انْتهى مَا ذكرهمَا بِهِ.
وَلم يعرف بِشَيْء من أحوالهما، فهما مَجْهُولا الْأَحْوَال، وَالله أعلم.
(1123) وَذكر أَيْضا من مراسل أبي دَاوُد، عَن سعيد بن العَاصِي، قَالَ: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا خرج من الْمَدِينَة قصر بالعقيق، فَإِذا خرج من مَكَّة قصر بِذِي طوى ".
ثمَّ أتبعه قَول أبي دَاوُد: رُوِيَ مُسْندًا وَلَا يَصح.
هَذَا مَا ذكره بِهِ، وَهُوَ كَمَا ذكر، إِلَّا أَنه لم يبين مَوضِع انْقِطَاعه.
وَسَعِيد بن العَاصِي صَحَابِيّ، وَهُوَ ابْن العَاصِي [بن سعيد بن العَاصِي] ابْن أُميَّة بن عبد شمس.
وَمَعَ أَنه صَحَابِيّ فَإِنَّهُ يروي عَن عمر.
والانقطاع فِيهِ هُوَ مَا بَين أَيُّوب بن مُوسَى بن عَمْرو بن سعيد بن العَاصِي، وجده سعيد بن العَاصِي الْمَذْكُور.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا النُّفَيْلِي، حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم، عَن الضَّحَّاك بن عُثْمَان، عَن أَيُّوب بن مُوسَى، عَن سعيد بن العَاصِي.
فَقَوْل أبي دَاوُد: " رُوِيَ مُسْندًا "، إِنَّمَا يَعْنِي بِهِ أَنه رُوِيَ مُتَّصِلا، فَاعْلَم ذَلِك.(3/381)
(1124) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، من حَدِيث صغدي بن سِنَان، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن فضاء، عَن أَبِيه، عَن عَلْقَمَة بن عبد الله، عَن أَبِيه، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا لم يقدر أحدكُم على الأَرْض، إِذا كُنْتُم فِي طين أَو قصب، أوموا بهَا إِيمَاء ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا الْإِسْنَاد من أَضْعَف إِسْنَاد، وَفِي بعض أَلْفَاظه من الزِّيَادَة [" أَو مَاء أَو ثلج ".
هَكَذَا قَالَ، وَهُوَ صَحِيح من القَوْل، وَلَكِن بَقِي عَلَيْهِ: أَيْن هُوَ ضعفه؟
فَاعْلَم] أَن فضاء الْأَزْدِيّ الْجَهْضَمِي، وَالِد مُحَمَّد بن فضاء مَجْهُول الْحَال، وَلَا يعرف روى عَنهُ إِلَّا ابْنه مُحَمَّد بن فضاء.
وَابْنه مُحَمَّد بن فضاء الْمعبر، ضَعِيف، كَانَ سُلَيْمَان بن حَرْب سيئ الرَّأْي فِيهِ، وَكَانَ يَقُول عَنهُ: إِنَّه كَانَ يَبِيع الشَّرَاب.
وَقَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِشَيْء.
وصغدي بن سِنَان ضَعِيف أَيْضا، وَقَالَ فِيهِ ابْن معِين: لَيْسَ بِشَيْء.(3/382)
وَيَرْوِيه عَن صغدي بن سِنَان، زيد بن الْحَرِيش، وَهُوَ أَيْضا مَجْهُول الْحَال.
(1125) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ، عَن أبي بن كَعْب، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كَانَ يقْرَأ فِي الْوتر بسبح، وَفِي الثَّانِيَة بقل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ، وَفِي الثَّالِثَة بقل هُوَ الله أحد، ويقنت قبل الرُّكُوع " / الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ بعده: وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي حَدِيث عَائِشَة: " وَفِي الثَّالِثَة بقل هُوَ الله أحد، والمعوذتين ".
وَحَدِيث النَّسَائِيّ أصح إِسْنَادًا.
