والآخر: من تركيب "أوو" وهو من قول الشاعر1:
فَأَوِّ لذكراها إذا ما ذكرتُها ... ومن بُعْدِ أرضٍ بيننا وسَماءِ2
فمن رواه هكذا فـ "أوِّ" على هذا بمنزلة قَوِّ زيدًا، وهو من مضاعف الواو، ولا يكون "فأوِّ" كقولك: سَوِّ زيدًا، ولَوِّ عمرًا، وحَوِّ حَبْلا لما ذكرناه قبل في حرف الميم من هذا الكتاب.
وإن ذهبت إلى أن "إيا" من لفظ "أويت" احتمل ثلاثة أمثلة: أحدها أن يكون إفْعَلا. والآخر أن يكون فِعْيَلا. والآخر فِعْلَى.
فأما "إفْعَلٌ" فأصله "إئْويٌ: فقلبت الياء التي هي لام ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصارت "إئْوا" وقلبت الهمزة الثانية التي هي فاء الفعل ياء لسكونها وانكسار الهمزة قبلها، فصارت "إيوا" فلما اجتمعت الياء والواو وسبقت الياء بالسكون قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، فصارت "إيا".
فإن قلت: ألست تعلم أن الياء التي قبل الواو في "إيوا" ليست بأصل، وإنما هي بدل من الهمزة التي هي فاء الفعل، فهلا لم تقلب لها الواو ياء إذ كانت غير أصل وبدلا من همزة، كما تقول في الأمر من أوى يأوي: ايو يا رجل، ولا تقلب الواو ياء، وإن كانت قبلها ياء ساكنة، لأن تلك الياء أصلها الهمز؟
فالجواب: أن هذا إنما يفعل في الفعل لا في الاسم، وذلك أن الفعل لا يستقر على حال واحدة، ولا الهمزة المكسورة في أولِهِ بلازمة، إنما هي ثابتة ما ابتدأتَ، فإذا وصلت سقطت البتة، ألا تراك تقول: "ايو، وأو" وإن شئت فأو، كما قال تعالى: {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ} [الكهف: من الآية 16] 3 وليس كذلك الاسم؛ لأنه إن كانت في
__________
1 ذكره صاحب اللسان دون أن ينسبه مادة "أوا" "14/ 54" والخصائص "3/ 38".
2 يقال: فأوَّه على فعَّل، وهي لغة بني عامر، وهذا من قولهم "فلان يتأوَّه من ذنوبِهِ" معاني القرآن للفراء "2/ 23".
والشاهد فيه "فأوّ" حيث صاعف الواو.
3 {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ} الشاهد فيه "فأووا" حيث حذفت الياء في الفعل "أوى" وثبتت الهمزة في أول الفعل.(2/299)
أوله كسره أو ضمة أو فتحة ثبت على كل حال، وذلك قولك: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] 1 وضربت القوم إلا إياك، فالهمزة ثابتة مكسورة في الوصل والوقف، ألا ترى أنهم قالوا في مثل "إجرد"2 من "أويت": "أي". وأصله "إئوي" فقلبت الهمزة الثانية لاجتماع الهمزتين ياء، فصارت "إيوي" وقلبت الواو ياء لوقوع الياء الساكنة المبدلة من الهمزة قبلها، فصارت "إييي" فأدغمت الأولى في الثانية، فصارت "إيي"، فلما اجتمعت ثلاث ياءات على هذه الصفة حذفت الآخرة تخفيفا، كما حذفت من تصغير أحوى في قولك "أحي".
وكذلك قولوا في مثل "أوزة" من "أويت": "إياة" وأصلها "إئوية" فقلبت الهمزة الثانية ياء، وأبدلت لها الواو بعدها ياء، وأدغمت الأولى في الثانية، وقلبت الياء الأخيرة ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصارت "إياه". فهذا حكم الأسماء لأنها غير منتقلة، والأفعال لا تثبت على طريق واحدة، فليس التغير فيها بثابت.
وأما كونه "فعيلا" من "أويت" بوزن "طريم"3 و"غريل"4 و"حذيم"5 فأصله على هذا "إويي" تفصل ياء "فعيل" بين الواو والياء كما فصلت في المثال بين العين واللام، فلما سكنت الواو وانكسر ما قبلها قلبت ياء، وأدغمت في ياء "فعيل" فصارت "إيي" ثم قلبت الياء الأخيرة التي هي لام ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصارت "إيا".
وأما كونه "فعلى" فأصله "إويا" فقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، ولوقوع الياء بعدها أيضا، ثم أدغمت في الياء بعدها، فثارت "إيا".
فإن سميت به رجلا وهو "أفعل" لم ينصرف معرفة، وانصرف نكرة، وحاله فيه حال إشفي6. وإن سميت به رجلا وهو "فعيل" فالوجه أن تجعل ألفه للتأنيث
__________
1 {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} الشاهد فيه "إياك" حيث نثبت الهمزة في الاسم على كل جال سواء كانت في أوله كسرة أو فتحة أو ضمة.
2 إجرد: نبت يدل على الكمأة. لسان العرب "3/ 119" مادة/ جرد.
3 الطريم: العسل إذا امتلأت البيوت خاصة، والسحاب الكثيف. اللسان "12/ 361".
4 الغريل: ما يبقى من الماء في الحوض، والغدير الذي تبقى فيه الدعاميض لايقدر على شربه.
5 الحذيم: القاطع.
6 إشفي: المثقب. اللسان "14/ 438".(2/300)
بمنزلة ألف "ذكرى" و"ذفرى"1 وإذا كان ذلك كذلك لم ينصرف معرفة ولا نكرة. وإن ذهبت إلى أن ألفه للإلحاق بهجرع2، وأجريتها مجرى ألف "معزى" لم تصرفه معرفة، وصرفته نكرة، وجرى حينئذ مجرى "أرطى"3 و"حنبطى"4 و"دلنظى"5 و"سرندى".
وأما إذا جعلت "إيا" من لفظ "الآية" فإنه يحتمل أن يكون على واحد من خمسة أمثلة، وهي: "إفعل" و"فعل" و"فعيل" و"فعول" و"فعلى" وذلك أن عين "الآية" من الياء لقول الشاعر7:
لم يبق هذا الدهر من آياته ... غير أثافيه وأرمدائه8
فظهور الياء عينا في "آيائه" يدل على ما ذكرناه من كون العين ياء، وذلك أن وزن "آياء": "أفعال" ولو كانت العين واوا لقال "من أوائه" إذ لا مانع من ظهور الواو في هذا الموضع، فإذا ثبت بهذا وبغيره مما يطول ذكره كون العين من "آية" ياء، ثم جعلت "إيا": "إفعلا" فأصله "إئيي" فقلبت الهمزة الثانية التي هي فاء ياء لاجتماع الهمزتين وانكسار الأولى منهما، ثم ادغتمها في الياء هي عين بعدها، فصارت "إيي" ثم قلبت الياء التي هي لام في "آية" و"آي" ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصارت "إيا".
ولم يسغ الاعتراض الذي وقع قديما في إدغام الياء المبدلة من الهمزة التي هي فاء في "إفعل" من "أويت" قبلها إذ صار لفظها إلى "إيوا" والانتصار لذاك هناك،
__________
1 ذفري: العظم الشاخص خلف الأذن. لسان العرب "4/ 307" مادة/ ذفر.
2 هجرع: الأحمق من الرجال. اللسان "8/ 368".
3 أرطى: شجر ينبت بالرمل.
4 حبنطى: الممتلئ غضبا أو بطنه.
5 دلنظى: السمين في كل شئ.
6 سرندي: الجرئ، وقيل: الشديد. اللسان "3/ 212".
7 هو أبو النجم العجلي، والبيتان في ديوانه "ص54-55" وذكره صاحب اللسان دون أن ينسبه ماددة "ثرا" "14/ 111".
8 الآياء: جمع آية، وهو جمع الجمع وهو نادر، وهي العلامة.
الدهر: الزمن.
أثافيه: أحجار توضع تحت القدر عند الطهي. اللسان "3/ 9" مادة/ أثف.
أرمدائه: واحد الرماد. يعني أن الدهر لم يترك من علامته إلا الرماد.
الشاهد فيه "آيائه" حيث إن ثبت أن عين الكلمة "ياء".(2/301)
وأما إذا جعلتها من الآية فالعين في الأصل ياء، ثم وقعت قبلها الياء المبدلة من الهمزة التي هي فاء، فلما اجتمع المثلان، وسكن الأول منهما أدغم في الثاني بلا نظر، فقلت "إيا" وجرى ذلك مجرى قوله عز اسمه: {أَثَاثًا وَرِئْيًا} [مريم: 74] 1 في من لم يهمز، جعله "فعلا" من "رأيت" وأصله على هذا "رئيا".
وحدثنا أبو علي أن القراءة فيه على ثلاثة أوجه: رئيا وريا وزيا بالزاي.
وإذا جعلته "فعلا" مثل "إلق"2 و"قنب" فالياء المشددة هي العين المشددة، والألف آخرا هي لام "فعل" وهي متقلبة من الياء التي هي لام "آية" وأصله "إيي" فقلت الياء الأخيرة ألفا كما ذكرت لك.
وإذا جعلته "فعيلا" مثل "غرين"3 و"حذيم"4 فالياء الثانية في "إيا" هي ياء "فعيل" والياء هي عين "فعيل".
وإذا جعلته "فعولا" فأصله "إيوي" وهو بوزن "خروع"5 و"جدول" فيمن كسر الجيم، فلما اجتمعت الياء الواو، وسبقت الياء بالسكون قلبت الواو ياء، وأدغمت الياء التي هي عين "فعول" في الياء التي أبدلت من واوه، وقلبت الياء التي هي لام ألفا لما ذكرنا، فصارت "إيا".
__________
1 "أَثَاثًا وَرِيًّا" قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي "وَرِئْيًا" مهموزة بين الراء والياء، وقرأ ابن عامر ونافع "وَرِيًّا" بغير همز، وروي عن نافع الهمز.
السبعة "ص411-412".
وقرأ طلحة "وريا" خفيفة بلا همز وقرأ سعيد بن جبير ويزيد البربري والمكي "وَزِيًّا" بالزاي.
المحتسب "1/ 43-44". والزي: الهيئة والمنظر.
2 إلق: الإلق: المتألق. لسان العرب "10/ 8" مادة/ ألق.
3 غرين: الطين يجملة السيل. لسان العرب "11/ 491".
4 حذيم: الحذيم: القاطع.. اللسان "12/ 118" مادة/ حذم.
5 خروع: شجرة تحمل حبا كأنه بيض العصافير، يسمى السمسم الهندي.
وهو نبت يقوم على ساق، ورقة كورق التين، وبذوره ملس كبير الحجم ذات قشرة رقيقة صلبة وهي غنية بالزيت.(2/302)
وإذا جعلته "فعلى" فالياء الأولى في "إيا" هي العين، والثانية هي اللام، والألف ألف "فعلى". فيجوز أن تكون للتأنيث، ويجوز أن تكون للإلحاق على ما تقدم. والوجه في هذه الألفات أن تكون التأنيث لأنها كذلك أكثر ما جاءت.
وأما إذا كان من لفظ "فأو لذكراها" -وأصله على ما ثبت من تركيب "أوو"- فإنه يحتمل مثالين: أحدهما "إفعل" والآخر "فعيل". فإذا جعلته "إفعلا" فأصله "إئوو". فقلت همزته الثانية التي هي فاء "إفعل" ياء لانكسار الهمزة قبلها، فصارت في التقدير "إيوو" ثم قلبت الواو الأولى التي هي عين "إفعل" ياء لوقوع الياء ساكنة قبلها على ما تقدم، فصارت في التقدير "إيو" ثم قلبت الواو التي هي لام ياء لأنها وقعت رابعة، كما قلبت في "أغزيت" و"أعطيت" فصار في التقدير "إيي"، ثم قلبت الياء الأخيرة ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصار "إيا" كما ترى.
وإذا جعلته "فعيلا" فأصله حينئذ "إويو" فقلبت الواو الأولى التي هي عين الفعل ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، ولأنها أيضا ساكنة قبل الياء، ثم أدغمت تلك الياء في ياء "فعيل"فصارت "إيو"، ثم قلبت الواو ياء لأنها رابعة طرق، ثم قلبت تلك الياء ألفا على ما عمل في المثال الذي قبل هذا، فصارت "إيا".
ولا يجوز أن تكون "إيا" إذ جعلتها من لفظ "أوو": "فعلا" ولا "فعلى" كما جاز فيما قبل، لأنه كان يلزم أن يكون اللفظ به "إوى". وإن شئت جوزت ذلك فيه، وقلت: إنهما ليستا عينين فيلزما ويصا. ولا يجوز أن تكون "إيا" "فعللا" مضعف اللام بمنزلة "ضربب" لأن ذلك لم يأت في شئ من الكلام.
ويجوز فيه أيضا وجه ثالث، وهو أن يكون "فعولا" قلبت عينه للكسرة، ثم واوه لوقوع الياء قبلها، فقلت "إيا".
فإن أردت تحقير هذه الأمثلة أو تكسيرها على اختف الأصول المركبة هي منها طال ذلك جدا، إلا أنه متى اجتمع معك في ذلك ثلاث ياءات كاللواتي في آخر تحقير "أحوى" حذفت الآخرة، ومتى اكتنف ألف التكسير حرفا علة، ولم يكن بين ألف التكسير وبين آخر الكلمة إلا حرف واحد همزت ذلك الحرف، وأبدلت الآخر ألفا، ثم أبدلت الهمزة حرف لين.(2/303)
ولا يجوز أن يكون "إيا" من لفظ "آءة" على أن تجعله "فعيلا" منها، ولا "إفعلا" لأنه كان يلزمك أن تهمز آخر الكلمة لأنه لام، فتقول "إيا" ولم يسمع فيه الهمزة البتة، ولا سمع أيضا مخففا بين بين، ولكن يجوز فيه عندي على وجه غريب أن يكون "فعلى" من لفظ "وأيت"، ويكون أصله على هذا "وئيا" فهمزت واوه لانكسارها، كما همزت في "إسادة" و"إعاء" و"إشاح" ونحو ذلك فصارت "إئيا"، ثم أبدلت الهمزة لانكسار الهمزة الأولى قبلها، ثم أدغمت الياء المنقلبة من الهمزة في الياء التي هي لام "وأيت" فصارت "إيا".
فهذه أحكام تصريف هذه اللفظة، ولست أعرف أحدا من أصحابنا خاض فيها إلى ههنا، ولاقارب هذا الموضع أيضا، بل رأيت أبا علي وقد نشم فيها القول يسيرا لم يستوف الحار فيها، ولا طار بهذه الجهة، وإن كان -بحمد الله، والاعتراف له- الشيخ الفاضل، والأستاذ المبجل. ولو لم يتضمن هذا الكتاب من الكلام على الدقيق أكثر من هذه المسألة لكانت -بحمد الله- جمالا له، ومحسنة حاله.
ثم نعود إلى حكم الألف، فنقول: إن ألف "ذا" من قولك "هذا زيد" منقلبة عن ياء ساكنة، وقد ذكرنا في هذا الكتاب وغيره العلة التي لأجلها جاز قلب الياء الساكنة ألفا إذ كان أصله "ذي".
فإن قلت: فما تقول في ألف "لكن" و"لكن"؟
فالجواب: أن يكون أصلين لأن الكلمتين حرفان، ولا ينبغي أن توجد الزيادة في الحروف، فإن سميت بهما ونقلتهما إلى حكم الأسماء حكمت بزيادة الألف، وكان وزن المثقلة "فاعلا" والمخففة "فاعلا".
__________
1 آءة: الأءة: واحدة الآء: هو شجر له ثمر يأكلة النعام. لسان العرب "1/ 24".(2/304)
إبدال الألف
مدخل
...
إبدال الألف:
أبدلت الألف من أربعة أحرف، وهي: الهمزة، والياء، والواو، والنون الخفيفة.(2/304)
إبدال الألف عن الهمزة:
هذه الهمزة في الكلام على ضربين: أصل، وزائدة، ومتى كانت الهمزة ساكنة مفتوحا ما قبلها غير طرف، فأريد تخفيفا أو تحويلها أبدلت الهمزة ألفا أصلا كانت أو زائدة، فالأصل نحو قولك في "أفعل" من "أمن": "آمن" وأصلها "أأمن" فقلبت الثانية ألفا لاجتماع الهمزتين وانفتاح الأولى وسكون الثانية. ومثله "ألفت زيدا" أي: ألفته.
قال ذو الرمة1:
من المؤلفات الرمل أدماء حرة ... بياض الضحى في لونها يتوضح2
ومن ذلك قولهم في تخفيف "رأس" و"بأس"3 و"فأل"4: "راس" و"باس" و"فال".
ومنه قولك في "قرأت": "قرات" وفي "هدأت": "هدات"5.
والزائد نحو قولك في تخفيف "شأمل"6: "شامل" وفي "احبنطأت"7 فيمن همز "احبنطات".
واعلم أن هذا الإبدال على ضربين: أحدا لابد منه، والآخر منه بد. فأما ما لا بد منه فأن تلتقي همزتان مفتوحة والثانية ساكنة، فلا بد من إبدال الثانية
__________
1 البيت في ديوانه "ص1197" وكتاب الهمز "ص29".
2 يتوضح: يظهر.
أدماء: بيضاء خالصة البياض.
والشاعر يصف ظبية بيضاء تلمع مثل نوره الضخى.
والشاهد فيه: مؤلفات" حيث قلبت همزة "أألف" الثانية ألف "آلف".
3 بأس: العذاب، والشدة في الحرب. لسان العرب "6/ 20".
4 فأل: ضد الكيرة والجمع فؤول. لسان العرب "11/ 513".
5 هدأت: هدأ هدوءا أي سكن. لسان العرب "1/ 180" مادة/ هدأ.
6 شأمل: شمل الأمر القوم شملا عمهم. وقد شملت الريح: تحولت شمالا.
7 احبنطأت: احبنطأ الرجل: انتفخ جوفه. اللسان "1/ 57-58" مادة/ حبطأ.(2/305)
ألفا، وذلك نحو آدم، وآخر، وأمن، وآوى، وآساس جمع أس1، وآياء2 جمع آية وآي، فهذا إبدال لازم كراهية التقاء الهمزتين في حرف واحد، وإذا أبدلت الهمزة على هذا جرت الألف التي هي بدل منها مجرى ما لا أصل له في همز البتة، وذلك قولهم في جمع "آدم": و"أوادم" فأجروا ألف "آدم" مجرى "ألف" "خاتم" فقلبوها واوا في "أوادم" كما قلبوا الألف واوا في "خواتم" فقالوا3:
................................. ... وتترك أموال عليها الخواتم4
وإذا لم تكن الهمزة هكذا لم يلزم إبدالها، ألا ترى أنك مخير بين أن تقول "قرأت" و"قرات" و"بدأت" و"بدات"، ولا يجوز أن تقول "أأدم" ولا "أأخر".
وقد أبدلت الهمزة المفتوحة التي قبلها فتحة ألفا أيضا على غير قياس، وإنما يحفظ حفظا، أنشدنا أبو علي5:
بتنا وبات سقيط الطل يضربنا ... عند الندول قرانا نبح درواس6
إذا ملأ بطنه ألبانها حلبا ... باتت تغنيه وضرى ذات أجراس7
يريد: إذا ملأ بطنه، فأبدل الهمزة الفا.
__________
1 أس: كل مبتدأ شئ، وهي أصل البناء، وجمعه إساس. اللسان "6/ 6" مادة/ أسس.
2 وآياء: جمع آية وهي الدليل أو العلامة.
3 البيت في ديوان الأعشى "ص129" وصدره:
يقلن: حرام ما أحل بربنا
4 الشاهد فيه "الخواتم" حيث قلبت الألف واوا. فأصلها "خاتم" في المفرد.
5 البيتان في المبهج "ص30".
6 الندول: اسم رجل.
درواس: كلب كان معه.
الطل: المطر الصغار القطر الدائم وهو أرسخ المطر ندى. اللسان "11/ 405" مادة / طلل.
والشاعر يهجو رجلا يدعى "الندول" بأنهم باتوا عنده يتساقط عليهم المطر وضايقهم بسماع صوت كلبه.
7 أجراس: أصوات. لسان العرب "6/ 35" مادة/ جرس.
فكلبه يصدر أصواتا من شدة جوعه لبخل صاحبه.
والشاهد فيه: "ملا" حيث أبدلت الهمزة ألفا على غير القياس.(2/306)
ومن أبيات الكتاب1:
راحت بمسلمة البغال عشية ... فارعي فزارة لا هناك المرتع2
يريد: هنأك.
فأما من همز "العالم" و"الخاتم" و"الباز" و"التابل" فلا يجوز على مذهبه تخفيف هذه الهمزة، وذلك أن مذهبه أن يجتلب همزا لا أصل له، فلا يجوز على هذا أن يخفف الهمزة، فيردها ألفا، لأنه عن الألف قلبها، فلو أراد الألف لأقر الألف الأولى، واستغنى بذلك عن قلبها همزة، ثم قلبت تلك الهمزة ألفا. وأما غيره فلا ينطق بهذه الهمزة في هذا الموضع أصلا، فلا يمكن أن يقال فيه إنه يخففها ولا يحققها.
__________
1 من أبيات سيبويه والبيت للفرزدق، وهو في ديوانه "ص508" والكتاب "3/ 554".
مسلمة: هو مسلمة بن عبد الملك كان على العراق، فعزله يزيد بن عبد الملك واستعمل عمر بن هبيرة الفزاري فأساء وعزل مسلمة عزلا قبيحا.
2 راحت: راح فلان يروح رواحا من ذهابه أو سيره بالعشي. اللسان "2/ 464" مادة/ روح.
المرتع: الموضع الذي ترتع فيه الماشية.
والشاهد فيه: "هناك" حيث أبدلت الهمزة ألفا يريد "هنأك".(2/307)
إبدال الألف عن الياء والواو:
وذلك على ثلاثة أضرب: أحدها: أن تكونا أصلين، والآخر: أن تكونا منقلبتين، والاخر: أن تكونا زائدتين.
فأما إبدال الألف عن الياء والواو وهما أصلان فنحو قولك في "ييأس"1: "ياءس" وفي "يوجل"2: "ياجل" ونحو قولك: "باع، وسار، وهاب3، وحار، وقام، وصاغ4، وخاف، ونام، وطال" لقولك: "البيع، والسير، والهيبة، والحيرة، وقومة، وصوغة، وخوف، ونوم، وطويل".
__________
1 ييأس: اليأس القنوط، وقيل: اليأس نقيض الرجاء. اللسان "6/ 259" مادة/ يأس.
2 يوجل: وجل يوجل خاف وفزع "ج" وجال. اللسان "11/ 722" مادة/ وجل.
3 هاب: هابه هيبا ومهابة: أجله وعظمه وحذره وخافه. لسان العرب "1/ 790" مادة/ هيب.
4 صاغ: صاغ فلان زورا وكذبا إذا اختلقه، وسكبه. اللسان "8/ 442" مادة/ صوغ.(2/307)
ومن ذلك "رمى، وسعى، ودعا، وعدا" للقولك: "الرمي، والسعي، والعدو والدعو" فهذا حكم الياء والواو، متى تحركتا وانفتح ما قبلهما قلبتا ألفا إلا أن يضطر أمر إلى ترك قلبهما، وذلك نحو قولك للاثنين: "قضيا، ورميا، وخلوا، ودعوا" وإنما صحتا هنا ولم تقلبا ألفا، لأنهم لو قلبوها ألفا وبعدها ألف تثنية الضمير لوجب أن تحذف إحداهما لالتقاء الساكنين، فيزول لفظ التثنية، ويلتبس الاثنان بالواحد. ونحو من ذلك قولهم: "النفيان" و"الغليان" و"الصميان"1 و"العدوان"2 و"النزوان"3 و"الكروان"4، ألا ترى أنهم لو قلبوا الياء والواو هنا ألفين وبعدهما ألف "فعلان" لوجب حذف إحدهما، وأن تقول "نفان" و"غلان" و"صمان" و"عدان" و"نزان" و"كران" فيلتبس "فعلان" مما اعتلت لامه ب "فعال" مما لامه نون، فترك ذلك لذلك.
وربما جاء شئ من ذلك على أصله صحيحا غير معل ليكون دليلا على الأصول المغيرة، وذلك قولهم "الصيد"5 و"الجيد"6 و"القود"7 و"الأود"8 و"الحوكة" و"الخونة" جمع "حائك"9 و"خائن" فأما قولهم في "ييأس": "ياءس" وفي "يوجل": "ياجل" فإنما قلبوا الياء والواو فيهما وإن كانتا ساكنتين تخفيفا، وذلك أنهم رأوا أن جمع الياء والألف أسهل عليهم من جمع الياءين، والياء والواو، وقد حملهم طلب الخفة على أن قالوا في "الحيرة": "حاري" وفي "طيئ": "طائي" قال10:
إذ هي أحوى من الربعي خاذلة ... والعين بالإثمد الحاري مكحول11
__________
1 الصميان: الشديد المحتنك السن، والشجاع الصادق الحملة، والسرعة. اللسان "14/ 469".
2 العدوان: الشديد العدو. لسان العرب "15/ 31" مادة/ عدا.
3 النزوان: مصدر نزا الفحل، أي: وثب. لسان العرب "15/ 319" مادة/ نزا.
4 الركوان: طائر طويل الرجلين أغبر، نحو الحمامة، له صوت حسن.
5 الصيد: الكبر.
6 الجيد: طول العنق وحسنه.
7 القود: القصاص.
8 الأود: الاعوجاج.
9 حائك: الذي ينسج الثياب. لسان العرب "10/ 418" مادة/ حيك.
10 هو الطفيل الغنوي، والبيت في ديوانه "ص55" والكتاب "1/ 240".
11 الأحوى: أسود ليس بشديد السواد.
الربعي: ما نتج في الربيع.
الحاري: نسبة إلى الحيرة بالكسر بلد بجنب الكوفة. لسان العرب "4/ 225".
والشاعر يصف الظبية بأنها جميلة اللون تنتج أفضل النتاج وكحيلة العينين.
والشاهد فيه: "الحاري" حيث أبدلت الياء ألفا تخفيفا.(2/308)
وحكى أبو زيد عن بعضهم1 في تصغير "دابة": "دوابة" يريد "دويبة" فأبدل من ياء التصغير الساكنة ألفا، وقال الراجز2:
تبت إليك فتقبل تابتي ... وصمت ربي فتقبل صامتي3
يريد: توبتي، وصومتي.
وقال الآخر: وهو مالك بن أسماء بن خارجة4:
ومن حديث يزيدني مقة ...
ما لحديث الماموق من ثمن5
يريد: الموموق. وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ارجعن مأزورات غير ماجورات" 6 وأصله "موزورات" فقلبت الواو ألفا تخفيفا كما ذكرنا. وقال الكوفيون: إنما أريد به ازدواج الكلام لقوله "ماجورات". وهو قول أيضا.
وقال سيبويه في "آية" و"ثاية": "وقال غيره -يعنى غير الخليل- إنها "فعلة" فأبدلت الألف من الياء"7. وأخذ بعض البغداديين8 هذا من سيبويه، فقال9 في قولهم: "ضرب عليه ساية": إنما هي "سية" أبدلت الألف من الياء المنقلبة عن الواو التي هي عين في "سويت".
__________
1 هو أبو عمرو الهذلي كما في المسائل البغداديات "ص395".
2 البيتان في اللسان "توب" "1/ 226".
3 الشاهد فيه "تابتي -صامتي" حيث قلبت الواو ألفا للتخفيف يريد "توبتي -صومتي".
4 البيت منسوب إليه في ذيل الأمالي "ص91" وبغير نسبة في المحتسب "2/ 331" وروي في ذيل الأمالي "الموموق" ولا شاهد فيه.
5 الشاهد فيه "الماموق" حيث أبدلت الواو ألفا تخفيفا، فأصله "الموموق".
6 الشاهد فيه "مازورات -ماجورات" حيث قلبت الواو ألفا تخفيفا.
أخرجه ابن ماجه في كتاب الجنائز -باب ما جاء في اتباع النساء الجنائز "1/ 502-503".
7 الكتاب "2/ 388".
8 هو الفراء كما في اللسان "سوا" "14/ 415".
9 نص ابن جني في التمام "ص233" على أنه الفراء.(2/309)
وطرد أيضا هذا الآخذ من سيبويه في غير هذه اللفظة، فقال في قولهم: "أرض دواية": إنه أراد "دوية" فأبدل من الواو الأولى الساكنة التي هي عين "دو" ألفا.
قال ذو الرمة1:
دوية ودجى ليل كأنهما ... يم تراطن في حافاته الروم2
قال أبو علي3: وهذه دعوى من قائلها لا دلالة عليها، وذلك أنه يجوز أن يكون بني من "الدو" فاعلة، فصارت "دواية" بوزن "زاوية" ثم أنه الحق الكلمة ياءي النسب، وحذف اللام، كما تقول في الإضافة إلى "ناجية": "ناجي" وإلى "قاضية": "قاضي" وكما قال علقمة4:
كأس عزيز الأعناب عتقها ... لبعض أربابها حانية حوم5
فنسبها إلى "الحاني" بوزن "القاضي".
وكما قالوا: "رجل ضاوي" إنما هو منسوب إلى "فاعل" من "الضوى"6 وهو "ضاو" ولحقتا في "ضاوي" كما لحقتا في "أحمر وأحمري" و"أشقر وأشقري"7 والمعنى واحد.
__________
1 في ديوانه "ص410".
2 الدوية والداوية: المفازة المستوية.
تراطنهم: كلام لا يفهمه الجمهور.
حافاته: جوانبه، ونواصيه.
دجى الليل: سواده مع غيم.
والشاعر يصف الصحراء أثناء الليل وكأنهما بحر هائج يموج بمن فيه.
والشاهد فيه "دوية" حيث جاءت على الأصل بدون قلب.
3 انظر/ المسائل الحلبيات "ص81".
4 ديوانه "ص68" وكتاب الاختيارين "ص641"، ونسبه صاحب اللسان إلى هلقمة بن عبدة مادة "حوم".
5 الشاعر يتحدث عن الخمر ويصفها بأنها كأس عزيز على أصحابها ومصنوعة من الأعناب، ويحوم حولها الجميع.
والشاهد فيه: "حانية" حيث نسبها إلى الحاني.
6 الضوى: دقة العظم، والضعف والهزال.
7 أشقر: الأحمر في الدواب.(2/310)
وأنشدنا1:
كأن حداء قراقريا2
يديد: قراقرا، وهذا كثير واسع، فعلى هذا يجوز أن تكون "الدواية" منسوبة إلى "فاعلة" من "الدو". وأما ما قرأته على ابي علي في نوادر أبي زيد من قول عمرو بن ملقط جاهلي3:
والخيل قد تجشم أربابها الشق ... وقد تعسف الدوايه4
فإن شئت قلت: إنه بنى من "الدو" "فاعلة"5، فصارت في التقدير "دواوة"
ثم قلبت الواو الآخرة التي هي لام ياء لانكسار ما قبلها ووقوعها طرفا، فصارت "دواية". وإن شئت قلت: أراد "الدواية" المحذوفة اللام كالحانية، إلا أنه خفف ياء الإضافة كما خفف الآخر فيما أنشده أبو زيد، وأنشدناه أبو علي6:
بكي بعينك واكف القطر ... ابن الحواري العالي الذكر7
يريد: ابن الحواري. وهذا شئ اعترض، فقلنا فيه، ثم نعود.
__________
1 البيت في جمهرة اللغة "3/ 433" والخصائص "3/ 105".
2 قراقر وقراقري: حسن الصوت.
وفي الجمهرة واللسان "وكان" بدلا من "كأن" وقبله في الجمهرة: "أبكم لا يكلم المطيا".
3 النوادر "ص268" وشرح المفصل "10/ 19" والخزانة "3/ 633"، واللسان "10/ 183".
4 تجشم أربابها: تكلفة على المشقة.
والشق: الجهد والعناء.
والمعنى أن الخيل يتحمل أصحابها المشقة والتعب وهي تجوب الصحراء.
والشاهد فيه "الدواية".
5 هذا قول أبي علي الفارسي كما في المسائل البغداديات "ص395".
6 البيت لعبيد الله بن قيس الرقيات كما في النوادر "ص527"، وهو في ملحقات ديوانه "ص183" منقولا عن النوادر، وهو بغير نسبة في المسائل الحلبيات، وذكره صاحب اللسان وقد نسبه لابن دريد مادة "حور" "4/ 220".
7 أكف القطر: كف الدمع والماء كفا: سال.
ابن الحواري: يريد به مصعب بن الزبير.
والشاهد فيه "الحواري" حيث حذفت الياء تخفيفا يريد "ابن الحواري".(2/311)
وأما إبجالها منهما منقلبين فقولهم: "أعطى، وأغزى، واستقصى، وملهى، ومغزى، ومدعى" أصل هذا كله "أعطو، وأغزو، واستقصو، وملهو، ومغزو، ومدعو" فلما وقعت الواو رابعة فصاعدا قلبت ياء، فصارت في التقدير "أعطى، وأغزي، واستقصي، وملهي، ومغزي، ومدعي" فلما وقعت الياء طرفا في موضع حركة وما قبلها مفتوح قلبت ألفا، فصارت "أغزى، وأعطى، وملهى، ومغزى" فالألف إذن إنما هي بدل من الياء المبدلة من الواو.
وكذلك لو بنيت من "قرأت" مثل "دحرج" لقلت "قرأى" وأصله "قرأأ" فلما اجتمعت الهمزتان في كلمة واحدة قلبت الآخرة ياء، فصارت في التقدير "قرأي" ثم قلبت الياء الفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصارت "قرأى". فالألف في "قرأى" إذن إنما هي بدل في "قرأي"، والياء بدل من الهمزة الثانية في "قرأأ".
ويدلك على أنه لابد من هذا التقدير فيها لتكون الألف بدلا من الياء المبدلة من الهمزة قول النحويين في مثال "فعل" من قرأت: "قرأي" أفلا ترى كيف أبدلوها هنا ياء. وكذلك قولهم في مثال "فرزدق": من قراـ "قرأيا" وأصله "قرأأ" فأبدلوا الهمزة الوسطى ياء ليفصلوا بها بين الهمزتين الأولى والآخرة. ويدلك أيضا على صحة ذلك أنك متى أسكنت اللام فزالت الفتحة رجعت اللام إلى أصلها، وهو الياء، وذلك قولك في "افعللت" من قرأت، وهدأت: "اقرأيت" و"اهدأيت"، ولهذا نظائر. فهذا إبدال الألف عن الياء المبدلة.
وأما إبدالها عن الواو المبدلة فنحو قولك في ترخيم "رحوي" اسم رجل على قول من قال"يا حار": "يا رحا أقبل" وذلك أنك حذفت ياء النسب، فبقي التقدير "يارحو"، فلما صارت الواو على هذا المذهب حرف إعراب، واجتلبت لها ضمة النداء كالضمة المجتلية في راء "حارث" إذا قلت "يا حار" أبدلت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فقلت: "يارحا أقبل" فالألف الآن في "رحا" إنما هي بدل من الواو في "رحوي" والواو في "رحوي" بدل من ألف "رحى" في قولك: هذه رحى، ورأيت رحى، ومررت برحى، وألف "رحى" هذه بدل من الياء التي هي لام في "رحيان". وكذلك القول في ترخيم "فتوي" و"هدوي" و"شروي" على لغة من قال: "يا حار" إذا قلت: "يا فتى" و"يا هدى" و"يا شرى"(2/312)
لا فرق بينهما. فأما قولك في ترخيم "ملهوي" اسم رجل على قول من قال: "يا حار": "يا ملهى" فالألف فيه إذن إنما هي بدل من ياء بدل من واو بجل من ألف بدل من ياء بدل من الواو التي هي لام العل في "لهوت"، فأصله الأول "ملهو" ثم صار "ملهى" ثم صار "ملهوي" ثم صار بعد الترخيم وقلب الواو ياء "ملهي" ثم صار في آخر أحواله "ملهى" وهو قولك: "يا ملهى أقبل".
وأما إبدال الألف عن الياء والواو الزائدتين فقولك في ترخيم اسم رجل يقال له: "زميل" على قول من قال "يا حار": "يا زما أقبل". فالألف الآن بدل من ياء "زميل" التي هي زائدة؛ لأن مثاله "فعيل".
ونظير ذلك قول العرب "سلقى"1 و"جعبى"2 إنما الألف فيهما بدل من ياء "سلقيت" و"جعبيت" وهي زادئة لا محالة.
وأما الواو فأن تسمي رجلا "عنوقا" جمع "عناق"3 ثم ترخمه على قول من قال "يا حار" فتبدل واوه ياء لأنه ليس في الكلام اسم آخره واو قبلها ضمة، فتقول: "ياعني أقبل" فإن سميت ب "عني" هذا رجلا ونسبت إليه أبدلت من الكسرة قبل الياء فتحة لتنقلب الياء ألفا، فيصير في التقدير "عنا" ثم تقلب ألفه واوا لنوع لوقوع ياءي النسب بعدها، فتقول "عنوي".
فإن رخمت "عنوي" هذا على قول من قال "يا حار" حذفت ياءي النسب، وأبدلت من الواو التي قبلها ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فتقول: "يا عنا أقبل". فالألف الآن في "عنا" إنما هي بدل من الواو الزائدة في "عنوي"، والواو في "عنوي" بدل من الألف في "عنا" والألف في "عنا" بدل من الواو في "عنو" التي هي ترخيم "عنوق". وهذا لطيف دقيق فتظن له، فإنه لا يجوز في القياس غيره.
__________
1 سلقى: سلقاه: طعنه فألقاه على جنبه.
2 جعبى: جعباه: صرعه.
3 عناق: العناق: الأنثى من أولاد الماعز. اللسان "10/ 274" مادة/ عنق.(2/313)
ووجه آخر في قلب الألف عن الواو الزائدة، وذلك أن تسمي رجلا "فدوكسا"1 أو "سرومطا"2 ثم ترخمه على قول من قال "يا حار" فتحذف آخره، فتقول "يا فدوك" ثم تسمي ب "فدوك" هذا المرخم، ثم ترخمه على قول من قال "يا حار" فتحذف كافه، وتبدل واوه الزائدة ألفا، فتقول "يا فدا" فاعرفه.
__________
1 فدوكسا: الفدوكس: الشديد، وقيل: الغليظ الجافي، وقيل: الأسد.
2 سرومطا: السرومط: الطويل من الإبل وغيرها. اللسان "7/ 314".(2/314)
إبدال الألف عن النون الساكنة:
قد أبدلت الألف عن هذه النون في ثلاثة مواضع:
أحدها: أن تكون في الوقف بدلا من التنوين اللاحق علما للصرف، وذلك قولك: رأيت زيدا، وكلمت جعفرا، ولقيت محمدا، فكل اسم منصرف وقفت عليه في النصب أبدلت من تنوينه ألفا كما ترى، إلا أن يكون حرف إعراب ذلك الاسم تاء التأنيث التي تبدل في الوقف هاء، وذلك وقلك: أكلت تمرة، وأخذت جوزة، ولم تقل: أكلت تمرتا، وأخذت جوزتا، لأنهم أرادوا الفرق بين التاء الأصلية في نحو: دخلت بيتا، وسمعت صوتا، وصدت حوتا، وكفنت ميتا، والوقف على قوله عز اسمه: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: 122] 1، {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا} والتاء الملحقة نحو: رأيت عفريتا، وملكوتا، وجبروتا2، وبين تاء التأنيث في نحو "تمرة" و"غرفة". فأما قولك: أكررت لك بنتا، وصنت لك أختا، ووقوفك على هاتين التاءين بالألف فإنما ذلك لأنهما ليستا علمي تأنيث، وإنما هما بدلان من الواو التي هي لام الفعل في "إخوة" و"أخوان" و"أخوات" وفي "الأخوة" و"البنوة". وقد تقدم من الحجاج على صحة ذلك وإعلامنا ما علم التأنيث فيهما في باب التاء ما يغني عن إعادته، وقد تقدم أيضا في باب النون ذكر العلة التي لأجلها جاز إبدالها هذا التنوين ألفا في الوقف، وما السبب الذي منع من التعويض في الوقف من تنوين المرفوع واوا، ومن تنوين المجرور ياء، فلم نر لإعادته هنا وجها.
__________
1 {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} : الشاهد فيه "ميتا" حيث أبدلت نون التنوين ألفا في الوقف.
2 جبروتا: متكبرا، عتوا قهرا. اللسان "4/ 113".(2/314)
وذكرنا أيضا هناك أن من العرب من يقول في الوقف على المنصوب المنون: رأيت فرج، وقوله1:
.................................... ... وآخذ من كل حي عصم2
و3:
........................................ ... جعل اليقين على الدف إبر4
وغير ذلك من الشواهد. واختلف أصحابنا في الوقف على المرفوع والمجرور من المقصور المنصرف في نحو قولك: هذه عصا، ومررت بعصا، فقالت الجماعة5: الألف الآن هي لام الفعل؛ لأن التنوين يحذف في الوقف على المرفوع والمجرور، نحو: هذا زيد، ومررت بزيد، إلا أبا عثمان فإنه ذهب6 إلى أن الألف فيهما عوض من التنوين، وأن اللام أيضا محذوفة لسكونها وسكون هذه، قال: وذلك أن ما قبل التنوين في المقصور مفتوح في جميع حالاته، فجرى مجرى المنصوب الصحيح نحو: رأيت زيدا.
فأما في النصب فلا خلاف بينهم أن الوقف إنما هو على الألف التي هي عوض من التنوين.
فأما قوله تعالى: {فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} [الأحزاب: 67] 7 و {قَوَارِيرَا} [الإنسان: 15] {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب: 10] 8 فإنما زيدت هذه الألفات في أواخر هذه الأسماء التي لا تنوين فيها لإشباع الفتحات، وتشبيه رؤوس الآي بقوافي الأبيات.
__________
1 تقدم تخريجه.
2 الشاهد فيه "عصم" حيث وقف على الكلمة بالسكون وأصله "عصما".
3 تقدم تخريجه.
4 الشاهد فيه "إبر" حيث وقف عليها بالسكون بدل الألف.
5، 6 انظر/ التكملة "ص199".
7 الشاهد "السبيلا" حيث وقف على الألف التي هي عوض عن التنوين.
8 الشاهد "الظنونا" حيث وقف على الألف.(2/315)
على أن من العرب من يقف على جميع ما لا ينصرف إذا كان منصوبا بالألف، فيقول: رأيت محمدا، وكلمت عثمانا، ولقيت إبراهيما، وأصحبت سكرانا. وإنما فعلوا ذلك لأنهم قد كثر اعتيادهم لصرف هذه الأسماء وغيرها مما رينصرف في الشعر، والشعر كثير جدا، وخفت أيضا عليهم الألف، فاجتلبوها فيما لا ينصرف لخفتها وكثرة اعتيادهم إياها، لا سيما وهم يجتلبونها فيما لا يجوز تنوينه في غير الشعر، نحو قول جرير:
............................ ... وقولي إن أصبت لقد أصابا1
و2:
.................................. ... إذا ما الفعل في است أبيك غابا3
وقالوا أيضا: جئ به من حيث وليسا، يريدون "وليس" فأشبعوا فتحة السين بإلحاق الألف، وسنذكر هذا الفصل في هذا الحرف بعون الله، فهذا إبدال الألف من نون الصرف.
الثاني: إبدالها من نون التوكيد الخفيفة إذا انفتح ما قبلها ووقفت عليها، وذلك نحو قوله تعالى: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَة} [العلق: 15] 4 إذا وقفت قلت {لَنَسْفَعًا} وكذلك: اضربن زيدا، إذا وقف قلت: اضرب، قال الأعشى5:
يريد: فاعبدن.
__________
1 الشاهد فيه "أصابا" حيث أتى بالألف للوقوف عليها في القافية لخفتها.
2 عجز البيت لجرير من قصيدته التي يهجو فيها الراعي النميري في ديوانه "ص812" وصدره:
أجندل ما تقول بنو نمير
3 جندل: ابن الراعي.
