِمْ: عَلَيْهِ سَكِّينَةٌ.
أمت: أَمَتَ الشيءَ يَأْمِتُه أَمْتاً، وأَمَّتَه: قَدَّرَهُ وحَزَرَه. ويُقال: كَمْ أَمْتُ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الكُوفة؟ أَي قَدْرُ. وأَمَتُّ القومَ آمِتُهم أَمْتاً إِذا حَزَرْتَهم. وأَمَتُّ الماءَ أَمْتاً إِذا قَدَّرْتَ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
فِي بَلْدةٍ يَعْيا بِهَا الخِرِّيتُ، ... رَأْيُ الأَدِلَّاءِ بِهَا شَتِيتُ،
أَيْهاتَ مِنْهَا ماؤُها المَأْمُوتُ
المَأْمُوتُ: المَحْزُورُ. والخِرِّيتُ: الدَّليلُ الحاذِقُ. والشَّتِيتُ: المُتَفَرِّق، وعَنَى بِهِ هَاهُنَا المُخْتَلِفَ. الصِّحَاحُ: وأَمَتُّ الشيءَ أَمْتاً قَصَدْته وقَدَّرْته؛ يُقال: هُوَ إِلى أَجَلٍ مَأْمُوتٍ أَي مَوْقوتٍ. وَيُقَالُ: امْتِ يَا فُلَانُ، هَذَا لِي، كَمْ هُوَ؟ أَي احْزِرْه كَمْ هُوَ؟ وَقَدْ أَمَتُّه آمِتُه أَمْتاً. والأَمْتُ: المكانُ الْمُرْتَفِعُ. وشيءٌ مأْمُوتٌ: مَعْرُوفٌ. والأَمْتُ: الانْخفاضُ، والارْتفاعُ، والاختلافُ فِي الشيءِ. وأُمِّتَ بالشَّرِّ: أُبِنَ بِهِ؛ قَالَ كُثَيِّرُ عِزَّةَ:
يَئوب أُولُو الحاجاتِ مِنْهُ، إِذا بَدا ... إِلى طَيِّبِ الأَثْوابِ، غيرِ مُؤَمَّتِ
والأَمْتُ: الطريقةُ الحَسَنة. والأَمْتُ: العِوَجُ. قال سيبويه: وقالوا أَمْتٌ فِي الحَجر لَا فيكَ أَي لِيَكُن الأَمْتُ فِي الْحِجَارَةِ لَا فِيكَ؛ وَمَعْنَاهُ: أَبقاكَ اللَّهُ بَعْدَ فَناءِ الْحِجَارَةِ، وَهِيَ مِمَّا يُوصَفُ بِالْخُلُودِ وَالْبَقَاءِ، أَلا تَرَاهُ كَيْفَ قَالَ:
مَا أَنْعَمَ العَيْش لَوْ أَنَّ الفَتَى حَجَرٌ، ... تَنْبُو الحَوادِثُ عَنْهُ، وَهْوَ مَلْمُومُ
ورَفعُوه وإِن كَانَ فِيهِ مَعْنَى الدعاءِ، لأَنه لَيْسَ بجارٍ عَلَى الفِعْل، وَصَارَ كَقَوْلِكَ التُّرابُ لَهُ، وحَسُنَ الابتداءُ بِالنَّكِرَةِ، لأَنه فِي قُوّة الدُّعاء. والأَمْتُ: الرَّوابي الصِّغارُ. والأَمْتُ: النَّبَكُ؛ وَكَذَلِكَ عَبَّرَ عَنْهُ ثَعْلَبٌ. والأَمْتُ: النِّبَاكُ، وَهِيَ التِّلالُ الصِّغار. والأَمْتُ: الوَهْدة بَيْنَ كُلِّ نَشْزَيْن. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: لَا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً
؛ أَي لَا انْخِفَاضَ فِيهَا، وَلَا ارْتفاعَ. قَالَ الْفَرَّاءُ: الأَمْتُ النَّبْكُ مِنَ الأَرض مَا ارْتَفَعَ، وَيُقَالُ مَسايِلُ الأَوْدية مَا تَسَفَّلَ. والأَمْتُ: تَخَلْخُلُ القِرْبة إِذا لَمْ تُحْكَمْ أَفْراطُها. قَالَ الأَزهري: سَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُ: قَدْ مَلأَ القِربة مَلأً لَا أَمْتَ فِيهِ أَي لَيْسَ فِيهِ استرخاءٌ مِنْ شدَّة امْتِلائها. وَيُقَالُ: سِرْنا سَيْراً لَا أَمْتَ فِيهِ أَي لَا ضَعْفَ فِيهِ، وَلَا وَهْنَ. ابْنُ الأَعرابي: الأَمْتُ وَهْدَةٌ بَيْنَ نُشُوزٍ. والأَمْتُ: العَيْبُ فِي الفَم والثَّوْب وَالْحَجَرِ. والأَمْتُ: أَن تَصُبَّ فِي القِرْبة حَتَّى تَنْثنِي، وَلَا تَمْلأَها، فَيَكُونُ بعضُها أَشرف مِنْ بَعْضٍ، وَالْجَمْعُ إِمَاتٌ وأُمُوتٌ. وَحَكَى ثَعْلَبٌ: لَيْسَ فِي الخَمْر أَمْتٌ أَي لَيْسَ فِيهَا شَكٌّ أَنها حَرَامٌ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي سَعِيدٍ(2/5)
الْخُدْرِيِّ: أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّم الخمرَ، فَلَا أَمْتَ فِيهَا، وأَنا أَنْهى عَنِ السَّكَر والمُسْكِر؛ لَا أَمْتَ فِيهَا
أَي لا عَيْبَ فيها. وقال الأَزهري: لَا شكَّ فِيهَا، وَلَا ارتيابَ أَنه مِنْ تَنْزِيلِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ وَقِيلَ لِلشَّكِّ وَمَا يُرْتابُ فِيهِ: أَمْتٌ لأَنَّ الأَمْتَ الحَزْرُ والتَّقدِير، ويدخُلهما الظَّنُّ وَالشَّكُّ؛ وَقَوْلُ ابْنِ جَابِرٍ أَنشده شَمِرٌ:
وَلَا أَمْتَ فِي جُمْلٍ، لياليَ ساعَفَتْ ... بِهَا الدارُ، إِلَّا أَنَّ جُمْلًا إِلى بُخْلِ
قَالَ: لَا أَمْتَ فِيهَا أَي لَا عَيْب فِيهَا. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: مَعْنَى
قَوْلِ أَبي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنَّ اللَّه حَرَّم الْخَمْرَ، فَلَا أَمْتَ فِيهَا
، مَعْنَاهُ غَيْر مَعْنَى مَا فِي الْبَيْتِ؛ أَراد أَنه حَرَّمها تَحْرِيمًا لَا هَوادةَ فِيهِ وَلَا لِين، ولكنَّه شَدَّد فِي تَحْرِيمِهَا، وَهُوَ مِنْ قَوْلِكَ سِرْتُ سَيْراً لَا أَمْتَ فِيهِ أَي لَا وَهْنَ فِيهِ وَلَا ضَعْفَ؛ وجائزٌ أَن يَكُونَ الْمَعْنَى أَنه حَرَّمها تَحْرِيمًا لَا شَكَ فِيهِ؛ وأَصله مِنَ الأَمْتِ بِمَعْنَى الحَزْر، وَالتَّقْدِيرُ، لأَنَّ الشَّكَّ يَدْخُلُهُمَا؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
مَا فِي انْطِلاقِ رَكْبِهِ مِنْ أَمْتِ
أَي مِنْ فُتورٍ واسْتِرْخاءٍ.
أنت: الأَنِيتُ: الأَنِينُ؛ أَنَتَ يَأْنِتُ أَنِيتاً، كَنَأَتَ، وسيأْتي ذِكْرُهُ فِي مَوْضِعِهِ. أَبو عَمْرٍو: رَجُلٌ مَأْنُوتٌ، وَقَدْ أَنَته الناسُ يأْنِتونه إِذا حَسَدُوه، فَهُوَ مَأْنُوتٌ، وأَنِيتٌ أَي مَحْسُودٌ، واللَّه أَعلم.
فصل الباء الموحدة
بتت: البَتُّ: القَطْعُ المُسْتَأْصِل. يُقَالُ: بَتَتُّ الحبلَ فانْبَتَّ. ابْنُ سِيدَهْ: بَتَّ الشيءَ يَبُتُّه، ويَبِتُّه بَتّاً، وأَبَتَّه: قطَعه قَطْعاً مُسْتَأْصِلًا؛ قَالَ:
فَبَتَّ حِبالَ الوصْلِ، بَيْنِي وبَيْنَها، ... أَزَبُّ ظُهُورِ السَّاعِدَيْنِ، عَذَوَّرُ
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي قَوْلِهِ: بَتَّه يَبُتُّه قَالَ: وَهَذَا شَاذٌّ لأَنَّ بَابَ المُضاعف، إِذا كانَ يَفْعِل مِنْهُ مَكْسُورًا، لَا يجيءُ متعدِّياً إِلَّا أَحرفٌ مَعْدُودَةٌ، وَهِيَ بَتَّه يَبُتُّه وَيَبِتُّه، وعَلَّه فِي الشُّرب يَعُلُّه ويَعِلُّه، ونَمَّ الحديثَ يَنُمُّه ويَنِمُّه، وشَدَّه يَشُدُّه ويَشِدُّه، وحَبَّه يَحِبُّه؛ قَالَ: وَهَذِهِ وحدَها عَلَى لغةٍ واحدةٍ. قَالَ: وإِنما سَهَّلَ تَعَدِّيَ هَذِهِ الأَحْرُف إِلى الْمَفْعُولِ اشتراكُ الضَّمِّ وَالْكَسْرِ فِيهِنَّ؛ وبَتَّتَه تَبْتِيتاً: شُدِّدَ لِلْمُبَالَغَةِ، وبَتَّ هُوَ يَبِتُّ ويَبُتُّ بَتّاً وأَبَتَّ. وَقَوْلُهُمْ: تَصَدَّقَ فلانٌ صَدَقَةً بَتاتاً وبَتَّةً بَتْلَةً إِذا قَطَعَها المُتَصَدِّقُ بِهَا مِنْ مَالِهِ، فَهِيَ بَائِنَةٌ مِنْ صَاحِبِهَا، قَدِ انْقَطَعَتْ مِنْهُ؛ وَفِي النِّهَايَةِ: صَدَقَةٌ بَتَّةٌ أَي مُنْقَطِعَةٌ عَنِ الإِمْلاكِ؛ وَفِي الْحَدِيثِ:
أَدْخَلَه اللَّهُ الجَنَّةَ البَتَّةَ.
اللَّيْثُ: أَبَتَّ فُلانٌ طَلاقَ امرأَتِه أَي طَلَّقَها طَلاقاً بَاتًّا، والمُجاوزُ مِنْهُ الإِبْتاتُ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: قَوْلُ اللَّيْثِ فِي الإِبْتاتِ والبَتِّ موافِقٌ قولَ أَبي زَيْدٍ، لأَنه جَعَل الإِبْتات مُجاوزاً، وَجَعَلَ البَتَّ لَازِمًا، وَكِلَاهُمَا مُتعدِّ؛ وَيُقَالُ: بَتَّ فلانٌ طَلاقَ امرأَتِه، بِغَيْرِ أَلف، وأَبَتَّه بالأَلف، وَقَدْ طَلَّقها البَتَّةَ. وَيُقَالُ: الطَّلْقةُ الْوَاحِدَةُ تَبُتُّ وتَبِتُّ أَي تَقطَعُ عِصْمةَ النِّكَاحِ، إِذا انْقَضَتِ العدَّة. وطَلَّقَها ثَلاثاً بَتَّةً وبَتاتاً أَي قَطْعاً لَا عَوْدَ فِيهَا؛ وَفِي(2/6)
الْحَدِيثِ:
طلَّقها ثَلَاثًا بَتَّةً
أَي قَاطِعَةً. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا تَبِيتُ المَبْتُوتَةُ إِلَّا فِي بَيْتِهَا
، هِيَ المُطَلَّقة طَلاقاً بائِناً. وَلَا أَفْعَلُه البَتَّةَ: كأَنه قَطَعَ فِعْلَهُ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا قَعَدَ البَتَّةَ مَصْدَرٌ مُؤَكِّد، وَلَا يُستعمل إِلا بالأَلف وَاللَّامِ. وَيُقَالُ: لَا أَفْعَلُه بَتَّةً، وَلَا أَفعلهُ البَتَّةَ، لِكُلِّ أَمرٍ لَا رَجْعة فِيهِ؛ ونَصْبُه عَلَى الْمَصْدَرِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ وأَصحابه أَن البَتَّةَ لَا تَكُونُ إِلَّا مَعْرِفَةً البَتَّةَ لَا غَيْرُ، وإِنما أَجازَ تَنْكِيرَه الفراءُ وَحْدَه، وَهُوَ كوفيٌّ. وَقَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحمد: الأُمورُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنحاءٍ، يَعْنِي عَلَى ثَلَاثَةِ أَوجه: شيءٌ يَكُونُ البَتَّةَ، وشيءٌ لَا يكونُ البَتَّةَ، وشيءٌ قَدْ يَكُونُ وَقَدْ لَا يَكُونُ. فأَما مَا لَا يَكُونُ، فَمَا مَضَى مِنَ الدَّهْرِ لَا يَرْجِعُ؛ وأَما مَا يَكُونُ البَتَّة، فالقيامةُ تَكُونُ لَا مَحالة؛ وأَما شيءٌ قَدْ يَكُونُ وَقَدْ لَا يَكُونُ، فمِثْل قَدْ يَمْرَضُ وَقَدْ يَصِحُّ. وبَتَّ عَلَيْهِ القضاءَ بَتّاً، وأَبَتَّه: قَطَعَهُ. وسكرانُ مَا يَبُتُّ كَلَامًا أَي مَا يُبَيِّنُه. وَفِي الْمُحْكَمِ: سَكْرانُ مَا يَبُتُّ كَلَامًا، وَمَا يَبِتُّ، وَمَا يُبِتُّ أَي مَا يَقْطَعُهُ. وسكرانُ باتٌّ: مُنْقَطِعٌ عَنِ الْعَمَلِ بالسُّكْر؛ هَذِهِ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ. الأَصمعي: سكرانُ مَا يَبُتُّ أَي مَا يَقْطَعُ أَمْراً؛ وَكَانَ يُنْكِرُ يُبِتُّ؛ وَقَالَ الفراءُ: هُمَا لُغَتَانِ، يُقَالُ بَتَتُّ عَلَيْهِ القضاءَ، وأَبْتَتُّه عَلَيْهِ أَي قَطَعْتُه. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا صِيامَ لِمَنْ لَمْ يُبِتَّ الصيامَ مِنَ اللَّيْلِ
؛ وَذَلِكَ مِنَ الجَزْم والقَطْع بِالنِّيَّةِ؛ وَمَعْنَاهُ: لَا صِيامَ لِمَنْ لَمْ يَنْوِه قَبْلَ الْفَجْرِ، فيَجْزِمْه ويَقْطَعْه مِنَ الْوَقْتِ الَّذِي لَا صَوْم فِيهِ، وَهُوَ اللَّيْلُ؛ وأَصله مِنَ البَتّ القَطْعِ؛ يُقَالُ: بَتَّ الحاكمُ القضاءَ عَلَى فُلَانٍ إِذا قَطَعه وفَصَلَه، وسُمِّيَتِ النيَّةُ بَتّاً لأَنها تَفْصِلُ بَيْنَ الفِطْرِ وَالصَّوْمِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَبِتُّوا نكاحَ هَذِهِ النساءِ
أَي اقْطَعُوا الأَمْر فِيهِ، وأَحْكِمُوه بِشَرَائِطِهِ، وَهُوَ تَعْريضٌ بِالنَّهْيِ عَنْ نِكَاحِ المُتْعةِ، لأِنه نكاحٌ غَيْرُ مَبْتُوتٍ، مُقَدَّرٌ بِمُدَّةٍ. وَفِي حَدِيثِ جُوَيريةَ، فِي صَحِيحٍ مُسْلِمٍ: أَحْسِبُه قَالَ جُوَيرية أَو البَتَّةُ؛ قَالَ: كأَنه شَكَّ فِي اسْمِهَا، فَقَالَ: أَحْسِبُه جُوَيرية، ثُمَّ اسْتَدْرَكَ فَقَالَ: أَو أَبُتُّ أَي أَقْطَعُ أَنه قَالَ جُوَيرية، لَا أَحْسِبُ وأَظُنُّ. وأَبَتَّ يَمينَه: أَمْضاها. وبَتَّتْ هِيَ: وجَبَتْ، تَبُتُّ بُتُوتاً، وَهِيَ يَمين بَاتَّةٌ. وحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ يَمِينًا بَتاً، وبَتَّةً، وبَتَاتاً: وكلُّ ذَلِكَ مِنَ القَطْع؛ وَيُقَالُ: أَعْطَيْتُه هَذِهِ القَطيعَةَ بَتّاً بَتْلًا. والبَتَّةُ اشتقاقُها مِنَ القَطْع، غَيْرَ أَنه يُستعمل فِي كُلِّ أَمْرٍ يَمضي لَا رَجْعَةَ فِيهِ، وَلَا الْتِواءَ. وأَبَتَّ الرجلُ بعيرَه مِنْ شِدَّة السَّير، وَلَا تُبِتَّه حَتَّى يَمْطُوَه السَّيرُ؛ والمَطْوُ: الجِدُّ فِي السَّير. والانْبِتاتُ: الانقِطاعُ. وَرَجُلٌ مُنْبَتٌّ أَي مُنْقَطَعٌ بِهِ. وأَبَتَّ بعيرَه: قَطَعَه بِالسَّيْرِ. والمُنْبَتُّ فِي حَدِيثِ الَّذِي أَتْعَبَ دابَّتَه حَتَّى عَطِبَ ظَهْرُه، فبَقِي مُنْقَطَعاً بِهِ؛ وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا انْقَطع فِي سَفَرِهِ، وعَطِبَتْ راحلَتُه: صَارَ مُنْبَتّاً؛ وَمِنْهُ قَوْلُ مُطَرِّفٍ: إِنَّ المُنْبَتَّ لَا أَرْضاً قَطَع، وَلَا ظَهْراً أَبْقى. غَيْرُهُ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا انْقُطِعَ بِهِ فِي سَفَرِه،(2/7)
وعَطِبَتْ راحِلَتُه: قَدِ انْبَتَّ مِنَ البَتِّ القَطْعِ، وَهُوَ مُطاوِعُ بَتَّ؛ يُقَالُ: بَتَّه وأَبَتَّه، يُرِيدُ أَنه بَقِيَ فِي طَرِيقِهِ عَاجِزًا عَنْ مَقْصِدِهِ، وَلَمْ يَقْضِ وَطَرَه، وَقَدْ أَعْطَب ظَهْرَه. الْكِسَائِيُّ: انْبَتَّ الرجلُ انْبِتاتاً إِذا انْقَطَعَ ماءُ ظَهْره؛ وأَنشد:
لَقَدْ وَجَدْتُ رَثْيَةً مِنَ الكِبَرْ، ... عِنْدَ القيامِ، وانْبِتاتاً فِي السَّحَرْ
وبَتَّ عَلَيْهِ الشهادةَ، وأَبَتَّها: قَطَع عَلَيْهِ بِهَا، وأَلزمه إِياها. وفلانٌ عَلَى بَتاتِ أَمرٍ إِذا أَشرف عَلَيْهِ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
وحاجةٍ كنتُ عَلَى بَتاتِها
والباتُّ: المَهْزُول الَّذِي لَا يَقْدِرُ أَن يَقُومَ. وَقَدْ بَتَّ يَبِتُّ بُتُوتاً. وَيُقَالُ للأَحْمق المَهْزولِ: هُوَ باتٌّ. وأَحْمَقُ باتٌّ: شَديدُ الحُمْق. قَالَ الأَزهري: الَّذِي حَفِظْناه عَنِ الثِّقاتِ أَحْمَقُ تابٌّ مِن التَّبَابِ، وَهُوَ الخَسارُ، كَمَا قَالُوا أَحْمَقُ خاسِرٌ، دابرٌ، دامِرٌ. وَقَالَ اللَّيْثُ: يُقَالُ انْقَطَعَ فلانٌ عَنْ فلانٍ، فانْبَتَّ حَبْلُه عَنْهُ أَي انْقَطَعَ وِصالُه وانْقَبض؛ وأَنشد:
فَحَلَّ فِي جُشَمٍ، وانْبَتَّ مُنْقَبِضاً ... بحَبْلهِ، مِنْ ذَوِي الغُرِّ الغَطاريفِ
ابْنُ سِيدَهْ: والبَتُّ كِساءٌ غليظٌ، مُهَلْهَلٌ، مُرَبَّع، أَخْضرُ؛ وَقِيلَ: هُوَ مِنْ وَبَرٍ وصُوفٍ، وَالْجَمْعُ أَبُتٌّ وبِتاتٌ. التَّهْذِيبُ: البَتُّ ضرْبٌ مِنَ الطَّيالِسة، يُسَمَّى السَّاجَ، مُرَبَّعٌ، غَلِيظٌ، أَخضر، وَالْجَمْعُ: البُتُوتُ. الْجَوْهَرِيُّ: البَتُّ الطَّيْلَسانُ مِن خَزٍّ وَنَحْوِهِ؛ وَقَالَ فِي كِساءٍ مِنْ صُوف:
مَن كَانَ ذَا بَتٍّ، فَهَذَا بَتِّي ... مُقيِّظٌ، مُصَيِّفٌ، مُشَتِّي،
تَخِذْتُه مِنْ نَعَجاتٍ سِتِ
والبَتِّيُّ الَّذِي يَعْمله أَو يَبِيعُهُ، والبتَّاتُ مثلُه.
وَفِي حَدِيثِ دَارِ النَّدْوة وتَشاوُرِهم فِي أَمر النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَاعْتَرَضَهُمْ إِبليس فِي صُورَةِ شَيْخٍ جَلِيلٍ عَلَيْهِ بَتٌ
أَي كساءٌ غَلِيظٌ مُرَبَّعٌ، وَقِيلَ: طَيْلَسان مِنْ خَزٍّ. وَفِي حَدِيثِ
عليٍّ، عَلَيْهِ السلام: أَن طَائِفَةً جاءَت إِليه، فَقَالَ لقَنْبر: بَتِّتْهم
أَي أَعْطِهم البُتُوتَ. وَفِي حَدِيثِ
الْحَسَنِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَينَ الَّذِينَ طَرَحُوا الخُزُوزَ والحِبَراتِ، ولَبِسُوا البُتُوتَ والنِّمَرَاتِ؟
وَفِي حَدِيثِ
سُفْيان: أَجِدُ قَلْبي بَيْنَ بُتُوتٍ وعَباءٍ.
والبَتَاتُ: متاعُ الْبَيْتِ. وَفِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه كَتَبَ لِحَارِثَةَ بنِ قَطَنٍ ومَن بدُومةِ الجَنْدَل مِنْ كَلْب: إِنَّ لَنَا الضاحِيَةَ مِنَ البَعْلِ، وَلَكُمُ الضامنةُ مِنَ النَّخْلِ، لَا يُحْظَرُ عَلَيْكُمُ النَّباتُ، وَلَا يؤْخذ مِنْكُمْ عُشْرُ البَتاتِ
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ:
لَا يُؤْخَذ مِنْكُمْ عُشْر البَتاتِ
، يَعْنِي الْمَتَاعُ لَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ، مِمَّا لَا يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ. والبَتاتُ: الزادُ والجِهَازُ، وَالْجَمْعُ أَبِتَّةٌ؛ قَالَ ابْنُ مُقبل فِي البَتاتِ الزَّادِ:
أَشَاقَكَ رَكْبٌ ذُو بَتاتٍ، ونِسْوةٌ ... بِكِرْمانَ، يُغْبَقْنَ السَّويقَ المُقَنَّدَا
وبَتَّتُوه: زَوَّدُوه. وتَبَتَّتَ: تَزَوَّدَ وتمَتَّعَ. وَيُقَالُ: مَا لَه بَتاتٌ أَي مَا لَه زادٌ؛ وأَنشد:
ويَأْتِيكَ بالأَنْباءِ مَنْ لَمْ تَبِعْ لَهُ ... بَتاتاً، وَلَمْ تَضْرِبْ لَهُ وَقْتَ مَوْعِدِ
وَهُوَ كَقَوْلِهِ:
ويأْتيكَ بالأَخْبارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ(2/8)
أَبو زَيْدٍ: طَحَنَ بالرَّحَى شَزْراً، وَهُوَ الَّذِي يَذْهَبُ بالرَّحَى عَنْ يَمِينِهِ، وبَتّاً، ابْتَدَأَ إِدارَتها عَنْ يَسَارِهِ؛ وأَنشد:
ونَطْحَنُ بالرَّحَى شَزْراً وبَتّاً، ... وَلَوْ نُعْطَى المَغازِلَ، مَا عَيينَا
بحت: البَحْتُ: الخالِصُ مِنْ كُلِّ شيءٍ؛ يُقَالُ: عَرَبيٌّ بَحْتٌ، وأَعْرابيّ بَحْتٌ، وعَرَبيةٌ بَحْتةٌ، كَقَوْلِكَ مَحْضٌ. وخَمْرٌ بحْتٌ، وخُمُورٌ بَحْتةٌ، وَالتَّذْكِيرُ بَحْتٌ. الْجَوْهَرِيُّ: عَرَبيٌّ بَحْت أَي مَحْضٌ، وَكَذَلِكَ المؤَنث وَالِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ؛ وإِن شِئْتَ قُلْتَ: امرأَة عَرَبِيَّةٌ بَحْتة، وثَنَّيْتَ، وجَمَعْتَ؛ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُثَنَّى، وَلَا يُجْمَعُ، وَلَا يُحقَّر. وأَكلَ الخُبزَ بَحْتاً: بِغَيْرٍ أُدْم. وأَكل اللَّحْم بَحْتاً: بِغَيْرِ خُبز؛ وَقَالَ أَحمد بْنُ يَحْيَى: كلُّ مَا أُكِلَ وحْدَه، مِمَّا يُؤْدَمُ، فَهُوَ بَحْتٌ، وَكَذَلِكَ الأُدْم دُونَ الخُبز، والبَحْتُ: الصِّرْفُ. وشَرابٌ بَحْتٌ: غَيْرُ مَمْزُوجٍ. وَقَدْ بَحُتَ الشيءُ، بِالضَّمِّ، أَي صَارَ بَحْتاً. وَيُقَالُ: بَرْدٌ بَحْتٌ لَحْتٌ أَي شَدِيدٌ. وَيُقَالُ: باحَتَ فلانٌ القِتالَ إِذا صَدَقَ القِتالَ وجَدَّ فِيهِ؛ وَقِيلَ: البَراكاءُ مُباحَتةُ القِتال. وباحَتَه الوُدَّ أَي خالَصَه؛ ابْنُ سِيدَهْ: وباحَتَه الوُدَّ، أَخْلَصَه لَهُ. وباحَتَ الرجلُ الرجلَ: كاشَفَه. وَفِي حَدِيثِ
أَنس: اخْتَضَبَ عُمَرُ بالحِنَّاءِ بَحْتاً
؛ البَحْتُ: الْخَالِصُ الَّذِي لَا يُخالِطُه شيءٌ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: أَنه كَتَبَ إِليه أَحَدُ عُمَّاله مِنْ كُورةٍ، ذَكَرَ فِيهَا غَلاءَ العَسل، وكَرِهَ لِلْمُسْلِمِينَ مُباحَتةَ الماءِ
أَي شُرْبه بَحْتاً، غَيْرَ مَمْزُوجٍ بعَسَلٍ أَو غَيْرِهِ؛ قِيلَ: أَراد بِذَلِكَ ليكونَ أَقوى لهم.
بحرت: ابْنُ الأَعرابي: كَذِبٌ حِبريتٌ وبِحْريتٌ وحَنْبَريتٌ أَي خالصٌ مُجَرَّد، لَا يَسْتُرُهُ شيءٌ.
بخت: البُخْت والبُخْتِيَّة: دَخِيل فِي الْعَرَبِيَّةِ، أَعجمي مُعَرَّبٌ، وَهِيَ الإِبل الخُراسانِيَّة، تُنْتَجُ مِنْ بَيْنِ عربيةٍ وفالِجٍ؛ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: إِن البُخْتَ عَرَبيّ؛ ويُنْشِدُ لابنِ قَيس الرُّقَيَّات:
لبَنُ البُخْتِ فِي قِصاعِ الخَلَنْجِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُ إِنشاده لبنَ البُخْتِ، بِنَصْبِ النُّونِ؛ والأَبياتُ يَمدَحُ بِهَا مُصْعَبَ بْنَ الزُّبَيْرِ:
إِنْ يَعِشْ مُصْعَبٌ، فإِنَّا بخَيرٍ، ... قَدْ أَتَانا مِن عَيْشِنا مَا نُرَجِّي
يَهَبُ الأَلْفَ والخُيُولَ، ويَسْقِي ... لَبنَ البُخْتِ، فِي قِصاع الخَلَنْجِ
الواحد: بُخْتيٌّ، جَمَل بُخْتيّ وناقة بُخْتِيَّة.
وفي الْحَدِيثِ: فأُتيَ بسارقٍ قَدْ سَرَقَ بُخْتِيَّةً
؛ البُخْتيَّةُ: الأُنثى مِنَ الْجِمَالِ البُخْتِ، وَهِيَ جمالٌ طوالُ الأَعْناق، ويُجْمَع عَلَى بُختٍ وبَخَاتٍ؛ وَقِيلَ: الْجَمْعُ بَخاتيُّ، غَيْرُ مَصْرُوفٍ؛ وَلَكَ أَن تُخَفِّفَ الياءَ، فَتَقُولُ البَخَاتي، والأَثافي، والمَهارِي وأَما مَساجِدِيٌّ ومَدائِنيٌّ، فَمَصْرُوفَانِ، لأِن الياءَ فِيهِمَا غَيْرُ ثَابِتَةٍ فِي الْوَاحِدِ، كَمَا تَصْرِفُ المَهالبةَ والمَسامِعَة إِذا أَدخلت عَلَيْهَا هاءَ النَّسَبِ؛ وَيُقَالُ لِلَّذِي يَقْتَنِيهَا وَيَسْتَعْمِلُهَا: البَخَّاتُ؛ وَقِيلَ فِي جَمْعِهَا: بَخَاتي وبَخَاتٍ. والبَخْتُ: الجَدُّ، مَعْرُوفٌ، فارسيٌّ، وَقَدْ تَكَلَّمَتْ بِهِ الْعَرَبُ؛ قَالَ الأَزهري: لَا(2/9)
أَدري أَعربيّ هُوَ أَم لَا؟ وَرَجُلٌ بخيتٌ: ذُو جَدٍّ؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: وَلَا أَحسبها فَصِيحَةً. والمَبْخُوتُ: المَجْدُودُ.
برت: البُرْتُ والبَرْتُ: الفأْسُ، يَمَانِيَّةٌ؛ وَكُلُّ مَا قُطع بِهِ الشَّجَرُ: بَرْتٌ. والبَرْتُ، والبُرْتُ، والبِرْتُ: الرَّجُلُ الدَّليلُ، وَالْجَمْعُ أَبْراتٌ. والبُرْتُ، بِلُغَةِ الْيَمَنِ: السُّكَّرُ الطَّبَرْزَذُ. قَالَ شَمِرٌ: يُقَالُ للسُّكَّرِ الطَّبرْزَذِ مِبرَتٌ ومِبَرَّتٌ، بِفَتْحِ الراءِ، مُشَدَّدَةً. أَبو عُبَيْدٍ: البِرِّيتُ الْمُسْتَوِي مِنَ الأَرض؛ وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: البِرِّيتُ فِي شِعْرِ رُؤْبَةَ فِعْلِيتٌ، مِنَ البِرِّ، قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعُهُ. الأَصمعي: يُقَالُ لِلدَّلِيلِ الْحَاذِقِ البُرْتُ والبِرْتُ؛ وَقَالَهُ ابْنُ الأَعرابي أَيضاً، رَوَاهُ عَنْهُمَا أَبو الْعَبَّاسِ؛ قَالَ الأَعشى يَصِفُ جَمَلَهُ:
أَدْأَبْتُهُ بمَهامِهٍ مَجْهولةٍ، ... لَا يَهْتدِي بُرْتٌ بِهَا أَن يَقْصِدَا
يَصِفُ قَفْراً قَطَعه، لَا يَهْتَدِي بِهِ دليلٌ إِلى قصْدِ الطَّرِيقِ؛ قَالَ وَمِثْلُهُ قَوْلُ رُؤْبَةَ:
تَنْبو بإِصْغاءِ الدَّليلِ البُرْتِ
وَقَالَ شَمِرٌ: هُوَ البِرِّيتُ والخِرِّيتُ. والبُرْتةُ: الحَذَاقَةُ بالأَمْر. وأَبْرَتَ إِذا حَذِقَ صِناعةً مَّا. والبِرِّيتُ: مَكَانٌ مَعْرُوفٌ، كَثِيرُ الرَّمْلِ؛ وَقَالَ شَمِرٌ: يُقَالُ الحَزْن والبِرِّيتُ أَرضانُ بِنَاحِيَةِ الْبَصْرَةِ، وَيُقَالُ: البِرِّيتُ الجَدْبةُ الْمُسْتَوِيَةُ؛ وأَنشد:
بِرِّيتُ أَرْضٍ، بعدَها بِرِّيتُ
وَقَالَ اللَّيْثُ: البِرِّيتُ اسْمٌ اشْتُقَّ مِنَ البَرِّيَّة، فكأَنما سُكِّنَتِ الياءُ فَصَارَتِ الهاءُ تَاءً لَازِمَةً كأَنها أَصلية؛ كَمَا قَالُوا عِفْريتٌ، والأَصل عِفْرِيَةٌ. أَبو عَمْرٍو: بَرَتَ الرجلُ إِذا تَحَيَّر، وبَرَثَ، بالثاء، إِذا تَنَعَّم تَنَعُّماً وَاسِعًا. والبَرَنْتى: السَّيِءُ الخُلُق. والمُبْرَنْتي: القصيرُ المُخْتال فِي جِلْسته وركْبته المُنْتَصِبُ، فإِذا كَانَ ذَلِكَ فِيهِ، فَكَانَ يَحْتَمِلُهُ فِي فِعَالِهِ وسُودَده، فَهُوَ السَّيِّدُ. والمُبرَنْتي أَيضاً: الغَضْبانُ الَّذِي لَا يَنْظُرُ إِلى أَحد. والمُبرَنْتي: المُسْتَعِدُّ للأَمر. وابرَنْتَى للأَمْر: تَهَيَّأَ. أَبو زَيْدٍ: ابرَنْتَيْتُ للأَمر ابرِنْتاءً إِذا اسْتَعْدَدْتَ لَهُ، مُلْحقٌ بافْعَنْلَلَ بِيَاءٍ. اللِّحْيَانِيُّ: ابرَنْتى فلانٌ عَلَيْنَا يَبرَنْتي إِذا انْدَرَأَ عَلَيْنَا. وبَيرُوت: موضع.
برهت: بَرَهُوتُ: وادٍ مَعْرُوفٌ، قِيلَ هُوَ بحَضْرَمَوْتَ. وَفِي حَدِيثِ
عليٍّ، عَلَيْهِ السلام: شَرُّ بئرٍ فِي الأَرض بَرَهُوتُ،
هِيَ، بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالرَّاءِ، بئرٌ عَمِيقَةٌ بحَضْرَمَوْتَ، لَا يُسْتَطاعُ النُّزولُ إِلى قَعْرها. وَيُقَالُ: بُرْهُوتُ، بِضَمِّ الْبَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، فَتَكُونُ تاؤُها عَلَى الأَول زَائِدَةً، وَعَلَى الثَّانِي أَصلية. قَالَ ابْنُ الأَثير: أَخرجه الْهَرَوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وأَخرجه الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّه، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
بست: البَسْتُ مِنَ السَّيرِ كالسَّبْتِ. والبُسْتانُ: الحَدِيقَةُ. وبُسْتُ: مَدِينَةٌ بخُراسان، واللَّه أَعلم.
بغت: البَغْتُ والبَغْتَةُ: الفَجْأَة، وَهُوَ أَن يَفْجَأَكَ الشيءُ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً
أَي(2/10)
فجأَةً؛ قَالَ يَزيد بْنُ ضَبَّةَ الثَّقَفِيُّ:
ولكنَّهم ماتُوا، وَلَمْ أَدْرِ، بَغْتَةً، ... وأَفْظَعُ شيءٍ، حينَ يَفْجَؤُكَ، البَغْتُ
وَقَدْ بَغَتَه الأَمرُ يَبْغَتُه بَغْتاً: فَجِئَه. وباغَتَه مُباغَتةً وبِغاتاً: فاجأَه. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً
أَي فَجْأَة. والمُباغَتةُ: المُفاجأَة. وتكرَّر ذِكر البَغْتةِ فِي الْحَدِيثِ. ولَقِيتُه بَغْتةً أَي فَجْأَةً؛ وَيُقَالُ: لَسْتُ آمَنُ مِنْ بَغَتَاتِ العَدُوِّ أَي فَجَآتِه. والباغُوتُ، أَعجمي مُعَرَّبٌ: عيدٌ لِلنَّصَارَى.
وَفِي حَدِيثِ صُلْح نَصارَى الشَّامِ: وَلَا يُظْهِرُوا بَاغُوتًا
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: كَذَا رَوَاهُ بَعْضُهُمْ، وَقَدْ رُوِيَ بَاعُوثًا، بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ، وسيأْتي ذِكره. والباغُوتُ: اسْمُ مَوْضِعٍ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
لَيْسَتْ تَرَى حَوْلَها شَخْصاً، وراكِبُها ... نَشْوانُ، فِي جُوَّةِ الباغُوتِ، مَخْمُورُ
بكت: بَكَتَه يَبْكُتُه بَكْتاً، وبَكَّتَه: ضَرَبه بِالسَّيْفِ وَالْعَصَا وَنَحْوِهِمَا. والتَّبْكِيتُ: كالتَّقْرِيعِ والتَّعْنِيفِ. اللَّيْثُ: بَكَّته بِالْعَصَا تَبْكِيتاً، وَبِالسَّيْفِ وَنَحْوِهِ؛ وَقَالَ غَيْرُهُ: بَكَّتَه تَبْكِيتاً إِذا قَرَّعَه بالعَذْل تَقْريعاً. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه أُتِيَ بِشَارِبٍ، فَقَالَ: بَكِّتُوه
؛ التَّبْكِيتُ: التَّقْرِيعُ والتَّوْبيخُ،
يُقَالُ لَهُ: يَا فَاسِقُ، أَما اسْتَحَيْتَ؟ أَما اتَّقَيْتَ اللَّهَ؟
قَالَ الهَرَوِيّ: وَيَكُونُ بِالْيَدِ وَبِالْعَصَا وَنَحْوِهِ. وبَكَتَه بالحُجَّة أَي غَلَبه. وبَكَتَه يَبْكُتُه بَكْتاً، وبَكَّتَه: كِلَاهُمَا اسْتَقْبَلَهُ بِمَا يَكْرَه. الأَصمعي: التَّبْكِيتُ والبَلْغُ أَن يَسْتَقْبِلَ الرجلَ بِمَا يَكْرَه. وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ؟ تُسْأَلُ تَبْكِيتاً لوائِدِها.
بلت: البَلْتُ: القَطْعُ. بَلَتَ الشيءَ يَبْلَتُه، بِالْفَتْحِ «5» ، بَلْتاً: قَطَعه. زَعَمَ أَهل اللُّغَةِ أَنه مَقلوب مَنْ بَتَلَه، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِوُجُودِ الْمَصْدَرِ؛ قَالَ الشَّنْفَرى:
كأَنَّ لَهَا فِي الأَرْضِ نِسْياً تَقُصُّه ... عَلَى أَمِّها، وإِنْ تُحَدِّثْكَ تَبْلِتِ
أَي تَبْلِتُ الْكَلَامَ بِمَا يَعْتَريها مِنَ البُهْرِ. والبَلَتُ، بِالتَّحْرِيكِ: الِانْقِطَاعُ. وَقِيلَ: تَبْلِتُ، فِي بَيْتِ الشَّنْفَرَى، تَفْصِلُ الكلامَ؛ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: أَي تَنْقَطِعُ حَياءً؛ قَالَ: وَمَنْ رَوَاهُ تَبْلِتُ، بِالْكَسْرِ، يَعْنِي تَقْطَع وتَفْصِل وَلَا تُطَوِّلُ. وانْبَلَتَ الرجلُ: انْقَطَع فِي كُلِّ خَيْرٍ وَشَرٍّ. وبَلَتَ الرجلُ يَبْلُتُ، وبَلِتَ، بِالْكَسْرِ، وأَبْلَتَ: انقَطَع مِنَ الْكَلَامِ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ، وبَلِتَ يَبْلَتُ إِذا لَمْ يتحرَّك وسَكَتَ، وَقِيلَ: بَلَتَ الحَياءُ الكلامَ إِذا قَطَعه. قَالَ، وَقَوْلُهُ: وإِنْ تُحَدِّثْكَ تَبْلَتِ أَي يَنْقَطِعُ كلامُها مِنْ خَفَرِها. أَبو عَمْرٍو: البِلِّيتُ الرجلُ الزِّمِّيتُ؛ والبِلِّيتُ: الفَصِيحُ الَّذِي يَبْلِتُ الناسَ أَي يَقْطَعُهم؛ وَقِيلَ: البِلِّيتُ مِنَ الرِّجال: البَيِّنُ الفصِيحُ، اللَّبِيبُ، الأَرِيبُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
أَلا أَرى ذَا الضَّعْفةِ الهَبِيتا، ... المُسْتَطَارَ قَلْبُه، المَسْحُوتا
__________
(5) . قوله: [يبلته بالفتح] الذي في القاموس والصحاح أن المتعدي من باب ضرب واللازم من بابي فرح ونصر.(2/11)
يُشاهِلُ العَميْثَلَ البِلِّيتَا، ... الصَّمَكِيكَ، الهَشِمَ، الزِّمِّيتَا
الهَبِيتُ: الأَحْمَق. والعَمَيْثَلُ: السَّيِّدُ الْكَرِيمُ. والمَسْحُوتُ: الَّذِي لَا يَشْبَعُ. والهَشِمُ: السَّخِيُّ. والزِّمِّيتُ: الْحَلِيمُ. والصَّمَكُوكُ والصَّمَكِيكُ: الصَّمَيَانُ مِنَ الرِّجَالِ، وَهُوَ الأَهْوَجُ الشديدُ، وَعَبَّرَ ابْنُ الأَعرابي عَنْهُ بأَنه التَّامُّ، وأَنشد:
وصَاحِبٍ، صاحَبْتُه. زَمِيتِ ... مُيَمِّنٍ فِي قَوْلِهِ، ثَبِيتِ
ليسَ عَلَى الزَّادِ بِمُسْتَمِيتِ
قَالَ: وكأَنه ضِدّ، وإِن كَانَ الضِّدّانِ فِي التَّصْرِيفِ. وتَبّاً لَهُ بَلْتاً أَي قَطْعاً؛ أَراد قَاطِعًا، فَوَضَعَ الْمَصْدَرَ مَوْضِعَ الصِّفَةِ. وَيُقَالُ: لئِنْ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا، لَيَكُونَنَّ بَلْتَة بَيْنِي وبينكَ إِذا أَوْعَدَه بالهجْرانِ؛ وَكَذَلِكَ بَتْلَة مَا بَيْني وبَيْنَك بِمَعْنَاهُ. أَبو عَمْرٍو: يُقَالُ أَبْلَتُّه يَمِينًا إِذا أَحْلَفْته، وَالْفِعْلُ بَلَتَ بَلْتاً، وأَصْبَرْته أَي أَحْلَفْتُه، وَقَدْ صَبَرَ يَمِينًا، قَالَ: وأَبْلَتُّه أَنا يَمِينًا أَي حَلَفْتُ لَهُ. قَالَ الشَّنْفَرَى: وإِنْ تُحَدِّثْكَ تَبْلِتِ أَي تُوجِز. والمُبَلَّتُ: المَهْرُ الْمَضْمُونُ، حِمْيرية. ومَهْرٌ مُبَلَّتٌ، مِن ذَلِكَ؛ قَالَ:
وَمَا زُوِّجَتْ إِلَّا بمَهْرٍ مُبَلَّتِ
أَي مَضْمُونٌ، بِلُغَةِ حِمْيَرٍ. وَفِي حَدِيثِ
سُلَيْمَانَ، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ أَفضل الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ: احْشُرُوا الطيْرَ، إِلا الشَّنقاءَ والرَّنقاء
«1» ، والبُلَتَ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: البُلَتُ طائرٌ مُحْتَرقُ الرِّيش، إِذا وَقَعَتْ ريشةٌ مِنْهُ في الطير أَحْرَقَتْه.
بنت: أَبو عَمْرٍو: بَنَّتَ فلانٌ عَنْ فلانٍ تَبْنِيتاً إِذا اسْتَخبَر عَنْهُ، فَهُوَ مُبَنِّتٌ، إِذا أَكْثَر السُّؤَالَ عَنْهُ؛ وأَنشد:
أَصْبَحْتَ ذَا بَغْيٍ، وَذَا تَغَبُّشِ، ... مُبَنِّتاً عَنْ نَسَباتِ الحِرْبِشِ،
وَعَنْ مَقالِ الكاذِبِ المُرَقِّشِ
بهت: بَهَتَ الرجلَ يَبْهَتُه بَهْتاً، وبَهَتاً، وبُهْتاناً، فَهُوَ بَهَّات أَي قَالَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَفْعَلْهُ، فَهُوَ مَبْهُوتٌ. وبَهَتَه بَهْتاً: أَخذه بَغْتَةً. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ
؛ وأَما قَوْلُ أَبي النَّجْمِ:
سُبِّي الحَماةَ وابْهَتِي عَلَيْهَا «2»
فإِنَّ عَلَى مُقْحَمَةٌ، لَا يُقَالُ بَهَتَ عَلَيْهِ، وإِنما الكلامُ بَهَتَه؛ والبَهِيتَةُ البُهْتانُ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: زَعَمَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَّ عَلَى فِي الْبَيْتِ مُقْحَمَةٌ أَي زَائِدَةٌ؛ قَالَ: إِنما عَدَّى ابْهَتي بِعَلَى، لأَنه بِمَعْنَى افتَرِي عَلَيْهَا. والبُهْتانُ: افتراءٌ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ
؛ قَالَ: وَمِثْلُهُ مِمَّا عُدِّيَ بِحَرْفِ الجَرِّ، حَمْلًا عَلَى مَعْنَى فِعْل يُقاربه بِالْمَعْنَى، قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ؛ تَقْدِيرُهُ: يَخْرُجون عَنْ أَمره، لأَنَّ المُخالفة خروجٌ عَنِ الطَّاعَةِ. قَالَ: وَيَجِبُ عَلَى قَوْلِ الْجَوْهَرِيِّ أَنْ تُجْعَلَ عَنْ فِي الْآيَةِ زَائِدَةً، كَمَا جُعِلَ عَلَى فِي الْبَيْتِ زَائِدَةً، وَعَنْ وَعَلَى لَيْسَتَا مِمَّا يُزَادُ كَالْبَاءِ. وباهَتَه: اسْتقْبله بأَمر يَقْذِفُه بِهِ، وَهُوَ منه بريء،
__________
(1) . قوله [إِلَّا الشَّنْقَاءَ] هِيَ الَّتِي تزق فراخها، والرنقاء القاعدة على البيض. اه. تكملة.
(2) . قوله [وابهتي عليها] قال الصاغاني في التكملة: هو تصحيف وتحريف، والرواية وانهتي عليها، بالنون من النهيت وهو الصوت اه.(2/12)
لَا يَعْلَمُهُ فَيَبْهَتُ مِنْهُ، وَالِاسْمُ البُهْتانُ. وبَهَتُّ الرجلَ أَبْهَتُهُ بَهْتاً إِذا قَابَلْتُهُ بِالْكَذِبِ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً
؛ أَي مُباهِتين آثِمِين. قَالَ أَبو إِسحاق: البُهْتانُ الباطلُ الَّذِي يُتَحَيَّرُ مِنْ بُطْلانِه، وَهُوَ مِنَ البَهْتِ التَّحَيُّر، والأَلف وَالنُّونُ زَائِدَتَانِ، وبُهْتاناً موضعُ الْمَصْدَرِ، وَهُوَ حَالٌ؛ المعنى: أَتأْخذونه مُباهِتين وآثِمِين؟ وبَهَتَ فلانٌ فُلَانًا إِذا كَذَب عَلَيْهِ، وبَهِتَ وبُهِتَ إِذا تَحَيَّر. وقولُه عَزَّ وَجَلَّ: وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ
؛ أَي لا يأْتين بِوَلَدٍ عَنْ مُعَارَضَةٍ مِنْ غَيْرِ أَزواجهنّ، فيَنْسُبْنه إِلى الزَّوْجِ، فإِن ذَلِكَ بُهْتانٌ وفِرْيةٌ؛ وَيُقَالُ: كَانَتِ المرأَةُ تَلْتَقِطُه فتَتَبَنَّاه. وَقَالَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ: بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ
؛ قَالَ: تُحَيِّرُهم حين تَفْجأُهم بَغْتةً. والبَهُوتُ: المُباهِتُ، وَالْجَمْعُ بُهُتٌ وبُهوتٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَن بُهُوتاً جَمْعُ باهِت، لَا جَمْعُ بَهُوت، لأَن فاعِلًا مِمَّا يُجْمَعُ عَلَى فُعُول، وَلَيْسَ فُعُولٌ مِمَّا يُجْمَع عَلَيْهِ. قَالَ: فأَما مَا حَكَاهُ أَبو عُبَيْدٍ، مِن أَن عُذُوباً جَمْعُ عَذُوبٍ فغَلَطٌ، إِنما هُوَ جَمْعُ عاذِبٍ، فأَما عَذوبٌ، فَجَمْعُهُ عُذُبٌ. والبُهْتُ والبَهِيتَةُ: الكَذِبُ.
وَفِي حَدِيثِ الغِيبةِ: وإِن لَمْ يَكُنْ فِيهِ ما نقول، فَقَدْ بَهَتَّه
أَي كذَبْتَ وافْتَرَيْتَ عَلَيْهِ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ سَلام فِي ذِكْرِ الْيَهُودِ: أَنهم قومٌ بُهْتٌ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ جَمْعُ بَهُوتٍ، مِن بِنَاءِ الْمُبَالَغَةِ فِي البَهْتِ، مِثْلِ صَبُورٍ وصُبُرٍ، ثُمَّ يُسَكَّنُ تَخْفِيفًا. والبَهْتُ: الانقطاعُ والحَيْرَة. رأَى شَيْئًا فبُهِتَ: يَنْظُرُ نَظَر المُتَعَجِّب؛ وأَنشد:
أَأَنْ رأَيْتَ هامَتِي كالطَّسْتِ، ... ظَلِلْتَ تَرْمِيني بقَوْلٍ بُهْتِ؟
وَقَدْ بَهُتَ وبَهِتَ وبُهِتَ الخَصْمُ: اسْتَوْلَتْ عَلَيْهِ الحجَّة. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ
؛ تأْويلُه: انْقَطَع وسكتَ مُتَحَيِّرًا عَنْهَا. ابْنُ جِنِّيٍّ: قرأَه ابْنُ السَّمَيْفَع: فبَهَتَ الَّذِي كَفَرَ؛ أَراد فبَهَتَ إِبراهيمُ الكافرَ، فَالَّذِي عَلَى هَذَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ. قَالَ: وقرأَه ابْنُ حَيْوَةَ فبَهُتَ، بِضَمِّ الْهَاءِ، لُغَةٌ فِي بَهِتَ. قَالَ: وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ بَهَتَ، بِالْفَتْحِ، لُغَةً فِي بَهِتَ. قَالَ: وَحَكَى أَبو الْحَسَنِ الأَخفشُ قِرَاءَةَ فبَهِتَ، كَخَرِقَ، ودَهِشَ؛ قَالَ: وبَهُتَ، بِالضَّمِّ، أَكثر مِنْ بَهِتَ، بِالْكَسْرِ، يَعْنِي أَن الضَّمَّةَ تَكُونُ لِلْمُبَالَغَةِ، كَقَوْلِهِمْ لَقَضُوَ الرجلُ. الْجَوْهَرِيُّ: بَهِتَ الرجلُ، بِالْكَسْرِ، وعَرِسَ وبَطِرَ إِذا دَهِشَ وَتحَيَّر. وبَهُتَ، بِالضَّمِّ، مِثْلَهُ، وأَفصحُ مِنْهُمَا بُهِتَ، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ
؛ لِأَنه يُقَالُ رَجُلٌ مَبْهُوتٌ، وَلَا يُقَالُ باهِتٌ، وَلَا بَهِيتٌ. وبَهَتَ الفَحْلَ عَنِ النَّاقَةِ: نَحّاه ليَحْمِلَ عَلَيْهَا فَحْلٌ أَكرمُ مِنْهُ. وَيُقَالُ: يَا لِلْبَهِيتَةِ، بِكَسْرِ اللَّامِ، وَهُوَ اسْتِغَاثَةٌ. والبَهْتُ: حِسابٌ مِنْ حِسابِ النُّجُومِ، وَهُوَ مَسيرها المُسْتوي فِي يَوْمٍ؛ قَالَ الأَزهري: مَا أُراه عَرَبياً، وَلَا أَحْفَظُه لِغَيْرِهِ. والبَهْتُ: حَجَرٌ معروف.
بوت: البُوتُ، بِضَمِّ الْبَاءِ: مِنْ شَجَرِ الْجِبَالِ، جَمْعُ بُوتَةٍ، ونَباتُه نَباتُ الزُّعْرور، وَكَذَلِكَ ثَمَرَتُهُ، إِلّا أَنها إِذا أَيْنَعَت اسْوَدَّت سَوَادًا شَدِيدًا، وحَلَتْ حَلاوةً شَدِيدَةً، وَلَهَا عَجَمة صغيرةٌ مُدَوَّرة، وَهِيَ تُسَوِّدُ فَمَ آكِلِهَا ويَدَ مُجْتَنِيها، وثمرتُها عناقيدُ كعناقيدِ الكَبَاثِ، وَالنَّاسُ يأْكلونها؛ حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ، قَالَ: وأَخبرني بذلك الأَعراب.(2/13)
بيت: البَيْتُ مِنَ الشَّعَر: مَا زَادَ عَلَى طريقةٍ وَاحِدَةٍ، يَقَع عَلَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ؛ وَقَدْ يُقَالُ لِلْمَبْنِيِّ مِنْ غَيْرِ الأَبنية الَّتِي هِيَ الأَخْبِيَةُ بَيْتٌ؛ والخِباءُ: بَيْتٌ صَغِيرٌ مِنْ صُوفٍ أَو شَعْرٍ، فإِذا كَانَ أَكبرَ مِنَ الخِباء، فَهُوَ بيتٌ، ثُمَّ مِظَلَّة إِذا كَبِرَتْ عَنِ الْبَيْتِ، وَهِيَ تُسَمَّى بَيْتًا أَيضاً إِذا كَانَ ضَخْماً مُرَوَّقاً. الْجَوْهَرِيُّ: البيتُ مَعْرُوفٌ. التَّهْذِيبُ: وَبَيْتُ الرَّجُلِ دَارُهُ، وَبَيْتُهُ قَصْره، وَمِنْهُ
قَوْلُ جِبْرِيلَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: بَشِّرْ خَدِيجَةَ ببيتٍ مِنْ قَصَب
؛ أَراد: بَشِّرْها بِقَصْرٍ مِنْ لؤلؤةٍ مُجَوَّفةٍ، أَو بقصر من زُمُرُّذَة. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ
، مَعْنَاهُ: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوهَا بِغَيْرِ إِذن؛ وَجَاءَ فِي التَّفْسِيرِ: أَنه يَعْنِي بِهَا الْخَانَاتِ، وحوانيتَ التِّجارِ، والمواضعَ المباحةَ الَّتِي تُباع فِيهَا الأَشياء، ويُبيح أَهلُها دُخولَها؛ وَقِيلَ: إِنه يَعْنِي بِهَا الخَرِباتِ الَّتِي يَدْخُلُهَا الرجلُ لِبَوْلٍ أَو غَائِطٍ، وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ: أَي إِمتاع لَكُمْ، تَتَفَرَّجُونَ بِهَا مِمَّا بِكُمْ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: أَراد المساجدَ، قَالَ: وَقَالَ الْحَسَنُ يَعْنِي بِهِ بيتَ المَقْدس، قَالَ أَبو الْحَسَنِ: وجمعَه تَفْخِيمًا وَتَعْظِيمًا، وَكَذَلِكَ خَصَّ بناءَ أَكثر الْعَدَدِ. وَفِي مُتَّصِلَةٌ بِقَوْلِهِ كَمِشْكاة. وَقَدْ يَكُونُ البيتُ لِلْعَنْكَبُوتِ والضَّبِّ وَغَيْرِهِ مِنْ ذَوَاتِ الجِحَرِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ
؛ وأَنشد سِيبَوَيْهِ فِيمَا تَضَعُه العربُ عَلَى أَلسنة الْبَهَائِمِ، لضَبٍّ يُخاطِبُ ابْنَهُ:
أَهْدَمُوا بَيْتَكَ، لَا أَبا لَكا ... وأَنا أَمْشِي، الدَّأَلَى، حَوالَكا
ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ يَعْقُوبُ السُّرْفةُ دَابَّةٌ تَبْني لِنَفْسِهَا بَيْتًا مِنْ كِسارِ العِيدانِ، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: السُّرْفة دَابَّةٌ تَبْنِي بَيْتًا حَسَناً تَكُونُ فِيهِ، فجعَل لَهَا بَيْتًا. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ أَيضاً: الصَّيْدانيُّ دَابَّةٌ تَعْمَلُ لِنَفْسِهَا بَيْتًا فِي جَوْفِ الأَرض وتُعَمِّيه؛ قَالَ: وكلُّ ذَلِكَ أُراه عَلَى التَّشْبِيهِ بِبَيْتِ الإِنسان، وجمعُ البَيْت: أَبياتٌ وأَباييتُ، مِثْلَ أَقوالٍ وأَقاويلَ، وبيُوتٌ وبُيوتاتٌ، وَحَكَى أَبو عَلِيٍّ عَنِ الْفَرَّاءِ: أَبْياواتٌ، وَهَذَا نَادِرٌ؛ وَتَصْغِيرُهُ بُيَيْتٌ وبِيَيْتٌ، بِكَسْرِ أَوله، وَالْعَامَّةُ تَقُولُ: بُوَيْتٌ. قَالَ: وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي تَصْغِيرِ شَيْخ، وعَيْرٍ، وشيءٍ وأَشباهِها. وبَيَّتُّ البَيْتَ: بَنَيْتُه. والبَيْتُ مِنَ الشِّعْرِ مشتقٌّ مِنْ بَيْت الخِباء، وَهُوَ يَقَعُ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، كَالرَّجَزِ وَالطَّوِيلِ، وَذَلِكَ لأَنه يَضُمُّ الْكَلَامَ، كَمَا يَضُمُّ البيتُ أَهلَه، وَلِذَلِكَ سَمَّوْا مُقَطَّعاتِه أَسباباً وأَوتاداً، عَلَى التَّشْبِيهِ لَهَا بأَسباب الْبُيُوتِ وأَوتادها، وَالْجَمْعُ: أَبْيات. وَحَكَى سِيبَوَيْهِ فِي جَمْعِهِ بُيوتٌ، فتَبِعَه ابنُ جِنِّيٍّ فَقَالَ، حِينَ أَنشد بَيْتَي العَجَّاج:
يَا دارَ سَلْمى يَا اسْلَمِي ثُمَّ اسْلَمِي، ... فَخنْدِفٌ هامَةُ هَذَا العالَمِ
جاءَ بالتأْسيس، وَلَمْ يجئْ بِهَا فِي شَيْءٍ مِنَ البُيوتِ. قَالَ أَبو الْحَسَنِ؛ وإِذا كَانَ البَيْتُ مِنَ الشِّعْرِ مُشَبَّهاً بِالْبَيْتِ مِنَ الخِباءِ وَسَائِرِ البناءِ، لَمْ يَمْتَنِعْ أَن يُكَسَّرَ عَلَى مَا كُسِّرَ عَلَيْهِ. التَّهْذِيبُ: والبَيْتُ مِنْ أَبيات الشِّعْر سُمِّيَ بَيْتًا، لأَنه كلامٌ جُمِعَ مَنْظُومًا، فَصَارَ كبَيْتٍ جُمِعَ مِنْ شُقَقٍ، وكِفاءٍ، ورِواقٍ، وعُمُد؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
وبيتٍ، عَلَى ظَهْر المَطِيِّ، بَنَيْتُه ... بأَسمرَ مَشْقُوقِ الخَياشِيم، يَرْعُفُ(2/14)
قَالَ: يَعْنِي بَيْتَ شِعْرٍ كتَبه بِالْقَلَمِ. وسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الكعبةَ، شرَّفها اللَّه: البيتَ الحرامَ. ابْنُ سِيدَهْ: وبَيْتُ اللَّهِ تَعَالَى الكعبةُ. قَالَ الْفَارِسِيُّ: وَذَلِكَ كَمَا قِيلَ لِلْخَلِيفَةِ: عبدُ اللَّه، وَلِلْجَنَّةِ: دَارُ السَّلَامِ. قَالَ: والبيْتُ القَبْر، عَلَى التَّشْبِيهِ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
وصاحِبِ مَلْحُوبٍ، فُجِعْنا بِيَوْمِهِ، ... وعِنْدَ الرِّداعِ بَيتُ آخَرَ كَوْثَر «1»
وَفِي حَدِيثِ
أَبي ذَرٍّ: كَيْفَ نَصْنَعُ إِذا مَاتَ النَّاسُ، حَتَّى يَكُونَ البيتُ بالوَصِيف؟
قَالَ ابْنُ الأَثير: أَراد بالبَيْتِ هاهنا القَبْر؛ والوَصِيفُ: الغلامُ؛ أَراد: أَن مَوَاضِعَ القُبور تَضيقُ، فيَبتاعُوْنَ كلَّ قَبْرٍ بوَصِيفٍ. وَقَالَ نُوحٌ، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ أَفضلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، حينَ دَعا رَبَّه: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ، وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً
؛ فسَمَّى سَفِينَته الَّتِي رَكبَها أَيام الطُّوفانِ بَيْتاً. وبَيْتُ الْعَرَبِ: شَرَفُها، وَالْجَمْعُ البُيوتُ، ثُمَّ يُجْمَعُ بُيوتاتٍ جَمْعُ الْجَمْعِ. ابْنُ سِيدَهْ: والبَيْتُ مِنْ بُيُوتات الْعَرَبِ: الَّذِي يَضُمُّ شَرَفَ الْقَبِيلَةِ كَآلِ حِصْنٍ الفَزاريِّين، وآلِ الجَدَّيْن الشَّيْبانِيّين، وَآلِ عَبْد المَدانِ الحارِثِيّين؛ وَكَانَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ يَزْعُمُ أَن هَذِهِ البُيوتاتِ أَعْلى بُيوتِ الْعَرَبِ. وَيُقَالُ: بَيْتُ تَميم فِي بَنِي حَنْظلة أَي شَرَفُها؛ وَقَالَ الْعَبَّاسُ يَمْدَحُ سيدَنا رسولَ اللَّه، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
حَتَّى احْتَوى بَيْتُكَ المُهَيْمِنُ منْ ... خِنْدِفَ، عَلْياءَ تَحْتَها النُّطُقُ
جَعَلَها فِي أَعْلى خِنْدِفَ بَيْتًا؛ أَراد بِبَيْتِهِ: شَرَفَه العاليَ؛ والمُهَيْمِنُ: الشاهدُ بفَضْلك. وقولُه تَعَالَى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ
؛ إِنما يُرِيدُ أَهلَ بَيْتِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَزواجَه وبِنْتَه وعَلِيّاً، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: أَكثر الأَسماء دُخُولًا فِي الِاخْتِصَاصِ بَنُو فلانٍ، ومَعْشَرٌ مُضَافَةٌ، وأَهلُ البيتِ، وَآلُ فلانٍ؛ يَعْنِي أَنك تَقُولُ نحنُ أَهْلَ البيتِ نَفْعَلُ كَذَا، فَتَنْصِبُهُ عَلَى الِاخْتِصَاصِ، كَمَا تَنْصِبُ الْمُنَادَى الْمُضَافَ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ هَذِهِ الأَربعة. وفلانٌ بَيْتُ قومِهِ أَي شَريفُهم؛ عَنْ أَبي العَمَيْثَل الأَعرابي. وبَيْتُ الرجلُ: امرأَتُه، ويُكْنى عَنِ المرأَة بالبَيْتِ؛ وَقَالَ:
أَلا يَا بَيْتُ، بالعَلْياءِ بَيْتُ، ... وَلَوْلَا حُبُّ أَهْلِكَ، ما أَتَيْتُ
أَراد: لِي بالعَلْياءِ بَيْتٌ. ابْنُ الأَعرابي: الْعَرَبُ تَكْني عَنِ المرأَة بالبَيْت؛ قَالَهُ الأَصمعي وأَنشد:
أَكِبَرٌ غَيَّرَني، أَم بَيْتُ؟
الْجَوْهَرِيُّ: البَيْتُ عِيالُ الرَّجُلِ؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
مَا لِي، إِذا أَنْزِعُها، ... صَأَيْتُ؟ أَكِبَرٌ غَيَّرني، أَم بَيْتُ؟
والبَيْتُ: التَزْويجُ؛ عَنْ كُرَاعٍ. يُقَالُ: باتَ الرجلُ يَبيتُ إِذا تَزَوَّجَ. وَيُقَالُ: بَنى فلانٌ عَلَى امرأَته بَيْتاً إِذا أَعْرَسَ بِهَا وأَدخلها بَيْتاً مَضْروباً، وَقَدْ نَقَل إِليه مَا يَحْتَاجُونَ إِليه مِنْ آلَةٍ وفِراشٍ وَغَيْرِهِ. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَه عَنْهَا: تَزَوَّجني رسولُ اللَّه، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى بَيْتٍ قِيمَتُه خَمْسُونَ دِرْهماً
أَي متاعِ بَيْتٍ، فَحَذَفَ الْمُضَافَ، وأَقام المضافَ إِليه مُقامَه.
__________
(1) . قوله [وصاحب ملحوب] هو عَوْفُ بْنُ الأَحوص بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ مات بملحوب. وعند الرداع موضع مات فيه شريح بْنُ الأَحوص بْنِ جَعْفَرٍ بْنِ كِلَابٍ. اه. من ياقوت.(2/15)
ومَرَةٌ مُتَبَيِّتَةٌ: أَصابت بَيْتاً وبَعْلًا. وَهُوَ جَارِي بَيْتَ بَيْتَ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: مِنَ الْعَرَبِ مَن يَبْنيه كَخَمْسَةَ عَشَرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُضِيفه، إِلا فِي حَدِّ الْحَالِ؛ وَهُوَ جَارِي بَيْتاً لبَيْتٍ، وبيتٌ لِبَيْتٍ أَيضاً. الْجَوْهَرِيُّ: وَهُوَ جَارِي بَيْتَ بَيْتَ أَي مُلاصِقاً، بُنيا عَلَى الْفَتْحِ لأَنهما اسْمَانِ جُعِلا وَاحِدًا. ابْنُ الأَعرابي: الْعَرَبُ تَقُولُ أَبِيتُ وأَباتُ، وأَصِيدُ وأَصاد، ويموتُ ويَماتُ، ويَدُومُ ويَدامُ، وأَعِيفُ وأَعافُ؛ وَيُقَالُ: أَخيلُ الغَيْثَ بناحِيَتِكم، وأَخالُ، لغةٌ، وأَزيلُ؛ يُقَالُ: زالَ «2» ، يُرِيدُونَ أَزال. قَالَ وَمِنْ كَلَامِ بَنِي أَسَد: مَا يَلِيق بِكَ الخَيْر وَلَا يعِيقُ، إِتباع. الصِّحَاحُ: باتَ يَبِيتُ ويَباتُ بَيْتُوتة. ابْنُ سِيدَهْ: باتَ يَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا يَبِيتُ ويَباتُ بَيتاً وبَياتاً ومَبيتاً وبَيْتُوتة أَي ظَلَّ يَفْعَلُهُ لَيْلًا، وَلَيْسَ مِنَ النَّوم، كَمَا يُقَالُ: ظَلَّ يَفْعَلُ كَذَا إِذا فَعَلَهُ بِالنَّهَارِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: كُلُّ مَنْ أَدركه الليلُ فَقَدْ باتَ، نَامَ أَو لَمْ يَنَم. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً
؛ وَالِاسْمُ مِنْ كلِّ ذَلِكَ البِيتةُ. التَّهْذِيبُ، الفراءُ: باتَ الرجلُ إِذا سَهِر الليلَ كُلَّهُ فِي طَاعَةِ اللَّه، أَو مَعْصِيَتِهِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: البَيْتُوتة دُخُولُك فِي اللَّيْلِ. يُقَالُ: بتُّ أَصْنَعُ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: وَمَنْ قَالَ باتَ فلانٌ إِذا نَامَ، فَقَدْ أَخطأَ؛ أَلا تَرَى أَنك تَقُولُ: بِتُّ أُراعي النجومَ؟ مَعْنَاهُ: بِتُّ أَنْظرُ إِليها، فَكَيْفَ يَنَامُ وَهُوَ يَنْظُر إِليها؟ وَيُقَالُ: أَباتَكَ اللَّه إِباتَةً حَسَنةً؛ وباتَ بَيْتُوتةً صَالِحَةً. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ وَغَيْرُهُ: وأَباتَه اللَّهُ بخَيْر، وأَباتَه اللَّهُ أَحْسَنَ بِيتَةٍ أَي إِباتَةٍ، لَكِنَّهُ أَراد بِهِ الضَّرْبَ مِنَ التَّبْيِيت، فَبَنَاهُ عَلَى فِعْلِه، كَمَا قَالُوا: قَتَلْته شَرَّ قِتْلة، وبِئْست المِيتَةُ؛ إِنما أَرادوا الضَّرْب الَّذِي أَصابه مِنَ الْقَتْلِ وَالْمَوْتِ. وبِتُّ القومَ، وبِتُّ بِهِمْ، وبِتُّ عندَهم؛ حَكَاهُ أَبو عُبَيْدٍ. وبَيَّتَ الأَمْرَ: عَمِلَه لَيْلًا، أَوْ دَبَّره لَيْلًا. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ
؛ وَفِيهِ: إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ
: كلُّ مَا فُكِرَ فِيهِ أَو خِيضَ فِيهِ بلَيْل، فَقَدْ بُيِّتَ. وَيُقَالُ: هَذَا أَمرٌ دُبِّرَ بلَيْل وبُيِّتَ بلَيْل، بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَقَوْلُهُ: وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ
أَي يُدَبِّرونَ ويُقَدِّرونَ مِنَ السُّوءِ لَيْلًا. وبُيِّتَ الشيءُ أَي قُدِّر. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه كَانَ لَا يُبَيِّتُ مَالًا، وَلَا يُقَيِّلُه
؛ أَي إِذا جاءَه مالٌ لَا يُمْسِكُه إِلى اللَّيْلِ، وَلَا إِلى الْقَائِلَةِ، بَلْ يُعَجِّلُ قِسْمَته. وبَيَّتَ القوْمَ والعَدُوَّ: أَوقع بِهِمْ لَيْلًا؛ والاسمُ البَياتُ. وأَتاهم الأَمر بَياتاً أَي أَتاهم فِي جوفِ اللَّيْلِ. وَيُقَالُ: بَيَّتَ فلانٌ بَنِي فلانٍ إِذا أَتاهم بَياتاً، فكَبَسَهم وَهُمْ غارُّونَ. وَفِي الْحَدِيثِ
: أَنه سُئِل عَنْ أَهل الدَّارِ يُبَيَّتُونَ
أَي يُصابُون لَيْلًا. وتَبْيِيتُ العَدُوِّ: هُوَ أَن يُقْصَدَ فِي اللَّيْلِ مِن غَيْرِ أَن يَعْلم، فَيُؤْخَذَ بَغْتَةً، وَهُوَ البَياتُ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
إِذا بُيِّتُّمْ فَقُولُوا: هُمْ لَا يُنْصَرُونَ.
وَفِي الْحَدِيثِ
: لَا صيامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيامَ
أَي يَنْوِه مِنَ اللَّيْلِ. يُقَالُ: بَيَّتَ فلانٌ رأْيه إِذا فَكَّرَ فِيهِ وخَمَّره؛ وكلُّ مَا دُبِّر فِيهِ، وفُكِّرَ بلَيْلٍ: فَقَدْ بُيِّتَ. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
هَذَا أَمْرٌ بُيِّت بلَيْلٍ
، قَالَ ابْنُ
__________
(2) . قوله [وأزيل يقال زال] كذا بالأَصل وشرح القاموس.(2/16)
كَيْسانَ: باتَ يَجُوزُ أَن يَجْرِيَ مُجْرَى نامَ، وأَن يَجْريَ مُجْرَى كانَ؛ قَالَهُ فِي كَانَ وأَخواتها، مَا زَالَ، وَمَا انْفَكَّ، وَمَا فَتِئَ، وَمَا بَرِحَ. وماءٌ بَيُّوتٌ، باتَ فبَرَدَ؛ قَالَ غَسَّانُ السُّلَيْطِيُّ:
كفاكَ، فأَغْناكَ ابْنُ نَضْلَة بعدَها ... عُلالَةَ بَيُّوتٍ، مِنَ الماءِ، قارِسِ
وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
فصَبَّحَتْ حَوْضَ قَرًى بَيُّوتا
قَالَ أُراه أَراد: قَرَى حَوْضٍ بَيُّوتاً، فَقَلَبَ. والقَرَى: مَا يُجْمَعُ فِي الحَوْض مِنَ الْمَاءِ؛ فأَنْ يكونَ بَيُّوتاً صِفَةً لِلْمَاءِ خَيْرٌ مِنْ أَن يكونَ للحَوْضِ، إِذ لَا مَعْنَى لِوَصْفِ الْحَوْضِ بِهِ. قَالَ الأَزهري: سَمِعْتُ أَعرابيّاً يَقُولُ: اسْقِنِي مِنْ بَيُّوتِ السِّقاءِ أَي مِنْ لَبَنٍ حُلِبَ لَيْلًا وحُقِنَ فِي السِّقاء، حَتَّى بَرَدَ فِيهِ لَيْلًا؛ وَكَذَلِكَ الْمَاءُ إِذا بَرَدَ فِي المَزادة لَيْلًا: بَيُّوتٌ. والبائِتُ: الغَابُّ؛ يُقَالُ: خُبْزٌ بائِتٌ، وَكَذَلِكَ البَيُّوتُ. والبَيُّوتُ أَيضاً: الأَمْرُ يُبَيِّتُ عَلَيْهِ صاحبُه، مُهْتمّاً بِهِ؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ:
وأَجْعَلُ فِقْرَتَها عُدَّةً، ... إِذا خِفْتُ بَيُّوتَ أَمْرٍ عُضالْ
وهَمٌّ بَيُّوتٌ: باتَ فِي الصَّدْر؛ وَقَالَ:
عَلى طَرَبٍ بَيُّوتَ هَمٍّ أُقاتِلُهْ
والمَبِيتُ: الموضعُ الَّذِي يُبَاتُ فِيهِ. وَمَا لَهُ بِيتُ ليلةٍ، وبِيتَةُ ليلةٍ، بِكَسْرِ الْبَاءِ، أَي مَا عِنْدَهُ قُوتُ لَيْلة. وَيُقَالُ لِلْفَقِيرِ: المُسْتَبِيتُ. وَفُلَانٌ لَا يَسْتَبِيتُ لَيْلةً أَي لَيْسَ لَهُ بِيتُ ليلةٍ مِن القُوتِ. والبِيتةُ: حَالُ المَبِيتِ؛ قَالَ طَرَفَةُ:
ظَلِلْتُ بِذِي الأَرْطَى، فُوَيْقَ مُثَقَّفٍ، ... بِبِيتَةِ سُوءٍ، هالِكاً أَو كَهالِكِ
وبيتٌ: اسْمُ مَوْضِعٍ؛ قَالَ كُثَيِّرٌ عَزَّةَ:
بوَجْهِ بَنِي أَخِي أَسَدٍ قَنَوْنَا ... إِلى بَيْتٍ، إِلى بَرْكِ الغِمادِ [الغُماد]
فصل التاء المثناة
تبت: هَذِهِ تَرْجَمَةٌ لَمْ يُتَرْجِمْ عَلَيْهَا أَحدٌ مِن مُصَنِّفي الأُصول، وَذَكَرَهُ ابْنُ الأَثير لِمُرَاعَاتِهِ تَرْتِيبَهُ، فِي كِتَابِهِ، وَتَرْجَمْنَا نَحْنُ عَلَيْهَا لأَن الشَّيْخَ أَبا مُحَمَّدِ بْنُ بَرِّيٍّ، رَحِمَهُ اللَّه، قَالَ فِي تَرْجَمَةِ تَوَبَ، رَادًّا عَلَى الْجَوْهَرِيِّ لمَّا ذَكَرَ تَابُوتَ فِي أَثنائها، قَالَ: إِن الْجَوْهَرِيَّ أَساء تَصْرِيفَهُ حَتَّى رَدَّهُ إِلى تَابُوتٍ، قَالَ: وَكَانَ الصَّوَابُ أَن يَذْكُرَهُ فِي فَصْلِ تَبَتَ، لأِن تَاءَهُ أَصلية، وَوَزْنُهُ فَاعُولٌ، كَمَا ذَكَرْنَاهُ هُنَاكَ فِي تَوَبَ؛ وَذَكَرَهُ ابْنُ سِيدَهْ أَيضاً فِي تَرْجَمَةِ تَبه، وَقَالَ: التابُوه لُغَةٌ فِي التَّابُوتِ، أَنصارية؛ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ نَحْنُ أَيضاً فِي تَرْجَمَةِ تَبَهَ، وَلَمْ أَرَ فِي تَرْجَمَةِ تَبَتَ شَيْئًا فِي الأُصول، وَذَكَرْتُهَا أَنا هُنَا مُرَاعَاةً لِقَوْلِ الشَّيْخِ أَبي مُحَمَّدِ بْنِ بَرِّيٍّ: كَانَ الصَّوَابُ أَن يَذْكُرَ فِي تَرْجَمَةِ تَبَتَ؛ وَلَمَّا ذَكَرَهُ ابْنُ الأَثير، قَالَ فِي حَدِيثِ دُعَاءِ قِيَامِ اللَّيْلِ
: اللَّهُمَّ اجْعَل فِي قَلْبِي نُورًا، وَذَكَرَ سَبْعًا فِي التَّابُوتِ.
التَّابُوتُ: الأَضْلاعُ وَمَا تَحْويه كالقَلْب والكَبِد وَغَيْرِهِمَا، تَشْبِيهًا بالصُّنْدُوق الَّذِي يُحْرَزُ فِيهِ المَتاع أَي أَنه مَكْتُوبٌ مَوْضُوعٌ في الصُّنْدُوقِ.
تحت: تَحْتَ: إِحْدى الجهاتِ السِّتِّ المُحيطة بالجِرْمِ، تَكُونُ مَرَّةً ظَرْفًا، ومرَّة اسْمًا، وَتُبْنَى فِي حَالِ(2/17)
الِاسْمِيَّةِ عَلَى الضَّمِّ، فَيُقَالُ: مِنْ تَحْتُ. وتَحْتُ: نَقِيضُ فَوْقُ. وقومٌ تُحوتٌ: أَرذالٌ سَفِلةٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا تَقُومُ الساعةُ حَتَّى تَظْهَرَ التُّحوتُ، ويَهْلِكَ الوُعُول
؛ يَعْنِي الَّذِينَ كَانُوا تَحْتَ أَقدام الناسِ، لَا يُشعَرُ بِهِمْ وَلَا يُؤْبَه لَهُمْ لِحَقَارَتِهِمْ، وَهُمُ السِّفْلَةُ والأَنْذالُ؛ والوُعُولُ: الأَشْرافُ. قَالَ ابْنُ الأَثير: جَعَلَ التَّحتَ الَّذِي هُوَ ظَرْفٌ اسْماً، فأَدْخَلَ عَلَيْهِ لامَ التَّعْرِيفِ، وجَمَعه؛ وَقِيلَ: أَرادَ بِظُهُورِ التُحُوتِ، ظُهُورَ الكُنوز الَّتِي تَحْتَ الأَرض؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
أَبي هُرَيْرَةَ، وذَكَرَ أَشْراطَ الساعةِ، فَقَالَ: وإِنَّ مِنْهَا أَن تَعْلُوَ التُحُوتُ الوُعولَ
أَي يَغْلِبَ الضُّعَفاءُ مِنَ النَّاسِ أَقْوياءَهم، شَبَّه الأَشْرافَ بالوُعُول لارْتِفاع مَساكنها. وَالتَّحْتَحَةُ: الْحَرَكَةُ «1» . وَمَا تَتَحْتحَ مِنْ مَكَانِهِ أَي مَا تَحَرَّكَ. قَالَ الأَزهري: لَوْ جَاءَ فِي الْحِكَايَةِ تَحْتَحَه تَشْبِيهًا بِشَيْءٍ، لَجَازَ وحسن.
تخت: التَّخْتُ: وِعَاءٌ تُصانُ فِيهِ الثيابُ، فَارِسِيٌّ، وَقَدْ تَكَلَّمَتْ بِهِ الْعَرَبُ.
توت: التُّوتُ: الفِرْصادُ، وَاحِدَتُهُ تُوتَةٌ، بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ، وَلَا تَقُلِ التُّوثُ، بِالثَّاءِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ذَكَرَ أَبو حَنِيفَةَ الدِّيْنَوَرِيُّ أَنه بِالثَّاءِ؛ وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ النَّحْوِيِّينَ أَيضاً، أَنه بِالثَّاءِ. قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: وَلَمْ يُسمع فِي الشِّعْرِ إِلّا بِالثَّاءِ، وأَنشد لِمَحْبُوبِ بْنِ أَبي العَشنَّطِ النَهْشَلِيِّ.
لَرَوْضَةٌ مِنْ رياضِ الحَزْنِ، أَوْ طَرَفٌ ... مِنَ القُرَيَّةِ، جَرْدٌ غيرُ مَحْروثِ
لِلنَّوْرِ فِيهِ، إِذا مَجَّ النَّدَى، أَرَجٌ ... يَشْفي الصُّداعَ، ويُنْقي كلَّ مَمْغُوثِ
أَحْلى وأَشْهَى لِعيني، إِن مَررتُ بِهِ، ... مِنْ كَرْخِ بَغْدَادَ، ذِي الرُّمَّانِ والتُّوثِ
واللَّيْلُ نِصْفانِ: نِصْفٌ للهُمُومِ، فَمَا ... أَقْضِي الرُّقادَ، ونِصْفٌ للبراغِيثِ
أَبِيتُ حَيْثُ تُسامِيني أَوائِلُها، ... أَنْزُو، وأَخْلِطُ تَسبيحاً بتَغْوِيثِ
سُودٌ مَدالِيجُ فِي الظَّلْمَاء، مُؤْدَنَةٌ، ... وليسَ مُلْتَمَسٌ مِنْهَا بمَنْبُوثِ
المُؤْدَنُ، بِالْهَمْزِ: الْقَصِيرُ العُنق. والمُودَنُ، بِغَيْرِ الْهَمْزِ: الَّذِي يُولدُ ضاوِيّاً؛ نَقَلْتُهُ مِنْ حَوَاشِي ابْنِ بَرِّيٍّ وَمِنْ حواشٍ عَلَيْهَا. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَحُكِيَ عَنِ الأَصمعي أَنه بِالثَّاءِ فِي اللُّغَةِ الْفَارِسِيَّةِ، وَبِالتَّاءِ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ. التَّهْذِيبُ: التُّوثُ كأَنه فَارِسِيٌّ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: التُّوتُ، بِتَاءَيْنِ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
أَن ابْنَ الزُّبَيْرِ آثَرَ عَليَّ التُّوَيتَاتِ، والحُمَيْدَاتِ، والأُساماتِ
؛ قَالَ شَمِرٌ: هُمْ أَحْياءٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ: حُمَيْدُ بْنُ أُسامةَ بنِ زُهَيرِ بْنِ الحارث بنِ أَسَدِ ابن عَبْدِ العُزَّى بْنِ قُصَيٍّ، وتُوَيتُ بنُ حَبيب بنِ أَسدِ بْنِ عَبْدِ العُزَّى بْنِ قُصَيٍّ، وأُسامةُ بنُ زُهير بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَد بْنِ عَبْدِ العُزَّى بْنِ قُصَيٍّ. والتُّوتِياءُ: مَعْرُوفٌ، حَجَر يُكْتَحَلُ بِهِ، وَهُوَ مُعَرَّب.
تيت: رَجُلٌ تَيْتاءُ وتِيتَاءُ: وهو مِثْلُ الزُّمَّلِقِ، وَهُوَ الَّذِي يَقْضِي شهوتَه قَبْلَ أَن يُفْضِيَ إِلى امرأَته. أَبو عَمْرٍو: التِّيتاءُ الرَّجُلُ الَّذِي إِذا أَتَى المرأَة أَحْدَثَ، وَهُوَ العِذْيَوطُ، قَالَ ابْنُ الأَعرابي: التِّئْتاءُ الرجل
__________
(1) . قوله [والتحتحة الحركة] لم يذكر ذَلِكَ فِي حَرْفِ الْحَاءِ ظناً منه أَن موضعه حرف التاء وليس كذلك كما لا يخفى.(2/18)
الَّذِي يُنزِلَ قَبْلَ أَن يُولِجَ «1»
فصل الثاء المثلثة
ثبت: ثَبَتَ الشيءُ يَثْبُتُ ثَباتاً وثُبوتاً فَهُوَ ثابتٌ وثَبِيتٌ وثَبْتٌ، وأَثْبَتَه هُوَ، وثَبَّتَه بِمَعْنًى. وَشَيْءٌ ثَبْتٌ: ثابتٌ. وَيُقَالُ للجَرَاد إِذا رزَّ أَذْنابَه ليَبِيضَ: ثَبَتَ وأَثْبَتَ وثَبَّتَ. وَيُقَالُ: ثَبَتَ فلانٌ فِي المَكان يَثْبُتُ ثبُوتاً، فَهُوَ ثابتٌ إِذا أَقام بِهِ. وأَثْبَتَه السُّقْم إِذا لَمْ يُفارِقْهُ. وثَبَّتَه عَنِ الأَمْر كَثَبَّطه. وَفَرَسٌ ثَبْتٌ: ثَقِفٌ فِي عَدْوِه. وَرَجُلٌ ثَبْتُ الغَدْرِ إِذا كَانَ ثابِتاً فِي قِتَالٍ أَو كَلَامٍ؛ وَفِي الصِّحَاحِ؛ إِذا كَانَ لسانُه لَا يَزَالُ عِنْدَ الخُصُوماتِ؛ وَقَدْ ثَبُتَ ثَباتَةً وثُبوتةً. وتَثَبَّتَ فِي الأَمْر والرَّأْي، واستَثْبَتَ: تَأَنَّى فِيهِ وَلَمْ يَعْجَل. واسْتَثْبَتَ فِي أَمْرِه إِذا شَاوَرَ وفحَصَ عَنْهُ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: أَي يُنْفِقونَها مُقِرِّين بأَنها مِمَّا يُثِيبُ اللَّهُ عَلَيْهَا. وَقَالَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ
؛ قَالَ: مَعْنَى تَثْبِيت الفُؤادِ تَسْكِينُ القَلْب، ههنا لَيْسَ لِلشَّكِّ، وَلَكِنْ كلَّمَا كَانَ البُرْهانُ والدِّلالةُ أَكْثَر عَلَى القَلْب، كَانَ القلبُ أَسْكَنَ وأَثْبَتَ أَبداً، كَمَا قَالَ إِبراهيم، عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي. وَرَجُلٌ ثَبْتٌ أَي ثابتُ القَلْب؛ قَالَ الْعَجَّاجِ يَمْدَحُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ اللَّه بْنِ مَعْمَرٍ:
الحَمدُ للَّه الَّذِي أَعْطَى الخِيَرْ ... مَوَالِيَ الحَقِّ، إِنِ المَوْلى شَكَرْ
عَهْدَ نَبِيٍّ، مَا عَفَا وَمَا دَثَرْ، ... وعَهْدَ صِدِّيقٍ رأَى بَرّاً، فَبرّ
وعَهْدَ عُثمانَ، وعَهْداً مِنْ عُمَرْ، ... وعَهْدَ إِخْوانٍ، همُ كَانُوا الوَزَرْ
وعُصْبةَ النَّبيِّ، إِذْ خافُوا الحَصَرْ، ... شَدُّوا لَهُ سُلْطانَه، حَتَّى اقْتَسَرْ
بالقَتْلِ أَقْواماً، وأَقواماً أَسَرْ، ... تَحْتَ الَّتِي اخْتَارَ لَهُ اللَّهُ الشَّجَرْ
مُحَمَّدًا، واخْتارَه اللَّهُ الخِيَرْ، ... فَمَا وَنَى محمدٌ، مُذْ أَنْ غَفَرْ
لَهُ الإِلهُ مَا مَضَى، وَمَا غَبَرْ، ... أَن أَظْهَرَ الدِّينَ بِهِ، حَتى ظَهَرْ
مِنْهَا:
بكُلِّ أَخْلاقِ الرِّجالِ قَدْ مَهَرْ، ... ثَبْتٌ، إِذا مَا صِيحَ بالقَوْم وَقَرْ
وَرَجُلٌ ثَبْتُ المُقام: لَا يَبْرَحُ. والثَّبْتُ والثَّبِيتُ: الفارسُ الشُّجاع. والثَّبِيتُ: الثَّابتُ العَقْل؛ قَالَ طَرَفَةُ:
فالهَبِيتُ لَا فُؤاد لَهُ، ... والثَّبِيتُ قَلْبُه قِيَمُهْ
تَقُولُ مِنْهُ: ثَبُتَ، بِالضَّمِّ، أَي صَارَ ثَبيتاً. والمُثْبَتُ: الَّذِي ثَقُلَ، فَلَمْ يَبْرَحِ الفِراش. والثِّباتُ: سَيْرٌ يُشَدُّ بِهِ الرَّحْل، وجَمْعُه أَثْبِتة. ورَحْلٌ مُثْبَت: مَشْدُود بالثِّباتِ؛ قَالَ الأَعْشى:
__________
(1) . زاد في التكملة تيت بتسكين المثناة التحتية وبكسرها مشدَّدة كميت. وتيت جبل بالمدينة.(2/19)
زَيَّافَةٌ، بالرَّحْلِ خَطَّارة، ... تَلْوي بشَرْخَيْ مُثْبَتٍ، قاتِرِ
وَفِي حَدِيثِ
مَشُورَة قُرَيْش فِي أَمر النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ بَعْضُهُمْ: إِذا أَصْبَحَ فأَثْبِتُوه بالوَثاق.
وَفِي حَدِيثِ
أَبي قَتادة: فطَعَنْتُه فأَثْبَتُّه
أَي حَبَسْتُه وجَعَلْتُه ثَابِتًا فِي مَكَانِهِ لَا يُفارقه. وأُثْبِتَ فلانٌ، فَهُوَ مُثْبَتٌ إِذا اشْتَدَّتْ بِهِ عِلَّتُه أَو أَثْبَتَته جِراحةٌ فَلَمْ يتَحَرَّك. وقَولهُ تَعَالَى: لِيُثْبِتُوكَ؛ أَي يَجْرحوك جِراحةً لَا تَقُوم مَعَهَا. وَرَجُلٌ لَهُ ثَبَتٌ عِنْدَ الحَمْلة، بِالتَّحْرِيكِ، أَي ثَبات؛ وَتَقُولُ أَيضاً: لَا أَحْكُم بِكَذَا، إِلا بثَبَتٍ أَي بحُجَّة. وَفِي حَدِيثِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ:
ثُمَّ جاءَ الثَّبَتُ أَنه مِنْ رَمَضَانَ
؛ الثَّبَتُ، بِالتَّحْرِيكِ: الْحُجَّةُ وَالْبَيِّنَةُ. وَفِي حَدِيثِ
قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمان: بِغَيْرِ بَيِّنَة وَلَا ثَبَتٍ.
وثابَته وأَثْبَتَه: عَرَفَه حَقَّ المَعْرفة. وطَعَنه فأَثْبَت فِيهِ الرُّمْح أَي أَنْفَذَه. وأَثْبَتَ حُجَّتَهُ: أَقامها وأَوْضَحها. وقولٌ ثابتٌ: صَحِيحٌ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ
؛ وكلُّه مِنَ الثَّبات. وثابتٌ وثَبِيتٌ: اسْمَانِ، ويُصغَّر ثابِتٌ، مِنَ الأَسماء، ثُبَيْتاً، فأَما الثابتُ إِذا أَرَدْتَ بِهِ نَعْتَ شَيْءٍ، فَتَصْغِيرُهُ: ثُوَيْبِتٌ. وإِثْبِيتُ: اسْمُ أَرض، أَو موضعٍ، أَو جَبَلٍ؛ قَالَ الرَّاعِي:
تُلاعِبُ أَوْلادَ المَها بكُراتِها، ... بإِثْبِيتَ، فَالجَرْعاءِ ذاتِ الأَباترِ
ثتت: الأَزهري: اسْتَعْمَلَ مِنْهُ أَبو الْعَبَّاسِ الثَّتُّ: الشَّقُّ فِي الصَّخْرة؛ وَجَمْعُهُ ثُتُوتٌ. قَالَ: والثَّتُّ أَيضاً العِذْيَوْطُ، وَهُوَ الثَّمُوتُ، والذَّوْذَحُ، والوَحْواحُ، والنَّعْجة «1» ، والزُّمَّلِقُ. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: فِي الصَّخْرَةِ ثَتٌّ، وفَتٌّ، وشَرْمٌ، وشَرْنٌ، وخَقٌّ، ولَقٌّ، وشِيقٌ، وشِرْيان.
ثمت: أَهمله اللَّيْثُ. وَرَوَى ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي أَنه قَالَ: الثَّمُوتُ العِذْيَوْطُ، وَهُوَ الَّذِي إِذا غَشِيَ المرأَةَ أَحْدَثَ؛ وَهُوَ الثَّتُّ أَيضاً.
ثنت: الثَّنِتُ: المُنْتِنُ. ثَنِتَ اللحمُ، بِالْكَسْرِ، ثَنَتاً: تغَيَّرَ وأَنْتَنَ، وَكَذَلِكَ الجُرْحُ. ولِثَةٌ ثَنِتَةٌ مسْتَرخِية دامِيَة، وَكَذَلِكَ الشَّفَةُ، وَقَدْ ثَنِتَتْ. ولَحْمٌ ثَنِتٌ: مُسْترْخٍ؛ ونَثِتَ مثلُه، بتقديم النون.
ثهت: الثُّهاتُ: الصَّوتُ والدُّعاء. وَقَدْ ثَهِتَ ثَهَتاً: دَعا. والثَّاهِتُ: جُلَيْدةُ القَلْب، وَهِيَ جِرابُه؛ قَالَ:
مُلِّئَ فِي الصَّدْرِ عَلَيْنَا ضَبَّا، ... حَتَّى وَرَى ثاهِتَهُ والخِلْبا
الأَزهري، قَالَ ابْنُ بُزُرْجَ: مَا أَنت فِي ذَلِكَ الأَمر بالثاهِتِ وَلَا المَثْهُوتِ أَي بالداعِي وَلَا المَدْعُوِّ؛ قَالَ الأَزهري: وَقَدْ رَوَاهُ أَحمد بْنُ يَحْيَى عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
وانْحَطَّ داعِيكَ، بِلا إِسْكاتِ، ... مِنَ البُكاءِ الحَقِّ والثُّهاتِ
__________
(1) . قوله [والنعجة، وفيما بعد وشريان] كذا بالأَصل والتهذيب.(2/20)
فصل الجيم
جبت: الجِبْتُ: كلُّ مَا عُبِدَ مِن دُونِ اللَّه، وَقِيلَ: هِيَ كَلِمَةٌ تَقَعُ عَلَى الصَّنَم وَالْكَاهِنِ وَالسَّاحِرِ، ونَحْوِ ذَلِكَ. الشَّعبيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ
؛ قَالَ: الجِبْتُ السِّحْرُ «2» ، والطَّاغُوتُ الشَّيْطَانُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الطَّاغُوت كَعْبُ بْنُ الأَشرف، والجِبْتُ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
الطِّيَرةُ والعِيافَةُ والطَّرْقُ مِنَ الجِبْتِ.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَهَذَا لَيْسَ مِنْ مَحْضِ الْعَرَبِيَّةِ، لِاجْتِمَاعِ الْجِيمِ وَالتَّاءِ فِي كَلِمَةٍ مِنْ غَيْرِ حَرْفٍ ذَولَقِيّ.
جتت: التَّهْذيبُ: أَهمله اللَّيْثُ. ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: الجَتُّ الجَسُّ للكَبْش لتَنْظُرَ أَسَمِينٌ أَم لا.
جَفَتَ: فِي نَوَادِرِ الأَعراب: اجْتَفَتَ المالَ، واكْتَفَتَهُ، وازْدَفَتَهُ، وازْدَعَتَهُ إِذا اسْتَحَبَه أَجْمَعَ.
جَلَتْ: الجَلِيتُ: لُغَةٌ فِي الجَلِيدِ، وَهُوَ مَا يَقَعُ مِنَ السَّمَاءِ. وجالُوتُ: اسْمُ رَجُلٍ أَعجمي، لَا يَنْصَرِفُ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ
. وَيُقَالُ: جَلَتُّه عشرينَ سَوْطاً أَي ضَرَبْته؛ وأَصله جَلَدْتُه، فأُدْغِمَت الدَّالُ في التاء.
جوت: جَوْتَ جَوْتَ: دُعاءُ الإِبل إِلى الماءِ؛ فإِذا أَدخلوا عَلَيْهِ الأَلف وَاللَّامَ، تَرَكُوهُ عَلَى حَالِهِ قَبْلَ دُخُولِهِمَا؛ قَالَ الشَّاعِرُ، أَنشده الْكِسَائِيُّ:
دَعاهُنَّ رِدْفِي، فارْعَوَيْنَ لِصَوْتِه، ... كَمَا رُعْتَ بالجَوْتَ الظِّماءَ الصَّوادِيا
نَصْبَهُ مَعَ الأَلف وَاللَّامِ، عَلَى الْحِكَايَةِ: والرِّدْفُ: الصاحبُ والتابعُ، وكلُّ شَيْءٍ تَبِعَ شَيْئًا فَهُوَ رِدْفُه. وَكَانَ أَبو عَمْرٍو يَكْسِرُ التَّاءَ، مِنْ قَوْلِهِ بالجَوْتِ، وَيَقُولُ: إِذا أُدخلت عَلَيْهِ الأَلف وَاللَّامُ ذَهَبَتْ مِنْهُ الحكايةُ؛ والأَوَّل قَوْلُ الْفَرَّاءِ وَالْكِسَائِيِّ. وَكَانَ أَبو الْهَيْثَمِ يُنْكِر النَّصْبَ، وَيَقُولُ: إِذا دَخَلَ عَلَيْهِ الأَلف وَاللَّامُ أُعرب، وَيُنْشِدُهُ: كَمَا رُعْتَ بالجَوْتِ؛ وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَالَ الْكِسَائِيُّ: أَراد بِهِ الْحِكَايَةَ، مَعَ اللَّامِ؛ قَالَ أَبو الْحَسَنِ؛ وَالصَّحِيحُ أَن اللَّامَ هُنَا زَائِدَةٌ، كَزِيَادَتِهَا فِي قَوْلِهِ:
وَلَقَدْ نَهَيْتُكَ عَنْ بَناتِ الأَوْبَرِ
فَبَقِيَتْ عَلَى بِنَائِهَا؛ وَرَوَاهُ يَعْقُوبُ: كَمَا رُعْتَ بالجَوْت؛ وَالْقَوْلُ فِيهَا كَالْقَوْلِ فِي الجَوْتِ، وَقَدْ جاوَتَها؛ وَالِاسْمُ مِنْهُ؛ الجُواتُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
جاوَتَها، فهاجَها جُواتُه
وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
جايَتَها، فهاجَها جُواتُه
وَهَذَا إِنما هُوَ عَلَى المُعاقَبة؛ أَصلها جاوَتَها، لأَنه فاعَلَها مِن جَوْتِ جَوْتِ، وطَلَبَ الخِفَّةَ، فَقَلبَ الْوَاوَ يَاءً، أَلا تَرَاهُ رَجَع فِي قَوْلِهِ: فهاجَها جُواتُه، إِلى الأَصل الَّذِي هُوَ الْوَاوُ، وَقَدْ يَكُونُ شَاذًّا، نادراً.
جيت: جايَتَ الإِبل: قَالَ لَهَا: جَوْتِ جَوْتِ، وَهُوَ دُعاؤُه إِياها إِلى الْمَاءِ؛ قَالَ:
جايَتَها فهاجَها جُواتُه
هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ الأَعرابي؛ وَهَذَا يُبْطِلُهُ التَّصْرِيفَ، لأَن جايتها من الياء، وجَوْتِ جَوْتِ مِنَ الْوَاوِ، اللَّهُمَّ إِلا أَن يَكُونَ مُعاقَبةً حِجازِيَّةً، كقولهم:
__________
(2) . قوله [الجبت السحر إلخ] وعليه الشعبي وعطاء ومجاهد وأَبو العالية. وعن ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْجِبْتُ رَئِيسُ الْيَهُودِ: وَالطَّاغُوتُ رَئِيسُ النَّصَارَى: كذا في التهذيب.(2/21)
الصُّياعُ فِي الصُّواعِ، والمَياثِقُ فِي المواثِقِ، أَو تَكُونَ لَفْظَةً عَلَى حِدَةٍ؛ وَالصَّحِيحُ:
جاوَتَها، فهاجَها جُواتُه
وَهَكَذَا رواه القَزَّازُ.
فصل الحاء المهملة
حبت: الأَزهري فِي آخِرِ تَرْجَمَةِ بحت: وحِبْتَوْنُ اسْمُ جبل بناحية الموصل.
حبرت: ابْنُ الأَعرابي: كَذِبٌ حِبْريتٌ وحَنْبَريتٌ أَي خالصٌ مُجَرَّد، لَا يَسْتُرُهُ شَيْءٌ.
حتت: الحَتُّ: فَرْكُكَ الشيءَ اليابسَ عَنِ الثَّوْب، وَنَحْوِهِ. حَتَّ الشيءَ عَنِ الثَّوْبِ وَغَيْرِهِ يَحُتُّه حَتًّا: فَركَه وقَشَره، فانْحَتَّ وتَحاتَّ؛ واسمُ مَا تَحاتَّ مِنْهُ: الحُتاتُ، كالدُّقاقِ، وَهَذَا الْبِنَاءُ مِنَ الْغَالِبِ عَلَى مِثْلِ هَذَا وعامَّتِه الهاءُ. وكلُّ مَا قُشِرَ، فَقَدْ حُتَّ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه قَالَ لامرأَة سأَلته عَنِ الدَّمِ يُصيب ثَوبَها، فَقَالَ لَهَا: حُتِّيه وَلَوْ بضِلَعٍ
؛ مَعْنَاهُ: حُكِّيه وأَزِيليه. والضِّلَعُ: العُودُ. والحَتُّ والحَكُّ والقَشْرُ سَوَاءٌ؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ:
وَمَا أَخَذَ الدِّيوانَ، حَتَّى تَصَعْلَكا ... زَماناً، وحَتَّ الأَشْهبانِ غِناهُما
حَتَّ: قَشَر وحَكَّ. وتَصَعْلَك: افْتَقَر. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ: أَنَّ أَسْلَمَ كانَ يأْتيه بِالصَّاعِ مِنَ التَّمْر، فَيَقُولُ: حُتَّ عَنْهُ قِشْرَه
أَي اقْشِرْه؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
كَعْب: يُبْعَثُ مِنْ بَقِيعِ الغَرْقَدِ سَبْعُونَ أَلفاً، هُمْ خِيارُ مَن يَنْحَتُّ عَنْ خَطْمه المَدَرُ
أَي يَنْقَشِرُ ويَسْقُط عَنْ أُنوفهم المَدَرُ، وَهُوَ التُّراب. وحُتاتُ كُلّ شَيْءٍ: مَا تَحاتَّ مِنْهُ؛ وأَنشد:
تَحُتُّ بِقَرنَيْها بَرِيرَ أَراكةٍ، ... وتَعْطُو بِظِلْفَيْها، إِذا الغُصْنُ طالَها
والحَتُّ دُونَ النَّحْت. قَالَ شَمِرٌ: تَرَكْتُهم حَتًّا فَتًّا بَتًّا إِذا اسْتَأْصَلْتَهم. وَفِي الدُّعاء: تَرَكَه اللَّهُ حَتّاً فَتّاً لَا يَمْلأُ كَفًّا أَي مَحْتُوتاً أَو مُنْحَتّاً. والحَتُّ، والانْحِتاتُ، والتَّحاتُّ، والتَّحَتْحُتُ: سُقوطُ الْوَرَقِ عَنِ الغُصن وَغَيْرِهِ. والحَتُوتُ مِنَ النَّخْلِ: الَّتِي يَتَناثَرُ بُسْرُها، وَهِيَ شَجَرَةٌ مِحْتاتٌ مِنْثارٌ. وتَحاتَّ الشيءُ أَي تَناثَرَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
ذاكرُ اللَّهِ فِي الغافِلينَ مَثَلُ الشَّجرة الخَضْراء وَسَطَ الشَّجَر الَّذِي تَحاتَّ وَرَقُه مِنَ الضَّريبِ
؛ أَي تَساقَطَ. والضَّريبُ: الصَّقِيعُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
تَحاتَّتْ عَنْهُ ذُنُوبه
أَي تَساقَطَتْ. والحَتَتُ: دَاءٌ يُصيب الشَّجَرَ، تَحاتُّ أَوراقُها مِنْهُ. وانْحَتَّ شَعَرُه عَنْ رأْسه، وانْحَصَّ إِذا تَساقَطَ. والحَتَّةُ: القَشْرَةُ. وحَتَّ اللَّهُ مَالَهُ حَتّاً: أَذْهَبَه، فأَفْقَره، عَلَى الْمِثْلِ. وأَحَتَّ الأَرْطى: يَبِسَ. والحَتُّ: العَجلَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. وحَتَّه مائةَ سَوْطٍ: ضَربَه وعَجَّلَ ضَرْبَه. وحَتَّه دَرَاهِمَهُ: عَجَّل لَهُ النَّقْدَ. وَفَرَسٌ حَتٌّ: جَواد سَرِيعٌ، كَثِيرُ العَدْو؛ وَقِيلَ: سريعُ العَرَقِ، وَالْجَمْعُ أَحْتاتٌ، لَا يُجاوَزُ بِهِ هَذَا البناءُ. وبَعِير حَتٌّ وحَتْحَتٌ: سريعُ السَّيْرِ خفيفٌ، وَكَذَلِكَ الظَّلِيمُ؛ وَقَالَ الأَعْلم بْنُ عَبْدِ اللَّه الْهُذَلِيُّ:
عَلَى حَتِّ البُرايةِ، زمْخَرِيِّ السَواعِدِ، ... ظَلَّ فِي شَرْيٍ طِوالِ(2/22)
وإِنما أَراد حَتّاً عِنْدَ البُرايةِ أَي سَريع عند ما يَبْريه مِنَ السَّفَر؛ وَقِيلَ: أَرادَ حَتَّ البَرْيِ، فَوَضَعَ الاسمَ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ؛ وَخَالَفَ قَوْمٌ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ تَفْسِيرَ هَذَا الْبَيْتِ، فَقَالُوا: يَعْنِي بَعِيرًا، فَقَالَ الأَصمعي: كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ، وَهُوَ يَقُولُ قَبْلَهُ:
كأَنَّ مُلاءَتَيَّ عَلَى هِجَفٍّ، ... يَعِنُّ مَعَ العَشِيَّةِ للرِّئالِ؟
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنه إِنما هُوَ ظَلِيمٌ، شَبَّه بِهِ فَرَسَه أَو بعيرَه، أَلا تَراه قَالَ: هِجَفٍّ، وَهَذَا مِنْ صِفَةِ الظَّلِيمِ، وَقَالَ: ظَلَّ فِي شَرْيٍ طِوالِ، والفرسُ أَو البَعِيرُ لَا يأْكلانِ الشَّرْيَ، إِنما يَهْتَبِدُه النَّعامُ، وَقَوْلُهُ: حَتِّ البُراية، لَيْسَ هُوَ مَا ذَهَبَ إِليه مِنْ قَوْلِهِ: إِنه سَرِيعٌ عند ما يَبْريه مِنَ السَّفَر، إِنما هُوَ مُنْحَتُّ الرِّيشِ لِمَا يَنْفُضُ عَنْهُ عِفاءَه مِنَ الرَّبِيعِ، ووَضَع الْمَصْدَرَ الَّذِي هُوَ الحَتُّ موضعَ الصِّفَةِ الَّذِي هُوَ المُنْحَتُّ؟ والبُراية: النُّحاتةُ. وزَمْخَريُّ السَّواعِدِ: طويلُها. والحَتُّ: السريعُ أَي هُوَ سَرِيعٌ عِنْدَمَا بَرَاهُ السَّيْرُ. والشَّرْيُ: شجرُ الحَنْظلِ، وَاحِدَتُهُ شَرْيَة. وَقَالَ ابْنُ جِنِّي: الشَّرْيُ شَجَرٌ تُتَّخذ مِنْهُ القِسيُّ؛ قَالَ: وَقَوْلُهُ ظَلَّ فِي شَرْيٍ طِوالِ، يُريد أَنهنَّ إِذا كُنَّ طِوالًا سَتَرْته فَزَادَ اسْتِيحاشُه، وَلَوْ كُنَّ قِصاراً لَسَرَّح بَصَرَه، وطابَتْ نفسُه، فَخَفَّضَ عَدْوَهُ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: قَالَ الأَصمعي: شَبَّه فَرَسَهُ فِي عَدْوه وهَرَبِه بِالظَّلِيمِ، واسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ:
كأَنَّ مُلاءَتَيَّ عَلَى هِجَفٍ
قَالَ: وَفِي أَصل النُّسْخَةِ شَبَّه نَفْسَه فِي عَدْوه، قَالَ: وَالصَّوَابُ شَبَّه فَرسَه. والحَتْحَتَةُ: السُّرْعة. والحَتُّ أَيضاً: الْكَرِيمُ العَتِيقُ. وحَتَّه عَنِ الشَّيْءِ يَحُتُّه حَتّاً: رَدَّهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه قَالَ لسَعْدٍ يَوْمَ أُحُدٍ: احْتُتْهم يَا سَعْدُ، فِداك أَبي وأُمي
؛ يَعْنِي ارْدُدْهم. قَالَ الأَزهري: إِن صَحَّت هَذِهِ اللفظةُ، فَهِيَ مأْخوذة مِنْ حَتَّ الشيءَ، وَهُوَ قَشْرُه شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ وحَكُّه. والحَتُّ: القَشْر. والحَتُّ: حَتُّكَ الورقَ مِنَ الغُصْن، والمَنِيَّ مِنَ الثَّوْبِ وَنَحْوُهُ. وحَتُّ الجَراد: مَيِّته. وَجَاءَ بتَمْرٍ حَتٍّ: لَا يَلْتَزِق بعضُه بِبَعْضٍ. والحُتاتُ مِنْ أَمراض الإِبل: أَن يأْخُذَ البعيرَ هَلْسٌ، فَيَتَغَيَّرُ لَحمُه وطَرْقُه ولَوْنُه، ويَتَمعَّطُ شَعَرُه؛ عَنِ الهَجَرِيِّ. والحَتُّ: قَبِيلَةٌ مِنْ كِنْدَةَ، يُنْسَبون إِلى بَلَدٍ، لَيْسَ بأُمّ وَلَا أَب؛ وأَما قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:
فإِنكَ واجِدٌ دُونِي صُعُوداً، ... جَراثِيمَ الأَقارِع والحُتاتِ
فيَعْني بِهِ حُتاتَ بنَ زيْدٍ المُجاشِعيَّ؛ وأَورد هَذَا اللَّيْثُ فِي تَرْجَمَةِ قَرَع، وَقَالَ: الحُتاتُ بِشْرُ بْنُ عَامِرِ بْنِ عَلْقمة. وحَتِّ: زَجْرٌ لِلطَّيْرِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وحَتَّى حرف من حروف الجر كإِلى، وَمَعْنَاهُ الْغَايَةُ، كَقَوْلِكَ: سِرْتُ اليومَ حَتَّى الليلِ أَي إِلى اللَّيْلِ، وَتَدْخُلُ عَلَى الأَفعال الْآتِيَةِ فَتَنْصِبُهَا بإِضمار أَن، وَتَكُونُ عَاطِفَةً؛ وَقَالَ الأَزهري: قَالَ النَّحْوِيُّونَ حَتَّى تَجِيءُ لِوَقْتٍ مُنْتَظَر، وَتَجِيءُ بِمَعْنَى إِلى، وأَجمعوا أَنَّ الإِمالة فِيهَا غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ، وَكَذَلِكَ فِي عَلَى؛ ولِحَتى فِي الأَسماء والأَفعال أَعمالٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَلَمْ يُفَسِّرْهَا فِي هَذَا الْمَكَانِ؛ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَتَّى فَعْلى مِنَ الحَتِّ، وَهُوَ الفَراغُ مِنَ الشَّيْءِ،(2/23)
مِثْلُ شَتَّى مِنَ الشَّتِّ؛ قَالَ الأَزهري: وَلَيْسَ هَذَا الْقَوْلُ مِمَّا يُعَرَّجُ عَلَيْهِ، لأَنها لَوْ كَانَتْ فَعْلى مِنَ الحتِّ، كَانَتِ الإِمالةُ جَائِزَةً، وَلَكِنَّهَا حرفُ أَداةٍ، وَلَيْسَتْ بِاسْمٍ، وَلَا فِعْلٍ؛ وقالَ الْجَوْهَرِيُّ: حَتَّى فَعْلى، وَهِيَ حَرْفٌ، تَكُونُ جارَّةً بِمَنْزِلَةِ إِلى فِي الِانْتِهَاءِ وَالْغَايَةِ، وَتَكُونُ عَاطِفَةً بِمَنْزِلَةِ الْوَاوِ، وَقَدْ تَكُونُ حَرْفَ ابْتِدَاءٍ، يُسْتأْنف بِهَا الكلامُ بَعْدَهَا؛ كَمَا قَالَ جَرِيرٌ يَهْجُو الأَخْطل، وَيَذْكُرُ إِيقاع الجَحَّافِ بِقَوْمِهِ:
فَمَا زَالَتِ القَتْلى تَمُجُّ دماءَها ... بدِجْلَةَ، حَتَّى ماءُ دِجْلةَ أَشْكَلُ
لَنَا الفَضلُ فِي الدُّنيا، وأَنْفُكَ راغِمٌ، ... ونحنُ لَكُمْ، يومَ القيامةِ، أَفْضَلُ
والشَّكَلُ: حُمْرة فِي بَيَاضٍ؛ فإِن أَدخلتها عَلَى الْفِعْلِ الْمُسْتَقْبَلِ، نَصَبْتَهُ بإِضمار أَن، تَقُولُ: سِرْتُ إِلى الْكُوفَةِ حَتَّى أَدخُلَها، بِمَعْنَى إِلى أَن أَدخلها؛ فإِن كنتَ فِي حالِ دخولٍ رَفَعْتَ. وَقُرِئَ: وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ
، ويقولُ، فمَن نَصَبَ جَعَلَهُ غَايَةً، ومَن رَفَعَ جَعَلَهُ حَالًا، بِمَعْنَى حَتَّى الرسولُ هَذِهِ حالهُ؛ وَقَوْلُهُمْ: حَتَّامَ، أَصلُه حَتَّى مَا، فَحُذِفَتْ أَلف مَا لِلِاسْتِفْهَامِ؛ وَكَذَلِكَ كُلُّ حَرْفٍ مِنْ حُرُوفِ الْجَرِّ يُضَافُ فِي الِاسْتِفْهَامِ إِلى مَا، فإِن أَلف مَا تُحْذَفُ فِيهِ، كَقَوْلِهِ تعالى: فَبِمَ تُبَشِّرُونَ؟ وفِيمَ كُنْتُمْ؟ ولِمَ تُؤْذُونَنِي؟ وعَمَّ يَتَساءَلُونَ؟ وهُذَيْلٌ تَقُولُ: عَتَّى في حتَّى.
حذرفت: يُقَالُ: فُلَانٌ لَا يَمْلِكُ حَذْرَفوتاً أَي شَيْئًا؛ وَفِي التَّهْذِيبِ أَي قِسْطاً، كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ لَا يَمْلِكُ إِلا قُلامَةَ ظُفْر.
حرت: الحَرْتُ: الدَّلْكُ الشَّدِيدُ. حَرَتَ الشيءَ يَحْرُته حَرْتاً: دَلَكه دَلْكاً شَدِيدًا. وحَرَتَ الشيءَ يَحْرُته حَرْتاً: قَطَعه قَطْعاً مُسْتَديراً، كالفَلْكة وَنَحْوِهَا. قَالَ الأَزهري: لَا أَعرف مَا قَالَ اللَّيْثُ فِي الحَرْتِ، أَنه قَطْعُ الشَّيْءِ مُسْتَدِيرًا، قَالَ: وأَظنه تَصْحِيفًا، وَالصَّوَابُ خَرَتَ الشيءَ يَخْرُته، بِالْخَاءِ، لأَن الخُرْتة هِيَ الثَّقْبُ الْمُسْتَدِيرُ. ورُوي عَنْ أَبي عَمْرٍو أَنه قَالَ: الحُرْتة؛ بِالْحَاءِ، أَخْذُ لَذْعةِ الخَرْدَل، إِذا أَخَذَ بالأَنف؛ قَالَ: والخُرْتةُ، بِالْخَاءِ، ثَقْبُ الشَّعِيرةِ، وَهِيَ المِسَلَّة. ابْنُ الأَعرابي: حَرِتَ الرجلُ إِذا سَاءَ خُلُقه. والمَحْروتُ: أَصلُ الأَنْجُذانِ، وَهُوَ نباتٌ؛ قَالَ إمرؤُ الْقَيْسِ:
قايَظْنَنا يأْكُلْن فِينا ... قِدًّا، ومَحْرُوتَ الخِمال
وَاحِدَتُهُ: مَحْروتة؛ وَقَلَّمَا يَكُونُ مَفْعُولٌ اسْمًا، إِنما بَابُهُ أَن يَكُونَ صِفَةً، كالمَضْروب والمَشْؤُوم، أَو مَصْدَرًا كالمَعْقُول والمَيْسُور. ابْنُ شُمَيْلٍ: المَحْرُوتُ شجرةٌ بَيْضَاءُ، تُجْعَلُ فِي المِلْح، لَا تُخالِطُ شَيْئًا إِلَّا غَلَب رِيحُها عَلَيْهِ، وتَنْبُتُ فِي الْبَادِيَةِ، وَهِيَ ذَكِيَّةُ الرِّيحِ جِدًّا، وَالْوَاحِدَةُ مَحْرُوتة. الْجَوْهَرِيُّ: رَجُلٌ حُرَتَةٌ: كَثِيرُ الأَكل، مثال هُمَزة.
حفت: الحَفْتُ: الإهْلاكُ. حَفَته اللَّهُ حَفْتاً: أَهْلَكَه، ودَقَّ عُنُقَه؛ قَالَ الأَزهري: لَمْ أَسمع حَفَتَه بِمَعْنَى دَقَّ عُنُقَه لِغَيْرِ اللَّيْثِ؛ قَالَ: وَالَّذِي سَمِعْنَاهُ حَفَتَه ولَفَتَهُ إِذا لَوَى عُنُقَه وَكَسَرَهُ؛ فإِن جَاءَ عَنِ الْعَرَبِ حَفَتَه بِمَعْنَى عَفَتَه، فَهُوَ صَحِيحٌ، ويُشْبِه أَن يَكُونَ صَحِيحًا لِتَعاقُبِ الْحَاءِ وَالْعَيْنِ فِي حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ. وَنُقِلَ عَنِ الأَصمعي: إِذا كَانَ مَعَ قِصَرِ الرِّجْل سِمَنٌ، قِيلَ: رَجلٌ(2/24)
حَفَيْتَأٌ، مَهْمُوزٌ مَقْصُورٌ، وَمِثْلُهُ حَفَيسَأٌ؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
لَا تَجْعَلِيني وعُقَيلًا عِدْلَيْن، ... حَفَيسَأَ الشَّخْصِ، قَصِيرَ الرِّجْلَين
الْجَوْهَرِيُّ: الحَفْتُ الدَّقّ، والحَفِتُ: لُغَةٌ فِي الفَحِثِ. وَرَجُلٌ حَفَيْتَأٌ، مَهْمُوزٌ غَيْرُ مَمْدُودٍ، وحَفَيْتَى: قَصِيرٌ لَئِيمُ الخِلْقة، وقيل: ضَخْم.
حلت: الحَلِيتُ: الجَلِيدُ والصَّقِيعُ، بِلُغَةِ طيِّئٍ. والحِلْتِيتُ: عِقِّير مَعْرُوفٌ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ، وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الحِلْتِيتُ عَرَبِيٌّ، أَو مُعَرَّب، قَالَ: وَلَمْ يَبْلُغْني أَنه يَنْبُتُ بِبِلَادِ العرَب، وَلَكِنْ يَنْبُتُ بَيْنَ بُسْتَ وَبَيْنَ بلادِ القَيْقانِ؛ قَالَ: وَهُوَ نَبَاتٌ يَسْلَنْطِحُ، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ وَسَطِهِ قَصَبةٌ، تَسْمُو فِي رأْسها كُعْبُرةٌ؛ قَالَ: والحِلْتِيتُ أَيضاً صَمْغٌ يَخْرُجُ فِي أُصول وَرَقِ تِلْكَ القَصَبة؛ قَالَ: وأَهلُ تِلْكَ الْبِلَادِ يَطْبُخُون بَقْلَة الحِلْتِيتِ، ويأْكلونها، وَلَيْسَتْ مِمَّا يَبْقَى عَلَى الشِّتَاءِ. الْجَوْهَرِيُّ: الحِلْتِيتُ صَمْغُ الأَنْجُذانِ؛ قَالَ: وَلَا تَقُلْ: حِلْثِيتٌ، بِالثَّاءِ؛ وَرُبَّمَا قَالُوا: حِلِّيتٌ، بِتَشْدِيدِ اللَّامِ. الأَزهري: الحِلْتِيتُ الأَنْجَرُذُ؛ وأَنشد:
عليكَ بقُنْأَةٍ، وبِسَنْدَرُوسٍ، ... وحِلْتِيتٍ، وشيْءٍ مِنْ كَنَعْدِ
قَالَ الأَزهري: أَظن أَنَّ هَذَا الْبَيْتَ مَصْنُوعٌ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ؛ قَالَ: وَالَّذِي حَفِظْتُهُ عَنِ البَحْرانيين: الخِلْتِيتُ، بِالْخَاءِ، الأَنْجَرُذُ، قَالَ: وَلَا أُراه عَرَبِيًّا مَحْضًا. ورُوِيَ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، قَالَ: يومٌ ذُو حِلِّيتٍ إِذا كَانَ شديدَ البَرْد، والأَزِيزُ مِثْلُه. قَالَ: والحَلْتُ لُزُومُ ظَهْر الْخَيْلِ. وحَلَتُّ رأْسي: حَلَقْتُه. وحَلَتُّ دَيْني: قَضَيتُه. وحَلَتُّ الصوفَ: مَرَقْتُه. الأَزهري عَنِ اللِّحْيَانِي: حَلأْتُ الصُّوفَ عَنِ الشَّاةِ حَلأً، وَحَلَتُّه حَلْتاً، وَهِيَ الحُلاتةُ، والحُلاءَةُ: النُّتافةُ. وحَلَتُّ فُلَانًا: أَعطيته. قَالَ الأَصمعي: حَلَتُّه مائةَ سَوْطٍ: جَلَدْتُه؛ وحَلَتُّه: ضَرَبْتُه، وَقِيلَ: حَلأْتُه. وحِلِّيتُ: موضع، وكذلك الحَلِّيتُ.
حمت: يومٌ حَمْتٌ، بِالتَّسْكِينِ: شَدِيدُ الْحَرِّ، وَلَيْلَةٌ حَمْتَةٌ، ويومٌ مَحْتٌ، وَلَيْلَةٌ مَحْتَةٌ. وَقَدْ حَمُتَ يومُنا، بِالضَّمِّ، إِذا اشْتَدَّ حَرُّهُ. وَقَدْ حَمُتَ ومَحُتَ: كلُّ هَذَا فِي شِدَّةِ الْحَرِّ؛ وأَنشد شَمِرٌ:
مِنْ سافِعاتٍ، وهَجيرٍ حَمْتِ
أَبو عَمْرٍو: الماحِتُ اليومُ الحارُّ. أَبو عَمْرٍو: الحامِتُ التمرُ الشَّدِيدُ الْحَلَاوَةِ. والحَمِيتُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: المَتِينُ، حَتَّى إِنهم لَيَقُولُونَ تَمْر حَمِيتٌ، وعَسل حَمِيتٌ، وَمَا أَكلتُ تَمْرًا أَحْمَتَ حَلَاوَةً مِنَ اليَعْضُوضِ أَي أَمْتن. ابْنُ شُمَيْلٍ: حَمَتَكَ اللهُ عَلَيْهِ أَي صَبَّكَ اللَّهُ عَلَيْهِ بحَمْتِكَ. وغَضَبٌ حَمِيت: شَدِيدٌ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
حَتَّى يَبُوخَ الغضَبُ الحَمِيتُ
يَعْنِي الشَّدِيدَ أَي يَنْكَسِرَ ويَسْكُنَ. والحَمِيتُ: وِعَاءُ السَّمْن، كالعُكَّةِ، وَقِيلَ: وِعاءُ السَّمْنِ الَّذِي مُتِّنَ بالرُّبِّ، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ؛ وَقِيلَ: الحَمِيتُ أَصغر منَ النِّحْيِ؛ وَقِيلَ: هُوَ الزِّقّ الصَّغِيرُ، وَالْجَمْعُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ حُمُتٌ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: أَنه قَالَ لِرَجُلٍ أَتاه سَائِلًا فَقَالَ: هَلَكْتُ فَقَالَ لَهُ: أَهَلَكْتَ، وأَنتَ تَنِثُّ نَثِيثَ الحَمِيتِ؟
قَالَ الأَحمر: الحَمِيتُ الزِّقُّ المُشْعَرُ الَّذِي يُجْعَلُ(2/25)
فِيهِ السَّمْنُ وَالْعَسَلُ وَالزَّيْتُ. الْجَوْهَرِيُّ: الحَمِيتُ الزِّقُّ الَّذِي لَا شَعْرَ عَلَيْهِ، وَهُوَ للسَّمْن. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: فإِذا جُعِلَ فِي نِحْيِ السَّمْن الرُّبُّ، فَهُوَ الحَميتُ، وإِنما سُمِّيَ حَمِيتاً، لأِنه مُتِّنَ بالرُّبِّ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: فإِذا حَمِيتٌ مِنْ سَمْنٍ
؛ قَالَ: هُوَ النِّحْيُ والزِّقُّ. وَفِي حَدِيثِ
وَحْشِيٍّ: كأَنه حَمِيتٌ
أَي زِقٌّ. وَفِي حَدِيثِ
هندٍ لمَّا أَخبرها أَبو سُفْيَانَ بِدُخُولِ النبي، صلى اللَّه عليه وَسَلَّمَ، مكةَ، قَالَتِ: اقْتُلُوا الحَمِيتَ الأَسْوَدَ
؛ تَعْنِيهِ اسْتِعْظَامًا لقوله، حديث وَاجَهَهَا بِذَلِكَ. وحَمِتَ الجَوْزُ وَنَحْوُهُ: فَسَدَ وتَغَيَّر. والتَّحْمُوتُ: كالحَمِيتِ؛ عَنِ السِّيرَافِيِّ. وتَمْرٌ حَمْتٌ، وحَمِيتٌ، وتَحْمُوتٌ: شديدُ الحَلاوة. وَهَذِهِ التَّمْرَةُ أَحْمَتُ حَلاوةً مِنْ هَذِهِ أَي أَصْدَقُ حلاوَةً، وأَشدُّ، وأَمْتَنُ.
حنت: ابْنُ سِيدَهْ: الحانُوتُ، مَعْرُوفٌ، وَقَدْ غَلَبَ عَلَى حانوتِ الخَمَّار، وَهُوَ يُذَكَّرُ ويُؤَنَّث؛ قَالَ الأَعشى:
وَقَدْ غَدَوْتُ إِلى الحانوتِ، يَتْبَعُني ... شارٍ مُشِلٌّ، شَلُولٌ
شُلْشُلٌ، شَوِلُ وَقَالَ الأَخطل:
وَلَقَدْ شَرِبتُ الخَمْرَ فِي حانوتِها، ... وشَرِبْتُها بأَرِيضَةٍ مِحْلالِ
قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: النَّسَبُ إِلى الحانُوت حانيٌّ وحانَويٌّ؛ قَالَ الفرَّاءُ: وَلَمْ يَقُولُوا حانوتيٌّ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا نَسَبٌ شَاذٌّ البتةَ، لَا أَشَذَّ مِنْهُ لأَنَّ حانُوتاً صَحِيحٌ، وَحَانِيٌّ وحانَوِيٌّ مُعْتَلٌّ، فَيَنْبَغِي أَن لَا يُعْتَدَّ بِهَذَا الْقَوْلِ. وَالْحَانُوتُ أَيضاً: الخَمَّارُ نَفْسُه؛ قَالَ القُطامِيّ:
كُمَيْتٌ، إِذا مَا شَجَّها الماءُ، صَرَّحَتْ ... ذَخِيرةُ حانوتٍ، عَلَيْهَا تَناذُرُهْ
وَقَالَ الْمُتَنَخِّلُ الْهُذَلِيُّ:
تَمَشَّى بَيْنَنَا حانوتُ خَمْرٍ، ... مِن الخُرْسِ الصَّراصِرَةِ القِطاطِ
قِيلَ: أَي صاحبُ حانوتٍ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: أَنه أَحْرَقَ بيتَ رُوَيْشِدٍ الثَقَفِيِّ، وَكَانَ حَانُوتًا يُعاقَرُ فِيهِ الخَمرُ وَيُبَاعُ
، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تُسَمِّي بيوتَ الخَمَّارين الحوانيتَ، وأَهلُ الْعِرَاقِ يُسَمُّونَهَا المَواخِيرَ، وَاحِدُهَا: حانوتٌ وماخُورٌ. والحانَة أَيضاً: مِثْلُهُ؛ وَقِيلَ: إِنهما مِنْ أَصل وَاحِدٍ، وإِن اخْتَلَفَ بناؤُهما، وأَصلها حانُوَةٌ، بِوَزْنِ تَرْقُوَة، فلَما سَكَنَتِ الْوَاوُ، انْقَلَبَتْ هَاءُ التأْنيث تَاءً. الأَزهري، أَبو زَيْدٍ: رَجُلٌ حِنْتَأْوٌ، وامرأَةٌ حِنْتَأْوة: وَهُوَ الَّذِي يُعْجَبُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ فِي أَعين النَّاسِ صَغِيرٌ، وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ ذَكَرَهَا ابْنُ سِيدَهْ فِي تَرْجَمَةِ حتأَ. الحِنْتَأْوُ: القَصِير الصَّغِيرُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا. قَالَ الأَزهري: أَصلها ثُلَاثِيَّةٌ أُلحقت بِالْخُمَاسِيِّ بِهَمْزَةٍ وَوَاوٍ، زِيدَتَا فِيهَا.
حنبرت: كَذِبٌ حَنْبَرِيتٌ: خالصٌ، وَكَذَلِكَ مَاءٌ حَنْبَرِيتٌ، وصُلْحٌ حَنْبريتٌ. وضاوِيٌّ حَنْبريتٌ: ضَعِيفٌ. وَيُقَالُ: جَاءَ بِكَذِبٍ سُمَّاقٍ، وباءَ بكَذِب حَنْبَريتٍ إِذا جَاءَ بكَذِبٍ خَالِصٍ، لَا يُخالِطُه صِدْق.
حوت: الحُوتُ: السَّمَكَةُ، وَفِي الْمُحْكَمِ: الحُوتُ: السَّمَكُ، مَعْرُوفٌ؛ وَقِيلَ: هُوَ مَا عظُمَ مِنْهُ، وَالْجَمْعُ أَحْواتٌ، وحِيتانٌ؛ وَقَوْلُهُ:
وصاحِبٍ، لَا خَيرَ فِي شَبابه، ... أَصْبَحَ سَوْمُ العِيسِ قدْ رَمى بِهِ(2/26)
عَلَى سَبَنْدًى، طالَ مَا اغْتَلى بِهِ ... حُوتاً، إِذا مَا زادَنا حِئْنا بِهِ
إِنما أَراد مِثْلَ حُوتٍ لَا يَكْفِيهِ مَا يَلْتَهِمُه ويَلْتَقِمُه، فنَصَبه عَلَى الْحَالِ، كَقَوْلِكَ مَرَرْتُ بزيدٍ أَسَداً شِدَّةً، وَلَا يَكُونُ إِلّا عَلَى تَقْدِيرِ مِثْلٍ وَنَحْوِهَا، لأِنَّ الحُوتَ اسْمُ جِنْسٍ لَا صفةٌ، فَلَا بُدَّ، إِذا كَانَ حَالًا، مِنْ أَن، يُقَدَّرَ فِيهِ هَذَا، وَمَا أَشبهه. والحُوتُ: بُرْجٌ فِي السَّمَاءِ. وحاوتَك فلانٌ إِذا راوَغَك. والمُحاوَتةُ: المُراوَغَة. وَهُوَ يُحاوِتُني أَي يُراوغُني؛ وأَنشد ثَعْلَبٌ:
ظَلَّتْ تُحاوِتُني رَمْداءُ داهيةٌ، ... يومَ الثَّوِيَّةِ، عَنْ أَهْلي، وَعَنْ مَالِي
وحاتَ الطائرُ عَلَى الشَّيْءِ يَحُوتُ أَي حامَ حَوْله. والحَوْتُ والحَوَتانُ: حَوَمانُ الطَّائِرِ حَولَ الْمَاءِ، والوَحْشِيِّ حَوْلَ الشَّيْءِ، وَقَدْ حاتَ بِهِ يَحُوت؛ قَالَ طَرَفَة بْنُ العَبْد:
مَا كنتُ مَجْدُوداً، إِذا غَدَوتُ، ... وَمَا لَقِيتُ مِثْلَ مَا لَقِيتُ،
كطائرٍ ظَلَّ بِنَا يَحُوتُ، ... يَنْصَبُّ فِي اللُّوحِ فَمَا يَفُوتُ،
يَكادُ مِن رَهْبَتِنا يَمُوتُ
والحَوتاءُ مِنَ النِّسَاءِ: الضَّخْمة الْخَاصِرَتَيْنِ، المُستَرْخيةُ اللَّحْمِ. وبَنُو حُوتٍ: بطنٌ. وَفِي الْحَدِيثِ،
قَالَ أَنس: جِئْتُ إِلى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَيْهِ خَمِيصة حُوتِيَّة
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جَاءَ فِي بَعْضِ نُسَخِ مُسْلِمٍ؛ قَالَ: وَالْمَحْفُوظُ جَوْنِيَّة أَي سَوْدَاءُ، وأَما بِالْحَاءِ فَلَا أَعرفها، قَالَ: وطال ما بَحَثْتُ عَنْهَا، فَلَمْ أَقف لَهَا عَلَى مَعْنًى، وجاءَت فِي رِوَايَةٍ حَوْتَكِيَّة، لَعَلَّهَا مَنْسُوبَةٌ إِلى القِصَر، لأَن الحَوْتَكِيَّ الرجلُ الْقَصِيرُ الخَطْوِ، أَو هِيَ مَنْسُوبَةٌ إِلى رَجُلٍ اسْمُهُ حَوْتَكٌ. والحائِتُ: الكثير العَذْلِ.
فصل الخاء المعجمة
خبت: الخَبْتُ: مَا اتَّسَعَ مِنْ بطُون الأَرْضِ، عَرَبِيَّةٌ مَحْضَةٌ، وَجَمْعُهُ: أَخْباتٌ وخُبوتٌ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الخَبْتُ مَا اطْمَأَنَّ مِنَ الأَرض واتَّسَعَ؛ وَقِيلَ: الخَبْتُ مَا اطْمَأَنَّ مِنَ الأَرض وغَمُضَ، فإِذا خَرَجْتَ مِنْهُ، أَفْضَيْتَ إِلى سَعَةٍ؛ وَقِيلَ: الخَبْتُ سَهْل فِي الحَرَّة؛ وَقِيلَ: هُوَ الْوَادِي العَميقُ الوَطيءُ، مَمْدُودٌ، يُنْبِتُ ضُروبَ العِضاه. وَقِيلَ: الخَبْتُ الخَفِيُّ الْمُطْمَئِنُّ مِنَ الأَرض، فِيهِ رَمْلٌ. وَفِي حَدِيثِ
عَمْرِو بْنِ يَثْرَبيّ: إِنْ رأَيتَ نَعْجَةً تَحْمِلُ شَفْرَة وزِناداً بِخَبْتِ الجَمِيشِ، فَلَا تَهِجْها.
قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: سأَلت الْحِجَازِيِّينَ، فأَخبروني أَن بَيْنَ الْمَدِينَةِ والحِجاز صَحْرَاءَ، تُعْرَف بالخَبْت. والجَميشُ: الَّذِي لَا يُنْبِتُ. وخبَتَ ذِكْرُهُ إِذا خَفِيَ؛ قَالَ: وَمِنْهُ المُخْبِتُ مِنَ النَّاسِ. وأَخْبَتَ إِلى رَبِّهِ أَي اطْمَأَنَّ إِليه. ورُوِي عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: وبَشِّرِ المُخْبِتينَ؛ قَالَ: المُطْمَئِنِّين، وَقِيلَ: هُمُ المُتَواضِعون، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي قَوْلِهِ: وأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أَي تواضَعُوا؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَي تَخَشَّعوا لِرَبِّهِمْ، قَالَ: والعَرَبُ تَجْعَلُ إِلى فِي مَوْضِعِ اللَّامِ. وَفِيهِ خَبْتَة أَي تَوَاضُعٌ. وأَخْبَتَ للَّه: خَشَعَ؛ وأَخْبَتَ: تواضَعَ، وَكِلَاهُمَا(2/27)
مِنَ الخَبْتِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ
؛ فَسَّرَهُ ثَعْلَبٌ بأَنه التواضُع. وَفِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ
: واجْعَلْني لَكَ مُخْبِتاً
أَي خَاشِعًا مُطِيعًا. والإِخْباتُ: الخُشوع والتَّواضُع. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ: فَيَجْعَلُهَا مُخْبِتةً مُنِيبةً
، وأَصل ذَلِكَ مِنَ الخَبْتِ الْمُطْمَئِنِّ مِنَ الأَرض. والخَبِيتُ: الحَقير الرَّديءُ مِنَ الأَشياء؛ قَالَ اليَهُودِيُّ «3» الخَيْبريّ:
يَنْفَعُ الطَّيِّبُ القليلُ مِنَ الرّزْقِ، ... وَلَا يَنْفَعُ الكَثيرُ الخَبِيتُ
وسأَل الخليلُ الأَصْمَعيَّ عَنِ الخَبِيتِ، فِي هَذَا الْبَيْتِ، فَقَالَ لَهُ: أَراد الخَبِيثَ وَهِيَ لُغَةُ خَيْبَر، فَقَالَ لَهُ الْخَلِيلُ: لَوْ كَانَ ذَلِكَ لغَتَهم، لَقَالَ الْكَتِيرَ، وإِنما كَانَ يَنبغي لَكَ أَن تَقُولَ: إِنهم يَقْلِبُونَ الثَّاءَ تَاءً فِي بَعْضِ الْحُرُوفِ؛ وَقَالَ أَبو مَنْصُورٍ فِي بَيْتِ الْيَهُودِيِّ أَيضاً: أَظن أَن هَذَا تَصْحِيفٌ، قَالَ: لأَن الشَّيْءَ الْحَقِيرَ الرَّدِيءَ إِنما يُقَالُ لَهُ الخَتِيتُ بتاءَين، وَهُوَ بِمَعْنَى الخسِيس، فَصَحَّفَهُ وجَعَله الخَبِيتَ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي عَامِرٍ الرَّاهِبِ: لَمَّا بَلَغه أَنَّ الأَنصار قَدْ بَايَعُوا النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَغَيَّرَ وخَبُتَ
؛ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَكَذَا روِي بِالتَّاءِ الْمُعْجَمَةِ، بِنُقْطَتَيْنِ مِنْ فَوْقُ. يُقَالُ: رَجُلٌ خَبِيتٌ أَي فَاسِدٌ؛ وَقِيلَ: هُوَ كالخَبيث، بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ؛ وَقِيلَ: هُوَ الْحَقِيرُ الرَّديء. والحَتِيت، بتاءَين: الخَسيسُ. وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ
مَكْحُولٍ: أَنه مَرَّ بِرَجُلٍ نَائِمٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَدَفعه بِرِجْلِهِ، وَقَالَ: لَقَدْ عُوفِيت إِنَّهَا سَاعَةٌ تَكُونُ فِيهَا الخَبْتَةُ
؛ يُرِيدُ الخَبْطَةَ، بِالطَّاءِ، أَي يَتَخَبَّطه الشيطانُ إِذا مَسَّه بخَبَل أَو جُنون، وَكَانَ فِي لِسَانِ مَكْحُولٍ لُكْنةٌ، فَجَعَلَ الطَّاءَ تَاءً. والخَبْتُ: ماء لكَلْبٍ.
ختت: الخَتُّ: الطَّعْنُ بِالرِّمَاحِ مُدارَكاً. والخَتَتُ: فُتُور يَجِدُه الإِنسان فِي بَدَنِهِ. وأَخَتَّ الرجلُ: اسْتَحْيا وسَكَتَ. التَّهْذِيبُ: أَخَتَّ الرجلُ، فَهُوَ مُخِتٌّ إِذا انكسَرَ واسْتَحْيا إِذا ذُكِرَ أَبوه؛ قَالَ الأَخطل:
فمنْ يَكُ عَنْ أَوائِله مُخِتّاً، ... فإِنَّكَ، يَا وَلِيدُ، بِهِمْ فَخُورُ
والمُخِتُّ: الْمُنْكَسِرُ. والمُخْتَتي نَحْوُ المُخِتّ، وَهُوَ المُتصاغر الْمُنْكَسِرُ. وَرَجُلٌ مُخِتّ: خاضع مُسْتَحْيٍ؛ وَقِيلَ: لَهُ كلامٌ أَخَتّ، مِنْهُ، فَهُوَ مُخِتٌّ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي جَنْدَلٍ: أَنه اخْتاتَ للضَّرْب حَتَّى خِيفَ عَلَيْهِ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: قَالَ شَمِرٌ: هَكَذَا رُوِيَ، وَالْمَعْرُوفُ أَخَتَّ الرجلُ إِذا انْكَسَرَ واسْتَحْيا. ابْنُ سِيدَهْ: أَخَتَّه القولُ: أَحْشَمه. وأَخَتَّ اللَّهُ حَظَّه: أَخَسَّه، وَهُوَ خَتِيتٌ؛ قَالَ السَّمَوْأَلُ:
لَيْسَ يُعْطَى القَوِيُّ فَضْلًا مِنَ المالِ، ... وَلَا يُحْرَمُ الضَّعِيفُ الخَتِيتُ
بَلْ لكلٍّ مِنْ رزقِه، مَا قَضَى اللَّهُ، ... وإِنْ حُزَّ أَنْفُه المُسْتَمِيتُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الَّذِي فِي شِعْرِهِ الضَّعيفُ السَّخِيتُ؛ والسَّخِيتُ: هُوَ الدقيقُ المَهْزولُ، قَالَ: وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، لأَن الْمَعْنَى أَن الرِّزْقَ يأْتي الضَّعِيفَ، وَمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ؛ وأَما الخَسيسُ القَدْر فَلَهُ قُدْرة عَلَى التَّصَرُّفِ، مَعَ خَساسته والمُسْتَمِيتُ:
__________
(3) . قوله [قال اليهودي] هو السموأَل، كما في التكملة.(2/28)
الرجلُ المُسْتَقْتِل الَّذِي لَا يُبالي بِالْمَوْتِ إِذا حَارَبَ. والخَتِيتُ: الخَسيسُ مِنْ كُلِّ شيءٍ؛ والخَتِيتُ والخَسيسُ وَاحِدٌ. وَشَهْرٌ خَتِيتٌ: ناقصٌ؛ عَنْ كراع. وخَتٌّ: موضع.
خرت: الخَرْتُ والخُرْتُ: الثَّقْبُ فِي الأُذن، والإِبرة، والفأْس، وَغَيْرُهَا، وَالْجَمْعُ أَخْراتٌ وخُرُوتٌ؛ وَكَذَلِكَ خُرْتُ الحَلْقة. وفأْسٌ فِنْدَأْيةٌ:؛ ضَخْمة لَهَا خُرْتٌ وخُراتٌ، وَهُوَ خَرْقُ نِصابِها. وَفِي حَدِيثِ
عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ لَمَّا احْتُضِرَ: كأَنما أَتَنَفَّسُ مِنْ خُرْتِ إِبْرة
أَي ثَقْبها. وأَخْراتُ المَزادة: عُراها، واحدتُها خُرْتةٌ، فكأَنَّ جَمْعَهُ إِنما هُوَ عَلَى حَذْفِ الزَّائِدِ الَّذِي هُوَ الهاءُ. التَّهْذِيبُ: وَفِي المَزادة أَخْراتُها، وَهِيَ العُرى بَيْنَهَا القَصَبة الَّتِي تُحْمَلُ بِهَا؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: هَذَا وَهَمٌ، إِنما هُوَ خُرَبُ المَزاد، الواحدةُ خُرْبة؛ وَكَذَلِكَ خُرْبةُ الأُذُن، بالباءِ، وغُلام أَخْرَبُ الأُذُن. قَالَ: والخُرْتةُ، بالتاءِ، فِي الْحَدِيدِ مِنَ الفأْس والإِبرة؛ والخُرْبةُ، بالباءِ، فِي الجِلْد. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: الخُرْتةُ ثَقْبُ الشَّغِيزة، وَهِيَ المِسَلَّة. قَالَ ابْنُ الأَعرابي، وَقَالَ السَّلُوليّ: رادَ خُرْتُ الْقَوْمِ إِذا كَانُوا غَرِضين بِمَنْزِلِهِمْ لَا يَقِرُّونَ؛ ورادَتْ أَخْراتُهم؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
لَقَدْ قَلِقَ الخُرْتُ إِلا انْتظارا
والأَخْراتُ: الحَلَقُ فِي رؤُوس النُّسُوع. والخُرْتةُ: الحَلْقة الَّتِي تَجْرِي فِيهَا النِّسْعة، وَالْجَمْعُ خُرْتٌ وخُرَتٌ، والأَخْراتُ جَمْعُ الْجَمْعِ؛ قَالَ:
إِذا مَطَوْنا نُسُوعَ المِيسِ مُسعِدةً، ... يَسْلُكْنَ أَخْراتَ أَرْباضِ المَداريجِ
وخَرَتَ الشيءَ: ثَقَبه. والمَخْروتُ: المَشقوقُ الشَّفَة. والمَخْروتُ مِنَ الإِبل: الَّذِي خَرَتَ الخِشاشُ أَنْفَه؛ قَالَ:
وأَعْلَمُ مَخْروتٌ، مِنَ الأَنْفِ، مارِنٌ، ... دَقيقٌ، مَتَى تَرْجُمْ بِهِ الأَرضَ تَزْدَدِ
يَعْنِي أَنفَ هَذِهِ النَّاقَةِ؛ يُقَالُ: جَمَل مَخْروتُ الأَنف. والخَراتانِ: نجمانِ مِنْ كَوَاكِبِ الأَسَدِ، وَهُمَا كَوكَبانِ، بَيْنَهُمَا قدرُ سَوْطٍ، وَهُمَا كَتِفا الأَسدِ، وَهُمَا زُبْرةُ الأَسد «1» ؛ وَقِيلَ: سمِّيا بِذَلِكَ لنُفُوذِهما إِلى جَوْفِ الأَسد؛ وَقِيلَ: إِنهما معتلَّانِ، واحدتُهما خَراة؛ حَكَاهُ كُرَاعٌ فِي الْمُعْتَلِّ؛ وأَنشد:
إِذا رأَيتَ أَنْجُماً مِنَ الأَسَدْ: ... جَبْهَتَه أَو الخَراةَ والكَتَدْ،
بالَ سُهَيْلٌ فِي الفَضِيخ، ففَسَدْ، ... وطابَ أَلْبانُ اللِّقاحِ، فَبَرَدْ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فإِذا كَانَ ذَلِكَ، فَهِيَ مِنْ [خ ر ي] أَو مِنْ [خ ر و] . والخِرِّيت: الدليلُ الحاذقُ بِالدِّلَالَةِ، كأَنه يَنْظُرُ فِي خُرْتِ الإِبْرة؛ قَالَ رؤْبة بْنُ الْعَجَّاجِ:
أَرْمي بأَيْدي العِيسِ إِذ هَوِيتُ ... فِي بَلْدةٍ، يَعْيا بِهَا الخِرِّيتُ
وَيُرْوَى: يَعْنَى، قَالَ ابْنُ بَري: وَهُوَ الصَّوَابُ. وَمَعْنَى يَعْنى بِهَا: يَضِلُّ بِهَا وَلَا يَهْتَدي؛ يقال:
__________
(1) . قوله [وهما زبرة الأَسد] وهي مواضع الشعر على أَكتافه، مشتق من الخرت وهو الثقب، فكأنهما ينخرتان إِلى جوف الأَسد أي ينفذان إِليه اه. تكملة.(2/29)
عَنِيَ عَليه الأَمْرُ إِذا لَمْ يَهْتَدِ لَهُ؛ وَالْجَمْعُ: الخَرارِتُ؛ وَقَالَ:
يَغْبَى عَلَى الدَّلامِزِ الخَرارِتِ
والدَّلامِزُ، بِفَتْحِ الدَّالِ: جَمْعُ دُلامِزٍ، بِضَمِّ الدَّالِ، وَهُوَ الْقَوِيُّ الْمَاضِي. وَفِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ
: فاستَأْجَرَ رَجُلًا، مِنْ بَنِي الدِّيلِ، هَادِيًا خِرِّيتاً.