كَذَا قَالَ، وَهُوَ كَمَا ذكر، وَلكنه لم يبين عِلّة حَدِيث عَائِشَة، فَاعْلَم أَن التِّرْمِذِيّ ذكره هَكَذَا: حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن حبيب بن الشَّهِيد الْبَصْرِيّ، حَدثنَا مُحَمَّد بن سَلمَة الْحَرَّانِي، عَن خصيف، عَن عبد الْعَزِيز بن جريج، قَالَ: سَأَلنَا عَائِشَة، بِأَيّ شَيْء كَانَ يُوتر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؟ قَالَت:
(1126) " كَانَ يقْرَأ فِي الأولى بسبح اسْم رَبك الْأَعْلَى، وَفِي الثَّانِيَة بقل يَا أَيهَا / الْكَافِرُونَ، وَفِي الثَّالِثَة بقل هُوَ الله أحد، والمعوذتين ".(3/383)
وَقَالَ فِيهِ: حسن غَرِيب، وَقد روى يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ هَذَا الحَدِيث، عَن عمْرَة، عَن عَائِشَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. انْتهى كَلَام التِّرْمِذِيّ.
فَأَقُول: إِنَّمَا لَا يُقَال: هَذَا الحَدِيث صَحِيح، لمَكَان خصيف بن عبد الرَّحْمَن ابْن أبي عون الْجَزرِي، فَإِن حفظه رَدِيء سيئ.
وَفِيه مَعَ ذَلِك قَول عبد الْعَزِيز بن جريج: سَأَلنَا عَائِشَة، فقد زعم قوم أَنه لم يسمع مِنْهَا.
وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِك أَحْمد بن عبد الله بن صَالح الْكُوفِي ذكره عَنهُ المنتجالي فِي كِتَابه صَحِيحا عَنهُ، وَلَو جَاءَ قَوْله: سَأَلنَا عَائِشَة عَن غير خصيف مِمَّن يوثق بِهِ، صَحَّ سَمَاعه مِنْهَا.
وَإِلَى ذَلِك فَإِنَّهُ - أَعنِي عبد الْعَزِيز بن جريج وَالِد عبد الْملك - لَا يُتَابع على حَدِيثه. قَالَه البُخَارِيّ.
وَأما مَا ذكر التِّرْمِذِيّ من رِوَايَة يحيى بن سعيد، عَن عمْرَة، عَن عَائِشَة، فَإِنَّهُ لم يُوصل إِلَيْهِ إِسْنَادًا، وَلَا أعرفهُ من غير رِوَايَة يحيى بن أَيُّوب.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: [حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الأدمِيّ، قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن مَنْصُور] قَالَ: حَدثنَا سعيد بن عفير، قَالَ: أَخْبرنِي يحيى(3/384)
ابْن أَيُّوب، عَن يحيى بن سعيد، عَن عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن، عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كَانَ يقْرَأ فِي الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ / يُوتر بعدهمَا، بسبح اسْم رَبك الْأَعْلَى، وَقل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ، وَيقْرَأ فِي الْوتر، قل هُوَ الله أحد، وَقل أعوذ بِرَبّ الفلق، وَقل أعوذ بِرَبّ النَّاس ".
[حَدثنَا الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل، حَدثنَا أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ، حَدثنَا سعيد بن عفير، عَن يحيى بن أَيُّوب، فَذكره] .
حَدثنَا الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل، حَدثنَا أَبُو إِسْمَاعِيل التِّرْمِذِيّ، حَدثنَا ابْن أبي مَرْيَم، حَدثنَا يحيى بن أَيُّوب، فَذكره.
(1127) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن عبد الرَّحْمَن - يَعْنِي ابْن إِسْحَاق - عَن ابْن زيد - وَهُوَ مُحَمَّد - عَن ابْن سيلان - واسْمه عبد ربه - عَن(3/385)
أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تدعوهما وَإِن طردتكم الْخَيل ".
ثمَّ قَالَ: لَيْسَ إِسْنَاده بِقَوي.
كَذَا قَالَ، وَلم يبين مَوضِع علته، وسمى ابْن سيلان عبد ربه.
فَأَقُول - وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق -: جَابر بن سيلان، يروي عَن ابْن مَسْعُود، روى عَنهُ مُحَمَّد بن زيد بن المُهَاجر [كَذَا ذكره ابْن أبي حَاتِم.
وَذكره الدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَ: يروي عَن أبي هُرَيْرَة، روى عَنهُ مُحَمَّد بن زيد ابْن مهَاجر] .
وَقَالَ ابْن الفرضي: روى عَن ابْن مَسْعُود وَأبي هُرَيْرَة.
فعلى هَذَا، يشبه أَن يكون هَذَا الَّذِي لم يسم فِي الْإِسْنَاد جَابِرا هَذَا، وَهُوَ غَالب الظَّن.