الشاهد فيه "غابا" حيث وقف بالألف على ما لا يجوز توينه وذلك لخفتها.
4 الشاهد فيه "لنسفعا" حيث أبدلت نون التوكيد الخفيفة ألفا عند الوقف عليها.
5 ديوانه "ص187".
6 الشاهد فيه "فاعبدا" حيث أبدلت نون التوكيد الخفيفة ألفا عند الوقف عليها وانفتاح ما قبلها، والتقدير "فاعبدن".(2/316)
وقال ابن الحر1:
متى تأننا تلمم بنا في ديارنا ... تجد حطبا جزلا ونارا تأججا2
يريد: تأججن، فأبدلها ألفا.
وقال عمر3:
وقمير بدا ابن خمس وعشرين ... له قالت الفتاتان: قوما4
اراد: قومن. وقال الآخر:
يحسبه الجاهل ما لم يعلما ... شيخا على كرسيه معمما5
يريد: ما لم يعلمن.
__________
1 ابن الحر: هو عبيد الله بن الحر يخاطب رجلا من أصحابه يقال له عطية بن عمرو وكان حبس معه. شرح المفصل "4/ 53" والخزانة "3/ 660-664" بغير نسب في الكتاب "1/ 446".
2 جزلا: يابسا، وقيل: الغليظ.
تأجج: الأجيج: تلهب النار.
والشاعر يفتخر بكرمه وكرم قومه.
واستخدم في ذلك أسلوب الكناية عن الكرم بذكر الحطب الكثير والنار المشتعلة.
والشاهد فيه "تأججا" حيث أبدلت النون الخفيفة أيضا عند الوقف عليها.
3 عمر بن أبي ربيعة، والبيت في ديوانه "ص26"، والبيت الذي قبله:
من لدن فحمة العشاء إلى أن ... لاح ورد بسوق جونا بهيما
الورد: لون أحمر يضرب إلى صفرة حسنة في كل شئ. اللسان "3/ 456".
الجون: الأسود المشرب حمرة، والمقصود الظلام. اللسان "13/ 101".
4 هذان البيتان من قصيدة مرجزة، وقد ذكر البغدادي في الخزانة "4/ 569-574" أن هذا الشعر نسب إلى ابن جبانة، هو شاعر جاهلي من بني سعد، وجبانه أمه، واسمه المغوار بن الأعنق، ونسب إلى ساور بن هند العبسي وهو مخضرم، ونسبه بعضهم إلى العجاج، وقال بعضهم: هو لأبي حيان الفقعسي. وهما في الكتاب "2/ 152".
وقوله له: قالت الفتاتان قوما: أي: قالت الفتاتان لي: قم لئلا يراك الناس.
والشاهد فيه "قوما" حيث أبدلت نون التوكيد الخفيفة ألفا عند الوقف عليها والتقدير "قومن".
5 وقد شبه القمع والرغوة التي تعلوه بشيخ معمم جالس على كرسي.
وقد أخطأ بعض الشراح ومنهم -الأعلم- حيث وصف جبلا قد عمه الخصب وحفه النبات فجعله كشيخ معمم بعمامته مزمل في ثيابه، وسبب الخطأ عدم الاطلاع على ما تقدم الشاهد.(2/317)
وقال الآخر:
واحمر للشر ولم يصفرا1
يريد: يصفرون، كذا تأوله بعضهم، ومثله كثير.
الثالث: إبدال الألف من نون "إذن"، وذلك أيضا في الوقف، تقول: أنا أزورك إذا، تريد: إذن، وإذا وقفت على قوله عز وجل: {فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا} [النساء: 53] 2 قلت: {فَإِذًا} وإنما أبدلت الألف من نون "إذن" هذه، ونون التوكيد التي تقدم ذكرها آنفا لأن حالهما في ذلك حال النون التي هي علم الصرف، وإن كانت نون "إذن" أصلا وتانك النونان زائدتين.
فإن قلت: فإذا كانت النون في "إذن" أصلا وقد أبدلت منها الألف، فهل تجيز في نحو "حسن" و"رسن" و"علن" ونحو ذلك مما نونه أصل أ، تقلب نونه، فيقال فيه: "حسا" و"رسا" و"علا"، وفي "فدن": "فدا" وفي "زمن": "زما"؟
فالجواب: أن ذلك لا يجوز في غير "إذن" مما نونه أصل، وإن كان ذلك قد جاء في "إذن" من قبل أن "إذن" حرف، فالنون فيها بعض حرف كما أن التنوين ونون التوكيد ونون الصرف، وأما النون من "حسن" و"حسنا" و"حسن" فالنون في ذلك كالدال من "زيد" والراء من "بكر"، ونون "إذن" ساكنة كما أن نون التوكيد ونون الصرف ساكنتان، فهى بهما -لهذا ولما قدمناه من أن كل واحدة منهما حرف- كما أن النون في "إذن" بعض حرف- أشبه منها بنون الاسم المتمكن.
__________
والشاهد فيه: "لم يعلما" حيث أكد الفعل المضارع المنفي بلم وأصله "ما لم يعلمن" وقبلت النون ألفا للوقف عليها، وهذا التوكيد لا يجوز عند سيبويه إلا للضرورة.
انظر/ شرح ابن عقيل "2/ 310-311".
1 الشاهد فيه "يصفرا" حيث قلب نون التوكيد الخفيفة ألف للوقف عليها.
2 الشاهد فيه "فإذن" حيث يجوز إبدال نون "إذن" ألفا عند الوقف عليها.(2/318)
فإن قلت: فالنون في "عن" و"أن" كل واحدة منهما حرف ساكن من جملة كلمة هي حرف، كما أن نون "إذن" ساكنة من حرف، كما أن نون "إذن" ساكنة من جملة حرف، فهل يجوز أن تبدل منها في الوقف ألفا، فتقول: "عا" و"أا" كما قلت: إذا؟ وأن كان ذلك غير جائز، فهلا لم يجز أيضا إبدال النون من "إذن" ألفا في الوقف؟
فالجواب: أنهما حرفان لا يتوقف عليهما، أما "عن" فحرف جر، وحروف الجر لايمكن تعلقيها عن المجرور ولا الوقوف عليها دونه إلا عند انقطاع نفس، وذلك قليل مغتفر. وأما "أن" فلا تخلو من أن تكون الناصبة للفعل، وهذه لا يوقف عليها لأنها من عوامل الأفعال، وعوامل الأفعال أضعف من عوامل الأسماء، أولا ترى أنه لا يمكنك الفصل بينها وبين ما تنصبه من الأفعال إلا ب "لا" في نحو قولك: أحب أن لا تقوم، وأسألك أن لا تفعل، فجرى هذا الفصل بينهما في ترك الاعتداد به وقلة المراعاة له مجرى الفصل ب "لا" بين الجار والمجرور في نحو قولك: جئت بلا مال، وضربته بلا ذنب، ومجرى الفصل بين الجازم والمجزوم المشبهين للجار والمجرور في نحو قولك: إن لا تقم لا أقم، فلما ضعفت "أن" الناصبة للفعل عن فصلها واقتطاعها عما بعدها لم يحسن الوقوف صله لها، والوقوف على الموصول دون صلته قبيح مع الأسماء القوية، فكيف به مع الحروف الضعيفة.
أو أن تكون "أن" المخففة من الثقيلة الناصبة للاسم نحو قوله عز اسمه {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} [المزمل: 20] 1.
ونحو قول الشاعر2:
زعم الرزدق أن سيقتل مربعا ... ...............................3
__________
1 الشاهد "أن سيكون" حيث لا يجوز إبدال نون "أن" ألفا لأنها حرف لا يجوز الوقوف عليها، ولا يمكن فصلها عما بعدها.
2 البيت لجرير وهو في ديوانه "ص916" وشطر البيت الثاني:
أبشر بطول سلامة يا مربع
3 الشاهد فيه "أن سيقتل" حيث لا يجوز إبدال نون "أن" ألفا لأنها حرف، ولا يجوز الوقوف عليه.(2/319)
وهذه أيضا لا يجوز الوقوف عليها دون ما بعدها؛ لأنها إذا كانت مثقلة على أصلها لم يجز الوقوف عليها، لأن ما بعدها من اسمها وخبرها صلة لها، وخطأ الوقوف على الموصول دون صلته وهو اسم، فكيف به وهو حرف! ولا سيما وقد أجحف به تخفيفه وإزالة التثقيل عنه، وأيضا فإن السين، وسوف، وقد، ولا بعده في نحو: علمت أن سيقوم زيد، وسوف يقوم، وأعلم أن قد فعلت.
ونحو قولها1:
فلما رأينا بأن لا نجاء ... وأن لايكون فرار فرارا2
إنما هي أعواض للتخفيف من الحرف المحذوف الذي كان كأنه مصوغ مع الكلمة من جملة حروفها، وفي موضع اللام لو وزنت منها، أعني الهاء، وكما أنه كالعوض من النون المحذوفة التي هي من نفس الكلمة، كذلك يجب أن يلزم ما قبله، ولا يفارقة، ولا ينفصل عنه، ولا يوقف عليه دونه كما لا يوقف على إحدى النونين دون الأخرى، وإذا كان ذلك فقد عرفت به شدة اتصال "أن" المخففة من الثقيلة بما بعدها، فبحسب ذلك ما لا يجوز أن يوقف دونه عليها.
أو أن تكون "أن" المزيدة في قوله تعالى: {وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا} [العنكبوت: 33] 3 ونحو قول الشاعر4:
ويوما توافينا بوجه مقسم ... كأن ظبية تعطو إلى وراق السلم5
فيمن جر الظبية.
__________
1 لم أقف عليها فيما بين أيدينا من مراجع.
2 فرارا: هربا. والشاهد فيه "أن لا ... " حيث لا يجوز إبدال نون "أن" ألفا.
3 الشاهد فيه "إن جاءت" حيث جاءت أن المخففة زائدة ومع ذلك لا يجوز إبدالها نونها ألفا والوقوف عليها.
4 هذا البيت اختلف في قائله: فعند أبي عبيد البكري: هو لراشد بن شهاب اليشكري، وعند سيبويه: هو لابن صريم اليشكري، وكذا قال النحاس والأعلم، وكذلك الكتاب "1/ 281"، ونسب في الأصمعيات إلى "الأصمعية 55" علياء بن أرقم، وهو بغير نسب في المنصف "3/ 128" وقال ابن بري في حاشية الصحاح: هو لباغت بن صريم.
5 المقسم: رجل مقسم الوجه أي جميل كله كأن كل موضع منه أخذ وسما من الجمال.
تعطو: التطاول إلى الشجر ليتناول منه. لسان العرب "15/ 69" مادة/ عطا,
السلم: نوع من شجر البادية. لسان العرب "12/ 297" مادة/ سلم.
والشاعر يمدح محبوبته بأنها تطلع عليه بوجه جميل حسن ويشبهها بظبية تنال شجر السم.
والشاهد فيه: "كأن ظبيه" حيث جاءت "أن" زائدة ودخلت عليها كاف التشبيه، والتقدير: "كظبية".
إعرابه: اسم مجرور بحرف الجر الكاف، وعلامة جره الكسرة.(2/320)
وقول الآخر1:
منا الذي هو ما أن طر شاربه ... والعانسون، ومنا المرد والشيب2
فيمن فتح همزة "أن" في رواية هذا البيت و"أن" هذه ايضا لا يحسن الوقوف عليها، ألا تراها في هذه الآية وهذين البيتين قد وقعت موقعا لا يحسن الوقوف عليها فيه.
أما قوله تعالى: {وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ} فإنها وقعت معترضة بين المضاف الذي هو {وَلَمَّا} والمضاف إليه الذي هو {جَاءَتْ} وغير جائز الوقوف على المضاف دون المضاف إليه إلا لضرورة انقطاع النفس.
وأما قوله: "كأن ظبية" فقد ترى "أن" واقعة بين حرف الجر وما جره، وهذا أحرى بأن لا يجوز فيه الوقوف على "أن".
وأما قول الآخر: "ما أن طر شاربه" فإنما فصلت بين حرف النفي وبين الجملة التي نفاها، وغير جائز الوقوف على الحرف الداخل على الجملة؛ ألا ترى أنك لا تجيز الوقوف على "هل" من قولك: هل قام زيد؛ لضعف الحرف وعدم الفائدة أن توجد فيه إلا مربوطا بما بعده.
__________
1 ذكره صاحب اللسان في مادة "عنس" "6/ 149"، ونسبه إلى "أبو قيس بن رفاعة"، ونسبه الأصبهاني إلى "أبو قيس بن الأسلت الأوسي" وقد نسب في إصلاح المنطق "341".
2 العانسون: جمع عانس والعانس من بلغ سن الزواج ولم يتزوج. اللسان "6/ 149".
المرد: جمع أمرد وهو الذي لم تنبت لحيته. اللسان "3/ 104" مادة/ مرد.
الشيب: جمع أشيب وهو الذي أبيض شعره. اللسان "1/ 512" مادة/ وثب.
والشاهد فيه: "ما أن" حيث وقعت موقعا لا يحسن الوقوف عليها ولذلك لا يجوز إبدال النون ألفا.(2/321)
فأما قول الشاعر1:
ليت شعري هل ثم هل آتينهم ... أم يحولن من دون ذاك الردى2
فتقديره: هل آتينهم ثم هل آتينهم، وإنما جاز اقتطاع الجملة الأولى بعد "هل" الأولى لأنه قد عطف عليها "هل" الثانية وما ارتبطت به من الجملة المستفهم عنها، فدل ذلك على ما أراده في أول كلامه، وهذا واضح.
أو أن تكون "أن" التي معناها العبارة كالتي في قوله عز وجل: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا} [ص: 6] 3 قالوا: معناه أي امشوا. وهذه أيضا لا يجوز الوقوف عليها؛ لأنها تأتي ليعبر بها وبما بعدها عن معنى الفعل الذي قبلها، فالكلام شديد الحاجة إلى ما بعدها ليفسر به ما قبلها، فبحسب ذلك يمتنع الوقوف عليها. ويدلك في الجملة على شدة اتصال الحروف بما ضمنت إليه أنك تجد بعضها قد صيغ في نفس الكلمة ووسطها، وجرى مجرى ما هو دزء من أصل تصريفها، وهو ألف التكسير وياء التحقير، نحو "دارهم" و"دريهم" و"دنانير" و"دنينير"، ولم نجد شيئا من الأسماء ولا الأفعال صيغ واسطا في أنفي المثل كما صيغت ألف التكسير وياء التحقير فهذا في الجملة يؤكد عندك ضعف الحروف وقوة حاجتها إلى ما تتصل به، فلما كانت "عن" و"أن" بحيث ذكرنا من الضعف وفرط الضرورة إلى اتصالهما بما بعدهما لم يجز الوقوف عليها، ولما لم يجز ذلك لم تبدل الألف من نونها، وليست كذلك "إذن" لأنهما قد تقع آخرا، فيوقف عليها في نحو قولك:
__________
1 البيت في شرح المفصل "8/ 151" ومغني اللبيب "ص458" والبيت للكميت بن زيد الأسدي من قصيدة مطلعها:
من لصب متيم مستهام
غير ما صبوة ولا أحلام
2 الردى: الهلاك. لسان العرب "14/ 316" مادة/ رجي.
ليت شعري: أسلوب تمني يستخدمه العرب بمعنى ياليتني.
والشاعر يتمنى أن يأتي أحبابه قبل أن يحول بينه وبين ذلك الهلاك.
الشاهد فيه "هل ثم هل ... " فتقديره "هل آتينهم" حيث قطع بين الجملتين بحرف العطف.
3 الشاهد فيه "أن امشوا" حيث جاءت "أن" بمعنى أي امشوا، ورغم ذلك لا يجوز الوقوف عليها لأنها تأتي لتعبر عن الفعل قبلها.(2/322)
إن زرتيني فأنا أزورك إذن، وأنا أحسن إليك إذن، فلما ساغ الوقوف عليها جاز إبدال الألف من نونها.
والوجه الآخر الذي امتنع له إبدال الألف من نون "عن" و"أن" ولم تجر النون فيهما مجرى النون "إذن" أن نون "إذن" بالتنوين أشبه من نون "عن" و"أن"، وذلك أن "إذن" على ثلاثة أحرف، فإذا شبهت النون وهي ثالثة الحروف بنون الصرف جاز ذلك/ لأنه قد تبقى قبلها حرفان، وهما الهمزة والذال، فيشبهان من الأسماء "يدا" و"غدا" و"أخا" و"أبا" و"دما" و"سها" و"فما" ونحو ذلك من الأسماء المنقوصة التي يجوز أن يلحقها التنوين، فيصير قولك "إذا" كقولك: رأيت يدا، وكسرت فما، وأكرمت أبا ونحو ذلك، و"عن" و"أن" ليس قبل نونهما إلا حرف واحد، وليس في الأسماء شئ على حرف واحد يجوز أن يلحقه تنوين، فلم يكن ل "أن" و"عن" شئ من الأسماء يشبهانه، فتشبه نونهما بتنوينه، فتبدل ألفا كما يبدل تنوينه ألفا، فاعرف ذلك.
والقول في "لن" كالقول أيضا في "عن" و"أن" في هذا الفصل وفي الذي قبله جميعا سواء.
فاما قولهم في اللعب واللهو "ددن" و"ددا" فليست الألف فيه بدلا من نون "ددن" من قبل أنها في لغة من نطق بها بالألف ثابتة موجودة في الوصل والوقف جميعا، وذلك نحو قولهم: هذا ددا يا هذا، ورأيت فيك ددا مفرطا، وعجبت من ددن رأيته في فلان، ولو كانت الألف في "ددا" بدلا من النون في "ددن" لما وجدت في الوصل، كما أن ألف "إذا" لا توجد في الوصل، إنما تقول: إذن أزورك، ولا تقول: إذا أزورك. ومنهم من يحذف اللام، فيقول "دد". قال أبو علي: ونظير "ددن" و"ددا" و"دد" في استعمال اللام تارة نونا، وتارة حرف علة، وتارة محذوفة "لدن" و"لدى" و"لد"، كل ذلك يقال فاعرفه.(2/323)
زيادة الألف:
اعلم أن الألف تزاد ثانية، وثالثة، ورابعة، وخامسة، وسادسة، ولا تزاد أولا البتة؛ لأنها لا تكون إلا ساكنة، والساكن لا يمكن الابتداء به.
فإن قلت: فهلا زيدت أولا وإن كانت ساكنة، ثم أدخلت عليها همزة الوصل توصلا إلى النطق بها، كما زيدت النون في "انطلق" ساكنة، ثم أدخلت عليها همزة الوصل ليمكن النطق بها؟
فالجواب: أنهم لو فعلوا ذلك لدخلت همزة الوصل وهي مكسورة كما ينبغي لها، ولو لحقت مكسورة قبل الألف لانقلبت الألف ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، فيقع هناك من الإشكال والاستثقال ما بعضه مستكره، فرفض ذلك لذلك.
وهذا كرفضهم أن يبنوا في الأسماء اسما مما عينه واو على "فعل" مثل "عضد"2 و"سبع"2 وذلك أنهم لو بنوه لم يكونوا ليخولا من قلب الواو ألفا أو تركها غير مقلوبة ألفا، فإن لم يقلبوا ثقل ذلك عليهم، وإن قلبوه صار لفظه كلفظ ما عينه مفتوحة، فلم يدر أمفتوحة كانت أم مضمومة، فلما كانوا لا يخلون في بناء ذلك من إشكال أو استثقال رفضوه البتة.
قال أبو علي: ونظير هذا قول الشاعر3:
رأى الأمر يفضي إلى آخر ... فصير آخره أولا4
__________
1 عضد: العضد الساعد وهو من المرفق إلى الكتف، وفيه خمس لغات: عضد، عضد، عضد، عضد، عضد. لسان العرب "3/ 292" مادة/ عضد.
2 سبع: مفرد سباع. لسان العرب "8/ 147" مادة/ سبع.
3 البيت في الخصائص "1/ 209" "2/ 31، 170"، والمحتسب "1/ 188".
4 يعني أن الأمور تتابع فيقضي أولها إلى آخرها وتكون متصلة دائما.
والشاهد فيه: "آخر" حيث زيدت الألف ثانية.
إعرابه: مجرور بحرف الجر وعلامة جره الكسرة.(2/325)
فزيادة الألف ثانية نحو: "ضارب" و"قاتل" و"خاتم" و"طابق" و"سابط"1 و"خاتام" و"عاقول"2 و"حاطوم"3 و"قاصعاء"4 و"نافقاء"5 وفي الفعل "خاصم" و"شاتم".
وزيادتها ثالثة نحو: "كتاب" و"حساب" و"غراب" و"جراب"6 و"حباب"7 و"سراب" و"سخاخين" بمعنى سخن.
أنشدنا أبو علي8:
أحب أم خالد وخالدا ... حبا سخاخسنا وحبا باردا9
وفي الفعل نحو "اشهاب" و"احمار".
وزيادتها رابعة نحو: "حملاق"10 و"درياق"11 و"زلزال" و"بلبال"12 و"قرطاس" و"قرناس"13 و"أرطى"14 و"معزى" و"حبلى" و"سكرى".
__________
1 ساباط: سقيفة بين حائطين تحتها ممر نافذ. لسان العرب "7/ 311" مادة/ سبط.
2 عاقول: عاقول البحر: معظمه، وموجه، وهو ما التبس من الأمور. اللسان "11/ 463".
3 حاطوم: السنة الشديدة لأنها تحطم كل شئ. اللسان "12/ 138".
4 قاصعاء: حجر يحفره اليربوع، فإذا دخل فيه سد فمه لئلا يدخل عليه حيه أو دابة.
5 نافقاء: حجر الضد واليربوع، وقيل النفقة. اللسان "10/ 358" مادة/ نفق.
6 جراب: وعاء، وقيل: المزود. اللسان "1/ 261" مادة/ جرب.
7 حباب: حباب الماء: طرائقه، ومعظمه، وفقاقيعه التي تطفو كأنها القوارير.
8 البيتان في اللسان مادة "سخن" "13/ 206"، والتاج "سخن" "9/ 233".
9 سخاخينا: أي ساخنا. اللسان "13/ 206".
باردا: أي يسكن إليه قلبه.
والشاهد: "سخاخينا" حيث زيدت الألف ثالثا.
إعرابه: نعت منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.
10 حملاق: حملاق العين: ما يسوده الكحل من باطن أجفانها. اللسان "10/ 69".
11 درياق: هو الترياق فارسي معرب. اللسان "10/ 96" مادة/ درق.
12 بلبال: الهم ووساوس الصدر. لسان العرب "11/ 69" مادة/ بلل.
13 قرناس: ما يلف عليه الصوف ليغزل. اللسان "6/ 173" مادة/ قرنس.
14 أرطى: شجر يدبغ به من شجر الرمل. اللسان "14/ 325" مادة/ رطا.(2/326)
فأما ألف "سلقى"1 و"جعبى"2 و"خنظى"3 و"خنذى"4 فإنها منقلبة عن ياء لقولك "سلقيت"5 و"جعبيت"6 و"خنظيت" و"خذنيت".
قال7:
قامت تعنظي بك سمع الحاضر8
وزيادتها خامسة نحو: "حبركى"9 و"دلنظى"10 و"قرقرى"11 و"سمهى"12، قال13:
فأصبحت بقرقرى كوانسا ... فلا تلمه أن ينام البائسا14
__________
1 سلقى: سلقاه: طعنه فألقاه على جنبه. اللسان "10/ 162" مادة/ سلق.
2 جعبى: جعبأه: صرعه. اللسان "1/ 267" مادة/ جعب.
3 خنظى: أي ندد به وأسمعه المكروه.
4 خنذي: البذاءة وسلاطة اللسان.
5 سلقيت: سلقه بالكلام أذاه وهو شدة القول باللسان. قال تعالى: {سلقوكم بألسنة حداد}
6 جعبيت: صرعته. اللسان "1/ 267" مادة/ جعب.
7 البيت لجندل بن المثنى الطهوي كما في تهذيب الألفاظ "ص263" واللسان "جرس" "6/ 35".
8 سمع الحاضر: بمسمع من الحاضر.
يخاطب بهذا البيت وبأبيات قبله زوجه ويقول: لقد خشيت أن أموت ولا أرى لك ضرة سليطة اللسان تفضحك بشنيع الكلام.
9 حبركى: الطويل الظهر القصير الرجلين. اللسان "1/ 409" مادة/ خبرك.
10 دلنظى: الصلب الشديد. اللسان "7/ 444" مادة/ دلنظ.
11 قرقرى: موضع. اللسان "5/ 90" مادة/ قرر.
12 سمهي: الباطل والكذب. اللسان "13/ 500" مادة/ سمه.
13 البيتان في الكتاب "1/ 255"، والثاني في الهمع "1/ 66".
14 أصبحت: أي الإبل.
قوله "كوانس" استعارة من كنس الظبى، أي دخل -كنس- كناسه وهو بيته.
البائس: يعني راعيتها.
يصف إبلا بركت بعد أن شبعت، فنام راعيها.
الشاهد فيه "قرقري" حيث زيدت الألف خامسا.
إعرابه: مجرور بحرف الجر وعلامة جره الكسره المقدرة.(2/327)
فأما الألف في "احنبطى"1 و"ابرنتى"2 و"اسرندى" و"اغندى"3 فإنما هي بدل من ياء لقولهم "احبنطيبت" و"ابرنتيت" و"اسرنديت" و"اغرنديت" وفي الحديث: "فيظل محبنطيا على باب الجنة"4.
وقال5:
فظل محبنطيا ينزو له حبق ... إما بحق وإما كان موهونا6
أي: منتفخا.
وقرأت على أبي علي، وأنشدنا من بعض كتب الأصمعي7:
ما بال زيد لحية العريض ... مبرنتيا كالخزر المريض8
أي: غضبان. وقال الآخر9:
قد جعل النعاس يسرنديني
أدفعه عني ويغرنديني10 أي: يعولني ويتجللني.
__________
1 احنبطى: انتفخ. لسان العرب "7/ 27" مادة/ حبط.
2 ابرتنى: ابرنتى للأمر: تهيأ. اللسان "2/ 10" مادة/ برت.
3 اسرنداه: واغرنداه: إذا جهل عليه وإذا علاه وغلبه. اللسان "3/ 212" مادة/ سرد.
4 قد استشهد به في المنصف "3/ 10"ممهوا، وذكر عن أبي عبيدة أن المحبنط -بغير همز- المتغضب المستبطئ الشئ.
5 لم أقف عليه.
6 الحبق: الضرط. اللسان "10/ 37".
موهونا: ضعيفا، محبنطيا: منتفخا.
الشاهد فيه "محبنطيا" حيث جاءت على الأصل فأصلها ياء من "احبنطيت" وليست ألفا زائدة.
7 البيت في إبدال أبي الطيب "2/ 238" وفيه "مبرشما" بدلا من "مبرنتيا" ولا شاهد فيه حينئذ يقال: برشم الرجل، أي أحد النظر.
8 الشاهد فيه "مبرنتيا" حيث جاءت الكلمة على الأصل، فأصلها ياء من "ابرنتيت".
9 البيتان في المنصف "1/ 86" "3/ 11" واللسان "سرد" "3/ 212" بدون نسب ونصه:
قد جعل النعاس يغزنديني
أدفعه عني ويسرنديني
10 سيرنديني: يعلوني.
يغرنديني: يغلبني ويعلوني. اللسان "3/ 325".
والشاهد فيه "يسرنديني -يغرنديني" حيث جاءت على الأصل الياء.(2/328)
وزيادتها سادسة نحو: "قبعثرى"1 و"ضبغطرى"2 و"عبوثران"3 و"هزنبران"4 و"عريقصان" و"معلوجاء"5 وبابه نحو: "محظوراء"6 و"معيوراء"7 و"فيضوضاء"8 وغير ذلك.
واعلم أن الألف الزائدة إذا وقعت آخرا في الأسماء فإنها تأتي على ثلاثة أضرب: أحدها أن تاتي ملحقة، والآخر أن تكون تأنيث، والآخر أن تكون زائد لغير إلحاق ولا تأنيث.
الأول: نحو قولهم "أرطى" هو ملحق بالألف من آخره بوزن "جعفر" ويدلك على زيادة الألف في آخره قولهم: "أديم مأروط" إذا دبغ بالأرطى، وهو شجرن فالهمزة كما ترى أصل فاء، والألف الآخرة زائدة.
وحدثنا أبو علي أن أبا الحسن حكى: "أديم مرطي" فأرطى على هذا أفعل، والألف في آخره منقلبه عن ياء لقولهم "مرطى" كمرمي من رميت، هذا هو الوجه، وهو أقيس من أن تحمل على قول الحارثي9:
وقد علمت عرسي مليكة أنني ... أنا الليث معديا عليه وعاديا10
ويدلك على أن الألف في قول من قال "مأروط" زائدة للإلحاق لا للتأنيث، تنوينها ولحاق الهاء في قولهم: أرطاة واحدة، بها سمي الرجل أرطاة، ولو كانت الألف للتأنيث لما جاز تنوينها ولا إلحاق علم التأنيث لها، كما لا يجوز شئ من ذينك في "حبلى" ولا "حبارى".
__________
1 قبعثرى: الجمل الضخم العظيم.
2 ضبغطرى: الرجل الشديد، والأحمق.
3 عبوثران: نبات طيب الريح.
4 هزنبران: الشئ الخلق.
5 معلوجاء: اسم جمع للعلج، والعلج: الرجل الشديد الغليظ. اللسان "2/ 326".
6 محظوراء: ماء لبني أبي بكر بن كلاب.
7 معيوراء: اسم جمع للعير، وهو الجمار أيا كان أهليا أو وحشيا وقد غلب على الوحشي.
8 فيضوضاء: يقال أمرهم فيضوضاء بينهم: إذا كانوا مختلطين يتصرف كل منهم في ما للآخر.
9 هو عبد يغوث بن وقاص الحارثي، والبيت من مفضيلة له وهو في الكتاب "2/ 382" والخزانة "1/ 316" وهو بغير نسبة في المنصف "1/ 118".
10 العرس: زوجة الرجل.
الليث: الأسد.
والشاهد فيه "عاديا" حيث أن الياء منقلبة عن واو لأنه من عدا يعدو.(2/329)
ومثل "أرطى" "معزى" وهو ملحق بـ "هِجرَع"1. ويدلك على أن ألفه ليست للتأنيث تنوينها، وأنه أيضًا مذكر، قال2:
ومعزى هَدِبا يعلو ... قِران الأرض سُوادنا
ومثل ذلك أيضًا "حَبَنْظًى"4 و"سَرَنْدًى"5 و"دَلَنْظًى"6 و"عَفَرْنًى"7 و"جَلَعْبًى"8 و"صَلَخْدًى"9 و"سَبَنْتًى"10 و"سَبَنْدًى"11. كل ذلك ملحق بسَفَرْجل لإلحاق الهاء فيها ولتنوينها، قال الأعشى12:
بذات لَوْث عَفَرْناةٍ إذا عَثَرَت ... فالتَّعسُ أدْنَى لها من أن أقول لَعا13
وقرأت على محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى للكميت بن معروف الفَقْعَسِي14:
بكلّ سَبَنْتَاةٍ إذا الخِمْسُ ضَمَّها ... يُقَطِّعُ أضْغان النوَاجي هِبابُها15
__________
1 هجرع: الأحمق، والطويل، والجبان. اللسان "8/ 368" مادة/ هجع.
2 البيت في الكتاب "2/ 12"، والمنصف "1/ 36" "3/ 7"، واللسان "قرن" دون أن ينسبه.
3 الهدب: كثير الشعر.
قران الأرض: أعلاها.
الشاهد فيه: "سودانا" حيث ألحقت به ألف الإلحاق.
4 حبنطى: القصير الغليظ.
5 سرندي: الجريء، والشديد.
6 دلنظى: ضخما غليظ المنكبين، والصلب الشديد.
7 عفرنى: الأسد.
8 جلعبى: الرجل الجافي الكثير الشر. اللسان "1/ 274" مادة/ جلب.
9 صلخدى: الجمل المسن الشديد الطويل. اللسان "3/ 258" مادة/ صلد.
10 سبنتى: الجريء المقدم من كل شيء.
11 سبندي: الجريء المقدم في كل شيء.
12 ديوانه "ص153"، وذكره صاحب اللسان في مادة "لوث".
13 اللوث: القوة. اللسان "2/ 186" مادة/ لوث.
لعا له: دعا له بأن ينتعش.
والمراد بذات لوث: الناقة القوية. اللسان "2/ 186".
الشاهد فيه "لعا" حيث زيدت ألف الإلحاق.
14 البيت منسوب إليه في مجالس ثعلب "ص428" والمنصف "3/ 30".
15 الخمس: أن ترد الإبل اليوم الخامس بعد أن تمسك عن الماء ثلاثا. اللسان "6/ 76".
النواجي: الإبل السريعة. اللسان "15/ 306" مادة/ نجا.
تقطع أضغانها: تفوقها في الجري.
الهباب: النشاط والإسراع.(2/330)
وقالوا: "صَلَخداة" و"جَلَعباة" و"سَرَنداة" و"دَلَنظاه".
الثاني: وهو إلحاق الألف للتأنيث، وذلك كل ما لم ينون نكرة نحو "جُمادَى" و"حُبارَى" و"حُبلَى" و"سَكْرى" و"غَضْبى"، فهذه كلها وما يجري مجراها للتأنيث، قال1:
إذا جُمادَى مَنَعَت قَطْرَها ... زَان جنابي عَطَنٌ مُغْضِفٌ2
ولعمري إن "جُمادَى" معرفة، وقال الفرزدق3:
وأشلاء لحم من حُبَارى يصيدها ... لنا قانصٌ في بعض ما يَتَخَطَّف4
فلم يصرف "حُبَارى" وهي نكرة.
وأنشدنا أبو علي5:
وبِشْرة يأبونا كأن خباءنا ... جَناح سُمانى في السماء تطير6
فلم يصرف "سُمانى" وهي نكرة.
__________
1 نسب الجوهري البيت إلى أبي قيس بن الأسلت، ونسبه ابن بري لأحيحة بن الجلاح. اللسان "عصف" "9/ 248" وهو له أيضًا في "غضف" "9/ 268".
الجناب: الناحية. لسان العرب "1/ 278" مادة/ جنب.
العطن هنا: النخيل الراسخة في الماء الكثيرة الحمل. اللسان "13/ 286" مادة/ عطن.
عطن مغضف: كثر نعمه. اللسان "9/ 286".
2 الشاهد فيه "جُمادَى" حيث ألحقت الألف للتأنيث.
3 البيت في ديوانه "ص555" وجمهرة أشعار العرب "ص887" وعجزه فيها:
إذا نحن شئنا صاحب متألف
4 أشلاء: بقايا. لسان العرب "14/ 442، 443" مادة/ شلا.
حُبارَى: طائر يقع على الذكر والأنثى. اللسان "4/ 160" مادة/ حبر.
قنص الصيد: صاده فهو قانص.
والشاهد فيه: "حُبارَى" حيث زيدت الألف للتأنيث.
5 البيت في الخصائص "2/ 39" واللسان "4/ 63" مادة/ بشر.
6 بشرة: اسم. اللسان "4/ 63" مادة/ بشر.
يأبونا: يكون لنا أبا.
السُّمانى: طائر واحدته سمانة، وقد يكون السماني واحدا. اللسان "13/ 220".(2/331)
وحكى سيبويه على جهة الشذوذ "بُهْماة"1 فأدخل الهاء على ألف "فُعلى"، وألف "فُعلى" لا تكون لغير التأنيث، وقد ذكرنا علة ذلك قديما في هذا الكتاب.
وحكى أبو الحسن2 أيضًا نحوا من هذا، وهو قولهم: "شُكاعاة"3 فالألف في هذا لغير التأنيث.
ومثله ما حكاه ابن السكيت4 من قولهم: "باقِلاةٌ"5 فالألف هنا أيضًا لغير التأنيث. وحكى البغداديون "سُماناة".
وأنشد ابن الأعرابي6:
ويتقي السيف بأُخْراته ... من دون كف الجار والمِعصَم7
قال: أراد أخراه، فقال: أُخْراته، فيضاف هذا إلى "بُهْماة" وقالوا لضرب من النبت "نُقاوَى" والواحدة "نُقاواةٌ" فقس على هذا.
الثالث: لحاقها لغير إلحاق ولا تأنيث، وذلك قولهم "قَبَعْثَرى" فليست هذه الألف للتأنيث لأنها منونة، ولا إلحاق لأنه ليس لنا أصل سداسي فيلحق "قَبَعْثَرى" به.
ومثله ما حكيناه عنهم من قول بعضهم "باقِلاةٌ" و"شُكاعاة" و"سُماناة" و"نُقاواة" لأن لحاق الهاء لها يدل على أنها ليست عندهم للتأنيث، ولا هي أيضًا للإلحاق، لأنه ليس لنا أصل على هذا النحو فتلحق هذه الأسماء به. فأما "بُهْماة" فقد تقدم من القول فيها ما أغنى عن إعادته.
__________
1 بهماة: الكتاب "2/ 320"، البهماة: واحدة البهمى، وهو نوع من النبات.
2 حكى ذلك في كتابه معاني القرآن "ص96".
3 والشكاعاة: واحدة الشكاعي، وهو نبت وقيل: شجر صغار ذو شوك.
4 إصلاح المنطق "ص183".
5 والباقلاة: واحدة الباقلي وهو الفول، اسم سوادي. اللسان "11/ 62" مادة/ بقل.
6 البيت في معاني القرآن للفراء "1/ 239" واللسان مادة "أخر" ونسبه له "4/ 13".
7 المعصم: موضع السوار من اليد "ج" معاصم. لسان العرب "12/ 408" مادة/ عصم.
والشاهد فيه "بأخراته" حيث ألحقت الألف لغير التأنيث فالمراد "أخراه".(2/332)
واعلم أن هذه الألف قد زيدت في الاسم المثنى علمًا للتثنية، وذلك قولهم: رَجُلان، وفَرَسان، وزَيدان، وعمران. واختلف الناس من الفريقين في هذه الألف ما هي من الكلمة، فقال سيبويه1: هي حرف الإعراب، وليست فيها نية إعراب، وإن الياء في حال الجر والنصب في قولك: مررت بالزيدين، وضربت العَمْرين حرف إعراب أيضًا، ولا تقدير إعراب فيها، وهو قول أبي إسحاق، وابن كيسان، وأبي بكر، وأبي علي.
وقال أبو الحسن2: إن الألف في التثنية ليست حرف إعراب، ولا هي أيضًا إعراب، ولكنها دليل الإعراب3، فإذا رأيت الألف علمت أن الاسم مرفوع، وإذا رأيت الياء علمت أن الاسم مجرور أو منصوب. وإليه ذهب أبو العباس4.
وقال أبو عمرو الجرمي صالح بن إسحاق5: الألف حرف إعراب كما قال سيبويه، ثم إنه كان يزعم أن انقلابها هو الإعراب.
وقال الفراء وأبو إسحاق الزيادي: الألف هي الإعراب، وكذلك الياء. واعلم أنا بلونا هذه الأقوال على تباينها وتنافرها واختلاف ما بينها، وترجيح مذاهب أهلها القائلين بها، فلم نر فيها أصلب مكسرا ولا أحمَدَ مَخبرا من مذهب سيبويه، وسأورد الحجاج لكل مذهب منها والحجاج عليه.
إن سأل سائل فقال: ما الدليل على صحة قول سيبويه: إن ألف التثنية حرف الإعراب دون أن يكون الأمر فيها على ما ذهب إليه أبو الحسن أو غيره ممن خالفه؟
فالجواب: أن الذي أوجب للواحد المتمكن حرف الإعراب في نحو "رجل" و"فرس" هو موجود في التثنية في نحو قولك: "رجلان" و"فرسان" وهو التمكن، فكما أن الواحد المعرف المتمكن يحتاج إلى حرف إعراب، فكذلك الاسم المثنى إذا كان معربا متمكنا احتاج إلى حرف إعراب، وقولنا: "رجلان، وفرسان،
__________
1 الكتاب "1/ 4".
2 المقتضب "2/ 152".
3 قال في معاني القرآن "ص14": "وجعل رفع الاثنين بالألف".
4 المقتضب "2/ 152-153".
5 المقتضب "2/ 151".(2/333)
وغلامان، وجاريتان" ونحو ذلك أسماء معربة متمكنة، فتحتاج إذن إلى ما احتاج إليه الواحد المتمكن من حرف الإعراب، فقد وجب بهذا أن يكون الاسم المثنى ذا حرف إعراب إذ كان معربا.
ونظير ذلك أيضًا الجمع المكسر في نحو: رجُل ورجال، وفَرَس وأفراس، وغلام وغِلمان، فكما أن الواحد في هذا ونحوه فيه حرف إعراب، فكذلك قد وجدت في جمعه حرف إعراب، فحال التثنية في هذه القضية حال الجمع وإن اختلفا من غير هذا الوجه، وإذا كان ذلك كذلك، وكان قولنا "الزيدان" و"العمران" ونحوهما أسماء معربة ذات حروف إعراب فلا يخلو حرف الإعراب في قولنا: الزيدان، والعمران، والرجلان، والغلامان من أن يكون ما قبل الألف، أو الألف، أو ما بعد الألف، وهو النون.
فالذي يفسد أن تكون الدال من "الزيدان" هي حرف الإعراب أنها قد كانت في الواحد حرف إعراب في نحو: هذا زيد، ورأيت زيدا، ومررت بزيد، وقد انتقلت عن الواحد الذي هو الأصل إلى التثنية التي هي فرع، كما انتقلت عن المذكر الذي هو الأصل في قولك: "قائم" إلى المؤنث الذي هو فرع في قولك "قائمة"، فكما أن الميم في قائمة ليست حرف إعراب، وإنما علم التأنيث في "قائمة" هو حرف الإعراب، فكذلك ينبغي أن يكون علم التثنية في نحو قولك: "الزيدان" و"العمران" هو حرف الإعراب، وعلم التثنية هو الألف، فينبغي أن تكون هي حرف الإعراب، كما كانت الهاء في "قائمة" حرف الإعراب، على أن أحدا لم يقل إن ما قبل ألف التثنية حرف إعراب.
فإن قلت: فإنا نقول: رجل، وفرس، فتكون اللام والسين حرفي الإعراب، ثم نقول: رجال، وأفراس، فنجد اللام والسين أيضًا حرفي الإعراب، فما تنكر أن تكون الدال من "زيد"حرف الإعراب، ثم تكون أيضًا في "الزيدان" حرف الإعراب؟
فالجواب: أن حال التثنية في هذا غير حال التكسير، وذلك أن جمع التكسير ليس توجد فيه صيغة الواحد كما توجد صيغة الواحد في التثنية، ألا ترى أنك إذا قلت رجل ورجال، فقد نقضت تركيب الواحد وصغته صياغة أخرى، وكذلك: فَرَس، وأفراس، وعبد وعِباد، وكلب وأكلب، وليست التثنية كذلك، إنما يوجد(2/334)
فيها لفظ الواحد وصيغته البتة، ثم تزيد عليها علم التثنية، وهي الألف، فتقول: الزيدان، والرجلان، فجرى ذلك مجرى قولنا: "قائم" فإذا أردنا التأنيث أدينا صيغة المذكر بعينها، ثم زدنا علم التأنيث، وهو الهاء، فقلنا "قائمة" وكذلك "قاعد" و"قاعدة"، فالتثنية إذن بالتأنيث أشبه منها بجمع التكسير، فبه ينبغي أن يقاس لا بجمع التكسير، وهذا أوضح.
وأيضًا فإن حرف الإعراب من جمع التكسير كما يكون هو حرف الإعراب في الواحد فيما ذكرت، فقد يكون أيضًا غير حرف الإعراب في الواحد نحو قولك: غلام وغلمان، وجَريب وجربان، وصبي وصبية، وضاربة وضوارب، وقَصعة وقِصاع، وقتيل وقتلى، وصريع وصرعى، وغير ذلك مما يطول ذكره. فقد علمت أنه لا اعتبار في هذا بجمع التكسير، وعلم التثنية لا يكون لفظ الواحد أبدا، كما أن علم التأنيث لا يكون لفظ المذكر أبدا، فهو لما ذكرت به أشبه.
