نتائج الأفكار
في تخريج أحاديث الأذكار
تأليف
الحافظ ابن حجر العسقلاني
(773 - 852 هـ)
تحقيق
حمدي عبد المجيد السلفي
دار ابن كثير
الطبعة الثانية
1429 هـ - 2008 م
[تنبيهان:
* قال المحقق في المقدمة: تم الاتفاق مع الأستاذ و الأخ المشرف على دار ابن كثير في دمشق، على أن يطبع الأذكار بأعلى صفحة الكتاب مرقمة الأحاديث، ونتائج الأفكار تحته. اهـ
وقد تم وضع ما هو من كتاب الأذكار بين معقوفتين متتاليتين [[ ]]
** وقال أيضاً في مقدمة المجلدين الرابع والخامس: وقد وضعنا مكان المجالس الناقصة ما استطعنا من الأحاديث التي تكلم عليها الحافظ وتخريجها من أماكنها في الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها. وإذا وجدنا ملخص كلام الحافظ في شرح الأذكار لابن علان نقلناه برمته. وربما أنقل في التعليق كلام الحافظ من مكان آخر إن دعت الحاجة إلى ذلك في التعليقات. والله ولي التوفيق. اهـ
وقد تم وضع هذا الكلام في الحواشي حتى لا يلتبس بكلام الحافظ في أصل الكتاب، مع التنبيه على ذلك بعبارة: هذا من كلام المحقق وليس من أصل الكتاب ](/)
مقدمة الطبعة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد و آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فهذه هي الطبعة الثانية من كتاب ( نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار ) للحافظ ابن حجر، من المجلس (1) إلى المجلس (220)، و الطبعة الأولى من باقي المجالس ؛ حيث تم الاتفاق مع الأستاذ و الأخ المشرف على دار ابن كثير في دمشق، على أن يطبع الأذكار بأعلى صفحة الكتاب مرقمة الأحاديث، ونتائج الأفكار تحته، و تحته تعليقاتنا، و يكون للدار حقوق الطبع حسب الاتفاق معهم.
و خلال هذه الفترة حصلنا على مصورات أخرى من مخطوطات الكتاب، و هي:
(1) نسخة من مكتبة كوبريلي، فيه من المجلس (194 ) إلى (456 )، وينقص من منتصفها المجالس التالية ( 205 و 222 و 254 و 292 ـ 301 و 304 و 305 و 399 و 418 ـ 447 ) و هي بخط البقاعي تلميذ المؤلف حالة الإملاء، و كل مجلس لم يحضره كان مكانه فراغ، كما هو أعلاه.(1/5)
(2) نسخة من المغرب، فيها المجالس ( 543 ـ 642 ) ماعدا بعض النقص في بعض الصفحات، و تصويره سيّئ لا يُقرأ كله.
(3) نسخة مصورة من مصر، لا أدري من أين، و نسخة من ألمانيا، و هما بخط واحد، وفيهما مجالس الأمالي المعلقة، و من نتائج الأفكار، فيهما المجالس ( 42 ـ 55 )، و ( 160 ـ 167 )، و ( 175 ـ 180 )، و ( 305 ـ 354 ).
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
6 / كانون الثاني / 1995 م
5 / شعبان / 1415 هـ
المحقق
حمدي عبد المجيد السلفي
مصيف سرسنك ـ كردستان
العراق ـ إقليم كردستان(1/6)
مقدمة الطبعة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
اللهم صلّ على محمد و على آل محمد، كما صليت على إبراهيم و على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد و على آل محمد كما باركت على إبراهيم و على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.
أما بعد ؛ فلا يخفى على المتتبع للكتاب والسنة ما للأذكار من أثر حسن في سلوك المرء المسلم ؛ و لذلك اعتنى أهل الحديث برواية أحاديث الأذكار، فمنهم من رواها مفرقة في كتبهم التي ألفوها على الأبواب و المسانيد، كلّ في بابه، و منهم من أفردها بالتأليف و بأسماء مختلفة كالأذكار، و الذكر، و الدعاء، وعمل اليوم و الليلة، والدعوات.
فمن ألف في الدعاء:
(1) أبو عبد الرحمن محمد بن الفضل بن غزوان الضبي، وفي المكتبة الظاهرية بدمشق بقية من كتابه الدعاء تحت رقم ( مجموع 34، ورقة 47 ـ 67 ).(1/7)
(2) أبو داود السجستاني صاحب السنن، له كتاب: الدعاء.
(3) أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد الله بن سفيان القرشي المشهور بابن أبي الدنيا، له كتاب: الدعاء.
(4) الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة، له كتاب: الدعاء والدعوات.
(5) ابن أبي عاصم، له كتاب: الدعاء.
(6) الحسن بن علي بن شبيب المعمري، له كتاب: عمل اليوم والليلة.
(7) يوسف القاضي صاحب السنن، له كتاب: الذكر.
(8) أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي، له كتاب: الذكر.
(9) أبو عبد الله بن محمد بن فطيس الأندلسي، له كتاب الدعاء.
(10) أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل المحاملي، له كتاب: الدعاء.
(11) أبو على إسماعيل بن محمد الصفار، له: جزء في الدعاء.
(12) أحمد بن جعفر بن المنادي، له كتاب: الدعاء.
(13) الحافظ أبو عبد الرحمن النسائي، له كتاب: عمل اليوم والليلة، طبع بتحقيق الدكتور فاروق حمادة.
(14) الحافظ سليمان بن أحمد الطبراني، له كتاب: الدعاء.
(15) الحافظ أبو بكر بن السني، له كتاب: عمل اليوم والليلة، طبع مرتين، وفيهما أخطاء فاحشة.
(16) الحافظ حمد بن محمد الخطابي، له كتاب: شأن الدعاء، طبع(1/8)
بتحقيق أحمد بن يوسف الدقاق، شرح لبعض أحاديث ابن خزيمة.
(17) عبد الله بن أبي زيد القيرواني، له كتاب: الدعاء.
(18) الحافظ أحمد بن موسي بن مردويه، له كتاب: الأدعية.
(19 ) أبو عمر أحمد بن الطلمنكي، له كتاب: يوم وليلة.
(20) الحافظ أبو نعيم الأصبهاني، له كتاب: عمل اليوم والليلة.
(21) أبو العباس جعفر بن محمد المستغفري، له كتاب: الدعوات.
(22) أبو ذر عبد بن أحمد الهروي، له كتاب: الدعاء.
(23) الحافظ أحمد بن الحسين البيهقي، له كتاب: الدعوات الكبير له قطعة منه.
(24) أبو الحسن علي بن محمد الواحدي المفسر، له كتاب: الدعوات.
ثم جاء دور الذين جمعوا مؤلفات هؤلاء و غيرهم أحاديث الأذكار، و منهم:
1 ـ الإمام المنذري، زكي الدين، أبو محمد عبد العظيم، له كتاب: عمل اليوم و الليلة.
2 ـ أبو القاسم عبد الغفور بن عبد الله النضري، له كتاب: التبتل في العبادات و ما لا غنى عنه من الدعوات.
3 ـ الإمام محيي الدين بن يحيي بن شرف النووي، له هذا الكتاب الذي خرج الحافظ أحاديثه: " حلية الأبرار وشعار الأخيار في تلخيص الدعوات و الأذكار " و المعروف بأذكار النووي.
4 ـ شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، له كتاب: الكلم(1/9)
الطيب، طبع مرارًا و أحسن طبعاته بتحقيق شيخنا محمد بن ناصر الدين الألباني.
5 ـ أبو عبد الله شمس الدين محمد بن قيم الجوزية، له كتاب: الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب، طبع مرارًا، و أحسن طبعاته بتحقيق الشيخ إسماعيل الأنصاري.
6 ـ أبو جعفر أحمد بن يوسف اللبلي، له كتاب في: الأذكار.
7 ـ محمد بن أحمد بن حرب، له كتاب: الدعوات و الأذكار المستخرجة من صحيح الأخبار.
8 ـ أبو الفتح محمد بن محمد بن علي بن همام، له كتاب: سلاح المؤمن.
9 ـ محمد بن محمد بن علي الجزري، له كتاب: الحصن الحصين وعدة الحصن الحصين و جنة الحصن الحصين. طبع شرح الشوكاني المسمى: " تحفة الذاكرين شرح عدة الحصن الحصين ".
10 ـ و للحافظ ابن حجر مؤلف: نتائح الأفكار " جزء في عمل اليوم والليلة.
11 ـ أبو بكر صديق بن إدريس بن محمد المذحجي اليمني، له كتاب: اليوم والليلة.
12 ـ السيد محمد صديق حسن خانملك بهوبال، له كتاب: نزل الأبرار بالعلم المأثورمن الأدعية و الأذكار. طبع مرتين، آخرهما دار المعرفة.
و هناك كتب و رسائل أخرى لم نتطرق إليها.
و لا شك أن كتاب الإمام النووي من أجمع تلك الكتب للأدعية(1/10)
و الأذكار و الآداب ؛ و لذا اهتم به العلماء قديمًا و حديثًا. و قد طبع مرات كثيرة بدون تحقيق، و بتحقيق عبد القادر الأرناؤوط، وبعضهم يقوم بتحقيقه الآن.
وقد قام الحافظ أحمد بن علي بن حجر بتخريج أحاديثه في كتابنا هذا، وشرحه العلامة محمد بن علان الصديقي و سماه: " الفتوحات الرباني على الأذكار النووية " و طبع في ثمانية أجزاء.
أما أمالي الحافظ ابن حجر هذه، و التي تسمي بنتائج الأفكار ؛ فإنها لم تحظ إلى الآن باهتمام ذوي الاختصاص، ولم تطبع.
و قد عزمت إن وفقني الله على تحقيقها و إخراجها لعشاق السنة النبوية. قالوا: بأن الحافظ لم يكمل الكتاب، وإنما أملي (660) مجلسًا فقط، و باشر تلميذه السخاوي بإكمال الكتاب على نهج شيخه، إلا أنه أيضًا لم يكمل.
و لم يصل من الكتاب إلا (285) مجلسًا متتاليًا، وبعض المجالس الأخرى المتفرقة، و نحن مستمرون في البحث عن بقية المجالس، نرجو من الله سبحانه وتعالى أن يوفّقنا للعثور عليها.
الأصول التي اعتمدنا عليها
(1) نسخة الخزانة الملكية بالمملكة المغربية، تقع في (120) ورقة في كل ورقة صفحتان، ومسطرتها (21.5* 29.5) في كل صفخى (35) سطرًا، تحتوي علي (285) مجلسًا، و حعلناها الأصل، لها صورة بدار الكتب المصرية تحت رقم (1172).
(2) نسخى المكتبة السعيدية تقع في (257) ورقة، مسطرتها (22*(1/11)
17) في كل صفحة (29) سطرًا، فيها (158) مجلسًا. تصوير سيئ جدًا.
رقمها (38 حديث ).
(3) نسخة ثانية من المكتبة السعيدية، مسطرتها ( 24 * 19 ) تقع في (63) ورقة في كل ورقة (19) سطرًا، تبدأ من المجالس ( 153) وتنتهي بانتهاء المجلس (205) رقمها (292 حديث ).
(4) قطعة أخري (21) ورقة، مقاسها ( 13 * 18 ) فيها المجالس (468 ـ 478 ) صورت لنا من مصورات مكتبة الجامعة الإسلامية، وهي النسخة الأوهرية (103حديث ).
(5) قطعة أخري من المكتبة السعيدية تحت رقم ( 273 حديث ) مقاسها (19 * 16 ) في (32) ورقة، في كل صفحة (30) سطرًا، من المجلس (493) إلى نهاية المجلس (527).
(6) بعض المجالس من النصف الثاني من المئة الثانية، موجودة في مكتبة الأوقاف المركزية ببغداد، تحت رقم ( 25199).
(7) بعض المجالس مصورة من مكتبة شيخنا محب الله شاه الراشدي في باكستان.
ومن الواجب علي أن أنوه هنا بما يتفضل به الأستاذ صبحي السامرائي علينا، وعلى أمثالنا من طلاب العلم الشريف، حيث إن مكتبته الغنية بالمصورات مفتوحة لنا، نأخذ منها إعارة ما نشاء، و نصور ما نشاء، فله منا ألف شكر، و جزاه الله خيرًا عن العلم و أهله، لقد أعارني نسخة الأصل فاستنسخت منها بداري الكائنة في سرسنك.(1/12)
عملي في الكتاب
1ـ تحقيق النص بمقابلة النسخ و المراجع التي استقى منها الحافظ.
2 ـ بيان مكان الحديث من الكتب التي يأخذ منها الحافظ بالأرقام، أو الصفحات و الأجزاء.
3 ـ بيان بعض الأوهام التي وقعت للحافظ في نسبة الأحاديث إلي الكتب، و هي قليلة.
4 ـ زيادة في تخريج الأحاديث على ما يذكره الحافظ من الكتب التي ينسب الأحاديث إليها، و من المصادر الأخرى.
5 ـ عدم الاهتمام بالاختلافات التي لا فائدة فيها، كأن يذكر اسم أحد الرواة خطأ في نسخة، و صوابًا في أخرى، فأذكر الصواب دون التنبيه على أنه وقع خطأ في نسخة كذا ن وكذلك بالنسبة لبعض الكلمات في المتن.
6 ـ ربما أزيد بين المعكوفين أو هلالين اختلاف النسخ، أو الزيادة من نسخة غير الأصل ؛ للإشارة إلى ورود ذلك في غير الأصل هكذا، أو زائدًا عليه.
7 ـ وضعت أرقامًا للمجالس وبدء المجالس من النسخة المغربية و كذلك كلمةو على آله في الصلاة.
من المعلوم أن الحافظ ابن حجر خرّج أحاديث الأذكار على طريقة الإملاء، وهو أسلوبٌ من أساليب التعليم في تلك العصور، و كانت المجالس تُعقد ويملي الشيخ من حفظه، أو من كتابه، أو كتب غيره، و باشر الحافظ بالإملاء في تخريج أحاديث الأذكار بالمدرسة البيبرسية يوم الثلاثاء السابع من صفر سنة (837) هجرية، واستمر حتي يوم الثلاثاء الخامس عشر من ذي(1/13)
القعدة سنة (852) هجرية حيث ابتدأ التعب، و المرض.
و انظر كتاب: " أدب الإملاء و الاستملاء " للسمعاني، و كتب مصطلح الحديث فيما يتعلق بالمملي و المستملي، و ما يتعلق بهما.
و كذلك يتعرّض الحافظ لذكر العلو و الموافقة و البدل، فلتراجع كتب مصطلح الحديث حول ذلك.
و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
26 / ذي القعدة / 1405 هـ
وكتبه
أبو مصطفى
حمدي بن عبد المجيد بن إسماعيل السلفي
سرسنك في 10 / آب / 1985 م(1/14)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم كثيراً.
قال كاتبه فقير رحمة الله الكريم، محمد بن محمد بن محمد الكركي:
حدثنا سيدنا ومولانا قاضي القضاة شيخ الإسلام، إمام الحفاظ -أمتع الله بوجوده- إملاء من حفظه وهو بجامعه بيبرس على عادته، وقراءة من المستملي على الشيخ رضوان كعادته، وذلك في يوم الثلاثاء سابع شهر صفر المبارك من شهور سنة سبع وثلاثين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
الحمد لله المحمود بجميل الأذكار، والصلاة والسلام على محمد الممدوح بنتائج الأفكار، وعلى آله وصحبه ما دام العشي والإبكار.
أما بعد؛ فقد عزمت على تخريج الأحاديث المذكورة في كتاب ((الأذكار)) تيمناً به وبمصنفه، يا حبذا واضعاً وموضوعاً، مبيناً حال الحديث صحيحاً، أو حسناً، أو واهياً وموضوعاً، وعلى الله الكريم أعتمد، ومن فيض فضله أستمد.
وقد أخبرنا بجميع الكتاب الشيخ الإمام العلامة، مسند القاهرة، أبو إسحاق، إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد المؤمن التنوخي البعلي ثم(1/15)
الدمشقي، نزيل القاهرة، المعروف بالبرهان [الشامي] الذي قرئ [قراءة عليه -رحمه الله- وأنا أسمع لبعضه وإجازة لسائره. قال: أخبرنا الشيخ الإمام العلامة أبو الحسن علي بن إبراهيم بن داود بن العطار الدمشقي في كتابه أنا شيخ الإسلام محيي الدين يحيى بن شرف بن مري النووي -رحمه الله- قراءة عليه، وأنا أسمع لجميع كتاب الأذكار.(1/16)
مقدمة المؤلف
[[روينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من دعا إلى هدىً كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً)).
الحديث المتفق على صحته: ((إذا أمرتكم بشيءٍ فائتوا منه ما استطعتم)).]]
(1)
بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر ما في الخطبة من الأحاديث
قوله: (لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من دعا إلى هدىً .. .. )) الحديث).
أخبرني الشيخ المسند، الثقة، المبارك، أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن المبارك الغزي الأصل، فيما قرأت عليه بمنزله ظاهر القاهرة رحمه الله، قال: أنا أبو الحسن علي بن إسماعيل بن إبراهيم المخزومي، قال: أنا عبد اللطيف بن عبد المنعم، أنا مسعود بن محمد في كتابه، أنا أبو علي المقرئ، أنا أبو نعيم الأصبهاني في كتابه ((المستخرج)) ثنا محمد بن إبراهيم وعبد الله بن محمد، قالا: ثنا أبو يعلى، ثنا يحيى بن أيوب (ح).(1/17)
وبه إلى أبي نعيم قال: ثنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا قتيبة بن سعيد (ح).
وأخبرني أبو عبد الله محمد بن علي البراعي ثم الصالحي بها -رحمه الله- عن زينب بنت إسماعيل بن إبراهيم سماعاً، قالت: أنا أحمد بن عبد الدائم، أنا يحيى بن محمود، أنا عبد الواحد بن محمد، أنا عبيد الله بن المعتز بن منصور، أنا أبو طاهر محمد بن الفضل، أنا جدي أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، ثنا علي بن حجر، قالوا: ثنا إسماعيل بن جعفر، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من دعا إلى هدىً كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل إثم من تبعه، من غير أن ينقص من آثامهم شيئاً)).
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم وأبو داود عن يحيى بن أيوب.
ومسلم أيضاً، والترمذي عن علي بن حجر.
ومسلم أيضاً عن قتيبة.
وابن حبان عن أبي يعلى.
فوقع لنا موافقة للجميع مع العلو.
وقد ذكر المصنف حديث الأعمال بسنده إلى منتهاه، فأغنى عن(1/18)
تخريجه، وقد أمليته فيما مضى مطولاً.
قوله: (في الحديث المتفق على صحته: ((وإذا أمرتكم بشيءٍ فائتوا منه ما استطعتم))).
قلت: اتفق الشيخان على تخريجه من رواية أبي الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة.
وأخرجه البخاري من رواية مالك ومسلم من رواية سفيان بن عيينة كلاهما عن أبي الزناد.
وأخرجه مسلم أيضاً من رواية أبي صالح السمان، وسعيد بن المسيب، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، ومحمد بن زياد، وهمام بن منبه، كلهم عن أبي هريرة.
أخبرنا المسند الأصيل أبو علي محمد بن محمد بن علي المصري قراءة عليه، وأنا أسمع بشاطئ النيل، عن ست الوزراء بنت عمر بن أسعد بن المنجا سماعاً، قالت: أنا الحسين بن أبي بكر، قال: أنا أبو الوقت، أنا عبد الرحمن بن محمد، أنا عبد الله بن أحمد، أنا محمد بن يوسف، أنا محمد بن إسماعيل البخاري، ثنا إسماعيل -هو ابن أبي أويس- حدثني مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيءٍ فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمرٍ(1/19)
فائتوا منه ما استطعتم)).
[هكذا] أخرجه البخاري، وأخرجه ابن حبان عن عمر بن محمد البحيري عن البخاري.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخبرني شيخ الإسلام أبو الفضل بن الحسين الحافظ رحمه الله فيما قرأت عليه، أنا أبو محمد عبد الله بن محمد البزوري، أنا علي بن أحمد بن عبد الواحد، عن محمد بن معمر، أنا سعيد بن أبي الرجاء، أنا أحمد بن محمد بن النعمان، أنا محمد بن إبراهيم بن علي بن عاصم، ثنا إسحاق بن أحمد بن نافع، ثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر، ثنا سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، فذكر نحوه، لكن قال: ((فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم)).
أخرجه مسلم عن ابن أبي عمر.
فوقع لنا موافقة عالية ولله الحمد.
[[فصل: كما يستحب الذكر يستحب الجلوس في حلق أهله، ويكفي في ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(1/20)
((إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا. قالوا: وما رياض الجنة يا رسول الله؟! قال: حلق الذكر، فإن لله تعالى سياراتٍ من الملائكة يطلبون حلق الذكر، فإذا أتوا عليهم حفوا بهم)).]]
(2)
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم حدثنا سيدنا ومولانا شيخ الإسلام المشار إليه إملاء من حفظه ولفظه، وقراءة من المستملي عليه كعادته في يوم الثلاثاء حادي عشر من صفر من شهور سنة سبع وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع.
قوله: (فصل كما يستحب الجلوس للذكر يستحب الجلوس في [إلى] حلق أهله إلى أن قال: ويكفي في ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا ..)) الحديث.
وفيه: ((فإن لله سياراتٍ -إلى قوله- حفوا بهم)) ).
قلت: لم أجده من حديث ابن عمر ولا بعضه لا في الكتب المشهورة ولا الأجزاء المنثورة ولكن وجدته من حديث أنس بلفظه مفرقاً، ووجدته من حديث جابر بمعناه مختصراً مفترقاً، ومجموعاً.
أما حديث جابر:(1/21)
فأخبرني به أبو العباس محمد بن علي بن عبد الحق الدمشقي بها، عن عائشة بنت المسلم الحرانية سماعاً، قالت: أنا عبد الرحمن بن أبي الفهم، أنا يحيى بن أسعد، أنا عبد القادر بن محمد، أنا عبد العزيز بن علي، أنا الحسن بن جعفر، ثنا جعفر بن محمد الفريابي، قال: ثنا إبراهيم بن العلاء، ثنا إسماعيل بن عياش، ثنا عمر مولى غفرة، عن أيوب [بن] خالد بن صفوان، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا أيها الناس! إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا)) قلنا: يا رسول الله! وأين رياض الجنة؟ قال: ((مجالس الذكر)).
وبه إلى الفريابي، ثنا أبو أيوب سليمان بن عبد الرحمن، ثنا محمد بن شعيب، عن عمر بن عبد الله مولى غفرة، عن أيوب بن خالد، عن جابر، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أيها الناس! إن لله تعالى سرايا من الملائكة تقف وتحل على مجالس الذكر)).
وأخبرني العماد أبو بكر بن إبراهيم بن العز الصالحي بها، أنا أحمد بن معالى، أنا محمد بن إسماعيل الخطيب، قال: قرئ على فاطمة بنت أبي الحسن ونحن نسمع، أن زاهر بن طاهر أخبرهم، قال: أنا أبو سعد الكنجروذي، أنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا أبو يعلى، ثنا عبد الله هو ابن معاذ، ثنا بشر بن المفضل، ثنا عمر بن عبد الله، عن أيوب بن خالد، قال: قال جابر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لله سرايا من الملائكة تقف وتحل بمجالس الذكر في الأرض، فارتعوا في رياض الجنة)) قالوا: وما رياض الجنة يا رسول الله؟ قال: ((مجالس الذكر)).(1/22)
هذا حديث غريب، أخرجه البزار عن محمد بن عبد الملك عن بشر بن المفضل.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه الحاكم من طريق مسدد عن بشر بن المفضل وصححه، فوهم، فإن مداره على عمر بن عبد الله مولى غفرة بضم المعجمة وسكون الفاء، وهو ضعيف.
وأما حديث أنس:
فأخبرني أبو المعالي الأزهري، أنا أحمد بن أبي بكر بن طي، قال: أنا أبو الفرج بن الصيقل، أنا أبو محمد الحربي، أنا أبو القاسم الشيباني، أنا أبو علي التميمي، أنا أبو بكر القطيعي، ثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، ثنا عبد الصمد هو ابن عبد الوارث، ثنا محمد هو ابن ثابت البناني، عن أبيه، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا)) قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: ((حلق الذكر)).
هذا حديث غريب، أخرجه الترمذي عن عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه.
فوقع لنا بدلاً عالياً. وقال: هذا حديث حسن غريب من حديث ثابت.(1/23)
وأخرجه الدارقطني في ((الأفراد)) من رواية محمد بن ثابت هكذا، وقال: تفرد به محمد عن أبيه.
وأخرجه ابن عدي في ((الكامل)) في أفراد محمد بن ثابت، ونقل تضعيفه.
وأخرجه أبو يعلى من رواية أبي عبيدة الحداد عن محمد بن ثابت.
وقد جاء من وجه آخر عن أنس.
أخبرني أبو العباس أحمد بن الحسن بن محمد القدسي فيما قرأت عليه بمنزله ظاهر القاهرة، أنا إبراهيم بن علي القطبي، أنا أبو الفرج بن عبد المنعم، أنا أبو الكارم اللبان في كتابه، أنا أبو علي المقرئ، أنا أبو نعيم في الحلية، ثنا حبيب بن الحسن، ثنا يوسف القاضي، ثنا محمد بن أبي بكر، ثنا زائدة بن أبي الرقاد، ثنا زياد النميري، عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا)) قالوا: [يا رسول الله] وأنى لنا برياض الجنة في الدنيا؟ قال: ((إنها مجالس الذكر (حلق الذكر)).
هذا حديث غريب من هذا الوجه، وهي متابعة جيدة.
وبه إلى أبي نعيم ثنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا محمد بن أبي بكر، ثنا زائدة بن أبي الرقاد، عن زياد النميري، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن لله سيارةً من الملائكة يطلبون حلق الذكر، فإذا أتوا عليهم حفوا بهم وبعثوا [ثم يبعثون] رائدهم إلى السماء إلى رب العزة سبحانه، فيقولون: [يا ربنا] وهو أعلم، أتينا عباداً [من الصالحين] من عبادك يعظمون آلاءك، ويتلون كتابك، ويصلون على نبيك، ويسألونك بآخرتهم(1/24)
[لآخرتهم] ودنياهم، فيقول [ربنا تعالى] غشوهم رحمتي، هم القوم، لا يشقى بهم جليسهم)).
هذا حديث غريب، أخرجه البزار عن أحمد بن مالك القشيري عن زائدة بن أبي الرقاد.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وقال: تفرد به زائدة، ولم يكن به بأس، وإنما نكتب من حديث ما لم نجده عند غيره انتهى.
وفي كلامه تدافع، وقد قال البخاري: إنه منكر الحديث، وضعفه جماعة.
وأبوه بضم الراء وتخفيف القاف وآخره دال مهملة.
وشيخه فيه ضعف أيضاً.
لكن لهذا الحديث أصل أصيل، أخرجه البخاري ومسلم مطولاً من حديث أبي هريرة، وسيأتي إن شاء الله تعالى.
(3)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم كثيراً.
ثم حدثنا قاضي القضاة شيخ الإسلام المشار إليه إملاء من حفظه ولفظه، وقراءة من المستملي المذكور عليه كعادته في يوم الثلاثاء ثاني عشر من صفر من شهور سنة سبع وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع:(1/25)
أخبرني أبو العباس أحمد بن علي بن قاضي الحصن، قال: قرئ على أم محمد الحرانية ونحن نسمع، عن أبي محمد البلداني سماعاً، أنا أبو القاسم بن بوش، أنا أبو طالب بن يوسف، أنا أبو محمد الأزجي، أنا أبو محمد بن الوضاح، ثنا جعفر بن محمد بن المستفاض، حدثني الفضل بن مقاتل البلخي، ثنا زيد بن الحباب، ثنا حميد مولى ابن علقمة المكي، عن عطاء بن أبي رباح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر الصديق رضي الله عنه: ((يا أبا بكرٍ! إذا مررت برياض الجنة فارتع فيها)) قال: وما الرتع فيها يا رسول الله؟ قال: ((سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر)).
هذا حديث غريب، أخرجه الترمذي عن إبراهيم بن يعقوب عن زيد بن الحباب بهذا الإسناد، وسياقه أتم، وخالف في تعيين السائل، ولفظه: ((إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا فيها)) قلت: وما رياض الجنة؟ قال: ((المساجد)) قلت: وما الرتع فيها؟ فذكره.
ورواته ثقات إلا حميد المكي، فإنه مجهول، ولم يرو عنه إلا زيد بن الحباب.
وجاء بقية الحديث عن أبي هريرة مطولاً من وجه ثابت.
وبهذا الإسناد إلى جعفر بن محمد، ثنا أمية بن بسطام، ثنا يزيد بن زريع (ح).
وقرأت على أم عيسى الأسدية، عن علي بن عمر الواني سماعاً وهي آخر من حدث عنه بالسماع، أنا عبد الوهاب بن ظاهر، أنا الحافظ أبو طاهر السلفي، أنا القاسم بن الفضل الثقفي، أنا أبو حازم العبدري، ثنا إسماعيل بن نجيد، ثنا محمد بن إبراهيم البوشنجي، ثنا أمية، ثنا يزيد، ثنا روح بن القاسم، عن سهيل (ح).(1/26)
وقرأته عالياً على أبي الفرج بن حماد، أن أحمد بن منصور الجوهري أخبرهم، أنا علي بن أحمد السعدي، أنا أبو المكارم اللبان في كتابه، أنا الحسن بن أحمد، أنا أحمد بن عبد الله، أنا عبد الله بن جعفر، ثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود الطيالسي، ثنا وهيب بن خالد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لله ملائكة سيارةً يلتمسون مجالس الذكر، فإذا أتوا عليهم حفوا بهم بأجنحتهم، ما بينهم وبين سماء الدنيا، فإذا تفرقوا عرجوا إلى ربهم، فيسألهم وهو أعلم: من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عبادٍ لك يسبحونك ويحمدونك ويكبرونك ويهللونك، ويسألونك جنتك ويستعيذونك من نارك، قال: وهل رأوا جنتي وناري؟ قالوا: لا، قال: فكيف بهم لو رأوهما؟ أشهدكم أني قد غفرت لهم وأعطيتهم ما سألوا، فيقال: إن فيهم رجلاً ليس منهم، إنما جاء لحاجةٍ، فيقول: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم)).
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم عن محمد بن حاتم، عن بهز بن أسد، عن وهيب بن خالد.
فوقع لنا عالياً بدرجتين.
وأخرجه البخاري من رواية الأعمش، عن أبي صالح، وسياقه أتم، وأشار إلى طريق سهيل تعليقاً.
وأخرجه أبو عوانة عن يونس بن حبيب.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه أيضاً عن عباس الدوري عن أمية بن بسطام بالسند الأول.(1/27)
فوقع لنا بدلاً عالياً.
[[وروينا في صحيح مسلم، عن معاوية رضي الله عنه أنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على حلقة من أصحابه فقال: ((ما أجلسكم؟)) قالوا: جلسنا نذكر الله تعالى ونحمده على ما هدانا للإسلام ومن به علينا، قال: ((آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟)) قالوا: والله، ما أجلسنا إلا ذاك، قال: ((أما إني لم أستحلفكم تهمةً لكم، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله تعالى يباهي بكم الملائكة)).
وروينا في صحيح مسلم أيضاً، عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما: أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا يقعد قومٌ يذكرون الله تعالى إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله تعالى فيمن عنده)).]]
(4)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم في يوم الثلاثاء خامس ربيع الأول من شهور سنة سبع وثلاثين وثمانمئة، حدثنا سيدنا ومولانا قاضي القضاة شيخ الإسلام المشار إليه إملاء كعادته، قال وأنا أسمع:(1/28)
قوله: (وروينا في صحيح مسلم عن معاوية).
أخبرني أبو محمد عبد الله بن خليل الحرستاني ثم الصالحي بها رحمه الله، أنا أحمد بن محمد الزبداني، وأبو بكر بن محمد بن عبد الجبار، قالا: أنا محمد بن إسماعيل بن أبي الفتح، قال: قرئ على فاطمة بنت سعد الخير ونحن نسمع، أن زاهر بن طاهر أخبرهم، قال: أنا محمد بن عبد الرحمن، أنا محمد بن أحمد النيسابوري، ثنا أحمد بن علي بن المثنى، ثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي (ح).
وبالسند الماضي إلى أبي نعيم في المستخرج، ثنا محمد بن أحمد بن الحسن، وحبيب بن الحسن، وأبو بكر الطلحي، قال الأولان: ثنا يوسف بن يعقوب القاضي، ثنا أبو الوليد الطيالسي. وقال الثالث: ثنا عبيد بن غنام قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قالوا: ثنا مرحوم بن عبد العزيز العطار، ثنا أبو نعامة السعدي، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: خرج معاوية على حلقة في المسجد فقال: ما يجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام، ومن علينا به، قال: آلله ما أجلسكم إلا ذلك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذلك، قال: أما أني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولم يكن أحد بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أقل حديثاً عنه مني، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال: ((ما يجلسكم؟)) قالوا: جلسنا نذكر الله تبارك وتعالى نحمده على ما هدانا للإسلام ومن علينا به، قال: ((آلله ما يجلسكم إلا ذلك؟)) قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذلك، قال: ((لم أستحلفكم تهمة ًلكم، ولكن جبريل أتاني فأخبرني أن الله تبارك وتعالى يباهي بكم الملائكة)).
هذا حديث صحيح أخرجه مسلم عن ابن أبي شيبة.(1/29)
وأخرجه ابن حبان عن أحمد بن علي بن المثنى.
فوافقناهما فيهما بعلو.
وأخرجه أبو عوانة عن محمد بن علي بن ميمون عن أبي الوليد الطيالسي.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه الترمذي عن محمد بن بشار، والنسائي عن سوار العميري، كلاهما عن مرحوم.
قال الترمذي: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وأبو نعامة عمرو بن عيسى. انتهى.
قال المزي في ((الأطراف)): كذا قال، وهو وهم، إنما هو عبد ربه كما تقدم، وأما عمرو بن عيسى فهو أبو نعامة العدوي، وهو شيخ آخر.
قلت: أشار بقوله كما تقدم إلى ما ساقه في مسلم فقال: حدثني أبو نعامة عبد ربه السعدي، لكن لم أقف في شيء من نسخ مسلم على تسميته، وإنما عنده كما عند غيره عن أبي نعامة السعدي من غير مزيد.
وقد ذكر المزي في ((التهذيب)) عن يحيى بن معين قال: اسمه عبد ربه. وعن ابن حبان قال: يقال: اسمه عمرو، والله أعلم.
قوله: ((وروينا فيه أيضاً عن أبي سعيد وأبي هريرة)).
أخبرني أبو محمد إبراهيم بن محمد الدمشقي بالمسجد الحرام رحمه الله، قال: أنا أحمد بن أبي طالب، أنا إبراهيم بن عثمان الكاشغري في كتابه، أنا أبو الفتح محمد بن عبد الباقي، وأبو الحسن علي بن عبد الرحمن، قالا: أنا مالك بن أحمد، أنا أبو الحسن بن الصلت، أنا إبراهيم بن(1/30)
عبد الصمد الهاشمي، ثنا خلاد بن أسلم، قال: ثنا النضر بن شميل (ح).
وبالسند الماضي إلى أبي نعيم، ثنا عبد الله بن جعفر، وحبيب بن الحسن، قال الأول: ثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود الطيالسي. وقال الثاني: ثنا يوسف القاضي، ثنا حفص بن عمر، قالوا: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق -هو السبيعي- قال: سمعت الأغر يقول: أشهد على أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا يقعد قومٌ يذكرون الله تعالى إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، وتنزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده)).
هذا حديث صحيح أخرجه مسلم عن محمد بن بشار، عن محمد بن جعفر، عن شعبة.
فوقع لنا عالياً بدرجتين.
وأخرجه أبو عوانة عن يونس بن حبيب.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه مسلم أيضاً، والترمذي من رواية الثوري، والنسائي من رواية عمار بن رزيق، وابن حبان من رواية أبي الأحوص، كلهم عن أبي إسحاق.(1/31)
وله طريق أخرى عن أبي هريرة أخرجها مسلم في أثناء حديث.
وبه إلى أبي نعيم قال: ثنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من نفس عن مؤمنٍ كربةً من كرب الدنيا نفس الله عنه كربةً من كرب الآخرة يوم القيامة)) فذكر الحديث. وفيه ((وما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله يذكرون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا تنزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده)).
أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة على الموافقة، والله أعلم.
[[وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عائشة رضي الله عنها قالت: نزلت هذه الآية {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} في الدعاء.
فصل: قال الله تعالى: {إن المسلمين والمسلمات} إلى قوله تعالى: {والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرةً وأجراً عظيماً}.
وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((سبق المفردون، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟! قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات)).]](1/32)
(5)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
ثم حدثنا شيخنا قاضي القضاة المشار إليه إملاء من حفظه ولفظه كعادته في يوم الثلاثاء ثاني عشر ربيع الأول من شهور سنة تاريخه، قال وأنا أسمع:
قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم عن عائشة).
أخبرني أبو علي محمد بن محمد بن علي، أنا أحمد بن أبي طالب، أنا الحسين بن أبي بكر، أنا عبد الأول بن عيسى، أنا عبد الرحمن بن محمد، أنا عبد الله بن أحمد، أنا محمد بن يوسف، أنا محمد بن إسماعيل، ثنا طلق بن غنام، ثنا زائدة، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها، في قوله تعالى: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} قالت: نزلت في الدعاء.
وبه إلى محمد بن إسماعيل ثنا عبيد بن إسماعيل، ثنا أبو أسامة (ح).
وبالسند الماضي إلى أبي نعيم في المستخرج، ثنا أبو بكر النصيببي، ثنا موسى بن إسحاق، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع، كلاهما عن هشام بن عروة بنحوه.
أخرجه البخاري في كتاب التفسير عن طلق بن غنام، وفي كتاب التوحيد عن عبيد بن إسماعيل كما أخرجته.
وأخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع وأبي أسامة،(1/33)
وأخرجه من طرق أخرى عن هشام، وهو من أفراده.
وقد جاء عن ابن عباس في نزولها سبب آخر.
أخبرني أبو المعالي الأزهري، أنا أبو العباس الحلبي، أنا أبو الفرج الحراني، أنا أبو محمد الحربي، أنا هبة الله بن محمد، أنا الحسن بن علي، أنا أحمد بن جعفر، ثنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، ثنا هشيم، أنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة إذا صلى رفع صوته، فإذا سمع المشركون القرآن سبوه ومن أنزله ومن جاء به، فنزلت: {ولا تجهر بصلاتك} فيسمع المشركون: {ولا تخافت بها} فلا تسمع أصحابك: {وابتغ بين ذلك سبيلاً} بين الجهر والمخافتة.
هذا حديث صحيح، أخرجه البخاري عن يعقوب بن إبراهيم وعن مسدد وحجاج بن منهال وعمرو بن زرارة.
وأخرجه مسلم عن محمد بن الصباح وعمرو الناقد.
وأخرجه الترمذي وابن خزيمة عن أحمد بن منيع.
وأخرجه النسائي وابن خزيمة أيضاً عن يعقوب بن إبراهيم سبعتهم عن هشيم.
وأخرجه الترمذي أيضاً من رواية أبي داود الطيالسي عن هشيم وعن شعبة، فرقهما كلاهما عن أبي بشر، لكن لم يذكر شعبة ابن عباس في(1/34)
السند، بل أرسله.
وقد أخرجه النسائي من رواية الأعمش عن جعفر بن إياس، وهو أبو بشر المذكور موصولاً أيضاً.
وأخرجه ابن مردويه في التفسير من رواية يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس وزاد فيه: فنزلت: {واذكر ربك في نفسك} كان لا يسمع أصحابه، فشق عليهم، فنزلت: {ولا تجهر}.
وقد رجح بعضهم السبب الثاني، ويمكن الجمع بأن تكون الآية نزلت في الأمرين.
قوله: (فصل قال الله تعالى: {إن المسلمين والمسلمات} إلى قوله: {والذاكرين الله كثيراً والذاكرات} ثم ذكر حديث أبي هريرة ((سبق المفردون)) ).
أخبرني الإمام العلامة شيخ الحفاظ أبو الفضل بن الحسين رحمه الله، قال: أخبرني أبو محمد عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن نصر، أنا محمد بن الكمال عبد الرحيم المقدسي، أنا عمي الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد الضياء، أنا أبو روح عبد المعز بن محمد.
قال ابن الكمال: وأخبرنا عالياً أبو روح المذكور إجازة مكاتبة، قال: أنا تميم بن أبي سعيد، أنا محمد بن عبد الرحمن الأديب، أنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان (ح).
وقرأت على عبد العزيز بن محمد بن محمد بن الخضر، عن زينب بنت إسماعيل بن الخباز سماعاً، قالت: أنا أحمد بن عبد الدائم، أنا عبد الله بن مسلم، أنا أبو بكر بن عبد الباقي، أنا أبو محمد الجوهري، أنا أبو بكر القطيعي، ثنا جعفر بن محمد الفريابي، قالا: ثنا أمية بن بسطام، ثنا يزيد بن(1/35)
زريع، ثنا روح بن القاسم، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في طريق مكة، فمر على جبل يقال له جمدان، فقال: ((هذا جمدان، سيروا سبق المفردون)) قالوا: يا رسول الله! ومن المفردون؟ قال: ((الذاكرون الله كثيراً والذاكرات)).
هذا حديث صحيح، أخره مسلم عن أمية بن بسطام.
وابن حبان عن الحسن بن سفيان.
فوافقناهما فيهما بعلو.
وأخرجه الترمذي من وجه آخر عن أبي هريرة، وزاد في آخره: ((قد وضع الذاكر من أثقالهم، يأتون يوم القيامة خفافاً)).
أخبرني أحمد بن علي بن عبد الحق، عن عائشة الحرانية سماعاً، قالت: أنا عبد الرحمن بن أبي الفهم، قال: أنا يحيى بن أسعد، أنا عبد القادر بن محمد، أنا عبد العزيز بن علي، أنا أبو محمد بن الوضاح، ثنا جعفر بن محمد، ثنا إسحاق بن راهويه، ثنا إسحاق بن سليمان، قال: سمعت موسى بن عبيدة، يحدث عن أبي عبد الله القراط، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنا نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدف من جمدان فقال: ((يا معاذ! أين السابقون؟)) فقلت: مضوا وتخلف ناس، فقال: ((إن السابقين الذين يهترون بذكر الله عز وجل، فمن أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر من ذكر الله)).
هكذا أخرجه إسحاق في مسنده، وموسى ضعيف، لكن يقوى بحديث أبي هريرة.(1/36)
وجمدان بضم الجيم وسكون الميم: جبل بالقرب من المدينة من طريق مكة.
والدف بفتح الدال المهملة وتشديد الفاء: هو السير الخفيف، أو مكان عند الجبل المذكور.
وقوله: يهترون بكسر المثناة الفوقانية: معناه يديمون.
والمفردون ضبطها المصنف بتشديد الراء وبتخفيفها، قال: والتشديد المشهور.
قلت: والراء مفتوحة وقيل مكسورة، يقال: فرد الرجل مشدداً ومخففاً، وتفرد وانفرد، الكل بمعنى، والله أعلم.
[[وقد جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا -أو صلى- ركعتين جميعاً كتبا في الذاكرين الله كثيراً والذاكرات)).
فصل: ينبغي أن يكون الذاكر على أكمل الصفات، فإن كان جالساً في موضع استقبل القبلة وجلس متذللاً متخشعاً بسكينة ووقار، مطرقاً رأسه، ولو ذكر على غير هذه الأحوال جاز ولا كراهة في حقه، لكن إن كان بغير عذر كان تاركاً للأفضل. والدليل على عدم الكراهة قول الله تعالى: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب. الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض .. .. }.(1/37)
وثبت في الصحيحين، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكئ في حجري وأنا حائض فيقرأ القرآن. رواه البخاري ومسلم. وفي رواية: ورأسه في حجري وأنا حائض. وجاء عن عائشة رضي الله عنها أيضاً قالت: إني لأقرأ حزبي وأنا مضطجعةً على السرير.]]
(6)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
ثم حدثنا سيدنا، وشيخنا قاضي القضاة، شيخ الإسلام، المشار إليه إملاء من حفظه ولفظه كعادته في يوم الثلاثاء تاسع عشر ربيع الأول شهر سنة تاريخه، قال وأنا أسمع:
قوله: (وقد جاء في حديث أبي سعيد).
أخبرني أبو الحسن علي بن محمد الدمشقي رحمه الله فيما قرأت عليه بظاهر مصر، عن سليمان بن حمزة، أنا الإمام شهاب الدين عمر بن محمد السهروردي في كتابه، أنا طاهر بن محمد الهمداني بها، أنا محمد بن الحسين القزويني، أنا القاسم بن طلحة، أنا أبو الحسن بن سلمة، ثنا محمد بن يزيد، ثنا العباس بن عثمان الدمشقي، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا شيبان أبو معاوية، ثنا الأعمش، عن علي بن الأقمر، عن الأغر، عن أبي سعيد، وأبي هريرة رضي الله عنهما، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا استيقظ الرجل من الليل، وأيقظ امرأته، فصليا ركعتين كتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات)).(1/38)
هذا حديث صحيح، أخرجه ابن حبان عن الحسن بن سفيان، عن صفوان بن صالح، عن الوليد.
فوقع لنا عالياً.
وأخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان أيضاً والحاكم، كلهم من رواية عبيد الله بن موسى عن شيبان.
واختلف في وقفه ورفعه على علي بن الأقمر، فتابع الأعمش على رفعه محمد بن جابر اليمامي، أخرجه أبو يعلى من طريقه.
وخالفهما سفيان الثوري فوقفه.
وقد وقع لي من حديثه عالياً.
قرأت على أبي المعالي محمد بن محمد بن محمد السلعوس، عن أبي محمد بن أبي التائب سماعاً، أخبرنا إسماعيل بن أحمد، عن شهدة، قالت: أنا الحسين بن أحمد، أنا أبو الحسين بن بشران، ثنا أبو جعفر الرزاز، ثنا محمد بن عبيد الله، ثنا إسحاق هو ابن يوسف، ثنا سفيان هو الثوري، عن علي بن الأقمر، عن الأغر، عن أبي سعيد، قال: إذا أيقظ الرجل امرأته فصليا ركعتين كتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات.
أخرجه أبو داود عن محمد بن كثير والحاكم من رواية أبي نعيم كلاهما عن سفيان.(1/39)
قال أبو داود: رواه عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان، وأراه ذكر أبا هريرة فيه.
وحديث سفيان موقوف.
وقال الحاكم: رفعه عيسى الرازي عن سفيان.
تنبيه: قول الشيخ: هذا حديث مشهور يريد شهرته على الألسنة، لا أنه مشهور اصطلاحاً، فإنه من أفراد علي بن الأقمر، عن الأغر.
وقوله: رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه، هو كما قال، لكنهم ذكروا أبا هريرة مع أبي سعيد، فما أدري لم حذفه، فإنهما عند جميع من أخرجه مرفوعاً.
وأما من أفرد أبا سعيد فإنه أخرجه موقوفاً كما قدمت جميع ذلك واضحاً.
قوله: (فصل ينبغي أن يكون الذاكر على أكمل الصفات إلى أن ذكر حديث عائشة).
قرأت على أم يوسف المقدسية بالصالحية، عن أبي عبد الله بن الزراد إجازة إن لم يكن سماعاً، قال: أنا أبو عبد الله الخطيب، عن فاطمة بنت أبي الحسن سماعاً، قالت: أنا أبو القاسم الشحامي، أنا أبو سعد الكنجروذي، أنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا أبو يعلى، ثنا عبد الأعلى بن حماد، ثنا سفيان، عن منصور -هو ابن عبد الرحمن الحجبي- عن أمه -هي صفية بنت شيبة- عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع رأسه في حجري وأنا حائض، فيقرأ القرآن.
وبالسند الماضي إلى أبي نعيم في المستخرج، ثنا حبيب بن الحسن، ثنا يوسف القاضي، ثنا عبد الأعلى بن حماد، ثنا داود بن عبد الرحمن، عن(1/40)
منصور، فذكره بلفظ كان يتكئ في حجري وأنا حائض فيقرأ القرآن.
هذا حديث صحيح أخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى، عن داود بن عبد الرحمن.
وأخرجه البخاري من وجهين آخرين باللفظين المذكورين أحدهما في كتاب الطهارة، والآخر في كتاب التوحيد.
وأخرجه النسائي من رواية سفيان بن عيينة نحو اللفظ الأول.
وقد رواه بذكر الرأس فيه أيضاً القاسم بن محمد عن عائشة.
أخبرني عبد الله بن عمر بن علي، أنا أحمد بن أبي أحمد الصيرفي، أنا أبو الفرج بن عبد المنعم، أنا أبو أحمد بن سكينة، أنا أبو القاسم بن الحصين، أنا أبو طالب بن غيلان، ثنا أبو بكر الشافعي، ثنا بشر بن موسى، ثنا أبو زكريا - هو يحيى بن إسحاق، ثنا ابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران، عن القاسم، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع رأسه في حجري وأنا حائض، وهو يقرأ القرآن.
أخرجه أحمد عن يحيى بن إسحاق.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه ابن حبان من رواية عبيد الله بن عمر عن القاسم كذلك، والله أعلم.(1/41)
[[وثبت في صحيح مسلم، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من نام عن حزبه أو عن شيءٍ منه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل)).
باب مختصر في أحرف مما جاء في فضل الذكر غير مقيدٍ بوقت
قال الله تعالى: {ولذكر الله أكبر} وقال تعالى: {فاذكروني أذكركم} وقال تعالى: {فلولا أنه كان من المسبحين. للبث في بطنه إلى يوم يبعثون} وقال تعالى: {يسبحون الليل والنهار لا يفترون}.
وروينا في صحيحي إمامي المحدثين: أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري الجعفي مولاهم، وأبي الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري -رضي الله عنهما- بأسانيدهما، عن أبي هريرة رضي الله عنه، واسمه عبد الرحمن بن صخر على الأصح من نحو ثلاثين قولاً، وهو أكثر الصحابة حديثاً، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)) وهذا الحديث آخر شيء في صحيح البخاري.(1/42)
وروينا في صحيح مسلم، عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبرك بأحب الكلام إلى الله تعالى؟ إن أحب الكلام إلى الله: سبحان الله وبحمده)) وفي رواية: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الكلام أفضل؟ قال: ((ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده: سبحان الله وبحمده)).]]
(7)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
ثم حدثنا سيدنا ومولانا قاضي القضاة شيخ الإسلام، إمام الحفاظ المشار إليه إملاء من حفظه كعادته يوم الثلاثاء سادس عشر من ربيع الأول من شهور سنة سبع وثمانين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
قوله: (وثبت في صحيح مسلم عن عمر).
أخبرني أبو العباس أحمد بن علي بن تميم الدمشقي بها رحمه الله، أنا أبو العباس أحمد بن أبي طالب، أنا عبد الله بن عمر بن علي بن زيد، أنا أبو الوقت، أنا أبو الحسن بن المظفر، أنا عبد الله بن أحمد السرخسي، أنا عيسى بن عمر السمرقندي، أنا عبد الله بن عبد الرحمن، أنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني الليث، حدثني يونس -هو ابن يزيد- عن الزهري حدثني السائب بن يزيد، وعبيد الله بن عبد الله، أن عبد الرحمن بن عبد قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من نام عن حزبه أو عن شيءٍ منه، فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر، كتب(1/43)
له كأنما قرأه من الليل.
هذا حديث صحيح، أخرجه أحمد عن عتاب بن زياد.
والنسائي عن سويد بن نصر، كلاهما عن عبد الله بن المبارك.
وأخرجه مسلم وابن ماجه عن أبي الطاهر بن السرح.
ومسلم أيضاً عن حرملة، وهارون بن معروف.
وأبو داود عن محمد بن سلمة، وسليمان بن داود المهري.
وابن خزيمة عن يونس بن عبد الأعلى، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم.
سبعتهم عن عبد الله بن وهب.
وأخرجه أبو داود أيضاً، والترمذي، والنسائي جميعاً عن قتيبة، عن أبي صفوان عبد الله بن سعيد الأموي.
ثلاثتهم عن يونس بن يزيد.
فوقع لنا عالياً.
وفي الإسناد رواية الأقران، في موضعين كالزهري [فالزهري] وعبيد الله تابعيان، والسائب وعبد الرحمن معدودان في صغار الصحابة -رضي الله عنهم-.(1/44)
قوله (باب مختصر في أحرف مما جاء في فضل الذكر) وذكر فيه عدة أحاديث.
الأول: حديث أبي هريرة.
أخبرني أبو المعالي الأزهري بالسند الماضي إلى الإمام أحمد، ثنا محمد بن فضيل، ثنا عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)).
وقرأته عالياً على فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي، عن ست الفقهاء بنت أبي إسحاق الواسطي، عن كريمة الزبيرية، قالت: أنا أبو الحسن بن غبرة -بفتح المعجمة والموحدة- إجازة مكاتبة قال: أنا أبو الفرج بن علان، أنا أبو عبد الله الجعفي، ثنا أبو حفص رياح -بكسر الراء وبالتحتانية آخر الحروف- ثنا علي بن المنذر، ثنا محمد بن فضيل، فذكره.
هذا حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم جميعاً عن أبي خيثمة زهير بن حرب.
وأخرجه البخاري أيضاً عن قتيبة وأحمد بن إشكاب.
ومسلم أيضاً عن محمد بن عبد الله بن نمير، وأبي كريب، ومحمد بن طريف.
والترمذي عن يونس بن عيسى.(1/45)
والنسائي عن محمد بن آدم وأحمد بن حرب.
وابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد.
عشرتهم عن محمد بن فضيل.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه النسائي أيضاً.
وابن خزيمة عن علي بن المنذر.
فوقع لنا موافقة عالية جداً.
وقول المصنف أنه آخر شيء في صحيح البخاري صحيح، لكنه ذكره أيضاً في الدعوات، وفي الأيمان، والنذور.
الحديث الثاني: عن أبي ذر.
قرأت على فاطمة بنت محمد بن المنجا، عن سليمان بن حمزة، قال: أنا إسماعيل بن ظفر، أنا محمد بن أبي زيد، أنا محمود بن إسماعيل، أنا أبو الحسين بن فاذشاه، أنا الطبراني في كتاب الدعاء (ح).
وبالسند الماضي إلى أبي نعيم في المستخرج، ثنا فاروق الخطابي، قالا: ثنا أبو مسلم الكشي، ثنا عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي، ثنا إسماعيل بن إبراهيم، ثنا سعيد بن إياس الجريري، عن أبي عبد الله الجسري -بفتح الجيم وسكون المهملة- عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله! أخبرني أي الكلام أحب إلى الله بأبي أنت(1/46)
وأمي؟ قال: ((ما اصطفى الله لملائكته: سبحان ربي وبحمده، سبحان ربي وبحمده)).
وبه إلى أبي نعيم ثنا أبو بكر الطلحي، ثنا عبيد بن غنام، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا يحيى بن بكير، ثنا شعبة، عن الجريري بسنده نحوه، ولفظه: قال: ((ألا أخبرك بأحب الكلام إلى الله؟)) قلت: بلى، قال: ((إن أحب الكلام إلى الله سبحان الله وبحمده)).
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة.
فوقع لنا موافقة عالية من الطريق الثانية.
وأخرجه الترمذي عن أحمد بن إبراهيم الدورقي، عن إسماعيل بن إبراهيم.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه الحاكم من رواية يحيى بن محمد بن يحيى، عن الحجبي، ووهم في استدراكه، فإن مسلماً أخرجه، ولعله قصد الزيادة التي فيه.
وأخرجه النسائي من طرق في عمل اليوم والليلة فيها اختلاف على الجريري وغيره، والله أعلم.
[[وروينا في صحيح مسلم أيضاً، عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحب الكلام إلى الله تعالى أربعٌ: سبحان الله،(1/47)
والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لا يضرك بأيهن بدأت)).
وروينا فيه أيضاً، عن جويرية أم المؤمنين رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح، وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى، وهي جالسة فيه، فقال: ((ما زلت اليوم على الحالة التي فارقتك عليها؟ قالت: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد قلت بعدك أربع كلماتٍ ثلاث مراتٍ لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: ((سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته)) وفي رواية: ((سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله مداد كلماته)).
ورويناه في كتاب الترمذي، ولفظه: ((ألا أعلمك كلماتٍ تقولينها: سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله مداد كلماته، سبحان الله مداد كلماته، سبحان الله مداد كلماته)).]]
(8)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه تسليماً كثيراً
ثم حدثنا سيدنا ومولانا قاضي القضاة شيخ الإسلام، إمام الحفاظ(1/48)
المشار إليه، إملاء من حفظه ولفظه وقراءة من المستملي عليه كعادته في يوم الثلاثاء ثالث ربيع الآخر في شهور سنة سبع وثلاثين، قال وأنا أسمع:
الحديث الثالث: عن سمرة.
أخبرني أبو محمد عبد الله بن محمد بن إبراهيم الخطيب رحمه الله، أنا محمد بن إسماعيل بن عبد العزيز الأيوبي، أنا عبد العزيز بن عبد المنعم الحراني، عن عفيفة بنت أحمد، عن فاطمة الجوزذانية، سماعاً، قالت: أنا محمد بن عبد الله الأصبهاني، أنا أبو القاسم الطبراني في الكبير، ثنا محمد بن عمرو بن خالد، ثنا أبي (ح).
وبالسند الماضي إلى أبي نعيم في المستخرج، ثنا أبو العباس الصرصري، وأبو بكر بن حمدان، قال الأول: حدثنا يوسف بن يعقوب، ثنا عمرو بن مرزوق. والثاني: ثنا عبد الله بن أحمد بن إبراهيم الدورقي، ثنا علي بن الجعد، قالوا واللفظ لعمرو بن خالد: ثنا زهير بن معاوية، عن منصور، عن هلال بن يساف، عن الربيع بن عميلة، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحب الكلام إلى الله أربع لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، لا يضرك يأيهن بدأت)).
هذا حديث صحيح، أخرجه أحمد عن الحسن بن موسى، ويحيى بن آدم.
ومسلم عن أحمد بن عبد الله بن يونس.
وأبو داود عن أبي جعفر النفيلي.(1/49)
أربعتهم عن زهير بن معاوية.
فوقع لنا بدلاً عالياً
وأخرجه مسلم أيضاً من رواية روح بن القاسم وجرير بن عبد الحميد كلاهما عن منصور -وهو ابن المعتمر- هكذا.
وفي السند ثلاثة من التابعين في نسق.
ورواه محمد بن جحادة عن منصور، فخالف في شيخه.
وبالسند الماضي إلى الطبراني في كتاب ((الدعاء))، حدثنا حفص بن عمر (ح).
وقرأت على أم الحسن بنت المنجا، عن أبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم، قال: أنا محمد بن إبراهيم، أنا يحيى بن ثابت، أنا طراد بن محمد، أنا علي بن محمد، ثنا محمد بن عمرو، ثنا أحمد -يعني ابن زهير- قالا: ثنا أبو معمر، ثنا عبد الوارث، ثنا محمد بن جحادة، عن منصور، عن عمارة بن عمير، عن الربيع بن عميلة، فذكر مثله، لكن قال: ((سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)).
وقد صحح ابن حبان الروايتين، وأخرج هذه عن مكحول البيروتي، عن أحمد بن عبد الرحمن الكزبراني، عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبي.(1/50)
فوقع لنا عالياً بدرجتين.
الحديث الرابع: عن جويرية بنت الحارث أم المؤمنين.
أخبرني الإمام شيخ الإسلام والحفاظ أبو الفضل بن الحسين رحمه الله، أنا عبد الله بن محمد العطار، أنا علي بن أحمد المقدسي، عن محمد بن معمر، عن سعيد بن أبي الرجاء، أنا أحمد بن محمد بن النعمان، أنا أبو بكر بن عاصم، ثنا أحمد بن إسحاق الخزاعي، ثنا محمد بن أبي عمر (ح).
وبالسند الماضي إلى أبي نعيم في المستخرج، ثنا محمد بن أحمد أبو علي، وأبو عمرو بن حمدان، قال الأول: ثنا بشر بن موسى، ثنا الحميدي.
والثاني: ثنا الحسن بن سفيان، ثنا قتيبة، قالوا: ثنا سفيان بن عيينة، عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة، عن كريب مولى ابن عباس، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن جويرية رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلة الصبح وهي في مسجدها، ثم رجع حين أضحى وهي على حالتها، فقال: ((ما زلت على حالتك التي فارقتك عليها؟)) قالت: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لقد قلت بعدك أربع كلماتٍ ثلاث مراتٍ لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته)).
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم عن ابن أبي عمر، وقتيبة، وعمرو الناقد، ثلاثتهم عن سفيان.
فوقع لنا موافقة، وبدلاً مع العلو.
قوله: (وفي رواية).
وبالسند الماضي إلى الطبراني في الدعاء، ثنا عبيد بن غنام (ح).(1/51)
وبالسند الآخر إلى أبي نعيم ثنا أبو بكر الطلحي، ثنا عبيد، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة (ح).
وبه إلى أبي نعيم، ثنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا عبد الله بن محمد بن شيرويه، ثنا إسحاق بن إبراهيم، قالا: ثنا محمد بن بشر، ثنا مسعر، حدثني محمد بن عبد الرحمن، عن أبي رشدين -هو كريب- عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن جويرية رضي الله عنها قالت: مر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما صلى الغداة وهي تذكر الله، ثم رجع بعدما ارتفع أو انتصف النهار وهي كذلك، فقال: ((لقد قلت بعدك أربع كلماتٍ ثلاث مراتٍ هن أكثر وأرجح لو وزن مما قلت: سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله مداد كلماته)).
أخرجه مسلم عن أبي بكر وإسحاق فوافقناه فيهما بعلو.
قوله: (وروينا في كتاب الترمذي).
أخبرني أبو عبد الرحمن عبد الله بن خليل الحرستاني فيما قرأت عليه بالصالحية رحمه الله، أنا أبو العباس الزبداني، وأبو بكر بن الرضي، قالا: أنا محمد بن إسماعيل الخطيب، بسنده الماضي مراراً إلى أبي يعلى ثنا زهير بن حرب، ثنا روح بن عبادة، ثنا شعبة (ح).
وبالسند الماضي قريباً إلى عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، ثنا روح، ومحمد بن جعفر، قالا: ثنا شعبة، عن محمد مولى آل طلحة، عن كريب، فذكر نحو حديث مسعر، لكن قال: ((سبحان الله عدد خلقه ثلاث مراتٍ)) والباقي كذلك.(1/52)
أخرجه الترمذي والنسائي في الكبرى، كلاهما عن محمد بن بشار، عن محمد بن جعفر.
وللحديث شاهد من طريق سعد بن أبي وقاص، ذكره الشيخ فيما بعد، وسيأتي إن شاء الله تعالى.
[[روينا في صحيح مسلم، عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملأان، أو تملأ ما بين السموات والأرض)).
وروينا في صحيح مسلم أيضاً، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لأن أقول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس)).]]
(9)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
ثم حدثنا شيخنا قاضي القضاة شيخ الإسلام، إمام الحفاظ المشار إليه(1/53)
إملاء من حفظه كعادته يوم الثلاثاء عاشر ربيع الآخر من شهور سنة تاريخه، قال وأنا أسمع:
الحديث الخامس: حديث أبي مالك الأشعري، وهو في الأصل الرابع، لكن أخر سهواً.
أخبرني أبو العباس أحمد بن علي بن يحيى الهاشمي الدمشقي رحمه الله، أنا أبو العباس أحمد بن أبي طالب، أنا أبو المنجا، أنا أبو الوقت، أنا أبو الحسن الداودي، أنا عبد الله بن حمويه، أنا عيسى بن عمر، أنا أبو محمد الدارمي (ح).
وبالسند الماضي إلى أبي نعيم في المستخرج، قال: ثنا سليمان بن أحمد، ثنا علي بن عبد العزيز، قالا: ثنا مسلم بن إبراهيم (ح).
وبه إلى سليمان، ثنا محمد بن يحيى بن المنذر، ثنا موسى بن إسماعيل (ح).
وبه إلى أبي نعيم ثنا أبو علي -يعني ابن الصواف- وعبد الله بن الحسن بن بندار.
قال الأول: ثنا بشر بن موسى، ثنا يحيى بن إسحاق.
وقال الثاني: ثنا محمد بن إسماعيل الصائغ، ثنا عفان.
قال الأربعة: ثنا أبان بن يزيد، عن يحيى بن أبي كثير، عن زيد بن سلام، عن جده أبي سلام، عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، ولا إله إلا الله والله أكبر تملأ، أو تملأان، ما بين السماء والأرض، والصبر ضياءٌ، والصلاة نورٌ، والصدقة برهانٌ، والقرآن حجةٌ لك أو عليك، وكل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها)).(1/54)
ألفاظهم سواء إلا في رواية الأول والثالث الوضوء بدل الصبر.
هذا حديث صحيح، أخرجه أحمد بن يحيى بن إسحاق وعفان.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه مسلم والترمذي جميعاً عن إسحاق بن منصور، عن حبان بن هلال.
وأخرجه النسائي عن عمرو بن علي، عن عبد الرحمن بن مهدي، كلاهما عن أبان.
فوقع لنا عالياً بدرجتين.
قال النسائي: خالفه معاوية بن سلام [رواه] عن أخيه زيد، فأدخل بين أبي سلام وأبي مالك عبد الرحمن بن غنم.
قلت: أبو سلام اسمه ممطور: شامي، تابعي، ثقة، وقد صرح بالتحديث في حديثه هذا من أبي مالك له.
وذلك فيما أخرجه ابن حبان عن عمران بن موسى، عن هدبة بن خالد، عن أبان، فتكون زيادة عبد الرحمن إما لكونه سمعه منه أولاً، ثم سمعه من أبي مالك، أو ثبته فيه عبد الرحمن، فإن في روايته عنه لهذا الحديث اختصار[اً].
أخبرني أبو الفرج بن حماد في ما قرأت عليه، قال: أنا أبو الحسن بن قريش بقراءة الحافظ أبي الفتح اليعمري عليه، أنا إسماعيل بن عبد القوي، أتنا فاطمة بنت سعد الخير، قالت: أتنا فاطمة الجوزذانية، قالت: أنا أبو بكر بن ريذة، أنا الطبراني، ثنا إبراهيم بن دحيم، ثنا أبي، ثنا محمد بن(1/55)
شعيب، ثنا معاوية بن سلام، عن زيد بن سلام، عن أبي سلام، عن عبد الرحمن بن غنم، عن أبي مالك الأشعري، فذكر مثله إلى قوله: ((والصبر ضياء)) ولم يذكر ما بعده، وقال: ((سبحان الله)) بدل ((لا إله إلا الله)).
أخرجه النسائي عن عيسى بن مساور)).
وأخرجه ابن ماجه عن عبد الرحمن بن إبراهيم -وهو دحيم المذكور في روايتنا- كلاهما عن محمد بن شعيب.
فوقع لنا موافقة وبدلاً بعلو لاتصال السماع.
وأخرجه ابن حبان عن الحسن بن سفيان، عن عبد الرحمن بن إبراهيم.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
ووقع في رواية جميع من تقدم عن أبي مالك الأشعري، إلا الترمذي فوقع في روايته عن الحارث بن الحارث الأشعري، فإن كان محفوظاً فالحديث من مسند الحارث، وهو يكنى أبا مالك.
وفي الصحابة من الأشعريين ممن يكنى أبا مالك كعب بن عاصم، وآخر اسمه عبيد، وآخر مشهور بكنيته مختلف في اسمه.
وقد جعل أصحاب الأطراف هذا الحديث من روايته.
وما وقع عند الترمذي يأبى ذلك.(1/56)
الحديث السادس: عن أبي هريرة.
وبه إلى أبي نعيم قال: ثنا محمد بن أحمد بن حمدان، وأبو محمد بن حيان، قال الأول: ثنا الحسن بن سفيان، والثاني ثنا عبدان، قالا: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة.
وقال الثاني أيضاً: ثنا محمد بن يحيى -يعني ابن منده- ثنا أبو كريب، قالا: ثنا أبو معاوية (ح).
وأخبرنيه عالياً أبو عبد الله محمد بن محمد السلعوس، أنا عبد الله بن أبي التائب، أنا إسماعيل بن أحمد العراقي، عن شهدة، قالت: أنا الحسين بن أحمد بن طلحة، قال: أنا أبو الحسين علي بن محمد، ثنا أبو جعفر محمد بن عمرو، ثنا أحمد بن عبد الجبار، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس)).
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، وأبي كريب.
فوقع لنا موافقة عالية بدرجة فيهما، وبدلاً بعلو درجتين بالنسبة للرواية الثانية، وكذا رواية النسائي في الكبرى عن أحمد بن حرب، عن أبي معاوية، والله أعلم.(1/57)
[[روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قديرٌ عشر مراتٍ، كان كمن أعتق أربعة أنفسٍ من ولد إسماعيل)).
وروينا في صحيحهما، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قديرٌ في يومٍ مئة مرةٍ كانت له عدل عشر رقابٍ، وكتبت له مئة حسنةٍ، ومحيت عنه مئة سيئةٍ، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحدٌ بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه. قال: ومن قال سبحان الله وبحمده في اليوم مئة مرةٍ حطت خطاياه وإن كنت مثل زبد البحر)).]]
(10)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
ثم في يوم الثلاثاء سابع عشر ربيع الآخر شهر سنة تاريخه.
حدثنا شيخنا ومولانا قاضي القضاة شيخ الإسلام، المشار إليه إملاء من حفظه كعادته، قال وأنا أسمع:(1/58)
الحديث السابع:
أخبرني عبد الله بن عمر بن علي، أنا أحمد بن محمد بن عمر، أنا عبد اللطيف بن عبد المنعم، أنا عبد الله بن أحمد بن أبي المجد، أنا هبة الله بن محمد بن الحصين، أنا الحسن بن علي، أنا أحمد بن جعفر، ثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، ثنا روح -هو ابن عباد- واللفظ له (ح).
وبالسند الماضي إلى أبي نعيم، قال: ثنا أبو محمد بن حيان، ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، ثنا محمد بن شعبة الأزدي، ثنا أبو عامر العقدي، قالا: ثنا عمر بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، قال: ((من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قديرٌ في يومٍ عشر مرارٍ كان كمن أعتق أربع رقابٍ من ولد إسماعيل)).
وفي رواية أبي عامر أربعة أنفس.
قال عمر بن أبي زائدة: وحدثنا عبد الله بن أبي السفر، ثنا الشعبي، عن ربيع بن خثيم بمثل ذلك، قال: فقلت للربيع: ممن سمعته؟ قال: من عمرو بن ميمون، فقلت لعمرو بن ميمون: ممن سمعته؟ قال: من عبد الرحمن بن أبي ليلى، فقلت لعبد الرحمن: ممن سمعته؟ قال: من أبي أيوب -يعني الأنصاري- رضي الله عنه، يحدث به عن النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا حديث صحيح، أخرجه البخاري عن عبد الله بن محمد الجعفي.
ومسلم عن سليمان بن عبيد الله الغيلاني.
كلاهما عن أبي عامر.
وفي السند الثاني أربعة من التابعين في نسق.
وقد وقع لي من وجه آخر بعلو إلى الشعبي.(1/59)
وبالسند الماضي قريباً إلى الحسين بن أحمد بن طلحة، أنا أبو الحسين بن بشران، ثنا أبو جعفر الرزاز، ثنا يحيى بن جعفر، ثنا علي بن عاصم، ثنا إسماعيل بن أبي خالد، ثنا عامر -وهو الشعبي- عن الربيع بن خثيم فذكر نحوه. لكن لم أر في السند عمرو بن ميمون.
الحديث الثامن:
أخبرنا الشيخ أبو عبد الله بن قوام البالسي رحمه الله، أنا محمد بن محمد بن عبد الرحمن، أنا أبو إسحاق بن البرهان، أنا المؤيد بن محمد، أنا هبة الله بن محمد، أنا أبو عثمان البحيري، أنا أبو علي السرخسي، أنا أبو إسحاق الهاشمي، أنا أبو مصعب الزهري، أنا مالك، عن سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال في يومٍ مئة مرةٍ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قديرٌ كان له عدل عشر رقابٍ، وكتبت له مئة حسنةٍ، ومحيت عنه مئة سيئةٍ، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحدٌ بأفضل مما جاء به، إلا من عمل أكثر من ذلك)) قال: ((ومن قال سبحان الله وبحمده مئة مرةٍ حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)).
هذا حديث صحيح، أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف.
ومسلم عن يحيى بن يحيى.
كلاهما عن مالك.
والترمذي عن إسحاق بن موسى عن معن بن عيسى.(1/60)
وابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن زيد بن الحباب.
كلاهما عن مالك.
وأفرد البخاري الحديث الثاني من رواية مالك أيضاً مصرحاً برفعه.
ووقع لنا من وجه آخر عن شيخ مالك.
أخبرني الشيخ أبو عبد الله بن قوام، أنا أبو عبد الله بن غنايم، أنا أحمد بن شيبان، أنا عمر بن محمد، أنا الحسن بن أحمد، أنا أبو محمد الجوهري، أنا أبو بكر القطيعي، ثنا إبراهيم بن عبد الله، ثنا محمد بن المنهال، ثنا يزيد بن زريع، ثنا روح بن القاسم، ثنا سهيل بن أبي صالح، عن سمي مولى أبي بكر، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال حين يصبح سبحان الله وبحمده مئة مرةٍ، وإذا أمسى مثل ذلك لم يأتي أحد بمثل ما أتى به)).
أخرجه أبو داود عن محمد بن منهال.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه النسائي في الكبرى عن عثمان بن عبد الله، عن أمية بن بسطام، عن يزيد بن زريع.
فوقع لنا عالياً بثلاث درجات.
وبالسند الماضي إلى أبي نعيم قال: ثنا حبيب بن الحسن، ثنا جعفر الفريابي، وسليمان بن عيسى، قالا: ثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، ثنا عبد العزيز بن المختار، عن سهيل بن أبي صالح، فذكر نحوه،(1/61)
وقال في آخره: ((لم يأت أحدٌ يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحدٌ قال مثل ما قال، أو زاد عليه)).
أخرجه مسلم، والترمذي عن محمد بن عبد الملك هذا.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه النسائي في ((الكبرى)) عن زكريا بن يحيى، عن محمد بن عبد الملك.
فوقع لنا بدلاً عالياً بثلاث درجات.
[[روينا في كتابي الترمذي وابن ماجه، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أفضل الذكر لا إله إلا الله)) قال الترمذي: حديث حسن.
وروينا في صحيح البخاري، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره، مثل الحي والميت)).
وروينا في صحيح مسلم، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ((علمني كلاماً أقوله، قال: قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله رب العالمين، لا حول ولا قوة(1/62)
إلا بالله العزيز الحكيم، قال: فهؤلاء لربي، فما لي؟ قال: قل اللهم اغفر لي وارحمني، واهدني وارزقني)).]]
(11)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم كثيراً
ثم في يوم الثلاثاء خامس عشر من ربيع الآخر من شهور سنة سبع وثلاثين وثمانمئة.
أخبرنا سيدنا ومولانا شيخنا قاضي القضاة شيخ الإسلام والحفاظ مما أملاه في اليوم المذكور إجازة، قال:
الحديث التاسع:
أخبرني أبو محمد إسماعيل بن إبراهيم الحافظ، أنا محمد بن أحمد بن صبح، أنا أبو العز الحراني (ح).
وأخبرنا أحمد بن الحسن الشاهد، أنا أحمد بن أبي الحسن بن أيوب، أنا أبو الفرج الحراني، قالا: ثنا أبو علي بن أبي القاسم قال أبو العز: حضوراً، ثنا أبو الفرج وعبد الملك بن مواهب، قالا: أنا محمد بن أبي طاهر، أنا أحمد بن محمد البزاز، أنا علي بن عمر السكري، أنا أبو جعفر محمد بن الحسن، ثنا يحيى بن حبيب، ثنا موسى بن إبراهيم المديني، عن طلحة بن خراش، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله)).(1/63)
هذا حديث حسن، أخرجه الترمذي والنسائي في ((الكبرى)) جميعاً، عن يحيى بن حبيب.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه ابن حبان عن محمد بن علي الأنصاري عن يحيى بن حبيب.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه ابن ماجه عن عبد الرحمن بن إبراهيم.
والحاكم من رواية إبراهيم بن المنذر.
كلاهما عن موسى بن إبراهيم.
قال الترمذي: حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث موسى، وقد روى علي بن المديني وغيره هذا الحديث عن موسى.
قلت: وقد ذكرت جماعة ممن روى عنه، ولم أقف في موسى على تجريح ولا تعديل، إلا أن ابن حبان ذكره في ((الثقات)) وقال: يخطئ.
وهذا عجيب منه؛ لأن موسى مقل، فإذا كان يخطئ مع قلة روايته فكيف يوثق، ويصحح حديثه؟!
فلعل من صححه أو حسنه تسمح لكون الحديث من فضائل الأعمال.
الحديث العاشر:
أخبرني أبو عبد الرحمن الحرستاني، أنا أبو العباس الزبداني، أنا أبو عبد الله المرداوي، قال: قرئ على فاطمة بنت سعد الخير ونحن نسمع، عن(1/64)
أبي القاسم الشحامي سماعاً، أنا أبو سعد الكنجروذي، أنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا أبو يعلى، ثنا أبو كريب، ثنا أبو أسامة، عن بريد، هو ابن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، عن أبي بردة، عن أبي موسى، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه كمثل الحي والميت)).
هذا حديث صحيح، أخرجه البخاري ومسلم جميعاً، عن أبي كريب محمد بن العلاء.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه مسلم أيضاً عن عبد الله بن براد.
وأبو عوانة عن أحمد بن عبد الحميد.
كلاهما عن أبي أسامة.
ووقع لنا من وجه آخر عن بريد أعلى من الأول.
قرأت على فاطمة بنت المنجا عن سليمان بن حمزة، أنا محمود وأسماء وحميراء وأولاد إبراهيم بن سفيان إجازة مكاتبة، قالوا: أخبرنا أبو الخير الباغبان، أنا أبو بكر السمسار، وأبو إسحاق الطيان، قالا: أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله الأصبهاني، ثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي، ثنا سعيد بن يحيى، ثنا أبي -هو ابن سعيد الأموي- عن بريدٍ، فذكر مثله، لكن قال: ((مثل بيتٍ يذكر الله فيه ومثل بيتٍ لا يذكر الله فيه)).
فوقع لنا عالياً على طريق مسلم في هذه الرواية بدرجتين، وفي الأولى موافقة عالية بدرجة.(1/65)
واتفق من ذكر على أن التمثيل وقع بالبيت إلا البخاري وحده، فإن لفظه: ((مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه)).
وكأنه لهذا اقتصر المصنف على عزو الحديث للبخاري، والذي أظنه أنه حديث واحد، وأن البخاري كتبه من حفظه أقام الحال مقام المحل، والعلم عند الله.
الحديث الحادي عشر:
أخبرني إبراهيم بن محمد الدمشقي بمكة، أنا أحمد بن أبي طالب، أنا عبد الله بن عمر، أنا عبد الأول بن عيسى، أنا عبد الرحمن بن محمد، أنا عبد الله بن أحمد، أنا إبراهيم بن خزيم، ثنا عبد بن حميد، أنا جعفر بن عون، عن موسى الجهني، عن مصعب -يعني ابن سعد بن أبي وقاص- عن أبيه رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله علمني كلاماً أقوله، قال: ((قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً، وسبحان الله رب العالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم)) قال: هذا لربي فما لي؟ قال: ((قل اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني)).
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن علي بن مسهر وعبد الله بن نمير ومحمد بن عبد الله بن نمير عن أبيه كلاهما عن موسى الجهني.
فوقع لنا عالياً بدرجتين.(1/66)
وأخرجه البزار من طريق موسى هذا، ووقع في روايته العلي العظيم بدل العزيز الحكيم والله أعلم.
(12)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم كثيراً
حدثنا سيدنا ومولانا شيخنا قاضي القضاة شيخ الإسلام والحفاظ أبو الفضل، إملاء من لفظه وحفظه وقراءة من المستملي عليه كعادته في يوم الثلاثاء ثاني جمادى الأولى سنة تاريخه، قال: وأنا أسمع:
(تنبيه): لم يقع في الأذكار قوله: ((عافني)) وهكذا في الرواية التي ساقها مسلم، لكن وقع عنده في رواية أخرى الإشارة إلى ثبوتها.
فأخرج عن محمد بن عبد الله بن نمير عن أبيه قال: قال موسى -يعني الجهني-: أما عافني فأنا أتوهم، ولا أدري.
وكذا أخرج أبو نعيم في المستخرج من وجه آخر عن ابن نمير.
ووقع لي من وجه آخر عن موسى الجهني بإثباتها بغير تردد.
قرأت على أم الحسن التنوخية، عن أبي الفضل بن أبي طاهر، أنا إسماعيل بن ظفر، أنا محمد بن أبي بكر، أنا محمود بن إسماعيل، أنا أبو الحسين بن فاذشاه، أنا الطبراني، ثنا عبيد بن غنام، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا علي بن مسهر، وعبد الله بن نمير (ح).
وبه إلى الطبراني، ثنا معاذ بن المثنى، وعبد الرحمن بن سلم، ويوسف(1/67)
القاضي، قال الأول: حدثنا مسدد، ثنا يحيى بن سعيد القطان.
والثاني: ثنا سهل بن عثمان، ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي.
والثالث: حدثنا محمد بن أبي بكر، قال: ثنا عمر بن علي.
قال الخمسة: ثنا موسى الجهني، فذكر الحديث بتمامه وفيه ((وعافني)).
قال الطبراني: لفظ يحيى القطان والآخرون نحوه.
قلت: القطان من جبال الحفظ، فكأن موسى جزم بها لما حدثه، وتردد فيها لما حدث ابن نمير، وحذفها لما حدث غيرهما والله أعلم.
ووقع عند مسلم اختلاف في ثبوتها وحذفها في حديث أبي مالك الأشجعي، عن أبيه.
وبهذا الإسناد إلى الطبراني، ثنا عبيد بن غنام، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة (ح).
وبالسند الماضي مكرراً إلى الإمام أحمد، قالا: ثنا يزيد بن هارون (ح).
وبالسند الماضي إلى أبي نعيم في المستخرج، ثنا أبو محمد بن حيان، ثنا عبد الرحمن بن الحسن، ويعقوب بن إبراهيم، قال الأول: ثنا محمد بن عبد الملك، والثاني: ثنا عمرو بن علي، قالا: ثنا يزيد (ح).
وبه إلى أبي نعيم، قال: ثنا محمد بن أحمد، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا عبد الله بن معاوية، ثنا عبد الواحد بن زياد، كلاهما عن أبي مالك الأشجعي -واسمه سعد بن طارق- عن أبيه رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا أتاه إنسان فقال: علمني ما أقول، قال: ((قل اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني)) ويقول بأصابعه الأربع وقبض كفه غير الإبهام ويقول: ((هؤلاء يجمعن لك دنياك وآخرتك)).(1/68)
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم عن أبي خيثمة، عن يزيد بن هارون، وعن أبي كامل الجحدري، عن عبد الواحد بن زياد.
فوقع لنا بدلاً عالياً فيهما.
واقتصر في روايتهما على الأربع، لكن أبدل في رواية عبد الواحد ((عافني)) بدل ((ارزقني)) وأثبت الخمسة في رواية أبي معاوية.
ولأصل الحديث شاهد من حديث عبد الله بن أبي أوفى.
وبه إلى الطبراني، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنا عبد الرزاق، عن الثوري.
قال: وحدثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو نعيم، ثنا سفيان -هو الثوري- عن أبي خالد الواسطي هو الدالاني، عن إبراهيم وليس بالنخعي، عن عبد الله بن أبي أوفى، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني لا أستطيع أن أتعلم القرآن، فعلمني شيئاً يجزئني قال: ((تقول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله)) قال: فقبض على كفه، وقال: هذا لربي فمالي؟ قال: ((تقول اللهم اغفر لي، وارحمني، وعافني، واهدني، وارزقني)) فقبض على كفه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أما هذا فقد ملأ كفيه من الخير)).
هذا حديث حسن، أخرجه أبو داود عن عثمان بن أبي شيبة، عن وكيع، عن سفيان الثوري.
فوقع لنا عالياً.
وقد وقع لنا من وجه آخر عالياً بدرجة أخرى.
وبه إلى الطبراني قال: ثنا يوسف القاضي، وأبو مسلم الكجي، قالا: ثنا عمرو بن مرزوق، ثنا المسعودي (ح).(1/69)
وقرأت على فاطمة بنت المنجا، عن سليمان بن حمزة، أنا محمد بن عبد الواحد الحافظ، أنا أبو جعفر الصيدلاني، أخبرتنا فاطمة الجوزذانية، قالت: أنا أبو بكر بن ريذة، أنا سليمان بن أحمد بن أيوب، ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو نعيم، ثنا مسعر، كلاهما عن إبراهيم السكسكي، عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني لا أقرأ من القرآن شيئاً، فذكر نحوه.
وأخرجه النسائي، وابن خزيمة، وابن حبان، والدارقطني، والحاكم من طرق متعددة إلى إبراهيم المذكور.
قال النسائي: إبراهيم هذا هو السكسكي، وليس بالقوي.
قلت: فإنهم صححوه لشواهده، والله أعلم.
[[وروينا في صحيح مسلم، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: ((كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيعجز أحدكم أن يكسب في يومٍ ألف حسنةٍ؟ فسأله سائل من جلسائه: كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال: يسبح مئه تسبيحةٍ فتكتب له ألف حسنةٍ، أو تحط عنه ألف خطيئةٍ)).(1/70)
وروينا في صحيح مسلم، عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقةٌ، فكل تسبيحةٍ صدقةٌ، وكل تحميدةٍ صدقةٌ، وكل تهليلةٍ صدقةٌ، وكل تكبيرةٍ صدقةٌ، وأمرٌ بالمعروف صدقةٌ، ونهيٌ عن المنكر صدقةٌ، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى)).]]
(13)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم كثيراً
ثم حدثنا سيدنا ومولانا وشيخنا قاضي القضاة شيخ الإسلام والحفاظ -أمتع الله بوجوده- إملاء من حفظه كعادته سلخ يوم الثلاثاء تاسع شهر جمادى الأول شهر سنة تاريخه، قال وأنا أسمع:
الحديث الثاني عشر:
أخبرني أبو الحسن بن أبي بكر الحافظ رحمه الله، أنا عبد الله بن محمد العطار، أنا علي بن أحمد المقدسي، أنا أبو المكارم اللبان في كتابه، أنا أبو علي الحداد، أنا أحمد بن عبد الله الحافظ، أنا عبد الله بن إسحاق الجابري، أنا محمد بن أحمد بن أبي المثنى، ثنا جعفر بن عون (ح).
وبالسند الماضي إلى عبد بن حميد، أنا جعفر بن عون، ثنا موسى الجهني، عن مصعب بن سعد، عن أبيه رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيعجز أحدكم أن يكتسب كل يومٍ ألف حسنةٍ؟!)) قالوا: وكيف يكتسب ألف حسنة؟ قال: ((يسبح مئة تسبيحةٍ فتكتب له ألف حسنةٍ، وتحط(1/71)
عنه ألف خطيئةٍ)).
هذا حديث صحيح، أخرجه أحمد عن عبد الله بن نمير، ويعلى بن عبيد، ويحيى القطان.
وأخرجه مسلم من رواية مروان بن معاوية، ومن رواية علي بن مسهر، وابن نمير.
وأخرجه الترمذي والنسائي من رواية يحيى القطان.
خمستهم عن موسى الجهني.
فوقع لنا عالياً بدرجتين.
وأخرجه أبو عوانة عن محمد بن إسحاق الصغاني، عن جعفر بن عون.
فوقع لنا عالياً.
وقد حكى المصنف قول الحميدي أنه في مسلم من جميع الروايات بلفظ: ((أو تحط)) وأن البرقاني ذكر أن شعبة وغيره رووه عن موسى الجهني بلفظ: ((وتحط)).
قلت: ورواية شعبة عند أحمد والنسائي بالواو كما قال.(1/72)
وهو عند أحمد عن الثلاثة الذين ذكرتهم في موضعين أحدهما: بلفظ: ((وتمحى عنه ألف سيئة))، والثاني: باللفظ الذي ذكره مسلم، والله أعلم.
الحديث الثالث عشر:
وبالسند الماضي إلى أبي نعيم في المستخرج، ثنا سهل بن عبد الله، ثنا الحسين بن إسحاق.
وثنا محمد بن إبراهيم، ثنا أحمد بن علي -هو أبو يعلى- قالا: ثنا عبد الله بن محمد بن أسماء، ثنا مهدي بن ميمون، عن واصل مولى ابن عيينة، عن يحيى بن عقيلٍ، عن يحيى بن يعمر، عن أبي الأسود -هو الدؤلي- عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقةٌ، فكل تسبيحةٍ صدقةٌ، وكل تكبيرةٍ صدقةٌ، وكل تحميدةٍ صدقةٌ، وكل تهليلةٍ صدقةٌ، وأمرٌ بالمعروف صدقةٌ، ونهيٌ عن المنكر صدقةٌ، ويجزئ عن ذلك ركعتان يركعهما من الضحى)).
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم عن عبد الله بن محمد بن أسماء.
وأخرجه ابن حبان عن أبي يعلى.
فوقع لنا موافقة عالية فيهما.
وأخرجه أبو داود، والنسائي، وابن خزيمة، وأبو عوانة من طرق أخرى عن مهدي.
وله شاهد أخص منه، وفيه تفسير السلامى، وقد ضبطها الشيخ.
أخبرني العماد أبو بكر بن العز الفرضي رحمه الله، عن أبي عبد الله بن الزراد، أنا أبو علي الحافظ، أنا أبو روح البزاز، أنا أبو القاسم المستملي،(1/73)
أنا أبو سعد الكنجروذي، أنا أبو طاهر بن الفضل، ثنا جدي أبو بكر بن خزيمة، ثنا أبو عمار الحسين بن حريث، ثنا علي بن الحسين بن واقد، عن أبيه (ح).
وبالسند الماضي إلى الإمام أحمد ثنا زيد بن الحباب، ثنا حسين بن واقد، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((في الإنسان ستون وثلاثمئة مفصلٍ، فعليه أن يتصدق عن كل مفصلٍ بصدقةٍ)) قالوا: ومن يطيق ذلك يا رسول الله؟ قال: ((النخاعة في المسجد تدفنها، أو الشيء تنحيه عن الطريق، فإن لم تقدر على ذلك فإن ركعتي الضحى تجزئ عنك)).
وقرأته عالياً على فاطمة بنت المنجى، عن أبي الفضل بن أبي طاهر، عن كريمة بنت عبد الوهاب، عن مسعود بن الحسن، أنا أبو بكر محمد بن أحمد، أنا إبراهيم بن عبد الله، ثنا الحسين بن إسماعيل، ثنا محمد بن خلف، ثنا زيد بن الحباب فذكره.
هذا حديث صحيح، أخرجه أبو داود عن أحمد بن محمد بن ثابت، عن علي بن حسين بن واقد.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه ابن حبان من رواية أبي كريب، عن زيد بن الحباب.
فوقع لنا عالياً بدرجة وبدرجتين من الطريق الأخيرة.
وله شاهد آخر أتم منه، لكن ليس فيه ذكر الضحى.
وبالسند الماضي إلى أبي نعيم، ثنا سليمان بن أحمد بن أيوب، ثنا أحمد بن خليد، ثنا أبو توبة -يعني الربيع بن نافع- حدثني معاوية بن سلام،(1/74)
عن زيد بن سلام، أنه سمع أبا سلام، يقول: حدثني عبد الله بن فروخ، سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى خلق كل إنسانٍ من بني آدم على ثلاثمئة وستين مفصلاً، فمن كبر الله وحمد الله وهلل الله - وسبح واستغفر الله، وعزل حجراً عن طريق الناس، أو عزل شوكةً عن طريق الناس، أو عزل عظماً عن طريق الناس أو [أ] مر بالمعروف، أو نهى عن المنكر عدد تلك الستين والثلاثمئة، فإنه يمشي يومئذٍ وقد زحزح نفسه عن النار)).
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم عن الحسن بن علي، عن أبي توبة.
فوقع لنا بدلاً عالياً بدرجتين، والله أعلم.
[[وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا أدلك على كنزٍ من كنوز الجنة؟ فقلت: بلى يا رسول الله! قال: قل: لا حول ولا قوة إلا بالله)).]]
(14)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم كثيراً
ثم حدثنا سيدنا ومولانا وشيخنا قاضي القضاة شيخ الإسلام والحفاظ(1/75)
إملاء من حفظه، وقراءة من المستملي عليه كعادته في باكورة يوم الثلاثاء سادس عشر جمادى الأول سنة تسع وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
الحديث الرابع عشر:
أخبرني أبو المعالي الأزهري، أنا أبو العباس الحلبي، أنا أبو الفرج الحراني، أنا أبو محمد الحربي، أنا أبو القاسم الشيباني، أنا أبو علي التميمي، أنا أبو بكر المالكي، ثنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا أبو معاوية (ح).
وبالسند الماضي إلى أبي نعيم في المستخرج، ثنا محمد بن أحمد، وعبد الله بن محمد، قال الأول: ثنا الحسن بن سفيان، والثاني: ثنا عبدان، قالا: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو معاوية، ومحمد بن فضيل (ح).
وأخبرني عالياً عبد القادر بن محمد بن علي الدمشقي بها، قال: قرئ على زينب بنت أحمد بن عبد الرحيم ونحن نسمع، عن أبي جعفر محمد بن عبد الكريم، قال: قرئ على تجني الوهبانية ونحن نسمع، عن الحسين بن أحمد بن طلحة سماعاً، قال: أنا أبو عمر بن مهدي، ثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي، ثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا أبو معاوية (ح).
وقرأت على فاطمة بنت محمد الصالحية بها، عن ست الفقهاء بنت أبي إسحاق الواسطي، عن كريمة بنت عبد الوهاب، قالت: أنا أبو الحسن محمد بن محمد بن الحسن في كتابه، أنا أبو الفرج بن علان، أنا أبو عبد الله الجعفي، أنا أبو جعفر بن رياح، ثنا علي بن المنذر، ثنا محمد بن فضيل، قالا: ثنا عاصم الأحول، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فجعل الناس يجهرون بالتكبير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أيها الناس أربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إنكم تدعون سميعاً قريباً، وهو معكم)) قال: فسمعني وأنا أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال: ((يا عبد الله بن قيسٍ ألا أدلك على(1/76)
كنزٍ من كنوز الجنة؟)) قال: قلت: بلى يا رسول الله! قال: ((لا حول ولا قوة إلا بالله)) واللفظ لابن فضيل، وحديث أبي معاوية قريب منه، ورواية يعقوب عنه مختصرة.
هذا حديث صحيح متفق عليه، أخرجه الأئمة الستة من طرق متعددة إلى أبي عثمان النهدي، واسمه عبد الرحمن بن مل.
منها للبخاري عن موسى بن إسماعيل، عن عبد الواحد بن زياد، عن عاصم الأحول.
ومنها لمسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة.
فوقع لنا موافقة عالية له فيه بدرجة، ولأحمد في أبي معاوية.
وبدلاً عالياً من الطريقين الآخرين بدرجتين لمسلم.
وأخبرني عبد الله بن عمر بن علي، أنا أحمد بن كتشغدي، ثنا أبو الفرج بن الصيقل، أنا أبو أحمد بن سكينة، أنا أبو القاسم بن الحصين، أنا أبو طالب بن غيلان، ثنا أبو بكر الشافعي، ثنا معاذ بن المثنى، ثنا مسدد، ثنا يزيد بن زريع، ثنا سليمان التيمي (ح).
وأخبرني عالياً الشيخ أبو إسحاق التنوخي، قال: قرئ على الحافظين أبي الحجاج المزي، وأبي محمد البرزالي، كليهما عن الإمام أبي الفرج بن أبي عمر سماعاً، أنا الإمام أبو اليمن الكندي، أنا القاضي أبو بكر الأنصاري، أنا أبو إسحاق البرمكي، أنا أبو محمد بن ماسي، ثنا أبو مسلم(1/77)
إبراهيم بن عبد الله الكجي، ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، ثنا سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي موسى الأشعري، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فرقينا عقبة أو ثنية، وكان الرجل إذا علاها قال: لا إله إلا الله، والله أكبر، فذكر الحديث بنحوه.
وأخرجه البخاري عن محمد بن مقاتل، عن عبد الله بن المبارك، عن سليمان التيمي، وخالد الحذاء فرقهما، كلاهما عن أبي عثمان النهدي.
وأخرجه مسلم عن أبي كامل الجحدري، عن يزيد بن زريع.
وأخرجه أبو داود عن مسدد.
فوقع لنا موافقة لأبي داود عالية بدرجة، وبدلاً لمسلم كذلك، وعالياً بدرجتين من الطريق الثانية.
وأخرجه أبو عوانة عن إسحاق بن سيار، عن الأنصاري.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
ووقع لي بعلو أيضاً من رواية خالد الحذاء.
وبه إلى الحسين بن إسماعيل، ثنا محمد بن الوليد، ثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، ثنا خالد الحذاء، عن أبي عثمان، عن أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا عبد الله بن قيس ألا أعلمك كلمةً من كنز الجنة؟)) قلت: بلى، قال: ((لا حول ولا قوة إلا بالله)).
أخرجه مسلم عن إسحاق بن إبراهيم.
والنسائي في الكبرى عن عمرو بن علي.(1/78)
كلاهما عن عبد الوهاب الثقفي.
فوافقناهما في شيخ شيخيهما بعلو بدرجتين.
وبه إلى المحاملي قال: ثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا مرحوم بن عبد العزيز العطار، ثنا أبو نعامة السعدي، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي موسى الأشعري، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة، فقال: ((يا عبد الله بن قيس .. .. )) فذكر مثله.
أخرجه الترمذي.
والنسائي في الكبرى.
جميعاً عن محمد بن بشار، زاد النسائي هلال بن بشر كلاهما عن مرحوم.
فوقع لنا بدلاً عالياً بدرجتين أيضاً.
ومن طرقه ما أخرجه أحمد وأبو داود من رواية حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، وعلي بن زيد، والجريري.
وما أخرجه الشيخان من رواية حماد بن زيد، عن أيوب السختياني.
وما أخرجه مسلم والنسائي من رواية عثمان بن غياث.
خمستهم عن أبي عثمان، منهم من طوله، ومنهم من اختصره، والله أعلم.(1/79)
[[وروينا في سنن أبي داود والترمذي، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوىً أو حصىً تسبح به، فقال: ((ألا أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا أو أفضل؟ فقال: سبحان الله عدد ما خلق في السماء، وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض، وسبحان الله عدد ما بين ذلك، وسبحان الله عدد ما هو خالقٌ، والله أكبر مثل ذلك، والحمد الله مثل ذلك، ولا إله إلا الله مثل ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك)) قال الترمذي: حديث حسن.]]
(15)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم كثيراً
ثم حدثنا سيدنا ومولانا وشيخنا قاضي القضاة شيخ الإسلام والحفاظ -أمتع الله بوجوده- إملاء كعادته في يوم الثلاثاء ثالث عشر جماد[ى] الأولى شهر سنة تاريخه، قال وأنا أسمع:
الحديث الخامس عشر:
على أم الحسن بنت محمد بن المنجا، عن سليمان بن حمزة، قال: أنا إسماعيل بن ظفر، أنا أبو عبد الله الكراني، أنا محمود بن إسماعيل، أنا أبو الحسين بن فاذشاه، أنا أبو القاسم الطبراني في كتاب ((الدعاء))، ثنا يحيى بن عثمان بن صالح، ثنا أصبغ بن الفرج، ثنا عبد الله بن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، حدثني سعيد بن أبي هلال، عن خزيمة، عن عائشة بنت سعد -هو(1/80)
ابن أبي وقاص- عن أبيها رضي الله عنه أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوىً أو حصىً تسبح به، فقال: أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا أو أفضل؟ سبحان الله عدد ما خلق في السماء، وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض، وسبحان الله عدد ما بين ذلك، وسبحان عدد ما هو خالقٌ، والله أكبر مثل ذلك، والحمد لله مثل ذلك، ولا إله إلا الله مثل ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك)).
هذا حديث حسن، أخرجه الترمذي عن أحمد بن الحسن، عن أصبغ بن الفرج.
فوقع لنا بدلاً عالياً بدرجتين، وقال: حسن غريب من حديث سعد.
وأخرجه أبو داود عن أحمد بن صالح.
والنسائي في الكبرى عن أبي الطاهر بن السرح.
كلاهما عن ابن وهب، ورجاله رجال الصحيح إلا خزيمة فلا يعرف نسبه ولا حاله، ولا روى عنه إلا سعيد.
وقد ذكره ابن حبان في الثقات كعادته فيمن لم يجرح ولم يأت بمنكر.(1/81)
وصححه الحاكم، فأخرجه من طريق حرملة عن ابن وهب.
وهذه المرأة يمكن أن تكون جويرية، وقد مضى حديثها في هذا الباب، وهو الحديث الرابع، لكن سياقه بغير هذا اللفظ.
ويمكن أن تكون صفية، فقد جاء من حديثها بهذا اللفظ، ولكن باختصار، وفيه ذكر عدد النوى التي كانت تسبح به.
وبه إلى الطبراني ثنا معاذ بن المثنى، ثنا شاذ بن فياض، ثنا هاشم بن سعيد، عن كنانة، عن صفية رضي الله عنها، قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يدي أربعة آلاف نواة أسبح بهن فقال: ((ما هذا يا بنت حيي؟)) قلت: نوى أسبح بهن، قال: ((قد سبحت منذ قمت على رأسك بأكثر من ذلك)) قلت: علمني يا رسول الله؟ قال: ((قولي سبحان الله عدد ما خلق من شيءٍ)).
هذا حديث حسن، أخرجه الترمذي عن محمد بن بشار بندار، عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن هاشم بن سعيد، وقال: ليس إسناده بالمعروف.
قلت: كنانة هو مولى صفية التي روى عنها، وهو مدني روى عنه خمسة أنفس، وذكره ابن حبان في الثقات، وأبو الفتح الأزدي في الضعفاء.
وهاشم بن سعيد الراوي عنه كوفي، قال فيه ابن معين: ليس بشيء.(1/82)
وقال أحمد: لا أعرفه.
وقال أبو حاتم الرازي: ضعيف.
وقال أبو أحمد بن عدي: لا يتابع على حديثه.
قلت: قد توبع على هذا الحديث.
أخبرني أبو هريرة بن الحافظ أبي عبد الله الذهبي، وفاطمة بنت محمد المقدسية إجازة من الأول وقراءة عليها، قالا: أنا يحيى بن محمد بن سعد، قال الأول: سماعاً، والأخرى: إجازة، أنا الحسن بن يحيى، أنا عبد الله بن رفاعة، أنا علي بن الحسن، أنا شعيب بن عبد الله، ثنا أحمد بن إسحاق بن عتبة، ثنا روح بن الفرج، ثنا عمرو بن خالد، ثنا حديج بن معاوية، ثنا كنانة مولى صفية، عن صفية بنت حيي رضي الله عنها، فذكر الحديث بنحوه.
وقال فيه: وكان لها أربعة آلاف نواة إذا صلت الغداة أتت بهن، فسبحت بعدد ذلك.(1/83)
وأخرجه الطبراني في الدعاء من وجه آخر عن صفية متابعاً لكنانة، وبقية رجال الترمذي رجال الصحيح.
ولأصل حديث سعد شاهد من حديث أبي أمامة.
قرئ على العماد أبي بكر بن العز الفرضي، وأنا أسمع، عن أبي عبد الله بن الزراد إجازةً إن لم يكن سماعاً، أنا الحافظ أبو علي البكري، أنا عبد المعز بن محمد، أنا زاهر بن طاهر، أنا أحمد بن إبراهيم المقرئ، أنا محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة، قال: حدثنا جدي، ثنا علي بن عبد الرحمن بن المغيرة، ثنا ابن أبي مريم (ح).
وقرأته عالياً على فاطمة بنت محمد التنوخية، عن أبي الفضل بن أبي طاهر، أنا محمد بن عبد الواحد، أنا أبو جعفر الصيدلاني، أنا أبو علي الحداد، أنا أبو نعيم، أنا عبد الله بن جعفر بن فارس، ثنا إسماعيل بن عبد الله، ثنا سعيد بن أبي مريم، ثنا يحيى بن أيوب، حدثني محمد بن عجلان، عن مصعب بن محمد بن شرحبيل، عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به وهو يحرك شفتيه، فقال: ((ماذا تقول يا أبا أمامة؟)) قال: أذكر ربي، قال: ((أفلا أخبرك بأكثر أو أفضل من ذكرك الليل مع النهار والنهار مع الليل؟ تقول سبحان الله عدد ما خلق الله، وسبحان الله ملء ما خلق الله، وسبحان الله عدد ما في الأرض وما في السماء، وسبحان الله ملء ما في الأرض وما في السماء، وسبحان الله عدد ما أحصى كتابه، وسبحان الله ملء ما أحصى كتابه، وسبحان الله عدد كل شيءٍ، وسبحان الله ملء كل شيءٍ، وتقول الحمد لله مثل ذلك)).(1/84)
هذا حديث حسن، أخرجه النسائي في ((الكبرى)) عن إبراهيم بن يعقوب عن سعيد بن أبي مريم.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه ابن حبان عن ابن خزيمة.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه الطبراني في ((الدعاء)) من وجهين آخرين عن أبي أمامة، والله أعلم.
[[وروينا فيهما، بإسناد حسن عن يسيرة -بضم الياء المثناة تحت وفتح السين المهملة- الصحابية المهاجرة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهن أن يراعين بالتكبير والتقديس والتهليل، وأن يعقدن بالأنامل، فإنهن مسؤولات مستنطقات.
وروينا فيهما وفي سنن النسائي، بإسناد حسن، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح. وفي رواية ((بيمينه)).]](1/85)
(16)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
ثم حدثنا سيدنا ومولانا شيخ الإسلام، قاضي القضاة، إمام الحفاظ، أمتع الله بوجوده الأنام، إملاء من حفظه ولفظه في يوم الثلاثاء أول جماد[ى] الآخرة من شهور سنة سبع وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
الحديث السادس عشر:
أخبرني أبو المعالي عبد الله بن عمر الهندي رحمه الله، أنا أحمد بن أبي أحمد المعزي، أنا أبو الفرج الجزري، أنا عبد الرحمن بن أحمد العمري، أنا أبو القاسم بن محمد بن عبد الواحد، أنا محمد بن محمد البزاز، ثنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم، ثنا محمد بن محمد الشطوي، ثنا محمد بن يحيى (ح).
وأخبرنا أبو العباس أحمد بن أبي بكر بن عبد الحميد في كتابه، أنا سليمان بن أبي طاهر، أنا الضياء الحافظ المقدسي، أخبرنا أبو جعفر الصيدلاني (ح).
وبالسند الماضي إلى أبي عبد الله الكراني، قالا: أنا محمود بن إسماعيل، أنا أبو الحسين بن فاذشاه (ح).
وبه قال الصيدلاني: أخبرتنا فاطمة الجوزذانية، أنا أبو بكر بن ريذة، قالا: أنا أبو القاسم الطبراني، ثنا معاذ بن المثنى، ويوسف بن يعقوب القاضي، قالا: ثنا مسدد، قال: ثنا عبد الله بن داود -هو الخريبي بمعجمة موحدة مصغراً- (ح).(1/86)
وقرأته عالياً على أم الفضل بنت أبي إسحاق بن سلطان الدمشقية بها، عن القاسم بن المظفر بن عساكر إجازة إن لم يكن سماعاً -وهي آخر من حدثت عنه بالسماع- وعن أبي نصر بن العماد إجازة مكاتبة، كلاهما عن أبي الوفاء محمود بن إبراهيم، قال: أنا أبو الخير محمد بن أحمد، أنا أبو عمر بن عبد الله بن منده، أنا أبي، أنا خيثمة بن سليمان، ثنا إسحاق بن سيار، ثنا عبد الله بن داود، ثنا هانئ بن عثمان الجهني، عن أمه حميضة بنت ياسر، عن جدتها يسيرة رضي الله عنها، أنها حدثتها، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهن أن يراعين التسبيح والتهليل والتقديس، وأن يعقدن الأنامل، فإنهن مسؤولات ومستنطقات.
هذا حديث حسن، أخرج أبو داود عن مسدد بهذا الإسناد.
فوقع لنا موافقة عالية بدرجة، وبدلاً عالياً بدرجة من الطريق الأولى، وبدرجتين من الطريق الأخيرة.
وأخرجه الحاكم من وجه آخر عن عبد الله بن داود شاهداً لحديث عبد الله بن عمرو الآتي.
وبهذا الإسناد الآخر إلى خيثمة، ثنا إسحاق بن سيار.
وأخبرني الشيخ أبو إسحاق التنوخي، أنا أبو العباس الصالحي، أنا أبو المنجا بن اللتي، أنا أبو الوقت، أنا أبو الحسن بن المظفر، أنا أبو محمد بن حمويه، أنا أبو إسحاق الشاشي، ثنا عبد بن حميد، قالا: ثنا محمد بن بشر، ثنا هانئ بن عثمان، عن حميضة بنت ياسر، عن يسيرة، وكانت من(1/87)
المهاجرات، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عليكن بالتهليل والتسبيح والتقديس، ولا تغفلن فتنسين الرحمة، واعقدن بالأنامل، فإنه مسؤولات مستنطقات)).
أخرجه أحمد.
وابن سعد في الطبقات عن محمد بن بشر.
فوقع لنا موافقة عالية، وبدلاً عالياً بدرجة.
وأخرجه الترمذي عن عبد بن حميد بهذا الإسناد.
فوقع لنا موافقة وبدلاً بعلو درجتين، وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث هانئ بن عثمان.
وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن أبي يعلى، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن محمد بن بشر.
وذكر حميضة -وهي بمهملة ثم معجمة مصغرة- في ثقات التابعين.
ولا نعرف عنها راوياً إلا ابنها هانئ بن عثمان، وهو كوفي روى عنه جماعة.
وذكر الطبراني في روايتنا عنه من طريق الكراني أن عبد الله بن داود قال: بلغني عن سفيان الثوري أنه سأل هانئ بن عثمان عن هذا الحديث.
ويسيرة جدة حميضة أول اسمها ياء آخر الحروف ثم مهملة مصغرة. ويقال بالهمزة بدل الياء ذكروها في الصحابة، وكنوها أم ياسر. وقال(1/88)
بعضهم: يسيرة بنت ياسر، والأكثر لم يذكروا اسم أبيها. وذكر بعضهم أنها أنصارية.
والذي وقع في الرواية الماضية أنها من المهاجرات يرد عليه.
الحديث السابع عشر:
وبه من طريق الكراني إلى الطبراني قال: حدثنا عمرو بن أبي الطاهر، ثنا يوسف بن عدي، ثنا عثام بن علي، ثنا الأعمش، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح.
هذا حديث حسن، أخرجه أبو داود قال: ثنا عبيد الله بن عمر القواريري ومحمد بن قدامة في آخرين قالوا: ثنا عثام، فذكر مثله، وقال في آخره: زاد محمد بن قدامة بيمينه.
وأخرجه الترمذي.
والنسائي في ((الكبرى)) جميعاً عن محمد بن عبد الأعلى، زاد النسائي والحسين بن محمد الذارع.
كلاهما عن عثام بن علي.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه الحاكم من طريق عثام ومن طريق شعبة عن الأعمش.(1/89)
وقال الترمذي: حسن غريب من حديث الأعمش، عن عطاء بن السائب.
قلت: رجال هذا الإسناد غالبهم كوفيون، وكلهم ثقات، إلا أن عطاء بن السائب اختلط، ورواية الأعمش عنه قديمة، فإنه من أقرانه. والسائب والد عطاء هو ابن مالك، وثقة ابن معين، والعجلي.
ومعنى العقد المذكور في الحديث إحصاء العدد، وهو اصطلاح للعرب بوضع بعض الأنامل على بعض عقد الأنملة الأخرى، فالآحاد والعشرات باليمين، والمئون والآلاف باليسار، والله أعلم.
[[وروينا في سنن أبي داود، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم رسولاً وجبت له الجنة)).
وروينا في كتاب الترمذي، عن عبد الله بن بسر -بضم الباء الموحدة وإسكان السين المهملة- الصحابي رضي الله عنه: أن رجلاً قال: يا رسول الله! إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فأخبرني بشيء أتشبث به، فقال: ((لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله تعالى)). قال الترمذي: حديث حسن.]](1/90)
(17)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم كثيراً
ثم حدثنا سيدنا ومولانا وشيخنا قاضي القضاة، شيخ الإسلام والحفاظ، إملاء من لفظه وحفظه كعادته في يوم الثلاثاء ثامن شهر جماد[ى] الأولى من شهور سنة سبع وثلاثين، قال وأنا أسمع:
الحديث الثامن عشر:
وبالسند الماضي إلى الطبراني في الدعاء، ثنا عبيد بن غنام، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا زيد بن الحباب، حدثني أبو شريح عبد الرحمن بن شريح، حدثني أبو هانئ الخولاني، عن أبي علي الجنبي، قال: سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ رسولاً، وجبت له الجنة)).
هذا حديث حسن، أخرجه أبو داود عن محمد بن رافع.
والنسائي في ((الكبرى)) عن عبدة بن سليمان.
كلاهما عن زيد بن الحباب.
فوقع لنا بدلاً عالياً، ورجاله رجال مسلم إلا الجنبي، وهو بفتح الجيم وسكون النون بعدها موحدة -واسمه عمرو بن مالك- وهو موثق.
وإنما لم أحكم لحديثه هذا بالصحة لاختلاف وقع على أبي هانئ(1/91)
-واسمه حميد بن هانئ- في سنده ومتنه.
فقد أخرجه مسلم.
والنسائي من طريق عبد الله بن وهب عن أبي هانئ، فقال: عن أبي عبد الرحمن الحبلي -وهو بضم المهملة والموحدة الخفيفة بعدها لام- عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يا أبا سعيد من رضي بالله رباً .. .. )) الحديث، على هذا المنوال، وفيه قصة، وحديث آخر في فضل الجهاد مضموم إليها، ولذلك أخرجه مسلم في كتاب الجهاد.
وقد صحح ابن حبان الطريقين معاً، فأخرج الأول عن أبي يعلى عن محمد بن عبد الله بن نمير، عن زيد بن الحباب.
وأخرجه الحاكم في المستدرك من وجه آخر عن زيد.
وأخرج ابن حبان الثاني من طريق ابن وهب.
وابن وهب أعلم بحديث البصريين من غيره، وهذا من حديثهم.
وقد تابعه خالد بن أبي عمران عن أبي عبد الرحمن الحبلي -واسمه عبد الله بن يزيد- أخرجه أحمد.
وتوبع زيد بن الحباب أيضاً، أخرجه الحاكم أيضاً من طريق أبي صالح كاتب الليث عن أبي شريح.
وسيأتي شواهد لأصل الحديث في القول عند سماع المؤذن، وفي القول عند الصباح والمساء، لكنها مقيدة بذلك.(1/92)
الحديث التاسع عشر:
أخبرني أبو العباس بن أحمد بن علي بن عبد الحق الدمشقي بها رحمه الله، عن عائشة بنت محمد بن المسلم الحرانية سماعاً، قالت: أنا أبو الفهم عبد الرحمن بن أبي الفهم، أنا أبو القاسم يحيى بن أسعد، أنا أبو طالب عبد القادر بن محمد، أنا عبد العزيز بن علي، أنا أبو سعيد الحسن بن جعفر، ثنا جعفر بن محمد الفريابي، ثنا أبو بكر، وعثمان ابنا أبي شيبة، قالا: ثنا زيد بن الحباب، حدثني معاوية بن صالح، حدثني عمرو بن قيس السكوني، عن عبد الله بن بسرٍ المازني رضي الله عنهما، أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إن شرائع الإسلام كثرت علي فأنبئني بأمرٍ أتشبث به، قال: ((لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله عز وجل)).
هذا حديث حسن، أخرجه الترمذي عن أبي كريب محمد بن العلاء.
والنسائي في ((الكبرى)) عن أحمد بن سليمان.
كلاهما عن زيد بن الحباب.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وقد وقع لنا من وجه آخر عن عمرو بن قيس.
قرأت على فاطمة بنت المنجا، عن سليمان بن حمزة، أنا محمد بن عبد الواحد الحافظ، أنا محمد بن أحمد بن نصر، عن فاطمة الجوزذانية، سماعاً، قالت: أنا محمد بن عبد الله، أنا سليمان بن أحمد، ثنا أحمد بن(1/93)
محمد بن الحارث، ثنا علي بن عياش، ثنا حسان بن نوح، ثنا عمرو بن قيس به.
وبالسند الماضي إلى الطبراني في ((الدعاء)) ثنا بكر بن سهل، ثنا عبد الله بن صالح، ثنا معاوية بن صالح، وهذا أعلى من الأول بدرجة.
ووقع لنا عالياً أيضاً من وجه آخر بلفظ آخر.
بالسند الماضي إلى جعفر ثنا أبو أيوب سليمان بن عبد الرحمن، ثنا إسماعيل بن عياش، ثنا عمرو بن قيس، عن عبد الله بن بسر، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! قد كثرت علي خلال الإسلام وشرائعه فائمرني بأمر يكفيني، قال: ((لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله عز وجل)) قال: يكفيني؟ قال: ((نعم ويفضل عنك)).
وقد ضبط المصنف لفظ: أتشبث، وبسرٍ
ولأصل الحديث شاهد من رواية معاذ.
وبه إلى الطبراني في ((الدعاء)) ثنا إدريس بن عبد الكريم الحداد، ثنا عاصم بن علي، ثنا عبد الرحمن بن ثابت، عن أبيه، عن مكحول، عن جبير بن نفير، عن مالك بن يخامرٍ، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أحب إلى الله تعالى؟ قال: ((أن تموت ولسانك رطبٌ من ذكر الله عز وجل)).(1/94)
هذا حديث حسن، أخرجه الفريابي في ((الذكر)) عن عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي الحافظ، عن الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن ثابت.
فوقع لنا عالياً. ورجاله من عبد الرحمن على منتهاه دمشقيون.
ويخامر والد مالك بمثناة آخر الحروف مضمومة، ثم خاء معجمة خفيفة، وبعد الألف ميم مكسورة، ثم راء.
وبالسند المذكور آنفاً إلى جعفر الفريابي، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وسريج بن يونس، وأحمد بن إبراهيم. قال الأول: حدثنا زيد بن الحباب. والآخر: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قالا: ثنا معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير، عن أبيه، عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: إن الذين لا تزال ألسنتهم رطبة من ذكر الله يدخلون الجنة، وهم يضحكون.
هذا حديث حسن موقوف.
ونفير والد جبير بالنون والفاء والراء مصغر، وله صحبة، وابنه من كبار التابعين، والله أعلم.
[[وروينا فيه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي العبادة أفضل درجة عند الله تعالى يوم القيامة؟ قال: ((الذاكرون الله كثيراً، قلت: يا رسول الله! ومن الغازي في سبيل الله عز وجل؟ قال: لو ضرب بسيفه في الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دماً لكان الذاكرون الله أفضل منه درجةً)).(1/95)
وروينا فيه وفي كتاب ابن ماجه، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخيرٍ لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم؟ قالوا: بلى، قال: ((ذكر الله تعالى)). قال الحاكم أبو عبد الله في كتابه المستدرك على الصحيحين: هذا حديث صحيح الإسناد.]]
(18)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ثم حدثنا سيدنا ومولانا وشيخنا قاضي القضاة، شيخ الإسلام، إمام الحفاظ -أمتع الله بوجوده- إملاء من حفظه وقراءة من المستملي عليه بعد الإملاء كعادته في يوم الثلاثاء خامس عشر جمادى الآخر من شهور سنة سبع وثلاثين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
الحديث العشرون:
وبالسند الماضي قريباً إلى جعفر الفريابي، ثنا قتيبة، ثنا ابن لهيعة، عن دراج أبي السمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة؟ قال: ((الذاكرون الله كثيراً)) قلنا يا رسول الله ومن الغازي في سبيل الله؟ قال: ((لو ضرب بسيفه حتى ينكسر ويختضب دماً لكان ذاكر الله أفضل منه درجةً)).(1/96)
هذا حديث غريب، أخرجه أحمد عن الحسن بن موسى عن ابن لهيعة.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه الترمذي عن قتيبة.
فوافقناه فيه بعلو لاتصال السماع. قال الترمذي: غريب، إنما نعرفه من حديث دراج.
قلت: وهو بفتح المهملة وتشديد الراء، وبعد الألف جيم، ويقال: إنه لقبه واسمه عبد الرحمن، وأبو السمح كنيته بفتح المهملة وسكون الميم بعدها حاء مهملة، بصري مختلف فيه. نقل الدارمي عن ابن معين توثيقه.
وأنكر ذلك فضل الرازي.
وقال أبو داود: أحاديثه مستقيمة إلا حديثه عن أبي الهيثم.
وضعفه مطلقاً: أحمد، وأبو حاتم، والدارقطني، وغيرهم.
واعتمد ابن حبان والحاكم توثيق ابن معين فصححا له.
وأفرد ابن عدي هذا الحديث في ((الكامل)) من طريق سعيد بن عفير عن ابن لهيعة في جملة الأحاديث التي أنكرت عليه، ولم يروه عنه إلا ابن لهيعة، فيزداد بذلك ضعفاً.
وأبو الهيثم اسمه سليمان بن عمرو بصري، تابعي، ثقة.
الحديث الحادي والعشرون:
وبه إلى جعفر قال: حدثنا أحمد بن خالد الخلال، [ثنا] مكي بن إبراهيم (ح).
قال: وحدثنا يعقوب بن حميد، ثنا المغيرة بن عبد الرحمن، قالا: ثنا(1/97)
عبد الله بن سعيد بن أبي هند، عن زياد بن أبي زياد المخزومي، عن أبي بحرية، عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأرجاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخيرٍ لكم من إنفاق الذهب والورق، ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟)) قالوا: ما ذاك يا رسول الله؟ قال: ((ذكر الله عز وجل)).
قال: وقال معاذ بن جبل -رضي الله عنه- ما عمل آدمي عملاً أنجى له من عذاب الله من ذكر الله عز وجل.
هذا حديث مختلف في رفعه ووقفه، وفي إرساله ووصله، أخرجه أحمد عن مكي بن إبراهيم على الموافقة.
وأخرجه ابن ماجه عن يعقوب بن حميد.
فوقع لنا موافقة عالية لاتصال السماع.
وأخرجه الحاكم من وجه آخر عن مكي بن إبراهيم به.
وأخرجه أحمد أيضاً عن يحيى بن سعيد القطان.
والترمذي من رواية الفضل بن موسى.
كلاهما عن عبد الله بن سعيد. قال الترمذي: رواه بعضهم عن عبد الله بن سعيد فأرسله.
قلت: ورواه مالك في الموطأ عن زياد بن أبي زياد قال: قال أبو الدرداء، فذكره موقوفاً، وأثر معاذ أيضاً، ولم يذكر أبا بحرية في سنده.(1/98)
وهو بفتح الموحدة وسكون المهملة وكسر الراء بعدها ياء تحتاتية مشددة، واسمه عبد الله بن قيس، شامي، ثقة، من كبار التابعين.
وقد وقع لنا الحديث من وجه آخر عن أبي الدرداء موقوفاً.
وبه إلى جعفر قال: حدثنا يحيى بن عمار المصيصي، ثنا أبو أسامة، عن عبد الحميد بن جعفر، عن صالح بن أبي عريب، عن كثير بن مرة، قال: سمت أبا الدرداء يقول: ألا أخبركم بخير أعمالكم؟ فذكر نحوه بتمامه موقوفاً، ولم يذكر حديث معاذ، ورجاله ثقات.
وقد وقع لنا حديث معاذ مرفوعاً.
وبالسند الماضي إلى الطبراني في كتاب ((الدعاء)) قال: حدثنا الحسين إسحاق، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا أبو خالد الأحمر، عن يحيى بن سعيد، عن أبي الزبير، عن طاووس، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما عمل آدمي عملاً أنجى له من العذاب من ذكر الله عز وجل)).
ورجال هذا الإسناد مخرج لهم في الصحيح، لكنه منقطع، فإن طاووساً لم يدرك معاذاً، واختلف فيه على يحيى بن سعيد -وهو الأنصاري- فرواه عنه عبد الوهاب الثقفي هكذا، لكن أبهم طاووساً، فقال: عن أبي الزبير أنه بلغه عن معاذ موقوفاً.
ورواه الليث بن سعد، عن يحيى بن سعيد، فقال: عن سعيد بن المسيب عن معاذ، وهو منقطع أيضاً، ولم يرفعه أيضاً. أخرجهما الفريابي في ((الذكر)). ورواه بعضهم عن أبي خالد الأحمر -واسمه سليمان بن حيان- فسلك الجادة، ووقع لنا عالياً.
قرأت على الشيخ أبي إسحاق التنوخي، أن عبد الله بن الحسين(1/99)
أخبرهم، قال: أخبرنا إبراهيم بن الخليل، أنا يحيى بن محمود، أنا محمد بن أحمد، وفاطمة بنت عبد الله، قالا: أنا محمد بن عبد الله، أنا الطبراني في الصغير، ثنا إبراهيم بن سفيان بقيسارية، ثنا محمد بن يوسف الفريابي، ثنا أبو خالد الأحمر، عن يحيى بن سعيد، عن أبي الزبير، عن جابر -رضي الله عنه- رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر مثل رواية طاووس عن معاذ.
وبه قال الطبراني: لم يروه عن أبي الزبير إلا يحيى بن سعيد، ولا عنه إلا أبو خالد، تفرد به محمد بن يوسف.
قلت: بل رواه غير أبي خالد عن يحيى، وغير محمد بن يوسف عن أبي خالد كما تقدم، فلعله أراد بقيد كونه عن جابر فيستقيم، لكنها رواية شاذة، والمحفوظ ما تقدم، والله أعلم.
[[وروينا في كتاب الترمذي، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لقيت إبراهيم صلى الله عليه وسلم ليلة أسري بي، فقال: يا محمد! أقرئ أمتك السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء، وأنها قيعانٌ، وأن غراسها، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)) قال الترمذي: حديث حسن.
وروينا فيه، عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلةٌ في الجنة)) قال الترمذي: حديث حسن.(1/100)
وروينا فيه، عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله! أي الكلام أحب إلى الله تعالى؟ قال: ((ما اصطفى الله تعالى لملائكته: سبحان ربي وبحمده، سبحان ربي وبحمده)) قال الترمذي: حديث حسن صحيح.]]
(19)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
ثم حدثنا شيخنا ومولانا، قاضي القضاة، شيخ الإسلام والحفاظ -أمتع الله بوجوده- إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء ثاني عشر من جمادى الآخر[ة] من شهور سنة سبع وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
الحديث الثاني والعشرون:
أخبرني المسند الخير تقي الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن أحمد بن عبيد الله المقدسي الصالحي -رحمه الله- بها قال: أنا أبو محمد عبد الله بن الحسن بن الحافظ إجازة إن لم يكن سماعاً، أنا محمد بن عبد الهادي، ومحمد بن سعد قالا: أنا أبو الفرج الثقفي، أنا أبو عدنان بن أبي نزار، وأم إبراهيم بنت عبد الله بن عقيل حضوراً، على الأول، وسماعاً على الأخرى، قالا: أنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم الأصبهاني، أنا الطبراني، ثنا علي بن الحسن بن المثنى التستري، ثنا محمد بن الحارث الخزاز، -وهو بمعجمات- ثنا سيار بن حاتم، ثنا عبد الواحد بن زياد، ثنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود،(1/101)
عن أبيه، عن جده عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رأيت إبراهيم عليه السلام ليلة أسري بي، فقال: يا محمد أقرئ على أمتك السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء، وأنها قيعان، وغراسها قول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله)).
وبه قال الطبراني: لم يروه عن القاسم إلا عبد الرحمن بن إسحاق، ولا عنه إلا عبد الواحد، ولا رواه مرفوعاً عن عبد الواحد إلا سيار، انتهى.
وقال الدارقطني في ((الأفراد)): لم يروه عن القاسم إلا عبد الرحمن، ولا عنه إلا عبد الواحد.
وأخرجه الترمذي عن عبد الله بن أبي زياد عن سيار.
فوقع لنا بدلاً عالياً، واختصر الحوقلة في آخره، وقال: حسن غريب من هذا الوجه.
قلت: وحسنه لشواهده، ومن ثم قيد الغرابة، وإلا فعبد الرحمن بن إسحاق ضعفوه، وهو أبو شيبة الواسطي، وله شيخ آخر يقال له عبد الرحمن بن إسحاق قريب الطبقة من هذا، وهو مدني موثق.
ومن شواهد الحديث ما:
أخبرني أبو المعالي الأزهري، أنا أحمد بن كشتغدي، أنا عبد اللطيف بن عبد المنعم، أنا عبد الوهاب بن علي، أنا أبو القاسم بن الحصين، أنا أبو طالب بن غيلان، ثنا أبو بكر الشافعي [ثنا] محمد بن مسلمة (ح).
وقرأت على عبد القاهر بن محمد بن علي الدمشقي بها، عن زينب بنت(1/102)
أحمد المقدسية سماعاً عليها، عن محمد بن عبد الكريم، عن أم عبد الله الوهبانية، سماعاً، قالت: أنا الحسين بن أحمد، أنا أبو عمر بن مهدي، ثنا أبو عبد الوهاب المحاملي، ثنا يوسف بن موسى، وروح بن الفرج، وغيرهما، قالوا: ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ، ثنا حيوة، عن أبي صخر -هو حميد بن رياد- أن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر أخبره، عن سالم بن عبد الله -وهو عمه- قال: أخبرني أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به مر على إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام، فقال إبراهيم: يا جبريل! من هذا معك، فقال جبريل عليه السلام: هذا محمد، فقال إبراهيم -عليه السلام-: يا محمد مر أمتك فليكثروا من غراس الجنة، فإن تربتها طيبة وأرضها واسعة قيعان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((وما غراس الجنة؟)) قال: لا حول ولا قوة إلا بالله.
هذا حديث حسن، أخرجه أحمد عن أبي عبد الرحمن المقرئ.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه ابن حبان عن أبي يعلى، عن محمد بن عبد الله بن نمير، عن المقرئ.
فوقع لنا عالياً بدرجتين.
الحديث الثالث والعشرون:
أخبرني العماد أبو بكر بن العز الفرضي، قال: أنا العماد أبو بكر بن(1/103)
محمد بن الرضي، أنا أبو عبد الله بن أبي الفتح، قال: قرئ على فاطمة بنت الحسن ونحن نسمع، عن أبي القاسم الشحامي سماعاً، أنا أبو سعد الأديب، أنا محمد بن أحمد النيسابوري، ثنا أبو يعلى [ثنا] أبو خيثمة (ح).
وقرأت على فاطمة بنت المنجا، عن سليمان بن حمزة، أنا أبو عبد الله الحافظ، أنا زاهر بن أبي أحمد، أنا سعيد بن أبي الرجاء، أنا عبد الواحد بن أحمد، أنا عبيد الله بن يعقوب، ثنا إسحاق بن إبراهيم بن جميل، ثنا أحمد بن منيع، قالا: ثنا روح بن عبادة (ح).
وأخبرني عالياً عبد الله بن عمر بن علي، أنا أحمد بن أبي أحمد الصيرفي، أنا أبو الفرج بن الصيقل، عن خليل بن بدر، أنا أبو علي الحداد، أنا أبو نعيم، ثنا أبو بكر بن خلاد، ثنا الحارث بن محمد، ثنا روح، ثنا حجاج بن أبي عثمان، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلةٌ في الجنة)).
هذا حديث حسن، أخرجه الترمذي عن أحمد بن منيع، عن روح بن عبادة.
فوقع لنا بدلاً عالياً، وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث أبي الزبير.
وأخرجه هو والنسائي من وجه آخر عن حجاج.
ورجاله ثقات، لكن فيه عنعنة أبي الزبير.(1/104)
الحديث الرابع والعشرون:
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! أي الأعمال أحب إلى الله؟ الحديث.
ختم به المصنف الباب، وقد تقدم في أوائل الباب، وهو الحديث الثاني، وقد سقته هناك باللفظ من المذكورين عنده هناك وهنا، والله أعلم.(1/105)
[[باب ما يقول إذا استيقظ من منامه
وروينا في صحيح إمامي المحدثين أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، وأبي الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري رضي الله عنهما، عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقدٍ، يضرب على كل عقدةٍ مكانها: عليك ليلٌ طويلٌ فارقد، فإن استيقظ وذكر الله تعالى انحلت عقدةٌ، فإن توضأ انحلت عقدةٌ، فإن صلى انحلت عقده كلها فأصيح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان)).
وروينا في صحيح البخاري، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما، وعن أبي ذر رضي الله عنه قالا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه قال: ((باسمك اللهم أحيا وأموت؛ وإذا استيقظ قال: الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور)).]]
(20)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
ثم حدثنا سيدنا ومولانا وشيخنا قاضي القضاة شيخ الإسلام إمام(1/106)
الحفاظ أمتع الله بوجوده الأنام إملاءً من حفظه ولفظه كعادته في يوم الثلاثاء التاسع عشر من جمادى الآخر من شهور سنة سبع وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
قوله: (باب: ما يقول إذا استيقظ من منامه):
الحديث الأول:
أخبرني الشيخ أبو عبد الله بن قوام، أنا أبو الحسن بن هلال، أنا أبو إسحاق بن البرهان، أنا أبو الحسن الطوسي، أنا أبو محمد السيدي، أنا أبو عثمان البحيري، أنا أبو علي السرخسي، أنا أبو إسحاق الهاشمي، أنا أبو مصعب الزهري، أنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقدٍ، ويضرب مكان كل عقد[ة] منها عليك ليلٌ طويلٌ فارقد، فإذا استيقظ فذكر الله انحلت عقدةٌ، فإن توضأ انحلت عقدةٌ، فإن صلى انحلت عقدةٌ، فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان)).
هذا حديث صحيح، أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف.
وأبو داود عن القعنبي.
كلاهما عن مالك وأخرجه مسلم من رواية سفيان عن أبي الزناد.
وبالسند الماضي مراراً إلى أبي نعيم في المستخرج، ثنا أبو علي محمد بن أحمد، ومحمد بن إبراهيم، قال الأول: ثنا بشر بن موسى، قال: حدثنا الحميدي، واللفظ له، وقال الثاني: حدثنا أبو يعلى، ثنا أبو خيثمة(1/107)
زهير بن حرب، قالا: حدثنا سفيان بن عيينة، ثنا أبو الزناد، فذكر مثل حديث مالك، لكن لم يقل ((إذا هو نام)) ولا ((منها)) وقال: ((تعار من الليل)) بدل ((استيقظ)) وقال: ((فنم)) بدل ((فارقد)) وقال في الآخرة: ((انحلت العقد كلها)) والباقي سواء.
أخرجه مسلم عن زهير بن حرب.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه أيضاً عن عمرو بن محمد الناقد.
والنسائي في محمد بن عبد الله بن يزيد، كلاهما عن سفيان.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
الحديث الثاني والثالث:
أخبرني الشيخ أبو عبد الله بن قوام البالسي ثم الصالحي رحمه الله بها، قال: أخبرنا أبو عبد الله بن غنايم، أنا أحمد بن شيبان، أنا عمر بن محمد بن حسان، أنا أحمد بن الحسن بن البنا، أنا الحسن بن علي الجوهري، أنا أحمد بن جعفر بن حمدان، ثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله (ح).
وبالسند الماضي إلى الطبراني في الدعاء، قال: حدثنا أبو مسلم الكجي، ثنا عمرو بن مرزوق، ثنا شعبة، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة رضي الله عنه أنه كان إذا استيقظ من منامه قال: ((الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور)) وإذا نام قال: ((باسمك اللهم أموت وباسمك أحيا)).(1/108)
وبالسند الأول إلى شعبة عن عبد الله بن أبي السفر قال: سمعت أبا بكر ابن أبي موسى يحدث عن البراء رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم [نحوه].
وبه إلى الطبراني قال: حدثنا علي بن عبد العزيز (ح).
وأخبرنا علي بن محمد بن محمد بن علي الشاهد، قال: قرئ على ست الوزراء بنت عمر بن المنجا ونحن نسمع، عن أبي عبد الله بن المبارك بن محمد سماعاً، أنا عبد الأول بن عيسى، أنا عبد الرحمن بن محمد، أنا عبد الله بن أحمد، أنا محمد بن يوسف، أنا محمد بن إسماعيل الجعفي، قالا: ثنا أبو نعيم -هو الفضل بن دكين- ثنا سفيان -هو الثوري- عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي، عن حذيفة رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام قال: ((اللهم باسمك أموت وأحيا)) وإذا استيقظ قال: ((الحمد لله الذي أحيانا .. .. )) فذكر مثله.
وقرأته عالياً على أم الحسن بنت المنجا، وكتب إلينا أحمد بن أبي بكر ابن أحمد بن عبد الحميد، قالا: أنا سليمان بن حمزة، قال أحمد: سماعاً، والأخرى إجازة عن عمر بن كرم، أنا أبو الوقت، أنا محمد بن عبد العزيز، أنا أبو محمد بن أبي شريح، ثنا أبو محمد بن صاعد، ثنا إسحاق بن شاهين، ثنا عبد الحليم بن منصور، عن عبد الملك بن عمير، فذكر مثله مرفوعاً.
هذا حديث صحيح، أخرجه البخاري وأصحاب السنن الأربعة من طرق عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي مرفوعاً.(1/109)
منها للبخاري عن أبي نعيم كما ذكرته.
ومنها للنسائي عن عمرو بن منصور عن أبي نعيم.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرج مسلم حديث البراء عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه عن شعبة.
فوقع لنا عالياً بدرجتين.
وأخرجه النسائي في الكبرى عن محمد بن حاتم عن سويد بن نصر عن عبد الله بن المبارك عن شعبة.
فوقع لنا عالياً بأربع درجات.
ولربعي فيه سند آخر.
أخبرني الشيخ أبو إسحاق التنوخي رحمه الله، قال: أنا أبو الفتح محمد بن عبد الرحيم في كتابه، أنا أبو محمد بن رواج، أنا الحافظ أبو طاهر السلفي، أنا أبو الخطاب نصر بن أحمد، أنا أبو محمد بن البيع، ثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي، ثنا محمد بن خلف المقرئ، ثنا عمار بن عبد الجبار (ح).
وبالسفر الماضي إلى الجعفي، ثنا سعد بن حفص، ثنا شيبان -هو ابن عبد الرحمن- عن منصور -هو ابن المعتمر- عن ربعي، عن خرشة بن الحر، عن أبي ذر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نام قال .. .. فذكر مثل حديث الثوري سواء.(1/110)
هذا حديث صحيح، أخرجه البخاري عن سعد بن حفص كما ذكرته.
ومن طريق أبي حمزة السكري عن منصور.
وأخرجه النسائي في الكبرى عن عمرو بن منصور، عن سعد بن حفص.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وخرشة بمعجمة وراء مهملة وشين معجمة مفتوحات، صحابي، نزل حمص، وحديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم في مسند أحمد.
وأبوه بلفظ ضد العبد.
وحاصل ما سقته أن هذا المتن متفق عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فأخرجه البخاري من حديث حذيفة وأبي ذر، ولم يخرج حديث البراء.
وأخرج مسلم حديث البراء فقط، ففات الشيخ التنبيه على تخريج مسلم له.
[[وروينا في كتاب ابن السني بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا استيقظ أحدكم فليقل: الحمد لله الذي رد علي روحي، وعافاني في جسدي، وأذن لي بذكره)).
وروينا فيه عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من عبدٍ يقول عند رد الله تعالى روحه: لا إله إلا الله وحده لا شريك(1/111)
له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قديرٌ، إلا غفر الله تعالى له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر)).]]
(21)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
ثم حدثنا شيخ الإسلام المشار إليه، إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء سادس رجب الفرد من شهر سنة سبع وثلاثين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
الحديث الرابع:
أخبرني الإمام العلامة حافظ العصر أبو الفضل بن الحسين -رحمه الله- فيما قرأت عليه، أنه قرأ على عبد الله بن محمد البزوري بالصالحية، عن علي بن أحمد السعدي سماعاً، أنا محمد بن معمر في كتابه، أنا سعيد بن أبي الرجاء، أنا أحمد بن محمد بن النعمان، أنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي بن عاصم، ثنا إسحاق بن أحمد الخزاعي، ثنا محمد بن أبي عمر المكي، ثنا سفيان هو ابن عيينة، عن ابن عجلان -هو محمد- عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قام أحدكم عن فراشه، ثم رجع إليه فلينفضه بصنفة إزاره ثلاث مراتٍ، فإنه لا يدري ما خلفه عليه بعده، فإذا أخذ المضجع فليقل باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين، فإذا استيقظ فليقل الحمد لله الذي عافاني في جسدي، ورد علي روحي وأذن لي بذكره)).(1/112)
هذا حديث حسن من هذا الوجه بهذا السياق، وأصل شطره الأول صحيح.
أخرجه الترمذي بتمامه عن ابن أبي عمر.
فوقع لنا موافقة عالية بدرجة، وقال: حسن.
وأخرجه النسائي في الكبرى مقتصراً على شطره الثاني عن زكريا بن يحيى، عن ابن أبي عمر.
فوقع لنا بدلاً عالياً بثلاث درجات.
وهكذا أخرجه ابن السني من وجه آخر عن سفيان بن عيينة.
واقتصر عليه المصنف في عزوه إليه، فما أدري لم أغفل عزوه للترمذي والنسائي.
وأما قوله: إنه صحيح الإسناد ففيه نظر.
فإن الشطر الثاني الذي اقتصر عليه من أفراد محمد بن عجلان، وهو صدوق، لكن في حفظه شيء، وخصوصاً في روايته عن المقبري، فالذي ينفرد به من قبيل الحسن، ولذا يصحح له من يدرج الحسن في الصحيح، وليس ذلك من رأي الشيخ.
وشطره الأول مخرج في الصحيحين من طريق عبيد الله العمري، عن المقبري.(1/113)
واختلف هل بينه وبين أبي هريرة فيه أبوه أو لا؟
وقد بين البخاري ذلك، وعلقه لابن عجلان.
وقد أورده المصنف بعد أبواب كثيرة مقتصراً على لفظ الترمذي، وعزاه إليه ولابن ماجه، ولم يذكر شطره الأخير، ولا نبه على أن شطره الأول مخرج في الصحيحين بتغيير يسير، والله الموفق.
وقوله بصنفة -بفتح الصاد المهملة وكسر النون بعدها فاء- هو طرفه مما يلي طرته، قاله صاحب ((النهاية)).
وقوله: خلفه: بفتح المعجمة واللام وتخفيفها.
الحديث الخامس:
أخبرنا أبو العباس أحمد بن علي بن عبد الحق إذناً مشافهة بدمشق، عن الحافظ أبي الحجاج المزي، قال: قرئ على ست العرب بنت يحيى بن قايماز، أن العلامة أبا اليمن الكندي أخبرهم، أنا أبو الحسن سعد الخير بن محمد (ح).
وأخبرنا عالياً أبو العباس أحمد بن أبي بكر بن أحمد بن عبد الحميد في كتابه، أنا يحيى بن محمد بن سعد، عن جعفر بن علي، أنا الحافظ أبو طاهر السلفي، قالا: أنا عبد الرحمن بن محمد الدوني -زاد السلفي وبدر بن دلف- قالا: أنا أبو نصر أحمد بن الحسين، ثنا الحافظ أبو بكر أحمد بن محمد بن إسحاق بن السني، ثنا الحسين بن محمد بن أبي معشر، ثنا عبد الوهاب بن الضحاك، ثنا إسماعيل بن عياش، عن محمد بن إسحاق، عن موسى بن وردان، عن نابل صاحب العباء، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من عبدٍ يقول حين يرد الله إليه روحه: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قديرٌ،(1/114)
إلا غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر)).
هذا حديث ضعيف جداً، أخرجه الحسن بن سفيان في مسنده عن عبد الوهاب بن الضحاك.
فوقع لنا موافقة عالية.
وعبد الوهاب المذكور كذبه أبو حاتم الرازي وأبو داود وغيرهما.
وقال النسائي وغيره: متروك.
وإسماعيل بن عياش مختلف فيه، لكن اتفقوا على أن روايته عن غير الشاميين ضعيفة، وهذا منها، فإن محمد بن إسحاق مدني تحول إلى العراق.
وقد وجدت الحديث في مسند الحارث بن أبي أسامة، أخرجه من طريق الليث بن سعد عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن موسى بن وردان به.
وإسحاق ضعيف جداً، ولعل إسماعيل سمعه منه، فظنه عن ابن إسحاق.
وموسى المذكور في إسناده مختلف فيه، وكذا شيخه، وهو بنون وبعد الألف موحدة مكسورة ثم لام.
ورأيت للحديث شاهداً في صحيح ابن حبان من حديث أبي هريرة بزيادة فيه، والله أعلم.
[[وروينا فيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من رجلٍ ينتبه من نومه فيقول: الحمد لله الذي خلق النوم واليقظة، الحمد لله الذي بعثني سالماً سوياً، أشهد أن الله يحيي(1/115)
الموتى وهو على كل شيءٍ قدير. إلا قال الله تعالى: صدق عبدي)).
وروينا في سنن أبي داود عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ من الليل قال: ((لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك، أستغفرك لذنبي، وأسألك رحمتك، اللهم زدني علماً، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من لدنك رحمةً، إنك أنت الوهاب)).]]
(22)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا شيخنا قاضي القضاة المشار إليه، إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء ثالث عشر رجب الفرد من شهور سنة سبع وثلاثين وثمانمئة، من حفظه، قال وأنا أسمع:
أخبرني الشيخ أبو إسحاق التنوخي فيما قرأت عليه، عن أبي عبد الله بن أبي الهيجاء، أنا الحافظ أبو علي الحسن بن محمد البكري (ح).
وأخبرني أبو الفرج بن حماد، أنا محمد بن علي بن جابر، أنا عبد العزيز بن عبد المنعم الحراني، قالا: أنا أبو روح عبد المعز بن محمد، قال الأول: سماعاً، والثاني: إجازة، أنا تميم بن أبي سعيد، أنا أبو الحسن بن علي بن محمد البحاثي، أنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن هارون، ثنا أبو حاتم محمد بن حبان البستي، أنا أحمد بن يحيى بن زهير(1/116)
التستري، ثنا معمر بن سهل البصري، ثنا محمد بن إسماعيل الكوفي، ثنا مسعر، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عبد الله بن باباه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال حين يأوي إلى فراشه لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قديرٌ، لا حول ولا قوة إلا بالله، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، غفرت له ذنوبه -أو قال: خطاياه شك مسعر- وإن كانت مثل زبد البحر)).
هذا حديث حسن، أخرجه النسائي في الكبرى عن محمد بن بشار، عن محمد بن أبي عدي، عن شعبة، وعن محمد بن بشار أيضاً عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان الثوري، كلاهما عن حبيب بن أبي ثابت به.
فوقع لنا عالياً، ولكن لم يصرح شعبة وسفيان برفعه، ولم يقل شعبة ((حين يأوي إلى فراشه)) وقال الثوري بدلها: ((عند منامه)) ولم يشكا، بل جزما باللفظ الأول.
الحديث السادس:
وأنبأنا أبو العباس الدمشقي سبط الرقي مشافهة بها، قال: أنا الحافظ أبو الحجاج المزي إجازةً إن لم يكن سماعاً، بالسند الماضي قريباً إلى الحافظ أبي بكر بن السني، ثنا أبو العباس الجراذي، ثنا جعفر بن محمد بن جعفر المدائني، ثنا أبي، ثنا محمد بن عبيدة، عن محمد بن واسع، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((ما من عبدٍ يقول حين ينتبه من نومه: الحمد لله الذي خلق النوم واليقظة، الحمد لله الذي بعثني سالماً سوياً، أشهد أن الله يحيي الموتى، وأنه على كل شيءٍ(1/117)
قديرٌ، إلا قال الله: صدق عبدي)).
هذا حديث غريب، ومحمد بن جعفر مختلف فيه، وقد أخرج له مسلم حديثاً واحداً في المتابعات، وشيخه ما تحققت حاله.
وقد وجدت لبعضه شاهداً، أخرجه أبو نعيم في كتاب ((عمل اليوم والليلة)) من طريق فضيل بن مرزوق، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري.
وهذه الترجمة يحسنها الترمذي بالمتابعات.
الحديث السابع:
أخبرني المحب محمد بن محمد بن محمد بن منيع الصالحي بها، أنا عبد الله بن الحسين بن أبي العيش، أنا النور محمد بن أبي بكر البلخي، عن السلفي، أنا أبو القاسم علي بن أحمد بن بيان، أنا أبو القاسم عبد الملك بن محمد، أنا عبد الله بن محمد بن إسحاق الفاكهي، ثنا أبو محمد بن أبي مسرة، ثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ، ثنا سعيد بن أبي أيوب، حدثني عبد الله بن الوليد، عن سعيد بن المسيب، عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ من الليل قال: ((لا إله إلا أنت، سبحانك اللهم، إني أستغفرك لذنبي، وأسألك أن ترحمني، اللهم زدني علماً، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من لدنك رحمةً، إنك أنت الوهاب)).
هذا حديث حسن، أخرجه النسائي في الكبرى عن عبيد الله بن فضالة، عن المقرئ.
فوقع لنا بدلاً عالياً بثلاث درجات.(1/118)
وأخرجه ابن حبان من وجه آخر عن المقرئ.
وأخرجه أبو داود من رواية عبد الله بن وهب، عن سعيد بن أبي أيوب.
ورجاله رجال الصحيح إلا عبد الله بن الوليد، فإنه مصري مختلف فيه، والله أعلم.
[[وروينا في سنن أبي داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هب من الليل كبر عشراً، وحمد عشراً، وقال سبحان الله وبحمده عشراً، وقال سبحان الملك القدوس عشراً، واستغفر عشراً، وهلل عشراً، ثم قال: اللهم إني أعوذ بك من ضيق الدنيا وضيق يوم القيامة عشراً ثم يفتتح الصلاة.
3- باب ما يقول إذا لبس ثوبه
روينا في كتاب ابن السني عن معاذ بن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من لبس ثوباً فقال: الحمد لله الذي كساني هذا الثوب ورزقنيه من غير حولٍ مني ولا قوة، غفر الله له ما تقدم من ذنبه)).]](1/119)
(23)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
ثم حدثنا سيدنا ومولانا شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، قاضي القضاة -أمتع الله تعالى بوجوده- إملاء من حفظه كعادته يوم الثلاثاء العشرين من رجب سنة تاريخه، قال وأنا أسمع.
الحديث الثامن:
وهو في أكثر النسخ مقدم على الذي قبله.
أخبرني أبو علي محمد بن أحمد بن عبد العزيز، أنا يوسف بن عمر، أنا الحافظ أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي المنذري، أنا عمر بن محمد الحساني، أنا إبراهيم بن محمد بن منصور، أنا الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب، أنا القاسم بن جعفر، أنا أبو علي محمد بن أحمد بن عمرو، ثنا أبو داود سليمان بن الأشعث، ثنا كثير بن عبيد، ثنا بقية بن الوليد، عن عمر بن جعثم، حدثني الأزهر بن عبد الله الحرازي، قال: حدثني شريق الهوزني، قال: دخلت على عائشة رضي الله عنها فقلت: بم كان يفتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هب من الليل؟ قالت: لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك، كان إذا هب من الليل كبر عشراً وحمد عشراً، وقال: ((سبحان الله وبحمده، عشراً وقال: ((سبحان القدوس)) عشراً، واستغفر عشراً، وهلل عشراً وقال: ((اللهم إني أعوذ بك من ضيق الدنيا ومن ضيق يوم القيامة)) عشراً، ثم يفتتح الصلاة.
هذا حديث حسن، أخرجه أبو داود هكذا.(1/120)
وأخرجه النسائي في الكبرى في ((عمل اليوم والليلة)) عن عمرو بن عثمان، عن بقية.
وبقية صدوق، لكنه يدلس ويسوي عن الضعفاء، وقد أمن ذلك في هذا الإسناد، فإنه وقع في رواية النسائي تصريحه بتحديث شيخه له به.
وشيخه عمر بن جعثم روى عنه جماعة، ولم أقف فيه على جرح ولا تعديل، إلا أن ابن حبان ذكره في الثقات.
وأبوه بضم الجيم والمثلثة بينهما عين مهملة فرد في الأسماء.
وشيخ شيخه شريق بوزن عظيم ما روى عنه سوى أزهر، ولم أقف فيه على جرح ولا تعديل.
ولكن وجدت له متابعاً.
أخبرني أبو الطاهر محمد بن محمد بن أبي الفتح، عن أبي عمر، ومحمد بن عثمان، قالا: أنا أبو جعفر أحمد بن إبراهيم الحافظ، أنا أبو الحسن علي بن محمد الأندلسي، أنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبيد الله، أنا أبو جعفر أحمد بن عبد الرحمن، أنا محمد بن الفرج، أنا يونس بن عبد الله، أنا محمد بن معاوية، ثنا أبو عبد الرحمن بن شعيب الحافظ، أنا أبو داود سليمان بن سيف، ثنا يزيد بن هارون، ثنا الأصبغ بن زيد، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، حدثني ربيعة الجرشي، قال: سألت عائشة رضي الله عنها: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا قام يصلي من الليل؟ وبماذا كان يفتتح؟ قالت: كان يكبر عشراً، ويحمد عشراً، ويسبح عشراً، ويهلل عشراً،(1/121)
ويستغفر عشراً، ويقول: ((اللهم اغفر لي واهدني وارزقني)) عشراً، ويقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الضيق يوم الحساب)) عشراً.
هكذا أخرجه النسائي.
ورجاله موثقون، وسنده أقوى من الذي قبله، لكنه يعتضد به.
باب: ما يقول إذا لبس ثوباً:
ذكر فيه حديثين عن أبي سعيد، وعن معاذ بن أنس.
فأما حديث أبي سعيد فسيأتي في الباب الذي بعده.
وأما حديث معاذ بن أنس:
فأخبرنا به الشيخ أبو إسحاق التنوخي سماعاً عليه، قال: أنا أبو العباس بن أبي طالب، أنا أبو المنجا بن عمر، أنا أبو الوقت، أنا أبو الحسن بن داود، أنا أبو محمد بن أعين، أنا عيسى بن عمر، أنا عبد الله بن عبد الرحمن (ح).
وقرأت على فاطمة بنت العز، عن أبي الفضل بن أبي طاهر، قال: أنا إسماعيل بن ظفر، أنا محمد بن أبي زيد، أنا محمود بن إسماعيل، أنا أبو الحسين أحمد بن محمد، أنا الطبراني في كتاب الدعاء، ثنا بشر بن موسى واللفظ له، قالا: ثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ، ثنا سعيد بن أبي أيوب، ثنا أبو مرحوم عبد الرحيم بن ميمون، عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني، عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لبس ثوباً جديداً فقال: الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حولٍ مني ولا قوةٍ، غفر الله له ما تقدم من ذنبه)).(1/122)
هذا حديث حسن، أخرجه أبو داود عن نصر بن الفرج.
والترمذي عن محمد بن إسماعيل.
كلاهما عن أبي عبد الرحمن المقرئ.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه الحاكم من وجهين عن المقرئ.
وعليه درك في تصحيحه لما في سهل والراوي عنه من المقال.
وأخرجه ابن ماجه من رواية عبد الله بن وهب، عن سعيد.
وإنما اقتصر الشيخ على عزوه لابن السني؛ لأنه لم يقع في روايته وصف الثوب بالجدة، لكنه حديث واحد قصر فيه بعض الرواة، والله أعلم.
[[وروينا في كتاب ابن السني عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، واسمه سعد بن مالك بن سنان: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا لبس ثوباً سماه قميصاً أو رداء أو عمامة يقول: ((اللهم إني أسألك من خيره وخير ما هو له، وأعوذ بك من شره وشر ما هو له)).
وروينا في كتاب الترمذي، عن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من لبس ثوباً جديداً فقال: الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في حياتي، ثم عمد إلى(1/123)
الثوب الذي أخلق فتصدق به، كان في حفظ الله، وفي كنف الله عز وجل، وفي ستر الله حياً وميتاً)).]]
(24)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ثم حدثنا شيخنا قاضي القضاة ملك العلماء، شيخ الإسلام، إمام الحفاظ -أمتع الله بوجوده- إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء سابع عشر من رجب من شهور سنة سبع وثلاثين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
قوله: (باب ما يقول إذا لبس ثوباً جديداً).
ذكر فيه حديثين:
الأول: عن أبي سعيد:
أخبرني الشيخ أبو إسحاق بن كامل رحمه الله قال: أنا أحمد بن نعمة أنا عبد الله بن عمر، أنا عبد الأول بن عيسى، أنا عبد الرحمن بن محمد، أنا عبد الله بن أحمد، أنا إبراهيم بن خزيم، ثنا عبد بن حميد، حدثني يحيى بن عبد الحميد، ثنا عبد الملك بن المبارك، عن سعيد الجريري، عن أبي نضرة -وهو المنذر بن مالك- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوباً سماه باسمه: قميص، أو عمامة، أو رداء، ثم يقول: ((اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه، أسالك من خيره وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له)).(1/124)
وبالسند الماضي إلى الطبراني في ((الدعاء)) ثنا معاذ بن المثنى، ثنا مسدد، ثنا عيسى بن يونس، عن سعيد الجريري، فذكره، لكنه قال: ((كسوتني هذا الثوب فلك الحمد)) ولم يقل قميص، أو عمامة، أو رداء، والباقي سواء.
هذا حديث حسن، أخرجه من الطريق الأولى أحمد عن خلف بن الوليد، وعلي بن إسحاق.
وأبو داود عن عمرو بن عون.
والترمذي عن سويد بن نصر.
أربعتهم عن عبد الله بن المبارك.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وقال الترمذي: حسن، وفي الباب عن عمر وابن عمر.
وأخرجه من الطريق الثانية أبو داود عن مسدد.
فوقع لنا موافقة عالية. ورجاله رجاله الصحيح، لكن الجريري اختلط.
وقد أخرجه أبو داود أيضاً من رواية محمد بن دينار.
والترمذي أيضاًَ من رواية القاسم بن مالك.
وأخرجه النسائي عن إبراهيم بن يعقوب، عن عبد الله بن يوسف، عن عيسى بن يونس.
ثم أخرجه من رواية حماد بن سلمة عن الجريري، عن أبي العلاء بن(1/125)
عبد الله بن الشخير، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً.
وقال: هذا أولى بالصواب من رواية عيسى بن يونس، فإنه سمع من الجريري بعد الاختلاط، وسماع حماد عنه قديم قبل اختلاطه، وكذا أشار أبو داود إلى هذه العلة، وأفاد علة أخرى، وهي أن عبد الوهاب الثقفي رواه عن الجريري عن أبي نضرة مرسلاً، لم يذكر أبا سعيد.
وغفل ابن حبان والحاكم عن علته، فصححاه.
أخرجه ابن حبان من رواية عيسى بن يونس، ومن رواية خالد الطحان.
وأخرجه الحاكم من رواية أبي أسامة.
كلهم عن الجريري.
وكل من ذكرناه سوى حماد والثقفي سمعوا من الجريري بعد اختلاطه، فعجب من الشيخ كيف جزم بأنه حديث صحيح!
ويحتمل أن يكون صحيح المتن لمجيئه من طريق آخر حسن أيضاً، والله أعلم.
الحديث الثاني: عن عمر.
وبه إلى عبد بن حميد، ثنا يزيد بن هارون، ثنا أصبغ بن زيد، ثنا أبو العلاء الشامي، عن أبي أمامة رضي الله عنه، قال: لبس عمر رضي الله عنه ثوباً جديداً، فقال: الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي، وأتجمل به في حياتي، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من لبس ثوباً جديداً فقال: الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي، وأتجمل به في حياتي، ثم(1/126)
عمد إلى الثوب الذي أخلق، فتصدق به، كان في حفظ الله، وفي كنف الله، وفي ستر الله حياً وميتاً، حياً وميتاً، حياً وميتاً)).
هذا حديث حسن، أخرجه أحمد عن يزيد بن هارون.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه الترمذي عن يحيى بن موسى وسفيان بن وكيع.
وأخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة.
ثلاثتهم عن يزيد بن هارون.
فوقع لنا بدلاً عالياً. قال الترمذي: غريب من هذا الوجه، وقد رواه يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر -وهو بفتح الزاي وسكون المهملة بعدها راء- عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة -يعني: عن عمر-.
وبه إلى الطبراني، ثنا يحيى بن أيوب العلاف، ثنا سعيد بن أبي مريم، ثنا يحيى بن أيوب -هو المصري- عن عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه جالساً يوماً في جمع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ دعا بقميصٍ جديد فلبسه، فما أحسبه بلغ تراقيه حتى قال: ((الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي، وأتجمل به في حياتي)) ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس ثوباً جديداً، فقال ما قلت، ثم قال: ((والذي نفسي بيده! ما من عبدٍ مسلمٍ يلبس ثوباً جديداً، ثم يقول مثل ما قلت: ثم يعمد إلى سملٍ من أخلاقه الذي خلع فيكسوه إنساناً مسلماً لا يكسوه إلا لله تعالى لم يزل في حرز الله، وفي ضمان الله، وفي(1/127)
جوار الله ما دم عليه منه سلكٌ واحدٌ حياً وميتاً)).
هذا حديث حسن، أخرجه الحاكم من رواية عبد الله بن المبارك، عن يحيى بن أيوب المصري.
فوقع لنا عالياً.
واعتذر عن تخريجه فقال: لم يخرج الشيخان بهذا الإسناد، وإنما أخرجته ليرغب المسلمون في استعماله، وغفل عن الطريق الأولى، وهي أمثل من هذه، فإن رجالها موثقون سوى أبي العلاء الشامي، فلا يعرف اسمه ولا حاله.
وأما الطريق الأخرى ففيها علي بن يزيد، وهو الألهاني: ضعيف جداً، وفي شيخه والراوي عنه مقال.
وقوله: وسمل بالمهملة وتخفيف الميم المفتوحتين وآخره لام هو الثوب البالي، والله أعلم.
(25)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
ثم في يوم الثلاثاء رابع شعبان سنة سبع وثلاثين وثمانمئة أخبرنا سيدنا، ومولانا، شيخ الإسلام، المشار إليه إجازة، قال:
وأما حديث ابن عمر الذي أشار إليه الترمذي فهو في الأوسط(1/128)
للطبراني، ولفظه: كان إذا لبس ثياباً جدداً قال: ((الحمد لله الذي وارى عورتي، وجملني في عباده)).
وفي سنده: أبو داود الأعمى، واسمه نفيع بن الحارث، وهو متروك.
قلت: وفي الباب مما لم يذكره الترمذي عن علي وعائشة -رضي الله عنهما-.