الخِرِّيتُ: الْمَاهِرُ الَّذِي يَهْتَدي لأَخْراتِ المَفاوِزِ، وَهِيَ طُرُقُها الْخَفِيَّةُ ومَضايقُها؛ وَقِيلَ: أَراد أَنه يَهْتَدي فِي مِثْلِ ثَقْبِ الإِبرة مِنَ الطَّرِيقِ. شَمِرٌ: دليلٌ خِرِّيتٌ بِرّيتٌ إِذا كَانَ مَاهِرًا بِالدِّلَالَةِ، مأْخوذ مِنَ الخُرْتِ، وإِنما سُمِّيَ خِرِّيتاً، لشَقِّه المَفازَةَ. وَيُقَالُ: طَرِيقٌ مَخْرَت ومَثْقَبٌ إِذا كَانَ مُسْتَقِيمًا بَيِّناً، وطُرُقٌ مَخارِتُ؛ وَسُمِّيَ الدَّلِيلُ خِرِّيتاً، لأَنه يَدُلُّ عَلَى المَخْرَتِ؛ وَسُمِّيَ مَخْرَتاً، لأَن لَهُ مَنْفَذاً لَا يَنْسَدُّ عَلَى مَنْ سَلَكه. الْكِسَائِيُّ: خَرَتْنا الأَرضَ إِذا عَرَفْناها، وَلَمْ تَخْفَ عَلَيْنَا طُرقُها؛ وَيُقَالُ: هَذِهِ الطَّرِيقُ تَخْرُتُ بِكَ إِلى مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا أَي تَقْصِدُ بِكَ. والخُرْتُ: ضِلَعٌ صَغِيرَةٌ عِنْدَ الصَّدْر، وَجَمْعُهُ أَخْراتٌ؛ وَقَالَ طَرَفَةُ:
وطَيُّ مَحالٍ كالحَنِيِّ خُلُوفُه، ... وأَخْراتُه لُزَّتْ بدَأْيٍ مُنَضَّدِ
قَالَ اللَّيْثُ: هِيَ أَضلاعٌ عِنْدَ الصَّدْر مَعاً، واحدُها خُرْتٌ. التَّهْذِيبُ فِي تَرْجَمَةِ خَرَطَ: وناقة خَراطةٌ وخَراتة: تَخْتَرِطُ فتَذْهَبُ عَلَى وَجْهها؛ وأَنشد:
يَسوقُها خَراتةً أَبُوزا، ... يَجْعَلُ أَدْنى أَنْفِها الأُمْعُوزا
وذِئبٌ خُرْتٌ: سَرِيعٌ، وَكَذَلِكَ الْكَلْبُ أَيضاً. وخَرْتةُ: فَرسُ الهُمام.
خفت: الخَفْتُ والخُفاتُ: الضَّعْفُ مِنَ الْجُوعِ وَنَحْوِهِ؛ وَقَدْ خُفِتَ. والخُفوتُ: ضَعْفُ الصَّوْت مِنْ شِدَّة الْجُوعِ؛ يُقَالُ: صَوْتٌ خَفيضٌ خَفيتٌ. وخَفَتَ الصوتُ خُفُوتاً: سَكَنَ؛ وَلِهَذَا قِيلَ لِلْمَيِّتِ: خَفَتَ إِذا انْقَطَعَ كلامُه وَسَكَتَ، فَهُوَ خافِتٌ. والإِبل تُخافِتُ المَضْغَ إِذا اجتَرَّتْ. والمُخافَتةُ: إِخْفاءُ الصَّوْتِ. وخافَتَ بِصَوْتِهِ: خَفَّضَه. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ، قَالَتْ: رُبَّمَا خَفَتَ النبيُّ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بقراءَته، وَرُبَّمَا جَهَر.
وَحَدِيثُهَا الْآخَرُ
: أُنْزِلَتْ [وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها]
فِي الدُّعاء، وَقِيلَ فِي القراءَة
؛ والخَفْتُ: ضِدُّ الجَهْرِ. وَفِي حَدِيثِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ:
كَانَ يقرأُ فِي الأُولى بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ مُخافَتَةً
، هُوَ مفاعَلة مِنْهُ. وَفِي حَدِيثِهَا الْآخَرِ،
نَظَرَتْ إِلى رَجُلٍ كادَ يموتُ تَخافُتاً، فقالتْ: مَا لِهَذَا؟ فَقِيلَ: إِنه مِنَ القُرَّاء.
التَّخافُتُ: تَكَلُّف الخُفُوتِ، وَهُوَ الضَّعْفُ والسُّكونُ، وإِظهارُه مِنْ غَيْرِ صِحَّةٍ. وخافَتَت الإِبلُ المَضْغَ: خَفَتَتْه. وخَفَتَ صَوْتُهُ يَخْفِتُ: رَقَّ. والمُخافَتَةُ والتَّخافُتُ: إِسْرار المَنْطِقِ، والخَفْتُ مِثْلُهُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
أُخاطِبُ جَهْراً، إِذ لَهُنَّ تَخافُتٌ، ... وشَتَّانَ بَيْنِ الجَهْر والمَنْطِقِ الخَفْتِ
اللَّيْثُ: الرَّجُلُ يُخافِتُ بقراءَته إِذا لَمْ يُبَيِّنْ قراءَته بِرَفْعِ الصَّوْتِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها
. وتَخافَتَ القومُ إِذا تشاوَرُوا سِرّاً. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً
. وخَفَتَ الرجلُ خُفُوتاً: ماتَ.(2/30)
والخُفات: مَوْتُ البَغْتة؛ قَالَ الْجَعْدِيُّ:
ولَسْتُ، وإِن عَزُّوا عليَّ، بهالِكٍ ... خُفاتاً، وَلَا مُسْتَهْزِمٍ ذاهبِ العَقْلِ
قَالَ أَبو عَمْرٍو: خُفاتاً: فَجْأَةً. مُسْتَهْزِم: جَزوع. وَيُقَالُ: خَفَتَ مِنَ النُّعاس أَي سَكَن. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: مَعْنَى قَوْلِهِ خُفاتاً أَي ضَعْفاً وتَذَلُّلًا. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا ماتَ: قَدْ خَفَتَ أَي انْقَطَعَ كَلَامُهُ. وخَفَتَ خُفاتاً أَي مَاتَ فَجأَةً؛ وَيُقَالُ مِنْهُ: زَرْعٌ خافِتٌ أَي كأَنه بَقِيَ، فَلَمْ يَبْلُغْ غايةَ الطُّولِ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ: مَثَلُ المؤْمن الضَّعِيفِ، كَمَثل خافِتِ الزرْعِ، يَميلُ مرَّةً ويَعْتَدِلُ أُخرى
؛ وَفِي رِوَايَةٍ:
كَمَثَلِ خافِتَةِ الزرعِ.
الخافِتُ والخافِتَةُ: مَا لانَ وضَعُفَ مِنَ الزَّرْعِ الغَضِّ، ولُحُوق الهاءِ عَلَى تأْويل السُّنْبلة، وَمِنْهُ خَفَتَ الصوتُ إِذا ضَعُفَ وسَكَنَ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: أَراد بالخافِتِ الزرعَ الغَضَّ اللَّيِّنَ؛ وَمِنْهُ قِيلَ للمَيْتِ: قَدْ خَفَتَ إِذا انْقَطَعَ كَلَامُهُ؛ وأَنشد:
حَتَّى إِذا خَفَتَ الدُّعاءُ، وصُرِّعَتْ ... قَتْلى، كمُنْجَدِعٍ مِنَ الغُلّانِ
وَالْمَعْنَى: أَن المؤْمنَ مُرَزَّأ فِي نَفْسِهِ وأَهله وَمَالِهِ، مَمْنُوٌّ بالأَحْداثِ فِي أَمر دُنْيَاهُ. وَيُرْوَى:
كَمَثل خافَةِ الزَّرْع.
وَفِي الْحَدِيثِ
: نومُ المؤْمنِ سُباتٌ، وسَمْعُه خُفاتٌ
أَي ضَعِيفٌ لَا حِسَّ لَهُ. وَمِنْهُ حَدِيثُ
مُعَاوية وَعَمْرُو بْنُ مَسْعُودٍ: سَمْعُه خُفاتٌ، وفَهمُه تاراتٌ.
أَبو سَعِيدٍ: الخافِتُ السَّحَابُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ ماءٌ، قَالَ: وَمِثْلُ هَذِهِ السَّحَابَةِ لَا تَبْرَحُ مَكَانَهَا، إِنما يَسِيرُ، مِنَ السحابِ، ذُو الماءِ؛ قَالَ: وَالَّذِي يُومِضُ لَا يَكَادُ يَسِيرُ؛ وَرَوَى الأَزهري عَنْ ثَعْلَبٌ أَنَّ ابْنَ الأَعرابي أَنشده:
بضَرْبٍ يُخَفِّتُ فَوَّارهُ، ... وطَعْنٍ تَرى الدَّمعَ مِنْهُ رَشِيشا
إِذا قَتَلوا منكُمُ فارِساً، ... ضَمِنَّا لَهُ خَلْفَه أَن يَعِيشا
يَقُولُ: نُدْرِكُ بثأْره، فكأَنه لَمْ يُقْتَلْ. ويُخَفِّتُ فَوَّارهُ أَي أَنه وَاسِعٌ، فَدَمه يَسِيلُ. ابْنُ سِيدَهْ وَغَيْرُهُ: والخَفُوت مِنَ النِّسَاءِ الْمَهْزُولَةُ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي لَا تَكادُ تَبِينُ مِنَ الهُزال؛ وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي تَسْتَحْسِنُها مَا دامتْ وَحْدَها، فإِذا رأَيتها فِي جَمَاعَةٍ مِنَ النِّسَاءِ، غَمَزْتَها. اللَّيْثُ: امرأَة خَفُوتٌ لَفُوتٌ؛ فالخَفُوتُ الَّتِي تأْخُذُها العينُ مَا دامتْ وَحْدَها، فَتَقْبَلُها، فإِذا صارتْ بَيْنَ النساءِ، غَمَزَتْها؛ واللَّفُوتُ الَّتِي فِيهَا التِواءٌ وانْقِباضٌ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَلَمْ أَسمع الخَفُوتَ فِي نَعْتِ النِّسَاءِ لِغَيْرِ اللَّيْثِ. والخُفْتُ: السَّذابُ، بِضَمِّ الخاءِ وَسُكُونِ الفاءِ، لغة في الخُتْفِ.
خلت: الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ حَلَتَ: اللَّيْثُ: الحِلْتِيتُ الأَنجَرُذُ؛ وأَنشد:
عَلَيْكَ بقُنْأَةٍ، وبسَنْدَرُوسٍ، ... وحِلْتِيتٍ، وشيءٍ مِنْ كَنَعْدِ
قَالَ الأَزهري: هَذَا الْبَيْتَ مَصْنُوعٌ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ؛ وَالَّذِي حَفِظْتُه مِنَ البَحْرانيين، الخِلْتِيتُ، بالخاءِ: الأَنْجَرُذ، قَالَ: وَلَا أُراه عَرَبِيًّا مَحْضًا.
خمت: الخَمِيتُ: السَّمِينُ، حِمْيَرِيَّةٌ.
خنت: الخِنَّوْتُ: العَيِيُّ الأَبْله. وخِنَّوْتٌ: لقبٌ. والخِنَّوتُ: دَابَّةٌ مِنْ دَوَابِّ الْبَحْرِ.(2/31)
خنبت: الخُنْبُتُ: الْقَصِيرُ مِنَ الرجال.
خوت: خاتَه يَخُوتُه خَوْتاً: طَرَده. والخَواتُ والخَواتةُ: الصَّوْتُ، وَخَصَّ أَبو حَنِيفَةَ بِهِ صَوْتَ الرَّعْدِ وَالسَّيْلِ، وأَنشد لِابْنِ هَرْمَة:
وَلَا حِسَّ إِلّا خَواتُ السُّيول
وخَواتُ الطَّيْرِ: صَوْتُها؛ وَقَدْ خَوَّتَتْ؛ وَقِيلَ: كلُّ مَا صَوَّتَ، فَقَدْ خَوَّت؛ وَقِيلَ: الخَواتُ لَفْظٌ مُؤَنَّثٌ، وَمَعْنَاهُ مُذَكَّرٌ، دَويُّ جَناح العُقاب. وخاتَتِ العُقابُ وَالْبَازِي تَخُوتُ خَواتاً وخَواتَةً، وانْخاتَتْ، واخْتاتَتْ إِذا انْقَضَّتْ عَلَى الصَّيْدِ لتَأْخُذَه، فسمعتَ لجناحَيْها صَوْتاً. وَالْخَائِتَةُ: العُقابُ الَّتِي تَخْتاتُ، وَهُوَ صَوْتُ جَناحَيْها إِذا انْقَضَّتْ فَسمِعْتَ صَوْتَ انْقضاضها، وَلَهُ حَفيفٌ، وسمعتُ خَواتَها أَي حفيفَها وَصَوْتَهَا. وَفِي حَدِيثِ
أَبي الطُّفَيْل وبناءِ الْكَعْبَةِ، قَالَ: فَسَمِعْنَا خَواتاً مِنَ السماءِ
أَي صوْتاً مِثْلَ حَفِيف جَنَاحِ الطَّائِرِ الضَّخْمِ. وخاتَتْه العُقابُ تَخُوتُه. وتَخَوَّتَتْه: اخْتَطَفَتْه؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْب، أَو صَخْر الغَيِّ:
فخاتَتْ غَزالًا جاثِماً بَصُرَتْ بِهِ ... لَدَى سَلَماتٍ، عنْد أَدْماءَ سارِبِ
وتَخَوَّتَ الشيءَ: اخْتَطَفَه؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وَقَالَ ابْنُ رِبْعٍ الهُذَليّ، أَو الجَموحُ الهُذَليُّ:
تَخُوتُ قُلُوبَ الطَّير مِنْ كلِّ جانبٍ، ... كَمَا خاتَ، طَيْرَ الماءِ، وَرْدٌ مُلَمَّعُ
الأَصمعي: تَخُوتُ تَخْطَفُ. وَرْدٌ: صَقْر فِي لَوْنِهِ وُرْدَةٌ؛ وَقَالَ آخَرُ:
وَمَا القومُ إِلا خَمْسَةٌ، أَو ثلاثةٌ، ... يَخُوتُونَ أُخْرى القومِ خَوْتَ الأَجادِلِ «2»
الأَجادِلُ: جَمْعُ أَجْدَل، وَهُوَ الصَّقْر. والخَوَّاتُ، بِالتَّشْدِيدِ: الرجلُ الجَريءُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
لَا يَهْتَدي فِيهِ إِلَّا كلُّ مُنْصَلِتٍ، ... مِنَ الرِّجَالِ، زَمِيعِ الرَّأْي، خَوَّاتِ
وخَوَّاتُ بْنُ جُبَير الأَنصاري. وتَخَوَّتَ مالَه مِثْلُ تَخَوَّفه أَي تَنَقَّصَه. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَا زَالَ الذِّئْبُ يَخْتاتُ الشاةَ بَعْدَ الشَّاةِ أَي يَخْتِلها فيَسْرِقُها. وَفُلَانٌ يَخْتاتُ حديثَ الْقَوْمِ، ويَتَخَوَّتُ إِذا أَخَذَ مِنْهُ وتَخَطَّفَه. وإِنهم يَخْتاتونَ الليلَ أَي يَسِيرون ويَقْطَعُون الطريقَ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: خاتَ الرجلُ إِذا أَخْلَفَ وعْدَه. وخاتَ الرجلُ إِذا أَسَنَّ. وَفِي الْحَدِيثِ،
حديثِ أَبي جَنْدَل بْنِ عَمْرو بْنِ سُهَيْل: أَنه اخْتاتَ للضَّرب، حَتَّى خِيفَ عَلَى عَقْله
؛ قَالَ شَمِرٌ: هَكَذَا رُوِيَ، وَالْمَعْرُوفُ أَخَتَّ الرجلُ، فَهُوَ مُخِتٌّ إِذا انْكَسَرَ واسْتَحْيا، وَقَدْ تَقَدَّمَ. والمُخْتَتي نَحْوُ المُخِتّ: وَهُوَ المُتَصاغِرُ المُنْكَسِرُ.
خيت: خاتَ يَخِيتُ خَيْتاً وخُيُوتاً: صَوَّتَ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
فِي خَيْتةِ الطائِر رَيْثٌ عَجَلُهْ
وَيُقَالُ: اخْتاتَ الذئبُ شَاةً مِنَ الْغَنَمِ اخْتِياتاً إِذا اخْتَطَفَها؛ وَكَذَلِكَ اخْتاتَ الصَّقْرُ الطيرَ. وكلُّ اخْتِطافٍ اخْتياتٌ وخَوْتٌ؛ قَالَ أَبو نُخَيلة:
أَو كاخْتِياتِ الأَسَدِ الشَّوِيَّا
__________
(2) . قوله [أخرى القوم] الذي في الجوهري أخرى الخيل.(2/32)
فصل الدال المهملة
دشت: الدَّشْتُ: الصَّحْراء؛ وأَنشد أَبو عُبيدة للأَعشَى:
قَدْ عَلِمَتْ فارسٌ، وحِمْيرُ، والأَعْرابُ ... بالدَّشْتِ، أَيُّكم نَزَلا
وَقَالَ الرَّاجِزُ:
تَخِذْتُه مِنْ نَعَجاتٍ سِتِّ، ... سُودِ نِعاجٍ، كنِعاجِ الدَّشْتِ
قَالَ: وَهُوَ فَارِسِيٌّ، أَو اتِّفاقٌ وَقَع بَيْنَ اللغتين.
دعت: دَعَتَه يَدْعَتُه دَعْتاً: دَفَعه دَفْعاً عَنِيفاً؛ وَيُقَالُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وسيأْتي ذِكْرُهُ.
دغت: دَغَتَه دَغْتاً: حَنَقَه حَتَّى قَتَلَهُ؛ عَنْ كُرَاعٍ.
فصل الذال المعجمة
ذأت: ذَأَته يَذْأَته ذَأْتاً: خَنَقَه، مِثْلَ دَغَته دَغْتاً. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: ذَأَته إِذا خَنَقَه أَشَدَّ الخَنْقِ حتى أَدْلَع لسانَه.
ذعت: ذَعَتَه فِي التُّرَابِ يَذْعَتُه ذَعْتاً: مَعَكَه مَعْكاً، كأَنه يَغُطُّه فِي الْمَاءِ؛ وَقِيلَ: هُوَ أَشَدُّ الخَنْق. وذَعَتَه ذَعْتاً إِذا خَنَقَه. والذَّعْتُ: الدَّفْع العَنيف، والغَمْزُ الشَّدِيدُ، وَالْفِعْلُ كَالْفِعْلِ؛ وَكَذَلِكَ زَمَته زَمْتاً إِذا خَنَقه، وذَعَتَه، وذَأَطَه، وذَعَطه إِذا خَنَقَه أَشَدَّ الخَنْقِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن الشَّيْطَانَ عَرَضَ لِي يَقْطَعُ صَلاتي، فأَمْكَنَني اللهُ مِنْهُ، فَذَعَتُّه
أَي خَنَقْتُه. والذَّعْتُ والدَّعْتُ، بِالذَّالِ والدال: الدفع العنيف.
ذعلت: قَالَ فِي تَرْجَمَةِ ذَعْلَبَ: وأَما قَوْلُ أَعرابي مِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ سَعْدٍ:
صَفْقَةُ ذِي ذَعالِتٍ سَمُولِ، ... بَيْعَ امْرِئٍ ليس بمُسْتَقِيل
وَقِيلَ: هُوَ يُرِيدُ الذَّعالِبَ، فَيَنْبَغِي أَن يَكُونَا لُغَتَيْنِ، وغيرُ بَعيدٍ أَن تُبْدَل التاءُ مِنَ الْبَاءِ، إِذ قَدْ أُبدلت مِنَ الْوَاوِ، وَهِيَ شَرِيكَةُ الْبَاءِ فِي الشَّفَةِ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَالْوَجْهُ أَن تَكُونَ التَّاءُ بَدَلًا مِنَ الْبَاءِ، لأَن الباءَ أَكثر اسْتِعْمَالًا، كَمَا ذَكَرْنَا أَيضاً مِنْ إِبدالهم الْيَاءَ مِنَ الْوَاوِ.
ذمت: ذَمَتَ يَذْمِتُ ذَمْتاً: هُزِلَ وتَغَيَّر؛ عَنْ أَبي مالك.
ذيت: أَبو عُبَيْدَةَ: يَقُولُونَ كَانَ مِنَ الأَمْر ذَيْتَ وذَيْتَ ذيتِ وذيتِ: مَعْنَاهُ كَيْتَ وكَيْتَ كيتِ وكيتِ. وَفِي حَدِيثِ
عِمْرَانَ والمرأَة وَالْمَزَادَتَيْنِ: كَانَ مِنْ أَمره ذَيْتَ وذَيْتَ،
وَهِيَ مِنْ أَلفاظ الْكِنَايَاتِ.
فصل الراء
ربت: رَبَتَ الصبيَّ، ورَبَّتَه: رَبَّاه. ورَبَّتَه يُرَبِّتُه تَرْبيتاً: رَبَّاه تَرْبيةً؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
سَمَّيتها، إِذ وُلِدَتْ، تَمُوتُ، ... والقَبرُ صِهْرٌ ضامِنٌ زِمِّيتُ،
لَيْسَ لِمَنْ ضُمِّنَه تَرْبيتُ
رتت: الرُّتَّة، بِالضَّمِّ: عَجَلة فِي الْكَلَامِ، وقِلَّة أَناةٍ، وَقِيلَ: هُوَ أَن يَقْلِبَ اللَّامَ يَاءً، وَقَدْ رَتَّ رَتَّةً، وَهُوَ أَرَتّ. أَبو عَمْرٍو: الرُّتَّة رَدَّة قَبِيحَةٌ فِي اللِّسَانِ مِنَ الْعَيْبِ؛ وَقِيلَ: هِيَ العُجْمة فِي الْكَلَامِ، والحُكْلة فِيهِ. وَرَجُلٌ أَرَتُّ: بَيِّنُ الرَّتَتِ. وَفِي لِسَانِهِ رُتَّة. وأَرَتَّه اللهُ، فَرَتَّ. وَفِي حَدِيثِ
المِسْوَرِ: أَنه رأَى رَجُلًا أَرَتَّ يؤُمُّ الناسَ، فأَخَّرَه.
الأَرَتُّ:(2/33)
الَّذِي فِي لِسَانِهِ عُقْدة وحُبْسة، ويَعْجَلُ فِي كَلَامِهِ، فَلَا يُطاوِعُه لسانُه. التَّهْذِيبُ: الغَمْغَمَةُ أَن تَسْمَعَ الصوتَ، وَلَا يَبينُ لَكَ تَقْطِيعُ الْكَلَامِ، وأَن يَكُونَ الكلامُ مُشْبِهاً لِكَلَامِ الْعَجَمِ. والرُّتَّة: كَالرِّيحِ، تَمْنَعُ مِنْهُ أَوَّلَ الْكَلَامِ، فإِذا جَاءَ مِنْهُ اتَّصَلَ بِهِ. قَالَ: والرُّتَّةُ غَرِيزَةٌ، وَهِيَ تَكْثُرُ فِي الأَشراف. أَبو عَمْرٍو: الرُّتَّى المرأَة اللَّثْغاء. ابْنُ الأَعرابي: رَتْرَتَ الرجلُ إِذا تَعْتَع فِي التَّاءِ وَغَيْرِهَا. والرَّتُّ: الرئيسُ مِنَ الرِّجَالِ فِي الشَّرَف وَالْعَطَاءِ، وجمعُه رُتوتٌ؛ وهؤُلاء رُتوتُ البلدِ. والرَّتُّ: شَيْءٌ يُشْبه الْخِنْزِيرَ البَرِّيَّ، وَجَمْعُهُ رُتوتٌ؛ وَقِيلَ: هِيَ الْخَنَازِيرُ الذُّكُورُ؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: وَزَعَمُوا أَنه لَمْ يَجِئْ بِهَا أَحدٌ غَيْرُ الْخَلِيلِ. أَبو عَمْرٍو: الرَّتُّ الْخِنْزِيرُ المُجَلِّحُ، وَجَمْعُهُ رِتَتةٌ. وإِياسُ بْنُ الأَرَتِّ: مِنْ شُعَرائهم وَكُرَمَائِهِمْ؛ وخَبَّابُ بنُ الأَرَتِّ، واللهُ أَعلم.
رفت: رَفَتَ الشيءَ يَرْفُتُه ويَرْفِتُه رَفْتاً، ورِفْتةً قَبِيحَةً، عَنِ اللِّحْيَانِيِّ: وَهُوَ رُفاتٌ: كَسَرَه ودَقَّه؛ وَيُقَالُ: رَفَتُّ الشيءَ وحَطَمْتُه وكَسَرتُه. والرُّفاتُ: الحُطام مِنْ كُلِّ شَيْءٍ تكَسَّر. ورُفِتَ الشيءُ، فَهُوَ مَرْفوتٌ. ورَفَتَ عُنُقَه يَرْفُتُها ويَرْفِتُها رَفْتاً، عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. ورَفَتَ العَظْمُ يَرْفِتُ رَفْتاً: صَارَ رُفاتاً. وَفِي التَّنْزِيلِ العزيز: أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً*
؛ أَي دُقاقاً. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ الزُّبَيْرِ، لَمَّا أَراد هَدْمَ الْكَعْبَةِ، وبناءَها بالوَرْسِ، قِيلَ لَهُ: إِن الوَرْسَ يَتَفَتَّتُ ويَصير رُفاتاً.
والرُّفاتُ: كُلُّ مَا دُقَّ فكُسِرَ. وَيُقَالُ: رَفَتَ عِظامَ الجَزور رَفْتاً إِذا كَسَرها ليَطْبُخَها، ويَسْتَخْرِجَ إِهالَتَها. ابْنُ الأَعرابي: الرُّفَتُ التِّبنُ. وَيُقَالُ فِي مَثَلٍ: أَنا أَغْنى عَنْكَ مِنَ التُّفَهِ عَنِ الرُّفَتِ؛ والتُّفَهُ: عَناقُ الأَرض، وَهُوَ ذُو نَابٍ لَا يَرْزَأَ التِّبْنَ والكَلأَ؛ والتُّفَه يُكتب بِالْهَاءِ، والرُّفتُ بالتاء.
فصل الزاي
زتت: زَتَّ المرأَة والعَرُوسَ زَتّاً: زَيَّنَها. وتَزَتَّتَتْ هِيَ: تَزَيَّنَتْ؛ قَالَ:
بَنِي تَميمٍ، زَهْنِعُوا فَتاتَكُمْ، ... إِنَّ فَتاتَ الحَيِّ بالتَّزَتُّتِ
أَبو عَمْرٍو: الزَّتَّةُ تَزْيينُ العَروس ليلةَ الزِّفافِ. وتَزَتَّتَ للسَّفَر: تَهَيَّأَ لَهُ. وأَخَذَ زَتَّته للسَّفَر أَي جِهازَه؛ لَمْ يُسْتَعْمَلِ الْفِعْلُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ إِلَّا مَزيداً، أَعني أَنهم لَمْ يَقُولُوا: زَتَّ. قَالَ شَمِرٌ: لَا أَعرف الزَّايَ مَعَ التَّاءِ مَوْصُولَةً، إِلّا زَتَّتْ. فأَما أَن يَكُونَ الزايُ مَفْصُولًا مِنَ التَّاءِ، فكثير.
زرت: أَهمله اللَّيْثُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: زَرَدَه وزَرَتَه إِذا خَنَقَه.
زفت: الزِّفْتُ؛ بِالْكَسْرِ: كالقِيرِ؛ وَقِيلَ: الزِّفْتُ القَار. وِعاءٌ مُزَفَّتٌ، وجَرَّةُ مزَفَّتة، مَطْلِيَّة بالزِّفْتِ. وَيُقَالُ لِبَعْضِ أَوعية الْخَمْرِ: المُزَفَّتُ، وَهُوَ المُقَيَّر. وَنَهَى النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، عَنْ هَذَا الوِعاءِ المُزَفَّتِ، أَن يُنْتَبذ فِيهِ، كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ
أَنه نَهَى عَنِ المُزَفَّتِ مِنَ الأَوعية
؛ قَالَ: هُوَ الإِناءُ الَّذِي طُليَ بالزِّفْتِ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الْقَارِ، ثُمَّ انْتُبِذ فِيهِ. والزِّفْت: غَيْرُ القِيرِ الَّذِي تُقَيَّر بِهِ السُّفُن، إِنما هُوَ(2/34)
شَيْءٌ أَسْودُ أَيضاً، تُمَتَّن بِهِ الزِّقاقُ لِلْخَمْرِ وَالْخَلِّ، وقِيرُ السُّفُن يُيَبَّسُ عَلَيْهِ، وزِفْتُ الحَمِيت لَا يُيَبَّسُ؛ والزِّفْتُ: شَيْءٌ يَخْرُجُ مِنَ الأَرض، يَقَعُ فِي الأَودية، وَلَيْسَ هُوَ ذَلِكَ الزفتَ الْمَعْرُوفَ. التَّهْذِيبِ فِي النَّوَادِرِ: زَفَتَ فلانٌ فِي أُذنِ الأَصَمّ الحديثَ زَفْتاً، وكَتَّه كَتّاً، بمعنىً.
زكت: زَكَتَ الإِناءَ زَكْتاً وزَكَّتَه: كِلَاهُمَا مَلأَه. وزَكَتَه الرَّبْوُ يَزْكُتُه: مَلأَ جَوفَه. الأَحمر: زَكَّتُّ السِّقاءَ والقِربةَ تَزْكِيتاً: مَلأْتُه، والسقاءُ مَزْكُوتٌ ومُزَكَّتٌ. ابْنُ الأَعرابي: زَكَّتَ فلانٌ فُلَانًا عَلَيَّ يُزَكِّتُه أَي أَسْخَطه. وأَزْكَتَتِ المرأَةُ بِغُلَامٍ: وَلَدَتْهُ، وقِربة مَزْكُوتة، ومَوكُوتةٌ، ومَزكُورةٌ، ومَوكُورة، بِمَعْنًى وَاحِدٍ: مَمْلُوءَةٌ. وَفِي النَّوَادِرِ: زَفَتَ فلانٌ فِي أُذنِ الأَصَمِّ الحديثَ زَفْتاً، وكَتَّه كَتَّاً، وزَكَتَه، بِمَعْنًى. وَفِي صِفَةِ عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ:
أَنه كَانَ مَزْكُوتاً
أَي مَمْلُوءًا عِلْمًا؛ هُوَ مِنْ زَكَتُّ الإِناءَ إِذا ملأْته. وزَكَتَه الحديثَ زَكْتاً إِذا أَوعاه إِياه. وَقِيلَ: أَراد كَانَ مَذّاءً من المَذْيِ.
زمت: الزَّمِيتُ والزِّمِّيتُ: الْحَلِيمُ السَّاكِنُ، الْقَلِيلُ الْكَلَامِ، كالصِّمِّيتِ؛ وَقِيلَ: الساكتُ، وَالِاسْمُ الزَّماتَةُ، وَقَدْ تَزَمَّتَ، وَمَا أَشدَّ تَزَمُّتَه. وَرَجُلٌ مُتَزَمِّتٌ، وزِمِّيتٌ، وَفِيهِ زَماتة. ابْنُ الأَعرابي: رَجُلٌ زَمِيتٌ وزِمِّيتٌ إِذا تَوَقَّر فِي مَجْلِسِهِ. الْجَوْهَرِيُّ: الزِّمِّيتُ مِثَالُ الفِسِّيق، أَوقَرُ مِنَ الزِّمِيتِ. وَفِي صِفَةِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَنه كَانَ مِنْ أَزْمَتِهم فِي الْمَجْلِسِ
أَي مِنْ أَرْزَنِهم وأَوْقَرِهم. قَالَ ابْنُ الأَثير: كَذَا ذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ فِي كِتَابِهِ عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ؛ وَالَّذِي جَاءَ فِي كِتَابِ أَبي عُبَيْدٍ وَغَيْرِهِ، قَالَ فِي حَدِيثِ
زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: كَانَ مِنْ أَفْكه الناسِ إِذا خَلا مَعَ أَهله، وأَزْمَتِهم فِي الْمَجْلِسِ
؛ قَالَ: وَلَعَلَّهُمَا حَدِيثَانِ؛ وقال الشَّاعِرُ فِي الزِّمِّيت بِمَعْنَى السَّاكِنِ:
والقَبْرُ صِهْرٌ ضامِنٌ زِمِّيتُ، ... لَيْسَ لمَنْ ضُمِّنَه تَزْبِيتٌ
والزُّمَّتُ: طَائِرٌ أَسود، أَحمر الرِّجْلَيْنِ والمِنْقار، يَتَلوَّن فِي الشَّمْسِ أَلواناً، دُونَ الغُدافِ شَيْئًا، ويَدْعُوه الْعَامَّةُ: أَبا قَلَمُونَ. وَيُقَالُ: ازْمَأَتَّ يَزْمَئِتُّ ازْمِئْتاتاً، فَهُوَ مُزْمَئِتٌّ إِذا تَلوَّن أَلواناً مُتَغايرة.
زيت: ابْنُ سِيدَهْ: الزَّيتُ مَعْرُوفٌ، عُصارة الزَّيْتون. والزَّيْتُون: شَجَرٌ مَعْرُوفٌ، والزَّيْتُ: دُهْنه، وَاحِدَتُهُ زَيْتُونة، هَذَا فِي قَوْلِ مَنْ جَعَلَهُ فَعْلوتاً؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: هُوَ مثالٌ فائتٌ، وَمِنَ العَجب أَن يَفُوتَ الكتابَ، وَهُوَ فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ، وَعَلَى أَفواه النَّاسِ، قَالَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ؛ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ تِينُكم هَذَا، وزَيْتُونكم هَذَا. قَالَ الْفَرَّاءُ: يُقَالُ إِنهما مَسْجِدَانِ بالشأْم، أَحَدُهُمَا الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَهُ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ وَقِيلَ: الزَّيْتُونُ جِبَالُ الشأْم. وَيُقَالُ لِلشَّجَرَةِ نَفْسِهَا: زَيْتُونَةٌ، ولثَمرتها: زَيْتُونَةٌ، وَالْجَمْعُ: الزَّيْتون، وَلِلدُّهْنِ الَّذِي يُسْتَخْرَجُ مِنْهُ: زَيْتٌ. وَيُقَالُ لِلَّذِي يَبِيعُ الزَّيْتَ: زَيَّاتٌ، وَلِلَّذِي يَعْتَصِره: زَيَّات. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الزَّيْتُونُ مِنَ العِضاه. قَالَ الأَصمعي: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ صَالِحِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: تَبْقَى الزيتونةُ ثلاثةَ آلافِ سَنَةٍ. قَالَ: وكلُّ زَيْتُونةٍ بفلَسْطِينَ مِنْ غَرْس أُمَم قَبْلَ الرُّوم، يُقَالُ لَهُمُ(2/35)
اليُونانِيُّون. وزِتُّ الثَّريدَ والطعامَ أَزِيتُه زَيْتاً، فَهُوَ مَزِيتٌ، عَلَى النَّقْصِ، ومَزْيُوتٌ، عَلَى التَّمام: عَمِلْتُه بالزَّيت؛ قَالَ الْفَرَزْدَقُ فِي النُّقصان يَهْجُو ذَا الأَهْدام:
وَلَمْ أَرَ سَوَّاقِينَ غُبْراً، كَساقةٍ ... يَسُوقونَ أَعْدالًا، يُدِلُّ بَعِيرُها
جاؤُوا بِعِيرٍ، لَمْ تَكُنْ يَمَنِيَّةً، ... وَلَا حِنْطة الشأْمِ المَزِيتِ خَميرُها
هَكَذَا أَنشده أَبو عَلِيٍّ؛ وَالرِّوَايَةُ:
أَتَتْهم بِعِيرٍ لَمْ تكنْ هَجَرِيَّةً
لأَنه لَمَّا أَراد أَن يَنْفِي عَنْ عِيرِ جعفرٍ أَن تَجْلِبَ إِليهم تَمْرًا أَو حِنْطة، إِنما ساقتْ إِليهم السلاحَ والرجالَ فَقَتَلُوهُمْ؛ أَلا تَرَاهُ يَقُولُ قَبْلَ هَذَا:
وَلَمْ يأْتِ عِيرٌ قبلَها بِالَّذِي أَتتْ ... بِهِ جَعْفَراً، يومَ الهُضَيْباتِ، عِيرُها
أَتَتْهم بعَمْرو، والدُّهَيْمِ، وتِسْعةٍ ... وعِشْرينَ أَعْدالًا، تَمِيلُ أُيُورُها؟
أَي لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الأَعْدالُ الَّتِي حَمَلَتْها العِيرُ مِنْ ثيابِ اليَمن، وَلَا مِنْ حِنْطَةِ الشَّامِ. وَمَعْنَى يُدِلّ: يَذْهَبُ سَنامُه لثِقَلِ حِمْلِه. اللِّحْيَانِيُّ: زِتُّ الخُبْزَ والفَتُوتَ لتَتُّه بزَيْتٍ. وزِتُّ رأْسي ورأْسَ فلانٍ: دَهَنْتُه بِالزَّيْتِ. وازَّتُّ بِهِ: ادَّهَنْتُ. وزِتُّ القَومَ: جعلتُ أَديمهم الزَّيتَ. وزَيَّتُّهم إِذا زَوَّدْتَهم الزيتَ. وزاتَ القومَ يَزيتُهم زَيْتاً: أَطعمهم الزيتَ؛ هَذِهِ رِوَايَةٌ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وأَزاتُوا: كثُر عِنْدَهُمُ الزيتُ، عَنْهُ أَيضاً، قَالَ: وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ هَذَا إِذا أَردت أَطعمتهم، أَو وَهَبْتَ لَهُمْ، قُلْتَه: فَعَلْتهم، وإِذا أَردتَ أَنَّ ذَلِكَ قَدْ كثُر عِنْدَهُمْ، قلتَ: قَدْ أَفْعَلُوا. وازْداتَ فلانٌ إِذا ادَّهَنَ بالزَّيْتِ، وَهُوَ مُزْداتٌ؛ وَتَصْغِيرُهُ بِتَمَامِهِ: مُزَيْتِيتٌ. وَجَاؤُوا يَسْتَزِيتون أَي يَسْتَوْهِبُون الزيتَ.
فصل السين المهملة
سأت: سَأَتَه يَسْأَتُه سأْتاً: خَنَقه بشدَّة، وَقِيلَ: إِذا خَنَقه حَتَّى يَقْتُلَهُ. الْفَرَّاءُ: السَّأَتانِ جَانِبَا الحُلْقوم، حَيْثُ يَقَعُ فِيهِمَا أَصْبَعَا الْخَانِقِ، وَالْوَاحِدُ سأَتٌ، بِالْفَتْحِ وَالْهَمْزِ.
سبت: السِّبْتُ، بِالْكَسْرِ: كلُّ جلدٍ مَدْبُوغٍ، وَقِيلَ: هُوَ المَدْبُوغ بالقَرَظِ خاصَّةً؛ وخَصَّ بعضُهم بِهِ جُلودَ البَقر، مَدْبُوغَةً كَانَتْ أَم غيرَ مَدْبُوغَةٍ. ونِعالٌ سِبْتِيَّة: لَا شَعَرَ عَلَيْهَا. الْجَوْهَرِيُّ: السِّبْتُ، بِالْكَسْرِ، جُلُودُ الْبَقَرِ المدبوغةُ بالقَرَظ، تُحْذَى مِنْهُ النِّعالُ السِّبْتِيَّة. وخرَج الحجاجُ يَتَوَذَّفُ فِي سِبْتِيَّتَيْنِ لَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رأَى رَجُلًا يَمْشِي بَيْنَ الْقُبُورِ فِي نَعْلَيْه، فَقَالَ: يَا صاحب السِّبْتَيْنِ، اخْلَعْ سِبْتَيْكَ.
قَالَ الأَصمعي: السِّبْتُ الجِلْدُ المدبوغُ، قَالَ: فإِن كَانَ عَلَيْهِ شَعَرٌ، أَو صُوفٌ، أَو وَبَرٌ، فَهُوَ مُصْحَبٌ. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: النِّعَالُ السِّبْتِيَّة هِيَ الْمَدْبُوغَةُ بالقَرَظ. قَالَ الأَزهري: وَحَدِيثُ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَدُلّ عَلَى أَن السِّبْتَ مَا لَا شَعْرَ عَلَيْهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن عُبَيْدَ بْنَ جُرَيْج قَالَ لِابْنِ عُمَرَ: رأَيْتُكَ تَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ، فَقَالَ: رأَيتُ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَلْبَسُ النِّعال الَّتِي لَيْسَ عَلَيْهَا شَعَرٌ، ويتوضأُ فِيهَا، فأَنا أُحِبُّ أَن أَلْبَسَها
؛ قَالَ: إِنما اعْتَرَضَ(2/36)
عَلَيْهِ، لأَنها نِعَالُ أَهل النعْمة والسَّعَةِ. قَالَ الأَزهري: كأَنها سُمِّيَتْ سِبْتِيَّةً، لأِنَّ شَعْرَهَا قَدْ سُبِتَ عَنْهَا أَي حُلِقَ وأُزِيلَ بعِلاج مِنَ الدِّبَاغِ، مَعْلُومٍ عِنْدَ دَبَّاغِيها. ابْنُ الأَعرابي: سَمِّيَتِ النِّعَالُ الْمَدْبُوغَةُ سِبْتِيَّة، لِأَنها انْسَبَتَت بِالدِّبَاغِ أَي لانَتْ. وَفِي تَسْمِيَةِ النَّعْلِ المُتَّخَذَة مِنَ السِّبْت سِبْتاً اتساعٌ، مِثْلُ قَوْلِهِمْ: فُلَانٌ يَلْبَسُ الصوفَ والقُطْنَ والإِبْرَيْسَمَ أَي الثِّيَابَ المُتَّخَذَة مِنْهَا. وَيُرْوَى: السِّبْتِيَّتَيْن، عَلَى النَّسب، وإِنما أَمره بالخَلْع احْتراماً لِلْمَقَابِرِ، لِأَنه يَمْشِي بَيْنَهَا؛ وَقِيلَ: كَانَ بِهَا قَذَر، أَو لاخْتياله فِي مَشْيِه. والسَّبْتُ والسُّباتُ: الدَّهْرُ. وابْنا سُباتٍ: اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ؛ قَالَ ابْنُ أَحمر:
فكُنَّا وَهُمْ كابْنَيْ سُباتٍ تَفَرَّقا ... سِوًى، ثُمَّ كَانَا مُنْجِداً وتِهامِيَا
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ذَكَرَ أَبو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ حَبِيبٍ أَن ابْنَيْ سُباتٍ رجلانِ، رأَى أَحدُهما صاحبَه فِي الْمَنَامِ، ثُمَّ انْتَبَه، وأَحدُهما بنَجْدٍ وَالْآخَرُ بِتهامة. وَقَالَ غَيْرُهُ: ابْنَا سُبات أَخوانِ، مَضَى أَحدُهما إِلى مَشْرِقِ الشمسِ لِيَنْظُرَ مِنْ أَين تَطْلُعُ، وَالْآخَرُ إِلى مَغْرِبِ الشمسِ لِيَنْظُرَ أَين تَغْرُبُ. والسَّبْتُ: بُرْهةٌ مِنَ الدَّهْرِ؛ قَالَ لَبِيدٍ:
وغَنِيتُ سَبْتاً قبلَ مَجْرَى داحِسٍ، ... لَوْ كَانَ، للنَّفْسِ اللَّجُوجِ، خُلودُ
وأَقَمْتُ سَبْتاً، وسَبْتَةً، وسَنْبَتاً، وسَنْبَتَةً أَي بُرْهةً. والسَّبْتُ: الراحةُ. وسَبَتَ يَسْبُتُ سَبْتاً: اسْتَراحَ وسَكَنَ. والسُّباتُ: نَوْمٌ خَفِيّ، كالغَشْيَةِ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: السُّباتُ ابتداءُ النَّوْمِ فِي الرأْس حَتَّى يَبْلُغَ إِلى الْقَلْبِ. وَرَجُلٌ مَسْبُوتٌ، مِنَ السُّباتِ، وَقَدْ سُبِتَ، عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
وتَرَكَتْ راعِيَها مَسْبوتا، ... قَدْ هَمَّ، لَمَّا نَامَ، أَنْ يَمُوتَا
التَّهْذِيبِ: والسَّبْتُ السُّباتُ؛ وأَنشد الأَصمعي:
يُصْبِحُ مَخْمُوراً، ويُمْسِي سَبْتا
أَي مَسْبُوتاً. والمُسْبِتُ: الَّذِي لَا يَتَحَرَّكُ، وَقَدْ أَسْبَتَ. وَيُقَالُ: سُبِتَ المريضُ، فَهُوَ مَسْبُوت. وأَسْبَتَ الحَيَّةُ إِسْباتاً إِذا أَطْرَقَ لَا يَتَحَرَّكُ، وَقَالَ:
أَصَمُّ أَعْمَى، لَا يُجِيب الرُّقَى، ... مِنْ طُولِ إِطْرَاقٍ وإِسْباتِ
والمَسْبُوتُ: المَيِّتُ والمَغْشِيُّ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْعَلِيلُ إِذا كَانَ مُلْقىً كَالنَّائِمِ يُغَمِّضُ عَيْنَيْهِ فِي أَكثر أَحواله، مَسْبُوتٌ. وَفِي حَدِيثِ
عَمْرِو بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ لِمُعَاوِيَةَ: مَا تَسْأَلُ عَنْ شَيْخٍ نومُه سُباتٌ، وليلُه هُباتٌ؟
السُّباتُ: نَوْمُ المريضِ والشيخِ المُسِنِّ، وَهُوَ النَّومةُ الخَفيفة، وأَصْلُه مِنَ السَّبْتِ، الراحةِ والسُّكونِ، أَو مِنَ القَطْع وتَرْكِ الأَعْمال. والسُّباتُ: النَّومُ، وأَصْلُه الراحةُ، تَقُولُ مِنْهُ: سَبَتَ يَسْبُتُ، هَذِهِ بِالضَّمِّ وَحْدَهَا. ابْنُ الأَعرابي فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً
أَي قِطَعاً؛ والسَّبْتُ: القَطْع، فكأَنه إِذا نَامَ، فَقَدِ انْقَطَعَ عَنِ النَّاسِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: السُّباتُ أَن يَنْقَطِعَ عَنِ الْحَرَكَةِ، والروحُ فِي بَدَنِهِ، أَي جَعَلْنَا نَوْمَكُمْ رَاحَةً لَكُمْ. والسَّبْتُ: مِنْ أَيام الأُسبوع، وإِنما سُمِّيَ السابعُ مِنْ(2/37)
أَيام الأُسبوع سَبْتاً، لأَن اللَّهَ تَعَالَى ابتدأَ الْخَلْقَ فِيهِ، وَقَطَعَ فِيهِ بعضَ خَلْق الأَرض؛ وَيُقَالُ: أَمر فِيهِ بَنُو إِسرائيل بِقَطْعِ الأَعمال وَتَرْكِهَا؛ وَفِي الْمُحْكَمِ: وإِنما سُمِّيَ سَبْتاً، لِأَن ابْتِدَاءَ الْخَلْقِ كَانَ مِنْ يَوْمِ الأَحد إِلى يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي السَّبْتِ شَيْءٌ مِنَ الْخَلْقِ، قَالُوا: فأَصبحتْ يومَ السَّبْتِ مُنْسَبِتَةً أَي قَدْ تَمَّتْ، وانْقَطَع العملُ فِيهَا؛ وَقِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَن الْيَهُودَ كَانُوا يَنْقَطِعون فِيهِ عَنِ الْعَمَلِ وَالتَّصَرُّفِ، وَالْجَمْعُ أَسبُتٌ وسُبُوتٌ. وَقَدْ سَبَتُوا يَسْبِتُون ويَسْبُتون، وأَسْبَتُوا: دخَلُوا فِي السَّبْتِ. والإِسْباتُ: الدخولُ فِي السَّبْتِ. والسَّبْتُ: قيامُ الْيَهُودِ بأَمر سُنَّتِها. قَالَ تَعَالَى: وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ
. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً، والنَّوْمَ سُباتاً
؛ قَالَ: قَطْعاً لأَعْمالكم. قَالَ: وأَخطأَ مَنْ قَالَ: سُمِّيَ السَبْتَ، لِأَن اللَّهَ أَمر بَنِي إِسرائيل فِيهِ بِالِاسْتِرَاحَةِ؛ وخَلَق هُوَ، عَزَّ وَجَلَّ، السَّمَاوَاتِ والأَرضَ فِي سِتَّةِ أَيام، آخِرُهَا يَوْمُ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ اسْتَرَاحَ وَانْقَطَعَ الْعَمَلُ، فَسُمِّيَ السابعُ يَوْمَ السَّبْتِ. قَالَ: وَهَذَا خطأٌ لأَنه لَا يُعلم فِي كَلَامِ الْعَرَبِ سَبَتَ، بِمَعْنَى اسْتَراح، وإِنما مَعْنَى سَبَتَ: قَطَعَ، وَلَا يُوصَفُ اللَّهُ، تَعَالَى وتَقَدَّس، بِالِاسْتِرَاحَةِ، لأَنه لَا يَتْعَبُ، وَالرَّاحَةُ لَا تَكُونُ إِلا بَعْدَ تَعَبٍ وشَغَلٍ، وَكِلَاهُمَا زَائِلٌ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ: وَاتَّفَقَ أَهل الْعِلْمِ عَلَى أَن اللَّهَ تَعَالَى ابتدأَ الْخَلْقَ يَوْمَ السَّبْت، وَلَمْ يَخْلُقْ يومَ الْجُمُعَةِ سَمَاءً وَلَا أَرضاً. قَالَ الأَزهري: وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا قَالَ، مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ التُّربةَ يومَ السَّبْت، وَخَلَقَ الْحِجَارَةَ يَوْمَ الأَحد، وَخَلَقَ السَّحَابَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وخَلَق الكُرومَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، وَخَلَقَ الْمَلَائِكَةَ يَوْمَ الأَربعاء، وَخَلَقَ الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَخَلَقَ آدَمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ وَغُرُوبِ الشَّمْسِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
فَمَا رأَينا الشمسَ سَبْتاً
؛ قِيلَ: أَراد أُسبوعاً مِنَ السَّبْت إِلى السَّبْت، فأَطلق عَلَيْهِ اسْمَ الْيَوْمِ، كَمَا يُقَالُ: عِشْرُونَ خَرِيفًا، ويرادُ عِشْرُونَ سَنَةً؛ وَقِيلَ: أَراد بالسَّبْتِ مُدَّةً مِنَ الأَزمان، قَلِيلَةً كَانَتْ أَو كَثِيرَةً. وَحَكَى ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: لَا تَكُ سَبْتِيًّا أَي مِمَّنْ يَصُومُ السَّبْتَ وَحْدَهُ. وسَبَتَ عِلاوَتَه: ضَرَبَ عُنُقَه. والسَّبْتُ: السَّيْرُ السَّرِيعُ؛ وأَنشد لِحُمَيْدِ بْنِ ثَوْرٍ:
ومَطْوِيَّةِ الأَقْرَابِ، أَما نَهارُها ... فسَبْتٌ، وأَما ليلُها فزَمِيلُ
وسَبَتَت الناقةُ تَسْبِتُ سَبْتاً، وَهِيَ سَبُوتٌ. والسَّبْت: سَيْر فَوْقَ العَنَقِ؛ وَقِيلَ: هُوَ ضَرْبٌ مِنَ السَّيْر، وَفِي نُسْخَةٍ: سَيْرُ الإِبل؛ قَالَ رؤْبة:
يَمْشِي بِهَا ذُو المِرَّةِ السَّبُوتُ، ... وهْوَ مِنَ الأَيْنِ حَفٍ نَحِيتُ
والسَّبْتُ أَيضاً: السَّبْقُ فِي العَدْوِ. وَفَرَسٌ سَبْتٌ إِذا كَانَ جَوَادًا، كَثِيرَ العَدْو. والسَّبْت: الحَلْقُ، وَفِي الصِّحَاحِ: حَلْقُ الرأْس. وسَبَتَ رأْسَهُ وشعرَه يسْبُتُه سَبْتاً، وسَلَتَه، وسَبَدَه: حَلَقَه؛ قَالَ: وسَبَدَه إِذا أَعْفَاه، وَهُوَ مِنَ الأَضدادِ. وسَبَتَ الشيءَ سَبْتاً وسَبَّتَه: قَطَعَه، وخَصَّ بِهِ اللِّحْيَانِيُّ الأَعناقَ. وسَبَتَت اللُّقْمةُ حَلْقي وسَبَّتَتْه: قَطَعَتْه، وَالتَّخْفِيفُ أَكثر. والسَّبْتاء مِنَ الأَرض: كالصَّحْراء، وَقِيلَ: أَرض سَبْتاء، لَا شَجَرَ فِيهَا. أَبو زَيْدٍ: السَّبْتاء الصَّحْرَاءُ، وَالْجَمْعُ سَباتي وَسَبَاتَى. وأَرضٌ سَبْتاء: مُستَوِية.(2/38)
وانْسَبَتَتِ الرُّطَبة: جَرَى فِيهَا كُلِّهَا الإِرْطابُ. وانْسَبَتَ الرُّطَبُ: عَمَّه كلَّه الإِرْطابُ. ورُطَبٌ مُنسبِتٌ عَمَّه الإِرْطابُ. وانْسَبَتَتِ الرُّطَبَةُ أَي لانَتْ. ورُطَبةٌ مُنْسَبِتَةٌ أَي لَيِّنة؛ وَقَالَ عَنْتَرَةُ:
بَطَلٌ كأَنَّ ثِبابَه فِي سَرْحَةٍ، ... يُحْذَى نِعالَ السِّبْتِ، لَيْسَ بتَوأَمِ
مَدَحَهُ بأَربع خِصَالٍ كِرَامٍ: إِحداها أَنه جَعَلَهُ بَطَلًا أَي شُجَاعًا، الثَّانِيَةُ أَنه جَعَلَهُ طَوِيلًا، شَبَّهَهُ بالسَّرْحة، الثَّالِثَةُ أَنه جَعَلَهُ شَرِيفًا، للُبْسه نِعالَ السِّبْتِ، الرَّابِعَةُ أَنه جَعَلَهُ تامَّ الخَلْق نَامِيًا، لِأَن التَّوْأَم يَكُونُ أَنْقَصَ خَلْقاً وقوَّة وعَقْلًا وخُلُقاً. والسَّبْتُ: إِرسال الشَّعَرِ عَنِ العَقْصِ. والسُّبْتُ والسَّبْتُ: نَبات شِبْه الخِطْمِيِّ، الأَخيرة عَنْ كُرَاعٍ؛ أَنشد قُطْرُبٌ:
وأَرْضٍ يَحارُ بِهَا المُدْلِجُونْ، ... تَرَى السُّبْتَ فِيهَا كرُكنِ الكَثِيبْ
وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: السِّبِتُّ نَبْتٌ، معرَّب مِنْ شِبِتٍّ؛ قَالَ: وَزَعَمَ بَعْضُ الرُّوَاةِ أَنه السَّنُّوتُ. والسَّبَنْتَى والسَّبَنْدَى: الجَرِيء المُقْدِم مِن كُلِّ شَيْءٍ، وَالْيَاءُ للإِلحاق لَا للتأْنيث، أَلا تَرَى أَن الْهَاءَ تَلْحَقُهُ وَالتَّنْوِينُ، وَيُقَالُ: سَبَنْتاة وسَبَنْداة؟ قَالَ ابْنُ أَحمر يَصِفُ رَجُلًا:
كأَنَّ الليلَ لَا يَغْسُو عَلَيْهِ، ... إِذا زَجَرَ السَّبَنْتَاةَ الأَمُونَا
يَعْنِي النَّاقَةَ. والسَّبَنْتَى: النَّمِرُ، ويُشْبِهُ أَن يكونَ سُمِّيَ بِهِ لجُرْأَتِه؛ وَقِيلَ: السَّبَنْتَى الأَسَدُ، والأُنثى بِالْهَاءِ؛ قَالَ الشَّمَّاخُ يَرْثِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
جَزَى اللَّهُ خَيْرًا مِنْ إِمامٍ، وبارَكَتْ ... يَدُ اللَّه فِي ذاكَ الأَدِيمِ المُمَزَّقِ
وَمَا كنتُ أَخْشَى أَن تكونَ وفَاتُه ... بكَفَّيْ سَبَنْتَى، أَزْرَقِ العَيْنِ، مُطْرِقِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْبَيْتُ لمُزَرِّدٍ «3» ، أَخي الشَّماخ. يَقُولُ: مَا كنتُ أَخْشَى أَن يَقْتُلَهُ أَبو لُؤْلُؤَةَ، وأَن يَجْتَرِئَ عَلَى قَتْلِهِ. والأَزْرَقُ: العَدُوُّ، وَهُوَ أَيضاً الَّذِي يَكُونُ أَزْرَقَ الْعَيْنِ، وَذَلِكَ يَكُونُ فِي العَجَم. والمُطْرِقُ: المُسْتَرْخي الْعَيْنِ. وَقِيلَ: السَّبَنْتَاة اللَّبُؤَةُ الجَريئة؛ وَقِيلَ: النَّاقَةُ الجَريئة الصَّدْرِ، وَلَيْسَ هَذَا الأَخير بِقَوِيٍّ، وَجَمْعُهَا سَبانتُ، وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَجْمَعُهَا سَباتَى؛ وَيُقَالُ للمرأَة السَّلِيطة: سَبَنْتَاة؛ وَيُقَالُ: هِيَ سَبَنْتَاةٌ فِي جِلْدِ حَبَنْداة.
سبخت: سُبُّخْتٌ: لَقَبُ أَبي عُبَيْدَةَ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
فَخُذْ مِن سَلْح كَيْسانٍ، ... ومِنْ أَظْفَارِ سُبُّخْتِ
سبرت: السُّبْرُوتُ: الشَّيْءُ الْقَلِيلُ. مالٌ سُبْرُوتٌ: قَلِيلٌ. والسُّبْرُتُ، والسُّبْرُوتُ، والسِّبْرِيتُ، والسِّبْراتُ: الْمُحْتَاجُ المُقِلُّ؛ وَقِيلَ: الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ. وَهُوَ السِّبْرِيتةُ، والأُنثى سِبْرِيتة أَيضاً. والسُّبْرُوتُ أَيضاً: المُفْلِسُ؛ وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: رَجُلٌ سُبْرُوتٌ وسِبْرِيتٌ، وامرأَةٌ سُبْرُوتَةٌ وسِبْريتةٌ إِذا كَانَا فَقِيرَيْنِ، مِن رِجَالٍ ونساء سَبارِيتَ،
__________
(3) . قوله [البيت لمزرد] تبع في ذلك أَبا رياش. قال الصاغاني وليس له أَيضاً. وقال أَبو محمد الأَعرابي إنه لجزء أَخي الشماخ وهو الصحيح. وقيل إن الجن قد ناحت عليه بهذه الأبيات.(2/39)
وَهُمُ الْمَسَاكِينُ وَالْمُحْتَاجُونَ. الأَصمعي: السُّبْرُوتُ الْفَقِيرُ. والسُّبْرُوت: الشَّيْءُ التَّافِهُ القَليلُ. والسُّبْروت: الْغُلَامُ الأَمْرد. والسُّبْرُوتُ: الأَرض الصَّفْصَف؛ وَفِي الصِّحَاحِ: الأَرضُ القَفْر. والسُّبْرُوتُ: الْقَاعُ لَا نَبات فِيهِ؛ وأَرْضٌ سِبْراتٌ، وسِبْريتٌ، وسُبْرُوتٌ: لَا نَبَاتَ بِهَا؛ وَقِيلَ: لَا شَيْءَ فِيهَا، وَالْجَمْعُ سَباريتُ وسَبارٍ؛ الأَخيرة نَادِرَةٌ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الأَصمعي: أَرض بَنِي فُلَانٍ سُبرُوتٌ وسِبْريتٌ، لَا شَيْءَ فِيهَا. وَحَكَى: أَرضٌ سَباريتُ، كأَنه جَعَلَ كلَّ جُزء مِنْهَا سُبْرُوتاً، أَو سِبْرِيتاً. أَبو عُبَيْدٍ: السَّباريتُ الفَلَواتُ الَّتِي لَا شَيْءَ بِهَا؛ الأَصمعي: السَّباريتُ الأَرض الَّتِي لَا يَنْبُتُ فِيهَا شَيْءٌ، وَمِنْهَا سُمِّيَ الرَّجُلُ المُعْدِم سُبْرُوتاً؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
يَا ابْنَةَ شَيْخٍ مَا لَه سُبْرُوتُ
والسُّبْرُوت: الطويلُ.
ستت: التَّهْذِيبِ، اللَّيْثُ: السِّتُّ والسِّتَّة فِي التأْسيس عَلَى غَيْرِ لَفْظَيْهِمَا، وَهُمَا فِي الأَصل سِدْسٌ وسِدْسَةٌ، وَلَكِنَّهُمْ أَرادوا إِدغام الدَّالِ فِي السِّينِ، فَالْتَقَيَا عِنْدَ مَخْرَج التَّاءِ، فغَلَبَتْ عَلَيْهَا كَمَا غَلَبَتِ الحاءُ عَلَى الْعَيْنِ فِي لُغَةِ سَعْد، فَيَقُولُونَ: كنتُ مَحَهُمْ، فِي مَعْنَى مَعَهُم. وَبَيَانُ ذَلِكَ: أَنك تُصَغِّرُ سِتَّةً سُدَيْسةً، وَجَمِيعُ تَصْغِيرِهَا عَلَى ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الأَسداس. ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ جاءَ فُلَانٌ خَامِسًا وَخَامِيًا، وَسَادِسًا وَسَادِيًا وَسَاتًّا؛ وأَنشد:
إِذا مَا عُدَّ أَربعةٌ فِسالٌ، ... فزَوْجُكِ خامِسٌ، وأَبوكِ سَادِي
قَالَ: فَمَنْ قَالَ سَادِسًا، بَنَاهُ عَلَى السِّدْسِ، ومَن قَالَ سَاتًّا بَنَاهُ عَلَى لَفْظِ سِتَّة وسِتٍّ، والأَصْلُ سِدْسَة، فأَدغموا الدَّالَ فِي السِّينِ، فَصَارَتْ تَاءً مُشَدَّدَةً؛ وَمَنْ قَالَ سَادِيًا وخامِياً، أَبدل مِنَ السِّينِ يَاءً؛ وَقَدْ يُبَدِّلُونَ بَعْضَ الْحُرُوفِ يَاءً، كَقَوْلِهِمْ فِي إِما إِيما، وَفِي تَسَنَّن تَسَنَّى، وَفِي تَقَضَّضَ تَقَضَّى، وَفِي تَلَعَّعَ تَلَعَّى، وَفِي تَسَرَّرَ تَسَرَّى. الْكِسَائِيُّ: كَانَ القومُ ثَلَاثَةً فرَبَعْتُهم أَي صِرْتُ رابعَهم، وَكَانُوا أَربعة فَخَمَسْتُهم، وَكَذَلِكَ إِلى الْعَشَرَةِ، وَكَذَلِكَ إِذا أَخذتَ الثُّلُثَ مِنْ أَموالهم، أَو السُّدُسَ، قلتَ: ثَلَثْتهم، وَفِي الرُّبُع: رَبَعْتُهم، إِلى العُشْر؛ فإِذا جِئْتَ إِلى يَفْعل، قُلْتَ فِي الْعَدَدِ: يَخْمِسُ ويَثْلِثُ إِلى العَشْر إِلّا ثَلَاثَةَ أَحرف، فإِنها بِالْفَتْحِ فِي الْحَدَّيْنِ جَمِيعًا، يَرْبَعُ ويَسْبَعُ ويَتْسَعُ؛ وَتَقُولُ فِي الأَموال: يَثْلُث ويَخْمُس ويَسْدُسُ، بِالضَّمِّ، إِذا أَخذت ثُلُثَ أَموالهم، أَو خُمْسَها، أَو سُدْسَها؛ وَكَذَلِكَ عَشَرَهُمْ يَعْشُرهم إِذا أَخَذ مِنْهُمُ العُشْرَ، وعَشَرَهم يَعْشِرُهُمْ إِذا كَانَ عاشِرَهم. الأَصمعي: إِذا أَلْقَى البَعِيرُ السِّنَّ التي بعد الرَّباعِيَةِ، وَذَلِكَ فِي السَّنةِ الثامنةِ، فَهُوَ سَدَسٌ وسَديسٌ، وَهُمَا فِي الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ، بِغَيْرِ هَاءٍ. ابْنُ السِّكِّيتِ: تَقُولُ عِنْدِي سِتَّةُ رجالٍ وسِتُّ نِسْوةٍ، وَتَقُولُ: عِنْدِي ستةُ رجالٍ ونِسْوةٍ أَي عِنْدِي ثلاثةٌ مِنْ هَؤُلَاءِ، وثلاثٌ مِنْ هَؤُلَاءِ؛ وإِن شِئْتَ قُلْتَ: عِنْدِي ستةٌ رِجَالٍ ونِسْوةٌ، فَنَسَقْتَ بِالنِّسْوَةِ عَلَى السِّتَّةِ أَي عِنْدِي ستةٌ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَعِنْدِي نسوةٌ. وَكَذَلِكَ كلُّ عَدَدٍ احْتَمَلَ أَن يُفْرَدَ مِنْهُ جمعانِ، مِثْلَ السِّتِّ والسَّبْع وَمَا فَوْقَهُمَا، فَلَكَ فِيهِ الْوَجْهَانِ؛ فإِن كَانَ عَدَدٌ لَا يَحْتَمِلُ أَن يُفْرَدَ مِنْهُ جَمْعَانِ، مِثْلَ الخَمْسِ والأَرْبَعِ والثلاثِ، فَالرَّفْعُ لَا غَيْرَ، تَقُولُ:(2/40)
عِنْدِي خمسةُ رِجَالٍ ونِسوةٌ، وَلَا يَكُونُ الخَفْضُ، وَكَذَلِكَ الأَربعة وَالثَّلَاثَةُ، وَهَذَا قَوْلُ جَمِيعِ النَّحْوِيِّينَ. والسِّتُّون: عَقْدٌ بَيْنَ عَقْدَي الْخَمْسِينَ وَالسَّبْعِينَ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى غَيْرِ لفظِ واحِده، والأَصلُ فِيهِ السِّتُّ؛ تَقُولُ: أَخذتُ مِنْهُ سِتِّينَ دِرْهَمًا. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن سَعْداً خَطَبَ امرأَةً بِمَكَّةَ، فَقِيلَ لَهُ إِنها تَمْشِي عَلَى سِتٍّ إِذا أَقْبَلَتْ، وَعَلَى أَربع إِذا أَدْبَرَتْ
؛ يَعْنِي بالسِّتِّ يَدَيْهَا وثَدْيَيْها ورِجْلَيها أَي أَنها لعِظَم ثَدْيَيْهَا وَيَدَيْهَا، كأَنها تَمْشِي مُكِبَّةً، والأَربعُ رِجْلَاهَا وأَليتاها، وأَنهما كَادَتَا تَمَسَّان الأَرضَ لِعِظَمِهِمَا، وَهِيَ بنتُ غَيْلانَ الثَّقَفِيَّةُ الَّتِي قِيلَ فِيهَا تُقْبِلُ بأَربع وتُدْبِرُ بثَمانٍ، وَكَانَتْ تحتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مُعْظَمَ هَذِهِ التَّرْجَمَةَ فِي تَرْجَمَةِ سَدَسَ. ابْنُ الأَعرابي: السَّتُّ الكلامُ القبيحُ، يُقَالُ: سَتَّه وسَدَّه إِذا عَابَهُ. والسَّدُّ: العَيْبُ. وأَما اسْتٌ، فَيُذْكَرُ فِي بَابِ الْهَاءِ، لأَن أَصلها سَتَهٌ، بالهاء، والله أَعلم.
سجست: سِجْسَتانُ وسَجِسْتانُ: كُورَةٌ مَعْرُوفَةٌ، وَهِيَ فَارِسِيَّةٌ، ذَكَرَهُ ابْنُ سِيدَهْ فِي الرُّبَاعِيِّ.
سحت: السُّحْتُ والسُّحُتُ: كلُّ حَرَامٍ قَبِيحِ الذِّكر؛ وَقِيلَ: هُوَ مَا خَبُثَ مِنَ المَكاسب وحَرُم فلَزِمَ عَنْهُ العارُ، وقَبيحُ الذِّكْر، كَثَمن الْكَلْبِ وَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، والجمعُ أَسْحاتٌ؛ وإِذا وَقَع الرجلُ فِيهَا، قِيلَ: قَدْ أَسْحَتَ الرجلُ. والسُّحْتُ: الحرامُ الَّذِي لَا يَحِلُّ كَسْبُه، لأَنه يَسْحَتُ البركةَ أَي يُذْهِبُها. وأَسْحَتَتْ تجارتُه: خَبُثَتْ وحَرُمَتْ. وسَحَتَ فِي تِجَارَتِهِ، وأَسْحَتَ: اكْتَسَبَ السُّحْتَ. وسَحَتَ الشيءَ يَسْحَتُه سَحْتاً: قَشَره قَلِيلًا قَلِيلًا. وسَحَتُّ الشَّحْمَ عَنِ اللَّحْمِ: قَشَرْتُه عَنْهُ، مِثْلَ سَحَفْتُه. والسَحْتُ: العذابُ. وسَحَتْناهم: بَلَغْنا مَجْهُودَهم فِي المَشَقَّة عَلَيْهِمْ. وأَسْحَتْناهم: لُغَةٌ. وأَسْحَتَ الرجلَ: اسْتَأْصَلَ مَا عِنْدَهُ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ
؛ قُرِئَ فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ
، ويَسْحَتَكم، بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْحَاءِ؛ ويُسْحِتُ: أَكثر. فيَسْحَتكم: يَقْشِركم؛ ويُسْحِتَكُمْ: يَسْتَأْصِلكم. وسَحَتَ الحَجَّامُ الخِتانَ سَحْتاً، وأَسْحَتَه: اسْتَأْصله، وَكَذَلِكَ أَغْدَفَه. يُقَالُ: إِذا خَتَنْتَ فلا تُغْدِفْ، وَلَا تُسْحِتْ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: سَحَتَ رأْسَه سَحْتاً وأَسْحَتَه: اسْتَأْصَلَه حَلْقاً. وأَسْحَتَ مالَه: اسْتَأْصَلَه وأَفْسَدَه؛ قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
وعَضّ زمانٍ، يَا ابنَ مَرْوانَ، لَمْ يَدَعْ ... مِنَ المالِ إِلَّا مُسْحَتاً، أَو مُجَلَّفُ
قَالَ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ سَحَتَ وأَسْحَتَ، وَيُرْوَى: إِلا مُسْحَتٌ أَو مُجَلَّف، ومَن رَوَاهُ كَذَلِكَ، جَعَلَ مَعْنَى لَمْ يَدَعْ، لَمْ يَتَقارَّ؛ وَمَنْ رَوَاهُ: إِلا مُسْحَتاً، جَعَلَ لَمْ يَدَعْ، بِمَعْنَى لَمْ يَتْرُكْ، وَرَفَعَ قَوْلَهُ: أَو مُجَلَّفٌ بإِضمارٍ، كأَنه قَالَ: أَو هُوَ مُجَلَّف؛ قَالَ الأَزهري: وَهَذَا هُوَ قَوْلُ الْكِسَائِيِّ. ومالٌ مَسْحُوتٌ ومُسْحَتٌ أَي مُذْهَبٌ. والسَّحِيتَةُ مِنَ السَّحاب: الَّتِي تَجْرُفُ مَا مَرَّتْ بِهِ. وَيُقَالُ: مالُ فلانٍ سُحْتٌ أَي لا شيء على من اسْتَهْلَكه؛ ودَمُه سُحْتٌ أَي لا شيء على من سَفَكه، واشتقاقُه مِنَ السَّحْتِ، وَهُوَ الإِهلاكُ والاسْتئصال. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَحْمَى لجُرَشَ حِمًى، وكَتَبَ لَهُمْ بِذَلِكَ كِتَابًا فِيهِ: فَمَنْ رَعاه مِنَ النَّاسِ فمالُه سُحْتٌ
أَي هَدَرٌ. وقرئَ: أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ
، مُثَقَّلًا ومخفَّفاً،(2/41)
وتأْويلُه أَن الرُّشَى الَّتِي يأْكلونها، يُعقِبُهم اللَّهُ بِهَا، أَن يُسْحِتَهم بِعَذَابٍ، كَمَا قَالَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً، فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ
. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ رَواحة وخَرْصِ النَّخْل،
أَنه قَالَ ليَهُودِ خَيْبَر، لَمَّا أَرادوا أَن يَرْشُوه: أَتُطْعِمُوني السُّحْتَ
أَي الحرامَ؛ سَمَّى الرَّشْوَةَ فِي الْحُكْمِ سُحْتاً. وَفِي الْحَدِيثِ:
يأْتي عَلَى النَّاسِ زمانٌ يُسْتَحَلُّ فِيهِ كَذَا وَكَذَا.
والسُّحْتُ: الهَدِيَّة أَي الرَّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ وَالشَّهَادَةِ وَنَحْوِهِمَا، ويَرِدُ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَكْرُوهِ مَرَّةً، وَعَلَى الْحَرَامِ أُخرى، ويُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِالْقَرَائِنِ، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ. وأُسْحِتَ الرجلُ، عَلَى صِيغَةِ فِعْلِ الْمَفْعُولِ: ذَهَبَ مالُه؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. والسَّحْتُ: شِدَّةُ الأَكْل والشُّرْب. وَرَجُلٌ سُحْتٌ وسَحِيتٌ ومَسْحُوتٌ: رَغِيبٌ، واسعُ الْجَوْفِ، لَا يَشْبَعُ. وَفِي الصِّحَاحِ: رَجُلٌ مَسْحُوتُ الجَوْف لَا يَشْبَعُ؛ وَقِيلَ: المَسْحوتُ الْجَائِعُ، والأُنثى مَسْحُوتة بِالْهَاءِ. وَقَالَ رُؤْبَةُ يَصِفُ يونسَ، صلواتُ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ، والحُوتَ الَّذِي الْتَهَمه:
يُدْفَعُ عَنْهُ جَوْفُه المَسْحُوتُ
يَقُولُ: نَحَّى اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ، جَوانِبَ جَوْفِ الحوتِ عَنْ يونُس وَجَافَاهُ عَنْهُ، فَلَا يُصِيبه مِنْهُ أَذًى؛ ومَن رَوَاهُ: [يَدْفَعُ عَنْهُ جَوْفُه المَسْحُوتُ] يُرِيدُ أَن جوفَ الحُوت صَارَ وِقَايَةً لَهُ مِنَ الغَرق، وإِنما دَفَع اللهُ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ الْفَرَجِ: سمعتُ شُجاعاً السُّلَمِيَّ يَقُولُ: بَرْدٌ بَحْتٌ، وسَحْتٌ، ولَحْتٌ أَي صَادِقٌ، مِثْلَ ساحةِ الدَّارِ وباحَتِها. والسُّحْلُوتُ: الماجِنَةُ.
سخت: السُّخْتُ: أَوّلُ مَا يَخْرُجُ مِنَ بَطْنِ ذِي الخُفِّ ساعةَ تَضَعُه أُمُّه، قَبْلَ أَن يَأْكُلَ، والعِقْيُ مِنَ الصَّبِيِّ سَاعَةَ يولَدُ، وَهُوَ مِنَ الْحَافِرِ الرَّدَجُ. والسُّخْتُ مِنَ السَّلِيل: بِمَنْزِلَةِ الرَّدَج، يَخْرُجُ أَصْفَر فِي عِظَم النَّعْل. واسْخاتَّ الجُرْحُ اسْخِيتاتاً: سَكَنَ ورَمُه. وَشَيْءٌ سَخْتٌ وسِخْتِيتٌ: صُلْبٌ دقيقٌ، وأَصله فَارِسِيٌّ. والسِّخْتِيتُ: دُقاقُ التُّرَابِ، وَهُوَ الغُبار الشديدُ الِارْتِفَاعِ؛ أَنشد يَعْقُوبُ:
جاءَتْ مَعاً، واطَّرَقَتْ شَتِيتَا، ... وَهِيَ تُثِيرُ الساطِعَ السِّخْتِيتَا
وَيُرْوَى: الشِّخْتِيتَا، وسيأْتي ذِكْرُهُ؛ وَقِيلَ: هُوَ دُقاق السَّويق؛ وَقِيلَ: هُوَ السَّويقُ الَّذِي لَا يُلَتُّ بالأُدْم. الأَصمعي: يُسَمَّى السَّويقُ الدُّقاقُ السِّخْتِيتَ، وَكَذَلِكَ الدَّقِيقُ الحُوَّارى: سِخْتِيتٌ. وكَذِبٌ سِخْتِيتٌ: خَالِصٌ؛ قَالَ رؤْبة:
هَلْ يُنْجِيَنِّي كَذِبٌ سِخْتِيتُ، ... أَو فِضَّةٌ، أَو ذَهَبٌ كِبْريتُ؟
أَبو عَمْرٍو وَابْنُ الأَعرابي: سِخْتِيتٌ، بِالْكَسْرِ، أَي شَدِيدٌ؛ وأَنشد لرؤْبة:
هَلْ يُنْجِيَنِّي حَلِفٌ سِخْتِيتُ
قَالَ أَبو علي: سِخْتِيتٌ مِنَ السَّخْتِ، كزِحْلِيلٍ مِنَ الزَّحْلِ. والسَّخْتُ: الشَّدِيدُ. اللِّحْيَانِيُّ: يُقَالُ هَذَا حَرٌّ سَخْتٌ لَخْتٌ أَي شَدِيدٌ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وهم ربما استعملوا بَعْضَ كَلَامِ الْعَجَمِ، كَمَا قَالُوا للمِسْحِ بِلاسٌ. أَبو عَمْرٍو: السِّخْتِيتُ الدَّقِيقُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ؛ وأَنشد:
وَلَوْ سَبَخْتَ الوَبَر العَمِيتَا،(2/42)
وبِعْتَهم طَحِينَك السِّخْتِيتَا، ... إِذَنْ رَجَوْنا لكَ أَن تَلُوتَا
اللَّوْتُ: الكِتمانُ. والسَّبْخُ: سَلُّ الصُّوفِ والقُطْنِ. التَّهْذِيبِ فِي النَّوَادِرِ: نَخَتَ فلانٌ لفلانٍ، وسَخَتَ لَهُ إِذا اسْتَقْصَى فِي القول.
سفت: سَفِتَ الماءَ والشَّرابَ، بِالْكَسْرِ، يَسْفَتُه سَفْتاً: أَكثر مِنْهُ، فَلَمْ يَرْوَ. وسَفِتُّ الْمَاءَ أَسْفَتُه سَفْتاً، كَذَلِكَ؛ وَكَذَلِكَ سَفِهْتُه وسَفِفْتُه. وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: السَّفِتُ الطعامُ الَّذِي لَا برَكة فِيهِ. والسِّفْتُ لُغَةٌ فِي الزفْت؛ عَنِ الزَّجَّاجِيِّ. واسْتَفَتَ الشيءَ: ذَهَب بِهِ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ.
سقت: سَقِتَ الطعامُ سَقْتاً وسَقَتاً، فَهُوَ سَقِتٌ: لَمْ تكن له بَرَكة.
سكت: السَّكْتُ والسُّكُوتُ: خلافُ النُّطْقِ؛ وَقَدْ سَكَتَ يَسْكُتُ سَكْتاً وسُكاتاً وسُكوتاً، وأَسْكَتَ. اللَّيْثُ: يُقَالُ سَكَتَ الصائتُ يَسْكُتُ سُكوتاً إِذا صَمَت؛ وَالِاسْمُ مِنْ سَكَت: السَّكْتةُ والسُّكْتةُ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وَيُقَالُ: تَكَلَّم الرجلُ ثُمَّ سَكَت، بِغَيْرِ أَلف، فإِذا انْقَطَعَ كلامُه فَلَمْ يَتَكَلَّمْ، قِيلَ: أَسْكَتَ؛ وأَنشد:
قَدْ رابَني أَنَّ الكَرِيَّ أَسْكَتا، ... لَوْ كَانَ مَعْنِيًّا بنَا لَهَيَّتا
وَقِيلَ: سَكَتَ تَعَمَّدَ السُّكُوتَ، وأَسْكَتَ: أَطْرَقَ مِنْ فِكْرة، أَو دَاءٍ، أَو فَرَق. وَفِي حَدِيثِ أَبي أُمامة:
وأَسْكَتَ واسْتَغْضَبَ ومَكَثَ طَوِيلًا
أَي أَعْرَضَ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ. وَيُقَالُ: ضَرَبْتُه حَتَّى أَسْكَتَ، وَقَدْ أَسْكَتَتْ حَرَكَتُه، فإِن طالَ سُكوتُه مِنْ شَرْبة أَو داءٍ، قِيلَ: بِهِ سُكات. وساكَتَني فَسَكتُّ، والسَّكْتَةُ، بِالْفَتْحِ: دَاءٌ. وأَخَذَهُ سَكْتٌ، وسَكْتةٌ، وسُكاتٌ، وَسَاكُوتَةٌ. وَرَجُلٌ ساكِتٌ، وسَكُوتٌ، وساكُوتٌ، وسِكِّيتٌ، وسِكْتِيتٌ؛ كَثِيرُ السُّكُوت. وَرَجُلٌ سَكْتٌ، بَيِّنُ السَّاكُوتةِ والسُّكُوتِ، إِذا كَانَ كثير السُّكُوت. ورجل سَكِتٌ: قليلُ الْكَلَامِ، فإِذا تَكَلَّمَ أَحسنَ. وَرَجُلٌ سَكِتٌ، وسِكِّيتٌ، وساكوتُ، وَسَاكُوتَةٌ إِذا كَانَ قَلِيلَ الْكَلَامِ مِنْ غَيْرِ عِيٍّ، فإِذا تَكَلَّم أَحْسَنَ. قَالَ أَبو زَيْدٍ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ قَيس يَقُولُ: هَذَا رَجُلٌ سِكْتِيتٌ، بِمَعْنَى سِكِّيتٍ. وَرَمَاهُ اللهُ بسُكاتةٍ وسُكاتٍ، وَلَمْ يُفَسّروه؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ وَعِنْدِي أَن مَعْنَاهُ: بهَمٍّ يُسْكِتُه، أَو بأَمْر يَسْكُت مِنْهُ. وأَصابَ فُلَانًا سُكاتٌ إِذا أَصابه دَاءٌ مَنَعَهُ مِنَ الْكَلَامِ. أَبو زَيْدٍ: صَمَتَ الرجلُ، وأَصْمَتَ، وسَكَتَ، وأَسْكتَ، وأَسْكَتَه اللهُ، وسَكَّته، بِمَعْنًى. ورَمَيْتُه بسُكاته أَي بِمَا أَسْكَتَه. ابْنُ سِيدَهْ: رَمَاهُ بصُماته وسُكاته أَي بِمَا صَمَتَ منه وسَكَتَ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وإِنما ذكرتُ الصُّماتَ، هَاهُنَا، لأَنه قَلَّمَا يُتَكَلَّم بسُكاته، إِلّا مَعَ صُماته، وسيأْتي ذِكْرُهُ فِي مَوْضِعِهِ، إِن شَاءَ اللَّهُ. وَفِي حَدِيثِ ماعزٍ:
فرمَيْناه بِجَلامِيدِ الحَرَّة حَتَّى سَكَت
أَي مَاتَ. والسُّكْتة، بِالضَّمِّ: مَا أُسْكِتَ بِهِ صَبِيٌّ أَو غَيْرُهُ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: مَا لَهُ سِكْتة لِعيالِه وسُكْتة أَي مَا يُطْعِمُهم فيُسْكتُهم بِهِ. والسَّكُوتُ مِنَ الإِبل: الَّتِي لَا تَرْغُو عِنْدَ الرَّحْلَة؛(2/43)
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَعني بالرَّحْلَةِ، هَاهُنَا، وَضْعَ الرَّحْلِ عَلَيْهَا؛ وَقَدْ سَكَتَتْ سُكُوتاً، وهُنَّ سُكُوتٌ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
يَلْهَمْنَ بَرْدَ مائِهِ سُكُوتَا، ... سَفَّ العَجُوزِ الأَقِطَ المَلْتُوتَا
قَالَ: وروايةُ أَبي العَلاء:
يَلْهَمْنَ بَرْدَ مائِه سُفُوتَا
مِنْ قَوْلِكَ: سَفِتَ الماءَ إِذا شَرِبَ مِنْهُ كَثِيرًا، فَلَمْ يَرْوَ؛ وأَراد باردَ مائِه، فَوَضَعَ الْمَصْدَرَ مَوْضِعَ الصِّفَةِ؛ كَمَا قَالَ:
إِذا شَكَوْنا سَنَةً حَسُوسَا، ... تَأْكُلُ بعدَ الخُضْرَةِ اليَبيسا
وحَيَّةٌ سَكُوتٌ وسُكاتٌ إِذا لَمْ يَشعُرْ بِهِ الْمَلْسُوعُ حَتَّى يَلْسَعَه؛ وأَنشد يَذْكُرُ رَجُلًا دَاهِيَةً:
فَمَا تَزْدَرِي مِنْ حَيَّةٍ جَبَلِيَّةٍ، ... سُكاتٍ، إِذا مَا عَضَّ لَيْسَ بأَدْرَدا
وَذَهَبَ بِالْهَاءِ إِلى تأْنيث لَفْظِ الْحَيَّةِ. والسَّكْتَة فِي الصَّلَاةِ: أَن يَسْكُتَ بَعْدَ الافْتِتاح، وَهِيَ تُسْتَحبُّ، وَكَذَلِكَ السَّكْتَة بَعْدَ الفَراغ مِنَ الْفَاتِحَةِ. التَّهْذِيبِ: السَّكْتَتان فِي الصلاةِ تُسْتَحَبَّانِ: أَن تَسْكُتَ بَعْدَ الِافْتِتَاحِ سَكْتةً، ثُمَّ تَفتَتِح الْقِرَاءَةَ، فإِذا فَرَغْتَ مِنَ الْقِرَاءَةِ، سَكَتَّ أَيضاً سَكْتَةً، ثُمَّ تَفْتَتح مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا تَقُولُ فِي إِسْكاتَتِك؟
قَالَ ابْنُ الأَثير: هِيَ إِفْعالة مِنَ السُّكوت، مَعْنَاهَا سُكوتٌ يَقْتَضِي بَعْدَهُ كَلَامًا، أَو قراءَةً مَعَ قِصَرِ المدَّة؛ وَقِيلَ: أَراد بِهَذَا السُّكوتِ تَرْكَ رَفْعِ الصَّوْت بِالْكَلَامِ، أَلا تَرَاهُ قَالَ: مَا تَقُولُ فِي إِسْكاتَتِك؟ أَي سُكوتِكَ عَنِ الجَهْر، دُونَ السُّكوت عَنِ القراءَة وَالْقَوْلِ. والسَّكْتُ: مِنْ أَصوات الأَلحان، شِبْهُ تَنَفُّسٍ بَيْنَ نَغْمَتين، وَهُوَ من السُّكوت. التهذيب: والسَّكْتُ مِنْ أُصول الأَلحان، شِبْهُ تَنَفُّسٍ بَيْنَ نَغْمَتين مِن غَيْرِ تَنَفُّسٍ، يُراد بِذَلِكَ فَصْلُ مَا بَيْنَهُمَا. وسَكَتَ الغَضَبُ: مِثْلُ سَكَنَ فَتَر. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ وَلَمَّا سَكَنَ؛ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَلَمَّا سَكَتَ موسَى عَنِ الغَضَبِ، عَلَى القَلب، كَمَا قَالُوا: أَدْخَلْتُ القَلَنْسُوة فِي رأْسي؛ وَالْمَعْنَى أَدْخَلْتُ رأْسي فِي القَلَنْسُوة. قَالَ: وَالْقَوْلُ الأَوّل الَّذِي مَعْنَاهُ سَكَنَ، هُوَ قَوْلُ أَهل الْعَرَبِيَّةِ. قَالَ: وَيُقَالُ سَكَتَ الرجلُ يَسْكُتُ سَكْتاً إِذا سَكَنَ؛ وسَكَتَ يَسْكُتُ سُكوتاً وسَكْتاً إِذا قَطَع الْكَلَامَ؛ وسَكَتَ الحَرُّ: اشْتَدَّ، ورَكَدَت الرِّيحُ. وأَسْكَتَتْ حَرَكَتُه: سَكَنَتْ. وأَسْكَتَ عَنِ الشَّيْءِ: أَعرَضَ. والسُّكَيْتُ والسُّكَّيْتُ، بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ: الَّذِي يَجِيءُ فِي آخِرِ الحَلْبة، آخِرَ الْخَيْلِ. اللَّيْثُ: السُّكَيْتُ مِثْلُ الكُمَيْتِ، خفيفٌ: العاشرُ الَّذِي يجيءُ فِي آخِرِ الْخَيْلِ، إِذا أُجْرِيَتْ، بَقِيَ مُسْكِتاً. وَفِي الصِّحَاحِ: آخِرُ مَا يجيءُ مِنَ الْخَيْلِ فِي الحَلْبة، مِنَ العَشْر الْمَعْدُودَاتِ؛ وَقَدْ يُشَدِّدُ، فَيُقَالُ السُّكَّيْتُ، وهو القاسُور والفِسْكِلُ أَيضاً، وَمَا جَاءَ بَعْدَهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: سُكَيْتٌ تَرْخِيمُ سُكَّيتٍ، يَعْنِي أَن تَصْغِيرَ سُكَّيْتٍ إِنما هُوَ سُكَيْكيتٌ، فإِذا رُخِّمَ، حُذفت زَائِدَتَاهُ. وسَكَتَ الفرسُ: جاءَ سُكَيْتاً.(2/44)
ورأَيتُ أَسْكاتاً مِنَ النَّاسِ أَي فِرَقاً مُتَفَرِّقَةً؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهَا وَاحِدًا؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هُمُ الأَوْباش، وَتَقُولُ: كُنْتُ عَلَى سُكَاتِ هَذِهِ الْحَاجَةِ أَي عَلَى شَرَفٍ مِنْ إِدراكها.
سلت: سَلَتَ المِعَى يَسْلِتُه سَلْتاً: أَخرجه بِيَدِهِ؛ والسُّلاتةُ: ما سُلِتَ مِنْهُ. وَفِي حَدِيثِ أَهل النَّارِ:
فيَنْفُذ الحَمِيم إِلى جَوْفِهِ، فَيَسْلِتُ مَا فِيهِ
أَي يَقْطَعُه ويستأْصله. والسَّلْتُ: قَبْضُكَ عَلَى الشَّيْءِ، أَصابه قَذَر ولَطْخٌ، فَتَسْلِتُه عَنْهُ سَلْتاً. وانْسَلَتَ عنَّا: انْسَلَّ مِن غَيْرِ أَن يُعْلَم بِهِ. وَذَهَبَ مِنِّي الأَمْرُ فَلْتَةً وسَلْتَةً أَي سَبَقَني وفاتَني. وسَلَتَ أَنْفَه بِالسَّيْفِ؛ وَفِي الْمُحْكَمِ: وسَلَتَ أَنْفَه يَسْلِتُه ويَسْلُته سَلْتاً: جَدَعَه. وَالرَّجُلُ أَسْلَتُ إِذا أُوعِبَ جَدْعُ أَنفه. والأَسْلَتُ: الأَجْدَع، وبه سمِّي الرجل، وأَبو قَيْس بْنُ الأَسْلَتِ الشاعرُ. وَفِي حَدِيثِ سَلْمَانَ:
أَن عُمَرَ قَالَ مَن يأْخذها بِمَا فِيهَا؟ يَعْنِي الْخِلَافَةَ، فَقَالَ سَلْمَانُ: مَن سَلَتَ اللهُ أَنفَه
أَي جَدَعَه وقَطَعَه. وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وأَزْدِ عُمانَ:
سَلَتَ اللهُ أَقدامَها
أَي قَطَعَها. وسَلَتَ يدَه بالسيف: قَطَعَها. يقال: سَلَتَ فلانٌ أَنف فلانٍ بِالسَّيْفِ سَلْتاً إِذا قطَعَه كُلَّه، وَهُوَ مِنَ الجُدْعانِ أَسْلَتُ. وسَلَتُّه مائةَ سَوْطٍ أَي جَلَدْتُهُ، مثلُ حَلَتُّه. وسَلَتَ دَمَ الْبَدَنَةِ: قَشَره بِالسِّكِّينِ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، هَكَذَا حَكَاهُ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنه قَشَر جِلْدَها بِالسِّكِّينِ حَتَّى أَظْهَر دَمها. وسَلَتَ شَعرَه: حَلَقه. وَرُوِيَ عَنِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنه لَعَنَ السَّلْتاء، والمَرْهاء
؛ السَّلْتاء مِنَ النِّسَاءِ: الَّتِي لَا تَخْتَضِبُ. وسَلَتَتِ المرأَةُ الخِضاب عَنْ يَدها إِذا مَسَحَتْهُ وأَلْقَتْه؛ وَفِي الصِّحَاحِ: إِذا أَلْقَتْ عَنْهَا العُصْمَ، والعُصْمُ: بقيةُ كُلِّ شَيْءٍ وأَثَرُه مِن القَطِرانِ والخِضابِ وَنَحْوِهِ. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وسُئِلَتْ عَنِ الخِضاب، فَقَالَتْ: اسْلِتيه وأَرْغِمِيه.
وَفِي الْحَدِيثِ:
ثُمَّ سَلَتَ الدمَ عَنْهَا
أَي أَماطَهُ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ الله عنه: فَكَانَ يَحْمِلُه عَلَى عاتِقه، ويَسْلُتُ خَشَمَه
أَي مُخاطَه عن أَنفه؛ قَالَ
ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ مَرْوِيًّا عَنْ عُمَرَ، وأَنه كَانَ يَحْمِل ابنَ أَمَته مَرْجانةَ.
وأَخرجه
الْهَرَوِيُّ عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه كَانَ يَحْمِل الحُسَيْنَ عَلَى عَاتِقِهِ ويَسْلِتُ خَشَمه
؛ قَالَ: وَلَعَلَّهُ حَدِيثٌ آخَرَ. قَالَ: وأَصلُ السَّلْتِ القَطْعُ. وسَلَتَ رأْسَه أَي حَلَقه. ورأْس مَسْلوتٌ، ومَحَلْوُتٌ، ومَحْلُوقٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وسَلَتَ الحَلَّاقُ رأْسه سَلْتاً، وسَبَتَه سَبْتاً إِذا حَلَقَه. وسَلَتُّ القَصعةَ مِنَ الثَّرِيدِ إِذا مَسَحْتَه. والسُّلاتةُ: مَا يُؤْخَذُ بالإِصبع مِنْ جَوَانِبِ القَصْعة لتَنْظُف. يُقَالُ: سَلَتُّ الْقَصْعَةَ أَسْلُتها سَلْتاً. وَفِي الْحَدِيثِ:
أُمِرْنا أَن نَسْلُتَ الصَّحْفَة
أَي نَتَتَبَّعَ مَا بَقِيَ فِيهَا مِنَ الطَّعَامِ، ونَمْسَحَها بالأَصابِع. ومَرَةٌ سَلْتاء: لَا تَعَهَّدُ يَدَيها بالخِضابِ؛ وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي لَا تَخْتَضِبُ البتَّةَ. والسُّلْتُ، بِالضَّمِّ: ضَرْبٌ مِنَ الشَّعِيرِ؛ وَقِيلَ: هُوَ الشَّعِيرُ بِعَيْنِهِ؛ وَقِيلَ: هُوَ الشَّعِيرُ الْحَامِضُ؛ وَقَالَ اللَّيْثُ: السُّلْتُ شَعِيرٌ لَا قِشْرَ لَهُ أَجْرَدُ؛ زَادَ الْجَوْهَرِيُّ: كأَنه الْحِنْطَةُ؛ يَكُونُ بالغَوْر وَالْحِجَازِ،(2/45)
يَتَبَرَّدون بسَويقه فِي الصَّيْف. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه سُئِلَ عَنْ بَيْعِ البَيْضاء بالسُّلْتِ
؛ هُوَ ضَرْبٌ مِنَ الشَّعِيرِ أَبيضُ لَا قِشْرَ لَهُ؛ وَقِيلَ: هُوَ نَوْعٌ مِنَ الحِنْطة؛ والأَوّل أَصح، لأَن البيضاء الحنطة.
سلحت: السُّلْحُوتُ: الماجِنَةُ؛ قَالَ:
أَدْرَكْتُها تأْفِرُ دونَ العُنْتُوتْ، ... تِلْكَ الخَرِيعُ والهَلُوكُ السُّلْحوتْ
سلكت: السُّلْكُوتُ: طائر.
سمت: السَّمْتُ: حُسْنُ النَّحْو فِي مَذْهَبِ الدِّينِ، والفعلُ سَمَتَ يَسْمِتُ [يسمُت] سَمْتاً، وإِنه لحَسَنُ السَّمْت أَي حَسَنُ القَصْدِ والمَذْهَب فِي دِينِهِ ودنْياه. قَالَ الْفَرَّاءُ: يُقَالُ سَمَتَ لَهُمْ يَسْمِتُ سَمْتاً إِذا هَيَّأَ لَهُمْ وَجْهَ العَمَل ووَجْهَ الْكَلَامِ والرأْي، وَهُوَ يَسْمِتُ سَمْتَه أَي يَنْحُو نَحْوَه. وَفِي حَدِيثِ
حُذَيْفَةَ: مَا أَعْلَم أَحداً أَشْبَهَ سَمْتاً وهَدْياً وَدْلًا بِرَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ
؛ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ. قَالَ خَالِدُ بنُ جَنْبةَ: السَّمْتُ اتِّباعُ الحَقِّ والهَدْيِ، وحُسْنُ الجِوارِ، وقِلةُ الأَذِيَّةِ. قَالَ: ودَلَّ الرَّجلُ حَسُنَ حديثُه ومَزْحُه عِنْدَ أَهله. والسَّمْتُ: الطريقُ؛ يُقَالُ: الْزَمْ هَذَا السَّمْتَ؛ وَقَالَ:
ومَهْمَهَيْنِ قَذَفَيْنِ، مَرَّتَيْن، ... قَطَعْتُه بالسَّمْتِ، لَا بالسَّمْتَيْن
مَعْنَاهُ: قَطَعْتُه عَلَى طَرِيقٍ واحدٍ، لَا عَلَى طَريقَين؛ وَقَالَ: قَطَعْتُه، وَلَمْ يَقُلْ: قطَعْتُهما، لِأَنه عَنَى البلَد. وسَمْتُ الطريقِ: قَصْدُه. والسَّمْتُ: السَّيْرُ عَلَى الطَّريق بالظَّنّ؛ وَقِيلَ: هُوَ السَّيْرُ بالحَدْس وَالظَّنِّ عَلَى غَيْرِ طَرِيقٍ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
لَيْسَ بِهَا رِيعٌ لِسَمْتِ السَّامِتِ
وَقَالَ أَعرابيّ مِنْ قَيْسٍ:
سَوْفَ تَجوبِين، بغَير نَعْتِ، ... تَعَسُّفاً، أَو هَكَذَا بالسَّمْتِ
السَّمْتُ: القَصْدُ. والتَّعَسُّفُ: السَّير عَلَى غَيْرِ عِلْم، وَلَا أَثَرٍ. وسَمَتَ يَسْمُتُ، بِالضَّمِّ، أَي قَصَدَ؛ وَقَالَ الأَصمعي: يُقَالُ تعمَّده تعمُّداً، وتَسَمَّتَه تَسَمُّتاً إِذا قَصَدَ نَحْوَه. وَقَالَ شَمِرٌ: السَّمْتُ تَنَسُّمُ القَصْدِ. وَفِي حَدِيثِ
عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ: فَانْطَلَقْتُ لَا أَدري أَين أَذهَبُ، إِلّا أَنني أُسَمِّتُ أَي أَلْزَمُ سَمْتَ الطَّرِيقِ
؛ يَعْنِي قَصْدَه؛ وَقِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى أَدْعُو اللهَ لَهُ. والتَّسْمِيتُ: ذِكْرُ اللَّهِ عَلَى الشيءِ؛ وَقِيلَ: التَسْمِيتُ ذِكْرِ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، عَلَى كُلِّ حَالٍ. والتَّسْمِيتُ: الدُّعاء للعاطِس، وَهُوَ قَوْلُكَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ هَدَاك اللهُ إِلى السَّمْت؛ وَذَلِكَ لِمَا فِي الْعَاطِسِ مِنَ الانزِعاج والقَلَق؛ هَذَا قَوْلُ الْفَارِسِيِّ. وَقَدْ سَمَّتَه إِذا عَطَسَ، فَقَالَ لَهُ: يَرْحَمُك اللهُ؛ أُخِذَ مِنَ السَّمْتِ إِلى الطريقِ والقَصْدِ، كأَنه قَصَدَه بِذَلِكَ الدُّعَاءِ، أَي جَعَلَكَ اللهُ عَلَى سَمْتٍ حَسَنٍ، وَقَدْ يَجْعَلُونَ السِّينَ شِينًا، كسَمَّر السَّفِينَةَ وشَمَّرها إِذا أَرْساها. قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْل: التَّسْميتُ الدُّعَاءُ بالبَركة، يَقُولُ: بَارَكَ اللَّهُ فِيهِ. قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: يُقَالُ سَمَّتَ العاطِسَ تَسْميتاً، وشَمَّتَه تَشْميتاً إِذا دَعَا لَهُ بالهَدْيِ وقَصْدِ السَّمْتِ الْمُسْتَقِيمِ؛ والأَصل فِيهِ السِّينُ، فقُلِبَتْ شِينًا. قَالَ ثَعْلَبٌ: وَالِاخْتِيَارُ بِالسِّينِ، لِأَنه مأْخوذ مِنَ السَّمْتِ، وَهُوَ(2/46)
القَصْدُ والمَحَجَّة. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الشِّينُ أَعلى فِي كَلَامِهِمْ، وأَكثر. وَفِي حَدِيثِ الأَكل:
سَمُّوا اللهَ ودَنُّوا وسَمِّتُوا
؛ أَي إِذا فَرَغْتم، فادْعُوا بِالْبَرَكَةِ لِمَن طَعِمْتُم عِنْدَهُ. والسَّمْتُ: الدُّعاء. والسَّمْتُ: هَيْئَةُ أَهل الْخَيْرِ. يُقَالُ: مَا أَحْسَنَ سَمْتَه أَي هَدْيه. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فَيَنْظُرُونَ إِلى سَمْتِه وهَدْيه
أَي حُسْنِ هَيْئَتِهِ ومَنْظَرِه فِي الدِّينِ، وَلَيْسَ مِنَ الحُسْنِ وَالْجَمَالِ؛ وَقِيلَ: هُوَ مِنَ السَّمْتِ الطريق.
سمرت: ابْنُ السِّكِّيتِ فِي الأَلفاظ: السُّمْرُوتُ الرجلُ الطَّوِيلُ.
سنت: رجلٌ سَنِتٌ: قَلِيلُ الخَير. ابْنُ سِيدَهْ: رجلٌ سَنِتُ الخَيرِ قليلُه، وَالْجَمْعُ سَنِتُونَ، وَلَا يُكَسَّر. وأَسْنَتُوا، فَهُمْ مُسْنِتُون: أَصابَتْهم سَنَةٌ وقَحْطٌ، وأَجْدَبُوا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ الزِّبَعْرَى:
عَمْرُو العُلا هَشَمَ الثَّريدَ لِقَوْمِه، ... ورِجالُ مَكَّةَ مُسْنِتونَ عِجافُ
وَهِيَ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ عَلَى بَدَلِ التَّاءِ مِنَ الْيَاءِ، وَلَا نَظِيرَ لَهُ إِلا قَوْلُهُمْ ثِنْتانِ؛ حَكَى ذَلِكَ أَبو عَلِيٍّ. وَفِي الصِّحَاحِ: أَصله مِنَ السَّنَةِ؛ قَلَبُوا الْوَاوَ تَاءً ليَفْرُقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِمْ: أَسْنى القومُ إِذا أَقاموا سَنَةً فِي مَوْضِعٍ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: تَوَهَّمُوا أَن الْهَاءَ أَصلية إِذ وَجَدُوها ثَالِثَةً فَقَلَبُوهَا تَاءً، تَقُولُ مِنْهُ: أَصابَهم السَّنة، بِالتَّاءِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
وَكَانَ القومُ مُسْنِتِين
أَي مُجْدِبينَ، أَصابَتْهم السنَةُ، وَهِيَ القَحْطُ والجَدْبُ. وأَسْنَتَ، فَهُوَ مُسْنِتٌ إِذا أَجْدَبَ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي تَمِيمةَ: اللهُ الَّذِي إِذا أَسْنَتَّ أَنْبَتَ لَكَ
أَي إِذا أَجْدَبْتَ أَخْصَبَكَ. وَيُقَالُ: تَسَنَّتَ فلانٌ كريمةَ آلِ فلانٍ إِذا تَزَوَّجَها فِي سَنَة القَحْط. وَفِي الصِّحَاحِ: يُقَالُ تَسَنَّتَها إِذا تَزَوَّجَ رجلٌ لَئِيمٌ امرأَة كَرِيمَةً لِقِلَّةِ مَالِهَا، وَكَثْرَةِ مَالِهِ. والسَّنِتَةُ والمُسْنِتَةُ: الأَرضُ الَّتِي لَمْ يُصِبْها مَطَرٌ، فَلَمْ تُنْبِتْ؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ، قَالَ: فإِن كَانَ بِهَا يَبِيسٌ مِنْ يَبِيسِ عامٍ أَوَّلَ، فلَيْسَتْ بمُسْنِتةٍ، وَلَا تَكُونُ مُسْنِتَةً حَتَّى لَا يَكُونَ بِهَا شَيْءٌ، وَقَالَ: يُقَالُ أَرض سَنِتَةٌ ومُسْنِتَةٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَدري كَيْفَ هَذَا، إِلّا أَن يَخُصَّ الأَقَلَّ بالأَقلِّ حُروفاً، والأَكثر بالأَكثر حُرُوفًا. وَقَالَ: عامٌ سَنِيتٌ ومُسْنِتٌ: جَدْبٌ. وسانَتُوا الأَرضَ، تَتبَّعُوا نَباتَها. ورجل سَنُوتٌ: سَيّءُ الخُلُق، والسَّنُّوتُ: الرُّبُّ؛ وَقِيلَ: العَسَل. وَرُوِيَ عَنِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ: عَلَيْكُمْ بالسَّنا والسَّنُّوتِ
، قِيلَ: هُوَ العَسَلُ؛ وَقِيلَ: الرُّبُّ؛ وَقِيلَ: الكَمُّون، يَمَانِيَّةٌ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَيُرْوَى بِضَمِّ السِّينِ، وَالْفَتْحُ أَفصح. وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:
لَوْ كَانَ شَيْءٌ يُنْجِي مِنَ الْمَوْتِ لكانَ السَّنَا والسِّنَّوْت
؛ وَقِيلَ: هُوَ نَبْتٌ يُشْبِه الكَمُّونَ؛ وَقِيلَ: الرَّازِيانِجُ؛ وَقِيلَ: الشِّبِثُّ، وَفِيهَا لُغَةٌ أُخرى السَّنُّوتُ، بِفَتْحِ السِّينِ. وَيُقَالُ: سَنَّتُّ القِدْرَ تَسْنيتاً إِذا طَرَحْتَ فِيهَا الكَمُّونَ؛ وَقَوْلُ الحُصَيْن بْنِ القَعْقاعِ:
جَزَى اللهُ عَنِّي بُحْتُرِيّاً، ورَهْطَهُ ... بَني عَبْدِ عَمْرٍو، مَا أَعَفَّ وأَمْجَدا
هُمُ السَّمْنُ بالسَّنُّوتِ، لَا أَلْسَ بَيْنَهُمُ، ... وهُمْ يَمْنَعُونَ جارَهُمْ أَن يُقَرَّدا
فَسَّرَهُ يَعْقُوبُ بأَنه الكَمُّونُ، وَفَسَّرَهُ ابْنُ الأَعرابي(2/47)
بأَنه نَبْتٌ يُشْبه الكَمُّون. والسِّنَّوْتُ: مِثالُ السِّنَّوْرِ، لُغَةٌ فِيهِ؛ عَنْ كُرَاعٍ. ويُقَرَّدُ: يُذَلَّلُ، وأَصله مِنْ تَقْريدِ البعِير، وَهُوَ أَن يُنَقَّى قُرادُه فيَسْتَكِينَ. والأَلْسُ: الْخِيَانَةُ؛ وَيُرْوَى: لَا أَلْسَ فِيهِمْ. ابْنُ الأَعرابي: أَسْتَنَ الرَّجُلُ وأَسْنَتَ إِذا دَخَلَ فِي السنة.
سنبت: التَّهْذِيبُ فِي الرُّبَاعِيِّ: ابْنُ الأَعرابي: السِّنْبِتُ السَّيِءُ الخُلُق.
فصل الشين المعجمة
شأت: الشَّئِيتُ مِنَ الْخَيْلِ: العَثُورُ، وَلَيْسَ لَهُ فِعْلٌ يَتَصَرَّفُ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يَقْصُر حافِرا رِجْلَيْه عَنْ حافِرَيْ يَدَيْه؛ قَالَ عَديُّ بنُ خَرْشَةَ الخَطْميُّ، وَقِيلَ هُوَ لِرَجُلٍ مِنَ الأَنصار.
وأَقْدَر مُشْرِف الصَّهَواتِ، سَاطٍ، ... كُمَيْت، لَا أَحَقُّ، وَلَا شَئِيتُ
الشَّئِيتُ: كَمَا فَسَّرْنا. والأَقْدَرُ: بِعَكْسِ ذَلِكَ؛ وروايةُ ابْنِ دُرَيْدٍ:
بأَجْرَدَ مِنْ عِتاقِ الخَيْل نَهْدٍ، ... جَوادٍ، لَا أَحَقُّ، وَلَا شَئِيتُ
ابْنُ الأَعرابي: الأَحَقُّ الَّذِي يَضَعُ رِجْلَهُ فِي مَوْضِعِ يَدِهِ، والجمع شُؤُوتٌ. قَالَ الأَزهري: كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الأَعرابي، وأَبو عُبَيْدَةَ. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: الشَّئِيتُ مِنَ الْخَيْلِ العَثُور. قَالَ: وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ ابْنُ الأَعرابي وأَبو عُبَيْدَةَ، لَا مَا قَالَهُ أَبو عَمْرٍو. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَدْ شَرَحَ الأَصمعي بيتَ عَدِيِّ بْنِ خَرْشة، فَقَالَ: الأَقْدَرُ الَّذِي يَجُوزُ حَافِرَا رِجْلَيْهِ حَافِرَيْ يَدَيْهِ. والشَّئِيتُ: الَّذِي يَقْصُر حَافِرَا رِجْلَيْهِ عَنْ حَافِرَيْ يَدَيْهِ. والأَحَقّ: الَّذِي يُطَبِّقُ حَافِرَا رِجْلَيْهِ حَافِرَيْ يديه.
شبت: الشِّبِتُّ: نَبْتٌ؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ، وَزَعَمَ أَنَّ الشِّبِتَّ معرّب عنه.
شتت: الشَّتُّ: الِافْتِرَاقُ والتَّفْريقُ. شَتَّ شَعْبُهم يَشِتُّ شَتّاً وشَتاتاً، وانْشَتَّ، وتَشَتَّتَ أَي تَفَرَّقَ جمعُهم؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ:
شَتَّ شَعْبُ الحَيِّ بَعْدَ التِئامِ، ... وشَجاكَ الرَّبْعُ، رَبْعُ المُقامِ
وشَتَّته اللهُ وأَشَتَّه، وشَعْبٌ شَتِيتٌ مُشَتَّتٌ؛ قَالَ:
وَقَدْ يَجْمَعُ اللهُ الشَّتِيتَينِ، بعد ما ... يَظُنَّانِ، كلَّ الظَّنِّ، أَنْ لَا تَلاقِيا
وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً
؛ قَالَ أَبو إِسحاق: أَي يَصْدُرُونَ متفرِّقين، مِنْهُمْ مَن عَمِلَ صَالِحًا، ومِنهم مَن عَمِلَ شَرًّا. الأَصمعي: شَّتَّ بِقَلْبِي كَذَا وَكَذَا أَي فَرَّقه. وَيُقَالُ: أَشَتَّ بِي قَوْمِي أَي فَرَّقُوا أَمْري. وَيُقَالُ: شَتُّوا أَمْرَهم أَي فَرَّقوه. وَقَدِ اسْتَشَتَّ وتَشَتَّتَ إِذا انْتَشَر. وَيُقَالُ: جَاءَ الْقَوْمُ أَشْتاتاً، وشَتاتَ شَتاتَ. وَيُقَالُ: وَقَعُوا فِي أَمْرٍ شَتٍّ وشَتَّى. وَيُقَالُ: إِني أَخافُ عَلَيْكُمُ الشَّتاتَ أَي الفُرْقة. وثَغْرٌ شَتِيتٌ: مُفَرَّقٌ مُفَلَّج؛ قَالَ طَرَفَةُ:
عَنْ شَتِيتٍ كأَقاحِ الرَّمْلِ غُرّ
وأَمْرٌ شَتٌّ أَي مَتَفَرِّقٌ.(2/48)
وشَتَّ الأَمْرُ يَشِتُّ شَتّاً وشَتاتاً: تَفَرَّقَ. واسْتَشَتَّ مثلُه، وَكَذَلِكَ التَّشَتُّتُ. وشَتَّته تَشْتِيتاً: فَرَّقه. والشَّتِيتُ: المُتَفَرِّقُ؛ قَالَ رؤْبة يَصِفُ إِبلًا:
جاءَتْ مَعاً، واطَّرَقَتْ شَتِيتا، ... وَهِيَ تُثِيرُ السَّاطِعَ السِّخْتِيتا
وقومٌ شَتَّى: مُتَفَرِّقون؛ وأَشياء شَتَّى. وَفِي الْحَدِيثِ:
يَهْلِكُون مَهْلَكاً وَاحِدًا، ويَصْدُرونَ مَصادِرَ شَتَّى.
وَفِي الْحَدِيثِ فِي الأَنبياء:
وأُمهاتُهُم شَتَّى
أَي دينُهم واحدٌ وشرائعُهم مُخْتَلِفَةٌ؛ وَقِيلَ: أَراد اخْتِلَافَ أَزمانهم. وجاءَ القَوْم أَشْتاتاً: مُتَفَرِّقين، واحدُهم شَتٌّ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَمَعَنَا مِنْ شَتٍّ أَي تَفْرقةٍ. وإِنَّ الْمَجْلِسَ لَيَجْمَعُ شُتُوتاً مِنَ النَّاسِ وشَتَّى أَي فِرَقاً؛ وَقِيلَ: يَجْمَعُ نَاسًا لَيْسُوا مِنْ قَبِيلَةٍ وَاحِدَةٍ. وشَتَّانَ مَا زيدٌ وعمرٌو، وشَتَّانَ مَا بَيْنَهُمَا أَي بَعُدَ مَا بَيْنَهُمَا؛ وأَبَى الأَصمَعيُّ شَتَّانَ مَا بَيْنَهُمَا؛ قَالَ أَبو حَاتِمٍ فأَنشدته قولَ ربيعةَ الرَّقِّيِّ:
لَشَتَّانَ مَا بَيْنَ اليَزِيدَينِ فِي النَّدَى: ... يَزيدِ سُلَيْمٍ، والأَغَرِّ بنِ حاتِم «4»
فَقَالَ: لَيْسَ بِفَصِيحٍ يُلْتَفَتُ إِليه؛ وَقَالَ فِي التَّهْذِيبِ: لَيْسَ بِحُجَّةٍ، إِنما هُوَ مولَّد؛ وَالْحُجَّةُ الجَيِّدُ قولُ الأَعشى:
شَتَّانَ مَا يَوْمِي عَلَى كُورِها، ... ويَوْمُ حَيَّانَ، أَخي جابِرِ
مَعْنَاهُ: تَباعَدَ الَّذِي بَيْنَهُمَا. التَّهْذِيبُ: يُقَالُ شَتَّانَ مَا هُمَا. وَقَالَ الأَصْمَعي: لَا أَقول شَتَّانَ مَا بَيْنَهُمَا. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ فِي بَيْتِ رَبِيعَةَ الرَّقِّيِّ: إِنه يَمْدَحُ يزيدَ بنَ حاتِم بْنِ قَبِيصة بْنِ المُهَلَّبِ، ويهجُو يزيدَ بنَ أُسَيْدٍ السُّلَمِيّ؛ وَبَعْدَهُ:
فَهَمُّ الفَتى الأَزْدِيّ إِتْلافُ مالِه، ... وهَمُّ الفَتى القَيْسِيِّ جمعُ الدَّراهِمِ
فَلَا يَحْسَبُ التَّمْتامُ أَني هَجَوْتُه، ... ولكَنَّني فَضَّلْتُ أَهلَ المكارِمِ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَقَوْلُ الأَصمعي: لَا أَقول شَتَّانَ مَا بَيْنَهُمَا، لَيْسَ بشيءٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ جَاءَ فِي أَشعار الفُصَحاء مِنَ الْعَرَبِ؛ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ أَبي الأَسْوَدِ الدُّؤَليِّ:
فإِنْ أَعْفُ، يَوْمًا، عَنْ ذُنُوبٍ وتَعْتَدِي، ... فإِنَّ العَصا كانتْ لِغَيْرِكَ تُقْرَعُ
وشَتَّانَ مَا بَيْنِي وبينَكَ، إِنَّني، ... عَلَى كلِّ حالٍ، أَسْتَقِيمُ، وتَظْلَعُ
قَالَ: وَمِثْلُهُ قولُ البَعِيثِ:
وشَتَّانَ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ ابنِ خالدٍ، ... أُمَيَّةَ، فِي الرِّزْق الَّذِي يَتَقَسَّمُ
وَقَالَ آخَرُ:
شَتَّانَ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ رُعاتِها، ... إِذا صَرْصَرَ العُصْفُورُ فِي الرُّطَبِ الثَّعْدِ
وَقَالَ الأَحْوَصُ:
شَتَّانَ، حينَ يَنِثُّ [يَنُثٌ] الناسُ فِعْلَهُما، ... مَا بَيْنَ ذِي الذَّمِّ، والمحمودِ إِن حُمِدا
قَالَ: وَيُقَالُ شَتَّانَ بَيْنَهُمَا، مِن غَيْرِ ذكر ما؛ قال
__________
(4) . قوله [يزيد سليم] كذا في التهذيب. والذي في المحكم: يزيد أُسيد انتهى. وضُبطا بالتصغير.(2/49)
حَسَّان بْنُ ثَابِتٍ:
وشَتَّانَ بَيْنَكُمَا فِي النَّدَى، ... وَفِي البأْسِ، والخُبْرِ والمَنظَرِ
وَقَالَ آخَرُ:
أُخاطِبُ جَهْراً، إِذ لَهُنَّ تَخافُتٌ، ... وشَتَّانَ بَيْنِ الجَهْرِ، والمَنْطِقِ الخَفْتِ
وَقَالَ جَمِيلٌ:
أُرِيدُ صَلاحَها، وتُريد قَتْلي، ... وشَتَّا بَيْنَ قَتْلي والصَّلاحِ
فَحَذَفَ نُونَ شَتَّانَ لِضَرُورَةِ الشِّعْرِ. وشَتَّانَ: مَصْرُوفَةٌ عَنْ شَتُتَ، فَالْفَتْحَةُ الَّتِي فِي النُّونِ هِيَ الْفَتْحَةُ الَّتِي كَانَتْ فِي التَّاءِ، وَتِلْكَ الْفَتْحَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنه مَصْرُوفٌ عَنِ الْفِعْلِ الْمَاضِي، وَكَذَلِكَ وَشْكانَ وسَرْعانَ مَصْرُوفٌ مِنْ وَشُكَ وسَرُعَ؛ تَقُولُ: وَشْكانَ ذَا خُروجاً، وسَرْعانَ ذَا خُروجاً وأَصله وَشُكَ ذَا خُروجاً، وسَرُع ذَا خُروجاً؛ رَوَى ذَلِكَ كُلَّهُ ابْنُ السِّكِّيتِ عَنِ الأَصمعي. أَبو زَيْدٍ: شَتَّانَ مَنْصُوبٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، لأَنه لَيْسَ لَهُ وَاحِدٌ؛ وَقَالَ فِي قَوْلِهِ:
شَتَّانَ بَيْنُهُما فِي كلِّ مَنْزِلةٍ، ... هذا يُخافُ وَهَذَا يُرْتَجى أَبدا
فَرَفَعَ الْبَيْنَ، لأَن الْمَعْنَى وقَع لَهُ، قَالَ: وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَنْصِبُ بَيْنَهُمَا، فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ، فَيَقُولُ: شَتَّانَ بينَهما، ويُضْمِر مَا، كأَنه يَقُولُ شَتَّ الَّذِي بَيْنَهُمَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ؛ قَالَ أَبو بَكْرٍ: شَتَّانَ أَخوك وأَبوك، وشَتَّانَ مَا أَخوك وأَبوك، وشَتَّانَ مَا بَيْنَ أَخيك وأَبيك. فَمَنْ قَالَ: شَتَّانَ، رَفَعَ الأَخَ بشَتَّانَ، ونَسَقَ الأَبَ عَلَى الأَخ، وَفَتَحَ النُّونُ مِنْ شَتَّان، لِاجْتِمَاعِ السَّاكِنَيْنِ، وَشَبَّهَهُمَا بالأَدوات، وَمَنْ قَالَ: شَتَّانَ مَا أَخوك وأَبوك، رَفَعَ الأَخ بِشَّتَانَ، ونَسَقَ الأَبَ عَلَيْهِ، ودَخَلَ مَا صِلَةً، وَيَجُوزُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ شَتَّانِ، بِكَسْرِ النُّونِ، عَلَى أَنه تَثْنِيَةُ شَتٍّ. والشَّتُّ: المُتَفَرِّق، وَتَثْنِيَتُهُ: شَتَّانِ، وَجَمْعُهُ: أَشْتاتٌ. وَمَنْ قَالَ: شَتَّانَ مَا بَيْنَ أَخيك وأَبيك، رَفَعَ مَا بِشَّتَانَ عَلَى أَنها بِمَعْنَى الَّذِي، وَبَيْنَ صِلَةُ مَا؛ وَالْمَعْنَى شَتَّانَ الَّذِي بَيْنَ أَخيك وأَبيك؛ وَلَا يَجُوزُ فِي هَذَا الْوَجْهِ كَسْرُ النُّونِ، لأَنها رَفَعَتِ اسْمًا وَاحِدًا. قَالَ ابْنُ جِنِّي: شَتَّانَ وشَتَّى، كسَرْعانَ وسَكْرى؛ يَعْنِي أَن شَتَّى لَيْسَ مؤنثَ شَتَّان، كَسَكْرانَ وسَكْرى، وإِنما هُمَا اسْمَانِ تَوَارَدَا وَتَقَابَلَا فِي عُرْضِ اللُّغَةِ، مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَلَا إِيثارٍ، لتَقاوُدِهما.
شخت: الشَّخْتُ: الدَّقِيقُ مِنَ الأَصْل، لَا مِنَ الهُزال؛ وَقِيلَ: هُوَ الدَّقِيقُ مِنْ كُلِّ شيءٍ، حَتَّى إِنه يُقَالُ لِلدَّقِيقِ العُنُقِ وَالْقَوَائِمِ: شَخْتٌ، والأُنثى: شَخْتة، وَجَمْعُهَا شِخاتٌ. وَقَدْ شَخُتَ، بِالضَّمِّ، شُخُوتةً، فَهُوَ شَخْتٌ وشَخِيتٌ؛ وَمِنْهُمْ مَنْ يُحَرِّكُ الخاءَ؛ وأَنشد:
أَقاسيمُ جَزَّأَها صانِعٌ، ... فَمِنْهَا النَّبيلُ، وَمِنْهَا الشَّخَتْ
وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ لِلْجِنِّيِّ: إِني أَراك ضَئيلًا شَخِيتاً
؛ الشَّخْتُ والشَّخِيتُ: النَّحيفُ الجسمِ، الدقيقُه. وَيُقَالُ للحَطب الدَّقِيقِ: شَخْتٌ. وَيُقَالُ: إِنه لَشَخْتُ الجُزارة إِذا كَانَ دقيقَ القَوائم؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:(2/50)
شَخْتُ الجُزارةِ، مثلُ البيتِ، سائرُه ... مِنَ المُسُوح، خِدَبٌّ، شَوْقَبٌ، خَشِبُ
وإِنه لَشَخْتُ العَطاءِ أَي قَلِيلُ الْعَطَاءِ. والشَّخِيتُ والشِّخْتِيتُ: الغُبارُ الساطِعُ، فِعْلِيلٌ مِنَ الشَّخْتِ الَّذِي هُوَ الضاويُّ الدقيقُ؛ وَقِيلَ: هُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّب؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
وَهِيَ تُثِيرُ السَّاطِعَ الشِّخْتِيتا
وَالَّذِي رَوَاهُ يَعْقُوبُ: السِّخِّيتا والسِّخْتِيتا، لأَن العجم تقول: سَخْتٌ.
شرت: الشَّرَنْتى: طائر.
شمت: الشَّماتة: فَرَحُ الْعَدُوِّ؛ وَقِيلَ: الفَرَحُ بِبلِيَّة العَدُوِّ؛ وَقِيلَ: الفَرَحُ ببليَّة تَنْزِلُ بِمَنْ تُعَادِيهِ، وَالْفِعْلُ مِنْهُمَا شَمِتَ بِهِ، بِالْكَسْرِ، يَشْمَتُ شَماتةً وشَماتاً، وأَشْمَتَه اللهُ بِهِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ
؛ وَقَالَ الفراءُ: هُوَ مِنَ الشَّمْتِ. ورُوي عَنْ مُجَاهِدٍ أَنه قرأَ: فَلَا تُشَمِّتْ بِيَ الأَعْداءَ؛ قَالَ الفراءُ: لَمْ نَسْمَعْهَا مِنَ الْعَرَبِ، فَقَالَ الْكِسَائِيُّ: لَا أَدري لَعَلَّهُمْ أَرادوا فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْداءَ؛ فإِن تَكُنْ صَحِيحَةً، فَلَهَا نَظَائِرُ. الْعَرَبُ تَقُولُ: فَرِغْتُ وفَرَغْتُ؛ فَمَنْ قال فَرِغْتُ، قال أَفْرَغُ، وَمَنْ قَالَ فَرَغْتُ، قَالَ أَفْرُغُ. وَفِي حَدِيثِ الدعاءِ:
أَعوذُ بِكَ مِنْ شَماتة الأَعداءِ
؛ قَالَ: شَماتةُ الأَعداء فَرَح العَدُوِّ ببليَّةٍ تَنْزِلُ بِمَن يُعَادِيهِ. ورَجَعُوا شَماتى أَي خَائِبِينَ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَعْرِفُ مَا واحدُ الشَّماتى. وشَمَّتَه اللهُ: خَيَّبه؛ عَنْهُ أَيضاً: وأَنشد للشَّنْفَرى:
وباضِعةٍ، حُمْرِ القِسِيِّ، بَعَثْتُها، ... وَمَنْ يَغْزُ يَغْنَمْ مَرَّةً ويُشَمَّتِ
وَيُقَالُ: خَرَجَ الْقَوْمُ فِي غَزاة، فقَفَلوا شَماتى ومتَشَمّتين؛ قَالَ: والتَّشَمُّتُ أَن يَرجِعُوا خائبين، لَمْ يَغْنَموا. يُقَالُ: رَجَعَ الْقَوْمُ شِماتاً مِنْ مُتَوَجَّههم، بِالْكَسْرِ، أَي خَائِبِينَ، وَهُوَ فِي شِعْرِ سَاعِدَةَ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: لَيْسَ هُوَ فِي شِعْرِ سَاعِدَةَ، كَمَا ذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ، وإِنما هُوَ فِي شِعْرِ المُعَطَّل الهُذَليِّ، وَهُوَ:
فأُبْنا، لَنَا مَجْدُ العَلاءِ وذِكْرُه، ... وَآبُوا، عَلَيْهِمْ فَلُّها وشِماتُها
وَيُرْوَى:
لَنَا رِيحُ العَلاءِ وذِكْرُه
والرِّيحُ: الدَّوْلَة، هُنَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ؛ وَيُرْوَى: لَنَا مَجْدُ الحياةِ وذِكْرُها والفَلُّ: الهَزيمةُ. والشِّماتُ: الخَيْبة؛ وَاسْمُ الْفَاعِلِ: شامِتٌ، وجمعُ شامِتٍ شُمَّاتٌ. وَيُقَالُ: شُمِّتَ الرجلُ إِذا نُسِبَ إِلى الخَيْبة. والشَّوامِتُ: قَوَائِمُ الدابةِ، وَهُوَ اسْمٌ لَهَا، واحدتُها شامِتةٌ. قَالَ أَبو عَمْرٍو: يُقَالُ لَا تَرَك اللهُ لَهُ شامتَةً أَي قَائِمَةً؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
فارْتاعَ مِنْ صَوْتِ كَلَّابٍ، فباتَ لَهُ ... طَوْعَ الشَّوامِتِ، مِنْ خَوْفٍ، وَمِنْ صَرَدِ
وَيُرْوَى: طَوْعُ الشَّوامِتِ، بِالرَّفْعِ؛ يَعْنِي باتَ لَهُ مَا شَمِتَ بِهِ مِنْ أَجله شُمَّاتُه؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَفِي بَعْضِ نُسَخِ المُصَنَّفِ: بَاتَ لَهُ مَا شَمِتَ بِهِ شُمَّاتُه. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ فِي قَوْلِهِ: فباتَ لَهُ طَوْعُ الشَّوامِتِ، يَقُولُ: باتَ لَهُ مَا أَطاعَ شامِتَه مِنَ(2/51)
البَرْدِ والخَوْف أَي باتَ لَهُ مَا تشْتَهي شَوامِتُه؛ قَالَ: وسُرورُها بِهِ هُوَ طَوْعُها، وَمِنْ ذَلِكَ يُقَالُ: اللَّهُمَّ لَا تُطِيعَنَّ بِي شامِتاً أَي لَا تَفْعَلْ بِي مَا يُحِبُّ، فَتَكُونَ كأَنك أَطَعْتَهُ؛ وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: مَنْ رَفَع طَوْعُ، أَراد: باتَ لَهُ مَا يَسُرُّ الشَّوامِتَ اللَّواتي شَمَتْنَ بِهِ، وَمَنْ رَوَاهُ بِالنَّصْبِ أَراد بالشَّوامِتِ القَوائمَ، واسمُها الشَّوامِتُ، الْوَاحِدَةُ شامِتَةٌ، يَقُولُ: فباتَ لَهُ الثَّوْرُ طَوْعَ شَوامِتِه أَي قَوائمه أَي باتَ قَائِمًا. وَبَاتَ فلانٌ بليلةِ الشَّوامِت أَي بليلةٍ تُشْمِتُ الشَّوامِتَ. وتَشْمِيتُ العاطسِ: الدُّعاءُ لَهُ. ابْنُ سِيدَهْ: شَمَّتَ العاطِسَ؛ وسَمَّتَ عَلَيْهِ دَعا لَهُ أَن لَا يَكُونَ فِي حَالٍ يُشْمَتُ بِهِ فِيهَا؛ وَالسِّينُ لُغَةٌ، عَنْ يَعْقُوبَ. وَكُلُّ داعٍ لأَحدٍ بِخَيْرٍ، فَهُوَ مُشَمِّت لَهُ، ومُسَمِّتٌ، بِالشِّينِ وَالسِّينِ، والشينُ أَعلى وأَفْشَى فِي كَلَامِهِمْ. التَّهْذِيبُ: كلُّ دعاءٍ بخيرٍ، فَهُوَ تَشْمِيتٌ. وَفِي حَدِيثِ
زَوَاجِ فَاطِمَةَ لِعَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: فأَتاهما، فَدَعَا لَهُمَا، وشَمَّتَ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ خَرجَ.
وَحُكِيَ عَنْ ثَعْلَبٍ أَنه قَالَ: الأَصل فِيهَا السِّينُ، مِنَ السَّمْتِ، وَهُوَ القَصْدُ والهَدْيُ. وَفِي حَدِيثِ
العُطاسِ: فشَمَّتَ أَحدَهما، وَلَمْ يُشَمِّت الآخرَ
؛ التَّشْمِيتُ والتَّسْميتُ: الدعاءُ بِالْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ؛ والمعجمةُ أَعلاها. شَمَّته وشَمَّتَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مِنَ الشَّوامِتِ الْقَوَائِمِ، كأَنه دُعاءٌ لِلْعَاطِسِ بِالثَّبَاتِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ؛ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَبْعَدَك اللَّهُ عَنِ الشَّماتةِ، وجَنَّبك مَا يُشْمَتُ بِهِ عَلَيْكَ. والاشْتِماتُ: أَوَّلُ السِّمَنِ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
أَرى إِبلي، بَعْدَ اشْتِماتٍ، كأَنما ... تُصِيتُ بسَجْعٍ، آخرَ الليلِ، نِيبُها
وإِبل مُشْتَمِتة إِذا كانتْ كذلك.
شيت: الشَّيْتانُ مِنَ الجَرادِ: جماعةٌ غَيْرُ كَثِيرَةٍ؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ، وأَنشد:
وخَيْلٍ كشَيْتانِ الجَرادِ، وزَعْتُها ... بطَعْنٍ، عَلَى اللَّبَّاتِ، ذِي نَفَيانِ
فصل الصاد المهملة
صتت: الصَّتُّ: شِبْه الصَّدْم، والدَّفْعِ بقَهْرٍ؛ وَقِيلَ: هُوَ الضَّرْبُ بِالْيَدِ، أَو الدَّفْعُ. وصَتَّه بِالْعَصَا صَتّاً: ضَرَبَه؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
طَأْطَأَ مَن شَيطانه التَعَتِّي، ... صَكِّي عَرانِينَ العِدى، وصَتِّي
طَأْطَأَ: خَفَّضَ مِنْ أَمره. والتَعَتِّي: أَن يَعْتُوَ أَي صَكِّي طأْطأَ مِنْهُ العَرانينُ، وَهِيَ الأُنوفُ. وصَتِّي، مِنَ الضَّربِ؛ يُقَالُ: صَتَّه صَتّاً إِذا ضَرَبه. والصَّتِيتُ: الفِرْقة مِنَ النَّاسِ فِي جَلَبة وَنَحْوِهَا؛ وَتَرَكْتَهُمْ صَتِيتَيْنِ أَي فِرْقَتَيْن. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ: أَن بَنِي إِسرائيل، لَمَّا أُمروا أَن يَقْتُلُوا أَنفسهم، قَامُوا صِتَّيْنِ
؛
وأَخرجه الْهَرَوِيُّ عَنْ قَتَادَةَ: أَن بَنِي إِسرائيل قَامُوا صَتِيتَيْن
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: أَي جَماعَتَيْن. وَيُقَالُ: صاتَّ القومُ. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: مَا زِلْتُ أُصاتُّه وأُعاتُّه، صِتاتاً وعِتاتاً، وَهِيَ الْخُصُومَةُ. أَبو عَمْرٍو: الصُّتَّةُ الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ؛ وَقِيلَ: هُوَ الصَّفُّ مِنْهُمْ. والصَّتِيتُ: الصَّوْتُ والجَلَبة؛ قَالَ الْهُذَلِيُّ:
تُيوساً، خيرُها تَيسٌ شآمٍ، ... لَهُ، بسَوائلِ المَرْعى صَتِيتُ
أَي صوتٌ.(2/52)
وصاتَّهُ مُصاتَّةَ وصِتاتاً: نازَعه وخاصَمه. وَرَجُلٌ مِصْتِيتٌ: ماضٍ مُنْكَمِشٌ. وَهُوَ بصَتَتِ كَذَا أَي بصَدَدِه
صعت: قَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: جَمَلٌ صَعْتُ الرُّبَة إِذا كَانَ لَطِيفَ الجُفْرةِ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
هَلْ لَكِ، يَا خَدْلةُ، فِي صَعْتِ الرُّبَهْ، ... مُعْرَنْزِمٍ، هامَتُه كالجُبْجُبَهْ؟
وَقَالَ: الرُّبَةُ العُقْدة، وَهِيَ هاهنا الكَوسَلة، وهي الحَشَفةُ.
صفت: رَجُلٌ صِفْتِيتٌ وصِفْتاتٌ: قويٌّ جَسِيمٌ. ابْنُ سِيدَهْ: الصِّفْتاتُ مِنَ الرِّجَالِ التارُّ اللَّحْمِ، المجتَمِع الخَلْق، الشديدُ المُكْتَنِز، والأُنثى: صِفْتاتٌ وصِفْتاتةٌ. وَقِيلَ: لَا تُنْعَتُ المرأَة بالصِّفْتاتِ، وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ. والصِّفِتَّانُ: كالصِّفْتاتِ. وَرَجُلٌ صِفِتَّان عِفِتَّان: يُكْثِرُ الْكَلَامَ، وَالْجَمْعُ صِفْتانٌ وعِفْتانٌ. وَفِي حَدِيثِ
الْحَسَنِ، قَالَ المُفَضَّلُ بنُ دالانَ: سأَلته عَنِ الَّذِي يَسْتَيْقِظُ فيَجِدُ بَلَّة، فَقَالَ: أَما أَنت فاغْتَسِلْ، وَرَآنِي صِفْتاتاً
؛ وَهُوَ الْكَثِيرُ اللَّحْمِ، المُكْتَنِزُه.
صلت: الصَّلْتُ: البارِزُ المُسْتَوي. وسيفٌ صَلْتٌ، ومُنْصَلِتٌ، وإِصْلِيتٌ: مُنْجَرِدٌ، ماضٍ فِي الضَّريبة؛ وبعضٌ يَقُولُ: لَا يُقَالُ الصَّلْتُ إِلا لِمَا كَانَ فِيهِ طُولٌ. وَيُقَالُ: أَصْلَتُّ السيفَ أَي جَرَّدْتُه؛ وَرُبَّمَا اشْتَقُّوا نَعْتَ أَفْعَلَ مِنْ إِفْعيلٍ، مِثْلَ إِبْلِيسَ، لأَن اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، أَبْلَسَه. وَسَيْفٌ إِصْلِيتٌ أَي صَقِيلٌ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ فِي مَعْنى مُصْلَتٍ. وَفِي حَدِيثِ
غَوْرَثٍ: فاخْتَرَط السيفَ وَهُوَ فِي يَدِهِ صَلْتاً
أَي مُجَرَّداً. ابْنُ سِيدَهْ: أَصْلَتَ السيفَ جَرَّده مِنْ غِمْده، فَهُوَ مُصْلَتٌ. وضَرَبه بِالسَّيْفِ صَلْتاً وصُلْتاً أَي ضَرَبه بِهِ وَهُوَ مُصْلَتٌ. والصَّلْتُ والصُّلْتُ: السِكِّينُ المُصْلَتة؛ وَقِيلَ: هِيَ الْكَبِيرَةُ، وَالْجَمْعُ أَصْلاتٌ. أَبو عَمْرٍو: سكِّينٌ صَلْتٌ، وَسَيْفٌ صَلْتٌ، ومِخْيَطٌ صَلْتٌ إِذا لَمْ يَكُنْ لَهُ غِلافٌ؛ وَقِيلَ: انْجَرَدَ مِنْ غِمْدِه. ورُوي عَنِ العُكْليّ أَو غيره: وجاؤُوا بصَلْتٍ مِثْلِ كَتِفِ النَّاقَةِ أَي بشَفْرة عظيمة. وانْصَلَتَ فِي الأَمر: انْجَرَدَ. أَبو عُبَيْدٍ: انْصَلَتَ يَعْدُو، وانْكَدَرَ يَعْدُو، وانْجَرَدَ إِذا أَسْرَعَ بعضَ الإِسْراع. والصَّلْتُ: الأَمْلَسُ؛ وَرَجُلٌ صَلْتُ الْوَجْهِ والخَدِّ؛ تَقُولُ مِنْهُ: صَلُتَ، بِالضَّمِّ، صُلُوتةً. وَرَجُلٌ صَلْتُ الجَبين: واضحُه. وَفِي صِفَةِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَنه كَانَ صَلْتَ الْجَبِينِ.
قَالَ خالدُ بْنُ جَنْبَةَ: الصَّلْتُ الجبينِ الواسعُ الجَبينِ، الأَبيضُ الجَبينِ، الواضحُ؛ وَقِيلَ: الصَّلْتُ الأَمْلَس، وَقِيلَ: البارزُ. يُقَالُ: أَصْبَحَ صَلْتَ الجَبين، يَبْرُقُ؛ قَالَ: فَلَا يَكُونُ الأَسْوَدُ صَلْتاً. ابْنُ الأَعرابي: صَلْتُ الجَبين صُلْبٌ، صَحِيحَةٌ؛ قَالَ رؤْبة:
وخُشْنَتي بعدَ الشَّبابِ الصَّلْتِ
وكلُّ مَا انْجَرَدَ وبَرَزَ، فَهُوَ صَلْتٌ. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الصَلْتُ الجبينِ المُسْتَوي. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: الصَّلْتُ الواسعُ المُسْتَوي الْجَمِيلُ. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ:
كَانَ سَهْلَ الخَدَّيْنِ، صَلْتَهما.(2/53)
وَرَجُلٌ صَلْتٌ، وأَصْلَتِيٌّ، ومُنْصَلِتٌ: صُلْبٌ، ماضٍ فِي الْحَوَائِجِ، خفيفُ اللِّبَاسِ. الْجَوْهَرِيُّ: رَجُلٌ مِصْلَتٌ، بِكَسْرِ الْمِيمِ، إِذا كَانَ مَاضِيًا فِي الأُمور، وَكَذَلِكَ أَصْلَتيٌّ، ومُنْصَلِتٌ، وصَلْتٌ، ومِصْلات؛ قَالَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْل:
وإِنَّا المَصالِيتُ، يَوْمَ الوَغَى، ... إِذا مَا المَغاويرُ لَمْ تَقْدَمِ
والمُنْصَلِتُ: المُسْرِعُ مِنْ كُلِّ شيءٍ. ونَهْر مُنْصَلِتٌ: شَدِيدُ الجِرْية؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
يَسْتَلُّها جَدْولٌ، كالسَّيفِ، مُنْصَلِتٌ ... بينَ الأَشاءِ، تَسامى حَوْلَه العُشُبُ
والصَّلَتانُ مِنَ الرِّجَالِ والحُمُر: الشَّدِيدُ الصُّلْبُ، وَالْجَمْعُ صِلْتانٌ؛ عَنْ كُرَاعٍ. وَقَالَ الأَصمعي: الصَّلَتانُ مِنَ الْحَمِيرِ المُنْجَرِدُ القَصير الشَّعْرِ، مِنْ قَوْلِكَ: هُوَ مِصْلاتُ العُنُق أَي بَارِزُهُ، مُنْجَرِدُه. الأَحْمرُ والفَرَّاءُ: الصَّلَتانُ، والفَلَتانُ، والبَزَوانُ، والصَّمَيانُ: كُلُّ هَذَا مِنَ التَّقَلُّبِ، والوَثْبِ وَنَحْوِهِ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الصَّلَتانُ، مِنَ الحُمر: الشديدُ النَّشِيطُ، وَمِنَ الْخَيْلِ: الحَديدُ الْفُؤَادِ. وجاءَ بمَرق يَصْلِتُ، ولَبَنٍ يَصْلِتُ إِذا كَانَ قَلِيلَ الدَّسَم، كثيرَ الماءِ؛ قَالَ: وَيَجُوزُ يَصْلِد، بِهَذَا الْمَعْنَى. وصَلَتُّ مَا فِي القَدَح إِذا صَبَبْتَه. وصَلَتُّ الفَرس إِذا رَكَضْتَه. وانْصَلَتَ فِي سَيره أَي مَضَى وسَبق. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَرَّتْ سَحابةٌ، فَقَالَ: تَنْصَلِتُ
أَي تَقْصد لِلْمَطَرِ. يُقَالُ: انْصَلَتَ يَنْصَلِتُ إِذا تَجَرّدَ وإِذا أَسْرَع فِي السَّيْرِ. ويُروى: تَنَصَّلَتْ، بِمَعْنَى أَقْبَلَتْ. والصَّلْتُ: اسْمُ رَجُلٍ، وَاللَّهُ أَعلم.