وأيضًا فلو كان حرف الإعراب في: الزيدان" هو الدال كما كان في الواحد لوجب أن يكون إعرابه في التثنية كإعرابه في الواحد، كما أن حرف الإعراب في نحو: "فرس" لما كان هو السين، وكان في "أفراس" أيضًا هو السين كان إعراب "أفراس" كإعراب "فرس"، وهذا غير خفي، على أنا لا نعلم أحدا ذهب إلى أن حرف الإعراب في الواحد هو حرف الإعراب في التثنية، وإنما قلنا ما قلنا احتياطيا لئلا تدعو الضرورة إنسانا إلى التزام ذلك، فيكون جوابه وما يفسد به مذهبه حاضرا عتيدا.
ولا يجوز أيضًا أن تكون النون حرف الإعراب لأنها حرف صحيح يتحمل الحركة، فلو كانت حرف إعرابه لوجب أن تقول: قام زيدان، ومررت بالزيدان، فتعرب النون، وتقر الألف على حالها، كما تقول: هؤلاء غلمان، ورأيت غلمانا، ومررت بغلمان. وأيضًا فإن النون قد تحذف في الإضافة، ولو كانت حرف إعراب لتثبت البتة في الإضافة، كما تقول: هؤلاء غلمانك، ورأيت غلمانك، فقد صح أن الألف حرف الإعراب.
فإن قلت: فإذا كانت الألف حرف الإعراب فما بالهم قلبوها في الجر والنصب، فقالوا: مررت بالزيدين، وضربت الزيدين، وهلا دلك قلبها على أنها ليست كالدال(2/335)
من "زيد" إذ الدال ثابتة على كل حال، ولا كألف "حُبلى" و"سَكرى" لأنها موجودة في الرفع والنصب والجر؟
فالجواب عن ذلك من وجهين:
أحدهما: أن انقلاب الألف في الجر والنصب لا يمنع من كونها حرف إعراب؛ لأنا قد وجدنا فيما هو حرف إعراب بلا خلاف بين أصحابنا هذا الانقلاب، وذلك ألف "كلا" و"كلتا" في قولهم: قام الرجلان كلاهما، والمرأتان كلتاهما، ومررت بهما كليهما، وكلتيهما، وضربتهما كليهما، وكلتيهما، فكما أن الألف في "كلا" و"كلتا" حرف إعراب وقد قلبت كما رأيت، فكذلك أيضًا ألف التثنية حرف إعراب وإن قلبت في الجر والنصب.
فإن قلت: إن انقلاب ألف "كلا" و"كلتا" إنما هو لعلة أنهما أشبهتا "على" و"إلى" و"لدى".
قيل لك: وألف التثنية أيضًا انقلبت لعلة سنذكرها عقيب هذا الفصل بإذن الله.
ومثل ذلك أيضًا من حروف الإعراب التي قلبت قولهم: هذا أخوك وأبوك وحموك وهنوك وفوك وذو مال، ورأيت أباك وأخاك , وحماك وهَناك وذا مال، ومررت بأخيك وأبيك وحميك, وهَنيك وفِيك وذي مال، فكما أن هذه كلها حروف إعراب، وقد تراها منقلبة، فكذلك لا يستنكر في حرف التثنية أن يقلب وإن كان حرف إعراب.
قال أبو علي1: فلم لم تكن الواو في "ذو" حرف إعراب لبقي الاسم المتمكن على حرف واحد، وهو الذال.
ومثل ذلك أيضًا قولهم فيما ذكر أبو علي: هذه عصي2، و"يَا بشري"3 فيمن قرأ بذلك.
__________
1 المسائل البغداديات "ص540-541".
2 عصى: من ذلك قوله تعالى: {هِيَ عَصَاي} [طه: 18] فقد قرأ ابن أبي إسحاق والجحدري "هي عصي" البحر المحيط "6/ 234".
3 هذه قراءة أبي الطفيل والجحدري وابن أبي إسحاق ورويت عن الحسن. المحتسب "1/ 336".(2/336)
وقول أبي ذؤيب1:
سبقوا هَوَيَّ وأعْنَقُوا لِهَواهُمُ ... فتُخُرِّموا، ولكل جَنب مَصْرع2
وقول الآخر أنشدناه عن قطرب3:
يُطوّف بي عِكَبٌّ في مَعَدٍّ ... ويَطعُنُ بالصمُلّة في قَفَيَّا4
فإن لم تثأراني من عِكَبٍّ ... فلا أرويتُما أبدا صَدَيّا5
وقول أبي داود6:
فأبلوني بليَّتكم لعليّ ... أُصالِحكم وأستدرج نَوَيّا7
وهو كثير جدا، فكما جاز للألف في هذه الأشياء أن تقلب ياء وهي حرف إعراب، فكذلك أيضًا يجوز لألف التثنية أن تقلب ياء وإن كانت حرف إعراب.
ومثل ذلك أيضًا إبدالهم تاء التأنيث في الوقف هاء وذلك نحو: "قائمه" و"قاعده" و"منطلقه"، فكما أن التاء حرف إعراب وإن كانت قلبت في الوقف هاء، فكذلك أيضًا لا يمتنع كون ألف التثنية حرف إعراب وإن كانت قد تقلب ياء.
__________
1 البيت في شرح أشعار الهذليين "ص7"، وقد أنشده أبو علي الفارسي في المسائل العسكريات "ص26" وذكره صاحب اللسان في مادة "هوا".
2 أعنقوا: أسرعوا.
تخرموا: تشققوا، والمقصود أخذوا واحدا واحدا.
والشاهد فيه "هوى" حيث قلب حرف الإعراب ألفا.
3 أنشد أبو علي البيت الأول في المسائل العسكريات "ص26" عن أبي الحسن، والبيتان للمنخل اليشكري. انظر/ شرح ديوان الحماسة للتبريزي "2/ 48"، واللسان "1/ 626" مادة/ عكب.
4 الصملة: عصا مصنوعة من الشجر.
عكب: صاحب سجن النعمان.
والشاهد فيه "قفيا" حيث قلبت الألف ياء.
5 صدى: طائر يصيح إذا لم يثأر للمقتول، في رأي الجاهلين.
الشاهد فيه "صديا" حيث قلبت الألف ياء.
6 البيت في النقائض "ص408" والخصائص "1/ 176" "2/ 341".
7 أبلوني: اصنعوا بي صنيعا جميلا.
أستدرج: أرجع أدرجي من حيث أتيت.
البيت في قوم جاورهم، فأساءوا جواره.
الشاهد فيه "نويا" حيث قلبت الألف ياء.(2/337)
ونحو من ذلك أيضًا إبدال بعضهم ألف التأنيث في الوقف همزة، وذلك ما حكاه سيبويه من قولهم في الوقف "هذه حُبْلأْ"1. وقد أبدلوا أيضًا الألف في الوقف ياء، فقالوا2: هذه أفعَيْ، حُبلَيْ".
قال الراجز3:
إن لِطَيَّ نِسوَة تحت الغَضَيْ ... يمنعُهن الله ممن قد طَغَيْ
بالمشرَفِيات وطَعْنٍ بالقَنَيْ4
قال سيبويه5: "ومنهم من يبدلها أيضًا في الوصل ياء، فيقول: هذه أفعيْ عظيمة". فكما أبدل حرف الإعراب في جميع هذه الأشياء، ولم يدل انقلابه على أنه ليس بحرف إعراب، كذلك أيضًا يجوز قلب الألف التي للتثنية، ولا يدل ذلك على أنها ليست بحرف إعراب. فهذا أحد وجهي الحجاج.
وأما الوجه الآخر فإن في ذلك ضربا من الحكمة والبيان، وذلك أنهم أرادوا بالقلب أن يُعلموا أن الاسم باق على إعرابه، وأنه متمكن غير مبني، فجعلوا القلب دليلا على تمكن الاسم وأنه ليس بمبني بمنزلة "متى" و"إذا" و"أنى" و"إيا" مما هو مبني وفي آخره ألف.
فإن قلت: فإذا كانت الألف في التثنية حرف إعراب، فهلا بقيت في الأحوال الثلاث ألفا على صورة واحدة، كما أن ألف حُبلى وسَكرى، حرف إعراب وهي باقية في الأحوال الثلاث على صورة واحدة في نحو قولك: هذه حبلى، ورأيت حبلى، ومررت بحبلى.
__________
1 الكتاب "2/ 285".
2 الكتاب "2/ 285" وهل لغة لفزارة وناس من قيس وهي قليلة كما في الكتاب "2/ 287" وقد حكاها الخليل وأبو الخطاب.
3 الأبيات في المنصف "1/ 160" والمحتسب "1/ 77".
4 الغضي: نوع من النبات.
المشرفيات: السيوف المصنوعة من المشارف وهي قرى من اليمن.
القنا: الرماح.
والشاهد فيه "الغضي- بالقنيْ" حيث أبدلت الألف في حالة الوقف ياء.
5 الكتاب "2/ 287" وفيه أن هذه لغة طيئ.(2/338)
فالجواب: أن بينهما فرقًا، وذلك أن الأسماء المقصورة التي حروف إعرابها ألفات، وإن كانت في حال الرفع والنصب والجر على صورة واحدة، فإنه قد يلحقها من التوابع بعدها ما يُنبه على مواضعها من الإعراب، وذلك نحو الوصف في قولك: هذه عصًا مُعوجّةٌ، ورأيت عصا معوجةً، ونظرت إلى عصا معوجةٍ، فصار اختلاف إعراب "معوجة" دليلا على اختلاف أحوال "عصا" من الرفع والنصب والجر.
وكذك التوكيد نحو قولك: عندي العصا نفسُها، ورأيت العصا نفسَها، ومررت بالعصا نفسِها، فاختلاف إعراب "النفس" دليل على اختلاف إعراب "العصا" وأنت لو ذهبت تصف الاثنين لوجب أن تكون الصفة بلفظ التثنية، ألا تراك لو تركت التثنية بالألف على كل حال لوجب أن تقول في الصفة: رأيت الرجلان الظريفان، ومررت بالرجلان الظريفان، فيكون لفظ الصفة كلفظ الموصوف بالألف على كل حال، فلا تجد هناك من البيان ما تجده إذا قلت: رأيت عصا معوجةً أو طويلةً أو قصيرةً أو نحو ذلك مما يبين فيه الإعراب.
وكذلك البدل نحو: رأيت أخواك الزيدان، ومررت بأخواك الزيدان، فلا تجد في التابع بيانا يدل على حال المتبوع، فلما كان كذلك عدلوا إلى أن قلبوا لفظ الجر والنصب إلى الياء ليكون ذلك أدل على تمكن الاسم واستحقاقه الإعراب. ونظير قلبهم الألف في لتثنية ياء في الجر والنصب قولهم هدَيَّ وعَصَيَّ ألا ترى أنهم قلبوا الألف "ياء لما كانت ياء المتكلم يكسر ما قبلها، فاعرفه.
على أن من العرب من لا يخاف اللبس، ويجري الباب على أصل قياسه، فيدع الألف ثابتة في الأحوال الثلاث، فيقول: قام الزيدان، وضربتُ الزيدان، ومررتُ بالزيدان، وهم بنو الحارث بن كعب، وبطن من ربيعة، وأنشدوا في ذلك:
تزود منا بين أُذْناه طعنةً
دعته إلى هابي التراب عقيم1
__________
1 البيت لهوبر الحارثي كما في اللسان "صرع" "8/ 197"، "15/ 351" مادة/ هبا.
طعنة: أثر الطعن.
هابي التراب: ما ارتفع ودق. اللسان "15/ 351".
عقيم: لا فائدة منه. اللسان "12/ 413" مادة/ عقم.
والشاهد فيه "أذناه" حيث لم تقلب ألف أذناه ياء وهي لغة بنو الحارث(2/339)
وقال الآخر1:
فإطراف الشجاع ولو يرى ... مساغا لِناباه الشجاعُ لَصَمّما2
وقال الآخر3:
أعرف منها الجيد والعَينانا ... ومنخرين أشبها ظبيانا4
يريد: العينين، ثم إنه جاء بالمنخرين على اللغة الفاشية.
وروينا عن قطرب5:
هَيّاك أن تُمنى بشَعشعانِ ... خَبّ الفؤاد مائلِ اليدانِ6
وقال الآخر7:
__________
1 هو المتلمس يعاتب خاله الحارث بن التوأم اليشكري، والبيت في ديوانه "ص34".
2 الشجاع: الحية الذكر.
المساغ: المدخل. اللسان "8/ 435".
صمم: عض.
والشاهد فيه "لناباه" حيث لم تقلب الألف ياء في حالة الجر وهي لغة بعض القبائل.
3 البيت لرجل من بني ضبة كما في النوادر "ص168" وزقم العيني أنه لا يعرف قائله.
4 منخرين: ثقبا الأنف.
الجيد: العنق. اللسان "3/ 139".
الظبيانا: اسم رجل، وقيل مثنى ظبي. لسان العرب "15/ 24" مادة/ ظبا.
والشاهد فيه "العينانا" يريد العينين حيث لم تقلب الألف ياء.
إعرابه: معطوف على الجيد، منصوب بفتحة مقدرة على الألف.
5 البيت في الإفصاح "ص377".
6 الشعشعان: الطويل الحسن الخفيف اللحم، شبه بالخمر المشعشعة لدقتها. اللسان "8/ 182".
الخب: الخبيث الماكر.
الفؤاد: القلب.
والشاهد فيه "بشعشعان" حيث لم تقلب الألف ياء في حالة الجر.
7 نسب البيتان إلى أبي النجم وهما في ديوانه "ص227"، ونسبهما العيني إلى أبي النجم نقلا عن الجوهري، وذكر أنهما ينسبان إلى رؤبة ونص على أنهما ليسا في ديوان العيني "1/ 133".
وذكر العيني أن أبا زيد نسبه في نوادره لبعض أهل اليمن.
قال محيي الدين عبد الحميد: وقد بحثت عنه في النوادر فلم أجد فيها هذا البيت، ولكني وجدت أبا زيد أنشد عن أبي الغول أبيات قافيتها نفس قافية البيت ومن هنا وقع السهو للعيني.
انظر/ شرح ابن عقيل "1/ 51".(2/340)
إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها1
وفيها2:
واشدد بمثنى حقب حقواها3
وعلى هذا تتوجه عندنا قراءة من قرأ: "إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ" [طه: 63] 4 وقد ذكرنا هذه المسألة في باب النون بما أغنى عن إعادته.
واعلم أن سيبويه يرى أن الألف في التثنية كما أنه ليس في لفظها إعراب، فكذلك لا تقدير إعراب فيها كما يقدر في الأسماء المقصورة المعربة نية الإعراب؛ ألا ترى أنك إذا قلت: هذا فتى، ففي الألف عندك تقدير ضمة، وإذا قلت: رأيت فتى، ففي الألف تقدير فتحة، وإذا قلت: مررت بفتى، ففي الألف تقدير كسرة، وهو لا يرى أنك إذا قلت: هذان رجلان أن في الألف تقدير ضمة، ولا إذا قلت: مررت بالزيدين، وضربت الزيدينأن في الياء تقدير كسرة ولا فتحة، ويدل على أن ذلك مذهبه قوله: "ودخلت النون كأنها عوض لما منع من الحركة والتنوين"5، فلو كانت في الألف عنده نية حركة لما عوض منها النون كما لا يعوض، منها في قولك: هذه حبلى، ولاأيت حبلى، ومررت بحبلى، النون.
__________
1 الشاهد فيه "أباها" الثالثة لأنها مجرورة حيث جاءت بالألف في حالة النصب ولم تقلب ياء.
إعرابه:
أبا: اسم إن منصوب بفتحة مقدرة على الألف. ويحتمل أن يكون منصوبًا بالألف نيابة عن الفتحة، وأبا مضاف والضمير مضاف إليه مبني في محل جر.
2 البيت ذكر في الخزانة "3/ 338"، وشرح المفصل "3/ 129"، وشرح ابن عقيل "1/ 51".
3 الشطر الثاني من البيت: "ناجية وناجيا أباها".
وهو موضوع الشاهد في قول الشاعر "أباها" حيث يعرب فاعل مرفوع بضمة مقدرة على الألف منع ظهورها التعذر، وهذه لغة القصر.
ولو جاء به على لغة التمام لقال "وناجيا أبوها" على أنها فاعل مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنه من الأسماء الخمسة.
4 الشاهد فيه "هذان" حيث نصبت بفتحة مقدرة، ولم تقلب الألف ياء.
5 انظر/ الكتاب "1/ 4".(2/341)
قال أبو علي: ويدل على صحة ما قال سيبويه من أنه ليس في حرف الإعراب من التثنية تقدير حركة في المعنى كما أن ذلك ليس موجودا فيها في اللفظ، صحة الياء في الجر والنصب في نحو: مررت برجلين، وضربت رجلين، ولو كان في الياء منها تقدير حركة لوجب أن تقلب ألفا كرَحَى، وفتًى، ألا ترى أن الياء إذا انفتح ما قبلها وكانت في تقدير حركة وجب أن تقلب ألفا.
وهذا استدلال من أبي علي في نهاية الحسن، وصحة المذهب، وسداد الطريقة.
فإن قلت: فإذا كانت النون عند سيبويه عوضًا مما منع الاسم من الحركة والتنوين، فما بالهم قالوا في الجر والنصب ضربت الزيدين، ومررت بالزيدين، فقلبوا الألف ياء، وذلك على الجر والنصب، ثم إنهم عوضوا من الحركة نونا، وكيف يعوضون من الحركة نونا وهم قد جعلوا قلب الألف ياء قائما مقام علم الجر والنصب، وهل يجوز أن يعوض من شيء شيء وقد أقيم مقام المعوض منه ما يدل عليه، ويغني عنه، وهو القلب؟
فالجواب: أن أبا علي ذكر أنهم إنما جوزوا ذلك لأن الانقلاب معنى لا لفظ إعراب، فلما لم يوجد في الحقيقة في اللفظ إعراب جاز أن تعوض منه النون، وصار الانقلاب دليلا على التمكن واستحقاق الإعراب.
وهذا أيضًا من لطيف ما حصلته عنه، فافهمه.
فإن قلت: فإذا كانت الدلالة قد صحت على قول سيبويه أنه لا تقدير إعراب في حرف الإعراب من التثنية، فما كانت الحاجة من العرب إلى ذلك، وما السر، وما السبب الذي أوجب ذلك فيها؟
فالجواب: أنهم لو اعتقدوا في حرف إعراب التثنية تقدير حركة كما يعتقدونه في حرف الإعراب من المقصور، لوجب أن تقر الألف في الأحوال الثلاث على صورة واحدة كما يقر حرف الإعراب من المقصور على حال واحدة في رفعه ونصبه وجره، ولو فعلوا ذلك فقالوا: قام الزيدان، وضربت الزيدان، ومررت بالزيدان، لدخل الكلام من الإشكال والاستبهام ما قد تقدم قولنا فيه، وأنه تُنُكب لاستكراههم ما فيه من عدم البيان، ولما كان الاسم االمثنى معربا متمكنا، وكرهوا أن يعتقدوا في حرف(2/342)
إعرابه تقدير حركة إعراب لئلا يبقى في الأحوال الثلاث على صورة واحدة، كما تبقى جميع الأسماء المقصورة فيها كذلك، عوضوه من الإعراب الذي منعوه حرف إعرابه نونا، وأبدلوا من ألفه في الرفع ياء الجر والنصب؛ ليدلوا بذلك على تمكنه وأنه معرب غير بمني كـ "متى" و"إذا" و"أنى" فكان ذلك أحوط وأحزم.
فإن قلت: فهلا نَوَوا في الألف أنها في موضع حركة كما نووا ذلك في جميع المقصور، ثم إنهم أبدلوا الألف ياء ليدلوا على تمكن الاسم، ولم يعوضوه من الحركة نونا لأنها منوية مرادة، فقالوا: قام الزيدا، ومررت بالزيدَيْ، وضربت الزيدَيْ؟
فالجواب: أن ما قدمناه يمنع من ذلك، وهو أنهم لو نووا في الياء حركة وما قبلها مفتوح، لوجب أن يقلبوها ألفا، فكان يجب على هذا أن يقولوا إذا لم يأتوا بالنون: قام الزيدا، ورأيت الزيدا، فيعود الكلام من الإشكال واللبس إلى ما هربوا منه، فتركوا ذلك لذلك.
ونظير ألف التثنية في أنها حرف إعراب وعلامةُ التثنية ألفُ التأنيث في نحو: حبلى، وسكرى، ألا تراها حرف إعراب وهي علم التأنيث، إلا أنهما يختلفان في أن حرف التثنية لا نية حركة فيه، وأن ألف حبلى فيها نية الحركة.
قال أبو علي: ويدل على أن الألف في التثنية حرف إعراب صحة الواو في "مذروان"1. قال: ألا ترى أنه لو كانت الألف إعرابا أو دليل إعراب، وليست مصوغة في جملة بناء الكلمة المتصلة بها اتصال حرف الإعراب بما قبله، لوجب أن تقلب الواو ياء، فيقال: "مِذريان" لأنها كانت تكون على هذا القول طرفًا كلام "مِعزى" و"مَدعى" و"مَلهى"، فصحة الواو في "مِذروان" دلالة على أن الألف من جملة الكلمة، وأنها ليست في تقدير الانفصال الذي يكون في الإعراب. قال: فجرت الألف في "مذروان" مجرى الألف في "عنفوان"2 وإن اختلفت النونان. وهذا حسن في معناه.
فأما قولهم "قَشَوتُ العُود" 3 فشاذ غير مقيس عليه غير.
__________
1 مذروان: الجانبان من كل شيء. لسان العرب "14/ 285" مادة/ ذرا.
2 عنفوان: عنفوان الشيء أوله، ويقال هو في عنفوان شبابه: في نشاطه وحدته.
3 قشوت: قشوت العود: قشرته وخرطته. لسان العرب "15/ 182" مادة/ قشا.(2/343)
ونظير هذا الذي ذهب إليه أبو علي قولُهم: "عقلته بثنايَيْن"1، ولو كانت ياء التأنيث إعرابا أو دليل إعراب لوجب أن تقلب الياء التي بعد الألف همزة، فيقال: "عقلته بثناءين، وذلك لأنها ياء وقعت طرفًا بعد ألف زائدة، فجرت مجرى ياء "رداء" و"رِماء" و"ظِباء".
ونظير هذا قولهم في الجمع: هؤلاء مَقتَوُون3، ورأيت مَقتَوِينَ، ومررت بمقتَوِين، فلو كانت الواو والياء في هذا أيضًا إعرابا أو دليل إعراب لوجب أن يقال: هؤلاء مَقتَوْن، ورأيت مَقتَيْنَ، ومررت بمَقتَينَ، ويجري مجرى "مُصطَفَيْنَ".
فهذا كله يؤكد مذهب سيبويه في أن الألف والياء والواو حروف الإعراب في التثنية والجمع الذي على حد التثنية، والقول فيهما من وجه واحد.
وأما قول أبي الحسن: إن الألف ليست حرف إعراب ولا هي إعراب، ولكنها دليل الإعراب، فإذا رأيت الألف علمت أن الاسم مرفوع، وإذا رأيت الياء علمت أن الاسم منصوب أو مجرور، وقال: ولو كانت حرف إعراب لما عرفت بها رفعا من نصب ولا جر، كما أنك إذا سمعت دال "زيد" لم تدلك على رفع ولا نصب ولا جر، فإنه غير لازم، وذلك أنا قد رأينا حروف الإعراب بلا خلاف تفيدنا الرفع والنصب والجر، وذلك نحو: أبوك وأخوك، وأباك وأخاك، وأبيك وأخيك؛ ألا ترى أن الواو حرف الإعراب، وقد أفادتنا الرفع، والألف حرف الإعراب، وقد أفادتنا النصب، والياء حرف الإعراب، وقد أفادتنا الجر.
فأما قوله: إنها ليست بإعراب، فصحيح، وسنذكر ذلك في فساد قول الفراء والزيادي. فأما قوله: لو كانت الألف حرف إعراب لوجب أن يكون فيها إعراب هو غيرها كما ذلك في دال "زيد" فيفسد بما ذكرناه من الحجاج في هذا عند شرح مذهب سيبويه أول.
وبلغني أن أبا إسحاق قال منكرا على أبي الحسن أنها دليل الإعراب: إن الإعراب دليل المعنى، فإذا كانت الألف تدل على الإعراب، والإعراب دليل، فقد
__________
1 عقلته بثنايين: عقلت يديه جميعًا بعقالين، والتثنية حبل من شعر أو صوف. اللسان "14/ 121"
2 من قوله "لو كانت الياء" إلى قوله "ظباء" نقله عن المصنف نصا ابن منظور.
3 مقتوون: الخدام واحدهم مقتوى.(2/344)
احتاج الدليل إلى دليل، وإذا احتاج الدليل إلى دليل فقد سقط المعنى المدلول عليه. وهذا وإن كان ظاهره سائغا متقبلا فإنه غير داخل على غرض أبي الحسن، وذلك أن معنى قوله: "دليل الإعراب" أنها تقوم مقام الضمة والفتحة والكسرة، وتفيد ما يفدنه، فشابهت الألفُ النونَ التي لرفع الفعل المضارع في نحو يقومان ويقومون وتقومين في أنها تقوم مقام الضمة في "يقوم" و"يقعد" وأنها ليست من أصول الإعراب؛ ألا ترى أن جنس الإعراب هو الحركة، ولذلك جعل الجنس البناء سكونا إذ كانا ضدين، وكانت الحركة ضد السكون، فالألف إذن هناك كالنون هنا.
ويدلك على أن الأفعال المضارعة التي رفعها بالنون ليست على طريق قياس أصول الإعراب، حذفك النون في موضع النصب في قولك: "لن يقوما" ألا ترى أن النصب هنا مدخل على الجزم كما أدخل النصب في الأسماء المثناة والمجموعة على سبيل التثنية على الجر في قولك: "ضربت الزيدين والعمرين"، ولست تجد في الآحاد المتمكنة الإعراب ما يحمل فيه أحد الإعرابين على صاحبه. فأما "مررت بأحمد" فإن ما لا ينصرف غير متمكن الإعراب.
ويزيد عندك في بيان ضعف إعراب الفعل المضارع، أنك إذا ثنيت الضمير فيه أو جمعته أو أنثته، أنك تجده بغير حرف إعراب؛ ألا ترى أنه لو كان لـ "يقومان" حرف إعراب لم يخل من أن يكون الميم أو الألف أو النون، فمحال أن تكون الميم لأن الألف بعدها قد صيغت معها وحصلت الميم لذلك حشوا لا طرفًا، ومحال أن يكون حرف الإعراب وسطا، ولا يجوز أن يكون إلا آخرا طرفًا، ولا يجوز أن تكون الألف في "يقومان" حرف إعراب، قال سيبويه1: "لأنك لم ترد أن تثني هذا البناء فتضم إليه يَفعلًا آخر" أي: لم ترد أن تضم هذا المثال إلى مثال آخر، وإنما أردت أن تعلم أن الفاعل اثنان، فجئت بالألف التي هي علم الضمير والتثنية، ولو أردت أن تضم نفس الفعل إلى فعل آخر من لفظه لكانت الألف في "يقومان" حرف إعراب، كما كانت الألف في "الزيدان" حرف إعراب، لما أردت أن تضم إلى زيد زيدا آخر. فقد بطل إذن أن تكون الألف حرف إعراب. ومحال أيضًا أن تكون النون حرف إعراب في "يقومان" لأمرين:
__________
1 الكتاب "1/ 5".(2/345)
أحدهما: أنها متحركة محذوفة في الجزم، وليس في الدنيا حرف متحرك يحذف في الجزم.
والآخر: أنه لو كانت النون حرف إعراب لوجب أن تجري عليها حركات الإعراب، فتقول: هما يقومان، وأريد أن تقومان، فتضمها في الرفع، وتفتحها في النصب، فإذا صرت إلى الجزم وجب تسكينها، فإذا سكنت والألف قبلها ساكنة كسرت لالتقاء الساكنين، فتقول: لم يقومان، فلما كان القضاء بكون نون "يقومان"حرف إعراب يقود إلى هذا الذي ذكرته، ورأيت العرب قد اجتنبته، علمت أن النون ليست عندهم بحرف إعراب، فإذا لم يجز أن تكون الميم حرف إعراب، ولا الألف، ولا النون، علمت أنه لا حرف إعراب للكلمة.
وإذا لم يكن لها حرف إعراب دلك ذلك على أن الإعراب فيها ليس له تمكن الإعراب الأصلي الذي هو الحركة، وإذا كان ذلك كذلك علمت به أن النون في "يقومان" تقوم مقام الضمة في "يقوم" وأنها ليس لها تمكن الحركة، وإنما هي دالة عليها ونائبة عنها، فكذلك أيضًا لا يمتنع أن تكون الألف عند أبي الحسن دليل الإعراب، أي قائمة مقامه ونائبة عنه، فإذا رأيتها فكأنك رأيته، كما أنك إذا رأيت النون في الأفعال المضارعة فكأنك قد رأيت الضمة في الواحد، فقد سقط بهذا الذي ذكرناه ما ألزمه أبو إسحاق إياه.
قال أبو علي: ولا تمنع الألف على قياس قول سيبويه إنها حرف إعراب أن تدل على الرفع كما دلت عليه عند أبي الحسن لوجودنا حروف إعراب تقوم مقام الإعراب في نحو قولك: أبوك، وأباك، وأبيك، وأخواته، وكلاهما، وكليهما، ولكن وجه الخلاف بينهما أن سيبويه يزعم أنها حرف إعراب، وأبو الحسن يقول: إنها ليست حرف إعراب، فهذا ما في خلاف أبي الحسن.
وأما قول أبي عمر إنها في الرفع حرف إعراب كما قال سيبويه، ثم إنه كان يزعم أن انقلابها هو الإعراب، فضعيف مدفوع أيضًا، وإن كان أدنى الأقوال إلى الصواب الذي هو رأي سيبويه. ووجه فساده أنه جعل الإعراب في الجر والنصب معنى لا لفظا، وفي الرفع لفظا لا معنى، فخالف بين جهات الإعراب في اسم واحد؛ ألا ترى أن القلب معنى لا لفظ، وإنما اللفظ هو نفس المقلوب والمقلوب إليه، وليس(2/346)
كذلك قول سيبويه "إن النون عوض مما مُنع الاسم من الحركة والتنوين" لأن النون على كل حال لفظ، وليست بمعنى.
وألزم أبو العباس أبا عمر هنا شيئًا لا يلزمه عندي، وذلك أنه قال: قد علمنا أن أول أحوال الاسم الرفع، فأول ما وقعت التثنية وقعت والألف فيها، فقد وجب أن لا يكون فيها في موضع الرفع إعراب1. وذلك أن أبا عمر إذا كان يقول في الألف ما قاله سيبويه فله فيه ما له، وعليه ما عليه.
وقد صح أن سيبويه يقول: إن النون عوض مما منع الاسم من الحركة والتنوين، وكذلك أيضًا قول أبي عمر في الرفع إن النون عوض من الحركة والتنوين، وإذا كانت عوضًا من الحركة فإن الاسم معرب، والنون تقوم مقام حركة إعرابه، فقد كان يجب على أبي العباس أن لا يدعي على أبي عمر أنه يعتقد أن الاسم في حال الرفع لا إعراب فيه.
فإن أراد أبو العباس أنه ليس في الألف إعراب، وإنما النون عوض من الإعراب، فهذا هو الذي قاله سيبويه أيضًا، وقد قامت الدلالة على صحته، فينبغي أن يكون قول أبي عمر صحيحا إذ هو قول سيبويه الصحيح، وإنما الذي يلزم أبا عمر في هذا ما قدمناه من أنه جعل اسما واحدا في حال الرفع معربا لفظا، وجعل ذلك الاسم بعينه في حال الجر والنصب معربا معنى، فخالف بين جهتي إعراب اسم واحد من حيث لا يجوز الخلاف.
فإن قلت: فإذا كان قلب الألف ياء في الجر والنصب هو الإعراب عند أبي عمر فما الذي ينبغي أن يعتقد في النون في حال الجر والنصب، هل هي عنده عوض من الحركة والتنوين جميعًا أو عوض من التنوين وحده؛ إذ القلب قد ناب على مذهبه عن اعتقاد النون عوضًا من الحركة؟
فالجواب: أن أبا علي سوغه أن تكون النون عوضًا من الحركة والتنوين جميعًا، وإن كان يقول إن الانقلاب هو الإعراب، قال: وذلك أنه لم تظهر إلى اللفظ حركة، وإنما هناك قلب، فحسُن العوض من الحركة وإن قام القلب مقامها في الإعراب.
__________
1 المقتضب "2/ 152".(2/347)
وهذا الذي رآه أبو علي حسن جدا، ويشهد بقوته أن من رأى صرف المؤنث المعرفة إذا كان ثلاثيا ساكن الأوسط نحو "جُمْل" و"دَعْد" لخفته بسكون وسطه، يرى مثل ذلك سواء في نحو "دار" و"نار" إذا سمى بهما مؤنثا وإن كانت الألف تدل على أن العين محركة في الأصل، وأصلهما "دور" و"نور" إلا أن تلك الحركة في العين لما لم تظهر إلى اللفظ لم يعتد بها، ولم تجر الكلمة وإن كانت مقدرةَ حركة العين مجرى "قَدَم" و"فَخِذ" إذا صارا علمين لمؤنث في ترك صرفهما كما يترك صرفهما، فكذلك أيضًا لما كان الإعراب في رأيت الزيدين، ومررت بالزيدين على مذهب أبي عمر معنى لا لفظا، جاز أن يعوض من الحركة التي كان ينبغي للاسم أن يحرك حرف إعرابه بها نون في الزيدينِ والعمرينِ، ونظائره كثيرة، فهذا يؤيد ما رآه أبو علي لقياس مذهب أبي عمر.
ولو أن قائلا قال: قياس قول أبي عمر أن تكون النون في تثنية المنصوب والمجرور عنده عوضًا من التنوين وحده، لأن الانقلاب قد قام مقام الحركة، لم أر به بأسا.
فإن قلت: فإذا كان الأمر كذلك فقد يجب على قول أبي عمر أن تكون النون محذوفة مع اللام في موضع الجر والنصب إذا كانت عوضًا من التنوين الذي يحذف مع اللام، وثابتة في حال الرفع معها لأنها عوض من الحركة معها على ما بيناه في حرف النون، فكان يلزم أبا عمر أن يقول قام الزيدان، وضربت الزيدَي، ومررت بالزيدَي.
فالجواب: أن النون على هذا القول وإن كانت في حال الجر والنصب عوضًا من التنوين وحده، فإنها لم تحذف مع اللام كما يحذف التنوين معها، من حيث كانت النون أقوى من التنوين إذ كانت ثابتة في الوصل والوقف متحركة، والتنوين يزيله الوقف، وهو أبدا ساكن إلا أن يقع بعده ما يحرك له، فلما كانت النون أقوى من التنوين لم تقو اللام على حذفها كما قويت على حذف التنوين.
وأما قول الفراء وأبي إسحاق الزيادي "إن الألف هي الإعراب" فهو أبعد الأقاويل من الصواب. قال أبو علي: يلزم من قال إن الألف هي الإعراب أن يكون الاسم متى حذفت منه الألف دالا من معنى التثنية على ما كان يدل عليه والألف فيه؛ لأنك لم تعرض لصيغة الاسم، وإنما حذفت إعرابه، فسبيل معناه أن يكون قبل(2/348)
الحذف وبعده واحدا، كما أن "زيدا" ونحوه متى حذفت إعرابه فمعناه الذي كان يدل عليه معربا باق فيه بعد سلب إعرابه. ويفسده أيضًا شيء آخر، وهو أن الألف لو كانت إعرابا لوجب أن تقلب الواو في "مذروان" ياء لأنها رابعة، وقد وقعت طرفًا، والألف بعدها إعراب كالضمة في "زيد" و"بكر"، وقد تقدم هذا ونحوه من باب "ثِنايَينِ" و"مَقتَوِينَ".
وقال أبو علي: سرق الزيادي هذا القول من لفظ سيبويه "إن الألف حرف الإعراب" قال: معناه عند الزيادي أن الألف هو الحرف الذي يعرب به، كما تقول "ضمة الإعراب" أي: الضمة التي يعرب بها.
ويدلك أيضًا على أن ألف التثنية ليست إعرابا ولا دليل إعراب، وجودك إياها في اسم العدد نحو: واحد اثنان، فكما أن جميع أسماء الأعداد مبنية لأنها كالأصوات نحو: ثلاثهْ، أربعهْ، خمسهْ، فكذلك "اثنان" لا إعراب فيه، ولو قال لك إنسان: اللفظ لي بالتثنية غير معربة لم تقل إلا "الزيدان" بالألف".
وكذلك أيضا أسماء الإشارة نحو هذان وهاتان، والأسماء الموصولة نحو اللذان واللتان، لا إعراب في شيء منها، وهي بالألف كما ترى.
وكذلك الألف في النداء إذا قلت "يا رجلان" ألا ترى أن الكلمة غير مرفوعة، وإنما هي في موضع المبني على الضم في نحو "يا رجل" لأن الاسم في التثنية معرفة كحاله قبل التثنية، ألا تراك تقول: يا رجلان الظريفان، كما تقول: يا رجلُ الظريفُ. وإنما فعلوا هذا في هذه الأشياء التي ليست معربة، وألحقوها أيضًا بعد الألف النونَ لئلا يختلف حال التثنية، فيكون مرة بالألف والنون، ومرة بلا ألف ولا نون، فجعلوها بلفظ واحد.
وقد تقدمت الدلالة في حرف النون على أن النون في نحو "هذان" و"اللذان" ليست بعوض من الحركة والتنوين، إذ موجب ترك الحركة والتنوين في الواحد موجود الآن في التثنية، وأنه إنما لحقت النون هنا لئلا يختلف الباب. وجميع ما ذكرناه في الألف من الخلاص واقع في واو الجمع نحو "الزيدون" و"العمرون". وإنما تركنا ذكر ذلك في حرف الواو لأنا كنا أجمعنا القول عليه في باب ألف التثنية.(2/349)
فإن سأل سائل فيما بعد، فقال: ما بالهم ثنوا بالألف، وجمعوا بالواو، وهلا عكسوا الأمر؟
فالجواب: أن التثنية أكثر من الجمع بالواو؛ ألا ترى أن جميع ما تجوز فيه التثنية من الأسماء فتثنيته صحيحة لأن لفظ واحدها موجود فيها، وإنما تزيد عليه حرف التثنية، وليس كل ما يجوز جمعه يجمع بالواو، ألا ترى أن عامة المؤنث وما لا يعقل لا يجمع بالواو، وإنما يجمع بغير الواو، إما بالألف والتاء، وإما مكسرا، على أن ما يجمع بالواو قد يجوز تكسيره نحو: زيد وزيود، وقيس وأقياس، وغير ذلك، فالتثنية إذن أصح من الجمع لأنها لا تخطئ لفظ الواحد أبدا، فلما ساغت فيمن يعقل وما لا يعقل، وفي المذكر والمؤنث، وكان الجمع الصحيح إنما هو لضرب واحد من الأسماء، وجعلوا الواو الثقيلة في الجمع القليل ليقل في كلامهم ما يستثقلون، ويكثر في كلامهم ما يستخفون، فاعرف ذلك.
قال أبو علي: لما كان الجمع أقوى من التثنية لأنه يقع على أعداد مختلفة، وكان لذلك أعم تصرفا من التثنية التي تقع لضرب واحد من العدد لا تتجاوزه، وهو اثنان، جعلوا الواو التي هي أقوى من الألف في الجمع الذي هو أقوى من التثنية.
وقد زيدت الألف علامة للتثنية والضمير في الفعل نحو: أخواك قاما، وعلامة للتثنية مجردة من الضمير نحو قول الشاعر1:
أُلفِيتا عَيناك عند القَفا ... أَولى فأَولى لك ذا واقِيهْ2
وقد ذكرنا هذه اللغة في حرف النون وحرف الواو. قد أخذت التثنية بحظ، على أن فيها شيئًا آخر سوى هذا.
واعلم أن الألف قد زيدت في أثناء الكلام على أنها ليست مصوغة في تلك الكلم، وإنما زيدت لِمعانٍ حدثت وأغراض أريدت، وهي في تقدير الانفكاك
__________
1 هو عمرو بن ملقط كما في النوادر "ص268" والعيني "2/ 458".
2 الشاهد فيه "ألفيتا" حيث زيدت الألف علامة التثنية والضمير في الفعل.
إعرابه: فعل مضارع مبني للمجهول، والتاء للتأنيث، والألف: فاعل مبني في محل رفع.(2/350)
والانفصال، فمن ذلك أن العرب قد أشبعت بها الفتحة، يقولون: بينا زيد قائم أقبل عمرو، وإنما هي "بين" زيدت الألف في آخرها إشباعا للفتحة.
ومن أبيات الكتاب1:
بَينا نحن نرقُبُه أتانا ... مُعلّقَ وَفْضَةٍ وزنادَ راعِ2
وقال الهذلي3:
بينا تَعَنُّقِهِ الكُماة ورَوغِهِ ... يوما أُتيحَ له جريء سَلفَعُ4
أي: بين، وهو كثير.
ومن ذلك فيما حدثنا به أبو علي قولهم: جئْ به من حيث ولَيْسا، أي: وليسَ، فأشبعت فتحة السين إما لبيان الحركة في الوقف، وإما كما ألحقت "بينا" في الوصل.
وأنشدنا أبو علي لابن هرمة يرثي ابنه5:
فأنت من الغوائل حيث تُرمَى ... ومن ذَم الرجال بمُنتَزَاحِ6
أي: بمُنتَزَح.
وأنشدنا أيضًا لعنترة7:
يَنباعُ من ذِفرَى غَضُوبٍ جَسْرةٍ ... زَيّافةٍ مثلِ الفَنيقِ المُكدَمِ8
وقال: أراد يَنبَعُ.
__________
1 تقدم تخريجه.
2 الشاهد فيه "بينا" يريد "بين" وقد زيدت الألف إشباعا للفتحة.
3 تقدم تخريجه.
4 الشاهد فيه "بينا" حيث زيدت الألف لإشباع الفتحة وتقديره "بين".
5 تقدم تخريجه.
6 الشاهد فيه "بمنتزاح" حيث زيدت الألف إشباعا للفتحة وتقديره "بمنتزح".
7 تقدم تخريجه.
8 والشاهد فيه "ينباع" حيث زيدت الألف لإشباع الفتحة وتقديره "ينبع".(2/351)
وروينا عن قطرب1:
عَضِضتَ بأَيْرٍ من أبيك وخالكا ... وعضَّ بنو العَمار بالسُّكر الرطْب2
أشبع فتحة الكاف، فحدثت بعدها ألف.
ونحو من ذلك قولهم في الوقف عند التذكر "قالا" أي: قال زيد، ونحوه، فجعلوا الاستطالة بالألف دليلا على أن الكلام ناقص.
وكذلك تقول "أينا" أي: أين أنت؟ فتتذكر "أنت".
وقد زادوها أيضًا عند التذكر بعد الألف، فقالوا: "الزيدان ذهباْاْ" إذا نووا "ذهبا أمس" أو نحوه مما يصحبه من الكلام، وتقول على هذا "زيد رَمَاْاْ" أي: رمى عمرا، ونحوه، فتزيد في التذكر على الألف ألفا، وتمده.
كما زيدت الألف إشباعا فقد حذفت اختصارا، من ذلك قصر الممدود نحو قوله3:
..................... ... وتَبَوَّا بمكَّةٍ بطحاها4
أي: بطحاءها.
ومن الصحيح ما رويناه عن قطرب5:
ألا لا بارك الله في سُهيل ... إذا ما الله بارك في الرجال6
__________
1 لم أقف عليه.
2 عضضت: تمسكت. اللسان "7/ 188".
السكر: كل مسكر يغيب العقل.
ويعني أنه تمسك بفعل وخصال أهلي وتمسك بنو عمار بكل مسكر من الخمر.