وَهُنَاكَ أَيْضا عبد ربه بن سيلان، مدنِي، سمع أَبَا هُرَيْرَة، روى عَنهُ أَيْضا مُحَمَّد بن زيد بن مهَاجر، ذكره بِهَذَا ابْن أبي حَاتِم وَابْن الفرضي وَغَيرهمَا.
وَلما ذكر ابْن الفرضي عبد ربه هَذَا قَالَ: أَظُنهُ أَخا عِيسَى بن سيلان.
وَأيهمَا كَانَ، من عبد ربه أَو جَابر، فحاله مَجْهُولَة لَا تعرف.(3/386)
وَإِلَى ذَلِك فَإِن عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق، هُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ عباد الْمُقْرِئ ".
قَالَ يحيى الْقطَّان: سَأَلت عَنهُ بِالْمَدِينَةِ فَلم أرهم يحمدونه.
وَقَالَ أَحْمد: روى عَن أبي الزِّنَاد أَحَادِيث مُنكرَة.
وَغَيرهمَا يوثقه.
وَهُوَ عِنْدهم نَحْو مُحَمَّد بن إِسْحَاق فِي حَاله، وَلَيْسَ مِنْهُ بِنسَب.
وَزعم ابْن عُيَيْنَة أَنه كَانَ قدريا، نَفَاهُ أهل الْمَدِينَة، فَنزل مَاء هَاهُنَا مقتل الْوَلِيد فَلم نجالسه.
وَأخرج لَهُ مُسلم.
(1128) وَقد ذكر أَبُو مُحَمَّد فِي الِاعْتِكَاف، حَدِيث عَائِشَة الَّذِي فِيهِ: " السّنة فِي الْمُعْتَكف أَن لَا يعود / مَرِيضا " الحَدِيث.(3/387)
ثمَّ رده بِأَن قَالَ: عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق لَا يحْتَج بحَديثه.
(1129) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا، عَن قيس بن عَمْرو - وَيُقَال: قيس بن قهد - حَدِيث الَّذِي صلى بعد الصُّبْح رَكْعَتَيْنِ، فَلم يقل لَهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
ثمَّ قَالَ بإثره: لَيْسَ هَذَا الحَدِيث بِمُتَّصِل، ذكر ذَلِك التِّرْمِذِيّ.
كَذَا قَالَ، وَهُوَ كَمَا / ذكر، إِلَّا أَنه لم يبين مَوضِع انْقِطَاعه.
وَبَيَان ذَلِك هُوَ أَن إِسْنَاده هُوَ هَذَا: قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا عُثْمَان بن أبي شيبَة، حَدثنَا عبد الله بن نمير، عَن سعد بن سعيد، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم، عَن قيس بن عَمْرو، فَذكره.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم لم يسمع من قيس بن عَمْرو، وَيُقَال: قيس بن قهد.
وَفصل ابْن السكن بَينهمَا، فجعلهما رجلَيْنِ - أَعنِي قيس بن عَمْرو، وَقيس ابْن قهد - وَفِي سعد بن اخْتِلَاف، وَلم يعرض لَهُ، فَاعْلَم ذَلِك.(3/388)
(1130) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عمر، حَدِيث: " لَا صَلَاة بعد الْفجْر إِلَّا سَجْدَتَيْنِ ". وَأتبعهُ قَوْله فِيهِ: غَرِيب.
ثمَّ قَالَ أَبُو مُحَمَّد: إِنَّه رُوِيَ من طرق فِيهَا ضعفاء - سماهم - وأحسنها حَدِيث التِّرْمِذِيّ.
وَقد كتبناه فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أتبعهَا رِوَايَة رُوَاة، أوهم أَنَّهَا عَنْهُم، وَلَيْسَت عَن أحد مِنْهُم.
ونريد مِنْهُ الْآن تَبْيِين عِلّة الْخَبَر الْمَذْكُور، فَنَقُول: قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَحْمد بن عَبدة الضَّبِّيّ، حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، عَن قدامَة بن مُوسَى، عَن مُحَمَّد بن الْحصين، عَن أبي عَلْقَمَة، عَن يسَار مولى ابْن عمر - عَن ابْن عمر، فَذكره.
وكل من فِي هَذَا الْإِسْنَاد مَعْرُوف مَشْهُور، إِلَّا مُحَمَّد بن الْحصين، فَإِنَّهُ مُخْتَلف فِيهِ، ومجهول الْحَال مَعَ ذَلِك.