صمت: صَمَتَ يَصْمُتُ صَمْتاً وصُمْتاً «5» وصُمُوتاً وصُماتاً، وأَصْمَتَ: أَطالَ السكوتَ. والتَّصْميتُ: التَّسْكِيت. والتَّصْميتُ أَيضاً: السكوتُ. وَرَجُلٌ صِمِّيتٌ أَي سِكِّيتٌ. وَالِاسْمُ مِنْ صَمَتَ: الصُّمْتةُ؛ وأَصْمَتَه هُوَ، وصَمَّتَه. وَقِيلَ: الصَّمْتُ الْمَصْدَرُ؛ وَمَا سِوى ذَلِكَ، فَهُوَ اسْمٌ. والصُّمْتةُ، بِالضَّمِّ: مِثْلُ السُّكْتةِ. ابْنُ سِيدَهْ: والصُّمْتة، والصِّمْتةُ: مَا أُصْمِتَ بِهِ. وصُمْتةُ الصَّبِيِّ: مَا أُسْكِتَ به؛ ومنه قَوْلُ بعضِ مُفَضِّلي التمْر عَلَى الزَّبِيبِ: وَمَا لَهُ صُمْتةٌ لعِيالِه، وصِمْتَةٌ؛ جَمِيعًا عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، أَي مَا يُطْعِمُهم، فيُصْمِتُهم بِهِ. والصُّمْتةُ: مَا يُصْمَتُ بِهِ الصبيُّ مِنْ تَمْرٍ أَو شَيْءٍ طريفٍ. وَفِي الْحَدِيثِ
فِي صِفَةِ التَّمْرَةِ: صُمْتةُ الصغيرِ
؛ يُرِيدُ أَنه إِذا بَكَى، أُصْمِتَ، وأُسْكِتَ بِهَا، وَهِيَ السُّكْتة، لِمَا يُسْكَتُ بِهِ الصَّبِيُّ. وَيُقَالُ: مَا ذُقْتُ صُماتاً أَي مَا ذُقْتُ شَيْئًا. وَيُقَالُ: لَمْ يُصْمِتْه ذَاكَ أَي لَمْ يَكفِه؛ وأَصلُه فِي النَّفْي، وإِنما يُقَالُ ذَلِكَ فِيمَا يُؤْكل أَو يُشْرَب. وَرَمَاهُ بصُماتِه أَي بِمَا صَمَتَ مِنْهُ. الْجَوْهَرِيُّ عَنْ أَبي زَيْدٍ: رَمَيْتُه بصُماتِه وسُكاتِه أَي بِمَا صَمَتَ بِهِ وسكَتَ. الْكِسَائِيُّ: وَالْعَرَبُ تَقُولُ: لَا صَمْتَ يَوْمًا إِلى اللَّيْلِ، ولا صَمْتَ يومٌ إِلى اللَّيْلِ، ولا صَمْتَ يومٍ إِلى اللَّيْلِ؛ فمَن نَصَبَ أَراد: لَا تَصْمُتْ يَوْمًا إِلى اللَّيْلِ؛ ومَن رَفَعَ أَراد: لَا يُصْمَتُ يومٌ إِلى اللَّيْلِ؛ ومَن خَفَضَ، فَلَا سُؤَالَ فِيهِ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السلام:
__________
(5) . قوله [صمتاً وصمتاً] الأَول بفتح فسكون متفق عليه. والثاني بضم فسكون بضبط الأَصل والمحكم. وأَهمله المجد وغيره. قال الشارح: والضم نقله ابن منظور في اللسان وعياض في المشارق.(2/54)
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَا رَضاع بَعْدَ فِصالٍ، وَلَا يُتْم بَعْدَ الحُلُم، وَلَا صَمْتَ يَوْمًا إِلى اللَّيْلِ
؛ اللَّيْثُ: الصَّمْتُ السكوتُ؛ وَقَدْ أَخَذه الصُّماتُ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا اعْتَقَلَ لسانُه فَلَمْ يَتَكَلَّمْ: أَصْمَتَ، فَهُوَ مُصْمِتٌ؛ وأَنشد أَبو عَمْرٍو:
مَا إِنْ رأَيتُ مِنْ مُعَنَّياتِ ... ذَواتِ آذانٍ وجُمْجُماتِ،
أَصْبَر منهنَّ عَلَى الصُّماتِ
قَالَ: الصُّماتُ السكوتُ. وَرَوَاهُ الأَصمعي: مِنْ مُغَنِّياتِ؛ أَراد: مِنْ صَرِيفهِن. قَالَ: والصُّماتُ العَطَشُ هاهنا. وَفِي حَدِيثِ
أُسامة بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ رسولُ اللَّهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَبَطْنا وهَبَطَ الناسُ، يَعْنِي إِلى الْمَدِينَةِ، فدخلتُ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يومَ أَصْمَتَ فَلَا يَتَكَلَّمُ، فَجَعَلَ يَرْفَع يَده إِلى السَّمَاءِ، ثُمَّ يَصُبُّها عليَّ، أَعْرِفُ أَنه يَدْعُو لِي
؛ قَالَ الأَزهري: قَوْلُهُ يومَ أَصْمَتَ؛ مَعْنَاهُ: لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ أَحد؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: يَحْتَمِلُ أَن تَكُونَ الرِّوَايَةُ يوم أَصْمَتَ، يقال: أَصْمَتَ العليلُ، فَهُوَ مُصْمِتٌ إِذا اعْتَقَل لسانُه. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَصْمَتَتْ أُمامة بنتُ الْعَاصِ
أَي اعْتَقَل لسانُها؛ قَالَ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي، لِأَن فِي الْحَدِيثِ:
يومَ أَصْمَتَ فَلَا يَتَكَلَّمُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُكَرَّمِ، عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: وَفِي الْحَدِيثِ أَيضاً دَلِيلٌ أَظهر مِنْ هَذَا، وَهُوَ قَوْلُهُ:
يَرْفَعُ يَدَهُ إِلى السَّمَاءِ، ثُمَّ يَصُبُّها عليَّ، أَعرف أَنه يَدْعُو لِي
؛ وإِنما عَرَفَ أَنه يَدْعُو لَهُ بالإِشارة لَا بِالْكَلَامِ وَالْعِبَارَةِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ أَنه، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي مَرَضِهِ اعْتَقَلَ يَوْمًا فَلَمْ يَتَكَلَّمْ، وَاللَّهُ أَعلم. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنَّ امرأَة مِنْ أَحْمَسَ حَجَّتْ مُصْمِتة
أَي ساكتةَ لَا تَتَكَلَّمُ. وَلَقِيتُهُ بِبَلْدَةِ إِصْمِتَ: وَهِيَ القَفْر الَّتِي لَا أَحدَ بِهَا؛ قَالَ أَبو زَيْدٍ: وقَطَع بَعْضُهُمُ الأَلفَ مِنْ إِصْمِتَ ونَصَبَ التاءَ، فَقَالَ:
بوَحْشِ الإِصْمِتَيْن لَهُ ذُبابُ
وَقَالَ كُرَاعٌ: إِنما هُوَ بِبَلْدَةٍ إِصْمِتَ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والأَولُ هُوَ الْمَعْرُوفُ. وتَرَكْتُه بصحراءَ إِصْمِتَ أَي حيثُ لَا يُدْرى أَينَ هُوَ. وتَرَكْتُه بِوَحْشٍ إِصْمِتَ، الأَلف مَقْطُوعَةٌ مَكْسُورَةٌ؛ ابْنُ سِيدَهْ: تركتُه بوَحْشِ إِصْمِتَ وإِصْمِتةَ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وَلَمْ يُفَسِّرْهُ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنه الفَلاةُ؛ قَالَ الرَّاعِي:
أَشْلى سَلُوقِيَّةً باتَت، وباتَ لهَا، ... بوَحْشِ إِصْمِتَ، فِي أَصْلابها، أَوَدُ
وَلَقِيتُهُ بِبَلْدَةٍ إِصْمِتَ إِذا لَقِيتَهُ بمكانٍ قَفْرٍ، لَا أَنيسَ بِهِ، وَهُوَ غيرُ مُجْرًى. وَمَا لَه صامتٌ وَلَا ناطقٌ؛ الصامِتُ: الذَّهب وَالْفِضَّةُ، والناطقُ: الحيوانُ الإِبلُ وَالْغَنَمُ، أَي لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
عَلَى رقَبَتِه صامِتٌ
؛ يَعْنِي الذَّهَبَ وَالْفِضَّةُ، خِلَافُ النَّاطِقِ، وَهُوَ الْحَيَوَانُ. ابْنُ الأَعرابي: جَاءَ بِمَا صاءَ وصَمَتَ؛ قَالَ: مَا صاءَ يَعْنِي الشاءَ والإِبلَ، وَمَا صَمَتَ يَعْنِي الذَّهَبَ والفضةَ. والصَّمُوتُ مِنَ الدُّروع: اللَّيِّنةُ المَسّ، لَيْسَتْ بخَشِنةٍ، وَلَا صَدِئَةٍ، وَلَا يَكُونُ لَهَا إِذا صُبَّتْ صَوْتٌ؛ وَقَالَ النَّابِغَةُ:
وكلُّ صَمُوتٍ نَثْلةٍ تُبَّعِيَّةٍ، ... ونَسْجُ سُلَيْمٍ كُلَّ قَضَّاء ذائِلِ
قَالَ: والسيفُ أَيضاً يُقَالُ لَهُ: صَمُوتٌ، لرُسُوبه فِي(2/55)
الضَّرِيبة، وإِذا كَانَ كَذَلِكَ قَلَّ صَوتُ خُروجِ الدَّم؛ وَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ:
ويَنْفِي الجاهِلَ المُخْتالَ عَنِّي ... رُقاقُ الحَدِّ، وَقْعَتُه صَمُوتُ
وضَرْبةٌ صَمُوتٌ: تمرُّ فِي العِظام، لَا تَنْبُو عَنْ عَظْمٍ، فتُصَوِّتُ؛ وأَنشد ثَعْلَبٌ بيتَ الزُّبَيْرِ أَيضاً عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ:
ويُذْهِبُ، نَخْوةَ المُخْتالِ عَنِّي، ... رَقيقُ الحَدِّ، ضَرْبَتُه صَمُوتُ
وصَمَّتَ الرجلَ: شَكَا إِليه، فنَزَع إِليه مِنْ شِكايتِه: قَالَ:
إِنكَ لَا تَشْكُو إِلى مُصَمِّتِ، ... فاصْبِرْ عَلَى الحِمْلِ الثَّقيلِ، أَو مُتِ
التَّهْذِيبُ: وَمِنْ أَمثالهم: إِنك لَا تَشْكُو إِلى مُصَمِّتٍ أَي لَا تَشْكُو إِلى مَنْ يَعْبَأُ بشَكْواكَ. وَجَارِيَةٌ صَمُوتُ الخَلْخالَيْن إِذا كَانَتْ غَليظةَ الساقَين، لَا يُسْمَعُ لِخَلْخالِها صوتٌ لغُموضه فِي رِجْلَيْهَا. وَالْحُرُوفُ المُصْمَتة: غيرُ حُرُوفِ الذَّلاقةِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ، لأَنه صُمِتَ عَنْهَا أَن يُبْنَى مِنْهَا كَلِمَةٌ رُبَاعِيَّةٌ، أَو خُمَاسِيَّةً، مُعَوَّاة مِنْ حُرُوفِ الذَّلَاقَةِ. وَهُوَ بصِماتِه إِذا أَشْرَفَ عَلَى قَصْدِه. وَيُقَالُ: باتَ فلانٌ عَلَى صِماتِ أَمْره إِذا كَانَ مُعْتَزِماً عَلَيْهِ. قَالَ أَبو مَالِكٍ: الصِّماتُ القَصْدُ، وأَنا عَلَى صِماتِ حَاجَتِي أَي عَلَى شَرَفٍ مِنْ قَضَائِهَا، يُقَالُ: فُلَانٌ عَلَى صِماتِ الأَمْر إِذا أَشْرَف عَلَى قَضَائِهِ؛ قَالَ:
وحاجةٍ بِتُّ عَلَى صِماتِها
أَي عَلَى شَرَف قَضَائِهَا. وَيُرْوَى: بَتاتِها. وباتَ مِنَ الْقَوْمِ عَلَى صِماتٍ أَي بمَرأًى ومَسْمَع فِي القُرْبِ. والمُصْمَتُ: الَّذِي لَا جَوفَ لَهُ؛ وأَصْمَتُّه أَنا. وبابٌ مُصْمَتٌ، وقُفْلٌ مُصْمَتٌ: مُبْهَم، قد أُبْهِمَ إِغْلاقُه؛ وأَنشد:
وَمِنْ دونِ لَيْلى مُصْمَتاتُ المَقاصِرِ
وَثَوْبٌ مُصْمَتٌ: لونُه لونٌ واحدٌ، لَا يُخالطه لونٌ آخَرُ. وَفِي حَدِيثِ
الْعَبَّاسِ: إِنما نَهَى رسولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ الثَّوبِ المُصْمَتِ مِنْ خَزٍّ
؛ هُوَ الَّذِي جَمِيعُهُ إبْرَيْسَمٌ، لَا يُخالطه قُطْنٌ وَلَا غَيْرُهُ. وَيُقَالُ للَونِ البَهيم: مُصْمَتٌ. وَفَرَسٌ مُصْمَتٌ، وَخَيْلٌ مُصْمَتاتٌ إِذا لَمْ يَكُنْ فِيهَا شِيَةٌ، وَكَانَتْ بُهْماً. وأَدْهَمُ مُصْمَتٌ: لَا يخالطُه لونٌ غَيْرُ الدُّهْمةِ. الْجَوْهَرِيُّ: المُصْمَتُ مِنَ الْخَيْلِ البَهيمُ أَيَّ لونٍ كَانَ، لَا يُخالِطُ لونَه لونٌ آخَر. وحَلْيٌ مُصْمَتٌ إِذا كَانَ لَا يُخَالِطُهُ غيرُه؛ قَالَ أَحمد بْنُ عُبَيْدٍ: حَلْيٌ مُصْمَتٌ، مَعْنَاهُ قَدْ نَشِبَ عَلَى لَابِسِهُ، فَمَا يَتحرَّكُ وَلَا يَتَزَعْزَعُ، مثلُ الدُّمْلُج والحَجْل، وَمَا أَشبههما. ابْنُ السِّكِّيتِ: أَعطيتُ فُلَانًا أَلفاً كَامِلًا، وأَلفاً مُصْمَتاً، وأَلفاً أَقْرَعَ، بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وأَلفٌ مُصَمَّتٌ مُتَمَّمٌ، كمُصَتَّمٍ. والصُّماتُ: سُرعةُ الْعَطَشِ فِي النَّاسِ وَالدَّوَابِّ. والصامتُ مِنَ اللَّبَنِ: الخاثرُ. والصَمُوت: اسْمُ فُرْسِ المُثَلَّم بْنِ عَمْرٍو التَّنُوخيّ؛ وَفِيهِ يَقُولُ:
حَتَّى أَرى فارسَ الصَّمُوتِ عَلَى ... أَكْساءِ خَيْلٍ، كأَنَّها الإِبِلُ
مَعْنَاهُ: حَتَّى يَهْزِمَ أَعداءَه، فيَسُوقَهم مِنْ وَرَائِهِمْ، ويَطْرُدَهم كما تُساق الإِبل.(2/56)
صمعت: الأَزهري: الصَّمْعَتُوتُ «6» الحديدُ الرأْس.
صنت: الصِّنْتِيتُ: الصِّنْديدُ، وَهُوَ السَّيِّدُ الْكَرِيمُ؛ الأَصمعي: الصِّنْتِيتُ السَّيِّدُ الشَّرِيفُ. ابْنُ الأَعرابي: الصُّنْتُوتُ الفَرْدُ الحَريدُ.
صوت: الصَّوتُ: الجَرْسُ، مَعْرُوفٌ، مُذَكَّرٌ؛ فأَما قَوْلُ رُوَيْشِدِ بْنِ كَثيرٍ الطَّائِيِّ:
يَا أَيُّها الراكبُ المُزْجِي مَطِيَّتَه، ... سائلْ بَني أَسَدٍ: مَا هَذِهِ الصَّوْتُ؟
فإِنَّما أَنثه، لأَنه أَراد بِهِ الضَّوضاءَ والجَلَبة، عَلَى مَعْنَى الصَّيْحةِ، أَو الِاسْتِغَاثَةِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا قَبِيحٌ مِنَ الضَّرُورَةِ، أَعني تأْنيث الْمُذَكَّرِ، لأَنه خروجٌ عَنْ أَصلٍ إِلى فَرْعٍ، وإِنما المُسْتَجاز مِنْ ذَلِكَ رَدُّ التأْنيث إِلى التَّذْكِيرِ، لأَن التَّذْكِيرَ هُوَ الأَصْلُ، بِدَلَالَةِ أَن الشَّيْءَ مُذَكَّرٌ، وَهُوَ يَقَعُ عَلَى الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ، فعُلم بِهَذَا عُمومُ التَّذْكِيرِ، وأَنه هُوَ الأَصل الَّذِي لَا يُنْكَر؛ وَنَظِيرُ هَذَا فِي الشُّذُوذِ قَوْلُهُ، وَهُوَ مِنْ أَبيات الْكِتَابِ:
إِذا بَعْضُ السِّنينَ تَعَرَّقَتْنا، ... كفَى الأَيتامَ فَقْدُ أَبي اليَتيم
قَالَ: وَهَذَا أَسهل مِنْ تأْنيثِ الصوتِ، لأَن بعضَ السِّنِينَ: سَنَةٌ، وَهِيَ مؤَنثة، وَهِيَ من لفظ السِّنِينَ، وَلَيْسَ الصوتُ بعضَ الِاسْتِغَاثَةِ، وَلَا مِن لَفْظِهَا، والجمعُ أَصْواتٌ. وَقَدْ صاتَ يَصُوتُ ويَصاتُ صَوتاً، وأَصاتَ، وصَوَّتَ بِهِ: كلُّه نادَى. وَيُقَالُ: صَوَّتَ يُصَوِّتُ تصْويتاً، فَهُوَ مُصَوِّتٌ، وَذَلِكَ إِذا صَوَّت بإِنسانٍ فَدَعَاهُ. وَيُقَالُ: صاتَ يَصُوتُ صَوتاً، فَهُوَ صَائِتٌ، مَعْنَاهُ صَائِحٌ. ابْنُ السكين: الصوتُ صوتُ الإِنسان وَغَيْرِهِ. والصائتُ: الصَّائِحُ. ابْنُ بُزُرْجَ: أَصاتَ الرجلُ بِالرَّجُلِ إِذا شَهَّره بأَمر لَا يَشْتَهيه. وانْصاتَ الزمانُ بِهِ انْصِياتاً إِذا اشْتَهر. وَفِي الْحَدِيثِ:
فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ الصَّوتُ والدُّفُ
؛ يُرِيدُ إِعلانَ النِّكَاحِ. وذَهابَ الصَّوتِ، والذِّكرَ بِهِ فِي النَّاسِ؛ يُقَالُ: لَهُ صَوتٌ وصِيتٌ أَي ذِكْرٌ. والدُّفُّ: الَّذِي يُطَبَّلُ بِهِ، ويُفتح وَيُضَمُّ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنهم كَانُوا يَكْرَهُونَ الصَّوتَ عِنْدَ الْقِتَالِ
؛ هو أَن يُناديَ بعضُهم بَعْضًا، أَو يَفْعَلَ أَحدُهم فِعْلًا لَهُ أَثر، فيَصِيحَ ويُعَرِّفَ بِنَفْسِهِ عَلَى طَرِيقِ الفَخْر والعُجْب. وَفِي الْحَدِيثِ:
كَانَ الْعَبَّاسُ رَجُلًا صَيِّتاً
أَي شديدَ الصَّوْتِ، عَالِيَهُ؛ يُقَالُ: هُوَ صيِّتٌ وصائِتٌ، كمَيِّتٍ ومائِتٍ، وأَصله الْوَاوُ، وبناؤُه فَيْعِلٌ، فَقُلِبَ وأُدغم؛ وَرَجُلٌ صَيِّتٌ وصاتٌ؛ وحمارٌ صاتٌ: شديدُ الصَّوتِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: يَجُوزُ أَن يَكُونَ صاتٌ فَاعِلًا ذَهَبَتْ عَيْنُهُ، وأَن يَكُونَ فَعِلًا مَكْسُورَ الْعَيْنِ؛ قَالَ النَّظَّارُ الفَقْعَسِيّ:
كأَنَّني فوقَ أَقَبّ سَهْوَقٍ ... جَأْبٍ، إِذا عَشَّرَ، صاتِ الإِرْنانْ
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَهَذَا مَثَلٌ، كَقَوْلِهِمْ رجلٌ مالٌ: كثيرُ الْمَالِ، ورجلٌ نالٌ: كَثِيرٌ النَّوال، وكبشٌ صافٌ، وَيَوْمٌ طانٌ، وَبِئْرٌ ماهةٌ، وَرَجُلٌ هاعٌ لاعٌ، وَرَجُلٌ خَافٌ، قَالَ: وأَصل هَذِهِ الأَوصافِ كلِّها فَعِل، بِكَسْرِ الْعَيْنِ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَسمعُ صَوتاً وأَرى فَوتاً أَي
__________
(6) . قوله [الصمعتوت] كذا بالأَصل بمثناة فوقية قبل الواو. والذي في القاموس والتكملة بخط الصاغاني مؤلفها الصمعيوت بمثناة تحتية قبل الواو، ولولا معارضة الشارح للمجد بما في اللسان لجزمنا بما في القاموس لموافقته ما في التكملة.(2/57)
أَسْمَعُ صَوتاً وَلَا أَرى فِعلًا. وَمِثْلُهُ إِذا كنتَ تَسمعُ بِالشَّيْءِ ثُمَّ لَا تَرى تَحْقِيقاً؛ يُقَالُ: ذِكْرٌ وَلَا حِساسَ، يُنْصَبُ عَلَى التَّبْرِئَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: لا حِساسٌ، ومنهم من يقول: لا حِساسٍ، ومنهم مَنْ يَقُولُ: ذِكْرٌ وَلَا حَسِيسَ، فَيُنْصَبُ بِغَيْرِ نُونٍ، وَيُرْفَعُ بِنُونٍ. وَمِنْ أَمثالهم فِي هَذَا الْمَعْنَى: لَا خيرَ فِي رَزَمَة لَا دِرَّة مَعَهَا أَي لَا خَيْرَ فِي قَوْلِ وَلَا فِعْلَ مَعَهُ. وكلُّ ضَرْبٍ مِنَ الغِناء صوتٌ، وَالْجَمْعُ الأَصْوات. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ
؛ قِيلَ: بأَصوات الغِناء والمَزامير. وأَصاتَ القَوسَ: جَعَلَها تُصَوِّتُ. والصِّيتُ: الذِّكْرُ؛ يُقَالُ: ذَهَب صِيتُه فِي النَّاسِ أَي ذِكْرُه. والصِّيتُ والصَّاتُ: الذِّكْرُ الحَسَنُ. الْجَوْهَرِيُّ: الصِّيتُ الذِّكْر الجميلُ الَّذِي يَنْتَشِرُ فِي النَّاسِ، دُونَ الْقَبِيحِ. يُقَالُ: ذَهَبَ صِيتُه فِي النَّاسِ، وأَصله مِنَ الْوَاوِ، وإِنما انْقَلَبَتْ يَاءً لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا، كَمَا قَالُوا: رِيحٌ مِنَ الرُّوحِ، كأَنهم بَنَوه عَلَى فِعْلٍ، بِكَسْرِ الْفَاءِ، لِلْفَرْقِ بَيْنَ الصَّوتِ الْمَسْمُوعِ، وَبَيْنَ الذِّكْر الْمَعْلُومِ، وَرُبَّمَا قَالُوا: انْتَشَرَ صَوتُه فِي النَّاسِ، بِمَعْنَى الصِّيتِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والصَّوْتُ لغةٌ فِي الصِّيتِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا مِنْ عبدٍ إِلّا لَهُ صِيتٌ فِي السَّمَاءِ
أَي ذِكْرٌ وشُهْرة وعِرفان؛ قَالَ: وَيَكُونُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. والصِّيتَةُ، بِالْهَاءِ: مثلُ الصِّيتِ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
وَكَمْ مُشْتَرٍ مِنْ مالهِ حُسنَ صِيتةٍ ... لآبائِهِ، فِي كلِّ مَبْدًى ومَحْضَرِ
وانْصاتَ للأَمْر إِذا اسْتَقَامَ. وقولُهم: دُعيَ فانْصاتَ أَي أَجابَ وأَقْبل، وَهُوَ انْفَعلَ مِن الصَّوْت. والمُنْصاتُ: القَويم الْقَامَةِ. وَقَدِ انْصاتَ الرجلُ إِذا اسْتَوَتْ قامَتُهُ بَعْدَ انْحنَاءٍ، كأَنه اقْتَبَل شَبابُهُ؛ قَالَ سَلَمَةُ بْنُ الخُرْشُبِ الأَنْبارِيُّ:
ونَصْرُ بنُ دَهْمانَ الهُنَيْدةَ عاشَها ... وتِسْعِينَ حَوْلًا، ثُمَّ قُوِّمَ فانْصاتَا
وعادَ سوادُ الرأْسِ بَعْدَ ابْيضاضِه، ... وراجَعهُ شَرْخُ الشَّبابِ الَّذِي فاتَا
وراجَعَ أَيْداً، بَعْدَ ضَعفٍ وقُوَّةٍ، ... وَلَكِنَّهُ، مِنْ بعدِ ذَا كلهِ، ماتَا
فصل الضاد المعجمة
ضغت: الضَّغْتُ: اللَّوْكُ بالأَنْياب والنَّواجِذِ.
ضهت: ضَهَتَهُ يَضْهَتُه ضَهْتاً: وطِئه وطْئاً شديداً.
ضوت: ضَوتٌ: اسْمُ مَوْضِعٍ.
فصل الطاء المهملة
طست: الطَّسْتُ: مِنْ آنِيَةِ الصُّفْر، أُنثى، وَقَدْ تُذَكَّر. الْجَوْهَرِيُّ: الطَّسْتُ الطَّسُّ، بِلُغَةِ طَيِّئٍ، أُبدل مِنْ إِحدى السِّينَيْنِ تَاءً لِلِاسْتِثْقَالِ، فإِذا جَمَعْتَ أَو صَغَّرْتَ، رددتَ السِّينَ، لِأَنك فصَلْتَ بَيْنَهُمَا بأَلف أَو يَاءٍ، فَقُلْتَ: طِساسٌ، وطُسَيْسٌ.
فصل العين المهملة
عبت: الصِّحَاحُ فِي الْحَوَاشِي: عَبَتَ يَدَه عَبْتاً: لَوَاهَا، فَهُوَ عابتٌ، واليدُ مَعْبُوتة.
عتت: العَتُّ: غَطُّ الرجلِ بالكلامِ وَغَيْرِهِ. وعَتَّه يَعُتُّه عَتًّا: رَدَّدَ عَلَيْهِ الكلامَ مرَّة بَعْدَ مرَّة، وَكَذَلِكَ عاتَّه. وَفِي حَدِيثِ
الْحَسَنِ: أَن رَجُلًا حَلَف أَيماناً، فَجَعَلُوا يُعَاتُّونَه، فَقَالَ: عَلَيْهِ كفَّارة
أَي(2/58)
يُرادُّونه فِي الْقَوْلِ ويُلِحُّونَ عَلَيْهِ فِيهِ، فيُكَرِّرُ الحَلِف. وعتَّه بالمسأَلة إِذا أَلَحَّ عَلَيْهِ. وعَتَّه بِالْكَلَامِ، يَعُتُّه عَتًّا: وَبَّخَه ووَقَمَه، وَالْمَعْنَيَانِ مُتَقَارِبَانِ، وَقَدْ قِيلَ بِالثَّاءِ؛ وَمَا زِلْتُ أُعاتُّه مُعاتَّةً وعُتاتاً [عِتاتا] ، وَهِيَ الخُصُومة. أَبو عَمْرٍو: مَا زِلْتُ أُعاتُّه وأُصاتُّه عِتاتاً وصِتاتاً، وَهِيَ الخُصومة. وتَعَتَّتَ فِي كَلَامِهِ تَعَتُّتاً: تَردَّد فِيهِ، وَلَمْ يَسْتَمِرَّ في كلامه. والعَتَتُ: شَبِيهٌ بغِلَظٍ فِي كلامٍ أَو غَيْرِهِ. والعُتْعُتُ: الطويلُ التامُّ مِنَ الرِّجَالِ؛ وَقِيلَ: هُوَ الطَّوِيلُ المُضْطَرِبُ. أَبو عَمْرٍو: يُقَالُ للشابِّ القويِّ الشَّدِيدِ عُتْعُتٌ؛ وأَنشد:
لَمَّا رأَتْهُ مُودَناً عِظْيَرَّا، ... قَالَتْ: أُرِيدُ العُتْعُتَ الذِّفِرَّا
فَلَا سَقاها الوابلَ الجِوَرَّا ... إِلهُها، وَلَا وَقاها العَرَّا
والعُتْعُتُ: الجَدْي؛ وَقِيلَ: العَتْعَتُ، بِالْفَتْحِ؛ وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: هُوَ العُتْعُتُ، والعُطْعُطُ، والعَريضُ، والإِمَّرُ، والهِلَّعُ، والطَّلِيُّ، واليَعْرُ، واليَعْمورُ، والرَّعَّامُ، والقَرَّامُ، والرَّغَالُ، واللَّسادُ. وعَتْعَتَ الرَّاعِي بالجَدْي: زَجَرَه؛ وَقِيلَ: عَتْعَتَ بِهِ دَعَاهُ، وَقَالَ لَهُ: عَتْعَتْ. وقرأَ ابْنُ مسْعود: عَتَّى حينٍ، فِي مَعْنَى حَتَّى حين.
عرت: عَرِتَ الرُّمْحُ يَعْرَتُ عَرْتاً: صَلُبَ. ورُمْحٌ عَرَّاتٌ وعَرَّاصُ: شَدِيدُ الِاضْطِرَابِ؛ وَقَدْ عَرِتَ يَعْرَتُ وعَرِصَ يَعْرَصُ. وعَرِتَ الرُّمْحُ إِذا اضْطَرَب، وَكَذَلِكَ البَرْقُ إِذا لَمع واضْطَرَب؛ وَيُقَالُ: بَرْقٌ عَرَّاتٌ. قَالَ الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ عَتَرَ: قَدْ صَحَّ عَتَر وعَرَتَ، ودلَّ اخْتِلَافُ بِنَائِهِمَا عَلَى أَن كُلَّ واحدٍ مِنْهُمَا غيرُ الْآخَرِ، وَلَمْ أَره تَرْجَمَ فِي كِتَابِهِ عَلَى عَرَتَ. والعَرْتُ: الدَّلْكُ. وعَرَتَ أَنْفَه يَعْرُتُه ويَعْرِتُه عَرْتاً: تناوَلَه بِيَدِهِ فَدَلَكه.
عفت: العَفْتُ واللَّفْتُ: اللَّيُّ الشَّدِيدُ. عَفَتَه يَعْفِتُه عَفْتاً: لَوَاهُ. وَكُلُّ شَيْءٍ ثَنَيْته: فَقَدْ عَفَتَّه تَعْفِتُه عَفْتاً. وإِنك لتَعْفِتُني عَنْ حَاجَتِي أَي تَثْنِيني عَنْهَا. وعَفَتَ يَدَه يَعْفِتُها عَفْتاً: لَواها ليَكْسِرها. وعَفَتَه يَعْفِتُه عَفْتاً: كسَرَه؛ وَقِيلَ: كسَرَه كَسْراً لَيْسَ فِيهِ ارْفِضَاضٌ، يَكُونُ فِي الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ. وعَفَتَ عُنُقَه، كَذَلِكَ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وعَفَتَ كلامَه يَعْفِتُه عَفْتاً: وَهُوَ أَن يَلْفِتَه، ويَكْسِرَه مِنَ اللُّكْنة، وَهِيَ عَرَبِيَّةٌ كَعَرَبِيَّةِ الأَعجمي وَنَحْوِهِ إِذا تكلَّفَ الْعَرَبِيَّةَ. والعَفْتُ: اللُّكْنة. وَرَجُلٌ عَفَّاتٌ: ألْكَنُ. وعَفَتَ فلانٌ عَظْمَ فُلَانٍ يَعْفِتُه عَفْتاً إِذا كسَره. والأَعْفَتُ فِي بَعْضِ اللُّغَاتِ: الأَعْسَرُ؛ قِيلَ: هِيَ لُغَةُ تَمِيمٍ. والأَلْفَتُ أَيضاً: الأَعْسَرُ. والأَعْفَتُ: الْكَثِيرُ التَّكَشُّفِ إِذا جَلَسَ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ الزُّبَيْرِ: أَنه كَانَ أَعْفَتَ
؛ حَكَاهُ الهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ بِالتَّاءِ؛ وَقِيلَ: الأَعْفَتُ والعَفِتُ الأَحْمَقُ، والأُنثى مِنَ الأَعْفَت: عَفْتاء، وَمِنَ العَفِتِ: عَفِتَةٌ. ابْنُ الأَعرابي: امرأَة عَفْتَاءُ وعَفْكاء ولَفْتَاءُ، وَرَجُلٌ أَعْفَتُ أَعْفَكُ أَلْفَتُ، وَهُوَ الأَخْرَقُ. وَرَجُلٌ عِفِّتَانٌ وعِفِتَّانٌ: جافٍ، جَلْدٌ، قَوِيٌّ؛(2/59)
قَالَ الشَّاعِرُ «1» :
بَعْدَ أَزابِيِّ العِفِتَّانِ الغَلِثْ
وَيُرْوَى: بَعْدَ أَزَابي العِفِّتَانيِّ. قَالَ الأَزهري: وَمِثَالُ عِفِّتَانٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ سِلِّجَانٌ؛ يُقَالُ: أَلقاه فِي سِلِّجانِه أَي فِي حَلْقِه؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: رَجُلٌ عِفِتَّانٌ وعِفِّتَانٌ جافٍ قوِيٌّ جَلْد، وَجَمْعُ الأَخيرة عِفْتانٌ، عَلَى حَدِّ دِلاصٍ وهِجَانٍ، لَا حَدِّ جُنُبٍ، لِأَنهم قَدْ قَالُوا: عِفْتانانِ، فتَفَهَّمه. وَيُقَالُ لِلْعَصِيدَةِ: عَفِيتَةٌ، ولَفِيتةٌ.
علفت: فِي الرُّبَاعِيِّ: العِلْفِتانُ الضَّخْم مِن الرِّجَالِ الشَّدِيدُ؛ وأَنشد:
يَضْحَكُ مِنِّي مَنْ يَرَى تَكَرْكُسِي ... مِنْ فَرَقي، مِنْ عِلْفِتانٍ أَدْبَسِ،
أَخْبَثِ خَلْقِ اللهِ عِنْدَ المَحْمِس
التَّكَرْكُسُ: التَّلَوُّثُ والتَّرَدُّدُ. والمَحْمِسُ: موضِع القِتالِ، وَاللَّهُ أَعلم.
عمت: عَمَتَ الصُّوفَ والوَبَرَ يَعْمِتُه عَمْتاً: لَفَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ مُسْتَطِيلًا وَمُسْتَدِيرًا حَلْقةً فَغَزَلَهُ؛ وَقَالَ الأَزهري: كَمَا يَفْعَلُهُ الغَزَّالُ الَّذِي يَغْزِلُ الصُّوفَ، فيُلْقيه فِي يَدِهِ؛ قَالَ: وَالِاسْمُ العَمِيتُ؛ وأَنشد:
يَظَلُّ فِي الشَّاءِ يَرْعاها ويَحْلبُها، ... ويَعْمِتُ الدَّهْرَ، إِلَّا رَيْثَ يَهْتَبِدُ
وَيُقَالُ: عَمَّتَ العَمِيتَ يُعَمِّته تَعْمِيتاً؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
فَظَلَّ يَعْمِتُ فِي قَوْطٍ وراجلةٍ، ... ويَكْفِتُ الدَّهْرَ، إِلَّا رَيْثَ يَهْتَبِدُ
قَالَ: يَعْمِتُ يَغْزِلُ، مِنَ العَميتَة، وَهِيَ القِطْعة مِنَ الصُّوف. ويَكْفِتُ: يَجْمَع ويَحْرِصُ، إِلا ساعةَ يَقْعُد يَطْبُخُ الهَبِيدَ. وَالرَّاجِلَةُ: كَبْشُ الرَّاعِي، يَحْمِلُ عَلَيْهِ مَتاعَه؛ وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: عَمَتَ فلانٌ الصوفَ يَعْمِتُه عَمْتاً إِذا جَمَعه بعد ما يَطْرُقُه ويَنْفِشُه، ثُمَّ يَعْمِتُه ليَلْوِيَه عَلَى يَدِهِ، ويَغْزِلَه بالمَدَرة؛ قَالَ: وَهِيَ العَمِيتة؛ والعَمائتُ جماعةٌ. والعَمْتُ والعَمِيتةُ: مَا غُزِلَ، فَجُعِلَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، وَالْجَمْعُ أَعْمِتَةٌ وعُمُتٌ، هَذِهِ حِكَايَةُ أَهل اللُّغَةِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالَّذِي عِنْدِي أَن أَعْمِتَةً جمعُ عَميتٍ، الَّذِي هُوَ جمعُ عَمِيتةٍ، لِأَن فَعِيلةً لَا تُكَسَّرُ عَلَى أَفْعِلةٍ؛ والعَمِيتةُ مِنَ الْوَبَرِ: كالفَليلة مِنَ الشَّعَرِ؛ وَيُقَالُ: عَمِيتةٌ مِنْ وَبَر أَو صُوفٍ، كَمَا يُقَالُ: سَبِيخَةٌ مِنْ قُطْنٍ، وسَليلةٌ مِنْ شَعَر: وعَمَتَ الرجلُ حَبْلَ القَتِّ، فهو مَعْموتٌ وعَمِيتٌ: قَتَلَه ولَوَاه؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ الأَعرابي:
وقِطَعاً مِنْ وَبَرٍ عَمِيتا
يَجُوزُ أَن يَكُونَ عَمِيتاً حَالًا مِن وَبَر، وأَن يَكُونَ جَمْعَ عَمِيتةٍ، فَيَكُونَ نَعْتًا لقِطَع. ورجلٌ عَمِيتٌ: ظَريفٌ، جَريء؛ وَقَالَ الأَزهري: العَمِيتُ الْحَافِظُ الْعَالِمُ الفَطِنُ؛ قَالَ:
وَلَا تَبَغَّ الدَّهْرَ مَا كُفِيتا، ... وَلَا تُمارِ الفَطِنَ العَمِيتا
قَالَ: والعِمِّيتُ، بِالتَّشْدِيدِ، الرَّقيبُ الظريفُ،
__________
(1) . قوله [قال الشاعر] صدره كما في التكملة: حتى يظل كالخفاء المنجئث والأَزابي: النشاط. والغلث ككتف: الشديد العلاج. والمنجئث: المصروع.(2/60)
وَيُقَالُ: الْجَاهِلُ الضَّعِيفُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
كالخُرْسِ العَمامِيت
والعِمِّيتُ أَيضاً: الَّذِي لَا يَهْتَدي لجهةٍ. وفلانٌ يَعْمِتُ أَقرانه إِذا كَانَ يَقْهَرُهم ويَلُفُّهم، يُقَالُ ذَلِكَ فِي الحَرْب، وجَودة الرَّأْيِ، وَالْعِلْمِ بأَمر العَدُوِّ وإِثْخَانِه؛ وَمِنْ ذَلِكَ يُقَالُ للفَائف الصُّوف: عُمُتٌ، لِأَنها تُعْمَتُ أَي تُلَفُّ.
عنت: العَنَتُ: دُخُولُ المَشَقَّةِ عَلَى الإِنسان، ولقاءُ الشدَّةِ؛ يُقَالُ: أَعْنَتَ فلانٌ فُلَانًا إِعناتاً إِذا أَدْخَل عَلَيْهِ عَنَتاً أَي مَشَقَّةً. وَفِي الْحَدِيثِ:
الباغُونَ البُرَآءَ العَنَتَ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: العَنَتُ المَشَقَّةُ، وَالْفَسَادُ، والهلاكُ، والإِثم، والغَلَطُ، والخَطَأُ، وَالزِّنَا: كلُّ ذَلِكَ قَدْ جَاءَ، وأُطْلِقَ العَنَتُ عَلَيْهِ، والحديثُ يَحْتَمِلُ كلَّها؛ والبُرَآء جَمْعُ بَريءٍ، وَهُوَ والعَنَتُ مَنْصُوبَانِ مَفْعُولَانِ لِلْبَاغِينَ؛ يُقَالُ: بَغَيْتُ فُلَانًا خَيْرًا، وبَغَيْتُك الشيءَ: طلبتُه لَكَ، وبَغَيْتُ الشيءَ: طَلَبْتُه؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
فيُعنِتُوا عَلَيْكُمْ دينَكم
أَي يُدْخِلوا عَلَيْكُمُ الضَّرَر فِي دِينِكُمْ؛ وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ:
حَتَّى تُعْنِتَه
أَي تشُقَّ عَلَيْهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَيُّما طَبيب تَطَبَّبَ، وَلَمْ يَعْرفْ بالطِّبِّ فأَعْنَتَ، فَهُوَ ضامِنٌ
؛ أَي أَضَرَّ المريضَ وأَفسده. وأَعْنَتَه وتَعَنَّته تَعَنُّتاً: سأَله عَنْ شَيْءٍ أَراد بِهِ اللَّبْسَ عَلَيْهِ والمَشَقَّةَ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ: أَرَدْتَ أَن تُعْنِتَني
أَي تَطْلُبَ عَنَتِي، وتُسْقِطَني. والعَنَتُ الهَلاكُ. وأَعْنَتَه أَوْقَعَه فِي الهَلَكة؛ وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ
؛ أَي لَوْ أَطاعَ مثلَ المُخْبِرِ الَّذِي أَخْبَره بِمَا لَا أَصلَ لَهُ، وَقَدْ كانَ سَعَى بِقَوْمٍ مِنَ الْعَرَبِ إِلى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنّهم ارْتَدُّوا، لوقَعْتُم فِي عَنَتٍ أَي فِي فَساد وَهَلَاكٍ. وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ، فَتُصْبِحُوا عَلى مَا فَعَلْتُمْ نادِمِينَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ
. وَفِي التَّنْزِيلِ: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ
؛ مَعْنَاهُ: لَوْ شَاءَ لَشَدَّد عَلَيْكُمْ، وتَعَبَّدكم بِمَا يَصْعُبُ عَلَيْكُمْ أَداؤُه، كَمَا فَعَل بِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ. وَقَدْ يُوضَع العَنَتُ موضعَ الهَلاكِ، فَيَجُوزُ أَن يَكُونَ مَعْنَاهُ: لَوْ شَاءَ اللهُ لأَعْنَتَكُم أَي لأَهْلَككم بحُكْمٍ يَكُونُ فِيهِ غيرَ ظَالم. قَالَ ابْنُ الأَنباري: أَصلُ التَّعَنُّتِ التَّشْدِيدُ، فإِذا قَالَتِ العربُ: فُلَانٌ يتعَنَّتُ فُلَانًا ويُعْنِتُه، فَمُرَادُهُمْ يُشَدِّدُ عَلَيْهِ، ويُلزِمُه بِمَا يَصعُب عَلَيْهِ أَداؤُه؛ قَالَ: ثُمَّ نُقِلَتْ إِلى مَعْنَى الْهَلَاكِ، والأَصل مَا وَصَفْنا. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: الإِعْناتُ تَكْلِيفُ غيرِ الطاقةِ. والعَنَت: الزِّنَا. وَفِي التَّنْزِيلِ: ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ
؛ يَعْنِي الفُجُورَ وَالزِّنَا؛ وَقَالَ الأَزهري: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيمَنْ لَمْ يَسْتَطِع طَوْلًا أَي فَضْلَ مالٍ يَنْكِحُ بِهِ حُرَّةً، فَلَهُ أَن يَنْكِحَ أَمَةً؛ ثُمَّ قَالَ: ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ
، وَهَذَا يُوجِبُ أَن مَنْ لَمْ يَخْشَ العَنَتَ، وَلَمْ يَجِدْ طَوْلًا لحُرَّة، أَنه لَا يَحِلُّ لَهُ أَن يَنْكِحَ أَمة؛ قَالَ: واخْتَلَفَ الناسُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ أَن يَحْمِلَه شدّةُ الشَّبَقِ والغُلْمةِ عَلَى الزِّنَا، فيَلْقى العذابَ الْعَظِيمَ فِي الْآخِرَةِ، والحَدَّ فِي الدُّنْيَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ أَن يَعْشِقَ أَمَةً؛ وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ ذِكْرُ عِشْقٍ، وَلَكِنَّ ذَا العِشْقِ يَلْقَى عَنَتاً؛ وَقَالَ أَبو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الثُّمَاليّ: العَنَتُ،(2/61)
هَاهُنَا، الْهَلَاكُ؛ وَقِيلَ: الْهَلَاكُ فِي الزِّنَا؛ وأَنشد:
أُحاولُ إِعْنَاتي بِمَا قالَ أَو رَجا
أَراد: أُحاولُ إِهلاكي. وَرَوَى المُنْذِرِيُّ عَنْ أَبي الهَيْثَم أَنه قَالَ: العَنَتُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الجَوْرُ والإِثم والأَذى؛ قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ التَّعَنُّتُ مِنْ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ؛ يُقَالُ: تَعَنَّتَ فلانٌ فُلَانًا إِذا أَدخَلَ عَلَيْهِ الأَذى؛ وَقَالَ أَبو إِسحاق الزَّجَّاجُ: العَنَتُ فِي اللُّغَةِ المَشَقَّة الشَّدِيدَةُ، والعَنَتُ الوُقوع فِي أَمرٍ شاقٍّ، وَقَدْ عَنِتَ، وأَعْنَتَه غيرهُ؛ قَالَ الأَزهري: هَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبو إِسحاق صَحِيحٌ، فإِذا شَقَّ عَلَى الرَّجُلِ العُزْبة، وغَلَبَتْه الغُلْمَة، وَلَمْ يَجِدْ مَا يَتَزَوَّجُ بِهِ حُرَّة، فَلَهُ أَن يَنْكِحَ أَمة، لِأَنَّ غَلَبَة الشهْوَة، واجتماعَ الْمَاءِ فِي الصُّلْب، رُبَّمَا أَدَّى إِلى العلَّة الصَّعبة، وَاللَّهُ أَعلم؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: العَنَتُ الإِثم؛ وَقَدْ عَنِتَ الرجلُ. قَالَ تَعَالَى: عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ
؛ قَالَ الأَزهري: مَعْنَاهُ عَزِيزٌ عَلَيْهِ عَنَتُكم، وَهُوَ لقاءُ الشِّدَّة والمَشَقَّة؛ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ عَزِيزٌ أَي شديدٌ مَا أَعْنَتَكم أَي أَوْرَدَكم العَنَتَ والمَشَقَّة. وَيُقَالُ: أَكَمةٌ عَنُوتٌ طويلةٌ شاقَّةُ المَصْعَد، وَهِيَ العُنْتُوتُ أَيضاً؛ قَالَ الأَزهري: والعَنَتُ الكسرُ، وَقَدْ عَنِتَتْ يَدُه أَو رجْلُه أَي انْكَسرتْ، وَكَذَلِكَ كلُّ عَظْم؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
فَداوِ بها أَضْلاعَ جَنْبَيْكَ بَعْد ما ... عَنِتنَ، وأَعْيَتْكَ الجَبائرُ مِنْ عَلُ
وَيُقَالُ: عَنِتَ العظمُ عَنَتاً، فَهُوَ عَنِتٌ: وَهَى وَانْكَسَرَ؛ قَالَ رؤْبة:
فأَرْغَمَ اللهُ الأُنُوفَ الرُّغَّما: ... مَجْدُوعَها، والعَنِتَ المُخَشَّما
وَقَالَ اللَّيْثُ: الوَثْءُ لَيْسَ بعَنَتٍ؛ لَا يَكُونُ العَنَتُ إِلَّا الكَسْرَ؛ والوَثْءُ الضَّرْبُ حَتَّى يَرْهَصَ الجِلدَ واللحمَ، ويَصِلَ الضربُ إِلى الْعَظْمِ، مِنْ غَيْرِ أَن يَنْكَسِرَ. وَيُقَالُ: أَعْنَتَ الجابرُ الكَسِيرَ إِذا لَمْ يَرْفُقْ بِهِ، فَزَادَ الكَسْرَ فَساداً، وَكَذَلِكَ راكبُ الدَّابَّةِ إِذا حَمَلَه عَلَى مَا لَا يَحْتَمِلُه مِنَ العُنْفِ حَتَّى يَظْلَع، فَقَدْ أَعْنَته، وَقَدْ عَنِتَت الدابةُ. وجملةُ العَنَت: الضَّرَرُ الشاقُّ المُؤْذي. وَفِي حَدِيثِ
الزُّهْرِيِّ: فِي رَجُلٍ أَنْعَلَ دابَّةً فَعَنِتَتْ
؛ هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ، أَي عَرِجَتْ؛ وَسَمَّاهُ عَنَتاً لأَنه ضَرَرٌ وفَساد. وَالرِّوَايَةُ: فَعَتِبَتْ، بِتَاءٍ فَوْقَهَا نُقْطَتَانِ، ثُمَّ بَاءٍ تَحْتَهَا نُقْطَةٌ، قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: والأَوَّلُ أَحَبُّ الْوَجْهَيْنِ إِليَّ. وَيُقَالُ لِلْعَظْمِ الْمَجْبُورِ إِذا أَصابه شَيْءٌ فَهاضَه: قَدْ أَعْنَتَه، فَهُوَ عَنِتٌ ومُعْنِتٌ. قَالَ الأَزهري: مَعْنَاهُ أَنه يَهِيضُه، وَهُوَ كَسْرٌ بعدَ انْجِبارٍ، وَذَلِكَ أَشَدُّ مِنَ الكَسر الأَوّلِ. وعَنِتَ عَنَتاً: اكْتَسَبَ مَأْثَماً. وجاءَني فلانٌ مُتَعَنِّتاً إِذا جاءَ يَطْلُب زَلَّتَكَ. والعُنْتُوتُ: جُبَيْلٌ مُسْتَدِقٌّ فِي السَّمَاءِ، وَقِيلَ: دُوَيْنَ الحَرَّة؛ قَالَ:
أَدْرَكْتُها تَأْفِرُ دونَ العُنْتُوتْ، ... تِلْكَ الهَلُوكُ والخَريعُ السُّلْحُوتْ
الأَفْرُ: سَيْرٌ سَرِيعٌ. والعُنْتُوتُ: الحَزّ فِي القَوْس؛ قَالَ الأَزهري: عُنْتُوتُ القَوْس هُوَ الحزُّ الَّذِي تُدْخَلُ فِيهِ الغانةُ، والغانةُ: حَلْقةُ رأْس الوتر.
عهت: رَوَى أَبو الْوَازِعِ عَنْ بَعْضِ الأَعراب: فُلَانٌ مُتَعَهِّتٌ: ذُو نِيقَةٍ وتَخَيُّرٍ، كأَنه مَقْلُوبٌ عَنِ المُتَعَتِّهِ.(2/62)
فصل الغين المعجمة
غتت: غَتَّ الضَّحِكَ يَغُتُّه غَتًّا: وَضَع يدَه أَو ثَوْبَهُ عَلَى فِيهِ، ليُخْفِيَهُ. وغَتَّ فِي الْمَاءِ يَغُتُّ غَتّاً: وَهُوَ مَا بَيْنَ النَّفَسين مِنَ الشُّرْب، والإِناءُ عَلَى فِيهِ. أَبو زَيْدٍ: غَتَّ الشاربُ يَغُتُّ غَتّاً، وَهُوَ أَن يَتَنَفَّسَ مِنَ الشَّراب، والإِناءُ عَلَى فِيهِ؛ وأَنشد بَيْتَ الْهُذَلِيِّ:
شَدَّ الضُّحَى، فغَتَتْنَ غَيْرَ بَواضِعٍ، ... غَتَّ الغَطَاطِ مَعاً عَلَى إِعْجالِ
أَي شَرِبْنَ أَنْفاساً غَيْرَ بَواضِعٍ أَي غَيْرَ رِواءٍ. وَفِي حَدِيثِ المَبْعَثِ:
فأَخَذَني جبريلُ فغَتَّني
؛ الغَتُّ والغَطُّ سَوَاءٌ، كأَنه أَراد عَصَرني عَصْراً شَدِيدًا حَتَّى وَجَدْتُ مِنْهُ المَشَقَّةَ، كَمَا يَجِدُ مَنْ يُغْمَسُ فِي الْمَاءِ قَهْراً. وغَتَّهُ خَنِقاً يَغُتُّه غَتّاً: عَصَر حَلْقَه نفَساً، أَو نَفَسين، أَو أَكثر مِنْ ذَلِكَ. وغَتَّه فِي الماءِ يَغُتُّه غَتّاً: غَطَّه، وَكَذَلِكَ إِذا أَكرهه عَلَى الشَّيْءِ حَتَّى يَكْرُبَه. وَيُقَالُ: غَتَّه الكلامَ غَتّاً إِذا بَكَّتَه تَبْكيتاً. وَفِي حَدِيثِ الدُّعاء:
يَا مَنْ لَا يَغُتُّه دعاءُ الداعِينَ
أَي يَغْلِبُه ويَقْهَرُه. وَفِي حَدِيثِ
ثَوْبانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنا عِنْدَ عُقْرِ حَوْضِي، أَذُودُ النَّاسَ عَنْهُ لأَهل اليَمن
أَي لأَذُودَهم بعَصايَ حَتَّى يَرْفَضُّوا عَنْهُ، وإِنه ليَغُتُّ فِيهِ ميزابانِ مِنَ الْجَنَّةِ: أَحدُهما مِنْ وَرِقٍ، والآخرُ مِنْ ذهبٍ، طولُه مَا بَيْنَ مُقامِي إِلى عُمانَ؛ قَالَ اللَّيْثُ: الغَتُّ كالغَطِّ. وَرُوِيَ فِي حَدِيثِ
ثَوْبَانَ أَيضاً عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي الحَوْض يَغُتُّ فِيهِ ميزابانِ، مِدادُهما مِنَ الْجَنَّةِ
؛ قَالَ الأَزهري: هَكَذَا سَمِعْتُهُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسحاق يَغُتُّ، بِضَمِّ الْغَيْنِ، قَالَ: وَمَعْنَى يَغُتُّ، يَجْري جَرْياً لَهُ صَوْتٌ وخَريرٌ؛ وَقِيلَ: يَغُطُّ؛ قَالَ: وَلَا أَدري مِمَّنْ حَفِظَ هَذَا التَّفْسِيرَ. قَالَ الأَزهري: وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ، لَقِيلَ يَغُتُّ ويَغِطُّ، بِكَسْرِ الْغَيْنِ، وَمَعْنَى يَغُتُّ يُتابعُ الدَّفْقَ فِي الْحَوْضِ لَا يَنْقَطِعُ، مأْخوذ مِنْ غَتَّ الشاربُ الماءَ جَرْعاً بَعْدَ جَرْع، ونَفَساً بَعْدَ نَفَس، مِنْ غَيْرِ إِبانةِ الإِناء عَنْ فِيهِ؛ قَالَ: فَقَوْلُهُ
يَغُتُّ فِيهِ مِيزابانِ
أَي يَدْفُقانِ فِيهِ الماءَ دَفْقاً مُتتابعاً دَائِمًا، مِن غَيْرِ أَن يَنْقَطِعَ، كَمَا يَغُتُّ الشاربُ الماءَ، ويَغُتُّ مُتَعَدٍّ هَاهُنَا، لأَن المُضاعف إِذا جَاءَ عَلَى فَعَلَ يَفْعُل، فَهُوَ مُتَعَدٍّ، وإِذا جَاءَ عَلَى فَعَلَ يَفْعِلُ، فهو لَازِمٌ، إِلا مَا شَذَّ عَنْهُ؛ قَالَ ذَلِكَ الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ شَمِرٌ: غُتَّ، فَهُوَ مَغْتُوتٌ؛ وغُمَّ، فَهُوَ مَغْمومٌ، قَالَ رؤْبة يَذْكُرُ يُونُسَ والحُوتَ:
وجَوْشَنُ الحُوتِ لَهُ مَبيتُ، ... يُدْفَع عَنْهُ جوفُه المَسْحُوتُ
كِلاهُما مُغْتَمِسٌ مَغْتُوتُ، ... والليلُ فَوْقَ الْمَاءِ مُسْتَمِيتُ «2»
قَالَ: والمَغْتُوت المَغْموم. وغَتَّ الدابةَ طَلَقاً أَو طَلَقَيْن يَغُتُّها: رَكَضَها، وجَهَدَها، وأَتْعَبها. وغَتَّهم اللهُ بِالْعَذَابِ غَتّاً كَذَلِكَ. وغَتَّ القَوْلَ بالقَوْل، والشُّربَ بالشُّرْب، يَغُتُّه غَتّاً: أَتْبَعَ بَعْضَه بَعْضًا. وغَتَّه بالأَمْر: كَدَّه. وَفِي الْحَدِيثِ:
يَغُتُّهم اللهُ فِي الْعَذَابِ
أَي يَغْمِسُهم فِيهِ غَمْساً مُتَتابعاً. قَالَ: والغَتُّ أَن تُتْبِعَ القولَ القَوْلَ، أَو الشُّرْبَ الشُّرْبَ؛ وأَنشد:
فغَتَتْنَ غَيْرَ بَواضِعٍ أَنفاسَها، ... غَتَّ الغَطاطِ مَعاً عَلَى إِعْجالِ
__________
(2) . قوله [المسحوت] أَي الذي لا يشبع، وقوله مستميت أَي خاشع خاضع.(2/63)
وَفِي حَدِيثِ
أُم زَرْعٍ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: وَلَا تُغَتِّتْ طَعامَنا تَغْتيتاً
؛ قَالَ أَبو بَكْرٍ أَي لَا تُفْسده. يُقَالُ: غَتَّ الطعامُ يَغُتُّ، وأَغْتَتُّه أَنا، وغَتَّ الكلامُ: فَسَدَ؛ قال قَبْسُ بْنُ الخَطيم:
وَلَا يَغُتُّ الحديثُ إِذْ نَطَقَتْ، ... وَهُوَ، بفِيها، ذُو لَذَّةٍ طَرَبُ
غلت: الغَلَتُ والغَلَطُ سَوَاءٌ؛ وَقَدْ غَلِتَ. وَرَجُلٌ غَلُوتٌ فِي الْحِسَابِ: كثيرُ الغَلَط؛ قال رؤْبة:
إِذا اسْتَدار البَرِمُ الغَلُوتُ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الغَلَتُ فِي الْحِسَابِ، والغَلَطُ فِي سِوَى ذَلِكَ. وَقِيلَ: الغَلَطُ فِي الْقَوْلِ، وَهُوَ أَن يُرِيدَ أَن يَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ فيَغْلَطَ، فَيَتَكَلَّمُ بِغَيْرِهَا. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ مَسْعُودٍ: لَا غَلَتَ فِي الإِسلام.
قَالَ اللَّيْثُ: غَلِتَ فِي الْحِسَابِ غَلَتاً، وَيُقَالُ: غَلِتَ فِي مَعْنَى غَلِطَ. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: الغَلَط فِي المَنْطِق، والغَلَتُ فِي الْحِسَابِ، وَقِيلَ: هُمَا لُغَتَانِ؛ وَجَعَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ وَقَالَ رؤْبة:
إِذا اسْتَدَرَّ البَرِمُ الغَلُوتُ
والغَلوت: الْكَثِيرُ الغَلَط؛ قَالَ: واسْتِدْراره كثرةُ كَلَامِهِ. وَفِي حَدِيثِ
شُرَيْح: كَانَ لَا يُجِيزُ الغَلَتَ
؛ قَالَ: هُوَ أَن يَقُولَ الرَّجُلَ اشْتَرَيْتُ هَذَا الثَّوْبَ بِمِائَةٍ، ثُمَّ تَجِدُهُ اشْتَرَاهُ بأَقل، فيَرجِعُ إِلى الْحَقِّ ويَتْرُكُ الغَلَتَ. وَفِي حَدِيثِ
النَخَعِيّ: لَا يَجُوزُ التَغَلُّتُ
؛ هُوَ تَفَعُّلٌ مِنَ الغَلَتِ. تَقُولُ: تَغَلَّتُّه أَي طَلَبْتُ غَلَته، وتَغَلَّتني فلانٌ واغتَلَتني إِذا أَخذه عَلَى غِرَّةٍ. والغَلْتُ: الإِقالة فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ. وغَلْتَةُ الليلِ: أَوّله؛ قال:
وجِىءْ غَلْتةً فِي ظُلْمةِ الليلِ، وارْتَحِلْ ... بيومِ مُحَاقِ الشَّهْرِ والدَّبَرانِ
واغْلَنْتَى القومُ عَلَى فلانٍ اغْلِنْتاءً: عَلَوْه بالشَّتْم والضَّرْب والقَهْر، مِثْلُ الاغْرِنْداء.
غمت: الغَمَتُ والفَقَمُ: التُّخَمة. غَمَته الطعامُ يَغْمِتُه غَمْتاً: أَكله دَسِماً، فغَلَبَ عَلَى قَلْبِهِ، وثَقُلَ واتَّخَم؛ وَقَالَ الأَزهري: هُوَ أَن يَسْتَكْثِرَ مِنْهُ حَتَّى يَتَّخِم. وَقَالَ شَمِرٌ: غَمَتَه الوَدَكُ يَغْمِتُه إِذا صَيَّره كالسَّكْرانِ. وغَمَتَه إِذا غَطَّاه. وغَمَتَه فِي الْمَاءِ يَغْمِته غَمْتاً: غَطَّه فِيهِ.
فصل الفاء
فأت: افْتَأَتَ عليَّ مَا لَمْ أَقُلْ: اخْتَلَقه. أَبو زَيْدٍ: افْتَأَتَ الرجلُ عَليَّ افتِئاتاً، وَهُوَ رَجُلٌ مُفْتَئِتٌ، وَذَلِكَ إِذا قَالَ عَلَيْكَ الباطلَ. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ فِي كِتَابِ المَنْطِق: افْتَأَتَ فلانٌ عَلَيْنَا يَفْتَئِتُ إِذا اسْتَبَدَّ عَلَيْنَا برأْيه؛ جَاءَ بِهِ فِي بَابِ الْهَمْزِ. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: افْتَأَتَ بأَمره ورأْيه إِذا اسْتَبَدَّ بِهِ وَانْفَرَدَ. قَالَ الأَزهري: قَدْ صَحَّ الْهَمْزُ عَنِ ابْنِ شُمَيْلٍ، وَابْنِ السِّكِّيتِ فِي هَذَا الْحَرْفِ، قَالَ: وَمَا عَلِمْتُ الْهَمْزَ فِيهِ أَصليّاً. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هَذَا الْحَرْفُ سُمِعَ مَهْمُوزًا، ذَكَرَهُ أَبو عمرو، وأَبو زَيْدٍ، وَابْنُ السُّكَيْتِ، وَغَيْرُهُمْ: فَلَا يَخْلُو إِما أَن يَكُونُوا قَدْ هَمَزُوا مَا لَيْسَ بِمَهْمُوزٍ، كَمَا قَالُوا: حَلأْتُ السَّويقَ، ولَبَّأْتُ بِالْحَجِّ، ورَثَأْتُ الميتَ، أَو يَكُونَ أَصل هَذِهِ الْكَلِمَةِ مِنْ غير الفَوْت.
فتت: فَتَّ الشيءَ يَفُتُّه فَتّاً، وفَتَّتَه: دَقَّه. وَقِيلَ: فَتَّه كَسَره؛ وَقِيلَ: كَسَرَهُ بأَصابعه. قَالَ اللَّيْثُ: الفَتُّ أَن تأْخذ الشَّيْءَ بإِصبعك،(2/64)
فَتُصَيِّرَه فُتاتاً أَي دُقاقاً، فَهُوَ مَفْتُوتٌ وفَتِيتٌ. وَفِي الْمَثَلِ: كَفّاً مُطْلَقةً تَفُتُّ اليَرْمَعَ؛ اليَرْمَع: حِجَارَةٌ بِيضٌ تُفَتُّ بِالْيَدِ؛ وَقَدِ انْفَتَّ وتَفَتَّتَ. والفُتاتُ: مَا تَفَتَّت؛ وفُتاتُ الشَّيْءِ: مَا تَكَسَّرَ مِنْهُ؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
كأَنَّ فُتاتَ العِهْنِ، فِي كُلِّ مَنْزِلٍ ... نَزَلْنَ بِهِ، حَبُّ الفَنَا لَمْ يُحَطَّمِ
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وفُتاتُ العِهْنِ وَالصُّوفِ مَا تَسَاقَطَ مِنْهُ. والفَتُّ والثَّتُّ: الشَّقُّ فِي الصَّخْرة، وَهِيَ الفُتُوتُ والثُّتُوتُ. والتَفَتُّتُ: التَّكَسُّر. والانْفِتاتُ: الِانْكِسَارُ. والفَتِيتُ والفَتُوتُ: الشيءُ المَفْتُوتُ، وَقَدْ غَلَبَ عَلَى مَا فُتَّ مِنَ الخُبْز؛ وَفِي التَّهْذِيبِ: إِلا أَنهم خَصُّوا الخُبْز المَفْتُوتَ بالفَتِيتِ. والفَتِيتُ: الشيءُ يَسْقُطُ فيَتَقَطَّعُ ويَتَفَتَّتُ. وكلَّمه بشيءٍ ففَتَّ فِي سَاعِدِهِ أَي أَضْعَفَه وأَوْهَنَه. وَيُقَالُ: فَتَّ فلانٌ فِي عَضُدِي، وهَدَّ رُكْني. وفَتَّ فلانٌ فِي عَضُدِ فلانٍ، وعَضُدُه أَهلُ بيتِه، إِذا رَامَ إِضْرارَه بتَخَوُّنِه إِياهم. والفُتَّة: الكُتْلةُ مِنَ التَّمْرِ. الْفَرَّاءُ: أُولئك أَهلُ بيتٍ فَتٍّ وفُتٍّ وفِتٍّ إِذا كَانُوا مُنْتَشرين، غَيْرَ مُجْتَمِعِينَ. ابْنُ الأَعرابي: فَتْفَتَ الرَّاعِي إِبلَه إِذا رَدَّها عَنِ الْمَاءِ، وَلَمْ يَقْصَعْ صَوَّارها. والفُتَّة: بَعْرة، أَو رَوْثة مَفْتوتة، تُوضَع تحتَ الزَّنْدِ عِنْدَ القَدْح. الْجَوْهَرِيُّ: الفُتَّةُ مَا يُفَتُّ ويوضَع تَحْتَ الزَّنْدِ.
فخت: الفاخِتةُ: وَاحِدَةُ الفَواخِتِ، وَهِيَ ضَرْبٌ مِنَ الحَمام المُطَوَّق. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ذَكَرَ ابْنُ الجَوالِيقيِّ أَن الْفَاخِتَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الفَخْتِ الَّذِي هُوَ ظِلُّ القَمَر. وفَخَّتَتِ الفاختةُ: صَوَّتَتْ. وتَفَخَّتَت المرأَةُ: مَشَتْ مِشْية الْفَاخِتَةِ. اللَّيْثُ: إِذا مشَت المرأَة مُجْنِحةً، قِيلَ: تَفَخَّتَتْ تَفَخُّتاً؛ قَالَ: أَظنُّ ذَلِكَ مُشْتَقّاً مِنْ مَشْي الْفَاخِتَةِ، وَجَمْعُ الفاخِتةِ فَواخِتُ. قَوْلُهُ مُجْنِحةً إِذا تَوَسَّعَتْ فِي مَشْيِها، وفرَّجَتْ يَدَيْها مِنْ إِبْطَيْها. والفَخْتُ: ضَوْءُ الْقَمَرِ أَوَّلَ مَا يَبْدُو، وعَمَّ بِهِ بعضُهم؛ يُقَالُ: جَلَسْنا فِي الفَخْت؛ وَقَالَ شِمْرٌ: لَمْ أَسمع الفَخْتَ إِلّا هَاهُنَا. قَالَ أَبو إِسحاق: قَالَ بَعْضُ أَهل اللُّغَةِ: الفَخْتُ، لَا أَدْرِي اسْمُ ضَوْئه، أَم اسمُ ظُلْمته. واسمُ ظُلْمة ظِلِّه عَلَى الْحَقِيقَةِ: السَّمَر؛ وَلِهَذَا قِيلَ لِلْمُتَحَدِّثِينَ لَيْلًا: سُمَّار؛ قَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: الصَّوَابُ فِيهِ ظِلُّ الْقَمَرِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: الصَّوَابُ مَا قَالَهُ، لأَن الفاخِتَةَ بلَوْنِ الظِّلِّ، أَشْبَهُ مِنْهَا بلَوْنِ الضَّوْء. وفَخَتَ رأْسَه بِالسَّيْفِ فَخْتاً: قَطَعَه. وفَخَتَ الإِناءَ فَخْتاً: كَشَفَه. والفَخْتُ: نَشْلُ الطَّبَّاخ الفِدْرة مِنَ القِدْر. وَيُقَالُ: هُوَ يَتَفَخَّتُ أَي يَتَعَجَّبُ، فَيَقُولُ: مَا أَحْسَنَه.
فرت: الفُراتُ: أَشَدُّ الْمَاءِ عُذوبةً. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: هَذَا عَذْبٌ فُراتٌ، وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ
. وَقَدْ فَرُتَ الماءُ يَفْرُتُ فُروتةً إِذا عَذُبَ، فَهُوَ فُراتٌ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: فَرِتَ الرجلُ، بِكَسْرِ الرَّاءِ، إِذا ضَعُفَ عقلُه بَعْدَ مُسْكَةٍ. والفُراتانِ: الفُراتُ ودُجَيْلٌ؛ وَقَوْلُ أَبي ذؤَيب:(2/65)
فَجاءَ بِهَا مَا شِئْتَ مِنْ لَطَمِيَّةٍ، ... يَدُومُ الفُراتُ فَوْقَها ويَمُوجُ
لَيْسَ هُنَالِكَ فُراتٌ، لأَن الدُّرَّ لَا يَكُونُ فِي الْمَاءِ الْعَذْبِ، وإِنما يَكُونُ فِي الْبَحْرِ. وَقَوْلُهُ: مَا شِئْتَ، فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَي جَاءَ بِهَا كَامِلَةَ الحُسْن، أَو بالغةَ الحُسْن، وَقَدْ تَكُونُ فِي مَوْضِعِ جَرّ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الْهَاءِ أَي فَجَاءَ بِمَا شِئْتَ مِنْ لَطَمِيَّة. ومياهٌ فِرْتانٌ وفُراتٌ: كالواحدِ، وَالِاسْمُ الفُروتَةُ. والفُراتُ: اسْمُ نَهَرِ الْكُوفَةِ، مَعْرُوفٌ. وفَرْتَنى: المرأَةُ الفاجرةُ؛ ذَهَبَ ابْنُ جِنِّي فِيهِ إِلى أَن نُونَهُ زَائِدَةٌ، وَحَكَى فَرَتَ الرجلُ يَفْرُتُ فَرْتاً: فَجر؛ وأَما سِيبَوَيْهِ فَجَعَلَهُ رُبَاعِيًّا. والفِرْتُ: لغةٌ فِي الفِتْر؛ عَنِ ابْنِ جِنِّي، كأَنه مقلوب عنه.
فلت: أَفْلَتَني الشيءُ، وتَفَلَّت مِنِّي، وانْفَلَت، وأَفْلَتَ فلانٌ فُلَانًا: خَلَّصه. وأَفْلَتَ الشيءُ وتَفَلَّتَ وانْفَلَتَ، بِمَعْنًى؛ وأَفْلَتَه غيرُه. وَفِي الْحَدِيثِ:
تَدارَسُوا القرآنَ، فَلهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتاً مِن الإِبل مِنْ عُقُلِها.
التَّفَلُّتُ، والإِفْلاتُ، والانْفِلاتُ: التَّخَلُّص مِنَ الشَّيْءِ فَجْأَةً، مِنْ غَيْرِ تَمَكُّثٍ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
أَن عِفْريتاً مِنَ الْجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ البارحةَ
أَي تَعَرَّضَ لِي فِي صَلاتي فَجْأَة. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن رَجُلًا شَرِبَ خَمْرًا فسَكِرَ، فانْطُلِقَ بِهِ إِلى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا حَاذَى دَارَ الْعَبَّاسِ، انْفَلَتَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ، فذَكَر ذَلِكَ لَهُ، فضحِكَ وَقَالَ: أَفَعَلَها؟ وَلَمْ يأْمر فِيهِ بِشَيْءٍ.
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
فأَنا آخُذُ بحُجَزكم، وأَنتم تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِي
أَي تَتَفَلَّتُونَ، فَحَذَفَ إِحدى التاءَين تَخْفِيفًا. وَيُقَالُ: أَفْلَتَ فلانٌ بِجُرَيْعة الذَّقَن. يُضْرَبُ مَثَلًا لِلرَّجُلِ يُشْرِفُ عَلَى هَلَكة، ثُمَّ يُفْلِتُ، كأَنه جَرَع الموتَ جَرْعاً، ثُمَّ أَفْلَتَ مِنْهُ. والإِفْلاتُ: يَكُونُ بِمَعْنَى الانْفِلاتِ، لَازِمًا، وَقَدْ يَكُونُ وَاقِعًا. يُقَالُ: أَفْلَتُّه مِنَ الهَلَكة أَي خَلَّصْتُه؛ وأَنشد ابْنُ السِّكِّيتِ:
وأَفْلَتَني مِنْهَا حِماري وجُبَّتي، ... جَزى اللهُ خَيْرًا جُبَّتي وحِماريا
أَبو زَيْدٍ، مِنْ أَمثالهم فِي إِفْلاتِ الجَبانِ: أَفْلَتَني جُرَيْعةَ الذَّقَنِ؛ إِذا كَانَ قَرِيبًا كقُرْبِ الجُرْعةِ مِنَ الذَّقَن، ثُمَّ أَفْلَتَه. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: مَعْنَى أَفْلَتَني أَي انْفَلَت مِنِّي. ابْنُ شُمَيْلٍ: يُقَالُ لَيْسَ لَكَ مِنْ هَذَا الأَمر فَلْتٌ أَي لَا تَنْفَلِتُ مِنْهُ. وَقَدْ أَفْلَتَ فلانٌ مِنْ فُلَانٍ، وانْفَلَتَ، ومرَّ بِنَا بعيرٌ مُنْفَلِتٌ، وَلَا يُقَالُ: مُفْلِتٌ. وَفِي الْحَدِيثِ
عَنْ أَبي مُوسَى: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِن اللَّهَ يُمْلي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذا أَخَذَه لَمْ يُفْلِتْه، ثُمَّ قرأَ: وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ.
قَوْلُهُ: لَمْ يُفْلِتْه أَي لَمْ يَنْفَلتْ مِنْهُ، وَيَكُونُ مَعْنَى لَمْ يُفْلِتْه، لَمْ يُفْلتْه أَحدٌ أَي لَمْ يُخَلِّصْه شيءٌ. وتَفَلَّتَ إِلى الشيءِ وأَفْلَتَ: نَازَعَ. والفَلَتانُ: المُتَفَلِّتُ إِلى الشرِّ؛ وَقِيلَ: الْكَثِيرُ اللَّحْمِ. والفَلَتانُ: السريعُ، وَالْجَمْعُ فِلْتانٌ؛ عَنْ كُرَاعٍ. وَفَرَسٌ فَلَتانٌ أَي نَشيطٌ، حَدِيدُ الفؤَاد مثلُ الصَّلَتانِ. التَّهْذِيبُ: الفَلَتانُ والصَّلَتان، مِنَ التَّفَلُّتِ والانْفِلاتِ، يُقَالُ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ الشَّدِيدِ الصُّلْبِ. وَرَجُلٌ فَلَتانٌ: نَشِيطٌ، حَدِيدُ الفؤَاد. وَرَجُلٌ فَلَتانٌ أَي جريءٌ وامرأَة فَلَتانَةٌ.(2/66)
وافْتَلَتَ الشيءَ: أَخَذَه فِي سُرْعة؛ قال قيس ابن ذُرَيْح:
إِذا افْتَلَتَتْ مِنْكَ النَّوى ذَا مَوَدَّةٍ ... حَبيباً، بتَصْداعٍ مِنَ البَيْنِ ذِي شَعْبِ،
أَذاقَتْكَ مُرَّ العَيْشِ، أَو مُتَّ حَسْرَةً، ... كَمَا ماتَ مَسْقِيُّ الضَّياحِ عَلَى الأَلْب
وَكَانَ ذَلِكَ فَلْتةً أَي فَجْأَة. يُقَالُ: كَانَ ذَلِكَ الأَمرُ فَلْتةً أَي فَجأَة إِذا لَمْ يَكُنْ عَنْ تَدَبُّر وَلَا تَرَدُّدٍ. والفَلْتة: الأَمر يَقَعُ مِنْ غَيْرِ إِحكام. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ: أَنَّ بَيْعَةَ أَبي بَكْرٍ كَانَتْ فَلْتةً، وَقى اللهُ شَرَّها.
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: أَراد فجأَة، وَكَانَتْ كَذَلِكَ لأَنها لَمْ يُنْتَظَرْ بِهَا العوامُّ، إِنما ابْتَدَرَها أَكابرُ أَصحاب سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَعَامَّةِ الأَنصار، إِلا تِلْكَ الطِّيرةَ الَّتِي كَانَتْ مِنْ بَعْضِهِمْ، ثُمَّ أَصْفَقَ الكلُّ لَهُ، بِمَعْرِفَتِهِمْ أَن لَيْسَ لأَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مُنازع وَلَا شَرِيكٌ فِي الْفَضْلِ، وَلَمْ يَكُنْ يَحْتَاجُ فِي أَمره إِلى نَظَرٍ، وَلَا مُشاورة؛ وَقَالَ الأَزهري: إِنما مَعْنَى فَلْتةً البَغْتَة؛ قَالَ: وإِنما عُوجل بِهَا، مُبادَرةً لانْتشارِ الأَمر، حَتَّى لَا يَطْمَعَ فِيهَا مَنْ لَيْسَ لَهَا بِمَوْضِعٍ؛ وَقَالَ حُصَيبٌ الهُذَليُّ:
كَانُوا خَبيئةَ نَفْسي، فافْتُلِتُّهمُ، ... وكلُّ زادٍ خَبيءٍ، قَصْرُه النَّفَدُ
قَالَ: افْتُلِتُّهم، أُخِذوا مِنِّي فَلْتة. زادٌ خبيءٌ: يُضَنُّ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ الأَثير فِي تَفْسِيرِ حَدِيثِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَراد بالفَلْتةِ الفَجْأَة، ومثلُ هَذِهِ البَيْعةِ جَديرةٌ بأَن تكونَ مُهَيِّجةً للشرِّ والفِتنة، فعَصَم اللهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ ووَقى. قَالَ: والفَلْتةُ كُلُّ شيءٍ فُعِلَ مِنْ غَيْرِ رَوِيَّةٍ، وإِنما بُودِرَ بِهَا خَوْفَ انْتِشَارِ الأَمر؛ وَقِيلَ: أَراد بالفَلْتة الخَلْسةَ أَي أَن الإِمامة يَوْمَ السَّقيفةِ، مالَت الأَنْفُسُ إِلى تَوَلِّيها، وَلِذَلِكَ كَثُرَ فِيهَا التشاجُر، فَمَا قُلِّدَها أَبو بَكْرٍ إِلا انْتِزاعاً مِنَ الأَيْدي واختِلاساً؛ وَقِيلَ: الفَلْتَةُ هُنَا مُشْتَقَّةٌ مِنَ الفَلْتة، آخِرُ ليلةٍ مِنَ الأَشْهُر الحُرُم، فيَخْتَلِفون فِيهَا أَمِنَ الحِلِّ هِيَ أَم مِنَ الحَرَم؟ فيُسارِعُ المَوْتُور إِلى دَرْكِ الثأْر، فَيَكْثُرُ الْفَسَادُ، وتُسْفَكُ الدماءُ؛ فشبَّه أَيام النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بالأَشهر الْحُرُمِ، وَيَوْمَ مَوْتِهِ بالفَلْتة فِي وُقوع الشَّرّ، مِنِ ارْتِدَادِ الْعَرَبِ، وَتَوَقُّفِ الأَنصار عَنِ الطَّاعَةِ، ومَنْع مَنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ والجَرْي، عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي أَن لَا يَسُودَ القبيلةَ إِلا رجلٌ مِنْهَا. والفَلْتة: آخرُ ليلةٍ مِنَ الشَّهْرِ. وَفِي الصِّحَاحِ: آخِرُ لَيْلَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ؛ وَقِيلَ: الفَلْتة آخِرُ يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ الَّذِي بَعْدَهُ الشهرُ الْحَرَامُ، كَآخِرِ يَوْمٍ مِنْ جُمادى الْآخِرَةِ؛ وَذَلِكَ أَن يَرى فِيهِ الرَّجُلُ ثأْرَه، فَرُبَّمَا تَوانَى فِيهِ، فإِذا كَانَ الغَدُ، دَخَلَ الشهرُ الحرامُ، ففاتَه. قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: كَانَ لِلْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ سَاعَةٌ يُقَالُ لَهَا: الفَلْتة، يُغِيرون فِيهَا، وَهِيَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيام جُمادى الْآخِرَةِ، يُغيرون تِلْكَ السَّاعَةَ، وإِن كَانَ هلالُ رَجَب قَدْ طَلَع تِلْكَ الساعةَ، لأَن تِلْكَ السَّاعَةَ مِنْ آخِرِ جُمادى الْآخِرَةِ، مَا لَمْ تَغِبِ الشَّمسُ؛ وأَنشد:
والخيلُ ساهِمةُ الوُجُوهِ، ... كأَنما يَقْمُصْنَ مِلْحا،
صادَفْنَ مُنْصُلَ أَلَّةٍ ... فِي فَلْتَةٍ، فَحَوَيْنَ سَرْحا
وَقِيلَ: ليلةٌ فَلْتة، هِيَ الَّتِي يَنْقُصُ بِهَا الشهرُ ويَتم،(2/67)
فرما رأَى قومٌ الهلالَ، وَلَمْ يُبْصِرْه آخَرُونَ، فيُغِير هؤُلاءِ عَلَى أُولئك، وَهُمْ غارُّونَ، وَذَلِكَ فِي الشَّهْرِ؛ وَسُمِّيَتْ فَلْتةً، لأَنها كالشيءِ المُنْفَلِتِ بَعْدَ وَثاق؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
وَغَارَةٍ، بينَ اليَوْم والليلِ، فَلْتَة، ... تَدارَكْتُها رَكْضاً بسِيدٍ عَمَرَّدِ
شَبَّهَ فَرَسَهُ بالذِّئب؛ وَقَالَ الْكُمَيْتُ:
بفَلْتةٍ، بَيْنَ إِظلامٍ وإِسْفار
وَالْجَمْعُ فَلَتاتٌ، لَا يُتَجاوَزُ بِهَا جَمْعُ السَّلَامَةِ. وَفِي حَدِيثِ صفةِ مَجْلِس النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وَلَا تُنْثى فلَتاتُه
أَي زَلَّاتُه. الفَلَتاتُ: الزَّلَّاتُ؛ وَالْمَعْنَى أَنه، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يَكُنْ فِي مَجْلِسِهِ فَلَتاتٌ أَي زَلَّاتٌ فَتُنْثى أَي تُذْكَرَ أَو تُحْفَظَ وتُحْكى، لأَن مَجْلِسَهُ كَانَ مَصُوناً عَنِ السَّقَطاتِ واللَّغْو، وإِنما كَانَ مَجْلِسَ ذِكْرٍ حَسَنٍ، وحِكَمٍ بالغةٍ، وكلامٍ لَا فُضُولَ فِيهِ. وافْتُلِتَتْ نَفْسُه: ماتَ فَلْتةً. ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ لِلْمَوْتِ الفَجْأَةِ الموتُ الأَبْيضُ، والجارفُ، واللافِتُ، والفاتِلُ. يُقَالُ: لَفَته الموتُ، وفَتَله، وافْتَلَتَه؛ وَهُوَ الموتُ الفَوات والفُوات: وَهُوَ أَخْذةُ الأَسف، وَهُوَ الوَحيُّ؛ والموتُ الأَحْمر: القتلُ بِالسَّيْفِ. والموتُ الأَسْود: هُوَ الغَرَقُ والشَّرَقُ. وافْتُلِتَ فلانٌ، عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فاعلهُ، أَي مَاتَ فجْأَةً. وَفِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَن رَجُلًا أَتاه، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِن أُمي افْتُلِتَتْ نَفْسُها فماتَتْ، وَلَمْ تُوصِ، أَفأَتَصَدَّقُ عَنْهَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: افْتُلِتَتْ نفسُها، يَعْنِي ماتَتْ فجأَة، وَلَمْ تَمْرَضْ فتُوصِيَ، وَلَكِنَّهَا أُخِذَتْ نَفْسُها فَلْتةً. يُقَالُ: افْتَلَتَه إِذا اسْتَلَبه. وافْتُلِتَ فلانٌ بِكَذَا أَي فوجِئَ بِهِ قَبْلَ أَن يَسْتَعِدَّ لَهُ. وَيُرْوَى بِنَصْبِ النَّفْسِ وَرَفْعِهَا؛ فَمَعْنَى النَّصْبِ افْتَلَتها اللهُ نَفْسها، يَتَعَدَّى إِلى مَفْعُولَيْنِ، كَمَا تَقُولُ اخْتَلَسه الشيءَ واسْتَلَبَه إِياه، ثُمَّ بُني الْفِعْلُ لِما لَمْ يسمَّ فَاعِلُهُ، فَتَحَوَّلَ الْمَفْعُولُ الأَول مُضْمَرًا، وَبَقِيَ الثَّانِي مَنْصُوبًا، وَتَكُونُ التاءُ الأَخيرة ضَمِيرُ الأُم أَي افْتُلِتَتْ هِيَ نَفْسَها؛ وأَما الرَّفْعُ فَيَكُونُ مُتَعَدِّيًا إِلى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ أَقامه مَقَامَ الْفَاعِلِ، وَتَكُونُ التاءُ لِلنَّفْسِ أَي أُخِذَتْ نفسُها فَلْتةً، وكلُّ أَمر فُعِلَ عَلَى غيرِ تَلَبُّثٍ وتَمَكُّثٍ، فَقَدِ افْتُلِتَ، وَالِاسْمُ الفَلْتة. وكِساءٌ فَلُوت: لَا يَنْضَمُّ طَرَفَاهُ عَلَى لَابَسِهِ مِنْ صِغَرِهِ. وَثَوْبٌ فَلوت: لَا يَنْضَمُّ طَرَفَاهُ فِي الْيَدِ؛ وَقَوْلُ مُتَمِّم فِي أَخيه مَالِكٍ:
عَلَيْهِ الشَّمْلةُ الفَلُوتُ
يَعْنِي الَّتِي لَا تَنْضَمُّ بَيْنَ المَزادتين. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ: أَنه شَهِدَ فَتْحَ مَكَّةَ، وَمَعَهُ جَمَل جَزورٌ وبُرْدة فَلُوتٌ.
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: أَراد أَنها صَغِيرَةٌ، لَا يَنْضَمُّ طرفاها، فهي تُفْلِتُ من يَدِهِ إِذا اشْتَمَلَ بِهَا. ابْنُ الأَعرابي: الفَلُوتُ الثوبُ الَّذِي لَا يُثْبَتُ عَلَى صَاحِبِهِ، لِلينه أَو خُشُونته. وَفِي الْحَدِيثِ:
وَهُوَ فِي بُرْدةٍ لَهُ فَلْتةٍ
أَي ضَيِّقَةٍ صَغِيرَةٍ لَا يَنْضَمُّ طرفاها، فهي تَفَلَّتُ من يَدِهِ إِذا اشْتَمَلَ بِهَا، فَسَمَّاهَا بالمَرَّة مِنَ الانْفلات؛ يُقَالُ: بُرْد فَلْتة وفَلُوتٌ. وافْتَلَتَ الكلامَ واقْتَرحه إِذا ارْتَجله، وافْتَلَتَ عَلَيْهِ: قضَى الأَمْر دونَه. والفَلَتان: طَائِرٌ زَعَمُوا أَنه يَصِيدُ القِرَدة.(2/68)
وأَفْلَتُ وفُلَيْتٌ: اسمان.
فوت: الفَوْتُ: الفَواتُ. فاتَني كَذَا أَي سَبَقَني، وفُتُّه أَنا. وَقَالَ أَعرابي: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يُفات وَلَا يُلاتُ. وفاتَني الأَمرُ فَوْتاً وفَواتاً: ذهَب عَنِّي. وفاتَه الشيءُ، وأَفاتَه إِياه غَيْرَهُ؛ وَقَوْلُ أَبي ذؤَيب:
إِذا أَرَنَّ عَلَيْهَا طارِداً، نَزِقَتْ، ... والفَوْتُ، إِن فاتَ، هَادِي الصَّدْرِ والكَتَدُ
يَقُولُ: إِن فاتَتْه، لَمْ تَفُتْه إِلا بقَدْرِ صَدْرها ومَنكِبها، فالفَوْتُ فِي مَعْنَى الْفَائِتِ. وَلَيْسَ عِنْدَهُ فَوْتٌ وَلَا فَواتٌ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وتَفَوَّتَ الشيءُ، وتَفاوَتَ تَفاوُتاً، وتَفاوَتاً، وتَفاوِتاً: حَكَاهُمَا ابْنُ السِّكِّيتِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: مَا تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ
؛ الْمَعْنَى: مَا تَرى فِي خَلْقِه تَعَالَى السماءَ اختِلافاً، وَلَا اضْطراباً. وَقَدْ قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَيْسَ فِي الْمَصَادِرِ تَفاعَلٌ وَلَا تَفاعِلٌ. وتَفاوَتَ الشَّيْئَانِ أَي تَباعد مَا بَيْنَهُمَا تَفاوُتاً، بِضَمِّ الْوَاوِ؛ وَقَالَ الْكِلَابِيُّونَ فِي مَصْدَرِهِ: تَفاوَتاً، فَفَتَحُوا الْوَاوَ؛ وَقَالَ الْعَنْبَرِيُّ: تَفاوِتاً، بِكَسْرِ الْوَاوِ، وَهُوَ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، لأَن الْمَصْدَرَ مِنْ تَفاعل يَتَفاعَلُ تَفاعُلٌ، مَضْمُومُ الْعَيْنِ، إِلَّا مَا رُوِيَ مِنْ هَذَا الْحَرْفِ. اللَّيْثُ: فاتَ يَفُوتُ فَوْتاً، فَهُوَ فائتٌ، كَمَا يَقُولُونَ: بَوْنٌ بائنٌ، وَبَيْنَهُمْ تَفاوُتٌ وتَفَوُّتٌ. وقرئَ: مَا تَرَى فِي خلقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفاوُتٍ وتَفَوُّتٍ؛ فالأُولى قراءَة أَبي عَمْرٍو؛ قَالَ قَتَادَةُ: الْمَعْنَى مِنِ اخْتلافٍ؛ وَقَالَ السُّدِّيُّ: مِن تَفَوُّتٍ: مِن عَيْبٍ، فَيَقُولُ النَّاظِرُ: لَوْ كان كذا وكذا، كان أَحسنَ؛ وَقَالَ الفراءُ: هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَبَيْنَهُمَا فَوْتٌ فائتٌ، كَمَا يُقَالُ بَوْنٌ بائنٌ. وَهَذَا الأَمْرُ لَا يُفْتاتُ أَي لَا يَفُوتُ، وافْتاتَ عَلَيْهِ فِي الأَمْرِ: حكَمَ. وكلُّ مَنْ أَحدَثَ دُونَكَ شَيْئًا: فَقَدْ فاتَكَ بِهِ، وافْتاتَ عَلَيْكَ فِيهِ؛ قَالَ مَعْنُ بْنُ أَوْسٍ يُعاتِبُ امرأَته:
فإِنَّ الصُّبْحَ مُنْتَظَرٌ قَريبٌ، ... وإِنَّكِ، بالمَلامة، لنْ تُفاتي
أَي لَا أَفُوتُك، وَلَا يَفوتُك مَلامي إِذا أَصْبَحْت، فدَعِيني ونَومي إِلى أَن نُصْبِحَ، وَفُلَانٌ لَا يُفْتاتُ عَلَيْهِ أَي لَا يُعْمَلُ شيءٌ دُونَ أَمره. وزَوَّجَتْ عائشةُ ابنةَ أَخيها عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبي بَكْرٍ، وَهُوَ غَائِبٌ، مِن الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبير، فَلَمَّا رَجَعَ مِنْ غَيبته، قَالَ: أَمِثْلي يُفْتاتُ عَلَيْهِ فِي أَمْر بناتِه؟ أَي يُفْعَلُ فِي شَأْنهن شيءٌ بِغَيْرِ أَمره؛ نَقِمَ عَلَيْهَا نكاحَها ابْنَته دُونَهُ. وَيُقَالُ لِكُلِّ مَنْ أَحْدَثَ شَيْئًا فِي أَمْرِكَ دُونَكَ: قَدِ افْتاتَ عَلَيْكَ فِيهِ؛ وَرَوَى الأَصمعي بَيْتَ ابْنِ مُقْبِلٍ:
يَا حُرُّ أَمْسَيْتُ شَيْخًا قَدْ وَهَى بَصَري، ... وافْتِيتَ، مَا دُونَ يومِ البَعْثِ، مِنْ عُمُري
قَالَ الأَصمعي: هُوَ مِنَ الفَوْتِ. قَالَ: والافْتِيات الفَراغ. يُقَالُ: افْتاتَ بأَمره أَي مَضى عَلَيْهِ، وَلَمْ يَسْتَشِرْ أَحداً؛ لَمْ يَهْمِزْهُ الأَصمعي. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ شُمَيْلٍ وَابْنِ السِّكِّيتِ: افْتَأَت فلانٌ بأَمره، بِالْهَمْزِ، إِذا اسْتَبَدَّ بِهِ. قَالَ الأَزهري: قَدْ صَحَّ الْهَمْزُ عَنْهُمَا فِي هَذَا الْحَرْفِ، وَمَا عَلِمْتُ الْهَمْزَ فِيهِ أَصليّاً، وَقَدْ ذَكَرْتُهُ فِي الْهَمْزِ أَيضاً. الْجَوْهَرِيُّ: الافْتِياتُ افْتِعالٌ مِنَ الفَوْت، وَهُوَ السَّبْقُ إِلى الشيءِ دُونَ ائْتِمار مَنْ يُؤْتَمر. تَقُولُ: افْتاتَ عَلَيْهِ بأَمر كَذَا(2/69)
أَي فاتَه بِهِ، وتَفَوَّتَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ أَي فَاتَهُ بِهِ. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:
إِنَّ رَجُلًا تَفَوَّتَ عَلَى أَبيه فِي مَالِهِ، فأَتى أَبوه النبيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذَكَر لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: ارْدُدْ عَلَى ابْنِكَ مالَه، فإِنما هُوَ سَهْمُ مِنْ كِنانَتِك
؛ قَوْلُهُ: تَفَوَّتَ، مأْخوذٌ مِنَ الفَوْت، تَفَعَّلَ مِنْهُ؛ وَمَعْنَاهُ: أَنَّ الابنَ لَمْ يَسْتَشِرْ أَباه، وَلَمْ يستأْذنه فِي هِبَةِ مَالِ نَفْسِهِ، فأَتى الأَبُ رسولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأَخبره، فَقَالَ: ارْتَجِعْه مِنَ المَوْهُوب لَهُ، وارْدُدْه عَلَى ابْنِكَ، فإِنه وَمَا فِي يَدِهِ تَحْتَ يَدِكَ، وَفِي مَلَكَتِك، فَلَيْسَ لَهُ أَن يَسْتَبِدَّ بأَمْرٍ دُونَكَ، فَضَرَب، كونَه سَهماً مِنْ كِنَانَتِهِ، مَثَلًا لِكَوْنِهِ بعضَ كَسْبِهِ، وأَعلمه أَنه لَيْسَ لِلِابْنِ أَن يَفتات عَلَى أَبيه بِمَالِهِ، وَهُوَ مِنَ الفَوْت السَّبقِ. تَقُولُ: تَفَوَّتَ فلانٌ عَلَى فُلَانٍ فِي كَذَا، وافتاتَ عَلَيْهِ إِذا انْفَرَدَ برأْيه دُونَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ. ولمَّا ضُمِّنَ مَعْنَى التَّغَلُّبِ عُدِّيَ بِعَلَى. وَرَجُلٌ فُوَيْتٌ، مُنْفَرِدٌ برأْيه، وَكَذَلِكَ الأُنثى. وزَعَمُوا أَنَّ رَجُلًا خَرَجَ مِنْ أَهله، فَلَمَّا رَجَع قَالَتْ لَهُ امرأَتُه: لَوْ شَهِدْتَنا لأَخْبَرناك، وحَدَّثْناك بِمَا كَانَ، فَقَالَ لَهَا: لَنْ تُفاتي، فَهَاتِي. والفَوْتُ: الخَلَل والفُرْجَةُ بَيْنَ الأَصابع، وَالْجَمْعُ أَفْواتٌ. وَهُوَ مِنِّي فَوْتَ اليدِ أَي قَدْرَ مَا يَفُوتُ يَدِي؛ حَكَاهَا سِيبَوَيْهِ فِي الظُّرُوفِ الْمَخْصُوصَةِ. وَقَالَ أَعرابي لِصَاحِبِهِ: ادْنُ دُونَك، فَلَمَّا أَبطَأَ قَالَ لَهُ: جَعَلَ اللَّهُ رِزْقكَ فَوْتَ فمِكَ أَي تَنْظُر إِليه قَدْرَ مَا يَفوتُ فَمَكَ، وَلَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ؛ وَتَقُولُ: هُوَ مِنِّي فَوْتَ الرُّمْحِ أَي حَيْثُ لَا يَبْلُغه. ومَوْتُ الفَواتِ: مَوْتُ الفَجْأَةِ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: مَرَّ النبيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تحتَ جِدارٍ مائِلٍ، فأَسْرَعَ المَشْيَ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَسْرَعْتَ المَشْيَ، فقال: إِني أَكْرَه موتَ الفَواتِ
، يَعْنِي مَوْتَ الفُجاءَة؛ وَفِي رِوَايَةٍ:
أَخافُ موتَ الفَواتِ
؛ هُوَ مِن قَوْلِكَ: فَاتَنِي فُلَانٌ بِكَذَا أَي سَبَقَني بِهِ. ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ لِمَوتِ الفَجْأَةِ: المَوتُ الأَبْيضُ، والجارِفُ، واللَّافِتُ، والفاتِلُ، وَهُوَ المَوْتُ الفَواتُ والفُوَاتُ، وَهُوَ أَخْذَةُ الأَسَفِ، وَهُوَ الوَحِيّ؛ وَيُقَالُ: مَاتَ فلانٌ مَوْتَ الفَواتِ أَي فُوجِئَ.
فصل القاف
قتت: القَتُّ: الكَذِبُ المُهَيَّأُ، وَالنَّمِيمَةُ. قَتَّ يَقُتُّ قَتًّا، وقَتَّ بَيْنَهُمْ قَتًّا: نَمَّ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَتَّاتٌ
، هُوَ النَّمَّام. والقِتِّيتَى، مثالُ الهِجِّيرَى: تَتَبُّعُ النَّمائم، وَهِيَ النَّمِيمَةُ. وَرَجُلٌ قَتُوتٌ، وقَتَّاتٌ، وقِتِّيتى: نَمَّام، يَقُتُّ الأَحاديثَ قَتًّا أَي يَنِمُّها نَمّاً؛ وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يَسْتَمِعُ أَحاديثَ النَّاسِ مِن حيثُ لَا يَعْلَمُونَ، نَمَّها أَو لَمْ يَنُمَّها. وَقَالَ خَالِدُ بْنُ جَنْبة: القَتَّاتُ الَّذِي يَتَسَمَّعُ أَحاديثَ النَّاسِ، فيُخْبر أَعداءهم؛ وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يَكُونُ مَعَ الْقَوْمِ يَتَحَدَّثون فَيَنِمُّ عَلَيْهِمْ؛ وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يَتَسَمَّع عَلَى الْقَوْمِ، وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ فيَنِمُّ عَلَيْهِمْ. وامرأَة قَتَّاتةٌ، وقَتُوتٌ: نَمُومٌ. والقَسَّاسُ: الَّذِي يَسْأَلُ عَنِ الأَخْبار، ثُمَّ يَنِمُّها. وقولٌ مَقْتُوتٌ: مكذوبٌ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
قُلْتُ، وقَوْلي عِنْدهُمْ مَقْتُوتُ
أَي كَذِبٌ؛ وَقِيلَ: مقْتُوتٌ مَوْشِيٌّ بِهِ، مَنْقُولٌ؛ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ أَمْري عِنْدَهُمْ زَرِيٌّ، كالنَّميمة(2/70)
والكَذِب. أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ هُوَ حَسَنُ القَدِّ، وحَسَنُ القَتِّ، بِمَعْنًى وَاحِدٍ؛ وأَنشد:
كأَنَّ ثَدْيَيْها، إِذا مَا ابْرَنْتى، ... حُقَّانِ مِنْ عاجٍ، أُجِيدا قَتَّا
قَوْلُهُ: إِذا مَا ابْرَنْتَى أَي انْتَصَبَ، جَعَلَه فِعْلًا للثَّدْيِ. وقَتَّ أَثَرَهُ يَقُتُّه قَتًّا: قَصَّه. وتَقَتَّتَ الحديثَ: تَتَبَّعه، وتَسَمَّعَه، وَقِيلَ: إِن القَتَّ، الَّذِي هُوَ النميمةُ، مُشْتَقٌّ مِنْهُ. وقَتَّ الشَّيءَ يَقُتُّهُ قَتًّا: هَيَّأَه. وقَتَّه: جَمَعَه قَلِيلًا قَلِيلًا. وقَتَّه: قَلَّلَه. واقْتَتَّهُ: اسْتَأْصَلَه؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
سِوَى أَنْ تَرى سَوداءَ مِنْ غيرِ خِلْقةٍ ... تَخاطأَها، واقْتَتَّ جاراتِها النَّغَلْ
والقَتُّ: الفِصْفِصَةُ، وخَصَّ بعضُهم بِهِ اليابسةَ مِنْهَا، وَهُوَ جَمْعٌ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، واحدتُه قَتَّةٌ؛ قَالَ الأَعشى:
ونَأْمُرُ للمَحْمُومِ، كلَّ عَشِيَّةٍ، ... بِقَتٍّ وتَعْليقٍ، فَقَدْ كَانَ يَسْنَقُ
وَفِي التَّهْذِيبِ: القَتُّ الفِسْفِسةَ، بِالسِّينِ. والقَتُّ يَكون رَطْبًا وَيَكُونُ يَابِسًا، الْوَاحِدَةُ: قَتَّةٌ، مِثَالُ تَمْرة وتَمْر. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ سَلَامٍ: فإِن أَهْدى إِليك حِمْلَ تِبْنٍ، أَو حِملَ قَتٍّ، فإِنه رِبًا.
القَتُّ: الفِصْفِصةُ، وَهِيَ الرَّطْبةُ مِنْ عَلَف الدَّواب. ودُهْنٌ مُقَتَّتٌ: مُطَيَّبٌ مَطْبُوخٌ بِالرَّيَاحِينِ، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: مَخْلُوطٌ بِغَيْرِهِ مِنَ الأَدهان المُطَيَّبة. وَفِي الْحَدِيثِ
عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنه ادَّهَنَ بزَيْتٍ غيرِ مُقَتَّتٍ، وَهُوَ مُحْرِمٌ.
قَوْلُهُ غَيْرُ مُقَتَّت أَي غَيْر مُطَيَّبٍ؛ وَقِيلَ: المُقَتَّتُ الَّذِي فِيهِ الرَّياحين، يُطْبَخُ بِهَا الزَّيْتُ بَحْتاً، لَا يُخالِطُه طِيبٌ؛ وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي تُطْبَخُ فِيهِ الرياحينُ حَتَّى تَطِيبَ ريحُه، ويُتَعالَجُ بِهِ للرِّياح. والمُقَتَّتُ مِنَ الزَّيْتُ: الَّذِي أُغْلِيَ بِالنَّارِ وَمَعَهُ أَفواهُ الطِّيبِ. ومُقَتَّتُ الْمَدِينَةِ لَا يُوفي بِهِ شيءٌ أَي لَا يَغلُو بِشَيْءٍ. والتَّقتِيتُ: جمعُ الأَفاويه كُلِّها فِي القِدْر وطَبْخُها؛ وَلَا يُقَالُ قُتِّتَ، إِلّا الزَّيتُ، عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ؛ وَقَالَ: يُنَشُّ بِالنَّارِ كَمَا يُنَشُّ الشَّحمُ والزُّبْدُ، قَالَ: والأَفْواه مِنَ الطِّيبِ كثيرةٌ. وقَتَّةُ: اسمُ أُمِّ سُلَيْمان بن قَتَّةَ: نُسِبَ إِلى أُمه.
قرت: قَرَتَ الدَّمُ يَقْرِتُ ويَقْرُتُ قَرْتاً وقُرُوتاً، وقَرِتَ: يَبِسَ بعضُه عَلَى بَعْضٍ، أَو ماتَ فِي الجُرْحِ؛ وأَنشد الأَصمعي لِلنَّمِرِ بْنِ تَوْلَب:
يُشَنُّ عَلَيْهَا الزَّعْفرانُ، كأَنه ... دَمٌ قارِتٌ، تُعْلى بِهِ ثُمَّ تُغْسَلُ
وَدَمٌ قارِتٌ: قَدْ يَبسَ بَيْنَ الجِلدِ وَاللَّحْمِ. وقَرِتَ الظُّفْرُ: ماتَ فِيهِ الدَّمُ. وقَرِتَ جِلدُه: اخْضَرَّ عَنِ الضَّرْبِ. ومِسْك قارِتٌ وقَرَّاتٌ: وَهُوَ أَجَفُّ المِسْك وأَجْوَدُه؛ قَالَ:
يُعَلُّ بقَرَّاتٍ، مِنَ المِسْكِ، فاتِقِ
أَي مَفْتوقٍ، أَو ذِي فَتْقٍ. وقَرِتَ وجهُه تَغَيَّرَ. وقَرَتَ قُرُوتاً: سَكَتَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ تُمَاضِرَ امرأَةِ زُهَيْر بْنِ جَذيمَة لأَخيها الْحَرْثِ: إِنه لَيَريبُني اكتِباناتُكَ «3» وقُرُوتُكَ.
قربت: القَرَبُوتُ: القَرَبُوسُ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأَرى التَّاءَ بَدَلًا مِنَ السِّينِ فِي قَرَبُوسِ السَّرْج.
__________
(3) . هكذا في الأَصل ولعلها: إِكبانك من أَكبن لسانه عنه: كفه.(2/71)
قلت: القَلْتُ، بإِسكان اللَّامِ: النُّقْرةُ فِي الجَبَل تُمْسكُ الماءَ؛ وَفِي التَّهْذِيبِ: كالنُّقْرة تَكُونُ فِي الْجَبَلِ، يَسْتَنْقِعُ فِيهَا الماءُ، والوَقْبُ نحوٌ منه؛ كذلك كلُّ نُقْرة فِي أَرضٍ أَو بَدَنٍ؛ أُنثى، وَالْجَمْعُ قِلاتٌ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وقِلاتُ الصَّمَّانِ نُقَرٌ فِي رؤوس قِفافِها، يَملأُها ماءُ السَّمَاءِ فِي الشِّتَاءِ؛ قَالَ: وَقَدْ وَردْتُها، وَهِيَ مُفْعَمةٌ، فوجدتُ القَلْتةَ مِنْهَا تأْخُذُ مِلْءَ مائةِ رَاوِيَةً وأَقلَّ وأَكثَرَ، وَهِيَ حُفَرٌ خَلَقَها اللَّهُ فِي الصُّخور الصُّمِّ. والقَلْتُ: حُفْرَة يَحْفِرها ماءٌ واشلٌ، يَقْطُرُ مِنْ سَقْفِ كَهْفٍ، عَلَى حَجَرٍ لَيِّنٍ، فيُوَقِّبُ عَلَى مَرِّ الأَحْقابِ فِيهِ وَقْبةً مُسْتَدِيرَةً. وَكَذَلِكَ إِن كَانَ فِي الأَرض الصُّلْبة، فَهُوَ قَلْتٌ، كقَلْتِ الْعَيْنِ، وَهُوَ وَقْبَتُها. وَفِي الْحَدِيثِ،
ذِكْرُ قِلاتِ السَّيْل
، هِيَ جَمْعُ قَلْتٍ، وَهُوَ النُّقْرة فِي الْجَبَلِ، يَسْتَنْقِعُ فِيهَا الماءُ إِذا انْصَبَّ السَّيْلُ. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: القَلْت المطمئنُّ فِي الْخَاصِرَةِ. والقَلْتُ: مَا بَيْنَ التَّرْقُوَة والعُنُق. وقَلْتُ الْعَيْنِ: نُقْرَتُها. وقَلْتُ الكَفِّ: مَا بَيْنَ عَصَبة الإِبهام والسَّبَّابة، وَهِيَ البُهْرة الَّتِي بَيْنَهُمَا، وَكَذَلِكَ نُقْرة التَّرقُوة قَلْتٌ، وعينُ الرُّكْبَة قَلْتٌ. وقَلْتُ الفَرسِ: مَا بَيْنَ لَهَواتِه إِلى مُحَنَّكِه. وقَلْتُ الثَّريدةِ: الوَقْبةُ، وَهِيَ أُنْقُوعَتُها. وقَلْتُ الإِبهام: النُّقْرَةُ الَّتِي فِي أَسفلها. وقَلْتُ الصُّدْغِ. والقَلَتُ، بِالتَّحْرِيكِ: الْهَلَاكُ؛ قَلِتَ، بِالْكَسْرِ، يَقْلَتُ قَلَتاً، وأَقْلَتَهُ اللهُ. وَتَقُولُ: مَا انْفَلَتُوا، وَلَكِنْ قَلَتُوا. وَقَالَ أَعرابيٌّ: إِن الْمُسَافِرَ ومَتاعَه لَعَلى قَلَتٍ، إِلَّا مَا وَقَى اللهُ. وأَقْلَتَه فلانٌ: أَهْلَكه. ابْنُ سِيدَهْ: أَقْلَتَ فلانٌ فُلَانًا: عَرَّضَه للهَلَكة. والمَقْلَتة: المَهْلَكة، والمكانُ المَخُوفُ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي مِجْلَز: لَوْ قُلْتَ لِرَجُلٍ، وَهُوَ عَلَى مَقْلَتَةٍ: اتَّقِ اللهَ، فَصُرِعَ، غَرِمْتَه
؛ أَي عَلَى مَهْلَكةٍ، فهَلَك، غَرِمْتَ دِيَتَه. وأَصبح عَلَى قَلَتٍ أَي عَلَى شَرَفِ هَلاكٍ، أَو خَوْفِ شَيْءٍ يَغِرُهُ بشَرٍّ. وأَمْسَى عَلَى قَلَتٍ أَي عَلَى خَوْفٍ. وأَقْلَتَتِ المرأَةُ إِقْلاتاً، فَهِيَ مُقْلِتٌ ومِقْلاتٌ إِذا لَمْ يَبْقَ لَهَا ولدٌ؛ قَالَ بِشْرُ بْنُ أَبي خَازِمٍ:
تَظَلُّ مَقالِيتُ النساءِ يَطَأْنَه، ... يَقُلْنَ: أَلا يُلْقَى عَلَى المَرءِ مِئْزَرُ؟
وَكَانَتِ العربُ تَزْعُمُ أَن المِقْلاتَ، إِذا وَطِئَتْ رَجُلًا كَرِيمًا قُتِلَ غَدْراً، عاشَ ولَدُها. والمِقْلاتُ: الَّتِي لَا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ، وَقَدْ أَقْلَتَتْ؛ وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي تَلِدُ وَاحِدًا، ثُمَّ لَا تَلِدُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ وَكَذَلِكَ النَّاقَةُ، وَلَا يُقَالُ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ. قَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَكَذَلِكَ كلُّ أُنثى إِذا لَمْ يَبْقَ لَهَا ولَدٌ؛ ويُقَوِّي ذَلِكَ قولُ كُثَيِّرٍ أَو غَيْرِهِ.
بُغاثُ الطيرِ أَكثرُها فِراخاً، ... وأُمُّ الصَّقْرِ مِقْلاتٌ نَزُورُ
فَاسْتَعْمَلَهُ فِي الطَّيْرِ، كأَنه أَشْعَر أَنه يُسْتَعْمَلُ فِي كلِّ شَيْءٍ؛ وَالِاسْمُ: القَلَتُ. اللَّيْثُ: ناقةٌ بِهَا قَلَتٌ أَي هِيَ مِقْلاتٌ، وَقَدْ أَقْلَتَتْ، وَهُوَ أَن تَضَعَ وَاحِدًا، ثُمَّ تَقْلَتُ رَحِمُها، فَلَا تَحْمِلُ؛ وأَنشد:
لَنا أُمٌّ، بِهَا قَلَتٌ ونَزْرٌ، ... كأُمِّ الأُسْدِ، كاتِمَةُ الشَّكاةِ
قَالَ: وامرأَةٌ مِقْلاتٌ، وَهِيَ الَّتِي لَيْسَ لَهَا إِلا وَلَدٌ(2/72)
وَاحِدٌ؛ وأَنشد:
وَجْدِي بِهَا وَجْدُ مِقْلاتٍ بواحِدها، ... وَلَيْسَ يَقْوَى مُحِبٌّ فوقَ مَا أَجِدُ
وأَقْلَتَتِ المرأَةُ إِذا هَلَك وَلَدُهَا. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ: تَكُونُ المرأَة مِقْلاتاً، فتَجْعَلُ عَلَى نَفْسِها، إِن عاشَ لَهَا وَلَدٌ، أَن تُهَوِّدَه
؛ لَمْ يُفَسِّرْهُ ابْنُ الأَثير بِغَيْرِ قَوْلِهِ: مَا تَزْعُم العربُ مِنْ وَطْئها الرجلَ الْكَرِيمَ المقتولَ غَدْراً. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن الحَزاءَة يَشْتَرِيهَا أَكائسُ النِّسَاءِ لِلْخَافِيَةِ والإِقْلاتِ
؛ الخافِيةُ: الجنُّ. التَّهْذِيبُ: والقَلَتُ مُؤَنَّثَةٌ، تَصْغِيرُهَا قُلَيْتةٌ. وأَقْلَتَهُ فقَلِتَ أَي أَفْسَدَه ففَسَدَ. وَرَجُلٌ قَلْتٌ وقَلِتٌ: قَلِيلُ اللَّحْمِ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. ودارةُ القَلْتَيْن: موضعٌ؛ قَالَ بِشْرُ بْنُ أَبي خَازِمٍ:
سمعتُ بدارةِ القَلْتَيْنِ صَوْتاً ... لحَنْتَمَةَ، الفُؤادُ بِهِ مَضُوعُ
والخُنْعُبة والنُّونةُ والثُّومةُ والهَزْمة والوَهْدة والقَلْتةُ: مَشَقُّ مَا بَيْنَ الشاربَيْن بحِيالِ الوَتَرة، وَاللَّهُ أَعلم.
قلعت: اقْلَعَتَّ الشَّعَرُ، كاقْلَعَدَّ: جَعُدَ.
قلهت: قَلْهَتٌ وقِلْهاتٌ: مَوْضِعَانِ، كَذَا حَكَاهُ أَهل اللُّغَةِ فِي الرُّبَاعِيِّ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُراه وَهَماً، لَيْسَ فِي الْكَلَامِ فِعْلالٌ إِلا مُضاعَفاً غير الخِزْعالِ.
قنت: القُنوتُ: الإِمساكُ عَنِ الْكَلَامِ، وَقِيلَ: الدعاءُ فِي الصَّلَاةِ. والقُنُوتُ: الخُشُوعُ والإِقرارُ بالعُبودية، والقيامُ بِالطَّاعَةِ الَّتِي لَيْسَ مَعَهَا مَعْصِيَةٌ؛ وَقِيلَ: القيامُ، وَزَعَمَ ثعلبٌ أَنه الأَصل؛ وَقِيلَ: إِطالةُ الْقِيَامِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ
. قَالَ
زيدُ بنُ أَرْقَم: كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى نزلتْ: وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ
؛ فأُمِرْنا بالسُّكوتِ، ونُهِينا عَنِ الْكَلَامِ، فأَمْسَكنا عَنِ الْكَلَامِ
؛ فالقُنوتُ هَاهُنَا: الإِمساك عَنِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ. ورُوِي
عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَنَتَ شَهْرًا فِي صلاةِ الصُّبْحِ، بَعْدَ الرُّكُوعِ، يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وذَكْوانَ.
وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: أَصلُ القُنوت فِي أَشياء: فَمِنْهَا الْقِيَامُ، وَبِهَذَا جاءَت الأَحاديثُ فِي قُنوت الصَّلَاةِ، لِأَنه إِنما يَدْعُو قَائِمًا، وأَبْيَنُ مِنْ ذَلِكَ حديثُ
جَابِرٍ، قَالَ: سُئل النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضلُ؟ قَالَ: طُولُ القُنوتِ
؛ يُرِيدُ طُولَ الْقِيَامِ. وَيُقَالُ لِلْمُصَلِّي: قانِتٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَثَلُ المُجاهدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، كَمَثلِ القانِتِ الصَّائِمِ
أَي المُصَلِّي. وَفِي الْحَدِيثِ:
تَفَكُّرُ ساعةٍ خيرٌ مِنْ قُنوتِ ليلةٍ
، وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ فِي الْحَدِيثِ. ويَرِدُ بمعانٍ متعدِّدة: كالطاعةِ، والخُشوع، وَالصَّلَاةِ، وَالدُّعَاءِ، وَالْعِبَادَةِ، وَالْقِيَامِ، وَطُولِ الْقِيَامِ، وَالسُّكُوتِ؛ فيُصْرَفُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي إِلى مَا يَحتَملُه لفظُ الْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِيهِ. وَقَالَ ابْنُ الأَنباري: القُنوتُ عَلَى أَربعةِ أَقسام: الصَّلَاةِ، وَطُولِ الْقِيَامِ، وإِقامة الطَّاعَةِ، وَالسُّكُوتِ. ابْنُ سِيدَهْ: القُنوتُ الطاعةُ، هَذَا هُوَ الأَصل، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ
؛ ثُمَّ سُمِّيَ القيامُ فِي الصَّلَاةِ قُنوتاً، وَمِنْهُ قُنوتُ الوِتْر. وقَنَت اللهَ يَقْنُتُه: أَطاعه. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ*
أَي مُطيعون؛ وَمَعْنَى الطَّاعَةِ هَاهُنَا: أَن مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ مَخلُوقون كإِرادة اللَّهِ تَعَالَى، لَا يَقْدرُ أَحدٌ عَلَى تَغْيِيرِ الخِلْقةِ، وَلَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، فآثارُ الصَّنْعَة والخِلْقةِ تَدُلُّ عَلَى الطَّاعَةِ، وَلَيْسَ يُعْنى بِهَا طَاعَةَ الْعِبَادَةِ، لأَنَّ فِيهِمَا(2/73)
مُطيعاً وغَيرَ مُطيع، وَإِنَّمَا هِيَ طَاعَةُ الإِرادة وَالْمَشِيئَةِ. والقانتُ: المُطيع. والقانِتُ: الذَّاكِرُ لِلَّهِ تَعَالَى، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً
؟ وَقِيلَ: القانِتُ العابدُ. والقانِتُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ
؛ أَي مِنَ الْعَابِدِينَ. والمشهورُ فِي اللُّغَةِ أَن القُنوتَ الدعاءُ. وَحَقِيقَةُ القانتِ أَنه القائمُ بأَمر اللَّهِ، فَالدَّاعِي إِذا كَانَ قَائِمًا، خُصَّ بأَن يقالَ لَهُ قانتٌ، لأَنه ذَاكِرٌ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رِجْلَيْهِ، فحقيقةُ القُنوتِ العبادةُ والدعاءُ لِلَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فِي حَالِ الْقِيَامِ، وَيَجُوزُ أَن يَقَعَ فِي سَائِرِ الطَّاعَةِ، لِأَنه إِن لَمْ يَكُنْ قيامٌ بالرِّجلين، فَهُوَ قِيَامٌ بالشيءِ بِالنِّيَّةِ. ابْنُ سِيدَهْ: والقانتُ القائمُ بِجَمِيعِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وجمعُ القانتِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّه: قُنَّتٌ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
رَبُّ البِلادِ والعِبادِ القُنَّتِ
وقَنَتَ لَهُ: ذَلَّ. وقَنَتَتِ المرأَةُ لبَعْلها: أَقَرَّتْ «4» . والاقْتِناتُ: الانْقِيادُ. وامرأَةٌ قَنِيتٌ: بَيِّنةُ الْقَنَاتَةِ قليلةُ الطَّعْم، كقَتِينٍ.
قنعت: رَجُلٌ قِنْعاتٌ: كَثِيرُ شَعَر الوجه والجَسَد.
قوت: القُوتُ: مَا يُمْسِكُ الرَّمَقَ مِنَ الرِّزْق. ابْنُ سِيدَهْ: القُوتُ، والقِيتُ، والقِيتَةُ، والقائِتُ: المُسْكة مِنَ الرِّزْقِ. وَفِي الصِّحَاحِ: هُوَ مَا يَقُوم بِهِ بَدَنُ الإِنسان مِنَ الطَّعَامِ؛ يُقَالُ: مَا عِنْدَهُ قُوتُ ليلةٍ، وقِيتُ ليلةٍ، وقِيتَةُ ليلةٍ؛ فَلَمَّا كُسِرتِ القافُ صَارَتِ الْوَاوُ يَاءً، وَهِيَ البُلْغة؛ وَمَا عَلَيْهِ قُوتٌ وَلَا قُواتٌ، هذانِ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَمْ يُفَسِّرْهُ، وَعِنْدِي أَنه مِنَ القُوت. والقَوْتُ: مصدرُ قاتَ يَقُوتُ قَوْتاً وقِياتَةً. وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قاتَه ذَلِكَ قَوْتاً وقُوتاً، الأَخيرة عَنْ سِيبَوَيْهِ. وتَقَوَّتَ بِالشَّيْءِ، واقْتاتَ بِهِ واقْتاتَهُ: جَعَلَه قُوتَهُ. وَحَكَى ابنُ الأَعرابي: أَن الاقْتِياتَ هُوَ القُوتُ، جَعَلَهُ اسْمًا لَهُ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَدري كيفَ ذَلِكَ؛ قَالَ وَقَوْلُ طُفَيلٍ:
يَقْتاتُ فَضْلَ سَنامِها الرَّحْلُ
قَالَ: عِنْدِي أَنَّ يَقْتاته هُنَا يأْكله، فَيَجْعَلُهُ قُوتاً لِنَفْسِهِ؛ وأَما ابْنُ الأَعرابي فَقَالَ: مَعْنَاهُ يَذْهَبُ بِهِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، قَالَ: وَلَمْ أَسمع هَذَا الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ الأَعرابي، إِلّا فِي هَذَا الْبَيْتِ وَحْدَهُ، فَلَا أَدْري أَتَأَوُّلٌ مِنْهُ، أَم سماعٌ سَمِعَهُ؛ قَالَ ابْنُ الأَعرابي: وحَلَفَ العُقَيْليُّ يَوْمًا، فَقَالَ: لَا، وَقائتِ نَفَسِي القَصير؛ قَالَ: هُوَ مِنْ قَوْلِهِ:
يَقْتاتُ فَضْلَ سَنامِها الرَّحْلُ
قَالَ: والاقْتِياتُ والقَوتُ واحدٌ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: لَا، وقائِتِ نَفَسِي؛ أَراد بنَفَسِه روحَه؛ وَالْمَعْنَى: أَنه يَقْبِضُ رُوحَه، نَفَساً بَعْدَ نَفَسٍ، حَتَّى يَتَوفَّاه كلَّه؛ وَقَوْلُهُ:
يَقْتاتُ فَضْلَ سَنامِها الرَّحْلُ
أَي يأْخذ الرحلُ، وأَنا راكبُه، شَحْمَ سَنام الناقةِ قَلِيلًا قَلِيلًا، حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُ شيءٌ، لأَنه يُنْضِيها. وأَنا أَقُوتُه أَي أَعُولُه برزقٍ قليلٍ. وقُتُّه فاقتاتَ، كَمَا تَقُولُ رَزَقْتُه فارْتَزَقَ، وَهُوَ فِي قائِتٍ مِنَ العَيْش أَي فِي كِفايةٍ. واسْتَقاتَه: سأَله القُوتَ؛ وفلانٌ يَتَقَوَّتُ بِكَذَا. وَفِي الْحَدِيثِ:
اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ محمدٍ قُوتاً
أَي بقَدْرِ مَا يُمْسِكُ الرَّمَقَ من المَطْعَم.
__________
(4) . أَي سكنت وانقادت.(2/74)
وَفِي حَدِيثِ الدُّعاء:
وجَعَلَ لكل مِنْهُمْ قِيتَةً مَقْسومةً مِنْ رِزْقِه
، هِيَ فِعْلَة مِنَ القَوْتِ، كمِيتَة مِنَ المَوتِ. ونَفَخَ فِي النَّارِ نَفْخاً قُوتاً، واقْتاتَ لَهَا: كِلَاهُمَا رَفَقَ بِهَا. واقْتَتْ لنارِك قِيتةً أَي أَطْعِمْها؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
فقلتُ لَهُ: خُذْها إِليكَ، وأَحْيِها ... بروحِكَ، واقْتَتْه لَهَا قِيتةً قَدْرا
وإِذا نَفَخَ نافخٌ فِي النَّارِ، قِيلَ لَهُ: انْفُخْ نَفْخاً قُوتاً، واقْتَتْ لَهَا نَفْخَك قِيتةً؛ يأْمُرُه بالرِّفْقِ والنَّفْخِ الْقَلِيلِ. وأَقاتَ الشيءَ وأَقاتَ عَلَيْهِ: أَطاقَه؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
وبِما أَسْتَفِيدُ، ثم أُقِيتُ المالَ، ... إِني امْرُؤٌ مُقِيتٌ مُفِيدُ
وَفِي أَسماء اللَّهِ تَعَالَى: المُقِيتُ، هو الحَفِيظ، وَقِيلَ: المُقْتَدِرٌ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يُعْطِي أَقْواتَ الْخَلَائِقِ؛ وَهُوَ مِن أَقاتَه يُقِيتُه إِذا أَعطاه قُوتَه. وأَقاته أَيضاً: إِذا حَفِظَه. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً
. الْفَرَّاءُ: المُقِيتُ المُقْتَدِرُ والمُقَدِّرُ، كَالَّذِي يُعْطِي كلَّ شيءٍ قوتَه. وَقَالَ الزجاجُ: المُقِيتُ القَديرُ، وَقِيلَ: الْحَفِيظُ؛ قَالَ: وَهُوَ بِالْحَفِيظِ أَشبه، لأَنه مُشْتَقٌّ من القُوتِ. يُقَالُ: قُتُّ الرجلَ أَقُوتُه قَوْتاً إِذا حَفِظْتَ نَفْسَه بِمَا يَقُوته. والقُوتُ: اسمُ الشيء الذي يَحْفَظُ نَفْسَه، وَلَا فَضْلَ فِيهِ عَلَى قَدْرِ الحِفْظِ، فَمَعْنَى المُقِيتِ: الحفيظُ الَّذِي يُعْطِي الشيءَ قَدْرَ الحاجة، من الحِفْظِ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: المُقِيتُ المُقْتَدِرُ، كَالَّذِي يُعْطِي كلَّ رَجُلٍ قُوتَه. وَيُقَالُ: المُقِيتُ الحافِظُ لِلشَّيْءِ والشاهِدُ لَهُ؛ وأَنشد ثَعْلَبٌ للسَّمَوْأَل بْنِ عادِياء:
رُبَّ شَتْمٍ سَمِعْتُه وتَصامَمْتُ، ... وعِيٍّ تَرَكْتُه. فكُفِيتُ
لَيتَ شِعْري وأَشْعُرَنَّ إِذا مَا ... قَرَّبُوها مَنْشُورةً، ودُعِيتُ أَلِيَ الفَضْلُ أَمْ عَليَّ، إِذا
حُوسِبْتُ؟ إِني عَلى الحِسابِ مُقِيتُ
أَي أَعْرِفُ مَا عَمِلْتُ مِنَ السُّوء، لأَن الإِنسان عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ. حَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ عَنْ أَبي سَعِيدٍ السِّيرَافِيِّ، قَالَ: الصَّحِيحُ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى:
رَبِّي عَلَى الحِسابِ مُقِيتُ
قَالَ: لأَن الخاضعَ لربِّه لَا يَصِفُ نفسَه بِهَذِهِ الصِّفَةِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الَّذِي حَمَلَ السيرافيَّ عَلَى تَصْحِيحِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، أَنه بَنَى عَلَى أَن مُقِيتاً بِمَعْنَى مُقْتَدِرٍ، وَلَوْ ذَهَبَ مَذْهَبَ مَنْ يَقُولُ إِنه الْحَافِظُ لِلشَّيْءِ وَالشَّاهِدُ لَهُ، كَمَا ذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ، لَمْ يُنْكِر الروايةَ الأَوَّلَة. وَقَالَ أَبو إِسحاق الزَّجَّاجُ: إِن المُقِيتَ بِمَعْنَى الْحَافِظِ وَالْحَفِيظِ، لأَنه مُشْتَقٌّ مِنَ القَوتِ أَي مأْخوذ مِنْ قَوْلِهِمْ: قُتُّ الرجلَ أَقُوتُه إِذا حَفِظْتَ نَفْسَهُ بِمَا يَقُوتُه. والقُوتُ: اسمُ الشيء الذي يَحْفَظُ نَفْسَه، قَالَ: فَمَعْنَى المُقِيت عَلَى هَذَا: الحفيظُ الَّذِي يُعْطِي الشيءَ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ، مِن الحِفْظ؛ قَالَ: وَعَلَى هَذَا فُسِّرَ قولُه عَزَّ وَجَلَّ: وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً
أَي حَفِيظًا. وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِ بَيْتِ السَّمَوأَل: إِني عَلَى الحِسابِ مُقِيتُ؛ أَي مَوقوفٌ عَلَى الْحِسَابِ؛ وَقَالَ آخَرُ:
ثُمَّ بَعْدَ المَماتِ يَنشُرني مَن ... هُو عَلَى النَّشْرِ، يَا بُنَيَّ، مُقِيتُ(2/75)
أَي مُقْتَدِرٌ. وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: المُقِيتُ، عِنْدَ الْعَرَبِ، المَوقُوفُ عَلَى الشَّيْءِ. وأَقاتَ عَلَى الشَّيْءِ: اقْتَدَرَ عَلَيْهِ. قَالَ أَبو قَيْسِ بْنُ رِفاعة، وَقَدْ رُوِيَ أَنه للزبَير بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، عَمِّ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وأَنشده الْفَرَّاءُ:
وَذِي ضِغْنٍ كَفَفْتُ النَّفْسَ عَنْهُ، ... وكنتُ عَلَى مَساءَتِه مُقِيتا «1»
وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:
كفَى بِالْمَرْءِ إِثماً أَن يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ
؛ أَراد مَنْ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُه مِنْ أَهله وَعِيَالِهِ وَعَبِيدِهِ؛ وَيُرْوَى: مَنْ يَقِيتُ، عَلَى اللُّغَةِ الأُخْرى. وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:
قُوتوا طعامَكم يُبارَك لَكُمْ فِيهِ
؛ سئِلَ الأَوزاعِيُّ عَنْهُ، فَقَالَ: هُوَ صِغَرُ الأَرغِفَةِ؛ وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: كِيلُوا طعامَكم.
فصل الكاف
كبت: الكَبْتُ: الصَّرْعُ؛ كَبَتَه يَكْبِتُه كَبْتاً، فانْكَبَتَ؛ وَقِيلَ: الكَبْتُ صَرْعُ الشَّيْءِ لِوَجْهِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن اللَّهَ كَبَتَ الكافرَ
أَي صَرَعَه وخَيَّبَه. وكَبَتَه اللهُ لوجْهه كَبْتاً أَي صَرَعَه اللهُ لِوَجْهِهِ، فَلَمْ يَظْفَرْ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
؛ وَفِيهِ: أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ
؛ قَالَ أَبو إِسحاق: مَعْنَى كُبِتُوا أُذِلُّوا وأُخِذُوا بِالْعَذَابِ بأَن غُلِبُوا، كَمَا نزلَ بِمَنْ كَانَ قبلَهم مِمَّنْ حادَّ اللهَ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: كُبِتُوا أَي غِيظُوا وأُحْزنُوا يَوْمَ الخَنْدَقِ، كَمَا كُبِتَ مَن قاتَلَ الأَنبياءَ قَبْلَهُمْ؛ قَالَ الأَزهري: وَقَالَ مَنِ احْتَجَّ لِلْفِرَّاءِ: أَصلُ الكَبْتِ الكَبْدُ، فَقُلِبَتِ الدَّالُ تَاءً، أُخذ مِنَ الكَبِدِ، وَهُوَ مَعْدِنُ الغَيْظ والأَحْقادِ، فكأَن الغَيْظَ، لَمَّا بَلَغَ بِهِمْ مَبْلَغه، أَصابَ أَكبادَهم فأَحْرَقَها، وَلِهَذَا قِيلَ للأَعداء: هُمْ سُودُ الأَكْباد. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه رأَى طلحةَ حَزيناً مَكْبُوتاً
أَي شديدَ الحُزْن؛ قِيلَ: الأَصل فِيهِ مَكْبُودٌ، بِالدَّالِ، أَي أَصابَ الحُزْنُ كَبِدَه، فَقُلِبَ الدَّالُ تَاءً. الْجَوْهَرِيُّ: الكَبْتُ الصَرْفُ والإِذْلال، يُقَالُ: كَبَتَ اللهُ العدُوَّ أَي صَرَفَه وأَذَلَّه، وكَبَتَه: أَي صَرَعَه لِوَجْهِهِ. والكَبْتُ: كَسْرُ الرجُلِ وإِخزاؤُه. وكَبَتَ اللهُ العَدُوَّ كَبْتاً: رَدَّه بغيظِه.
كبرت: الكِبْريتُ: مِنَ الْحِجَارَةِ المُوقَد بِهَا؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: لَا أَحسبه عربيا صَحِيحًا. اللَّيْثُ: الكِبْريت عَينٌ تجْري، فإِذا جَمَدَ ماؤُها صارَ كِبْريتاً أَبيضَ وأَصفَرَ وأَكْدَرَ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: يُقَالُ كَبْرَتَ فلانٌ بعيرَه إِذا طَلاه بالكِبْريتِ مَخلُوطاً بالدَّسم. التَّهْذِيبُ: والكِبْريتُ الأَحمرُ يُقَالُ هُوَ مِنَ الجَوْهر، ومَعْدِنُه خَلْفَ بلادِ التُّبَّتِ، وَادِي النَّمْلِ الَّذِي مَرَّ بِهِ سُلَيْمَانَ، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؛ وَيُقَالُ فِي كُلِّ شَيْءٍ كِبْريتٌ، وَهُوَ يُبْسُه، مَا خَلَا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، فإِنه لَا يَنْكَسِرُ، فإِذا صُعِّدَ، أَي أُذِيبَ، ذهَبَ كِبْريتُه. والكِبْريتُ: الياقوتُ الأَحمرُ. والكِبْريتُ: الذهبُ الأَحمر؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
هَلْ يَعْصِمَنِّي حَلِفٌ سِخْتِيتُ، ... أَو فِضَّةٌ، أَو ذَهَبٌ كِبْريتُ؟
قَالَ ابْنُ الأَعرابي: ظَنَّ رؤبةُ أَن الكِبْريتَ ذهبٌ.
__________
(1) . قوله [على مساءته مقيتا] تبع الجوهري، وقال في التكملة: الرواية أُقيت أَي بضم الهمزة، قال والقافية مضمومة وبعده: يبيت الليل مرتفقاً ثقيلًا على فرش القناة وما أَبيت تعن إلي منه مؤذيات كما تبري الجذامير البروت والبروت جمع برت، فاعل تبري كترمي. والجذامير مفعوله على حسب ضبطه.(2/76)
كتت: كَتَّتِ القِدْرُ والجَرَّةُ ونحوُهما تَكِتُّ كَتِيتاً إِذا غَلَتْ، وَهُوَ صوتُ الغَلَيان؛ وَقِيلَ: هُوَ صوتُها إِذا قَلَّ ماؤُها، وَهُوَ أَقَلُّ صَوْتاً وأَخْفَضُ حَالًا مِنْ غَلَيانها إِذا كثُر ماؤُها، كأَنها تَقُولُ: كَتْ كَتْ، وكذلك الجَرَّة الحديدُ إِذا صُبَّ فِيهَا الماءُ. وكَتَّ النبيذُ وغيرُه كَتّاً وكَتِيتاً: ابْتَدأَ غَلَيانُه قَبْلَ أَن يَشْتَدَّ. والكَتِيتُ: صوتُ البَكْرِ، وَهُوَ فَوْقَ الكَشِيشِ. وكَتَّ البَكْرُ يَكِتُّ كَتّاً وكَتِيتاً إِذا صاحَ صِياحاً لَيِّناً، وَهُوَ صَوتٌ بَيْنَ الكَشِيشِ والهَديرِ. وَقِيلَ: الكَتِيتُ ارْتِفَاعُ البَكْرِ عَنِ الكَشِيشِ، وَهُوَ أَوَّل هَديره. الأَصمعي: إِذا بَلَغَ الذَّكَرُ مِنَ الإِبل الهَدير، فأَوّله الكَشِيشُ، فإِذا ارْتَفع قَلِيلًا، فَهُوَ الكَتِيتُ؛ قَالَ اللَّيْثُ: يَكِتُّ، ثُمَّ يَكِشُّ، ثُمَّ يَهْدِرُ. قَالَ الأَزهري: وَالصَّوَابُ مَا قَالَ الأَصمعي. والكَتِيتُ: صوتٌ فِي صَدْر الرَّجُلِ يُشْبِهُ صوتَ البَكارة، مِنْ شدَّةِ الغَيْظ؛ وكَتَّ الرجُلُ مِنَ الغَضَب. وَفِي حَدِيثِ
وَحْشِيٍّ ومَقْتلِ حَمْزَةَ، وَهُوَ مُكَبِّسٌ: لَهُ كَتِيتٌ
أَي هديرٌ وغَطيط. وَفِي حَدِيثِ
أَبي قَتَادَةَ: فتَكاتَّ الناسُ عَلَى المِيضَأَة، فَقَالَ: أَحْسِنُوا المَلْءَ، فكُلُّكُمْ سَيَرْوَى.
التَّكاتُّ: التَّزاحُمُ مَعَ صَوتٍ، وَهُوَ مِنَ الكَتِيتِ الهَدير والغَطِيط. قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا رَوَاهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَشَرَحَهُ، والمحفوظُ تَكابَّ، بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَقَدْ مَضَى ذِكْرُهُ. وكَتَّ القومَ يَكُتُّهم كَتّاً: عَدَّهم وأَحْصاهم، وأَكثرُ مَا يَسْتَعْمِلُونَهُ فِي النَّفْيِ، يُقَالُ: أَتانا فِي جَيشٍ مَا يُكَتُّ أَي مَا يُعْلَمُ عَدَدُهم وَلَا يُحْصَى؛ قَالَ:
إِلَّا بِجَيْشٍ، مَا يُكَتُّ عَدِيدُه، ... سُودِ الجُلُودِ، مِنَ الحديدِ، غِضابِ
وَفِي الْمَثَلِ: لَا تَكُتُّه أَو تَكُتُّ النجومَ أَي لَا تَعُدُّه وَلَا تُحْصِيه. ابْنُ الأَعرابي: جَيْشٌ لَا يُكَتُّ أَي لَا يُحْصَى، وَلَا يُسْهَى أَي لَا يُحْزَرُ، وَلَا يُنْكَفُ أَي لَا يُقْطَعُ. وَفِي حَدِيثِ حُنَين:
قَدْ جَاءَ جَيْشٌ لَا يُكَتُّ، وَلَا يُنْكَفُ
أَي لَا يُحْصى، وَلَا يُبْلَغُ آخِرُه. والكَتُّ: الإِحْصاءُ. وفَعَل بِهِ مَا كَتَّه أَي مَا ساءَه. وَرَجُلٌ كَتٌّ: قليلُ اللَّحْمِ؛ ومَرْأَةٌ كَتٌّ، بِغَيْرِ هَاءٍ. وَرَجُلٌ كَتِيتٌ: بَخِيلٌ؛ قَالَ عَمْرِو بْنِ هُمَيْل اللِّحْيَانِيِّ:
تَعَلَّمْ أَنَّ شَرَّ فَتَى أُناسٍ ... وأَوضَعَه، خُزاعِيٌّ كَتِيتُ
إِذا شَرِبَ المُرِضَّةَ قَالَ: أَوكي ... عَلَى مَا فِي سِقائِكِ، قَدْ رَوِيتُ
وَفِي التَّهْذِيبِ: هِيَ الكَتِيتة واللَّوِيَّة والمَعْصُودة والضَّويطَة؛ والكَتِيتُ: الرجلُ البخيلُ السَّيِّءُ الخُلُق المُغْتاظُ؛ وأَورد هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ وَنَسَبَهُمَا لِبَعْضِ شُعَرَاءِ هُذَيل، وَلَمْ يُسَمِّه. وَيُقَالُ: إِنه لكَتِيتُ اليَدَين أَي بخيلٌ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: أَصلُ ذَلِكَ مِنَ الكَتيتِ الَّذِي هُوَ صَوتُ غَلَيانِ القِدْرِ. وكَتَّ الكلامَ فِي أُذنه يَكُتُّه كَتّا: سارَّه بِهِ، كَقَوْلِكَ: قَرَّ الكلامَ فِي أُذُنِه. وَيُقَالُ: كُتَّني الحديثَ وأَكِتَّنِيه، وقُرَّني وأَقِرَّنِيه أَي أَخْبرْنِيه كَمَا سمعتَه. ومِثْله فِرَّني وأَفِرَّنِيه، وقُذَّنِيه. وَتَقُولُ: اقْتَرَّه مِنِّي يَا فلانُ، واقْتَذَّه، واكْتَتَّه أَي اسْمَعْهُ مِنِّي كَمَا سمِعتُه. التَّهْذِيبُ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ عَنْ أَعرابي فَصِيحٍ، قَالَ لَهُ: مَا تَصْنَعُ بِي؟ قَالَ: مَا كَتَّكَ وعَظاكَ وأَوْرَمَك وأَرْغَمكَ، بِمَعْنًى وَاحِدٍ. والكَتْكَتةُ: صَوْتُ الحُبَارَى.(2/77)
وَرَجُلٌ كَتْكاتٌ: كَثِيرُ الْكَلَامِ، يُسْرِعُ الكلامَ ويُتْبِعُ بعضَه بَعْضًا. والكَتِيتُ والكَتْكَتَةُ: المَشْيُ رُوَيْداً. والكَتِيتُ والكَتْكَتة: تَقَارُبُ الخَطْوِ فِي سُرْعةٍ، وإِنه لكَتْكاتٌ، وَقَدْ تَكَتْكَتَ. والكَتْكَتةُ فِي الضَّحِكِ: دُونَ القَهْقَهة. وكَتْكَتَ الرجلُ: ضَحِكَ ضَحِكاً دُوناً؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: وَهُوَ مثلُ الخَنين. الأَحمر: كَتْكَتَ فلانٌ بِالضَّحِكِ كَتْكَتَةً، وَهُوَ مِثْلُ الخَنينِ. الْفَرَّاءُ: الكُتَّة شَرَطُ الْمَالِ وقَزَمُه، وَهُوَ رُذالُه. وَفِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ كُتاتَة، وَهِيَ بِضَمِّ الْكَافِ، وَتَخْفِيفِ التَّاءِ الأُولى: نَاحِيَةٌ مِنْ أَعراض الْمَدِينَةِ لِآلِ جَعْفر بْنِ أَبي طَالِبٍ، عَلَيْهِ وعليهم السلام.
كرت: سَنَة كَرِيتٌ، وحَوْلُ كَريتٌ أَي تامُّ العددِ، وَكَذَلِكَ اليومُ والشهرُ. وتَكْريتُ: أَرضٌ؛ قَالَ:
لَسْنا كَمَنْ حَلَّتْ إِيادٌ دارَها ... تكريتَ، تَرْقُبُ حَبَّها أَن يُحْصَدا
قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: تَقْدِيرُ لَسْنَا كمَنْ حَلَّتْ إِيادٌ دَارَهَا؛ أَي كإِيادٍ الَّتِي حَلَّتْ ثُمَّ فَلَّتْ مِنْ بَعْد أَنْ حَلَّت دارَها، فَدَلَّ حَلَّتْ فِي الصِّلَةِ عَلَى حَلَّتْ هَذِهِ الَّتِي نَصَبَتْ دارَها؛ وَقِيلَ: تَكْريتُ موضع.
كست: الكُسْتُ: الَّذِي يُتَبَخَّر بِهِ، لُغَةٌ فِي الكُسْطِ والقُسْطِ؛ كلُّ ذَلِكَ عَنْ كُرَاعٍ. وَفِي حَدِيثِ غُسْل الحيضِ:
نُبْذَةٌ مِنْ كُسْتِ أَظْفارٍ
؛ هُوَ القُسْطُ الهِنْدِيّ عُقَارٌ مَعْرُوفٌ؛ وَفِي رِوَايَةٍ: كُسْطِ، بِالطَّاءِ، وَهُوَ هُوَ؛ وَالْكَافُ وَالْقَافُ يُبَدَّلُ أَحدهما من الآخر.
كعت: الكُعَيْتُ: البُلْبُل، مَبْنِيٌّ عَلَى التَّصْغِيرِ، كَمَا تَرَى، وَالْجَمْعُ: كِعْتانٌ. وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الكُعَيْت، قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ عُصْفُور، وأَهل الْمَدِينَةِ يُسَمُّونَهُ النُّغَرَ، وَقِيلَ: هُوَ البُلْبُلُ. وأَبو مُكْعِتٍ، عَلَى مِثَالِ مُلْجِمٍ: شاعرٌ مَعْرُوفٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَعرف لَهُ فِعْلًا. أَبو زَيْدٍ: رَجُلٌ كَعْتٌ وامرأَة كَعْتة، وَهُمَا الْقَصِيرَانِ؛ ورأَيت فِي حَوَاشِي بَعْضِ نُسَخِ الصِّحَاحِ الْمَوْثُوقِ بِهَا: والكُعْتةُ طَبَقُ القارُورةِ.
كفت: الكَفْتُ: صَرْفُكَ الشيءَ عَنْ وَجْهه. كَفَته يَكْفِتُه كَفْتاً فانْكَفَتَ أَي رَجَعَ رَاجِعًا. وكَفَتَه عَنْ وَجْهه أَي صَرَفه. وَفِي حَدِيثِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: صلاةُ الأَوَّابين مَا بَيْنَ أَن يَنْكَفِتَ أَهلُ المَغْرب إِلى أَن يَثُوبَ أَهلُ العُشَراء
أَي يَنْصرِفوا إِلى مَنازلهم. وكَفَتَ يَكْفِتُ كَفْتاً وكَفَتاناً وكِفاتاً: أَسْرَع فِي العَدْوِ والطَّيَرانِ وتَقَبَّضَ فِيهِ. والكَفَتانُ مِنَ العَدْوِ وَالطَّيَرَانِ: كالحَيَدانِ فِي شِدَّة. وفرسٌ كَفْتٌ: سَرِيعٌ؛ وفَرَسٌ كَفِيتٌ وقَبيضٌ؛ وعَدْوٌ كَفيتٌ أَي سَريع؛ قَالَ رؤْبة:
تَكادُ أَيْديها تَهاوى فِي الزَّهَقْ، ... مِنْ كَفْتِها شَدًّا، كإِضْرامِ الحَرَقْ
قَالَ الأَزهري: والكَفْتُ فِي عَدْوِ ذِي الْحَافِرِ سُرْعةُ قَبْضِ اليَدِ. الْجَوْهَرِيُّ: الكَفْتُ السَّوْقُ الشَّديد. وَرَجُلٌ كَفْتٌ وكَفِيتٌ: سَرِيعٌ خفيفٌ دَقيقٌ، مثلُ كَمْشٍ وكَمِيشٍ. وعَدْوٌ كَفِيتٌ وكِفاتٌ: سريعٌ. ومَرٌّ كَفِيتٌ وكِفاتٌ: سريعٌ؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
مَرًّا كِفاتاً، إِذا مَا الماءُ أَسْهَلَها، ... حَتَّى إِذا ضُرِبَتْ بالسَّوْطِ تَبْتَرِكُ(2/78)
وكافَتَهُ: سابَقَهُ. والكَفِيتُ: الصَّاحِبُ الَّذِي يُكافِتُكَ أَي يُسابِقُك. والكَفِيتُ: القُوتُ مِنَ العَيْش؛ وَقِيلَ: مَا يُقِيمُ العَيْشَ. والكَفِيتُ: القُوَّةُ عَلَى النِّكَاحِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: حُبِّبَ إِليّ النساءُ والطِّيبُ، ورُزِقْتُ الكَفِيتَ
أَي مَا أَكْفِتُ بِهِ مَعِيشَتي أَي أَضُمُّها وأُصْلِحُها؛ وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِ رُزِقْتُ الكَفِيتَ أَي القُوَّة عَلَى الْجِمَاعِ؛ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ رُزِقْتُ الكَفِيتَ: إِنها قِدْرٌ أُنزلت لَهُ مِنَ السَّمَاءِ، فأَكل مِنْهَا وقَوِيَ عَلَى الْجِمَاعِ، كَمَا يُرْوَى فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي يَرْوِي أَنه قَالَ:
أَتاني جبريلُ بقِدْرٍ يقالُ لَهَا الكَفِيتُ، فوَجَدْتُ قوَّة أَرْبَعِينَ رَجُلًا فِي الْجِمَاعِ.
والكِفْتُ، بِالْكَسْرِ: القِدْرُ الصَّغِيرَةُ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
جَابِرٍ: أُعْطِيَ رسولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الكَفِيتَ؛ قِيلَ للحَسَنِ: وَمَا الكَفِيتُ؟ قَالَ: البِضَاعُ.
الأَصمعي: إِنه ليَكْفِتُني عَنْ حاجَتي ويَعْفِتُني عَنْهَا أَي يَحْبِسُني عَنْهَا. وكَفَتَ الشيءَ يَكْفِتُه كَفْتاً، وكَفَّتَه: ضَمَّه وقَبَضَه؛ قَالَ أَبو ذؤَيب:
أَتَوْها بِريحٍ حاوَلَتْهُ، فأَصْبَحَتْ ... تُكَفَّتُ قَدْ حَلَّتْ، وساغَ شَرابُها
وَيُقَالُ: كَفَتَه اللهُ أَي قَبَضه اللهُ. والكِفاتُ: الموضعُ الَّذِي يُضَمُّ فِيهِ الشيءُ ويُقْبَضُ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَأَمْواتاً
. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذَا قَوْلُ أَهل اللُّغَةِ، قَالَ: وَعِنْدِي أَن الكِفاتَ هُنَا مَصْدَرٌ مِنْ كَفَتَ إِذا ضَمَّ وقَبَضَ، وأَنَّ أَحْياءً وأَمواتاً مُنْتَصِبٌ بِهِ أَي ذاتَ كِفاتٍ للأَحياء والأَموات. وكِفاتُ الأَرضِ: ظَهْرُها للأَحْياءِ، وبَطْنُها للأَمْواتِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ لِلْمَنَازِلِ: كِفاتُ الأَحياء، وَلِلْمَقَابِرِ: كِفاتُ الأَمْواتِ. التَّهْذِيبُ: يُريد تَكْفِتُهم أَحياءً عَلَى ظَهْرها فِي دُورهم ومَنازلهم، وتَكْفِتُهم أَمواتاً فِي بَطْنها أَي تَحْفَظُهم وتُحْرِزهم، ونَصَبَ أَحياءً وأَمواتاً بوُقُوع الكِفاتِ عَلَيْهِ، كأَنك قُلْتَ: أَلم نَجْعَلِ الأَرضَ كِفاتَ أَحياءٍ وأَمواتٍ؟ فإِذا نَوَّنْتَ، نَصَبْتَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
يَقُولُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، لِلْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ: إِذا مَرِضَ عَبْدي فاكْتُبوا لَهُ مِثْل مَا كَانَ يَعْمَلُ فِي صِحَّتهِ، حَتَّى أُعافِيَه أَو أَكْفِتَه
أَي أَضُمَّه إِلى الْقَبْرِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ:
حَتَّى أُطْلِقَه مِنْ وَثاقي، أَو أَكْفِتَه إِليّ.
وَفِي حَدِيثِ
الشَّعْبِيِّ: أَنه كَانَ بظَهْر الكُوفةِ فالْتَفَتَ إِلى بُيوتها، فَقَالَ: هَذِهِ كِفاتُ الأَحْياء، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلى المَقْبُرة، فَقَالَ: وَهَذِهِ كِفاتُ الأَموات
؛ يُرِيدُ تأْويلَ قَوْلُهُ، عَزَّ وَجَلَّ: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَأَمْواتاً
. وبَقِيعُ الغَرْقَد يُسَمَّى: كَفْتة، لأَنه يُدْفَنُ فِيهِ، فيَقْبِضُ ويَضُمُّ. وكافِتٌ: غارٌ كَانَ فِي جَبَلٍ يَأْوِي إِليه اللُّصوصُ، يَكْفِتُون فِيهِ المتاعَ أَي يَضُمُّونه، عَنْ ثَعْلَبٍ، صفةٌ غَالِبَةٌ. وَقَالَ: جاءَ رجالٌ إِلى إِبراهيم بْنِ المُهاجِرِ العَرَبيّ، فَقَالُوا: إِننا نَشْكو إِليك كافِتاً؛ يَعْنُونَ هَذَا الغارَ. وكَفَتُّ الشيءَ أَكْفِتُه كَفْتاً إِذا ضَمَمْته إِلى نَفْسِكَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
نُهِينا أَن نَكْفِتَ الثِّيابَ فِي الصَّلَاةِ
أَي نَضُمَّها ونَجْمَعَها مِنْ الِانْتِشَارِ، يُرِيدُ جمعَ الثَّوْب باليدين، عند الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. وَهَذَا جِرابٌ كَفِيتٌ إِذا كَانَ لَا يُضَيِّعُ شَيْئًا مِمَّا يُجْعَل فِيهِ؛ وجِرابٌ كِفْتٌ، مِثْلُهُ. وتَكَفَّتَ ثَوْبِي إِذا تَشَمَّر وقَلَصَ. وَفِي حَدِيثِ(2/79)
النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ: اكْفِتُوا صبيانَكم، فإِن لِلشَّيْطَانِ خَطْفةً
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: يَعْنِي ضُمُّوهم إِليكم، واحْبِسُوهم فِي الْبُيُوتِ؛ يُرِيدُ عِنْدَ انْتِشار الظَّلَامِ. وكَفَتَ الدِّرْعَ بِالسَّيْفِ يَكْفِتُها، وكَفَّتها: عَلَّقَها بِهِ، فضَّمَها إِليه؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
خَدْباءُ يَكْفِتُها نِجادُ مُهَنَّدِ
وكلُّ شَيْءٍ ضَمَمْتَه إِليكَ، فَقَدَ كَفَتَّه؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
ومُفاضةٍ، كالنِّهْيِ تَنْسُجُه الصَّبا، ... بَيْضاءَ، كُفِّتَ فَضْلُها بمُهَنَّدِ
يَصِفُ دِرْعاً عَلَّق لابسُها، بِالسَّيْفِ، فُضُولَ أَسافِلها، فضَمَّها إِليه؛ وشَدَّده لِلْمُبَالَغَةِ. قَالَ الأَزهري: المُكْفِتُ الَّذِي يَلْبَسُ دِرْعاً طَوِيلَةً، فيَضُمُّ ذَيْلَها بمعاليقَ إِلى عُرًى فِي وَسَطها، لتَشَمَّرَ عَنْ لَابِسِهَا. والمُكْفِتُ: الَّذِي يَلْبَسُ دِرْعَين، بَيْنَهُمَا ثوبٌ. والكَفْتُ: تَقَلُّبُ الشَّيْءِ ظَهْراً لبَطْنٍ، وبَطْناً لظَهْر. وانْكَفَتُوا إِلى مَنَازِلِهِمِ: انْقَلَبُوا. والكَفْتُ: المَوْتُ؛ يُقَالُ: وقَعَ فِي النَّاسِ كَفْتٌ شَدِيدٌ أَي مَوْتٌ. والكِفْتُ، بِالْكَسْرِ: القِدْر الصَّغِيرَةُ. أَبو الْهَيْثَمِ فِي الأَمثال لأَبي عُبَيْدٍ، قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: مِنْ أَمثالهم فِيمَنْ يَظْلِمُ إِنساناً ويُحَمِّلُه مَكْرُوهًا ثُمَّ يَزيدُه: كِفْتٌ إِلى وَئِيَّةٍ أَي بَلِيَّةٌ إِلى جَنْبِها أُخْرَى؛ قَالَ: والكِفْتُ فِي الأَصل هِيَ القِدْر الصَّغِيرَةُ، والوَئِيَّةُ هِيَ الْكَبِيرَةُ مِنَ القُدور؛ قَالَ الأَزهري: هَكَذَا رَوَاهُ كِفْتٌ، بِكَسْرِ الْكَافِ، وَقَالَهُ الْفَرَّاءُ كَفْتٌ، بِفَتْحِ الْكَافِ، للقِدْر؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهُمَا لُغَتَانِ، كَفْتٌ وكِفْتٌ. والكَفِيتُ: فرسُ حَسَّانَ بن قَتادة.