والشاهد فيه "خالكا" حيث أشبع فتحة الكاف فجاء بعدها ألفا.
3 هو العرجى كما في الأغاني "1/ 372".
4 الشاهد فيه "بطحاها" حيث حذفت الألف اختصارا، فقصر المدود وأصله "بطحاءها".
5 البيت في الخصائص "3/ 134" والمحتسب "1/ 181".
6 سهيل: اسم رجل. لسان العرب "11/ 350" مادة/ سهل.
الشاهد فيه "سهيل" حيث حذفت الألف اختصارا فتقديره "سهيلاء".(2/352)
وقال الآخر1:
أقبَلَ سيلٌ جاء من عند الله ... يَحرِدُ حَردَ الجنة المُغِلّة2
وعلى هذا بيت الكتاب3:
أوالِفًا مكّة من وُرْق الحَمِي4
أراد: الحَمام، فحذف الألف، وأبدل الميم ياء، هذا أحسن ما قيل فيه5.
ومن ذلك لحاقها في الوقف لبيان الحركة كما تبين الحركة بالهاء، وذلك قولهم في الوصل "أنَ فعلتُ" فإذا وقفت قلت "أنا". وكذلك "حيهلا".
ومن ذلك لحاقها فصلا بين النونات في نحو قولك للنساء: اضربنانِّ يا نسوة، واشتمنانِّ بكرا، وأصل هذا أن تدخل نون التوكيد وهي مشددة على نون جماعة المؤنث فتجتمع ثلاث نونات، فكان يلزم أن يقال: "اضربنَنَّ زيدا" فكرهوا اجتماعهن، ففصلوا بينهن بالألف. ومن كلام أبي مهدية "اخسأنانِّ عني"6.
ودار بيني وبين المتنبي في قوله7:
................................. ... وقلنا للسيوف: هَلُمُّنّا8
__________
1 نسب هذا الرجز لقطرب في الكامل "1/ 53"، وذكره صاحب اللسان في مادة "حرد" "3/ 145" دون أن ينسبه.
2 الحرد: الإسراع في السير.
المغلة: التي لها غلة. اللسان "11/ 504" مادة/ غلل.
المعنى: أن السيل جاء بالخير من عند الله يسرع بغلاته الوفيرة.
3 البيت للعجاج، وهو في ديوانه "ص295"، والكتاب "1/ 5628".
4 الشاهد فيه "الحمي" حيث حذفت الألف وأبدلت الميم ياء يريد "الحمام".
5 انظر/ المسائل العسكريات "ص27" والعيني "3/ 557-558".
6 اخسأنان عني: قال الأصمعي: يعني الشياطين. لسان العرب "1/ 65" مادة/ خسأ.
7 هذه قطعة من بيت في ديوانه "4/ 166" وهو من قصيدة يمدح فيها سيف الدولة.
والبيت بتمامه
قصدنا له قصد الحبيب لقاؤه
إلينا، وقلنا للسيوف: هلمنا
8 الشاهد فيه "هلمنا" القياس أن نقول "هلممنان" حيث أكد الفعل بالنون ثم فصل بين النون بالألف.(2/353)
كلام فيه طول، وأنكرت ضم الميم هنا من طريق القياس إلى أن قال لي: فكيف كان ينبغي أن يكون إذا أكدته هنا بالنون؟ فقلت: كان قياسه أن تقول: هَلْمُمْنانِّ. فقال: هذا طويل. فقلت: هذا جواب مسألتك، فأما طوله وقصره فشيء غير ما نحن فيه.
ومن ذلك أن تدخل فاصلة بين الهمزتين المحققتين استكراها لاجتماعهما محققتين، قال ذو الرمة1:
آأنْ ترسّمْتَ من خرقاءَ منزلةً ... ماءُ الصبابة من عينيك مَسجُومُ2
وقال الآخر3:
تَطَاللتُ، فاستشرفتُهُ، فرأيتُهُ ... فقلت له: آأنت زيدُ الأراقِمِ4
وقرأت على أبي علي في كتاب الهمز عن أبي زيد5:
حُزُقٌّ إذا ما القوم أبدَوا فُكاهةً ... تَفَكَّرَ آإياه يَعنُون أم قِرْدا6
وقرأ بعضهم: "آئِذَا"7 و"آئِنَا"8 [الرعد: 2,3] و"آأنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ" [المائدة: 116] 9.
__________
1 تقدم تخريجه.
2 الشاهد فيه "آأن" حيث جاءت الألف فاصلة بين الهمزتين.
3 نسب البيت في اللسان "حرف الهمزة" "1/ 11" إلى ذي الرمة.
4 الشاهد فيه "آأنت ... " حيث فصل بين الهمزتين بزيادة الألف.
5 البيت ليس في مطبوعة كتاب الهمز، وقد نسب في شرح شواهد شرح الشافية "ص349، 350" لجامع بن عمرو بن مرخبة الكلبي، ونسب في اللسان "حزق" "10/ 47" لرجل من بني كلاب وهو بغير نسب في شرح المفصل "9/ 118".
6 الحزق: السيئ الخلق البخيل، وقيل: القصير. لسان العرب "10/ 47" مادة/ حزق.
والشاهد فيه "آأياه ... " حيث فصل بين الهمزتين بألف.
7 "آئذا": القراءة بهمزتين محققتين.
8 "آتنا": بينهما مدة مروية عن ابن عامر. السبعة "ص357-358".
وقرأ بها عبد الله بن أبي إسحاق "اللسان حرف همزة" "1/ 11" وهذه لغة ناس من العرب وهم أهل التحقيق. الكتاب "3/ 549".
9 "آأنت قلت للناس": الشاهد فيه "آأنت" حيث فصل بين الهمزتين بألف.(2/354)
وقال ذو الرمة أيضا1:
هيا ظَبيةَ الوَعساءِ بين جلاجِل ... وبين النَّقا آأنتِ أَم أُمُّ سالِم؟ 2
أراد: أأنت، فثقل عليه تحقيق الهمزتين، ففصل بينهما بالألف، وكذلك الباقي.
ومن ذلك الألف التي تلحق أواخر الأسماء الموصولة وأسماء الإشارة إذا حُقرت عوضًا من ضمة أول الحرف، وذلك قولهم في "ذا": "ذيا" وفي "تا": "تيا" وفي "ذاك": "ذياك" وفي "ذلك": "ذيالك" وفي "الذي": "اللذيا" وفي "التي": "اللتيا" وفي "هؤلاء" مقصورا: "هؤليا" وفي "أولاء" ممدودات: "ألياء". وهذه مسألة اعترضت ههنا، ونحن نوضحها.
اعلم أن "أولاءِ" وزنه إذا مثل "فُعال" كغُراب، وكان حكمه إذا حقرته على مثال تحقير الأسماء المتمكنة أن تقول: هذا أُليِّئٌ، ورأيت أُليِّئًا، ومررت بأُليِّئٍ، فلما صار تقديره "أُليِّئٌ" أرادوا أن يزيدوا في آخره الألف التي تكون عوضًا من ضمة أوله، كما قالوا في "ذا": "ذيا" وفي "تا": "تيا"، فلو فعلوا ذلك لوجب أن يقولوا "أليئا" فيصير بعد التحقير مقصورا، وقد كان قبل التحقير ممدوا، فأرادوا أن يقروه بعد التحقير على ما كان عليه قبل التحقير من مده، فزادوا الألف قبل الهمزة، فالألف الآن التي قبل الهمزة في "أُليّاء" ليست بتلك التي كانت قبلها في "أُولاءِ"، وإنما هذه في "أُليّاء" هي الألف التي كان سبيلها أن تلحق آخرا، فقدمت كما ذكرنا. وأما ألف "أولاء" فقد قلبت ياء كما تقلب ألف "غلام" إذا قلت "غليم" وهي الياء الثانية في "أُليّاء" والياء الأولى هي ياء التحقير.
فإن قلت: فإن الألف إنما تلحق آخرا في تحقير هذه الأسماء، لأنها جعلت عوضًا من ضمة أوائلها، وأنت في "أُليّاء" قد ضممت أول الاسم، فلم جئت بالألف في آخره؟
__________
1 ديوانه "ص767"، والكتاب "2/ 168"، ومعاني القرآن للأخفش "ص30".
2 الوعساء وجلاجل: موضعان.
النقا: الكثيب من الرمل.
والشاهد فيه "آأنت" فثقل تحقيق الهمزتين ففصل بينهما بالألف.(2/355)
فالجواب: أن ضمة أول "أُلَيّاء" ليست مجتلبة للتحقير بمنزلة ضمة كاف "كُتَيب" وحاء "حُسَيب"، وإنما هي الضمة التي كانت موجودة في التكبير في قولك "أُولاءِ"، يدلك على صحة ذلك تركهم أول ما هو مثله في الإشارة واستحقاق البناء بحاله غير مضموم، وذلك قولك: "ذيا" و"تيا" ألا ترى أن الذال والتاء مفتوحتان كما كانتا قبل التحقير في "ذا" و"تا" فكذلك ضمة همزة "أُلياء" هي ضمة الهمزة في "أُولاءِ"، فلما كان أول الكلمة باقيا بحاله غير مجتلبة له ضمة التحقير عُوّض الألف من آخره، فأما ضمة عين "غُرَيب" و"غُلَيم" فضمة التحقير لا الضمة التي كانت في "غُراب" و"غُلام".
ألا تراك تقول "كِتاب" و"غَزال" فتجد الأولين مفتوحًا ومكسورا، فإذا حقرت ضممت، فقلت "كُتيب" , "غُزيل" فقد بان ذلك. وكذلك ضمة قاف "قُفَيل" إنما هي ضمة التحقير، وليست بضمة القاف من "قُفل". يدلك على ذلك ضمك ما أوله مفتوح أو مكسور، وهو "كَعب" و"حِلس"1 إذا قلت "كُعَيب" و"حُلَيس" فالضمتان وإن اتفقتا في اللفظ فإنهما مختلفتان في المعنى، وغير منكَر أن يتفق اللفظان من أصلين مختلفين؛ ألا ترى أن مَن رخّم "منصورا" في قول من قال "يا حارِ" قال "يا مَنصُ" فبقى الصاد مضمومة كما بقى الراء مكسورة، ومن قال "يا حار" فاجتلب للنداء ضمة قال أيضا: "يا منصُ"، فحذف ضمة الصاد كما حذف كسرة الراء، واجتلب للصاد ضمة النداء كما اجتلب للراء ضمة النداء، إلا أن لفظ "يامَنصُ" في الوجهين واحد، والمعنيان متباينان.
وكذلك قول سيبويه2 في "الفُلْك" إذا جُمع على "فُلْك" فضمة الفاء من الواحد بمنزلة ضمة باء "بُرْد" وخاء "خُرْج"3، وضمةُ الفاء من الجمع بمنزلة ضمة حاء "حُمر" وصاد "صُفر" جمع "أحمر" و"أصفر"، وهذا أوسع من أن أتحجره، ولكنني قد رسمت طريقه وأمثلته.
ومن ذلك لحاقها للندبة نحو "واغلاماه" و"وازيداه" و"واأمير المؤمنيناه".
__________
1 حلس: كل ما ولي ظهر الدابة تحت الرحل، والقتب، والسرج. اللسان "6/ 54" مادة/ حلس.
2 الكتاب "2/ 181".
3 خرج: وعاء من شعر أو جلد ذو عدلين، يوضع على ظهر الدابة لوضع الأمتعة فيه.(2/356)
ومن ذلك زيادة ألف للإطلاق في نحو1:
أَقِلّي اللوم عاذلَ والعِتابا ... ............................2
و3:
يا دارَ عَمْرَة من مُحْتلّها الجَرَعا ... ...................................4
وقد ذكرنا ذلك بما فيه في هذا الكتاب وغيره.
ونحو منه لحاقها في أواخر الآي نحو {الظُّنُونَا} [الأحزاب: 10] و {السَّبِيلا} [الأحزاب: 67] و {قَوَارِيرَا} [الإنسان: 15] وقد ذكرناه أيضًا.
ومن ذلك زيادتها بعد هاء الضمير علامة للتأنيث، وذلك نحو: "رأيتها" و"مررت بها" فالاسم هو الهاء، وأما الألف فزيدت علمًا للتأنيث.
ومن حذف الواو في نحو قوله5:
له زَجَل كأنه صوت حادٍ ... إذا طَلَب الوَسيقة أو زَمِيرُ6
وقول الآخر7:
فظَلتُ لدى البيت العتيق أُخيلُهُ ... ومِطوايَ مُشتاقانِ لَهْ أَرِقانِ8
__________
1 تقدم تخريجه.
1 الشاهد فيه "العتابا" حيث زيدت الألف للإطلاق.
3 تقدم تخريجه.
4 الشاهد فيه "الجرعا" حيث زيدت الألف للإطلاق.
5 البيت للشماخ يصف حمار الوحش وهو في ديوانه "ص155".
6 الزجل: رفع الصوت الطرب.
الوسيقة: من الإبل والحمير: كالرفقة من الناس.
الزمير: صوت المزمار. لسان العرب "4/ 327" مادة/ زمر.
7 البيت من قصيدة ليعلى الأحولي الأزدي. الخزانة "1/ 401-405".
وقال البغدادي في الخزانة "1/ 405": قال الشيباني: "ويقال إنها لعمرو بن أبي عمارة الأزدي من بني خنيس، ويقال: إنها لجواس بن حيان من أزد عمان".
انظر المقتضب "1/ 39، 267".
8 الشاهد فيه "مشتاقان" حيث زيدت الألف فأصله "مشتقان".(2/357)
وقول الآخر رويناه عن قطرب1:
وأشربُ الماء ما بي نحوَهُ عَطَش ... إلا لأنّ عيونه سَيْل واديها2
وغير ذلك من هذه الأبيات، لم يقل في نحو "رأيتها" و"نظرت إليها" إلا بإثبات الألف، وذلك لخفة الألف وثقل الواو، إلا أنا قد روينا عن قطرب بيتا حذفت فيه هذه الألف تشبيها بالواو والياء لما بينهما من الشبه، وهو قوله3:
أعلَقْتُ بالذئب حَبلا ثم قلتُ له ... الحَق بأهلكَ، واسلم أيها الذيبُ4
إما تقودُ به شاةً فتأكُلُها ... أو أن تَبيعَه في بعض الأراكيب5
يريد: تبيعها، فحذف الألف، وهذا شاذ. ونحو منه بيت أنشدناه أبو علي عن أبي الحسن، وهو6:
فلستُ بمدرِك ما فات مني
بـ "لَهْفَ" ولا بـ "ليت" ولا لَوَ انّي7
يريد: بلَهفِى.
وقرأ بعضهم: "يَا أَبَتَ" [يوسف: 4] 8 بفتح التاء، يريد: يا أبتاه9.
__________
1 البيت في الخصائص "1/ 128، 138" والمحتسب "1/ 244".
2 يعني يرتوي مما به من عطش من عيون الماء السائلة في الوادي.
الشاهد فيه "واديها" حيث زيدت الألف بعد هاء الضمير للدلالة على التأنيث.
3 البيتان في أخبار أبي القاسم الزجاجي "ص152"، واللسان "ركب" "1/ 430".
4 الشاهد فيه "أيها" حيث زيدت الألف بعد الضمير للدلالة على التأنيث.
5 الشاهد فيه "تبيعه" يريد "تبيعها" حيث حذف الألف الدالة على التأنيث. وهذا شاذ لا يقاس عليه.
6 تقدم تخريجه، وقد أنشده أبو علي عن أبي الحسن في المسائل العسكريات "ص35".
7 يقول الشاعر أنه لا يتحسر على ما فات منه ولم يدركه بقوله: "يا ليت أو لو أني فعلت كذا لكان كذا". والشاهد فيه "لهف" يريد "لهفي".
8 "يَا أَبَتَ" هذه قراءة ابن عامر وحده في جميع القرآن، وقرأ بقية السبعة بكسر التاء. السبعة "ص344".
وقرأ بفتح التاء من غير السبعة الأعرج وأبو جعفر. البحر المحيط "6/ 193".
9 انظر المسائل البغداديات "ص505-506".(2/358)
وأنشد سيبويه1:
وقبيلٌ من لُكَيز شاهدٌ ... رَهطٌ مرجومٍ ورهطُ ابنِ المُعَل2
يريد: ابن المُعَلّى، فحذف الألف، على أن هذا شاذ قليل النظير. فهذه وجوه زيادة الألف في كلام العرب، فاعرفها.
واعلم أن الألف متى حركت انقلبت همزة، وذلك لضعفها عن تحمل الحركة، وقد ذكرنا ذلك في باب الهمزة في قولنا: "شَأَبّة" و"دَأَبّة" وفي القرآن "وَلَا الضَّأَلِّين" [الفاتحة: 7] و"لَا يُسأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إنْسٌ وَلَا جَأَْنّ"3 [الرحمن: 39] ونحو ذلك مما أثبتناه هناك.
__________
1 البيت للبيد وهو في ديوانه "ص199" والكتاب "2/ 291".
2 البيت سبق شرحه والتعليق عليه.
3 الشاهد فيه "جأَنّ" حيث حركت الألف فانقلبت همزة.(2/359)
باب الياء
مدخل
...
باب الياء:
اعلم أن الياء حرف مجهور، يكون في الكلام على ثلاثة أضرب: أصلا، وبدلا، وزائدا.
فإذا كانت أصلا وقعت فاء، وعينا، ولاما، فالفاء نحو "يُسر" و"يَعَر"1 والعين نحو "بَيت" و"سَارَ"، واللام نحو "ظَبي" و"رميت".
وقد يكون التضعيف في الياء كما يكون في سائر الحروف، من ذلك الفاء والعين، وهو قولهم في اسم مكان "يَينٌ"، وليس له في الأسماء نظير، وقالوا في الفعل "يَييتُ ياءً حسنة" أي: كتبت ياء، على أن ذلك شاذ.
ومن ذلك الفاء واللام، وقالوا "يَد" وأصلها "يَدْيٌ" بوزن "فَعْل"، يدلك على ذلك قولهم "أَيْد"، فهذا يدل على أن العين ساكنة، ويدل على أن اللام ياء قولهم "يَديتُ إليه يَدا"2، ولم يقولوا "يَدَوتُ".
ومن ذلك العين واللام، وهو أكثر من الاثنين الماضيين، وذلك قولهم: "حَيَيتُ" و"عُييتُ" و"الحيّة" من هذا أيضًا، عينها ياء، وليست واوًا كعين "لية"، يدل على ذلك ما حكاه سيبويه من قولهم في النسب إلى "حَية بن بهدلة": "حَيَوي"3، ولو كانت العين واو لقالوا "حَوَوي" كما تقول في النسب إلى "لَية": "لَوَوي".
فإن قلت: فهلا كانت "الحية" مما عينه واو استدلالا بقولهم "رجُل حَوّاء"4 لظهور الواو عينا في "حَوّاء"؟
__________
1 يعر: يعرت العنز أي صاحت. اللسان "5/ 301" مادة/ يعر.
2 يديت إليه يدا: وأيدتها: صنعتها. اللسان "15/ 422" مادة/ يدي.
3 الكتاب "2/ 72".
4 رجل حواء: يجمع الحيات. اللسان "14/ 208" مادة/ حوى.(2/361)
فالجواب: أن أبا على ذهب إلى أن "حَية" و"حَواء" كـ "سَبِط"1 و"سِبطَر" و"لؤلؤ" و"لأال"2 و"دَمِث"3 و"دِمَثر"4 و"دِلاص"5 و"دُلامِص" في قول أبي عثمان6، وأن هذه ألفاظ اقتربت أصولها، واتفقت معانيها، وكل واحد لفظه غير لفظ صاحبه، فكذلك "حية" مما عينه ولامه ياءان، و"حواء" مما عينه واو ولامه ياء، كما أن "لؤلؤا" رباعي "ولأال" ثلاثي، ولفظاهما مقتربان، ومعنياهما متفقان.
ونظير ذلك في العين قولهم: "جُبتُ جَيبَ القميص"7 فـ "جُبتُ" عينه واو، لأنه من جاب يجوب، و"الجَيبُ" عينه ياء، لقولهم في جمعه "جُيُوب" قال الله عز وجل: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِن} [النور: 31] 8.
وقال ابن الدمينة9:
ألا لا أُبالي ما أَجَنّت قلوبهم ... إذا نَصحت ممن أُحِب جُيُوب10
وإنما جعلنا "حواء" من باب ما عينه واو ولامه ياء، وإن كان يمكن لفظه أن يكون مما عينه ولامه واوان، من قِبَل أن هذا هو الأكثر في كلامهم.
ولم تأت الفاء والعين واللام كلها ياءات إلا في قولهم: يَيَّيتُ ياءً حسنةً، على أن فيه ضعفا من طريق الرواية.
__________
1 سبط: السبط من الرجال: الطويل.
2 لأال: بائع الؤلؤ.
3 دمث: المكان الدمث: لان وسهل. اللسان "2/ 149" مادة/ دمث.
4 نفس المعنى السابق مع اختلاف في الحروف.
5 دلاص: من الدروع اللينة والبراقة وملساء لينة.
6 المنصف "1/ 152".
7 جيب القميص: طوقه. القاموس المحيط "1/ 50" مادة/ جيب.
8 {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} : وليُلقين بغطاء الرأس على فتحة الصدر لستر شعورهن وأعناقهن. والشاهد: أن كلمة الجيب عينها ياء.
9 انظر ديوانه "ص114".
10 الشاعر لا يبالي بما يحدث لمن يرفض النصيحة، وقد استخدم أداة الاستفتاح "ألا" لجذب الانتباه.
والشاهد فيه كلمة "جيوب" حيث جاءت عين الكلمة ياء.(2/362)
وليس في كلامهم اسم في أوله ياء مكسورة إلا قولهم في اليَسار اسمِ اليد "يِسار" بكسر الياء، وقالوا "يَقظان ويِقاظ" و"يَعر ويِعَرة" للجَدي. وقالوا: "يَيأس ويِيئس": وإنما رُفض ذلك استثقالا للكسرة في الياء.(2/363)
إبدال الياء
مدخل
...
إبدال الياء:
قد أبدلت الياء من الألف، والواو، والهمزة، والهاء، والسين، والباء، والراء، والنون، واللام، والصاد، والضاد، والميم، والدال، والعين، والكاف، والتاء، والثاء، والجيم.
فأما إبدالها من الألف فقولهم في "حِملاق"1: "حُمَيليق" و"حَماليق"، وفي "مِفتاح": "مُفَيتيح" و"مَفَاتيح"، وفي "خَلخال"2: "خُلَيخيل" و"خَلاخيل". وكذلك الياء في "قِيْتال" و"ضِيْراب" إنما هي بدل من ألف "قاتلتُ" و"ضاربتُ".
فإن قلت: إن المصدر هو الأصل، والفعل هو الفرع، فكيف جعلت ما هو موجود في الأصل بدلا مما هو موجود في الفرع، وهل هذا إلا عكس ما يوجبه القياس؟
فالجواب: أن ذلك لا تعلق له بالأصل والفروع؛ ألا ترى أنهم أعلوا "عِدة" وهي المصدر لاعتلال "يَعِدُ" وهو الفعل، وأعلوا أيضًا "يقوم" لاعتلال "قام"، ومرتبة الحال والاستقبال جميعًا أن يكونا قبل الماضي، والعلة في هذا ونحوه أن المصدر وإن كان أصلا للفعل، فإن أمثلة الأفعال المختلفة في الماضي والحال والاستقبال والمصادر، تجرى مجرى المثال الواحد، حتى إنه إذا لزم بعضها شيء لزم جميعها، وحتى إنه إذا حصل في بعضها بعض التعويض صار كأن ذلك التعويض قد عم جميعها إذ كانت كلها كالمثال الواحد؛ ألا ترى أنهم لما حذفوا الهمزة من "أُكْرمُ" وبابه صار وجودها في "الإكرام" كالعوض من حذفها في "يكرم"، وكذلك أيضًا وجودها في
__________
1 حملاق: حملاق العين: ما يسوده الكحل من باطن أجفانها. اللسان "10/ 69" مادة/ حمق.
2 خلخال: حلية كالسوار تلبسها النساء في أرجلهن "ج" خلاخيل. اللسان "11/ 220".(2/363)
"أكرَمَ" و"أكرِمْ" يصير عوضًا من حذفها في "أُكرمُ، ونُكرم، وتُكرم، ويُكرم" فاعرف ذلك. وكذلك كل ألف انكسر ما قبلها، أو وقعت قبلها ياء التحقير نحو: "كُتيب" و"حُسيب".(2/364)
إبدال الياء من الواو:
كل واو سكنت غير مدغمة، وانكسر ما قبلها قلبت ياء، وذلك نحو "مِيقات" و"ميزان" و"ميعاد"، أصل ذلك "مِوقات" و"مِوزان" و"مِوعاد"، فلما سكنت الواو غير مدغمة، وانكسر ما قبلها ياء. فإن تحركت الواو، أو زالت الكسرة من قبلها، صحت، وذلك نحو "مُوَيزين" و"مَوازين" و"مُوَيقيت" و"مَواقيت"، ومن ذلك "حِوَل" و"عِوَض" و"طِوَل".
فأما قولهم: "ثِياب" و"حِياض" و"رِياض" فإنما قُلبت الواو ياء وإن كانت متحركة من قِبَل أنه اجتمعت خمسة أشياء: منها أن الكلمة جمع، والجمع أثقل من الواحد، ومنها أن واو الواحد منها ضعيفة ساكنة في "ثوب" و"حوض" و"روضة"، ومنها أن قبل الواو كسرة؛ لأن الأصل "ثِيواب" و"حِواض"، ومنها أن بعد الواو ألفا، والألف قريبة الشبة بالياء، ومنها أن اللام صحيحة، إنما هي باء وضاد، وإذا صحت اللام أمكن إعلال العين، ومتى لم تذكر هذه الأسباب كلها، وأخلت ببعضها، انكسر القول، ولم تجد هناك علة ألا ترى أن "طِوال" جمع، وقبل واوه كسرة، وبعد واوه ألف، ولامه صحيحة، ومع ذلك فعينه سالمة لما تحركت في الواحد الذي هو "طَوِيل"، فلما نقص بعض تلك الأوصاف لم يجب الإعلال. وكذلك "زَوج" و"زِوَجة" و"عَوْد"1 و"عِوَدة" قد اجتمع فيها سكون واو الواحدة والكسرة التي قبل الواو في الجمع وأنه جمع، ولامه صحيحة، إلا أنه لم تقع بعد عينه ألف، صحت الواو، فأما "ثِيَرة" فشاذ.
وقال أبو العباس2: إنما أعلوا "ثِيَرة" جمع "ثَور" هذا الحيوان للفرق بينه وبين "ثِوَرة" جمع "ثَور" وهو القطعة من الأَقِط.
__________
1 عود: البعير النحيفة أو المسنة. لسان العرب "3/ 321" مادة/ عود.
2 انظر/ المنصف "1/ 346-347".(2/364)
وكذلك "رِواءٌ"1 جمع "ريَان" و"طِواء" جمع "طَيان"2 هو مثال جمع، وقد انكسر ما قبل واوه، وبعدها ألف، والواو في واحده ساكنة بل معتلة؛ لأن الأصل "رَوْيان" و"طَوْيان" إلا أنه لما كانت لامه معتلة صُححت عينه، ولم تُعلل، فاعرف ما ذكرته، فإن أحدا من أصحابنا لم يحتط في بابه وذكر علته الموجبة لقلبه هذا الاحتياط، ولا قيّده هذا التقييد.
فأما "غازِية"3 و"مَحنِية"4 فأصلهما "غازِوة" و"مَحنِوة". وإنما قلبت الواو وإن كانت متحركة من قِبَل أنها وقعت لاما، فضعُفت، فقلبت، ولم تجر مجرى العين في الصحة للحركة نحو "عِوَض" و"حِوَل" و"طِوَل".
فأما "حِنذوة"5 فإنما صحت فيها الواو وإن كانت آخرا، من قبل أنهم لو قلبوها، فقالوا "حِنذية" لم يُعلم أأصلها "فِعلِوة" أم "فِعلِية"، ولجرت مجرى "حِذرِية"6 و"هِبرِية"7 و"عِفرِية"8.
قال أبو العباس "حُنذُوة" أيضًا، بضم الحاء والذال: شعبة من الجبل.
فإن كانت الواو مدغمة لم تقلب الأولى منهما وإن انكسر ما قبلها لتحصنها بالإدغام، وقد ذكرنا ذلك في فصل "اجلِواذّ" من حرف الواو، وقول بعضهم "اجلِيواذ". ونظير "اجليواذ" قولهم "ديوان" لأن أصله "دِوّان" ومثاله "فِعّال" والنون فيه لام لقولهم "دَوَّنْتُه" و"دَواوين" و"دُوَيْوين".
ولم تقلب الواو في "ديوان" وإن كانت قبلها ياء ساكنة من قبل أن الياء غير لازمة، وإنما أبدلت من الواو تخفيفًا؛ ألا تراهم قالوا "دواوين" فما زالت الكسرة من قبل الواو، على أن بعضهم قد قال "دَياوين" فأقر الياء محلها وإن كانت الكسرة
__________
1 رواء: جمع ريان، يقال روى النبت: تنعم فهو ريان. القاموس المحيط "4/ 337".
2 طيان: صانع الطين. لسان العرب "13/ 270" مادة/ طين.
3 غازية: قلبت الواو ياء، لأن أصلها "غازوة"، والغزية تأنيث الغازي. اللسان "15/ 124".
4 محنية: منعرجة حيث ينعطف. اللسان "14/ 204" مادة/ حنا.
5 حنذوة: الشعبة من الجبل. اللسان "3/ 352" مادة/ حذر.
6 حذرية: الأرض الخشنة والغليظة. اللسان "4/ 176" مادة/ حذر.
7 هبرية: ما طار من الريش ونحوه.
8 عفرية: الخبيث المنكر الداهية.(2/365)
قد زالت من قبلها، وأجرى غير اللازم مجرى اللازم وقد كان سبيله إذا أجراها مجرى الياء اللازمة أن يقول "دِيان" إلا أنه كره تضعيف الياء كما كره الأول تكرير الواو.
قال الشاعر1:
عَداني أن أزورَكِ أُم عمرو ... دَياوينٌ تُشَقَّقُ بالمِداد2
واعلم أن الواو متى وقعت قبلها الياء ساكنة قلبت الواو ياء وكذلك إن وقعت الواو ساكنة قبل الياء، فالأول نحو "سَيد" و"مَيت" والثاني نحو "لَية" و"طَية". وقد ذكرنا هذا كله مستقصى في حرف الواو، وذكرنا هناك "َضْيَون" و"رَجاء بن حَيْوة".
فأما قولهم في "فُعِلَ" من "فاعَلتُ" و"فَيعَلْتُ" و"فَوْعَلتُ" من "سِرْتُ" و"بِعْت": "سُوْيِرَ" و"بُوْيِع" فلم تقلب فيه الواو ياء لأن الواو ليست بلازمة في "فَاعلتُ"، وأجروا "فَيعلْتُ" و"فَوعَلْتُ" مجرى "فاعلتُ"، ولو أدغموا فقالوا "بُيِّعَ" و"سُيِّرَ" التبس أيضًا بـ "فُعِّل".
وقد أبدلت الياء من الواو إذا كانت لام "فُعلَى" وذلك نحو "العُليا" و"الدنيا" و"القُصيا"، وقالوا "القُصوى" فأخرجوها على أصلها، فأما "حُزْوَى"3 فعلم، ولا ينكر في الأعلام كثير من التغيير نحو "حَيْوة" و"مَزْيَد" و"مَحْبَب"، وقد ذكرنا هذا قديما في هذا الكتاب. ونظير القُصوى في الشذوذ قولهم: خذ الحُلوَى وأعطه المُرَّى.
واعلم أنهم قد أبدلوا الياء من الواو إذا وقعت الكسرة قبل الواو وإن تراخت عنها بحرف ساكن، لأن الساكن لضعفه ليس حاجزا حصينا، فلم يعتد فاصلا، فصارت الكسرة كأنها قد باشرت الواو، ولا يقاس ذلك، وذلك قولهم "صبية" و"صبيان"
__________
1 انظر/ الخصائص، والمنصف "2/ 32".
2 ذكره صاحب اللسان دون أن ينسبه. مادة "دون" "13/ 166" ولكن بدل "تشقق"، "تنفق" والشاعر يعتذر عن عدم زيارة أم عمرو لما يشغله من كتابة الدواوين.
الشاهد فيه "دياوين" حيث قلبت الواو ياء وأصله "دواوين".
3 حزوى: اسم مكان. لسان العرب "14/ 176" مادة/ حزا.(2/366)
والأصل "صِبْوَة" و"صِبْوان" لأنه من صَبَوتُ صَبْوًا، فقلبت الواو لكسرة الصاد، ولم تفصل الباء بينهما لضعفها بالسكون، وقد قالوا أيضًا "صِبْوان" فأخرجوها على أصلها، وقالوا أيضًا "صُبْوان" وهو نحو من "صِبْوان"، فأما قول بعضهم "صُبيان" بضم الصاد وبالياء ففيه من النظر أنه ضم الصاد بعد أن قلب الواو ياء في لغة من كسر الصاد، فقال "صِبيان" فلما قلبت الواو ياء للكسرة، وضُمت الصاد بعد ذلك أُقرت الياء بحالها التي كانت عليها في لغة من كسر.
ومن ذلك قولهم "قِنْية"1، هو من "قَنَوتُ" هكذا يقول أصحابنا، وقد روي أيضًا "قُنْية" و"قِنوة" و"قُنوة" وقالوا أيضًا "قَنَوْتُ" و"قَنَيْتُ". فمن قال "قَنَيتُ" فلا نظر في "قِنية" و"قُنية" في قوله، ومن قال "َقَنوتُ" فإن كان ممن يقول "قُنية" فالكلام في إبدال الواو ياء في قوله هو الكلام في قول من قال "صُبيان".
وقال الراجز2:
بعُنُق أسطَعَ في جِرانِهِ ... كالجِذع مال البسر من قُنيانِهِ
والوحد "قِنْو"، والقول فيه القولُ في "صُبيان" بضم الصاد.
ومثله "عَليّ" و"عِلية" وأصله "عِلوة" لأنه من عَلَوت. فقالوا: فلان قِدْية في الخير، يريدون: قِدوة. ومثله: ناقة بِلوُ سَفَر، وبِليُ سَفَر، وهما من "بَلَوت". وقالوا: ناقة عِليانة3، وهي من "عَلَوت". وقالوا: أرض عِذْيٌ4، وطعام عِذْي، وقالوا في جمع "عَذاة": "عَذَوات" بالواو. ومن كلام بعضهم في صفة أرض: قد حفّتها الفَلَوات، وبعجتها العَذَوات5. وقالوا: "حِذْية"6 وهي من "حَذَوتُ".
__________
1 قنية: القنية، الكِسبة. لسان العرب "15/ 201" مادة/ قنا.
2 الجران: باطن العنق، وقيل: مقدم العنق من مذبح البعير إلى منحره. اللسان "13/ 86".
3 ناقة عليانة: طويلة جسيمة. لسان العرب "15/ 92" مادة/ علا.
4 عذي: أرض عذي: طيبة الثرى كريمة المنبت، وقيل الزرع الذي لا يسقيه إلا ماء المطر.
5 بعجتها العذوات: توسطتها. لسان العرب "2/ 2515" مادة/ بعج.
6 حذية: الحذية من اللحم ما قطع طولا، وقيل: هي القطعة الصغيرة، وقال الأصمعي: أعطيته حذية من لحم وحذة وفلذة، كل هذا إذا قطع طولا. اللسان "14/ 171" مادة/ حذا.(2/367)
ومتى صارت الواو رابعة فصاعدا قلبت ياء، وذلك نحو: أَغزيَتُ، واستغزيت، وتقصّيْتُ، وادَّعيتُ، ومَغزَيان، ومَلهَيان، ومُسْتغزيان، وقد تقدمت علة ذلك.
وقال بعضهم في "يَوْجَل"1: "يَيْجل"، وفي "يَوْحَل" "يَيْحَلُ"، وقالوا أيضًا: "يِيجل" و"يِيحل"، كل ذلك هربا من الواو.
__________
1 يوجل: وجل يوجل خاف وفزع. لسان العرب "11/ 722" مادة/ وجل.(2/368)
إبدال الياء من الهمزة:
اعلم أن كل همزة سكنت وانكسر ما قبلها وأردت تخفيفها قلبتها ياء خالصة، تقول في "ذئب": "ذيب" وفي "بئر": "بير" وفي "مئرة": "ميرة". وكذلك إذا انفتحت وانكسر ما قبلها، تقول في "مِئر": "مِيَر" وفي يريد أن يقرئك: يريد أن يقريك، وفي "بِئار": "بِيار" كقول القائل1
ألم ترنا غَبَّنا ماؤنا ... سِنينَ، فظَلْنا نَكُدّ البِيارا2
وكذلك إن وقعت الهمزة بعد ياء "فَعيل" ونحوه مما زيدت فيه لِمَد، أو بعد ياء التحقير، فتخفيفها أن تخلصها ياء، وذلك قولك في "خطيئة": "خطية" وفي "نبيء": "نبى" وفي "أُفَيْئس" تصغير أَفْؤُس: "أُفَيّس"، وفي تخفيف "أُرَيئس" تحقير "أَرؤُس": "أُرَيِّس"، ولا تحرك واحدة من هاتين الياءين البتة؛ لأن حرف المد متى تحرك فارق المد، ولأن ياء التحقير أخت ألف التكسير، فكما أن الألف لا تحرك، كذلك أجروا الياء هنا إذ كانت فيه رسيلتها، على أن بعضهم قد قال في تخفيف "خطيئة": "خَطِيَة" فحرك الياء بحركة الهمزة، وهذا من الشذوذ في القياس والاستعمال جميعًا بحيث لا يلتفت إليه.
__________
1 لم أقف على قائل البيت.
2 إن الماء قد بعدت ولم تنل من الآبار إلا بشق الأنفس.
وقد استخدم الشاعر أسلوب الاستفهام لجذب الانتباه.
والشاهد فيه كلمة "بيار" حيث قلبت الهمزة ياء تخفيفًا.(2/368)
ومتى اجتمعت همزتان وانكسرت الأولى منهما قلبت الثانية ياء البتة، وكان البدل لازما، وذلك قولك: إيمان، وإيلاف1، وإيناس، وأصله: إئمان، وإئلاف، وإئناس، فقلبت الثانية ياء البتة لانكسار ما قبلها، ولم يجز التحقيق لاجتماع الهمزتين، فقس على هذا.
وقد أبدلوا الهمزة ياء لغير علة إلا طلبا للتخفيف، وذلك قولهم في "قرأت": "قريت" وفي "بدأت": "بديت" وفي "توضأت": "توضيت".
وعلى هذا قال زهير2:
جريء متى يُظلَم يُعَاقب بظُلمِهِ ... سريعا، وإلا يُبْدَ بالظلم يَظلِمِ3
أراد يُبدأ، فأبدل الهمزة، وأخرج الكلمة إلى ذوات الياء.
ومن أبيات الكتاب4:
وكنتَ أذلَّ من وَتَد بقاعٍ ... يُشَجِّج رأسه بالفِهر واجي5
يريد: واجئ، فأبدل الهمزة ياء، وأجراها مجرى الياء الأصلية. والدليل على ذلك أنه جعلها وصلا لحركة الجيم؛ ألا ترى أن البيت جيمي، ولو كانت الهمزة منوية عنده لم يجز أن تكون الياء وصلا كما لا يجوز أن تكون الهمزة المرادة المنوية وصلا.
__________
1 وإيلاف: من يؤلفون أي يهيئون ويجهزون. اللسان "9/ 10" مادة/ ألف.
2 البيت من معلقة زهير. انظر ديوانه "ص24".
3 جريء: مقدم من قوم أجرئاء بهمزتين، عن اللحياني. اللسان "1/ 44" مادة/ جرأ.
يقول: وهو شجاع متى ظلم عاقب الظالم بظلمه سريعا وإن لم يظلمه أحد ظلم الناس إظهارا لحسن بلائه، والبيت من صفة أسد في البيت الذي قبله وعني به حصينا ثم أضرب عن قصته، ورجع إلى تقبيح صورة الحرب والحث على الصلح.
والشاهد فيه "يبد" فأصلها "يبدأ" حيث قلبت الهمزة ياء للتخفيف. وحذفت بجزم مقدر، وتقديره "وإلا إن يبد بالظلم يظلم".
4 البيت لعبد الرحمن بن ثابت من قصيدة هجاء. انظر/ الكتاب "2/ 170".
5 الفهر: حجر ناعم صلب يسحق به الصيدلي الأدوية.
الواجي: دق عنقه. اللسان "1/ 190" مادة/ وجأ
والشاهد فيه "واجي" حيث أبدل الهمزة ياء وأصلها "واجئ" وأجراها مجرى الياء الأصلية.(2/369)
وحدثنا أبو علي1، قال: قال أبو العباس: لقي أبو زيد سيبويه، فقال له: سمعت من العرب من يقول "قَرَيتُ" و"توضيت"، فقال له سيبويه: كيف يقول منه يَفعَل؟ فقال: "أَقرأُ". فقال سيبويه: لا، ينبغي أن يقول: "أَقْري".
يريد سيبويه بذلك أن هذا الإبدال لا قوة له، ولا قياس يوجبه، ولو كان على القياس لوجب أن تخرج الكلمة إلى ذوات الياء، فيقول: "أَقْري" كما تقول: "رميت أرمي"؛ ألا ترى أن البدل لما وجب في "جاء" ونحوه جرى لذلك مجرى "قاضٍ" فاعرفه.
ونحو من هذا قول ابن هَرمة2:
إن السباع لَتَهدى عن فَرائسها ... والناسُ ليس بهادٍ شَرهم أَبَدا3
يريد: ليس بهادئ، فأبدل الهمزة ياء ضرورة، وجميع هذا لا يقاس إلا أن يضطر شاعر. وقالوا في "أعْصُرَ" -اسم رجل- "يَعْصُرُ" فالياء بدل من الهمزة، قال أبو علي: إنما سمي أعصر بقوله4:
أبُنَيَّ إن أباك شَيَّبَ رأسَهُ ... كرُّ الليالي واختلافُ الأعصُرِ5
__________
1 انظر الحجة "2/ 96" مخطوط.
2 البيت في شعره "ص97" ولم يذكره صاحب اللسان.
3 يقول إن السباع لا تهدأ عن فرائسها كما أن الناس لا يهدأ شرهم أبدا.
والشاهد فيه "لتهدى" حيث أبدل الهمزة ياء للضرورة وأصلها "يهادئ" وهذا مما لا يقاس عليه.
4 هو أعصر بن مسعد بن قيس عيلان، والبيت في طبقات فحول الشعراء.
وقد أطلق عليه "أعصر" بعد إنشاد هذا البيت. انظر طبقات فحول الشعراء لابن سلام الجمحي.
وذكره صاحب اللسان بتحريف بسيط في قوله:
ابني إن أباك غير لونه ... كر الليالى واختلاف الأعصر
مادة "عصر" "4/ 581".
5 الكر: الرجوع. اللسان "5/ 135" مادة/ كرر.
والأعصر "ج" عصر، وهو الدهر وتجمع على "عصور".
والشاعر يحدث ابنه بأن الأيام والليالي المتوالية قد شيبت شعر رأسه.
والشاهد فيه "أعصر" حيث أطلق اسم الدهر لقبا على الشاعر ولم تبدل الهمزة ياء.(2/370)
إبدال الياء من الهاء:
قالوا: دَهدَيتُ الحجر، أي: دَحرجتُهُ، وأصله: دَهدَهْتُهُ، ألا تراهم قالوا: هي دُهْدوهة الجعل لما يُدَحْرجه، قال أبو النجم1:
كأنّ صوتَ جَرْعها المُستَعجل ... جَنْدَلَة دَهْدَيتُها في جَنْدَلِ2
وقالوا في صَهْصَهتُ بالرجل إذا قلت له صَهْ صَهْ: صَهْصَيْتُ، فأبدلوا من الهاء ياء.