أما حديث علي:
فبالسند الماضي إلى الطبراني في الدعاء، ثنا علي بن المبارك، ثنا زيد بن المبارك الصنعاني، ثنا مروان بن معاوية، عن المختار بن نافع، حدثني أبو مطر، قال: كنت مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فاشترى قميصاً بثلاثة دراهم، فلبسه فيما بين الرسغين إلى الركبتين يقول في لبسه: ((الحمد لله الذي رزقني من الرياش ما أتجمل به في الناس، وأواري به عورتي)) فقيل له: يا أمير المؤمنين! شيء عن نفسك، أو سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا، بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخبرني به عالياً، وأتم سياقاً الشيخ أبو إسحاق بن كامل بالسند الماضي إلى عبد بن حميد، ثنا محمد بن عبيد، ثنا المختار بن نافع، عن أبي مطر البصري، قال: بينا نحن في المسجد مع علي رضي الله عنه إذ جاءه رجل، فذكر قصة طويلة، وفيها: فأتى دار فرات، وهو بسوق الكرابيس، فأتى شيخاً فقال: يا شيخ! أحسن بيعي في قميص بثلاثة دراهم، فلما عرفه(1/129)
لم يشتر منه شيئاً، فأتى غلاماً حدثاً، فاشترى منه قميصاً بثلاثة دراهم، فلبسه، يقول في لبسه: ((الحمد لله .. .. )) فذكر الحديث مثله. وقال في آخره. سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله عند الكسوة.
هذا حديث غريب، أخرجه أحمد عن محمد بن عبيد مقتصراً على المرفوع.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند عن سويد بن سعيد، عن مروان بن معاوية كالأول.
والمختار بن نافع ضعيف عند الأكثر، ووثقه العجلي.
وأبو مطر اسمه عمرو بن عبد الله الجهني، لا يعرف حاله.
وقد وجدت للحديث طريقاً أخرى عنه.
وبه إلى الطبراني في ((الدعاء)) قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو النعمان، ثنا رجاء أبو يحيى صاحب السقط، عن معمر بن زياد، قال: حدثني أبو مطر، فذكر المرفوع بنحوه.
وأبو يحيى فيه ضعف، وشيخه ما عرفت حاله.
وأما حديث عائشة:
فأخبرني به الشيخ أبو إسحاق التنوخي، عن أبي بكر أحمد بن محمد بن حامد، أنا أبو القاسم الطرابلسي، أنا الحافظ أبو طاهر السلفي، أنا أبو سعد بن حشيش، أنا أبو علي بن شاذان، أنا أبو بكر النجاد، ثنا أبو(1/130)
بكر بن أبي الدنيا، حدثني الحسن بن الصباح البزار، ثنا محمد بن سليمان، ثنا هشام بن زياد، عن أبي الزناد، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أنعم الله عز وجل على عبدٍ نعمة يعلم أنها من عند الله عز وجل إلا كتب له شكرها قبل أن يحمده عليها، وما علم الله عز وجل من عبدٍ ندماً على ذنبٍ عمله إلا غفره الله له قبل أن يستغفره، وما لبس عبدٌ ثوباً اشتراه بدينارٍ أو بنصف دينارٍ فحمد الله، فما يبلغ ركبته حتى يغفر الله له)).
هذا حديث غريب، أخرجه الحاكم في المستدرك عن محمد بن عبد الله الزاهد، عن ابن أبي الدنيا بهذا الإسناد.
ولم يصب في تصحيحه، فإن هشام بن زياد هو ابن المقدام، ضعيف عندهم.
وأخرجه الحاكم من وجه آخر عن القاسم بن محمد.
قرئ على فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي الصالحية وأنا أسمع بها، عن أبي نصر بن العماد، عن عبد الحميد بن عبد الرشيد، أنا الحافظ أبو العلاء العطار، أنا أبو علي الحداد، أنا أحمد بن عبد الله الحافظ، أنا الطبراني في الأوسط، ثنا عبد الله بن بندار، ثنا سليمان بن المنقري، ثنا السكن أبو عمرو البرجمي، ثنا الوليد بن أبي هشام، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث، وفيه: ((وما أذنب عبدٌ ذنباً فندم عليه إلا كتب الله له مغفرته قبل أن يستغفره، وما استجد عبدٌ ثوباً .. .. )) والباقي مثله.
أخرجه الحاكم من طريق محمد بن جامع العطار عن السكن بن أبي(1/131)
السكن وهو أبو عمرو المذكور في روايتنا، وقال: ليس في رواته من ذكر بجرح.
قلت: إلا محمد بن جامع فضعفه أبو حاتم الرازي، وذكره ابن عدي في الضعفاء، وابن حبان في الثقات.
والمنقري في روايتنا هو الشاذكوني، وكان مع حفظه ومعرفته متهما.
ولكن لم ينفرد كما ترى.
ووجدت للحديث طريقاً أخرى من رواية بزيع -بموحدة وزاي وآخره مهملة ووزن عظيم- وهو أبو خليل - عن هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة بنحوه.
أخرجه الطبراني في الأوسط أيضاً، وقال: تفرد به بزيع.
قلت: وهو ضعيف عندهم أيضاً، والله أعلم.(1/132)
[[باب: ما يقول لصاحبه إذا رأى عليه ثوباً جديداً
روينا في صحيح البخاري، عن أم خالد رضي الله عنها قالت: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بثياب فيها خميصةٌ سوداء، قال: ((من ترون نكسوها هذه الخميصة؟ فأسكت القوم، فقال: ائتوني بأم خالدٍ، فأتي بي النبي صلى الله عليه وسلم فألبسنيها بيده، وقال: أبلي وأخلقي، مرتين)).
وروينا في كتابي ابن ماجه وابن السني، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى على عمر رضي الله عنه ثوباً فقال: ((أجديدٌ هذا أم غسيلٌ؟ فقال: بل غسيل، فقال: البس جديداً، وعش حميداً، ومت شهيداً سعيداً)).]]
(26)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم كثيراً.
ثم في يوم الثلاثاء حادي عشر شعبان من شهور سنة سبع وثلاثين وثمانمئة، حدثنا شيخنا شيخ الإسلام، إمام الحفاظ قاضي القضاة، إملاء من حفظه، وقراءة من المستملي عليه كعادته، قال وأنا أسمع:
ووجدت مما يدخل في الباب أيضاً حديثين:(1/133)
أحدهما: عن حذيفة نحو حديث عمر دون القصة، وهو في الأوسط للطبراني.
والآخر: عن أبي أمامة بلفظ: ((إن الرجل ليأتي السوق فيبتاع الثوب بنصف دينارٍ أو ثلث دينارٍ، فيحمد الله إذا لبسه، فتكتب له مغفرته)).
وفي سنده جعفر بن الزبير، وهو ضعيف جداً.
قوله: (باب ما يقول لصاحبه إذا رأى عليه ثوباً جديداً).
ذكر فيه حديثين:
الأول:
أخبرنا أبو علي محمد بن محمد بن علي المصري بها، قال: قرئ على ست الوزراء التنوخية ونحن نسمع، عن الحسين بن أبي بكر سماعاً، أنا أبو الوقت، أنا أبو الحسن بن داود، أنا أبو محمد بن حمويه، أنا محمد بن يوسف الفربري، أنا محمد بن إسماعيل الجعفي (ح).
وبالسند الماضي إلى الطبراني في الدعاء، ثنا أبو مسلم الكجي، قالا: ثنا أبو الوليد الطيالسي، ثنا إسحاق بن سعيد، حدثني أبي قال: حدثتني أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص رضي الله عنهما، قالت: ((أتى النبي صلى الله عليه وسلم بثياب فيها خميصة سوداء صغيرة فقال: ((لمن ترون نكسو هذه؟)) فأسكت القوم، فقال ((ائتوني بأم خالدٍ)) فأتي بي النبي صلى الله عليه وسلم، فلبسنيها بيده فقال: ((إبلي(1/134)
وأخلقي)) يقولها مرتين، وجعل يشير إلى علم في الخميصة أصفر أو أحمر، ويقول: ((سنا يا أم خالدٍ)) والسنا بلباس الحبش الحسن.
لم يقل الجعفي في روايته هنا صغيرة، ولا أصفر، أو أحمر.
هذا حديث صحيح، أخرجه البخاري في كتاب اللباس هكذا.
وأخرجه في موضع آخر منه عن أبي نعيم، عن إسحاق بن سعيد نحوه، وفيه الزيادة.
وأخرجه في هجرة الحبشة من رواية سفيان بن عيينة عن إسحاق بن سعيد، وفيه: أنها قدمت مع أبيها مع الحبشة.
وأخرجه ابن سعد في الطبقات عن أبي الوليد وأبي نعيم.
فوقع لنا موافقة.
وأخرجه أحمد عن أبي النضر هاشم بن القاسم عن إسحاق بن سعيد.
فوقع لنا بدلاً عالياً [بدرجة].
وأخرجه أبو داود عن إسحاق بن الجراح عن أبي النضر.
فوقع لنا عالياً بدرجتين.
وإسحاق بن سعيد هو ابن عمرو بن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية.(1/135)
وأم خالد المذكورة اسمها أمة بفتح الهمزة والميم الخفيفة.
وأبوها من كبار الصحابة، أسلم قديماً، وهاجر إلى الحبشة بزوجته حميضة بنت خلف الخزاعية، فولدت له أم خالد هناك، ثم قدم في سفينة جعفر إلى المدينة عند فتح خيبر.
وأم خالد حينئذ صغيرة.
ووقع في رواية ابن سعد المذكورة: فأتي بي النبي صلى الله عليه وسلم أحمل.
الحديث الثاني:
أخبرني الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد، أنا أحمد بن أبي طالب، وعيسى بن عبد الرحمن، سماعاً على الأول، وإجازة من الآخر، قالا: أنا عبد الله بن عمر بن علي بن زيد، قال الأول: إجازة إن لم يكن سماعاً، والآخر: سماعاً قال: أنا عبد الأول بن عيسى، أنا عبد الرحمن بن محمد، أنا عبد الله بن أحمد، أنا إبراهيم بن خزيم، أنا عبد بن حميد (ح).
وبه إلى عبد الأول، قال: قرئ على بيبي الهرثمية ونحن نسمع، أن عبد الرحمن بن أحمد الشريجي أخبرهم، ثنا أحمد بن سعيد الطبري، ثنا أحمد بن علي بن عمران بجرجان، قالا: ثنا عبد الرزاق (ح).
وبالسند الماضي إلى الطبراني في الدعاء، ثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري، أنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه رضي الله عنه، قال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم على عمر رضي الله عنه ثوباً أبيض: فقال: ((أجديدٌ ثوبك هذا أم غسيل؟)) قال: بل غسيل -وفي رواية الدبري بل جديد- فقال: ((البس جديداً، وعش حميداً، ومت شهيداً)) زاد الدبري: ويرزقك الله قرة عينٍ في الدنيا والآخرة)) قال: وإياك يا رسول الله.(1/136)
هذا حديث حسن غريب، أخرجه أحمد وإسحاق في مسنديهما عن عبد الرزاق.
فوقع لنا موافقة عالية، وقالا في روايتهما: فلا أدري ما رد عليه، بدل قوله: بل غسيل وذكرا الزيادة التي في آخره إلا قوله: قال: وإياك يا رسول الله.
وأخرجه النسائي في الكبرى عن نوح بن حبيب.
وابن ماجه عن الحسين بن مهدي.
كلاهما عن عبد الرزاق.
فوقع لنا بدلاً عالياً. ولفظهما مثل لفظ روايتنا الأول، ولم يذكرا الزيادة التي في آخره، ورجال هذا الإسناد رجال الصحيح.
لكن أعله النسائي فقال: هذا حديث منكر، أنكره يحيى بن سعيد القطان على عبد الرزاق.
قال النسائي: وقد روي أيضاً عن معقل -يعني عن الزهري- وروي عنه مرسلاً.
قال: وليس هذا من حديث الزهري.
قلت: وجدت له شاهداً مرسلاً، أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف عن(1/137)
عبد الله بن إدريس، عن أبي الأشهب، عن رجل بنحو رواية أحمد، فذكر المتن.
وأبو الأشهب اسمه جعفر بن حيان العطاردي، وهو من رجال الصحيح، وسمع من كبار التابعين، وهذا يدل على أن للحديث أصلاً، وأقل درجاته أن يوصف بالحسن.
وعجبت من اقتصار الشيخ في عزوه إلى ابن ماجه وابن السني، والله الموفق.(1/138)
[[باب: كيفية لباس الثوب والنعل وخلعهما
روينا في صحيحي البخاري وأبي الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في شأنه كله، في طهوره، وترجله وتنعله.
وروينا في سنن أبي داود وغيره بالإسناد الصحيح، عن عائشة قالت: كانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمنى لطهوره وطعامه. وكانت اليسرى لخلائه وما كان من أذى.]]
(27)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
ثم حدثنا سيدنا وشيخنا ومولانا قاضي القضاة شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، المشار إليه، إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء تاسع عشر شعبان سنة تاريخه قال وأنا أسمع:
وقد جرى ابن حبان على ظاهر الإسناد، فأخرج الحديث المذكور في صحيحه عن محمد بن الحسن بن قتيبة، عن محمد بن أبي السري، عن عبد الرزاق بسنده، وأفاد أن الزيادة التي في آخره مدرجة في الإسناد(1/139)
المذكور، ولفظه بعد قوله: ((ومت شهيداً)) قال عبد الرزاق: وزاد فيه الثوري عن إسماعيل بن أبي خالد: ((ويعطك الله قرة عين في الدنيا والآخرة)).
ووجدت لعبد الرزاق فيه طريقاً أخرى.
وبالسند الماضي إلى الطبراني في الدعاء ثنا علي بن سعيد الرازي، ثنا حفص بن عمر المهرقاني (ح).
قال: وحدثنا أحمد بن محمد الجمال، ثنا أبو مسعود الرازي (ح).
قال: وحدثنا أحمد بن زهير التستري، ثنا زهير بن محمد المروزي، قالوا: ثنا عبد الرزاق، عن الثوري، عن عاصم بن عبيد الله، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، قال: فذكر نحوه.
قال الطبراني: وهم فيه عبد الرزاق وحدث به بعد أن عمي، والصحيح عن معمر عن الزهري. ولم يحدث به عن عبد الرزاق هكذا إلا هؤلاء الثلاثة.
قوله: (باب كيفية لبس الثوب والنعل وخلعهما).
ذكر فيه أربعة أحاديث:
الحديث الأول:
بالسند الماضي إلى الجعفي ثنا حفص بن عمر، ثنا شعبة، عن أشعث بن سليم، قال: سمعت أبي -هو أبو الشعثاء المحاربي- عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن ما استطاع في تنعله وترجله وطهوره، وفي شأنه كله.
هذا حديث صحيح: أخرجه البخاري هكذا.(1/140)
وأخرجه أبو داود عن حفص بن عمر.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه البخاري أيضاً عن سليمان بن حرب وحجاج بن منهال وأبي الوليد.
وأخرجه البخاري أيضاً.
والنسائي من رواية عبد الله بن المبارك.
وأخرجه مسلم من رواية معاذ بن معاذ.
وأخرجه أبو داود أيضاً عن مسلم بن إبراهيم.
وأخرجه الترمذي.
وابن ماجه من رواية محمد بن جعفر.
والنسائي أيضاً.
وابن خزيمة من رواية خالد بن الحارث.
وابن خزيمة أيضاً من رواية يحيى القطان.
وأبو عوانة من رواية عفان عشرتهم عن شعبة.(1/141)
ورواه أبو داود الطيالسي عن شعبة بلفظ آخر.
أخبرني أبو الحسن علي بن محمد بن محمد الخطيب رحمه الله، أنا أبو بكر الدشتي في كتابه، أنا يوسف بن خليل الحافظ، أنا خليل بن أبي الرجاء، أنا الحسن بن أحمد المقرئ، أنا أحمد بن عبد الله الحافظ، أنا عبد الله بن جعفر، ثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود الطيالسي، ثنا شعبة، عن أشعث، عن أبيه، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيمن ما استطاع، وقال مرة: في شأنه كله، في طهوره، إذا تطهر، وفي تنعله إذا تنعل، وفي ترجله إلى ترجل.
أخرجه أبو عوانة عن يونس بن حبيب.
فوقع لنا موافقة عالية.
وبنحو هذا اللفظ رواه سلام بن سليم أبو الأحوص، عن أشعث بن أبي الشعثاء مختصراً.
وبالسند الماضي غير مرة إلى أبي نعيم في المستخرج، قال: حدثنا حبيب بن الحسن، ثنا الحسن بن علي المعمري، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا أبو الأحوص، عن أشعث، عن أبيه، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيمن في طهوره إذا تطهر، وفي ترجله إذا ترجل، وفي انتعاله إذا انتعل.
أخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى.
والترمذي.(1/142)
وابن ماجه.
كلاهما عن هناد بن السري، كلاهما عن أبي الأحوص.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
الحديث الثاني:
أنبأنا أبو الحسن علي بن أبي بكر الحافظ مشافهة، قال: أنا محمد بن إسماعيل بن عمر، أنا علي بن أحمد السعدي، عن منصور بن عبد المنعم، أنا محمد بن إسماعيل الفارسي، أنا أحمد بن الحسين الحافظ، ثنا أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي، ثنا عبد الله بن محمد بن الحسن الشرقي، ثنا محمد بن حاتم بن بزيع، ثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن سعيد بن أبي عروبة، عن أبي معشر -هو زياد بن كليب- عن إبراهيم -هو النخعي- عن الأسود -هو ابن يزيد النخعي- عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمنى لطهوره ولطعامه، وكانت يده اليسرى لخلائه وما كان من أذى.
هذا حديث غريب، أخرجه أبو داود عن محمد بن حاتم بن بزيع -وهو بموحدة وزاي وآخره مهملة وزن عظيم- على الموافقة.
وأخرجه البزار عن الفضل بن سهل عن عبد الوهاب بن عطاء، وقال: لا نعلم رواه عن سعيد بن أبي عروبة إلا عبد الوهاب.
قلت: رجاله من عبد الوهاب فصاعداً أخرج لهم مسلم، فالإسناد على شرط الصحة كما قال المصنف، لكنه جزم في الخلاصة بأنه حديث صحيح، وتردد في شرح المهذب فقال: حسن أو صحيح.(1/143)
والتحرير أنه حسن، فإن فيه علتين:
الاختلاف على سعيد في وصله وإرساله.
وفي زيادة راو على السند الموصول.
فقد أخرجه أبو داود أيضاً من رواية عيسى بن يونس عن سعيد بإسقاط الأسود.
وأخرجه البيهقي من رواية محمد بن أبي عدي عن سعيد عن رجل لم يسم عن أبي معشره.
ورجح الدارقطني في العلل هذه الرواية، فصار الحديث بسبب ذلك ضعيفاً من أجل المبهم، وسعيد مع كونه مدلساً وقد عنعنه، فإنه ممن اختلط.
وإنما قلت أن الحديث حسن لاعتضاده بالحديث الذي بعده، والله أعلم.
[[وروينا في سنن أبي داود وسنن البيهقي، عن حفصة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجعل يمينه لطعامه وشرابه وثيابه، ويجعل يساره لما سوى ذلك.
وروينا عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا لبستم وإذا توضأتم فابدؤوا بميامنكم)) حديث حسن رواه أبو داود(1/144)
والترمذي، وأبو عبد الله محمد بن زيد هو ابن ماجه، وأبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي.
وفي الباب أحاديث كثيرة.]]
(28)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
ثم في يوم الثلاثاء سادس عشر من شهر شعبان من شهور سنة سبع وثلاثين وثمانمئة حدثنا شيخنا سيدنا ومولانا قاضي القضاة، شيخ الإسلام، إمام الحفاظ -أمتع الله بوجوده- إملاء من حفظه كعادته قال وأنا أسمع:
الحديث الثالث:
أخبرني أبو المعالي الأزهري رحمه الله، أنا أبو العباس بن أبي الفرج، أنا أبو الفرج بن عبد المنعم، أنا أبو محمد بن صاعد، أنا أبو القاسم بن الحصين، أنا أبو علي بن المذهب، أنا أبو بكر بن حمدان، ثنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل، حدثني أبي، واللفظ له (ح).
وأخبرني الشيخ أبو إسحاق التنوخي، أنا أبو العباس بن الشحنة، أنا عبد الله بن عمر، أنا أبو الوقت، أنا أبو الحسن بن المظفر، أنا أبو محمد بن حمويه، أنا أبو إسحاق الشاشي، ثنا عبد بن حميد، حدثني ابن أبي شيبة، -يعني أبا بكر- قالا: ثنا حسين بن علي الجعفي، ثنا زائدة عن، عاصم -هو ابن بهدلة- عن المسيب بن رافع، عن حفصة. رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه وضع يده اليمنى تحت خده الأيمن، وكانت(1/145)
يمينه لطعامه وشرابه وطهروه وثيابه، وكانت شماله لما سوى ذلك.
هذا حديث حسن، أخرجه النسائي في الكبرى عن القاسم بن زكريا بن دينار عن حسين بن علي الجعفي.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه من طريق سفيان الثوري عن عاصم، فأدخل بين المسيب وحفصة سواء الخزاعي.
وأخرجه أحمد.
والنسائي أيضاً من رواية حماد بن سلمة عن عاصم بإسقاط المسيب.
وأخرجه أحمد أيضاً.
وأبو داود من رواية أبان العطار عن عاصم، فقال: عن معبد بن خالد عن سواه عن حفصة.(1/146)
ورواه أبو أيوب الإفريقي عن عاصم كرواية الثوري، لكن خالفه في الراوي عن حفصة.
أخبرني أبو عبد الرحمن عبد الله بن خليل الحرستاني، أنا أحمد بن محمد الزبداني إجازة إن لم يكن سماعاً، أنا أبو عبد الله بن أبي الفتح، عن فاطمة بنت أبي الحسن الأندلسي سماعاً، قالت: أنا زاهر بن طاهر، أنا أبو سعد الأديب، أنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا أبو يعلى، ثنا عبد الله بن عامر، ثنا يحيى بن أبي زائدة، ثنا أبو أيوب الإفريقي، عن عاصم، عن المسيب بن رافع، ومعبد بن خالد، عن حارثة بن وهب الخزاعي، حدثتني حفصة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجعل يمينه لطعامه وشرابه، وشماله لما سوى ذلك.
أخرجه أبو داود عن محمد بن آدم بن سليمان عن يحيى بن أبي زائدة.
فوقع لنا بدلاً عالياً. وصححه ابن حبان والحاكم من هذا الوجه.
فأما ابن حبان فأخرجه عن أبي يعلى بهذا الإسناد.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأما الحاكم فأخرجه من طريق معلى بن منصور عن ابن أبي زائدة وقال: صحيح الإسناد.
وفي تصحيحه نظر، لأن في أبي أيوب الإفريقي -واسمه عبد الله بن علي- مقالاً مع الاضطراب من عاصم في سنده، وقد تكلموا في حفظه،(1/147)
وإنما قلت: حسن، لاعتضاده بما قبله.
الحديث الرابع:
أخبرني المسند أبو الفرج [بن أبي العباس] بن حماد، أنا يوسف بن عمر الختني وهو آخر من حدث عنه بالسماع، أنا صالح [بن] شجاع المدلجي، عن الحافظ أبي طاهر السلفي، أنا أبو عبد الله الثقفي، أنا الحسين بن الحسن الغضائري، ثنا أحمد بن الحسن بن سليمان، ثنا إسحاق بن الحسن الحربي، ثنا أحمد بن عبد الملك الحراني، ثنا زهير بن معاوية الجعفي، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا لبستم وإذا توضأتم فابدؤوا بميامنكم)).
هذا حديث صحيح غريب، أخرجه أحمد عن أحمد بن عبد الملك.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه أيضاً عن الحسن بن موسى.
وأخرجه أبو داود عن أبي جعفر النفيلي كلاهما عن زهير.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه ابن ماجه عن محمد بن يحيى عن النفيلي.
وأخرجه الترمذي من وجه آخر عن الأعمش بلفظ آخر.
قرأت على أبي العباس بن بلغاق الكنجي، أن إسحاق بن يحيى الآمدي أخبرهم، أنا يوسف بن خليل الحافظ، أنا أبو القاسم بن بوش، أنا أبو طالب بن يوسف، أنا أبو محمد الجوهري، أنا عبد العزيز بن جعفر، ثنا إسماعيل بن العباس الوراق، ثنا محمد بن الحسين بن إشكاب، ثنا(1/148)
عبد الصمد بن عبد الوارث (ح).
وقرأته عالياً على أم الحسن التنوخية بدمشق، عن سليمان بن حمزة، أنا محمد بن عماد في كتابه، أنا أبو القاسم بن الحسين بن أبي شريك إجازة مكاتبة، أنا أبو الحسين بن النقور، ثنا عيسى بن علي بن الجراح، قال: قرئ على محمد بن إبراهيم بن نيروز وأنا أسمع، قيل له: حدثكم عبد الرحمن بن أبي البختري، قال: ثنا عبد الصمد، ثنا شعبة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لبس قميصاً بدأ بميامنه.
أخرجه الترمذي من رواية عبد الصمد بهذا الإسناد.
وقال: رواه غير واحد عن شعبة، ولم يرفعوه، وإنما رفعه عبد الصمد.
قلت: ووقع لنا من رواية عفان عن شعبة على الوجهين.
وبهذا السند الماضي إلى الغضائري ثنا أبو بكر النجاد، ثنا الحسن بن سلام، ثنا عفان، ثنا شعبة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رفعه مرة، ولم يرفعه أخرى.
وهذا لا يقدح في رواية زهير بن معاوية، وقد صحح الحديث من طريقه ابن حبان، فأخرجه عن أبي عروبة عن عبد الرحمن بن عمرو عنه.
وعجبت من الشيخ كيف تبعه في تصحيح الذي قبله مع ما فيه من علة، ولم يتبعه في تصحيح هذا.
قوله: (في الباب أحاديث كثيرة).
قلت: يأتي منها في باب: أدب الأكل والشرب.
ومنها في الصحيح حديث أبي هريرة، ((إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمنى)) الحديث.(1/149)
ومنها ما أخرج أحمد بسند جيد عن عبد الله بن أبي طلحة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أكل أحدكم فلا يأكل بشماله، وإذا شرب فلا يشرب بشماله، وإذا أخذ فلا يأخذ بشماله، وإذا أعطى فلا يعط بشماله)).
وعبد الله بن أبي طلحة كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم صغيراً جداً، وهو أخو أنس بن مالك لأمه، أمهما أم سليم، والله أعلم.(1/150)
[[باب: ما يقول إذا خلع ثوبه لغسلٍ أو نومٍ أو نحوهما
روينا في كتاب ابن السني، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم أن يقول الرجل المسلم إذا أراد أن يطرح ثيابه: بسم الله الذي لا إله إلا هو)).]]
(29)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
ثم في يوم الثلاثاء تاسع عشر شهر شوال من شهور سنة سبع وثلاثين وسبع مئة حدثنا شيخنا سيدنا ومولانا قاضي القضاة، شيخ الإسلام أمتع الله بوجوده الأنام- إملاء من حفظه ولفظه وقراءة من المستملي عليه كعادته قال وأنا أسمع:
قوله: (باب: ما يقول إذا خلع ثوبه لغسل أو نوم أو نحوهما).
ذكر فيه حديثاً واحداً معزواً لابن السني، ولم يبين حاله، وقد وجدت في الباب حديثاً آخر أصرح مما ذكر.
أخبرني الإمام العلامة شيخ الحفاظ أبو الفضل بن الحسين رحمه الله، قال: أخبرني أبو الحسن علي بن أحمد البزاز، أنا علي بن أحمد بن(1/151)
عبد الواحد، عن أبي طاهر الخشوعي، أنا أبو الحسن علي بن المسلم السلمي، أنا أبو محمد الكتاني، أنا أبو القاسم تمام بن محمد، ثنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الأذرعي، ثنا أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق، ثنا بشر بن خالد العسكري (ح).
وبه إلى تمام قال: حدثنا أبو بكر، وأبو زرعة ابنا أبي دجانة، قالا: ثنا محمد بن العباس، ثنا أبو التقي هشام، قالا: ثنا سعيد بن مسلمة (ح).
وقرأته عالياً بدرجة على فاطمة بنت محمد التنوخية بدمشق، عن أبي الفضل بن قدامة، قال: أنا إسماعيل بن ظفر، أنا محمد بن أبي زيد، أنا محمود بن إسماعيل، أنا أحمد بن محمد بن فاذشاه، أنا الطبراني، ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا إسماعيل بن أبي أمية.
قال الطبراني: وأخبرنا عالياً هلال بن العلاء في كتابه، قالا: ثنا سعيد بن مسلمة، ثنا الأعمش، عن زيد العمي، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ستر ما بين الجن وبين عورات بني آدم إذا نزع أحدكم ثوبه أن يقول: بسم الله)).
هذا لفظ هشام، وفي رواية بشر: ((إذا وضعوا ثيابهم)) وفي رواية إسماعيل ((إذا دخل أحدكم الخلاء)).
هذا حديث غريب، أخرجه الطبراني في الأوسط من رواية سهل بن عثمان.
وأخرجه ابن عدي في الكامل من رواية الحكم بن موسى.(1/152)
كلاهما عن سعيد بن مسلمة.
قال تمام: لم يروه عن الأعمش عن زيد عن أنس إلا سعيد.
وقال ابن عدي: ما كنا نعرفه إلا من رواية سعيد عن الأعمش حتى وجدناه من رواية سعد بن الصلت.
وقال الطبراني: لم يروه عن الأعمش إلا سعيد بن مسلمة، وسعد بن الصلت.
قلت: وقد جاء عن الأعمش من وجه ثالث، أخرجه ابن السني من رواية يحيى بن العلاء عن الأعمش.
ويحيى وسعد وسعيد ضعفاء، وكذا شيخ الأعمش فيه، وقد اختلف عليه في إسناده، فرواه سلام الطويل ومحمد بن الفضل بن عطية -وهما ضعيفان أيضاً- عن زيد العمي، عن جعفر العبدي، عن أبي سعيد الخدري.
ووقع لي من حديث أنس من رواية عاصم الأحول، وحميد الطويل، وعمران بن وهب، كلهم عن أنس.
وبه إلى تمام ثنا أبو يعقوب، ثنا أبو بكر، ثنا بشر بن معاذ، ثنا محمد بن خلف، ثنا عاصم، عن أنس، فذكر الحديث بنحوه.
قال الدارقطني: وهم محمد بن خلف على عاصم، وإنما رواه عاصم عن أبي العالية من قوله.
قال: ورواه محمد بن مروان السدي عن عاصم كما قال محمد بن خلف، ووهم فيه أيضاً.(1/153)
وأخبرني أبو المعالي عبد الله بن عمر بن علي، عن زينب بنت الكمال عن يوسف بن خليل الحافظ، أنا محمد بن إسماعيل الطرسوسي، أنا الحسن بن أحمد، أنا أبو نعيم، أنا الطبراني، ثنا أبو مسلم، ثنا الحجاج بن منهال، ثنا إبراهيم بن نجيح، ثنا أبو سنان، عن عمران بن وهب، عن أنس رضي الله عنه، فذكر مثل رواية بشر بن خالد سواء.
ورواية حميد أخرجها ابن عدي في ترجمة شيخه محمد بن أحمد بن سهيل، وأشار إلى أنه وضع إسناده.
وبه إلى تمام قال: ثنا محمد بن موسى، ثنا عبد الله بن عمران، ثنا عباس بن الحسين، ثنا يزيد بن هارون (ح).
وقرأته عالياً على أم عيسى الأسدية، عن علي بن عمر الواني إجازة إن لم يكن سماعاً، وهي آخر من حدث عنه بالسماع، أنا عبد الرحمن المكي سبط السلفي، وهو آخر من حدث عنه بالسماع، أنا جدي لأمي الحافظ أبو طاهر السلفي، وهو آخر من حدث عنه بالسماع، أنا القاسم بن الفضل الثقفي، أنا أبو بكر بن موسى الحافظ، أنا أحمد بن عثمان، أنا موسى بن سهل، ثنا يزيد بن هارون، ثنا محمد بن الفضل، عن زيد العمي، عن جعفر العبدي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ستر ما بين الجن وبين عورات بني آدم أن يقول الرجل إذا وضع ثوبه بسم الله)).
أخرجه أحمد بن منيع في مسنده عن يزيد بن هارون.
فوقع لنا موافقة عالية.(1/154)
وأخرج الترمذي أصل الحديث في أواخر كتاب الصلاة من جامعه من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال: حديث غريب. قال: وقد روي عن أنس شيء من هذا. ولم ينبه على حديث أبي سعيد.
وأما الحديث الذي وعدت بذكره:
فقرأته على أبي الحسن بن أبي بكر الحافظ، عن عبد الله بن محمد البزوري سماعاً، أنا أبو الحسن السعدي، عن أبي المكارم اللبان، أنا أبو علي المقرئ، أنا أبو نعيم، ثنا أبو بكر محمد بن حميد، ثنا أحمد بن محمد بن سعيد، ثنا محمد بن عيسى بن عبد الملك، ثنا السري بن يزيد، ثنا إسماعيل بن يحيى، ثنا مسعر، عن عطية، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا نزع أحدكم ثوبه أو تعرى فليقل بسم الله، فإنه سترٌ له فيما بينه وبين الشيطان)).
هكذا أخرجه أبو نعيم في الحلية وقال: تفرد به إسماعيل عن مسعر.
قلت: وهو ضعيف، وفي عطية أيضاً ضعف.
فالحاصل أنه لم يثبت في الباب شيء، والله أعلم.(1/155)
[[باب: ما يقول حال خروجه من بيته
روينا عن أم سلمة رضي الله عنها، واسمها هند: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من بيته قال: ((باسم الله توكلت على الله، اللهم إني أعوذ بك أن أَضل أو أُضل، أو أَزل أو أُزل، أو أَظلم أو أُظلم، أو أَجهل أو يُجهل علي)) حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. قال الترمذي: حديث صحيح، هكذا في رواية أبي داود ((أن أَضل أو أُضل، أو أَزل أو أُزل)) وكذا الباقي بلفظ التوحيد. وفي رواية الترمذي ((أعوذ بك من أن نزل)) وكذلك نضل ونظلم ونجهل، بلفظ الجميع. وفي رواية أبي داود: ما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيتي إلا رفع طرفه إلى السماء فقال: ((اللهم إني أعوذ بك)). وفي رواية غيره: كان إذا خرج من بيته قال .. كما ذكرناه. والله أعلم.]]
(30)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
ثم في يوم الثلاثاء سادس عشر شوال من شهور سنة سبع وثلاثين(1/156)
وثمانمئة حدثنا سيدنا، وشيخنا، ومولانا قاضي القضاة، شيخ الإسلام -أمتع الله بوجوده الأنام- إملاء من حفظه وقراءة من المستملي عليه كعادته قال وأنا أسمع.
قوله: (باب: ما يقول حال خروجه من بيته).
ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
الحديث الأول:
أخبرني أبو الحسن علي بن محمد بن الصائغ، عن أبي بكر الدشتي، أنا يوسف بن خليل الحافظ، أنا خليل بن بدر، أنا الحسن بن أحمد، أنا أحمد بن عبد الله، أنا عبد الله بن جعفر، ثنا يونس بن حبيب، ثنا سليمان بن داود، ثنا شعبة، عن منصور -هو ابن المعتمر- سمعت الشعبي يحدث عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا خرج من بيته: ((اللهم إني أعوذ بك من أن أَضل أو أَزل أو أظلم أو أُظلم -أو أجهل- أو يُجهل علي)).
هذا حديث حسن، أخرجه النسائي بهذا اللفظ عن سليمان بن عبيد الله، عن بهز بن أسد، عن شعبة.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
ورواه مسلم بن إبراهيم عن شعبة بلفظ آخر في أوله.
أخبرني الحافظ أبو الفضل بن الحسين إمام الأئمة رضي الله عنه فيما قرأته عليه، أنه قرأ على عبد الله بن محمد العطار بالصالحية، عن علي بن أحمد السعدي سماعاً، أنا محمد بن أبي زيد في كتابه، أنا محمود بن إسماعيل، أنا أحمد بن محمد الأصبهاني، أنا الطبراني، ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا شعبة، عن منصور، عن الشعبي، عن أم(1/157)
سلمة رضي الله عنها، قالت: ما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيتي صباحاً إلا رفع بصره إلى السماء وقال: ((اللهم إني أعوذ بك من أن أَضل أو أُضل أو أَزل أو أُزل أو أَظلم ..)) فذكر مثل هذا إلى آخره.
أخرجه أبو داود عن مسلم بن إبراهيم بهذا اللفظ.
فوقع لنا موافقة عالية.
ووقع في روايته ((قط)) بدل ((صباحاً)) وأسقطها من الأذكار و((طرفه)) بدل ((بصره)).
وأخرجه أحمد عن محمد بن جعفر عن شعبة، فزاد في أوله: بسم الله على شك من شعبة فيه، وقال: كان سفيان - يعني الثوري يزيدها عن منصور ولا يشك.
قلت: وقد وقعت لي رواية سفيان بذلك وبزيادة أخرى.
أخبرني عبد الله بن عمر الحلاوي رحمه الله، أنا أبو العباس بن أبي الفرج، أنا عبد اللطيف بن عبد المنعم، أنا أبو محمد الحربي، أنا هبة الله بن محمد، أنا أبو علي التميمي، أنا أحمد بن جعفر، ثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا سفيان، عن منصور، فذكر مثل حديث بهز بدون ((من)). وأسقطها من الأذكار أيضاً، وزاد في أول الدعاء ((بسم الله)).
أخرجه النسائي عن بندار عن عبد الرحمن بن مهدي.
فوقع لنا بدلاً عالياً.(1/158)
ووقع لي من رواية سفيان أعلى بدرجة أخرى.
أخبرني الشيخ أبو إسحاق بن كامل، أنا أبو العباس بن الشحنة، أنا أبو المنجا، أنا أبو الوقت، أنا الداودي، أنا السرخسي، أنا الشاشي، ثنا عبد بن حميد، ثنا أبو نعيم، ثنا سفيان.
ورواه وكيع عن سفيان بسياق آخر وبزيادة.
وبه إلى الإمام أحمد، ثنا وكيع، ثنا سفيان، عن منصور، عن الشعبي، عن أم سلمة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من بيته قال: ((بسم الله توكلت على الله، اللهم إنا نعوذ بك من أن نضل أو نزل أو نظلم أو نُظلم أو نَجهل أو يُجهل علينا)).
أخرجه الترمذي في الجامع.
والنسائي في الكبرى جميعاً عن محمود بن غيلان عن وكيع.
فوقع لنا بدلاً عالياً، ولم أره في شيء من الطرق بالنون بصيغة الجمع إلا في رواية وكيع. وكذا زيادة قوله: ((توكلت على الله)) ولا رأيت في شيء من الطرق بزيادة: ((أُضل وأُزل)) من الرباعي بضم الهمزة فيهما إلا في رواية مسلم بن إبراهيم.
وقد جمع الشيخ هذه الزيادات في سياق الحديث، ولا وجود لها مجموعة في شيء من الطرق للكتب التي عزاه إليها.
قال الترمذي بعد تخريجه: حديث حسن صحيح.
وقال الحاكم بعد تخريجه في المستدرك من رواية عبد الرحمن بن(1/159)
مهدي: صحيح على شرطهما، فقد صح سماع الشعبي من أم سلمة ومن عائشة رضي الله عنهما، هكذا قال.
وقد خالف ذلك في علوم الحديث له، فقال: لم يسمع الشعبي من عائشة.
وقال علي بن المديني في كتاب ((العلل)): لم يسمع الشعبي من أم سلمة.
وعلى هذا فالحديث منقطع.
وله علة أخرى، وهي الاختلاف على الشعبي، فرواه زبيد عنه مرسلاً، لم يذكر فوق الشعبي أحد [أً].
هكذا أخرجه النسائي في اليوم والليلة من رواية عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن زبيد.
ورواه مجالد عن الشعبي فقال: عن مسروق عن عائشة.
ورواه أبو بكر الهذلي عن الشعبي فقال: عن عبد الله بن شداد عن ميمونة.
وهذه العلة غير قادحة، فإن منصوراً ثقة حافظ، ولم يختلف عليه فيه.
فقد رويناه في ابن ماجه من طريق عبيدة بن حميد.
وفي النسائي متصل من طريق جرير.
وفي الدعاء للطبراني من طريق القاسم بن معن، ومن طريق فضيل بن عياض.(1/160)
وفي جزء ابن نجيح من طريق إدريس الأوذي.
كلهم عن منصور كذلك.
والهذلي ضعيف، ومجالد فيه لين، وزبيد وإن كان ثقة، لكن اختلف عليه، فجاء عنه كرواية منصور بذكر أم سلمة.
فما له علة سوى الانقطاع، فلعل من صححه سهل الأمر فيه لكونه من الفضائل، ولا يقال: اكتفى بالمعاصرة، لأن محل ذلك أن لا يحصل الجزم بانتفاء التقاء المتعاصرين إذا كان النافي واسع الاطلاع مثل ابن المديني، والله أعلم.
[[وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وغيرهم، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال -يعني إذا خرج من بيته- باسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: كفيت ووقيت وهديت، وتنحى عنه الشيطان)) قال الترمذي: حديث حسن. زاد أبو داود في روايته ((فيقول -يعني الشيطان لشيطان آخر- كيف لك برجلٍ قد هدي وكفي ووقي؟)).]]
(31)
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم في يوم الثلاثاء ثالث عشر من شوال سنة تاريخه حدثنا شيخنا المشار إليه، إملاء من حفظه قال وأنا أسمع:
قرأت على فاطمة بنت محمد بن أحمد بن المنجا، عن عيسى بن عبد الرحمن، قال: قرئ على كريمة بنت عبد الوهاب ونحن نسمع، عن(1/161)
مسعود بن الحسن بن القاسم، أنا أبو عمرو بن أبي عبد الله بن منده، أنا أبي، أنا أحمد بن محمد، ثنا الحارث بن محمد، ثنا أبو زيد سعيد بن الربيع، ثنا شعبة، عن منصور، عن الشعبي، عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
-قال شعبة أكبر علمي أن فيه-: ((بسم الله)) فزعم سفيان -يعني الثوري أن فيه: ((اللهم إني أعوذ بك أن أَضل أو أذل أو أَظلم أو أُظلم أو أَجهل أو يُجهل- علي)).
قال ابن منده: غريب من رواية شعبة عن الثوري.
قلت: هكذا وجدته في الأصل بالذال المعجمة من الذل، والذي في أكثر الروايات بالزاي من الزلل.
وقد وجدت متابعاً لرواية مسلم بن إبراهيم بالزيادة التي قدمت أنه تفرد بها عن شعبة فوجدتها من رواية مسعر وغيره.
قرأت على أم الحسن التنوخية، عن سليمان بن حمزة، أنا إسماعيل بن ظفر، بالسند الماضي غير مرة إلى الطبراني في الدعاء، أبنا الحسن بن علي المعمري، ثنا دحيم -هو عبد الرحمن بن إبراهيم الحافظ- ثنا شعيب بن إسحاق، ثنا مسعر، عن منصور، عن الشعبي، عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من منزله قال: ((اللهم إني أعوذ بك أن أَضل أو أُضل أو أَزل أو أُزل)) الحديث.
وبه إلى الطبراني، ثنا سليمان بن المعافى بن سليمان، ثنا أبي، ثنا القاسم بن معن، عن منصور، فذكر مثله، لكن قال: ((من بيته)) بدل ((من منزله)).
وبه إلى الطبراني قال: ثنا زكريا بن يحيى الساجي، وأبو حصين(1/162)
القاضي، قال الأول: ثنا محمد بن زياد، والثاني: محمد بن يونس، قالا: ثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن الشعبي، عن أم سلمة، قالت: ما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيتي صباحاً إلا رفع بصره إلى السماء، وقال: ((اللهم إني أعوذ بك .. .. )) فذكر مثله.
وبه إلى الطبراني ثنا حفص بن عمر، ثنا أبو حذيفة، ثنا سفيان الثوري، عن زبيد، عن الشعبي، فذكر مثله، لكن لم يذكر الأول واقتصر على الدعاء.
وبه إلى الطبراني ثنا أبو مسلم الكجي، ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا أبو بكر الهذلي، عن الشعبي، عن عبد الله بن شداد، عن ميمونة رضي الله عنها، فذكر الحديث مثل فضيل.
ووقع لنا بعلو من حديث الهذلي عن الشعبي وهو أعلى من جميع الطرق التي تقدمت عن الشعبي، وقد شذ بقوله: عن عبد الله بن شداد عن ميمونه، ولولا ضعفه لقلت: إن للشعبي فيه طريقاً أخرى، لكن المشهور عن الشعبي عن أم سلمة كما تقدم، والله أعلم.
الحديث الثاني:
قرأت على فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي، عن أبي عبد الله بن أبي الهيجاء، أنا الحافظ أبو علي البكري، أنا أبو روح الهروي، أنا زاهر بن طاهر، ثنا أبو يعلى إسحاق بن عبد الرحمن، ثنا عبد الرحمن بن أحمد الأنصاري، ثنا يحيى بن محمد بن صاعد (ح).
وبه إلى الطبراني في الدعاء، ثنا الحسين بن إسحاق التستري، قالا: ثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي، ثنا أبي ثنا ابن جريج، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنه يقال(1/163)
له حينئذٍ: هديت ووقيت وكفيت ويتنحى عنه الشيطان)).
وبه إلى ابن صاعد قال: حدثنا يوسف بن سعيد بن مسلم (ح).
وبه إلى الطبراني ثنا يحيى بن عبد الباقي، ثنا المسيب بن واضح، قالا: ثنا حجاج بن محمد، عن ابن جريج، فذكر نحوه، لكن زاد في أوله: إذا خرج من بيته. وقال في آخره: ((ويلقى الشيطان شيطاناً آخر، فيقول: كيف لك برجلٍ هدي ووقي وكفي)).
هذا حديث حسن، أخرجه الترمذي عن سعيد بن يحيى.
وأخرجه ابن السني عن المسيب بن واضح.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه أبو داود عن إبراهيم بن الحسن الخثعمي.
والنسائي عن عبد الله بن محمد بن تميم، كلاهما عن حجاج بن محمد.
وأخرجه ابن حبان عن محمد بن المنذر بن سعيد عن سعيد بن يحيى.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
قال الترمذي: حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
قلت: رجاله رجال الصحيح، ولذلك صححه ابن حبان، لكن خفيت عليه علته.(1/164)
قال البخاري: لا أعرف لابن جريج عن إسحاق إلا هذا، ولا أعرف له منه سماعاً.
وقال الدارقطني: رواه عبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج قال: حدثت عن إسحاق، قال: وعبد المجيد أثبت الناس بابن جريج، والله أعلم.
[[وروينا في كتابي ابن ماجه وابن السني عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من منزله قال: ((بسم الله، التكلان على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله)).
باب: ما يقول إذا دخل بيته
روينا في كتاب الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا بني إذا دخلت على أهلك فسلم تكن بركةً عليك وعلى أهل بيتك)) قال الترمذي: حديث حسن صحيح.]]
(32)
بسم الله الرحمن الرحيم
بتاريخ اليوم الثلاثين من شوال سنة تاريخه حدثنا سيدنا ومولانا، شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، قاضي القضاة -أمتع الله المسلمين بوجوده- إملاء من حفظه كعادته قال وأنا أسمع:
ووجدت لحديث أنس شاهداً قوي الإسناد، لكنه مرسل.(1/165)
أخبرني الزين أبو محمد عمر بن محمد بن أحمد بن سلمان رحمه الله، أنا أبو بكر بن محمد بن عبد الجبار، عن أبي القاسم بن مكي، أنا الحافظ أبو طاهر السلفي، أنا أبو الخطاب نصر بن أحمد، أنا أبو محمد بن البيع، أنا الحسين بن إسماعيل، حدثنا الحسن بن أبي الربيع، ثنا أبو عامر -هو العقدي- ثنا داود -هو ابن أبي هند- عن عون بن عبد الله بن عتبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله، حسبي الله، توكلت على الله، قال الملك: كفيت وهديت ووقيت ..)) الحديث.
الحديث الثالث:
قرأت على فاطمة بنت المنجا بالسند الماضي غير مرة إلى الطبراني في الدعاء، ثنا الحسن بن علي بن ياسر البغدادي، والفضل بن الحباب الجمحي، قال الأول: ثنا محمد بن عباد المكي، والثاني: حدثنا أبو يعلى محمد بن الصلت، قالا: ثنا حاتم بن إسماعيل، ثنا عبد الله بن حسين بن عطاء بن يسار، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من منزله قال: ((بسم الله، التكلان على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله)).
هذا حديث حسن، أخرجه البخاري في الأدب المفرد عن محمد بن الصلت.
وابن السني عن الفضل بن الحباب.
فوقع لنا موافقة عالية فيهما.
وأخرجه ابن ماجه عن يعقوب بن حميد عن حاتم بن إسماعيل.(1/166)
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه الحاكم من طريق سعيد بن منصور بن حاتم وقال: صحيح الإسناد.
وفي تصحيحه نظر، فإن أبا زرعة ضعف عبد الله بن حسين، وقد تفرد به عن سهيل، لكنه اعتضد بشواهده، ولذلك قلت: حسن.
وله طريق أخرى عن أبي هريرة أتم سياقاً.
وبه إلى الطبراني ثنا إبراهيم بن دحيم، ثنا أبي (ح).
وبه قال الطبراني: ثنا جعفر بن سليمان، ثنا إبراهيم بن المنذر، قالا: حدثنا ابن أبي فديك -هو محمد بن إسماعيل، عن هارون بن هارون، عن الأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز- عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا خرج الرجل من بيته كان معه ملكان، فإذا قال: بسم الله قالا: هديت، فإذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، قالا: وقيت، فإذا قال: توكلت على الله قالا: كفيت، فيلقاه قرينه، فيقولان: ما تريد من رجلٍ هدي ووقي وكفي؟)).
أخرجه ابن ماجه أيضاً عن عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، وهو دحيم المذكور في روايتنا بالسند المذكور على الموافقة.
وهارون بن هارون قرشي تيمي مدني ضعفوه.
(باب: ما يقول إذا دخل بيته):
فيه أحاديث:
أولها:
أخبرني الشيخ أبو إسحاق التنوخي رحمه الله، قال: أنا عبد الرحمن بن(1/167)
عبد الحليم بن تيمية، أنا يحيى بن أبي منصور، أنا الحافظ أبو محمد عبد القادر بن عبد الله الرهاوي، أنا نصر بن سيار (ح).
قال شيخنا: وأخبرنا عالياً أبو محمد بن أبي غالب في كتابه، أنا محمد بن هبة الله عن نصر، أنا محمود بن القاسم، أنا أبو محمد بن الجراح، أنا أبو العباس بن محبوب، ثنا أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي، قال: حدثنا أبو حاتم مسلم بن حاتم، ثنا محمد بن عبيد الله الأنصاري، عن أبيه، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا بني إذا دخلت على أهلك فسلم تكن بركةً عليك وعلى أهل بيتك)).
هكذا أخرجه الترمذي.
وقال: حسن غريب، كذا في كثير من النسخ المعتمدة منها بخط الحافظ أبي علي الصدفي.
ووقع بخط الكروخي: حسن صحيح.
وعليه اعتمد في الأذكار.
وفيه نظر، فإن علي بن زيد وإن كان صدوقاً لكنه سيء الحفظ، وأطلق عليه جماعة الضعف بسبب ذلك.
وقد تكلم الترمذي على هذا الإسناد في موضع آخر، فأخرج في كتاب العلم بهذا الإسناد حديثاً آخر، وقال: حسن غريب، ولا أعرف لسعيد عن أنس غير هذا، وسألت محمد بن إسماعيل -يعني البخاري- عن هذا الحديث فلم يعرفه.
قال: وقد روى عباد المنقري عن علي بن زيد عن أنس هذا الحديث بطوله.(1/168)
وأخرج الترمذي أيضاً في أواخر كتاب الصلاة بهذا الإسناد حديثاً آخر، والأحاديث الثلاثة مختصرة من حديث طويل في نحو ورقة، وقد أخرجه بطوله أبو يعلى في مسنده من طريق عباد المنقري عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن أنس.
ووقع لنا بعضه عن أنس من وجه صحيح.
أخبرني أبو المعالي الأزهري، قال: أنا أحمد بن أبي أحمد الصيرفي، أنا أبو الفرج بن الصيقل، أنا أبو أحمد بن سكينة، أنا أبو القاسم بن الحصين، أنا أبو طالب بن غيلان، ثنا أبو بكر الشافعي، ثنا محمد بن بشر، ثنا محمد بن عبيد، ثنا أبو عوانة، عن أبي عثمان -يعني الجعد بن دينار- عن أنس رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا بني)).
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم هكذا مختصراً عن محمد بن عبيد.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه أبو داود.
والترمذي من طريق أبي عوانة أيضاً.
ووقع لنا مقصود الباب من طريق أخرى عن أنس بلفظ آخر.
أخبرني العماد أبو بكر بن إبراهيم الفرضي، أنا أبو عبد الله بن الزراد سماعاً عليه، أنا أحمد بن أبي أحمد بن نعمة، أنا عبد الرحمن بن علي، أنا أبو الحسن بن مسلم، أنا أحمد بن عبد الواحد، أنا جدي أبو بكر بن أبي(1/169)
الحديد، ثنا محمد بن جعفر بن سهل، ثنا عباد بن الوليد، وعبد الله بن أحمد بن الدورقي، قالا: ثنا مسلم بن إبراهيم (ح).
قال: وأخبرني أعلى من هذا بدرجة، ومن الرواية الأولى من طريق الترمذي الأولى بأربع درجات أبو الحسن علي بن أحمد المرداوي، أنا جدي لأمي أبو العباس بن المحب حضوراً وإجازة، عن الحافظ أبي علي البكري كذلك، قال: أنا روح الهروي، أنا أبو القاسم المستملي، أنا أبو يعلى الصابوني، قال: أنا أبو سعيد الرازي أنا محمد بن أيوب الرازي، ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا سعيد بن زون، قال: كنت عند أنس فقال: خدمت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر الحديث.
وفيه ((فإذا دخلت منزلك فسلم على أهل بيتك يكثر خير بيتك)).
وأخرجه أبو يعلى من وجه آخر عن أنس.
وسعيد المذكور في روايتنا ضعيف عندهم.
وقال العقيلي: لا يثبت في هذا عن أنس شيء، والله أعلم.(1/170)
[[وروينا في سنن أبي داود عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه، واسمه الحارث، وقيل: عبيد، وقيل: كعب، وقيل: عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا ولج الرجل بيته فليقل: اللهم إني أسألك خير المولج وخير المخرج، باسم الله ولجنا، وباسم الله خرجنا، وعلى الله ربنا توكلنا، ثم ليسلم على أهله)) لم يضعفه أبو داود.
وروينا عن أبي أمامة الباهلي، واسمه صدي بن عجلان، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثةٌ كلهم ضامنٌ على الله عز وجل: رجلٌ خرج غازياً في سبيل الله عز وجل فهو ضامنٌ على الله عز وجل حتى يتوفاه فيدخله الجنة أو يرده بما نال من أجرٍ وغنيمةٍ، ورجلٌ راح إلى المسجد فهو ضامنٌ على الله تعالى حتى يتوفاه فيدخله الجنة أو يرده بما نال من أجرٍ وغنيمةٍ، ورجل دخل بيته بسلامٍ فهو ضامنٌ على الله سبحانه وتعالى)). حديث حسن رواه أبو داود بإسناد حسن، ورواه آخرون.]]
(33)
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم في اليوم السابع من شهر [ذي] القعدة الحرام سنة سبع وثلاثين وثمانمئة حدثنا شيخنا قاضي القضاة، شيخ الإسلام، حافظ الأنام -أمتع الله بطول حياته- إملاء من حفظه قال وأنا أسمع:(1/171)
الحديث الثاني:
قرأت على أم يوسف الصالحية بها رحمها [الله]، عن محمد بن عبد الحميد، قال: أخبرنا إسماعيل بن عبد القوي، قال: قرئ على أم الحسن بنت أبي الحسن ونحن نسمع، عن أم إبراهيم الأصبهانية سماعاً، قالت: أنا محمد بن عبد الله التاجر، أنا الطبراني، ثنا هاشم بن مرثد، ثنا محمد بن إسماعيل بن عياش، حدثني أبي، حدثني ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن أبي مالك الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا ولج الرجل بيته فليقل: اللهم إني أسالك خير المولج وخير المخرج، بسم الله ولجنا، وبسم الله خرجنا، وعلى ربنا توكلنا، ثم ليسلم على أهله)).
هذا حديث غريب، أخرجه أبو داود عن محمد بن عوف عن محمد بن إسماعيل بن عياش.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وقوله الشيخ: لم يضعفه أبو داود، يريد في السنن، وإلا فقد ضعف راويه في أسئلة الآجري، فقال محمد بن إسماعيل بن عياش ليس بذاك، وسألت عنه عمرو بن عثمان؟ فدفعه.
وقال أبو حاتم: لم يسمع من أبيه فحملوه على أن حدث عنه.
قلت: ولعله كانت له من أبيه إجازة، فأطلق فيها التحديث، أو تجوز في إطلاق التحديث على الوجادة. وقد أخرج أبو داود بهذا الإسناد أربعة أحاديث يقول في كل منها قال محمد بن عوف: وقرأته في أصل إسماعيل بن عياش، وإسماعيل وإن كان فيه مقال، لكن هذا من روايته عن شامي، فتقبل عند الجمهور.(1/172)
وفي السند علة أخرى.
قال أبو حاتم: رواية شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري مرسلة.
وقد حكى الشيخ الخلاف في اسم أبي مالك، وبقي منه أنه قيل: عامر، وقيل: عبيد الله بالإضافة، ومن سماه كعباً قال: ابن عاصم، وقال بعضهم: كعب بن كعب.
والتحقيق أن أبا مالك الأشعري ثلاثة: الحارث بن الحارث، وكعب بن عاصم، وهذان مشهوران باسمهما، ولا اختلاف في كنيتهما، والثالث هو المختلف في اسمه، وأكثر ما يرد في الروايات بكنيه، وهو راوي هذا الحديث.
وقد أخرجه الطبراني في مسند الحارث بن الحارث، فوهم، فإنه غيره، والله أعلم.
الحديث الثالث:
قرأت على أم الحسن التنوخية، عن سليمان بن حمزة، قال: أنا أبو عبد الله الحافظ، أنا محمد بن حمزة، أنا أبو محمد الأكفاني، أنا عبد العزيز الكتاني، وأبو الحسن بن أبي الحديد، قالا: أنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي نصر، زاد الكتاني: وتمام وعقيل بن عبد الله، قالوا ثنا أبو علي بن معروف، ثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو (ح).
وقرأته عالياً على عبد الله بن محمد بن إبراهيم المقرئ، عن محمد بن إسماعيل الأيوبي سماعاً، أنا عبد العزيز بن عبد المنعم، عن عفيفة الأصبهانيـ[ـة]، قالت: قرئ على فاطمة الجوزذانية ونحن نسمع، عن أبي بكر بن ريذة سماعاً، أنا الطبراني، ثنا أبو زرعة الدمشقي، ثنا أبو مسهر، ثنا إسماعيل بن عبد الله، ثنا الأوزاعي.
وبه إلى الطبراني قال: وحدثنا به عالياً بكر بن سهل، ثنا عمرو بن هاشم، ثنا الأوزاعي، حدثني سليمان بن حبيب، عن أبي أمامة الباهلي رضي(1/173)
الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة كلهم ضامنٌ على الله عز وجل: رجلٌ خرج في سبيل الله، فهو ضامنٌ على الله عز وجل إن توفاه أن يدخله الجنة، وإن رده إلى أهله رده بما نال من أجرٍ أو غنيمةٍ، ورجلٌ جالسٌ في المسجد، فهو ضامنٌ على الله عز وجل إن توفاه أن يدخله الجنة، وإن رده إلى أهله رده بما نال من أجرٍ أو غنيمةٍ، ورجلٌ دخل بيته بسلامٍ، فهو ضامنٌ على الله عز وجل.
هذا حديث حسن، أخرجه أبو داود عن عبد السلام بن عقيق عن أبي مسهر -واسمه عبد الأعلى بن مسهر-.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
ووقع لنا من الطريق الأخيرة أعلى بدرجة أخرى.
وأخرجه البخاري في الأدب المفرد.
وابن حبان في صحيحه من وجه آخر عن أبي أمامة.
ووقع لنا من وجه ثالث عن أبي أمامة، لكن لم يصرح برفعه.
أخبرني العماد أبو بكر بن إبراهيم بالسند الماضي قريباً إلى محمد بن جعفر بن سهل قال: حدثنا عباس بن عبد الله الترقفي، ثنا عثمان بن سعيد الحمصي، ثنا حريز بن عثمان، عن عبد الرحمن بن ميسرة، عن أبي أمامة في الرجل يدخل بيته بالسلام ضامن على الله أن يدخله الجنة.(1/174)
[[وروينا عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا دخل الرجل بيته فذكر الله تعالى عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء؛ وإذا دخل فلم يذكر الله تعالى عند دخوله، قال الشيطان: أدركتم المبيت؛ وإذا لم يذكر الله تعالى عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء)) رواه مسلم في صحيحه.
وروينا في كتاب ابن السني عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجع من النهار إلى بيته يقول: ((الحمد لله الذي كفاني وآواني، والحمد لله الذي أطعمني وسقاني، والحمد لله الذي من علي، أسألك أن تجيرني من النار)) إسناده ضعيف.
وروينا في موطأ مالك أنه بلغه يستحب إذا دخل بيتاً غير مسكون أن يقول: ((السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)).]]
(34)
بسم الله الرحمن الرحيم
حدثنا شيخنا سيدنا، ومولانا شيخ الإسلام، المشار إليه، إملاء من حفظه وقراءة من المستملي عليه كعادته في يوم الثلاثاء رابع عشر ذي القعدة سنة تاريخه قال وأنا أسمع:
الحديث الرابع:
أخبرني العلامة حافظ العصر أبو الفضل بن الحسين رحمه الله، أخبرني أبو محمد عبد الله بن محمد الصالحي بها، أنا محمد بن عبد الرحيم(1/175)
المقدسي، أنا القاسم بن عبد الله الصفار في كتابه، أنا أبو الأسود القشيري، أنا عبد الحميد بن عبد الرحمن، أنا عبد الملك بن الحسن، ثنا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الحافظ، ثنا يوسف بن سعيد بن مسلم، ثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج، قال: حدثني أبو الزبير، عن جابر رضي الله عنه (ح).
وأخبرني أبو الحسن بن أبي بكر الحافظ، أنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الأنصاري، أنا المسلم بن محمد، أنا محمد بن عبد الله، أنا هبة الله بن محمد، أنا الحسن بن علي، أنا أحمد بن جعفر، أنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا روح -هو ابن عبادة- ثنا ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الرجل إذا رجع إلى بيته، فذكر الله عند دخوله، وعند طعامه، قال الشيطان لا مبيت لكم ولا عشاء ههنا، وإن لم يذكر الله عند دخوله، قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإن لم يذكر الله عند طعامه، قال الشيطان: أدركتم المبيت والعشاء)).
لفظ حجاج، وقال روح في روايته: ((ما من مبيتٍ ولا عشاءٍ)) وقال: ((وإذا دخل فلم يذكر)) وقال: ((وإذا لم يذكر الله على طعامه)) والباقي مثله.
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم عن إسحاق بن منصور عن روح بن عبادة.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه النسائي عن يوسف بن سعيد.(1/176)
فوقع لنا موافقة عاليةً.
وأخرجه مسلم أيضاً.
وأبو داود.
وابن ماجه.
وابن حبان من رواية أبي عاصم عن ابن جريج نحوه.
وله شاهد من حديث سلمان الفارسي، أخرجه الطبراني، ولفظه:
((من سره أن لا يجد الشيطان عنده طعاماً ولا مقيلاً ولا مبيتاً فليسلم إذا دخل بيته، وليسم الله على طعامه)).
وهذا لو ثبت لكان مفسراً للذكر الماضي في حديث جابر، لكن سنده ضعيف.
الحديث الخامس:
أخبرني أبو العباس أحمد بن علي الحصني مشافهة، عن الحافظ أبي الحجاج المزي، قال: قرئ على زينب بنت مكي ونحن نسمع، عن محمد بن محمد الهمداني سماعاً، أنا عبد الرزاق القومساني، أنا أبو محمد الدوني، أخبرنا أبو نصر بن الحسين، أنا أحمد بن محمد بن إسحاق الحافظ، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن الضحاك، ثنا يوسف بن عبد الأعلى، أنا ابن وهب، أخبرني عمر بن محمد العمري، عن مرزوق أبي بكر، عن رجل من أهل مكة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: كان(1/177)
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجع من النهار إلى بيته يقول: ((الحمد لله الذي كفاني وآواني، والحمد لله الذي أطعمني وسقاني، والحمد لله الذي من علي فأفضل، أسألك أن تجيرني من النار)).
هذا حديث غريب، أخرجه ابن السني هكذا.
وقد ضعفه الشيخ، وليس في رواته من ينظر في حاله إلا الرجل المبهم.
وقد وجدت له شاهداً، أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في مسنده ومصنفه جميعاً، قال: ثنا بكر بن عبد الرحمن، ثنا عيسى بن المختار، ثنا ابن أبي ليلى، عن بعض أهل مكة، عن أبي سلمة -هو ابن عبد الرحمن بن عوف- عن أبيه رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا فرغ من طعامه: ((الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا، الحمد لله الذي كفانا وآوانا، الحمد لله الذي أنعم علينا فأفضل، نسأله أن يجيرنا برحمته من النار، فرب غير مكفي لا يجد مأوى ولا منقلباً)).
قرأت بسنده على أم عيسى الأسدية، عن يونس بن إبراهيم العسقلاني، عن أبي الحسن بن المقير، عن الحافظ أبي الفضل بن ناصر، عن الحافظ أبي القاسم بن أبي عبد الله بن منده، عن أبي بكر بن علي الحافظ، عن أبي عمرو بن حمدان، عن الحسن بن سفيان، عن أبي بكر بن أبي شيبة بسنده.
هذا حديث غريب، أخرجه البزار من رواية بكر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ابن عمه عيسى بن المختار بن عبد الله بن عيسى عن عم جدهما محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن رجل من أهل مكة -يرونه ابن أبي نجيح- وقال: لا نعلمه يروى عن(1/178)
عبد الرحمن بن عوف إلا بهذا الإسناد.
قلت: إن ثبت أن المبهم، هو ابن أبي نجيح، فالحديث حسن، لأن محمد بن أبي ليلى صدوق وإن ضعفه بعضهم من جهة حفظه، وكذا اختلف في سماع أبي سلمة من أبيه، وكل ذلك ينجبر بالحديث الذي قبله.
وسيأتي له أصل صحيح من حديث أنس في أبواب الأطعمة.
قوله: (فروينا في موطأ مالك أنه بلغه إلى آخره).
قلت: جاء ذلك عن جماعة من التابعين، أخرجه سعيد بن منصور في السنن بسند صحيح عن عكرمة مولى ابن عباس، وبسند آخر عن أبي مالك الغفاري.
وأخرجه عبد الله بن المبارك في كتاب الاستئذان بسند صحيح عن ابن عباس، لكن قيده بالمسجد.
وأخرجه البيهقي في الشعب بأسانيد صحيحة عن إبراهيم النخعي ومجاهد والحكم بن عتيبة، والله أعلم.(1/179)
[[باب: ما يقول إذا استيقظ من الليل وخرج من بيته
يستحب له إذا استيقظ من الليل وخرج من بيته أن ينظر إلى السماء ويقرأ الآيات الخواتم من سورة آل عمران {إن في خلق السموات والأرض} إلى آخر السورة.
ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله، إلا النظر إلى السماء فهو في صحيح البخاري دون مسلم.]]
(35)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
حدثنا شيخ الإسلام المشار إليه إملاء من حفظه في حادي عشر ذي القعدة سنة تاريخه قال وأنا أسمع:
قوله: (باب ما يقول إذا استيقظ من الليل وخرج من بيته) يستحب له أن ينظر إلى السماء ويقرأ الآيات الخواتم من سورة آل عمران {إن في خلق السموات والأرض} إلى آخر السورة.
ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله إلا النظر إلى السماء فهو في صحيح البخاري دون مسلم).(1/180)
قلت: بل ثبت ذلك في مسلم أيضاً، وسبب خفاء ذلك على الشيخ أن مسلماً جمع طرق الحديث كعادته، فساقها في كتاب الصلاة، وأفرد طريقاً منها في كتاب الطهارة، وهي التي وقع عنده فيها التصريح بالنظر إلى السماء، ووقع ذلك أيضاً في طريقين آخرين مما ساقه في كتاب الصلاة، لكنه اقتصر في كل منهما على بعض المتن، فلم يقع عنده فيهما التصريح بهذه اللفظة، وهي في نفس الأمر عنده فيها.
وأما البخاري فلم يقع عنه التقييد بكون ذلك عند الخروج من البيت، وليس في شيء من الطرق الثلاثة التي أشرت إليها التصريح بالقراءة إلى آخر السورة، وإنما ورد ذلك في طرق أخرى ليس فيها النظر إلى السماء، لكن الحديث في نفس الأمر واحد، فذكر بعض الرواة مالم يذكر بعض.
أخبرني الشيخ المسند أبو الفرج بن الغزي، أنا أبو الحسن بن قريش، أنا أبو الفرج بن عبد المنعم، قال: كتب إلينا أبو الحسن بن الجمال، أنا أبو علي الحداد، أنا أبو نعيم الأصبهاني، ثنا أبو محمد بن حيان، ثنا الحسن بن عمران، ثنا أبو زرعة (ح).
وأخبرني أبو المعالي عبد الله بن عمر بن علي، أنا أحمد بن محمد بن أبي الفرج، أنا أبو الفرج بن الصيقل، أنا أبو محمد بن أبي المجد، أنا أبو القاسم الكاتب، أنا أبو علي الواعظ، أنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: ثنا أبو نعيم -هو الفضل بن دكين- ثنا إسماعيل بن مسلم، ثنا أبو المتوكل، أن ابن عباس رضي الله عنهما حدثه أنه بات في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم من الليل، فخرج فنظر في السماء، ثم تلا هذه الآية في آل عمران: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار} حتى بلغ {فقنا عذاب النار} ثم رجع إلى البيت، فتسوك وتوضأ ثم صلى [ثم اضطجع، ثم قام فخرج فنظر(1/181)
إلى السماء، وقرأ هذه الآية، ثم رجع فتسوك وتوضأ ثم صلى].
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم في كتاب الطهارة عن عبد بن حميد عن أبي نعيم.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخبرني الشيخ أبو عبد الله بن قوام، قال: أنا أبو الحسن بن هلال، أنا أبو إسحاق بن البرهان، أنا أبو الحسن الطوسي، أنا أبو محمد السيدي، أنا أبو عثمان البحيري، أنا أبو علي السرخسي، أنا أبو إسحاق الهاشمي، أنا أبو مصعب الزهري، أنا مالك، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب، أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أخبره قال: بت في بيت ميمونة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتصف الليل، أو قبله بقليل، أو بعده بقليل، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يمسح النوم عن وجهه بيديه، ثم قرأ الآيات العشر الخواتم من سورة آل عمران، ثم قام إلى شق معلقةٍ، فتوضأ منها فأحسن الوضوء، ثم قام فصلى .. الحديث.
هذا حديث صحيح، أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف وإسماعيل بن أبي أويس.
وأخرجه هو وأبو داود عن القعنبي.
والبخاري.(1/182)
والترمذي في الشمائل.
والنسائي عن قتيبة.
وأخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى.
خمستهم عن مالك.
وأخرجه البخاري أيضاً.
والترمذي.
وابن ماجه من رواية معن بن عيسى عن مالك.
فوقع لنا عالياً.
وبالسند الأول إلى أبي نعيم الأصبهاني، ثنا محمد بن المظفر إملاء، ثنا علي بن أحمد بن سليمان، ثنا .. مسلم هـ .. .. ثنا عبد الله بن وهب أخبرني عياض بن عبد الله عن مخرمة عن كريب عن ابن عباس قال: بعث أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهدية، فأتيته، فوجدته في بيت ميمونة رضي الله عنها، فرقدتني على فضل وسادة، ونام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان شطر الليل، قام فنظر إلى السماء، ثم تلا آخر سورة آل عمران {إن في خلق السموات والأرض} الآية.
هذا حديث صحيح أخرجه مسلم عن محمد بن سلمة عن عبد الله بن وهب.(1/183)
فوقع لنا بدلاً عالياً.
ولم يسق لفظه، بل ذكر قطعة منه وأحال بالباقي على رواية مالك، وليس في رواية مالك كما قدمته ((فنظر إلى السماء)) وهي ثابتة في رواية عياض.
وأخبرني أبو علي محمد بن محمد بن الجلال فيما قرئ عليه ونحن نسمع، عن ست الوزراء التنوخية، وأبي العباس بن الشحنة سماعاً عليهما سنة خمس عشرة، قالا: أنا أبو عبد الله بن الزبيدي، أنا أبو الوقت، أنا أبو الحسن الداودي، أنا أبو محمد السرخسي، أنا أبو عبد الله الفربري، أنا محمد بن إسماعيل الجعفي، ثنا سعيد بن أبي مريم، ثنا محمد بن جعفر، -هو ابن أبي كثير- قال: أخبرني شريك بن عبد الله، عن كريب، عن ابن عباس، قال: بت في بيت ميمونة، فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة، ثم رقد، فلما كان ثلث الليل الآخر قعد ينظر إلى السماء فقال: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآياتٍ لأولي الألباب} ثم قام فتوضأ واستن فصلى إحدى عشرة ركعة، ثم أذن بلال، فصلى ركعتين، ثم خرج فصلى الصبح.
هذا حديث صحيح، أخرجه البخاري هكذا في تفسير آل عمران.
وأخرجه مسلم عن محمد بن إسحاق الصغاني، عن سعيد بن أبي مريم.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
ولم يسق مسلم أيضاً لفظه، بل قال بعد قوله: {لأولي الألباب}: وساق الحديث.(1/184)
فتبين بهذه الروايات ما ذكرته أولاً مفصلاً، وأن النظر إلى السماء ثابت عند مسلم صريحاً وحوالة، والله أعلم.
[[وثبت في الصحيحين، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يتهجد قال: ((اللهم ربنا لك الحمد، أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، لك ملك السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت الحق ووعدك الحق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، ومحمدٌ حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت)) زاد بعض الرواة ((ولا حول ولا قوة إلا بالله)).]]
(36)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم
حدثنا سيدنا ومولانا قاضي القضاة، شيخ الإسلام، إمام الحفاظ -أمتع الله بوجوده الأنام- إملاء من حفظه وقراءة من المستملي في يوم الثلاثاء ثامن(1/185)
عشر شهر ذي [الـ]ـقعدة الحرام من شهور سنة سبع وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
ذكر طريق أخرى فيها التصريح بالقراءة إلى آخر السورة.
وبالسند الماضي آنفاً إلى أبي نعيم الأصبهاني، ثنا أبو محمد بن حيان، ثنا محمد بن يحيى -أي ابن منده- ثنا أبو كريب، ثنا محمد بن فضيل، ثنا حصين، عن حبيب بن أبي ثابت، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: رقدت عند النبي صلى الله عليه وسلم، فاستيقظ، فرايته قام فتسوك وتوضأ وهو يقرأ هؤلاء الآيات {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار} حتى ختم السورة، ثم قام فصلى ركعتين أطال فيهما القيام والركوع والسجود، حتى فعل ذلك ثلاث مرات .. .. الحديث.
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم عن واصل بن عبد الأعلى.
وأبو داود عن عثمان بن أبي شيبة.
وابن خزيمة عن هارون بن إسحاق، ثلاثتهم عن محمد بن فضيل.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
قوله: (وثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يتهجد قال: ((اللهم لك الحمد)) إلى آخره).
أخبرني أبو عبد الرحمن عبد الله بن خليل الحرستاني ثم الصالحي فيما قرأت عليه بها رحمه الله، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن معالي، وأبو بكر بن محمد الرضي قالا: أنا أبو عبد الله بن أبي الفتح الخطيب، قال: قرئ(1/186)
على فاطمة بنت سعد الخير ونحن نسمع، عن زاهر بن طاهر سماعاً، أنا أبو سعد الكنجروذي، أنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا أبو يعلى، ثنا زهير -هو ابن حرب- ثنا سفيان -هو ابن عيينة- عن سليمان الأحول، عن طاووس، عن ابن عباس رضي الله عنهما (ح).
وبالسند الماضي إلى أبي نعيم قال: حدثنا محمد بن أحمد -يعني ابن الصواف- ثنا بشر بن موسى قال: حدثنا الحميدي -واللفظ له- قال: حدثنا سفيان، ثنا سليمان الأحول قال: سمعت طاووساً يقول: سمعت ابن عباس يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد قال: ((اللهم لك الحمد، أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق، ومحمدٌ حق، والنبيون حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت، أو لا إله غيرك)).
هذا حديث صحيح، أخرجه أحمد عن سفيان على الموافقة.
وأخرجه البخاري عن علي بن عبد الله وعبد الله بن محمد فرقهما.
وأخرجه مسلم عن عمرو بن محمد ومحمد بن عبد الله بن نمير ومحمد بن أبي عمر.(1/187)
وأخرجه النسائي عن قتيبة ومحمد بن منصور.
وابن ماجه عن هشام بن عمار وأبي بكر بن خلاد.
تسعتهم عن سفيان بن عيينة.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخبرني الإمام أبو الفضل بن أبي عبد الله الحافظ، أخبرني أبو محمد البزوري، أنا علي بن محمد بن أحمد السعدي، عن أبي عبد الله بن أبي زيد، أنا محمود بن إسماعيل، أنا أحمد بن محمد، أنا الطبراني في الدعاء، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنا عبد الرزاق، عن ابن جريج، قال: أخبرني سليمان خال ابن جريج أن طاووساً أخبره، أنه سمع ابن عباس يقول: فذكر الحديث مثله، لكن باختصار في بعض آخره وقال: ((أنت إلهي لا إله إلا أنت)) ولم يشك.
أخرجه البخاري عن محمود بن غيلان.
ومسلم عن محمد بن رافع، كلاهما عن عبد الرزاق.
فوقع لنا بدلاً عالياً، وعلى طريق مسلم بدرجتين.
قوله: ((وزاد بعض الرواة في آخره: ولا حول ولا قوة إلا بالله)).
أخبرني أبو الحسن بن أبي بكر الحافظ، أنا عبد الله بن محمد بن(1/188)
إبراهيم المقدسي، أنا أبو الحسن بن البخاري، عن محمد بن معمر، أنا سعيد بن أبي الرجاء، أنا أحمد بن محمد بن النعمان، ثنا أبو بكر بن عاصم، ثنا إسحاق بن أحمد الخزاعي، ثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر، ثنا سفيان ابن عيينة، عن سليمان الأحول، عن طاووس، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل .. .. فذكر الحديث بطوله، لكن قال في روايته ((أنت قيام السموات والأرض)) وقال في آخره بعد قوله ((أو قال: لا إله غيرك)) شك سفيان.
وزاد عبد الكريم ((ولا حول ولا قوة إلا بالله)).
أخرجه مسلم عن ابن أبي عمر دون ما في آخره.
فوقع لنا موافقة عالية.
ووقع في رواية البخاري عن علي بن عبد الله في آخره قال سفيان: وزاد عبد الكريم: ((ولا حول ولا قوة إلا بالله)).
ووقع في مستخرج أبي نعيم على البخاري عن طريق إسماعيل بن إسحاق عن علي بن عبد الله بعد سياقه إلى آخره قال سفيان: فكنت إذا قلت آخر حديث سليمان ((لا إله غيرك)): قال عبد الكريم: ((لا حول ولا قوة إلا بالله)) ولم يذكر أكثر الرواة عن سفيان هذه الزيادة، وأدرجها بعضهم في السياق الأول، منهم قتيبة عند النسائي، فقال في آخره ((لا إله إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بالله)).
وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية محمد بن عبد الله بن نمير عن سفيان، واقتصر أكثر الرواة عن سفيان على قوله: ((لا إله إلا أنت)) وشك بعضهم عنه كما تقدم، وذكرها بعضهم بالواو العاطفة فقال: ((لا إله إلا أنت، ولا إله غيرك)) وجمع هشام بن عمار بين الألفاظ الثلاثة فقال: ((لا إله إلا(1/189)
أنت، ولا إله غيرك، ولا حول ولا قوة إلا بالله)).
والصواب التفصيل.
وأن الحوقلة مدرجة على رواية سفيان عن سليمان، وإنما هي عند سفيان عن عبد الكريم وهو أبو أمية بن أبي المخارق البصري نزيل مكة، وهو ضعيف عندهم، وليس له في البخاري ذكر إلا في هذا الموضع، والله أعلم.(1/190)
[[باب: ما يقول إذا أراد دخول الخلاء
ثبت في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند دخول الخلاء: ((اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)).
وروينا في غير الصحيحين ((باسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)).]]
(37)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم كثيراً.
حدثنا شيخ الإسلام قاضي القضاة، المشار إليه قبل، إملاء من حفظه كعادته المذكورة في باكورة يوم الثلاثاء سادس من شهر [ذي] الحجة الحرام سنة سبع وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
قوله: (باب: ما يقول إذا أراد دخول الخلاء):
ثبت في الصحيحين عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند دخوله.(1/191)
قلت: لم أر العندية في واحد من الصحيحين، وإنما علق البخاري الإرادة.
والذي اتفقا عليه بلفظ: كان إذا دخل. قال.
أخبرني أبو العباس أحمد بن الحسن بن محمد المقدسي، أنا أبو العباس أحمد بن علي بن أيوب، أنا عبد اللطيف بن عبد المنعم، أنا أبو الفرج بن الجوزي، أنا أبو القاسم عبد الله بن محمد الأصبهاني، أنا عبد الرزاق بن عمر، أنا أبو بكر بن المقرئ، ثنا أبو يعلى، وعبد الله بن محمد بن عبد العزيز، قالا: ثنا علي بن الجعد، ثنا شعبة، وحماد بن سلمة، وهشيم (ح).
وأخبرني أبو العباس أحمد بن علي بن تميم، أنا أبو العباس بن نعمة، عن أبي المنجا بن اللتي، أنا أبو الوقت، أنا أبو الحسن بن داود، أنا أبو محمد بن أعين، أنا أبو عمران السمرقندي، أنا الدارمي، ثنا أبو النعمان، ثنا حماد بن زيد، أربعتهم عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: ((اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)).
هذا حديث صحيح، أخرجه البخاري من رواية شعبة من هؤلاء، ومن رواية حماد بن سلمة معلقاً.
وأخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى عن هشيم وحماد بن زيد.(1/192)
كلهم بهذا اللفظ، لكن في رواية هشيم عند مسلم الكنيف بدل الخلاء.
وأخرجه مسلم أيضاً من رواية إسماعيل بن علية كالأول.
لكن قال: ((أعوذ بالله) بدل ((اللهم إني أعوذ بك)).
وأخرجه أبو داود.
والترمذي من رواية وكيع عن شعبة.
والنسائي.
وابن ماجه من رواية إسماعيل بن علية.
وأخرجه أبو داود أيضاً.
والنسائي من رواية عبد الوارث بن سعيد عن عبد العزيز بن صهيب كرواية إسماعيل.
وقد وقع لي من رواية هشيم أعلى مما تقدم بدرجة.
أخبرني أبو الحسن علي بن محمد الخطيب بالقاهرة، وخديجة بنت أبي إسحاق بن سلطان بدمشق، كلاهما عن القاسم بن عساكر إجازة إن لم يكن سماعاً، أنا أبو الحسن بن المقير قراءة علي، وأنا في الرابعة وإجازة، أنا أبو بكر بن الزاغوني في كتابه، أنا أبو القاسم بن البسري، أنا أبو طاهر(1/193)
المخلص، [ثنا] إسماعيل بن العباس، ثنا حميد بن الربيع، ثنا هشيم، فذكر مثل الأول.
أخرجه أحمد عن هشيم.
فوقع لنا موافقة عالية.
وقرأت على أم الحسن بنت المنجا، عن إسماعيل بن يوسف القيسي، أنا عبد الله بن عمر بن علي، أنا أبو المعالي محمد بن محمد الجبان، عن علي بن أحمد البندار، أنا محمد بن عبد الرحمن بن العباس، ثنا يحيى بن محمد بن صاعد، ثنا محمد بن زياد، ثنا عبد الوارث بن سعيد، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: ((اللهم إني أعوذ بالله من الخبث والخبائث)).
أخرجه أبو داود عن مسدد.
والنسائي في الكبرى عن عمران بن موسى.
كلاهما عن عبد الوارث.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه البيهقي من وجه آخر عن مسدد بلفظ: إذا أراد دخول الخلاء.
وقال البخاري عقب رواية هذا عن شعبة في الطهارة: وقال سعيد بن زيد عن عبد العزيز: إذا أراد أن يدخل.
أخبرني بهذه الرواية المعلقة المسند الأصيل أبو بكر بن أبي عمر(1/194)
الحموي الأصل بمنزله بمصر، أنا جدي أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن سعدالله، أنا إسماعيل بن أحمد العراقي في كتابه، عن الحافظ أبي طاهر السلفي، أنا أبو غالب الباقلاني، أنا أبو العلاء الواسطي، أنا أبو نصر النيازكي، أنا أبو الخير العبقسي، أنا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري في كتابه الأدب المفرد، ثنا أبو النعمان، ثنا سعيد بن زيد، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يدخل الخلاء قال: ((اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)).
وسعيد هذا هو أخو حماد بن زيد، وهو صدوق لكن فيه لين.
قوله: (وروينا في غير الصحيحين ((بسم الله اللهم إني أعوذ بك)) ).
وبالسند الماضي إلى الطبراني في الدعاء، ثنا إبراهيم بن هاشم، ثنا قطن بن نسير، ثنا عدي بن أبي عمارة، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن هذه الحشوش محتضرةٌ، فإذا دخل أحدكم الخلاء فليقل بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)).
هذا حديث غريب من هذا الوجه، أخرجه ابن السني عن عبدان وأبي يعلى كلاهما عن قطن باختصار.
وأخرجه الدارقطني في الأفراد من هذا الوجه، وقال: تفرد به عدي عن قتادة.
وقال الطبراني: لم يقل أحد عن قتادة فيه ((بسم الله)) إلا عدي بن أبي عمارة.
قلت: وهو بصري مختلف فيه، ذكره العقيلي في الضعفاء.
ووردت التسمية أيضاً من وجه آخر عن أنس من فعل النبي صلى الله عليه وسلم،(1/195)
أخرجها الطبراني بسند فيه أبو معشر المدني، وفيه ضعف.
والمعمري في كتاب ((اليوم والليلة)) بسند آخر رواته موثقون، والله أعلم.
[[وروينا عن علي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الكنيف أن يقول باسم الله)) رواه الترمذي وقال: إسناده ليس بالقوي.
وروينا عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: ((اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث: الشيطان الرجيم)) رواه ابن السني، ورواه الطبراني في كتاب ((الدعاء)).]]
(38)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً
حدثنا سيدنا ومولانا وشيخنا قاضي القضاة، شيخ الإسلام -أمتع الله بوجوده الأنام- إملاء من حفظه وقراء من المستملي عليه كعادته في العشرين من ذي [الـ]ـحجة الحرام سنة سبع وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع.
أخبرني أبو الحسن علي بن محمد الخطيب، أنا أبو الفضل بن أبي(1/196)
طاهر المقدسي في كتابه، عن الإمام شهاب الدين عمر بن محمد السهروردي، أنا طاهر بن محمد بن طاهر، أنا محمد بن الحسين القزويني، أنا القاسم بن [أبي] المنذر، أنا أبو الحسن بن سلمة، أنا أبو عبد الله محمد بن يزيد، ثنا محمد بن حميد، ثنا الحكم بن بشير بن سلمان، ثنا خلاد بن الصفار، عن الحكم بن عبد الله، عن أبي إسحاق، عن أبي جحيفة، عن علي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ستر ما بين الجن وعورات بني آدم أن يقول إذا دخل الكنيف: بسم الله)).
هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، أخرجه الترمذي عن محمد ابن حميد.
فوقع لنا موافقة عالية.
ووقع في روايته ((ما بين أعين الجن)) و ((إذا دخل أحدكم الخلاء)) والباقي سواء، وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده بذاك القوي، وقد روي عن أنس شيء من هذا.
قلت: رواته موثقون، وفي كل من محمد بن حميد وشيخه وشيخ شيخه، وكذا الحكم الثاني مقال. وأشدهم ضعفاً محمد بن حميد، لكنه لم ينفرد به، فقد أخرجه البزار عن يوسف بن موسى عن عبد الرحمن بن الحكم بن بشير عن أبيه به، وقال: لا يعرف إلا بهذا الإسناد، وقد جاء مثله عن أنس.
قلت: وقد قدمت حديث أنس في (باب: ما يقول إذا نزع ثوبه) وبينت أنه ورد بلفظ ((إذا وضع ثوبه)) وبلفظ ((إذا دخل الخلاء)) وهذا اللفظ هو المراد هنا.
قوله: (وروينا عن ابن عمر).(1/197)
أخبرني إمام الأئمة أبو الفضل بن الحسين الحافظ رحمه الله بالسند الماضي غير مرة إلى الطبراني، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، وأحمد بن بشير الطيالسي، قال الأول: ثنا عبد الحميد بن صالح، والثاني: ثنا خالد بن مرداس، قالا: ثنا حبان بن علي، عن إسماعيل بن رافع، عن دويد -وهو ابن عمر- عن نافع، عن ابن عمر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم)).
هذا حديث حسن غريب.
وحبان بكسر المهملة وتشديد الموحدة فيه ضعف، وكذا في شيخه، لكن للحديث شواهد.
منها عن أنس.
وبه إلى الطبراني ثنا أبو الزنباع روح بن الفرج القطان، ثنا يوسف بن عدي، ثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، عن أنس رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر مثله سواء.
غريب من هذا الوجه، أخرجه ابن السني من طريق عبد الرحيم بن سليمان بهذا الإسناد.
فوقع لنا عالياً.
وأخرجه أبو نعيم من رواية عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن إسماعيل بن مسلم، وذاك في أوله ((بسم الله)) ومداره على إسماعيل بن مسلم المكي، وهو ضعيف.
ومنها عن علي وبريدة.(1/198)
أنبأنا أبو علي محمد بن أحمد المهدوي، عن يونس بن أبي إسحاق، أنا أبو الحسن بن المقير مشافهة، وهو آخر من حدث عنه، عن أبي الكرام الشهرزوري، أنا إسماعيل بن مسعدة، أنا حمزة بن يوسف، أنا أبو أحمد بن عدي، ثنا محمد بن سعيد، ثنا إبراهيم بن إسماعيل بن عبد الله الرقي، ثنا أبي، ثنا حفص بن عمر بن ميمون، عن المنذر بن ثعلبة، عن علباء بن أحمر، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعن عبد الله بن بريدة، عن أبيه رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء قال، فذكر مثل حديث ابن عمر سواء، وزاد: وإذا خرج قال: ((غفرانك ربنا وإليك المصير)).
هذا حديث غريب، أخرجه ابن عدي في الكامل في ترجمة حفص بن عمر بن ميمونة، وضعفه.
وعلباء بكسر المهملة وسكون اللام بعدها موحدة ممدود تابعي لا بأس به.
وأبوه أحمر آخره راء.
وورد هذا المتن من حديث أبي أمامة بمعنى الأمر، وهو أشهر ما في الباب.
وبه إلى الطبراني في الدعاء، ثنا يحيى بن أيوب العلاف، وأحمد بن حماد، قالا: ثنا سعيد بن أبي مريم، ثنا يحيى بن أيوب المصري، عن عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يعجزن أحدكم إذا دخل مرفقه أن يقول: اللهم(1/199)
إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم)).
أخرجه ابن ماجه عن محمد بن يحيى الذهلي عن سعيد بن أبي مريم.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وعلي بن يزيد هو الألهاني ضعيف.
وفي شيخه والراوي عنه مقال.
وعجبت [من] الشيخ كيف أغفله، وعدل إلى حديث ابن عمر، مع أنهما في المرتبة سواء، وحديث أبي أمامة أشهر، لكونه في إحدى السنن، والله أعلم.(1/200)
[[باب: النهي عن الذكر والكلام على الخلاء
روينا عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: مر رجل بالنبي وهو يبول فسلم عليه، فلم يرد عليه. رواه مسلم في صحيحه.]]
(39)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى آله وسلم.
حدثنا شيخ الإسلام المشار إليه إملاء عليه في اليوم المبارك يوم الثلاثاء سابع عشر [ين] من شهر محرم [ذي الحجة] الحرام من شهور سنة سبع وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
قوله: (باب: النهي عن الذكر والكلام على الخلاء).
ذكر فيه حديثين.
أحدهما: عن ابن عمر.
أخبرني أبو بكر بن إبراهيم بن العز الفرضي الصالحي بها، قال: أنا أبو عبد الله بن الزراد إجازة إن لم يكن سماعاً، أنا الحافظ أبو علي البكري، أنا أبو روح عبد المعز بن محمد، أنا أبو القاسم الشحامي، أنا أبو سعيد الكنجروذي، أنا أبو طاهر محمد بن الفضل، أنا جدي أبو بكر بن خزيمة، ثنا أبو سعيد الأشج، ومحمد بن بشار، قال الأول: ثنا أبو داود الحفري،(1/201)
والثاني: حدثنا أبو أحمد الزبيري (ح).
وبالسند الماضي غير مرة إلى أبي نعيم في المستخرج ثنا أبو بكر الطلحي، ثنا عبد الله بن محمد بن حفص، ثنا أبو عبيدة بن أبي السفر، ثنا يزيد بن هارون (ح).
وبه إلى أبي نعيم قال: وحدثنا عالياً سليمان بن أحمد، ثنا عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم، ثنا محمد بن يوسف الفريابي، قالوا: ثنا سفيان الثوري، ثنا الضحاك بن عثمان، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رجلاً مر بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلم عليه فلم يرد عليه السلام.
لفظ ابن خزيمة، وزاد أبو نعيم في روايته: حتى مس الحائط.
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم عن محمد بن عبد الله بن نمير عن أبيه عن الثوري.
فوقع لنا عالياً بدرجة من الطريق الأولى، ومن الأخيرة بدرجتين.
وأخرجه الترمذي عن محمد بن بشار.
وابن ماجه عن أبي سعيد الأشج.
فوقع موافقة لهما في شيخيهما.
وأخرجه أبو داود عن أبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة.
والترمذي عن نصر بن علي.
ثلاثتهم عن أبي أحمد الزبيري.(1/202)
وأخرجه ابن ماجه عن الحسين بن أبي السري، عن أبي داود الحفري.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه الترمذي أيضاً.
وابن الجارود في المنتقى جميعاً عن محمد بن يحيى الذهلي، عن محمد بن يوسف الفريابي.
فوقع لنا بدلاً عالياً بدرجتين، ولم يقع في رواية واحد منهم الزيادة التي نقلتها من رواية أبي نعيم، ولم يبين أبو نعيم هل هي من زيادة يزيد أو الفريابي.
وهي محفوظة في حديث أبي جهيم كما سأذكره.
والضحاك بن عثمان شيخ مدني صدوق، وقد خالفه أبو بكر بن عمر العمري عن نافع في المتن، فقال: إنه رد عليه السلام.
قرأت على الشيخ أبي إسحاق التنوخي، عن عبد الحميد بن معالي، قال: أنا الحسن بن محمد التيمي، قال: قرئ على زينب بنت عبد الرحمن ونحن نسمع، عن أبي المظفر بن أبي القاسم القشيري سماعاً، قال: أنا أبي، أنا أبو الحسين الخفاف، ثنا أبو العباس السراج، ثنا محمد بن إدريس الحنظلي، ثنا عبد الله بن رجاء، ثنا سعيد بن سلمة، ثنا [حدثني] أبو بكر بن عمر بن عبد الله بن عمر، عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رجلاً مر بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلم عليه، فرد عليه، ثم قال: ((ألا إنه لم يحملني على الرد عليك إلا أني خشيت أن تقول: سلمت عليه فلم يرد علي، فإذا(1/203)
رأيتني على هذه الحالة فلا تسلم علي، فإنك إن تفعل لا أرد عليك)).
هذا حديث حسن، أخرجه البزار عن عبد الله بن إسحاق.
وابن الجارود في المنتقى عن محمد بن يحيى، كلاهما عن عبد الله بن رجاء.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
ولم ينسب أبو بكر إلى أبيه في رواية البزار، بل وقع عنده: حدثني أبو بكر رجل من ولد ابن عمر، فقال عبد الحق في ((الأحكام)): أبو بكر هذا أظنه ابن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر، فإن يكن هو فالحديث صحيح، لكن حديث الضحاك أصح.
ثم قال: يمكن أن يحمل على واقعتين.
وتعقب ابن القطان تصحيحه بأن أبا بكر لا يعرف، وسكتا جميعاً عن سعيد بن سلمة الراوي عنه، وهو المعروف بابن أبي الحسام، وهو صدوق فيه مقال، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم مستشهد [اً]، وقد تابعه إبراهيم بن يحيى عن أبي بكر بن عمر.
أخرجه الشافعي عن إبراهيم، فقويت رواية أبي بكر، وصدق ظن عبد الحق في نسبة أبي بكر، وتعين الحمل على ما أشار إليه من تعدد الواقعة، ويحتمل الجمع بتأويل لا يخلو عن تكلف، والله أعلم.
[[وعن المهاجر بن قنفذ رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلمت عليه، فلم يرد حتى توضأ، ثم اعتذر إلي وقال:(1/204)
((إني كرهت أن أذكر الله تعالى إلا على طهرٍ)) أو قال ((على طهارةٍ)) حديث صحيح، رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه بأسانيد صحيحة.]]
(40)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلى على محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
حدثنا سيدنا ومولانا شيخ الإسلام، قاضي القضاة، إمام الحفاظ -أمتع الله بوجوده- إملاء من حفظه، وقراءة من المستملي عليه كعادته في يوم الثلاثاء رابع شهر الله المحرم الحرام سنة ثمان وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
الحديث الثاني:
قرئ على أم الفضل بنت الشيخ أبي إسحاق بن سلطان ونحن نسمع بدمشق، عن القاسم بن المظفر الطيب، وأبي نصر بن العماد إجازة إن لم يكن سماعاً من القاسم، كلاهما عن أبي الوفاء بن منده، أنا أبو الخير الباغيان، أنا أبو عمرو بن أبي عبد الله بن منده، أنا أبي، أنا محمد بن يعقوب، وأحمد بن محمد بن إبراهيم، قالا: ثنا يحيى بن جعفر، ثنا عبد الوهاب بن عطاء (ح).
وبه إلى أبي عبد الله قال: أنا خيثمة بن سليمان، أنا الحسن بن مكرم، ثنا روح بن عبادة، كلاهما عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن حضين بن المنذر أبي ساسان، عن المهاجر بن قنفذ رضي الله عنه، أنه سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فلم يرد عليه، فلما فرغ من وضوئه قال: ((إنه(1/205)
لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كرهت أن أذكر الله إلا على طهارةٍ)).
هذا حديث حسن صحيح، أخرجه أحمد عن روح بن عبادة وعبد الوهاب بن عطاء.
فوقع لنا موافقة عالية فيهما.
وأخرجه ابن ماجه عن إسماعيل بن محمد الطلحي، وأحمد بن سعيد الدارمي، كلاهما عن روح بن عبادة.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه أبو داود.
وابن خزيمة عن محمد بن المثنى.
والحاكم من طريق عياش بن الوليد الرقام، كلاهما عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى.
وأخرجه النسائي من رواية معاذ بن معاذ.
والطبراني من رواية يزيد بن زريع.
وأبو نعيم في المعرفة من رواية محمد بن سواء.
أربعتهم عن سعيد بن أبي عروبة بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن حبان عن ابن خزيمة بسنده المذكور.(1/206)
وتابع سعيداً على روايته هكذا هشام الدستوائي عن قتادة.
وبالسند الماضي قريباً إلى الدارمي، أنا إسحاق بن إبراهيم -هو ابن راهويه- أنا معاذ بن هشام، ثنا أبي، ثنا قتادة، عن الحسن، عن حضين بن المنذر، عن المهاجر بن قنفذ، أنه سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فلم يرد عليه حتى فرغ، فلما توضأ رد عليه السلام.
وهكذا أخرجه الحسن بن سفيان في مسنده عن إسحاق، ومن طريقه أبو نعيم في ((المعرفة)).
ورواه حماد بن سلمة عن حميد الطويل عن المهاجر بدون ذكر أبي ساسان. وهكذا رواه زياد الأعلم ويونس بن عبيد وعبد الله بن المختار كلهم عن الحسن.
وليست هذه العلة بقادحة، فإن قتادة أحفظهم. وقد جوده وصوب روايته ابن السكن وغيره، لكن في السند علة أخرى، وهي أن سعيداً وشيخه وشيخ شيخه وصفوا بالتدليس في الإسناد وقد عنعنوه، ولم أره في شيء من الطرق تصريحاً من واحد منهم بالتحديث، وقد انجبر رواية سعيد برواية هشام.
وحضين بالحاء المهملة والضاد المعجمة وآخره نون مصغر، وهو ابن المنذر بن الحارث بن وعلة بالعين المهملة الرقاشي بفتح الراء والقاف الخفيفة والشين المعجمة من كبار التابعين، وأبو ساسان لقب وكنيته في الأصل أبو محمد، وكذا قيل في شيخه أن المهاجر لقب، واسمه عمرو، وأبوه قنفذ باسم الحيوان المشهور، قيل: إنه لقب أيضاً، واسمه خلف بن عمير، وهو من بني تيم بن مرة قبيلة آل أبي بكر الصديق رضي الله عنه.(1/207)
قال الحاكم بعد تخريجه: صحيح على شرط الشيخين، وتعقب بأنهما لم يخرجا للمهاجر ولا خرج البخاري لأبي ساسان.
وعذر من صحح الحديث كثرة شواهده، وإلا فغاية إسناده أن يكون حسناً.
وأما قول المصنف: أخرجه أبو داود، وذكر غيره بأسانيد صحيحة ففيه نظر، إذ ليس له إلا إسناد واحد عند من ذكر من سعيد فصاعداً.
قال الترمذي بعد تخريجه حديث ابن عمر الأول: وفي الباب عن علقة بن الفغواء -وهو بفتح الفاء وسكون المعجمة والمد- وجابر والبراء والمهاجر بن قنفذ.
قلت: وفيه عن أبي جهيم بن الحارث وعبد الله بن حنظلة وحنظلة أبيه وجابر بن سمرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبي هريرة.
أما حديث علقمة فأخرجه ابن قانع وأبو نعيم في الصحابة من طريق عبد الله بن علقمة عن أبيه بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراق الماء لا يكلمنا ولا نكلمه. وسنده ضعيف.
وأما حديث جابر فأخرجه ابن ماجه وأبو يعلى من رواية عبد الله بن محمد بن عقيل عنه أن رجلاً مر برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يبول، فسلم عليه فقال: ((إذا رأيتني على مثل هذه الحالة فلا تسلم علي، فإنك إن فعلت لم أرد عليك)) وسنده حسن، والله أعلم.(1/208)
(41)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً
حدثنا سيدنا ومولانا قاضي القضاة، شيخ الإسلام، حافظ الوقت -أمتع الله بطول حياته ومحبته، وكبت أعدائه- إملاء من حفظه، وقراءة عليه كعادته في يوم الثلاثاء حادي عشر محرم الحرام افتتاح سنة ثمان وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
وأما حديث البراء:
فقرئ على فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي ونحن نسمع بالصالحية، عن أبي نصر بن الشيرازي، أنا عبد الحميد بن عبد الرشيد، قال: أخبرنا الحافظ أبو العلاء العطار، أنا أبو علي الحداد، أنا أحمد بن عبد الله الحافظ، أنا الطبراني، ثنا محمد بن عبد الرحمن أبو السائب، ثنا ابن أبي شيبة، ثنا زيد بن الحباب، ثنا أبو عبيدة الناجي، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما، أنه سلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يبول، فلم يرد عليه حتى فرغ.
وبه قال الطبراني: لا يروى عن البراء إلا بهذا الإسناد.
قلت: أبو عبيدة الناجي بالنون والجيم بصري ضعيف، وقد شذ في قوله عن البراء، والمحفوظ عن الحسن ما تقدم عن أبي ساسان عن المهاجر.
وأما حديث المهاجر فتقدم قريباً.
وأما حديث أبي جهيم فأخرجه البخاري موصولاً.(1/209)
ومسلم تعليقاً من رواية عمير مولى ابن عباس قال: دخلنا على أبي جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري رضي الله عنه، فقال: أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جملٍ، فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد عليه حتى أتى الجدار، فمسح وجهه ويديه، ثم رد عليه.
وهذا أصح شيء ورد في هذا الباب.
وعجيب للترمذي كيف أغفله، وللمصنف كيف أهمله.
وأما حديث عبد الله بن حنظلة:
فأخبرني به أبو المعالي الأزهري، أنا أبو العباس بن أبي الفرج، أنا أبو الفرج بن الجوزي، أنا أبو محمد الحربي، قال: أنا أبو القاسم الشيباني، أنا أبو علي التميمي، أنا أبو بكر المالكي، ثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن محمد بن المنكدر، عن رجل، عن عبد الله بن حنظلة رضي الله عنه أن رجلاً سلم على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يبول، فلم يرد عليه حتى قال بيده - يعني: تيمم.
هكذا أخرجه الإمام أحمد، ورجاله ثقات إلا الرجل المبهم.
وقد خولف محمد بن جعفر في اسم الصحابي.
أخبرني أبو الحسن علي بن محمد بن الصائغ، عن أبي بكر الدشتي، أنا يوسف بن خليل الحافظ، أنا محمد بن أبي زيد، أنا الحسن بن أحمد، أنا أحمد بن عبد الله، ثنا عبد الله بن جعفر، ثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود الطيالسي، ثنا شعبة، عن ابن المنكدر، عن رجل، عن حنظلة بن الراهب، فذكر الحديث، أتم من سياقه ولفظه: قال: فتمسح ثم قال: ((إنه لم يمنعني(1/210)
أن أرد عليك إلا أني لم أكن متوضئاً)).
وحنظلة بن الراهب استشهد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم بأحد، وهو المعروف بغسيل الملائكة، وأبوه أبو عامر صاحب مسجد الضرار، فإن كان الرجل المبهم صحابياً فالحديث صحيح، وإن كان تابعياً فالحديث منقطع.
والأقرب رواية محمد بن جعفر، ولعله كان فيه عن ابن حنظلة فسقط ابن.
وعبد الله بن حنظلة صحابي صغير، قتل يوم الحرة.
وأما حديث جابر بن سمرة:
فقرأت على أم الحسن بنت المنجا بدمشق، عن أبي الفضل بن قدامة قال: أنا محمد بن عبد الواحد الحافظ، أنا أسعد بن سعيد، قال: قرئ على فاطمة الجوزذانية ونحن نسمع، أنا أبا بكر بن ريذة أخبرهم، قال: أنا الطبراني، ثنا الحسين بن إسحاق التستري، ثنا الفضل بن أبي صالح، ثنا عمرو بن حماد، ثنا أسباط بن نصر، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة رضي الله عنه، قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يبول، فسلمت عليه، فلم يرد علي. حتى دخل فتوضأ ثم رجع فقال: ((عليك السلام)).
هذا حديث حسن، أخرجه الطبراني في الكبير هكذا.
وأخرجه في الأوسط عن محمد بن أحمد بن أبي خيثمة عن الفضل.(1/211)
وقال: لا يروى عن جابر بن سمرة إلا بهذا الإسناد، تفرد به الفضل.
وقد أخرج مسلم عن عمرو بن حماد بهذا الإسناد حديثاً غير هذا.
وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه ابن عدي في الكامل بسند ضعيف.
وكذا حديث أبي هريرة.
وأخرج أبو يعلى عن عثمان رضي الله عنه أنه كان بالمقاعد فتوضأ فسلم عليه رجل، فلم يرد عليه حتى فرغ من وضوئه، ثم ذكر حديثاً مرفوعاً.
وقد ورد في الرخصة حديث صحيح.
وبالسند الماضي آنفاً إلى الإمام أحمد، ثنا هشيم، ثنا داود بن عمرو، ثنا أبو سلام -هو الدمشقي- حدثني من رأى النبي صلى الله عليه وسلم بال، ثم قرأ شيئاً من القرآن من قبل أن يمس ماء.
أخرجه أحمد بن منيع عن هشيم.
فوقع لنا موافقة عالية، والله أعلم.(1/212)
[[باب: ما يقول إذا خرج من الخلاء
يقول: غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني.
ثبت في الحديث الصحيح في سنن أبي داود والترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ((غفرانك)) وروى النسائي وابن ماجه باقيه.]]
(42)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً
حدثنا سيدنا ومولانا قاضي القضاة، شيخ الإسلام، إمام الحفاظ -أمتع الله بوجوده- إملاءً من حفظه، وقراءة من المستملي عليه كعادته في الثامن عشر من المحرم سنة ثمان وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
قوله: (باب: ما يقول إذا خرج من الخلاء يقول: غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني).
ثبت في الحديث الصحيح في سنن أبي داود والترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((غفرانك)).
وروى النسائي وابن ماجه باقيه).
قلت: هذا يوهم أنه حديث واحد اختصره بعضهم، وليس كذلك، بل(1/213)
قوله: غفرانك أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه كلهم عن عائشة.
والكلام الذي بعده أخرجه النسائي من حديث أبي ذر.
وابن ماجه من حديث أنس.
والأسانيد إلى الثلاثة متباينة.
فأما حديث عائشة:
فأخبرني أبو بكر بن إبراهيم بن محمد المقدسي، عن أبي عبد الله بن أبي الهيجاء، قال: أنا الحسن بن محمد التميمي، أنا عبد المعز بن محمد، أنا زاهر بن طاهر، أنا محمد بن عبد الرحمن، أنا أبو طاهر بن خزيمة، أنا جدي، ثنا أبو موسى محمد بن المثنى، ثنا يحيى بن أبي بكير، ثنا إسرائيل (ح).
وقرأته عالياً على أم الحسن التنوخية، عن سليمان بن حمزة، أنا محمد بن عبد الواحد المقدسي في كتابه، أنا إسماعيل بن علي الحمامي، أنا أبو مسلم الأصبهاني، أنا أبو بكر بن المقرئ، ثنا مأمون بن هارون، ثنا الحسين بن عيسى، ثنا أبو النضر - هو هاشم بن القاسم (ح).
وبالسند الماضي قريباً إلى الدارمي أنا مالك بن إسماعيل، قالا: ثنا إسرائيل -هو ابن يونس- عن يوسف بن أبي بردة -يعني: ابن أبي موسى- عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: ((غفرانك)).
هذا حديث حسن صحيح، أخرجه أحمد عن أبي النضر.(1/214)
والبخاري في الأدب المفرد عن مالك بن إسماعيل.
والبزار عن أبي موسى.
فوقع لنا موافقة عالية في الشيوخ الثلاثة.
وأخرجه أبو داود عن عمرو الناقد، عن أبي النضر.
والترمذي عن محمد بن إسماعيل وفي نسخة عن محمد بن حميد، عن مالك بن إسماعيل.
فوقع لنا بدلاً عالياً من الوجهين.
وأخرجه النسائي.
وابن ماجه.
وابن حبان.
والحاكم من طرق عن يحيى بن أبي بكير كما أخرجناه.
فمداره عند الجميع على إسرائيل بن يونس.
قال الدارقطني في ((الأفراد)): تفرد به إسرائيل عن يوسف، وتفرد به يوسف عن أبيه، وأبوه عن عائشة.
وقال البزار: لا نعلمه يروى عن عائشة إلا بهذا الإسناد.
وقال الترمذي: حسن غريب، ولا نعرف في الباب إلا حديث عائشة.
قلت: إن أراد هذا اللفظ بخصوصه ورد عليه حديث علي وبريدة. وقد قدمته في الباب الذي قبله، وإن أراد أعم من ذلك وردت عليه أحاديث أبي(1/215)
ذر وأنس وابن عمر وشواهدها، فلعله أراد ما يثبت، ووقع في المهذب بلفظ: ما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من الخلاء إلا قال: ((غفرانك)).
قال النووي في شرحه: أخرجه الأربعة عن عائشة، ولفظهم كلهم: كان إذا خرج من الغائط قال: ((غفرانك)) وبين اللفظين تفاوت.
قلت: قد أخرجه الترمذي بلفظ الخلاء، والنسائي بلفظ: ما خرج إلا، فاندفع الاعتراض.
وذكر ابن أبي حاتم في ((العلل)) أن حديث عائشة أصح شيء في هذا الباب.
وفيه إشارة إلى أنه ورد فيه غيره.
وأما حديث أبي ذر:
فقرأت على فاطمة بنت المنجا، عن أبي الربيع بن أبي طاهر، أنا إسماعيل بن ظفر، أنا أبو عبد الله الكراني، أنا محمد بن إسماعيل، أنا أحمد بن محمد الأصبهاني، أنا الطبراني، ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو نعيم، ثنا سفيان -هو الثوري- عن منصور -هو ابن المعتمر- عن أبي علي الأزدي، عن أبي ذر رضي الله عنه، أنه كان يقول إذا خرج من الخلاء: الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني.
هذا حديث حسن، أخرجه النسائي في اليوم والليلة من رواية محمد بن بشر، عن سفيان الثوري هكذا موقوفاً.
وأخرجه أيضاً من طريق شعبة عن منصور مرفوعاً وموقوفاً، لكن خالف(1/216)
في شيخ منصور فقال: عن أبي الفيض عن أبي ذر.
وأبو الفيض لا يعرف اسمه ولا حاله، ورجح أبو حاتم الرازي رواية سفيان على رواية شعبة. وهذا ينفي عنه الاضطراب، وقد مشى النووي على ظاهره، فقال في ((شرح التهذيب)): رواه النسائي بسند مضطرب، غير قوي.
قلت: أبو علي الأزدي ذكره ابن حبان في ثقات التابعين فقوي، ويزداد قوة بشاهده، ومن طريقة الشيخ تقديم المرفوع على الموقوف إذا تعارضا، فليكن ذلك هنا.
وأما حديث أنس:
فأخبرنا أبو الخير بن أبي سعيد المقدسي في كتابه، وقرأت على علي بن محمد الخطيب، كلاهما عن أحمد بن أبي طالب سماعاً، قال الثاني: فإن لم يكن فإجازة، عن أنجب بن أبي السعادات، أنا أبو زرعة الهمداني، أنا محمد بن الحسين، أنا القاسم بن أبي المنذر، أنا أبو الحسن بن سلمة، أنا أبو عبد الله بن ماجه، ثنا هارون بن إسحاق، ثنا المحاربي، ثنا إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، وقتادة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء، قال: ((الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني)).
هكذا أخرجه ابن ماجه، ورواته ثقات إلا إسماعيل، والله أعلم.(1/217)
[[وروينا عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: ((الحمد لله الذي أذاقني لذته، وأبقى في قوته، ودفع عني أذاه)) رواه ابن السني والطبراني.]]
(43)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم كثيراً.
حدثنا سيدنا ومولانا شيخ الإسلام، قاضي القضاة، إمام الحفاظ -أمتع الله بوجوده- إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء خامس [و] عشر [ين] من المحرم الحرام سنة تاريخه قال وأنا أسمع:
وجاء عن أنس حديث آخر يأتي في شواهد حديث ابن عمر، وله ولحديث أبي ذر شاهد من حديث حذيفة وأبي الدرداء أخرجه ابن أبي شيبة عنهما موقوفاً بلفظ حديث أبي ذر.
وأخرج البيهقي في حديث عائشة زيادة أورده من طريق إبراهيم بن عبد الله الأصبهاني عن ابن خزيمة بالإسناد الذي سمعته بلفظ قال: ((غفرانك ربنا وإليك المصير)) وأشار إلى أن هذه الزيادة وهم. ثم أخرج الحديث عن أبي عثمان الصابوني إجازة عن أبي طاهر بن خزيمة كما أخرجته بدون الزيادة.
قوله: (وروينا عن ابن عمر).(1/218)
وبالسند الماضي قريباً إلى الطبراني قال: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، قال: ثنا عبد الحميد بن صالح (ح).
وبه قال الطبراني: ثنا أحمد بن بشير بن أيوب، ثنا خالد بن مرداس، قالا: ثنا حبان بن علي، عن إسماعيل بن رافع، عن دويد بن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: ((الحمد لله الذي أذاقني لذته وأبقى في قوته ودفع عني أذاه)).
هذا حديث غريب، أخرجه المعمري في ((اليوم والليلة)).
وابن السني من طريق حبان بهذا الإسناد.
وهو بكسر المهملة وتشديد الموحدة، وفيه ضعف، وكذا في شيخه، وأما دويد فوثق، لكنه لم يسمع من ابن عمر، ففي السند ضعف وانقطاع.
لكن للحديث شواهد.
منها: عن عائشة:
أخبرني الشيخ أبو إسحاق التنوخي، عن أبي بكر بن حامد، أنا عبد الرحمن بن مكي، أنا الحافظ أبو طاهر السلفي، أنا محمد بن عبد السلام، أنا أبو القاسم الحرفي، أنا أبو بكر بن النجاد، ثنا أبو بكر بن أبي الدنيا، ثنا العباس بن جعفر، ثنا شاذ بن فياض، ثنا الحارث بن شبل، عن أم النعمان، قالت: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن نوحاً عليه السلام لم يقم عن خلاء قط إلا قال: الحمد لله الذي أذاقني لذته، وأبقى منفعته في جسدي، وأخرج عني أذاه)).
هذا حديث غريب، أخرجه المعمري.
والخرائطي في ((فضيلة الشكر)) من طريق الحارث بن شبل.(1/219)
وهو ضعيف، وقد أورده العقيلي.
وابن عدي فيما استنكر من حديثه.
وقد أخرج عبد الرزاق عن ابن جريج عن بعض أهل المدينة قال: حدثت أن نوحاً، فذكر نحوه.
وأخرجه ابن أبي شيبة عن هشيم عن العوام بن حوشب قال: حدثت أن نوحاً، فذكره.
ومنها: عن أنس، أخرجه ابن السني من رواية عبد الله بن محمد العدوي عن عبد الله الداناج عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: ((الحمد لله الذي أحسن إلي في أوله وآخره)).
والعدوي ضعيف.
ومنها: عن طاووس.
وبالسند المذكور آنفاً إلى الطبراني: ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو نعيم، ثنا زمعة بن صالح، عن سلمة بن وهرام، عن طاووس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر حديثاً في أدب الخلاء، وقال فيه: ((ثم ليقل إذا خرج: الحمد لله الذي أذهب عني ما يؤذيني، وأبقى علي ما ينفعني)).
قال الطبراني: لم نجد من وصل هذا الحديث.
قلت: وفيه مع إرساله ضعف من أجل زمعة.(1/220)
وقد أخرجه عبد الرزاق من وجه آخر عن زمعة.
ووهرام والد سلمة: بفتح الواو وسكون الهاء بعدها راء.
والداناج: بالدال المهملة ثم نون ثم جيم.
وشاذ بشين معجمة وذال معجمة مشددة، وهو لقب، واسمه هلال، وأبوه بفاء وتحتانية ثقيلة ثم معجمة.
والحرفي: بضم المهمة وسكون الراء بعدها فاء، اسمه: عبد الرحمن.(1/221)
[[باب: ما يقول على وضوئه
وجاء في التسمية أحاديث ضعيفة، ثبت عن أحمد بن حنبل رحمه الله أنه قال: لا أعلم في التسمية في الوضوء حديثاً ثابتاً. فمن الأحاديث:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه)) رواه أبو داود وغيره.]]
(44)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
ثم حدثنا شيخنا شيخ الإسلام قاضي القضاة، إمام الحفاظ -أمتع الله بوجوده- إملاء من حفظه وقراءة من المستملي عليه كعادته في ثاني صفر من شهور سنة ثمان وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
قوله: (باب ما يقول على وضوئه: إلى أن قال: وجاء في التسمية أحاديث ضعيفة، ثبت عن أحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه قال: لا أعلم في التسمية في الوضوء حديثاً ثابتاً).
قلت: لا يلزم من نفي العلم ثبوت العدم، وعلى التنزل لا يلزم من نفي(1/222)
الثبوت ثبوت الضعف، لاحتمال أن يراد بالثبوت الصحة، فلا ينتفي الحسن، وعلى التنزل لا يلزم من نفي الثبوت عن كل فرد نفيه عن المجموع.
وكلام الإمام أحمد جاء عنه من طرق في بعضها زيادة، أخرجه ابن عدي في الكامل عن أحمد بن حفص السعدي، قال: سئل الإمام أحمد عن التسمية في الوضوء؟ فقال: لا أعلم فيه حديثاً ثابتاً، أقوى شيء فيه حديث كثير بن زيد عن ربيح بن عبد الرحمن، وربيح ليس بالمعروف.
ونقل الخلال في ((العلل)) عن أبي بكر المروذي عن أحمد قال: ليس فيه شيء يثبت:
وأخرج الحاكم في ((المستدرك)) من طريق أبي بكر الأثرم قال: قال [أحمد]: أحسن شيء فيه حديث كثير بن زيد.
وقال إسحاق بن راهويه: أصح شيء فيه حديث كثير بن زيد.
قلت: وسيأتي الكلام على كثير وشيخه ربيح في حديث أبي سعيد الخدري.
ونقل الترمذي في ((الجامع)) عن أحمد نحو ما تقدم، وعن البخاري قال: أقوى شيء فيه حديث رباح بن عبد الرحمن.
قلت: وسيأتي الكلام عليه في حديث سعيد بن زيد، وليس هو ربيح بن عبد الرحمن المذكور أولاً.
قوله: (فمن الأحاديث حديث أبي هريرة، رواه أبو داود وغيره).(1/223)
قرأت على أم الحسن التنوخية، عن أبي الفضل بن قدامة، قال: أنا إسماعيل بن ظفر (ح).
وحدثنا الإمام حافظ الإسلام أبو الفضل بن الحسين رحمه الله إملاء، أنبأنا عبد الله بن محمد العطار مشافهة، أنا علي بن أحمد، قالا: أنا أبو عبد الله الكراني، قال الأول: سماعاً، والثاني: إجازة، قال: أنا محمود بن إسماعيل، أنا أبو الحسين الأصبهاني، أنا الطبراني في الدعاء، ثنا موسى بن هارون، ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا محمد بن موسى المخزومي، عن يعقوب بن سلمة الليثي، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه)).
هذا حديث غريب، أخرجه أحمد.
وأبو داود جميعاً عن قتيبة.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه الدارقطني عن أحمد بن كامل عن موسى بن هارون.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه ابن ماجه.
والدارقطني أيضاً من رواية محمد بن أبي فديك عن محمد بن موسى.
وأخرجه الحاكم في ((المستدرك)) من طريق محمد بن نعيم ومحمد بن(1/224)
شاذان والحسن بن سفيان. ثلاثتهم عن قتيبة، وصححه.
وتعقب بأنه وقع في روايته يعقوب بن أبي سلمة، فظنه الماجشون أحد رواة الصحيح فصححه لذلك، وهو خطأ، وإنما هو يعقوب بن سلمة لا ابن أبي سلمة، وهو شيخ قليل الحديث ما روى عنه من الثقات سوى محمد بن موسى، وأبوه مجهول، ما روى عنه سوى ابنه، وقد نقل الترمذي عن البخاري قال: لا يعرف ليعقوب سماع من أبيه، ولا لأبيه سماع من أبي هريرة.
قلت: وله شاهد من وجه آخر عن أبي هريرة.
أخبرني الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن قوام البالسي ثم الصالحي فيما قرأت عليه بها رحمه الله، أنا أبو بكر المغاري، أنا علي بن أحمد المقدسي، أنا أبو سعيد الصفار في كتابه، أنا الفضل بن محمد الأبيوردي، أنا أبو منصور النوقاني، أنا أبو الحسن الدارقطني، ثنا ابن صاعد، ثنا محمود بن محمد الظفري، ثنا أيوب بن النجار، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما توضأ من لم يسم، وما صلى من لم يتوضأ، وما آمن بي من لم يحبني، وما أحبني من لم يحب الأنصار)).
هذا حديث غريب، تفرد به الظفري، ورواته من أيوب فصاعداً مخرج لهم في الصحيح، لكن قال الدارقطني في الظفري: ليس بقوي، وقال يحيى بن معين: سمعت أيوب بن النجار يقول: لم أسمع من يحيى بن أبي كثير سوى حديث واحد، وهو حديث: ((احتج آدم وموسى)) فعلى هذا يكون في السند انقطاع، إن لم يكن الظفري دخل عليه إسناد في إسناد.
وجاء عن أبي هريرة من طرق أخرى مختلفة الألفاظ والمعاني.(1/225)
وبه إلى الدارقطني ثنا محمد بن مخلد، ثنا أبو بكر الزهيري، ثنا مرداس بن محمد، ثنا محمد بن أبان، ثنا أيوب بن عائذ، عن مجاهد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من توضأ فذكر اسم الله تطهر جسده كله، ومن توضأ فلم يذكر اسم الله لم يطهر سوى مواضع الوضوء)).
هذا حديث غريب، تفرد به مرداس، وهو من ولد أبي موسى الأشعري، ضعفه جماعة وذكره ابن حبان في الثقات وقال: يغرب، وينفرد.
قلت: وبقية رجاله ثقات، والله أعلم.
[[وروينا من رواية سعيد بن زيد وأبي سعيد وعائشة وأنس بن مالك وسهل بن سعد رضي الله عنهم، رويناها كلها في سنن البيهقي، وغيره، وضعفها كلها البيهقي وغيره.]]
(45)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
ثم حدثنا شيخنا سيدنا ومولانا قاضي القضاة، شيخ الإسلام، حافظ الوقت الشهابي العسقلاني، المشار إليه إملاء من لفظه وحفظه، وقراءة من المستملي عليه كعادته في يوم الثلاثاء تاسع صفر من شهور سنة ثمان وثلاثين(1/226)
وثمانمئة قال: وأنا أسمع:
وورد عن أبي هريرة في التسمية حديث آخر بصيغة الأمر.
أخبرني العماد أبو بكر بن إبراهيم الفرضي فيما قرأت عليه بالصالحية، وأبو الخير بن أبي سعيد المقدسي في كتابه، قالا: أنا أبو محمد عبد الله بن الحسين الأنصاري، قال أبو الخير: سماعاً، وقال أبو بكر إجازة إن لم يكن سماعاً، أنا إبراهيم بن خليل، أنا يحيى بن محمود، أنا أبو عدنان بن أبي نزار، وأم إبراهيم الأصبهانية، قالا: أنا أبو بكر بن عبد الله التاجر، أنا الطبراني، حدثنا أحمد بن مسعود الزنبري بمصر، [ثنا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي ثنا عمرو بن أبي سلمة، ثنا إبراهيم بن محمد البصري] عن علي بن ثابت، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (([يا أبا هريرة] إذا توضأت فقل بسم الله والحمد لله، فإن حفظتك لا تستريح تكتب لك الحسنات ما لم تحدث من ذلك الوضوء)).
وبه قال الطبراني: لم يروه عن علي بن ثابت، وهو أخو عزرة بن ثابت إلا إبراهيم، تفرد به عمرو.
قلت: عزرة بفتح المهملة وسكون الزاي من رجال الصحيح، وأخوه علي مجهول، والراوي عنه ضعيف.
والزنبري بفتح الزاي والموحدة بينهما نون ساكنة ثم راء.
قوله: (ورويناه من رواية سعيد بن زيد وأبي سعيد وعائشة وأنس وسهل بن سعد، رويناها كلها في سنن البيهقي وغيره، وضعفها كلها البيهقي وغيره).
أما حديث سعيد بن زيد، وهو أحد العشرة.
فقرأت على أم الحسن التنوخية بالسند الماضي غير مرة إلى الطبراني(1/227)
في الدعاء، ثنا معاذ بن المثنى، ثنا مسدد -واللفظ له- ثنا بشر بن المفضل، ثنا عبد الرحمن بن حرملة، عن أبي ثفال المري (ح).
وبه إلى الطبراني قال: وحدثنا عبد الله بن أحمد، ثنا شيبان بن فروخ، ثنا يزيد بن عياض، ثنا أبو ثفال، عن رباح بن عبد الرحمن، أنه سمع جدته -وفي رواية يزيد عن جدته- أنها سمعت أباها سعيد بن زيد رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه، ولا يؤمن بي من لا يحب الأنصار)).
هذا حديث غريب، أخرجه الترمذي عن نصر بن علي، عن بشر بن المفضل.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه ابن ماجه عن الحسن بن علي الخلال، عن يزيد بن هارون، عن يزيد بن عياض.
وأخرجه الدارقطني من طرق أخرى إلى أبي ثفال.
وهو بكسر المثلثة وتخفيف الفاء، واسمه ثمامة بن وائل بن حصين، ونسبه الترمذي إلى جده، وهو موثق.
وشيخه رباح بفتح الراء وتخفيف الموحدة وآخره مهملة، يكنى أبا بكر، وأبوه عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب بن عبد العزى، لجده حويطبٍ صحبة، وربما نسب أبو بكر إلى جده الأعلى حويطب، ولا نعرف عنه راوياً سوى أبي ثفال.(1/228)
وأما جدته فوقع في بعض طرقه أنها أسماء، وأن لها صحبة، فلم يبق في رجال الإسناد من يتوقف فيه سوى رباح، وقد تقدم النقل عن البخاري أن حديثه هذا أحسن أحاديث الباب.
وأما حديث أبي سعيد وهو الخدري.
فأخبرني به الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد، أنا أبو العباس بن أبي النعم، أنا عبد الله بن عمر بن علي، أنا أبو الوقت، أنا عبد الرحمن بن محمد، أنا عبد الله بن أحمد، أنا إبراهيم بن خزيم، ثنا عبد بن حميد، ثنا عبد الملك -هو ابن عمرو وأبو عامر العقدي- ثنا كثير بن زيد، عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه، عن جده رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه)).
هذا حديث حسن، أخرجه أحمد عن زيد بن الحباب، وأبي أحمد الزبيري، كلاهما عن كثير بن زيد.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه الترمذي.
والدارمي.
وابن ماجه.
والحاكم من طرق متعددة إلى كثير بن زيد، وهو صدوق.(1/229)
وربيح براء وموحدة ومهملة مصغر، مختلف فيه.
وسائر رواته من رجال الصحيح، وقد تقدم النقل عن أحمد أنه أحسن أحاديث الباب، وعن إسحاق أنه أصحها، وصححه الحاكم، وأخرج له حديث أبي هريرة المبدأ بذكره شاهداً.
وأما حديث عائشة.
وبالسند الماضي إلى الطبراني في الدعاء، قال: حدثنا الحسن بن العباس، ثنا سهل بن عثمان، ثنا يحيى بن زكريا، ثنا حارثة بن محمد، عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يقوم للوضوء يكفئ الإناء ويسمي الله، ثم يسبغ الوضوء.
هذا حديث غريب، أخرجه ابن ماجه عن أبي كريب، عن يحيى بن زكريا.
وأخرجه أحمد.
وإسحاق.
وابن أبي شيبة في مسانيدهم من طرق عن حارثة.
وهو بمهملة ومثلثة مدني، ضعفوه، ورواة الحديث غيره من رجال الصحيح، وقد نقل حرب الكرماني عن أحمد أنه نظر في كتاب إسحاق(1/230)
فقال: هذا يزعم أنه يخرج أصح أحاديث الباب، وقد بدأ بحديث حارثة -يعني هذا- وهو أضعف أحاديث الباب، والله أعلم.
(46)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أبداً
ثم حدثنا شيخنا ومولانا قاضي القضاة شيخ الإسلام إمام الحفاظ إملاء من حفظه، وقراءة من المستملي كعادته في سادس عشر صفر من شهور سنة ثمان وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
وأما حديث أنس فأخرجه عبد الملك بن حبيب في ((الواضحة)) بلفظ: ((لا إيمان لمن لا صلاة له، ولا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يسم)).
وهو ضعيف. ولأنس حديث آخر.
أخبرني أبو بكر بن إبراهيم بن أبي عمر، أنا محمد بن أحمد الحريري إجازة إن لم يكن سماعاً، أنا الحسن بن محمد الحافظ، أنا عبد المعز بن محمد، أنا زاهر بن طاهر، أنا أبو سعد النيسابوري، أنا أبو طاهر بن الفضل، أنا جدي أبو بكر بن إسحاق، ثنا محمد بن يحيى، وعبد الرحمن بن بشر، قالا: أنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن ثابت، وقتادة، عن أنس رضي الله عنه، قال: طلب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وضوءاً فلم يجدوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((هاهنا ماءٌ؟)) فأتي بماء، فوضع يده في الإناء الذي فيه الماء ثم قال: ((توضؤوا بسم الله)) فرأيت الماء يفور من بين أصابعه، صلى الله عليه وسلم.(1/231)
هذا حديث صحيح، أخرجه النسائي عن إسحاق بن إبراهيم، عن عبد الرزاق.
وأخرجه ابن حبان عن عبد الله بن محمد الأزدي، عن إسحاق.
وأخرجه البيهقي من طريق عبد الرزاق.
وقال: هذا أصح شيء ورد في التسمية، وتعقبه النووي بأنه غير صريح يعني لاحتمال أن يكون المعنى بقوله بسم الله الإذن في التناول، ولا يتم المراد إلا أن يكون المعنى: توضؤوا قائلين بسم الله.
وقد أخرج أحمد من حديث جابر قال: عطشنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتي بتور من ماء، فوضع يده فيه، فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأنها عيون، ثم قال: ((خذوا بسم الله .. .. )) الحديث.
وسنده صحيح، وأصله في الصحيح، وهذا يرد على أن قول بسم الله للتبرك، والعلم عند الله تعالى.
وأما حديث سهل بن سعد:
فقرأت على فاطمة بنت محمد بن أحمد الدمشقية بها، عن سليمان بن حمزة، أنا أبو عبد الله الحافظ، أنا أسعد بن سعيد، عن فاطمة الجوزذانية، سماعاً، قالت: أخبرنا محمد بن عبد الله، أنا سليمان بن أحمد، ثنا عبد الرحمن بن معاوية، ثنا عبيد الله بن المنكدري، ثنا محمد بن أبي فديك، عن أبي بن العباس بن سهل بن سعد، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم(1/232)
يذكر اسم الله عليه)).
هذا حديث غريب، أخرجه ابن ماجه من رواية عبد المهيمن بن العباس بن سهل بن سعد.
وعبد المهيمن ضعيف، وأخوه أبي الذي سقته من روايته أقوى منه.
وقد اقتصر الترمذي بعد تخريج حديث سعيد بن زيد على ذكر الخمسة الذين ذكرهم المصنف.
ووقع لي في الباب زيادة على ذلك، فورد فيه عن علي، وأبي سبرة، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر.
أما حديث علي فأخرجه أبو أحمد في الكامل من رواية عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن جده، عن علي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر نحو حديث سهل بن سعد، وضعفه.
وأما حديث أبي سبرة:
فقرأت على أم الفضل بنت إبراهيم بن إسحاق البعلبكية بدمشق، عن القاسم بن مظفر إجازة إن لم يكن سماعاً، وعن أبي نصر بن العماد في كتابه، كلاهما عن أبي الوفاء بن منده، أنا أبو الخير الباغبان، أنا أبو عمرو بن أبي عبد الله بن منده، أنا أبي، أنا أحمد بن محمد بن إبراهيم، ثنا(1/233)
الحسن بن محمد (ح).
وبالسند الماضي قبل إلى الطبراني في الدعاء، ثنا أحمد بن عبد الرحمن بن عقال -والسياق له- قالا: ثنا أبو جعفر النفيلي، ثنا يحيى بن عبد الله الأنيسي، عن عيسى بن سبرة، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر مثل حديث سهل سواء.
هذا حديث غريب، أخرجه أبو القاسم البغوي في كتاب ((الصحابة)) عن الصلت بن مسعود، عن يحيى بن عبد الله بن يزيد بن عبد الله بن أنيس به، وقال: عيسى منكر الحديث.
وأما حديث عبد الله بن مسعود، فأخرجه البيهقي من رواية الأعمش عن شقيق عنه مرفوعاً، ولفظه: ((إذا تطهر أحدكم فليذكر اسم الله، فإنه يطهر جسده كله، وإن لم يذكر أحدكم اسم الله، فإنه لا يطهر إلا ما مر عليه الماء)).
تفرد به يحيى بن هاشم الكوفي، عن الأعمش، وهو متروك الحديث، متفق على ضعفه.
وأما حديث ابن عمر فأخرجه البيهقي أيضاً من رواية عاصم بن محمد، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من توضأ فذكر اسم الله عليه كان طهوراً لجسده، ومن توضأ فلم يذكر اسم الله عليه لم يطهر إلا مواضع الوضوء منه)).
تفرد به أبو بكر الداهري، واسمه عبد الله بن حكيم، وهو متروك(1/234)
الحديث أيضاً، وقد تقدم في هذا المعنى حديث لأبي هريرة، وسنده ضعيف أيضاً.
قال أبو الفتح اليعمري: أحاديث الباب إما صريح غير صحيح، وإما صحيح غير صريح.
وقال ابن الصلاح: ثبت بمجموعها ما يثبت به الحديث الحسن، والله أعلم.
[[فصل: ويقول بعد الفراغ من الوضوء: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
روينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من توضأ فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء)) رواه مسلم في صحيحه.]]
(47)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
ثم حدثنا سيدنا ومولانا شيخ الإسلام، قاضي القضاة، إمام الحفاظ(1/235)
-أمتع الله بوجوده الأنام- إملاء من حفظه، وقراءة عليه من المستملي كعادته في ثالث عشر [ين] من صفر سنة ثمان وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
قوله: (فصل: ويقول بعد الفراغ من الوضوء: أشهد أن لا إله إلا الله .. إلى أن قال: روينا عن عمر، فذكر المتن المرفوع عنه، ثم قال: رواه مسلم، ورواه الترمذي فزاد فيه: ((اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المطهرين)) ).
أخبرني الشيخ أبو المعالي عبد الله بن عمر، أنا أبو العباس بن أبي الفرج، أنا أبو الفرج بن الصيقل، أنا أبو محمد بن أبي المجد، أنا أبو القاسم بن الحصين، أنا أبو علي التميمي، أنا أبو بكر القطيعي، ثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، ثنا أبو العلاء الحسن بن سوار، ثنا ليث -هو ابن سعد- ثنا معاوية -هو ابن صالح- عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، وعن أبي عثمان، عن جبير بن نفير، وعن عبد الوهاب بن بخت، عن الليث بن سليم، كلهم يحدث عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، قال: كنا نخدم أنفسنا، وكنا نتناوب رعية الإبل بيننا، فأدركتني رعية الإبل، فروحتها بعشي، فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم يحدث الناس، فأدركت من حديثه وهو يقول: ((ما منكم من أحدٍ يتوضأ فيبلغ الوضوء، ثم يركع ركعتين يقبل عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة وغفر له)) فقلت: ما أجود هذه، فقال رجل بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم: ((التي كان قبلها أجود منها، فنظرت فإذا عمر بن الخطاب، فقلت: ما هو يا أبا حفص؟ قال: إنه قال قبل أن تأتي: ((ما منكم من أحدٍ يتوضأ فيبلغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء)).(1/236)
وقرأته عالياً على أبي الفرج بن حماد، أن علي بن إسماعيل أخبرهم، أنا عبد اللطيف بن عبد المنعم، عن مسعود بن محمد، أنا الحسن بن أحمد، أنا أبو نعيم في المستخرج، ثنا أبو بكر الطلحي، ثنا عبيد بن غنام، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا زيد بن الحباب، ثنا معاوية بن صالح، فذكره بطوله، لكن لم يذكر في السند طريق عبد الوهاب، ولا كلام عقبة الأول، بل أول الحديث عنده عن عقبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكر المتن الأول، وكذا الثاني عن عمر بنحو قصته وقال فيهما: ((فيحسن الوضوء)) وقال في الثاني: ((وأشهد أن محمداً)).
وأخبرنيه عالياً بدرجة أخرى أبو الفرج بن حماد بهذا السند إلى أبي نعيم، أنا سليمان بن أحمد، ثنا أبو يزيد القراطيسي، وبكر بن سهل، قال الأول: ثنا أسد بن موسى، والثاني: ثنا عبد الله بن صالح، قالا: ثنا معاوية بن صالح، فذكره كرواية زيد بن الحباب.
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة.
وأبو داود عن عثمان بن أبي شيبة.
والترمذي عن جعفر بن محمد بن عمران.
والنسائي عن محمد بن علي بن محرز حرب أربعتهم عن زيد بن الحباب.(1/237)
فوقع لنا موافقة عالية من الطريق الثانية كرواية مسلم، وبدلاً عالياً للآخرين، وعالياً بدرجتين من الطريق الأخير.
وأخرجه مسلم من رواية عبد الرحمن بن مهدي.
وابن حبان من رواية عبد الله بن وهب كلاهما عن معاوية بن صالح بطوله.
فأما أبو داود فاقتصر على بعضه، وأما الترمذي فسقط من إسناده ذكر عقبة، وحديثه الأول، فصار من رواية أبي إدريس وأبي عثمان عن عمر، وزاد في المتن: ((اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين)) ثم قال: وفي الباب عن عقبة بن عامر، وأنس. قال: وقد خولف زيد بن الحباب في إسناده، فرواه عبد الله بن صالح وغيره عن معاوية بن صالح، وساق السند كرواية مسلم، ثم قال: وأبو إدريس لم يسمع من عمر.
قلت: الاختلاف والخطأ من شيخه جعفر بن محمد، فقد اتفق أبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة وغيرهما على روايته عن زيد بن الحباب على الصواب بإثبات عقبة بن عامر، وجبير بن نفير.
وأما رواية عبد الله بن صالح فقد سقتها، وأما رواية غيره فلعله يريد ابن مهدي وابن وهب أو هما معاً، وقد ذكرت من أخرجه من رواية كل منهما، وسقته أيضاً من رواية الليث عن معاوية بن صالح، والله أعلم.(1/238)
[[ورواه الترمذي وزاد فيه ((اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين)).]]
(48)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
ثم حدثنا سيدنا ومولانا شيخ الإسلام، قاضي القضاة، إمام الحفاظ -أمتع الله بوجوده الأنام- إملاء من حفظه، وقراءة من المستملي عليه كعادته في الأول من شهر ربيع الأول من شهور سنة ثمان وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
وأما رواية أسد بن موسى فأخرجها النسائي عن الربيع بن سليمان.
وابن خزيمة عن نصر بن مرزوق.
وأبو عوانة عن أبي العباس الغزي.
ثلاثتهم عن أسد.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه أبو عوانة أيضاً عن بحر بن نصر، عن ابن وهب بتمامه، وزاد(1/239)
في السند طريق عبد الله بن بخت كما في رواية الليث.
وللحديث طريق أخرى إلى عقبة.
أخبرني المحب محمد بن محمد بن محمد بن منيع الشبلي بالصالحية، أنا أبو بكر بن الرضي المقدسي، أنا أبو القاسم بن مكي في كتابه، أنا السلفي، أنا أبو ياسر الخياط، أنا أبو القاسم بن بشران، أنا أبو محمد الفاكهي، أنا أبو يحيى بن أبي ميسرة، ثنا المقرئ.
وأخبرني أبو العباس بن تميم الدمشقي بها، أنا أبو العباس بن نعمة، أنا أبو المنجا بن اللتي بالسند الماضي مراراً إلى الدارمي، ثنا عبد الله بن يزيد -هو المقرئ- ثنا حيوة بن شريح، أخبرني أبو عقل زهرة بن معبد، عن ابن عمه، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً يحدث أصحابه، فقال: ((من قام إذا استقلت الشمس فتوضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى ركعتين خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) قال عقبة: فقلت: الحمد لله الذي رزقني أن أسمع هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان تجاهي: أتعجب من هذا؟ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تأتي ما هو أعجب من هذا، فقلت: بأبي أنت وأمي ما قال؟ فقال: إنه قال: ((من توضأ فأحسن الوضوء، ثم رفع بصره -أو قال نظره- إلى السماء فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء)).
هذا حديث حسن من هذا الوجه، ولولا الرجل المبهم لكان على شرط البخاري، لأنه أخرج لجميع رواته من المقرئ فصاعداً إلا المبهم، ولم أقف على اسمه.(1/240)
أخرجه أحمد.
وأبو بكر بن أبي شيبة عن المقرئ.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه أبو داود عن الحسين بن عيسى البسطامي عن المقرئ.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه النسائي من رواية عبد الله بن المبارك، عن حيوة كذلك.
وأخرجه الطبراني في الدعاء من طريق ابن لهيعة، عن أبي عقيل قال: حدثني عمي عن عقبة فذكره.
وقال: حيوة عن أبي عقيل عن ابن عمه هو المعتمد، فقد تابعه على ذلك سعيد بن أبي أيوب عن أبي عقيل، وسعيد من رجال الصحيح أيضاً.
قوله: (ورواه الترمذي وزاد فيه اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين)) ).
قلت: لم تثبت هذه الزيادة في هذا الحديث، فإن جعفر بن محمد شيخ الترمذي تفرد بها، ولم يضبط الإسناد، فإنه أسقط بين أبي إدريس وبين عمر جبير بن نفير وعقبة، فصار منقطعاً، بل معضلاً، وخالفه كل من رواه عن معاوية بن صالح، ثم عن زيد بن الحباب.
وقد رواه عن زيد سوى من تقدم، ذكره موسى بن عبد الرحمن المسروقي، وحديثه عند النسائي. وأبو بكر الجعفي وعباس بن محمد(1/241)
الدوري، وحديثهما عند أبي عوانة، وأبو كريب محمد بن العلاء، وحديثه عند أبي نعيم في المستخرج فاتفاق الجميع أولى من انفراد الواحد.
وقد وجدت للزيادة شاهداً من حديث ثوبان.
أخبرنا أبو الحسن محمد بن علي بن محمد بن عقيل -رحمه الله- سماعاً عليه، أنا عبد الرحمن بن محمد بن عبد الحميد، أنا أحمد بن عبد الدائم، أنا يحيى بن محمود، أنا إسماعيل بن محمد الطلحي، أنا محمد بن الحسن بن سليم، أنا علي بن عمر بن إسحاق، أنا أحمد بن محمد بن إسحاق، أنا أحمد بن الحسن بن هارون، ثنا الحسين بن علي بن يزيد الصدائي، ثنا أبي، عن أبي سعد الأعور، عن أبي سلمة -هو ابن عبد الرحمن- عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من توضأ فأحسن الوضوء، ثم قال عند فراغه: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين فتح الله له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء)).
وقرأت عالياً بدرجتين على أم يوسف المقدسية، عن محمد بن عبد الحميد، أنا ابن عزون، أتنا فاطمة بنت سعد الخير، قالت: أنا فاطمة الجوزذانية، قالت: أنا ابن ريذة، أنا الطبراني، ثنا إدريس بن جعفر، ثنا شجاع بن الوليد، ثنا أبو سعد البقال، فذكر الحديث مختصراً.
أخرجه محمد بن سنجر في مسنده عن هارون بن سعيد، عن سعيد بن المرزبان -وهو أبو سعد البقال الأعور-.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأبو سعد ضعيف، وللحديث طريق أخرى عند الطبراني في الأوسط(1/242)
من رواية الأعمش عن سالم بن أبي الجعد، عن ثوبان بنحوه تامة بالزيادة والتقييد بالفراغ.
وسالم لم يسمع من ثوبان، والراوي له عن الأعمش ليس بالمشهور، والله أعلم.
[[وروى ((سبحانك اللهم وبحمدك)) إلى آخره: النسائي في اليوم والليلة وغيره بإسنادٍ ضعيف.]]
(49)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
ثم حدثنا سيدنا وشيخنا شيخ الإسلام، قاضي القضاة، إمام الحفاظ؛ إملاء كعادته في يوم الثلاثاء سابع (ثامن) ربيع الأول شهر سنة تاريخه قال وأنا أسمع:
وجاء عن علي رضي الله عنه.
وبالسند الماضي إلى الطبراني في الدعاء، ثنا أبو حصين محمد بن الحسين القاضي، ثنا أحمد بن يونس، ثنا عمرو بن ثابت، عن أبي إسحاق هو السبيعي - عن الحارث، عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول إذا فرغ من وضوئه: اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين.(1/243)
هذا موقوف ضعيف الإسناد.
ووجدت له شاهداً آخر مرفوعاً أخرجه جعفر المستغفري الحافظ في كتاب ((الدعوات)) من طريق سالم بن أبي الجعد عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من عبدٍ يقول إذا توضأ بسم الله، ثم قال لكل عضوٍ: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، ثم قال إذا فرغ من وضوئه: اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء)).
هذا حديث غريب، وفيه تعقب على المصنف في قوله في الفصل الذي قبل هذا أن التشهد بعد التسمية لم ترد.
قوله: (وروي ((سبحانك اللهم وبحمدك)) إلى آخره: النسائي في اليوم والليلة وغيره بإسناد ضعيف).
قلت: هذا قد يوهم أن الزيادة في حديث عقبة عن عمر كما في الذي قبله، وليس كذلك، بل هي حديث مستقل عن أبي سعيد الخدري، وسنده مغاير لسند عقبة في جميع رواته.
وأما وصف الإسناد بالضعف ففيه نظر لما سأذكره.
أخبرني أبو الحسن علي البالسي، أنا أبو الفرج بن قدامة، أنا أبو العباس النابلسي، أنا أبو الفرج الثقفي، أنا أبو القاسم التيمي، أنا محمد بن الحسن، أنا علي بن عمر، أنا أحمد بن محمد -هو ابن السني- أخبرني أبو عروبة -هو الحسين بن محمد الحراني- ثنا المسيب بن واضح، ثنا يوسف بن أسباط، ثنا سفيان -هو الثوري- (ح).
وبالسند الماضي إلى الطبراني في الدعاء ثنا أحمد بن عمرو البزار، وعبدان بن أحمد -هو الأهوازي- قال: ثنا يحيى -هو ابن محمد بن(1/244)
السكن- ثنا يحيى بن كثير أبو غسان العنبري، ثنا شعبة (ح).
وبه إلى الطبراني ثنا محمد بن عبد الله، ثنا يحيى بن عبد الحميد، ثنا قيس بن الربيع، كلهم عن أبي هاشم الرماني -بضم الراء وتشديد الميم- واسمه يحيى -عن أبي مجلز- بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام بعدها زاي واسمه لاحق بن حميد -عن قيس بن عبادٍ- بضم المهملة وتخفيف الموحدة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((من قال إذا توضأ: بسم الله، وإذا فرغ قال: سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك ختم عليها بخاتمٍ -وفي رواية قيس طبع عليها بطابعٍ- فوضعت تحت العرش فلم تكسر إلى يوم القيامة)).
وليس في رواية شعبة والثوري ذكر التسمية، بل عندهما فأسبغ الوضوء.
هذا حديث صحيح الإسناد من طريق شعبة.
أخرجه النسائي عن يحيى بن محمد بن السكن بهذا الإسناد.
فوقع لنا موافقة عالية.
وقال بعد تخريجه: هذا خطأ، ثم أخرجه عن بندار، عن غندر، عن شعبة به موقوفاً.
وأخرجه أيضاً عن سويد بن نصر، عن ابن المبارك، عن الثوري موقوفاً أيضاً.
وقال: الصواب موقوف.
وقد وقع لنا من رواية شعبة والثوري موقوفاً أيضاً بعلو.(1/245)
وبه إلى الطبراني ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنا عبد الرزاق، عن الثوري، به موقوفاً.
وبه إلى الطبراني ثنا محمد بن محمد التمار، ثنا عمرو بن مرزوق، ثنا شعبة، به موقوفاً.
قال الطبراني: لم يروه عن شعبة مرفوعاً إلا يحيى بن كثير.
قلت: وهو ثقة من رجال الصحيحين، وكذا من فوقه إلى الصحابي، وأما شيخ النسائي فهو ثقة أيضاً من شيوخ البخاري، ولم ينفرد به.
فقد أخرجه الحاكم من وجه آخر عن يحيى بن كثير، فالسند صحيح بلا ريب.
وإنما اختلف في رفع المتن ووقفه، فالنسائي جرى على طريقته في الترجيح بالأكثر والأحفظ، فلذلك حكم عليه بالخطأ.
وأما على طريقة المصنف تبعاً لابن الصلاح وغيره فالرفع عندهم مقدم؛ لما مع الرافع من زيادة العلم.
وعلى تقدير العمل بالطريقة الأخرى فهذا مما لا مجال للرأي فيه، فله حكم الرفع، والله أعلم.
[[وروينا في سنن الدارقطني عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من توضأ ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله قبل أن يتكلم، غفر له ما بين الوضوءين)) إسناده ضعيف.(1/246)
وروينا في مسند أحمد بن حنبل وسنن ابن ماجه وكتاب ابن السني من رواية أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال ثلاث مراتٍ: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فتحت له ثمانية أبواب الجنة من أيها شاء دخل)) إسناده ضعيف.
وروينا تكرير شهادة أن لا إله إلا الله ثلاث مرات في كتاب ابن السني، من رواية عثمان بن عفان رضي الله عنه بإسناد ضعيف.
قال الشيخ نصر المقدسي: ويقول مع هذه الأذكار: اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، ويضم إليه: وسلم.]]
(50)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه وسلم كثيراً.
ثم حدثنا سيدنا ومولانا قاضي القضاة شيخ الإسلام، إمام الحفاظ أمتع الله بوجوده- إملاء من حفظه كعادته في باكورة يوم الثلاثاء خامس عشر ربيع الأول من شهور سنة ثمان وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
وقد رواه موقوفاً أيضاً أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه عن وكيع، عن الثوري.
وكذا سعيد بن منصور في السنن عن هشيم، عن أبي هاشم.
وأخرجه البيهقي في الشعب من طريق يحيى بن كثير، ومن طريق عبد الصمد بن عبد الوارث، كلاهما عن شعبة مرفوعاً.(1/247)
وقال: رفعه هذان عن شعبة، ووقفه معاذ بن معاذ.
قوله: (وروينا في سنن الدارقطني عن ابن عمر إلى آخره).
قرأت على أبي عبد الله محمد بن محمد بن محمد البالسي، وعلى ابنة عمه عائشة بنت أبي بكر، كلاهما عن أبي بكر بن أحمد بن عبد الرزاق سماعاً عليه، أنا أبو الحسن علي بن أحمد المقدسي، عن عبد الله بن عمر الصفار، أنا الفضيل بن محمد، أنا أبو منصور محمد بن أحمد، أنا الدارقطني، ثنا الحسين بن إسماعيل، ثنا سعيد بن محمد الحصري، ثنا الربيع بن سلمان الحضرمي، ثنا صالح بن عبد الجبار، وعبد الحميد بن صبيح، قالا: ثنا محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني، عن أبيه، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من توضأ فغسل كفيه ثلاثاً -الحديث إلى أن قال- ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله قبل أن يتكلم غفر له ما بين الوضوءين)).
هذا حديث غريب.
قال الدارقطني بعد تخريجه: تفرد به ابن البيلماني، وهو ضعيف جداً.
قلت: اتفقوا على ضعفه، وأشد ما رأيت فيه قول ابن عدي: كل ما يرويه ابن البيلماني فالبلاء فيه منه، وذكر أنه كان يضع الحديث، وأنه كان يسرق الحديث، وقد رواه مرة أخرى، فخالف في الصحابي.
أخرجه الدارقطني بالسند المذكور إليه سوى عبد الحميد بن صبيح: عن عثمان بدل ابن عمر.
وأخرجه أبو يعلى.(1/248)
والطبراني في الدعاء من طريق محمد بن الحارث الحارثي، عن محمد بن البيلماني كذلك.
قال العقيلي: روى صالح بن عبد الجبار ومحمد بن الحارث عن ابن البيلماني مناكير.
قوله: (وروينا في مسند أحمد بن حنبل إلى آخره).
قرأت على أم الحسن بنت المنجا بالسند الماضي إلى الطبراني في الدعاء، ثنا محمد بن النضر، ثنا معاوية بن عمرو، ثنا زائدة (ح).
وبه إلى الطبراني ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو نعيم، قالا: ثنا عمرو بن عبد الله بن وهب، عن زيد العمي، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال ثلاث مراتٍ: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء)).
هذا حديث غريب، أخرجه أحمد عن معاوية بن عمرو.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه ابن ماجه عن محمد بن يحيى عن أبي نعيم.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وله طريق أخرى عند ابن ماجه.(1/249)
وأبي يعلى.
وابن السني.
والطبراني.
ومدارها على عمرو -وهو صدوق- عن زيد العمي -وهو بفتح المهملة وتشديد الميم- بصري ضعيف عند الجمهور.
وقد رواه ولده عبد الرحيم عنه، فخالف في السند قال: عن أبيه عن معاوية بن قرة عن أبيه فذكره مطولاً، وليس فيه التكرار. وعبد الرحيم ضعيف أيضاً.
قوله: (وروينا تكرير شهادة أن لا إله إلا الله ثلاث مرات في كتاب ابن السني من رواية عثمان بن عفان بإسناد ضعيف).
قلت: أخرجه من طريقه عمرو بن ميمون بن مهران الجزري، عن أبيه، عن جده قال: كنت عند عثمان بن عفان رضي الله عنه، فحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال حين يفرغ من وضوئه: أشهد أن لا إله إلا الله ثلاث مراتٍ لم يقم حتى يمحى عنه ذنوبه حتى يصير كما ولدته أمه)).
والراوي له عن عمرو ما عرفته، وعمرو وأبوه ثقتان، وجده مهران ذكره البغوي وابن السكن في الصحابة، وأخرج له من رواية سليمان بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن سوار، عن عمرو، عن أبيه، عن جده حديثين.
وبهذا السند أخرج ابن السني الحديث المذكور من طريق سليمان المذكور، ولكن شيخ ابن السني فيه عبد الله بن محمد بن جعفر، هو القزويني راوي مصر، وقد اتهم بوضع الحديث.(1/250)
قوله: (قال الشيخ نصر المقدسي: ويقول مع هذه الأذكار: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، ويضم إليه وسلم).
قلت: لم يصرح بكونه حديثاً، وأظن قوله: ويضم، من كلام الشيخ المصنف.
وقد ورد في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الوضوء شيء.
قرأت على أبي الحسن بن أبي بكر الحافظ، أن محمد بن إسماعيل أخبرهم، أنا أبو الحسن بن البخاري، عن منصور بن عبد المنعم، أن محمد بن إسماعيل أخبرهم، أنا أحمد بن الحسين الحافظ، ثنا محمد بن موسى، ثنا أبو عبد الله الصفار، ثنا أحمد بن مهران، ثنا يحيى بن هاشم أبو زكريا، ثنا الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا تطهر أحدكم فليذكر اسم الله .. الحديث، وفيه: ((وإذا فرغ من طهوره فليشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وليصل علي، فإذا قال ذلك فتحت له أبواب الرحمة)).
وأخبرني عالياً عبد الله بن عمر بن علي، أنا أحمد بن كشتغدى، أنا أبو الفرج بن الصيقل، أنا أبو أحمد بن سكينة، أنا أبو القاسم بن الحصين، أنا أبو طالب بن غيلان، ثنا أبو بكر الشافعي، ثنا محمد بن غالب، ثنا يحيى بن هاشم به مختصراً.
هذا حديث غريب، أخرجه أبو أحمد بن عدي في ((الكامل)) عن محمد بن الحسين بن علي عن محمد بن خلف عن يحيى بن هاشم.
فوقع لنا عالياً جداً من الطريق الثانية.
قال البيهقي بعد تخريجه: يحيى بن هاشم متروك، ولا أعلم رواه غيره.(1/251)
قلت: بل تابعه محمد بن جابر اليمامي عن الأعمش، أخرجه أبو الشيخ في كتاب ((الثواب)) من طريقه مقتصراً على أواخره، وفيه المقصود.
ومحمد بن جابر أصلح حالاً من يحيى بن هاشم، والله أعلم.
[[قال أصحابنا: ويقول هذه الأذكار مستقبل القبلة، ويكون عقب الفراغ.]]
(51)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراًً
ثم حدثنا سيدنا ومولانا شيخ الإسلام، قاضي القضاة، إمام الحفاظ -أمتع الله بوجوده الأنام- إملاء من حفظه وقراءة على (من) المستملي كعادته في يوم الثلاثاء ثاني عشر ربيع الأول من شهور سنة ثمان وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
وتابعه عمرو بن شمرٍ -بكسر المعجمة وسكون الميم- الجعفي الكوفي، أخرجه الإسماعيلي في جمعه حديث الأعمش من طريق سعيد بن عثمان، عن عمرو بن شمر، عن الأعمش كرواية محمد بن جابر، وعمرو متروك، متهم بالوضع.
وقد ورد في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الوضوء أيضاً ما:
أخبرني عبد الله بن عمر بن علي، عن زينب بنت أحمد بن عبد الرحيم، قالت: أنا يوسف بن خليل الحافظ في كتابه، أنا محمد بن إسماعيل(1/252)
الطرسوسي، ومحمد بن أبي زيد، ومحمد بن أحمد بن نصر، قالوا: أنا محمود بن إسماعيل زاد الثالث: وابن عدنان بن أبي نزار، قال الأول: أنا أبو بكر بن عبد الله بن شاذان، والثاني: أنا أبو القاسم بن أبي بكر بن علي، قالا: أنا أبو بكر بن محمد القباب، ثنا أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم، ثنا دحيم -هو عبد الرحمن بن إبراهيم الحافظ- ثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، عن عبد المهيمن بن العباس بن سهل بن سعد الساعدي، عن أبيه، عن جده، رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا وضوء لمن لم يصل علي)).
هذا حديث غريب، ولفظ المتن أغرب، وعبد المهيمن ضعيف، والمحفوظ عنه: هذا الإسناد ((لا صلاة إلا بوضوءٍ، ولا وضوءٍ لمن لم يذكر اسم الله عليه)).
أخرجه ابن ماجه.
وأخرجه الطبراني من طريق أبي بن العباس، وهو أخو عبد المهيمن وتقدم ذلك واضحاً في المجلس السادس والأربعين من هذا التخريج.
وقد أخرج الطبراني أيضاً هذا الحديث عن إبراهيم بن دحيم عن أبيه كراوية ابن أبي عاصم.
وقد ذكر الشيخ في ((شرح المهذب)) لفظ الشيخ نصر، فقال قال الشيخ نصر: ويقول مع ذلك: صلى الله على محمد وعلى آل محمد، فصح ما ظننته أن قوله ويضم إليه من كلام المصنف، وكأنه ظن أن مستند الشيخ نصر أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مطلوبة في الدعاء، والذكر المذكور مشتمل على الدعاء فتشرع فيه، ويحتمل أن يكون مستند الشيخ نصر ورود الأمر بالصلاة عليه في حديث ابن مسعود الذي ذكرته، وقد علم صلى الله عليه وسلم من سأله عن كيفية الصلاة عليه، اللهم صل وسلم على(1/253)
محمد وعلى آل محمد، فلذلك لم يذكر السلام، والعلم عند الله تعالى.