كلت: كَلَتَ الشيءَ كَلْتاً: جَمَعَه، كَكَلَده. وامرأَةٌ كَلُوتٌ: جَمُوعٌ. والكَلِيتُ: الحَجر الَّذِي يُسَدُّ بِهِ وجارُ الضَّبُع، ثُمَّ يُحْفَرُ عَنْهَا؛ وَقِيلَ: هُوَ حَجَر مُسْتَطيل كالبِرْطِيل، يُسْتَرُ بِهِ وجارُ الضَّبُع كالكِلِّيتِ؛ حَكَاهُ ابْنُ الأَعرابي، وأَنشد:
وصاحبٍ، صاحَبْتُه، زِمِّيتِ، ... مُنْصَلِتٍ بالقَوْم كالكِلِّيتِ
والكُلْتةُ: النَّصِيبُ مِنَ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ. الثَّعْلَبِيُّ: فَرَسٌ فُلَّتٌ كُلَّتٌ، وفُلَتٌ كُلَتٌ إِذا كَانَ سَرِيعًا. وَفِي نَوَادِرِ الأَعراب: إِنه لكُلَتةٌ فُلَتةٌ كُفَتَةٌ أَي يَثِبُ جَمِيعًا، فَلَا يُسْتَمْكَنُ مِنْهُ لاجْتماع وَثْبه. الْفَرَّاءُ: يُقَالُ خُذْ هَذَا الإِناءَ فاقْمَعْه فِي فَمِهِ، ثُمَّ اكْلِتْه فِي فِيهِ، فإِنه يَكْتَلِتُه؛ وَذَلِكَ أَنه وَصَفَ رَجُلًا يَشْرَبُ النبيذَ يَكْلِتُه كَلْتاً ويَكْتَلِتُه. والكالِتُ: الصَّابُّ. والمُكْتَلِتُ: الشاربُ. قَالَ: وَسَمِعْتُ أَعرابيّاً يَقُولُ: أَخَذْتُ قَدَحاً مِنْ لَبَنٍ فكَلَتُّه فِي آخَرَ. أَبو مِحْجَنٍ وغيرُه: صَلَتُّ الفرسَ وكَلَتُّه إِذا رَكَضْتَه؛ قَالَ: وصَبَبْتُه مثلهُ. وَرَجُلٌ مِصْلَتٌ مِكْلَت إِذا كَانَ مَاضِيًا فِي الأُمور. قَالَ الأَزهري فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ قَالَ أَبو بَكْرٍ الأَنباريُّ: كِلْتا لَا تُمال لأَن أَلفها أَلف تَثْنِيَةٍ، كأَلف غُلَامًا وَذَوَا؛ قَالَ: وَوَاحِدُ كِلْتَا كِلْتٌ، ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ وَقَفَ عَلَى كِلْتَا، بالإِمالة، قَالَ: كِلْتَى، اسْمُ وَاحِدٍ عُبِّر بِهِ عَنِ التَّثْنِيَةِ، بِمَنْزِلَةِ شِعْرَى وذِكْرَى؛(2/80)
وَقَالَ أَيضاً فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ ابْنُ السِّكِّيتِ: رَجُلٌ وُكَلة تُكَلَةإِذا كَانَ عَاجِزًا يَكِلُ أَمْرَه إِلى غَيْرِهِ، ويَتَّكِلُ عَلَيْهِ؛ قَالَ الأَزهري: وَالتَّاءُ فِي تُكَلَةٍ أَصلها الْوَاوُ، قُلِبَتْ تَاءً؛ وَكَذَلِكَ التُكْلانُ أَصله وُكْلانٌ.
كمت: الكُمَيْتُ: لونٌ لَيْسَ بأَشْقَر وَلَا أَدْهَم؛ وَكَذَلِكَ الكُمَيْتُ: مِنْ أَسماء الْخَمْرِ فِيهَا حُمرة وَسَوَادٌ، وَالْمَصْدَرُ الكُمْتَة. ابْنُ سِيدَهْ: الكُمْتةُ لونٌ بَيْنَ السَّوادِ والحُمْرة، يَكُونُ فِي الْخَيْلِ والإِبل وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الكُمْتةُ كُمْتَتانِ: كُمْتةُ صُفْرةٍ، وكُمْتَة حُمْرةٍ. وَقَدْ كَمُتَ كَمْتاً وكُمْتةً وكَماتَةً، واكْماتَّ. والكُمَيْتُ مِنَ الْخَيْلِ، يَسْتَوي فِيهِ الْمُذَكَّرُ والمؤَنث، ولَوْنُه الكُمْتَة، وَهِيَ حُمْرة يَدْخُلُها قُنُوءٌ؛ تَقُولُ مِنْهُ: اكْمَتَّ الفرسُ اكْمِتاتاً، واكْماتَّ اكْمِيتاتاً، مثلُه، وَفَرَسٌ كُمَيْتٌ، وَبَعِيرٌ كُمَيْتٌ؛ وَكَذَلِكَ الأُنثى بِغَيْرِ هَاءٍ؛ قَالَ الكَلْحبةُ:
كُمَيْتٌ غيرُ مُحْلِفةٍ، ولكِنْ ... كَلَوْنِ الصِّرْفِ، عُلَّ بِهِ الأَديمُ
يَعْنِي أَنها خَالِصَةُ اللَّوْنِ، لَا يُحْلَفُ عَلَيْهَا أَنها لَيْسَتْ كَذَلِكَ. قَالَ ثَعْلَبٌ: يَقُولُ هَذِهِ الْفَرَسُ بَيِّنٌ أَنها إِلى الحُمْرة لَا إِلى السَّواد. قَالَ سِيبَوَيْهِ: سأَلت الْخَلِيلَ عَنْ كُمَيْتٍ، فَقَالَ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ جُمَيلٍ، يَعْنِي الَّذِي هُوَ البُلْبُلُ، وَقَالَ. إِنما هِيَ حُمْرة يُخالِطُها سوادٌ، وَلَمْ تَخْلُصْ، وإِنما حَقَّروها لأَنها بَيْنَ السَّوَادِ وَالْحُمْرَةِ وَلَمْ تَخْلُصْ لواحد منهما فيقالَ لَهُ أَسْوَدُ أَو أَحمر، فأَرادوا بِالتَّصْغِيرِ أَنه مِنْهُمَا قَرِيبٌ، وإِنما هَذَا كَقَوْلِكَ: هُوَ دُوَيْنُ ذَاكَ، انْتَهَى كَلَامُ سِيبَوَيْهِ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ يُوصَفُ بِهِ المَواتُ؛ قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ:
يَظَلَّانِ، النهارَ، برأْسِ قُفٍّ ... كُمَيْتِ اللَّوْنِ، ذِي فَلَكٍ رفيعِ
قَالَ: وَاسْتَعْمَلَهُ أَبو حَنِيفَةَ فِي التِّين، فَقَالَ فِي صِفَةِ بَعْضِ التِّين: هُوَ أَكْبَر تِينٍ رَآهُ الناسُ أَحْمَرُ كُمَيْتٌ، وَالْجَمْعُ كُمْتٌ، كَسَّروه عَلَى مُكَبَّره المُتَوَهَّم، وإِن لَمْ يُلْفَظ بِهِ، لأَن المُلَوَّنة يَغْلِبُ عَلَيْهَا هَذَا البِناء الأَحْمَرُ والأَشْقر؛ قَالَ طُفَيْل:
وكُمْتاً مُدَمَّاةً، كأَنَّ مُتُونَها ... جَرَى فَوْقَها، واسْتَشْعَرَتْ لَوْنَ مُذْهَبِ
قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: فَرْقُ مَا بَيْنَ الكُمَيْتِ والأَشْقَر فِي الْخَيْلِ بالعُرْفِ والذَّنَبِ، فإِن كَانَا أَحْمَرَين، فَهُوَ أَشْقَرُ، وإِن كَانَا أَسودين، فَهُوَ كُمَيْتٌ، قَالَ: والوَرْدُ بَيْنَهُمَا؛ والكُمَيْتُ لِلذَّكَرِ والأُنثى سَوَاءٌ. يُقَالُ مُهْرة كُمَيْتٌ؛ جَاءَ عَنِ الْعَرَبِ مُصَغَّراً، كَمَا تَرى. قَالَ الأَصمعي فِي أَلوان الإِبل: بَعِيرٌ أَحمر إِذا لَمْ يُخالِطْ حُمْرتَه شَيْءٌ، فإِن خَالَطَ حُمْرَتَه قُنوءٌ، فَهُوَ كُمَيْتٌ، وَنَاقَةٌ كُمَيْتٌ؛ فإِن اشْتَدَّت الكُمْتَةُ حَتَّى يدخلَها سوادٌ، فَتِلْكَ الرُّمْكَة؛ وَبَعِيرٌ أَرْمَكُ، فإِن كَانَ شديدَ الْحُمْرَةِ يَخْلِطُ حُمْرَتَه سوادٌ لَيْسَ بخالصٍ، فتِلْكَ الكُلْفَة؛ وَهُوَ أَكلَفُ، وَنَاقَةٌ كَلْفاء. والعَرَب تَقُولُ: الكُمَيْتُ أَقْوَى الْخَيْلِ، وأَشَدُّها حوافِرَ؛ وَقَوْلُهُ:
فُلْوٌ تَرَى فيهنَّ سِرَّ العِتْقِ، ... بَيْنَ كَماتِيٍّ، وحُوٍّ بُلْقِ
جَمْعُهُ عَلَى كَمْتاءَ، وإِن لَمْ يُلْفَظْ بِهِ، بَعْدَ أَن جَعَلَهُ اسْمًا كصَحْراء. والكُمَيْتُ: فَرَسُ المُعْجَبِ بْنِ سُفْيان، صفةٌ غَالِبَةٌ. والكُمَيْتُ: مِنْ أَسْمَاءِ الْخَمْرِ، لِمَا فِيهَا مِنْ سَوَادٍ(2/81)
وحُمْرة؛ وَفِي الْمُحْكَمِ: الكُمَيْتُ الْخَمْرُ الَّتِي فِيهَا سَواد وحُمْرة، والمصْدَر: الكُمْتَةُ؛ وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: هُوَ اسْمٌ لَهَا كالعَلَم، يُرِيدُ أَنه قَدْ غَلَب عَلَيْهَا غَلَبةَ الاسمِ العَلَمِ، وإِن كَانَ فِي أَصله صِفَةً، وَقَدْ كُمِّتَتْ: صُيِّرتْ بالصَّنْعة كُمَيْتاً؛ قَالَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ:
إِذا مَا لَوَى صِنْعٌ بِهِ عَرَبِيَّةً، ... كَلَوْنِ الدِّهانِ، وَرْدَةً لَمْ تُكَمَّتِ
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَيُقَالُ تَمْرة كُمَيْتٌ فِي لَوْنِهَا، وَهِيَ مِنْ أَصلَبِ التُّمْرانِ لِحاءً، وأَطْيَبِها مَمْضَغَةً؛ قَالَ الشَّاعِرُ «2» :
بكُلِّ كُمَيْتٍ جَلْدَةٍ لَمْ تُوَسَّفِ
ابْنُ الأَعرابي: الكَمِيتُ الطويلُ التَّامُّ مِنَ الشُّهُورِ والأَعْوام. والكُمَيْتُ بنُ مَعْروفٍ: شَاعِرٌ مَعْروف.
كنبت: «3» : ابْنُ دُرَيْدٍ: رَجُلٌ كُنْبُتٌ وكُنابِتٌ: مُنْقَبض بَخِيل. قَالَ: وتَكَنْبَتَ الرجلُ إِذا تَقَبَّض. وَرَجُلٌ كُنْبُتٌ: وَهُوَ الصُّلْبُ الشديد.
كنعت: الكَنْعَتُ: ضَرْبٌ مِنْ سَمَك الْبَحْرِ، كالكَنْعَد، وأُرى تاءَه بدَلًا.
كوت: الكُوتِيُّ: القصير.
كيت: التَّكْيِيتُ: تَيْسِيرُ الجَهازِ [الجِهازِ] . وكَيَّتَ الجَهازَ: يَسَّرَهُ. وتقول: كَيِّتْ جِهازَكَ [جَهازَكَ] ؛ قَالَ:
كَيِّت جَهازَكَ، إِمَّا كُنْتَ مُرْتَحِلًا، ... إِني أَخافُ عَلَى أَذوادِكَ السَّبُعا
وَكَانَ مِنَ الأَمر كَيْتَ وكَيْتَ، وإِن شِئْتَ كَسَرْتَ التَّاءَ، وَهِيَ كِنَايَةٌ عَنِ القِصَّة أَو الأُحْدوثة؛ حَكَاهَا سِيبَوَيْهِ. قَالَ اللَّيْثُ: تَقُولُ الْعَرَبُ كانَ مِنَ الأَمر كَيْتَ وكَيْتَ، قَالَ؛ وَهَذِهِ التَّاءُ فِي الأَصل هَاءٌ، مِثْلَ ذَيْتَ وذَيْتَ، وأَصلها كَيَّه وَذيَّه، بِالتَّشْدِيدِ، فَصَارَتْ تَاءً فِي الْوَصْلِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
بِئْسَمَا لأَحدِكم أَن يقولَ: نَسِيتُ آيةَ كَيْتَ وكَيْتَ
قَالَ ابْنُ الأَثير: هِيَ كِنَايَةٌ عَنِ الأَمر، نَحْوَ كَذَا وَكَذَا. وَفِي النَّوَادِرِ: كَيَّتَ الوِكاءَ تَكْييتاً وحَشاه، بمعنى واحدٍ.
فصل اللام
لبت: لَبَتَ يَدَه لَبْتاً: لَواها. واللَّبْتُ أَيضاً: ضَرْبُ الصَّدْرِ والبَطْنِ والأَقرابِ بالعَصا. الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ بأَس: إِذا قَالَ الرَّجُلُ لِعَدُوِّه: لَا بَأْسَ عَلَيْكَ، فَقَدْ أَمَّنه، لأَنه نَفى البأْس عَنْهُ، وَهُوَ فِي لُغَةِ حِمْيَر، لَباتِ أَي لَا بأْسَ؛ قَالَ شَاعِرُهُمْ:
شَرِبنا، اليَومَ، إِذ عَصَبَتْ غَلابِ، ... بتَسْهِيدٍ، وعَقْدٍ غَيْرِ بَيْنِ
تَنادَوا، عِنْدَ غَدْرِهمُ: لَباتِ، ... وَقَدْ بَرَدَتْ مَعاذِرُ ذِي رُعَيْنِ
ولَباتِ بِلُغَتِهِمْ: لَا بأْسَ، قَالَ: كَذَا وَجَدْتُهُ فِي كِتَابِ شمر.
لتت: لَتَّ السَّوِيقَ والأَقِطَ ونحوَهما، يَلُتُّه لَتًّا: جَدَحَه، وَقِيلَ: بَسَّه بِالْمَاءِ وَنَحْوِهِ: أَنشد
__________
(2) . قوله [قال الشاعر] هو الأسود بن يعفر وصدره كما في التكملة: [وَكُنْتُ إِذا مَا قُرِّبَ الزاد مولعاً] ومعنى لَمْ تُوَسَّفْ: لَمْ تُقَشَّرْ.
(3) . قوله [كنبت] أَثبتها بالتاء المثناة من فوق، ولا أَصل لها بل هي بالمثلثة في رباعي المحكم والمجد والتكملة والتهذيب. ولم يذكر هنا مادة ك ن ت وذكرها في ك ون مخالفاً للجماعة.(2/82)
ابْنُ الأَعرابي:
سَفَّ العَجوزِ الأَقِطَ المَلْتُوتا
واللُّتَاتُ: مَا لُتَّ بِهِ. اللَّيْثُ: اللَّتُّ بَلُّ السَّوِيق، والبَسُّ أَشَدُّ مِنْهُ. يُقَالُ: لَتَّ السَّوِيقَ أَي بَلَّه، ولَتَّ الشيءَ يلُتُّهُ إِذا شَدَّه وأَوثَقَه؛ وَقَدْ لُتَّ فلَانٌ بفلانٍ إِذا لُزَّ بِهِ وقُرِنَ مَعَهُ. واللَّاتُّ، فِيمَا زَعَمَ قومٌ مِنْ أَهل اللُّغَةِ: صَخْرَةٌ كَانَ عِنْدَهَا رجلٌ يَلُتُّ السَّويقَ للحاجِّ، فَلَمَّا مَاتَ، عُبِدَتْ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَدري مَا صِحَّةُ ذَلِكَ، وسيأْتي ذِكْرُ اللَّاتِ، بِالتَّخْفِيفِ، فِي مَوْضِعِهِ. اللَّيْثُ: اللَّتُّ الفِعْلُ مِنَ اللُّتاتِ، وكلُّ شَيْءٍ يُلَتُّ بِهِ سَوِيقٌ أَو غَيْرُهُ، نَحْوُ السَّمْن ودُهْنِ الأَلْيَةِ. وَفِي حَدِيثِ
مجاهدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى؟
قَالَ: كَانَ رجلٌ يَلُتُّ السويقَ لَهُمْ، وقرأَ: أَفرأَيتم اللَّاتَّ والعُزَّى؟ بِالتَّشْدِيدِ.
قَالَ الْفَرَّاءُ: وَالْقِرَاءَةُ اللَّاتَ، بِتَخْفِيفِ التَّاءِ، قَالَ: وأَصلُه اللاتَّ، بِالتَّشْدِيدِ، لأَن الصَّنَمَ إِنما سُمِّيَ بَاسِمِ اللَّاتِّ الَّذِي كَانَ يَلُتُّ عِنْدَ هَذِهِ الأَصنام لَهَا السويقَ أَي يَخْلِطُه، فَخُفِّفَ وَجُعِلَ اسْمًا لِلصَّنَمِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَذَكَرَ أَن التَّاءَ فِي الأَصل مُخَفَّفَةٌ للتأْنيث، وَلَيْسَ هَذَا بَابَهَا. وَكَانَ الْكِسَائِيُّ يَقِفُ عَلَى اللَّاه، بالهاءِ. قَالَ أَبو إِسحاق: وَهَذَا قياسٌ، والأَجْوَدُ اتِّباعُ الْمُصْحَفِ، وَالْوُقُوفُ عَلَيْهَا بِالتَّاءِ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَقَوْلُ الْكِسَائِيِّ يُوقَفُ عَلَيْهَا بِالْهَاءِ يَدُلُّ عَلَى أَنه لَمْ يَجْعَلْهَا مِنَ اللَّتِّ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ عَبَدُوهَا عارَضُوا بِاسْمِهَا اسْمَ اللَّهِ، تَعَالَى اللهُ عُلُوًّا كَبِيرًا عَنْ إِفكهم ومُعارضتهم وإِلْحادهم فِي اسْمِهِ الْعَظِيمِ. واللُّتَاتُ: مَا فُتَّ من قُشور الخَشَب. ابْنُ الأَعرابي: اللَّتُّ الفَتّ؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ يَصِفُ الحُمُر:
تَلُتُّ الحَصَى لَتّاً بسُمْرٍ رَزينةٍ ... مَوارِنَ، لَا كُزْمٍ وَلَا مَعِراتِ
قَالَ: تَلُتُّ أَي تَدُقُّ. والسُّمْرُ: الحَوافِرُ. والكُزْمُ: القِصارُ؛ وَقَالَ هِمْيانُ فِي اللَّتِّ، بِمَعْنَى الدَّقِّ:
حَطْماً عَلَى الأَنْفِ ووَسْماً عَلْبا، ... وبالعَصَا لَتّاً، وخَنْقاً سَأْبا
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا حَرْفٌ صَحِيحٌ. ورُوِي
عَنِ الشَّافِعِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنه قَالَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ: وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بلُتَاتِ الشَّجَرِ
، وَهُوَ مَا فُتَّ مِنْ قِشْره الْيَابِسِ الأَعْلى؛ قَالَ الأَزهري: لَا أَدري لُتاتٌ أَم لِتاتٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا أَبْقَى مِنِّي إِلا لُتاتاً
؛ اللُّتاتُ: مَا فُتَّ مِنْ قُشُور الشَّجَرِ، كأَنه قَالَ: مَا أَبْقَى مِنِّي المرضُ إِلا جِلْداً يَابِسًا كقِشْرَةِ الشَّجَرَةِ.
لحت: لَحَته لَحْتاً: بَشَره وقَشَرَه، كنَحَتَه نَحْتاً؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، وَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ لَا يَضِيرُك عَلَيْهِ نَحْتاً ولَحْتاً أَي مَا يَزيدُك عَلَيْهِ نَحْتاً للشِّعْر، ولَحْتاً لَهُ. الأَزهري: بَرْدٌ بَحْتٌ لَحْتُ أَي بَرْدٌ صَادِقٌ. ولَحَتَ فلانٌ عَصاه لَحْتاً إِذا قَشَرها؛ ولَحَتَهُ بالعَذْلِ لَحْتاً، مثلُه. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِن هَذَا الأَمْرَ لَا يزالُ فِيكُمْ، وأَنتم وُلاتُه، مَا لَمْ تُحْدِثُوا أَعمالًا، فإِذا فَعَلْتم كَذَا بَعَثَ اللهُ عَلَيْكُمْ شَرَّ خَلقِه فلَحَتُوكم كَمَا يُلْحَتُ القَضِيبُ
؛ اللَّحْتُ: القَشرُ. ولَحَتَ العَصا إِذا قَشَرها. ولَحَته إِذا أَخَذَ مَا عِنْدَهُ، وَلَمْ يَدَعْ لَهُ شَيْئًا. واللَّحْتُ واللَّتْحُ:(2/83)
واحدٌ، مَقْلُوبٌ؛ وَفِي رِوَايَةٍ:
فالْتَحَوكُم كَمَا يُلْتَحى القضيبُ
؛ يُقَالُ: الْتَحَيْتُ القَضيبَ ولَحَوْتُه إِذا أَخَذْتَ لِحاءَه.
لخت: يُقَالُ: حَرٌّ سَخْتٌ لَخْتٌ: شديدٌ. اللَّيْثُ: اللَّخْتُ العظيمُ الجسْمِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُراه مُعَرَّباً، وَاللَّهُ أَعلم.
لصت: اللَّصْتُ، بِفَتْحِ اللَّامِ: اللِّصُّ فِي لُغَةِ طَيّئ، وَجَمْعُهُ لُصُوت، وَهُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ للطَّسِّ طَسْتٌ؛ وأَنشد أَبو عُبَيْدٍ:
فَتَرَكْنَ نَهْداً عَيِّلَا أَبناؤُهُمْ، ... وبَنِي كِنانةَ كاللُّصُوتِ المُرَّدِ
وَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ:
ولكنَّا خُلِقْنا، إِذْ خُلِقْنا، ... لَنا الحِبَراتُ، والمِسْكُ الفَتِيتُ
وصَبْرٌ فِي المَواطنِ، كلَّ يَوْمٍ، ... إِذا خَفَّتْ مِنَ الفَزَع البُيوتُ
فأَفْسَدَ بَطْنَ مكةَ، بَعْدَ أُنْسٍ، ... قَراضِبةٌ، كأَنهم اللُّصُوتُ
لفت: لَفَتَ وجهَه عَنِ الْقَوْمِ: صَرَفَه، والْتَفَتَ التِفاتاً، والتَّلَفُّتُ أَكثرُ مِنْهُ. وتَلَفَّتَ إِلى الشَّيْءِ والْتَفَتَ إِليه: صَرَفَ وجْهَه إِليه؛ قَالَ:
أَرَى المَوْتَ، بَيْنَ السَّيْفِ والنِّطْع، كامِناً، ... يُلاحِظُنِي مِنْ حيثُ مَا أَتَلَفَّتُ
وَقَالَ:
فَلَمَّا أَعادَتْ مِنْ بعيدٍ بنَظْرةٍ ... إِليَّ الْتِفاتاً، أَسْلَمَتْها المَحاجِرُ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ
؛ أُمِرَ بتَرْكِ الالْتِفاتِ، لِئَلَّا يَرَى عظيمَ مَا يَنْزلُ بِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ. وَفِي الْحَدِيثِ فِي صِفَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
فإِذا الْتَفَتَ، الْتَفَتَ جَمِيعًا
؛ أَراد أَنه لَا يُسارِقُ النَّظَرَ؛ وَقِيلَ: أَراد لَا يَلْوي عُنُقَه يَمْنةً ويَسْرةً إِذا نظَر إِلى الشيءِ، وإِنما يَفْعَلُ ذَلِكَ الطائشُ الخَفيفُ، وَلَكِنْ كَانَ يُقْبِلُ جَمِيعًا ويُدْبِرُ جَمِيعًا. وَفِي الْحَدِيثِ:
فكانتْ مِنِّي لَفْتةٌ
؛ هِيَ المَرَّة الْوَاحِدَةُ مِنَ الالْتِفاتِ. واللَّفْتُ: اللَّيُّ. ولَفَتَه يَلْفِتُه لَفْتاً: لَوَاهُ عَلَى غَيْرِ جِهَتِهِ؛ وَقِيلَ: اللَّيُّ هُوَ أَن تَرْمِيَ بِهِ إِلى جَانِبِكَ. ولَفَتَه عَنِ الشَّيْءِ يَلْفِتُه لَفْتاً: صَرفه. الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ، عَزَّ وَجَلَّ: أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا؟
اللَّفْتُ: الصَّرْفُ؛ يُقَالُ: مَا لَفَتَك عَنْ فلانٍ أَي مَا صَرَفَك عَنْهُ؟ واللَّفْتُ: لَيُّ الشيءِ عَنْ جهتِه، كَمَا تَقْبِضُ عَلَى عُنُق إِنسانٍ فتَلْفِتُه؛ وأَنشد:
ولفَتْنَ لَفْتاتٍ لَهُنَّ خَضادُ
ولَفَتُّ فُلَانًا عَنْ رأْيه أَي صَرَفْتُه عَنْهُ، وَمِنْهُ الالْتِفاتُ. وَفِي حَدِيثِ
حُذيفة: إِنَّ مِن أَقْرَإِ الناسِ لِلْقُرْآنِ مُنافِقاً لَا يَدَعُ مِنْهُ وَاوًا وَلَا أَلِفاً، يَلْفِتهُ بِلِسَانِهِ كَمَا تَلْفِتُ البَقرةُ الخَلى بِلِسَانِهَا
؛ اللَّفْتُ: اللَّيُّ. ولَفَتَ الشيءَ، وفَتَلَه إِذا لَوَاهُ، وَهَذَا مَقْلُوبٌ. يُقَالُ: فُلَانٌ يَلْفِتُ الكلامَ لَفْتاً أَي يُرْسِلُه وَلَا يُبالي كَيْفَ جاء. والمعنى أَنه يَقْرَأَه مِنْ غَيْرِ رَوِيَّةٍ، وَلَا تَبَصُّرٍ وتعَمُّدٍ للمأْمور بِهِ، غيرَ مُبالٍ بِمَتْلُوِّه كَيْفَ جَاءَ، كَمَا تَفْعَلُ البقرةُ بالحَشيش إِذا أَكَلَتْه. وأَصلُ اللَّفْتِ: لَيُّ الشَّيْءِ(2/84)
عَنِ الطَّرِيقَةِ الْمُسْتَقِيمَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِنَّ اللهَ يُبْغِضُ البَليغَ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِي يَلْفِتُ الكلامَ كَمَا تَلْفِتُ البقرةُ الخَلى بِلِسَانِهَا
؛ يُقَالُ: لَفَتَه يَلْفِتُه إِذا لَوَاهُ وفَتَلَه؛ ولَفَتَ عُنُقَه: لَوَاهَا. اللِّحْيَانِيُّ: ولِفْتُ الشيءِ شِقُّه، ولِفْتاه: شِقَّاه؛ واللِّفْتُ: الشِّقُّ؛ وقد أَلْفَته وتَلَفَّته. ولِفْتُه مَعَك أَي صَغْوُه. وَقَوْلُهُمْ: لَا يُلْتَفَتُ لِفْتُ فلانٍ أَي لَا يُنْظَرُ إِليه. واللَّفُوتُ مِنَ النِّسَاءِ: الَّتِي تُكْثِرُ التَّلَفُّتَ؛ وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي يَمُوتُ زَوْجُهَا أَو يُطَلِّقُهَا ويَدَعُ عَلَيْهَا صِبْياناً، فَهِيَ تُكثِر التَّلَفُّتَ إِلى صِبْيانها؛ وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي لَهَا زَوْجٌ، وَلَهَا وَلَدٌ مِنْ غَيْرِهِ، فَهِيَ تَلَفَّتُ إِلى ولَدها. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا تَتَزَوَّجَنَّ لَفُوتاً
؛ هِيَ الَّتِي لَهَا وَلَدٌ مِنْ زَوْجٍ آخَرَ، فَهِيَ لَا تَزَالُ تَلْتَفِتُ إِليه وتَشْتَغِلُ بِهِ عَنِ الزَّوْج. وَفِي حَدِيثِ
الْحَجَّاجِ أَنه قَالَ لامرأَة: إِنكِ كَتُونٌ لفوتٌ
أَي كَثِيرَةُ التَّلَفُّتِ إِلى الأَشياء. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: اللَّفُوتُ هِيَ الَّتِي عَيْنُها لَا تَثْبُتُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، إِنما هَمُّها أَن تَغْفُلَ عَنْهَا، فتَغْمِز غيركَ؛ وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي فِيهَا الْتِواءٌ وانْقِباضٌ؛ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْر: اللَّفُوتُ الَّتِي إِذا سمعتْ كلامَ الرجُل التَفَتَتْ إِليه؛ ابْنُ الأَعرابي قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لابْنِه إِيَّاكَ والرَّقُوبَ الغَضُوبَ القَطُوبَ اللَّفُوتَ؛ الرَّقُوبُ: الَّتِي تُراقِبُه أَن يموتَ فَترِثَه. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حِينَ وصَفَ نَفْسَه بِالسِّيَاسَةِ، فَقَالَ: إِني لأُرْبِعُ، وأُشْبِعُ، وأَنْهَزُ اللَّفُوتَ «4» ، وأَضُمُّ العَنُودَ، وأُلْحِقُ العَطُوفَ، وأَزْجُرُ العَرُوضَ.
قَالَ أَبو جَميلٍ الكِلابيّ: اللَّفُوتُ الناقةُ الضَّجُورُ عِنْدَ الحَلَبِ، تَلْتَفِتُ إِلى الحالِبِ فتَعَضُّه، فيَنْهَزُها بِيَدِهِ فَتَدِرُّ، وَذَلِكَ لتَفْتَدِيَ باللَّبن مِنَ النَّهْزِ، وَهُوَ الضَّرْبُ، فَضَرَبها مَثَلًا لِلَّذِي يَسْتَعْصِي ويَخْرُج عَنِ الطاعَة. والمُتَلَفَّتَةُ: أَعْلى عَظْمِ العاتِقِ مِمَّا يَلي الرَّأْسَ. والأَلْفَتُ: القَوِيُّ اليَدِ الَّذِي يَلْفِتُ مَنْ عالجَه أَي يَلْويه. والأَلْفَتُ والأَلْفَكُ فِي كَلَامِ تَميم: الأَعْسَرُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لأَنه يَعْملُ بجانِبه الأَمْيَل؛ وَفِي كَلَامِ قَيْسٍ: الأَحْمَقُ، مِثْلُ الأَعْفَتِ، والأُنْثَى: لَفْتاءُ. وكُلُّ مَا رَمَيْتَهُ لِجانِبكَ: فقدْ لَفَتَّه. واللَّفاتُ أَيضاً: الأَحْمَقُ. واللَّفُوتُ: العَسِرُ الخُلُق. الْجَوْهَرِيُّ: واللَّفاتُ الأَحْمَقُ العَسِرُ الخُلُق. ولَفَتَ الشيءَ يَلْفِتهُ لَفْتاً: عَصَدَه، كَمَا يُلْفَتُ الدقيقُ بالسَّمْن وَغَيْرِهِ. واللَّفِيتَةُ: أَن يُصَفَّى ماءُ الحَنْظَلِ الأَبْيَضِ، ثُمَّ تُنْصَبَ بِهِ البُرْمةُ، ثُمَّ يُطْبَخَ حَتَّى يَنْضَجَ ويَخْثُر، ثُمَّ يُذَرَّ عَلَيْهِ دقيقٌ؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ. واللَّفِيتَةُ: العَصِيدة المُغَلَّظةُ؛ وَقِيلَ: هِيَ مَرَقة تُشْبهُ الحَيْسَ؛ وَقِيلَ: اللَّفْتُ كالفَتْلِ، وَبِهِ سُمِّيَتِ الْعَصِيدَةُ لَفِيتَةً، لأَنها تُلْفَتُ أَي تُفْتَلُ وتُلْوَى. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنه ذَكَرَ أَمره فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وأَن أُمه اتَّخَذتْ لَهُمْ لَفِيتَةً مِنَ الهَبِيدِ
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: اللَّفِيتَةُ العَصِيدة المُغَلَّظةُ، وَقِيلَ: هِيَ ضَرْبٌ مِنَ الطَّبيخ، لَا أَقِفُ عَلَى حَدِّه؛ وَقَالَ: أُراه الحِساءَ ونحْوَه. والهَبِيدُ: الحَنْظَلُ. وتَيْسٌ أَلْفَتُ: مُعْوَجُّ القَرْنَيْن. اللَّيْثُ: والأَلْفَتُ مِنَ التُّيوسِ الَّذِي اعْوَجَّ قَرْناه والتَوَيا. وتَيْسٌ أَلْفَتُ: بَيِّن اللَّفَتِ إِذا كان مُلْتَوِيَ
__________
(4) . قوله [وأَنهز اللفوت] الذي في النهاية وأَردَّ اللفوت. وكتب بهامشها: وفي رواية وأَنهز اللفوت.(2/85)
أَحَدِ القَرْنَيْنِ عَلَى الْآخَرِ. ابْنُ سِيدَهْ: واللِّفْتُ، بِالْكَسْرِ، السَّلْجم؛ الأَزهري: السَّلْجَمُ يُقَالُ لَهُ اللِّفْتُ، قَالَ: وَلَا أَدْرِي أَعَرَبيٌّ هُوَ أَم لَا؟ ولَفَتَ اللِّحَاءَ عَنِ الشَّجر لَفْتاً: قَشَرَهُ. وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي عَنْ العُقَيْلي: وعَدْتَني طَيْلَساناً ثُمَّ لَفَتَّ بِهِ فُلَانًا أَي أَعْطَيْتَه إِياه. ولِفْتٌ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ مَعْقِلُ بْنُ خُوَيْلدٍ:
نَزِيعاً مُحْلِباً مِنْ آلِ لِفْتٍ ... لحَيٍّ، بَيْنَ أَثْلَة، فالنِّجَامِ
وَفِي الْحَدِيثِ: ذِكرُ ثَنِيَّةِ لِفْتٍ؛ وَهِيَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، قَالَ ابْنُ الأَثير: واخْتُلِفَ فِي ضَبْط الْفَاءِ، فسُكِّنَتْ وفُتِحَتْ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَسَرَ اللام مع السكون.
لكت: اللَّكَتُ «1» : تَشَقُّقٌ فِي مِشْفَرِ البعير.
لوت: لاتَه يَلُوتُه لَوْتاً: نَقَصَه حَقَّه؛ وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِي لَيْتَ. ولاتَ: كلمةٌ مَعْنَاهَا لَيْسَ، تَقَعُ عَلَى لَفْظِ الحِينِ خاصَّةً، عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، فَتَنْصِبُهُ؛ وَقَدْ يُجَرُّ بِهَا ويُرْفَعُ، إِلا أَنك إِذا لَمْ تُعْمِلْها فِي الْحِينِ خاصَّةً، لَمْ تُعْمِلها فِيمَا سِوَاهُ؛ وزَعَمُوا أَنها لَا، زِيدتْ عَلَيْهَا التَّاءُ، والله أَعلم.
ليت: لاتَه حَقَّه يَليتُه لَيْتاً، وأَلاتَه: نَقَصه، والأُولى أَعلى. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً
؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَاهُ لَا يَنْقُصْكم، وَلَا يَظْلِمْكم مِنْ أَعمالكم شَيْئًا، وَهُوَ مِنْ لاتَ يَلِيتُ؛ قَالَ: والقُرَّاءُ مُجْتَمِعُونَ عَلَيْهَا. قَالَ الزَّجَّاجُ: لاتَه يَلِيتُه، وأَلاتَه يُلِيتُه، وأَلَته يَأْلِتُه إِذا نَقَصَه، وقُرئ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا لِتْناهم، بِكَسْرِ اللَّامِ، مِن عَمَلِهمْ مِن شَيْءٍ؛ قَالَ: لاتَه عَنْ وَجْهه أَي حَبَسَه؛ يَقُولُ: لَا نُقْصانَ وَلَا زِيَادَةَ؛ وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ: وَما أَلَتْناهُمْ
؛ قَالَ: يَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنْ أَلَتَ وَمِنْ أَلاتَ؛ قَالَ: وَيَكُونُ لاتَه يَلِيتُه إِذا صَرَفه عَنِ الشَّيْءِ؛ وَقَالَ عُرْوة بْنِ الوَرْد:
ومُحْسِبةٍ مَا أَخْطَأَ الحَقُّ غَيْرَها، ... تَنَفَّسَ عنْها حَيْنُها، فَهِيَ كالشَّوي
فأَعْجَبَنِي إِدامُها وسَنامُها، ... فبِتُّ أُلِيتُ الحَقَّ، والحَقُّ مُبْتَلِي
أَنشده شَمِرٌ وَقَالَ: أُلِيتُ الحقَّ أُحِيلُه وأَصْرِفُه، ولاتَه عَنْ أَمْره لَيْتاً وأَلاتَهُ: صَرَفه. ابْنُ الأَعرابي: سَمِعْتُ بَعْضَهُمْ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يُفاتُ وَلَا يُلاتُ وَلَا تَشْتَبهُ عَلَيْهِ الأَصوات؛ يُلاتُ: مِنْ أَلاتَ يُلِيتُ، لُغَةٌ فِي لاتَ يَلِيتُ إِذا نَقَصَ، وَمَعْنَاهُ: لَا يُنْقَصُ وَلَا يُحْبسُ عَنْهُ الدُّعاء؛ وَقَالَ خَالِدُ بنُ جَنْبةَ: لَا يُلاتُ أَي لَا يَأْخُذُ فِيهِ قولُ قَائِلٍ أَي لَا يُطيعُ أَحَداً. قَالَ: وَقِيلَ للأَسدِيَّة مَا المُداخَلَةُ؟ فَقَالَتْ: أَن تُلِيتَ الإِنسانَ شَيْئًا قَدْ عَمِلَهُ أَي تَكْتُمَه وتأْتي بِخَبرٍ سِوَاهُ. ولاتَه لَيْتاً: أَخْبَرَه بِالشَّيْءِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ؛ وَقِيلَ: هُوَ أَن يُعَمِّيَ عَلَيْهِ الخَبَر، فيُخْبرَه بِغَيْرِ مَا سأَله عَنْهُ: قَالَ الأَصمعي: إِذا عَمَّى عَلَيْهِ الخَبَر، قِيلَ: قَدْ لاتَه يَليتُه لَيْتاً: وَيُقَالُ: مَا أَلاتَه مِنْ عَمَله شَيْئًا أَي مَا نَقَصَه، مِثْلَ أَلَته؛ عَنْهُ، وأَنشد
__________
(1) . قوله [اللكت] أَي بالمثناة الفوقية محركاً. أَثبته ابن سيدة وحده في المحكم وأَهمله المجد وأثبته بالمثلثة تبعاً للصاغاني والتهذيب.(2/86)
لعَدِيّ بْنُ زَيْدٍ:
ويَاْكُلْنَ مَا أَعْنَى الوَلِيُّ فَلَمْ يُلِتْ، ... كأَنَّ، بِحافاتِ النِّهاءِ، المَزَارِعَا
قَوْلُهُ: أَعْنَى أَنْبَتَ. والوَلِيُّ: المَطَرُ تَقَدَّمه مطَرٌ، وَالضَّمِيرُ فِي يَأْكُلْنَ يَعُودُ عَلَى حُمُرٍ، ذَكَرَهَا قَبْلَ الْبَيْتِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَلاتَ حِينَ مَناصٍ
؛ قَالَ الأَخْفَش: شَبَّهوا لاتَ بلَيْسَ، وأَضمروا فِيهَا اسمَ الْفَاعِلِ، قَالَ: وَلَا يَكُونُ لاتَ إِلَّا مَعَ حِينَ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هَذَا الْقَوْلُ نَسَبَهُ الْجَوْهَرِيُّ للأَخفش، وَهُوَ لِسِيبَوَيْهِ لأَنه يَرَى أَنها عَامِلَةٌ عَمَلَ لَيْسَ، وأَما الأَخفش فَكَانَ لَا يُعْمِلُها، ويَرْفَعُ مَا بَعْدَهَا بِالِابْتِدَاءِ إِن كَانَ مَرْفُوعًا، وَيَنْصِبُهُ بإِضمار فعلٍ إِن كَانَ مَنْصُوبًا؛ قَالَ: وَقَدْ جَاءَ حَذْفُ حِينَ مِنَ الشِّعْرِ «1» ؛ قَالَ مازنُ بْنُ مَالِكٍ:
حَنَّتْ ولاتَ هَنَّتْ وأَنَّى لَكَ مَقْرُوع
. فَحَذَفَ الْحِينَ وَهُوَ يُرِيدُهُ. وقرأَ بَعْضُهُمْ: ولاتَ حِينُ مَنَاصٍ؛ فَرَفَعَ حِينَ، وأَضْمَر الخَبر؛ وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: هِيَ لَا، وَالتَّاءُ إِنما زِيدت فِي حِينَ، وَكَذَلِكَ فِي تَلانَ وأَوانَ؛ كُتِبَتْ مُفْرَدَةً؛ قَالَ أَبو وَجْزة:
العاطِفُونَ تَحِينَ مَا مِنْ عاطِفٍ، ... والمُطْعِمُونَ زَمانَ أَينَ المُطْعِمُ؟
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ صَوَابُ إِنشاده:
العاطِفُونَ تَحِينَ مَا مِنْ عاطِفٍ، ... والمُنْعِمُونَ زَمانَ أَيْنَ المُنْعِمُ؟
واللَّاحِفُونَ جِفانَهُمْ قَمْعَ الذُّرَى، ... والمُطْعِمُونَ زَمانَ أَيْنَ المُطْعِمُ؟
قَالَ المُؤَرِّجُ: زِيدَتِ التَّاءُ فِي لَاتَ، كَمَا زِيدَتْ فِي ثُمَّت ورُبَّت. واللِّيتُ، بِالْكَسْرِ: صَفْحة العُنُق؛ وَقِيلَ: اللِّيتان صَفْحَتا العُنُق؛ وَقِيلَ: أَدْنَى صَفْحَتَي العُنُق مِنَ الرأْس، عَلَيْهِمَا يَنْحَدِرُ القُرْطَانِ، وَهُمَا وَرَاءَ لِهْزِمَتَي اللَّحْيَيْن؛ وَقِيلَ: هُمَا مَوْضِعُ المِحْجَمَتَيْن؛ وَقِيلَ: هُمَا مَا تَحْتَ القُرْطِ مِنَ العُنُق، وَالْجَمْعُ أَلْياتٌ ولِيتَةٌ. وَفِي الْحَدِيثُ:
يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَلَا يَسمَعُه أَحدٌ إِلا أَصْغَى لِيتاً
أَي أَمَالَ صَفْحة عُنُقِه. ولِيتُ الرَّمْلِ: لُعْطُه، وَهُوَ مَا رَقَّ مِنْهُ وطالَ أَكثر مِنَ الإِبطِ. واللِّيتُ: ضَربٌ مِنَ الخَزَمِ. ولَيْتَ، بِفَتْحِ اللَّامِ: كلمةُ تَمنٍّ؛ تَقُولُ: لَيْتَنِي فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، وَهِيَ مِنَ الْحُرُوفِ النَّاصِبَةِ، تَنْصِبُ الاسمَ وتَرْفَعُ الْخَبَرَ، مِثْلَ كأَنَّ وأَخواتها، لِأَنها شَابَهَتِ الأَفعال بقوَّة أَلفاظها وَاتِّصَالِ أَكثر الْمُضْمَرَاتِ بِهَا وَبِمَعَانِيهَا، تَقُولُ: لَيْتَ زَيْدًا ذاهبٌ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
يَا لَيْتَ أَيامَ الصِّبا رَواجِعَا
فإِنما أَراد: يَا لَيْتَ أَيام الصِّبا لَنَا رَوَاجِعَ، نَصَبَهُ عَلَى الْحَالِ؛ قَالَ: وَحَكَى النَّحْوِيُّونَ أَن بَعْضَ الْعَرَبِ يَسْتَعْمِلُهَا بِمَنْزِلَةِ وَجَدْتُ، فيُعَدِّيها إِلى مَفْعُولَيْنِ، ويُجْريها مُجْرَى الأَفعال، فَيَقُولُ: لَيْتَ زَيْدًا شَاخِصًا، فَيَكُونُ الْبَيْتُ عَلَى هَذِهِ اللُّغَةِ؛ وَيُقَالُ: لَيْتي ولَيْتَنِي، كَمَا قَالُوا: لعَلِّي ولَعَلَّنِي، وإِنِّي وإِنَّنِي؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ جَاءَ فِي الشِّعْرِ لَيْتي؛ أَنشد سِيبَوَيْهِ لزيدِ الخَيْلِ:
تَمَنَّى مِزْيَدٌ زَيْداً، فلاقَى ... أَخاً ثِقَةً، إِذا اخْتَلَفَ العَوَالي
كمُنْيَةِ جابرٍ إِذ قَالَ: لَيْتِي ... أُصادِفُه، وأُتْلِفُ جُلَّ مَالِي
__________
(1) . قوله [من الشعر] كذا قال الجوهري أيضاً. وقال في المحكم إنه ليس بشعر.(2/87)
ولاتَهُ عَنْ وَجْهِه يَلِيتُه ويَلُوتُه لَيْتاً أَي حَبَسه عَنْ وَجْهه وصَرَفه؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
وليلةٍ ذاتِ نَدًى سَرَيْتُ، ... وَلَمْ يَلِتْنِي عَنْ سُراها لَيْتُ
وَقِيلَ: مَعْنَى هَذَا لَمْ يَلِتْني عَنْ سُراها أَنْ أَتَنَدَّم فأَقول لَيْتَني مَا سَرَيْتُها؛ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَمْ يَصْرِفْني عَنْ سُراها صارِفٌ إِن لَمْ يَلِتْني لائِت، فَوَضَعَ الْمَصْدَرَ مَوْضِعَ الِاسْمِ؛ وَفِي التَّهْذِيبِ: إِن لَمْ يَثْنِني عَنْهَا نَقْصٌ، وَلَا عَجْزٌ عَنْهَا، وَكَذَلِكَ: أَلاته عَنْ وَجْهه، فَعَلَ وأَفْعَلَ، بمعنًى.
فصل الميم
متت: اللَّيْثُ: متَّى اسْمٌ أَعجمي. والمَتُّ كالمَدّ، إِلا أَن المَتَّ يُوصَلُ بقَرابةٍ ودالةٍ يُمَتُّ بِهَا؛ وأَنشد:
إِن كنتَ فِي بَكْرٍ تَمُتُّ خُؤُولةً، ... فأَنا المُقَابَلُ فِي ذُرَى الأَعْمامِ
والمَاتَّة: الحُرْمةُ والوَسِيلَةُ، وجمْعُها مَوَاتُّ. يُقَالُ: فُلَانٌ يَمُتُّ إِليك بقَرابةٍ. والمَوَاتُّ: الوسائلُ؛ ابْنُ سِيدَهْ: مَتَّ إِليه بِالشَّيْءِ يَمُتُّ مَتًّا: تَوَسَّلَ، فَهُوَ ماتٌّ؛ أَنشد يَعْقُوبُ:
نَمُتُّ بأَرْحامٍ، إِليك، وَشِيجَةٍ، ... وَلَا قُرْبَ بالأَرْحَامِ مَا لَمْ تُقَرَّبِ
والمَتَاتُ: مَا مُتَّ بِهِ. ومَتَّه: طَلَبَ إِليه المَتاتَ. ابْنُ الأَعرابي: مَتْمَتَ الرجلُ إِذا تَقَرَّبَ بِمَوَدَّةٍ أَو قَرَابة. قَالَ النَّضْر: مَتَتُّ إِليه برَحِمٍ أَي مَدَدْتُ إِليه وتَقَرَّبْتُ إِليه؛ وَبَيْنَنَا رَحِمٌ ماتَّةٌ أَي قَرِيبَةٌ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ الله وَجْهَهُ: لَا يَمُتَّانِ إِلى اللَّهِ بِحَبْلٍ، وَلَا يَمُدَّانِ إِليه بِسَبَبٍ
؛ المَتُّ: التَّوَسُّلُ والتَّوصُّلُ بحُرْمةٍ أَو قرَابة أَو غَيْرِ ذَلِكَ. ومَتَّ فِي السَّير: كمَدَّ. والمَتُّ: المَدُّ، مَدُّ الحَبْل وَغَيْرِهِ. يُقَالُ: مَتَّ ومَطَّ، وقَطَلَ «2» ومَغَطَ، وشبَحَ، بِمَعْنًى وَاحِدٍ. ومتَّ الشيءَ مَتًّا: مدَّه. وتَمَتَّى فِي الحَبْل: اعْتَمَدَ فِيهِ ليَقْطَعَه أَو يَمُدَّه. وتَمَتَّى: لُغَةٌ كتَمَطَّى فِي بَعْضِ اللُّغَاتِ، وأَصلُهما جَمِيعًا تَمَتَّتَ، فَكَرِهُوا تَضْعِيفَهُ، فأُبْدلَتْ إِحدى التَّاءَيْنِ يَاءً، كَمَا قَالُوا: تَظَنَّى، وأَصله تَظَنَّن، غَيْرُ أَنه سُمع تَظَنَّنَ، وَلَمْ يُسْمع تمَتَّتَ فِي الحَبْل. ومتٌّ: اسْمٌ. ومتَّى: أَبو يونُسَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، سُرْيانيّ؛ وَقِيلَ: إِنما سُمِّيَ مَتْثَى، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ حَرْفِ الثَّاءِ؛ الأَزهري: يُونُسُ بنُ مَتَّى نبيٌّ، كَانَ أَبوه يُسَمَّى مَتَّى، عَلَى فَعْلَى؛ فُعِل ذَلِكَ لأَنهم لَمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِي كَلَامِهِمْ فِي إِجراء الِاسْمِ بَعْدَ فَتْحِهِ عَلَى بِنَاءِ مَتَّى، حَمَلُوا الْيَاءَ عَلَى الْفَتْحَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، فَجَعَلُوهَا أَلفاً، كَمَا يَقُولُونَ: مِنْ غَنَّيْتُ غَنَّى، وَمِنْ تَغَنَّيْتُ تَغَنَّى، وَهِيَ بِلُغَةِ السُّرْيَانِيَّةِ مَتَّى؛ وأَنشد أَبو حَاتِمٍ قَوْلَ مُزاحم العُقَيْليِّ:
أَلم تَسْأَلِ الأَطْلالَ: متَّى عُهودُها؟ ... وهلْ تَنْطِقَنْ بَيْداءُ قَفْرٌ صَعِيدُها؟
قَالَ أَبو حَاتِمٍ: سأَلت الأَصمعي عَنْ مَتَّى فِي هَذَا الْبَيْتِ، فَقَالَ: لَا أَدري وَقَالَ أَبو حَاتِمٍ: ثَقَّلَها كَمَا تُثَقَّلُ رُبَّ وَتُخَفَّفُ، وَهِيَ مَتَى خَفِيفَةٌ فثَقَّلَها؛
__________
(2) . قوله [وقطل] كذا بالأَصل والتهذيب، ولعله محرف عن معط، بالميم والعين المهملة.(2/88)
قَالَ أَبو حَاتِمٍ: وإِن كَانَ يُرِيدُ مَصْدَرَ مَتَتُّ مَتًّا أَي طَويلًا أَو بعِيداً عُهودُها بِالنَّاسِ، فَلَا أَدري. والمَتُّ: النَّزْعُ عَلَى غير بَكَرةٍ.
محت: عَرَبيٌّ مَحْتٌ بَحْتٌ أَي خَالِصٌ. وَيَوْمٌ مَحْتٌ: شديدُ الحَرِّ، مثلُ حَمْتٍ. وَلَيْلَةٌ مَحْتةٌ، وَقَدْ مَحُتَا. والمَحْتُ: الْعَاقِلُ اللبيبُ؛ وَقِيلَ: المجتمعُ القلبِ الذَّكِيُّه، وجَمْعُه مُحُوتٌ، ومُحَتاء، كأَنهم توهَّمُوا فِيهِ مَحِيتاً، كَمَا قَالُوا سَمْحٌ وسُمَحَاءُ. والمَحْتُ: الشَّدِيدُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
مرت: المَرْتُ: مَفَازَةٌ لَا نَبَاتَ فِيهَا. أَرْضٌ مَرْتٌ، وَمَكَانٌ مَرتٌ: قَفْرٌ لَا نَبَاتَ فِيهِ؛ وَقِيلَ: الأَرضُ الَّتِي لَا نَبْتَ فِيهَا؛ وَقِيلَ: المَرْتُ الَّذِي لَيْسَ بِهِ قَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٌ؛ وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي لَا يَجفُّ ثَرَاه، وَلَا يَنْبُت مَرْعاه. وَقِيلَ: المَرْتُ الأَرضُ الَّتِي لَا كلأَ بِهَا وإِن مُطِرَتْ، وَالْجَمْعُ أَمْراتٌ ومُرُوتٌ؛ قَالَ خِطامٌ المُجاشِعِيُّ:
ومَهْمَهَيْنِ قَذَفَيْنِ مَرْتَيْنِ، ... ظَهْرَاهُما مثلُ ظُهورِ التُّرْسَيْن،
جُبْتُهما بالنَّعْتِ لَا بالنَّعْتَيْن
وَالِاسْمُ: المُروتةُ. وَحَكَى بَعْضُهُمْ: أَرضٌ مَرُوتٌ كمَرْتٍ؛ قَالَ كُثَيِّرٌ:
وقَحَّمَ سَيْرَنا مِنْ قُورِ حِسْمَى ... مَرُوتُ الرِّعْيِ، ضاحيةُ الظِّلالِ
هَكَذَا رَوَاهُ أَبو سَعِيدٍ السُّكَّري بِالْفَتْحِ، وَغَيْرُهُ يَرْوِيه مُرُوتُ الرِّعْيِ، بِالضَّمِّ؛ وَقِيلَ أَيضاً: أَرضٌ مَمْرُوتةٌ؛ قَالَ ابْنُ هَرْمَةَ:
كَمْ قَدْ طَوَيْنَ، إِليك، مِنْ مَمْرُوتَةٍ ... ومَناقِلٍ مَوْصُولةٍ بِمَناقِلِ
وأَرضٌ مَرْتٌ ومَرُوتٌ، فإِنْ مُطِرَتْ فِي الشِّتَاءِ فإِنها لَا يُقَالُ لَهَا مَرْتٌ، لِأَن بِهَا حِينَئِذٍ رَصَداً؛ والرَّصَدُ الرَّجاءُ لَهَا، كَمَا تُرْجَى الْحَامِلَةُ؛ وَيُقَالُ: أَرضٌ مُرْصِدة، وَهِيَ قَدْ مُطِرَتْ، وَهِيَ تُرْجَى لأَن تُنْبِتَ؛ قَالَ رؤْبة:
مَرْتٌ ينَاصِي خَرْقَها مَرُوتُ
وَقَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
يَطْرَحْنَ، بالمهَارِقِ الأَغْفَالِ، ... كلَّ جَنِينٍ لَثِقِ السِّرْبالِ
حَيِّ الشَّهِيقِ، مَيِّتِ الأَوْصالِ، ... مَرْتِ الحَجاجَيْنِ مِنَ الإِعْجالِ
يَصِفُ إِبلًا أَجهَضَت أَولادَها قبلَ نَبات الوَبر عَلَيْهَا، يَقُولُ: لَمْ يَنْبُتْ شَعَرُ حَجاجَيْهِ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: كأَنَّ التَّاءَ مُبْدَلَةٌ مِنَ المَرْثِ. ورجلٌ مَرْتُ الْحَاجِبِ إِذا لَمْ يَكُنْ عَلَى حَاجِبِهِ شَعْرٌ؛ وأَنشد بَيْتَ ذِي الرُّمَّةِ:
مَرْتِ الحَجاجَينِ مِنَ الإِعْجالِ
والمَرُّوتُ: بَلَدٌ لباهلةَ، وعَزاه الفَرَزدَقُ والبَعِيثُ إِلى كُلَيْبٍ؛ فَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:
تَقُولُ كليبٌ، حينَ مَتَّتْ جُلُودُها، ... وأَخْصَبَ مِنْ مَرُّوتِها كلُّ جانِبِ
وَقَالَ البَعِيثُ:
أَأَنْ أَخْصَبَتْ مِعْزَى عَطِيَّةَ، وارْتَعَتْ ... تِلاعاً مِنَ المَرُّوتِ أَحْوَى جَمِيمُها
إِلى أَبيات كَثِيرَةٍ نَسَبَا فِيهَا المَرُّوت إِلى كُلَيْبٍ. الصِّحَاحُ: المَرُّوتُ، بِالتَّشْدِيدِ، اسْمُ وادٍ؛ قَالَ أَوسٌ:
وَمَا خَليجٌ مِنَ المَرُّوتِ ذُو شُعَبٍ، ... يَرْمِي الضَّريرَ بخُشْبِ الطَّلْحِ والضَّالِ(2/89)
وَمِنْهُ: يَوْمُ المَرُّوت، بَيْنَ بَنِي قُشَيرٍ وتَميم. ومَرَتَ الخُبْزَ فِي الْمَاءِ: كمَرَدَه، حَكَاهُ يَعْقُوبُ؛ وَفِي المُصَنَّف: مَرَثَه، بِالثَّاءِ. والمَرْمَريتُ: الداهيةُ؛ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ التاءَ بدل من السين.
مصت: مَصَتَ الرجلُ المرأَةَ مَصْتاً: نَكَحَها، كمَصَدَها. غَيْرُهُ: المَصْتُ لُغَةٌ فِي المَصْدِ، فإِذا جَعَلُوا مكانَ السِّينِ صَادًا، جَعَلُوا مَكَانَ الطَّاءِ تَاءً، وَهُوَ أَن يُدْخِلَ يَدَه فيَقْبِضَ عَلَى الرَّحِم، فيَمْصُتَ مَا فِيهَا مَصْتاً. ابْنُ سِيدَهْ: مَصَتَ الناقَةَ مَصْتاً: قَبَضَ عَلَى رَحِمها، وأَدخل يَده فاستخرجَ ماءَها. والمَصْتُ: خَرْطُ مَا فِي المَعي بالأَصابع لإِخراج مَا فيه.
معت: مَعَتَ الأَدِيمَ يَمْعَتُه مَعْتاً: دَلَكه، وَهُوَ نحوٌ من الدَّلْكِ.
مقت: المُقِيتُ: الحافِظُ. الأَزهري: المُقِيتُ، الْمِيمُ فِيهِ مَضْمُومَةٌ وَلَيْسَتْ بأَصلية، وَهُوَ فِي الْمُعْتَلَّاتِ. ابْنُ سِيدَهْ: المَقْتُ أَشَدُّ الإِبْغاضِ. مَقُتَ مَقاتَةً، ومَقَتَه مَقْتاً: أَبْغضه، فَهُوَ مَمْقُوتٌ ومَقِيتٌ، ومَقَّتَه؛ قَالَ:
وَمَنْ يُكْثِرِ التَّسْآلَ، يَا حُرُّ، لَا يَزَلْ ... يُمَقَّتُ فِي عَينِ الصَّدِيقِ، ويَصْفَحُ
وَمَا أَمْقَتَه عِنْدِي وأَمْقَتَني لَهُ. قَالَ سِيبَوَيْهِ هُوَ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: إِذا قُلْتَ مَا أَمْقَتَه عِنْدِي، فإِنما تُخْبر أَنه مَمْقُوتٌ؛ وإِذا قلتَ مَا أَمْقَتَني لَهُ، فإِنما تُخْبر أَنك ماقِتٌ. وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ
؛ قَالَ: يَقُولُ لمَقْتُ اللهِ إِياكم حِينَ دُعِيتُم إِلى الإِيمان فَلَمْ تؤْمنوا، أَكبرُ مِنْ مَقْتكُم أَنفسَكم حِينَ رأَيتم الْعَذَابَ. قَالَ اللَّيْثُ: المَقْتُ بُغْضٌ عَنْ أَمر قَبِيحٍ رَكِبَه، فَهُوَ مَقِيتٌ؛ وَقَدْ مَقُتَ إِلى النَّاسِ مَقاتةً. الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى. وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلًا
؛ قَالَ: المَقْتُ أَشدّ البُغْض. الْمَعْنَى: أَنهم أُعْلِمُوا أَن ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ يُقَالُ لَهُ مَقْتٌ، وَكَانَ الْمَوْلُودُ عَلَيْهِ يُقَالُ لَهُ المَقْتيُّ، فأُعْلِمُوا أَن هَذَا الَّذِي حُرّم عَلَيْهِمْ مِنْ نِكَاحِ امرأَةِ الأَبِ لَمْ يَزَلْ مُنْكَراً فِي قُلُوبِهِمْ، مَمْقُوتاً عِنْدَهُمْ. ابْنُ سِيدَهْ: المَقْتِيُّ الَّذِي يَتَزَوَّجُ امرأَة أَبيه، وَهُوَ مِنْ فِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ؛ وتَزويجُ المَقْتِ فِعْلُ ذَلِكَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَمْ يُصِبْنا عيبٌ مِنْ عُيوب الْجَاهِلِيَّةِ فِي نِكَاحِهَا ومَقْتها
؛ المَقْتُ، فِي الأَصل: أَشدُّ البُغْض، ونكاحُ المَقْتِ: أَن يَتَزَوَّجَ الرجلُ امرأَةَ أَبيه إِذا طَلَّقها أَو ماتَ عَنْهَا، وَكَانَ يُفْعل فِي الجاهلية، وحَرَّمه الإِسلامُ.
مكت: مَكَتَ بِالْمَكَانِ: أَقام، كمَكَدَ؛ الأَزهري فِي آخِرِ تَرْجَمَةِ مَكَّتْ. ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ اسْتَمْكَتَ العُدُّ فافتَحْه؛ والعُدُّ: البَثْرة، واسْتِمْكاتُها: أَن تَمْتلئَ قَيحاً، وفَتْحُها: شَقُّها وكَسْرُها.
ملت: ابْنُ سِيدَهْ: مَلَته يَمْلِته مَلْتاً، كمَتَله أَي زَعْزَعَه أَو حَرَّكه. قَالَ الأَزهري: لَا أَحفظ لأَحد مِنَ الأَئمة فِي مَلَت شَيْئًا؛ وَقَدْ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ فِي كِتَابِهِ: مَلَتُّ الشيءَ مَلْتاً، ومَتَلْتُه مَتْلًا إِذا زَعْزَعْته وحَرَّكته؛ قَالَ: وَلَا أَدري مَا صِحَّتُهُ.
موت: الأَزهري عَنِ اللَّيْثِ: المَوْتُ خَلْقٌ مِنْ خَلق اللهِ تَعَالَى. غَيْرُهُ: المَوْتُ والمَوَتانُ ضِدُّ الْحَيَاةِ.(2/90)
والمُواتُ، بِالضَّمِّ: المَوْتُ. ماتَ يَمُوتُ مَوْتاً، ويَمات، الأَخيرة طائيَّة؛ قَالَ:
بُنَيَّ، يَا سَيِّدةَ البَناتِ، ... عِيشي، وَلَا يُؤْمَنُ أَن تَماتي «1»
وَقَالُوا: مِتَّ تَموتُ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا نَظِيرَ لَهَا مِنَ الْمُعْتَلِّ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: اعْتَلَّتْ مِنْ فَعِلَ يَفْعُلُ، وَلَمْ تُحَوَّلْ كَمَا يُحَوَّلُ، قَالَ: وَنَظِيرُهَا مِنَ الصَّحِيحِ فَضِلَ يَفْضُل، وَلَمْ يَجِئْ عَلَى مَا كَثُر واطَّرَدَ فِي فَعِل. قَالَ كُرَاعٌ: ماتَ يَمُوتُ، والأَصْلُ فِيهِ مَوِتَ، بِالْكَسْرِ، يَمُوتُ؛ وَنَظِيرُهُ: دِمْتَ تَدومُ، إِنما هُوَ دَوِمَ، وَالِاسْمُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ المَيْتةُ. وَرَجُلٌ مَيِّتٌ ومَيْتٌ؛ وَقِيلَ: المَيْتُ الَّذِي ماتَ، والمَيِّتُ والمائِتُ: الَّذِي لَمْ يَمُتْ بَعْدُ. وَحَكَى الجوهريُّ عَنِ الْفَرَّاءِ: يُقَالُ لمنْ لَمْ يَمُتْ إِنه مائِتٌ عَنْ قَلِيلٍ، ومَيِّتٌ، وَلَا يَقُولُونَ لِمَنْ ماتَ: هَذَا مائِتٌ. قِيلَ: وَهَذَا خطأٌ، وإِنما مَيِّتٌ يَصْلُحُ لِما قَدْ ماتَ، ولِما سَيَمُوتُ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ
؛ وَجَمَعَ بَيْنَ اللُّغَتَيْنِ عَدِيُّ بنُ الرَّعْلاء، فَقَالَ:
لَيْسَ مَن مَاتَ فاسْتراحَ بمَيْتٍ، ... إِنما المَيْتُ مَيِّتُ الأَحْياءِ
إِنما المَيْتُ مَن يَعِيشُ شَقِيّاً، ... كاسِفاً بالُه، قليلَ الرَّجاءِ
فأُناسٌ يُمَصَّصُونَ ثِماداً، ... وأُناسٌ حُلُوقُهمْ فِي الماءِ
فجعلَ المَيْتَ كالمَيِّتِ. وقومٌ مَوتى وأَمواتٌ ومَيِّتُون ومَيْتون. وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: كَانَ بابُه الْجَمْعُ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ، لأَن الْهَاءَ تَدْخُلُ فِي أُنثاه كَثِيرًا، لكنَّ فَيْعِلًا لمَّا طابَقَ فَاعِلًا فِي العِدَّة وَالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ، كَسَّرُوه عَلَى مَا قَدْ يُكْسَّرُ عَلَيْهِ، فأُعِلَّ كشاهدٍ وأَشهاد. والقولُ فِي مَيْتٍ كَالْقَوْلِ فِي مَيِّتٍ، لأَنه مُخَفَّفٌ مِنْهُ، والأُنثى مَيِّتة ومَيْتَة ومَيْتٌ، وَالْجَمْعُ كَالْجَمْعِ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَافَقَ الْمُذَكَّرَ، كَمَا وَافَقَهُ فِي بَعْضِ مَا مَضى، قَالَ: كأَنه كُسِّرَ مَيْتٌ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: قَالَ مَيْتاً لأَن مَعْنَى الْبَلْدَةِ وَالْبَلَدِ وَاحِدٌ؛ وَقَدْ أَماتَه اللهُ. التَّهْذِيبُ: قَالَ أَهل التَّصْرِيفِ مَيِّتٌ، كأَنَّ تصحيحَه مَيْوِتٌ عَلَى فَيْعِل، ثُمَّ أَدغموا الْوَاوَ فِي الْيَاءِ، قَالَ: فَرُدَّ عَلَيْهِمْ وَقِيلَ إِن كَانَ كَمَا قُلْتُمْ، فَيَنْبَغِي أَن يَكُونَ مَيِّتٌ عَلَى فَعِّلٍ، فَقَالُوا: قَدْ عَلِمْنَا أَن قِيَاسَهُ هَذَا، وَلَكِنَّا تَرَكْنَا فِيهِ القياسَ مَخافَة الِاشْتِبَاهِ، فَرَدَدْنَاهُ إِلى لَفْظِ فَيْعِلٍ، لأَن مَيِّت عَلَى لَفْظِ فَيعِل. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنما كَانَ فِي الأَصل مَوْيِت، مِثْلِ سَيِّد سَوْيدٍ، فأَدغمنا الْيَاءَ فِي الْوَاوِ، وَنَقَلْنَاهُ فَقُلْنَا مَيِّت. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قِيلَ مَيْت، وَلَمْ يَقُولُوا مَيِّتٌ، لأَن أَبنية ذَوَاتِ الْعِلَّةِ تُخَالِفُ أَبنية السَّالِمِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: المَيْتُ المَيِّتُ بِالتَّشْدِيدِ، إِلَّا أَنه يُخَفَّفُ، يُقَالُ: مَيْتٌ ومَيِّتٌ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ والمؤَنث؛ قَالَ تَعَالَى: لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً
، وَلَمْ يَقُلْ مَيْتةً؛ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ
؛ إِنما مَعْنَاهُ، وَاللَّهُ أَعلم، أَسباب الْمَوْتِ، إِذ لَوْ جاءَه الموتُ نفسُه لماتَ بِهِ لَا مَحالَة. وموتٌ مائتٌ، كَقَوْلِكَ ليلٌ لائلٌ؛ يؤْخذ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ مَا يُؤَكَّدُ بِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
كَانَ شِعارُنا يَا مَنْصُورُ: أَمِتْ أَمِتْ،
__________
(1) . قوله [بني يا سيدة إلخ] الذي في الصحاح بنيتي سيدة إلخ. ولا نأمن إلخ.(2/91)
هُوَ أَمر بِالْمَوْتِ؛ والمُراد بِهِ التَّفاؤُل بالنَّصر بَعْدَ الأَمر بالإِماتة، مَعَ حُصُولِ الغَرضِ للشِّعار، فإِنهم جَعَلُوا هَذِهِ الْكَلِمَةَ عَلَامَةً يَتعارفُون بِهَا لأَجل ظُلْمَةُ اللَّيْلِ؛ وَفِي حَدِيثِ الثُّؤْم والبَصلِ:
مَنْ أَكلَهما فلْيُمِتْهما طَبْخاً
أَي فلْيُبالغ فِي طَبْخِهِمَا لِتَذْهَبَ حِدَّتُهما وَرَائِحَتُهُمَا. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
؛ قَالَ أَبو إِسحاق: إِن قَالَ قَائِلٌ كَيْفَ يَنْهَاهُمْ عَنِ الْمَوْتِ، وَهُمْ إِنما يُماتون؟ قِيلَ: إِنما وَقَعَ هَذَا عَلَى سِعَةِ الْكَلَامِ، وَمَا تُكْثِرُ العربُ استعمالَه؛ قَالَ: وَالْمَعْنَى الزَمُوا الإِسلام، فإِذا أَدْرَكَكم الموتُ صَادَفَكُمْ مُسْلِمِينَ. والمِيتَةُ: ضَرْبٌ مِنَ المَوْت. غَيْرُهُ: والمِيتةُ الْحَالُ مِنْ أَحوال المَوْت، كالجِلْسة والرِّكْبة؛ يُقَالُ: ماتَ فلانٌ مِيتةً حَسَنةً؛ وَفِي حَدِيثِ الْفِتَنِ:
فَقَدْ ماتَ مِيتةً جَاهِلِيَّةً
، هِيَ، بِالْكَسْرِ، حالةُ الموتِ أَي كَمَا يموتُ أَهل الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الضَّلَالِ والفُرقة، وجمعُها مِيَتٌ. أَبو عَمْرٍو: ماتَ الرجلُ وهَمَدَ وهَوَّم إِذا نامَ. والمَيْتةُ: مَا لَمْ تُدْرَكْ تَذْكيته. والمَوْتُ: السُّكونُ. وكلُّ مَا سَكنَ، فَقَدْ ماتَ، وَهُوَ عَلَى المَثَل. وماتَتِ النارُ مَوتاً: بَرَدَ رَمادُها، فَلَمْ يَبْقَ مِنَ الْجَمْرِ شَيْءٌ. وماتَ الحَرُّ والبَرْدُ: باخَ. وماتَت الريحُ: رَكَدَتْ وسَكَنَتْ؛ قَالَ:
إِني لأَرْجُو أَن تَموتَ الريحُ، ... فأَسْكُنَ اليومَ، وأَسْتَريحُ
وَيُرْوَى: فأَقْعُدَ الْيَوْمَ. وناقَضُوا بِهَا فَقَالُوا: حَيِيَتْ. وماتَت الخَمْرُ: سَكَنَ غَلَيانُها؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ. وماتَ الماءُ بِهَذَا الْمَكَانِ إِذا نَشَّفَتْه الأَرضُ، وَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى الْمَثَلِ. وَفِي حَدِيثِ دُعاء الانتباهِ:
الحمدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحيانا بَعْدَمَا أَماتنا، وإِليه النُّشُور.
سُمِّيَ النومُ مَوْتاً لأَنه يَزولُ مَعَهُ العَقْلُ والحركةُ، تَمْثِيلًا وتَشْبيهاً، لَا تَحْقِيقًا. وَقِيلَ: المَوتُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يُطْلَقُ عَلَى السُّكون؛ يُقَالُ: مَاتَتِ الريحُ أَي سَكَنَتْ. قَالَ: والمَوْتُ يَقَعُ عَلَى أَنواع بِحَسَبِ أَنواع الْحَيَاةِ: فَمِنْهَا مَا هُوَ بإِزاء القوَّة النَّامِيَةِ الموجودةِ فِي الحَيوانِ والنبات، كقوله تعالى: يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها*
؛ وَمِنْهَا زوالُ القُوَّة الحِسِّيَّة، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا
؛ وَمِنْهَا زوالُ القُوَّة الْعَاقِلَةِ، وَهِيَ الْجَهَالَةُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ
، وإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتى *
؛ وَمِنْهَا الحُزْنُ وَالْخَوْفُ المُكَدِّر لِلْحَيَاةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ
؛ وَمِنْهَا المَنام، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها
؛ وَقَدْ قيل: المَنام الموتُ الخفيفُ، والموتُ: النوم الثقيل؛ وقد يُستعار الموتُ للأَحوال الشَّاقَّةِ: كالفَقْر والذُّلِّ والسُّؤَالِ والهَرَم وَالْمَعْصِيَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
أَوّلُ مَنْ ماتَ إِبليس لأَنه أَوّل مَنْ عَصَى.
وَفِي حَدِيثِ
مُوسَى، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، قِيلَ لَهُ: إِن هَامَانَ قَدْ ماتَ، فلَقِيَه فسأَل رَبَّه، فَقَالَ لَهُ: أَما تَعْلَمُ أَن مَنْ أَفْقَرْتُه فَقَدْ أَمَتُّه؟
وَقَوْلُ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي الْحَدِيثِ: اللَّبَنُ لَا يموتُ
؛ أَراد أَن الصَّبِيَّ إِذا رَضَع امرأَةً مَيِّتةً، حَرُمَ عَلَيْهِ مِنْ وَلَدِهَا وَقَرَابَتِهَا مَا يَحْرُم عَلَيْهِ مِنْهُمْ، لَوْ كَانَتْ حَيَّةً وَقَدْ رَضِعَها؛ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِذا فُصِلَ اللبنُ مِنَ الثَّدْي، وأُسْقِيه الصبيُّ، فإِنه يَحْرُمُ بِهِ مَا يَحْرُمُ بِالرَّضَاعِ، وَلَا يَبْطُل عملُه بِمُفَارَقَةِ الثَّدْي، فإِنَّ كلَّ مَا انْفَصل مِنَ الحَيّ مَيِّتٌ، إِلا اللبنَ والشَّعَر والصُّوفَ، لِضَرُورَةِ الِاسْتِعْمَالِ. وَفِي حَدِيثِ الْبَحْرِ:
الحِلُّ مَيْتَتُه
، هُوَ بِالْفَتْحِ، اسْمُ(2/92)
مَا مَاتَ فِيهِ مِنْ حَيَوَانِهِ، وَلَا تُكْسَرُ الْمِيمُ. والمُواتُ والمُوتانُ والمَوْتانُ: كلُّه المَوْتُ، يَقَعُ فِي الْمَالِ وَالْمَاشِيَةِ. الْفَرَّاءُ: وَقَع فِي الْمَالِ مَوْتانٌ ومُواتٌ، وَهُوَ الموتُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
يكونُ فِي النَّاسِ مُوتانٌ كقُعاصِ الْغَنَمِ.
المُوتانُ، بِوَزْنِ البُطْلانِ: الموتُ الْكَثِيرُ الْوُقُوعِ. وأَماتَه اللهُ، ومَوَّتَه؛ شُدِّد لِلْمُبَالَغَةِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
فعُرْوةُ ماتَ مَوْتاً مُسْتَريحاً، ... فَهَا أَنا ذَا أُمَوَّتُ كلَّ يَوْمِ
ومَوَّتَت الدوابُّ: كثُر فِيهَا الموتُ. وأَماتَ الرجلُ: ماتَ وَلَدُه، وَفِي الصِّحَاحِ: إِذا مَاتَ لَهُ ابنٌ أَو بَنُونَ. ومَرَةٌ مُمِيتٌ ومُمِيتةٌ: ماتَ ولدُها أَو بَعْلُها، وَكَذَلِكَ الناقةُ إِذا مَاتَ ولدُها، وَالْجَمْعُ مَمَاويتُ. والمَوَتانُ مِنَ الأَرض: مَا لَمْ يُسْتَخْرج وَلَا اعْتُمِر، عَلَى المَثل؛ وأَرضٌ مَيِّتةٌ ومَواتٌ، مِنْ ذَلِكَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَوَتانُ الأَرضِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، فَمَنْ أَحيا مِنْهَا شَيْئًا، فَهُوَ لَهُ.
المَواتُ مِنَ الأَرضِ: مثلُ المَوَتانِ، يَعْنِي مَواتَها الَّذِي لَيْسَ مِلْكاً لأَحَدٍ، وَفِيهِ لُغَتَانِ: سُكُونُ الْوَاوِ، وَفَتْحُهَا مَعَ فَتْحِ الْمِيمِ، والمَوَتانُ: ضِدُّ الحَيَوانِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ أَحيا مَواتاً فَهُوَ أَحق بِهِ
؛ المَواتُ: الأَرض الَّتِي لَمْ تُزْرَعْ وَلَمْ تُعْمَرْ، وَلَا جَرى عَلَيْهَا مِلكُ أَحد، وإِحْياؤُها مُباشَرة عِمارتِها، وتأْثير شَيْءٍ فِيهَا. وَيُقَالُ: اشْتَرِ المَوَتانَ، وَلَا تشْتَرِ الحَيَوانَ؛ أَي اشْتَرِ الأَرضين والدُّورَ، وَلَا تَشْتَرِ الرَّقِيقَ والدوابَّ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: المَوَتانُ مِنَ الأَرض الَّتِي لَمْ تُحيَ بعْد. وَرَجُلٌ يَبِيعُ المَوَتانَ: وَهُوَ الَّذِي يَبِيعُ الْمَتَاعَ وكلَّ شَيْءٍ غَيْرِ ذِي رُوحٍ، وَمَا كَانَ ذَا رُوحٍ فَهُوَ الْحَيَوَانُ. والمَوات، بِالْفَتْحِ: مَا لَا رُوح فِيهِ. والمَواتُ أَيضاً: الأَرض الَّتِي لَا مَالِكَ لَهَا مِنَ الْآدَمِيِّينَ، وَلَا يَنْتَفِع بِهَا أَحدٌ. وَرَجُلٌ مَوْتانُ الفؤَاد: غَيْرُ ذَكِيٍّ وَلَا فَهِمٍ، كأَن حرارةَ فَهْمه بَرَدَتْ فماتَتْ، والأُنثى مَوْتانةُ الفؤَادِ. وَقَوْلُهُمْ: مَا أَمْوَتَه إِنما يُراد بِهِ مَا أَمْوَتَ قَلْبَه، لأَن كلَّ فِعْلٍ لَا يَتَزَيَّدُ، لَا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ. والمُوتةُ، بِالضَّمِّ: جِنْسٌ مِنَ الجُنُونِ والصَّرَع يَعْتَري الإِنسانَ، فإِذا أَفاقَ، عَادَ إِليه عَقْلُه كَالنَّائِمِ وَالسَّكْرَانِ. والمُوتة: الغَشْيُ. والمُوتةُ: الجُنونُ لأَنه يَحْدُثُ عَنْهُ سُكوتٌ كالمَوْتِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كانَ يتَعوَّذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ وهَمْزه ونَفْثِه ونَفْخِه، فَقِيلَ لَهُ: ما هَمْزُه؟ قَالَ: المُوتةُ.
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: المُوتَةُ الجُنونُ، يُسَمَّى هَمْزاً لأَنه جَعَله مِنَ النَّخْس والغَمْزِ، وكلُّ شيءٍ دفَعْتَه فَقَدَ هَمَزْتَه. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلِ: المُوتةُ الَّذِي يُصْرَعُ مِنَ الجُنونِ أَو غَيْرِهِ ثُمَّ يُفِيقُ؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: المُوتةُ شِبْهُ الغَشْية. وماتَ الرجلُ إِذا خَضَعَ للحَقِّ. واسْتَماتَ الرجلُ إِذا طابَ نَفْساً بِالْمَوْتِ. والمُسْتَمِيتُ: الَّذِي يَتَجانُّ وَلَيْسَ بمَجْنون. والمُسْتَميتُ: الَّذِي يَتَخاشَعُ ويَتواضَعُ لِهَذَا حَتَّى يُطْعمه، وَلِهَذَا حَتَّى يُطْعِمه، فإِذا شَبِعَ كفَر النِّعْمَةَ. وَيُقَالُ: ضَرَبْتُه فتَماوَتَ، إِذا أَرى أَنه مَيِّتٌ، وَهُوَ حيٌّ. والمُتَماوِتُ: مِنْ صفةِ الناسِك المُرائي؛ وقال نُعَيْم ابن حَمَّاد: سَمِعْتُ ابنَ المُبارك يقول: المُتماوتُونَ المُراؤُونَ.(2/93)
وَيُقَالُ: اسْتَمِيتُوا صَيْدَكم أَي انْظُروا أَماتَ أَم لَا؟ وَذَلِكَ إِذا أُصِيبَ فَشُكَّ فِي مَوْته. وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: المُسْتَمِيتُ الَّذِي يُرى مِنْ نَفْسِه السُّكونَ والخَيْرَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي سلمَة: لَمْ يَكُنْ أَصحابُ مُحَمَّدٍ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُتَحَزِّقينَ وَلَا مُتَماوِتين.
يُقَالُ: تَماوَتَ الرجلُ إِذا أَظْهَر مِنْ نَفْسِه التَّخافُتَ والتَّضاعُفَ، مِن الْعِبَادَةِ وَالزُّهْدِ وَالصَّوْمِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: رأَى رجُلًا مُطأْطِئاً رأْسَه فَقَالَ: ارْفَعْ رأْسَك، فإِنَّ الإِسلام لَيْسَ بِمَرِيضٍ؛ ورأَى رَجُلًا مُتَماوِتاً، فَقَالَ: لَا تُمِتْ عَلَيْنَا دِينَنَا، أَماتكَ اللهُ
وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: نَظَرَتْ إِلى رَجُلٍ كادَ يَمُوتُ تَخافُتاً، فَقَالَتْ: مَا لِهَذَا؟ قِيلَ: إِنه مِنَ القُرَّاءِ، فَقَالَتْ: كَانَ عُمر سَيِّدَ القُرَّاءِ، وَكَانَ إِذا مَشَى أَسْرَعَ، وإِذا قَالَ أَسْمَعَ، وإِذا ضَرَبَ أَوْجَع.
والمُسْتَمِيتُ: الشُّجاع الطالبُ لِلْمَوْتِ، عَلَى حدِّ مَا يجيءُ عَلَيْهِ بعضُ هَذَا النَّحْوِ. واسْتماتَ الرجلُ: ذَهَبَ فِي طَلَبِ الشيءِ كلَّ مَذْهَب؛ قَالَ:
وإِذْ لَمْ أُعَطِّلْ قَوْسَ وُدِّي، وَلَمْ أُضِعْ ... سِهامَ الصِّبا للمُسْتَمِيتِ العَفَنْجَجِ
يَعْنِي الَّذِي قَدِ اسْتَماتَ فِي طَلَبِ الصِّبا واللَّهْو والنساءِ؛ كُلُّ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. وَقَالَ اسْتَماتَ الشيءُ فِي اللِّين والصَّلابة: ذَهَبَ فِيهِمَا كلَّ مَذْهَب؛ قَالَ:
قامَتْ تُرِيكَ بَشَراً مَكْنُونا، ... كغِرْقِئِ البَيْضِ اسْتَماتَ لِينا
أَي ذَهَبَ فِي اللِّينِ كلَّ مَذْهَب. والمُسْتَميتُ للأَمْر: المُسْتَرْسِلُ لَهُ؛ قَالَ رؤْبة:
وزَبَدُ البحرِ لَهُ كَتِيتُ، ... والليلُ، فوقَ الماءِ، مُسْتَمِيتُ
وَيُقَالُ: اسْتماتَ الثَّوبُ ونامَ إِذا بَليَ. والمُسْتَمِيتُ: المُسْتَقْتِلُ الَّذِي لَا يُبالي، فِي الْحَرْبِ، الموتَ. وَفِي حَدِيثِ بَدْرٍ:
أَرى القومَ مُسْتَمِيتين
أَي مُسْتَقْتِلين، وَهُمُ الَّذِينَ يُقاتِلون عَلَى الْمَوْتِ. والاسْتِماتُ: السِّمَنُ بَعْدَ الهُزال، عَنْهُ أَيضاً؛ وأَنشد:
أَرى إِبِلي، بَعْدَ اسْتماتٍ ورَتْعَةٍ، ... تُصِيتُ بسَجْعٍ، آخِرَ الليلِ، نِيبُها
جاءَ بِهِ عَلَى حَذْفِ الهاءِ مَعَ الإِعلال، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَقامَ الصَّلاةَ*. ومُؤْتة، بِالْهَمْزِ: اسْمُ أَرْضٍ؛ وقُتِلَ جَعْفَرِ بْنِ أَبي طَالِبٍ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، بِمَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ مُوتة، مِنْ بِلَادِ الشَّامِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
غَزْوة مُؤْتة
، بِالْهَمْزِ. وشيءٌ مَوْمُوتٌ: مَعْرُوفٌ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي تَرْجَمَةِ أَمَتَ.
ميت: دَارِي بِميتاءِ دَارِهِ أَي بِحذائِها. وَيُقَالُ: لَمْ أَدْرِ مَا مِيداءُ الطَّرِيقِ ومِيتاؤُه؛ أَي لَمْ أَدْرِ مَا قَدْرُ جَانِبَيْهِ وبُعْدِه؛ وأَنشد:
إِذا اضْطَمَّ مِيتاءُ الطريقِ عَلَيْهِمَا، ... مَضَتْ قُدُماً مَوْجُ الجبالِ زَهُوقُ
وَيُرْوَى مِيداءُ الطَّرِيقِ. والزَّهُوقُ: المُتَقَدِّمَةُ مِنَ النُّوقِ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي ثَعْلبة الخُشَنِيّ: أَنه اسْتَفْتَى رسولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي اللُّقَطة، قَالَ: مَا وَجَدْتَ فِي طَريقٍ مِيتاءٍ فَعَرِّفْه سَنَةً.
قَالَ شَمِرٌ: مِيتاءُ الطَّرِيقِ ومِيداؤُه ومَحَجَّتُه واحدٌ،(2/94)
وَهُوَ ظَاهِرُهُ المسلوكُ. وَقَالَ
النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، لِابْنِهِ إِبراهيم وَهُوَ يَجود بنَفْسه: لَوْلَا أَنه طَريقٌ مِيتاءٌ لَحَزِنَّا عَلَيْكَ أَكثر مِمَّا حَزِنَّا
؛ أَراد أَنه طَرِيقٌ مَسْلُوكٍ، وَهُوَ مِفْعال مِنَ الإِتْيان، فإِن قلتَ طريقٌ مَأْتِيٌّ، فَهُوَ مَفْعُولٌ مِنْ أَتَيْتُه.
فصل النون
نأت: نَأَتَ يَنْئِتُ ويَنْأَت نأْتاً ونَئِيتاً، وأَنَّ يَئِنُّ أَنِيناً، بِمَعْنًى واحدٍ، غَيْرَ أَن النَّئيتَ أَجْهَرُ مِنَ الأَنين. ونَأَتَ إِذا أَنَّ، مِثْلُ نَهَتَ. وَرَجُلٌ نَأْآتٌ: مِثْلِ نَهَّاتٍ. ونَأَتَ نَأْتاً: سَعى سَعْياً بطِيئاً.
نبت: النَّبْتُ: النَّباتُ. اللَّيْثُ: كلُّ مَا أَنْبَتَ اللَّهُ فِي الأَرض، فَهُوَ نَبْتٌ؛ والنَّباتُ فِعْلُه، ويَجري مُجْرى اسمِه. يُقَالُ: أَنْبَتَ اللهُ النَّبات إِنْباتاً؛ وَنَحْوَ ذَلِكَ قَالَ الفرَّاءُ: إِنَّ النَّبات اسْمٌ يَقُومُ مقامَ المَصْدَر. قال اللهُ تعالى: وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً
. ابْنُ سِيدَهْ: نَبَتَ الشيءُ يَنْبُت نَبْتاً ونَباتاً، وتَنَبَّتَ؛ قَالَ:
مَنْ كَانَ أَشْرَكَ فِي تَفَرُّقِ فالِجٍ، ... فَلُبونُه جَرِبَتْ مَعًا، وأَغَدَّتِ
إِلَّا كناشِرَةِ الَّذِي ضَيَّعْتُمُ، ... كالغُصْنِ فِي غُلَوائِه المُتَنَبِّتِ
وَقِيلَ: المُتَنَبِّتُ هُنَا المُتَأَصِّلُ. وَقَوْلُهُ إِلَّا كناشِرة: أَراد إِلّا ناشِرة، فَزَادَ الْكَافَ، كَمَا قَالَ رؤْبة:
لواحِقُ الأَقْرابِ فِيهَا كالمَقَقْ
أَراد فِيهَا المَقَقُ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ: أَنْبَتَ بِمَعْنَى نَبَتَ، وأَنكره الأَصمعي، وأَجازه أَبو عُبَيْدَةَ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ زُهَيْرٍ: حَتَّى إِذا أَنْبَتَ البَقْلُ، أَي نَبَتَ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ
؛ قرأَ ابْنُ كَثِيرٍ وأَبو عَمْرٍو الحَضْرَميُّ تُنْبِتُ، بِالضَّمِّ فِي التَّاءِ، وَكَسْرِ الْبَاءِ؛ وقرأَ نَافِعٌ وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَابْنُ عَامِرٍ تَنْبُتُ
، بِفَتْحِ التاءِ؛ وَقَالَ الفراءُ: هُمَا لُغَتَانِ نَبَتَتِ الأَرضُ، وأَنْبَتَتْ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَما تُنْبِتُ فذهبَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ إِلى أَن مَعْنَاهُ تُنْبِتُ الدُّهْنَ أَي شَجرَ الدُّهْن أَو حَبَّ الدُّهْن، وأَن الباءَ فِيهِ زَائِدَةٌ؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُ عَنْتَرَةَ:
شَرِبَتْ بماءِ الدُّحْرُضَيْن، فأَصْبَحَتْ ... زَوْراءَ، تَنْفِرُ عَنْ حِياضِ الدَّيْلَمِ
قَالُوا: أَراد شَرِبَتْ ماءَ الدُّحْرُضَيْن. قَالَ: وَهَذَا عِنْدَ حُذَّاقِ أَصحابنا عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الزِّيَادَةِ، وإِنما تأْويله، وَاللَّهُ أَعلم، تُنْبِتُ مَا تُنْبِتُه والدُّهْنُ فِيهَا، كَمَا تَقُولُ: خَرَجَ زيدٌ بِثِيَابِهِ أَي وثيابُه عَلَيْهِ، ورَكِبَ الأَمير بِسَيْفِهِ أَي وَسَيْفُهُ مَعَهُ؛ كَمَا أَنشد الأَصمعي:
ومُسْتَنَّةٍ كاسْتِنانِ الخَروفِ، ... قَدْ قَطَّعَ الحَبْلَ بالمِرْوَدِ
أَي قَطَع الحَبْلَ ومِرْوَدُه فِيهِ؛ وَنَحْوُ هَذَا قَوْلُ أَبي ذُؤَيْب يَصِفُ الْحَمِيرَ:
يَعْثُرْنَ فِي حَدِّ الظُّباةِ، كأَنما ... كُسِيتْ بُرودَ بَنِي تَزيدَ الأَذْرُعُ
أَي يَعْثُرْنَ، وهُنَّ مَعَ ذَلِكَ قَدْ نَشِبْنَ فِي حَدِّ الظُّباة، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: شَرِبَتْ بماءِ الدُّحْرُضَين، إِنما الْبَاءُ فِي مَعْنَى فِي، كَمَا تَقُولُ: شَرِبْتُ بِالْبَصْرَةِ وَبِالْكُوفَةِ أَي فِي الْبَصْرَةِ وَفِي الْكُوفَةِ، أَي شَرِبَتْ(2/95)
وَهِيَ بماءِ الدُّحْرُضَين، كَمَا تَقُولُ: ورَدْنا صَدْآءَ، ووافَينا شَحاةَ، ونَزَلْنا بواقِصَةَ. ونَبَت البَقْلُ، وأَنْبَتَ، بِمَعْنَى؛ وأَنشد لِزُهَيْرِ بْنُ أَبي سُلْمَى:
إِذا السنةُ الشَهْباءُ، بِالنَّاسِ، أَجْحَفَتْ، ... وَنَالَ كرامَ النَّاسِ، فِي الجَحْرةِ، الأَكلُ
رأَيتَ ذَوِي الحاجاتِ، حَوْلَ بُيوتِهم، ... قَطِيناً لَهُمْ، حَتَّى إِذا أَنْبَتَ البَقْلُ
أَي نَبَتَ. يَعْنِي بِالشَّهْبَاءِ: البيضاءَ، مِنَ الجَدْبِ، لأَنها تَبْيَضُّ بِالثَّلْجِ أَو عَدَمِ النَّبَاتِ. والجَحْرَةُ: السَّنةُ الشَّدِيدَةُ الَّتِي تَحْجُرُ الناسَ فِي بُيُوتِهِمْ، فيَنْحَرُون كرائمَ إِبلهم ليأْكلوها. والقَطينُ: الحَشَمُ وسُكَّانُ الدَّارِ. وأَجْحَفَتْ: أَضَرَّتْ بِهِمْ وأَهلكت أَموالهم. قَالَ: ونَبَتَ وأَنْبَتَ مِثْلُ قَوْلِهِمْ مَطَرَت السماءُ وأَمْطَرَتْ، وَكُلُّهُمْ يَقُولُ: أَنْبَتَ اللهُ البَقْلَ والصَّبيَّ نَباتاً. قَالَ اللهُ، عَزَّ وَجَلَّ: وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى أَنْبتها نَباتاً حَسَناً أَي جَعَلَ نَشْوَها نَشْواً حَسَناً، وجاءَ نَباتاً عَلَى لَفْظِ نَبَتَ، عَلَى مَعْنَى نَبَتَتْ نَباتاً حَسَناً. ابْنُ سِيدَهْ: وأَنبَته اللَّهُ، وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً
؛ جاءَ الْمَصْدَرُ فِيهِ عَلَى غَيْرِ وَزْنِ الْفِعْلِ، وَلَهُ نَظَائِرُ. والمَنْبِتُ: موضعُ النَّبَاتِ، وَهُوَ أَحد مَا شَذَّ مِنْ هَذَا الضَّرْب، وقياسُه المَنْبَتُ. وَقَدْ قِيلَ: حَكَى أَبو حَنِيفَةَ: مَا أَنْبَتَ هَذِهِ الأَرضَ فتَعَحَّبَ مِنْهُ، بِطَرْحِ الزَّائِدِ. والمَنْبِتُ: الأَصْلُ. والنِّبْتة: شَكْلُ النباتِ وحالتُه الَّتِي يَنْبُتُ عَلَيْهَا. والنِّبْتة: الواحدةُ مِنَ النَّبات؛ حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ، فَقَالَ: العُقَيْفاءُ نِبْتَةٌ، ورَقُها مِثْلُ وَرَق السَّذاب؛ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إِنما قدَّمناها لِئَلَّا يُحْتَاجَ إِلى تَكْرِيرِ ذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِ كُلِّ نَبْتٍ، أَراد عِنْدَ كُلِّ نَوْعٍ مِنَ النَّبْت. ونَبَّتَ فلانٌ الحَبَّ، وَفِي الْمُحْكَمِ: نَبَّتَ الزرعَ والشَجر تَنْبِيتاً إِذا غَرَسَه وزَرَعه. ونَبَّتُّ الشجرَ تَنْبيتاً: غَرَسْتُه. والنَّابتُ مِنْ كُلِّ شيءٍ: الطَّريُّ حِينَ يَنْبُتُ صَغِيرًا؛ وَمَا أَحْسَنَ نابتةَ بَنِي فُلَانٍ أَي مَا يَنْبُتُ عَلَيْهِ أَموالُهم وأَولادُهم. ونَبَتَتْ لَهُمْ نابتةٌ إِذا نَشأَ لَهُمْ نَشءٌ صغارٌ. وإِنَّ بَنِي فُلَانٍ لنابتةُ شَرٍّ. والنوابتُ، مِنَ الأَحداثِ: الأَغْمارُ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي ثَعْلَبَةَ قَالَ: أَتيتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: نُوَيْبِتةُ، فقلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نُوَيْبتةُ خَيْرٍ، أَو نُوَيْبتة شَرٍّ؟
النُّوَيْبِتة: تصغيرُ نابتةٍ؛ يُقَالُ: نَبَتَتْ لَهُمْ نَابِتَةٌ أَي نَشأَ فِيهِمْ صغارٌ لَحِقوا الكِبار، وَصَارُوا زِيَادَةً فِي الْعَدَدِ. وَفِي حَدِيثِ
الأَحْنَفِ: أَن مُعَاوِيَةَ قَالَ لِمَنْ بِبَابِهِ: لَا تَتَكَلَّموا بِحَوَائِجِكُمْ، فَقَالَ: لَوْلَا عزْمةُ أَمير المؤْمنين، لأَخْبَرْتُه أَنَّ دافَّةً دَفَّتْ، وأَنَّ نَابِتَةً لَحِقَتْ.
وأَنْبَتَ الغلامُ: راهقَ، واسْتَبانَ شَعَرُ عانتِه ونَبَتَ. وَفِي حَدِيثِ
بَنِي قُرَيْظةَ: فكلُّ مَنْ أَنْبَتَ مِنْهُمْ قُتل
؛ أَراد نباتَ شَعْرِ الْعَانَةِ، فَجَعَلَهُ عَلَامَةً لِلْبُلُوغِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ حَدّاً عِنْدَ أَكثر أَهل الْعِلْمِ، إِلا فِي أَهل الشِّرْكِ، لأَنه لَا يُوقَفُ عَلَى بُلُوغِهِمْ مِنْ جِهَةِ السِّنِّ، وَلَا يُمْكِنُ الرُّجُوعُ إِلى أَقوالهم، للتُّهمة فِي دَفْعِ الْقَتْلِ، وأَداءِ الْجِزْيَةِ. وَقَالَ
أَحمد: الإِنبات حَدٌّ مُعْتَبَرٌ تُقَامُ بِهِ الحُدود عَلَى مَنْ أَنْبَتَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
، ويُحْكى مثلُه عَنْ مَالِكٍ. ونَبَّتَ الجاريةَ: غَذَّاها، وأَحْسنَ الْقِيَامَ عَلَيْهَا،(2/96)
رجاءَ فَضْلِ رِبحها. ونَبَّتُّ الصَّبيَّ تَنْبيتاً: رَبَّيته. يُقَالُ: نَبِّتْ أَجَلَك بَيْنَ عَيْنَيْكَ. والتَّنْبِيتُ: أَوَّل خُرُوجِ النَّبَاتِ. وَالتَّنْبِيتُ أَيضاً: مَا نَبَتَ عَلَى الأَرض مِنَ النَّبات مِنْ دِقِّ الشَّجَرِ وكِباره؛ قَالَ:
بَيْداءُ لَمْ يَنْبُتْ بِهَا تَنْبِيتُ
والتَّنْبِيتُ: لغةٌ فِي التَّبْتيتِ، وَهُوَ قِطَعُ السَّنام. والتَّنْبِيتُ: مَا شُذِّب عَلَى النَّخْلَةِ مِنْ شَوْكِهَا وسَعَفها، لِلتَّخْفِيفِ عَنْهَا، عَزَاهَا أَبو حَنِيفَةَ إِلى عِيسَى ابن عُمَرَ. والنَّبائتُ: أَعْضادُ الفُلْجان، وَاحِدَتُهَا نَبيتة. واليَنْبُوتُ: شَجَرُ الخَشخاش؛ وَقِيلَ: هِيَ شَجَرَةٌ شاكةٌ، لَهَا أَغْصان وورقٌ، وَثَمَرَتُهَا جِرْوٌ أَي مُدَوَّرة، وتُدْعى: نَعْمان الغافِ، واحدتُها يَنْبوتة. قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: اليَنْبوت ضَرْبَانِ أَحدهما هَذَا الشَّوكُ القِصارُ الَّذِي يُسَمَّى الخَرُّوبَ، لَهُ ثَمَرَةٌ كأَنها تُفَّاحَةٌ فِيهَا حَبٌّ أَحمر، وَهِيَ عَقُولٌ للبَطْنِ يُتَداوى بِهَا؛ قَالَ: وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا النَّابِغَةُ، فَقَالَ:
يَمُدُّه كلُّ وادٍ مُتْرَعٍ لَجِبٍ، ... فِيهِ حُطامٌ مِنَ اليَنْبوتِ، والخَضَدِ
والضَّرْبُ الْآخَرُ شجرٌ عِظَامٌ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَخبرني بعضُ أَعراب رَبِيعَةَ قَالَ: تَكُونُ اليَنْبوتةُ مِثْلَ شَجَرَةِ التُّفَّاحِ الْعَظِيمَةِ، وَوَرَقُهَا أَصغر مِنْ وَرَقِ التُّفَّاحِ، وَلَهَا ثَمَرَةٌ أَصغر مِنَ الزُّعْرور، شَدِيدَةُ السَّواد، شَدِيدَةُ الْحَلَاوَةِ، وَلَهَا عَجَم يُوضَعُ فِي الْمَوَازِينِ. والنَّبيتُ: أَبو حَيٍّ؛ وَفِي الصِّحَاحِ: حَيّ مِنَ اليَمن. ونُباتةُ، ونَبْتٌ، ونابِتٌ: أَسماء. اللِّحْيَانِيُّ: رَجُلٌ خَبيتٌ نَبِيتٌ إِذا كَانَ خَسِيسًا فَقِيرًا، وَكَذَلِكَ شَيْءٌ خبيثٌ نَبيثٌ. وَيُقَالُ: إِنه لَحسَنُ النِّبْتة أَي الْحَالَةِ الَّتِي يَنْبُتُ عَلَيْهَا؛ وإِنه لَفِي مَنْبِتِ صِدْقٍ أَي فِي أَصلِ صِدْقٍ، جَاءَ عَنِ الْعَرَبِ بِكَسْرِ الْبَاءِ، وَالْقِيَاسُ مَنْبَتٌ، لأَنه مِنْ نَبَتَ يَنْبُتُ، قَالَ: وَمِثْلُهُ أَحرف مَعْدُودَةٌ جَاءَتْ بِالْكَسْرِ، مِنْهَا: المسجِد، والمَطْلِع، والمَشْرِقُ، والمَغْرِبُ، والمَسْكِنُ، والمَنْسِك. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِقَوْمٍ مِنَ الْعَرَبِ: أَنتم أَهلُ بَيْتٍ أَو نَبْتٍ؟ فَقَالُوا: نَحْنُ أَهلُ بَيتٍ وأَهلُ نَبْتٍ
أَي نَحْنُ فِي الشَّرَفِ نِهَايَةٌ. وَفِي النَّبْتِ نِهَايَةٌ، أَي يَنْبُتُ الْمَالُ عَلَى أَيدينا، فأَسْلَموا. ونُباتَى: مَوْضِعٌ؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّةَ:
فالسِّدْرُ مُخْتَلِجٌ، فَغُودِرَ طافِياً، ... مَا بَيْنَ عَيْنَ إِلى نُباتى الأَثْأَبِ
وَيُرْوَى: نَباةَ كحَصاةٍ، عَنْ أَبي الْحَسَنِ الأَخفش.
نتت: نَتَّ مُنْخُره مِنَ الْغَضَبِ: انْتَفَخ. أَبو تُراب عَنْ عَرَّام: ظَلَّ لبَطْنه نَتِيتٌ ونَفِيتٌ، بِمَعْنًى وَاحِدٍ. ابْنُ الأَعرابي: نَتْنَتَ الرجلُ إِذا تَقَذَّر بعدَ نَظافة.
نثت: نَثِتَ اللحمُ: تَغَيَّرَ، وَكَذَلِكَ الجُرْحُ. ولِثةٌ نَثِتةٌ: مُسْتَرْخِية دَامِيَةٌ، وَكَذَلِكَ الشَّفَةُ.
نحت: النَّحْتُ: النَّشْرُ والقَشْر. والنَّحْتُ: نَحْتُ النَّجَّارِ الخَشَبَ. نَحَت الخشبةَ ونحوَها يَنْحِتُها ويَنْحَتُها نَحْتاً، فانْتَحَتَتْ. والنُّحاتة: مَا نُحِتَ مِنَ الخَشَب. ونَحَتَ الجبلَ يَنْحِتُه: قَطَعَه، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ
[آمنين] .(2/97)
والنَّحائِتُ: آبَارٌ مَعْرُوفَةٌ، صِفَةٌ غَالِبَةٌ لأَنها نُحِتَتْ أَي قُطِعَتْ؛ قَالَ زُهَيْرٌ:
قَفْراً بِمُنْدَفَع النَّحائِت، مَنْ ... صَفَوَا أُولاتِ الضالِ والسِّدْرِ
وَيُرْوَى: مَنْ ضَفَوى. ونَحَتَ السَّفَرُ البعيرَ والإِنسانَ: نَقَصه، وأَرَقَّه عَلَى التَّشْبِيه. وجَمَل نَحِيتٌ: انْتُحِتَتْ مَناسِمُه؛ قَالَ:
وَهُوَ مِنَ الأَيْنِ حَفٍ نَحِيتُ
والنَّحِيتةُ: جِذْمُ شجرةٍ يُنْحَتُ، فيُجَوَّفُ كَهَيْئَةِ الحُبِّ للنَّحْلِ، وَالْجَمْعُ نُحُتٌ. الْجَوْهَرِيُّ: نَحَتَه يَنْحِتُه، بِالْكَسْرِ، نَحْتاً أَي بَراه. والنُّحاتَةُ: البُرايةُ. والمِنْحَتُ: مَا يُنْحَتُ بِهِ. والنَّحِيتُ: الدَّخِيلُ فِي الْقَوْمِ؛ قَالَتِ الخِرْنِقُ أُخْتُ طَرَفةَ:
الضارِبِينَ لَدَى أَعِنَّتِهم، ... والطاعِنِينَ، وخَيْلُهم تَجْرِي
الخالِطينَ نَحِيتَهم بنُضارِهِمْ ... وذَوي الغِنى مِنْهُمْ بِذي الفَقْرِ
هذا ثَنائِي مَا بَقِيتُ لَهُمْ، ... فإِذا هَلَكْتُ، أَجَنَّني قَبْري
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُهُ وَالْخَالِطِينَ، بِالْوَاوِ. والنُّضارُ: الخالصُ النَّسَب. وأَرادت بِالْبَيْتِ الثَّالِثِ أَنها قَدْ قَامَ عُذْرُها فِي تَرْكِهَا الثَّنَاءَ عَلَيْهِمْ إِذا مَاتَتْ، فَهَذَا مَا وُضِعَ فِيهِ السببُ موضعَ المُسَبَّب، لأَن الْمَعْنَى: فإِذا هَلَكْتُ انْقَطَعَ ثَنَائِي؛ وإِنما قَالَتْ: أَجَنَّنِي قَبْرِي، لأَن مَوْتَهَا سَبَبُ انْقِطَاعِ الثَّنَاءِ. وَيُرْوَى بَيْتُ الِاسْتِشْهَادِ لِحَاتِمِ طَيِّئ، وَهُوَ الْبَيْتُ الثَّانِي. والحافرُ النَّحِيتُ: الَّذِي ذَهَبَتْ حُروفه. والنَّحِيتة: الطَّبِيعَةُ الَّتِي نُحِتَ عَلَيْهَا الإِنسانُ أَي قُطِعَ، وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هِيَ الطَّبِيعَةُ والأَصل. والكَرَمُ مِنْ نَحْتِه أَي أَصلِه الَّذِي قُطِعَ مِنْهُ. أَبو زَيْدٍ: إِنه لكَريمُ الطَّبيعة والنَّحِيتة والغَريزة، بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: الكَرَمُ مِنْ نَحْتِه ونِحاسِه، وَقَدْ نُحِتَ عَلَى الكَرَم وطُبِعَ عَلَيْهِ. ونَحَتَه بِلِسَانِهِ يَنْحِتُه ويَنْحَتُهُ نَحْتاً: لَامَهُ وشَتَمه. والنَّحِيتُ: الرَّديءُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. ونَحَته بِالْعَصَا، يَنْحِتُه نَحْتاً: ضَرَبه بِهَا، ونَحَتَ يَنْحِتُ نَحِيتاً: زحَرَ. ونَحَتَ المرأَةَ يَنْحِتُها: نكَحَها، والأَعْرَفُ لَحَتَها.
نخت: التَّهْذِيبِ فِي النَّوَادِرِ: نَخَتَ فُلَانٌ بِفُلَانٍ، وسَخَتَ لَهُ إِذا اسْتَقْصَى فِي الْقَوْلِ. وَفِي حَدِيثِ
أُبَيّ: وَلَا نَخْتة نَمْلةٍ إِلا بذَنْبٍ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ. والنَّخْتُ والنَّتْفُ وَاحِدٌ؛ يُرِيدُ قَرْصة نَمْلَةٍ، وَيُرْوَى بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَبِالْجِيمِ، وَقَدْ ذُكِرَ.
نصت: نَصَتَ الرجلُ يَنْصِتُ نَصْتاً، وأَنْصَتَ، وَهِيَ أَعْلى، وانْتَصَتَ: سكَتَ؛ وَقَالَ الطِّرِمَّاحُ فِي الانْتِصاتِ:
يُخافِتْنَ بعضَ المَضْغِ مِنْ خَشْيةِ الرَّدَى، ... ويُنْصِتْنَ للسَّمْعِ انْتِصاتَ القَناقِنِ
يُنْصِتْنَ لِلسَّمْعِ أَي يَسْكُتْنَ لِكَيْ يَسْمَعْنَ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا
؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: مَعْنَاهُ إِذا قرأَ الإِمام، فَاسْتَمِعُوا إِلى قراءَته، وَلَا تَتَكَلَّمُوا.(2/98)
والنُّصْتةُ: الِاسْمُ مِنَ الإِنْصاتِ؛ ومنه قول
عثمان لأُم سَلَمَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لكِ عليَّ حَقُّ النُصْتةِ.
وأَنْصَتَه وأَنْصَتَ لَهُ: مِثْلُ نَصَحَه ونَصَحَ لَهُ، وأَنْصَتُّه ونَصَتُّ لَهُ: مِثْلَ نَصَحْتُه ونَصَحْتُ لَهُ. والإِنْصاتُ: هُوَ السكوتُ والاسْتِماعُ لِلْحَدِيثِ؛ يَقُولُ: أَنْصِتُوه وأَنْصِتُوا لَهُ؛ وأَنشد أَبو عَلِيٍّ لوُشَيْمِ بْنِ طارقٍ، وَيُقَالُ للُحَيْمِ بْنِ صَعْبٍ:
إِذا قَالَتْ حَذامِ، فأَنْصِتُوها؛ ... فإِنَّ القولَ مَا قالَتْ حَذامِ
وَيُرْوَى: فَصَدِّقُوها بَدَلَ فأَنْصِتوها. وحَذامِ: اسْمُ امرأَة الشَّاعِرِ، وَهِيَ بنتُ العَتِيكِ بْنِ أَسْلَم بْنِ يَذْكُرَ بْنِ عَنزَة. وَيُقَالُ: أَنْصَتَ إِذا سَكَتَ؛ وأَنْصَتَ غيرَه إِذا أَسْكَتَه. شَمِرٌ: أَنْصَتُّ الرَّجُلَ إِذا سَكَتَّ لَهُ؛ وأَنْصَتُّه إِذا أَسْكَتَّه، جَعَلَهُ مِنَ الأَضداد؛ وأَنشد لِلْكُمَيْتِ:
صَهٍ أَنْصِتُونا بالتَّحاوُرِ، واسْمَعُوا ... تَشَهُّدَها مِنْ خُطْبةٍ وارْتِجالِها
أَراد: أَنْصِتُوا لَنَا؛ وَقَالَ آخَرُ فِي الْمَعْنَى الثَّانِي:
أَبوكَ الَّذِي أَجْدَى عَليَّ بنَصْرِه، ... فأَنْصَتَ عَنِّي بعدَه كُلَّ قَائِلِ
قَالَ الأَصمعي: يُرِيدُ فأَسْكَتَ عَنِّي. وَفِي حَدِيثِ الْجُمُعَةِ:
وأَنْصَتَ وَلَمْ يَلْغُ.
أَنْصَتَ يُنْصِتُ إِنْصاتاً إِذا سَكَتَ سُكوتَ مُسْتَمع؛ وَقَدْ أَنْصَتَ وأَنْصَتَه إِذا أَسْكَته، فَهُوَ لَازِمٌ ومُتَعَدٍّ. وَفِي حَدِيثِ
طَلْحَةَ، قَالَ لَهُ رَجُلٌ بِالْبَصْرَةِ: أَنْشُدُك اللهَ، لَا تَكُنْ أَوَّلَ مَنْ غَدَر. فَقَالَ طَلْحَةُ: أَنْصِتُوني، أَنْصِتُوني
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَنْصِتُوني مِنَ الإِنْصاتِ، قَالَ: وتَعَدِّيه بإِلى فَحَذَفَهُ أَي اسْتَمِعُوا إِليَّ. وأَنْصَتَ الرجلُ للَّهْو: مالَ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي.
نعت: النَّعْتُ: وَصْفُكَ الشيءَ، تَنْعَتُه بِمَا فِيهِ وتُبالِغُ فِي وَصْفه؛ والنَّعْتُ: مَا نُعِتَ بِهِ. نَعَته يَنْعَتُه نَعْتاً: وَصَفَهُ. وَرَجُلٌ ناعِتٌ مِن قَوم نُعَّاتٍ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
أَنْعَتُها، إِنِّيَ مِنْ نُعَّاتِها
ونَعَتُّ الشيءَ وتَنَعَّتُّه إِذا وصَفْته. قَالَ: واسْتَنْعَتُّه أَي اسْتَوْصَفْتُه. واسْتَنْعَتَه: اسْتَوْصَفه. وجمعُ النَّعْتِ: نُعُوت؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: لَا يُكَسَّر عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ. والنَّعْتُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: جَيِّدُه؛ وَكُلُّ شَيْءٍ كَانَ بَالِغًا تَقُولُ: هَذَا نَعْتٌ أَي جَيِّدٌ. قَالَ: والفَرَسُ النَّعْتُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ غَايَةً فِي العِتْقِ. وَمَا كَانَ نَعْتاً؛ وَلَقَدْ نَعُتَ يَنْعُتُ نَعاتةً؛ فإِذا أَرَدْتَ أَنه تَكَلَّف فِعْلَه، قُلْتَ: نَعِتَ. يُقَالُ: فَرَسٌ نَعْتٌ ونَعْتة، ونَعِيتة ونَعِيتٌ: عَتيقةٌ، وَقَدْ نَعُتَتْ نَعاتَةً. وَفَرَسٌ نَعْتٌ ومُنْتَعِتٌ إِذا كَانَ مَوْصُوفًا بالعِتْقِ والجَوْدَةِ والسَّبْقِ؛ قَالَ الأَخْطل:
إِذا غَرَّقَ الآلُ الإِكامَ عَلَوْنَهُ ... بمُنْتَعِتاتٍ، لَا بِغالٍ وَلَا حُمُرْ
والمُنْتَعِتُ مِنَ الدَّوَابِّ وَالنَّاسِ: الموصوفُ بِمَا يَفْضَلُه عَلَى غَيْرِهِ مِنْ جِنْسِهِ، وَهُوَ مُفْتَعِل، مِنَ النَّعْتِ. يُقَالُ: نَعَتُّه فانْتَعَتَ، كَمَا يُقَالُ: وَصَفْتُه فاتَّصَفَ؛ وَمِنْهُ قَوْلِ أَبي دُوادٍ الإِيادِيّ:
جارٌ كجارِ الحُذاقِيِّ الَّذِي اتَّصَفا
قَالَ ابْنُ الأَعرابي: أَنْعَتَ إِذا حَسُنَ وَجْهُه حَتَّى يُنْعَتَ. وَفِي صِفَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ(2/99)
ناعتُه:
لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلُهُ.
قَالَ ابْنُ الأَثير: النَّعْتُ وَصْفُ الشَّيْءَ بِمَا فِيهِ مِنَ حُسْن، وَلَا يُقَالُ فِي الْقَبِيحِ إِلا أَن يَتَكَلَّف مُتَكَلِّف، فَيَقُولُ نَعْتَ سَوْءٍ؛ والوَصْفُ يُقَالُ فِي الحَسَن والقَبيح. وناعِتون وناعِتينَ، جَمِيعًا: مَوْضِعٌ؛ وَقَوْلُ الرَّاعِي:
حَيِّ الدِّيارَ، دِيارَ أُمِّ بَشِيرِ، ... بِنُوَيْعِتِينَ، فَشاطِئِ التَّسْريرِ
إِنما أَراد ناعِتينَ «2» ، فَصَغَّره.
نفت: نَفَتَ الرجلُ يَنفِتُ نَفْتاً ونَفِيتاً ونُفاتاً ونَفَتاناً: غَضِبَ؛ وَقِيلَ: النَّفَتانُ شَبِيهٌ بالسُّعالِ والنَّفخ عند الغضب. وَيُقَالُ: إِنه لَيَنْفِتُ عَلَيْهِ غَضَبًا ويَنْفِطُ، كَقَوْلِكَ: يَغْلي عَلَيْهِ غَضباً. ونَفَتَتِ القِدْرُ تَنْفِتُ نَفْتاً ونَفَتاناً ونَفِيتاً إِذا كانتْ تَرْمِي بِمِثْلِ السِّهَامِ مِنَ الغَليِ، وَقِيلَ: نَفَتَتِ القِدْرُ إِذا غَلى المَرقُ فِيهَا، فلَزِقَ بجَوانب القِدْر مَا يَبِسَ عَلَيْهِ، فَذَلِكَ النَّفْتُ. قَالَ: وَانْصِمَامُهُ النَّفَتان «3» حَتَّى تَهِمَّ القِدْرُ بالغَلَيان. والقِدْرُ تَنافَتُ وتَنافَطُ، ومِرْجَل نَفُوتٌ. ونَفَتَ الدقيقُ ونحوُه يَنْفِتُ نَفْتاً إِذا صُبَّ عَلَيْهِ الماءُ فتَنَفَّخَ. والنَّفِيتةُ: الحَريقَة، وَهِيَ أَن يُذَرَّ الدقيقُ عَلَى مَاءٍ أَو لَبَنٍ حليبٍ حَتَّى تَنْفِتَ، ويُتَحَسَّى مِنْ نَفْتِها، وَهِيَ أَغلظ مِنَ السَّخِينة، يَتَوسَّعُ بِهَا صاحبُ العيالِ لِعِيَالِهِ إِذا غَلَب عَلَيْهِ الدَّهْرُ، وإِنما يأْكلون النَّفِيتةَ والسَّخِينةَ فِي شِدَّة الدَّهْر، وغَلاء السِّعْر، وعَجَفِ الْمَالِ. وَقَالَ الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ حَذْرَقَ: السَّخِينةُ دَقِيقٌ يُلْقَى عَلَى مَاءٍ أَو لَبن فيُطْبَخُ، ثُمَّ يؤْكل بِتَمْرٍ أَو بحَساءٍ، وَهُوَ الحَساءُ، قَالَ: وَهِيَ السَّخُونة أَيضاً، والنَّفِيتةُ، والحُدْرُقَّة، والخَزيرة، والحريرةُ أَرَقُّ مِنْهَا، والنَّفِيتةُ: حَساءٌ بين الغَليظة والرَّقيقةِ.
نقت: الأَزهري: أَهمله اللَّيْثُ، وَرَوَى أَبو تُرَابٍ عَنْ أَبي العَمَيْثل: يُقَالُ نُقِتَ العظمُ، ونُكِتَ إِذا أُخْرجَ مُخُّه؛ وأَنشد:
وكأَنها، فِي السِّبِّ، مُخَّةُ آدِبٍ ... بيضاءُ، أُدِّبَ بَدْؤُها المَنْقُوتُ
الْجَوْهَرِيُّ: نَقَتُّ المُخَّ أَنْقُته نَقْتاً: لُغَةٌ فِي نَقَوْتُه إِذا استَخرجته، كأَنهم أَبدلوا الْوَاوَ تاء.
نكت: اللَّيْثُ: النَّكْتُ أَن تَنْكُتَ بقَضيبٍ فِي الأَرْضِ، فتُؤَثِّرَ بطَرَفهِ فِيهَا. وَفِي الْحَدِيثِ:
فَجَعَلَ يَنْكُتُ بقَضيبٍ
أَي يَضْرِبُ الأَرض بطَرَفه. ابْنُ سِيدَهْ: النَّكْتُ قَرْعُكَ الأَرضَ بعُود أَو بإِصْبَع. وَفِي الْحَدِيثِ:
بَيْنَا هُوَ يَنْكُت إِذ انْتَبه
؛ أَي يُفَكِّرُ ويُحَدِّثُ نفسَه، وأَصلُه مِنَ النَّكْتِ بالحَصى. ونَكَتَ الأَرضَ بِالْقَضِيبِ: وَهُوَ أَن يؤَثر فِيهَا بِطَرَفِهِ، فِعْلَ المُفَكِّر الْمَهْمُومِ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ الله عنه: دَخَلْتُ المسجدَ فإِذا الناسُ يَنْكُتُونَ بِالْحَصَى
أَي يَضْرِبُونَ بِهِ الأَرضَ. والنَّاكتُ: أَن يَحُزَّ مِرْفَقُ البَعير فِي جَنْبِهِ. العَدَبَّس الكنانيُّ: النَّاكتُ أَن يَنْحَرِفَ المِرْفَقُ حَتَّى يَقَع فِي الجَنْب فيَخْرِقَه. ابْنِ الأَعرابي قَالَ: إِذا أَثَّرَ فِيهِ قِيلَ بِهِ ناكتٌ، فإِذا حَزَّ فِيهِ قِيلَ بِهِ حازٌّ. اللَّيْثُ: الناكِتُ بِالْبَعِيرِ شِبْهُ الناحِز، وَهُوَ أَنْ يَنْكُتَ مِرْفَقُه حَرْفَ كِرْكِرَته، تَقُولُ بِهِ ناكتٌ.
__________
(2) . قوله [إِنما أراد ناعتين إلخ] كذا قال في المحكم. وجرى ياقوت في معجمه على أَنه مثنى نويعة مصغراً: موضع بعينه.
(3) . قوله [وانصمامه النفتان] كذا بالأَصل.(2/100)
وَقَالَ غَيْرُهُ: النَّكَّاتُ الطَّعَّانُ فِي النَّاسِ مِثْلُ النَّزَّاك والنَّكَّازِ. والنَّكِيتُ: المَطْعُون فِيهِ. الأَصمعي: طَعَنَه فنَكَتَه إِذا أَلقاه عَلَى رأْسه؛ وأَنشد:
مُنْتَكِتُ الرأْسِ، فِيهِ جائفةٌ ... جَيَّاشةٌ، لَا تَرُدُّها الفُتُلُ
الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ طَعَنه فنكَتَه أَي أَلْقاه عَلَى رأْسه فانْتَكَتَ هُوَ. ومَرَّ الفرسُ يَنْكُتُ، وَهُوَ أَن يَنْبُوَ عَنِ الأَرض. وَفِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ: ثُمَّ لأَنْكُتَنَّ بِكَ الأَرض
أَي أَطْرَحكَ عَلَى رأْسك. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنه ذَرَقَ عَلَى رأْسه عُصْفور فنَكَتَه بِيَدِهِ
أَي رَمَاهُ عَنْ رأْسه إِلى الأَرض. وَيُقَالُ للعَظْمِ المَطْبوخ فِيهِ المُخُّ، فيُضْرَبُ بطَرَفه رغيفٌ أَو شيءٌ ليَخْرُجَ مُخُّه: قَدْ نُكِتَ، فَهُوَ مَنْكُوتٌ. وكُلُّ نَقْط فِي شَيْءٍ خَالَفَ لَوْنَه: نَكْتٌ. ونَكَتَ فِي الْعِلْمِ، بِمُوَافَقَةِ فُلَانٍ، أَو مُخالفة فُلَانٍ: أَشار؛ وَمِنْهُ قَوْلُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ فِي قَوْلِ أَبي الْحَسَنِ الأَخفش: قَدْ نَكَتَ فِيهِ، بِخِلَافِ الْخَلِيلِ. والنُّكْتَة: كالنُّقْطَة. وَفِي حَدِيثِ الْجُمُعَةِ:
فإِذا فِيهَا نُكْتة سَوْداء
أَي أَثر قَلِيلٌ كالنُّقْطة، شِبْهُ الوَسَخ فِي الْمِرْآةِ وَالسَّيْفِ وَنَحْوِهِمَا. والنُّكْتةُ: شِبْهُ وَقْرة فِي الْعَيْنِ. والنُّكْتة أَيضاً: شِبْه وسَخٍ فِي المِرْآة، ونُقْطَةٌ سوداءُ فِي شَيْءٍ صافٍ. والظَّلِفَةُ المُنْتَكِتَة: هِيَ طَرَفُ الحِنْوِ مِنَ القَتب والإِكافِ إِذا كانتْ قَصِيرَةً فنَكَتَتْ جَنْبَ الْبَعِيرِ إِذا عَقَرَتْه. ورُطَبَةٌ مُنَكِّتَةٌ إِذا بَدَا فيها الإِرْطاب.
نمت: النَّمْتُ: ضَرْب مِنَ النَّبْتِ لَهُ ثَمر يؤْكل.
نهت: النَّهِيتُ والنُّهاتُ: الصيَاح؛ وَقِيلَ: هُوَ مِثْلُ الزَّحير والطَّحِير؛ وَقِيلَ: هُوَ الصَّوْتُ مِنْ الصَّدْرِ عِنْدَ المَشَقَّة. وَفِي الْحَدِيثِ:
أُرِيتُ الشيطانَ فرأَيته يَنْهِتُ كَمَا يَنْهِتُ القِرْدُ أَي يُصَوِّتُ.
والنَّهِيتُ أَيضاً: صَوْتُ الأَسدِ دُونَ الزَّئِيرِ؛ نَهَتَ الأَسدُ فِي زَئِيرِهِ يَنْهِتُ، بِالْكَسْرِ، وأَسَدٌ نَهَّاتٌ، ومُنَهِّتٌ؛ قَالَ:
ولأَحْمِلَنْكَ عَلَى نَهابِرَ، إِنْ تَثِبْ ... فِيهَا، وإِنْ كنْتَ المُنَهِّتَ، تَعْطَبِ
أَي وإِن كنتَ الأَسدَ فِي القوَّة والشِّدَّة. وَقَدِ اسْتُعِيرَ لِلْحِمَارِ: حِمَارٌ نَهَّاتٌ أَي نَهَّاقٌ، وَرَجُلٌ نَهَّاتٌ أَي زَحَّارٌ.
نوت: ناتَ الرجلُ نَوْتاً: تَمايلَ، وَهُوَ أَيضاً فِي نيت. والنُّوتِيُّ: المَلَّاحُ. الْجَوْهَرِيُّ: النَّواتِيُّ الملَّاحُونَ فِي الْبَحْرِ، وَهُوَ مِنْ كَلَامِ أَهل الشَّامِ، واحدُهم نُوتيٌّ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: كأَنه قِلَعُ دارِيٍّ عَنَجَه نُوتِيُّه
؛ النُّوتِيُّ: المَلَّاحُ الَّذِي يُدَبِّرُ السَّفِينَةَ فِي الْبَحْرِ. وَقَدْ ناتَ يَنُوتُ إِذا تَمايلَ مِنَ النُّعاس، كأَنَّ النُّوتِيَّ يُمِيلُ السَّفِينَةَ مِنْ جَانِبٍ إِلى جَانِبٍ؛ وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ؛ إِنهم كَانُوا نَوَّاتِينَ
أَي مَلَّاحين، تَفْسِيرُهُ فِي الْحَدِيثِ؛ وأَما قَوْلُ عِلْباء بْنِ أَرْقَم:
يَا قَبَّحَ اللهُ بَني السِّعلاةِ، ... عَمْرو بنَ يَرْبُوع، شِرارَ النَّاتِ،
ليسُوا أَعِفَّاءَ، وَلَا أَكْياتِ
فإِنما يُرِيدُ النَّاسَ وأَكياس، فَقَلَبَ السِّينَ تَاءً، وَهِيَ لُغَةٌ لِبَعْضِ الْعَرَبِ، عَنْ أَبي زَيْدٍ.
نيت: ناتَ نَيْتاً: تَمايلَ.(2/101)
فصل الهاء
هبت: الهَبْتُ: الضَّرْبُ. والهَبْتُ حُمْقٌ وتَدْلِيهٌ. وَفِيهِ هَبْتةٌ أَي ضَرْبةُ حُمْقٍ؛ وَقِيلَ: فِيهِ هَبْتةٌ لِلَّذِي فِيهِ كالغَفْلة، وَلَيْسَ بِمُسْتَحْكِم العَقْل. وَفِي الصِّحَاحِ: الهَبِيتُ الجَبانُ الذاهبُ العَقْلِ. وَقَدْ هُبِتَ الرجلُ أَي نُحِبَ، فَهُوَ مَهْبُوتٌ وهَبيتٌ، لَا عَقْلَ لَهُ؛ قَالَ طَرَفة:
فالهَبِيتُ لَا فؤَادَ لَهُ، ... والثَّبِيتُ قَلْبُه قِيَمُهْ
وَقَوْلُهُ أَنشده ثَعْلَبٌ:
تُرِيكَ قَذًى بِهَا، إِن كَانَ فِيهَا ... بُعَيْدَ النَّوْم، نَشْوَتُها هَبِيتُ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: لَمْ يُفَسِّرْهُ، وَعِنْدِي أَنه فَعِيلٌ فِي مَعْنَى فَاعِلٍ أَي نَشْوَتُها شَيْءٌ يَهْبِتُ أَي يُحمِّقُ ويُحَيِّر، ويُسَكِّنُ ويُنَوِّمُ. وَرَجُلٌ مَهْبُوتُ الفُؤَادِ: فِي عَقْلِهِ هَبْتة أَي ضَعْفٌ. وهَبَتَهُ يَهْبِتُه هَبْتاً أَي ضَرَبه. والمَهْبُوتُ: المَحْطُوطُ. وهَبَتَ الرجلَ يَهْبِتُه هَبْتاً: ذَلَّلَهُ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ الله عَنْهُ: أَن عُثْمَانَ بنَ مَظْعُون لمَّا مَاتَ عَلَى فراشهِ، هَبَتَه الموتُ عِنْدِي مَنْزلةً، حَيْثُ لَمْ يَمُتْ شَهِيدًا؛ فَلَمَّا مَاتَ سيدُنا رسولُ الله، صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى فِرَاشِهِ، وأَبو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَلَى فِرَاشِهِ علمتُ أَنَّ مَوْتَ الأَخْيارِ عَلَى فُرُشهم
؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: هَبَتَه الموتُ عِنْدِي مَنْزِلَةً، يَعْنِي طَأْطَأَه ذَلِكَ، وحَطَّ مِنْ قَدْره عِنْدِي. وكلُّ مَحْطُوطٍ شَيْئًا: فَقَدْ هُبِتَ بِهِ، فَهُوَ مَهْبُوتٌ؛ قَالَ وأَنشدني أَبو الجَرَّاح:
وأَخْرَقَ مَهْبُوتِ التَّراقي، مُصَعَّدِ الْبلاعِيمِ، ... رِخْوِ المَنْكِبَيْنِ، عُنَابِ
قَالَ: والمَهْبُوتُ التَّراقي المَحْطُوطُها الناقِصُها. وهَبَتَ وهَبَطَ أَخوانِ. والهَبِيتُ: الَّذِي بِهِ الخَوْلَعُ، وَهُوَ الفَزَعُ والتَلَبُّد. وَقَالَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي أُمَيَّة بْنِ خَلَفٍ وَابْنِهِ: فَهَبَتُوهُما حَتَّى فَرَغُوا مِنْهُمَا؛ يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ أَي ضَرَبُوهُما بِالسَّيْفِ حَتَّى قَتَلُوهُمَا؛ وَقَالَ شَمِرٌ: الهَبْتُ الضَّرْبُ بِالسَّيْفِ، فكأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ فَهَبَتُوهما بِالسَّيْفِ أَي ضَرَبُوهُمَا حَتَّى وَقَذُوهما؛ يُقَالُ: هَبَتَه بِالسَّيْفِ وَغَيْرِهِ يَهْبِتُه هَبْتاً. وَفِي حَدِيثِ
مُعَاوِيَةَ: نَوْمُه سُباتٌ وليلُه هُباتٌ
؛ هُوَ مِنَ الهَبْتِ اللِّين والاسْتِرخاء. يُقَالُ: فِي فُلَانٍ هَبْتةٌ أَي ضَعْف. والمَهْبُوت: الطَّائِرُ يُرْسَلُ عَلَى غَيْرِ هِداية؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: وأَحسبها مولَّدة.
هتت: هَتَّ الشيءَ يَهُتُّه هَتًّا، فَهُوَ مَهْتُوتٌ وهَتِيتٌ، وهَتْهَتَه: وَطِئَه وَطْأً شَدِيدًا، فكسَّره. وَتَرَكَهُمْ هَتًّا بَتًّا أَي كَسَّرهم، وَقِيلَ: قَطَّعهم. والهَتُّ: كَسْرُ الشَّيْءِ حَتَّى يَصِيرَ رُفاتاً. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَقْلِعُوا عَنِ الْمَعَاصِي قَبْلَ أَن يَأْخُذَكم اللَّهُ فيدَعَكُمْ هَتًّا بَتًّا.
الهَتُّ: الكَسْر. وهَتَّ ورَقَ الشَّجر إِذا أَخذه. والبَتُّ: القطْعُ؛ أَي قَبْلَ أَن يَدَعَكُمْ هَلْكى مَطْرُوحِينَ مَقْطُوعين. وهَتُّ قوائِم الْبَعِيرِ: صَوْتُ وَقْعِها.(2/102)
وهَتَّ البَكْرُ يَهِتُّ هَتِيتاً. والهَتُّ: شِبْهُ العَصْر للصَّوْت؛ الأَزهري: يُقَالُ للبَكْرِ يَهِتُّ هَتِيتاً، ثُمَّ يَكِشُّ كَشِيشاً، ثُمَّ يَهْدِرُ إِذا بَزَلَ هَدِيراً؛ وهَتَّ الهَمْزةَ يَهُتُّها هَتًّا: تَكَلَّمَ بِهَا. قَالَ الْخَلِيلُ: الهَمْزَةُ صَوْتٌ مَهْتُوتٌ فِي أَقصى الحَلْق يَصِيرُ هَمْزَةً، فإِذا رُفِّهَ عَنِ الْهَمْزِ، كَانَ نَفَساً يُحَوَّل إِلى مَخْرج الْهَاءِ، فَلِذَلِكَ اسْتَخَفَّتِ العربُ إِدخال الْهَاءِ عَلَى الأَلف الْمَقْطُوعَةِ، نَحْوَ أَراق وهَرَاق، وأَيْهاتَ وهيهاتَ، وأَشباه ذَلِكَ كثيرٌ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: مِنَ الْحُرُوفِ المَهْتُوتُ، وَهُوَ الْهَاءُ، وَذَلِكَ لِما فِيهَا مِنَ الضَّعْفِ وَالْخَفَاءِ. وَفِي حَدِيثِ إِراقة الْخَمْرِ:
فَهَتَّها فِي البطْحاء
أَي صبَّها عَلَى الأَرض حَتَّى سُمِعَ لَهَا هَتِيتٌ أَي صَوْتٌ. وَرَجُلٌ هَتَّاتٌ ومِهَتٌّ وهَتْهَاتٌ: خَفِيفٌ، كَثِيرُ الْكَلَامِ. وهَتَّ القرآنَ هَتًّا: سَرَدَهُ سَرْداً. وفلانٌ يَهُتُّ الْحَدِيثَ هَتًّا إِذا سَرَدَه وتابَعه؛ وَفِي الْحَدِيثِ:
كَانَ عَمْرُو بْنُ شُعَيْب وفلانٌ يَهُتَّانِ الكلامَ
؛ وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا كَانَ جَيِّدَ السِّياق لِلْحَدِيثِ: هُوَ يَسْرُدُه سرْداً، ويَهُتُّه هَتًّا. والسَّحابة تَهُتُّ المَطَر إِذا تابَعتْ صَبَّه. والهَتُّ: الصَبُّ. هَتَّ المَزادة وبَعَّها إِذا صَبَّها. وهَتَّ الشيءَ يَهُتُّه هَتّاً: صَبَّ بَعْضَهُ فِي إِثْر بَعْض. وهَتَّتِ المرأَةُ غَزْلَها تَهُتُّه هَتًّا: غَزَلَتْ بعضَه فِي إِثر بَعْضٍ. الأَزهري: المرأَةُ تَهُتُّ الغَّزْل إِذا تَابَعَتْهُ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
سُقُيَا مُجَلِّلَةٍ، يَنْهَلُّ رَيِّقُها ... مِنْ باكِرٍ مُرْثَعِنِّ الوَدْق، مَهْتُوتِ
ابْنُ الأَعرابي: الهَتُّ تَمْزِيقُ الثَّوْبِ والعِرْضِ. والهَتُّ: حَطُّ المَرْتَبَة فِي الإِكرام. ابْنُ الأَعرابي: قولُهم أَسْرَعُ مِنَ المُهَتْهِتة؛ يُقَالُ: هَتَّ فِي كَلَامِهِ، وهَتْهَتَ إِذا أَسْرَعَ. وَمِنْ أَمثالهم: إِذا وقَفْتَ العَيْرَ عَلَى الرَّدْهةِ فَلَا تَقُلْ لَه هَتْ؛ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: فَلَا تُهَتْهِتْ بِهِ؛ قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: الهَتْهَتةُ أَن تَزْجُرَه عِنْدَ الشُّرْب؛ قَالَ: وَمَعْنَى الْمَثَلِ إِذا أَرَيْتَ الرجلَ رُشْدَه، فَلَا تُلِحَّ عَلَيْهِ، فإِنَّ الإِلحاحَ فِي النصحية يَهْجِم بِكَ عَلَى الظِّنَّة. والهَتْهَتةُ مِنَ الصَّوْتِ: مِثْلُ الهَتِيتِ؛ الأَزهري: الهَتْهَتَةُ والتَّهْتَهَةُ أَيضاً فِي التِواء اللِّسان عِنْدَ الْكَلَامِ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِي بَعْضِ كَلَامِهِ: وَاللَّهِ مَا كَانُوا بالهَتَّاتين، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا يَجْمَعُون الكلامَ ليُعْقَلَ عَنْهُمْ. يُقَالُ: رجلٌ مِهَتٌّ وهَتَّاتٌ إِذا كَانَ مِهْذاراً، كثير الكلام.
هرت: هَرَتَ عِرْضَه، وهَرَطَه، وهَرَدَه؛ ابْنُ سِيدَهْ: هَرَتَ عِرضَه وثَوْبه يَهْرُته ويَهْرِتُه هَرْتاً، فَهُوَ هريتٌ. مَزَّقه وطَعَنَ فِيهِ، لغاتٌ كُلُّهَا؛ الأَزهري: هَرَتَ ثوبَه هَرْتاً إِذا شَقَّه. وَيُقَالُ لِلْخَطِيبِ مِنَ الرِّجَالِ: أَهْرَتُ الشِّقْشِقةِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ مُقْبل:
هُرْت الشَّقَاشِق، ظَلَّامُونَ للجُزُرِ
والهَرَتُ: سَعَةُ الشِّدْقِ. والهَرِيتُ: الواسعُ الشِّدْقَيْن؛ وَقَدْ هَرِتَ، بِالْكَسْرِ، وَهُوَ أَهْرَتُ الشِّدْقِ وهَرِيتُه. وَفِي حَدِيثُ
رَجاء بْنِ حَيْوة: لَا تُحَدِّثْنا عَنْ مُتهارِتٍ
أَي مُتَشَدِّقٍ مُتَكاثِر، مِن هَرَتِ الشِّدْقِ، وَهُوَ سَعَتُه. وَرَجُلٌ أَهْرَتُ، وَفَرَسٌ هَرِيتٌ وأَهْرَتُ: متَّسِعُ مَشَقِّ الفَمِ. وجَمَلٌ هَريتٌ، كَذَلِكَ؛ وحيَّة هَرِيتُ الشِّدْقِ، ومَهْرُوتَتُه؛ أَنشد يَعْقُوبُ فِي(2/103)
صِفَةِ حَيَّةٍ:
مَهْرُوتَةُ الشِّدْقَيْن، حَولاءُ النَّظَرْ
والهَرَتُ: مصدرُ الأَهْرَتِ الشِّدْق. وأَسَدٌ أَهْرَتُ: بَيِّنُ الهَرَتِ، وهَريتٌ ومُنْهَرِتٌ؛ الأَزهري: أَسَدٌ هَرِيتُ الشِّدْقِ أَي مَهْرُوتٌ ومُنْهَرِتٌ، وَهُوَ مَهرُوتُ الْفَمِ، وكلابٌ مُهَرَّتةُ الأَشْداقِ. والهَرْتُ: شَقُّك الشيءَ لتُوَسِّعَه، وَهُوَ أَيضا جَذْبُك الشِّدْقَ نحوَ الأُذن؛ وَفِي التَّهْذِيبِ: الهَرْتُ هَرْتُكَ الشِّدْقَ نحوَ الأُذن. وامرأَة هَرِيتٌ وأَتُومٌ: مُفْضاةٌ؛ وَرَجُلٌ هَريتٌ: لَا يَكْتُم سِرًّا؛ وَقِيلَ: لَا يَكتُم سِرًّا، وَيَتَكَلَّمُ مَعَ ذَلِكَ بِالْقَبِيحِ. وهَرَتَ اللحمَ: أَنْضَجَه وطَبَخَه حَتَّى تَهرَّى. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه أَكلَ كَتِفاً مُهَرَّتةً ومَسَح يَدَه فَصَلَّى
؛ لَحْمٌ مُهَرَّتٌ ومُهَرَّدٌ إِذا نَضِجَ؛ أَراد قَدْ تَقَطَّعَتْ مِنْ نُضْجِها؛ وَقِيلَ: إِنها مُهَرَّدَة بِالدَّالِ. وهاروتُ: اسْمُ مَلَك أَو مَلِك، والأَعْرَف أَنه اسْمُ مَلَك.
هرمت: هَراميتُ: آبارٌ مُجْتَمِعَةٌ بِنَاحِيَةِ الدَّهْناء، زَعموا أَن لُقْمَانَ بْنَ عَادٍ احْتفَرَها؛ الأَصمعي عَنْ يسارِ ضَريَّة؛ وَهِيَ قريةٌ رَكايا، يُقَالُ لَهَا هَراميتُ، وحولَها جِفار؛ وأَنشد:
بَقايا جِفَارٍ مِنْ هَرامِيتَ نُزَّحِ «4»
النَّضْرُ: هِيَ رَكايا خاصَّةٌ.
هفت: هَفَتَ يَهْفِتُ هَفْتاً: دقَّ. والهَفْتُ: تساقطُ الشَّيْءِ قِطْعَةً بَعْدَ قِطْعَةٍ كَمَا يَهْفِتُ الثَّلْجُ والرَّذَاذُ، وَنَحْوُهُمَا؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
كأَنَّ هَفْتَ القِطْقِطِ المَنْثُورِ، ... بَعْدَ رَذاذِ الدِّيمةِ الدَّيْجورِ،
عَلَى قَراهُ فِلَقُ الشُّذورِ
والقِطْقِطُ: أَصغَرُ الْمَطَرِ. وقَراه: ظَهْره، يَعْنِي الثَّوْرَ. والشُّذور: جَمْعُ شَذْر، وَهُوَ الصَّغِيرُ مِنَ اللُّؤْلُؤِ، وَقَدْ تَهافَتَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
يَتَهافَتُون فِي النَّارِ
أَي يَتَساقَطُون؛ مِن الهَفْتِ، وَهُوَ السُّقُوطُ. وأَكثر مَا يُستعمل التَّهافُتُ فِي الشَّرِّ؛ وَفِي حَدِيثِ
كَعْب بْنِ عُجْرة: والقملُ يَتَهافَت عَلَى وجْهي
أَي يَتَساقَطُ. وتهافتَ الثَّوْبُ تَهافُتاً إِذا تَساقَطَ وَبَلِيَ. وهَفَتَ الشيءُ هَفْتاً وهُفَاتاً أَي تَطايرَ لِخِفَّتِهِ. وكلُّ شَيْءٍ انْخَفَضَ واتَّضعَ، فَقَدْ هَفَتَ، وانْهَفَتَ. الأَزهري: والهَفْتُ مِنَ الأَرض مِثْلُ الهَجْل، وَهُوَ الجَوُّ المُتَطامِنُ فِي سَعةٍ؛ قَالَ: وَسَمِعْتُ أَعرابيّاً يَقُولُ: رأَيتُ جِمَالًا يَتَهادَرْنَ فِي ذَلِكَ الهَفْتِ. والهَفْتُ مِنَ المَطر: الَّذِي يُسْرِعُ انْهلالهُ. وكلامٌ هَفْتٌ إِذا كَثُرَ بِلَا رَوِيَّةٍ فِيهِ. والتَّهافُتُ: التَّسَاقُطُ قِطْعَةً قِطْعَةً. وتهافَتَ الفَراشُ فِي النَّارِ: تَساقَط؛ قَالَ الرَّاجِزُ يَصِفُ فَحْلًا:
يَهْفِتُ عَنهُ زَبَداً وبَلْغَما
وتَهافَتَ القَوْمُ تَهافتاً إِذا تَساقطُوا مَوْتاً. وتَهافَتُوا عَلَيْهِ: تَتَابَعُوا. اللَّيْثُ: حَبٌّ هَفُوتٌ إِذا صَارَ إِلى أَسْفَلِ القِدْر وانْتَفَخ سَرِيعًا.
__________
(4) . وقوله [بقايا جفار] الذي في ياقوت بقايا نطاف. ويوم الهراميت كان بين الضباب وجعفر بن كلاب؛ كان القتال بسبب بئر أَراد أَحدهما أَن يحتفرها.(2/104)
ابْنُ الأَعرابي: الهَفْتُ الحُمْقُ الجَيِّدُ. والهَفَاتُ: الأَحْمَقُ. وَيُقَالُ: ورَدَتْ هَفِيتةٌ مِنَ النَّاسِ، للذين أَقْحَمَتْهم السَّنَةُ.
هلت: هَلَتَ دَمَ البَدَنة إِذا خَدَشَ جِلْدَها بسكِّينٍ حَتَّى يَظْهَر الدمُ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ. وَقَالَ ابْنُ الفَرج: سمعتُ وَاقِعًا يَقُولُ: انْهَلَتَ يَعْدُو، وانْسَلَتَ يَعْدو؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: سَلَتَه وهَلَتَهُ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: سَلَتَ الدمَ وهَلَته أَي قَشَره بِالسِّكِّينِ. والهَلْتَى، عَلَى فَعْلَى: نَبْتٌ إِذا يَبِسَ صارَ أَحْمر، وإِذا أُكل ونَبَتَ سُمِّي: الجَمِيمَ؛ وَقَالَ الأَزهري: هَلْتَى، عَلَى فَعْلَى: شَجَرَةٌ، وَهُوَ كنَباتِ الصِّلِّيانِ، إِلا أَن لَوْنَهُ إِلى الحُمْرة؛ ابْنُ سِيدَهْ: الهَلْتَى نَبْتٌ؛ قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: قَالَ أَبو زِيَادٍ: مِنَ الطَريفة الهَلْتَى، وَهُوَ نَبت أَحْمَر، يَنْبُتُ نَباتَ الصِّلِّيان والنَّصِيِّ، ولونُه أَحْمَر فِي رطُوبته، وَيَزْدَادُ حُمْرَة إِذا يَبِس، وَهُوَ مَائِيٌّ لَا تَكادُ الماشيةُ تَأْكُلُه مَا وجَدت شَيْئًا مِنَ الكلإِ يَشْغَلُها عَنْهُ. والهِلْتاءَةُ: الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ يُقِيمون ويَظْعَنون؛ هَذِهِ رِوَايَةُ أَبي زَيْدٍ، وَرَوَاهَا ابْنُ السِّكِّيتِ بالثاء.
هَوَتْ: الهَوْتَةُ والهُوتة، بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ: مَا انْخَفَضَ مِنَ الأَرض واطْمَأَنَّ. وَفِي الدُّعاء:
صَبَّ اللَّهُ عَلَيْهِ هَوْتَةً ومَوْتَةً
؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا أَدْرِي مَا هَوْتة هُنَا. ومضَى هِيتَاءٌ مِنَ اللَّيْلِ أَي وَقْتٌ مِنْهُ؛ قَالَ أَبو عَلِيٍّ: هُوَ عِنْدِي فِعْلاء، مُلْحق بِسرْداح، وَهُوَ مأْخوذ مِنَ الهَوْتة، وَهُوَ الوَهْدَةُ وَمَا انْخَفَضَ عَنْ صَفْحة المُسْتَوَى. وَقِيلَ لأُم هِشامٍ البَلَوِيَّة: أَين مَنْزِلُك؟ فَقَالَتْ: بهاتَا الهُوتَةِ؛ قِيلَ: وَمَا الهُوتة؟ قالتْ: بهاتَا الوَكْرةِ؛ قِيلَ: وَمَا الوَكْرَةُ؟ قَالَتْ: بهاتَا الصُّدَّاد؛ قِيلَ: وَمَا الصُّدَّاد؟ قَالَتْ: بِهَاتَا المَوْرِدَة؛ قَالَ ابْنُ الأَعرابي: وَهَذَا كلُّه الطريقُ المُنْحَدِرُ إِلى الْمَاءِ. وَرُويَ
عَنْ عُثْمَانَ أَنه قَالَ: وَدِدْتُ أَنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ العَدُوِّ هَوْتَةً لَا يُدْرَكُ قَعْرُها إِلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
؛ الهَوْتَة، بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ: الهُوَّةُ مِنَ الأَرض، وَهِيَ الوَهْدة العَمِيقةُ؛ قَالَ ذَلِكَ حِرْصاً عَلَى سَلَامَةِ الْمُسْلِمِينَ، وحَذَراً مِنَ الْقِتَالِ؛ وَهُوَ مِثْلُ قَوْلُ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَدِدْتُ أَن مَا وَراء الدَّرب جَمْرةٌ واحدةٌ ونارٌ تَوَقَّدُ، تأْكلونَ مَا وَراءه وتأْكلُ مَا دُونه.