__________
1 البيتان من أرجوزته المذكورة في الطرائف الأدبية "ص65".
2 جرعها: شربها في عجلة. اللسان "8/ 46".
الجندل: الحجارة.
والشاعر يصور صوت شرب الماء بصوت حجر دحرجه فاصطدم بحجر آخر، واستخدم أسلوب التشبيه لتوضيح المعنى.
والشاهد فيه: "دهيتها" حيث أبدلت الهاء ياء فأصلها "دهدهتها".(2/371)
إبدال الياء من السين:
قال الشاعر1:
إذا ما عُدَّ أربعةٌ فِسالٌ ... فزوجُكِ خامسٌ، وأبوكِ سَادي2
أي: سادس. وقال الآخر3:
__________
1 نسب البيت في جمهرة اللغة "2/ 196" إلى امرئ القيس، ذكره صاحب اللسان دون أن ينسبه في مادة "س د ا" "14/ 377".
2 الفسل من الرجال: اللئيم الرذل الذي لا مروءة له ولا جلد. اللسان "11/ 519" مادة/ فسل.
والبيت جاء في غرض الهجاء.
والشاهد فيه "سادي" حيث أبدلت السين ياء فأصلها "سادس". اللسان "14/ 377".
إعرابه: خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة.
3 البيت لرجل كانت امرأة تقارعه ويقارعها أيهما يموت قبل وكان تزوج نساء قبلها فمتن وتزوجت هي أزواجا قبله فماتوا، فقال:
ومن قبلها أهلكت بالشؤم أربعا ... وخامسة أعتدها من نسائيا
وهو في شرح شواهد الشافية "ص447" وتهذيب الألفاظ "ص590"، واللسان "8/ 99".(2/371)
نُوازِل أَعوام أذاعتْ بخمسةٍ ... وتعتدّني إن لم يتق الله ساديا1
أي: سادسا، وقال الآخر2:
عمرو وكعب وعبد الله بينهما ... وابناهما خمسة، والحارثُ السادي
وقال الآخر4:
مضى ثلاثُ سنينَ منذُ حُلّ بها ... وعامُ حُلّتْ، وهذا التابعُ الخامي5
أي: الخامس.
__________
1 نوازل: الشدائد تنزل بالقوم.
أذاعت بخمسة: أذهبته وطمست معالمه.
الشاهد فيه قوله "ساديا" فأصلها سادس وأبدلت السين ياء.
2 البيت ينسب لامرأة تبكي قتلى قومها بني حارس الذين قتلوا في وقعة مع بني عامر.
انظر شرح شواهد الشافية "ص448".
3 تعدد الشاعرة قتلى قومها الذين أصيبوا في الحرب.
والشاهد في البيت "السادي" حيث أبدلت السين ياء فأصلها "السادس".
إعرابه: صفة مرفوعة بضم مقدر.
4 نسبه صاحب اللسان لقطبة بن أوس. مادة "خمس" "6/ 76".
5 يقول مر ثلاث سنوات منذ أن نزل بهذا المكان وتابعه عام آخر وهذا العام الخامس.
والشاهد فيه "الخامي" حيث أبدلت السين ياء فأصلها "الخامس".
إعرابه: صفه مرفوعة بضم مقدر.(2/372)
إبدال الياء من الباء:
أنشد سيبويه1:
لها أشاريرُ من لحْمٍ تُتَمِّرُهُ ... من الثعالي، ووخزٌ من أرانيها2
__________
1 البيت ينسب لأبي كاهل اليشكري. ذكره صاحب اللسان مادة "شرر" "4/ 401".
2 الأشارير: جمع إشرارة وهي قطعة اللحم تجفف لادخارها. اللسان "4/ 401".
الوخز: كالنخس يكون من الطعن الخفيف الضعيف. اللسان "5/ 428" مادة/ وخز.
والشاعر يصف امرأة تدعى "عقاب" حيث تجفف اللحم من الثعالب والأرانب لوقت الحاجة إليه.
والشاهد فيه "ثعالي- أرانيها" حيث أبدلت الياء من الباء والأصل "ثعالب- أرانبها".
إعرابه: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة المقدرة.(2/372)
قال1: "أراد: الثعالب والأرانب، فلم يمكنه أن يقف على الباء، فأبدل منها حرفا يمكن أن يقفه في موضع الجر، وهو الياء"، قال: "وليس ذلك أنه حذف من الكلمة شيئًا، ثم عوض منه الياء".
ويحتمل عندي أن تكون "الثعالي" جمع "ثعالة" وهو الثعلب، وأراد أن يقول "ثعائل" فقلب، فقال: "ثعالي" كما قال2:
وكأنّ أُولاها كِعابُ مُقامرٍ ... ضُربِتْ على شُزُن فهنّ شَواعي3
أراد: شوائع.
ومن أبيات الكتاب4:
تَكاد أَواليها تَفَرّى جُلودُها ... ويكتحل التالي بمُور وحاصِبِ5
يريد: أوائلها، وله نظائر، إلا أن الذي ذهب إليه سيبويه أشبه لقوله: "أرانيها"، ولأن "ثعالة" اسم جنس، وجمع أسماء الأجناس ضعيف.
وقالوا: "ديباج" و"دباببيج"، فدل قولهم: "دبابيج" بالباء على أن أصله "دِبّاج" وأنه إنما أبدل الباء ياء استثقالا لتضعيف الباء.
__________
1 أي سيبويه. انظر/ الكتاب "1/ 344".
2 هو الأجدع بن مالك الهمذاني، ذكره صاحب اللسان في مادة "شعا".
وشطر البيت الأول:
كأن صرعيها كعاب مقامر
3 الشزن: الحرف أو الجانب.
الشواعي: المتفرقة "م" شاعية.
والشاعر يصف الخيل وهي تغير على مواقع العدو.
والشاهد فيه "شواعي" فأصله شوائع.
إعرابه: خبر مرفوع وعلامة رفعه الضم المقدر.
4 ذكر البيت صاحب اللسان مادة "وأل" ونسبه إلى يعقوب بإنشاده لذي الرمة "11/ 716".
5 المور: الاضطراب في أي شيء.
الحاصب: ريح شديدة تحمل التراب والحصباء.
تفري: تفرق أو تشقق. اللسان "5/ 152" مادة/ فري.
والشاعر يصف شدة الرياح فأوائلها تكاد تشق الجلود، وعندما تهدأ تحمل الأتربة التي تكتحل بها العيون.
والشاهد فيه: أواليها حيث أبدلت الهمزة ياء.(2/373)
وأخبرنا أبو علي1 أن أبا العباس أحمد بن يحيى حكى عنهم: لا وَرَبْيِكَ لا أفعل، أراد: لا وربك لا أفعل، فأبدل الباء الثانية ياء لأجل التضعيف.
وقال بعضهم2 في لَبَّيتُ بالحج: إنما هو لَبَّبْتُ: فَعَّلْتُ من قولهم: أَلَبَّ بالمكان؛ أي أقام به، قرأت3 على أبي علي للمُضَرب بن كعب:
فقلت لها: فِيئي إليك فإنني ... حَرامٌ، وإني بعد ذاكِ لَبِيب4
أي: مُلَب بالحج5.
قال ابن السكيت: "وقوله: بعد ذاك، أي: مع ذاك"6.
فأما حقيقة "لَبَّيْتُ" عند أهل الصنعة فليس أصل يائه باء وإنما الياء في "لبيت" هي الياء في قولهم "لبيك وسعديك" اشتقوا من الصوت فعلا، فجمعوه من حروفه، كما قالوا من "سبحان الله": "سبحلت"، ومن "لا إله إلا الله": "هللت"، ومن "لا حول ولا قوة إلا بالله": "حولقت"، ومن بسم الله": "بسملت"، ومن "هلم"- وهو مركب من "ها" و"لم" عندنا7، ومن "هل" و"أم" عند البغداذين8- "هلممت"9.
وكتب إلي أبو علي في شيء سألته عنه، قال بعضهم: سألتك حاجة فلا لَيتَ لي، أي: قلت لي: لا، وسألتك حاجة فلَوْلَيتَ لي، أي: قلتَ لي: لولا. قال: وقالوا: بَأْبَأَ الصبيُّ أباه، أي: قال له: بابا.
__________
1 حكى ذلك في المسائل العسكريات "ص27".
2 بعضهم: هو الخليل كما في اللسان "لبب" "2/ 227".
3 قرأه في كتاب الإبدال لابن السكيت "ص133".
4 البيت ذكره صاحب الجمهرة "2/ 142"، وكذا في الإبدال لابن السكيت "ص133".
والشاهد في قوله "بعد ذلك" أي "مع ذلك".
5 ملب بالحج: قال أبو عبيدة: "ورجل ملب" وإنما هو من ألببت، أي، قد أقمت بالمكان.
6 كتاب الإبدال "ص133".
7 يعني البصريين. الكتاب "2/ 158".
8 هم الكوفيون كما في شرح الكافية الشافية "ص1391" وممن قال به منهم الفراء.
9 هلممت: هلممت بالرجل: قلت له هلم.(2/374)
وحكي لنا عن الأصمعي أو أبي زيد1 أنهم يقولون: "رجل وَيْلَمَة" للداهية، فاشتقوا وصفا من قولهم "وَيْلُمِّهِ" وأصله "ويل لأمه" وهذا كثير.
وكذلك أيضًا اشتقوا "لبَّيتُ" من لفظ "لبَّيْكَ" فجاءوا في "لبيتُ" بالياء التي هي للتثنية في "لبَّيكَ"، وهذا على قول سيبويه2، فأما يونس3 فزعم أن "لبيك" اسم مفرد، وأصله عنده "لَبّبٌ" ووزنه "فَعْلَل" ولا يجوز أن تحمله على "فَعَّلٍ" لقلة "فعل" في الكلام وكثرة "فَعْلَل" فقلبت الباء التي هي اللام الثانية من "لبَّبٍ" ياء هربا من التضعيف، فصار "لبَّيٌ" ثم أبدلت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فصارت "لبَّي" ثم إنها لما وُصلت بالكاف في "لبيك" والهاء في "لبيه" نحو ما أنشدناه أبو علي4:
إنك لو دعوتني ودُوني ... زَوراء ذاتُ مَنزَعٍ بَيُونٍ
لقلتُ: لبَّيْه لمن يدعوني5
قُلبت الألف ياء كما قُلبت في "إلى" و"على" و"لدى" إذا وصلتها بالضمير، فقلت: إليك، وعليك، ولديك. ووجه الشبه بينهما أن "لبيك" اسم ليس له تصرف غيره من الأسماء لأنه لا يكون إلا منصوبًا، ولا يكون إلا مضافًا، فقلبوا ألفه ياء، فقالوا "لبيك" كما قالوا "عليك" و"إليك" و"لديك".
__________
1 حكاها أبو زيد في النوادر "ص583".
2 الكتاب "1/ 175، 176".
3 الكتاب "1/ 176".
4 ذكره صاحب اللسان في مادة "لبب" "1/ 731" دون أن ينسبه، وذكره ابن عقيل "2/ 52".
5 زوراء: الأرض بعيدة الأطراف.
منزع: هو الموضع الذي يصعد فيه الدلو إذا نزع من البئر.
بيون: البئر الواسعة الضيقة الأسفل. اللسان "13/ 64" مادة / بين.
يقول: إنك لو ناديتني وبيننا أرض بعيدة الأطراف، واسعة الأرجاء، ذات ماء بعيد الغور لأجبتك إجابة بعد إجابة.
والشاهد فيه "لبيه" حيث أضاف لبى إلى ضمير الغائب. وهذا شاذ.
انظر/ شرح ابن عقيل "2/ 53".(2/375)
ونظير هذا "كلا" و"كلتا" في قلبهم ألفها ياء متى اتصلت بضمير وكانت في موضع نصب أو جر، نحو: ضربت الرجلين كليهما، ولم يقلبوا الألف في موضع الرفع ياء فيقولوا: قام الرجلان كليهما، ولا قامت المرأتان كلتيهما؛ لأنهما بعُدا برفعهما عن شبه "إليك" و"عليك" و"لديك" إذ كن لا حظ لهن في الرفع.
واحتج سيبويه على يونس، فقال1: لو كانت ياء لبيك بمنزلة ياء عليك وإليك ولديك لوجب متى أضفتَها إلى المظهر أن تُقرها ألفا، كما أنك متى أضفت "عليك" وأختيها إلى المظهر أقررت ألفها بحالها، ولكنت تقول على هذا: لبَّى زيد، ولبَّى جعفر، كما تقول: إلى زيد، وعلى جعفر، ولدى سعيد.
وأنشد قول الشاعر2:
دعوتُ لِما نَابني مِسْوَرا ... فلبَّى فلَبَّيْ يَدَيْ مِسوَرِ3
قال4: فقوله "فلَبَّيْ" بالياء مع إضافته إياه إلى المظهر دلالة على أنه اسم مُثنى بمنزلة: غلامَيْ زيد، وصاحبَيْ سعيد.
وهذا شرح المذهبين وبسطهما ومعاني قول سيبويه ويونس فيهما، وإن لم يكن لفظهما فإنه غرضهما.
ثم إن أبا علي فيما بعد انتزع لنا شيئًا يؤنّس به قول يونس، ولم يقطع به، وإنما ذكره تعللا، وهو أنه قال: ليونس أن يحتج فيقول: قوله "فلَبَّيْ يَدَيْ" إنما جاء على قول من قال في الوصف: هذه أفعَيْ عظيمة، وهذه عَصَيْ طويلة، أي: أفعى، وعصا، وقد حكى سيبويه5 أنهم يقولون ذلك في الوصل كما يقولونه في الوقف،
__________
1 الكتاب "1/ 176".
2 ذكره صاحب اللسان في مادة "لبب" "1/ 732" ونسبه إلى الأسدي وهو بغير نسبة في الكتاب.
3 لبي: أجاب.
والشاعر يدعو الله دائما عندما ينتابه ضائقة فيجاب إلى دعائه.
والشاهد فيه: استخدام لفظ "لبَّي" بالياء مع إضافة الياء إليه.
4 يعني سيبويه. الكتاب "1/ 176".
5 الكتاب "2/ 287"، وهي لغة طيئ كما في الكتاب، وإبدالها ياء في الوقف فقط لغة لفزارة وناس من قيس، وهي قليلة.(2/376)
وهذا ليس عذرا مقنعا، وإنما فيه بعض التأنيس، والقول بعدُ قولُ سيبويه. فقول من قال: إن لبَّيتُ بالحج من قولنا: "أَلَبَّ بالمكان" إلى قول يونس أقرب منه إلى قول سيبويه، ألا ترى أن الياء في "لبيك" عند يونس إنما هي إبدال من الألف المبدلة من الياء المبدلة من الباء الثالثة في "لبَّبَ" على تقدير قول يونس، وهذا كله منتزع من قول سيبويه والخليل: إن لبيك من قولهم ألَبَّ بالمكان1، إلا أنهما لم يزعما أن الياء في "لبيك" بدل من باء، وإنما الياء عندهم علم على التثنية، وإن وزن "لبيك" على قولهما "فَعْلَيْكَ" كما أن "سعديك" كذلك لا محالة، ووزنه عند يونس "فَعْلَلْكَ"، والياء فيه بدل من اللام الثانية، فاعرف هذه المسألة، فإنها من لطيف ما في هذا الكتاب، وإن أعان الله على شرحه وتفسيره سُقت جميعه من التقصي والتنظيف على هذه الطريق، وعلى ما هو ألطف وأدق بإذن الله.
__________
1 الكتاب "1/ 176-177".(2/377)
إبدال الياء من الراء:
وذلك قول بعضهم: "شِيراز"1 و"شَرَاريز" حكاها أبو الحسن، فأصل "شيراز" على هذا "شِرَّاز" فأبدلت الراء الأولى ياء.
ومثله قولهم: "قيراط" و"قراريط" وأصله "قِرّاط" والعلة واحدة.
فأما من قال في "شِيراز": "شَواريز" فإنه جعل الياء فيه مبدلة من واو، وكان أصله على هذا "شِوْراز"، فلما سكنت الواو وانكسر ما قبلها قلبت ياء، ثم إنه لما زالت الكسرة في الجمع رجعت الواو، فقالوا: "شَوَاريز".
فإن قلت: فإن بناء "فِوْعال" ليس موجودا في الكلام، فمن أين حملت واحد "شَوَاريز" عليه؟
فالجواب: أن ذلك إنما رُفض في الواحد لأجل وقوع الواو ساكنة بعد الكسرة، فلم يمكن إظهارها، فلما لم يصلوا إلى إظهار الواو في الواحد لِما ذكرناه، وكانوا يريدونها أظهروها في الجمع ليدُلوا على ما أرادوه في الواحد، وليُعلموا أنها لم تُزَد في
__________
1 شيراز: اللبن الرائب المستخرج ماؤه. القاموس المحيط "2/ 178" مادة/ شرز.(2/377)
الواحد ياء في أول أحوالها، وأنها ليست كـ "دِيماس"1 و"دَياميس" ولا كـ "دِيباج" و"دَيابيج" فيمن نطق بالياء بعد الدال، ويشبه أن يكون سيبويه إنما لم يذكر في الآحاد مثال "فِوْعال" لما لم يجده مُظهرا مصححا، فهذا جواب.
ويحتمل عندي قولهم: "شَوَاريز" قولا آخر على غير هذا المذهب الأول وهو أن يكون "شِيراز" "فِيعالا" والياء في غير مبدلة من راء ولا واو بمنزلة "دِيماس"، وكان قياسه على هذا أن يقولوا في تكسيره "شَيَاريز" كـ "دَياميس"، ولكنهم أبدلوا من الياء واوًا لضرب من التوسع في اللغة، وذلك أن الواو في هذا المثال المكسَّر أعم تصرفا من الياء؛ ألا ترى إلى كثرة ضوارب، وقواتل، وخواتم، وطوابق، وحواطيم، وجواريف2، وسوابيط3، وحوانيت4، ودواليب، وقلة صيارف، وبياطر، وجيائل- جمع جَيْأل، وهي الضبع- فلما ألفت الواو في هذه الأمثلة المكسرة، وكانت أعم تصرفا من الياء قلبت الياء أيضًا في "شياريز" واوًا في "شواريز" كما قلبت الواو أيضًا في نحو هذا من مكسر الأمثلة ياء لضرب من الاتساع في الكلام، فقالوا في جمع "ناطل"- وهو المكيال الصغير الذي يُري فيه الخَمّار شرابَه- "نَيَاطِل"، ولم يقولوا "نَوَاطل" مثل "خواتم" و"دوانق". قال لبيد5:
....... ........ ... تكُرُّ عليهم بالمزاج النياطِلُ6
وقد يجوز أيضًا على هذا أن يكون أصل واحده "شِرّاز" إلا أنهم أبدلوا من الراء الأولى ياء كما ذكرنا، ثم إنهم لما جمعوا أبدلوا الياء المبدلة من الراء واوًا لقرب ما بين الياء والواو، والقول الذي قبل هذا أشبه.
__________
1 الديماس: الكن، والسرب المظلم، والحَمّام. اللسان "2/ 26" مادة/ دمس.
2 جواريف: جمع جاروف، يقال: سيل جاروف أي: يجرف ما مر به من كثرته.
3 سوابيط: جمع ساباط، وهو سقيفة بن حائطتين تحتها ممر نافذ. اللسان "7/ 311" مادة/ سبط
4 حوانيت: جمع "حانوت" وهو معروف. اللسان "2/ 26" مادة حنت.
5 صدر البيت:
عتيق سلافات سبتها سفينة
وهو في رثاء النعمان. ديوانه "ص258". سباها: حملها من بلد إلى بلد.
6 تم شرحه والتعليق عليه.(2/378)
وذكر أبو الحسن في هذه المسألة في كتابه في التصريف ما أذكره لك لتعجب منه، قال: "وأما شيراز فإنه في وزن "فِعْلال" وهو من بنات الأربعة نحو "سِرداح"1 والياء في "شِيراز" واو، يدلك على ذلك قولهم "شَوَاريز"، ومن قال من العرب "شَرَاريز" كان "شِيراز" عنده بمنزلة "قِيراط" والذي أنكرته من هذا قوله "إن شِيرازا" من بنات الأربعة نحو سِرداح". وليست تخلو الياء في "شِيراز" إذا كانت بدلا من أن تكون بدلا من راء في قول من قال "شَرَاريز" أو من واو في قول من قال "شَوَاريز" علي ما ذكره هو، وذهب إليه.
وعلى كلا القولين لا يجوز أن يكون رباعيا؛ لأنه إن كان في الأصل "شِرَّازًا" فوزنه "فِعَّال"، وإن كان "شِوْرازا" فوزنه "فِوْعال" و"وشِرَّاز" ثلاثي بلا خلاف؛ لأنه من باب "صِنّارة"2 و"خِنّابة"3 و"فِوْعال" ثلاثي أيضًا؛ لأن الواو لا تكون أصلا في ذوات الأربعة إلا في التضعيف نحو "الوصوصة"4 و"الوزوزة"5 و"الوحوحة"6 وباب "قَوْقَيْتُ" و"ضَوْضيتُ" و"زَوزَيْتُ"7؛ لأنه في الأصل "قَوقوتُ" و"ضَوْضَوْتُ" و"زَوْزَوْتُ" و"فِوْعال" ليس مضعفا فتجعل واوه أصلا.
فأما "وَرَنْتَل"8 فحرف شاذ، ولو أمكننا أن نقضي بزيادة الواو فيه لضاق العذر عن تولي ذلك، ولكن كونها أولا يمنع من القضاء بزيادتها.
وهذا الذي حكيته لك عن أبي الحسن موجود في نسخ كتابه في التصريف، وهكذا قرأته على أبي علي، ووجدته أيضًا في نسخة أخرى مقروءة عليه، وفي نسخة أخرى كان يستجيدها، ويصف صحتها، وكذلك كانت، وكان يقول: هذا مصحف جيد، يثني بذلك على النسخة, وقد كثر التخليط في كتابه هذا، وزيد فيه ما ليس من قول أبي الحسن، وألحق بمتونه، فصار كأنه من الكتاب.
__________
1 سرداح: الناقة الطويلة.
2 صنارة: الحديدة التي في رأس المغزل.
3 الخنابة: حرف المنخر. اللسان "1/ 366" مادة/ خنب.
4 الوصوصة: إدناء المرأة نقابها إلى عينها. اللسان "7/ 105" مادة/ وصص.
5 الوزوزة: الخفة والطيش. اللسان "5/ 428".
6 الوحوحة: صوت مع بحح.
7 زوزيت: نصب ظهره وأسرع في عدوه.
8 ورنتل: الشر والأمر العظيم.(2/379)
وقد شك أبو بكر محمد بن السري -رحمه الله- في شيء من كلامه في هذا الكتاب في فصل "آوَّتاه". وأخلق ما يصرف إليه كلام أبي الحسن في قوله: "إنه رباعي نحو سرداح" أن يقال: إنه أراد أن "فِوْعال" ملحق بالواو بذوات الأربعة نحو "سِرداح"، فترك لفظ الإلحاق للعلم به إذ قد ثبت في الأصول أن الواو لا تكون في هذا النحو أصلا، على أن في هذا التمحل بُعدا وضعفا.
فإن قال قائل: ما تنكر أن يكون أبو الحسن في هذا على صواب، وأن تكون الكلمة رباعية وإن كانت فيها الواو منفردة غير مضعفة، كما كانت الواو في "ورنتل" أصلا وإن لم تكن مضعفة، ولكنها لما وقعت أولا لم يسُغ القضاء بزيادتها، فتكون أيضًا الواو في "شِوْراز" لما وقعت ساكنة بعد كسرة، ولم يمكن تصحيحها، قضي بكونها أصلا لأنا لا نعلم واوًا استؤنفت في أول أحوالها مفردة زائدة ساكنة بعد كسرة، فأما "اجْلِوّاذ" و"اخْرِوَّاط" فالواو فيه مضعفة غير منفردة.
فالجواب: أن واو "وَرَنْتَل" وقعت موقعا لا يمكن معه القضاء بكونها زائدة، لأنا لا نعلم واوًا زيدت أولا، وقد ذكرنا العلة في امتناع العرب من ذلك في حرف الواو. فأما واو "شِوراز" المقدرة قبل القلب فهي على كل حال ثانية ساكنة في موضع الواو من "كَوثَر" و"حَوقَل"1 و"تَوْراب"2 و"طُومار"3 و"قَوْصَرّة"4 و"خَوْزَلَى"5 و"حَوْفَزَان"6 و"تُوْرُور"7 لأنه "فُوْعُول" من الترارة8، كذا قال أبو علي، وهو الصواب. فواو "شِوْراز" المقدرة على كل حال في الموضع الذي تزاد فيه الواو، فلا مانع من الحكم بزيادتها.
__________
1 حوقل: إذا كبُر وفتر عن الجماع. والمُسن المتعب. اللسان "11/ 161".
2 توراب: التراب. اللسان "1/ 227" مادة/ ترب.
3 طومار: الصحيفة. اللسان "4/ 503" مادة/ طمر.
4 قوصرة: وعاء من قصب يرفع فيه التمر من البواري، وينسب إلى الخليفة علي- عليه السلام.
5 خوزلي: مشية فيها تثاقل وتبختر. اللسان "11/ 203" مادة/ خزل.
6 حوفزان: اسم رجل، وقيل: هو اسم الحرث بن شريك الشيباني. اللسان "5/ 337".
7 تورور: مخفف من التؤرور وهو العون يكون مع السلطان بلا رزق. اللسان "4/ 88".
الترارة: السِّمَن، والبضاضة، وهو اللمتلئ. اللسان "4/ 90" مادة/ ترر(2/380)
فأما الدلالة على كون الياء في "شيراز" بدلا من الواو في "شِوْراز" وأن الياء فيه ليست بمنزلة ياء "دِيماس" فظهورها في الجمع إذ قالوا "شواريز"، فأما ما شبّه السائل بذكره، وطلب التلبيس به في سؤاله من أنه لا يعرف واوًا زائدة مفردة استؤنفت في أول أحوالها بعد كسرة، فلا معتبر بقوله من قِبَل أنه إذا قامت الدلالة على صحة قضية لم يلزم إيراد النظير لها وإن كان في النظير بعض الأنس، ألا ترى أن "كُدْتُ أكاد" لا نظير له، وقد دلت الدلالة على كونه "فَعُلَ يفعَلُ". وكذلك قولهم: ماء سُخاخينٌ1: فُعاعِيل وإن لم نجد له نظيرا في الكلام.
وكذلك إنْقَحْلٌ: إنْفَعْلٌ عند سيبويه2 وإن لم يكن له نظير عنده، وهذا واسع. فكذلك قولهم إن الواو في "شيراز" زائدة وإن لم نجد لها نظيرا استؤنفت هكذا.
ويؤكد ذلك عندك قول بعضهم "شَراريز" فهذه دلالة قاطعة على زيادة الواو في "شواريز"، وجرت "شراريز" مجرى "صنانير"3 و"خنانيب"4 كما دلت الألف في "شُرابث"5 و"جُرافس"6 على زيادة النون في "شَرَنْبَث" و"جَرَنْفَس"، ومع هذا فقد أجمعوا على أن "عَباديد" و"شَعاليل" يجوز أن يكون واحدها "فُعلولا" كأنه "عُبدود" و"شُعلول" وإن لم تنطق العرب بواحد ذلك، وإن كان ذلك كذلك فالياء في "عباديد"7 و"شعاليل"8 جائز أن تكون منقلبة عن واو "فُعلول" فكأنه قبل القلب "شَعالِوْل" و"عَبَادِوْد" فانقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، فصارت "عباديد" و"شعاليل"؛ أفلا ترى أن الياء في "عباديد" و"شعاليل" منقلبة عن واو زائدة منفردة مستأنفة مكسور ما قبلها، فأما الواحد منها فلا اعتداد به لأنه أصل مرفوض لا يُنطَق به، فجرى لذلك مجرى ما ليس مقدرا،
__________
1 ماء سخاخين: ساخن. اللسان "13/ 205" مادة/ سخن.
2 الكتاب "2/ 317".
3 صنانير: السيئو الأدب وإن كانوا ذوي نباهة، ومفرده صنارة. اللسان "4/ 468".
4 خنانيب: جمع الخناب وهو الضخم الطويل من الرجال. اللسان "1/ 366".
5 شرابث: القبيح الشديد، الغليظ الكفين والرجلين. اللسان "2/ 160".
6 جرافس: الفخم الشديد من الرجال ومثله الجرنفس. اللسان "6/ 37" مادة/ جرفس.
7 عباديد: الفرق المتفرقة من الناس وغيرهم. اللسان "3/ 276" مادة/ عبد.
8 شعاليل: الفرق، مثل شعارير إذا تفرقوا. اللسان "11/ 355" مادة/ شعل.(2/381)
وإذا كان ما ينطق به في كثير من الكلام قد تصيّره إلى أن يجري مجرى ما قد سقط حكمه وصار غير معتد به، فما لا يظهر على وجه من الوجوه أولى بأن يلغى ولا يعتد به، وذلك قولك: زيد خلفك، فأصل هذا: زيد مستقر خلفك، فحذف اسم الفاعل للعلم به، وأقيم الظرف مقامه، وانتقل الضمير الذي كان في اسم الفاعل إلى الظرف، وصار موضع الظرف رفعا لأنه خبر المبتدأ، وألغي "مستقر" حتى صار لا حكم له ولا اعتداد به، وأنت مع هذا لو شئت لأظهرته، فقلت: زيد مستقر خلفك.
ويدلك على أن حكم "مستقر" ونحوه في نحو هذا قد سقط عندهم، وصارت معاملة اللفظ الآن إنما هي للظرف، امتناعهم من تقديم الحال على الظرف في نحو قولهم: زيد خلفك واقفا، فلو قلت: زيد واقفا خلفك لم يجز، فلولا أن نصب الحال الآن إنما وجب بالظرف لا باسم الفاعل المحذوف لكان يجوز تقديم الحال على الظرف بغير اسم الفاعل، كما كان يجوز تقديمها عليه مع اسم الفاعل في قولك: زيد واقفا في الدار مستقر، فـ "واقفا" الآن منصوب بمستقر لا بالظرف، ولذلك جاز تقديمه على الظرف، فكذلك إذا قلت: زيد خلفك واقفا، نصبت الحال بالظرف لا باسم الفاعل. فإذا كان حكم اسم الفاعل قد يبطل إذا أقمت الظرف مقامه مع أنه قد يجوز لك أن تلفظ معه باسم الفاعل وتجمع بينهما، فأن يكون ما لا ينطق به البتة غير مراد ولا معتد به -وهو واحد "شعاليل" و"عباديد"- أجدر. فهذا ما احتمله القول، واقتضاء النظر في قولنا "شيراز" و"شواريز" و"شراريز".
فأما قولهم "تسرَّبْتُ" فيكون أيضًا من باب إبدال الياء من الراء، وأصلها على هذا "تسَرَّرْتُ" لأنها من "السُّرِّيّة" و"السُّرِّيّة": "فُعلِيَّة" من السر، وذلك أن صاحبها أبدا ما يخفيها ويسر أمرها عن حرمته وصاحبة منزله. ومن كانت "سُرِّية" عنده "فُعِّيلة" مثل "مُرِّيقة" و"عُلِّية" فاستشقاقها عنده من سَراة الشيء، وهو أعلاه وأوله. ودفع أبو الحسن هذا القول، وقال: إن الموضع الذي تؤتي منه المرأة ليس أعلاها ولا سَراتها. والقول كما قال.
والذي ذهب إليه أبو الحسن فيها هو أنها "فُعْلِيّة" من السرور لأن صاحبها يُسَر بها. ولو قال قائل: إنها "فُعِّيلة" من سَرَيت. أي: سِرت ليلا، لأن في ذلك ضربا من الإخفاء والستر، لكان قولا، ولكن حملها على أنها "فُعْلِيّة" أوجه لأمرين:(2/382)
أحدهما: أن "فُعْلية" أكثر في الكلام من "فُعّيلة".
والآخر: أن معنى السر ههنا والسرور أظهر من معنى السَّراة والسُّرى.
وإذا كانت "سُرّية" من "السَّراة" فأصلها "سُرِّيوة" لأن السَّراة من الواو، لقول الفرزدق1:
وأصبح مُبْيضُّ الصقيع كأنه ... على سَرَوات البيت قُطن مُنَدَّفُ2
فلما اجتمعت الياء والواو، وسبقت الياء بالسكون قُلبت الواو ياء، وأدغمت الباء في الياء، فصارت "سُرِّيّة". وكذلك القول في "عُلّيَّة"، أصلها "عُلِّيْوة" لأنها من "عَلَوتُ" والقول فيها كالقول في "سُرِّيّة" إذا أُخذت من السَّراة.
__________
1 انظر ديوانه "ص559".
2 سبق شرحه والتعليق عليه.(2/383)
إبدال الياء من النون:
من ذلك قولهم "دينار" وأصله "دِنَّار"، والقول فيه كالقول في "قِيراط" لقولهم في التكسير "دَنانير" ولم يقولوا "دَيَانير". وكذلك التحقير، وهو "دُنَينير". وقالوا "إِيسان"، فأبدلوا نون "إنسان" ياء، قال1:
فيا ليتني من بعدما طاف أهلُها ... هلَكْتُ، ولم أسمع بها صوت إيسان2
البيت لعامر بن جورين. إلا أنهم قد قالوا في جمعه أيضًا "أياسيّ" بياء قبل الألف، فعلى هذا يجوز أن تكون الياء غير مبدلة، وجائز أيضًا أن يكون من البدل اللازم، نحو: عيد وأعياد وعُيَيْد، ونحو ميثاق ومياثيق، ومِيثَرَة ومياثير. وهذا هو الوجه عندي في "إيسان".
ومن ذلك قولهم "تظنّيت" وإنما هي "تفعّلت" من الظن، وأصلها "تَظَنْنتُ" فقلبت النون الثالثة ياء كراهية التضعيف.
__________
1 ذكره صاحب اللسان مادة "أنس" "6/ 13" ونسبه إلى عامر الطائي.
2 والشاعر يتمنى أن يهلك قبل أن يرى ديار محبوبته خالية ليس بها صوت إنسان.
والشاهد فيه: "إيسان" حيث أبدلت النون ياء.(2/383)
إبدال الياء من النون
...
وقرأت على أبي علي بإسناده عن أبي عبيدة "قال: سمعت أبا عمرو ابن العلاء يقول: {لم يَتَسنّ} [البقرة: 259] 1: لم يتغير، هو من قوله تعالى: {من حمأ مسنون} [الحجر: 26] أي: متغير. فقلت له: {لم يتسَنّ} من ذوات الياء، و {مسنون} من ذوات التضعيف، فقال: هو مثل "تظَنّيت" وهو من الظن". وأصله على هذا القول "لم يتَسَنَّن" ثم قُلبت النون الآخرة ياء هربا من التضعيف، فصار "يَتَسّنيُ" ثم أبدلت الياء ألفا، فصار "يتَسَنَّى" ثم حذفت الألف للجزم، فصار {لم يتَسَنَّ} .
وقالوا: "إنسان" و"أناسيّ" و"ظربان" و"ظرابيّ"، فالياء الثانية بدل من نون الواحد.
__________
1 {لم يتسن} : هذه قراءة حمزة والكسائي في الوصل فهما يحذفان الهاء وبقية السبعة يقرؤون {لم يتسنه} بإثبات الهاء في الوصل. انظر القراءات السبعة "ص189".(2/348)
إبدال الياء من اللام:
وهو في قولهم: أمليت الكتاب، إنما أصله "أمللْتُ" فأبدلت اللام الآخرة ياء هربا من التضعيف، وقد جاء القرآن باللغتين جميعًا، قال تعالى: {فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلَا} [الفرقان: 5] 1، وقال عز اسمه: {وَلْيُمْلِلِ الّذِي عَلَيْهِ الْحَق} [البقرة: 282] 2.
__________
1 {فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلَا} : الشاهد فيه "تملى" حيث أبدلت الياء من اللام تخفيفًا والأصل "تملل".
إعرابه: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضم المقدر.
2 {وَلْيُمْلِلِ الّذِي عَلَيْهِ الْحَق} : الشاهد فيه "ليملل" حيث جاء الفعل بإثبات اللام دون إبدال.
إعرابه: فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه السكون.(2/384)
إبدال الياء من الصاد:
أخبرنا أبو علي بإسناده عن يعقوب، قال: قال اللحياني: قصَّيْتُ أظفاري في معنى قصَّصْتُها، فهذا مثل "تظنّيت" أبدلت الصاد الثالثة ياء كراهية للتضعيف. وقد يجوز عندي أن يكون "قصَّيتُ": "فعَّلْتُ" من أقاصي الشيء؛ لأن أقاصيه أطرافُه، والمأخوذ من الأظافر إنما هو أطرافها وأقاصيها، فلا يكون في هذا بدل.(2/384)
إبدال الياء من الضاد:
خبرنا أبو علي، قال: "قال الأصمعي وأبو عبيدة في قول العجاج1:
تَقَضِّي البازي إذا البازي كَسَرْ2
هو "تَفَعّل" من الانقضاض، وأصله "تَقَضّض" فأُبدلت الضاد الآخرة ياء لما ذكرت لك"3
وقالوا: "تفَضَّيت من الفضة" وهو مثله. ويجوز أن يكون "تَقَضّي البازي": "تَفَعُّلًا" من "قَضَيت" أي: عملت، كقول أبي ذؤيب4:
وعليهما مَسْرودَتان قضاهما ... داودُ أو صَنَعُ السوابِغِ تُبَّعُ5
أي: عملهما. فيكون "تقَضّي البازي" أي: عمل البازي في طيرانه، والوجه هو الأول.
__________
1 انظر/ ديوانه "ص28".
2 تقضى: انقض على الفريسة. اللسان "15/ 189" مادة/ قضى.
كسر البازي: ضم جناحيه حتى يريد الوقوع، أو ينقض. اللسان "5/ 141" مادة/ كسر.
البازي: واحد البزاة التي تصيد، ضرب من الصقور. اللسان "14/ 72" مادة/ بزا.
والشاهد فيه: تقضى حيث أبدل الضاء ياء.
3 الحكاية في إبدال ابن السكييت "ص133-134"، ومجاز القرآن "2/ 300".
4 ذكره صاحب اللسان مادة "صنع" "8/ 209".
5 قضاهما: قضى الشيء قضاء: صنعه وقدره. اللسان "15/ 186" مادة/ قضى.
السوابغ: سبغ الشيء: طال وتم واتسع فهو سابغ. اللسان "8/ 432-433" مادة/ سبغ.
يعني: عليهما مسرودتين صنعتا بإتقان وكاملة مثلما كان يصنع داود عليه السلام الدروع بإتقان.
والشاهد فيه كلمة "قضاهما" حيث جاءت بمعنى عملهما.(2/385)
إبدال الياء من الميم:
خبرنا أبو علي بإسناده عن يعقوب1 عن ابن الأعرابي أنه أنشد:
نزور امرءا أمّا الإله فيتَّقِي ... وأما بفعل الصالحين فيأتمي2
قال ابن الأعرابي: أراد: يأتمُّ، فأبدل الميم الثانية ياء.
وقالوا في قول الراجز3:
بل لو رأيتَ الناسَ إذ تُكُمُّوا ... بغُمّة لو لم تُفَرَّج غُمُّوا4
قالوا: أراد: تكمموا، من كممت الشيء إذا سترته، فأبدل الميم الأخيرة ياء مثل "تظنَّيْتُ" فصار في التقدير "تُكُمِّيُوا"، فأسكنت الياء وحذفت، كما تقول: قد تولوا، وتعلوا من: وليت، وعلوت. وقد يحتمل هذا عندي وجها غير القلب، وهو أن يكون "تُكُمُّوا": "تُفُعِّلوا" من كَمَيتُ الشيءَ إذا سترتَه، ومن قولهم "كَمِيّ" لأنه هو الذي قد تَسَتّر في سلاحه، فيكون "تكُمُّوا" على هذا مما لامه مُعتلة، ولا يكون أصله من ذوات التضعيف.
وقال ابن الأعرابي في قول ذي الرمة5:
مُنَطِّقَة بالآي مُعْمَيَّة به ... دياجيرُها الوسطى وتبدو صدورُها6
__________
J
__________
1 كتاب الإبدال "ص135".
2 البيت لكثير عزة يمدح فيه عبد العزيز بن مروان. والبيت فيه دعوة إلى طاعة الإله وإلا فقضاء بفعل الصالحين، والشاهد فيه: "يأتمي" حيث أبدل الميم الثانية ياء فأصلها "يأتم".
3 هو العجاج، والبيتان مطلع أرجوزة يذكر فيها قتل مسعود بن عمر العتكي من الأزد.
انظر/ ديوانه "ص422"، واللسان "2/ 441" مادة/ غمم.
4 تكموا: ستروا.
الغمة: الكرب. اللسان "12/ 441" مادة/ غمم.
والمعنى أن الناس إذا ما ستروا ما يغمهم ولم تفرج عنهم وتزال سيظلوا هكذا.
والشاهد فيه "تكموا" أراد: تكمموا من كممت أو من كميت فأبدلت الميم ياء.
5 ليس في قصيدته التي على هذا الروي ومن هذا البحر ولم أقف عليه.
6 الديجور: الظلمة "ج" دياجير. اللسان "4/ 278" مادة/ دجر.
المعنى: أن هناك مناطق مليئة بعلامات الظلمة في أوساطها، وبدايتها مضيئة.
والشاهد فيه "معمية" حيث أبدلت الميم ياء فأصلها معممة.(2/386)
قال: أراد معممة، فأبدل من الميم ياء. ويجوز عندي أيضًا أن يكون من العَمَى، قال سيبويه: من قال في جمع "ديماس": "دماميس" فالياء فيه بدل من ميم "دِمّاس"1.
__________
1 الكتاب "2/ 127".(2/387)
إبدال الياء من الدال:
خبرنا أبو علي بإسناده عن يعقوب، قال1 "قال أبو عبيدة: التصدية: التصفيق والصوت، و"فَعَلْتُ" منه "صَدَدت أصِدُّ"، ومنه قوله تعالى: {إِذَا قَوْمكَ مِنْهُ يَصِدّون} [الزخرف: 57] أي: يعجّون ويضجون، فحول إحدى الدالين ياء". وأنكر أبو جعفر الرستمي هذا القول على أبي عبيدة، وقال: إنما هو من الصدى، وهو الصوت، فكيف يكون مضعفا.
وقال أبو علي: ليس ينبغي أن يقال: هذا خطأ؛ لأنه قد ثبت بقوله عز وجل: {يَصِدَون} وقوع هذه الكلمة على الصوت أو ضرب منه، وإذا كان ذلك كذلك لم يمتنع أن تكون {تَصْدِيَة} منه، فتكون تفعلة" من ذلك، وأصلها "تصددة" مثل "التحِلّة"2 و"التعِلّة"3، ألا ترى أن أصلهما "تحْلِلة" و"تعْلِلة"، فلما قلبت الدال الثانية من "تصْدِدة" تخفيفًا اختلف الحرفان، فبطل الإدغام.
__________
1 كتاب الإبدال "ص135"، وانظر قول أبي عبيدة هذا في مجاز القرآن "1/ 246".
2 التحلة: مصدر حلل اليمين، وهو أيضًا: ما كفر به. اللسان "11/ 167" مادة/ حلل.
3 التعلة: ما يتعلل به. اللسان "11/ 469" مادة/ علل.(2/387)
إبدال الياء من العين:
انشد سيبويه1:
ومَنْهَلٍ ليس له حَوَازِقُ ... ولِضفادي جَمِّه نَقانِق2
__________
1 لم نعثر عليه في اللسان، وذكره في الكتاب "1/ 344" ولم ينسبه.
2 المنهل: مكان الماء.
حوازق: الجماعات. اللسان "10/ 47" مادة/ حزق.
الجم: الكثير من كل شيء.
النقانق: أصوات الضفادع "م" نقنقة.
يعنى مكان الماء ليس له تجمعات، وبه ضفادع لهن أصوات.