ووجدت لحديث علي الذي أوردته في المجلس التاسع والأربعين طريقاً أخرى، أخرجه سعيد بن منصور في ((السنن)) عن أبي معن.
وأبو بكر بن أبي شيبة في ((مصنفه)) عن عبد الله بن نمير وعبد الله بن داود.
ثلاثتهم عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن علي رضي الله عنه، وهؤلاء من رجال الصحيح، لكن سالم لم يلق علياً، فيكون منقطعاً، فإذا انضم إلى تلك الطريق الضعيفة قويت.
وستأتي له طريق أخرى مرفوعة في الفصل الذي بعد هذا.
ووجدت لحديث أبي سعيد المذكور قبل طريقاً أخرى مرفوعة.
أخبرني أبو العباس أحمد بن الحسن المقدسي، أنا أبو العباس أحمد بن منصور الجوهري، قال: قرئ على فاطمة بنت علي بن القاسم بن عساكر ونحن نسمع، عن عمر بن محمد بن معمرٍ سماعاً، قال: أنا هبة الله بن محمد بن عبد الواحد، أنا أبو طالب بن غيلان، أنا أبو إسحاق بن محمد بن يحيى، ثنا أبو الأزهر، ثنا إسماعيل بن بشر بن منصور، ثنا عيسى بن شعيب، ثنا روح بن القاسم، عن أبي هاشم الرماني، عن أبي مجلز، عن قيس بن عباد، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال حين يفرغ من وضوئه: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، كتب في رق وطبع بطابعٍ ووضع تحت العرش حتى تدفع إليه يوم القيامة)).
قال الدارقطني بعد تخريجه في فوائد المزكي: تفرد به عيسى بن شعيب عن روح بن القاسم.
قلت: وعيسى صدوق، نقل ذلك البخاري عن الفلاس.(1/254)
وأما ابن حبان فذكره في الضعفاء، وساق من رواية حجاج بن ميمون عنه شيئاً أنكره، وحجاج ضعيف. فإلصاق الوهم به أولى.
ووجدت لحديث ابن عمر الماضي طريقاً أخرجها ابن ماجه عن طريق عبد الرحيم بن زيد، عن أبيه، عن معاوية بن قرة، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من توضأ ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله قبل أن يتكلم غفر له ما بين الوضوءين)).
وسنده مع ضعف عبد الرحيم وأبيه منقطع بين معاوية وابن عمر، قاله أبو زرعة الرازي.
قوله: (قال أصحابنا: ويقول هذه الأذكار مستقبل القبلة، ويكون عقب الفراغ).
قلت: أما الاستقبال فلم أر فيه شيئاً صريحاً يختص به، وقد نقل الروياني أنه يقول رافعاً بصره إلى السماء، وقد تقدم ذلك في حديث عمر، وفي حديث ثوبان: ((السماء قبلة الدعاء)) فلعل ذلك مراد من أطلق.
وأما الفراغ فقد ورد صريحاً في معظم أحاديث الباب، والله أعلم.
[[فصل: وأما الدعاء على أعضاء الوضوء فلم يجيء فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال الفقهاء: يستحب فيه دعوات جاءت عن السلف، وزادوا ونقصوا فيها، فالمتحصل مما قالوه أنه يقول بعد التسمية: الحمد لله الذي جعل الماء طهوراً، ويقول عند المضمضة: اللهم اسقني من حوض نبيك كأساً لا أظمأ بعده أبداً،(1/255)
ويقول عند الاستنشاق: اللهم لا تحرمني رائحة نعيمك وجناتك، ويقول عند غسل الوجه: اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوهٌ وتسود وجوه، ويقول عند غسل اليدين: اللهم أعطني كتابي بيميني، اللهم لا تعطني كتابي بشمالي، ويقول عند مسح الرأس: اللهم حرم شعري وبشري على النار، وأظلني تحت عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، ويقول عند مسح الأذنين: اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ويقول عند غسل الرجلين: اللهم ثبت قدمي على الصراط. والله أعلم.]]
(52)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
ثم حدثنا سيدنا ومولانا وشيخنا شيخ الإسلام، قاضي القضاة، إمام الحفاظ -أمتع الله بوجوده- إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء تاسع عشر [ين] شهر ربيع الأول سنة تاريخه قال وأنا أسمع:
قوله: فصل: وأما الدعاء على أعضاء الوضوء فلم يجئ فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم .. إلى آخره:
قلت: كرر ذلك بنحوه في كثير من كتبه، فقال في ((التنقيح)): ليس فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال في ((الروضة)): لا أصل له، ولم يذكره الشافعي والجمهور، يعني: الحديث الذي أورده الرافعي تبعاً للغزالي.(1/256)
وقال في ((شرح المهذب)) متعقباً على مصنفه حيث أورده: لا أصل له، ولا ذكره المتقدمون.
وقال في ((المنهاج)): وحذفت دعاء الأعضاء إذ لا أصل له.
وقد تعقبه صاحب ((المهمات)) فقال: ليس كذلك، بل روي من طرق.
منها عن أنس رواه ابن حبان في ((تاريخه)) في ترجمة عباد بن صهيب.
وقد قال أبو داود: إنه صدوق قدري.
وقال أحمد: ما كان بصاحب كذب.
قلت: لو لم يرد فيه إلا هذا لمشى الحال، ولكن بقية ترجمته عند ابن حبان. كان يروي المناكير عن المشاهير حتى يشهد المبتدئ في هذه الصناعة أنها موضوعة، وساق منها هذا الحديث، ولا تنافي بين قوله وقول أحمد وأبي داود، لأنه مجمع بأنه كان لا يتعمد، بل يقع ذلك في روايته من غلطه وغفلته؛ ولذلك تركه البخاري والنسائي وأبو حاتم الرازي وغيرهم، وأطلق عليه ابن معين الكذب.
وقال زكريا الساجي: كانت كتبه ملأى من الكذب.
فهذا شأن هذا الحديث من هذه الطريق.
وقد روي عن علي بن أبي طالب من طرق، منها ما:
أنبأ أبو علي محمد بن أحمد بن عبد العزيز مشافهة غير مرة، عن سليمان بن أبي طاهر، قال: أنا الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن الأزهر في كتابه، أنا أبو بكر أحمد بن سعيد بن أحمد الصباغ، أنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد بن عمر، أنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن إسحاق بن منده، أنا علي بن مقرن بن عبد العزيز، أنا الحسين بن علي بن(1/257)
محمد، أنا أبو العباس أحمد بن أبي أحمد الطبري، أنا أحمد بن هاشم، أنا عبد الأعلى بن واصل، ثنا محمود بن العباس، ثنا المغيث بن بديل، عن خارجة بن مصعب، عن يونس بن عبيد، عن الحسن -هو البصري- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم ثواب الوضوء فقال: ((يا علي إذا قدمت وضوءك فقل بسم الله العظيم، الحمد لله الذي هدانا للإسلام، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، فإذا غسلت فرجك فقل: اللهم حصن فرجي، واجعلني من الذين إذا أعطيتهم شكروا، وإذا ابتليتهم صبروا، فإذا تمضمضت فقل: اللهم أعني على تلاوة ذكرك، فإذا استنشقت فقل: اللهم ريحني رائحة الجنة، فإذا غسلت وجهك فقل: اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوهٌ وتسود وجوهٌ، فإذا غسلت ذراعك اليمنى فقل: اللهم أعطني كتابي بيميني يوم القيامة وحاسبني حساباً يسيراً، فإذا غسلت ذراعك اليسرى فقل: اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا من وراء ظهري، فإذا مسحت برأسك فقل: اللهم تغشني برحمتك، فإذا مسحت بأذنيك فقل: اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، فإذا غسلت رجليك فقل: اللهم اجعله سعياً مشكوراً وذنباً مغفوراً وعملاً مقبولاً، سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، والملك قائمٌ على رأسك يكتب ما تقول، ثم يختمه بخاتمٍ، ثم يعرج به إلى السماء، فيضعه تحت عرش الرحمن، فلا يفك ذلك الخاتم إلى يوم القيامة)).
هذا حديث غريب، أخرجه أبو القاسم بن منده في كتاب: الوضوء.
وأخرجه المستغفري في ((الدعوات)) من وجه آخر عن محمود بن العباس بهذا الإسناد، ومن طريق الحسين بن الحسن المروزي عن مغيث بن بديل به.
وأخرجه أبو منصور الديلمي في ((مسند الفردوس)) من طريق أحمد بن(1/258)
عبد الله عن مغيث، ورواته معروفون، لكن الحسن عن علي منقطع، وخارجة بن مصعب تركه الجمهور، وكذبه ابن معين.
وقال ابن حبان: كان يدلس على الكذابين أحاديث رووها عن الثقات على الثقات الذين لقيهم، فوقعت الموضوعات في روايته.
ومن طرقه عن علي ما أخرجه المستغفري أيضاً من طريق أبي مقاتل سليمان بن محمد بن الفضل، عن أحمد بن مصعب عن حبيب بن أبي حبيب، عن أبي إسحاق، عن علي، فذكر نحوه بتمامه إلا اليسير منه، وزاد بعد قوله: ((وذنباً مغفوراً: وتجارةً لن تبور)) وفي آخره: ((ورفع رأسه إلى السماء فقال: الحمد لله الذي رفعها بغير عمدٍ)).
وسليمان ضعيف، وشيخه تبين لي من كلام الخطيب في ((المتفق والمفترق)) أنه نسب إلى جد أبيه، وهو أحمد بن محمد بن عمرو بن مصعب يكنى أبا بشر، وكان من الحفاظ، لكنه متهم بوضع الحديث.
ومنها ما أخرجه أبو القاسم بن عساكر في أماليه من طريق أبي جعفر المرادي، عن محمد بن الحنفية، قال: دخلت على والدي علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فإذا عن يمينه إناء من ماء، فسمى الله، ثم سكب على يده، ثم استنجى فقال: اللهم حصن فرجي، واستر عورتي، ولا تشمت بي عدوي، وذكر باقي الحديث، وزاد في المضمضة: اللهم لقني حجتي، وفي اليدين: اللهم أعطني كتابي بيميني، والخلد بشمالي، ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي، وفي مسح الرأس: اللهم لا تجمع بين ناصيتي وقدمي، وفي الرجلين: اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزول الأقدام، اللهم نجني من مفظعات النيران وأغلالها.
وفي سند أصرم بن حوشب وقد وصف بأنه كان يضع الحديث.(1/259)
وله طريق رابعة عن علي أخرجها الحارث بن أبي أسامة في مسنده من رواية جعفر الصادق، عن أبيه، عن جده عنه.
وفي سنده حماد بن عمرو النصيبي، وقد وصف أيضاً بأنه كان يضع الحديث، ولم يحضرني سياق لفظه الآن، والله أعلم.
[[وقد روى النسائي وصاحبه ابن السني في كتابيهما ((عمل اليوم والليلة)) بإسناد صحيح عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء، فتوضأ، فسمعته يدعو ويقول: ((اللهم اغفر لي ذنبي، ووسع لي في داري، وبارك لي في رزقي)) فقلت: يا نبي الله! سمعتك تدعو بكذا وكذا، قال: ((وهل تركن من شيءٍ؟)) ترجم ابن السني لهذا الحديث؛ باب ما يقول بين ظهراني وضوئه. وأما النسائي فأدخله في باب: ما يقول بعد فراغه من وضوئه، وكلاهما محتمل.]]
(53)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ثم حدثنا سيدنا ومولانا شيخ الإسلام، قاضي القضاة، إمام الحفاظ -أمتع الله بوجوده الأنام- إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء سابع شهر ربيع الآخر من شهور سنة ثمان وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع:(1/260)
أخبرني أبو هريرة بن الحافظ أبي عبد الله الذهبي إجازة غير مرة، عن القاسم بن المظفر. إذناً إن لم يكن سماعاً، أنا أبو الحسن بن المقير مشافهة، أنا أبو الكرم الشهرزوري مكاتبة، عن أبي الحسين بن المهتدي بالله، عن علي بن عمر الحافظ، قال: كتب إلينا أبو حاتم محمد بن حبان قال: روى عباد بن صهيب، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي: ((يا أنس ادن مني أعلمك مقادير الوضوء)) قال: فدنوت منه، فلما أن غسل يديه قال: ((بسم الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله)) فلما أن استنجى قال: ((اللهم حصن لي فرجي ويسر لي أمري)) فلما أن تمضمض واستنشق قال: ((اللهم لقني حجتي، ولا تحرمني رائحة الجنة)) فلما أن غسل وجهه قال: ((اللهم بيض وجهي يوم تبيض الوجوه)) فلما أن غسل ذراعيه قال: ((اللهم أعطني كتابي بيميني)) فلما أن مسح يده على رأسه قال: ((اللهم تغشنا برحمتك وجنبنا عذابك)) فلما أن غسل قدميه قال: ((اللهم ثبت قدمي يوم تزول الأقدام)) ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا أنس والذي نفسي بيده ما من عبدٍ قالها عند وضوئه إلا لم يقطر من خلل أصابعه قطرةٌ إلا خلق الله منها ملكاً يسبح الله بسبعين لساناً، يكون ثواب ذلك التسبيح له إلى يوم القيامة)).
وبه إلى ابن حبان قال: حدثناه يعقوب بن إسحاق، ثنا أحمد بن هاشم الخوارزمي، عن عباد.
هكذا أخرجه ابن حبان في ترجمة عباد من جملة ما أنكره عليه، والراوي له عن عباد ضعيف أيضاً.
فالحاصل أن طرقه كلها لا تخلو من متهم بوضع الحديث، وأقربها رواية خارجة بن مصعب، فإذا انضمت بعض ألفاظه إلى بعض حصل منها(1/261)
زيادة على ما ذكر المصنف أنه محصل ما قال الفقهاء.
وقد ذكر بعض الفقهاء زيادة أيضاً على ما قال المصنف، ففي كتاب ((الذخائر)) لمجلي عند المضمضة: ((اللهم أعني على تلاوة القرآن والذكر)) وعند الاستنشاق: ((اللهم أجرني من روائح أهل النار)) وعند غسل الوجه: ((اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه أوليائك، وتسود وجوه أعدائك)) وعند غسل اليد اليمنى: ((اللهم اجعلني من أصحاب اليمين)) وعند اليسرى: ((اللهم لا تجعلني من أصحاب الشمال)).
وفي ((البحر)) للروياني عند السواك: ((اللهم بيض به أسناني وشد به لثاتي، وبارك لي فيه يا أرحم الراحمين)).
قوله: ((وورد في النسائي وصاحبه ابن السني في كتابيهما عمل اليوم والليلة بإسناد صحيح عن أبي موسى إلى آخره).
أخبرني أبو المعالي بن عمر السعردي، أنا أبو العباس أحمد بن محمد بن عمر، أنا عبد اللطيف بن عبد المنعم، أنا عبد الله بن أحمد بن أبي المجد، أنا هبة الله بن محمد بن عبد الواحد، أنا الحسن بن علي الواعظ، أنا أحمد بن جعفر بن حمدان، ثنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا عبد الله بن محمد، قال عبد الله بن أحمد: وسمعته أنا من عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، قال: ثنا معتمر بن سليمان، ثنا عباد بن عباد -يعني ابن أخضر- عن أبي مجلز، عن أبي موسى الأشعري، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ فصلى وقال: ((اللهم اغفر لي ذنبي ووسع لي في داري وبارك لي في رزقي)).
أخرجه النسائي عن محمد بن عبد الأعلى، عن معتمر.
فوقع لنا بدلاً عالياً.(1/262)
وأخرجه الطبراني عن عبد بن غنام، عن أبي بكر بن أبي شيبة.
وأخرجه ابن السني عن النسائي.
ووقع في روايته: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بوضوء فتوضأ فسمعته يدعو، فذكره، وقال في آخره: قلت: يا نبي الله لقد سمعتك تدعو بكذا وكذا، فقال: ((وهل تركن من شيءٍ؟)).
وروينا هذه الزيادة في الطبراني الكبير من رواية مسدد وعارم والمقدمي كلهم عن معتمر، ووقع في روايتهم فتوضأ ثم صلى، ثم قال .. .. وهذا يدفع ترجمة ابن السني حيث قال: ((باب ما يقول بين ظهراني وضوئه)) لتصريحه بأنه قاله بعد الصلاة، ويدفع احتمال كونه بين الوضوء والصلاة.
وأما حكم الشيخ على الإسناد بالصحة ففيه نظر؛ لأن أبا مجلز لم يلق سمرة بن جندب ولا عمران بن حصين فيما قاله علي بن المديني، وقد تأخرا بعد أبي موسى، ففي سماعه من أبي موسى نظر، وقد عهد منه الإرسال ممن لم يلقه، ورجال الإسناد المذكور رجال الصحيح إلا عباد بن عباد، وهو ثقة. والله أعلم.(1/263)
[[باب: ما يقول إذا توجه إلى المسجد
وقد قدمنا ما يقوله إذا خرج من بيته إلى أي موضع خرج، وإذا خرج إلى المسجد فيستحب أن يضم إلى ذلك:
ما رويناه في صحيح مسلم، في حديث ابن عباس رضي الله عنهما في مبيته في بيت خالته ميمونة رضي الله عنها، ذكر الحديث في تهجد النبي صلى الله عليه وسلم قال: فأذن المؤذن، يعني الصبح، فخرج إلى الصلاة وهو يقول: ((اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي لساني نوراً، واجعل في سمعي نوراً، واجعل في بصري نوراً، واجعل من خلفي نوراً، ومن أمامي نوراً، واجعل من فوقي نوراً ومن تحتي نوراً، اللهم أعطني نوراً)).
وروينا في كتاب ابن السني عن بلال رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى الصلاة قال: ((باسم الله، آمنت بالله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم بحق السائلين عليك، وبحق مخرجي هذا فإني لم أخرجه أشراً ولا بطراً ولا رياءً ولا سمعةً، خرجت ابتغاء مرضاتك، واتقاء سخطك، أسألك أن تعيذني من النار وتدخلني الجنة)) حديث ضعيف أحد رواته الوازع بن نافع العقيلي، وهو متفق على ضعفه وأنه منكر الحديث.(1/264)
وروينا في كتاب ابن السني معناه من رواية عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعطية أيضاً ضعيف.]]
(54)
بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر المجلس الرابع والخمسين من تخريج أحاديث نتائج الأفكار إلى تخريج أحاديث الأذكار.
ثم حدثنا شيخنا ومولانا شيخ الإسلام، قاضي القضاة، إمام الحفاظ، إملاء من حفظه، وقراءة من المستملي الشيخ برهان الدين حسن في يوم الثلاثاء رابع عشر ربيع الآخر سنة تاريخه.
قوله: (باب ما يقول إذا توجه إلى المسجد)
ذكر فيه حديث ابن عباس:
أخبرني أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد الغزي رحمه الله، أنا أبو الحسن علي بن إسماعيل المخزومي، أنا أبو الفرج بن عبد المنعم، قال: كتب إلينا أبو الحسن الجمال بأصبهان، أنا أبو علي الحداد، أنا أبو نعيم، ثنا أبو محمد بن حيان، ثنا محمد بن يحيى -يعني ابن منده- قال: ثنا أبو كريب، ثنا محمد بن فضيل، عن حصين -هو ابن عبد الرحمن- عن حبيب بن أبي ثابت، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: رقدت عند النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل وقراءته الآيات من آخر سورة آل عمران، وفيه: ثم أتاه المؤذن فخرج وهو يقول: ((اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي سمعي نوراً،(1/265)
وفي لساني نوراً، وعن يميني نوراً، وعن يساري نوراً، ومن أمامي نوراً، ومن خلفي نوراً، وأعظم لي نوراً)).
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم عن واصل بن عبد الأعلى.
وأبو داود عن عثمان بن أبي شيبة.
وابن خزيمة عن هارون بن إسحاق.
ثلاثتهم عن محمد بن فضيل.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
ووقع في رواية مسلم ((من فوقي ومن تحتي)) بدل ((عن يميني وعن يساري)) ووقع عنده أيضاً ((وأعطني)) بدل ((وأعظم لي)).
وكذا أخرجه أبو داود من رواية هشيم عن حصين، لكن قال: ((وأعظم لي)).
واختلف الرواة على علي بن عبد الله وعلى سعيد بن جبير وغيرهما عن ابن عباس في محل هذا الدعاء، هل هو عند الخروج إلى الصلاة، أو قبل الدخول في صلاة الليل، أو في أثنائها، أو عقب الفراغ منها، ويجمع بإعادته.
وقد أوضحت ذلك في ((فتح الباري)).
قوله: ((وروينا في كتاب ابن السني عن بلال).
وبالسند الماضي إلى ابن السني مراراً ثنا عبد الله بن محمد البغوي، ثنا الحسن بن عرفة، ثنا علي بن ثابت الجزري، عن الوازع بن نافع، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، عن بلال رضي الله عنه مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى الصلاة قال: ((بسم الله، آمنت بالله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم إني(1/266)
أسألك بحق السائلين عليك وبحق مخرجي هذا، فإني لم أخرجه أشراً ولا بطراً، ولا رياءً ولا سمعةً، خرجت ابتغاء مرضاتك، واتقاء سخطك، أسألك أن تعيذني من النار وتدخلني الجنة)).
هذا حديث واهٍ جداً، أخرجه الدارقطني في ((الأفراد)) من هذا الوجه، وقال: تفرد الوازع به. وقد نقل المصنف أنه متفق على ضعفه، وأنه منكر الحديث.
قلت: والقول فيه أشد من ذلك.
قال يحيى بن معين والنسائي: ليس بثقة.
وقال أبو حاتم وجماعة: متروك.
وقال الحاكم: روى أحاديث موضوعة.
وقال ابن عدي: أحاديثه كلها غير محفوظة.
قلت: وقد اضطرب في هذا الحديث، وأخرجه أبو نعيم في ((اليوم والليلة)) من وجه آخر عنه فقال: عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن بلال، ولم يتابع عليه أيضاً.
قوله: (وروينا في كتاب ابن السني معناه من رواية عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعطية أيضاً ضعيف).
قلت: ضعف عطية إنما جاء من قبل التشيع، ومن قبل التدليس، وهو في نفسه صدوق، وقد أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأخرج له أبو داود عدة أحاديث ساكتاً عليها، وحسن له الترمذي عدة أحاديث، بعضها من أفراده، فلا يظن أنه مثل الوازع.
قرأت على فاطمة بنت محمد بن أحمد بن محمد بن عثمان الدمشقية بها، عن أبي الفضل بن أبي طاهر، قال: أنا إسماعيل بن ظفر، أنا محمد بن(1/267)
أبي زيد، أنا محمد بن إسماعيل، أنا أبو الحسين بن فاذشاه، أنا الطبراني في كتاب الدعاء، ثنا بشر بن موسى، ثنا عبد الله بن صالح -هو العجلي- ثنا فضيل بن مرزوق، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا خرج الرجل من بيته إلى الصلاة، فقال: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا، فإني لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا رياءً ولا سمعةً، خرجت اتقاء سخطك، وابتغاء مرضاتك، أسألك أن تنقذني من النار، وأن تغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، وكل الله به سبعين ألف ملكٍ، يستغفرون له، وأقبل الله عليه بوجهه حتى يقضي صلاته)).
هذا حديث حسن، أخرجه أحمد عن يزيد بن هارون عن فضيل بن مرزوق.
وأخرجه ابن ماجه عن محمد بن يزيد بن إبراهيم التستري، عن الفضل بن موفق.
وأخرجه ابن خزيمة في كتاب ((التوحيد)) من رواية محمد بن فضيل بن غزوان ومن رواية أبي خالد الأحمر.(1/268)
وأخرجه أبو نعيم الأصبهاني من رواية أبي نعيم الكوفي.
كلهم عن فضيل بن مرزوق.
وقد رويناه في كتاب ((الصلاة)) لأبي نعيم، وقال في روايته عن فضيل عن عطية قال: حدثني أبو سعيد، فذكره، لكن لم يرفعه، وقد أمن بذلك تدليس عطية.
وعجبت للشيخ كيف اقتصر على سوق رواية بلال دون أبي سعيد، وعلى عزو رواية أبي سعيد لابن السني دون ابن ماجه وغيره، والله الموفق.(1/269)
[[باب: ما يقوله عند دخول المسجد والخروج منه
روينا عن أبي حميد أو أبي أسيد رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك)) رواه مسلم في صحيحه وأبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم بأسانيد صحيحة، وليس في رواية مسلم ((فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم)) وهو في رواية الباقين.]]
(55)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ثم حدثنا سيدنا ومولانا شيخ الإسلام، قاضي القضاة، إمام الحفاظ -أمتع الله بوجوده- إملاء من حفظه وقراءة من مستملي الأمالي رضوان الله عليه في يوم الثلاثاء حادي عشر [ي ربيع الآخر] سنة تاريخه قال وأنا أسمع:
قوله: (باب ما يقول عند دخول المسجد والخروج منه):
ذكر فيه أحاديث:(1/270)
الحديث الأول:
أخبرني الشيخ أبو محمد عبد الله بن عمر بن علي، أنا محمد بن أحمد بن خالد، أنا أحمد بن إسحاق، أنا المبارك بن أبي الجود، أنا أحمد بن أبي غالب، أنا عبد العزيز بن علي الأنماطي، أنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص (ح).
وأخبرني عالياً الشيخ أبو محمد بن أحمد بن المبارك، أنا يونس بن إبراهيم بن عبد القوي، عن أبي الحسن بن المقير إجازة إن لم يكن سماعاً، أنا أبو القاسم نصر بن نصر، أنا أبو القاسم علي بن البسري، أنا المخلص ثنا يحيى بن محمد بن صاعد، ثنا سوار بن عبد الله العنبري (ح).
وبالسند الماضي قريباً إلى أبي نعيم ثنا فاروق بن عبد الكبير، ثنا أبو مسلم، ثنا مسدد، قالا: ثنا بشر بن المفضل، عن عمارة بن غزية (ح).
وقرأت على الشيخ أبي إسحاق التنوخي، عن إسماعيل بن يوسف القيسي، أنا أبو المنجا بن اللتي، أنا أبو الوقت، أنا أبو الحسن الداودي، أنا أبو محمد السرخسي، أنا عيسى بن عمر، أنا أبو محمد الدارمي، ثنا يحيى بن حسان، ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي (ح).
وأخبرنا أبو هريرة بن الذهبي، وفاطمة بنت محمد بن عبد الهادي، إجازة من الأول، وقراءة على الأخرى، قالا: ثنا يحيى بن محمد بن سعد، قال الأول: سماعاً والأخرى: إجازة، أنا الحسن بن يحيى، أنا عبد الله بن رفاعة، أنا علي بن الحسن، أنا عبد الرحمن بن عمر، أنا محمد بن جعفر بن كامل [ثنا] يحيى بن أيوب، ثنا سعيد بن أبي مريم (ح).
وأخبرني إبراهيم بن محمد الدمشقي بمكة، أنا أحمد بن أبي طالب، أنا أبو المنجا بن اللتي، بالسند الماضي إلى الدارمي ثنا عبد الله بن مسلمة - يعني: القعنبي (ح).
وبالسند الماضي إلى أبي نعيم، ثنا جعفر بن محمد بن عمرو، قال:(1/271)
ثنا أبو حصين الوادعي، ثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني، قال الثلاثة ابن أبي مريم والقعنبي والحماني: ثنا سليمان بن بلال، ثلاثتهم -وهم عمارة بن غزية والدراوردي وسليمان- عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن عبد الملك بن سعيد الأنصاري، عن أبي حميد أو أبي أسيد - وفي رواية عبد العزيز عن ربيعة عن عبد الملك بن سعيد بن سويد، قال: سمعت أبا حميد أو أبا أسيد يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم افتح لي أبواب فضلك)).
زاد سوار وعبد العزيز في روايتهما في أوله: ((فليسلم ثم ليقل)).
وزاد عبد العزيز: ((فليسلم على النبي)) صلى الله عليه وسلم.
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم عن حامد بن عمر عن بشر بن المفضل، وعن يحيى بن يحيى النيسابوري عن سليمان بن بلال.
وأخرجه أبو داود عن محمد بن عثمان الدمشقي، عن عبد العزيز الدراوردي.
فوقع لنا بدلاً عالياً في الطرق الثلاثة.
قال مسلم: سمعت يحيى بن يحيى يقول: كتبته من كتاب سليمان بن بلال.
قال: بلغني أن يحيى الحماني يقول -يعني عن سليمان بسنده المذكور- عن أبي حميد وأبي أسيد - يعني أن الحماني رواه بواو العطف، وأن يحيى بن يحيى رواه بأو التي للتردد، ولم ينفرد الحماني بذلك، فقد(1/272)
أخرجه أحمد عن أبي عامر العقدي عن سليمان بواو العطف أيضاً.
وكذا أخرجه النسائي.
وأبو يعلى.
وابن حبان من رواية سليمان.
ولم ينفرد به سليمان أيضاً، بل جاء من رواية عمارة بن غزية أيضاً.
وبالسند الماضي آنفاً إلى الطبراني في الدعاء ثنا زكريا بن يحيى الساجي، ثنا أحمد بن سعيد، ثنا عبد الله بن وهب، أخبرني يحيى بن عبد الله بن سالم، عن عمارة بن غزية، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، قال: سمعت عبد الملك بن سعيد يقول: سمعت أبا حميدة وأبا أسيد رضي الله عنهما يقولان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج من المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليقل: اللهم افتح لي أبواب فضلك)).
وهكذا أخرجه أبو عوانة في صحيحه عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب.
وأخرجه ابن ماجه من رواية إسماعيل بن عياش، عن عمارة بن غزية، لكن قال: عن أبي حميد، ولم يذكر أبا أسيد.
وأخرجه أبو عوانة أيضاً من رواية عبد العزيز بن عبد الله الأويسي، عن الدراوردي، فقال في روايته: عن أبي حميد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا دخل(1/273)
المسجد: ((اللهم افتح لي أبواب رحمتك وسهل لي أبواب رزقك)).
وأخرجه أبو عوانة أيضاً من صالح بن عبد الرحمن عن سعيد بن أبي مريم كما أخرجه أولاً.
فوقع لنا بدلاً عالياً أيضاً، والله أعلم.
[[زاد ابن السني في روايته ((وإذا خرج فليسلم على النبي وليقل: اللهم أعذني من الشيطان الرجيم)) وروى هذه الزيادة ابن ماجه وابن خزيمة وأبو حاتم ابن حبان -بكسر الحاء- في صحيحيهما.
وروينا عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دخل المسجد يقول: ((أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم. قال: أقط؟ قلت: نعم. قال: فإذا قال ذلك قال الشيطان: حفظ مني سائر اليوم)) حديث حسن رواه أبو داود بإسناد جيد.]]
(56)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ثم حدثنا سيدنا ومولانا شيخ الإسلام، قاضي القضاة، إمام الحفاظ(1/274)
-أمتع الله بوجوده الأنام- إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء ثامن عشرين ربيع الآخر تاريخه قال وأنا أسمع:
قوله: (زاد ابن السني في روايته).
قلت: هذه الزيادة ليست عند المذكورين ولا غيرهم من حديث أبي حميد، ولا أبي أسيد على ما يوهمه كلامه، وإنما هي في حديث أبي هريرة.
وبالسند الماضي إلى الطبراني قريباً في ((الدعاء)) قال: حدثنا موسى بن هارون، ثنا إسحاق بن راهويه (ح).
وبه إلى الطبراني قال: حدثنا زكريا الساجي، ثنا بندار -هو محمد بن بشار- قالا: ثنا أبو بكر الحنفي، ثنا الضحاك بن عثمان، ثنا سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج من المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل: اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم)).
أخرجه النسائي في اليوم والليلة.
وابن ماجه.
وابن خزيمة جميعاً عن بندار.
وأخرجه ابن حبان عن عبد الله بن محمد بن إسحاق بن راهويه.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه ابن السني عن النسائي.(1/275)
وأخرجه أيضاً من رواية عمرو بن علي الفلاس عن أبي بكر الحنفي.
وأخرجه يوسف القاضي في كتاب ((الدعاء)) من رواية حميد بن الأسود عن الضحاك.
وأخرجه الحاكم من طريق أبي بكر الحنفي، وقال: صحيح على شرط الشيخين.
ووقع في رواية النسائي: ((باعدني)) وفي نسخة: ((أعذني)) وهي رواية ابن نافع، وابن السني.
وفي رواية ابن خزيمة وابن حبان ((أجرني)). ورجال هذا الحديث من رجال الصحيح، لكن أعله النسائي، فأخرجه من طريق محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن كعب الأحبار أنه قال له: أوصيك باثنتين، فذكر هذا الحديث بنحوه.
ومن طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن كعب كذلك.
قال النسائي: ابن أبي ذئب أثبت عندنا من الضحاك بن عثمان ومن محمد بن عجلان، وحديثه أولى بالصواب.
قلت: ورواية ابن عجلان أخرجها عبد الرزاق.
وابن أبي شيبة في مصنفيهما كذلك.
وأخرجه عبد الرزاق عن أبي معشر عن سعيد المقبري: أن كعباً قال(1/276)
لأبي هريرة فذكره.
فهؤلاء ثلاثة خالفوا الضحاك في رفعه، وزاد ابن أبي ذئب في السند راوياً، وخفيت هذه العلة على من صحح الحديث من طريق الضحاك.
وفي الجملة هو حسن لشواهده، والله أعلم.
قوله: (وروينا عن عبد الله بن عمرو).
أخبرني أبو علي محمد بن أحمد البزاز، أنا يوسف بن عمر، أنا الحافظ أبو محمد المنذري، أنا عمر بن محمد البغدادي بدمشق، أنا مفلح بن أحمد، أنا الحافظ أبو بكر بن ثابت الخطيب (ح).
قال شيخنا: وأخبرنا عالياً يونس بن أبي إسحاق إجازة إن لم يكن سماعاً، أنا أبو الحسن بن المقير مشافهة، أنا الفضل بن سهل مكاتبة، عن الخطيب، أنا القاسم بن جعفر بن عبد الواحد، أنا محمد بن أحمد بن عمرو، ثنا سليمان الأشعث، ثنا إسماعيل بن بشر بن منصور، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن عبد الله بن المبارك، عن حيوة بن شريح، قال: لقيت عقبة بن مسلم فقلت له: بلغني أنك حدثت عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا دخل المسجد: ((أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم)) قال: أقط؟ قلت: نعم قال: ((فإذا قال ذلك قال الشيطان حفظ مني سائر اليوم)).
هذا حديث حسن غريب، ورجاله موثقون، وهم من رجال الصحيح إلا إسماعيل وعقبة.
ومعنى قوله: أقط: أما بلغك إلا هذا خاصة، والهمزة للاستفهام، والمشهور في طاء قط التخفيف، والله أعلم.(1/277)
[[وروينا في كتاب ابن السني، عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد قال: ((باسم الله، اللهم صل على محمدٍ، وإذا خرج قال: باسم الله اللهم صل على محمدٍ)). وروينا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند دخول المسجد والخروج منه من رواية ابن عمر أيضاً.
وروينا في كتاب ابن السني، عن عبد الله بن الحسن عن أمه عن جدته، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد حمد الله تعالى وسمى وقال: ((اللهم اغفر لي وافتح لي أبواب رحمتك)). وإذا خرج قال مثل ذلك، وقال: ((اللهم افتح لي أبواب فضلك)).]]
(57)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم قال شيخنا المشار إليه إملاء كعادته في يوم الثلاثاء خامس جمادى الأولى شهر تاريخه وأنا أسمع.
قوله: ((وروينا في كتاب ابن السني عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد قال: ((بسم الله، اللهم صلى على محمدٍ)) وإذا خرج قال: ((بسم الله، اللهم صل على محمدٍ)).
قلت: أخرجه عن الحسين بن موسى الرسعني، قال: ثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي، ثنا إبراهيم بن محمد البختري -شيخ صالح بغدادي- ثنا عيسى بن يونس، عن معمر، عن الزهري، عن أنس.(1/278)
ورواته من عيسى فصاعداً من رجال الصحيح، ولكن لا يعرف عن واحد منهم.
والحسين لينه الحاكم أبو أحمد، وشيخه صدوق تكلم فيه بعضهم، وشيخه ما عرفته، ولا وجدته في تاريخ الخطيب ولا ذيوله.
قوله: (وروينا الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في القول عند دخول المسجد والخروج منه من رواية ابن عمر أيضاً).
قلت: لم يذكر من خرجه، وهو فيما:
قرئ على فاطمة بنت محمد المقدسية بالصاحلية ونحن نسمع، عن أبي نصر محمد بن محمد بن محمد الفارسي، قال: أنا أبو محمد بن بنيمان في كتابه، أنا الحسن بن أحمد الحافظ، أنا الحسن بن أحمد المقرئ، أنا أحمد بن عبد الله الحافظ، أنا سليمان بن أحمد، ثنا محمد بن جعفر الإمام، ثنا الحسين بن علي بن جعفر الأحمر، ثنا إسماعيل بن صبيح، ثنا سالم بن عبد الأعلى، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: علم النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنهما إذا دخل المسجد أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: ((اللهم اغفر لنا ذنوبنا وافتح لنا أبواب رحمتك)) وإذا خرج مثل ذلك لكن يقول: ((افتح لنا أبواب فضلك)).
قال سليمان: لم يروه عن نافع إلا أبو الفيض، تفرد به إسماعيل.
قلت: أبو الفيض كنية سالم المذكور، ولم ينفرد به إسماعيل، فقد أخرجه ابن السني من رواية الوليد بن القاسم عن سالم بن عبد الأعلى.
وسالم المذكور ضعيف جداً.
قال فيه ابن حبان: كان يضع الحديث.
وقد روينا الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الموطن في بعض طرق(1/279)
حديث أبي هريرة عند النسائي.
وفي حديث فاطمة كما سأذكره بعد هذا، وهو أقوى ما ورد فيه، وإن كان فيه مقال أيضاً.
قوله: (وروينا في كتاب ابن السني عن عبد الله بن الحسن عن أمه عن جدته .. إلى آخره).
أخبرنا أبو العباس أحمد بن أبي بكر بن عبد الحميد المقدسي في كتابه من صالحية دمشق، أنا محمد بن علي بن ساعد في كتابه من مصر، أنا يوسف بن خليل الحافظ سماعاً عليه بحلب، قال: قرأنا على أبي عبد الله الكراني بأصبهان، قال: أنا محمد بن إسماعيل، أنا أحمد بن محمد بن فاذشاه، أنا الطبراني، ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا إبراهيم بن يوسف الصيرفي، ثنا سعير بن الخمس، عن عبد الله بن الحسن، عن أمه، عن جدتها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد حمد الله وسمى وقال: ((اللهم اغفر لي وافتح لي أبواب رحمتك)) وإذا خرج قال مثل ذلك وقال: ((اللهم افتح أبواب فضلك)).
هذا حديث حسن أخرجه ابن السني عن موسى بن الحسن الكوفي عن إبراهيم بن يوسف، ووقع في روايته عن جدته كما قال الشيخ، وفيه تجوز، لأنها جدته العليا، وهو عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، ففاطمة عليها السلام جدة أبيه وجدة أمه أيضاً، لأن أمه هي فاطمة بنت الحسين بن علي رضي الله عنهم.
وسعير الراوي له عن عبد الله بمهملات مصغر، وأبوه بكسر الخاء المعجمة وسكون الميم بعدها مهملة.
ورجال هذا السند ثقات، لكن فيه انقطاع سيأتي بيانه.(1/280)
ورويناه من وجه آخر عن عبد الله بن الحسن بزيادة الصلاة فيه.
وبالسند الماضي مراراً إلى الإمام أحمد حدثنا إسماعيل بن إبراهيم -هو المعروف بابن علية- ثنا ليث -هو ابن أبي سليم- عن عبد الله بن الحسن، عن أمه فاطمة بنت الحسين، عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم ثم قال: ((اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك)) وإذا خرج صلى على محمد وسلم ثم قال: ((اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك)).
قال إسماعيل: فلقيت عبد الله بن الحسن، فسألته عن هذا الحديث؟ فقال: كان إذا دخل قال: ((رب افتح لي أبواب رحمتك)) وإذا خرج قال: ((رب افتح لي أبواب فضلك)).
وهكذا أخرجه الترمذي عن علي بن حجر، عن إسماعيل بن علية.
وأخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن إسماعيل وأبي معاوية كلاهما عن ليث، ولم يذكر قول إسماعيل: فلقيت عبد الله بن الحسن.
قال الترمذي: حديث فاطمة حسن، وليس إسناده بمتصل، وفاطمة بنت الحسين لم تدرك جدتها فاطمة الكبرى، لأنها عاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم أشهراً.
قلت: وكان عمر الحسين عند موت أمه رضي الله عنها دون ثماني سنين، والله أعلم.(1/281)
[[وروينا فيه عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أحدكم إذا أراد أن يخرج من المسجد تداعت جنود إبليس وأجلبت واجتمعت كما تجتمع النحل على يعسوبها، فإذا قام أحدكم على باب المسجد فليقل: اللهم إني أعوذ بك من إبليس وجنوده، فإنه إذا قالها لم يضره)) اليعسوب: ذكر النحل، وقيل أميرها.]]
(58)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا سيدنا ومولانا قاضي القضاة، شيخ الإسلام، إمام الحفاظ -أمتع الله بوجوده الأنام- إملاء من حفظه وقراءة من المستملي بعد الإملاء كعادته، وذلك في يوم الثلاثاء ثاني عشر جمادى الأولى من شهور سنة ثمان وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
وقد وقع لنا الحديث المذكور من الوجه الأول بزيادة فيه.
أخبرني أبو المعالي الأزهري، أنا أبو عبد الله الفارقي، أنا أبو المعالي الفرافي، أنا المبارك بن أبي الجود، أنا أبو العباس بن الطلاية، أنا أبو القاسم الأنماطي، أنا أبو طاهر المخلص، ثنا أبو محمد بن صاعد، ثنا إبراهيم بن يوسف، ثنا سعير بن الخمس، عن عبد الله بن الحسن، عن أمه، عن جدته -وهي فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم- قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد حمد الله وسمى وصلى على محمد، الحديث.(1/282)
ووقع لنا ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث من وجه آخر.
قرأت على أم الحسن بنت المنجا، عن سليمان بن حمزة، أنا الحافظ أبو عبد الله المقدسي، أنا أبو جعفر الصيدلاني، أنا أبو علي المقرئ، أنا أحمد بن عبد الله الحافظ، أنا سليمان بن أحمد، أنا إسحاق بن إبراهيم، عن عبد الرزاق، عن قيس بن الربيع، عن عبد الله بن الحسن، عن أمه، فاطمة بنت الحسين، عن فاطمة الكبرى قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد قال: ((اللهم صل على محمدٍ وسلم، واغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك)) وإذا خرج قال مثلها، لكنه يقول: ((أبواب فضلك)).
ووقع لنا من وجه آخر فيه الحمد والتسمية والصلاة والتسليم.
أخبرني أبو العباس بن أبي بكر بن قدامة الصالحي في كتابه، قال: قرئ على أبي الفضل بن أبي طاهر ونحن نسمع، عن الحسن بن السيد علي بن الحسين الهاشمي، أنا الحافظ أبو الفضل بن ناصر، أنا أبو طاهر بن أبي الصقر، أنا أبو البركات بن نظيف، أنا الحسن بن رشيق، أنا أبو بشر الدولابي، ثنا محمد بن عوف، ثنا موسى بن داود، ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن عبد الله بن الحسن، عن أمه فاطمة بنت الحسين، عن فاطمة عليها السلام، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد قال: ((بسم الله والحمد لله وصلى الله على النبي وسلم، اللهم اغفر لي)) فذكر مثل الذي قبله، لكن قال: ((سهل)) بدل ((افتح)) في الموضعين.
ورواة هذا الإسناد ثقات إلا أن فيه الانقطاع الذي تقدم ذكره.(1/283)
وقد شذ صالح بن موسى الطلحي فرواه عن عبد الله بن الحسن عن أمه، عن أبيها الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب.
أخرجه أبو يعلى من طريقه، وصالح ضعيف.
قوله: (وروينا فيه عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أحدكم إذا أراد أن يخرج من المسجد .. .. )) الحديث).
قلت: ترجم له ابن السني (ما يقول إذا قام على باب المسجد) وأورده من طريق محمد بن يحيى بن حمزة الدمشقي عن هاشم بن زيد عن سليم بن عامر عن أبي أمامة.
وهاشم ضعيف، ومحمد بن يحيى ذكره ابن حبان في الثقات، لكن قال: يتقى حديثه من رواية ابنيه أحمد وعبيد، فإنهما كانا يدخلان عليه ما ليس من حديثه.
قلت: وهذا من رواية ابنه أحمد عنه.
وورد في الباب أيضاً من حديث عبد الرحمن بن عوف، أخرجه الدارقطني في ((الأفراد))، وسنده ضعيف.
وعن أبي الدرداء موقوفاً، أخرجه ابن أبي عمر في مسنده، ورواته ثقات، لكن فيه انقطاع.
وعن علي من قوله.
وعن عبد الله بن سلام كذلك أخرجهما ابن أبي شيبة.(1/284)
وأخرج عبد الرزاق في مصنفه من مرسل أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد قال: ((السلام على النبي ورحمة الله وبركاته، اللهم أجرني من الشيطان ومن الشر كله)).
ورجاله ثقات، ليس فيه سوى الإرسال، والله أعلم.(1/285)
[[باب: ما يقول في المسجد
وروينا عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما بنيت المساجد لما بينت له)). رواه مسلم في صحيحه.
وعن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي الذي بال في المسجد: ((إن هذه المساجد لا تصلح لشيءٍ من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله تعالى وقراءة القرآن)) أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه مسلم في صحيحه.
باب: إنكاره ودعائه على من ينشد ضالةً في المسجد أو يبيع فيه
روينا في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سمع رجلاً ينشد ضالةً في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا)).]]
(59)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.(1/286)
ثم حدثنا شيخنا سيدنا ومولانا قاضي القضاة، شيخ الإسلام، إمام الحفاظ -أمتع الله بوجوده الأنام- إملاء من حفظه وقراءة من المستملي عليه كعادته في يوم الثلاثاء تاسع عشر من جمادى الأولى من شهور سنة ثمان وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
(باب: ما يقول في المسجد)
ذكر فيه حديثين.
أحدهما: عن بريدة، ذكر منه طرفاً، وسيأتي بتمامه في الباب الذي يليه.
ثانيهما: حديث أنس:
أخبرني الشيخ أبو الفرج البزار رحمه الله، أنا علي بن إسماعيل المخزومي، أنا عبد اللطيف الحراني، عن مسعود بن محمد، قال: أنا أبو علي الحداد، أنا أبو نعيم، ثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا أبو خليفة، ثنا أبو الوليد، ثنا عكرمة بن عمار، قال: حدثني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رجلاً بال في المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيه، فقالوا: مه مه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((دعوه لا تزرموه)) فلما فرغ دعا به فقال: ((إن هذه المساجد لا تصلح لشيءٍ من هذا القذر، وإنما هي لذكر الله والصلاة)) ثم أمر بدلو من ماء فشن عليه شناً، وتركوه.
هذا حديث صحيح، وفي بعض متنه غرابة، أخرجه مسلم من رواية عمر بن يونس.
وأحمد عن بهز بن أسد.
وابن خزيمة من رواية بهز.(1/287)
والبيهقي من رواية أبي حذيفة.
كلهم عن عكرمة بن عمار.
وأخرجه ابن حبان عن أبي خليفة.
فوقع لنا موافقة عالية فيه، وعالياً بدرجتين بالنسبة لرواية مسلم، وتفرد عكرمة بالزيادة في آخره، وأصله في الصحيحين بدونها من رواية يحيى بن سعيد الأنصاري عن أنس، ومن رواية حماد بن زيد عن ثابت عن أنس.
وقوله: ((لا تزرموه)) بزاي ثم راء، أي: لا تقطعوا بوله.
ولأصل الحديث شاهد عن ابن عباس.
قرأت على أم الحسن التنوخية بدمشق، عن سليمان بن حمزة، قال: أنا الحافظ ضياء الدين المقدسي، أنا محمد بن أحمد بن نصر، عن فاطمة بنت عبد الله أم إبراهيم سماعاً، قالت: أخبرنا محمد بن عبد الله التاجر، أنا سليمان بن أحمد، ثنا العباس بن الوليد الأسقاطي، ثنا إسماعيل بن أبي أويس، ثنا أبي، عن ثور بن زيد، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي، فبايعه [في المسجد] ثم انصرف فـ [محج ثم] بال في المسجد، فهم الناس به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((دعوا الرجل لا تقطعوا عليه بوله)) ثم دعا به، فقال: ((ألست برجلٍ مسلمٍ؟)) قال: بلى، قال: ((فما حملك على أن بلت في المسجد؟))، قال: والذي بعثك بالحق ما ظننت إلا أنه صعيد من الصعدات، فبلت فيه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذنوبٍ من ماء فصب على بوله.
وأصله في الصحيحين من حديث أبي هريرة بدون الزيادة أيضاً، وفيه زيادات أخرى.(1/288)
وذكر أبو موسى المديني في الذيل من الصحابة أن اسم هذا الأعرابي ذو الخويصرة اليماني وهو غير ذي الخويصرة التميمي رأس الخوارج.
قوله: (باب: إنكاره ودعائه على من ينشد ضالة [في المسجد] أو يبيع فيه).
وذكر فيه أحاديث.
الأول: حديث أبي هريرة.
وبه إلى أبي نعيم ثنا أبو علي بن الصواف، ثنا بشر بن موسى، ثنا أبو عبد الرحمن المقرئ (ح).
وقرأت على أبي البسر أحمد بن عبد الله الأنصاري بدمشق، عن أحمد بن علي الهكاري حضوراً وإجازة، عن أبي الحسن الخواص، أنا أبو الفتح بن شاتيل، أنا أبو عبد الله بن البسري، أنا عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار، ثنا إسماعيل بن محمد الصفار، ثنا عباس الترقفي (ح).
وقرأت على المحب بن منيع بالصالحية، أن عبد الله بن الحسين أخبرهم، قال: أنا محمد بن أبي بكر البلخي، عن السلفي، أنا أبو ياسر الخياط، أنا أبو القاسم بن بشران، أنا أبو محمد الفاكهي، ثنا أبو يحيى بن أبي مسرة، قالا: ثنا عبد الله بن يزيد -هو المقرئ- ثنا حيوة بن شريح، قال: سمعت أبا الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، يقول: أخبرني أبو عبد الله مولى شداد بن الهاد، أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((من سمع رجلاً ينشد ضالةً في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبن لهذا)).
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم عن زهير بن حرب.(1/289)
وأبو داود عن عبيد الله بن عمر القواريري، كلاهما عن عبد الله المقرئ.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه مسلم أيضاً.
وابن حبان من رواية عبد الله بن وهب عن حيوة.
وأبو عبد الله مولى شداد تابعي كبير، لا يعرف اسمه على الصحيح، وليس له في الصحيح عن أبي هريرة سوى هذا الحديث، وسيأتي له عن أبي هريرة طريق أخرى في آخر هذا الباب إن شاء الله تعالى.
[[وروينا في صحيح مسلم أيضاً عن بريدة رضي الله عنه: أن رجلاً نشد في المسجد فقال: من دعا إلي الجمل الأحمر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا وجدت إنما بنيت المساجد لما بينت له)).]]
(60)
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم حدثنا -أمتعنا الله بوجوده- كعادته في يوم الثلاثاء سادس عشريه قال وأنا أسمع:(1/290)
الحديث الثاني:
أخبرني الإمام شيخ الإسلام أبو الفضل بن الحسين الحافظ، أخبرني أبو الحرام بن أبي الفتح، عن أم محمد المارانية سماعاً، عن أبي روح الهروي كتابه، أنا أبو القاسم القشيري، ثنا أبو الحسين الخفاف، ثنا أبو العباس السراج، ثنا إسحاق بن إبراهيم -يعني ابن راهويه- واللفظ له (ح).
وبالسند الماضي مراراً إلى عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي (ح).
وبالسند الماضي آنفاً إلى أبي نعيم، ثنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قالوا: ثنا وكيع، ثنا أبو سنان سعيد بن سنان، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه رضي الله عنه، أن رجلاً قام في المسجد فقال: من دعا إلي الجمل الأحمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا وجدت، فإنما بنيت المساجد لما بنيت له)).
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة.
فوقعت لنا موافقة فيه، وبدلاً في الآخرين وعلى درجة.
ومعنى قوله: من دعا إلي، وهو بتشديد الياء من يعرف الجمل فدعا صاحبه.
وقد رواه سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد بلفظ: من يعرف الجمل الأحمر، ووقع لنا عالياً من طريقه.
وبه إلى أبي نعيم ثنا أبو بكر بن خلاد، ثنا الحارث بن محمد، ثنا عبد العزيز بن أبان، ثنا سفيان الثوري فذكره.
أخرجه مسلم عن حجاج بن الشاعر، عن عبد الرزاق، عن الثوري.(1/291)
فوقع لنا عالياً بدرجتين. وقد رواه جابر وأنس بلفظ: نشد ضالة، وهو رواية لمسلم في حديث بريدة.
أخبرني أبو الحسن علي بن محمد الخطيب، أنا أبو الفضل بن أبي طاهر في كتابه، أنا جعفر بن علي، أنا السلفي، أنا أبو القاسم بن بيان، أنا طلحة بن علي، أنا أحمد بن عثمان الأدمي، ثنا عباس بن محمد الدوري، ثنا أحمد بن حنبل، ثنا محمد بن سلمة، ثنا أبو عبد الرحيم -واسمه خالد بن أبي يزيد- ثنا زيد بن أبي أنيسة، ثنا أبو الزبير، عن جابر رضي الله عنه، قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً ينشد ضالة له في المسجد، فقال: ((لا وجدته)).
هذا حديث صحيح، أخرجه محمد بن إسحاق السراج في ((مسنده)) عن أبي بكر الأعين -واسمه محمد بن طريف- عن أحمد بن حنبل.
وأخرجه النسائي عن محمد بن وهب عن أبي كريمة، عن محمد بن سلمة.
فوقع لنا بدلاً عالياً، وما رأيته في مسند أحمد.
وقرأت على فاطمة بنت محمد الدمشقية بها، عن أبي الربيع بن قدامة، أنا محمد بن عبد الواحد، أنا أبو العلاء بن أبي الرجاء في كتابه، وزاهر بن أبي طاهر سماعاً، قال الأول: أنا أبو علي المقرئ، أنا أحمد بن عبد الله، أنا أبو القاسم اللخمي، ثنا أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، وقال الثاني: أنا زاهر بن طاهر، أنا محمد بن عبد الرحمن، أنا أبو عمرو بن حمدان، أنا عبد الله بن محمد المديني، قالا: أنا إسحاق بن إبراهيم قال: قلت لأبي قرة: أذكر موسى بن عقبة، عن عمرو بن أبي عمرو، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلاً يدخل المسجد ينشد ضالة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:(1/292)
((لا وجدت))؟ فأقر به أبو قرة، وقال: نعم.
هذا حديث صحيح، أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده هكذا.
وأخرجه البزار من وجه آخر عن عمرو بن أبي عمرو.
وما وجدته في سنن النسائي لا الصغرى ولا الكبرى.
وأخرجه البزار أيضاً من حديث سعد بن أبي وقاص بنحو حديث أنس، وسنده ضعيف.
وأخرجه الطبراني من حديث عصمة بلفظ فقال: ((قولوا لا ردها عليه)) وسنده ضعيف أيضاً.
وبالسند المذكور آنفاً إلى أبي العباس السراج، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا محمد بن فضيل، عن عاصم الأحول، عن أبي عثمان، قال: سمع ابن مسعود رضي الله عنه رجلاً ينشد ضالة في المسجد، فغضب وسبه، فقال له رجل: ما كنت فاحشاً، فقال: بهذا أمرنا.
هذا حديث صحيح، أخرجه ابن خزيمة في صحيحه من طريق محمد بن فضيل بهذا السند.
وأخرجه البزار من وجه آخر عن عاصم الأحول، وقال في آخره: بهذا أمرنا إذا وجدنا من ينشد ضالة في المسجد أن نقول له: لا وجدت.
وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وثوبان جد محمد بن عبد الرحمن، وسأذكرهما في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى.(1/293)
[[وروينا في كتاب الترمذي في آخر كتاب البيوع منه، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشد فيه ضالةً فقولوا: لا رد الله عليك)) قال الترمذي: حديث حسن.]]
(61)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ثم حدثنا سيدنا ومولانا شيخ الإسلام، قاضي القضاة، ملك العلماء، إمام الحفاظ -أمتع الله بوجوده وكبت عدوه وحسوده- إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء رابع جمادى الآخرة من شهور سنة ثمان وثلاثين وثمانمئة. قال وأنا أسمع:
الحديث الثالث:
قرأت على الشيخ أبي إسحاق بن كامل رحمه الله، عن إسماعيل بن يوسف القيسي، أنا عبد الله بن عمر بن علي، أنا عبد الأول بن عيسى، أنا عبد الرحمن بن محمد، أنا عبد الله بن أحمد، أنا عيسى بن عمر، أنا عبد الله بن عبد الرحمن، أنا الحسن بن أبي يزيد، أنا عبد العزيز بن محمد، ثنا يزيد بن خصيفة، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في(1/294)
المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشد فيه ضالةً فقولوا: لا أداها لك)).
هذا حديث حسن، أخرجه الترمذي عن الحسن بن علي الخلال عن أبي النعمان محمد بن الفضل المعروف بعارم.
والنسائي عن إبراهيم بن يعقوب عن علي بن المديني.
وأخرجه ابن خزيمة عن محمد بن يحيى الذهلي عن أبي جعفر عبد الله بن محمد النفيلي.
وابن السني عن أبي خليفة عن عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي.
أربعتهم عن عبد العزيز بن محمد -هو الدراوردي-.
فوقع لنا عالياً.
وأخرجه ابن حبان عن ابن خزيمة.
والحاكم من رواية أبي النعمان، وقال: صحيح على شرط مسلم.
قلت: أخرج لرجاله من الدراوردي فصاعداً. وأخرج لمحمد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة حديثاً غير هذا، لكن مقروناً، فهو على شرطه في المتابعات لا في الأصول.
وقول الشيخ: أن الترمذي أخرجه في آخر البيوع يزاد عليه أنه لم يترجم له اكتفاء بما قدمه في أبواب المساجد فقال: (باب ما جاء في كراهة البيع والشري وإنشاد الشعر والضالة في المسجد) وأورد فيه حديث عبد الله بن(1/295)
عمرو في ذلك، وتكلم عليه، وسأذكره في الذي بعده.
قوله: (باب دعائه على من ينشد في المسجد شعراً ليس فيه مدح الإسلام) إلى آخره
قلت: ليس في المتن الذي ساقه دلالة على التخصيص، وكأنه أشار إلى أن لذلك دليلاً من خارج، وكأنه لا بأس بالتنبيه عليه.
قوله: (روينا في كتاب ابن السني عن ثوبان).
قرأت على فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي بصالحية دمشق، عن محمد بن عبد الحميد، أنا إسماعيل بن عبد القوي، عن فاطمة بنت سعد الخير سماعاً، قالت: أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله بن عقيل، قالت: أنا أبو بكر بن ريذة، أنا الطبراني، ثنا أحمد بن النضر العسكري، ثنا عيسى بن هلال، ثنا محمد بن حمير، ثنا عباد بن كثير، عن يزيد بن خصيفة، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من رأيتموه ينشد شعراً في المسجد فقولوا: فض الله فاك ثلاث مراتٍ، ومن رأيتموه ينشد ضالةً في المسجد فقولوا: لا وجدتها ثلاث مراتٍ، ومن رأيتموه يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك ثلاث مراتٍ)) كذا قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا حديث منكر السند وبعض المتن، أخرجه ابن السني عن الحسين بن عبد الله القطان، عن عيسى بن هلال بهذا الإسناد مقتصراً على قصة الشعر.
وأخرجه ابن منده في ((معرفة الصحابة)) من رواية أحمد بن النضر كما أخرجته، وقال: غريب تفرد به محمد بن حمير.
قلت: وهو ثقة من رجال البخاري، وإنما تفرد بوصله.(1/296)
وقد رواه أبو خيثمة الجعفي عن عباد بن كثير، لكن لم يقل عن جده والآفة فيه من عباد، وهو ضعيف جداً، وقد خالف فيه الدراوردي، والدراوردي ثقة، وسنده هو المعروف كما تقدم في آخر الباب قبله.
وورد في النهي عن إنشاد الشعر في المسجد ما:
أخبرني العماد أبو بكر بن إبراهيم بن العز فيما قرأت عليه، عن أبي عبد الله بن الزراد، قال: أنا الحافظ أبو علي البكري، أنا أبو روح الهروي، أنا أبو القاسم النيسابوري، أنا أبو سعد المقرئ، أنا أبو طاهر بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة، أنا جدي، ثنا بندار، ويعقوب بن إبراهيم (ح).
وبالسند الماضي مراراً إلى عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي، قالوا: ثنا يحيى بن سعيد -هو القطان- ثنا محمد بن عجلان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البيع والشراء في المسجد، وأن تنشد فيه الأشعار، وأن تنشد فيه الضالة .. .. )) الحديث.
هذا حديث حسن أخرجه أصحاب السنن من طرق عن محمد بن عجلان.
فوقع لنا عالياً.
وثوبان المذكور في السند الذي قبله ليس هو المشهور مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو آخر لا يعرف إلا في هذا الإسناد، ولا روى عن عبد الرحمن بن ثوبان إلا ابنه محمد، فهو في عداد المجهولين، والله أعلم.(1/297)
[[باب: دعائه على من ينشد في المسجد شعراً ليس فيه مدحٌ للإسلام ولا تزهيدٌ ولا حث على مكارم الأخلاق ونحو ذلك
روينا في كتاب ابن السني، عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من رأيتموه ينشد شعراً في المسجد فقولوا له: فض الله فاك، ثلاث مراتٍ)).]]
(62)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ثم حدثنا سيدنا ومولانا شيخ الإسلام، قاضي القضاة، إمام الحفاظ، إملاء من حفظه كعادته في حادي عشر جمادى الآخرة من شهور سنة ثمان وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
قال الترمذي: وقد روي في غير حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم رخصة في إنشاد الشعر في المسجد.
قلت: أخبرنا أبو هريرة بن الذهبي، والشيخ أبو إسحاق التنوخي إجازة من الأول وقراءة على الثاني، قالا: أنا محمد بن أبي بكر الأسدي، قال الأول: سماعاً والثاني كتابة، قال: قرئ على صفية بنت عبد الوهاب ونحن(1/298)
نسمع، عن أبي الحسن علي بن أحمد اللباد، أنا أبو بكر محمد بن أحمد بن ماجه، أنا أبو جعفر بن المرزبان، أنا أبو جعفر الحزوري، ثنا أبو جعفر محمد بن سليمان بن حبيب، ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن عروة، عن عائشة وعن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضع لحسان رضي الله عنه منبراً في المسجد يقوم عليه، يهجو الذين كانوا يهجون النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن روح القدس مع حسانٍ ما دام ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم)).
هذا حديث حسن صحيح، أخرجه أبو داود عن أبي جعفر محمد بن سليمان بهذا الإسناد.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه أحمد.
والترمذي من رواية عبد الرحمن بن أبي الزناد كذلك.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
قال الترمذي: حسن صحيح، وهو حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد، يعني: تفرد به، وهو ثقة عند الجمهور، وتكلم فيه بعضهم بما لا يقدح فيه، ولبعض حديثه شواهد في الصحيحين عن البراء وغيره.
وذكر المزي في ((الأطراف)) أن البخاري أخرج هذا الحديث في الصحيح تعليقاً فقال: قال عبد الرحمن، فذكره، ولم أقف عليه إلى الآن في صحيح البخاري.
وفي صحيح البخاري وغيره عن سعيد بن المسيب قال: مر عمر بن(1/299)
الخطاب بحسان بن ثابت وهو ينشد في المسجد، فلحظ إليه، فقال: قد كنت أنشد وفيه من هو خير منك - يعني النبي صلى الله عليه وسلم.
وأخبرني أبو الحسن علي بن محمد بن أبي المجد، عن أبي بكر الدشتي، قال: أنا يوسف بن خليل الحافظ، أنا خليل بن بدر، أنا الحسن بن أحمد المقرئ، أنا أحمد بن عبد الله الحافظ، ثنا عبد الله بن جعفر بن فارس، أنا يونس بن حبيب العجلي، ثنا أبو داود الطيالسي، ثنا قيس -هو ابن الربيع- وشريك - هو القاضي (ح).
وقرأت على أبي عبد الله بن قوام، عن أبي عبد الله بن غنائم سماعاً عليه، أنا أحمد بن شيبان، أنا عمر بن محمد، أنا أبو غالب بن البناء، أنا أبو محمد الجوهري، أنا أحمد بن جعفر بن حمدان، أنا إسحاق بن الحسن، ثنا عفان بن مسلم، ثنا قيس بن الربيع، قال هو وشريك: ثنا سماك بن حرب، قال: قلت لجابر بن سمرة رضي الله عنه: أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، وكان طويل الصمت، قليل الضحك، وكان أصحابه ربما يناشدون الشعر في المسجد، وذكروا أمورهم في الجاهلية وهم يضحكون، وربما ابتسم معهم.
هذا حديث حسن، أخرجه أحمد.
والترمذي من رواية شريك بن عبد الله النخعي القاضي.
فوقع لنا بدلاً عالياً.(1/300)
وقرأت على أم القاسم خديجة بنت إبراهيم بن سلطان بدمشق، عن القاسم بن مظفر بن عساكر فيما قرئ عليه وهي تسمع في الخامسة، وهي آخر من حدث عنه بالسماع، قال: أنا الأنجب بن أبي السعادات في كتابه، عن مسعود بن الحسن الثقفي، أنا أبو بكر بن أحمد السمسار، أنا إبراهيم بن عبد الله الأصبهاني، ثنا الحسين بن إسماعيل إملاء، ثنا عبد الله بن شبيب، ثنا إبراهيم بن المنذر، حدثني الحجاج بن ذي الرقيبة بن عبد الرحمن بن كعب بن زهير، عن أبيه، عن جده، قال: أخرج كعب بن زهير، فذكر القصة إلى أن قال: فأقبل كعب بن زهير حتى قدم المدينة، فأناخ راحلته على باب المسجد، ثم دخل والنبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، قال: فدنوت حتى جلست بين يديه، فأسلمت ثم قلت: أأنشد يا رسول الله؟ قال: ((أنشد)) فأنشد قصيدته التي يقول فيها:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ...
إلى أن قال:
إن الرسول لنورٌ يستضاء به ... مهندٌ من سيوف الله مسلول
فأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بكمه أن تعالوا اسمعوا.
هذا حديث غريب، تفرد به إبراهيم بن المنذر بهذا الإسناد.
وقد وقع لنا من وجه آخر عنه مطولاً، وفيه سياق القصيدة بتمامها.
وقد جمع العلماء بين هذه الأحاديث وبين أحاديث النهي بنحو مما أشار إليه الشيخ في الترجمة، ومنهم من حمل النهي على التنزيه، والفعل على بيان الجواز، ومنهم من فصل فحمل النهي على ما فيه فحش أو إيذاء المسلم أو نحو ذلك، والإذن على ما فيه مدح النبي صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك، وما عدا ذلك إن أكثر منه أو غلب عليه التحق بالأول، وإلا جاز، والله أعلم.(1/301)
[[باب: فضيلة الأذان
روينا عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا)) رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراطٌ حتى لا يسمع التأذين)) رواه البخاري ومسلم.
وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة)) رواه مسلم.]]
(63)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم في يوم الثلاثاء ثامن عشر جمادى الآخرة شهر سنة تاريخه حدثنا شيخنا سيدنا ومولانا، قاضي القضاة، شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، إملاء من حفظه كعادته قال وأنا أسمع:
قوله: (باب: فضل الأذان)
ذكر فيه أحاديث:(1/302)
الحديث الأول:
أخبرنا الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد البالسي ثم الصالحي بها رحمه الله، أنا أبو الحسن بن هلال، أنا أبو إسحاق الهاشمي، أنا أبو مصعب الزهري، أنا مالك، عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يسهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً)).
هذا حديث صحيح أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف وإسماعيل بن أبي أويس وقتيبة.
وأخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى.
والنسائي عن قتيبة وعتبة بن عبد الله.
وابن خزيمة عن عتبة.
كلهم عن مالك.
فوقع لنا بدلاً عالياً على طريق مسلم، وكذا من بعده لاتصال السماع.
وأخرجه الترمذي من طريق إسحاق بن عيسى.
والنسائي أيضاً من طريق عبد الرحمن بن القاسم.(1/303)
كلاهما عن مالك.
وأخرجه ابن حبان عن عمر بن سعيد بن سنان والحسين بن إدريس كلاهما عن أبي مصعب.
فوقع لنا موافقة عالية في شيخ شيخه.
ومن هؤلاء الأئمة من اقتصر على بعضه كالبخاري في روايته إياه عن قتيبة، فاقتصر على الحكم الأول كما صنع الشيخ.
واختلف في قوله: ((استهموا)) الأكثر على أنه بمعنى قوله: اقترعوا، وقيل؛ معناه: تراموا بالسهام، ويؤيده حديث أبي سعيد عند أحمد بلفظ: ((لتضاربوا عليه بالسيوف)).
وأخرج عبد الرزاق في مصنفه حديث أبي هريرة هذا عن مالك بتمامه، وقال في آخره: قلت لمالك: أليس يكره أن يقال للعشاء العتمة؟ فقال: هكذا قال الذي حدثني انتهى.
ولعل الراوي لم يبلغه النهي، أو وردت هكذا لبيان الجواز.
الحديث الثاني:
وبهذا الإسناد إلى أبي مصعب، قال: أنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراطٌ حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضي النداء أقبل حتى ثوب بالصلاة أدبر حتى إذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه، يقول: اذكر كذا اذكر كذا لما لم يكن يذكر، حتى يضل الرجل أن يدري كم صلى)).(1/304)
هذا حديث صحيح، أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف.
وأبو داود عن القعنبي.
والنسائي عن قتيبة.
ثلاثتهم عن مالك.
وأخرجه مسلم من رواية المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد.
والمراد بالتثويب في هذا الحديث الإقامة.
وبالسند الماضي مراراً إلى أبي نعيم في المستخرج، ثنا إبراهيم بن عبد الله، ثنا محمد بن إسحاق -يعني السراج- ثنا قتيبة، ثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة أحال له ضراطٌ حتى لا يسمع صوته، فإذا سكت رجع فوسوس، فإذا سمع الإقامة ذهب حتى لا يسمع صوته، فإذا سكت رجع فوسوس)).
وبه إلى الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الشيطان إذا أذن المؤذن هرب حتى يكون بالروحاء)) وهي على ثلاثين ميلاً من المدينة.
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم من الوجهين جميعاً عن قتيبة.
فوقع لنا موافقة عالية، وبين في روايته أن ذكر المسافة في حديث جابر من جهة الراوي.(1/305)
الحديث الثالث:
وبه إلى أبي نعيم قال: حدثنا فاروق بن عبد الكبير، ثنا أبو مسلم الكجي، ثنا محمد بن كثير، ثنا سفيان -هو الثوري- عن طلحة بن يحيى، عن عمه عيسى بن طلحة، عن معاوية بن أبي سفيان (ح).
وأخبرني عالياً الشيخ أبو إسحاق بن كامل، أنا عيسى بن عبد الرحمن بن معالي في كتابه أنا ابن اللتي، أنا أبو الوقت، أنا ابن داود، أنا ابن أعين، أنا ابن خزيم، أنا عبد بن حميد، ثنا يعلى -هو ابن عبيد- ثنا طلحة بن يحيى، عن عيسى بن طلحة، قال: سمعت معاوية، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة)). وفي رواية يعلى: ((إن المؤذنين ..)) والباقي مثله.
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم.
والنسائي جميعاً عن إسحاق بن منصور، عن أبي عامر العقدي، عن الثوري.
فوقع لنا عالياً بدرجتين.
وأخرجه أبو عوانة عن محمد بن إسحاق الصغاني، عن يعلى بن عبيد.
فوقع لنا بدلاً عالياً.(1/306)
(64)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم كثيراً.
ثم حدثنا شيخنا المشار إليه -أمتع الله بوجوده- إملاء كعادته يوم الثلاثاء خامس عشر [ين] من جمادى الآخرة من شهور سنة ثمان وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع.
أخبرنا أبو الحسن محمد بن علي بن محمد بن عقيل رحمه الله، أنا أبو الفرج بن عبد الهادي، أنا أبو العباس بن عبد الدائم، أنا أبو الفرج الثقفي، أنا جدي لأمي أبو القاسم التيمي، أنا محمد بن عمر الظهراني، أنا أبو عبد الله بن مندة، أنا محمد بن عمر بن حفص، ثنا سهيل بن عمار، ثنا يزيد بن عمار، ثنا حسام بن مصك، ثنا القاسم بن عوف، عن زيد بن أرقم رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بلالٌ سيد المؤذنين يوم القيامة، ولا يتبعه إلا مؤمنٌ، والمؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة)).
هذا حديث غريب، أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه عن يزيد بن هارون.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه البزار عن ميمون بن أصبغ، عن يزيد بن هارون.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وقال: لا نعلمه عن زيد بن أرقم إلا بهذا الإسناد، تفرد به حسام، وهو بصري روى عنه جماعة.(1/307)
وأخرجه ابن عدي في ترجمته من حديث ميمون بن أصبغ.
ونقل تضعيف حسام عن جماعة، ثم قال: عامة أحاديثه غرائب وأفراد، وهو مع ضعفه حسن الحديث.
كذا قال، ولعله أراد الحسن المعنوي، وإلا فحسام متفق على تضعيفه، ولم يقع مسمى في رواية ابن أبي شيبة عن يزيد، بل قال: حدثنا شيخ لنا، فكأنه أبهمه لضعفه.
وهو بضم الحاء وتخفيف السين المهملتين. وأبوه بكسر أوله وفتح الصاد المهملة وتشديد الكاف.
ووجدت لهذا الحديث سبباً من حديث بلال.
قرأت على فاطمة بنت المنجا، عن أبي الفضل بن أبي طاهر، أنا محمد بن عبد الواحد الحافظ، أنا أسعد بن سعيد، عن فاطمة الجوزذانية سماعاً، قالت: أنا أبو بكر بن ريذة، أنا الطبراني، ثنا عمرو بن إسحاق بن إبراهيم بن زبريق، ثنا أبي [(ح)].
قال الطبراني: وحدثنا يحيى بن عثمان، قال: حدثنا إسحاق، ثنا عمرو بن الحارث -هو الحمصي- ثنا عبد الله بن سلام، عن الزبيدي -هو محمد بن الوليد- عن محمد بن أبي سفيان الثقفي، عن قبيصة بن ذؤيب، عن بلال رضي الله عنه، أنه قال: يا رسول الله إن الناس يتجرون ويبتغون معايشهم، ولا نستطيع أن نفعل ذلك، فقال: ((ألا ترضى أن المؤذنين أطول الناس أعناقاً يوم القيامة)).
هذا حديث حسن، أخرجه البزار عن عمر بن الخطاب السجستاني عن إسحاق بن إبراهيم بن زبريق.(1/308)
وهو بكسر الزاي والراء بينهما موحدة ساكنة وقبل القاف التحتانية.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وقال: لم يرو قبيصة عن بلال إلا هذا الحديث، ولا نعلم له إلا بهذا الإسناد.
قلت: ولا بأس برواته إلا أن في رواية البزار مخالفة في بعض رواته، فوقع عنده عن الزبيدي، أخبرني نمران وهو -بكسر النون وسكون الميم- وسواء كان عنه أو عن محمد بن أبي سفيان، فهو حسن.
وقد اختلف في معنى: ((أطول الناس أعناقاً)) على أقوال.
أخبرني الحافظ أبو الحسن بن أبي بكر، ثنا محمد بن إسماعيل الحموي، أنا أبو الحسن بن البخاري، عن منصور بن عبد المنعم، أنا محمد بن إسماعيل الفارسي، أنا أبو بكر بن الحسين الحافظ، أنا أبو بكر بن الحارث الفقيه، أنا عبد الله بن محمد بن جعفر، قال: قال أبو بكر بن أبي داود: سمعت أبي يقول: ليس معنى هذا الحديث أن أعناقهم تزداد طولاً، وإنما معناه: أن الناس يعطشون يوم القيامة، ومن عطش التوت عنقه، والمؤذنون لا يعطشون، فأعناقهم قائمة.
وجاء عن النضر بن شميل نحو ذلك.
وقال ابن حبان في صحيحه بعد أن أخرج من حديث أبي هريرة مثل حديث معاوية ما حاصله: أن المراد بالطول أن أعناقهم تمتد تشوقاً للثواب.
وقال غيره: تمتد لكونهم كانوا يمدونها عند رفع الصوت في الدنيا، فمدت في القيامة ليمتازوا بذلك عن غيرهم، وفي هذا إبقاء للطول على حقيقته.(1/309)
وقيل: المعنى فيه أن الناس إذا ألجمهم العرق لم يلجمهم، وهذا إذا انضم إلى الذي قبله بين ثمرته.
ومنهم من حمل الأعناق والطول على معنى آخر، فقال: هو جمع عنق بمعنى جماعة، فكأنه قيل: بأنهم أكثر الناس أتباعاً؛ لأن من أجاب دعوتهم يكون معهم.
وقيل: معنى العنق العمل، فكأنه قيل: أكثر الناس أعمالاً، وهذا عن ابن الأعرابي.
وقيل: المراد أنهم رؤوس الناس، والعرب تصف السيد بطول العنق.
وشذ بعضهم فكسر الهمزة، وقال: الإعناق بمعنى العنق بفتحتين، وهو ضرب من السير السريع، والمعنى أنهم أسرع الناس سيراً إلى الجنة.
فهذه ثمانية أقوال جمعتها من متفرقات كلامهم، والعلم عند الله تعالى.
[[وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيءٌ إلا شهد له يوم القيامة)) رواه البخاري، والأحاديث في فضله كثيرة.]]
(65)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ثم حدثنا شيخنا قاضي القضاة، شيخ الإسلام، إمام الحفاظ -أمتع الله(1/310)
به- إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء ثاني شهر رجب الفرد من شهور سنة ثمان وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
الحديث الرابع:
أخبرني الشيخ أبو عبد الله بن قوام بالسند الماضي قريباً إلى أبي مصعب، أنا مالك، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة المازني، عن أبيه، أن أبا سعيد الخدري قال له: ((إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك، فأذنت بالصلاة فارفع صوتك، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنسٌ ولا شيءٌ إلا شهد يوم القيامة)) قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا حديث صحيح، أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف، وإسماعيل بن أبي أويس، وقتيبة بن سعيد، فرقهم كلهم عن مالك.
وأخرجه النسائي عن محمد بن سلمة، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن مالك.
فوقع لنا عالياً.
(تنبيه) قال الغزالي في ((الوسيط)) وتبعه الرافعي: أن الخطاب الأول وقع من النبي صلى الله عليه وسلم لأبي سعيد. واستنكر ذلك ابن الصلاح في ((مشكله))، فقال: لا أصل لذلك في شيء من طرق الحديث، وإنما وقع ذلك من أبي سعيد للتابعي.(1/311)
وقد رواه الشافعي في ((الأم)) عن مالك على الصواب.
واعتذر ابن الرفعة عن الغزالي بأنه فهم من قول أبي سعيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: جميع ما تقدم، فذكره بالمعنى، والعلم عند الله.
وقد روى الحديث جماعة من الصحابة، وليس في شيء من طرقهم الثابتة ذكر الأمر برفع الصوت، وإنما يؤخذ ذلك بطريق الاستنباط من الحديث المذكور.
أخبرني أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد البزاز، أنا أحمد بن منصور الجوهري، أنا أبو الفرج الحراني، وأبو الحسن السعدي إجازة من الأول إن لم يكن سماعاً، وسماعاً على الثاني، كلاهما عن أبي جعفر بن سلفة، أنا الحسن بن أحمد، أنا أحمد بن عبد الله، أنا عبد الله بن جعفر، أنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود الطيالسي، ثنا شعبة، عن موسى بن أبي عثمان، حدثني أبو يحيى، وأنا أطوف معه -يعني: حول البيت- قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((المؤذن يغفر له مدى صوته، ويشهد له كل رطبٍ ويابسٍ)).
هذا حديث حسن أخرجه أحمد عن محمد بن جعفر.
والبخاري في كتاب ((خلق أفعال العباد)) خارج الصحيح.
وأبو داود جميعاً عن حفص بن عمر.(1/312)
والنسائي عن إسماعيل بن مسعود عن يزيد بن زريع.
ثلاثتهم عن شعبة.
فوقع لنا بدلاً عالياً، وبدلاً للأولين، ورجاله رجال الصحيح إلا أبا يحيى، فلم يسم في الرواية ولم ينسب، وقد قيل: إنه الأسلمي، فإن يكن كذلك فهو ثقة، واسمه سمعان، وهو جد إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى المدني شيخ الشافعي.
وأخبرني أبو المعالي عبد الله بن عمر، أنا أحمد بن محمد بن عمر، أنا عبد اللطيف بن عبد المنعم، أنا أبو محمد بن أبي المجد، أنا أبو القاسم الشيباني، أنا أبو علي التميمي، أنا أبو بكر بن حمدان، ثنا عبد الله بن أحمد، حدثني عبيد الله بن عمر القواريري، ثنا معاذ بن هشام، ثنا أبي، عن قتادة، عن أبي إسحاق السبيعي، عن البراء بن عازب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول والمؤذن يغفر له مدى صوته، ويشهد له من سمعه من رطبٍ ويابسٍ، ويكتب له أجر من صلى معه)).
هذا حديث حسن، أخرجه أحمد عن علي بن عبد الله.
والنسائي عن إسحاق بن راهويه.
كلاهما عن معاذ بن هشام، وهو مما تفرد به معاذ، ورجاله رجال الصحيح إلا أن فيه عنعنة قتادة وشيخه.
قوله: (والأحاديث في فضله كثيرة).
قلت: منها ما:(1/313)
أخبرني أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد المرداوي، أخبرني الحافظ أبو الحجاج المزي، وعبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن إسماعيل المرداوي، قال الأول: أنا الفخر علي المقدسي، والثاني: أنا عبد الولي بن جبارة، قالا: أنا عمر بن محمد الحساني، أنا أبو سعد أحمد بن محمد، أنا أبو علي بن وشاح، أنا أبو حفص بن شاهين، ثنا يحيى بن صاعد، أنا سألته، ثنا عبد الجبار بن العلاء، ثنا سفيان بن عيينة، عن مسعر، عن إبراهيم السكسكي، عن عبد الله بن أبي أوفى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن خيار عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والأظلة لذكر الله)).
قال ابن شاهين: هذا حديث صحيح غريب، تفرد به ابن عيينة عن مسعر، وما رواه ثقة عنه إلا عبد الجبار.
وروي عن يحيى بن بكير الكرماني عن ابن عيينة، انتهى.
وذكر الدارقطني في ((الأفراد)) أن الراوي له عن يحيى ضعيف.
قال: وروي عن محمد بن إدريس الشافعي، عن ابن عيينة.
وأخرجه الحاكم في المستدرك من طريق بشر بن موسى عن عبد الجبار بن العلاء.
وقال: صحيح على شرط البخاري.
قلت: كلا، فلم يخرج البخاري لعبد الجبار، ثم هو معلول، وإن كان رجاله رجال الصحيح، فقد رواه عبد الله بن المبارك عن مسعر، عن السكسكي، ثنا أصحابنا، عن أبي الدرداء، فذكره موقوفاً من قوله.
وقد اعترف الحاكم بهذه العلة، لكن قال: إنها لا تؤثر، والله أعلم.(1/314)
(66)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
ثم حدثنا شيخنا سيدنا ومولانا قاضي القضاة، شيخ الإسلام، إمام الحافظ -أمتع الله بوجوده- إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء تاسع رجب الفرد شهر سنة تاريخه قال وأنا أسمع:
ووجدت لحديث عبد الله بن أبي أوفى شاهداً من حديث أنس.
قرأت على فاطمة بنت محمد بن محمد بن عبد الهادي، عن أبي نصر بن الشيرازي، أنا أبو محمد بن بنيمان في كتابه، أنا الحسن بن أحمد الهمداني، أنا الحسن بن أحمد الأصبهاني، أنا أحمد بن عبد الله الحافظ، أنا الطبراني، ثنا عبيدالله بن عبد الله بن جحش الأسدي، ثنا جنادة بن مروان، ثنا الحارث بن النعمان، قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو أقسمت لبررت أن أحب عباد الله إلى الله الذين يراعون الشمس والقمر، وأنهم ليعرفون يوم القيامة بطول أعناقهم)) يعني: المؤذنين، كذا في الأصل.
هذا حديث غريب.
قال الطبراني بعد أن أخرج بهذا السند ستة أحاديث: لم يرو هذه الأحاديث عن أنس إلا الحارث بن النعمان.
قلت: وهو ابن أخت سعيد بن جبير، وقد ضعفه البخاري وأبو حاتم.
والراوي عنه بضم الجيم وتخفيف النون ضعفه أبو حاتم أيضاً.(1/315)
وخالفه ابن حبان فذكره في الثقات.
حديث آخر.
وبه إلى الطبراني ثنا مطلب بن شعيب، ثنا عبد الله بن صالح، ثنا يحيى بن أيوب، ثنا ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من أذن اثنتي عشرة سنةً وجبت له الجنة، وكتب له بتأذينه كل يومٍ ستون حسنةً وإقامته ثلاثون حسنة)).
هذا حديث حسن، أخرجه ابن ماجه عن الحسن بن علي الخلال، ومحمد بن يحيى.
وأخرجه ابن عدي في ((الكامل)) عن جعفر بن أحمد.
ثلاثتهم عن أبي صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث بهذا السند.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
قال الطبراني: لم يروه عن نافع إلا ابن جريج ولا عنه إلا يحيى بن أيوب، تفرد به عبد الله بن صالح.
وقال ابن عدي: لا أعلم رواه عن ابن جريج إلا يحيى بن أيوب، ولا عنه عبد الله بن صالح.
وأخرجه الدارقطني من رواية علي بن داود القنطري.
والحاكم من رواية محمد بن إسماعيل السلمي.(1/316)
والبيهقي من رواية خير بن عرفة.
ثلاثتهم عن عبد الله بن صالح، قال الحاكم: صحيح على شرط البخاري.
قلت: كلا، فإنه وإن أخرج لرواته، فما أخرج لأبي صالح ولا ليحيى إلا في المتابعات، ولهذا السند مع ذلك علة ذكرها البخاري، فقال: روى يحيى بن المتوكل هذا الحديث عن ابن جريج قال: حدثت عن نافع، قال البخاري: وهذا أشبه.
وكذا ذكر البيهقي عن البخاري هذا الكلام، ويستفاد منه التعقب على الطبراني وغيره في دعوى التفرد المشار إليه قبل.
ووجدت له طريقاً أخرى عن نافع.
أخبرنا أبو هريرة بن الحافظ أبي عبد الله الذهبي، وفاطمة بنت محمد المقدسية بالصالحية قراءة عليها وإجازة من الأول، كلاهما عن يحيى بن محمد بن سعد، قال الأول: سماعاً، والأخرى إجازة أنا الحسن بن يحيى في كتابه، أنا عبد الله بن رفاعة، أنا أبو الحسن الخلعي، أنا أبو محمد بن النحاس، ثنا أبو الطاهر المديني، قال: ثنا يونس بن عبد الأعلى، ثنا عبد الله بن وهب، أخبرني عبد الله بن لهيعة، ثنا عبيد الله بن أبي جعفر، عن نافع، عن ابن عمر، فذكر الحديث مثله، لكن قال: ((كتب الله له بكل أذانٍ ستين حسنةً وبكل إقامةٍ ثلاثين أو ستين)) شك يونس.
أخرجه الدارقطني عن أبي بكر النيسابوري عن يونس بن عبد الأعلى.
فوقع لنا بدلاً عالياً.(1/317)
وأخرجه الحاكم من رواية أبي الطاهر بن السرح وأبي الربيع المهري عن عبد الله بن وهب، وقال في روايته: ((وبكل إقامةٍ ثلاثين)) وقال: أخرجته متابعاً.
قلت: وابن لهيعة وإن كان ضعيفاً فحديثه يكتب في المتابعات ولا سيما ما كان من رواية عبد الله بن وهب عنه كما قال غير واحد من الأئمة.
وورد الحديث بلفظ آخر.
أخبرني أبو هريرة بن الذهبي، وفاطمة بنت محمد الدمشقية بها قراءة عليها وإجازة من الأول كلاهما عن أبي نصر بن العماد، قال الأول: سماعاً والأخرى: إجازة قال: أنا محمد بن عبد الواحد المديني في كتابه، أنا إسماعيل بن علي، أنا أبو مسلم النحوي، أنا أبو بكر بن المقرئ، ثنا مأمون، ثنا هارون، ثنا الحسين بن عيسى البسطامي، ثنا علي بن الحسن -هو ابن شقيق- ثنا أبو حمزة -هو السكري- عن جابر -هو الجعفي- عن مجاهد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أذن سبع سنين محتسباً كتب الله له براءةً من النار)).
هذا حديث غريب، أخرجه ابن ماجه عن روح بن الفرج البغدادي، عن علي بن الحسن بن شقيق.
فوقع لنا بدلاً عالياً، لكن وقع في روايته عكرمة بدل مجاهد، ورواية حسين أرجح، فقد وافقه عليها محمد بن علي بن الحسن بن شقيق، عن أبيه.
وأخرجه ابن ماجه أيضاً من رواية حفص بن عمر الأزرق، عن جابر الجعفي، فقال أيضاً: عن عكرمة.(1/318)
وأخرجه الترمذي عن محمد بن حميد، عن أبي تميلة، عن أبي حمزة كروايتنا، وقال: غريب.
وأبو تميلة بمثناة مصغراً اسمه يحيى بن واضح.
وأبو حمزة السكري اسمه محمد بن ميمون.
وجابر هو ابن يزيد الجعفي ضعفوه، انتهى.
وقد أخرج الطبراني من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعاً: ((ثلاثةٌ لا يهولهم الفزع الأكبر .. .. )) الحديث، وفيه ((وداعٍ يدعو إلى الصلوات ابتغاء وجه الله)) وفي سنده مقال: والله أعلم.(1/319)
[[باب: صفة الأذان
وقد جاءت الأحاديث بالترجيع والتثويب، وهي مشهورة.]]
(67)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم في تاريخ يوم الثلاثاء سادس عشر رجب الفرد شهر سنة تاريخه حدثنا سيدنا ومولانا شيخ الإسلام، قاضي القضاة، إمام الحفاظ، المشار إليه إملاء من حفظه كعادته قال وأنا أسمع:
قوله في باب: صفة الأذان: (وقد جاءت الأحاديث بالترجيع والتثويب، وهي مشهورة).
قلت: أما الترجيع فثبت فيه حديث أبي محذورة، وجاء عنه من طرق، وجاء من وجه غريب عن سعد القرظ.
وأما التثويب فجاء عن جماعة من الصحابة.
أخبرني أبو العباس أحمد بن علي بن يحيى الدمشقي بها، أنا أبو العباس الصالحي، عن محمد بن مسعود، أنا عبد الأول بن عيسى، أنا أبو الحسن الداودي، أنا أبو محمد بن حمويه، أنا عيسى بن عمر، أنا أبو محمد الدارمي، أنا سعيد بن عامر، عن همام، عن عامر الأحول، عن مكحول،(1/320)
عن ابن محيريز، عن أبي محذورة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر نحواً من عشرين رجلاً أن يؤذنوا، فأعجبه صوت أبي محذورة، فعلمه الأذان: ((الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله)).
وبه إلى الدارمي قال: أنا أبو الوليد الطيالسي، وحجاج بن منهال، قالا: ثنا همام، حدثني عامر بن عبد الواحد، حدثني مكحول، أن عبد الله بن محيريز حدثه، أن أبا محذورة حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه الأذان تسع عشرة كلمة.
وأخبرني عبد الرحمن بن إبراهيم الحاجب، أنا محمد بن إسماعيل الأيوبي، أنا عبد العزيز بن عبد المنعم، عن عفيفة الأصبهانية، عن فاطمة الجوزذانية سماعاً، قالت: أنا أبو بكر التاجر، قال: أنا الطبراني، ثنا علي بن عبد العزيز، ومحمد بن يحيى بن المنذر، ومعاذ بن المثنى، قال الأول: ثنا حجاج بن منهال، والثاني: أبو عمر حفص بن عمر الحوضي، والثالث: ثنا أبو الوليد الطيالسي، قالوا: ثنا همام فذكر السند كالثاني والمتن كالأول.
هذا حديث صحيح، أخرجه أبو داود عن الحسن بن علي الحلواني عن الحجاج بن منهال، وعفان، وسعيد بن عامر.(1/321)
وأخرجه ابن خزيمة عن يعقوب بن إبراهيم، عن سعيد بن عامر.
وأخرجه الترمذي.
وابن ماجه من رواية عفان.
والنسائي من رواية عبد الله بن المبارك.
والطحاوي عن إبراهيم بن أبي داود، عن أبي الوليد الطيالسي وأبي عمر الحوضي.
كلهم عن همام.
فوقع لنا بدلاً عالياً على رواية الأولين والأخير.
وأصله في مسلم من وجه آخر عن عامر.
وبه إلى معاذ بن المثنى، ثنا مسدد، ثنا الحارث بن عبيد، عن محمد بن عبد الملك، عن أبيه، عن جده أبي محذورة، قال: قلت: يا رسول الله علمني سنة الأذان، قال: فمسح برأسي، فقال: ((تقول: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، تخفض بها صوتك، ثم ترفع صوتك فتقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله .. .. )) فذكر بقيته(1/322)
مثله، وزاد ((فإذا كان صلاة الصبح فقل الصلاة خيرٌ من النوم مرتين)).
أخرجه أبو داود عن مسدد بهذا الإسناد.
فوقع لنا موافقة عالية.
وبه إلى الطبراني، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنا عبد الرزاق، أنا سفيان الثوري، عن أبي جعفر الفراء، عن أبي سلمان، عن أبي محذورة قال: كنت أؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم فأقول في أذان الفجر إذا قلت: حي على الفلاح: الصلاة خير من النوم مرتين.
هذا حديث حسن، أخرجه النسائي من رواية عبد الله بن المبارك وعبد الرحمن بن مهدي كلاهما عن سفيان الثوري.
فوقع لنا عالياً.
وأخبرني العماد أبو بكر بن العز، أنا محمد بن أحمد بن أبي الهيجاء، إجازة إن لم يكن سماعاً، أنا الحافظ أبو علي البكري، أنا أبو روح البزاز، أنا أبو القاسم المستملي، أنا محمد بن محمد بن يحيى، أنا محمد بن الفضل، أنا جدي أبو بكر بن خزيمة، ثنا محمد بن عثمان العجلي، ثنا أبو أسامة، عن ابن عون، عن محمد بن سيرين، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: من السنة أن يقول المؤذن في أذان الفجر إذا قال: حي على الفلاح: الصلاة خير من النوم.
هذا حديث صحيح، أخرجه الدارقطني عن المحاملي، عن محمد بن عثمان.(1/323)
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وقرأت على فاطمة بنت المنجا بدمشق، عن سليمان بن حمزة، قال: أنا محمد بن عبد الواحد الحافظ، أنا أسعد بن سعيد، عن فاطمة بنت أحمد سماعاً، قالت: أنا محمد بن عبد الله، أنا سليمان بن أحمد، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن بلال رضي الله عنه، أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم يؤذنه بالصلاة، فقيل له: إنه نائم، فنادى الصلاة خير من النوم، فأقرت في صلاة الفجر.
هذا حديث حسن، أخرجه ابن ماجه عن عمرو بن رافع، عن عبد الله بن المبارك، عن معمر.
فوقع لنا عالياً. ورجاله رجال الصحيح، لكن اختلف فيه على الزهري في سنده، وسعيد لم يسمع من بلال.
وقد أخرجه أحمد من وجه آخر عن سعيد بن المسيب مرسلاً، والله أعلم.(1/324)
[[باب: صفة الإقامة
المذهب الصحيح المختار الذي جاءت به الأحاديث الصحيحة أن الإقامة إحدى عشرة كلمة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله.
فصل: واعلم أن الأذان والإقامة سنتان عندنا على المذهب الصحيح المختار، سواء في ذلك أذان الجمعة وغيرها. وقال بعض أصحابنا: هما فرض كفاية. وقال بعضهم: هما فرض كفاية في الجمعة دون غيرها. فإن قلنا فرض كفاية، فلو تركه أهل بلدٍ أو محلةٍ قوتلوا على تركه. وإن قلنا سنة لم يقاتلوا على المذهب الصحيح المختار، كما لا يقاتلون على سنة الظهر وشبهها. وقال بعض أصحابنا: يقاتلون لأنه شعار ظاهر.]]
(68)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ثم حدثنا سيدنا وشيخنا قاضي القضاة، شيخ الإسلام، إمام الحفاظ،(1/325)
المشار إليه إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء الثلاثين من رجب سنة تاريخه.
قوله: (باب: صفة الإقامة)
المذهب الصحيح المختار الذي جاءت به الأحاديث الصحيحة أن الإقامة إحدى عشر كلمة الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله .. إلى آخره.
قلت: الذي في الصحيحين حديث أنس رضي الله عنه قال: أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة، وفي رواية إلا الإقامة، وفي أخرى: إلا قوله قد قامت الصلاة.
وأخرج النسائي.
وأبو عوانة في صحيحه بلفظ: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً.
وجاء في غيرهما عن بلال، وجابر، وسعد القرظ، وسلمة بن الأكوع، وعبد الله بن زيد بن عبد ربه رائي الأذان، وعبد الله بن عمر، وأبي جحيفة، وأبي رافع، وأبي محذورة، وأبي هريرة، وليس في شيء منها تفصيل الإقامة إلا في حديث عبد الله بن زيد.
أخبرني عبد الله بن عمر بن علي بالسند الماضي مراراً إلى عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، ثنا يعقوب -هو ابن إبراهيم بن سعد- ثنا أبي، ثنا محمد بن إسحاق، قال: ذكر محمد بن مسلم الزهري عن سعيد بن المسيب، عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه رضي الله عنه، فذكر قصة رؤياه الأذان بتربيع التكبير بغير ترجيع، ثم قال: ((إذا أقمت الصلاة فقل الله أكبر الله أكبر .. .. )) فذكر مثل ما في الباب، وفيه: أنه قصها على النبي صلى الله عليه وسلم فقال:(1/326)
((إنها لرؤيا حق إن شاء الله)).
وبه إلى محمد بن إسحاق قال: حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه، حدثني أبي، فذكر نحوه بطوله.
وكذا أخرجه ابن خزيمة في صحيحه من طريق ابن إسحاق.
وقال: السند الثاني متصل، لأن سعيد بن المسيب لم يسمع من عبد الله بن زيد.
وأما محمد بن عبد الله فسمع من أبيه.
وفي السند الأول علة أخرى، وهي أن ابن إسحاق ربما دلس بقوله: ذكر الزهري في معنى العنعنة.
ومن الطريق الثاني أخرجه أبو داود.
والترمذي: ونقل عن البخاري أنه صححه.
وصححه أيضاً محمد بن يحيى الذهلي، وابن خزيمة، وابن حبان، والدراقطني، والحاكم، وكأنهم صححوه لموافقته ما دل عليه حديث أنس في الصحيحين.
ومما صح أيضاً في هذا الباب حديث ابن عمر، صححه أبو عوانة من وجهين.
وهو عند أصحاب السنن، وابن خزيمة أيضاً، وابن حبان من أحد الوجهين، ولفظه: كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرتين، والإقامة(1/327)
مرة مرة إلا قوله: قد قامت الصلاة.
وأما حديث بلال وسائر من ذكرت بعده، ففي إسناد كل منها مقال، وهي عند الطبراني والدارقطني إلا حديث جابر فعنده في الأفراد، وإلا حديث أبي رافع ففي ابن ماجه.
وقد اختلفت الرواية على عبد الله بن زيد في تثنية الإقامة، فأخرج ابن خزيمة، وأبو داود، والترمذي من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله ابن زيد ألفاظ الإقامة مرتين مرتين، وأعله ابن خزيمة بالانقطاع والاضطراب.
أما الانقطاع فلأن عبد الرحمن لم يدرك عبد الله بن زيد؛ لأنه استشهد باليمامة في خلافة الصديق رضي الله عنه، وولد عبد الرحمن في خلافة عمر رضي الله عنه.
وأما الاضطراب فقيل عنه هكذا، وقيل: عنه عن معاذ، وقيل عنه عن أصحابه، وقيل: عنه عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
واختلفت الرواية أيضاً عن أبي محذورة، وأشهرها عنه الأذان بالترجيع والإقامة مرتين مرتين.
وقد أخرج مسلم أصل الحديث من رواية همام التي سقتها في المجلس الماضي، ولم يعرج فيها على ذكر الإقامة.
وأخرجها أحمد، وابن خزيمة، وأصحاب السنن من رواية همام، فذكروا فيها الإقامة مفصلة كالأذان، ولكن بغير ترجيع، وزيادة: ((قد قامت الصلاة)) مرتين.(1/328)
واختصره بعضهم بلفظ: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة كلمة.
وبالسند الماضي إلى الإمام أحمد قال: حدثنا عبد الرزاق، أنا ابن جريج (ح).
وبالسند الماضي قريباً إلى أبي بكر بن خزيمة، ثنا يعقوب الدورقي، ثنا روح -هو ابن عبادة- ثنا ابن جريج، أخبرني عثمان بن السائب، [عن أبيه] مولى أبي محذورة، عن أم عبد الملك بن أبي محذورة، عن أبي محذورة أنها سمعته يقول: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين، فذكر قصة تعليمه الأذان، قال: وعلمني الإقامة مرتين مرتين، فذكره مفصلاً.
وجاء في شفع الإقامة عن أبي جحيفة أيضاً عند الطبراني بلفظ: أذن بلال مثنى مثنى وأقام مثل ذلك.
وقد اختلف العلماء في الجمع بين هذه الأخبار، فمنهم من رجح إفراد الإقامة، ومنهم من رجح شفعها.
فمن حجة الأول كثرتها، وأصحيتها.
ومن حجة الثاني تأخير قصة أبي محذورة عن قصة عبد الله بن زيد، لأن قصة رؤياه الأذان كان في أوائل الهجرة إلى المدينة، وتعليم أبي محذورة كان في أواخر السنة الثامنة من الهجرة، فيكون ناسخاً.
وقد أجاب الإمام أحمد عنه بأن بلالاً أذن للنبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك شفعاً، وأقام فرادى.
ومنهم من جعله من الاختلاف المباح.
وسلك ابن خزيمة في الجمع مسلكاً آخر فقال: إن لم يرجع أفرد(1/329)
الإقامة على ما في حديث عبد الله بن زيد، وإن رجع شفع الإقامة على ما في حديث أبي محذورة.
وقد أمليت في المجلس الحادي والستين من الكلام على أحاديث مختصر ابن الحاجب وفيما بعده جميع الأحاديث التي أشرت إليها في هذا الباب بطرقها والكلام عليها ولله الحمد.
[[فصل: ويستحب ترتيل الأذان ورفع الصوت به، ويستحب إدراج الإقامة، ويكون صوتها أخفض من الأذان.]]
(69)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ثم في يوم الثلاثاء سابع شعبان المكرم من شهور سنة ثمان وثلاثين وثمانمئة حدثنا سيدنا، وشيخنا، ومولانا قاضي القضاة، شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، المشار إليه إملاء كعادته قال وأنا أسمع:
قوله: (فصل: ويستحب ترتيل الأذان، ورفع الصوت به، وإدراج الإقامة ويكون صوتها أخفض من الأذان).
أما الترتيل ففيما:
قرأنا على الإمام أبي عبد الله بن قوام، عن أبي بكر بن أحمد المغاري إجازة وسماعاً، أنا علي بن عبد الواحد، أنا محمد بن معمر في كتابه، أنا(1/330)
إسماعيل بن الفضل، أنا أبو طاهر بن عبد الرحيم، أنا أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني، ثنا الحسين بن إسماعيل، ثنا أحمد بن محمد بن سعيد التبعي، ثنا القاسم بن الحكم، ثنا عمرو بن شمر، ثنا عمران بن مسلم قال: سمعت سويد بن غفلة يقول: سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نرتل الأذان، وأن نحذف الإقامة.
هذا حديث غريب، أخرجه الدراقطني في السنن هكذا.
ورواته موثقون إلا عمرو بن شمر، فإنه ضعيف جداً.
وأبوه بكسر المعجمة وسكون الميم بعدها.
وغفلة والد سويد بفتح المعجمة والفاء واللام جميعاً.
وجاء في معنى الحديث عن جابر.
أخبرني الشيخ أبو إسحاق التنوخي فيما قرأت عليه بالقاهرة، وإبراهيم بن محمد الدمشقي فيما قرأت عليه بمكة، والعماد أبو بكر بن المعز فيما قرأت عليه بصالحية دمشق، كلهم عن أحمد بن أبي طالب سماعاً بالصالحية، أنا أبو المنجا البغدادي بدمشق، أنا أبو عبد الأول السجزي ببغداد، أنا عبد الرحمن بن محمد الفقيه -هو شيخ- أنا أبو محمد بن أعين بسرخس، أنا إبراهيم بن خزيم بالشاش، ثنا عبد بن حميد، ثنا يونس بن محمد، ثنا عبد المنعم بن تميم، عن يحيى بن مسلم، عن الحسن، وعطاء، عن جابر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال رضي الله عنه، ((إذا أذنت فترسل، وإذا أقمت فاحدر .. .. )) الحديث.
هذا حديث غريب، أخرجه الترمذي عن عبد بن حميد بهذا الإسناد.
فوقع لنا موافقة عالية على الطريق المتصلة بالسماع بدرجتين.(1/331)
وأخرجه أيضاً من رواية معلى بن أسد.
وابن عدي في الكامل من رواية معلى بن مهدي.
كلاهما عن عبد المنعم.
قال الترمذي: لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وإسناده مجهول.
قلت: عبد المنعم معروف بالضعف، وسائر رواته موثقون إلا يحيى بن مسلم، فإنه مجهول، وعليه ينصب كلام الترمذي.
وجزم البيهقي بأنه يحيى البكاء، فإن يكن كذلك فهو ضعيف.
وقد أخرج الحاكم في المستدرك هذا الحديث من وجه آخر عن عبد المنعم، فأدخل بينه وبين يحيى بن مسلم عمرو بن فائد وقال: ليس في رواته مطعون فيه إلا عمرو بن فائد.
ويتعجب من كلامه إن كان ثابتاً في الإسناد وسلم عدم الطعن في الباقين، فالحديث ضعيف بسبب عمرو، فكيف يستدرك على الصحيحين؟!.
والراجح أن زيادته في الإسناد وهم، فقد وقع التصريح عند الترمذي وغيره بالتحديث بين عبد المنعم ويحيى.
وأما قول الترمذي فيرد عليه مجيئه من وجه آخر.
أخبرني أبو الحسن بن أبي بكر الحافظ، أنا محمد بن إسماعيل بن الحموي بدمشق، أنا أبو الحسن السعدي، عن أبي سعد الصفار، أنا أبو القاسم، أنا أبو بكر البيهقي، أنا أبو بكر بن الحارث، ثنا أبو محمد بن حيان، ثنا حمدان بن الهيثم، ثنا صبيح بن عمر السيرافي، ثنا الحسن بن(1/332)
عبيد الله، عن الحسن، وعطاء، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر مثل حديث جابر سواء.
هكذا أخرجه أبو الشيخ في كتاب: الأذان.
وقال البيهقي: الإسناد الأول أشهر من هذا.
قلت: ورواة هذا موثقون إلا صبيح بن عمر فلا يعرف إلا في هذا.
وللمتن شاهد موقوف.
وبه إلى الدارقطني ثنا محمد بن مخلد، ثنا الحسن بن عرفة، ثنا مرحوم بن عبد العزيز العطار، عن أبيه، عن أبي الزبير مؤذن بيت المقدس، قال: جاءنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحذم.
هذا موقوف حسن الإسناد. وعبد العزيز والد مرحوم هو ابن مهران بصري لا بأس به، وشيخه لا يعرف اسمه، قاله الحاكم أبو أحمد. وذكره ابن حبان في الثقات.
وأخرج أبو عبيد القاسم بن سلام هذا الأثر في ((غريب الحديث)) عن محمد بن عبد الله الأنصاري عن مرحوم، ونقل عن الأصمعي أن الحذم والحدر بمعنى، والمراد به: الإسراع.
قلت: وهو المراد بالإدراج في كلام المصنف، وكذا الحذف في الحديث الأول، وليس المراد به الترك، والله أعلم.(1/333)
[[ويستحب أن يكون المؤذن حسن الصوت ثقةً، مأموناً، خبيراً بالوقت.]]
(70)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
ثم حدثنا سيدنا وشيخنا قاضي القضاة، شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، المشار إليه قبل إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء رابع عشر شعبان شهر سنة تاريخه قال وأنا أسمع:
وأما رفع الصوت بالأذان فتقدمت الإشارة إليه في فضل الأذان، ووقع أيضاً في حديث أبي محذورة، ففي بعض طرقه: ((أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع)) وقد تقدم السند إليه.
ووقع أيضاً في حديث سعد القرظ.
قرأت على فاطمة بنت المنجا، عن سليمان بن حمزة، أنا محمد بن عبد الواحد، أنا أبو الفتوح العجلي، أنا فاطمة بنت عبد الله، أنا محمد بن عبد الله الضبي، أنا سليمان بن أحمد، ثنا يحيى بن محمد الحلبي، ثنا هشام بن عمار، ثنا عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد القرظ، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده سعد القرظ مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً أن يجعل إصبعيه في أذنيه وقال: ((إنه أرفع لصوتك)).(1/334)
هذا حديث حسن، أخرجه ابن ماجه عن هشام بن عمار على الموافقة.
وجاء أيضاً من فعل بلال.
أخبرني أبو الفرج بن حماد، أنا علي بن إسماعيل المخزومي بقراءة الحافظ أبي الفتح اليعمري، أنا إسماعيل بن عبد القوي، أتنا فاطمة بنت سعد الخير، قالت: أتنا فاطمة بنت عبد الله، قالت: أنا أبو بكر بن ريذة، أنا الطبراني أنا أحمد بن خليل الحلبي، ثنا أبو توبة الربيع بن نافع، ثنا معاوية بن سلام، عن زيد بن سلام، أنه سمع أبا سلام، حدثني عبد الله الهوزني، قال: لقيت بلالاً فقلت له: كيف كانت نفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر الحديث بطوله، وفيه: قال بلال: فخرجت إلى البقيع، فجعلت إصبعي في أذني فناديت.
هذا حديث حسن، أخرجه أبو داود عن أبي توبة على الموافقة.
قوله: (ويستحب أن يكون المؤذن حسن الصوت).
قلت: وقع أيضاً في قصة أبي محذورة، ففي بعض طرقه: فأعجبه صوت أبي محذورة، وفي بعض طرقه: ((لقد سمعت في صوت هؤلاء صوت إنسان حسن الصوت)).
وكلاهما في السنن.
وهذا الثاني عند ابن خزيمة أيضاً.
ويؤخذ أيضاً من أحد التفسيرين لقوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن زيد رائي الأذان: ((قم فألقه على بلالٍ، فإنه أندى صوتاً منك)).(1/335)
قيل: المراد بأندى: أطيب.
وقيل: أرفع.
وقد تقدم الإسناد إلى عبد الله بن زيد.
قوله: (ثقة مأموناً خبيراً بالوقت).
أخبرني عبد الله، وعبد الرحمن ابنا محمد بن إبراهيم بن لاجين، قالا: أنا محمد بن إسماعيل بن عبد العزيز، قال: أنا عبد العزيز بن عبد المنعم، عن عفيفة بنت أحمد، قالت: أنا أم إبراهيم الجوزذانية، قالت: أنا محمد بن عبد الله الأصبهاني، أنا أبو القاسم اللخمي، ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، والحسين بن إسحاق التستري، قالا: ثنا يحيى بن عبد الحميد، ثنا إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة، عن أبيه، عن جده، عن أبي محذورة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤذنون أمناء المسلمين على سحورهم وعلى فطورهم)).
هذا حديث غريب، تفرد به يحيى، وفيه مقال.
وله شواهد:
منها ما أخرجه ابن ماجه من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خصلتان معلقتان بالمسلم في رقاب المؤذنين: صلاتهم وصيامهم)).
وسنده ضعيف.
وأخبرني الحافظ أبو الحسن بن أبي بكر، أنا محمد بن إسماعيل بن عمر، أنا علي بن أحمد بن عبد الواحد، عن منصور بن عبد المنعم، قال: أنا محمد بن إسماعيل الفارسي، أنا الحافظ أبو بكر البيهقي، أنا أبو نصر بن قتادة، ثنا علي بن الفضل، ثنا أبو شعيب الحراني، ثنا علي بن المديني، ثنا(1/336)
محمد بن أبي عدي، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤذنون أمناء المسلمين على صلاتهم وعلى صيامهم)).
هذا حديث مرسل، ورواته ثقات.
قال البيهقي: وروي عن الحسن عن جابر، ولم يثبت.
قلت: ولو ثبت عنه، فسماعه من جابر مختلف فيه.
وبه إلى علي بن المديني، ثنا روح بن عبادة، ثنا حماد بن سلمة، أنا أبو غالب، قال: سمعت أبا أمامة، يقول: المؤذنون أمناء المسلمين.
هكذا أورده موقوفاً، ورواته موثقون.
وجاء من وجه آخر مرفوعاً، وطرقه تشد بعضها بعضاً. والمشهور في هذا المتن: ((الإمام ضامنٌ، والمؤذن مؤتمنٌ)).
وسيأتي في القولة التي بعد هذا إن شاء الله تعالى.
[[متبرعاً؛ ويستحب أن يؤذن ويقيم قائماً على طهارة وموضع عال، مستقبل القبلة.]]
(71)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
حدثنا سيدنا، ومولانا، وشيخنا قاضي القضاة الشهابي، المشار إليه(1/337)
إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء حادي عشر [ين] من شعبان سنة ثمان وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
أخبرني الرئيس أبو المعالي محمد بن محمد بن محمود الدمشقي بها، قال: أنا أبو محمد بن أبي التائب، أنا إسماعيل بن أحمد العراقي، عن شهدة. قالت أنا الحسين بن أحمد بن طلحة، أنا أبو الحسين بن بشران، أنا أبو جعفر محمد بن عمرو، ثنا يحيى بن جعفر، ثنا هارون بن عبد الغفار، ومحمد بن عبيد، قالا: ثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الإمام ضامنٌ والمؤذن مؤتمنٌ، فأرشد الله الأئمة وغفر للمؤذنين)).
هذا حديث حسن، أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، والدارقطني والبيهقي من طرق متعددة عن الأعمش.
فمنهم من رواه هكذا. ومنهم من قال عنه: حدثت عن أبي صالح، وقال بعضهم عنه: نبئت، وقال بعضهم عنه: عن رجل عن أبي صالح، زاد بعضهم: ولا أراني إلا قد سمعته منه، وفي رواية إبراهيم بن حميد عنه مثله، لكن جزم فقال: قد سمعته منه، وفي رواية هشيم عنه: حدثني أبو صالح، وهاتان الأخيرتان شاذتان.
قال البيهقي: قد سمعه الأعمش من أبي صالح بيقين.
وقد رواه غيره عن أبي صالح، فخالف في الصحابي.
أخبرني الشيخ أبو عبد الله بن منيع الشبلي، قال: قرئ على زينب بنت(1/338)
أحمد المقدسية ونحن نسمع، عن محمد بن عبد الكريم، أنا وفاء بن أسعد، أنا أبو القاسم بن بيان، أنا أبو القاسم بن بشران، أنا أبو محمد الفاكهي، أنا أبو يحيى بن أبي مسرة، ثنا المقرئ -هو عبد الله بن يزيد- ثنا حيوة بن شريح، ثنا نافع بن سليمان، عن محمد بن أبي صالح، عن أبيه، أنه سمع عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الإمام ضامنٌ والمؤذن مؤتمنٌ، فأرشد الله الإمام وعفا عن المؤذن)).
أخرجه البيهقي عن يحيى بن إبراهيم المزكي، عن الفاكهي.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرج الأول عن أبي الحسين بن بشران.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان من رواية عبد الله بن وهب عن حيوة.
وأشار الترمذي إلى رواية حيوة هذه، ونقل عن البخاري أن رواية أبي صالح هذه عن عائشة أصح، وعن أبي زرعة عكس ذلك، ووافقه ابن خزيمة حيث قال: الأعمش أحفظ من مئتين من مثل محمد بن أبي صالح.
قلت: ويؤيده أنه جاء من رواية غير الأعمش عن أبي صالح بموافقته.
فأخرج الشافعي عن إبراهيم بن أبي يحيى عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة.
لكن رواه محمد بن جعفر بن أبي كثير -وهو من رجال الصحيحين- عن سهيل عن الأعمش، عن أبي صالح، فرجع إلى رواية الأعمش.
قال البيهقي بعد أن أخرجه: لم يسمعه سهيل من أبيه.(1/339)
وقال الدارقطني: رواه محمد بن جحادة وأبو إسحاق السبيعي عن أبي هريرة كما قال الأعمش.
قرأت على فاطمة بنت محمد المقدسية الصالحية، عن يحيى بن محمد بن سعد، قال: ثنا أبو العباس بن الحاج، أنا أبو صادق بن يحيى، أنا أبو محمد بن رفاعة، أنا أبو الحسن الخلعي، أنا عثمان بن محمد السمرقندي، ثنا أبو أمية الطرسوسي، ثنا موسى بن داود، ثنا زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، فذكر مثل الأول.
أخرجه ابن خزيمة عن موسى بن سهل، عن موسى بن داود.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
ووقعت لنا رواية محمد بن جحادة في الخلعيات أيضاً، لكن الراوي عنه ليس بمعتمد.
قوله: (متبرعاً).
تقدم في فصل الأذان ما يقتضيه.
وفي السنن الأربعة من حديث عثمان بن أبي العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يتخذ مؤذناً، لا يأخذ على أذانه أجراً.
قوله: (ويستحب أن يؤذن ويقيم قائماً على طهارة وفي موضع عال مستقبل القبلة).
أما القيام والطهارة فعند أبي الشيخ في كتاب: الأذان من رواية عبد الجبار بن وائل عن أبيه قال: حق وسنة ألا يؤذن إلا وهو طاهر، وألا يؤذن إلا وهو قائم.(1/340)
وأخرجه البيهقي، وقال: عبد الجبار لم يسمع من أبيه.
وعند الترمذي عن أبي هريرة: ((لا يؤذن إلا متوضئ)) أخرجه مرفوعاً وموقوفاً، ورجح الموقوف، وفي سند كل منهما انقطاع.
وأما الموضع العالي فعند أبي داود بسند حسن عن امرأة من الأنصار قالت: كان بيتي أطول بيت في المدينة، وكان بلال يؤذن عليه.
وعند أبي الشيخ في كتاب: الأذان من حديث أبي برزة الأسلمي قال: من السنة الأذان في المنارة.
وأخرجه البيهقي من طريقه، وقال: إسناده واه.
وأما الاستقبال فوقع في بعض الطرق من قصة عبد الله بن زيد في رؤياه الأذان، قال: فرأيت رجلاً عليه ثوبان أخضران استقبل القبلة فقال: الله أكبر الله أكبر، وساق الحديث.
هكذا في رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل في السنن.
وعبد الرحمن عن معاذ منقطع، والله تعالى أعلم.(1/341)
[[باب: ما يقول من سمع المؤذن والمقيم
روينا عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن)) رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاةً صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلةٌ في الجنة لا تنبغي إلا لعبدٍ من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة)) رواه مسلم في صحيحه.]]
(72)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا شيخنا ومولانا قاضي القضاة ملك العلماء، شيخ الإسلام، حافظ الزمان، إملاء من حفظه ولفظه في يوم الثلاثاء حادي عشر شوال من(1/342)
شهور سنة ثمان وثلاثين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
قوله: ((باب: ما يقول من سمع المؤذن والمقيم)).
ذكر فيه أحاديث.
الحديث الأول:
أخبرني الإمام أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن عمر النابلسي ثم الصالحي بها، قال: أنا أبو الحسن بن هلال، وأبو عبدالله العسقلاني، قالا: أنا أبو إسحاق بن نصر، قال: أنا أبو الحسن الطوسي، ثنا أبو محمد السيدي، أنا أبو عثمان البحيري، أنا أبو علي السرخسي، أنا أبو إسحاق الهاشمي، أنا أبو مصعب الزهري، أنا مالك، عن الزهري، عن عطاء بن يزيد، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن)).
هذا حديث صحيح، أخرجه أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي، ويحيى بن سعيد القطان، ومحمد بن جعفر.
وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف.
ومسلم عن يحيى بن يحيى.
وأبو داود عن القعنبي.(1/343)
والترمذي.
والنسائي عن قتيبة.
والنسائي أيضاً من رواية يحيى القطان.
والترمذي أيضاً من رواية معن بن عيسى.
وابن ماجه من رواية زيد بن الحباب.
وابن خزيمة.
وأبو عوانة من رواية عبد الله بن وهب.
عشرتهم عن مالك.
قال الترمذي: حسن صحيح، وروى معمر وغير واحد عن الزهري هكذا.
ورواه عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري فقال: عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، والصحيح رواية مالك ومن تابعه.
قلت: رواية معمر أخرجها عبد الرزاق في مصنفه عنه، وعن مالك جميعاً عن الزهري.(1/344)
ورواية الغير لعله يريد ابن جريج، وقد أخرجه أبو عوانة من روايته عن الزهري.
فرواية ابن وهب عند أبي عوانة.
ورواية عثمان بن عمر.
أخبرني بها أبو العباس بن تميم الدمشقي، أنا أبو العباس الصالحي، عن محمد بن مسعود، أنا عبد الأول بن عيسى، أنا عبد الرحمن بن محمد، أنا عبد الله بن أحمد، أنا عيسى بن عمر، أنا عبد الله بن عبد الرحمن، أنا عثمان بن عمر، أنا يونس، عن الزهري، فذكره بلفظ: ((إذا سمعت المؤذن فقولوا مثل ما يقول)).
أخرجه أحمد عن عثمان بن عمر.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه ابن خزيمة عن عمرو بن علي.
وأبو عوانة عن محمد بن إسحاق الصغاني ويزيد بن سنان.
ثلاثتهم عن عثمان بن عمر.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
ورواية عبد الرحمن بن إسحاق التي أشار إليها الترمذي.
أخرجها النسائي.(1/345)
وابن ماجه من روايته.
وحكم أحمد بن صالح وأبو حاتم والدراقطني عليها بالشذوذ.
وحكى الدارقطني في ((غرائب مالك)) أن بعضهم رواه عن مالك فقال: عن الزهري عن أنس.
وأوردها أبو نعيم في ((الحلية)) في ترجمة مالك.
وخطأها هو والدراقطني.
وروي عن الزهري عن السائب بن يزيد، ذكره ابن عبد البر، وخطأه أيضاً.
وذكر الدارقطني في ((العلل)) أن بعضهم رواه عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد، وساقه في ((الغرائب))، وقال: المحفوظ ما في الموطأ.
قلت: ومعظم من رواه ذكره بصيغة الأمر، وأغرب زيد بن الحباب، فذكره بلفظ: كان إذا سمع المؤذن قال مثل ما يقول.
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه عنه.
الحديث الثاني:
أخبرني الشيخ أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد البزاز، أنا علي بن إسماعيل، أنا عبد اللطيف بن عبد المنعم، عن أبي الحسن بن محمد بن منصور، أنا أبو علي الحداد، أنا أبو نعيم في المستخرج، ثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم، ثنا محمد بن الحسن بن قتيبة، ثنا حرملة بن يحيى، ثنا(1/346)
عبد الله بن وهب، أخبرني حيوة بن شريح، عن كعب بن علقمة، أنه سمع عبد الرحمن بن جبير يحدث، أنه سمع عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه ما من أحدٍ يصلي علي صلاةً إلا صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلةٌ في الجنة لا تنبغي إلا لعبدٍ من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة)).
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم.
وأبو داود.
جميعاً عن محمد بن سلمة عن ابن وهب.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وزادا في روايتهما مع حيوة سعيد بن أبي أيوب، وثالثاً سماه أبو داود، وأبهمه مسلم، وهو عبد الله بن لهيعة.
وقد وقع لنا من وجه آخر عن حيوة وسعيد أعلى من هذه بدرجة أخرى.
أخبرني الشيخ أبو إسحاق التنوخي، أنا أحمد بن أبي طالب، [سماعأً، وإسماعيل بن يوسف كتابة،] قالا: أنا أبو المنجى بن اللتي، [قال الأول: إجازة، والثاني: سماعاً]، أنا أبو الحسن بن داود، أنا أبو محمد بن أعين، أنا إبراهيم بن خزيم، أنا عبد بن حميد، أنا عبد الله بن يزيد -هو المقرئ- (ح).
وقرأت على المحب محمد بن محمد السلبي، عن أبي محمد بن أبي(1/347)
التائب سماعاً، أنا محمد بن أبي بكر البلخي، عن السلفي، أنا أبو القاسم بن بيان، أنا أبو القاسم بن بشران، أنا أبو محمد الفاكهي، أنا ابن أبي ميسرة، ثنا المقرئ، ثنا حيوة بن شريح (ح).
وبه إلى ابن أبي ميسرة، ثنا المقرئ، ثنا سعيد بن أبي أيوب، كلاهما عن كعب بن علقمة، فذكر مثله، لكن بالعنعنة، وبالواو بدل ثم في الموضعين.
وقال في آخره: ((حلت عليه شفاعتي يوم القيامة)).
أخرجه أحمد عن المقرئ.
وأبو عوانة عن ابن أبي ميسرة.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه الترمذي عن محمد بن إسماعيل.
وابن خزيمة عن محمد بن أسلم وموسى بن النعمان.
ثلاثتهم عن المقرئ، قال بعضهم: عن حيوة، وبعضهم: عن سعيد.
وأخرجه البيهقي عن أبي الحسين بن بشران عن الفاكهي.
فوقع لنا بدلاً عالياً على جميعهم ولله الحمد.(1/348)
[[وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهد أن محمداً رسول الله، قال: أشهد أن محمداً رسول الله؛ ثم قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على الفلاح: قال: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ ثم قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله أكبر الله أكبر؛ ثم قال: لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة)) رواه مسلم في صحيحه.
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال حين يسمع المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله رباً، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم رسولاً، وبالإسلام ديناً، غفر له ذنبه)) وفي رواية ((من قال حين يسمع المؤذن: وأنا أشهد)) رواه مسلم في صحيحه.]]
(73)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم كثيراً.
حدثنا سيدنا شيخنا ومولانا قاضي القضاة، شيخ الإسلام، حافظ الوقت -أمتع الله بوجوده- إملاء من حفظه ولفظه كعادته في يوم الثلاثاء(1/349)
خامس عشر [ي] من شوال من شهور سنة ثمان وثلاثين وثمانمئة قال: وأنا أسمع:
ولعبد الله بن عمرو حديث آخر أخرجه أبو داود والنسائي، وصححه ابن حبان ولفظه: إن رجلاً قال: يا رسول الله إن المؤذنين يفضلوننا، فقال: ((قل كما يقولون، فإذا انتهيت فسل تعط)).
الحديث الثالث:
قرأت على أبي بكر بن إبراهيم بن العزوب البنا، [و] أحمد بن أبي بكر بن العز، كلاهما عن أبي عبد الله بن الزراد، قال الثاني: سماعاً، والأول: إجازة إن لم يكن سماعاً، أنا الحافظ أبو علي البكري، أنا عبد المعز بن محمد، أنا أبو القاسم بن طاهر، أنا محمد بن محمد بن يحيى، أنا أبو طاهر بن الفضل، أنا جدي أبو بكر بن خزيمة، حدثنا يحيى بن محمد بن السكن، ثنا محمد بن جهضم، ثنا إسماعيل بن جعفر، ثنا عمارة بن غزية، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبيه، عن جده، عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال أشهد أن محمداً رسول الله، قال: أشهد أن محمداً رسول الله، ثم قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله، دخل الجنة)).(1/350)
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم عن إسحاق بن منصور.
وأبو داود عن محمد بن المثنى.
كلاهما عن محمد بن جهضم.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
ووقع لنا من وجه آخر عن إسماعيل بن جعفر بعلو درجة أخرى.
وبالسند الماضي إلى أبي نعيم في ((المستخرج)) قال: حدثنا فاروق بن عبد الكبير، ثنا عبد العزيز بن معاوية، ثنا إسماعيل بن جعفر، فذكر بإسناده مثله، لكن قال في آخره: ((خالصاً من قلبه دخل الجنة)).
أخرجه أبو عوانة عن أبي أمية الطرسوسي عن عبد العزيز بن معاوية.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وقد جاء عن معاوية نحو حديث عمر.
وبالسند الماضي قريباً إلى الدارمي ثنا سعيد بن عامر، ثنا محمد بن عمرو -يعني ابن علقمة بن وقاص الليثي، عن أبيه، عن جده، أن معاوية سمع المؤذن قال: الله أكبر الله أكبر قال: الله أكبر الله أكبر، فساق ألفاظ الأذان كلها والحوقلة في جواب الحيعلتين، ثم قال: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا حديث حسن من هذا الوجه، أخرجه أحمد عن يحيى بن سعيد(1/351)
القطان عن محمد بن عمرو.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه النسائي من رواية يحيى القطان ومن طريق أخرى عن عبد الله بن علقمة بن وقاص عن أبيه.
وأخرجه الطحاوي عن بكار بن قتيبة عن سعيد بن عامر.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأصل الحديث في البخاري من رواية يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم عن عيسى بن طلحة، عن معاوية بذكر التكبير والتشهد فقط، وقال في آخره: قال يحيى: وبلغني أنه لما قال: حي على الصلاة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ولعل الذي بلغ يحيى عبد الله بن علقمة، أو آخر.
الحديث الرابع:
أخبرني الشيخ أبو إسحاق التنوخي، عن يحيى بن فضل الله فيما سمع عليه، عن أبي العباس بن مسلمة، أنا الحافظ أبو القاسم بن عساكر، أنا أبو المظفر عبد المنعم بن أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري، أنا أبي، أنا أبو الحسين الخفاف، ثنا أبو العباس السراج، ثنا قتيبة بن سعيد (ح).
وبالسند الماضي قريباً إلى عبد بن حميد، ثنا وهب بن جرير -واللفظ(1/352)
له- قالا: ثنا الليث بن سعد، عن حكيم بن عبد الله بن قيس، عن عامر بن سعد -يعني ابن أبي وقاص- عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال حين يسمع النداء: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ رسولاً غفر له ذنبه، فقلت: ما تقدم من ذنبه؟ فقال: ما هكذا قال سعد، قال: غفر له ذنبه، وقال قتيبة في روايته ((المؤذن)) بدل ((النداء)) وقال: ((نبياً)) بدل ((رسولاً))، ولم يذكر السؤال ولا الجواب.
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي جميعاً عن قتيبة.
فوقع لنا موافقة عالية فيه، وبدلاً عالياً في الآخر.
وقد رواه بعضهم عن الليث بهذا الإسناد فقال في آخره: ((غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر)) وقد أوضحت ذلك في كتاب ((الخصال المكفرة)) والله أعلم.
[[وروينا في سنن أبي داود، عن عائشة رضي الله عنها بإسناد صحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع المؤذن يتشهد، قال: ((وأنا وأنا)).
وروينا في كتاب ابن السني عن معاوية: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا(1/353)
سمع المؤذن يقول: حي على الفلاح، قال: ((اللهم اجعلنا مفلحين)).]]
(74)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا شيخنا، سيدنا، ومولانا قاضي القضاة، شيخ الإسلام -أمتع الله بوجوده- إملاء من حفظه، وقراءة من المستملي عليه يوم الثلاثاء ثاني ذي القعدة الحرام من شهور سنة ثمان وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
ووجدت لحديث سعد شاهداً عن أبي هريرة، وفيه زيادات.
أخبرني أبو الحسن محمد بن علي بن محمد بن عقيل رحمه الله، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن محمد المقدسي بمصر، أنا أحمد بن عبد الدائم بن نعمة، أنا يحيى بن محمود الثقفي، أنا أبو القاسم الطلحي، أنا أحمد بن علي بن خلف، أنا حمزة بن عبد العزيز، أنا عبد الله بن محمد الرازي، أنا الفضل بن محمد الشعراني، أنا أبو الوليد هشام بن إبراهيم المخزومي، ثنا موسى بن جعفر بن أبي كثير، عن عمه، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال إذا سمع المؤذن كما يقول: ثم قال: رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً، وبالقرآن إماماً وبالكعبة قبلةً، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اكتب شهادتي هذه في عليين، وأشهد عليها ملائكتك المقربين وأنبياءك والمرسلين وعبادك الصالحين واختم عليها بآمين، واجعل لي عهداً توفينيه يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد بدرت بطاقةٌ(1/354)
من تحت العرش قد عتقت من النار)).
هذا حديث غريب، أورده الأصبهاني في كتاب ((الترغيب)) هكذا، ورجاله معروفون إلا عم موسى، فلا يعرف اسمه، ولا حاله.
وأما موسى فذكره العقيلي في ((الضعفاء))، وأورد له من رواية هشام عنه عن عمه حديثاً غير هذا.
الحديث الخامس:
أخبرني الإمام العلامة شيخ الحفاظ أبو الفضل بن الحسين رحمه الله، أخبرني عبد الله بن محمد العطار، أنا علي بن أحمد الصالحي، كتب إلينا أبو عبد الله بن أبي زيد، أنا محمود الصيرفي، أنا أحمد بن محمد الأصبهاني، أنا أبو القاسم الطبراني، ثنا الحسن بن العباس الرازي، وموسى بن هارون، قالا: ثنا سهل بن عثمان العسكري، ثنا حفص بن غياث، عن هشام -هو ابن عروة- عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع النداء قال: ((وأنا وأنا)).
هذا حديث حسن صحيح، أخرجه أبو داود عن إبراهيم بن مهدي عن علي بن مسهر عن هشام، ولفظه: كان إذا سمع المؤذن يتشهد.
وأخرجه ابن حبان عن الحسن بن سفيان عن سهل بن عثمان كما سقته.
فوقع لنا بدلاً عالياً.(1/355)
وأخرجه الحاكم من وجه آخر عن سهل، وقال: صحيح على شرطهما.
وأخرجه البزار عن العباس بن أبي طالب عن إبراهيم بن مهدي كرواية أبي داود، وقال: أرسله جماعة عن هشام، ووصله حفص وعلي، وقد رواه عمرو بن ميمون عن أبيه، عن عائشة.
وذكر الدارقطني في ((العلل)) الخلاف فيه، ورجح إرساله.
وبهذا السند إلى الطبراني قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو نعيم، ثنا سفيان الثوري، عن هشام، عن أبيه، فذكره مرسلاً مثل رواية حفص.
وهكذا أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في ((المصنف)) عن أبي معاوية ووكيع، كلاهما عن هشام.
وهكذا أرسله عبد الله بن داود عن هشام.
ووقعت لي رواية عمرو بن ميمون التي أشار إليها البزار.
وبه إلى الطبراني ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا عبد الواحد بن زياد، عن عمرو بن ميمون -يعني ابن مهران- عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع المؤذن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله يقول: ((وأنا أشهد أن لا إله إلا الله)) وإذا سمعه يقول: أشهد أن محمداً رسول الله يقول: ((وأنا أشهد أن محمداً رسول الله)).
أخرجه أحمد عن عفان عن عبد الواحد بن زياد.
فوقع لنا بدلاً عالياً. ورجاله رجال مسلم، وفيه إشارة إلى أن في قوله(1/356)
في الرواية الأولى: ((وأنا وأنا)) اختصاراً بينته هذه الرواية، وأن ذلك يختص بالشهادتين كما في رواية أبي داود، ولا يشمل جميع ألفاظ الأذان.
(تنبيه) ذكر الشيخ أن أبا داود أخرجه بإسناد صحيح، وهو كما قال، وإنما جمعت فيه بين الوصفين للاختلاف في وصله وإرساله، ولمجيئه من وجه آخر.
الحديث السادس:
وبالسند الماضي قريباً إلى ابن السني حدثني أبو طالب بن أبي عوانة، ثنا سليمان بن سيف، ثنا عبد الله بن واقد، ثنا نصر بن طريف، عن عاصم بن بهدلة، عن أبي صالح، عن معاوية بن أبي سفيان، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع المؤذن يقول: حي على الفلاح قال: ((اللهم اجعلنا مفلحين)).
هذا حديث غريب في سنده نصر بن طريف، وهو بطاء مهملة مفتوحة وآخره فاء وهو القصاب، كنيته أبو جزي بفتح الجيم وكسر الزاي، وهو بها أشهر، وهو متروك عندهم، والراوي عنه مشهور بكنيته أيضاً، وهو أبو قتادة الحراني، قال البخاري: تركوه، وإنما سميا ليخفيا من شدة ضعفهما.
وقد أخرج أحمد والطبراني من رواية حماد بن سلمة عن عاصم بهذا الإسناد أنه قال كما قال المؤذن إلى قوله: أشهد أن محمداً رسول الله، وزاد الطبراني من رواية أبان العطار عن عاصم: ثم صمت.
فظهر بذلك أن الذي زاده نصر لم يتابع عليه، والله أعلم.(1/357)
[[وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته. حلت له شفاعتي يوم القيامة)) رواه البخاري في صحيحه.
وروينا في سنن أبي داود، عن رجل، عن شهر بن حوشب، عن أبي أمامة -أو عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم- أن بلالاً أخذ في الإقامة، فلما قال: قد قامت الصلاة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أقامها الله وأدامها))، وقال في سائر ألفاظ الإقامة كنحو حديث عمر في الأذان.
وروينا في كتاب ابن السني، عن أبي هريرة: أنه كان إذا سمع المؤذن يقيم يقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، صل على محمد وآله يوم القيامة.]]
(75)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم في يوم الثلاثاء تاسع ذي قعدة الحرام من شهور سنة ثمان وثلاثين وثمانمئة حدثنا شيخنا، وشيخ الإسلام، قاضي القضاة، إمام الحفاظ، -متع الله بطول حياته- إملاء من حفظه، وقراءة من المستملي عليه بعد كعادته قال وأنا أسمع:(1/358)
الحديث السابع وهو في الأصل السادس، وإنما أخر سهواً.
أخبرني المسند أبو محمد عبد الله بن عمر بن علي رحمه الله، أنا أحمد بن علي بن أيوب، أنا أبو الفرج الحراني، أنا أبو أحمد الأمين، أنا أبو القاسم الكاتب، أنا أبو طالب البزاز، أنا أبو بكر الشافعي، ثنا إبراهيم بن الهيثم (ح).
وبالسند الماضي آنفاً إلى الطبراني في ((الدعاء)) ثنا أبو زرعة الدمشقي، قالا: ثنا علي بن عياش الحمصي، ثنا شعيب بن أبي حمزة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته حلت عليه الشفاعة يوم القيامة)).
لفظ إبراهيم، وفي رواية أبي زرعة: ((المقام المحمود)) باللام فيهما.
هذا حديث صحيح، أخرجه أحمد عن علي بن عياش.
والطحاوي عن أبي زرعة الدمشقي.
فوقع لنا موافقة عالية فيهما.
وأخرجه أبو داود عن أحمد.
والترمذي عن محمد بن سهل، وإبراهيم بن يعقوب.(1/359)
والنسائي عن عمرو بن منصور.
وابن ماجه عن العباس بن الوليد، ومحمد بن يحيى، ومحمد بن أبي الحسين.
وابن خزيمة عن موسى بن سهل.
ثمانيتهم عن علي بن عياش.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه ابن حبان عن ابن خزيمة.
وأخرجه الحاكم من رواية محمد بن يحيى الذهلي، ووهم في استدراكه؛ فإن البخاري أخرجه في الموضعين من صحيحه في أبواب الأذان، وتفسير سبحان عن علي بن عياش بهذا الإسناد.(1/360)
ووقع في روايته مقاماً محموداً كما قال الأكثر.
ووقع باللام أيضاً في رواية النسائي، وابن خزيمة.
وفي رواية للبيهقي، وزاد في آخره: ((إنك لا تخلف الميعاد)).
الحديث الثامن:
أخبرني أبو علي محمد بن أحمد بن علي بن عبد العزيز رحمه الله، أنا يونس بن إبراهيم بن عبد القوي إجازة ومشافهة إن لم يكن سماعاً، أنا أبو الحسن بن المقير كذلك، أنا الفضل بن سهل في كتابه، عن الحافظ أبي بكر بن ثابت، أنا القاسم بن جعفر، أنا محمد بن أحمد بن عمرو، ثنا سليمان بن الأشعث، ثنا سليمان بن داود العتكي، ثنا محمد بن ثابت، قال: حدثني رجل من أهل الشام، عن شهر بن حوشب، عن أبي أمامة رضي الله عنه، وعن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أن بلالاً أخذ في الإقامة، فلما قال: قد قامت الصلاة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أقامها الله وأدامها)) وقال في سائر ألفاظ الإقامة كنحو حديث عمر في الأذان.
هذا حديث غريب، أخرجه أبو داود هكذا، وسكت عليه.
وفي سنده الراوي المبهم، وفي شهر بن حوشب مقال، لكن حديثه حسن إذا لم يخالف، ومحمد بن ثابت المذكور هو العبدي، فيه مقال أيضاً، وقد رواه وكيع عنه فلم يذكر في السند شهر بن حوشب.
أخرجه الطبراني في ((الدعاء)) عن عبد الله بن أحمد عن أبيه عن وكيع، ولم أره في مسنده، ولا معجم الطبراني.(1/361)
وأخرجه ابن السني عن أبي القاسم البغوي عن أبي الربيع الزهراني، وهو سليمان العتكي المذكور في روايتنا.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
ولم أر في روايته ولا رواية وكيع ما بعد قوله: ((وأدامها)).
الحديث التاسع:
وبالسند الماضي إلى ابن السني قال: حدثنا أبو يعلى الموصلي، ثنا غسان بن الربيع، ثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن عطاء بن ثوبان، عن عطاء بن قرة، عن عبد الله بن ضمرة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه كان يقول إذا سمع المؤذن يقيم: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة صل على محمد وآته سؤله يوم القيامة.
هكذا أورده موقوفاً.
وقد خولف عطاء بن قرة -وفيه مقال- في صحابيه، وفي رفعه.
وبه إلى الطبراني في ((الدعاء)) قال: حدثنا عبد الله بن وهب الغزي، ثنا محمد بن أبي السري، ثنا عمرو بن أبي سلمة، ثنا صدقة بن عبد الله، ثنا سليمان بن أبي كريمة، عن عطاء بن قرة، عن عبد الله بن ضمرة، عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا سمع المؤذن، فذكره. وزاد: وكان يسمعها من حوله، ويحب أن يقولوا مثله، وقال: ((من قال ذلك إذا سمع المؤذن وجبت له الشفاعة يوم القيامة)).
هذا حديث غريب، وفي سنده جماعة من الضعفاء، لكن لم يتركوا، ويغتفر في فضائل الأعمال لا سيما مع شواهده، والله أعلم.(1/362)
[[باب: الدعاء بعد الأذان
روينا عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة)) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن السني وغيرهم. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وزاد الترمذي في روايته في كتاب الدعوات من جامعه، قالوا: فماذا نقول يا رسول الله؟! قال: ((سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة)).]]
(76)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ثم حدثنا سيدنا، وشيخنا، ومولانا، شيخ الإسلام، قاضي القضاة، إمام الحفاظ الشهابي، المشار إليه -أمتع الله به- إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء سادس عشر شهر ذي قعدة الحرام شهر سنة تاريخه قال وأنا أسمع:
قوله: ((باب: الدعاء بعد الأذان) روينا عن أنس .. إلى أخره).
أخبرني الشيخ الإمام أبو الفضل الحافظ -رحمه الله- بالسند الماضي قريباً إلى الطبراني في الدعاء، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أنا(1/363)
عبد الرزاق، أنا الثوري، عن زيد العمي، عن أبي إياس -هو معاوية بن قرة- عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة)).
هذا حديث حسن، وهو غريب من هذا الوجه، أخرجه أبو داود عن محمد بن كثير عن سفيان الثوري.
وأخرجه الترمذي والنسائي في الكبرى جميعاً عن محمود بن غيلان، عن وكيع، وأبي أحمد الزبيري، وأبي نعيم، زاد الترمذي وعبد الرزاق أربعتهم عن سفيان الثوري.
فوقع لنا بدلاً عالياً من وجه بالنسبة لرواية أبي داود المتصلة بالسماع، وبدرجتين بالنسبة لرواية الترمذي كذلك، وبثلاث بالنسبة لرواية النسائي، وسكت عليه أبو داود؛ إما لحسن رأيه في زيد العمى، وإما لشهرته في الضعف، وإما لكونه في فضائل الأعمال، وضعفه النسائي، فأما الترمذي فقال: هذا حديث حسن، وقد رواه أبو إسحاق -يعني السبيعي- عن بريد بن أبي مريم، عن أنس.
قال أبو الحسن بن القطان: وإنما لم نصححه لضعف زيد العمي، وأما بريد فهو موثق، وينبغي أن يصحح من طريقه.
وقال المنذري: طريق بريد أجود من طريق معاوية، وقد رواه قتادة عن أنس موقوفاً، ورواه سليمان التيمي عن أنس مرفوعاً، انتهى.
وقد نقل المصنف أن الترمذي صححه، ولم أر ذلك في شيء من(1/364)
النسخ التي وقفت عليها، ومنها بخط الحافظ أبي علي الصيرفي، ومنها بخط أبي الفتح الكروخي، وكلام ابن القطان والمنذري يعطي ذلك، ويبعد أن الترمذي يصححه مع تفرد زيد العمي به وقد ضعفوه.
نعم طريق بريد التي أشار إليها صححها ابن خزيمة، وابن حبان.
أخبرني العماد أبو بكر بن العز بالسند الماضي قريباً إلى ابن خزيمة، ثنا أحمد بن المقدام العجلي، ثنا يزيد بن زريع، ثنا إسرائيل بن يونس، عن أبي إسحاق، عن بريد بن أبي مريم، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد فادعوا)).
هكذا أخرجه ابن خزيمة بهذه الزيادة.
وأخرجه من طرق أخرى عن أبي إسحاق، وعن يونس بن أبي إسحاق بدونها.
وأخرجه النسائي عن إسماعيل بن مسعود عن زيد بن زريع بمثله.
فوقع لنا بدلاً عالياً بدرجتين.
وأخرجه ابن حبان عن أبي يعلى الموصلي، عن محمد بن المنهال، عن يزيد بن زريع.
فوقع لنا عالياً بدرجة. ووقع في روايته: ((مستجابٌ)) بدل: ((لا يرد)).
ووقع لنا من وجه آخر أعلى بدرجة أخرى.
وبالسند الماضي إلى الطبراني ثنا عثمان بن عمر الضبي، ثنا عبد الله بن رجاء، ثنا إسرائيل، بسنده المذكور كاللفظ الأول.(1/365)
وهكذا أخرجه الإمام أحمد بن حنبل، وأحمد بن منيع في مسنديهما عن حسين بن محمد زاد الأول والأسود بن عامر.
وأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن سنجر في مسنديهما عن عبيد الله بن موسى، كلهم عن إسرائيل.
قوله: (وزاد الترمذي .. .. إلى آخره). هو كمال قال: لكن ليست الزيادة في الرواية الأولى التي حسنها أو صححها، وإنما أخرجها من وجه آخر من رواية يحيى بن يمان عن الثوري، وقال: تفرد به يحيى بن يمان بهذا الحرف -يعني الزيادة- ويحيى بن يمان كان رجلاً صالحاً لكنهم اتفقوا على أنه كان كثير الخطأ، ولا سيما في حديث الثوري.
قال ابن حبان: شغلته العبادة عن الحديث.
وأما رواية قتادة التي أشار إليها الترمذي فأخرجها النسائي في الكبرى موقوفة كما قال.
وأما رواية سليمان التيمي فوقعت لنا في ((الثقفيات)) وغيرها، وقد أمليتها في ((عشاريات الصحابة)) وسأذكرها بعد قليل إن شاء الله تعالى.
وقد أخرج هذا الحديث أيضاً الحاكم في ((المستدرك)) من رواية حميد عن أنس، لكن الراوي له عن حميد ضعيف جداً، فكأن الحاكم خفي عليه حاله.
ورواه أيضاً عن أنس يزيد بن أبان الرقاشي، وهو ضعيف.(1/366)
أخرجه الطبراني من طريقه مطولاً ومختصراً، والله أعلم.
[[وروينا عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رجلاً قال: يا رسول الله! إن المؤذنين يفضلوننا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قل كما يقولون فإذا انتهيت فسل تعطه)) رواه أبو داود ولم يضعفه.
وروينا في سنن أبي داود أيضاً، في كتاب الجهاد بإسناد صحيح، عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثنتان لا تردان -أو قال: ما تردان- الدعاء عند النداء، وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضاً)) قلت: في بعض النسخ المعتمدة يلحم بالحاء، وفي بعضها بالجيم، وكلاهما ظاهر.]]
(77)
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم حدثنا شيخنا المشار إليه كعادته يوم الثلاثاء ثالث عشر [ين] ذي قعدة شهر سنة تاريخه قال وأنا أسمع:
قوله: (فروينا عن عبد الله بن عمرو .. .. إلى آخره).
وبالسند الماضي قريباً إلى الطبراني في الدعاء، ثنا إسماعيل بن الحسن الخفاف، ثنا أحمد بن صالح، ثنا عبد الله بن وهب، حدثني حيي بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، أن رجلاً(1/367)
قال: يا رسول الله إن المؤذين يفضلوننا، فقال: ((قل كما يقولون، فإذا انتهيت فسل تعطه)).
هذا حديث حسن، أخرجه أبو داود والنسائي في الكبرى جميعاً عن محمد بن سلمة المرادي، عن ابن وهب. فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه أبو داود أيضاً من حديث أبي طاهر بن السرح، عن ابن وهب.
وأخرجه ابن حبان في صحيحه من طريق أبي الطاهر، ورجاله موثقون من رجال الصحيح إلا حيي بن عبد الله -وهو بضم المهملة وفتح المثناة التحتية وبعدها مثلها مثقلة- معافري مصري مختلف فيه، ضعفه البخاري، ولينه أحمد والنسائي.
وقال ابن معين وابن عدي: لا بأس به.
وذكره ابن حبان في الثقات.
وتابعه عمر مولى غفرة -بضم المعجمة وسكون الفاء- عن الحبلي.
أخرجه الطبراني في الدعاء أيضاً بسند ضعيف.
واسم أبي عبد الرحمن الحبلي عبد الله بن يزيد - وهو بضم المهملة والموحدة وكسر اللام الخفيفة بعدها ياء النسب.
قوله: (وروينا في سنن أبي داود .. .. إلى آخره).
قرأت على فاطمة بنت المنجا، عن سليمان بن حمزة، أنا الحافظ الضياء، أنا أبو جعفر الصيدلاني، أنا أبو علي الحداد، أنا أبو نعيم، ثنا عبد الله بن جعفر، ثنا إسماعيل بن عبد الله، ثنا سعيد بن الحكم -يعني ابن(1/368)
أبي مريم- ثنا موسى بن يعقوب، حدثني أبو حازم، عن سلمة بن دينار، أن سهل بن سعد حدثه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثنتان لا تردان: الدعاء عند النداء، وعند الصف في سبيل الله حين يلحم بعضهم بعضاً)).
وبه إلى سعيد قال: وحدثني موسى عن رزيق بن سعيد بن عبد الرحمن عن أبي حازم قال: ((وتحت المطر)).
هذا حديث حسن صحيح، أخرجه أبو داود عن الحسن بن علي الحلواني.
والدارمي، وابن خزيمة، وابن الجارود الثلاثة عن محمد بن يحيى الذهلي.
وأخرجه الحاكم من رواية أحمد بن مهران، ومن رواية عبيد بن شريك.
وأخرجه ابن خزيمة أيضاً عن زكريا بن يحيى بن أبان.
خمستهم عن سعيد بن أبي مريم.
فوقع لنا بدلاً عالياً، ورجاله رجال الصحيح إلا موسى، وهو مدني مختلف فيه، ورزيق الذي أتى بالزيادة مجهول لا يعرف له راو إلا موسى، ولا رواية إلا هذا الحديث.
قال الحاكم: رواه مالك عن أبي حازم موقوفاً.(1/369)
قلت: مراده أصل الحديث، وقد أخرجه مالك في الموطأ موقوفاً، واتفق على ذلك رواة الموطأ. ورواه بعض الثقات عن مالك مرفوعاً.
أخبرني أبو المعالي محمد بن محمد بن محمد السلعوس الدمشقي بها، أنا عبد الله بن الحسين الأنصاري، أنا إسماعيل بن أحمد العراقي، عن شهدة الكاتبة، قالت: أنا الحسين بن أحمد، أنا أبو الحسين بن بشران، ثنا أبو جعفر محمد بن عمرو البزاز، ثنا يحيى بن جعفر، ثنا إسماعيل بن عمر الواسطي، أنا مالك، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ساعتان تفتح فيهما أبواب السماء، وقلما ترد على داعٍ دعوته: عند النداء، وعند الصف في سبيل الله)).
أخرجه الدارقطني في غرائب مالك عن أبي بكر النيسابوري عن يحيى بن جعفر.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه ابن حبان في صحيحه من وجه آخر عن إسماعيل بن عمر.
وأخرجه أيضاً من رواية أيوب بن سويد.
وأخرجه الدارقطني أيضاً من رواية أيوب المذكور، ومن رواية بشر بن عمرو من رواية محمد بن مخلد الرعيني، كلهم عن مالك.
وقد وقع لنا من وجه ثالث عن أبي حازم أعلى مما تقدم.
قرأت على الشيخ أبي إسحاق بن كامل، عن محمد بن أبي بكر الأسدي، قال: قرئ على صفية بنت عبد الوهاب ونحن نسمع، عن محمود بن عبد الكريم، أنا أبو بكر بن ماجه، أنا أبو جعفر بن المرزبان، أنا أبو جعفر الحزوري، ثنا محمد بن سليمان بن حبيب، عن عبد الحميد بن(1/370)
سليمان، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، فذكر مثل حديث مالك مرفوعاً.
أخرجه الطبراني من رواية سعيد بن سليمان عن عبد الحميد.
فوقع لنا عالياً بدرجة أخرى.
وللزيادة التي في الرواية الأولى شاهد من حديث ابن عمر بزيادة فيه أيضاً.
أخرجه الطبراني في الدعاء بلفظ: ((تفتح أبواب السماء لقراءة القرآن وللقاء الزحف ولنزول القطر ولدعوة المظلوم وللأذان)).
تفرد به حفص بن سليمان، وهو ضعيف، والله أعلم.(1/371)
[[باب: ما يقول بعد ركعتي سنة الصبح
روينا في كتاب ابن السني عن أبي المليح، واسمه عامر بن أسامة، عن أبيه رضي الله عنه أنه صلى ركعتي الفجر، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى قريباً منه ركعتين خفيفتين، ثم سمعه يقول وهو جالس: ((اللهم رب جبريل وإسرافيل وميكائيل ومحمدٍ النبي صلى الله عليه وسلم، أعوذ بك من النار. ثلاث مراتٍ)).
وروينا فيه عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال صبيحة يوم الجمعة قبل صلاة الغداة: أستغفر الله الذي لا إله إلا الحي القيوم وأتوب إليه ثلاث مراتٍ، غفر الله تعالى ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر)).]]
(78)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا شيخنا الإمام الحافظ، المشار إليه إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء أول ذي الحجة الحرام آخر شهور سنة ثمان وثلاثين وثمانمئة .. قال وأنا أسمع:(1/372)
قوله: (باب ما يقول بعد ركعتي سنة الصبح)
ذكر فيه حديثين:
الأول:
قرأت على أم الحسن بنت محمد بن أحمد الدمشقية بها، عن أبي الربيع بن قدامة، أنا محمد بن عبد الواحد الحافظ، أنا محمد بن أحمد بن نصر، قال: قرئ على أم إبراهيم بنت عبد الله بن عقيل ونحن نسمع، عن محمد بن عبد الله التاجر سماعاً، أنا سليمان بن أحمد بن أيوب، ثنا إسحاق بن داود الصواف، قال: ثنا إبراهيم بن المستمر، ثنا عبد الوهاب بن عيسى، ثنا يحيى بن أبي زكريا الغساني، حدثني عباد بن سعيد، عن مبشر بن أبي المليح، عن أبيه، عن جده أسامة بن عمير رضي الله عنه، أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتي الفجر، فصلى قريباً منه، قال: فصلى ركعتين خفيفتين، فسمعته يقول: ((اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل ومحمدٍ أعوذ بك من النار)) ثلاث مرات.
هذا حديث حسن، أخرجه الدارقطني في ((الأفراد)) من رواية علي بن أحمد الجواربي.
وابن السني من رواية محمد بن سنجر عن عبد الوهاب بن عيسى.
وقال الدارقطني: تفرد به مبشر.
قلت: وهو بضم الميم وفتح الموحدة وكسر المعجمة المشددة، ذكره ابن حبان في الثقات، واسم أبيه أبي المليح عامر، وهو من رجال الصحيح.
وأما عباد بن سعيد فلم أر فيه جرحاً ولا تعديلاً، إلا أن ابن حبان ذكر(1/373)
في الثقات عباد بن سعيد، ولم يذكر ما يتميز به.
وأخرج هذا الحديث الحاكم عن الحسن بن محمد الأزهري، عن إسحاق بن داود.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وقد وجدت له شاهداً.
أخبرني التقي أبو محمد عبد الله بن محمد بن أحمد المقدسي فيما قرأت عليه بالصالحية، عن أبي عبد الله بن الزراد إجازة إن لم يكن سماعاً، قال: أنا محمد بن إسماعيل بن أبي الفتح، قال: قرئ على فاطمة بنت أبي الحسن ونحن نسمع، عن زاهر بن طاهر سماعاً، أنا محمد بن عبد الرحمن، أنا محمد بن أحمد بن حمدان، ثنا أحمد بن علي بن المثنى، ثنا سفيان بن وكيع، ثنا أبي، ثنا عبيد الله بن أبي حميد، عن أبي المليح، عن عبد الله بن رباح الأنصاري، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الركعتين قبل الصبح، ثم يقول وهو في مصلاه: ((اللهم رب جبريل ورب ميكائيل ورب إسرافيل ورب محمدٍ أعوذ بك من النار)) ثم يخرج إلى الصلاة.
وهذا السند ضعيف، في سفيان بن وكيع مقال، وعبيد الله بن أبي حميد متروك، وأبو المليح إن كان هو ابن أسامة المذكور أولاً فقد اختلف عليه في إسناده، وإن كان غيره فهو مجهول.
الحديث الثاني:
قرأت على فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي الصالحية بها، عن(1/374)
محمد بن محمد بن محمد الفارسي، أنا أبو محمد بن بنيمان في كتابه، قال: أخبرني جدي لأمي الحافظ أبو العلاء الحسن بن أحمد المقرئ، أنا أبو علي الحسن بن أحمد المقرئ، أنا أحمد بن عبد الله الحافظ، أنا أبو القاسم الطبراني في الأوسط، ثنا محمد بن عيسى بن السكن، ثنا إسماعيل بن عبد الله بن زرارة الرقي، ثنا عبد العزيز بن عبد الرحمن البالسي، عن خصيف، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال قبل صلاة الغداة يوم الجمعة: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاث مراتٍ غفرت له ذنوبه وإن كانت أكثر من زبد البحر)).
هذا حديث غريب، وسنده ضعيف جداً.
وقد ذكر الطبراني أنه لا يروى عن خصيف إلا بهذا الإسناد.
وخصيف بخاء معجمة وصاد مهملة وآخره فاء: مصغر، محدث مشهور، وفيه مقال، ولم يسمع من أنس، والراوي عنه متروك.
قال ابن عدي: روى عن خصيف عن أنس، وعن غير خصيف أحاديث بواطيل، انتهى.
وأخرج ابن السني هذا الحديث من رواية إسحاق بن خالد عن عبد العزيز المذكور.
وقد ذكر ابن حبان في ((الضعفاء)) أن إسحاق بن خالد روى عن عبد العزيز هذا شبيهاً بمئة حديث كلها مقلوبة.
قلت: ولأصل هذا الذكر شاهد حسن، أخرجه أبو داود والترمذي من رواية بلال بن يسار بن زيد مولى النبي صلى الله عليه وسلم عن أبيه عن جده، ليس فيه تقييد(1/375)
بوقت، وفي آخره: ((وإن كان فر من الزحف)) بدل: ((ولو كانت أكثر من زبد البحر)).
وله شاهد آخر عن أبي سعيد، أخرجه الترمذي.
وآخر عن ابن مسعود، أخرجه الحاكم.
وليس فيهما أيضاً تقييد بوقت.(1/376)
[[باب: ما يقول إذا انتهى إلى الصف
روينا عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى الصلاة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فقال حين انتهى إلى الصف: اللهم آتني أفضل ما تؤتي عبادك الصالحين، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: ((من المتكلم آنفاً؟ قال: أنا يا رسول الله! قال: إذن يعقر جوادك وتستشهد في سبيل الله تعالى)) رواه النسائي وابن السني، ورواه البخاري في تاريخه في ترجمة محمد بن مسلم بن عائذ.
باب: ما يقول عند إرادته القيام إلى الصلاة
روينا في كتاب ابن السني عن أم رافع رضي الله عنها، أنها قالت: يا رسول الله! دلني على عمل يأجرني الله عز وجل عليه؟ قال: ((يا أم رافع إذا قمت على الصلاة فسبحي الله تعالى عشراً، وهلليه عشراً، واحمديه عشراً، وكبريه عشراً، واستغفريه عشراً، فإنك إذا سبحت قال: هذا لي، وإذا هللت قال: هذا لي، وإذا حمدت، قال: هذا لي، وإذا كبرت قال: هذا لي، وإذا استغفرت قال: قد فعلت)).]](1/377)
(79)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا شيخنا حافظ العصر إملاء كعادته في يوم الثلاثاء ثامن ذي الحجة سنة تاريخه قال وأنا أسمع:
قوله: (باب: ما يقول إذا انتهى إلى الصف)
أخبرني الإمام أبو الفضل بن الحسين الحافظ رحمه الله، قال: أخبرني أبو محمد بن القيم، أنا أبو الحسن بن البخاري، عن محمد بن معمر، أنا سعيد بن أبي الرجاء، أنا أحمد بن محمد بن النعمان، أنا أبو بكر بن المقرئ، ثنا إسحاق بن أحمد بن نافع، ثنا محمد بن يحيى العدني، ثنا الدراوردي (ح).