هيت: هَيْتَ: تَعَجُّبٌ؛ تَقُولُ الْعَرَبُ: هَيْتَ للحِلْم وهَيْتَ لَكَ وهِيتَ لكَ أَي أَقْبِلْ. وَقَالَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، حِكَايَةً عَنْ زَلِيخا أَنها قَالَتْ، لَمَّا راوَدَت يوسفَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، عَنْ نَفْسه: وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ
أَي هَلُمَّ وَقَدْ قِيلَ: هَيْتُ لَكَ، وهَيْتِ، بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِهَا؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: وأَكثرها هَيْتَ لَكَ، بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالتَّاءِ؛ قَالَ: ورُوِيَتْ
عَنْ عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: هِيتُ لكَ
، قَالَ: ورُوِيَتْ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: هِئْتُ لَكَ
، بِالْهَمْزِ وَكَسْرِ الْهَاءِ، مِنَ الهَيئة، كأَنها قَالَتْ: تَهَيَّأْتُ لَكَ قَالَ: فأَما الْفَتْحُ مِنْ هَيْتَ فلأَنها بِمَنْزِلَةِ الأَصوات، لَيْسَ لَهَا فِعْل يَتَصَرَّفُ مِنْهَا، وَفُتِحَتِ التَّاءُ لِسُكُونِهَا وَسُكُونِ الْيَاءِ، واخْتِير الفتح لأَني قَبْلَهَا يَاءً، كَمَا فَعَلُوا فِي أَيْنَ، ومَن كَسَرَ التَّاءَ فلأَن أَصل الْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ حَرَكَةُ الْكَسْرِ، ومَن قَالَ هَيْتُ، ضمَّها لأَنها فِي مَعْنَى الْغَايَاتُ، كأَنها قَالَتْ: دُعائي لكَ؛ فَلَمَّا حُذِفَتِ الإِضافة، وَتَضَمَّنَتْ هَيْتُ مَعْنَاهَا، بُنِيَتْ عَلَى الضَّمِّ(2/105)
كَمَا بُنِيَتْ حَيْثُ؛
وقراءةُ علي، عليه السلام: هِيتُ لَكَ
، بِمَنْزِلَةِ هَيْتُ لَكَ، وَالْحُجَّةُ فِيهِمَا وَاحِدَةٌ. الْفَرَّاءُ فِي هَيْتَ لَكَ: يُقَالُ إِنها لُغَةٌ، لأَهل حَوْرانَ، سَقَطَتْ إِلى مَكَّةَ فَتَكَلَّمُوا بِهَا، قَالَ: وأَهلُ الْمَدِينَةِ يقرؤُون هِيتَ لكَ، يَكْسِرُونَ الْهَاءَ وَلَا يَهْمِزُونَ؛ قَالَ: وذُكِرَ
عَنْ عَلِيٍّ وَابْنُ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنهما قَرَآ: هِئْتُ لَكَ
، يُرَادُ بِهِ فِي الْمَعْنَى: تَهَيَّأْتُ لَكَ، وأَنشد الْفَرَّاءُ فِي الْقِرَاءَةِ الأُولى لِشَاعِرٍ فِي أَمير الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ:
أَبْلِغْ أَميرَ المُؤمِنِينَ، ... أَخا العراقِ إِذا أَتَيْتا:
إِنَّ العِراقَ وأَهْلَهُ ... سِلْمٌ إِليكَ، فهَيْتَ، هَيْتا
وَمَعْنَاهُ: هَلُمَّ، هَلُمَّ وهَلُمَّ وتَعالَ، يَسْتَوِي فِيهِ الواحدُ وَالْجَمْعُ والمؤَنث وَالْمُذَكَّرُ إِلّا أَن الْعَدَدَ فِيمَا بَعْدَهُ، تَقُولُ: هَيْتَ لَكُمَا، وهَيْتَ لكنَّ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وُجِدَ الشعرُ بِخَطِّ الْجَوْهَرِيِّ إِن الْعِرَاقَ، بِكَسْرِ إِنَّ، وَيُرْوَى بِفَتْحِهَا؛ وَيُرْوَى: عُنُقٌ إِليك، بِمَعْنَى مَائِلُونَ إِليك؛ قَالَ: وَذَكَرَ ابْنُ جِنِّي أَن هَيْتَ فِي الْبَيْتِ بِمَعْنَى أَسْرِعْ، قَالَ: وَفِيهِ أَربع لُغَاتٍ: هَيْتَ، بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالتَّاءِ، وهِيتَ، بِكَسْرِ الْهَاءِ وَفَتْحِ التَّاءِ، وهَيْتُ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَضَمِّ التَّاءِ، وهِيتُ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَضَمِّ التَّاءِ. الْفَرَّاءُ فِي الْمَصَادِرِ: مَن قرأَ هَيْتَ لكَ: هَلُمَّ لكَ، قَالَ: وَلَا مَصْدَرَ لِهَيْتَ، وَلَا يُصَرَّفُ. الأَخفش: هَيْتَ لكَ، مَفْتُوحَةٌ، مَعْنَاهَا: هَلُمَّ لكَ؛ قَالَ: وكَسَرَ بعضُهم التَّاءَ، وَهِيَ لُغَةٌ، فَقَالَ: هَيْتِ لَكَ، وَرَفَعَ بعضٌ التَّاءَ، فَقَالَ: هَيْتُ لَكَ، وَكَسَرَ بَعْضُهُمُ الْهَاءَ وَفَتَحَ التَّاءَ، فَقَالَ: هِيتَ لَكَ، كلُّ ذَلِكَ بِمَعْنًى وَاحِدٌ. وَرَوَى الأَزهري عَنْ أَبي زَيْدٍ، قَالَ: هَيْتَ لكَ، بالعِبرانية هَيْتالَجْ أَي تعالَ؛ أَعربه الْقُرْآنُ. وهَيَّتَ بِالرَّجُلِ، وهَوَّتَ بِهِ: صَوَّتَ بِهِ وَصَاحَ، وَدَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ: هَيْتَ هَيْتَ؛ قَالَ:
قَدْ رابَني أَنَّ الكَرِيَّ أَسْكَتا، ... لَوْ كَانَ مَعْنِيّاً بِهَا لَهَيَّتَا
وَقَالَ آخَرُ:
تَرْمِي الأَماعِيزَ بمُجْمَراتِ، ... وأَرْجُلٍ رُوحٍ مُجَنَّباتِ،
يَحْدُو بِهَا كلُّ فَتًى هَيَّاتِ
وَفِي الْحَدِيثِ
أَنه لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ؛ باتَ النبيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُفَخِّذُ عَشيرتَه، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: لَقَدْ باتَ يُهَوِّتُ
أَي يُنادي عَشيرتَه. والتَهْييتُ: الصوتُ بِالنَّاسِ، وَهُوَ فِيمَا قَالَ أَبو زَيْدٍ: أَن يَقُولَ يَا هَياه. وَيُقَالُ: هَيَّتَ بِالْقَوْمِ تَهْييتاً، وهَوَّتَ بِهِمْ تَهْويتاً إِذا نَادَاهُمْ؛ وهَيَّتَ النذيرُ، والأَصلُ فِيهِ حكايةُ الصَّوْتِ، كأَنهم حَكَوْا فِي هَوَّتَ: هَوْتَ هَوْتَ، وَفِي هَيَّتَ: هَيْتَ هَيْتَ. يُقَالُ: هَوَّتَ بِهِمْ، وهَيَّتَ بِهِمْ إِذا نَادَاهُمْ، والأَصل فِيهِ حِكَايَةُ الصَّوْتِ؛ وَقِيلَ هُوَ أَن يَقُولَ: ياهْ ياهْ، وَهُوَ نداءُ الرَّاعِي لِصَاحِبِهِ مِنْ بَعِيدٍ. ويَهْيَهْتُ بالإِبل إِذا قلتَ لَهَا: ياهْ ياهْ. والعربُ تَقُولُ لِلْكَلْبِ إِذا أَغْرَوْه بِالصَّيْدِ: هَيْتاهْ هَيْتاهْ؛ قَالَ الرَّاجِزُ يَذْكُرُ الذِّئْبَ:
جاءَ يُدِلُّ كَرشاءِ الغَرْبِ، ... وقُلْتُ: هَيْتاهُ، فَتاه كَلْبي(2/106)
ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ للمَهْواة هَوْتة وهُوَّة وهُوتَةٌ؛ وَجَمْعُ الهُوتةِ: هُوتٌ. وَيُقَالُ: هاتِ يَا رَجُلُ، بِكَسْرِ التَّاءِ، أَي أَعطني، وللإِثنين: هاتِيا، مِثْلُ آتِيا، وَلِلْجَمْعِ: هاتُوا، وللمرأَة: هَاتِي، بِالْيَاءِ، وللمرأَتين: هاتِيا، وَلِلنِّسَاءِ: هاتِينَ، مِثْلُ عاطِينَ. وَتَقُولُ: هَاتِ لَا هاتَيْتَ، وهاتِ إِن كَانَتْ بِكَ مُهاتاةٌ، وَمَا أُهاتِيك كَمَا تَقُولُ: مَا أُعاطِيكَ، وَلَا يُقَالُ مِنْهُ: هاتَيْتُ، وَلَا يُنْهى بِهَا. قَالَ الْخَلِيلُ: أَصل هاتِ مِن آتَى يُؤَاتِي، فَقُلِبَتِ الأَلف هَاءً. والهِيتُ: الهُوةُ القَعِرةُ مِنَ الأَرض. وهِيتُ، بِالْكَسْرِ: بَلَدٌ عَلَى شَاطِئِ الفُرات، أَصلها مِنَ الهُوَّة؛ قَالَ:
طِرْ بجنَاحَيْكَ، فَقَدْ دُهِيتا، ... حَرَّانَ حَرَّانَ، فهِيتاً هِيتا
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ اذْهَبْ فِي الأَرض. قَالَ أَبو عَلِيٍّ: يَاءُ هِيتَ، الَّتِي هِيَ أَرضٌ، واوٌ، وَقَدْ ذُكِرَتْ. التَّهْذِيبُ: هِيتٌ مَوْضِعٌ عَلَى شَاطِئِ الفُرات؛ قَالَ رؤْبة:
والحُوتُ فِي هِيتَ، رَداها هِيتُ
قَالَ الأَزهري: وإِنما قَالَ رُؤْبَةُ:
وصاحبُ الحُوتِ، وأَينَ الحُوتُ؟ ... فِي ظُلُماتٍ، تَحْتَهُنَّ هِيتُ
ابْنُ الأَعرابي: هِيتُ أَي هُوَّة مِنَ الأَرض، قَالَ: وَيُقَالُ لَهَا الهُوتَةُ؛ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: سُمِّيَتْ هِيتَ لأَنها فِي هُوَّة مِنَ الأَرض، انْقَلَبَتِ الْوَاوُ إِلى الْيَاءِ، لِكَسْرَةِ الْهَاءِ؛ وَالَّذِي جَاءَ فِي الْحَدِيثِ:
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَفَى مُخَنَّثَيْن: أَحدهما هِيتٌ والآخر ماتِعٌ
، إِنما هُوَ هِنْبٌ، فصحَّفه أَصحاب الْحَدِيثِ. قَالَ الأَزهري: رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ هِيتٌ؛ قَالَ: وأَظُنُّه صَوَابًا.
فصل الواو
وَبَتَ: وَبَتَ بَالْمَكَانَ وَبْتاً: أَقام.
وتت: أَبو عَمْرٍو: الوَتُّ والوَتَّةُ صياحُ الوَرَشان. وأَوْتى إِذا صاحَ صِياحَ الوَرَشانِ؛ قاله ابن الأَعرابي.
وحت: طَعَامٌ وَحْتٌ: لَا خير فيه.
وقت: الوَقْتُ: مقدارٌ مِنَ الزمانِ، وكلُّ شَيْءٍ قَدَّرْتَ لَهُ حِيناً، فَهُوَ مُؤَقَّتٌ، وَكَذَلِكَ مَا قَدَّرْتَ غايتَه، فَهُوَ مُؤَقَّتٌ. ابْنُ سِيدَهْ: الوَقْتُ مِقْدَارٌ مِنَ الدَّهْرِ مَعْرُوفٌ، وأَكثر مَا يُستعمل فِي الْمَاضِي، وَقَدِ اسْتُعْمِلَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، واسْتَعْمَلَ سِيبَوَيْهِ لَفَظَ الوَقْتِ فِي الْمَكَانِ، تَشْبِيهًا بِالْوَقْتِ فِي الزَّمَانِ، لأَنه مِقْدَارٌ مِثْلُهُ، فَقَالَ: ويَتَعَدَّى إِلى مَا كَانَ وَقْتًا فِي الْمَكَانِ، كمِيلٍ وفَرْسخ وبَرِيد، وَالْجَمْعُ: أَوْقاتٌ، وَهُوَ المِيقاتُ. ووَقْتٌ مَوْقُوتٌ ومُوَقَّتٌ: مَحْدُود. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً
؛ أَي مُؤَقَّتاً مُقَدَّراً؛ وَقِيلَ: أَي كُتِبَتْ عَلَيْهِمْ فِي أَوقاتٍ مُوَقَّتة؛ وَفِي الصِّحَاحِ: أَي مَفْروضات فِي الأَوْقات؛ وَقَدْ يَكُونُ وَقَّتَ بِمَعْنَى أَوْجَبَ عَلَيْهِمُ الإِحرامَ فِي الْحَجِّ، وَالصَّلَاةِ عِنْدَ دُخُولِ وقْتِها. والمِيقاتُ: الوَقْتُ المضْروبُ لِلْفِعْلِ وَالْمَوْضِعِ. يُقَالُ: هَذَا مِيقاتُ أَهلِ الشأْم، لِلْمَوْضِعِ الَّذِي يُحْرِمُون مِنْهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه وَقَّتَ لأَهل الْمَدِينَةِ ذَا الحُلَيْفة
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَدْ تَكَرَّرَ التَّوْقيت والمِيقاتُ، قَالَ: فالتَّوْقِيتُ والتَّأْقِيتُ: أَن يُجْعَل للشيءِ وَقْتٌ يختض بِهِ، وَهُوَ بيانُ مِقْدَارِ المُدَّة. وَتَقُولُ: وقَّتَ الشيءَ يُوَقِّته، ووَقَتَهُ يَقِتُه إِذا بَيَّنَ حَدَّه، ثُمَّ اتُّسِعَ فِيهِ فأُطْلِقَ عَلَى الْمَكَانِ،(2/107)
فَقِيلَ لِلْمَوْضِعِ: مِيقاتٌ، وَهُوَ مِفْعال مِنْهُ، وأَصله مِوْقاتٌ، فقُلبت الْوَاوُ يَاءً لِكَسْرَةِ الْمِيمُ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ: لَمْ يَقِتْ رسولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي الْخَمْرِ حَدًّا
أَي لَمْ يُقَدِّرْ، وَلَمْ يَحُدَّه بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ. والمِيقاتُ: مَصْدَرُ الوَقْتِ. والآخرةُ: مِيقاتُ الْخَلْقِ. ومواضعُ الإِحرام: مواقيتُ الحاجِّ. والهلالُ: ميقاتُ الشَّهْرِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ كَذَلِكَ. وَتَقُولُ: وَقَتَه، فَهُوَ مَوْقُوت إِذا بَيَّن لِلْفِعْلِ وَقْتاً يُفْعَلُ فِيهِ. والتَّوْقيت: تحديدُ الأَوقات. وَتَقُولُ: وَقَّتُّه لِيَوْمِ كَذَا مِثْلَ أَجَّلْته. والمَوْقِتُ، مَفْعِلٌ: مِن الوَقْت؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
والجامعُ الناسِ لِيَوْمِ المَوْقِتِ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ
. قَالَ الزَّجَّاجُ: جُعل لَهَا وَقْتٌ وَاحِدٌ للفَصْل فِي الْقَضَاءِ بَيْنَ الأُمة؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: جُمِعَتْ لِوَقْتِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ واجْتَمع القُرّاء عَلَى هَمْزِهَا، وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: وُقِّتَتْ، وقرأَها أَبو جَعْفَرٍ المَدَنيُّ وُقِتَتْ، خَفِيفَةً بِالْوَاوِ، وإِنما هُمِزَتْ لأَن الْوَاوَ إِذا كَانَتْ أَولَ حَرْفٍ وضُمَّتْ، هُمِزت؛ يُقَالُ: هَذِهِ أُجُوهٌ حسانٌ بِالْهَمْزِ، وَذَلِكَ لأَن ضَمَّةَ الْوَاوِ ثَقِيلَةٌ، وأُقِّتَتْ لُغَةٌ، مِثْلُ وُجُوه وأُجُوه.
وَكَتَ: الوَكْتُ: الأَثر الْيَسِيرُ فِي الشَّيْءِ. والوَكْتَةُ: شِبْهُ النُّقطة فِي الْعَيْنِ. ابْنُ سِيدَهْ: الوَكْتَةُ فِي الْعَيْنِ نُقْطَةٌ حَمْرَاءُ فِي بَيَاضِهَا، قِيلَ: فإِن غُفِلَ عَنْهَا صَارَتْ وَدْقةً؛ وَقِيلَ: هِيَ نُقْطة بَيْضَاءُ فِي سَوَادِهَا. وَعَيْنٌ مَوْكُوتةٌ: فِيهَا وَكْتة، إِذا كَانَ فِي سَوَادِهَا نُقْطةُ بياضٍ. غَيْرُهُ: الوَكْتة: كَالنُّقْطَةِ فِي الشَّيْءِ، يُقَالُ: فِي عَيْنِهِ وَكْتة. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا يَحْلِفُ أَحدٌ وَلَوْ عَلَى مِثل جَناحِ بَعوضة، إِلَّا كَانَتْ وكْتةً فِي قَلْبِهِ.
الوَكْتة: الأَثَرُ فِي الشَّيْءِ، كالنُّقْطة، مِنْ غَيْرِ لَوْنِهِ، وَالْجَمْعُ وَكْتٌ؛ وَمِنْهُ قِيلَ للبُسْر إِذا وَقَعَتْ فِيهِ نُقْطة مِنَ الإِرْطاب: قَدْ وَكَتَ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
حُذَيْفَةَ؛ ويَظلُّ أَثَرُها كأَثَر الوَكْتِ.
وَوَكَتَ الكتابَ وَكْتاً: نَقَطَه. والوَكْتة والوَكْتُ فِي الرُّطَبة: نُقْطة تَظْهَر فِيهَا مِنَ الإِرْطاب. وَفِي التَّهْذِيبِ: إِذا بَدَا فِي الرُّطَب نُقَط مِنَ الإِرْطاب، قِيلَ: قَدْ وَكَّتَ، فإِذا أَتاها التَّوْكيتُ مِنْ قِبَلِ ذَنَبها، فَهِيَ مُذَنِّبَةٌ. الْمُحْكَمُ: ووَكَّتَتِ البُسْرة تَوْكِيتاً: صَارَ فِيهَا نُقَطٌ مِنَ الإِرْطابِ؛ وَهِيَ بُسْرة مُوَكِّتة ومُوَكِّتٌ؛ الأَخيرة عَنِ السِّيرَافِيِّ. وَوكَتَتِ الدابةُ وَكْتاً: أَسْرَعَتْ رفْع قَوَائِمِهَا ووَضْعَها. وَوكتَ المَشْيَ وَكْتاً ووَكَتاناً: وَهُوَ تَقارُبُ الخَطْو فِي ثِقَل وقُبْحِ مَشْيٍ؛ قَالَ:
ومَشْيٍ كهَزِّ الرُّمْحِ، بادٍ جَمالُه، ... إِذا وَكَتَ المَشْيَ القِصارُ الدَّحادِحُ
وَوكَّتَ فِي سَيْره، وَهُوَ صِنْفٌ مِنْهُ. وَرَجُلٌ وَكَّاتٌ؛ هَذِهِ عَنْ كُرَاعٍ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَن وَكَّاتاً، عَلَى وَكَتَ المَشْيَ، وَلَوْ كَانَ عَلَى مَا حَكَاهُ كُرَاعٌ لَكَانَ مُوَكِّتاً. شَمِرٌ: الوَكْتُ فِي المَشْي هِيَ القَرْمَطَةُ، وَالشَّيْءُ الْيَسِيرُ. وقِرْبَةٌ مَوْكُوتة: مَمْلُوءَةٌ؛ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالْمَعْرُوفُ مَزكُوتة. الْفَرَّاءُ: وَكَتَ القَدَحَ، ووَكَّته، وزَكَتَه، وزَكَّتَه إِذا ملأَه.
وَلَتَ: ولَتَه حَقَّه وَلْتاً: نَقَصَه. وَفِي حَدِيثِ الشُّورَى:
وتُولِتُوا أَعْمالكم
أَي تَنْقُصوها؛ يُقَالُ:(2/108)
لاتَ يَلِيتُ، وأَلَتَ يَأْلِتُ، وَهُوَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ أَوْلَتَ يُولِتُ، أَو مِنْ آلَتَ يُؤْلِتُ إِن كَانَ مَهْمُوزًا؛ قَالَ الْقُتِيبِيُّ: وَلَمْ أَسمع هَذِهِ اللُّغَةَ إِلا من هذا الحديث.
وَهَتَ: وَهَتَ الشيءَ وَهْتاً: داسَه دَوساً شَدِيدًا. والوَهْتةُ: الهَبْطَةُ مِنَ الأَرض، وَجَمْعُهَا وَهْتٌ. وَقَدْ وَهَتَه يَهِتُه وَهْتاً إِذا ضَغَطَه، فَهُوَ مَوْهُوت. وأَوْهَتَ اللحمُ يُوهِتُ، لُغَةٌ فِي أَيْهَتَ: أَنْتَنَ؛ وإِنما صَارَتِ الْيَاءُ فِي يُوهِتُ وَاوًا لِضَمِّ مَا قَبْلَهَا. الأُمَوِيُّ: المُوهِتُ اللَّحْمُ المُنْتنُ، وَقَدْ أَيْهَتَ إِيهاتاً، والله أَعلم.
فصل الياء المثناة تحتها
يَقِتُ: الْجَوْهَرِيُّ: الياقُوتُ، يُقَالُ فارسيٌّ مُعَرَّبٌ، وَهُوَ فاعُول، الْوَاحِدَةُ: يَاقُوتَةٌ، وَالْجَمْعُ: الْيَوَاقِيتُ.
يَنْبُتُ: التَّهْذِيبُ فِي الرُّبَاعِيِّ، أَبو زَيْدٍ: وَمِنَ العِضِّ اليَنْبُوت، وَالْوَاحِدَةُ: يَنْبوتة، وَهِيَ شَجَرَةٌ شَاكَّةٌ ذاتُ غِصَنَةٍ ووَرَقٍ، وثمرُها جَرْوٌ، والجَرْوُ: وِعاء بَذْرِ الكَعابير الَّتِي في رؤوس الْعِيدَانِ، وَلَا يَكُونُ فِي غير الرؤوس إِلا فِي مُحَقَّراتِ الشَّجَرِ، وإِنما سُمِّيَ جَرْواً لأَنه مُدَحْرَجٌ، وَهُوَ مِنَ الشِّرْسِ والعِضِّ، وَلَيْسَ مِنَ العِضاهِ.
يَهِتُ: أَيْهَتَ الجُرْحُ يُوهِتُ، وكذلك اللحم: أَنْتَنَ.(2/109)
فصل الثاء المثلثة
ث: الثَّاءُ مِنَ الْحُرُوفِ اللِّثَوِيَّة، وَهِيَ مِنَ الْحُرُوفِ الْمَهْمُوسَةِ، وَهِيَ وَالظَّاءُ وَالذَّالُ فِي حيز واحد.
أبث: أَبَثَ عَلَى الرَّجُلِ يَأْبِثُ أَبْثاً: سَبَّه عِنْدَ السُّلْطَانِ خَاصَّةً. التَّهْذِيبُ: الأَبْثُ الفَقْر؛ وَقَدْ أَبَثَ يَأْبِثُ أَبْثاً. الْجَوْهَرِيُّ: الأَبِثُ الأَشِرُ النَّشِيطُ؛ قَالَ أَبو زُرارة النَّصْرِيُّ:
أَصْبَحَ عَمَّارٌ نَشِيطاً أَبِثا، ... يَأْكُلُ لَحْماً بائِتاً، قَدْ كَبِثا
كَبِثَ: أَنْتَنَ وأَرْوَحَ. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: أَبِثَ الرجلُ، بِالْكَسْرِ، يَأْبَثُ: وَهُوَ أَن يَشْرَبَ اللبَن حَتَّى يَنْتَفِخَ ويأْخذَه كَهَيْئَةِ السُّكْر؛ قَالَ: وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلا مِنْ أَلبان الإِبل.
أثث: الأَثاثُ والأَثاثةُ والأُثوثُ: الْكَثْرَةُ والعِظَمُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ؛ أَثَّ يَأَثُّ ويَئِثُّ ويَؤُثُّ أَثًّا وأَثاثةً، فَهُوَ أَثٌّ، مَقْصُورٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: عِنْدِي أَنه فَعْلٌ، وَكَذَلِكَ أَثِيثٌ، والأُنثى أَثِيثة، وَالْجَمْعُ أَثائِثُ وأَثايِثُ. وَيُقَالُ: أَثَّ النباتُ يَئِثُّ أَثاثةً أَي كثُر والتَفَّ، وَهُوَ أَثِيثٌ، وَيُوصَفُ بِهِ الشَّعَر الكثير، والنباتُ المُلْتف؛ قال امْرُؤُ الْقَيْسِ:
أَثِيثٌ كَقِنْوِ النَّخْلة المُتَعَثْكِلِ
وشَعَر أَثِيثٌ: غَزِيرٌ طَوِيلٌ، وَكَذَلِكَ النَّبَاتُ، وَالْفِعْلُ كَالْفِعْلِ؛ ولِحْية أَثَّة كَثَّة: أَثِيثة. وأَثَّتِ المرأَةُ تَئِثُّ أَثًّا: عَظُمَتْ عجيزتُها؛ قَالَ الطِّرِمَّاح:
إِذا أَدْبَرَتْ أَثَّتْ، وإِنْ هِيَ أَقْبَلَتْ، ... فَرُؤْدُ الأَعالي، شَخْتةُ المُتَوَشَّحِ
وامرأَةٌ أَثِيثةٌ: أَثِيرة، كَثِيرَةُ اللَّحْمِ، وَالْجَمْعُ إِثاثٌ وأَثائثُ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
وَمِنْ هَوايَ الرُّجُحُ الأَثائثُ، ... تُمِيلُها أَعجازُها الأَواعِثُ(2/110)
وأَثَّثَ الشيءَ: وَطَّأَه ووثَّرَه. والأَثاثُ: الْكَثِيرُ مِنَ الْمَالِ؛ وَقِيلَ: كثرةُ الْمَالِ؛ وَقِيلَ: المالُ كلُّه والمتاعُ مَا كَانَ مِنْ لِباسٍ، أَو حَشْوٍ لفراشٍ، أَو دِثارٍ، واحدتُه أَثاثةٌ؛ وَاشْتَقَّهُ ابْنُ دُرَيْدٍ مِنَ الشَّيْءِ المُؤَثَّثِ أَي المُوَثَّر. وَفِي التَّنْزِيلِ العزيز: أَثاثاً وَرِءْياً
؛ الْفَرَّاءُ: الأَثاثُ المَتاع، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبو زَيْدٍ. والأَثاثُ: المالُ أَجمع، الإِبل وَالْغَنَمُ وَالْعَبِيدُ وَالْمَتَاعُ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الأَثاثُ لَا وَاحِدَ لَهَا، كَمَا أَن المَتاع لَا واحدَ لَهُ، قَالَ: وَلَوْ جمعتَ الأَثاثَ، لَقُلْتَ: ثلاثةُ آثَّةٍ، وأُثُثٌ كَثِيرَةٌ. والأَثاثُ: أَنواعُ المَتاع مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ وَنَحْوِهِ. وتأَثَّثَ الرجلُ: أَصابَ خَيْرًا؛ وَفِي الصِّحَاحِ: أَصابَ رِياشاً. وأُثاثةُ: اسْمُ رَجُلٍ، بِالضَّمِّ؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: أَحسِبُ أَن اشْتِقَاقَهُ من هذا.
أرث: أَرَّثَ بَيْنَ الْقَوْمِ: أَفْسَدَ. والتَّأْرِيثٌ: الإِغْراء بَيْنَ الْقَوْمِ. والتَّأْرِيثُ أَيضاً: إِيقادُ النَّارِ. وأَرَّثَ النارَ: أَوْقَدها؛ قَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ:
وَلَهَا ظَبْيٌ يُؤَرِّثُها، ... عاقِدٌ فِي الجِيدِ تِقْصارا
وتَأَرَّثَتْ، هِيَ: اتَّقَدَتْ؛ قَالَ:
فإِنَّ، بأَعْلى ذِي المَجازة، سَرْحةً ... طَويلًا، عَلَى أَهل المَجازة، عارُها
ولو ضَرَبُوها بالفُؤُوسِ، وحَرَّقُوا ... عَلَى أَصْلِها، حَتَّى تَأَرَّثَ نارُها
وَفِي حَدِيثِ
أَسلم، قَالَ: كُنْتُ مَعَ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وإِذا نارٌ تُؤَرَّثُ بصِرارٍ.
التأْريثُ: إِيقادُ النَّارِ وإِذْكاؤُها. والإِراثُ والأَرِيثُ: النارُ. وصِرارٌ، بِالصَّادِّ الْمُهْمَلَةِ: مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنَ الْمَدِينَةِ. والإِراثُ: مَا أُعِدَّ لِلنَّارِ مِنْ حُراقةٍ وَنَحْوِهَا؛ وَقِيلَ: هِيَ النارُ نفْسُها؛ قَالَ:
مُحَجَّلُ رِجْلَيْنِ، طَلْقُ اليَدَيْن، ... لَهُ غُرَّةٌ مثلُ ضَوْءِ الإِراثِ
وَيُقَالُ: أَرَّثَ فلانٌ بَيْنَهُمُ الشَّرَّ والحَرْبَ تَأْرِيثاً، وأَرَّجَ تَأْرِيجاً إِذا أَغرى بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ، وَهُوَ إِيقادُها؛ وأَنشد أَبو عُبَيْدٍ لعدِيِّ بْنِ زَيْدٍ:
وَلَهَا ظَبْيٌ يُؤَرِّثُها
والأُرْثةُ، بِالضَّمِّ: عُودٌ أَو سِرْجِينٌ يُدْفَنُ فِي الرَّماد، وَيُوضَعُ عِنْدَهُ لِيَكُونَ ثُقوباً لِلنَّارِ، عُدَّةً لَهَا إِذا احْتِيج إِليها. والإِراثُ: الرَّماد؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤية:
عَفَا غيْرَ إِرْثٍ مِنْ رَماد، كأَنه ... حَمامٌ، بأَلبادِ القِطارِ، جُثُومُ
قَالَ السُّكَّرِيُّ: أَلباد القِطار مَا لَبَّدَهُ القَطْر. والإِرْثُ: الأَصلُ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: الإِرْثُ فِي الحَسَب، والوِرثُ فِي الْمَالِ. وَحَكَى يَعْقُوبُ: إِنه لَفِي إِرْثِ مَجْدٍ وإِرْفِ مَجْدٍ، عَلَى الْبَدَلِ. الْجَوْهَرِيُّ: الإِرْثُ المِيراثُ، وأَصل الْهَمْزَةِ فِيهِ وَاوٌ. يُقَالُ: هُوَ فِي إِرْثِ صِدْقٍ أَي فِي أَصلِ صِدْقٍ، وَهُوَ عَلَى إِرثٍ مِنْ كَذَا أَي عَلَى أَمر قَدِيمٍ تَوارَثه الآخِرُ عَنِ الأَوَّل. وَفِي حَدِيثِ الْحَجِّ:
إِنكم عَلَى إِرْثٍ مِنْ إِرث أَبيكم إِبراهيم
، يُرِيدُ بِهِ ميراثَهم مِلَّته، ومن هاهنا لِلتَّبْيِينِ مِثْلُهَا فِي قَوْلِهِ: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ. وأَصلُ هَمْزَتِهِ وَاوٌ، لأَنه مِنْ وَرِثَ(2/111)
يَرِثُ. والإِرْثُ مِنَ الشَّيْءِ: الْبَقِيَّةُ مِنْ أَصله، وَالْجَمْعُ إِراث؛ قَالَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ:
فأَوْرَدَهُنَّ مِنَ الدَّوْنَكَيْن، ... حَشارِجَ يَحْفِرْنَ مِنْهَا إِراثا
والأُرْثة: سوادٌ وَبَيَاضٌ. كبشٌ آرَثُ وَنَعْجَةٌ أَرْثاء: وَهِيَ الرَّقْطاء، فِيهَا سَوَادٌ وَبَيَاضٌ. والأُرَثُ والأُرَفُ: الحُدودُ بَيْنَ الأَرضين، وَاحِدَتُهَا أُرْثة وأُرْفة. ابْنُ سِيدَهْ: والأُرْثة الحَدُّ بَيْنَ الأَرْضَين، وأَرَّثَ الأَرْضَيْن: جَعَلَ بَيْنَهُمَا أُرْثة؛ قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الأُرْثَة المكانُ ذُو الأَراضَة السَّهْلُ؛ قَالَ: والأُرْثُ شَبِيهٌ بالكُعْر، إِلَّا أَن الكْعرَ أَبْسَطُ مِنْهُ، قَالَ: وَلَهُ قَضِيبٌ واحدٌ فِي وَسَطِهِ وَفِي رأْسه، مثلُ الفِهْر المُصَعْنَب، غَيْرَ أَن لَا شَوْك فِيهِ، فإِذا جَفَّ تطايرَ لَيْسَ فِي جَوْفِهِ شَيْءٌ، وَهُوَ مَرْعًى للإِبل خَاصَّةً تَسْمَنُ عَلَيْهِ، غَيْرَ أَنه يُورِثُها الجَرَبَ، ومنابتُه غَلْظُ الأَرض. والأُرْثة: الأَكَمَةُ الحمراء.
أنث: الأُنْثى: خلافُ الذَّكَرِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَالْجَمْعُ إِناثٌ؛ وأُنُثٌ: جَمْعُ إِناث، كَحِمَارٍ وحُمُر. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً
؛ وَقُرِئَ: إِلا أُنُثاً، جَمْعَ إِناث، مِثْلَ تِمارٍ وتُمُر؛ ومَن قرأَ إِلا إِناثاً، قِيلَ: أَراد إِلا مَواتاً مِثْلَ الحَجَر والخَشَب وَالشَّجَرِ والمَوات، كلُّها يُخْبَرُ عَنْهَا كَمَا يُخْبر عَنِ المُؤَنث؛ وَيُقَالُ للمَوات الَّذِي هُوَ خِلَافُ الحَيوان: الإِناثُ. الْفَرَّاءُ: تَقُولُ الْعَرَبُ: اللَّاتُ والعُزَّى وأَشباهُها مِنَ الْآلِهَةِ المؤَنثة؛
وقرأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِن يَدْعون مِنْ دُونِهِ إِلا أُثُناً
؛ قَالَ الفراءُ: هُوَ جَمْعُ الوَثَنْ فَضَمَّ الْوَاوَ وَهَمَزَهَا. كَمَا قَالُوا: وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ. والمُؤَنَّث: ذَكَرٌ فِي خَلْق أُنْثى؛ والإِناثُ: جَمَاعَةُ الأُنْثى ويجيءُ فِي الشِّعْرِ أَناثى. وإِذا قُلْتَ للشيءِ تُؤَنِّثه، فالنَّعْتُ بِالْهَاءِ، مِثْلُ المرأَة، فإِذا قُلْتَ يُؤَنث، فَالنَّعْتُ مِثْلُ الرَّجُلِ بِغَيْرِ هاءٍ، كَقَوْلِكَ مؤَنثة ومؤَنث. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: أَنَّثْتُ تَأْنيثاً أَي لِنْتَ لَهُ، وَلَمْ تَتَشَدَّد. وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: تَأَنَّثَ فِي أَمره وتَخَنَّثَ. والأَنِيثُ مِنَ الرِّجَالِ: المُخَنَّثُ، شِبْه المرأَة؛ وقال الْكُمَيْتُ فِي الرَّجُلِ الأَنيثِ:
وشَذَّبْتَ عَنْهُمْ شَوْكَ كلِّ قَتادةٍ ... بفارسَ، يَخْشاها الأَنِيثُ المُغَمَّزُ
والتأْنِيثُ: خلافُ التَّذْكِيرِ، وَهِيَ الأَناثةُ. وَيُقَالُ: هَذِهِ امرأَة أُنثى إِذا مُدِحَتْ بأَنها كَامِلَةٌ مِنَ النِّسَاءِ، كَمَا يُقَالُ: رَجَلٌ ذَكَر إِذا وُصِفَ بِالْكَمَالِ. ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ هَذَا طائرٌ وأُنْثاه، وَلَا يُقَالُ: وأُنْثاتُه. وتأْنيثُ الِاسْمِ: خلافُ تَذْكِيرِهِ؛ وَقَدْ أَنَّثْته، فتَأَنَّثَ. والأُنثَيان: الخُصْيتانِ، وَهُمَا أَيضاً الأُذُنانِ، يَمَانِيَّةٌ؛ وأَنشد الأَزهري لِذِي الرُّمَّةِ:
وكُنَّا، إِذا القَيْسيُّ نَبَّ عَتُودُه، ... ضَرَبْناه فوقَ الأُنْثَيَيْنِ عَلَى الكَرْدِ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ، وَقَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:
وَكُنَّا، إِذا الجَبَّارُ صَعَّر خَدَّه، ... ضَرَبْناه تحتَ الأُنْثَيينِ عَلَى الكَرْد
قَالَ: يَعْنِي الأُذُنَيْن، لأَنَّ الأُذُنَ أُنثى. وأَورد الْجَوْهَرِيُّ هَذَا الْبَيْتَ عَلَى مَا أَورده الأَزهري لذي الرُّمَّةِ، وَلَمْ يَنْسُبْه لأَحد؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْبَيْتُ(2/112)
لِلْفَرَزْدَقِ، قَالَ وَالْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ:
وَكُنَّا إِذا الجَبَّار صَعَّرَ خَدَّه
كَمَا أَورده ابْنُ سِيدَهْ. والكَرْدُ: أَصل العُنق؛ وَقَوْلُ الْعَجَّاجُ:
وكلُّ أُنْثى حَمَلَتْ أَحجارا
يَعْنِي المِنْجَنيقَ لأَنها مؤَنثة؛ وَقَوْلُهَا «5» فِي صِفَةِ فَرَسٍ:
تَمَطَّقَتْ أُنْثَياها بالعَرَقْ، ... تَمَطُّقَ الشَّيْخِ العَجُوزِ بالمَرَقْ
عَنَتْ بأُنْثَييها: رَبَلَتَيْ فَخِذَيْها. والأُنْثَيان: مِنْ أَحياءِ الْعَرَبِ بَجيلة وقُضاعة، عَنْ أَبي العَمَيْثَل الأَعرابي؛ وأَنشد لِلْكُمَيْتِ:
فَيَا عَجَبا للأُنْثَيَيْن تَهادَتا ... أَذاتيَ، إِبْراقَ البَغايا إِلى الشَّرْبِ
وآنَثَتِ المرأَةُ، وَهِيَ مُؤْنِثٌ: وَلَدَتِ الإِناثَ، فإِن كَانَ ذَلِكَ لَهَا عَادَةً، فَهِيَ مِئْناثٌ، والرجلُ مِئْناثٌ أَيضا، لأَنهما يَسْتَوِيَانِ فِي مِفْعال. وَفِي حَدِيثِ
المُغيرةِ: فُضُلٌ مِئْناثٌ.
المئْناثُ: الَّتِي تَلِدُ الإِناثَ كَثِيرًا، كالمِذْكارِ: الَّتِي تَلِدُ الذُّكُورَ. وأَرض مِئْناثٌ وأَنيثةٌ: سَهْلة مُنْبِتة، خَلِيقةٌ بالنَّبات، لَيْسَتْ بِغَلِيظَةٍ؛ وَفِي الصِّحَاحِ: تُنْبتُ البَقْلَ سَهْلةٌ. وبلدٌ أَنِيثٌ: لَيِّنٌ سَهْل؛ حَكَاهُ ابْنُ الأَعرابي. ومكانٌ أَنِيثٌ إِذا أَسْرَع نباتُه وكَثُر؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
بمَيْثٍ أَنيثٍ فِي رياضٍ دَمِيثةٍ، ... يُحيلُ سَوافِيها بماءِ فَضِيضِ
وَمِنْ كَلَامِهِمْ: بَلَدٌ دَمِيثٌ أَنِيثٌ طَيِّبُ الرَّيْعةِ، مَرْتُ العُودِ. وَزَعَمَ ابْنُ الأَعرابي أَن المرأَة إِنما سُمِّيَتْ أُنثى، مِنَ الْبَلَدِ الأَنيث، قَالَ: لأَن المرأَة أَلْيَنُ مِنَ الرَّجُلِ، وَسُمِّيَتْ أُنثى لِلِينِهَا. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فأَصْلُ هَذَا الْبَابِ، عَلَى قَوْلِهِ، إِنما هُوَ الأَنيثُ الَّذِي هُوَ اللَّيِّنُ؛ قَالَ الأَزهري: وأَنشدني أَبو الْهَيْثَمِ:
كأَنَّ حَصانا فَصٌّها التينُ، حُرَّةً، ... عَلَى حيثُ تَدْمى بالفِناءِ حَصيرُها
قَالَ، يَقُولُهُ الشَّمَّاخُ: والحَصانُ هَاهُنَا الدُّرَّة مِنَ الْبَحْرِ فِي صَدَفَتِها تُدْعَى التِّينَ. والحَصِيرُ: موضعُ الحَصِير الَّذِي يُجْلَس عَلَيْهِ، شَبَّه الجاريةَ بالدُّرَّة. والأَنِيثُ: مَا كَانَ مِنَ الحَديد غيرَ ذَكَر. وحديدٌ أَنيثٌ: غَيْرُ ذَكِير. والأَنيثُ مِنَ السُّيوف: الَّذِي مِنْ حديدٍ غَيْرُ ذَكَر؛ وَقِيلَ: هُوَ نحوٌ مَنِ الكَهام؛ قَالَ صَخْرُ الغَيِّ:
فيُعْلِمهُ بأَنَّ العَقْل عِنْدي ... جُرازٌ، لَا أَفَلُّ، وَلَا أَنِيثُ
أَي لَا أُعْطِيهِ إِلا السَّيْفَ القاطعَ، وَلَا أُعْطيه الدِّيةَ. والمُؤَنَّثُ: كالأَنِيث؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
وَمَا يَسْتَوي سَيْفانِ: سَيْفٌ مُؤَنَّثٌ، ... وسَيْفٌ، إِذا مَا عَضَّ بالعَظْمِ صَمَّما
وسيفٌ أَنِيثٌ: وَهُوَ الَّذِي لَيْسَ بِقَاطِعٍ. وَسَيْفٌ مِئْناثٌ ومِئناثة، بالهاءِ، عَنِ اللِّحْيَانِيِّ إِذا كَانَتْ حَديدتُه لَيِّنة، تأْنِيثُه عَلَى إِرادة الشَّفْرة، أَو الْحَدِيدَةِ، أَو السِّلَاحِ. الأَصمعي: الذَّكَرُ مِنَ السُّيوف شَفْرَتُه حَدِيدٌ ذَكَرٌ، ومَتْناه أَنيثٌ، يَقُولُ الناسُ إِنها مِنْ عَمَل الْجِنِّ. وَرَوَى
إِبراهيم النحعي أَنه قَالَ: كَانُوا يَكْرَهُون المُؤَنَّثَ مِنَ الطِّيب،
__________
(5) . هكذا وردت مؤنثةً.(2/113)
وَلَا يَرَوْنَ بذُكُورته بأْساً
؛ قَالَ شَمِرٌ: أَراد بالمُؤَنَّثِ طِيبَ النساءِ، مِثْلَ الخَلُوق والزَّعْفران، وَمَا يُلَوِّنُ الثيابَ، وأَما ذُكورةُ الطِّيبِ، فَمَا لَا لَوْنَ لَهُ، مثلُ الْغَالِيَةِ وَالْكَافُورِ والمِسْكِ والعُود والعَنْبَر، وَنَحْوِهَا مِنَ الأَدهان التي لا تُؤَثِّرُ.
فصل الباء الموحدة
بثث: بَثَّ الشيءَ والخَبَرَ يَبُثُّه ويَبِثُّه بَثّاً، وأَبَثَّه، بِمَعْنَى، فانْبَثَّ: فَرَّقه فتَفَرَّقَ، ونَشَره؛ وَكَذَلِكَ بَثَّ الخيلَ فِي الْغَارَةِ يَبُثُّها بَثّاً فانْبَثَّتْ، وبَثَّ الصيادُ كلابَه يَبُثُّها بَثّاً؛ وانْبَثَّ الجَرادُ فِي الأَرض: انْتَشَر؛ وخَلَقَ اللهُ الخلْقَ، فبَثَّهم فِي الأَرض. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً
؛ أَي نَشَر وكَثَّر؛ وَفِي حَدِيثِ
أُم زَرْع: زَوْجي لَا أَبُثُّ خَبَره
أَي لَا أَنْشُره لقُبْح آثَارِهِ. وبُثَّت البُسُطُ إِذا بُسِطَتْ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ
؛ قَالَ الفراءُ: مَبْثُوثة كَثِيرَةٌ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا
؛ أَي غُباراً مُنتَشِراً. وتَمْرٌ بَثٌّ إِذا لَمْ يُجَوَّدْ كَنْزُه فتَفَرَّقَ؛ وَقِيلَ: هُوَ المنْتَثِرُ الَّذِي لَيْسَ فِي جِرابٍ، وَلَا وِعَاءٍ كَفَثٍّ، وَهُوَ كَقَوْلِهِمْ: ماءٌ غَوْرٌ؛ قَالَ الأَصمعي: تَمْرٌ بَثٌّ إِذا كَانَ منْثُوراً مُتَفَرِّقاً بعضُه مِنْ بَعْضٍ. وبَثْبَثَ الترابَ: اسْتَثاره وكَشَفَه عَمَّا تَحْتَه. وَفِي حَدِيثِ
عَبْدِ اللَّهِ: فَلَمَّا حَضَرَ اليهوديَّ المَوْتُ، قَالَ: بَثْبِثُوه
أَي كَشِّفُوه؛ حَكَاهُ الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ، وَهُوَ مِنَ البَثِّ إِظهارِ الْحَدِيثِ، والأَصلُ فِيهِ بَثِّثُوه، فأُبدل مِنَ الثَّاءِ الْوُسْطَى بَاءً تَخْفِيفًا، كَمَا قَالُوا فِي حَثَّثْتُ: حَثْحَثْتُ. وأَبَثَّه الحديثَ: أَطْلَعه عَلَيْهِ؛ قَالَ أَبو كَبِيرٍ:
ثُمَّ انْصَرَفْتُ، وَلَا أَبُثُّكَ حِيبَتي، ... رَعِشَ البَنانِ، أَطِيشُ مَشْيَ الأَصْوَرِ
أَراد: وَلَا أُخْبِرُك بِكُلِّ سُوء حَالَتِي. والبَثُّ: الحالُ والحُزْنُ، يُقَالُ: أَبْثَثْتُك أَي أَظْهَرْتُ لَكَ بَثِّي. وَفِي حَدِيثِ
أُم زَرْعٍ: لَا تَبُثُّ حديثَنا تَبْثيثاً
؛ وَيُرْوَى تَنُثُّ، بِالنُّونِ، بِمَعْنَاهُ. واسْتَبَثَّه إِياه: طَلَبَ إِليه أَن يَبُثَّه إِياه. والبَثُّ: الحُزْنُ والغَمُّ الَّذِي تُفْضِي بِهِ إِلى صَاحِبِكَ. وَفِي حَدِيثِ
أُم زَرْعٍ: لَا يُولِجُ الكَفَّ ليَعْلَم البَثَ
؛ قَالَ: البَثُّ فِي الأَصل شدَّة الحُزْن، والمرضُ الشديدُ، كأَنه مِنْ شدَته يَبُثُّه صاحبَه. الْمَعْنَى: أَنه كَانَ بِجَسَدِهَا عَيْبٌ أَو دَاءٌ، فَكَّانِ لَا يُدْخِلُ يَدَه فِي ثَوْبِهَا فيَمَسَّه، لعِلْمِه أَن ذَلِكَ يُؤْذيها؛ تَصِفُه باللُّطْفِ؛ وَقِيلَ: إِن ذَلِكَ ذَمٌّ لَهُ أَي لَا يَتَفَقَّد أُمورَها ومصالحَها، كَقَوْلِهِمْ: مَا أُدْخِلُ يَدِي فِي هَذَا الأَمْر أَي لَا أَتَفَقَّدُه. وَفِي حَدِيثِ
كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: فَلَمَّا تَوَجَّه قافِلًا مِنْ تبوكَ حَضَرني بَثِّي
أَي اشْتَدَّ حُزْني. وَيُقَالُ: أَبْثَثْتُ فُلَانًا سِرِّي، بالأَلف، إِبْثاثاً أَي أَطْلَعْتُه عَلَيْهِ وأَظْهَرْته لَهُ. وبَثَّثْتُ الخَبر، شُدِّد لِلْمُبَالَغَةِ، فانْبَثَّ أَي انْتَشَر. وبَثْبَثْتُ الأَمْرَ إِذا فَتَّشْتَ عَنْهُ وتَخَبَّرْته. وبَثْبَثْتُ الخَبَر بَثْبَثةً: نَشَرْتُه، والغُبارَ: هَيَّجتُه.
بحث: البَحْثُ: طَلَبُكَ الشيءَ فِي التُّراب؛ بَحَثَه يَبْحَثُه بَحْثاً، وابْتَحَثَه. وَفِي الْمَثَلِ: كالباحِثِ عَنِ الشَّفْرة. وَفِي آخَرَ: كباحِثةٍ(2/114)
عَنْ حَتْفها بظِلْفها؛ وَذَلِكَ أَن شَاةً بَحَثَتْ عَنْ سِكِّين فِي التُّرَابِ بظِلْفِها ثُمَّ ذُبِحَتْ بِهِ. الأَزهري: البَحُوثُ مِنَ الإِبل الَّتِي إِذا سارتْ بَحَثَتِ الترابَ بأَيديها أُخُراً أَي ترمِي إِلى خَلْفِها؛ قَالَهُ أَبو عَمْرٍو. والبَحوثُ: الإِبلُ تَبْتَحثُ الترابَ بأَخْفافِها، أُخُراً فِي سَيرها. والبَحْثُ: أَن تَسْأَل عَنْ شَيْءٍ، وتَسْتَخْبر. وبَحَثَ عَنِ الخَبر وبَحَثَه يَبْحَثُه بَحْثاً: سأَل، وَكَذَلِكَ اسْتَبْحَثَه، واسْتَبْحَثَ عَنْهُ. الأَزهري: اسْتَبْحَثْتُ وابْتَحَثْتُ وتَبَحَّثْتُ عَنِ الشَّيْءِ، بِمَعْنًى وَاحِدٍ أَي فَتَّشْتُ عَنْهُ. والبَحْث: الحَيَّةُ الْعَظِيمَةُ لأَنها تَبْحَثُ التُّرابَ. وتَرَكْتُه بمباحِثِ البَقَر أَي بِالْمَكَانِ القَفْر؛ يَعْنِي بحيثُ لَا يُدْرى أَين هُوَ. والباحِثاء، مِنْ جِحَرة الْيَرَابِيعِ: تُرابٌ يُخَيَّلُ إِليكَ أَنه القاصِعاء، وَلَيْسَ بِهَا، والجمعُ باحِثاواتُ. وسُورةُ بَراءةَ كَانَ يُقَالُ لَهَا: البُحُوثُ، سمِّيت بِذَلِكَ لأَنها بَحَثَتْ عَنِ الْمُنَافِقِينَ وأَسرارهم أَي اسْتَثارتْها وفَتَّشَتْ عَنْهَا. وَفِي حَدِيثِ
المِقداد: أَبَتْ عَلَيْنَا سُورةُ البُحوثِ، انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا
؛ يَعْنِي سورةَ التَّوْبَةِ. والبُحوثُ: جَمْعُ بَحْثٍ. قَالَ ابْنُ الأَثير: ورأَيت فِي الْفَائِقِ سُورَةَ البَحُوث، بِفَتْحِ الْبَاءِ، قَالَ: فإِن صَحَّتْ، فَهِيَ فَعُول مِنْ أَبنية الْمُبَالِغَةِ، وَيَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ والأُنثى، كامرأَة صَبور، وَيَكُونُ مِنْ بَابِ إِضافة الْمَوْصُوفِ إِلى الصِّفَةِ. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: البُحَّيْثى مِثَالُ خُلَّيْطَى: لُعْبة يَلْعَبون بِهَا بِالتُّرَابِ كالبُحْثَة. وَقَالَ شَمِرٌ: جَاءَ فِي الْحَدِيثِ
أَن غُلامين كَانَا يَلْعَبانِ البُحْثَةَ
«6» ، وَهُوَ لعبٌ بِالتُّرَابِ. قَالَ: البَحْثُ المَعْدِنُ يُبْحَثُ فِيهِ عَنِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ. قَالَ: والبُحاثَة التُّراب الَّذِي يُبْحَثُ عَمَّا يُطْلَبُ فِيهِ.
برث: البَرْثُ: جبلٌ مِنْ رَمْلٍ، سَهْلُ التُّرَابِ، لَيِّنه. والبَرْثُ: الأَرض السَّهْلة اللَّيِّنة. والبَرْثُ: أَسهلُ الأَرض وأَحسَنُها. أَبو عَمْرٍو: سَمِعْتُ ابنَ الفَقْعَسِيِّ يَقُولُ، وسأَلته عَنْ نَجْد، فَقَالَ: إِذا جاوزتَ الرَّمْلَ فصِرْتَ إِلى تِلْكَ البِراثِ، كأَنها السَّنامُ المُشَقَّقُ. الأَصمعي وَابْنُ الأَعرابي: البَرْثُ أَرضٌ لَيِّنَةٌ مُسْتَوِيَةٌ تُنْبِتُ الشَّعَر؛ وَفِي الْحَدِيثِ:
يَبْعَثُ اللَّهُ مِنْهَا سَبْعِينَ أَلفاً لَا حسابَ عَلَيْهِمْ، وَلَا عذابَ، فِيمَا بَيْنَ البَرْثِ الأَحْمَر وَبَيْنَ كَذَا
؛ البَرْثُ: الأَرضُ اللَّيِّنة؛ قَالَ: يُرِيدُ بِهِ أَرضاً قَرِيبَةً مِنْ حِمْصٍ، قُتِلَ بِهَا جماعةٌ مِنَ الشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ:
بَيْنَ الزَّيْتُونِ إِلى كَذَا بَرْثٌ أَحْمَرُ
؛ والبَرْثُ: مكانٌ ليِّنٌ سهْلٌ يُنْبِتُ النَّجْمة والنَّصِيَّ، والجمعُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ؛ بِراثٌ، وأَبْراثٌ، وبُروثٌ؛ فأَما قَوْلُ رؤْبة:
أَقْفَرَتِ الوَعْساءُ، فالعُثاعِثُ ... مِنْ أَهْلِها، فالبُرَقُ البَرارِثُ
فإِن الأَصمعي قَالَ: جَعَلَ وَاحِدَتَهَا بَرْثِيةً، ثُمَّ جَمَع وَحَذَفَ الْيَاءَ لِلضَّرُورَةِ؛ قَالَ أَحمد بْنُ يَحْيَى: فَلَا أَدري مَا هَذَا؛ وَفِي التَّهْذِيبِ: أَراد أَن يَقُولَ بِراث فَقَالَ بَرارِثُ؛ وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ: يُقَالُ إِنه خطأٌ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: إِنما غَلِطَ رؤْبة فِي قَوْلِهِ فالبُرَقُ البَرارِثُ، مِنْ جِهَةِ أَن بَرْثاً اسْمٌ ثُلَاثِيٌّ، قَالَ: وَلَا يُجْمَعُ الثُّلَاثِيُّ عَلَى مَا جَاءَ عَلَى زِنَةِ فَعالل، قَالَ: وَمَنِ انْتَصَرَ لِرُؤْبَةَ قَالَ يجيءُ الْجَمْعُ عَلَى غَيْرِ وَاحِدِهِ الْمُسْتَعْمَلِ
__________
(6) . قوله [يلعبان البحثة] ضبطت البحثة، بضم الموحدة، بالأَصل كالنهاية وضبطت في القاموس كالتكملة والتهذيب بفتحها.(2/115)
كضَرَّة وضَرائر، وحُرَّة وحَرائر، وكَنَّة وكَنائِن، وَقَالُوا: مَشابِهَ ومَذاكِر فِي جَمْعِ شِبْه وَذكر، وإِنما جَاءَ جَمْعًا لمُشْبِه ومِذْكار، وإِن كَانَا لَمْ يُستعملا؛ وَكَذَلِكَ بَرارِثُ، كأَنَّ واحدَه بُرَّثةٌ وبَرِّيثةٌ، وإِن لَمْ يُستعمل؛ قَالَ: وشاهدُ البَرْثِ لِلْوَاحِدِ قولُ الجَعْديّ:
عَلَى جانِبَيْ حائِرٍ مُفْرَطٍ، ببَرْثٍ، تَبَوَّأْنه، مُعْشِبِ
والحائرٌ: مَا أَمْسَك الماءَ. والمُفْرَطُ: المَمْلُوء. والبَرْثُ: الأَرض الْبَيْضَاءُ، الرَّقِيقَةُ، السَّهْلة، السَّرِيعَةُ النَّبَاتِ؛ عَنْ أَبي عَمْرٍو، وجمعُها بِراثٌ وبِرَثَة. وتَبَوَّأْنَه: أَقَمْنَ بِهِ. وَالضَّمِيرُ فِي تَبَوَّأْنَ يَعُودُ عَلَى نِسَاءٍ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُنَّ؛ وَقَبْلَهُ:
فلمَّا تَخَيَّمْنَ تَحْتَ الأَراكِ، ... والأَثْلِ مِنْ بَلَدٍ طَيِّبِ
أَي ضَرَبْنَ خِيامَهُنَّ فِي الأَراك. والوَعْساءُ: الأَرض اللَّيِّنَةُ ذاتُ الرَّمْلِ. والعَثاعِثُ: جمعُ عَثْعثَة، وَهِيَ الأَرضُ اللَّيِّنَةُ الْبَيْضَاءُ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: قَالَ النَّضْرُ: البَرِثَة إِنما تَكُونُ بَيْنَ سُهُولة الرَّمْل وحُزونة القُفِّ، وَقَالَ: أَرض بَرِثَة، عَلَى مِثَالِ مَا تَقَدَّمَ، مَرِيعةٌ تَكُونُ فِي مَسَاقط الْجِبَالِ. ابْنُ الأَعرابي: البُرْثُ، بِالضَّمِّ: الرجلُ الدَّليلُ الحاذِقُ. التَّهْذِيبُ فِي بَرَتٍ، أَبو عمرو: بَرِتَ الرجلُ إِذا تَحَيَّر؛ وبَرِثَ، بالثاء، إِذا تَنَعَّم تَنَعُّماً وَاسِعًا.
برعث: البُرْعُثُ: الاسْتُ، كالبُعْثُطِ. وبَرْعَثٌ: مكانٌ.
برغث: البَرْغَثَة: لونٌ شَبِيهٌ بالطُّحْلَة. والبُرْغُوثُ: دُوَيبَّة شِبْهُ الحُرْقُوص، والبُرْغوثُ واحدُ البَراغيث.
بعث: بَعَثَهُ يَبْعَثُه بَعْثاً: أَرْسَلَهُ وَحْدَه، وبَعَثَ بِهِ: أَرسله مَعَ غَيْرِهِ. وابْتَعَثَه أَيضاً أَي أَرسله فانْبعَثَ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ يَصِفُ النبي، صلى الله عليه وَسَلَّمَ، شَهِيدُك يومَ الدِّينِ، وبَعِيثُك نعْمة
؛ أَي مَبْعُوثك الَّذِي بَعَثْته إِلى الخَلْق أَي أَرسلته، فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ زَمْعَة: انْبَعَثَ أَشْقاها
؛ يُقَالُ: انْبَعَثَ فلانٌ لشأْنه إِذا ثَارَ ومَضَى ذَاهِبًا لِقَضَاءِ حاجَته. والبَعْثُ: الرسولُ، وَالْجَمْعُ بُعْثانٌ، والبَعْثُ: بَعْثُ الجُنْدِ إِلى الغَزْو. والبَعَثُ: القومُ المَبْعُوثُونَ المُشْخَصُونَ، وَيُقَالُ: هُمُ البَعْثُ بِسُكُونِ الْعَيْنِ. وَفِي النَّوَادِرِ: يُقَالُ ابْتَعَثْنا الشامَ عِيراً إِذا أَرسَلوا إِليها رُكَّاباً لِلْمِيرَةِ. وَفِي حَدِيثِ الْقِيَامَةِ:
يَا آدمُ ابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ
؛ أَي المَبْعُوث إِليها مِنْ أَهلها، وَهُوَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ. وبَعَثَ الجُنْدَ يَبْعَثُهم بَعْثاً: وجَّهَهُمْ، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ البَعْثُ والبَعِيثُ، وَجَمْعُ البَعْثِ: بُعُوث؛ قَالَ:
ولكنَّ البُعُوثَ جَرَتْ عَلَيْنَا، ... فَصِرْنا بينَ تَطْوِيحٍ وغُرْمِ
وَجَمْعُ البَعِيثِ: بُعُثٌ. والبَعْثُ: يَكُونُ بَعْثاً لِلْقَوْمِ يُبْعَثُون إِلى وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، مِثْلَ السَّفْر والرَّكْب. وَقَوْلُهُمْ: كنتُ فِي بَعْثِ فلانٍ أَي فِي جَيْشِهِ الَّذِي بُعِثَ مَعَهُ. والبُعُوثُ: الجُيوش. وبَعَثَه عَلَى الشَّيْءِ: حَمَلَهُ عَلَى فِعْله. وبَعَثَ عَلَيْهِمُ البَلاء: أَحَلَّه. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: بَعَثْنا عَلَيْكُمْ(2/116)
عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ. وَفِي الْخَبَرِ:
أَنَّ عَبْدَ المَلِك خَطَبَ فَقَالَ: بَعَثْنا عَلَيْكُمْ مُسلِمَ بْنَ عُقْبة، فَقَتلَكم يَوْمَ الحَرَّة.
وانْبَعَثَ الشيءُ وتَبَعَّثَ: انْدَفَع. وبَعَثَه مِنْ نَوْمه بَعَثاً، فانْبَعَثَ: أَيْقَظَه وأَهَبَّه. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَتاني الليلةَ آتِيانِ فابْتَعَثَاني
أَي أَيقَظاني مِنْ نَوْمِي. وتأْويلُ البَعْثِ: إِزالةُ مَا كَانَ يَحْبِسُه عَنِ التَّصَرُّف والانْبِعاثِ. وانْبَعَثَ فِي السَّيْر أَي أَسْرَع. ورجلٌ بَعِثٌ: كَثِيرُ الانْبِعاثِ مِنْ نَوْمِهِ. وَرَجُلٌ بَعْثٌ وبَعِثٌ وبَعَثٌ: لَا تَزَالُ هُمُومه تؤَرِّقُه، وتَبْعَثُه مِنْ نَوْمِهِ؛ قَالَ حُمَيْدُ بْنُ ثَوْر:
تَعْدُو بأَشْعَثَ، قَدْ وَهَى سِرْبالُه، ... بَعْثٍ تُؤَرِّقُه الهُمُوم، فيَسْهَرُ
وَالْجَمْعُ: أَبْعاث: وَفِي التنزيل: قالُوا يَا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا؟
هَذَا وَقْفُ التَّمام، وَهُوَ قَوْلُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ النُّشور. وقولُه عَزَّ وَجَلَّ: هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ؛ قَوْلُ المؤْمِنين؛ وَهَذَا رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ، والخَبَرُ مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ؛ وَقُرِئَ: يَا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا؟
أَي مِن بَعْثِ اللَّهِ إِيَّانا مِنْ مَرْقَدِنا. والبَعْثُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحدهما الإِرْسال، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى *
؛ مَعْنَاهُ أَرسلنا. والبَعْثُ: إِثارةُ باركٍ أَو قاعدٍ، تَقُولُ: بَعَثْتُ الْبَعِيرَ فانبَعَثَ أَي أَثَرْتُه فَثار. والبَعْثُ أَيضاً: الإِحْياء مِنَ اللَّهِ للمَوْتى؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ
: أَي أَحييناكم. وبَعَثَ اللمَوْتى: نَشَرَهم لِيَوْمِ البَعْثِ. وبَعَثَ اللهُ الخَلْقَ يَبْعَثُهُم بَعْثاً: نَشَرَهم؛ مِنْ ذَلِكَ. وَفَتْحُ الْعَيْنِ فِي الْبَعَثِ كُلُّهُ لُغَةٌ. وَمِنْ أَسمائه عَزَّ وَجَلَّ: الباعِثُ، هُوَ الَّذِي يَبْعَثُ الخَلْقَ أَي يُحْييهم بَعْدَ الْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وبَعَثَ البعيرَ فانْبَعَثَ: حَلَّ عِقالَه فأَرسله، أَو كَانَ بَارِكًا فَهاجَهُ. وَفِي حَدِيثِ
حُذَيْفَةَ: إِنَّ للفِتْنةِ بَعَثاتٍ ووَقَفاتٍ، فَمَنِ اسْتَطاعَ أَن يَمُوتَ فِي وَقَفاتِها فَلْيَفعل.
قوله: بَعَثات أَي إِثارات وتَهْييجات، جَمْعُ بَعْثَةٍ. وكلُّ شَيْءٍ أَثَرْته فَقَدْ بَعَثْته؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فبَعَثْنا البَعيرَ، فإِذا العِقْدُ تَحْتَهُ.
والتَّبْعاثُ تَفْعال، مِن ذَلِكَ: أَنشد ابْنُ الأَعرابيّ:
أَصْدَرها، عَنْ كَثْرَةِ الدَّآثِ، ... صاحبُ لَيْلٍ، حَرِشُ التَّبْعاثِ
وتَبَعَّثَ مِنِّي الشِّعْرُ أَي انْبَعَثَ، كأَنه سالَ. ويومُ بُعاثٍ، بِضَمِّ الْبَاءِ: يَوْمٌ مَعْرُوفٌ، كَانَ فِيهِ حَرْبٌ بَيْنَ الأَوْسِ والخَزْرج فِي الجَاهلية، ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسحاق فِي كِتَابَيْهِمَا؛ قَالَ الأَزهري: وذكَرَ ابْنُ المُظَفَّر هَذَا فِي كِتَابِ الْعَيْنِ، فجعلَه يومَ بُغَاث وصَحَّفَه، وَمَا كَانَ الخليلُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، لِيَخفَى عَلَيْهِ يومُ بُعاثٍ، لأَنه مِنْ مَشَاهِيرِ أَيام الْعَرَبِ، وإِنما صحَّفه الليثُ وَعَزَاهُ إِلى الخَليل نفسِه، وَهُوَ لسانُه، وَاللَّهُ أَعلم. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ تُغَنِّيانِ بِمَا قِيل يومَ بُعَاثٍ
؛ هُوَ هَذَا الْيَوْمُ. وبُعاثٌ: اسْمُ حِصن للأَوْس. وباعِثٌ وبَعِيثٌ: اسْمَانِ. والبَعِيثُ: اسْمُ شَاعِرٍ مَعْرُوفٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، اسْمُهُ خِدَاشُ بْنُ بَشيرٍ، وَكُنْيَتُهُ أَبو مَالِكٍ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ:
تَبَعَّثَ مِنِّي ما تَبَعَّثَ، بعد ما اسْتَمرَّ ... فؤَادي، واسْتَمَرَّ مَرِيري(2/117)
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَصَوَابُ إِنشاد هَذَا الْبَيْتَ عَلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ قُتَيْبة وَغَيْرُهُ: واستَمَرَّ عَزِيمي، قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ وَمَعْنَى هَذَا الْبَيْتِ: أَنه قَالَ الشِّعْرَ بعد ما أَسَنَّ وكَبِرَ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَمَّا صالَحَ نصارَى الشَّامِ، كَتَبُوا لَهُ؛ إِنَّا لَا نُحْدِثُ كَنِيسَةً وَلَا قَلِيَّة، وَلَا نُخْرِج سَعانِينَ، وَلَا بَاعُوثًا
؛ الباعوثُ للنَّصارى: كَالِاسْتِسْقَاءِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ اسْمٌ سُرْيَانِيٌّ؛ وَقِيلَ: هُوَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالتَّاءِ فَوْقَهَا نُقْطَتَانِ. وباعِيثا: موضع معروف.
بغث: البَغَثُ والبُغْثة: بياضٌ يَضرِبُ إِلى الخُضرة؛ وَقِيلَ: بَيَاضٌ يَضرِبُ إلىِ الحُمْرة، الذَّكَرُ أَبْغَثُ، والأُنثَى بَغْثاء. والأَبغَثُ: طائرٌ غَلَبَ عَلَيْهِ غَلَبَة الأَسماء، وأَصلُه الصفةُ لِلَوْنِهِ. التَّهْذِيبُ: البُغَاثُ والأَبغَثُ مِنْ طَيْرِ الْمَاءِ، كَلَوْنِ الرَّمَادِ، طَوِيلُ العُنق؛ وَالْجَمْعُ البُغْثُ والأَبَاغِثُ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: جَعَلَ الليثُ البُغاثَ والأَبغَثَ شَيْئًا وَاحِدًا، وَجَعَلَهُمَا مَعًا مِنْ طَيْرِ الْمَاءِ، قَالَ: والبُغاثُ، عِنْدِي، غيرُ الأَبغَثِ؛ فأَما الأَبغَثُ، فَهُوَ مِنْ طَيْرِ الْمَاءِ، مَعْرُوفٌ، وَسُمِّيَ أَبْغَثَ لِبُغْثَتِه، وَهُوَ بَيَاضٌ إِلى الخُضرة؛ وأَما البُغاثُ: فكلُّ طَائِرٍ لَيْسَ مِنْ جَوَارِحِ الطَّيْرِ؛ يُقَالُ: هُوَ اسْمٌ لِلْجِنْسِ مِنَ الطَّيْرِ الَّذِي يُصادُ. والأَبْغَثُ: قريبٌ مِنَ الأَغْبَر. ابْنُ سِيدَهْ: وبَغاثُ الطَّيْرِ وبُغاثها: أَلائِمها وشِرارُها، وَمَا لَا يَصِيدُ مِنْهَا، واحدتُها بَغاثة، بِالْفَتْحِ، الذَّكر والأُنثى فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَنْ جَعَلَ البَغاثَ وَاحِدًا، فَجَمْعُهُ بِغْثانٌ، مِثْلُ غَزال وغِزلانٍ؛ وَمَنْ قَالَ لِلذَّكَرِ والأُنثى بَغاثة، فَجَمْعُهُ بَغاثٌ، مِثْلُ نَعامة ونَعام، وَتَكُونُ النَّعَامَةُ لِلذَّكَرِ والأُنثى؛ سِيبَوَيْهِ: بُغاثٌ، بِالضَّمِّ، وبِغثانٌ، بِالْكَسْرِ. وَفِي حَدِيثِ
جَعْفَرِ بْنِ عَمْرٍو: رأَيت وَحْشِيّاً، فإِذا شَيْخٌ مثلُ البَغَاثة
: هِيَ الضَّعِيفُ مِنَ الطَّيْرِ، وَجَمْعُهَا بَغاثٌ. وَفِي حَدِيثِ
عَطَاءٍ: فِي بُغَاثِ الطيرِ مُدٌّ
أَي إِذا صادَه الْمُحْرِمُ: وَفِي حَدِيثِ
المُغِيرة يَصِفُ امرأَة: كأَنها بَغاثٌ
؛ والبَغَاثُ طائرٌ أَبيض، وَقِيلَ: أَبْغَثُ إِلى الغُبْرة، بطيءُ الطيرانِ، صَغِيرُ دُوَيْنَ الرَّخَمَة. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ قَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ عَنِ ابْنِ السَّكِّيتِ: البَغاثُ طائرٌ أَبْغَثُ إِلى الغُبْرةِ دُونَ الرَّخَمة، بطيءُ الطَّيَرَانِ؛ قَالَ: هَذَا غَلَطٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحدهما أَنَّ البَغَاثَ اسْمُ جِنْسٍ، وَاحِدَتُهُ بَغاثة، مِثْلُ حَمام وحَمامة، وأَبْغَثُ صِفَةٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ: أَبْغَثُ بَيِّنُ البُغْثَة، كَمَا تَقُولُ: أَحْمَر بَيِّنُ الحُمْرة؛ وَجَمْعُهُ: بُغْثٌ، مِثْلُ أَحْمَر وحُمر؛ قَالَ: وَقَدْ يُجْمَعُ عَلَى أَباغِثَ لمَّا اسْتُعمِل استِعمالَ الأَسماء، كَمَا قَالُوا: أَبْطَحُ وأَباطِحُ، وأَجْرَعُ وأَجَارِعُ؛ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَن البُغَاثَ مَا لَا يَصِيدُ مِنَ الطَّيْرِ، وأَما الأَبْغَثُ مِنَ الطَّيْرِ، فَهُوَ مَا كَانَ لَوْنُهُ أَغْبَر، وَقَدْ يَكُونُ صَائِدًا وَغَيْرَ صَائِدٍ. قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: وأَما الصُّقورُ فَمِنْهَا أَبْغَثُ وأَحْوَى، وأَخْرَجُ وأَبيض، وَهُوَ الَّذِي يَصيدُ بِهِ الناسُ عَلَى كُلِّ لَوْنٍ، فجَعَل الأَبْغَثَ صِفَةً لِمَا كَانَ صَائِدًا أَوْ غَيْرَ صَائِدٍ، بِخِلَافِ البَغاثِ الَّذِي لَا يَكُونُ مِنْهُ شيءٌ صَائِدًا؛ وَقِيلَ: البَغَاث أَولادُ الرَّخَم والغِرْبان. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: البَغاثُ الرَّخَمُ، واحدتُها بَغاثة؛ قَالَ: وَزَعَمَ يُونُسُ أَنه يُقَالُ لَهُ البِغاثُ والبُغاثُ، بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ، الْوَاحِدَةُ: بِغاثة وبُغاثة. والبُغاثُ: طَيْرٌ مثلُ السَّوَادِقِ لَا يَصِيدُ؛ وَفِي التَّهْذِيبِ: كالباشِقِ لَا يَصِيدُ شَيْئًا مِنَ الطَّيْرِ، الْوَاحِدَةُ بُغاثة، وَيُجْمَعُ عَلَى البِغْثان؛ قَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْداس:(2/118)
بغاثُ الطَيْر أَكثَرُها فِراخاً، ... وأُمُّ الصَّقْرِ مِقْلاةٌ نَزُورُ
وَفِي الْمَثَلِ:
إِنَّ البِغاثَ بأَرضنا يَسْتَنْسِرُ
يُضربُ مَثَلًا للَّئيم يَرْتَفِعُ أَمره؛ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَي مَنْ جاوَرَنا عَزَّ بِنا. قَالَ الأَزهري: سَمِعْنَاهُ بِكَسْرِ الْبَاءِ، قَالَ: وَيُقَالُ بَغاث، بِفَتْحِ الْبَاءِ؛ قَالَ: والبَغاثُ الطَّيْرُ الَّذِي يُصاد ويَسْتَنْسِرُ أَي يَصِيرُ كالنَّسْر الَّذِي يَصيدُ وَلَا يُصاد. والبَغْثاءُ مِنَ الضأْن، مِثْلُ الرَّقْطاء: وَهِيَ الَّتِي فِيهَا سَوَادٌ وَبَيَاضٌ، وَبَيَاضُهَا أَكثر مِنْ سَوَادِهَا. والبَغِيثُ: الطعامُ المخلوطُ يُغَشُّ بالشَّعير كاللَّغِيثِ، عَنْ ثَعْلَبٍ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
إِنَّ البَغِيثَ واللَّغيثَ سِيَّان
والبَغْثاءُ: أَخلاطُ النَّاسِ. ودَخَلَ فِي بَغْثاءِ النَّاسِ وبَرْشاءِ النَّاسِ أَي جَمَاعَتِهِمْ. وبُغاثٌ: مَوْضِعٌ، عَنْ ثَعْلَبٍ. اللَّيْثُ: يومُ بُغاثٍ: يومُ وَقْعَةٍ كَانَتْ بَيْنَ الأَوْس والخَزْرج؛ قَالَ الأَزهري: إِنما هُوَ بُعاث، بِالْعَيْنِ، وَقَدْ مرَّ تَفْسِيرُهُ، وَهُوَ مِنْ مَشَاهِيرِ أَيام الْعَرَبِ، وَمَنْ قَالَ بُغاث، فَقَدْ صحَّف. والأَبْغَثُ: مكانٌ ذُو رَمْلٍ وحجارة.
بقث: بَقَثَ أَمرَه وحديثَه، وطعامَه وغيره ذلك: خَلَطَه.
بلث: البَلِيثُ: نبْتٌ؛ قَالَ:
رَعَيْنَ بَلِيثاً سَاعَةً، ثُمَّ إِننا ... قَطَعْنا عليهنَّ الفِجاجَ الطَّوامِسَا
بلكث: البَلاكِثُ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ بعض القُرَشِيِّيين «7» :
بينما نحنُ بالبَلاكِثِ، بِالقاعِ، ... سِراعاً، والعِيسُ تَهْوِي هُوِيَّا
بهث: البَهْثُ: البِشْرُ وحُسْنُ اللِّقَاءِ. وَقَدْ بَهَثَ إِليه وتَبَاهَثَ. وَفُلَانٌ لِبُهْثةٍ أَي لِزِنْيَةٍ. والبُهْثةُ: ابْنُ البَغِيِّ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: قُلْتُ لأَبي المَكارم: مَا الأَزْيَب؟ فَقَالَ: البُهْثةُ. قُلْتُ: وَمَا البُهْثةُ؟ قَالَ: وَلَدُ المُعارَضةِ، وَهِيَ المُيافعَة والمُساعاة. وَبَنُو بُهْثةَ: بَطْنانِ، بُهْثَةُ مِنْ بَنِي سُلَيْم، وبُهْثةُ مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ رَبِيعَةَ. الْجَوْهَرِيُّ: بُهْثَة، بِالضَّمِّ، أَبو حَيٍّ مِنْ سُلَيم، وَهُوَ بُهْثةُ بْنُ سُلَيْمِ بْنِ مَنْصُورٍ؛ قَالَ عَبْدُ الشَّارِقِ بْنُ عَبْدِ العُزَّى الجُهَنيُّ:
تَنادَوْا يالَ بُهْثَةَ، إِذ رأَوْنا، ... فَقُلنا: أَحْسِني مَلأً جُهَيْنا «8»
والمَلأُ الخُلُق. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَحْسِنُوا أَمْلاءَكم
، أَي أَخلاقكم. والبُهْثةُ، مِنَ البَهْثِ: وَهُوَ البِشْرُ وحُسْنُ المَلْقَى. والبُهْثةُ: الْبَقَرَةُ الْوَحْشِيَّةُ؛ قَالَ:
كأَنها بُهْثةٌ تَرْعَى بأَقْرِيةٍ، ... أَو شِقَّةٌ خَرجَتْ مِنْ جوف سَاهورِ
بهكث: البَهْكَثةُ: السُّرْعة فِيمَا أُخِذَ فِيهِ مِنْ عَمَلٍ.
__________
(7) . قوله [قال بعض القرشيين] قال في التكملة هو أَبو بكر بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ المسور بن مخرمة في امرأته صالحة بنت أبي عبيدة ابن المنذر، وبعد البيت:
خَطَرَتْ خَطْرَةٌ عَلَى الْقَلْبِ من ذكراك ... وَهْنًا فَمَا اسْتَطَعْتُ مُضِيًّا قلت: لبيك إذ دعاني لك الشوق
وللحاديين كرّا المطيا
(8) . قوله [تنادوا يال إلخ] قال في التكملة: الرواية فنادوا، بالفاء، مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ وهو:
فجاؤوا عارضاً برداً وجئنا، ... كمثل السيل، نركب وازعينا(2/119)
بوث: باثَ الشيءَ وَغَيْرَهُ يَبُوثُهُ بَوْثاً، وأَباثه: بَحَثه؛ وَفِي الصِّحَاحِ: بَحَثَ عَنْه. وباثَ المَكانَ بَوْثاً: حَفَر فِيهِ، وخَلَط فِيهِ تُراباً، وَسَنَذْكُرُهُ أَيضاً فِي بِيثَ، لأَنها كَلِمَةٌ يَائِيَّةٌ وَوَاوِيَّةٌ. وباثَ الترابَ يَبُوثُه بَوْثاً إِذا فَرَّقه. وباثَ متاعَه يَبُوثُهُ بَوْثاً إِذا بَدَّدَ مَتاعَه ومالَه. وحاثِ باثِ، مَبْنِيٌّ عَلَى الْكَسْرِ: قُماشُ النَّاسِ، وَهُوَ فِي الْيَاءِ أَيضاً. وتَرَكَهُم حَوْثاً بَوْثاً، وجئْ بِهِ مِنْ حَوْثَ بَوْثَ أَي مِنْ حيثُ كَانَ وَلَمْ يَكُنْ. وجاءَ بحَوْثَ بَوْثَ إِذا جَاءَ بِالشَّيْءِ الْكَثِيرِ. ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ تَرَكَهُم حاثِ باثِ، إِذا تَفَرَّقوا. وَقَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وبِثَة حرفٌ ناقصٌ، كأَنَّ أَصله بِوْثَة، مِنْ باثَ الريحُ الرمادَ يَبُوثه إِذا فَرَّقه كأَنَّ الرَّمادَ سُمِّي بِثَةً لأَن الرِّيحَ يَسْفِيها.
بيث: باثَ الترابَ بَيْثاً، واسْتَباثَه: اسْتَخْرَجَهُ. أَبو الجَرَّاح: الاسْتِباثَةُ اسْتِخْراجُ النَّبيثةِ مِنَ الْبِئْرِ. والاسْتِباثَة: الِاسْتِخْرَاجُ؛ قَالَ أَبو المُثَلَّم الهُذَلي، وَعَزَاهُ أَبو عُبَيْدٍ إِلى صَخْرِ الغَيِّ، وَهُوَ سَهْو حَكَاهُ ابْنُ سِيدَهْ:
لَحَقُّ بَنِي شِعارةَ أَنْ يَقُولُوا ... لِصَخْرِ الغَيِّ: مَاذَا تَسْتَبِيثُ؟
وَمَعْنَى تَسْتَبيثُ: تَستَثِير مَا عِنْدَ أَبي المُثَلَّم مِن هِجَاءٍ وَنَحْوِهِ. وباثَ وأَباثَ واسْتَباثَ ونَبَثَ، بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وباثَ المكانَ بَيْثاً إِذا حَفَر فِيهِ وخَلَطَ فِيهِ تُرَابًا. وحاثِ باثِ، مَبْنِيٌّ عَلَى الْكَسْرِ: قُماشُ الناسِ.
بينيث: التَّهْذِيبُ فِي الرُّبَاعِيِّ، ابْنُ الأَعرابي: البَيْنِيثُ ضَرْبٌ مِنْ سَمَكِ الْبَحْرِ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: البَيْنيثُ بِوَزْنِ فَيْعيل غَيْرُ اليَنْبِيث، قَالَ: وَلَا أَدري أَعربيٌّ هُوَ أَم دَخِيل؟
فصل التاء المثناة فوقها
تفث: التَّفَثُ: نَتْفُ الشَّعَر، وقَصُّ الأَظْفار، وتَنَكُّبُ كُلِّ مَا يَحْرُم عَلَى المُحْرم، وكأَنه الخُروجُ مِنَ الإِحرام إِلى الإِحْلال. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: لَا يَعْرِفُ أَهلُ اللُّغَةِ التَّفَثَ إِلَّا مِنَ التَّفْسِيرِ. ورُوي عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: التَّفَثُ الحَلْق والتَّقْصير، والأَخْذُ مِنَ اللِّحْيَةِ وَالشَّارِبِ والإِبط، والذبحُ والرَّمْيُ
؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: التَّفَثُ نَحْرُ البُدْنِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْبَقْرِ وَالْغَنَمِ، وحَلْقُ الرأْس، وَتَقْلِيمُ الأَظفار وأَشباهه. الْجَوْهَرِيُّ: التَّفَثُ فِي الْمَنَاسِكِ مَا كَانَ مِن نَحْوِ قَصِّ الأَظْفار وَالشَّارِبِ، وحَلْقِ الرأْسِ وَالْعَانَةِ، وَرَمْيِ الجِمار، ونَحْرِ البُدْن، وأَشباه ذَلِكَ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: وَلَمْ يجئْ فِيهِ شِعْرٌ يُحْتَجُّ بِهِ. وَفِي حَدِيثِ الْحَجِّ: ذِكْرُ التَّفَثِ، وَهُوَ مَا يَفْعَلُهُ الْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ، إِذا حَلَّ كقَصِّ الشَّارِبِ والأَظفار، ونَتْف الإِبط، وحَلْق الْعَانَةِ. وَقِيلَ: هُوَ إِذْهابُ الشَّعَث والدَّرَن، والوَسَخ مُطْلَقًا؛ والرجلُ تَفِثٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
فتَفَّثَت الدماءُ مَكَانَهُ
أَي لَطَّخَتْه، وَهُوَ مأْخوذ مِنْهُ. وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: التَّفَثُ النُّسُك، مِن مَنَاسِكِ الْحَجِّ. وَرَجُلٌ تَفِثٌ أَي مُتَغَيِّرٌ شَعِثٌ، لَمْ يَدَّهِنْ، وَلَمْ يَسْتَحِد. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: لَمْ يُفَسِّرْ أَحدٌ مِنَ اللُّغَوِيِّينَ التَّفَث، كَمَا فَسَّرَهُ ابْنُ شُمَيْلٍ؛ جَعَلَ التَّفَثَ التَّشَعُّثَ، وجعلَ إِذْهابَ الشَّعَثِ بالحَلْق قَضاءً، وَمَا أَشْبهه. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: ثُمَّ ليَقْضُوا تَفَثَهم؛ قَالَ: قَضاءُ(2/120)
حَوائجهم مِن الحَلْق والتَّنْظِيفِ.
تلث: التَّلِيثُ: مِنْ نَجِيل السِّباخ.
توث: التُّوثُ: الفِرْصادُ، واحدتُه تُوثةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بتاءَين. وكَفْرُتُوثا: موضع.
فصل الثاء المثلثة
ثلث: الثَّلاثة: مِن الْعَدَدِ، فِي عَدَدِ الْمُذَكَّرِ، مَعْرُوفٌ، والمؤَنث ثَلَاثٌ. وثَلَثَ الاثنينِ يَثْلِثُهما ثَلْثاً: صَارَ لَهُمَا ثَالِثًا. وَفِي التَّهْذِيبِ: ثَلَثْتُ القومَ أَثْلِثُهم إِذا كنتَ ثالِثَهم. وكَمَّلْتَهم ثَلَاثَةً بِنَفْسِكَ، وَكَذَلِكَ إِلى الْعَشَرَةِ، إِلَّا أَنك تَفْتَحُ أَرْبَعُهم وأَسْبَعُهم وأَتْسَعُهم فِيهَا جَمِيعًا، لِمَكَانِ الْعَيْنِ، وَتَقُولُ: كَانُوا تِسْعَةً وَعِشْرِينَ فثَلَثْتُهم أَي صِرْتُ بِهِمْ تمامَ ثَلَاثِينَ، وَكَانُوا تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ فربَعْتُهم، مِثْلَ لَفْظِ الثَّلَاثَةِ والأَربعة، كَذَلِكَ إِلى الْمِائَةِ. وأَثْلَثَ القومُ: صَارُوا ثَلَاثَةً؛ وَكَانُوا ثَلَاثَةً فأَرْبَعُوا؛ كَذَلِكَ إِلى الْعَشَرَةِ. ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ هُوَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ، مُضَافٌ إِلى الْعَشَرَةِ، وَلَا يُنَوَّنُ، فإِن اخْتَلَفَا، فإِن شِئْتَ نوَّنت، وإِن شِئْتَ أَضفت، قُلْتُ: هُوَ رابعُ ثلاثةٍ، ورابعٌ ثَلَاثَةً، كَمَا تَقُولُ: ضاربُ زيدٍ، وضاربٌ زَيْدًا، لأَن مَعْنَاهُ الْوُقُوعُ أَي كَمَّلَهم بِنَفْسِهِ أَربعة؛ وإِذا اتَّفَقَا فالإِضافة لَا غَيْرُ لأَنه فِي مَذْهَبِ الأَسماء، لأَنك لَمْ ترِد مَعْنَى الْفِعْلِ، وإِنما أَردت: هُوَ أَحد الثَّلَاثَةِ وبعضُ الثَّلَاثَةِ، وَهَذَا مَا لَا يَكُونُ إِلا مُضَافًا، وَتَقُولُ: هَذَا ثالثُ اثْنَيْنِ، وثالثٌ اثْنَيْنِ، بِمَعْنَى هَذَا ثَلَّثَ اثْنَيْنِ أَي صَيَّرهما ثَلَاثَةً بِنَفْسِهِ؛ وَكَذَلِكَ هُوَ ثالثُ عَشَر، وثالثَ عَشَرَ، بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ إِلى تِسْعَةَ عَشَرَ، فَمَنْ رَفَعَ، قَالَ: أَردتُ ثالثٌ ثَلَاثَةَ عَشر؛ فحذفتُ الثَّلَاثَةَ، وتركتُ ثَالِثًا عَلَى إِعرابه؛ وَمَنْ نَصَبَ قَالَ: أَردت ثالثٌ ثلاثةَ عَشَر، فَلَمَّا أَسقطتُ مِنْهَا الثَّلَاثَةَ أَلزمت إِعرابها الأَوّل ليُعْلَم أَن هَاهُنَا شَيْئًا مَحْذُوفًا. وَتَقُولُ: هَذَا الْحَادِي عَشَرَ، وَالثَّانِي عَشَرَ، إِلى الْعِشْرِينَ مَفْتُوحٌ كُلُّهُ، لِما ذَكَرْنَاهُ. وَفِي المؤَنث: هَذِهِ الحاديةَ عَشْرَة، وَكَذَلِكَ إِلى الْعِشْرِينَ، تَدْخُلُ الْهَاءُ فِيهِمَا جَمِيعًا، وأَهل الْحِجَازِ يَقُولُونَ: أَتَوْني ثلاثَتَهم وأَرْبَعَتَهم إِلى الْعَشَرَةِ، فَيَنْصِبُونَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَكَذَلِكَ الْمُؤَنَّثُ أَتَيْنَني ثلاثَهنَّ وأَرْبَعَهنَّ؛ وغيرُهم يُعْربه بِالْحَرَكَاتِ الثَّلَاثِ، يَجْعَلُهُ مثلَ كُلّهم، فإِذا جاوزتَ العشرةَ لَمْ يَكُنْ إِلا النصبَ، تَقُولُ: أَتوني أَحَدَ عَشرَهُم، وتسعةَ عشرَهُم، وَلِلنِّسَاءِ أَتَيْنَني إِحدى عَشْرَتَهنَّ، وثمانيَ عَشْرَتَهنَّ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ، رَحِمَهُ اللَّهُ: قَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ آنِفًا: هَذَا ثالثُ اثْنين، وثالثٌ اثْنَيْنِ، وَالْمَعْنَى هَذَا ثَلَّثَ اثْنَيْنِ أَي صَيَّرهما ثَلَاثَةً بِنَفْسِهِ؛ وَقَوْلُهُ أَيضاً: هَذَا ثالثُ عَشَر وثالثَ عَشَر، بِضَمِّ الثَّاءِ وَفَتْحِهَا، إِلى تِسْعَةَ عَشَرَ وَهَمٌ، وَالصَّوَابُ: ثالثُ اثنينِ، بِالرَّفْعِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ثَلَّثَ اثْنين وَهَمٌ، وَصَوَابُهُ: ثَلَثَ، بِتَخْفِيفِ اللَّامِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: هُوَ ثالثُ عَشَر، بِضَمِّ الثَّاءِ، وَهَمٌ لَا يُجيزه الْبَصْرِيُّونَ إِلَّا بِالْفَتْحِ، لأَنه مُرَكَّبٌ؛ وأَهل الْكُوفَةِ يُجيزونه، وَهُوَ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ غَلَطٌ، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ وأَما قَوْلُ الشَّاعِرِ:
يَفْديكِ يَا زُرْعَ أَبي وَخَالِي، ... قَدْ مَرَّ يومانِ، وَهَذَا الثَّالِي
وأَنتِ بالهِجْرانِ لَا تُبالي
فإِنه أَراد الثَّالِثَ، فأَبدل الْيَاءَ مِنَ الثَّاءِ. وأَثْلَثَ القومُ: صَارُوا ثَلَاثَةً، عَنْ ثَعْلَبٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:(2/121)
دِيةُ شِبْهِ العَمْد أَثلاثاً
؛ أَي ثلاثٌ وَثَلَاثُونَ حُقَّةً، وثلاثٌ وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً، وأربعٌ وَثَلَاثُونَ ثَنِيَّةً. وَفِي الْحَدِيثِ:
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحد، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنها لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ
؛ جَعَلَهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، لأَن الْقُرْآنَ الْعَزِيزَ لَا يَتَجاوز ثلاثةَ أَقسام، وَهِيَ: الإِرْشاد إِلى مَعْرِفَةِ ذَاتِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَتَقْدِيسِهِ أَو مَعْرِفَةِ صِفَاتِهِ وأَسمائه، أَو مَعْرِفَةِ أَفعاله، وسُنَّته فِي عِبَادِهِ، وَلَمَّا اشْتَمَلَتْ سُورَةُ الإِخلاص عَلَى أَحد هَذِهِ الأَقسام الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ التَّقْدِيسُ، وازَنَها سيدُنا رسولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بثُلُثِ الْقُرْآنِ، لأَن مُنْتَهى التَّقْدِيسِ أَن يَكُونَ وَاحِدًا فِي ثَلَاثَةِ أُمور، لَا يَكُونُ حَاصِلًا مِنْهُ مَنْ هُوَ مِنْ نَوْعِهِ وشِبْهه، ودَلَّ عَلَيْهِ قولُه: لَمْ يَلِدْ؛ وَلَا يَكُونُ هُوَ حَاصِلًا مِمَّنْ هُوَ نَظِيرُهُ وشبهه، ودلَّ عليه قوله: وَلَمْ يُولَدْ؛ وَلَا يَكُونُ فِي دَرَجَتِهِ وإِن لَمْ يَكُنْ أَصلًا لَهُ وَلَا فَرْعًا مَن هُوَ مِثْلُهُ، وَدَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ. وَيَجْمَعُ جَمِيعَ ذَلِكَ قَوْلُهُ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ؛ وجُمْلَتُه تفصيلُ قَوْلِكَ: لَا إِله إِلا اللَّهُ؛ فَهَذِهِ أَسرار الْقُرْآنِ، وَلَا تَتناهَى أَمثالُها فِيهِ، فَلَا رَطْب وَلَا يَابِسَ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ. وَقَوْلُهُمْ: فُلَانٌ لَا يَثْني وَلَا يَثْلِثُ أَي هُوَ رَجُلٌ كَبِيرٌ، فإِذا أَراد النُّهوضَ لَمْ يَقْدِرْ فِي مرَّة، وَلَا مَرَّتَيْنِ، وَلَا فِي ثَلَاثٍ. وَالثَّلَاثُونَ مِنَ الْعَدَدِ: لَيْسَ عَلَى تَضْعِيفِ الثَّلَاثَةِ، وَلَكِنْ عَلَى تَضْعِيفِ الْعَشَرَةِ، وَلِذَلِكَ إِذا سَمَّيْتَ رَجُلًا ثَلَاثِينَ، لَمْ تَقُلْ ثُلَيِّثُون، وَلَكِنْ ثُلَيْثُونَ؛ عَلَّل ذَلِكَ سِيبَوَيْهِ. وَقَالُوا: كَانُوا تِسْعَةً وَعِشْرِينَ فثَلَثْتُهم أَثْلِثُهم أَي صِرْتُ لَهُمْ مَقام الثَّلَاثِينَ. وأَثْلَثوا: صَارُوا ثَلَاثِينَ، كُلُّ ذَلِكَ عَلَى لَفْظِ الثَّلَاثَةِ، وَكَذَلِكَ جميعُ العُقود إِلى الْمِائَةِ، تصريفُ فِعْلِهَا كَتَصْرِيفِ الْآحَادِ. والثَّلاثاء: مِنَ الأَيام؛ كَانَ حَقُّه الثَّالِثَ، ولكنَّه صِيغَ لَهُ هَذَا الْبِنَاءُ ليَتَفَرَّد بِهِ، كَمَا فُعِلَ ذَلِكَ بالدَّبَرانِ. وَحُكِيَ عَنْ ثَعْلَبٍ: مَضَت الثَّلاثاءُ بِمَا فِيهَا فأَنَّث. وَكَانَ أَبو الْجَرَّاحِ يَقُولُ: مَضَت الثلاثاءُ بِمَا فِيهِنَّ، يُخْرِجُها مُخْرَج الْعَدَدِ، وَالْجَمْعُ ثَلاثاواتُ وأَثالِثُ؛ حَكَى الأَخيرَة المُطَرِّزِيُّ، عَنْ ثَعْلَبٍ. وَحَكَى ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الأَعرابي: لَا تَكُنْ ثَلاثاوِيّاً أَي مِمَّنْ يَصُومُ الثَّلاثاءَ وَحْدَهُ. التَّهْذِيبِ: والثَّلاثاء لمَّا جُعِلَ اسْمًا، جُعلت الْهَاءُ الَّتِي كَانَتْ فِي الْعَدَدِ مَدَّة فَرْقًا بَيْنَ الْحَالَيْنِ، وَكَذَلِكَ الأَرْبِعاء مِنَ الأَرْبعة؛ فَهَذِهِ الأَسماء جُعلت بِالْمَدِّ تَوْكِيدًا لِلِاسْمِ، كَمَا قَالُوا: حَسَنةٌ وحَسْناء، وقَصَبة وقَصْباء، حَيْثُ أَلْزَمُوا النعتَ إِلزام الِاسْمِ، وَكَذَلِكَ الشَّجْراء والطَّرْفاء، والواحدُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ بِوَزْنِ فَعَلَةٍ. وَقَوْلُ الشَّاعِرِ، أَنشده ابْنُ الأَعرابي؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَهُوَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ يَهْجُو طَيِّئاً:
فإِنْ تَثْلِثُوا نَرْبَعْ، وإِن يَكُ خامِسٌ، ... يكنْ سادِسٌ، حَتَّى يُبِيرَكم القَتْلُ
أَراد بِقَوْلِهِ: تَثْلِثُوا أَي تَقْتُلوا ثَالِثًا؛ وَبَعْدَهُ:
وإِن تَسْبَعُوا نَثْمِنْ، وإِن يَكُ تاسِعٌ، ... يكنْ عاشرٌ، حَتَّى يكونَ لَنَا الفَضْلُ
يَقُولُ: إِن صرْتم ثَلَاثَةً صِرْنا أَربعة، وإِن صِرْتم أَربعةً صِرْنا خَمْسَةً، فَلَا نَبْرَحُ نَزيد عَلَيْكُمْ أَبداً. وَيُقَالُ: فلانٌ ثالثُ ثلاثةٍ، مُضَافٌ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ
. قَالَ الْفَرَّاءُ: لَا يَكُونُ إِلا مُضَافًا، وَلَا يَجُوزُ التَّنْوِينُ فِي ثَالِثٍ، فَتُنْصَبُ الثلاثةَ؛ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ثانيَ اثْنَين، لَا يَكُونُ إِلا مُضَافًا، لأَنه فِي مَذْهَبِ(2/122)
الِاسْمِ، كأَنك قُلْتَ وَاحِدٌ مِنِ اثْنَيْنِ، وَوَاحِدٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ، أَلا تَرَى أَنه لَا يَكُونُ ثَانِيًا لِنَفْسِهِ، وَلَا ثَالِثًا لِنَفْسِهِ؟ وَلَوْ قُلْتَ: أَنت ثالثُ اثْنَيْنِ، جَازَ أَن يُقَالَ ثالثٌ اثْنَيْنِ، بالإِضافة وَالتَّنْوِينِ ونَصْب الِاثْنَيْنِ؛ وَكَذَلِكَ لَوْ قُلْتَ: أَنت رابعُ ثلاثةٍ، ورابعٌ ثَلَاثَةً، جَازَ ذَلِكَ لأَنه فِعْلٌ وَاقِعٌ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ. كَانُوا اثْنَيْنِ فثَلَثْتُهما، قَالَ: وَهَذَا مِمَّا كَانَ النَّحْوِيُّونَ يَخْتارونه. وَكَانُوا أَحد عَشَرَ فثَنَيْتُهم، وَمَعِي عشرةٌ فأَحِّدْهُنَّ لِيَهْ، واثْنِيهِنَّ، واثْلِثْهُنَّ؛ هَذَا فِيمَا بَيْنَ اثْنَيْ عَشَرَ إِلى الْعِشْرِينَ. ابْنُ السِّكِّيتِ: تَقُولُ هُوَ ثالثُ ثلاثةٍ، وَهِيَ ثالثةُ ثلاثٍ، فإِذا كَانَ فِيهِ مُذَكَّرٌ، قُلْتَ: هِيَ ثالثُ ثلاثةٍ، فيَغْلِبُ المذكرُ المؤَنثَ. وَتَقُولُ: هُوَ ثالثُ ثلاثةَ عَشَرَ؛ يَعْنِي هُوَ أَحدهم، وَفِي المؤَنث: هُوَ ثالثُ ثلاثَ عَشْرَة لَا غَيْرُ، الرَّفْعُ فِي الأَوّل. وأَرضٌ مُثَلَّثة: لَهَا ثلاثةُ أَطرافٍ؛ فَمِنْهَا المُثَلَّثُ الحادُّ، وَمِنْهَا المُثَلَّثُ الْقَائِمُ. وَشَيْءٌ مُثَلَّثٌ: مَوْضُوعٌ عَلَى ثلاثِ طاقاتٍ. ومَثْلُوثٌ: مَفْتُولٌ عَلَى ثلاثِ قُوًى؛ وَكَذَلِكَ فِي جَمِيعِ مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إِلى الْعَشَرَةِ، إِلا الثَّمَانِيَةَ وَالْعَشَرَةَ. الْجَوْهَرِيُّ: شَيْءٌ مُثَلَّث أَي ذُو أَركان ثَلَاثَةٍ. اللَّيْثُ: المُثَلَّثُ مَا كَانَ مِنَ الأَشياء عَلَى ثلاثةِ أَثْناءٍ. والمَثْلُوثُ مِنَ الْحِبَالِ: مَا فُتِلَ عَلَى ثلاثِ قُوًى، وَكَذَلِكَ مَا يُنْسَجُ أَو يُضْفَر. وإِذا أَرْسَلْتَ الخيلَ فِي الرِّهان، فالأَوّل: السابقُ، وَالثَّانِي: المُصَلِّي، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ: ثِلْثٌ، ورِبْعٌ، وخِمْسٌ. ابْنُ سِيدَهْ: وثَلَّثَ الفرسُ: جَاءَ بَعْدَ المُصَلِّي، ثُمَّ رَبَّعَ، ثُمَّ خَمَّسَ. وَقَالَ عَلِيِّ بْنِ أَبي طَالِبٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ:
سَبَقَ رسولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وثَنَّى أَبو بَكْرٍ، وثَلَّثَ عمرُ، وخَبَطَتْنا فتنةٌ مِمَّا شَاءَ اللَّهُ.
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وَلَمْ أَسمع فِي سَوَابِقِ الْخَيْلِ مِمَّنْ يُوثَقُ بِعِلْمِهِ اسْمًا لِشَيْءٍ مِنْهَا، إِلَّا الثانيَ والعاشِرَ، فإِن الثانيَ اسْمُهُ المُصَلِّي، والعاشرَ السُّكَيْتُ، وَمَا سِوَى ذَيْنِكَ إِنما يُقَالُ: الثالثُ والرابعُ وَكَذَلِكَ إِلى التَّاسِعِ. وَقَالَ ابْنُ الأَنباري: أَسماءُ السُّبَّقِ مِنَ الْخَيْلِ: المُجَلِّي، والمُصَلِّي، والمُسَلِّي، وَالتَّالِي، والحَظِيُّ، والمُؤمِّلُ، والمُرْتاحُ، والعاطِفُ، واللَّطِيمُ، والسُّكَيْتُ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَلَمْ أَحفظها عَنْ ثِقَةٍ، وَقَدْ ذَكَرَهَا ابْنُ الأَنباري، وَلَمْ يَنْسُبْهَا إِلى أَحد؛ قَالَ: فَلَا أَدري أَحَفِظَها لِثِقةٍ أَم لَا؟ والتَّثْلِيثُ: أَنْ تَسْقِيَ الزَّرْعَ سَقْيةً أُخْرى، بَعْدَ الثُّنْيا. والثُّلاثيُّ: منسوب إِلى الثَّلاثة عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ. التَّهْذِيبِ: الثُّلاثيُّ يُنْسَبُ إِلى ثَلَاثَةِ أَشياء، أَو كَانَ طُولُه ثلاثةَ أَذْرُع: ثوبٌ ثُلاثيٌّ ورُباعِيٌّ، وَكَذَلِكَ الْغُلَامُ، يُقَالُ: غُلَامٌ خُماسِيٌّ، وَلَا يُقَالُ سُداسِيٌّ، لأَنه إِذا تَمَّتْ لَهُ خَمْسٌ، صَارَ رَجُلًا. والحروفُ الثُّلاثيَّة: الَّتِيِ اجْتَمَعَ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَحرف. وَنَاقَةٌ ثَلُوثٌ: يَبِسَتْ ثلاثةٌ مِنْ أَخْلافها، وَذَلِكَ أَن تُكْوَى بِنَارٍ حَتَّى يَنْقَطِعَ خِلْفُها وَيَكُونُ وَسْماً لَهَا، هَذِهِ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. وَيُقَالُ: رَمَاهُ اللهُ بثالِثةِ الأَثافي، وَهِيَ الداهيةُ الْعَظِيمَةُ، والأَمْرُ الْعَظِيمُ، وأَصلُها أَن الرَّجُلَ إِذا وَجَدَ أُثْفِيَّتَيْن لقِدْرهِ، وَلَمْ يَجِدِ الثالثةَ، جَعَلَ رُكْنَ الْجَبَلِ ثالثةَ الأُثْفِيَّتَيْن. وثالثةُ الأَثافي: الحَيْدُ النادِرُ مِنَ الْجَبَلِ، يُجْمَعُ إِليه صَخْرتان، ثُمَّ يُنْصَبُ عَلَيْهَا القِدْرُ. والثَّلُوثُ مِنَ النُّوق: الَّتِي تَمْلأُ ثلاثةَ أَقداح إِذا حُلِبَتْ، وَلَا يَكُونُ أَكثر مِنْ ذَلِكَ، عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ يَعْنِي لَا يَكُونُ المَلْءُ أَكثَر مِنْ ثَلَاثَةٍ.(2/123)
وَيُقَالُ لِلنَّاقَةِ الَّتِي صُرِمَ خِلْفٌ مِنْ أَخْلافها، وتَحْلُب مِنْ ثَلَاثَةِ أَخْلافٍ: ثَلُوثٌ أَيضاً؛ وأَنشد الهُذَلي:
أَلا قُولا لعَبدِ الجَهْل: إِنَّ الصَّحِيحةَ ... لَا تُحالِبها الثَّلُوثُ
وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الصَّحِيحَةُ الَّتِي لَهَا أَربعة أَخْلاف؛ والثَّلُوث: الَّتِي لَهَا ثَلاثةُ أَخْلاف. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: نَاقَةٌ ثَلُوثُ إِذا أَصاب أَحد أَخْلافها شيءٌ فيَبِسَ، وأَنشد بَيْتَ الْهُذَلِيِّ أَيضاً. والمُثَلَّثُ مِنَ الشَّرَابِ: الَّذِي طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثاه؛ وَكَذَلِكَ أَيضاً ثَلَّثَ بِنَاقَتِهِ إِذا صَرَّ مِنْهَا ثلاثةَ أَخْلاف؛ فإِن صَرَّ خِلْفين، قِيلَ: شَطَّرَ بِهَا؛ فإِن صَرَّ خِلْفاً وَاحِدًا، قِيلَ: خَلَّفَ بِهَا؛ فإِن صَرَّ أَخلافَها جُمَعَ، قِيلَ: أَجْمَعَ بِنَاقَتِهِ وأَكْمَش. التَّهْذِيبِ: النَّاقَةُ إِذا يَبِسَ ثلاثةُ أَخلافٍ مِنْهَا، فَهِيَ ثَلُوثٌ. وناقةٌ مُثَلَّثَة: لَهَا ثَلَاثَةُ أَخْلافٍ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
فتَقْنَعُ بِالْقَلِيلِ، تَراه غُنْماً، ... وتَكْفيكَ المُثَلَّثَةُ الرَّغُوثُ
ومَزادة مَثْلُوثة: مِنْ ثَلَاثَةِ آدِمةٍ؛ الْجَوْهَرِيُّ: المَثْلُوثة مَزادة تَكُونُ مِنْ ثَلَاثَةِ جُلُودٍ. ابْنُ الأَعرابي: إِذا مَلأَتِ الناقةُ ثلاثةَ آنيةٍ، فَهِيَ ثَلُوثٌ. وجاؤُوا ثُلاثَ ثُلاثَ، ومَثْلَثَ مَثْلَثَ أَي ثَلاثةً ثَلَاثَةً. والثُّلاثةُ، بِالضَّمِّ: الثَّلاثة؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
فَمَا حَلَبَتْ إِلّا الثُّلاثةَ والثُّنَى، ... ولا قُيِّلَتْ إِلَّا قَريباً مَقالُها
هَكَذَا أَنشده بِضَمِّ الثَّاءِ: الثُّلاثة، وَفَسَّرَهُ بأَنه ثَلاثةُ آنيةٍ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ قُيِّلَتْ، بِضَمِّ الْقَافِ، وَلَمْ يُفَسِّرْهُ؛ وَقَالَ ثَعْلَبٌ: إِنما هُوَ قَيَّلَتْ، بِفَتْحِهَا، وَفَسَّرَهُ بأَنها الَّتِي تُقَيِّلُ الناسَ أَي تَسْقيهم لبنَ القَيل، وَهُوَ شُرْبُ النَّهَارِ فَالْمَفْعُولُ، عَلَى هَذَا مَحْذُوفٌ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ
؛ مَعْنَاهُ: اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، وثَلاثاً ثَلاثاً، إِلا أَنه لَمْ يَنْصَرِفْ لِجِهَتَيْنِ، وَذَلِكَ أَنه اجْتَمَعَ عِلَّتَانِ: إِحداهما أَنه مَعْدُولٌ عَنِ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، وثَلاثٍ ثَلاثٍ، وَالثَّانِيَةُ أَنه عُدِلَ عَنْ تأْنيثٍ. الْجَوْهَرِيُّ: وثُلاثُ ومَثْلَثُ غَيْرُ مَصْرُوفٍ لِلْعَدْلِ وَالصِّفَةِ، لأَنه عُدِلَ مِنْ ثلاثةٍ إِلى ثُلاثَ ومَثْلَث، وَهُوَ صِفَةٌ، لأَنك تَقُولُ: مَرَرْتُ بِقَوْمٍ مَثْنَى وثُلاثَ. قَالَ تَعَالَى: أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ
؛ فوُصِفَ بِهِ؛ وَهَذَا قَوْلُ سِيبَوَيْهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنما لَمْ يَنْصرِفْ لتَكَرُّر العَدْل فِيهِ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، لأَنه عُدِلَ عَنْ لَفْظِ اثْنَيْنِ إِلى لَفْظِ مَثْنى وثُناء، عَنْ مَعْنَى اثْنَيْنِ إِلى مَعْنَى اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، إِذا قُلْتَ جَاءَتِ الخيلُ مَثْنَى؛ فَالْمَعْنَى اثنين اثنين أَي جاؤُوا مُزدَوجِين؛ وَكَذَلِكَ جميعُ معدولِ العددِ، فإِن صَغَّرته صَرَفْته فَقُلْتَ: أَحَيِّدٌ وثُنَيٌّ وثُلَيِّثٌ ورُبَيِّعٌ، لأَنه مثلُ حَمَيِّرٍ، فَخَرَجَ إِلى مِثَالِ مَا يَنْصَرِفُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَحمد وأَحْسَن، لأَنه لَا يَخْرُجُ بِالتَّصْغِيرِ عَنْ وَزْنِ الْفِعْلِ، لأَنهم قَدْ قَالُوا فِي التَّعَجُّبِ: مَا أُمَيْلِحَ زَيْدًا وَمَا أُحَيْسِنَهُ وَفِي الْحَدِيثِ:
لَكِنِ اشْرَبُوا مَثْنَى وثُلاثَ، وسَمُّوا اللَّهَ تَعَالَى.
يُقَالُ: فَعَلْتُ الشَّيْءَ مَثْنَى وثُلاثَ ورُباعَ، غَيْرُ مَصْرُوفَاتٍ، إِذا فَعَلْتَهُ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ، وَثَلَاثًا ثَلَاثًا، وأَربعاً أَربعاً. والمُثَلِّثُ: السَّاعِي بأَخيه. وَفِي حَدِيثِ
كَعْبٍ أَنه قَالَ لِعُمَرَ: أَنْبِئْني مَا المُثَلِّثُ؟ فَقَالَ: وَمَا المُثَلِّثُ؟ لَا أَبا لكَ فَقَالَ: شَرُّ الناسِ المُثَلِّثُ
؛(2/124)
يَعْنِي السَّاعِي بأَخيه إِلى السُّلْطَانِ يُهْلِك ثَلَاثَةً: نفسَه، وأَخاه، وإِمامه بِالسَّعْيِ فِيهِ إِليه. وَفِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ؛ دَعَاهُ عمرُ إِلى الْعَمَلِ بَعْدَ أَن كَانَ عَزَلَه، فَقَالَ: إِني أَخاف ثَلَاثًا وَاثْنَتَيْنِ. قَالَ: أَفلا تَقُولُ خَمْسًا؟ قَالَ: أَخاف أَن أَقولَ بِغَيْرِ حُكم، وأَقْضِيَ بِغَيْرِ عِلْم، وأَخافُ أَن يُضْربَ ظَهْري، وأَن يُشْتَم عِرْضي، وأَن يُؤْخَذَ مَالِي، الثَّلاثُ وَالِاثْنَتَانِ
؛ هَذِهِ الْخِلَالُ الَّتِي ذَكَرَهَا، وإِنما لَمْ يَقُلْ خَمْسًا، لأَن الخَلَّتين الأَوَّلَتَين مِنَ الحقِّ عَلَيْهِ، فَخَافَ أَن يُضِيعَه، والخِلالُ الثلاثُ مِنَ الحَقِّ لَهُ، فَخاف أَن يُظْلَم، فَلِذَلِكَ فَرَّقَها. وثِلْثُ الناقةِ: وَلدُها الثالثُ، وأَطْرَده ثَعْلَبُ فِي وَلَد كُلِّ أُنثى. وَقَدْ أَثْلَثَتْ، فَهِيَ مُثْلِثٌ، وَلَا يُقَالُ: ناقةٌ ثِلْث. والثُّلُثُ والثَّلِيثُ مِنَ الأَجزاء: مَعْرُوفٌ، يَطَّرِدُ ذَلِكَ، عِنْدَ بَعْضِهِمْ، فِي هَذِهِ الْكُسُورِ، وجمعُها أَثلاثٌ. الأَصمعي: الثَّلِيثُ بِمَعْنَى الثُّلُثِ، وَلَمْ يَعْرِفْه أَبو زَيْدٍ؛ وأَنشد شِمْرٌ:
تُوفي الثَّلِيثَ، إِذا مَا كانَ فِي رَجَبٍ، ... والحَيُّ فِي خاثِرٍ مِنْهَا، وإِيقَاعِ
قَالَ: ومَثْلَثَ مَثْلَثَ، ومَوْحَدَ مَوْحَدَ، ومَثْنَى مَثْنى، مِثْلُ ثُلاثَ ثُلاثَ. الْجَوْهَرِيُّ: الثُّلُثُ سَهْمٌ مِنْ ثَلاثةٍ، فإِذا فَتَحْتَ الثَّاءَ زَادَتْ يَاءٌ، فَقُلْتَ: ثَلِيث مثلُ ثَمِين وسَبيع وسَدِيسٍ وخَمِيسٍ ونَصِيفٍ؛ وأَنكر أَبو زَيْدٍ مِنْهَا خَمِيساً وثَلِيثاً. وثَلَثَهم يَثْلُثهم ثَلْثاً: أَخَذَ ثُلُثَ أَموالِهم، وَكَذَلِكَ جميعٌ الْكُسُورِ إِلى العَشْرِ. والمَثْلُوثُ: مَا أُخِذَ ثُلُثه؛ وكلُّ مَثْلُوثٍ مَنْهُوك؛ وَقِيلَ: المَثْلُوثُ مَا أُخِذَ ثُلُثه، والمَنْهوكُ مَا أُخِذَ ثُلُثاه، وَهُوَ رَأْيُ العَروضِيِّين فِي الرَّجَزِ وَالْمُنْسَرِحِ. والمَثْلُوثُ مِنَ الشِّعْرِ: الَّذِي ذَهَبَ جُزْآنِ مِنْ سِتَّةِ أَجزائه. والمِثْلاثُ مِنَ الثُّلُثِ: كالمِرْباع مِنَ الرُّبُع. وأَثْلَثَ الكَرْمُ: فَضَلَ ثُلُثُه، وأُكِلَ ثُلُثاه. وثَلَّثَ البُسْرُ: أَرْطَبَ ثُلُثه. وإِناءٌ ثَلْثانُ: بَلَغ الكيلُ ثُلُثَه، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الشَّرَابِ وَغَيْرِهِ. والثَّلِثانُ: شَجَرَةُ عِنبِ الثَّعْلب. الْفَرَّاءُ: كِساءٌ مَثْلُوثٌ مَنْسُوجٌ مِنْ صُوف وَوَبَرٍ وشَعَرٍ؛ وأَنشد:
مَدْرَعَةٌ كِساؤُها مَثْلُوثُ
وَيُقَالُ لوَضِين البَعير: ذُو ثُلاثٍ؛ قَالَ:
وَقَدْ ضُمِّرَتْ، حَتَّى انْطَوَى ذُو ثَلاثِها، ... إِلى أَبْهَرَيْ دَرْماءِ شَعْبِ السَّناسِنِ
وَيُقَالُ ذُو ثُلاثها: بَطْنُها والجِلدتانِ العُلْيا والجِلدة الَّتِي تُقْشَر بَعْدَ السَّلْخ. الْجَوْهَرِيُّ: والثِّلْثُ، بِالْكَسْرِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: هُوَ يَسْقِي نَخْله الثِّلْثَ؛ وَلَا يُستعمل الثِّلْثُ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ؛ وَلَيْسَ فِي الوِرْدِ ثِلْثٌ لأَن أَقصَرَ الوِرْدِ الرِّفْهُ، وَهُوَ أَن تَشْربَ الإِبلُ كلَّ يَوْمٍ؛ ثُمَّ الغِبُّ، وَهُوَ أَن تَرِدَ يَوْمًا وتَدعَ يَوْمًا؛ فإِذا ارْتَفَعَ مِنَ الغِبّ فالظِّمْءُ الرِّبْعُ ثُمَّ الخِمْسُ، وَكَذَلِكَ إِلى العِشْر؛ قَالَهُ الأَصمعي. وتَثْلِيثُ: اسْمُ مَوْضِعٍ؛ وَقِيلَ: تَثْلِيثُ وادٍ عظيمٌ مَشْهُورٌ؛ قَالَ الأَعشى:
كخَذُولٍ تَرْعَى النَّواصِفَ، مِن تَثْلِيثَ، ... قَفْراً خَلا لَها الأَسْلاقُ
ثوث: بُرْدٌ ثُوثِيٌّ: كَفُوفيٍّ، وَحَكَى يَعْقُوبُ أَن ثَاءَهُ بدل.(2/125)
فصل الجيم
جأث: جَئِثَ الرجلُ جَأَثاً: ثَقُلَ عِنْدَ الْقِيَامِ أَو حَمْلِ شَيْءٍ ثَقِيلٍ، وأَجْأَثَهُ الحِمْلُ. اللَّيْثُ: الجَأْثُ ثِقَلُ المَشْي؛ يُقَالُ: أَثْقَلَه الحِمْلَ حَتَّى جَأَثَ. غَيْرُهُ: الجَأَثانُ ضَرْبٌ مِنَ المَشْي؛ وأَنشد:
عَفَنْجَجٌ، فِي أَهله، جَأْآثُ
وجَأَثَ البعيرُ بحملِه يَجْأَثُ: مَرَّ بِهِ مُثقَلًا؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. أَبو زَيْدٍ: جأَثَ البعيرُ جَأْثاً، وَهُوَ مِشْيَتُه مُوقَراً حَمْلًا. وجُئِثَ جَأْثاً: فَزِعَ. وَقَدْ جُئِثَ إِذا أُفْزِعَ، فهو مَجْؤُوثٌ أَي مَذْعُور. وَفِي حَدِيثِ
النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنه رأَى حبريلَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: فجُئِثْتُ مِنْهُ فَرَقاً حِينَ رأَيتُه أَي ذُعِرْتُ وخِفْتُ.
الأَصمعي: جَأَثَ يَجْأَثُ جَأْثاً إِذا نَقَلَ الأَخبار؛ وأَنشد:
جَأْآثُ أَخْبارٍ، لَهَا، نَبَّاثُ
ورجلٌ جَأْآثٌ: سَيِءُ الخُلُقِ. وانْجَأَثَ النخلُ: انْصَرَع. وجُؤْثة: قَبِيلَةٌ، إِليها نُسِبَ تَمِيمٌ. وجُؤَاثَى: مَوْضِعٌ؛ قَالَ إمرؤُ الْقَيْسِ:
ورُحْنا، كأَني مِنْ جُؤَاثَى، عَشِيَّةً، ... نُعالي النِّعاجَ بَيْنَ عِدْلٍ ومُحْقِبِ
وَضَبَطَهُ عليُّ بْنُ حَمْزة فِي كِتَابِ النَّبَاتِ جُواثَى، بِغَيْرِ هَمْزٍ، فإِما أَن يَكُونَ عَلَى تَخْفِيفِ الْهَمْزِ، وإِما أَن يَكُونَ أَصله ذَلِكَ. وَقِيلَ: جُواثَى قَرْيَةٌ بالبحرين معروفة.
جبقث: الجُنْبَقْثَةُ: نَعْتُ سَوْءٍ للمرأَة. والجُنْبَقْثةُ: المرأَة السَّوْدَاءُ؛ رُبَاعِيٌّ لأَنه لَيْسَ فِي الْكَلَامِ مثل جُرْدَحْلٍ.
جثث: الجَثُّ: القَطْعُ؛ وَقِيلَ: قَطْعُ الشَّيْءِ مِنْ أَصله؛ وَقِيلَ: انتزاعُ الشَّجَرِ مِنْ أُصوله؛ والاجْتثاث أَوْحى مِنْهُ؛ يُقَالُ: جَثَثْتُه، واجْتَثَثْتُه، فانجَثَّ. ابْنُ سِيدَهْ: جَثَّه يَجُثُّه جَثّاً، واجْتَثَّه فانجَثَّ، واجْتَثَّ. وَشَجَرَةٌ مُجْتَثَّة: لَيْسَ لَهَا أَصل فِي الأَرض. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ فِي الشَّجَرَةِ الْخَبِيثَةِ: اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَها مِنْ قَرارٍ
؛ فُسِّرَتْ بأَنها المُنْتزَعة المُقْتَلَعة، قَالَ الزَّجَّاجُ: أَي اسْتُؤْصِلَتْ مِنْ فَوْقِ الأَرض. وَمَعْنَى اجْتُثَّ الشيءُ فِي اللُّغَةِ: أُخِذَتْ جُثَّتُه بِكَمَالِهَا. وجَثَّه: قَلَعه. واجْتَثَّه: اقْتَلَعه. وَفِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَمَا نُرى هَذِهِ الكَمْأَة إِلّا الشجَرة الَّتِي اجْتُثَّتْ مِنْ فوق الأَرض؟ فقال: بَلْ هِيَ مِنَ المَنّ.
اجْتُثَّتْ: قُطِعَتْ. والمُجْتَثُّ: ضَرْبٌ مِنَ الْعُرُوضِ، عَلَى التَّشْبِيهِ بِذَلِكَ، كأَنه اجْتُثَّ مِنَ الْخَفِيفِ أَي قُطع؛ وَقَالَ أَبو إِسحاق: سُمِّيَ مُجْتَثّاً، لأَنك اجْتَثَثْتَ أَصلَ الجُزء الثَّالِثِ وَهُوَ [مَفْ] فَوَقَعَ ابْتِدَاءُ الْبَيْتِ مِنْ [عُولَاتٍ مُسْ] . الأَصمعي: صِغارُ النخلِ أَوّلَ مَا يُقْلَعُ مِنْهَا شَيْءٌ مِنْ أُمه، فَهُوَ الجَثيثُ، والوَدِيُّ والهِراء والفَسِيل. أَبو عَمْرٍو: الجَثِيثةُ النَّخْلَةُ الَّتِي كَانَتْ نَواةً، فحُفِرَ لَهَا وحُمِلَتْ بجُرْثُومَتها، وَقَدْ جُثَّتْ جَثّاً. أَبو(2/126)
الْخَطَّابِ: الجَثِيثةُ مَا تَساقط مِنْ أُصول النَّخْلِ. الْجَوْهَرِيُّ: والجَثِيثُ مِنَ النَّخْلِ الفَسيل، والجَثيثة الْفَسِيلَةُ؛ وَلَا تَزالُ جَثيثة حَتَّى تُطْعِم، ثُمَّ هِيَ نَخْلَةٌ. ابْنُ سِيدَهْ: والجَثيثُ أَولُ مَا يُقْلَعُ مِنَ الفَسيل مِنْ أُمه، واحدتُه جَثيثة؛ قَالَ:
أَقْسَمْتُ لَا يَذْهَبُ عنِّي بَعْلُها، ... أَو يَسْتَوِي جثِيثُها وجَعْلُها
البَعْلُ مِنَ النَّخْلِ: مَا اكْتَفَى بِمَاءِ السَّمَاءِ. والجَعْلُ: مَا نَالَتْهُ اليَدُ مِنَ النَّخْلِ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الجَثيثُ مَا غُرِسَ مِنْ فِراخِ النَّخْل، وَلَمْ يُغْرَسْ مِنَ النَّوى. الْجَوْهَرِيُّ: المِجَثَّة والمِجْثاثُ حَدِيدَةٌ يُقْلَع بِهَا الْفَسِيلُ. ابْنُ سِيدَهْ: المِجَثُّ والمِجْثاثُ مَا جُثَّ بِهِ الجَثِيثُ. والجَثِيثُ: مَا يَسْقُط مِنَ الْعِنَبِ فِي أُصول الْكَرْمِ. والجُثَّةُ: شَخْصُ الإِنسان، قَاعِدًا أَو نَائِمًا؛ وَقِيلَ جُثَّةُ الإِنسان شخصُه، مُتَّكِئاً أَو مُضْطَجعاً؛ وَقِيلَ: لَا يُقَالُ لَهُ جُثَّة، إِلّا أَن يَكُونَ قَاعِدًا أَو نَائِمًا، فأَما الْقَائِمُ فَلَا يُقَالُ جُثَّتُه، إِنما يُقَالُ قِمَّتُه؛ وَقِيلَ: لَا يُقَالُ جُثَّةٌ إِلّا أَن يَكُونَ عَلَى سرْج أَو رَحْل مُعْتَمّاً، حَكَاهُ ابْنُ دُرَيْدٍ عَنْ أَبي الْخَطَّابِ الأَخْفَشِ؛ قَالَ: وَهَذَا شَيْءٌ لَمْ يُسْمَعْ مِنْ غَيْرِهِ، وَجَمْعُهَا جُثَثٌ وأَجْثاثٌ، الأَخيرة عَلَى طَرْحِ الزَّائِدِ، كأَنه جمعُ جُثٍّ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
فأَصْبَحَتْ مُلْقِيةَ الأَجْثاث
قَالَ: وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَكُونَ أَجْثاثٌ جمعَ جُثَثٍ الَّذِي هُوَ جمعُ جُثَّة، فَيَكُونَ عَلَى هَذَا جمعَ جمعٍ. وَفِي حَدِيثِ
أَنس: اللهمَّ جافِ الأَرضَ عَنْ جُثَّتِه
أَي جَسَدِه. والجُثُّ: مَا أَشرف مِنَ الأَرض فَصَارَ لَهُ شَخْصٌ؛ وَقِيلَ: هُوَ مَا ارْتَفَعَ مِنَ الأَرض حَتَّى يَكُونَ لَهُ شَخْصٌ مِثْلُ الأَكَمَة الصَّغِيرَةِ؛ قَالَ:
وأَوْفَى عَلَى جُثٍّ، ولِلَّيْلِ طُرَّةٌ ... عَلَى الأُفْقِ، لَمْ يَهْتِكْ جَوانِبَها الفَجْرُ
والجَثُّ: خِرْشاءُ الْعَسَلِ، وَهُوَ مَا كَانَ عَلَيْهَا مِنْ فِرَاخِهَا أَو أَجْنِحَتِها. ابْنُ الأَعرابي: جَثَّ المُشْتارُ إِذا أَخذَ العَسلَ بجثِّه ومَحارينِه، وَهُوَ مَا مَاتَ مِنَ النَّحْلِ فِي الْعَسَلِ. وَقَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّةَ الْهُذَلِيُّ يَذْكُرُ المُشْتارَ تَدَلَّى بحِباله للعسَل:
فَمَا بَرِحَ الأَسْبابُ، حَتَّى وَضَعْنَهُ ... لَدَى الثَّوْلِ، يَنْفِي جَثَّها، ويَؤُومُها
يَصِفُ مُشْتارَ عَسَلٍ رَبَطه أَصحابه بالأَسْباب، وَهِيَ الحبالُ، ودَلَّوْه مِنْ أَعلى الْجَبَلِ إِلى مَوْضِعِ خَلايا النَّحْلِ. وقوله يَؤُومُها أَي يُدَخِّنُ عَلَيْهَا بالأُيام، والأُيامُ: الدُّخانُ. والثَّوْلُ: جَمَاعَةُ النَّحْلِ. الْجَوْهَرِيُّ: الجَثُّ، بِالْفَتْحِ، الشَّمَعُ «9» ؛ وَيُقَالُ: هُوَ كلُّ قَذى خالَطَ الْعَسَلَ مِن أَجنحة النَّحْل وأَبدانها. والجُثُّ: غِلافُ التَّمْرة. وجَثُّ الجرادِ: مَيِّتُه؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. الْكِسَائِيُّ: جُئِثَ الرجلُ جَأْثاً، وجُثَّ جَثّاً، فهو مَجْؤُوثٌ ومَجْثُوث إِذا فَزِعَ وخافَ. وَفِي حَدِيثِ بدءِ الوَحْي:
فَرَفَعْتُ رأْسي فإِذا المَلَك الَّذِي جاءَني بحِراءٍ، فجُثِثْتُ مِنْهُ
أَي فَزعْتُ مِنْهُ وخِفْتُ؛ وَقِيلَ: مَعْنَاهُ قُلِعْتُ مِنْ مَكَانِي؛ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ
؛ وقال
__________
(9) . قوله [الجث، بالفتح، الشمع إلخ] بعد تصريح الجوهري بالفتح فلا يعول على مقتضى عبارة القاموس أنه بالضم. وقوله والجث غلاف التمرة بضم الجيم اتفاقاً، غير أَن في القاموس غلاف الثمرة المثلثة، والذي في اللسان كالمحكم التمرة بالمثناة الفوقية.(2/127)
الحَرْبيُّ: أَراد جُئِثْتُ، فَجَعَلَ مَكَانَ الْهَمْزَةِ ثَاءً، وَقَدْ تقدَّم. وتَجَثْجَثَ الشَّعَرُ: كثُرَ. وشَعَرٌ جَثْجاثٌ وجُثاجِثٌ. والجَثْجاثُ: نَبات سُهْليٌّ رَبيعي إِذا أَحَسَّ بِالصَّيْفِ وَلَّى وجَفَّ؛ قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الجَثْجاثُ مِنْ أَحرار الشَّجَرِ، وَهُوَ أَخضر، يَنْبُتُ بالقَيْظ، لَهُ زَهْرَةٌ صَفْراء كأَنها زَهْرةُ عَرْفَجةٍ طيبةُ الرِّيحِ تأْكله الإِبل إِذا لَمْ تَجِدْ غَيْرَهُ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
فَمَا رَوْضَةٌ بالحَزْن طَيِّبةُ الثَّرى، ... يَمُجُّ النَّدَى جَثْجاثُها وعَرارُها،
بأَطْيَبَ مِنْ فِيهَا، إِذا جِئْتَ طارِقاً، ... وقَدْ أُوقِدَتْ بالمِجْمرِ اللَّدْنِ نارُها
واحدتُه جَثْجاثَةٌ. وَفِي حَدِيثِ
قُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ: وعَرَصاتِ جَثْجاثٍ
، الجَثْجاثُ: شَجر أَصفرُ مُرٌّ طَيِّبُ الرِّيحِ، تَسْتَطِيبُه العربُ وَتُكْثِرُ ذِكْرَهُ فِي أَشعارها. وجَثْجَتَ البعيرُ: أَكل الجَثْجاثَ. وَبَعِيرٌ جُثاجِثٌ أَي ضَخْم. وشَعَرٌ جُثاجثٌ، بِالضَّمِّ، وَنَبْتٌ جُثاجث أَي مُلْتَفٌّ.
جدث: الجَدَثُ: القَبْر. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: فِي جَدَثٍ يَنْقَطِعُ فِي ظُلْمته آثارُها
أَي فِي قَبْرٍ، وَالْجَمْعُ أَجْداثٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
نُبَوِّئهم أَجْداثَهم
أَي نُنْزِلُهم قبورَهم؛ وَقَدْ قَالُوا: جَدَفٌ، فَالْفَاءُ بَدَلٌ مِنَ الثَّاءِ، لأَنهم قَدْ أَجمعوا فِي الْجَمْعِ عَلَى أَجْداثٍ، وَلَمْ يَقُولُوا أَجْداف. وأَجْدُثٌ: موضِع؛ قَالَ المُتَنَخِّلُ الهذَليُّ:
عَرَفْتُ بأَجْدُثٍ، فنِعافِ عِرْقٍ، ... علاماتٍ، كتَحْبير النِّماطِ
ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ نَفَى سِيبَوَيْهِ أَن يَكُونَ أَفْعُلٌ مِنْ أَبنية الْوَاحِدِ، فَيَجِبُ أَن يُعَدَّ هَذَا فِيمَا فَاتَهُ مِنْ أَبنية كَلَامِ الْعَرَبِ، إِلا أَن يَكُونَ جَمَعَ الجَدَثَ الَّذِي هُوَ الْقَبْرُ عَلَى أَجْدُثٍ، ثُمَّ سَمَّى بِهِ الْمَوْضِعَ. وَيُرْوَى: أَجْدُف، بِالْفَاءِ. وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ فِي جَمْعِ الجَدَث القبرِ: أَجْدُث. وأَنشد بين الْمُتَنَخِّلَ شَاهِدًا عَلَيْهِ. واجْتَدَثَ: اتخذ جَدَثاً.
جرث: الجِرِّيثُ، بِالتَّشْدِيدِ: ضَرْبٌ مِنَ السَّمَكِ مَعْرُوفٌ، وَيُقَالُ لَهُ: الجِرِّيُّ. رُوِيَ
أَن ابْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنِ الجِرِّيِّ فَقَالَ: لَا بأْس، إِنما هُوَ شيءٌ حرَّمه الْيَهُودُ.
وَرُوِيَ
عَنْ عَمّار: لَا تأْكلوا الصِّلَّوْرَ والأَنْقَلِيسَ.
قَالَ أَحمدُ بنُ الحَريش: قَالَ النَّضْر الصِّلَّوْرُ الجِرِّيثُ، والأَنْقَلِيسُ المارْماهي. وَرُوِيَ
عَنْ عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنه أَباحَ أَكْلَ الجِرِّيث
؛ وَفِي رِوَايَةٍ:
أَنه كَانَ يَنْهَى عَنْهُ
، وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ السَّمَكِ يُشْبه الحَيّاتِ، وَيُقَالُ له بالفارسية: المارْماهِي.
جنث: الجِنْثُ: أَصلُ الشَّيْءِ، والجمعُ أَجناثٌ وجُنُوثٌ. الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ فُلَانٌ مِنْ جِنْثِك وجِنْسِك أَي مِنْ أَصلك، لُغَةٌ أَو لَثْغة. والجُنْثِيُّ والجِنْثِيُّ: الزَّرَّادُ؛ وَقِيلَ: الحَدَّاد، وَالْجَمْعُ أَجْناثٌ، عَلَى حَذْفِ الزَّائِدِ. والجِنْثِيُّ والجُنْثِيُّ: السيفُ؛ قَالَ:
ولكِنَّها سُوقٌ، يكونُ بِياعُها ... بجُنْثِيَّةٍ، قد أَخْلَصَتْها الصَّياقِلُ
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: يَعْنِي بِهِ السُّيوف أَو الدُّرُوعَ. والجُنْثِيُّ والجِنْثِيُّ، بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ: مِنْ أَجود الْحَدِيدِ؛ الأَصمعي عَنْ خَلَفٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْعَرَبَ(2/128)
تُنْشِدُ بَيْتَ لَبيد:
أَحْكَمَ الجُنْثِيُّ، مِنْ عَوْراتِها، ... كلَّ حِرْباءٍ، إِذا أُكْرِه صَلْ
قال: الجُنْثِيُّ [الجِنْثِيُ] السيفُ بِعَيْنِهِ. أَحْكَمَ أَي رَدَّ الحِرْباءَ، وَهُوَ المسمارُ. مِنْ عَوْراتها، السيفُ «1» ؛ وأَنشد:
وليستْ بأَسْواقٍ، يكونُ بِياعُها ... بِبِيضٍ، تُشافُ بالجِيادِ المَناقِلِ
ولكنَّها سُوقٌ، يكونُ بِياعُها ... بجِنْثِيَّةٍ، قد أَخْلَصَتْها الصَّياقِلُ
قَالَ: مَنْ رَوَى أَحْكَمَ الجِنْثِيُّ مِنْ عَوْراتها كلَّ حِرْبَاءَ، قَالَ: الجنْثِيُّ الحدَّاد إِذا أَحْكَم عَوْرات الدُّروع لَمْ يَدَعْ فِيهَا فَتْقاً، وَلَا مَكَانًا ضَعيفاً. والجِنْثُ: أَصلُ الشَّجَرَةِ، وَهُوَ العِرْق المستقيمُ أَرومَتُه فِي الأَرض؛ وَيُقَالُ: بَلْ هُوَ مِنْ ساقِ الشَّجَرَةِ مَا كَانَ فِي الأَرض فوقَ العُروق. الأَصمعي: جِنْثُ الإِنسان أَصلهُ؛ وإِنه لَيَرْجِعُ إِلى جِنْثِ صِدْقٍ. ابْنُ الأَعرابي: التَّجَنُّثُ أَن يَدَّعِيَ الرجلُ غير أَصله.
جهث: جَهَثَ الرجلُ يَجْهَثُ جَهْثاً: استخفَّه الفزعُ أَو الغَضَبُ؛ عَنْ أَبي مَالِكٍ.
جوث: الجَوَثُ: اسْتِرخاءُ أَسفلِ البَطْنِ. وَرَجُلٌ أَجْوَثُ. والجَوْثاءُ، بِالْجِيمِ: الْعَظِيمَةُ البَطْن عِنْدَ السُّرَّة؛ وَيُقَالُ: بَلْ هُوَ كَبَطْنِ الحُبْلى. اللَّيْثُ: الجَوَثُ عِظَمٌ فِي أَعلى البَطْن كأَنه بَطْنُ الحُبْلى؛ والنَّعْتُ: أَجْوَثُ وجَوْثاءُ. والجَوْثُ والجَوْثاءُ: القِبَةُ؛ قَالَ:
إِنَّا وَجَدْنا زادَهم رَدِيَّا: ... الكِرْشَ، والجَوْثاءَ، والمَرِيَّا
وَقِيلَ: هِيَ الحَوْثاء، بالحاءِ الْمُهْمَلَةِ. وجُوثةُ: حَيٌّ أَو مَوْضِعٌ، وَتَمِيمُ جُوثة مَنْسُوبُونَ إِليهم. الْجَوْهَرِيُّ: جُوَاثَى: اسْمُ حِصْن بِالْبَحْرِينِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَوَّلُ جُمْعَةٍ جُمِّعَتْ بَعْدَ الْمَدِينَةِ بجُوَاثَى
؛ هُوَ اسْمُ حِصْنٍ بِالْبَحْرِينِ. وَفِي حَدِيثِ
الثَّلِبِ: أَصابَ النبيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جُوثَةٌ.
هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَتِهِ؛ قَالُوا: وَالصَّوَابُ حُوبَةٌ، وهي الفاقَةُ.
فصل الحاء المهملة
حتث: التَحْتِيثُ: التَّكَسُّرُ والضَّعْفُ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي.
حثث: الحَثُّ: الإِعْجالُ فِي اتِّصالٍ؛ وَقِيلَ: هَوَ الاستعجالُ مَا كَانَ. حَثَّهُ يَحُثُّهُ حَثّاً. واسْتَحَثَّه واحْتَثَّه، والمُطاوع مِنْ كُلِّ ذَلِكَ احْتَثَّ. والحِثِّيثَى: الاسْمُ نَفْسُه؛ يُقَالُ: اقْبَلُوا دِلِّيلى رَبِّكُمْ وحِثِّيثاهُ إِياكم. وَيُقَالُ: حَثَثْتُ فُلَانًا، فاحْتَثَّ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الحِثِّيثَى الحَثُّ، وَكَذَلِكَ الحُثْحُوثُ. وحَثْحَثَه كحَثَّه، وحَثَّثَه أَي حَضَّه؛ قَالَ ابْنُ جِنِّي: أَما قَوْلِ مَنْ قَالَ فِي قَوْلِ تأَبط شَرًّا:
كأَنما حَثْحَثُوا حُصّاً قَوادِمُه، ... أَو أُمَّ خِشْفٍ بِذِي شَثٍّ وطُبّاقِ
إِنه أَراد حَثَّثُوا، فأَبدل مِنَ الثَّاءِ الوُسْطَى حَاءً، فمردودٌ عِنْدَنَا؛ قَالَ: وإِنما ذَهَبَ إِلى هَذَا الْبَغْدَادِيُّونَ، قَالَ: وسأَلت أَبا عَلِيٍّ عَنْ فسادِه، فَقَالَ: الْعِلَّةُ أَن أَصل الْبَدَلِ فِي الْحُرُوفِ إِنما هُوَ فِيمَا تَقَارَبَ مِنْهَا، وَذَلِكَ نَحْوُ الدَّالِ وَالطَّاءِ، وَالتَّاءِ وَالظَّاءِ، وَالذَّالِ وَالثَّاءِ، وَالْهَاءِ وَالْهَمْزَةِ، وَالْمِيمِ وَالنُّونِ، وَغَيْرِ ذلك مما
__________
(1) . هكذا في الأَصل، والظاهر أَن في الكلام تحريفاً.(2/129)
تَدَانَتْ مَخَارِجُهُ. وأَما الْحَاءُ فَبَعِيدَةٌ مِنَ الثَّاءِ، وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ يَمْنَعُ مِنْ قَلْبِ إِحداهما إِلى أُختها. وحَثَّثَهُ تَحْثِيثاً، وحَثْحَثَه، بِمَعْنًى. وَولَّى حَثِيثاً أَي مُسْرِعاً حَريصاً. وَلَا يَتَحاثُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ أَي لَا يَتَحاضُّون. وَرَجُلٌ حَثيثٌ ومَحْثُوثٌ: حادٌّ سَريعٌ فِي أَمره كأَنَّ نَفْسَه تَحُثُّه. وَقَوْمٌ حِثاثٌ، وامرأَة حَثِيثة فِي موضعِ حاثَّةٍ، وحَثِيثٌ فِي موضعِ مَحْثُوثةٍ؛ قَالَ الأَعشى:
تَدَلَّى حَثِيثاً، كأَنَّ الصُّوارَ ... يَتْبَعُه أَزْرَقِيٌّ لَحِمْ
شبَّه الْفَرَسَ فِي السُّرْعة بِالْبَازِي. والطائرُ يَحُثُّ جَناحَيْه فِي الطَّيَران: يُحَرِّكُهما؛ قَالَ أَبو خِراشٍ: يُبادِرُ جُنْحَ اللَّيْلِ، فَهُوَ مُهابِدٌ، يَحُثُّ الجَناحَ بالتَّبَسُّطِ والقَبْضِ وَمَا ذُقْتُ حَثاثاً وَلَا حِثاثاً أَي مَا ذُقْتُ نَوْماً. وَمَا اكْتَحَلْتُ حَثاثاً وحِثاثاً، بِالْكَسْرِ، أَي نَوْمًا. قَالَ أَبو عُبيد: وَهُوَ بِالْفَتْحِ أَصحُّ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
وللهِ مَا ذاقَتْ حَثَاثاً مَطِيَّتي، ... وَلَا ذُقْتُه، حَتَّى بَدا وَضَح الفَجْر
وَقَدْ يُوصَفُ بِهِ فَيُقَالُ: نَوْمٌ حِثاثٌ أَي قليلٌ، كَمَا يُقَالُ: نومٌ غِرارٌ. وَمَا كُحِلَتْ عَيْنِي بِحَثاث أَي بنَوْم. وَقَالَ الزُّبَيْر: الحَثْحاثُ والحُثْحُوثُ: النَّوْمُ: وأَنشد:
مَا نِمْتُ حُثْحُوثاً، وَلَا أَنامُه ... إِلا عَلَى مُطَرَّدٍ زِمامُه
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ كَثْوَةَ: مَا جَعَلْتُ فِي عَيْني حِثَاثاً؛ عِنْدَ تأْكيد السَّهَرِ. وحَثَّثَ الرجلُ إِذا نَامَ. والحِثاثَةُ، بِالْكَسْرِ: الحَرُّ والخُشُونة يَجدُها الإِنسانُ فِي عَيْنَيْه. قَالَ راويةُ أَمالي ثَعْلَب: لَمْ يَعْرِفها أَبو الْعَبَّاسِ. والحُثُّ: الرَّمْلُ الغَلِيظُ اليابِسُ الخَشِنُ؛ قَالَ:
حَتَّى يُرَى فِي يابِس الثَّرْياء حُثّ، ... يَعْجِزُ عَنْ رِيِّ الطُّلَيِّ المُرْتَغِثْ
أَنشده ابْنُ دُرَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَمِّهِ الأَصمعي. وسَوِيقٌ حُثٌّ: لَيْسَ بدَقِيقِ الطَّحْنِ، وَقِيلَ: غيرُ مَلْتُوتٍ؛ وكُحْلٌ حُثٌّ، مِثلُه؛ وَكَذَلِكَ مِسْكٌ حُثٌّ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
إِنّ بأَعْلاكَ لَمِسْكاً حُثَّا، ... وغَلَبَ الأَسْفَلُ إِلَّا خُبْثا
عَدَّى غَلَبَ هُنَا، لأَن فِيهِ مَعْنَى أَبى. وَمَعْنَاهُ: أَنه كَانَ إِذا أَخَذَه وحَمله سَلَحَ عَلَيْهِ. والحُثُّ، بِالضَّمِّ: حُطامُ التِّبْنِ، والرملُ الخَشِنُ، والخُبْزُ القَفارُ. وتَمْرٌ حُثٌّ: لَا يَلْزَقُ بَعْضُه بِبَعْضٍ، عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ قَالَ: وَجَاءَنَا بتَمْرٍ فَذٍّ، فَضٍّ، وحُثٍّ أَي لَا يَلْزَقُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ. والحَثْحَثَةُ: الاضطرابُ؛ وخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ اضطرابَ البَرْق فِي السَّحاب، وانْتِخالَ الْمَطَرِ وَالْبَرَدِ وَالثَّلْجِ مِنْ غَيْرِ انْهِمار. وخِمْسٌ حَثْحاثٌ، وحَذْحاذ، وقَسْقاسٌ، كلُّ ذَلِكَ: السَّيْرُ الَّذِي لَا وَتِيرة فِيهِ. وقَرَبٌ حَثْحاث، وثَحْثاحٌ، وحَذْحاذٌ، ومُنَحِّبٌ أَي شَدِيدٌ. وقَرَبٌ حَثْحاثٌ أَي سَرِيعٌ، لَيْسَ فِيهِ فُتُور. وخِمْس قَعْقاع وحَثْحاث إِذا كَانَ بَعِيدًا والسيرُ فِيهِ(2/130)
مُتْعِباً لَا وَتِيرَةَ فِيهِ أَي لَا فُتُور فِيهِ. وَفَرَسٌ جَوادُ المَحَثَّة أَي إِذا حُثَّ جَاءَهُ جَريٌ بَعْدَ جَرْيٍ. والحَثْحَثَة: الْحَرَكَةُ المُتَداركة. وحَثْحَثَ المِيلَ فِي الْعَيْنِ: حَرَّكه؛ يُقَالُ: حَثْحَثوا ذَلِكَ الأَمْرَ ثُمَّ تَركُوه أَي حَرَّكُوه. وحَيَّة حَثْحاثٌ ونَضْناضٌ: ذُو حَرَكَةٍ دَائِمَةٍ. وَفِي حَدِيثِ
سَطِيح: كأَنما حُثْحِثَ مِنْ حِضْنَيْ ثَكَن
أَي حُثَّ وأُسْرِعَ. يُقَالُ: حَثَّه عَلَى الشيءِ وحَثْحَثَه، بِمَعْنًى. وَقِيلَ: الْحَاءُ الثَّانِيَةُ بَدَلٌ مِنْ إِحدى الثاءَين. والحُثْحُوث: الدَّاعِي بسُرْعة، وَهُوَ أَيضاً السَّرِيعُ مَا كَانَ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والحُثْحُوثُ الكَتيبة. أُرَى: والحُثُّ المَدْقُوق مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
حدث: الحَدِيثُ: نقيضُ الْقَدِيمِ. والحُدُوث: نقيضُ القُدْمةِ. حَدَثَ الشيءُ يَحْدُثُ حُدُوثاً وحَداثةً، وأَحْدَثه هُوَ، فَهُوَ مُحْدَثٌ وحَديث، وَكَذَلِكَ اسْتَحدثه. وأَخذني مِنْ ذَلِكَ مَا قَدُمَ وحَدُث؛ وَلَا يُقَالُ حَدُث، بِالضَّمِّ، إِلَّا مَعَ قَدُم، كأَنه إِتباع، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: لَا يُضَمُّ حَدُثَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْكَلَامِ إِلا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَذَلِكَ لِمَكَانِ قَدُمَ عَلَى الازْدواج. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنه سَلَّمَ عَلَيْهِ، وَهُوَ يُصَلِّي، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ السلامَ، قَالَ: فأَخذني مَا قَدُمَ وَمَا حَدُث
، يعْني هُمُومَهُ وأَفكارَه القديمةَ والحديثةَ. يُقَالُ: حَدَثَ الشيءُ، فإِذا قُرِن بقَدُم ضُمَّ، للازْدواج. والحُدُوثُ: كونُ شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ. وأَحْدَثَه اللهُ فَحَدَثَ. وحَدَثَ أَمرٌ أَي وَقَع. ومُحْدَثاتُ الأُمور: مَا ابتدَعه أَهلُ الأَهْواء مِنَ الأَشياء الَّتِي كَانَ السَّلَف الصالحُ عَلَى غَيْرِهَا. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِياكم ومُحْدَثاتِ الأُمور
، جمعُ مُحْدَثَةٍ بِالْفَتْحِ، وَهِيَ مَا لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفاً فِي كِتَابٍ، وَلَا سُنَّة، وَلَا إِجماع. وَفِي حَدِيثِ بَنِي قُرَيظَة:
لَمْ يَقْتُلْ مِنْ نِسَائِهِمْ إِلا امْرأَةً وَاحِدَةً كانتْ أَحْدَثَتْ حَدَثاً
؛ قِيلَ: حَدَثُها أَنها سَمَّتِ النبيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَقَالَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
كلُّ مُحْدَثَةٍ بدْعَةٌ، وكلُّ بِدْعةٍ ضَلالةٌ.