الشاهد فيه: "لضفادي" يريد: ضفادع حيث قلبت العين ياء.(2/387)
يريد: ولضفادع جمّه، فكره أن يسكن العين في موضع الحركة، فأبدل منها حرفا يكون ساكنًا في حال الجر، وهو الياء.
وأخبرنا أبو علي بإسناده عن يعقوب، قال1: "قال ابن الأعرابي: تلعَّيتُ من اللُّعاعة"، واللُّعاعة: بقلة. وأصل "تلعَّيت": "تلعَّعْت" فأبدلوا من العين الآخرة ياء كما قالوا "تفضَّيْتُ" و"تظنَّيْتُ".
__________
1 الإبدال "ص135"، وفي إصلاح المنطق "ص302".(2/388)
إبدال الياء من الكاف:
حكى أبو زيد "مكوك ومكاكي"1 فالياء الثانية بدل من كاف، وأصلها "مكاكيك" كما تقول: شبوط2 وشبابيط، وسمُّور3 وسمامير.
__________
1 مكوك ومكاكي: المكوك: طاس يشرب به، أعلاه ضيق ووسطه واسع، وهو مكيال معروف لأهل العراق، والجمع مكاكيل ومكاكي على البدل كراهية التضعيف، وهو صاع ونصف.
اللسان "10/ 491" مادة/ مكك.
2 شبوط: ضرب من السمك دقيق الذنب عريض الوسط صغير الرأس لين الملمس كأنه البربط، وهو أعجمى. اللسان "7/ 327" مادة/ شبط.
3 سمور: دابة تسوى من جلودها فراء غالية الأثمان. اللسان "4/ 380" مادة/ سمر.(2/388)
إبدال الياء من التاء:
أنشدهم بعضهم1:
قام بها ينشُدُ كلَّ مَنْشَدٍ ... فايْتَصَلَتْ بمثل ضوء الفَرقَدِ2
أراد: فاتصلت، فأبدل من التاء الأولى ياء كراهية للتشديد.
__________
1 البيت في شرح المفصل "10/ 26" وذكره صاحب اللسان في مادة "وصل" دون أن ينسبه.
2 الفرقد: أي الفرقدان فإن العرب ربما تقول لهما الفرقد وهما نجمان في السماء لا يغربان ولكنهما يطوفان بالجدي. وقيل: هما كوكبان قريبان من القطب. اللسان "3/ 334" مادة/ فرد.
أنشد الشاعر أشعاره المتصلة حتى وصلت إلى عنان السماء.
والشاهد فيه: "ما يتصلت" حيث أبدلت التاء الأولى ياء.(2/388)
إبدال الياء من الثاء:
قال1:
يَفديكَ يا زُرْعَ أبي وخالي ... قد مَرّ يومان وهذا الثالي
وأنت بالهجران لا تبالي2
أراد: الثالث.
__________
1 ذكره صاحب اللسان مادة "ثلث" "2/ 121"، ولم ينسبه.
2 زرع: اسم. اللسان "8/ 141".
الهجران: البعد والفراق.
الشاعر يتمنى أن يفدي محبوبته بأقرب الناس إليه أبيه وخاله، ولا تهجره، وقد مر يومان وهذا الثالث ولم يرها.
والشاهد فيه: "الثالي" حيث أبدلت الثاء ياء. اللسان "2/ 121" مادة/ ثلث.
إعرابه: بدل مرفوع وعلامة رفعه الضم المقدر.(2/389)
إبدال الياء من الجيم:
قالوا: "دَيْجوج ودَياجٍ" وأصله "دياجيج"، فأبدلت الجيم الآخرة ياء، وحذفت الياء قبلها تخفيفًا. وأما قولهم في "شجرة": "شِيَرة" فينبغي أن تكون الياء فيها أصلا، ولا تكون بدلا من الجيم، أنشد الأصمعي1:
تَحْسبه بين الأنام شِيَرةْ2
قال أبو الفضل الرياشي: سمعت أبا زيد يقول: كنا عند المفضل وعنده أعراب، فقلت: قل لهم يقولون "شِيَرة"، فقالوها، فقلت له: قل لهم يُصغرونها، فصغروها "شُيَيرة". وإنما كانت الياء عندنا في "شِيَرة" أصلا غير بدل من الجيم لأمرين:
__________
1 الأصمعي: ذكر البيت صاحب اللسان دون نسب مادة "شجر". "4/ 394".
2 الأنام: ما ظهر على الأرض من جميع الخلق. اللسان "12/ 37".
تحسبه: تظنه.
والشاعر يشبه ممدوحه بين الناس بالشجرة.
الشاهد فيه "شيرة" حيث أبدلت الجيم ياء، يريد "شجرة".
إعرابه: مفعول به ثان منصوب.(2/389)
أحدهما: ثبات الياء في تصغيرها في قولهم "شُيَيرة"، ولو كانت بدلا من الجيم لكانوا خُلقاء إذا حقروا الاسم أن يردوها إلى الجيم ليدلوا على الأصل.
والآخر: أن شين "شَجَرة" مفتوحة، وشين "شِيَرة" مكسورة، والبدل لا تغير فيه الحركات، إنما يوقع حرف موقع حرف، وعلى ذلك عامة البدل في كلامهم؛ ألا ترى أن من يقول "إيّل" فيأتي به على الأصل، إذا أبدل الياء جيما قال "إجَّل" فلم يعرض لشيء من الاسم سواها، ولم يزل شيئًا عما كان عليه من أحوال حركته. هذا هو الظاهر من حال "شِيَرة".
فإن قلت: فهل تجد لجعل الياء في "شِيَرة" بدلا من الجيم وجها؟
فإن الطريق إلى ذلك -وإن كان فيها بعض الصنعة- أن تقول: إنه أراد "شَجَرة" ثم أبدل الجيم ياء، كما أبدلت الياء جيما في نحو: "الإجَّل" و"عَلِجّ"1 و"فُقَيمجّ" و"مَرِّجَ"، فكان حكمه أن يدع الشين مفتوحة، فيقول "شَيَرة" إلا أن العرب إذا قلبت أو أبدلت فقد تغير في بعض الأحوال حركات تلك الكلمة، ألا ترى أن "الجاه" مقلوب من "الوجه"، فكان سبيله إذا قدمت الجيم وأخرت الواو أن يقال "جَوْهٌ" فتسكن الواو كما كانت الجيم في "وجْه" ساكنة، إلا أنها حركت لأن الكلمة لما لحقها القلب ضعفت، فغيروها بتحريك ما كان ساكنًا إذ صارت بالقلب قابلة للتغيير، فصار التقدير "جَوَهٌ" فلما تحركت الواو وقبلها فتحة قلبت ألفا، فقيل "جاه" فكما غيرت حال "الجاه" لما لحق الكلمة من القلب، كذلك غيرت فتحة شين "شَجَرة" إلى الكسر لما لحق الجيم من القلب، وزاد في الأنس بذلك أنه لو أقرت الفتحة في الشين، فقيل "شَيَرة" لانفتحت الشين قبل الياء، والياء متحركة، فتصير إلى قلب الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، فكان يلزم أن يقال "شَارة" كما يقال "بَاعة" جمع "بائع" وأصلها "بيَعَة"، فهربوا لذلك مع ما قدمناه إلى أن كسروا الشين لتُقر الياء ولا تنقلب.
فإن قلت: فهلا تركوا فتحة الشين بحالها، فقلبوا الياء ألفا، فقالوا "شَارة" كما قالوا "جاه"؟
__________
1 علج: العلج كل جاف شديد من الرجال "ج" علوج وأعلاج. اللسان "2/ 326".(2/390)
قيل: "جاه" وإن كانت واوه قد قلبت، فإنه بعد ذلك أشبه في اللفظ بـ "وجه"؛ ألا ترى أن ثاني "وجه" ساكن وثاني "جاه" أيضًا ساكن، فعلى كل حال قد سكن الثاني من كل واحد منهما، فأما "شجرة" فلو قيل فيها "شارة" لكان الثاني من "شارة" ساكنًا، وقد علمنا أن ثاني "شجرة" متحرك، فلما تباينا من هذا الوجه عدلوا إلى أن غيروا حركة شين "شجرة" إلى الكسر فقالوا "شِيَرة" ليبقي ثاني "شِيَرة" متحركًا كما كان ثاني "شجرة" متحركًا، وكان هذا أوفق وأليق وأشبه بالحال من قلب الياء ألفا.(2/391)
قيل: "جاه" وإن كانت واوه قد قلبت، فإنه بعد ذلك أشبه في اللفظ بـ "وجه"؛ ألا ترى أن ثاني "وجه" ساكن وثاني "جاه" أيضًا ساكن، فعلى كل حال قد سكن الثاني من كل واحد منهما، فأما "شجرة" فلو قيل فيها "شارة" لكان الثاني من "شارة" ساكنًا، وقد علمنا أن ثاني "شجرة" متحرك، فلما تباينا من هذا الوجه عدلوا إلى أن غيروا حركة شين "شجرة" إلى الكسر فقالوا "شِيَرة" ليبقي ثاني "شِيَرة" متحركًا كما كان ثاني "شجرة" متحركًا، وكان هذا أوفق وأليق وأشبه بالحال من قلب الياء ألفا.
زيادة الياء
قد زيدت الياء أولا، وثانية، وثالثة، ورابعة، وخامسة، وسادسة.
زيادة الياء أولا: وذلك نحو: "يَرْمَعٍ"1 و"يَعْمَلَة"2 و"يُسْرُوع"3 و"يَعْضِيد"4 وفي الفعل نحو "يقوم" و"يقعد" و"ينطلق".
زيادة الياء ثانية: وذلك نحو: "خَيْفَق"5 و"صَيْرَف"6 و"غَيْداق"7 و"خَيْتام"8 و"قَيْصوم"9 و"عَيْثُوم"10 و"عَيْهُوم"11 و"خَيْسَفُوج"12 و"عَيْضَموز"13 و"حَيْزَبون"14 و"قِيْتال" و"ضِيْراب" و"حِيَفْس"15 و"صِيَهْم"16. وفي الفعل نحو "بَيْطَرَ"17 و"بَيْقَرَ"18.
__________
1 يرمع: الحصى البيض تتلألأ في الشمس.
2 يعملة: ناقة يعملة: نجيبة.
3 يسروع: دود حمر الرؤوس بيض الأجسام تكون في الرمل. اللسان "8/ 153".
4 يعضيد: بقلة من بقول الربيع فيها مرارة. اللسان "3/ 295".
5 خيفق: يقال فلاة خيفق: أي واسعة يخفق عليها السراب.
6 صيرف: صراف الدراهم.
7 غيداق: الكريم الجواد.
8 خيتام: ما يختم به.
9 قيصوم: نبات. اللسان "12/ 486".
10 عيثوم: الضبع، والفيل.
11 عيهوم: الأديم الأملس. اللسان "12/ 430".
12 خيسفوج: حب القطن.
13 عيضموز: العجوز الكبيرة.
14 حيزبون: العجوز من النساء.
15 حيفس: القصير السمين.
16 صيهم: الشديد، والجمل الضخم.
17 بيطر: بيطر الدابة: عالجها.
18 بيقر: هلك.(2/391)
زيادة الياء ثالثة: وذلك نحو: "عِثْيَر"1 و"حِذْيَم"2 و"طِرْيَم"3 و"سِرْياح"4 و"جِرْيال"5 و"كِدْيَون"6 و"هِلْيَون"7 و"سَعيد" و"قَضيب". وللتحقير نحو "كُلَيب" و"دُرَيهم" و"دُنَينير". و"عُلْيَب" ولا نظير له، و"هَبَيَّخ"8.
زيادة الياء رابعة: وذلك نحو "دِهْليز"9 و"مِنْديل" و"قِنْديل" و"شِمْليل"10 و"زِحْليل"11.
وفي الفعل نحو "سَلْقَيت"12 و"جَعْبَيْت"13.
زيادة الياء خامسة: وذلك نحو: "عَنْتَريس"14 و"خَرْبَصِيص"15 و"جَعْفَليق"16 و"شَفْشَليق"17 و"قَرْقَرير"18.
وفي الفعل نحو: "احْرَنْبَيْتُ"19 و"اسْلَنْقَيْتُ"20 و"احْبَنْطَيْتُ"21 و"اسْرَنْدَيْتُ" 22 و"اغْرَنْدَيْتُ" و"ابْرَنْتَيْتُ"23.
__________
1 عثير: الأثر الخفي.
2 حذيم: الحاذق بالشيء.
3 طريم: الطويل من الناس.
4 سرياح: فرس سرياح: طويل.
5 جريال: الخمر الشديدة الحمرة. اللسان "11/ 108" مادة/ جرل.
6 كديون: دقاق التراب عليه دردي الويت تجلى به الدروع. اللسان "13/ 357".
7 هليون: نبت.
8 الهيبخ: الأحمق المسترخي.
9 دهليز: المدخل بين الباب والدار "ج" دهاليز".
10 شمليل: ناقة شمليل: خفيفة سريعة.
11 زحليل: السريع.
12 سلقيت: سلقاه: ألقاه على ظهره.
13 جعبيت: جعباه: صرعه.
14 عنتريس: الناقة الوثيقة الخلق الغليظة القوية.
15 خربصيص: القرط.
16 جعفليق: العظيمة من النساء.
17 شفشليق: العجوز المسترخية اللحم.
18 قرقرير: الضحك العالي.
19 احرنبيت: احرنبى الرجل: تهيأ للغضب والشر. اللسان "1/ 307".
20 استلقيت: نام على ظهره. اللسان "10/ 163" مادة/ سلق.
21 احبنطيت: احبنطى الرجل: انتفخ بطنه. اللسان "7/ 271" مادة/ حبط.
22 اسرنديت: اسرنداه: اعتلاه وغلبه.
23 ابرنتيت: ابرنتى للأمر: تهيأ.(2/392)
زيادة الياء سادسة: قال بعضهم فيما حكاه الأصمعي في تحقير "عنكبوت" وتكسيره: "عُنَيْكِبيت" و"عَنَاكِبِيت".
وقرأ بعضهم: {وعباقِرِيَّ حسان} [الرحمن: 76] 1 وهذا شاذ لا يقاس عليه.
واعلم أن الياء قد تزاد في التثنية والجمع الذي على حد التثنية، نحو: الزيدَيْنِ، والعمرَيْنِ، والزيدينَ، والعمرينَ، وقد تقصينا حالها في هذا في حرف الألف.
وتزاد أيضًا علمًا للتأنيث والضمير في الفعل المضارع نحو: أنت تقومين، وتقعدين، وتنطلقين، وتعتذرين.
وتزاد أيضًا إشباعا للكسرة، وذلك نحو بيت الكتاب:
تنفي يداها الحصى في كل هاجرة ... نفي الدراهِيمِ تنقادُ الصياريفِ2
يريد: الصيارف، فأشبع كسرة الراء، فتولدت بعدها ياء. فأما "الدراهيم" فإن كان جمع "درهم" فهو كالصياريف، وإن كان جمع "دِرْهان" فلا ضرورة فيه.
ومن ذلك قول العرب في جمع دانق3. وخاتم، وطابق4: دوانيق، وخواتيم، وطوابيق، وإنما الوجه: دوانق، وخواتم، وطوابق.
قال5:
...... ...... ... وتُتركُ أموالٌ عليها الخَواتم6
__________
1 "وعباقري حسان" وهي قراءة شاذة لا يقاس عليها.
2 البيت ذكره صاحب اللسان مادة "صرف" "9/ 190"، ونسبه للفرزدق.
والشاعر يصور محبوبته بأنها تنقي بيدها الحصى مثلما ينقد الصيارفة الدراهم الجيدة من الزيوف. والشاهد فيه "الصياريف" حيث زيدت الياء إشباعا للكسرة.
3 دانق: الدانق: سدس الدينار والدرهم. اللسان "10/ 105" مادة/ دنق.
4 طابق: ظرف يطبخ فيه، فارسي معرب، وهو العضو من أعضاء الإنسان كاليد والرجل.
5 أي الأعشى، وقدم تقدم تخريجه.
6 الشاهد فيه "خواتم" حيث يجوز جمعها على "خواتيم".(2/393)
وقال زبان بن سيار1:
متى تقرؤوها تَهْدِكم من ضلالكم ... وتُعرَف إذا ما فُض عنها الخواتمُ2
وقد أولعت العامة بقولهم في جمع "زَورق": "زواريق"، ولا وجه للياء هناك إلا أن يُسمع ذلك من العرب، فأما من طريق القياس فإنها "زوارق" مثل: "جوهر" و"جواهر" و"جورب" و"جوارب".
وقال أبو النجم3:
منها المطافيلُ وغير المُطفلِ4
يريد: المطافل.
فأما قول يزيد الغواني الضبعي5:
وما زال تاجُ المُلك فينا وتاجُهُم ... قلاسيُّ فوق الهام من سَعَف النخل6
فإنما زاد الياء الأولى لأنها عوض من نون "قَلَنسوة" وليست بإشباع للكسرة كالتي قبلها.
__________
1 البيت في المفضليات. مفضلية "103".
2 فض: فض الخاتم والختم إذا كسره وفتحه. اللسان "7/ 207".
الخواتم: النهايات.
والشاهد فيه "خواتم" حيث استخدم الجمع على القياس ولم تستخدم "خواتيم" وهذا أوجه.
3 ديوانه "ص177"، والطرائف الأدبية "ص57".
4 المطافل: ذوات الأطفال. اللسان "11/ 402" مادة/ طفل.
والشاهد فيه: "المطافيل" حيث سمع عن العرب هذا الجمع، وهو على غير القياس، فالقياس "مطافل".
5 لم أقف عليه.
6 سعف النخل: ورق جريد النخل.
قلاس: جمع قلنسوة، وهي من ملابس الرؤوس.
الهام: جمع هامة وهي الرأس. اللسان "12/ 624" مادة/ هوم.
يمدح الشاعر قومه بأن الملك ما زال في قبيلته لأن تاج الملك فيهم بينما الآخرين يرتدون قلانس من أغصان النخل.
والشاهد فيه "قلاس" حيث زيدت الياء الأولى عوضًا عن النون في "قلنسوة".(2/394)
وربما عكست العرب هذا، فحذفت الياء في غير موضع الحذف، واكتفت بالكسرة منها، فقال1:
والبَكَراتِ الفُسَّجَ العَطامِسا2
يريد: العطاميس، وهذا من أبيات الكتاب، ومثله3:
وغيرُ سُفْعٍ مُثَّلٍ يَحَامِمِ4
يريد: يحاميم جمع يحموم، وهو الأسود. ومن أبياته أيضا5:
وكَحَلَ العينين بالعَواوِرِ6
يريد: العواوير، وهو جمع عُوّار، وهو الرمد. وقال أبو طالب7:
ترى الوَدْعَ فيها والرخامَ وزينةً ... بأعناقها معقودةً كالعَثَاكِلِ8
يريد: العثاكيل.
__________
1 ذكره صاحب اللسان بدون نسب مادة "فسج" "2/ 345"، ونسبه صاحب الكتاب إلى غيلان بن حريث "2/ 119" وهو بغير نسب في المحتسب "1/ 300".
2 الفسج: جمع فاسج وفاسجة، وهي التي ضربها الفحل قبل أن تستحق.
العطامس: جمع عيطموس، وهي الجميلة والطويلة، والناقة القوية الحسنة.
والشاهد فيه "العطامس" حيث حذفت الياء واكتفى بالكسرة فأصله "العطاميس".
3 سبق تخريجه.
4 يحامم: يحاميم جمع يحموم، وهو دخان أسود شديد السواد. اللسان "12/ 158".
والشاهد فيه "يحامم" حيث حذفت الياء في غير موضع الحذف فأصله "يحاميم".
5 ذكره صاحب اللسان بدون نسبة مادة "عور" "4/ 615" وكذلك صاحب الكتاب "2/ 374"، ونسبه سيبويه لجندل بن المثنى الطهوي. شرح أبيات سيبويه "2/ 429".
6 العوارير: جمع عوار وهو الرمد يصيب العين.
والشاهد في العواور حيث حذفت الياء في غير موضع الحذف واكتفى بالكسرة وأصله: عوارير.
7 هو عم النبي -صلى الله عليه وسلم- ووالد علي- رضي الله عنه-.
والبيت في السيرة النبوية لابن هشام "10/ 292".
8 العثاكل: الأغصان.
الودع: خرز ينتظم ويتحلى بها النساء.
والبيت يصف عقود النساء وهن يتزين بها مثل الأغصان التي ينبت عليها الثمر.
والشاهد فيه "العثاكل" حيث حذفت الياء واكتفى بالكسرة فالمراد "العثاكيل".(2/395)
وقال عبيد الله بن الحُر1:
وبُدِّلتُ بعد الزعفران وطِيبِهِ ... صَدَا الدرع من مُستحكِمات المَسامِرِ2
يريد: المسامير.
وحذفوها أيضًا وهي أصل لا زائدة، قال3:
كَفّاكَ كَفٌّ ما تُليق دِرهما ... جُودًا، وأخرى تُعْطِ بالسيف الدما4
يريد: تعطي.
ومن أبيات الكتاب5:
وطِرتُ بمُنْصُلي في يَعْمَلاتٍ ... دوامي الأيْدِ يَخْبِطن السريحا6
يريد: الأيدي. ومنها7:
وأخو الغَوانِ متى يشأ يَصْرِمْنَهُ ... ويعُدْنَ أعداء بُعَيدَ ودادِ8
يريد: الغواني.
__________
1 البيت منسوب إليه في المحتسب "1/ 95، 300".
2 البيت يدل على تحول الشاعر من حال إلى حال، ونلمح ذلك من استخدام الفعل بدَّل الذي يدل على التغير والتحول، وجاء به مبنيًّا للمجهول للدلالة على عدم إرادته في هذا.
والشاهد فيه "المسامر" حيث حذفت الياء واكتفى بالكسرة وأصله "مسامير".
3 ذكره في اللسان بدون نسب مادة "ليق" "10/ 334" وذكره الفراء في معاني القرآن "2/ 27".
4 البيت في معرض المدح حيث يمدح الشاعر ممدوحه بأنه يكفيه فخرا أن تكون إحدى يديه تنفق وتعطي الخير والأخرى تحارب بالسيف حتى يقطر دما.
والشاهد فيه "تعط" حيث حذفت الياء في غير موضوع الحذف واكتفى بالكسرة فأصله "تعطي".
5 نسبه صاحب اللسان إلى مضرس بن ربعي. مادة "يدي" وبغير نسب في الكتاب "2/ 291".
6 اليعملات: جمع يعملة وهي الناقة النجيبة.
السريح: سيور نعال الإبل.
والشاهد فيه "الأيد" حيث حذفت الياء واكتفى بالكسرة فأصلها "الأيدي".
7 تقدم تخريجه.
8 البيت للأعشى في ديوانه "ص179"، والكتاب "1/ 10".
يصرمنه: صرم الشيء قطعه، وصرم فلانا هجره. اللسان "12/ 334" مادة/ سرم.
والشاهد فيه "الغوان" حيث حذفت الياء واكتفى بالكسرة فأصلها "الغواني".(2/396)
ومنها1:
كَنَواحِ ريشِ حمامةٍ نجْديةٍ ... ومَسَحتِ باللِّيَتينِ عَصفَ الإثمِدِ2
يريد: كنواحي، فحذف الياء، وذلك أنه شبه المضاف إليه بالتنوين، فحذف الياء لأجله كما يحذفها لأجل التنوين، كما شبه الأول لام المعرفة في "الغوان" و"الأيد" بالتنوين من حيث كانت هذه الأشياء من خواص الأسماء ومعتقبة عليها، فحذف الياء لأجل اللام كما يحذفها لأجل التنوين، هكذا أخذت من لفظ أبي علي وقت القراءة عليه.
وقال الآخر3:
قلتُ لها: يا هَذِ في هذا إثمْ4
يريد: هذي، فحذف الياء تخفيفًا.
وتحذف أيضًا الياء الزائدة بعد هاء إضمار الواحد نحو: مررت به يا فتى، قرأ بعضهم: {فَخَسَفْنَا بِهْ وَبِدَارِه الأَرْض} [القصص: 81] 5. وبعد ميم الضمير نحو: عليهمْ، وإليهمْ، وبهمْ، وأصله: عليهُمو، وإليهُمو، وبهُمو، فالهاء للإضمار، والميم علامة تجاوز الواحد، والواو لإخلاص الجمع، ثم إنهم يبدلون ضمة الهاء كسرة لخفاء الهاء ووقوع الكسرة والياء الساكنة قبلها، فيقولون: عليهمو، وبِهمو، وإليهِمُو، ثم إنهم قد يستثقلون الخروج من كسر الهاء إلى ضم الميم، فيبدلون من ضمة الميم كسرة، فيصير في التقدير -ولا يستعمل البتة كما استعمل جميع ما ذكرناه قبله- عليهِمِوْ، وإليهِمِوْ، وبهِمِوْ، فتقلب الواو ياء لوقوع الكسرة قبلها، فيصير: عليهِمِي،
__________
1 نسبه صاحب الكتاب لخفاف بن ندية السلمي "1/ 9" وهو بغير نسب في شرح المفصل "3/ 140".
2 نجدية: من بلاد نجد.
الإثمد: حجر يتخذ منه الكحل. اللسان "3/ 105".
عصف الإثمد: ما سحق منه. اللسان "9/ 147" مادة/ عصف.
والشاعر يصف امرأة جميلة، ويشبه شفتيها بنواحي ريش الحمامة النجدية في الجمال والرقة. والشاهد فيه "نواح" حيث حذفت الياء فاصله "نواحي" وذلك لأنه شبه المضاف إليه بالتنوين.
3 ذكره صاحب اللسان دون أن ينسبه مادة "ذا" "15/ 451".
4 الشاهد فيه "يا هذ" حيث حذفت الياء تخفيفًا يريد "يا هذي".
5 سبق تخريجها.(2/397)
وإليهِمِي، وبهِمِي، ثم تستثقل الياء هنا، فتحذف تخفيفًا هي والكسرة قبلها، ولا يخاف لبس لأن التثنية بالألف لابد منها، فيقال: عليهِم، وإليهِم، وبهِم، وهي قراءة أبي عمرو، إلا أن أبا الحسن قد حكى أن منهم من يقر الكسرة في الميم بحالها بعد حذف الياء، فيقول: عليهِمِ، وإليهِمِ، وبهِمِ، كما أقرت آخرون الضمة في الميم بعد حذف الواو، فقالوا: عليهِمُ بكسر الهاء وضمها.
وتزداد الياء أيضًا بعد كاف المؤنث إشباعا للكسرة في نحو: عليكي، ومنكي، وضربتكي، وروينا عن قطرب لحسان1:
ولستِ بخيرٍ من أبيكِ وخالكي ... ولستِ بخير من مُعاظَلة الكَلب2
وتزاد أيضًا لإطلاق حرف الروي إذا كانت القوافي مجرورة، نحو قوله3:
هيهاتَ منزلُنا بنعف سُوَيقة ... كانت مباركةً من الأيَّامي4
وقول الآخر5:
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي ... بصبح، وما الإصباح فيك بأمثلي6
__________
1 انظر ديوانه "ص40"، وروايته في الديوان لا شاهد فيها حيث جاءت: وخاله.
2 معاظلة الكلاب: لزم بعضها بعضا في السفاد. اللسان "11/ 456" مادة/ عظل.
والشاعر يهجو أبا سفيان قبل إسلامه بقوله إن لم يفضله في شيء، ونسبه وضيع سواء من جهة الأب أو من جهة الأم.
والشاهد فيه "خالكي" حيث أضاف الياء إشباعا للكسرة.
3 ذكره صاحب اللسان مادة "سوق" "10/ 171". وبدون نسب في الخصائص "3/ 43"، ونسبه صاحب الكتاب إلى جرير "2/ 299".
4 نعف سويقة: المكان المرتفع في اعتراض.
هيهات: اسم فعل معناه البعد.
والشاعر يتذكر تلك الأيام الماضية التي كانت مباركة لأنها جمعته مع من يحب في نعف سويقة. والشاهد فيه "الأيامي" حيث زيدت الياء لإطلاق حرف الروي.
5 البيت لامرئ القيس. انظر ديوانه "ص18".
6 والشاعر يتمنى أن يتقضى الليل ويطلع نور الصباح بعد أن طال عليه بسبب تفكيره في محبوبته. وهو يتخيل الليل إنسان يخاطبه ويناديه ويستخدم أداة التنبيه "ألا" ليجذب انتباهه.
والشاهد فيه "بأمثلي" حيث زيدت الياء، لإشباع حركة الروي.(2/398)
وقول النابعة1:
أفِدَ الترحُّلُ غير أن رِكابنا ... لما تزُل برحالنا، وكأنْ قَدِي2
يريد: وكأن قد زالت، وهو كثير.
وتزداد أيضًا بعد لام المعرفة عند التذكر، وذلك قولهم: قام الي، يريد: الغلام أو الإنسان، أو نحو ذلك فينسى الاسم، فيقف مستذكرا، فلا يقطع على اللام لأنها ليست بغاية لكلامه، وإنما غايته ما يتوقعه بعده، فيطول وقوفه وتطاوله إلى ما بعد اللام، فيكسرها تشبيها بالقافية المجرورة إذا وقع حرف رويها حرفا ساكنًا صحيحا، نحو قوله: "وكأن قدي". وكذلك لو وقعت "أن" قافية لقيل "أني" ولو وقعت "عن" قافية لقيل "عني" ولو وقعت "من" قافية لأطلقت تارة إلى الفتح، وتارة في قصيدة أخرى إلى الكسر، وذلك لأن "من" قد تفتح في نحو قولك: "من الرجل" وقد تكسر وتفتح أيضًا في نحو "من ابنك" و"من ابنك" فتقول في القافية المنصوبة "منا"، وفي القافية المجرورة "منى" إلا أن الفتح أغلب عليها لأنه أكثر في الاستعمال.
وإنما جمعنا بين القافية وبين التذكر من قبل أن القافية موضع مد واستطالة، كما أن التذكر موضع استشراف وتطاول إلى المتذكر، فاعرف ذلك.
وعلى هذا قالوا في التذكر "قدي" أي: قد قام أو قعد أو نحو ذلك. وكذلك كل ساكن وقفت عليه وتذكرت بعده كلاما فإنك تكسره، وتشبع كسرته للاستطالة والتذكر، نحو قولك: "من أنت" إذا وقفت على "من" مستذكرا لما بعدها قلت "مني".
__________
1 البيت للنابغة الذبياني أحد فحول شعراء الجاهلية، وثالث شعراء الطبقة الأولى منهم.
انظر شرح ابن عقيل "1/ 19".
2 لقد قرب موعد الحيل إلا أن ركابنا لم تغادر مكان أحبابنا بما عليها من الرحال، وكأنها قد زالت لقرب موعد الفراق.
الشاهد فيه كأن حيث خففت للتشبيه.
إعرابه: كأن حرف تشبيه ونصب واسمها ضمير الشأن، وخبرها جملة محذوفة تقديرها "وكأن قد زالت" فحذفت الجملة وبقي الحرف.(2/399)
وعلى هذا يتوجه عندي قول الحصين بن الحمام1:
ما كنت أحسب أن أمي علة ... حتى رأيت إذي نحاز ونقتل
ومعناه: إذ نحاز، إلا أنه لما كان يقول في التذكر "إذي" وهو متذكر إذ كان كذا وكذا أجرى الوصل مجرى الوقف، فألحق الياء في الوصل، فقال/ "إذي" ولهذا نظائر.
وقال سيبويه2: "وسمعنا من يوثق به في ذلك يقول: هذا سيفني، يريد: هذا سيف، ولكنه تذكر بعد كلاما، ولم يرد أن يقطع اللفظ لأن التنوين حرف ساكن ينكسر، فكسر كما كسر دال قد". هذا قول سيبويه كما تراه.
وقال الراجز3:
تقول: يارباه يارب هل ... هل أنت من هذا منج أحبلي
إما بتطليق وإما ب "ارحلي"4
فحرك لام "هل" لما أطلقها بالكسر.
فإن كان الساكن مما يكون وقتا مضموما أو مفتوحا، ثم وقفت عليه مستذكرا، ألحقت ما يكون مضموما واوا، وما يكون مفتوحا ألفا، فتقول: ما رأيته مذو، أي: مذ يوم كذا؛ لأن أصله ضم الذال في "منذ"، وتقول: عجبت منا، أي: من زيد أو غيره؛ لأنك قد كنت تقول: من اليوم، ومن الرجل، ومن الغلام، فتفتحه. ومن كان من لغته "من الغلام" قال في التذكر "عجبت مني"، فحكم التذكر في هذا الباب حكم القافية؛ ألا ترى أنك تقول في التذكر "عجبت من الغلامي" فتلحق الياء بعد الميم كما تلحقها بعدها في القافية في نحو قوله5:
__________
1 البيت منسوب إليه في اللسان مادة "أذذ".
2 الكتاب "2 / 304".
3 لم أقف عليه.
4 يدعو الشاعر ربه أن ينجيه مما هو فيه.
واستخدم في ذلك أسلوب الاستفهام الذي يفيد الرجاء.
والشاهد فيه "هل" حيث حرك اللام بالكسر.
5 سبق تخريجه.(2/400)
................................... ... كانت بماركة من الأيامي1
وكذلك إن وقفت على ياء ساكنة مكسور ماقبلها ألحقتها ياء أخرى، ومددت، فقلت: "رغبت فيي" أي: في زيد ونحوه، و"ضربت غلامي" أي: ضربت غلامي أمس مستذكرا أمس ونحوه، فتزيد على الياء ياء أخرى. وقد ذكرنا نحو هذا في حرف الواو وحرف الألف، فاعرفه.
فإن كانت قبل الياء والواو فتحة كسرتهما في التذكر، وألحقت بعدهما ياء، وذلك قولك: قام زيد أوي، أي: أو عمرو، ونحوه، وضربت غلاميي، أي: غلامي زيد أو نحوه. وإنما كسرتهما لأنك قد كنت تكسرهما لالتقاء الساكنين في نحو قولك: قام الغلام أو الرجل، وضربت غلامي الرجل. وتقول: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا} [البقرة: 16] 2 وتقف متذكرا "الضلالة"، وفي {وَعَصَوُا الرَّسُولَ} [النساء: 42] : "عصووا" لأجل أن هذه الواو مضمومة لالتقاء الساكنين، فتضمها هنا، وتلحق ضمتها واوا.
ومن كان لغته من الكلام: "اشتروا الضلالة"3 قال في التذكر: "اشتروي". ومن قرأ4: "اشتروا الضلالة" ففتح الواو قال في التذكر: "اشتروا" فألحق الواو ألفا.
وحكى الكوفيون عن العرب "أكلت لحما شاة" أي: لحم شاة، فهذا على تذكر الشاة، فأشبع الفتحة، فاستطالت ألفا.
ومن قال: لو انطفلق بزيد لكان كذا، قال في التذكر "لوو"، ومن كسر الواو هناك قال هنا "لوي"، فالواو والياء إذا انفتح ما قبلهما تجريان هنا مجرى الصحيح كما ترى.
__________
1 الشاهد فيه "الأيامي" حيث زيدت الياء إشباعا للكسر.
2 الشاهد فيه "اشترووا" حيث زيدت الواو إشباعا للضم.
3 "اشترووا الضلالة": كسر الواو لغة لبعض العرب وهي شاذة وقد قرأ بها قوم.
انظر/ معاني القرآن للأخفش "ص45".
4 وفتح الواو قراءة أبي السماك. البحر المحيط "1/ 71".(2/401)
وتزداد الياء بمعنى الاسم في نحو "غلامي" و"صاحبي". وللعرب في هذه الياء لغتان، منهم من يسكنها، فمن فتحها قال: هي اسم، وهي على أقل ما تكون عليه الكلم، فقويتها بالحركة كما فتحت كاف المخاطب في نحو: رأيتك، ومررت بك. ومن سكنها قال: الحركات على كل حال مستثقلة في حرفي اللين؛ ألا ترى أن من قال في قصعة، وجفنة: قصعات، وجفنات لم يقل في نحو جوزة، وبيضة إلا جوزات، وبيضات بالإسكان.
فأما ما جاء عنهم من قول الشاعر1:
أبو بيضات رائح متأوب ... رفيق بمسح المنطبين سبوح2
فشاذ لا يقاس عليه باب.
فأما الياء في "إياي" فقد تقدم من قولنا في حرف الكاف إنها على مذهب أبي الحسن حرف لمعنى التكلم، كما أن الكاف في "إياك" لمعنى الخطاب، وإنها هنا ليست على هذا القول باسم، كما أن الكاف ليست هناك باسم. ومن رأى أن "إياك" بكماله هو الاسم كانت "إياي" أيضا بكمالها هي الاسم. ومن رأى أن الكاف في "إياك" في موضع جر بإضافة "إيا" إليها، رأى أيضا مثل ذلك في الياء من "إياي"، وكان ذلك في الياء أسهل منه في الكاف، وذلك أن الكاف قد رأيناها في نحو "ذلك" و"أولئك" و"هنالك" حرفا لا محالة، ولم نر نحو الياء التي في "إيادي" حرفا في غير "إياي"، إلا أن أبا الحسن أجرى الياء هنا مجرى الكاف في إياك، وقد تقدم من الحجاج في باب الكاف ما يصح به مذهب أبي الحسن وإن كان غريبا لطيفا.
__________
1 نسب البيت في خزانة الأدب "3/ 429" للهذلي، والخصائص "3/ 184"، وشرح المفصل "5/ 30" بغير نسب.
2 رائح: الذهاب بالعشي. اللسان "2/ 464".
متأوب: يسير النهار أجمع وينول الليل.
سبوح: يسبح بيديه في سيره. اللسان "2/ 471" مادة/ سبح.
الشاعر يصف ذكر النعام بأنه يسير نهار وليلا بانتظام ورقة، ويعلم كيف يحرك منكبيه أثناء السير والجري.
والشاهد فيه "بيضات "حيث حركت الياء وهو شاذ لا يقاس عليه فأصله "بيضات" بسكون الياء.(2/402)
وتزاد للنسب، وذلك نحو "بصري" و"كوفي". وتزداد أيضا في الاستفهام عن النكرة المجرورة إذا وقفت، وذلك إذا قيل: "مررت برجل" قلت في الوقف "منى" فهذه الياء إنما لحقت في الوقف زائدة لتدل على أن السائل إنما سأل عن ذلك الاسم المجرور بعينه، ولم يسأل عن غيره، فجعلت هذه الياء هنا أمارة لهذا المعنى ودلالة عليه، وكانت الياء هنا أولى من الألف والواو لأن المسؤول عنه مجرور، والياء بالكسرة أشبه منها بالواو والألف، وليست الياء هنا بإعراب، إنما دخلت لما ذكرت لك، ولو كانت إعرابا لثبتت في الوصل، فقلت: "مني يا فتى" وهذا لا يقال، بل يقال: "من يا فتى" في كل حال، وإنما هذه زيادة لحقت في الوقف لأن الوقف من مواضع التغيير.
ونظيرها التشديد الذي يعرض في الوقف في نحو: "هذا خالد" و"هو يجعل"، قال سيبويه: إنما ثقل هذا ونحوه في الوقف حرصا على البيان، وإعلاما أن الكلمة في الوصل مطلقة، لأنه معلوم أنه لا يجتمع في الوصل ساكنان على هذا الحد. والقول في الألف في "منا" والواو في "منوا" هو القول في الياء الذي مضى آنفا.(2/403)
فصل: في تصريف حروف المعجم واشتقاقها وجمعها
اعلم أن هذه الحروف ما دامت حروف هجاء غير معطوفة ولا موقعة موقع الأسماء، فإنها سواكن الأواخر في الإدراج والوقف، وذلك قولك: ألف، با، تا، ثا، جيم، حا، خا، دال، ذال، را، زاي، سين، شين، صاد، ضاد، وكذلك إلى آخرها، وذلك أنها إنما هي أسماء الحروف الملفوظ بها في صيغ الكلم بمنزلة أسماء الأعداد، ونحو ثلاثه أربعة خمسه تسعه، ولا تجد لها رافعا ولا ناصبا ولا جارا، وإذا جرت كما ذكرنا مجرى الحروف لم يجز تصريفها ولا اشتقاقها ولا تثنيتها ولا جمعها، كما أن الحروف كذلك.
ويدلك على كونها هل، وبل، وقد، وحتى، وسوف، ونحو ذلك، أنك تجد فيها ما هو على حرفين الثاني منهما ألف، وذلك نحو: با تا ثا حا خا طا ظا، ولا تجد في الأسماء المعربة ما هو على حرفين الثاني منهما حرف لين، إنما ذلك في الحروف نحو ما، ولا، ويا، وأو، ولو، وأي، وكي، فلا تزال هذه الحروف مبنية غير معربة لأنها أصوات بمنزلة صه، ومه، وإيه، وغاق1، وحاء2، وعاء3، حتى توقعها مواقع الأسماء، فترفعها حينئذ، وتنصبها، وتجرها، كما تفعل ذلك بالأسماء، وذلك قولك: أول الجيم جيم، وآخر الصاد دال، وأوسط الكاف ألف، وثاني السين ياء، وكتبت جيما حسنة، وخططت قافا صحيحة.
وكذلك العاطف4 لأنه نظير التثنية، فتقول: ما هجاء بكر؟ فيقول المجيب: باء وكاف وراء، فيعرف لأنه قد عطف، فإن لم يعطف بني، فقال: با كاف را.
__________
1 غاق: حكاية صوت الغراب. اللسان "10 / 295" مادة/ غوق.
2 حاء: قال ابن سيده: أمر للكبش بالسفاد. اللسان "15 / 448" مادة/ حا.
3 عاء: زجر للضئين. اللسان "15/ 111" مادة/ عوى.
4 يقصد حروف العطف وعملها وتأثيرها فيما تدخل عليه.(2/405)
قال1:
كافًا وميمًا ثم سينًا طاسِمًا2
وقال الآخر3:
....................................... ... كما بُيِّنَتْ كافٌ تلوحُ وميمُها4
وقال الآخر5:
إذا اجتمعوا على ألفٍ وباءٍ ... وتاءٍ هاج بينهم جدالُ
وكذلك أسماء العدد مبنية أيضًا، تقول: واحد اثنان ثلاثَهْ أربعَهْ خمسهْ.
ويؤكد ذلك عندك ما حكاه سيبويه6 من قول بعضهم: "ثلاثَهَرْبَعَهْ". فتركه الهاء من "ثلاثه" بحالها غير مردودة إلى التاء -وإن كانت قد تحركت بفتحة همزة "أربعة"- دلالة على أن وضعها وبنيتها أن تكون في العدد ساكنة، حتى إنه لما ألقى عليها حركة الهمزة التي بعدها أقرها هاء في اللفظ بحالها على ما كانت عليه قبل إلقاء الحركة عليها، ولو كانت كالأسماء المعربة لوجب أن تردها متى تحركت تاء، فتقول "ثلاثَتَرْبَعَهْ" كما تقول: رأيت طلحةَ يا فتى. فإن أوقعتها موقع الأسماء أعربتها، وذلك قولك: ثمانيةُ ضعف أربعة، وسبعةُ أكثر من أربعة بثلاثة، فأعربت هذه الأسماء، ولم تصرفها لاجتماع التأنيث والتعريف فيها؛ ألا ترى أن "ثلاثة" عدد معروف القدر، وأنه أكثر من "اثنين" بواحد، وكذلك "خمسة" مقدار من العدد معروف؛ ألا ترى أنه أكثر من "ثلاثة" باثنين.
__________
1 البيت ذكره صاحب المفصل "6/ 29"، وكذا ذكره صاحب الكتاب "2/ 31" ولم ينسبه أحدهما وكذا صاحب اللسان في المقدمة "1/ 12" ولم ينسبه أيضًا.
2 والشاهد فيه قوله "كافا- ميما- سينا" حيث عطف الحروف على بعضها.
3 البيت ذكره صاحب اللسان مادة "كوف" "9/ 311" ولم ينسبه وذكره صاحب المقتضب ولم ينسبه أيضًا "1/ 237"، وذكره صاحب الكتاب "3/ 260" ونسبه إلى الراعي وهو عبيد الله بن حصين.
4 والشاهد فيه قوله "كاف- ميمها".