وقرأت على العماد أبي بكر بن إبراهيم الصالحي بها، عن محمد بن أحمد بن أبي الهيجاء، أنا الحافظ أبو علي البكري، أنا أبو روح الهروي، أنا أبو القاسم المستملي، أنا محمد بن محمد بن يحيى المقرئ، أنا أبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة، أنا جدي، ثنا أحمد بن عبدة، ثنا عبد العزيز الدراوردي (ح).
وبالسند الماضي قرياً إلى الطبراني في الدعاء ثنا يحيى بن عثمان بن صالح، ثنا سعيد بن أبي مريم، ثنا عبد العزيز محمد -يعني الدراوردي- عن سهل بن أبي صالح، عن محمد بن مسلم بن عايذ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه رضي الله عنه، أن رجلاً أتى إلى الصف والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بنا فقال حيث انتهى إلى الصف: اللهم آتني أفضل ما تؤتي عبادك الصالحين، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: ((من المتكلم آنفاً؟ قال الرجل: أنا يا رسول(1/378)
الله. فقال: إذاً يعقر جوادك وتستشهد في سبيل الله)).
هذا حديث حسن، أخرجه النسائي في الكبرى عن محمد بن نصر، عن إبراهيم بن حمزة، عن الدراوردي.
فوقع لنا عالياً بثلاث درجات.
وأخرجه ابن السني عن النسائي.
وأخرجه ابن حبان عن ابن خزيمة.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه البخاري في ((التاريخ)) عن عبد العزيز بن عبد الله الأويسي.
وأبو يعلى في مسنده عن مصعب بن عبد الله الزبيري.
وابن أبي عاصم في الدعاء عن يعقوب بن حميد بن كاسب، ثلاثتهم عن الدراوردي.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه الحاكم من وجه آخر عن إبراهيم بن حمزة، وقال: صحيح على شرط مسلم.
قلت: لم يخرج مسلم لمحمد بن مسلم بن عايذ -بالمثناة التحتانية(1/379)
والمعجمة- وقد قال أبو حاتم الرازي، أنه مجهول وما وجدت عنه راوياً إلا سهيل بن أبي صالح، وهو من أقرانه.
نعم وثقه العجلي.
فأقوى رتب حديثه أن يكون حسناً.
وابن خزيمة وابن حبان ومن تبعهما لا يفرقون بين الصحيح والحسن.
قوله: (باب: ما يقول عند إرادته القيام إلى الصلاة).
قرأت [على] خديجة بنت إبراهيم بن إسحاق بن سلطان بدمشق، عن القاسم بن المظفر إجازة إن لم يكن سماعاً، وهي آخر من حدث عنه بالسماع، وعن أبي نصر بن العماد إجازة مكاتبة، كلاهما عن أبي الوفاء بن منده، وهما آخر من حدث عنه، أنا أبو الخير محمد بن أحمد بن عمر، أنا أبو عمرو بن أبي عبد الله بن منده، أنا أبي، أنا عبد الله بن محمد بن الحارث، ثنا عبد الله بن حماد، ثنا أبو اليمان الحكم بن نافع، عن عطاف بن خالد، عن زيد بن أسلم، عن أم رافع رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله دلني على عمل يأجرني الله عليه، فقال: ((يا أم رافعٍ إذا قمت إلى الصلاة فسبحي الله عشراً، وهلليه عشراً، واحمديه عشراً، وكبريه عشراً، واستغفريه عشراً، فإنك إذا سبحت قال: هذا لي، وإذا هللت قال: هذا لي، وإذا حمدت قال: هذا لي، وإذا كبرت قال: هذا لي، وإذا استغفرت قال: قد غفرت لك)).
هذا حديث حسن، أخرجه ابن السني من طريق علي بن عياش عن عطاف بن خالف، ورجاله موثقون، لكن في عطاف مقال يتعلق بضبطه، وقد تابعه بكير بن مسمار عن زيد بن أسلم، وسمى أم رافع فقال: عن سلمى(1/380)
أم بني أبي رافع، فذكر الحديث نحوه، لكن أطلق موضع القول والشيخ حمله على الإرادة.
ووقع لنا من وجه آخر ما قد يدل على أنه داخل الصلاة.
وبه إلى أبي عبد الله بن منده، أنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا يحيى بن أيوب، ثنا يحيى بن بكير، ثنا الليث بن سعد، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عبد الله بن وهب، عن أم رافع أنها قالت: يا رسول الله أخبرني بعمل أفتتح به صلاتي، فذكر الحديث نحوه.
وأخرج الترمذي وصححه عن أنس أن أم سليم قالت: يا رسول الله علمني كلمات أقولهن في صلاتي، فذكر نحوه.
وأخرجه أبو يعلى من وجه آخر عن أنس بلفظ: ((إذا صليت المكتوبة)).
وأفادت رواية هشام بن سعد زيادة راوٍ بين زيد بن أسلم وأم رافع، والله أعلم.(1/381)
[[باب: الدعاء عند الإقامة
روى الإمام الشافعي بإسناده في الأم حديثاً مرسلاً: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اطلبوا استجابة الدعاء عند التقاء الجيوش، وإقامة الصلاة، ونزول الغيث)) وقال الشافعي: وقد حفظت عن غير واحد طلب الإجابة عند نزول الغيث وإقامة الصلاة.]]
(80)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم في يوم الثلاثاء خامس عشر شهر [ذي] حجة سنة ثمان وثلاثين وثمانمئة حدثنا سيدنا ومولانا قاضي القضاة، شيخ الإسلام، المشار إليه إملاء من حفظه، وقراءة عليه من المستملي كعادته قال وأنا أسمع:
قوله: (باب: الدعاء عند الإقامة روى الشافعي .. إلى آخره).
قلت: أخرجه في أواخر الاستسقاء عمن لا يتهم عن عبد العزيز بن عمر، عن مكحول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، وهو مرسل أو معضل؛ لأن جل رواية مكحول عن التابعيـ[ـن].(1/382)
ووجدت له شاهداً.
أخرج سعيد بن منصور في أوائل [أواخر] السنن عن حماد بن زيد عن صعقب بن زهير عن عطاء -هو ابن أبي رباح- قال: تفتح أبواب السماء عند ثلاث خلال، فتحروا فيهن الدعاء، فذكر مثل مرسل مكحول، لكن قال الأذان بدل الإقامة، وهو مقطوع جيد، له حكم المرسل؛ لأن مثله لا يقال من قبل الرأي.
والصعقب بصاد وعين مهملتين ثم قاف وموحدة بوزن جعفر، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وليس به بأس.
قوله (قال الشافعي: وقد حفظت من غير واحد طلب الإجابة عند نزول الغيث، وإقامة الصلاة).
قلت: ورد في ذلك عدة أحاديث. منها ما:
أخبرني أبو محمد عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن لاجين، أنا محمد بن إسماعيل بن عبد العزيز، أنا عبد العزيز بن عبد المنعم، عن عفيفة بنت أحمد، عن فاطمة بنت عبد الله سماعاً، قالت: أنا أبو بكر بن عبد الله، أنا أبو القاسم اللخمي، ثنا محمد بن العباس المؤدب، ثنا الحكم بن موسى، ثنا الوليد بن مسلم، عن عفير بن معدان، عن سليم بن عامر، عن أبي أمامة رضي الله عنه، قال: سمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تفتح أبواب السماء ويستجاب الدعاء في أربعة مواطن: عند التقاء الصفين في سبيل الله، وعند نزول الغيث، وعند إقامة الصلاة، وعند رؤية الكعبة)).
هذا حديث غريب، أخرجه البيهقي في ((المعرفة)) من طريق الهيثم بن(1/383)
خارجة، عن الوليد بن مسلم بهذا الإسناد.
فوقع لنا عالياً.
وأشار إليه في ((السنن)) وإلى ضعفه بعفير بن معدان، وهو بمهملة ثم فاء مصغرة شامي ضعيف، ولحديثه شاهد.
وبالسند الماضي قريباً إلى الطبراني في ((الدعاء)) ثنا سعيد بن سنان ثنا عمرو بن عون ثنا حفص بن سليمان عن عبد العزيز بن رفيع عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تفتح أبواب السماء لخمسٍ .. .. )) فذكر نحوه، لكن الأذان بدل الإقامة، ولم يذكر رؤية الكعبة وزاد: ((ولقراءة القرآن ولدعوة المظلوم)).
وسنده ضعيف من أجل حفص.
وإذا انضم إلى الذي قبله كانت الخصال سبعاً.
ومن الأخبار الواردة في نزول الغيث زيادة تقدمت في حديث سهل بن سعد.
ووجدت لحديث ابن عمر شاهداً من رواية عبد الرحمن بن سابط أحد التابعين، أخرجه محمد بن فضيل في كتاب الدعاء.
ومن الأخبار الواردة في الإقامة ما:
قرأت على فاطمة بنت محمد الدمشقية بها، عن سليمان بن أبي طاهر، أنا أبو عبد الله الحافظ، أنا زاهر بن أبي طاهر، أنا سعيد بن محمد، أنا أبو عمرو بن أبي جعفر، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا إبراهيم بن الحجاج، ثنا سهل بن زياد (ح).
وأخبرني به عالياً عمر بن محمد بن أحمد الصالحي بها، قال: قرئ(1/384)
على زينب المقدسية ونحن نسمع، عن إبراهيم بن محمود، قال: قرئ على تجني الوهابية ونحن نسمع، عن طراد بن محمد سماعاً، أنا هلال بن محمد، ثنا الحسين بن عياش، ثنا حفص بن عمرو، ثنا سهل بن زياد، عن سليمان التيمي، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أقيمت الصلاة فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء)).
هذا حديث حسن، أخرجه البيهقي عن هلال بهذا الإسناد.
فرفع لنا موافقة عالية.
وأخرجه أبو أحمد الحاكم في ((الكنى)).
والدارقطني في ((الأفراد)) من رواية حفص بن عمرو.
فوقع لنا بدلاً عالياً، ورجاله رجال الصحيح إلا سهل بن زياد، فإنه بصري يكنى أبا كثير، ذكره ابن أبي حاتم فلم يذكر فيه جرحاً.
وذكره ابن حبان في ((الثقات)).
ومنها ما:
قرأت على أبي العباس أحمد بن الحسن القدسي، عن أم عبد الله بنت الكامل، عن يوسف بن خليل الحافظ، أنا أبو جعفر محمد بن إسماعيل، أنا محمود بن إسماعيل، أنا أبو بكر بن شاذان، أنا أبو بكر بن فورك، ثنا أبو بكر بن أبي عاصم، ثنا المقدمي -هو محمد بن أبي بكر- قال: حد[ثنا] الحارث بن مرة، عن يزيد بن أبان الرقاشي، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا كان عند الأذان فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء، فإذا كان عند الإقامة، فإنه لا ترد دعوةٌ)).(1/385)
هذا حديث غريب، أخرجه المعمري في ((اليوم والليلة)) عن شريح بن يونس، عن الحارث بن مرة.
فوقع لنا بدلاً عالياً، ورجاله موثقون إلا الرقاشي ففيه ضعف.
أما الترمذي فحسن له إذا اعتضد بالمتابعات.
وهو بقاف خفيفة وشين معجمة، والله أعلم.(1/386)
[[باب: ما يقول بعد تكبيرة الإحرام
اعلم أنه قد جاءت فيه أحاديث كثيرة يقتضي مجموعها أن يقول: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً، وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك، والستر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك. ويقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطايا بالثلج والماء والبرد.
فكل هذا المذكور ثابت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.]](1/387)
(81)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا شيخنا المشار إليه إملاء من حفظه، وقراءة عليه كعادته في يوم الثلاثاء ثاني وعشرين ذي الحجة سنة ثمان وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
قوله: (باب: ما يقول بعد تكبيرة الإحرام)
اعلم أنه [قد] جاءت أحاديث كثيرة يقتضي مجموعها أن يقول: الله أكبر كبيراً .. إلى آخره).
قلت: جميع ما ذكره من ثلاثة أحاديث أخرجها مسلم، وأخرج البخاري الثالث منها فقط.
الحديث الأول:
أخبرني أبو المعالي عبد الله بن عمر السعودي رحمه الله، قال: أنا أبو العباس أحمد بن أبي بكر بن علي، أنا عبد الرحيم بن يوسف، أنا أبو علي المكبر، أنا أبو القاسم الكاتب، أنا أبو علي الواعظ، أنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا إسماعيل بن إبراهيم، ثنا الحجاج بن أبي عثمان، عن أبي الزبير، عن عون بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: بينا نحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال رجل من القوم: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم من صلاته قال: ((من القائل كذا وكذا؟)) فقال رجل من القوم: أنا يا رسول الله، فقال: ((لقد رأيت أبواب السماء فتحت(1/388)
لها)) قال ابن عمر: فما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم عن أبي خيثمة زهير بن حرب.
والترمذي عن أحمد بن إبراهيم الدورقي.
والنسائي عن محمد بن شجاع.
ثلاثتهم عن إسماعيل بن إبراهيم، وهو المعروف بابن علية.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
الحديث الثاني:
أخبرني أبو العباس أحمد بن علي بن يحيى الهاشمي رحمه الله، أنا أبو العباس أحمد بن أبي طالب، أنا محمد بن مسعود البغدادي في كتابه، أنا أبو الوقت، أنا أبو الحسن الداودي، أنا أبو محمد السرخسي، أنا عيسى بن عمر، أنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، ثنا يحيى بن حسان (ح).
وقرأت على أبي الحسن بن أبي المجد، عن أبي بكر الدشتي، أنا يوسف بن خليل الحافظ، أنا أبو عبد الله بن أبي زيد، أنا الحسن بن أحمد المقرئ، أنا أحمد بن عبد الله الحافظ، أنا عبد الله بن جعفر، ثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود الطيالسي (ح).
وبالسند الماضي قريباً إلى الطبراني في ((الدعاء)) ثنا عثمان بن عمر الضبي، وعلي بن عبد العزيز البغوي، قال الأول: ثنا عبد الله بن رجاء، وقال الثاني: ثنا حجاج بن المنهال، وأبو غسان مالك بن إسماعيل (ح).
وبالسند الماضي مراراً إلى أبي نعيم في المستخرج، ثنا حبيب بن(1/389)
الحسن، ثنا عمر بن حفص، ثنا عاصم بن علي، قالوا وهم ستة: حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة، حدثني عمي -هو يعقوب بن الماجشون- عن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة قال: ((وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، وأنا عبدك، ظلمت نفسي فاغفر لي ذنوبي جميعاً، لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك)).
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم عن أبي خيثمة عن عبد الرحمن بن مهدي، وعن إسحاق بن إبراهيم عن أبي النضر هاشم بن القاسم.
وأخرجه أبو داود عن عبيد الله بن معاذ عن أبيه.
والترمذي عن الحسن بن علي الخلال عن أبي الوليد الطيالسي، وعن محمود بن غيلان عن أبي داود الطيالسي ببعضه.
وابن خزيمة عن محمد بن يحيى، عن حجاج بن المنهال، وعبد الله بن صالح، وأحمد بن خالد.(1/390)
وأخرجه الطحاوي عن الحسين بن نصر، عن يحيى بن حسان.
وأخرجه ابن حبان من رواية سويد بن عمرو.
عشرتهم عن عبد العزيز بن أبي سلمة.
فوقع لنا عالياً وبدلاً في يحيى بن حسان وأبي داود الطيالسي وحجاج بن منهال.
وأخرجه البيهقي عن أبي بكر بن فورك عن عبد الله بن جعفر.
فوقع لنا بدلاً عالياً أيضاً.
ووقع في رواية سويد بن عمرو في أوله إذا قام إلى الصلاة المكتوبة، ومثله للبيهقي من وجه آخر عن الأعرج.
وأخرجه الشافعي عن مسلم بن خالد وعبد المجيد بن أبي رواد كلاهما عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن الأعرج وزاد فيه: ((سبحانك وبحمدك)) بعد قوله ((لا إله إلا أنت)) وفيه أيضاً ((والمهدى من هديت)) بعد قوله ((في يديك)).
ووقع في رواية للبيهقي من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن(1/391)
موسى بن عقبة من الزيادة بعد قوله: ((لبيك وسعديك)) ((أنا بك وإليك، لا منجى منك إلا إليك)).
فاقتصر المصنف فيما ساقه على لفظ مسلم، والله أعلم.
(82)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ثم حدثنا شيخنا المشار إليه -أمتعنا الله بطول حياته- إملاء من حفظه، وقراءة من المستملي عليه كعادته في يوم الثلاثاء تاسع عشرين شهر ذي حجة ختام عام سنة ثمان وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
قرئ على أبي علي محمد بن محمد بن علي بن الخلال المصري ونحن نسمع، عن ست الوزراء بنت عمر بن أسعد إجازة إن لم يكن سماعاً، أنا الحسين بن أبي بكر، أنا طاهر بن محمد بن طاهر، أنا مكي بن محمد بن منصور، أنا أحمد بن الحسن القاضي، ثنا أبو العباس الأصم، أنا الربيع بن سليمان، أنا الشافعي، أنا مسلم بن خالد، وعبد المجيد -هو ابن عبد العزيز- وغيرهما، كلهم عن ابن جريج، عن موسى بن عقبة، فذكر الحديث، وأوله: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعضهم: إذا ابتدأ الصلاة، وقال بعضهم إذا افتتح الصلاة يقول: ((وجهت وجهي .. .. )) فذكره بلفظ ((وأنا أول المسلمين)) قال: وشككت أن أحدهم قال ((وأنا من المسلمين)).(1/392)
قلت: وقد وقع لنا من وجه آخر عن ابن جريج بلفظ: ((وأنا من المسلمين)) جزماً.
وبالسند الماضي إلى الطبراني، ثنا علي بن المبارك الصنعاني، ثنا زيد بن المبارك، ثنا هشام بن سليمان، عن ابن جريج، فذكره كذلك، وقال في روايته: ((حنيفاً مسلماً)).
ووقع أيضاً من رواية الماجشون عن الأعرج بلفظ: ((من المسلمين)).
أخبرنا أبو هريرة بن محمد الفارقي، وفاطمة بنت محمد الصالحية قراءة عليها وإجازة من الأول، قالا: أنا يحيى بن محمد بن سعد، قال الأول: سماعاً، والأخرى: إجازة، عن الحسن بن يحيى أنا عبد الله بن رفاعة، أنا علي بن الحسن، أنا إسماعيل بن عمرو، أنا محمد بن عبد الله، ثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق، ثنا محمد بن عبد الملك القرشي، ثنا يوسف بن سلمة (ح).
وبالسند الماضي إلى الطبراني في ((الدعاء)) ثنا يوسف القاضي، ثنا محمد بن أبي بكر -هو المقدسي- ثنا يوسف الماجشون (ح).
وبالسند المتقدم إلى أبي نعيم في المستخرج، ثنا عبد الله بن محمد، ومحمد بن إبراهيم، قالا: حدثنا أحمد بن علي بن المثنى، ثنا عبيد الله بن عمر القواريري، ثنا يوسف بن يعقوب بن أبي سلمة الماجشون، قال: حدثني أبي، عن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة قال: ((وجهت(1/393)
وجهي .. .. )) فذكره، وقال: ((وأنا من المسلمين)) والباقي مثل الرواية الأولى.
أخرجه مسلم عن محمد بن أبي بكر المقدمي.
وأخرجه الترمذي عن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب -وهو القرشي-.
وأخرجه المعمري في ((اليوم والليلة)) عن القواريري.
فوقع لنا موافقة عالية في الشيوخ الثلاثة.
ولما أخرجه أبو داود من رواية معاذ بن معاذ عن عبد العزيز بن أبي سلمة بسنده الماضي أولاً.
وقع في أول روايته: كان إذا قام إلى الصلاة كبر ورفع يديه حذو منكبيه، ثم قال: ((وجهت وجهي ..)) فذكره بلفظ: ((وأنا أول المسلمين))، ثم أخرج بعده من طريق شعيب بن أبي حمزة قال: قال لي محمد بن المنكدر وجماعة من فقهاء المدينة: فإذا قلت أنت ذلك فقل: وأنا من المسلمين.
وهذا يشعر بأن المحفوظ في المرفوع على وفق الآية، وأن من ذكره بلفظ من المسلمين أراد المناسبة بحال (لحال) من بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
ولهذا قال الشافعي بعد أن أخرجه على التردد: وفي اللفظين أحب أن يقول: وأنا من المسلمين، بدل: وأنا أول المسلمين، والله أعلم.(1/394)
الحديث الثالث:
أخبرني عبد الله بن عمر بن علي الأزهري، أنا أحمد بن محمد بن عمر الحلبي، أنا عبد اللطيف بن عبد المنعم، أنا عبد الله بن أحمد بن أبي المجد، أنا هبة الله بن محمد بن الحصين، أنا الحسن بن علي التميمي، أنا أحمد بن جعفر القطيعي، ثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، ثنا محمد بن فضيل، ثنا عمارة بن القعقاع [(ح)].
وبه قال أحمد: وجرير عن عمارة (ح).
وبالسند الماضي إلى أبي نعيم ثنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا أبو كامل الجحدري، والعباس بن الوليد (ح).
وبالسند الماضي آنفاً إلى الدارمي، ثنا بشر بن آدم، قال الثلاثة: ثنا عبد الواحد بن زياد، ثنا عمارة بن القعقاع (ح).
وبه إلى أبي نعيم قال: ثنا أبو بكر الطلحي، ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا محمد بن فضيل، ثنا عمارة، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر في الصلاة سكت بين التكبير والقراءة إسكاتة وفي رواية هنية، فقلت: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: ((أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد)).
هذا حديث صحيح، أخرجه البخاري عن موسى بن إسماعيل، عن عبد الواحد.(1/395)
وأخرجه مسلم عن أبي كامل الجحدري، وعن أبي بكر بن أبي شيبة.
فوقع لنا موافقة عالية لمسلم في شيخه.
وأخرجه مسلم أيضاً، والنسائي، وابن خزيمة من رواية جرير، وهو ابن عبد الحميد.
ووقع في رواية البخاري: ((اغسل خطاياي)) كما في الأذكار، والله أعلم.
[[وجاء في الباب أحاديث أخر منها:
حديث عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة قال: ((سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك)). رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه بأسانيد ضعيفة.]]
(83)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ثم حدثنا سيدنا، وشيخنا، ومولانا، قاضي القضاة، شيخ الإسلام،(1/396)
إمام الحفاظ -أمتع الله بوجوده- إملاء في يوم الثلاثاء سادس المحرم من شهور سنة تسع وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
قوله: (وجاء في الباب أحاديث أخر، منها حديث عائشة) إلى أن قال: (رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه بأسانيد ضعيفة).
قلت: ليس له عند هؤلاء الثلاثة سوى إسنادين، أخرج أحدهما أبو داود، والآخر عند الآخرين.
أما الأول:
فحدثنا به شيخنا الإمام أبو الفضل بن الحسين الحافظ إملاء من حفظه فيما كتبه على المستدرك، قال: أخبرني محمد بن إسماعيل بن عمر بن الحموي، أنا علي بن أحمد، أنا عبد الله بن عمر في كتابه، أنا زاهر بن طاهر، أنا أبو بكر البيهقي، أنا محمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا العباس بن محمد الدوري، ثنا طلق بن غنام، أنا عبد السلام بن حرب، عن بديل بن ميسرة، عن أبي الجوزاء، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة قال: ((سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك)).
قال شيخنا: رجاله ثقات، أخرجه أبو داود عن حسين بن عيسى، عن طلق بن غنام بهذا الإسناد.
وأخرجه الحاكم، وهو شيخ البيهقي فيه، وقال: صحيح على شرط الشيخين.
قلت: رجاله من رجالهما في الجملة، وليس على شرط واحد منهما، فإن حسين بن عيسى وهو البسطامي، وطلق بن غنام جميعاً من شيوخ البخاري، وليس لواحد منهما شيء في صحيح مسلم.(1/397)
وأبو الجوزاء -وهو بالجيم والزاي واسمه أوس بن عبد الله- وإن أخرج له الشيخان، فروايته عن عائشة عند مسلم خاصة. وقد ذكر بعضهم أنه لم يسمع منها.
والراوي عنه بديل بن ميسرة من رجال مسلم دون البخاري.
وعبد السلام من رجالهما جميعاً.
قال أبو داود بعد تخريجه: [و] هذا الحديث ليس بالمشهور، لم يروه إلا طلق بن غنام عن عبد السلام، وقد روى جماعة الحديث عن بديل بن ميسرة -يعني بالسند المذكور- فلم يذكروا فيه شيئاً من هذا انتهى كلامه.
وأشار بذلك إلى ما أخرجه مسلم وغيره من طريق شعبة وغيره عن بديل بلفظ: كان يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين .. .. الحديث بطوله.
فظاهر رواية عبد السلام يقتضي الزيادة على ما رواه أولئك، وهم أحفظ منه، وأتقن.
لكن طريقة المصنف الحكم بقبول الزيادة من الثقة مطلقاً، كما صرح به في غير موضع، وهذا من هذا القبيل، فأقل درجاته أن يكون حسناً، لا سيما إذا انضم إليه الطريق الآتي، والشواهد الآتية.
وأما السند الثاني:
فحدثنا به شيخنا المذكور -رحمه الله- إملاء من حفظه أيضاً، قال: أخبرني محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الدمشقي بها، أنا المسلم بن محمد، أنا حنبل بن عبد الله، أنا هبة الله بن محمد، أنا الحسن بن المذهب، أنا القطيعي، أنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، ثنا أبو معاوية، ثنا حارثة بن محمد، عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول(1/398)
الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه فيكبر ثم يقول: ((سبحانك اللهم وبحمدك)) فذكر مثل الأول.
قلت: أخرجه الحاكم عن القطيعي.
فوقع لنا موافقة عالية، وقال: حارثة بن محمد لم يرضه مالك، ورضيه غيره من أقرانه، وذكر أنه أخرجه شاهداً للسند الذي قبله.
وقال شيخنا: حارثة متفق على ضعفه، ومراد الحاكم بمن رضيه غير مالك أنهم رووا عنه، ولا يلزم من رواية الثقة أن يكون المروي عنه عدلاً عنده.
وقد أخرجه الترمذي عن الحسن بن عرفة.
وابن ماجه عن علي بن محمد الطنافسي وعبد الله بن عمران.
وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه عن سلم بن جنادة.
كلهم عن أبي معاوية بالسند المذكور.
قال الترمذي بعد تخريجه: لا نعرفه إلا من حديث حارثة بن محمد، وقد تكلم فيه من قبل حفظه.
وقال ابن خزيمة بعد تخريجه: حارثة بن محمد لا يحتج أهل الحديث بحديثه.
وقال البيهقي بعد تخريجه: حارثة ضعيف.
وله طريق أخرى عن عائشة ضعيفة، وساقها في ((الخلافيات)) من طريق(1/399)
عطاء بن أبي رباح عن عائشة.
ووقعت لنا بعلو في ((الدعاء)) للطبراني.
وكذا أخرجها الدارقطني.
وفي سند الجميع سهل بن عامر، وهو متروك، لكن وقع لي من طريق أخرى عن عطاء موقوفاً عليه.
أخبرني أبو الحسن علي بن محمد بن أبي المجد، أنا أبو الفتح محمد بن عبد الرحيم في كتابه، أنا أبو محمد عبد الوهاب بن ظافر، أنا السلفي، أنا أبو الحسن الكرجي، أنا أبو الحسين بن بشران، أنا إسماعيل بن محمد الصفار، ثنا عباس بن محمد الدوري، ثنا بشر بن عمر، ثنا أبو الأحوص، عن الحسن بن عبد الملك، قال: سأل رجال عطاء بن أبي رباح وأنا عنده، فقال: كيف أقول إذا افتتحت الصلاة؟ قال: سبحانك اللهم وبحمدك، فذكر مثله.
وهذا وإن كان مقطوعاً، لكن فيه إشعار بأن لهذا المرفوع أصلاً، والله أعلم.
[[وضعفه أبو داود والترمذي والبيهقي وغيرهم، ورواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه من رواية أبي سعيد الخدري وضعفوه. قال البيهقي: وروي الاستفتاح بـ ((سبحانك اللهم وبحمدك)) عن ابن مسعود مرفوعاً، وعن أنس مرفوعاً، وكلها ضعيفة.]](1/400)
(84)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا شيخنا سيدنا، ومولانا، قاضي القضاة، شيخ الإسلام، إمام الوقت، المشار إليه إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء ثالث عشر المحرم من شهور سنة تسع وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
قوله: (وضعفه أبو داود، والترمذي، والبيهقي، وغيرهم).
قلت: لم يصرح أبو داود بضعفه، وإنما أشار إلى غرابته كما قدمته.
نعم لما أخرج الدارقطني الحديث المذكور عن محمد بن يحيى بن مرداس، عن أبي داود بسنده حكى كلام أبي داود إلا قوله: ليس بالمشهور، فعبر بقوله: ليس بالقوي.
وأما الترمذي فضعفه من طريق حارثة، ولم يعرج على الطريق الأولى، بل صرح بتفرد حارثة به، ولو وقعت له الطريق الأولى لكان على شرطه في الحسن.
وأما البيهقي فحكى كلام أبي داود الأول بعد أن أخرجه من طريقه، ثم ساق طريق حارثة وضعفها به، ثم ذكر أنه روي من طريق ثالثة عن عائشة كما قدمته.
وأما قوله: وغيرهم، فقد يوهم الاتفاق على تضعيفه، وليس كذلك، بل هم مختلفون.
قلت: لم أر عن واحد منهم التصريح بتضعيفه كما سأبينه.
قرأنا على الشيخ أبي عبد الله بن قوام بالصالحية، وعلى بنت عمه عائشة بنت أبي بكر، وعلى فاطمة بنت عبد الله الحورانية، جميعاً عن أبي بكر بن أحمد الدقاق سماعاً عليه، أنا أبو الحسن المقدسي، عن محمد بن(1/401)
معمر، أنا إسماعيل بن الفضل، أنا أبو طاهر بن عبد الرحيم، أنا علي بن عمر الحافظ، أنا إسماعيل بن يونس بن ياسين، ثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، ثنا جعفر بن سليمان الضبعي، عن علي بن الرفاعي -قال إسحاق: وكان يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم- (ح).
وأخبرني الشيخ أبو إسحاق التنوخي، أنا أحمد بن أبي طالب، عن محمد بن مسعود، أنا عبد الأول بن عيسى، أنا عبد الرحمن بن محمد، أنا عبد الله بن أحمد، أنا عيسى بن عمر، أنا عبد الله بن عبد الرحمن، أنا زكريا بن عدي (ح).
وقرأت على شيخنا الإمام أبي الفضل الحافظ بالسند الماضي مراراً إلى الطبراني في ((الدعاء)) ثنا إسحاق بن إبراهيم، وعلي بن عبد العزيز، ومحمد بن يحيى بن المنذر، قال الأول: أنا عبد الرزاق، والثاني: الحسن بن الربيع، والثالث: أبو ظفر عبد السلام بن مطهر، قال الأربعة: ثنا جعفر بن سليمان عن علي بن علي، عن أبي المتوكل الناجي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة كبر، ثم قال: ((سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك)).
هذا حديث حسن، أخرجه أبو داود عن عبد السلام بن مطهر.
فوقع لنا موافقة عالية.
وقال: يقولون: هو عن علي بن علي عن الحسن، والوهم فيه من جعفر.(1/402)
وأخرجه الترمذي والنسائي جميعاً عن محمد بن موسى، عن جعفر بن سليمان.
وأخرجه النسائي أيضاً عن عبيد الله بن فضالة، عن عبد الرزاق.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن زيد بن الحباب، عن جعفر.
وأخرجه البيهقي من وجه آخر عن جعفر.
فأما الترمذي فقال: حديث أبي سعيد أشهر شيء في هذا الباب، وبه يقول أكثر أهل العلم، وقد تكلم بعضهم في سنده، كان يحيى بن سعيد يتكلم في علي بن علي الرفاعي.
وأما النسائي فسكت عليه، فاقتضى أنه لا علة له عنده.
وأما ابن ماجه فلم يتكلم عليه أصلاً كعادته.
وأما البيهقي في أصل كلامه في ((السنن الكبير)) وفي ((الخلافيات)) أن حديث علي في: ((وجهت)) أرجح من هذا الحديث، لكون حديث علي مخرجاً في الصحيح، ولكون هذا وإن جاء من طرق متعددة، لكن لا يخلو سند منها من مقال، وإن أفاد مجموعها القوة.
وهذا أيضاً حاصل كلام ابن خزيمة في صحيحه، وأشار إلى أن حديث أبي سعيد أرجح طرقه.(1/403)
وقال العقيلي بعد أن أخرجه من طريق حارثة في ترجمته في الضعفاء: هذا الحديث روي بأسانيد حسان غير هذا.
قلت: وقد وثق علي بن علي يحيى بن معين، وأحمد، وأبو حاتم، وآخرون، وسائر رواته رواة الصحيح.
قوله: (قال البيهقي: وروي الاستفتاح بسبحانك اللهم عن ابن مسعود مرفوعاً وعن أنس مرفوعاً، وكلها ضعيفة).
قلت: عبارة البيهقي بعد ذكر حديث ابن مسعود: رواه ليث عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، وليس بالقوي.
وروي عن حميد عن أنس مرفوعاً، ثم ساق بسنده إليه، ولم أر الكلام الأخير في كلامه.
وقد أخرج حديث ابن مسعود الطبراني في ((الدعاء)) بسندين آخرين إليه.
وأخرج رواية حميد عن أنس أبو يعلى والدارقطني.
وأخرجها الطبراني من وجه آخر عن حميد.
ومن وجه ثالث عن أنس.
وأخرجه في ((المعجم الكبير)) من حديث واثلة بن الأسقع.
ومن حديث الحكم بن عمير.(1/404)
ومن حديث عمرو بن العاص.
وأخرجه البيهقي بسند جيد عن جابر بن عبد الله كما سأذكره إن شاء الله تعالى. [والله أعلم].
[[قال: وأصح ما روي فيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم رواه بإسناده عنه؛ أنه كبر ثم قال: سبحانك الله وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك. والله أعلم.
وروينا في سنن البيهقي، عن الحارث، عن علي رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة قال: ((لا إله إلا أنت سبحانك ظلمت نفسي وعملت سوءاً فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، وجهت وجهي، إلى آخره)) وهو حديث ضعيف، قال: الحارث الأعور: متفق على ضعفه، وكان الشعبي يقول: الحارث كذاب، والله أعلم.
هذا ما ورد من الأذكار في دعاء التوجه، فيستحب الجمع بينها كلها.]]
(85)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا سيدنا، ومولانا، شيخنا، قاضي القضاة، المشار إليه، إملاء(1/405)
من حفظه في العشرين من المحرم سنة تاريخه قال وأنا أسمع:
قوله: (وأصح ما روي فيه عن عمر، ثم رواه بإسناده) يعني: البيهقي.
حدثنا شيخنا الإمام أبو الفضل الحافظ إملاء، قال: أخبرني محمد بن إسماعيل بن عمر، أنا علي بن أحمد، عن عبد الله بن عمر الصفار، أنا زاهر بن طاهر، أنا أبو بكر البيهقي، أنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا الحسن بن مكرم، ثنا يزيد بن هارون، ثنا شعبة عن الحكم -يعني ابن عتيبة- عن إبراهيم -هو النخعي- عن الأسود -هو ابن يزيد- أن عمر رضي الله عنه حين افتتح الصلاة كبر، ثم قال: سبحانك اللهم وبحمدك الحديث إلى ولا إله غيرك.
هذا موقوف صحيح.
وبالسند الماضي قريباً إلى أبي طاهر بن عبد الرحيم، أنا الحافظ أبو الحسن الدارقطني، ثنا محمد بن عبد الله بن غيلان، ثنا الحسن بن الجنيد، ثنا أبو معاوية (ح).
وبه إلى الدارقطني ثنا محمد بن نوح الجنديسابوري، ثنا هارون بن إسحاق، ثنا محمد بن فضيل، وحفص بن غياث، ثلاثتهم عن الأعمش زاد ابن فضيل وعن حصين بن عبد الرحمن، كلاهما عن إبراهيم النخعي، فذكر مثله.
وزاد هارون في روايته يسمعنا ذلك ليعلمنا.
قال الدارقطني: هذا صحيح عن عمر من قوله، وقد روي عنه مرفوعاً،(1/406)
ثم ساقه من رواية عبد الرحمن بن عمرو بن شيبة، عن أبيه، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الدارقطني: رفعه هذا الشيخ عن أبيه، ورواه يحيى بن أيوب عن عمر بن شيبة، عن نافع، عن ابن عمر موقوفاً على عمر، وهو الصواب.
هكذا وقع في الأصل عمرو بن شيبة بفتح العين في السند الأول وعمر بن شيبة بضم العين في السند الثاني، وفي أحدهما تصحيف. وغفل ابن الجوزي في التحقيق، فصحح الحديث المرفوع ظناً منه أن عبد الرحمن بن عمرو بن شيبة أحد شيوخ البخاري في صحيحه، وليس كذلك، فإن شيخ البخاري إنما هو عبد الرحمن بن شيبة لا ذكر لعمرو في نسبه، وعلى التنزل فوالد عبد الرحمن لا يعرف.
قوله (وروينا في سنن البيهقي) إلى آخره.
قرأت على أبي الحسن بن أبي بكر الحافظ، أن محمد بن إسماعيل الدمشقي أخبرهم، أنا أبو الحسن المقدسي، عن منصور بن عبد المنعم، أنا محمد بن إسماعيل الفارسي، أنا أحمد بن الحسين الحافظ، أنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا إسماعيل بن محمد بن الفضل الشعراني، ثنا جدي ثنا عمرو بن عون، ثنا هشيم، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة قال: سبحانك ظلمت نفسي وعملت سوءاً فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، وجهت وجهي ..)) فذكره إلى قوله: ((من المسلمين)).
قال البيهقي: ذكره الشافعي عن هشيم بلا رواية لكن قال عن أبي الخليل بدل الحارث، قال: فيحتمل أن يكون لأبي إسحاق فيه شيخان.(1/407)
قلت: وعلى هذا الاحتمال فيكون صحيحاً، ويقوي ذلك أن الرواية الصحيحة الماضية عن علي بطولها تشمل على ألفاظ هذا الطريق، وليس فيه إلا الاختصار وتأخير وجهت.
وأما قول المصنف إن الحارث متفق على ضعفه فهو متعقب، فقد وثقه يحيى بن معين في سؤالات عثمان الدارمي، وفي تاريخ العباس الدوري.
وأما ما نقله عن الشعبي فقد أوضح أحمد بن صالح المصري سبب ذلك.
قال ابن شاهين في كتاب ((الثقات)): قال أحمد بن صالح: الحارث صاحب علي ثقة، ما أحفظه وما أحسن ما روى عن علي، قيل له: فما يقوله الشعبي فيه؟ قال: لم يكن يكذب في حديثه، وإنما كان يكذب في رأيه، انتهى.
وأبدى الذهبي ذلك احتمالاً، والمراد بالرأي المذكور: التشيع، وبسببه ضعفه الجمهور، ثم رأيت عن أبي حاتم في حق الحارث شيئاً يصلح أن يحمل تكذيب الشعبي عليه، قال: كان الحارث أعلم الناس بالفرائض، وكان يروي ذلك عن علي، فقيل له: سمعت هذا كله من علي؟ فقال: سمعت منه بعضاً وبعضاً أقيسه على قوله. وقد بسط ابن عبد البر في كتاب ((بيان العلم)) ما يتعلق بذلك.
قوله: (هذا ما ورد من الأذكار في دعاء التوجه).
قلت: هذا يشعر بالحصر، وليس كذلك، بل ورد فيه غير ذلك، ذكره الطبراني في الدعاء وكذا غيره.
قوله: (فيستحب الجمع بينها كلها).(1/408)
قلت: لم يرد بذلك حديث، وقد استحب الجمع بين وجهت وسبحانك أبو يوسف صاحب أبي حنيفة، وأبو إسحاق المروزي من كبار الشافعية، وبوب البيهقي لذلك، وأورد فيه حديثاً من طريق عبد السلام بن محمد الحمصي، عن شعيب بن أبي حمزة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استفتح الصلاة قال: ((سبحانك اللهم وبحمدك)) إلى: ((ولا إله غيرك، وجهت وجهي)) إلى قوله ((رب العالمين)) وسنده قوي، فإن رجاله رجال الصحيح إلا عبد السلام، وقد قال أبو حاتم: إنه صدوق، وأما الراوي عنه إبراهيم بن يعقوب، فهو من كبار الحفاظ الأثبات من شيوخ أبي داود، والترمذي، والنسائي، والله أعلم.(1/409)
[[باب: التعوذ بعد دعاء الاستفتاح
اعلم أن التعوذ بعد دعاء الاستفتاح سنة بالاتفاق، وهو مقدمة للقراءة، قال الله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم} معناه عند جماهير العلماء: إذا أردت القراءة فاستعذ بالله. واعلم أن اللفظ المختار في التعوذ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وجاء: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، ولا بأس به، ولكن المشهور المختار هو الأول.
وروينا في سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والبيهقي، وغيرها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال قبل القراءة في الصلاة: ((أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من نفخه ونفثه وهمزه)) وفي رواية: ((أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه)) وجاء في تفسيره في الحديث، أن همزه: الموتة، وهي الجنون، ونفخه: الكبر، ونفثه: الشعر، والله أعلم.]]
(86)
ثم حدثنا فقال:
وقد رواه أبو حيوة يزيد بن شريح عن شعيب بالسند المذكور، لكن خالف في سياق المتن.(1/410)
قرأت على فاطمة بنت محمد بن المنجى، عن أبي الفضل بن قدامة، أنا محمد بن عبد الواحد الحافظ، أنا عبد العزيز بن محمد، وزينب بنت عبد الرحمن، قالا: أنا زاهر بن طاهر، أنا محمد بن عبد الرحمن، أنا الحاكم أبو أحمد النيسابوري، ثنا أبو الحسن أحمد بن عمير، ثنا عمرو بن عثمان (ح).
وبالسند الماضي قريباً إلى الطبراني في الدعاء قال: ثنا يحيى بن عبد الباقي، وإبراهيم بن محمد بن عرق الحمصي، قالا: ثنا عمرو بن عثمان، ثنا أبو حيوة، ثنا شعيب بن أبي حمزة، ثنا محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة كبر ثم قال: ((إن صلاتي ونسكي)) إلى قوله: ((أول المسلمين، اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدني لأحسنها إلا أنت، وقني سيء الأعمال والأخلاق لا يقي سيئها إلا أنت)).
وهكذا أخرجه النسائي عن عمرو بن عثمان ورجاله ثقات كالذي قبله، وكأن الحديث كان عند شعيب مطولاً، فحدث عبد السلام عنه ببعضه، وحدث أبو حيوة عنه ببعضه، وقد روى محمد بن حمير عن شعيب شيئاً منه، لكن خالف في شيخ ابن المنكدر فقال: عن الأعرج عن محمد بن مسلمة، أخرجه النسائي أيضاً والمحفوظ عن الأعرج عن عبد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- كما أخرجه مسلم، وتقدم من طرق، وروى عبد الله بن عامر الأسلمي عن محمد بن المنكدر بعض هذا الحديث، فخالف الجميع قال: عن عبد الله بن عمر.(1/411)
والأسلمي المذكور ضعيف، ومحمد بن حمير من رجال البخاري، لكنه شذ بقوله عن محمد بن مسلمة والله أعلم.
قوله: (باب: التعوذ بعد دعاء الاستفتاح) إلى أن قال: (وروينا في سنن أبي داود) إلى آخره.
أما الرواية بلفظ: ((أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)).
قرأت على أبي الحسن علي بن محمد الخطيب، عن أبي بكر الدشتي، وإسحاق بن يحيى الآمدي، قالا: أنا يوسف بن خليل الحافظ، أنا أبو المكارم التيمي، أنا الحسن بن أحمد المقرئ، أنا أحمد بن عبد الله الحافظ، أنا أبو محمد بن فارس، ثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود الطيالسي واللفظ له (ح).
وقرأت على فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي، عن محمد بن عبد الحميد المصري، أنا إسماعيل بن عبد القوي، أخبرتنا فاطمة بنت سعد الخير، قالت: أخبرتنا فاطمة الجوزذانية، قالت: أنا محمد بن عبد الله التاجر، أنا الطبراني في الكبير، ثنا أبو مسلم الكشي، ثنا أبو الوليد الطيالسي، قالا: ثنا شعبة، أخبرني عمرو بن مرة، عن عاصم العنزي، عن ابن جبير بن مطعم، عن أبيه رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل في الصلاة كبر، ثم قال: ((الله أكبر كبيراً)) ثلاثاً ((الحمد لله كثيراً)) ثلاثاً ((سبحان الله وبحمده)) ثلاثاً ((أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه)) قال: وهمزه: الموتة بضم الميم، وبغير همز: الجنون، ونفخه: الكبر، ونفثه: الشعر.
هذا حديث حسن أخرجه أبو داود عن عمرو بن مرزوق، عن شعبة، وأخرجه أيضاً عن مسدد عن يحيى القطان، عن عمرو بن مرة،(1/412)
عن رجل، عن نافع، عن جبير بن مطعم به.
فأفادت هذه الرواية تسمية ابن جبير، لكنه أبهم الراوي عنه.
وقد أخرجه ابن خزيمة من رواية عبد الله بن إدريس عن حصين، فسماه عباد بن عاصم، العنزي.
قال ابن خزيمة: هذا الرجل لا يعرف سواء كان اسمه عاصماً أم عباد بن عاصم، انتهى.
وأخرجه ابن ماجه، وابن خزيمة أيضاً عن بندار، عن غندر، عن شعبة.
فوقع لنا عالياً.
وأخرجه البيهقي عن أبي بكر بن فورك، عن ابن فارس.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
ورواه أيضاً من رواية أحمد بن عبيد الصفار، عن أبي مسلم الكجي كما أخرجناه.
لكن وقع في روايته أن التفسير من كلام عمرو بن مرة أحد رواته، وللحديث شواهد سأذكر بعضها، ومنها ما وقع التصريح فيه بأن التفسير المذكور مرفوع، وقد أوضحت ذلك في كتاب ((المنهج بمعرفة المدرج)) والله سبحانه وتعالى المستعان.(1/413)
[[فصل: اعلم أن التعوذ مستحبٌ ليس بواجب، لو تركه لم يأثم ولا تبطل صلاته سواء تركه عمداً أو سهواً، ولا يسجد للسهو، وهو مستحبٌ في جميع الصلوات الفرائض والنوافل كلها، ويستحب في صلاة الجنازة على الأصح، ويستحب للقارئ خارج الصلاة بإجماع أيضاً.
فصل: واعلم أن التعوذ مستحب في الركعة الأولى بالاتفاق، فإن لم يتعوذ في الأولى أتى به في الثانية، فإن لم يفعل ففيما بعدها، فلو تعوذ في الأولى هل يستحب في الثانية؟ فيه وجهان لأصحابنا، أصحهما أنه يستحب لكنه في الأولى آكد. وإذا تعوذ في الصلاة التي يسر فيها بالقراءة أسر بالتعوذ، فإن تعوذ في التي يجهر فيها بالقراءة فهل يجهر؟ فيه خلاف؛ من أصحابنا من قال: يسر، وقال الجمهور: للشافعي في المسألة قولان: أحدهما يستوي الجهر والإسرار، وهو نصه في الأم. والثاني يسن الجهر وهو نصه في الإملاء. ومنهم من قال فيه قولان: أحدهما: يجهر، والثاني: يسر، والصحيح من حيث الجملة أنه يستحب الجهر؛ صححه الشيخ أبو حامد الإسفراييني إمام أصحابنا العراقيين وصاحبه المحاملي وغيرهما، وهو الذي كان يفعله أبو هريرة رضي الله عنه، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يسر، وهو الأصح عند جمهور أصحابنا، وهو المختار، والله أعلم.]](1/414)
(87)
ثم حدثنا فقال:
أخبرني أبو المعالي الأزهري -رحمه الله- بالسند الماضي مراراً إلى عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، ثنا أبو الجواب -بفتح الجيم وتشديد الواو وآخره موحدة واسمه أحوص بن جواب -ثنا عمار بن رزيق- براء ثم زاي مصغر- عن عطاء بن السائب (ح).
وأخبرني عالياً عبد الرحمن بن أحمد بن المبارك، أنا أحمد بن منصور أنا علي بن أحمد، أنا أبو عبد الله بن أبي زيد في كتابه، أنا أبو علي الحداد، أنا أبو نعيم، أنا عبد الله بن جعفر، ثنا يونس بن حبيب، ثنا سليمان بن داود، ثنا حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه قال: وهمزه: الموتة، ونخفه: الكبر، ونفثه: الشعر.
وأخبرنيه أبو المعالي المذكور عالياً أيضاً بالسند المذكور إلى عبد الله حدثني أبي، ثنا عبد الله بن محمد، قال عبد الله بن أحمد: وسمعته أنا من عبد الله بن محمد وهو أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا محمد بن فضيل (ح).
وقرأته عالياً بدرجة أخرى على فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي، عن ست الفقهاء بنت الشيخ أبي إسحاق الواسطي، عن كريمة بنت عبد الوهاب، قالت: أنا أبو الحسن بن غبرة -بفتح المعجمة والموحدة- الكوفي في كتابه، أنا أبو الفرج بن علام، أنا أبو عبد الله الجعفي، أنا أبو جعفر بن رياح -بكسر الراء بعده مثناة تحتانية- ثنا علي بن المنذر، ثنا محمد بن فضيل، ثنا(1/415)
عطاء بن السائب، فذكر الحديث بنحوه.
هذا حديث حسن أخرجه ابن ماجه عن علي بن المنذر.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه ابن خزيمة عن يوسف بن عيسى، عن محمد بن فضيل.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وعطاء بن السائب ممن اختلط، وسماع محمد بن فضيل منه بعد اختلاطه وكذا أكثر الرواة عنه، وحماد بن سلمة ممن سمع منه قبل اختلاطه، لكن لم يقع في روايتنا من طريقه التصريح برفعه، فتوقفت عن تصحيحه لذلك.
وفي الباب عن أبي أمامة الباهلي أخرجه أحمد أيضاً بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة قال: ((سبحانك لا إله غيرك)) ثم يقول: ((أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)).
ورجال إسناده ثقات إلا التابعي فإنه لم يسم.
وأما زيادة السميع العليم في التعوذ فإنها وقعت في الحديث الذي قرأت على العماد أبي بكر بن إبراهيم المقدسي، عن محمد بن أحمد بن الزراد إجازة إن لم يكن سماعاً، أنا الحافظ أبو علي البكري، أنا أبو روح الهروي، أنا أبو القاسم المستملي، أنا محمد بن محمد بن يحيى أنا أبو طاهر محمد بن الفضل بن أبي بكر بن خزيمة، ثنا جدي أبو بكر بن خزيمة(1/416)
المعروف بإمام الأئمة، ثنا محمد بن موسى، ثنا جعفر بن سليمان، عن علي بن علي الرفاعي، عن أبي المتوكل الناجي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام يصلي بالليل كبر ثم قال: ((سبحانك اللهم وبحمدك)) إلى ((ولا إله غيرك، لا إله إلا الله، ثلاثاً ((الله أكبر)) ثلاثاً، ثم يقول: ((أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه)) ثم يقرأ.
هذا حديث حسن أخرجه النسائي، والترمذي جميعاً عن محمد بن موسى.
فوقع لنا موافقة عالية.
وقد تقدمت له طريق أخرى والكلام عليه في أحاديث الافتتاح. وذكر ابن خزيمة عقب تخريجه أنه لم يسمع أحداً من أهل العلم، ولا بلغه عن أحد منهم أنه استعمل هذا الحديث على وجهه.
قلت: وإذا لم ينقل عن أحد منهم إنكاره استلزم ذلك توهيته، والعلم عند الله تعالى.
وفي الباب عن عائشة أخرجه أبو داود في قصة فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم)) ثم قرأ: {إن الذين جاؤوا بالإفك)) الحديث.
قوله: (ومنهم من قال فيه قولان أحدهما يجهر) إلى أن قال: (وهو الذي كان يفعله أبو هريرة ..) إلى آخره.
قلت: أخرجه الشافعي في الأم من طريق صالح بن أبي صالح أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- وهو يؤم الناس رافعاً صوته يقول: ربنا إنا نعوذ(1/417)
بك من الشيطان الرجيم، قال: وكان ابن عمر يتعوذ سراً.
قال الشافعي: وأيهما فعل الرجل أجزأه، والله تعالى أعلم.
آخر المجلس السابع والثمانين وهو السابع والستون بعد الأربعمئة من الأمالي المصرية بالبيبرسية.(1/418)
[[باب: القراءة بعد التعوذ
اعلم أن القراءة واجبة في الصلاة بالإجماع مع النصوص المتظاهرة، ومذهبنا ومذهب الجمهور، أن قراءة الفاتحة واجبة لا يجزئ غيرها لمن قدر عليها، للحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تجزئ صلاةٌ لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب)) رواه ابن خزيمة وأبو حاتم ابن حبان -بكسر الحاء- في صحيحيهما بالإسناد الصحيح وحكما بصحته. وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب)).]]
(88)
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم حدثنا فقال:
قوله: (باب: القراءة بعد التعوذ) إلى أن قال: (للحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تجزي صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب .. .. )) إلى آخره).
أخبرني المسند عماد الدين أبو بكر بن العز المقدسي ثم الصالحي فيما قرأت عليه بها، وكتب إلينا أبو العباس بن العز، قالا: أخبرنا أبو عبد الله بن(1/419)
أبي الهيجاء سماعاً عليه، قال الأول فإن لم يكن فإجازة، أنا الحسن بن محمد التيمي، أنا أبو روح البزاز، أنا زاهر بن طاهر، أنا محمد بن محمد النيسابوري، أنا طاهر بن الفضل، ثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة، ثنا محمد بن يحيى -هو الذهلي- ثنا وهب بن جرير، ثنا شعبة، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تجزئ صلاةٌ لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب)). قلت: فإن كنت خلف الإمام؟ قال: فأخذ بيدي فقال: اقرأ بها في نفسك يا فارسي.
وهكذا أخرجه ابن حبان عن ابن خزيمة بهذا الإسناد، وقال: لم يقل عن العلاء في هذا الحديث: ((لا تجزئ صلاةٌ)) إلا شعبة ولا عنه إلا وهب بن جرير.
قلت: رواه عن العلاء مالك، وابن جريج، وروح بن القاسم، وسفيان بن عيينة، والدراوردي، وعبد العزيز بن أبي حازم، وإسماعيل بن جعفر، وأبو أويس، واختلفوا في شيخ العلاء، فقال مالك وابن جريج عن العلاء عن ابن السائب عن أبي هريرة، وقال الباقون عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة، وجمع بينهما أبو أويس فقال عن العلاء حدثني أبي وأبو السائب مولى بني هاشم بن زهرة وكانا جليسين لأبي هريرة عن أبي هريرة، واتفقوا كلهم على سياق المتن بلفظ: ((كل صلاةٍ لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداجٌ، فهي خداج، فهي خداج)) قلت: فإني أكون أحياناً وراء الإمام، فقال: فأخذ بيدي فقال: اقرأ بها في نفسك يا فارسي، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي ..)) الحديث. ومنهم من اختصره.
أخرجه مسلم والبخاري في ((خلق أفعال العباد)). وأبو داود والنسائي(1/420)
كلهم من طريق مالك.
ومسلم أيضاً. وابن ماجه من طريق ابن عيينة.
ومسلم أيضاً، والترمذي من طريق أبي أويس.
وذكر الترمذي أنه سأل أبا زرعة عنه، فصحح أنه عن العلاء عن أبيه وعن أبي السائب فأفرد تارة وجمع أخرى، فتبين من هذا أن شعبة خالف الجميع في سياق المتن، وأن القائل فأخذ بيدي هو الراوي عن أبي هريرة(1/421)
والآخذ هو أبو هريرة بخلاف ما يقتضيه ظاهر رواية شعبة.
قوله: (وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب)) ).
قلت: لم أر هذا اللفظ في الصحيحين ولا في أحدهما، والذي فيهما حديث عبادة بن الصامت بلفظ: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)).
أخرجاه جميعاً من رواية سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن محمود بن الربيع، عن عبادة.
وأخرجه مسلم من رواية صالح بن كيسان عن الزهري كذلك، لكن بلفظ: ((بأم القرآن)) ومن رواية معمر عن الزهري قال مثله. ومن رواية يونس عن الزهري كذلك قال: ((يقترئ)).
وقد وقع لي من وجه آخر عن ابن عيينة باللفظ الذي صدر به المصنف هذا الباب.
أخبرني أبو العباس الزينبي، أنا أبو المعالي بن مجلى، أنا أبو العباس بن مسلمة في كتابه، أنا أبو الفتح بن عبد الباقي إجازة، أنا ثابت بن بندار، أنا الحافظ أبو بكر بن محمد بن غالب، أنا الحافظ أبو بكر بن إبراهيم الإسماعيلي، ثنا عمران بن موسى من أصل كتابه، ثنا العباس بن الوليد النرسي، ثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن محمود بن الربيع، عن(1/422)
عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تجزئ صلاة من لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب)).
هكذا أخرجه الإسماعيلي في مستخرجه على صحيح البخاري، وشيخه من الحفاظ الثقات وشيخ شيخه العباس بن الوليد من شيوخ البخاري، وقد تابعه على هذا اللفظ زياد بن أيوب الطوسي، وهو من شيوخ البخاري أيضاً. أخرجه الدارقطني عن يحيى بن محمد بن صاعد وهو من كبار الحفاظ ثنا سوار بن عبد الله العنبري، وزياد بن أيوب، وسعيد بن عبد الرحمن في آخرين قالوا: ثنا سفيان بن عيينة فذكره باللفظ الأول قال: وفي رواية زياد بن أيوب: ((لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب)).
وجاء عن ابن عيينة بلفظ آخر أخرجه الدارقطني، والحاكم من طريق أشهب بن عبد العزيز عنه بلفظ: ((أم القرآن عوضٌ عن غيرها، وليس غيرها عوضاً منها)) والله أعلم.
آخر المجلس الثامن والثمانين من تخريج أحاديث الأذكار، وهو الثامن والستون بعد الأربعمئة من الأمالي المصرية بالبيبرسية.
[[فصل: ثم بعد الفاتحة يقرأ سورة أو بعض سورة، وذلك سنة لو تركه صحت صلاته ولا يسجد للسهو، وسواء كانت الصلاة فريضة أو نافلة، ولا يستحب قراءة السورة في صلاة الجنازة على أصح الوجهين، لأنها مبنية على التخفيف، ثم هو بالخيار إن شاء قرأ سورة، وإن شاء قرأ بعض سورة، والسورة القصيرة أفضل من(1/423)
قدرها من الطويلة. ويستحب أن يقرأ السورة على ترتيب المصحف، فيقرأ في الثانية سورة بعد السورة الأولى، وتكون تليها، فلو خالف هذا جاز. والسنة أن تكون السورة بعد الفاتحة، فلو قرأها قبل الفاتحة لم تحسب له قراءة السورة.
واعلم أن ما ذكرناه من استحباب السورة هو للإمام والمنفرد وللمأموم فيما يسر به الإمام، أما ما يجهر به الإمام فلا يزيد المأموم فيه على الفاتحة إن سمع قراءة الإمام، فإن لم يسمعها أو سمع همهمة لا يفهمها استحبت له السورة على الأصح بحيث لا يشوش على غيره.]]
(89)
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم حدثنا فقال:
قوله: (فصل: ثم يقرأ بعد الفاتحة سورة، أو بعض سورة، وذلك سنة).
قلت: جاء فيه حديث أبي قتادة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة .. الحديث. وحديث زيد بن ثابت: أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ الأعراف في الركعتين كلتيهما، وسيأتي تخريجهما في الفصل الذي يليه.
قوله: (ويستحب أن يقرأ السورة على ترتيب المصحف ..) إلى آخره.
قلت: لم أقف على دليل ذلك، ولعله يؤخذ من الخروج من خلال من أوجبه.(1/424)
قوله: (والسنة أن تكون السورة بعد الفاتحة، فلو قرأها قبل الفاتحة لم تحسب له).
قلت: لم أقف على دليل ذلك، ولعله يؤخذ من حديث: كان يفتتح القراءة بالحمد لله رب العالمين.
قوله: (أما ما يجهر به الإمام فلا يزيد فيه المأموم على الفاتحة إن سمع قراءة الإمام).
أخبرني الإمام أبو الفضل شيخنا رحمه الله، أخبرني محمد بن أزبك، أنا محمد بن عبد المؤمن، أنا أبو البركات بن ملاعب، أخبرنا القاضي أبو الفضل الأرموي، أنا أبو الغنائم بن المأمون، أنا أبو نصر محمد بن أحمد بن محمد بن موسى، أنا أبو إسحاق محمود بن إسحاق بن محمد بن مصعب ثنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة، ثنا أحمد بن خالد (ح).
وبالسند الماضي قريباً إلى الإمام أحمد ثنا محمد بن سلمة، قالا: ثنا محمد بن إسحاق عن مكحول (ح).
وبه إلى الإمام أحمد ثنا يعقوب -يعني ابن إبراهيم بن سعد- ثنا أبي، ثنا ابن إسحاق، حدثني مكحول، عن محمود بن ربيعة الأنصاري، عن عبادة بن الصامت الأنصاري رضي الله عنه، قال: صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الصبح فثقلت عليه القراءة، فلما انصرف من الصلاة أقبل علينا بوجهه فقال: ((إني لأراكم تقرؤون خلف إمامكم إذا جهر؟)) قالوا: إنا لنفعل ذلك فقال: ((لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها)).(1/425)
هذا حديث حسن أخرجه أبو داود عن عبد الله بن محمد النفيلي، عن محمد بن سلمة.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه الترمذي من رواية عبدة بن سليمان.
وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه من رواية عبد الأعلى.
والدارقطني من رواية إسماعيل بن علية، ثلاثتهم عن محمد بن إسحاق.
ولم ينفرد به محمد بن إسحاق، بل تابعه عليه زيد بن واقد، أحد الثقات من أهل الشام.
وبهذا السند إلى محمد بن إسماعيل، ثنا هشام بن عمار، ثنا صدقة بن خالد، ثنا زيد بن واقد، عن مكحول، وحزام بن حكيم، كلاهما عن ابن ربيعة الأنصاري، عن عبادة فذكر الحديث. وفيه قصة لعبادة، وفي آخره ((لا يقرأن أحدكم إذا جهرت بالقراءة إلا بأم القرآن)).
أخرجه النسائي عن هشام بن عمار على الموافقة.
وله شاهد من حديث أنس أخرجه ابن حبان في صحيحه عن أبي يعلى، وهو في مسنده من رواية أيوب، عن أبي قلابة عنه.
وهو في مسند أحمد وجزء القراءة خلف الإمام للبخاري من رواية خالد الحذاء عن أبي قلابة، عن محمد بن أبي عائشة، عمن شهد النبي صلى الله عليه وسلم.
فذكر ابن حبان أن الطريقين محفوظان.(1/426)
وقال البيهقي: رواية خالد الحذاء هي المحفوظة، وهكذا قال غيره، والله أعلم.
قوله: (فإن لم يسمعه أو سمع همهمة لا يفهمها استحب له قراءة السورة ..) إلى آخره.
قلت: يؤخذ ذلك من مفهوم النهي عن القراءة إذا جهر الإمام.
آخر المجلس التاسع والثمانين من التخريج وهو التاسع والستون بعد الأربعمئة من الأمالي المصرية بالبيبرسية، في يوم الثلاثاء المبارك تاسع عشر صفر سنة تسع وثلاثين وثمانمئة.(1/427)
[[فصل: والسنة أن تكون السورة في الصبح والظهر من طوال المفصل، وفي العصر والعشاء من أوساط المفصل، وفي المغرب من قصار المفصل، فإن كان إماماً خفف عن ذلك إلا أن يعلم أن المأمومين يؤثرون التطويل.
وكل هذا الذي ذكرناه جاءت به أحاديث في الصحيح وغيره مشهورة.]]
(90)
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم أخبرنا فقال:
قلت: وورد في الاكتفاء بالفاتحة حديث ابن عباس وأبي هريرة.
أخبرني أبو عبد الرحمن عبد الله بن خليل الحرستاني فيما قرأت عليه بصالحية دمشق، أنا أبو العباس أحمد بن محمد بن معالي، أنا محمد بن إسماعيل الخطيب، قرئ على فاطمة بنت الخير ونحن نسمع، عن زاهر بن طاهر سماعاً، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن، أنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا أبو يعلى، ثنا زهير بن حرب، ثنا القاسم بن مالك المزني، عن حنظلة بن عبد الله السدوسي، عن شهر بن حوشب، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين قرأ فيهما بأم القرآن لم يزد عليها.
هذا حديث حسن أخرجه أحمد عن القاسم بن مالك على الموافقة.(1/428)
وأخرجه البيهقي من طريق أبي بحر البكراوي عن حنظلة. فوقع لنا عالياً.
وخالفهما عبد الملك بن الخطاب عن حنظلة فقال: عن عكرمة بدل شهر. أخرجه البيهقي أيضاً.
والأول أولى.
وقرأت على فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي، عن أبي نصر محمد بن محمد الفارسي، قال: أخبرنا أبو الوفاء محمود بن إبراهيم الأصبهاني في كتابه، أنا أبو الفرج مسعود بن الحسن الثقفي، أنا أبو عمرو بن الحافظ أبي عبد الله بن منده، عن أبي الحسين الخفاف، ثنا أبو العباس السراج، ثنا أبو الأشعث -هو العجلي- ثنا يزيد بن زريع، ثنا حبيب بن الشهيد، عن عطاء، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: في كل صلاة قراءة، فما أسمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمعناكم، وما أخفى عنا أخفينا عنكم، وإن لم تزد على أم القرآن أجزأت، ومن زاد فهو أفضل.
هذا حديث صحيح أخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى، عن يزيد بن زريع.
وأحمد عن يحيى القطان عن حبيب بن الشهيد.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
قوله: (فصل: والسنة أن تكون السورة في الصبح والظهر) إلى أن قال(1/429)
في آخر الفصل: (وكل هذا الذي ذكرنا جاءت به أحاديث في الصحيح وغيره مشهورة).
قلت: فنأخذ ما ذكر على الترتيب.
أما القراءة في الصبح بطوال المفصل ففي الصحيحين من حديث أبي برزة الطويل في بيان المواقيت وكان ينصرف من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه ويقرأ فيها بالستين إلى المئة.
وأخبرنا أبو المعالي عبد الله بن عمر، أنا محمد بن أحمد بن خالد، أنا عبد الرحيم بن يحيى، ثنا عمر بن محمد، أنا أحمد بن الحسن، أنا الحسن بن علي، أنا أحمد بن جعفر، ثنا بشر بن موسى، ثنا خلف بن الوليد، ثنا إسرائيل (ح).
وقرأت على أم يوسف المقدسية بالصالحية، عن محمد بن عبد الحميد المقرئ، أنا إسماعيل بن غزوان، عن فاطمة بنت أبي الحسن، قالت: أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله بن عقيل، قال: أنا محمد بن عبد الله الضبي، أنا أبو القاسم الطبراني، أنا إسحاق بن إبراهيم، أنا عبد الرزاق واللفظ له، عن إسرائيل، عن سماك بن حرب، قال: سمعت جابر بن سمرة رضي الله عنه يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الغداة بنحو صلاتكم التي تصلون اليوم، ولكنه كان يخفف الصلاة، وكان يقرأ فيها بالواقعة ونحوها من السور.
هذا حديث صحيح أخرجه أحمد عن عبد الرزاق، ويحيى بن آدم، كلاهما عن إسرائيل.(1/430)
فوقع لنا موافقة وبدلاً بعلو.
وأخرجه الحاكم من رواية عبيد الله بن موسى عن إسرائيل وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجه.
قلت: بل أخرجه من رواية زائدة وزهير بن معاوية، كلاهما عن سماك، لكن ما سمى الواقعة بل غيرها.
وأخبرني أبو الحسن علي بن محمد الدمشقي بالقاهرة، أنا أحمد بن محمد الدشتي، وإسحاق بن يحيى الآمدي إجازة مكاتبة منهما، قالا: أخبرنا يوسف بن خليل الحافظ، أنا خليل بن بدر، أنا الحسن بن أحمد، أنا أحمد بن عبد الله، أنا عبد الله بن جعفر، ثنا يونس بن حبيب، ثنا سليمان بن داود، ثنا شعبة، عن زياد بن علاقة، قال: سمعت قطبة بن مالك رضي الله عنه يقول: صلى النبي صلى الله عليه وسلم الصبح فقرأ: {والنخل باسقات}.
وأخبرني أبو العباس بن تميم، أنا أبو العباس الصالحي، عن محمد بن مسعود، أنا أبو الوقت، أنا أبو الحسن بن داود، أنا عبد الله بن أحمد، أنا عيسى بن عمر، أنا الدارمي، ثنا أبو الوليد، ثنا شعبة فذكره، وزاد فيه في إحدى الركعتين من الصبح، وفيه قال شعبة: ثم لقيته مرة أخرى فقال: قرأ فيها بـ {ق}.
هذا حديث صحيح أخرجه مسلم من رواية أبي عوانة وسفيان بن عيينة وشريك، كلهم عن زياد بن علاقة.
وأخرجه أيضاً عن محمد بن بشار، عن محمد بن جعفر، عن شعبة.(1/431)
فوقع لنا عالياً بدرجتين، ولله الحمد.
آخر المجلس التسعين من تخريج أحاديث الأذكار، وهو السبعون بعد الأربعمئة من الأمالي المصرية بالخانقاه البيبرسية، وذلك في يوم الثلاثاء السادس والعشرين من صفر سنة تسع وثلاثين وثمانمئة.
(91)
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم أخبرنا فقال: وله شاهد من حديث أم هشام بنت حارثة بن النعمان رضي الله عنها قالت: ما أخذت {ق. والقرآن المجيد} إلا من قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح.
أخرجه النسائي بهذا اللفظ، وهو في صحيح مسلم لكن بلفظ: يقرأ بها في خطبة الجمعة.
وبالسند الماضي آنفاً إلى الطبراني ثنا علي بن سعيد، ثنا بكر بن خلف، ثنا مؤمل بن إسماعيل، ثنا شعبة، عن عبد الملك بن عمير، عن شبيب أبي روح، عن الأغر المزي رضي الله عنه، قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ سورة الروم في الصبح.
هذا حديث حسن أخرجه أحمد عن محمد بن جعفر عن شعبة بهذا السند، لكن لم يسم الصحابي قال: عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.(1/432)
وأخرجه أحمد أيضاً، والنسائي من رواية سفيان الثوري عن عبد الملك كذلك.
وشبيب ثقة، عده بعضهم في الصحابة غلطاً، وسائر رجاله من رجال الصحيح، وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم وكان ربما قرأ في الصبح من غير المفصل. وسيأتي في قراءة بعض السورة من حديث عبد الله بن السائب أنه صلى الله عليه وسلم صلى الصبح فافتتح سورة {قد أفلح}.
وقرأت على فاطمة بنت محمد المقدسية بصالحية دمشق بالسند الماضي مراراً إلى الطبراني في المعجم الأوسط أنا علي بن سعيد الرازي، ثنا عبد الله بن عمران الأصبهاني، ثنا أبو داود الطيالسي، ثنا شعبة، وأيوب بن جابر، كلاهما عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الصبح بـ {يس}.
هكذا وقع في هذه الرواية. وقد أخرجه مسلم من وجه آخر عن شعبة بهذا السند بلفظ: كان يقرأ في الظهر بسبح وفي الصبح أطول من ذلك.
فلعل بعض الرواة حمل حديث أيوب بن جابر على حديث شعبة، وأيوب بن جابر ضعيف. وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في الصبح بأوساط المفصل وقصاره.
وبالسند الماضي قريباً إلى الدارمي، ثنا أبو نعيم، ثنا المسعودي، ومسعر، قالا: حدثنا الوليد بن سريع، عن عمرو بن حريث رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح: {إذا الشمس كورت}.(1/433)
هذا حديث صحيح أخرجه أحمد عن وكيع، عن المسعودي ومسعر.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه النسائي من طريق وكيع.
وأخبرني الشيخ أبو إسحاق التنوخي، عن عبد الله بن أحمد بن تمام، أنا يحيى بن أبي السعود، قال: قرئ على شهدة ونحن نسمع، أن الحسين بن أحمد بن طلحة أخبرهم، أنا أبو الحسين بن بشران، ثنا إسماعيل الصفار، ثنا عبد الله بن محمد بن شاكر، ثنا أبو أسامة، ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن الأصبغ مولى عمرو بن حريث، عن عمرو بن حريث قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الغداة، فكأني أسمع صوته {فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس} قال: وذهب بي أبي إليه فدعا لي.
أخرجه أبو داود، والنسائي من وجهين عن إسماعيل.
وبالسند الماضي أيضاً إلى أبي يعلى قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو أسامة، ثنا سفيان الثوري، عن معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمني من القرآن فقال لي: ((اقرأ المعوذتين)) قال: ثم أمنا بهما في صلاة الصبح.
أخرجه النسائي، وابن خزيمة من طريق أبي أسامة بهذا السند،(1/434)
وأخرجه أحمد من رواية القاسم بن عبد الرحمن عن عقبة في سياق طويل.
وروينا في الجزء الثاني عشر من ((الخلعيات)) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الفجر فقرأ {قل يا أيها الكافرون} و {قل هو الله أحد} ورجاله ثقات إلا مندل بن علي ففيه ضعف. وكأنه وهم في قوله بهم، فإن الثابت أنه كان يقرأ بهما في ركعتي الفجر كما سيأتي.
وأخرج أبو داود في السنن من طريق معاذ بن عبد الله الجهني أن رجلاً من جهينة أخبره أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصبح {إذا زلزلت الأرض} في الركعتين كلتيهما، قال: فلا أدري أنسي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو فعله عمداً.
ورواته موثقون، ويمكن حمل ما ورد من ذلك على بيان الجواز، وبعضه في السفر لمناسبة التخفيف فيه، وهو مصرح به في بعض طرق حديث عقبة والله أعلم.
آخر المجلس الحادي والتسعين من تخريج الأذكار وهو الحادي والسبعون بعد الأربعمئة من الأمالي.
(92)
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم حدثنا فقال: وقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان ربما خفف القراءة فيما شأنه أن يطيل فيه لعارض يعرض، كما سيأتي في قراءة بعض السورة.
وأخبرني الشيخ أبو إسحاق بن كامل، أنا أبو العباس بن نعمة، أنا أبو(1/435)
المنجى بن اللتي بالسند الماضي مراراً إلى عبد بن حميد، ثنا أبو نعيم، ثنا سفيان -هو الثوري- عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر بأقصر سورتين في القرآن، فقلنا: يا رسول الله! صليت بنا اليوم صلاة ما كنت تصليها، قال: ((إني سمعت صوت صبي في صفة النساء)).
هذا حديث غريب أخرجه أبو نعيم الفضل بن دكين شيخ البخاري في كتاب ((الصلاة)) له هكذا.
وأبو هارون اسمه عمارة بن جوين بجيم وآخره نون مصغر: ضعفوه.
ولكن لحديثه هذا أصل في الصحيح عن أنس وأبي قتادة، ولفظه في البخاري من رواية يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز كراهية أن أشق على أمه)).
وأما القراءة في الظهر.
فقرأت على فاطمة بنت المنجى، عن سليمان بن حمزة، أنا الحافظ أبو عبد الله الضياء المقدسي، أنا زاهر بن أحمد، أنا الحسين بن عبد الملك، أنا إبراهيم بن منصور، وعبد الرحمن بن أحمد بن الحسن، قال الأول: أنا أبو بكر بن المقرئ، ثنا أبو يعلى، ثنا محمد بن أبي بكر، وقال الثاني: أنا جعفر بن عبد الله، ثنا محمد بن هارون، ثنا إبراهيم بن بسطام (ح).
وبه إلى الضياء أنا القاسم بن عبد الله الصفار، أنا وجيه بن طاهر، أنا أبو القاسم القشيري، أنا أبو الحسين الخفاف، ثنا أبو العباس السراج، ثنا(1/436)
عقبة بن مكرم، قالوا: ثنا أبو قتيبة سلم بن قتيبة، ثنا هاشم بن البريد، عن أبي إسحاق هو السبيعي، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا الظهر فيسمعنا الآية من سورة لقمان. زاد عقبة والذاريات.
هذا حديث حسن أخرجه ابن ماجه عن عقبة بن مكرم على الموافقة.
وأخرجه النسائي من طريق أبي قتيبة بهذا الإسناد.
وأخرج أحمد بن رواية يزيد بن البراء بن عازب، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الظهر بـ {يس}.
وبالسند الماضي قريباً إلى الدارمي ثنا يحيى بن حماد، ثنا أبو عوانة.
وبه قال الدارمي: حدثنا عمرو بن عون (ح).
وبالسند الماضي أيضاً إلى ابن خزيمة ثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وأحمد بن منيع، وزياد بن أيوب، قال الأربعة: ثنا هشيم، كلاهما عن منصور بن زاذان، عن الوليد أبي بشر، عن أبي الصديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر بقدر ثلاثين آية. وفي رواية هشيم بقدر {الم تنزيل} السجدة، وفي الركعتين الأخريين بقدر النصف من ذلك، وكان يقرأ في الركعتين الأوليين من العصر بقدر الأخريين من الظهر. وفي الركعتين الأخريين بقدر النصف من ذلك.(1/437)
هذا حديث صحيح أخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى عن هشيم وعن شيبان بن فروخ عن أبي عوانة.
فوقع لنا بدلاً عالياً من الطريقين.
وأخرجه النسائي عن يعقوب بن إبراهيم على الموافقة.
وقرأت على عمر بن محمد بن أحمد بن سليمان البالسي بصالحية دمشق، عن أبي محمد بن أبي التائب، أنا إبراهيم بن خليل، أنا يحيى بن محمود، أنا محمد بن أبي نزار، وأم عبد الله بنت أحمد بن عقيل، قالا: أنا أبو بكر الضبي، ثنا أبو القاسم اللخمي، ثنا إبراهيم بن عبد الله، ثنا إبراهيم بن الحجاج، ثنا سكين بن عبد العزيز، ثنا المثنى العطار، ثنا عبد العزيز والد سكين، قال: أتيت أنس بن مالك رضي الله عنه فقلت: أخبرني عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فصلى بنا الظهر فقرأ قراءة همساً بالمرسلات، والنازعات، وعم يتساءلون ونحوها.
هذا حديث حسن أخرجه أبو يعلى والحسن بن سفيان في مسنديهما من رواية سكين بن عبد العزيز بهذا الإسناد.
وبالسند الماضي إلى ابن خزيمة ثنا محمد بن معمر بن ربعي بخبر غريب، ثنا روح بن عبادة، ثنا حماد بن سلمة، عن قتادة، وثابت، وحميد، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا فنسمع منه(1/438)
النغمة في الظهر بـ {سبح اسم ربك الأعلى} و{هل أتاك حديث الغاشية}.
هذا حديث صحيح أخرجه البزار عن محمد بن معمر.
وله طريق أخرى عن أنس عند النسائي.
وبالسند الماضي إلى الدارمي قال: ثنا أبو الوليد حماد بن سلمة، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما، قال: كان (رسول الله) صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر بـ {السماء ذات البروج} {والسماء والطارق} ونحوهما من السور.
هذا حديث صحيح أخرجه أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي.
وأبو داود عن موسى بن إسماعيل.
كلاهما عن حماد بن سلمة، فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه الترمذي من رواية يزيد بن هارون، عن حماد.
والنسائي من رواية عبد الرحمن بن مهدي.
ويجمع هذا الاختلاف باختلاف الأحوال والله أعلم.
آخر المجلس الثاني والتسعين من تخريج الأذكار وهو الثاني والسبعون بعد الأربعمئة من الأمالي.(1/439)
(93)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا فقال: قرأت على أم الحسن بنت محمد بن أحمد بن محمد بن عثمان، عن أبي الربيع بن قدامة، أنا الضياء محمد بن عبد الواحد، أنا أبو عبد الله الأصبهاني، أنا أبو الخير الباغبان، قال أبو الربيع.
وأخبرنا عالياً أبو المنجى البغدادي إجازة إن لم يكن سماعاً، عن الباغبان، أنا أبو بكر السمسار، أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله، ثنا الحسين بن إسماعيل، ثنا أحمد بن منصور، ثنا النضر بن شميل، ثنا عبد الله بن عبيد، عن أبي بكر بن النضر بن أنس، قال: كنت عند أنس بن مالك رضي الله عنه فصلى بنا صلاة الظهر فأسمعنا القراءة في الركعتين الأوليين، ثم أقبل علينا بوجهه فقال: عمداً أسمعتكم، إني صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر فقرأ بهاتين السورتين بـ {سبح اسم ربك الأعلى} و{هل أتاك حديث الغاشية}.
هذا حديث حسن أخرجه النسائي من طريق أبي عبيدة الحداد، عن عبد الله بن عبيد.
فوقع لنا عالياً من الطريق الثانية.
وأخرجه الحسن بن سفيان في مسنده عن محمد بن قدامة، عن النضر بن شميل، فوقع لنا بدلاً عالياً.
وبه إلى الضياء أنا عبد المعز بن محمد، أنا زاهر بن طاهر، أنا محمد بن محمد النيسابوري، أنا محمد بن الفضل، ثنا محمد بن إسحاق (ح).(1/440)
قال الضياء: وأخبرنا أبو زرعة اللفتواني، أنا الحسن بن عبد الملك، أنا عبد الرحمن بن أحمد الرازي، أنا جعفر بن فناكي، ثنا محمد بن هارون، قالا: ثنا محمد بن حرب الواسطي، ثنا زيد بن الحباب، أخبرني حسين بن واقد قاضي مرو، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الظهر {إذا السماء انشقت} ونحوها من السور.
هذا حديث حسن أخرجه ابن خزيمة في صحيحه هكذا، وقد أخرج أحمد عن زيد بن الحباب بهذا الإسناد حديثاً في القراءة في صلاة العشاء.
وأخرجه الترمذي من هذا الوجه.
وقد أخرجهما معاً الضياء في ((المختارة)) من طريق زيد بن الحباب.
وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في الظهر بقدر طوال المفصل.
قرأت على فاطمة بنت المنجى، عن إسماعيل بن يوسف بن مكتوم، أنا أبو المنجى بن اللتي، أنا أبو المعالي بن اللحاس، عن أبي القاسم بن السري، أنا طاهر محمد بن عبد الرحمن الذهبي، ثنا ابن منيع هو عبد الله بن محمد، ثنا لوين، ثنا بشر بن القاسم، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز -هو لاحق بن حميد- عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر فسجد ثم قام فأتم القراءة وأنه قرأ {الم تنزيل}.(1/441)
هذا حديث حسن أخرجه أحمد بن يزيد بن هارون، عن سليمان التيمي.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه أبو داود عن محمد بن عيسى عن هشيم، ويزيد بن هارون، ومعتمر بن سليمان.
ثلاثتهم عن سليمان التيمي لكن زاد معتمر بن سليمان وأبي مجلز أمية، قال أبو داود: لم يذكر أحد أمية إلا معتمر.
قلت: يدل على صحة قوله: إن في آخر الحديث عند أحمد قال سليمان: ولم أسمعه من أبي مجلز، فدل على أن بينهما واسطة.
وقال أبو داود: أمية لا يعرف.
قلت: وجرى الحاكم على ظاهر الإسناد فأخرجه من طريق يحيى القطان عن سليمان بهذا السند وقال: صحيح على شرطهما، وليس كما قال لهذه العلة.
وبالسند الماضي مراراً إلى الإمام أحمد ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا معاوية -يعني ابن صالح- عن ربيعة بن يزيد، عن قزعة بن يحيى، قال: أتيت أبا سعيد الخدري وهو مكثور عليه، فلما تفرقوا قلت: إني لأسألك عما يسألك عنه هؤلاء، فذكر الحديث، وفيه إن أبا سعيد قال: لقد كانت صلاة الظهر تقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم فينطلق أحدنا إلى البقيع فيقضي حاجته ثم(1/442)
يأتي أهله فيتوضأ ثم يرجع إلى المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى.
هذا حديث صحيح أخرجه مسلم عن محمد بن حاتم عن عبد الرحمن بن مهدي.
فوقع لنا بدلاً عالياً. وبالله التوفيق.
آخر المجلس الثالث والتسعين من تخريج الأذكار وهو السبعون بعد الأربعمئة من الأمالي.
(94)
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم حدثنا فقال:
قرأت على فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي، عن محمد بن أبي نصر، أنا عبد الحميد بن عبد الرشيد في كتابه، أنا الحسن بن أحمد المقرئ، أنا الحسن بن أحمد المهري، أنا أحمد بن عبد الله الحافظ، أنا سليمان بن أحمد، ثنا الوليد بن حماد، ثنا سليمان بن عبد الرحمن، ثنا سعدان بن يحيى، ثنا أبو الرحال البصري، عن النضر بن أنس، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الهاجرة فرفع صوته بـ {الشمس وضحاها} {والليل إذا يغشى} فقال له أبي بن كعب رضي الله عنه: يا رسول الله أمرت في هذه الصلاة بشيء؟ قال: ((لا، ولكني أردت أن أؤقت لكم)).(1/443)
وبه قال سليمان لم يروه عن النضر إلا أبو الرحال ولا عنه إلا سعدان تفرد به سليمان.
قلت: وأبو الرحال بفتح الراء وتشديد الحاء المهملة اسمه خالد بن محمد، ويقال: محمد بن خالد، وهو أنصاري تابعي صغير، سمع من أنس حديثاً غير هذا، وقد ضعفه بعضهم، لكن يقوى حديثه بشواهده.
وأما القراءة في العصر:
فقرأت على الشيخ المسند أبو الفرج بن حماد، أن علي بن إسماعيل أخبرهم، أنا عبد اللطيف بن عبد المنعم، عن أبي الحسن الجمال، أنا أبو علي الحداد، أنا أبو نعيم، ثنا أبو محمد بن حيان، ثنا محمد بن يحيى -يعني ابن منده- ثنا أبو موسى -هو محمد بن المثنى- ثنا عبد الرحمن بن مهدي (ح).
وبه إلى أبي نعيم، ثنا أبو بكر الطلحي، ثنا عبيد بن غنام، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو داود -هو الطيالسي- (ح).
وبه إلى نعيم قال: وثناه عالياً عبد الله بن جعفر، ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود الطيالسي، قال هو وابن مهدي: ثنا شعبة، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العصر بـ {الليل إذا يغشى} ونحوها.
هذا حديث صحيح أخرجه أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي.
وأخرجه مسلم عن أبي موسى وأبي بكر على الموافقة للثلاثة.(1/444)
وأخرجه أحمد أيضاً عن سليمان بن داود -وهو أبو داود الطيالسي-.
فوقع لنا موافقة وعالية من الطريق الأخير.
وأخرجه أبو داود من رواية معاذ عن شعبة.
والنسائي عن إسحاق بن منصور عن ابن مهدي.
وأخرجه ابن خزيمة عن يعقوب الدورقي عن أبي داود الطيالسي.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وتقدم من وجه آخر عن سماك بن حرب أنه كان يقرأ فيها بـ {السماء ذات البروج} {والسماء والطارق}.
وتقدم أيضاً في حديث أبي سعيد أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الأوليين من العصر بنحو النصف مما يقرأ في الأوليين من الظهر.
ويأتي التصريح بقراءة أوساط المفصل فيها من حديث أبي هريرة.
وأما القراءة في المغرب بقصار المفصل، فلم أر في ذلك حديثاً صحيحاً صريحاً، بل الوارد في الأحاديث الصحيحة أنه قرأ فيها بطوال المفصل كالطور والمرسلات بأطول منها كالدخان وبأطول من ذلك أضعافاً كالأعراف.
وأقوى ما رأيته في ذلك حديث أبي هريرة، لكن سياقه ليس نصاً في رفعه. أخرجه النسائي وابن ماجه من رواية سليمان بن يسار عن أبي هريرة قال: ما صليت وراء إمام أشبه بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم من فلان، قال سليمان: وكان يطيل الركعتين الأوليين، وكان يقرأ في العصر والعشاء بأوساط المفصل،(1/445)
ويقرأ في المغرب بقصار المفصل.
وقد أنكر زيد بن ثابت على مروان قراءته في المغرب بقصار المفصل.
وبهذا السند إلى أبي نعيم، ثنا محمد بن إبراهيم، ثنا محمد بن الحسن -يعني ابن قتيبة- ثنا حرملة -يعني ابن يحيى- أنا عبد الله بن وهب، عن يونس -يعني ابن يزيد- (ح).
وأنا عالياً أحمد بن علي بن يحيى، أنا أحمد بن نعمة، أنا أبو المنجى إذناً مشافهة بالسند الماضي مراراً إلى الدارمي، أنا عثمان بن عمر، أنا يونس بن يزيد.
وبه إلى نعيم، ثنا سليمان بن أحمد، أنا إسحاق بن إبراهيم، أنا عبد الرزاق عن معمر، كلاهما عن الزهري (ح).
وأخبرني الشيخ أبو عبد الله بن قوام بالسند الماضي مراراً إلى أبي مصعب، أنا مالك، عن ابن شهاب -هو الزهري- عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أم الفضل -يعني أمه واسمها لبابة بنت الحارث رضي الله عنه- سمعته وهو يقرأ {والمرسلات} فقالت: يا بني! لقد أذكرتني بقراءتك هذه السورة، إنها لآخر ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب.(1/446)
وليست القصة في رواية يونس ومعمر.
هذا حديث صحيح أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف.
ومسلم عن يحيى بن يحيى كلاهما عن مالك، وأخرجه مسلم أيضاً عن حرملة بن يحيى.
فوقع لنا موافقة عالية. وأخرجه أيضاً عن عبد بن حميد وغيره عن عبد الرزاق.
فوقع لنا بدلاً عالياً بدرجتين. وأخرجه النسائي من رواية عبد الرحمن بن القاسم عن مالك.
وأخرجه أيضاً من طريق أنس بن مالك عن أم الفضل.
ورجاله ثقات، وزاد فيه أن ذلك كان في مرض موته، وأن ذلك كان في بيته صلى الله عليه وسلم والله أعلم.
آخر المجلس الرابع والتسعين من التخريج وهو الرابع والأربعين بعد الأربعمئة من الأمالي.(1/447)
(95)
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم حدثنا فقال:
أخبرني الشيخ المسند أبو الفرج بن أبي العباس بن حماد رحمه الله، قال: أنا علي بن إسماعيل بن إبراهيم القرشي بقراءة الحافظ أبي الفتح اليعمري عليه ونحن نسمع، قال: أنا إسماعيل بن عبد القوي بن أبي العز، عن فاطمة بنت أبي الحسن الأندلسي سماعاً، قالت: أخبرتنا فاطمة الجوزذانية، قالت: أنا أبو بكر بن ريذة، قال: أنا الطبراني، قال: ثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري (ح).
وبالسند الماضي إلى أبي مصعب، قال: أنا مالك، عن ابن شهاب، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ وفي رواية معمر يقرأ في المغرب بالطور.
هذا حديث صحيح أخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف. ومسلم عن يحيى بن يحيى كلاهما عن مالك.
وأخرجه البخاري عن إسحاق بن منصور ومحمود بن غيلان. ومسلم عن يحيى بن يحيى كلاهما عن مالك.
فوقع لنا بدلاً عالياً.(1/448)
وأخبرني العماد أبو بكر بن إبراهيم الفرضي، عن أبي نصر بن العماد، قال: أنا محمد بن عبد الواحد في كتابه من أصبهان، قال: أنا أبو الخير محمد بن أحمد بن عمر، قال: أنا إبراهيم بن محمد الطيان، قال: أنا إبراهيم بن عبد الله الأصبهاني، قال: ثنا أبو بكر بن زياد الحافظ، ثنا الربيع بن سليمان، قال: أنا ابن وهب، عن أسامة بن زيد، أن الزهري أخبره، أن محمد بن جبير حدثنيه، عن أبيه، أنه قدم في فداء أسارى بدر على النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ في صلاة المغرب {والطور. وكتابٍ مسطورٍ. في رق منشورٍ} قال: فأخذني من قراءته كالكرب.
أخرجه مسلم عن حرملة بن يحيى عن ابن وهب، لكن قال: عن يونس بدل أسامة.
فوقع لنا عالياً بدرجتين.
وأخرجه الدارقطني عن أبي بكر بن زياد، فوقع لنا موافقة عالية.
وقد ظن بعضهم أنه قرأ من هذه السورة هذا القدر فقط، وليس كما ظن، فقد أخرجه الطحاوي من رواية هشيم عن الزهري بلفظ فقرأ {إن عذاب ربك لواقع. ما له من دافعٍ}.
وظن أنه انتهى إلى هذا القدر، وليس كما ظن فقد أخرجه الشيخان من رواية سفيان بن عيينة عن الزهري كرواية معمر، زاد البخاري قال سفيان: حدثوني عن الزهري بهذا السند وزاد فلما قرأ: {أم خلقوا من غير شيءٍ} إلى قوله: {بسلطانٍ مبينٍ} كاد قلبي يطير.(1/449)
وأخرجه أحمد من رواية سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن محمد بن جبير عن أبيه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم في فداء أسارى بدر وما أسلم يومئذ قال: فدخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب يقرأ بالطور فكأنما صدع عن قلبي حين سمعت القرآن حين خرجت من المسجد.
وأخبرني الشيخ أبو إسحاق التنوخي، أنا أيوب بن نعمة النابلسي، أنا إسماعيل بن أحمد العراقي، أنا محمد بن عبد الخالق في كتابه، أنا عبد الرحمن بن حمد، أنا أحمد بن الحسين، أنا أبو بكر بن السني، أنا أبو عبد الرحمن النسائي، أنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، ثنا أبي، ثنا حيوة وذكر آخر، قالا: أنا جعفر بن ربيعة، أن عبد الرحمن بن هرمز أخبره، أن معاوية بن عبد الله بن جعفر أخبره، أن عبد الله بن عتبة بن مسعود رضي الله عنه حدثه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بـ {حم الدخان}.
هذا حديث حسن أخرجه النسائي هكذا، ورجاله ثقات، والمبهم في السند هو عبد الله بن لهيعة كان النسائي إذا مر في سند لم يسمه ولم يحذفه لضعفه عنده ويستغني بمن يقارنه.
والذي قارنه هنا حيوة بفتح المهملة وسكون الياء آخره الحروف وفتح الواو، وهو ابن شريح المصري، من رجال الصحيح.
ولهم حيوة بن شريح آخر حمصي متأخر الطبقة عن هذا رتبة وزماناً، والله أعلم.
آخر المجلس الخامس والتسعين من تخريج أحاديث الأذكار، وهو(1/450)
الخامس والسبعون بعد الأربعمئة من الأمالي المصرية بالخانقاه البيبرسية، ولله الحمد أولاً وآخراً.
(96)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم أخبرنا كما تقدم فقال: ووجدت لحديث عبد الله بن عتبة شاهداً من حديث ابن عباس، أخرجه ابن أبي شيبة لكنه موقوف، ولفظه أنه قرأ في المغرب الدخان.
وورد أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب: {الذين كفروا} وهي أطول من الدخان.
قرأت على فاطمة بنت المنجى، عن سليمان بن حمزة، أنا محمد بن عبد الواحد الحافظ، أنا عمر بن محمد، أنا محمد بن عبد الباقي الأنصاري، أنا الحسن بن علي الجوهري، أنا أبو عمر بن حيويه، ثنا عمر بن هارون، ثنا الحسين بن حريث، ثنا أبو معاوية، ثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله}.
هذا حديث غريب أخرجه ابن حبان في صحيحه عن محمد بن أحمد بن عون.
وفي الصلاة عنه وعن ابن خزيمة، كلاهما عن الحسين بن حريث.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
ورجاله من رواة الصحيحين لكنهما لم يخرجا لأبي معاوية عن(1/451)
عبيد الله بن عمر شيئاً. وقد قال الطبراني في الأوسط بعد أن أخرجه: لم يروه عن عبيد الله بن عمر إلا أبو معاوية، تفرد به الحسين بن حريث.
قلت: قد رواه عن عبيد الله بن عمر غير أبي معاوية أخرجه ابن ماجه عن أحمد بن بديل عن حفص بن غياث، عن عبيد الله.
لكن خالف في المتن فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في المغرب: {قل يا أيها الكافرون} و{قل هو الله أحد} لكن قال الدارقطني: إن أحمد بن بديل أخطأ فيه، والمحفوظ عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ هاتين السورتين في الركعتين بعد المغرب، وستأتي الرواية بذلك إن شاء الله تعالى.
وقد أخرج الطبراني في المعجم الكبير من حديث عبد الله بن الحارث بن عبد المطلب أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى المغرب فقرأ في الركعة الأولى بـ {سبح اسم ربك الأعلى} وفي الثانية: {قل يا أيها الكافرون} لكن في سنده حجاج بن نصير وهو ضعيف.
وقد ورد أمره صلى الله عليه وسلم بقراءة {سبح} في المغرب.
أخبرني الشيخ أبو إسحاق التنوخي، أنا أبو العباس الصالحي، أنا أبو المنجى البغدادي، أنا أبو الوقت، أنا عبد الرحمن بن محمد، أنا عبد الله بن أحمد، أنا إبراهيم بن خزيم، أنا عبد بن حميد، ثنا سعيد بن الربيع، ثنا شعبة، عن محارب بن دثار، عن جابر رضي الله عنه، قال: صلى معاذ رضي الله عنه بقومه المغرب فافتتح البقرة أو النساء، فجاء رجل وقد جنح الليل ومعه ناضح له، فترك الناضح ودخل معهم في الصلاة فلما رآه أبطأ أشفق على ناضحه فصلى ثم انصرف عنهم، فبلغ ذلك الرجل أن معاذاً يقول: إنه منافق، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: ((أفتانٌ أنت -أو قال- فاتنٌ أنت؟ فهلا(1/452)
أو فلولا قرأت بـ {سبح اسم ربك الأعلى} {والشمس وضحاها} {والليل إذا يغشى} -شك شعبة- فإنه يصلي وراءك الكبير، وذو الحاجة والضعيف)).
هذا حديث صحيح أخرجه البخاري عن آدم هو ابن أبي إياس عن شعبة بنحوه.
وقال: تابعه سعيد بن مسروق، والشيباني، ومسعر، والأعمش، كلهم عن محارب.
وقد ذكرت من وصل أحاديث هؤلاء في ((تغليق التعليق)) وسعيد بن مسروق هو والد سفيان الثوري، فقد رواه سفيان عن حرب.
قرأت على فاطمة بنت المنجى، عن سليمان بن حمزة، أنا محمود وأسماء وحميراء أولاد إبراهيم بن سفيان كتابة من أصبهان، قالوا: أنا أبو الخير الباغبان، ثنا أبو إسحاق الطيان، وأبو بكر السمسار، قالا: أنا إبراهيم بن عبد الله، ثنا الحسين بن إسماعيل، ثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا سفيان الثوري، عن محارب، عن جابر، قال: أقبل رجل بناضحيه ومعاذ يصلي المغرب فقرأ البقرة فذكر الحديث بنحوه، وليس بتمامه ولم يشك في {والشمس وضحاها} وزاد نحوها.
هذا حديث صحيح أخرجه النسائي في الكبرى، عن محمد بن بشار، عن عبد الرحمن بن مهدي.(1/453)
فوافقناه في شيخ شيخه بعلو ثلاث درجات، ووقع في رواية مسعر ((هلا قرأت بـ {الشمس وضحاها} وذواتها)).
رويناه كذلك في ((الحلية)) من رواية بكر بن بكار عن مسعر والله أعلم.
آخر المجلس السادس والتسعين من التخريج وهو السادس والسبعون بعد الأربعمئة من الأمالي المصرية.
(97)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا فقال: ذكر قراءة الأعراف في المغرب.
أخبرني أبو العباس أحمد بن الحسن بن محمد المقدسي، أنا يحيى بن فضل الله العدوي، أنا أبو العباس أحمد بن مسلمة في كتابه، عن يحيى بن ثابت بن بندار، قال: أنا أبي، أنا أحمد بن محمد بن غالب الحافظ، أنا أبو بكر بن إبراهيم الحافظ، أخبرني إبراهيم بن موسى، قال: ثنا هارون بن عبد الله، ثنا حجاج بن محمد، قال: قال ابن جريج (ح).
وأخبرنا به عالياً أبو العباس أحمد بن أبي بكر بن عبد الحميد في كتابه، أنا يحيى بن محمد بن سعد، عن زهرة بنت محمد بن حاضر، قالت: أنا يحيى بن ثابت بن بندار، أنا أبي، أنا أبو منصور محمد بن محمد السواق، والحسين بن محمد بن محمد بن قنان، قالا: أنا أحمد بن جعفر بن حمدان، ثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله بن مسلم (ح).
وأنا أبو علي محمد بن محمد الجلال، عن ست الوزراء التنوخية سماعاً، قالت: أنا أبو عبد الله بن المبارك، أنا عبد الأول بن عيسى، أنا(1/454)
عبد الرحمن بن محمد، أنا عبد الله بن أحمد، أنا أبو عبد الله الفربري، أنا أبو عبد الله البخاري، قالا: ثنا أبو عاصم -هو الضحاك بن مخلد- ثنا ابن جريج (ح).
وقرأت على أم الحسن التنوخية، عن أبي الفضل بن أبي طاهر، أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد الحافظ، أنا أبو جعفر الصيدلاني، أنا أبو علي الحداد، أنا أبو نعيم الحافظ، أنا أبو القاسم الطبراني في كتاب الصلاة المسند لعبد الرزاق، ثنا إسحاق بن إبراهيم بن عباد، أنا عبد الرزاق، أنا ابن جريج -هو عبد الملك بن عبد العزيز- قال: سمعت عبد الله بن أبي مليكة، يقول: أخبرني عروة بن الزبير، أن مروان بن الحكم أخبره، قال: قال لي زيد بن ثابت رضي الله عنه: ما لك تقرأ في المغرب بقصار المفصل، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة المغرب بطولى الطوليين، قال: قلت: تعرف ما طولى الطوليين؟ فكأنه قال من قبل رأيه: الأنعام والأعراف.
هذا لفظ حجاج وفي آخر حديثه اختصار بينته رواية عبد الرزاق فقال في روايته بعد قوله بطولى الطوليين: قلت لعروة: ما طولى الطوليين؟ قال: الأعراف قلت لابن أبي ملكة: وما الطوليان؟ قال: الأنعام والأعراف. وانتهت رواية أبي عاصم إلى قوله بطولى الطوليين، ولم يذكر ما بعده في رواية البخاري، وذكره في رواية أبي مسلم مقتصراً على قوله: قلت: وما الطوليان؟ قال: الأعراف ويونس كذا قال، واتفاق عبد الرزاق وحجاج على الأنعام أولى.
هذا حديث صحيح أخرجه البخاري عن أبي عاصم.
وأخرجه ابن خزيمة عن بندار عن أبي عاصم.(1/455)
وأخرجه أبو داود عن الحسن بن علي عن عبد الرزاق.
فوقع لنا بدلاً عالياً من الوجهين.
وأخرجه النسائي من رواية خالد بن الحارث.
وابن خزيمة أيضاً من رواية روح بن عباد.
والإسماعيلي من رواية محمد بن جعفر غندر، ثلاثتهم عن ابن جريج.
وأخرجه النسائي أيضاً من رواية لأبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل عن عروة عن زيد بن ثابت أنه قال لمروان: أبا عبد الملك أتقرأ في المغرب بـ {قل هو الله أحدٌ} و{إنا أعطيناك الكوثر}؟ قال: نعم، قال: فمحلوفه لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها بطولى الطوليين {المص}.
وروى هشام بن عروة عن أبيه واختلف الرواة عنه، فقال عبد الرحمن بن أبي الزناد عنه، عن أبيه، عن مروان، عن زيد، كما قال ابن أبي مليكة.
وقال أكثر الرواة عنه، عن أبيه، عن زيد بإسقاط مروان من السند، فوقع في رواية ابن خزيمة والحاكم من طريق محاضر عن هشام بلفظ: كان يقرأ في المغرب بالأعراف في الركعتين كلتيهما.
ورواه وكيع عن هشام لكن قال في السند: عن أبيه، عن زيد بن ثابت، أو أبي أيوب هكذا بالشك. أخرجه أحمد عن وكيع.(1/456)
وأخرج أيضاً [من] [روايـ]ـة ابن أبي الزناد.
وبالسند الماضي آنفاً إلى الصيدلاني أتنا فاطمة بنت عبد الله، قالت: أنا محمد بن عبد الله، أنا الطبراني في الكبير، ثنا عبد الرحمن بن سلم الرازي، ثنا سهل بن عثمان، ثنا عقبة بن خالد، ثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالأنفال في الركعتين.
ورجال هذا الإسناد ثقات، لكنه شاذ في موضعين: في السند للجزم بأبي أيوب وفي المتن لقوله: الأنفال. وأخرجه النسائي من رواية شعيب بن أبي حمزة عن هشام فوافق الجماعة في الجزم بزيد بن ثابت، وخالف الجميع في الصحابي فقال عن عائشة: وقال في المتن: قرأ بالأعراف فرقها في الركعتين.
ورواته أيضاً ثقات إلا أن قوله عن عائشة شاذ، ومن ثم اقتصر البخاري على طريق ابن أبي مليكة وأعرض عما سواها والله أعلم.
آخر المجلس السابع والتسعين من التخريج وهو السابع والسبعون بعد الأربعمئة من الأمالي المصرية.
(98)
ثم أخبرنا فقال: ذكر بقية الأخبار في القراءة في المغرب.
أخرج أبو يعلى من طريق ثابت البناني عن أنس حديثاً فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم(1/457)
قرأ في المغرب {القارعة}. والراوي له عن ثابت عباد بن كثير الثقفي البصري، وهو ضعيف.
وأخرج ابن أبي شيبة والطحاوي من طريق الشعبي عن عبد الله بن يزيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بـ {التين والزيتون} والراوي له عن الشعبي جابر الجعفي، وهو ضعيف.
والمعروف كما سيأتي أنه قرأ بها في العشاء.
وذكر البيهقي من رواية سعيد بن سماك بن حرب عن أبيه قال جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب {قل يا أيها الكافرون} و {قل هو الله أحدٌ} وسعيد ضعيف، والمعروف أنه قرأ بهما في الركعتين بعد المغرب.
وقد تقدم التنبيه عليه.
وأخرج أبو داود وأبو يعلى والطحاوي من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال: كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب، ثم نرمي وأحدنا يرى مواقع نبله.
وأخرج أحمد والطحاوي أيضاً من طريق القعقاع بن حكيم عن جابر رضي الله عنه مثل حديث أنس، وقال فيه: ثم يرجع أحدنا إلى بني سلمة -بطن من الخزرج-.
وسند كل منهما صحيح.
قال الطحاوي: هذا يدفع أنه قرأ فيها بالأعراف.
قلت: الجمع ممكن، أي: وهو باختلاف الأحوال، ولا ترد الأحاديث(1/458)
الصحيحة بمثل هذا الاعتراض.
وأخرج الطحاوي أيضاً من رواية سليمان بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بقصار المفصل.
وهذا لو ثبت بهذا اللفظ لأغنى عما سواه، لكنه مختصر من الحديث الذي. قرأت على فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي، عن يحيى بن محمد بن سعد، أنا علي بن مختار في كتابه، أنا السلفي، أنا مكي بن منصور، أنا أبو بكر أحمد بن الحسن القاضي، أنا حاجب بن أحمد الطوسي، أنا أبو بكر الحنفي، ثنا الضحاك بن عثمان، حدثني بكير بن الأشج، عن سليمان بن يسار، قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: ما رأيت أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من فلان، لأمير كان على المدينة، قال سليمان: فصليت خلفه، فكان يطيل القراءة في الركعتين الأوليين من الظهر ويخفف الأخريين، وكان يخفف في العصر، وكان يقرأ في المغرب بقصار المفصل، وفي العشاء بوسط المفصل، وفي الصبح بطوال المفصل. قال الضحاك: وحدثني من سمع أنس بن مالك يقول: ما رأيت أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من عمر بن عبد العزيز. قال الضحاك: فصليت خلفه فكان يصلي مثل ما وصف سليمان بن يسار.
هذا حديث صحيح من حديث أبي هريرة، والمرفوع منه تشبيه أبي هريرة صلاة الأمير المذكور بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما عدا ذلك موقوف إن كان الأمير المذكور صحابياً أو مقطوع إن لم يكن.(1/459)
وأما حديث أنس ففي سنده مبهم يمنع من الحكم بصحته، والمرفوع منه أيضاً التشبيه، وما عداه مقطوع.
وقد أخرجه بطوله أحمد عن أبي بكر الحنفي. والبيهقي عن أبي بكر القاضي.
فوقع لنا موافقة عالية لأحمد، والبيهقي.
وأخرجه أحمد أيضاً، والنسائي، وابن ماجه، وابن خزيمة من طريق محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، وغيره عن الضحاك.
وأخرجه الطحاوي من طريق المغيرة بن عبد الرحمن، وعثمان بن مكتل كلاهما عن الضحاك كلهم برواية سليمان بن يسار عن أبي هريرة ولم يذكروا ما بعد ذلك من رواية الضحاك.
وأخرجه الطحاوي أيضاً من رواية زيد بن حباب عن الضحاك باللفظ الذي قدمته.
فلم يصب من اختصره، فإن أبا هريرة لم يتلفظ بقوله: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بقصار المفصل. وإنما تلفظ بالتشبيه وهو لا يستلزم المساواة في جميع صفات الصلاة، والله أعلم.
آخر المجلس الثامن والتسعين من التخريج وهو الثامن والسبعون بعد الأربعمئة من الأمالي المصرية بالبيبرسية في يوم الثلاثاء ثالث عشر من ربيع الأول سنة تسع وثلاثين وثمانمئة.(1/460)
(99)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم أخبرنا فقال: وأما القراءة في العشاء.
فأخبرني أبو المعالي الأزهري، أنا أبو العباس الحلبي، أنا أبو الفرج الحراني، أنا أبو محمد الحربي، أنا أبو القاسم الشيباني، أنا أبو علي التميمي، أنا أبو بكر القطيعي، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا زيد بن الحباب، ثنا حسين بن واقد، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة العشاء بـ {الشمس وضحاها} وأشباهها من السور.
هذا حديث حسن أخرجه الترمذي عن عبدة بن عبد الله.
وأبو العباس السراج عن محمد بن رافع.
كلاهما عن زيد بن الحباب.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وقد جاء نحو ذلك من أمره صلى الله عليه وسلم.
وبهذا السند إلى بريدة بن الخصيب الأسلمي أن معاذ بن جبل رضي الله عنه صلى بأصحابه صلاة العشاء، فقرأ {اقتربت الساعة} فقام رجل من قبل أن يفرغ معاذ فصلى وذهب، فقال فيه قولاً شديداً، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فاعتذر إليه وقال: إني كنت أعمل في نخل لي وخفت على الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني لمعاذ: ((صل بالشمس وضحاها ونحوها من السور)).
هذا حديث حسن أخرجه أحمد هكذا.(1/461)
ووقع لي من وجه آخر أعلى من طريقه بدرجة.
قرأت على محمد بن محمد بن عبد اللطيف بن محمود، عن زينب بنت أحمد بن عبد الرحيم، عن عجيبة البغدادية، قالت: أنا الحسن بن العباس الفقيه، ومسعود بن الحسن الرئيس مكاتبة عنهما، قالا: أنا أبو بكر السمسار، أنا إبراهيم بن عبد الله، ثنا الحسين بن إسماعيل، ثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد، ثنا زيد بن الحباب فذكر نحوه.
وأخرجه أبو يعلى والسراج من رواية علي بن الحسن عن حسين بن واقد.
ولقصة معاذ شاهد في الصحيحين من حديث جابر وسياقه أتم، وفيه أن معاذاً قرأ بالبقرة، وهو المحفوظ.
أخبرني أبو العباس بن تميم، أنا أبو العباس بن نعمة، عن محمد بن مسعود، أنا عبد الأول بن عيسى، أنا أبو الحسن بن داود، أنا أبو محمد بن أعين، أنا عيسى بن عمر، أنا الدارمي، أنا سعيد بن عامر، ثنا شعبة، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن معاذاً كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي قومه فيصلي بهم، فجاء ذات ليلة فصلى العتمة، فقرأ البقرة، فقام رجل من الأنصار فصلى ثم ذهب، فبلغه أن معاذاً نال منه، فشكاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((فاتناً فاتناً فاتناً - أو قال: فتاناً)) ثم أمره بسورتين من وسط المفصل.
هذا حديث صحيح، أخرجه البخاري مختصراً عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة.
وأخرجه بتمامه عن محمد بن بشار بندار عن محمد بن جعفر غندر عن شعبة بتمامه. وقال في آخره قال عمرو: لا أحفظهما. وقد رواه سفيان بن(1/462)
عيينة عن عمرو بالإبهام وساقه أتم، وعن أبي الزبير بالتعيين.
أخبرني أبو الحسن بن أبي بكر الحافظ، أنا محمد بن إسماعيل الأنصاري، أنا المسلم بن علان، أنا حنبل بن عبد الله، أنا هبة الله بن محمد، أنا الحسن بن علي، أنا أحمد بن جعفر، ثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، ثنا سفيان (ح).
وأخبرني أبو الفرج بن عماد، قال: أنا أبو الحسن بن قريش، أنا أبو الفرج بن الصيقل، عن أبي الحسن الجمال، أنا أبو علي الحداد، أنا أبو نعيم في المستخرج، ثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا بشر بن موسى، ثنا الحميدي -واللفظ له- ثنا سفيان بن عيينة، ثنا عمرو قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: فذكر الحديث بنحوه، وقال فيه: فتنحى رجل ممن صلى معه، فصلى وحده ثم انصرف، فقالوا له: نافقت، فقال: لا، وفيه فقال: ((أفتانٌ يا معاذ؟ اقرأ بسورة كذا وسورة كذا)) قال سفيان: فقلت لعمرو: أن أبا الزبير يقول فيه: بـ {سبح اسم ربك الأعلى} {والشمس وضحاها} {والسماء والطارق} فقال عمرو: هو هذا ونحو هذا.
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم عن محمد بن عباد عن سفيان بن عيينة.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه أبو داود عن أحمد.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه أيضاً مسلم من طريق الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر،(1/463)
فذكر الحديث بنحوه، وسمى السور لكن زاد {اقرأ بسم ربك} ولم يذكر السماءين.
وبه إلى نعيم ثنا إبراهيم بن عبد الله ومحمد بن إبراهيم قال الأول: ثنا محمد بن إسحاق، ثنا قتيبة، والثاني: ثنا علي بن أحمد، ثنا محمد بن رمح، قالا: ثنا الليث.
أخرجه مسلم عن قتيبة ومحمد بن رمح.
وأخرجه النسائي عن قتيبة.
وابن ماجه عن محمد بن رمح.
فوقع لنا موافقة عالية فيهما، والله أعلم.
(100)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم كثيراً.
ثم حدثنا سيدنا، ومولانا، شيخ الإسلام، قاضي القضاة، إمام الحفاظ، إملاء من حفظه كعادته، وذلك في الثامن من جمادى الأولى من شهور سنة تسع وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
(ذكر الاختلاف في اسم الذي صلى مع معاذ).
قرأت على أم الحسن بنت المنجا التنوخية بدمشق، عن سليمان بن(1/464)
حمزة، أنا محمد بن عبد الواحد الحافظ، أنا القاسم بن عبد الله الصفار، أنا وجيه بن طاهر، قال: سليمان: وأخبرنا عالياً الضياء بن أنجب في كتابه، عن وجيه، أنا يعقوب بن أحمد الصيرفي، وعبد الرحيم بن أحمد الإسماعيلي، وأبو القاسم القشيري، قالوا: أنا أبو الحسن الخفاف، ثنا أبو العباس السراج، ثنا زياد بن أيوب (ح).
وأخبرني أبو المعالي الأزهري بالسند الماضي مراراً إلى الإمام أحمد قالا: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، ثنا عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: كان معاذ بن جبل يصلي بقومه فدخل حرامٌ المسجد وهو يريد أن يسقي نخله، فصلى مع القوم، فلما رأى معاذ طول بهم تجوز في صلاته ولحق بنخله يسقيه، فلما قضى معاذ الصلاة ذكر له ذلك، فقال: إنه منافق، فبلغ ذلك الرجل، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعاذ عنده، فذكر له ذلك، فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم على معاذ، فقال: ((أفتانٌ أنت؟ -مرتين- {اقرأ بسم ربك الأعلى} {والشمس وضحاها} ونحوهما)).
هذا حديث صحيح، أخرجه البزار عن مؤمل بن هشام، عن إسماعيل.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وحرام بمهملتين لم ينسب في هذه الرواية، وجوز بعضهم أنه ابن ملحان بكسر الميم وسكون اللام بعدها مهملة، وهو خال أنس بن مالك.
وقد أخرج أبو داود من رواية عبد الرحمن بن جابر عن حزم بن أبي بن كعب -رضي الله عنه- أنه صلى مع معاذ بن جبل. فذكر الحديث في تطويل معاذ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم له بالتخفيف.
أخرجه عن موسى بن إسماعيل عن طالب بن حبيب عن ابن جابر.(1/465)
وقد أخرجه البزار من وجه آخر عن طالب فقال: عن ابن جابر عن أبيه أن حزم بن أبي بن كعب فذكره.
وحزم بفتح المهملة وسكون الزاي.
وقد أخرج [ابن] شاهين من رواية ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر نحو هذه القصة، لكن سماه حازماً بزيادة ألف بعد الحاء.
وهذا الاختلاف إن حمل على تعدد القصة، وإلا فلعل بعضها صحف من بعض.
ويدل على التعدد الاختلاف في تعيين السورة التي قرأها معاذ.
وجاء في تسميته قول آخر يقوي التعدد أيضاً.
وبه إلى الإمام أحمد ثنا عفان، ثنا وهيب بن خالد، عن عمرو بن يحيى، [عن] معاذ بن رفاعة، عن سليم رجل من بني سلمة، أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إن معاذ بن جبل يأتينا بعدما تنام فينادي بالصلاة، فتجيء إليه فيطول بنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تكن فتاناً يا معاذ .. .. )) الحديث.
وأخرجه الطبراني من رواية سليمان بن بلال عن معاذ بن رفاعة قال: جاء سليم، فذكره.
ومعاذ لا صحبة له.
وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في العشاء بشيء من قصار المفصل.
أخبرني أبو علي محمد بن محمد بن الجلال سماعاً عليه، قال: أنا الشيخان أبو العباس بن نعمة، وأم محمد بنت المنجا، قالا: أنا أبو(1/466)
عبد الله بن المبارك، أنا أبو الوقت، أنا أبو الحسن بن المظفر، أنا أبو محمد السرخسي، أنا أبو عبد الله الفربري، أنا أبو عبد الله الجعفي، ثنا خلاد بن يحيى، ثنا مسعر، عن عدي بن ثابت، أنه سمع البراء بن عازب رضي الله عنهما يقول: صلى النبي صلى الله عليه وسلم العشاء فسمعته يقرأ بـ {التين والزيتون} فلم أسمع أحداً أحسن صوتاً منه، أو قراءة.
هذا حديث صحيح، أخرجه البخاري هكذا.
وأخرجه مسلم عن محمد بن عبد الله بن نمير، عن أبيه، عن مسعر.
فوقع لنا عالياً بدرجتين. ورواه شعبة عن عدي، فبين أن ذلك كان في سفر.
وبه إلى الجعفي، ثنا أبو الوليد، ثنا شعبة (ح).
وبالسند الماضي إلى أبي نعيم في ((المستخرج)) ثنا عبد الله بن جعفر، وفاروق بن عبد الكبير، وحبيب بن الحسن، قال الأول: ثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود الطيالسي، وقال الثاني: ثنا أبو مسلم الكجي، ثنا سليمان بن حرب، وقال الثالث: ثنا يوسف بن يعقوب، ثنا عمرو بن مرزوق، قالوا: ثنا شعبة، عن عدي بن ثابت، قال: سمعت البراء، يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فقرأ في العشاء في إحدى الركعتين بـ {التين والزيتون}.
أخرجه الشيخان والنسائي من طرق عن شعبة.
وأخرجوا أيضاً هم، وأبو داود، وابن ماجه من طريق بكر بن عبد الله المزني عن أبي رافع قال: صليت خلف أبي هريرة العشاء فقرأ: {إذا السماء(1/467)
انشقت} فسجد فيها، فقلت له فقال: سجدت بها خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.
[[والسنة أن يقرأ في الركعة الأولى من صلاة الصبح يوم الجمعة سورة -آلم تنزيل- السجدة، وفي الثانية: هل أتى على الإنسان.]]
(101)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا، ونبينا، وعبدك، ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا شيخنا، قاضي القضاة، شيخ الإسلام، إمام الحفاظ الشهابي إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء خامس عشر جمادى الأولى من شهور سنة تسع وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع.
قوله: (والسنة أن يقرأ في الركعة الأولى من صلاة الصبح يوم الجمعة سورة {آلم تنزيل} السجدة، وفي الثانية: {هل أتى على الإنسان}.
أما قراءة السورتين فثابت في الصحيحين من حديث أبي هريرة.
وفي صحيح مسلم من حديث ابن عباس.
وأما تعيين السورة بالركعة فورد في حديث علي، كما سيأتي.(1/468)
أخبرني الإمام المسند أبو الفرج بن الغزي رحمه الله بالسند الماضي مراراً إلى أبي نعيم في المستخرج، قال: حدثنا أبو بكر بن خلاد، قال: حدثنا الحارث بن أبي أسامة، حدثنا روح -هو ابن عبادة- ثنا الثوري قال: سمعت سعد بن إبراهيم يحدث (ح).
وبالسند الماضي قريباً إلى الجعفي ثنا محمد بن يوسف هو الفريابي، ثنا سفيان هو الثوري، عن سعد بن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن هرمز -هو الأعرج- عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ يوم الجمعة في صلاة الصبح {آلم تنزيل} السجدة و{هل أتى على الإنسان}.
هذا حديث صحيح، أخرجه البخاري هكذا.
وأخرجه أيضاً عن أبي نعيم عن الثوري.
ونقل المزي عن ابن عساكر أنه لم يجد طريق محمد بن يوسف هذه في البخاري، قال: ولا ذكرها أبو مسعود يعني في ((الأطراف)) وأقره المزي، وهي موجودة في البخاري في أبواب: سجود القرآن.
وأخرجه مسلم من رواية وكيع.
والنسائي من رواية يحيى القطان، وابن مهدي.
ثلاثتهم عن الثوري.
وأخرجه مسلم أيضاً وابن ماجه من رواية إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، عن أبيه.
فوقع لنا عالياً.(1/469)
وأخبرني أبو عبد الرحمن عبد الله بن خليل الحرستاني رحمه الله، قال: أنا أحمد بن محمد الزبداني، أنا أبو عبد الله بن أبي الفتح، قال: قرئ على أم الحسن بنت سعد الخير ونحن نسمع، عن زاهر بن طاهر سماعاً، قال: أنا أبو سعد الكنجروذي، أنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا أبو يعلى، ثنا هدبة، ثنا همام، ثنا قتادة، عن عزرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر مثله.
هذا حديث صحيح، أخرجه ابن حبان عن أبي يعلى.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه مسلم وأصحاب السنن الأربعة من طريق مسلم بن عمران عن سعيد بن جبير.
قال الترمذي بعد تخريجه: وفي الباب عن سعد، وابن مسعود، وأبي هريرة.
قلت: وفيه أيضاً عن علي، وقد سقت حديث أبي هريرة.
وأما حديث سعد فأخرجه ابن ماجه من رواية الحارث بن نبهان عن عاصم بن بهدلة، عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه.
والحارث ضعيف، وقد رواه حسين بن واقد، وهو صدوق عن عاصم المذكور، فخالف في سنده، فقال: عن أبي وائل عن ابن مسعود، أخرجه البيهقي.
وأما حديث ابن مسعود فأخرجه البيهقي كما ترى، وله طريق أخرى.(1/470)
أخبرني أبو الفرج بن حماد، أنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبي الحسن بن المقير، أنا أبو بكر بن الزاغوني، أنا أبو نصر الزينبي، أنا أبو طاهر المخلص، ثنا يحيى بن محمد بن صاعد، ثنا محمد بن الحسن بن سعيد، ثنا بكر بن بكار، ثنا أبو فروة، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود، فذكر مثل حديث ابن عباس.
أخرجه ابن ماجه من طريق أبي فروة.
ووقع لنا من وجه آخر وفيه زيادة.
أخبرني أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله الصالحي بها رحمه الله، قال: أنا أبو عبد الله بن الزراد، وأبو محمد بن الحافظ إجازة إن لم يكن سماعاً، قالا: أنا محمد بن عبد الهادي، أنا أبو الفرج الثقفي، أنا أبو عدنان الأصبهاني، وأم إبراهيم ابنة عقيل، قالا: أنا محمد بن عبد الله التاجر، أنا الطبراني، ثنا محمد بن يوسف بن بشر الأموي الدمشقي، ثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، ثنا الوليد بن مسلم، حدثني ثور بن يزيد، عن عمرو بن قيس الملائي، عن أبي إسحاق الهمداني، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة {الم تنزيل} و{هل أتى على الإنسان} يديم ذلك.
هذا حديث حسن، رواته ثقات.
ولهذه الزيادة شاهد من حديث ابن عباس بلفظ كل جمعة، أخرجه الطبراني في الكبير.(1/471)
وأما حديث علي فرويناه في ((الحلية)) في ترجمة شعبة بسند غريب، ولفظه كالأول.
ووقع لنا من وجه آخر.
وبه إلى الطبراني، ثنا إسماعيل بن نميل الخلال البغدادي، ثنا محمد بن بكار بن الريان، ثنا حفص بن سليمان، عن منصور بن حيان، عن أبي الهياج الأسدي، عن علي بن ربيعة، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعة الأولى من صلاة الصبح يوم الجمعة {الم تنزيل} وفي الركعة الثانية: {هل أتى على الإنسان}.
وبه إلى الطبراني: قال: لا يروى عن علي إلا بهذا الإسناد، تفرد به محمد بن بكار.
قلت: ورواته لا بأس بهم إلا حفص بن سليمان؛ فإنه إمام في القراءة ضعيف في الحديث.
وروينا في ((المعجم الأوسط)) للطبراني من وجه آخر عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سجد في الصبح يوم الجمعة في {الم تنزيل}.
وهذه زيادة حسنة تدفع احتمال أن يكون قرأ السورة ولم يسجد، والله أعلم.
[[والسنة أن يقرأ في صلاة العيد والاستسقاء في الركعة الأولى بعد الفاتحة: ق، وفي الثانية: اقتربت الساعة؛ وإن شاء قرأ في(1/472)
الأولى: سبح اسم ربك الأعلى، وفي الثانية: هل أتاك حديث الغاشية.]]
(102)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ثم حدثنا سيدنا، ومولانا، شيخنا الشهابي، المشار إليه -أمتعه الله بالحياة الطيبة آمين- إملاء من حفظه، وقراءة من المستملي عليه كعادته، وذلك يوم الثلاثاء ثاني عشرين جمادى الأولى من شهور سنة تسع وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
قوله: (والسنة أن يقرأ في صلاة العيدين والاستسقاء في الركعة الأولى بعد الفتحة {ق} وفي الثانية {اقتربت الساعة} وإن شاء قرأ في الأولى {سبح اسم ربك الأعلى} وفي الثانية {هل أتاك حديث الغاشية}).
أما القراءة في العيدين:
فأخبرنا الشيخ المسند أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد البالسي ثم الصالحي بها رحمه الله، أنا أبو عبد الله محمد بن محمد العسقلاني، أنا أبو إسحاق بن مضر، أنا أبو الحسن الطوسي، أنا أبو محمد السيدي، أنا أبو عثمان البحيري، أنا أبو علي السرخسي، أنا أبو إسحاق الهاشمي، أنا أبو مصعب الزهري، أنا مالك، عن ضمرة بن سعيد المازني، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل أبا واقد الليثي رضي الله عنه: ما كان يقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضحى والفطر؟ فقال: كان يقرأ(1/473)
فيهما بـ {ق والقرآن المجيد} و{اقتربت الساعة وانشق القمر}.
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى.
وأبو داود القعنبي.
والنسائي عن قتيبة.
كلهم عن مالك، وظاهر سياقه الإرسال؛ لأن عبيد الله لم يدرك زمان سؤال عمر أبا واقد، لكن يحتمل أن يكون عبيد الله سمعه من أبي واقد، ومن ثم قال الشافعي في رواية حرملة: هذا حديث ثابت إن كان عبيد الله سمعه من أبي واقد.
قلت: وقد جاء من طريق أخرى عن ضمرة ظاهرها الاتصال.
وبالسند الماضي مراراً إلى أبي نعيم في المستخرج، ثنا أبو أحمد -هو ابن الغطريف- ثنا عبد الله بن محمد بن شيرويه، ثنا إسحاق بن إبراهيم، ثنا أبو عامر -هو العقدي- ثنا فليح -هو ابن سليمان- عن ضمرة بن سعيد، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبي واقد الليثي، قال: سألني عمر، فذكر نحوه.
أخرجه مسلم عن إسحاق بن إبراهيم.
وأخرجه ابن حبان عن ابن شيرويه.(1/474)
فوافقناهما بعلو.
وبه إلى أبي نعيم، ثنا أبو عمر [و] بن حمدان، وأبو بكر الطلحي، قال الأول: ثنا عبد الله بن محمد، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنا جرير، وقال الثاني: ثنا عبيد بن غنام، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا جرير (ح).
وبالسند الماضي قريباً إلى الدارمي أنا محمد بن يوسف -هو الفريابي- ثنا سفيان -هو الثوري- واللفظ له، كلاهما عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه، عن حبيب بن سالم، عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين والجمعة بـ {سبح اسم ربك الأعلى} و {هل أتاك حديث الغاشية} وربما اجتمعا فقرأ بهما.
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم عن إسحاق بن إبراهيم وأبي بكر بن أبي شيبة.
فوقع لنا موافقة عالية فيهما.
وأخرجه أبو داود والنسائي عن قتيبة، عن جرير.
وأخرجه الترمذي من رواية أبي عوانة، عن إبراهيم.
قال: وهكذا رواه الثوري وشعبة عن إبراهيم. ورواه ابن عيينة عن إبراهيم فزاد في السند رجلاً، قال: عن حبيب بن سالم، عن أبيه، عن النعمان. وهو من المزيد في متصل الأسانيد، فإن حبيباً سمع من النعمان، ولم تأت عنه رواية عن أبيه إلا هذه، وهي شاذة أشار إلى ذلك الترمذي.(1/475)
وأما القراءة في الاستسقاء، فلم أر ما ذكره الشيخ صريحاً، لكن قد يؤخذ من الحديث الذي:
قرأت على فاطمة بنت المنجا، عن سليمان بن حمزة، أنا أبو عبد الله الحافظ، أنا أبو جعفر الصيدلاني، قال: أنا فاطمة الجوزذانية، قالت: أنا أبو بكر بن ريذة، أنا الطبراني، ثنا يحيى بن عثمان بن صالح، ثنا عبد الله بن يوسف، ثنا إسماعيل بن ربيعة بن هشام بن إسحاق، أنه سمع جده يحدث، عن أبيه [(ح)].
وبه إلى الطبراني قال: ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو نعيم، ثنا سفيان -هو الثوري- واللفظ له عن هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة، عن أبيه قال: أرسلني أمير من الأمراء إلى ابن عباس رضي الله عنهما أسأله عن الاستسقاء، فقال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مبتذلا متضرعاً متواضعاً، فذكر الحديث في الخطبة، وفي آخره: فصلى كما يصلي في العيد.
هذا حديث حسن، أخرجه أحمد عن يحيى القطان عن سفيان الثوري.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه ابن خزيمة من رواية عبد الرحمن بن مهدي، عن الثوري.
وأخرجه أيضاً عن زكريا بن يحيى بن أبان.
وأخرجه أبو عوانة عن بكر بن سهيل.
كلاهما عن عبد الله بن يوسف.(1/476)
والحاكم عن أبي جعفر البغدادي عن يحيى بن عثمان.
فوقع لنا بدلاً عالياً أيضاً. وهو من زيادات أبي عوانة على مسلم.
وأخرجه أبو داود، والترمذي، والنسائي من رواية حاتم بن إسماعيل عن هشام بن إسحاق، والله أعلم.
[[والسنة أن يقرأ في الأولى من صلاة الجمعة: سورة الجمعة، وفي الثانية المنافقون، وإن شاء في الأولى: سبح، وفي الثانية: هل أتاك، فكلاهما سنة.]]
(103)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا شيخنا المشار إليه في يوم الثلاثاء تاسع عشرين جمادى الأولى سنة تاريخه قال وأنا أسمع:
قوله: (والسنة أن يقرأ في الأولى من صلاة الجمعة سورة الجمعة، وفي الثانية المنافقين، وإن شاء قرأ في الأولى: {سبح اسم ربك الأعلى} وفي الثانية: {هل أتاك} فكلاهما سنة).(1/477)
أما الصفة الأولى:
فقرأت على أبي بكر بن إبراهيم بن العز رحمه الله، عن محمد بن أحمد بن أبي الهيجاء إجازة إن لم يكن سماعاً، أنا الحسن بن محمد، أنا عبد العزيز بن محمد، أنا زاهر بن طاهر، أنا أحمد بن إبراهيم، أنا محمد بن الفضل، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا يحيى بن حكيم، ثنا يحيى بن سعيد (ح).
وبالسند الماضي إلى الإمام أحمد مراراً، واللفظ له، قال: ثنا يحيى بن سعيد -هو القطان- ثنا جعفر بن محمد -هو الصادق- قال: حدثني أبي -هو محمد بن علي الباقر- عن عبيد الله بن أبي رافع، قال: كان مروان يعني ابن الحكم- يستعمل أبا هريرة على المدينة، فاستعمله مرة، فصلى الجمعة فقرأ بسورة الجمعة و{إذا جاءك المنافقون} فلما انصرف مشيت إلى جنبه، فقلت: يا أبا هريرة! قرأت بسورتين قرأ بهما علي رضي الله عنه، فقال: قرأ بهما حبي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية يحيى بن حكيم: قرأ بهما علي بالكوفة.
وبالسند الماضي إلى أبي نعيم في المستخرج، ثنا إبراهيم بن عبد الله، ثنا محمد بن إسحاق السراج، ثنا قتيبة.
قال أبو نعيم: وحدثنا أبو بكر الطلحي، ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قالا: ثنا حاتم بن إسماعيل، ثنا جعفر بن محمد، فذكر نحوه، وفيه: فخرج مروان مرة إلى مكة فاستخلف أبا هريرة.
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة.
وأخرجه أيضاً هو والترمذي والنسائي عن قتيبة.(1/478)
فوقع لنا موافقة عالية فيهما.
وأخرجه مسلم أيضاً وبقية أصحاب السنن من طرق عن جعفر.
ورواه منصور بن المعتمر عن محمد بن علي والد جعفر، فلم يذكر عبيد الله بن أبي رافع في السند، لكن زاد فيه فائدة الحكمة في قراءة هاتين السورتين.
قرأت على فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي، عن محمد بن محمد الفارسي، أنا عبد الحميد بن عبد الرشيد في كتابه، أنا أبو العلاء العطار، أنا أبو علي المقرئ، أنا أبو نعيم الأصبهاني، أنا أبو القاسم اللخمي، ثنا الوليد بن أبان، ثنا محمد بن عمار الرازي، ثنا عمرو بن أبي قيس، عن منصور -هو ابن المعتمر- عن أبي جعفر، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الجمعة بالجمعة، يحرض المؤمنين، وفي الثانية بالمنافقين، يفزع المنافقين.
قرأت على أبي الحسن بن أبي المجد، عن أبي بكر الدشتي، أنا يوسف بن خليل الحافظ، أنا أبو المكارم اللبان، أنا أبو علي الحداد، أنا أبو نعيم، أنا عبد الله بن جعفر، أنا يونس بن حبيب، أنا أبو داود الطيالسي، ثنا شعبة، عن مخول، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين.
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم وابن خزيمة من رواية محمد بن جعفر.(1/479)
والنسائي من رواية خالد بن الحارث، كلاهما من شعبة.
وأخرجه أبو عوانة عن يونس بن حبيب.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأما الصفة الثانية:
فتقدم في حديث النعمان بن بشير في القراءة في العيدين، وجاء ذلك أيضاً في حديث سمرة.
أخبرني أبو الحسن بن أبي المجد بالسند المذكور إلى الطيالسي، لكن خليل بن بدر بدل اللبان قال الطيالسي: ثنا شعبة عن معبد بن خالد، عن زيد بن عقبة عن سمرة بن جندب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة الجمعة بـ {سبح اسم ربك الأعلى} و{هل أتاك حديث الغاشية}.
هذا حديث صحيح، أخرجه أحمد عن يحيى القطان، عن شعبة.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه أبو داود عن مسدد، عن يحيى القطان.
فوقع لنا عالياً بدرجتين.
وأخرجه ابن خزيمة والنسائي من طرق عن شعبة ومن طريق سفيان الثوري ومسعر عن معبد.(1/480)
وأهمل المصنف صفة ثالثة مركبة من الصفتين.
وبالسند الماضي قريباً إلى أبي مصعب قال: أنا مالك، عن ضمرة بن سعيد المازني، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أن الضحاك بن قيس سأل النعمان بن بن بشير رضي الله عنهم: ماذا كان يقرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة على إثر سورة الجمعة؟ قال: كان يقرأ: {هل أتاك حديث الغاشية}.
هذا حديث صحيح أخرجه مسلم من حديث مالك.
وأخرجه أيضاً من رواية سفيان بن عيينة عن ضمرة.
ومن هذا الوجه أخرجه ابن ماجه.
ووقع في رواية سفيان أن الضحاك كتب إلى النعمان يسأله؟ فكتب إليه، فذكر الحديث.
فيحمل قوله في رواية مالك أنه سأل النعمان أي بالمكاتبة، والله أعلم.
[[والسنة أن يقرأ في ركعتي سنة الفجر في الأولى بعد الفاتحة: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا}. وفي الثانية: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء} الآية، وإن شاء في الأولى: {قل يا أيها الكافرون} وفي الثانية: {قل هو الله أحد} فكلاهما صح في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله.]](1/481)
(104)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الحمد لله.
أخبرنا شيخنا المشار إليه إجازة قال:
قوله: (والسنة أن يقرأ في ركعتي سنة الفجر في الأولى بعد الفاتحة قوله تعالى {قولوا: آمنا بالله وما أنزل إلينا} الآية، وفي الثانية {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ} الآية، وإن شاء في الأولى {قل يا أيها الكافرون} وفي الثانية {قل هو الله أحدٌ} وكلاهما في صحيح مسلم).
أما الصفة الأولى ففيما:
قرأت على الشيخ أبي إسحاق التنوخي رحمه الله، عن إسماعيل بن يوسف القيسي، أنا عبد الله بن عمر، أنا عبد الأول بن عيسى، أنا عبد الرحمن بن محمد، أنا عبد الله بن أحمد، أنا إبراهيم بن خزيم، أنا عبد بن حميد، أنا أبو نعيم -هو الفصل بن دكين- ثنا زهير -هو ابن معاوية- حدثني عثمان بن حكيم، أخبرني سعيد بن يسار (ح).
وبالسند الماضي مراراً إلى الإمام أحمد، ثنا ابن نمير -يعني عبد الله- وحدثنا يعلى -يعني ابن عبيد الله- قالا: ثنا عثمان بن حكيم (ح).
وبالسند الماضي إلى أبي نعيم في ((المستخرج)) ثنا ابن حيان -هو عبد الله بن محمد بن جعفر المعروف بأبي الشيخ، وحيان جد أبيه، -وهو بمهملة وتحتانية- ثنا أبو بكر بن أبي عاصم، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو خالد الأحمر، ثنا عثمان بن حكيم، عن سعيد بن يسار، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان أكثر ما يقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركعتي الفجر {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا} الآية. وفي الأخرى {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ(1/482)
سواءٍ بيننا وبينكم} إلى قوله: {اشهدوا بأنا مسلمون} لفظ أبي بكر.
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه أبو داود عن أحمد بن يونس عن زهير بن معاوية.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأما الصفة الثانية [فـ]ـفيما:
قرأت على الإمام أبي الفضل بن الحسين الحافظ رحمه الله، أنه قرأ على عبد الله بن محمد العطار، أنا أبو الحسن بن البخاري، عن المؤيد بن عبد الرحيم، أنا سعيد بن أبي الرجاء، أنا أحمد بن محمد بن النعمان، أنا أبو بكر بن المقرئ، ثنا إسحاق بن أحمد، ثنا محمد بن أبي عمر، ثنا مروان بن معاوية، ثنا يزيد -هو ابن كيسان- عن أبي حازم - هو سلمان الأشجعي، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركعتي الفجر {قل يا أيها الكافرون}. و{قل هو الله أحد}.
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم عن محمد بن [أبي] عمر.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه أيضاً عن محمد بن عباد.
وأبو داود عن يحيى بن معين.(1/483)
والنسائي وابن ماجه عن عبد الرحمن بن إبراهيم.
ثلاثتهم عن مروان.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وقرأت على أم الحسن التنوخية عن أبي الفضل بن أبي طاهر، أنا محمد بن عبد الواحد الحافظ، أنا أبو جعفر الصيدلاني، أنا الحسن بن أحمد، أنا أحمد بن عبد الله. أنا عبد الله بن جعفر، ثنا يونس بن حبيب، ثنا سليمان بن داود، ثنا أبو الأحوص سلام -هو ابن سليم- عن أبي إسحاق -يعني السبيعي- عن مجاهد، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من عشرين مرة يقرأ في الركعتين قبل الصبح {قل يا أيها الكافرون} و{قل هو الله أحدٌ}.
وقرأته عالياً على أم الحسن، عن أبي الفضل، عن أبي الحسن بن المقير إجازة إن لم يكن سماعاً، أنا أبو بكر بن الزاغوني في كتابه، أنا أبو نصر بن علي الزينبي، أنا أبو طاهر المخلص، ثنا أبو القاسم البغوي، ثنا عثمان بن [أبي] شيبة، ثنا أبو الأحوص، فذكره.
هذا حديث حسن، أخرجه أحمد عن وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق.
وأخرجه الترمذي من رواية أبي أحمد الزبيري، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق.(1/484)
فوقع لنا عالياً بدرجتين من الطريق الأولى، وبثلاث من الطريق الثانية.
وأخرجه ابن حبان في صحيحه من رواية إسرائيل.
ورجاله رجال الصحيح، ولكن له علة، وهي عنعنة أبي إسحاق.
وقد أخرجه النسائي من رواية عمار بن رزيق -بتقديم الراء- عن أبي إسحاق فأدخل بينه وبين مجاهد رجلاً، وهو إبراهيم بن مهاجر، وهو مختلف فيه، وليس من رجال الصحيح، والله أعلم.
وكتب ذلك في يوم الثلاثاء سابع جمادى الآخرة شهر سنة تاريخه.
(105)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا شيخنا، وسيدنا، ومولانا، أبو الفضل الشهابي، المشار إليه، إملاء يوم الثلاثاء رابع عشر جمادى الآخرة شهر سنة تسع وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
قال الترمذي بعد تخريج حديث ابن عمر: وفي الباب عن ابن مسعود، وأنس، وأبي هريرة، وابن عباس، وعائشة، وحفصة.
قلت: وفيه عن عبد الله بن جعفر، وأبي أمامة، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم.
فأما حديث عبد الله بن مسعود فأخرجه الترمذي وابن ماجه من رواية(1/485)
عاصم بن بهدلة عن أبي وائل زاد ابن ماجه في روايته وزر بن حبيش كلاهما عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ما أحصي ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين قبل الصبح {قل يا أيها الكافرون} و{قل هو الله أحدٌ}.
قال الترمذي: حديث غريب.
وأما حديث أنس:
فقرأت على فاطمة بنت المنجا، عن سليمان بن حمزة، أنا الضياء أبو عبد الله الحافظ، أنا أبو جعفر الصيدلاني، أنا أبو علي الحداد، أنا أبو نعيم، أنا أبو محمد بن فارس، أنا إسماعيل بن عبد الله الحافظ، ثنا خلف بن موسى، ثنا أبي، عن قتادة، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في ركعتي الفجر {قل يا أيها الكافرون} و{قل هو الله أحدٌ}.
هذا حديث حسن، أخرجه البزار من رواية خلف بن موسى.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه الطحاوي عن إبراهيم بن أبي داود، عن عثمان بن موسى بن خلف، عن أخيه، عن أبيه.
فوقع لنا عالياً بدرجتين.
وأما حديث أبي هريرة، وابن عباس فقد تقدم تخريجهما.
وجاء عن أبي هريرة في ذلك حديث آخر، أخرجه أبو داود، وسعيد بن منصور من رواية سالم أبي الغيث عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعة(1/486)
الأولى من الفجر {قل آمنا بالله وما أنزل علينا} الآية، وفي الأخرى {ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين} أو {إنا أرسلناك بالحق بشيراً ونذيراً} الآية.
هكذا رواية أبي داود، وقال: شك الدراوردي.
وأما سعيد بن منصور فقال في الأولى {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا} الآية. ووافق في الثانية، لكن لم يشك، ولم يقل أو: {إنا أرسلناك} إلى آخره.
ومن طريق سعيد بن منصور خرجه الطحاوي.
وأما حديث عائشة ففي الصحيحين من طريق عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفف ركعتي الفجر حتى أقول: هل قرأ فيهما بفاتحة الكتاب؟
وقرأت على أبي الحسن الجوزي، عن أبي بكر الدشتي، أنا يوسف بن خليل الحافظ، أنا خليل بن أبي الرجاء، أنا الحسن بن أحمد، أنا أحمد بن عبد الله، أنا عبد الله بن جعفر، أنا يونس بن حبيب، ثنا سليمان بن داود، ثنا يزيد بن إبراهيم، عن محمد بن سيرين، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قبل الصبح ركعتين يقرأ فيهما قدر فاتحة الكتاب.
وأخبرني أبو العباس أحمد بن يحيى، أنا أبو العباس أحمد بن نعمة، عن محمد بن مسعود، أنا أبو الوقت، أنا أبو الحسن بن المظفر، أنا أبو(1/487)
محمد بن أعين، أنا أبو العباس السمرقندي، أنا الدارمي، أنا سعيد بن عامر، عن هشام -هو ابن حسان- عن محمد بن سيرين، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفف ركعتي الفجر وذكرت {قل يا أيها الكافرون} و{قل هو الله أحدٌ}.
هذا حديث حسن، أخرجه الطحاوي عن بكار بن قتيبة، عن سعيد بن عامر.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وجاء عن عائشة في ذلك حديث آخر.
وبالسند الماضي مراراً إلى الإمام أحمد، ثنا يزيد -هو ابن هارون- ثنا سعيد -هو الجريري- عن عبد الله بن شقيق، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعم السورتان يقرأ بهما في ركعتي الفجر {قل يا أيها الكافرون} و{قل هو الله أحدٌ}.
وإسناده حسن.
وقد أخرجه ابن خزيمة من رواية إسحاق بن يوسف، عن الجريري.
وأما حديث حفصة، ففي الصحيحين في تخفيفهما، ولم أجد عنها التصريح بما يقرأ.
وأما حديث عبد الله بن جعفر، فسأذكره فيما يقرأ في الركعتين بعد المغرب إن شاء الله.
وأما حديث أبي أمامة فأخرجه الحسن بن سفيان في مسنده بسند(1/488)
ضعيف، ولفظه مثل حديث أنس.
وأما حديث جابر.
فأخبرني أبو المعالي الأزهري، ثنا الحافظ أبو الحسن الهمداني لفظاً، أنا أبو المعالي الشيرازي، أنا الفتح بن عبد السلام، أنا أبو الفضل الأرموي، أنا أبو الحسين البزاز، أنا علي بن عمر، ثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار، ثنا يحيى بن معين، ثنا يحيى بن عبد الله بن يزيد بن عبد الله بن أنيس، عن طلحة بن خراش، قال: سمعته يحدث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن رجلاً قام فصلى ركعتي الفجر، فقرأ في الأولى {قل يا أيها الكافرون} وفي الثانية {قل هو الله أحدٌ} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحداهما: ((هذا عبدٌ عرف ربه)) وفي الأخرى: (هذا عبدٌ آمن بربه)).
هذا حديث حسن، أخرجه ابن حبان عن أحمد بن الحسن بن عبد الجبار.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه الطحاوي عن محمد بن إبراهيم بن يحيى، عن يحيى بن معين.
فوقع لنا بدلاً عالياً، والله أعلم.
[[ويقرأ في ركعتي سنة المغرب وركعتي الطواف والاستخارة في الأولى: {قل يا أيها الكافرون} وفي الثانية: {قل هو الله أحد}.]](1/489)
(106)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا شيخنا المشار إليه، إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء حادي عشرين جمادى الآخرة شهر سنة تاريخه قال وأنا أسمع:
قوله: (ويقرأ في ركعتي سنة المغرب وركعتي الطواف والاستخارة في الأولى: {قل يا أيها الكافرون} وفي الثانية: {قل هو الله أحدٌ}.
أما المغرب ففيما:
أخبرني العماد أبو بكر بن العز، أنا العماد أبو بكر بن الرضي، أنا أبو عبد الله بن أبي الفتح، قال: قرئ على فاطمة بنت أبي الحسن ونحن نسمع، أن زاهر بن طاهر، أخبرهم، أنا أبو سعد الكنجروذي، أنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا أبو يعلى، ثنا سعيد بن أشعث، أخبرني عبد الملك بن الوليد بن معدان، ثنا عاصم -هو ابن بهدلة- عن زر -هو ابن حبيش- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ما أحصي ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين قبل صلاة الفجر وفي الركعتين بعد المغرب بـ {قل يا أيها الكافرون} و{قل هو الله أحدٌ}.
هذا حديث غريب، أخرجه الترمذي، وابن ماجه، ومحمد بن نصر في كتاب ((قيام الليل)) من طرق إلى عبد الملك بن الوليد، وجمع في رواية ابن ماجه بين زر، وأبي وائل، ومنهم من اقتصر على أبي وائل، وعلى ذكر الركعتين في المغرب، ووقع في رواية الترمذي عبد الملك بن معدان فنسبه إلى جده، وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الملك.(1/490)
قلت: سئل عنه يحيى بن معين فقال: صالح.
وقال النسائي وأبو حاتم الرازي: ضعيف.
وذكره ابن عدي في ((الكامل)) وأخرج حديثه هذا عن الحسن بن الطيب عن سعيد بن أشعث كما أخرجناه، وقال: لا يتابع عليه.
قلت: أخرج محمد بن نصر بسند صحيح إلى عبد الرحمن بن يزيد النخعي، قال: كانوا يستحبون أن يقرأوا في صلاة الفجر والركعتين بعد المغرب، فذكره.
وعبد الرحمن تابعي كبير سمع من ابن مسعود وغيره من كبار الصحابة، فهو شاهد قوي.
وأخرج النسائي من رواية إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد، عن ابن عمر نص الحديث المرفوع.
وأخرجه الطبراني من رواية ثوير، عن عطاء، عن ابن عمر بنحوه.
وقرأت على أم يوسف المقدسية، عن أبي نصر بن محمد بن أبي نصر، أنا أبو محمد بن بنيمان في كتابه، أنا الحافظ أبو العلاء العطار، أنا أبو علي الحداد، أنا أبو نعيم، أنا الطبراني، ثنا محمد بن يعقوب، ثنا أبو الأشعث، ثنا أصرم بن حوشب، ثنا إسحاق بن واصل، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين -يعني ابن علي بن أبي طالب- قال: قلنا لعبد الله بن جعفر -يعني ابن أبي طالب-: حدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وما رأيت منه، ولا تحدثنا عن غيرك وإن كان ثقة، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكر حديثاً طويلاً، وفيه: كان يقرأ في الركعتين قبل الصبح وفي الركعتين بعد المغرب {قل يا أيها الكافرون} و {قل هو الله أحدٌ}.
وبه قال الطبراني: لا يروى عن عبد الله بن جعفر إلا بهذا الإسناد،(1/491)
تفرد به أبو الأشعث.
قلت: هو أحمد بن المقدام العجلي ثقة، من شيوخ البخاري، لكن شيخه وشيخ شيخه ضعيفان.
ويعارض هذا ما أخرجه أبو داود من رواية جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيل الركعتين بعد المغرب حتى ينصرف أهل المسجد.
قال محمد بن نصر بعد أن أخرجه موصولاً ومرسلاً: إن ثبت هذا فلعله فعله في بعض الأوقات.
وأما الطواف فبالسند المذكور أيضاً إلى أبي يعلى، ثنا العباس بن الوليد، ثنا وهيب -هو ابن خالد- عن جعفر بن محمد بن علي، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة تسعاً لم يحج، فذكر الحديث بطوله، وفيه: فطاف بالبيت، ثم أتى المقام فصلى عنده ركعتين، لا أعلمه إلا ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ فيهما {قل يا أيها الكافرون} و{قل هو الله أحدٌ}.
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم، وأبو داود، وابن ماجه من طريق حاتم بن إسماعيل.
وأخرجه أبو داود أيضاً، وابن خزيمة من رواية يحيى القطان كلاهما عن جعفر بالترديد.
وأخرجه الترمذي من رواية عبد العزيز بن عمران عن جعفر موصولاً(1/492)
مجزوماً به ومن رواية سفيان الثوري كالأول. وقال: حديث سفيان أصح، وعبد العزيز ضعيف.
قلت: جاء مثل روايته عن مالك، أخرجه النسائي عن عمرو بن عثمان عن الوليد بن مسلم عن مالك عن جعفر.
وذكر الدارقطني في الموطآت أن الوليد تفرد به عن مالك، وأن رواة الموطأ لم يذكروا ذلك عن مالك، والله أعلم.
(107)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد على آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا سيدنا، ومولانا، شيخنا المشار إليه، إملاء من حفظه كعادته في اليوم المبارك يوم الثلاثاء ثامن عشرين جمادى الآخرة من شهور سنة تسع وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
وقد وافق الوليد بن مسلم عن مالك عبد الله بن مسلمة القعنبي.
أخبرني الحافظ أبو الحسن علي بن أبي بكر -رحمه الله- أنا محمد بن إسماعيل بن عمر الدمشقي بها، أنا علي بن أحمد بن عبد الواحد عن منصور بن عبد المنعم، أنا محمد بن إسماعيل الفارسي، أنا أحمد بن الحسين الحافظ، أنا أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو سعيد بن أبي عمرو، وأبو نصر بن قتادة قالوا: حدثنا يحيى بن منصور، ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا(1/493)
القعنبي، أنا مالك، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت، فرمل ثلاثاً، ثم صلى ركعتين قرأ فيهما: {قل يا أيها الكافرون} و{قل هو الله أحدٌ}.
وهكذا أخرجه الدارقطني في ((غرائب مالك)) من رواية أبي حاتم الرازي، وإسماعيل القاضي، وغيرهما عن القعنبي، وقال: سمعه القعنبي من مالك خارج الموطأ، وتفرد فيه بأشياء منها قراءة هاتين السورتين في ركعتي الطواف، وقد رواه جماعة منهم سفيان الثوري عن جعفر، عن أبيه، موقوفاً عليه.
قلت: ووقع لنا موصولاً مرفوعاً.
أخبرني الإمام أبو الفضل بن الحسين الحافظ فيما قرأت عليه رحمه الله أنه قرأ على أبي محمد بن القيم بالصالحية، عن أبي الحسن بن البخاري سماعاً عليه، أنا محمد بن معمر في كتابه، أنا سعيد بن أبي الرجاء، أنا أحمد بن محمد بن النعمان، أنا أبو بكر بن المقرئ، ثنا إسحاق بن أحمد الخزاعي، ثنا محمد بن يحيى العدني، ثنا يحيى بن سليم الطائفي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر رضي الله عنه قال: مكث النبي صلى الله عليه وسلم تسع سنين -يعني: بالمدينة- لم يحج، فذكر الحديث، وفيه: ثم استلم الركن ثم ذهب إلى المقام وهو يتلو: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} فصلى خلفه سجدتين يقرأ فيهما: {قل هو الله أحدٌ} و{قل يا أيها الكافرون}.
وهكذا أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده عن عبد العزيز الدراوردي عن جعفر، لكن قدم {قل يا أيها الكافرون}.
وكذا رأيته في بعض التاريخ من مسند الحسن بن سفيان عن أبي بن أبي شيبة، عن حفص بن غياث، عن جعفر.(1/494)
وأما القراءة في ركعتي الاستخارة، فلم أقف عليها في شيء من الأحاديث.
وقد ذكر شيخنا في ((شرح الترمذي)) كلام النووي، وقال: سبقه إليه الغزالي في الأحياء. ولم أجد لذلك أصلاً، ولكنه حسن؛ لأن المقام يناسب الإخلاص، قال: ولو قرأ فيهما بمثل قوله تعالى: {وربك يخلق ما يشاء ويختار} وبمثل قوله تعالى: {وما كان لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} لكان مناسباً.
قلت: قرأت في كتاب جمعه الحافظ أبو المحاسن عبد الرزاق الطبسي، -بفتح الطاء المهملة والباء الموحدة بعدها سين مهملة، ثم بالنسب فيما يقرأ في الصلوات: أن الإمام أبا عثمان الصابوني ذكر في أماليه عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه زين العابدين أنه كان يقرأ في ركعتي الاستخارة بسورة الرحمن، وسورة الحشر.
قال الصابوني: وأنا أقرأ فيهما: {سبح اسم ربك الأعلى} لأن فيها {ونيسرك لليسرى} وفي الثانية {والليل إذا يغشى} لأن فيها {فسنيسره لليسرى}.
قال الطبسي: وحكى شيخنا طريف بن محمد الحيري عن بعض السلف أنه كان يقرأ في الأولى {وربك يخلق ما يشاء ويختار} إلى قوله: {وله الحكم وإليه ترجعون} والثانية فيها {وما كان لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ} إلى قوله: {وكان أمر الله قدراً مقدوراً} ولم يذكر الصابوني ولا الطبسي لما كان يقرأه زين العابدين مناسبة، ويحتمل أن يكون لحظ قوله تعالى في أوله: {كل يومٍ هو في شأنٍ} وفي الثانية الأسماء الحسنى التي في آخرها ليدعو بها في الأمر الذي يريده، والعلم عند الله تعالى.(1/495)
[[وأما الوتر فإذا أوتر بثلاث ركعات قرأ في الأولى بعد الفاتحة: {سبح اسم ربك} وفي الثانية: {قل يا أيها الكافرون} وفي الثالثة: {قل هو الله أحد} مع المعوذتين.]]
(108)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ثم حدثنا سيدنا، وشيخنا أبو الفضل الشهابي العسقلاني، إمام الحفاظ، المشار إليه قبل إملاء من حفظه ولفظه، وقراءة من المستملي عليه كعادته في خامس رجب الفرد من شهور سنة تسع وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
قوله: (وأما الوتر فإذا أوتر بثلاث ركعات، قرأ في الأولى بعد الفاتحة {سبح اسم ربك الأعلى} وفي الثانية {قل يا أيها الكافرون} وفي الثالثة {قل هو الله أحدٌ} مع المعوذتين).
أخبرني عبد الله بن عمر السعودي -رحمه الله- أنا أبو العباس الحلبي، أنا أبو الفرج الحراني، أنا عبد الله أحمد الحربي، أنا هبة الله بن محمد بن الحسين، أنا الحسين بن علي بن المذهب، أنا أحمد بن جعفر بن حمدان، ثنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل، حدثني أبي، حدثنا محمد بن سلمة، ثنا خصيف، عن عبد العزيز بن جرير، قال: سألت عائشة رضي الله عنها: بأي شيء كان يقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوتر؟ قالت: كان يقرأ في الركعة الأولى {سبح اسم ربك الأعلى} وفي الثانية {قل يا أيها الكافرون} وفي(1/496)
الثالثة: {قل هو الله أحدٌ} و{قل أعوذ برب الفلق} و{قل أعوذ برب الناس}.
هذا حديث حسن، أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، كلهم من رواية محمد بن سلمة الحراني بهذا السند.
قال الترمذي: حسن غريب، وقد رواه يحيى بن سعيد -يعني: الأنصاري- عن عمرة عن عائشة.
قلت: خصيف بخاء معجمة بعدها مهملة ثم فاء، مصغرة، هو ابن عبد الرحمن الجزري، مختلف في توثيقه.
ورواية يحيى بن سعيد التي أشار إليها الترمذي:
أخبرني بها الحافظ أبو الحسن بن أبي بكر بن سليمان -رحمه الله- أنا أبو الفضل بن الحموي، أنا أبو الحسن المقدسي، أنا أبو سعد الصفار في كتابه، أنا عبد الجبار بن محمد، أنا أبو بكر بن الحسين الحافظ، أنا أبو عبد الله الحافظ، أنا أبو عبد الله الأصبهاني، والحسين بن الحسن بن أيوب قال الأول: ثنا أبو إسماعيل السلمي، والثاني: حدثنا أبو حاتم الرازي قالا: حدثنا سعيد بن عفير، ثنا يحيى بن أيوب، ثنا يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين اللتين يوتر بعدهما بـ {سبح اسم ربك الأعلى} و{قل يا أيها الكافرون} ويقرأ في الوتر {قل هو الله أحدٌ} و{قل أعوذ برب الفلق} و{قل أعوذ برب الناس}.(1/497)
هذا حديث حسن، أخرجه محمد بن نصر في كتاب ((قيام الليل)) عن محمد بن يحيى الذهلي، عن سعيد بن كثير بن عفير، وهو المذكور في روايتنا.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
ورجاله رجال البخاري، لكنه لم يخرج ليحيى بن أيوب إلا استشهاداً.
وله طريق ثالثة أخرجها محمد بن نصر من رواية يزيد بن رومان، عن عروة، عن عائشة بلفظ: كان يوتر بـ {قل هو الله أحد}، والمعوذتين.
وفي سنده: سليمان بن حسان ذكره العقيلي في الضعفاء، وذكر له هذا الحديث، وقال: لم يتابع عليه، وقد جاء من وجه آخر أقوى من هذا، وأشار إلى رواية عمر المذكورة.
وللحديث شاهد عن عبد الرحمن بن أبزى، أخرجه محمد بن نصر.
ورويناه بعلو في ((الغيلانيات)) وشاهد آخر أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة.
وشاهد ثالث عن عبد الله بن سرجس - بفتح المهملة وسكون الراء وكسر الجيم بعدها مهملة، أخرجه أبو نعيم في ((الحلية)) في ترجمة شعبة.
وذكر الترمذي لأجل الحديث شواهد كثيرة، لكن ليس في شيء منها ذكر المعوذتين مع سورة الإخلاص.
وجاء في حديث آخر [القراءة] في الوتر بالثلاث بتسع سور.