وَفِي حَدِيثِ الْمَدِينَةِ:
مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثاً، أَو آوَى مُحْدِثاً
؛ الحَدَثُ: الأَمْرُ الحادِثُ المُنْكَرُ الَّذِي لَيْسَ بمعتادٍ، وَلَا مَعْرُوفٍ فِي السُّنَّة، والمُحْدِثُ: يُروى بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا عَلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ، فَمَعْنَى الْكَسْرِ مَن نَصَرَ جَانِيًا، وَآوَاهُ وأَجاره مِنْ خَصْمه، وَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَن يَقْتَصَّ مِنْهُ؛ وَبِالْفَتْحِ، هُوَ الأَمْرُ المُبْتَدَعُ نَفْسُه، وَيَكُونُ مَعْنَى الإِيواء فِيهِ الرِّضَا بِهِ، وَالصَّبْرَ عَلَيْهِ، فإِنه إِذا رَضِيَ بالبِدْعة، وأَقرّ فاعلَها وَلَمْ يُنْكِرْهَا عَلَيْهِ، فَقَدْ آوَاهُ. واسْتَحْدَثْتُ خَبَراً أَي وَجَدْتُ خَبَراً جَدِيدًا؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
أَسْتَحْدَثَ الرَّكْبُ عَنْ أَشْياعهم خَبَراً، ... أَم راجَعَ القَلْبَ، مِنْ أَطْرابه، طَرَبُ؟
وَكَانَ ذَلِكَ فِي حِدْثانِ أَمْرِ كَذَا أَي فِي حُدُوثه. وأَخذَ الأَمْر بحِدْثانِه وحَدَاثَته أَي بأَوّله وَابْتِدَائِهِ. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ، رَضِيَ الله عنها: لَوْلَا حِدْثانُ قَوْمِك بالكُفْر، لَهَدَمْتُ الكعبةَ وبَنَيْتُها.
حِدْثانُ الشَّيْءِ، بِالْكَسْرِ: أَوّلهُ، وَهُوَ مَصْدَرُ حَدَثَ يَحْدُثُ حُدُوثاً وحِدْثاناً؛ وَالْمُرَادُ بِهِ قُرْبُ عَهْدِهِمْ بِالْكُفْرِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ، والدُّخولِ فِي الإِسلام، وأَنه لَمْ يَتَمَكَّنِ الدينُ مِنْ قُلُوبِهِمْ، فَلَوْ هَدَمْتُ الْكَعْبَةَ(2/131)
وغَيَّرْتُها، رُبَّمَا نَفَرُوا مِنْ ذَلِكَ. وَفِي حَدِيثِ حُنَين:
إِني لأُعْطِي رِجَالًا حَديثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ أَتَأَلَّفُهم
، وَهُوَ جمعُ صحةٍ لحديثٍ، وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ. وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
أُناسٌ حَديثةٌ أَسنانُهم
؛ حَداثةُ السِّنِّ: كِنَايَةٌ عَنِ الشَّباب وأَوّلِ الْعُمُرِ؛ وَمِنْهُ حديثُ
أُم الفَضْل: زَعَمَت امرأَتي الأُولى أَنها أَرْضَعَت امرأَتي الحُدْثى
؛ هِيَ تأْنيثُ الأَحْدَث، يُرِيدُ المرأَة الَّتِي تَزَوَّجَها بَعْدَ الأُولى. وحَدَثانُ الدَّهْر «2» وحَوادِثُه: نُوَبُه، وَمَا يَحْدُث مِنْهُ، واحدُها حادِثٌ؛ وَكَذَلِكَ أَحْداثُه، واحِدُها حَدَثٌ. الأَزهري: الحَدَثُ مِنْ أَحْداثِ الدَّهْرِ: شِبْهُ النَّازِلَةِ. والأَحْداثُ: الأَمْطارُ الحادثةُ فِي أَوّل السَّنَةِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
تَرَوَّى مِنَ الأَحْداثِ، حَتَّى تَلاحَقَتْ ... طَرائقُه، واهتَزَّ بالشِّرْشِرِ المَكْرُ
أَي مَعَ الشِّرْشِر؛ فأَما قَوْلُ الأَعشى:
فإِمَّا تَرَيْني ولِي لِمَّةٌ، ... فإِنَّ الحَوادث أَوْدى بِهَا
فإِنه حَذْفٌ لِلضَّرُورَةِ، وَذَلِكَ لمَكان الْحَاجَةِ إِلى الرِّدْف؛ وأَما أَبو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ فَذَهَبَ إِلى أَنه وَضَعَ الحَوادِثَ مَوْضِعَ الحَدَثانِ، كَمَا وَضَع الآخرُ الحَدَثانَ موضعَ الْحَوَادِثِ فِي قَوْلِهِ:
أَلا هَلَكَ الشِّهابُ المُسْتَنِيرُ، ... ومِدْرَهُنا الكَمِيُّ، إِذا نُغِيرُ
ووَهَّابُ المِئِينَ، إِذا أَلَمَّتْ ... بِنَا الحَدَثانُ، وَالْحَامِي النَّصُورُ
الأَزهري: وَرُبَّمَا أَنَّثت العربُ الحَدَثانَ، يَذْهَبُونَ بِهِ إِلى الحَوادث، وأَنشد الفراءُ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ أَيضاً، وَقَالَ عِوَضَ قَوْلِهِ ووهَّابُ المِئين: وحَمَّالُ المِئين، قَالَ: وَقَالَ الفراءُ: تَقُولُ الْعَرَبُ أَهلكتْنا الحَدَثانُ؛ قَالَ: وأَما حِدْثانُ الشَّباب، فَبِكَسْرِ الحاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ. قَالَ أَبو عَمْرٍو الشَّيباني: تَقُولُ أَتيته فِي رُبَّى شَبابه، ورُبَّانِ شَبابه، وحُدْثى شَبَابِهِ، وحديثِ شَبَابِهِ، وحِدْثان شَبَابِهِ، بِمَعْنًى وَاحِدٍ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الحَدَثُ والحُدْثى والحادِثَةُ والحَدَثانُ، كُلُّهُ بِمَعْنًى. والحَدَثان: الفَأْسُ، عَلَى التَّشْبِيهِ بحَدَثان الدَّهْر؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ؛ أَنشد أَبو حَنِيفَةَ:
وجَوْنٌ تَزْلَقُ الحَدَثانُ فِيهِ، ... إِذا أُجَراؤُه نَحَطُوا، أَجابا
الأَزهري: أَراد بِجَوْنٍ جَبَلًا. وَقَوْلُهُ أَجابا: يَعْنِي صَدى الجَبل يَسْمَعُه. والحَدَثانُ: الفأْس الَّتِي لَهَا رأْس واحدة. وَسَمَّى سِيبَوَيْهِ المَصْدَر حَدَثاً، لأَن المصادرَ كلَّها أَعراضٌ حادِثة، وكَسَّره عَلَى أَحْداثٍ، قَالَ: وأَما الأَفْعال فأَمثلةٌ أُخِذَتْ مِنْ أَحْداثِ الأَسماء. الأَزهري: شابٌّ حَدَث فَتِيُّ السِّنِّ. ابْنُ سِيدَهْ: وَرَجُلٌ حَدَثُ السِّنِّ وحَديثُها: بيِّن الحَداثة والحُدُوثة. وَرِجَالٌ أَحْداثُ السِّنِّ، وحُدْثانُها [حِدْثانُها] ، وحُدَثاؤُها. وَيُقَالُ: هؤُلاء قومٌ حُدْثانٌ [حِدْثانٌ] ، جمعُ حَدَثٍ، وَهُوَ الفَتِيُّ السِّنِّ. الْجَوْهَرِيُّ: ورجلٌ حَدَثٌ أَي
__________
(2) . قوله [وحدثان الدهر إلخ] كذا ضبط بفتحات في الصحاح والمحكم والتهذيب والتكملة والنهاية وصرح به صاحب المختار. فقول المجد: ومن الدهر نوبه، صوابه: والحدثان، بفتحات، من الدهر نوبه إلخ ليوافق أصوله، ولكن نشأ له ذلك من الاختصار، ويؤيد ما قلناه أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ المادة. وأوس بن الحدثان محركة صحابي. فقال شارحه: منقول من حدثان الدهر أَي صروفه ونوائبه نعوذ بالله منها.(2/132)
شابٌّ، فإِن ذَكَرْتَ السِّنَّ قُلْتَ: حَدِيثُ السِّنِّ، وهؤلاءِ غلمانٌ حُدْثانٌ أَي أَحْداثٌ. وكلُّ فَتِيٍّ مِنَ النَّاسِ والدوابِّ والإِبل: حَدَثٌ، والأُنثى حَدَثةٌ. وَاسْتَعْمَلَ ابْنُ الأَعرابي الحَدَثَ فِي الوَعِل، فَقَالَ: إِذا كَانَ الوَعِلُ حَدَثاً، فَهُوَ صَدَعٌ. والحديثُ: الجديدُ مِنَ الأَشياء. وَالْحَدِيثُ: الخَبَرُ يأْتي عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَالْجَمْعُ: أَحاديثُ، كَقَطِيعٍ وأَقاطِيعَ، وَهُوَ شاذٌّ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَقَدْ قَالُوا فِي جَمْعِهِ: حِدْثانٌ وحُدْثانٌ، وَهُوَ قَلِيلٌ؛ أَنشد الأَصمعي:
تُلَهِّي المَرْءَ بالحِدْثانِ لَهْواً، ... وتَحْدِجُه، كَمَا حُدِجَ المُطِيقُ
وبالحُدْثانِ أَيضاً؛ وَرَوَاهُ ابْنُ الأَعرابي: بالحَدَثانِ، وَفَسَّرَهُ، فَقَالَ: إِذَا أَصابه حَدَثانُ الدَّهْرِ مِنْ مَصائِبه ومَرازِئه، أَلْهَتْه بدَلِّها وحَدِيثها عَنْ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً
؛ عَنَى بِالْحَدِيثِ الْقُرْآنَ؛ عَنِ الزَّجَّاجِ. والحديثُ: مَا يُحَدِّثُ بِهِ المُحَدِّثُ تَحْديثاً؛ وَقَدْ حَدَّثه الحديثَ وحَدَّثَه بِهِ. الْجَوْهَرِيُّ: المُحادثة والتَّحادُث والتَّحَدُّثُ والتَّحْديثُ: مَعْرُوفَاتٌ. ابْنُ سِيدَهْ: وَقَوْلُ سِيبَوَيْهِ فِي تَعْلِيلِ قَوْلِهِمْ: لَا تأْتيني فتُحَدِّثَني، قَالَ: كأَنك قُلْتَ لَيْسَ يكونُ مِنْكَ إِتيانٌ فحديثٌ، إِنما أَراد فتَحْديثٌ، فوَضَع الِاسْمَ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ، لأَن مَصْدَرَ حَدَّث إِنما هُوَ التحديثُ، فأَما الحديثُ فَلَيْسَ بِمَصْدَرٍ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ
؛ أَي بَلِّغْ مَا أُرْسِلْتَ بِهِ، وحَدِّث بِالنُّبُوَّةِ الَّتِي آتَاكَ اللهُ، وَهِيَ أَجلُّ النِّعَم. وَسَمِعْتُ حِدِّيثى حَسنَةً، مثل خِطِّيبيى، أَي حَديثاً. والأُحْدُوثةُ: مَا حُدِّثَ بِهِ. الْجَوْهَرِيُّ: قَالَ الفراءُ: نُرى أَن وَاحِدَ الأَحاديث أُحْدُوثة، ثُمَّ جَعَلُوهُ جَمْعًا للحَديث؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: لَيْسَ الأَمر كَمَا زَعَمَ الفراءُ، لأَن الأُحْدُوثةَ بِمَعْنَى الأُعْجوبة، يُقَالُ: قَدْ صَارَ فلانٌ أُحْدُوثةً. فأَما أَحاديث النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَا يَكُونُ وَاحِدُهَا إِلا حَديثاً، وَلَا يَكُونُ أُحْدوثةً، قَالَ: وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ سِيبَوَيْهِ فِي بَابِ مَا جاءَ جَمْعُهُ عَلَى غَيْرِ وَاحِدِهِ الْمُسْتَعْمَلِ، كعَرُوض وأَعاريضَ، وَبَاطِلٍ وأَباطِيل. وَفِي حَدِيثِ
فَاطِمَةَ، عَلَيْهَا السَّلَامُ: أَنها جاءَت إِلى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوَجَدَتْ عِنْدَهُ حُدّاثاً
أَي جَمَاعَةً يَتَحَدَّثُون؛ وَهُوَ جَمْعٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، حَمْلًا عَلَى نَظِيرِهِ، نَحْوَ سامِرٍ وسُمَّارٍ فإِن السُّمّارَ المُحَدِّثون. وَفِي الْحَدِيثِ:
يَبْعَثُ اللهُ السَّحابَ فيَضْحَكُ أَحْسَنَ الضَّحِكِ ويَتَحَدَّث أَحْسَن الحَديث.
قَالَ ابْنُ الأَثير: جاءَ فِي الْخَبَرِ
أَن حَديثَه الرَّعْدُ، وضَحِكَه البَرْقُ
، وشَبَّهه بِالْحَدِيثِ لأَنه يُخْبِر عَنِ الْمَطَرِ وقُرْبِ مَجِيئِهِ، فَصَارَ كالمُحَدِّث بِهِ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ نُصَيْب:
فعاجُوا، فأَثْنَوْا بِالَّذِي أَنتَ أَهْلُه، ... وَلَوْ سَكَتُوا، أَثْنَتْ عليكَ الحَقائبُ
وَهُوَ كَثِيرٌ فِي كَلَامِهِمْ. وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ أَراد بِالضَّحِكِ: افْتِرارَ الأَرض بِالنَّبَاتِ وَظُهُورَ الأَزْهار، وَبِالْحَدِيثِ: مَا يَتَحدَّثُ بِهِ الناسُ فِي صِفَةِ النَّبَاتِ وذِكْرِه؛ وَيُسَمَّى هَذَا النوعُ فِي عِلْمِ الْبَيَانِ: المجازَ التَّعْليقِيَّ، وَهُوَ مِنْ أَحْسَن أَنواعه. وَرَجُلٌ حَدِثٌ وحَدُثٌ وحِدْثٌ وحِدِّيثٌ ومُحَدِّثٌ، بِمَعْنًى وَاحِدٍ: كثيرُ الحَديثِ، حَسَنُ السِّياق لَهُ؛ كلُّ هَذَا عَلَى النَّسَب وَنَحْوِهِ. والأَحاديثُ، فِي الْفِقْهِ وَغَيْرِهِ، مَعْرُوفَةٌ.(2/133)
وَيُقَالُ: صَارَ فلانٌ أُحْدُوثةً أَي أَكثروا فِيهِ الأَحاديثَ. وفلانٌ حِدْثُك أَي مُحَدِّثُك، والقومُ يَتحادَثُون ويَتَحَدَّثُون، وَتَرَكْتُ البلادَ تَحَدَّثُ أَي تَسْمَعُ فِيهَا دَويّاً؛ حَكَاهُ ابْنُ سِيدَهْ عَنْ ثَعْلَبٍ. وَرَجُلٌ حِدِّيثٌ، مِثَالُ فِسِّيق أَي كثيرُ الحَديث. وَرَجُلٌ حِدْثُ مُلوك، بِكَسْرِ الحاءِ، إِذا كَانَ صاحبَ حَدِيثهم وسَمَرِهِم؛ وحِدْثُ نساءٍ: يَتَحَدَّثُ إِليهنّ، كَقَوْلِكَ: تِبْعُ نساءٍ، وزيرُ نساءٍ. وَتَقُولُ: افْعَلْ ذَلِكَ الأَمْر بحِدْثانِه وبحَدَثانه أَي أَوّله وطَراءَته. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الصَّادِقِ الظَّنِّ: مُحَدَّثٌ، بِفَتْحِ الدَّالِ مشدَّدة. وَفِي الْحَدِيثِ:
قَدْ كَانَ فِي الأُمم مُحَدَّثون، فإِن يَكُنْ فِي أُمتي أَحَدٌ، فعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
؛ جاءَ فِي الْحَدِيثِ:
تَفْسِيرُهُ أَنهم المُلْهَمُون
؛ والمُلْهَم: هُوَ الَّذِي يُلْقَى فِي نَفْسِهِ الشيءُ، فيُخْبِرُ بِهِ حَدْساً وفِراسةً، وَهُوَ نوعٌ يَخُصُّ اللهُ بِهِ مَن يشاءُ مِنْ عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى مِثْلِ عُمر، كأَنهم حُدِّثوا بشيءٍ فَقَالُوهُ. ومُحادَثةُ السَّيْفِ: جِلاؤُه. وأَحْدَثَ الرجلُ سَيْفَه، وحادَثَه إِذا جَلاه. وَفِي حَدِيثِ
الْحَسَنِ: حادِثُوا هَذِهِ القُلوبَ بِذِكْرِ اللَّهِ، فإِنها سريعةُ الدُّثورِ
؛ مَعْنَاهُ: اجْلُوها بالمَواعظ، واغْسِلُوا الدَّرَنَ عَنْهَا، وشَوِّقُوها حَتَّى تَنْفُوا عَنْهَا الطَّبَع والصَّدَأَ الَّذِي تَراكَبَ عَلَيْهَا مِنَ الذُّنُوبِ، وتَعاهَدُوها بِذَلِكَ، كَمَا يُحادَثُ السيفُ بالصِّقالِ؛ قَالَ لَبِيدٌ:
كنَصْلِ السَّيْف، حُودِث بالصِّقال
والحَدَثُ: الإِبْداءُ؛ وَقَدْ أَحْدَث: منَ الحَدَثِ. وَيُقَالُ: أَحْدَثَ الرجلُ إِذا صَلَّعَ، أَو فَصَّعَ، وخَضَفَ، أَيَّ ذَلِكَ فَعَلَ فَهُوَ مُحْدِثٌ؛ قَالَ: وأَحْدَثَ الرجلُ وأَحْدَثَتِ المرأَةُ إِذا زَنَيا؛ يُكنى بالإِحْداثِ عَنِ الزِّنَا. والحَدَثُ مِثْل الوَليِّ، وأَرضٌ مَحْدُوثة: أَصابها الحَدَثُ. والحَدَثُ: مَوْضِعٌ مُتَّصِلٌ ببلاد الرُّوم، مؤَنثة.
حرث: الحَرْثُ والحِراثَةُ: العَمل فِي الأَرض زَرْعاً كَانَ أَو غَرْساً، وقد يكون الحَرْثُ نفسَ الزَّرْع، وَبِهِ فَسَّر الزجاجُ قَوْلَهُ تعالى: صابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ
. حَرَثَ يَحْرُثُ حَرْثاً. الأَزهري: الحَرْثُ قَذْفُكَ الحَبَّ فِي الأَرض لازْدِراعٍ، والحَرْثُ: الزَّرْع. والحَرَّاثُ: الزَّرَّاعُ. وَقَدْ حَرَث واحْتَرثَ، مِثْلُ زَرَعَ وازْدَرَع. والحَرْثُ: الكَسْبُ، والفعلُ كَالْفِعْلِ، وَالْمَصْدَرُ كَالْمَصْدَرِ، وَهُوَ أَيضاً الاحْتِراثُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَصْدَقُ الأَسماءِ الحارِثُ
؛ لأَن الحارِثَ هُوَ الكاسِبُ. واحْتَرَثَ المالَ: كَسَبه؛ والإِنسانُ لَا يَخْلُو مِنَ الكَسْب طَبْعًا واخْتياراً. الأَزهري: والاحْتِراثُ كَسْبُ الْمَالِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ يُخَاطِبُ ذِئْبًا:
وَمَنْ يَحْتَرِثْ حَرْثي وحَرْثَكَ يُهْزَلِ
والحَرْثُ: العَمَلُ لِلدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
احْرُثْ لدُنْياك كأَنك تَعيش أَبداً، واعْمل لِآخِرَتِكَ كأَنك تَموتُ غَداً
؛ أَي اعْمَلْ لدُنْياك، فخالَفَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَالظَّاهِرُ مِنْ لَفْظِ هَذَا الْحَدِيثِ: أَمّا فِي الدُّنْيَا فالحَثُّ عَلَى عِمَارَتِهَا، وَبَقَاءِ النَّاسِ فِيهَا حَتَّى يَسْكُنَ فِيهَا، ويَنْتَفِع بِهَا مَنْ يجيءُ بَعْدَكَ كَمَا انْتَفَعْتَ أَنتَ بِعَمَلِ مَن كَانَ(2/134)
قَبْلَكَ وسَكَنْتَ فِيمَا عَمَر، فإِن الإِنسان إِذا عَلِمَ أَنه يَطُول عُمْرُه أَحْكَم مَا يَعْمله، وحَرَصَ عَلَى مَا يَكْتَسبه؛ وأَما فِي جَانِبِ الْآخِرَةِ، فإِنه حَثٌّ عَلَى الإِخلاص فِي الْعَمَلِ، وَحُضُورِ النيَّة وَالْقَلْبِ فِي الْعِبَادَاتِ وَالطَّاعَاتِ، والإِكثار مِنْهَا، فإِن مَنْ يَعْلَمُ أَنه يَمُوتُ غَدًا، يُكثر مِنْ عِبَادَتِهِ، ويُخْلِصُ فِي طَاعَتِهِ، كَقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:
صَلِّ صلاةَ مُودِّع
؛ وَقَالَ بعضُ أَهل الْعِلْمِ: الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ غيرُ السَّابِقِ إِلى الْفَهْمِ مِنْ ظَاهِرِهِ، لأَنه، عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِنما نَدَبَ إِلى الزُّهْد فِي الدُّنْيَا، وَالتَّقْلِيلِ مِنْهَا، ومِن الِانْهِمَاكِ فِيهَا، وَالِاسْتِمْتَاعِ بِلَذَّاتِهَا، وَهُوَ الْغَالِبُ عَلَى أَوامره وَنَوَاهِيهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالدُّنْيَا، فَكَيْفَ يَحُثُّ عَلَى عِمارتها وَالِاسْتِكْثَارِ مِنْهَا؟ وإِنما أَراد، وَاللَّهُ أَعلم، أَن الإِنسان إِذا عَلِمَ أَنه يَعِيشُ أَبداً، قَلَّ حِرْصُه، وَعَلِمَ أَن مَا يُرِيدُهُ لَا يَفُوته تَحْصِيلُه بِتَرْكِ الحِرْص عَلَيْهِ والمُبادرةِ إِليه، فإِنه يَقُولُ: إِن فَاتَنِي اليومَ أَدركته غَداً، فإِني أَعيش أَبداً، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: اعْمَلْ عَمَلَ مَنْ يَظُنُّ أَنه يُخَلَّد، فَلَا تَحْرِصْ فِي الْعَمَلِ؛ فَيَكُونُ حَثّاً لَهُ عَلَى التَّرْكِ، وَالتَّقْلِيلِ بِطَرِيقٍ أَنيقةٍ مِنَ الإِشارة وَالتَّنْبِيهِ، وَيَكُونُ أَمره لِعَمَلِ الْآخِرَةِ عَلَى ظَاهِرِهِ، فيَجْمَع بالأَمرين حَالَةً وَاحِدَةً، وَهُوَ الزهدُ وَالتَّقْلِيلُ، لَكِنْ بِلَفْظَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ؛ قَالَ: وَقَدِ اخْتَصَرَ الأَزهري هَذَا الْمَعْنَى فَقَالَ: مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ تقديمُ أَمر الْآخِرَةِ وأَعمالها، حِذارَ الْمَوْتِ بالفَوْت، عَلَى عَمل الدُّنْيَا، وتأْخيرُ أَمر الدُّنْيَا، كراهيةَ الاشْتغال بِهَا عَنْ عَمَلِ الْآخِرَةِ. والحَرْثُ: كَسْبُ الْمَالِ وجَمْعُه. والمرأَةُ حَرْثُ الرَّجُلِ أَي يَكُونُ وَلَدُه مِنْهَا، كأَنه يَحْرُثُ ليَزْرَعَ وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ، فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ
. قَالَ الزَّجَّاجُ: زَعَمَ أَبو عُبَيْدَةَ أَنه كِنَايَةٌ؛ قَالَ: وَالْقَوْلُ عِنْدِي فِيهِ أَن مَعْنَى حَرْثٌ لَكُمْ: فيهنَّ تَحْرُثُون الوَلَد واللِّدَة، فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ
أَي ائْتُوا مواضعَ حَرْثِكم، كَيْفَ شِئْتُم، مُقْبِلةً ومُدْبرةً. الأَزهري: حَرَثَ الرجلُ إِذا جَمَع بَيْنَ أَربع نِسْوَةٍ. وحَرَثَ أَيضاً إِذا تَفَقَّه وفَتَّشَ. وحَرَثَ إِذا اكْتَسَبَ لِعِيَالِهِ واجْتَهَدَ لَهُمْ، يُقَالُ: هُوَ يَحْرُث لِعِيَالِهِ ويَحْتَرثُ أَي يَكْتَسِب. ابن الأَعرابي: الحَرْثُ الْجِمَاعُ الْكَثِيرُ. وحَرْثُ الرَّجُلُ: امرأَتُه؛ وأَنشد المُبَرّد:
إِذا أَكلَ الجَرادُ حُروثَ قَوْمٍ، ... فَحَرْثي هَمُّه أَكلُ الجَرادِ
والحَرْثُ: مَتاعُ الدُّنْيَا. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا
؛ أَي مَنْ كَانَ يُرِيدُ كَسْبَ الدُّنْيَا. والحَرْثُ: الثَّوابُ والنَّصِيبُ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ
. وحَرَثْتُ النَّارَ: حَرَّكْتها. والمِحْراثُ: خَشبة تُحَرَّك بِهَا النارُ فِي التَّنُّور. والحَرْثُ: إِشْعالُ النَّارِ، ومِحْراثُ النَّارِ: مِسْحَاتُها الَّتِي تُحَرَّك بِهَا النَّارُ. ومِحْراثُ الحَرْب: مَا يُهَيِّجها. وحَرَثَ الأَمْرَ: تَذَكَّره واهْتاجَ لَهُ؛ قَالَ رؤْبة:
والقَوْلُ مَنْسِيٌّ إِذا لَمْ يُحْرَثِ
والحَرَّاثُ: الْكَثِيرُ الأَكل؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. وحَرَثَ الإِبلَ والخَيْلَ، وأَحرَثَها: أَهْزَلها. وحَرَثَ ناقتَه حَرْثاً وأَحْرَثَها إِذا سَارَ عَلَيْهَا حَتَّى تُهْزَلَ.(2/135)
وَفِي حَدِيثِ بَدْرٍ:
اخْرُجُوا إِلى مَعايشكم وحَرائِثكم
، واحدُها حَريثةٌ؛ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الحَرائِثُ أَنْضاءُ الإِبل؛ قَالَ: وأَصله فِي الْخَيْلِ إِذا هُزِلَتْ، فَاسْتُعِيرَ للإِبل؛ قَالَ: وإِنما يُقَالُ فِي الإِبل أَحْرَفْناها، بِالْفَاءِ؛ يُقَالُ: نَاقَةٌ حَرْفٌ أَي هَزيلةٌ؛ قَالَ: وَقَدْ يُرَادُ بالحرائثِ المَكاسِبُ، مِنَ الاحْتراثِ الِاكْتِسَابِ؛ وَيُرْوَى حَرَائبكم، بِالْحَاءِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، جمعُ حَريبةٍ، وَهُوَ مالُ الرَّجُلِ الَّذِي يَقُومُ بأَمره، وَقَدْ تقدَّم، وَالْمَعْرُوفُ بِالثَّاءِ. وَفِي حَدِيثِ
مُعَاوِيَةَ أَنه قَالَ للأَنصار: مَا فَعَلَتْ نواضِحُكم؟ قَالُوا: حَرَثْناها يَوْمَ بَدْرٍ
؛ أَي أَهْزَلناها؛ يُقَالُ: حَرَثْتُ الدابةَ وأَحْرَثْتُها أَي أَهْزَلْتها، قَالَ ابْنُ الأَثير: وَهَذَا يُخَالِفُ قَوْلَ الْخَطَّابِيِّ، وأَراد مُعَاوِيَةُ بِذِكْرِ النَّواضِح تَقْريعاً لَهُمْ وَتَعْرِيضًا، لأَنهم كَانُوا أَهل زَرْع وسَقْيٍ، فأَجابوه بِمَا أَسْكتَه، تَعْرِيضًا بِقَتْلِ أَشياخه يَوْمَ بَدْر. الأَزهري: أَرض مَحْروثة ومُحْرَثة: وَطِئَها الناسُ حَتَّى أَحْرَثُوها وحَرَثُوها، ووُطِئَتْ حَتَّى أَثاروها، وَهُوَ فسادٌ إِذا وُطِئَتْ، فَهِيَ مُحْرَثة ومَحْروثة تُقْلَبُ للزَرْع، وَكِلَاهُمَا يُقَالُ بَعْدُ. والحَرْثُ: المَحَجَّةُ المَكْدُودة بِالْحَوَافِرِ. والحُرْثةُ: الفُرضةُ الَّتِي فِي طَرَف القَوْس للوَتر. وَيُقَالُ: هُوَ حَرْثُ القَوْسِ والكُظْرة، وَهُوَ فُرْضٌ، وَهِيَ مِنَ الْقَوْسِ حَرْثٌ. وَقَدْ حَرَثْتُ القَوسَ أَحْرُثُها إِذا هيَّأْتَ مَوْضِعاً لعُرْوة الوَتَر؛ قَالَ: والزَّنْدة تُحْرَثُ ثُمَّ تُكْظَرُ بَعْدَ الحَرْثِ، فَهُوَ حَرْثٌ مَا لَمْ يُنْفَذ، فإِذا أُنْفِذَ، فَهُوَ كُظْر. ابْنُ سِيدَهْ: والحَرَاثُ مَجْرى الوَتَر فِي الْقَوْسِ، وَجَمْعُهُ أَحْرِثة. وَيُقَالُ: احْرُثِ الْقُرْآنَ أَي ادْرُسْه وحَرَثْتُ الْقُرْآنَ أَحْرُثُه إِذا أَطَلْتَ دِراستَه وتَدَبَّرْتَه. والحَرْثُ: تَفْتِيشُ الْكِتَابِ وتَدبُّره؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
عَبْدِ اللَّهِ: احْرُثُوا هَذَا الْقُرْآنَ
أَي فَتِّشُوه وثَوِّروه. والحَرْثُ: التَّفْتِيش. والحُرْثَةُ: مَا بَيْنَ مُنْتَهى الكَمَرة ومَجْرَى الخِتان. والحُرْثَة أَيضاً: المَنْبِتُ، عن ثعلب؛ الأَزهري: الحَرْثُ أَصلُ جُرْدانِ الْحِمَارِ؛ والحِرَاثُ: السَّهم قَبْلَ أَن يُراش، وَالْجَمْعُ أَحْرِثة؛ الأَزهري الحُرْثة: عِرقٌ فِي أَصل أُدافِ الرَّجل. والحارِثُ: اسْمٌ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: قَالَ الْخَلِيلُ إِن الذين قالوا الحَرث، إِنما أَرادوا أَن يَجْعَلُوا الرَّجُلَ هُوَ الشَّيْءَ بِعَيْنِهِ، وَلَمْ يَجْعَلُوهُ سُمِّيَ بِهِ، وَلَكِنَّهُمْ جَعَلُوهُ كأَنه وَصفٌ لَهُ غَلَب عَلَيْهِ؛ قَالَ: وَمَنْ قَالَ حارِثٌ، بِغَيْرِ أَلف وَلَامٍ، فَهُوَ يُجْريه مُجْرى زيدٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْحَسَنِ اسْمَ رَجُلٍ؛ قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: إِنما تَعَرَّفَ الحَرثُ ونحوُه مِنَ الأَوْصاف الْغَالِبَةِ بالوَضْع دُونَ اللَّامِ، وإِنما أُقِرَّتِ اللامُ فِيهَا بَعْدَ النَّقْل وَكَوْنُهَا أَعلاماً، مُرَاعَاةً لِمَذْهَبِ الْوَصْفِ فِيهَا قَبْلَ النَّقْلِ، وَجَمْعُ الأَول: الحُرَّثُ والحُرَّاثُ، وَجَمْعُ حارِث حُرَّثٌ وحَوارِثُ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَمَنْ قَالَ حَارِثٌ، قَالَ فِي جَمْعِهِ: حَوارِث، حَيْثُ كَانَ اسْمًا خَاصًّا، كزَيْد، فَافْهَمْ. وحُوَيْرِثٌ، وحُرَيثٌ وحُرْثانُ، وحارِثةُ، وحَرَّاثٌ، ومُحَرَّثٌ: أَسماءٌ؛ قَالَ ابْنُ الأَعرابي: هُوَ اسْمُ جَدِّ صَفْوانَ بْنِ أُمية بْنِ مُحَرَّثٍ، وصَفوانُ هَذَا أَحدُ حُكَّامِ كِنانَة، وأَبو الْحَارِثِ: كنيةُ الأَسَد. والحارثُ: قُلَّة مِنْ قُلَلِ الجَوْلانِ، وَهُوَ جَبَلٌ بالشأْم فِي قَوْلِ النَّابِغَةِ الذبْياني يَرْثِي النُّعمان(2/136)
ابن الْمُنْذِرِ:
بكَى حارِثُ الجَوْلانِ مِنْ فَقْدِ رَبِّه، ... وحَوْرانُ مِنْهُ خائفٌ مُتضَائِلُ
قَوْلُهُ: مِنْ فَقْد رَبِّه، يَعْنِي النُّعْمَانَ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ وَقَوْلُهُ:
وحَوْرانُ مِنْهُ خائفٌ مُتَضائل
كَقَوْلِ جَرِيرٍ:
لَمَّا أَتَى خَبَرُ الزُّبَيْرِ، تَوَاضَعَتْ ... سُورُ الْمَدِينَةِ، والجِبالُ الخُشَّعُ
وَالْحَارِثَانِ: الحارثُ بْنُ ظَالِمِ بْنِ حَذيمةَ بْنِ يَرْبُوع بْنِ غَيْظِ بنِ مُرَّة، والحارثُ بْنُ عوفِ بْنِ أَبي حارثة ابن مُرَّة بْنِ نُشْبَة بْنِ غَيْظِ بنِ مرَّة، صَاحِبُ الحَمَالة. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: ذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ فِي الْحَارِثَيْنِ الحارِثَ بن ظالم بن حَذيمة بِالْحَاءِ غَيْرِ الْمُعْجَمَةِ. ابْنَ يَرْبُوع قَالَ: وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهل اللُّغَةِ جَذيمة، بِالْجِيمِ. والحارِثان فِي بَاهِلَةَ: الحارِثُ بْنُ قُتَيْبة، والحارثُ بْنُ سَهْم بْنِ عَمْرو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْم بْنِ قُتَيْبة. وَقَوْلُهُمْ: بَلْحَرث، لبَني الحرث بْنِ كَعْب، مِن شواذِّ الإِدغام، لأَن النُّونَ وَاللَّامَ قَرِيبَا المَخْرَج، فَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْهُمُ الإِدغامُ بِسُكُونِ اللَّامِ، حَذَفُوا النُّونَ كَمَا قَالُوا: مَسْتُ وظَلْتُ، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ بِكُلِّ قَبِيلَةٍ تَظْهَر فِيهَا لَامُ الْمَعْرِفَةِ، مِثْلُ بَلْعنبر وبَلْهُجَيم، فأَما إِذا لَمْ تَظْهَر اللامُ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ. وَفِي الْحَدِيثِ:
وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ حُرَيْثِيَّة
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جاءَ فِي بَعْضِ طُرُق الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ؛ قِيلَ: هِيَ مَنْسُوبَةٌ إِلَى حُرَيْثٍ، رجلٍ مِنْ قُضاعة؛ قَالَ: وَالْمَعْرُوفُ جُونِيَّةٌ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ.
حربث: الحُثْرُبُ والحُرْبُثُ، بِالضَّمِّ: نَبْتٌ؛ وَفِي الْمُحْكَمِ: نَبات سُهْلِيٌّ؛ وَقِيلَ: لَا يَنْبُتُ إِلا فِي جَلَدٍ، وَهُوَ أَسود، وزَهْرته بَيْضَاءُ، وَهُوَ يتَسَطَّحُ قُضْباناً؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
غَرَّكَ مِنِّي شَعَثِي ولَبَثِي، ... ولِمَمٌ حَوْلَكَ، مِثْلُ الحُرْبُثِ
قَالَ: شَبَّه لِمَمَ الصِّبيانِ فِي سَوادها بالحُرْبُث. والحُرْبُثُ: بَقْلَةٌ نَحْوُ الأَيْهُقانِ صَفراء غَبْرَاء تُعْجِبُ المالَ، وَهِيَ مِنْ نَبات السَّهْل؛ وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الحُرْبُث نَبْتٌ يَنْبَسِطُ عَلَى الأَرض، لَهُ وَرَق طوالٌ، وَبَيْنَ ذَلِكَ الطُّوَال وَرَقٌ صغارٌ؛ وَقَالَ أَبو زِيَادٍ: الحُرْبُثُ عُشْبٌ مِنْ أَحْرار البَقل؛ الأَزهري: الحُرْبُثُ مِنْ أَطْيَب الْمَرَاعِي؛ وَيُقَالُ: أَطْيَبُ الغَنم لَبَنًا مَا أَكلَ الحُرْبُثَ والسَّعْدانَ.
حفث: الحَفِثَة والحِفْثُ والحَفِثُ: ذاتُ الطَّرَائِقِ مِنَ الكَرش؛ زَادَ الأَزهري: كأَنها أَطْباقُ الفَرْثِ؛ وأَنشد اللَّيْثُ:
لَا تُكْرِبَنَّ بَعْدَهَا خُرْسِيَّا، ... إِنَّا وجَدْنا لَحْمَهَا رَدِيّا:
الكِرْشَ، والحِفْثَةَ، والمَرِيَّا
وَقِيلَ: هِيَ هَنةٌ ذاتُ أَطْباقٍ، أَسْفَلَ الكَرِشِ إِلى جَنْبها، لا يَخْرُجُ مِنْهَا الفَرْثُ أَبداً، يَكُونُ للإِبل وَالشَّاءِ وَالْبَقَرِ؛ وخَصَّ ابنُ الأَعرابي بِهِ الشَّاءَ وَحْدَها، دُونَ سَائِرِ هَذِهِ الأَنواع، والجمعُ أَحْفاثٌ: الْجَوْهَرِيُّ: الحَفِثُ، بِكَسْرِ الْفَاءِ، الكَرِشُ، وَهِيَ القِبَةُ؛ وَفِي التَّهْذِيبِ: الحَفِثُ والفَحِثُ الَّذِي يَكُونُ مَعَ الْكِرْشِ، وَهُوَ يُشْبهها؛ وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: الفَحِثُ ذَاتُ الطَّرَائِقِ، والقِبَة الأُخرَى إِلى جَنْبه وَلَيْسَ فِيهَا طَرائق؛ قَالَ: وَفِيهَا لُغَاتٌ: حَفِثٌ، وحَثِفٌ، وحِفْثٌ، وحِثْفٌ؛(2/137)
وَقِيلَ: فِثْحٌ وثِحْف، ويُجْمَعُ الأَحْثافَ، والأَفْثاحَ، والأَثْحافَ، كلٌّ قَدْ قِيلَ. والحَفِثُ: حَيَّة عَظِيمَةٌ كالحِرابِ. والحُفَّاثُ: حَيَّة كأَعْظَم مَا يَكُونُ مِنَ الحَيَّات، أَرْقَشُ أَبْرَشُ، يأْكل الحشيشَ، يَتَهَدَّدُ وَلَا يَضُرُّ أَحداً؛ الْجَوْهَرِيُّ: الحُفَّاثُ حَيَّة تَنفُخُ وَلَا تُؤْذِي؛ قَالَ جَرِير:
أَيُفايِشُونَ، وَقَدْ رَأَوْا حُفَّاثَهم ... قَدْ عَضَّه، فقَضَى عَلَيْهِ الأَشْجَعُ؟
الأَزهري، شَمِرٌ: الحُفَّاثُ حَيَّة ضَّخْمٌ، عظيمُ الرأْس، أَرْقَشُ أَخْمَرُ أَكْدَرُ، يُشْبهُ الأَسْودَ وَلَيْسَ بِهِ، إِذا حَرَّبْتَه انْتَفَخَ وَريدُه؛ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ هُوَ أَكْبَرُ مِنَ الأَرْقَم، ورَقَشُه مثلُ رَقَش الأَرْقَم، لَا يَضُرُّ أَحداً، وجمعُه حَفافِيثُ؛ وَقَالَ جَرِيرٌ:
إِنَّ الحَفافِيثَ عِندي، يَا بَنِي لَجَإٍ، ... يُطْرِقْنَ، حينَ يَصُولُ الحَيَّةُ الذَّكَرُ
وَيُقَالُ للغَضْبان إِذا انْتَفَخَتْ أَوْداجُه: قَدِ احْرَنفشَ حُفَّاثُه، عَلَى الْمَثَلِ. وَفِي النَّوَادِرِ: افْتَحَثْتُ مَا عِنْدَ فُلَانٍ، وابْتَحَثْتُ، بمعنى واحد.
حلتث: الحِلْتِيثُ: لُغَةٌ فِي الحِلْتِيت، عَنْ أَبي حَنِيفَةَ.
حنث: الحِنْثُ: الخُلْفُ فِي الْيَمِينِ. حَنِثَ فِي يَمِينِهِ حِنْثاً وحَنَثاً: لَمْ يَبَرَّ فِيهَا، وأَحْنَثه هُوَ. تَقُولُ: أَحْنَثْتُ الرجلَ فِي يَمِينِهِ فَحَنِثَ إِذا لَمْ يَبَرَّ فِيهَا. وَفِي الْحَدِيثِ:
الْيَمِينُ حِنْثٌ أَو مَنْدَمَة
؛ الحِنْثُ فِي الْيَمِينِ: نَقْضُها والنَّكْثُ فِيهَا، وَهُوَ مِنَ الحِنْثِ: الْإِثْمُ؛ يَقُولُ: إِما أَنْ يَنْدَمَ عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، أَو يَحْنَثَ فتلزمَه الكفارةُ. وحَنِثَ فِي يَمِينِهِ أَي أَثِمَ. وَقَالَ خَالِدُ بْنُ جَنْبةَ: الحِنْثُ أَن يَقُولَ الإِنسانُ غَيْرَ الْحَقِّ؛ وَقَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: عَلَى فلانٍ يَمينٌ قَدْ حَنِثَ فِيهَا، وَعَلَيْهِ أَحْناثٌ كَثِيرَةٌ؛ وَقَالَ: فإِنما اليمينُ حِنْثٌ أَو نَدَم. والحِنْثُ: حِنْثُ الْيَمِينِ إِذا لَمْ تَبَرَّ. والمَحانِثُ: مَوَاقِعُ الحِنْث. والحِنْث: الذَّنْبُ العَظيم والإِثْمُ؛ وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ
؛ يُصِرُّونَ أَي يدُومُون؛ وَقِيلَ: هُوَ الشِّرْكُ، وَقَدْ فُسِّرت بِهِ هَذِهِ الْآيَةُ أَيضاً؛ قَالَ:
مَنْ يَتَشاءَمْ بالهُدَى، فالحِنْثُ شَرٌّ
أَي الشِّرْك شَرٌّ. وتَحَنَّثَ: تَعَبَّد واعْتَزَل الأَصنامَ، مِثْلَ تَحَنَّف. وبَلَغ الغلامُ الحِنْثَ أَي الإِدْراك وَالْبُلُوغَ؛ وَقِيلَ إِذا بَلَغَ مَبْلَغاً جَرَى عَلَيْهِ القَلَم بِالطَّاعَةِ والمعصِية؛ وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ ماتَ له ثلاثةٌ مِنَ الْوَلَدِ، لَمْ يَبْلُغوا الحِنْثَ، دَخَلَ مِنْ أَيِّ أَبواب الْجَنَّةِ شاءَ
؛ أَي لَمْ يَبْلُغوا مَبْلَغَ الرِّجَالِ، وَيَجْرِي عَلَيْهِمُ القَلَم فيُكْتَبُ عَلَيْهِمُ الحِنْثُ والطاعةُ: يُقَالُ: بَلَغَ الغلامُ الحِنثَ أَي المعصِيةَ والطاعةَ. والحِنْثُ: الإثْمُ؛ وَقِيلَ: الحِنْثُ الحُلُم. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ، قَبْلَ أَن يُوحَى إِليه، يأْتي حِراءً، وَهُوَ جبلٌ بِمَكَّةَ فِيهِ غَارٌ، وكان يَتَحَنَّثُ فيه اللَّيَالِي
أَي يَتعَبَّد. وَفِي رِوَايَةِ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: كَانَ يَخْلُو بغارِ حِرَاءٍ، فيَتَحَنَّثُ فِيهِ
؛ وَهُوَ التَّعَبُّدُ اللَّيَالِيَ ذواتِ العَدد؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا عِنْدِي عَلَى السَّلْب،(2/138)
كأَنه يَنْفِي بِذَلِكَ الحِنْثَ الَّذِي هُوَ الْإِثْمُ، عَنْ نَفْسِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ، أَي انْفِ الهُجودَ عَنْ عَيْنك؛ ونظيرُه: تَأَثَّم وتَحَوَّب أَي نَفَى الإثمَ والحُوبَ؛ وَقَدْ يَجُوزُ أَن تَكُونَ ثَاءُ يَتَحَنَّثُ بَدَلًا مِنْ فَاءِ يَتَحَنَّف. وَفُلَانٌ يَتَحَنَّثُ مِنْ كَذَا أَي يَتَأَثَّم مِنْهُ؛ ابْنُ الأَعرابي: قَوْلُهُ يَتَحَنَّثُ أَي يَفْعَلُ فِعْلًا يَخْرُج بِهِ مِنَ الحِنْث، وَهُوَ الْإِثْمُ والحَرَجُ؛ وَيُقَالُ: هُوَ يَتَحَنَّثُ أَي يَتَعَبَّدُ لِلَّهِ؛ قَالَ: وَلِلْعَرَبِ أَفعال تُخالِفُ مَعَانِيهَا أَلفاظَها، يُقَالُ: فُلَانٌ يَتَنَجَّس إِذا فَعَلَ فِعْلًا يَخْرُج بِهِ مِنَ النَّجَاسَةِ، كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ يَتَأَثَّم ويَتَحَرَّج إِذا فَعَلَ فِعْلًا يَخْرُجُ بِهِ مِنَ الإِثم والحَرَج. وَرُوِيَ
عَنْ حَكِيم بْنِ حِزامٍ أَنه قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَرأَيْتَ أُمُوراً كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صلَةِ رحِمٍ وصَدَقةٍ، هَلْ لِي فِيهَا مِنْ أَجْر؟ فَقَالَ لَهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَسْلمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ لَكَ مِنْ خَيْر
؛ أَي أَتَقَرَّب إِلى اللَّهِ بأَفعال فِي الْجَاهِلِيَّةِ؛ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ: كنتُ أَتَحَنَّثُ أَي أَتَعَبَّدُ وأُلقي بِهَا الحِنْثَ أَي الإِثم عَنْ نَفْسِي. وَيُقَالُ لِلشَّيْءِ الَّذِي يَخْتَلِفُ الناسُ فِيهِ فَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: مُحْلِفٌ، ومُحْنِثٌ. والحِنْثُ: الرجوعُ فِي الْيَمِينِ. والحِنْثُ: المَيْلُ مِنْ بَاطِلٍ إِلى حقٍّ، وَمِنْ حَقٍّ إِلى بَاطِلٍ. يُقَالُ: قَدْ حَنِثْتُ أَي مِلْتُ إِلى هَواكَ عَليَّ، وَقَدْ حَنِثْتُ معَ الْحَقِّ عَلَى هَوَاكَ؛ وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ: وَلَا أَتَحَنَّثُ إِلى نَذْرِي
أَي لَا أَكْتَسِبُ الحِنْثَ، وَهُوَ الذَّنْبُ، وَهَذَا بِعَكْسِ الأَول؛ وَفِي الْحَدِيثِ:
يَكْثُر فِيهِمْ أَولادُ الحِنْثِ
أَي أَولادُ الزِّنَا، مِنَ الحِنْث الْمَعْصِيَةُ، وَيُرْوَى بالخاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ.
حنبث: حَنْبَثٌ: اسم.
حوث: حَوْثُ: لُغَةٌ فِي حَيْثُ، إِما لُغَةُ طَيِّئٍ وإِما لُغَةُ تَمِيمٍ؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هِيَ لُغَةُ طَيِّئٍ فَقَطْ، يَقُولُونَ حَوْثُ عبدُ اللهِ زيدٌ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَدْ أَعلمتك أَن أَصل حَيْثُ؛ إِنما هُوَ حَوْثُ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فِي تَرْجَمَةِ حَيْثُ؛ وَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ حَوْثَ فَيَفْتَحُ، رَوَاهُ اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ، كَمَا أَن مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: حَيْثَ. رَوَى
الأَزهري بإِسناده عَنِ الأَسود قَالَ: سأَل رَجُلٌ ابنَ عُمَرَ: كَيْفَ أَضَعُ يَدَيَّ إِذا سَجَدْتُ؟ قَالَ: ارْمِ بِهِمَا حَوْثُ وقَعَتا
؛ قَالَ الأَزهري: كَذَا رَوَاهُ لَنَا، وَهِيَ لُغَةٌ صَحِيحَةٌ. حَيْثُ وحَوْثُ: لُغَتَانِ جَيِّدَتَانِ، وَالْقُرْآنُ نَزَلَ بِالْيَاءِ، وَهِيَ أَفصح اللُّغَتَيْنِ. والحَوْثاءُ: الكَبِدُ، وَقِيلَ: الكَبِدُ وَمَا يَلِيهَا؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
إِنَّا وجَدْنا لَحْمها طَرِيَّا: ... الكِرْشَ، والحَوْثاء، والمَرِيَّا
وامرأَة حَوْثاء: سَمِينَةٌ تارَّة. وأَحاثَهُ: حَرَّكَه وفَرَّقه؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ دُرَيْدٍ:
بحيثُ ناصَى اللِّمَمَ الكِثاثا، ... مَوْرُ الكَثِيبِ، فَجَرى وَحَاثَا
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: لَمْ يُفَسِّرْهُ، قَالَ: وَعِنْدِي أَنه أَراد وأَحاثا أَي فَرَّقَ وحَرَّكَ، فَاحْتَاجَ إِلى حَذْفِ الْهَمْزَةِ فَحَذَفَهَا؛ قَالَ: وَقَدْ يَجُوزُ أَن يُرِيدَ وحَثَا، فقَلَبَ. وأَوقع بِهِمْ فلانٌ فَتركهم حَوْثاً بَوثاً أَي فَرَّقهم؛ وَتَرَكَهُمْ حَوْثاً بَوْثاً أَي مُخْتَلِفِينَ. وحاثِ باثِ، مَبْنِيَّانِ عَلَى الْكَسْرِ: قُماشُ النَّاسِ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: تركتُه حاثِ باثِ، وَلَمْ يُفَسِّرْهُ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وإِنما قَضَيْنَا عَلَى أَلف حاثِ أَنها مُنْقَلِبَةٌ عَنِ الْوَاوِ، وإِن لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ(2/139)
مَا اشْتُقَّتْ مِنْهُ، لأَن انْقِلَابَ الأَلف إِذا كَانَتْ عَيْنًا عَنِ الْوَاوِ، أَكثر مِنِ انْقِلَابِهَا عَنِ الْيَاءِ. الْجَوْهَرِيُّ: يُقَالُ تركتُهم حَوْثاً بَوْثاً، وحَوْثَ بَوْثَ، وحَيْثَ بَيْثَ، وحاثِ باثِ، وحاثَ باثَ إِذا فَرَّقهم وبَدَّدهم؛ وَرَوَى الأَزهري عَنِ الْفَرَّاءِ قَالَ: مَعْنَى هَذِهِ الْكَلِمَاتِ إِذا أَذْلَلْتَهم ودقَقْتَهم؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: مَعْنَاهَا إِذا تَرَكْتَه مُخْتَلِطَ الأَمرِ؛ فأَما حاثِ باثِ فإِنه خَرَجَ مَخْرَجَ قَطَامِ وحَذَامِ، وأَما حِيثَ بِيثَ فإِنه خَرَجَ مَخْرَجَ حِيصَ بِيصَ. ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ تركتُهم حاثِ باثِ إِذا تفَرَّقوا؛ قَالَ: وَمِثْلُهُمَا فِي الْكَلَامِ مُزْدَوِجاً: خاقِ باقِ، وَهُوَ صوتُ حركةِ أَبي عُمَيْر فِي زَرْنَبِ الفَلْهم، قَالَ: وخاشِ ماشِ: قماشُ البيت، وخازِ بازِ: ورَمٌ، وَهُوَ أَيضاً صوتُ الذُّبَابِ. وتركتُ الأَرضَ حاثِ باثِ إِذا دَقَّتْها الخيلُ، وَقَدْ أَحاثَتْها الخيلُ. وأَحَثْتُ الأَرضَ وأَبَثْتُها. الْفَرَّاءُ: أَحثَيْتُ الأَرضَ وأَبْثَيْتُها، فَهِيَ مُحْثاةٌ ومُبْثاة. وَقَالَ غَيْرُهُ: أَحَثْتُ الأَرضَ وأَبَثْتُها، فَهِيَ مُحَاثة ومُبَاثةٌ. والإِحاثةُ، والاسْتِحاثةُ، والإِباثةُ، والاستِباثة، واحدٌ. الْفَرَّاءُ: تركتُ البلادَ حَوْثا بَوْثاً، وحاثِ باثِ، وحَيْثَ بَيْثَ، لَا يُجْرَيانِ إِذا دَقَّقُوها. والاسْتِحاثةُ مثلُ الاسْتِباثة: وَهِيَ الِاسْتِخْرَاجُ. تَقُولُ: استَحَثْتُ الشيءَ إِذا ضاعَ فِي التراب فَطلبْتَه.
حَيْثُ: حَيْثُ: ظَرْفٌ مُبْهم مِنَ الأَمْكِنةِ، مَضموم، وَبَعْضُ الْعَرَبِ يَفْتَحُهُ، وَزَعَمُوا أَن أَصلها الْوَاوُ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وإِنما قَلَبُوا الْوَاوَ يَاءً طلبَ الخِفَّةِ، قَالَ: وَهَذَا غَيْرُ قَوِيٍّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَجمعت العربُ عَلَى رَفْعِ حيثُ فِي كُلِّ وَجْهٍ، وَذَلِكَ أَن أَصلها حَوْثُ، فَقُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً لِكَثْرَةِ دُخُولِ الْيَاءِ عَلَى الْوَاوِ، فَقِيلَ: حَيْثُ، ثُمَّ بُنِيَتْ عَلَى الضَّمِّ، لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَاخْتِيرَ لَهَا الضَّمُّ لِيُشْعِرَ ذَلِكَ بأَن أَصلها الْوَاوُ، وَذَلِكَ لأَن الضَّمَّةَ مجانسةٌ لِلْوَاوِ، فكأَنهم أَتْبَعُوا الضَّمَّ الضَّمَّ. قَالَ الْكِسَائِيُّ: وَقَدْ يكونُ فِيهَا النصبُ، يَحْفِزُها مَا قَبْلَهَا إِلى الْفَتْحِ؛ قَالَ الْكِسَائِيُّ: سَمِعْتُ فِي بَنِي تَمِيمٍ مِنْ بَنِي يَرْبُوع وطُهَيَّةَ مَنْ يَنْصِبُ الثَّاءَ، عَلَى كُلِّ حَالٍ فِي الْخَفْضِ وَالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ، فَيَقُولُ: حَيْثَ التَقَيْنا، وَمِنْ حيثَ لَا يَعْلَمُونَ، وَلَا يُصيبه الرفعُ فِي لُغَتِهِمْ. قَالَ: وَسَمِعْتُ فِي بَنِي أَسد بْنِ الْحَارِثِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، وَفِي بَنِي فَقْعَس كلِّها يَخْفِضُونَهَا فِي مَوْضِعِ الْخَفْضِ، وَيَنْصِبُونَهَا فِي مَوْضِعِ النَّصْبِ، فَيَقُولُ مِنْ حيثِ لَا يَعْلَمُونَ، وَكَانَ ذَلِكَ حيثَ التَقَيْنا. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ أَيضاً أَن مِنْهُمْ مَنْ يخفضُ بِحَيْثُ؛ وأَنشد:
أَما تَرَى حَيْثَ سُهَيْلٍ طالِعا؟
قَالَ: وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ؛ قَالَ: وَقَوْلُهُ أَنشده ابْنُ دُرَيْدٍ:
بحيثُ ناصَى اللِّمَمَ الكِثَاثَا، ... مَوْرُ الكَثِيبِ، فَجَرى وَحَاثَا
قَالَ: يَجُوزُ أَن يَكُونَ أَراد وحَثَا فقَلَب. الأَزهري عَنِ اللَّيْثِ: لِلْعَرَبِ فِي حَيْثُ لُغَتَانِ: فَاللُّغَةُ الْعَالِيَةُ حيثُ، الثَّاءُ مَضْمُومَةٌ، وَهُوَ أَداةٌ لِلرَّفْعِ يَرْفَعُ الِاسْمَ بَعْدَهُ، وَلُغَةٌ أُخرى: حَوْثُ، رِوَايَةً عَنِ الْعَرَبِ لِبَنِي تَمِيمٍ، يَظُنُّونَ حَيْثُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، يَقُولُونَ: الْقَهْ حيثُ لَقِيتَه، وَنَحْوُ ذَلِكَ كَذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ كَيْسانَ: حيثُ حَرْفٌ مبنيٌّ عَلَى الضَّمِّ، وَمَا بَعْدَهُ صِلَةٌ لَهُ يَرْتَفِعُ الِاسْمُ بَعْدَهُ عَلَى الِابْتِدَاءِ، كَقَوْلِكَ: قُمْتُ حيثُ زيدٌ قائمٌ. وأَهلُ الْكُوفَةِ يُجيزون حَذْفَ قَائِمٍ، وَيَرْفَعُونَ زَيْدًا بحيثُ، وَهُوَ صِلَةٌ لَهَا، فإِذا أَظْهَروا قَائِمًا بَعْدَ زيدٍ، أَجازوا فِيهِ الْوَجْهَيْنِ: الرفعَ، والنصبَ، فَيَرْفَعُونَ الِاسْمَ أَيضاً(2/140)
وَلَيْسَ بِصِلَةٍ لَهَا، ويَنْصِبُونَ خَبَرَه وَيَرْفَعُونَهُ، فَيَقُولُونَ: قامتْ مقامَ صِفَتَيْنِ؛ وَالْمَعْنَى زيدٌ فِي مَوْضِعٍ فِيهِ عَمْرٌو، فَعَمْرٌو مُرْتَفِعٌ بِفِيهِ، وَهُوَ صِلَةٌ لِلْمَوْضِعِ، وزيدٌ مرتفعٌ بِفِي الأُولى، وَهِيَ خَبره وَلَيْسَتْ بِصِلَةٍ لِشَيْءٍ؛ قَالَ: وأَهل الْبَصْرَةِ يَقُولُونَ حيثُ مُضافةٌ إِلى جُمْلَةٍ، فَلِذَلِكَ لَمْ تُخْفَضْ؛ وأَنشد الْفَرَّاءُ بَيْتًا أَجاز فِيهِ الْخَفْضَ، وَهُوَ قَوْلُهُ:
أَما تَرَى حيثَ سُهَيْلٍ طالِعا؟
فَلَمَّا أَضافها فَتَحَهَا، كَمَا يَفْعَلُ بِعِنْد وخَلْف، وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: حَيْثُ ظرفٌ مِنَ الظُّرُوفِ، يَحْتاجُ إِلى اسْمٍ وَخَبَرٍ، وَهِيَ تَجْمَعُ مَعْنَى ظَرْفَيْنِ كَقَوْلِكَ: حيثُ عبدُ اللَّهِ قاعدٌ، زيدٌ قائمٌ؛ الْمَعْنَى: الموضعُ الَّذِي فِيهِ عبدُ اللَّهِ قاعدٌ زيدٌ قائمُ. قَالَ: وحيثُ مِنْ حُرُوفِ الْمَوَاضِعِ لَا مِنْ حُرُوفِ الْمَعَانِي، وإِنما ضُمَّت، لأَنها ضُمِّنَتِ الِاسْمَ الَّذِي كَانَتْ تَسْتَحِقُّ إِضافَتَها إِليه؛ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنما ضُمَّتْ لأَن أَصلَها حَوْثُ، فَلَمَّا قَلَبُوا وَاوَهَا يَاءً، ضَمُّوا آخرَها؛ قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: وَهَذَا خطأٌ، لأَنهم إِنما يُعْقِبون فِي الْحَرْفِ ضَمَّةً دالَّةً عَلَى وَاوٍ سَاقِطَةٍ. الْجَوْهَرِيُّ: حَيْثُ كلمةٌ تدلُّ عَلَى الْمَكَانِ، لأَنه ظرفٌ فِي الأَمكنة، بِمَنْزِلَةِ حِينَ فِي الأَزمنة، وَهُوَ اسمٌ مبنيٌّ، وإِنما حُرِّك آخِرُهُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ؛ فَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَبْنِيهَا عَلَى الضَّمِّ تَشْبِيهًا بِالْغَايَاتِ، لأَنها لَمْ تجئْ إِلَّا مُضَافَةً إِلى جُمْلَةٍ، كَقَوْلِكَ أَقومُ حيثُ يَقُومُ زيدٌ، وَلَمْ تَقُلْ حيثُ زيدٍ؛ وَتَقُولُ حيثُ تَكُونُ أَكون؛ وَمِنْهُمْ مَن يَبْنِيهَا عَلَى الْفَتْحِ مِثْلَ كَيْفَ، اسْتِثْقَالًا لِلضَّمِّ مَعَ الْيَاءِ وَهِيَ مِنَ الظُّرُوفِ الَّتِي لَا يُجازَى بِهَا إِلا مَعَ مَا، تَقُولُ حَيْثُمَا تجلسْ أَجْلِسْ، فِي مَعْنَى أَينما؛ وقولُه تَعَالَى: وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى
؛ وَفِي حِرَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَينَ أَتى. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: جئتُ مِنْ أَيْنَ لَا تَعْلَمُ أَي مِنْ حَيْثُ لَا تَعْلَم. قَالَ الأَصمعي: وَمِمَّا تُخْطئُ فِيهِ العامَّةُ والخاصَّة بَابُ حِينَ وحيثُ، غَلِطَ فِيهِ العلماءُ مِثْلُ أَبي عُبَيْدَةَ وَسِيبَوَيْهِ. قَالَ أَبو حَاتِمٍ: رأَيت فِي كِتَابِ سِيبَوَيْهِ أَشياء كَثِيرَةً يَجْعَلُ حِينَ حَيْثُ، وَكَذَلِكَ فِي كِتَابِ أَبي عُبَيْدَةَ بِخَطِّهِ، قَالَ أَبو حَاتِمٍ: وَاعْلَمْ أَن حِين وحَيْثُ ظرفانِ، فَحِينَ ظَرْفٌ مِنَ الزَّمَانِ، وَحَيْثُ ظَرْفٌ مِنَ الْمَكَانِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حدٌّ لَا يُجَاوِزُهُ، والأَكثر مِنَ النَّاسِ جَعَلُوهُمَا مَعًا حَيْثُ، قَالَ: وَالصَّوَابُ أَن تَقُولَ رأَيتُك حيثُ كنتَ أَي فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كُنْتَ فِيهِ، وَاذْهَبْ حيثُ شئتَ أَي إِلى أَيّ موضعٍ شئتَ؛ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما
. وَيُقَالُ: رأَيتُكَ حِينَ خَرَجَ الحاجُّ أَي فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَهَذَا ظَرْفٌ مِنَ الزَّمَانِ، وَلَا يَجُوزُ حيثُ خَرَجَ الحاجُّ؛ وَتَقُولُ: ائتِني حينَ يَقْدَمُ الحاجُّ، وَلَا يَجُوزُ حيثُ يَقْدَمُ الحاجُّ، وَقَدْ صَيَّر الناسُ هَذَا كلَّه حَيْثُ، فَلْيَتَعَهَّدِ الرجلُ كلامَهُ. فإِذا كَانَ موضعٌ يَحْسُنُ فيه أَيْنَ وأَيَّ موضعٍ فَهُوَ حيثُ، لأَن أَيْنَ مَعْنَاهُ حَيْثُ؛ وَقَوْلُهُمْ حيثُ كَانُوا، وأَيْنَ كَانُوا، مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَلَكِنْ أَجازوا الجمعَ بَيْنَهُمَا لِاخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ. وَاعْلَمْ أَنه يَحْسُنُ فِي مَوْضِعِ حِينَ: لَمَّا، وإِذ، وإِذا، ووقتٌ، ويومٌ، وساعةٌ، ومَتَى. تَقُولُ: رأَيتُكَ لَمَّا جِئْتَ، وَحِينَ جِئْتَ. وإِذ جِئْتَ. وَيُقَالُ: سأُعْطيك إِذ جئتَ، ومتى جئتَ.
فصل الخاء المعجمة
خبث: الخَبِيثُ: ضِدُّ الطَّيِّبِ مِنَ الرِّزْق والولدِ والناسِ؛ وَقَوْلُهُ:(2/141)
أَرْسِلْ إِلى زَرْع الخَبِيِّ الوالِجِ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: إِنما أَراد إِلى زَرْع الخَبِيثِ، فأَبدل الثَّاءَ يَاءً، ثُمَّ أَدغم، والجمعُ: خُبَثاء، وخِبَاثٌ، وخَبَثَة، عَنْ كُرَاعٍ؛ قَالَ: وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ فَعيل يُجْمَعُ عَلَى فَعَلَة غَيْرُهُ؛ قَالَ: وَعِنْدِي أَنهم تَوَهَّمُوا فِيهِ فَاعِلًا، وَلِذَلِكَ كَسَّروه عَلَى فَعَلة. وحَكى أَبو زَيْدٍ فِي جَمْعِهِ: خُبُوثٌ، وَهُوَ نَادِرٌ أَيضاً، والأُنثى: خَبِيثةٌ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ
. وخَبُثَ الرجلُ خُبْثاً، فَهُوَ خَبيثٌ أَي خَبٌّ رَدِيءٌ. اللَّيْثُ: خَبُثَ الشيءُ يَخْبُثُ خَباثَةً وخُبْثاً، فَهُوَ خَبيثٌ، وَبِهِ خُبْثٌ وخَباثَةٌ؛ وأَخْبَثَ، فَهُوَ مُخْبِثٌ إِذا صَارَ ذَا خُبْثٍ وشَرٍّ. والمُخْبِثُ: الَّذِي يُعَلِّمُ الناسَ الخُبْثَ. وأَجاز بعضُهم أَن يُقَالَ لِلَّذِي يَنْسُبُ الناسَ إِلى الخُبْثِ: مُخْبِثٌ؛ قَالَ الكُمَيْتُ:
فطائفةٌ قَدْ أَكْفَرُوني بِحُبِّكُمْ، ... وطائِفَةٌ قَالُوا: مُسِيءٌ ومُذْنِبُ
أَي نَسَبُوني إِلى الكُفْر. وَفِي حَدِيثِ
أَنس: أَنَّ النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ إِذا أَراد الخَلاءَ، قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الخُبْثِ والخَبائِثِ
؛ وَرَوَاهُ
الأَزهري بِسَنَدِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ هَذِهِ الحُشُوشَ مُحْتَضَرَة، فإِذا دَخَلَ أَحدُكم فلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِني أَعوذ بِكَ مِنَ الخُبْثِ والخَبائِثِ
؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أَراد بِقَوْلِهِ مُحْتَضَرة أَي يَحْتَضِرُها الشياطينُ، ذُكورُها وإِناثُها. والحُشُوشُ: مواضعُ الْغَائِطِ. وَقَالَ أَبو بَكْرٍ: الخُبْثُ الكُفْرُ؛ والخَبائِثُ: الشَّيَاطِينُ. وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ:
اللَّهُمَّ إِني أَعوذ بِكَ مِنْ الرِّجْسِ النَّجِسِ الخَبيثِ المُخْبِثِ
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الخَبِيثُ ذُو الخُبْثِ فِي نَفْسه؛ قَالَ: والمُخْبِثُ الَّذِي أَصحابُه وأَعوانه خُبَثاء، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِمْ: فلانٌ ضَعِيف مُضْعِفٌ، وقَوِيٌّ مُقْوٍ، فالقويُّ فِي بَدَنِهِ، والمُقْوِي الَّذِي تَكُونُ دابتُه قَويَّةً؛ يُرِيدُ: هُوَ الَّذِي يُعَلِّمُهُمُ الخُبْثَ، ويُوقعهم فِيهِ. وَفِي حَدِيثِ قَتْلَى بَدْرٍ:
فأُلْقُوا فِي قَلِيبٍ خَبِيثٍ مُخْبِثٍ
، أَي فاسدٍ مُفْسِدٍ لِمَا يَقَع فِيهِ؛ قَالَ: وأَما قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:
مِنَ الخُبْثِ والخَبائِثِ
؛ فإِنه أَراد بالخُبْثِ الشَّرَّ، وبالخَبائِثِ الشَّيَاطِينَ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وأُخْبِرْتُ عَنْ أَبي الْهَيْثَمِ أَنه كَانَ يَرْويه مِنَ الخُبُث، بِضَمِّ الْبَاءِ، وَهُوَ جمعُ الخَبيث، وَهُوَ الشَّيْطَانُ الذَّكر، ويَجْعَلُ الخَبائِثَ جَمْعًا للخَبيثة مِن الشَّيَاطِينِ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا عِنْدِي أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ. ابْنُ الأَثير فِي تَفْسِيرِ الْحَدِيثِ: الخُبُثُ، بِضَمِّ الْبَاءِ: جَمْعُ الخَبِيثِ، والخَبائثُ: جَمْعُ الخَبيثة؛ يُريد ذكورَ الشَّيَاطِينِ وإِناثَهم؛ وَقِيلَ: هُوَ الخُبْثُ، بِسُكُونِ الْبَاءِ، وَهُوَ خلافُ طَيِّبِ الفِعْل مِنْ فُجُور وَغَيْرِهِ، والخَبائِثُ، يُريد بِهَا الأَفعالَ الْمَذْمُومَةَ والخِصالَ الرَّديئةَ. وأَخْبَثَ الرجلُ أَي اتَّخَذَ أَصحاباً خُبَثاء، فَهُوَ خَبِيثٌ مُخْبِثٌ، ومَخْبَثانٌ؛ يُقَالُ: يَا مَخْبَثانُ وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ، وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ
؛ قَالَ الزجَّاج: مَعْنَاهُ الكلماتُ الخَبيثاتُ للخَبيثينَ مِنَ الرجالِ والنساءِ؛ والرجالُ الخبيثونَ للكلماتِ الخَبيثاتِ؛ أَي لَا يَتَكَلَّم بالخَبيثاتِ إِلَّا الخَبيثُ مِنَ الرجالِ وَالنِّسَاءِ؛ وَقِيلَ: الْمَعْنَى الكلماتُ الخبيثاتُ إِنما تَلْصَقُ بالخَبيثِ مِنَ الرجالِ وَالنِّسَاءِ، فأَما الطاهرونَ والطاهراتُ، فَلَا يَلْصَقُ بِهِمُ السَّبُّ؛ وَقِيلَ: الخبيثاتُ مِنَ النساءِ للخَبيثين مِنَ الرجالِ،(2/142)
وَكَذَلِكَ الطَّيِّباتُ للطَّيِّبينَ. وَقَدْ خَبُثَ خُبْثاً وخَباثَةً وخَبَاثِيَةً: صَارَ خَبِيثاً. وأَخْبَثَ: صَارَ ذَا خُبْثٍ. وأَخْبَثَ: إِذا كَانَ أَصحابه وأَهلُه خُبَثاء، وَلِهَذَا قَالُوا: خَبِيثٌ مُخْبِثٌ، وَالِاسْمُ: الخِبِّيثى. وتَخابَثَ: أَظْهَر الخُبْثَ؛ وأَخْبَثَه غَيْرُهُ: عَلَّمه الخُبْثَ وأَفْسَده. وَيُقَالُ فِي النِّدَاءِ: يَا خُبَثُ كَمَا يُقَالُ يَا لُكَعُ تُريدُ: يَا خَبِيثُ. وسَبْيٌ خِبْثَةٌ: خَبِيثٌ، وَهُوَ سَبْيُ مَنْ كَانَ لَهُ عهدٌ مِنْ أَهل الْكُفْرِ، لَا يَجُوزُ سَبْيُه، وَلَا مِلْكُ عبدٍ وَلَا أَمةٍ مِنْهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه كَتَب للعَدَّاء بْنِ خَالِدٍ أَنه اشْتَرَى مِنْهُ عَبْدًا أَو أَمة، لَا دَاءَ وَلَا خِبْثةَ وَلَا غائلةَ.
أَراد بالخِبْثة: الْحَرَامَ، كَمَا عَبَّرَ عَنِ الْحَلَالِ بالطَّيِّب، والخِبْثَةُ نوعٌ مِنْ أَنواع الخَبيثِ؛ أَراد أَنه عبدٌ رقيقٌ، لَا أَنه مِنْ قَوْمٍ لَا يَحِلُّ سَبْيُهم كَمَنْ أُعْطِيَ عَهْداً وأَماناً، وَهُوَ حُرٌّ فِي الأَصل. وَفِي حَدِيثِ
الْحَجَّاجِ أَنه قَالَ لأَنس: يَا خِبْثة
؛ يُريد: يَا خَبِيثُ ويقال الأَخلاق الخَبيثة: يَا خِبْثَةُ. ويُكتَبُ فِي عُهْدةِ الرَّقِيقِ: لَا داءَ، وَلَا خِبْثَةَ، وَلَا غائِلَةَ؛ فالداءُ: مَا دُلِّسَ فِيهِ مِنْ عَيْبٍ يَخْفى أَو علةٍ باطِنةٍ لَا تُرَى، والخِبْثَةُ: أَن لَا يَكُونَ طِيَبَةً، لِأَنه سُبِيَ مِنْ قَوْمٍ لَا يَحِلُّ اسْترقاقُهم، لعهدٍ تَقَدَّم لَهُمْ، أَو حُرِّيَّة فِي الأَصل ثَبَتَتْ لَهُمْ، والغائلةُ: أَن يَسْتَحِقَّه مُسْتَحِقٌّ بِمِلْكٍ صَحَّ لَهُ، فَيَجِبُ عَلَى بَائِعِهِ ردُّ الثمَن إِلى الْمُشْتَرِي. وكلُّ مَنْ أَهْلك شَيْئًا فَقَدْ غالَه وَاغْتَالَهُ، فكأَن استحقاقَ المالكِ إِياه، صَارَ سَبَبًا لِهَلَاكِ الثمَن الَّذِي أَدَّاه الْمُشْتَرِي إِلى الْبَائِعِ. ومَخْبَثَان: اسْمُ مَعْرِفَةٍ، والأُنْثَى: مَخْبَثَانةٌ. وَفِي حَدِيثِ
سَعِيدٍ: كَذَبَ مَخْبَثَانٌ
، هُوَ الخَبيثُ؛ وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ والمرأَة جَمِيعًا، وكأَنه يدلُّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ؛ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُسْتَعْمَلُ مَخْبَثانٌ إِلَّا فِي النِّدَاءِ خَاصَّةً. وَيُقَالُ لِلذَّكَرِ: يَا خُبَثُ وللأُنْثَى: يَا خَباثِ مِثْلَ يَا لَكَاعِ، بُنِيَ عَلَى الْكَسْرِ، وَهَذَا مُطَّرِدٌ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ. وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَنه قَالَ يُخاطِبُ الدُّنْيَا: خَباثِ كلَّ عِيدانِكِ مَضَضْنا [مَضِضْنا] ، فوَجَدْنا عاقبتَهُ مُرًّا يَعْنِي الدُّنْيَا. وخَباثِ بِوَزْنِ قَطامِ: مَعْدُولٌ مِنَ الخُبْثِ، وَحَرْفُ النِّدَاءِ مَحْذُوفٌ، أَي يَا خَباثِ. والمَضُّ: مثلُ المَصّ؛ يُرِيدُ: إِنَّا جَرَّبْناكِ وخَبَرْناكِ، فوَجَدْنا عاقِبَتَكِ مُرَّةً. والأَخابِثُ: جمعُ الأَخْبَثِ؛ يُقَالُ: هُمْ أَخابِثُ النَّاسِ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ والمرأَة: يَا مَخْبَثانُ، بِغَيْرِ هاءٍ للأُنْثَى. والخِبِّيثُ: الخَبِيثُ، وَالْجَمْعُ خِبِّيثُونَ. والخابِثُ: الرَّديء مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فاسدٍ. يُقَالُ: هُوَ خَبِيثُ الطَّعْم، وخَبِيثُ اللَّوْنِ، وخَبِيثُ الفِعْل. والحَرامُ البَحْتُ يُسَمَّى: خَبِيثاً، مِثْلَ الزِّنَا، وَالْمَالِ الْحَرَامِ، وَالدَّمِ، وَمَا أَشْبهها مِمَّا حَرَّمه اللَّهُ تَعَالَى، يُقَالُ فِي الشَّيْءِ الْكَرِيهِ الطَعْمِ وَالرَّائِحَةِ: خَبيثٌ، مِثْلَ الثُّوم والبَصَلِ والكَرّاثِ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ
سَيِّدُنَا رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَكل مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الخَبيثة، فَلَا يَقْرَبَنَّ مسجدَنا.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي نَعْتِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ
؛ فالطَّيِّباتُ: مَا كَانَتِ العربُ تَسْتَطِيبُه مِنَ الْمَآكِلِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، مِمَّا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ تَحْرِيمٌ، مِثْلَ الأَزْواج الثَّمَانِيَةِ، ولُحوم الوحْش مِنَ الظِّباء وَغَيْرِهَا، وَمِثْلَ الْجَرَادِ والوَبْر(2/143)
والأَرْنبِ واليَرْبُوع والضَّبِّ؛ والخَبائثُ: مَا كَانَتْ تَسْتَقْذِرُه وَلَا تأْكله، مِثْلَ الأَفاعي والعَقاربِ والبَرِصَةِ والخَنافِسِ والوُرْلانِ والفَأْر، فأَحَلَّ اللَّهُ، تَعَالَى وَتَقَدَّسَ، مَا كَانُوا يَسْتَطِيبون أَكلَه، وحَرَّم مَا كَانُوا يَسْتَخْبثونه، إِلّا مَا نَصَّ عَلَى تَحْرِيمِهِ فِي الْكِتَابِ، مِنْ مِثْلِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ عِنْدَ الذبْحِ، أَو بَيَّنَ تَحْريمه عَلَى لِسَانِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلُ نَهْيِه عَنْ لُحُوم الحُمُر الأَهلية، وأَكْلِ كلِّ ذِي نابٍ مِنَ السِّباع، وَكُلِّ ذِي مِخْلبٍ مِنَ الطَّير. ودَلَّت الأَلف وَاللَّامُ اللَّتَانِ دَخَلَتَا لِلتَّعْرِيفِ فِي الطَّيِّبات والخَبائث، عَلَى أَن الْمُرَادَ بِهَا أَشياءُ معهودةٌ عِنْدَ المخاطَبين بِهَا، وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وقولُه عَزَّ وَجَلَّ: وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ
؛ قِيلَ: إِنها الحَنْظَلُ؛ وَقِيلَ: إِنَّهَا الكَشُوثُ. ابْنُ الأَعرابي: أَصلُ الخُبْثِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْمَكْرُوهُ؛ فإِن كَانَ مِنَ الْكَلَامِ، فَهُوَ الشَّتْم، وَإِنْ كَانَ مِنَ المِلَل، فَهُوَ الكُفْر، وإِن كَانَ مِنَ الطَّعَامِ، فَهُوَ الْحَرَامُ، وإِن كَانَ مِنَ الشَّراب، فَهُوَ الضَّارُّ؛ وَمِنْهُ قِيلَ لِمَا يُرْمَى مِنْ مَنْفِيِّ الْحَدِيدِ: الخَبَث؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
إِن الحُمَّى تَنْفِي الذُّنوب، كَمَا يَنْفِي الكِيرُ الخَبَث.
وخَبَثُ الحديدِ والفضَّة، بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالْبَاءِ: مَا نَفاه الكِيرُ إِذا أُذِيبا، وَهُوَ مَا لَا خَيْرَ فِيهِ، ويُكْنى بِهِ عَنْ ذِي البَطْنِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
نَهَى عَنْ كلِّ دواءٍ خَبيث
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ مِنْ جِهَتَيْنِ: إِحداهما النَّجَاسَةُ، وَهُوَ الْحَرَامُ كَالْخَمْرِ والأَرواث والأَبوال، كُلُّهَا نَجِسَةٌ خَبِيثَةٌ، وتناوُلها حَرَامٌ، إِلَّا مَا خَصَّتْهُ السُّنَّة مِنْ أَبوال الإِبل، عِنْدَ بَعْضِهِمْ، ورَوْثِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ عِنْدَ آخَرِينَ؛ والجهةُ الأُخْرى مِنْ طَريق الطَّعْم والمَذاق؛ قَالَ: وَلَا يُنْكَرُ أَن يَكُونَ كُرْهُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ عَلَى الطِّبَاعِ، وَكَرَاهِيَةِ النُّفُوسِ لَهَا؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
مَنْ أَكل مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْخَبِيثَةِ لَا يَقْرَبَنَّ مسجدَنا
؛ يُريد الثُّوم وَالْبَصَلَ والكَرّاثَ، وخُبْثُها مِنْ جِهَةِ كَرَاهَةِ طَعْمِهَا وَرَائِحَتِهَا، لأَنها طَاهِرَةٌ، وَلَيْسَ أَكلها مِنَ الأَعذار الْمَذْكُورَةِ فِي الِانْقِطَاعِ عَنِ الْمَسَاجِدِ، وإِنما أَمَرَهم بِالِاعْتِزَالِ عُقُوبَةً وَنَكَالًا، لأَنه كَانَ يتأَذى بِرِيحِهَا وَفِي الْحَدِيثِ:
مَهْرُ البَغِيِّ خَبِيثٌ، وثمنُ الْكَلْبِ خبيثٌ، وكَسْبُ الحجَّامِ خبيثٌ.
قَالَ الْخَطَّابِيُّ: قَدْ يَجْمَع الكلامُ بَيْنَ القَرائن فِي اللَّفْظِ ويُفْرَقُ بَيْنَهَا فِي الْمَعْنَى، ويُعْرَفُ ذَلِكَ مِنَ الأَغراض وَالْمَقَاصِدِ؛ فأَما مَهْرُ البَغِيِّ وثمنُ الْكَلْبِ، فَيُرِيدُ بالخَبيث فِيهِمَا الحرامَ، لأَن الْكَلْبَ نَجِسٌ، وَالزِّنَا حَرَامٌ، وبَذْلُ العِوَضِ عَلَيْهِ وأَخذُه حرامٌ؛ وأَما كسبُ الحجَّام، فَيُرِيدُ بالخَبيث فِيهِ الكراهيةَ، لأَن الْحِجَامَةَ مُبَاحَةٌ، وَقَدْ يَكُونُ الكلامُ فِي الْفَصْلِ الْوَاحِدِ، بعضُه عَلَى الْوُجُوبِ، وبعضُه عَلَى النَّدْبِ، وبعضُه عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَبَعْضُهُ عَلَى الْمَجَازِ، ويُفْرَقُ بَيْنَهُمَا بِدَلَائِلِ الأُصول، وَاعْتِبَارِ مَعَانِيهَا. والأَخْبَثانِ: الرَّجِيعُ وَالْبَوْلُ، وَهُمَا أَيضاً السَّهَرُ والضَّجَرُ، وَيُقَالُ: نَزَل بِهِ الأَخْبَثانِ أَي البَخَر والسَّهَرُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَا يُصَلِّي الرجلُ، وَهُوَ يُدافعُ الأَخْبَثَيْنِ
؛ عَنى بِهِمَا الْغَائِطَ والبولَ. الْفَرَّاءُ: الأَخْبَثانِ القَيءُ والسُّلاح؛ وَفِي الصِّحَاحِ: البولُ وَالْغَائِطُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
إِذا بَلَغَ الماءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِل خَبَثاً.
الخَبَثُ، بِفَتْحَتَيْنِ: النَّجَسُ. وَفِي حَدِيثِ
هِرَقْلَ: فأَصْبحَ يَوْمًا وَهُوَ خَبِيثُ النَّفْسِ
أَي ثَقِيلُها كرِيهُ الْحَالِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
لَا يَقُولَنَ(2/144)
أَحَدُكم: خَبُثَتْ نَفْسي
أَي ثَقُلَتْ وغَثَتْ، كأَنَّه كَرِهَ اسمَ الخُبْثِ. وَطَعَامٌ مَخْبَثَةٌ: تَخْبُثُ عَنْهُ النَّفْسُ؛ وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي مِنْ غَيْرِ حَلِّهِ؛ وقولُ عَنْترة:
نُبِّئْتُ عَمْراً غيرَ شاكِرِ نِعْمةٍ، ... والكُفْرُ مَخْبَثَةٌ لنَفْسِ المُنْعِم
أَي مَفْسدة. والخِبْثة: الزِّنْية؛ وَهُوَ ابْنُ خِبْثة، لِابْنِ الزِّنْية، يُقَالُ: وُلِدَ فلانٌ لخِبْثةٍ أَي وُلِدَ لِغَيْرِ رِشْدةٍ. وَفِي الْحَدِيثِ؛
إِذا كَثُر الخُبْثُ كَانَ كَذَا وَكَذَا
؛ أَراد الفِسْقَ والفُجور؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
سعدِ بْنُ عُبادة: أَنه أُتِي النبيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، برَجُلٍ مُخْدَجٍ سَقِيمٍ، وُجِدَ مَعَ أَمَةٍ يَخْبُثُ بِهَا
أَي يَزْني.
خبعث: الخُنْبَعْثَة، والخُنْثَعْبةُ: النَّاقَةُ الْغَزِيرَةُ اللَّبَنِ، وَهُوَ مَذْكُورٌ أَيضاً فِي خثعب.
خثث: الخُثُّ: غُثاء السَّيْل، إِذا خَلَّفَه ونَضَبَ عَنْهُ حَتَّى يَجِفَّ، وَكَذَلِكَ الطُّحْلُبُ إِذا يَبِسَ وقَدُمَ عَهْدُه حَتَّى يَسْوَدَّ. والخُثَّة: طِينٌ يُعجن بِبَعْرٍ أَو رَوْثٍ، ثُمَّ يُتخذ مِنْهُ الذِّئارُ، وَهُوَ الطِّينُ الَّذِي تُصَرُّ بِهِ أَخلاف النَّاقَةِ، لِئَلَّا يُؤْلمها الصِّرارُ. أَبو عَمْرٍو: الخُثَّة البَعْرة اللَّيِّنة؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: أَصلُها الخِثْيُ. والخُثَّة: قُبْضَةٌ مِنْ كُسارِ عيدانٍ يُقْتَبَسُ بها.
خرث: الخُرْثِيُّ: أَرْدأُ المَتاع وَالْغَنَائِمِ، وَهِيَ سَقَطُ البيتِ مِنَ الْمَتَاعِ؛ وَفِي الصِّحَاحِ: أَثاثُ البيتِ وأَسقاطُه؛ وَفِي الْحَدِيثِ:
جَاءَ رسولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَبْيٌ وخُرْثِيٌ
؛ قَالَ: الخُرْثِيُّ متاعُ الْبَيْتِ وأَثاثُه؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
عُمَيْر مَوْلَى أَبي اللَّحْم: فأَمَر لِي بِشَيْءٍ مِنْ خُرْثِيِّ الْمَتَاعِ.
والخِرْثاء، مَمْدُودَةٌ: النَّمْلُ الَّذِي فِيهِ حُمْرة؛ واحدتُه خِرْثاءَة.
خنث: الخُنْثَى: الَّذِي لَا يَخْلُصُ لِذَكَرٍ وَلَا أُنثى، وَجَعَلَهُ كُراعٌ وَصْفاً، فَقَالَ: رجلٌ خُنْثَى: لَهُ مَا للذَّكر والأُنثى. والخُنْثَى: الَّذِي لَهُ مَا لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا، وَالْجَمْعُ: خَنَاثى، مثلُ الحَبالى، وخِناثٌ؛ قَالَ:
لَعَمْرُكَ، مَا الخِناثُ بَنُو قُشَيْرٍ ... بنِسْوانٍ يَلِدْنَ، وَلَا رِجالِ
والانْخِناثُ: التَثَنِّي والتَّكَسُّر. وخَنِثَ الرجلُ خَنَثاً، فَهُوَ خَنِثٌ، وتَخَنَّثَ، وانْخَنَثَ: تَثَنَّى وتَكَسَّرَ، والأُنثى خَنِثَةٌ. وخَنَّثْتُ الشيءَ فتَخَنَّثَ أَي عَطَّفْتُه فتَعَطُّفَ؛ والمُخَنَّثُ مِنْ ذَلِكَ للِينهِ وتَكَسُّره، وَهُوَ الانْخِناثُ؛ وَالِاسْمُ الخُنْثُ؛ قَالَ جَرِيرٌ:
أَتُوعِدُني، وأَنتَ مُجاشِعيٌّ، ... أَرَى فِي خُنْثِ لِحْيَتِك اضْطِرابا؟
وتَخَنَّثَ فِي كَلَامِهِ. وَيُقَالُ للمُخَنَّثِ: خُناثَةُ، وخُنَيْثةُ. وتَخَنَّثَ الرّجُلُ إِذا فَعَل فِعْلَ المُخَنَّثِ؛ وَقِيلَ: المُخَنَّثُ الَّذِي يَفْعَلُ فِعْلَ الخَناثى، وامرأَة خُنُثٌ ومِخْناثٌ. وَيُقَالُ للذَّكر: يَا خُنَثُ وللأُنثى: يَا خَنَاثِ مِثْلُ لُكَعَ ولَكَاعِ. وانْخَنَثَتِ القِرْبةُ: تَثَنَّتْ؛ وخَنَثَها يَخْنِثُها خَنْثاً فانْخَنَثَتْ، وخَنَّثَها، واخْتَنَثَها: ثَنى فَاهَا إِلى خَارِجٍ فشَرِبَ مِنْهُ، وَإِنْ كَسَرْتَه إِلى دَاخِلٍ، فَقَدَ قَبَعْتَه. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَهَى عَنِ اخْتِناثِ الأَسْقِيةِ
؛ وتأْويلُ(2/145)
الْحَدِيثِ: أَنَّ الشُّرْب مِنْ أَفواهها رُبَّمَا يُنَتِّنُها، فإِنّ إِدامةَ الشُّرْبِ هَكَذَا، مِمَّا يُغَيِّر رِيحَها؛ وَقِيلَ: إِنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَن يَكُونَ فِيهَا حَيَّةٌ أَو شيءٌ مِنَ الحَشرات، وَقِيلَ: لِئَلَّا يَتَرَشَّشَ الماءُ عَلَى الشَّارِبِ، لِسَعَة فَم السِّقاء. قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ إباحتهُ؛ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَن يَكُونَ النهيُ خَاصًّا بِالسِّقَاءِ الْكَبِيرِ دُونَ الإِداوة. اللَّيْثُ: خَنَثْتُ السِّقاء والجُوالِقَ إِذا عَطَفْتَه. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ: أَنها ذَكَرَتْ رسولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووفاتَه قَالَتْ: فانْخَنَثَ فِي حِجْري، فَمَا شَعَرْتُ حَتَّى قُبِضَ
، أَي فانْثَنى وَانْكَسَرَ لِاسْتِرْخَاءِ أَعضائه، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عِنْدَ الْمَوْتِ. وانْخَنَثَتْ عُنُقُه: مالَتْ، وخَنَثَ سِقاءَه: ثَنى فاه فأَخْرَجَ أَدَمَتَه، وَهِيَ الدَّاخِلَةُ، والبَشَرَةُ وَمَا يَلي الشعرَ: الخارجةُ. وَرُوِيَ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنه كَانَ يَشْرَبُ مِنَ الإِداوةِ، وَلَا يَخْتَنِثُها، ويُسَمِّيها نَفْعَةَ
؛ سَمَّاهَا بالمَرَّة مِنَ النَّفْع، وَلَمْ يَصْرِفْهَا لِلْعَلَمِيَّةِ والتأْنيث؛ وَقِيلَ: خَنَثَ فَمَ السِّقاءِ إِذا قَلَبَ فَمه، دَاخِلًا كَانَ أَو خَارِجًا. وكلُّ قَلْبٍ يُقَالُ لَهُ: خَنْثٌ. وأَصلُ الاخْتِناثِ: التَّكَسُّرُ والتَّثَنِّي، وَمِنْهُ سُمِّيَتِ المرأَة: خُنْثَى. تَقُولُ: إِنها لَيِّنة تَتَثَنَّى. وَيُقَالُ: أَلْقَى الليلُ أَخْناثَهُ عَلَى الأَرض أَي أَثْناءَ ظَلامه؛ وطَوَى الثَّوْبَ عَلَى أَخْناثهِ وخِناثهِ أَي عَلَى مَطاوِيهِ وكُسُوره، الْوَاحِدُ: خِنْثٌ. وأَخْناثُ الدَّلْو فُرُوغُها، الواحدُ خِنْثٌ؛ والخِنْثُ: باطِنُ الشِّدْق عِنْدَ الأَضراس، مِنْ فوقُ وأَسفلُ. وتَخَنَّثَ الرجلُ وَغَيْرُهُ: سَقَطَ مِنَ الضَّعْفِ. وخُنْثُ: اسْمُ امرأَة، لَا يُجْرَى. والخَنِثُ، بِكَسْرِ النُّونِ: المُسْتَرْخي المُتَثَنِّي. وَفِي الْمَثَلِ: أَخْنَثُ مِنْ دَلالٍ.
خنبث: رَجُلٌ خُنْبُثٌ وخُنابِثٌ: مذموم.
خنطث: الخَنْطَثَةُ: مَشيٌ فِيهِ تَبَخْتُر.
خنفث: الخُنْفُثَة الخِنْفِثَة: دُوَيْبَّةٌ.
خوث: خَوِثَ الرجلُ خَوَثاً، وَهُوَ أَخْوَثُ بَيِّنُ الخَوَثِ: عَظُمَ بَطْنُه واسْتَرْخى. وخَوِثَتِ الأُنثى، وَهِيَ خَوْثاء. والخَوْثاءُ مِنَ النِّسَاءِ أَيضاً: الحَدَثة الناعمةُ، ذاتُ صُدْرة؛ وَقِيلَ: النَّاعِمَةُ التارَّة؛ قَالَ أُمَيَّةُ بنُ حُرْثانَ:
عَلِقَ القَلْبُ حُبَّها وهَواها، ... وَهِيَ بِكْرٌ غَريرةٌ خَوْثاءُ
أَبو زَيْدٍ: الخَوْثاءُ الحِفْضاجَة مِنَ النِّسَاءِ؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
بِهَا كلُّ خَوْثاءِ الحَشَى مَرَئِيَّةٍ ... رَوَادٍ، يَزيدُ القُرْطُ سُوءَ قَذالِها
قَالَ: الخَوْثاءُ المُسْتَرْخِيةُ الحَشَى. والرَّوَادُ: الَّتِي لَا تَسْتَقِرُّ فِي مَكَانٍ، رُبَّمَا تَجِيءُ وَتَذْهَبُ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: الخَوْثاءُ فِي بَيْتِ ابْنِ حُرْثانَ صفةٌ مَحْمودة، وَفِي بَيْتِ ذِي الرُّمَّةِ صفةٌ مَذْمُومَةٌ. وَفِي حَدِيثِ
التِّلِبِّ بن ثَعْلَبة: أَصابَ النبيَّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، خَوْثَةٌ فاسْتَقْرَضَ مِنِّي طَعَامًا.
قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَا أُراها مَحْفُوظَةً، وإِنما هِيَ حَوْبة، بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ، وَهِيَ الْحَاجَةُ. وخَوِثَ البطنُ والصَّدْرُ: امْتَلآ.
خيث: أَبو عَمْرٍو: التَّخَيُّثُ: عِظَمُ البَطْنِ واسْترْخاؤه. والتَّقَيُّثُ: الْجَمْعُ والمنعُ. والتَّهَيُّثُ: الإِعطاء.(2/146)
فصل الدال المهملة
دأث: دَأَثَ الطعامَ دَأْثاً: أَكله. والدَّأْثُ: الدَّنَسُ، وَقِيلَ: الثِّقْلُ، وَالْجَمْعُ أَدْآثٌ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
وإِنْ فَشَتْ فِي قومِك المَشاعِثُ، ... مِنْ إِصْرِ أَدْآثٍ، لَهَا دَآئثُ «3»
بِوَزْنِ دَعاعِثَ، مِنْ دَعَثَه إِذا أَثْقَلَه. والإِصْرُ: الثِّقْل. والدِّئْثُ: العَداوةُ؛ عَنْ كُرَاعٍ. والدِّئْثُ: الحِقْد الَّذِي لَا يَنْحَلُّ، وَكَذَلِكَ الدِّعْثُ. والدَّأْثاءُ: الأَمة الحَمْقاءُ؛ وَقِيلَ: الأَمة اسْمٌ لَهَا، وَقَدْ يُحَرَّك لِحَرْفِ الْحَلْقِ، وَهُوَ نَادِرٌ، لأَن فَعَلاء، بِفَتْحِ الْعَيْنِ، لَمْ يَجِئْ فِي الصِّفَاتِ، وإِنما جَاءَ حَرْفَانِ فِي الأَسماء فقط، وهما فَرَماء وجَنَفاء، وَهُمَا مَوْضِعَانِ، وَالْجَمْعُ: دَآثٍ، خَفِيفٍ؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
أَصْدَرَها، عَنْ طَثْرةِ الدَّآثِ، ... صاحبُ ليلٍ، خَرِشُ التَّبْعاثِ
خَرِشٌ: يُهَيِّجها ويُحَرِّكُها، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. وَقَدْ يُقَالُ للأَحمق: ابْنُ دَأْثاء. والأَدْأَث: رَمْلٌ مَعْرُوفٌ، يُسْمَع بِهِ عَزيفُ الْجِنِّ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
تَأَلُّقَ الجِنِّ برَمْلِ الأَدْأَثِ «4»
دثث: دُثَّ الرجلُ دَثًّا، ودُثَّ دَثَّةً: وَهُوَ الْتِواءٌ فِي جَنْبه، أَو بعضِ جَسده، مِنْ غَيْرِ دَاءٍ. والدَّثُّ والدَّفُّ: الجَنْبُ. والدَّثُّ: الضَّرْبُ المُؤلم. ودَثَّته الحُمَّى تَدُثُّه دَثًّا: أَوْجَعَتْه. ودَثَّه بالعَصا: ضَرَبه. والدَّثُّ: الرَّمْيُ بِالْحِجَارَةِ. ودَثَّه بِالْعَصَا والحَجر: رَمَاهُ. ودَثَّه يَدُثُّه دَثًّا: رَمَاهُ رَمْياً مُتقارِباً مِن وَرَاءِ الثِّيَابِ، وَكَذَلِكَ دَثَثْتُه، أَدُثُّه دَثًّا. وَفِي الْحَدِيثِ:
دُثَّ فلانٌ
: أَصابه الْتِواء فِي جَنْبِه. والدَّثُّ: الرَّمْيُ والدَّفْع. والدَّثُّ والدِّثاثُ: أَضعفُ المَطر وأَخَفُّه، وجَمْعُه دِثاثٌ. وَقَدْ دَثَّتِ السماءُ تَدِثُّ دَثّاً، وَهِيَ الدَّثَّة، لِلْمَطَرِ الضَّعِيفِ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الدَّثُّ الرَّكُّ مِنَ المَطر؛ أَنشد ابْنُ دُرَيْدٍ، عَنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَمِّهِ:
قِلْفَعُ رَوْضٍ، شَرِبَ الدِّثاثا ... مُنْبَثَّةً، يَفُزُّها انْبِثاثا
وَيُرْوَى: شَرِبَتْ دِثاثا. والقِلْفَع: الطينُ الَّذِي إِذا نَضَبَ عَنْهُ الماءُ يَبِسَ وتَشَقَّقَ. ودَثَّتهم السماءُ تَدُثُّهم دَثّاً. قَالَ أَعرابي: أَصابَتنا السماءُ بدَثٍّ لَا يُرْضي الحاضِرَ، وَيُؤْذي المُسافر. وأَرضٌ مَدْثوثة، وَقَدْ دُثَّتْ دَثّاً. أَبو عَمْرٍو: الدُّثَّةُ الزُّكام القليلُ. والدُّثَّاثُ: صَيَّادو الطيرِ بالمِحْذَفَة. وَفِي حَدِيثِ
أَبي رِئالٍ: كنتُ فِي السُّوسِ، فجاءَني رجلٌ بِهِ شِبْهُ الدَّثانِيةِ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هُوَ الْتِواءٌ فِي لِسَانِهِ؛ قَالَ: كَذَا قاله الزمخشري.
درعث: بَعير دَرْعَثٌ، ودَرْسَعٌ: مُسِنٌّ.
__________
(3) . قوله [المشاعث] من تشعيث الدهر الأَموال: ذهابه بها. والدآئث: الأَصول انتهى. تكملة.
(4) . قوله [تألف الجن إلخ] صدره كما في التكملة: والضحك لمع البرق في التحدث(2/147)
دعث: دَعَثَ بِهِ الأَرضَ: ضَرَبها. والدَّعْثُ: الوَطءُ الشَّديدُ. ودَعَثَ الأَرضَ دَعْثاً: وَطِئَها. والدَّعْثُ والدَّعَثُ: أَوَّلُ المَرَضِ. وَقَدْ دُعِثَ الرجلُ ودَعِثَ الرجلُ: أَصابه اقْشِعْرار وفُتُور. والدِّعْثُ: بَقِيَّةُ الْمَاءِ فِي الحَوض؛ وَقِيلَ: هُوَ بَقِيَّتُهُ حيث كان؛ أَنشد أَبو عَمْرٍو:
ومَنْهَلٍ، ناءٍ صُواهُ، دارِسِ، ... وَرَدْتُه بذُبَّلٍ خَوامِسِ
فاسْتَفْنَ دِعْثاً تالِدَ المَكارِسِ، ... دَلَّيْتُ دَلْوي فِي صَرًى مُشاوِسِ
الْمَكَارِسُ: مواضِعُ الدِّمْن والكِرْسِ. قَالَ: والمُشاوِسُ الَّذِي لَا يَكادُ يُرى مِنْ قِلَّته. تالِدُ المَكارِس: قديمُ الدِّمْن. والدَّعْثُ: تَدْقيقُك الترابَ عَلَى وجهِ الأَرض بِالْقَدَمِ أَو بِالْيَدِ، أَو غَيْرِ ذَلِكَ، تَدْعَثُه دَعْثاً. وَكُلُّ شَيْءٍ وُطِئَ عَلَيْهِ: فَقَدِ انْدَعَثَ. ومَدَرٌ مَدْعُوثٌ. والدِّعْثُ والدِّئْثُ: المَطْلَبُ والحِقْدُ والذَّحْلُ، وَالْجَمْعُ أَدْعاث ودِعاثٌ. ودَعْثةُ: اسْمٌ. وَبَنُو دَعْثَةَ: بَطْنٌ.
دعبث: الأَزهري: الدُّعْبُوثُ المُخَنَّثُ؛ وَقِيلَ: هُوَ الأَحمق المائقُ.
دلث: الدِّلاثُ: السَّرِيعُ مِنَ الإِبل، وَكَذَلِكَ المؤَنث. نَاقَةٌ دِلاثٌ أَي سَرِيعَةٌ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
وخَلَطَتْ كلَّ دِلاثٍ عَلْجَنِ
الدِّلاثُ: السَّرِيعَةُ، وَالْجَمْعُ كَالْوَاحِدِ، مِنْ بَابِ دِلاصٍ، لَا مِنْ بَابٍ جُنُبٍ، لِقَوْلِهِمْ دِلاثانِ؛ قَالَ كُثَيِّرٌ:
دِلاثُ العَتِيقِ، مَا وَضَعْتُ زِمامَه، ... مُنِيفٌ بِهِ الْهَادِي، إِذا اجْتُثَّ، ذامِل
وَحَكَى سِيبَوَيْهِ فِي جَمْعِهَا أَيضاً: دُلُثٌ. والانْدِلاثُ: التَّقَدُّم. وانْدَلَثَ: مَضَى عَلَى وَجْهِهِ؛ قِيلَ: أَسْرَعَ ورَكِبَ رأْسَه، فَلَمْ يُنَهْنِهه شَيْءٌ فِي قِتالٍ. والمَدالِثُ: مواضعُ الْقِتَالِ. وَيُقَالُ: هُوَ يَدْلِفُ ويَدْلِثُ، دَلِيفاً ودَلِيثاً إِذا قاربَ خَطْوَه مُتَقَدِّماً. وانْدَلَثَ عَلَيْنَا فلانٌ يَشْتُم أَي انْخَرَقَ وانْصَبَّ. الأَصمعي: المُنْدَلِثُ الَّذِي يَمْضِي ويَرْكَبُ رأْسَه لَا يَثْنِيه شيءٌ. وَفِي حَدِيثِ
مُوسَى وَالْخَضِرِ، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: فإِنَّ الانْدِلاثَ والتَّخَطْرُفَ مِنَ الِانْفِخَامِ والتَّكَلُّفِ.
الانْدلاثُ: التَّقَدُّمُ بِلَا فِكرة وَلَا رَوِيَّةٍ. ومَدالِثُ الْوَادِي: مَدافِعُ سَيلِه، والله أَعلم.
دلبث: الدَّلَبُوثُ: نَبْتٌ، أَصله وورقُه مثلُ نَبَاتِ الزَّعْفَرَانِ سَوَاءً، وبَصَلَتُه فِي لِيفةٍ، وَهِيَ تُطْبخُ. بِاللَّبَنِ وتؤْكل؛ حكاه أَبو حنيفة.
دلعث: بَعِيرٌ دِلَعْثٌ: ضَخْمٌ. ودَلَعْثى: كَثِيرُ اللَّحْمِ والوَبَر مَعَ شِدَّة وَصَلَابَةٍ. الأَزهري: الدَّلْعَثُ الجملُ الضَّخم؛ وأَنشد:
دِلاثٌ دَلَعْثَى، كأَنَّ عِظامَه ... وَعَتْ فِي مَحالِ الزَّوْرِ بعدَ كُسُورِ
دلهث: الدَّلْهَثُ والدُّلاهِثُ والدِّلْهاثُ: كلُّه السريعُ الجريءُ المُقْدِمُ مِنَ النَّاسِ والإِبل. والدِّلْهاثُ: الأَسَدُ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: كأَنَّ أَصله مِنَ الِانْدِلَاثِ، وَهُوَ التَّقَدُّم، فَزِيدَتِ الْهَاءُ؛ وَقِيلَ: الدِّلْهاثُ السَّرِيعُ المُتَقَدِّم.(2/148)
دمث: دَمِثَ دَمَثاً، فَهُوَ دَمِثٌ: لانَ وسَهُلَ. والدَّماثَةُ: سُهولةُ الخُلُق. يُقَالُ: مَا أَدْمَثَ فُلَانًا وأَلْيَنَه ومكانٌ دَمِثٌ ودَمْثٌ: لَيِّنُ المَوْطِئ؛ ورملَةٌ دَمَثٌ، كَذَلِكَ، كأَنها سُمِّيَتْ بِالْمَصْدَرِ؛ قَالَ أَبو قِلابَة:
خَوْدٌ ثَقالٌ، فِي القِيام، كرَمْلةٍ ... دَمَثٍ، يُضِيءُ لَهَا الظلامُ الحِنْدسُ
ورجلٌ دَمِثٌ بَيِّنُ الدَّماثةِ والدُّمُوثة: وَطِيءُ الخُلُقِ. والدَّمْثُ: السُّهول مِنَ الأَرض، وَالْجَمْعُ أَدْماث ودِماثٌ؛ وَقَدْ دَمِثَ، بِالْكَسْرِ، يَدْمَثُ دَمَثاً. التَّهْذِيبُ: الدِّماثُ السُّهولُ مِنَ الأَرض، الْوَاحِدَةُ دَمِثةٌ، وَكُلُّ سَهْلٍ دَمِثٌ، وَالْوَادِي الدَّمِثُ: السائلُ، وَيَكُونُ الدِّماثُ فِي الرِّمَالِ وَغَيْرِ الرِّمَالِ. والدَّمائِثُ: مَا سَهُلَ ولانَ، أَحدها دَميثةٌ؛ وَمِنْهُ قِيلَ لِلرَّجُلِ السَّهْل الطَّلْق الْكَرِيمِ: دَمِيثٌ. وَفِي صِفَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
دَمِثٌ لَيْسَ بِالْجَافِي
؛ أَراد أَنه كَانَ لَيِّنَ الخُلُق فِي سُهُولَةٍ، وأَصله مِنَ الدَّمْثِ، وَهِيَ الأَرضُ اللَّيِّنَةُ السهْلة الرِّخْوةُ، والرملُ الَّذِي لَيْسَ بمُتَلبِّدٍ. وَفِي حَدِيثُ
الْحَجَّاجِ فِي صِفَةِ الغَيْثِ: فلبَّدتِ الدِّماثَ
أَي صَيَّرَتْها لَا تَسُوخُ فِيهَا الأَرجلُ، وَهِيَ جَمْعُ دَمْثٍ. وامرأَة دَميثةٌ: شُبِّهَتْ بدِماثِ الأَرض، لأَنها أَكرم الأَرض. وَيُقَالُ: دَمَّثْتُ لَهُ المَكانَ أَي سَهَّلْتُه لَهُ. الْجَوْهَرِيُّ: الدَّمِثُ الْمَكَانُ اللَّيِّنُ ذُو رَمْلٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه مالَ إِلى دَمَثٍ مِنَ الأَرض، فَبَالَ فِيهِ
، وإِنما فَعَلَ ذَلِكَ لئلَّا يَرْتَدَّ إِليه رَشاشُ الْبَوْلِ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ مَسْعُودٍ: إِذا قرأْتُ آلَ حم، وَقعْتُ فِي رَوضاتٍ دَمِثاتٍ
، جَمْعُ دَمِثةٍ. ودَمَّثَ الشيءَ إِذا مَرَسَه حَتَّى يَلينَ. وتَدمِيثُ المَضْجَع: تَلْيينه. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ كذَبَ عَلَيَّ، فإِنما يُدَمِّثُ مَجلِسَه مِنَ النَّارِ
أَي يُمَهِّدُ ويُوَطِّئُ؛ ومَثَلٌ للعَرب:
دَمِّثْ لجَنْبِك، قبلَ اللَّيلِ، مُضْطَجَعا
أَي خُذْ أُهْبته، واسْتَعِدَّ لَهُ، وتَقَدَّمْ فِيهِ قبلَ وُقوعه. وَيُقَالُ: دَمِّثْ لِي ذَلِكَ الحديثَ حَتَّى أَطْعَنَ فِي حَوصِه؛ أَي اذْكُرْ لِي أَوَّله، حَتَّى أَعْرفَ وجْهَه. والأُدْمُوثُ: مكانُ المَلَّةِ إِذا خُبِزَتْ.
دهث: الدَّهْثُ: الدَّفْعُ. ودَهْثةُ: اسم رجل.
دهلث: الدِّهْلاثُ، والدِّلْهاثُ، والدَّلْهَثُ، والدُّلاهِثُ: كلُّه السريعُ الجَرْي مِنَ النَّاسِ والإِبل، وَاللَّهُ أَعلم.
دهمث: أَرض دَهْمَثةٌ ودَهْثَمٌ: سَهْلة.
دَيَثَ: دَيَّثَ الأَمرَ: لَيَّنَه، ودَيَّثَ الطريقَ: وَطَّأَه. وطريقٌ مُدَيَّثٌ أَي مُذَلَّل، وَقِيلَ: إِذا سُلِكَ حَتَّى وَضَحَ وَاسْتَبَانَ. ودَيَّثَ البعيرَ: ذَلَّله بَعْضَ الذُّلّ. وجَملٌ مُدَيَّثٌ ومُنوَّقٌ إِذا ذُلِّلَ حَتَّى ذهَبَتْ صُعوبتُه. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّه وجهه: ودُيِّثَ بالصَّغارِ
أَي ذُلِّلَ، وَمِنْهُ بَعِيرٌ مُديَّثٌ إِذا ذُلِّلَ بِالرِّيَاضَةِ، وَمِنْهُ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ: كَانَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا، فأَتاه رجلٌ فِيهِ كالدِّياثةِ واللخْلَخانيَّة. الدِّياثةُ: الالْتِواء فِي اللِّسَانِ، وَلَعَلَّهُ مِنَ التَّذْلِيل والتَّلْيين. ودَيَّثَ الجِلدَ فِي الدِّباغ والرُّمْحَ فِي الثِّقاف، كَذَلِكَ. ودَيَّثَتِ المطارقُ الشيءَ: لَيَّنَتْه.(2/149)
ودَيَّثه الدهرُ: حَنَّكه وذلَّله. ودَيَّثَ الرجلَ: ذلَّله ولَيَّنه. قَالَ: والدَّيُّوثُ القَوَّاد عَلَى أَهله. وَالَّذِي لَا يَغارُ عَلَى أَهله: دَيُّوثٌ. والتَّدييثُ: القِيادة. وَفِي الْمُحْكَمِ: الدَّيُّوثُ والدَّيْبُوثُ الَّذِي يدخُل الرجالُ عَلَى حُرْمته، بِحَيْثُ يَرَاهُمْ، كأَنه ليَّنَ نفسَه عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: هُوَ الَّذِي تُؤْتى أَهلُه وَهُوَ يعلَم، مشتقٌّ مِنْ ذَلِكَ، أَنَّثَ ثعلبٌ الأَهلَ عَلَى مَعْنَى المرأَة. وأَصلُ الحرفِ بالسُّريانية، أُعْرِبَ، وَكَذَلِكَ القُندُعُ والقُنذُع. وَفِي الْحَدِيثِ:
تَحْرُمُ الجنةُ عَلَى الدَّيُّوث
، هُوَ الَّذِي لَا يَغارُ عَلَى أَهله. والدَّيَثانُ: الكابوسُ يَنزلُ عَلَى الإِنسان، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أُراها دَخيلةً. والأَدْيَثُونُ: مَوْضِعٍ، قَالَ عَمْرُو بْنُ أَحمر:
بحَيْثُ هَراقَ فِي نَعْمانَ خَرْجٌ، ... دَوافِعُ فِي بِراقِ الأَدْيَثِينا
فصل الراء
ربث: الرَّبْثُ: حَبْسُكَ الإِنسانَ عَنْ حَاجَتِهِ وأَمره بعِلَلٍ. رَبَثَه عَنْ أَمره وَحَاجَتِهِ يَرْبُثه، بِالضَّمِّ، رَبْثاً، ورَبَّثه: حَبَسَه وصَرَفَه. والرَّبيثةُ: الأَمرُ يَحْبِسُك، وَكَذَلِكَ الرِّبِّيثى، مِثَالُ الخِصِّيصَى. وَفَعَلَ ذَلك لَهُ رِبِّيثى ورَبِيثةً أَي خَديعةً وحَبْساً. وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: إِنما قلتُ ذَلِكَ رَبيثة مِنِّي أَي خَديعة. وَقَدْ رَبَثْتُه أَرْبُثُه رَبْثاً. الْكِسَائِيُّ: الرِّبِّيثَى، مِنْ قَوْلِكَ رَبَثْتُ الرجلَ أَرْبُثُه رَبْثاً، وَهُوَ أَن تُثَبِّطَه، وتُبْطِئ بِهِ، قَالَ الشَّاعِرُ:
بَيْنا تَرى المَرْءَ فِي بُلَهْنِيةٍ، ... يَرْبُثُه مِنْ حِذارِه أَمَلُهْ
قَالَ شَمِرٌ: رَبَثَه عَنْ حَاجَتِهِ أَي حَبَسه فرَبِثَ، وَهُوَ رابِثٌ، إِذا أَبْطأَ، وأَنشد لنُمير بْنِ جَرَّاح:
تقولُ ابنةُ البَكْريِّ: مَا ليَ لَا أَرى ... صَديقَك، إِلا رابِثاً عنكَ وافِدُه
أَي بَطيئاً. وَيُقَالُ: دَنَا فُلَانٌ ثُمَّ ارْباثَّ أَي احتَبَسَ، وارْبَأْثَثْتُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
تَعْترضُ الشياطينُ الناسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِالرَّبائثِ
أَي بِمَا يُرَبِّثُهم عَنِ الصَّلَاةِ. وَفِي رِوَايَةٍ:
إِذا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، بَعَثَ إِبليسُ شياطينَه
، وَفِي رِوَايَةٍ:
جُنودَه إِلى النَّاسِ، فأَخَذوا عَلَيْهِمْ بالرَّبائثِ.
وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ: غَدَتِ الشياطينُ بِرَايَاتِهَا فيأْخُذونَ الناسَ بالرَّبائثِ
أَي ذَكَّروهم الحوائجَ الَّتِي تُرَبِّثُهُم، ليُرَبِّثوهم بِهَا عَنِ الْجُمُعَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ
يَرْمونَ الناسَ بالترابيثِ
، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، قَالَ ابْنُ الأَثير: وَيَجُوزُ، إِن صحَّت الرِّوَايَةُ، أَن يَكُونَ جَمْعَ تَرْبيثةٍ، وَهِيَ المَرَّة الواحدةُ مِنَ التَّرْبيث، تَقُولُ: رَبَّثْتُه تَرْبيثاً وتَرْبيثةً وَاحِدَةً، مِثْلُ قَدَّمْته تَقْديماً وتَقْديمةً وَاحِدَةً. وتَرَبَّثَ فِي سَيْرِهِ أَي تَلَبَّثَ. ورَبَّثَه: كلَبَّثَه. وامرأَةٌ رَبِيثٌ أَي مَرْبُوثٌ، قَالَ:
جَرْيَ كَريثٍ أَمْرُه رَبِيثُ
الكَريثُ: المَكْروثُ. وارْتَبَثَ القومُ: تَفَرَّقوا. وارْبَثَّ أَمرُ الْقَوْمِ: تَفَرَّقَ، قَالَ أَبو ذؤَيب:
رَمَيْناهُمُ، حتى إِذا ارْبَثَّ أَمْرُهم، ... وصارَ الرَّصِيعُ نُهْيةً للحَمائِل
الرَّصِيعُ: جَمْعُ رَصِيعةٍ، كشَعير وشَعِيرة، وَهُوَ(2/150)
سَيرٌ يُضْفَر، يَكُونُ بَيْنَ حِمالة السَّيْفِ وجَفْنِه. يَقُولُ: لَمَّا انْهَزَمُوا، انْقَلَبَتْ سيُوفهم، فَصَارَتْ أَعاليها أَسافلَها، وَكَانَتِ الحمائلُ عَلَى أَعناقهم فانْتَكَسَتْ، فَصَارَ الرَّصِيع فِي مَوْضِعِ الْحَمَائِلِ. والنُّهْية: الغايةُ الَّتِي انْتَهى إِليها الرَّصِيعُ، وَفِي التَّهْذِيبِ:
وَصَارَ الرُّصُوعُ نُهْيةً للمُقاتِلِ
قَالَ الأَصمعي: مَعْنَاهُ دُهِشُوا فَقَلبُوا قِسِيَّهم. والرَّصِيعُ: سَير يُرْصَع ويُضْفر، والرُّصوعُ الْمَصْدَرُ. وارْبَثَّ أَمرُ الْقَوْمِ ارْبِثَاثاً إِذا انْتَشَر وتَفَرَّق، وَلَمْ يَلْتَئِمْ، وَفِي الصِّحَاحِ: أَي ضَعُفَ وأَبْطأَ حَتَّى تَفَرَّقوا.
رثث: الرَّثُّ والرِّثَّةُ والرَّثيثُ: الخَلَق الخَسيسُ الْبَالِي مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. تَقُولُ: ثوبٌ رَثٌّ، وحَبْلٌ رَثٌّ، وَرَجُلٌ رَثُّ الهيئةِ فِي لُبْسه؛ وأَكثر مَا يُستعمل فِيمَا يُلبس، وَالْجَمْعُ رِثاثٌ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ نَهيكٍ: أَنه دَخلَ عَلَى سَعْدٍ، وَعِنْدَهُ مَتَاعٌ رَثٌ
أَي خَلَقٌ بالٍ. وَقَدْ رَثَّ الحبلُ وَغَيْرُهُ يَرِثُّ ويَرُثُّ رثاثَة ورُثُوثة، وأَرَثَّ، وأَرثَّه البِلى، عَنْ ثَعْلَبٍ. وأَرثَّ الثوبُ أَي أَخْلَق؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: أَجاز أَبو زَيْدٍ: رَثَّ وأَرَثَّ، وَقَالَ الأَصمعي: رَثَّ بِغَيْرِ أَلف؛ قَالَ أَبو حَاتِمٍ: ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ ذَلِكَ وأَجاز رَثَّ وأَرَثَّ؛ وَقَوْلُ دُرَيد بْنِ الصِّمَّة:
أَرَثَّ جديدُ الحَبْلِ مِنْ أُمِّ مَعْبدِ ... بعاقبةٍ، وأَخْلَفَتْ كلَّ مَوْعِدِ
يَجُوزُ أَن يَكُونَ عَلَى هَذِهِ اللُّغَةِ، وَيَجُوزُ أَن تَكُونَ الْهَمْزَةُ فِي الِاسْتِفْهَامِ دَخَلَتْ عَلَى رَثَّ. وأَرَثَّ الرجلُ: رَثَّ حَبْلُه، وَالِاسْمُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ الرِّثَّةُ. وَرَجُلٌ رَثُّ الهَيئة: خَلَقُها باذُّها. وَفِي خَلْقه رَثاثةٌ أَي بَذاذَة. وَقَدْ رَثَّ يَرُثُّ رَثاثةً، ويرِثُّ رُثوثةً. والرَّثُّ والرِّثَّةُ جَمِيعًا: رَديءُ الْمَتَاعِ، وأَسْقاطُ البَيْت مِنَ الخُلْقانِ. وارْتَثَثْنا رِثَّةَ الْقَوْمِ، وارْتَثُّوا رِثَّةَ الْقَوْمِ: جَمَعُوها أَو اشترَوها. وتُجْمَع الرِّثَّةُ رِثاثاً. والرِّثَّة: خُشارة النَّاسِ وضُعَفاؤُهم، شُبِّهُوا بِالْمَتَاعِ الرَّدِيءِ. وَرَوَى
عَرْفجةُ عَنْ أَبيه قَالَ: عَرَّفَ عَلِيٌّ رِثَّةَ أَهلِ النَّهْر، قَالَ: فَكَانَ آخِرُ مَا بَقِيَ قِدْرٌ، قَالَ: فَلَقَدْ رأَيتُها فِي الرَّحَبة، وَمَا يَغْتَرفُها أَحدٌ.
والرِّثَّة: المتاعُ وخُلْقانُ البيتِ، وَاللَّهُ أَعلم. والرِّثَّة: السَّقَطُ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ مِنَ الخُلْقان، والجمع رِثَثٌ، مِثْلُ قِرْبةٍ وقِرَبٍ، ورِثاثٌ مثلُ رِهْمةٍ ورِهام. وَفِي الْحَدِيثِ:
عَفَوْتُ لَكُمْ عَنِ الرِّثَّة
؛ هي متاعُ الْبَيْتِ الدُّونُ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ الرِّثْية، والصوابُ الرِّثَّة، بِوَزْنِ الهِرَّة. وَفِي حَدِيثِ
النُّعْمان بْنِ مُقَرِّنٍ يومَ نَهاوَنْد: أَلا إِن هؤُلاء قَدْ أَخْطَرُوا لَكُمْ رِثَّة، وأَخْطَرْتم لَهُمُ الإِسلامَ
؛ وجمعُ الرِّثَّة رِثاثٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
فجَمَعْتُ الرِّثاثَ إِلى السَّائِبِ.
والمُرْتَثُّ: الصَّريعُ الَّذِي يُثْخَنُ فِي الحَرْب ويُحْمَلُ حَيّاً ثُمَّ يَمُوتُ؛ وَقَالَ ثَعْلَبٌ: هُوَ الَّذِي يُحْمَلُ مِنَ المَعْرَكة وَبِهِ رَمَق، فإِن كَانَ قَتِيلًا، فَلَيْسَ بمُرْتَثٍّ. التَّهْذِيبُ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذا ضُربَ فِي الحَرْبِ فأُثْخِنَ، وحُمِلَ وَبِهِ رَمَق ثُمَّ ماتَ: قَدِ ارْتُثَّ فلانٌ، وَهُوَ افْتُعِلَ، عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، أَي حُمِلَ مِنَ الْمَعْرَكَةِ رَثيثاً أَي جَريحاً وَبِهِ رَمَقٌ؛ وَمِنْهُ قولُ خَنْساءَ حِينَ خَطَبَها دريدُ ابن الصِّمَّة، عَلَى كِبَرِ سِنِّه: أَتَرَوْنَني تَارِكَةً بَنِي عَمِّي، كأَنهم عَوالي الرِّماحِ، ومُرْتَثَّةً شيخَ بَنِي جُشَمٍ؟ أَرادت: أَنه مُذْ أَسَنَّ وقَرُبَ مِنَ(2/151)
الْمَوْتِ وضَعُف، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَن؛ حُمِلَ مِنَ المَعْركة، وَقَدْ أَثْبَتَتْه الجراحُ لضَعْفِه. وَفِي حَدِيثِ
كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ: أَنه ارْتُثَّ يومَ أُحُدٍ، فجاءَ بِهِ الزبيرُ يَقُود بزِمام رَاحِلَتِهِ
؛ الارْتثاثُ: أَن يُحْمَلَ الجريحُ مِنَ المَعْركة، وَهُوَ ضَعِيفٌ قَدْ أَثْخَنَتْه الجِراح. والرَّثِيث أَيضاً: الْجَرِيحُ، كالمُرْتَثِّ. وَفِي حَدِيثِ
زَيْدِ بْنِ صُوحانَ: أَنه ارْتُثَّ يَوْمَ الجَمل، وَبِهِ رَمَقٌ.
وَفِي حَدِيثِ
أُم سَلَمَةَ: فَرَآنِي مُرْتَثَّةً
أَي سَاقِطَةً ضَعِيفَةً؛ وأَصلُ اللَّفْظَةِ مِنَ الرَّثِّ: الثَّوْبِ الخَلَق. والمُرْتَثُّ، مُفْتَعِل، مِنْهُ. وارْتَثَّ بَنُو فلانٍ نَاقَةً لَهُمْ أَو شَاةً: نَحَروها مِنَ الهُزال. والرِّثَّة: المرأَة الحَمقاءُ.
رعث: الرَّعْثة: التَّلْتَلَة، تُتَّخَذ مِنْ جُفِّ الطَّلْع، يُشْرَبُ بِهَا. ورَعْثةُ الدِّيك: عُثْنونُه ولِحيتُه. يُقَالُ: دِيكٌ مُرَعَّثٌ؛ قَالَ الأَخْطَلُ يَصِفُ دِيكًا:
مَاذَا يُؤَرِّقُني، والنَّوْمُ يُعْجِبُني، ... مِنْ صَوْتِ ذِي رَعَثاثٍ ساكِنِ الدارِ
ورَعَثَتا الشَّاةِ: زَنَمَتاها تَحْتَ الأُذُنين؛ وَشَاةٌ رَعْثاءُ، مِنْ ذَلِكَ. ورَعِثَتِ العَنْزُ رَعَثاً، ورَعَثَتْ رَعْثاً: ابْيَضَّتْ أَطراف زَنَمَتَيْها. والرَّعْثُ والرَّعْثة: مَا عُلِّقَ بالأُذُن مِنْ قُرْط وَنَحْوِهِ، وَالْجَمْعُ: رِعَثةٌ ورِعاثٌ؛ قَالَ النَّمِرُ:
وكلُّ خَليلٍ، عليه الرِّعاثُ ... والحُبُلاتُ، كَذوبٌ مَلِقْ
وتَرَعَّثَتِ الْمَرْأَةُ أَي تَقَرَّطَتْ. وصبيٌّ مُرَعَّثٌ: مُقَرَّط؛ قَالَ رؤْبة:
رَقْراقةٌ كالرَّشَإِ المُرَعَّثِ
وَكَانَ بَشَّارُ بنُ بُرْدٍ يُلَقَّبُ بالمُرَعَّثِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لرِعاثٍ كَانَتْ لَهُ فِي صغَره فِي أُذُنه. وارْتَعَثَتِ المرأَةُ: تَحَلَّتْ بالرِّعاثِ؛ عَنِ ابْنِ جِنِّي. وَفِي الْحَدِيثِ:
قَالَتْ أُمُّ زينَبَ بِنْتُ نُبَيطٍ كنتُ أَنا وأُخْتايَ فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ يُحَلِّينا رِعاثاً مِنْ ذَهَبٍ ولُؤْلؤ.
الرِّعاثُ: القِرَطةُ، وَهِيَ مِنْ حُليِّ الأُذُن، واحدتُها: رَعْثة، ورَعَثة أَيضاً، بِالتَّحْرِيكِ، وَهُوَ القُرْطُ، وجِنْسُها: الرَّعْثُ والرَّعَثُ. ابْنُ الأَعرابي: الرَّعْثة فِي أَسفل الأُذن، والشَّنْفُ فِي أَعْلى الأُذن، والرَّعْثة دُرَّة تُعَلَّقُ فِي القُرْط. والرَّعَثةُ: العِهْنةُ المُعَلَّقة مِنَ الهَوْدَج وَنَحْوِهِ، زِينةً لَهَا كالذَّباذِبِ؛ وَقِيلَ: كلُّ مُعَلَّقٍ رَعَثٌ، ورَعَثة، ورُعْثةٌ، بِالضَّمِّ، عَنْ كُرَاعٍ. وخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ القُرْطَ والقِلادَة ونحوَهما؛ قَالَ الأَزهري: وكلُّ مِعْلاق كالقُرْطِ وَنَحْوِهِ يُعَلَّقُ مِنْ أُذنٍ أَو قِلادةٍ، فَهُوَ رِعاثٌ، وَالْجَمْعُ رعْثٌ ورِعاثٌ ورُعُثٌ، الأَخيرة جَمْعُ الْجَمْعِ. والرَّعَثُ: العِهْنُ عامَّة. وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ: يُقَالُ لراعُوفةِ الْبِئْرِ «5» : راعُوثة. قَالَ: وَهِيَ الأُرْعُوفة والأُرْعوثةُ، وَتَفْسِيرُهُ فِي الْعَيْنِ والراءِ. وَفِي حَدِيثِ سِحْرِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
ودُفِنَ تحتَ راعوثةِ الْبِئْرِ
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جاءَ فِي رِوَايَةٍ، وَالْمَشْهُورُ بالفاءِ، وَهِيَ هِيَ، وسيُذكر فِي مَوْضِعِهِ.
__________
(5) . قوله [يقال لراعوفة البئر إلخ] قال في التكملة وهي صَخْرَةٌ تُتْرَكُ فِي أَسْفَلِ الْبِئْرِ إِذا احْتُفِرَتْ تَكُونُ هناك، ويقال هِيَ حَجَرٌ يَكُونُ عَلَى رأْس الْبِئْرِ يَقُومُ عليها المستقي.(2/152)
رغث: الرُّغَثاوان: العَصَبتانِ اللَّتان تَحْتَ الثَّدْيَيْنِ؛ وَقِيلَ هُمَا مَا بَيْنُ المَنْكِبَيْن والثَّدْيَيْن، مِمَّا يَلِي الإِبْطَ مِنَ اللَّحْمِ؛ وَقِيلَ: هُمَا مَغْرِزُ الثَّدْيَيْن إِلى الإِبْط؛ وَقِيلَ: هُمَا مُضَيْغَتانِ مِنْ لَحْمٍ، بَيْنَ الثَّنْدُوَةِ والمَنْكِب، بجانِبيِ الصَّدْر؛ وَقِيلَ: الرُّغَثاءُ مثالُ العُشَراء، عِرْقٌ فِي الثَّدْيِ يُدِرُّ اللَّبَنَ. التَّهْذِيبِ: الرَّغَثاءُ بِفَتْحِ الراءِ، عَصَبةُ الثَّدْي؛ قَالَ الأَزهري: وَضَمُّ الراءِ فِي الرُّغَثاءِ أَكثرُ؛ عَنِ الفراءِ؛ وَقِيلَ: الرُّغَثاوانِ سَوادُ حَلَمَتي الثَّدْيَيْن. ورُغِثَتِ المرأَة تُرْغَثُ إِذا شَكَتْ رُغَثاءَها. وأَرْغَثَه: طَعَنَه فِي رُغَثائه؛ قَالَتْ خَنْساءُ:
وكانَ أَبو حَسَّانَ صَخْرٌ أَصارَها، ... وأَرْغَثَها بالرُّمْح حَتَّى أَقَرَّتِ
والرَّغُوثُ: كلُّ مُرْضِعَةٍ؛ قَالَ طَرَفَةُ:
فَلَيتَ لَنا، مكانَ المَلْكِ عَمْرٍو، ... رَغُوثاً، حَوْلَ قُبَّتِنا، تَخُورُ
وَفِي حَدِيثِ الصَّدَقَةِ:
أَن لَا يُؤْخَذَ فِيهَا الرُّبَّى والماخِضُ والرَّغُوثُ
أَي الَّتِي تُرْضَعُ. ورَغَثَ المولودُ أُمَّه يَرْغَثُها رَغْثاً، وارْتَغَثَها: رَضَعَها. والمُرْغِثُ: المرأَةُ المُرْضِعُ، وَهِيَ الرَّغُوث، وَجَمْعُهَا رِغاثٌ. والرَّغُوثُ أَيضاً: ولدُها. وَفِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ: ذَهَبَ رسولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأَنتم تَرْغَثُونَها
؛ يَعْنِي الدُّنْيَا، أَي تَرْضَعُونَها؛ مِنْ رَغَثَ الجَدْيُ أُمَّه إِذا رَضِعَها. وأَرْغَثَتِ النعجةُ وَلدَها: أَرْضَعَته. ورَغَثَ الجَدْيُ أُمَّه أَي رَضِعَها. وَشَاةٌ رَغُوثٌ ورَغُوثةٌ: مُرْضِعٌ، وَهِيَ من الضأْن خاصةً، واسْتَعْمَلَها بعضُهم فِي الإِبل فَقَالَ:
أَصْدَرَها، عَنْ طَثْرةِ الدَّآثِ، ... صاحبُ لَيْلٍ، خَرِشُ التَّبْعاثِ
يَجْمَعُ للرِّعاءِ فِي ثَلاثِ طُولَ الصَّوَا، وقِلَّةَ الإِرْغاث
وَقِيلَ: الرَّغُوثُ مِنَ الشاءِ الَّتِي قَدْ وَلَدَتْ فَقَط؛ وَقَوْلُهُ:
حَتَّى يُرَى فِي يابِسِ الثَرْياءِ حُثْ، ... يَعْجِزُ عَنْ رِيِّ الطُلَيِّ المُرْتَغِثْ
يَجُوزُ أَن يُرِيدَ تَصْغِيرَ الطَّلا الَّذِي هُوَ وَلَدُ الشَّاةِ، أَو الَّذِي هُوَ وَلَدُ النَّاقَةِ، أَو غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ أَنواع الْبَهَائِمِ. وبِرْذَوْنة رَغُوثٌ: لَا تَكاد تَرْفَعُ رأْسها مِنَ المِعْلَفِ. وَفِي الْمَثَلِ: آكَلُ الدَّوابِّ بِرذَونةٌ رَغُوثٌ، وَهِيَ فَعُول فِي مَعْنَى مَفْعُولَةٍ، لأَنها مَرْغُوثة. وأَورد الْجَوْهَرِيُّ هَذَا الْمَثَلَ شِعْرًا، فَقَالَ:
آكَلُ منْ بِرْذَوْنَةٍ رَغُوثِ
ورَغَثَه النَّاسُ: أَكْثَروا سُؤَالَه حَتَّى فنِيَ مَا عِنْدَهُ. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: رُغِثَ، فَهُوَ مَرْغُوثٌ، فجاءَ بِهِ عَلَى صِيغَةِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ: أَكثر عَلَيْهِ السؤَالَ حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ.
رفث: الرَّفَثُ: الجماعُ وَغَيْرُهُ مِمَّا يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلِ وامرأَته، يَعْنِي التَّقْبِيلَ والمُغازلة وَنَحْوَهُمَا، مِمَّا يَكُونُ فِي حَالَةِ الْجِمَاعِ، وأَصله قَوْلُ الفُحْش. والرَّفَثُ أَيضاً: الفُحْشُ مِنَ الْقَوْلِ، وَكَلَامُ النساءِ فِي الْجِمَاعِ؛ تَقُولُ مِنْهُ: رَفَثَ الرَّجُلُ وأَرْفَثَ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
ورُبَّ أَسرابِ حَجيجٍ كُظَّمِ ... عَنِ اللَّغَا، ورَفَثِ التَكَلُّم(2/153)
وَقَدْ رَفَثَ بِهَا ومَعها. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أُحِلَّ لَكُمْ، لَيْلَةَ الصِّيامِ، الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ
؛ فإِنه عدَّاه بإِلى، لأَنه فِي مَعْنَى الإِفْضاءِ، فَلَمَّا كُنْتَ تُعَدِّي أَفْضَيْتُ بإِلى كَقَوْلِكَ: أَفْضَيتُ إِلى المرأَة، جئتَ بإِلى مَعَ الرَّفَثِ، إِيذاناً وإِشعاراً أَنه بِمَعْنَاهُ. ورَفَثَ فِي كَلَامِهِ «1» يَرْفُثُ رَفْثاً، ورَفِثَ رَفَثاً، ورَفُثَ، بِالضَّمِّ عَنِ اللِّحْيَانِيِّ، وأَرْفَثَ، كلُّه: أَفْحَشَ؛ وَقِيلَ: أَفْحَشَ فِي شأْنِ النساءِ. وقولُه تَعَالَى: فَلا رَفَثَ، وَلا فُسُوقَ، وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ
؛ يَجُوزُ أَن يكونَ الإِفْحاشَ؛ وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَي لَا جِماعَ، وَلَا كَلِمة مِنْ أَسباب الْجِمَاعِ، وأَنشد:
عَنِ اللَّغا، ورَفَثِ التكلُّمِ
وَقَالَ ثَعْلَبٌ: هُوَ أَن لَا يأْخُذَ مَا عَلَيْهِ مِنَ القَشَفِ، مِثْلَ تَقْلِيمِ الأَظفار، ونَتْفِ الإِبطِ، وحَلْق الْعَانَةِ، وَمَا أَشبهه، فإِن أَخذ ذَلِكَ كله فليس هنالك رَفَثٌ. والرَّفَثُ: التَّعْرِيضُ بِالنِّكَاحِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الرَّفَثُ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لِكُلِّ مَا يُرِيدُهُ الرجلُ مِنَ المرأَة؛ وَرُوِيَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنه كَانَ مُحْرِماً، فأَخَذَ بذَنَبِ نَاقَةٍ مِنَ الرِّكابِ، وَهُوَ يَقُولُ:
وهُنَّ يَمْشِينَ بِنَا هَميسا، ... إِنْ تَصْدُقِ الطَّيْرُ نَنِكْ لَمِيسا
فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبا الْعَبَّاسِ، أَتقول الرَّفَثَ وأَنت مُحْرِمٌ؟ وَفِي رِوَايَةٍ: أَتَرْفُثُ وأَنتَ مُحْرم؟ فَقَالَ: إِنما الرَّفَثُ مَا رُوجِعَ بِهِ النساءُ
«2» . فرأَى ابنُ عَبَّاسٍ الرَّفَثَ الَّذِي نَهى اللهُ عَنْهُ مَا خُوطِبَتْ بِهِ المرأَة؛ فأَما أَنْ يَرْفُثَ فِي كَلَامِهِ، وَلَا تَسْمَع امرأَةٌ رَفَثَه، فَغَيْرُ داخلٍ فِي قَوْلِهِ: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ.
رمث: الرِّمْثُ، واحدتُه رِمْثةٌ: شَجَرَةٌ مِنَ الحَمْضِ؛ وَفِي الْمُحْكَمِ: شجرٌ يُشْبِه الغَضا، لَا يَطُولُ، وَلَكِنَّهُ يَنْبَسِطُ ورقُه، وَهُوَ شَبِيهٌ بالأُشْنانِ، والإِبل تُحَمِّضُ بِهَا إِذا شَبِعَتْ مِنَ الخُلَّة، ومَلَّتْها. الْجَوْهَرِيُّ: الرِّمْثُ، بِالْكَسْرِ، مَرْعًى مِنْ مَراعي الإِبل، وَهُوَ مِنَ الحَمْض؛ قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: وَلَهُ هُدْبٌ طُوالٌ دُقاقٌ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ كَلأٌ تَعِيشُ فِيهِ الإِبل وَالْغَنَمُ، وإِن لَمْ يَكُنْ مَعَهَا غَيْرُهُ، وَرُبَّمَا خَرَجَ فِيهِ عسلٌ أَبيضُ، كأَنه الجُمان، وَهُوَ شَدِيدُ الْحَلَاوَةِ، وَلَهُ حَطَبٌ وخَشَبٌ، ووَقُودُه حارٌّ، ويُنْتَفَعُ بدُخانه مِنَ الزُّكام. وَقَالَ مُرَّةُ قَالَ بعضُ الْبَصْرِيِّينَ: يَكُونُ الرِّمْثُ مَعَ قِعْدةِ الرَّجُل، يَنْبُتُ نَباتَ الشِّيحِ، قَالَ: وأَخبرني بعضُ بَنِي أَسَد أَن الرِّمْثَ يرْتَفِعُ دونَ الْقَامَةِ، فيُحْتَطَبُ، واحدتُه: رِمْثةٌ، وَبِهَا سُمِّي الرجلُ رِمْثَةُ، وكُني أَبا رِمْثةَ، بِالْكَسْرِ. والرَّمَثُ أَن تأْكلَ الإِبلُ الرِّمْثَ، فَتشْتكي عَنْهُ. ورَمِثَتِ الإِبلُ، بِالْكَسْرِ، تَرْمَثُ رَمَثاً، فَهِيَ رَمِثَةٌ ورَمْثى، وإِبلٌ رَماثَى: أَكَلَتِ الرِّمْثَ، فاشْتَكَتْ بطونَها. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: هُوَ سُلاحٌ يأْخذها إِذا أَكلتِ الرِّمْثَ، وَهِيَ جَائِعَةٌ، فيُخاف عَلَيْهَا حِينَئِذٍ. الأَزهري: الرِّمْثُ والغَضَا، إِذا باحَتَتْها الإِبلُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا عُقْبة مِنْ غَيْرِهَا، يُقَالُ: رَمِثَتْ وغَضِيَتْ، فَهِيَ رَمِثَة وغَضِيَة، ذُكِرَ ذَلِكَ فِي تَرْجَمَةِ طَلَح. وأَرضٌ مَرْمثَة: تُنْبِتُ الرِّمْثَ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ:
__________
(1) . قوله [ورفث في كلامه إلخ] من باب نصر وفرح وكرم كما في القاموس وغيره.
(2) . قوله [ما روجع به إلخ] الذي في الصحاح ما ووجه به النساء.(2/154)
مَا شجرةٌ أَعْلَمَ لِجَبلٍ، وَلَا أَضْيَعَ لِسَابِلَةٍ، وَلَا أَبْدَن وَلَا أَرْتَعَ، مِنَ الرِّمْثةِ؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَذَلِكَ أَن الإِبل إِذا مَلَّتِ الخُلَّة، اشْتَهَتِ الحَمْضَ، فإِن أَصابتْ طَيِّبَ المَرْعَى مِثْلَ الرُّغْلِ والرِّمْثِ، مَشَقَتْ مِنْهَا حاجَتَها، ثُمَّ عَادَتْ إِلى الخُلَّة، فَحَسُنَ رَتْعُها، واسْتَمْرَأَتْ رَعْيَها، فإِن فَقَدَتِ الحَمْضَ، ساءَ رَعْيُها وهُزِلَتْ. والرَّمَثُ: الحَلَبُ. يُقَالُ: رَمِّثْ ناقَتَك أَي أَبْقِ فِي ضَرْعِها شَيْئًا. ابْنُ سِيدَهْ: والرَّمَثُ الْبَقِيَّةُ مِنَ اللَّبَنِ تَبْقَى بالضَّرْع، بَعْدَ الحَلَبِ، وَالْجَمْعُ أَرْماثٌ. والرَّمَثة: كالرَّمَثِ، وَقَدْ أَرْمَثَها، ورَمَّثَها. وَيُقَالُ: رَمَّثْتُ فِي الضَّرْع تَرْمِيثاً، وأَرْمَثْتُ أَيضاً إِذا أَبْقَيْتَ بِهَا شَيْئًا؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
وشارَكَ أَهلُ الفَصِيلِ ... الفَصِيلَ فِي الأُمِّ، وامْتَكَّها المُرْمِثُ
ورَمَثْتُ الشيءَ أَصْلَحْتُه ومَسَحْتُه بِيَدِي؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
وأَخٍ رَمَثْتُ رُوَيْسَه، ... ونَصَحْتُه فِي الحَرْب نَصْحا «3»
ورَمَّثَ عَلَى الْخَمْسِينَ وَغَيْرِهَا: زَادَ؛ وَإِنَّمَا يَسْتَعْمِلُونَ الْخَمْسِينَ فِي هَذَا وَنَحْوِهِ، لأَنه أَوسط الأَعمار، وَلِذَلِكَ اسْتَعْمَلَهَا أَبو عُبَيْدٍ فِي بَابِ الأَسنان وَزِيَادَةِ النَّاسِ، فِيمَا دُونَ سَائِرِ الْعُقُودِ. ورَمَّثَتْ غنَمُه عَلَى الْمِائَةِ: زَادَتْ. ورَمَّثَتِ الناقةُ عَلَى مِحْلَبها، كَذَلِكَ. وَفِي حَدِيثِ
رَافِعِ بْنِ خَديج، وسُئل عَنْ كِراءِ الأَرض البيضاءِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَقَالَ: لَا بأْسَ، إِنما نُهِيَ عَنِ الإِرماثِ.
قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا يُرْوَى، فإِن كَانَ صَحِيحًا، فَيَكُونُ مِنْ قَوْلِهِمْ: رَمَثْتُ الشيءَ بالشيءِ إِذا خَلَطْتَه، أَو مِنْ قَوْلِهِمْ: رَمَّثَ عَلَيْهِ وأَرْمَثَ إِذا زَادَ، أَو مِنَ الرَّمَث: وَهُوَ بَقِيَّةُ اللَّبَنِ فِي الضَّرْع، قَالَ: فكأَنه نَهَى عَنْهُ مِنْ أَجل اخْتِلَاطِ نَصِيبِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، أَو لِزِيَادَةٍ يأْخذها بعضُهم مِنْ بَعْضٍ، أَو لإِبقاءِ بَعْضِهِمْ عَلَى الْبَعْضِ شَيْئًا مِنَ الزَّرْع. والرَّمَثُ، بِفَتْحِ الراءِ وَالْمِيمِ: خَشَبٌ يُشَدُّ بعضُه إِلى بَعْضٍ كالطَّوْف، ثُمَّ يُرْكَبُ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ؛ قَالَ أَبو صَخْر الهُذَلي:
تَمَنَّيْتُ، مِنْ حُبِّي عُلَيَّةَ، أَننا ... عَلَى رَمَثٍ، فِي الشَّرْمِ، لَيْسَ لَنَا وَفْرُ «4»
الشَّرْمُ: مَوْضِعٌ فِي الْبَحْرِ. وَالْجَمْعُ أَرْماثٌ؛ وَمِنْ هَذِهِ الْقَصِيدَةِ:
أَمَا وَالَّذِي أَبْكَى وأَضْحَكَ، وَالَّذِي ... أَماتَ وأَحيا، وَالَّذِي أَمْرُه الأَمْرُ
لَقَدْ تَرَكَتْنِي أَغْبِطُ الوَحْشَ، أَن أَرى ... أَلِيفَيْنِ مِنْهَا، لَا يَرُوعُهما الزَّجْرُ
إِذا ذُكِرَتْ يَرْتاحُ قَلْبي لِذِكْرِها، ... كَمَا انْتَفَضَ العُصْفُور، بَلَّلَه القَطْرُ
تَكادُ يَدِي تَنْدَى، إِذا مَا لَمسْتُها، ... وتَنْبُتُ، فِي أَطْرافِها، الوَرَقُ الخُضْرُ
وصَلْتُكِ حَتَّى قِيلَ: لَا يَعْرِفُ القِلَى ... وزُرْتُكِ حَتَّى قِيلَ: لَيْسَ لَهُ صَبْرُ
__________
(3) . قوله [رويسه] كذا في الصحاح. وقال الصاغاني: هكذا وقع بضم الراء وفتح الواو وهو تصحيف، والرواية: دريسه أَي بفتح الدال وكسر الراء وهو الخلق من الثياب، والبيت لأَبي دواد. (4) . قوله [من حبي علية] الذي في الصحاح من حبي بثينة.(2/155)
فَيَا حُبَّها زِدْني هَوًى كلَّ ليلةٍ ... وَيَا سَلْوةَ الأَيامِ مَوْعِدُكِ الحَشْرُ
عَجِبْتُ لِسَعْيِ الدَّهْرِ بَيْنِي وبينَها ... فَلَمَّا انْقَضَى مَا بَيْنَنَا، سَكَنَ الدَّهْرُ
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: مَعْنَاهُ أَن الدَّهْرَ كَانَ يَسْعَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فِي إِفساد الْوَصْلِ، فَلَمَّا انقضَى مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الوَصْل، وعادَ إِلى الهَجْر، سَكَنَ الدهرُ عَنْهُمَا؛ وإِنما يُرِيدُ بِذَلِكَ: سَعْيَ الوُشاةِ، فنسَبَ الفعلَ إِلى الدهْر، مَجَازًا لِوُقُوعِ ذَلِكَ فِيهِ، وجَرْياً عَلَى عَوَائِدِ النَّاسِ فِي نِسْبَةِ الْحَوَادِثِ إِلى الزَّمَانِ؛ قَالَ الْمُسْتَمْلِي مِنَ الشَّيْخِ أَبي مُحَمَّدِ بْنِ بَرِّيٍّ، رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى؛ قَالَ: لَمَّا أَملانا الشَّيْخُ قَوْلَهُ:
وتَنْبُتُ، فِي أَطْرافِها، الوَرَقُ الخُضْرُ
ضَحِكَ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا البيتُ كَانَ السببَ فِي تَعَلُّمي الْعَرَبِيَّةَ فَقُلْنَا لَهُ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: ذَكَرَ لِي أَبي، برِّيٌّ، أَنه رأَى فِي الْمَنَامِ قَبْلَ أَن يُرْزَقَني، كأَنَّ فِي يَدِهِ رُمْحاً طَوِيلًا، فِي رأْسه قِنْديلٌ، وَقَدْ عَلَّقه عَلَى صَخْرَةِ بيتِ المَقْدس، فعُبِّرَ لَهُ بأَن يُرْزَقَ ابْنًا يَرْفَعُ ذِكْرَه بعِلم يَتَعلَّمه، فَلَمَّا رُزِقَني، وبَلَغْتُ خمسَ عَشْرَةَ سَنَةً، حَضَر إِلى دُكَّانه، وَكَانَ كُتْبِيّاً، ظافرٌ الحدادُ وابنُ أَبي حَصِينة، وَكِلَاهُمَا مشهورٌ بالأَدب؛ فأَنشد أَبي هَذَا الْبَيْتَ:
تَكادُ يَدِي تَنْدَى، إِذا مَا لمَسْتُها، ... وتَنْبُتُ، فِي أَطْرافِها، الوَرَقُ الخُضْرُ
وَقَالَ: الورقُ الخُضْرِ، بِكَسْرِ الرَّاءِ، فضحِكا مِنْهُ لِلَحْنه؛ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، أَنا مُنْتَظِرٌ تَفْسِيرَ مَنَامِي، لعلَّ اللهَ يَرْفَعُ ذِكْرِي بِكَ، فقلتُ لَهُ أَيَّ العُلوم تَرَى أَن أَقرأَ؟ فَقَالَ لِي اقرإِ النحوَ حَتَّى تُعَلِّمني، فَكُنْتُ أَقرأُ عَلَى الشَّيْخِ أَبي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ ابْنِ السَّرَّاج، رَحِمَهُ اللَّهُ، ثُمَّ أَجيء فأُعلمه. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن رَجُلًا أَتى النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّا نَرْكَبُ أَرْماثاً لَنَا، فِي الْبَحْرِ، وَلَا ماءَ مَعَنَا، أَفَنَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَحْرِ؟ فَقَالَ: هُوَ الطَّهورُ ماؤُه، الحِلُّ مَيْتَتُه
؛ قَالَ الأَصمعي: الأَرْماثُ جَمْعُ رَمَثٍ، بِفَتْحِ الْمِيمِ: خَشَب يُضَمُّ بعضُه إِلى بَعْضٍ، ويُشَدُّ، ثُمَّ يُرْكَبُ فِي الْبَحْرِ. والرَّمَثُ: الطَّوْفُ، وَهُوَ هَذَا الخَشَبُ، فَعَلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، مِنَ رَمَثْتُ الشيءَ إِذا لمَمْتَه وأَصْلَحته. والرَّمَثُ: الحَبْلُ الخَلَق، وَجَمْعُهُ أَرماثٌ ورِماثٌ. وحبْلٌ أَرماثٌ أَي أَرمام؛ كَمَا قَالُوا: ثَوْب أَخلاقٌ. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: نَهَيْتُكم عَنْ شُرْب مَا فِي الرِّماثِ والنَّقير
؛ قَالَ أَبو مُوسَى: إِن كَانَ اللَّفْظُ مَحْفُوظًا، فَلَعَلَّهُ مِنْ قَوْلِهِمْ: حَبْلٌ أَرماثٌ أَي أَرمام، وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ الإِناء الَّذِي قَدْ قَدُمَ وعَتُقَ، فَصَارَتْ فِيهِ ضَراوةٌ بِمَا يُنْبَذُ فِيهِ، فإِنَّ الْفَسَادَ يَكُونُ إِليه أَسْرَعَ. ابْنُ الأَعرابي: الرَّمَثُ الحَبْلُ المُنْتَكِثُ. والرَّمْثُ: السَّرِقة؛ يُقَالُ: رَمَثَ يَرْمِثُ رَمْثاً إِذا سَرَق. وَفِي نَوادر الأَعراب: لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ رَمَثٌ ورَمَلٌ أَي مَزِيَّة؛ وَكَذَلِكَ عَلَيْهِ فَوَر ومُهْلة ونَفَلٌ. والرَّمَّاثة: الزَّمَّارة. والرُّمَيْثةُ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ النَّابِغَةُ:
إِنَّ الرُّمَيْثةَ مانعٌ أَرْماحُنا ... مَا كانَ مِنْ سَحَمٍ بِهَا، وصَفارِ
روث: الرَّوْثَةُ: وَاحِدَةُ الرَّوْثِ والأَرواثِ؛ وَقَدْ راثَ الفرسُ. وَفِي الْمَثَلِ: أَحُشُّكَ وتَرُوثُني. ابْنُ سِيدَهْ: الرَّوْثُ رَجِيعُ ذِي الْحَافِرِ، وَالْجَمْعُ(2/156)
أَرواث. عَنْ أَبي حَنِيفَةَ: راثَ رَوْثاً. والمَراثُ والمَرْوَثُ: مَخْرَجُ الرَّوْثِ. التَّهْذِيبُ يُقَالُ لِكُلِّ ذِي حَافِرٍ: قَدْ راثَ يَرُوثُ رَوثاً. وخَوْرانُ الْفَرَسِ: مَراثُه. وَفِي حَدِيثِ الِاسْتِنْجَاءِ:
نَهَى عَنِ الرَّوْث.
وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ مَسْعُودٍ: فأَتَيْتُه بحَجَرين ورَوْثة، فردَّ الرَّوثَة.
والرَّوْثةُ: مُقَدَّمُ الأَنْف أَجمعَ؛ وَقِيلَ: طَرَفُ الأَنْف، حيثُ يَقْطُرُ الرُّعافُ. غَيْرُهُ: ورَوْثَةُ الأَنْف طَرَفُه. والرَّوْثة: طَرَفُ الأَرْنبة؛ يُقَالُ: فُلَانٌ يَضْرِبُ بِلِسَانِهِ رَوْثةَ أَنفِه؛ وَفِي حَدِيثِ
حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ: أَنه أَخْرج لسانَه فضَرَبَ بِهِ رَوْثَة أَنفه
أَي أَرْنَبَته وطَرَفه مِنْ مُقدَّمه. وَفِي حَدِيثِ
مُجاهد: فِي الرَّوْثة ثُلِّي الدِّيَةِ.
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنَّ رَوْثَةَ سيفِ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كانَت فِضَّةً
؛ فُسِّرَ أَنها أَعلاه مِمَّا يَلِي الخِنْصَرَ مِنْ كَفِّ القابضِ. ورَوْثةُ العُقابِ: مِنْقارُها؛ قَالَ أَبو كَبِيرٍ الهُذَليُّ يَصِفُ عُقاباً:
حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلى فراشِ غرِيرَةٍ ... سَوداءَ، رَوْثَةُ أَنْفِها كالمِخْصَفِ
ريث: الرَّيْثُ: الإِبْطاءُ؛ راثَ يَرِيثُ رَيْثاً: أَبْطَأَ؛ قَالَ:
والرَّيْثُ أَدْنَى لِنَجاحِ الَّذِي ... تَرُومُ فِيهِ النُّجْحَ، مِنْ خَلْسِه
ورَاثَ عَلَيْنَا خَبَرُهُ يَريثُ رَيْثاً: أَبْطأَ. وَفِي الْمَثَلِ: رُبَّ عَجَلةٍ وَهَبَتْ رَيْثاً؛ ويُرْوى: تَهَبُ رَيْثاً؛ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، مِنَ الهِبة. وَمَا أَراثكَ عَلَيْنَا؟ أَي مَا أَبْطَأَ بِكَ عَنَّا؟ وَفِي حَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ:
عَجِلًا غيرَ رائِثٍ
أَي غَيْرَ بَطِيءٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:
وَعَدَ حبريلُ رسول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ يأْتِيَه فراثَ عَلَيْهِ.
وَرَجُلٌ رَيِّثٌ، بِالتَّشْدِيدِ، أَي بَطِيءٌ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. وتَرَيَّثَ فلانٌ عَلَيْنَا أَي أَبطأَ؛ وَقِيلَ: كلُّ بَطيء رَيِّثٌ؛ وأَنشد:
ليَهْنِئْ تُراثي لامرئٍ، غيرِ ذلَّةٍ، ... صَنابرُ أُحْدانٌ، لهُنَّ حفِيفُ
سَريعاتُ مَوْتٍ، رَيِّثاتُ إِقامةٍ، ... إِذا مَا حُمِلنَ، حمْلُهُنَّ خَفِيفُ
والاسْتِرَاثةُ: الاسْتِبْطاء. واسْتَراثه: استبطَأَه. واسْتَرْيَثْتُه: اسْتَبْطأْتُه. وَفِي الْحَدِيثِ:
كَانَ إِذا اسْتَرَاثَ الخَبر، تَمثَّلَ بِقَوْلِ طَرَفَة:
ويَأْتِيكَ بالأَخْبار مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ
هُوَ اسْتَفْعلَ، مِن الرَّيْث. ورَيَّثَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ: قَصَّرَ؛ ورَيَّث أَمْرَه كَذَلِكَ. ونَظَرَ القَنَانِيُّ إِلى بَعْضِ أَصحاب الْكِسَائِيِّ فَقَالَ: إِنه لَيُرَيِّثُ النَّظَرَ؛ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: إِنه ليُرَيِّثُ إِليَّ النَّظَر. الْفَرَّاءُ: رجلٌ مُرَيَّثُ العَيْنَين إِذا كَانَ بَطيءَ النَّظَر. وَمَا فعَلَ كَذَا إِلَّا رَيْثَ مَا فعَلَ كَذَا؛ وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ عَنِ الْكِسَائِيِّ والأَصمعي: مَا قَعَدْتُ عِنْدَهُ إِلَّا رَيْثَ أَعْقِدُ شِسْعِي، بِغَيْرِ أَن، وَيُسْتَعْمَلُ بِغَيْرِ مَا وَلَا أَن؛ وأَنشد الأَصمعي لأَعْشَى باهِلةَ:
لَا يَصْعُبُ الأَمْرُ إِلّا رَيْثَ يَرْكَبُه، ... وكلَّ أَمْرٍ، سِوَى الفَحْشاءِ، يَأْتَمِرُ
وَهِيَ لُغَةٌ فَاشِيَةٌ فِي الْحِجَازِ؛ يَقُولُونَ: يُريدُ يَفْعَلُ أَي أَن يَفْعل؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَمَا أَكثَرَ مَا رأَيْتُها(2/157)
وَارِدَةً فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ. وَيُقَالُ: مَا قَعَدَ فلانٌ عِنْدَنَا إِلَّا رَيْثَ أَن حَدَّثَنا بِحَدِيثٍ ثُمَّ مَرَّ، أَي مَا قَعَد. إِلّا قَدْرَ ذَلِكَ؛ قَالَ الشَّاعِرُ يعاتِبُ فِعْلَ نَفْسِه:
لَا تَرْعَوِي الدَّهْرَ إِلَّا رَيْثَ أُنْكِرُها، ... أَنْثُو بذاكَ عَلَيْهَا، لَا أُحاشِيها
وَفِي الْحَدِيثِ:
فَلَمْ يَلْبَثْ إِلّا رَيْثما قُلْتُ
؛ أَي إِلّا قَدْرَ ذَلِكَ؛ وقولُ مَعْقِل بْنِ خُوَيْلِدٍ:
لَعَمْرُكَ لَليَأْسُ، غيرُ المُريثِ، ... خَيْرٌ مِنَ الطَّمَعِ الكاذِبِ
قَالَ: يَجُوزُ أَن يَكُونَ أَراث لُغة فِي راثَ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ أَراد المُرِيثَ المَرْءَ؛ فَحَذَفَ. ورَيْثَةُ: اسمُ منْهلَةٍ «1» مِنَ المناهِل الَّتِي بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ. ورَيْثٌ: أَبو حَيّ مِنْ قَيْسٍ، وَهُوَ رَيْثُ بْنِ غَطَفان بْنِ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ عَيْلَانَ.
فصل الشين المعجمة
شبث: شَبِثَ الشيءَ: عَلِقَه وأَخذه. سُئِلَ ابْنُ الأَعرابي عَنْ أَبيات؛ فَقَالَ: مَا أَدْري مِن أَين شَبِثْتُها؟ أَي عَلِقْتُها وأَخَذْتُها. والتَّشَبُّثُ بِالشَّيْءِ: التَّعَلُّق بِهِ. والتَّشَبُّثُ: التَعَلُّق بِالشَّيْءِ، وَلُزُومُهُ، وشِدَّةُ الأَخْذ بِهِ. ورجلٌ شُبَثَةٌ وضُبَثَةٌ إِذا كَانَ مُلَازِمًا لقِرْنِه لَا يُفارقه. وَرَجُلٌ شَبِثٌ إِذا كَانَ طَبْعُه ذَلِكَ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، قَالَ الزُّبَيْرُ: ضَرِسٌ، ضَبِسٌ، شَبِثٌ.
الشَّبِثُ بالشيءِ: المُتَعَلِّقُ بِهِ؛ يُقَالُ: شَبِثَ يَشْبَثُ شَبَثاً. والشَّبَثُ، بِالتَّحْرِيكِ، دُوَيْبَّة ذَاتُ قَوَائِمَ سِتٍّ طوالٍ، صَفْراءُ الظَّهْر وظُهورِ الْقَوَائِمِ، سَوْداءُ الرأْس، زرقاءُ الْعَيْنِ؛ وَقِيلَ: هُوَ دُوَيْبَّةٌ كَثِيرَةُ الأَرجل، عَظِيمَةُ الرأْس، مِنْ أَحْناش الأَرض؛ وَقِيلَ: الشَّبَثُ دُوَيْبَّةٌ وَاسِعَةُ الْفَمِ، مُرْتَفِعَةُ المُؤَخَّرِ، تُخَرِّبُ الأَرْضَ، وَتَكُونُ عِنْدَ النُّدُوَّة، وتأْكل الْعَقَارِبَ، وَهِيَ الَّتِي تُسَمَّى شَحْمَة الأَرض؛ وَقِيلَ: هِيَ العنكبوتُ الكثيرةُ الأَرْجُل الكبيرةُ، وعمَّ بعضُهم بِهِ العنكبوتَ كلَّها؛ وَلَا يُقَالُ شِبْثٌ، وَالْجَمْعُ أَشباث وشِبْثانٌ، مِثْلُ خَرَبٍ وخِرْبانٍ؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤَيَّة يَصِفُ سَيْفًا:
تَرَى أَثْرَه فِي صَفْحَتَيْه، كأَنه ... مَدارِجُ شِبْثانٍ، لَهنَّ هَمِيمُ
والشِّبِثُ، بِكَسْرِ الشِّينِ وَالْبَاءِ: نَباتٌ، حَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وأَما الْبَقْلَةُ الَّتِي يُقَالُ لَهَا الشِّبِثُ، فَهِيَ مُعَرَّبة، قَالَ: ورأَيت البَحْرانيين يَقُولُونَ: سِبِتٌ، بِالسِّينِ وَالتَّاءِ، وأَصلها بِالْفَارِسِيَّةِ شِوِذٌ. وشُبَيْثٌ: ماءٌ مَعْرُوفٌ وَرَدَ ذِكْرُهُ فِي الْحَدِيثِ؛ وَمِنْهُ: دارةُ شُبَيْثٍ؛ قَالَ:
نَزَلُوا شُبَيْثاً والأَحَصَّ، وأَصْبَحُوا ... نَزَلَتْ مَنازِلَهم بَنُو ذُبْيانِ
أَبو عَمْرٍو: الشَّنْبَثة، بِزِيَادَةِ النُّونِ، العَلاقَةُ؛ يُقَالُ: شَنْبَثَ الهَوى قَلْبَه أَي عَلِق به.
شثث: الشَّثُّ: الْكَثِيرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. والشَّثُّ: ضَرْب مِنَ الشَّجَرِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: كَذَا حَكَاهُ ابْنُ دُرَيْدٍ، وأَنشد:
بوادٍ يمانٍ يُنْبِتُ الشَّثَّ فَرْعُه، ... وأَسْفَلُه بالمَرْخِ والشَّبَهانِ
__________
(1) . قوله [وريثة اسم منهلة] الذي في القاموس والتكملة وياقوت: رويثة بالتصغير، منهلة بين الحرمين، وذكروها في روث.(2/158)
وَقِيلَ: الشَّثُّ شَجَّرٌ طَيِّبُ الرِّيحِ، مُرُّ الطَّعْم يُدْبَغُ بِهِ؛ قَالَ أَبو الدُّقَيْشِ: ويَنْبُتُ فِي جِبَالِ الغَوْر، وتِهامة ونجْدٍ؛ قَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ طَبَقَاتِ النِّسَاءِ:
فمنهنَّ مِثْلُ الشَّثِّ، يُعْجِبْكَ رِيحُه، ... وَفِي غَيْبِهِ سُوءُ المَذاقةِ والطَّعْمِ
واحْتاج فسَكَّنَ، كَقَوْلِ جَرِيرٍ:
سِيرُوا بَنِي العَمِّ، فالأَهْوازُ مَنْزِلُكُمْ، ... ونَهْرُ تِيرى، وَلَا تَعْرِفْكُمُ العربُ
وَقَدْ أَورد الأَزهري هَذَا الْبَيْتَ:
فمِنْهُنَّ مِثْلُ الشَّثِّ يُعْجِبُ رِيحُه
الأَصمعي: الشَّثُّ مِنْ شَجَرِ الْجِبَالِ؛ قَالَ تأَبط شَرًّا:
كأَنَّما حَثْحَثُوا حُصّاً قَوادِمُه، ... أَوْ أُمَّ خِشْفٍ، بِذِي شَثٍّ وطُبَّاقِ
قَالَ الأَصمعي: هُمَا نَبْتَانِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه مَرَّ بشاةٍ مَيِّتةٍ؛ فَقَالَ عَنْ جِلْدها: أَليس فِي الشَّثِّ والقَرَظِ مَا يُطَهِّرهُ؟
قَالَ: الشَّثُّ مَا ذَكَرْنَاهُ؛ والقَرَظُ: وَرَقُ السَّلَم، يُدبغ بِهِمَا؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا يُرْوَى الْحَدِيثُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ، قَالَ: وَكَذَا يَتَداولُه الفقهاءُ فِي كُتُبِهِمْ وأَلفاظهم. وَقَالَ الأَزهري فِي كِتَابِ لُغَةِ الْفِقْهِ: إِن الشَّبَّ، يَعْنِي بِالْبَاءِ الموحدة، هو مِنَ الْجَوَاهِرِ الَّتِي أَنبتها اللَّهُ فِي الأَرض، يُدْبَغ بِهِ شِبه الزَّاجِ، قَالَ: والسَّمَاعُ بِالْبَاءِ، وَقَدْ صَحَّفَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَهُ بِالْمُثَلَّثَةِ، وَهُوَ شَجَرٌ مُرُّ الطَّعْم، قَالَ: وَلَا أَدْري، أَيُدبغ بِهِ أَم لَا؟ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الأُم: الدِّباغ بكلِّ مَا دَبَغَتْ بِهِ العربُ، مِنْ قَرَظ وشَبٍّ، بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ الحَنَفِيَّة، ذكَر رَجُلًا يَلي الأَمْرَ بَعْدَ السُّفْياني فَقَالَ: يَكُونُ بَيْنَ شَثٍّ وطُبَّاقٍ
؛ الطُبَّاقُ: شَجَرٌ يَنْبُت بِالْحِجَازِ إِلى الطَّائِفِ؛ أَراد أَن مَخْرَجَه ومُقامه الْمَوَاضِعُ الَّتِي يَنْبُتُ بِهَا الشَّثُّ والطُّبَّاقُ؛ وَقِيلَ: الشَّثُّ جَوْزُ البَرِّ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الشَّثُّ شَجَرٌ مِثْلُ شَجَرِ التُّفاح القِصار فِي القَدْر، ووَرَقُه شَبِيهٌ بِوَرَقِ الخِلافِ، وَلَا شَوْكَ لَهُ، وَلَهُ بَرَمةٌ مُورّدةٌ، وسِنَفةٌ صَغيرة، فِيهَا ثلاثُ حَبَّاتٍ أَو أَربعٌ سُودٌ، مثلُ الشِّئْنِيزِ تَرْعاه الحمامُ إِذا انْتَثَرَ، واحدتُه شثَّة؛ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جؤَية:
فذلِكَ مَا كُنَّا بسَهْلٍ، ومَرَّةً ... إِذا مَا رَفَعْنا شَثَّه وصَرائمه
أَبو عَمْرٍو: الشَّثُّ النَّحْلُ العَسَّالُ؛ وأَنشد:
حَدِيثُها، إِذْ طالَ فِيهِ النَّثُّ، ... أَطْيَبُ مِنْ ذَوْبٍ، مَذاهُ الشَّثُ
الذَّوْبُ: العسلُ. مَذَاه: مَجَّه النحلُ، كَمَا يَمْذِي الرجلُ المَذْيَ.
شحث: الأَزهري: قَالَ اللَّيْثُ بَلَغنا أَن شَحِيثا كلمةٌ سُرْيانية، وأَنه تَنْفَتِح بِهَا الأَغالِيقُ بِلَا مَفاتيح. وَفِي الْحَدِيثِ:
هَلُمِّي المُدْية فَاشْحَثِيها بحَجَر
أَي حُدِّيها وسُنِّيها، ويقال بالذال.
شرث: الشَّرَثُ: غِلَظُ الكَفِّ والرِّجْل وانْشِقاقُهما، وَقِيلَ: هُوَ تَشَقُّقُ الأَصابع؛ وَقِيلَ: هُوَ غِلَظُ ظَهْر الكَفِّ مِنْ بَرْدِ الشِّتاءِ. وَقَدْ شَرِثَ شَرَثاً، فَهُوَ شَرِثٌ، وَقَدْ شَرِثَتْ يدُه تَشْرَثُ. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: سَيْفٌ شَرِثٌ، وسِنانٌ شَرِث؛ وَقَالَ طَلْقُ بْنُ عَدِيٍّ فِي فَرَسٍ طَرَد صاحبُه عَلَيْهِ نَعامةً:
يَحْلِفُ لَا يَسْبِقُه، فَمَا حَنِثْ، ... حَتَّى تَلافاها بمَطْرُورٍ شَرِثْ(2/159)
أَي بسِنانٍ مَطْرورٍ أَي حَديدٍ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: قَالَ القَنانيُّ: لَا خَيْرَ فِي الثَّريد إِذا كَانَ شَرِثاً فَرِثاً، كأَنه فُلاقَةُ آجُرٍّ، وَلَمْ يُفَسِّر الشَّرِثَ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِنْدِي أَنه الخَشِنُ الَّذِي لَمْ يُرَقَّقْ خُبْزُه، وَلَا أُذيبَ سَمْنُه، قَالَ: وَلَمْ يُفَسِّر الفَرِثَ أَيضاً، قَالَ: وَعِنْدِي أَنه إِتباع، وَقَدْ يَكُونُ مِنْ قَوْلِهِمْ جَبَلٌ فَرِثٌ أَي لَيْسَ بضَخْمِ الصُّخُور. والشَّرَثُ: تَفَتُّقُ النَّعْل المُطَبَّقةِ، والفِعْل كالفِعْل؛ قَالَ:
هَذَا غلامٌ شَرِثُ النَّقِيلَهْ، ... أَشْعَثُ، لَمْ يُؤْدَمْ لَهُ بِكيلَهْ،
يخافُ أَن تَمَصّه الوَبيلَهْ
والشَّرْثةُ: النَّعْلُ الخَلَق. ابْنُ الأَعرابي: الشَّرْثُ الخَلَقُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. وشَرْثانُ: جَبَلٌ، عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
شَرْثانُ هَذاكَ وراءَ هَبُّودْ
شربث: الشَّرَنْبَثُ والشُّرابِثُ، بِضَمِّ الشِّينِ: القبيحُ الشديدُ؛ وَقِيلَ: هُوَ الغليظُ الكَفَّين، وَفِي الصِّحَاحِ: والرِّجْلَيْنِ، وَفِي الْمُحْكَمِ: والقَدَمَيْنِ الخَشِنُهُما؛ أَنشد ابْنُ الأَعرابي:
أَذَّنَنا شُرابِثٌ رأْسُ الدَّيْرْ، ... واللهُ نَفَّاحُ اليَدَيْن بالخَيْرْ
التَّهْذِيبُ فِي الْخُمَاسِيِّ: الشَّرَنْبَثُ الغليظُ الكَفِّ وعُروقِ اليدِ، وَرُبَّمَا وُصِفَ بِهِ الأَسَدُ. والشَّرَنْبَثُ: الأَسَدُ عامَّةً. وأَسدٌ شَرَنْبَثٌ: غَلِيظٌ. وشَجَّة شَرَنْبَثة: مُنْتَفِخَةٌ مُتَقَبِّضة؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: النُّونُ والأَلف يَتَعَاوَرَانِ الاسمَ فِي مَعْنًى، نَحْوَ شَرَنْبَثٍ وشُرابثٍ، وجَرَنْفَسٍ وجُرافِس. وشَرَنْبَثٌ وشُرابِثٌ: اسْمُ رَجُلٍ.
شعث: شَعِثَ شَعَثاً وشُعوثَةً، فَهُوَ شَعِثٌ وأَشْعَثُ وشَعْثانُ، وتَشَعَّثَ: تَلَبَّد شعَرُه واغْبَرَّ، وشَعَّثْتُه أَنا تَشْعِيثاً. والشَّعِثُ: المُغْبرُّ الرأْسِ، المُنْتَتِفُ الشَّعَرِ، الحافُّ الَّذِي لَمْ يَدَّهِنْ. والتَّشَعُّثُ: التَّفَرُّقُ والتَّنَكُّثُ، كَمَا يَتَشَعَّثُ رأْسُ المِسْواك. وتَشْعِيثُ الشيءِ: تفريقهُ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنه كَانَ يَغْتَسِلُ وَهُوَ مُحْرم، وَقَالَ: إِنَّ الْمَاءَ لَا يَزِيدُهُ إِلا شَعَثاً
أَي تَفَرُّقاً، قلا يَكُونُ مُتَلَبِّداً؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثِ:
رُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَر ذِي طِمْرَيْنِ، لَا يُؤْبه لَهُ، لَوْ أَقْسَم عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّه.
وَفِي حَدِيثِ
أَبي ذَرٍّ: أَحَلَقْتُم الشَّعَثَ؟
أَي الشَّعَر ذَا الشَّعَثِ. والشَّعَثَةُ: موضعُ الشَّعْرِ الشَّعِثِ. وخيلٌ شُعْثٌ أَي غَيْرُ مُفَرْجَنَة؛ ومُفَرْجَنَةٌ: مَحْسُوسة؛ وَقَوْلُ ذِي الرُّمة:
مَا ظَلَّ، مُذْ وَجَفَتْ فِي كلِّ ظاهرةٍ، ... بالأَشْعَثِ الوَرْدِ، إِلَّا وَهْوَ مَهْمُومُ
عَنى بالأَشْعَثِ الوَرْدِ: الصَّفارَ، وَهُوَ شَوْك البُهْمى إِذا يَبسَ، وإِنما اهْتَمَّ، لَمَّا رأَى البُهْمَى هاجَتْ، وَقَدْ كَانَ رَخِيَّ البالِ، وَهِيَ رَطْبةٌ، والحافرُ كلُّه شديدُ الحُبِّ للبُهْمَى، وَهِيَ ناجعةٌ فِيهِ، وإِذا جَفَّتْ فأَسْفَتْ، تَأَذَّتِ الراعيةٌ بسَفاها. وَيُقَالُ للبُهْمَى إِذا يَبِسَ سَفاه: أَشْعَثُ. قَالَ الأَزهري: قَالَ الأَصمعي: أَساء ذُو الرُّمَّةِ فِي هَذَا الْبَيْتِ، وإِدخالُ إِلَّا هَاهُنَا قَبِيحٌ، كأَنه كَرِهَ إِدخالَ تَحْقِيقٍ عَلَى تَحْقِيقٍ، وَلَمْ يُرِد ذُو الرُّمَّةِ مَا ذَهَبَ إِليه، إِنما أَراد لَمْ يَزَلْ مِنْ مَكَانٍ إِلى مَكَانٍ يَسْتَقْري المَراتِعَ، إِلَّا وَهُوَ مَهْمُومٌ،(2/160)
لأَنه رأَى المَراعيَ قَدْ يَبِسَتْ، فَمَا ظَلَّ هَاهُنَا لَيْسَ بِتَحْقِيقٍ، إِنما هُوَ كَلَامٌ مَجْحُودٌ، فَحَقَّقَهُ بإِلَّا. والشَّعْثُ والشَّعَثُ: انتشارُ الأَمرِ وخَلَلُه؛ قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ الأَنصاريُّ:
لَمَّ الإِلهُ بِهِ شَعْثاً، ورَمَّ بِهِ ... أُمُورَ أُمَّتِه، والأَمرُ مُنْتَشِرُ
وَفِي الدُّعاء:
لَمَّ اللهُ شَعْثَه
أَي جَمَعَ مَا تَفَرَّقَ مِنْهُ؛ وَمِنْهُ شَعَثُ الرأْسِ. وَفِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ:
أَسأَلُكَ رَحْمَةً تَلُمُّ بِهَا شَعَثي
أَي تَجْمَعُ بِهَا مَا تَفَرَّقَ مِنْ أَمري؛ وَقَالَ النَّابِغَةُ:
ولَسْتَ بمُسْتَبْقٍ أَخاً، ولا تَلُمُّه ... عَلَى شَعَثٍ، أَيُّ الرجالِ المُهَذَّبُ؟
قَوْلُهُ لَا تلمُّه عَلَى شَعَثٍ أَي لَا تَحْتَمِلُهُ عَلَى مَا فِيهِ مِنَ زَللٍ ودَرْءٍ، فتَلُمُّه وتُصْلحه، وتَجْمَعُ مَا تَشَعَّثَ مِنْ أَمره. وَفِي حَدِيثِ
عَطَاءٍ: أَنه كَانَ يُجِيز أَن يُشَعَّثَ سَنَا الحَرَم، مَا لَمْ يُقْلَعْ مِنْ أَصله
، أَي يُؤْخَذَ مِنْ فُرُوعِهِ المُتَفَرِّقة مَا يَصِيرُ بِهِ أَشْعَثَ، وَلَا يستأْصله. وَفِي الْحَدِيثِ:
لَمَّا بَلَغَهُ هِجاءُ الأَعْشَى عَلْقمةَ بنَ عُلاثة العامِريَّ نَهى أَصحابَه أَن يَرْوُوا هجاءَه، وَقَالَ: إِن أَبا سُفْيَانَ شَعَّثَ مِنِّي عِنْدَ قَيْصَرَ، فرَدَّ عَلَيْهِ علقمةُ وكَذَّبَ أَبا سُفْيَانَ.
يُقَالُ: شَعَّثْتُ مِنْ فُلَانٍ إِذا غَضَضْتَ مِنْهُ وتَنَقَّصْتَه، مِن الشَّعَث، وَهُوَ انْتشارُ الأَمر؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ
عُثْمَانَ: حِينَ شَعَّثَ الناسُ فِي الطَّعْن عَلَيْهِ
أَي أَخَذُوا فِي ذَمّه، والقَدْح فِيهِ بتَشْعِيثِ عِرْضه. وتشَعَّثَ الشيءُ: تَفَرَّقَ. وتَشَعُّثُ رأْسِ المِسْواك والوَتِدِ: تَفَرُّقُ أَجزائِه، وَهُوَ مِنه. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ أَنه قَالَ لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، لَمَّا فَرَّعَ أَمْرَ الجَدِّ مَعَ الإِخوة فِي الْمِيرَاثِ: شَعِّثْ مَا كنتَ مُشَعِّثاً
أَي فَرِّقْ مَا كنتَ مُفَرِّقاً. وَيُقَالُ: تَشَعَّثه الدَّهْرُ إِذا أَخذه. والأَشْعَثُ: الوَتِدُ، صِفَةٌ غالبةٌ غَلَبَةَ الِاسْمِ، وسُمّيَ بِهِ لشَعَثِ رأْسه؛ قَالَ:
وأَشْعَثَ فِي الدارِ، ذِي لِمَّةٍ، ... يُطيلُ الحُفُوفَ، وَلَا يَقْمَلُ
وشَعِثْتُ مِنَ الطَّعام: أَكَلْتُ قَلِيلًا. والتَّشْعيثُ: التَّفْرِيقُ والتمييزُ، كانْشِعاب الأَنهار والأَغصان؛ قَالَ الأَخطل:
تَذَرَّيْتَ الذَّوائبَ مِنْ قُرَيْشٍ، ... وإِنْ شُعِثُوا، تَفَرَّعْتَ الشِّعابا
قَالَ: شُعِثُوا فُرِّقُوا ومُيِّزُوا. والتَّشْعيثُ فِي عَروضِ الخَفيفِ: ذَهابُ عَيْنِ فَاعِلَاتُنْ، فَيَبْقَى فَالَاتُنْ، فَيُنْقَلُ فِي التَّقْطِيعِ إِلى مَفْعُولُنْ، شبهوا حذف العين هاهنا بِالْخَرْمِ، لأَنها أَوَّلُ وَتِدٍ؛ وَقِيلَ: إِن اللَّامَ هِيَ السَّاقِطَةُ، لأَنها أَقرب إِلى الْآخَرِ، وَذَلِكَ أَن الْحَذْفَ إِنما هُوَ فِي الأَواخر، وَفِيمَا قَرُبَ مِنْهَا؛ قَالَ أَبو إِسحاق: وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ جَائِزٌ حَسَنٌ، إِلّا أَن الأَقيس عَلَى مَا بَلَوْنا فِي الأَوتاد مِنَ الخَرْم، أَن يَكُونَ عينُ فَاعِلَاتُنْ هِيَ الْمَحْذُوفَةُ، وقياسُ حَذْفِ اللَّامِ أَضعفُ، لأَن الأَوتاد إِنما تُحْذَفُ مِن أَوائلها أَو مِن أَواخرها؛ قَالَ: وَكَذَلِكَ أَكثر الْحَذْفِ فِي الْعَرَبِيَّةِ، إِنما هُوَ مِنَ الأَوائل، أَو مِنَ الأَواخر، وأَما الأَوساط، فإِن ذَلِكَ قَلِيلٌ فِيهَا؛ فإِن قَالَ قَائِلٌ: فَمَا تُنْكِرُ مِنْ أَن تَكُونَ الأَلف الثَّانِيَةُ مِنْ فَاعِلَاتُنْ هِيَ الْمَحْذُوفَةَ، حتى يبقى فاعلَتُن ثم تُسَكِّنَ اللَّامُ حَتَّى يَبْقَى فاعلْتن، ثُمَّ تَنْقُلَهُ فِي التَّقْطِيعِ إِلى مَفْعُولُنْ، فَصَارَ مِثْلَ فَعِلُنْ فِي الْبَسِيطِ الَّذِي كَانَ أَصله فَاعِلُنْ؟ قِيلَ لَهُ: هَذَا لَا يَكُونُ(2/161)
إِلا فِي الأَواخر، أَعني أَواخر الأَبيات؛ قَالَ: وإِنما كَانَ ذَلِكَ فِيهَا، لأَنها مَوْضِعُ وَقْفٍ، أَو فِي الأَعاريض، لأَن الأَعاريض كُلَّهَا تَتْبَعُ الأَواخر فِي التَّصْرِيعِ؛ قَالَ: فَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَلَمْ يَقُلْهُ أَحد. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالَّذِي أَعتقده مُخالَفةُ جَمِيعِهِمْ، وَهُوَ الَّذِي لَا يَجُوزُ عِنْدِي غَيْرُهُ، أَنه حُذِفَتْ أَلف فَاعِلَاتُنْ الأُولى، فَبَقِيَ فَعِلَاتُنْ، وأُسكنت الْعَيْنُ، فَصَارَ فعْلاتن، فَنُقِلَ إِلى مَفْعُولُنْ، فإِسكان الْمُتَحَرِّكِ قَدْ رأَيناه يَجُوزُ فِي حَشْوِ الْبَيْتِ، وَلَمْ نَرَ الْوَتَدَ حُذف أَوّله إِلا فِي أَوّل الْبَيْتِ، وَلَا آخرُه إِلا فِي آخِرِ الْبَيْتِ، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبي إِسحاق. والأَشْعَثُ: رجلٌ. والأَشاعِثةُ والأَشاعِثُ: مَنْسُوبُونَ إِلى الأَشْعَث، بَدَلٌ مِنَ الأَشْعَثيين، وَالْهَاءُ لِلنَّسَبِ. وشَعْثاءُ: اسْمُ امرأَة؛ قَالَ جَرِيرٌ:
أَلا طَرَقَتْ شَعْثاءُ، والليلُ دُونَها، ... أَحَمَّ عِلافِيّاً، وأَبْيَضَ ماضِيَا
قال ابن الأَعرابي: وشَعْثاء اسْمُ امرأَةِ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ. وشُعَيْث: اسْمٌ، إِما أَن يَكُونَ تَصْغِيرَ شَعَثٍ أَو شَعِثٍ، أَو تَصْغِيرَ أَشْعَثَ مُرَخَّماً؛ أَنشد سِيبَوَيْهِ:
لَعَمْرُكَ مَا أَدْري، وإِن كنتُ دَارِيًا: ... شُعَيْثُ بنُ سَهْم، أَمْ شُعَيْثُ بنُ مِنْقَرِ
وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ: شُعَيْبٌ، وهو تصحيف.
شنث: الشَّنَثُ، بِالتَّحْرِيكِ: قَلْبُ الشَّثَنِ. شَنِثَتْ يدُه شَنَثاً، فَهِيَ شَنِثةٌ، مِثْلُ شَثِنَتْ. وشَنِثَتْ مَشافرُ الْبَعِيرِ أَي غَلُظَتْ. وشَنِثَ البعيرُ شَنَثاً، فَهُوَ شَنِثٌ: غَلُظَتْ مَشافرُه، وخَشُنَتْ مِنْ أَكل العِضاهِ والشَّوْك؛ قَالَ:
واللهِ مَا أَدْري، وإِنْ أَوْعَدْتَني، ... ومَشَيْتَ بَيْن طَيالِسٍ وبَياضِ
أَبَعِيرُ شَوْكٍ، وارمٌ أَلْغادُه، ... شَنِثُ المَشافِرِ، أَم بعيرٌ غَاضِي؟
الْغَاضِي: الَّذِي يَلْزَم الغَضا، يأْكل مِنْهُ؛ يَقُولُ: لَا أَدري، أَعربيٌّ أَم عجميٌّ؟
فصل الصاد المهملة
صبث: الْفَرَّاءُ قَالَ: الصَّبْثُ تَرْقِيعُ القَمِيصِ ورَفْوُه. وَيُقَالُ: رأَيت عَلَيْهِ قَميصاً مُصَبَّثاً أَي مُرَقَّعاً.
فصل الضاد المعجمة
ضبث: ضَبَثْتُ بِالشَّيْءِ ضَبْثاً، واضْطَبَثْتُ بِهِ إِذا قَبَضْتَ عَلَيْهِ بِكَفِّكَ. والضَّبْثُ: قَبْضُك بكَفِّك عَلَى الشَّيْءِ. والضَّبْثُ: إلقاؤُك يَدَك بِجِدٍّ فِيمَا تَعْمَلُهُ؛ وَقَدْ ضَبَثَ بِهِ يَضْبِثُ ضَبْثاً. ومَضابِثُ الأَسَد: مَخالِبُه. وضُباثٌ: اسمُ الأَسَدِ، مِن ذَلِكَ؛ وَقِيلَ: ضُباثُ الأَسَدِ كالظُّفْر للإِنسان. والضَّبْثُ: الضَّرْبُ. وَقَدْ ضُبِثَ عَلَيْهِ، عَلَى صِيغَةِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. وَقَالَ شِمْرٌ: ضَبثَ بِهِ إِذا قَبَضَ عَلَيْهِ وأَخذه. وَرَجُلٌ ضُباثيٌّ أَي شديدُ الضَّبْثة أَي القَبْضةِ. وأَسدٌ ضُباثيٌّ أَي شديدُ الضَّبْثةِ أَي القَبْضة؛ وَقَالَ رؤْبة:
وَكَمْ تَخَطَّتْ مِنْ ضُباثيٍّ أَضِمْ
وَفِي حَدِيثِ
سُمَيْطٍ: أَوْحَى اللهُ تَعَالَى إِلى دَاوُدُ، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: قُلْ للملإِ مِنْ بَنِي إِسرائيل لَا يَدْعُوني، والخَطايا بَيْنَ أَضْباثِهم
أَي فِي قَبْضاتِهم. والضَّبْثَةُ: القَبْضة؛ يُقَالُ: ضَبَثْتُ عَلَى(2/162)
الشَّيْءِ إِذا قَبَضْتَ عَلَيْهِ؛ أَي هُمْ مُحْتَقِبُونَ للأَوْزار، مُحْتَمِلوها غَيْرُ مُقْلِعِين عَنْهَا؛ وَيُرْوَى بِالنُّونِ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. وَفِي حَدِيثِ المُغِيرة: فُضُلٌ ضَباثٌ أَي مُخْتالَة مُعْتَلِقَةٌ بكُلِّ شَيْءٍ مُمْسِكَة لَهُ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ؛ وَالْمَشْهُورُ: مِئْناثٌ أَي تَلِدُ الإِناثَ. وضَبَثَه بيدِه: جَسَّه. والضَّبُوثُ مِنَ الإِبل: الَّتِي يُشَكُّ فِي سِمَنِها وهُزالها، فتُضْبَثُ بِالْيَدِ أَي تُجَسُّ. والضَّبْثَة: مِنْ سِماتِ الإِبل، إِنما هِيَ حَلقة، ثُمَّ لَهَا خُطوط مِنْ وَرَائِهَا وقُدَّامها. يُقَالُ: بَعِيرٌ مَضْبُوثٌ، وَبِهِ الضَّبْثة، وَقَدْ ضَبَثْتُه ضَبْثاً؛ وَيَكُونُ الضَّبْثُ فِي الفَخِذِ فِي عُرْضِها، والله أَعلم.
ضغث: الضَّغُوثُ مِنَ الإِبل: الَّتِي يُشَكُّ فِي سَنامها، أَبه طِرْقٌ أَم لَا؟ وَالْجَمْعُ ضُغُثٌ. وضَغَثَ السنامَ: عَرَكه. وضَغَثَها يَضْغَثُها ضَغْثاً: لمَسها ليَتيَقَّنَ ذَلِكَ. وَقِيلَ: الضَّغُوثُ السَّنام المَشْكُوك فِيهِ؛ عَنْ كُرَاعٍ. والضَّغْثُ: الْتِباسُ الشَّيْءِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ. وَنَاقَةٌ ضَغُوثٌ، مِثْلُ ضَبُوثٍ: وَهِيَ الَّتِي يَضْغَثُ الضاغِثُ سَنامَها أَي يَقْبِضُ عَلَيْهِ بِكَفِّهِ، أَو يَلْمَسُه ليَنْظُرَ أَسَمِينةٌ هيَ أَم لَا؟ وَهِيَ الَّتِي يُشَكُّ فِي سِمَنها، تُضْغَثُ، أَبها طِرْقٌ أَم لَا؟ وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ: أَنه طَافَ بِالْبَيْتِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِن كَتَبْتَ عَليَّ إِثْماً أَو ضِغْثاً فامْحُه عَنِّي، فإِنك تَمْحُو مَا تَشَاءُ
قَالَ شِمْرٌ: الضِّغْثُ مِنَ الخَبرِ والأَمْر: مَا كَانَ مُخْتَلِطاً لَا حَقِيقَةَ لَهُ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: أَراد عَمَلًا مُخْتَلِطاً غيرَ خَالِصٍ، مِن ضَغَثَ الحديثَ إِذا خَلَطه، فَهُوَ فِعْلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ؛ وَمِنْهُ قِيلَ للأَحْلام المُلْتَبِسَة: أَضْغاثٌ. وَقَالَ الكِلابيُّ فِي كَلَامٍ لَهُ: كلُّ شيءٍ عَلَى سَبِيلِهِ والناسُ يَضْغَثُونَ أَشياء عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا، قِيلَ لَهُ: مَا يَضْغَثُون؟ قَالَ: يَقُولُونَ لِلشَّيْءِ حِذاءَ الشَّيءِ، وَلَيْسَ بِهِ؛ وَقَالَ: ضَغَثَ يَضْغَثُ ضَغْثاً بَتًّا، فَقِيلَ لَهُ: مَا تَعْني بِقَوْلِكَ بَتًّا؟ فَقَالَ: لَيْسَ إِلَّا هُوَ. وكلامٌ ضَغْثٌ وضَغَثٌ: لَا خَيْرَ فِيهِ، وَالْجَمْعُ أَضْغاثٌ. وَفِي النَّوَادِرِ: يُقَالُ لنُفَايةِ المالِ وضَعْفانه: ضَغاثَةٌ مِنَ الإِبل، وضَغابةٌ، وغُثاية، وغُثاثة، وقُثاثة. وأَضْغَاثُ أَحلام الرُّؤْيا: الَّتِي لَا يصحُّ تأْويلها لِاخْتِلَاطِهَا، والضِّغْثُ: الحُلْم الَّذِي لَا تأْويل لَهُ، وَلَا خَيْرَ فِيهِ، وَالْجَمْعُ أَضْغاثٌ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ*
أَي رؤْياكَ أَخلاطٌ، لَيْسَتْ برؤْيا بَيِّنةٍ، وَمَا نَحْنُ بتأْويل الأَحلام بِعَالِمِينَ أَي لَيْسَ للرُّؤْيا المختلفة عِنْدَنَا تأْويل، لأَنها لَا يصحُّ تأْويلها. وَقَدْ أَضْغَثَ الرؤْيا، وضَغَثَ الحديثَ: خَلَطَه. ابْنُ شُمَيْلٍ: أَتانا بضِغْثِ خَبرٍ، وأَضْغَاثٍ مِنَ الأَخْبارِ أَي ضُرُوبٍ مِنْهَا؛ وَكَذَلِكَ أَضْغاثُ الرؤْيا: اخْتِلاطها والتِباسُها. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَضْغَاثُ الرؤْيا أَهاوِيلُها؛ وَقَالَ غَيْرُهُ: سُمِّيَتْ أَضْغَاثَ أَحلامٍ، لأَنها مُخْتَلِطةٌ، فدَخَل بعضُها فِي بَعْضٍ، وَلَيْسَتْ كَالصَّحِيحَةِ، وَهِيَ مَا لَا تأْويل لَهُ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ: أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ
؛ هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ*. وَقَالَ غَيْرُهُ: أَضْغاثُ الأَحلام مَا لَا يَسْتَقِيمُ تأْويلهُ لدُخُول بَعْضِ مَا رأَى فِي بَعْضٍ، كأَضْغاثٍ مِنْ بُيوتٍ مختلفةٍ، يَخْتَلِطُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، فَلَمْ تَتَمَيَّزْ مَخارِجُها، وَلَمْ يَسْتَقِمْ تأْويلها. والضِّغْثُ: قَبْضَةٌ مِنْ قُضْبانٍ مُخْتَلِفَةٍ، يجمعُها أَصلٌ واحدٌ مثلُ الأَسَل، والكُرَّاثِ، والثُّمام؛(2/163)
قَالَ الشَّاعِرُ:
كأَنه، إِذ تَدَلَّى، ضِغْثُ كُرَّاث
وَقِيلَ: هُوَ دُونَ الحُزْمة؛ وَقِيلَ: هِيَ الحُزْمة مِنَ الْحَشِيشِ، والثُّدَّاء، والضَّعَةِ، والأَسَلِ، قَدْرَ القَبْضة وَنَحْوِهَا، مُخْتَلِطةَ الرَّطْبِ بِالْيَابِسِ، وَرُبَّمَا اسْتُعِيرَ ذَلِكَ فِي الشَّعَر. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الضِّغْثُ كلُّ مَا مَلأَ الكَفَّ مِنَ النَّبَاتِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ
. يُقَالُ: إِنه كَانَ حُزْمةً مِنْ أَسَلٍ، ضَرَبَ بِهَا امرأَتَه، فَبرَّتْ يمينُه. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السلام، فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ: فِيهِ ثلاثُ أَعْيُنٍ أَنْبَتَتْ بالضِّغْثِ
؛ يُرِيدُ بِهِ الضِّغْثَ الَّذِي ضَرَبَ بِهِ أَيوبُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، زوجتَه، والجمعُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ: أَضْغاثٌ. وضَغَّثَ النباتَ: جَعَله أَضْغاثاً. الْفَرَّاءُ: الضِّغْثُ مَا جَمَعْتَهُ مِنْ شيءٍ، مثلُ حُزْمةِ الرَّطْبة، وَمَا قَامَ عَلَى سَاقٍ واسْتطال، ثُمَّ جَمَعْته، فَهُوَ ضِغْثٌ. وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: كلُّ مجموعٍ مَقْبوضٍ عَلَيْهِ بجُمْعِ الكَفِّ، فَهُوَ ضِغْثٌ، وَالْفِعْلُ ضَغَثَ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ زُمَيْل: فَمِنْهُمُ الآخِذُ الضِّغْث
؛ هُوَ مِلءُ اليدِ مِنَ الحَشيش المُخْتَلِطِ؛ وَقِيلَ: الحُزْمة مِنْهُ، وَمَا أَشبهه مِنَ البُقول؛ أَراد: وَمِنْهُمْ مَنْ نَالَ مِنَ الدُّنْيَا شَيْئًا. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ الأَكوع: فأَخَذْتُ سِلاحَهم فجعلتُه ضِغْثاً
أَي حُزْمة. وَفِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ: لَأَنْ يَمْشِيَ معي صِغْثانِ مِنْ نَارٍ أَحَبُّ إِليَّ مِنْ أَن يَسْعَى غُلامي خَلْفي
أَي حُزْمتان مِنْ حَطَب، فَاسْتَعَارَهُمَا لِلنَّارِ؛ يَعْنِي أَنهما قَدِ اشْتَعَلتا وَصَارَتَا نَارًا. وضَغَّث رأْسَه: صَبَّ عَلَيْهِ الماءَ، ثُمَّ نَفَشَه، فَجَعَلَهُ أَضْغاثاً ليَصِلَ الماءُ إِلى بَشَرته. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ، رَضِيَ الله عنها: كَانَتْ تَضْغَثُ رأْسها.
الضَّغْثُ: معالجةُ شَعْرِ الرأْس بِالْيَدِ عِنْدَ الغَسْل، كأَنها تَخْلِطُ بعضَه بِبَعْضٍ، ليدخُل فِيهِ الغَسُول. والضاغِثُ «2» : الَّذِي يَخْتَبِئُ فِي الخَمَرِ، يُفَزِّعُ الصِّبْيان بصَوْتٍ يُرَدِّدُه فِي حَلْقه.
فصل الطاء المهملة
طثث: الطَّثُّ لَعِبُ الصِّبْيان، يَرْمُونَ بخَشَبةٍ مُسْتَدِيرَةٍ عَرِيضَةٍ، يُدَقَّقُ أَحدُ رأْسيها نَحْوَ القُلَةِ، يَرْمُونَ بِهَا، وَاسْمُ تِلْكَ الْخَشَبَةِ: المِطَثَّة. ابْنُ الأَعرابي: المِطَثَّة القُلَة، والمِطَثُّ: اللَّعِبُ بِهَا؛ قَالَ الأَزهري: هَكَذَا رَوَاهُ أَبو عَمْرٍو، وَالصَّوَابُ الطَّثُّ اللَّعِبُ بِهَا. اللَّيْثُ: الأَطَثُّ والطَّثُّ، لُغَتَانِ، والطَّثُّ أَكثرُ وأَصْوَبُ. والطَّثَّةُ: خُشَيْبة القالَبِ. وطَثَّ الشيءَ يَطُثُّه طَثًّا إِذا ضَرَبه بِرجلِه أَو باطِنِ كَفِّهِ، حَتَّى يُزيله عَنْ مَوْضِعِهِ؛ قَالَ يَصِفُ صَقْرًا انْقَضَّ عَلَى سِرْبٍ مِنَ الطَّيْرِ:
يَطُثُّها طَوْراً، وطَوْراً صَكَّا، ... حَتَّى يُزِيلَ، أَو يَكادَ، الفَكَّا
يُرِيدُ فَكَّ الفَمِ. وطَثْطَثَ الشيءَ: رَمَاهُ مِنْ يده قَذْفاً كالكُرَةِ.
طحث: طَحَثه يَطْحَثُه طَحْثاً: ضربه بكفه، يمانية.
طرث: الطَّرْثُ: الِاسْتِرْخَاءُ. والطُّرْثُوثُ: نبتٌ يُؤْكل؛ وَفِي الْمُحْكَمِ: نَبْتٌ
__________
(2) . قوله [والضاغث الذي إلخ] هذا هو قول الجوهري وغلط فيه، فإنه تصحيف وصوابه الضاغب، بالباء، وقد ذكره الأَزهري وغيره، أَفاده في التكملة.(2/164)
رَمْلِيٌّ طَويلٌ مُسْتَدِقٌّ كالفُطْر، يَضْرِبُ إِلى الحُمْرةِ يَيْبَسُ، وَهُوَ دباغٌ للمَعِدَةِ، واحدتُه طُرْثُوثة؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ أَيضاً: الطُّرْثُوثُ يُنَقِّضُ الأَرضَ تَنْقِيضًا، وَلَيْسَ فِيهِ شيءٌ أَطْيَبَ مِنْ سُوقَتِه، وَلَا أَحْلى، وَرُبَّمَا طَالَ، وَرُبَّمَا قَصُر، وَلَا يَخْرُجُ إِلَّا فِي الحَمْضِ، وَهُوَ ضَرْبَانِ: فَمِنْهُ حُلْوٌ، وَهُوَ الأَحمر، وَمِنْهُ مُرٌّ، وَهُوَ الأَبيض؛ قَالَ: وَقَالَ أَبو زِيَادٍ: الطَّراثِيثُ تُتَّخَذُ للأَدْوية، وَلَا يأْكلها إِلّا الجائعُ، لمَرارتها؛ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: الطُّرْثُوثُ يَنْبُتُ عَلَى طُولِ الذِّرَاعِ، لَا وَرَقَ لَهُ، كأَنه مِنْ جِنْسِ الكَمْأَة. وتَطَرْثَثَ القومُ: خَرَجُوا يَجْتَنُونَ الطَّراثِيثَ، وخَرجوا يَتَطَرْثَثُون أَي يَجْتَنُونه. قَالَ الأَزهري: الطُّرْثوثُ لَيْسَ بالرِّيباسِ الَّذِي عِنْدَنَا، ورأَيتُ الطُّرْثوثَ الَّذِي وَصَفَه الليثُ فِي الْبَادِيَةِ، وأَكَلْتُ مِنْهُ، وَهُوَ كَمَا وَصَفَه، وَلَيْسَ بالطُّرْثوثِ الحامضِ الَّذِي يَكُونُ فِي جِبَالِ خُراسان، لأَن الطُّرْثوثَ الَّذِي عِنْدَنَا، لَهُ وَرَقٌ عَرِيضٌ، مَنْبِتُه الجبالُ. وطُرْثُوثُ الْبَادِيَةِ لَا وَرَق لَهُ وَلَا ثَمَرَ، ومَنْبِتُه الرمالُ وسُهولةُ الأَرض، وَفِيهِ حلاوةٌ مُشْرَبَةٌ عُفُوصةً، وَهُوَ أَحمر، مُسْتَدِيرُ الرأْس، كأَنه ثُومةُ ذَكَرِ الرَّجُلِ. والعربُ تَقُولُ: طَراثِيثُ لَا أَرْطَى لَهَا، وذآنينُ لَا رِمْثَ لَهَا، لأَنهما لَا يَنْبُتانِ إِلَّا مَعَهُمَا، يُضْرَبانِ مَثَلًا لِلَّذِي يُسْتَأْصَلُ، فَلَا تَبْقَى لَهُ بقيةٌ، بَعْدَ مَا كَانَ لَهُ أَصلٌ وقَدْرٌ وَمَالٌ؛ وأَنشد الأَصمعي:
فالأَطْيَبانِ بِهَا الطُّرْثوثُ والضَّرَبُ
قَالَ شَمِرٌ: لَا أَعرف للرِّيباس والكَمْءِ اسْمًا عَرَبِيًّا قَالَ: وَفِي رُسْتاق نَيْسابور قريةٌ يُقَالُ لَهَا طُرْشِيزُ، وتُكْتب طُرَيْثيثُ. وَفِي حَدِيثِ
حُذَيْفَةَ: حَتَّى يَنْبُتَ اللَّحْمُ عَلَى أَجسادهم، كَمَا تَنْبُتُ الطَّراثِيثُ عَلَى وَجْهِ الأَرض
، هِيَ جَمْعُ طُرْثُوثٍ، وَهُوَ نَبْتٌ يَنْبَسِطُ عَلَى وَجْهِ الأَرض كالفُطْر.
طرمث: الطُّرْمُوثُ: الضعيفُ. والطُّرْمُوثُ: الرغِيف.
طلث: ابْنُ الأَعرابي: الطُّلْثة الرجلُ الضعيفُ الْعَقْلِ، الضعيفُ البدنِ، الجاهلُ. قَالَ: وَيُقَالُ طَلَّثَ الرجلُ عَلَى الْخَمْسِينَ، ورَمَّثَ عَلَيْهَا إِذا زَادَ عَلَيْهَا. أَبو عَمْرٍو: طَلَثَ الماءُ يَطْلُثُ طُلُوثاً إِذا سالَ؛ ووزَبَ يَزِبُ وُزُوباً، مثله.
طمث: طَمِثَت المرأَةُ تَطْمَثُ طَمْثاً، وطَمَثَتْ تَطْمُثُ، بِالضَّمِّ، طَمْثاً، وَهِيَ طامثٌ: حاضَتْ؛ وَقِيلَ: إِذا حاضَتْ أَوَّلَ مَا تَحِيضُ؛ وخصَّ اللِّحْيَانِيُّ بِهِ حَيْضَ الْجَارِيَةِ. وَفِي حَدِيثِ
عَائِشَةَ، رَضِيَ الله عَنْهَا: حَتَّى جِئْنَا سَرِفَ فطَمِثْتُ
؛ يُقَالُ: طَمِثَت المرأَةُ إِذا حَاضَتْ، فَهِيَ طامِثٌ. وطَمَثَتْ إِذا دَمِيَتْ بالاقْتِضاضِ. والطَّمْثُ: الدمُ وَالنِّكَاحُ. وطَمَثْتُ الجاريةَ إِذا افْتَرَعْتَها. والطامِثُ، فِي لُغَتِهِمْ: الحائِض. وطَمَثَها يَطْمِثُها ويَطْمُثُها طَمْثاً: اقْتَضَّها، وعَمَّ بِهِ بعضُهم الجماعَ. قَالَ ثَعْلَبٌ: الأَصلُ الحيضُ، ثُمَّ جُعل لِلنِّكَاحِ. وطَمَث البعيرَ يَطْمِثُه طَمْثاً: عَقَلَه. والطَّمْثُ: المَسُّ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ شيءٍ يُمَسُّ. وَيُقَالُ للمَرْتَعِ: مَا طَمَثَ ذَلِكَ المَرْتَعَ قبْلَنا أَحدٌ، وَمَا طَمَثَ هَذِهِ الناقةَ حَبْلٌ قَطُّ أَي مَا مَسَّها عِقالٌ. وَمَا طَمَثَ البعيرَ حَبْلٌ أَي لَمْ يَمَسَّه. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ*
؛ قِيلَ: مَعْنَاهُ لَمْ يَمْسَسْ،(2/165)
وَقَالَ ثَعْلَبٌ: مَعْنَاهُ لَمْ يَنْكِحْ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: هَذَا جَمَلٌ مَا طَمَثَه حبلٌ قَطُّ أَي لَمْ يَمَسَّه. وَمَعْنَى لَمْ يَطْمِثْهُنَّ: لَمْ يَمْسَسْهُنَّ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الطَّمْثُ الاقْتِضاضُ، وَهُوَ النِّكَاحُ بالتَّدْمية. قال: والطَّمْثُ هُوَ الدَّمُ، وَهُمَا لُغَتَانِ. طَمَثَ يَطْمُثُ، ويَطْمِثُ. والقُرّاء أَكثرهم عَلَى: لَمْ يَطْمِثْهُنّ، بِكَسْرِ الْمِيمِ. أَبو الهيثم: يقال طُمِثَتْ تُطْمَثُ أَي أُدْمِيَتْ بالاقْتضاض. وطَمِثَتْ عَلَى فَعِلَتْ إِذا حاضَتْ؛ وقولُ الْفَرَزْدَقِ:
وَقَعْنَ إِليَّ، لَمْ يُطْمَثْنَ قَبْلِي، ... فهنَّ أَصَحُّ مِنْ بَيْضِ النَّعامِ
أَي هُنَّ عذارَى غَيْرُ مُفْتَرَعاتٍ. والطَّمْثُ: الفسادُ؛ قَالَ عَدِيّ بْنُ زَيْدٍ:
طاهرُ الأَثوابِ، يَحْمِي عِرْضَه ... مِنْ خَنَى الذِّمَّةِ، أَو طَمْثِ العَطَنْ
طهث: أَبو عَمْرٍو: الطُّهْثَة الضعيفُ العقلِ، وإِن كَانَ جسمُه قوِيًّا، وَاللَّهُ أَعلم.
فصل العين المهملة
عبث: عَبِثَ بِهِ، بِالْكَسْرِ، عَبَثاً: لَعِبَ، فَهُوَ عابِثٌ: لاعِبٌ بِمَا لَا يَعْنيه، وَلَيْسَ مِنْ بالهِ. والعَبَثُ: أَن تَعْبَثَ بالشيءِ. ورجلٌ عِبِّيثٌ: عابِثٌ. والعَبْثَةُ، بِالتَّسْكِينِ: المَرَّة الْوَاحِدَةُ. والعَبَثُ: اللَّعِبُ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً؟
قَالَ الأَزهري: نَصَبَ عَبَثاً لأَنه مَفْعُولٌ لَهُ، بِمَعْنَى خَلَقْنَاكُمْ للعَبَث. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَنْ قَتَل عُصفوراً عَبَثاً.
العَبَثُ: اللَّعِبُ؛ وَالْمُرَادُ أَن يَقْتُلَ الحيوانَ لَعِباً، لِغَيْرِ قَصْدِ الأَكْل، وَلَا عَلَى جِهَةِ التَّصَيُّدِ لِلِانْتِفَاعِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه عَبَث فِي مَنَامِهِ
أَي حَرَّكَ يَدَيْهِ، كَالدَّافِعِ أَو الْآخِذِ. وعَبَثَ الأَقِطَ يَعْبِثُه عَبْثاً: جَفَّفَه فِي الشَّمس؛ وَقِيلَ: فَرَّغَه عَلَى الْيَابِسِ، ليَحْمِل يابِسُه رَطْبَه حَتَّى يُطَبَّخَ؛ وَقِيلَ: عَبَثَ الأَقِطَ يَعْبِثُه عَبْثاً: خَلَطه بِالسَّمْنِ؛ وَهِيَ العَبيثة. وعَبَثْتُ الأَقِطَ أَعْبِثُه عَبْثاً، ومِثْتُه ودُفْتُه: مثلُه، وغَبَثْتُه، بَالِغِينَ: لُغَةٌ فِيهِ. والعَبيثةُ والعَبيثُ، أَيضا: الأَقِطُ يُدَقُّ مَعَ التَّمْرِ، فيُؤْكل ويُشرب. والعبيثةُ أَيضاً: طعامٌ يُطْبَخُ، ويُجْعَلُ فِيهِ جَرَادٌ. والعَبيثةُ: البُرُّ والشَّعيرُ يُخْلَطانِ مَعًا. والعَبيثةُ: الْغَنَمُ المُخْتلِطةُ؛ يُقَالُ: مَرَرْنا عَلَى غَنَمِ بَنِي فُلانٍ عَبيثةً وَاحِدَةً أَي اخْتَلَطَ بعضُها بِبَعْضٍ. والعَبيثةُ: أَخْلاطُ الناسِ، لَيْسُوا مِنْ أَبٍ وَاحِدٍ؛ قَالَ:
عَبِيثةٌ مِنْ جُشَمٍ وبَكْرِ
وَيُرْوَى: مِنْ جُشَمٍ وجَرْمِ؛ كلُّ ذَلِكَ مشتقٌّ مِنَ العَبْث. وَرَجُلٌ عَبِيثةٌ مُؤْتَشَبٌ، وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ أَيضاً. قَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: فِي نَسَبِ بَنِي فُلَانٍ عَبيثةٌ أَي مُؤْتَشَبٌ، كَمَا يُقَالُ: جاءَ بعَبيثةٍ فِي وِعائه أَي بُرٍّ وَشَعِيرٍ قَدْ خُلِطا. والعَبِيثُ فِي لغةٍ: المَصْلُ. والعَبْثُ: الخَلْطُ، وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ تَرَفْ تَرِين. قَالَ: وَتَقُولُ إِن فُلَانًا لَفِي عَبيثةٍ مِنَ النَّاسِ، ولَوِيثةٍ مِنَ النَّاسِ، وَهُمُ الَّذِينَ لَيْسُوا مِنْ أَبٍ واحدٍ، تَهَبَّشُوا مِنْ أَماكن شَتَّى. والعَبْثُ: الخَلْطُ. والعَبْثُ: اتِّخاذُ العَبيثةِ. قَالَ أَبو صاعِدٍ الكِلابيُّ: العَبِيثةُ الأَقِطُ، يُفْرَغُ رَطْبُه حِينَ يُطْبَخُ عَلَى جافِّه، فَيُخْلَطُ بِهِ. يُقَالُ: عَبَثَتِ المرأَةُ أَقِطَها إِذا فَرَّغَتْه عَلَى المُشَرِّ اليابسِ، ليَحْمِلَ يابسُه رَطْبَه؛ يُقَالُ: ابْكُلِي واعْبِثي؛ قَالَ رؤْبة:(2/166)
وطاحتِ الأَلْبانُ والعَبائِثُ
وظلَّتِ الغنمُ عَبِيثةً وَاحِدَةً، وبَكيلةً وَاحِدَةً: وَهُوَ أَن الْغَنَمُ إِذا لَقِيَتْ غَنَماً أُخرى فدَخَلَتْ فِيهَا، اخْتَلَطَ بعضُها ببعضٍ، وَهُوَ مَثَلٌ، وأَصله مِنَ الأَقِطِ والسَّويقِ، يُبْكَلُ بالسَّمْن فيُؤْكَلُ؛ وأَما قولُ السَّعْدِيّ:
إِذا مَا الخَصِيفُ العَوْبَثَانيُّ ساءَنا، ... تَرَكْناه، واخْتَرْنا السَّدِيفَ المُسَرْهَدَا
فَيُقَالُ: إِن العَوْبَثَانيَّ دقيقٌ وسَمْنٌ وَتَمْرٌ، يُخْلَطُ بِاللَّبَنِ الحَلِيب. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هَذَا البيت لناشرَة بْنُ مَالِكٍ يَرُدُّ عَلَى المُخَبَّلِ السَّعْدِيّ، وَكَانَ المُخَبَّلُ قَدْ عَيَّرَه بِاللَّبَنِ. والخصِيفُ: اللبنُ الحليبُ، يُصَبُّ عَلَيْهِ الرائبُ؛ وَقَبْلَهُ:
وَقَدْ عَيَّرُونا المَحْضَ، لَا دَرَّ دَرُّهمْ ... وَذَلِكَ عارٌ خِلْتُه، كانَ أَمْجَدَا
فأَسْقَى الإِلهُ المَحْضَ، مَنْ كَانَ أَهْلَه، ... وأَسْقَى بَنِي سَعْدٍ سَماراً مُصَرَّدا
السَّمَارُ: اللَّبَنُ المخلوطُ بالماءِ. والمُصَرَّد: المقَلَّلُ. والعَوْبَث: مَوْضِعٌ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
بِشِعْبِ تَنْبُوكٍ وشِعْبِ العَوْبَثِ
عثث: العُثَّة والعَثَّةُ: المرأَة المَحقُورة الخَاملة، ضاوِيَّةً كَانَتْ أَو غيرَ ضَاوِيَّةٍ، وجمعُها عِثَاثٌ. وَيُقَالُ للمرأَة البَذِيَّةِ: مَا هِيَ إِلّا عُثَّة. وَقَالَ بَعْضُهُمُ: امْرَأَةٌ عَثَّةٌ، بِالْفَتْحِ، ضَئِيلَةُ الجِسْمِ. وَرَجُلٌ عَثٌّ؛ قَالَ يَصِفُ امرأَةً جَسِيمةً:
عَميمةُ ضاحِي الجِلْدِ، ليْسَتْ بعَثَّةٍ، ... وَلَا دِفْنِسٍ، يَطْبي الكِلابَ خِمارُها
الدِّفْنِسُ: البَلْهاء الرَّعْناء. وَقَوْلُهُ يَطْبي الكِلابَ خِمارُها: يُرِيدُ أَنها لَا تَتَوَقَّى عَلَى خِمارِها مِنَ الدَّسَم، فَهُوَ زَهِمٌ، فإِذا طَرَحَتْه طَبَى الكلابَ برائِحتِه. والعِثَاثُ: الأَفاعي الَّتِي يأْكل بعضُها بَعْضًا فِي الجَدْب. وَيُقَالُ للحَيَّةِ: العَثَّاءُ والنَّكْزاءُ. وعَثَّتْه الحيةٌ تَعُثُّه عَثّاً: نَفَخَتْه وَلَمْ تَنْهَشْه، فسَقَط لِذَلِكَ شَعَرُه. والعِثاثُ: رفعُ الصَّوْت بالغِناءِ والتَّرَنُّم فِيهِ. وعاثَّ فِي غِنائه مُعاثَّةً وعِثاثاً، وعَثَّثَ: رَجَّعَ؛ وَكَذَلِكَ القَوْسُ المُرِنَّةُ؛ قَالَ كُثَيِّرٌ يَصِفُ قَوساً:
هَتُوفاً، إِذا ذاقَها النازِعُون، ... سمِعْتَ لَهَا، بَعْدَ حَبْضٍ، عِثاثا
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ شِبْه تَرَنُّم الطَّسْتِ إِذا ضُرِبَ. وعَثَّه يَعُثُّه عَثًّا: رَدَّ عَلَيْهِ الكلامَ، أَو وَبَّخَه بِهِ، كعَتَّه. وَيُقَالُ: أَطْعَمَني سَويقاً حُثًّا وعُثّاً إِذا كَانَ غَيْرَ مَلْتُوتٍ بدَسَمٍ. والعُثَّةُ: السُّوسَةُ أَو الأَرَضَةُ الَّتِي تَلْحَسُ الصُّوفَ، وَالْجَمْعُ عُثٌّ وعُثَثٌ. وعَثَّت الصُّوفَ والثَوْبَ تَعُثُّهُ عَثًّا: أَكَلَتْه. وعُثَّ الصُّوفُ: أَكَلَه العُثُّ. والعُثُّ: دُويبة تأْكل الجُلودَ؛ وَقِيلَ: هِيَ دُوَيْبَّةٌ تَعْلَقُ الإِهابَ فتأْكُله، هَذَا قَوْلُ ابْنِ الأَعرابي؛ وأَنشد:
تَصَيَّدُ شُبَّانَ الرجالِ بفاحِمٍ ... غُدَافٍ، وتَصْطادينَ عُثًّا وجُدْجُدا
والجُدْجُد أَيضاً: دُوَيْبَّةٌ تَعْلَقُ الإِهابَ فتأْكله؛ وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: العُثُّ، بِغَيْرِ هَاءٍ: دَوابُّ تَقَعُ فِي الصُّوف، فدلَّ عَلَى أَن العُثَّ جَمعٌ، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يَعنيَ بالعُثِّ الواحدَ، وعَبَّر عَنْهُ بالدَّوابِّ، لأَنه جِنْسٌ مَعْنَاهُ الْجَمْعُ، وإِن كَانَ لَفْظُهُ وَاحِدًا.(2/167)
وَسُئِلَ أَعرابي عَنِ ابْنِهِ، فَقَالَ: أُعْطِيه كُلَّ يومٍ مِنْ مَالِي دانِقاً، وإِنه فِيهِ لأَسْرَعُ مِنَ العُثِّ فِي الصُّوف فِي الصَّيْفِ. والعَثْعَثُ: ظَهْرُ الكَثِيب الَّذِي لَا نَبات فِيهِ. والعَثْعَثَة: اللَّيِّنُ مِنَ الأَرض؛ وَقِيلَ: العَثْعَثُ الكَثِيبُ السَّهْلُ، أَنْبَتَ أَو لَمْ يُنْبِتْ؛ وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي لَا يُنْبِتُ خَاصَّةً، والأَوَّل الصحيحُ، لِقَوْلِ القَطَامِيّ:
كأَنَّها بيْضةٌ غَرّاءُ، خُدَّ لَهَا ... فِي عَثْعَثٍ، يُنْبِتُ الحَوْذان والعَذَما
وروايةُ أَبي حَنِيفَةَ: خُطَّ لَهَا؛ وَقِيلَ: هُوَ رَمْلٌ صَعْبٌ تَوْحَلُ فِيهِ الرِّجْلُ، فإِن كَانَ حَارًّا، أَحْرَقَ الخُفَّ، يَعْنِي خُفَّ الْبَعِيرِ، وَالْجَمْعُ: العَثاعِثُ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
أَقْفَرَتِ الوَعْساء والعَثاعِثُ
قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: العَثْعَثُ مِنْ مَكارم المَنابت. والعَثْعَثُ أَيضاً: التُّرابُ، وعَثْعَثَه: أَلقاه فِي العَثْعَثِ. وعَثْعَثَ الرجلُ بِالْمَكَانِ: أَقام بِهِ. وَيُقَالُ: عَثْعَث مَتاعَه، وحَثْحَثَه، وبَثْبَثَهُ إِذا بَذَره وفرَّقَه. وعَثْعَثَ مَتاعَه: حَرَّكَه. والعَثْعَثُ: الفَسادُ والعَثْعَثُ: الشَّدَائِدُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
ذُكِرَ لعليٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، زمانٌ، فَقَالَ: ذَاكَ زمانُ العَثاعِثِ
أَي الشدائدِ، مِن العَثْعَثَةِ والإِفساد. وَفِي الْمَثَلِ: عُثَيْثةٌ تَقْرُمُ جِلْداً أَمْلَسا؛ وَفِي حَدِيثِ
الأَحْنَفِ: بَلَغَه أَن رَجُلًا يَغْتابُه، فَقَالَ: عُثَيْثةٌ تَقْرِضُ جِلْداً أَمْلَسا
؛ عُثَيْثةٌ: تَصْغِيرُ عُثَّةٍ، وَهِيَ دُوَيْبَّة تَلْحَسُ الثيابَ والصُّوفَ، وأَكثر مَا تَكُونُ فِي الصُّوفِ، وَالْجَمْعُ: عُثَثٌ؛ يُضْرَبُ مَثَلًا لِلرَّجُلِ يَجْتَهِدُ أَن يُؤثِّرَ فِي الشيءِ، فَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَيُرْوَى: تَقْرُمُ، بِالْمِيمِ، وَهُوَ بِمَعْنَى تَقْرِضُ. وَرُبَّمَا قِيلَ لِلْعَجُوزِ: عُثَّة. وفلانٌ عُثُّ مَالٍ، كَمَا يُقَالُ: إِزاءُ مالٍ. وَفِي النَّوَادِرِ: تَعاثَثْتُ فُلَانًا وتَعالَلْتُه. وَيُقَالُ: اعْتَثَّه عِرْقُ سَوْءٍ واغْتَثَّه إِذا تَعَقَّلَه عَنْ بُلُوغ الْخَيْرِ والشَّرَف. وَبِالْمَدِينَةِ جَبَلٌ يُقَالُ لَهُ: عَثْعَثٌ، وَيُقَالُ لَهُ أَيضاً: سُلَيْع، تَصْغِيرُ سَلْعٍ، وعَثْعَثٌ: اسْمٌ، وَبَنُو عَثْعَثٍ: بَطْنٌ من خَثْعَمَ.
عدث: قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ فِي كِتَابِ الإشْتقاق: العَدْثُ سهُولة الخُلُق، وَبِهِ سُمِّيَ الرَّجُلُ. وعُدْثانُ: اسْمُ رَجُلٍ.
عرث: عَرَثَه عَرْثاً: انْتَزَعَه أَوْ دَلَكه، وَقَدْ قِيلَ: عَرَتَه، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي التاء.
عفث: فِي الْحَدِيثِ:
أَن الزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّام كَانَ أَخْضَعَ، أَشْعَرَ، أَعْفَثَ
؛ الأَعْفَثُ: الَّذِي يَنْكَشِفُ فَرْجُه كَثِيرًا، إِذا جَلَسَ؛ وَقِيلَ: هُوَ بِالتَّاءِ، بِنُقْطَتَيْنِ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ
في صفة عبدا اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: كَانَ بَخِيلًا أَعْفَثَ
؛ وَفِيهِ يَقُولُ أَبو وَجْزَةَ:
دَعِ الأَعْفَثَ المِهْذارَ يَهْذِي بشَتْمِنا، ... فنحنُ، بأَنْواعِ الشَّتِيمةِ، أَعْلَمُ
وَرُوِيَ عَنِ
ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنه كَانَ كُلَّمَا تَحَرَّكَ بَدَتْ عَوْرَتُه، فَكَانَ يَلْبَسُ تحتَ إِزاره التُّبَّانَ.
ابْنُ الأَعرابي: رَجُلٌ أَعْفَثُ لَا يُوارِي شَوارَه أَي فَرْجَه.
عكث: العَكْثُ: اجتماعُ الشيءِ والْتِئامُه. والعَنْكَثُ: نَبْتٌ مَعْرُوفٌ، وكأَن النُّونَ زَائِدَةٌ، وسيأْتي ذكره.(2/168)
علث: عَلَثَ الشيءَ يَعْلِثُه عَلْثاً، وعَلَّثه، واعْتَلَثَه: خَلَطَه. والمَعْلُوثُ، بِالْعَيْنِ: المخلوطُ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: وَقَدْ سَمِعْنَاهُ بَالْغَيْنِ مَغْلُوث، وَهُوَ مَعْرُوفٌ. وَطَعَامٌ عَلِيثٌ وغَلِيثٌ، وَيُقَالُ: فلانٌ يأْكل العَلِيثَ والغَلِيثَ، بِالْعَيْنِ وَالْغَيْنِ، إِذا كَانَ يأْكل خُبْزاً مِنْ شَعِيرٍ وحِنطَةٍ. وَكُلُّ شَيْئَيْنِ خُلِطا: فَهُمَا عُلاثَةٌ؛ وَمِنْهُ اشْتُقَّ عُلاثةُ: اسْمُ رَجُلٍ، وَهُوَ الَّذِي يَجْمَعُ مِنْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا، وَقَدْ عَلَثَ. والعَلَث: مَا خُلِطَ فِي البُرِّ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُخْرَجُ فيُرْمَى بِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا شَبِعَ أَهلُه مِنَ الخَمير العَلِيثِ
أَي الخُبْزِ المَخْبوز مِنَ الشَّعير والسُّلْتِ. والعَلْثُ والعُلاثَةُ: الخَلْطُ. والعَلَثُ والعَلِيثة: الطعامُ الْمَخْلُوطُ بِالشَّعِيرِ. والعَلْثُ: أَن تَخْلِطَ البُرَّ بِالشَّعِيرِ. أَبو زَيْدٍ: إِذا خُلِطَ البُرُّ بِالشَّعِيرِ، فَهُوَ عَلِيثٌ. وعَلَثُوا البُرَّ بِالشَّعِيرِ أَي خَلَطُوه. وَقَالَ أَبو الجَرّاح: العَلِيثُ أَن يُخْلَط الشعيرُ بالبُرِّ لِلزِّرَاعَةِ، ثُمَّ يُحْصَدانِ ويُجْمَعانِ مَعًا. والجِرْبة المَزْرَعَةُ: وأَنشد:
جَفَاهُ ذواتُ الدَّرِّ، واجْتَرَّ جِرْبةً ... عَلِيثاً، وأَعْيا دَرُّ كلِّ عَتُومِ
والعُلاثةُ: الأَقِطُ المَخْلُوطُ بِالسَّمْنِ، أَو الزيتُ المخلوطُ بالأَقِطِ. والتَّعْلِيثُ: اخْتِلاطُ النَّفْس؛ وَقِيلَ: بَدْءُ الوَجع. وقُتِلَ النَّسْرُ بالعَلْثَى، مَقْصُورًا، أَي خُلِط لَهُ فِي طَعَامِهِ مَا يَقْتُله، حَكَاهُ كُرَاعٍ مَقْصُورًا، فِي بَابِ فَعْلى، وَالْغَيْنُ فِي كُلِّ ذَلِكَ لُغَةٌ. وعَلَثَ الزَّنْدُ واعْتَلَثَ: لَمْ يُورِ واعْتاصَ، وَالِاسْمُ العُلاثُ؛ وَمِنْهُ قِيلَ: عُلاثَةُ؛ وأَنشد:
فإِني غيرُ مُعْتَلِثِ الزِّنادِ
أَي غَيْرُ صَلْدِ الزِّنادِ. واعْتَلَثَ زَنْداً: أَخذه مَنْ شَجر لَا يَدرِي أَيُوري أَم يَصْلِدُ؟ وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: اعْتَلَثَ زَنْدَه إِذا اعْتَرَضَ الشَّجرَ اعْتِرَاضًا، فاتَّخذه مِمَّا وَجَدَ، وَالْغَيْنُ لُغَةٌ عَنْهُ أَيضاً. وَفُلَانٌ يَعْتَلِثُ الزِّنادَ إِذا لَمْ يَتَخَيَّر مَنْكِحَه. والأَعْلاثُ: قِطَعُ الشَّجَرِ المُخْتَلِطَةُ مِمَّا يُقْدَحُ بِهِ، مِن المَرْخِ واليَبيسِ. والمُعْتَلِثُ مِنَ السِّهَامِ: الَّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ. واعْتَلَثَ السهمَ: أَخَذَه مِنْ عُرْضِ الشَّجَرِ. واعْتَلَثه أَيضاً: لَمْ يُحْكِمْ صَنْعَته. والعَلْثُ: الطَّرْفاء، والأَثْلُ، والحاجُ، واليَنْبُوتُ، والعِكْرِشُ، وَالْجَمْعُ أَعْلاثٌ، وَحَكَاهُ أَبو حَنِيفَةَ بِالْغَيْنِ مُعْجَمَةً. وعَلِثَ بِهِ عَلَثاً: لَزِمَهُ. ورجلٌ عَلِثٌ: مُلازم لِمَنْ يُطالِبُ فِي قِتَالٍ أَو غَيْرِهِ. والعَلَثُ، بِالتَّحْرِيكِ: شِدَّة الْقِتَالِ، واللزومُ لَهُ، بِالْعَيْنِ وَالْغَيْنِ جَمِيعًا. وعَلِثَ الذئبُ بِالْغَنَمِ: لَزِمَها يَفْرِسُها. وعَلِثَ القومُ عَلَثاً: تَقاتَلُوا. وعَلِثَ بعضُ الْقَوْمِ بِبَعْضٍ. ورجلٌ عَلِثٌ: ثَبْثٌ فِي الْقِتَالِ. وعُلاثة: اسْمُ رَجُلٍ مِنْ بَنِي الأَحْوَصِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ.
عنث: العُنْثَةُ والعَنْثَةُ والعِنْثَةُ والعُنْثُوَةُ والعَنْثُوَةُ: كلُّ ذَلِكَ يَبيسُ الحَلِيِّ خاصَّةً إِذا اسْوَدَّ وبَلِيَ، وَالْجَمْعُ عِناثٌ وعَناثٍ. قَالَ الأَزهري: عَنَاثي الحَلِيِّ ثَمَرَتُه إِذا ابْيَضَّت ويَبِسَتْ قبل أَني تَسْوَدَّ وتَبْلَى، هَكَذَا سَمِعْتُهُ مِنَ الْعَرَبِ. وشَبَّهَ الراجزُ بياضَ لِمَّتِه ببياضِها بَعْدَ الشَّيْبِ؛ فَقَالَ:
عَلَيْهِ مِنْ لِمَّتِهِ عِنَاثُ(2/169)
وَيُرْوَى عَناثي: جَمْعُ عَنْثُوَة.
عنبث: عَنْبَثٌ: شُجَيرة زَعَمُوا، وليس بِثَبَتٍ.
عنكث: العَنْكَثُ: ضَرْبٌ مِنَ النَّبْت؛ قَالَ:
وعَنْكَثاً مُلْتَبِدا
قَالَ ابْنُ الأَعرابي: هُوَ شَجَرٌ يَشْتَهيه الضَّبُّ، فيَسْحَجُها بِذَنَبِه حَتَّى تَحَاتَّ، فيأْكلَ المُتَحاتَّ. وَمِمَّا وَضَعُوه عَلَى أَلسنة الْبَهَائِمِ: أَن السمكةَ قالتْ للضَّبِّ: وِرْداً يَا ضَبُّ فَقَالَ لَهَا الضَّبُّ:
أَصْبَحَ قَلْبي صَرِدَا، ... لَا يَشْتَهي أَن يَرِدَا،
إِلا عَراداً عَرِدا، ... وصِلِّياناً بَرِدَا،
وعَنْكَثاً مُلْتَبِدا
أَراد: عَنْكَثاً وَبَارِدًا. وَحَكَى ابْنُ بَرِّيٍّ هَذَا الْمَثَلَ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ، قَالَ: وَمِمَّا تَحْكِيهِ الْعَرَبُ عَلَى أَلسنة الْبَهَائِمِ، قَالَ: اخْتَصَمَ الضَّبُّ والضِّفْدَعُ، فَقَالَتِ الضِّفْدَعُ: أَنا أَصبَرُ منكَ عَلَى الْمَاءِ، فَقَالَ الضَّبُّ: أَنا أَصبر منكِ، فَقَالَتِ الضِّفْدَعُ: تَعالَ حَتَّى نَرْعَى، فنَعْلَم أَيُّنا أَصْبَرُ؛ فرَعيا يومَهما، فاشْتَدَّ عَطَشُ الضِّفْدَع، فجعلتْ تَقُولُ: وِرْداً يَا ضَبُّ فَقَالَ الضَّبُّ: أَصْبَح قَلْبي صَرِدا؛ الأَبيات. والعَنْكَثُ: اسْمُ مَوْضِعٍ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
هَلْ تَعْرِفُ الدَّارَ عَفَتْ بالعَنْكَثِ؟ ... دارٌ لِذاكَ الشَّادِنِ المُرَعَّثِ
عوث: العَوِيثة: قُرْصٌ يُعالَج مِنَ البَقْلة الحَمْقاءِ بزَيْتٍ. قَالَ الأَزهري فِي نَوَادِرِ الأَعراب: عَوَّثَني فلانٌ عَنِ أَمر كَذَا، تَعْويثاً: ثَبَّطَني عَنْهُ. وتَعَوَّثَ القوْمُ تَعَوُّثاً إِذا تَحَيَّرُوا. وَتَقُولُ: عَوَّثَني حَتَّى تَعَوَّثْتُ أَي صَرَفَني عَنْ أَمري حَتَّى تَحَيَّرْتُ. وَتَقُولُ: إِنَّ لِي عَنْ هَذَا الأَمْرِ لَمَعاثاً أَي مَنْدوحةً أَي مَذْهَباً ومَسْلَكاً. وَتَقُولُ: وَعَّثْتُه عَنْ كَذَا، وعَوَّثتُه أَي صَرَفْتُه.
عيث: العَيْثُ: مصدرُ عاثَ يَعِيثُ عَيْثاً وعُيوثاً وعَيَثاناً: أَفْسَدَ وأَخَذ بِغَيْرِ رِفْقٍ. قَالَ الأَزهري: هُوَ الإِسْراعُ فِي الفَساد. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ: كِسرى وقَيصَرُ يَعِيثانِ فِيمَا يعيثانِ فِيهِ، وأَنتَ هَكَذَا؟
هُوَ مِنْ عاثَ فِي مَالِهِ إِذا بَذَّرَه وأفْسَده. وأَصلُ العَيْثِ: الْفَسَادُ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: عَثَى لغةُ أَهل الْحِجَازِ، وَهِيَ الْوَجْهُ، وعاثَ لغةُ بَنِي تَمِيمٍ؛ قال: وهم يقولون ولا تَعِيثُوا فِي الأَرض. وَفِي حَدِيثِ الدَّجَّالِ:
فعاثَ يَميناً وشِمالًا.
وَحَكَى السِّيرَافِيُّ: رَجُلٌ عَيْثانُ مُفْسِدٌ، وامرأَة عَيْثَى. وَقَدْ مَثَّل سِيبَوَيْهِ بِصِيغَةِ الأُنثى، وَقَالَ: صَحَّتِ الياءُ فِيهَا لِسُكُونِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا. والذئبُ يَعِيثُ فِي الغَنم، فَلَا يأْخذ مِنْهَا شَيْئًا إِلّا قَتَلَه؛ وَيُنْشِدُ لِكُثَيِّرٍ:
وذِفْرَى كَكاهِلِ ذِيخِ الخَليفِ، ... أَصابَ فَرِيقةَ لَيْلٍ، فَعاثا
وعاثَ الذئبُ فِي الغَنم: أَفْسَدَ. وَعَاثَ فِي مَالِهِ: أَسْرَع إِنْفاقَه. وعَيَّثَ فِي السَّنام بِالسِّكِّينِ: أَثَّر؛ قَالَ:
فعَيَّثَ فِي السَّنامِ، غَداةَ قُرٍّ، ... بسِكِّينٍ مُوَثَّقةِ النِّصابِ
والتَعْيِيثُ: إِدخالُ الْيَدِ فِي الكِنانة يَطْلُب سَهْماً؛ قَالَ أَبو ذؤَيب:
وبَدا لَهُ أَقْرابُ هَذَا رَائِغًا ... عَنْهُ، فعَيَّثَ فِي الكِنانَةِ، يُرْجِعُ(2/170)
والتَّعْيِيثُ: طَلَبُ الشيءِ بِالْيَدِ، مِن غَيْرِ أَن تُبْصِرَه؛ قَالَ ابنُ أَبي عَائِذٍ:
فعَيَّثَ ساعةَ أَقْفَرْنَه ... بالإِيفاقِ والرَّمْيِ، أَو باسْتِلالْ
أَبو عَمْرٍو: العَيْثُ أَن تَرْكَبَ الأَمرَ، لَا تُبالي علامَ وقَعْتَ؛ وأَنشد:
فعِثْ فِيمَنْ يَليكَ بِغَيْرِ قَصْدٍ، ... فإِني عائثٌ فِيمَنْ يَلِيني
والتَّعْييثُ: طَلَبُ الأَعمى الشيءَ، وَهُوَ أَيضاً طَلَبُ المُبْصِرِ إِياه فِي الظُّلمة، وَعِنْدَ كُرَاعٍ: التَّغْييثُ، بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ. وأَرض عَيْثةٌ: سَهْلة. وإِذا كَانَتِ الأَرضُ دَهِسةً، فَهِيَ عَيْثةٌ. قَالَ أَبو عَمْرٍو: العَيْثةُ الأَرضُ السَّهلة؛ قَالَ ابْنُ أَحمر الْبَاهِلِيُّ:
إِلى عَيثةِ الأَطْهارِ، غَيَّرَ رَسْمَها ... بَناتُ البِلى، مَن يُخْطِئِ المَوتُ يَهرَمِ
والعَيْثةُ: أَرضٌ عَلَى القِبلة مِنَ العامريَّة؛ وَقِيلَ: هِيَ رَملٌ مِنْ تَكْريتَ؛ وَيُرْوَى بَيْتُ القَطامِيِّ:
سَمِعْتُها، ورِعانُ الطَّوْدِ مُعْرِضةٌ ... مِنْ دُونها، وكَثيبُ العَيْثةِ السَّهْلُ
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: والأَعْرَفُ: وكثيبُ الغَيْثةِ. الأَصمعي: عَيْثةُ بَلَدٌ بالشُّرَيفِ؛ وَقَالَ المُؤَرِّجُ: العَيْثةُ بالجزيرة.
فصل الغين المعجمة
غبث: غَبَثَ الشيءَ يَغْبِثُه غَبْثاً: خَلَطَهُ، لُغَةٌ فِي عَبَثَ. والغَبيثة: سَمِنٌ يُلَتُّ بأَقِطٍ؛ وَقَدْ غَبَثه يَغْبِثُه غَبْثاً. قَالَ الْفَرَّاءُ: غَبَثْتُ الأَقِطَ أَغْبِثُه غَبْثاً. وَقَالَ إِبراهيم، كاتِبُ أَبي عُبَيْدٍ: قَرَأْتُه عَلَى أَبي عُبَيدٍ ثَانِيًا، فَقَالَ بِالْعَيْنِ: عَبَثْتُ، وَقَالَ: رَجَعَ الْفَرَّاءُ إِلى الْعَيْنِ. قَالَ الأَزهري: رَوَى ابْنُ السِّكِّيتِ هَذَا الْحَرْفُ عَنْ أَبي صاعدٍ: العَبِيثةُ، بِالْعَيْنِ، فِي الأَقِطِ يُفْرَغُ رَطْبُه عَلَى جافِّهِ، حَتَّى يَخْتَلِطَ، قَالَ: وَهُمَا عِنْدِي لُغَتَانِ، بِالْغَيْنِ وَالْعَيْنِ، صَحِيحَتَانِ. والغَبيثةُ: طَعام يُطْبَخُ ويُجْعَل فِيهِ جَرادٌ، وَهُوَ الغثيمةُ أَيضاً. وغَنمٌ غبيثةٌ: مُخْتَلِطَةٌ. والأَغْبَثُ: لَوْنٌ إِلى الغُبْرة، وَهُوَ قَلْبُ الأَبْغَث، وَقَدِ اغْبَثَّ اغبِثاثاً.
غثث: الغَثُّ: الرديءُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. ولَحْمٌ غَثٌّ وغَثيثٌ بَيِّنُ الغُثوثةِ: مَهْزولٌ. غَثَّ يَغِثُّ ويَغَثُّ غَثاثة وغُثُوثةً، وغَثَّتِ الشاةُ: هُزِلَتْ، فَهِيَ غَثَّةٌ، وَكَذَلِكَ أَغَثَّتْ. وأَغَثَّ الرجلُ اللحمَ: اشْتَرَاهُ غَثّاً. وَفِي الْمُحْكَمِ: أَغَثَّ اشْتَرَى لَحْماً غَثيثاً. وَرَجُلٌ غَثٌّ وغُثٌّ: رديءٌ. وَقَدْ غَثِثْتَ فِي خُلُقِك وَحَالِكَ، غَثاثة وغُثُوثةً: وَذَلِكَ إِذا ساءَ خُلُقه وحالُه. وَقَوْمٌ غَثَثَةٌ وغِثَثةٌ. وكلامٌ غَثٌّ: لَا طَلاوةَ عَلَيْهِ. قَالَ
ابْنُ الزُّبَيْرِ للأَعراب: وَاللَّهِ إِن كلامَكم لَغَثٌّ، وإِن سلاحَكم لَرَثٌّ، وإِنكم لَعِيالٌ فِي الجَدْب، أَعداء فِي الخِصْبِ
وأَغَثَّ حديثُ الْقَوْمِ وغَثَّ: فَسَد ورَدُؤَ. وأَغَثَّ فِي مَنْطِقه. التَّهْذِيبُ: أَغَثَّ فلانٌ فِي حَدِيثِهِ إِذا جَاءَ بِكَلَامٍ غَثٍّ، لَا مَعْنَى لَهُ. ابْنُ سِيدَهْ: والغُثَّة الشيءُ اليسيرُ مِنَ المَرْعى؛ وَقِيلَ: هِيَ البُلْغةُ مِنَ العَيْش، كالغُفَّةِ. واغْتَثَّت الخيلُ: أَصابتْ شَيْئًا مِنَ الرَّبِيعِ، كاغْتَفَّتْ. وَهِيَ الغُفَّة(2/171)
والغُثَّة، جَاءَ بِهِمَا بِالْفَاءِ وَالثَّاءِ؛ قَالَ: وَغَيْرُهُ يُجِيز الغُبَّة بِهَذَا الْمَعْنَى. الأُمويُّ: غَثَّثَت الإِبلُ تَغْثِيثاً، ومَلَّحَتْ تَمْلِيحًا إِذا سَمِنَتْ قَلِيلًا قَلِيلًا. وَقَالَ أَبو سَعِيدٍ: أَنا أَتَغَثَّثُ مَا أَنا فِيهِ حَتَّى أَسْتَسْمِنَ؛ أَي أَسْتَقِلُّ عَمَلي، لآخُذَ بِهِ الكثيرَ من النواب. وَفِي حَدِيثِ
أُم زَرْعٍ: زَوجي لَحْمُ جملٍ غَثٍ
أَي مَهْزول؛ وَفِي حَدِيثِهَا أَيضاً:
وَلَا تُغِثُّ طَعامَنا تَغْثِيثاً
أَي لَا تُفْسده. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لابْنه عليٍّ: الْحَقْ بابنِ عَمّك، يَعْنِي عبدَ الملك، فغَثُّكَ خيرٌ مِنْ سَمين غيرِك.
وغَثِيثَةُ الجُرْح: مِدَّته، وقَيْحه، ولَحْمُه المَيِّتُ؛ وَقَدْ غَثَّ الجُرْحُ يَغَثُّ ويَغِثُّ غَثّاً وغَثِيثاً، وأَغَثَّ يُغِثُّ إِغْثاثاً إِذا سالَ ذَلِكَ مِنْهُ. واسْتَغَثَّه صاحبُه إِذا أَخرجه مِنْهُ وَدَاوَاهُ؛ قَالَ:
وكنتُ كآسِي شَجَّةٍ يَسْتَغِثُّها
وأَغَثَّ أَيضاً أَي أَمدّ. وَمَا يَغِثُّ عَلَيْهِ أَحدٌ غَثاثَته أَي مَا يُفْسِدُ، وَمَا يَغِثُّ عَلَيْهِ أَحدٌ إِلَّا سأَله أَي مَا يَدَعُ. التَّهْذِيبُ: يُقَالُ مَا يَغِثُّ عَلَيْهِ أَحدٌ أَي مَا يَدَعُ أَحداً إِلَّا سأَله. وَيُقَالُ: لَبِسْتُه عَلَى غَثِيثَةٍ فِيهِ أَي عَلَى فسادِ عَقْلٍ. وفلانٌ لَا يَغَثُّ [يَغِثُ] عَلَيْهِ شيءٌ أَي لَا يقولُ فِي شَيْءٍ إِنه رَدِيءٌ فيَتْرُكه. ورأَيتُ فِي حَوَاشِي بَعْضِ نُسَخِ الصِّحَاحِ بِخَطِّ بَعْضِ الأَفاضل: الغَثْغثةُ القتال.
غرث: الغَرَثُ: أَيْسَرُ الْجُوعِ؛ وَقِيلَ: شِدَّتُه؛ وَقِيلَ: هُوَ الجوعُ عامَّةً. غَرِثَ، بِالْكَسْرِ، يَغْرَثُ غَرَثاً، فَهُوَ غَرِثٌ وغَرْثانُ، والأُنثى غَرْثى وغَرْثانة؛ وَفِي شِعْرِ حَسَّانَ فِي عَائِشَةَ:
وتُصْبِحُ غَرْثى مِنْ لحُوم الغَوافل
وَالْجَمْعُ: غَرْثى، وغَراثى، وغِراثٌ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: أَبيتُ مِبْطاناً، وحَوْلي غَرْثى.
وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: هُوَ غَرْثانُ إِذا أَردتَ الحالَ، وَمَا هُوَ بغارِثٍ بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ أَي أَنه لَا يَغْرَثُ؛ قَالَ: وَكَذَلِكَ يُقَالُ فِي هَذِهِ الْحُرُوفِ وَمَا أَشبهها. وغَرَّثَه: جَوَّعَه. وَفِي حَدِيثِ
أَبي خَثْمة عِنْدَ عُمَرَ يَذُمُّ الزَّبِيبَ: إِن أَكلتُه غَرِثْتُ
؛ وَفِي رِوَايَةٍ:
وإِن أَتْرُكْه أَغْرَثْ
أَي أَجوعُ، يعني أَنه لَا يَعْصِمُ مِنَ الجُوعِ عِصْمَةَ التَّمْر. وامرأَةٌ غَرْثى الوِشاح: خَميصةُ البَطْن، دقيقةُ الخَصْر. ووشاحٌ غَرثانُ: لا يملأُه الخَصْرُ، فكأَنه غَرْثانُ؛ قَالَ:
وأَكراسَ دُرٍّ، ووُشْحاً غَراثى
وَفِي الْحَدِيثِ:
كلُّ عَالِمٍ غَرْثانُ إِلى عِلْم
أَي جائعٌ. والتَّغْريثُ: التَّجْويع. يُقَالُ: غَرَّثَ كلابَه، جَوَّعَها.
غلث: الغَلْثُ: الخَلْطُ؛ وَفِي الْمُحْكَمِ: الغَلْثُ خَلطُ البُرِّ بِالشَّعِيرِ أَو الذُّرة؛ وعَمَّ بِهِ بعضُهم. غَلَثَه يَغْلِثُه، بِالْكَسْرِ، غَلْثاً، فَهُوَ مَغْلُوثٌ، وغَلِيثٌ، واغْتلَثه؛ وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا كَانَ يأْكُلُ السَّمْنَ مَغْلُوثاً إِلّا بإِهالَةٍ، وَلَا البُرَّ إِلَّا مَغْلوثاً بِالشَّعِيرِ.
وفلانٌ يأْكل الغَلِيثَ. والغَلِيثُ: الخُبْز المخلوطُ مِنَ الحِنْطة وَالشَّعِيرِ. والغَلَثُ: المَدَرُ والزُّؤَانُ، وَقَدْ ذُكِرَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ؛ والمَغْلُوثُ والغِليثُ والمُغَلَّثُ: الطعامُ الَّذِي فِيهِ المَدَرُ والزُؤَانُ. والغَلِيثُ: مَا يُسَوَّى للنَّسْر من لَحْم وغيره،(2/172)
ويُجْعَل فِيهِ السَّمُّ، فيؤْخذ إِذا ماتَ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
كَمَا يُسَقَّى الهَوْزَبُ الأَغْلاثا
والهَوْزَبُ: النَّسْرُ المُسِنُّ. والغَلْثى: مِن الطَّيْرِ؛ وَقِيلَ: الغَلْثى اسْمُ شَجَرَةٍ إِذا أُطْعِمَ ثمَرَها السباعُ، قَتَلَتْها؛ قَالَ أَبو وَجْزة:
كأَنها غَلْثى مِن الرُّخْمِ تَدِفْ
وقُتِلَ النَّسْرُ بالغَلْثى، والغَلْثى، مقصورٌ، عَلَى مِثَالِ السَّلْوى، عَنْ كُرَاعٍ: وَهُوَ طَعَامٌ يُخْلَط لَهُ فِيهِ سَمٌّ، فيأْكله فيَقْتُله، فيؤْخذ رِيشُه، فتُراشُ بِهِ السِّهامُ. التَّهْذِيبُ: الغَلِيثُ الطعامُ المخلوطُ بِالشَّعِيرِ، فإِن كَانَ فِيهِ مَدَرٌ، أَو زُؤَانٌ، فَهُوَ المَغْلُوثُ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: المَعْلُوثُ، بِالْعَيْنِ: الْمَخْلُوطُ؛ وَقَالَ غَيْرُهُ: وَقَدْ سَمِعْنَاهُ، بَالْغَيْنِ، مَغْلُوثٌ؛ وَقَالَ لَبِيدٌ:
مَشْمُولةٌ غُلِثَتْ بنابِتِ عَرْفَج، ... كدُخانِ نارٍ، ساطِعٍ أَسْنامُها
وغَلِثَ الزَّنْدُ غَلَثاً، وأَغْلَثَ: لَمْ يُورِ. واغْتَلَثْتُ الزَّنْدَ: انْتَجَيْتَه مِنْ شَجَرَةٍ لَا تَدري أَيُوري أَم لَا؟ قَالَ حَسَّانُ:
مَهاجِنةٌ، إِذا نُسِبُوا، عَبِيدٌ، ... عَضاريطٌ، مَغالِثةُ الزِّنادِ
أَي رِخْوُ الزِّنادِ، وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ. وغَلْثُ الحُلْم: شَيْءٌ تَراه فِي النَّوْم مِمَّا لَيْسَ برُؤْيا صادقةٍ. والمُغْلِثُ: المُقارِب مِنَ الوَجَع، لَيْسَ يُضْجِعُ صاحبَه، ولا يُعْرقُ. وسِقاءٌ مَغْلُوث: دُبِغ بِالتَّمْرِ أَو البُسْر. والغَلِثُ: الشديدُ الْقِتَالِ اللَّزُومُ لِمَنْ طالَبَ أَو مارَسَ. والغَلَثُ، بِالتَّحْرِيكِ: شِدَّة الْقِتَالِ. وغَلِثَ بِهِ غَلَثاً: لزِمه وَقَاتَلَهُ. وَرَجُلٌ غَلِثٌ ومُغالِثٌ: شديدُ الْقِتَالِ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
إِذا اسْمَهَرَّ الحَلِسُ المُغالِثُ
اسْمَهَرَّ: اشْتَدَّ. والحَلِسُ: الَّذِي لَا يُبارحُ قِرْنَه. والمُغالِثُ: المُلازِمُ لَهُ. وَقَالَ مُبْتَكِرٌ: فلانٌ يَتَغَلَّثُ بِي أَي يَتَوَلَّعُ بِي. وغَلِثَ الذئبُ بغَنَم فُلَانٍ: لَزِمَها يَفْرِسُها. وغَلِثَ الطائرُ: هاعَ ورَمى مِنْ حَوْصَلَتِه بِشَيْءٍ كَانَ اسْتَرَطَه. واغْتَلَثَ لِلْقَوْمِ غُلْثةً: كذَبَ لَهُمْ كَذِباً نَجا بِه. وَذَكَرَ أَبو زِيَادٍ الكِلابيُّ ضُروباً مِنَ النَّبَاتِ فَقَالَ: إِنها مِنَ الأَغْلاثِ، مِنْهَا: العِكْرِشُ، والحَلْفاء، والحاجُ، واليَنْبوتُ، والغافُ، والعِشْرِقُ، والقَبا، والسَّفا، والأَسَلُ، والبَرْدِيُّ، والحَنْظَلُ، والتَّنُّومُ، والخِرْوَعُ، والراءُ، واللَّصَفُ؛ قَالَ: والأَغْلاثُ مأْخوذٌ مِنَ الغَلْثِ، وَهُوَ الخَلْطُ.
غنث: غَنِثَ غَنَثاً: شَرِبَ، ثُمَّ تَنَفَّس؛ قَالَ:
قالتْ لَهُ: باللهِ، يَا ذَا البُرْدَيْن، ... لَمَّا غَنِثْتَ نَفَساً، أَو اثْنَيْن
قَالَ الشَّيْبَانِيُّ: الغَنَثُ هَاهُنَا كِنَايَةٌ عَنِ الْجِمَاعِ؛ وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: إِنما هُوَ غَنَثَ يَغْنِثُ غَنْثاً؛ وأَنشد هَذَا الْبَيْتَ:
لَمَّا غَنَثَتْ نَفَساً، أَو اثْنين
وَفِي التَّهْذِيبِ: غَنِثَ مِنَ اللَّبَنِ يَغْنَثُ غَنَثاً، وَهُوَ أَن يَشْرَبَ اللبنَ، ثُمَّ يَتَنَفَّسَ. يُقَالُ: إِذا شَرِبْتَ، فاغْنَثْ، وَلَا تَعُبَّ؛ والعَبُّ: أَن تَشْرَبَ وَلَا(2/173)
تَتَنَفَّسَ. وَيُقَالُ: غَنِثْتُ فِي الإِناء نَفَساً، أَو نَفَسَين. والتَّغَنُّثُ: اللُّزوم؛ وأَنشد:
تَأَمَّلْ صُنْعَ رَبِّكَ غَيْرَ شَرٍّ، ... زَماناً، لَا تُغَنِّثْكَ الهُمومُ
وتَغَنَّثه الشيءُ: لَزِقَ بِهِ؛ قَالَ أُمية بْنُ أَبي الصَّلْت:
سَلامَكَ رَبَّنا، فِي كُلِّ فَجْرٍ ... بَريئاً، مَا تَغَنَّثُكَ الذُّمُومُ
أَي مَا تَلْزقُ بِكَ، وَلَا تَنْتَسِبُ إِليك. وغَنِثَتْ نَفْسُه غَنَثاً إِذا لَقِسَتْ، قَالَ الأَزهري: وَلَمْ أَسمع غَنِثَتْ، بِمَعْنَى لَقِسَتْ، لِغَيْرِهِ. وتَغَنَّثه الشيءُ: ثَقُلَ عَلَيْهِ. أَبو عَمْرٍو: الغُنَّاثُ الحَسَنُو الْآدَابِ فِي الشُّرْب والمُنادمة.
غوث: أَجابَ اللهُ غَوْثاه وغُواثَه وغَواثَه. قَالَ: وَلَمْ يأْت فِي الأَصوات شَيْءٌ بِالْفَتْحِ غَيْرُهُ، وإِنما يأْتي بِالضَّمِّ، مِثْلُ البُكاء والدُّعاء، وَبِالْكَسْرِ، مِثْلُ النِّداءِ والصِّياحِ؛ قَالَ الْعَامِرِيُّ:
بَعَثْتُكَ مائِراً، فلَبِثْتَ حَوْلًا، ... مَتى يأْتي غَواثُك مَنْ تُغِيثُ «3»
؟ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْبَيْتُ لِعَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدَ بْنَ أَبي وقَّاص؛ قَالَ: وَصَوَابُهُ بَعَثْتُك قابِساً؛ وَكَانَ لِعَائِشَةَ هَذِهِ مَوْلىً يُقَالُ لَهُ فِنْدٌ، وَكَانَ مُخَنَّثاً مِنْ أَهل الْمَدِينَةِ، بعَثَتْه لِيَقْتَبِسَ لَهَا نَارًا، فَتَوَجَّهُ إِلى مِصْرَ، فأَقام بِهَا سَنَةً، ثُمَّ جاءَها بِنَارٍ، وَهُوَ يَعْدُو، فَعَثَر فتَبَدَّد الجَمْرُ، فَقَالَ: تَعِسَتِ العَجلة فَقَالَتْ عَائِشَةُ: بعَثْتُكَ قابِساً «4» ؛ وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ فِي ذَلِكَ:
مَا رأَينا لغُرابٍ مَثَلا، ... إِذ بَعَثْناهُ، يَجي بالمِشْمَلَه
غيرَ فِنْدٍ، أَرْسَلوه قَابِسًا، ... فَثَوى حَوْلًا، وسَبَّ العَجلَه
قَالَ الشَّيْخُ: الأَصل فِي قَوْلِهِ يَجِي يَجِيءُ، بِالْهَمْزِ، فَخَفَّفَ الْهَمْزَةَ لِلضَّرُورَةِ. والمِشْمَلَةُ: كِساء يُشْتَملُ بِهِ، دُونَ القَطِيفة. وَحَكَى ابْنُ الأَعرابي: أَجابَ اللهُ غِياثَه. والغُواث، بِالضَّمِّ: الإِغاثةُ. وغَوَّثَ الرجلُ، واسْتَغاثَ: صاحَ وا غَوْثاه والاسمُ: الغَوْث، والغُواثُ، والغَواثُ. وَفِي حَدِيثِ
هاجَرَ، أُمّ إِسمعيلَ: فَهَلْ عِندَك غَواثٌ؟
الغَواثُ، بِالْفَتْحِ، كالغِياثِ، بِالْكَسْرِ، مِن الإِغاثة. وَفِي الْحَدِيثِ:
اللَّهُمَّ أَغِثْنا
، بِالْهَمْزَةِ، مِنَ الإِغاثة؛ وَيُقَالُ فِيهِ: غاثَه يَغِيثُه، وَهُوَ قَلِيلٌ؛ قَالَ: وإِنما هُوَ مِن الغَيْثِ، لَا الإِغاثة. واسْتغاثَني فلانٌ فأَغَثْتُه، وَالِاسْمُ الغِياثُ، صَارَتِ الْوَاوُ يَاءً لِكَسْرَةِ مَا قَبْلَهَا. وَتَقُولُ: ضُرِبَ فلانٌ فَغَوَّثَ تَغْويثاً إِذا قال: وا غَوْثاه قَالَ الأَزهري: وَلَمْ أَسمع أَحداً يَقُولُ: غَاثَهُ يغُوثُه، بِالْوَاوِ. ابْنُ سِيدَهْ: وغَوَّث الرجلُ واستغاثَ: صاحَ وا غَوْثاه وأَغاثه اللهُ، وغاثَه غَوْثاً وغِياثاً، والأُولى أَعلى. التَّهْذِيبُ: والغِياثُ مَا أَغاثَك اللهُ بِهِ. وَيَقُولُ الْوَاقِعُ فِي بَلِيَّة: أَغِثْني أَي فَرِّجْ عَنِّي. وَيُقَالُ: اسْتَغَثْتُ فُلَانًا، فَمَا كَانَ لِي عِنْدَهُ مَغُوثة وَلَا غَوْثٌ أَي إِغاثة؛ وغَوْثٌ: جائزٌ، فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ، أَن يُوضَعَ اسم مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ مِن أَغاث. وغَوْثٌ، وغِياثٌ، ومُغِيثٌ: أَسماء. والغَوْثُ: بَطْنٌ مِنْ طَيِّئ. وغَوْثٌ: قَبِيلَةٍ مِنَ الْيَمَنِ، وَهُوَ غَوْثُ بنُ أُدَدِ بْنُ زَيْدِ بْنِ كهلانَ بْنِ سَبَأَ. التهذيب:
__________
(3) . قوله [متى يأْتي غواثك] كذا في الصحاح والذي في التهذيب: متى يرجو.
(4) . البيت(2/174)
وغَوْثٌ حيٌّ مِنَ الأَزْد؛ وَمِنْهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ:
ونَخْشى رُماةَ الغَوْثِ مِنْ كلِّ مَرْصَدٍ
ويَغُوثُ: صَنَم كَانَ لمَذْحِج؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذَا قول الزجاج.
غيث: الغَيْثُ: الْمَطَرُ والكَلأُ؛ وَقِيلَ: الأَصلُ الْمَطَرُ، ثُمَّ سُمِّي مَا يَنْبُتُ بِهِ غَيْثاً؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
وَمَا زِلْتُ مثلَ الغَيْثِ، يُرْكَبُ مرَّةً ... فيُعْلى، ويُولَى مَرَّةً، فيُثِيبُ
يَقُولُ: أَنا كَشَجَرٍ يؤْكل، ثُمَّ يُصيبُه الغَيْثُ فيَرْجِعُ أَي يَذْهَبُ مَالِي ثُمَّ يَعُودُ، وَالْجَمْعُ: أَغْياثٌ وغُيوثٌ؛ قَالَ المُخَبَّلُ السَّعْدي:
لَهَا لَجَبٌ حَوْلَ الحِياضِ، كأَنه ... تَجاوُبُ أَغياثٍ، لَهُنَّ هَزيمُ
وغاثَ الغَيْثُ الأَرضَ: أَصابَها، وَيُقَالُ: غاثَهم اللهُ، وأَصابَهم غَيْثٌ، وَغَاثَ اللهُ البلادَ يَغيثُها غَيْثاً إِذا أَنزل بِهَا الغَيْثَ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: فادْعُ اللَّهَ يَغِيثُنا، بِفَتْحِ الْيَاءِ. وغِيثَتِ الأَرضُ، تُغاثُ غَيْثاً، فَهِيَ مَغِيثةٌ، ومَغْيُوثة: أَصابها الغَيْثُ. وغِيثَ القومُ: أَصابَهم الغَيْثُ. قَالَ الأَصمعي: أَخبرني أَبو عَمْرِو بْنُ العَلاء قَالَ: سَمِعْتُ ذَا الرُّمة يَقُولُ: قاتَلَ اللهُ أَمَةَ بَنِي فلانٍ مَا أَفْصَحَها قُلْتُ لَهَا: كيفَ كَانَ المطرُ عِنْدَكُمْ؟ فَقَالَتْ: غِثْنا مَا شِئْنَا. وَفِي حَدِيثِ
رُقَيقةَ: أَلا فَغِثْتم مَا شِئْتُمْ
غِثتم، بِكَسْرِ الْغَيْنِ، أَي سُقِيتم الغَيثَ، وَهُوَ الْمَطَرُ، والسؤَال مِنْهُ: غِثنا؛ ومِن الإِغاثة، بِمَعْنَى الإِعانة: أَغِثْنا؛ وإِذا بَنَيتَ مِنْهُ فِعْلًا مَاضِيًا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، قُلْتَ: غِثْنا، بِالْكَسْرِ، والأَصل غُيِثْنا، فَحُذِفَتِ الْيَاءُ، وَكُسِرَتِ الْغَيْنُ؛ وَرُبَّمَا سُمي السحابُ والنباتُ: غَيْثاً. والغَيْث الكَلأُ يَنْبُتُ مِنْ مَاءَ السَّمَاءِ. وَفِي حَدِيثِ زَكَاةِ الْعَسَلِ:
إِنما هُوَ ذبابُ غَيْثٍ
، قَالَ ابْنُ الأَثير: يَعْنِي النَّحْلَ، وأَضافه إِلى الغَيْثِ، لأَنه يَطلُبُ النباتَ والأَزهارَ، وَهُمَا مِنْ تَوابع الغَيْثِ. وغَيْثٌ مُغِيثٌ: عامٌّ. وَبِئْرٌ ذاتُ غَيِّثٍ أَي ذاتُ مادَّةِ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
نَغْرِفُ مِن ذِي غَيِّثٍ ونُؤْزِي «5»
والغَيِّثُ: عَيْلَم الماءِ. وَفَرَسٌ ذُو غَيِّثٍ: عَلَى التَّشْبِيهِ، إِذا جَاءَهُ عَدْوٌ بعدَ عَدْوٍ. وغَيَّثَ الأَعمَى: طلبَ الشيءَ؛ عَنْ كُرَاعٍ، وَهُوَ بِالْعَيْنِ أَيضاً، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُرى الْعَيْنَ الْمُهْمَلَةَ تَصْحِيفًا. وغَيِّثٌ: رَجُلٌ مِنْ طَيِّئٍ. وَبَنُو غَيْثٍ، أَو غَيِّثٍ: حَيٌّ. وبَين مَعْدِنِ النَّقْرة والرَّبَذة مَوْضِعٌ يُعْرَفُ بمُغِيثِ ماوانَ، وماؤُه مِلْح. ومَغِيثَة: رَكِيَّةٌ أُخرى، عذبةُ الماءِ، وَهِيَ إِحدى مَناهِل الطَّرِيقِ مِمَّا يَلِي القادِسِيَّةَ؛ وأَنشد أَبو عَمْرٍو:
شَرِبْنَ مِنْ ماوانَ مَاءً مُرَّا، ... ومِنْ مُغِيثَ مِثْلَه، أَو شَرَّا
فصل الفاء
فثث: الفَثُّ: نَبْتٌ يُخْتَبَزُ حَبُّه، ويؤْكَلُ فِي الجَدْبِ، وَتَكُونُ خُبْزَتُه غَلِيظَةً، شَبِيهَةً بخُبزِ المَلَّة؛ قَالَ أَبو دَهْبَلٍ:
حِرْمِيَّةٌ، لَمْ يَخْتَبِزْ أَهلُها ... فَثّاً، وَلَمْ تَسْتَضْرِمِ العَرْفَجا
__________
(5) . قوله [قال رؤبة إلخ] صدره كما في التكملة:
أَنا ابْنُ أَنضاد إِلَيْهَا أَرزي ... نغرف ...
الأنضاد الأشراف. وأرزي أسند. ونؤزي أي نفضل عليه ونضعف، بضم النون.(2/175)
وَرَوَى ابْنُ الأَعرابي: الفَثُّ حَبٌّ يُشْبِهُ الجاوَرْسَ، يُخْتَبَزُ ويُؤكل؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهُوَ حَبٌّ بَرِّيٌّ يأْخذه الأَعرابُ فِي المَجاعات، فيَدُقُّونه ويَخْتَبزونه وَهُوَ غِذاء رَديءٌ، وَرُبَّمَا تَبَلَّغُوا بِهِ أَياماً؛ قَالَ الطِّرِمَّاحُ:
لَمْ تَأْكُلِ الفَثَّ والدُّعاعَ، وَلَمْ ... تَجْنِ هَبيداً، يَجْنِيه مُهْتَبِدُهْ
قَالَ الأَزهري: قرأْت بِخَطِّ شَمِرٍ: الفَثُّ حَبُّ شجرةٍ بَرِّيَّةٍ؛ وأَنشد:
أُجُدٌ، كالأَتانِ، لَمْ تَرْتَعِ الفَثّ، ... وَلَمْ يَنْتَقِلْ عَلَيْهَا الدُّعاعُ
وَقِيلَ: الفَثُّ مِنْ نَجِيلِ السِّباخِ، وَهُوَ مِنَ الحُموضِ، يُخْتَبز، واحدتُه فَثَّةٌ؛ عَنْ ثَعْلَبٍ؛ وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: هُوَ بِزْرُ النَّباتِ؛ وأَنشد:
عَيْشُها العِلْهِزُ المُطَحَّنُ بالفَثِّ، ... وإِيضاعُها القَعُودَ الوَساعا
وتَمْر فَثٌّ: مُنْتَشِرٌ لَيْسَ فِي جِرابٍ وَلَا وِعاءٍ، كَبَثٍّ؛ عَنْ كُرَاعٍ. اللِّحْيَانِيُّ: تَمْر فَثٌّ، وفَذٌّ، وبَذٌّ: وَهُوَ المُتَفَرَّقُ الَّذِي لَا يَلْزَقُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ. وقال الأَعرابي: تَمْرٌ فَضٌّ، مِثْلُهُ. الأَصمعي: فَثَّ جُلَّتَه فَثّاً إِذا نَثَرَ تمرَها. وَمَا رأَينا جُلَّةً أَكثر مَفَثَّةً مِنْهَا أَي أَكثر نَزَلًا. وَيُقَالُ: وُجِدَ لِبَنِي فُلَانٍ مَفَثَّةٌ إِذا عُدُّوا، فوُجِدَ لَهُمْ كَثْرةٌ. وَيُقَالُ: انْفَثَّ الرجلُ مِنْ هَمٍّ آَصابَه انْفِثاثاً أَي انكسَر؛ وأَنشد:
وإِنْ يُذكَّرْ بالإِله يَنْخَنِثْ، ... وتَنْهَشِمْ مَرْوَتُه، فتَنْفَثِثْ
أَي تَنكسِرُ. وفَثَّ الماءَ الحارَّ بِالْبَارِدِ يَفُثُّه فَثّاً: كَسره وسَكَّنه؛ عن يعقوب.
فحث: الفَحِثةُ، والفَحِثُ، بِكَسْرِ الْحَاءِ: ذاتُ الأَطباقِ، وَالْجَمْعُ أَفْحاث. الْجَوْهَرِيُّ: الفَحِثُ لُغَةٌ فِي الحَفِثِ، وَهُوَ القِبَةُ ذاتُ الأَطباق مِنَ الكَرِش. وفَحَثَ عَنِ الْخَبَرِ: فَحَصَ، في بعض اللغات.
فرث: الفَرْثُ: السِّرْجينُ، مَا دَامَ فِي الكَرِشِ، وَالْجَمْعُ فُرُوثٌ. ابْنُ سِيدَهْ: الفَرْثُ السِّرْقِينُ، والفَرْثُ والفُراثة: سِرْقِينُ الكَرشِ. وفَرَثْتُها عَنْهُ أَفْرُثُها فَرْثاً، وأَفْرَثْتُها، وفَرَّثْتُها، كَذَلِكَ، وفَرَثَ الحُبُّ كَبِدَه، وأَفْرثَها، وفَرَّثَها: فَتَّتَها. وفَرَثْتُ كَبِدَه، أَفْرِثُها فَرْثاً، وفَرَّثْتُها تَفْريثاً إِذا ضَرَبْتَه حَتَّى تَنْفَرِثَ كَبِدُه؛ وَفِي الصِّحَاحِ: إِذا ضَرَبتَه وَهُوَ حَيٌّ، فانْفَرَثَتْ كَبِدُه أَي انْتَثرتْ. وَفِي حَدِيثِ
أُم كُلْثوم، بنتِ عليٍّ، قَالَتْ لأَهل الْكُوفَةِ: أَتدرون أَيَّ كَبِدٍ فَرَثْتم لِرَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
الفَرْثُ: تَفْتيت الكَبِد بِالْغَمِّ والأَذى. وفَرَثَ الجُلَّة، يَفْرُثُها ويَفْرِثُها فَرْثاً إِذا شَقَّها ثُمَّ نَثرَ جميعَ مَا فِيهَا؛ وَفِي التَّهْذِيبِ: إِذا فَرَّقها. وأَفرَثْتُ الكَرِشَ: إِذا شَقَقْتَها، ونَثرْتَ مَا فِيهَا. ابْنُ السِّكِّيتِ: فَرَثْتُ لِلْقَوْمِ جُلَّةً، وأَنا أَفْرِثها، وأَفرُثُها إِذا شَقَقْتها، ثُمَّ نَثرْتَ مَا فِيهَا؛ وَقِيلَ: كلُّ مَا نثرْته، مِنْ وِعاءٍ، فَرْثٌ. وشَرِبَ عَلَى فَرْثٍ أَي عَلَى شِبَع. وأَفرَثَ الرجلَ إِفْراثاً: وقَعَ فِيهِ. وأَفْرَثَ أَصحابَه: عَرَّضَهم لِلسُّلْطَانِ، أَو لِلَائِمةِ النَّاسِ، أَو كَذَّبهم عِنْدَ قَوْمٍ، ليُصغَّرَهم عندَهم، أَو فَضَحَ سِرَّهم. وامرأَةٌ فُرُثٌ: تَبْزُقُ وتَخْبُثُ نفسُها، فِي أَول حَمْلِها، وَقَدِ انْفُرِثَ بِهَا. أَبو عَمْرٍو: يُقَالُ للمرأَة(2/176)
إِنها لمُنْفَرثةٌ، وَذَلِكَ فِي أَولِ حَمْلها، وَهُوَ أَن تَخْبُثَ نفسُها، فِي أَول حَمْلِهَا، فيكْثُر نَفْثُها للخَراشِيِّ الَّتِي عَلَى رأْس مَعِدتِها؛ قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: لَا أَدري مُنْفَرِثةٌ أَم مُتَفَرِّثةٌ؟ والفَرْثُ: غَثَيانُ الحُبْلى. والفَرْثُ: الرَّكْوة الصغيرةُ. وجبلٌ فَريثٌ: لَيْسَ بضخْمٍ صُخورُه، وَلَيْسَ بِذِي مَطَرٍ وَلَا طِينٍ، وَهُوَ أَصعبُ الْجِبَالِ، حَتَّى إِنه لَا يُصْعَدُ فِيهِ، لصُعوبته وَامْتِنَاعِهِ. وثَريدٌ فَرْثٌ: غَيْرُ مُدَقَّقِ الثَّرْدِ، كأَنه شُبِّه بِهَذَا الصِّنْفِ مِنَ الْجِبَالِ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: قَالَ القَنانيّ: لَا خَيْرَ فِي الثريدِ إِذا كَانَ شَرِثاً فَرِثاً، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الشَّرِثِ.
فصل القاف
قبث: قَباثٌ: اسمٌ مِنْ أَسماء الْعَرَبِ، معروفٌ. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: مَا أَدري مِمَّ اشتقاقُه؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَبَثَ بِهِ وضَبَثَ بِهِ إِذا قَبَضَ عَلَيْهِ.
قبعث: جملٌ قَبَعْثَى: ضَخْمُ الفَراسِنِ، قَبيحُها؛ والأُنثى، بِالْهَاءِ، ناقةٌ قَبَعْثاة فِي نوقٍ قَباعِثَ. وَرَجُلٌ قَبَعْثى: عَظِيمُ القَدَم.
قثث: القَثُّ: السَّوْقُ. والقَّثُّ: جَمْعُك الشَّيْءَ بِكَثْرَةٍ. وقَثَّ الشيءَ يَقُثُّه قَثّاً: جَرّه وَجَمَعَهُ فِي كَثْرَةٍ. وجاءَ فلانٌ يَقُثُّ مَالًا، ويَقُثُّ مَعَهُ دُنْيا عَرِيضَةً أَي يَجُرُّها مَعَهُ. وَبَنُو فُلَانٍ ذَوُو مَقَثَّةٍ أَي ذَوُو عَدَدٍ كَثِيرٍ؛ وَمَا أَكثر مَقَثَّتَهم قَالَهُ الأَصمعي وَغَيْرُهُ. والمِقَثَّة والمِطَثَّة «1» لُغَتَانِ: خُشَيبة مُسْتَدِيرَةٌ عَرِيضَةٌ، يَلْعَبُ بِهَا الصبيانُ، يَنْصبون شَيْئًا، ثُمَّ يَجْتَثُّونه بِهَا عَنْ مَوْضِعِهِ؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: هِيَ شَبِيهَةٌ بالخَرَّارة؛ تَقُولُ: قَثَثْناه وطَثَثْناه قَثّاً وطَثّاً. والقُثاثُ: المتاعُ ونحوه؛ وجاؤُوا بقُثاثِهم وقثاثتِهم أَي لَمْ يَدَعُوا وراءَهم شَيْئًا. وَفِي الْحَدِيثِ:
حَثَّ النبيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَوْمًا عَلَى الصَّدَقة، فجاءَ أَبو بَكْرٍ بِمَالِهِ يَقُثُّه
أَي يَسوقُه، مِن قَوْلِهِمْ: قَثَّ السَّيلُ الغُثاءَ؛ وَقِيلَ يَجْمَعُه. والقَثِيثُ: مَا يَتناثرُ فِي أُصول شَجَرِ العِنَب. وَحَكَى الْفَارِسِيُّ عَنْ أَبي زَيْدٍ أَنه قَالَ: مَا يَتَنَاثَرُ فِي أُصول سَعفاتِ النَّخْل. وقَثْقَثَ الشيءَ: أَراد انْتِزَاعَهُ. وَيُقَالُ: اقْتَثَّ القَومَ مِنْ أَصلهم واجْتَثَّهم إِذا اسْتَأْصَلَهم. واجْتَثَّ حَجَرًا مِنْ مَكَانِهِ إِذا اقْتَلَعه؛ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
واقْتَعَفَ الجَلْمةَ مِنْهَا واقْتَثَثْ
أَي اجْتَثَّ. يُقَالُ: اقْتُثَّ واجْتُثَّ إِذا قُلِعَ مِنْ أَصله. والقَثُّ والجَثُّ، واحدٌ. وَيُقَالُ للوَدِيِّ، أَول مَا يُقْلَع مِنَ أُمِّه: جَثِيثٌ وقَثِيثٌ، والله أَعلم.
قحث: قَحَثَ الشيءَ، يَقْحَثُه قَحْثاً: أَخذه كُلَّه.
قرث: القَرِيثاء: ضَرْبٌ مِنَ التَّمْرِ، وَهُوَ أَسْودُ سريعُ النَقْضِ لقِشْرِه عَنْ لِحائه إِذا أَرْطَبَ، وَهُوَ أَطيَبُ تمرٍ بُسْراً؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: يُضافُ ويوصَفُ بِهِ، ويُثنَّى ويُجْمع، وَلَيْسَ لَهُ نَظِيرٌ فِي الأَجْناس، إِلَّا مَا كَانَ مِنْ أَنواع التَّمْرِ، وَلَا نَظِيرَ لِهَذَا الْبِنَاءِ إِلا الكَرِيثاءُ، وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ التَّمْرِ أَيضاً، قَالَ: وكأَنَّ كافَها بدلٌ؛ وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: هُوَ القَرِيثاءُ والكَرِيثاءُ لِهَذَا البُسْر. اللِّحْيَانِيُّ: تمرٌ قَريثاءُ وقَراثاءُ، مَمْدُودَانِ؛ وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: القَريثاءُ والقَراثاءُ أَطْيَبُ التمر
__________
(1) . قوله [والمقثة والمطثة إلخ] بكسر الميم فيهما، كما ضبطه في المحكم والتكملة خلافاً لصنيع القاموس.(2/177)
بُسْراً، وَتَمْرُهُ أَسودُ؛ وَزَعَمَ بعضُ الرُّوَاةِ أَنه اسْمٌ أَعجمي. الْكِسَائِيُّ: نخلٌ قَريثاء، وبُسْر قَريثاءُ، مَمْدُودٌ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ. وَقَالَ أَبو الجَرَّاح: تمرٌ قَرِيثَا، غَيْرُ مَمْدُودٍ. والقِرِّيث: لُغَةٌ فِي الجِرِّيث، وَهُوَ ضربٌ مِنَ السَّمَكِ، والله أَعلم.
قرعث: التَّقَرْعُثُ: التَّجَمُّع. وتَقَرْعَثَ: تَجَمَّع. وقَرْعَثةُ: اسمٌ، وَهُوَ مشتق منه.
قعث: القَعْثُ: الكَثْرة. والقَعِيث: الْكَثِيرُ مِنَ الْمَعْرُوفِ وَغَيْرِهِ. والإِقْعاثُ: الإِكثارُ مِنَ العَطِيَّة. ومطرٌ قَعِيثٌ: وَبْلٌ كَثِيرٌ. والقَعِيثُ: السَّيْبُ الْكَثِيرُ. وأَقْعَثَ: العطيةَ واقْتَعَثَها: أَكثرها. وأَقْعَثه: أَكثرها لَهُ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
أَقْعَثَني مِنْهُ بسَيْبٍ مُقْعَثِ، ... لَيْسَ بمَنْزُورٍ، وَلَا بِرَيِّثِ
قَالَ الأَصمعي: لَقَدْ أَساءَ رُؤْبَةُ فِي قَوْلِهِ بسَيْبٍ مُقْعَثٍ، فَجَعَلَ سَيبه مُقْعَثاً، وإِنما القَعْثُ الهَيِّنُ الْيَسِيرُ. وقَعَثْتُ لَهُ قَعْثةً أَي حَفَنْتُ لَهُ حَفْنةً إِذا أَعطيتَه قَلِيلًا، فَجَعَلَهُ مِنَ الأَضداد؛ وَقِيلَ: إِنه لقَعِيثٌ كَثِيرٌ أَي واسعٌ. وقَعَثَ لَهُ مِنَ الشَّيْءِ يَقْعَثُ قَعْثاً: حَفَنَ لَهُ وأَعطاه. وقَعَثَ الشيءَ يَقْعَثُه قَعْثاً: استأْصله واسْتَوعَبَه. ابْنُ السِّكِّيتِ: أَقْعَثَ الرجلُ فِي مَالِهِ أَي أَسْرفَ. قَالَ الأَصمعي: ضَرَبه فانْقَعَثَ إِذا قَلَعه مِنْ أَصله. والقُعاثُ: دَاءٌ يأْخذُ الغم فِي أُنوفها. الأَصمعي: انْقَعَثَ الجِدارُ، وانْقَعَر، وانقَعَفَ إِذا سَقَطَ مِنْ أَصله. وانْقَعَثَ الشيءُ، وانقَعَفَ: إِذا انْقَلَع. وَقَالَ اقتَعَثَ الحافرُ اقْتعاثاً إِذا اسْتَخْرَجَ تُراباً كَثِيرًا من البئر.
قعمث: القُعْمُوثُ: الدَّيُّوثُ.
قلعث: تَقَعْثَلَ فِي مَشْيه، وتَقَلْعَثَ، كِلَاهُمَا إِذا مَرَّ كأَنه يَتَقَلَّع مِنْ وَحَلٍ، وهي القَلْعَثةُ.
قمعث: القُمْعُوثُ: الدَّيُّوث، وَهُوَ الَّذِي يَقُود عَلَى أَهله وحَرَمه؛ قَالَ ابْنُ دُرَيدٍ: لَا أَحسَبُه عَرَبيّاً.
قنعث: رَجُلٌ قِنْعاث: كَثِيرُ شَعَر الجَسد والوجهِ.
قنطعث: ابْنُ سِيدَهْ: القَنْطَعْثة عَدْوٌ بفَزَعٍ؛ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: وَلَيْسَ بثبَتٍ.
فصل الكاف
كبث: الأَصمعي: البَريرُ ثَمَرُ الأَراك، فالغَضُّ مِنْهُ المَرْدُ، والنَّضيجُ الكَباثُ. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الكَبَاثُ، بِالْفَتْحِ: نضيجُ ثَمَرِ الأَراك؛ وَقِيلَ: هُوَ مَا لَمْ يَنْضَجْ مِنْهُ؛ وَقِيلَ: هُوَ حَمْلُه إِذا كَانَ مُتَفَرِّقاً، وَاحِدَتُهُ: كَباثَةٌ؛ قَالَ:
يُحَرِّكُ رأْساً كالكَباثَةِ، واثِقاً ... بِوِرْدِ فَلاةٍ، غَلَّسَتْ وِرْدَ مَنْهَلِ
الْجَوْهَرِيُّ: مَا لَمْ يَنْضَجْ مِنَ الكَباثِ، فَهُوَ بريرٌ. وَفِي حَدِيثِ
جَابِرٍ: كُنَّا نَجْتَني الكَباثَ
، هُوَ النضيجُ مِنْ ثَمَرِ الأَراك. قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الكَباثُ فُوَيْقَ حَبِّ الكُسْبَرة فِي المِقْدار، وَهُوَ يَمْلأُ مَعَ ذَلِكَ كَفَّي الرجُل، وإِذا الْتَقَمه البعيرُ فَضَل عَنْ لُقْمته. وكَبِثَ اللحمُ، بِالْكَسْرِ، أَي تَغَيَّر وأَرْوَحَ؛ وأَنشد:
يَأْكُلُ لَحْماً بائِتاً، قَدْ كَبِثا(2/178)
أَبو عَمْرٍو: الكَبيثُ اللَّحْمُ قَدْ غَمِرَ. وَقَدْ كَبَثْتُه، فَهُوَ مَكْبُوثٌ، وكَبيثٌ؛ وأَنشد:
أَصْبَح عَمَّارٌ نَشيطاً أَبِثا، ... يَأْكُلُ لَحْماً بائِثاً، قَدْ كَبِثا
وكَبَثٌ: مَوْضِعٌ، زَعَمُوا.
كثث: كَثَّ الشيءُ «1» كَثاثةً: أَي كَثُفَ. وكَثَّتِ اللحيةُ تَكَثُّ كَثَثاً، وكَثاثَةً، وكُثُوثةً، وَلِحْيَةٌ كَثَّة وكَثَّاء: كَثُرت أُصولُها، وكَثُفَتْ، وقَصُرَتْ، وجَعُدَتْ، فَلَمْ تَنْبَسِطْ، وَالْجَمْعُ: كِثاثٌ. وَفِي صِفَتِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَنه كَانَ كَثَّ اللِّحْيَةِ
؛ أَراد كَثرةَ أُصولها وَشَعْرِهَا، وأَنها لَيْسَتْ بِدَقِيقَةٍ، وَلَا طَوِيلَةٍ، وَفِيهَا كَثافة. واسْتَعْمَلَ ثعلبةُ بنُ عُبَيْد العَدَويُّ الكَثَّ فِي النَّخْلِ، فَقَالَ:
شَتَتْ كَثَّةُ الأَوْبار، لَا القُرَّ تَتَّقِي، ... وَلَا الذِّئْبَ تَخْشَى، وَهِيَ بالبَلَدِ المَقْصِي
عَنى بالأَوْبار ليفَها، وإِنما حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ، أَنه شَبَّهَهَا بالإِبل. ورجلٌ كَثٌّ، وَالْجَمْعُ: كِثاثٌ. وأَكَثَّ كَكَثَّ. وَقَدْ تَكُونُ الكَثاثةُ فِي غَيْرِ اللِّحْيَةِ مِنْ مَنَابِتِ الشَّعْرِ، إِلا أَن أَكثر اسْتِعْمَالِهِمْ إِياه فِي اللِّحْيَةِ. وامرأَة كَثَّاءُ وكَثَّةٌ إِذا كَانَ شَعَرُها كَثّاً. وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: لِحَيَّةٌ كَثَّة كثيرةُ النَّباتِ، قَالَ: وَكَذَلِكَ الجُمَّة، وَالْجَمْعُ: كِثاثٌ؛ وأَنشد عَنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمِّهِ:
بحَيْثُ ناصَى اللِّمَم الكِثاثا، ... مَوْرُ الكَثيبِ، فَجرى وحاثَا
يَعْنِي باللِّمم الكِثاثِ: النباتَ. وأَراد بحَاثَ: حَثَا، فَقَلَبَ. وقومٌ كُثٌّ، بِالضَّمِّ: مِثْلُ قَوْلِكَ رَجُلٌ صُدُقُ اللِّقَاءِ، وَقَوْمٌ صُدُقٌ. اللَّيْثُ: الكَثُّ والأَكَثُّ: نَعْتُ كَثِيثِ اللِّحْية، ومصدَرُه: الكُثُوثَةُ. أَبو خَيْرَةَ: رجلٌ أَكثُّ، ولحيةٌ كَثَّاءُ بَيِّنَة الكَثَثِ، وَالْفِعْلُ: كَثَّ يَكَثُّ كُثوثة. والكَثْكَثُ، والكِثْكِثُ، مثلُ الأَثلَبِ والإِثلِبِ: دُقاقُ التُّرَابِ، وفُتاتُ الْحِجَارَةِ؛ وَقِيلَ: التُّرابُ مَعَ الْحَجَرِ؛ وَقِيلَ: التُّراب عامَّة. والكَثْكَثُ: الْحِجَارَةُ. وَقَالُوا: بِفِيهِ الكَثْكَثُ والكِثكِثُ، كَقَوْلِكَ: بِفِيهِ الترابُ والحجَرُ. وَحَكَى اللِّحْيَانِيُّ: الكَثْكَثَ لَهُ والكِثْكِثَ، قَالَ: فَنُصِبَ، كأَنه دُعَاءٌ، يَعْنِي أَنهم نَصَبُوهُ نَصْبَ الْمَصَادِرِ المَدْعُوِّ بِهَا، شبَّهوه بِالْمَصْدَرِ، وإِن كَانَ اسْمًا. أَبو خَيرة: مِنْ أَسماء التُّرَابِ الكَثْكَثُ، وَهُوَ التُّرَابُ نفسُه، وَالْوَاحِدَةُ بِالْهَاءِ. وَيُقَالُ: الكَثَاكِثُ. اللَّيْثُ: الحِصْحِصُ والكِثْكِثُ، كِلَاهُمَا: الْحِجَارَةُ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
مَلأْتُ أَفْواهَ الكِلابِ اللُّهَّثِ، ... مِنْ جَنْدَلِ القُفِّ، وتُرْبِ الكِثْكِثِ
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه مَرَّ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ، فَقَالَ: يَذْهَبُ محمدٌ إِلى مَن أَخْرَجَه مِنْ بِلَادِهِ، فأَما مَن لَمْ يُخْرِجْه، وَكَانَ قُدُومُه كَثَّ مُنْخُرِه، فَلَا يَغْشَاهُ.
قَالَ ابْنُ الأَثير: أَي كَانَ قُدومُه عَلَى رَغْمِ أَنفه، يَعْنِي نفسَه، وكأَنَّ أَصله مِنَ الكِثْكِثِ التُّرَابِ. وَفِي حَدِيثِ حُنين:
قَالَ أَبو سُفْيَانَ عِنْدَ الجَوْلة الَّتِي كَانَتْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: غَلَبَتْ وَاللَّهِ هوازنُ، فَقَالَ لَهُ صَفْوانُ بْنُ أُميَّة: بِفِيكَ الكِثْكِثُ
، هو
__________
(1) . قوله [كث الشيء إلخ] من باب ضرب كما ضبط في المحكم ومن باب تعب لغة صرح بهما في المصباح. ومقتضى القاموس أَنه بضم عين المضارع، وسكت عليه الشارح لكنه مخالف لما صرح به غيره.(2/179)
بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ، دُقاقُ الحَصَى والترابُ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ:
وللعاهِرِ الكِثْكِثُ.
قَالَ ابْنُ الأَثير: قَالَ الخطَّابيُّ: قَدْ مَرَّ بِمَسَامِعِي وَلَمْ يَثبُتْ عِنْدِي. والكَثَاثاء: الأَرضُ الْكَثِيرَةُ التُّرَابُ. التَّهْذِيبُ، ابْنُ شُمَيْلٍ: الزِّرِّيعُ والكاثُّ واحدٌ، وَهُوَ مَا يَنْبُتُ مِمَّا يَتَناثَرُ مِنَ الحَصِيد، فيَنْبُتُ عَامًا قَابِلًا. وَقَالَ الأَزهري: لَا أَعرف الكاثَّ.
كحث: الأَزهري عَنِ اللَّيْثِ: كَحَثَ لَهُ مِنَ الْمَالِ كَحْثاً: إِذا غَرَفَ لَهُ منه غَرْفةً بيده.
كرث: كَرَثَه الأَمْرُ يَكْرِثُه ويَكْرُثُه كَرْثاً، وأَكْرَثه: سَاءَهُ واشتدَّ عَلَيْهِ، وبَلَغَ مِنْهُ المَشَقَّةَ، قَالَ الأَصمعي: وَلَا يُقَالُ كَرَثَه، وإِنما يُقَالُ أَكْرَثَه، عَلَى أَنَّ رُؤبة قَدْ قَالَ:
وَقَدْ تُجَلَّى الكُرَبُ الكَوارِثُ
وَفِي حَدِيثِ
عَلِيِّ: فِي سَكْرة مُلْهِثَة، وغَمْرةٍ كارِثةٍ
؛ أَي شَدِيدَةٌ شاقَّة، مِنْ كَرَثه الغَمُّ أَي بَلَغَ مِنْهُ المَشَقَّة. وَيُقَالُ: مَا أَكْتَرِثُ لَهُ أَي مَا أُبالي بِهِ. وَفِي حَدِيثِ
قُسٍّ: لَمْ يُخَلِّنا سُدًى مِنْ بَعْدِ عِيسَى، واكْتَرَث.
يُقَالُ: مَا أَكْتَرِثُ بِهِ أَي مَا أُبالي، وَلَا يُستعمل إِلَّا فِي النَّفْيِ، وَقَدْ جَاءَ هَاهُنَا فِي الْإِثْبَاتِ، وَهُوَ شَاذٌّ. واكْتَرَثَ لَهُ: حَزِنَ. وامرأَة كَرِيثٌ كارِثٌ، وكلُّ مَا أَثْقَلَكَ، فَقَدَ كَرَثَكَ. اللَّيْثُ: يُقَالُ مَا أَكْرَثَني هَذَا الأَمْرُ أَي مَا بَلَغَ مِنِّي مَشَقَّةً، والفعلُ المُجاوز: كَرَثْتُه، وَقَدِ اكْترَثَ هُوَ اكْتِراثاً، وَهَذَا فِعْلٌ لَازِمٌ. الأَصمعي: كَرَثَني الأَمْرُ وقَرَثَني: إِذا غَمَّه وأَثْقَلَه، والكَرِيثاء: ضَرْبٌ مِنَ البُسْر يوصَفُ بِهِ ويُضاف؛ عَنْ أَبي الْحَسَنِ الأَخْفش. التَّهْذِيبُ: يُقَالُ بُسْرُ قَرِيثاءَ وكَرِيثاءَ لضَرْبٍ مِنَ التَّمْرِ مَعْرُوفٍ. والكَرَّاثُ: بقْلة؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الكُرَّاثُ والكَرَّاثُ، الأَخيرة عَنْ كُرَاعٍ: ضَرْبٌ مِنَ النَّبَاتِ مُمْتَدٌّ، أَهْدَبُ، إِذا تُرِكَ خَرَجَ مِنْ وَسطه طاقةٌ فطارَتْ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ يَصِفُ فِراخَ النَّعام:
كأَنَّ أَعناقَها كُرَّاثُ سائِقةٍ، ... طارَتْ لَفائِفُها، أَو هَيْشَرٌ سَلِبُ
وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: مِنَ العُشْب الكَرَاثُ، تَطُول قَصَبَتُه الوُسْطى، حَتَّى تكونَ أَطولَ مِنَ الرجُل. التَّهْذِيبُ: الكَرَّاث بَقْلة. والكَرَاث، بِفَتْحِ الْكَافِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ: بَقْلَةٌ أُخرى، الْوَاحِدَةُ كَرَاثةٌ؛ قَالَ أَبو ذَرَّة الهُذَليُّ:
إِنَّ حَبيبَ بنَ اليَمانِ قَدْ نَشِبْ ... فِي حَصِدٍ مِنَ الكَرَاثِ، والكَنِبْ
قَالَ: الكَرَاث والكَنِبُ شَجَرَتَانِ.