كَانَ عمر بن عَليّ الْمقدمِي، وَعبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد الدَّرَاورْدِي يَقُولَانِ:(3/389)
عَن قدامَة بن مُوسَى، عَن مُحَمَّد بن حُصَيْن، وَكَانَ وهيب، وَحميد بن الْأسود يَقُولَانِ: عَن قدامَة بن مُوسَى، عَن أَيُّوب بن حُصَيْن.
وَقَالَ عُثْمَان بن عمر: حَدثنَا قدامَة بن مُوسَى، قَالَ: حَدثنَا رجل من بني حَنْظَلَة.
ذكر هَذَا / الْخلاف فِيهِ البُخَارِيّ، وَلم يعرف هُوَ وَلَا ابْن أبي حَاتِم من حَاله بِشَيْء، فَهِيَ عِنْدهمَا مَجْهُولَة.
وَذكر أَبُو دَاوُد رِوَايَة وهيب، عَن قدامَة، عَن أَيُّوب بن حُصَيْن، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهَا البُخَارِيّ، وَلَفظه: " ليبلغ شاهدكم غائبكم، لَا تصلوا بعد الْفجْر إِلَّا سَجْدَتَيْنِ ".
(1131) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار وَأبي دَاوُد، عَن أبي الدَّرْدَاء، قَالَ: أَوْصَانِي خليلي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِثَلَاث.
ذكره فِي صَلَاة الضُّحَى، ثمَّ قَالَ عَن الْبَزَّار: إِسْنَاده حسن.(3/390)
وَلم يبين لم لَا يَصح.
وَإِسْنَاده هُوَ هَذَا: قَالَ الْبَزَّار: حَدثنَا عبد الله بن أَحْمد بن شبويه [أَبُو الْحَيَّانِ] حَدثنَا أَبُو الْيَمَان، حَدثنَا صَفْوَان بن عَمْرو، عَن أبي إِدْرِيس السكونِي، عَن جُبَير بن نفير، عَن أبي الدَّرْدَاء.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا عبد الْوَهَّاب بن نجدة، حَدثنَا أَبُو الْيَمَان، فَذكره.
وَقد يظنّ من لَا يُحَقّق أَن أَبَا إِدْرِيس السكونِي الْمَذْكُور فِيهِ، هُوَ الْخَولَانِيّ، قَاضِي عبد الْملك بن مَرْوَان، لِكَثْرَة رِوَايَته عَن أبي الدَّرْدَاء.
وَيكون ذَلِك مِمَّن ظَنّه خطأ، فَإِن هَذَا السكونِي إِنَّمَا يروي عَن جُبَير بن نفير، عَن أبي الدَّرْدَاء، وَلَا يعرف روى عَنهُ غير صَفْوَان بن عَمْرو فحاله مَجْهُولَة.
وَإِنَّمَا هُوَ عِنْده حسن، بِاعْتِبَار الِاخْتِلَاف فِي قبُول أَخْبَار المساتير، للْخلاف فِي أصل قبله، وَهُوَ من علم إِسْلَامه، هَل تقبل رِوَايَته وشهادته مَا لم يظْهر من حَاله مَا يمْنَع من ذَلِك، أَو يبتغى وَرَاء الْإِسْلَام مزِيد، هُوَ الْمعبر عَنهُ بِالْعَدَالَةِ؟
وَإِلَى هَذَا، فَإِنَّهُ قد أبعد فِيهِ الانتجاع، وَقد ذكره مُسلم من أحسن من هَذَا الطَّرِيق، وَقد ذكرنَا ذَلِك فِي بَابه، فاعلمه.(3/391)
(1132) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن كَعْب بن عجْرَة: " صلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي مَسْجِد بني عبد الْأَشْهَل الْمغرب، فَرَأى نَاسا يتنفلون، فَقَالَ: عَلَيْكُم بِهَذِهِ الصَّلَاة فِي الْبيُوت ".
وَأتبعهُ قَول التِّرْمِذِيّ فِيهِ: غَرِيب.
وَالصَّحِيح مَا روى ابْن عمر أَنه عَلَيْهِ السَّلَام / " كَانَ يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ بعد / الْمغرب فِي بَيته ".
هَذَا نَص مَا أورد، وَهُوَ كَمَا قَالَ، إِلَّا أَنه لم يبين مَوضِع الْعلَّة، وَهِي الْجَهْل بِحَال إِسْحَاق بن كَعْب بن عجْرَة، رَاوِيه عَن أَبِيه، وَلَا يعرف روى عَنهُ غير ابْنه سعد بن إِسْحَاق، وَهُوَ ثِقَة.