أخبرني الشيخ أبو إسحاق التنوخي -رحمه الله- أنا أحمد بن أبي طالب أنا عبد الله بن عمر البغدادي بالصالحية، أنا أبو الوقت الهروي ببغداد، أنا أبو الحسن بن داود، أنا أبو محمد السرخسي، أنا أبو إسحاق(1/498)
الشاشي، أنا عبد بن حميد، أنا عبد الله بن موسى، عن إسرائيل بن يونس، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بتسع سور من المفصل، يقرأ في الركعة الأولى: {ألهاكم التكاثر} و{إنا أنزلناه في ليلة القدر} و{إذا زلزلت الأرض} وفي الركعة الثانية: {والعصر} و{إذا جاء نصر الله} و{إنا أعطيناك الكوثر} وفي الركعة الثالثة: {قل يا أيها الكافرون} و{تبت} و{قل هو الله أحدٌ}.
هذا حديث غريب، أخرجه أحمد عن الأسود بن عامر، عن إسرائيل.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه الترمذي من رواية أبي بكر بن عياش عن أبي إسحاق، ولم يسم السور، بل قال: آخرهن {قل هو الله أحدٌ}.
وأخرجه محمد بن نصر من الوجهين.
وأخرجه من طريق أخرى عن علي موقوفاً، وكأنه أرجح، والله أعلم.
[[إن كل ما ذكر فيه وردت فيه أحاديث صحيحة مشهورة.
فصل: لو ترك سورة الجمعة في الركعة الأولى من صلاة الجمعة قرأ في الثانية سورة الجمعة مع سورة المنافقين، وكذا صلاة العيد والاستسقاء والوتر وسنة الفجر وغيرها مما ذكرناه مما هو في(1/499)
معناه، إذا ترك في الأولى ما هو مسنون أتى في الثانية بالأول والثاني، لئلا تخلو صلاته من هاتين السورتين، ولو قرأ في صلاة الجمعة في الأولى: سورة المنافقين، قرأ في الثانية: سورة الجمعة، ولا يعيد المنافقين، وقد استقصيت دلائل هذا في ((شرح المهذب)).
فصل: ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطول في الركعة الأولى من الصبح وغيرها ما لا يطول في الثانية، فذهب أكثر أصحابنا إلى تأويل هذا، وقال: لا يطول الأولى على الثانية؛ وذهب المحققون منهم إلى استحباب تطويل الأولى لهذا الحديث الصحيح، واتفقوا على أن الثالثة والرابعة يكونان (سواء على أنهما) أقصر من الأولى والثانية، والأصح أنه لا تستحب السورة فيهما، فإن قلنا باستحبابها فالأصح أن الثالثة كالرابعة، وقيل بتطويلها عليها.]]
(109)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
ثم حدثنا شيخنا المشار إليه -أمتع الله بوجوده- في يوم الثلاثاء ثاني عشر رجب الفرد من شهور سنة تسع وثلاثين وثمانمئة، إملاء من حفظه كعادته، قال وأنا أسمع:
وقد جاء من وجه آخر عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الركعة الأولى من الوتر {قل هو الله أحدٌ} وفي الثانية {قل أعوذ برب(1/500)
الفلق} وفي الثالثة {قل أعوذ برب الناس}.
أخرجه الحسن بن سفيان في مسنده من رواية أبي موسى الأشعري عنها، وفي سنده إسماعيل بن عياش، وروايته عن غير الشاميين ضعيفة، وشيخه في هذا شامي، لكن اختلف عليه فيه.
وقول الشيخ في آخر[ه]: (إن كل ما ذكر فيه وردت فيه أحاديث صحيحة مشهورة) يستثنى منه تعيين القراءة في ركعتي الاستخارة كما تقدم، وكذا تطويل الإمام إذا آثر ذلك المأمومون، وكذا التحذير من الاقتصار على بعض السورة فإني لم أجد في شيء من ذلك نصاً صريحاً من الحديث.
وأما قوله في الفصل الذي يليه: (إن من ترك قراءة سورة الجمعة في الركعة الأولى يقرؤها مع المنافقين في الركعة الثانية) وقال في آخر الفصل: (ذكرت دلائل هذا في شرح المهذب).
فقد راجعت الشرح المذكور فلم أجده ذكر لذلك مستنداً من الحديث، وكذا الأمور الثلاثة التي في الفصل قبله لم يذكر لها مستنداً من الحديث في الشرح المذكور.
وقوله في الفصل المعقود لاستحباب تطويل الأولى على الثانية، والاختلاف في ذلك.
أما دليل المختار عنده ففي الصحيحين من حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيل في الركعة الأولى من صلاة الظهر ما لا يطيل في الثانية، وكذا في صلاة العصر، وكذا في صلاة الغداة.
أخرجاه جميعاً من عدة طرق إلى يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه.
منهم من طوله، ومنهم من اختصره.(1/501)
وأخرج مسلم من حديث أبي سعيد نحوه كما سأذكره.
وجاء سبب ذلك في الحديث الذي:
قرأت على أبي الحسن بن أبي المجد، عن سليمان بن حمز[ة]، أنا جعفر بن علي، أنا أبو طاهر السلفي، أنا القاسم بن الفضل الثقفي، أنا أبو الحسين بن بشران ثنا علي بن محمد المصري، ثنا محمد بن عمرو -يعني: الحراني- ثنا عبد الله بن المغيرة، ثنا سفيان الثوري، عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيل الأولى من الصبح والظهر، فظننا أنه يفعل ذلك ليدركه الناس.
هذا حديث صحيح، أخرجه ا[بن] خزيمة عن أبي كريب، عن أبي خالد الأحمر، عن سفيان الثوري.
فوقع لنا عالياً.
وأخرجه أبو داود من رواية عبد الرزاق، عن معمر.
ورواية سفيان الثوري عن معمر من الأقران، وقد روى معمر عن سفيان، فهو من المدبج أيضاً.
ولحديث أبي قتادة شاهد عن عبد الله بن أبي أوفى، أخرجه أحمد وأبو داود، ولفظه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيل الأولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع قدم.
وفي إسناده راو لم يسم، وقد سماه البيهقي في روايته: طرفة الحضرمي، والله أعلم.(1/502)
[[فصل: أجمع العلماء على الجهر بالقراءة في صلاة الصبح والأوليين من المغرب والعشاء. وعلى الإسرار في الظهر والعصر والثالثة من المغرب، والثالثة والرابعة من العشاء، وعلى الجهر في صلاة الجمعة والعيدين والتراويح والوتر عقبها، وهذا مستحب للإمام والمنفرد فيما ينفرد به منها؛ وأما المأموم فلا يجهر في شيء من هذا بالإجماع. ويسن الجهر في صلاة كسوف القمر والإسرار في صلاة كسوف الشمس، ويجهر في صلاة الاستسقاء، ويسر في الجنازة إذا صلاها في النهار، وكذا إذا صلاها بالليل على الصحيح المختار، ولا يجهر في نوافل النهار غير ما ذكرناه من العيد والاستسقاء،
واختلف أصحابنا في نوافل الليل فقيل لا يجهر، وقيل يجهر. والثالث وهو الأصح.]]
(110)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم.
ثم حدثنا شيخنا المشار إليه، إملاء كعادته في تاسع عشرة شهر رجب الفرد من شهور سنة تسع وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
أخبرني أبو العباس أحمد بن علي بن يحيى الهاشمي، أنا أبو العباس بن نعمة، عن محمد بن مسعود، أنا عبد الأول بن عيسى، أنا(1/503)
عبد الرحمن بن محمد، أنا عبد الله بن أحمد، أنا عيسى بن عمر، أنا عبد الله بن عبد الرحمن، أنا يحيى بن حماد (ح).
وبالسند الماضي مراراً إلى أبي نعيم في ((المستخرج)) ثنا مخلد بن جعفر، ثنا جعفر الفريابي، ثنا شيبان بن فروخ، قالا: حدثنا أبو عوانة، عن منصور بن زاذان، عن الوليد بن بشر، عن أبي الصديق الناجي -هو بكر بن عمرو- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر بقدر ثلاثين آية في كل ركعة وفي الأخيرتين بقدر خمس عشرة آية، أو قال: نصف ذلك، وفي العصر في الأوليين في كل ركعة قدر خمس عشرة آية، وفي الأخريين قدر نصف ذلك.
هذا حديث صحيح، أخرجه أحمد عن يونس بن محمد، عن أبي عوانة.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه مسلم عن شيبان بن فروخ.
فوقع لنا موافقة وبدلاً مع العلو.
وهكذا أخرجه الطحاوي من رواية حبان بن هلال، عن أبي عوانة.
وأخرجه النسائي من رواية عبد الله بن المبارك، عن أبي عوانة، فخالف في تابعيه قال: عن أبي المتوكل الناجي بدل أبي الصديق، والأول هو المحفوظ، وهكذا رواه هشيم عن منصور بن زاذان، فقال: عن أبي الصديق، فذكر الحديث بمعناه.
أخرجه مسلم، وأبو داود، وابن خزيمة، وغيرهم.(1/504)
وبالسند الماضي مراراً كثيرة إلى الإمام أحمد ثنا يزيد -هو ابن هارون- ثنا سفيان -هو الثوري- عن زيد -هو العمي بفتح المهملة وتشديد الميم- عن أبي العالية قال: اجتمع ثلاثون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أما ما يجهر فيه فقد عرفناه، فلا نقيس ما لا يجهر فيه، فاجتمعوا فما اختلف منهم اثنان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين قدر ثلاثين آية في كل ركعة، وفي الركعتين الأخريين قدر النصف من ذلك، وكان يقرأ في العصر قدر النصف من قراءته في الركعتين الأوليين من الظهر، وفي الأخريين قدر النصف من ذلك.
هذا حديث حسن، وزيد فيه مقال، لكن يحسن حديثه بالشاهد الذي قبله.
قوله: (فصل أجمع العلماء على الجهر بالقراءة في صلاة الصبح) إلى قوله: (وأما المأموم فلا يجهر في شيء من هذا بالإجماع).
قلت: لم أر ما يعكر على شيء من ذلك إلا ما جاء عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقرأ في الظهر بـ {الذاريات} و{ق} يعلن بهما، ذكره سفيان الثوري بسند رجاله ثقات، إلا أن فيه انقطاعاً، فإن ثبت حمل على ما حمل عليه حديث أبي قتادة في الصحيحين: وكان يسمعنا الآية أحياناً، فقد ذكروا أن الحكمة في ذلك ليعلموا أنه يقرأ، لئلا يتوهموا أنه كان يذكر أو يسكت.
وقد ذهب جماعة من الصحابة وغيرهم أن الركعات السرية لا تجب في جميعها القراءة، فلعل عمر رضي الله عنه كان يجهر ببعض كل من السورتين لا بجميعهما، والعلم عند الله تعالى.
وقد أخرج ابن مردويه في التفسير من حديث ابن عباس في قوله(1/505)
تعالى: {إذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا} قال: نزلت في صلاة الجمعة وفي صلاة العيدين، وفيما يجهر فيه الإمام من الصلوات.
وأخرج الدارقطني من حديث أبي هريرة نحوه.
قوله: (والأصح أنه يستحب).
وأخرج الدارقطني أيضاً حديث إمامة جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخمس أنه جهر بالقراءة في الصبح. وفي الأوليين من المغرب ومن العشاء، وأسر فيما عدا ذلك، وفي سنده مقال.
وأخرجه أبو داود في كتاب ((المراسيل)) من مرسل الحسن البصري، وكل ذلك مستغنى عنه بالإجماع، والله أعلم.
انتهى الجزء الأول من نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار للحافظ ابن حجر.
ويليه في الجزء الثاني المجلس الحادي عشر بعد المئة.(1/506)
[[باب القراءة بعد التعوذ
ويسن الجهر بالقراءة في صلاة خسوف القمر، والإسرار في صلاة كسوف الشمس.]]
(111)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
ثم حدثنا سيدنا ومولانا شيخ الإسلام، قاضي القضاة، إمام الحفاظ، إملاء من حفظه كعادته، بكرة يوم الثلاثاء سادس عشرين رجب الفرد من شهور سنة تسع وثلاثين وثمانمئة قال -وأنا أسمع قوله-: (ويسن الجهر بالقراءة في صلاة خسوف [كسوف] القمر، والإسرار في صلاة كسوف الشمس).
أما القمر فبالاتفاق. واستدل له من السنة بالأحاديث المطلقة، ووقع في صحيح ابن حبان التصريح به في حديث أبي بكرة.
وأما الشمس فنقل البيهقي أن الشافعي رحمه الله استدل للإسرار بحديث ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة كسوف الشمس بنحو من(2/5)
سورة البقرة -والحديث في الصحيحين- قال: فلو جهر لم يحتج إلى التقدير.
قال البيهقي: وقد جاء في حديث عائشة بلفظ: ((فحزرت قراءته)) ثم ساقه كذلك.
وساق أيضاً ما أخرجه أحمد، وأبو يعلى من رواية عكرمة عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكسوف، فلم أسمع منه حرفاً. وفي سندهم ابن لهيعة.
وأخرجه الطبراني في الأوسط من وجه آخر عن عكرمة، وفيه حفص بن عمر العدني، وهو أضعف من ابن لهيعة.
وفي الباب عن سمرة بن جندب، وسنده قوي.
أخبرني عبد الله وعبد الرحمن ابنا محمد بن إبراهيم بن لاجين، قالا: أنا محمد بن إسماعيل الأيوبي، أنا عبد العزيز بن عبد المنعم، عن عفيفة بنت أحمد، عن فاطمة بنت عبد الله سماعاً، قالت: أنا محمد بن عبد الله التاجر، أنا [أبو] القاسم اللخمي، ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو نعيم، ثنا سفيان -هو الثوري- عن الأسود بن قيس، عن ثعلبة بن عبادٍ -بكسر المهملة وفتح الموحدة بلفظ الجمع- عن سمرة بن جندب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم في كسوف الشمس، فلم يسمع له صوت.(2/6)
أخرجه النسائي عن عمرو بن منصور، والطحاوي عن حسين بن نصر، كلاهما عن أبي نعيم.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والنسائي أيضاً من طرق عن الأسود بن قيس.
منها:
ما قرأت على فاطمة بنت المنجا، عن سليمان بن حمزة، أنا محمد بن عبد الواحد، أنا زاهر بن أحمد، أنا الحسين بن عبد الملك، أنا إبراهيم بن منصور، ثنا أبو بكر بن عاصم، ثنا أبو يعلى، ثنا خلف -هو ابن هشام المقرئ- ثنا أبو عوانة، عن الأسود بن قيس، فذكر الحديث مطولاً.
أخرجه ابن حبان عن أبي يعلى.
فوقع لنا موافقة عالية.
وقد أخرج الشيخان في الصحيحين من طريق عبد الرحمن بن نمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر بالقراءة في صلاة الكسوف.
قال البخاري: تابعه سليمان بن كثير، وسفيان بن حسين، عن الزهري في الجهر.(2/7)
فأما حديث سليمان بن كثير:
فأخبرني به أبو الحسن علي بن محمد الخطيب، عن أحمد بن أبي بكر الدشتي، أنا يوسف بن خليل الحافظ، أنا خليل بن بدر، أنا الحسن بن أحمد، أنا أحمد بن عبد الله، أنا عبد الله بن جعفر، ثنا يونس بن حبيب، ثنا سليمان بن داود، ثنا سليمان بن كثير، عن الزهري فذكر مثله سواء.
وأما حديث سفيان بن حسين فأخرجه الترمذي من طريقه عن الزهري بلفظ:
خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى المصلى فكبر فكبر الناس، ثم قرأ، فجهر بالقراءة.
وهكذا رواية عقيل عند الطحاوي، والأوزاعي عند أبي داود. وإسحاق بن راشد عند الدارقطني، ثلاثتهم عن الزهري.
قال الترمذي في العلل: سمعت محمداً -يعني: البخاري- يقول: حديث عائشة في الجهر أصح من حديث سمرة.
قلت: وقد جمع بينهما بوجوه.
منها: أن قراءته كانت بين الجهر والإسرار فسمعها بعض دون بعض.
ومنها: أنه جهر بالقراءة في القيام الأول وأسر في الثاني.
ورجح البيهقي الإسرار بأنه ورد من طرق، والجهر لم يرد إلا من طريق الزهري، وهو وإن كان حافظاً فالعدد أولى.
وعورض بأنه مثبت فيقدم على من نفى.(2/8)
ويتأيد الجهر بأنها صلاة ينادى بها ويجمع ويخطب، فأشبهت العيد والاستسقاء، وقد ذهب إلى اختيار الجهر فيها أبو يوسف، ومحمد بن الحسن بن الحنفية، وابن خزيمة، وابن المنذر من الشافعية، وابن العربي من المالكية، وهو مذهب أحمد، وإسحاق، والله أعلم.
آخر المجلس الحادي عشر بعد المئة من تخريج أحاديث الأذكار، وهو الحادي والتسعون بعد الأربعمئة من الأمالي المصرية.
[[ويجهر في صلاة الاستسقاء، ويسر في صلاة الجنازة إذا صلاها في النهار، وكذا إذا صلاها بالليل على الصحيح المختار، ولا يجهر في نوافل النهار غير ما ذكرناه من العيد والاستسقاء.
واختلف أصحابنا في نوافل الليل، فقيل: لا يجهر، وقيل: يجهر، والثالث -وهو الأصح- وبه قطع القاضي حسين والبغوي - يقرأ بين الجهر والإسرار، ولو فاتته صلاة بالليل فقضاها في النهار، أو بالنهار فقضاها بالليل فهل يعتبر في الجهر والإسرار وقت الفوات أم وقت القضاء؟ فيه وجهان: أظهرهما يعتبر وقت القضاء. وقيل: يسر مطلقاً.]]
(112)
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم حدثنا فقال:
قوله: (ويجهر في صلاة الاستسقاء).(2/9)
فيه حديث عبد الله بن زيد بن عاصم في صحيح البخاري. وحديث عبد الله بن عباس عند البيهقي، وصححه الحاكم.
قوله: (ويسر في صلاة الجنازة) إلى آخره.
أنا أبو الحسن بن أبي المجد، قرأت عليه عن ست الوزراء بنت عمر التنوخية إجازة إن لم يكن سماعاً. قالت: أنا أبو عبد الله الزبيدي، أنا أبو زرعة المقدسي، أخبرنا أبو الحسن السلار، أنا أبو بكر الحيري، ثنا أبو العباس الأصم، أنا أبو الربيع بن سليمان، أنا الشافعي، أنا مطرف بن مازن، عن معمر عن الزهري، أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف، أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال رضي الله عنه -قال شيخنا: يغلب على الظن أنه ابن عباس-: السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام، ثم يقرأ فاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى، يسرها في نفسه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويخلص الدعاء في التكبيرات الثلاث، لا يقرأ في شيء منهن ثم يسلم.
هذا حديث غريب أخرجه البيهقي من هذا الوجه. ومطرف ضعيف.
لكن قال البيهقي: تابعه عبيد الله بن أبي زياد، عن الزهري في الفاتحة، ثم ساقه من رواية يونس عن الزهري، ولم يذكر فيه الفاتحة.
وثبت ذكرها في صحيح البخاري من طريق طلحة بن عبد الله، عن ابن عباس.(2/10)
وبهذا السند إلى الشافعي، أنا سفيان بن عيينة، عن محمد بن عجلان، عن سعيد المقبري، سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يجهر بفاتحة الكتاب في الصلاة على الجنازة، وقال: لتعلموا أنها سنة.
وهذا إسناد قوي، وفيه إشعار بأنه كان هناك من لا يقرأ الفاتحة فيها، فأراد تعليمهم. وحمله بعضهم على أن ذلك كان ليلاً، وهو بعيد من السياق.
قوله: (واختلف أصحابنا في نوافل الليل) إلى آخره.
أما الجهر ففيه حديث يحيى بن جعدة عن أم هانئ رضي الله عنها أنها قالت: كنت أسمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل، وأنا على فراشي [عريشي] أصلي.
أخرجه أحمد، والترمذي، والنسائي، وصححه الحاكم.
وقرأت على أم الحسن التنوخية بدمشق، عن أبي الفضل بن أبي طاهر المقدسي، أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي، أنا أبو جعفر الصيدلاني، وزينب بنت عبد الرحمن، قال الأول: أنا أبو علي الحداد، أنا أبو نعيم، أنا عبد الله بن جعفر بن فارس، ثنا إسماعيل بن عبد الله الحافظ، وقالت الأخرى: أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله بن ميكال، قالت: أنا عبد الله بن أحمد الجوالقي، ثنا عبدان، قالا: ثنا سهل بن عثمان، ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، ثنا أبي، عن أبي إسحاق، عن هانئ بن هانئ، عن علي رضي الله عنه قال: كان أبو بكر رضي الله عنه إذا قرأ يخفض صوته، وكان عمر رضي الله عنه إذا قرأ يرفع صوته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: ((لم تخفض؟)) قال: أسمع من أناجي، وقال لعمر: ((لم تجهر؟))(2/11)
قال: أوقظ الوسنان، وأكرب الشيطان.
هذا حديث حسن أخرجه أحمد، عن علي بن بحر، عن عيسى بن يونس، عن زكريا. فوقع لنا عالياً.
ووقع في روايته: وأرغم الشيطان.
وفي رواية محمد بن نصر في كتاب ((قيام الليل)): وأطرد الشيطان.
وأخرج أبو داود والنسائي من طريق غضيف بن الحارث، سألت عائشة رضي الله عنها عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم من الليل: أكان يجهر أو يسر؟ قالت: كل ذلك كان يفعل، قلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة.
وهو حديث حسن أورداه في حديث طويل، وأفرد ابن ماجه منه هذا القدر، وكذا اقتصر النسائي عليه من طريق عبد الله بن أبي قيس عن عائشة، وسنده حسن أيضاً.
وقرأت على أبي الفرج بن حماد، عن يونس بن أبي إسحاق العسقلاني إجازة إن لم يكن سماعاً، ثم ظهر سماعه، أنا أبو الحسن بن المقير مشافهة، عن أبي العباس العباسي، أنا الحسن بن عبد الرحمن، أنا أحمد بن إبراهيم بن فراس، أنا أبو جعفر الديبلي، ثنا محمد بن زنبور، ثنا عيسى بن يونس، ثنا عمران بن زائدة بن نشيط، عن أبيه، عن أبي خالد الوالبي، قال: كان أبو هريرة رضي الله عنه إذا قام من الليل يرفع صوته طوراً(2/12)
ويخفضه أخرى، وكان يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك.
هذا حديث حسن أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده عن عيسى بن يونس، وأخرجه محمد بن نصر عن إسحاق، وأخرجه ابن خزيمة عن علي بن خشرم عن عيسى.
فوقع لنا بدلاً عالياً. وأخرجه ابن خزيمة أيضاً والحاكم من رواية عبد الله بن نمير عن عمران بن زائدة، والله أعلم.
آخر المجلس الثاني عشر بعد المئة من التخريج وهو الثاني والتسعون بعد الأربعمئة من الأمالي المصرية بالبيبرسية.
(113)
بسم الله الرحمن الرحيم
[ثم حدثنا فقال]:
أخبرني الحافظ أبو الحسن علي بن أبي بكر رحمه الله، أنا محمد بن إسماعيل بن عمر الدمشقي، أنا علي بن أحمد السعدي، عن منصور بن عبد المنعم، أنا محمد بن إسماعيل الفارسي، أنا الحافظ أبو بكر البيهقي، أنا علي بن أحمد بن عبدان، أنا أحمد بن عبيد الصفار، أنا ابن ملحان هو أحمد بن إبراهيم، ثنا يحيى، يعني: ابن بكير، ثنا الليث بن سعد، عن خالد، يعني: ابن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب مولى ابن عباس قال: سألت ابن عباس رضي الله عنهما: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل؟ فقال: كان يقرأ في بعض حجره فيسمع قراءته من كان خارجاً.
هذا حديث صحيح أخرجه ابن خزيمة عن يونس بن عبد الأعلى، عن(2/13)
يحيى بن بكير، وأخرجه أيضاً عن سعد بن عبد الله بن عبد الحكم، عن أبيه، عن الليث. وأخرجه ابن حبان في صحيحه، عن ابن خزيمة.
وله طريق أخرى عن ابن عباس.
أخبرني المسند أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن المبارك رحمه الله، أنا أحمد بن منصور الجوهري، أنا أبو الحسن بن البخاري، عن أبي المكارم اللبان، أنا الحسن بن أحمد، أنا أحمد بن عبد الله، أنا عبد الله بن جعفر، ثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود الطيالسي، ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد (ح).
وقرأت على فاطمة بنت المنجى، عن سليمان بن حمزة، أنا محمد بن عبد الواحد الحافظ، أنا أسعد بن سعيد بن روح، ومحمد بن أحمد بن نصر، كلاهما عن فاطمة بنت عبد الله سماعاً، قالت: أنا محمد بن عبد الله التاجر، أنا الطبراني، ثنا محمد بن علي بن زيد، ثنا سعيد بن منصور، ثنا ابن أبي الزناد، عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، فيسمع قراءته من وراء الحجر وهو في البيت، لفظ سعيد. وفي رواية الطيالسي: كنت أسمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم من البيت، وأنا في الحجرة.
هذا حديث حسن من هذا الوجه أخرجه أبو داود عن محمد بن جعفر الوركاني، عن ابن أبي الزناد بنحو لفظ سعيد.
وأخرج الطحاوي عن إبراهيم بن أبي داود، [عن] سعيد بن منصور.(2/14)
فوقع لنا بدلاً عالياً من الوجهين.
وأخرجه الترمذي من رواية يحيى بن حسان، عن ابن أبي الزناد.
وفي الباب حديث حذيفة الآتي في أذكار الركوع، ففيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل افتتح البقرة، فقلت: يركع عند رأس مئة آية، فمضى فقلت: يركع إذا ختمها الحديث. وهو عند مسلم.
وفيه حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقرأ من الليل فقال ((رحمه الله)). الحديث وهو عند أبي داود والنسائي، وأصله في الصحيح.
وأما الأحاديث الدالة على الإسرار ففيما قرأت على أبي المعالي محمد بن محمد بن السلعوس بدمشق رحمه الله، عن أبي المعالي بن أبي التائب سماعاً، أنا إسماعيل بن أحمد العراقي، عن شهدة، قالت: أنا الحسين بن أحمد بن طلحة، أنا أبو الحسين بن بشران، ثنا محمد بن عمرو الرزاز، ثنا يحيى بن أبي طالب، ثنا وهب بن جرير، عن أبيه هو ابن حازم، أنه سمع النعمان بن راشد يحدث، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع عبد الله بن حذافة صلى فجهر بالقراءة فقال: ((يا بن حذافة لا تسمعني، وأسمع الله عز وجل)).
هذا حديث حسن أخرجه أحمد، وأبو بكر بن أبي خيثمة من هذا الوجه.
والنعمان صدوق، وفي حديثه عن الزهري مقال، وقد رواه سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة، فأرسله.(2/15)
وأخبرني عبد الله بن عمر بن علي، أنا أحمد بن محمد بن عمر، أنا عبد اللطيف بن عبد المنعم، أنا عبد الله بن أحمد، أنا هبة الله بن محمد، أنا الحسن بن علي، أنا أحمد بن جعفر، ثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن إسماعيل بن أمية، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فسمعهم يجهرون بالقراءة وهو في قبة له، فكشف الستر فقال: ((ألا إن كلكم مناجٍ ربه، فلا يؤذين بعضكم بعضاً، ولا يرفعن بعضكم على بعضٍ بالقراءة، أو: قال في الصلاة)).
هذا حديث صحيح أخرجه أبو داود والنسائي، وصححه ابن خزيمة والحاكم، كلهم من طريق عبد الرزاق بهذا الإسناد، ورجاله رجال الصحيحين، والله أعلم.
آخر المجلس الثالث عشر بعد المئة من التخريج وهو الثالث والتسعون بعد الأربعمئة من الأمالي.
(114)
ثم حدثنا فقال:
أخبرني الشيخ أبو عبد الله بن قوام رحمه الله، أنا أبو الحسن بن هلال، أنا أبو إسحاق بن مضر، أنا أبو الحسن الطوسي، أنا أبو محمد السندي، أنا أبو عثمان البحيري، أنا أبو علي السرخسي، أنا أبو إسحاق الهاشمي، أنا أبو مصعب الزهري، أنا مالك، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن(2/16)
إبراهيم هو التيمي، عن أبي حازم التمار، عن البياضي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون -وقد علت أصواتهم بالقراءة- فقال: ((إن المصلي يناجي ربه فلينظر بم يناجيه، ولا يجهر بعضكم على بعضٍ بالقرآن)).
هذا حديث صحيح أخرجه الدارقطني عن أبي إسحاق الهاشمي في الموطآت.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي عن مالك.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه النسائي عن محمد بن سلمة، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن مالك. وأخرجه أيضاً من رواية يزيد بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم كذلك. وأخرجه من طريق أخرى فيها اختلاف. ورواية مالك ومن تابعه أصح.
وذكر ابن مندة في ((المعرفة)) أن إسحاق بن عيسى -يعني: ابن الطباع- رواه عن مالك، فسمي البياضي عبد الله بن جابر، وسماه ابن عبد البر في ((التمهيد)): فروة بن عمرو، وحكى ابن الحذاء في ((رجال الموطأ)) القولين.(2/17)
ولحديث شاهد عن ابن عمر أخرجه أحمد، والبزار، والطبراني.
وعن أبي هريرة وعائشة أخرجه الطبراني في الأوسط.
وفي معناه ما أخرجه أحمد، وأبو يعلى من حديث علي قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يرفع الرجل صوته بالقراءة قبل العشاء وبعدها، ويغلظ أصحابه.
ومن الأحاديث الدالة لما قال البغوي وشيخه ما وقع في حديث أبي قتادة عند أبي داود، والترمذي من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن عبد الله بن رباح عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر رضي الله عنه: ((مررت بك وأنت تقرأ تخفض من صوتك)) قال: قد أسمعت من ناجيت، فقال: ((ارفع قليلاً)) وقال لعمر رضي الله عنه: ((مررت بك وأنت ترفع صوتك)) فقال: أوقظ الوسنان، قال: ((اخفض من صوتك قليلاً)).
قال الترمذي: إنما أسنده إسحاق بن عيسى [يحيى بن إسحاق] وأكثر الناس رووه عن حماد بن سلمة، فلم يذكروا فيه أبا قتادة.
قلت: وأخرجه أبو داود عن موسى بن إسماعيل، عن حماد، عن ثابت، فلم يذكروا فوقه أحداً.
ثم أخرجه من طريق محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة موصولاً مرفوعاً.(2/18)
وصنيع البهيقي يقتضي اختصاص تفضيل الجهر بمن يأمن الرياء ولا يؤذي من يسمعه، ويجمع بذلك مختلف هذه الأخبار، وقد نحا إلى ذلك المصنف -رحمه الله- كما سيأتي في كتاب: أدب تلاوة القرآن، فإنه عقد فيه فصلاً لذلك، ونقل عن العلماء أنهم جمعوا بين الأحاديث المختلفة بهذا. ومما يدخل في هذا ما:
قرأت على أم عيسى الأسدية بمنزلها ظاهر القاهرة، عن علي بن عمر الواني سماعاً عليه، وهي آخر من حدث عنه بالسماع، أنا أبو القاسم بن مكي سبط السلفي وهو آخر من حدث عنه بالسماع، أنا جدي لأمي الحافظ أبو طاهر وهو آخر من حدث عنه بالسماع، أنا أبو القاسم الربعي، أنا أبو الحسن ابن مخلد، أنا أبو محمد الصفار، ثنا الحسن بن عرفة، ثنا إسماعيل بن عياش، عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن كثير بن مرة الحضرمي، عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة)).
هذا حديث حسن أخرجه الترمذي عن الحسن بن عرفة بهذا الإسناد.
فوقع لنا موافقة عالية. وأخرجه أبو داود عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن إسماعيل بن عياش.(2/19)
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وإسماعيل المذكور مختلف فيه، والذي عليه النقاد كالبخاري التفصيل في أمره، فإن روى عن أهل بلده قبل وإلا فلا، وهذا من روايته عن أهل بلده، والله أعلم.
آخر المجلس الرابع عشر بعد المئة من التخريج، وهو الرابع والتسعون بعد الأربعمئة في الأمالي.
[[واعلم أن الجهر في مواضعه والإسرار في مواضعه سنة ليس بواجب، فلو جهر موضع الإسرار، أو أسر موضع الجهر فصلاته صحيحة، ولكنه ارتكب المكروه كراهة تنزيه.]]
(115)
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم أخبرنا فقال: وقد ورد الترغيب في الجهر بالقراءة في صلاة الليل.
أنبأنا أبو علي الفاضلي شفاهاً غير مرة، أنبأنا يونس بن أبي إسحاق كذلك، أنا أبو القاسم الطرابلسي إذناً، عن أبي القاسم بن بشكوال، أنا عبد الرحمن بن محمد بن عتاب، حدثني أبي عن سليمان بن خلف بن عمرون، أنا محمد بن أحمد بن يحيى، أنا محمد بن أيوب بن حبيب، ثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق، ثنا سلمة بن شبيب، ثنا عصام بن خالد، ثنا نصر بن عبد الله أبو الفتح، ثنا ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صلى منكم من الليل فليجهر بقراءته، فإن الملائكة تصلي بصلاتة وتسمع لقراءته، وإن مؤمني الجن الذين يكونون في الهواء وجيران بيته يصلون بصلاته، ويستمعون(2/20)
لقراءته، وإنه ليطرد بقراءته عن داره وعن الدور التي حوله فساق الجن ومردة الشياطين)) فذكر بقية الحديث وهو طويل.
هكذا أخرجه البزار في مسنده وقال: لا نحفظه عن معاذ إلا بهذا الإسناد، وخالد لم يسمع من معاذ.
قلت: وفيه مع انقطاعه نصر بن عبد الله ما عرفته، وبقية رجاله ثقات.
ووجدت له شاهداً من حديث عبادة بن الصامت أخرجه محمد بن نصر المروزي في كتاب ((قيام الليل)) لكنه موقوف على عبادة، وإن ثبت حمل على القيد المتقدم، وهو الأمن من الرياء والأذى.
وقول المصنف في آخر الفصل: (إن الجهر في موضع الإسرار وكذا عكسه مكروه كراهة تنزيه).
إن ثبت فيه الإجماع، وإلا فيمكن أن يؤخذ من عموم قوله صلى الله عليه وسلم: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)).
ووجدت له دليلاً خاصاً أخرجه الطبراني في الكبير: ثنا محمد بن الفضل السفطي، ثنا مهدي بن حفص، ثنا علي بن ثابت، عن الوزاع بن نافع، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي أيوب رضي الله عنه، قال: قيل: يا رسول الله! إن قوماً يجهرون بالقراءة في الظهر والعصر، قال: ((أفلا ترمونهم بالبعر؟)).
قلت: ووازع متفق على ضعفه، وإنما ذكرت حديثه لأنبه عليه.
وقول المصنف في الفصل الذي قبل هذا: إن السورة لا تستحب في الأصح في الآخرين، أي: ولا في ثالثة المغرب.
استدلوا له بحديث أبي قتادة في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في(2/21)
الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة سورة، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب.
ودليل مقابله ما أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر بقدر ثلاثين آية في كل ركعة، وفي الأخريين على النصف من ذلك.
وقد تقدمت طرقه في المجلس العاشر بعد المئة من تخريج الأذكار. وقد ثبت من فعل أبي بكر رضي الله عنه في خلافته.
وبالسند الماضي آنفاً إلى أبي مصعب، أنا مالك، عن أبي عبيد مولى سليمان بن عبد الملك، عن عبادة بن نسي، أنه أخبره عن قيس بن الحارث، قال: أخبرني أبو عبد الله الصنابحي أنه قدم المدينة في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه فصلى وراءه المغرب فقرأ أبو بكر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة سورة، ثم قام إلى الركعة الثالثة، فدنوت منه، فسمعته قرأ بأم القرآن وهذه الآية: {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنك أنت الوهاب}.
آخر المجلس الخامس عشر بعد المئة من التخريج، وهو الخامس والتسعون بعد الأربعمئة من الأمالي المصرية بالخانقاه البيبرسية بتاريخ يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من شعبان سنة تسع وثلاثين وثمانمئة.
[[فصل: قال أصحابنا: يستحب للإمام في الصلاة الجهرية أن يسكت أربع سكتات: إحداهن عقيب تكبيرة الإحرام، ليأتي بدعاء الاستفتاح، والثانية بعد فراغه من الفاتحة سكتة لطيفة جداً بين آخر(2/22)
الفاتحة وبين آمين، ليعلم أن آمين ليست من الفاتحة، والثالثة بعد آمين سكتة طويلة بحيث يقرأ المأموم الفاتحة، والرابعة بعد الفراغ من السورة يفصل بها بين القراءة وتكبيرة الهوي إلى الركوع.]]
(116)
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم أخبرنا إملاء من لفظه وحفظه بالخانقاه المذكور كما تقدم فقال:
قوله: (فصل: قال أصحابنا: يستحب للإمام في الصلاة الجهرية أربع سكتات) فذكرها، ولم يذكر دليل الاستحباب، وقد تقدم دليل الأولى في دعاء الافتتاح، والسكوت فيه بطريق المجاز عن الإسرار، ولا تختص بالإمام، بل يشركه المنفرد، وكذا في الثانية والرابعة، والوارد في الأحاديث سكتتان فقط: الأولى، واختلف في محل الثانية كما سأذكره، ويجيء على وجه عند الشافعية سكتة خامسة على الجهر بالتعوذ للفصل بينه وبين البسملة.
أخبرني الشيخ أبو إسحاق التنوخي رحمه الله، أنا أبو العباس بن نعمة، أنا عبد الله بن عمر بن علي، أنا عبد الأول بن عيسى، أنا عبد الرحمن بن محمد، أنا أبو محمد بن أعين، أنا عيسى بن عمر، أنا أبو محمد الدارمي، أنا عفان هو ابن مسلم الصفار (ح).
وأخبرني عبد الله وعبد الرحمن ابنا محمد بن إبراهيم، أنا محمد بن إسماعيل، أنا عبد العزيز بن عبد المنعم، عن عفيفة بنت أحمد، عن فاطمة الجوزذانية سماعاً، أنا أبو بكر التاجر، أنا الطبراني في الكبير، ثنا أحمد بن القاسم بن مساور الجوهري، وعبد الله بن أحمد بن حنبل، قال الأول: ثنا عفان، والثاني: ثنا هدبة بن خالد، قالا: ثنا حماد هو ابن سلمة، عن حميد هو الطويل، عن الحسن هو البصري، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه،(2/23)
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسكت سكتتين إذا دخل في الصلاة، وإذا فرغ من القراءة، فأنكر ذلك عمران بن الحصين رضي الله عنه، فكتبوا إلى أبي بن كعب رضي الله عنه في ذلك، فكتب إليهم أن قد صدق سمرة.
هذا حديث حسن أخرجه أحمد عن عفان.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه أيضاً عن أبي كامل ويزيد بن هارون، كلاهما عن حماد.
فوقع لنا بدلاً عالياً، ولفظ يزيد: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سكتتان، سكتة حين يفتتح الصلاة وسكتة إذا فرغ من السورة قبل أن يركع.
وبالسند المذكور إلى الدارمي قال: كان قتادة يقول: ثلاث سكتات، وفي الحديث المرفوع سكتتان.
قلت: حديث قتادة جاء من طرق منها ما:
قرأت على فاطمة بنت المنجى بدمشق، عن سليمان بن حمزة، أنا الحافظ ضياء الدين المقدسي، أنا أبو المجد بن أبي طاهر، أنا الحسين بن عبد الملك، أنا إبراهيم بن منصور، أنا أبو بكر بن المقري، ثنا أبو يعلى الموصلي، ثنا أبو موسى هو محمد بن المثنى، ثنا عبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى، ثنا سعيد هو ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة قال: سكتتان حفظتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك لعمران بن حصين، فقال: حفظنا سكتة، فكتبت إلى أبي بن كعب بالمدينة فكتب إلي أن سمرة قد حفظ، قال سعيد: فقلنا لقتادة: ما هاتان السكتتان؟ قال: سكتة إذا دخل في الصلاة وسكتة إذا فرغ من القراءة، ليتراد إليه نفسه.(2/24)
هكذا وقع لنا مختصراً، وهكذا أخرجه ابن حبان في صحيحه عن أبي يعلى.
فوقع لنا موافقة عالية. وأخرجه أبو داود والترمذي جميعاً عن أبي موسى.
فوقع لنا موافقة عالية أيضاً، ووقع عند أبي داود في حكاية كلام قتادة بعد قوله إذا فرغ من القراءة زيادة وهي: ثم قال قتادة بعد إذا قال: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} وكذا عند الترمذي وزاد قال: وكان يعجبه إذا فرغ من القراءة أن يسكت حتى يتراد إليه نفسه.
وأخرج البيهقي من وجه آخر عن سعيد بلفظ سكتة حين يكبر وسكتة حين يفرغ من القراءة عند الركوع، ثم قال مرة أخرى إذا قال: {ولا الضالين}.
قلت: والحاصل عن قتادة أنه إما كان يتردد في محل الثانية هل هو بعد تمام الفاتحة، أو بعد انتهاء القراءة قبل الركوع، أو كان يزيد الثانية من قبل رأيه فتصير السكتات ثلاثة، كما فهمه الدارمي عنه.
ودليل استحباب تطويل السكوت بين الفاتحة والسورة ما:
قرأت على شيخنا الإمام أبي الفضل بن الحسين الحافظ رحمه الله، أنه قرأ على أبي عبد الله بن أزبك، عن أبي عبد الله الصوري فيما قرئ عليه وهو يسمع، عن أبي البركات بن ملاعب سماعاً، أنا أبو الفضل الأرموي، أنا أبو الغنائم بن المأمون، أنا أبو نصر الملاحمي، أنا محمد بن إسحاق الخزاعي، أنا أبو عبد الله البخاري في كتاب القراءة خلف الإمام، ثنا موسى هو ابن إسماعيل، ثنا حماد هو ابن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي(2/25)
سلمة بن عبد الرحمن، قال: إن للإمام سكتتين، فاغتنموا القراءة فيهما.
وذكره البخاري أيضاً من وجه آخر عن حماد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، والله أعلم.
آخر المجلس السادس عشر بعد المئة من تخريج أحاديث الأذكار، وهو السادس والتسعون بعد الأربعمئة من الأمالي المصرية بالبيبرسية.
[[فصل: فإذا فرغ من الفاتحة استحب له أن يقول آمين، والأحاديث الصحيحة كثيرة مشهورة في كثرة فضله، وعظيم أجره.]]
(117)
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم حدثنا فقال:
وبالسند المذكور أيضاً إلى البخاري، ثنا صدقة هو ابن الفضل المروزي، ثنا عبد الله بن رجاء هو المكي، عن عبد الله بن عثمان بن خيثم، قال: قلت لسعيد بن جبير: أقرأ خلف الإمام؟ نعم وإن سمعت قراءته إنهم قد أحدثوا شيئاً لم يكونوا يصنعونه، إن السلف كانوا إذا أم أحدهم الناس كبر، ثم أنصت حتى يظن أن من خلفه قد قرأ فاتحة الكتاب، ثم قرأ ثم أنصت.
هذا موقوف صحيح، فقد أدرك سعيد بن جبير جماعة من علماء الصحابة، ومن كبار التابعين.
وبه إلى البخاري ثنا موسى هو ابن إسماعيل، ثنا حماد هو ابن سلمة، عن هشام هو ابن عروة، عن أبيه قال: يا بني اقرؤوا إذا سكت الإمام،(2/26)
واسكتوا إذا جهر، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب [فصاعداً مكتوبة ومستحبة].
قوله: (فصل: فإذا فرغ من الفاتحة استحب له أن يقول. آمين، والأحاديث الصحيحة في هذا الباب كثيرة مشهورة في فضله، وعظيم أجره).
قلت: في كثرتها مع الوصف بالصحة نظر، سواء كان المراد بالتأمين بعد الفاتحة أم بعد الدعاء، فمما ورد في ذلك:
أخبرني الشيخ أبو المعالي عبد الله بن عمر بن علي رحمه الله، أنا أحمد بن محمد بن عمر، أنا عبد اللطيف بن عبد المنعم الجزري، أنا عبد الله بن أحمد الحربي، أنا هبة الله بن محمد الشيباني، أنا الحسن بن علي التميمي، أنا أحمد بن جعفر القطيعي، ثنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا علي بن عاصم، ثنا حصين بن عبد الرحمن، عن عمرو بن قيس هو الماصر - بكسر الصاد المهملة، عن محمد بن الأشعث، عن عائشة رضي الله عنها قالت: بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ استأذن رجل من اليهود فذكر من الحديث، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنهم لم يحسدونا على شيءٍ كما حسدونا على الجمعة التي هدانا الله لها وضلوا عنها، وعلى القبلة التي هدانا الله لها، وعلى قولنا خلف الإمام آمين)).
هذا حديث غريب لا أعرفه بهذه الألفاظ إلا من هذا الوجه، لكن لبعضه متابع حسن في التأمين. أخرجه ابن ماجه، وصححه ابن خزيمة، كلاهما من رواية سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما حسدتنا اليهود على شيءٍ ما حسدتنا على السلام والتأمين)).(2/27)
وله شاهد من حديث معاذ بن جبل.
قرئ على فاطمة بنت محمد المقدسية بالصالحية ونحن نسمع، عن أبي نصر محمد بن محمد الفارسي، أنا أبو محمد سبط الحافظ أبي العلاء الهمداني، في كتابه، أنا جدي للأم أنا الحسن بن أحمد، أنا أحمد بن عبد الله، أنا سليمان بن أحمد، ثنا عمرو بن إسحاق، يعني: ابن إبراهيم بن العلاء، ثنا أبي، ثنا عمرو بن الحارث، ثنا عبد الله بن سالم، عن الزبيدي، أنا عيسى بن يزيد، أن طاووساً أخبره، أن منبهاً أبا وهب حدثه يرده إلى معاذ رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس في بيت من بيوت أزواجه، وعنده عائشة رضي الله عنها فدخل عليه نفر من اليهود فذكر الحديث، وفيه فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن اليهود قومٌ حسدٌ ولم يحسدوا المسلمين على أفضل من ثلاثٍ من رد السلام، وعلى إقامة الصف، وعلى قولهم خلف إمامهم: آمين)).
وبه قال الطبراني: لا يروى عن معاذ إلا بهذا الإسناد، ولا نعلم منبهاً والد وهب أسند غير هذا الحديث.
قلت: رواته موثقون إلا عيسى، وفي طبقته عيسى بن يزيد بن بكر بن داب، فإن كان هو فهو ضعيف، وإلا فمجهول.
وللتأمين شاهد آخر أخرجه ابن ماجه بسند فيه ضعفاء من طريق عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما حسدتكم اليهود على شيءٍ ما حسدتكم على آمين، فأكثروا من قول آمين)).
وتقدم في أوائل أصل الأمالي ما أخرجه أبو داود، وأوردته من ثلاثة طرق عالية، إلى أبي زهير النميري الصحابي أنه قال: آمين كالطابع على الصحيفة، وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يدعو فقال: ((أوجب إن ختم))(2/28)
قيل: بماذا؟ قال: ((بآمين)) ومعنى: أوجب: عمل عملاً وجبت له به الجنة.
وللموقوف عن أبي زهير شاهد من حديث أبي هريرة، يأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
آخر المجلس السابع عشر بعد المئة من تخريج الأذكار، وهو السابع والتسعون بعد الأربعمئة من الأمالي المصرية.
(118)
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم حدثنا فقال: ذكر حديث آخر في فضل التأمين.
أخبرني الشيخ المسند أبو الفرج بن حماد، أنا أبو الحسن بن قريش، أنا أبو الفرج بن عبد المنعم، أنا أبو الحسن الجمال في كتابه، أنا أبو علي الحداد، أنا أبو نعيم في المستخرج، ثنا إبراهيم بن عبد الله، وعبد الله بن جعفر، قال الأول: ثنا أبو العباس السراج، ثنا قتيبة، ثنا أبو عوانة، وقال الثاني: ثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود الطيالسي، ثنا هشام يعني الدستوائي (ح).
وقرأت على فاطمة بنت محمد بن المنجى، عن سليمان بن حمزة، أنا محمود، وأسماء، وحميراء أولاد إبراهيم بن سفيان كتابة من أصبهان، قالوا: أنا أبو الخير الباغبان، أنا أبو بكر السمسار، أنا إبراهيم بن عبد الله الأصبهاني، ثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي، ثنا يعقوب بن إبراهيم(2/29)
الدورقي، ثنا ابن علية يعني إسماعيل بن إبراهيم (ح).
وبالسند الماضي قريباً إلى الدارمي أنا سعيد بن عامر، قالا: ثنا سعيد بن أبي عروبة، ثلاثتهم، عن قتادة، عن يونس بن جبير، عن حطان بن عبد الله الرقاشي قال: صلى بنا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه صلاة، فلما جلس قال رجل من القوم: أقرنت الصلاة بالبر والزكاة، فلما قضى الصلاة وسلم استقبل القوم بوجهه فقال: أيكم قال كلمة كذا؟ الحديث وفيه: أما تعلمون ما تقولون في صلاتكم؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب لنا، فبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا. فقال: ((أقيموا صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} فقولوا: آمين، يجبكم الله تعالى، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا)) واقتص الحديث.
هذا لفظ أبي عوانة. وفي رواية هشام أن الأشعري صلى بأصحابه صلاة، فلما جلس في صلاته، والباقي نحوه. لكن قال: ((وإذا قال {ولا الضالين})). وفي رواية سعيد بسنده عن أبي موسى الأشعري قال: إن رسول الله خطبنا فذكر الحديث، ولم يذكر القصة.
هذا حديث صحيح أخرجه مسلم، وأصحاب السنن الأربعة، وغيرهم من طرق متعددة إلى قتادة.
وفيه من قتادة فصاعداً ثلاثة بصريون تابعيون ثقات. أخرجه الإمام أحمد عن إسماعيل بن علية، ومسلم عن قتيبة، فوقع لنا موافقة عالية.(2/30)
وأخرجه أحمد أيضاً عن يحيى بن سعيد القطان، عن هشام. وأخرجه الطحاوي عن إبراهيم بن مرزوق، عن سعيد بن عامر.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه مسلم أيضاً عن أبي غسان مالك بن عبد الواحد، عن معاذ بن هشام، وعن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي أسامة، عن سعيد بن أبي عروبة.
ذكر حديث ثالث في فضل التأمين.
وبهذا السند إلى أبي نعيم ثنا محمد بن إبراهيم الخازن، ثنا أبو العباس بن قتيبة، ثنا حرملة بن يحيى، ثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، أن أبا يونس أخبره، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا قال أحدكم في صلاته آمين والملائكة في السماء آمين، فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه)).
هذا حديث صحيح أخرجه مسلم عن حرملة بن يحيى.
فوقع لنا موافقة عالية.
وبالسند المذكور إلى الدارمي أنا يزيد بن هارون، أنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قال القارئ {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال من خلفه: آمين، فوافق ذلك أهل السماء غفر له ما تقدم من ذنبه)).
أخرجه أحمد عن يزيد بن هارون.
فوقع لنا موافقة عالية.(2/31)
وأخرجه ابن خزيمة من رواية إسماعيل بن جعفر، عن أبي سلمة.
وأصله في الصحيح من رواية الزهري، عن أبي سلمة.
قرأت على فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي بالصالحية، عن عبد الرحمن بن محلوف، أنا جعفر بن علي إجازة إن لم يكن سماعاً، أنا الحافظ أبو طاهر السلفي، أنا مكي بن منصور السلار، أنا أحمد بن الحسن القاضي، ثنا حاجب بن أحمد الطوسي، ثنا عبد الرحيم بن منيب، ثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أمن القارئ فأمنوا، فإن الملائكة تؤمن، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)).
هذا حديث صحيح أخرجه البخاري عن علي بن عبد الله عن سفيان بن عيينة.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
آخر المجلس الثامن عشر بعد المئة من التخريج، وهو الثامن والتسعون بعد الأربعمئة.
(119)
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم حدثنا كما تقدم فقال: حديث آخر في فضل التأمين.
قرأت على أم الحسن بنت محمد بن أحمد بن محمد بن عثمان(2/32)
الدمشقية بها، عن أبي الفضل بن أبي طاهر، أنا إسماعيل بن ظفر، أنا محمد بن أبي زيد، أنا محمود بن إسماعيل، أنا أبو الحسين أحمد بن محمد الأصبهاني، أنا الطبراني، ثنا يحيى بن أيوب العلاف، ثنا سعيد بن أبي مريم، ثنا مؤمل بن عبد الرحمن، ثنا أبو أمية بن يعلى الثقفي، عن سعيد بن أبي سعيد هو المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((آمين خاتم رب العالمين على عباده المؤمنين)).
هذا حديث غريب أخرجه أبو أحمد بن عدي في كتاب ((الكامل)) من رواية عمرو بن سواد.
وأخرجه الثعلبي في التفسير من طريق سعيد بن عفير، كلاهما عن مؤمل.
فوقع لنا عالياً. قال ابن عدي في ترجمة مؤمل: لم يروه عن أبي أمية وإن كان ضعيفاً إلا مؤمل، ثم قال بعد أن ذكر له عدة أحاديث: أحاديثه غير محفوظة.
قلت: واسم شيخه: إسماعيل، وهما ضعيفان، لم يثبت توثقيهما عن أحد.
وقد أشرت قريباً إلى حديث أبي زهير: أن آمين كالطابع على الصحيفة، والطابع هو الخاتم.
وذكر الثعلبي في التفسير بغير إسناد، وتبعه الواحدي، وجماعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لقنني جبريل عليه السلام آمين عند فراغي من قراءة فاتحة الكتاب وقال: آمين كالختم على الكتاب)).
ولم أقف الآن على إسناده.
ذكر حديث آخر في فضل التأمين.(2/33)
قرأت على فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي الصالحية بها، عن محمد بن عبد الحميد فيما كتب إليهم من مصر، وهي آخر من حدث عنه، أنا إسماعيل بن عبد القوي بن أبي العز قال: قرئ على فاطمة بنت سعد الخير، أن فاطمة الجوزذانية أخبرتهم، أنا أبو بكر بن عبد الله، أنا أبو القاسم الطبراني، ثنا بشر بن موسى، ثنا عبد الله بن يزيد المقرئ، ثنا ابن لهيعة، ثنا ابن هبيرة، عن حبيب بن مسلمة الفهري رضي الله عنه، وكان مستجاباً أي الدعوة أنه أمر على جيش، يعني: في غزو الروم، فدرب الدروب، فلما لقي العدو قال للناس: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يجتمع ثلاثةٌ يدعو بعضهم ويؤمن بعضهم إلا أجابهم الله عز وجل)) ثم إنه حمد الله، وأثنى عليه وقال: اللهم احقن دماءنا، واجعل أجورنا أجور الشهداء، قال: فبينا هم على ذلك إذ نزل أمير العدو فدخل على حبيب سرادقه، يعني: فوافقه على ما أحب.
هذا حديث غريب، ورجاله موثقون إلا أن ابن لهيعة، وابن هبيرة اسمه: عبد الله، وكذا ابن لهيعة، وهو في الأصل صدوق، لكن احترقت كتبه، فحدث من حفظه، فخلطه، وضعفه بعضهم مطلقاً، ومنهم من فصل فقبل منه ما حدث به عند القدماء، ومنهم من خص ذلك بالعبادلة من أصحابه، وهم: عبد الله بن المبارك، وعبد الله بن وهب، وعبد الله بن يزيد المقرئ.
وهذا الحديث من رواية هذا الأخير والإنصاف في أمره أنه متى اعتضد كان حديثه حسناً، ومتى خالف كان حديثه ضعيفاً، ومتى انفرد توقف فيه.
وقد تساهل الحاكم فأخرج هذا الحديث في المستدرك عن أبي بكر بن إسحاق، عن بشر بن موسى بهذا الإسناد.(2/34)
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وكأنه استروح إلى كونه من فضائل الأعمال، والله أعلم.
[[وهذا التأمين مستحب لكل قارئ. ويستحب التأمين في الصلاة للإمام والمأموم والمنفرد، ويجهر به الإمام والمنفرد في الصلاة الجهرية، والصحيح أيضاً أن المأموم يجهر به، سواء كان الجمع قليلاً أو كثيراً. ويستحب أن يكون تأمين المأموم مع تأمين الإمام، لا قبله ولا بعده، وليس في الصلاة موضع يستحب أن يقترن فيه قول المأموم بقول الإمام إلا في قوله: آمين، وأما باقي الأقوال فيتأخر قول المأموم.
فصل: يسن لكل من قرأ في الصلاة أو غيرها إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله تعالى من فضله، وإذا مر بآية عذاب أن يستعيذ به من النار أو من العذاب أو من الشر أو من المكروه، أو يقول: اللهم إني أسألك العافية أو نحو ذلك؛ وإذا مر بآية تنزيه لله سبحانه وتعالى نزه فقال: سبحانه وتعالى، أو: تبارك الله رب العالمين، أو: جلت عظمة ربنا، أو نحو ذلك.
روينا عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: ((صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المئة، ثم مضى فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، ثم افتتح النساء فقرأها، يقرأ مترسلاً إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ(2/35)
تعوذ)). رواه مسلم في صحيحه.]]
(120)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم في يوم الثلاثاء خامس ذي قعدة الحرام شهر سنة تاريخه، حدثنا شيخنا سيدنا ومولانا شيخ الإسلام، قاضي القضاة، إمام الأئمة الحفاظ، إملاء من حفظه كعادته قال وأنا أسمع:
قوله: (وهذا التأمين مستحب لكل قارئ).
قلت: يعرف ذلك مما تقدم.
قوله: (ويستحب التأمين في الصلاة للإمام والمنفرد والمأموم).
أما المأموم فتقدم.
وأما المنفرد فتقدم أيضاً ما يتناوله.
وأما الإمام فجاء صريحاً في الخبر الذي:
أخبرني أبو محمد عمر بن محمد بن أحمد، وفاطمة بنت محمد بن قدامة الصالحية إجازة من الأول وقراءة من الثانية، قال الأول: قرئ على زينب بنت أحمد بن عبد الرحيم ونحن نسمع، عن عجيبة بنت أبي بكر، وقالت الثانية: أخبرنا أبو نصر بن العماد في كتابه، أنا محمود بن إبراهيم بن سفيان إجازة، قالا: أنا مسعود بن الحسن بن القاسم الثقفي، قال محمود: سماعاً والآخر: كتابة قال: أنا أبو عمرو بن أبي عبد الله بن منده، عن أبي الحسين الخفاف، أنا أبو العباس السراج، ثنا إسحاق بن إبراهيم، ومحمد بن رافع، ومحمد بن يحيى ثلاثتهم، عن عبد الرزاق، عن معمر،(2/36)
عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قال {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} فقولوا آمين فإن الملائكة تقول آمين. وإن الإمام يقول آمين)).
هذا حديث صحيح: أخرجه الإمام أحمد عن عبد الأعلى، عن معمر.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه النسائي من رواية يزيد بن زريع، عن معمر.
وابن ماجه من رواية عبد الأعلى.
وأصله في الصحيحين والسنن الثلاثة من رواية مالك عن الزهري، لكن قال في آخره: قال الزهري: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((آمين)).
قوله: (ويجهر به الإمام .. .. ) إلى آخره.
أخبرني أبو المعالي الأزهري، قال: أنا أبو نعيم بن الأسعردي، أنا أبو الفرج بن عبد المنعم، أنا أبو محمد الحربي، أنا أبو القاسم الشيباني، أنا أبو طالب بن غيلان، أنا أبو بكر الشافعي، ثنا جعفر بن محمد الصائغ، أنا أبو نعيم، ثنا زهير -هو ابن معاوية- عن أبي إسحاق -هو السبيعي- عن عبد الجبار بن وائل بن حجر، عن أبيه، قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ يقرأ، فلما قال: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين } قال: ((آمين)) يجهر بها.
هذا حديث حسن أخرجه أحمد، عن يحيى بن أبي بكر، عن زهير(2/37)
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه النسائي من رواية أبي الأحوص.
وابن ماجه من رواية أبي بكر بن عياش.
والدارقطني من رواية زيد بن أبي أنيسة.
ثلاثتهم عن أبي إسحاق.
وأخرجه الترمذي من وجه آخر عن وائل بن حجر.
فوقع في رواية: يرفع بها صوته: وفي أخرى: يخفض بها صوته. الأولى من رواية الثوري والثانية من رواية شعبة، كلاهما عن سلمة بن كهيل.
ورجح الحفاظ البخاري، وأبو زرعة، وأبو حاتم رواية الثوري.
ولها شاهد من حديث أبي هريرة عند أبي داود، وابن ماجه.
وآخر عند الدارقطني من حديث ابن عمر.
قوله: (فصل يسن لكل من قرأ في الصلاة أو غيرها إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله تعالى من فضله) إلى أن قال: (وروينا عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: صليت خلف [مع] النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة .. .. ) إلى آخره.
أخبرني عبد الله بن عمر بن علي، أنا أحمد بن محمد بن عمر، أنا(2/38)
أبو الفرج الحراني، أنا أبو محمد الحربي، أنا أبو القاسم بن الحصين، أنا الحسن بن علي، أنا أحمد بن جعفر، أنا عبد الله بن أحمد حدثني، أبي، ثنا أبو معاوية، وعبد الله بن نمير (ح).
وبالسند الماضي إلى أبي نعيم في المستخرج، ثنا عبد الله بن محمد، ثنا جعفر بن محمد، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة واللفظ له، ثنا أبو معاوية، وعبد الله بن نمير [(ح)].
وبه إلى أبي نعيم، ثنا محمد بن أحمد بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا محمد بن عبد الله بن نمير، ثنا أبي، قالا: ثنا الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن المستورد بن الأحنف، عن صلة بن زفر، عن حذيفة رضي الله عنه، قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقرأ البقرة، فقلت: يركع بعد المئة قال: فمضى، فقلت: يقرأ بها في الركعة، قال: فمضى ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مترسلاً، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بآية فيها سؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، فذكر الحديث.
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير.
فوقع لنا موافقة عالية فيهما.
وقرأت على أبي الحسن بن أبي المجد، عن أبي بكر الدشتي، أنا يوسف بن خليل الحافظ، أنا خليل بن بدر، أنا الحسن بن أحمد، أنا أحمد بن عبد الله، أنا عبد الله بن جعفر، أنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود الطيالسي، ثنا شعبة، عن الأعمش، فذكره مختصراً.(2/39)
أخرجه الترمذي عن محمود بن غيلان عن أبي داود الطيالسي.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وفي السند أربعة من التابعين في نسق أولهم الأعمش، كلهم كوفيون، والله أعلم.
[[ويستحب لكل من قرأ: {أليس الله بأحكم الحاكمين} أن يقول: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين؛ وإذا قرأ: {أليس ذلك بقادرٍ على أن يحيي الموتى} قال: بلى أشهد؛ وإذا قرأ: {فبأي حديثٍ بعده يؤمنون} قال: آمنت بالله؛ وإذا قرأ: {سبح اسم ربك الأعلى} قال: سبحان ربي الأعلى، ويقول هذا كله في الصلاة وغيرها، وقد بينت أدلته في كتاب ((التبيان في آداب حملة القرآن)).]]
(121)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا شيخ الإسلام، المشار إليه إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء ثاني عشر ذي قعدة الحرام من شهور سنة تسع وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع:(2/40)
قوله: (ويستحب لكل من قرأ {أليس الله بأحكم الحاكمين} أن يقول: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين -إلى أن قال:- وقد بينت أدلته في كتاب: التبيان).
قلت: قال في كتابه التبيان: ويستحب أن يقول ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قرأ {والتين والزيتون} فقال: {أليس الله بأحكم الحاكمين} فليقل: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين)).
رواه أبو داود والترمذي بإسناد ضعيف عن رجل أعرابي، عن أبي هريرة.
قال الترمذي: إنما يروى هذا الحديث عن الأعرابي، ولا يسمى.
قال النووي: وروى ابن أبي داود وغيره في هذا الحديث زيادة على رواية أبي داود والترمذي: ((ومن قرأ {فبأي حديثٍ بعده يؤمنون} فليقل: آمنت بالله، ومن قرأ {أليس ذلك بقادرٍ على أن يحيي الموتى} فليقل: بلى أشهد)).
قال: وعن ابن عباس وابن الزبير وأبي موسى الأشعري أنهم كانوا إذا قرأ أحدهم {سبح اسم ربك الأعلى} قال: سبحان ربي الأعلى.
قلت: مقتضى كلامه أن الزيادة المتعلقة بالمرسلات ولا أقسم ليست عند أبي داود والترمذي، وأن الزيادة المتعلقة بسبح ليست مرفوعة عن ابن عباس، ولا من ذكر معه.
ومقتضى كلام الترمذي أن هذا الحديث لم يرد إلا بهذا الإسناد، وأن راويه عن أبي هريرة لم يرد مسمى، والأمر بخلاف ذلك في الأمور الأربعة.
أما الأول فإن الحديث بتمامه عند أبي داود من الوجه المذكور، وإنما(2/41)
اقتصر على ما يتعلق بالتين منه الترمذي. وكأن الشيخ راجع الترمذي فقط، فظن أن أبا داود مثله.
والعجب أن ابن أبي داود الذي نسب الزيادة إليه أخرجه عن شيخ والده.
أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد بن المقداد القيسي إجازة مكاتبة من دمشق غير مرة، قال: أنا محمد بن محمد بن العماد الكاتب، عن عبد اللطيف بن محمد القبيطي، أنا أحمد بن عبد الغني، أنا أبو منصور الخياط، أنا عبد الغفار بن محمد المؤدب، أنا أبو علي بن الصواف، ثنا بشر بن موسى، ثنا الحميدي (ح).
وبالسند الماضي قريباً إلى عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، قالا: ثنا سفيان بن عيينة، ثنا إسماعيل بن أمية، عن أعرابي من أهل البادية-وفي رواية أحمد سمعته من رجل من أهل البادية-قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ {والمرسلات عرفاً} فأتى على آخرها {فبأي حديثٍ بعده يؤمنون} فليقل آمنت بالله، ومن قرأ {والتين والزيتون} فأتى على آخرها {أليس الله بأحكم الحاكمين} فليقل بلى وأنا على ذلك من الشاهدين، ومن قرأ {لا أقسم بيوم القيامة} فأتى على آخرها {أليس ذلك بقادرٍ على أن يحيي الموتى} فليقل بلى)).
لفظهما متقارب، وأكثر السياق للحميدي.
هذا حديث حسن يتقوى بكثرة طرقه، أخرجه أبو داود عن عبد الله بن محمد الزهري، عن سفيان بن عيينة بتمامه.
فوقع لنا بدلاً عالياً.(2/42)
وأخرج الترمذي بعضه كما تقدم عن ابن أبي عمر، عن سفيان.
وأخرجه علي بن المديني في كتاب ((العلل)) عن سفيان بن عيينة.
وأخرجه أبو بكر بن أبي داود في كتاب الشريعة، عن عبد الله بن محمد الزهري شيخ أبيه، لكن قال: لم أجد في روايته ذكر أبي هريرة، وكأنه سقط من كتابه، والمعتمد إثباته كما في رواية أبيه، وأخرجه أيضاً من طريق عبد الله بن وهب ومن طريق حسين بن علي الجعفي كلاهما عن سفيان بن عيينة بتمامه، وفي آخره عند الجعفي: ((بلى وأشهد)) ووافق سفيان بن عيينة على إبهام التابعي شعبة بن الحجاج، أخرجه إسحاق بن راهويه، وابن مردويه من طريقه قال: أنا سعيد بن عامر ثنا شعبة قال: حدثني إسماعيل بن أمية عن أبي هريرة، قال شعبة: فقلت له: من حدثك؟ قال: حدثني رجل صدوق عن أبي هريرة فذكره مختصراً.
وخالفهما إسماعيل بن علية، فسمى التابعي، ولم يرفع الحديث.
أخبرني إبراهيم بن محمد الدمشقي بمكة، أنا أحمد بن أبي طالب، عن عبد اللطيف بن محمد، أنا أبو زرعة المقدسي، أنا أبو منصور المقومي، أنا الزبير بن محمد بن أحمد بن عثمان، ثنا علي بن محمد بن مهرويه، ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو عبيد القاسم بن سلام، ثنا إسماعيل بن إبراهيم -هو ابن علية- عن إسماعيل بن أمية، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبي هريرة، قال: من قرأ {والتين والزيتون} فانتهى أو قال بلغ إلى آخرها فليقل بلى، ومن قرأ {لا أقسم بيوم القيامة} فانتهى أو قال: بلغ إلى آخرها، فليقل: بلى، ومن قرأ {والمرسلات عرفاً} فانتهى أو قال: بلغ إلى آخرها، فليقل: آمنت بالله، وما أنزل.(2/43)
قال علي بن المديني، حدثني به ابن علية، فذكرته لابن عيينة فقال: لم يحفظ.
قال علي بن المديني، وعبد الرحمن بن القاسم المذكور مكي، والمحفوظ رواية ابن عيينة، وتابعه شعبة، قال الدارقطني في العلل، وعبد الرحمن بن القاسم المذكور لم يسمع من أبي هريرة، والله أعلم.
(122)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم في يوم الثلاثاء تاسع عشر ذي قعدة الحرام من شهور سنة تسع وثلاثين وثمانمئة حدثنا شيخنا شيخ الإسلام، المشار إليه إملاء من حفظه كعادته بالبيبرسية بحضور- حماها الله- قال وأنا أسمع:
وقد تضمنت هذه الطريق تسمية الأعرابي خلافاً لمن نفى ذلك، وهو الأمر الثاني.
وقد جاء مسمى من وجه آخر، وجاء مكنى من وجه ثالث، فأخرجه ابن مردويه من طريق إبراهيم بن طهمان، عن نصر، عن إسماعيل بن أمية، عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد، عن أبي هريرة، فذكره مفرقاً في السور الثلاث.
وذكر الدارقطني في ((العلل)) أن نصر بن طريف رواه عن إسماعيل بن أمية، عن عبد الرحمن بن سعد، عن أبي هريرة، وأن إبراهيم بن أبي يحيى رواه، عن إسماعيل بن أمية فقلبه، قال: عن سعد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة.(2/44)
قلت: وأخرجه الحاكم في المستدرك من طريق يزيد بن هارون، عن يزيد بن عياض، عن إسماعيل بن أمية، عن أبي اليسع، عن أبي هريرة.
وأخرجه ابن مردويه من طريق شيبان بن فروخ عن يزيد بن عياض، عن إسماعيل بن أمية، عن أبي اليسع -وهو عبد الرحمن بن سعد- عن يزيد بن عياض، ولم يصرح بمن سماه.
وجميع هذه الطرق لا تثبت، فإن نصر بن طريف شديد الضعف، وكذا ابن أبي يحيى، وكذا يزيد بن عياض.
وعجبت للحاكم كيف خفي عليه حاله حتى صححه.
والأمر الثالث: ذكر المصنف في ((شرح المهذب)) حديث أبي هريرة، فساقه بتمامه وقال: رواه أبو داود، والترمذي.
وهذا يخالف صنيعه في الأذكار لتصريحه فيه بأن المرسلات والقيامة ليستا في أبي داود والترمذي، وهو كما قال بالنسبة إلى الترمذي خلافاً لما أطلق في ((شرح المهذب)).
ثم قال: وهو حديث ضعيف وإن كان أصحابنا احتجوا به.
وكذا ذكره في ((الخلاصة)) في فصل الضعيف.
واقتصر في الروضة تبعاً لأصلها على المرسلات والتين.
وإطلاق الضعف على هذا الحديث متعقب، فإنه جاء عن غير أبي هريرة من حديث البراء بن عازب، ومن حديث جابر، ومن حديث ابن عباس ومن حديث من لم يسم، وجاء مرسلاً عن بعض التابعين، وموقوفاً على بعض الصحابة.
أما حديث البراء بن عازب:(2/45)
فقرأت على عبد الله بن عمر بن علي، عن محمد بن أحمد بن خالد سماعاً عليه، قال: أنا عبد الرحيم بن يحيى بن يوسف، أنا عمر بن محمد البغدادي بدمشق، أنا أبو غالب بن البناء، قال: أنا أبو الحسن بن الجوهري، أنا أبو بكر القطيعي، ثنا محمد بن يونس -هو الكديمي- ثنا شعيب بن بيان الصفار، ثنا شعبة، حدثني يونس الطويل جليس لأبي إسحاق الهمداني، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لما نزلت {أليس ذلك بقادرٍ على أن يحيي الموتى} سبحان ربي وبلى)).
هذا حديث غريب، أخرجه ابن مردويه عن عبد الباقي بن قانع، عن محمد بن يونس.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
ومحمد بن يونس فيه مقال. وقد رواه سلم بن قتيبة أحد الثقات عن شعبة، فلم يسم الصحابي.
وأما حديث جابر فأخرجه ابن المنذر في تفسيره، وابن أبي داود في كتاب الشريعة، وابن مردويه أيضاً، كلهم من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، فذكر فيه القيامة والتين.
ورجاله رجال الصحيح إلا إسحاق، فإنه ضعيف، وقد تابعه ضعيف آخر، وهو أبو بكر الهذلي، فرواه عن محمد بن المنكدر، أخرجه الدارقطني في الأفراد.
وأما حديث ابن عباس، ويؤخذ منه الأمر الرابع:
فقرأته على فاطمة بنت محمد بن المنجا، عن سليمان بن حمزة، أنا محمد بن عبد الواحد الحافظ، أنا زاهر بن أحمد، أنا الحسين بن(2/46)
عبد الملك، أنا إبراهيم بن منصور، أنا أبو بكر بن علي، ثنا أبو يعلى، ثنا زهير -هو ابن حرب- (ح).
وبالسند الماضي مراراً إلى عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ {سبح اسم ربك الأعلى} قال: ((سبحان ربي الأعلى)).
هذا حديث حسن، أخرجه أبو داود عن زهير بن حرب بهذا الإسناد.
وأخرجه الحاكم عن إسماعيل بن أحمد، عن أبي يعلى.
فوقع لنا موافقة، وبدلاً بعلو.
قال الحاكم: صحيح على شرطهما.
قلت: قد أخرجا لرجاله، لكن قال أبو داود: خولف فيه وكيع رواه أبو وكيع وشعبة عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس موقوفاً.
قلت: رواية أبي وكيع أخرجها الطبراني عن أبي كريب عن وكيع عن أبيه.
ورواية شعبة أخرجها عبد بن حميد عن حجاج بن منهال عنه، وقد خالفا وكيعاً في زيادة مسلم في الإسناد، لكن وافقه سفيان الثوري في زيادته، ووافق من وقفه، فلم يرفعه.
أخرجه ابن أبي حاتم، ولهذا الاختلاف تنحط عن درجة الصحيح، والله أعلم.(2/47)
(123)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا شيخنا شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، قاضي القضاة -أمتع الله بوجوده- إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء سادس عشرين ذي قعدة الحرام من شهور سنة تاريخه، قال وأنا أسمع:
وقد وقع لي حديث شعبة عالياً.
قرأت على أم الحسن التنوخية، عن أبي الفضل بن قدامة، أنا أبو الحسن ابن المقير فيما قرئ عليه ونحن نسمع، أنا أبو بكر أحمد بن علي الناعم سماعاً عليه، أنا هبة الله بن أحمد الموصلي، [ثنا أبو القاسم عبد الملك بن محمد بن بشران]. أنا أحمد بن إسحاق الطيبي ثنا محمد بن أيوب الرازي، ثنا عمرو بن مرزوق، ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت سعيد بن جبير، يحدث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إذا قرأت {سبح اسم ربك الأعلى} فقل سبحان ربي الأعلى، وإذا قرأت {أليس ذلك بقادرٍ على أن يحيي الموتى} فقل سبحانك وبلى.
هذا موقوف صحيح، أخرجه عبد بن حميد عن يزيد بن هارون وسعيد بن عامر، كلاهما عن شعبة [هكذا].
فوقع لنا بدلاً عالياً، ورواية يزيد أتم.
وأخرجه ابن أبي داود من رواية محمد بن جعفر ويحيى القطان، كلاهما عن شعبة.(2/48)
وكذا أخرجه الطبري من رواية حكام الرازي وعبد الرزاق عن معمر.
وابن أبي داود أيضاً من رواية أبي الأحوص، كلهم عن أبي إسحاق.
فمنهم من اقتصر فيه على شيخ. ورواه أبو بشر جعفر بن أبي وحشية عن سعيد بن جبير، فخالف في صحابيه، وأغرب بزيادة في متنه، قال الطبري:
ثنا يعقوب بن إبراهيم -هو الدورقي- ثنا هشيم، أنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، أن ابن عمر كان يقرأ {سبح اسم ربك الأعلى} سبحان ربي الأعلى {الذي خلق فسوى} قال: وهي في قراءة أبي بن كعب.
وهكذا أخرجه الحاكم من وجه آخر عن يعقوب وصححه، وهو كذلك.
وظاهره أن الكل قرآن، ولعل الصحابي أثنى، ولم يفصل، فظن الذي سمعه أن الكل قرآن.
وقد أخرج أبو بكر بن الأنباري في كتاب ((الوقف)) بسنده عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-أنه قرأها كذلك، فقيل له: يا أمير المؤمنين! تزيدها في السورة؟ فقال: لا، إنما أمرنا بشيء فقلته.
فهذا يؤيد الحمل الذي ذكرته، ويبين الحكمة في السكتة المشروعة بين القراءة والتأمين، وأنه ينبغي طرد ذلك في كل ما يخشى أن يظن أنه من القرآن.
وأما رواية الصحابي الذي لم يسم:(2/49)
فقرأت على أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن أبي بكر المؤذن، عن أحمد بن أبي طالب سماعاً، أنا أبو طالب البغدادي في كتابه، أنا أبو زرعة طاهر بن محمد، أنا محمد بن الحسين القزويني، أنا الزبير بن محمد، أنا علي بن محمد، أنا علي بن عبد العزيز، ثنا القاسم بن سلام، ثنا أبو النضر -يعني هاشم بن القاسم- ثنا شعبة، عن موسى بن أبي عائشة، عن رجل، عن آخر عن آخر أنه كان يقرأ فوق بيته يرفع صوته فقال: {أليس ذلك بقادرٍ على أن يحيي الموتى} فقال: سبحانك وبلى، فسئل عن ذلك، فقال: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخرجه أبو داود من رواية محمد بن جعفر عن شعبة، فلم يذكر بين موسى وبين الصحابي أحداً.
وموسى بن أبي عائشة ثقة مخرج له في الصحيح، لكنه وصف بكثرة الإرسال.
وقد أخرجه ابن أبي حاتم من رواية شبابة عن شعبة فقال: عن موسى عن رجل عن آخر، فاقتصر على اثنين، وروايتنا من طريق أبي النضر أتم، وفيها مبهمان لا يعرف حالهما ولا عينهما، وسقطا من رواية أبي داود.
وعجبت من سكوته، ولعله تسهل فيه لوجود شاهده، ولكونه في فضائل الأعمال، ولكون شعبة لا يسند غالباً إلا عن الثقات.
وأما المرسل فأخرج الطبري من طريق سعيد بن أبي عروبة، وعبد بن حميد من طريق شيبان بن عبد الرحمن، كلاهما عن قتادة، قال: ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا قرأ أحدكم .. .. )).
فذكر الحديث في القيامة وسبح والتين مفرقاً، ورواته ثقات. وإن كان(2/50)
الذاكر لذلك صحابياً، وسمعه قتادة منه فهو صحيح، وإلا فهو حسن لشواهده.
وأخرجه عبد بن حميد أيضاً من طريق صالح أبي الخليل، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
ورجاله ثقات، لكنه مرسل أو معضل، ومع تعدد هذه الطرق يتضح أن إطلاق كون هذا الحديث ضعيفاً ليس بمتجه، والله سبحانه وتعالى أعلم.(2/51)
[[باب: أذكار الركوع
قد تظاهرت الأخبار الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يكبر للركوع.]]
(124)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا شيخنا شيخ الإسلام، قاضي القضاة، إمام الحفاظ إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء رابع ذي حجة سنة تسع وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
قوله رحمه الله: (باب أذكار الركوع): قد تظاهرت الأخبار الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يكبر للركوع).
قلت: منها ما:
أخبرني أبو الحسن علي بن محمد الخطيب الدمشقي قدم علينا، عن أبي الفضل بن أبي طاهر، أنا جعفر بن علي، أنا الحافظ أبو طاهر السلفي، أنا أبو عبد الله الثقفي، أنا أبو الحسين بن بشران، أنا إسماعيل بن محمد النحوي، ثنا سعدان بن نصر، ثنا أبو بدر -هو شجاع بن الوليد- ثنا زهير -هو ابن معاوية- عن أبي إسحاق -هو السبيعي- عن عبد الرحمن بن(2/52)
الأسود، عن أبيه، وعلقمة، عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في كل رفع ووضع، ويسلم عن يمينه وعن يساره، ورأيت أبا بكر وعمر يفعلان ذلك.
وبالسند الماضي إلى الدارمي ثنا أبو الوليد الطيالسي، ثنا أبو خيثمة، عن زهير بن معاوية، فذكر نحوه.
هذا حديث صحيح أخرجه أحمد عن يحيى بن سعيد وأبي كامل، كلاهما عن زهير.
وأخرجه الطحاوي عن إبراهيم بن مرزوق، عن أبي الوليد، وعن أبي بشر الرقي، عن أبي بدر.
فوقع لنا بدلاً عالياً من هذه الطرق.
وأخرجه النسائي من رواية يحيى بن آدم، ومعاذ بن معاذ، والفضل بن دكين، كلهم عن زهير.
وأخرجه الترمذي والنسائي أيضاً عن قتيبة، عن أبي الأحوص، عن أبي إسحاق.
قال الترمذي: حسن صحيح، وفي الباب عن أبي هريرة، وأنس، وابن عمر، وأبي مالك الأشعري، وأبي موسى الأشعري، وعمران بن حصين، ووائل بن حجر، وابن عباس.
قلت: وفيه عن علي بن أبي طالب، وأبي سعيد الخدري، وجابر، وعبد الرحمن بن أبزى، وغيرهم.(2/53)
فأما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي من رواية أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث عنه، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر حين يقوم، ويكبر حين يركع [يرفع]، الحديث.
وأخرجه الترمذي مختصراً، اقتصر على قوله: كان يكبر حين يهوي.
وأما حديث أنس:
فقرأت على فاطمة بنت المنجا، عن سليمان بن حمزة، أنا أبو عبد الله الحافظ، أنا أبو روح الهروي، أنا محمد بن إسماعيل الفضيلي، أنا محلم الضبي، أنا الخليل بن أحمد، أنا أبو العباس السراج، ثنا قتيبة بن سعيد (ح).
وأخبرني أبو الفرج بن حماد، أنا أبو العباس الجوهري، أنا أبو الحسن المقدسي، أنا أبو عبد الله الكراني إذناً مكاتبة، أنا أبو علي المقري، أنا أبو نعيم الأصبهاني، أنا عبد الله بن جعفر، أنا يونس بن حبيب، أنا أبو داود الطيالسي واللفظ له قالا: ثنا أبو عوانة عن عبد الرحمن بن الأصم، قال: سئل أنس بن مالك رضي الله عنه عن التكبير في الصلاة؟ فقال: يكبر إذا ركع، وإذا سجد، وإذا رفع، وإذا قام من السجدتين، قيل له: عمن؟ قال: عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر وعمر.
هذا حديث حسن، أخرجه أحمد عن عفان، عن أبي عوانة.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه النسائي عن قتيبة على الموافقة.(2/54)
وأما حديث ابن عمر فأخرجه أحمد والنسائي من رواية واسع بن حبان عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الله أكبر)) كل ما وضع وكل ما رفع.
وأما حديث أبي مالك الأشعري فأخرجه أحمد عنه أنه جمع قومه فصلى بهم الظهر فكبر فقرأ، ثم كبر فركع، ثم كبر فخر ساجداً، ثم كبر فرفع، وذكر الحديث.
وقال: إنها صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما حديث أبي موسى الأشعرى فأخرجه ابن ماجه عنه بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في كل خفض، ورفع، وقيام، وقعود.
وأخرج البزار من روايته أنه قال: لقد صلى بنا علي بن أبي طالب صلاة كنا نصليها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يكبر إذا ركع، وإذا سجد، وإذا رفع، فذكر الحديث.
وأسانيد هذه الطرق كلها حسان.
وأما حديث عمران بن حصين فأخرجه البخاري ومسلم من رواية مطرف بن عبد الله قال: صليت أنا وعمران بن حصين خلف علي بن أبي طالب، فكان إذا ركع كبر، وإذا سجد كبر، فلما انصرف أخذ بيدي عمران بن حصين، فقال: لقد صلى بنا هذا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما حديث وائل بن حجر:(2/55)
فأخبرني الشيخ أبو إسحاق التنوخي بالسند الماضي قريباً إلى الدارمي، ثنا سهل بن حماد، ثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن عبد الرحمن اليحصبي، عن وائل بن حجر الحضرمي أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يكبر إذا خفض وإذا رفع.
هذا حديث حسن، أخرجه أحمد عن وكيع، عن شعبة.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأما حديث ابن عباس فأخرجه البخاري من رواية عكرمة قال: رأيت رجلاً عند المقام يكبر في كل خفض ورفع وإذا قام، فذكرت ذلك لابن عباس، فقال: أو ليس تلك صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وفي رواية صلى الظهر فكبر فيها اثنتين وعشرين تكبيرة.
وأخرج ابن أبي شيبة من حديث أبي مالك الأشعري مثل هذه الرواية الأخيرة، والله أعلم.
(125)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ثم حدثنا شيخ الإسلام، قاضي القضاة، إمام الحفاظ -أمتع الله(2/56)
بوجوده- إملاء من حفظه، كعادته في يوم الثلاثاء ثامن عشر ذي حجة سنة تسع وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
وأما حديث علي:
فأخبرني عبد الله بن عمر بن علي بن الشيخ مبارك الهندي رحمه الله، أنا أحمد بن أبي أحمد الصيرفي، أنا أبو الفرج الحراني، أنا أبو أحمد بن سكينة، أنا أبو القاسم بن الحصين، أنا أبو طالب بن غيلان، أنا أبو بكر الشافعي، ثنا عبيد بن عبد الواحد، ثنا سعيد بن أبي مريم، عن مالك، عن ابن شهاب، عن علي بن حسين بن علي، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في كل خفض ورفع، فلم يزل تلك صلاته حتى لقي الله تعالى.
هذا حديث غريب، رواته ثقات، لكنه منقطع بين علي وعلي، وقد أخرجه الدارقطني في ((غرائب مالك)) من رواية عبد الرحمن بن خالد بن نجيح عن مالك كذلك، ومن رواية عبد الوهاب بن عطاء عن مالك، قال: عن علي بن الحسين عن أبيه، ثم قال: الصواب ما في الموطأ عن ابن شهاب عن علي بن الحسين مرسل.
وأما حديث أبي سعيد:
فقرأته على أبي الحسن بن أبي المجد، عن سليمان بن حمزة، أنا جعفر بن علي، أنا أبو طاهر السلفي، أنا أبو القاسم بن بيان، أنا أبو القاسم طلحة بن علي بن الصقر، أنا أحمد بن عثمان بن يحيى، ثنا عباس بن محمد الدوري، ثنا يونس بن محمد، ثنا فليح بن سليمان، ثنا سعيد بن الحارث، قال: اشتكى أبو هريرة رضي الله عنه أو غاب فصلى بنا أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، فجهر بالتكبير حين افتتح الصلاة وحين ركع وبعد ما قال:(2/57)
((سمع الله لمن حمده)) وحين رفع رأسه من السجود وحين سجد وحين رفع وحين قام من الركعتين، فلما انصرف قيل له: قد اختلف الناس على صلاتك، فخرج حتى قام عند المنبر فقال: أيها الناس! إني والله ما أبالي اختلفت صلاتكم أم لم تختلف، إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا يصلي.
هذا حديث صحيح، أخرجه أحمد عن أبي عامر العقدي، عن فليح بن سليمان.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه البيهقي عن طلحة بن علي.
فوقع لنا موافقة عالية، وذكر أن البخاري أخرجه عن يحيى بن صالح عن فليح.
وكأنه أراد أصل الحديث، وإلا فليس في البخاري منه إلا قدر يسير.
وأما حديث جابر فأخرجه البزار من رواية زمعة بن صالح، عن عمرو بن دينار، عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في كل خفض ورفع.
وزمعة ضعيف، وهو في الموطأ من وجه آخر صحيح عن جابر، لكنه موقوف عليه.
وأما حديث عبد الرحمن بن أبزى:
فأخبرني أبو الحسن علي بن محمد بن الخطيب، عن إسحاق بن يحيى الآمدي، أنا يوسف بن خليل الحافظ، أنا خليل بن أبي الرجاء، أنا الحداد، أنا أبو نعيم، أنا أبو محمد بن فارس، ثنا يونس بن حبيب، ثنا(2/58)
أبو داود الطيالسي، ثنا شعبة، عن الحسن بن عمران، عن ابن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه رضي الله عنه، قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فكان لا يتم التكبير.
هذا حديث غريب، أخرجه أحمد والترمذي من رواية شعبة.
والحسن مختلف فيه، وابن عبد الرحمن قيل: هو سعيد. وقيل: عبد الله، وكلاهما ثقة، ويمكن حمل النفي فيه على الجهر، فقد جاء عن جماعة من السلف أنهم كانوا لا يكبرون عند كل خفض، ويخصون التكبير بالرفع، ومنهم من خصه بالجهر واعتل بأنه شرع للإعلام فيكتفي في الجهر به بحالة الرفع من السجود ونحوه، فإنها قد تخفى.
وقد جاء في حديث آخر عن جماعة من الصحابة منهم من سمي، ومنهم من لم يسم.
أخبرني العماد أبو بكر بن إبراهيم الفرضي، أنا أحمد بن أبي طالب، أنا أبو الحسن القطيعي في كتابه، قال: قرئ على شهدة ونحن نسمع، أن طراداً أخبرهم، قال: أنا هلال بن محمد الحفار، ثنا الحسين بن يحيى، ثنا علي بن أشكاب، ثنا شجاع بن الوليد، ثنا زهير بن معاوية، قال: حدثني الحسن بن الحر، عن عيسى بن عبد الله بن مالك، عن محمد بن عمرو، عن عباس بن سهل بن سعد، أنه كان في مجلس فيه جماعة من أصحاب رسول الله منهم أبوه وأبو هريرة وأبو حميد وأبو أسيد فقال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر الحديث، وفيه أنه كبر حين افتتح وحين ركع وحين سجد وحين رفع، وفيه أنهم وافقوه على ذلك.
وهو حديث صحيح، أصله في البخاري بغير سياقه.(2/59)
وأخرجه أبو داود عن علي بن إشكاب بهذا السند وبأسانيد أخر.
وأخرجه البيهقي عن هلال.
فوقع لنا موافقة عالية له ولأبي داود، ولله الحمد.
[[فصل: فإذا وصل إلى حد الراكعين اشتغل بأذكار الركوع فيقول: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم.
فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ركوعه الطويل الذي كان قريباً من قراءة البقرة والنساء وآل عمران ((سبحان ربي العظيم)) ومعناه: كرر سبحان ربي العظيم فيه، كما جاء مبيناً في سنن أبي داود وغيره.
وجاء في كتب السنن أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا قال أحدكم سبحان ربي العظيم ثلاثاً فقد تم ركوعه)).]]
(126)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا شيخنا شيخ الإسلام، المشار إليه إملاء من حفظه كعادته في(2/60)
يوم الثلاثاء خامس والعشرين ذي حجة الحرام ختام سنة تسع وثلاثين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
قوله: (فصل: فإذا وصل إلى حد الراكعين اشتغل بأذكار الركوع فيقول: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ركوعه الطويل الذي كان قريباً من قراءة البقرة والنساء وآل عمران: سبحان ربي العظيم).
قلت: أمليت حديث حذيفة في المجلس العشرين بعد المئة من تخريج الأذكار، ولم أسقه بتمامه، وبقيته متصلاً بقوله: وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع فكان ركوعه نحواً من قيامه يقول: ((سبحان ربي العظيم)) ثم قام فكان قيامه قريباً مما ركع، ثم سجد وقال: ((سبحان ربي الأعلى)) فكان سجوده قريباً من قيامه.
وقد وقع لي من وجه آخر:
أخبرني الشيخ أبو إسحاق التنوخي رحمه الله بالسند الماضي قريباً إلى الدارمي، أنا سعيد بن عامر، أنا شعبة، عن سليمان -يعني الأعمش- عن سعد بن عبيدة، عن المستورد -يعني ابن الأحنف- عن صلة بن زفر، عن حذيفة -رضي الله عنه- أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يقول في ركوعه: ((سبحان ربي العظيم)) وفي سجوده: ((سبحان ربي الأعلى)) الحديث.
وقد سقط من الأصل سعد بن عبيدة بن سليمان والمستورد، وأمليته من وجه آخر هناك عن شعبة بإثباته.
قوله: (ومعناه: كرر سبحان ربي العظيم فيه كما جاء مبيناً في سنن أبي داود وغيره).
أخبرني الشيخ أبو الحسن بن أبي المجد بالسند الماضي إلى أبي داود(2/61)
الطيالسي، ثنا شعبة، أخبرني عمرو بن مرة، أنه سمع أبا حمزة -هو طلحة بن يزيد مولى الأنصار- عن رجل من بني عبس يظن شعبة أنه صلة بن زفر عن حذيفة رضي الله عنه أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما كبر قال: ((الله أكبر ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة)) ثم قرأ البقرة، ثم ركع فكان ركوعه قريباً من قيامه يقول: ((سبحان ربي العظيم سبحان ربي العظيم)). الحديث.
هذا حديث حسن، فإن صح ظن شعبة بأن الرجل المبهم هو صلة بن زفر فهو صحيح، أخرجه أبو داود عن علي بن الجعد وأبي الوليد الطيالسي كلاهما عن شعبة.
وأخرجه أحمد عن محمد بن جعفر عن شعبة.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه الترمذي والنسائي من طريق محمد بن جعفر.
قوله: (وجاء في كتب السنن أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا قال أحدكم سبحان ربي العظيم ثلاثاً فقد تم ركوعه))).
أخبرني أبو الحسن علي بن محمد الخطيب، أنا أحمد بن محمد إجازة، أنا يوسف بن خليل، أنا محمد بن أبي زيد بالسند المذكور إلى الطيالسي، ثنا ابن أبي ذئب، عن إسحاق بن يزيد الهذلي، عن عون بن عبد الله -أي ابن عتبة بن مسعود- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال في ركوعه سبحان ربي العظيم ثلاث مراتٍ فقد تم ركوعه، وذلك أدناه، ومن قال في سجوده سبحان ربي الأعلى(2/62)
ثلاث مراتٍ فقد تم سجوده وذلك أدناه)).
هذا حديث غريب، أخرجه أبو داود عن عبد الملك بن مروان الأهوازي عن أبي داود الطيالسي.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه الترمذي من طريق عيسى بن يونس.
وابن ماجه من طريق وكيع.
كلاهما عن ابن أبي الذئب، قال الترمذي: ليس إسناده بمتصل، عون لم يلق عبد الله بن مسعود، وكذا قال البيهقي، لكن عبر بقوله: لم يدرك، ثم ساق له شاهداً.
أخبرني أبو الحسن بن أبي بكر الحافظ رحمه الله، أنا محمد بن إسماعيل بن الحموي، أنا أبو الحسن بن البخاري، أنا منصور بن عبد المنعم في كتابه، أنا محمد بن إسماعيل الفارسي، ثنا أحمد بن الحسين الحافظ، ثنا أبو محمد بن يوسف إملاء، ثنا جعفر بن محمد الموسوي، ثنا أبو حاتم الرازي، ثنا عبيس بن مرحوم، ثنا حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد، عن أبيه -هو أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سبحوا ثلاث تسبيحاتٍ ركوعاً وثلاث تسبيحاتٍ سجوداً)).
هذا مرسل أو معضل؛ لأن أبا جعفر من صغار التابعين، وجل روايته عن التابعين. والله أعلم.(2/63)
(127)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ثم حدثنا سيدنا، ومولانا، وشيخنا، أبو الفضل، شيخ الإسلام، المشار إليه، إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء ثاني المحرم سنة أربعين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
قال الطبراني بعد أن أخرج حديث ابن مسعود الماضي آنفاً: لا تروى هذه اللفظة ((وذلك أدناه)) إلا في هذا الحديث، تفرد به ابن أبي ذئب.
قلت: وقع في رواية الشافعي في المرسل الذي أخرجه البيهقي شاهداً لحديث ابن مسعود ما يشعر بهذه الزيادة.
قرئ على أبي علي محمد بن محمد بن علي الجيزي ونحن نسمع بشاطئ النيل، عن ست الوزراء بنت عمر الدمشقية إجازة إن لم يكن سماعاً، قالت: أنا الحسين بن أبي بكر البغدادي بدمشق، أنا أبو زرعة طاهر بن أبي الفضل، أنا مكي بن منصور، أنا أحمد بن الحسن القاضي، أنا أبو العباس الأصم، أنا الربيع بن سليمان، ثنا أبو عبد الله الشافعي إملاء، أنا ابن أبي يحيى، عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: جاءت الحطابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا لا نزال سفراً فكيف نصنع بالصلاة؟ فقال: ((سبحوا ثلاث تسبيحاتٍ ركوعاً وثلاث تسبيحاتٍ سجوداً)).
وورد التثليث فيه في عدة أخبار بدون الزيادة.
أخبرني الإمام الحافظ أبو الفضل بن الحسين رحمه الله فيما قرأت عليه، أخبرني عبد الله بن محمد الصالحي، أنا علي بن أحمد السعدي، عن(2/64)
أبي عبد الله الكراني، أنا محمد بن إسماعيل الصيرفي، أنا أحمد بن محمد الأصبهاني، أنا أبو القاسم الطبراني في كتاب الدعاء، ثنا معاذ بن المثنى، وبكر بن سهل، ومحمد بن الفضل السقطي، وعبيد بن غنام، قال الأول: ثنا مسدد. والثاني: ثنا نعيم بن حماد، والثالث: ثنا سعيد بن سليمان، والرابع: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قالوا: ثنا حفص بن غياث، عن ابن أبي ليلى -هو محمد بن عبد الرحمن- عن الشعبي، عن صلة بن زفر، عن حذيفة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه: ((سبحان ربي العظيم)) ثلاثاً، وفي سجوده: ((سبحان ربي الأعلى)) ثلاثاً.
هذا حديث حسن، أخرجه ابن خزيمة عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي وسلم بن جنادة وغيرهما.
وأخرجه المعمري في ((اليوم والليلة)) عن عثمان بن أبي شيبة.
أخرجه الدارقطني عن البغوي عن عبد الله بن عمر بن أبان، كلهم عن حفص بن غياث.
وزاد الدارقطني في روايته ((وبحمده)) في الموضعين.
وابن أبي ليلى مضعف من قبل حفظه، وقد خالفه السري بن إسماعيل، وهو مثله أو دونه، فرواه عن الشعبي عن مسروق عن ابن مسعود قال: من السنة، فذكر مثله لكن لم يقل ثلاثاً.(2/65)
وأخرج البزار من حديث أبي بكرة كاللفظ الأول ذكر فيه ثلاثاً، ولم يقل: وبحمده.
وأخرج الدارقطني مثله من حديث جبير بن مطعم، ومن حديث عبد الله بن أقرم.
والطبراني في الكبير من حديث أبي مالك الأشعري.
وفي سند كل منها ضعف.
وله طريق أخرى عن ابن مسعود.
وبه إلى الطبراني، ثنا إسحاق بن إبراهيم، عن عبد الرزاق، عن بشر بن رافع، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه رضي الله عنه، أنه كان إذا ركع قال: سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثاً، وكان يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوله.
وبشر بن رافع ضعيف، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه.
وله شاهد من حديث عقبة بن عامر، أخرجه أبو داود مثل هذا اللفظ الأخير، وزاد: وإذا سجد قال: ((سبحان ربي الأعلى وبحمده)) ثلاثاً.
وفي سنده رجل مبهم.
وأخرج أبو داود أيضاً من طريق سعيد الجريري عن السعدي عن أبيه أو عمه قال: رمقت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يمكث في ركوعه وسجوده، بقدر ما يقول: ((سبحان الله وبحمده)) ثلاثاً.
والسعدي لا يعرف اسمه ولا اسم أبيه ولا عمه.(2/66)
وورد التسبيح عشراً.
وبه إلى الطبراني ثنا معاذ بن المثنى ثنا علي بن المديني (ح).
وبالسند الماضي مراراً إلى عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، قالا: ثنا عبد الله بن عمر بن إبراهيم بن كيسان، حدثني أبي، عن وهب بن مأنوس، عن سعيد بن جبير، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال: ما رأيت أحداً أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الغلام -يعني عمر بن عبد العزيز- قال: فحزرنا في ركوعه عشر تسبيحات وفي سجوده عشر تسبيحات.
هذا حديث حسن، أخرجه أبو داود والنسائي جميعاً عن محمد بن رافع.
وأبو داود أيضاً عن أحمد بن صالح.
كلاهما عن عبد الله بن عمر بن إبراهيم بالسند المذكور.
وأخرج المعمري من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، فيسبح في الركعتين الأوليين أحد عشر، وفي الركعتين الأخريين في الركوع تسعاً تسعاً، وفي السجود سبعاً سبعاً.
ورجاله موثقون إلا سلم بن سالم البلخي، فإنه ضعيف، وقد تفرد بهذا، وهو غريب جداً، والله أعلم.
[[وثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده: ((سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي)) يتأول القرآن.(2/67)
وثبت في صحيح مسلم عن علي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع يقول: ((اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي)).
وجاء في كتاب السنن ((خشع سمعي وبصري ومخي وعظمي، وما استقلت به قدمي لله رب العالمين)).]]
(128)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ثم حدثنا سيدنا، ومولانا، وقدوة المحققين، شيخ الإسلام، قاضي القضاة، إمام الحفاظ -أمتع الله بوجوده، الأنام- إملاء من حفظه، كعادته في يوم الثلاثاء تاسع المحرم افتتاح عام أربعين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
قوله: (وثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها .. .. إلى آخره).
أخبرني أبو العباس أحمد بن عبد القادر البعلي، أنا أبو العباس أحمد بن علي الجزري، عن أبي الحسن الخواص، أنا أبو الفتح بن شاتيل، أنا أبو بكر بن المظفر، أنا أبو علي بن شاذان، أنا أبو العباس بن نجيح، ثنا جعفر بن محمد بن شاكر، ثنا قبيصة، ثنا سفيان -هو الثوري- (ح).
وبالسند الماضي قريباً إلى الطبراني في الدعاء ثنا إسحاق -هو الدبري- عن عبد الرزاق، أنا الثوري (ح).
وبالسند الماضي أيضاً إلى أبي نعيم في ((المستخرج)) ثنا أبو عمرو بن حمدان، أنا عبد الله بن محمد بن شيرويه، ثنا إسحاق بن إبراهيم.(2/68)
وبه قال أبو نعيم، ثنا عبد الله بن محمد ومحمد بن إبراهيم، قالا: ثنا أحمد بن علي، ثنا أبو خيثمة –هو زهير بن حرب- قالا: ثنا جرير -هو ابن عبد الحميد- كلاهما عن منصور -هو ابن المعتمر- عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده: ((سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي)) يتأول القرآن. وفي رواية جرير: كان يكثر أن يقول.
هذا حديث صحيح. أخرجه البخاري من رواية يحيى القطان.
وأخرجه النسائي من رواية وكيع وعبد الله بن المبارك.
ثلاثتهم عن الثوري.
فوقع لنا عالياً من الوجهين.
وأخرج البخاري أيضاً، وأبو داود، وابن ماجه من رواية جرير.
وأخرجه مسلم عن إسحاق بن إبراهيم وأبي خيثمة كما أخرجته.
فوقع لنا موافقة عالية.
وبه إلى أبي نعيم في المستخرج، ثنا سليمان بن أحمد، ثنا أحمد بن شعيب، أنا محمد بن رافع، ثنا يحيى بن آدم، ثنا مفضل بن مهلهل، عن الأعمش، عن مسلم -هو أبو الضحى- عن مسروق، عن عائشة، قالت: ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة منذ أنزل عليه {إذا جاء نصر الله والفتح} إلا دعا فيها: ((سبحانك ربي وبحمدك اللهم اغفر لي)).(2/69)
أخرجه مسلم عن محمد بن رافع.
فوقع لنا موافقة عالية.
ويستفاد من هذه الرواية المراد بالقرآن في الآية التي قبلها، ومعنى يتأوله: يخص عمومه ببعض الأحوال.
وقد جاء في رواية أخرى ما يدل أيضاً على عدم التخصيص بحال الصلاة.
وبه إلى أبي نعيم في المستخرج، ثنا أبو محمد بن حيان، ثنا أبو العباس الهروي، ثنا محمد المثني، ثنا عبد الأعلى -هو ابن عبد الأعلى- عن داود -هو ابن أبي هند- عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر قبل موته من قوله: ((سبحان ربي وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه)) فسئل فقال: ((أخبرني ربي أن سأرى علامةً في أمتي {إذا جاء نصر الله والفتح} إلى آخر السورة، أكثر من قول ذلك فقد رأيتها)).
أخرجه مسلم عن محمد بن المثنى.
فوقع لنا موافقة عالية.
قوله: (وثبت في صحيح مسلم عن علي .. .. إلى آخره).
وبه إلى الطبراني، ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا حجاج بن منهال، [وأبو غسان مالك بن إسماعيل، قالا]: ثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، عن عمه الماجشون -هو يعقوب- عن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع قال: ((اللهم لك ركعت ولك أسلمت وبك آمنت خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي)).(2/70)
هذا حديث صحيح أخرجه أحمد عن حجين بن المثنى، عن عبد العزيز.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه مسلم من وجه آخر عن عبد العزيز في الحديث الطويل الذي فيه دعاء الافتتاح (وجهت وجهي) وقد تقدم إيضاحه.
قوله: (وجاء في كتب السنن .. .. )) إلى آخره.
قلت: ما رأيته إلا في النسائي من غير حديث علي.
وقد وقع لي من حديث علي.
وبه إلى الطبراني، ثنا عبدان بن أحمد، والحسين بن إسحاق، قالا: ثنا سهل بن عثمان، ثنا جنادة بن سلمٍ، عن عبيد الله بن عمر، عن عبد الله بن الفضل، عن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا ركع فذكر مثل رواية الماجشون، لكن قال: ((وعظامي)) ولم يقل: ((لك)) بعد ((خشع)) وزاد: ((وما استقلت به قدماي لله رب العالمين)).
ورواة هذا الإسناد لا بأس بهم، بل هم من رجال الصحيح إلا جنادة، وهو بضم الجيم وتخفيف النون، وأبوه بفتح المهملة وسكون اللام، والله أعلم.
آخر المجلس الثامن والعشرين بعد المئة من تخريج الأذكار وهو الثامن بعد الخمسمئة من الأمالي.(2/71)
[[وثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده: ((سبوحٌ قدوسٌ رب الملائكة والروح)) قال أهل اللغة: سبوح قدوس: بضم أولهما وفتحه أيضاً لغتان: أجودهما وأشهرهما وأكثرهما الضم.
وروينا عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام فقرأ سورة البقرة لا يمر بآية رحمة إلا وقف وسأل، ولا يمر بآية رحمة إلا وقف وسأل، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف وتعوذ، قال: ثم ركع بقدر قيامه، يقول في ركوعه: ((سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة)) ثم قال في سجوده مثل ذلك. هذا حديث صحيح رواه أبو داود والنسائي في سننهما، والترمذي في كتاب الشمائل بأسانيد صحيحة.
وروينا في صحيح مسلم، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فأما الركوع فعظموا فيه الرب)).]]
(129)
ثم حدثنا فقال قوله: (وثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها .. .. ) إلى آخره.
أخبرني أبو المعالي الأزهري، أنا أبو العباس الحلبي، أنا أبو الفرج الحراني، أنا أبو محمد الحربي، أنا أبو القاسم الشيباني، أنا أبو علي التميمي، أنا أبو بكر القطيعي، أنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا عمرو بن الهيثم، ثنا هشام هو الدستوائي، عن قتادة، عن مطرف بن(2/72)
عبد الله، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده. ((سبوحٌ قدوسٌ رب الملائكة والروح)).
هذا حديث صحيح أخرجه مسلم وأبو داود من رواية هشام. ورواه شعبة عن قتادة مقتصراً على الركوع، وأشار إلى رواية هشام بزيادة السجود.
ورواه معمر عن قتادة بالشك.
وقد تابع هشاماً على الجمع بينهما سعيد بن أبي عروبة، وسأذكر روايته إن شاء الله تعالى في أذكار السجود، ووقعت لنا رواية معمر بعلو.
وبالسند الماضي إلى الطبراني في الدعاء، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، عن مطرف، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه أو سجوده فذكر مثله.
أخرجه أحمد عن عبد الرزاق.
فوقع لنا موافقة عالية.
ورويناه في مسند أبي العباس السراج ثنا إسحاق بن إبراهيم يعني(2/73)
ابن راهويه أنا عبد الرزاق بسنده المذكور ولم يسق لفظه، بل قال مثله: يعني: رواية سعيد بن أبي عروبة، فما أدري أوقع كذلك في رواية إسحاق، أو تجوز السراج.
قوله: (وروينا عن عوف بن مالك .. .. ) إلى آخره.
أخبرني الشيخ أبو إسحاق التنوخي، أنا أيوب بن نعمة النابلسي، أنا إسماعيل بن أحمد العراقي، عن أبي المحاسن القومساني، أنا عبد الرحمن بن حمد، أنا أحمد بن الحسين القاضي، أنا أحمد بن محمد بن إسحاق الحافظ، أنا أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب، أنا هارون بن عبد الله، ثنا الحسن بن سوار، ثنا الليث بن سعد، ثنا معاوية بن صالح، عن عمرو بن قيس، أنه سمع عاصم بن حميد يقول: سمعت عوف بن مالك رضي الله عنه يقول: قمت مع النبي صلى الله عليه وسلم فبدأ فاستاك وتوضأ ثم قام فصلى فاستفتح البقرة لا يمر بآية رحمة إلا وقف فسأل، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف فتعوذ، ثم ركع فمكث راكعاً بقدر قيامه يقول في ركوعه: ((سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة)) ثم سجد بقدر ركوعه يقول في سجوده مثل ذلك.
هذا حديث حسن أخرجه أحمد عن الحسن بن سوار على الموافقة مع الاستواء، ولكنه لم يقع في رواية ابن المذهب مع جميع مسند عوف بن مالك من مسند أحمد؛ فلذلك لم أخرجه من طريقه.
وقد وقع لي من وجه آخر أعلى من هذا بدرجتين.
وبالسند الماضي إلى الطبراني في الدعاء، ثنا بكر بن سهل، ثنا عبد الله بن صالح، ثنا معاوية بن صالح، فذكره مختصراً، مقتصراً على(2/74)
الذكر المذكور. [المشهور].
أخرجه الترمذي في الشمائل عن محمد بن إسماعيل، عن عبد الله بن صالح.
فوافقناه في شيخ شيخه بعلو درجتين. وأخرجه أبو داود من رواية عبد الله بن وهب، عن معاوية بن صالح، وأخرجه النسائي من وجه آخر عن الليث، وساقاه بتمامه.
وقول الشيخ: هذا حديث صحيح، رواه أبو داود والنسائي في سننهما والترمذي في الشمائل بأسانيد صحيحة، فيه نظر من وجهين:
أحدهما: الحكم بالصحة، فإن عاصم بن حميد ليس من رجال الصحيح، وهو صدوق مقل.
الثاني: أنه ليس له في هذه الكتب الثلاثة طريق إلا هذه، فمداره عندهم على معاوية بن صالح بالسند المذكور فليس ثم أسانيد صحيحة بل ولا دونها، ومعاوية بن صالح -وإن كان من رجال مسلم- مختلف فيه، فغاية ما يوصف به أن يعد ما ينفرد به حسناً، وتعدد الطرق إليه لا يستلزم مع تفرده تعدد الأسانيد للحديث بغير تقييد به، والعلم عند الله.
قوله: (وروينا في صحيح مسلم عن ابن عباس .. .. ) إلى آخره.
قلت: هو طرف من حديث سأذكره بتمامه قريباً حسب ذكره المصنف تاماً إن شاء الله تعالى.
آخر المجلس التاسع والعشرين بعد المئة من التخريج وهو التاسع بعد الخمسمئة من الأمالي المصرية.(2/75)
[[فصل: يكره قراءة القرآن في الركوع والسجود، فإن قرأ غير الفاتحة لم تبطل صلاته، وكذا لو قرأ الفاتحة لا تبطل صلاته على الأصح، وقال بعض أصحابنا: تبطل.
روينا في صحيح مسلم عن علي رضي الله عنه قال: ((نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ راكعاً أو ساجداً)).
وروينا في صحيح مسلم أيضاً، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ألا إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً)).]]
(130)
ثم أملانا حفظاً فقال:
قوله: (فصل: يكره قراءة القرآن في الركوع والسجود.
روينا في صحيح مسلم عن علي .. .. ) إلى آخره.
أخبرني الشيخ أبو الحسن علي بن محمد الخطيب رحمه الله، أنا أبو الفضل سليمان بن حمزة في كتابه، أنا جعفر بن علي أنا السلفي، أنا أبو عبد الله الثقفي، أنا أبو الحسين بن بشران، ثنا إسماعيل الصفار، ثنا أحمد بن منصور، أنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التختم بالذهب وعن لباس القسي وعن القراءة في الركوع والسجود.(2/76)
هذا حديث صحيح أخرجه مسلم عن عبد بن حميد، وأبو داود عن أحمد بن محمد المروزي، والترمذي عن سلمة بن شبيب والحسن بن علي الحلواني وغير واحد، والنسائي عن أحمد بن سعيد الرباطي كلهم عن عبد الرزاق.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وبالسند الماضي إلى أبي نعيم في المستخرج، ثنا محمد بن إبراهيم، ثنا محمد بن الحسن بن قتيبة، ثنا حرملة بن يحيى، أنا عبد الله بن وهب، أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، حدثني إبراهيم عبد الله بن حنين، أن أباه حدثه، أنه سمع علياً رضي الله عنه يقول: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ راكعاً أو ساجداً.
أخرجه مسلم عن حرملة وابن حبان في صحيحه عن محمد بن الحسن بن قتيبة.
فوقع لنا موافقة عالية فيهما.
وبه إلى أبي نعيم ثنا محمد بن يعقوب إجازة، ثنا أحمد بن عبد الحميد الحارثي، ثنا أبو أسامة، حدثني الوليد بن كثير، حدثني إبراهيم بن عبد الله، فذكر بإسناده مثله.
أخرجه مسلم عن أبي كريب، عن أبي أسامة.
فوقع لنا بدلاً عالياً بدرجتين.
قوله: (وروينا في صحيح مسلم أيضاً عن ابن عباس .. .. ) إلى آخره.
أخبرني العماد أبو بكر بن إبراهيم الفرضي رحمه الله فيما قرأت عليه(2/77)
بصالحية دمشق، عن أبي عبد الله محمد بن أحمد بن الزراد إجازة إن لم يكن سماعاً، أنا الحافظ أبو علي البكري، أنا أبو روح عبد المعز بن محمد البزاز، أنا أبو القاسم المستملي، أنا أبو سعد المقرئ، أنا أبو طاهر محمد بن الفضل بن أبي بكر، ثنا جدي أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، ثنا علي بن حجر (ح).
وبالسند الماضي قريباً إلى الدارمي، ثنا يحيى بن حسان، قالا: جميعاً ثنا إسماعيل بن جعفر، وسفيان بن عيينة، كلاهما عن سليمان بن سحيم (ح).
وبالسند الماضي آنفاً إلى عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي، ثنا سفيان بن عيينة، أخبرني سليمان بن سحيم، ولم أحفظ عنه غيره، سمعته من إبراهيم بن عبد الله بن معبد، عن أبيه عبد الله بن معبد بن عباس، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر، فقال: ((أيها الناس! إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له، ألا وإني نهيت أن أقرأ وأنا راكعٌ أو ساجدٌ، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا فيه في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم)).
هذا لفظ أحمد ورواية الآخرين أخصر منه.
هذا حديث صحيح أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وسعيد بن منصور وأبي خيثمة زهير بن حرب.
وأخرجه أبو داود عن مسدد أربعتهم عن سفيان بن عيينة.(2/78)
وأخرجه النسائي عن علي بن حجر على الموافقة. وأخرجه مسلم أيضاً عن يحيى بن أيوب، عن إسماعيل بن جعفر.
فوقع لنا بدلاً عالياً من الوجهين والله أعلم.
آخر المجلس الثلاثين بعد المئة من تخريج أحاديث الأذكار وهو العاشر بعد الخمسمئة من الأمالي المصرية.(2/79)
[[باب: ما يقوله في رفع رأسه من الركوع، وفي اعتداله
روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((سمع الله لمن حمده)) حين يرفع صلبه من الركوع، ثم يقول وهو قائم: ((ربنا لك الحمد)) وفي روايات ((ولك الحمد)) بالواو، وكلاهما حسن. وروينا مثله في الصحيحين عن جماعة من الصحابة.]]
(131)
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم حدثنا كما تقدم فقال:
قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((سمع الله لمن حمده)) حين يرفع صلبه من الركوع ثم يقول وهو قائم: ((ربنا لك الحمد)) ).
قلت: هو طرف من الحديث الذي
قرأت على فاطمة بنت محمد بن المنجى، عن سليمان بن حمزة، أنا محمد بن عبد الواحد الحافظ. أنا أبو جعفر الصيدلاني، أنا الحسن بن أحمد المقري، أخبرنا أبو نعيم الأصبهاني (ح).
وبالسند الماضي مراراً إلى أبي نعيم في ((المستخرج)) أنا سليمان بن(2/80)
أحمد، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنا عبد الرزاق، عن ابن جريح، عن الزهري، قال: حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول: ((سمع الله لمن حمده)) حين يرفع صلبه من الركوع، ثم يقول وهو قائم: ((ربنا ولك الحمد)).
أخرجه مسلم من رواية عبد الرزاق.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه أيضاً من رواية حجين بن المثنى، عن الليث بن سعد، عن عقيل، عن ابن شهاب الزهري، فأحال به على رواية ابن جريج.
وقد أخرجه البخاري عن يحيى بن بكير، عن الليث بمثله، لكن قال: ((لك الحمد)) بغير واو.
قوله: (وفي روايات: ولك الحمد، بالواو).
قلت: علقها البخاري لعبد الله بن صالح عن الليث عقب رواية يحيى بن بكير، ووصلها من طريق شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري.
وأخرجه النسائي من رواية يونس بن يزيد، عن الزهري.
وهي عند أحمد من رواية معمر، عن الزهري.
قوله: (وروينا مثله في الصحيحين عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم).(2/81)
قلت: لم أره في الصحيحين بالواو إلا فيما ذكرت من حديث أبي هريرة مع الاختلاف، ووقع فيهما من حديث أنس.
وبه إلى أبي نعيم في المستخرج، ثنا أبو بكر الطلحي، ثنا عبيد بن غنام، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة (ح).
وبه إلى أبي نعيم، ثنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا بشر بن موسى، ثنا الحميدي، واللفظ له، قالا: ثنا سفيان بن عيينة (ح).
وقرأ عالياً على أبي محمد الصردي، وعلى أبي علي المهدوي، كلاهما عن علي بن عمر الخلاطي سماعاً، أنا أبو القاسم عبد الرحمن بن مكي، أنا جدي لأمي الحافظ أبو طاهر السلفي، أنا مكي بن منصور، أنا أحمد بن الحسن، ثنا محمد بن يعقوب، ثنا زكريا بن يحيى، ثنا سفيان، ثنا الزهري، قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه، يقول: سقط رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرس فجحش شقه الأيمن، فدخلنا عليه نعوده، فحضرت الصلاة فصلى بنا قاعداً، فلما فرغ قال: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد، وإذا ما صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين)).
هذا حديث صحيح أخرجه البخاري عن علي بن المديني وأبي نعيم.
وأخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ويحيى بن يحيى وقتيبة وعمرو بن محمد الناقد وأبي خيثمة زهير بن حرب وأبي كريب.
وأخرجه النسائي عن هناد بن السري. وابن ماجه عن هشام بن عمار(2/82)
كلهم عن سفيان بن عيينة.
فوقع لنا موافقة عالية لمسلم في أبي بكر بن أبي شيبة، وبدلاً عالياً بدرجتين على طريقه بالنسبة للرواية الثانية، وبدرجة بالنسبة لرواية البخاري. ووقع في رواية أكثرهم بغير واو كما ذكرت، وفي رواية الصحيحين بالواو، وكذا عند أحمد عن سفيان.
ووافقناه فيه بعلو أيضاً.
ووقع بالواو أيضاً في حديث رفاعة بن رافع عند البخاري كما سيأتي، لكنه ليس من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم. ووقع من لفظه بغير واو.
وفي حديث أبي سعيد وعلي وابن أبي أوفى وابن عباس، وكلها في مسلم كما ذكره المصنف بعد هذا.
وقد اختلف في تخريج الواو، فقيل: هي عاطفة على شيء محذوف، وعلى ذلك اقتصر ابن دقيق العيد، وقيل: هي حالية وبذلك جزم ابن الأثير في النهاية، وقيل هي زائدة وهي مقتضى قول المصنف أن كلاً منهما حسن، ويحتمل أنه كان لا يرى زائدة والعلم عند الله سبحانه وتعالى.
آخر المجلس الحادي والثلاثين بعد المئة من تخريج أحاديث الأذكار، وهو الحادي عشر بعد الخمسمئة من الأمالي المصرية بالخانقاة البيبرسية.
[[وروينا في صحيح مسلم، عن علي، وابن أبي أوفى رضي الله عنهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه قال: ((سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد)).(2/83)
وروينا في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع قال: ((اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات والأرض، وملء ما شئت من شيءٍ بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد وكلنا لك عبدٌ، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)).]]
(132)
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم حدثنا كما تقدم فقال:
قوله: (وروينا في صحيح مسلم عن علي وابن أبي أوفى رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع .. .. ) إلى آخره.
أما حديث علي:
فقرأته على الشيخ أبي إسحاق التنوخي رحمه الله، عن إسماعيل بن يوسف بن مكتوم، أنا أبو المنجى، أنا أبو الوقت، أنا أبو الحسن بن المظفر، أنا أبو محمد بن أعين، أنا عيسى بن عمر، أنا أبو محمد الدارمي، ثنا يحيى بن حسان (ح).
وقرأت على أبي الحسن بن أبي المجد، عن أبي بكر الدشتي، أنا يوسف بن خليل الحافظ، أنا أبو المكارم اللبان، أنا أبو علي الحداد، أنا أبو نعيم، أنا أبو محمد بن فارس، أنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود الطيالسي، قالا: ثنا عبد العزيز بن أبي سلمة، ثنا عمي، عن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال: ((سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ملء(2/84)
السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد)).
هذا حديث صحيح أخرجه مسلم والنسائي من طريق عبد الرحمن بن مهدي، ومسلم أيضاً من طريق أبي النضر هاشم بن القاسم. وأبو داود من طريق معاذ بن معاذ. والترمذي من طريق سليمان بن داود الهاشمي، أربعتهم عن عبد العزيز.
وأخرجه الترمذي أيضاً عن محمد بن غيلان، عن أبي داود الطيالسي.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأما حديث ابن أبي أوفى.
فقرأت على أبي محمد إبراهيم بن محمد الدمشقي بمكة، أن أحمد بن أبي طالب أخبرهم قال: أنا عبد الله بن عمر، أنا عبد الأول بن عيسى، أنا عبد الرحمن بن محمد، أنا عبد الله بن أحمد، أنا إبراهيم بن خزيم، ثنا عبد ابن حميد، ثنا محمد بن عبيد، ثنا الأعمش، عن عبيد أبي الحسن، عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع فذكر مثل حديث علي سواء غير أنه لم يقل وملئ ما بينهما.
هذا حديث صحيح أخرجه مسلم وأبو داود من طريق أبي معاوية ووكيع، كلاهما عن الأعمش. وأخرجه أحمد عن وكيع. وأخرجه أبو داود أيضاً عن محمد بن عيسى، عن محمد بن عبيد.(2/85)
فوقع لنا بدلاً عالياً.
قال أبو داود بعد تخريجه: رواه شعبة وسفيان الثوري عن عبيد أبي الحسن، لم يذكرا فيه بعد الركوع.
قلت: وقع لنا من طريق شعبة عالياً.
وبالسند المذكور آنفاً إلى أبي داود الطيالسي قال: ثنا شعبة، وقيس، يعني: ابن الربيع، عن عبيد أبي الحسن، عن ابن أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو فذكره من غير ذكر المحل.
وهكذا أخرجه مسلم من رواية غندر عن شعبة.
فوقع لنا عالياً بدرجتين، والأعمش حافظ، فزيادته معتمدة.
وقد أخرجه مسلم من وجه آخر عن ابن أبي أوفى، ولم يذكر المحل أيضاً، لكن زاد ألفاظاً في الدعاء.
قوله: (وروينا في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري .. .. ) إلى آخره.
قرأت على الشيخ أبي إسحاق التنوخي بالسند المذكور آنفاً إلى الدارمي، قال: أنا مروان بن محمد، ثنا سعيد بن عبد العزيز، ثنا عطية بن قيس، عن قزعة بن يحيى، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا رفع رأسه من الركوع فذكر مثل حديث ابن أبي أوفى وزاد بعد قوله: ((من شيءٍ أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبدٌ، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد)).(2/86)
هذا حديث صحيح أخرجه مسلم عن الدارمي.
فوقع لنا موافقة عالية بدرجتين.
وأخرجه أحمد عن الحكم بن نافع. وأبو داود وابن خزيمة من رواية أبي مسهر وعبد الله بن يوسف. وأبو داود أيضاً من رواية بشر بن بكر، والنسائي من رواية مخلد بن يزيد، خمستهم عن سعيد بن عبد العزيز.
ووقع لنا في رواية بعضهم ((اللهم ربنا)) وذكر أبو داود في رواية عبد الله بن يوسف ((ربنا ولك الحمد)) بزيادة واو.
قلت: ووقع لنا كذلك من وجه آخر عن سعيد بن عبد العزيز.
وبالسند الماضي مراراً إلى أبي نعيم في ((المستخرج))، قال: ثنا علي بن أحمد المقدسي، ثنا الحسن بن الفرج ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم، ثنا عمر بن أبي سلمة، ثنا سعيد بن عبد العزيز فذكره سنداً ومتناً مثله سواء غير أنه قال: ((ربنا ولك الحمد)) بالواو، والله أعلم.
آخر المجلس الثاني والثلاثين بعد المئة من التخريج، وهو الثاني عشر بعد الخمسمئة من الأمالي المصرية بالبيبرسية.
[[وروينا في صحيح مسلم أيضاً، من رواية ابن عباس: ((ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وما بينهما، وملء ما شئت من شيءٍ بعد)).
وروينا في صحيح البخاري، عن رفاعة بن رافع الزرقي رضي الله(2/87)
عنه قال: كنا يوماً نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رفع رأسه من الركعة قال: ((سمع الله لمن حمده)) فقال رجل وراءه: ((ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، فلما انصرف قال: ((من المتكلم؟)) قال: أنا، قال: ((رأيت بضعةً وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أول)).]]
(133)
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم حدثنا فقال: وقد وقعت لي رواية عبد الله بن يوسف عالية.
أخبرني شيخ الإسلام أبو الفضل بن الحسين الحافظ رحمه الله، قال: أخبرني أبو محمد بن القيم، أنا ابو الحسن السعدي، أنا أبو عبد الله الكراني مكاتبة من أصبهان أنا محمود بن إسماعيل، أنا أبو الحسين بن فاذشاه، أنا أبو القاسم الطبراني في كتاب ((الدعاء)) ثنا بكر بن سهل، ثنا عبد الله بن يوسف التنيسي، ثنا سعيد بن عبد العزيز، عن عطية، عن قزعة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا رفع رأسه من الركوع: ((سمع الله لمن حمده اللهم ربنا ولك الحمد)) فذكر الحديث مثله، لكنه قال: ((لا نازع لما أعطيت ولا ينفع ذا الجد منك الجد)).
أخرجه أبو داود عن محمد بن محمد بن مصعب. وابن خزيمة بن زكريا بن يحيى بن أبان. والطحاوي عن مالك بن عبد الله بن سيف ثلاثتهم عن عبد الله بن يوسف.(2/88)
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وهكذا أخرجه البيهقي من طريق المقدام بن داود عن عبد الله بن يوسف.
قوله: (وروينا في صحيح مسلم من رواية ابن عباس .. .. ) إلى آخره.
قرأت على المسند أبي الفرج بن الغزي رحمه الله بالسند الماضي مراراً إلى أبي نعيم في المستخرج. ثنا أبو بكر الطلحي، ثنا عبيد بن غانم، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا هشيم واللفظ له، ثنا هشام بن حسان (ح).
وبه إلى أبي نعيم قال: وحدثنا عمرو بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان ثنا محمد بن عبد الله بن نمير، ثنا حفص بن غياث، عن هشام بن حسان، عن قيس بن سعد، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال: ((اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيءٍ بعد، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد)).
وبه إلى أبي نعيم قال: وحدثنا عالياً أبو بكر بن خلاد ومحمد بن أحمد بن محرم في الإحرام، قالا: ثنا الحارث بن أبي أسامة، ثنا روح بن عبادة، زاد محمد وسعيد بن عامر، كلاهما عن هشام بن حسان فذكره، وقال: انتهى حديث روح إلى قوله بعد.
هذا حديث صحيح أخرجه أحمد عن روح بن عبادة. وأخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير.
فوقعت لنا موافقة عالية في الثلاثة.(2/89)
وأخرجه النسائي عن سليمان بن سيف عن سعيد بن عامر.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
قوله: (وروينا في صحيح البخاري عن رفاعة .. .. ) إلى آخره.
قرئ على الشيخ أبي عبد الله محمد بن محمد البالسي رحمه الله ونحن نسمع بالصالحية، قال: أنا أبو عبد الله محمد بن محمد العسقلاني، أنا إبراهيم بن عمر الواسطي، أنا أبو الحسن الطوسي، أنا أبو محمد السيدي، أنا أبو عثمان البحيري، أنا أبو علي السرخسي، أنا أبو إسحاق الهاشمي، أنا أبو مصعب الزهري، أنا مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر، عن علي بن يحيى، عن أبيه، هو ابن خلاد بن رافع، عن رفاعة بن رافع الزرقي رضي الله عنهما قال: كنا نصلي يوماً وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رفع رأسه من الركعة وقال: ((سمع الله لمن حمده)) قال رجل وراءه: ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من المتكلم آنفاً؟)) فقال الرجل: أنا يا رسول الله فقال: ((لقد رأيت بضعةً وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكبتها أول)).
هذا حديث صحيح أخرجه البخاري وأبو داود عن القعنبي، وأخرجه أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي. والنسائي من رواية عبد الرحمن بن القاسم. وابن خزيمة من رواية ابن وهب أربعتهم عن مالك. وأخرجه ابن حبان عن عمر بن سعيد بن سنان عن أبي مصعب.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
تنبيه: ذكرت فيما مضى قول الشيخ أن الرواية بلفظ ((ولك الحمد))(2/90)
وردت عن جماعة من الصحابة في الصحيحين، فأوردته عن علي وأبي هريرة وأنس. ثم وجدته في صحيح مسلم في حديث عائشة الطويل في صفة صلاة الكسوف. وفي البخاري من حديث ابن عمر في حديث رفع اليدين عند الركوع والرفع منه. فكملوا خمسة، وقد ذكرت من رواية غيرهم خارج الصحيح مع بيان الاختلاف في ذلك، ولله الحمد.
آخر المجلس الثالث والثلاثين بعد المئة من تخريج أحاديث الأذكار، وهو الثالث عشر بعد الخمسمئة في الأمالي المصرية.(2/91)
[[باب: أذكار السجود
فمنها ما رويناه في صحيح مسلم من رواية حذيفة المتقدمة في الركوع في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، حين قرأ البقرة وآل عمران والنساء في الركعة الواحدة، لا يمر بآية رحمة إلا سأل، ولا بآية عذاب إلا استعاذ، قال: ثم سجد فقال: ((سبحان ربي الأعلى)) فكان سجوده قريباً من قيامه.
وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: ((سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي)).
وروينا في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها ما قدمناه في الركوع: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده: ((سبوحٌ قدوس، رب الملائكة والروح)).
وروينا في صحيح مسلم أيضاً عن علي رضي الله عنه: أن رسول الله كان إذا سجد قال: ((اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين)).
وروينا في الحديث الصحيح في كتب السنن، عن عوف بن مالك ما قدمناه في فصل الركوع: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركع ركوعه(2/92)
الطويل يقول فيه: ((سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة)) ثم قال في سجوده مثل ذلك.
وروينا في كتب السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((وإذا سجد -أي أحدكم- فليقل: سبحان ربي الأعلى ثلاثاً، وذلك أدناه)).
وروينا في صحيح مسلم، عن عائشة رضي الله عنها قالت: تفقدت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فتجسست، فإذا هو راكع أو ساجد يقول: ((سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت))، وفي رواية في مسلم: فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول: ((اللهم أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك)).]]
(134)
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم حدثنا فقال:
قوله: (باب أذكار السجود).
ذكر فيه حديث حذيفة رضي الله عنه، وقد تقدم تخريجه في أذكار الركوع، وكذا حديث عائشة الذي يليه، وأما حديثها الذي بعده فتقدم أيضاً، ووعدت بأني أذكر له طريقاً أخرى.
قرأت على عبد الله بن عمر رحمه الله، عن أبي العباس الحلبي سماعاً، أنا أبو الفرج بن الصيقل، أنا أبو محمد الحربي، أنا أبو القاسم بن الحصين، أنا الحسن بن علي الواعظ، أنا أبو بكر بن مالك، حدثنا(2/93)
عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا محمد بن جعفر، ويحيى بن سعيد فرقهما (ح).
وبالسند الماضي مراراً إلى أبي نعيم في ((المستخرج)) ثنا أبو بكر الطلحي، ثنا عبيد بن غنام، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا محمد بن بشر (ح).
وبه إلى أبي نعيم قال: وحدثنا حبيب بن الحسن، ثنا يوسف القاضي، ثنا محمد بن المنهال، ثنا يزيد بن زريع، أربعتهم عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة عن مطرف بن عبد الله، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده: ((سبوحٌ قدوسٌ رب الملائكة والروح)).
هذا حديث صحيح أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة.
فوقع لنا موافقة عالية.
ورواه هشام الدستوائي عن قتادة مثله كما تقدم. ورواه شعبة عن قتادة فاقتصر على الركوع. ورواه معمر عن قتادة بالشك وقد مضى بيان جميع ذلك.
قوله: (وروينا في صحيح مسلم أيضاً عن علي .. .. ) إلى آخره.
وبالسند المذكور إلى أبي نعيم ثنا حبيب بن الحسن، ثنا يوسف القاضي، ثنا محمد بن أبي بكر، ثنا يوسف بن يعقوب بن الماجشون، ثنا أبي (ح).
وبالسند الماضي أيضاً قريباً إلى الطبراني في الدعاء، ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل، وحجاج بن المنهال، قالا: ثنا عبد العزيز بن أبي سلمة، ثنا الماجشون، عن الأعرج، عن عبيد الله بن(2/94)
أبي رافع، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد قال: ((اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره فأحسن صوره وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين)).
هذا حديث صحيح أخرجه مسلم عن محمد بن أبي بكر المقدمي.
فوقع لنا موافقة عالية.
قوله: (وروينا في الحديث الصحيح في كتب السنن عن عوف بن مالك .. .. ) إلى آخره.
تقدم تخريجه أيضاً والبحث في الحكم بصحته، وكذا تقدم الحديث الذي بعده والتنبيه على أنه منقطع مع ذكر ما له من شاهد.
قوله: (وروينا في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها .. .. ) إلى آخره.
وبالسند المذكور آنفاً إلى عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، ثنا عبد الرزاق (ح).
وبه إلى أبي نعيم في المستخرج، ثنا أبو محمد بن حيان، ثنا محمد بن سهل، ثنا أبو مسعود يعني أحمد بن الفرات، أنا عبد الرزاق.
قال أبو نعيم: وحدثنا عالياً سليمان بن أحمد، ثنا إسحاق بن إبراهيم، عن عبد الرزاق، أنا ابن جريج، قال: قلت لعطاء: فما تقول أنت يعني في الركوع والسجود؟ فقال: أما ((سبحانك وبحمدك [لا إله إلا أنت] فأخبرني ابن أبي مليكة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: افتقدت النبي صلى الله عليه وسلم ليلة، فظننت أنه ذهب إلى بعض نسائه، فتحسسته ثم رجعت، فإذا هو ساجد يقول: ((سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت)) فقلت بأبي(2/95)
وأمي إنك لفي شأن وإني لفي آخر.
هذا حديث صحيح أخرجه مسلم عن الحسن بن علي الحلواني ومحمد بن رافع كلاهما عن عبد الرزاق.
فوقع موافقة عالية بدرجة في الرواية الأولى والثانية وبدرجتين في الرواية الثالثة.
قوله: (وفي رواية في مسلم .. .. ) إلى آخره.
قلت: هو حديث آخر عن عائشة أيضاً.
وبه إلى الإمام أحمد ثنا حماد بن أسامة، هو أبو أسامة (ح).
وبالسند الماضي إلى أبي بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو أسامة، عن عبيد الله بن عمر، عن محمد بن يحيى بن حبان عن الأعرج -هو عبد الرحمن بن هرمز- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن عائشة رضي الله عنها قالت: فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول: ((اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك)).
هذا حديث صحيح أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة.
فوقع لنا موافقة وبدلاً بعلو درجة.
وفي السند لطيفة وهي رواية صحابي عن مثله، أبو هريرة عن عائشة، كما وقع في الذي قبله رواية تابعي عن تابعي، عطاء عن ابن أبي مليكة.(2/96)
واسم ابن أبي مليكة عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكة، نسب إلى جد أبيه والله أعلم.
آخر المجلس الرابع والثلاثين بعد المئة من التخريج وهو الرابع عشر بعد الخمسمئة من الأمالي.
[[وروينا في صحيح مسلم، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمنٌ أن يستجاب لكم)).
يقال: قمن بفتح الميم وكسرها، ويجوز في اللغة قمين، ومعناه: حقيق وجدير.
وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجدٌ، فأكثروا الدعاء)).
وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة أيضاً، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده: ((اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره)). دقه وجله: بكسر أولهما، ومعناه: قليله وكثيره.]]
(135)
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم حدثنا كما تقدم فقال: ولحديث عائشة رضي الله عنها طرق أخرى.
منها عند ابن خزيمة من رواية أبي النضر عن عروة عنها نحو حديث(2/97)
أبي هريرة عنها، لكن قال في آخره: ((أثني عليك)، ((ولا أبلغ كل ما فيك)).
وسنده صحيح.
ومنها في جامع ابن وهب، ووقع لنا بعلو في ((الخلعيات)) من طريق علي بن الحسين عنها، وقال في آخره: ((لا أحصي أسماءك ولا ثناءً عليك)).
وسنده ضعيف.
ومنها عند أبي يعلى من طريق عثمان بن عطاء، عن أبيه، عنها، وزاد فيه: ((سجد لك خيالي وسوادي، وآمن بك فؤادي)).
وسنده ضعيف، فيه من لا يعرف، وعطاء هو الخراساني لم يدرك عائشة.
وجاء عن عائشة رضي الله عنها في نحو هذا ألفاظ أخرى.
منها ما:
قرأت على أبي المعالي الأزهري بالسند الماضي إلى عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا وكيع، ثنا نافع بن عمر هو الجمحي، عن صالح بن سعيد، عن عائشة رضي الله عنها أنها فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم من مضجعه فلمسته بيدها، فوقعت عليه وهو ساجد وهو يقول: ((آتي نفسي تقواها زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها)).
هكذا أخرجه أحمد، ورجاله رجال الصحيح إلا صالح بن سعيد، فلم أجد له ذكراً إلا في ثقات ابن حبان.(2/98)
ومنها ما:
قرأت على الشيخ أبي إسحاق التنوخي: أن أيوب بن نعمة أخبرهم، أنا عثمان بن خطيب القرافة عن السلفي، ثنا أبو محمد الدوني، أنا أبو نصر الكسار، أنا أبو بكر بن السني، أنا أبو عبد الرحمن النسائي، أنا محمد بن قدامة، أنا جرير يعني ابن عبد الحميد، عن منصور يعني ابن المعتمر عن هلال بن يساف، عن عائشة رضي الله عنها قالت: فقدت النبي صلى الله عليه وسلم من مضجعه فجعلت ألتمسه، وظننت أنه أتى بعض جواريه، فوقعت عليه يدي وهو ساجد يقول: ((اللهم اغفر لي ما أسررت وما أعلنت)).
وسنده صحيح.
وقد رواه أحمد من رواية شعبة عن منصور.
قوله: (وروينا في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما .. .. ) إلى آخره.
قلت تقدم في أذكار الركوع في فصل كراهة القراءة فيه، ووجدت له شاهداً من حديث علي.
قرأت على أم يوسف الصالحية بها عن أبي عبد الله بن الزراد، أنا عبد الله بن أبي الفتح، عن فخر النساء بنت أبي الحسن سماعاً، قالت: أنا أبو القاسم المستملي بنيسابور، أنا محمد بن عبد الرحمن، أنا محمد بن أحمد بن حمدان، ثنا أحمد بن علي بن المثنى (ح).
وأخبرني عبد الله بن عمر السعودي، أنا أحمد بن أبي القاسم الأسعردي، أنا أبو الفرج بن نصر، أنا عبد الله بن أحمد الحري، أنا أبو القاسم الشيباني، أنا أبو علي التميمي أنا أحمد بن جعفر بن حمدان، أنا أبو عبد الرحمن الشيباني قالا: ثنا عبيد الله بن عمر القواريري (ح).(2/99)
وبالسند الماضي قريباً إلى الطبراني في الدعاء، ثنا معاذ بن المثنى والسياق له، ثنا عبيد الله بن محمد بن عائشة التيمي، قالا: ثنا عبد الواحد بن زياد، ثنا عبد الرحمن بن إسحاق، ثنا النعمان بن سعد، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه سمعته يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا ركعتم فعظموا الرب، وإذا سجدتم فاجتهدوا في الدعاء، فقمنٌ أن يستجاب لكم)).
هذا حديث غريب أخرجه البزار في مسنده عن أبي كامل الجحدري، عن عبد الواحد بن زياد.
وأخرجه الطحاوي عن أحمد بن داود، عن عبيد الله بن عائشة.
فوقع لنا بدلاً عالياً من الوجهين.
قال البزار: لا نعلمه عن علي مرفوعاً إلا بهذا الإسناد.
قلت: المتفرد به عبد الرحمن بن إسحاق، وهو ضعيف.
قوله: (وروينا في صحيح مسلم عن أبي هريرة .. .. ) إلى آخر الحديثين.
وبه إلى الطبراني ثنا أحمد بن رشدين، ثنا أحمد بن صالح، قال الطبراني: وحدثنا محمد بن رزيق بن جامع، ثنا عمرو بن سواد، قالا: ثنا عبد الله بن وهب، حدثني عمرو بن الحارث، عن عمارة بن غزية، عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في سجوده: ((اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله أوله وآخره سره وعلانيته)).(2/100)
وبه إلى الطبراني قال: ثنا بكر بن سهل، ثنا عبد الله بن صالح، ثنا يحيى بن أيوب عن عمارة بن غزية، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجدٌ فأكثروا الدعاء)).
هذان حديثان صحيحان، أخرجهما مسلم وأبو داود والنسائي كلهم من طريق عبد الله بن وهب بالسند الأول فذكروا الحديثين جميعاً.
فوقعا لنا بعلو، ولا سيما الثاني، ولله الحمد.
[[واعلم أنه يستحب أن يجمع في سجوده جميع ما ذكرناه، فإن لم يتمكن منه في وقت أتى به في أوقات، كما قدمناه في الأبواب السابقة، وإذا اقتصر يقتصر على التسبيح مع قليل من الدعاء، ويقدم التسبيح، وحكمه ما ذكرناه في أذكار الركوع من كراهة قراءة القرآن فيه، وباقي الفروع.
فصل: اختلف العلماء في السجود في الصلاة والقيام أيهما أفضل؟ فمذهب الشافعي ومن وافقه: القيام أفضل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث في صحيح مسلم ((أفضل الصلاة طول القنوت)) ومعناه القيام، ولأن ذكر القيام هو القرآن، وذكر السجود هو التسبيح،(2/101)
والقرآن أفضل، فكان ما طول به أفضل. وذهب بعض العلماء إلى أن السجود أفضل، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم: ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجدٌ)).]]
(136)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وأسأله حسن الخاتمة آمين.
ثم حدثنا سيدنا شيخنا، ومولانا قاضي القضاة، شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، أبو الفضل، أحمد العسقلاني -أمتع الله بوجوده- إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء ثالث عشر ربيع الأول سنة أربعين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
قوله: (واعلم أنه يستحب أن يجمع في سجوده جميع ما ذكرناه .. .. ) إلى آخره.
قلت: لم أر ذلك صريحاً في حديث، ولعله أخذه من الأحاديث المصرحة بأنه صلى الله عليه وسلم أطال السجود، ولم يكن يطيله إلا بذكر، فاحتمل أنه يكرر، واحتمل أنه يجمع، والثاني أقرب، لكن على هذا، لا يختص بما ذكره الشيخ، بل يضم إليه جميع ما ورد عنه أنه صلى الله عليه وسلم قاله في سجوده، وكذا ما ورد عنه من الأدعية في الصلاة، فإنه منحصر في السجود وفيما بين التشهد والسلام.
فمن الأول: حديث عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في سجوده: ((سجد لك خيالي وسوادي، وآمن بك فؤادي، أبوء بنعمتك علي، هذه يدي، وما جنيت على نفسي)).(2/102)
أخرجه البزار.
وله شاهد من حديث عائشة تقدمت الإشارة إليه قريباً.
ومن الثاني: حديث عبد الله بن عمرو أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: يا رسول الله علمني دعاء أدعوا به في صلاتي قال: ((قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت)) الحديث، وهو في الصحيحين.
ويؤيد كونه في السجود حديث علي رضي الله عنه قال: من أحب الكلام إلى الله أن يقول العبد في سجوده: ربي ظلمت نفسي فاغفر لي.
أخرجه الطبراني في كتاب ((الدعاء)) بسند حسن.
ومثله لا يقال من قبل الرأي، فهو حكم المرفوع، وإن لم يصرح برفعه.
قوله: (فصل اختلف العلماء في السجود) إلى أن ذكر حديث ((أفضل الصلاة طول القنوت)) وذكر أن مسلماً أخرجه.
أخبرني المسند أبو الفرج بن حماد رحمه الله، أنا أبو الحسن بن قريش، أنا أبو الفرج بن نصر، أنا أبو الحسن بن أبي منصور إجازة مكاتبة، أنا أبو علي المقرئ، أنا أبو نعيم الأصفهاني، ثنا أبو بكر الطلحي، ثنا عبيد بن غنام، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش، عن أبي سفيان -هو طلحة بن نافع- عن جابر رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الصلاة أفضل؟ قال: ((طول القنوت)).
أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة.(2/103)
فوقع لنا موافقة عالية.
ووقع لنا من وجه آخر أعلى من هذا بدرجة أخرى.
أخبرني إبراهيم بن محمد الدمشقي المؤذن فيما قرأت عليه بالمسجد الحرام، عن أبي العباس بن نعمة سماعاً، أنا أبو المنجا، أنا أبو الوقت، أنا أبو الحسن بن داود، أنا أبو محمد السرخسي، أنا أبو إسحاق الشاشي، ثنا عبد بن حميد، ثنا يعلى -يعني ابن عبيد- ثنا الأعمش فذكره، لكن قال في أوله: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، والباقي سواء.
أخرجه ابن خزيمة عن زياد بن أيوب عن يعلى بن عبيد.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه مسلم أيضاً من طريق أبي الزبير، عن جابر.
وقد أشار المحب الطبري إلى الاعتراض على الاستدلال بهذا الحديث على المطلوب، وهو أفضلية طول القيام طول القيام في الصلاة على كثرة السجود؛ لأن لفظ القنوت وإن ورد بمعنى القيام فقد ورد بمعنى الخشوع، فليس الحمل على أحدهما بأولى من الآخر، لكن ورد في حديث آخر بلفظ القيام، فترجح الحمل عليه، وأولى ما فسر الحديث بالحديث.
قرأت على أم الفضل بنت الشيخ أبي إسحاق بن سلطان البعلي بدمشق، عن القاسم بن أبي غالب بن عساكر، وأبي نصر بن الشيرازي إجازة منهما إن لم يكن سماعاً من الأول، كلاهما عن محمد بن إبراهيم بن سفيان، أنا أبو الخير الباغبان، أنا أبو عمرو بن أبي عبد الله بن منده، أنا أبي، أنا أحمد بن محمد بن زياد، وأحمد بن سلمان البغدادي، قال الأول(2/104)
أنا إسحاق الصفار، والثاني: أنا الحسن بن مكرم، قالا: ثنا حجاج بن محمد، قال: قال ابن جريج: أخبرني عثمان بن أبي سليمان، عن علي الأودي -هو ابن عبد الله البارقي- عن عبيد بن عمير، عن عبد الله بن حبشي الخثعمي رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال: ((إيمانٌ لا شك فيه، وجهادٌ لا غلول فيه، وحجٌ مبرورٌ)) قيل: فأي الصلاة أفضل؟ قال: ((طول القيام)) قيل: فأي الصدقة أفضل؟ قال: جهد المقل)).
قيل: فأي الهجرة أفضل؟ قال: ((من هجر ما حرم الله عليه)) قيل: فأي الجهاد أفضل؟ قال: ((من قاتل المشركين بماله ونفسه)) قيل: فأي القتل أشرف؟ قال: ((من عقر جواده وأهريق دمه)).
هذا حديث حسن، أخرجه أحمد عن حجاج بن محمد.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرج أبو داود مختصراً عن أحمد بن حنبل.
وأخرجه الدارمي عن أحمد بن يونس.
والنسائي عن عبد الوهاب بن عبد الحكم.
والطحاوي عن علي بن معبد.
كلهم عن حجاج بن محمد.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه الطبراني من رواية يحيى بن معين عن حجاج.
ورجاله رجال الصحيح، إلا أنه اختلف فيه على عبيد بن عمير، فرواه(2/105)
ابنه عبد الله عن أبيه عن جده.
ورواه الزهري عن عبيد بن عمير مرسلاً، أشار إلى ذلك ابن منده، ولولا هذا الاختلاف لكان على شرط الصحيح.
وحبشي والد عبد الله بضم المهملة وسكون الموحدة بعدها شين معجمة وياء ثقيلة، وهو اسم بلفظ النسب، وليس لعبد الله بن حبشي إلا هذا الحديث، والله أعلم.
[[قال الإمام أبو عيسى الترمذي في كتابه: اختلف أهل العلم في هذا، فقال بعضهم: طول القيام في الصلاة أفضل من كثرة الركوع والسجود. وقال بعضهم: كثرة الركوع والسجود أفضل من طول القيام. وقال أحمد بن حنبل: روي فيه حديثان عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقض فيه أحمد بشيء.]]
(137)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ثم حدثنا شيخنا، شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، قاضي القضاة -أمتع الله بوجوده- إملاء من حفظه، وقراءة عليه من المستملي في يوم الثلاثاء العشرين من ربيع الأول سنة أربعين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
قوله ناقلاً عن الترمذي: (وقال بعضهم: كثرة الركوع والسجود أفضل(2/106)
من طول القيام، وقال أحمد بن حنبل: [روي] فيه حديثان ولم يقض فيه بشيء).
قلت: كأنه يشير إلى الحديثين الماضيين: ((أفضل الصلاة طول القنوت)) و((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجدٌ))، ويحتمل أن يكون أراد بالثاني الحديث الوارد في الترغيب في كثرة السجود.
أخبرني العماد أبو بكر بن إبراهيم بن أبي عمر الصالحي رحمه الله بها، أنا أبو عبد الله بن أبي الهيجاء إجازة إن لم يكن سماعاً، أنا الحافظ أبو علي التيمي، أنا عبد العزيز بن محمد، أنا زاهر بن طاهر، أنا محمد بن محمد بن يحيى))، أنا أبو طاهر بن الفضل، أنا جدي أبو بكر بن إسحاق، ثنا أبو عمار الحسين بن حريث (ح).
وبالسند الماضي إلى أبي نعيم في المستخرج، ثنا محمد بن إبراهيم، ثنا أحمد بن علي، ثنا زهير بن حرب (ح).
وأخبرني أبو المعالي الأزهري، أنا أبو العباس الحلبي بالسند الماضي إلى الإمام أحمد قال الثلاثة واللفظ لأحمد: ثنا الوليد بن مسلم، قال: سمعت الأوزاعي، يقول: حدثني الوليد بن هشام المعيطي، يقول: حدثني معدان بن أبي طلحة اليعمري، قال: لقيت ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أخبرني بعمل يدخلني الله به الجنة أو قال: بأحب الأعمال إلى الله، فسكت ثم سألته فسكت، ثم سألته الثالثة، فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما سألتني عنه فقال: ((عليك بكثرة السجود فإنك لا تسجد لله سجدةً إلى رفعك الله بها درجةً وحط عنك بها خطيئةً، قال: ثم لقيت أبا الدرداء فسألته عن ذلك فقال لي مثل ما قال لي ثوبان رضي الله عنهما.
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم عن زهير بن حرب.(2/107)
والترمذي والنسائي عن الحسن بن حريث.
كلاهما عن الوليد بن مسلم.
فوقع لنا موافقة عالية فيهما، وبدلاً [عالياً] من الطريق الأولى.
قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وفي الباب عن أبي هريرة وأبي فاطمة الأزدي.
قال شيخنا في شرحه: أراد بحديث أبي هريرة الحديث الماضي: ((أقرب ما يكون العبد من ربه)) وأراد بحديث أبي فاطمة -وهو مشهور بكنيته، ويقال: اسمه أنيس- ما أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه من طريق كثير بن مرة عن أبي فاطمة قال: قلت: يا رسول الله! أخبرني بعمل أعمله وأستقيم عليه قال: ((عليك بالسجود، فإنك إن [لا] تسجد لله سجدةً)) فذكر مثل حديث ثوبان.
ولأحمد من وجه آخر عن أبي فاطمة قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أردت أن تلقاني فأكثر السجود)).
وذكر شيخنا عدة أحاديث لم يذكرها الترمذي تناسب ما ذكره.
منها: ما:
قرأت على فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي، عن محمد بن عبد الحميد، أنا إسماعيل بن عبد القوي، أتنا فاطمة بنت سعد الخير، أتنا فاطمة الجوزذانية، أنا محمد بن عبد الله الضبي، أنا أبو القاسم اللخمي، ثنا أبو مسلم الكشي، ثنا عبد العزيز بن الخطاب، ثنا ناصح أبو عبد الله، ثنا(2/108)
سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: كان شاب يخدم النبي صلى الله عليه وسلم ويخف في حوائجه، فقال له: ((سلني حاجةً)) فقال: ادع الله أن يدخلني الجنة، فقال: ((نعم، ولكن أعني بكثرة السجود)).
هذا حديث غريب وقع لنا بعلو من حديث ناصح، وفيه مقال.
لكن له أصل من حديث ربيعة بن كعب، ولعله الشاب المذكور.
وبالسند الماضي إلى أبي نعيم ثنا محمد بن محمد المقرئ، ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا الحكم بن موسى، ثنا الهقل بن زياد، قال: سمعت الأوزاعي، يقول: سمعت يحيى بن أبي كثير، يقول: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، حدثني ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه قال: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فآتيه بوضوئه، فقال لي: ((سل حاجتك)) فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة قال: ((أو غير ذلك؟)) قلت: هو ذاك قال: ((فأعني على نفسك بكثرة السجود)).
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم عن الحكم بن موسى.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه أبو داود والنسائي جميعاً عن هشام بن عمار عن الهقل وهو بكسر الهاء وسكون القاف بعدها لام، والمعيطي في الحديث الأول بمهملتين مصغر. ومعدان بفتح الميم وسكون المهملة. واليعمري بفتح الياء المثناة من تحت وسكون العين والميم تفتح وتضم، والله أعلم.
[[قال الترمذي: وإنما قال إسحاق هذا لأنه وصف صلاة النبي(2/109)
بالليل ووصف طول القيام. وأما بالنهار فلم يوصف من صلاته صلى الله عليه وسلم من طول القيام ما وصف بالليل.
فصل: إذا سجد للتلاوة استحب أن يقول في سجوده ما ذكرناه في سجود الصلاة، ويستحب أن يقول معه: اللهم اجعلها لي عندك ذخراً، وأعظم لي بها أجراً، وضع عني بها وزراً، وتقبلها مني كما تقبلتها من داود عليه السلام. ويستحب أن يقول أيضاً: {سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا} نص الشافعي على هذا الأخير.]]
(138)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا شيخ الإسلام،المشار إليه إملاء في يوم الثلاثاء سابع عشرين ربيع الأول من شهور سنة أربعين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
وقد وقع لي حديث ربيعة بن كعب عالياً بدرجة أخرى.
أخبرني أبو العباس بن أبي بكر الحنبلي في كتابه، وقرأت على أم الفضل بنت أبي إسحاق البعلي، قال الأول: أخبرنا أبو الفضل بن أبي عمر سماعاً عليه، وقالت الأخرى: أخبرنا القاسم بن المظفر إجازة إن لم يكن سماعاً، كلاهما عن أبي الوفاء بن منده، قال: أنا محمد بن أحمد بن عمر، أنا عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق، أنا أبي، أنا خيثمة بن سليمان، ومحمد بن يعقوب، وعلي بن محمد بن زياد، قال الأولان: ثنا العباس بن(2/110)
الوليد بن مزيد، أنا أبي، وقال الثالث: أنا محمد بن العباس بن خلف، ثنا بشر بن بكر قالا: حدثنا الأوزاعي فذكره.
وذكر شيخنا لحديث ثوبان عدة شواهد.
ومن أصرح ما وجدت في تفضيل كثرة الركوع والسجود على طول القيام ما أخرجه مسلم من طريق أبي وائل قال: جاء رجل إلى عبد الله-يعني ابن مسعود- فذكر الحديث، وفيه فقال: إني أقرأ المفصل في ركعة، فقال عبد الله: هذاً كهذ الشعر، إن أفضل الصلاة الركوع والسجود الحديث.
وبالسند الماضي إلى أبي نعيم في المستخرج، ثنا أبو بكر الطلحي، ثنا عبيد بن غنام، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن أبي وائل فذكره.
رواه مسلم عن أبي بكر.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخبرني أبو الحسن بن أبي بكر الحافظ رحمه الله، أنا محمد بن إسماعيل بن الحموي، أنا علي بن أحمد السعدي، عن منصور بن عبد المنعم، أنا محمد بن إسماعيل الفارسي، أنا أبو بكر بن الحسين الحافظ، أنا أبو عبد الله الحافظ، أنا محمد بن يعقوب بن يوسف، ثنا بحر بن نصر (ح).
وقرأت على فاطمة بنت المنجا، عن سليمان بن حمزة، أنا محمد بن عبد الواحد الحافظ، أنا زاهر بن أبي طاهر، أنا سعيد بن أبي الرجاء، أنا أبو مسلم الأصبهاني، ثنا أبو بكر بن المقرئ، ثنا محمد بن الحسن بن قتيبة، ثنا حرملة بن يحيى، قالا: ثنا عبد الله بن وهب، ثنا معاوية بن صالح، [ثنا] العلاء بن الحارث، ثنا زيد بن أرطأة، عن جبير بن نفير، قال: رأى عبد الله بن عمر رضي الله نهما فتى وهو يصلي قد أطال صلاته،(2/111)
وأطنب فيها فقال: من يعرف هذا؟ فقال رجل: أنا أعرفه، فقال ابن عمر: لو كنت أعرفه لأمرته أن يكثر الركوع والسجود، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن العبد إذا قام يصلي أتي بذنوبه، فوضعت على رأسه وعاتقيه كلما ركع. أو سجد تساقطت عنه)).
هذا حديث حسن، رواته كلهم ثقات.
أخرجه الطحاوي والطبراني من راية عبد الله بن صالح، عن معاوية بن صالح.
قوله في بقية كلام الترمذي حكاية عن إسحاق بن راهويه في الفرق بين قراءة الليل والنهار: (إنما قال إسحاق ذلك، لأنه كذا وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل إلى آخره.
قلت: ترجم الترمذي بعد أبواب كثيرة باب وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل، فأورد فيه الحديث المخرج في الصحيحين من طريق أبي سلمة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان، ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن الحديث.
وفي الصحيحين أيضاً عن حذيفة أنه صلى الله عليه وسلم قرأ البقرة والنساء وآل عمران في ركعة من صلاة بالليل، وقد تقدم ذلك قريباً.
وفيهما عن عبد الله بن مسعود قال: قمت ليلة خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فأطال القيام حتى هممت بأمر سوء، قيل له: ما الذي هممت به؟ قال: هممت أن أجلس، وأدعه.(2/112)
قوله: (فصل: إذا سجد للتلاوة) إلى أن قال: (ويستحب أن يقول معه: اللهم اجعل لي عندك ذخراً)، وذكر في آخره أن الترمذي أخرجه والحاكم.
قرأت على فاطمة بنت المنجا، عن سليمان بن حمزة، أنا أبو عبد الله الحافظ، أنا أبو جعفر الصيدلاني، قال: أخبرتنا أم إبراهيم بنت عقيل، قالت: أنا أبو بكر الضبي، ثنا سليمان بن أحمد، ثنا يوسف بن يعقوب القاضي، ثنا نصر بن علي، ثنا محمد بن يزيد بن خنيس، ثنا الحسن بن محمد بن عبيد الله بن أبي يزيد، قال: قال لي ابن جريج: حدثني جدك عبيد الله بن أبي يزيد، أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيتني في هذه الليلة فيما يرى النائم كأني أصلي تحت شجرة، وكأني قرأت سورة السجدة، فسجدت، فرأيت الشجرة، كأنها سجدت بسجودي، وكأني سمعتها وهي تقول: ((اللهم اكتب لي بها عندك ذخراً، وضع عني بها وزراً، واجعلها عندك لي ذخراً، وتقبلها مني كما تقبلت من عبدك داود)) قال ابن عباس: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ السجدة فسمعته يقول في سجوده كما أخبر الرجل عن قول الشجرة.
هذا حديث حسن، أخرجه الترمذي عن قتيبة.
وابن ماجه عن أبي بكر بن خلاد.
وابن خزيمة عن الحسن بن محمد وأحمد بن جعفر.
أربعتهم عن محمد بن يزيد.(2/113)
فوقع لنا بدلاً عالياً.
ومحمد بن يزيد شيخ مكي قال أبو حاتم الرازي: كتبنا عنه بمكة، وكان شيخاً صالحاً، وذكره ابن حبان في الثقات وقال: ربما أخطأ.