5 البيت في هجاء النحويين وينسب في درة الغواص إلى عيسي بن عمر، ونسب ليزيد بن الحكم، وجاء في معاني القرآن للزجاج "1/ 23"، وشرح المفصل "6/ 29".
6 الكتاب "2/ 34".(2/406)
فإن قلت: ما تنكر أن تكون هذه الأسماء نكرة لدخول لام المعرفة عليها، وذلك قولك: الثلاثة نصف الستة، والسبعة تعجِز عن الثمانية بواحد؟
فالجواب: أنه قد ثبت أن هذه الأسماء التي للعدد معروفة المقادير، فهي على كل حال معرفة، وأما نفس المعدود فقد يجوز أن يكون معرفة ونكرة، فأما إدخالهم اللام على أسماء العدد فيما ذكره السائل نحو: الثمانية ضعف الأربعة، والاثنان نصف الأربعة، فإنه لا يدل على تنكير هذه الأسماء إذا لم تكن فيها لام، وإنما ذلك لأن هذه الأسماء يعتقب عليها تعريفان: أحدهما العلم، والآخر اللام.
ونظير ذلك قولك: لقيته فَينة والفَينة، وقالوا للشمس: "إلاهة" و"الإلاهة"، وقالوا للمنية: "شَعوب" و"الشعوب"، ولهذا نظائر، فكما أن هذه الأسماء لا يدل دخول اللام عليها على أنها إذا لم تكن فيها فهي نكرات، فكذلك أيضًا "أربعة" و"الأربعة" و"خمسة" و"الخمسة" هو بمنزلة "فينة" و"الفينة" و"إلاهة" و"الإلاهة"، أنشدنا أبو علي، ورويناه أيضًا عن قطرب من غير جهته:
تَرَوحنا من اللعباء قَصرا ... وأعجلنا إلاهةَ أن تَؤوبا1
ويروى: الإلاهة، فاعرف هذا فإنه لطيف.
فإذا ثبت بما قدمناه أن حروف المعجم أصوات غير معربة، وأنها نظيرة الحروف نحو "هل" و"لو" و"من" و"في" لم يجز أن يكون شيء منها مشتقا ولا مُصرّفا، كما أن الحروف ليس في شيء منها اشتقاق ولا تصريف، وقد تقدم القول على ذلك في حرف الألف. فإذا كان ذلك كذلك فلو قال لك قائل: ما وزن "جيم" أو "طاء" أو "كاف" أو "واو" من الفعل؟ لم يجز أن تمثل ذلك له، كما لا يجوز أن تمثل له "قد" و"سوف" و"لولا" و"كيلا"، فأما إذا نقلت هذه الحروف إلى حكم الأسماء بإيقاعها مواقعها من عطف أو غيره، فقد نقلت إلى مذاهب الاسمية، وجاز فيها تصريفها وتمثيلها وتثنيتها وجمعها والقضاء على الفاتها وياءاتها، إذ قد صارت إلى حكم ما ذلك جائز فيه غير ممتنع منه.
__________
1 البيت في اللسان مادة "أله" و"13/ 468" ينسب إلى مية بنت أم عتبة بن الحارث، وبغير نسب في الجمهرة "1/ 316"، ونسب في معجم البلدان إلى مية "5/ 18".(2/407)
وهذا الفصل هو الذي يلطف1 فيه النظر، ويحتاج إلى بحث وتأمل، ونحن نقول في ذلك مما رويناه ورأيناه ما يوفق الله تعالى له إن شاء الله، وبه الثقة.
اعلم أن هذه الحروف تأتي على ضربين:
أحدهما: ما هو ثنائي، والآخر: ثلاثي.
ونبدأ بذكر الثنائي لأنه أسبق في مرتبة العدة، وذلك: با تا ثا حا خا را طا ظا فا ها يا، وأما الزاي فللعرب فيها مذهبان: منهم من يجعلها ثلاثية، فيقول: زاي، ومنهم من يجعلها ثنائية، فيقول: زي، وسنذكرها على وجهيها.
وقد حكي فيها "زاء" ممدودة ومقصورة.
وأما الألف التي بعد اللام في قولك "لا" فقد ذكرنا حالها لم دخلت اللام عليها، وأن ذلك إنما لزمها لما كانت لا تكون إلا ساكنة، والساكن لا يمكن ابتداؤه، وأنها دعمت باللام من قبلها توصلا إلى النطق بها، ولم يمكن تحريكها فينطق بها في أول الحرف، ويزاد عليها غيرها كما فعل ذلك بجيم قاف لام، وغير ذلك مما تجد لفظه في أول اسمه، فلم يكن بد في إرادة اللفظ بها من حرف تدعم به أمامها، واختيرت لها اللام دون غيرها لما ذكرناه في حرف الألف.
فأما ما كان على نحو: با تا حا طا، فإنك متى أعربته لزمك أن تمده، وذلك أنه على حرفين الثاني منهما حرف لين، والتنوين يدرك الكلمة، فتحذف الألف لالتقاء الساكنين، فيلزمك أن تقول: هذه طا يا فتى، ورأيت طا حسنة، ونظرت إلى طا حسنة، فيبقى الاسم على حرف واحد، فإن ابتدأته وجب أن يكون متحركًا، وإن وقفت عليه وجب أن يكون ساكنًا، فإن ابتدأته ووقفت عليه جميعًا وجب أن يكون ساكنًا متحركًا في حال، وهذا ظاهر الاستحالة.
فأما ما رواه سلمة عن الفراء عن الكسائي فيما أخبرنا به أبو بكر محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى من قول بعضهم: "شربت ما" بقصر "ماء"، فحكاية شاذة لا نظير لها، ولا يسوغ قياس غيرها عليها.
__________
1 يلطف: يصغر ويدق. اللسان "9/ 216" مادة/ لطف.(2/408)
فإذا كان الأمر كذلك زدت على ألف: با تا ثا ونحو ذلك ألفا أخرى، كما رأيت العرب فعلت لما أعربت "لو"، فقالوا1:
ليت شعري، وأين مني ليتٌ ... إن ليتًا وإن لوًا عناء2
وأنشدنا أبو علي3:
أفلا سبيل لأن يصادف روعنا ... لوًا، ولو كاسمها لا توجد4
وقال الآخر5:
عَلِقَتْ لوًا تُكرره ... إن لوًا ذاكِ أعيانا6
فكما زادت العرب على هذه الواو واوًا أخرى، وجعلت الثاني من لفظ الأول لأنه لا أصل له فيرجع عند الحاجة إليه، كذلك زدت على الألف من با تا ثا ألفا أخرى عوضا لما رأيت العرب فعلت في "لو" لما أعربتها، فصار التقدير "با ا" "تا ا" "طا ا" "ها ا" فلما التقت ألفان ساكنتان لم يكن من حذف إحداهما أو حركتها بد، فلم يسغ حذف إحداهما لئلا تعود إلى القصر الذي منه هربت، فلم يبق إلا أن تحرك إحداهما، فلما وجب التحريك لالتقاء الساكنين كانت الألف الثانية بذلك أحرى؛ لأنك عندها ارتدعت إذ كنت إليها تناهيت، فلما حركت الثانية قلبتها همزة على حد ما بيناه في حرف الهمزة من إبدال الهمزة من الألف.
فعلى هذا فقالوا: خططت باءً حسنةً، وكتبت حاءً جيدةً، وأراك تكتب طاء صحيحة، وما هذه الراء الكبيرة؟
__________
1 البيت نسب في الكتاب "2/ 23" إلى أبي زيد الطائي، وكذا الجمهرة "1/ 122" والخزانة "3/ 282"، وذكر بغير نسب في المقتضب "1/ 370".
2 الشاهد فيه "وإن لوا" حيث أعربت "لو" ونونت، وهذا شاذ لا يقاس عليه.
3 المنصف "2/ 153".
4 الشاهد فيه "لوا" حيث أعربت "لو".
5 البيت للنمر بن تولب في اللسان "إمالا" "15/ 469"، والخصائص "17/ 50".
6 الشاهد فيه "لوا" حيث أعربت في هذه الشواهد وهذا مما لا يقاس عليه.(2/409)
فأما قول الشاعر1:
يخُط لامَ ألفٍ موصولِ ... والزايَ والرا أيّما تهليل2
فإنما أراد "الراء" ممدودة، فلم يمكنه ذلك لئلا ينكسر الوزن، فحذف الهمزة من الراء، وجاء بذلك على قراءة أبي عمرو في تخفيف الأولى من الهمزتين إذا التقتا في كلمتين، وكانتا جميعًا متفقتي الحركتين نحو قوله" "فقد جا أشراطها" [محمد: 18] و" "إذا شا أنشره" [عبس: 22] على ما يرويه أصحابه من القراء عنه، فكذلك كان أصل هذا: "والزاي والراء أيما تهليل" فلما اتفقت الحركتان حذف الأولى من الهمزتين كما حذفها أبو عمرو.
فإن قلت: ولم حذف أبو عمرو الأولى من الهمزتين، وإنما ارتدع عند الثانية، وهلا حذف الهمزة الآخرة التي انتهى دونها، وارتدع عندها؟ 3
فالجواب: أنه قد علم أن ههنا همزتين، وقد اعتزم حذف إحداهما، فكان الأحرى بالحذف عنده التي هي أضعفهما، والهمزة الأولى أضعف من الثانية في مثل هذا؛ ألا ترى أن الهمزة من "جاء" لام، وأن الهمزة من "أشراط" قبل الفاء، والفاء أقوى من العين، والعين أقوى من اللام، وما قبل الفاء أشد تقدما من الفاء التي هي أقوى من العين التي هي أقوى من اللام، فكان الحذف بما هو آخر أولى منه بما هو أول، فلذلك حذف أبو عمرو الأولى لضعفها بكونها آخرا، وأقر الثانية لقوتها بكونها أولا.
فهذا أحد ما يصلح أن يحتج به لأبي عمرو -رحمه الله- في حذفه الأولى من الهمزتين إذا كانتا من كلمتين ومتفقتي الحركتين.
وسألت أبا علي عن هذا الذي ذكرناه في "باء" و"تاء" ونحوهما، فقلت: ما تقول في هذه الألف التي قبل الهمزة؟
أتقول: إنها منقلبة عن واو أو ياء، أو تقول: إنها غير منقلبة؟
__________
1 البيت في اللسان في مادة "زيا" "14/ 367"، والخزانة "1/ 56".
2 الشاهد فيه "الرا" حيث أراد الراء ممدودة فاسمها "الراء" وليس "الرا".
3 وارتدع عندها: تراجع عندها.(2/410)
فقال: لا، بل اللف الآن مقضي عليها بأنها منقلبة عن واو، والهمزة بعدها في حكم ما انقلبت عن الياء لتكون الكلمة بعد التكملة والصيغة الإعرابية من باب "شويت" و"طويت" و"حويت".
فقلنا له: ألسنا قد علمنا أن الألف في "باء" هي الألف التي في "با" "تا" "ثا" إذا تهجيت، وأنت تقول: إن تلك الألف غير منقلبة من ياء أو واو لأنها بمنزلة ألف "ما" و"لا"؟
فقال: لما نقلت إلى الأسمية دخلها الحكم الذي يدخل الأسماء من الانقلاب والتصرف؛ ألا ترى أنا إذا سمينا رجلا ب "ضرب" أعربناه لأنه قد صار في حيز ما يدخله الإعراب، وهو الاسمن وإن كنا نعلم أنه قبل أن يسمى به لايعرب لأنه فعل ماض، ولم تمنعنا معرفتنا بذلك من أن نقضي عليه بحكم ما صار منه وإليه، فكذلك أيضا لا يمنعنا بأن ألف "با" "تا" "ثا" غير منقلبة ما دامت حروف هجاء من أن نقضي عليها إذا زدنا عليها ألفا أخرى، ثم همزنا تلك المزيدة بأنها الآن منقلبة عن واو، وأ، الهمزة منقلبة عن ياء إذ صارت إلى حكم الأسماء التي يقضي عليها بهذا ونحوه.
وهذا صحيح منه حسن، ويؤكده عندك أنه لا يجوز وزن "با" "تا" "ثا" "حا" "خا" ونحوها ما دامت مقصورة متهجاة، فإذا قلت: هذه باء حسنة، ونظرت إلى هاء مشقوقه، جاز أن تمثل ذلك، فتقول: وزنه "فعل" كما تقول في "داء" و"ماء" و"شاء" إنه "فعل".
فقال لأبي علي بعض حاضري المجلس: أفيجمع على الكلمة إعلال العين واللام؟
فقال: قد جاء من ذلك أحرف صاحلة، فيكون هذا منها ومحمولا عليها.
والذي زاد على أبي علي هذه الزيادة فتى كان يقرأ ليه يعرف بالبوراني، وكان هذا الفتى -رحمه الله- دقيق الفكر، حسن التصور، بحاثان مفتشا، ولا أظلمه حقه، فقلما رايت ابن سنه في لطف نظره، عفا الله عنا وعنه.
وأنا أذكر الأحرف التي اعتلت فيها العين واللام.(2/411)
فمنها "ماءٌ" وألفه منقلبة عن واو، وهمزته منقلبة عن هاء لقولهم: أمواه، ومُوَيْه، وماهَت الركيّة1 تموه، وقولهم مَوّهتُ عليه الأمر أي: حسنته له فكأني جعلت له عليه طلاوة وماء ليقبله سامعه.
ومنها "شاءٌ" في قول من قال "شُوَيْهة" وتَشَوّهت شاةً إذا صدتها، حكى ذلك أبو زيد، وحكى أيضًا "شِيَهٌ"2 و"أشاوِهُ"3، فـ "شاء" على هذا مما عينه واو، ولامه هاء، وهو نظير "ماء" سواء.
ومن قال "شَوِيّ" فهو من باب "طويت" و"لويت" وصارت "شاء" في هذا القول أخت "باء" و"تاء" و"حاء" على ما فسره أبو علي.
قال النابغة4:
................................ ... .... في شويّ وجاملِ
ومنها ما رويناه عن قطرب من قول الشاعر5:
مَن را مثل معدان بن يحيى ... إذا ما النسع طال على المطية6
ومَن را مثل معدان بن يحيى ... إذا هبت شآمية عَرِيّة7
فأصل هذا "رأى" فأبدل الهمزة ياء كما يقال في "ساءلت": "سايلت" وفي "قرأت": "قريت" وفي "أخطأت": "أخطيت"، فلما أبدل الهمزة التي هي عين ياء أبدل الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم حذف الألف المنقلبة عن الياء التي هي لام الفعل لسكونها وسكون الألف التي هي عين الفعل.
__________
1 ماهت الركية: البئر تحفر، وماهت: حتى بلغ الماء. اللسان "15/ 298" مادة/ مها.
2 شيه: اسم جمع للشاة.
3 وأشاوه: جمع شاة. اللسان "13/ 510".
4 البيت في ديوانه "ص198".
5 البيتان في اللسان "رأى" "14/ 291".
6 النسع: سير مضفور تشد به الرحال. اللسان "8/ 352" مادة/ نسع.
الشاهد فيه "من را" فأصلها "رأى" حيث أبدلت الهمزة ياء ثم قلبت ألفا، ثم حذف الألف.
7 ريح عرية: باردة. اللسان "15/ 45" مادة/ عرا.
الشاهد "را" حيث أبدلت الهمزة ياء.(2/412)
وسألت أبا علي، فقلت له: من قال: "مَن را مثل معدان بن يحيى" كيف ينبغي أن يكون "فَعَلْتُ" منه؟
فقال: "رَيَيْت" ويجعله من باب "حييت" و"عييت"، قال: لأن الهمزة في مثل هذا الموضع إذا أبدلت فإلى الياء تقلب، يريد "سايلته" ونحوه.
وذهب أبو علي في بعض مسائله1 إلى أنه أراد "رأى" وحذف الهمزة كما حذفها من "أَرَيْت" ونحوه. وكيف كان الأمر فقد حذف الهمزة وقلب الياء ألفا، وهذان إعلالان تواليا في العين واللام.
ومنها ما حكاه سيبويه2 من قول بعضهم "جا يجي"، فهذا أبدل الياء التي هي عين الفعل ألفا، وحذف الهمزة تخفيفًا، فأعل العين واللام جميعًا.
ومثله ما حكاه أيضًا من "سا يسو"3.
ومنها أن أبا علي أجاز في قول لبيد4:
بصَبُوح صافيةٍ، وجذب كرينةٍ ... بموَتَّرٍ تَأْتَا له إبهامُها5
فيمن فتح اللام في "لَهُ" أن يكون أراد "تأتوي له" أي: تفتعل له من أويت إليه، أي: عدت إليه، إلا أنه قلب الواو ألفا، وحذف الياء التي هي الفعل لسكونها، فأعل العين واللام جميعًا.
وقد كنت حملت قولهم في النكاح "الباء" أن تكون همزته مبدلة من الهاء التي تظهر في الباه، وعللت ذلك، وأريت وجه الاشتقاق فيهما، ومن أين اشترك "ب وه" و"ب وء" في "الباء" في معنى النكاح إذ كان كل واحد منهما قائما بنفسه غير مقلوب عن صاحبه.
__________
1 انظر المسائل الحلبيات "ق 9/ أ".
2 الكتاب "2/ 171".
3 الكتاب "2/ 171".
4 ديوانه "ص314" وشرح القصائد العشر "ص243"، واللسان "14/ 51" مادة/ أوا.
5 الكرينة: المغنية الضاربة بالعود أو الصنج.
الموتر: ذو الأوتار.
تأتا له: تصلحه.
والشاهد فيه "تأتا له" حيث أراد "تأتوي" فقلب الواو ألفا وحذفت الياء التي هي لام الفعل.(2/413)
وذكرت ذلك في كتابي1 في شرح تصريف أبي عثمان -رحمه الله- فتجنبت الإطالة بذكره هنا.
فإذا كان هذا وغيره مما ندع ذكره اكتفاء بهذا قد أعلت عينه ولامه جميعًا، جاز أيضًا أن تحمل "باء" و"طاء" و"هاء" وأخاوتهن في إعلال عيناتها ولاماتها جميعًا عليه، فقد صار إذن تركيب "طاء" و"حاء" ونحوهما بعد التسمية من "ط وي" ومن "ح وي"وصارا كأنهما من باب "طويت" و"حويت" وإن لم يكونا في الحقيقة منه، ولكنهما قد لحقا بحكمه، وجريا في القضية مجراه، فلو اشتققت على هذا من هذه الحروف بعد التسمية فعلا على "فَعَلْت" لقت من الباء "بويت"، ومن التاء "تويت"، ومن الثاء "ثويت"، ومن الحاء "حويت"، ومن الخاء "خويت" ومن الراء "رويت"، ومن الطاء "طويت"، ومن الظاء "ظويت"، ومن الفاء "فويت"، ومن الهاء "هويت"، ومن الياء "يويت" كما تقول في "فَعَّلت" من "طَوَيت" و"حَوَيت": "طَوّيت" و"حَوّيت".
هذا هو القياس الذي تقضيه حقيقة النظر، وأما المسموع المحكي عنهم فإن يقولوا "ببَّيت، وتيّيت، وثيَّيت، وحيَّيت، وخيَّيت، وطييت، وظييت، ويييت ياء حسنة" وكذلك بقية أخواتها، فظاهر هذا القول يدل من رأيهم على أنهم اعتقدوا أن الألف في نحو: باء، وتاء، وحاء، وخاء بدل من ياء، وجعلوا الكلمة من باب "حييت" و"عييت" ونحوهما مما عينه ولامه ياءان.
والذي حملهم على هذا عندي سماعهم الإمالة في ألفاتهن قبل التسمية وبعدها؛ ألا تراك تقول إذا تهجيت: با تا ثا حا خا را طا ظا ها يا، وقالوا بعد التسمية والنقل: باء، وتاء، وثاء، وحاء، وطاء، وظاء، فلما رأوا الإمالة شائعة في هذه الألفات قبل النقل وبعده حكموا لذلك بأن الألفات فيهن منقلبات عن ياءات، وأنها قد لحقت في الحكم بالألفات المنقلبات من الياءات، فلذلك قالوا: حييت حاء، وطييت طاء، ونحو ذلك. وأنا أذكر وجه الإمالة في هذه الحروف، وأدل على صحة القياس الذي ذهب إليه أبو علي.
__________
1 هو المسمى "المنصف" "2/ 152".(2/414)
أما إمالتهم إياها وهي حروف تهَجٍّ فليس ذلك لأنها منقلبة عن ياء ولا غيرها، وذلك أنها حينئذ أصوات غير مشتقة ولا متصرفة، ولا انقلاب في شيء منها لجمودها، ولكن الإمالة فيها حينئذ إنما دخلتها من حيث دخلت "بلى"، وذلك أنها شابهت بتمام الكلام واستقلاله بها وغناها عما بعدها الأسماء المستقلة بأنفسها، فمن حيث جازت إمالة الأسماء كذلك أيضًا جازت إمالة "بلى"؛ ألا ترى أنك تقول في جواب من قال لك ألم تفعل كذا؟: "بلى" فلا تحتاج "بلى" لكونها جوابا مستقلا إلى شيء بعدها، فلما قامت بنفسها، وقويت، لحقت في القوة بالأسماء في جواز إمالتها كما أميل نحو "أنى" و"متى"، وكذلك أيضًا إذا قلت: با تا ثا قامت هذه الحروف بأنفسها، ولم تحتج إلى شيء يقويها، ولا إلى شيء من اللفظ تتصل به، فتضعف، وتلطف لذلك الاتصال عن الإمالة المؤذنة بقوة الكلمة وتصرفها.
ويؤكد ذلك عندنا ما رويناه عن قطرب من أن بعضهم قال: "لا أفعل" فأمال "لا"، وإنما أمالها لما كانت جوابا قائمة بنفسها، فقويت بذلك فلحقت بالقوة باب الأسماء والأفعال، فأميلت كما أميلا، فهذا وجه إمالتها وهي حروف هجاء.
وأما إمالتها وقد نقلت، فصارت أسماء، ومُدّت، فإنما فعلوا ذلك لأن هذه الألفات قد كانت قبل النقل والمد مألوفة فيها الإمالة، فأقروها بعد المد والتسمية والإعراب بحالها؛ ليعلموا أن هذه الممدودة المعربة هي تلك المقصورة قبل النقل المبنية، لا لأن هذه الألفات عندهم الآن بعد النقل والمد مما سبيله أن يقضى بكونه منقلبا عن ياء. ولهذا نظائر في كلامهم، منها إمالتهم الألف في "حُبالى" ليعلم أن الواحدة قد كانت فيها ألف ممالة، وهي حبلى، فالألف الآن في "حبالى" إنما هي بدل من ياء "حبال" كما قالوا "دعوى" و"دعاوٍ" ثم أبدلوا من ياء "حَبال" ألفا، وأمالوها كما كانت في الواحد ممالة، محافظة على الواحد، فكذلك حافظ هؤلاء أيضًا، فأمالوا قولهم: هذه حاء وياء لقوهم قبل الإعراب: با تا ثا حا خا.
ومما راعوا فيه حكم غيره مما هو أصل له إعلالهم العين في نحو: "أقام" و"أسر" و"استقام" و"استسار"؛ ألا ترى أن الأصل في هذا "أقوم" و"أسير" و"استقوم" و"اسْتَسْيَر" فنقلوا فتحة الواو والياء إلى ما قبلهما، وقلبوهما لتحركهما في الأصل وانفتاح ما قبلهما الآن، ولولا أنهما انقلبتا في "قام" و"سار"(2/415)
اللتين أصلهما "قَوَم" و"سَيَر" لما قلبتا في "أقوَمَ" و"أسيَرَ" لأنهما في "أقوم" و"أسير" ساكن ما قبلهما، وإذا سكن ما قبل الواو والياء صحتا، وجرتا مجرى الصحيح، ولكن لما أعلتا في "قام" و"سار" لتحركهما وانفتاح ما قبلهما حملتا في "أقام" و"أسار" على اعتلال الثلاثي في "قام" و"سار"؛ أفلا تراهم كيف راعوا في الرباعي وما فوقه حكم الثلاثي، ولولا جريانه عليه واتباعه في الإعلال له لوجب تصحيحيه وخروجه سالما على أصله.
فكذلك أيضًا أميلت "حاء" و"خاء" لإمالة "حا" "خا". فقد صح بما ذكرناه أنه لا اعتداد بإمالة هذه الألفات مقصورة كانت أو ممدودة؛ إذ كان ذلك لا يدل على أنهن منقلبات عن الياء إذ قد أميلت وهي مقصورة، وإذا كانت مقصورة جرت مجرى "لا" و"ما" ونحو ذلك مما ألفه غير منقلبة البتة.
فإذا لم يكن في إمالتها دلالة على كونها منقلبة، كما لم يدل ذلك في ألف "بلى" و"لا" و"يا" في النداء، ثبت أن الأمر فيها على ما ذهب إليه أبو علي من أن العين سبيلها أن تكون واوًا، وتكون اللام ياء لتكون الكلمة من باب "طويت" و"شويت" و"ضويت" لأنه أكثر من باب "حييت" و"عييت" ومن باب "قويت" و"حويت" من القوة والحوة. فلو لم يكن في هذا إلا الجنوح إلى الكثرة والرجوع إليها عن القلة لكان سببا قويا، وعذرا قاطعا، فكيف به وقد دللنا على قوته لما قدمناه.
ولو جمعت هذه الحروف بعد النقل على نحو "باب أبواب" و"ناب وأنياب" لأظهرت العين صحيحة لسكون ما قبلها، فقلت على مذهب أبي علي في باء: أبواء، وفي تاء: أتواء، وفي ثاء: أثواء، وفي حاء: أحواء، وفي خاء: أخواء، وفي راء: أرواء، وفي طاء: أطواء، وفي ظاء: أظواء، وفي فاء: أفواء، وفي هاء: أهواء، وفي ياء: أياء، وأصلها أيواء، ففعل بها ما فعل بأيوام جمع يوم.
وعلى قول العامة سوى أبي علي: أبياء، وأتياء، وأحياء، وأخياء، وأرياء، وأطياء، وأظياء، وأفياء، وأهياء، وأياء أيضًا. ومن ذهب إلى التأنيث فجمعهما على أفعل نحو: نار، وأنؤر، ودار وأدؤر، وساق وأسؤق، قال على مذهب أبي على: باء وأبو، وتاء وأتو، وثاء وأثو، وحاء وأحو، وخاء وأخو،(2/416)
فأجراه مجرى: جدْي وأجْدٍ، وظبي وأظْبٍ، وفي اليا: ياء وأي، وأصلها "أيوي" فقلبت الواو لوقوع الياء ساكنة قبلها، فاجتمعت ثلاث ياءات، فحذفت الأخيرة منهم تخفيفًا كما حذفت من تصغير "احوى": "أُحَيّ"، فصار "أيّ".
وعلى قول الجماعة غيره: أَبْيٍ، وأتْيٍ، وأحْىٍ، وأخْيٍ، وفي الياء: أيٍّ بالحذف كما تقدم، فاعرف ذلك، فهذه أحكام الحروف التي على حرفين.
وأما ما كان على ثلاثة أحرف فعلى ضربين:
أحدهما: ما ثانيه ياء، والآخر: ما ثانيه ألف.
الأول: جيم، سين شين عين غين ميم، فسبيل هذه أن تجري بعد النقل والإعراب مجرى "ديك" و"فيل" و"بيت" و"قيد" مما عينه ياء. ومن قال في "ديك" و"فيل" إنه يجوز أن يكون "فُعْلًا" و"فِعْلًا" جميعًا، وهو الخليل1، احتمل عنده جيم، سين، شين، ميم، أن تكون أيضًا "فُعْلًا" و"فِعْلًا" جميعًا فأما عين غين ففَعْلٌ لا غير.
فإن قلت: فهل تجيز أن يكون أصلهما "فَيْعِلًا" كميِّت وهين ولين، ثم حذفت عين الفعل منهما؟
فإن ذلك هنا لا يجوز ولا يحسن من قبل أن هذه حروف جوامد بعيدة عن الحذف والتصرف.
فإن بنيت منها "فَعَّلْت" قلت: جَيَّمت جيما، وسنيت سينا، وشينت شينا، وعينت عينا، وغينت غينا، وميمت ميما. وتقول في الجمع: أجيام، وأسيان، وأشيان، وأعيان، وأغيان، وأميام، بلا خلاف لظهور العين ياء فيهن. ولو جاءت على "أفْعُل" لقلت: أجيُم، وأسين، وأشين، وأعين، وأغين، وأميم.
وأما ما ثانية ألف: فدال، وذال، وصاد، وضاد، وقاف، وكاف، ولام، وواو. فهذه الحروف مادامت حروف هجاء لم تمثل، ولم يقض فيها بقلب ولا غيره مما لا يوجد في الحروف، فإن نقلتها إلى الاسمية لزمك أن تقضي بأن الألف فيهن
__________
1 هذا قول سيبويه. انظر/ الكتاب "2/ 187-189".(2/417)
منقلبة عن واو، وذلك مما وصى به سيبويه لأنه هو الأكثر في اللغة؛ ألا ترى إلى كثرة: بابٍ، ودارٍ، ونارٍ، وجارٍ، وغارٍ، وساقٍ، وطاقٍ، وهامةٍ، وقامةٍ، ولابة1، وعادة، ورادة2، وسادة، وذلدة3، وشارة4، وزارة5، وقلة نابٍ، وعابٍ، وغابٍ، وعارٍ، ورارٍ6. فعلى الأكثر ينبغي أن يحمل، فإذا كان ذلك فلو بنيت منه "فَعَّلْت" لقلت: دَوَّلت دالا، وذَوّلت ذالا، وصودت صادا، وضودت ضادا، وقوفت فاقا، وكوفت كافا، ولومت لاما.
فأما "الواو" فقد ذكرنا ما في ألفها من الخلاف، فمن ذهب إلى أن ألفها منقلبة عن ياء وجب عليه أن يقول في "فَعَّلت" منها: "وييت واوًا" وأصلها "ويوت" إلا أن الواو لما وقعت رابعة قلبت ياء كما قلبت في: غَدَّيت، وعشيت، وقضيت، ودنيت، فصارت: وييت.
ومن ذهب إلى أن ألفها منقلبة من واو لزمه أن يقول: أَوّيت، وأصلها: وَوَّوت، فلما التقت في أول الكلمة واوان همزت الأولى منهما كما همزت الواو الأولى من "الأولى" وأصلها "وُوْلَى" لأنها "فُعلى" من "أَوّل" و"أول" فاؤه وعينه واوان لأنه "أفعل".
وقد ذكرت في كتابي7 في تفسير تصريف أبي عثمان خلاف الناس في "أول" كما همزوا تصغير "واصل" وجمعه في قولهم: "أُوَيْصل" و"أَوَاصل"، وأصله "وُوَيْصل" و"وَوَاصِل" فهمزت الواو الأولى لاجتماع الواوين في أول الكلمة.
ومثله قول الشاعر8:
__________
1 لابة: الحرة من الأرض. اللسان "1/ 745" مادة/ لوب.
2 الرادة: من النساء: التي تزود وتطوف، وريح رادة: إذا كانت هوجاء تجيء وتذهب.
3 ذادة: جمع ذائد، وهو الرجل الحامي الحقيقة.
4 شارة: الحسن الهيئة واللباس.
5 الزارة: الجماعة الضخمة من الناس والإبل والغنم. اللسان "4/ 338" مادة/ زور.
6 رار: مخ رار، أي: ذائب فاسد من الهزال، وشدة الجذب. اللسان "4/ 314".
7 المصنف "2/ 201-204".
8 هو مهلهل بن ربيعة أخو كليب وائل، اسمه عدي، أو امرؤ القيس. المقتضب "4/ 214".
والبيت ذكره صاحب اللسان مادة "وقى" دون أن ينسبه، وكذا العيني "3/ 524".(2/418)
ضربتْ صدرَها إلى وقالت ... ياعَديا لقد وَقَتْك الأواقي1
فالأواقي: جمع واقية، وأصلها وَواقٍ، فهمزت الواو الأولى.
وقال2:
فإنك والتأبين عُروة بعدما ... دعاك وأيدينا إليه شوارع
لكالرجل الحادي وقد تَلَع الضحى ... وطيرُ المنايا فوقهن أَواقع
جمع: واقعة.
وقال الآخر3:
شهمٌ إذا اجتمع الكُماة، وأُلجمت ... أفواقهُا بأواسط الأوتارِ4
يريد جمع: واسط، وأصلها "وَوَاسط". فلما همزت الواو الأولى صار اللفظ في التقدير إلى "أوَّوت" فلما وقعت الواو رابعة قلبت ياء كما تقدم ذكره آنفا، فصارت "أوَّيت"، هذا هو صريح القياس وحقيقته.
وأخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن يعقوب بن مقسم عن أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب، قال: ما كان على ثلاثة أحرف الأوسط منه ياء فليس فيه إلا وجه واحد بالياء، تقول: سيَّنْت سينا، وعينت عينا. وقال بعضهم في "ما" و"لا" من بين أخواتها: مَوَّيت ماء حسنة، ولويت لاء حسنة، بالمد لمكان الفتحة من "ما" و"لا". وتقول في الواو وهي على ثلاثة أحرف الأوسط ألف بالياء لا غير لكثرة الواوات، تقول: ويَّيت واوًا حسنة.
وبعضهم يجعل الواو الأولى همزة لاجتماع الواوين، فيقول: أويت واوًا حسنة. انتهت الحكاية عن أبي بكر.
__________
1 الشاهد فيه "الأواقي" وأصلها "وواق" حيث قلبت الواو الأولى همزة.
2 البيت في اللسان مادة "وقع" "8/ 404" ينسب للمهلهل بن ربيعة، وكذا الخزانة "2/ 165".
3 البيت في اللسان "وسط" "7/ 427".
4 الأفواق: جمع الفوق من السهم وهو موضع الوتر.
والشاهد فيه "بأواسط" جمع "واسط" وأصلها "وواسط" فقلبت الواو الأولى همزة.(2/419)
فأما ما أجازه من قوله: "ووَّيت" فمردود عندنا؛ لأنه إذا لم تجتمع واوان في أول الكلمة فالثلاث أحرى بأن لا يجوز اجتماعها. فأما قوله عز اسمه: {مَا وُوْرِيَ عَنْهُمَا} [الأعراف] فإنما اجتمعت في أوله واوان من قِبَل أن الثانية منهما مدة مبدلة من ألف "واريت" وليست بلازمة، فلأجل ذلك لم تُعتدّ.
وأما قوله: "وبعضهم يجعل الواو همزة" فهذا هو الصواب الذي لا بد منه، ولا مذهب لنظار عنه. وأما ما حكاه من قولهم في "ما" و"لا": مويت، ولويت، فإن القول عندي في ذلك أنهم لما أرادوا اشتقاق "فعلت" من "ما" و"لا" لم يمكن ذلك فيهما وهما على حرفين، فزادوا على الألف ألفا أخرى، ثم همزوا الثانية كما تقدم، فصارت "ماء" و"لاء"، فجرت بعد ذلك مجرى "باء" و"حاء" بعد المد.
وعلى هذا قالوا في النسب إلى "ما" لما احتاجوا إلى تكميلها اسما محتملا للإعراب: قد عرفت مائية الشيء، فالهمزة الآن إنما هي بدل من ألف ألحقت ألف "ما" وقضوا بأن ألف "ماء" و"لاء" مبدلة من واو كما قدمناه من قول أبي علي، وأن اللام منهما ياء حملا على "طويت" و"رويت"، ثم لما بنوا منهما "فعلت" قالوا: مويت ماء حسنة، ولويت لاء حسنة.
وقوله: "لمكان الفتحة فيهما" أي: لأنك لا تميل "ما" و"لا" فتقول "ما" و"لا"، أي فذهب إلى أن الألف فيهما من واو.
وهذا هو الذي حكيناه عنهم من أن اعتقادهم أن ألف "باء" و"حاء" وأخواتهما منقلبة عن ياء لأجل ما فيهما من الإمالة، حتى إنهم لما لم يروا في "ما" و"لا" إمالة حكموا بأن ألفهما منقلبة من واو.
وقد ذكرنا وجه الإمالة من أين أتى هذه الألفات، ودللنا على صحة مذهب أبي علي فيما مضى من هذا الفصل.
ولو جمعت هذه الأسماء على "أفعال" لقلت في دال، وذال: أدوال، وأذوال، وفي صاد، وضاد: أصواد وأضواد، وفي قاف، وكاف: أقواف، وأكواف، وفي لام: ألوام، وفي واو فيمن جعل ألفها منقلبة عن واو: أواء،(2/420)
وأصلها أوّاو، فلما وقعت الواو طرفًا بعد ألف زائدة قلبت ألفا، ثم قلبت تلك الألف همزة كما قلنا في أبناء، وأسماء، وأعداء، وأفلاء1.
ومن كانت ألف "واو" عنده من ياء قال إذا جمعها على "أفعال": "أيّاء"، وأصلها عنده "أوْياء" فلما اجتمعت الواو والياء وسبقت الواو بالسكون قلبت الواو ياء، وأدغمت في الياء التي بعدها، فصارت "أيَّا" كما ترى.
ومن جمع ذلك على "أفعُل" قال: أدوُل، وأذوُل، وأصود، وأضود، وأقوف، وأكوف، وألوم.
ومن كانت عين "واو" عنده واوًا قال في جمعها على "أفْعُل": "أوٍّ"، وأصلها "أوُّوٌ" فلما وقعت طرفًا مضمومًا ما قبلها أبدل من الضمة كسرة، ومن الواو ياء، فقال: "أوٍّ" كما قالوا: دلْوٌ وأدْلٍ، وحقُو وأحُقٍ.
ومن كانت عين "واو" عنده ياء قال في جمعها على "أفعُل": "أيٍّ"، وأصله "أوْيُوٌ" فلما اجتمعت الواو والياء، وسبقت الواو بالسكون قلبت الواو ياء، وأدغمت في الياء بعدها، فصارت "أيُّوٌ" فلما وقعت الواو طرفًا مضمومًا ما قبلها أبدلت من الضمة كسرة، ومن الواو ياء على ما ذكرناه الآن، فصار التقدير "أيُّيٌ"، فلما اجتمعت ثلاث ياءات والوسطى منهم مكسورة حذفت الياء الأخيرة، كما حذفت في تحقير "أحْوى" و"أعْيا" في قولهم "أُحَيٌّ" و"أُعَيٌّ" فكذلك قلت أنت أيضًا "أي".
وأما "نون" فإن أمرها ظاهر لأن عينها واو كما ترى. ومن قال في "فُعْل" من البيع: "بُوْعٌ"- وهو أبو الحسن، ويشهد بصحة قوله هَيْف وهُوْف2- لم يجز له مثل ذلك في "نون" أن تكون واوها بدلا من ياء لقولهم: نونت الكلمة تنوينًا، وهذا حرف منون، فظهور الواو في هذه المواضع ولا ضمة قبلها، يدل على أن الواو فيها أصل غير بدل.
فإن جمعتها على "أفعال" قلت "أنوان" وعلى "أفعُل": "أنون".
__________
1 أفلاء: جمع فلو، وهو الجحش والمهر إذا فطم. اللسان "15/ 162" مادة/ فلا.
2 وهوف: الهيف والهوف: الريح الباردة الهبوب. اللسان "9/ 351" مادة/ هيف.(2/421)
ومن همز الواو لانضمامها، فقال1:
لكل دهر قد لبست أثؤبا2
وقال3:
................................... ... مصابيح شبت بالعشاء وأنؤر4
همز أيضا هذا فقال: أنؤن، وأكؤف، وأقؤف، وأدؤل، وأذؤل، وأصؤد، وأضؤد.
وأما "زاي" فيمن لفظ بها ثلاثية هكذا فألفها على ما قدمناه ينبغي أن تكون منقلبة عن واو، ولامه ياء كما ترى، فهو من لفظ "زويت"5 إلا أن عينه أعتلت، وسلمت لامه، ولحق بباب: غاي، وراي، وثاي، طاي، وآي في الشذوذ لاعتلال عينه وصحة لامه. وقولي "اعتلت" إنما أريد به أنها متى أعربت فقيل: هذه راي حسنة، أو: كتبت زايا صغيرة أو نحو ذلك، فإنها بعد ذلك ملحقة في الاعتلال بباب "راي" و"غاي" إلا أنه مادام حرف هجاء فألفه غير منقلبة، فلهذا كان عندي قولهم في التهجي "زاي" أحسن من "غاي" و"طاي" لأنه ما دام حرفا فهو غير مصرف، وألفه غير مقضي عليها بالانقلاب، "غاي" وبابه متصرف، فالانقلاب، وإعلال العين، وتصحيح اللام جار عليه ومعروف به.
ولو اشتققت منها "فعلت" لقلت "زويت" وإن كانت الإمالة قد سمعت في ألفها. وهي على مذهب أبي علي "زويت" ايضا، وعلى قول غيره: زييت زايا.
وإن كسرتها على "أفعال" قلت "أزواء" وعلى قول غير أبي علي "أزياء" إن صحت إمالتها. وإن كسرتها على "أفعل" قلت "أزو" و"أزي" على المذهبين.
__________
1 نسب البيت لمعروف بن عبد الرحمن في شرح أبيات سيبويه "2/ 392".
2 الشاهد فيه: "أثوب" حيث جمعت على "أفعل"، ويجوز جمعها على "أفعال" فتقول: "أثواب".
3 البيت لعمر بن أبي ربيعة وهو في ديوانه، وبغير نسبه في المقتضب "2/ 250".
4 الشاهد فيه "أنور" حيث جمعت على أفعل ويجوز "أنوار".
5 زويت: زوى مابين عينيه: قطب وعبس. اللسان "14 / 364" مادة/ زوى.(2/422)
وأما من قال "زَي" وأجراها مجرى "كي" فإنه إذا اشتق منها "فعَّلت" كملها قبلُ اسما فزاد على الياء ياء أخرى، كما أنه إذا سمى رجلا بـ "كى" ثقل الياء، فقال: هذا كيٌّ، وكذلك تقول أيضًا "زيٌّ" ثم تقول منه "فعَّلت": "زييت" كما تقول من "حَيِيت": "حَيّيت".
فإن قلت: فإذا كانت الياء من "زيْ" في موضع العين فهلا زعمت أن الألف من "زاي" ياء لوجودك العين في "زَي" ياء؟
فالجواب: أن ارتكاب هذا خطأ من قبل أنك لو ذهبت إلى هذا لحكمت بأن "زي" محذوفة من "زاي" والحذف ضرب من التصرف، وهذه الحروف كما تقدم جوامد لا تصرف في شيء منها.
وأيضًا فلو كانت الألف في "زاي" هي الياء في "زي" لكانت منقلبة، والانقلاب في هذه الحروف مفقود غير موجود.
وعلقت عن أبي علي في شرح الكتاب لفظا من فيه قال: من قال "اللاء" فهو عنده كالباب، ومن قال "اللائي" فهو عنده كالقاضي، قال: ولا يكون "اللاء" محذوفًا من "اللائي". فإذا لم يجز الحذف في هذه الأسماء التي توصف ويوصف بها، ويحقر كثير منها، وتدخل عليها لام التعريف المختصة بالأسماء، فأن لا يجوز الحذف في حروف الهجاء التي هي جوامد أبدا أحرى. ولو جمعتها لقلت في القولين جميعًا "أزياء" و"أزي".
فأما قولنا "ألف" فأمرها ظاهر، ووزنها "فَعِلٌ" وعينها ولامها صحيحتان كما ترى.
وأما الألف الساكنة التي هي مدة بعد اللام في قولهم "و. لا. ي" فلا يجوز أن تسميها كما تسمي أول ما تجده في لفظك من "ضرب" بقولك "ضادٌ" وثانيه بقولك "راء" وثالثه بقولك "باء" من قبل أنك تجد في أوائل هذه الحروف التي تسميها بهذه الأسماء المبنية لفظ الحرف الذي تريده، والألف أبدا ساكنة، فلا يمكن تسميتها لأنه كان يلزمك أن توقع الألف الساكنة أول ذلك الاسم المبني، والساكن لا يمكن ابتداؤه، فرفض ذلك لذلك، وقد تقدم ذكر هذا.(2/423)
ألا ترى أن أول قولك "جيم" جيم، وأول "طاء" طاء، وهذا واضح.