وَقد صرح بِهَذِهِ الْعلَّة فِي كِتَابه الْكَبِير إِثْر هَذَا الحَدِيث، فَاعْلَم ذَلِك.
(1133) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار، عَن منْدَل، عَن مُحَمَّد بن عبيد الله،(3/392)
عَن أَبِيه، عَن جده أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " اغْتسل للعيدين " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده ضَعِيف.
كَذَا قَالَ: وَلم يُفَسر علته، وَهِي ضعف مُحَمَّد بن عبيد الله بن أبي رَافع.
قَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِشَيْء.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: ضَعِيف الحَدِيث جدا، ذَاهِب.
وَقَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث.
ومندل بن عَليّ، أحسن حَالا مِنْهُ، وَإِن كَانَ أَيْضا ضَعِيفا، فَاعْلَم ذَلِك.
(1134) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لم يسْجد فِي شَيْء من الْمفصل، مُنْذُ تحول إِلَى الْمَدِينَة ".
ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده لَيْسَ بِقَوي، ويروى مُرْسلا.
وَالصَّحِيح مَا تقدم، يَعْنِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي سُجُود النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي {إِذا السَّمَاء انشقت} و {اقْرَأ} وإسلامه مُتَأَخّر.
هَذَا مَا ذكر: وَإنَّهُ لعِلَّة بَيِّنَة، وَلَكِن مَعَ ذَلِك نبين مَا عدم إِسْنَاده من الْقُوَّة، لست أَعنِي من جِهَة مَا يرْوى مُرْسلا، فَإِن هَذَا عِنْدِي لَا يضرّهُ، وَلَكِن من(3/393)
جِهَة أَنه من رِوَايَة أبي قدامَة، عَن مطر الْوراق، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس.
ومطر الْوراق كَانَ يشبه فِي سوء الْحِفْظ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى.
وَقد عيب على مُسلم إِخْرَاج حَدِيثه.
وَأَبُو قدامَة الْحَارِث بن عبيد قَالَ فِيهِ بن حَنْبَل: مُضْطَرب الحَدِيث.
وَهَذَا عِنْدهم إِنَّمَا يكون أَيْضا من سوء الْحِفْظ.
وَضَعفه ابْن معِين وَقَالَ فِيهِ السَّاجِي: صَدُوق، عِنْده مَنَاكِير.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم البستي: كَانَ شَيخا صَالحا مِمَّن كثر وهمه، فَاعْلَم ذَلِك /.
(1135) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا، عَن رجل، عَن ابْن عمر، قَالَ: صليت خلف رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَمَعَ أبي بكر، وَعمر، وَعُثْمَان، فَلم يسجدوا حَتَّى تطلع الشَّمْس.
وَقَالَ فِي إِسْنَاده: ضَعِيف، بك مَتْرُوك؛ فِي إِسْنَاده أَبُو بَحر: عبد الرَّحْمَن ابْن عُثْمَان البكراوي. انْتهى قَوْله.(3/394)
وَلم يبين مِنْهُ عِلّة الْخَبَر الَّتِي بِهِ سوى الِانْقِطَاع بِهَذَا الرجل، فَإِن البكراوي لم يتَقَدَّم لَهُ فِيهِ قَول.
وَلكنه لما ذكر فِي الْأَشْرِبَة حَدِيث عَائِشَة:
(1136) " كنت آخذ قَبْضَة من تمر وقبضة من زبيب، فألقيه فِي إِنَاء، فأمرسه ثمَّ أسقيه النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ".
قَالَ بإثره: فِي إِسْنَاده أَبُو بَحر البكراوي، وَهُوَ ضَعِيف عِنْدهم. انْتهى قَوْله.
وَهُوَ كَمَا ذكر ضَعِيف، وَقد صرح البستي بعلة ضعفه، فَقَالَ: مُنكر الحَدِيث.
وَأما هَذَا الرجل الَّذِي يرويهِ عَن ابْن عمر فَلَا يعرف.
وَهُوَ اختصر الحَدِيث - أَعنِي أَبَا مُحَمَّد -.