وأخرج مع ذلك حديثه في صحيحه عن ابن خزيمة.
وجده خنيس بخاء معجمة ونون وسين مهملة بصيغة التصغير، والله أعلم.
[[روينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في سجود القرآن: ((سجد وجهي للذي خلقه، وشق سمعه وبصره بحوله وقوته)). قال الترمذي: حديث صحيح.]]
(139)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا شيخنا المشار إليه إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء خامس ربيع الآخر من شهور سنة أربعين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
وقال الحاكم لما أخرجه من رواية جعفر بن محمد بن شاكر عن محمد بن يزيد بن خنيس: قال محمد بن يزيد، وكان الحسن بن محمد بن عبيد الله يصلي بنا في المسجد الحرام في شهر رمضان فيقرأ السجدة فيسجد(2/114)
فيطيل فنقول له في ذلك؟ فيقول: قال لي ابن جريج: أخبرني جدك، فذكر الحديث.
قال الحاكم: حديث صحيح، ورواته مكيون، لم يذكر أحد منهم بجرح.
قلت: قد ذكر العقيلي في الضعفاء الحسن بن محمد أحد رواته، وذكر له هذا الحديث، وقال: لا يتابع عليه، وليس بمشهور بالنقل.
وقال الترمذي بعد تخريجه: حديث غريب لا نعرفه من حديث ابن عباس إلا من هذا الوجه، وفي الباب عن أبي سعيد.
قلت: وقد وقع لي حديث أبي سعيد الذي أشار إليه، وفيه فائدتان: تسمية الرجل الذي رأى، وبيان السورة التي فيها السجدة المذكورة.
قرئ على فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي ونحن نسمع، عن محمد بن محمد بن محمد بن هبة الله، أنا أبو محمد بن عبد الرشيد في كتابه، أنا جدي لأمي الحافظ أبو العلاء الهمداني، أنا أبو علي المقرئ، أنا أحمد بن عبد الله الحافظ، أنا الطبراني في الأوسط، ثنا عبد الرحمن بن الحسين الصابوني، ثنا الجراح بن مخلد، ثنا اليمان بن نصر صاحب الدقيق، ثنا عبد الله بن سعد المدني، ثنا محمد بن المنكدر، حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: رأيت فيما يرى النائم كأني تحت شجرة، وكأن الشجرة تقرأ سورة (ص)، فلما أتت على السجدة سجدت فقالت في سجودها: ((اللهم اكتب لي بها أجراً، وحط عني بها وزراً، واحدث لي بها شكراً، وتقبلها مني كما تقبلت من عبدك داود سجدته)) فلما أصبحت غدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته بذلك فقال: ((سجدت أنت يا أبا سعيد؟)) فقلت: لا، فقال: ((أنت كنت أحق بالسجود من(2/115)
الشجرة)) فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة (ص) حتى أتى على السجدة، فقال في سجوده ما قالت الشجرة في سجودها.
قال الطبراني: لا يروى عن أبي سعيد إلا بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو يعلى عن الجراح بن مخلد على الموافقة، ولم يقع في سماعنا، لأنه من فوت زاهر.
فأخرجه البخاري في التاريخ عن عمرو بن علي الفلاس عن اليمان بن نصر، ولم يسق لفظه، أورده في ترجمة محمد بن عبد الرحمن بن عوف.
ومحمد هذا ذكره ابن حبان في ثقات التابعين.
وذكره ابن فتحون في الصحابة، وقال: إنه ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أكبر ولد عبد الرحمن، وبه كان يكنى، وهو قليل الرواية.
وذكر ابن حبان أنه روى عنه أيضاً ابنه عبد الواحد.
واليمان بن نصر ذكره الذهبي في الميزان وقال: بيض له ابن أبي حاتم، فهو مجهول.
قلت: كلا، قد روى عنه عمرو بن علي والجراح كما تقدم ويعقوب بن سفيان، وذكره ابن حبان في الثقات، ولكن شيخه ما عرفته، والعلم عند الله.
قوله: (وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي .. .. ) إلى آخره.
قرأت على الإمام شيخ الإسلام أبي الفضل بن الحسين الحافظ فيما قرأه على الحافظ أبي محمد بن القيم، أنا أبو الحسن بن البخاري، أنا محمد بن معمر في كتابه، أنا سعيد بن أبي الرجاء، أنا أحمد بن محمد بن النعمان، أنا محمد بن إبراهيم العاصمي، ثنا إسحاق بن أحمد الخزاعي، ثنا محمد بن يحيى العدني، ثنا عبد الوهاب الثقفي، عن خالد الحذاء، عن(2/116)
أبي العالية، عن عائشة رضي الله عها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجود القرآن بالليل: ((سجد وجهي للذي خلقه، وشق سمعه وبصره بحوله وقوته)).
وأخبرني أبو المعالي الأزهري أنا أبو العباس الحلبي بالسند الماضي مرارا إلى الإمام أحمد ثنا هشيم عن خالد الحذاء، فذكر نحوه.
هذا حديث حسن، أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة كلهم عن بندار محمد بن بشار عن عبد الوهاب الثقفي.
وأخرجه ابن خزيمة والحاكم من رواية وهيب بن خالد وخالد بن عبد الله الواسطي كلاهما عن خالد الحذاء.
قال ابن خزيمة: إنما أخرجته لئلا يغتر بعض الطلبة فيظنه صحيحاً، وليس كذلك، فإن خالد الحذاء لم يسمعه من أبي العالية، بل بينهما فيه رجل.
قلت: كأنه يشير إلى رواية إسماعيل بن علية قال: حدثنا خالد الحذاء عن رجل عن أبي العالية عن عائشة الحديث.
وبالسند الذي أشرت إليه إلى الإمام أحمد ثنا إسماعيل فذكره.
وهكذا أخرجه أبو داود عن مسدد عن إسماعيل.
وخفيت علته على الترمذي فصححه، واغتر ابن حبان بظاهره فأخرجه في صحيحه عن ابن خزيمة.
وتبعه الحاكم في تصحيحه.(2/117)
وكأنهما لم يستحضرا كلام إمامهما فيه.
وذكر الدارقطني في العلل الاختلاف فيه، وقال: الصواب رواية إسماعيل.
قلت: وإنما قلت: حسن، لأن له شاهداً من حديث علي كما تقدم، وإن كان في مطلق السجود، والله أعلم.
زاد الحاكم: ((فتبارك الله أحسن الخالقين)).
[[باب: ما يقول في رفع رأسه من السجود وفي الجلوس بين السجدتين
والسنة أن يدعو:
بما رويناه في سنن أبي داود والترمذي والنسائي والبيهقي وغيرها، عن حذيفة رضي الله عنه في حديثه المتقدم في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل، وقيامه الطويل بالبقرة والنساء وآل عمران، وركوعه نحو قيامه، وسجوده نحو ذلك، قال: وكان يقول بين السجدتين: ((رب اغفر لي، رب اغفر لي))، وجلس بقدر سجوده.
وبما رويناه في سنن البيهقي، عن ابن عباس في حديث مبيته عند خالته ميمونة رضي الله عنها، وصلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل فذكره قال: وكان إذا رفع رأسه من السجدة قال: ((رب اغفر لي(2/118)
وارحمني واجبرني وارفعني وارزقني واهدني)) وفي رواية أبي داود ((وعافني)) وإسناده حسن، والله أعلم.]]
(140)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ثم حدثنا شيخنا، سيدنا، ومولانا شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، وقاضي القضاة، أبو الفضل، أحمد العسقلاني إملاء من حفظه، وقراءة عليه من المستملي كعادته في الثلاثاء ثاني عشر ربيع الآخر سنة أربعين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
تنبيه: لم أر في النسخ المعتمدة من الأذكار في آخر الحديث: ((بحوله وقوته)) وهو ثابت في الكتب الثلاثة التي نسبه إليها. وكذا في الكتب التي نسبته إليها.
وأما قوله بعده: (وزاد الحاكم: {تبارك الله أحسن الخالقين} فإن الحاكم أخرجه من طريق أبي موسى محمد بن المثنى عن عبد الوهاب الثقفي، فذكر الحديث بتمامه سنداً ومتناً، وقال بعد قوله: ((بحوله وقوته: فتبارك الله أحسن الخالقين)) إلى آخره.
وهكذا أخرجه البيهقي عن الحاكم.
وأخرجه من طريق أخرى عن محمد بن المثنى بدون هذه الزيادة.(2/119)
وقول المصنف قبل ذلك: ويستحب أن يقول: سبحان ربنا إلى آخره.
قلت: قد سبق الشافعي إلى ذلك سعيد بن أبي عروبة، وكان أحد فقهاء البصرة، وأدرك بعض الصحابة.
أخرجه ابن أبي شيبة من طريقه.
ولا يعترض بالنهي عن القراءة في السجود، لأنه يحمل على عدم إرادة التلاوة كما في الذي قبله.
قوله: (باب ما يقول إذا رفع رأسه من السجود، وما يقول بين السجدتين، إلى أن قال: والسنة أن يدعو بما رويناه في سنن أبي داود وغيره عن حذيفة إلى آخره).
قلت: أوردته قريباً من مسند أبي داود الطيالسي قال: حدثنا شعبة حدثني عمرو بن مرة عن أبي حمزة عن رجل من بني عبس: كان شعبة يرى أنه صلة عن حذيفة رضي الله عنه أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم -قال أبو داود: يعني: صلاة الليل- فذكر الحديث بطوله، وفيه ثم رفع رأسه من سجوده فجعل يقول: ((رب اغفر لي رب اغفر لي)) فجلس قدر سجوده الحديث.
وأخرجه أبو داود والترمذي، والنسائي، وأحمد من حديث شعبة.
وقد وقع لي من وجه آخر مختصراً [مقتصراً] على المقصود.
أخبرني أبو العباس أحمد بن علي بن يحيى الدمشقي بها، أنا أحمد بن نعمة عن عبد الله بن عمر بن علي، أنا عبد الأول بن عيسى، أنا عبد الرحمن بن محمد، أنا عبد الله بن أحمد، أنا عيسى بن عمر، أنا عبد الله بن عبد الرحمن، أنا الفضل بن دكين، ثنا زهير بن معاوية، حدثني العلاء بن المسيب، عن عمرو بن مرة، عن طلحة بن يزيد، عن حذيفة رضي الله عنه،(2/120)
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بين السجدتين: ((رب اغفر لي رب اغفر لي)).
وهكذا أخرجه ابن ماجه وابن خزيمة من رواية حفص بن غياث عن العلاء.
وأخرجه ابن حبان عن ابن خزيمة.
وأخرجه الحاكم من رواية معاوية بن عمرو عن زهير.
وفي تصحيح هؤلاء هذا الإسناد نظر، فإن طلحة بن يزيد هو أبو حمزة المذكور في الذي قبله، ولم يسمع من حذيفة كما جزم به النسائي، لكن قد عرف الواسطة بينهما كما في رواية شعبة.
قوله: (وبما روينا في سنن البيهقي عن ابن عباس في مبيته عند خالته ميمونة رضي الله عنها .. .. إلى آخره).
قلت: أخرجه البيهقي من طريق خالد بن يزيد الطبيب، عن كامل بن العلاء، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بت عند خالتي ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم من نومه.
قال البيهقي: فذكر الحديث في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه: فكان إذا رفع رأسه من السجود قال: ((رب اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني وارزقني واهدني)) ثم سجد.
وأخرجه الطبراني في الكبير من طريق عبيد بن إسحاق العطار، عن كامل بهذا الإسناد والمتن، بتمامه.(2/121)
وقول الشيخ بعد ذلك: (وفي رواية أبي داودٍ ((وعافني)) ) يوهم أنه زادها، وهو كذلك، لكنه نقص ثنتين: ((اجبرني وارفعني)).
وقد وقع لي مختصراً من وجه آخر.
قرأت على أبي الحسن بن أبي المجد، وكتب إلى أبو العباس بن أبي بكر، كلاهما عن محمد بن يحيى بن سعد، قال الثاني: سماعاً: قال: أخبرنا جعفر بن علي، أنا أبو طاهر السلفي، أنا أبو عبد الله الثقفي، ثنا الحافظ أبو بكر بن موسى بن مردويه إملاء، أنا أحمد بن محمد بن زياد القطان ثنا يحيى بن أبي طالب، ثنا زيد بن الحباب (ح).
وبالسند الماضي مراراً إلى الطبراني في الدعاء، ثنا زكريا بن حمدويه ثنا عبيد بن إسحاق، قالا: ثنا كامل، ثنا حبيب، عن سعيد، عن ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول بين السجدتين: ((اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني واهدني)).
هذا حديث غريب، أخرجه أبو داود عن محمد بن مسعود العجمي.
والترمذي عن سلمة بن شبيب، عن زيد بن الحباب.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه ابن حبان في الضعفاء من رواية صالح بن مسمار.
والحاكم من رواية أبي كريب، كلاهما عن زيد بن الحباب.(2/122)
قال الترمذي: غريب.
وقال الدارقطني والطبراني: لم يروه عن حبيب إلا كامل، زاد الطبراني: ولم يروه عن كامل إلا زيد، وعبيد.
قلت: ورواية البيهقي المبدأ بهما ترد عليه، وكذا رواية ابن ماجه من طريق إسماعيل بن صبيح عن كامل، فالمنفرد به كامل، وهو مختلف في توثيقه.
وقد وقع في رواية ابن حبان زيادة: ((وانصرني)) وإذا ضمت إلى ما تقدم تمت الألفاظ ثمانية، والله أعلم.
[[فصل: فإذا سجد السجدة الثانية قال فيه ما ذكرناه في الأولى سواء، فإذا رفع رأسه منه رفع مكبراً وجلس للاستراحة جلسة لطيفة بحيث تسكن حركته سكوناً بيناً، ثم يقوم في الركعة الثانية ويمد التكبيرة التي رفع بها من السجود إلى أن ينتصب قائماً، ويكون المد بعد اللام من الله، هذا أصح الأوجه لأصحابنا، ولهم وجه أن يرفع بغير تكبير ويجلس للاستراحة فإذا نهض كبر؛ ووجه ثالث أن يرفع من السجود مكبراً، فإذا جلس قطع التكبير ثم يقوم بغير تكبير. ولا خلاف أنه لا يأتي بتكبيرين في هذا الموضع، وإنما قال أصحابنا: الوجه الأول أصح لئلا يخلو جزء من الصلاة عن ذكر.
واعلم أن جلسة الاستراحة سنة صحيحة ثابتة في صحيح البخاري وغيره من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.]](2/123)
(141)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم كثيراً، ونسأل الله حسن الخاتمة بمحمد وآله.
ثم حدثنا سيدنا، ومولانا، شيخ الإسلام -أمتع الله بوجوده الأنام- إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء تاسع [عشر] شهر ربيع الآخر من شهور سنة أربعين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
تنبيه: ذكر المصنف في ((شرح المهذب)) تبعاً للرافعي وغيره بلفظ: ((رب اغفر لي واجبرني وعافني وارزقني واهدني)) ثم قال: ((والأحب أن يضم إليها ((وارحمني وارفعني)) فقد ورد ذلك.
وذكره في ((الروضة)) بلفظ: ((اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني)) وهذا موافق لرواية الترمذي، ورواية أبي داود مثلها، لكن قال ((عافني)) بدل ((اجبرني))، ورواية ابن ماجه مثل الترمذي لكن قال: ((ارفعني)) بدل ((اجبرني))، فينتظم من رواية الثلاثة ما ذكره في ((شرح المهذب)) وجمعها ابن عدي إلا: ارفعني، ومثله ابن حبان، لكن عنده: ((انصرني)) بدل: ((اهدني)). واتفقت روايات الجميع على إثبات: ((اغفر لي وارحمني))، فعجب لمن حذف: ((وارحمني)) كالغزالي والرافعي، وقد ثبتت أيضاً [في] رواية البيهقي كما تقدم، ورواية الحاكم مثلها، وأثبت الغزالي في الوجيز بعد ((عافني)) ((واعف عني)) وحذفها الرافعي.
ووقع في رواية بريدة مثل حديث علي، وزاد في آخره: ((رب إني لما(2/124)
أنزلت إلي من خيرٍ فقيرٌ)) أخرجه البزار بسند فيه ضعف.
ويجتمع من جميع ما ذكر عشر كلمات.
وقول الشيخ: وإسناده حسن، كأنه اعتمد فيه على سكوت أبي داود، أما الحاكم فصححه على قاعدته في عدم الفرق بين الصحيح والحسن، وقد قال الترمذي بعد تخريجه: وبه يقول علي رضي الله عنه.
أخبرني الحافظ أبو الحسن بن أبي بكر رحمه الله، أنا محمد بن إسماعيل الدمشقي، أنا علي بن أحمد المقدسي، أنا أبو المعالي الصاعدي في كتابه، أنا محمد بن إسماعيل الفارسي، أنا الحافظ أبو بكر البيهقي، أنا أبو الحسين بن بشران، أنا إسماعيل بن محمد الصفار، ثنا يحيى بن أبي طالب ثنا عبد الوهاب -يعني ابن عطاء-، ثنا سليمان التيمي، قال: بلغني أن علياً رضي الله عنه كان يقول بين السجدتين: ((رب اغفر لي وارحمني وارفعني واجبرني)).
وبه قال البيهقي: ورواه الحارث عن علي فقال: ((اهدني)) بدل: ((ارفعني)).
قلت: أخرجه الشافعي من طريق الحارث.
ووقع لي من وجه آخر.
وبالسند الماضي مراراً إلى الطبراني في الدعاء ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو نعيم -هو الفضل بن دكين- ثنا سفيان -هو الثوري- عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول بين(2/125)
السجدتين: اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني وارزقني وارفعني.
ورجال الأول موثقون إلا الواسطة بين سليمان وعلي، وكذا الثاني إلا الحارث -وهو ابن عبد الله الأعور- مشهور وضعفه جماعة.
قوله: (فصل: فإذا سجد السجدة الثانية .. .. إلى أن قال: واعلم أن جلسة الاستراحة سنة صحيحة ثابتة في صحيح البخاري وغيره من فعل النبي صلى الله عليه وسلم).
قلت: أشهر الأحاديث فيها حديث مالك بن الحويرث.
قرأت على العماد أبي بكر بن العز رحمه الله، عن أبي عبد الله بن الزراد، قال: أنا الحسن بن محمد الحافظ، أنا أبو روح البزاز، أنا أبو القاسم المستملي، أنا أبو سعد أحمد بن إبراهيم النيسابوري، أنا أبو طاهر بن الفضل، أنا محمد بن إسحاق بن خزيمة، ثنا علي بن حجر، ثنا هشيم، عن خالد -هو الحذاء-، عن أبي قلابة -هو الجرمي-، عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي جالساً.
أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي من طرق عن هشيم. منها للترمذي عن علي بن حجر.
فوقع لنا موافقة بعلو درجة.
وبالسند الماضي مراراً إلى الإمام أحمد ثنا إسماعيل -هو المعروف بابن علية- ثنا أيوب عن أبي قلابة قال: جاءنا مالك بن الحويرث إلى مسجدنا، فقال: إني أصلي بكم، وما أريد الصلاة، ولكني أريد أن أريكم(2/126)
كيف رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي؟ قال: فقعد في الركعة الأولى حين رفع رأسه من السجدة الأخيرة ثم قام.
أخرجه أبو داود والنسائي جميعاً عن زياد بن أيوب عن إسماعيل.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه البخاري بنحوه من رواية حماد بن زيد، ومن رواية وهيب بن خالد كلاهما عن أيوب.
وأخرجه البيهقي في بعض طرق حديث أبي حميد الساعدي في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ما يشهد لحديث مالك بن الحويرث.
وأصله عند البخاري وغيره بدون الزيادة، والله أعلم.
(142)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ثم حدثنا شيخنا، سيدنا ومولانا، قاضي القضاة، شيخ الإسلام، إمام الحفاظ -أمتع الله بوجوده الأنام- إملاء من حفظه في يوم الثلاثاء سادس عشرين ربيع الآخر من شهور سنة أربعين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
فأما الرواية بإثباتها:
فأخبرني الشيخ أبو إسحاق بن كامل رحمه الله، أنا أبو محمد(2/127)
عبد الله بن أحمد بن تمام في كتابه، أنا يحيى بن أبي السعود، قال: قرئ على شهدة ونحن نسمع، أن الحسين بن طلحة أخبرهم، أنا أبو الحسين بن بشران، أنا إسماعيل بن محمد النحوي، ثنا عبد الله بن محمد بن شاكر، ثنا أبو أسامة، عن عبد الحميد بن جعفر، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن أبي حميد الساعدي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة (ح).
وبالسند الماضي قريباً إلى الدارمي ثنا أبو عاصم -ولفظ الحديث له- ثنا عبد الحميد بن جعفر، حدثني محمد بن عمرو بن عطاء، سمعت أبا حميد الساعدي رضي الله عنه في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم أحدهم أبو قتادة، قال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: لم؟ فما كنت أكثرنا له تبعاً، ولا أقدمنا له صحبة، قال: بلى، قالوا: فاعرض، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة كبر ورفع يديه حتى يحاذي بها منكبيه، ثم يقرأ، فإذا ركع كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبية ويضع راحتيه على ركبتيه حتى يرجع كل عضو إلى مقره، ولا يصوب رأسه ولا يقمعه، ثم يرفع رأسه فيقول: ((سمع الله لمن حمده)) ويرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه حتى يرجع كل عضو إلى موضعه معتدلاً، ثم يهوي إلى الأرض ويقول: ((الله أكبر)) ويجافي يديه عن جنبيه، ثم يرفع رأسه ويثني رجله اليسرى ويقعد عليها، ثم يسجد ثم يرفع رأسه فيثني رجله اليسرى فيقعد عليها معتدلاً، ثم يصنع في الركعة الأخرى مثل ذلك الحديث، وفي آخره: فقالوا: صدقت.
هذا حديث صحيح، أخرجه أبو داود عن أحمد بن حنبل.
وأخرجه الترمذي، وابن ماجه، وابن خزيمة جميعاً عن بندار.(2/128)
والترمذي أيضاً عن محمد بن المثنى.
وابن خزيمة أيضاً عن يحيى بن سعيد، ومحمد بن يحيى.
والطحاوي عن بكار بن قتيبة.
ستتهم عن أبي عاصم مطولاً ومختصراً.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه ابن ماجه مختصراً عن علي بن محمد الطنافسي، عن أبي أسامة.
فوقع لنا بدلاً عالياً أيضاً.
ورواه أحمد أيضاً عن يحيى بن سعيد القطان.
وأخرجه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن خزيمة من رواية يحيى القطان.
وساقه أحمد وأبو داود تاماً، ولفظه: بعد ذكر السجدة الثانية، ثم ثنى رجله، وقعد، فاعتدل، ثم نهض.
وأما الرواية بإسقاطها فأخرجه البخاري من رواية محمد بن عمرو بن طلحة، عن محمد بن عمرو بن عطاء: أنه كان جالساً مع نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكروا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو حميد .. .. فذكر الحديث إلى ذكر السجدة الأولى والجلوس بين السجدتين، ولم يذكر(2/129)
السجدة الثانية، ولا صفة الرفع منها.
وهكذا وقع في رواية فليح بن سليمان، عن عباس بن سهل بن سعد الساعدي، عن أبي حميد، فذكر لفظ الحديث، ولم يتعرض لصفة الرفع من السجدة الثانية.
أخرجه أبو داود، والترمذي.
وجاءت رواية ثالثة تدل على أنه رفع من السجدة الثانية قائماً بغير جلوس، فاختلف على أبي حميد في جلسة الاستراحة إثباتاً ونفياً وسكوتاً عنها.
وكذلك وقع في قصة المسيء صلاته على الوجوه الثلاثة، كما سأبينه إن شاء الله تعالى.
(143)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ثم في تاريخه حدثنا سيدنا، ومولانا، شيخ الإسلام، أبو الفضل الشهابي، أحمد العسقلاني، إمام الحفاظ، وقاضي القضاة -أمتع الله بطول حياته، وكبت أعداءه بمحمد وآله- في باكورة يوم الثلاثاء رابع جمادى الآخرة من شهور سنة أربعين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
وأما الصفة الثالثة في حديث أبي حميد ففيما:(2/130)
أخبرنا أبو العباس أحمد بن أبي بكر المقدسي في كتابه، وقرأت على خديجة بنت إبراهيم الدمشقية بها، كلاهما عن أبي عبد الله محمد بن أحمد بن أبي الهيجاء، أنا الحافظ أبو علي الحسن بن محمد التيمي، أنا أبو روح عبد المعز بن محمد الهروي، أنا تميم بن أبي سعيد الجرجاني، أنا علي بن محمد البحاثي، أنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن هارون، ثنا أبو حاتم البستي، أنا محمد بن إسحاق -هو السراج-، ثنا الوليد بن شجاع بن الوليد، ثنا أبي (ح).
وقرأته عالياً بدرجتين على الشيخ أبي إسحاق التنوخي، وكتب إلينا أبو العباس المقدسي، كلاهما عن أبي بكر بن أحمد النابلسي، قال الأول: كتابة، والثاني: سماعاً قال: أنا محمد بن إبراهيم الإربلي، عن شهدة الكاتبة سماعاً، قلت: أنا طراد بن محمد الزينبي، أنا هلال بن محمد الحفار، ثنا الحسين بن يحيى بن عياش، ثنا علي بن أشكاب، ثنا أبو بدر شجاع بن الوليد، ثنا أبو خيثمة -يعني زهير بن معاوية-، ثنا الحسن بن الحر، ثنا عيسى بن عبد الله بن مالك، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن عباس بن سهل بن سعد الساعدي، أنه كان في مجلس فيه أبوه وأبو أسيد الساعدي، وأبو حميد الساعدي من الأنصار عنهم، وأنهم تذكروا الصلاة، فقال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، زاد هلال في روايته: فقالوا: كيف؟ فقال: تتبعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهت -قالوا: فأرنا، قال: فقام يصلي وهم ينظرون، فبدأ فكبر، ورفع يديه حذو المنكبين، ثم كبر للركوع، ورفع يديه كذلك، ثم أمكن يديه من ركبتيه، ثم رفع رأسه وقال: ((سمع الله لمن حمده اللهم ربنا ولك الحمد)) ثم رفع يديه، وقال: ((الله أكبر)) فسجد، وانتصب على كفيه وركبتيه، وهو ساجد، ثم كبر فجلس، وتورك إحدى رجليه، ونصب قدمه الأخرى، ثم كبر فسجد السجدة الأخرى، ثم كبر فقام ولم يتورك، ثم عاد فركع الركعة الأخرى .. .. الحديث. لفظهما سواء إلا ما(2/131)
بينته، ولفظة: فقام أخيراً ثبتت في رواية أبي حاتم دون الأخرى.
هذا حديث صحيح، أخرجه أبو داود عن علي بن الحسين بن إبراهيم، وهو ابن أشكاب المذكور في روايتنا.
فوقع لنا موافقة عالية بدرجتين.
وأخرجه الطحاوي عن نصر بن عمار عن علي بن أشكاب.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وصححه ابن حبان كما أوردته، ولفظة: فقام ثبت للطحاوي دون أبي داود.
وأما قصة المسيء صلاته فجاءت من طريق أبي هريرة، ومن حديث رفاعة بن رافع.
أما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري بالأنحاء الثلاثة، أخرجه في كتاب الاستئذان من رواية عبد الله بن نمير، عن عبيد الله بن عمر العمري، فقال بعد ذكر السجدة الثانية: ((ثم ارفع حتى تطمئن جالساً)) وأخرجه في كتاب الأيمان والنذور من رواية أبي أسامة عن العمري، فقال بعد ذكر السجدة الثانية: ((ثم ارفع حتى تستوي قائماً)) وأخرجه في كتاب الصلاة من رواية يحيى القطان عن العمري، فلم يذكر ما بعد السجدة الثانية.
وأخرجه مسلم من هذه الطرق الثلاثة، لكن ساقه على لفظ القطان.
وأما حديث رفاعة فذكر ابن المنذر أن الإمام أحمد احتج به للقول بترك جلسة الاستراحة.(2/132)
وبالسند الماضي مراراً إلى الإمام أحمد ثنا يحيى بن سعيد -هو القطان- ثنا محمد بن عجلان عن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع، عن أبيه، عن عمه رفاعة بن رافع رضي الله عنه، فذكر قصة المسيء صلاته، وقال فيه بعد ذكر الجلوس بين السجدتين: ((ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ثم قم)).
وهكذا أخرجه الطبراني من طريق سليمان بن بلال، عن محمد بن عجلان.
وأخرجه أصحاب السنن الأربعة من طريق متعددة عن علي بن يحيى، وعن يحيى بن علي بن يحيى عن أبيه، كلها ساكتة عما بعد السجدة الثانية.
وكذا أخرجه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، والله أعلم.(2/133)
[[باب: القنوت في الصبح
عن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا. رواه الحاكم أبو عبد الله في كتاب الأربعين، وقال: حديث صحيح.]]
(144)
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم حدثنا سيدنا، ومولانا، شيخ الإسلام، المشار إليه إملاء في يوم الثلاثاء حادي عشر جمادى الآخرة من شهور سنة أربعين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
تنبيه: كلام الشيخ يوهم أن الحكم المذكور لم يرد من قول النبي صلى الله عليه وسلم صحيحاً، وليس كذلك كما قدمته.
وكلامه في ((شرح المهذب)) يقتضي أنه لم يذكر في قصة المسيء صلاته، وقد ورد فيها كما قدمته. ويقتضي أيضاً أن نفيه لم يقع إلا في حديث وائل، وقد ورد في حديث غيره، كما تقدم عن أبي حميد وعن رفاعة.
وجاء أيضاً عن أبي مالك الأشعري.
فأما حديث وائل فاحتج به الشيخ في ((المهذب)) والرافعي وغيرهما للقول الثاني، ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من السجدة استوى قائماً بتكبيرة.(2/134)
وهذا الحديث بيض له الحازمي في ((تخريج أحاديث المهذب)) وكذلك المنذري، ولم يخرجه الشيخ في شرحه ولا من خرج أحاديث الرافعي، وكنت تبعتهم، ثم ظفرت به الآن في مسند البزار في أثناء حديث طويل أخرجه من رواية محمد بن حجر بن عبد الجبار بن وائل بن حجر، عن عمه سعيد بن عبد الجبار، عن أبيه، عن وائل، فذكر الحديث في صفة الوضوء والصلاة، وفيه بعد ذكر السجدة الثانية: ثم رفع رأسه بالتكبير إلى أن اعتدل في قيامه.
وفي سنده ضعف وانقطاع، وليس صريحاً باللفظين في نفي جلسة الاستراحة.
وأما حديث أبي مالك الأشعري:
فأخبرني أبو المعالي الأزهري، أنا أبو العباس الحلبي، أنا أبو الفرج الحراني، أنا أبو محمد الحربي، أنا أبو القاسم الشيباني، أنا أبو علي التميمي، أنا أبو بكر القطيعي، ثنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا أبو النضر هاشم بن القاسم، ثنا عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم، عن أبي مالك الأشعري، أنه جمع قومه، فذكر الحديث في صفة الصلاة، وفيه بعد ذكر الجلوس بين السجدتين: ثم كبر فسجد، ثم كبر فانتهض قائماً، وفي آخره: أنها صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: (باب القنوت في الصبح .. .. إلى أن قال: عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يقنت في صلاة الصبح حتى فارق الدنيا، رواه الحاكم في كتاب ((الأربعين)) وقال: حديث صحيح).(2/135)
قلت: وأخرجه في كتاب القنوت، وسياقه فيه أتم.
أخبرني الإمام المسند أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن المبارك رحمه الله أنا يونس بن أبي إسحاق العسقلاني، أنا أبو الحسن علي بن الحسين بن المقير إجازة مشافهة، عن أبي الفضل أحمد بن طاهر الميهني، أنا أبو بكر أحمد بن علي بن خلف الشيرازي، أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ، ثنا محمد بن عبد الله الشافعي، ثنا محمد بن إسماعيل السلمي، ثنا أبو نعيم ثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس -هو البكري- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في صلاة الصبح حتى فارق الدنيا.
هذا حديث حسن، أخرجه أحمد عن عبد الرزاق عن أبي جعفر الرازي.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأبو جعفر اسمه عيسى بن ماهان مختلف فيه كذا وكذا في شيخه.
وقرأت على فاطمة بنت المنجا، عن سليمان بن حمزة، أنا الحافظ أبو عبد الله المقدسي، أنا المؤيد الطوسي، أنا عبد الجبار بن محمد، أنا أحمد بن الحسين الحافظ، أنا أبو عبد الله الحافظ -يعني الحاكم- ثنا محمد بن عبد الله الصفار، ثنا أحمد بن محمد بن مهران، ثنا عبيد الله بن موسى، ثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أنس رضي الله عنه قال: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً ثم تركه، فأما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا.
وأخبرني أبو محمد عمر بن محمد بن أحمد بن سلمان، أنا أبو بكر بن أحمد الدقاق، أنا علي بن أحمد المقدسي، عن محمد بن معمر، أنا(2/136)
إسماعيل بن الفضل حضوراً وإجازة، قال: أنا محمد بن أحمد بن عبد الرحيم، ثنا علي بن عمر الحافظ، ثنا الحسين بن إسماعيل، ثنا أحمد بن محمد بن عيسى، ثنا أبو نعيم ثنا أبو جعفر الرازي [عن الربيع بن أنس]، قال: كنت جالساً عند أنس بن مالك، فقيل له: إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً فقال: لم يزل يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا.
وهكذا أخرجه الحاكم عن بكر بن محمد الصيرفي، عن أحمد بن محمد بن عيسى وصححه، وهو على طريقته في تصحيح ما هو حسن عند غيره، والله أعلم.
[[وأما غير الصبح من الصلوات الخمس فهل يقنت فيها؟ فيه ثلاثة أقوال للشافعي رحمه الله تعالى: الأصح المشهور منها أنه إن نزل بالمسلمين نازلة قنتوا، وإلا فلا. والثاني: يقنتون مطلقاً. والثالث: لا يقنتون مطلقاً، والله أعلم.]]
(145)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا شيخنا، ومولانا، شيخ الإسلام، قاضي القضاة، إمام الحفاظ(2/137)
إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء ثامن عشر جمادى الآخرة سنة أربعين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
قوله: (وأما غير الصبح من الصلوات الخمس فهل يقنت فيها؟ فيه ثلاثة أقوال .. .. إلى آخره).
قلت: لم يذكر لشيء منها دليلاً، ودليل الأصح ما:
قرأت على أم الحسن التنوخية، عن أبي الربيع بن قدامة، أنا محمد بن عبد الواحد الحافظ، أنا محمد بن أحمد بن نصر، قال: أتنا فاطمة بنت عبد الله، أنا أبو بكر الضبي، أنا أبو القاسم الطبراني، ثنا موسى بن هارون، والحسن بن الكميت، وعبد الله بن محمد الموصلي، قال الأول: ثنا كثير بن يحيى، وقال الآخران: ثنا غسان بن الربيع، قالا: ثنا ثابت بن يزيد، عن هلال بن خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً متتابعاً في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح يدعو على رعل وذكوان وعصية من بني سليم في دبر كل صلاة، إذا قال: سمع الله لمن حمده)) من الركعة الأخيرة ويؤمن من خلفه.
هذا حديث حسن، أخرجه أبو داود عن عبد الله بن معاوية الجمحي عن ثابت بن يزيد.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه عن محمد بن يحيى، عن أبي النعمان محمد بن الفضل، عن ثابت بن يزيد.
فوقع لنا عالياً.
وأما دليل الترك، فوقع في الصحيحين عن أنس وأبي هريرة: أن(2/138)
النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهراً ثم ترك، وحمله الأولون على انقضاء الحاجة؛ لقول أبي هريرة في بعض طرقه إن الذين كانوا يدعو لهم قدموا، فترك الدعاء لهم.
وأما دليل التعميم:
فقرأت على فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي، عن أبي نصر بن العماد، قال: أنا أبو محمد بن عبد الرشيد في كتابه، أنا الحسن بن أحمد المقرئ، أنا الحسن بن أحمد المهري، أنا أحمد بن عبد الله الحافظ، أنا سليمان بن أحمد، ثنا يعقوب ابن إسحاق المخرمي، ثنا علي بن بحر، ثنا محمد بن أنس، عن مطرف بن طريف، عن أبي الجهم -هو سليمان بن الجهم- عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال؛ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي صلاة مكتوبة إلا قنت فيها.
قال سليمان: لم يروه عن مطرف إلا محمد بن أنس.
قلت: رجاله موثقون إلا هو، فقال الدارقطني: ليس بقوي.
قلت: وذكر له البخاري في صحيحه شيئاً تعليقاً.
وأخرج حديثه هذا الدارقطني والبيهقي من طريق أبي حاتم الرازي، عن محمد بن أنس.
وله شاهد.
أخبرني أبو الحسن علي بن محمد الخطيب، عن أبي بكر الدشتي، أنا يوسف بن خليل الحافظ، أنا أبو المكارم اللبان، أنا أبو علي الحداد، أنا أبو نعيم، أنا أبو محمد بن فارس، ثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود الطيالسي، ثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى، يقول: سمعت البراء بن عازب يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الصبح والمغرب.(2/139)
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم، وأحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن خزيمة من طرق متعددة عن شعبة.
فوقع لنا عالياً.
وله شاهد أخرجه البخاري من رواية محمد بن سيرين، عن أنس بلفظه.
وله شاهد آخر أخرجه الشيخان من طريق يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لأقربن لكم صلاة الصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يقنت في الظهر والعشاء و الصبح .. .. الحديث.
وحمل بعضهم هذه الأحاديث على قنوت النازلة.
ويؤيده ما أخرجه البخاري من رواية إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يدعو لأحد، أو يدعو على أحد قنت في الركعة الأخيرة.
وأورده ابن خزيمة من رواية أبي داود الطيالسي، عن إبراهيم بن سعد بهذا الإسناد بلفظ: كان لا يقنت إلا إذا دعا لأحد أو دعا على أحد.
ولهذا اللفظ شاهد من حديث أنس.
قرأت على أبي الطاهر الربعي، عن زينب بنت أحمد بن عبد الرحيم، عن عجيبة بنت أبي بكر، قالت: أنا أبو الخير الباغبان إجازة، أنا أبو بكر السمسار، أنا أبو إسحاق الأصبهاني، ثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي، ثنا(2/140)
القاسم بن محمد بن عباد ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقنت إلا إذا دعا لقوم، أو دعا على قوم.
أخرجه ابن خزيمة عن محمد بن محمد بن مرزوق، عن محمد بن عبد الله الأنصاري.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وله شاهد أخرجه الطبراني عن ابن عباس قال: قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لقوم، ودعا على قوم، وسنده حسن، والله أعلم.
[[ويستحب القنوت عندنا في النصف الأخير من شهر رمضان في الركعة الأخيرة من الوتر، ولنا وجه أن يقنت فيها في جميع شهر رمضان، ووجه ثالث في جميع السنة وهو مذهب أبي حنيفة، والمعروف من مذهبنا هو الأول، والله أعلم.]]
(146)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم كثيراً.
ثم حدثنا شيخنا أبو الفضل الشيخ، الإمام، حافظ الوقت، شيخ الإسلام، قاضي القضاة، إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء خامس(2/141)
عشرين جمادى الآخرة من شهور سنة أربعين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
تنبيه: ترجم الترمذي باب: ترك القنوت في الفجر، وأورد الحديث الذي:
أخبرنا الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد، عن أبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم، أنا محمد بن إبراهيم الأربلي، أنا يحيى بن ثابت بن بندار، أنا علي أحمد بن الخل، أنا أحمد بن عبد الله المحاملي، أنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي، ثنا الحارث -يعني ابن أبي أسامة- ثنا يزيد بن هارون، ثنا أبو مالك الأشجعي، قال: سألت أبي رضي الله عنه فقلت: يا أبه إنك صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر وخلف عمر وخلف عثمان وخلف علي رضي الله عنهم أكانوا يقنتون في الفجر؟.
قال: أي بني محدث.
هذا حديث صحيح أخرجه الترمذي عن أحمد بن منيع، وابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة، كلاهما عن يزيد بن هارون.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه أحمد عن يزيد بهذا الإسناد.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه أيضاً عن إسماعيل بن محمد عن مروان بن معاوية.
وأخرج الترمذي أيضاً من رواية أبي عوانة. والنسائي في رواية خلف(2/142)
ابن خليفة. وابن ماجه أيضاً من رواية عبد الله بن إدريس وحفص بن غياث، خمستهم عن أبي مالك الأشجعي.
وصححه الترمذي وابن حبان عن أبي مالك سعد بن طارق بن أشيم - بفتح الهمزية والياء الأخيرة بينها معجمة.
وقد أخرج مسلم بهذا الإسناد حديثاً غير هذا، فهو على شرطه. وعجيب [عجبت] للحاكم إذ لم يستدركه.
وقد أجاب من أثبت القنوت بأن المثبت مقدم على النافي، أو لعلهم أسروه فلم يسمع، أو كان بعيداً، أو نسي. ويعكر عليه ورود نحو ذلك عن ابن مسعود.
وبالسند الماضي قريباً إلى سليمان بن أحمد، ثنا محمد بن شعيب، ثنا يعقوب بن عبد الله الدشتكي ثنا هشام بن عبيد الله، ثنا محمد بن جابر، ثنا حماد وهو ابن أبي سليمان، عن إبراهيم هو النخعي، عن علقمة والأسود، كلاهما عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في شيء من الصلوات إلا في الوتر، وكان إذا حارب قنت في الصلوات كلها يدعو على المشركين.
هذا حديث غريب أخرجه الطبراني في الأوسط هكذا، وقال: تفرد به محمد بن جابر، عن حماد.
قلت: ومحمد بن جابر ضعيف، وقد رواه الحسن بن الحر -وهو صدوق- عن حماد بهذا الإسناد فحذف الأسود ووقفه على عمر، وهو أشبه بالصواب.(2/143)
قوله: (ويستحب القنوت عندنا في النصف الأخير من شهر رمضان في الركعة الأخيرة من الوتر .. .. ) إلى آخره.
قلت: لم يذكر لشيء من ذلك دليلاً. ومستند الأول ما أخرجه أبو داود بإسنادين رجالهما ثقات، لكن أحدهما منقطع، وفي الآخر راو لم يسم: أن عمر رضي الله عنه لما جمع الناس على أبي بن كعب كان لا يقنت إلا في النصف الأخير. وكذا أخرجه محمد بن نصر في كتاب قيام الليل. وأخرج مثله عن أبي حليمة معاذ بن الحارث وهو الذي كان يصلي بهم إذا غاب أبي. وأخرج أيضاً عن علي مثله [نحوه] بسند ضعيف وعلقه الترمذي لعلي: والثابت عن علي خلافه.
وأما الوجه الثاني فلم يثبته بعضهم، ونسبه الرافعي لمالك، وما وقفت له على مستند، لكن في الموطأ عن داود بن الحصين عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج قال: ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان.
وهذا يحتمل أن يخص بالنصف الأخير فيرجع إلى الأول.
وأما الوجه الثالث فهو المختار عند جماعة، وقد عقد له محمد بن نصر باباً ذكر فيه عن عمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم ذلك بأسانيد صحيحة وتقدم حديث ابن مسعود المرفوع آنفاً. وسيأتي حديث الحسن، وإن كان غير صريح في التعميم.
وأخرج ابن خزيمة من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى: أنه سئل عن القنوت في الوتر فقال: حدثنا البراء بن عازب رضي الله عنهما هي سنة(2/144)
ماضية.
ونقل القاضي حسين في ((التعليقة)) أن القفال ود أن لو قال به أحد من السلف، وأقره على ذلك.
وهو غريب فقد نقله محمد بن نصر، وقبله أبو بكر بن أبي شيبة عن جماعة من التابعين فمن بعدهم، ونقله ابن المنذر عن أبي ثور صاحب الشافعي، ونقله الروياني عن مشايخ طبرستان، وقال به جماعة من الشافعية، والله أعلم.
آخر المجلس السادس والأربعين بعد المئة من تخريج أحاديث الأذكار وهو السادس والعشرون بعد الخمسمئة.
[[وأما لفظه فالاختيار أن يقول فيه.
ما رويناه في الحديث الصحيح في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي وغيرها بالإسناد الصحيح، عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلماتٍ أقولهن في الوتر: ((اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عفيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت)). قال الترمذي: هذا حديث حسن، قال: ولا نعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت شيئاً أحسن من هذا.]](2/145)
(147)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا فقال:
قوله: (وأما لفظه فالاختيار أن يقول فيه ما رويناه في الحديث الصحيح .. .. )) إلى آخره.
أخبرني الإمام المسند أبو الفرج بن أبي العباس الغزي رحمه الله، أنا علي بن إسماعيل المخزومي بقراءة الحافظ أبي الفتح بن سيد الناس عليه، ونحن نسمع أنا إسماعيل بن عبد القوي، أخبرتنا فاطمة بنت سعد الخير، قالت: أخبرتنا أم إبراهيم بنت عبد الله بن عقيل، أنا محمد بن عبد الله الأصبهاني، أنا أبو القاسم الطبراني، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ومحمد بن عبد الله الحضرمي، قال الأول: ثنا علي بن حكيم، والثاني يحيى بن عبد الحميد، وأبو بكر بن أبي شيبة، قالوا: ثنا شريك، هو ابن عبد الله النخعي (ح).
وبه إلى الطبراني ثنا الحسن بن المتوكل البغدادي، ثنا عفان (ح).
وأخبرني الشيخ أبو إسحاق بن كامل، والمسند أبو العباس بن تميم، قالا: أنا أبو العباس الصالحي، أنا أبو المنجى بن اللتي، أنا أبو الوقت، أنا أبو الحسن بن المظفر، أنا أبو محمد السرخسي، أنا أبو العباس السرمقندي، ثنا أبو محمد الدارمي، ثنا يحيى بن حسان قال هو وعفان: حدثنا أبو الأحوص هو سلام بن سليم (ح).
وبه إلى الدارمي أنا عبيد الله بن موسى، ثنا إسرائيل -هو ابن يونس- ثلاثتهم عن أبي إسحاق -هو عمرو بن عبد الله السبيعي- عن بريدة بن أبي مريم، عن أبي الحوراء عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: علمني جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر: ((اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عفيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت،(2/146)
وقني شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يغر من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت)).
هذا لفظ شريك، ولم يقل أبو الأحوص في روايته: ((جدي)) ولا: ((ربنا)) وقال: ((في قنوت الوتر)).
وقال إسرائيل في روايته ((في القنوت)) ولم يقل: ((جدي))، وأحال الدارمي بباقي لفظه على رواية أبي الأحوص.
هذا حديث حسن صحيح، أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي جميعاً عن قتيبة بن سعيد.
وأخرجه أبو داود أيضاً عن أحمد بن جواس -بفتح الجيم وتشديد الواو وآخره مهملة- كلاهما عن أبي الأحوص.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
ولفظ قتيبة كلفظ شريح الذي سقته، لكن قال فيه: ((فإنك)) بزيادة فاء، ولم يقل: ((ولا يعز من عاديت)). ولفظ أحمد بن جواس مثله، لكن قال: ((في قنوت الوتر)).
وأخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة.
فوقع لنا موافقة عالية، وبدلاً عالياً بالنسبة للرواية المتصلة.
وأخرجه ابن خزيمة عن يوسف بن موسى، عن عبيد الله بن موسى.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه أبو داود أيضاً عن عبد الله بن محمد النفيلي، عن زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق، ولم يسق لفظه، بل قال: إن في روايته في آخر(2/147)
الحديث: أقولهن في الوتر في القنوت.
وساقه البيهقي من طريق عمرو بن مرزوق، عن زهير.
قرأت على فاطمة بنت عبد الهادي عن محمد بن عبد الحميد، أنا إسماعيل بن عبد القوي بالسند المذكور آنفاً إلى الطبراني ثنا محمد بن عمرو بن خالد الحراني، ثنا أبي، ثنا زهير بن معاوية، فذكره.
قال الترمذي: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه عن أبي الحوراء السعدي، واسمه: ربيعة بن شيبان.
قلت: وأبو الحوراء -بفتح الحاء المهملة وسكون الواو بعدها راء مهملة ومد- وهو بصري ثقة، والراوي عنه بريد -بموحدة ومهملة مصغر- واسم أبيه أبي مريم مالك بن ربيعة السلولي -بفتح المهملة- صحابي، نزل البصرة، وابنه بريد: بصري ثقة، وهو تابعي أيضاً، ورواية أبي إسحاق عنه من رواية الأقران، بل أبو إسحاق أكبر منه.
وقد رواه عن بريد أيضاً ابنه يونس بن أبي إسحاق، وصاحبه شعبة.
أما رواية يونس فأخرجها الإمام أحمد، عن وكيع عنه.
وأخرجها ابن خزيمة من رواية وكيع، ويحيى بن آدم، كلاهما عن يونس.
وأما رواية شعبة فوقعت لنا بعلو.
وبالسند المذكور آنفاً إلى الدارمي قال: أنا عثمان بن عمر، ثنا شعبة (ح).
وبالسند الأخير إلى الطبراني، ثنا محمد بن محمد التمار، ثنا عمرو بن مرزوق، ثنا شعبة، عن بريد بن أبي مريم، عن أبي الحوراء، قال: قلت(2/148)
للحسن بن علي: ما تذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: حملني على عاتقه فذكر قصة فيها: وكان يدعو بهذا الدعاء: ((اللهم اهدني فيمن هديت .. .. )) الحديث كما تقدم أولاً.
هذا لفظ عثمان بن عمر، ولفظ عمرو بن مرزوق: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول في الوتر .. .. فذكر مثله. وزاد فيه: ((ولا يعز من عاديت)).
وأخرجه ابن خزيمة من طريق غندر.
وابن حبان من طريق مؤمل بن إسماعيل.
كلاهما عن شعبة مثل رواية عثمان بن عمر.
فوقع لنا عالياً بدرجة أو درجتين، ولله الحمد.
[[وفي رواية ذكرها البيهقي أن محمد بن الحنفية، وهو ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: إن هذا الدعاء هو الدعاء الذي كان أبي يدعو به في صلاة الفجر في قنوته.]]
(148)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم كثيراً، ونسأله حسن الخاتمة.
ثم حدثنا سيدنا، وشيخنا، شيخ الإسلام، قاضي القضاة، إمام الحفاظ(2/149)
-أمتع الله بوجوده محبيه، وكبت أعداءه، وأخذل مبغضيه- إملاء من حفظه كعادته في باكورة يوم الثلاثاء تاسع شهر جمادى الآخرة من شهور سنة أربعين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
تنبيه: اللفظ الذي ذكره الشيخ للترمذي وسقطت الفاء من قوله: ((فإنك)) من رواية الباقين، ولم أر في رواية النسائي: ((اللهم)) في أوله في رواية ابن السني، لكنها ثابتة في رواية غيره.
ووقع في رواية ابن ماجه: ((اعفني)) بدل: ((عافني)) وقدم فيه، وأخر، وزاد: ((سبحانك)) قبل قوله: ((تباركت)). وقد راجعت مصنف أبي بكر بن أبي شيبة-وهو شيخه فيه- فوجدته ساقه كما سقته من عند الطبراني عن شيخه عنه، لكن زاد في المصنف الفاء في: ((فإنك)).
ووقع في كلام الرافعي أن بعض العلماء زاد فيه ((ولا يعز من عاديت)) وقد ذكرتها مسندة من طرق، فإن أراد العلماء من المحدثين فلا اعتراض، وعجب ممن أنكر ذلك من كبار الفقهاء.
قوله: (وفي رواية ذكرها البيهقي .. .. إلى آخره).
أخبرني الإمام الحافظ أبو الحسن بن أبي بكر رحمه الله، أنا أبو الفضل محمد بن إسماعيل بن عمر، أنا الفخر أبو الحسن المقدسي، عن عبد الله بن عمر الصفار، أنا عبد الجبار بن محمد الفقيه، أنا أحمد بن الحسين الحافظ، ثنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا علي بن حمشاد، ثنا العباس بن الفضل، ثنا أحمد بن يونس، ثنا محمد بن بشر، ثنا العلاء بن صالح، عن بريد أبي مريم، ثنا أبو الحوراء، سألت الحسن بن علي رضي الله عنه: ما عقلت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: علمني دعوات أقولهن: ((اللهم اهدني)) فذكر الحديث نحو ما تقدم. وزاد قال: يعني بريد بن أبي مريم فذكرت ذلك(2/150)
لمحمد ابن الحنفية، فقال: إنه الدعاء الذي كان أبي يدعو به في صلاة الفجر في قنوته.
هذا حديث حسن. والعلاء بن صالح وثقه يحيى بن معين وجماعة، وقال البخاري: لا يتابع.
وقد عجبت للشيخ حيث اقتصر على هذا الموقوف مع أن البيهقي أخرجه من وجه آخر مرفوعاً.
وبه إلى أبي عبد الله الحافظ، ثنا أبو الوليد حسان بن محمد، ثنا أبو بكر هو الباغيني، ثنا هشام بن خالد الأزرق، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا ابن جريج، عن ابن هرمز، عن بريد بن أبي مريم، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا دعاء ندعو به في القنوت في صلاة الصبح: ((اللهم اهدنا فيمن هديت)) الحديث.
وأخبرني أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد الشبلي، أنا عبد الله بن الحسين الدمشقي، وزينب بنت أحمد الصالحية سماعاً عليها، قال الأول: أنا محمد بن أبي بكر البلخي، والآخر: أنا عبد الرحمن بن مكي في كتابه، قالا: أنا الحافظ أبو طاهر السلفي، قال الأول: إجازة، والثاني: سماعاً، أنا أبو ياسر محمد بن عبد العزيز الخياط في آخرين، قالوا: أنا أبو القاسم عبد الملك بن محمد أنا أبو محمد الفاكهي، أنا أبو يحيى بن أبي مسرة، أخبرني أبي، أنا عبد المجيد يعني ابن عبد العزيز بن أبي رواد، أنا ابن جريج، أخبرني عبد الرحمن بن هرمز، أن بريد بن أبي مريم أخبره، سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في صلاة الصبح وفي وتر الليل بهؤلاء الكلمات: ((اللهم اهدني فيمن هديت)) الحديث.(2/151)
هذا حديث غريب أخرجه محمد بن نصر في كتاب ((قيام الليل)) عن عمرو بن علي الفلاس، عن أبي عاصم النبيل عن ابن جريج بهذا الإسناد والمتن.
وأخرجه البيهقي عن محمد بن أحمد بن الحسن البزار، عن الفاكهي.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وذكر البيهقي أن مخلد بن يزيد رواه عن ابن جريج نحو رواية الوليد، لكن زاد ابن الحنفية مع ابن عباس، وقال في حديثه: في قنوت الليل، وأن أبا صفوان الأموي رواه عن ابن جريج فقال عن عبد الله بن هرمز، وقال في حديثه: في قنوت الصبح، وابن هرمز المذكور شيخ مجهول، والأكثر أن اسمه عبد الرحمن، وليس هو الأعرج الثقة المشهور، صاحب أبي هرمز.
وأخرج الحاكم من طريق عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع في صلاة الصبح يدعو بهذا الدعاء: ((اللهم اهدني فيمن هديت))، وصححه، ورد عليه بأنهم اتفقوا على ضعف عبد الله بن سعيد المقبري، والله أعلم.
آخر المجلس الثامن والأربعين بعد المئة من تخريج أحاديث الأذكار، وهو الثامن والعشرون بعد الخمسمئة من الأمالي.
[[ويستحب أن يقول عقيب هذا الدعاء. اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمدٍ وسلم، فقد جاء في رواية النسائي في هذا الحديث بإسناد حسن ((وصلى الله على النبي)).]](2/152)
(149)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا فقال:
قوله: (ويستحب أن يقول عقب هذا الدعاء: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وسلم، فقد جاء في هذا الحديث من رواية النسائي بإسناد حسن: ((وصلى الله على النبي)) ).
قلت: لفظ الدعوى خلاف الدليل، ويزيد عليه ذكر الآل والتسليم. وقد وقعت الزيادة في الرافعي، فإنه بعد أن حكى الخلاف هل يسن الصلاة في القنوت؟ ورجح أنها تسن، قال: لأنه روي في حديث الحسن بن علي رضي الله عنه بعد قوله: تباركت وتعاليت وصلى الله على النبي وآله وسلم، فحذف الشيخ هذه الزيادة في ((الروضة)). وقال الروياني في ((الحلية)): وروي عن الحسن بن علي: ((وصلى الله على النبي محمد وسلم)) رواه النسائي في سننه، كذا قال، وليس في سنن النسائي عند أحد من الرواة عنه زيادة على ما ذكر الشيخ أولاً.
أخبرني الإمام المسند أبو إسحاق بن الحريري، أنا أيوب بن نعمة النابلسي، أنا إسماعيل بن أحمد العراقي، أنا محمد بن عبد الخالق في كتابه، أنا عبد الرحمن بن حمد، أنا القاضي أبو نصر بن الكسار، أنا الحافظ أبو بكر بن السني، أنا أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، أنا محمد بن سلمة هو المرادي، ثنا ابن وهب، عن يحيى بن عبد الله بن سالم، عن موسى بن عقبة، عن عبد الله بن علي، عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الكلمات في الوتر: ((اللهم اهدني فيمن هديت)) فذكر مثل سياق الترمذي، لكن سقط منه ((وعافني فيمن عافيت)) وزاد بعد قوله: ((ربنا وتعاليت وصلى الله على النبي)).(2/153)
هذا حديث أصله حسن روي من طرق متعددة عن الحسن، لكن هذه الزيادة في هذا السند غريبة لا تثبت؛ لأن عبد الله بن علي لا يعرف، وقد جوز الحافظ عبد الغني أن يكون هو عبد الله بن علي بن الحسين بن علي، وجزم المزي بذلك، فإن يكن كما قال فالسند منقطع، فقد ذكر ابن سعد والزبير بن بكار وابن حبان: أن أمه أم عبد الله بنت الحسن بن علي وهو شقيق أبي جعفر الباقر، ولم يسمع من جده الحسن بن علي، بل الظاهر أن جده مات قبل أن يولد، لأن أباه زين العابدين أدرك من حياة عمه الحسن رضي الله عنه نحو عشر سنين فقط، فتبين أن هذا السند ليس من شرط الحسن لانقطاعه أو جهالة راويه، ولم ينجبر بمجيئه من وجه آخر، ويؤيد انقطاعه أن ابن حبان ذكره في أتباع التابعين من الثقات، فلو كان سمعه من الحسن لذكره في التابعين.
وقد بالغ الشيخ في ((شرح المهذب)) فقال: إنه سند صحيح أو حسن، وكذا قال في ((الخلاصة)).
ومع التعليل الذي ذكرته فهو شاذ، وقد خالف يحيى بن عبد الله راويه عن موسى بن عقبة إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة ومحمد بن جعفر بن أبي كثير، فروياه عن موسى بن عقبة على خلاف ما رواه يحيى.
أخبرني شيخنا الإمام حافظ العصر أبو الفضل بن الحسين رحمه الله، أخبرني عبد الله بن محمد البزوري، أنا علي بن أحمد السعدي، أنا محمد بن أبي زيد الكراني، في كتابه، أنا محمود بن إسماعيل الصيرفي، أنا أحمد بن محمد بن فاذشاه، أنا الطبراني في الدعاء، ثنا الحسن بن علي بن شهريار، وعلي بن سعيد الرازي، قال الأول: حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن زرارة(2/154)
الرقي، وقال الثاني: حدثنا الحسن بن محمد المنكدري، قالا: ثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، عن عمه موسى بن عقبة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: أخبرني الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء في القنوت في الوتر فذكره مثل رواية أبي داود سواء.
أخرجه محمد بن نصر في كتاب ((قيام الليل)) من رواية محمد بن إسماعيل هذا، فوقع لنا عالياً.
وبه إلى الطبراني قال: ثنا أحمد بن واضح العسال المصري، ثنا سعيد بن أبي مريم، ثنا محمد بن جعفر، ثنا موسى بن عقبة، عن أبي إسحاق، عن بريد بن أبي مريم، عن أبي الحوراء، عن الحسن بن علي قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول في الوتر .. .. فذكر مثله سواء، لكن زاد فيه: ((ولا يعز من عاديت)).
وهكذا أخرجه أبو عبد الله بن مندة في معرفة الصحابة في ترجمة الحسن بن علي من طريق سعيد بن أبي مريم، وهذه الطريق أشبه بالصواب، لأن محمد بن جعفر هو ابن أبي كثير المدني أثبت وأحفظ من إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة ومن يحيى بن عبد الله بن سالم، فرجع الحديث إلى رواية أبي إسحاق عن بريد عن أبي الحوراء وهو المعروف والله أعلم.
آخر المجلس التاسع والأربعين بعد المئة من تخريج أحاديث الأذكار، وهو التاسع والعشرون بعد الخمسمئة.
[[قال أصحابنا: وإن قنت بما جاء عن عمر بن الخطاب(2/155)
رضي الله عنه كان حسناً، وهو أنه قنت في الصبح بعد الركوع فقال: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ولا نكفرك، ونؤمن بك ونخلع من يفجرك، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحقٌ. اللهم عذب الكفرة الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، ويقاتلون أولياءك. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، وأصلح ذات بينهم، وألف بين قلوبهم، واجعل في قلوبهم الإيمان والحكمة، وثبتهم على ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوزعهم أن يوفوا بعهدك الذي عاهدتم عليه، وانصرهم على عدوك وعدوهم إله الحق واجعلنا منهم.]]
(150)
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم حدثنا فقال: وقد جاء عن بعض السلف أنه كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت.
قرأت على الإمام شيخ الإسلام أبي حفص بن أبي الفتح رحمه الله، أن إسماعيل بن إبراهيم التفليسي أخبرهم، أنا المعين أحمد بن علي الدمشقي، وإسماعيل بن عبد القوي بن أبي العز، قالا: أنا أبو القاسم هبة الله بن علي البوصيري، أنا أبو صادق مرشد بن يحيى المديني، أنا الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد الحبال، أنا عبد الرحمن بن عمر بن النحاس (ح).
وقرأته عالياً على فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي بصالحية دمشق،(2/156)
عن يحيى بن محمد بن سعد، عن أبي صادق بن الصباح، أنا محمد بن غدير إجازة إن لم يكن سماعاً، أنا علي بن الحسن القاضي، أنا أبو محمد بن النحاس، ثنا إسماعيل بن يعقوب بن الجراب، ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، ثنا محمد بن المثنى، ثنا معاذ بن هشام يعني الدستوائي، ثنا أبي عن قتادة، عن عبد الله بن الحارث هو أبو الوليد البصري، أن معاذاً أبا حليمة القارئ كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت.
هذا موقوف صحيح أخرجه إسماعيل القاضي في كتاب فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو آخر حديث فيه.
وأبو حليمة بفتح المهملة وكسر اللام هو معاذ بن الحارث الأنصاري الخزرجي من بني مالك بن النجار صحابي، يقال إنه شاهد الخندق، ويقال بل كان صغيراً في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وله رواية عن أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم. وكان عمر رتبه إماماً في التراويح إذا غاب أبي بن كعب فكان يؤم بهم في العشر الأخير.
وأخرج محمد بن نصر في كتاب قيام الليل بسند صحيح عن الزهري قال: كانوا يلعنون الكفرة في رمضان، يشير إلى دعاء القنوت، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو للمسلمين. ومن طريق وهب بن خالد عن أيوب نحوه. وسنده صحيح أيضاً. وفيه إخبار عمن أدركه الزهري وأيوب من صغار الصحابة وكبار التابعين، ويحتمل أيضاً الإرسال عمن لم يدركاه.
قوله: (قال أصحابنا: وإن قنت بما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان حسناً وهو اللهم إنا نستعينك .. .. ) إلى آخره.
قلت: لن ينسبه إلى من خرجه، وقد أخرجه البيهقي من وجهين إلى(2/157)
عمر أحدهما باللفظ الذي ذكره، لكن ليس بتمامه، وقال فيه: قبل الركوع، بخلاف ما قال المصنف أنه كان يقوله بعد الركوع، والآخر بمغايرة في بعض ألفاظه وزيادات وتقديم وتأخير وقال فيه: بعد الركوع.
أخبرني الإمام أبو الحسن بن أبي بكر بالسند الماضي مراراً إلى البيهقي، أنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، أنا أسيد بن عاصم ثنا الحسن بن حفص ثنا سفيان هو الثوري، حدثني ابن جريج: عن عطاء، عن عبيد بن عبيد بن عمير، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قنت بعد الركوع فقال: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وألف بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم وانصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم العن الكفرة [كفرة أهل الكتاب] الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك، اللهم خالف بين كلمتهم وزلزل بهم الأرض وأنزل بهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين، بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك، ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك، بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك الجد، إن عذابك بالكافرين ملحق.
هذا موقوف صحيح أخرجه محمد بن نصر عن إسحاق بن إبراهيم، عن محمد بن بكر والنضر بن شمي، كلاهما عن ابن جريج. وزاد بهذا السند إلى ابن جريج كلمة البسملة فيه، وأنهما سورتان في مصحف بعض الصحابة. وبسند آخر إلى أبي بن كعب: أنه كان يقنت بالسورتين فذكرهما، وأنه كان يكتبهما في مصحفه.
وبه إلى البيهقي أنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو العباس محمد بن(2/158)
يعقوب، ثنا العباس بن الوليد، أخبرني أبي، ثنا الأوزاعي، حدثني عبدة بن أبي لبابة، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي، عن أبيه، قال: صليت خلف عمر رضي الله عنه صلاة الصبح فسمعته يقول بعد القراءة قبل الركوع اللهم إياك نعبد فذكره كما عند المصنف، لكن قدم وأخر وانتهى إلى قوله ونخلع من يكفرك وإسناده صحيح وهو محمول على أن عمر رضي الله عنه كان يقنت تارة قبل الركوع وتارة بعده. وذكر البيهقي أن من روى عنه بعد الركوع أكثر عدداً، والله أعلم.
آخر المجلس الخمسين بعد المئة من تخريج أحاديث الأذكار وهو الثلاثون بعد الخمسمئة.
[[واعلم أن المنقول عن عمر رضي الله عنه: عذب الكفرة أهل الكتاب؛ لأن قتالهم ذلك الزمان كان مع كفرة أهل الكتاب؛ وأما اليوم فالاختيار أن يقول: ((عذب الكفرة)) فإنه أعم. وقوله نخلع: أي نترك، وقوله يفجر: أي: يلحد في صفاتك، وقوله نحفد بكسر الفاء: أي: نسارع، وقوله الجد بكسر الجيم: أي الحق، وقوله ملحق بكسر الحاء على المشهور ويقال بفتحها، ذكره ابن قتيبة وغيره، وقوله: ذات بينهم، أي: أمورهم ومواصلاتهم، وقوله الحكمة: هي كل ما منع من القبيح، وقوله وأوزعهم: أي: ألهمهم، وقوله واجعلنا منهم: أي: ممن هذه صفته.]](2/159)
(151)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا فقال: وقد ورد هذا الحديث المنسوب إلى عمر من وجه آخر مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وبالسند المذكور إلى الطبراني في الدعاء، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا عباد بن يعقوب الأسدي، ثنا يحيى بن يعلى الأسلمي، ثنا ابن لهيعة، عن ابن هبيرة، عن عبد الله بن زرير الغافقي، قال لي عبد الملك بن مروان: لقد علمت ما حملك على حب أبي تراب إلا أنك أعرابي جاف، فقلت: والله لقد جمعت القرآن من قبل أن يجمع أبواك، ولقد علمني منه علي بن أبي طالب رضي الله عنه سورتين علمهما إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما علمتهما أنت ولا أبوك: ((اللهم إنا نستعينك فذكره إلى أن يكفرك [يفجرك] اللهم إنا نعبدك ولك نصلي ونسجد فذكره إلى ملحق، اللهم عذب كفرة أهل الكتاب والمشركين الذين يصدون عن سبيلك ويجحدون آياتك ويكذبون رسلك ويتعدون حدودك ويدعون معك إلهاً آخر لا إله إلا أنت تباركت وتعاليت عما يقول الظالمون علواً كبيراً)).
هذا حديث غريب. وعبد الله بن زرير صدوق، وأبوه بزاي وراء مصغر، وابن هبيرة اسمه عبد الله صدوق، وابن لهيعة اسمه عبد الله وهو صدوق ضعيف من قبل حفظه، ويحيى الراوي عنه من أقرانه، وهو ضعيف، وعباد صدوق أخرج عنه البخاري، لكنه منسوب إلى الرفض.
وأخرج محمد بن نصر من طريق يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن زرير بعض هذا الحديث لكن موقوفاً، وجعل القصة مع عبد العزيز بن(2/160)
مروان، فإن كان الأول محفوظاً حمل على أنه جرى له مع كل منهما. والثاني أشبه لأنه مصري، وكان عبد العزيز أمير مصر.
ووجدت لأصل الحديث شاهداً رجاله موثقون، لكنه مرسل.
وبالسند الماضي قبل إلى البيهقي ثنا محمد بن عبد الله الحافظ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا بحر بن نضر الخولاني، قرئ على عبد الله ابن وهب وأنا أسمع، قيل له: حدثكم معاوية بن صالح، عن عبد القاهر يعني ابن عبد الله، عن خالد بن أبي عمران، قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على مضر يعني في الصلاة إذ جاءه جبريل عليه السلام، فأومأ إليه أن اسكت، فسكت ثم قال: يا محمد إن الله لم يبعثك لعاناً ولا سباباً، ولم يبعثك عذاباً، وإنما بعثك رحمة {ليس لك من الأمر شيءٌ أو يتوب عليهم} إلى {الظالمون} ثم علمه هذا القنوت: اللهم إنا نستعينك .. .. فذكره إلى قوله: ملحق. ولم يذكر ما بعده.
وهكذا أخرجه أبو داود في كتاب المراسيل عن سليمان بن داود المهري عن ابن وهب.
وخالد من صغار التابعين. وعبد القاهر ما وجدت عنه راوياً إلا معاوية بن صالح وقد ذكره ابن حبان في الثقات.
قوله: (واعلم أن المنقول عن عمر .. .. ) إلى آخره.
قلت: ورد عنه الجمع بين الأمرين كما أخرجه عبد الرزاق بسند حسن عن أبي رافع الصائغ -واسمه نفيع- قال: صليت خلف عمر رضي الله عنه الصبح فقنت بعد الركعة فسمعته يقول: اللهم نستعينك فذكره بطوله. وفيه اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك إلى آخره.
وقد وقع الجمع في حديث علي الذي ذكرته آنفاً، فيحتمل أن يكون(2/161)
أحد الرواة في حديث عمر اختصر، أو كان عمر رضي الله عنه يقتصر تارة ويجمع أخرى بحسب المقام والله أعلم.
آخر المجلس الحادي والخمسين بعد المئة من تخريج أحاديث الأذكار، وهو الحادي والثلاثون بعد الخمسمئة.
[[قال أصحابنا: يستحب الجمع بين قنوت عمر وما سبق، فإن جمع بينهما فالأصح تأخير قنوت عمر، وإن اقتصر فليقتصر على الأول، وإنما يستحب الجمع بينهما إذا كان منفرداً أو إمام محصورين يرضون بالتطويل، والله أعلم.
واعلم أن القنوت لا يتعين فيه دعاء على المذهب المختار، فأي دعاء دعا به حصل القنوت ولو قنت بآيةٍ أو آياتٍ من القرآن العزيز وهي مشتملة على الدعاء حصل القنوت، ولكن الأفضل ما جاءت به السنة. وقد ذهب جماعة من أصحابنا إلى أنه يتعين ولا يجزئ غيره.
واعلم أنه يستحب إذا كان المصلي إماماً أن يقول: اللهم اهدنا بلفظ الجمع وكذلك الباقي، ولو قال اهدني حصل القنوت وكان مكروهاً، لأنه يكره للإمام تخصيص نفسه بالدعاء.
وروينا في سنن أبي داود والترمذي، عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمن عبدٌ قوماً فيخص نفسه بدعوةٍ دونهم، فإن فعل فقد خانهم)) قال الترمذي: حديث حسن.]](2/162)
(152)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا فقال: وقد ورد بعض الحديث مرفوعاً من وجه قوي.
أخبرني أبو بكر بن عبد العزيز الحموي الأصل فيما قرأت عليه بمنزله بمصر، أنا جدي أبو عبد الله محمد بن إبراهيم، أنا إسماعيل بن أحمد، ومكي بن علان كتابة منهما، عن الحافظ أبي طاهر السلفي، أنا أبو غالب الباقلاني، أنا أبو العلاء الواسطي، أنا أبو نصر أحمد بن محمد، أنا أحمد بن محمد بن جليل بالجيم، أنا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، ثنا علي يعني ابن المديني، واللفظ له (ح).
وقرأت على أم يوسف الصالحية بها، عن محمد بن عبد الحميد، أنا إسماعيل بن عبد القوي، بالسند الماضي مراراً إلى الطبراني، ثنا إبراهيم بن دحيم، ثنا أبي يعني عبد الرحمن بن إبراهيم الحافظ (ح).
وبه قال: وحدثنا عبدالرحمن بن سلم الرازي، ثنا سهل بن عثمان (ح).
وبه قال: وحدثنا عبد الله بن أحمد يعني ابن حنبل، ثنا داود بن عمرو (ح).
قال الأربعة: ثنا مروان بن معاوية، ثنا عبد الواحد بن أيمن، عن عبيد بن رفاعة -هو ابن رافع بن مالك- الزرقي، عن أبيه رضي الله عنه، قال: لما انكفأ المشركون من أحد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((استووا حتى أثني على ربي)) فصاروا خلفه صفوفاً، فقال: ((اللهم لك الحمد كله)) فذكر الحديث بطوله وفيه: ((اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك، واجعل عليهم رجزك وعذابك، اللهم عذب الكفرة إله الحق)).
هذا حديث صحيح أخرجه النسائي في ((اليوم والليلة)) عن زياد بن(2/163)
أيوب، عن مروان بن معاوية.
فوقع لنا بدلاً عالياً، وزاد في آخره: آمين.
وأخرجه الحاكم من طريق أبي العباس السراج عن زياد بن أيوب، ومن طريق خلاد بن يحيى عن عبد الواحد بن أيمن بسنده.
قوله: (قال أصحابنا: يستحب الجمع بين قنوت عمر وما سبق .. .. ) إلى آخره.
قلت: لم أجد في ذلك حديثاً، ونسبة القنوت إلى عمر يخدش فيها وروده مرفوعاً كما تقدم.
قوله: (واعلم أن القنوت لا يتعين فيه دعاء .. .. ) إلى آخره.
قلت: قال ابن الصلاح: القول بتعينه شاذ مردود مخالف لجمهور الأصحاب ولسائر العلماء. وقد نقل القاضي عياض الاتفاق على أنه لا يتعين.
وأخرج محمد بن نصر في كتاب ((قيام الليل)) بسند صحيح عن سفيان الثوري قال: كانوا يستحبون أن يقولوا في قنوت الوتر هاتين السورتين: اللهم إنا نستعينك فذكره إلى قوله: ملحق، وهؤلاء الكلمات: اللهم اهدني فيمن هديت فذكره كاللفظ الأول إلى قوله: تباركت ربنا وتعاليت، وأن يقرؤوا المعوذتين وأن يدعو، وليس فيه شيء موقت.
قوله: (واعلم أنه يستحب إذا كان المصلي إماماً أن يقول: اللهم اهدنا، بلفظ الجمع)).
قلت: قد أوردته بلفظ الجمع فيما مضى من طريق البيهقي، ومن طريق ابن حبان وغيرهما.(2/164)
قوله: (ولو قال اللهم: اهدني حصل القنوت، وكان مكروهاً؛ لأنه يكره للإمام تخصيص نفسه بالدعاء .. .. ) إلى آخره.
وبالسند الماضي إلى البخاري قال: ثنا إسحاق بن العلاء، حدثني عمرو بن الحارث يعني الحمصي، ثنا عبد الله بن سالم، عن محمد بن الوليد -هو الزبيدي- واللفظ له، ثنا يزيد بن شريح (ح).
وقرأت على فاطمة بنت المنجى، عن سليمان بن حمزة، أنا أبو عبد الله الحافظ، أنا أبو المجد بن أبي طاهر، أنا أبو بكر بن أبي علي، أنا أبو طاهر بن عبد الرحيم، أنا أبو بكر القباب، ثنا أبو بكر بن أبي عاصم، ثنا عمرو بن عثمان، ثنا محمد بن حرب، عن صفوان بن عمرو، عن صهيب بن صالح، عن يزيد بن شريح، أن أبا حي المؤذن، حدثه أن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يحل لامرئٍ مسلمٍ أن ينظر في جوف بيتٍ حتى يستأذن، فإن فعل فقد دخل، ولا يؤم قوماً فيخص نفسه بدعوةٍ دونهم حتى ينصرف)) زاد حبيب في روايته: ((فإن فعل فقد خانهم، ولا يصلي وهو حاقنٌ حتى يتخفف)).
هذا حديث حسن أخرجه أبو داود والترمذي من طريق إسماعيل بن عياش، وابن ماجه من طريق بقية، كلاهما عن حبيب بن صالح. قال الترمذي: حسن.(2/165)
وفي الباب عن أبي أمامة وأبي هريرة، وحديث ثوبان أجود إسناداً وأشهر.
وقال البخاري بعد تخريجه: هذا أصح شيء يروى في هذا الباب.
وحديث أبي أمامة الذي أشار إليه الترمذي أخرجه أحمد. وحديث أبي هريرة أخرجه أبو داود.
وفيه عن عبد الله بن عمرو ذكره الدارقطني في ((العلل)) وفي أسانيدها كلها اختلاف على بعض رواة حديث ثوبان.
وقد حمل بعض العلماء الدعاء في هذا الحديث على غير المأثور، بدليل حديث: ((باعد بيني وبين خطاياي)) في دعاء الافتتاح، وحديث: ((اغفر لي)) بين السجدتين. وغير ذلك، وهو صلى الله عليه وسلم كان يصلي إماماً.
وطعن ابن المنذر في صحة حديث ثوبان بهذا.
والجمع أولى، ويحتمل القصر على ما يجهر به لكون المأموم لا يشاركه والله أعلم.
آخر المجلس الثاني والخمسين بعد المئة من تخريج أحاديث الأذكار، وهو الثاني والثلاثون بعد الخمسمئة.(2/166)
[[فصل: اختلف أصحابنا في رفع اليدين في دعاء القنوت ومسح الوجه بهما على ثلاثة أوجه: أصحها أنه يستحب رفعهما ولا يمسح الوجه.
والحديث الصحيح في قنوت رسول الله صلى الله عليه وسلم على الذين قتلوا القراء ببئر معونة يقتضي ظاهره الجهر بالقنوت في جميع الصلوات، ففي صحيح البخاري في باب تفسير قول الله تعالى: {ليس لك من الأمر شيءٌ} عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر بالقنوت في قنوت النازلة.
باب: التشهد في الصلاة
فصل: وأما لفظ التشهد فثبت فيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث تشهدات.
أحدها رواية ابن مسعود رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)) رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما.
الثاني رواية ابن عباس رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله(2/167)
الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله)) رواه مسلم في صحيحه.]]
(153)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا شيخنا أبو الفضل، شيخ الإسلام، قاضي القضاة، إمام الحفاظ، المشار إليه -أمتع الله بطول حياته محبيه، وكبت أعداءه ومبغضيه- إملاء من حفظه، كعادته في يوم الثلاثاء خامس عشر جمادى الآخرة [رجب] سنة أربعين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
قوله: (فصل: اختلف أصحابنا في رفع اليدين في القنوت، إلى أن قال: ويستحب رفعهما ولا يمسح الوجه).
قلت: المراد بالرفع هنا بسطهما لا الرفع الذي في الافتتاح، وقد استدل له البيهقي بحديث لأنس أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه لما دعا على الذين قتلوا القراء.
وقال في مسح الوجه: لم أر فيه شيئاً داخل الصلاة، وأنكره في رسالته إلى أبي محمد الجويني.
وأما خارج الصلاة فوردت فيه عدة أحاديث.
قوله: (وأما الجهر بالقنوت .. .. إلى آخره).
قلت: قضية من روى أنه سمع القنوت في الصلاة أن يكون جهر به،(2/168)
ولم أقف على ذلك إلا في النازلة:
قوله: (والحديث الصحيح في قنوت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن قال: في صحيح البخاري في تفسير قوله تعالى: {ليس لك من الأمر شيءٌ} عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر بالقنوت في قنوت النازلة).
قلت: وهكذا ذكر في ((شرح المهذب)).
وهو يوهم أنه في الموضع المذكور بهذا اللفظ، وإنما فيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو لأحد، أو يدعو على أحد قنت بعد الركوع فذكر الحديث الذي فيه: ((الهم أنج الوليد)) وفيه يجهر بذلك، فذكره الشيخ بالمعنى.
قوله: (باب التشهد: إلى أن قال: فصل: وأما لفظ التشهد فثبت فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث تشهدات).
قلت: كأنه يريد تقييده بما في الصحيحين، وإلا فقد ثبت فيه غير ذلك كما سيأتي.
قوله: (أحدها: رواية ابن مسعود إلى أن قال: رواه البخاري ومسلم في صحيحهما).
قلت: أمليته بطرقه في المجلس الخامس بعد المئة من تخريج المختصر، ومن طرقه التي لم يتقدم ما:
قرأت على المسند أبي الفرج بن حماد رحمه الله، عن أبي الحسن بن قريش سماعاً عليه وهو آخر من حدث عنه بالسماع، قال: أنا أبو الفرج بن الصيقل، عن أبي الحسن بن أبي منصور، أنا الحسن بن أحمد المقرئ، أنا أحمد بن عبد الله الحافظ، ثنا عبد الله بن جعفر، ثنا إسماعيل بن عبد الله (ح).(2/169)
وأخبرنا أبو علي بن الجلال، قال: قرئ على ست الوزراء التنوخية ونحن نسمع أن أبا عبد الله الزبيدي أخبرهم، أنا أبو الوقت أنا عبد الرحمن بن محمد، أنا عبد الله بن أحمد، أنا محمد بن يوسف، أنا محمد بن إسماعيل، قالا: ثنا أبو نعيم، ثنا سيف بن أبي سليمان، قال: سمعت مجاهداً يقول: أخبرني أبو معمر عبد الله بن سخبرة -بفتح المهملة والموحدة بينهما خاء معجمة-، قال: سمعت ابن مسعود رضي الله عنه يقول: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد وكفى بين كفيه كما يعلمني السورة من القرآن: ((التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله بركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)).
وهكذا أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، والنسائي عن إسحاق بن إبراهيم، كلاهما عن أبي نعيم الفضل بن دكين.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وكان مسلماً والنسائي سمعاه من البخاري.
قوله: (الثاني: رواية ابن عباس).
قلت: تقدم بعض طرقه أيضاً.
وأخبرنا أبو هريرة بن الذهبي رحمه الله إجازة غير مرة، أنا محمد بن أبي بكر بن مشرف، ثنا أحمد بن العزيز الحافظ، عن عين الشمس بنت أحمد الثقفية سماعاً عليها، قالت: أنا محمد بن أبي ذر، أنا أبو طاهر بن عبد الرحيم، أنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا إبراهيم بن شريك، ثنا أحمد بن يونس، ثنا الليث بن سعد، عن أبي الزبير، عن طاووس، عن ابن(2/170)
عباس رضي الله عنهما قال: فذكر مثله، يعني حديث التشهد: ((التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله)) والباقي مثل حديث ابن مسعود إلا أن في آخره ((محمداً رسول الله)).
وهكذا أخرجه الشافعي عن يحيى بن حسان.
ومسلم عن قتيبة ومحمد بن رمح.
ثلاثتهم عن الليث بن سعد، وتابع الليث على هذه الرواية عبد الرحمن بن حميد الرؤاسي عن أبي الزبير -واسمه محمد بن مسلم- أخرجه أحمد، وخالفهما أيمن، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
[[الثالث في رواية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((التحيات الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله)) رواه مسلم في صحيحه.
وروينا في سنن البيهقي بإسناد جيد، عن القاسم قال: علمتني عائشة رضي الله عنها قالت: هذا تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)).]](2/171)
(154)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا شيخنا، شيخ الإسلام، قاضي القضاة، أبو الفضل العسقلاني، إمام الحفاظ -أمتع الله المسلمين بطول حياته- إملاء من حفظه في يوم الثلاثاء ثاني عشرين رجب الفرد من شهور سنة أربعين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
أخبرني الشيخ الإمام المسند أبو إسحاق التنوخي رحمه الله، أنا يحيى بن الفضل البكاء، أنا أبو العباس بن مسلمة الدمشقي في كتابه، أنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن عساكر، أنا إسماعيل بن أبي بكر القارئ بنيسابور، أنا عمر بن أحمد بن مسرور، أنا أبو الحسن محمد بن أحمد المحمودي، ثنا محمد بن إسحاق الثقفي، ثنا قتيبة بن [سعيد، ثنا] الليث، عن أبي الزبير، عن طاووس، وسعيد بن جبير، كلاهما عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا القرآن، فكان يقول: ((التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي)) فذكره مثل حديث ابن مسعود سواء.
أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي جميعاً عن قتيبة، على الموافقة.
وهكذا وقع في رواية مسلم وأبي داود ((السلام)) باللام، ووقع في رواية الترمذي فيهما بالتنكير، وهي رواية الشافعي.
ووقع عند جميعهم ((محمداً رسول الله)) وقد تقدم في المجلس السادس بعد المئة من تخريج المختصر كذلك بالتنكير.(2/172)
قوله: (الثالث: رواية أبي موسى .. .. إلى آخره).
أخبرني أبو عبد الرحمن عبد الله بن خليل الخرستاني ثم الصالحي بها رحمه الله، أنا أحمد بن محمد بن معالي، وأبو بكر بن محمد بن الرضى، قالا: أنا محمد بن إسماعيل الخطيب، أتنا أم الحسن الأندلسية، قالت: أنا أبو القاسم المستملي، أنا أبو سعد الأديب، أنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا أبو يعلى الموصلي، ثنا محمد بن المنهال، ثنا يزيد بن زريع، حدثني سعيد -هو ابن أبي عروبة-، وهشام -هو الدستوائي-، جميعاً عن قتادة عن يونس بن جبير، عن حطان بن عبد الله الرقاشي، قال: صلى بنا أبو موسى الأشعري صلاة، فلما كان في آخر القعدة، قال رجل: فذكر قصة فيها قال أبو موسى: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا، فعلمنا صلاتنا وبين لنا سنتنا، فقال: ((إذا أراد أحدكم أن يصلي)) فذكر الحديث، وفيه: ((فإذا كان في آخر القعدة من صلاته فليقل التحيات لله والصلوات الطيبات لله)) فذكر بقيته مثل حديث ابن مسعود سواء.
أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي أسامة عن يزيد بن زريع كما أخرجته.
وأخرج طريق هشام من وجه آخر كما تقدم في تخريج المختصر، وكذا من رواية أبي عوانة عن قتادة.
وسنده ما بين أبي يعلى وأبي موسى كلهم بصريون، وفيه ثلاثة من التابعين في نسق أولهم قتادة.
قوله: (وروينا في سنن البيهقي بإسناد جيد عن القاسم .. .. إلى آخره).
أخبرني أبو المعالي الأزهري، أنا أحمد بن أبي أحمد الصيرفي، أنا(2/173)
عبد اللطيف بن عبد المنعم، أنا عبد الوهاب بن علي، أنا أبو القاسم الشيباني، أنا أبو طالب بن غيلان، أنا أبو بكر الشافعي، ثنا عبد الله بن ياسين، ثنا إبراهيم بن حرب، ثنا يعقوب بن حميد، حدثني صالح بن محمد بن صالح بن دينار، حدثني أبي، قال: علمني القاسم بن محمد، قال: علمتني عائشة رضي الله عنها قالت: هذا تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((التحيات لله والصلوات والطيبات)) فذكر مثل حديث ابن مسعود سواء.
أخرجه البيهقي عن أبي نصر بن قتادة، عن أبي عمرو بن مطر، عن الحسن بن سفيان، عن محمد بن خلاد، عن صالح بن محمد مثل ما أخرجناه.
ومحمد بن صالح مختلف فيه، وثقه أحمد وأبو داود وغيرهما، وقال أبو حاتم الرازي: ليس بقوي، وكذا لينه الدارقطني، وأما ابنه صالح فلم أجد له ذكراً بجرح ولا تعديل، ولا ترجمة في كتب الرجال كالبخاري وابن أبي حاتم وابن حبان وابن عدي، وهو في درجة المستور، ولم أعرف مستند الشيخ في وصفه هذا الإسناد بالجودة، وقد قال البيهقي بعد تخريجه: الصحيح عن عائشة موقوف. فأشار إلى شذوذ الزيادة، والعلم عند الله.
[[وفي هذا فائدة حسنة، وهي أن تشهده صلى الله عليه وسلم بلفظ تشهدنا.
وروينا في موطأ مالك وسنن البيهقي وغيرهما بالأسانيد الصحيحة، عن عبد الرحمن بن عبد القاري -وهو بتشديد الياء- أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو على المنبر وهو يعلم الناس التشهد يقول: قولوا: التحيات لله، الزاكيات لله،(2/174)
الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.]]
(155)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم كثيراً.
ثم حدثنا شيخنا، سيدنا، ومولانا، قاضي القضاة، أبو الفضل العسقلاني، شيخ الإسلام، إمام الحفاظ -أمتع الله بوجوده- إملاء من حفظه بالبيبرسية كعادته تاسع عشر[ين] رجب الفرد من شهور سنة أربعين وثمانمئة قال وأنا أسمع:
قوله: (وفي هذا فائدة حسنة، وهي أن تشهده صلى الله عليه وسلم بلفظ تشهدنا).
قلت: كأنه يشير إلى رد ما وقع في الرافعي أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في التشهد: ((وأشهد أني رسول الله)) وقد تعقبوه بأنه لم يرد كذلك صريحاً.
نعم وقع في البخاري من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: خفت أزواد القوم، فذكر الحديث، وفيه: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا وبرك فاحتثى الناس يعني في أوعيتهم من الزاد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله)).
وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة نحوه. وزاد في آخره: ((لا يلقى الله بهما عبدٌ غير شاكٍ إلا دخل الجنة)).(2/175)
قوله: (وروينا في موطأ مالك وسنن البيهقي وغيرهما بالأسانيد الصحيحة عن عبد الرحمن بن عبد .. .. إلى آخره).
قلت: مداره في الكتب كلها على عروة عن عبد الرحمن، ومنهم من أسقط عبد الرحمن بين عروة وعمر، ومداره عن عروة على أبيه هشام وابن شهاب، وإنما تعددت طرقه بعد ذلك.
أخبرني الشيخ أبو عبد الله بن قوام البالسي بمنزله في الصالحية رحمه الله، أنا النجمان أبو الحسن بن هلال، وأبو عبد الله العسقلاني، قالا: أنا الرضي إبراهيم بن عمر، أنا المؤيد بن محمد، أنا هبة الله بن سهل، أنا أبو عثمان البحيري، أنا أبو علي السرخسي، أنا أبو إسحاق الهاشمي، أنا أبو مصعب الزهري، أنا مالك، عن ابن شهاب، عن عروة (ح).
وبالسند الماضي مراراً إلى البيهقي أنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو زكريا ابن أبي إسحاق، وأبو بكر بن الحسن، قالوا: ثنا محمد بن يعقوب أبو العباس، أنا الربيع بن سليمان، أنا الشافعي، أنا مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاري أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو على المنبر، وهو يعلم الناس التشهد يقول: ((قولوا: ((التحيات لله الزاكيات لله الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي)) وذكر بقيته مثل ابن مسعود.
وبه إلى أبي العباس محمد بن يعقوب قال: ثنا بحر بن نصر، قال: قرئ على عبد الله بن وهب وأنا أسمع، قيل له: أخبركم مالك بن أنس، ويونس بن يزيد، وعمرو بن الحارث، أن ابن شهاب حدثهم عن عروة، عن عبد الرحمن بن عبدٍ، أنه سمع عمر رضي الله عنه يعلم الناس التشهد على المنبر فذكره مثله، لكن زاد بعد قوله: ((الطيبات: لله)) أربع مرات.(2/176)
أخرجه الطحاوي عن يوسف بن عبد الأعلى، عن ابن وهب.
وأخرجه الحاكم في المستدرك عن أبي العباس.
وبه إلى الربيع، أنا الشافعي قال بعد تخريج الحديث المذكور: فكان هذا الذي علمناه من سبقنا من علمائنا صغاراً، ثم سمعناه بإسناده. فكان الذي نذهب إليه أن عمر لا يعلم الناس بين ظهراني أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما علمهم النبي صلى الله عليه وسلم، فلما انتهى إلينا حديث نثبته عن النبي صلى الله عليه وسلم صرنا إليه ثم ذكر حديث ابن عباس، فكأنه رجح الصريح على المحتمل.
وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن ابن شهاب قال معمر: وكان ابن شهاب يأخذ به ويقول: علمه عمر الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون لا ينكره منهم أحد.
قلت: وقد جاء من وجه آخر عن عمر أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلم المكتب الولدان.
أخرجه أحمد وفي سنده رجل مجهول، ولم يسق مع ذلك لفظه.
وجاء عن عمر من وجه آخر مرفوعاً.
قرأت على فاطمة بنت محمد الدمشقية بها، عن إسماعيل بن يوسف بن مكتوم، أنا أبو المنجا بن التي، أنا أبو المعالي بن اللحاس، عن(2/177)
أبي القاسم بن البسري، أنا أبو طاهر المخلص، ثنا عبيد الله بن عبد الله السكري، ثنا أحمد بن يوسف، ثنا صفوان بن صالح، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا ابن لهيعة، عن جعفر بن ربيعة، عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج، قال: أخذ بيدي عون بن عبد الله بن عتبة، وزعم أن ابن عباس أخذ بيده، فزعم أن عمر رضي الله عنه أخذ بيده، فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه التشهد: ((التحيات الصلوات الطيبات المباركات لله)).
وهكذا أخرجه الدارقطني عن أبي بكر بن أبي داود، عن محمد بن وزير، عن الوليد بن مسلم.
وقال: هذا إسناد حسن، وابن لهيعة ليس بقوي [بالقوي] انتهى.
وأخرجه الطبراني في الأوسط من رواية الحجاج بن رشدين عن ابن لهيعة، وساق بقية التشهد، لكن ضبط في سنده بين ابن لهيعة وعمر، والحجاج ضعيف، وكذا من بينه وبين الطبراني. والله أعلم.
[[وروينا في الموطأ وسنن البيهقي وغيرهما أيضاً بإسناد صحيح عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول إذا تشهدت: ((التحيات الطيبات الصلوات الزاكيات لله، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)) وفي رواية عنها في هذه الكتب: ((التحيات الصلوات الطيبات الزاكيات لله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده(2/178)
ورسوله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)).
وروينا في الموطأ وسنن البيهقي أيضاً بالإسناد الصحيح، عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يتشهد فيقول: باسم الله التحيات لله الصلوات لله الزاكيات لله، السلام على النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، شهدت أن لا إله إلا الله، شهدت أن محمداً رسول الله. والله أعلم.]]
(156)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم كثيراً.
ثم حدثنا شيخنا، وسيدنا، ومولانا، قاضي القضاة، أبو الفضل العسقلاني، شيخ الإسلام، إمام الحفاظ -أمتع الله بوجوده الأنام- إملاء من حفظه كعادته بالبيبرسية في يوم الثلاثاء، سادس شعبان المكرم من شهور سنة أربعين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
قوله: (وروينا في الموطأ وسنن البيهقي وغيرهما .. .. إلى آخره).
أخبرني المسند المكثر أبو المعالي عبد الله بن عمر رحمه الله، أنا البدر محمد بن أحمد بن خالد الفارقي، أنا إبراهيم بن محمد الحسيني، أنا عمر بن محمد الحساني، أنا أبو القاسم الشيباني، أنا أبو طالب الغيلاني، ثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم البزاز، ثنا إسحاق بن الحسن،(2/179)
وجعفر بن محمد بن الحسن، قال: الأول: ثنا القعنبي، والثاني: ثنا قتيبة كلاهما عن مالك، عن يحيى بن سعيد -هو الأنصاري-، عن القاسم بن محمد -يعني ابن أبي بكر- أن عائشة رضي الله عنها كانت تقول إذا تشهدت: ((التحيات الطيبات الصلوات الزاكيات لله، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين السلام عليكم)).
هذا موقوف صحيح، أخرجه مالك هكذا والبيهقي، من طريق يحيى بن بكير عن مالك.
وخالفه حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد.
وبه إلى أبي بكر البزار، ثنا موسى بن هارون، وجعفر بن محمد قال: الأول: ثنا أبو الربيع-هو الزهراني- والثاني: ثنا محمد بن عبيد بن حساب، قالا: ثنا حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، قال: كانت عائشة رضي الله عنها تعلمنا التشهد، وتعقدهن بيدها: ((التحيات الصلوات الطيبات الزاكيات لله)) وقدم السلام على الشهادة كالجادة وقال في روايته ((وأشهد أن محمداً)) ولم يقل في آخره السلام عليكم.
وهكذا رواه ابن جريج عن يحيى بن سعيد.
وبه إلى أبي بكر البزار حدثني عمر بن إسماعيل بن أبي غيلان، ثنا أبي ثنا حجاج بن محمد، عن ابن جريج أخبرني يحيى بن سعيد، سمعت القاسم بن محمد، يقول: كانت عائشة رضي الله عنها تعلمنا التشهد وتشير بيدها فذكر مثله، وزاد: ويدعو الإنسان لنفسه بعد ذلك.
قوله: (وفي رواية عنها في هذه الكتب .. .. إلى آخره).
قرأت على الشيخ أبي إسحاق التنوخي رحمه الله، عن إسماعيل بن(2/180)
يوسف، أنا مكرم بن محمد، أنا حمزة بن أحمد، أنا نصر بن إبراهيم، أنا محمد بن جعفر الميماسي، أنا محمد بن العباس بن وصيف، ثنا الحسن بن الفرج الغزي، ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ثنا مالك (ح).
وبالسند الماضي قريباً إلى أبي مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري، أنا مالك، عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد، عن أبيه، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها كانت إذا تشهدت تقول: ((التحيات الصلوات الطيبات)) فذكر مثل السياق الأول سواء، لكن زاد: ((وحده لا شريك له)).
ووقع في رواية ابن بكير: ((عبد الله ورسوله)).
هذا موقوف صحيح، أخرجه مالك هكذا.
وأخرجه البيهقي من طريق محمد بن إبراهيم البوشنجي، عن يحيى بن بكير.
فوقع لنا عالياً.
وتابع مالكاً عبيد الله بن عمر العمري، عن عبد الرحمن بن القاسم.
وبه إلى أبي بكر البزار ثنا عبد الله بن ياسين، ثنا بندار، ثنا عبد الله الوهاب الثقفي، عن عبيد الله بن عمر، عن عبد الرحمن بن القاسم، قال: فذكر مثله.
وخالفهما محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم، فزاد في أوله: ((باسم الله)) وقدم السلام على الشهادة كالجادة، وسأذكره عند الكلام على التسمية في التشهد حيث ذكره الشيخ إن شاء الله تعالى.
قوله: (وروينا في الموطأ وسنن البيهقي أيضاً .. .. إلى آخره).
وبهذا السند إلى يحيى بن بكير ثنا مالك (ح).
وبالسند الآخر إلى أبي مصعب، أنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يتشهد فيقول: بسم الله التحيات لله الصلوات لله(2/181)
الزاكيات لله، السلام على النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، شهدت أن لا إله إلا الله، شهدت أن محمداً رسول الله، ويدعو بعد ذلك بما بدا له.
هذا موقوف صحيح، أخرجه البيهقي من رواية البوشنجي عن أبي بكر أيضاً.
وقد جاء عن ابن عمر مرفوعاً.
وجاء عن ابن مسعود في بعض الطرق عنه موافقة لقوله: ((السلام على النبي)) أخرجه البخاري عنه بلفظ ((السلام عليك أيها النبي)) وقال في آخره: كنا نقول ذلك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فلما مات قلنا: السلام [يعني] على النبي.(2/182)
[[قال البيهقي: والثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أحاديث: حديث ابن مسعود، وابن عباس، وأبي موسى. هذا كلام البيهقي. وقال غيره: الثلاثة صحيحة وأصحها حديث ابن مسعود.
واعلم أنه يجوز التشهد بأي تشهد شاء من هذه المذكورات، هكذا نص عليه إمامنا الشافعي وغيره من العلماء رضي الله عنهم. وأفضلها عند الشافعي حديث ابن عباس للزيادة التي فيه من لفظ المباركات.]]
(157)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ورسولك النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم كثيراً.
ثم حدثنا شيخنا، أبو الفضل، قاضي القضاة، شيخ الإسلام، إمام(2/183)
الحفاظ، أحمد العسقلاني إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء ثالث عشر شعبان شهر سنة تاريخه، قال وأنا أسمع:
قوله: قال البيهقي: والثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أحاديث، فذكرها قلت لعله أراد ما في الصحيحين أو أحدهما، وإلا فقد ثبت غيرها، وجمع الحافظ أبو بكر بن مردويه طرق التشهد فبلغ عن أربعة وعشرين صحابياً.
فمن الجياد منها حديث ابن عمر:
أخبرني أبو المعالي الأزهري أنا أحمد بن كشتغذي، أنا عبد اللطيف بن عبد المنعم، أنا عبد الوهاب بن علي، أنا هبة الله بن محمد بن عبد الواحد، أنا محمد بن إبراهيم، ثنا أبو بكر الشافعي، ثنا حسين بن عبد الله بن شاكر (ح).
وقرأ على فاطمة بنت المنجا، عن أبي الربيع بن قدامة، أنا الحافظ أبو عبد الله المقدسي، أنا أبو جعفر الصيدلاني، أنا أبو علي الحداد، أنا أبو نعيم، أنا عبد الله بن جعفر بن أحمد بن الفارس، ثنا الحافظ أبو بشر إسماعيل ابن عبد الله الأصبهاني، قالا: ثنا نصر بن علي، ثنا أبي -هو ابن نصر الجهضمي-، ثنا شعبة، عن أبي بشر -هو جعفر بن إياس-، قال: سمعت مجاهداً، يحدث عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد: ((التحيات لله الطيبات الصلوات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله -قال ابن عمر: زدت فيها وبركاته- السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله -قال ابن عمر: زدت فيها وحده لا شريك له- وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)).(2/184)
هذا حديث صحيح، أخرجه أبو داود والترمذي في العلل الكبير وأبو يعلى والبزار في مسنديهما كلهم عن نصر بن علي.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه الدارقطني عن أبي بكر بن أبي داود عن نصر بن علي وقال: رجاله ثقات.
وقال في حاشية السنن إسناده صحيح.
وقال في العلل: تابعه محمد بن أبي عدي عن شعبة.
قلت: وهو يرد على من زعم أن علي بن نصر تفرد به.
قال: ورواه معاذ بن معاذ عن شعبة موقوفاً، لكن قوله في الحديث: زدت فيها يشعر بأنه مرفوع.
وقال الترمذي في العلل: سألت محمداً عنه فقال: المحفوظ ما رواه سيف بن سليمان عن مجاهد عن أبي معمر عن ابن مسعود -يعني الذي أمليته في أول هذا الباب- وليس هذا بقادح لأن في سياقهم اختلافاً يشعر بأنه عند مجاهد على الوجهين.
ولفظ طريق أخرى مرفوعاً عن ابن عمر.
وبه إلى الصيدلاني قال: أتنا فاطمة الجوزذانية، قالت: أنا أبو بكر بن ريذة أنا الطبراني، ثنا أبو مسلم -هو الكجي-، ثنا سهل بن بكار، ثنا أبان بن يزيد العطار، ثنا قتادة، عن عبد الله بن بابي المكي، قال: صليت إلى جنب ابن عمر بمكة، فلما فرغ ضرب بيده على فخذي فقال: ألا أعلمك تحية الصلاة كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا؟ فتلا هؤلاء الكلمات: ((التحيات(2/185)
الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي)) فذكر باقي التشهد مثل رواية ابن مسعود، لكن قال: ((وأن محمداً عبده ورسوله)).
هذا حديث صحيح، أخرجه أحمد بن عفان عن أبان.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه الطحاوي من رواية عفان.
وفيه تعقب على الطبراني حيث قال في الأوسط: تفرد به سهل عن أبان.
ورواته من أحمد فصاعداً من رجال مسلم.
وبابي والد عبد الله بموحدة بعدها ألف بغير همز وبعدها موحدة مفتوحة بعدها ياء آخر الحروف، وقد تبدل ألفاً، ويقال بالهاء، بعد الياء، ويقال: إنهما اثنان، وقيل: ثلاثة.
قوله: (وقال غيره: الثلاثة صحيحة، وأصحهما حديث ابن مسعود).
أما كونها صحيحة فلا نزاع فيه، لأنها في الصحيحين، اتفقا على حديث ابن مسعود، وانفرد مسلم بحديثي ابن عباس وأبي موسى.
وأما كون حديث ابن مسعود أصح؛ فلأن الذي اتفقا عليه أصح مما انفرد به أحدهما.
وقد ورد التنصيص على الأصحية فيه في كلام الترمذي في جامعه والبزار في مسنده والذهلي في علله، وقال مسلم في ((التمييز)): إنما اتفقوا على حديث ابن مسعود، لأن أصحابه لم يختلفوا عليه في لفظه بخلاف غيره.
وذكر البزار أن الذين رووه عن ابن مسعود عشرون نفساً بأسانيد جياد.(2/186)
قوله: (واعلم أنه يجوز التشهد بأي تشهد من هذه المذكورات، هكذا نص عليه إمامنا الشافعي).
قلت: لم يخص الشافعي ذلك بالثلاث المذكورات، بل ذكر معها عن ابن عمر وجابر وعن عمر وعائشة رضي الله عنهم.
قوله: (وأفضلها عند الشافعي حديث ابن عباس للزيادة التي فيه من لفظ المباركات).
قلت: عبارة الشافعي فيما أخرجه البيهقي بالسند المذكور إليه قبل، قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، أنا الربيع بن سليمان، أنا الشافعي، قال جواباً لمن سأله بعد ذكر حديث ابن عباس: فإنا نرى الرواية اختلفت فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فروى ابن مسعود خلاف هذا فساق الكلام إلى أن قال: فلما رأيته واسعاً وسمعته -يعني: حديث ابن عباس صحيحاً، ورأيته أكثر لفظاً من غيره- يعني من المرفوعات أخذت به غير معنف لمن أخذ بغيره.
هذا آخر كلامه، وليس فيه تصريح بالأفضلية، والعلم عند الله تعالى.
[[فصل: الاختيار أن يأتي بتشهد من الثلاثة الأول بكماله، فلو حذف بعضه فهل يجزئه؟ فيه تفصيل، فاعلم أن لفظ المباركات والصلوات والطيبات والزاكيات سنة ليس بشرط في التشهد، فلو حذفها كلها واقتصر على قوله التحيات لله السلام عليك أيها النبي إلى آخره أجزأه. وهذا لا خلاف فيه عندنا. وأما في الألفاظ من قوله: السلام عليك أيها النبي، إلى آخره فواجب لا يجوز حذف(2/187)
شيء منه إلا لفظ ورحمة الله وبركاته، ففيهما ثلاثة أوجه لأصحابنا. أصحها لا يجوز حذف واحدة منهما، وهذا هو الذي يقتضيه الدليل لاتفاق الأحاديث عليهما.
وأما لفظ السلام فأكثر الروايات: السلام عليك أيها النبي، وكذا السلام علينا بالألف واللام فيهما، وفي بعض الروايات: سلام بحذفهما فيهما. قال أصحابنا: كلاهما جائز، ولكن الأفضل: السلام بالألف واللام لكونه الأكثر، ولما فيه من الزيادة والاحتياط.
أما التسمية قبل التحيات فقد روينا حديثاً مرفوعاً في سنن النسائي والبيهقي وغيرهما بإثباتها، وتقدم إثباتها في تشهد ابن عمر، لكن قال البخاري والنسائي وغيرهما من أئمة الحديث: إن زيادة التسمية غير صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلهذا قال جمهور أصحابنا: لا يستحب التسمية، وقال بعض أصحابنا: يستحب، والمختار أنه لا يأتي بها، لأن جمهور الصحابة الذين رووا التشهد لم يرووها.]]
(158)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم كثيراً.
ثم حدثنا سيدنا، ومولانا، وشيخنا، قاضي القضاة، أبو الفضل العسقلاني، شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، إملاء من حفظه كعادته في يوم(2/188)
الثلاثاء العشرين من شهر شعبان المكرم من شهور سنة أربعين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
قوله: (فصل: الاختيار أن يأتي بتشهد من الثلاثة الأول بكماله إلى أن قال: أصحها لا يجوز حذف واحدة منها -قال- وهذا الذي يقتضيه الدليل ((ورحمة الله وبركاته)) لاتفاق الأحاديث عليهما).
قلت: وقع في بعضها بحذف وبركاته كما تقدم قبل في حديث ابن عمر.
ويعكر على التعليل أن الأحاديث اتفقت على إثبات: ((الصلوات والطيبات)) فقد أجازوا حذفهما.
قوله: (وأما لفظ السلام .. .. إلى آخره).
قلت: تقدم أنه في رواية الشافعي ((سلام)) بالتنكير فيهما.
قوله: ((وأما التسمية قبل التحيات فقد روينا حديثاً مرفوعاً .. .. إلى آخره).
قرأت على أبي الحسن علي بن محمد الخطيب، عن أبي بكر الدشتي، أنا يوسف بن خليل الحافظ، أنا خليل بن بدر، أنا الحسن بن أحمد، أنا أحمد بن عبد الله الحافظ، أنا عبد الله بن جعفر، ثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود سليمان بن داود الطيالسي، ثنا أيمن بن نابل، -بنون وموحدة- عن أبي الزبير -وهو محمد بن مسلم-، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة: ((بسم الله وبالله التحيات لله)) فذكر مثل حديث ابن مسعود، وزاد في آخره: ((أسأل الله الجنة، وأعوذ بالله من النار)).
وقرأت على أبي الحسن أيضاً، عن سليمان بن حمزة، أنا محمد بن(2/189)
عماد الحراني في كتابه، أنا عبد الله بن رفاعة، أنا علي بن الحسن الخلعي، أنا أحمد بن محمد الحاج، أنا أحمد بن محبوب بن الحسن، ثنا إبراهيم -هو ابن عبد الله بن مسلم أبو مسلم- ثنا أبو عاصم -هو الضحاك بن مخلد- عن أيمن بن نابل، فذكر مثله، لكن لم يقل: ((وبالله)) وقال: ((السورة من القرآن)) وقال: ((نسألك يا الله الجنة ونعوذ بك من النار)).
هذا حديث حسن، أخرجه النسائي عن عمرو بن علي.
والطحاوي عن ابن مرزوق [عن أبي عامر العقدي].
كلاهما عن أبي عاصم.
وأخرجه البيهقي عن أبي بكر بن فورك عن عبد الله بن جعفر.
فوقع لنا بدلاً عالياً من الطريقين.
وأخرجه أحمد عن وكيع عن أيمن مختصراً، وأبهم الصحابي.
فوقع لنا بدلاً عالياً أيضاً.
وأخرجه النسائي أيضاً وابن ماجه من طريق معتمر بن سليمان.
وأخرجه ابن ماجه أيضاً وأبو يعلى من طريق روح بن عبادة، عن أيمن.
قال النسائي: لا نعلم أحداً تابع أيمن، وأيمن لا بأس به، لكنه أخطأ.
وقال الترمذي بعد أن ساق حديث الليث عن أبي الزبير، عن سعيد بن(2/190)
جبير، وطاووس عن ابن عباس: رواه أيمن عن أبي الزبير عن جابر، وسألت محمداً، فقال: المحفوظ عن أبي الزبير ما رواه الليث.
وجرى الحاكم على ظاهر الإسناد، فأخرجه في المستدرك من طريق أبي مسلم وقال: صحيح، فقد احتج البخاري بأيمن بن نابل، ومسلم بأبي الزبير.
قلت: وهذا هو الذي يجري على طريقة الفقهاء إذا كان الكل ثقات لاحتمال أن يكون عند أبي الزبير على الوجهين، ولا سيما مع اختلاف السياقين، وقبولهم زيادة الثقة مطلقاً.
وأما قول الشيخ: إن الجمهور لم يذكروها، فليس كافياً في تركها، فإن الجمهور أيضاً لم يذكروا المباركات وقد جاء ذكر التسمية في أحاديث أخرى.
منها حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: إن تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بسم الله خير الأسماء)) فذكر مثل حديث ابن عباس، لكن زاد فيه: ((وحده لا شريك له)) بعد كلمة الشهادة وقدمها على قوله: ((السلام عليك أيها النبي)) وزاد بعد قوله: ((وأن محمداً عبده ورسوله: أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة)).
أخرجه أبو بكر البزار في مسنده، والطبراني في الكبير، وفي سندهما ابن لهيعة.
ووقع ذكر التسمية أيضاً في تشهد عمر رضي الله عنه.(2/191)
أخرجه البيهقي من طريق محمد بن إسحاق قال: حدثني ابن شهاب الزهري، وهشام بن عروة بن الزبير، كلاهما عن عروة، عن عبد الرحمن بن عبدٍ أنه سمع عمر يعلم الناس التشهد على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يا أيها الناس إذا جلس أحدكم ليتشهد فليقل: بسم الله خير الأسماء التحيات)) فذكر التشهد كما مضى، لكن قدم وأخر.
وأخرجه البيهقي أيضاً من رواية الدراوردي عن هشام بن عروة بنحوه، لكن لم يذكر في السند عبد الرحمن.
وأخرجه من حديث علي، وفيه الحارث الأعور وهو ضعيف.
قال: وجاء ذكرها في إحدى الروايتين عن ابن عمر وعن عائشة، وجاء عنهما مرفوعاً بسند ضعيف، والله أعلم.
[[فصل: اعلم أن الترتيب في التشهد مستحبٌ ليس بواجب، فلو قدم بعضه على بعض جاز على المذهب الصحيح المختار الذي قاله الجمهور، ونص عليه الشافعي رحمه الله في ((الأم)). وقيل: لا يجوز كألفاظ الفاتحة، ويدل للجواز تقديم السلام على لفظ الشهادة في بعض الروايات، وتأخيره في بعضها كما قدمناه. وأما الفاتحة فألفاظها وترتيبها معجز فلا يجوز تغييره، ولا يجوز التشهد بالعجمية لمن قدر على العربية، ومن لم يقدر يتشهد بلسانه ويتعلم كما ذكرنا في تكبيرة الإحرام.(2/192)
فصل: السنة في التشهد الإسرار لإجماع المسلمين على ذلك، ويدل عليه من الحديث:
ما رويناه في سنن أبي داود والترمذي والبيهقي عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: من السنة أن يخفي التشهد. قال الترمذي: حديث حسن. وقال الحاكم: صحيح. وإذا قال الصحابي من السنة كذا كان بمعنى قوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا هو المذهب الصحيح المختار الذي عليه جمهور العلماء من الفقهاء والمحدثين وأصحاب الأصول والمتكلمين رحمهم الله؛ فلو جهر به كره ولم تبطل صلاته ولا يسجد للسهو.]]
(159)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم كثيراً.
ثم حدثنا شيخنا، إمام الحفاظ، أبو الفضل العسقلاني، قاضي القضاة، شيخ الإسلام، إملاء من حفظه في يوم الثلاثاء سابع عشرين شعبان سنة أربعين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
قوله: (فصل اعلم أن الترتيب في التشهد مستحب .. .. إلى آخره).
قلت: صنف فيه بعض المتأخرين جزءاً أطنب في الاستدلال للوجود، وأقوى ما استدل به أن ما ورد بالتقديم والتأخير من المرفوعات غير صحيح، فيشبه استدلال الشيخ على ترك التسمية بأن جمهور الروايات الصحيحة خلت منها فلا يستحب.(2/193)
قوله: (فصل: السنة في التشهد الإسرار إلى أن قال: في سنن أبي داود والترمذي والبيهقي عن عبد الله بن مسعود).
أخبرني المسند أبو بكر بن إبراهيم بن أبي عمر المقدسي الصالحي بها رحمه الله، قال: أنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن الزراد إجازة إن لم يكن سماعاً، أنا الحسن بن محمد الحافظ، أنا عبد المعز بن محمد البزاز، أنا زاهر بن طاهر المستملي، أنا أحمد بن إبراهيم المقرئ، أنا محمد بن الفضل، أنا جدي محمد بن إسحاق بن خزيمة، ثنا عبد الله بن سعيد الأشج، ثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود -يعني ابن يزيد النخعي- عن أبيه، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: من السنة أن تخفي التشهد.
هذا حديث حسن، أخرجه أبو داود والترمذي عن أبي سعيد عن عبد الله بن سعيد الأشج.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه الحسن بن علي المعمري في ((عمل اليوم والليلة)) عن سفيان بن وكيع وعبد الرحمن بن صالح، كلاهما عن يونس بن بكير.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
ولفظ عبد الرحمن: ليس الجهر بالتشهد من السنة.
وأخرجه المعمري أيضاً من رواية محمد بن سلمة الحراني عن محمد بن إسحاق، ولفظه: كان عبد الله يعلمنا التشهد قال: وكانوا يخفون التشهد.
وأخرجه ابن حبان في كتاب ((الصلاة المفرد)) عن ابن خزيمة كما أخرجته.(2/194)
فوقع لنا موافقة عالية أيضاً.
وأخرجه الحاكم من وجه آخر عن الأشج، ومن طريق أحمد بن خالد الوهبي عن محمد بن إسحاق.
وأخرجه البيهقي عن الحاكم.
قال الترمذي: حسن غريب.
وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم.
قلت: لم يخرج مسلم لمحمد بن إسحاق إلا شيئاً يسيراً في المتابعات، ولم أره في شيء من هذه الطرق عن محمد بن إسحاق إلا بالعنعنة، وقد اتفق الحفاظ على عدم الحكم لمعنعنه بالاتصال.
لكن أخرجه الحاكم والبيهقي عنه من طريق العلاء بن عبد الجبار، عن عبد الواحد بن زياد، عن الحسن بن عبيد الله النخعي، عن عبد الرحمن بن الأسود به.
ولفظه: من سنة الصلاة أن يخفي التشهد، وهذه متابعة قوية، وأورد الحاكم له شاهدا.
وبهذا السند المذكور إلى ابن خزيمة، ثنا سلم بن جنادة، ثنا حفص بن غياث، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: نزلت هذه الآية في التشهد {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها}.
هذا حديث صحيح السند غريب بعض المتن، أخرجه المعمري وأبو جعفر الطبري في التفسير والحاكم، كلهم من طريق حفص بن غياث، وهو من رجال الصحيحين، وكذلك من فوقه.(2/195)
لكن أخرجه البخاري في التفسير من طريق زائدة، وفي الدعوات من طريق مالك بن سعير، كلاهما عن هشام بن عروة.
ولفظهما: أنزلت في الدعاء، فإن كان حفص حفظه، فهو أخص ما ورد في ذلك.
وقد أخرج البخاري أيضاً حديث ابن عباس أنها نزلت في القراءة في الصلاة، وذكر قصة لسبب النزول، ورجحه الطبري ثم النووي، ويمكن الجمع، والله أعلم.(2/196)
[[باب: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد
اعلم أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واجبة عند الشافعي رحمه الله بعد التشهد الأخير، فلو تركها فيه لم تصح صلاته، ولا تجب الصلاة على آل النبي صلى الله عليه وسلم فيه على المذهب الصحيح المشهور، لكن تستحب. وقال بعض أصحابنا: تجب. والأفضل أن يقول: ((اللهم صل على محمدٍ عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آل محمدٍ وأزواجه وذريته، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمدٍ النبي الأمي وعلى آل محمدٍ وأزواجه وذريته، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيدٌ)).
ورونا هذه الكيفية في صحيح البخاري ومسلم عن كعب بن عجرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعضها، فهو صحيح من رواية غير كعب.]]
(160)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم كثيراً.
أما بعد فحدثنا شيخنا، وسيدنا، ومولانا شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، مجتهد الأنام، قاضي القضاة الشهابي العسقلاني -أمتع الله(2/197)
المسلمين بطول حياته آمين- في يوم الثلاثاء عاشر شوال سنة أربعين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
قوله: (باب: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد، إلى أن قال بعد سياق الحديث: روينا هذه الكيفية في صحيحي البخاري ومسلم عن كعب بن عجرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعضها، فهو صحيح من رواية غير كعب).
قلت: البعض المستثنى أربعة أشياء.
[أولها]: ((عبدك ورسولك)) ثانيها: ((النبي الأمي)) ثالثها: ((وأزواجه وذريته)) رابعها ((في العالمين)).
فأما حديث كعب:
فقرأت على الشيخ المسند عماد الدين أبي بكر بن إبراهيم بن العز المقدسي ثم الصالحي بها رحمه الله، عن عائشة بنت محمد بن المسلم الحرانية سماعاً عليها، قالت: أنا أبو الفهم عبد الرحمن بن أبي الفهم اليلداني، أنا أبو القاسم يحيى بن أسعد بن بوش، أنا أبو طالب عبد القادر بن محمد بن يوسف، أنا عبد العزيز بن علي الأزدي، أنا الحسن بن جعفر بن محمد بن الوضاح، ثنا جعفر بن محمد الفريابي، ثنا علي بن عبد الله -هو ابن المديني-، ثنا حسين بن علي الجعفي، ثنا زائدة بن قدامة، عن سليمان -هو الأعمش-، عن الحكم -هو ابن عتيبة-، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة رضي الله عنه، قال: قلنا: يا رسول الله هذا السلام عليك قد عرفناه، فكيف نصلي عليك؟ قال: (( قولوا اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيدٌ، اللهم بارك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيدٌ)).
قال عبد الرحمن: ونحن نقول: وعلينا معهم.
وأخبرني بأعلى من هذا بدرجة أبو اليمن بن أسعد -هو القاياني-،(2/198)
قال: ثنا المحدث أبو الحسن علي بن محمد الهمداني من لفظه، أنا محمد بن الحسين الفوي، أنا محمد بن عماد الحراني (ح).
وقرأته أعلى من هذا بدرجة أخرى على علي بن محمد بن الخطيب، عن أبي الربيع بن أبي طاهر، عن محمد بن عماد، أنا عبد الله بن رفاعة، أنا علي بن الحسن، أنا عبد الرحمن بن عمر، أنا أبو سعيد بن الأعرابي، ثنا الحسن بن محمد الزعفراني، ثنا إسماعيل بن زكريا، عن الأعمش، ومسعر، ومالك بن مغول، ثلاثتهم عن الحكم بن [عتيبة، عن] عبد الرحمن، عن كعب قال: لما نزلت {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً} قلنا: يا رسول الله كيف الصلاة عليك؟ قال: ((قولوا اللهم صل على محمدٍ)) فذكر مثله، لكن قال: ((على إبراهيم وآل إبراهيم)) والباقي سواء.
هذا حديث صحيح متفق عليه، أخرجه الأئمة كلهم من طرق متعددة إلى الحكم.
منها لمسلم عن محمد بن بكار عن إسماعيل بن زكريا.
فوقع لنا بدلاً عالياً بدرجتين من الطريق الأخيرة.
وأخبرني الإمام المسند أبو الفرج بن حماد رحمه الله، أنا يوسف بن عمر بن حسين الختني، وهو آخر من حدث عنه بالسماع، أنا عبد الوهاب بن ظافر وهو آخر من حدث عنه، أنا الحافظ أبو طاهر السلفي، أنا أبو الخطاب نصر بن أحمد القاريء، أنا أبو محمد بن البيع ثنا الحسين بن إسماعيل بن(2/199)
محمد المحاملي، ثنا يوسف بن موسى، ثنا جرير، ومحمد بن فضيل، كلاهما عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة قال: سألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عليه فقال: ((اللهم صل على محمدٍ)) فذكر مثل رواية إسماعيل غير أنه قال: ((وبارك)).
أخرجه أحمد عن محمد بن فضيل.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه أبو عوانة في صحيحه، عن علي بن حرب، عن محمد بن فضيل، وجرير بن عبد الحميد.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأما الزيادة الأولى:
فقرأت على الكمال أحمد بن علي بن عبد الحق الدمشقي بها رحمه الله، عن الحافظ أبي الحجاج المزي سماعاً، أنا أبو الفضل بن عساكر، عن زينب بنت عبد الرحمن، قالت: أنا أبو المظفر عبد المنعم بن الإمام أبي القاسم القشيري، أنا أبي، أنا أبو الحسين الخفاف (ح).
وقرأته عالياً على فاطمة بنت محمد المقدسية بالصالحية، عن أبي نصر بن العماد، أنا أبو الوفاء العبدي في كتابه، أنا مسعود بن الحسن، أنا عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق، عن أبي الحسين الخفاف، ثنا محمد بن إسحاق الثقفي، ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا بكر بن مضر، عن ابن الهاد -يعني يزيد بن عبد الله-، عن عبد الله بن خباب، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قلنا: يا رسول الله! هذا السلام عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: ((قولوا اللهم صل على محمدٍ عبدك ورسولك كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما باركت على آل إبراهيم)).(2/200)
هذا حديث صحيح، أخرجه البخاري والنسائي وابن ماجه من طرق إلى يزيد بن عبد الله بن الهاد.
منها للنسائي عن قتيبة.
فوقع لنا موافقة عالية، ولله الحمد.
(161)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم في يوم الثلاثاء حدثنا شيخنا، شيخ الإسلام، قاضي القضاة، إمام الحفاظ، الشهابي العسقلاني إملاء من حفظه كعادته في سابع عشر شوال سنة أربعين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
وأما الزيادة الثانية وهي النبي الأمي ففيما:
قرأت على الإمام المسند أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد بن كامل، عن أحمد بن أبي طالب سماعاً، أنا عبد الله بن عمر بن علي، أنا أبو الوقت، أنا أبو الحسن الداودي، أنا أبو محمد السرخسي، أنا أبو إسحاق الشاشي، ثنا عبد بن حميد، ثنا أحمد بن يونس، ثنا زهير بن معاوية، ثنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه، عن عقبة بن عمرو رضي الله عنه قال: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس بين يديه، فقال: يا رسول الله أما السلام عليك فقد(2/201)
عرفناه، وأما الصلاة عليك فأخبرنا كيف نصلي عليك؟ قال: فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وددنا أن الرجل الذي سأل لم يسأله، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا صليتم علي فقولوا اللهم صل على محمدٍ النبي الأمي وعلى آل محمدٍ كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمدٍ النبي الأمي وعلى آل محمدٍ، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيدٌ)).
هذا حديث حسن من هذا الوجه [صحيح] أخرجه أبو داود عن أحمد بن يونس.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه النسائي من رواية محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق.
وأخرجه أحمد وابن خزيمة وابن حبان والدارقطني والحاكم، كلهم من رواية إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق.
وزاد في روايته: إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا، وصرح في روايته بالتحديث فأمن من تدليس ابن إسحاق.
وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من وجه آخر عن محمد بن عبد الله بن زيد، وأفاد فيه تسمية الرجل السائل، لكن لم يقع فيه اللفظ المقصود هنا، وسأذكر لفظه في الزيادة الرابعة.
وأما الزيادة الثالثة وهي وأزاجه وذريته فهي فيما:
قرأنا على الإمام المسند أبي عبد الله بن قوام البالسي ثم الصالحي بها(2/202)
رحمه الله، عن أبي الحسن بن هلال سماعاً عليه، أنا أبو إسحاق بن مضر، أنا أبو الحسن الطوسي، أنا أبو محمد السيدي، أنا أبو عثمان البحيري، أنا أبو علي السرخسي، أنا أبو إسحاق الهاشمي، أنا أبو مصعب الزهري، أنا مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن عمرو بن سليم الزرقي، أخبرني أبو حميد الساعدي رضي الله عنهم أنهم قالوا: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ قال: ((قولوا اللهم صل على محمدٍ وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمدٍ وأزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيدٌ)).
هذا حديث صحيح، أخرجه أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي.
والبخاري عن عبد الله بن يوسف والقعنبي.
وأبو داود عن القعنبي.
والنسائي عن قتيبة.
أربعتهم عن مالك:
وأخرجه مسلم من رواية روح بن عبادة، وعبد الله بن نافع.
وأبو داود أيضاً وأبو عوانة من رواية عبد الله بن وهب.(2/203)
والنسائي أيضاً من رواية عبد الرحمن بن القاسم.
وابن ماجه وأبو عوانة أيضاً من رواية عبد الملك بن الماجشون.
خمستهم عن مالك.
فوقع لنا عالياً.
ورواه عبد الله بن طاووس عن أبي بكر بن محمد، فخالف في سنده وزاد في متنه.
قرأت على فاطمة بنت المنجا، عن سليمان بن حمزة، أنا الحافظ أبو عبد الله المقدسي، أنا أبو جعفر الصيدلاني، أنا أبو علي الحداد، أنا أبو نعيم، عن الطبراني أنا إسحاق بن إبراهيم، أنا عبد الرزاق، عن معمر، عن عبد الله بن طاووس، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم صل على محمدٍ وعلى أهل بيته وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيدٌ، وبارك على محمدٍ وعلى أهل بيته وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيدٌ)).
هذا حديث حسن، أخرجه أحمد عن عبد الرزاق.
فوقع لنا موافقة عالية، ورجاله رجال الصحيح، وإنما قلت: حسن، لاحتمال أن يكون الصحابي المبهم فيه هو أبو حميد، فإن يكن كذلك فقد سقط منه التابعي المذكور في الأول.
ووجدت للزيادة المذكورة شاهداً، أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى(2/204)
علينا أهل البيت فليقل اللهم صل على محمدٍ النبي و[على] أزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيدٌ)).
وأخرجه النسائي من حديث علي، لكن سنده وسند أبي هريرة متحد اختلف على راويه في سنده، وفيه مقال، والله أعلم.(2/205)
[[باب: الدعاء بعد التشهد الأخير
روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم التشهد ثم قال في آخره: ((ثم يخير من الدعاء)) وفي رواية البخاري: ((أعجبه إليه فيدعو)) وفي روايات لمسلم ((ثم ليتخير من المسألة ما شاء)).]]
(162)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
في تاريخه حدثنا سيدنا، ومولانا، شيخنا، شيخ الإسلام، قاضي القضاة، حافظ الوقت، أبو الفضل الشهابي العسقلاني حفظه وحماه من العين والآفات، إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء رابع عشرين شوال سنة أربعين وثمانمئة، قال رضي الله عنه وأنا أسمع:
وأما الزيادة الرابعة ففيما:
قرأنا على الشيخ أبي عبد الله بن قوام بالسند الماضي قريباً إلى أبي مصعب، أنا مالك، عن نعيم بن عبد الله المجمر، عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه، عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير بن سعد:(2/206)
أمرنا الله يا رسول الله أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال: ((قولوا اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيدٌ)).
هذا حديث صحيح، أخرجه أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي وإسحاق بن عيسى وعثمان بن عمر.
وأخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى.
وأبو داود عن القعنبي.
خمستهم عن مالك.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه الترمذي والنسائي من رواية عبد الرحمن بن القاسم، عن مالك.
ورواه داود بن قيس المدني أحد الثقات عن نعيم، فخالف مالكاً في سنده.
أخبرني العماد أبو بكر بن إبراهيم الفرضي، عن عائشة بنت المسلم الحرانية سماعاً بالسند الماضي قريباً إلى جعفر الفريابي قال: حدثنا علي بن المديني، ثنا عبد الرزاق، عن داود بن قيس، عن نعيم بن عبد الله، عن أبي(2/207)
هريرة رضي الله عنه قال: قلنا يا رسول الله! كيف نصلي عليك فقد علمنا السلام عليك؟ قال: ((قولوا اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمدٍ وبارك على محمدٍ كما صليت وباركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيدٌ)).
هذا حديث صحيح، أخرجه البزار عن أحمد بن عبدة عن سليم بن أخضر عن داود بن قيس.
فوقع لنا عالياً.
وقال: لا نعلم رواه عن نعيم -يعني عن أبي هريرة- إلا داود بن قيس.
قلت: رجاله رجال الصحيح، وقد رجح الدارقطني رواية مالك، وأما علي بن المديني فمال إلى الجمع بين الروايتين، فقال: كنت أظن دواد بن قيس سلك الحجة لأن نعيماً معروف بالرواية عن أبي هريرة، فلما تدبرت الحديث وجدت لفظه غير لفظ الحديث الآخر فجوزت أن يكون عند نعيم بالوجهين، والله أعلم.
قوله: (باب الدعاء بعد التشهد الأخير .. .. إلى أن قال: روينا في صحيحي البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم التشهد، ثم قال في آخره: ((ثم ليتخير من الدعاء)) وفي رواية البخاري: ((أعجبه إليه فيدعو)) وفي روايات لمسلم: ثم يتخير من المسألة ما شاء).
قلت: لفظ مسلم هذا لم يقع عنده جزماً إلا في رواية واحدة، وله أخرى قال فيها: ((ثم ليتخير بعد من المسألة ما شاء أو أحب)).
وله ثالثة مثل البخاري، لكن تنقص عنها، وله رابعة صرح فيها بأن الزيادة لم تذكر فيها.(2/208)
وأما البخاري فله أيضاً أربع روايات:
إحداها المذكورة، والأخرى قال فيها: من الكلام ما شاء، وثالثة قال فيها: من الثناء ما شاء. ورابعة لم تذكر فيها الزيادة.
ومداره في الصحيحين على أبي وائل شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود، فاتفقا عليه من رواية الأعمش ومنصور، كلاهما عن أبي وائل.
فأما البخاري فأخرجه في كتاب الصلاة من طريقين عن الأعمش، وفي كتاب الاستئذان من طريق ثالثة عن الأعمش، وأخرجه في كتاب الدعوات من طريق منصور.
وأما مسلم فأخرجه في كتاب الصلاة من طريق واحدة عن الأعمش ومن ثلاثة طرق عن منصور عكس ما صنع البخاري.
أخبرني أبو المعالي عبد الله بن عمر بن علي، أنا أحمد بن محمد بن عمر إجازة، وأبو نعيم بن الأسعردي سماعاً، قالا: أنا عبد اللطيف بن عبد المنعم، أنا عبد الله بن أحمد الحربي، أنا هبة الله بن محمد الشيباني، أنا الحسن بن علي التميمي، أنا أحمد بن جعفر القطيعي، ثنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا يحيى -يعني ابن سعيد القطان، عن الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: كنا إذا جلسنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة قلنا: السلام على الله من عباده فذكر الحديث في التشهد وقال في آخره: ((ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به)).
أخرجه البخاري وأبو داود جميعاً عن مسدد عن يحيى القطان بهذا(2/209)
اللفظ، لكن لم يقع عند البخاري لفظة أحدكم.
وبهذا السند إلى الإمام أحمد، ثنا أبو معاوية (ح).
وأخبرني أبو الفرج بن حماد، أنا أبو الحسن بن قريش، أنا أبو الفرج بن نصر، أنا أبو الحسن بن أبي منصور في كتابه، أنا أبو علي الحداد، أنا أبو نعيم في المستخرج، ثنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن، ومحمد بن علي بن حبيش، قالا: ثنا أحمد بن يحيى الحلواني، ثنا محمد بن الصباح، ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود فذكر الحديث في التشهد نحوه، وفي آخره: ((ثم يتخير بعد من الدعاء ما شاء)).
وأخبرني به عالياً أبو العباس بن تميم، أنا أبو العباس بن نعمة، أنا أبو المنجا إجازة إن لم يكن سماعاً، ومحمد بن مسعود في كتابه، قالا: أخبرنا أبو الوقت، أنا عبد الرحمن بن محمد، أنا عبد الله بن أحمد، أنا عيسى بن عمر، أنا عبد الله بن عبد الرحمن، ثنا يعلى -هو ابن عبيد- ثنا الأعمش، فذكره بطوله وقال في آخره: ((ثم يتخير ما شاء)).
أخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى عن أبي معاوية دون قوله: ((ما شاء)).
فوقع لنا بدلاً عالياً بدرجة وعالياً بدرجتين من طريق يعلى، والله أعلم.
[[وثبت في هذا الموضع أدعية كثيرة منها:(2/210)
ما رويناه في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربعٍ: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر المسيح الدجال)) رواه مسلم من طرق كثيرة. وفي رواية منها: ((إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال)).]]
(163)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ثم في يوم الثلاثاء، مستهل شهر ذي قعدة الحرام من شهور سنة أربعين وثمانمئة حدثنا شيخنا، وسيدنا، ومولانا، شيخ الإسلام، حافظ الوقت، قاضي القضاة -حفظه الله، وحمى مهجته من الغير آمين- إملاء من حفظه كعادته في اليوم المذكور، قال وأنا أسمع:
وبالسند الماضي إلى أبي نعيم في المستخرج، ثنا أبو أحمد -هو محمد بن أحمد بن الغطريف-، ثنا عبد الله بن محمد بن شيرويه، ثنا إسحاق -هو ابن راهويه- أنا جرير -هو ابن عبد الحميد- (ح).
وبه إلى أبي نعيم، ثنا أبو أحمد، ثنا الحسن بن سفيان، وعمران بن موسى، قالا: ثنا عثمان بن أبي شيبة (ح).(2/211)
وبه إلى أبي نعيم، ثنا عبد الله بن محمد، ومحمد بن إبراهيم، قالا: ثنا أحمد بن علي -هو أبو يعلى-، ثنا أبو خيثمة -هو زهير بن حرب- (ح).
وبه إلى أبي نعيم، ثنا إبراهيم بن عبد الله، ثنا محمد بن إسحاق -هو السراج- (ح).
وقرأته عالياً على أم يوسف الصالحية، عن محمد بن محمد بن محمد بن هبة الله أنا محمود بن إبراهيم في كتابه، أنا مسعود بن الحسن، أنا عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق، عن أحمد بن محمد بن عمر، ثنا محمد بن إسحاق السراج، ثنا قتيبة بن سعيد، قال الثلاثة: ثنا جرير، عن منصور-هو ابن المعتمر-، عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا نقول في الصلاة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم: السلام على الله فذكر الحديث في التشهد وقال في آخره: ((ثم يتخير من المسألة ما شاء)).
أخرجه مسلم عن إسحاق وعثمان وأبي خيثمة.
فوقع لنا موافقة عالية بدرجة، وبدلاً عالياً بدرجتين في الطريق الأخيرة.
وأخرجه البخاري عن عثمان بن أبي شيبة على الموافقة أيضاً، لكن قال: ((من الثناء)) بعد قوله: ((من المسألة)).
وبه إلى أبي نعيم ثنا أبو بكر بن خلاد ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا يحيى بن أبي بكر ثنا زائدة -هو ابن قدامة- ثنا منصور فذكر مثله، لكن قال: ((ثم ليتخير بعد من المسألة ما شاء أو ما أحب)).
أخرجه مسلم عن عبد بن حميد عن حسين بن علي الجعفي عن زائدة.(2/212)
فوقع لنا عالياً بدرجتين.
وأخرجه مسلم بعده من رواية شعبة عن منصور بمثله قال: إلا أنه لم يذكر في آخره ((ثم ليتخير)) إلى آخره.
هكذا في النسخ المعتمدة، ووقع في بعضها ثم ذكر ((ثم ليتخير)) والأول أرجح، لأنه لو كان كذلك لاقتصر على قوله بمثله.
وقد أخرجه أحمد من الوجه المذكور عن شعبة بدون الزيادة.
قوله: (وثبت في هذا الموضع أدعية كثيرة منها ما روينا في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه .. .. إلى آخره).
وبه إلى أبي نعيم، ثم إلى أبي خيثمة، قال: ثنا الوليد بن مسلم، ووكيع فرقهما، قالا: ثنا الأوزاعي (ح).
وأخبرني أبو المعالي الأزهري، أنا أبو نعيم بن عبيد، أنا عبد اللطيف بن عبد المنعم بالسند الماضي قريباً إلى الإمام أحمد، ثنا الوليد، ثنا الأوزاعي، ثنا حسان بن عطية، ثنا محمد بن أبي عائشة، قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ بالله من الأربع من عذاب جهنم ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال)).
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم عن أبي خيثمة.
فوقع لنا موافقة وبدلاً بعلو.
قوله: (ورواه مسلم من طرق كثيرة، وفي رواية منها: ((إذا تشهد أحدكم فليستعذ .. .. )) ) إلى آخره.(2/213)
قلت: هي في رواية وكيع المذكورة عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة عن أبي هريرة.
وطرقه عند مسلم سوى ما تقدم ثلاثة ليس فيها شيء يفيد التشهد، وليس فيها شيء بلفظ الأمر إلا ما:
قرأت على فاطمة بنت المنجا، عن إسماعيل بن يوسف بن مكتوم، أنا أبو المنجا بن اللتي، أنا أبو المعالي بن اللحاس، عن علي بن أحمد البندار، أنا محمد بن عبد الرحمن الذهبي، ثنا ابن بنت منيع -هو عبد الله بن محمد البغوي، ثنا محمد بن سليمان، ثنا ابن عيينة، عن عبد الله بن طاووس، عن أبيه، وعن عمرو بن دينار، عن طاووس، عن أبي الزناد، عن الأعرج، كلاهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عوذوا بالله من عذاب القبر، عوذوا بالله من فتنة المحيا والممات، عوذوا بالله من فتنة المسيح الدجال)).
أخرجه مسلم عن محمد بن عباد.
والنسائي عن محمد بن ميمون.
كلاهما عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار بسنده وعن أبي الزناد بسنده.
وزاد مسلم: وعن زهير بن حرب.
والنسائي: وعن محمد بن منصور وقتيبة.
ثلاثتهم عن سفيان بن عيينة بطريق أبي الزناد.(2/214)
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخبرني أبو عبد الله بن منيع الشبلي، أنا أبو محمد بن أبي التائب، أنا محمد بن أبي بكر البلخي، عن السلفي، أنا أبو نافع الخياط، أنا أبو القاسم بن بشران، أنا أبو محمد الفاكهي، أنا أبو يحيى بن مسرة ثنا أبو جابر -يعني محمد بن عبد الملك- ثنا شعبة عن بديل -هو ابن ميسرة- عن عبد الله بن شقيق، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتعوذ من عذاب القبر وعذاب جهنم وفتنة الدجال.
أخرجه أحمد عن محمد بن جعفر عن شعبة.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه مسلم عن محمد بن المثنى عن محمد بن جعفر.
فوقع لنا عالياً بدرجتين.
وأخرجه النسائي من وجه آخر عن شعبة، والله أعلم.
[[روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة: ((اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم)).
وروينا في صحيح مسلم، عن علي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم: ((اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما(2/215)
أسررت وما أعلنت، وما أسرفت وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت)).]]
(164)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد فحدثنا سيدنا، ومولانا، قاضي القضاة، شيخ الإسلام، إمام الحفاظ -أمتع الله بطول حياته- المشار إليه في يوم الثلاثاء ثامن من ذي قعدة الحرام من شهور سنة أربعين وثمانمئة، إملاء من حفظه كعادته، قال وأنا أسمع:
تنبيه: وقع في بعض نسخ الأذكار: روينا في صحيحي البخاري ومسلم، وفي بعضها، في صحيح مسلم، والسبب في ذلك: أن اللفظ الذي ذكره لمسلم وحده كاللفظ الثاني.
وأما البخاري فأخرج أصل الحديث، لكن ليس فيه التقييد بالتشهد ولا صيغة الأمر، فحيث جمع بينهما أراد أصل الحديث، وحيث أفرد أراد اللفظ المخصوص.
وقد ذكره في ((شرح المهذب)) فقال: رواه البخاري ومسلم، واللفظ له.
قلت: ولفظ البخاري ذكره في كتاب الجنائز من طريق هشام الدستوائي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال:(2/216)
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم إني أعوذ بك .. .. )) فذكر الحديث
وقد وقع لي اللفظ الأول من طريق الأوزاعي أعلى مما تقدم بدرجة أخرى.
أخبرني الإمام شيخ الإسلام أبو الفضل بن الحسين الحافظ، أخبرني عبد الله بن محمد البزوري، أنا علي بن أحمد السعدي، قال: كتب إلينا محمد بن أبي زيد الكراني، أنا محمود بن إسماعيل الصيرفي، أنا أحمد بن محمد الأصبهاني، أنا أبو القاسم الطبراني، ثنا أبو شعيب الحراني، ثنا يحيى بن عبد الله (ح).
وأخبرني الشيخ أبو إسحاق التنوخي، أنا أبو العباس الصالحي، عن عبد الله بن عمر البغدادي، أنا عبد الأول بن عيسى، أنا عبد الرحمن بن محمد أنا عبد الله بن أحمد، أنا عيسى بن عمر، أنا أبو محمد الدارمي، ثنا أبو المغيرة: قالا: ثنا الأوزاعي، فذكر الحديث كما تقدم.
قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم عن عائشة .. .. إلى آخره).
قرأت على المسند أبي الفرج بالسند الماضي قريباً إلى أبي نعيم في ((المستخرج)) ثنا محمد بن إبراهيم، ثنا محمد بن الحسن بن قتيبة، ثنا عمرو بن عثمان، ثنا أبي -هو ابن كثير بن دينار-، ثنا شعيب بن أبي حمزة (ح).
وأخبرنا به عالياً أبو علي محمد بن محمد بن الجلال عن ست الوزراء بنت عمر فيما سمع عليها، عن الحسين بن أبي بكر سماعاً، أنا أبو الوقت، أنا أبو الحسن الداودي، أنا عبد الله بن أحمد السرخسي، أنا محمد بن يوسف بن مطر، أنا محمد بن إسماعيل الجعفي، ثنا أبو اليمان الحكم بن(2/217)
نافع، والسياق له، أنا شعيب، عن الزهري، أنا عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها أنها أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة: ((اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم)) فقال له قائل، وفي رواية عثمان: قالت: قلت: يا رسول الله ما أكثر ما تستعيذ من المغرم، قال: ((إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف)).
أخرجه أحمد عن أبي اليمان.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه مسلم عن أبي بكر بن إسحاق، عن أبي اليمان.
فوقع لنا بدلاً عالياً بدرجتين.
وأخرجه النسائي عن عمرو بن عثمان كما أخرجته على الموافقة.
وأخرجه أبو داود عن عمرو بن عثمان أيضاً لكن قال عنه: ثنا بقية بدل قوله حدثنا أبي، فلعله كان عند عمرو عن أبيه وعن بقية معاً، والعلم عند الله تعالى.
قوله: (وروينا في صحيح مسلم عن علي .. .. إلى آخره).
قلت: هو طرف من حديثه الطويل المشتمل على دعاء الافتتاح وغيره.
وبالسن، بالمذكور إلى أبي نعيم، ثنا حبيب بن الحسن، ثنا يوسف القاضي، ثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، ثنا يوسف بن الماجشون، حدثني(2/218)
أبي، عن الأعرج -هو عبد الرحمن بن هرمز- عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قام إلى الصلاة، فذكر الحديث بطوله، وفي آخره: ثم يكون آخر ما يقول بين التشهد والتسليم: ((اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت)).
أخرجه مسلم عن محمد بن أبي بكر المقدمي.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه من وجه آخر عن الماجشون فخالف في محل القول.
أخبرني أبو الحسن بن أبي المجد، أنا أبو بكر الدشتي في كتابه، أنا يوسف بن خليل الحافظ، أنا أبو المكارم اللبان، أنا أبو علي الحداد، أنا أحمد بن عبد الله الحافظ، أنا عبد الله بن جعفر، أنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود الطيالسي، ثنا عبد العزيز بن أبي سلمة، حدثني عمي، عن الأعرج، عن عبيد الله، عن علي، فذكر الحديث.
وفي آخره: وكان يقول إذا سلم: ((اللهم اغفر لي ما قدمت .. .. )) إلى آخره.
أخرجه مسلم عن زهير بن حرب عن عبد الرحمن بن مهدي، وعن إسحاق بن إبراهيم، عن أبي النضر، كلاهما عن عبد العزيز.
فوقع لنا عالياً بدرجتين، والله أعلم.
[[وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عبد الله بن عمرو بن(2/219)
العاص، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم: أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علمني دعاءً أدعو به في صلاتي، قال: ((قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)) هكذا ضبطناه ((ظلماً كثيراً)) بالثاء المثلثة في معظم الروايات، وفي بعض روايات مسلم ((كبيراً)) بالباء الموحدة.]]
(165)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم كثيراً.
ثم بعد: حدثنا سيدنا، وشيخنا، ومولانا، شيخ الإسلام، قاضي القضاة، إمام الحفاظ -أمتع الله به الوجود- إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء خامس عشر ذي قعدة الحرام سنة أربعين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
ووجدت لحديث علي شاهداً من حديث أبي هريرة، لكنه مطلق.
أخبرنا مسند الشام أبو هريرة بن الحافظ أبي عبد الله الذهبي، وفاطمة بنت محمد المقدسية، إجازة من الأول وسماعاً على الأخرى، قالا: أنا يحيى بن محمد بن سعد، قال الأول: سماعاً، والأخرى: إجازة، عن الحسن بن يحيى المخزومي، أنا أبو محمد بن غدير، أنا علي بن الحسن، أنا أبو الحسن الخصيب بن عبد الله بن محمد بن الخصيب، قال: حدثنا أبي إملاء، ثنا محمد بن يحيى بن سليمان، ثنا عاصم بن علي (ح).
وبالسند الماضي قريباً إلى أبي داود الطيالسي، قالا: ثنا المسعودي(2/220)
-هو عبد الرحمن بن عبد الله الكوفي- ثنا علقمة بن مرثد، عن أبي الربيع-هو المدني-، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو يقول: ((اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت)) فذكر مثل حديث علي سواء، لكن زاد في رواية عاصم ((إنك)) قبل قوله ((أنت المقدم)) وقال في رواية الطيالسي ((وإسرافي)) بدل قوله ((وما أسرفت)).
هذا حديث حسن، أخرجه أحمد عن يزيد بن هارون وروح بن عبادة وهاشم بن القاسم، ثلاثتهم عن المسعودي.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرج البخاري في الأدب المفرد والترمذي من طريق المسعودي بهذا السند حديثاً غير هذا.
والمسعودي صدوق لكنه اختلط.
وأبو الربيع مدني قليل الحديث، ذكره ابن حبان في ((الثقات)).
ووقع بعض هذا الدعاء في الحديث الطويل المتقدم عن ابن عباس في القول عند صلاة الليل، وفي آخره: ((فاغفر لي ما قدمت وأخرت وأسررت وأعلنت، أنت إلهي لا إله إلا أنت)).
قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبي بكر الصديق .. .. إلى آخره).
قرأت على الشيخ أبي إسحاق التنوخي بالقاهرة، وعلى الشيخ أبي إسحاق بن الرسام بمكة، جميعاً عن أبي العباس الصالحي سماعاً عليه متفرقين، أنا أبو المنجا بن اللتي، أنا أبو الوقت، أنا عبد الرحمن بن محمد،(2/221)
أنا أبو محمد بن حمويه، أنا إبراهيم بن خزيم، ثنا عبد بن حميد، ثنا الحسن بن موسى، ثنا الليث بن سعد (ح).
وبالسند الماضي إلى أبي نعيم في المستخرج ثنا محمد بن أحمد ثنا الحسن -هو ابن سفيان- ثنا قتيبة بن سعيد (ح).
وبه إلى أبي نعيم ثنا أبو بكر بن خلاد، ثنا الحارث بن محمد، ثنا يونس بن محمد، قالا: ثنا الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عبد الله بن عمرو، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم -في رواية الحسن بن موسى أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية أنه قال: يا رسول الله- علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: ((قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرةً من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)).
هذا حديث صحيح، أخرجه أحمد عن حجاج بن محمد وهاشم بن القاسم، كلاهما عن الليث.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه البخاري عن عبد الله بن يوسف، ومسلم وابن ماجه عن محمد بن رمح، كلاهما عن الليث.
وأخرجه البخاري، ومسلم أيضاً، والترمذي، والنسائي جميعاً عن قتيبة.
فوقع لنا موافقة عالية لمسلم والترمذي.(2/222)
وفي السند لطيفة تابعيان في نسق وصحابيان في نسق، وفيه رواية الأقران في موضعين.
هكذا رواه الليث، وخالفه عمرو بن الحارث وابن لهيعة، فجعلاه من مسند عبد الله بن عمرو.
أخبرني العماد أبو بكر بن إبراهيم الفرضي فيما قرأت عليه بالصالحية، عن أبي عبد الله بن الزراد، أنا الحافظ أبو علي البكري، أنا أبو روح الهروي، أنا أبو القاسم المستملي، أنا أبو سعد المقريء، أنا أبو طاهر بن الفضل، ثنا جدي أبو بكر بن خزيمة، ثنا يونس بن عبد الأعلى (ح).
وبالسند الماضي قريباً إلى أبي نعيم، ثنا محمد بن إبراهيم، وأبو أحمد، وعبد الله بن محمد، قال أبو أحمد: ثنا المنيعي -هو عبد الله بن محمد-، ثنا أحمد بن عيسى، والوليد بن شجاع، وقال الآخران: ثنا أبو يعلى، ثنا هارون بن معروف، قال الأربعة: ثنا عبد الله بن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، وابن لهيعة، كلاهما عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول: إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي.
زاد يونس بن عبد الأعلى: وفي بيتي قال: ((قل)) فذكر بقية الحديث مثله سواء.
أخرجه البخاري عن يحيى بن سليمان.
ومسلم والنسائي عن أبي الطاهر بن السرح.
كلاهما عن ابن وهب.
فأما البخاري فلم يذكر ابن لهيعة، وأما مسلم والنسائي فكنيا عنه، ولفظ(2/223)
مسلم أخبرني رجل سماه وعمرو بن الحارث، ولفظ النسائي: أخبرني عمرو بن الحارث وذكر آخر قبله.
وأخرجه أبو عوانة في صحيحه عن يونس بن عبد الأعلى على الموافقة.
قوله: (وفي بعض روايات مسلم كبيراً بالباء الموحدة).
قلت: بين مسلم أنها رواية محمد بن رمح عن الليث، ولم يقع عنده ولا عند غيره ممن ذكرنا إلا بالمثلثة.
نعم أخرجه أحمد من وجه آخر عن ابن لهيعة، وصرح أنه عنده بالموحدة، والله أعلم.
[[وروينا بإسناد صحيح في سنن أبي داود، عن أبي صالح ذكوان، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجلٍ: ((كيف تقول في الصلاة؟)) قال: أتشهد وأقول: اللهم إني أسألك الجنة، وأعوذ بك من النار، أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((حولها ندندن)).
الدندنة: كلام لا يفهم معناه، ومعنى ((حولها دندن)) أي حول الجنة والنار، أو حول مسألتهما: إحداهما سؤال طلب، والثانية سؤال استعاذة، والله أعلم.
ومما يستحب الدعاء به في كل موطن: اللهم إني أسألك العفو والعافية، اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.]](2/224)
(166)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا شيخنا أبو الفضل، سيدنا، ومولانا، شيخ الإسلام، قاضي القضاة، إمام الحفاظ -أمتع الله بوجوده الأنام- إملاء من حفظه في يوم الثلاثاء ثاني عشرين شهر ذي قعدة الحرام من شهور سنة أربعين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
ذكر شاهد للحديث المتقدم.
أخبرني الشيخ المسند أبو محمد عبد الله بن عمر بن علي بن المبارك الهندي رحمه الله، قال: قرئ على عائشة بنت علي الصنهاجي ونحن نسمع، عن إسماعيل بن عبد القوي بن أبي العز، والمعين أحمد بن علي الدمشقي سماعاً عليهما، قالا: أنا أبو القاسم البوصيري، عن محمد بن بركات، أنا أبو عبد الله محمد بن سلامة القضاعي، أنا أبو علي الحسن بن جعفر بن أبي الكرام، أنا أبو القاسم إسماعيل بن يعقوب، ثنا أبو بكر بن أبي خيثمة، ثنا علي بن عبد الله بن المديني (ح).
وبالسند الماضي مراراً إلى عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي-واللفظ له- ثنا علي-يعني ابن المديني- ثنا معاذ بن هشام، ثنا أبي عن عون- يعني ابن أبي شداد- عن مطرف بن عبد الله، عن عمران بن حصين رضي الله، قال: كان عامة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم اغفر ما أخطأت وما تعمدت وما أعلنت وما أسررت وما جهلت)).
هذا حديث حسن، أخرجه أحمد هكذا، ورجاله بصريون من رجال(2/225)
الصحيح إلا عون بن أبي شداد، فإنهما لم يخرجا له، وهو بصري ثقة.
وللحديث شاهد آخر سيأتي قريباً من رواية أبي موسى الأشعري في الحديث الذي فيه: ((اللهم اغفر لي هزلي وجدي)) وفيه: ((اللهم اغفر لي ما قدمت)) مثل حديث علي، لكن قال بعد قوله: ((وأنت المؤخر، وأنت على كل شيءٍ قديرٌ)).
وفي الباب عن جابر بنحوه، لكنه مقيد بما بعد الصلاة، وهو عند الطبراني في كتاب الدعاء.
قوله: (وروينا بإسناد صحيح في سنن أبي داود عن أبي صالح ذكوان عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .. .. إلى آخره).
وبه إلى الإمام أحمد قال: ثنا معاوية بن عمرو، ثنا زائدة، عن الأعمش، عن أبي صالح عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: ((ما [كيف] تقول في الصلاة؟)) قال: أتشهد ثم أقول: ((اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار، ولا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ قال: ((حولها ندندن)).
هذا حديث صحيح، أخرجه أبو داود عن عثمان بن أبي شيبة، عن حصين بن علي، عن زائدة.
فوقع لنا عالياً بدرجة.
وقد رواه جرير عن الأعمش، فعين الصحابي.
أخبرني المسند أبو بكر بن إبراهيم بن أبي عمر فيما قرأت عليه بالصالحية، عن أبي عبد الله بن الهيجا، قال: أنا الحسن بن محمد الحافظ، أنا عبد المعز بن محمد، أنا زاهر بن طاهر، أنا أحمد بن إبراهيم(2/226)
النيسابوري، ثنا محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق، ثنا جدي، ثنا يوسف بن موسى، ثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، فذكر مثل رواية زائدة سواء إلا أنه قال: أسأل الله الجنة وأعوذ بالله من النار.
هكذا أخرجه ابن خزيمة في صحيحه.
وأخرجه ابن ماجه عن يوسف بن موسى على الموافقة.
وعجبت للشيخ كيف أغفل التنبيه على ذلك مع كثرة نقله عن [من] ابن ماجه وحرصه على تبيين المبهم. وقد ذكر الدارقطني في العلل الاختلاف فيه على الأعمش، ورجح رواية زائدة، والعلم عند الله.
قوله: (ومما يتسحب الدعاء به في كل موطن: اللهم إني أسألك العفو والعافية، اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى).
قلت: هما حديثان ذكرهما المؤلف في أواخر الكتاب في باب جامع الدعوات مفترقين الأول عن أنس، والثاني عن ابن مسعود. وسيأتي الأول قريباً من حديث ابن عمر باللفظ الذي ذكره أولاً.
وأما اللفظ الذي ذكره في جامع الدعوات، فإنه بصيغة الأمر، قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل: ((سل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة)) والله أعلم.(2/227)
[[باب: السلام للتحلل من الصلاة
اعلم أن السلام للتحلل من الصلاة ركنٌ من أركانها وفرضٌ من فروضها لا تصح إلا به، هذا مذهب الشافعي ومالك وأحمد وجماهير السلف والخلف، والأحاديث الصحيحة المشهورة مصرحة بذلك.]]
(167)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد النبي، نبي الرحمة وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم في يوم الثلاثاء تاسع عشرين شهر ذي قعدة الحرام سنة أربعين وثمانمئة، حدثنا سيدنا شيخنا، ومولانا، شيخ الإسلام، قاضي القضاة، إمام الحفاظ -أمتع الله بوجوده- إملاء من حفظه كعادته، قال وأنا أسمع:
قوله: (باب السلام للتحلل من الصلاة.
اعلم أن السلام للتحلل من الصلاة ركن من أركانها .. .. إلى أن قال: والأحاديث الصحيحة المشهورة مصرحة بذلك).
كذا قال، والذي احتج به الشافعي في ((الأم)) حديث جابر بن سمرة.
واحتج الرافعي تبعاً لغيره كصاحب المهذب بالحديث الذي فيه: ((وتحليلها التسليم)).
واحتج الرافعي في أماليه بالحديث الذي فيه: وكان يختم الصلاة(2/228)
بالتسليم، مع حديث ((صلوا كما رأيتموني أصلي)).
فأما حديث جابر بن سمرة ففيما:
قرأت على الإمام المسند أبي الفرج بن الغزي، عن أبي الحسن بن قريش سماعاً أنا إسماعيل بن عزون، أتنا فاطمة بنت سعد الخير، قالت: أتنا فاطمة بنت عبد الله الأصبهانية بها، قالت: أنا محمد بن عبد الله التاجر، أنا أبو القاسم الطبراني، ثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري، أنا عبد الرزاق (ح).
وأخبرنا أبو علي محمد بن محمد بن علي، عن ست الوزراء بنت عمر بن أسعد إجازة إن لم يكن سماعاً، قالت: أنا أبو عبد الله الزبيدي، أنا أبو زرعة الهمداني، أنا أبو الحسن بن علان، أنا أبو بكر بن الحسن القاضي، ثنا أبو العباس الأصم، أنا الربيع بن سليمان، أنا أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله واللفظ له قالا: أنا سفيان بن عيينة، عن مسعر بن كدام، عن ابن القبطية، عن جابر بن سمرة -وفي رواية عبد الرزاق: سمعت جابر بن سمرة- رضي الله عنه يقول: كنا إذا صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا سلم قال أحدنا بيده عن يمينه وعن شماله: السلام عليكم السلام عليكم، وأشار بيده يميناً وشمالاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما بالكم تومئون بأيديكم كأنها أذناب خيلٍ شمسٍ؟ ألا يكفي أحدكم أو إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم عن يمينه وعن شماله: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله)).
وبه إلى الطبراني ثنا عبيد بن غنام، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع، ثنا مسعر، عن عبيد الله بن القبطية، عن جابر بن سمرة نحوه.
وقرأته عالياً على فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي، عن محمد بن عبد الحميد، أنا إسماعيل بن عزون بهذا السند إلى الطبراني، ثنا علي بن عبد العزيز (ح).
وبالسند الماضي مراراً إلى أبي نعيم في المستخرج، ثنا أبو بكر بن(2/229)
خلاد، ثنا الحارث بن أبي أسامة، قالا: ثنا أبو نعيم -زاد الحارث، وعبد العزيز بن أبان- قالا: ثنا مسعر فذكره.
هذا حديث صحيح، أخرجه أحمد عن وكيع وغيره عن مسعر.
وأخرجه أبو داود عن محمد بن سليمان.
والنسائي عن عمرو بن منصور.
كلاهما عن أبي نعيم.