إِن يَنتَسِبْ، يُنسَبْ إِلى عِرْقٍ وَرِبْ، ... أَهلِ خَزُوماتٍ، وشَحَّاجٍ صَخِبْ،
وعازِبٍ أَقْلَحَ، فُوهُ كالخَرِبْ
أَراد بِالْعَازِبِ: مَالًا عَزَبَ عَنْ أَهله. أَقْلَحَ: اصْفَرَّتْ أَسنانُه مِنَ الهَرَم. ابْنُ سِيدَهْ: الكَراثُ ضَرْبٌ مِنَ النَّبَاتِ، واحدتُه كَراثةٌ، وَبِهِ سُمِّيَ الرَّجُلُ كَراثةَ. قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الكَراثُ شجرةٌ جَبَلِيَّةٌ، لَهَا خِطْرة ناعمةٌ لَيِّنَة، إِذا فُدِغَتْ هُرِيقَتْ لَبَناً، والناسُ يَسْتَمْشُون بلَبنِها، قَالَ: ويُؤْتَى بالمَجْذُوم حَتَّى يُتَوَسَّطَ بِهِ مَنْبِتُ(2/180)
الكَرَاثِ، فَيُقِيمُ فِيهِ، ويُخْلَط لَهُ بِطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ، فَلَا يَلْبَثُ أَن يَبْرأَ مِنْ جُذامِه، وتَذْهبَ قوَّتُه، يَعْنِي قُوَّةَ الجُذام. قَالَ: وَقَالَ الأَزْدِيُّ: لَا أَعرفه يَنْبُتُ إِلَّا بِذِي كَشاءٍ؛ قَالَ: وَيَزْعُمُونَ أَنَّ جِنِّيَّةً قَالَتْ مَنْ أَراد الشِّفَاءَ مِنْ كُلِّ دَاءٍ فَعَلَيْهِ بنباتِ البُرْقة مِنْ ذاتِ كَشَاءٍ. والكُرَّاثُ: موضع.
كرنث: تَكَرْنَثَ عَلَيْنَا: تَكَبَّر «2» .
كشث: الكَشُوثُ، والأُكْشُوثُ، والكَشُوثَى: كلُّ ذَلِكَ نباتٌ مُجْتَثٌّ مقطوعُ الأَصل، وَقِيلَ: لَا أَصل لَهُ، وَهُوَ أَصْفَرُ يَتَعَلَّقُ بأَطراف الشَّوْكِ وَغَيْرِهِ، ويُجْعَلُ فِي النَّبِيذِ سَوادِيَّةٌ، يَقُولُونَ: كَشُوثاء. الْجَوْهَرِيُّ: الكَشُوثُ نبتٌ يَتَعلَّقُ بأَغصانِ الشجرِ، مِنْ غَيْرِ أَن يَضْرِبَ بعِرْقٍ فِي الأَرض؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
هُوَ الكَشُوثُ، فَلَا أَصلٌ، وَلَا وَرَقٌ، ... وَلَا نَسيمٌ، وَلَا ظِلٌّ، وَلَا ثَمَرُ
ابْنُ الأَعرابي: الكَشُوثاءُ الفَقَدُ، وَهُوَ الزُّحْمُوكُ؛ قَالَ ابْنُ الأَعرابي: جَاءَ عَلَى فَعُولاء مَمْدُودًا، جَلُولاءُ وحَرُوراءُ، وَهُمَا بَلدَان؛ وكَشُوثاءُ يُسَمِّيهِ الناسُ الكَشُوثَ؛ قَالَ: وبزْرُ قَطُونا، قَالَ: والمدُّ فِيهَا أَكثر، وَقَدْ يَقْصُرَانِ، وفتَح الكاف من كَشُوثاء.
كلبث: رَجُلٌ كَلْبَثٌ وكُلابِثٌ: بَخِيلٌ مُنْقَبضٌ. قَالَ ابْنُ دُرَيْد: رَجُلٌ كُلْبُثٌ وكُلابِثٌ، وهو الصُّلْبُ الشديدُ.
كنث: اللَّيْثُ: الكُنْثة نَوَرْدَجَة تُتَّخذ من آسٍ وأَغصانِ خِلافٍ، تُبْسَطُ وتُنَضَّدُ عَلَيْهَا الرياحينُ، ثُمَّ تُطْوَى، وإِعرابه: كُنْثَجةٌ، وبالنَّبَطيَّة، كُنْثا.
كنبث: رَجُلٌ كُنْبُثٌ وكُنابثٌ: تَداخَلَ بعضُه فِي بَعْضٍ؛ وَقِيلَ: هُوَ الصُّلْبُ الشديدُ؛ وَقَدْ تَكَنْبَثَ. ابْنُ الأَعرابي: الكِنْباثُ الرمل المُنْهالُ.
كندث: الكُنْدُث والكُنادِثُ: الصُّلْب.
كنعث: تَكَنْعَثَ الشيءُ «3» : تَجَمَّع. وكَنْعَثٌ وكَنْعَثةُ: اسْمٌ مُشْتَقٌّ منه.
كنفث: رَجُلٌ كُنْفُثٌ وكُنافثٌ: قصير.
كوث: كُوثى مِنْ أَسْمَاءِ مَكة؛ عَنْ كُرَاعٍ. التَّهْذِيبُ: الكُوثى الْقَصِيرُ، والكُوثِيُّ مِثْلُهُ. النَّضْرُ: كَوَّثَ الزرعُ تَكْوِيثًا إِذا صَارَ أَربَعَ وَرَقاتٍ، وخمسَ ورقاتٍ، وَهُوَ الكَوْثُ. وَقَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وكأَنَّ المقطوعَ الَّذِي يُلْبَسُ الرِّجْلَ، سُمِّيَ كَوْثاً، تَشْبِيهًا بكَوْثِ الزَّرْع، وَيُقَالُ لَهُ: القَفْشُ، وكأَنه مُعَرَّبٌ. قَالَ: وأَما كُوثى الَّتِي بالسَّوَاد، فَمَا أُراها عَرَبِيَّةً، وَلَقَدْ
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: سَمِعْتُ عُبَيْدَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ عَلِيًّا، عَلَيْهِ السَّلَامُ، يَقُولُ: مَنْ كَانَ سائِلًا عَنْ نِسْبَتِنا، فإِنا نَبَطٌ مِنْ كُوثى.
وَرَوِيَ عَنِ
ابْنِ الأَعرابي أَنه قَالَ: سأَل رجلٌ عَلِيًّا، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: أَخبرني، يَا أَمير المؤْمنين، عَنْ أَصلكم، معاشرَ قُرَيْشٍ، فَقَالَ: نَحْنُ قومٌ مِنْ كُوثى.
وَاخْتَلَفَ الناسُ فِي قَوْلِهِ:
نَحْنُ قَوْمٌ مِنْ كُوثى
، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَراد كُوثى العِراق، وَهِيَ سُرَّةُ السَّوادِ الَّتِي وُلِدَ بِهَا إِبراهيم، عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ وَقَالَ آخَرُونَ: أَراد كُوثى مَكَّةَ، وَذَلِكَ أَن مَحلَّةَ بَنِي عَبْدِ الدَّار يُقَالُ لَهَا كُوثى، فأَراد عليٌّ: إِنَّا مَكِّيُّونَ أُمِّيُّون، مِنْ أُمِّ القُرَى؛ وأَنشد حسان:
__________
(2) . قوله [تكرنث علينا إلخ] أَثبتها في المحكم وأَهملها المجد.
(3) . قوله [تكنعث الشيء إلخ] أَثبتها في المحكم وأَهملها المجد.(2/181)
لَعَنَ اللهُ مَنزِلًا بَطْنَ كُوثى، ... وَرَمَاهُ بالفَقْرِ والإِمْعارِ
لَيْسَ كُوثى العِراقِ أَعني، ولكِنْ ... كُنْثَةَ الدارِ، دارِ عَبْد الدارِ
أَمْعَرَ الرجلُ إِذا افْتَقَر. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: والقولُ الأَوَّل هُوَ الأَدلُّ لِقَوْلِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
فإِنَّا نَبَطٌ مِنْ كُوثى
، وَلَوْ أَراد كُوثى مَكَّةَ، لَما قَالَ نَبَطٌ، وكُوثى العِراقِ هِيَ سُرَّةُ السَّوادِ مِنْ مَحالِّ النَّبَطِ، وإِنما أَراد عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَن أَبانا إِبراهيمَ كَانَ مِنْ نَبَطِ كُوثى وأَنَّ نَسَبَنَا انتَهى إِليه، ونحْوَ ذَلِكَ؛ قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ:
نحنُ معاشِرَ قُرَيش حَيٌّ مِنَ النَّبَط، مِن أَهل كُوثى، والنَّبَطُ مِنْ أَهل العِراق.
قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَهَذَا مِنْ عليٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، تَبرُّؤٌ مِنَ الفَخْرِ بالأَنْساب، ورَدْعٌ عَنِ الطَّعْن فِيهَا، وتحْقيقٌ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ.
فصل اللام
لبث: اللَّبْثُ واللَّبَاثُ: المُكْثُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً
. الفرَّاء: النَّاسُ يقرؤُون لَابِثِينَ، وَرُوِيَ عَنْ عَلْقَمَةَ أَنه قرأَ لَبِثِينَ، قَالَ: وأَجود الْوَجْهَيْنِ لَابِثِينَ، لأَن لَابِثِينَ إِذا كَانَتْ فِي مَوْضِعِ «1» .... فَتَنْصِب كَانَتْ بالأَلِف، مثلَ الطامِعِ وَالْبَاخِلِ. قَالَ: واللَّبِثُ البطيءُ، وَهُوَ جَائِزٌ كَمَا يُقَالُ: طامِعٌ وطمِعٌ، بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَلَوْ قُلْتَ: هُوَ طمِعٌ فِيمَا قِبَلَكَ كَانَ جَائِزًا. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: يُقَالُ لَبِثَ لُبْثاً ولَبْثاً ولُبَاثاً، كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ. وتَلَبَّثَ تَلَبُّثاً، فَهُوَ مُتَلَبِّثٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: مَصْدَرُ لَبِثَ لَبْثاً عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، لأَن الْمَصْدَرَ مِنْ فَعِلَ، بِالْكَسْرِ، قِيَاسُهُ التَّحْرِيكُ إِذا لَمْ يتعدَّ مِثْلَ تَعِب تَعَباً، قَالَ: وَقَدْ جاءَ فِي الشِّعْرِ عَلَى الْقِيَاسِ، قَالَ جَرِيرٌ:
وَقَدْ أَكُونُ عَلَى الحاجاتِ ذَا لَبَثٍ، ... وأَحْوَذِيّاً، إِذا انضمَّ الذَّعاليبُ
فَهُوَ لَابِثٌ ولبِثٌ أَيضاً. ابْنُ سِيدَهْ: لَبِثَ بِالْمَكَانِ يَلْبَثُ لَبْثاً ولُبْثاً ولَبَثَاناً ولَباثَةً ولبِيثَةً، وأَلبثتُهُ أَنا، ولبَّثْتُهُ تَلْبِيثًا، وتَلَبَّثَ: أَقام، وأَنشد ابْنُ الأَعرابي:
غرَّكِ منِّي شَعَثي ولَبَثي، ... ولِمَمٌ، حَوْلَك، مِثلُ الحُرْبُثِ
مَعْنَاهُ: أَنه شَيْخٌ كَبِيرٌ، فأَخبر أَنه إِذا مَشَى لَمْ يَلْحَقْ مِنْ ضَعْفِهِ، فَهُوَ يَتَلَبَّثُ، وَشَبَّهَ لَمَمَ الشُّبَّانِ فِي سَوَادِهَا بالحُرْبُث، وَهُوَ نَبْتٌ أَسود سَهْلِيٌّ. وأَلبثه هُوَ، قَالَ:
لَنْ يُلْبِثَ الجارَيْنِ أَنْ يَتَفَرَّقا، ... لَيْلٌ، يَكُرُّ عليهمُ، ونهارُ «2»
قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: الْجَبْهَةُ تَسْقُطُ، وَقَدْ دفِئَتِ الأَرضُ، فإِذا حَاذَتْهَا فإِن الدِّفْءَ والرِّيَّ لَا يُلْبِثا أَن يُرْعيا، هَكَذَا حَكَاهُ يُلْبِثا، كَقَوْلِكَ يُكْرِما، قَالَ: وَلَا أَدري لِمَ جَزَمَهُ. وَلِي عَلَى هَذَا الأَمر لُبْثَةٌ أَي تَوَقُّفٌ. وشيءٌ لَبِيث: لَابِثٌ. وَقَالُوا: نَجِيثٌ لَبيثٌ، إِتباع. وَمَا لبِثَ أَن فَعَلَ كَذَا وَكَذَا. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ
. وَفِي الْحَدِيثِ:
فاستلبثَ الوحْيُ
، وَهُوَ اسْتَفْعَلَ، مِن اللُّبْثِ الإِبطاءِ والتأَخرِ، يُقَالُ لبِثَ لَبْثاً، بِسُكُونِ الْبَاءِ، وَقَدْ تُفْتَحُ قَلِيلًا عَلَى القياس،
__________
(1) . 1 كذا بياض بالأَصل ولعل الساقط لفظ الفعل أو يلبثون.
(2) . 1 هذا البيت لجرير، وهو في ديوانه هكذا:
لا يُلبِثُ القُرَناءَ أن يتفرقوا
إلخ.(2/182)
وَقِيلَ: اللَّبْثُ الِاسْمُ واللُّبْثُ، بِالضَّمِّ، الْمَصْدَرُ. وقوسٌ لَباث: بَطِيئَةٌ، حَكَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وأَنشد:
يُكَلِّفُني الحجاجُ دِرعاً ومِغْفَراً، ... وطِرْفاً كَرِيمًا رَائِعًا بِثَلاثِ
وستِّين سَهْمًا صِيغَةً يَثْربِيةً، ... وَقَوْسًا طَرُوحَ النَّبْل غيرَ لَباثِ
وإِن الْمَجْلِسَ لَيَجْمَعُ لَبيثة مِنَ النَّاسِ إِذا كَانُوا مِنْ قَبَائِلَ شتَّى.
لثث: لُثَّ الشجرُ: أَصابه النَّدَى. واللَّثُّ: الإِقامة. وأَلْثَثْتَ بالمكانِ إِلْثاثاً: أَقمتَ بِهِ وَلَمْ تَبْرَحْهُ وأَلثَّ بِالْمَكَانِ: أَقام بِهِ. وَيُقَالُ: مَثْمِثوا بِنَا سَاعَةً، وتَمَثْمَثُوا، ولَثْلِثُوا سَاعَةً، وحَفْحِفُوا بِنَا سَاعَةً أَي رَوِّحوا بِنَا قَلِيلًا، وأَلَثَّ عَلَيْهِ إِلثاثاً: أَلَحَّ عَلَيْهِ ولَثْلَثَ مِثْلَهُ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ الله عَنْهُ: وَلَا تُلِثُّوا بدارِ مَعْجِزَةٍ
أَي لَا تُقِيمُوا بدارٍ يُعْجِزُكُمْ فِيهَا الرِّزقُ والكسبُ؛ وَقِيلَ: أَراد لَا تقِيموا بِالثُّغُورِ وَمَعَكُمُ الْعِيَالُ. وأَلَثَّ الْمَطَرُ إِلثاثاً أَي دَامَ أَياماً لَا يُقْلِع. وأَلَثَّتِ السَّحَابَةُ: دَامَتْ أَياماً، فَلَمْ تُقْلِع. وتَلَثْلَثَ الغَيمُ وَالسَّحَابُ، ولثْلَثَ إِذا تَرَدَّدَ فِي مَكَانٍ، كُلَّمَا ظَنَنْتَ أَنه ذَهَبَ جاءَ. وَتَلَثْلَثَ بِالْمَكَانِ: تَحَبَّس وتَمَكَّثَ. وتَلَثلَثَ فِي الأَمر ولثلَث: بِمَعْنَى تَرَدَّدَ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ: تَلَثْلَثْتُ فِيهَا أَحْسَبُ الحَوْرَ أَقْصَدا قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: هَذَا قَوْلِ أَبي عُبَيْدٍ فِي الْمُصَنَّفِ. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ أَيضاً: تَلَثْلَثَتْ تَرَدَّدَتْ فِي الأَمر وتمرَّغت؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
لطالَما لثلثتْ، رَحْلِي، مَطِيَّتُه ... فِي دِمْنةٍ، وسَرَتْ صَفْواً بأَكدارِ
قَالَ: لَثْلَثَتْ مَرَّغَتْ. وتَلثلَثَ فِي الدَّقْعاءِ: تمرَّغ. وتلثلثَ فِي أَمره: أَبطأَ وَتَمَكَّثَ. وَرَجُلٌ لَثْلَثٌ ولَثْلاثَةٌ: بطيءٌ فِي كُلِّ أَمر، كُلَّمَا ظَنَنْتَ أَنه قَدْ أَجابك إِلى الْقِيَامِ فِي حاجتك تقاعس؛ وأَنشد لرؤْبة:
لَا خيرَ فِي وُدِّ امرِئٍ مُلَثْلِث
ولَثْلَثَ الرجلَ: حَبَسَهُ. وَلَثْلَثَ كَلَامَهُ: لَمْ يُبَيِّنْه. وَلَثْلَثَهُ عَنْ حَاجَتِهِ: حبسه.
لطث: ابْنُ الأَعرابي: اللَّطْثُ الْفَسَادُ. لَطَثَهُ «1» يَلْطُثُه لَطْثًا: ضَرَبَهُ بِعرْض يَدِهِ أَو بِعُودٍ عَرِيضٍ. أَبو عَمْرٍو: لَطَثَهُ بِحَجْرٍ وَلَطَسَهُ إِذا رَمَاهُ. وتلاطثَ الموجُ: تَلَاطَمَ. وتلاطثَ القومُ: تَضَارَبُوا بِالسُّيُوفِ أَو بأَيديهم. وَلَطَثَهُ الحِمْلُ والأَمر يَلْطُثُه لَطْثًا: ثَقُل عَلَيْهِ وغَلُظ؛ وَقَوْلُ رؤْبة:
مَا زالَ بيعُ السَّرَقِ المُهايِثُ ... بالضعْف، حَتَّى استوقَرَ المُلاطِثُ
قَالَ أَبو عَمْرٍو: المُلاطِثُ يَعْنِي بِهِ الْبَائِعَ؛ قَالَ: وَيُرْوَى المَلاطِثُ، وَهِيَ الْمَوَاضِعُ الَّتِي لُطِثَتْ بالحَمْل حَتَّى لُهِدَت. ومِلْطَثٌ: اسْمٌ.
لعث: الأَلْعَثُ: الثَّقِيلُ البطيءُ مِنَ الرِّجَالِ. وَقَدْ لَعِثَ لَعَثاً، قَالَ أَبُو وَجْرَةَ السَّعْدِيُّ:
ونَفَضْتُ عَنِّي نومَها، فسريتُها ... بالقومِ مِنْ تَهِمٍ، وأَلْعَثَ وَانِي
والتَّهِمُ والتَّهِنُ: الَّذِي قَدْ أَثقله النُّعَاسُ.
__________
(1) . قوله [لطثه] مقتضى صنيع القاموس أَنه من باب كتب.(2/183)
لغث: اللغِيثُ: الطَّعَامُ الْمَخْلُوطُ بِالشَّعِيرِ كالبَغيثِ، عَنْ ثَعْلَبٍ، وباعَتُه يُقَالُ لَهُمْ: البُغَّاثُ واللُّغَّاثُ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي هُرَيْرَةَ: وأَنتم تَلْعَثُونها
أَي تأْكلونها، مِنَ اللَّغيث، وَهُوَ طعامٌ يُغَش بِالشَّعِيرِ، وَيُرْوَى تَرْغَثُونها أَي ترضَعُونها «2» .
لقث: لَقَثَ الشيءَ لَقْثاً: أَخذه بِسُرْعَةٍ وَاسْتِيعَابٍ، وَلَيْسَ بِثَبَتٍ.
لكث: اللَّكَثُ: الوسَخُ مِنَ اللَّبَنِ يجمُدُ عَلَى حَرْفِ الإِناءِ، فتأْخذه بِيَدِكَ. ولكَثَه لكْثاً ولِكاثاً: ضَرَبَهُ بِيَدِهِ أَو رِجْلِهِ؛ قَالَ كُثَيِّرُ عَزَّةَ:
مُدِلٌّ يَعَضُّ، إِذا نالهُنَّ ... مِراراً، ويُدْنِينَ فاهُ لِكاثا
وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: اللَّكْثُ واللِّكاث الضَّرْبُ، وَلَمْ يَخُصَّ يَدًا وَلَا رِجْلًا؛ وَقَالَ كُرَاعٌ: اللُّكاث الضَّرْبُ، بِالضَّمِّ، واللُّكاثَةُ أَيضا: داءٌ يأْخذ الْغَنَمَ فِي أَشداقها وَشِفَاهِهَا، وَهُوَ مِثْلُ القُرح، وَذَلِكَ فِي أَول مَا تكدِمُ النبتَ، وَهُوَ قَصِيرٌ، صَغِيرُ الْفَرْعِ. اللِّحْيَانِيُّ: اللُّكاث والنُّكاثُ داءٌ يأْخذ الإِبل، وَهُوَ شِبْهُ البَثْر يَأْخُذُهَا فِي أَفواهها. ثَعْلَبٌ عَنْ سَلَمَةَ عَنِ الْفَرَّاءِ: اللُّكاثيُّ الرَّجُلُ الشَّدِيدُ الْبَيَاضِ، مأْخوذ مِنَ اللُّكاث، وَهُوَ الْحَجَرُ البَرَّاقُ الأَملس، وَيَكُونُ فِي الجِصِّ. عَمْرٌو عَنْ أَبيه: اللُّكَّاثُ الجصَّاصُون، والصُّنَّاع مِنْهُمْ لا التجار.
لهث: اللَّهَثُ واللُّهاثُ: حَرُّ الْعَطَشِ فِي الْجَوْفِ. الْجَوْهَرِيُّ: اللَّهَثان، بِالتَّحْرِيكِ: الْعَطَشُ، وَبِالتَّسْكِينِ: الْعَطْشَانُ؛ والمرأَة لَهْثى. وَقَدْ لَهِث لَهاثاً مِثْلُ سَمِعَ سَمَاعًا. ابْنُ سِيدَهْ: لَهَث الْكَلْبُ، بِالْفَتْحِ، ولَهِثَ يَلْهَث فِيهِمَا لهْثاً: دَلَع لِسَانَهُ مِنْ شِدَّةِ الْعَطَشِ وَالْحَرِّ؛ وَكَذَلِكَ الطَّائِرُ إِذا أَخرج لِسَانَهُ مِنْ حَرٍّ أَو عَطَشٍ. ولَهَثَ الرَّجُلُ ولهِث يلهَثُ فِي اللُّغَتَيْنِ جَمِيعًا لَهَثاً، فَهُوَ لَهْثانُ: أَعيا. الْجَوْهَرِيُّ: لَهَث الْكَلْبُ، بِالْفَتْحِ، يَلْهَثُ لَهْثاً ولُهاثاً، بِالضَّمِّ، إِذا أَخرج لسانه من التَّعَبِ أَو الْعَطَشِ؛ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ إِذا أَعيا. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ
؛ لأَنك إِذا حملتَ عَلَى الْكَلْبِ نَبَحَ وولَّى هَارِبًا، وإِن تَرَكْتَهُ شدَّ عَلَيْكَ وَنَبَحَ، فَيُتْعِبُ نَفْسَهُ مُقْبِلًا عَلَيْكَ وَمُدْبِرًا عَنْكَ، فَيَعْتَرِيهِ عِنْدَ ذَلِكَ مَا يَعْتَرِيهِ عِنْدَ الْعَطَشِ مِنْ إِخراج اللِّسَانِ. قَالَ أَبو إِسحاق: ضَرَبَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، لِلتَّارِكِ لِآيَاتِهِ وَالْعَادِلِ عَنْهَا أَخَسَّ شيءٍ فِي أَخَسِّ أَحواله مَثَلًا، فَقَالَ: فمثَله كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن كَانَ الْكَلْبُ لَهْثان، وَذَلِكَ أَنَّ الْكَلْبَ إِذا كَانَ يَلْهَثُ، فَهُوَ لَا يَقْدِرُ لِنَفْسِهِ عَلَى ضرٍّ وَلَا نَفْعٍ، لأَن التَّمْثِيلَ بِهِ عَلَى أَنه يَلْهَثُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، حملْتَ عَلَيْهِ أَو تركتَهُ، فَالْمَعْنَى فمثَله كَمَثَلِ الْكَلْبِ لَاهِثًا. وَقَالَ اللَّيْثُ: اللَّهثُ لَهْثُ الْكَلْبِ عِنْدَ الإِعياءِ، وَعِنْدَ شِدَّةِ الحرِّ، هُوَ إِدْلاعُ اللِّسَانِ مِنَ الْعَطَشِ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنَّ امرأَةً بَغيّاً رأَت كَلْبًا يَلْهَثُ فَسَقَتْهُ فغُفِر لَهَا.
وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ: فِي سَكْرَةٍ مُلْهِثَةٍ
أَي مُوقعةٍ فِي اللَّهْثِ. وَقَالَ
سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي المرأَة اللهْثى وَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ إِنهما يُفْطِران فِي رَمَضَانَ ويُطْعِمان.
وَيُقَالُ: بِهِ لُهاث شَدِيدٌ، وَهُوَ شدة العطش؛ قال
__________
(2) . أَهمل المصنف [ل ف ث] وذكرها صاحب القاموس وشرحه ونصه: لفث: الألفث، بالفاء: أَهمله الجوهري وصاحب اللسان. وقال الصاغاني: هو الأَحمق مثل الألفت، بالمثناة. واستلفث ما عنده: استنبط واستقصى. واستلفث الخبر: كتمه. وكذا حاجته: قضاها. واستلفث الرعي، بكسر فسكون إِذا رعاه وَلَمْ يَدَعْ مِنْهُ شَيْئًا.(2/184)
الرَّاعِي يَصِفُ إِبلًا:
حَتَّى إِذا بَردَ السِّجالُ لُهاثَها، ... وجَعلْنَ خَلْفَ غُروضِهنَّ ثَمِيلَا
السِّجَالُ: جَمْعُ سَجْل، وَهِيَ الدَّلْوُ المملوءَة. وَالثَّمِيلَةُ: الْبَقِيَّةُ مِنَ الماءِ تَبْقَى فِي جَوْفِ الْبَعِيرِ. والغُرُوض: جَمْعُ غَرْض وَهُوَ حِزَامُ الرَّحْلِ. وَقَالَ أَبو عَمْرٍو: اللُّهْثة التَعبُ. واللُّهْثة أَيضاً: العطَش. واللُّهثة أَيضاً: الحمْراءُ الَّتِي تَرَاهَا فِي الْخُوصِ إِذا شَقَقْتَهُ. الفراءُ: اللُّهاثيُّ مِنَ الرِّجَالِ الْكَثِيرُ الخِيلان الحُمْر فِي الْوَجْهِ، مأْخوذ مِنَ اللُّهاث، وَهِيَ النقَط الْحُمْرُ الَّتِي فِي الْخُوصِ إِذا شَقَقْتَهُ. أَبو عَمْرٍو: اللُّهَّاث عَامِلُو الخُوص مُقْعَدات، وَهِيَ الدَّواخِلُ، وَاحِدَتُهَا مُقْعَدة، وَهِيَ الوشِيخةُ «1» والوشَخَةُ والشَّوْغَرةُ والمُكَعَّبةُ، والله أَعلم.
لوث: التَّهْذِيبُ، ابْنُ الأَعرابي: اللَّوْثُ الطيُّ. واللوثُ: اللَّيُّ. وَاللَّوْثُ: الشرُّ. واللَّوْثُ: الجِراحات. وَاللَّوْثُ: المُطالبات بالأَحْقاد. واللَّوثُ: تَمْريغُ اللُّقْمَةِ فِي الإِهالَة. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَاللَّوْثُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ شِبْهُ الدَّلَالَةِ، وَلَا يَكُونُ بَيِّنَةً تَامَّةً؛ وَفِي حَدِيثِ الْقَسَامَةِ ذكرُ اللوثِ،
وَهُوَ أَن يَشْهَدَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَلَى إِقرار الْمَقْتُولِ، قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ، أَن فُلَانًا قَتَلَنِي أَو يَشْهَدَ شَاهِدَانِ عَلَى عَدَاوَةٍ بَيْنِهِمَا، أَو تَهْدِيدٍ مِنْهُ لَهُ، أَو نَحْوَ ذَلِكَ
، وَهُوَ مِنَ التَّلَوُّث التلطُّخ؛ يُقَالُ: لَاثَهُ فِي التُّرَابِ وَلَوَّثَهُ. ابْنُ سِيدَهْ: اللَّوْثُ البُطْءُ فِي الأَمر. لوِثَ لَوَثاً والتاثَ، وَهُوَ أَلوَثُ. وَالْتَاثَ فُلَانٌ فِي عَمَلِهِ أَي أَبطأَ. واللُّوثَةُ، بِالضَّمِّ: الاسترخاءُ والبطءُ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي ذَرٍّ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذا الْتَاثَتْ رَاحِلَةُ أَحدنا طَعَنَ بالسَّروة
، وَهِيَ نَصْلٌ صَغِيرٌ، وَهُوَ مِنَ اللُّوثَةِ الاسترخاءِ والبطءِ. وَرَجُلُ ذُو لُوثة: بطيءٌ مُتَمَكِّث ذُو ضَعْفٍ. وَرَجُلٌ فِيهِ لُوثة أَي استرخاءٌ وَحُمْقٌ، وَهُوَ رَجُلٌ أَلوَثُ. وَرَجُلٌ أَلوث: فِيهِ استرخاءٌ، بيِّن اللوَث؛ وَدِيمَةٌ لَوثاءُ. والمُلَيَّث مِنَ الرِّجَالِ: البَطيءُ لِسِمَنِهِ. وَسَحَابَةٌ لوثاءٌ: بِهَا بُطْءٌ؛ وإِذا كَانَ السَّحَابُ بَطِيئًا، كَانَ أَدوم لِمَطَرِهِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
مِنْ لَفْحِ ساريةٍ لوثاءَ تَهْمِيم
قَالَ اللَّيْثُ: اللوثاءُ الَّتِي تَلُوثُ النباتَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، كَمَا تَلُوثُ التِّبْنَ بِالْقَتِّ؛ وَكَذَلِكَ التلوُّث بالأَمر. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: السَّحَابَةُ اللوثاءُ الْبَطِيئَةُ، وَالَّذِي قَالَهُ اللَّيْثُ فِي اللوثاءِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ. الْجَوْهَرِيُّ: وَمَا لَاثَ فُلَانٌ أَن غَلَبَ فُلَانًا أَي مَا احْتَبَسَ. والأَلْوث: الأَحمق، كالأَثْوَل؛ قَالَ طُفَيْلٌ الْغَنَوِيُّ:
إِذا مَا غَزَا لَمْ يُسْقِطِ الخوْفُ رُمحَهُ، ... وَلَمْ يَشْهدِ الْهَيْجَا بأَلْوَثَ مُعْصِم
ابْنُ الأَعرابي: اللُّوثُ جَمْعُ الأَلْوث، وَهُوَ الأَحمق الْجَبَانُ؛ وقال ثمامة بن المخبر السَّدُوسِيُّ:
أَلا رُبَّ مُلْتاثٍ يَجُرُّ كساءَه، ... نَفى عَنْهُ وُجْدانَ الرِّقينَ العَرائما «2»
يَقُولُ: رُبَّ أَحمق نَفَى كَثْرَةُ مَالِهِ أَن يُحَمَّق؛ أَراد أَنه أَحمق قَدْ زيَّنه مَالُهُ، وَجَعَلَهُ عِنْدَ عَوَامِّ الناس عاقلًا.
__________
(1) . قوله [الوشيخة] كذا في الأَصل بلا نقط ولا شكل والذي في القاموس الوشخ.
(2) . قوله [العرائما] كذا بالأَصل وشرح القاموس. ولعله القرائما جمع قرامة، بالضم، العيب.(2/185)
واللُّوثة: مَسُّ جُنُونٍ. ابْنُ سِيدَهْ: وَاللُّوثَةُ كالأَلوث؛ واللُّوثة واللَّوْثة: الْحُمْقُ والاسترخاءُ وَالضَّعْفُ، عَنِ ابْنِ الأَعرابي؛ وَقِيلَ: هِيَ، بِالضَّمِّ، الضَّعْفُ، وَبِالْفَتْحِ، القوَّة وَالشِّدَّةُ. وَنَاقَةٌ ذاتُ لَوْثة ولَوْث أَي قُوَّةٍ؛ وَقِيلَ: نَاقَةٌ ذَاتُ لَوْثة أَي كَثِيرَةُ اللَّحْمِ وَالشَّحْمِ، وَيُقَالُ: نَاقَةٌ ذَاتُ هَوَج. واللَّوْث، بِالْفَتْحِ: القوَّة؛ قَالَ الأَعشى:
بذاتِ لَوْث عَفَرْناة، إِذا عَثَرَت، ... فالتعْسُ أَدنى لَهَا مِنْ أَن يُقال: لَعا
قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: صَوَابُ إِنشاده: مِن أَن أَقول لَعَا، قَالَ وَكَذَا هُوَ فِي شِعْرِهِ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنها لَا تَعْثُرُ لقوَّتها، فَلَوْ عَثَرَتْ لَقُلْتُ: تَعِست وَقَوْلُهُ: بِذَاتِ لَوْثٍ مُتَعَلِّقٌ بِكلَّفت فِي بَيْتٍ قَبْلَهُ، وَهُوَ:
كَلَّفْتُ مَجْهُولَها نَفْسي، وَشَايَعَنِي ... هَمِّي عَلَيْهَا، إِذا مَا آلُها لمَعا
الأَزهري قَالَ: أَنشدني الْمَازِنِيُّ:
فالتاثَ مِنْ بعدِ البُزُولِ عامَينْ، ... فاشتدَّ ناباهُ، وغَيْرُ النابَينْ
قَالَ: التاثَ افْتَعَلَ مِنَ اللَّوث، وَهُوَ القوَّة. واللُّوثة: الهَيْج. الأَصمعي: اللَّوثة الحُمقة، واللَّوثة العَزْمة بِالْعَقْلِ. وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: اللُّوثة واللَّوثة بمعنة الْحُمْقَةِ، فإِن أَردت عَزْمَةَ الْعَقْلِ قُلْتَ: لَوْث أَي حَزْم وقوَّة. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن رَجُلًا كَانَ بِهِ لُوثة، فَكَانَ يُغْبَنُ فِي الْبَيْعِ
، أَي ضَعْفٌ فِي رأْيه، وَتَلَجْلُجٌ فِي كَلَامِهِ. اللَّيْثُ: نَاقَةٌ ذَاتُ لَوْث وَهِيَ الضَّخْمة، وَلَا يَمْنَعُهَا ذَلِكَ مِنَ السُّرْعَةِ. وَرَجُلٌ ذُو لَوْث أَي ذُو قوَّة. وَرَجُلٌ فِيهِ لُوثة إِذا كَانَ فِيهِ استرخاءٌ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ يَصِفُ شَاعِرًا غَالَبَهُ فَغَلَبَهُ فَقَالَ:
وَقَدْ رأَى دونيَ مِنْ تَجَهُّمِي ... «1» أُمَّ الرُّبَيْقِ. والأُرَيْقِ المُزْنَم،
فَلَمْ يُلِثْ شَيطانَهُ تَنَهُّمي
يَقُولُ: رأَى تَجَهُّمِي دُونَهُ مَا لَا يَسْتَطِيعُ أَن يَصِلَ إِليَّ أَي رأَى دُونِيَ دَاهِيَةً، فَلَمْ يُلِثْ أَي لَمْ يُلْبِث تَنَهُّمِي إِياه أَي انْتِهَارِي. وَاللَّيْثُ: الأَسد؛ زَعَمَ كُرَاعٌ أَنه مُشْتَقٌّ مِنَ اللَّوْثِ الَّذِي هُوَ الْقُوَّةُ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: فإِن كَانَ ذَلِكَ، فالياءُ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ، قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا بِقَوِيٍّ لأَن الْيَاءَ ثَابِتَةٌ فِي جَمِيعِ تَصَارِيفِهِ، وَسَنَذْكُرُهُ فِي الْيَاءِ. واللِّيثُ، بِالْكَسْرِ: نَبَاتٌ مُلْتَفٌّ؛ صَارَتِ الْوَاوُ يَاءً لِكَسْرَةِ مَا قَبْلَهَا. والأَلوث: البطِيء الْكَلَامِ، الكلِيلُ اللِّسَانِ، والأُنثى لَوْثاء، وَالْفِعْلُ كَالْفِعْلِ. ولاثَ الشيءَ لَوْثاً: أَداره مَرَّتَيْنِ كَمَا تُدارُ العِمامة والإِزار. وَلَاثَ الْعِمَامَةَ عَلَى رأْسه يلُوثها لَوْثاً أَي عَصَبَهَا؛ وَفِي الْحَدِيثِ:
فَحَلَلْتُ مِنْ عِمَامَتِي لَوْثاً أَو لَوْثَين
أَي لَفَّةً أَو لَفَّتَيْنِ. وَفِي حَدِيثٍ:
الأَنبذةُ والأَسقية الَّتِي تُلاث عَلَى أَفواهها
أَي تُشَدّ وَتُرْبَطُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنَّ امرأَة مِنْ بَنِي إِسرائيل عَمَدت إِلى قَرْن مِنْ قُرُونها فلاثَتْه بِالدُّهْنِ
أَي أَدارته؛ وَقِيلَ: خَلَطَتْهُ. وَفِي الْحَدِيثِ، حَدِيثِ ابْنِ جَزْء: ويلٌ لِلَّوَّاثين الَّذِينَ يَلُوثون مَعَ البَقر ارفعْ يَا غُلَامُ ضعْ يَا غُلَامُ قَالَ ابْنُ الأَثير: قَالَ الْحَرْبِيُّ: أَظنه الَّذِينَ يُدارُ عَلَيْهِمْ بأَلوان الطَّعَامِ، مِنَ اللَّوْث، وَهُوَ إِدارة الْعِمَامَةِ.
وَجَاءَ رَجُلٌ إِلى أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ وَلَاثَ لَوْثًا مِنْ كَلَامِ، فسأَله عُمَرُ فَذَكَرَ أَنَّ ضَيْفًا نَزَلَ بِهِ فزنَى بِابْنَتِهِ
؛ وَمَعْنَى لاث أَي
__________
(1) . قوله [رَأَى دُونِيَ مِنْ تَجَهُّمِي إلخ] كذا بالأَصل.(2/186)
لَوَى كَلَامَهُ، وَلَمْ يُبَيِّنْهُ وَلَمْ يَشْرَحْهُ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ. يُقَالُ: لَاثَ بِالشَّيْءِ يَلُوثُ بِهِ إِذا أَطاف بِهِ. وَلَاثَ فُلَانٌ عَنْ حَاجَتِي أَي أَبطأَ بِهَا؛ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أَصل اللَّوْثِ الطَّيُّ؛ لُثْت الْعِمَامَةَ أَلُوثها لَوْثاً. أَراد أَنه تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ مَطْويّ، لَمْ يُبَيِّنْهُ لِلِاسْتِحْيَاءِ، حَتَّى خَلَا بِهِ؛ وَلَاثَ الرَّجُلُ يلوثُ أَي دَارَ. وَفُلَانٌ يَلُوث بِي أَي يَلُوذ بِي. ولاث يلُوث لَوْثاً: لزِمَ وَدَارَ «1» ، عَنِ ابْنِ الأَعرابي: وأَنشد:
تَضْحَك ذاتُ الطَّوْقِ والرِّعاثِ ... مِنْ عَزَبٍ، لَيْسَ بِذِي مَلاثِ
أَي لَيْسَ بِذِي دارٍ يَأْوي إِليها وَلَا أَهل. وَلَاثَ الشَّجَرُ وَالنَّبَاتُ، فَهُوَ لائثٌ ولاثٌ ولاثٍ: لَبِسَ بَعْضُهُ بَعْضًا وتَنَعَّمَ؛ وَكَذَلِكَ الكلأُ، فأَما لَائِثٌ فَعَلَى وَجْهِهِ، وأَما لاثٌ فَقَدْ يَكُونُ فَعِلًا، كبَطِرٍ وفَرِقٍ، وَقَدْ يَكُونَ فَاعِلًا ذَهَبَتْ عَيْنُهُ. وأَما لاثٍ فَمَقْلُوبٌ عَنْ لَائِثٍ، مِن لَاثَ يَلُوثُ، فَهُوَ لائثٌ، وَوَزْنُهُ فالعٌ؛ قَالَ:
لاثٍ بِهِ الأَشاءُ والعُبْريُ
وَشَجَرٌ ليِّثٌ كَلاثٍ؛ والتاثَ وأَلاثَ، كَلاث؛ وقد لَاثَهُ المطرُ ولَوَّثه. واللَّائث واللاثُ مِن الشَّجَرِ وَالنَّبَاتِ: مَا قَدِ الْتَبَسَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ؛ تَقُولُ الْعَرَبُ: نَبَاتٌ لائثٌ ولاثٍ، عَلَى الْقَلْبِ؛ وَقَالَ عَدِيٌّ:
ويَأْكُلْنَ مَا أَغْنى الوَلِيُّ وَلَمْ يُلِثْ، ... كأَنَّ بِحافات النِّهاء مَزارِعا
أَي لَمْ يَجْعَلْهُ لَائِثًا. وَيُقَالُ: لَمْ يُلِثْ أَي لَمْ يُلِثْ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، مِن اللَّوْثِ، وهو اللَّيّ. وقال الوري «2» : لَمْ يُلِثْ لَمْ يُبْطئْ. أَبو عُبَيْدٍ: لاثٍ بِمَعْنَى لَائِثٍ، وَهُوَ الَّذِي بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ. وأَلْوَثَ الصِلِّيانُ: يَبِسَ ثُمَّ نَبَتَ فِيهِ الرَّطْب بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَدْ يَكُونُ فِي الضَّعَةِ والهَلْتَى والسَّحَمِ، وَلَا يَكَادُ يُقَالُ فِي الثُّمَام، وَلَكِنْ يُقَالُ فِيهِ: بَقَلَ، وَلَا يُقَالُ فِي العَرْفج: أَلْوَثَ، وَلَكِنْ أَدْبَى وامْتَعَسَ زِئْبِرُه. وَدِيمَةٌ لَوْثاءُ: تَلُوثُ النَّبَاتَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ. وَكُلُّ مَا خَلَطْتَه ومَرَسْتَهُ: فَقَدَ لُثْتَه ولَوَّثْته، كَمَا تلوثُ الطِّينَ بِالتِّبْنِ والجِصَّ بِالرَّمْلِ. ولَوَّث ثِيابه بِالطِّينِ أَي لطَّخها. ولَوَّث الْمَاءَ: كدَّره. الْفَرَّاءُ: اللُّوَاثُ الدَّقِيقُ الَّذِي يُذَرُّ عَلَى الخِوانِ، لِئلا يَلْزَق بِهِ الْعَجِينُ. وَفِي النَّوَادِرِ: رأَيت لُواثة ولَوِيثةً مِنَ النَّاسِ وهُواشة أَي جَمَاعَةً، وَكَذَلِكَ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ. واللَّوِيثَةُ، عَلَى فعِيلة: الْجَمَاعَةُ مِنْ قَبَائِلَ شتَّى. وَالِالْتِيَاثُ: الاختِلاط وَالِالْتِفَافُ؛ يُقَالُ: الْتاثَتِ الخطُوب، والتاثَ برأْس الْقَلَمِ شعَرة، وإِنَّ الْمَجْلِسَ لِيَجْمَعُ لَوِيثَةً مِنَ النَّاسِ أَي أَخلاطاً لَيْسُوا مِنْ قَبِيلَةٍ وَاحِدَةٍ. وَنَاقَةٌ ذاتُ لَوْثٍ أَي لَحْمٍ وسِمَنٍ قَدْ لِيثَ بِهَا. وَالْمُلَاثُ والمِلْوَث: السَّيِّدُ الشَّرِيفُ لأَنَّ الأَمر يُلاثُ بِهِ ويُعْصَب أَي تُقْرَنُ بِهِ الأُمور وتُعْقَدُ، وَجَمْعُهُ مَلاوِث. الْكِسَائِيُّ: يُقَالُ لِلْقَوْمِ الأَشراف إِنهم لمَلاوِث أَي يُطَافُ بِهِمْ ويُلاث؛ وَقَالَ:
هلَّا بَكَيْت مَلاوِثاً ... مِنْ آلِ عبدِ مَناف؟
ومَلاويثُ أَيضا: فأَما قَوْلُ أَبي ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيِّ، أَنشده
__________
(1) . قوله [لزم ودار] كذا بالأَصل والذي في القاموس اللوث لزوم الدار انتهى. فمعنى لاث لزم الدار.
(2) . كذا في الأصل بلا نقط ولا شكل ويكمن أَنه البوري نسبة إلى بور، بضم الباء، بلدة بفارس خرج منها مشاهير، والله أَعلم.(2/187)
أَبو يَعْقُوبَ:
كَانُوا مَلاوِيثَ، فاحْتاجَ الصديقُ لَهُمْ، ... فَقْدَ البلادِ، إِذا مَا تُمْحِلُ، الْمَطَرَا
قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: إِنما أَلحق الياء لإتمام الْجُزْءِ، وَلَوْ تَرَكَهُ لَغَنِيَ عَنْهُ؛ قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: فَقْدَ مَفْعُولٌ مِنْ أَجله أَي احْتَاجَ الصِّدِّيقُ لَهُمْ لمَّا هَلَكُوا، كَفَقْدِ الْبِلَادِ الْمَطَرَ إِذا أَمحلت؛ وَكَذَلِكَ المَلاوِثَة؛ وَقَالَ:
منَعْنَا الرَّعْلَ، إِذ سَلَّمْتُموه، ... بِفِتيانٍ مَلاوِثَةٍ جِلاد
وَفِي الْحَدِيثِ:
فَلَمَّا انْصَرَفَ مِنَ الصَّلَاةِ لَاثَ بِهِ النَّاسُ
أَي اجْتَمَعُوا حَوْلَهُ؛ يُقَالُ: لَاثَ بِهِ يَلُوثُ وأَلاث، بِمَعْنًى. واللِّثَةُ: مَغْرِزُ الأَسنان، مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ، لأَن اللَّحْمَ لِيثَ بأُصولها. وَلَاثَ الوَبَر بالفَلْكة: أَداره بِهَا؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
إِذا طَعَنْتُ بِهِ، مالتْ عِمامتُهُ، ... كَمَا يُلاثُ برأْسِ الفَلْكَةِ الوَبَرُ
وَلَاثَ بِهِ يَلُوثُ: كَلَاذَ. وإِنه لَنِعْمَ المَلاثُ للضِّيفان أَي المَلاذ؛ وَزَعَمَ يَعْقُوبُ أَن ثَاءَ لَاثَ هَاهُنَا بَدَلٌ مِنْ ذَالِ لَاذَ؛ يُقَالُ: هُوَ يَلُوذُ بِي وَيُلَوِّثُ. واللُّوث: فِراخ النَّحْل، عَنْ أَبي حَنِيفَةَ.
ليث: اللَّيثُ: الشِّدَّةُ والقوَّة. ورجلٌ مِلْيَثٌ: شديدُ الْعَارِضَةِ، وَقِيلَ: شديدٌ قويٌّ. واللَّيثُ: الأَسد، وَالْجَمْعُ لُيُوثٌ. وإِنه لَبَيِّنُ اللِّياثة. واللَّيث: الشُّجَاعُ بيِّن اللُّيُوثة، قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُراه عَلَى التَّشْبِيهِ، وَكَذَلِكَ الأَليث. وتَلَيَّثَ واسْتَلْيَثَ ولَيَّثَ: صَارَ كاللَّيْثِ. ابْنُ الأَعرابي: الأَلْيَثُ الشُّجَاعُ، وَجَمْعُهُ لِيثٌ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنه كَانَ يُوَاصِلُ ثَلَاثًا ثُمَّ يُصْبِحُ، وَهُوَ أَلْيَثُ أَصحابه
، أَي أَشدُّهم وأَجْلَدُهم، وَبِهِ سُمِّيَ الأَسد لَيْثاً، واللَّيثُ الأَسد، وَالْجَمْعُ لُيُوثٌ، وَيُقَالُ: يُجْمَعُ الليثُ مَلْيَثَةً، مِثلَ مَسْيَفَةٍ ومَشْيَخَةٍ، قَالَ الهُذَليُّ:
وأَدْرَكَتْ مِنْ خثيمٍ ثَمَّ مَلْيَثَةً، ... مِثْلَ الأُسُودِ، عَلَى أَكْنافِها اللِّبَدُ
وَاللَّيْثُ فِي لُغَةِ هُذَيْلٍ: اللَّسِنُ الجَدِلُ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ بَحْرٍ: الليثُ ضَرْبٌ مِنَ الْعَنَاكِبِ، قَالَ: وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الدَّوَابِّ مِثْلَهُ فِي الحِذْقِ والخَتْلِ، وصوابِ الوَثْبَةِ والتَّسْدِيدِ، وسرعةِ الخَطْفِ والمُدَاراة، لَا الكلبُ وَلَا عَناقُ الأَرض، وَلَا الفهدُ وَلَا شَيْءٌ مِنْ ذَوَاتِ الأَربع، وإِذا عاينَ الذبابَ سَاقِطًا لَطأَ بالأَرض، وسَكَّنَ جَوَارِحَهُ ثُمَّ جَمَعَ نَفْسَهُ وأَخَّرَ الوَثْبَ إِلى وَقْتِ الغِرَّة، وَتَرَى مِنْهُ شَيْئًا لَمْ ترَه فِي فَهْدٍ وإِن كَانَ مَوْصُوفًا بِالْخَتْلِ لِلصَّيْدِ. ولايَثَهُ: زَايَلَهُ مُزَايَلَةَ اللَّيثِ. واللَّيْثُ: الْعَنْكَبُوتُ، وَقِيلَ: الَّذِي يأْخذ الذُّبابَ، وَهُوَ أَصغر مِنَ الْعَنْكَبُوتِ. ولايَثْتُ فُلَانًا: زَاوَلْتُهُ مُزَاوَلَةً، قَالَ الشَّاعِرُ:
شَكِسٌ، إِذا لايَثْتَه، لَيْثِيُ
وَيُقَالُ: لايَثَه أَي عَامَلَهُ مُعَامَلَةَ اللَّيْثِ، أَو فَاخَرَهُ بالشَّبه بِاللَّيْثِ. وَقَوْلُهُمْ: إِنه لأَشْجَعُ مِنْ لَيْثِ عِفِرِّينَ، قَالَ أَبو عَمْرٍو: هُوَ الأَسد، وَقَالَ الأَصمعي هُوَ دَابَّةٌ مِثْلُ الحِرْباء تتعرَّض لِلرَّاكِبِ، نُسِبَ إِلى عِفِرِّينَ: اسْمِ بَلَدٍ، قَالَ الشَّاعِرُ:
فَلَا تَعْذِلي فِي حُنْدُجٍ، إِنَّ حُنْدُجاً ... ولَيْثَ عِفِرِّينٍ، عَليَّ، سَواءُ(2/188)
وليثُ عِفِرِّينَ مَذْكُورٌ فِي موضعه. واللِّيثُ: نبات اشْتَعَلَ وَرَقًا، وَقِيلَ: أَخرج زَهْرَهُ. واللَّيث: أَن يَكُونَ فِي الأَرض يَبِيسٌ فَيُصِيبَهُ مَطَرٌ فَيَنْبُتَ، فَيَكُونَ نِصْفُهُ أَخضر وَنِصْفُهُ أَصفر. وَمَكَانٌ مَلِيثٌ ومَلُوثٌ وَكَذَلِكَ الرأْس إِذا كَانَ بَعْضُ شَعْرِهِ أَسود وَبَعْضُهُ أَبيض. واللِّيثُ، بِالْكَسْرِ: نَبَاتٌ مُلْتَفٌّ، صَارَتِ الْوَاوُ يَاءً لِكَسْرَةِ مَا قَبْلَهَا، وَقَدْ تقدَّم. واللَّيْثُ: وَادٍ مَعْرُوفٌ بِالْحِجَازِ. وَبَنُو لَيْثٍ: بَطْنٌ، وَفِي التَّهْذِيبِ: حيٌّ مِنَ كِنَانَةَ. وتَلَيَّثَ فُلَانٌ ولَيَّثَ ولُيِّثَ: صَارَ لَيْثِيَّ الهَوَى والعَصَبِيَّةِ، قَالَ رُؤْبَةُ:
دُونك مَدْحاً مِنْ أَخٍ مُلَيَّثِ ... عَنْكَ، بِمَا أَوْلَيْتَ في تَأَثُّثِ
متث: مَتْثَى أَبو يُونُسَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، سُرْيَانِيَّةٌ، أَخبر بِذَلِكَ أَبو الْعَلَاءِ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالْمَعْرُوفُ مَتَّى، وقد تقدم.
فصل الميم
مثث: مَثَّ العَظمُ مَثًّا: سَالَ مَا فِيهِ مِنَ الوَدَك؛ قَالَ أَبو تُرَابٍ: سَمِعْتُ أَبا مِحْجَنٍ الضَّبَابِيَّ يَقُولُ: مُثَّ الجُرْحَ ومُشَّه أَي انْفِ عَنْهُ غَثِيثَتَهُ؛ ومَثَّ شاربَهُ إِذا أَطعمه شَيْئًا دَسِماً. ابْنُ سِيدَهْ: مَثَّ شارِبُهُ يَمُثُّ مَثّاً: أَصابه الدَّسَمُ فرأَيت لَهُ وَبِيصاً. قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: أحْسَبُ أَن مَثَّ ونَثَّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وسيأْتي ذِكْرُ نَثَّ؛ قَالَ أَبو زَيْدٍ: مَثَّ شارِبَهُ يَمُثُّهُ مَثًّا إِذا أَصابه دَسَمٌ فَمَسَحَهُ بِيَدَيْهِ، ويُرى أَثَرُ الدَّسَمِ عَلَيْهِ. قَالَ أَبو تُرَابٍ: سَمِعْتُ وَاقِعًا يَقُولُ: مَثَّ الجرحَ ونَثَّهُ إِذا دَهَنَهُ؛ وَقَالَ ذَلِكَ عِرَامٌ. ومثَّ السِّقاءُ والزِّقُّ يَمُثُّ، وتَمَثْمَثَ: رَشَحَ؛ وَقِيلَ: نَتَحَ مِنْ مَهْنِهمْ لَهُ؛ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَا يُقَالُ فِيهِ: نَضَح. ومَثَّ الرجلُ يَمُثُّ: عَرِقَ مِنْ سِمَنٍ. وَرُوِيَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ: يَمُثُّ مَثَّ الحَمِيتِ.
ومَثَّ الحَمِيتُ: رَشَحَ، وَهِيَ المَثْمَثَةُ. وَجَاءَ يَمُثُّ إِذا جَاءَ سَمِيناً يُرى على سَحْنَتِه وجلْده مثلُ الدُّهن؛ قَالَ الْفَرَزْدَقُ:
تَقُولُ كُلَيْبٌ، حِينَ مَثَّتْ جُلُودُها، ... وأَخْصَبَ مِنْ مَرُّوتِها كلُّ جانِبِ
وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ: أَن رَجُلًا أَتاه يسأَله قَالَ: هَلَكْتُ قَالَ: أَهَلَكْتَ وأَنت تَمُثُّ مثَّ الحَميتِ؟
أَي تَرْشَحُ مِنَ السِّمَنِ، وَيُرْوَى بِالنُّونِ. ونَبْتٌ مَثَّاثٌ: نَدٍ؛ قَالَ:
أَرْعَلَ مَجَّاجَ النَّدى مَثَّاثا
ومَثَّ يَدَهُ وأَصابعه بالمِنْدِيل أَو بالحَشِيشِ وَنَحْوِهِ مَثًّا: مَسَحَهَا، لغةٌ فِي مَشَّ؛ وَفِي حَدِيثِ
أَنس: كَانَ لَهُ مِنْدِيلٌ يَمُثُّ بِهِ الماءَ إِذا توضأَ
أَي يَمْسَحُ بِهِ أَثَرَ الْمَاءِ وَيُنَشِّفُهُ؛ وَقِيلَ: كُلُّ مَا مَسَحْتَهُ فَقَدْ مَثَثْتَهُ مَثًّا، وَكَذَلِكَ مَشَشْتَه؛ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
نَمُثُّ بأَعْرافِ الجِيادِ أَكُفَّنا، ... إِذا نَحْنُ قُمْنا عَنْ شِواءِ مُضَهَّبِ
وَرَوَاهُ غَيْرُهُ: نَمُشُّ؛ قَالَ ابْنُ دُرَيد: أَحْسَبُه مَقْلُوبًا عَنْ ثَمَمْتُ. ومَثْمَثُوه، كَثَمْثَمُوه؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. ومَثْمَثَ الرجلُ إِذا أَشبع الفَتيلَةَ مِنَ الدُّهْنِ؛ وَيُقَالُ: مَثْمِثُوا بِنَا ساعَةً، وثَمْثِمُوا بِنَا سَاعَةً، ولَثلِثوا سَاعَةً أَي رَوِّحُوا بِنَا قَلِيلًا. والمَثْمَثَةُ: التَّخلِيط؛ يُقَالُ: مَثْمَثَ أَمْرَهُم إِذا خَلَّطه. ومَثْمَثَه أَيضاً:(2/189)
مِثْلُ مَزْمَزَه، عَنِ الأَصمعي. يُقَالُ: أَخذه فمَثْمَثَه ومَزْمَزَه إِذا حرَّكه، وأَقبل بِهِ وأَدْبَر؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
ثُمَّ اسْتَحَثَّ ذَرْعَه اسْتِحْثاثا، ... نَكَفْتُ حَيْثُ مَثْمَثَ المِثْماثا
قَالَ: يَقُولُ انْتَكَفْتُ أَثرَه، والأَفْعَى تَخْلِطُ المَشْيَ؛ فأَراد أَنه أَصابَ أَثَراً مُخَلَّطاً. والمِثْمَاثُ، بكسر الميم: المصدر، بالفتح الاسم.
محث: مَحَثَ الشيءَ: كَحَثَمَه.
مرث: مَرَثَ بِهِ الأَرضَ ومَرَّثها: ضَرَبَهَا بِهِ؛ هَذِهِ رِوَايَةُ أَبي عُبَيْدٍ، وَرِوَايَةُ الْفَرَّاءِ: مَرَنَ، بِالنُّونِ. ومَرَثَ الشيءَ فِي الْمَاءِ يَمْرُثُهُ وَيَمْرِثُهُ مَرْثاً: أَنْقَعَه فِيهِ. ومَرثَ الشيءَ يَمْرُثُهُ مَرْثاً، حَتَّى صَارَ مِثْلَ الحَسَاء، ثُمَّ تَحَسَّاه. وكلُّ شَيءٍ مُرِذَ، فَقَدْ مُرِثَ. الأَصمعي فِي بَابِ الْمُبْدَلِ: مَرَثَ فُلَانٌ الخُبْزَ فِي الْمَاءِ ومَرَذه، قَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ أَبو بَكْرٍ عَنْ شَمِرٍ، بِالثَّاءِ وَالذَّالِ. الْجَوْهَرِيُّ: مَرَثَ التمرَ بِيَدِهِ يَمْرُثُه مَرْثاً: لُغَةٌ فِي مَرْسِهِ، إِذا مَاثَهُ وَدَافَهُ، وَرُبَّمَا قِيلَ: مَرَذَه. والمَرْثُ: المَرْسُ. ومَرَثَ الشيءَ: نَالَهُ بغَمْزٍ وَنَحْوِهِ. والمَرْثُ: مَرْسُك الشيءَ تَمْرُثُهُ فِي مَاءٍ وَغَيْرِهِ حَتَّى يَفْتَرِقَ. ومَرَّثَه تَمْرِيثًا إِذا فَتَّتَه؛ وأَنشد:
قَراطِفُ اليُمْنَةِ لَمْ تُمَرَّثِ
ومَرَثَ السَّخْلَةَ ومَرَّثَها: نَالَهَا بسَهَكٍ فَلَمْ تَرْأَمها أُمّها لِذَلِكَ. ابْنُ الأَعرابي: المَرْثُ المَصُّ، قَالَ والمَرْثَةُ مَصَّةُ الصَّبيِّ ثَدْيَ أُمِّه مَصَّةً وَاحِدَةً، وَقَدْ مَرَثَ يَمْرُثُ مَرْثاً إِذا مَصَّ. ومَرَثَ الصبيُّ إصْبعَه إِذا لَاكَهَا؛ قَالَ عَبْدَةُ بْنُ الطَّبِيبِ:
فرجَعْتُهم شَتَّى، كأَنّ عمِيدَهم ... فِي المَهْد يَمْرُثُ وَدْعَتَيْهِ مُرْضَعُ [مُرْضِعُ]
ومرثَ الصبيُّ يَمْرُثُ إِذا عَضَّ بِدُرْدُرِه. وَفِي حَدِيثِ
الزُّبَيْرِ قَالَ لِابْنِهِ: لَا تُخَاصِمِ الْخَوَارِجَ بِالْقُرْآنِ، خَاصِمْهُمْ بالسُّنَّة؛ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَخَاصَمْتُهُمْ بِهَا فكأَنهم صِبْيانٌ يَمْرُثون سُخُبَهم
أَي يَعَضُّونها ويَمَصُّونها. والسُّخُبُ: فلائِدُ الخَرَز؛ يَعْنِي أَنهم بُهِتوا وَعَجَزُوا عَنِ الْجَوَابِ. ومَرَثَ الوَدَعَ يَمْرُثه ويمرِثه مَرْثاً: مَصَّه. وَفِي الْمَثَلِ: أَلا تُمَرِّثُني الوَدْع والوَدَع؟ إِذا عَامَلَكَ فطمِع فِيكَ؛ يُضْرَبُ مَثَلًا للأَحمق. وَرَجُلٌ مِمْرَثٌ: صَبُورٌ عَلَى الْخِصَامِ، وَالْجَمْعُ مَمارِثُ. ابْنُ الأَعرابي: المَرْثُ الحِلْمُ. وَرَجُلٌ مِمْرَثٌ: حَلِيمٌ وَقُورٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَتى السِّقاية وَقَالَ: اسْقوني، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: إِنهم قَدْ مَرَّثوه وأَفسدوه.
قَالَ شَمِرٌ: مَرَّثوه أَي وَضَّروه وَوَسَّخُوهُ بإِدخال أَيديهم الوَضِرَةِ؛ قَالَ: ومَرَّثه ووَضَّرَه وَاحِدٌ. قَالَ وَقَالَ ابْنُ جُعَيْلٍ الْكَلْبِيُّ: يُقَالُ لِلصَّبِيِّ إِذا أَخذ وَلَدَ الشَّاةِ لَا تَمْرُثْه بِيَدِكَ فَلَا تُرْضِعَه أُمّه، أَيْ لَا تُوَضِّرْهُ بلَطْخ يَدك؛ وَذَلِكَ أَن أُمه إِذا شَمَّتْ رَائِحَةَ الوَضَرِ نَفَرَتْ مِنْهُ. وَقَالَ الْمُفَضَّلُ الضَّبِّيُّ: يُقَالُ أَدْرِك عَناقَك لَا يُمَرِّثوها؛ قَالَ: والتَّمْريثُ أَنْ يَمْسَحَها الْقَوْمُ بأَيديهم وَفِيهَا غَمَر، فَلَا تَرْأَمَها أُمُّها مِنْ رِيحِ الغَمَر.
مغث: المَغْثُ: الْتِبَاسُ الشُّجَعاء فِي الْحَرْبِ وَالْمَعْرَكَةِ. والمَغْثُ: العَرْك فِي الْمُصَارَعَةِ. ومَغَثَ «3» الدواءَ فِي الْمَاءِ يَمْغَثه مغْثاً: مَرَثَهُ. والمَغْثُ: اللَّطْخُ.
__________
(3) . قوله [مغث] ظاهر صنيع القاموس أَنه من باب كتب لكن ضبط المضارع في أصل اللسان يقتضي أنه من باب منع وهو القياس.(2/190)
ومَغَثْتُ عِرْضَه بِالشَّتْمِ ومَغَثَ عِرْضَه يَمْغَثه مَغْثًا: لَطَّخَهُ؛ قَالَ صَخْرُ بْنُ عُمَيْرٍ:
مَمْغُوثَةٌ أَعراضُهُم مُمَرْطَله، ... كَمَا تُلاثُ بالهِناء الثَّمَله
مَمْغُوثة أَي مُذَلَّلة، وَصَوَابُهُ مَمْغُوثةً، بِالنَّصْبِ، وَقَبْلَهُ:
فَهَلْ عَلِمْتَ فُحَشاءَ جَهَلَهْ
والمُمَرْطَلة: الْمُلَطَّخَةُ بِالْعَيْبِ. والثَّملة: خِرْقَةٌ تُغْمَس فِي الهِناء. وَيُقَالُ: بَيْنَهُمَا مِغاثٌ أَي لحاءٌ وحِكاكٌ. الْجَوْهَرِيُّ: مَغَثُوا عِرْض فُلَانٍ أَي شَانُوهُ ومضَغُوه. ومغَثَ الشيءَ يَمْغَثه مَغْثاً: دَلَكَه ومَرَسه. وَرَجُلٌ مَغْثٌ ومُماغِثٌ: مُمارِس مُصارع شديدُ الْعِلَاجِ. وَرَجُلٌ مُماغِثٌ إِذا كَانَ يُلاحُّ النَّاسَ ويُلادُّهم. ومغثَ المطرُ الكَلأَ يَمْغَثُه مَغْثاً، فَهُوَ مَمْغُوثٌ ومَغِيثٌ: أَصابه الْمَطَرُ فَغَسَلَهُ، فغيَّر طَعْمَهُ وَلَوْنَهُ بصُفرة وخَبَّثَه وَصَرَعَهُ. ومَغَثَهم بشَرٍّ مَغْثاً: نَالَهُمْ. وَمَغَّثُوا فُلَانًا إِذا ضَرَبُوهُ ضَرْبًا لَيْسَ بِالشَّدِيدِ كأَنهم تَلْتَلُوه. والمَغْثُ عِند الْعَرَبِ: الشَّرُّ؛ وأَنشد:
نُوَلِّيها الملامةَ إِن أَلِمْنا، ... إِذا مَا كَانَ مَغْثٌ، أَو لِحاءُ
مَعْنَاهُ: إِذا مَا كَانَ شر أَو مُلاحاة. ورجل مَغِيثٌ ومَغِثٌ: شِرِّيرٌ، عَلَى النَّسَبِ. ومَغْثُ الحُمَّى: تَوْصِيمُها. وَرَجُلٌ مَمْغُوثٌ: مَحْمُومٌ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي. وَقَدْ مُغِثَ إِذا حُمَّ. وَفِي حَدِيثِ خَيْبَرَ:
فمَغَثَتْهم الحُمَّى
أَي أَصابتهم وأَخذتهم. وأَصل المَغْثِ: المَرْسُ والدَّلْكُ بالأَصابع. وَفِي حَدِيثِ
عُثْمَانَ: أَنَّ أُمَّ عَيَّاشٍ قَالَتْ: كنتُ أَمْغَثُ لَهُ الزبيبَ غُدْوَةً فَيَشْرَبُهُ عَشِيَّةً، وأَمْغَثُه عَشيَّةً فَيَشْرَبُهُ غُدْوَةً.
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه قَالَ لِلْعَبَّاسِ: اسْقُونَا، يَعْنِي مِنْ سِقايتِه، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا شرابٌ قَدْ مُغِث ومُرِث
أَي نَالَتْهُ الأَيدي وخالَطَتْه. سَلمَة: مَغَثْتُه وغَتَتُّه ومَصَحْتُه وغَطَطْتُه: بِمَعْنَى غرَّقته، وَكَذَلِكَ قَمَسْتُه. والمُغاثُ: أَهونُ أَدواء الإِبل؛ عَنِ الهَجَريّ، قَالَ قَرْوَةٌ: سَبْعَةُ أَيام يأْكل فِيهَا وَيَشْرَبُ ثُمَّ يبرأُ. وماغِثٌ: لقبُ عُتَيْبَة بن الحارث.
مكث: المُكْثُ: الأَناةُ واللَّبَثُ وَالِانْتِظَارُ؛ مَكَثَ يَمْكُثُ، ومَكُثَ مَكْثاً ومُكْثاً ومُكوثاً ومَكاثاً ومَكاثةً ومِكِّيثَى؛ عَنْ كَرَاعٍ وَاللِّحْيَانِيِّ، يُمَدُّ وَيُقْصَرُ. وتَمَكَّثَ: مَكَثَ. والمَكِيثُ: الرَّزينُ الَّذِي لَا يَعْجَل فِي أَمره، وَهُمُ المُكَثاءُ والمَكِيثون، وَرَجُلٌ مَكِيثٌ أَي رَزِينٌ؛ قَالَ أَبو المُثَلَّمِ يُعَاتِبُ صَخْرًا:
أَنَسْلَ بَني شِعارَةَ، مَن لِصَخْرٍ؟ ... فإِنِّي عَنْ تَقَفُّرِكم مَكِيثُ
قَوْلُهُ: عَنْ تَقَفُّرِكم أَي عَنْ أَن أَقتفي آثَارَكُمْ، وَيُرْوَى عَنْ تُفْقِرُكُمْ أَي أَن أَعْمَلَ بِكُمْ فاقِرَةً. والماكِثُ: المُنْتَظِرُ، وإِن لَمْ يَكُنْ مَكِيثاً فِي الرَّزانة. وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ
؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: قرأَها النَّاسُ بِالضَّمِّ، وقرأَها عَاصِمٌ بِالْفَتْحِ: فمَكَثَ؛ وَمَعْنَى غيرَ بعيدٍ أَي غيرَ طَوِيلٍ، مِنَ الإِقامة. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: اللُّغَةُ الْعَالِيَةُ مَكُثَ، وَهُوَ نَادِرٌ؛ ومَكَثَ جَائِزَةٌ وَهُوَ الْقِيَاسُ. قَالَ: وتَمَكَّثَ إِذا انتَظَر أَمْراً وأَقام عَلَيْهِ، فَهُوَ مُتَمَكِّثٌ منتظِر. وتَمَكَّثَ: تَلَبَّث. والمُكْثُ: الإِقامةُ مَعَ الِانْتِظَارِ والتَّلَبُّث فِي الْمَكَانِ، وَالِاسْمُ المُكْث والمِكْثُ، بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا. والمِكِّيثَى مِثْلُ الخِصِّيصَى: المُكْثُ.(2/191)
وَسَارَ الرجلُ مُتَمَكِّثاً أَي مُتَلَوِّماً. وَفِي الْحَدِيثِ
أَنه توضَّأَ وُضُوءًا مَكِيثاً
أَي بَطِيئًا مُتأَنّياً غيرَ مُسْتَعْجَلٍ. وَرَجُلٌ مَكِيثٌ: ماكِث. والمَكيثُ أَيضاً: المُقيم الثَّابِتُ؛ قَالَ كَثِيرٌ:
وعَرَّسَ بالسَّكرانِ يَومَين، وارتكَى ... يَجرُّ، كَمَا جَرَّ المَكِيثُ المُسافرُ
ملث: المَلْثُ: أَن يَعِدَ الرجلُ الرجلَ عِدَةً لَا يُرِيدُ أَن يَفِيَ بِهَا. ابْنُ سِيدَهْ: مَلَثَه يَمْلُثه مَلْثاً: وَعَدَهُ عِدَةً كأَنه يَرُدُّهُ عَنْهَا، وَلَيْسَ يَنوي لَهُ وَفَاءً. ومَلَثَهُ بِكَلَامٍ: طَيَّبَ بِهِ نفْسَه وَلَا وَفَاءَ لَهُ؛ ومَلَذَهُ يَمْلُذُه مَلْذاً. والمَلْثُ: اختلاطُ الظُّلمة، وَقِيلَ: هُوَ بعدَ السَّدَف. وأَتيته مَلَثَ الظَّلامِ ومَلَسَ الظَّلَامِ وَعِنْدَ مَلَثِه أَي حِينَ اخْتلط الظَّلَامُ، وَلَمْ يشتدَّ السوادُ جِدًّا حَتَّى تَقُولُ: أَخوك أَم الذئبُ؟ وَذَلِكَ عِنْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وبعدها؛ وأَنشد الجَندل بْنِ المُثَنَّى الطُّهَوي:
ومَنْهَلٍ مِنَ الأَنِيس نَائِي، ... دَاويتُه بِرُجَّعٍ أَبْلاءِ،
إِذا انغَمَسْنَ مَلَثَ الإِمْساءِ
ويُستعمل ظَرْفًا وَاسْمًا غَيْرَ ظَرْفٍ. أَبو زَيْدٍ: مَلَثُ الظلامِ اختلاطُ الضَّوء بِالظُّلْمَةِ، وَهُوَ عِنْدَ الْعِشَاءِ وَعِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ؛ وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: المَلْثَةُ والمَلْثُ أَولُ سَوَادِ الْمَغْرِبِ، فإِذا اشتدَّ حَتَّى يأْتيَ وقتُ العشاء الأَخيرة، فهو المَلَسُ، فَلَا يُمَيَّزُ هَذَا مِنْ هَذَا لأَنه قَدْ دخل المَلْثُ في الملَسِ، ومِثله اختلطَ الخاثِرُ بالزُّبَّادِ. والمِلاثُ: المُلاعَبة؛ قَالَ:
تَضْحَك ذاتُ الطَّوْقِ والرِّعاثِ ... مِنْ عَزَبٍ، لَيْسَ بِذِي مِلاثِ
كَذَا أَنشده ابْنُ الأَعرابي بكسر الميم.
موث: ابْنُ السِّكِّيتِ: ماثَ الشيءَ يَمُوثُه مَوْثاً: مَرَسَه. ويَميثُه، لغةٌ، إِذا دافَه. الجوهري: مُثْتُ الشيءَ في الْمَاءِ أَموثه مَوْثاً ومَوَثاناً إِذا دُفْتَه فانماثَ هُوَ فِيهِ انمِياثاً، وَالْكَلِمَةُ وَاوِيَّةٌ وَيَائِيَّةٌ، وَهَا نَحْنُ نَذْكُرُهَا.
ميث: ماثَ الشيءَ مَيْثاً: مَرَسَه. وماثَ المِلحَ فِي الْمَاءِ: أَذابه؛ وَكَذَلِكَ الطِّينَ، وَقَدِ انماثَ. اللَّيْثُ: مَاثَ يَمِيثُ مَيْثاً: أَذابَ الْمِلْحَ فِي الْمَاءِ حَتَّى امَّاثَ امِّياثاً. وكلُّ شيءٍ مَرَسته فِي الْمَاءِ فَذَابَ فِيهِ، مِنْ زعفرانٍ وتمرٍ وزبيبٍ وأَقِط، فَقَدَ مِثْتَه ومَيَّثْتَه. وأَماث الرجلُ «1» لِنَفْسِهِ أَقِطاً إِذا مَرَسْتَه فِي الْمَاءِ وشرِبْتَه؛ وَقَالَ رُؤْبَةُ:
فَقُلْتُ، إِذ أَعْيا امْتِياثاً مائِثُ، ... وطاحتِ الأَلْبانُ والْعَبائِثُ
يَقُولُ: لَوْ أَعياه «2» المَريسُ مِنَ التَّمْرِ والأَقِط فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا يمتاثُه وَيَشْرَبُ مَاءَهُ، فَيَتَبَلَّغُ بِهِ لِقِلَّةِ الشَّيْءِ وعَوَزِ المأْكول. ابْنُ السِّكِّيتِ: مَاثَ الشيءَ يموثُه ويَمِيثُه، لُغَةٌ، إِذا دافَه. الجوهري: مِثْتُ الشيءَ فِي الْمَاءِ أَمِيثه لُغَةٌ فِي مُثْتُه إِذا دُفْتَه فِيهِ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي أُسَيد: فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الطَّعَامِ أَماثَتْه فَسَقَتْهُ إِياه
؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا رَوَى أَماثَتْه، وَالْمَعْرُوفُ ماثَتْه. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ: اللهمَّ مِثْ قلوبَهم، كَمَا يُماثُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ.
والمَيْثاءُ: الأَرضُ اللينةُ مِنْ غَيْرِ رَمْلٍ وَكَذَلِكَ الدَّمِثَة؛ وَفِي الصِّحَاحِ: المَيْثاء الأَرض السَّهلة،
__________
(1) . قوله [وأَماث الرجل إلخ] صوابه وامتاث. كذا بهامش الأَصل بخط السيد مرتضى، والعهدة عليه في ذلك. وقوله إِذا مرسته إلخ لعل صوابه مرسه في الماء وشربه كما هو ظاهر.
(2) . قوله [لو أَعياه إلخ] المشاهد في البيت إذ أعيا، فلعله سبق القلم.(2/192)
وَالْجَمْعُ مِيثٌ، مِثْلُ هَيْفاءَ وهِيفٍ. وتَمَيَّثَت الأَرضُ إِذا مُطِرَت فَلَانَتْ وبرَدَت. والمَيْثاءُ: الرَّمَلَةُ السَّهلة وَالرَّابِيَةُ الطَّيِّبة. والمَيْثاء: التَّلْعة الَّتِي تَعْظُم حَتَّى تَكُونَ مثلَ نِصْفِ الْوَادِي أَو ثُلُثيه. ومَيَّثَ الرجلَ: ذَلَّلَهُ. ومَيَّثَهُ: لَيَّنَهُ؛ وأَنشد لِمُتَمِّمٍ:
وَذُو الهَمِّ تُعْديه صَرِيمَةُ أَمْرِهِ، ... إِذا لَمْ تُمَيِّثْه الرُّقَى وتُعادِل
ومَيَّثَه الدهرُ: حَنَّكَهُ وذَلَّلَهُ. والامْتِياثُ: الرَّفاهِيَةُ وطِيبُ العَيش. أَبو عَمْرٍو: يُقَالُ لِغِرْقِئِ البَيضِ: المُسْتَميثُ. ومَيْثاءُ: اسْمُ امرأَة؛ قَالَ الأَعشى:
لِمَيْثاءَ دارٌ قَدْ تَعَفَّتْ طُلولُها، ... عَفَتْها نَضِيضاتُ الصَّبا، فمَسِيلُها
فصل النون
نأث: نَأَثَ يَنْأَثُ نَأْثاً: أَبْطأَ، وسَيرٌ مِنْأَثٌ: بَطيءٌ؛ قال رؤبة:
واعْتَرَقوا بَعْدَ الفِرارِ المِنْأَثِ
نبث: نَبَثَ الترابَ يَنْبُثُه نَبْثاً، فَهُوَ مَنْبُوثٌ ونَبيثٌ: اسْتَخْرَجَهُ مِنْ بِئْرٍ أَو نَهَرٍ، وَهِيَ النَّبيثَةُ والنَّبيثُ والنَّبَثُ، وَجَمْعُ النَّبَثِ: أَنْباثٌ؛ أَنشد ابْنِ الأَعرابي:
حَتَّى إِذا وَقَعْنَ كالأَنْباثِ، ... غَيرَ خَفِيفاتٍ وَلَا غِراثِ
وَقَعْنَ: اطْمَأْنَنَّ بالأَرض بَعْدَ الرَّيِّ. الْجَوْهَرِيُّ: نَبَثَ يَنْبُثُ مِثْلُ نَبَشَ يَنْبُشُ: وَهُوَ الْحَفْرُ بِالْيَدِ. وَالنَّبِيثَةُ: تُرَابُ الْبِئْرِ وَالنَّهْرِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ أَبو دُلَامَةَ:
إِنِ النَّاسُ غَطَّوني، تَغَطَّيْتُ عَنْهُمُ، ... وإِن بَحَثُوني، كَانَ فِيهِمْ مَباحِثُ
وإِنْ نَبَثُوا بِئري، نَبَثْتُ بِئارَهُمْ، ... فَسَوْفَ تَرى مَاذَا تُرَدُّ النَّبائِثُ
أَبو عُبَيْدٍ: هِيَ ثَلَّةُ الْبِئْرِ ونَبِيثَتُها، وَهُوَ مَا يُسْتَخْرجُ مِنْ تُرَابِ الْبِئْرِ إِذا حُفِرت، وَقَدْ نُبثَتْ نَبْثاً. وَذَكَرَ ابْنُ سِيدَهْ فِي خُطْبَةِ كِتَابِهِ مِمَّا قَصَدَ بِهِ الوضْعَ مِنْ أَبي عُبَيْدٍ الْقَاسِمَ بْنَ سَلَّامٍ، فِي اسْتِشْهَادِهِ بِقَوْلِ الْهُذَلِيِّ:
لحَقُّ بَني شِعارَةَ أَن يَقُولوا ... لِصَخْرِ الغَيِّ: مَاذَا تَسْتَبيثُ؟
عَلَى النَّبيثَةِ الَّتِي هِيَ كُناسة الْبِئْرِ، وَقَالَ: هَيْهَاتَ الأَرْوى مِنَ النَّعامِ الأَرْبَد، وأَين سُهَيْلٌ مِنَ الْفَرْقَدِ؟ والنَّبيثة مِنْ نَبَثَ، وَتَسْتَبِيثُ مِنْ بَوَثَ أَو مِنْ بَيَثَ. الْجَوْهَرِيُّ: خَبيثٌ نَبِيثٌ إِتباع. وَفُلَانٌ يَنْبُثُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ أَي يُظْهِرها. ونَبَثَتِ الضبعُ التُّرَابَ بِقَوَائِمِهَا فِي مشيِها: اسْتَثارَتْهُ. وَيُقَالُ: مَا رأَيتُ لَهُ عَيْناً وَلَا نَبْثاً، كَقَوْلِكَ: مَا رأَيت لَهُ عَيْناً وَلَا أَثَراً؛ قَالَ الرَّاجِزُ:
فَلَا تَرى عَيْناً وَلَا أَنْباثا ... إِلَّا مَعاثَ الذِّئبِ، حِينَ عَاثَا
فالأَنْباثُ: جَمْعُ نَبَث، وَهُوَ مَا أُبْئِرَ وحُفِرَ واسْتُنْبِثَ؛ وَقَالَ زُهَيْرٌ يَصِفُ عَيْراً وأُتُنَه:
يَخِرُّ نَبيثُها عَنْ جانِبَيْهِ، ... فَلَيْسَ لِوَجْهِهِ مِنْهَا وِقاءُ
وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: نَبيثُها مَا نُبِثَ بِأَيْدِيهَا أَي حَفَرَتْ مِنَ التُّرَابِ. قَالَ: وَهُوَ النَّبِيثُ والنَّبيذُ(2/193)
والنَّحِيتُ، كُلُّهُ وَاحِدٌ. وخَبيثٌ نَبيثٌ يَنْبُثُ شَرَّهُ أَي يَسْتَخْرِجُه. والأُنْبُوثَةُ: لُعْبَة يَلْعَبُ بِهَا الصبيانُ، يَحْفِرون حَفِيراً ويَدْفِنون فِيهِ شَيْئاً، فَمَنِ استَخْرجه فَقَدْ غَلَب. ابْنُ الأَعرابي: النَّبِيثُ ضَرْب مِنْ سَمَكِ الْبَحْرِ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي رَافِعٍ: أَطْيَبُ طعامٍ أَكلتُ فِي الجاهليةِ نَبيثَةُ سَبُع
؛ النَّبِيثَةُ: تُرَابٌ يُخْرج من بئر أَو نهر، فكأَنه أَراد لَحْمًا دَفَنَهُ السَّبْعُ لِوَقْتِ حَاجَتِهِ فِي مَوْضِعٍ، فَاسْتَخْرَجَهُ أَبو رَافِعٍ فأَكله.
نثث: النَّثُّ: نَشْرُ الحديثِ؛ وَقِيلَ: هُوَ نَشْرُ الْحَدِيثِ الَّذِي كَتْمُه أَحَقُّ مِنْ نَشْرِه. نَثَّه يَنُثُّه وينِثُّه نَثًّا إِذا أَفشاه؛ وَيُرْوَى قَوْلُ قَيْسِ بْنِ الْخَطِيمِ الأَنصاري:
إِذا جاوَزَ الإِثْنَيْنِ سِرٌّ، فَإِنه، ... بِنَثٍّ وتَكْثِيرِ الوُشاةِ، قَمِينُ
وَرَجُلٌ نَثَّاثٌ ومِنَثٌّ، عَنْ ثَعْلَبٍ. أَبو عَمْرٍو: النُّثَّاث الْمُغْتَابُونَ لِلْمُسْلِمِينَ. ونَثَّ العظمُ نَثًّا: سَالَ وَدَكُهُ. ونَثَّ يَنِثُّ نَثِيثاً، ومَثَّ يَمِثُّ: عَرِقَ مِنْ سِمَنِه فرأَيْتَ عَلَى سَحْنَتِه وجِلْدِه مِثلَ الدُّهْن. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَجُلًا أَتاه يسأَله فَقَالَ: هَلَكْتُ، فَقَالَ عُمَرُ: اسكتْ أَهَلَكْتَ وأَنْتَ تَنِثُّ نَثَّ الحَميتِ؟
ويُروى نَثِيثَ الحَمِيت. نَثَّ الزِّقُّ ينِث، بِالْكَسْرِ، نَثِيثاً ونَثّاً إِذا رَشَحَ بِمَا فِيهِ مِنَ السَّمْن؛ أَراد: أَتَهْلِك وجسدُك كأَنه يَقْطُر دَسَماً؟ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: النِّثِّيثُ أَنْ يَعْرَقَ ويَرْشَحَ مِنْ عِظَمِهِ وَكَثْرَةِ لَحْمِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: نَثَّ الحَمِيتُ ومَثَّ، بِالنُّونِ وَالْمِيمِ، إِذا رَشَحَ مَا فِيهِ مِنَ السَّمن. يَنِثُّ ويَمِثُّ نَثًّا ونَثِيثاً. الأَزهري: ثَنْثَنَ إِذا رَعَى الثِّنَّ، ونَثْنَثَ إِذا عَرِقَ عَرْقَاً كَثِيرًا. وَفِي التَّهْذِيبِ: أَما قَوْلُكَ نثَّ الحديثَ يَنُثُّه نَثًّا، فَهُوَ بِضَمِّ النُّونِ لَا غَيْرَ، وَذَلِكَ إِذا أَذاعَه. وَفِي حَدِيثِ
أُم زَرْعٍ: لَا تَنُثُّ حَدِيثَنَا تَنْثِيثاً
، النَّثُّ: كالبَثِّ؛ تَقُولُ لَا تُفْشِي أَسرارَنا وَلَا تُطْلِعُ الناسَ عَلَى أَحوالنا. والتَّنْثيثُ: مَصْدَرُ يُنَثِّثُ، فأَجراه عَلَى يَنُثُّ، وَيُرْوَى بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ. والنَّثِيثَة: رَشْحُ الزِّقِّ أَو السِّقاءِ. والنَّثُّ: الْحَائِطُ النَّدِيُّ المُسْتَرْخي. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَظنه فَعِلًا، كَمَا ذَهَبَ إِليه سِيبَوَيْهِ فِي طَبٍّ وبَرٍّ. وكلامٌ غَثٌّ نَثٌّ: إِتباع.
نجث: نَجَثَ الشيءَ يَنْجُثُهُ نَجْثاً وتَنَجَّثَه: استَخْرجه. وتَنَجَّثَ الأَخبارَ، بَحَثَها. وَرَجُلٌ نَجَّاثٌ: بَحَّاثٌ عَنِ الأَخبار. الأَصمعي: نَبَثُوا عَنِ الأَمْرِ ونجَثُوا عَنْهُ وبَحَثُوا، بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَرَجُلٌ نَجَّاثٌ ونَجِثٌ: يَتَتَبعُ الأَخْبارَ وَيَسْتَخْرِجُهَا؛ قَالَ الأَصمعي:
لَيْسَ بِقَسَّاسٍ وَلَا نَمٍّ نَجِثْ
وَيُقَالُ: بُلِغَتْ نَجِيثَتُه ونَكِيثَتُه أَي بَلغَ مجهودَه؛ وَقَوْلُهُ أَنشده شَمِرٌ:
أَزْمانَ عَنِّي قَلْبُكَ المُسْتَنْجِثُ، ... بِمَأْلَفٍ فِي جَمْعِكُمْ مُسْتَنْبِثُ
قَالَ: والمُسْتَنْجِثُ المُسْتَخْرِجُ؛ يُقَالُ: نَجَثَه إِذا أَخرجه؛ وَقِيلَ: المُسْتَنْجِثُ مِثْلُ المُنْهَمِك. ونَجِيثَةُ الخَبَرِ: مَا ظَهَرَ مِنْ قَبِيحِهِ. ونَجِيثُ الْقَوْمِ: سِرُّهم. الْفَرَّاءُ: مِنْ أَمثالهم فِي إِعْلانِ السِّرِّ وإِبْدائِه بَعْدَ كِتْمَانِهِ قَوْلُهُمْ: بَدا نجيثُ الْقَوْمِ إِذا ظَهَرَ سرُّهم الَّذِي كَانُوا يُخْفُونَهُ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ الله عنه: انْجُثُوا لِي مَا عِنْدَ(2/194)
المُغِيرة فإِنه كَتَّامَةٌ للحديثِ.
النَّجْثُ: الِاسْتِخْرَاجُ، وكأَنه بِالْحَدِيثِ أَخص. وَفِي حَدِيثِ
أُم زَرْعٍ: وَلَا تُنَجِّثُ عَنْ أَخبارنا تَنْجِيثاً.
وَفِي حَدِيثِ
هِنْدَ أَنها قَالَتْ لأَبي سُفْيَانَ لَمَّا نَزَلُوا بِالْأَبْوَاءِ فِي غَزْوَةِ أُحُد: لَوْ نَجَثْتُمْ قَبْرَ آمِنَةَ أُمِّ مُحَمَّدٍ
أَي نَبَشْتُمْ. ونَجِيثُ الثَّناء: مَا بَلَغَ مِنْهُ. ونَجِيثُ البئْرِ والحُفْرَةِ ونَجِيثَتُهما: مَا خَرَجَ مِنْ تُرَابِهِمَا، وأَتانا نَجِيثُ الْقَوْمِ أَي أَمْرُهم الَّذِي كَانُوا يُسِرُّونه؛ قَالَ لَبِيدٌ يَذْكُرُ بَقَرَةً:
مَدى العَيْنِ مِنْهَا أَنْ تُراعَ بنَجْوةٍ، ... كقَدْرِ النَّجيثِ، مَا يَبُدُّ المُناضِلا
أَراد: أَن الْبَقَرَةَ قريبةٌ مِنْ وَلَدِهَا تُرَاعِيهِ، كقَدْر مَا بَيْنَ الرَّامِي والهَدَف. والنَّجيثَةُ: مَا أُخرج مِنْ تُرَابِ البِئر مِثْلُ النَّبِيثَةِ. وأَمْرٌ لَهُ نَجِيثٌ أَي عَاقِبَةُ سَوْءٍ. والاسْتِنْجاثُ: التَّصَدِّي لِلشَّيْءِ والإِقبالُ عَلَيْهِ والولُوع بِهِ. واستَنْجَثَ الشيءَ تَصَدَّى لَهُ وأُولِعَ بِهِ وأَقْبَلَ عَلَيْهِ. والنَجِيثُ: الهَدَف، وَهُوَ تُرَابٌ يُجمع، سُمِّيَ نَجِيثًا لِانْتِصَابِهِ وَاسْتِقْبَالِهِ؛ وَقِيلَ: النَّجِيثُ تُرَابٌ يُسْتخرَجُ ويُبْنى مِنْهُ غَرَضٌ ويُرْمى فِيهِ، وَذَلِكَ أَن يُنْبَثَ الترابُ، ثُمَّ يُكَوَّمَ كَوْمَةً، ثُمَّ يُجْعَلَ عَلَيْهَا قِطعة شَنَّةٍ فيُرْمى فِيهَا. ونَجَثَ فلانٌ بَنِي فُلَانٍ يَنْجُثُهم نَجْثاً: اسْتَغْواهُمْ، واسْتَغاثَ بِهِمْ؛ وَيُقَالُ: يَسْتعويهم، بِالْعَيْنِ، يُقَالُ: خَرَجَ فُلَانٌ يَنْجُثُ بَنِي فُلَانٍ أَي يَسْتَعْويهم. والنُّجْثُ والنُّجُثُ: غِلافُ الْقَلْبِ، وَكَذَلِكَ الْبَيْتُ للإِنسان، وَالْجَمْعُ مِنْهُمَا: أَنْجاث؛ قَالَ:
تَنْزُو قلوبُ الناسِ فِي أَنْجاثِها
وانْتَجَثَتِ الشاةُ: سَمِنَت؛ قَالَ كُثَيِّرُ عزَّة يَصِفُ أَتاناً:
تَلَقَّطَها تَحْتَ نَوْءِ السِّماك، ... وَقَدْ سَمِنَتْ سَوْرَةً وانْتِجاثا
قَالَ: سَوْرَةً أَي يَسُور فِيهَا الشحمُ، فسَوْرَةً، عَلَى هَذَا، منتصبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ، لأَنّ سَمِنَتْ فِي قُوَّةِ سَارَتْ أَي تَجَمَّعَ سِمَنُها.
نحث: النَّحِيثُ: لُغَةٌ فِي النَّحِيفِ، عَنْ كُرَاعٍ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وأُرى الثَّاءَ فِيهِ بَدَلًا مِنَ الْفَاءِ، والله أَعلم.
نعث: أَنْعَثَ فِي مَالِهِ: قَدَّم فِيهِ، وَقِيلَ: بَذَّرَه.
نغث: ابْنُ الأَعرابي: النَّغَثُ الشَّرُّ الدَّائِمُ الشَّدِيدُ؛ يُقَالُ: وَقَعْنَا فِي نَغَثٍ وعِصْوادٍ ورَيْبٍ وشِصْبٍ.
نفث: النَّفْثُ: أَقلُّ مِنَ التَّفْل، لأَن التَّفْلَ لَا يَكُونُ إِلَّا مَعَهُ شَيْءٌ مِنَ الرِّيقِ؛ والنفثُ: شَبِيهٌ بِالنَّفْخِ؛ وَقِيلَ: هُوَ التَّفْلُ بِعَيْنِهِ. نَفَثَ الرَّاقي، وَفِي الْمُحْكَمِ: نَفَثَ يَنْفِثُ ويَنْفُثُ نَفْثاً ونَفَثاناً. وَفِي الْحَدِيثِ
أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ إِنَّ رُوحَ القُدُس نَفَثَ فِي رُوعي، وَقَالَ: إِنّ نَفْساً لَنْ تَموتَ حَتَّى تَسْتوفِيَ رِزْقَهَا، فاتَّقوا اللَّهَ وأَجملوا فِي الطَّلَبِ
؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: هُوَ كالنَّفْثِ بِالْفَمِ، شبيهٌ بِالنَّفْخِ، يَعْنِي جبريلَ أَي أَوْحى وأَلقى. والحيَّةُ تَنْفُثُ السمَّ حِينَ تَنْكُزُ. والجُرْحُ يَنْفُثُ الدمَ إِذا أَظهره. وَسمٌّ نَفِيثٌ وَدَمٌ نَفِيثٌ إِذا نَفَثَه الجرحُ؛ قَالَ صَخْرُ الْغَيِّ:
مَتى مَا تُنْكِرُوها تَعْرِفُوها، ... عَلَى أَقْطارِها عَلَقٌ نَفِيثُ
وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنّ زَيْنَبَ بنتَ رسولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْفَرَ بِهَا الْمُشْرِكُونَ بعيرَها حَتَّى سَقَطَتْ،(2/195)
فَنَفَثَتِ الدماءَ مَكانَها، وأَلقت مَا فِي بَطْنِهَا
أَي سالَ دمُها. وأَما قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ:
اللهمَّ إِني أَعوذ بِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ ونَفْثِهِ ونَفْخِهِ
؛ فأَما الْهَمْزُ وَالنَّفْخُ فَمَذْكُورَانِ فِي مَوْضِعِهِمَا، وأَما النَّفْثُ فَتَفْسِيرُهُ فِي الْحَدِيثِ أَنه الشِّعْرُ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: وإِنما سُمِّيَ النَّفْثُ شِعْراً «3» لأَنه كَالشَّيْءِ يَنْفُثُه الإِنسانُ مِنْ فِيهِ، مِثل الرُّقْية. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه قرأَ المُعَوِّذتين عَلَى نَفْسِهِ ونَفَثَ.
وَفِي حَدِيثِ
الْمُغِيرَةِ: مِئْناثٌ كأَنها نُفاثٌ
أَي تَنْفُثُ البناتَ نَفْثاً. قَالَ ابْنُ الأَثير: قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَا أَعلم النُّفاثَ فِي شَيْءٍ غَيْرَ النَّفْثِ، قَالَ: وَلَا مَوْضِعَ لَهَا هَاهُنَا؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: يُحْتَمَلُ أَن يَكُونَ شبَّه كَثْرَةَ مَجِيئِهَا بِالْبَنَاتِ بِكَثْرَةِ النَّفْثِ، وتَواتُرِه وسُرْعَتِهِ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ
؛ هُنَّ السَّواحِرُ. والنَّوافِثُ: السَّوَاحِرُ حِينَ يَنْفُثْنَ فِي العُقَد بِلَا رِيقٍ. والنُّفاثَةُ، بِالضَّمِّ: مَا تَنْفُثُه مِنْ فِيكَ. والنُّفاثَةُ: الشَّظِيَّةُ مِنَ السِّوَاكِ، تَبْقى فِي فَمِ الرَّجُلِ فَيَنْفُثُها. يُقَالُ: لَوْ سأَلني نُفاثةَ سِواكٍ مِنْ سِواكي هَذَا، مَا أَعطيته؛ يَعْنِي مَا يَتَشَظَّى مِنَ السِّوَاكِ فَيَبْقَى فِي الْفَمِ، فَيَنْفِيهِ صَاحِبُهُ. وَفِي حَدِيثِ
النَّجَاشِيِّ: وَاللَّهِ مَا يَزِيدُ عِيسَى عَلَى مَا تَقُولُ مِثْلَ هَذِهِ النُّفاثَةِ.
وَفِي المَثَلِ: لَا بُدَّ للمَصْدور أَن يَنْفِث [يَنْفُث] . وهو يَنْفِثُ [يَنْفُثُ] عليَّ غَضَباً أَي كأَنه يَنْفُخ مِنْ شِدَّةِ غَضَبِهِ. والقِدْرُ تَنْفُثُ، وَذَلِكَ فِي أَول غَلَيانها. وبَنُو نُفاثَةَ: حَيٌّ؛ وَفِي الصِّحَاحِ: قَوْمٌ مِنَ العرب.
نقث: نَقَثَ يَنْقُثُ، ونَقَّثَ، وتَنَقَّثَ، وانْتَقَثَ، كُلُّه: أَسْرَعَ. وَخَرَجَ يَنْقُثُ السَّيْرَ ويَنْتَقِثُ أَي يُسْرع فِي سَيْرِهِ. وَخَرَجْتُ أَنْقُثُ، بِالضَّمِّ، أَي أُسْرِع؛ وَكَذَلِكَ التَّنْقِيثُ والانْتِقاثُ، قَالَ
أَبو عُبَيْدٍ فِي حَدِيثِ أُم زَرْعٍ ونَعْتِها: جَارِيَةُ أَبي زَرْعٍ لَا تُنَقِّثُ مِيرَتَنا تَنْقيثاً.
النَّقْثُ: النَّقْلُ: أَرادت أَنها أَمينة عَلَى حِفْظِ طَعَامِنَا، لَا تَنْقُلُهُ وتُخْرجه وتُفرّقه. قَالَ: وَالتَّنْقِيثُ الإِسراع فِي السَّيْرِ. ونَقَثَ فُلَانٌ عَنِ الشَّيْءِ، ونَبَثَ عَنْهُ إِذا حَفَرَ عَنْهُ؛ وَقَالَ الأَصمعي فِي رَجَزٍ لَهُ:
كأَنَّ آثارَ الظَّرابي تَنْتَقِثْ، ... حَوْلَكَ بُقَّيْرى الوَليدِ المُنْتَجِثْ
أَبو زَيْدٍ: نَقَثَ الأَرضَ بِيَدِهِ يَنْقُثُها نَقْثاً إِذا أَثارها بفأْس أَو مِسْحاة. ونَقَثَ العظمَ يَنْقُثُه نَقْثاً وانْتَقَثَه: اسْتَخْرَجَ مُخَّه. وَيُقَالُ: انْتَقَثَهُ وَانْتَقَاهُ، بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وتَنَقَّثَ المرأَةَ: اسْتَعْطَفها وَاسْتَمَالَهَا، عَنِ الهَجَريّ؛ وأَنشد بَيْتَ لَبِيدٍ:
أَلم تَتَنَقَّثْها، ابنَ قَيس بنِ مالكٍ، ... وأَنتَ صَفِيُّ نَفْسِه وسَخِيرُها؟
كَذَا رَوَاهُ بِالثَّاءِ، وأَنكر تَتَنَقَّذْها بِالذَّالِ، وإِذا صَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ، فَهُوَ مِنْ تَنَقَّثَ العظمَ، كأَنه اسْتَخْرَجَ وُدّها كَمَا يُسْتَخْرج مِنْ مُخِّ الْعَظْمِ «4» . وتَنَقَّثَ ضَيْعَتَه: تَعَهَّدَها. ابْنُ الأَعرابي: النَّقْثُ النميمة.
نكث: النَّكْثُ: نَقْضُ مَا تَعْقِدُه وتُصْلِحُه مِنْ بَيْعَةٍ وَغَيْرِهَا. نَكَثَه يَنْكُثُه نَكْثاً فانْتَكَثَ، وتَناكَثَ القومُ عُهودَهم: نَقَضُوهَا، وَهُوَ عَلَى الْمَثَلِ. وَفِي حَدِيثِ
عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: أُمِرْت بِقِتَالِ الناكِثِينَ والقاسِطِين
__________
(3) . قوله [وَإِنَّمَا سُمِّيَ النَّفْثُ شِعْرًا إلخ] هكذا في الأَصل والأَنسب أن يقول وإنما سمي الشعر نفثاً.
(4) . قوله [كَمَا يُسْتَخْرَجُ مِنْ مُخِّ العظم] من بيانية. وعبارة شارح القاموس كما يستخرج مخ العظم.(2/196)
والمارِقِين
؛ النَّكْثُ: نَقْضُ الْعَهْدِ؛ وأَراد بِهِمْ أَهل وَقْعَةِ الْجَمَلِ، لأَنهم كَانُوا بَايَعُوهُ ثُمَّ نَقَضُوا بَيْعَتَهُ، وَقَاتَلُوهُ؛ وأَراد بِالْقَاسِطِينَ أَهل الشأْم، وَبِالْمَارِقِينَ الْخَوَارِجَ. وحَبْلٌ نِكْثٌ ونَكِيث وأَنْكاثٌ: مَنْكُوث. والنِّكْث، بِالْكَسْرِ: أَنْ تُنْقَضَ أَخْلاقُ الأَخْبية والأَكْسِية الْبَالِيَةِ، فَتُغْزَلَ ثَانِيَةً، وَالِاسْمُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ النَّكيثَةُ. ونَكَث العهدَ والحبلَ فانْتَكَثَ أَي نَقَضَهُ فَانْتَقَضَ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً
؛ وَاحِدُ الأَنْكاث: نِكْثٌ، وَهُوَ الغَزْلُ مِنَ الصُّوفِ أَو الشَّعْرِ، تُبْرَمُ وتُنْسَجُ، فإِذا خَلَقَتِ النسيجةُ قُطِّعَتْ قِطَعاً صِغاراً، ونُكِثَتْ خيوطُها الْمَبْرُومَةُ، وخُلِطت بِالصُّوفِ الْجَدِيدِ ونَشِبَتْ بِهِ، ثُمَّ ضُربت بِالْمَطَارِقِ وَغُزِلَتْ ثَانِيَةً وَاسْتُعْمِلَتْ، وَالَّذِي ينكُثها يُقَالُ لَهُ: نَكَّاثٌ؛ وَمِنْ هَذَا نَكْثُ الْعَهْدِ، وَهُوَ نَقْضه بَعْدَ إِحْكامه، كَمَا تُنْكَث خيوطُ الصُّوفِ الْمَغْزُولِ بَعْدَ إِبْرامه. ابْنُ السِّكِّيتِ: النَّكْثُ الْمَصْدَرُ. وَفِي حَدِيثِ
عُمَرَ: أَنه كَانَ يأْخذ النِّكْثَ والنَّوى مِنَ الطَّرِيقِ، فإِن مَرَّ بِدَارِ قَوْمٍ، رَمَى بِهِمَا فِيهَا وَقَالَ: انْتَفِعُوا بِهَذَا النِّكثَ
؛ النِّكْث، بِالْكَسْرِ: الْخَيْطُ الخَلَقُ مِنْ صُوفٍ أَو شَعْرٍ أَو وَبرٍ، سُمِّيَ بِهِ لأَنه يُنْقَضُ، ثُمَّ يُعاد فَتْلُه. والنَّكِيثَة: الأَمر الْجَلِيلُ. والنَّكِيثَة: خُطَّةٌ صَعْبة يَنْكُثُ فِيهَا الْقَوْمُ؛ قَالَ طَرَفَةُ:
وقرّبتُ بالقُرْبَى، وجَدِّك أَنه ... مَتَى يَكُ عَقْدٌ للنَّكِيثَةِ، أَشْهَدِ
يَقُولُ: مَتَى يَنْزِلُ بالحيِّ أَمر شَدِيدٌ يَبْلُغُ النَّكِيثَةَ، وَهِيَ النَّفْسُ، ويَجْهَدها، فإِني أَشهده. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: وَذَكَرَ الْوَزِيرُ الْمَغْرِبِيُّ أَنَّ النَّكِيثَةَ فِي بَيْتِ طَرَفَةَ هِيَ النَّفْسُ؛ وَقَالَ أَبو نُخَيْلَةَ:
إِذا ذَكَرْنا، فالأُمورُ تُذْكَرُ، ... واستوعبَ، النَّكائِثَ، التَّفَكُّرُ،
قُلْنا: أَميرُ المُؤْمِنِينَ مُعْذِرُ
يَقُولُ: استوعبَ الفِكرُ أَنْفُسَنا كُلَّهَا وجَهَدَ بِهَا. والنَّكِيثَةُ: النَّفسُ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: وَسُمِّيَتِ النَّفْسُ نَكِيثَةً، لأَن تَكَالِيفَ مَا هِيَ مُضْطَرَّةٌ إِليه تَنْكُثُ قُوَاها، والكِبَرُ يُفْنِيهَا، فَهِيَ مَنْكُوثَةُ القُوَى بالنَّصَبِ وَالْفَنَاءِ، وأُدخلت الْهَاءُ فِي النَّكِيثَةِ لأَنها اسْمٌ. الْجَوْهَرِيُّ: فلانٌ شديدُ النَّكِيثَةِ أَي النَّفْسِ. وبُلِغت نَكِثَتُه أَي جُهْدُه. يُقَالُ: بُلِغَت نَكِيثَةُ الْبَعِيرِ إِذا جُهِدَ قوَّتَه. وَنَكَائِثُ الإِبل: قُوَاها؛ قَالَ الرَّاعِي يَصِفُ نَاقَةً:
تُمْسِي، إِذا العِيسُ أَدْرَكْنا نَكائثَها، ... خَرْقاءَ، يعتادُها الطُّوفانُ والزُّؤُدُ
وَبَلَغَ فلانٌ نَكِيثَةَ بعيرِه أَي أَقْصَى مَجْهُودِهِ فِي السَّيْرِ. وَقَالَ فلانٌ قَوْلًا لَا نَكِيثَةَ فِيهِ أَي لَا خُلْفَ. وَطَلَبَ فلانٌ حَاجَةً ثُمَّ انْتَكَثَ لأُخرى أَي انْصَرَفَ إِليها. وَيُقَالُ: بعيرٌ مُنْتَكِثٌ إِذا كَانَ سَمِينًا فَهُزِلَ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
ومُنْتَكِثٍ عالَلْتُ بالسَّوْطِ رأَسَه، ... وَقَدْ كَفَرَ اللَّيْلُ الخَرُوقُ المَوَامِيَا
ونَكَثَ السِّواكَ وغَيْرَهُ يَنْكُثُه نَكْثاً فانْتَكَثَ: شَعَّثَهُ، وَكَذَلِكَ نَكَثَ السَّافَ عَنْ أُصولِ الأَظفار.(2/197)
والنُّكَاثَةُ: مَا انْتَكَثَ مِنَ الشَّيْءِ. والنُّكَاثُ: أَن يَشْتَكِيَ البعيرُ نُكْفَتَيْه، وَهُمَا عَظْمَانِ ناتِئان عِنْدَ شَحْمَتَيْ أُذنيه، وَهُوَ النُّكَافُ. اللِّحْيَانِيُّ: اللُّكاثُ والنُّكاثُ داءٌ يأْخذ الإِبلَ، وَهُوَ شِبْهُ البَثْرِ يأْخذها فِي أَفواهها. ونِكْثٌ: اسمٌ. وبَشِيرُ بنُ النِّكْثِ: شَاعِرٌ مَعْرُوفٌ، حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ، وأَنشد لَهُ:
وَلَّتْ ودَعْواها شَديدٌ صَخَبُهْ
نوث: النَّوْثَةُ: الحَمْقَةُ.
فصل الهاء
هبث: هَبَثَ مالَهُ يَهْبُثُه هَبْثاً: بَذَّرَهُ وفرَّقَهُ.
هثث: الهَثْهَثَةُ والمَثْمَثَةُ: التَّخْلِيطُ؛ يُقَالُ: أَخذه فمَثْمَثَهُ إِذا حَرَّكَهُ وأَقبل بِهِ وأَدْبر. ومَثْمَثَ أَمْرَهُ وهَثْهَثَهُ أَي خَلَطَهُ؛ وأَنشد:
وَلَمْ يَحُلَّ العَمِسَ الهَثْهَاثَا
ابْنُ سِيدَهْ: الهَثُّ خَلْطُكَ الشيءَ بعضَه ببعضٍ، والهَثُّ والهَثْهَثَةُ: اخْتِلَاطُ الصَّوْتِ فِي حَرْب أَو صَخَبٍ، وَالْاسْمُ مِنْهُ الهَثْهَاثُ: قَالَ الْعَجَّاجُ:
وأُمَراء أَفْسَدُوا، فعاثُوا، ... فَهَثْهَثُوا، فَكَثُرَ الهَثْهَاثُ
والهَثْهَثَةُ والهَثْهَاثُ: حِكَايَةُ بَعْضِ كَلَامِ الأَلْثغ. والهَثْهَثَةُ والهَثْهاثُ: الفسادُ. وهَثْهَثَ الْوَالِي النَّاسَ: ظَلَمَهُمْ. والهَثْهَثَةُ: انْتِخالُ الثَّلْجِ والبَرَد وعِظامِ القَطْرِ فِي سُرْعة مِنَ الْمَطَرِ. وَقَدْ هَثْهَثَ السَّحابُ بِمَطَرِهِ وثلجِه إِذا أَرسله بِسُرْعَةٍ؛ قَالَ:
مِنْ كلِّ جَوْنٍ مُسْبِلٍ مُهَثْهِثِ
وَيُقَالُ لِلرَّاعِيَةِ إِذا وَطِئَتِ الْمَرْعَى مِنَ الرَطْب حَتَّى «5» تُؤْتى: قَدْ هَثْهَثَتْهُ؛ وأَنشد الأَصمعي:
أَنْشَدَ ضَأْناً أَمْجَرَتْ غِثَاثا، ... فَهثْهَثَتْ بَقْلَ الحِمَى هَثْهَاثا
ابْنُ الأَعرابي: الهَثُّ الكَذِب. وَرَجُلٌ هَثَّاثٌ وهَثْهَاثٌ إِذا كَانَ كَذِبُهُ سُماقاً.
هرث: «6»
هلث: الهَلْثاءُ والهِلْثَاءُ والهَلثاءَةُ والهِلْثَاءَةُ: الْجَمَاعَةُ الْكَثِيرَةُ مِنَ النَّاسِ تَعْلُو أَصواتها؛ يُقَالُ: جاءَ فلانٌ فِي هَلْثاءٍ مِنْ أَصحابه، مَمْدُودٌ مُنَوَّنٌ. الْفَرَّاءُ: يُقَالُ هَلْثاءٌ مِنَ الناسِ، وهَلْثَاءَةٌ أَي جَمَاعَةٌ، بِكَسْرِ الْهَاءِ وَفَتْحِهَا. أَبو عَمْرٍو: الهُلْثَةُ الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ. ابْنُ الأَعرابي: الهَلْثَى الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: الهَلْثَاة، مَقْصُورٌ: الْجَمَاعَةُ؛ قَالَ: وَهُمْ أَكثر مِنَ الوضِيمة. الصِّحَاحُ: هَلْثَاءَةٌ وهَلاثَى: القومُ يَنْزِلُونَ عَلَى قَوْمٍ أَقلَّ مِنْهُمْ كَالْوَضِيمَةِ أَو أَكثر شَيْئًا. وجاءَت هِلْثَاءةٌ [هَلْثَاءةٌ] مِنْ كُلِّ وَجْه أَي فِرَقٌ. والهَلائِثُ: السَّفَلَةُ، وَهُوَ مِنْ هَلائثهم؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي وَلَمْ يُفَسِّرْهُ؛ وَقَالَ ابْنُ سِيدَهْ: أَرى أَن مَعْنَاهُ: مِنْ خُشَارتهم أَو جماعتهم.
هلبث: الهِلْبَوثُ: الأَحمق، وَيُقَالُ: الفَدْمُ. والهِلْبَاثُ: ضَرْبٌ مِنَ التَّمْرِ؛ عَنْ أَبي حَنِيفَةَ، قَالَ: أَخبرني شيخٌ مِنْ أَهل الْبَصْرَةِ فَقَالَ: لَا يُحْمَلُ شيءٌ مِنْ ثَمَر الْبَصْرَةِ إِلى السُّلْطَانِ إِلَّا الهِلْبَاثُ.
هنبث: الهَنَابِثُ: الدَّواهي، وَاحِدَتُهَا هَنْبَثَةٌ؛ وَقِيلَ: الهَنَابِثُ الأُمور والأَخْبار المختلطة؛ يقال:
__________
(5) . قوله [حتى] كذا بالأَصل والشرح ولعله حين.
(6) . الهرث، بالكسر: الثوب الخلق، وبالضم: بلدة بواسط انتهى. قاموس وقد أَهملها الجوهري والمؤلف.(2/198)
وَقَعَتْ بَيْنَ النَّاسِ هَنَابِثُ، وَهِيَ أُمورٌ وَهَناتٌ؛ قَالَ رؤْبة:
وكنتُ لَمَّا تُلْهِني الهَنَابِثُ
وَالْوَاحِدُ كَالْوَاحِدِ. والهَنْبَثَةُ: الِاخْتِلَاطُ فِي الْقَوْلِ، وَيُقَالُ: الأَمر الشَّدِيدُ، وَالنُّونُ زَائِدَةٌ؛ وَفِي الْحَدِيثِ:
أَن فَاطِمَةَ قَالَتْ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِنَا رسول الله، صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
قَدْ كَانَ بعدكَ أَنْبَاءٌ وهَنْبَثَةٌ، ... لَوْ كنتَ شَاهدَها، لَمْ تَكْثُرِ الخُطَبُ
إِنا فَقَدْناك فَقْدَ الأَرضِ وابِلَها، ... فاختَلَّ قومُك، فاشْهَدْهم وَلَا تَغِب «1»
الهَنْبَثَةُ: وَاحِدَةُ الهَنَابِثِ، وَهِيَ الأُمور الشِّدَادُ الْمُخْتَلِفَةُ، وَقَدْ وَرَدَ هَذَا الشِّعْرُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ. قَالَ:
لَمَّا قُبض سَيِّدُنَا رَسُولُ الله، صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَرَجَتْ صَفِيَّةُ تَلْمَعُ بِثَوْبِهَا وَتَقُولُ البيتين.
هوث: تَرَكَهُمْ هَوْثاً بَوْثاً: أَوْقَعَ بهم «2» .
هيث: هاثَ فِي مَالِهِ هَيْثاً وَعَاثَ: أَفسد وأَصلح. وَهَاثَ فِي الشَّيْءِ: أَفسد وأَخذه بِغَيْرِ رفقٍ، وهَاثَ الذئبُ فِي الْغَنَمِ، كَذَلِكَ. وهاثَ فِي كَيْلِهِ هَيْثاً: حَثَا حَثْواً، وَهُوَ مِثْلُ الجِزاف [الجُزاف] . وهاثَ لِي مِنَ الْمَالِ هَيْثاً: أَصاب. وهاثَ بِرِجْلِهِ التُّرَابَ: نَبَثَهُ؛ أَنْشَدَ ابْنُ الأَعرابي:
كَأَنَّني، وقَدَمِي نَهِيثُ، ... ذُؤْنُونُ سَوْءٍ رَأْسُهُ نَكِيثُ
نَكِيثُ: مُتَشَعِّث رِخْوٌ ضَعِيفٌ. وهِثْتُ لَهُ هَيْثاً وهَيَثاناً إِذا أَعطيته شَيْئًا يَسِيرًا. وهِثْتُ لَهُ مِنَ الْمَالِ أَهِيثُ هَيْثاً وهَيَثَاناً إِذا حَثَوْتَ لَهُ؛ قَالَ رؤْبة؛
فأَصبَحَتْ لَوْ هَايَثَ المُهَايِثُ
والمُهَايَثةُ: المكاثَرة. وَيُقَالُ: هَاثَ لَهُ مِنْ مَالِهِ؛ وَقَالَ فِي قَوْلِهِ:
مَا زَالَ بَيْعُ السَّرَقِ المُهَايِثُ
قَالَ: المُهايِثُ الْكَثِيرُ الأَخذِ. وَيُقَالُ: هاثَ مِنَ الْمَالِ يَهِيثُ هَيْثاً إِذا أَصاب مِنْهُ حَاجَتَهُ. وهَاثَ القومُ يَهِيثُونَ هَيْثاً وتَهَايَثُوا: دَخَلَ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ عِنْدَ الْخُصُومَةِ. وهَايِثَةُ الْقَوْمُ: جَلَبَتُهُمْ. والهَيْثُ: الحركَةُ مِثْلُ الهَيْشِ. والهَيْثَةُ: الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ مثل الهَيْشَةِ.
فصل الواو
وثث: الوَثْوَثَةُ: الضَّعْفُ والعَجْزُ؛ ورجلٌ وَثْوَاثٌ، مِنه.
ورث: الْوَارِثُ: صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ الْبَاقِي الدَّائِمُ الَّذِي يَرِثُ الخلائقَ، وَيَبْقَى بَعْدَ فِنَائِهِمْ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، يَرِثُ الأَرض ومَن عَلَيْهَا، وَهُوَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ أَي يَبْقَى بَعْدَ فَنَاءِ الْكُلِّ، ويَفْنى مَن سِوَاهُ فَيَرْجِعُ مَا كَانَ مِلْكَ العِباد إِليه وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ
؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: يُقَالُ إِنه لَيْسَ فِي الأَرضِ إِنسانٌ إِلّا وَلَهُ مَنْزِلٌ فِي الْجَنَّةِ، فإِذا لَمْ يَدْخُلْهُ هُوَ وَرِثَهُ غَيْرُهُ؛ قَالَ: وَهَذَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ. وَرِثَهُ مالَهُ ومَجْدَهُ، وَوَرِثَه عَنْهُ وِرْثاً وَرِثَةً وَوِراثَةً وإِراثَةً. أَبو زَيْدٍ: وَرِثَ فلانٌ أَباه يَرِثُهُ وِراثَةً ومِيراثاً ومَيراثاً. وأَوْرَثَ الرجلُ وَلَدَهُ مَالًا إِيراثاً حَسَناً. وَيُقَالُ: وَرِثْتُ فُلَانًا مَالًا
__________
(1) . في هذا البيت إقواء.
(2) . وفي القاموس: [والهوثة العطشة] يعني المرة من العطش.(2/199)
أَرِثُه وِرْثاً وَوَرْثاً إِذا ماتَ مُوَرِّثُكَ، فَصَارَ مِيرَاثُهُ لَكَ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِخباراً عَنْ زَكَرِيَّا وَدُعَائِهِ إِيّاه: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ
؛ أَي يَبْقَى بَعْدِي فَيَصِيرُ لَهُ مِيرَاثِي؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: إِنما أَراد يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ النُّبُوَّةَ، وَلَا يَجُوزُ أَن يَكُونَ خَافَ أَن يَرِثَهُ أَقرِباؤُه المالَ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
إِنَّا معاشرَ الأَنبياءِ لَا نُورثُ مَا تَرَكْنَا، فَهُوَ صَدَقَةٌ
؛ وقوله عز جل: وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ
؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ أَنه ورَّثهُ نُبوَّتَه ومُلْكَه. وَرُوِيَ
أَنه كَانَ لِدَاوُدَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، تِسْعَةَ عَشَرَ وَلَدًا، فَوَرِثَه سليمانُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مَنْ بَيْنِهِمُ، النبوةَ والمُلكَ.
وَتَقُولُ: وَرِثْتُ أَبي وَوَرِثْتُ الشيءَ مِنْ أَبي أَرِثُه، بِالْكَسْرِ فِيهِمَا، وِرْثاً وَوِراثَةً وإِرْثاً، الأَلفُ منقلبةٌ مِنَ الْوَاوِ، ورِثَةً، الهاءُ عِوَضٌ مِنَ الْوَاوِ، وإِنما سَقَطَتِ الْوَاوُ مِنَ الْمُسْتَقْبَلِ لِوُقُوعِهَا بَيْنَ يَاءٍ وَكَسْرَةٍ، وَهُمَا مُتَجَانِسَانِ وَالْوَاوُ مضادَّتهما، فَحُذِفَتْ لِاكْتِنَافِهِمَا إِياها، ثُمَّ جُعِلَ حُكْمُهَا مَعَ الأَلف وَالتَّاءِ وَالنُّونِ كَذَلِكَ، لأَنهن مُبْدَلَاتٌ مِنْهَا، وَالْيَاءُ هِيَ الأَصل، يَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ أَن فَعِلْتُ وفَعِلْنا وفَعِلْتِ مَبنيات عَلَى فَعِلَ، وَلَمْ تَسْقُطِ الْوَاوُ مِن يَوْجَلُ لِوُقُوعِهَا بَيْنَ يَاءٍ وَفَتْحَةٍ، وَلَمْ تَسْقُطِ الْيَاءُ مِنْ يَيْعَرُ ويَيْسَرُ، لتقَوِّي إِحدى الْيَاءَيْنِ بالأُخرى؛ وأَما سُقُوطُهَا مِن يَطَأُ ويَسَعُ فَلِعِلَّةٍ أُخرى مَذْكُورَةٍ فِي بَابِ الْهَمْزِ، قَالَ: وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ فَسَادَ مَا قُلْنَاهُ، لأَنه لَا يَجُوزُ تَمَاثُلُ الْحُكْمَيْنِ مَعَ اخْتِلَافِ الْعِلَّتَيْنِ. وَتَقُولُ: أَوْرَثَه الشيءَ أَبُوهُ، وَهُمْ وَرَثَةُ فُلَانٍ، وَوَرَّثَهُ تَوْرِيثًا أَي أَدخله فِي مَالِهِ عَلَى وَرَثَتِهِ، وَتَوَارَثُوهُ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنه أَمرَ أَنْ تُوَرَّثَ، دُورَ الْمُهَاجِرِينَ، النساءُ.
تَخْصِيصُ النساءِ بِتَوْرِيثِ الدُّورِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: يُشْبِهُ أَن يَكُونَ عَلَى مَعْنَى الْقِسْمَةِ بَيْنَ الورثةِ، وَخَصَّصَهُنَّ بِهَا لأَنهنَّ بِالْمَدِينَةِ غَرَائِبُ لَا عَشِيرَةَ لَهُنَّ، فَاخْتَارَ لَهُنَّ الْمَنَازِلَ للسُّكْنَى؛ قَالَ: وَيَجُوزُ أَن تَكُونَ الدُّورُ فِي أَيديهن عَلَى سَبِيلِ الرِّفْقِ بِهِنَّ، لَا لِلتَّمْلِيكِ كَمَا كَانَتْ حُجَرُ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي أَيدي نِسَائِهِ بَعْدَهُ. ابْنُ الأَعرابي: الوِرْثُ والوَرْثُ والإِرْثُ والوِرَاثُ والإِرَاثُ والتُّراثُ وَاحِدٌ. الْجَوْهَرِيُّ: المِيراثُ أَصله مِوْراثٌ، انْقَلَبَتِ الْوَاوُ يَاءً لِكَسْرَةِ مَا قَبْلَهَا، والتُّراثُ أَصل التَّاءَ فِيهِ وَاوٌ. ابن سيدة: والوِرْثُ والإِرْثُ والتُّرَاثُ والمِيراثُ: مَا وُرِثَ؛ وَقِيلَ: الوِرْث والميراثُ فِي الْمَالِ، والإِرْثُ فِي الحسَب. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَرِثْتُهُ مِيرَاثًا؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَهَذَا خطأٌ لأَنَّ مِفْعَالًا لَيْسَ مِنْ أَبنية الْمَصَادِرِ، وَلِذَلِكَ ردَّ أَبو عَلِيٍّ قَوْلَ مَنْ عَزَا إِلى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنْ المِحالَ مِنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ، مِن الحَوْلِ قَالَ: لأَنه لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ مِفْعَلًا، ومِفْعَلٌ لَيْسَ مِنْ أَبنية الْمَصَادِرِ، فَافْهَمْ. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ*
أَي اللَّهُ يُفْني أَهلهما فَتَبْقَيَانِ بِمَا فِيهِمَا، وَلَيْسَ لأَحد فِيهِمَا مِلْكٌ، فَخُوطِبَ الْقَوْمُ بِمَا يَعْقِلُونَ لأَنهم يَجْعَلُونَ مَا رَجَعَ إِلى الإِنسان مِيرَاثًا لَهُ إِذ كَانَ مِلْكًا لَهُ وَقَدْ أَوْرَثَنِيه. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ
أَي أَوْرَثَنَا أَرضَ الْجَنَّةِ، نتبوّأُ مِنْهَا مِنَ الْمَنَازِلِ حَيْثُ نَشاءُ. وَوَرَّثَ فِي مَالِهِ: أَدخل فِيهِ مَن لَيْسَ مِنْ أَهل الْوِرَاثَةِ. الأَزهري: وَرَّثَ بَنِي فُلَانٍ مَالَهُ تَوْرِيثًا، وَذَلِكَ إِذا أَدخل عَلَى وَلَدِهِ وَوَرَثَتِهِ فِي مَالِهِ مَن لَيْسَ مِنْهُمْ، فَجَعَلَ لَهُ نَصِيبًا.(2/200)
وأَورَثَ وَلَدَه: لَمْ يُدْخِلْ أَحداً مَعَهُ فِي مِيرَاثِهِ، هَذِهِ عَنْ أَبي زَيْدٍ. وتَوارثْناهُ: وَرِثَه بعضُنا عَنْ بَعْضٍ قِدْماً. وَيُقَالُ: وَرَّثْتُ فُلَانًا مِنْ فُلَانٍ أَي جَعَلْتُ مِيرَاثَهُ لَهُ. وأَوْرَثَ الميتُ وارِثَهُ مالَه أَي تَرَكَهُ لَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ
فِي دعاءِ النَّبِيِّ، صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ: اللَّهُمَّ أَمْتِعْني بِسَمْعِي وبَصَري، وَاجْعَلْهُمَا الوارثَ مِنًى
؛ قَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: أَي أَبْقِهما مَعِي صَحِيحَيْنِ سَلِيمَيْنِ حَتَّى أَموت؛ وَقِيلَ: أَراد بقاءَهما وقوَّتهما عِنْدَ الْكِبَرِ وَانْحِلَالِ القُوى النَّفْسَانِيَّةِ، فَيَكُونُ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ وارِثَيْ سَائِرِ القُوى والباقِيَيْنِ بَعْدَهَا؛ وَقَالَ غَيْرُهُ: أَراد بِالسَّمْعِ وَعْيَ مَا يَسْمَعُ والعملَ بِهِ، وَبِالْبَصَرِ الاعتبارَ بِمَا يَرى ونُور الْقَلْبِ الَّذِي يَخْرُجُ بِهِ مِنَ الحَيْرَة وَالظُّلْمَةِ إِلى الْهُدَى؛ وَفِي رِوَايَةٍ:
وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنِّي
؛ فَرَدَّ الهاءَ إِلى الإِمْتاع، فَلِذَلِكَ وَحَّدَهُ. وَفِي حَدِيثِ الدعاءِ أَيضاً:
وإِليكَ مَآبِي وَلَكَ تُراثي
؛ التُّراثُ: مَا يَخْلُفُهُ الرَّجُلُ لِوَرَثَتِهِ، والتاءُ فِيهِ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ. وَرُوِيَ
عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ: بَعَثَ «1» ابْنِ مِرْبَعٍ الأَنصاري إِلى أَهل عَرَفَةَ، فَقَالَ: اثْبُتيوا عَلَى مَشاعِركم هَذِهِ، فإِنكم عَلَى إِرْثٍ مِنْ إِرث إِبراهيم.
قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الإِرْث أَصله مِنَ الْمِيرَاثِ، إِنما هُوَ وِرْثٌ فَقُلِبَتِ الْوَاوُ أَلفاً مَكْسُورَةً لِكَسْرَةِ الْوَاوِ، كَمَا قَالُوا للوِسادة إِسادة، وللوِكافِ إِكاف، فكأَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنكم عَلَى بَقِيَّةٍ مِنْ وِرْثِ إِبراهيم الَّذِي تَرَكَ النَّاسَ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَهُوَ الإِرْثُ؛ وأَنشد:
فإِنْ تَكُ ذَا عِزٍّ حَدِيثٍ، فإِنَّهُمْ ... لَهُمْ إِرْثُ مَجْدٍ، لَمْ تَخُنْه زَوافِرُه
وَقَوْلُ بَدْرِ بْنِ عَامِرٍ الْهُذَلِيُّ:
ولَقَدْ تَوارَثُني الحوادثُ وَاحِدًا، ... ضَرَعاً صَغيراً، ثُمَّ لَا تَعْلُوني
أَراد أَن الْحَوَادِثَ تَتَدَاوَلُهُ، كأَنها تَرِثُهُ هَذِهِ عَنْ هَذِهِ. وأَوْرَثَه الشيءَ: أَعقبه إِياه. وأَورثه الْمَرَضُ ضَعْفًا والحزنُ هَمّاً، كَذَلِكَ. وأَوْرَث المَطَرُ النباتَ نَعْمَةً، وكُلُّه عَلَى الِاسْتِعَارَةِ وَالتَّشْبِيهِ بِوِراثَةِ الْمَالِ وَالْمَجْدِ. ووَرَّثَ النارَ: لُغَةٌ فِي أَرَّثَ، وَهِيَ الوِرْثَةُ. وَبَنُو وِرْثَةَ: يُنْسَبُونَ إِلى أُمهم. ووَرْثانُ: مَوْضِعٌ؛ قَالَ الرَّاعِي:
فَغَدَا مِنَ الأَرض الَّتِي لَمْ يَرْضَها، ... وَاخْتَارَ وَرْثاناً عَلَيْهَا مَنْزِلا
وَيُرْوَى: أَرْثاناً عَلَى الْبَدَلِ الْمُطَّرِدِ في هذا الباب.
وطث: الوَطْثُ: الضَّرْبُ الشديدُ بالخُفِّ؛ قَالَ:
تَطْوي المَوامي، وتَصُكُّ الْوَعْثا، ... بِجَبْهَةِ المِرْداسِ، وَطْثاً وَطْثا
الْجَوْهَرِيُّ: الوَطْثُ الضَّرْبُ الشَّدِيدُ بالرِّجْلِ عَلَى الأَرض، لُغَةٌ فِي الوَطْسِ أَو لُثْغَةٌ. وَزَعَمَ يَعْقُوبُ أَن ثاءَ وَطْثٍ بَدَلٌ مِنْ سِينِ وَطْسٍ: وَهُوَ الْكَسْرُ. الأَزهري: الوَطْثُ والوَطْسُ: الكَسْر. يُقَالُ: وَطَثَه يَطِثُه وَطْثاً، فَهُوَ مَوْطُوثٌ، ووَطَسَه، فَهُوَ مَوْطُوسٌ إِذا تَوَطَّأَه حتى يكسره.
وعث: الوَعْثُ: الْمَكَانُ السَّهْلُ الْكَثِيرُ الدَّهِسُ، تَغِيبُ فِيهِ الأَقدام. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: الوَعْثُ مِنَ الرَّمْلِ مَا غَابَتْ فِيهِ الأَرجل والأَخفاف؛ وَقِيلَ: الوَعْثُ مِنَ الرَّمْلِ مَا لَيْسَ بِكَثِيرٍ جَدًا؛ وقيل: هو
__________
(1) . [أنه قال: بعث] كذا بالأَصل المعول عليه بأَيدينا.(2/201)
الْمَكَانُ اللَّيِّنُ؛ أَنشد ثَعْلَبٌ:
ومِنْ عاقِرٍ يَنْفِي الأَلاءَ سَراتُها، ... عِذارَيْن مِن جَرْداءَ، وَعْثٍ خُصورُها
رَفَعَ خُصُورَهَا بِوَعْثٍ لأَنه فِي مَعْنَى لَيِّنٍ، فكأَنه قَالَ: لَيِّنٌ خُصُورُهَا، والجمعُ وُعْثٌ «1» ووُعُوثٌ. وَحَكَى الأَزهري عَنْ خَالِدِ بْنِ كُلْثُومٍ: الوَعْثاءُ مَا غَابَتْ فِيهِ الحوافِرُ والأَخفافُ مِنَ الرَّمْلِ الرَّقِيقِ والدَّهاسِ مِنَ الْحَصَى الصِّغَارِ وَشِبْهِهِ. قَالَ: وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: يُقَالُ طَرِيقٌ وَعْثٌ فِي طريق وَعُوثٍ. وَيُقَالُ: الوَعَثُ رِقَّةُ التُّرَابِ وَرَخَاوَةُ الأَرض تَغِيبُ فِيهِ قَوَائِمُ الدَّوَابِّ؛ ونَقاً مُوَعَّثٌ إِذا كَانَ كَذَلِكَ. وَقَالَ الأَصمعي: الوَعْثُ كلُّ لَيِّنٍ سَهْلٍ. وَحَكَى الفراءُ عَنْ أَبي قَطَرِيٍّ: أَرضٌ وَعْثَةٌ ووَعِثَةٌ، وَقَدْ وَعُثَتْ وَعْثاً، وَقَالَ غَيْرُهُ: وُعُوثةً ووَعاثةً. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَعِثَ الطريقُ وَعْثاً ووَعَثاً، ووَعُثَ وُعُوثةً، كِلَاهُمَا: لانَ فَصَارَ كالوَعْثِ. وأَوْعَثَ: وَقَع فِي الوَعْثِ. وأَوْعَثُوا: وقَعُوا فِي الوَعْثِ؛ وأَوْعَثَ البعيرُ؛ قَالَ رؤْبة:
لَيْسَ طريقُ خَيْره بالأَوْعَثِ
وامرأَة وَعْثَةٌ: كثيرةُ اللَّحْمِ كأَنَّ الأَصابع تَسُوخُ فِيهَا مِنْ لِينِهَا وَكَثْرَةِ لَحْمِهَا. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: ومَرَةٌ وَعْثَةُ الأَرداف: لَيِّنَتُها؛ فأَما قَوْلُ رؤْبة:
ومِنْ هَوايَ الرُّجُحُ الأَثائِثُ، ... تُميلُها أَعْجازُها الأَواعِثُ
فَقَدْ يَكُونُ جَمَع وَعْثاً عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَقَدْ يَكُونُ جَمَع وَعْثاءَ عَلَى أَوْعُثٍ، ثُمَّ جَمَع أَوْعُثاً عَلَى أَواعِثَ. قَالَ: والوَعْثاءُ كالوَعْثِ؛ وَقَالُوا:
عَلَى مَا خَيَّلَتْ وَعْثُ القَصِيم
إِذا أَمرته بِرُكُوبِ الأَمر عَلَى مَا فِيهِ، وَهُوَ مَثَلٌ. ووَعْثاءُ السَّفَرِ: مَشَقَّتُهُ وَشِدَّتُهُ. وَرُوِيَ
عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه إِذا كَانَ سافَر سَفَرًا قَالَ: اللَّهُمَّ إِنا نَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثاءِ السَّفَر، وَكَآبَةِ المُنْقَلَبِ
أَي شِدَّتِهِ وَمَشَقَّتِهِ؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: هُوَ شِدَّةُ النصَب وَالْمَشَقَّةِ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الْمَآثِمِ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ يَذْكُرُ قُضَاعَةَ وَانْتِسَابُهُمْ إِلى الْيَمَنِ:
وابنُ ابْنِها مِنَّا وَمِنْكُمْ، وبَعْلُها ... خُزَيْمَةُ، والأَرْحامُ وَعْثاءُ حُوبُها
يَقُولُ: إِن قَطِيعَةَ الرَّحِمِ مَأْثَمٌ شديدٌ، وإِنما أَصل الوَعْثاء مِنَ الوَعْثِ، وَهُوَ الدَّهِسُ مَعَا الرِّمَالُ «2» الرَّقِيقَةُ، وَالْمَشْيُ يَشْتَدُّ فِيهِ عَلَى صَاحِبِهِ، فَجُعِلَ مَثَلًا لِكُلِّ مَا يَشُقُّ عَلَى صَاحِبَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَثَلُ الرِّزْقِ كَمَثَل حَائِطٍ لَهُ بَابٌ، فَمَا حولَ البابِ سُهُولَةٌ، وَمَا حولَ الْحَائِطِ وَعْثٌ وَوَعْرٌ.
وَفِي حَدِيثِ
أُمِّ زَرْعٍ: عَلَى رأْس قَوْرٍ وَعْثٍ.
والوُعُوثُ: الشِّدَّةُ والشَّرُّ؛ قَالَ صَخْرُ الغيِّ:
يُحَرِّضُ قَوْمَه كيْ يَقْتُلوني، ... عَلَى المُزَنيِّ، إِذ كَثُرَ الوُعُوثُ
وَيُقَالُ لِلْعَظْمِ الْمَكْسُورِ المَوْقورِ: وَعْثٌ. ورجلٌ مَوْعوثٌ: ناقصُ الحسَب. وَأَوْعَثَ فُلانٌ إِيعاثاً إِذا خَلَّطَ. والوَعْثُ: فسادُ الأَمر وَاخْتِلَاطُهُ، وَيَجْمَعُ عَلَى وُعُوثٍ. وَأَوْعَثَ
__________
(1) . قوله [والجمع وعث] كذا بالأَصل المعول عليه بهذا الضبط.
(2) . قوله [وَهُوَ الدَّهِسُ مَعَا الرِّمَالُ] كذا بالأصل المعول عليه بأيدينا ولعله الدهس من الرمال أو نحو ذلك.(2/202)
فِي مَالِهِ، وأَقْعَثَ فِي مِالِهِ، وطَأْطَأَ الرَّكْضَ فِي مَالِهِ: أَسْرَفَ فِيهِ. وَقَالَ الأَزهري فِي تَرْجَمَةِ وَعَثَ: تَقُولُ وَعَثْتُهُ عَنْ كَذَا وعَوَّثْتُه أَي صرفته.
وَكَثَ: الوِكاثٌ والوُكاثٌ: مَا يَسْتَعْجِلُ بِهِ الغَدَاءُ. واسْتَوْكَثْنا نحنُ: اسْتَعجلْنا وأَكَلْنا شَيْئًا نَبْلُغُ به الغَدَاء.
وَلَثَ: الوَلْثُ: عَقْدُ العَهْدِ بَيْنَ الْقَوْمِ؛ وَقِيلَ: هُوَ ضَعْفُ العُقْدَة. يُقَالُ: وَلَثَ لِي وَلْثاً لَمْ يُحْكِمْه أَي عَاهَدَنِي. يُقَالُ: وَلْثٌ مِنْ عَهْدٍ أَي شَيْءٌ قَلِيلٌ. والوَلْثُ: عَقْدٌ لَيْسَ بمحكَم وَلَا مُؤَكَّدٍ، وَهُوَ الضَّعِيفُ؛ وَمِنْهُ وَلْثُ السَّحَابِ: وَهُوَ النَّدَى اليسيرُ؛ وَقِيلَ: الوَلْثُ الْعَهْدُ الْمُحْكَمُ؛ وَقِيلَ: الوَلْثُ الشَّيْءُ الْيَسِيرُ مِنَ الْعَهْدِ. وَفِي حَدِيثِ
ابْنِ سِيرِينَ: أَنه كَانَ يَكْرَهُ شِرَاءَ سَبْيِ زابَلٍ، وَقَالَ: إِن عُثْمَانَ وَلَثَ لَهُمْ وَلْثاً
أَي أَعطاهم شَيْئًا مِنَ الْعَهْدِ؛ وَيُقَالُ: وَلَثْتُ لكَ أَلِث وَلْثاً أَي وَعَدْتك عِدَّةً ضَعِيفَةً؛ وَيُقَالُ: لَهُمْ وَلْثٌ ضَعِيفٌ وَوَلْثٌ مُحْكَم؛ وَقَالَ الْمُسَيَّبِ بْنِ عَلسٍ فِي الوَلْثِ المحكَم:
كَمَا امْتَنَعَتْ أَولادُ يَقْدمَ مِنْكُمُ، ... وَكَانَ لَهَا وَلْثٌ مِنَ العَقْدِ مُحْكَمُ
الْجَوْهَرِيُّ: الوَلْثُ العهدُ بَيْنَ الْقَوْمِ يَقَعُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، وَيَكُونُ غَيْرَ مُؤَكَّدٍ. يُقَالُ: وَلَثَ لَهُ عَقْداً. والوَلْثُ: الْيَسِيرُ مِنَ الضَّرْبِ وَالْوَجَعِ؛ وَقِيلَ: الْبَقِيَّةُ مِنْهُ. وَقَدْ وَلَثَ ولْثاً، وَوَلِثَ وَلَثاً؛ وَقِيلَ: الوَلْثُ كلُّ يَسِيرٍ مِنْ كَثِيرٌ؛ عَنِ ابْنِ الأَعرابي، وَبِهِ فَسَّرَ قَوْلُ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عنه، لرأْس الْجَالُوتِ، وَفِي رِوَايَةِ
الجاثَلِيقِ: لَوْلَا وَلْثٌ لَكَ مِنْ عَهْدٍ، لضربتُ عُنُقَك
أَي طَرَفٌ مِنْ عَقْدٍ أَو يسيرٌ مِنْهُ. وأَما ثَعْلَبٌ فَقَالَ: الوَلْثُ الضَّعِيفُ مِنَ الْعُهُودِ. أَبو مُرَّةَ الْقُشَيْرِيُّ: الوَلْثُ مِنَ الضَّرْبِ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ جِرَاحَةً فوقَ الثِّيَابِ. قَالَ: وطَرَقَ رجلٌ قَوْمًا يَطْلُبُ امرأَةً وعَدَتْهُ، فَوَقَعَ عَلَى رَجُلٍ، فَصَاحَ بِهِ، فَاجْتَمَعَ الحيُّ عَلَيْهِ فوَلَثُوه، ثُمَّ أُفْلِتَ. والوَلْثُ: بَقِيَّةُ الْعَجِينِ فِي الدَّسِيعَةِ، وَبَقِيَّةُ الْمَاءِ فِي المُشَقَّرِ، والفَضْلَةُ مِنَ النَّبِيذِ تَبْقَى فِي الإِناء، وَهُوَ البَسِيل. والوَلْثُ: القليلُ مِنَ الْمَطَرِ. وأَصابنا وَلْثٌ مِنْ مَطَرٍ أَي قليلٌ مِنْهُ. وولَثَتْنا السماءُ ولْثاً: بَلَّتْنا بِمَطَرٍ قَلِيلٍ، مُشْتَقٌّ مِنْهُ. التَّهْذِيبُ: والوَلْثُ بَقِيَّةُ العَهْد. فِي الْحَدِيثِ:
لَوْلَا وَلْثُ عَهْدٍ لَهُمْ، لفعلتُ بِهِمْ كَذَا.
قَالَ ابْنُ شُمَيْلٍ: يُقَالُ دَبَّرْتُ مَمْلُوكِيَ إِذا قلتَ: هُوَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي إِذا وَلَثْتَ لَهُ عِتْقاً فِي حَيَاتِكَ. قَالَ، والوَلْثُ التَّوْجِيهُ «3» إِذا قُلْتَ: هُوَ حُرٌّ بَعْدِي، فَهُوَ الوَلْثُ. وَقَدْ وَلَثَ فلانٌ لَنَا مِنْ أَمرنا وَلْثاً أَي وَجَّهَ؛ قَالَ رُؤْبَةُ:
وقلتُ إِذ أَغْبَطَ دَيْنٌ والِثُ
وَقَالَ ابْنُ الأَعرابي: أَي دَائِمٌ كَمَا يَلِثُونه بِالضَّرْبِ. الأَصمعي: وَلَثَه أَي ضَرَبَهُ ضَرْبًا قَلِيلًا. ووَلَثَهُ بِالْعَصَا يَلِثُه وَلْثاً أَي ضَرَبَهُ. وَقَالَ الأَصمعي فِي قَوْلِهِ إِذ أَغبط دَيْنٌ وَالِثُ: أَساء رُؤْبَةُ فِي هَذَا لأَنه كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يُؤَكِّدَ أَمر الدَّين. وَقَالَ غَيْرُهُ: يُقَالُ دَيْنٌ والثٌ أَي يَتَقَلَّدُهُ كَمَا يتقلد العهد.
وَهَثَ: وهَثَ الشيءَ وَهْثاً: وَطِئَهُ وطْأً شَدِيدًا. والوَهْثُ: الانهماك في الشيء.
__________
(3) . قوله [والولث التوجيه] كذا بالأَصل والقاموس، وسكت عليه الشارح. وبهامش الشارح المطبوع معزواً لحاشية الفاسي ما نصه: قوله التوجيه، صحته الترجية بزنة تبصرة.(2/203)
والواهثُ: الْمُلْقِي نَفْسَه فِي الشَّيْءِ، وَفِي الْمُحْكَمِ: الْمُلْقِي نَفْسَهُ فِي هَلَكَةٍ. وتَوَهَّثَ فِي الشَّيْءِ إِذا أَمعن فيه.
فصل الياء المثناة تحتها
يَفُثُ: يافثُ: مِن أَبناء نُوحٌ، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؛ وَقِيلَ: هُوَ مِنْ نَسْلِهِ التُّرْكُ ويأْجوجُ ومأْجوجُ، وَهُمْ إِخوة بَنِي سَامٍ وَحَامٍ، فِيمَا زَعَمَ النَّسَّابُونَ. وأَيافِثُ: مَوْضِعٌ باليَمَنِ، كأَنهم جَعَلُوا كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ أَيفث، اسْمًا لَا صِفة.
ينبيث: التَّهْذِيبُ فِي الرُّبَاعِيِّ: ابْنُ الأَعرابي: اليَنْبِيثُ ضَرْبٌ مِنْ سَمَكِ الْبَحْرِ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: اليَنْبِيثُ، بِوَزْنِ فَيْعيلٍ: غَيْرَ البَيْنِيثِ؛ قَالَ: وَلَا أَدري أَعَرَبيٌّ هُوَ أَم دَخِيلٌ؟
ييعث: النِّهَايَةُ لِابْنِ الأَثير: فِي كِتَابِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لأَقْوالِ شَبْوَةَ ذِكْرُ يَيْعُثَ، قَالَ: هِيَ بِفَتْحِ الْيَاءِ الأُولى، وَضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، صُقْعٌ مِنْ بِلَادِ الْيَمَنِ جَعَلَهُ لهم: انتهى.(2/204)
ج
حرف الجيم
ج: الْجِيمُ مِنَ الْحُرُوفِ الْمَجْهُورَةِ، وَهِيَ سِتَّةَ عَشَرَ حَرْفًا، وَهِيَ أَيضاً مِنَ الْحُرُوفِ الْمَحْقُورَةِ وَهِيَ: الْقَافُ وَالْجِيمُ وَالطَّاءُ وَالدَّالُ وَالْبَاءُ، يَجْمَعُهَا قولك: [جدقطب] سُمِّيتَ بِذَلِكَ لأَنها تُحقر فِي الْوَقْفِ، وتُضْغَطُ عَنْ مَوَاضِعِهَا، وَهِيَ حُرُوفُ الْقَلْقَلَةِ لأَنك لَا تَسْتَطِيعُ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا إِلَّا بِصَوْتٍ، وَذَلِكَ لِشِدَّةِ الحَقْرِ والضَّغْطِ، وَذَلِكَ نَحْوَ الْحَقْ، واذْهَبْ، واخْرُجْ. وَبَعْضُ الْعَرَبِ أَشدّ تَصْوِيتًا مِنْ بَعْضٍ، وَالْجِيمُ وَالشِّينُ وَالضَّادُ ثَلَاثَةٌ فِي حَيِّزٍ وَاحِدٍ، وَهِيَ مِنَ الْحُرُوفِ الشَّجْرية، والشَّجْرُ مَفْرَجُ الْفَمِ، وَمَخْرَجُ الْجِيمِ وَالْقَافِ وَالْكَافِ بَيْنَ عَكَدَةِ اللِّسَانِ، وَبَيْنَ اللَّهاةِ فِي أَقصى الفَم. وَقَالَ أَبو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: بَعْضُ الْعَرَبِ يُبْدِلُ الْجِيمَ مِنَ الْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ، قَالَ: وَقُلْتُ لِرَجُلٍ مِنْ حَنْظَلَةَ: مِمَّنْ أَنت؟ فَقَالَ: فُقَيْمِجٌّ، فَقُلْتُ: مِن أَيهم؟ قَالَ: مُرِّجٌّ؛: يُرِيدُ فُقَيْمِيٌّ مُرِّيٌّ؛ وأَنشد لِهمْيان بْنِ قُحَافَةَ السَّعْدِيِّ:
يُطِيرُ عَنْهَا الوَبَرَ الصُّهابِجا
قَالَ: يُرِيدُ الصُّهابِيَّا، مِنَ الصُّهْبة؛ وَقَالَ خَلَفٌ الأَحمر: أَنشدني رَجُلٌ مِنْ أَهل الْبَادِيَةِ:
خَالِيَ عُوَيْفٌ وأَبو عَلِجِّ، ... المُطْعِمانِ اللَّحْمَ بالعَشِجِّ،
وبالغَداةِ كِسَرَ البَرْنِجِ
يُرِيدُ عَلِيًّا، وَالْعَشِيَّ، وَالْبَرْنِيَّ. قَالَ: وَقَدْ أَبدلوها مِنَ الْيَاءِ الْمُخَفَّفَةِ أَيضاً؛ وأَنشد أَبو زَيْدٍ:
يَا رَبِّ، إِنْ كُنْتَ قَبِلْتَ حَجَّتِجْ، ... فَلَا يَزَالُ شاحِجٌ يأْتيك بِجْ،
أَقْمَرُ نَهَّازٌ يُنَزِّي وَفْرَتِجْ
وأَنشد أَيضاً:
حَتَّى إِذا مَا أَمْسَجَتْ وأَمْسَجا
يُرِيدُ أَمست وأَمسى، قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ قَبِيحٌ؛ قَالَ أَبو عُمَرَ الْجَرْمِيُّ: وَلَوْ رَدَّهُ إِنسانٌ لَكَانَ مَذْهَبًا؛ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُكَرَّمِ: أَمست وأَمسى لَيْسَ فِيهِمَا يَاءٌ ظَاهِرَةٌ يُنْطَقُ بِهَا، وَقَوْلُهُ: أَمسجت وأَمسجا، يَقْتَضِي أَن يَكُونَ الْكَلَامُ أَمسيت وأَمسيا، وَلَيْسَ(2/205)