وَنَصه عِنْد أبي دَاوُد هَكَذَا: حَدثنَا عبد الله بن الصَّباح الْعَطَّار، قَالَ: حَدثنَا أَبُو بَحر، قَالَ: حَدثنَا ثَابت بن عمَارَة، قَالَ: حَدثنَا أَبُو تَمِيمَة الهُجَيْمِي قَالَ: لما بعثنَا الركب - قَالَ أَبُو دَاوُد: يَعْنِي إِلَى الْمَدِينَة - قَالَ: كنت أقص بعد صَلَاة الصُّبْح، فأسجد، فنهاني ابْن عمر، فَلم أنته، ثَلَاث مَرَّات، ثمَّ عَاد فَقَالَ: " إِنِّي صليت خلف رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَمَعَ أبي بكر، وَعمر، وَعُثْمَان - رَضِي الله عَنْهُم - فَلم يسجدوا حَتَّى تطلع الشَّمْس ".(3/395)
(1137) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار عَن أبي هريره، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كَانَ يقلم / أَظْفَاره، ويقص شَاربه يَوْم الْجُمُعَة قبل أَن يخرج إِلَى الصَّلَاة ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا يرويهِ إِبْرَاهِيم بن قدامَة الجُمَحِي، عَن الْأَغَر، عَن أبي هُرَيْرَة، وَلم يُتَابع إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ.
كَذَا ذكره، وَلم يذكر بِهَذَا الْكَلَام علته فِي الْحَقِيقَة، وَإِنَّمَا هِيَ أَن إِبْرَاهِيم هَذَا لَا يعرف، وَلَا أعرف أحدا مِمَّن صنف فِي الرِّجَال ذكره.
وَلما ذكر الْبَزَّار هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة عَتيق بن يَعْقُوب الزبيرِي عَنهُ - بعد حَدِيث /.
(1138) كَانَ إِذا أَصَابَهُم الْمَطَر، وسالت الميازيب، قَالَ: " لَا مَحل عَلَيْكُم الْعَام ".
أتبعهما أَن قَالَ: لم يُتَابع إِبْرَاهِيم بن قدامَة عَلَيْهِمَا، وَإِذا تفرد بِحَدِيث لم يكن حجَّة؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بالمشهور، وَإِن كَانَ من أهل الْمَدِينَة. انْتهى كَلَام الْبَزَّار.
وَالرجل لَا يعرف الْبَتَّةَ، وَلَا أَدْرِي لم اختصر أَبُو مُحَمَّد كَلَام الْبَزَّار، وَكتب مِنْهُ التفرد، وَعدم الْمُتَابَعَة، وَهُوَ عِنْد الْمُحَقِّقين لَا يضر الثِّقَة. فَاعْلَم ذَلِك.(3/396)
(1139) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ حَدِيث سَمُرَة: " من تَوَضَّأ يَوْم الْجُمُعَة فبها ونعمت ".
ثمَّ قَالَ: الْحسن لم يسمع من سَمُرَة إِلَّا حَدِيث الْعَقِيقَة.
وَرَوَاهُ الْبَزَّار من حَدِيث أبي سعيد مثله سَوَاء، وَفِي إِسْنَاده أسيد بن زيد.
هَذَا نَص مَا أتبعه من غير مزِيد، وَلَيْسَ فِيهِ بَيَان علته؛ إِذْ لم يتَقَدَّم لَهُ فِي أسيد بن زيد قَول.
وَقد ترك بِهَذَا الَّذِي ذكر التَّنْبِيه على كَونه من رِوَايَة شريك، وَعنهُ يرويهِ أسيد بن زيد، عَن عَوْف، عَن أبي نَضرة، عَن أبي سعيد.
وَقَالَ الْبَزَّار: لَا نعلم رَوَاهُ عَن عَوْف إِلَّا شريك، وَلَا عَن شريك إِلَّا أسيد ابْن زيد، وَأسيد بن زيد كُوفِي، قد احْتمل حَدِيثه، مَعَ شِيعِيَّة شَدِيدَة كَانَت فِيهِ. انْتهى كَلَام الْبَزَّار.
أسيد بن زيد هُوَ الْجمال.
قَالَ الدوري عَن ابْن معِين: " إِنَّه كَذَّاب ".(3/397)
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: " قدم الْكُوفَة فَأَتَاهُ أَصْحَاب الحَدِيث، وَلم آته، كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ ".
وَقَالَ السَّاجِي: " لَهُ مَنَاكِير ".
وَقَالَ أَبُو حَاتِم البستي: " يروي الْمُنْكَرَات عَن الثِّقَات ".