فوقع لنا بدلاً عالياً من الطريقين الأخيرين.
وأخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأما حديث تحليلها التسليم ففيما:
قرأت على الشيخ أبي إسحاق التنوخي بالقاهرة، عن أبي العباس بن نعمة سماعاً، أنا أبو المنجا بن اللتي قراءة عليه ونحن نسمع بالسند الماضي، قريباً إلى الدارمي، ثنا محمد بن يوسف -هو الفريابي-، عن سفيان -هو الثوري-، عن عبد الله بن محمد بن عقيل -يعني ابن أبي طالب- عن محمد بن الحنفية -هو ابن علي بن أبي طالب-، عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)).(2/230)
هذا حديث حسن، أخرجه الشافعي عن سعيد بن سالم.
وأحمد عن وكيع.
كلاهما عن الثوري.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه أبو داود عن عثمان بن أبي شيبة.
والترمذي عن قتيبة وهناد بن السري ومحمود بن غيلان.
وابن ماجه عن علي بن محمد.
خمستهم عن وكيع.
قال الترمذي: هذا أصح شيء في هذا الباب وأحسن، وعبد الله بن محمد بن عقيل صدوق، وقد ضعفه بعض أهل العلم من قبل حفظه، وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: كان أحمد وإسحاق والحميدي يحتجون بحديث عبد الله بن محمد، قال محمد: وهو مقارب الحديث.
قال: وفي الباب عن جابر وأبي سعيد، انتهى.
فأما حديث جابر فأخرجه الترمذي، وليس فيه ذكر التسليم.
وأما حديث أبي سعيد ففيما:
قرأت على أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الدمشقي - بمكة، عن أحمد بن أبي طالب سماعاً، أنا النجيب بن أبي السعادات في كتابه، أنا أبو الفتح بن عبد الباقي، أنا الحافظ أبو الفضل بن خيرون أنا أبو علي بن شاذان، ثنا عبد الله بن إسحاق الخراساني، ثنا الحسن بن سلام، ثنا(2/231)
أبو النضر، عن أبي مالك النخعي، عن أبي سفيان، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مفتاح الصلاة الوضوء، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم)).
هذا حديث ضعيف السند، أخرجه الترمذي وابن ماجه وأبو يعلى والدارقطني من طرق متعددة إلى أبي سفيان -واسمه طريف بن شهاب السعدي- وقد اتفقوا على ضعفه.
وأخرج الحاكم من طريق حسان بن إبراهيم عن سعيد بن مسروق عن أبي نضرة مثل هذا الحديث وصححه، وغلط في ذلك، فإن الحديث عند حسان عن أبي سفيان المذكور، فظن بعض الرواة أنه والد سفيان الثوري فسماه فوهم في ذلك.
نبه على ذلك ابن حبان في كتاب الصلاة وابن عدي في الكامل والدارقطني في العلل، والله أعلم.
[[واعلم أن الأكمل في السلام أن يقول عن يمينه ((السلام عليكم ورحمة الله)) وعن يساره ((السلام عليكم ورحمة الله)) ولا يستحب أن يقول معه: وبركاته، لأنه خلاف المشهور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان قد جاء في رواية لأبي داود.]](2/232)
(168)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
في يوم الثلاثاء سادس ذي حجة سنة أربعين وثمانمئة [حدثنا] إملاء من حفظه سيدنا، أبو الفضل، المشار إليه -أمتع الله بوجوده وحفظه- كعادته، قال وأنا أسمع:
وأما حديث ختم الصلاة بالتسليم ففيما:
قرأت على أحمد بن علي بن يحيى الهاشمي، عن أبي العباس الصالحي سماعاً، عن محمد بن مسعود البغدادي، أنا أبو الوقت بالسند الماضي إلى الدارمي، أنا جعفر بن عون، عن سعيد بن أبي عروبة، ثنا بديل العقيلي، عن أبي الجوزاء هو أوس بن عبد الله الربعي -وهو بالجيم والزاي- عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بـ (الحمد لله رب العالمين) وكان يختمها بالتسليم.
وبالسند الماضي إلى أبي نعيم في ((المستخرج)) ثنا أبو بكر بن خلاد، ثنا الحارث بن أبي أسامة، ثنا سعيد بن عامر، عن سعيد بن أبي عروبة بنحوه.
هذا حديث صحيح، أخرجه أحمد عن محمد بن جعفر، عن سعيد بن أبي عروبة.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وهو في صحيح مسلم وسنن أبي داود وغيرهما من رواية حسين(2/233)
المعلم عن بديل بن ميسرة العقيلي مطولاً.
وأما حديث: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) فأخرجه البخاري من حديث مالك بن الحويرث، وتقدم القول فيه.
قوله: (واعلم أن الأكمل في السلام أن يقول عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله، ولا يستحب أن يقول معه: وبركاته، كأنه [لأنه] خلاف المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان قد جاء في رواية لأبي داود).
قلت: بل جاء في رواية أخرى.
والأحاديث المشهورة إنما هي في مطلق التسليمتين، فقد اجتمع لنا من ذلك عن نحو العشرين من الصحابة كما في صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص وعن ابن مسعود رضي الله عنهما وسائرها في السنن والمسند وغيرها.
وأما خصوص الكيفية المذكورة ففيما:
قرأت على العماد أبي بكر بن العز، عن أبي عبد الله بن الزراد بالسند الماضي قريباً إلى أبي طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة، ثنا جدي، ثنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب الشهيدي، وأبو هاشم زياد بن أيوب، قالا: ثنا عمر بن عبيد الطنافسي، عن أبي إسحاق السبيعي، عن أبي الأحوص -هو عوف بن مالك-، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله حتى نرى بياض خده منهما.
هذا حديث صحيح، أخرجه ابن خزيمة في صحيحه هكذا.(2/234)
وأخرجه ابن حبان في صحيحه من رواية أبي بكر بن أبي شيبة عن عمر بن عبيد.
وأخرجه أبو داود والنسائي وأبو العباس السراج كلهم عن زياد بن أيوب على الموافقة.
وأخرجه أبو داود أيضاً والنسائي وابن ماجه من رواية عمر المذكور.
وأخرجه أبو داود من رواية سفيان الثوري، ومن رواية إسرائيل بن يونس ومن رواية شريك بن عبد الله.
وأخرجه الترمذي والنسائي وابن حبان في صحيحه من رواية سفيان الثوري أيضاً.
وأخرجه النسائي من رواية علي بن صالح بن حي.
كلهم عن أبي إسحاق السبيعي.
ورواه أبو خيثمة زهير بن معاوية عن أبي إسحاق فقال: عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه وعلقمة كلاهما عن ابن مسعود.
ورجح الدارقطني في ((العلل)) هذه الرواية على التي قبلها.
والأولى عدم الترجيح، ويحمل على أن له في هذا الحديث شيخين.
وزاد ابن حبان في روايته المشار إليها من طريق سفيان الثوري:(2/235)
((وبركاته)) وكذا زادها أبو العباس السراج من طريق الثوري ومن طريق إسرائيل.
وأخرجه أيضاً عن أبي هناد السلولي عن أبي الأحوص -وهو سلام بن سليم- عن أبي إسحاق فذكر الحديث، ولفظه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده: ((السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)).
وقد أخرجه أبو داود عن مسدد عن أبي الأحوص، وليس فيه ((وبركاته)).
وأما الرواية التي أشار إليها الشيخ عند أبي داود فهي فيما:
أخبرنا أبو العباس أحمد بن أبي بكر المقدسي في كتابه، عن محمد بن علي بن ساعد، أنا يوسف بن خليل الحافظ، أنا محمد بن أبي زيد، أنا محمود بن إسماعيل، أنا محمد بن محمد الأصبهاني، أنا أبو القاسم الطبراني، ثنا أسلم بن سهل، ثنا علي بن الحسن، ثنا يحيى بن آدم، ثنا موسى بن قيس الحضرمي، عن سلمة بن كهيل، عن علقمة بن وائل بن حجر، عن أبيه رضي الله عنه قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه: ((السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)) وعن شماله: ((السلام عليكم ورحمة الله)).
هذا حديث حسن، أخرجه أبو داود عن عبدة بن عبد الله والسراج عن محمد بن رافع كلاهما عن يحيى بن آدم، ولم أر عندهم: ((وبركاته)) في الثانية.(2/236)
(169)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ثم في يوم الثلاثاء العشرين من ذي حجة سنة أربعين وثمانمئة حدثنا سيدنا، ومولانا، شيخنا، شيخ الإسلام، قاضي القضاة، إمام الحفاظ -أمتع الله المسلمين بطول حياته- إملاء من حفظه كعادته، قال وأنا أسمع:
أخبرني شيخنا الإمام أبو الفضل بن الحسين الحافظ رحمه الله، أخبرني أبو الحرم بن أبي الفتح، قال: قرئ على سيدة بنت موسى المازنية ونحن نسمع، عن زينب بن عبد الرحمن الشعري، قالت: أنا أبو المظفر عبد المنعم بن الإمام أبي القاسم القشيري، أنا أبي، أنا أبو الحسين الخفاف، ثنا أبو العباس السراج، ثنا عبد الله بن عمر -يعني ابن أبان-، ثنا وكيع، وأبو نعيم، قالا: ثنا سفيان –هو الثوري-، عن أبي إسحاق – هو السبيعي- عن أبي الأحوص -هو عوف بن مالك- عن عبد الله -هو ابن مسعود- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خديه: ((السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)).
هكذا في أصل سماعنا من مسند السراج بخط الحافظ مجد الدين بن النجار، وكذلك وجدته بخط الحافظ زكي الدين البرزالي، وهو من روايتهما جميعاً عن زينب بنت عبد الرحمن.
وهكذا أخرجه ابن حبان في صحيحه عن أبي خليفة عن محمد بن كثير عن سفيان الثوري وذكر فيه ((وبركاته)).
لكن أخرجه أبو داود عن محمد بن كثير، فلم يذكرها، وكذا من رواية وكيع.(2/237)
وكذا الترمذي والنسائي من رواية عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان.
وبهذا الإسناد إلى السراج، ثنا أبو همام السكوني -هو الوليد بن شجاع بن الوليد-، ثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود فذكر مثله، لكن قال: عن شماله وقال: أرى.
وهكذا أخرجه ابن ماجه عن محمد بن عبد الله بن نمير عن عمر بن عبيد عن أبي الأحوص عن أبي إسحاق وفيه ((وبركاته)).
فهذه عدة طرق ثبت فيها وبركاته بخلاف ما يوهمه كلام الشيخ أنها رواية فردة.
قرأت على فاطمة بنت محمد المقدسية بالصالحية عن محمد بن أحمد بن أبي الهيجاء، أنا محمد بن إسماعيل المرداوي، قال: قرئ على فاطمة بنت أبي الحسن، ونحن نسمع، أن زاهر بن طاهر أخبرهم، أنا أبو سعد الكندروجي [الكنجروذي]، أنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا أبو يعلى الموصلي، ثنا محمد بن أبي بكر -هو المقدمي- واللفظ له، ثنا يحيى -هو ابن سعيد القطان-، ومعاذ -هو ابن معاذ العنبري-، كلاهما عن زهير -هو ابن معاوية أبو خيثمة الجعفي- (ح).
وأخبرنيه عالياً أبو الحسن بن أبي المجد، عن سليمان بن حمزة، وعيسى بن عبد الرحمن، قالا: أنا جعفر بن علي، أنا السلفي، أنا أبو عبد الله الثقفي، أنا أبو الحسين بن بشران، ثنا إسماعيل الصفار، ثنا سعدان بن نصر، ثنا أبو بدر هو شجاع السكوني، ثنا زهير -هو أبو خيثمة الجعفي-، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه -هو ابن يزيد النخعي-، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعود، ويسلم عن يمينه وعن يساره:(2/238)
((السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله)) حتى يرى بياض خده.
وهكذا أخرجه الدارقطني من رواية حميد بن عبد الرحمن، عن زهير [ابن معاوية وذكر الاختلاف فيه على أبي إسحاق في العلل، ورجح هذه الرواية، أبو خيثمة النسائي -وبه إلى أبي يعلى ثنا زهير]- هو ابن حرب ثنا روح بن عبادة ثنا ابن جريج -هو عبد الملك بن عبد العزيز- أخبرني عمرو بن يحيى -هو الملائي- (ح).
وقرأته عالياً على أبي الفرج بن حماد المقدسي، عن يونس بن أبي إسحاق. العسقلاني سماعاً، قال: أنا أبو الحسن بن المقير إجازة مشافهة إن لم يكن سماعاً، عن أبي بكر بن الزاغوني، أنا أبو نصر الزينبي، أنا أبو طاهر المخلص، ثنا ابن صاعد -هو يحيى بن محمد- قال: ثنا محمد بن يعقوب -هو الزبيري- قال: ثنا محمد بن فليح، عن عمرو بن يحيى، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عمرو واسع بن حبان، أنه سأل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف كانت؟ فذكر التكبير وذكر التسليم: السلام عليكم ورحمة الله على يمينه، السلام عليكم ورحمة الله على يساره.
هذا حديث صحيح أخرجه ابن خزيمة عن أحمد بن منيع.
والطحاوي عن علي بن شيبة.
كلاهما عن روح بن عبادة.(2/239)
وأخرجه ابن خزيمة أيضاً والنسائي جميعاً عن الحسن بن محمد الزعفراني، عن حجاج بن محمد، عن ابن جريج.
فوقع لنا عالياً من الطريق الثانية.
قال ابن خزيمة: رواه بعض أصحاب عمرو بن يحيى فقال فيه: عن واسع أنه سأل عبد الله بن زيد.
قلت: وهي رواية جاءت عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي، أخرجها الشافعي عنه.
وجاء عنه رواية ثالثة، أخرجها البيهقي في ((الخلافيات)) من طريق حفص بن عمر عنه فقال فيه: عن أبي سعيد الخدري.
وأخرجه النسائي عن قتيبة عن الدراوردي فقال فيه: عن ابن عمر.
وكذلك أخرجه أحمد عن أبي سلمة عن الدراوردي.
وهذه الرواية موافقة لرواية ابن جريج ومحمد بن فليح، فهي الراجحة، والله أعلم.(2/240)
[[باب: ما يقوله الرجل إذا كلمه إنسانٌ وهو في الصلاة
روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من نابه شيءٌ في صلاته فليقل: سبحان الله)) وفي رواية في الصحيح: ((إذا نابكم أمرٌ فليسبح الرجال، ولتصفق النساء)) وفي رواية: ((التسبيح للرجال والتصفيق للنساء)).]]
(170)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أبد الآبدين آمين.
ثم في يوم الثلاثاء سابع عشرين ذي حجة الحرام ختام عام أربعين وثمانمئة حدثنا سيدنا، ومولانا، وشيخنا شيخ الإسلام -أمتع الله بوجوده الأنام- إملاء من حفظه كعادته، قال وأنا أسمع:
قوله: (باب: ما يقول الرجل إذا كلمه إنسان وهو في الصلاة.
روينا في صحيحي البخاري ومسلم عن سهل بن سعد الساعدي(2/241)
رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من نابه شيءٌ في صلاته فليقل سبحان الله)).
قلت: أخرجاه مطولاً ومختصراً.
أخبرني العماد أبو بكر بن إبراهيم الفرضي فيما قرأت عليه بالصالحية رحمه الله، أنا أبو نصر بن العماد في كتابه، عن محمد بن عبد الواحد المديني، أنا أبو الخير الباغبان، أنا أبو إسحاق الطيان، أنا أبو إسحاق بن خرشيذ قوله: ثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري (ح).
وأخبرني أبو الحسن علي بن محمد الخطيب، أنا أبو الفضل بن أبي طاهر في كتابه، عن محمد بن عماد، أنا أبو محمد بن رفاعة، أنا علي بن الحسن القاضي، أنا عبد الرحمن بن عمر النحاس، أنا أبو الطاهر أحمد بن محمد بن عمرو، قالا: ثنا يونس بن عبد الأعلى، ثنا سفيان بن عيينة، عن أبي حازم -هو سلمة بن دينار المدني-، عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من نابه شيءٌ في صلاته فليقل سبحان الله، إنما التصفيق للنساء والتسبيح للرجال)).
وبه إلى النحاس، أنا أبو سعيد بن الأعرابي، ثنا سعدان بن نصر، ثنا سفيان، عن أبي حازم، سمع سهل بن سعد رضي الله عنهما يقول: وقع بين الأوس والخزرج كلام، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم فأخبر، فأتاهم -يعني ليصلح بينهم- فاحتبس عندهم، فأذن بلال وأقام الصلاة، فتقدم أبو بكر رضي الله عنه يصلي بالناس، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم من مكانه ذلك، فتخلل الناس حتى انتهى إلى الصف الذي يلي أبا بكر، فصفق الناس، وكان أبو بكر لا يلتفت، فلما أكثروا التصفيق التفت فنكص، فأشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن أثبت مكانك، فحمد الله، وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى بهم فلما فرغ قال: ((يا أبا بكر ما منعك أن تثبت مكانك؟)) قال: ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال [للناس: يا أيها الناس] ما لكم أكثرتم التصفيق، إنما(2/242)
هذا للنساء، من نابه شيءٌ في صلاته فليقل سبحان الله)).
هذا حديث صحيح أخرجه النسائي عن محمد بن منصور بطوله عن سفيان.
وكذلك أخرجه ابن خزيمة عن عبد الجبار بن العلاء.
وأبو عوانة عن علي بن حرب.
كلاهما عن سفيان. وأخرجه أبو عوانة أيضاً مختصراً عن يونس بن عبد الأعلى كما أخرجته أولاً.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه ابن ماجه عن سهل بن أبي سهل وهشام بن عمار كلاهما عن سفيان كذلك.
وأخرجه البخاري ومسلم مطولاً من رواية مالك وغيره عن أبي حازم.
قوله: (وفي رواية في الصحيح: ((إذا نابكم أمرٌ فليسبح الرجال ولتصفق النساء)) ).
أخبرني أبو عبد الرحمن عبد الله بن خليل الحرستاني، أنا أحمد بن محمد بن معالي، وأبو بكر بن محمد الرضي، قالا: أنا أبو عبد الله بن أبي الفتح، قال: أخبرتنا فاطمة بنت سعد الخير، قالت: أنا زاهر بن طاهر، أنا محمد بن عبد الرحمن الأديب، أنا محمد بن أحمد النيسابوري، ثنا أحمد بن علي بن المثنى، ثنا خلف بن هشام البزار (ح).(2/243)
وبالسند الماضي قريباً إلى الدارمي، ثنا يحيى بن حسان، قالا: ثنا حماد بن زيد، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا نابكم أمرٌ في صلاتكم فليسبح الرجال ولتصفق النساء)).
هذا حديث صحيح، أخرجه البخاري بهذا اللفظ في كتاب الدعوات عن أبي النعمان عن حماد، وساق فيه القصة المذكورة قبل.
وأخرجه النسائي وابن خزيمة جميعاً عن أحمد بن عبدة.
وأبو داود عن عمرو بن عون.
كلاهما عن حماد.
قوله: (وفي رواية ((التسبيح للرجال والتصفيق للنساء)) ).
قلت: تقدم في الأول بزيادة ((إنما)) في أوله. وكذا أخرجه البخاري من رواية سفيان الثوري عن أبي حازم مختصراً.
وجاء بدونها عن أبي هريرة.
وبه إلى النحاس أنا أبو الطاهر المديني، وأبو سعيد بن الأعرابي، قال الأول: ثنا يونس بن عبد الأعلى، والثاني: ثنا سعدان بن نصر، قالا: ثنا سفيان، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((التسبيح للرجال والتصفيق للنساء)).
هذا حديث صحيح، أخرجه البخاري عن علي بن عبد الله عن سفيان.
وأخرجه مسلم وابن ماجه جميعاً عن أبي بكر بن أبي شيبة.(2/244)
ومسلم أيضاً عن عمرو الناقد وزهير بن حرب.
وأبو داود والنسائي جميعاً عن قتيبة.
والنسائي أيضاً عن محمد بن المثنى.
وابن ماجه أيضاً عن هشام بن عمار.
وأبو عوانة عن شعيب بن عمرو.
وابن خزيمة عن عبد الجبار بن العلاء وسعيد بن عبد الرحمن وعبد الله بن محمد الزهري.
عشرتهم عن سفيان.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه أبو عوانة أيضاً والطحاوي عن يونس بن عبد الأعلى.
فوقع لنا موافقة عالية.
ورواه يونس بن يزيد عن الزهري، فزاد مع أبي سلمة سعيد بن المسيب، أخرجه مسلم.
وأخرجه مسلم أيضاً من رواية همام بن منبه عن أبي هريرة بمثله، لكن قال: القوم بدل الرجال، وزاد في آخره في الصلاة، والله أعلم.(2/245)
[[باب: الأذكار بعد الصلاة
روينا في كتاب الترمذي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الدعاء أسمع؟ قال: ((جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات)) قال الترمذي: حديث حسن.
وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير. وفي رواية مسلم ((كنا)) وفي رواية في صحيحيهما عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عباس: كنت أعلم إذا انصرفوا، بذلك، إذا سمعته.]]
(171)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً أبداً إلى يوم الدين.
ثم حدثنا شيخ الإسلام، المشار إليه إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء رابع المحرم سنة إحد[ى] وأربعين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:(2/246)
قوله: (باب: الأذكار بعد الصلاة .. .. إلى أن قال: روينا في كتاب الترمذي عن أبي أمامة.. إلى آخره).
أخبرني الشيخ الإمام العلامة أبو إسحاق الشامي رحمه الله، أنا أبو محمد عبد الرحمن بن عبد الحليم بن تيمية، أنا يحيى بن أبي منصور الفقيه، أنا عبد القادر بن عبد الله الحافظ، أنا نصر بن سيار الحاكم (ح).
قال شيخنا: وأنا عالياً أبو نصر بن الشيرازي إجازة مكاتبة، عن أبي السعادات عبد الرحمن بن محمد بن مسعود، أنا أبو سعيد محمد بن علي بن صالح، قالا: أنا أبو عامر الأزدي، أنا عبد الجبار بن محمد، أنا محمد بن أحمد بن محبوب، ثنا أبو عيسى الترمذي، ثنا محمد بن يحيى الثقفي، ثنا حفص بن غياث، عن ابن جريج، عن عبد الرحمن بن سابط، عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله أي الدعاء أسمع؟ قال: ((جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات)).
وبه قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
قلت: وفيما قاله نظر؛ لأن له عللاً.
إحداهما: الانقطاع، قال العباس الدوري في ((تاريخه)) عن يحيى بن معين: لم يسمع عبد الرحمن بن سابط من أبي أمامة.
ثانيتها: عنعنة ابن جريج.
ثالثتها: الشذوذ، فإنه جاء عن خمسة من أصحاب أبي أمامة أصل هذا الحديث من رواية أبي أمامة عن عمرو بن عبسة، واقتصروا كلهم على الشق الأول.
وأخرجه النسائي في ((اليوم والليلة)) عن محمد بن يحيى المذكور.
فوقع لنا موافقة عالية.(2/247)
أخبرني شيخنا الإمام شيخ الإسلام أبو الفضل بن الحسين رحمه الله، أخبرني عبد الله بن محمد العطار، أنا علي بن أحمد السعدي (ح).
وأنبأنا أبو هريرة بن الذهبي إجازة غير مرة، أنا إسحاق بن يحيى الآمدي، أنا يوسف بن خليل الحافظ، قالا: أنا محمد بن أبي زيد، قال علي: إجازة، ويوسف: سماعاً، أنا محمود بن إسماعيل، أنا أحمد بن محمد، أنا الطبراني في كتاب الدعاء، ثنا بكر بن سهل، ثنا عبد الله بن صالح، ثنا معاوية بن صالح، عن أبي يحيى سليم بن عامر، وأبي طلحة نعيم بن زياد، وضمرة بن حبيب، كلهم سمعه من أبي أمامة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله هل من ساعة أقرب من الأخرى -يعني الإجابة-؟ وهل من ساعة ينبغي ذكرها؟ قال: ((نعم، إن أقرب ما يكون العبد من الدعاء جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله تلك الساعة فافعل [فكن])).
هذا حديث صحيح، أخرجه الترمذي عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي عن إسحاق بن عيسى عن معن بن عيسى.
وأخرجه النسائي عن عمرو بن منصور عن آدم بن أبي إياس عن الليث ابن سعد.
كلاهما عن معاوية بن صالح.
فوقع لنا عالياً بدرجتين.
قال الترمذي: حسن صحيح.
وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه من رواية عبد الله بن وهب عن(2/248)
معاوية بن صالح.
وأخرجه أحمد مختصراً من رواية عطية بن قيس وحبيب بن عبيد فرقهما كلاهما عن أبي أمامة عن عمرو بن عبسة بلفظ ((جوف الليل الآخر أجوبه دعوةً)) وفي لفظ ((أوجبه)) بتأخر الجيم عن الواو.
قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم عن ابن عباس .. .. إلى آخره).
أخبرني المسند أبو المعالي عبد الله بن عمر رحمه الله، أنا أحمد بن محمد، أنا عبد اللطيف بن عبد المنعم، أنا عبد الله بن أحمد، أنا هبة الله بن محمد، أنا الحسن بن علي، أنا أحمد بن جعفر، ثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، ثنا سفيان، عن عمرو -هو ابن دينار-، عن أبي معبد مولى ابن عباس، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالتكبير.
هذا حديث صحيح، أخرجه البخاري عن علي بن عبد الله عن سفيان بلفظ: كنت أعرف، فلم يذكر فيه ((ما)) ولا ((إلا)) كما ذكره المصنف.
وأما رواية مسلم التي ذكرها المصنف فهي فيما:
قرأت على عبد الله بن خليل بسنده المذكور قريباً إلى أبي يعلى، ثنا أبو خيثمة، ثنا سفيان عن عمرو، قال: أخبرني أبو معبد، عن ابن عباس قال: كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير.(2/249)
أخرجه مسلم عن أبي خيثمة زهير بن حرب.
فوقع لنا موافقة عالية.
قوله: (وفي رواية في صحيحهما أن رفع الصوت بالذكر .. .. إلى آخره).
أخبرني الشيخ الإمام المسند أبو الفرج بن الغزي رحمه الله، أنا أبو الحسن بن قريش بالسند الماضي مراراً إلى أبي نعيم في المستخرج، أنا سليمان بن أحمد، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنا عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن أبي معبد مولى بن عباس، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن عباس: كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته.
هذا حديث صحيح، أخرجه البخاري عن إسحاق بن نصر.
ومسلم عن إسحاق بن منصور.
وأبو داود عن يحيى بن موسى.
ثلاثتهم عن عبد الرزاق.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه أحمد عن عبد الرزاق ومحمد بن بكر عن ابن جريج.
فوقع لنا موافقة وبدلاً بعلو، ولله الحمد.(2/250)
[[وروينا في صحيح مسلم عن ثوبان رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام)) قيل للأوزاعي وهو أحد رواة الحديث: كيف الاستغفار؟ قال: أستغفر الله، أستغفر الله.]]
(172)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ثم حدثنا شيخ الإسلام، قاضي القضاة، ملك العلماء، حافظ الوقت، وإمامهم، إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء حادي عشر المحرم افتتاح عام إحد[ى] وأربعين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
قوله: (وروينا في صحيح مسلم عن ثوبان.. إلى آخره).
أخبرني الشيخ أبو إسحاق التنوخي رحمه الله، أنا أيوب بن نعمة، أنا إسماعيل بن أحمد، عن عبد الرزاق بن إسماعيل، ومحمد بن عبد الخالق، قالا: أنا عبد الرحمن بن حمدان، أنا أحمد بن محمد القاضي، أنا أبو بكر الحافظ، ثنا أبو عبد الرحمن النسائي، أنا محمود بن خالد (ح).
وبالسند الماضي إلى أبي نعيم في المستخرج، ثنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا داود بن رشيد، قالا: ثنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي (ح).
وبه إلى أبي نعيم، ثنا محمد بن المظفر، ثنا محمد بن خريم، ثنا(2/251)
هشام بن عمار، ثنا عبد الحميد بن حبيب، ثنا الأوزاعي، حدثني شداد أبو عمار، أن أبا أسماء الرحبي حدثه، أنه سمع ثوبان رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاث مرات ثم قال: ((اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام)).
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم عن داود بن رشيد.
وابن ماجه عن هشام بن عمار.
فوقع لنا موافقة عالية من الطريقين.
وزاد مسلم عن داود: قال الوليد: قلت للأوزاعي: كيف الاستغفار؟ قال: يقول: أستغفر الله أستغفر الله أستغفر الله.
قلت: هكذا رواه الوليد ووافقه عبد الحميد، وخالفهما جماعة تحدثوا به عن الأوزاعي بهذا السند بلفظ: كان إذا أراد [أن] ينصرف.
أخبرني الشيخ أبو إسحاق التنوخي، أنا أحمد بن نعمة، عن محمد بن مسعود، أنا أبو الوقت، أنا أبو الحسن بن المظفر، أنا أبو محمد بن حمويه، أنا أبو العباس السمرقندي، ثنا أبو محمد الدارمي، أنا أبو المغيرة، ثنا الأوزاعي، عن شداد، عن أبي أسماء، عن ثوبان رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينصرف من صلاته استغفر ثلاثاً، وقال: ((اللهم أنت السلام)) الحديث.
وهكذا أخرجه أحمد عن أبي المغيرة - واسمه عبد القدوس بن الحجاج.(2/252)
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه أحمد أيضاً والترمذي من طريق عبد الله بن المبارك.
وأخرجه أبو داود من طريق عيسى بن يونس.
وابن خزيمة وأبو عوانة وأبو العباس السراج ثلاثتهم عن طريق بشر بن بكر.
وابن خزيمة أيضاً من طريق عمرو بن أبي سلمة.
وابن حبان من طريق عمرو بن عبد الواحد.
خمستهم عن الأوزاعي، اتفقوا على هذا اللفظ ((إذا أراد أن ينصرف)).
وأخرجه ابن خزيمة أيضاً من رواية عمرو بن هاشم البيروتي عن الأوزاعي بلفظ ((كان يقول قبل السلام)).
قال ابن خزيمة: إن كان عمرو بن هاشم حفظه، فمحل هذا الذكر قبل السلام.
قلت: ورواية إذا أراد أن ينصرف موافقة لهذه.
ويمكن رد رواية ((إذا انصرف)) إليها، لكن المعروف أن هذا الذكر بعد السلام، ويؤيده حديث عائشة.
وبالسند المذكور إلى أبي نعيم قال: حدثنا أبو بكر الطلحي، ثنا عبيد بن غنام، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو معاوية، عن عاصم (ح).
وأخبرني به عالياً الشيخ أبو إسحاق التنوخي بالسند المذكور آنفاً إلى الدارمي، أنا يزيد بن هارون، عن عاصم الأحول، عن عبد الله بن الحارث(2/253)
أبي الوليد، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يجلس بعد الصلاة إلا قدر ما يقول -وفي رواية أبي معاوية كان إذا سلم لم يقعد إلا بمقدار ما يقول-: ((اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام)).
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم، وابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة.
فوقع لنا موافقة عالية، وعالياً بدرجتين من الطريق الثانية على رواية مسلم.
ويمكن الجمع بأنه كان يقول ذلك في الموضعين.
وظاهر حديث عائشة هذا أنه كان لا يقول الأذكار الواردة في هذا المحل إلا بعد قيامه من مجلسه، لكن يعارضه حديث جابر بن سمرة أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الفجر جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس. أخرجه مسلم.
ويمكن الجمع بتخصيص الصبح، وأولى منه أن يحمل النفي على الهيئة المخصوصة بأن يترك التورك والاستقبال ويقبل على أصحابه كما ثبت ذلك في حديث آخر.
[[وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من الصلاة وسلم قال: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قديرٌ، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي(2/254)
لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)).]]
(173)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ثم حدثنا شيخنا، شيخ الإسلام، قاضي القضاة، إمام الحفاظ، إملاء من حفظه كعادته ثامن عشر المحرم الحرام سنة تاريخه، قال وأنا أسمع:
وقد ورد التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك إذا سلم من صلاته.
أخبرني الإمام أبو الفضل بن الحسين الحافظ رحمه الله، أخبرني محمد بن محمد بن أبي الحرم، قال: قرئ على أم محمد بنت موسى ونحن نسمع، عن أبي روح الهروي، قال: أنا أبو القاسم المستملي، أنا أبو القاسم القشيري، أنا أبو الحسين الخفاف، ثنا أبو العباس السراج، ثنا قتيبة بن سعيد ثنا عبد الوهاب الثقفي (ح).
وقرأت على أبي المعالي الأزهري، عن أبي العباس الحلبي سماعاً بالسند الماضي مراراً إلى الإمام أحمد بن حنبل، ثنا علي بن عاصم، قالا: ثنا خالد الحذاء، عن عبد الله بن الحارث البصري، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته قال: ((اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام)).
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من طرق عن خالد الحذاء.(2/255)
منها: لمسلم عن عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه عن شعبة عن خالد.
فوقع لنا عالـ[ـياً] بدرجتين.
قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من الصلاة وسلم قال .. .. إلى آخره).
وبه إلى السراج ثنا قتيبة بن سعيد (ح).
وبالسند الماضي إلى أبي نعيم في المستخرج، ثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا حامد بن شعيب، ثنا أبو خيثمة (ح).
وبه إلى أبي نعيم، ثنا محمد بن إبراهيم، ثنا أبو يعلى، ثنا إسحاق بن أبي إسرائيل.
قال الثلاثة: حدثنا جرير (ح).
وبه إلى أبي نعيم ثنا أبو أحمد-هو الغطريفي- ثنا عبد الله بن محمد ثنا إسحاق بن إبراهيم أنا جرير-هو ابن عبد الحميد- عن منصور- هو ابن المعتمر- عن المسيب بن رافع، عن وراد مولى المغيرة بن شعبة قال: كتب المغيرة بن شعبة إلى معاوية بن أبي سفيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من صلاته وسلم قال: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قديرٌ، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)).
هذا حديث صحيح، أخرجه البخاري عن قتيبة.
ومسلم عن إسحاق.
فوقع لنا موافقة وبدلاً بعلو على طريق مسلم، ولفظ قتيبة الذي سقته(2/256)
كان يقول في دبر صلاته إذا سلم.
ووقع لي من وجه آخر أعلى بدرجة أخرى.
وبالسند الماضي إلى الطبراني في الدعاء ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنا عبد الرزاق، عن ابن جريج، أخبرني عبدة بن أبي لبابة، أن وراداً مولى المغيرة أخبره، أن المغيرة بن شعبة كتب إلى معاوية وكتب له ذلك الكتاب ورادٌ: أنه سمع رسول الله [النبي] صلى الله عليه وسلم يقول حين يسلم من صلاته فذكر مثله سواء.
أخرجه أحمد عن محمد بن بكر عن ابن جريج.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه مسلم عن محمد بن حاتم عن محمد بن بكر.
فوقع لنا عالياً بدرجتين، وعلقه البخاري لابن جريج.
وأخبرني به أعلى من هذا بدرجة أخرى الشيخ أبو إسحاق التنوخي، عن أبي بكر بن أحمد بن عبد الدائم، أنا سالم بن الحسن، أنا أبو السعادات القزاز، أنا أبو علي بن نبهان، أنا أبو علي بن شاذان، أنا أبو عمرو بن السماك، ثنا أحمد بن الخليل، ثنا عبد الله بن بكر، ثنا عبد الله بن عون، عن صاحب له من المطوعة، عن وراد قال: كتب معاوية إلى المغيرة بن شعبة أن اكتب إلي بشيء حفظته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتب إليه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى ثم سلم قال: ((لا إله إلا الله)) وذكر مثله.
وجاء تفسير هذا المبهم من وجه آخر.
قرأته عالياً أيضاً على الشيخ أبي إسحاق التنوخي، أن عبد الله بن الحسين أخبرهم قال: أنا إسماعيل بن أحمد، عن شهدة، قالت: أنا طراد بن(2/257)
محمد الزينبي، أنا علي بن عبد الله العيسوي، أنا عثمان بن أحمد، ثنا عبد الله بن روح، ثنا عثمان بن عمر، ثنا عبد الله بن عون، عن أبي سعيد، عن وراد فذكر نحوه.
أخرجه مسلم عن حامد بن عمر عن بشر بن المفضل عن ابن عون.
فوقع لنا عالياً.
وأخرجه أبو عوانة عن العباس بن محمد عن عثمان بن عمر.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
واختلف في اسم أبي سعيد هذا، فقيل: هو عبد ربه بن سعيد، وقيل: عمر بن سعيد، وقيل: كثير بن عبيد.
وجزم أبو مسعود بأنه لا يعرف اسمه، والعلم عند الله.
ووقع لي في بعض طرق هذا الحديث لفظة اشتهرت في هذا الذكر ولم تقع في الطرق المشهورة. أخبرني الشيخ أبو إسحاق بن كامل، قال: أنا أحمد بن أبي طالب، أنا عبد الله بن عمر، أنا عبد الأول بن عيسى، أنا عبد الرحمن بن محمد، أنا عبد الله بن أحمد، أنا أبو إسحاق الشاشي، ثنا عبد بن حميد، ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن عبد الملك بن عمير، عن وراد كاتب المغيرة بن شعبة، عن المغيرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا راد لما قضيت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)).(2/258)
(174)
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ثم حدثنا شيخنا، سيدنا، ومولانا، شيخ الإسلام -أمتع الله بوجوده- إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء خامس عشرين شهر الله المحرم سنة إحد[ى] وأربعين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
ووقع لنا من وجه آخر عن عبد الملك بن عمير.
حدثنا الشيخ الإمام أبو الفضل بن الحسين الحافظ رحمه الله إملاء من حفظه، أخبرني أبو محمد عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن القيم بقراءتي عليه، أنا علي بن أحمد بن عبد الواحد المقدسي، أنا أبو عبد الله محمد بن أبي زيد الكراني في كتابه، أنا محمد بن إسماعيل الصيرفي، أنا أبو الحسين أحمد بن محمد بن فاذشاه، أنا سليمان بن أحمد الطبراني، ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو نعيم، ثنا مسعر، عن عبد الملك بن عمير، أخبرني وراد كاتب المغيرة، قال: كتب معاوية بن أبي سفيان إلى المغيرة بن شعبة أن اكتب إلي بشيء من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتب إليه إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا راد لما قضيت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)).
وسمعت شيخنا رحمه الله يقول: هذا حديث صحيح، رواته ثقات، ثم أشار إلى رواية معمر التي قدمتها.
قال: ورويناه في الكنجروذيات.
فلم أجده فيها إلا كالجادة، فلعلها سقطت من نسختي.
وأما رواية مسعر فوقع في نسخة شيخنا كالجادة وزيادة ((ولا راد لما(2/259)
قضيت)) وكنت أمليته قديماً من قبل الأمالي البيبرسية كما وقع في النسخة، وحدثنا به شيخنا كذلك، ثم راجعت نسخة معتمدة من الدعاء للطبراني من رواية يوسف بن خليل الحافظ بسماعه من الكراني فوجدته فيها كرواية معمر، ثم راجعت أخرى من رواية الحافظ المزي فوجدتها كذلك، ثم راجعت ثالثة من غير طريق الكراني فوجدته حذف المتن وأحال به على ما قبله، ثم راجعت المعجم الكبير للطبراني فوجدته ساق هذا الإسناد وطرفاً من المتن وذكر عقبه رواية معمر مثل ما أخرجته من طريق عبد بن حميد، فغلب على الظن أن رواية مسعر كرواية معمر، فلذلك سقته من غير رواية معمر.
وقد رواه عن عبد الملك بن عمير جماعة من الحفاظ الأثبات منهم شعبة وسفيان الثوري وأبو عوانة وهشيم وسفيان بن عيينة، وأحاديث هؤلاء في الصحيحين.
ومنهم زائدة بن قدامة وعمرو بن قيس والأعمش وزيد بن أبي أنيسة وأسباط بن محمد، وأحاديثهم عند الطبراني وغيره كاللفظ المشهور.
وقد وقع لي من حديث أسباط عالياً جداً.
أخبرني إبراهيم بن محمد الدمشقي فيما قرأت عليه بالمسجد الحرام، أنا أحمد بن أبي طالب، أنا أنجب بن أبي السعادات في كتابه، أنا أبو الفتح محمد بن عبد الباقي، أنا مالك البانياسي، أنا أبو الحسن بن الصلت، ثنا أبو إسحاق الهاشمي، ثنا عبيد بن أسباط بن محمد، ثنا أبي، ثنا عبد الملك بن عمير، عن وراد، عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دبر الصلاة: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قديرٌ، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)).(2/260)
أخرجه ابن خزيمة عن الحسن بن محمد الزعفراني.
وأبو عوانة عن الحسن بن علي بن عفان ومحمد بن ثواب.
ثلاثتهم عن أسباط بن محمد.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
ووقع في بعض طرق هذا الحديث عند الطبراني زيادة في موضع آخر، فإنه أخرجه من رواية آدم بن أبي إياس عن شيبان بن عبد الرحمن عن منصور عن المسيب بن رافع عن وراد فذكر بعد قوله: ((وله الحمد)): ((يحيي ويميت وهو حيٌ لا يموت بيده الخير)) والباقي سواء.
وقد أخرجه أبو عوانة من رواية عبيد الله بن موسى عن شيبان بدون هذه الزيادة وتقدم قبل ذلك من رواية جرير عن منصور بدونها.
ووقع لي بعضها من حديث ابن عباس.
أخبرني شيخنا الحافظ أبو الفضل بن الحسين رحمه الله فيما قرأت عليه بسنده المذكور آنفاً إلى الطبراني ثنا أبو خليفة، ثنا عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي، ثنا يحيى بن عمرو [بن] مالك النكري -بضم النون وسكون الكاف- عن أبيه عن أبي الجوزاء -بالجيم والزاي واسمه أوس بن عبد الله- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من الصلاة قال: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيءٍ قديرٌ)).
هذا غريب من هذا الوجه، أخرجه البزار عن محمد بن عبد الملك بن(2/261)
أبي الشوارب عن يحيى بن عمرو.
فوقع لنا بدلاً عالياً. وقال: تفرد به يحيى بن عمرو.
قلت: وهو ضعيف، وخالفه أبان بن أبي عياش، وهو أضعف منه، فقال: عن أبي الجوزاء عن عائشة وقال في المتن: ((بيده الخير)) بدل قوله: ((يحيي ويميت)) وكذا وقع في رواية البزار المذكورة.
وكذا أخرجه جعفر الفريابي في كتاب ((الذكر)) من طريق مسلم بن إبراهيم عن يحيى بن عمرو، والله أعلم.
[[وروينا في صحيح مسلم، عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أنه كان يقول دبر كل صلاة حين يسلم: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قديرٌ؛ لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون)) قال ابن الزبير: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلل بهن دبر كل صلاة.
وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموال يحجون بها(2/262)
ويعتمرون ويجاهدن ويتصدقون، فقال: ((ألا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحدٌ أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاةٍ ثلاثاً وثلاثين)).
قال أبو صالح الراوي عن أبي هريرة لما سئل عن كيفية ذكره؟ يقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر، حتى يكون منهن كلهن ثلاث وثلاثون. الدثور: جمع دثر بفتح الدال وإسكان الثاء المثلثة، وهو المال الكثير.]]
(175)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ورسولك ونبيك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا سيدنا شيخنا، ومولانا، شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، قاضي القضاة -أمتع الله المسلمين بوجوده- في يوم الثلاثاء ثالث صفر سنة إحد[ى] وأربعين وثمانمئة، إملاء من حفظه كعادته قال وأنا أسمع:
قوله: (وروينا في صحيح مسلم عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما .. .. إلى آخره).
أخبرني العماد أبو بكر بن العز الفرضي رحمه الله، عن أبي عبد الله ابن الزراد، أنا الحافظ أبو علي البكري، أنا أبو روح الهروي، أنا أبو القاسم(2/263)
المستملي، أنا أبو سعد المقريء، أنا أبو طاهر بن الفضل، ثنا جدي أبو بكر بن إسحاق، ثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي (ح).
وأنا أبو هريرة بن الذهبي إجازة غير مرة، أنا أبو بكر بن رزين، ثنا أبو العباس بن العز بن الحافظ من لفظه، قال: أتنا عين الشمس الثقفية، قالت: أنا أبو بكر بن علي بن أبي ذر، أنا أبو طاهر بن عبد الرحيم، ثنا أبو الشيخ بن حيان (ح).
وبالسند الماضي مراراً إلى أبي نعيم في المستخرج، ثنا عبد الله بن محمد بن جعفر -هو أبو الشيخ- ثنا حامد بن شعيب، ثنا سريج بن يونس، قالا: ثنا إسماعيل بن علية (ح).
وحدثنا الإمام أبو الفضل بن الحسين الحافظ رحمه الله إملاء من حفظه، قال: أخبرني أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن الخباز بقراءتي عليه، أنا المسلم بن محمد، أنا حنبل بن عبد الله، أنا هبة الله بن محمد، أنا الحسن بن علي، أنا أحمد بن جعفر، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا إسماعيل – هو المعروف بابن علية – حدثني الحجاج بن أبي عثمان ثنا أبوالزبير -هو محمد بن مسلم-، قال: سمعت عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما يخطب على هذا المنبر -يعني منبر مكة- يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا سلم من الصلاة: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قديرٌ، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، أهل النعمة والفضل والثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون)).
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم عن يعقوب بن إبراهيم.
فوقع لنا موافقة عالية فيه، وبدلاً في الآخرين.(2/264)
وأخرجه أبو داود عن محمد بن عيسى.
والنسائي عن محمد بن شجاع، كلاهما عن إسماعيل.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وبه إلى أبي طاهر بن عبد الرحيم ثنا أبو الشيخ ثنا أحمد بن عمرو ثنا إسماعيل بن حفص حدثنا عبدة بن سليمان (ح).
وبالسند المذكور آنفاً إلى الإمام أحمد ثنا عبد الله بن نمير قالا: ثنا هشام بن عروة عن أبي الزبير قال: كان عبد الله بن الزير يقول في دبر كل صلاة، فذكر مثله، لكنه قال: ((له النعمة والفضل)) وفي آخره: ويقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلل بهن دبر كل صلاة.
أخرجه مسلم عن محمد بن عبد الله بن نمير عن أبيه.
وأخرجه أبو داود عن محمد بن سليمان الأنباري.
والنسائي عن إسحاق بن إبراهيم، كلاهما عن عبدة.
فوقع لنا بدلاً عالياً من الوجهين.
قوله: (وروينا في صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن فقراء المهاجرين .. .. إلى آخره).
وبالسند المذكور إلى أبي نعيم، ثنا حبيب بن الحسن، ثنا يوسف القاضي، ثنا محمد بن أبي بكر، ثنا معتمر بن سليمان، ثنا عبيد الله بن عمر، عن سمي مولى أبي بكر، عن أبي صالح، عن أبي هريرة أن فقراء(2/265)
المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلى والنعيم المقيم، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضول أموال يحجون منها، ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون، قال: ((أفلا أخبركم بأمرٍ إن أخذتم به أدركتم من سبقكم ولم يدرككم من بعدكم، وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه، إلا أحدٌ عمل مثل عملكم؟ تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاةٍ ثلاثاً وثلاثين)).
قال: فاختلفنا: ما بيننا فقال بعضنا: نسبح ثلاثاً وثلاثين، ونحمد ثلاثاً وثلاثين ونكبر أربعاً وثلاثين، قال: فرجعنا إليه، فقال: تقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر حتى يكون منهن كلهن ثلاثاً وثلاثين.
هذا حديث صحيح، أخرجه البخاري عن محمد بن أبي بكر على الموافقة.
وأخرجه مسلم عن عاصم بن النضر عن معتمر بن سليمان.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
ووقع عند مسلم: فرجعت إلى أبي صالح، فعين الراجع والمرجوع إليه، ولله الحمد.
[[وروينا في صحيح مسلم، عن كعب بن عجرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن دبر(2/266)
كل صلاةٍ مكتوبةٍ، ثلاثاً وثلاثين تسبيحةً، وثلاثاً وثلاثين تحميدةً، وأربعاً وثلاثين تكبيرةً)).]]
(176)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ثم حدثنا شيخنا شيخ الإسلام، أبو الفضل العسقلاني، إمام الحفاظ، المشار إليه إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء، عاشر صفر سنة إحد[ى] وأربعين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
قوله: (وروينا في صحيح مسلم عن كعب بن عجرة .. .. إلى آخره).
قرأت على فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي، وأجاز لنا أبو هريرة بن الحافظ أبي عبد الله الذهبي، كلاهما عن محمد بن يحيى بن سعد إجازة للأولى، وسماعاً للثاني، أنا الحسن بن يحيى في كتابه، أنا عبد الله بن رفاعة، أنا أبو الحسن الخلعي، أنا أبو سعد الماليني، ثنا أبو الحسن محمد بن عبد الله السليطي إملاء، ثنا عبد الله بن محمد بن شيرويه، ثنا نصر بن علي الجهضمي، واللفظ له (ح).
وبالسند الماضي مراراً إلى أبي نعيم في المستخرج، ثنا سليمان بن أحمد، وعبد الله بن محمد بن جعفر، قالا: ثنا عبدان بن أحمد، ثنا معمر بن سهل، قالا: ثنا أبو أحمد الزبيري، ثنا حمزة الزيات، عن الحكم بن عتيبة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((معقباتٌ لا يخيب قائلهن أو قال فاعلهن، ثلاثاً وثلاثين(2/267)
تسبيحةً، وثلاثاً وثلاثين تحميدةً، وأربعاً وثلاثين تكبيرةً في دبر كل صلاةٍ)).
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم عن نصر بن علي.
فوقع لنا موافقة وبدلاً بعلو.
وبه إلى أبي نعيم، ثنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا حبان بن موسى، ثنا عبد الله بن المبارك، ثنا مالك بن مغول، عن الحكم بن عتيبة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي لك هدية؟ فذكر الحديث في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((معقباتٌ)) فذكر نحوه.
أخرجه مسلم عن الحسن بن عيسى عن عبد الله بن المبارك.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وبه إلى أبي نعيم، ثنا أبو بكر الطلحي، ثنا عبيد بن غنام، ثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، ثنا أسباط بن محمد ثنا عمرو بن قيس، عن الحكم، عن عبد الرحمن، عن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((معقباتٌ لا يخيب قائلهن أن تسبح الله دبر كل صلاةٍ ثلاثاً وثلاثين)) الحديث.
أخرجه مسلم عن محمد بن حاتم.
والترمذي والنسائي وأبو عوانة جميعاً عن محمد بن إسماعيل الأحمسي.
وأبو عوانة أيضاً عن علي بن حرب.(2/268)
ثلاثتهم عن أسباط بن محمد.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
قال الترمذي: حديث حسن، وقد رواه شعبة عن الحكم فلم يرفعه، ورفعه منصور عن الحكم.
قلت: هكذا اقتصر الترمذي في ذكر من رفعه على منصور، وقد أخرجه مسلم من رواية ثلاثة غيره مرفوعاً كما أمليته. ورواه زيد بن أبي أنيسة عن الحكم مرفوعاً أيضاً.
وبالسند المذكور إلى الخلعي قال: أنا عبد الرحمن بن عمر، ثنا محمد بن أيوب بن حبيب، ثنا هلال بن العلاء، ثنا سليمان بن عبيد الله، ثنا عبيد الله بن عمرو، ثنا زيد بن أبي أنيسة، فذكر الحديث بنحوه.
وأما رواية شعبة فقد وقعت لنا موقوفة كما قال الترمذي ومرفوعة عنه أيضاً.
قرأت على عبد الرحمن بن أحمد بن المبارك، عن أحمد بن منصور الجوهري سماعاً، أنا علي بن أحمد المقدسي، أنا أبو المكارم اللبان في كتابه، أنا أبو علي الحداد، أنا أبو نعيم، أنا أبو محمد بن فارس، ثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود الطيالسي، ثنا شعبة أخبرني الحكم قال: سمعت ابن أبي ليلى، يحدث عن كعب بن عجرة قال: معقبات لا يخيب قائلهن أن تكبر الله أربعاً وثلاثين وتسبحه ثلاثاً وثلاثين وتحمده ثلاثاً وثلاثين دبر كل صلاة.
وهذا الإسناد صحيح على شرط مسلم.
وقرأت رواية شعبة مرفوعة على أم يوسف بنت محمد الصالحية بها(2/269)
عن عيسى بن عبد الرحمن بن معالي، قال: قرئ على كريمة بنت عبد الوهاب وأنا أسمع، عن أبي الخير الباغبان، قال: أنا أبو عمرو بن أبي عبد الله بن منده، أنا أبي، أنا محمد بن عثمان بن حفص، ثنا جعفر بن محمد بن شاكر، ثنا عفان، ثنا شعبة، قال: سمعت الحكم بن عتيبة يقول: سمعت عبد الرحمن ابن أبي ليلى، يقول: سمعت كعب بن عجرة، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((معقباتٌ)) فذكره.
وأخرجه ابن منده أيضاً من رواية يزيد بن هارون عن شعبة مرفوعاً قال: ورواه يحيى بن أبي بكير عن شعبة.
قلت: وأخرجه ابن حبان في أوائل صحيحه من طريق شعيب بن حرب عن شعبة وحمزة الزيات ومالك بن مغول، ثلاثتهم عن الحكم به مرفوعاً.
وأما رواية منصور التي أشار إليها الترمذي، فأخرجها النسائي في اليوم والليلة من رواية سفيان الثوري ومن رواية أبي الأحوص كلاهما عن منصور رفعه سفيان ووقفه أبو الأحوص، والله أعلم.
[[وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من سبح الله في دبر كل صلاةٍ ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وكبر الله ثلاثاً وثلاثين، وقال تمام المئة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قديرٌ، غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)).]](2/270)
(177)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا شيخ الإسلام، أبو الفضل العسقلاني، إمام الحفاظ، المشار إليه إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء رابع عشر صفر من شهور سنة إحد[ى] وأربعين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
قوله: (وروينا في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه .. .. إلى آخره).
أخبرني الإمام العلامة حافظ العصر أبو الفضل بن الحسين رحمه الله، عن عبد الله بن محمد الصالحي قراءة عليه، أنا علي بن أحمد السعدي، عن محمد بن أبي زيد، أنا محمود بن إسماعيل، أنا أبو الحسين الأصبهاني، أنا أبو القاسم الطبراني، ثنا معاذ بن المثنى (ح).
وبالسند الماضي إلى أبي نعيم في المستخرج، ثنا حبيب بن الحسن، ثنا يوسف بن يعقوب القاضي، قالا: ثنا مسدد (ح).
وبالسند الماضي قريباً إلى أبي طاهر بن الفضل، ثنا جدي أبو محمد بن إسحاق بن خزيمة، ثنا أبو بشر - يعني إسحاق بن شاهين، قالا: ثنا خالد بن عبد الله، ثنا سهيل بن أبي صالح (ح).
وبه إلى الطبراني ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا حجاج بن منهال، ومعلى بن أسد، قال الأول: ثنا حماد بن سلمة، والثاني: ثنا عبد العزيز بن المختار، كلاهما عن سهيل، عن أبي عبيد -هو مولى سليمان بن عبد الملك- عن عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سبح ثلاثاً وثلاثين دبر كل صلاةٍ وحمد ثلاثاً(2/271)
وثلاثين، وكبر ثلاثاً وثلاثين، وقال تمام المئة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قديرٌ، غفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر)).
وقدم ابن خزيمة في روايته التكبير على التحميد، وزاد: ((فإن ذلك تسعٌ وتسعون)) وقال: ((غفرت خطاياه)).
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم عن عبد الحميد بن بيان.
والفريابي في كتاب ((الذكر)) عن وهب بن بقية.
كلاهم عن خالد بن عبد الله.
فوقع لنا بدلاً عالياً على طريق مسلم.
وبه إلى الطبراني ثنا يوسف القاضي ثنا أبو الربيع الزهراني، ثنا فليح بن سليمان عن سهيل فذكر نحوه.
وأخرجه أحمد عن سريج بن النعمان عن فليح بن سليمان.
وأخرجه أبو عوانة عن أبي أمية الطرسوسي عن أبي الربيع الزهراني.
فوقع لنا بدلاً عالياً من الوجهين.
وهكذا رواه زيد بن أبي أنيسة عند النسائي.
وعبد العزيز بن أبي حازم عند الفريابي.
كلاهما عن سهيل.(2/272)
ورواه مالك في الموطأ عن أبي عبيد شيخ سهيل، فلم يرفعه.
واختلف على سهيل في إسناده وسياق متنه، فرواه الأكثر هكذا، وخالفهم روح بن القاسم.
وبه إلى أبي نعيم، ثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا ابن أبي عاصم -هو أبو بكر أحمد بن عمرو-، ثنا أمية بن بسطام، ثنا يزيد بن زريع، عن روح بن القاسم، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قالوا: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور فذكر الحديث، وفيه: ((تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاةٍ ثلاثاً وثلاثين، إحدى عشرة وإحدى عشرة، وإحدى عشرة، فذلك كله ثلاثٌ وثلاثون)).
أخرجه مسلم عن أمية بن بسطام.
فوقع لنا موافقة عالية.
ورواه أبو عوانة عن عباس الدوري عن أمية بن بسطام.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وصنيع مسلم يقتضي أنه كان عند سهل حديثان متغايران، وقد قيل: إن التغيير من قبل سهيل، فإنه لم يتابع عليه، وقد سبق التصريح عن أبي هريرة بأن كل كلمة تقال ثلاثاً وثلاثين.
وجاء عنه من وجه آخر كذلك، وفيه زيادة فائدة وهي تسمية قائل: ذهب أهل الدثور.
أخبرني أبو المعالي الأزهري، أنا أبو العباس الحلبي بالسند الماضي مراراً إلى عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا الوليد -هو ابن مسلم-، ثنا الأوزاعي، حدثني حسان بن عطية عن محمد بن أبي عائشة،(2/273)
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن أبا ذر رضي الله عنه قال: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي الحديث، وفيه: ((تسبح دبر كل صلاةٍ ثلاثاً وثلاثين وتحمد ثلاثاً وثلاثين، وتكبر ثلاثاً وثلاثين، ثم تختمها بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قديرٌ)).
هذا حديث صحيح، أخرجه أبو داود عن دحيم -واسمه عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي-، عن الوليد بن مسلم.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه ابن حبان في صحيحه من طريق دحيم.
وله شاهد عن أبي الدرداء، عند النسائي، وفيه أيضاً أنه سأل عن ذلك.
وآخر عن أبي ذر نفسه، أخرجه النسائي وابن ماجه وصححه ابن خزيمة، والله أعلم.
(178)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم كثيراً.
ثم حدثنا شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، أبو الفضل العسقلاني، المشار(2/274)
إليه إملاء من حفظه في يوم الثلاثاء رابع عشرين صفر سنة تاريخه، قال وأنا أسمع:
ذكر شاهد لحديث كعب بن عجرة في أن التكبير أربع وثلاثون.
أخبرني عبد الله بن عمر بن علي رحمه الله، أنا أحمد بن محمد بن عمر، أنا عبد اللطيف بن عبد المنعم، أنا عبد الله بن أحمد الحربي، أنا أبو القاسم بن الحصين، أنا أبو علي بن المذهب، أنا أبو بكر القطيعي، أنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل، حدثني أبي ثنا ابن نمير -يعني عبد الله- ثنا مالك -يعني ابن مغول- ثنا الحكم، عن أبي عمر قال: نزل بأبي الدرداء رضي الله عنه ضيف فقال: أمقيم فنسرح أو ظاعن فنعلف؟ قال: بل ظاعن، قال: سأزودك زاداً لو أحد أفضل منه لزودتك، قلت: يا رسول الله! ذهب الأغنياء بالدنيا والآخرة، يصلون كما نصلي، فذكر الحديث، وفيه: ((في دبر كل صلاةٍ ثلاثاً وثلاثين تسبيحةً وثلاثاً وثلاثين تحميدةً وأربعاً وثلاثين تكبيرةً)).
هذا حديث حسن، أخرجه النسائي عن أحمد بن سليمان عن يحيى بن آدم عن مالك بن مغول.
فوقع لنا عالياً.
وأبو عمر المذكور في السند شامي نزل الكوفة، ويقال له: الصيني بالمهملة والنون، وأكثر ما يرد غير مسمى، ووقع في رواية في الدعاء للطبراني أن اسمه نشيط بنون ومعجمة وآخره طاء مهملة وزن عظيم، ولم أر فيه جرحاً ولا تعديلاً.(2/275)
وقد وقع لي حديثه من وجه آخر أعلى بدرجة أخرى.
قرأت على شيخ الإسلام أبي الفضل الحافظ رحمه الله بالسند الماضي إلى الطبراني ثنا يوسف القاضي، ومحمد بن محمد التمار، قال الأول: ثنا سليمان بن حرب، والثاني: ثنا أبو الوليد الطيالسي قالا: حدثنا شعبة، ثنا الحكم، فذكره، وفيه: ((تسبح ثلاثاً وثلاثين)) الحديث.
أخرجه أحمد عن محمد بن جعفر المعروف بغندر عن شعبة.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه النسائي عن بندار عن غندر.
وبه إلى الطبراني ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنا عبد الرزاق، أنا الثوري، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي عمر الشامي، فذكر نحوه.
وهكذا رواه أبو الأحوص ومعمر وغيرهما عن عبد العزيز، وخالفهم شريك، فزاد في سنده أم الدرداء.
وبه إلى الطبراني ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا يحيى الحماني، ثنا شريك، عن عبد العزيز بن رفيع، قال: حدثني رجل من أهل الشام يقال له أبو عمر، عن أم الدرداء قالت: نزل بأبي الدرداء ضيف، فذكر الحديث بنحوه، وفيه: ((أن تسبح الله)) إلى آخره.
أخرجه النسائي من رواية يزيد بن هارون عن شريك.
فوقع لنا عالياً بدرجتين.
وله شاهد آخر في فائدة زائدة.(2/276)
أخبرني الشيخ أبو إسحاق التنوخي، أنا أبو العباس الصالحي، حدثنا أبو المنجى بن اللتي، أنا أبو الوقت، أنا أبو الحسن الداودي، أنا أبو محمد السرخسي، ثنا إبراهيم بن خزيم، حدثنا عبد بن حميد، ثنا روح بن عبادة (ح).
وأخبرني الشيخ المذكور قال: أخبرنا أبو العباس عن محمد بن مسعود، أخبرنا أبو الوقت، أخبرنا الداودي، أخبرنا السرخسي، أنا عيسى بن عمر، أنا الدارمي، أنا عثمان بن عمر، قالا: ثنا هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن كثير بن أفلح، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسبح في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين تسبيحة، ونحمد ثلاثاً وثلاثين تحميدة، ونكبر أربعاً وثلاثين تكبيرة، فرأى رجل في منامه أن رجلاً قال له لو جعلتموها خمساً وعشرين خمساً وعشرين وزِدْتم فيها التهليل، فذكر ذلك الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((كذلك فافعلوا)).
هذا حديث صحيح، أخرجه أحمد عن روح بن عبادة وعثمان بن عمر فرقهما.
فوقع لنا موافقة عالية فيهما.
وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه عن أبي قدامة عن عثمان بن عمر.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه ابن حبان عن ابن خزيمة.
وأخرجه النسائي من وجه آخر عن هشام بن حسان.(2/277)
فوقع لنا عالياً جداً. ورجاله رجال الصحيح إلا كثير بن فلح وقد وثقه النسائي والعجلي، ولم أر لأحد فيه كلاماً. ولحديثه هذا شاهد عن ابن عمر.
وبه إلى الطبراني ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أحمد بن يونس، ثنا علي بن الفضيل بن عياض، ثنا عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر، قال: أتي رجل في المنام من الأنصار فقيل له: بم أمركم نبيكم صلى الله عليه وسلم فذكر مثله، فقال: سبحوا خمساً وعشرين وكبروا خمساً وعشرين واحمدوا خمساً وعشرين وهللوا خمساً وعشرين، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((افعلوا كما قال الأنصاري)).
هذا حديث حسن من هذا الوجه، أخرجه أبو العباس السراج عن يوسف بن موسى ومحمد بن عثمان بن كرامة كلاهما عن أحمد بن يونس، فوافقناه في شيخ شيخه بعلو، ولله الحمد.
[[وروينا في صحيح البخاري في أوائل كتاب الجهاد، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ دبر الصلاة بهؤلاء الكلمات: ((اللهم إني أعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر)).
وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خصلتان أو خلتان لا يحافظ عليهما عبدٌ مسلمٌ إلا دخل الجنة، هما يسيرٌ،(2/278)
ومن يعمل بهما قليلٌ: يسبح الله تعالى دبر كل صلاةٍ عشراً، ويحمد عشراً، ويكبر عشراً، فذلك خمسون ومئة باللسان، وألفٌ وخمسمئةٍ في الميزان. ويكبر أربعاً وثلاثين إذا أخذ مضجعه ويحمد ثلاثاً وثلاثين، ويسبح ثلاثاً وثلاثين، فذلك مئةٌ باللسان، وألفٌ بالميزان)). قال: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقدها بيده، قالوا: يا رسول الله! كيف هما يسير، ومن يعمل بهما قليل؟ قال: ((يأتي أحدكم -يعني الشيطان- في منامه فينومه قبل أن يقوله، ويأتيه في صلاته فيذكره حاجةً قبل أن يقولها)) إسناده صحيح، إلا أن فيه عطاء بن السائب وفيه اختلاف بسبب اختلاطه، وقد أشار أيوب السختياني إلى صحة حديثه هذا.]]
(179)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ثم في باكورة يوم الثلاثاء، أول ربيع الأول من شهور سنة إحد[ى] وأربعين وثمانمئة، حدثنا شيخنا، أبو الفضل العسقلاني، شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، إملاء من حفظه كعادته، قال وأنا أسمع:
قوله: (وروينا في صحيح البخاري في أوائل كتاب الجهاد .. .. إلى آخره).
أخبرني المسند أبو علي محمد بن محمد بن الجلال رحمه الله، أنا أبو العباس بن أبي طالب وست الوزراء التنوخية، قالا: ثنا أبو عبد الله(2/279)
الزبيدي، أنا عبد الأول بن عيسى، أنا عبد الرحمن بن محمد، أنا عبد الله بن أحمد، أنا محمد بن يوسف، أنا محمد بن إسماعيل، ثنا موسى بن إسماعيل (ح).
وقرأت على شيخنا الإمام أبي الفضل الحافظ رحمه الله بالسند الماضي قريباً إلى الطبراني في الدعاء ثنا أبو مسلم الكشي، ثنا سهل بن بكار، قالا: ثنا أبو عوانة قال: سمعت عبد الملك بن عمير، قال: سمعت عمرو بن ميمون الأزدي، يقول: كان سعد -يعني ابن أبي وقاص- رضي الله عنه يعلم بنيه هؤلاء الكلمات كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة ويقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بهن دبر الصلاة: ((اللهم إني أعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك من البخل، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر)).
قال عبد الملك: فحدثت به مصعب بن سعد، فصدقه.
هذا حديث صحيح، أخرجه البخاري في باب التعوذ من الجبن من كتاب الجهاد من هذا الوجه، وأخرجه أيضاً في أواخر صفة الصلاة، وفي كتاب الدعوات من رواية زائدة ومن رواية عبد بن حميد ومن رواية شعبة ثلاثتهم عن عبد الملك بن عمير، لكن قالوا: عن مصعب بن سعد عن أبيه، ولم يذكروا عمرو بن ميمون ولا التقييد بدبر الصلاة.
وقد أخرجه الترمذي والنسائي من رواية عبيد الله بن عمرو الرقي عن عبد الملك بن عمرو بن ميمون ومصعب بن سعد جميعاً عن سعد، وزادا فيه: في دبر الصلاة.(2/280)
وكذا أخرجه ابن خزيمة من رواية شيبان بن عبد الرحمن عن عبد الملك.
وأخرجه النسائي أيضاً من وجه آخر عن أبي عوانة.
فوقع لنا عالياً.
قوله: (وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي عن عبد الله بن عمرو .. .. إلى آخره).
أخبرني الشيخ أبو إسحاق التنوخي، أنا أحمد بن أبي طالب، عن محمد بن مسعود، أنا أبو الوقت، أنا أبو الحسن بن المظفر، أنا أبو محمد بن أعين، أنا أبو إسحاق الشاشي، ثنا عبد بن حميد (ح).
وقرأت على فاطمة بنت محمد التنوخية، عن سليمان بن حمزة، أنا محمد بن عبد الواحد الحافظ، أنا محمد بن أحمد بن نصر، أنا الحسن بن أحمد المقرئ، أنا أحمد بن عبد الله الحافظ، أنا سليمان بن أحمد اللخمي، ثنا إسحاق بن إبراهيم بن عباد، قالا: أنا عبد الرزاق، أنا معمر -زاد إسحاق، وسفيان الثوري- كلاهما عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((خصلتان من حافظ عليهما دخل الجنة -وفي رواية الثوري- لا يحصيهما رجلٌ مسلمٌ إلا دخل الجنة، هما يسيرٌ، ومن يعمل بهما قليلٌ، من سبح الله في دبر كل صلاةٍ عشراً، وكبر الله عشراً، وحمد الله عشراً، فذلك خمسون ومئةٌ باللسان،(2/281)
وألفٌ وخمسمئة في الميزان، وإذا آوى إلى فراشه سبح ثلاثاً وثلاثين وحمد ثلاثاً وثلاثين وكبر أربعاً وثلاثين، فذلك مئةٌ باللسان وألفٌ في الميزان، وأيكم يعمل في اليوم والليلة ألفين وخمسمئة سيئةٍ؟)).
قال عبد الله بن عمرو: فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقدها بيده.
قالوا: يا رسول الله كيف من يعمل بهما قليل، وفي رواية الثوري: كيف لا يحصيهما؟ قال: ((يجيء الشيطان أحدكم في صلاته فيذكره حاجة كذا وحاجة كذا، فلا يقولها، ويأتيه عند منامه فينومه فلا يقولها)).
هذا حديث صحيح، أخرجه أحمد عن عبد الرزاق عن الثوري.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه أبو داود من رواية شعبة.
والترمذي من رواية إسماعيل بن علية.
والنسائي وابن حبان في صحيحه جميعاً من رواية حماد بن زيد.
ثلاثتهم عن عطاء بن السائب.
وقول الشيخ: إن عطاء بن السائب مختلف فيه من أجل اختلاطه، لا(2/282)
أثر لذلك، لأن شعبة والثوري وحماد بن زيد سمعوا منه قبل اختلاطه، وقد اتفقوا على أن الثقة إذا تميز ما حدث به قبل اختلاطه مما بعده قبل، وهذا من ذاك.
وأيد ذلك ما ذكره الشيخ عن أيوب. وكأنه أراد ما:
أخبرني عبد الله بن عمر بن علي، قال: أنا أحمد بن محمد بن عمر، أنا أبو الفرج بن الصيقل، أنا عبد الله بن أحمد، أنا هبة الله بن محمد، أنا الحسن بن علي، أنا أحمد بن جعفر، أنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: سمعت عبيد الله بن عمر القواريري يقول: سمعت حماد بن زيد يقول: قدم عطاء بن السائب البصرة، فقال لنا أيوب -يعني السختياني-: اذهبوا إليه فاسألوه عن حديث التسبيح -يعني هذا الحديث.
ووقع لي من وجه آخر أصرح من هذا في المراد.
قرأت على عبد الرحمن بن أحمد بن المبارك، عن محمد بن عثمان التوزري سماعاً، أنا عبد العزيز بن عبد المنعم، أنا عبد المعز بن محمد في كتابه أنا تميم بن أبي سعيد، أنا أبو الحسن، محمد بن أحمد، أنا علي بن محمد، أنا أبو حاتم البستي، أنا الفضل بن الحباب، ثنا عبد الله بن عبد الوهاب، ثنا حماد بن زيد، قال: كان أيوب حدثنا بهذا الحديث عن عطاء بن السائب فذكره بطوله قال: فلما قدم عطاء بن السائب البصرة قال لنا أيوب: اذهبوا فاسمعوه من عطاء.
قلت: فدل هذا على أن عطاء حدث به قديماً، بحيث حدث به عنه أيوب في حياته، وهو من أقرانه أو أكبر منه، لكن في كون هذا حكماً من أيوب بصحة هذا الحديث نظر، لأن الظاهر أنه قصد له على علو الإسناد، ووالد عطاء الذي تفرد بهذا الحديث لم يخرج له الشيخان، لكنه ثقة،(2/283)
ولحديثه شاهد بسند قوي، فذلك صححته، والله أعلم.
(180)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا شيخنا، سيدنا، ومولانا، شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، أبو الفضل أحمد العسقلاني -فسح الله في أجله- إملاء من حفظه، وقراءة عليه من المستملي ثامن من ربيع الأول من شهور سنة إحد[ى] وأربعين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
وقد وقع لي حديث حماد بن زيد وأثره عالياً.
أخبرني المسند أبو الفتح فرج بن عبد الله الحافظي في كتابه، أنا عبد الله بن الحسن بن الحافظ، أنا يوسف الواعظ، أنا جدي لأمي الإمام أبو الفرج بن الجوزي، أنا الإمام أبو الحسن الدينوري، أنا أبو محمد الجوهري، أنا علي بن محمد بن كيسان، ثنا يوسف بن يعقوب القاضي، أنا أبو الربيع -يعني الزهراني- (ح).
وبالسند الماضي قريباً إلى الطبراني في الدعاء، ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا عارم أبو النعمان، قالا: ثنا حماد بن زيد (ح).
وبه إلى الطبراني، ثنا علي بن عبد العزيز، والعباس بن الفضل، قال الأول: ثنا الحجاج بن منهال، ثنا حماد بن سلمة، وقال الثاني: ثنا أبو الوليد الطيالسي، ثنا شعبة، ثلاثتهم عن عطاء بن السائب، عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خصلتان -أو قال- خلتان لا يحصيهما رجلٌ مسلمٌ إلا دخل الجنة)) فذكر الحديث، وفيه: الصلوات الخمس يسبح أحدكم دبر كل صلاةٍ عشراً)) وفيه: ((وإذا آوى إلى فراشه من(2/284)
الليل)) والباقي سواء، واللفظ لأبي الربيع.
أخرجه أبو داود عن حفص بن عمر عن شعبة.
والنسائي عن يحيى بن حبيب عن حماد بن زيد.
فوقع لنا بدلاً عالياً من الوجهين.
وبه إلى الطبراني، ثنا أبو خليفة، ثنا الحجبي، ثنا حماد بن زيد، قال: كان أيوب يحدث بهذا الحديث قبل أن يقدم عطاء البصرة، فلما قدم عطاء بن السائب البصرة قال لنا أيوب: انطلقوا إليه فاسمعوا منه حديث التسبيح.
وأما شاهده الذي أشرت إليه ففيما:
قرأت على العماد أبي بكر بن إبراهيم بن العز الصالحي رحمه الله بها، عن الإمام أبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية سماعاً، أنا أحمد بن عبد الدائم، أنا أبو الفرج بن كليب، أنا أبو القاسم بن بيان (ح).
وقرأت على مريم بنت أحمد الأسدية بمنزلها ظاهر القاهرة، عن علي بن عمر الواني سماعاً -وهي آخر من حدث عنه بالسماع-، أنا عبد الرحمن بن مكي سبط السلفي سماعاً عليه -وهو آخر من حدث عنه بالسماع- قال: أنا جدي لأم الحافظ أبي طاهر، وهو آخر من حدث عنه بالسماع، أنا أبو القاسم الربعي، قالا: أنا أبو الحسن بن مخلد، أنا أبو محمد الصفار، ثنا الحسن بن عرفة، ثنا المبارك بن سعيد أخو سفيان(2/285)
الثوري، عن موسى الجهني، عن مصعب بن سعد، عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيمنع أحدكم أن يكبر في دبر كل صلاةٍ عشراً ويسبح عشراً ويحمد عشراً، فذلك في خمس صلواتٍ خمسون ومئةٌ باللسان وألفٌ وخمسمئة في الميزان، فإذا آوى إلى فراشه يكبر الله عز وجل أربعاً وثلاثين ويحمده ثلاثاً وثلاثين ويسبحه ثلاثاً وثلاثين، فذلك مئةٌ باللسان وألفٌ في الميزان)) قال: ثم قال: ((وأيكم يعمل في يومه وليلته ألفين وخمسمئة سيئةٌ؟)).
هذا حديث حسن من هذا الوجه.
أخرجه النسائي في اليوم والليلة عن زكريا بن يحيى عن الحسن بن عرفة.
فوقع لنا بدلاً عالياً بأربع درجات.
قال النسائي: خالفه شعبة وغيره في لفظه.
يريد الحديث الذي:
أخبرني الشيخ أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن أبي بكر فيما قرأت عليه بالمسجد الحرام، عن أبي العباس الصالحي سماعاً، أنا أبو المنجا بن اللتي، أنا أبو الوقت بالسند الماضي قريباً إلى عبد بن حميد، ثنا جعفر بن عون، عن موسى الجهني، عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيعجز أحدكم أن يكسب في اليوم ألف حسنةٍ يسبح الله مئة تسبيحةٍ فيكتب له ألف حسنةٍ وعفا عنه بها ألف خطيئةٍ؟)).(2/286)
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم من طريق عبد الله بن نمير وعلي بن مسهر ومروان بن معاوية.
وأخرجه الترمذي والنسائي من طريق يحيى القطان.
كلهم عن موسى الجهني.
وأخرجه أحمد عن عبد الله بن نمير عن موسى.
وأبو عوانة في صحيحه عن أبي بكر بن إسحاق عن جعفر بن عون كما أخرجته.
فوقع لنا بدلاً عالياً من الوجهين. وتفرد المبارك بن سعيد باللفظ الأول وهو ثقة عند ابن معين وغيره، فاحتمل أن يكون عند موسى الجهني بالإسناد المذكور حديثان، والله أعلم.
[[وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وغيرهم،عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرا بالمعوذتين دبر كل صلاة. وفي رواية أبي داود ((بالمعوذات))(2/287)
فينبغي أن يقرأ: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس.]]
(181)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا شيخ الإسلام، أبو الفضل الشهابي العسقلاني، إمام الحفاظ، إملاء من حفظه في يوم الثلاثاء خامس عشر ربيع الأول من شهور سنة إحد[ى] وأربعين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
ومن شواهد حديث عبد الله بن عمرو: ما أخرجه الإمام أحمد عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ولفاطمة رضي الله عنهما: ((تسبحان في دبر كل صلاةٍ عشراً وتحمدان عشراً وتكبران عشراً، فإذا آويتما إلى فراشكما تسبحان ثلاثاً وثلاثين وتحمدان ثلاثاً وثلاثين وتكبران أربعاً وثلاثين)).
وفي الحديث قصة طويلة، وهو من رواية عطاء بن السائب عن أبيه أيضاً لكن قال: عن علي بدل عبد الله بن عمرو. فمنهم من أعله به، ومنهم من جعلهما حديثين محفوظين، وهو الظاهر لاختلاف سياقهما وإن اشتركا في بعض، ولأنه من رواية حماد بن سلمة عن عطاء، وسماعه منه، قبل الاختلاط. وقد روى حماد عنه الحديث الآخر كما تقدم.
وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني عن أم مالك الأنصارية أن النبي صلى الله عليه وسلم(2/288)
علمها أن تقول في دبر كل صلاة: ((سبحان الله عشراً والحمد لله عشراً والله أكبر عشراً)).
وهو من رواية عطاء بن السائب أيضاً، لكن قال: عن يحيى بن جعدة عن رجل حدثه عن أم مالك، والراوي له عن عطاء إنما سمع منه بعد الاختلاط.
وأخرج البزار وأبو يعلى عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أم سليم -وهي والدة أنس- رضي الله عنها نحو ذلك.
وأصله عند الترمذي والنسائي من وجه آخر عن أنس، وسنده قوي.(2/289)
وأخرج الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما حديثاً فيه التهليل دبر كل صلاة عشر مرات، وقال: حسن.
قوله: (وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي .. .. إلى أن قال: بالمعوذتين، وفي رواية أبي داود بالمعوذات).
أخبرني أبو محمد عبد العزيز بن محمد بن محمد الحاكم، عن زينب بنت إسماعيل بن إبراهيم بن الخباز سماعاً عليها، أن أحمد بن عبد الدائم، أخبرهم قال: أنا عبد الله بن مسلم الوكيل، أنا محمد بن عبد الباقي الحاسب، أنا الحسن بن علي الجوهري، أنا أحمد بن جعفر القطيعي، ثنا بشر بن موسى الأسدي، ثنا عبد الله بن يزيد المقرئ، ثنا سعيد بن أبي أيوب، حدثني يزيد بن محمد الرعيني، وأبو مرحوم عبد الرحيم بن ميمون، كلاهما عن علي بن رباح، عن عقبة بن عامر الجهني، قال: أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أقرأ في دبر كل صلاة بالمعوذتين.
هذا حديث صحيح، أخرجه أحمد عن المقرئ.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه النسائي عن محمد بن عبد الله بن يزيد المقريء عن أبيه.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه الترمذي من رواية يزيد بن أبي حبيب عن علي بن رباح، وقال في روايته ((بالمعوذتين)) كما وقع في روايتنا، لكن وقع في رواية(2/290)
أحمد المشار إليها بالمعوذات.
وبالسند الماضي إلى الطبراني في الدعاء ثنا بشر بن موسى ثنا أبو عبد الرحمن المقريء -وهو عبد الله بن يزيد- فذكره بالسند المذكور والمتن، لكن قال: ((بالمعوذات)).
وأخرجه أحمد أيضاً وأبو داود والنسائي من طريق عبد الله بن وهب.
وأخرجه ابن خزيمة والحاكم من رواية عاصم بن علي.
وأخرجه ابن خزيمة أيضاً وابن حبان من رواية عبد الله بن عبد الحكم.
ثلاثتهم عن الليث بن سعد عن حنين بن أبي حكيم عن علي بن رباح، ووقع في رواية الجميع ((بالمعوذات)).
ففي اقتصار الشيخ على عزوها على أبي داود إيهام بانفراده، وليس كذلك.
قوله (ينبغي أن يقرأ {قل هو الله أحد} .. .. إلى آخره).
هو مرتب على هذه الرواية، لأن المعوذات جمع أقله ثلاث، فجعل سورة الإخلاص منها تغليباً.
وفيه نظر لاحتمال أن يراد بالمعوذات آيات السورتين.
ويؤيده ما:(2/291)
قرأت على الشيخ أبي المعالي الأزهري، أنا أحمد بن كشتغدى، أنا عبد اللطيف بن عبد المنعم، أنا عبد الوهاب بن علي، أنا أبو القاسم بن الحصين، أنا أبو طالب بن غيلان، ثنا أبو بكر الشافعي، ثنا محمد -هو ابن غالب-، ثنا عبد الصمد، ثنا ورقاء، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس -يعني ابن أبي حازم-، عن عقبة بن عامر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لقد أنزلت علي آياتٌ لم أر مثلهن المعوذات)).
وقرأت على الشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الدمشقي بمكة، عن أحمد بن أبي طالب سماعاً، أنا أبو المنجا بن اللتي بسنده الماضي مراراً إلى الدارمي، ثنا يعلى -هو ابن عبيد-، عن إسماعيل بن أبي خالد، فذكر مثله، لكن قال في آخره: يعني المعوذتين.
وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي من طرق عن إسماعيل، لكن قال {قل أعوذ برب الفلق} و{قل أعوذ برب الناس}.
ولابن خزيمة وابن مردويه من طريق المقبري عن عقبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تعوذ بهما فما تعوذ متعوذٌ بمثلهما)).
ولابن مردويه من وجه آخر عن عقبة: ((ما تعوذ الناس بمثل هاتين السورتين {قل أعوذ برب الفلق} و{قل أعوذ برب الناس}، والله أعلم.(2/292)
(182)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا شيخنا شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، أبو الفضل الشهابي العسقلاني -أمتع الله بطول حياته- إملاء من حفظه في يوم الثلاثاء، ثاني عشرين ربيع الأول من شهور سنة إحد[ى] وأربعين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
وقد ورد الأمر بالتعوذ بسورة الإخلاص والسورتين بعدها في حديث أخرجه البزار، وسأذكره في الباب الذي بعده عند الكلام على حديث عبد الله بن حبيب إن شاء الله تعالى، وهو يؤيد تأويل الشيخ رحمه الله.
وورد الترغيب في قراءة سورة الإخلاص صريحاً عقب الصلاة المكتوبة.
أخبرني العماد أبو بكر بن إبراهيم الفرضي، أنا العماد أبو بكر بن الرضي، أنا أبو عبد الله بن أبي الفتح الخطيب، أتنا فاطمة بنت أبي الحسن، أنا زاهر بن طاهر، أنا أبو سعد الكنجروذي، أنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا أبو يعلى، ثنا عبد الأعلى -هو ابن حماد- ثنا بشر بن منصور، ثنا عمر بن نبهان، عن أبي شداد، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثٌ من جاء بهن مع الإيمان أدخل من أي أبواب الجنة شاء من عفا عن قاتله وأدى ديناً خفياً وقرأ {قل هو الله أحدٌ} دبر كل صلاةٍ مكتوبةٍ)) فقال أبو بكر رضي الله عنه-: وواحدة يا رسول الله؟ فقال: ((وواحدةً)).
هذا حديث غريب، أخرجه الطبراني في كتاب الدعاء عن موسى بن هارون عن عبد الأعلى بن حماد، وأخرجه أيضاً من رواية العباس بن الوليد(2/293)
عن بشر بن منصور.
وأبو شداد لا يعرف اسمه ولا حاله، والراوي عنه أخرج له أبو داود وضعفه جماعة.
وأخبرني عبد الله وعبد الرحمن ابنا محمد بن إبراهيم بن لاجين، قالا: أنا محمد بن إسماعيل الأيوبي، أنا عبد العزيز بن عبد المنعم، عن عفيفة بنت أحمد (ح).
وقرأت على فاطمة بنت المنجا، عن سليمان بن حمزة، أنا الحافظ ضياء الدين المقدسي، أنا أبو جعفر الصيدلاني، قالا: أتنا فاطمة الجوزذانية، قالت: أنا أبو بكر بن ريذة، أنا الطبراني ثنا عمرو بن إسحاق بن إبراهيم بن العلاء، ثنا عمي محمد بن إبراهيم (ح).
وبه إلى الطبراني ثنا موسى بن هارون، ومحمد بن الحسن بن كيسان، قال الأول: ثنا هارون بن دينار النجار، وقال الثاني: ثنا الحسين -هو ابن بشر الطرسوسي-، قالوا: ثنا محمد بن حمير -بكسر المهملة وسكون الميم وفتح المثناة من تحت بعدها مهملة-، حدثني محمد بن زياد الألهاني، قال: سمعت أبا أمامة الباهلي رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ آية الكرسي -زاد محمد بن إبراهيم في روايته و{قل هو الله أحدٌ} ثم اتفقوا- دبر كل صلاةٍ مكتوبةٍ لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت)).
هذا حديث حسن غريب، أخرجه النسائي في الكبرى عن الحسين بن بشر.
فوقع لنا موافقة عالية بثلاث درجات.(2/294)
وأخرجه الدارقطني في الأفراد عن أبي بكر بن أبي داود عن هارون النجار، وقال: غريب تفرد به محمد بن حمير.
قلت: وهو من رجال البخاري وكذا شيخه، وقد غفل أبو الفرج بن الجوزي فأورد هذا الحديث في الموضوعات من طريق الدارقطني، ولم يستدل لمدعاه إلا بقول يعقوب بن سفيان: محمد بن حمير ليس بقوي.
قلت: وهو جرح غير مفسر في حق من وثقه يحيى بن معين، وأخرج له البخاري.
سلمنا، لكنه يستلزم أن يكون ما رواه موضوعاً.
وقد أنكر الحافظ الضياء هذا على ابن الجوزي، وأخرجه في الأحاديث المختارة مما ليس في الصحيحين.
وقال ابن عبد الهادي: لم يصب أبو الفرج، والحديث صحيح.
قلت: لم أجد للمتقدمين تصريحاً بتصحيحه.
وقد أخرجه ابن حبان في كتاب الصلاة المفرد من رواية يمان بن سعيد عن محمد بن حمير ولم يخرجه في كتاب الصحيح.
وقرأت على فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي، عن محمد بن عبد الحميد، قال: أنا إسماعيل بن عبد القوي، أنا فاطمة بنت سعد الخير، قالت: أتنا فاطمة بنت عبد الله، قالت: أنا محمد بن عبد الله التاجر، أنا سليمان بن أحمد بن أيوب، ثنا إبراهيم بن هاشم البغوي، [و] ثنا محمد بن حيان المازني، [قالا]: ثنا كثير بن يحيى، ثنا حفص بن عمر الرقاشي، ثنا عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي، عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ آية الكرسي في دبر الصلاة المكتوبة كان في ذمة الله حتى الصلاة الأخرى)).(2/295)
هذا حديث غريب، وفي سنده ضعف.
وقد أمليت في المجلس العاشر من أصل الأمالي من حديث علي رضي الله عنه في قراءة الفاتحة وآية الكرسي وغير ذلك عقب الصلاة المكتوبة. وذكرت أن ابن الجوزي ذكره أيضاً في الموضوعات وتعقبته أيضاً بما يغني عن إعادته، ولله الحمد.
[[وروينا بإسناد صحيح في سنن أبي داود والنسائي، عن معاذ رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال: ((يا معاذ! والله إني لأحبك، فقال: أوصيك يا معاذ! لا تدعن في دبر كل صلاةٍ تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)).]]
(183)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ثم حدثنا شيخنا، شيخ الإسلام، قاضي القضاة،إمام الحفاظ، أبو الفضل العسقلاني إملاء من حفظه كعادته في باكورة يوم الثلاثاء تاسع عشرين ربيع الأول سنة إحد[ى] وأربعين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
تنبيه: ذكر الشيخ في شرخ المهذب: أن الطبراني روى في معجمه أحاديث في فضل آية الكرسي عقب الصلاة، ولكنها ضعيفة.(2/296)
كذا أطلق، وحديث أبي أمامة الذي قدمته صحيح أو حسن كما تقدم.
قوله: (وروينا بإسناد صحيح في سنن أبي داود والنسائي عن معاذ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده .. .. إلى آخره).
أخبرني أبو العباس أحمد بن الحسن بن محمد المقدسي، قال: أنا محمد بن غالي، أنا أبو الفرج بن الصيقل، عن أبي المكارم اللبان، أنا أبو علي الحداد، أنا أبو نعيم في الحلية، ثنا محمد بن أحمد بن الحسن (ح).
وبالسند الماضي إلى الطبراني في كتاب الدعاء، قالا: ثنا بشر بن موسى (ح).
وقرأت على أبي الحسن بن محمد الخطيب، عن سليمان بن حمزة، أنا جعفر بن علي، أنا أبو طاهر السلفي، أنا أبو عبد الله الثقفي، ثنا أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن الشافعي إملاء، ثنا عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس، ثنا محمد بن محمد بن صخر، قالا: ثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ، عن حيوة بن شريح، ثنا عقبة بن مسلم التجيبي، حدثني أبو عبد الرحمن الحبلي -واسمه عبد الله بن يزيد-، عن الصنابحي -واسمه عبد الرحمن بن عسيلة- عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم: بيدي يوماً فقال: ((يا معاذ إني والله لأحبك)) فقال معاذ: بأبي أنت وأمي يا رسول الله وأنا والله أحبك، فقال: ((أوصيك يا معاذ لا تدعن دبر كل صلاةٍ مكتوبةٍ أن تقول اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)).
هذا حديث صحيح، أخرجه أحمد وإسحاق في مسنديهما عن أبي عبد الرحمن المقرئ.
فوقع لنا موافقة عالية.(2/297)
وأخرجه أبو داود عن عبيد الله بن عمر القواريري.
والنسائي عن محمد بن عبد الله بن يزيد.
وابن خزيمة عن محمد بن مهدي.
والبزار عن سلمة بن شريك.
أربعتهم عن المقرئ.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه ابن حبان في موضعين من صحيحه عن عبد الله بن محمد الأزدي عن إسحاق.
وأخرجه الحاكم في موضعين من مستدركه من رواية حسين بن الحسن الطوسي عن المقرئ، وقال: صحيح على شرطهما.
قلت: أما صحيح فصحيح، وأما الشرط ففيه نظر، فإنهما لم يخرجا لعقبة ولا البخاري لشيخه ولا أخرجا من رواية الصنابحي عن معاذ شيئاً.
وقد وقع في روايتنا المذكورة: وأوصى به معاذ الصنابحي والصنابحي الحبلي والحبلي عقبة، وتسلسل هكذا في روايتنا الأولى إلى اللبان، ووقع لنا من وجه آخر متصل السلسلة لكن بنزول.
أخبرني أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد البكري المقرئ، قال: أخبرنا المحدث أبو العباس أحمد بن أبي بكر بن طي، أنا المسند أبو محمد عبد الهادي القيسي، أنا الحافظ أبو الحسن بن المفضل، أنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد، أنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار، أنا أبو الفتح عبد(2/298)
الكريم بن محمد، أنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن شاذان، ثنا عبد الله بن أحمد بن عتاب، ثنا الحسن بن عبد العزيز، ثنا أبو حفص التنيسي -واسمه عمرو بن أبي سلمة-، قال: ثنا الحكم بن عبدة، حدثني حيوة بن شريح، فذكر الحديث بمعناه وقال فيه: قال الصنابحي قال لي معاذ: وأنا أحبك فقل، وقال الحبلي: قال لي الصنابحي: وأنا أحبك فقل، وقال عقبة: قال الحبلي: وأنا أحبك فقل، وقال حيوة: قال لي عقبة: وأنا أحبك فقل، وقال الحكم: قال لي حيوة: وأنا أحبك فقل، وقال أبو حفص: قال لي الحكم: وأنا أحبك فقل، وقال الحسن: قال لي أبو حفص: [و] أنا أحبك فقل، وقال ابن عتاب: قال لي الحسن: وأنا أحبك فقل، وقال ابن شاذان: قال لي ابن عتاب: وأنا أحبك فقل، وقال أبو الفتح: قال لي ابن شاذان: وأنا أحبك فقل، وقال أبو الحسين: قال لي أبو الفتح: وأنا أحبك فقل، وقال أبو طاهر: قال لي أبو الحسين: وأنا أحبك فقل، وقال أبو الحسن: قال لي أبو طاهر: وأنا أحبك فقل، وقال عبد الهادي: قال لي أبو الحسن: وأنا أحبك فقل، وقال ابن طي: قال لي عبد الهادي: وأنا أحبك فقل، قال شيخنا أبو عبد الله: قال لي ابن طي: وأنا أحبك فقل، وقال ليس شيخنا (أبو عبد الله): وأنا أحبك فقل، قال شيخنا المملي: وأنا أقول لكل مسلم: وأنا أحبك فقل.
ومن لطيف ما وقع في هذا المسلسل ما حدثنا شيخنا إمام الحفاظ أبو الفضل بن الحسين رحمه الله قال: سمعنا هذا الحديث على الشيخ فخر الدين النويري -وكان غاية في الورع- فلما وصلت السلسلة سألناه أن يقول لنا، فسكت، فأعدنا، فقال: ما أعرفكم، فتعرفنا إليه إلى أن قال: رحمه الله تعالى.(2/299)
[[وروينا في كتاب ابن السني، عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قضى صلاته مسح جبهته بيده اليمنى، ثم قال: ((أشهد أن لا إله إلا الله الرحمن الرحيم، اللهم أذهب عني الهم والحزن)).
وروينا فيه عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: ما دنوت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في دبر مكتوبة ولا تطوع إلا سمعته يقول: ((اللهم اغفر لي ذنوبي وخطاياي كلها، اللهم أنعشني واجبرني واهدني لصالح الأعمال والأخلاق، إنه لا يهدي لصالحها ولا يصرف سيئها إلا أنت)).]]
(184)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم كثيراً.
في يوم الثلاثاء سابع ربيع الآخر من شهور سنة إحد[ى] وأربعين وثمانمئة، حدثنا شيخنا أبو الفضل، شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، العسقلاني المشار إليه إملاء من حفظه كعادته، قال وأنا أسمع:
قوله: (وروينا في كتاب ابن السني عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قضى صلاته .. .. إلى آخره).
أخبرني أبو محمد إسماعيل بن إبراهيم الحاكم رحمه الله، أنا أبو الفتح محمد بن محمد بن إبراهيم، أنا عبد اللطيف بن عبد المنعم، أنا أحمد بن محمد التبان في كتابه، أنا الحسن بن أحمد المقرئ، أنا أبو نعيم، ثنا(2/300)
فاروق بن عبد الكبير، ثنا أبو مسلم الكشي، ثنا حفص بن عمر الحوضي (ح).
وبالسند الماضي إلى الطبراني في الدعاء، ثنا أبو عمر الحوضي -هو حفص بن عمر-، ثنا سلام الطويل، حدثني زيد العمي، عن معاوية بن قرة، عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قضى صلاته -وفي رواية فاروق: إذا سلم من صلاته- مسح جبهته بيده اليمنى وقال: ((بسم الله)) وفي رواية فاروق وقال: ((سبحان الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، اللهم أذهب عني الهم والحزن)).
قال أبو نعيم: هذا حديث غريب من حديث معاوية بن قرة، تفرد به عنه زيد العمي -وهو زيد بن الحواري أبو الحواري- وفيه لين.
قلت: اتفقوا على ضعفه من قبل حفظه، وهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه -وهو بفتح المهملة وتخفيف الواو وكسر الراء بعدها ياء كياء النسب- وسكت أبو نعيم عن الراوي عنه، وهو أضعف منه بكثير، وهو بتشديد اللام ويقال له المدائني كما وقع في رواية ابن السني، والحديث ضعيف جداً بسببه.
أخرجه ابن السني عن سلم بن معاذ عن حماد بن الحسن عن أبي عمر الحوضي.
فوقع لنا عالياً بدرجتين.
ووقع لنا من وجه آخر عن أنس.
وبه إلى الطبراني ثنا بكر بن سهل الدمياطي، ثنا عبد الله بن صالح، ثنا كثير بن سليم، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا(2/301)
قضى صلاته مسح بيمينه على رأسه وقال: ((سبحان الذي لا إله غيره، اللهم أذهب عني الهم والحزن)).
أخرجه ابن عدي في ترجمة كثير بن سليم من رواية جبارة بن مغلس، عن كثير.
فوقع لنا عالياً.
ونقل تضعيف كثير عن كثير حتى يكاد يكون مثل سلام في الضعف أو أشد.
قوله: (وروينا فيه عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: ما دنوت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في دبر صلاة مكتوبة ولا تطوع إلا سمعته يقول .. .. إلى آخره).
وبه إلى الطبراني ثنا أحمد بن عبد الرحمن الحراني، ثنا أبو جعفر النفيلي، عن أبي عبد الرحيم -هو خالد بن أبي يزيد الحراني- عن أبي عبد الملك -هو علي بن يزيد الألهاني- عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: ما دنوت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة مكتوبة ولا تطوع إلا سمعته يقول: ((اللهم اغفر لي ذنوبي وخطاياي كلها، اللهم أنعشني واجبرني واهدني لصالح الأخلاق والأعمال، لا يهدي لصالحها ولا يصرف سيئها إلا أنت)).
هذا حديث غريب، أخرجه الطبراني في المعجم الكبير.
وابن السني جميعاً من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد.
فوقع بين ابن السني وبين علي بن يزيد ستة أنفس، فتعلو الرواية التي(2/302)
سقتها على روايته بثلاث درجات.
وأبو عبد الرحيم الذي في روايتنا متفق على توثيقه.
وعبيد الله بن زحر الذي في روايته -وهو بفتح الزاي وسكون المهملة بعدها راء- اتفق الأكثر على تضعيفه.
وشيخهما علي بن يزيد متفق على تضعيفه، ومدار هذا الحديث عليه، والله أعلم.
[[وروينا فيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من صلاته -لا أدري قبل أن يسلم أو بعد أن يسلم- يقول: ((سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين)).]]
(185)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا سيدنا، ومولانا، شيخ الإسلام، قاضي القضاة، أبو الفضل العسقلاني، إمام الحفاظ -أمتع الله بوجوده- إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء رابع عشر ربيع الآخر من شهور سنة إحد[ى] وأربعين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
ووجدت لحديث أبي أمامة شاهداً.
قرأت على فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي، عن أبي نصر بن(2/303)
الشيرازي، أنا عبد الحميد بن عبد الرشيد، أنا الحافظ أبو العلاء الهمداني، أنا أبو علي المهراني، أنا أحمد بن عبد الله الحافظ، أنا سليمان بن أحمد الحافظ الطبراني (ح).
وقرأت على عمر بن محمد البالسي، عن عبد الله بن الحسين الأنصاري، أنا إبراهيم بن خليل، أنا يحيى بن محمود، أتنا أم إبراهيم الأصبهانية، قالت: أنا أبو بكر بن عبد الله التاجر، قال: ثنا الطبراني، ثنا عبد الله بن زيدان الحافظ ثنا حمزة بن عون المسعودي ثنا محمد بن الصلت ثنا عمر بن مسكين عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن أبي أيوب الأنصاري قال: ما صليت خلف نبيكم صلى الله عليه وسلم إلا سمعته يقول: ((اللهم اغفر لي خطاياي وذنوبي)) فذكر بقية الحديث مثله سواء.
وبه إلى سليمان قال: لا يروى عن أبي أيوب إلا بهذا الإسناد، تفرد به محمد بن الصلت.
قلت: وهو ثقة، وشيخه والراوي عنه ذكرهما ابن حبان في الثقات. والباقون أثبات، لكن عمر بن مسكين ذكره ابن عدي في الكامل ونقل عن البخاري أنه قال: لا يتابع في حديثه.
قوله: (وروينا فيه عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من صلاته لا أدري قبل أن يسلم أو بعد أن يسلم .. .. إلى آخره).
أخبرني الشيخ أبو إسحاق التنوخي رحمه الله، عن أحمد بن أبي طالب، وإسماعيل بن يوسف، وعيسى بن عبد الرحمن، سماعاً على الأول، وإجازة مكاتبة من الآخرين، قالوا: أنا عبد الله بن عمر بن علي بن يزيد، أنا عبد الأول بن عيسى، أنا أبو الحسن بن المظفر، أنا أبو محمد بن(2/304)
أعين، أنا أبو إسحاق الشاشي، ثنا عبد بن حميد، ثنا عبيد الله بن موسى، أنا سفيان -هو الثوري-، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دبر كل صلاة لا أدري قبل التسليم أو بعد التسليم: ((سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلامٌ على المرسلين والحمد لله رب العالمين)).
هذا حديث غريب أخرجه ابن السني عن أبي عروبة عن سفيان بن وكيع عن أبيه عن الثوري.
فوقع لنا عالياً بدرجتين.
ورواه الفريابي عن الثوري بلفظ إذا انصرف.
وبالسند الماضي إلى الطبراني، ثنا عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم، ثنا محمد بن يوسف -هو الفريابي- ثنا سفيان -هو الثوري-، فذكر الحديث بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من الصلاة قال: فذكره.
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه عن هشيم عن أبي هارون.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
ووقع لي من وجه آخر أعلى بدرجة أخرى.
وبه إلى عبد بن حميد ثنا علي بن عاصم عن أبي هارون عن أبي سعيد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته قال: فذكره.(2/305)
ومدار هذا الحديث على أبي هارون -واسمه عمارة بن جوين بجيم ونون مصغر- وهو ضعيف جداً، اتفقوا على تضعيفه، وكذبه بعضهم.
وجاء نحو ما روي من حديث ابن عباس، أخرجه الطبراني في المعجم الكبير بلفظ: كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ((سبحان ربك)) إلى آخره.
وفي سنده محمد بن عبد الله بن عبيد المكي، وهو مثل أبي هارون، بل أشد ضعفاً.
وجاء عن معاذ بن جبل فيما رويناه في الجزء العاشر من فوائد أبي طاهر المخلص قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في آخر صلاته يقول: ((التحيات لله)) فذكر التشهد، وفي آخره ثم قال: ((سبحان ربك)) إلى آخره، ثم يسلم عن يمينه وعن شماله، وفي سنده الخصيب بن جحدر وهو كذاب.
وجاء عن عبد الله بن الأرقم عن أبيه، رواه الطبراني أيضاً، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال دبر كل صلاةٍ سبحان ربك)) إلى آخره ((اكتال بالجريب الأوفى)).
وله شاهد أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير من مرسل الشعبي بسند صحيح إليه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليقل آخر مجلسه حين يريد أن يقوم: سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين)).(2/306)
[[وروينا فيه عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا انصرف من الصلاة: ((اللهم اجعل خير عمري آخره، وخير عملي خواتمه، واجعل خير أيامي يوم ألقاك)).
وروينا فيه عن أبي بكرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر الصلاة: ((اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر)).]]
(186)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم في يوم الثلاثاء حادي عشرين ربيع الآخر من شهور سنة إحد[ى] وأربعين وثمانمئة، حدثنا شيخنا، شيخ الإسلام، أبو الفضل، قاضي القضاة، الشهابي، أحمد العسقلاني إمام الحفاظ، إملاء من حفظه كعادته، قال وأنا أسمع:
قوله: (وروينا فيه عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من الصلاة قال: ((اللهم اجعل خير عمري آخره)) .. .. إلى آخره).
قرأ على فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي بالسند الماضي آنفاً إلى الطبراني، ثنا الهيثم بن خلف الدوري، ثنا أبو بكر بن أبي النضر، ثنا أبو النضر، ثنا أبو مالك عبد الملك بن الحسين النخعي، عن أبي (محجل)، عن ابن أخي أنس، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان مقامي بين كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم -يعني في الصلاة- فكان إذا سلم قال: ((اللهم اجعل(2/307)
خير عمري آخره، اللهم اجعل خواتيم عملي رضوانك، اللهم اجعل خير أيامي يوم ألقاك)).
قال الطبراني: لم يروه عن أبي المحجل إلا أبو مالك ولا عنه إلا أبو النضر، تفرد به أبو بكر.
قلت: هو أبو بكر بن النضر بن أبي النضر نسب إلى جده، وهو من شيوخ مسلم، واسم جده هاشم بن القاسم، وهو من رجال الصحيحين.
وأبو المحجل بمهملة ثم جيم بوزن محمد اسمه رديني بالنون اسم بلفظ النسب بصيغة التصغير، واسم أبيه مرة، وقيل: مخلد وثقه يحيى بن معين.
واسم ابن أخي أنس حفص، قيل: هو ابن عبد الله بن أبي طلحة أخي أنس لأمه، وقيل: ابن عمر بن عبد الله، فعلى هذا يكون نسب لجده.
وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد وأحمد وأبو داود والنسائي والسراج عدة أحاديث من رواية خلف بن خليفة عن ابن أخي أنس هكذا على الإبهام، وسمي في بعضها عند أحمد حفص بن عمر بن عبد الله بن أبي طلحة، وهو موثق.
والهيثم شيخ الطبراني من الحفاظ فلم يبق في هذا السند إلا أبو مالك النخعي، وهو ضعيف بالاتفاق، وقد اختلف عليه في شيخه.
فأخرج ابن السني من رواية صالح بن أبي الأسود عن أبي مالك النخعي عن ابن جدعان عن أنس.
ورواية أبي النضر أولى، لأنه ثقة، وصالح ليس بثقة.
قوله: (وروينا فيه عن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم .. .. إلى آخره).
أخبرني أبو المعالي الأزهري، أخبرنا أبو العباس الحلبي، أنا أبو(2/308)
الفرج الحراني، أنا أبو محمد الحربي، أنا أبو القاسم الشيباني، أنا أبو علي التميمي، أنا أحمد بن جعفر، أنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، ثنا روح -هو ابن عبادة- (ح).
وأخبرني عالياً أحمد بن أبي بكر بن عبد الحميد، وعمر بن محمد بن أحمد بن سلمان قراءة عليه ومكاتبة من الأول، قال أحمد: أنا يحيى بن محمد بن سعد، عن زهرة بنت محمد بن حاضر، وقال عمر: قرئ على زينب بنت أحمد بن عبد الرحيم ونحن نسمع، عن أحمد بن المفرج بن مسلمة، قالا: أنا يحيى بن ثابت بن بندار، وأحمد بن المبارك المرقعاني، سماعاً لزهرة عليهما، وإجازة لأحمد منهما، قالا: أنا ثابت بن بندار، أنا أبو منصور محمد بن محمد بن عثمان السواق، والحسين بن علي بن قنان -بفتح القاف وتخفيف النون-، قالا: أنا أبو بكر القطيعي، ثنا أبو مسلم الكشي، ثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد، قالا: -واللفظ لروح-: ثنا عثمان الشحام، ثنا مسلم بن أبي بكرة، أنه مر بوالده وهو يدعو ويقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر)) قال: فأخذتهن عنه، فكنت أدعو بهن في دبر كل صلاة، قال: فمر بي أبي وأنا أدعو بهن، فقال: يا بني أني عقلت هؤلاء الكلمات؟ فقلت: يا أبتاه سمعتك تدعو بهن في دبر الصلاة، فأخذتهن عنك، قال: فالزمهن يا بني، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهن في دبر الصلاة.
هذا حديث حسن، أخرجه أحمد أيضاً وابن أبي شيبة جميعاً عن وكيع عن عثمان الشحام بالحديث دون القصة.
فوقع لنا بدلاً عالياً من الطريق الثانية.
وأخرج النسائي عن عمرو بن علي عن يحيى القطان عن عثمان.(2/309)
وأخرجه ابن السني عن النسائي بهذا السند.
وعجبت للشيخ في اقتصاره عن ابن السني، والحديث في أحد السنن المشهورة.
وعثمان مختلف فيه، قواه أحمد وابن عدي، ولينه القطان والنسائي.
وقد جاء نحو هذا الحديث من رواية عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه، وسياقه أتم.
وسيأتي حيث ذكره المصنف قريباً في باب: ما يقال عند الصباح والمساء، إن شاء الله تعالى.
[[وروينا فيه بإسناد ضعيف عن فضالة بن عبيد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله تعالى والثناء عليه، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليدعو بما شاء)).]]
(187)
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم في يوم الثلاثاء ثامن وعشرين ربيع الآخر من شهور سنة إحد[ى] وأربعين وثمانمئة، حدثنا شيخ الإسلام، المشار إليه إملاء من حفظه كعادته، قال وأنا أسمع:
قوله: (وروينا فيه بإسناد ضعيف عن فضالة بن عبيد .. .. إلى آخره).(2/310)
أخبرني المسند أبو بكر بن إبراهيم بن محمد بن قدامة، عن أبي عبد الله محمد بن أحمد بن أبي الهيجاء إجازة إن لم يكن سماعاً، أنا الحافظ أبو علي التميمي، أنا أبو روح الهروي، أنا زاهر بن طاهر، أنا أحمد بن إبراهيم المقرئ، أنا محمد بن الفضل بن أبي بكر، أنا جدي محمد بن إسحاق بن خزيمة، ثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، ثنا عمي عبد الله بن وهب (ح).
وقرأت على عبد الله بن عمر بن علي، عن أحمد بن كشتغدى سماعاً، أنا عبد اللطيف بن عبد المنعم، أنا خليل بن بدر في كتابه، أنا الحسن بن أحمد المقرئ، أنا أحمد بن عبد الله بن أحمد، أنا أحمد بن يوسف بن خلاد، ثنا الحارث بن محمد، أنا أبو عبد الرحمن المقرئ، ثنا حيوة بن شريح -واللفظ له-، قالا: ثنا أبو هانئ حميد بن هانيء الخولاني، أن أبا علي عمرو بن مالك الجنبي حدثه، أنه سمع فضالة بن عبيد رضي الله عنه يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي يدعو لم يحمد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((عجل هذا)) ثم دعا فقال له ولغيره: ((إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه، ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بعد ذلك بما شاء)).
هذا حديث صحيح، أخرجه أحمد وإسحاق في مسنديهما عن أبي عبد الرحمن المقريء.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه أبو داود عن أحمد.(2/311)
والترمذي عن محمود بن غيلان.
وابن خزيمة في صحيحه أيضاً عن بكر بن إدريس.
ثلاثتهم عن المقرئ.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه النسائي عن محمد بن سلمة عن ابن وهب.
وأخرجه ابن حبان من طريق إسحاق.
والحاكم من طريق السري ابن خزيمة، ومن طريق عبد الصمد بن الفضل.
ثلاثتهم عن المقرئ.
وأخرجه ابن السني مقتصراً على الحديث دون القصة من طريق عبد الله بن لهيعة عن أبي هانئ، وليس في سنده من يوصف بالضعف إلا ابن لهيعة، وكأن الشيخ ضعفه بسببه، ولم ينفرد به كما ترى.
وعجبت من اقتصاره على تضعيف هذا السند دون غيره من الأحاديث التي أوردها قبل من كتاب ابن السني مع أن أكثرها ضعيف سندا ًومتناً، وهذا صحيح المتن، فإن رواته كلهم ثقات، مخرج لهم في الصحيح إلا الجنبي -وهو بفتح الجيم وسكون النون بعدها موحدة- وقد اتفقوا على توثيقه، ورجال هذا السند الذي سقته من الطريقين بصريون من شيخي الحارث وابن خزيمة فصاعداً.(2/312)
وقد ذكره المصنف في شرح المهذب وقال: رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم انتهى.
فكأنه لم يستحضر ذلك هنا.
وقد ترك من هذا الباب عدة أحاديث بعضها أصح مما ذكر.
منها: حديث البراء بن عازب قال: كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه، يقبل علينا بوجهه، فسمعته يقول: ((رب قني عذابك يوم تبعث عبادك)). رواه مسلم.
ومنها ما:
قرأت على أبي المعالي الأزهري، عن أبي العباس بن أبي أحمد الصيرفي سماعاً، أنا أبو الفرج بن الصيقل، قال: أتنا عزيزة بنت يحيى بن علي بن يحيى بن الطراح، قالت: أنا جدي، أنا أبو الحسين أحمد بن محمد البزاز، أنا أبو القاسم عبيد الله بن محمد، أنا أبو القاسم البغوي، ثنا طالوت بن عباد، ثنا بكر بن خنيس، عن أبي عمران -هو الجوني- عن الجعد -هو أبو عثمان البصري-، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ما صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة مكتوبة إلا أقبل علينا بوجهه فقال: ((اللهم إني أعوذ بك من كل عملٍ يخزيني، وأعوذ بك من كل صاحبٍ يرديني، وأعوذ بك من عملٍ يلهيني، وأعوذ بك من كل فقرٍ ينسيني، وأعوذ بك من كل غنىً يطغيني)).
هذا حديث غريب، أخرجه البزار في مسنده.
والمعمري في اليوم والليلة.(2/313)
جميعاً عن طالوت بن عباد.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه ابن السني عن البغوي.
قال البزار: لم يروه عن الجعد إلا أبو عمران ولا عنه إلا بكر بن خنيس وليس بالقوي.
قلت: أبوه بالخاء المعجمة والنون والسين المهملة مصغر، وكان هو عابداً.
قال ابن عدي: هو ممن يكتب حديثه.
وقال أبو حاتم الرازي: لا يبلغ الترك، وضعفه جماعة، ولم ينفرد به كما قال البزار ولا شيخه كما سأذكره، إن شاء الله تعالى.(2/314)
[[باب: الحث على ذكر الله تعالى بعد صلاة الصبح
روينا عن أنس رضي الله عنه في كتاب الترمذي وغيره قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صلى الفجر في جماعةٍ ثم قعد يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت كأجر حجةٍ وعمرةٍ تامةٍ تامةٍ تامةٍ)) قال الترمذي: حديث حسن.]]
(188)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أبداً.
ثم في يوم الثلاثاء سادس جمادى الأولى سنة إحد[ى] وأربعين وثمانمئة قال رضي الله عنه إملاء من حفظه، وأنا أسمع:
قرأت على أم يوسف بنت محمد المقدسية، عن أبي عبد الله بن الزراد، أنا أبو عبد الله بن أبي الفتح، أتنا فاطمة بنت أبي الحسن، قالت: أنا زاهر بن طاهر، أنا أبو سعد الكنجروذي، ثنا أبو عمر [و]بن حمدان، ثنا أبو يعلى (ح).
وبالسند الماضي إلى الطبراني قريباً في الدعاء، قال: ثنا عبد الله بن(2/315)
أحمد بن حنبل، قالا: ثنا شيبان بن فروخ -زاد أبو يعلى في روايته الأبلي-، ثنا عقبة بن عبد الله الرفاعي، عن الجعد أبي عثمان، قال: جاءنا أنس بن مالك رضي الله عنه إلى مسجد بني رفاعة لصلاة الصبح، فأمر رجلاً من أصحابه أن يؤذن، فصلى الصبح، ثم أقبل على القوم، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح قال: ((اللهم إني أعوذ بك من عملٍ يخزيني، اللهم إني أعوذ بك من غنىً يطغيني)) فذكر بقية الحديث هكذا، لكن بتقديم وتأخير.
وعقبة شبيه ببكر في الضعف، لكن اتفاق روايتهما ترقي الحديث إلى درجة الضعيف الذي يعمل به في الفضائل.
ومنها: حديث أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمعه يقول: ((من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين أو أربعاً مكتوبةً أو غير مكتوبةٍ، يحسن الركوع والسجود، ثم استغفر الله إلا غفر الله له)).
أخرجه أحمد والطبراني، وسنده حسن.
ومنها حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال في دبر الصلاة سبحان الله وبحمده، لا حول ولا قوة إلا بالله قام مغفوراً له)).
أخرجه البزار، وفي سنده مجهول.
ومنها: ما:
قرأت على الشيخ أبي إسحاق التنوخي رحمه الله، عن إسحاق بن يحيى الآمدي، أنا يوسف بن خليل الحافظ، أنا محمد بن أحمد الجناني -بكسر الجيم وتخفيف النون وبعد الألف أخرى-، أنا أبو العز بن كادش، أنا أبو طالب العشاري، أنا الحافظ أبو الحسن الدارقطني، ثنا القاضي(2/316)
الحسين بن إسماعيل، ثنا أبو بكر بن زنجويه، ثنا عبد الرزاق أنا معمر، عن أيوب عن أبي قلابة، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أتاني ربي عز وجل -أحسبه قال في المنام- فقال: يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى؟)) فذكر الحديث، وفيه: ((فقال: يا محمد إذا صليت فقل اللهم إني أسألك الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنةً فاقبضني إليك غير مفتونٍ)).
هذا حديث حسن، أخرجه الترمذي عن عبد بن حميد عن عبد الرزاق.
ورجال سنده من رواة الصحيحين، لكنه معلول، رواه قتادة عن أبي قلابة فأدخل بينه وبين ابن عباس خالد بن اللجلاج. وقيل: عن قتادة عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان، وقيل: إن قول من قال: ابن عباس تحريف، وإنما هو ابن عائش بتقديم الألف بعدها ياء مهموزة، واسمه عبد الرحمن، والحديث مشهور به، فقيل: عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: عن مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل.
وقد ذكر طرقه الترمذي وابن خزيمة في كتاب التوحيد والدارقطني وغيرهم، ولم أر في شيء من طرقه تقييد الدعاء المذكور في الصلاة إلا في رواية أيوب، والله أعلم.
قوله: (باب الحث على ذكر الله عز وجل بعد صلاة الصبح .. .. إلى أن قال: روينا في كتاب الترمذي وغيره عن أنس إلى آخره).
أخبرني الشيخ أبو إسحاق بن كامل، أنا علي بن محمد البندنيجي، أنا(2/317)
محمد بن علي المقرئ، أنا عبد العزيز بن محمود الحافظ أنا أبو الفتح الكروخي (ح).
قال علي: وأخبرنا عالياً عبد الخالق بن أنجب في كتابه عن الكروخي، أنا أبو عامر الأزدي، أنا أبو محمد بن الجراح، أنا أبو العباس بن محبوب، ثنا محمد بن عيسى، ثنا عبد الله بن معاوية، ثنا عبد العزيز بن مسلم، ثنا أبو ظلال، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صلى الغداة في جماعةٍ، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجةٍ وعمرةٍ)) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تامةٍ تامةٍ تامةٍ)).
هذا حديث غريب، أخرجه المعمري عن عمر بن موسى عن عبد العزيز بن مسلم.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأبو ظلال بكسر الظاء المعجمة المشالة وتخفيف اللام اسمه هلال، ضعفوه، ولم أر فيه أحسن مما نقل الترمذي عن البخاري أنه سأل عنه؟ فقال: مقارب الحديث.
قلت: وقد خولف في متن [لفظ] هذا الحديث، أخرجه أبو داود والطبراني في الدعاء من رواية موسى بن خلف عن قتادة عن أنس بلفظ: ((لأن أقعد مع قومٍ يذكرون الله من صلاة الغداة إلى أن تطلع الشمس أحب إلي من أن أعتق أربع رقابٍ من ولد إسماعيل)).
وهذا أصح من حديث أبي ظلال.
وله شاهد من حديث أبي هريرة بنحوه، أخرجه الطبراني في الدعاء، والله أعلم.(2/318)
[[وروينا في كتاب الترمذي وغيره، عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال في دبر صلاة الصبح وهو ثانٍ رجليه قبل أن يتكلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيءٍ قديرٌ عشر مراتٍ كتب له عشر حسناتٍ، ومحي عنه عشر سيئاتٍ، ورفع له عشر درجاتٍ، وكان يومه ذلك في حرزٍ من كل مكروهٍ وحرس من الشيطان ولم ينبغ لذنبٍ أن يدركه في ذلك اليوم إلا الشرك بالله تعالى)). قال الترمذي: هذا حديث حسن، وفي بعض النسخ: صحيح.]]
(189)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا سيدنا، ومولانا، قاضي القضاة، شيخ الإسلام، أبو الفضل، أحمد، إمام الحفاظ، العسقلاني، إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء ثالث عشر جمادى الأولى من شهور سنة إحد[ى] وأربعين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
وله شاهد آخر من حديث أبي أمامة، أخرجه الطبراني أيضاً.
وأخرج من طريق يزيد الرقاشي عن أنس مثله، لكن قال: ((ثمانيةً من(2/319)
ولد إسماعيل)). ويزيد ضعيف.
وجاء عنه بلفظ آخر.
وبالسند المذكور آنفاً إلى أبي يعلى ثنا أبو الربيع الزهراني ثنا حماد بن زيد عن المعلى بن زياد عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لأن أجلس بعد صلاة الغداة أذكر الله حتى تطلع الشمس أحب إلي مما طلعت [عليه] الشمس)).
ووجدت لحديث أبي ظلال شاهداً عن ابن عمر.
أخبرني الإمام شيخ الحفاظ أبو الفضل بن الحسين رحمه الله، أخبرني أبو محمد بن القيم، أنا أبو الحسن بن البخاري، أنا أحمد بن محمد التيمي في كتابه، أنا الحسن بن أحمد، أنا أحمد بن عبد الله، ثنا الحسين بن محمد، ثنا إسماعيل بن العباس، ثنا عباد بن الوليد، ثنا أبو معاوية الضرير، عن مسعر، عن خالد بن معدان، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صلى الغداة ثم جلس في مسجده حتى يصلي الضحى ركعتين كتب له حجةٌ وعمرةٌ متقبلتين)).
هذا حديث حسن، أخرجه الطبراني من وجه آخر عن ابن عمر، لكن سنده ضعيف، ورجال هذا السند ثقات، لكن في سماع خالد من ابن عمر نظر.
وله شاهد آخر أخرجه الطبراني أيضاً من حديث أبي أمامة وعتبة بن عبد جميعاً.
ولفظه: ((حتى يسبح سبحة الضحى))، والباقي بنحوه.(2/320)
قوله: (وروينا في كتاب الترمذي وغيره عن أبي ذر).
وبالسند الماضي قريباً إلى أبي العباس بن محبوب، ثنا أبو عيسى الترمذي، ثنا إسحاق بن منصور، ثنا علي بن معبد، ثنا عبيد الله بن عمرو الرقي (ح).
وقرأته عالياً على فاطمة بنت المنجا، عن سليمان بن حمزة، أنا الحافظ ضياء الدين المقدسي، أنا محمد بن معمر، أنا سعيد بن أبي الرجاء، أنا عبد الواحد بن أحمد البقال، ثنا عبيد الله بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن حمل، ثنا جدي، ثنا أحمد بن منيع، ثنا عبد الملك النسائي -هو أبو نصر التمار- (ح).
وبه إلى الضياء أنا عالياً بدرجة أخرى يوسف بن المبارك الخفاف، أنا عبد الرحمن بن محمد القزاز، أنا أبو الحسين بن المهتدي بالله، أخبرني علي بن عمر الحربي فيما قرأت عليه، ثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار، ثنا أبو نصر التمار، ثنا عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم -بفتح المعجمة وسكون النون- عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال في دبر صلاة الصبح وهو ثانٍ رجليه قبل أن يتكلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيءٍ قديرٌ عشر مراتٍ كتب له عشر حسناتٍ، ومحي عنه عشر سيئاتٍ، ورفع له عشر درجاتٍ، وكان يومه في حرزٍ من كل مكروهٍ، وحرس من الشيطان، ولم ينبغ لذنبٍ أن يدركه في ذلك اليوم إلا الشرك بالله)).
هذا حديث حسن غريب.(2/321)
كذا قال الترمذي، وفي بعض النسخ صحيح.
قلت: وهي رواية أبي يعلى السنجي عن المحبوبي، وهي غلط؛ لأن سنده مضطرب، وشهر بن حوشب مختلف في توثيقه.
وقد أخرجه النسائي عن زكريا بن يحيى عن حكيم بن سيف عن عبيد الله بن عمرور هكذا.
أخرجه أيضاً من رواية حصين بن منصور الأسدي عن زيد بن أبي أنيسة بهذا السند، لكن قال: عن معاذ بن جبل بدل أبي ذر، وزاد في المتن من الطريقين بعد يحيي ويميت ((بيده الخير)) والباقي سواء، وقال بعد تخريجه: شهر ضعيف.
وأخرجه الطبراني في الدعاء من رواية محمد بن جحادة عن زيد بن أبي أنيسة كذلك، لكن قال: عن أبي هريرة بدل معاذ.
وأخرجه جعفر الفريابي في الذكر من رواية إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، فخالف الجميع قال: عن شهر حدثني أبو أمامة.
وللحديث شاهد عن أبي أيوب الأنصاري سأذكره في الباب الذي يليه مع حديث أبي عياش، إن شاء الله تعالى، وننبه هنا[ك] على سقوط رجل من السند الذي ساقه الترمذي، وهو عبد الله بن عبد الرحمن، فوقع عنده عن زيد عن شهر بغير واسطة، وثبت في رواية الباقي، والله أعلم.(2/322)
(190)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ثم حدثنا شيخ الإسلام، حافظ الأنام، قاضي القضاة، أبو الفضل الشهابي، أحمد العسقلاني، إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء العشرين من جمادى الأولى سنة إحد[ى] وأربعين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
أخبرني الإمام، الحافظ، أبو الفضل بن الحسين رحمه الله، أخبرني عبد الله بن محمد بن إبراهيم، أنا علي بن أحمد بن عبد الواحد، أنا محمد بن أبي زيد في كتابه، أنا محمود بن إسماعيل، أنا أحمد بن محمد الأصبهاني، أنا أبو القاسم الطبراني، ثنا الحسين بن إسحاق التستري، ثنا سهل بن عثمان العسكري، ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، ثنا عاصم بن منصور الأسدي، وعبد الله بن زياد المدني، قالا: ثنا عبد الله بن عبد الرحمن، عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ بن جبل فذكر الحديث كما تقدم من رواية أبي ذر، ولكن ليس فيه: وهو ثان رجليه، وزاد فيه: ((وكن له قدر [عدل] عشر نسماتٍ)) وزاد في آخره: ((ومن قال ذلك حين ينصرف من صلاة المغرب أعطي مثل ذلك ليلته)).
أخرجه النسائي في ((اليوم والليلة)) عن جعفر بن عمران الثعلبي.
والمعمري في ((اليوم والليلة)) عن أبي كريب محمد بن العلاء.
كلاهما عن المحاربي.
فوقع لنا بدلاً عالياً. ووقع في رواية النسائي حصين بن عاصم بن منصور، وفي رواية المعمري حصين بن منصور، وهو المحفوظ، وذكر عاصم فيه وهم، ولم يذكرا جميعاً عبد الله بن زياد في سنده. وأظنه(2/323)
المعروف بابن سمعان.
ووجدت في سند هذا الحديث اختلافاً آخر.
قرأت على أبي المعالي الأزهري، عن أبي العباس الحلبي سماعاً، أنا أبو الفرج الحراني، أنا أبو محمد الحربي بسنده الماضي مراراً إلى الإمام أحمد، ثنا روح -هو ابن عبادة- ثنا همام -هو ابن يحيى-، ثنا عبد الله بن عبد الرحمن، عن شهر، عن عبد الرحمن بن غنم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال قبل أن ينصرف ويثني رجله من صلاة الصبح والمغرب)) فذكر الحديث نحو ما تقدم هكذا أرسله همام، لم يذكر أبا ذر ولا معاذاً.
أخرجه الإمام أحمد في مسند عبد الرحمن بن غنم على ظاهر السند، وعبد الرحمن لا تثبت صحبته.
وللحديث شاهد عن أبي الدرداء، أخرجه الطبراني في الكبير بسند حسن، ولفظه كالترمذي وفيه، ((يحيي ويميت بيده الخير)) وزاد في آخره: ((وكان له بكل كلمةٍ عتق رقبةٍ من ولد إسماعيل، ثمن كل رقبةٍ اثنا عشر ألفاً، ومن قالها بعد صلاة المغرب كان له مثل ذلك)).
ولحديث أبي أمامة سند آخر، وفي المتن بعض مغايرة.
قرأت على فاطمة بنت المنجا عن سليمان بن حمزة، أنا الحافظ ضياء الدين المقدسي، أنا أبو جعفر الصيدلاني، أتنا فاطمة الجوزذانية، قالت: أنا أبو بكر بن ريذة، أنا أبو القاسم اللخمي، ثنا المقدام بن داود، ثنا أسد بن موسى، ثنا آدم بن الحكم، عن أبي غالب، عن أبي أمامة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال في دبر صلاة الغداة لا إله إلا لله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت بيده الخير، وهو على كل شيءٍ قديرٌ مئة مرةٍ قبل أن يثني رجليه كان يومئذٍ أفضل أهل الأرض عملاً إلا(2/324)
من قال مثل ما قال أو زاد على ما قال)).
هذا حديث حسن، أخرجه ابن السني عن محمد بن الحسين بن مكرم عن محمود بن غيلان عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن آدم بن الحكم.
فوقع لنا عالياً بدرجتين.
والتقييد بالمئة وقع في الصحيحين والموطأ من حديث أبي هريرة، لكن ليس فيه التقييد بصلاة الصبح، ولا الزيادة التي في الذكر.
وآدم بن الحكم بصري قال ابن معين: صالح، وفي رواية: لا شيء.
وقال أبو حاتم: لا بأس به.
وأبو غالب اسمه حزور بفتح المهملة والزاي والواو الثقيلة وآخره راء مهملة، وهو صدوق تكلم فيه بعضهم بغير قادح يقتضي طرح حديثه، والله أعلم.
[[وروينا في سنن أبي داود، عن مسلم بن الحارث التميمي الصحابي رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أسر إليه فقال: ((إذا انصرفت من صلاة المغرب فقل: اللهم أجرني من النار سبع مراتٍ، فإنك إذا قلت ذلك ثم مت من ليلتك كتب لك جوارٌ(2/325)
منها، وإذا صليت الصبح فقل كذلك، فإنك إن مت من يومك كتب لك جوارٌ منها)).]]
(191)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم في تاريخه حدثنا شيخ الإسلام، أبو الفضل، إمام الحفاظ، قاضي القضاة، الشهابي، العسقلاني، حفظه الله، إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء سابع عشرين جمادى الأولى شهر سنة تاريخه، قال وأنا أسمع:
قوله: (وروينا في سنن أبي داود عن مسلم بن الحارث التميمي الصحابي .. .. إلى آخره).
أخبرني الإمام أبو الفضل الحافظ بالسند المذكور آنفاً إلى الطبراني، ثنا محمد بن أبي زرعة الدمشقي، ثنا هشام بن عمار، ثنا محمد بن شعيب بن شابور، ثنا عبد الرحمن بن حسان الكناني، ثنا الحارث بن مسلم التميمي، أن أباه حدثه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا صليت الغداة فقل قبل أن تكلم أحداً: اللهم أجرني من النار سبع مراتٍ، فإنك إن مت من يومك كتب الله لك جواراً من النار، وإذا صليت المغرب فقل مثل ذلك، فإنك إن مت من ليلتك كتب الله لك جواراً من النار)).
هذا حديث حسن، أخرجه أبو داود عن أبي النضر إسحاق بن إبراهيم(2/326)
الدمشقي عن محمد بن شعيب.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وتابعه صدقة بن خالد عن عبد الرحمن بن حسان، أخرجه أبو القاسم البغوي في معجمه.
وخالفهما الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن، فقلب اسمه الحارث بن مسلم واسم أبيه.
قرأت على فاطمة بنت المنجا عن سليمان بن حمزة، أنا محمد بن عبد الواحد الحافظ، أنا زاهر بن أحمد، أنا الحسين بن عبد الملك، أنا إبراهيم بن منصور، أنا محمد بن إبراهيم بن علي بن عاصم، ثنا أحمد بن علي بن المثنى، ثنا داود بن رشيد، ثنا الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن حسان، عن مسلم بن الحارث بن مسلم، عن أبيه، قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية، فلما بلغنا المغار استقبلنا الحي فاستحثت فرسي، فسبقت أصحابي، فقلت: قولوا لا إله إلا الله تحرزوا، فقالوها: فلامني أصحابي وقالوا: حرمتنا الغنيمة بعد أن بردت بأيدينا، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبروه بما صنعت، فدعاني فحسن لي ما صنعت وقال: ((إن الله كتب لك بكل إنسانٍ منهم كذا وكذا)) قال عبد الرحمن: أنا نسيت الثواب، ثم قال: ((أما إني سأكتب لك كتاباً لأئمة المسلمين من بعدي أوصي بك)) قال: فكتب لي كتاباً وختمه ودفعه إلي وقال لي: ((إذا صليت المغرب فقل قبل أن تتكلم)) فذكر الحديث نحوه وفيه ((وإذا صليت الصبح كذلك)) قال: ثم أتيت أبا بكر بالكتاب ففضه وقرأه وأمر لي بعطاء، ثم ختم عليه، ثم أتيت عمر ففعل مثل ذلك، ثم أتيت عثمان ففعل مثل ذلك، قال: ومات الحارث بن مسلم في خلافة عثمان، قال: ولم يزل الكتاب عندنا حتى بعث إلي(2/327)
عمر بن عبد العزيز فقرأه وأمر لي بعطاء.
أخرجه أبو داود أيضاً عن مؤمل بن المفضل الحراني وعلي بن سهل الرملي كلاهما عن الوليد بن مسلم بطوله إلا من قوله: ثم أتيت أبا بكر.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرج أبو داود أيضاً والنسائي في الكبرى منه الدعاء فقط كما في رواية محمد بن شعيب كلاهما عن عمرو بن عثمان الحمصي عن الوليد.
فوقع لنا بدلاً عالياً أيضاً.
ورواه محمد بن المصفى وعبد الوهاب بن نجدة كلاهما عن الوليد، فوافقا محمد بن شعيب في قوله الحارث بن مسلم عن أبيه.
أخرجه أبو داود عن محمد بن المصفى.
والطبراني من رواية عبد الوهاب.
ورجح أبو حاتم وأبو زرعة هذه الرواية، وصنيع ابن حبان يقتضي خلاف ذلك، فإنه أخرج الحديث بطوله في صحيحه عن أبي يعلى كما أخرجته، فكأنه ترجح عنده أن الصحابي في هذا الحديث هو الحارث بن مسلم، والله أعلم.
[[وروينا في مسند الإمام أحمد وسنن ابن ماجه وكتاب ابن السني، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى(2/328)
الصبح قال: ((اللهم إني أسألك علماً نافعاً، وعملاً متقبلاً، ورزقاً طيباً)).]]
(192)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم في شهر تاريخه حدثنا سيدنا، ومولانا، قاضي القضاة، شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، أبو الفضل الشهابي، أحمد العسقلاني، إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء خامس جمادى الآخرة من شهور سنة إحد[ى] وأربعين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
قوله: (وروينا في مسند الإمام أحمد وسنن ابن ماجه وكتاب ابن السني عن أم سلمة .. .. إلى آخره).
قرأت على أبي الحسن علي بن محمد بن أبي المجد رحمه الله، عن أبي بكر الدشتي، أنا يوسف بن خليل الحافظ، أنا خليل بن بدر، أنا الحسن بن أحمد، أنا أحمد بن عبد الله الحافظ، أنا عبد الله بن جعفر، ثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود سليمان بن داود الطيالسي (ح).
وبالسند الماضي قريباً إلى الطبراني في ((الدعاء)) ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا مسلم بن إبراهيم، قالا: ثنا شعبة، عن موسى بن أبي عائشة، عن مولى لأم سلمة، عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح قال: ((اللهم إني أسألك علماً نافعاً ورزقاً طيباً(2/329)
وعملاً متقبلاً)) وفي رواية مسلم بن إبراهيم ((صالحاً)) بدل ((متقبلاً)).
هذا حديث حسن، أخرجه أحمد عن روح بن عبادة ومحمد بن جعفر كلاهما عن شعبة.
فوقع لنا بدلاً عالياً. زاد روح في روايته بعد: ((إذا صلى الصبح)) ((حين يسلم)).
وأخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن شبابة عن شعبة، وقال في روايته: ((إذا صلى أو حين يسلم)) بالشك.
وأخرجه أبو يعلى عن أبي خيثمة زهير بن حرب عن يحيى بن سعيد القطان وعن محمد بن بشار عن محمد بن جعفر وعن مجاهد بن موسى عن بهز بن أسد ثلاثتهم عن شعبة.
وأخرجه ابن السني عن أبي يعلى بالسند الأول باللفظ الأول.
وأخرجه النسائي في الكبرى من رواية سفيان الثوري، عن موسى.
قرأت على فاطمة بنت المنجا عن سليمان بن حمزة، أنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو جعفر الصيدلاني، أنا أبو علي الحداد، أنا أبو نعيم، أنا سليمان بن أحمد، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنا عبد الرزاق، عن الثوري (ح).
وبالسند الماضي إلى الطبراني ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو نعيم -هو الفضل بن دكين- ثنا سفيان -هو الثوري- عن موسى بن أبي عائشة فذكره مثل الأول، وفي رواية عبد الرزاق عن رجل سمع أم سلمة، وفي(2/330)
رواية أبي نعيم ((صالحاً)) بدل ((متقبلاً)) وفي رواية عبد الرزاق ((في دبر كل صلاة)).
أخرجه أحمد عن وكيع عن سفيان الثوري.
فوقع لنا بدلاً عالياً من الطريقين ولم يقل في روايته ((كل)).
وأخرجه النسائي عن محمد بن غيلان عن وكيع.
فوق لنا عالياً بثلاث درجات.
وبه إلى الطبراني ثنا أبو مسلم الكشي، ومعاذ بن المثنى، ومحمد بن علي الصائغ، وبكر بن سهل، قال الأول: ثنا أبو عمر الضرير، والثاني: ثنا مسدد، وقال الآخران. ثنا سعيد بن منصور، قال الثلاثة: ثنا أبو عوانة، عن موسى بن أبي عائشة فذكر مثل حديث شعبة في السند الأول لكنه قال ((في دبر [كل] صلاة الغداة)).
ورجال هذه الأسانيد رجال الصحيح إلا المبهم، فإنه لم يسم، ولأم سلمة موالٍ وثقوا.
وقد أخرجه الدارقطني في الأفراد من رواية عمر بن سعيد -وهو أخو سفيان الثوري- عن موسى بن أبي عائشة فقال: عن بعض أهل أم سلمة، فكأنه أطلق الأهل على المولى.
وأخرجه أيضاً من رواية شاذان عن سفيان الثوري فقال: عبد الله بن شداد، بدل مولى أم سلمة، وهي رواية شاذة.
وقد وجدت للحديث شاهداً من أجله [قلت] إنه حسن.(2/331)
وبه إلى الطبراني ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا أبو كريب -هو محمد بن العلاء- ثنا أبو معاوية وابن نمير -هو عبد الله- قالا: ثنا مالك بن مغول، عن الحكم عن أبي عمر، عن أبي الدرداء، رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكر مثله.
ورجال هذا الإسناد أيضاً رجال الصحيح إلا أبا عمر، فإنه لا يعرف اسمه ولا حاله، وقيل: اسمه نشيط بفتح النون وكسر المعجمة، ويقال له: الصيني بصاد مهملة مكسورة ونون نسبة إلى الصين الإقليم المشهور، وقد روى عنه جماعة، فهو مستور وأخرج له النسائي حديثاً غير هذا عن أبي الدرداء، ومنهم من أدخل بينه وبين أبي الدرداء، أم الدرداء، والله أعلم.
[[وروينا فيه، عن صهيب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحرك شفتيه بعد صلاة الفجر بشيء، فقلت: يا رسول الله! ما هذا الذي تقول؟ قال: ((اللهم بك أحاول، وبك أصاول، وبك أقاتل)) والأحاديث بمعنى ما ذكرته كثيرة.]]
(193)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا شيخنا، المشار إليه، إملاء في يوم الثلاثاء ثاني عشر جمادى(2/332)
الأخرى [الآخرة] من شهور سنة تاريخه، قال وأنا أسمع:
قوله: (وروينا فيه عن صهيب .. .. إلى آخره.
أخبرني أبو العباس أحمد بن الحسن بن محمد المقدسي رحمه الله، أنا محمد بن عالي، أنا أبو الفرج بن الصيقل، عن أبي المكارم اللبان، أنا أبو علي الحداد، أنا أبو نعيم، ثنا فاروق بن عبد الكريم، ثنا أبو مسلم الكجي، ثنا أبو عمر الحوضي، ثنا حماد بن سلمة، أنا ثابتاً البناني، أخبرهم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرك شفتيه بشيء أيام خيبر إذا صلى الغداة، فقلنا: يا رسول الله لا تزال تحرك شفتيك بشيء، بعد صلاة الغداة ولم يكن يفعله فقال: ((إن نبياً كان قبلنا أعجبته كثرة أمته فقال: لا يروم هؤلاء -أحسبه قال- شيءٌ فأوحى الله إليه أن خير أمتك بين إحدى ثلاثٍ إما أن يسط عليهم الجوع أو العدو أو الموت، فعرض عليهم ذلك فقالوا: أما الجوع فلا طاقة لنا به، ولا العدو، ولكن الموت، فمات منهم في ثلاثة أيامٍ سبعون ألفاً، فأنا اليوم أقول: اللهم بك أحاول وبك أقاتل وبك أصاول)).
هذا حديث صحيح، أخرجه أحمد عن وكيع وعفان كلاهما عن حماد بن سلمة.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه ابن حبان عن عبد الله بن محمد الأزدي عن إسحاق بن إبراهيم عن سليمان بن حرب عن حماد.
فوقع لنا عالياً بدرجتين.(2/333)
وأخرج النسائي طرفاً من وجه آخر عن حماد.
وأخرج الترمذي من طريق معمر عن ثابت بهذا الإسناد حديثاً طويلاً في أوله نحو هذه القصة دون الدعاء، وفيه قصة الغلام والساحر والراهب والملك صاحب الأخدود.
وقد أخرج مسلم قصة الغلام ومن ذكر معه مفردة بطولها في أواخر صحيحه من رواية حماد بن سلمة بالسند الذي سقته، ولم يذكر القصة الأولى المقصودة هنا، فهي على شرطه.
والرواية المختصرة التي اقتصر عليها الشيخ أخرجها أبو يعلى في مسنده الكبير من طريق حماد أيضاً، وعنه أخرجها ابن السني.
قوله: (والأحاديث بمعنى ما ذكرته كثيرة),
قال: منها حديث صهيب أيضاً.
وبالسند الماضي إلى الطبراني في الدعاء، ثنا علي بن المبارك الصنعاني، ثنا إسماعيل بن أبي أويس، ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة، عن عطاء بن أبي مروان، عن أبيه، عن كعب الأحبار، أن داود عليه السلام كان إذا انصرف من صلاته قال: اللهم أصلح لي ديني الذي جعلته عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي جعلت فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي جعلت إليها معادي، اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك. الحديث.
قال كعب: حدثني صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينصرف بهذا الدعاء من صلاته.(2/334)
هذا حديث حسن، أخرجه النسائي مختصراً وابن خزيمة من رواية عبد الله بن وهب، عن حفص بن ميسرة، عن موسى بن عقبة.
فوقع لنا عالياً.
وذكر النسائي الاختلاف فيه، وقال: أبو مروان لا يعرف، وذكر غيره أنه صحابي وعد هذا الحديث في رواية الصحابة عن التابعين، ويقال: إن اسمه مغيث بمعجمة ومثلثة، ويقال: مغيث أبوه، وباعتبار أن يكون تابعياً يكون في السند الذي سقته أربعة من التابعين في نسق، أولهم موسى بن عقبة.
ومن الأحاديث ما أخرجه الطبراني في الدعاء من حديث أنس.
وبالسند الماضي إلى الطبراني ثنا معاذ بن المثنى، ثنا كامل بن طلحة، ثنا أبو معمر عباد بن عبد الصمد، قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله أفدني فإني شيخ نسي فلا تكثر علي، قال: ((أعلمك دعاءً تدعو به كلما صليت الغداة ثلاث مرارٍ يفتح الله لك ثمانية أبواب الجنة تقول: اللهم اهدني من عندك، وأفض علي من فضلك، وأسبغ علي برحمتك، وأنزل علي بركتك)).
هذا حديث غريب، ورجاله ثقات إلا عباد، فإنه ضعيف بالاتفاق، والله أعلم.(2/335)
[[باب: ما يقال عند الصباح وعند المساء
روينا في صحيح البخاري عن شداد بن أوس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سيد الاستغفار: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، أعوذ بك من شر ما صنعت. إذا قال ذلك حين يمسي فمات دخل الجنة، أو كان من أهل الجنة، وإذا قيل حين يصبح فمات من يومه، مثله)) معنى أبوء: أقر وأعترف.]]
(194)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم في تاسع عشر جمادى الآخرة حدثنا شيخ الإسلام، أبو الفضل، أحمد، العسقلاني، قاضي القضاة، إمام الحفاظ إملاء من حفظه كعادته، قال وأنا أسمع:
ووجدت لحديث أنس شاهداً من رواية قبيصة صاحب القصة.
أخبرني عبد الله بن عمر بن علي، أنا أحمد بن محمد بن عمر، أنا(2/336)
عبد اللطيف بن عبد المنعم، أنا عبد الله بن أحمد بن أبي المجد، أنا هبة الله بن محمد بن عبد الواحد، أنا الحسن بن علي الواعظ، أنا أحمد بن جعفر بن حمدان، ثنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا يزيد بن هارون، عن الحسن، عن أبي كريمة، حدثني رجل من أهل البصرة، عن قبيصة بن مخارق، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا قبيصة ما جاء بك؟)) فقلت: كبرت سني ورق عظمي فأتيتك لتعلمني ما ينفعني الله به. فقال: ((يا قبيصة ما مررت بحجر ولا شجر ولا مدر إلا استغفر لك إذا صليت الفجر فقلت ثلاثاً سبحان الله العظيم وبحمده)) فذكر الحديث، وفيه: ((قل اللهم إني أسألك مما عندك، وأفض علي من فضلك، وانشر علي من رحمتك، وأنزل علي من بركتك)).
هذا حديث غريب، أخرجه أحمد هكذا لم ينسب الحسن ولم يسم أبا كريمة، وقد ذكر الحسيني في رجال المسند أبا كريمة فيمن لم يسم من الكنى، فلم يزد في التعريف به على ما في هذا السند إلا أنه نسب الحسن، فقال: روى عنه الحسن البصري، ووهم في ذلك، فإن يزيد بن هارون لم يدرك الحسن البصري، لأن مولده بعد وفاة الحسن بسبع سنين، وقد ذكر الحاكم أبو أحمد في الكنى في باب أبي كريمة ثلاثة أحدهم أبو كريمة فرات روى عنه الحسن بن عمرة الرقي.
قلت: والحسن المذكور يكنى أبا المليح، وهو ثقة يروي عن فرات ابن سلمان الرقي، فيشبه أن يكون هو المراد. وأبو المليح من طبقات شيوخ يزيد بن هارون، وفرات موثق عند أحمد وغيره، فلولا الرجل المبهم لكان السند حسناً، والله أعلم.
قوله: (باب: ما يقال عند الصباح والمساء .. .. إلى أن قال: روينا في(2/337)
صحيح البخاري عن شداد بن أوس).
أخبرني أبو علي محمد بن محمد بن علي فيما قرئ عليه وأنا أسمع، عن أحمد بن أبي طالب، وست الوزراء بنت أحمد سماعاً عليهما سنة خمس عشرة، قالا: أنا الحسين بن أبي بكر، أنا عبد الأول بن عيسى، أنا عبد الرحمن بن محمد، أنا عبد الله بن أحمد، أنا محمد بن يوسف، أنا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي قراءة عليه وأنا أسمع، ثنا أبو معمر -هو عبد الله بن عمرو-، ثنا عبد الوارث -هو ابن سعيد-، ثنا حسين -هو المعلم-، ثنا عبد الله بن بريدة، حدثني بشير بن كعب، عن شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بذنبي، وأبوء لك بنعمتك علي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، -قال- ومن قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقنٌ بها، فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة)).
أخرجه أحمد عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وبه إلى أبي عبد الله الجعفي، ثنا مسدد، ثنا يزيد بن زريع (ح).
وبالسند المذكور آنفاً إلى الإمام أحمد ثنا يحيى بن سعيد -هو القطان- ومحمد بن أبي عدي فرقهما قالوا: ثنا حسين -زاد يحيى المعلم- عن عبد الله بن بريدة، فذكر الحديث باللفظ الذي ساقه الشيخ.
وأخبرنا به أبو العباس أحمد بن أبي بكر بن العز إجازة مكاتبة، أنا أبو الربيع بن قدامة، أنا محمد بن عبد الواحد الحافظ، قال: قرأت على(2/338)
أبي جعفر محمد بن أحمد بن نصر (ح).
وقرأت على عبد الله بن محمد بن إبراهيم، عن محمد بن إسماعيل بن عبد العزيز سماعاً، أنا عبد العزيز بن عبد المنعم، عن عفيفة بنت أحمد، كلاهما عن فاطمة بنت عبد الله الأصبهانية سماعاً، قالت: أنا محمد بن عبد الله التاجر، ثنا سليمان بن أحمد بن أيوب، ثنا معاذ بن المثنى، ثنا مسدد، ثنا يزيد بن زريع فذكره.
أخرجه النسائي في الاستعاذة وفي عمل اليوم والليلة، عن عمرو بن علي الفلاس، عن يزيد بن زريع -زاد في اليوم والليلة: وبشر بن المفضل وابن أبي عدي ويحيى بن سعيد، وعن يعقوب بن إبراهيم عن يحيى بن سعيد، وعن قتيبة عن محمد بن جعفر، خمستهم عن حسين المعلم.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
ورواه ثابت البناني وأبو العوام جميعاً عن عبد الله بن بريدة، عن شداد بغير واسطة.
ورواه الوليد بن ثعلبة عن عبد الله بن بريدة عن أبيه، والأول هو المحفوظ، والله أعلم.
[[وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان(2/339)
الله وبحمده مئة مرةٍ لم يأت أحدٌ يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحدٌ قال مثل ما قال أو زاد عليه)) وفي رواية أبي داود ((سبحان الله العظيم وبحمده)).]]
(195)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
حدثنا شيخ الإسلام، قاضي القضاة، أبو الفضل، أحمد، العسقلاني، إمام الحفاظ، إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء سادس عشرين جمادى الآخرة سنة إحد[ى] وأربعين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
وللحديث طريق أخرى عن شداد.
أخبرني الشيخ المسند تقي الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن أحمد بن عبيد الله المقدسي ثم الصالحي رحمه الله فيما قرأت عليه بها، عن أبي العباس الصرخدي سماعاً، أنا محمد بن إسماعيل بن أبي الفتح، قال: أخبرنا يحيى بن محمود الثقفي، قال: أخبرنا حمزة بن العباس العلوي، قال: أخبرنا أبو طاهر بن عبد الرحيم، قال: أخبرنا أبو محمد بن حيان، قال: حدثنا أبو يعلى الموصلي، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة واللفظ له (ح).
وقرأت على عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم بن لاجين، عن محمد بن إسماعيل بن عبد العزيز بن المعظم سماعاً، أخبرني جدي لأمي أبو العز الحراني، عن عفيفة بنت أحمد، قالت: أخبرتنا فاطمة الجوزذانية، قالت: أنا أبو بكر بن ريذة، أنا الطبراني، ثنا الحسين بن إسحاق التستري،(2/340)
ثنا عثمان بن أبي شيبة، قالا: ثنا زيد بن الحباب، ثنا كثير بن زيد، عن المغيرة بن سعيد بن نوفل، عن شداد بن أوس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أدلكم على سيد الاستغفار؟)) فذكر مثل سياق عبد الوارث، لكن قال: ((أبوء [لك] بنعمتك علي وأعترف [أبوء لك] بذنوبي)) وقال: ((لا يقولها أحدٌ حين يصبح فيأتيه قدره من يومه ذلك قبل أن يمسي إلا وجبت له الجنة، ولا يقولها أحدٌ حين يمسي)) فذكر مثله)).
وأخرجه الطبراني أيضاً من رواية سليمان بن بلال، عن كثير بن زيد فقال: عن عمرو بن ربيعة بدل المغيرة.
وأما حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه ففيما:
قرأت على أم الحسن بنت محمد بن أحمد بن محمد بن عثمان التنوخية بدمشق، عن أبي الفضل بن أبي عمر، قالت: أنا إسماعيل بن ظفر، أنا أبو عبد الله الكراني، أنا أبو القاسم الأشقر، أنا أبو الحسين الأصبهاني، أنا أبو القاسم الطبراني في الدعاء، ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أحمد بن يونس، ثنا زهير -هو ابن معاوية-، ثنا الوليد بن ثعلبة، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال حين يصبح وحين يمسي اللهم أنت ربي)) فذكر مثل سياق الأول، لكن قال: ((اغفر لي ذنوبي جميعاً)) وقال في آخره: ((فمات من يومه أو ليلته دخل الجنة)).
هذا حديث صحيح، أخرجه أبو داود عن أحمد بن يونس.(2/341)
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه أحمد عن أبي كامل عن زهير.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه أحمد أيضاً والنسائي وابن ماجه من غير وجه عن الوليد بن ثعلبة.
وقد وثقه يحيى بن معين، وكنت أظن أن روايته هذه شاذة وأنه سلك [عن] الجادة حتى رأيت الحديث من رواية سليمان بن بريدة عن أبيه أخرجها ابن السني، فبان أن للحديث عن بريدة أصلاً.
وله شاهد أيضاً من حديث أبي أمامة، ومن حديث جابر، وغيرهما، أخرجهما الطبراني، وغيره.
قوله: (وروينا في صحيح مسلم عن أبي هريرة .. .. إلى آخره).
قرئ على الشيخ أبي عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن قوام رحمه الله ونحن نسمع، عن أبي عبد الله بن غنائم بن المهندس سماعاً، أنا أحمد بن شيبان، وعلي بن أحمد بن عبد الواحد، وزينب بنت مكي، قالوا: أنا عمر بن محمد بن حسان، أنا أبو غالب بن البناء، وأبو بكر بن عبد الباقي، قالا: أنا الحسن بن علي الجوهري، أنا أحمد بن جعفر المالكي، ثنا إبراهيم بن عبد الله البصري، ثنا محمد بن المنهال، ثنا يزيد بن(2/342)
زريع، ثنا روح بن القاسم (ح).
وقرأته عالياً على أبي الفرج بن الغزي رحمه الله، عن أبي الحسن بن قريش سماعاً، أنا أبو الفرج الحراني، عن أبي الحسن الجمال، أنا أبو علي الحداد، أنا أبو نعيم في المستخرج، ثنا حبيب بن الحسن، وعبد الله بن محمد بن جعفر، قال الأول: حدثنا جعفر الفريابي، وقال الثاني: ثنا سليمان بن عيسى، قالا: ثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، ثنا عبد العزيز بن المختار، كلاهما عن سهيل بن أبي صالح، عن سمي -هو مولى أبي بكر بن عبد الرحمن-، عن أبي صالح -هو ذكوان السمان-، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مئة مرةٍ لم يأت أحدٌ يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحدٌ قال مثل ما قال أو زاد عليه)).
هذا لفظ عبد العزيز، ولفظ روح ((سبحان الله العظيم وبحمده حين يصبح وإذا أمسى مثل ذلك لم يواف أحدٌ من الخلائق بمثل ما وافى)).
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم والترمذي عن ابن أبي الشوارب.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه النسائي في الكبرى عن زكريا بن يحيى.
وأخرجه ابن حبان عن الحسن بن سفيان.
كلاهما عن [ابن] أبي الشوارب.
فوقع لنا بدلاً عالياً.(2/343)
وأخرجه أبو داود عن محمد بن المنهال.
فوقع لنا موافقة عالية.
ورواه مالك عن سمي مثل رواية عبد العزيز لكن قال: ((غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر)).
ورواه أحمد وابن حبان والحاكم وابن السني من عدة طرق عن سهيل عن أبيه بإسقاط سمي، والصواب إثباته، والله أعلم.
[[وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وغيرهما بالأسانيد الصحيحة، عن عبد الله بن خبيب -بضم الخاء المعجمة- رضي الله عنه قال: خرجنا في ليلة مطر وظلمة شديدة نطلب النبي صلى الله عليه وسلم ليصلي لنا فأدركناه فقال: ((قل، فلم أقل شيئاً، ثم قال: قل، فلم أقل شيئاً، ثم قال: قل، فقلت: يا رسول الله! ما أقول؟ قال: قل هو الله أحدٌ والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مراتٍ تكفيك من كل شيءٍ)) قال الترمذي: حديث حسن صحيح.]](2/344)
(196)
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم حدثنا شيخنا، المشار إليه، إملاء في يوم الثلاثاء ثالث رجب الفرد سنة تاريخه، قال وأنا أسمع:
قوله: (وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وغيرها بالأسانيد الصحيحة عن عبد الله بن خبيب -بضم الخاء المعجمة يعني: بموحدتين مصغر- .. .. إلى آخره).
أخبرني الشيخ أبو إسحاق التنوخي بالقاهرة، والعماد أبو بكر الصالحي بها، وإبراهيم بن محمد الدمشقي بمكة، قالوا: أنا أحمد بن أبي طالب -زاد الأول: وإسماعيل بن يوسف، وعيسى بن عبد الرحمن، إجازة منهما، قالوا: أنا أبو المنجا البغدادي، قال الأول: إجازة إن لم يكن سماعاً، والآخران: سماعاً، أنا أبو الوقت، أنا أبو الحسن بن داود، أنا أبو محمد بن أعين، أنا إبراهيم بن خزيم، ثنا عبد بن حميد، ثنا ابن أبي فديك -هو محمد بن إسماعيل- ثنا ابن أبي ذئب -هو محمد بن عبد الرحمن-، عن أبي سعيد البراد، -هو أسيد بن أبي أسيد -بفتح أولهما-، عن معاذ بن عبد الله بن خبيب الجهني، عن أبيه رضي الله عنه، قال: خرجنا في ليلة مظلمة شديدة مطيرة، فطلبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي بنا، فأدركته فقال: ((قل)) فلم أقل شيئاً، ثم قال: ((قل)) فلم أقل شيئاً، ثم قال: ((قل)) قلت: يا رسول الله ما أقول؟ قال: ((قل هو الله أحدٌ والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاث مراتٍ تكفيك من كل شيءٍٍ)).
هذا حديث حسن، أخرجه الترمذي عن عبد بن حميد بهذا السند.(2/345)
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه أبو داود عن محمد بن المصفى.
والطبراني من رواية أحمد بن صالح.
كلاهما عن ابن أبي فديك.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وقرأت على خديجة بنت إبراهيم بن إسحاق بن سلطان البعلبكية بدمشق، عن القاسم بن مظفر بن عساكر، وأبي نصر بن الشيرازي إجازة إن لم يكن سماعاً من الأول ومكاتبة من الثاني، كلاهما عن محمود بن إبراهيم العبدي، أنا أبو الخير الباغبان، أنا أبو عمرو بن أبي عبد الله بن منده، أنا أبي، أنا أحمد بن محمد بن زياد، وخيثمة بن سليمان، قال الأول: ثنا العباس بن محمد الدوري والثاني: ثنا إسحاق بن سيار قالا: ثنا أبو عاصم-هو الضحاك بن مخلد- عن ابن أبي ذئب، عن أسيد بن أبي أسيد البراد فذكره. ولفظه: أصابنا طش وظلمة فانتظرنا النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج فأخذ بيدي، فذكر نحوه دون قوله: ((ثلاث مرات)).
أخرجه النسائي عن عمرو بن علي.
وعبد الله بن أحمد في زيادات المسند عن محمد بن أبي بكر.
كلاهما عن أبي عاصم.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
ومدار هذا الحديث على أسيد، وليس من رجال الصحيح.
وقال الدارقطني: يعتبر به.
وقد أخرج له النسائي متابعاً من رواية زيد بن أسلم عن معاذ.(2/346)
وبه إلى أبي عبد الله بن منده، أنا أبو النضر الطوسي، وأبو عمرو بن حكيم، قال الأول: حدثنا عثمان بن سعيد -هو الدارمي- والثاني: ثنا أبو حاتم -هو الرازي- قالا: ثنا سعيد بن أبي مريم، قال: ثنا محمد بن جعفر، عن زيد بن أسلم، عن معاذ، فذكر الحديث بنحوه، لكن ليس فيه قصة الظلمة والمطر ولا ذكر ((قل هو الله أحدٌ)).
أخرجه النسائي من طريق حفص بن ميسرة عن زيد.
وأخرجه أيضاً من طريق عبد الله بن سليمان الأسلمي عن معاذ بن عبد الله بن خبيب عن أبيه عن عقبة بن عامر الجهني، فذكره بنحو رواية زيد بن أسلم.
والحديث معروف بعقبة بن عامر، جاء عنه بألفاظ مختلفة تقدم التنبيه على بعضها في المجلس الثاني والثمانين بعد المئة من تخريج الأذكار.
وذكر النسائي له طرقاً:
منها: ما أخرجه هو والبزار جميعاً عن محمد بن المثنى عن محمد بن جعفر المعروف بغندر عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن يزيد بن رومان عن عامر بن عقبة وفي رواية النسائي عقبة بن عامر ثم اتفقا عن عبد الله الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على صدره وقال: ((قل)) قال: فلم أدر ما أقول، فذكر نحو الحديث المتقدم وقال فيه: ((هكذا فتعوذ فما تعوذ المتعوذون بمثلهن)).
قال النسائي بعد تخريجه: هذا خطأ، انتهى.