فإن تكلفت أن تبني من الألف الساكنة في قولنا "لا" مثال "فَعَّلت" لم يمكنك ذلك حتى تتم الألف الساكنة ثلاثة أحرف؛ لأنه لا يمكن الاشتقاق من كلمة على أقل من ثلاثة أحرف، فيلزمك على ذلك أن تزيد على الألف ألفا أخرى ليكون الثاني من لفظ الأول، كما أنك إذا سميت رجلا "لا" زدت على الألف ألفا أخرى، وهمزتها لأنك حركتها لالتقاء الساكنين، فقلت "لاء" وفي "ذا": "ذاء" وفي "ما": "ماء" فتزيد على الألف من"لا" وهي ساكنة كما ترى ألفا أخرى بعد أن تزيل اللام التي كانت الألف معتمدة عليها؛ لأنك الآن إنما تريد تكميلها للبناء منها، ولست تريد الآن أن تلفظ بها فتتركها مدعومة باللام من قبلها، وإنما حذفت اللام لأنها زائدة، والبناء أبدا من الأصول لا من الزوائد، فيصيرك التقدير إلى أن تجمع بين ألفين ساكنين، وذل لا يمكنك اللفظ به لتعذر الابتداء بالساكن، إلا أنك تعلم أن هذا الذي أشْكُله الآن صورتهما، وهو "أاْ" فيلتقي ألفان ساكنتان، فلا يمكن الابتداء بالأولى منهما لسكونها، فلا تخلو حينئذ من حذف إحداهما أو حركتها، فلا يمكن الحذف لأنك لو حذفت إحداهما عدت إلى اللفظ بالواحدة التي عنها هربت، فكان ذلك يكون مؤديا إلى نقض الغرض الذي أجمعته من تكميل الحرف بالزيادة فيه للبناء منه، فلما لم يسغ الحذف وجب تحريك إحداهما، فكانت الألف الأولى أولى بالحركة ليمكن الابتداء بها، فلما حركت كان الكسر أولى بها إذ الحركة فيها إنما هي لالتقاء الساكنين، فانقلبت همزة على حد ما قدمناه من الألف إذا حركت قلبت همزة نحو: "شأبَّة" و"دأبَّة" وما أشبه ذلك.
فلما حركت الألف الأولى فقلبت همزة مكسورة انقلبت الألف الثانية ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، كما قلبت في نحو: "قراطيس" و"حماليق" جمع "قرطاس" و"حملاق" فصار اللفظ حينئذ "إي" فلما أردت التكملة زدت على الياء ياء أخرى، كما أنك لو سميت رجلا بـ "في" زدت على الياء باء أخرى، فقلت هذا "في" فصار اللفظ فيما بعد "إي".
فإن بنيت من "إي" هذا "فعلت" كما قلت قوفت قافا، وكوفت كافا، وسينت سينا، وعينت عينا، وجب عليك أن تقول "أويت".(2/424)
فإن سأل سائل فقال: من أين لك الواو في هذا المثال، وأنت تعلم أن الأول من الحرفين المدغم إنما هو ياء في "أي" ثم زدت على الياء كما زعمت ياء أخرى، فصار "إي" ولسنا نجد للواو هنا مذهبا ولا أصلا، أولست لو بنيت "فعَّلت" من "في: لقلت: فييت فيًّا حسنة، ومن "إي" في قوله تعالى: {إي وربي} [يونس: 53] : أييت، فهلا قلت قياسا على هذا أبيت؟
فالجواب: أن الياء في "في" و"إي" أصلان لا حظ لهما في غيرهما، فوجب عليك إذا أردت أن تكملهما ثلاثيتين أن تعتقد أن الياء فيهما عينان، فإذا زدت على الياء ياء أخرى مثلها صارت الكلمة عندك كأنها من باب "حييت" و"عييت" من مضاعف الياء، فلذلك قلت: فييت فيا، وأييت إيا، وأما الياء في "إي" في الهجاء على ما تأدت إليه الصنعة، فإنما هي بدل من الألف الثانية من الألفين اللتين صورتهما "اا"، ثم قلبت ياء لانكسار الألف الأولى قبلها، فصارت "إي" فقد علمنا بذلك أن أصلها الألف، وأنها إنما قلبت للكسرة قبلها، وإذا كانت الألف المجهولة ثانية عينا أو في موضع العين وجب على ما وصى به سيبويه1 -وقد ذكرناه- أن يعتقد فيها أنها منقلبة عن واو، وإذا كان ذلك كذلك فقد صارت "إي" على هذا الاعتقاد مثل "قي" من القواء2، و"سي" من السواء، ولحقت بما عينه واو ولامه ياء نحو "طويت" و"شويت"، فكما أنك لو بنيت "فعّلت" من "القي" و"السي" لقلت: "قويت" و"سويت" فأظهرت العينين واوين لزوال الكسرة قبلها، وكونها ساكنة قبل الياء، فكذلك ينبغي أن تقول في "أي": "أويت".
فإن جمعت: "إيا" هذه على "أفعال" أقررت الفاء همزة بحالها، وقلت "آواء". وإذا كانوا قد أقروا الهمزة التي هي بدل من العين بحالها في "قويئم" تحقير "قائم" فهم بإقرار الفاء المبدلة همزة بحالها أجدر.
وإن كسرتها على "أفعل" قلت "آو" كما ترى، فاعرف هذا، وتأمله، فإن أحدا من العلماء لم يعمله فيما علمته، ولا تضمنه كتاب، ولا اشتمل عليه تعليق، وهو من غامض3 صنعة التصريف، ولطيف هذا العلم المصون الشريف.
__________
1 الكتاب "2/ 127".
2 القواء: الأرض التي لم تمطر. اللسان "15/ 210".
3 غامض: ما لا يفهم.(2/425)
وهذا فصل: مذهب مزج العرب الحروف بعضها ببعض
اعلم أن حروف المعجم تنقسم على ضربين: ضرب خفيف، وضرب ثقيل، وتختلف أحوال الخفيف منهما، فيكون بعضه أخف من بعض، وتختلف أيضًا أحوال الثقيل منهما، فيكون بعضه أثقل من بعض. وفي الجملة فأخف الحروف عندهم وأقلها كلفة1 عليهم الحروف التي زادوها على أصول كلامهم، وتلك الحروف العشرة المسماة حروف الزيادة، وهي: الألف، والياء، والواو، والهمزة، والميم، والنون، والتاء، والهاء، والسين، واللام، ويجمعها في اللفظ قولك "اليوم تنساه" وإن شئت قلت "سألتمونيها"، وإن شئت قلت "هويت السمان".
فإن قلت: ألست تعلم أن الهمزة مستثقلة عندهم، ولذلك ما دخلها الحذف والبدل في الكثير من الكلام، فلم ذكرتها في الحروف الخفيفة؟
فالجواب: أن الهمزة وإن كانت كذلك فإنك قادر على إعلالها وقلبها والتلعب بها تارة كذا وتارة كذا، وهذا لا يمكنك في الجيم ولا في القاف ولا في غيرهما من الحروف الصحاح؛ وأيضًا فإن مخرجها مجاور لمخرج أخف الحروف، وهى الألف، وأيضًا فإنها لتباعدها من الحروف ما يستروح إلى مزج المتقارب مما بعد عنها بها؛ ألا ترى أنك تقول "دأب"2 فتفصل بين الدال والباء بالهمزة، فيكون ذلك أحسن من فصلك بينهما بالفاء لو جاء عنهم نحو "دَفَبَ"3، وتقول "نَأَلَ"4 فتفصل بها بين النون واللام، ولو فصل بينهما بالراء، فقيل "نرل" لم يكن حسنا، فالهمزة وإن
__________
1 كلفة: تجشم الشيء على مشقة وعلى خلاف عادتك. اللسان "9/ 307" مادة/ كلف.
2 دأب: الشاهد فيها الفصل بين الدال والياء بهمزة، كما ذكر ابن جني.
3 دفب: يقصد دأب ويتم الفصل بين الدال والباء بالفاء وهو مستقبح.
4 نأل: مشى ونهض برأسه إلى فوق مثل الذي يعدو وعليه حمل ينهض به.(2/427)
ثقلت في بعض الأحوال وتباعدت ففيها من المنفعة في الفصل ما ذكرت لك، هذا مع ما وصفناه من مجاورتها للألف، وأنها مما يمكن إعلاله وتقليبه والتلعب به.
واعلم أن أقل الحروف تألفا بلا فصل حروف الحلق، وهي ستة: الهمزة، والهاء، والعين، والحاء، والغين، والخاء، فسبيل هذه الحروف متى اجتمع منها في كلمة اثنان أن يكون بينهما فصل، وذلك نحو: هدأت، وخبأت، وعبء، وخيعل1، وغيهب2، وحضأت النار3، وحطأت به الأرض4، فهذه حال هذه الحروف، وحكمها ألا تتحاور غير مفصولة إلا في ثلاثة مواضع:
أحدها: أن تُبتدأ الهمزة، فيجاورها من بعدها واحد من ثلاثة أحرف حقلية، وهي: الهاء، والحاء، والخاء، فالهاء نحو: أهل، وأهر5، وإهاب، وأهبة، وهذا خاصة قد تتقدم فيه الهاء الهمزة، وذلك نحو: بهأت6، ونَهِئَ اللحم7.
والحاء نحو: أحَد، وإحْنة8، والخاء نحو: أخذ، وأخر. فأما قولهم حأحأت بالكبش: إذا دعوته فقلت: حؤحؤ، وهأهأت بالإبل: إذا قلت لها: هأهأ، فإنما احتمل فيه تأخر الهمزة عن الحاء والهاء لأجل التضعيف، لأنه يجوز فيه ما لا يجوز في غيره.
الثاني: ائتلاف الهاء مع العين، ولا تكون العين إلا مقدمة، وذلك نحو: عَهْد، وعَهَر9، وعِهْن.
الثالث: ائتلاف العين مع الخاء، ولا تكون الخاء إلا مقدمة، وذلك نحو: بَخَعَ10، والنخَع11.
__________
1 خيعل: الفرو، وقيل: درع يخاط أحد شقيه تلبسه المرأة كالقميص. اللسان "11/ 210".
2 غيهب: الثقيل الرخم، والبليد، والضعيف من الرجال. اللسان "1/ 654".
3 حضأت النار: أوقدتها.
4 حطأ به الأرض: ضربها به وصرعه.
5 وأهر: اسم جنس، واحدة أهرة وهو متاع البيت. اللسان "4/ 34" مادة/ أهر.
6 بهأت: بهأت به: أنست.
7 نهئ الحم: لم ينضج.
8 إحنة: الحقد في الصدر. اللسان "13/ 8" مادة/ أحسن.
9 عهر: عهر إليها: أتاها ليلا للفجور، ثم غلب على الزنا مطلقا. اللسان "4/ 611".
10 بخع: بخع نفسه: قتلها غيظا أو غما.
11 النخع: قبيلة من الأزد، أو اليمن.(2/428)
ولأجل ما ذكرناه من ترك استعمالهم لحروف الحلق متجاورة ما قل تضعيفهم إياها، وذلك نحو: الضغيغة1، والرغيغة2، والمهه3، والبحح4، والشعاع5، وقد كنا ذكرنا نحوا من هذا في أول الكتاب.
وأحسن التأليف ما بوعد فيه بين الحروف، فمتى تجاور مخرجا الخرفين فالقياس ألا يأتلفا، وإن تجشموا6 ذلك بدأوا بالأقوى من الحرفين، وذلك نحو: "أرل"7 و"ورل"8 و"وتد" و"محتد"، فبدأوا بالراء قبل اللامن وبالتاء قبل الدال لأنهما أقوى منهما. ويدلك على قوة الراء والتاء على اللام والدال أنك إذا ذقتهما ساكنتين، ووقفت عليهما وجدت الصوت ينقطع عند التاء بجرس قوي، ووجدته ينقطع عند الدال بجرس خفي، وذلك قولك "إت" "إد" وكذلك الراء واللام، فإذا وقفت على الراء وجدت الصوت هناك مكررا، ولذلك اعتدت في الإمالة بحرفين، وإذا وقفت على اللام وجدت في الصوت لينا وغنة، وذلك قولك "إر" "إل".
ويؤكد عندك قوة الراء على اللام أنك لا تكاد تجد اللام معتاصة على أحد، وكثرة ما تجد الراء متعذرة على كثير من الناس لاسيما الأرت9، حتى إنك لا تستبينها في كلامه.
ويتلو حروف الحلق حروف أقصى اللسان، وهي القاف، والكاف، والجيم، وهذه لا تتجاوز البتة، لاتجد في الكلام نحو "قج" ولا "جق" ولا "كج" ولا "جك" ولا "قك" ولا "كق".
__________
1 الضغيغة: الروضة الناضرة المتخلية. اللسان "8/ 443" مادة/ ضغغ.
2 الرغيغة: طعام مثل الحسا يصنع بالتمر. وهو لبن يغلي عليه دقيق يتخذ للنفساء.
3 المهه: الحسن. اللسان "13/ 541" مادة/ مهة.
4 البحح: غلظ في الصوت وخشونة. اللسان "2/ 406" مادة/ بحح.
5 الشعاع: وهو تفرق الدم وغيره. اللسان "8/ 181" مادة/ شعع.
6 تجشموا: تكلفوه على مشقه. اللسان "12/ 100" مادة/ جشم.
7 أرل: جبل معروف. اللسان "11/ 13" مادة/ أرل.
8 ورل: دابة على خلقة الضب إلا أنه أعظم منه. اللسان "11/ 724" مادة/ ورل.
9 الأرت: الذي في لسانه عقدة وحبسة ويعجل في كلامه فلا يطاوعه لسانه.(2/429)
فأما قول رؤبة1:
لواحق الأقراب فيها كالمقق2
وقولهم "يأجج" و"مأجج"3 و"سكك" فإنما جاز ذلك وإن كان متكررا من قبل أن المكرر معرض في أكثر أحواله للإدغام؛ ألا تراك تقول: فرس أمق4، ومج فوه5، وأجت النار6، وسكة7، والحرفان المتجاوران لا يمكنك إدغام أحدهما في صاحبه حتى تتكلف قبله إلى لفظه، ثم تدغمه، فكانت المشقة فيه أغلظ، فرفض ذلك لذلك، ولأجل هذا ما جاء عنهم في حروف الحلق التي تباعدت عن معظم الحروف، فلم تسطها، نحو المهه، والبحح، والبعع8، والرخخ، وهو السهولة واللين9، ولم يأت عنهم ذلك في المتجاور منها إلا فيما حددناه في أول هذا الفصل؛ ألا ترى أنهم لم يأت عنهم فيها نحو: المهح، ولا البحع، ولا الرخغ لما ذكرت لك.
ولهذا أيضا ما جاء عنهم نحو: الشمم، والخبب10، والحفف11، ولم يأت نحو: السمب، ولا الحبف، ولا الخعم، وذلك أن الصوت إذا انتحى مخرج حرف، فأجرس فيه، ثم أريد نقله عنه، فالأخلق بالحال أن يعتمد به مخرج حرف يبعد عنه ليختلف الصوتان، فيعذبا بتراخيهما، فأما أن ينقل عنه إلى مخرج حرف يبعد عنه ليختلف الصوتان، فيعذبا بتراخيهما، فأما أن ينقل عنه إلى مخرج يجاوره وصدى يناسبه، ففيه من الكلفة ما في نقد الدينار من الدينار ونحو ذلك، ففي هذا إشكال، وفيهما إذا تباعدا من الكلفة ما في نقد الدينار من الدرهم، أو نحو ذلك، وهذا أمر واضح غير مشكل، فلذلك حسن تأليف ما تباعد من الحروف، وكان
__________
1 سبق تخريجه.
2 سبق شرحه.
3 مأجج: موضع. اللسان "2/ 207" مادة/ أجج.
4 فرس أمق: بعيد ما بين الفروج، طويل بين الطول. اللسان "10/ 346" مادة/ مقق.
5 فوه: يقال: مج الشراب والشئ من فيه: رماه ومج بريقه: لفظه. اللسان "2/ 361".
6 أجت النار: تلهبت وكان للهيبها صوت. اللسان "2/ 206" مادة/ أجج.
7 سكة: الطريق. اللسان "10/ 441".
8 البعع: الجهاز والمتاع. اللسان "8/ 17".
9 اللين: وهو ضد الخشونة. اللسان "13/ 394" مادة/ لين.
10 الخبب: مصدر خب، أي السرعة. اللسان "341" مادة/ خبب.
11 الحفف: الجمع، وقيل: الضيق، والحاجة. اللسان "9/ 49-50" مادة/ حفف.(2/430)
تضعيف الحرف عليهم أسهل من تأليفه مع ما يجاوره، فلأجل ذلك أنه لما أراد بنو تميم إسكان العين من "معهم" استكرهوا أن يقولوا "معهم" فأبدلوا الحرفين حاءين، وأدغموا الأولى في الآخرة، فقالوا "محم" فكان ذلك أسهل عليهم من اللفظ بالحرفين المقتربين.
فقد تحصل لنا من هذه القضايا أن الحروف في التأليف على ثلاثة أضرب:
أحدها: تأليف المتباعدة، وهو الأحسن.
والآخر: تضعيف الحرف نفسه، وهو يلي القسم الأول في الحسن.
والآخر: تأليف المتجاورة، وهو دون الاثنين الأولين، فإما رفض البتة، وإما قل استعماله.
فإن قلت: ألست تعلم أن الإمالة إنما وقعت في الكلام ليتقارب الصوتان، وذلك أن تنحو بالفتحة نحو الكسرة لتميل الألف نحو الياء، نحو "مالك" و"حاتم" وكذلك الحرفان إذا ضورع بأحدهما صاحبه نحو "مزدر" و"تزدير" أو أدني منه، تقلبه إلى حرف آخر صريح، نحو "صبقت" في "سبقت" و"صقت" في "سقت" و"صويق" في "سويق". فإذا كانوا من إيثار المضارعة والتقريب على ما تراه فمن أين ساغ لك أن تقضي عليهم بكلفة التقارب في المخارج نحو الذال مع الثاء، والسين مع الصاد؟
فالجواب: أن الحس أعدل شاهد، وذلك أنك إذا قلت: "دث" أو "سص" أو "كق" أو "حع" رأيت الكلفة ظاهرة والمؤونة مجحفة، فأما تقريب الحرف من الحرف فليس ذلك التقريب بينهما بمصير للمقرب إلى حرف يجاور المقرب منه، وإنما هي مضارعة وإيجاد حروف فروع غير أصول، وهي التي ذكرناها في أول هذا الكتاب.
ألا ترى أن ألف الإمالة والصاد التي كالزاي إنما هما من الفروع الستة، وليستا بأصلين مستقرين كالثاء ولا السين ولا الجيم اللواتي إذا ضممتهن إلى مجاروهن فقد استعملت هناك أصولا مستقرة، ولم ترتجل فروعا يمكن التسلط عليها وقلة الحفل بها وأما من أخلصها زايا فقال "مزدر" فإنما جاز ذلك له لأن الزاي ليست من مخرج الدال، فلما بعدا حسن الجمع بينهما.(2/431)
وأما قلب السين من "سُقت" صادا لأجل القاف فليست الصاد أختا للقاف ولا مجاورة لها كالكاف والجيم، ألا ترى أن القاف من أصل اللسان والصاد من صدره وأسلته، وإنما جمع بينهما ما فيهما من الاستعلاء، وهما على كل حال بائنتان متراخيتان.
أولا ترى أن الشين تؤلف مع الضاد لما بينهما من التجاور والاستطالة، إلا أنهم جمعوا بينها وبين حروف وسط الفم، فقالوا: "شَصاصاء"1 و"شَصَبَ"2 و"شَزَبَ"3 و"شزر"4 و"شسف"5 و"شسع"6، ولم يفعلوا ذلك حتى بدأوا بالشين التي هي أقوى، ولو قدمت واحدة من الصاد أو السين أو الزاي على الشين لم يجز؛ ألا ترى أنه ليس في الكلام نحو "سَشَّ" ولا "زَشَّ" ولا "صش". وحروف الصفير -وهي الصاد والسين والزاي- لا يتركب بعضها مع بعض، ليس في الكلام مثل: "سص" ولا "صس" ولا "سز" ولا "زس" ولا "زص"ولا "صز". وكذلك الطاء والدال والتاء لا يتركبن إلا أن تتقدم الطاء والتاء على الدال، نحو "وتد" و"محتد" و"وطد". وكذلك الظاء والذال والثاء.
فأما الراء واللام والنون فمتى تقدمت الراء على كل واحدة منهما، جاز ذل نحو "ورل" و"أرل" و"رنة" و"رند"8، ولو قدمت واحدة منهما على الراء لم يجز لأنهما أقوى منهما، فينبغي إذا تداني9 الحرفان أن يبدأ بالأقوى منهما، فيعتمد عليه، ويتلوه الآخر تبعا له. فأما "الخُلَّر" فاسم أعجمى، وإنما كلامنا على اللغة العربية. وأما قولهم "دَنّر يُدنِّر"10 و"رجل مدنر ومزنر"11، فإنما جاز
__________
1 شصاصاء: اليبس والجفوف والغلظ. اللسان "7/ 47" مادة/ شصص.
2 شصب: الشدة والجذب. اللسان "1/ 495" مادة/ شصب.
3 شزب: شزب الحيوان: ضمر. اللسان "1/ 494" مادة/ شزب.
4 شزر: شزر الحبل: فتله، وشزر فلانا، وإليه: نظر إليه بمؤخر عينه.
5 شسف الشيء: يبس. اللسان "9/ 176".
6 شسع: بعد. اللسان "8/ 180".
7 وطد: رسا وثبت. اللسان "3/ 461" مادة/ وطد.
8 رند: هـ العود الذي يتبخر به. اللسان "3/ 186".
9 تداني: تقارب.
10 دنر: دنر الوجه: أشرق وتلألأ كالدينار. اللسان "4/ 292" مادة/ دنر.
11 مدنر: كثير الدنانير.
مزنر: الطويل العظيم الجسم. اللسان "4/ 330".(2/432)
فيه أن تتقدم النون على الراء لأن النون مشددة، فقويت بذلك، فصار لها حكم لولا التشديد لم يكن؛ ألا ترى أن الواو والياء إذا كانتا غير مشددتين اعتلتا نحو: "مِيعاد" و"مُوسِر" و"قام" و"باع" فإذا شُددتا تحصنتا، فقويتا، فلم تعلا، وذلك نحو "اجلِواذّ" و"سُيَّل"1، وكذلك القول في "مدنر" لتشديد النون، وكذلك "مصنر"، وانضاف إلى تشديد النون أيضًا أن الحرفين متأخران، وليست النون في أول الكلمة، وإنما اعتماد أولها على الميم قبل الدال والزاي والصاد في: "مدنر" و"مزنر" و"مصنر".
ويدلك على أن الاعتلال والتضعيف واحتمال الحروف المكروهة التأليف بأواخر الحرف أولى منها بأوله إعلالهم نحو "غازية" و"محنية"2، وهما من "غزوت" و"حنوت" وأصلهما "غازوة" و"محنوة" فقلبت الواو ياء وإن كانت مفتوحة، ولم تحصنها الحركة من القلب كما حصنتها في نحو "حول" و"طول" و"تولة"3 لما كانت في "غازية" و"محنية" متأخرة، ولأجل ذلك ما تجد التضعيف في آخر الحرف كثيرًا واسعا، نحو: صددت، ومددت، وحللت، وبللت، وفررت، ومررت، وسببت، وصببت، ونحو: الشمم، والزمم4، والصدد5، والبدد6، ولا تكاد تجده أولا البتة إلا شاذا نحو "ددن"7 و"ببان"8.
فأما "ببة" فإنما لقب بالصوت الذي كانت أمه ترقصه به.
وأما "ببر"10 فأعجمي، فالفاء والعين لا يكونان من لفظ واحد إلا شاذا،
__________
1 سيل: جمع سائل، من سال يسيل. اللسان "11/ 350-351" مادة/ سيل.
2 محنية: واحدة المحاني وهي معاطف الأدوية. اللسان "14/ 204" مادة/ حنا.
3 تولة: ضرب من الخرز يوضع للسحر فتجبب بها المرأة إلى زوجها. اللسان "11/ 81".
4 الزمم: أمر زمم: تعدد لم يجاوز القدر.
5 الصدد: الناحية.
6 البدد: تباعد ما بين الفخذين في الناس من كثرة لحمهما.
7 ددن: اللهو واللعب.
8 ببان: الطريق المعتدل ويقال هم ببان واحد، وعلى ببان واحد. اللسان "13/ 45" مادة/ ببن.
9 ببة: لقب عبد الله بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب.
والببة: هو الغلام السمين وقيل الأحمق الثقيل. اللسان "1/ 222-223" مادة/ ببب.
10 ببر: الفرانق الذي يعادي الأسد. اللسان "4/ 37" مادة/ ببر.(2/433)
لا سيما إذا توالتا ولم يفصل بينهما. فأما "كوكب" و"أبَنْبَم"1 و"دَوْدَرّى"2 فقد فصل بينهما.
وأما "أول" فإن الابتداء وقع بالهمزة، لاسيما وقد أدغمت الفاء في العين، فلم تظهر، فينبأ عنها.
وأما الفاء واللام فأوسع من هذا الباب، وذلك نحو: "سلس" و"قلق" و"دعد" و"يديت إليه يدا" و"واو" و"قوق"3 و"طوط" و"بيبة"5.
وأما العين واللام فهو الباب، نحو ما قدمناه من "صددت" و"مددت" و"فررت" و"قررت".
وقد كنا قدمنا في أول رسالة هذا الكتاب شيئًا من هذا الفصل الذي نحن فيه، فتركنا إعادته هنا.
__________
1 أبنم: موضع.
2 دودري: الطويل الخصيتين. اللسان "4/ 279" مادة/ ددر.
3 قوق: الطويل الوائم. اللسان "10/ 324" مادة/ قوق.
4 طوط: الفحل المغتلم الهائح، يوصف به الرجل الشجاع. اللسان "7/ 346" مادة/ طوط.
5 بيبة: هي مجرى الماء إلى الحوض، وقيل هي فتحة الحوض التي يفرغ بها ماؤه.(2/434)
وهذا فصل: لإفراد الحروف في الأمر ونظمها على المألوف من استعمال حروف المعجم
الهمزة: إذا أمرت من "وأى يئي" أي: وعد قلت: يا زيدُ إِ عمرًا، معناه: عِدْ عمرا، والوأي: الوعد، وتقول في التثنية "إيا" وفي الجماعة المذكرين "أُوْا" وللمرأة "إي" وللمرأتين "إيا" كالمذكرين، وللنساء "إين" كقولك: عد، وعدا، وعدوا، وعدي، وعدا، وعدن، فحذف الياء من "إ" علامة الوقف، وحذف النون من "إيا" و"أؤا" علامة الوقف أيضًا، وكذلك حذف النون من قولك للمرأة "إي" علامة الوقف، والياء التي في قولك "عدي"، والأصل فيه "إيي" مثل "عدي" فأسكنت الياء استثقالا للكسرة عليها، وحذفت لسكونها وسكون ياء الضمير بعدها. والياء في "إيا" لام الفعل بمنزلة دال "عدا". والياء أيضًا في "إين" لام الفعل بمنزلة دال "عدن" والنون بعدها علامة الجمع والضمير المؤنث كنون "عدن".
فقد شرحنا حال هذه الأحكام، فأغنى عن إعادة مثله في ما نستقبل.
الباء: يقال: بأي الرجل يبأى إذا فخر، فإذا أمرت منه قلت: ابأ يا رجل، أي: افخر، فإن خففت الهمزة قلت: ب يا رجل، وذلك أنك حذفت الهمزة، وألقيت فتحتها على الباء، فلما تحركت الباء استغنيت عن ألف الوصل لتحرك ما بعدها فقلت: ب يا رجل، فإن ثنيت قلت على التحقيق: ابأيا، وعلى التخفيف: بيا. وللجماعة على التحقيق: ابأؤا، وعلى التخفيف: بوا. وللمراة على التحقيق: ابأي بوزن ابعي، وعلى التخفيف: بي، وللمرأتين كالرجلين، ولجماعة النساء على التحقيق ابأين بوزن ابعين، وعلى التخفيف: بين، فاعرفه، أنشدنا أبو علي1:
أقول والعيسُ تَبا بِوَهْد2
__________
1 اللسان "بأي" "14/ 64" والتاج "بأو" "10/ 30".
2 العيس: الإبل البيض مع شقرة يسيرة. اللسان "6/ 152" مادة/ عيس.
الوهد: المكان المنخفض كأنه حفرة. اللسان "3/ 470-471" مادة/ وهد.(2/435)
أي: تبأى، أي تتعالى في السير، وتتسامى فيه، فخفف الهمزة على ما ذكرنا.
التاء: لغة لبعض العرب تقول في الأمر من أتى يأتي: تِ زيدا، فتحذف الهمزة تخفيفًا كما حذفت من: خذ، وكل، ومر.
قال شاعرهم1:
تِ لي آلَ زيد فاندُهُم لي جماعةً ... وسل آل زيد أيُّ شيء يضيرها
وتقول على هذه اللغة للاثنين: تيا، وللحماعة: توا، وللمؤنث: تي، وتيا، وتين.
الثاء: يقال: ثأى الخرز يثأى إذا غلظ الإشْفَى ودَقَّ السير، وأصل الثأْي الفساد على ما ذكرناه. فإذا أمرت قلت: اثْأَ يا خرز، فإن خفضت قلت: ثِ يا خرز، وثيا، وثوا، وثين وثيا، وثين على ما قدمناه من حال التخفيف في باب الباء.
الجيم: يقال: جَئِيَ الفرس يجأى جأى وجؤوة، إذا ضرب لونه إلى لون صدأ الحديد، قال ذو الرمة، أنشدناه أبو علي:
تنازعها لونان وَرْدٌ وجُؤْوةٌ ... ترى لإياء الشمس فيه تَحَدُّرا2
فإذا أمرت قلت: اجأ يا فرس، فإن خففت قلت: جِ يا فرس، وجيَا وجَوْا، وجي، وجيا، وجين على ما تقدم في باب الباء والثاء. ولغة لبعض العرب "جا يجي" بغير همز، فإذا أمرت قلت: جِ يا رجل، وجيا، وجوا، وجي يا امرأة، وجيا، وجين، فاعرفه.
الحاء: يقال: وحى إليه يحيى، وأوحى إليه يوحي، قال العجاج3:
وحى لها القرار، فاستقرت ... ومدها بالراسيات الثبت4
__________
1 لم نجده.
2 سبق شرحه.
3 البيتان في ديوانه "ص266".
4 تم تخرجيه.(2/436)
وقال الله عز وجل: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [النحل: 68] وهو كثير. فإذا أمرت من "وحى" قلت: حِ يارجل، وحيا، وحوا، وللمؤنث "حي، وحيا، وحين" على ما قدمناه في باب الهمزة.
الخاء: يقال: وخيت الشيء أخيه، أي: قصدته وتعمدته، ومنه: توخيت كذا قال1:
...................... ... أنَّى وَخَى
فإذا أمرت قلت: خِ يا رجل، وخيا، وخوا، وخي يا امرأة، وخيا، وخين، على ما تقدم.
الدال: يقال: وَدَى العرق يدي إذا سال، ومنه قيل "الوادي" لأنه مسيل الماء، أنشدنا أبو علي2:
كأن عِرْق أيْره إذا ودى ... حبل عجوز ضَفَرَت سبع قُوى3
فإن أمرت قلت: دِ يا رجل، وديا، ودوا، ودي يا امرأة، وديا، ودين، على ما سلف.
ويقال أيضًا: دأيت للشئ أدأى، إذا ختلته، قال4:
كالذئب يدأى للغزال يخْتِلُه5
فإن أمرت قلت: ادْأَ يا رجل، فإن خففت قلت: دِ يا رجل، وديا، ودوا، ودي يا امرأة، وديا، ودين، على ما سلف من التصريف.
الذال: يقال: ذأى الفرس يذأى ذأيا إذا كان كثير الجري سريعه خفيفه، وفرس مذأى، قال العجاج6:
__________
1 لم نعثر على قائله.
2 سبق تعريفه.
3 البيت جاء في اللسان ونسبه صاحبه إلى الأغلب "15/ 384".
4 البيت في إبدال أبي الطيب "2/ 517" واللسان "دأى" "14/ 248".
5 البيت للعجاج حيث جاء في ديوانه "ص385" والشاهد في قوله "يدأى"
6 ديوانه "ص385".(2/437)
بَعيد نضْحِ الماء مذْأى مِهْرَجا1
فإذا أمرت قلت: اذْأَ يا فرس. فإن خففت قلت: ذَهْ، وذيا، وذوا، وذي يا امرأة، وذيا، وذين، على ما تقدم عليه القول.
الراء: يقال: رأيت الرجل إذا أبصرته، ورأيته إذا ضربتَ رئته، إلا أن العرب اجتمعت على تخفيف مضارع "رأيت" من رؤية العين، فقالوا: أرى، والأصل: أرأى، فخففوا الهمزة بأن حذفوها وألقوا فتحتها على الراء، ولم يأت التحقيق في المضارع إلا شاذا، أنشدنا أبو علي لسراقة البارقي2:
أُري عينيَّ ما لم تَرأَيَاهُ ... كلانا عالمٌ بالترَّهات3
وقرأت عليه في الهمز عن أبي زيد4:
ثم استمر بها شيحانُ مُبْتَجِحٌ ... بالبَين عنك بما يرآك شَنآنا
فإن أمرت على شائع اللغة فيها -وهو التخفيف- قلت: رِ يا زيد، وريا، وروا، وري يا هند، وريا، ورين. وإن أمرت من رأيت الصيد على التحقيق -وهو المعروف فيه- قلت: ارْأَ.
فإن خففت جرى مجرى تخفيف مضارع "رأيت" من رؤية العين، فقلت: رَهْ، ورَيا، ورَوا، ورَيْ، وريا، ورين.
ويقال أيضًا: وَرَتْ بك زنادي، ووراه الله، أي: أدوى جوفه.
قال سيحم5:
ورَاهُنَّ ربي مثل ما قد وَرَيتَني ... وأحمَى على أكبادهن المكاويا6
فإن أمرت منهما جميعًا قلت: رِ يا رجل، ورِيا، ورُوا، وري يا امرأة، وريا، ورين، على ما تقدم.
__________
1 سبق شرحه.
2 سبق تخريجه.
3 سبق شرحه.
4 سبق تخريجه.
5 هو سحيم عبد بني الحسحاس. ديوانه "ص24".
6 الشاهد في قوله "ورينني".(2/438)
الزاي: يقال: وَزَى الشيء يزي إذا اجتمع وتقبض. فإن أمرت قلت: زِ يا رجل، وزيا، وزوا، وزي يا امرأة، وزيا، وزين، على التفسير الفارط.
السين: يقول بعض العرب "سا يسو" بحذف الهمزة البتة تخفيفًا، فتقول على هذا الأمر: س يا رجل، وسوا، وسوا، وسي يا امرأة، وسوا، وسون. والأصل في "سي" لملؤنث: "سُوِي" ووزنه "فُعِي" لأن لامه محذوفة البتة على غير قياس، فثقلت الكسرة على الواو، فنقلت إلى السين، وحذفت الواو لسكونها وسكون الياء بعدها، فصار "سي".
الشين: يقال: وشيت الثوب أشيه إذا نقشته وحسنته، ووشيت الحديث أشيه، أي: نمقته وزينته، فإذا أمرت قلت: ش يا رجل، وشيا وشوا، وشي يا امرأة، وشيا، وشين.
ويقال: شأوت الرجل، أي: سبقته، وشأوته: حَزَنته، ومضارعهما: يشأى، فإذا أمرت قلت: اشْأَ. فإن خففت قلت: شِ يا رجل، وشيا، وشوا، وشي يا امرأة، وشيا، وشين.
الصاد: يقال: وصى الشيء يصي فهو واص، أي: متصل.
قال ذو الرمة1:
بين الرجا والرجا من جَيْبِ واصيةٍ ... يهماءُ خابطها بالخوف معكوم
وقال الآخر2:
يأكلن من قُرَّاص ... وحمصيصٍ واص3
فإن أمرت قلت: صِ يا رجل، وصيا، وصوا، وصي يا امرأة، وصيا، وصين.
__________
1 البيت ينسب لذي الرمة. وهو في ديوانه "ص407".
2 لم نعثر على قائله.
3 البيت ذكره صاحب اللسان في مادة "حمص" "7/ 17"، وكذا صاحب المنصف "3/ 89". والشاهد في قوله "واص".(2/439)
ويقال أيضًا: صأى الفرخ1 يصئي صئيا. فإذا أمرت قلت: اصء. فإن خففت قلت: ص، وصيا، وصوا، وصي، وصيا، وصين، فوزن "ص" من هذا المهموز "فل" لأن العين محذوفة للتخفيف، ووزنه من الأول وهو وصى يصي "عل" لأن الفاء محذوفة كما تحذف من وعد يعد، فاللفظان على هذا متفقان من أصلين مختلفين.
الضاد: غفل لم يأت فيها شيء.
الطاء: مثله.
الظاء: مثله.
العين: يقال: وعيت العلم إذا حفظته، ووعيت الكلام، أي: حفظته، قال الله تعالى: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} [الحاقة: من الآية 12] فإذا أمرت قلت: ع يا رجل، وعيا، وعوا، وعي يا امرأة، وعيا، وعين.
الغين: غفل.
الفاء: يقال: وفى بالعهد يفي، وأوفى يوفي، قال2:
أما ابن طوق فقد أوفى بذمته ... كما وفى بقلاص النجم حاديها3
فجمع بين اللغتين. فإن أمرت من "وفيت" قلت: فِ يا رجل، وفيا، وفوا، وفي يا امرأة، وفيا، وفين، على قياس ما مضى.
القاف: يقال: وقيت الرجل أقيه.
فإذا أمرت قلت: قِ يا رجل، وقيا، وقوا، وقي يا امرأة، وقيا، وقين، قال الله تعالى: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: من الآية 6] 4 وقياسه ما سبق ذكره.
__________
1 صأى الفرخ: صاح. اللسان "14/ 449" مادة/ صأى.
2 قيل هو طفيل الغنوي وهو في ديوانه "ص113".
3 والشاهد في قوله "أوفى".
4 الشاهد في قوله "قوا".(2/440)
الكاف: يقال: أوكيت السقاء ووكيته إذا شددته بالوكاء. فإن أمرت من "وكيته أكيه" قلت: كِ يا رجل، وكيا، وكوا، وكي يا امرأة، وكيا، وكين، وشرحه على ما تقدم في وفيت ووقيت.
اللام: يقال: وليت الأمر أليه. فإذا أمرت قلت: لِ يا رجل، وليا، ولوا، ولي يا امرأة، وليا، ولين.
قال ذو الرمة1:
لني ولية تمرع جنابي فإنني ... لو سمي ما أوليت من ذاك شاكر2
الميم: يقال: مأت الهرة تمؤو، فإن أمرت قلت: امؤ يا هر. فإن خففت ألقيت ضمة الهمزة على الميم، وحذفت الهمزة، ثم حذفت همزة الوصل من أول الكلمة لتحرك ما بعدها، فقلت: م يا هر، وموا، وموا، ومي يا هرة، وموا، كالمذكرين، ومون. وهذا حف غريب، وقياسه ما ذكرت.
النون: يقال: ونيت في الأمر أني ونيا.
فإن أمرت قلت: نِ يا رجل، ونيا، ونوا، وني يا امرأة، ونيا، ونين، قال الله سبحانه: {تَنِيَا فِي ذِكْرِي} [طه: من الآية 42] 3.
قال العجاج4:
فما ونى محمد مذ أن غفر ... له الإله ما مضى وما غبر5
ويقال أيضًا: نأيت حول البيت نؤيا6، وأنانيت، وأنايت، وأنايت أيضًا حوله نؤيا، حكاهما جميعًا أبو زيد في كتاب همزه. فإن أمرت من "نأيت أنأى" قلت: انأ يا زيد نؤيا مثل انع نعيا.
فإن خففت قلت: نِ نؤيا، ونيا، ونوا، وني يا امرأة، ونيا، ونين.
__________
1 سبق تعريفه.
2 سبق تخريجه.
3 الشاهد في قوله تعالى "تنيا".
4 ديوانه "ص8".
5 الشاهد في قوله "ونى".
6 نؤيا: نأيت نؤيا: عملته، والنؤى: مجرى يحفر حول الخيمة أو الخباء يقيها السيل.(2/441)
وحكى أبو زيد في كتاب همزه المقيس أن من العرب من يقول: يا زيد نِ نؤيك، أخرجه على التخفيف الذي قدمنا ذكره.
الهاء: يقال: وَهَى الأمر يهيي، فهو واه.
قال زهير1:
.................................. ... فأصبح الحبل منها واهيًا خلقا2
فإن أمرت قلت: هِ يا رجل3، وهيا، وهوا يا رجال، وهي، وهيا، وهين.
الواو: غفل.
المدة: غفل.
الياء: غفل.
__________
1 سبق تعريفه.
2 سبق تخريجه.
3 هِ يا رجل: أي افعل.(2/442)
هذا آخر كتابنا الموسوم بسر الصناعة.
ونرجو أن يكون الله تعالى قد وفقنا فيه للصواب.
ولم يذهب بنا وبه عن طريق الرشاد.
وعند الله نحتسب ما أودعناه.
وإياه نسترعي من محاسنه وبدائعه ما تسمحنا به فضمناه.
إنه كافينا، وعليه توكلنا، وهو حسبنا.
وصلى الله على خيرته من خلقه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
انتهى الكتاب والحمد لله أولا وآخرًا1.
__________
1 تنبيه: لقد استعنا في تحقيق الجزء الثاني في كتاب سر صناعة الإعراب بلسان العرب لابن منظور طبعة دار صادر "1/ 15"، وكنا قد حققنا الجزء الأول من سر صناعة الإعراب من نسخة المعارف المرتبة "1/ 6".
طلب العلم/ محمد فارس. في 7/ رمضان/ 1419 هـ.(2/443)
الفهرس:
الموضوع الصفحة
باب اللام 5
باب لحاق اللام الأفعال 63
باب الميم 89
باب النون 107
باب الهاء 203
إبدال الهاء من الألف 207
إبدال الهاء من الياء 209
إبدال الهاء من الواو 213
إبدال الهاء من التاء 215
زيادة الهاء 215
حرف الواو 223
إبدال الواو 223
إبدال الواو من الألف 227
إبدال الواو من الألف المبدلة 229
إبدال الواو من الألف الزائدة 230
إبدال الواو من الياء المبدلة 233
إبدال الواو من الياء الزائدة 240
زيادة الواو 241
حرف الألف الساكنة 241
كون الألف أصلا 295(2/445)
الموضوع الصفحة
إبدال الألف 304
إبدال الألف عن الهمزة 305
إبدال الألف عن الياء والواو 307
إبدال الألف عن النون الساكنة 314
زيادة الألف 325
حرف الياء 361
إبدال الياء 363
إبدال الياء من الواو 364
إبدال الياء من الهمزة 368
إبدال الياء من الهاء 371
إبدال الياء من السين 371
إبدال الياء من الباء 372
إبدال الياء من الرا 372
إبدال الياء من النون 383
إبدال الياء من اللام 384
إبدال الياء من الصاد 384
إبدال الياء من الضاد 385
إبدال الياء من الميم 386
إبدال الياء من الدال 387
إبدال الياء من العين 387(2/446)
الموضوع الصفحة
إبدال الياء من الكاف 388
إبدال الياء من التاء 388
إبدال الياء من الثاء 389
إبدال الياء من الجيم 389
زيادة الياء 391
فصل في تصريف حروف المعجم واشتقاقها وجمعها 405
فصل في مذهب مزج العرب الحروف بعضها ببعض 427
فصل في إفراد الحروف في الأمر ونظمها على المألوف من استعمال حروف المعجم 435
الفهرس 445(2/447)