وبسبب هذا الاختلاف توقفت في تصحيحه، واتضح مما سقته أنه ليس له باللفظ الأول في الكتب الثلاثة ولا غيرها إلا إسناد واحد عن عبد الله بن(2/347)
خبيب، والتعدد إنما هو إلى ابنه معاذ مع الاختلاف في سياقه بخلاف ما يوهمه كلام الشيخ، والله أعلم.
[[وروينا في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه وغيرها بالأسانيد الصحيحة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا أصبح: ((اللهم بك أصبحنا، وبك أمسينا، وبك نحيا، وبك نموت وإليك النشور؛ وإذا أمسى قال: اللهم بك أمسينا، وبك نحيا، وبك نموت وإليك النشور)) قال الترمذي: حديث حسن.
وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كان في سفر وأسحر يقول: ((سمع سامعٌ بحمد الله وحسن بلائه علينا، ربنا صاحبنا، وأفضل علينا، عائذاً بالله من النار)) قال القاضي عياض وصاحب المطالع وغيرهما: سمع بفتح الميم المشددة، ومعناه: بلغ سامع قولي هذا لغيره، تنبيهاً على الذكر في السحر والدعاء في ذلك الوقت، وضبطه الخطابي وغيره سمع بكسر الميم المخففة؛ قال الإمام أبو سليمان الخطابي: سمع سامعٌ معناه: شهد شاهدٌ. وحقيقته: ليسمع السامع وليشهد الشاهد حمدنا الله تعالى على نعمته وحسن بلائه.]](2/348)
(197)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا شيخنا، شيخ الإسلام، أبو الفضل، قاضي القضاة، الشهابي، أحمد، العسقلاني، إمام الحفاظ إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء عاشر رجب الفرد شهر سنة تاريخه، قال وأنا أسمع:
قوله: (وروينا في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه وغيرها بالأسانيد الصحيحة عن أبي هريرة .. .. إلى آخره).
أخبرني أبو العباس أحمد الحسن بن محمد بن محمد بن زكريا رحمه الله، أنا أبو العباس أحمد بن علي بن أيوب، أنا أبو الفرج الحراني، أنا عبد الله بن مسلم بن ثابت الوكيل، وسليمان بن محمد الموصلي، قالا: أنا يحيى بن علي الطراح (ح).
وقرأت على فاطمة بنت المنجا بدمشق، عن عبد الرحيم بن يحيى بن المفرج بن مسلمة، أنا عمي أحمد بن المفرج، أنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن عساكر، ثنا علي بن بركة الهاشمي لفظاً، وأخبرنا يوسف بن أيوب الواعظ سماعاً، قال الثلاثة: أخبرنا أبو الحسين بن المهتدي بالله، ثنا علي بن عمر، أنا العباس بن أحمد (ح).
وبه إلى ابن عساكر أنا محمد بن الفضل الصاعدي، أنا محمد بن علي الخشاب، وسعد بن أحمد العيار، قالا: أنا الحسن بن أحمد المخلدي، ثنا محمد بن إسحاق الثقفي (ح).
وبالسند الماضي قريباً إلى الطبراني في الدعاء ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال الثلاثة: ثنا عبد الأعلى بن حماد، ثنا وهيب بن خالد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان(2/349)
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قال: ((اللهم بك أصبحنا، وبك أمسينا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك النشور)) وإذا أمسى قال: ((اللهم بك أمسينا، وبك أصبحنا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك المصير)).
هذا حديث صحيح غريب، أخرجه البخاري في الأدب المفرد عن معلى بن أسد.
وأبو داود عن موسى بن إسماعيل.
كلاهما عن وهيب بن خالد.
وأخرجه النسائي في الكبرى عن زكريا بن يحيى عن عبد الأعلى بن حماد.
فوقع لنا بدلاً عالياً بدرجة إلا للنسائي فبثلاث درجات.
وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن محمد بن إسحاق الثقفي.
فوقع لنا موافقة عالية بدرجة.
وأما الترمذي وابن ماجه فأخرجاه من وجهين آخرين عن سهيل، ووقع عندهما بصيغة الأمر: ((إذا أصبح أحدكم فليقل)).
وفي سند كل منهما مقال.
وقد وافق وهيباً حماد بن سلمة على لفظه.
وبه إلى الطبراني ثنا معاذ بن المثنى، وإدريس بن عبد الكريم الحداد المقرئ، قال الأول: ثنا علي بن عثمان اللاحقي، والثاني: ثنا أبو نصر التمار، قالا: ثنا حماد بن سلمة، عن سهيل فذكر مثل سياق وهيب، لكن(2/350)
اقتصر على أحد الشقين.
وهكذا أخرجه أحمد عن عبد الصمد بن عبد الوارث والحسن بن موسى وعفان بن مسلم ثلاثتهم عن حماد بن سلمة.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
قوله: (وروينا في صحيح مسلم عن أبي هريرة .. .. إلى آخره).
وبالسند الماضي إلى أبي نعيم في المستخرج. ثنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، أخبرني سليمان بن بلال، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كان في سفرٍ فأسحر قال: ((سمع سامعٌ بحمد الله وحسن بلائه علينا ربنا صاحبنا وأفضل علينا عائذاً بالله من النار)).
هذا حديث صحيح غريب، أخرجه مسلم عن أبي الطاهر بن السرح.
وأبو داود عن أحمد بن صالح.
كلاهما عن عبد الله بن وهب.
وأخرجه النسائي وابن خزيمة جميعاً عن يونس بن عبد الأعلى على الموافقة.(2/351)
وأخرج له ابن خزيمة متابعاً من رواية عبد الله بن عامر الأسلمي عن سهيل وقال: الاعتماد على سليمان.
قلت: وقد وجدت له شاهداً عن ابن عمر، لكنه غير مرفوع.
قرأت على فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي، عن عمر بن محمد بن يحيى [ح].
وأخبرني عمر بن محمد البالسي، أنا أبو بكر بن محمد المقدسي، قالا: أنا أبو القاسم الطرابلسي، قال الأول: سماعاً، والثاني إجازة، أنا الحافظ أبو طاهر السلفي، أنا أبو الخطاب القارئ، أنا أبو محمد بن البيع، ثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي، ثنا الحسن بن مكرم، ثنا محمد بن كناسة -بضم الكاف وتخفيف النون وبعد الألف مهملة-، عن عمر بن ذر، عن يزيد الفقير، عن عبد الله بن عمر، أنه كان إذا غشيه الصبح وهو مسافر نادى: سمع سامع بحمد الله، فذكر مثله، لكن زاد: يقولها ثلاث مرات.
وقرأته عالياً على فاطمة بنت محمد أيضاً، عن ست الفقهاء بنت الواسطي، عن كريمة بنت عبد الوهاب، عن أبي الحسن بن غبرة-بفتح المعجمة والموحدة- أنا أبو جعفر بن علان، أنا القاضي أبو عبد الله الجعفي، أنا محمد بن جعفر الأشجعي، ثنا علي بن المنذر، ثنا محمد بن فضيل، عن حصين بن عبد الرحمن، عن مجاهد، فذكره لكن قال: أسمع سامع، والباقي سواء وزاد في آخره: لا حول ولا قوة إلا بالله.
ورويناه في كتاب ((الدعاء)) للمحاملي من وجه آخر عن مجاهد، عن نعيم بن مسعود موقوفاً أيضاً.
ورواية حصين تؤيد ما ذهب إليه القاضي عياض من ضبط أسمع، والله أعلم.(2/352)
[[وروينا في صحيح مسلم، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال: ((أمسينا وأمسى الملك لله، والحمد لله لا إله إلا الله وحده لا شريك له)) قال الراوي: أراه قال فيهن: ((له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قديرٌ، رب أسألك خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها وأعوذ بك من شر ما في هذه الليلة وشر ما بعدها، رب أعوذ بك من الكسل والهرم وسوء الكبر، أعوذ بك من عذابٍ في النار وعذابٍ في القبر، وإذا أصبح قال ذلك أيضاً: أصبحنا وأصبح الملك لله)).
وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة؟ قال: ((أما لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك)) ذكره مسلم متصلاً بحديث لخولة بنت حكيم رضي الله عنها وهكذا.]]
(198)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا شيخنا، شيخ الإسلام، أبو الفضل، قاضي القضاة، الشهابي، أحمد، العسقلاني، إمام الحفاظ -أمتع الله بوجوده- إملاء من حفظه كعادته في سابع عشر رجب الفرد سنة تاريخه قال: وأنا أسمع:(2/353)
قوله: (وروينا في صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .. .. إلى آخره).
أخبرني أبو محمد عبد العزيز بن محمد بن محمد بن الخضر، عن زينب بنت إسماعيل بن الخباز سماعاً، قالت: أحمد بن عبد الدائم بن نعمة، أنا عبد الله بن مسلم الوكيل، أنا محمد بن عبد الباقي الحاسب، أنا الحسن بن علي الجوهري، أنا أحمد بن جعفر، ثنا علي بن طيفور (ح).
وبالسند الماضي إلى أبي نعيم في المستخرج، ثنا إبراهيم بن عبد الله، ثنا محمد بن إسحاق، قالا: ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا عبد الواحد بن زياد (ح).
وبه إلى أبي نعيم قال: ثنا أبو حامد أحمد بن محمد الحسن، ثنا أبو بكر بن خزيمة، ثنا يوسف بن موسى، ثنا جرير -هو ابن عبد الحميد- كلاهما عن الحسن بن عبيد الله النخعي، عن إبراهيم بن سويد النخعي، حدثني عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا أمسى: ((أمسينا وأمسى الملك لله، والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له)) قال: وأراه قد قال فيها: ((له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قديرٌ، رب أسألك خير هذه الليلة وخير ما بعدها، وأعوذ بك من شرها وشر ما بعدها، رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر، رب أعوذ بك من عذابٍ في النار وعذابٍ في القبر)) وإذا أصبح قال ذلك أيضاً: ((أصبحا وأصبح الملك لله)) لفظ جرير، وفي رواية عبد الواحد بعد قوله: ((لا شريك له)) قال الحسن بن عبيد الله: فحدثني زبيد -يعني ابن الحارث- وهو بالزاي والموحدة مصغر - أنه حفظ عن إبراهيم بن سويد في هذا الحديث: ((له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قديرٌ)) والباقي مثله، لكن قال فيها ((اللهم)) بدل ((رب)) ولم يذكروا إذا أصبح إلى آخره.(2/354)
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم والنسائي في الكبرى عن قتيبة.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه مسلم عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأفادت رواية جرير أن في رواية عبد الواحد إدراجاً.
وقد رواه زائدة بن قدامة عن الحسن بن عبيد الله فوافقه.
وبه إلى أبي نعيم قال: ثنا أبو بكر الطلحي، ثنا عبيد بن غنام، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا حسين بن علي، عن زائدة، عن الحسن بن عبيد الله، عن إبراهيم بن سويد فذكره إلى قوله ((لا شريك له، اللهم إني أسألك خير هذه الليلة وخير ما فيها)) فذكره، وفيه ((ومن فتنة القبر وعذاب القبر)) قال الحسن: وزادني زبيد عن إبراهيم بن سويد ((له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قديرٌ)).
أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة.
فوقع لنا موافقة عالية.
وللحديث شاهد عن البراء بن عازب.
وبالسند الماضي قريباً إلى الطبراني في الدعاء ثنا عبد الله بن محمد الموصلي، ثنا غسان بن الربيع، ثنا أبو إسرائيل الملائي -هو إسماعيل بن خليفة-، عن طلحة -هو ابن مصرف-، عن عبد الرحمن بن عوسجة، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قال:(2/355)
((أصبحنا وأصبح الملك لله، والحمد لله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، اللهم إني أعوذ بك من الكسل والكبر وعذاب القبر)).
وهكذا أخرجه ابن السني من وجه آخر عن أبي إسرائيل.
ووقع لنا عالياً على طريقه وسنده حسن.
قوله: (وروينا في صحيح مسلم عن أبي هريرة .. .. إلى أن قال: ذكره مسلم متصلاً بحديث خولة بنت حكيم).
قلت: مدار الحديث على يعقوب بن عبد الله بن الأشج بسندين له إلى الصحابيين، فحديث خولة مقيد بنزول المنزل، وقد ذكره الشيخ في أذكار الأسفار، وسيأتي إن شاء الله تعالى.
وأما حديث أبي هريرة:
فقرأته عالياً على أبي الفرج بن الغزي بالسند الماضي مراراً إلى أبي نعيم في المستخرج، قال: حدثنا أبو علي محمد بن عبد الله بن سعيد، ثنا عبدان بن أحمد، ثنا أبو الطاهر بن السرح (ح).
وبه إلى أبي نعيم، ثنا محمد بن إبراهيم بن علي، ثنا محمد بن الحسن بن قتيبة، حدثنا حرملة بن يحيى، قالا: ثنا ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، أن يزيد بن أبي حبيب، والحارث بن يعقوب، حدثاه عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله ماذا لقيت من عقرب لدغتني البارحة، فقال: ((أما أنك لو قلت حين أمسيت أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضرك)).
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم عن أبي الطاهر.(2/356)
فوقع لنا موافقة عالية.
وقد رواه سهيل بن أبي صالح عن أبيه نحوه، ورواه أيضاً بصيغة التعميم، والله أعلم.
[[ورويناه في كتاب ابن السني، وقال فيه: ((أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاثاً لم يضره شيءٌ)).]]
(199)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ثم في يوم الثلاثاء رابع عشرين رجب الفرد شهر سنة تاريخه حدثنا شيخنا، شيخ الإسلام، أبو الفضل، قاضي القضاة، الشهابي، أحمد، العسقلاني، إمام الحفاظ، إملاء من حفظه، قال وأنا أسمع:
قوله: (وروينا في كتاب ابن السني وقال فيه: ((أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاثاً لم يضره)) ).
قلت: هو عند النسائي فعزوه إليه أولى.
أخبرني أبو المعالي الأزهري، أنا أبو العباس بن أبي الفرج، أنا أبو الفرج بن نصر، أنا أبو محمد بن أبي المجد، أنا أبو القاسم بن الحصين، أنا(2/357)
أبو علي بن المذهب، أنا أبو بكر بن حمدان، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا يزيد -يعني ابن هارون-، ثنا هشام -يعني ابن حسان-، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال إذا أمسى ثلاث مراتٍ أعوذ بكلمات الله التامات كلها من شر ما خلق لم تضره حمةٌ تلك الليلة)) قال: فكان أهلنا قد تعلموها، فكانوا يقولونها كل ليلة، فلدغت جارية منهم فلم تجدلها ألماً.
هذا حديث صحيح، أخرجه النسائي في الكبرى عن محمد بن عبد الله بن المبارك عن يزيد بن هارون.
فوقع لنا بدلا ًعالياً.
وأخرجه أيضاً من رواية عبيد الله بن عمر العمري.
وابن حبان في أوائل صحيحه من رواية جرير بن حازم,
كلاهما عن سهيل وقالا فيه: ((ثلاث مرات)) ولم يقولا ((كلها)).
وأخرجه النسائي من رواية حماد بن زيد عن سهيل، وقال فيه: ((ثلاثاً)).
ومن هذا الوجه أخرجه ابن السني عن النسائي.
واختلف على سهيل في صحابي هذا الحديث.
قرأت على أبي اليسر بن الصائغ الدمشقي بها، عن أحمد بن علي الجزري حضوراً وإجازة، أنا المبارك بن محمد في كتابه، أنا عبيد الله بن عبد الله بن نجا، أنا الحسين بن علي البسري، أنا عبد الله بن يحيى(2/358)
السكري، أن إسماعيل بن محمد النحوي، ابنا عباس بن عبيد الله الترفقي، ثنا محمد بن يوسف -يعني الفريابي-، ثنا الثوري، عن سهيل، عن أبيه، عن رجل من أسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال حين يمسي)) فذكر مثل لفظ هشام الماضي قبل، لكن قال: ((لم تضره لدغة عقربٍ حتى يصبح)) ولم يذكر القصة.
وهكذا أخرجه النسائي عن إسحاق بن منصور عن الفريابي.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وهكذا قال وهيب بن خالد وزهير بن معاوية وسفيان بن عيينة وشعبة كلهم عن سهيل، وأخرجها كلها النسائي.
ووافق هشاماً على قوله: عن أبي هريرة مالك في الموطأ.
وعبد العزيز بن أبي سلمة في ((الغيلانيات)).
وهكذا قال الأشجعي عن الثوري.
قرأت على المسند الإمام أبي بكر بن الحسين المدني بها رحمه الله، عن أحمد بن أبي أحمد الصيرفي سماعاً، أنا عبد اللطيف بن عبد المنعم، أنا حماد بن هبة الله، أنا سعيد بن أحمد بن البناء (ح).
قال شيخنا: وأخبرنا عالياً أبو العباس بن نعمة إجازة، قال: أنا عبد الله بن عمر إجازة إن لم يكن سماعاً، عن سعيد كذلك، أنا أبو نصر بن الزينبي، أنا أبو طاهر المخلص، ثنا يحيى -هو ابن صاعد-، ثنا إبراهيم بن يوسف -هو الكوفي-، ثنا عبيد الله الأشجعي يعني، عن سفيان الثوري، عن(2/359)
سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: لدغت رجلاً عقرب، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((أما إنك لو قلت؟)) فذكر نحو رواية هشام، لكن ليس فيه ((ثلاثاً)) وكذا لم يذكرها وهيب ولا من سميت بعده ولا ذكروا كلهم ((كلها)).
أخرجه النسائي وابن ماجه جميعاً عن إبراهيم بن يوسف.
فوقع لنا موافقة عالية لا سيما من الطريق الثانية.
وذكر الدارقطني الاختلاف فيه على سهيل، ورجح قول شعبة ومن وافقه، وكأنه رجح بالكثرة، ويعارضه كون مالك أحفظ بحديث المدنيين من غيره.
والذي يظهر لي أنه كان عند سهيل على الوجهين، فإن له أصلاً من رواية أبي صالح عن أبي هريرة كما تقدم في رواية مسلم، وهكذا رواه الهيثم الصراف عن أبي صالح.
قرأت على مريم بنت أحمد بن محمد، عن يونس بن إبراهيم الدبوسي سماعاً عليه، وهي آخر من حدث عنه، قال: أنا أبو الحسن بن المقير إجازة إن لم يكن سماعاً، عن الحافظ أبي الفضل بن ناصر (ح).
وقرأت على فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي، عن يحيى بن محمد بن سعد، أنا الحسن بن يحيى المخزومي في كتابه، أنا عبد الله بن رفاعة، قالا: أنا القاضي أبو الحسن الخلعي، قال ابن رفاعة: سماعاً، وابن ناصر: إجازة، أنا أبو سعد الماليني الحافظ، أنا أبو أحمد بن عدي الحافظ، ثنا علي بن محمد بن مهرويه، ثنا محمد بن عمران بن حبيب، ثنا القاسم بن الحكم، ثنا أبو حنيفة-هو الإمام-، عن الهيثم الصيرفي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال حين يصبح أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاث مراتٍ لم تضره عقربٌ(2/360)
حتى يمسي، ومن قالها حين يمسي لم تضره حتى يصبح)).
وقد أخرجه النسائي من وجه آخر عن أبي هريرة مع الاختلاف في الواسطة بين الزهري وأبي هريرة، وذلك كله يدل على أن له عن أبي هريرة أصلاً، والله أعلم.
[[وروينا بالإسناد الصحيح في سنن أبي داود والترمذي، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: يا رسول الله! مرني بكلمات أقولهن إذا أصبحت وإذا أمسيت، قال: ((قل اللهم فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، رب كل شيءٍ ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه. قال: قلها إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك)) قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وروينا نحوه في سنن أبي داود من رواية أبي مالك الأشعري رضي الله عنهم أنهم قالوا: يا رسول الله! علمنا كلمة نقولها إذا أصبحنا وإذا أمسينا واضطجعنا، فذكره، وزاد فيه بعد قوله: وشركه ((وأن نقترف سوءاً على أنفسنا أو نجره إلى مسلمٍ)) قوله صلى الله عليه وسلم ((وشركه)) روي على وجهين: أظهرهما وأشهرهما بكسر الشين مع إسكان الراء من الإشراك: أي ما يدعو إليه ويوسوس(2/361)
به من الإشراك بالله تعالى، والثاني شركه بفتح الشين والراء: حبائله ومصايده، واحدها شركه بفتح الشين والراء وآخره هاء.]]
(200)
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم حدثنا شيخ الإسلام، أبو الفضل، إمام الحفاظ، المشار إليه، في يوم الثلاثاء ثاني شعبان شهر سنة تاريخه، قال وأنا أسمع:
قوله: (وروينا بالإسناد الصحيح في سنن أبي داود والترمذي عن أبي هريرة أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: يا رسول الله مرني بكلمات .. .. إلى آخره).
أخبرني أبو الحسن علي بن محمد الخطيب رحمه الله، عن أبي بكر الدشتي، أنا يوسف بن خليل الحافظ، أنا أبو المكارم اللبان، أنا أبو علي الحداد، أنا أبو نعيم الحافظ، أنا أبو محمد بن فارس، ثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود الطيالسي، واللفظ له (ح).
وبالسند الماضي قريباً إلى الطبراني في الدعاء ثنا أبو مسلم الكشي، ثنا حجاج بن نصير، قالا: ثنا شعبة (ح).
وقرأت على فاطمة بنت المنجا، عن أبي الفضل بن أبي طاهر، أنا أبو عبد الله الحافظ، قال: قرأت على محمد بن معمر، عن سعيد بن أبي الرجاء سماعاً، أنا عبد الواحد بن أحمد البقال، أنا عبيد الله بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن جميل، ثنا جدي، ثنا أحمد بن منيع، ثنا هشيم، كلاهما عن يعلى بن عطاء، عن عمرو بن عاصم، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: يا رسول الله مرني بشيء(2/362)
-وفي رواية هشيم: علمني- كلمات أقولهن إذا أصبحت وإذا أمسيت قال: ((قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة، رب كل شيءٍ ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر الشيطان وشركه -قال- قلها إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك)).
هذا حديث صحيح، أخرجه أحمد عن محمد بن جعفر.
والبخاري في الأدب المفرد عن سعيد بن ربيع كلاهما عن شعبة.
وأخرجه الترمذي عن محمود بن غيلان عن أبي داود الطيالسي.
وأخرجه أبو داود والبخاري في الأدب المفرد أيضاً جميعاً عن مسدد عن هشيم.
فوقع لنا بدلاً عالياً من هذه الطرق كلها.
وأخرجه النسائي في الكبرى من رواية عبد الرحمن بن مهدي عن هشيم.
قوله: (وروينا نحوه في سنن أبي داود عن أبي مالك الأشعري .. .. إلى آخره).
قرأت على أم يوسف الصالحية، عن محمد بن عبد الحميد، أنا إسماعيل بن عبد القوي، أتنا فاطمة بنت سعد الخير، أتنا فاطمة الجوزذانية،(2/363)
قالت: أنا أبو بكر بن ريذة، أنا الطبراني في الكبير، ثنا هاشم بن مرثد، ثنا محمد بن إسماعيل بن عياش، ثنا أبي، حدثني ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن أبي مالك الأشعري، قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول إذا أصبحنا وإذا أمسينا وإذا دخلنا فرشنا: ((اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شيءٍ ومليكه، أشهد والملائكة يشهدون أنك أنت الله لا إله إلا أنت، اللهم إنا نعوذ بك من شر أنفسنا ومن شر الشيطان الرجيم وشركه وأن نقترف على أنفسنا سوءاً أو نجره إلى مسلمٍ)).
هذا حديث غريب من هذا الوجه، أخرجه أبو داود عن محمد بن عوف عن محمد بن إسماعيل بن عياش.
فوقع لنا بدلاً عالياً. ورواته موثقون إلا محمد بن إسماعيل، فضعفه أبو داود.
وقال أبو حاتم الرازي: لم يسمع من أبيه شيئاً.
لكن أبو داود لما أخرجه استظهر بقول شيخه محمد بن عوف: قرأته في كتاب إسماعيل بن عياش.
قلت: ومع ضعف محمد فقد خالفه الحفاظ عن أبيه في سنده.
وبه إلى الطبراني في الدعاء، ثنا محمد بن عمرو بن خالد الحراني، ثنا أبي.
وبه إلى الطبراني: وحدثنا أبو عبد الملك أحمد بن إبراهيم الدمشقي، ثنا سليمان بن عبد الرحمن، قالا: ثنا إسماعيل بن عياش، ثنا محمد بن زياد الألهاني، عن أبي راشد الحبراني، قال: أتيت عبد الله بن عمرو فقلت: حدثنا حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فألقى إلي صحيفة فقال: هذا ما كتب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فنظرت فإذا فيها: إن أبا بكر الصديق رضي الله عنه(2/364)
قال: يا رسول الله علمني ما أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا بكر قل)) فذكر مثل رواية أبي مالك، لكن ليس فيه ((أشهد)) إلى قوله ((إلا أنت)) وقال فيه: ((أعوذ بك من شر نفسي)) والباقي سواء.
هذا حديث حسن، أخرجه أحمد عن خلف بن الوليد.
والبخاري في الأدب المفرد عن حطاب بن عثمان.
والترمذي عن الحسن بن عرفة.
والمعمري في اليوم والليلة عن داود بن رشيد وداود بن عمرو الضبي وأبي معمر القطيعي.
ستتهم عن إسماعيل بن عياش.
فوقع لنا بدلاً عالياً، ورجاله رجال الصحيح إلا إسماعيل بن عياش ففيه مقال: لكن روايته عن الشاميين قوية، وهذا منها، وإلا أبا راشد الحبراني -وهو بضم المهملة وسكون الموحدة واسمه أخضر وقيل: النعمان- وقد وثقه العجلي وقال: لم يكن بالشام أفضل منه.
وذكره أبو زرعة الدمشقي في الطبقة العليا التي تلي الصحابة.
وعجبت من عدول الشيخ عن هذه الطريق القوية إلى تلك الطريق الضعيفة، وبالله التوفيق.
[[وروينا في سنن أبي داود والترمذي، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من عبدٍ يقول في(2/365)
صباح كل يومٍ ومساء كل ليلةٍ، باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيءٌ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، ثلاث مراتٍ لم يضره شيءٌ)) قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، هذا لفظ الترمذي. وفي رواية أبي داود: ((لم تصبه فجأة بلاءٍ)).]]
(201)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا الشيخ، الإمام، شيخ الإسلام، حافظ الوقت، أبو الفضل، قاضي القضاة، الشهابي، أحمد، العسقلاني، إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء تاسع شعبان المكرم سنة إحد[ى] وأربعين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
قوله: (وروينا في سنن أبي داود والترمذي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه .. .. إلى آخره).
أخبرني الشيخ المسند أبو بكر بن العز الفرضي رحمه الله، أنا محمد بن علي بن أحمد بن عبد الواحد الصالحي، أنا الإمام أبو الفرج بن أبي عمر، أنا القاضي أبو القاسم الحرستاني، أنا أبو الحسن بن قبيس الغساني، أنا أبو الحسن بن أبي الفضل بن أبي بكر بن أبي الحديد، ثنا جدي، ثنا أبو بكر محمد بن جعفر الخرائطي، ثنا أبو سهل بنان بن سليمان الدقاق -بضم الموحدة ونونين-، ثنا سعد بن عبد الحميد، ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد (ح).
وقرأته عالياً على عبد الرحمن بن أحمد بن المبارك، عن أحمد بن(2/366)
منصور الجوهري سماعاً، أنا علي بن أحمد المقدسي، عن أحمد بن محمد التيمي، أنا الحسن بن أحمد، أنا أحمد بن عبد الله الحافظ، أنا عبد الله بن جعفر، ثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود الطيالسي، ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن أبان بن عثمان، قال: سمعت عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من عبدٍ يقول في صباح كل يومٍ أو مساء كل ليلةٍ باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم إلا لم يضره شيء)).
هذا حديث حسن صحيح، أخرجه أحمد عن سريج بن النعمان عن عبد الرحمن بن أبي الزناد.
فوقع لنا بدلاً عالياً بدرجة من الطريق الثانية.
وأخرجه البخاري في الأدب المفرد عن عبد الله بن محمد.
والترمذي والنسائي في الكبرى وابن ماجه ثلاثتهم. عن بندار محمد بن بشار عن أبي داود الطيالسي.
فوقع لنا بدلاً عالياً بدرجتين. ولفظ البخاري فيه ((ثلاثاً ثلاثاً)) واللفظ الذي سقته للطيالسي، ولفظ سعد في الرواية الأولى ((من قال حين يصبح في أول يومه أو حين يمسي في أول ليلته)) وقال فيه: ((لم يضره شيءٌ في ذلك اليوم أو في تلك الليلة)) وزاد الطيالسي في روايتنا: وكان أبان قد أصابه ريح الفالج، فدخل عليه رجل فرأى ما به، ففطن له أبان، فقال: إن الحديث كما حدثتك، ولكن لم أقل يومئذ ليمضي قدر الله.
وفي الرواية التي سقتها عن سعد قال: فأصاب أبان الفالج، فدخل(2/367)
عليه الناس يعودونه، فجعل رجل منهم ينظر إليه نظراً شديداً، فقال له أبان أتعجب من هذا الحديث كما حدثتك، والله ما كان يأتي علي يوم إلا وأنا أقول فيه إلا اليوم الذي أصابني فيه فإني أنسيته لموضع القضاء.
وأخبرني عبد الله بن عمر بن علي، أنا إبراهيم بن محمد بن عبد الصمد، أنا عبد الرحيم بن يحيى، أنا أبو علي الرصافي، أنا أبو القاسم الشيباني، أنا أبو علي التميمي، أنا أحمد بن جعفر، ثنا عبد الله بن أحمد، حدثني محمد بن إسحاق، ثنا أنس بن عياض (ح).
وقرأته عالياً على أم الحسن بنت المنجا، عن سليمان بن حمزة، أنا محمود بن إبراهيم بن سفيان، وعمر بن كرم في كتابيهما، قال الأول: أخبرنا مسعود بن الحسن، أنا أبو بكر السمسار، أنا إبراهيم بن عبد الله، أنا أحمد بن محمد بن سلم، ثنا الزبير بن بكار، وقال الثاني: أنا عبد الأول بن عيسى، أنا محمد بن عبد العزيز، أنا أبو محمد بن أبي شريح، ثنا أبو محمد بن صاعد، ثنا هارون بن موسى، قالا: ثنا أبو ضمرة أنس بن عياض، عن أبي مودود - هو عبد العزيز بن أبي سليمان المدني، عن محمد بن كعب القرظي، عن أبان بن عثمان، عن عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيءٌ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاثاً لم يفجأه بلاءٌ حتى الليل، ومن قالها حين يمسي لم يفجأه بلاءٌ حتى يصبح)).
أخرجه أبو داود عن نصر بن عاصم الأنطاكي.
والنسائي عن قتيبة.
والمعمري عن هشام بن عمار.(2/368)
والبزار عن أحمد بن أبان.
أربعتهم عن أبي ضمرة.
فوقع لنا بدلاً عالياً، ولا سيما من الطريق الثانية.
وأخرجه ابن حبان في صحيحه من رواية قتيبة.
قال البزار: لا نعلم هذا اللفظ روي عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا عن عثمان، قال: وقد رواه غير واحد عن أبي مودود عن رجل عن أبان، وأبو ضمرة وصله وسمى الرجل.
قلت: من الرواة له عن أبي مودود بالإبهام القعنبي، أخرجه أبو داود عنه.
لكن أخرجه النسائي عن عمرو بن منصور عن القعنبي فزاد في السند رجلاً آخر مبهماً.
وهكذا أخرجه علي بن المديني في العلل عن عبد الرحمن بن مهدي عن أبي مودود.
ووقع لنا في الحلية في ترجمة عبد الرحمن بن مهدي - وهي علة خفية راجت على البزار وابن حبان.
وله طرق أخرى عند النسائي وأبي يعلى مرفوعة وموقوفة.
وذكر الدارقطني في ((العلل)) الاختلاف فيه، قال: ورواه عبد الرحمن بن أبي الزناد بسند متصل، وهو أحسنها إسناداً.(2/369)
قلت: وهو الذي بدأت به، وبالله التوفيق.
[[وروينا في كتاب الترمذي، عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال حين يمسي: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً، كان حقاً على الله تعالى أن يرضيه)) في إسناده سعد بن المرزبان أبو سعد البقال بالباء، الكوفي مولى حذيفة بن اليمان، وهو ضعيف باتفاق الحفاظ، وقد قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، فلعله صح عنده من طريق آخر. وقد رواه أبو داود والنسائي بأسانيد جيدة عن رجل خدم النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم.]]
(202)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ثم في يوم الثلاثاء سادس عشر شعبان سنة إحد[ى] وأربعين وثمانمئة، حدثنا شيخ الإسلام -أمتع الله بوجوده الأنام- أبو الفضل، قاضي القضاة، الشهابي، أحمد، إمام الحفاظ، إملاء من حفظه كعادته، قال وأنا أسمع:
قوله: (وروينا في كتاب الترمذي عن ثوبان).
أخبرني المسند عماد الدين أبو بكر بن أبي عمر الصالحي بها رحمه الله، أنا أبو عبد الله بن الزراد سماعاً عليه، أنا أبو العباس بن عبد الدائم، أنا(2/370)
عبد الرحمن بن علي الخرقي، أنا أبو الحسن بن المسلم السلمي، أنا أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن عثمان الدمشقي، أنا جدي، ثنا محمد بن جعفر بن سهل، ثنا علي بن حرب، وعباس بن محمد، قال الأول: حدثنا أبو مسعود -هو عبد الرحمن بن الحسن- وقال الثاني: ثنا محمد بن عبيد الطنافسي (ح).
وبالسند الماضي قريباً إلى الطبراني في الدعاء، ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا محمد بن عبيد المحاربي، ثنا علي بن هاشم، قالوا: ثنا أبو سعد البقال، عن أبي سلمة -هو ابن عبد الرحمن بن عوف- عن ثوبان رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال حين يصبح وحين يمسي ثلاث مراتٍ رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ نبياً كان حقاً على الله أن يرضيه)).
هذا حديث حسن، أخرجه الترمذي عن أبي سعيد الأشج عن عقبة بن خالد عن أبي سعد البقال.
فوقع لنا عالياً. قال الترمذي: حديث حسن غريب من هذا الوجه.
ووقع في كلام الشيخ أنه قال: حسن صحيح غريب، ولم أر لفظة صحيح في كتاب الترمذي لا بخط الكروخي الذي اشتهرت روايته من طريقه ولا بخط الحافظ أبي علي الصدقي من طريق أبي علي السنجي ولا في غيرهما من النسخ، ولا في الأطراف، فكأن الشيخ رآه في نسخة ليست معتمدة.
وأما نقله الاتفاق على تضعيف أبي سعد البقال ففيه نظر، فقد نقل العقيلي، أنا وكيعاً وثقه، وقال أبو هشام الرفاعي: حدثنا أبو أسامة ثنا أبو سعد البقال وكان ثقة، وقال أبو زرعة الرازي: لين الحديث صدوق، لم(2/371)
يكذب، وقال أبو زكريا الساجي: صدوق، وأخرج له البخاري في الأدب المفرد.
نعم ضعفه الجمهور لأنه كان يدلس وتغير بأخرة.
وأما قول الشيخ: (وقد رواه أبو داود والنسائي بأسانيد جيدة عن رجل خدم النبي صلى الله عليه وسلم).
ففي قوله بأسانيد نظر، فما له عندهما ولا عند غيرها سوى إسناد واحد.
قريء على خديجة بنت الشيخ أبي إسحاق بن سلطان ونحن نسمع بدمشق، عن القاسم بن المظفر إجازة إن لم يكن سماعاً، وعن أبي نصر الفارسي كتابة، كلاهما عن محمود بن إبراهيم، أنا محمد بن أحمد بن عمر، أنا عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق، أنا أبي، أنا أحمد بن محمد بن إبراهيم وعلي بن الحسن بن علي، وعبد الله بن جعفر، قال الأول: ثنا جعفر بن محمد بن شاكر، ثنا عفان، وقال الثاني: ثنا العباس بن عبدان، ثنا عبد الله بن رجاء، وقال الثالث: ثنا محمد بن محمد بن صخر، ثنا عبد الله بن يزيد المقرئ (ح).
وبه إلى الطبراني ثنا أبو مسلم الكجي، ثنا سليمان بن حرب، قال الأربعة: ثنا شعبة، عن أبي عقيل، عن سابق بن ناجية، عن أبي سلام، قال: كنت بمسجد حمص فمر رجل، فقالوا: هذا خدم النبي صلى الله عليه وسلم، فقمت إليه فقلت: أنت خدمت النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، فقلت: حدثني بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتداوله بينك وبينه الرجال، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من قال إذا أصبح وإذا أمسى ثلاث مراتٍ)) فذكر مثله سواء.
أخرجه أحمد عن محمد بن جعفر.(2/372)
وأبو داود عن حفص بن عمر.
كلاهما عن شعبة.
فوقع لنا بدلاً عالياً بدرجة.
وأخرجه النسائي في الكبرى عن أبي الأشعث، عن خالد بن الحارث، عن شعبة.
فوقع لنا عالـ[ـياً] بثلاث درجات.
وأخرجه الحاكم من طريق شعبة.
وأخرجه النسائي أيضاً من رواية هشيم عن أبي عقيل -وهو بفتح أوله واسمه هاشم بن بلال- فوافق شعبة في سنده.
وخالفهما مسعر.
وبه إلى الطبراني، ثنا عبيد بن غنام، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا محمد بن بشر، ثنا مسعر، عن أبي عقيل، عن سابق، عن أبي سلام خادم النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث دون القصة.
أخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة على الموافقة.
ورواية شعبة ومن وافقه أرجح من رواية مسعر، لأن أبا سلام ما هو صحابي هذا الحديث، بل هو تابعي شامي معروف، واسمه ممطور، وأخرج له مسلم وغيره، وهو بتشديد اللام.
وخادم النبي صلى الله عليه وسلم المذكور هنا لم يقع التصريح بتسميته وجوز ابن(2/373)
عساكر أنه أبو سلمى راعي النبي صلى الله عليه وسلم واسمه حريث.
وقد جاءت الرواية من طريق أبي سلام عنه عند النسائي في حديث آخر، ولست أستبعد أن يكون هو ثوبان المذكور أولاً، وهو ممن خدم النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً، ولأبي سلام عنه عدة أحاديث عند مسلم وأبي داود وغيرهما، والله أعلم.
[[وروينا في سنن أبي داود بإسناد جيد لم يضعفه، عن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال حين يصبح أو يمسي: اللهم إني أصبحت أشهدك وأشهد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك أنك أنت الله لا إله إلا أنت، وأن محمداً عبدك ورسولك. أعتق الله ربعه من النار، فمن قالها مرتين أعتق الله نصفه من النار، ومن قالها ثلاثاً أعتق الله تعالى ثلاثة أرباعه، فإن قالها أربعاً أعتقه الله تعالى من النار)).]]
(203)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا شيخنا، المشار إليه أعلاه، إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء ثالث عشرين شعبان المكرم من شهور سنة إحد[ى] وأربعين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:(2/374)
قوله: (وروينا في سنن أبي داود بإسناد جيد لم يضعفه عن أنس .. .. إلى آخره).
قرأت على أبي بكر بن إبراهيم بن محمد المقدسي، ثم الصالحي بها، عن عائشة بنت محمد بن المسلم الحرانية سماعاً، قالت: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي الفهم، أنا يحيى بن أسعد، أنا عبد القادر بن محمد، أنا عبد العزيز بن علي، أنا الحسن بن جعفر السمسار، ثنا جعفر بن محمد الفريابي، ثنا سريج بن يونس (ح).
وقرأت على فاطمة بنت المنجا، عن سليمان بن حمزة، أنا أبو عبد الله الحافظ، أنا عبد السلام بن أبي الخطاب، أنا أبو منصور القزاز، أنا أبو جعفر بن المسلمة، أنا أبو طاهر المخلص، ثنا يحيى بن محمد، ثنا يحيى بن المغيرة (ح).
وبالسند المشار إليه آنفاً إلى الطبراني في الدعاء، ثنا إسماعيل بن الحسن الحفاف، ثنا أحمد بن صالح (ح).
وبه قال الطبراني: وحدثنا عمرو بن أبي الطاهر، ثنا عبد الرحمن بن أبي جعفر، قال الأربعة: ثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، حدثني عبد الرحمن بن عبد المجيد، عن هشام بن الغاز، عن مكحول، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال حين يصبح أو يمسي اللهم إني أصبحت أشهدك وأشهد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك أنك أنت الله وحدك لا شريك لك، وأن محمداً عبدك ورسولك أعتق الله ربعه من النار، ومن قالها مرتين أعتق الله نصفه من النار، ومن قالها ثلاثاً أعتق الله تعالى ثلاثة أرباعه من النار، ومن قالها أربعاً أعتقه الله من النار)).
هذا حديث حسن غريب، أخرجه أبو داود عن أحمد بن صالح.(2/375)
فوقع لنا موافقة عالية فيه وبدلاً عالياً في الباقين.
وأخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق عن إبراهيم بن الهيثم عن عبد القدوس بن يحيى عن ابن أبي فديك.
ووقع في نسخة الخطيب في سنن أبي داود عبد الرحمن بن عبد المجيد كما في روايتنا، وفي بعض النسخ بتقديم الحاء المهملة على الميم، وكذا هو في رواية الخرائطي والفريابي، وجزم به صاحب الأطراف، ورجحه المنذري، وأنه أبو رجاء المكفوف، فإن كان كذلك فهو مصري صدوق، لكن تغير بأخرة، وإن كان ابن عبد المجيد فهو شيخ مجهول.
وقد خولف في اسم شيخ شيخه.
أخرجه تمام في ((فوائده)) عن طريق أبي بكر عبد الله بن يزيد الدمشقي عن هشام بن الغاز فقال: عن أبان بن أبي عياش بدل مكحول.
وأبو بكر المذكور ضعيف، وأبان متروك.
ففي وصفه هذا الإسناد بأنه جيد نظر، ولعل أبا داود إنما سكت عنه لمجيئه من وجه آخر عن أنس، ومن أجله قلت: إنه حسن.
قرأت على أم الحسن التنوخية، عن إسماعيل بن يوسف بن مكتوم، أنا عبد الله بن عمر بن علي بن زيد، أنا أبو المعالي الجيان، عن علي بن أحمد البندار، أنا محمد بن عبد الرحمن الذهبي، ثنا عبد الله بن محمد البغوي ثنا لوين -هو محمد بن سليمان- ثنا بقية بن الوليد، ثنا مسلم بن زياد، قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، فذكر الحديث مثله، لكن قال: ((لا إله إلا أنت)) ولم يقل: ((وحدك لا شريك لك)) وقال: ((فإن قالها)) وقال: ((ثلاث مرار)) وفي آخره ((أعتقه الله ذلك اليوم من النار)).(2/376)
أخرجه البخاري في الأدب المفرد.
والنسائي في ((اليوم والليلة)) جميعاً عن إسحاق بن إبراهيم بن راهويه عن بقية.
فوقع لنا بدلاً عالياً بدرجتين.
وأخرجه ابن السني عن النسائي.
وبقية صدوق، أخرج له مسلم، وإنما عابوا عليه التدليس والتسوية، وقد صرح بتحديث شيخه له وبسماع شيخه فانتفت الريبة، وشيخه روى عنه أيضاً إسماعيل بن عياش وغيره، وقد توقف فيه ابن القطان فقال: لا تعرف حاله، ورد بأنه وصف بأنه كان على خيل عمر بن عبد العزيز، فدل على أنه أمير، وذكره ابن حبان في الثقات.
وجاء عن بقية فيه لفظ آخر.
وبه إلى الفريابي، ثنا عمرو بن عثمان، وعبد الرحيم بن حبيب، قالا: حدثنا بقية فذكره، لكن قال في آخره: ((غفر الله له ما أصاب ذلك اليوم أو تلك الليلة من ذنبٍ)) ولم يذكر التجزئة.
وهكذا أخرجه أيضاً أبو داود، لكن في رواية ابن داسة.
والنسائي في الكبرى جميعاً عن عمرو بن عثمان، زاد النسائي وعن كثير بن عبيد كلاهما عن بقية.
فوقع لنا موافقة وبدلاً بعلو.
وأخرجه الترمذي عن عبد الله بن عبد الرحمن عن حيوة بن شريح عن(2/377)
بقية وقال: غريب.
وكأنه لم يستحضر طريق مكحول.
وقد وجدت له أيضاً شاهداً عن أبي سعيد عند الطبراني في الدعاء وفيه: ((من قالها أربعاً كتب الله له براءةٌ من النار)).
وسنده ضعيف.
وفيه أيضاً عن سلمان في المعجم الكبير.
وبالله التوفيق.
[[وروينا في سنن أبي داود بإسناد لم يضعفه، عن عبد الله بن غنام بالغين المعجمة والنون المشددة البياضي الصحابي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال حين يصبح: اللهم ما أصبح بي من نعمةٍ فمنك وحدك لا شريك لك، لك الحمد ولك الشكر، فقد أدى شكر يومه؛ ومن قال مثل ذلك حين يمسي فقد أدى شكر ليلته)).
وروينا بالأسانيد الصحيحة في سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: ((اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو(2/378)
والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي)) قال وكيع: يعني الخسف. قال الحاكم أبو عبد الله: هذا حديث صحيح الإسناد.]]
(204)
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم في ثالث عشر شوال سنة تاريخه حدثنا شيخنا المشار إليه، إملاء من حفظه كعادته، قال وأنا أسمع:
قوله رضي الله عنه: (وروينا في سنن أبي داود بإسناد جيد لم يضعفه عن عبد الله بن غنام.. إلى آخره).
أخبرنا أبو العباس أحمد بن أبي بكر بن عبد الحميد الصالحي مكاتبة منها، وفاطمة بنت محمد بن أحمد بن المنجا فيما قرأت عليها، كلاهما عن سليمان بن حمزة، قال الأول: سماعاً عليه، أنا محمد بن عبد الواحد الحافظ، قال: قرأت على محمد بن أحمد بن نصر، عن فاطمة الأصبهانية سماعاً، قلت: أنا محمد بن عبد الله التاجر، أنا أبو القاسم الطبراني، ثنا علي بن عبد العزيز (ح).
وقرأت على خديجة بنت إبراهيم بن إسحاق بن سلطان البعلبكية بدمشق، عن القاسم بن المظفر بن عساكر إجازة إن لم يكن سماعاً، [و] عن أبي نصر بن الشيرازي إجازة مكاتبة كلاهما عن محمود بن إبراهيم بن سفيان، أنا أبو الخير الباغبان، أنا أبو عمرو بن أبي عبد الله بن منده أنا أبي، أنا أبو عبد الله محمد بن مطرف، ثنا محمد بن عمرو النيسابوري،(2/379)
قالا: حدثنا القعنبي.
وبه إلى أبي عبد الله محمد بن منده، أنا الحسن بن منصور الإمام بحمص، ثنا علي بن الحسن، ثنا يحيى بن صالح، قالا: ثنا سليمان بن بلال، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن عبد الله بن عنبسة، عن ابن غنام رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال حين يصبح اللهم ما أصبح بي من نعمةٍ أو بأحدٍ من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر فقد أدى شكر ذلك اليوم -يعني- وحين يمسي مثل ذلك)).
هذا حديث حسن، أخرجه النسائي في الكبرى عن عمرو بن منصور [عن] القعنبي.
فوقع لنا موافقة عالية في شيخ شيخه بعلو درجتين أو ثلاث.
وأخرجه جعفر الفريابي في الذكر عن عمرو بن شبة عن القعنبي.
وأخرجه أبو داود عن أحمد بن صالح عن يحيى بن حسان وإسماعيل ابن أبي أويس كلاهما عن سليمان بن بلال.
وسمى ابن غنام في روايته ونسبه كما ذكره الشيخ.
قال ابن منده: رواه أبو عامر العقدي عن سليمان كذلك، لكن لم يذكر عبد الله بن عنبسة، ورواه جماعة عن عبد الله بن وهب عن سليمان، لكن قال: عن عبد الله بن عباس.
قلت: كذلك أخرجه النسائي والمعمري وابن حبان في صحيحه من طرق عن عبد الله بن وهب.(2/380)
قال أبو نعيم في المعرفة: من قال فيه: ابن عباس فقد صحف.
وقال ابن عساكر في الأطراف: هو خطأ.
قلت: وافق الجماعة بشر بن عمر عند المعمري، ووافق ابن وهب سعيد بن أبي مريم عند الطبراني في الدعاء.
وأخرجه الطبراني أيضاً من رواية أحمد بن صالح عن ابن وهب فقال: عن ابن غنام كرواية الأكثر، والله أعلم.
قوله: (وروينا في سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه بالأسانيد الصحيحة عن ابن عمر .. .. إلى آخره).
أخبرني الشيخ أبو إسحاق التنوخي فيما قرأت عليه بالقاهرة، وأبو إسحاق بن الرسام فيما قرأت عليه بالمسجد الحرام، كلاهما عن أحمد بن أبي طالب سماعاً، أنا عبد الله بن عمر، أنا عبد الأول بن عيسى، أنا عبد الرحمن بن محمد، أنا عبد الله بن أحمد، أنا إبراهيم بن خزيم، ثنا عبد بن حميد (ح).
وقرأت على فاطمة بنت المنجا بالسند المذكور آنفاً إلى علي بن عبد العزيز، قالا: ثنا أبو نعيم-هو الفضل بن دكين-، ثنا عبادة بن مسلم، حدثني جبير بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم، أنه كان جالساً عند ابن عمر رضي الله عنهما فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه حين يصبح وحين يمسي لم يدعه حتى فارق الدنيا أو حتى مات: ((اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي))(2/381)
قال جبير: وهو الخسف، قال عبادة: فلا أدري هو من قول النبي صلى الله عليه وسلم أو من قول جبير. يعني هل فسره جبير من قبل نفسه أو رواه؟.
هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عبادة بهذا السند.
وقول الشيخ بالأسانيد الصحيحة يوهم أن له طرقاً عن ابن عمر، وليس كذلك.
أخرجه أحمد عن وكيع عن عبادة.
وأخرجه النسائي عن عمرو بن منصور عن الفضل بن دكين.
فوقع لنا بدلاً عالياً من الوجهين.
وأخرجه أبو داود عن يحيى بن موسى.
وابن ماجه عن علي بن محمد.
والمعمري عن خلف بن سالم.
وابن حبان من رواية فياض بن زهير.
كلهم عن وكيع.
وأخرجه الحاكم من طريق أحمد.
وأخرجه أبو داود أيضاً من رواية عبد الله بن نمير.
والنسائي من رواية مروان بن معاوية [عن علي بن عبد العزيز].(2/382)
كلهم عن عبادة.
ووجدت له شاهداً من حديث ابن عباس، أخرجه البخاري في الأدب المفرد.
وفي سنده راو ضعيف.
ووقع عند أبي داود وغيره قال وكيع: يعني: الخسف، فكأنه لم يحفظ تفسيره منقولاً فقاله من قبل نفسه، والله أعلم.
[[وروينا في سنن أبي داود والنسائي وغيرهما بالإسناد الصحيح عن علي رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه كان يقول عند مضجعه: ((اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم وبكلماتك التامة من شر ما أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت تكشف المغرم والمأثم اللهم لا يهزم جندك ولا يخلف وعدك، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، سبحانك وبحمدك)).
وروينا في سنن أبي داود وابن ماجه بأسانيد جيدة عن أبي عياش -بالشين المعجمة- رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال إذا أصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قديرٌ. كان له عدل رقبةٍ من ولد إسماعيل صلى الله عليه وسلم، وكتب له عشر حسناتٍ وحط عنه عشر سيئاتٍ، ورفع له عشر درجاتٍ، وكان في حرز من الشيطان حتى يمسي،(2/383)
وإن قالها إذا أمسى كان له مثل ذلك حتى يصبح)).]]
(205)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم في يوم الثلاثاء خامس عشرين ذي قعدة سنة إحد[ى] وأربعين وثمانمئة، حدثنا سيدنا، ومولانا، شيخ الإسلام، المشار إليه إملاء من حفظه كعادته وأنا أسمع:
قوله: (وروينا في سنن أبي داود والنسائي وغيرهما بالإسناد الصحيح عن علي رضي الله عنه .. .. إلى آخره).
قرأت على فاطمة بنت محمد التنوخية بدمشق، عن أبي الفضل بن أبي طاهر الحاكم، أنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو جعفر الصيدلاني، أنا محمود بن إسماعيل، أنا أبو بكر بن شاذان، أنا أبو بكر القباب، ثنا أبو بكر بن أبي عاصم (ح).
وبالسند الماضي مراراً إلى الطبراني في الدعاء، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قالا: ثنا الفضل بن سهل، ثنا أبو الجواب أحوص بن جواب، ثنا عمار بن رزيق، عن أبي إسحاق، عن الحارث، وأبي ميسرة، كلاهما عن علي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول عند مضجعه: ((اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم وكلماتك التامات كلها من شر ما أنت آخذٌ بناصيته، اللهم أنت تكشف المأثم والمغرم، اللهم لا يهزم جندك، ولا يخلف وعدك؛ ولا ينفع ذا الجد منك الجد، سبحانك وبحمدك)).(2/384)
هذا حديث حسن، أخرجه أبو داود عن عباس بن عبد العظيم العنبري.
والنسائي عن أحمد بن سعيد الرباطي.
كلاهما عن أحوص بن جواب-وهو بمهملتين، وأبوه بفتح الجيم وتشديد الواو ثم موحدة- ووالد شيخه بتقديم الراء على الزاي مصغر، وأبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله السبيعي، والحارث هو ابن عبد الله الأعور، وأبو ميسرة اسمه عمرو بن شراحبيل، وهو ثقة، والحارث ضعيف، وباقي رجاله أخرجه لهم مسلم، لكن اختلف في سنده على أبي إسحاق، ولم أره من طريقه إلا بالعنعنة، فهاتان علتان تحطه من رتبة الصحيح.
وبه إلى الطبراني ثنا محمد بن أبي زرعة الدمشقي، وإسحاق بن أبي حسان، والحسن بن علي المعمري، قالوا: حدثنا هشام بن عمار، ثنا حماد بن عبد الرحمن، ثنا أبو إسحاق، عن أبيه قال: كتب لي علي رضي الله عنه كتاباً فيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أخذت مضجعك فقل)) فذكر مثله.
قوله: (وروينا في سنن أبي داود وابن ماجه بأسانيد جيدة عن أبي عياش -بالشين المعجمة- .. .. إلى آخره).
وبه إلى الطبراني ثنا علي بن عبد العزيز، وأبو مسلم الكجي، قالا: ثنا حجاج بن منهال، ثنا حماد -هو ابن سلمة- عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي عياش رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال إذا أصبح لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قديرٌ، كان له عتق رقبةٍ من ولد إسماعيل، وكتب له عشر حسناتٍ،(2/385)
وحط عنه عشر سيئاتٍ، ورفع له عشر درجاتٍ، وكان في حرز الله من الشيطان حتى يمسي، وإن قالها إذا أمسى كان له مثل ذلك)).
فرأى رجل فيما يرى النائم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أبا عياش حدثنا عنك بكذا وكذا، فقال: ((صدق أبو عياش)).
هذا حديث صحيح، أخرجه أحمد عن الحسن بن موسى الأشيب.
وأبو داود عن موسى بن إسماعيل.
كلاهما عن حماد بن سلمة.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه النسائي في الكبرى عن إبراهيم بن يعقوب.
وابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة.
والفريابي في الذكر عن عثمان بن أبي شيبة.
ثلاثتهم عن الحسن بن موسى، ورجاله رجال مسلم، لكن خولف حماد في اسم الصحابي.
فرويناه في ((الذكر)) لجعفر الفريابي وفي ((مكارم الأخلاق)) للخرائطي من رواية إسماعيل بن جعفر ومن رواية سليمان بن بلال كلاهما عن سهيل عن أبيه عن ابن عائش بتقديم الألف على التحتانية، واتفاق إسماعيل وسليمان أرجح من انفراد حماد.
وقد رواه سعيد بن أبي هلال عن أبي صالح كما قالا.
أخرجه ابن خزيمة في صحيحه.(2/386)
والطبراني في الدعاء.
من طريق سعيد، ولكن لا يقدح ذلك في صحة السند حتى لو أبهم الصحابي.
وفي قول الشيخ: بأسانيد نظر، فإنه ليس له في أبي داود وابن ماجه إلا سند حماد إلى منتهاه، والله أعلم.
[[وروينا في سنن أبي داود، بإسناد لم يضعفه، عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أصبح أحدكم فليقل: أصبحنا وأصبح الملك لله رب العالمين، اللهم أسألك خير هذا اليوم فتحه ونصره ونوره وبركته وهداه، وأعوذ بك من شر ما فيه وشر ما بعده. ثم إذا أمسى فليقل مثل ذلك)).
وروينا في سنن أبي داود، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة أنه قال لأبيه: يا أبت! إني أسمعك تدعو كل غداة: ((اللهم عافني في بدني، اللهم عافني في سمعي، اللهم عافني في بصري، اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، لا إله إلا أنت)) تعيدها حين تصبح ثلاثاً، وثلاثاً حين تمسي، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهن، فأنا أحب أن أستن بسنته.]](2/387)
(206)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم أحسن العاقبة بمحمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم.
حدثنا شيخنا، شيخ الإسلام، المشار إليه إملاء من حفظه على عادته في يوم الثلاثاء ثاني ذي حجة الحرام ختام عام إحد[ى] وأربعين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
قوله: (وروينا في سنن أبي داود بإسناد لم يضعفه عن أبي مالك الأشعري .. .. إلى آخره).
قرأت على فاطمة بنت محمد المقدسية، عن محمد بن عبد الحميد، أنا إسماعيل بن أبي العز، قال: أتنا فاطمة بنت أبي الحسن، قالت: أتنا فاطمة بنت عبد الله، قالت: أنا أبو بكر بن عبد الله التاجر، قال: أنا أبو القاسم الطبراني في المعجم الكبير، ثنا هاشم -يعني ابن مرثد بفتح الميم والمثلثة بينهما راء ساكنة-، ثنا محمد بن إسماعيل -يعني ابن عياش-، حدثني أبي، حدثني ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن أبي مالك الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أصبح أحدكم فليقل أصبحنا وأصبح الملك لله رب العالمين، اللهم [إني] أسألك خير هذا اليوم فتحه ونصره ونوره وبركته وهداه، اللهم إني أعوذ بك من شر ما فيه وشر ما قبله وشر ما بعده، وإذا أمسى فليقل مثل ذلك)).
هذا حديث غريب، أخرجه أبو داود عن محمد بن عوف عن محمد بن إسماعيل بن عياش.
فوقع لنا بدلاً عالياً بدرجتين.(2/388)
ومحمد بن إسماعيل المذكور ضعيف، وقال أبو حاتم الرازي: لم يسمع من أبيه شيئاً.
وقول الشيخ إن أبا داود لم يضعفه كأنه يريد عقب تخريجه في السنن، وإلا فقد ضعفه خارجها.
قال أبو عبيد الآجري في أسئلته لأبي داود: سألته عنه؟ فقال: لم يكن كذلك.
قلت: وكأن أبا داود سكت عنه، لأنه ذكر عن شيخه محمد بن عوف أنه رأى الحديث المذكور في كتاب إسماعيل بن عياش، فكأنه تقوى عنده بهذه الوجادة، وقد تقدم في المجلس المئتين نظير هذا في حديث آخر بهذا الإسناد، وبالله التوفيق.
قوله: (وروينا في سنن أبي داود عن عبد الرحمن بن أبي بكرة .. .. إلى آخره).
قرأت على أبي الحسن علي بن محمد الدمشقي بن الصائغ بالقاهرة، عن أبي بكر الدشتي، أنا يوسف بن خليل الحافظ، أنا أبو جعفر محمد بن أحمد الأصبهاني، أنا الحسن بن أحمد، أنا أحمد بن عبد الله، ثنا عبد الله بن جعفر، ثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود الطيالسي، ثنا عبد الجليل بن عطية، ثنا جعفر بن ميمون، أخبرني عبد الرحمن بن أبي بكرة، قال: قلت: لأبي: يا أبه إني أسمعك تدعو عند كل غداة: ((اللهم عافني في بدني، اللهم عافني في سمعي، اللهم عافني في بصري، لا إله إلا أنت)) تقولها حين تمسي ثلاثاً وحين تصبح ثلاثاً وتقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، لا إله إلا أنت)) تعيدها ثلاث مرات، فقال يا بني: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهن، فأنا أحب أن أستن بسنته.(2/389)
هذا حديث حسن، أخرجه أبو داود والنسائي جميعاً عن العباس بن عبد العظيم العنبري، وأبي موسى محمد بن المثنى كلاهما عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو العقدي عن عبد الجليل بن عطية كما أخرجته فوقع لنا عالياً بدرجتين.
وأخرجه إسحاق في مسنده عن أبي عامر.
وأخرجه ابن حبان في صحيحه من رواية زيد بن أخزم -بمعجمتين- عن العقدي.
وتقدم في المجلس السادس والثمانين بعد المئة بعض هذا الحديث من رواية مسلم بن أبي بكرة عن أبيه.
وله شاهد من وجه آخر وقع لنا بعلو.
أخبرني أبو الفرج بن حماد قراءة، وأبو الخير بن أبي سعيد في كتابه، قال الأول: أنا يونس بن عبد القوي إجازة إن لم يكن سماعاً، ثم ظهر سماعه، قال: أنا الحسن بن المقير مشافهة، وقال الثاني: أنا أبو العباس بن أبي طالب، عن أبي الحسن القطيعي، قالا: أنا أبو القاسم نصر بن نصر، قال الأول: إجازة والثاني: سماعاً، قال: أنا أبو القاسم بن البسري، أنا أبو طاهر المخلص، ثنا يحيى -هو ابن صاعد-، ثنا علي بن الحسين الدرهمي، ثنا مرجا بن وداع، ثنا قطن -بفتح القاف والمهملة بعدها نون هو ابن كعب القطعي-، قال: سمع أبو بكرة ابناً له يدعو بدعوة فقال: أي بني أني لك هذه الدعوة؟ قال: سمعتك تدعو بها، قال: فادع بها فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بها، وإلا فصمتاً، سمعته يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر، وأعوذ بك من عذاب القبر)).(2/390)
ورجاله موثقون، ولكن قطن لم يدرك أبا بكرة ولا واحداً من ولديه، والله أعلم.
[[وروينا في سنن أبي داود عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قال حين يصبح {فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون. وله الحمد في السموات والأرض وعشياً وحين تظهرون. يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون} أدرك ما فاته في يومه ذلك، ومن قالهن حين يمسي أدرك ما فاته في ليلته)) لم يضعفه أبو داود، وقد ضعفه البخاري في تاريخه الكبير، وفي كتابه كتاب الضعفاء.]]
(207)
بسم الله الرحمن الرحيم
حدثنا شيخنا، سيدنا، ومولانا، قاضي القضاة، شيخ الإسلام، إمام الحفاظ -أمتعنا الله بطول حياته في خير وعافية- إملاء من حفظه بالبيبرسية كعادته، قال وأنا أسمع:
قوله رضي الله عنه: (وروينا في سنن أبي داود عن ابن عباس .. .. إلى آخره).
أخبرني أبو بكر بن أبي عمر المقدسي ثم الصالحي بها رحمه الله، أنا أحمد بن محمد بن المحب، ومحمد بن أحمد بن أبي الهيجاء، قالا: أنا أبو(2/391)
العباس بن نعمة، أنا عبد الرحمن بن علي الحرقي، أنا جمال الإسلام أبو الحسن بن المسلم، أنا أبو الحسن بن أبي الحديد، أنا جدي أبو بكر، ثنا محمد بن جعفر بن محمد بن سهل، ثنا علي بن داود القنطري (ح).
وقرأته عالياً على فاطمة بنت المنجا، عن سليمان بن حمزة بالسند الماضي مراراً إلى الطبراني في الدعاء، ثنا مطلب بن شعيب الأزدي، قالا: ثنا عبد الله بن صالح، حدثني الليث بن سعد، حدثني سعيد بن بشير النجاري، عن محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال حين يصبح {فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السموات والأرض وعشياً وحين تظهرون} الآية كلها أدرك ما فاته في يومه ذلك، ومن قالها حين يمسي أدرك ما فاته في ليلته)).
هذا حديث غريب، أخرجه أبو داود عن أحمد بن سعيد الهمداني عن عبد الله بن وهب عن الليث.
فوقع لنا عالياً بدرجة من الطريق الأولى وبدرجتين من الطريق الأخرى.
وقول الشيخ (لم يضعفه أبو داود) لعله سكت عليه لأنه من الفضائل.
وقوله: (وضعفه البخاري في تاريخه، وفي كتابه كتاب الضعفاء).
لفظ البخاري في الكتابين: سعيد بن بشير البخاري روى عن ابن البيلماني، روى عنه الليث، لم يصح حديثه.(2/392)
وهكذا نقله ابن عدي في ترجمة سعيد، فأورد الحديث من طريق ابن وهب وقال: لا أعلم روى عنه غير الليث، ولا أعلمه روى إلا هذا الحديث.
ثم نقل كلام البخاري فيه وقال: إنه عنى هذا الحديث.
قلت: والحديث ضعيف بغير سعيد، فإن شيخه ضعيف جداً.
قال ابن عدي: كل ما يرويه ابن البيلماني فالبلاء فيه منه.
وقال ابن حبان: روى عن أبيه نسخة قدر مئتي حديث كلها موضوعة.
والنجاري بنون مفتوحة وجيم ثقيلة.
والبيلماني بموحدة ولام مفتوحتين بينهما تحتانية ساكنة.
وقد وجدت للحديث شاهداً بسند معضل لا بأس برواته.
وبه إلى محمد بن جعفر بن محمد بن سهل، ثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي، ثنا آدم بن أبي إياس، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن زيد العمي، عن محمد بن واسع، قال: من قال حين يصبح ثلاث مرات {فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون} إلى آخرها لم يفته خير كان قبله من الليل، ولم يدركه يومه شر، ومن قالها حين يمسي مثله، وكان إبراهيم خليل الرحمن يقولها ثلاث مرات إذا أصبح وثلاث مرات إذا أمسى.
ورواته من آدم إلى منتهاه ثقات متفق على توثيقهم إلا العمي -وهو بفتح العين وتشديد الميم نسبة إلى بني العم بطن من تميم، وقيل: لأنه كان يقول إذا سئل عن شيء: حتى أسأل عمي، وهو مختلف فيه، ولم أره مصرحاً برفعه، لكن مثله لا يقال بالرأي.(2/393)
وفي السند لطيفة وهي: رواية زيد عن محمد بن واسع وهما قرينان:
وأخرى وهي: رواية أبي إسحاق-وهو السبيعي- عن زيد وهو أكبر منه سناً وقدراً ولقاءً.
ولبعض حديثه شاهد بسند ضعيف أيضاً ومصرح برفعه.
أخبرني أحمد بن أبي بكر بن العز في كتابه، أنا محمد بن علي بن ساعد إجازة مكاتبة، أنا يوسف بن خليل الحافظ، أنا محمد بن زيد، أنا محمود بن إسماعيل، أنا أحمد بن محمد، ثنا سليمان بن أحمد، ثنا المقدام بن داود، ثنا أسد بن موسى، ثنا ابن لهيعة، عن زبان بن فائدٍ، عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني، عن أبيه رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أخبركم لم سمى الله خليله الذي وفى؟ لأنه كان يقول كلما أصبح {فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون}.
أخرجه أحمد عن حسن بن موسى عن ابن لهيعة.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وزبان بفتح الزاي وتشديد الموحدة وآخره نون، وأبوه بالفاء وبعد الألف تحتانية مهموزة، وفيه مقال كالراوي عنه، والله أعلم.
[[وروينا في سنن أبي داود عن بعض بنات النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهن؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمها فيقول: ((قولي حين تصبحين: سبحان الله وبحمده، لا قوة إلا بالله، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، أعلم أن الله على كل شيءٍ قديرٌ، وأن الله قد(2/394)
أحاط بكل شيءٍ علماً، فإنه من قالهن حين يصبح حفظ حتى يمسي، ومن قالهن حين يمسي حفظ حتى يصبح)).
وروينا في سنن أبي داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال: ((يا أبا أمامة! ما لي أراك جالساً في المسجد في غير وقت صلاةٍ؟)) قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله! قال: ((أفلا أعلمك كلاماً إذا قلته أذهب الله همك وقضى عنك دينك؟)) قلت: بلى يا رسول الله! قال: ((قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال)). قال: ففعلت ذلك، فأذهب الله تعالى همي وغمي وقضى عني ديني.]]
(208)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم في يوم الثلاثاء الثلاثين من ذي الحجة سنة إحد[ى] وأربعين وثمانمئة، حدثنا شيخنا، شيخ الإسلام، حافظ الوقت، المشار إليه من حفظه كعادته، قال وأنا أسمع:
قوله: (وروينا في سنن أبي داود عن بعض بنات النبي صلى الله عليه وسلم .. .. إلى آخره).(2/395)
أخبرني أبو علي محمد بن أحمد الفاضلي، أنا يوسف بن عمر بن الحسين، أنا الحافظ أبو محمد المنذري، وأبو الفضل محمد بن محمد البكري، قالا: أنا عمر بن محمد بن حسان، أنا إبراهيم بن محمد الكرخي، أنا الحافظ أبو بكر بن علي بن ثابت [(ح)].
قال شيخنا: وأنا عالياً يونس بن إبراهيم بن عبد القوي إجازة إن لم يكن سماعاً، أنا أبو الحسن بن المقير إجازة مشافهة، عن الفضل بن سهل، عن الحافظ أبي بكر، أنا القاسم بن جعفر، أنا أبو علي محمد بن أحمد اللؤلؤي، أنا أبو داود سليمان بن الأشعث، ثنا أحمد بن صالح، ثنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني عمرو -هو ابن الحارث-، أن سالماً الفراء، حدثه أن عبد الحميد مولى بني هاشم، حدثه أن أمه حدثته وكانت تخدم بعض بنات النبي صلى الله عليه وسلم، أن ابنة النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنها حدثتها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمها، فيقول: ((قولي حين تصبحين وحين تمسين سبحان الله وبحمده، ولا قوة إلا بالله، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، أعلم أن الله على كل شيءٍ قديرٌ، وأن الله قد أحاط بكل شيءٍ علماً، فإنه من قالهن حين يصبح حفظ حتى يمسي، ومن قالهن حين يمسي حفظ حتى يصبح)).
هذا حديث غريب، أخرجه أبو داود في كتاب الأدب هكذا.
وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن أبي الطاهر بن السرح عن ابن وهب.
وأخرجه ابن السني عن النسائي.
وأخرجه أبو نعيم في اليوم والليلة من طريق حرملة عن ابن وهب.
ولا أعرف له إلا هذا الإسناد من عبد الله بن وهب فصاعداً، ولا روى(2/396)
عن سالم إلا عمرو ولا عن عبد الحميد إلا سالم، ولا لسالم وعبد الحميد إلا هذا الحديث.
وقد ذكرهما ابن حبان في الثقات.
لكن قال أبو حاتم الرازي: عبد الحميد مجهول.
وأما أمه فلم أعرف اسمها ولا حالها، لكن يغلب على الظن أنها صحابية، فإن بنات النبي صلى الله عليه وسلم متن في حياته إلا فاطمة، فعاشت بعده ستة أشهر، وقيل: أقل، وقد وصفها بأنها كانت تخدم التي روت عنها، لكنها لم تسمها، فإن كانت غير فاطمة قوي الاحتمال، وإلا احتمل أنها جاءت بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، والعلم عند الله تعالى.
قوله: (وروينا في سنن أبي داود عن أبي سعيد الخدري .. .. إلى آخره).
وبه إلى أبي داود، ثنا أحمد بن عبيد الله الغداني، ثنا غسان بن عوف، أنا الجزيري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ذات يوم فإذا هم برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة فقال: ((يا أبا أمامة مالي أراك جالساً في المسجد في غير وقت صلاةٍ؟)) قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: ((أفلا أعلمك حديثاً إذا أنت قلته أذهب الله عنك وقضى عنك دينك؟)) قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: ((قل إذا أصبحت وإذا أمسيت اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال)).
قال: فقلت ذلك فأذهب الله همي، وقضى عني ديني.
هذا حديث غريب، أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة وهو آخر حديث(2/397)
فيه، ويليه كتاب الزكاة فسكت عليه في السنن، وسئل عنه في أسئلة الآجري؟ فقال: غسان بن عوف شيخ بصري والحديث غريب انتهى.
وغسان المذكور ذكره الساجي والعقيلي والأزدي كلهم في الضعفاء.
قال العقيلي: لا يتابع على حديثه.
ولم يذكروا له إلا هذا الحديث.
أخرجه أبو بكر بن أبي عاصم في كتاب الدعاء عن عقبة بن مكرم عن الغداني عن غسان بن وهب.
فإن كان محفوظاً فلعل وهباً جده أو كنيته فتصحفت الأداة
والغداني بضم المعجمة وتخفيف الدال وبعد الألف نون من شيوخ البخاري، وهو من قدماء شيوخ أبي داود.
والجريري بالجيم مصغر واسمه سعيد بن إياس، وفي طبقته العباس الجريري، لكن ما لغسان عنه رواية.
وأبو نضرة بفتح النون وسكون المعجمة اسمه المنذري بن مالك بن قطعة.
وأبو سعيد اسمه سعد بن مالك بن سنان.
وأول سياق هذا الحديث ظاهر في أنه من مسند أبي سعيد، وعلى ذلك اقتصر من صنف في الأطراف وفي رجالهما، ويستدرك عليهم أن في أثنائه ما يقتضي التصريح بأنه من مسند أبي أمامة، وليس في الصحابة من الأنصار من يكنى أبا أمامة إلا أسعد بن زرارة، ومات في أول الإسلام وسبطه أسعد بن سهل بن حنيف، ومات النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير، وإياس بن ثعلبة الحارثي وحديثه في مسلم، فلعله هذا، لكن أفرد أبو عبد الله بن منده في الصحابة صاحب هذا الحديث بترجمة، وتبعه أبو نعيم، وأما الحاكم أبو أحمد في الكنى فلم يتعرض لهذا فيمن عرف باسمه ولا فيمن لم يعرف، والله أعلم بالصواب.(2/398)
[[وروينا في كتاب ابن السني، بإسناد صحيح، عن عبد الله بن أبزى رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قال: ((أصبحنا على فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص، ودين نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وملة إبراهيم صلى الله عليه وسلم حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين)).
قلت: كذا وقع في كتابه: ((ودين نبينا محمد)) وهو غير ممتنع، ولعله صلى الله عليه وسلم قال ذلك جهراً ليسمعه غيره فيتعلمه، والله أعلم.
وروينا في كتاب ابن السني، عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قال: ((أصبحا وأصبح الملك لله عز وجل، والحمد لله، والكبرياء والعظمة لله، والخلق والأمر والليل والنهار وما سكن فيهما لله تعالى، اللهم! اجعل أول هذا النهار صلاحاً، وأوسطه نجاحاً وآخره فلاحاً، يا أرحم الراحمين!)).]]
(209)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم في يوم الثلاثاء سابع شهر محرم الحرام من شهور سنة اثنتين وأربعين وثمانمئة -أحسن الله عاقبتها- حدثنا شيخنا شيخ الإسلام، أبو الفضل العسقلاني، قاضي القضاة، إمام الحفاظ، إملاء من حفظه كعادته، قال وأنا أسمع:
ولحديث أبي سعيد المذكور شاهد من حديث أنس بدون القصة.(2/399)
أخبرني أبو عبد الله محمد بن علي بن إبراهيم البزاعي، عن زينب بنت إسماعيل بن إبراهيم بن الخباز سماعاً عليها، قالت: أنا أحمد بن عبد الدائم، أنا يحيى بن محمود الثقفي، أنا عبد الواحد بن محمد، أنا أبو الحسن بن المعتر، أنا أبو طاهر محمد بن الفضل بن أبي بكر بن إسحاق بن خزيمة، ثنا جدي، ثنا علي بن حجر، ثنا إسماعيل بن جعفر، عن عمرو بن أبي عمرو، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والهم والحزن والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال)).
هذا حديث صحيح، أخرجه البخاري عن قتيبة.
وأخرجه أحمد عن سليمان بن داود الهاشمي.
كلاهما عن إسماعيل بن جعفر.
وأخرجه أبو عوانة عن أبيه عن علي بن حجر.
فوقع لنا بدلاً عالياً لأحمد وأبي عوانة.
وأخرجه النسائي عن علي بن حجر.
فوقع لنا موافقة عالية.
وبعضه في الصحيحين من وجه آخر عن أنس، وفيه زيادة ليست في هذا.
وعند مسلم من حديث زيد بن أرقم مثله، لكن الزيادة غير الزيادة المذكورة.(2/400)
وقد ذكرهما المصنف في كتاب الدعوات.
قوله: (وروينا في كتاب ابن السني بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن أبزى .. .. إلى آخره).
قرأت على خديجة بنت إبراهيم البعلية بدمشق، عن القاسم بن المظفر إجازة إن لم يكن سماعاً، أنا عبد العزيز بن خلف في كتابه، قال: أنا علي بن المبارك، أنا أبو نعيم محمد بن إبراهيم، أنا أحمد بن المظفر بن يزداد، أبو محمد بن السقاء (ح).
وقرأت على فاطمة بنت المنجا بالسند الماضي مراراً إلى الطبراني في الدعاء، قالا: حدثنا أبو خليفة، ثنا مسدد، ثنا يحيى -هو ابن سعيد القطان- ثنا سفيان -هو الثوري- عن سلمة بن كهيل، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قال: ((أصبحنا على فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص ودين نبينا محمدٍ وملة أبينا إبراهيم حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين)).
هذا حديث حسن، أخرجه ابن السني عن أبي خليفة.
فوقع لنا موافقة عالية.
ووقع لي من وجه آخر عن سفيان أعلى من هذا بدرجة.
قرئ على الشيخ أبي إسحاق التنوخي ونحن نسمع بالقاهرة وقرأت على أبي إسحاق بن الرسام بمكة كلاهما عن أحمد بن أبي طالب سماعاً متفرقين أنا عبد الله بن عمر أنا عبد الأول بن عيسى أنا عبد الرحمن بن محمد أنا عبد الله بن أحمد أنا عيسى بن عمر أنا عبد الله بن عبد الرحمن ثنا محمد بن يوسف -يعني الفريابي- ثنا سفيان، فذكره.(2/401)
أخرجه النسائي من طريق سفيان.
فوقع لنا عالياً بثلاث درجات. ورجاله محتج بهم في الصحيح إلا عبد الله بن عبد الرحمن، وهو حسن الحديث كما قاله الإمام أحمد.
وخالف شعبة سفيان في سنده، فرواه عن سلمة بن كهيل عن ذر بن عبد الله عن ابن عبد الرحمن بن أبزى، فزاد في السند رجلاً وأبهم التابعي.
ورواه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن سلمة فوافق سفيان في إسقاط ذر لكن قال: عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى.
أخرج طرقه كلها النسائي.
ومع هذا الاختلاف لا يتأتى الحكم بصحته والله المستعان.
قوله: (وروينا في كتاب ابن السني عن عبد الله بن أبي أوفى .. .. إلى آخره).
وبالسند المشار إليه إلى الطبراني قال: حدثنا عبد الله بن حمد بن سعيد بن أبي مريم، ثنا محمد بن يوسف الفريابي (ح).
وقرأت على الشيخ أبي إسحاق التنوخي، أن أبا العباس بن الشحنة، أخبرهم أنا أبو المنجا بن اللتي، أنا أبو الوقت، أنا أبو الحسن بن المظفر، أنا أبو محمد السرخسي، أنا أبو إسحاق الشاشي، ثنا عبد بن حميد الكشي، ثنا عبد الله بن بكر السهمي، قالا: ثنا فائدة أبو الورقاء، عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قال:(2/402)
((أصبحنا وأصبح الملك والكبرياء والعظمة والخلق والليل والنهار وما سكن فيهما لله وحده لا شريك له، اللهم اجعل هذا النهار أوله صلاحاً وأوسطه فلاحاً وآخره نجاحاً، وأسألك خير الدنيا والآخرة)) زاد الفريابي ((يا أرحم الراحمين)).
هذا حديث غريب، وسنده ضعيف.
أخرجه ابن السني من رواية أبي قتادة الحراني عن أبي الورقاء.
فوقع لنا عالياً على طريقه بدرجة أو درجتين.
وفائد بالفاء هو ابن عبد الرحمن العطار معروف بكنيته متفق على تضعيفه.
قال أحمد: متروك.
وقال البخاري: منكر الحديث.
وقال أبو حاتم الرازي: أحاديثه بواطيل.
وأورد ابن عدي في الكامل هذا الحديث في جملة ما أنكر عليه، وقال في آخر ترجمته: هو مع ضعفه يكتب حديثه، والله أعلم.
[[وروينا في كتابي الترمذي وابن السني، بإسناد فيه ضعف، عن معقل بن يسار رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال حين يصبح ثلاث مراتٍ: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، وقرأ ثلاث آياتٍ من سورة الحشر، وكل الله تعالى به(2/403)
سبعين ألف ملكٍ يصلون عليه حتى يمسي، وإن مات في ذلك اليوم مات شهيداً، ومن قالها حين يمسي كان بتلك المنزلة)).
وروينا في كتاب ابن السني، عن محمد بن إبراهيم، عن أبيه رضي الله عنه قال: وجهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية، فأمرنا أن نقرأ إذا أمسينا وأصبحنا: {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً} فقرأنا، فغنمنا وسلمنا.
وروينا فيه عن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهذه الدعوة إذا أصبح وإذا أمسى: ((اللهم أسألك من فجأة الخير، وأعوذ بك من فجأة الشر)).]]
(210)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا شيخنا، شيخ الإسلام، قاضي القضاة، ملك العلماء، حافظ الوقت، أبو الفضل، أحمد العسقلاني -فسح الله في مدته- إملاء من حفظه في يوم الثلاثاء خامس عشر المحرم سنة اثنتين وأربعين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
قوله: (وروينا في كتاب الترمذي وابن السني بإسناد فيه ضعف عن معقل بن يسار .. .. إلى آخره).
قرأت على أبي المعالي الأزهري، عن أحمد بن محمد بن عمر سماعاً عليه، أنا عبد اللطيف بن عبد المنعم، أنا عبد الله بن أحمد، أنا هبة الله بن(2/404)
محمد، أنا الحسن بن علي، أنا أحمد بن جعفر، أنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي (ح).
وبالسند الماضي آنفاً إلى الطبراني في الدعاء ثنا محمد بن السري بن مهران الناقد، ثنا عمرو بن محمد الناقد.
وبه إلى الطبراني وحدثنا الحسين بن إسحاق التستري، ثنا عثمان بن أبي شيبة، قالوا: حدثنا أبو أحمد الزبيري (ح).
وبالسند الماضي قريباً إلى الدارمي ثنا محمد بن الفرج البغدادي، ثنا محمد بن عبد الله بن الزبير -هو أبو أحمد الزبيري- ثنا أبو العلاء خالد بن طهمان الخفاف، حدثني نافع بن أبي نافع البزاز، عن معقل بن يسار رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال حين ثلاث مراتٍ أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، ثم قرأ ثلاث آياتٍ من آخر سورة الحشر وكل الله به سبعين ألف ملكٍ يصلون عليه حتى يمسي، وإن مات في ذلك اليوم مات شهيداً، وإن قال حين يمسي كان بتلك المنزلة)).
وفي رواية الطبراني ((وكل الله به ملائكةً)).
هذا حديث غريب، أخرجه الترمذي عن محمود بن غيلان عن أبي أحمد الزبيري.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه ابن السني عن محمد بن الحسين بن مكرم عن محمود.
قال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
قلت: رجاله ثقات إلا الخفاف فضعفه ابن معين.(2/405)
وقال ابن حبان في الثقات: يخطيء ويهم.
قلت: ووجدت لحديثه شاهداً من حديث أبي أمامة وآخر من حديث أنس.
أخرجهما ابن مردويه في التفسير.
وسندهما ضعيف، فيه راويان أضعف من الخفاف.
وعجبت من تنبيه الشيخ على ضعف هذا وإعراضه عن تضعيف حديث ابن أبي أوفى، ورواية أبي الورقاء أشد ضعفاً من الخفاف.
قوله: (وروينا في كتاب ابن السني عن محمد بن إبراهيم .. .. إلى آخره).
قرأت على خديجة بنت إبراهيم، عن القاسم بن مظفر إجازة إن لم يكن سماعاً، وعن أبي نصر الفارسي في كتابه، كلاهما عن أبي الوفاء بن منده، قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن عمر، أنا عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق، أنا أبي، أنا هارون بن أحمد الجرجاني، أنا زكريا بن يحيى البصري -هو الساجي-، ثنا يزيد بن يوسف بن عمرو، ثنا خالد بن نزار، عن ابن عيينة، عن محمد بن المنكدر، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبيه رضي الله عنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية، فذكر الحديث وبقيته: فأمرنا أن نقول إذا أصبحنا وإذا أمسينا {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا} قال: فقرأنا فغنمنا وسلمنا.
هذا حديث غريب، أخرجه ابن السني عن زكريا الساجي على الموافقة.(2/406)
وأخرجه أبو نعيم في المعرفة عن أبي أحمد الغطريفي عن زكريا.
ورجاله موثقون، لكن إبراهيم-هو ابن الحارث بن خالد- كان أبوه من مهاجرة الحبشة، وولد هو له بها، ومات النبي صلى الله عليه وسلم وإبراهيم صغير، فيشكل قوله: بعثنا، وقد أجاب عنه أبو نعيم بأن المراد بقوله عن أبيه جده، وإطلاق الأب على الجد شائع، وعلى هذا فيكون منقطعاً، لأن محمد بن إبراهيم لم يدرك جده.
قوله: (وروينا فيه -يعني في كتاب ابن السني- عن أنس .. .. إلى آخره).
قرأت على فاطمة بنت المنجا، عن سليمان بن حمزة، أنا محمد بن عبد الواحد الحافظ، أنا أبو روح الهروي، أنا محمد بن إسماعيل الفضيلي، أنا عبد الواحد بن محمد المليحي-بالحاء المهملة-، قال: أنا محمد بن عمر بن حفصويه، ثنا حاتم بن محبوب، ثنا سلمة بن شبيب، ثنا زيدبن الحباب، ثنا عثمان بن عبد الله بن موهب، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها: ((ما يمنعك أن تسمعي ما أقول لك؟ أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث، فأصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عينٍ)).
هذا حديث حسن غريب، أخرجه النسائي عن عبد الرحمن بن محمد بن سلام عن زيد بن الحباب.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه ابن السني عن أبي عروبة عن سلمة بن شبيب.
وأخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب ((الذكر)) والمعمري في ((اليوم والليلة))(2/407)
والخرائطي في ((مكارم الأخلاق)) والحاكم في ((المستدرك)) من طرق عن زيد بن الحباب.
وعجبت من اقتصار الشيخ على ابن السني مع كون الحديث في النسائي والحاكم، وبالله التوفيق.
[[وروينا فيه عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها: ((ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به؟ تقولين إذا أصبحت وإذا أمسيت: يا حي يا قيوم بك أستغيث فأصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عينٍ)).
وروينا فيه، بإسناد، ضعيف، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلاً شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تصيبه الآفات، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قل إذا أصبحت: باسم الله على نفسي وأهلي ومالي، فإنه لا يذهب لك شيءٌ)) فقالهن الرجل، فذهبت عنه الآفات.
وروينا في سنن ابن ماجه وكتاب ابن السني، عن أم سلمة رضي الله عنها؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أصبح قال: ((اللهم إني أسألك علماً نافعاً، وزرقاً طيباً، وعملاً متقبلاً)).
وروينا في كتاب ابن السني، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال إذا أصبح: اللهم إني(2/408)
أصبحت منك في نعمةٍ وعافيةٍ وسترٍ، فأتم نعمتك علي وعافيتك وسترك في الدنيا والآخرة. ثلاث مراتٍ إذا أصبح وإذا أمسى، كان حقاً على الله تعالى أن يتم عليه)).]]
(211)
بسم الله الرحمن الرحيم
ثم في يوم الثلاثاء تاسع عشرين شهر الله المحرم افتتاح عام اثنتين وأربعين وثمانمئة، حدثنا شيخ الإسلام، قاضي القضاة، أبو الفضل، إمام الحفاظ، أحمد العسقلاني، -أمتع الله بوجوده- إملاء من حفظه كعادته، قال وأنا أسمع:
وقد أخرج الترمذي من حديث أنس أيضاً قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كربه أمر يقول: ((يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث)).
وفي سنده يزيد بن أبان الرقاشي، وهو ضعيف.
قوله: (وروينا فيه عن أنس .. .. إلى آخره).
أخبرنا عبد الله، وعبد الرحمن ابنا عمر بن عبد الحافظ إجازة مكاتبة من الأول ومشافهة من الثاني، قالا: أنا أبو بكر بن محمد بن الرضي، وأحمد بن محمد بن معالي، قالا: أنا أبو عبد الله بن أبي الفتح الخطيب، قال: قرئ على فاطمة بنت أبي الحسن ونحن نسمع، أن زاهر بن طاهر، أخبرهم، قال: أنا محمد بن عبد الرحمن، أنا عمرو بن حمدان، ثنا أبو يعلى، ثنا أبو الربيع -يعني الزهراني-، ثنا يوسف بن عطية، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهذه الدعوات إذا أصبح وإذا أمسى: ((اللهم إني أسألك من فجأة الخير، وأعوذ بك من فجأة الشر،(2/409)
فإن العبد لا يدري ما يفجؤه إذا أصبح وإذا أمسى)).
هذا حديث غريب، أخرجه ابن السني عن أبي يعلى.
فوقع لنا موافقة عالية.
ويوسف بن عطية ضعيف جداً.
تنبيه: وقع هذا الحديث في أكثر النسخ سابقاً على الذي قبله، وفي بعضها كما أمليته.
قوله: (وروينا فيه بإسناد ضعيف عن ابن عباس أن رجلاً شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تصيبه الآفات، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قل إذا أصبحت بسم الله على نفسي وأهلي ومالي، فإنه لا يذهب لك شيءٌ)) فقالهن الرجل فذهبت عنه الآفات).
أخرجه ابن السني عن ابن زيدان -وهو عبد الله أحد الحفاظ-، عن أبي كريب -وهو محمد بن العلاء من شيوخ الشيخين- عن زيد بن الحباب -وهو من رجال مسلم- عن سفيان -وهو الثوري- عن رجل عن مجاهد عن ابن عباس.
فليس في السند من ينظر في حاله غير الرجل المبهم، وأظنه ليث بن أبي سليم، فإنه معروف بالرواية عن مجاهد، والثوري مكثر عنه.
فالعجب على تنبيه الشيخ على ضعف هذا السند وسكوته عن الذي قبله.
وأعجب منه سكوته عن الذي يأتي بعده بحديث، وهو أشد ضعفاً منهما.
قوله: (وروينا في سنن ابن ماجه وكتاب ابن السني عن أم سلمة .. .. إلى آخره).(2/410)
أخبرني أبو محمد عبد الله بن محمد بن أحمد بن عبيد الله المقدسي فيما قرأت عليه بالصالحية، عن أبي عبد الله بن الزراد، قال: أنا أبو عبد الله بن أبي الفتح بالسند المذكور آنفاً إلى أبي يعلى ثنا مجاهد بن موسى، ثنا بهز بن أسد، ثنا شعبة، عن موسى بن أبي عائشة، عن مولى أم سلمة، عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أصبح قال: ((اللهم إني أسألك علماً نافعاً ورزقاً طيباً وعملاً متقبلاً)).
هذا حديث حسن، أخرجه ابن السني عن أبي يعلى.
فوقع لنا موافقة عالية.
وقد تقدم في باب ما يقول بعد صلاة الصبح، وأوردته من عدة طرق عن موسى بن أبي عائشة بلفظ: إذا صلى الصبح، وتقدمت بقية الكلام عليه هناك.
وقوله: (وروينا في كتاب ابن السني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال إذا أصبح اللهم أصبحت منك في نعمةٍ وعافيةٍ وسترٍ، فأتم نعمتك علي وعافيتك وسترك في الدنيا والآخرة ثلاث مراتٍ إذا أصبح وإذا أمسى كان حقاً على الله أن يتم عليه نعمته)) ).
قلت: أخرجه ابن السني من رواية عمرو بن الحصين، عن إبراهيم بن عبد الملك، عن قتادة، عن سعيد بن أبي الحسن، عن ابن عباس.
وعمرو بن الحصين متروك باتفاقهم، واتهمه بعضهم بالكذب، والله المستعان.(2/411)
[[وروينا في كتابي الترمذي وابن السني، عن الزبير بن العوام رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من صباحٍ يصبح العباد إلا منادٍ ينادي: سبحان الملك القدوس)) وفي رواية ابن السني ((إلا صرخ صارخٌ: أيها الخلائق! سبحوا الملك القدوس)).
وروينا في كتاب ابن السني، عن بريدة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال إذا أصبح وإذا أمسى: ربي الله توكلت عليه لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم، لا إله إلا الله العلي العظيم، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، أعلم أن الله على كل شيءٍ قديرٌ، وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً، ثم مات دخل الجنة)).]]
(212)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
ثم حدثنا شيخنا المشار إليه، إملاء من حفظه في يوم الثلاثاء سادس صفر من شهور سنة اثنتين وأربعين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
ووجدت لحديث ابن عباس شاهداً.
أخبرني أبو اليمن محمد بن محمد بن محمد بن أسعد بن عبد الكريم، قال: حدثنا المحدث أبو الحسن علي بن محمد الهمذاني من لفظه، قال: أنا أبو عبد الله بن أبي الذكر، أنا أبو صادق الحسن بن يحيى بن الصباح (ح).(2/412)
وقرأته عالياً على أم يوسف الصالحية بها، عن يحيى بن محمد بن سعد، عن أبي صادق، أنا عبد الله بن رفاعة، أنا أبو الحسن الخلعي، أنا عبد الرحمن بن عمر، ثنا محمد بن أحمد بن أبي الأصبغ، ثنا مقدام بن داود، ثنا حبيب بن أبي حبيب، ثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح، فسمعته دعا بهذا الدعاء: ((اللهم إني أصبحت منك في نعمةٍ وعافيةٍ فأتم علي نعمتك وعافيتك، وارزقني شكرك، اللهم بنورك اهتديت، وبفضلك استغنيت، وبنعمتك أصبحت وأمسيت)).
هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه بهذا اللفظ، ورواته موثقون إلا حبيب بن أبي حبيب، فإنه متروك، ورماه بعضهم بالكذب، وهو المعروف بكاتب مالك، ورجال الإسناد الأول مني إليه بصريون، ومنه إلى منتهاه مدنيون.
قوله: (وروينا في كتاب الترمذي وابن السني عن الزبير .. .. إلى آخره).
أخبرني الشيخ أبو إسحاق التنوخي، أنا أبو العباس بن الشحنة، أنا عبد الله بن عمر البغدادي، أنا عبد الأول بن عيسى، أنا أبو الحسن الداودي، أنا أبو محمد السرخسي، أنا إبراهيم بن خزيم، ثنا عبد بن حميد، ثنا ابن أبي شيبة -يعني أبا بكر- ثنا ابن نمير -هو عبد الله- وزيد بن الحباب، قالا: حدثنا موسى بن عبيدة، عن محمد بن ثابت، عن أبي حكيم مولى الزبير، عن الزبير رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من صباحٍ يصبح فيه العباد إلا مناد ينادي سبحوا الملك القدوس)).
هذا حديث غريب، أخرجه الترمذي عن سفيان بن وكيع عن(2/413)
عبد الله بن نمير وزيد بن الحباب كما أخرجته.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وموسى بن عبيدة ضعيف.
وأبو حكيم بفتح أوله لا يعرف اسمه ولا حاله.
ووقع لي باللفظ الثاني الذي أشار إليه الشيخ من وجه آخر عن موسى بن عبيدة.
قرأت على فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي، عن أبي عبد الله بن الزراد بالسند الماضي قريباً إلى أبي يعلى قال: حدثنا أبو خيثمة -هو زهير بن حرب- ثنا أبو النضر -هو هاشم بن القاسم- ثنا حزام العامري، عن موسى بن عبيدة، عن أبي حكيم، عن الزبير بن العوام رضي الله عنه فذكره بلفظ ((إلا صارخٌ يصرخ يا أيها الخلائق)) والباقي مثله سواء.
هكذا رواه حزام بإسقاط محمد بن ثابت من السند. ورواية من زاده أثبت.
وأخرجه ابن السني من وجه آخر عن زيد بن الحباب بالسند الأول واللفظ الثاني.
قوله: (وروينا في كتاب ابن السني عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال إذا أصبح وإذا أمسى ربي الله توكلت عليه لا إله إلا هو عليه توكلت، وهو رب العرش العظيم، لا إله إلا الله العلي العظيم، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، أعلم أن الله على كل شيءٍ قديرٌ وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً، ثم مات دخل الجنة)) ).
قلت: أخرجه ابن السني بهذا اللفظ من رواية علي بن قادم عن جعفر(2/414)
الأحمر عن الوليد بن ثعلبة عن عبد الله بن بريدة عن أبيه.
ورواته موثقون إلا علي بن قادم والأحمر، فإنهما ضعفا من قبل التشيع.
ووقع لي من وجه آخر بعلو إلى جعفر، لكن بمخالفة في السياق.
قرأت على فاطمة بنت المنجا بالسند الماضي مراراً إلى الطبراني في الدعاء ثنا حفص بن عمر، ثنا مالك بن إسماعيل، ثنا جعفر الأحمر، عن المنذر بن ثعلبة، عن عبد الله بن بريدة.
والمنذر بن ثعلبة والوليد بن ثعلبة أخوان ثقتان.
وقد أخرجه الإمام أحمد وأبو يعلى من رواية زهير بن معاوية.
وأخرجه ابن حبان والحاكم من رواية عيسى بن يونس.
كلاهما عن الوليد بن ثعلبة باللفظ الثاني، والله أعلم.
[[وروينا في كتاب ابن السني، عن أنس رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم؟)) قالوا: ومن أبو ضمضم يا رسول الله؟! قال: ((كان إذا أصبح قال: اللهم إني قد وهبت نفسي وعرضي لك، فلا يشتم من شتمه، ولا يظلم من ظلمه، ولا يضرب من ضربه)).]](2/415)
(213)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم في يوم الثلاثاء ثالث عشر صفر من شهور سنة اثنتين وأربعين وثمانمئة، حدثنا شيخنا، وسيدنا، ومولانا، قاضي القضاة، شيخ الإسلام -أمتع الله بوجوده- إملاء من حفظه وقراءة من المستملي عليه، قال وأنا أسمع:
قوله: (وروينا في كتاب ابن السني عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم؟)) قالوا: ومن أبو ضمضم يا رسول الله؟ قال: ((كان إذا أصبح قال: اللهم إني قد وهبت نفسي وعرضي لك، فلا يشتم من شتمه، ولا يظلم من ظلمه ولا يضرب من ضربه)) ).
قلت: أخرجه ابن السني وأبو الشيخ في كتاب الثواب من رواية المهلب بن العلاء.
وعبدان الأهوازي في فوائده عن إبراهيم بن المستمر.
كلاهما عن شعيب بن بيان عن أبي العوام عمران القطان عن قتادة متصلاً مرفوعاً.
وشعيب فيه لين، وقد خالفه حماد بن زيد، وهو من الأثبات، فرواه عن أبي العوام عن قتادة، وعن هشام عن الحسن قالا: قال أبو ضمضم: اللهم إني قد تصدقت بعرضي على عبادك.
أخرجه الحاكم أبو أحمد في الكنى من طريق الصلت بن مسعود عن(2/416)
حماد هكذا مقطوعاً، ليس فيه ذكر أنس ولا رفعه.
ووقع لي من وجه آخر عن أنس.
أخبرني أبو بكر بن إبراهيم بن أبي عمر، أنا محمد بن الفخر علي بن أحمد المقدسي، أنا أبي، أنا القاضي أبو القاسم عبد الصمد بن محمد الحرستاني، أنا الإمام أبو الحسن علي بن المسلم السلمي، قال: أنا أبو الحسن أحمد بن عبد الواحد بن أبي بكر، أنا جدي أبو بكر محمد بن أحمد بن عثمان الدمشقي، ثنا أبو بكر محمد بن جعفر البغدادي بدمشق، ثنا عباس بن محمد -هو الدوري- ثنا أبو النضر هاشم بن القاسم، ثنا محمد بن عبد الله العمي، ثنا ثابت -هو البناني-، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتعجزون أن تكونوا مثل أبي ضمضم؟)) قالوا: وما أبو ضمضم يا رسول الله؟ قال: ((أبو ضمضم رجلٌ كان قبلكم إذا أصبح قال: اللهم إني قد تصدقت بعرضي اليوم على من ظلمني)).
هذا حديث غريب، أخرجه البخاري في التاريخ في ترجمة محمد بن عبد الله العمي قال: قال لي فضل بن سهل سمع أبا النضر، فذكره.
وزاد قال أبو النضر: إن العمي كان من جلساء أيوب.
وذكر البخاري أيضاً أن سعيد بن محمد الجرمي رواه عن أبي النضر فقال: عن محمد بن زيد العمي.
والمعروف الأول. ويحتمل أن يكون زيد جده فنسب إليه.
وقد أخرجه أبو بكر البزار في مسنده والعقيلي في الضعفاء وكذلك الساجي كلهم من طريق أبي النضر كما قال الدوري.
وكذا أخرجه البيهقي في الشعب من رواية أبي العباس الأصم عن الدوري.(2/417)
وكذا علقه أبو داود في كتاب الأدب من السنن، فقال بعد أن أخرج من رواية محمد بن ثور عن معمر عن قتادة نحو ما تقدم: رواه هاشم بن القاسم عن محمد بن عبد الله العمي فذكره.
ثم أخرجه عن موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن عجلان، فذكره مرسلاً. قال: وهذا أصح.
قلت: لأن حماداً أثبت الناس في ثابت، فتحصلنا من ذلك، على أن الطريقين الموصولين شاذان، وأن المحفوظ عن قتادة مقطوع وعن ثابت مرسل.
وأبو ضمضم ذكره ابن عبد البر في الصحابة فقال في الاستيعاب: روى عنه الحسن وقتادة، وروى قصته أبو هريرة، وأخذ ذلك من كلام الحاكم أبي أحمد، فإنه أخرج في الكنى رواية الحسن وقتادة كما تقدم، وأخرج بعدها من طريق عمرو بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رجلاً من المسلمين قال: اللهم إنه ليس لي مال أتصدق منه، وإني جعلت عرضي صدقة لمن أصاب منه شيئاً، قال: فأوجب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد غفر له.
ورجاله ثقات، ولكن في تسميته نظر لما تقدم في بعض طرقه ((أنه كان قبلكم)) وفي رواية البيهقي ((كان قبلنا)).
وكذا أخرجه الخطيب من طريق روح بن عبادة، عن حماد بن سلمة.
وجاء في طرق أخرى أن هذه القصة وقعت لعلبة بن زيد عند حث النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة عند غزوة تبوك.(2/418)
وهو الذي يليق أن يفسر به المبهم في حديث أبي هريرة، والله أعلم.
[[وروينا في كتابي الترمذي وابن السني، بإسناد ضعيف، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ {حم} المؤمن إلى: {إليه المصير} وآية الكرسي حين يصبح حفظ بهما حتى يمسي، ومن قرأهما حين يمسي حفظ بهما حتى يصبح)).]]
(214)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا شيخنا، شيخ الإسلام، -أمتع الله بوجوده الأنام- أبو الفضل، قاضي القضاة، الشهابي، العسقلاني، إمام الحفاظ إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء العشرين من صفر من شهور سنة اثنتين وأربعين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
قرئ على أم الفضل خديجة بنت إبراهيم ونحن نسمع بدمشق، عن القاسم بن المظفر بن عساكر إجازة إن لم يكن سماعا، وعن أبي نصر محمد بن أبي نصر إجازة مكاتبة، قالا: أنا أبو الوفاء محمود بن إبراهيم بن سفيان في كتابه، أنا أبو الخير محمد بن أحمد بن عمر، أنا أبو عمرو عبد الوهاب بن الحافظ أبي عبد الله محمد بن إسحاق بن منده، أنا أبي، أنا محمد بن أبي عمرو البخاري، ثنا محمد بن علي الأنصاري، ثنا عبد(2/419)
الرحمن بن شيبة ثنا محمد بن طلحة، عن عبد المجيد بن أبي عبس بن جبر، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه قال: كان علبة بن زيد رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لما حض النبي صلى الله عليه وسلم الناس على الصدقة قال علبة: اللهم إنه ليس عندي ما أتصدق به إلا وسادة حشوها ليف ودلو أستقي به، اللهم إني أتصدق بعرضي على من ناله من خلقك، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم منادياً فنادى: أين المتصدق بعرضه البارحة؟ فقام علبة بن زيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله قد قبل صدقتك)).
هذا حديث غريب، أخرجه الطبراني في المعجم الكبير من رواية عثمان بن يعقوب عن محمد بن طلحة بهذا الإسناد.
ووقع في بعض النسخ من المعرفة عبد الحميد بتقديم الحاء المهملة على الميم، والمعروف تقديم الميم على الجيم كما وقع في رواية الطبراني.
والسياق الأول يوهم أن صحابي هذا الحديث جبر والد أبي عبسٍ، وليس كذلك، بل صحابيه أبو عبس نفسه، فإن عبد المجيد هو ابن محمد بن أبي عبس، نسب في هذه الرواية إلى جده، ووقع في رواية الطبراني كما بينته.
وكذا ذكره ابن حبان في الثقات، فقال في الطبقة الثالثة: عبد المجيد بن محمد بن أبي عبس بن جبر يروي عن أبيه عن جده.
وذكره البخاري في التاريخ فنسبه لجده كما وقع في المعرفة.
وتبعه ابن أبي حاتم، وزاد سألت أبي عنه؟ فقال: لين الحديث. قلت: وأبوه محمد لا أعرف حاله.
وجده أبو عبس بفتح المهملة وسكون الموحدة بعدها مهملة.
وأبوه بوزنه أوله جيم ثم موحدة.
وعلبة بضم المهملة وسكون اللام بعدها موحدة.
واسم أبي عبس عبد الرحمن على المشهور.(2/420)
وقد جاء هذا الحديث عن علبة نفسه، أخرجه البزار من رواية محمد بن سليمان عن صالح مولى التوأمة عن علبة.
وهو سند ضعيف، وفيه انقطاع، محمد بن سليمان متروك، وصالح ضعيف، ولم يدرك علبة.
وللحديث شاهد آخر، أخرجه البزار أيضاً من رواية كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده.
وكثير ضعيف عند الأكثر، لكن البخاري حسن الرأي فيه، والترمذي حسن حديثه، وربما صححه فيما وقع في بعض النسخ.
قوله: (وروينا في كتابي الترمذي وابن السني بإسناد ضعيف عن أبي هريرة .. .. إلى آخره).
قرأت على أم الحسين بنت محمد بن أحمد التنوخية بدمشق، عن سليمان بن حمزة بالسند الماضي مراراً إلى الطبراني في كتاب الدعاء ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو حذيفة -هو موسى بن مسعود- ثنا عبد الرحمن بن أبي بكر -هو المليكي واسم جده عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة- عن زرارة بن مصعب -يعني ابن عبد الرحمن بن عوف- عن أبي سلمة بن عبد الرحمن -وهو عمه- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ آية الكرسي وأول حم المؤمن عصم ذلك اليوم من كل سوءٍ)).
هذا حديث غريب، أخرجه الترمذي عنه أبي سلمة يحيى بن المغيرة عن محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي.(2/421)
فوقع لنا عالياً بدرجتين. وقال: غريب.
والمليكي ضعفه بعض أهل العلم من قبل حفظه انتهى.
وقال النسائي: ليس بثقة.
وقال ابن عدي: لا يتابع في حديثه، وهو من جملة من يكتب حديثه انتهى.
وأخرجه ابن السني عن أبي عروبة حسين بن محمد الحراني، عن أبي سلمة شيخ الترمذي فيه، والله أعلم.
[[وروينا فيه، عن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال في كل يومٍ حين يصبح وحين يمسي: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم سبع مراتٍ كفاه الله تعالى ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة)).
وروينا في كتاب ابن السني، عن طلق بن حبيب، قال: جاء رجلٌ إلى أبي الدرداء فقال: يا أبا الدرداء قد احترق بيتك، فقال: ما احترق، لم يكن الله عز وجل ليفعل ذلك بكلمات سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، من قالها أول نهاره لم تصبه مصيبةٌ حتى يمسي، ومن قالها آخر النهار لم تصبه مصيبةٌ حتى يصبح: ((اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أعلم أن الله على كل شيءٍ(2/422)
قديرٌ، وأن الله قد أحاط بكل شيءٍ علماً، اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر كل دابةٍ أنت آخذٌ بناصيتها، إن ربي على صراطٍ مستقيمٍ)).]]
(215)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا شيخنا، شيخ الإسلام، أبو الفضل، قاضي القضاة، الشهابي، إمام الحفاظ، العسقلاني، -فسح الله في مدته- إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء رابع ربيع الأول من شهور سنة اثنتين وأربعين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
قوله: (وروينا فيه -يعني كتاب ابن السني- عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال في كل يومٍ حين يصبح وحين يمسي: حسبي الله لا إله إلا هو، عليه توكلت وهو رب العرش العظيم سبع مراتٍ كفاه الله ما [أ]همه من أمر الدنيا والآخرة)) ).
قلت: أخرجه ابن السني من رواية أحمد بن عبد الرزاق، عن عبد الرزاق بن مسلم، عن مدرك بن سعد، عن يونس بن حلبس، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء.
ويونس بن حلبس هو ابن ميسرة بن حلبس نسب في هذه الرواية لجده، وهو بفتح المهملة والموحدة بينهما لام ساكنة وآخره مهملة.(2/423)
وعبد الرزاق هو ابن عمر بن مسلم بالتثقيل نسب في هذه الرواية لجده.
وأحمد بن عبد الرزاق هو ابن عبد الله بن عبد الرزاق نسب لجده أيضاً، وقد تفرد عن جده برفعه، ورواه أبو زرعة الدمشقي ويزيد بن محمد بن عبد الصمد وإبراهيم بن عبد الله بن صفوان وثلاثتهم من الحفاظ عن عبد الرزاق هذا بهذا السند ولم يرفعوه.
كتب إلينا الإمام المسند أبو العباس أحمد بن أبي بكر بن عبد الحميد المقدسي، عن سليمان بن حمزة إجازة إن لم يكن سماعاً، أنا عمر بن كرم الدينوري إجازة مكاتبة، أنا عبد الأول بن عيسى، أنا عبد الرحمن بن عفيف، أنا منصور بن عبد الله، أنا أبو بكر بن عبد الرزاق، ثنا سليمان بن الأشعث، ثنا يزيد بن محمد الدمشقي، ثنا عبد الرزاق بن مسلم الدمشقي، وكان من الثقات المتعبدين، ثنا مدرك بن سعد، قال يزيد: شيخ ثقة، عن يونس بن ميسرة بن حلبس، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء قال: من قال إذا أصبح وإذا أمسى، فذكر الحديث غير مرفوع.
هكذا أخرجه أبو داود في كتاب الأدب آخر السنن، وهو في رواية ابن داسة عنه، وليس في رواية اللؤلؤي.
وأخرجه القاسم بن عساكر في تاريخه من رواية أبي زرعة، ومن رواية ابن صفوان موقوفاً أيضاً.
تنبيه: وقع حديث أبي الدرداء هذا في أصل الأذكار مقدماً على حديث أبي هريرة الماضي فاخترته لتعلقه بما بعده، وإنما قدمه الشيخ لأنه ختم الباب بحديث أبي هريرة، ثم بدا له فذكر لحديث أبي الدرداء طريقين آخرين لكون سياقهما أتم.(2/424)
قوله: (وروينا في كتاب ابن السني عن طلق بن حبيب .. .. إلى آخره).
قرأت على شيخ الإسلام الإمام أبي الفضل بن الحسين الحافظ رحمه الله، عن أبي الحرم بن أبي الفتح قراءة عليه، أنا أحمد بن حمدان، أنا ياقوت بن عبد الله الغراش [الفراش] في كتابه، أنا إسماعيل بن الأشعث، أنا أبو الحسين البزار، أنا أبو القاسم بن حبابة، ثنا أبو القاسم البغوي (ح).
وبالسند الماضي قريباً إلى الطبراني في الدعاء ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قالا: ثنا هدبة بن خالد، ثنا الأغلب بن تميم ثنا الحجاج بن فرافصة عن طلق بن حبيب قال: جاء رجل إلى أبي الدرداء رضي الله عنه فقال: يا أبا الدرداء احترق بيتك، فقال: ما احترق بيتي، ثم جاء آخر فقال: اتبعت النار، فلما انتهت إلى بيتك طفئت، فقال: قد علمت أن الله لم يكن ليفعل، فقال رجل: يا أبا الدرداء ما أدري أي كلاميك أعجب، قولك: ما احترق بيتي، أو قولك: قد علمت أن الله لم يكن ليفعل؟ قال: ذاك كلمات سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قالهن حين يصبح لم تصبه مصيبةٌ حتى يمسي، ومن قالهن حين يمسي، لم تصبه مصيبةٌ حتى يصبح: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أعلم أن الله على كل شيءٍ قديرٌ، وأن الله قد أحاط بكل شيءٍ علماً، اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر كل دابةٍ أنت آخذٌ بناصيتها، إن ربي على صراطٍ مستقيمٍ)).
هذا حديث غريب، أخرجه ابن السني عن البغوي على الموافقة.
وأخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق عن أحمد بن محمد بن غالب(2/425)
عن هدبة بن خالد.
والحجاج بن فرافصة بصري عابد قال يحيى بن معين: لا بأس به.
وأبوه بضم الفاء وتخفيف الراء وبعد الألف فاء أخرى مكسورة بعدها مهملة.
والأغلب الراوي عنه ضعيف جداً، قال البخاري: منكر الحديث.
وقال ابن معين: ليس بشيء.
وقال ابن عدي: أحاديثه غير محفوظة، والله أعلم.
[[ورواه من طريق آخر، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لم يقل عن أبي الدرداء، وفيه: أنه تكرر مجيء الرجل إليه يقول: أدرك دارك فقد احترقت وهو يقول: ما احترقت لأني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من قال حين يصبح هذه الكلمات -وذكر هذه الكلمات- لم يصبه في نفسه ولا أهله ولا ماله شيء يكرهه)) وقد قلتها اليوم، ثم قال: انهضوا بنا، فقام وقاموا معه، فانتهوا إلى داره وقد احترق ما حولها، ولم يصبها شيء.
باب: ما يقال في صبيحة الجمعة
وروينا في كتاب ابن السني، عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال صبيحة يوم الجمعة قبل صلاة الغداة: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاث(2/426)
مراتٍ غفر الله ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر)).
ويستحب الإكثار من الدعاء في جميع يوم الجمعة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس رجاء مصادفة ساعة الإجابة، فقد اختلف فيها على أقوال كثيرة، فقيل: هي بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس، وقيل: بعد طلوع الشمس، وقيل: بعد الزوال، وقيل: بعد العصر، وقيل غير ذلك.]]
(216)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا شيخ الإسلام، أبو الفضل، إمام الحفاظ، العسقلاني، إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء حادي عشر ربيع الأول شهر سنة تاريخه، قال وأنا أسمع:
قوله: (فرواه من طريق آخر عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل عن أبي الدرداء .. .. إلى آخره).
أخبرني أبو المعالي عبد الله بن عمر بن علي رحمه [الله]، أنا أحمد بن علي بن أيوب، أنا عبد اللطيف الحراني، أنا خليل بن بدر في كتابه، أنا الحسن بن أحمد المقرئ، أنا أحمد بن عبد الله الحافظ، حدثنا أبو بكر بن خلاد، ثنا الحارث بن أبي أسامة، حدثنا يزيد -هو ابن هارون- ثنا معاذ أبو عبد الله، حدثني رجل، عن الحسن -هو البصري- قال: كنا جلوساً عند(2/427)
رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتي فقيل له: أدرك دارك فقد احترقت دارك، فقال: لا والله ما احترقت داري، فقيل له: يقال لك: احترقت دارك وتحلف بالله ما احترقت داري؟ فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من قال حين يصبح: إن ربي لا إله إلا هو)) فذكر مثل الرواية الماضية، لكنه قال: ((أشهد)) بدل ((أعلم)) وقال بعد قوله ((علماً)) ((أعوذ بالله الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه من شر كل دابةٍ ربي آخذٌ بناصيتها، إن ربي على صراطٍ مستقيمٍ، لم ير يومئذٍ في نفسه ولا أهله ولا ماله شيئاً يكرهه)) وقد قلتها اليوم، فقام وقاموا معه، فانتهوا إلى الدار وقد احترق ما حولها، ولم يصبها شيء.
وهذا السند ضعيف من أجل الرجل المبهم، ويبعد تفسير الصحابي المذكور بأبي الدرداء، لأن الحسن البصري لم يلقه. قال أبو زرعة الرازي: الحسن عن أبي الدرداء مرسل.
ويحتمل أن يكون قوله: كنا جلوساً أراد به من جلس مع أبي الدرداء من أقران الحسن، ولم يرد إدخال نفسه معهم، وقد قالوا في قوله: خطبنا ابن عباس بالبصرة أراد خطب أهل البصرة، ولم يكن الحسن يومئذ بالبصرة، وهو تجوز بعيد.
قال البزار: كان الحسن يتأول قوله حدثنا وخطبنا يريد حدث وخطب قومه، والله أعلم.
قوله: (باب ما يقال في صبيحة يوم الجمعة -إلى أن قال- وروينا في كتاب ابن السني عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال في صبيحة يوم الجمعة قبل صلاة الغداة أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاث مراتٍ غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر)) ).(2/428)
قلت: أخرجه ابن السني من رواية إسحاق بن خالد عن عبد العزيز بن عبد الله القرشي عن خصيف عن أنس.
وخصيف بخاء معجمة وصاد مهملة مصغر مختلف فيه، ولم يسمع من أنس.
وعبد العزيز اتهمه أحمد بالكذب.
وإسحاق قال ابن عدي: له أحاديث منكرة.
قلت: والمعروف في هذا المتن بغير تقييد بوقت، وجاء مقيداً بوقت آخر يأتي في باب ما يقول إذا أراد أن ينام [النوم] وسأذكر طرقه هناك إن شاء الله تعالى.
قوله: (وقد اختلف فيها -يعني: ساعة الإجابة- .. .. إلى آخره).
قلت: القولان الأولان لا أصل لهما ثابت، والقولان الآخران هما أصح ما ورد في ذلك، ووصف الشيخ الأقوال بأنها كثيرة جمع منها ابن القيم في الهدي النبوي أحد عشر قولاً، واجتمع لي منها نحو الأربعين، لكن بعضها يمكن تداخله، وقد بينتها في فتح الباري ناسباً كل قول لقائله مع بيان الكتاب الذي ذكر فيه مبيناً لحاله، وبالله التوفيق.
[[والصحيح، بل الصواب الذي لا يجوز غيره ما ثبت في صحيح مسلم: عن أبي موسى الأشعري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنها ما بين جلوس الإمام على المنبر إلى أن يسلم من الصلاة.]](2/429)
(217)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا شيخ الإسلام، المشار إليه إملاء من حفظه كعادته في ثامن عشر ربيع الأول سنة تاريخه، قال وأنا أسمع:
قوله: (والصحيح بل الصواب الذي لا يجوز غيره ما ثبت في صحيح مسلم عن أبي موسى .. .. إلى آخره).
أخبرني الشيخ الإمام أبو الفضل بن الحسين الحافظ، أخبرني عبد الله بن محمد العطار، أنا أبو الحسن بن البخاري، عن أبي عبد الله بن أبي زيد (ح).
وأنا أبو هريرة بن الذهبي إجازة، أنا إسحاق بن يحيى الآمدي، أنا يوسف بن خليل الحافظ، أنا ابن أبي زيد، وعلي بن سعيد الأصبهاني، قالا: أنا أبو القاسم الأشقر، أنا أبو الحسين بن فاذشاه، أنا أبو القاسم الطبراني، ثنا محمد بن رزيق بن جامع، ثنا أحمد بن صالح المصري (ح).
وبالسند الماضي مراراً إلى أبي نعيم في المستخرج، ثنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا أبو الطاهر بن السرح [(ح)].
وبه إلى أبي نعيم، ثنا محمد بن إبراهيم، ثنا محمد بن الحسن، ثنا هارون بن سعيد، قالوا: حدثنا عبد الله بن وهب (ح).
وقرأت على أبي بكر بن إبراهيم، عن أبي عبد الله بن الزراد، أنا أبو علي الحافظ، أنا عبد المعز بن محمد، أنا زاهر بن طاهر، أنا محمد بن الفضل، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب -واللفظ له- عن عمه عن مخرمة بن بكير، عن أبيه -هو عبد الله بن الأشج-، عن أبي بردة بن أبي موسى، قال: قال لي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما(2/430)
أسمعت أباك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن ساعة الجمعة؟ قال: قلت: سمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((هي ما بين أن يجلس الإمام على المنبر إلى أن تقضى الصلاة)).
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم عن أبي الطاهر بن السرح وهارون بن سعيد.
وأخرجه أبو داود عن أحمد بن صالح.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه مسلم أيضاً عن أحمد بن عيسى وعلي بن حشرم كلاهما عن عبد الله بن وهب.
ولم يقع في رواية أكثرهم ((على المنبر)) ووقع في رواية أحمد بن صالح ((يعني على المنبر)) بزيادة يعني وفيه إشعار بإدراجها.
ومقتضى تعبير الشيخ بالصواب أن جميع ما ورد بخلاف ذلك خطأ، وفيه نظر، فإن بعضه صحيح أيضاً.
وقد ذكر البيهقي في فضائل الأوقات أن مسلماً رجح ما في حديث أبي موسى ووافقه البيهقي وطائفة. ورجح آخرون ما في حديث عبد الله بن سلام، منهم أحمد وإسحاق كما نقله الترمذي عنهما، ونقل أيضاً عن أحمد قال: أكثر الأحاديث على أنها بعد العصر، قال: وترجى بعد الزوال.
وفي هذا الكلام إشارة إلى الجمع وهو أولى من الترجيح فضلاً عن التخطئة.(2/431)
أخبرني الشيخ أبو عبد الله بن قوام، أنا الحسن بن هلال، أنا أبو إسحاق بن مضر، أنا أبو الحسن الطوسي، أنا أبو محمد السيدي، أنا أبو عثمان البحيري، أنا أبو علي السرخسي، ثنا أبو إسحاق الهاشمي، ثنا أبو مصعب الزهري، أنا مالك، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرجت إلى الطور فلقيت كعب الأحبار، فجلست معه فجعل يحدثني عن التوراة وأحدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكان فيما حدثته أن قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أهبط، وفيه تيب عليه، وفيه تقوم الساعة، وفيه ساعةٌ لا يصادفها عبدٌ مسلمٌ وهو يصلي يسأل الله فيها شيئاً إلا أعطاه إياه)).
فقال كعب: ذلك في كل سنة يوم، فقلت: لا، بل هو في كل جمعة، فقرأ كعب التوراة فقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أبو هريرة: ثم لقيت عبد الله بن سلام، فحدثته بمجلسي مع كعب، وبما حدثته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة، وبما قال كعب يعني أولاً، فقال: كذب كعب، قلت: ثم قرأ كعب التوراة فقال: هي في كل جمعة، فقال عبد الله بن سلام: لقد علمت أية ساعة هي؟ قلت له: أخبرني بها ولا تضنن علي، فقال: في آخر ساعة من يوم الجمعة.
قال أبو هريرة: كيف يكون ذلك وهي ساعة لا يصلى فيها؟ فقال عبد الله بن سلام: ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: ((من جلس مجلساً ينتظر الصلاة فهو في صلاةٍ حتى يصلي؟)) فقلت: بلى، فقال: فهو ذاك.
هذا حديث صحيح، أخرجه أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي.(2/432)
وأبو داود عن القعنبي.
كلاهما عن مالك.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه الترمذي عن إسحاق بن موسى، عن معن بن عيسى، عن مالك.
فوقع لنا عالياً بدرجتين.
قال الترمذي: حسن صحيح، والله أعلم.
(218)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا شيخنا، شيخ الإسلام، أبو الفضل، قاضي القضاة، الشهابي، إمام الحفاظ، أحمد العسقلاني، إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء خامس عشرين ربيع الأول من شهور سنة اثنتين وأربعين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
أخبرني أبو الحسن علي بن محمد الخطيب، أنا أبو الربيع بن قدامة إجازة مكاتبة، أنا علي بن هبة الله بن سلامة، عن شهدة الكاتبة سماعاً، قالت: أنا الحسين بن أحمد بن طلحة، أنا أبو عمر بن مهدي، ثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي، ثنا يوسف بن موسى، ثنا يحيى بن الضريس (ح).(2/433)
وبالسند المذكور آنفاً إلى أبي القاسم الطبراني، ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا الحجاج بن منهال، قالا: ثنا حماد بن سلمة، عن قيس بن سعد -هو المكي- عن محمد بن إبراهيم التيمي، فذكر نحو ما تقدم، لكن باختصار، وفيه بعد قوله: ((في كل سنة مرة)) فقلت: لا، فنظر كعب فقال: في كل شهر مرة، فقلت: لا فنظر كعب فقال: في كل جمعة مرة، فقلت: نعم)) وفيه بعد قوله: ((كذب كعب)) ((فقلت: قد رجع كعب من قوله فقال: في كل جمعة مرة فقال: صدق كعب، أندري أية ساعة هي؟ فقلت: لا، وتهالكت عليه فقلت: أخبرني عنها، فقال: هي ما بين العصر إلى الغروب، فقلت: كيف ولا صلاة؟ قال: أو ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن العبد لا يزال في صلاةٍ ما دام جالساً ينتظر الصلاة))؟.
أخرجه أحمد عن عفان بن مسلم عن حماد.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
ورواه أبو النضر عن أبي سلمة عن عبد الله بن سلام، ليس فيه أبو هريرة.
قرأت على فاطمة بنت المنجا عن سليمان بن حمزة، أنا أبو عبد الله الحافظ ضياء الدين المقدسي، أنا محمد بن أحمد بن نصر، أتنا فاطمة بنت عبد الله، قالت: أنا محمد بن عبد الله التاجر، أنا سليمان بن أحمد بن أيوب، ثنا الحسين بن إسحاق التستري، قال: ثنا دحيم -هو عبد الرحمن بن إبراهيم الحافظ- ثنا ابن أبي فديك -هو محمد بن إسماعيل- ثنا الضحاك بن عثمان، ثنا أبو النضر، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه، قال: قلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس: إنا لنجد في كتاب الله في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يصلي يسأل الله شيئاً إلا قضى له(2/434)
حاجته، فأشار إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بعض ساعة، فقلت: صدقت أو بعض ساعة، قلت: أي ساعة؟ قال: ((آخر ساعات النهار)) قلت: إنها ليست ساعة صلاة، قال: ((إن العبد المؤمن إذا صلى وجلس لا يجلسه إلا الصلاة فهو في صلاةٍ)).
هذا حديث صحيح، أخرجه ابن ماجه عن دحيم على الموافقة.
وأخرجه أحمد من وجه آخر عن الضحاك.
وظاهر سياقه الرفع.
وجاء من وجه آخر أصرح منه في الرفع.
أخبرني الإمام أبو محمد إبراهيم بن داود العابد رحمه الله، أنا إسماعيل بن إبراهيم التفليسي، وأحمد بن كشتغدي، قالا: أنا المعين أحمد بن علي الدمشقي، زاد الأول: وإسماعيل بن عبد القوي بن أبي العز، قالا: أنا أبو القاسم البوصيري، أنا أبو صادق المديني، أنا محمد بن الحسين النيسابوري، أنا محمد بن عبد الله بن زكريا، ثنا أحمد بن شعيب الحافظ، أنا عمرو بن سواد، والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع -واللفظ له- عن ابن وهب (ح).
وبه إلى أبي القاسم الطبراني، ثنا أحمد بن رشدين، ثنا أحمد بن صالح، ثنا عبد الله بن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن الجلاح -بضم الجيم وتخفيف اللام ثم مهملة- مولى عبد العزيز بن مروان، عن أبي سلمة، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعةً، فيها ساعةٌ لا يوجد عبدٌ مسلمٌ يسأل الله فيها(2/435)
شيئاً إلا أتاه إياه، فالتمسوها آخر ساعةٍ عند العصر)).
هذا حديث صحيح، أخرجه أبو داود عن أحمد بن صالح.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه النسائي.
وصححه ابن خزيمة والحاكم،
وجاء من وجه آخر أصرح منه في الرفع.
وبه إلى الطبراني، ثنا أحمد بن يحيى بن خالد، ثنا يحيى بن بكير، ثنا ابن لهيعة، عن موسى بن وردان، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ابتغوا الساعة التي ترجى في الجمعة ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، وهي قدر هذا)) يقول: قدر قبضة.
هذا حديث غريب من هذا الوجه، أخرجه الترمذي عن عبد الله بن الصباح عن أبي علي الحنفي عن محمد بن أبي حميد عن موسى.
فوقع لنا عالياً بدرجتين، وقال: غريب، وضعف محمد بن أبي حميد، وقد توبع كما ترى، واجتماعهما يدل على أن للحديث أصلاً، وليس في رواية الترمذي ما بعد قوله ((غروب الشمس))، والله أعلم.(2/436)
[[باب: ما يقول إذا طلعت الشمس
روينا في كتاب ابن السني، بإسناد ضعيف، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلعت الشمس قال: ((الحمد لله الذي جللنا اليوم عافيته، وجاء بالشمس، من مطلعها، اللهم أصبحت أشهد لك بما شهدت به لنفسك، وشهدت به ملائكتك وحملة عرشك وجميع خلقك إنك أنت الله لا إله إلا الله أنت القائم بالقسط، لا إله إلا أنت العزيز الحكيم، اكتب شهادتي بعد شهادة ملائكتك وأولي العلم، اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك السلام، أسألك يا ذا الجلال والإكرام أن تستجيب لنا دعوتنا، وأن تعطينا رغبتنا، وأن تغنينا عمن أغنيته عنا من خلقك، اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معيشتي، وأصلح لي آخرتي التي إليها منقلبي)).
وروينا فيه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه موقوفاً عليه أنه جعل من يرقب له طلوع الشمس، فلما أخبره بطلوعها قال:(2/437)
الحمد لله الذي وهب لنا هذا اليوم وأقالنا فيه من عثراتنا.]]
(219)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا سيدنا، ومولانا، شيخ الإسلام، أبو الفضل أحمد، قاضي القضاة، إمام الحفاظ، الشهابي، العسقلاني، إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء ثالث ربيع الآخر من شهور سنة اثنتين وأربعين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
قوله: (باب: ما يقول إذا طلعت الشمس روينا في كتاب ابن السني بإسناد ضعيف عن أبي سعيد الخدري .. .. إلى آخره).
قرأت على أم الحسن التنوخية، عن أبي الفضل بن أبي طاهر، أنا إسماعيل بن ظفر، أنا أبو عبد الله الكراني، أنا أبو القاسم الأشقر، أنا أبو الحسين بن فاذشاه، أنا الطبراني، ثنا أحمد بن يحيى بن زهير التستري، ثنا إسحاق بن إبراهيم البغوي، ثنا داود بن عبد الحميد الكوفي، ثنا عمرو بن قيس الملائي، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح وطلعت الشمس قال: ((الحمد لله على جميع نعمه الذي جللنا عافيته اليوم وجاءنا بالشمس من مطلعها، اللهم إني أشهد بما شهدت به لنفسك، وشهدت به حملة عرشك وملائكتك، إنك أنت الله لا إله إلا أنت قائماً بالقسط، لا إله إلا أنت العزيز الحكيم، أكتب شهادتي مع شهادة ملائكتك وأولي العلم، اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك يعود السلام، اللهم أسألك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أسألك يا ذا الجلال(2/438)
والإكرام، أن تستجيب دعوتنا، وأن تعطينا رغبتنا، وأن تغنينا عمن أغنيته عنا من خلقك، اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معيشتي، وأصلح لي آخرتي التي إليها منقلبي)).
هذا حديث غريب، أخرجه أبو بكر البزار في مسنده عن إسحاق بن إبراهيم البغوي.
فوقع لنا موافقة عالية.
وقال: لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا عن أبي سعيد بهذا الإسناد، وإن كان روى بعضه غيره.
قلت: أخرج آخره مسلم من حديث أبي هريرة من قوله: ((اللهم أصلح لي)) بنحوه وزيادة فيه.
وأخرجه ابن السني عن محمد بن مخلد وغيره عن إسحاق بن إبراهيم.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وقد أخرج الحاكم في المستدرك حديثين من رواية داود بن عبد الحميد بهذا الإسناد.
وهو متعقب، فإن داود قال فيه أبو حاتم: أحاديثه تدل على ضعفه.
وعطية هو ابن سعد بن جنادة الكوفي ضعفه أحمد، ونسبه إلى تدليس الشيوخ، فإنه روى عن الكلبي أحد المتروكين المتهمين بالكذب فكناه أبا سعيد يوهم أنه الخدري، لأنه كان كثير الرواية عن الخدري، وضعفوه أيضاً من طريق التشيع.
قال البزار: كان يقدم علياً على الجميع.(2/439)
وقد قال أبو حاتم وابن عدي: يكتب حديثه.
وقال الدوري عن ابن معين: صالح الحديث.
وقال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله، وبعضهم لا يحتج به.
قلت: والترمذي يحسن حديثه، وهذا كله يرد قول من قال فيه: مجمع على ضعفه.
قوله: (وروينا فيه عن عبد الله بن مسعود موقوفاً عليه أنه جعل من يرقب طلوع الشمس فلما أخبره بطلوعها قال: الحمد لله إلى .. .. آخره).
قلت: هو مختصر من قصة.
أخبر بها المسند أبو محمد أحمد بن بلغاق الكنجي إجازة مكاتبة ومشافهة، عن إسحاق بن يحيى عن يوسف بن خليل إجازة إن لم يكن سماعاً، أنا محمد بن أبي زيد، أنا محمود بن إسماعيل، أنا أحمد بن محمد، أنا سليما بن أحمد، ثنا بشر بن موسى، ثنا يحيى بن إسحاق، عن مهدي بن ميمون، عن واصل الأحدب، عن أبي وائل، قال: أتينا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ذات يوم بعدما صلينا الغداة، فاستأذنا عليه، فقال: ادخلوا، فقلنا: ننتظر هنيهة، لعل لأحد من أهل الدار حاجة، فقال: لقد ظننتم بآل عبد الله غفلة، ثم أقبل يسبح، ثم قال: يا جارية انظري هل طلعت الشمس؟ فقالت: لا، ثم قال لها الثانية: انظري هل طلعت الشمس؟ فقالت: لا، ثم قال لها الثالثة، فقالت: نعم، قال: الحمد لله الذي وهب لنا هذا اليوم، وأقالنا فيه عثراتنا -وأحسبه قال- ولم يعذبنا بالنار.
هذا موقوف صحيح السند، أخرجه ابن السني من هذا الوجه، والله أعلم.(2/440)
[[باب: ما يقول إذا استقلت الشمس
روينا في كتاب ابن السني، عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما تستقل الشمس فيبقى شيءٌ من خلق الله تعالى إلا سبح الله عز وجل وحمده إلا ما كان من الشيطان وأعتاء بني آدم)) فسألت عن أعتاء بني آدم؟ فقال: ((شرار الخلق)).]]
(220)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
ثم في يوم الثلاثاء عاشر ربيع الآخر من شهور سنة اثنتين وأربعين وثمانمئة، حدثنا شيخ الإسلام، أبو الفضل، قاضي القضاة، ملك العلماء، إمام الحفاظ العسقلاني، إملاء من حفظه كعادته، قال وأنا أسمع:
وقد وجدت لقول ابن مسعود: ولم يعذبنا فيه بالنار مسنداً مرفوعاً.
قرأت على أبي محمد عبد الله بن محمد بن أحمد بن عبيد الله المقدسي بالصالحية، وكتب إلينا أبو الخير بن الحافظ أبي سعيد العلائي(2/441)
ببيت المقدس، كلاهما عن أبي محمد بن أبي التائب سماعاً للثاني وإجازة إن لم يكن سماعاً للأول، قال: أنا إبراهيم بن خليل، أنا يحيى بن محمود، أنا محمد بن أحمد بن أبي عدنان، وفاطمة بنت عبد الله، قالا: أنا محمد بن عبد الأصبهاني، أنا الطبراني في المعجم الصغير، ثنا يعقوب بن مجاهد البصري، ثنا المنذر بن الوليد بن المنذر الجارودي، ثنا أبي، ثنا الحسن بن أبي جعفر، عن الحكم بن عتيبة، عن الحسن بن علي رضي الله عنهما، قال: سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من عبدٍ يصلي صلاة الفجر ثم يجلس يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس إلا كان ذلك حجاباً له من النار)).
قال الطبراني: لا يروى عن الحسن بن علي إلا بهذا الإسناد، تفرد به الحسن بن أبي جعفر.
قلت: وهو بصري ضعيف من قبل حفظه، وكان عابداً فغلب عليه الوهم، وهو في الأصل صدوق.
وفي السند علة أخرى، وهي الانقطاع، فإن الحكم لم يسمع من الحسن.
وقد وجدت عن الحسن بن علي لهذا الحديث طريقاً أخرى، أخرجها البزار مطولاً في أثناء قصة لابن الزبير مع الحسن.
وسنده ضعيف أيضاً.
وله شاهد عن سهل بن سعد، أخرجه أبو يعلى، ولفظه: ((من صلى صلاة الصبح ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس وجبت له الجنة)).
وقد تقدم حديث أنس في هذا المعنى في (باب الحث على ذكر الله بعد صلاة الصبح) وتأتي الإشارة إليه أيضاً بعد بابين.(2/442)
وقريب من صنيع ابن مسعود ما جاء عن بلال.
قرأت على فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي بصالحية دمشق، عن محمد بن عبد الحميد إجازة من مصر، قال: أنا إسماعيل بن عبد القوي، أتنا فاطمة بنت سعد الخير، أتنا فاطمة الجوزذانية، قالت: أنا أبو بكر بن ريذة، أنا سليمان بن أحمد بن أيوب، ثنا أبو خليفة، ثنا علي بن المديني، ثنا محمد بن بشر، ثنا إسماعيل بن أبي خالد، قال: سمعت قيس بن أبي حازم، يذكر عن مدرك -يعني ابن عوف البجلي قال: مررت ببلال رضي الله عنه وهو جالس حيث صلى الغداة، فقلت: ما يجلسك يا أبا عبد الله؟ قال: أنتظر طلوع الشمس.
هذا موقوف صحيح الإسناد.
وجاء مثله مرفوعاً.
وبالسند المذكور آنفاً إلى الطبراني في الصغير، ثنا أبو عثمان السمسار الحمصي الحافظ، ثنا عمران بن بكار، ثنا الربيع بن روح، ثنا محمد بن حرب، ثنا الزبيدي، ثنا عدي بن عبدالرحمن، والد الهيثم، ثنا داود بن أبي هند، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الصبح جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس.
قال الطبراني: لم يروه عن عدي إلا الزبيدي ولا عنه إلا محمد بن حرب ولا عنه إلا الربيع بن روح، تفرد به عمران.
قلت: ورجال سنده موثقون، وأصله في مسلم أخرجه من طريق سفيان الثوري، عن سماك بلفظ: إذا صلى الفجر جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس حسناً، ولم تقع عنده هذه اللفظة ((يذكر الله)) وهي زيادة حسنة.(2/443)
قوله: (باب ما يقول إذا استقلت الشمس، روينا في كتاب ابن السني عن عمرو بن عبسة .. .. إلى آخره)).
أخبرنا المسند الإمام أبو العباس أحمد بن أبي بكر بن العز الصالحي في كتابه غير مرة، قال: أنا يحيى بن محمد بن سعد، أنا جعفر بن علي المقرئ، أنا السلفي، أنا بدر بن دلف، وعبد الرحمن بن حمدٍ، قالا: أنا أحمد بن الحسين، أنا الحافظ أبو بكر بن إسحاق، أخبرني الحسين بن محمد المكتب، ثنا موسى بن عيسى بن المنذر، قال: حدثنا أبي، ثنا بقية، حدثني صفوان بن عمرو، عن عبد الرحمن بن ميسرة أبي سلمة الحمصي، عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما تستقبل الشمس فيبقى شيءٌ من خلق الله إلا سبح إلا ما كان من الشطيان وأعتى بني آدم)) فسألت من أعتى بني آدم؟ فقال: ((شرار الخلق أو قال شرار خلق الله تعالى)).
هذا حديث حسن غريب لم يقع إلي إلا من هذا الوجه.
ووجدت له شاهداً عن ابن عمر سأذكره في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى وهو مبني على أحد التفسيرين في قوله ((تستقبل)) والله أعلم.
انتهى الجزء الثاني من نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار للحافظ ابن حجر ويليه الجزء الثالث وأوله المجلس -221-(2/444)
[[باب: ما يقول بعد زوال الشمس إلى العصر
لما روينا في كتاب الترمذي عن عبد الله بن السائب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي أربعاً بعد أن تزول الشمس قبل الظهر، وقال: ((إنها ساعةٌ تفتح فيها أبواب السماء، فأحب أن يصعد لي فيها عملٌ صالحٌ)) قال الترمذي: حديث حسن.
باب: ما يقوله بعد العصر إلى غروب الشمس
وروينا في كتاب ابن السني بإسناد ضعيف، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لأن أجلس مع قوم يذكرون الله عز وجل من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس، أحب إلي من أن أعتق ثمانيةً من ولد إسماعيل)).]]
(221)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم في يوم الثلاثاء سابع عشر ربيع الآخر من شهور سنة اثنتين وأربعين(3/5)
وثمانمئة، حدثنا شيخنا شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، أبو الفضل، إملاء من حفظه كعادته، قال وأنا أسمع:
قوله: (باب: ما يقول بعد زوال الشمس إلى العصر، لما رويناه في كتاب الترمذي عن عبد الله بن السائب .. .. إلى آخره).
أخبرني عبد الله بن عمر بن علي، أنا أحمد بن محمد بن عمر، أنا عبد اللطيف بن عبد المنعم، أنا أبو محمد الحربي، أنا أبو القاسم الكاتب، أنا أبو علي الواعظ، أنا أحمد بن جعفر بن حمدان، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا أبو داود الطيالسي، ثنا محمد بن مسلم بن أبي الوضاح، ثنا عبد الكريم الجرري، عن مجاهد، عن عبد الله بن السائب المخزومي، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قبل الظهر بعد زوال الشمس أربعاً، ويقول: ((إن أبواب السماء تفتح -يعني: حينئذٍ- فأحب أن أقدم فيها عملاً صالحاً)).
هذا حديث حسن، أخرجه الترمذي عن محمد بن المثنى.
والنسائي عن هارون بن عبد الله.
كلاهما عن أبي داود الطيالسي.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وفي رواية الترمذي يقول: ((إنها ساعةٌ تفتح فيها أبواب السماء)).
ولم أجد هذا الحديث في القطعة التي سمعناها من مسند أبي داود الطيالسي.
وللحديث شاهد عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد نصف(3/6)
النهار أربعاً، فقالت له عائشة: يا رسول الله أراك تستحب أن تصلي هذه الساعة، قال: ((تفتح فيها أبواب السماء، وينظر الله فيها بالرحمة إلى خلقه)).
أخرجه البزار.
ولبعضه شاهد آخر.
أخبرني الشيخ أبو إسحاق التنوخي، أنا أبو العباس الصالحي، أنا أبو المنجا بن اللتي، أنا أبو الوقت، أنا أبو الحسن بن المظفر، أنا أبو محمد بن حمويه، أنا إبراهيم بن خزيم، ثنا عبد بن حميد، ثنا علي بن عاصم، عن يحيى البكاء، قال: حدثني عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت [عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أربعٌ قبل الظهر بعد الزوال تحسب بمثلهن من [في] صلاة السحر)) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وليس من شيء إلا وهو يسبح الله تلك الساعة)) ثم قرأ: (تتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجداً لله وهم داخرون).
أخرجه الترمذي عن عبد بن حميد.
فوقع لنا موافقة عالية بدرجتين، وقال: غريب، وفي بعض النسخ: حسن غريب.
قوله: (باب ما يقول بعد العصر إلى غروب الشمس -إلى أن قال- و[روينا] في كتاب ابن السني بإسناد ضعيف عن أنس .. .. إلى آخره).
قرأت على المسندة فاطمة بنت محمد المقدسية بصالحية دمشق، عن أبي عبد الله بن الزراد قال: أخبرنا أبو عبد الله بن أبي الفتح، أتنا أم الحسن(3/7)
بنت أبي الحسن الأندلسي قالت: أنا أبو القاسم المستملي، أنا أبو سعد الأديب، أنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا أبو يعلى، ثنا أبو الربيع -يعني: الزهراني- وخلف بن هشام -يعني: المقرئ- فرقهما قال كل منهما: حدثنا حماد -هو ابن زيد- ثنا المعلى بن زياد عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لأن أقعد مع قومٍ يذكرون الله من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس أحب إلي من أن أعتق ثمانيةً من ولد إسماعيل)). زاد خلف في آخر: ((كلهم مسلمٌ)).
أخرجه ابن السني عن أبي يعلى على الموافقة.
ورجاله ثقات إلا الرقاشي، وهو يزيد بن أبان فقد ضعفوه.
ووقع لنا من وجه آخر عنه بعلو، وفي سياقه زيادة.
أخبرني أبو الحسن بن أبي المجد، عن أبي بكر الدشتي، أنا يوسف بن خليل الحافظ، أنا أبو المكارم اللبان، أنا أبو علي الحداد، أنا أبو نعيم، أنا عبد الله بن جعفر، ثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود الطيالسي، ثنا محمد -هو ابن مهزم- بكسر أوله وسكون ثانيه وفتح الزاي -الشعاب- بمعجمة ثم مهملة ثقيلة - ثنا يزيد بن أبان، عن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لأن أجالس أقواماً يذكرون الله من صلاة الغداة إلى طلوع الشمس أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، ولأن أذكر الله من صلاة العصر إلى غروب الشمس أحب إلي من أعتق ثمانيةً من ولد إسماعيل دية(3/8)
كل واحدٍ منهم اثنا عشر ألفاً)) قال: وههنا من يقول: أربعة من ولد إسماعيل، والله ما قال إلا ثمانية.
قلت: وقد تقدم من هذا المعنى المتعلق بالذكر بعد صلاة الصبح في بابه مستوفى، والله المستعان.(3/9)
[[باب: ما يقوله إذا سمع أذان المغرب
روينا في سنن أبي داود والترمذي، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول عند أذان المغرب: ((اللهم هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعاتك فاغفر لي)).
باب: ما يقوله بعد صلاة المغرب
ما رويناه في كتاب ابن السني عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاة المغرب يدخل فيصلي ركعتين ثم يقول فيما يدعو: ((يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك)).]]
(222)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا شيخنا، شيخ الإسلام، المشار إليه إملاء من حفظه كعادته في يوم الثلاثاء ثالث عشرين (رابع عشرين) من ربيع الآخر من شهور سنة اثنتين وأربعين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:(3/10)
قوله: (باب ما يقول إذا سمع أذان المغرب، روينا في سنن أبي داود والترمذي عن أم سلمة .. .. إلى آخره).
أخبرني الشيخ المسند أبو محمد عبد الله بن محمد الصالحي بها رحمه الله، أنا أبو عبد الله بن أبي الهيجاء إجازة إن لم يكن سماعاً، أنا محمد بن إسماعيل الخطيب، أتنا فاطمة بنت سعد الخير، قالت: أنا زاهر بن طاهر، أنا أبو سعد الكنجروذي، أنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا أبو يعلى، ثنا الحسين بن الأسود (ح).
وقرأته عالياً على فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي، عن ست الفقهاء بنت الواسطي عن كريمة بنت عبد الوهاب قالت: أنا أبو الحسن بن غيرة في كتابه، أنا أبو الفرج بن علان، أنا أبو عبد الله الجعفي، أنا أبو جعفر بن رباح، ثنا علي بن المنذر، قالا: ثنا محمد بن فضل، ثنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن حفصة بنت أبي كثير، عن أبيها أبي كثير، قال: علمتني أم سلمة رضي الله عنها قالت: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قولي يا أم سلمة عند أذان المغرب: اللهم هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعاتك وحضور صلواتك أسألك أن تغفر لي)).
هذا حديث غريب، أخرجه الترمذي عن الحسين بن علي بن الأسود، وهو الذي وقع في روايتنا منسوباً إلى جده.
فوقع لنا موافقة عالية بدرجة، وبدلاً عالياً بدرجتين من الطريق الثانية.
قال الترمذي: غريب، وحفصة لا تعرف ولا أبوها.
قلت: لم تنفرد به حفصة ولا الراوي عنها، فقد أخرجه أبو داود والحاكم في المستدرك من رواية المسعودي عن أبي كثير باللفظ الذي ساقه(3/11)
المصنف، ليس فيه: ((وحضور صلواتك)) وفي آخره: ((اغفر لي)).
وأبو كثير بالمثلثة ما عرفت اسمه ولا حاله، لكنه وصف بأنه مولى أم سلمة، فيمكن تحسين حديثه.
قال المزي في ((الأطراف)): رواه يحيى الكرماني، عن ابن فضيل، فسمى المرأة حميضة، ورواه يزيد بن سفيان، عن عبد الرحمن بن إسحاق، فلم يسمها، وحذف أباها من السند.
قلت: ورواه أبو نعيم الطحان عن ابن فضيل، فوافق على اسمها، لكن قال: عن أمها.
أخرجه الطحاوي.
والمحفوظ الأول.
قوله: (باب ما يقول بعد صلاة المغرب -إلى أن قال- روينا في كتاب ابن السني عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاة المغرب يدخل فيصلي ركعتين ثم يقول فيما يدعو: ((يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك)) ).
قلت: بقية الحديث: فقلت: يا رسول الله! أتخشى على قلوبنا من شيء؟ قال: ((ما من إنسانٍ إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع الله عز وجل، فإن استقام أقامه وإن زاغ أزاغه)).(3/12)
أخرجه من طريق سعد بن الصلت، عن عطاء بن عجلان.
وعطاء كذبوه.
وقد وقع لي من وجه آخر بسند حسن إلى أم سلمة دون التقييد بالمحل.
أخبرني أبو الحسن علي بن محمد الخطيب، عن أبي بكر الدشتي، أنا يوسف بن خليل الحافظ، أنا خليل بن بدر، أنا أبو علي الحداد، أنا أبو نعيم، أنا أبو محمد بن فارس، ثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود الطيالسي، ثنا أبو كعب، عن شهر بن حوشب، قال: دخلت على أم سلمة رضي الله عنها، فقلت: أخبريني بأكثر ما كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: كان أكثر ما كان يدعو به: ((يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)) فقلت: يا رسول الله إنك تكثر أن تدعو بهذا، فقال: ((إن قلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن)).
وقرأته أتم من هذا على الشيخ أبي إسحاق التنوخي، عن أبي العباس بن الشحنة سماعاً، أنا ابن اللتي، أنا أبو الوقت، أنا ابن المظفر، أنا ابن حمويه، أنا ابن خزيم، ثنا عبد بن حميد، ثنا أحمد بن يونس، ثنا عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب قال: سمعت أم سلمة رضي الله عنها تحدث فذكر نحوه. وزاد في آخره: ((فإن شاء أقامه، وإن شاء أزاغه فنسأل الله ربنا أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا منه رحمةً إنه هو الوهاب)).
هذا حديث حسن.
أما الطريق الأولى فأخرجها الترمذي عن محمد بن المثنى، عن معاذ بن معاذ، عن أبي كعب صاحب الحرير، واسمه عبد ربه بن عبيد، وهو بصري ثقة.(3/13)
فوقع لنا عالياً بدرجتين.
وذكر الدعاء الذي في آخر الرواية الثانية من قول معاذ، فكأنه مدرج فيها.
وأخرجه أحمد عن معاذ.
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأما الطريق الثانية فأخرجها أحمد أيضاً عن أبي النضر هاشم بن القاسم، عن عبد الحميد.
فوقع لنا بدلاً عالياً أيضاً.
ووقع في رواية الترمذي وصف أم سلمة بأنها أم المؤمنين، فانتفى ظن من قال: إنها أسماء بنت يزيد، وبالله التوفيق.
[[وروينا في كتاب الترمذي عن عمارة بن شبيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيءٍ قديرٌ عشر مراتٍ على أثر المغرب، بعث الله تعالى له مسلحةً يتكفلونه من الشيطان حتى يصبح، وكتب الله له بها عشر حسناتٍ موجبات، ومحا عنه عشر سيئاتٍ موبقاتٍ، وكانت له بعدل عشر رقابٍ مؤمناتٍ)) قال الترمذي: لا نعرف لعمارة بن شبيب سماعاً من النبي صلى الله عليه وسلم.]](3/14)
(223)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم في يوم الثلاثاء أول جمادى الأولى من شهور سنة اثنتين وأربعين وثمانمئة، حدثنا شيخنا سيدنا، ومولانا، قاضي القضاة، أبو الفضل، شيخ الإسلام، الشهابي، أحمد العسقلاني، إمام الحفاظ إملاء من لفظه وقراءة من المستملي عليه، قال وأنا أسمع:
قال الترمذي بعد تخريجه: وفي الباب عن عائشة والنواس بن سمعان وأنس وجابر وعبد الله بن عمرو ونعيم بن همار.(3/15)
وأخرج حديث أنس في كتاب القدر ومعه حديث جابر ثم قال: وفي الباب عن عائشة والنواس بن سمعان وأم سلمة.
وقد سقت حديث أم سلمة ومن ذكر معها في المجلس الثالث عشر والذي بعده من أصل الأمالي، وزدت عليه حديث عاصم بن كليب عن أبيه عن جده.
قوله: (وروينا في كتاب الترمذي عن عمارة بن شبيب السبئي -بفتح المهملة والموحدة مهموز- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .. .. إلى آخره).
أخبرني عبد الله بن خليل الحرستاني ثم الصالحي بها سماعاً عليه فيما أحسب، وإلا فالإجازة عن عائشة بنت المسلم قالت: أنا عبد الله بن أبي الفهم، أنا أبو القاسم بن أسعد، أنا أبو طالب بن يوسف، أنا عبد العزيز بن علي، أنا الحسن بن جعفر، ثنا جعفر بن محمد الفريابي، ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا الليث بن سعد عن الجلاح -بضم الجيم وتخفيف اللام وآخره مهملة- أبي كثير، ثنا أبو عبد الرحمن الحبلى -بضم المهملة والموحدة ولام خفيفة- عن عمارة بن شبيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيءٍ قديرٌ عشر مراتٍ على أثر المغرب، بعث الله له مسلحةً يحفظونه من الشيطان حتى يصبح، ويكتب له بها عشر حسناتٍ موجبات، ويمحو بهن عنه عشر سيئاتٍ موبقاتٍ، وكن له كعدل عشر رقابٍ مؤمناتٍ)).(3/16)
وبه إلى الفريابي قال: حدثنا أحمد بن عيسى، ثنا عبد الله بن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث أن الجلاح حدثه، أن أبا عبد الرحمن المعافري، حدثه أن عمارة السبأي، حدثه أن رجلاً من الأنصار حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال بعد المغرب أو الصبح)) فذكر الحديث مثله، لكن قال: ((يحرسونه)) وقال: ((وكتب له بها عشر رقابٍ)).
هذا حديث حسن أخرجه البخاري في التاريخ، والترمذي والنسائي جميعاً عن قتيبة.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأخرجه النسائي عن أبي الطاهر بن السرح عن ابن وهب.
فوقع لنا بدلاً عالياً، ووقع في روايته ((عمار)) بدل ((عمارة)).
وعلقه البخاري لابن وهب ووقع عنده ((عمار أو عمارة)) بالشك.
وترجيح ابن عساكر الذي نقله عنه الشيخ ذكره في الأطراف، وتبعه المزي.
وعمارة ذكره في الصحابة الترمذي وابن السكن وابن منده وأبو نعيم.
وقال الترمذي ما نقله الشيخ.
وقال أبو حاتم الرازي: كتبنا حديثه في المسند ظناً.
وقال ابن حبان: من زعم أن له صحبة فقد وهم.
وقال ابن السكن: لم يثبت حديثه.
كأنه أشار إلى هذا الاختلاف، وهو غير قادح، فإن رجاله ثقات من(3/17)
الوجهين، وهب أن عمارة ليس صحابيا، فالأنصاري الذي حدثه صحابي، وإبهام الصحابي لا يضر.
وقد وجدت معنى هذا الحديث من رواية صحابيين من الأنصار يمكن أن يفسر هذا المبهم بأحدهما.
أحدهما: أبو عياش أو ابن عياش، وقد تقدم حديثه فيما يقال بعد الصباح وبعد المساء.
والثاني: أبو أيوب الأنصاري.
قرأت على فاطمة بنت المنجا عن سليمان بن حمزة، أنا أبو عبد الله الحافظ، أنا أبو جعفر الصيدلاني، أتنا فاطمة الجوزذانية قالت: أنا أبو بكر بن زيذة، أنا الطبراني، ثنا أبو خليفة، ثنا علي بن المديني، ثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، ثنا أبي، حدثني ابن إسحاق، حدثني يزيد بن يزيد بن جابر، عن مكحول، عن عبد الله بن يعيش، عن أبي أيوب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عشرٌ من قالهن في دبر صلاته إذ صلى، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قديرٌ كتب الله له عشر حسناتٍ، ومحا عنه عشر سيئاتٍ، ورفع له عشر درجاتٍ، وكن له مثل عشر رقابٍ، وكن له حرزاً من الشيطان حتى يمسي، وإن قالهن حين يمسي كن له مثل ذلك حتى يصبح)).
هذا حديث حسن من هذا الوجه، أخرجه ابن حبان في صحيحه عن أبي خليفة.
فوقع لنا موافقة عالية.
وأصله في الصحيحين من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن(3/18)
أبي أيوب، وسياقه في الثواب مغاير لهذا، لكنه غير مقيد بالزمان.
ودل قوله في روايتنا: ((حتى يمسي)) على أن قوله: ((في دبر صلاته)) يراد بها صلاة الصبح بقرينة قوله في مقابله: ((حتى يصبح)) وعلى أن قوله في رواية عمارة عن الأنصاري ((بعد المغرب أو الصبح)) ليس ذلك للشك، بل للتنويع، والله أعلم.(3/19)
[[باب: ما يقرؤه في صلاة الوتر وما يقوله بعدها
السنة لمن أوتر بثلاث ركعات أن يقرأ في الأولى بعد الفاتحة: {سبح اسم ربك الأعلى} وفي الثانية {قل يا أيها الكافرون} وفي الثالثة: {قل هو الله أحدٌ} والمعوذتين. فإن نسي {سبح} في الأولى، أتى بها مع {قل يا أيها الكافرون} في الثانية، وكذا إذا نسي في الثانية {قل يا أيها الكافرون} أتى بها في الثالثة مع {قل هو الله أحد} والمعوذتين.
وروينا في سنن أبي داود والنسائي وغيرهما بالإسناد الصحيح، عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم في الوتر قال: ((سبحان الملك القدوس)) وفي رواية النسائي وابن السني ((سبحان الملك القدوس ثلاث مراتٍ)).]]
(224)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثم حدثنا شيخنا، سيدنا، ومولانا، قاضي القضاة، أبو الفضل، شيخ الإسلام، الشهابي، العسقلاني، إمام الحفاظ -أمتع الله بوجوده- إملاء من(3/20)
حفظه كعادته في يوم الثلاثاء ثامن شهر جمادى الأولى من شهور سنة اثنتين وأربعين وثمانمئة، قال وأنا أسمع:
قوله: (باب: ما يقرأ في صلاة الوتر وما يقوله بعدها، السنة إن أوتر بثلاث ركعات أن يقرأ .. .. إلى آخره).
قلت: تقدم هذا في باب القراءة بعد التعوذ.
وقوله هنا: فإن نسي إلى آخره) من تفقهه وليس من بقية الحديث.
قوله: (وروينا في سنن أبي داود والنسائي وغيرهما بالإسناد الصحيح عن أبي بن كعب .. .. إلى آخره).
أخبرني أبو المعالي الأزهري، أنا أبو العباس الحلبي، أنا أبو الفرج الحراني، أنا أبو محمد الحربي، أنا أبو القاسم الكاتب، أنا أبو علي الواعظ، أنا أبو بكر بن مالك، أنا أبو عبد الرحمن الشيباني، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا محمد بن أبي عبيدة بن معن -يعني: ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود المسعودي- ثنا أبي أبو عبيدة -واسمه عبد الملك- ثنا الأعمش، عن طلحة الأيامي -بكسر الهمزة وتخفيف الياء التحتانية- عن ذر -هو ابن عبد الله- عن ابن عبد الرحمن بن أبزى -بفتح الهمزة وسكون الموحدة بعدها زاي مقصور- عن أبيه، عن أبي بن كعب رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر {سبح اسم ربك الأعلى} و{قل يا أيها الكافرون} و{قل هو الله أحدٌ} وإذا سلم قال: ((سبحان الملك القدوس)) ثلاث مرات.
هذا حديث صحيح، أخرجه أبو داود عن عثمان بن أبي شيبة، عن محمد بن أبي عبيدة مختصره.(3/21)
فوقع لنا بدلاً عالياً.
وأخرجه النسائي والدارقطني من طرق أخرى عن سعيد بن عبد الرحمن.
وصححه ابن حبان، فأخرجه من وجه آخر عن محمد بن أبي عبيدة.
قوله: (في رواية ابن السني قال: ((سبحان الملك القدوس)) ثلاث مرات).
قلت: أخرجه النسائي، فعزوه إليه أولى، وقد وقع ذكره في بعض النسخ.
وابن السني إنما أخرجه عن النسائي.
أخبرني الشيخ أبو إسحاق التنوخي، أنا أيوب بن نعمة النابلسي، أنا إسماعيل بن أحمد، عن عبد الرزاق بن إسماعيل ومحمد بن عبد الخالق قالا: أنا أعبد الرحمن بن حمد، أنا أبو الحسين الكسار، أنا أبو بكر بن السني، أنا أبو عبد الرحمن النسائي، أنا يحيى بن موسى، ثنا عبد العزيز بن خالد، ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن عزرة، عن سعيد بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبيٍ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر بـ {سبح اسم ربك الأعلى} وفي الركعة الثانية بـ {قل يا أيها الكافرون} وفي الثالثة بـ {قل هو الله أحدٌ} ولا يسلم إلا في آخرهن ويقول بعد التسليم: سبحان الملك القدوس)) ثلاثاً.
هكذا أخرجه النسائي في الصغرى والكبرى.(3/22)