وَمَعَ هَذَا فقد أخرج لَهُ البُخَارِيّ، وَهُوَ مِمَّن عيب عَلَيْهِ الْإِخْرَاج عَنهُ.
(1140) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ فِيمَن لَا تجب عَلَيْهِم الْجُمُعَة: " الْمُسَافِر " من حَدِيث جَابر.
ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده ضَعِيف.
وَلم يبين مَوضِع علته، وَإنَّهُ ضَعِيف كَمَا ذكر.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا عبيد الله بن عبد الصَّمد بن الْمُهْتَدي بِاللَّه قَالَ: حَدثنَا يحيى بن نَافِع بن خَالِد بِمصْر، قَالَ: حَدثنَا سعيد بن أبي مَرْيَم، قَالَ:(3/398)
حَدثنَا ابْن لَهِيعَة قَالَ /: حَدثنَا معَاذ بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ، عَن أبي الزبير، عَن جَابر، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَعَلَيهِ الْجُمُعَة إِلَّا مَرِيض، أَو مُسَافر، أَو امْرَأَة، أَو صبي، أَو مَمْلُوك، فَمن اسْتغنى بلهو أَو تِجَارَة، اسْتغنى الله عَنهُ، وَالله غَنِي حميد ".
أَبُو الزبير مُدَلّس، وَابْن لَهِيعَة مَتْرُوك، ومعاذ بن مُحَمَّد مُنكر الحَدِيث غير مَعْرُوف، قَالَه أَبُو أَحْمد.
وَهُوَ ذكره بِهَذَا الحَدِيث، وَقَالَ: ابْن لَهِيعَة يحدث عَن أبي الزبير، عَن جَابر نُسْخَة.
(1141) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن عبد الله بن عَمْرو، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْجُمُعَة على كل من سمع النداء ".
ثمَّ قَالَ: رُوِيَ مَوْقُوفا وَهُوَ الصَّحِيح.
لم يزدْ على هَذَا، وعلته أَنه يرويهِ أَبُو دَاوُد هَكَذَا: حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى ابْن فَارس، حَدثنَا قبيصَة، حَدثنَا سُفْيَان، عَن مُحَمَّد بن سعيد الطَّائِفِي،(3/399)
عَن أبي سَلمَة بن نبيه، عَن عبد الله بن هَارُون، عَن بعد الله بن عَمْرو.
وَأَبُو سَلمَة بن نبيه مَجْهُول لَا يعرف / بِغَيْر هَذَا، وَلم أجد لَهُ ذكرا فِي شَيْء من مظان وجوده وَوُجُود أَمْثَاله.
وَمُحَمّد بن سعيد الطَّائِفِي هُوَ عِنْد ابْن أبي حَاتِم مَجْهُول الْحَال، لم يزدْ فِي ذكره إِيَّاه على أَن الثَّوْريّ يروي عَنهُ، وَهُوَ يروي عَن طَاوس، وَعبد الله بن هَارُون.
وَذكر قبله تَرْجَمَة أُخْرَى، فِيهَا مُحَمَّد بن سعيد الْمُؤَذّن، يروي عَن عبد الله بن عَنْبَسَة، عَن أم حَبِيبَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
(1142) " من حَافظ على أَربع قبل الظّهْر ".
وَتبع فِي هَذَا الْعَمَل البُخَارِيّ، ورد الْخَطِيب ذَلِك من فعله، وَتبين أَنه(3/400)
مُحَمَّد بن سعيد الطَّائِفِي.
وَسَيَأْتِي لمُحَمد بن سعيد الطَّائِفِي ذكر بتوثيق الدَّارَقُطْنِيّ إِيَّاه، فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها وَهِي صَحِيحَة، أَو مُخْتَلف فِيهَا إِثْر حَدِيث:
(1143) " لَا يتوارث أهل ملتين، وَالْمَرْأَة تَرث من دِيَة زَوجهَا ".
وَاتفقَ لأبي مُحَمَّد أَن غلط فِيهِ، فَظَنهُ مُحَمَّد بن سعيد المصلوب، وَالدَّارَقُطْنِيّ بَين أَنه الطَّائِفِي، وَوَثَّقَهُ.
وَعبد الله بن هَارُون هَذَا، / الَّذِي يروي عَنهُ مُحَمَّد بن سعيد الطَّائِفِي - بِلَا وَاسِطَة بَينه وَبَينه، على مَا ذكر البُخَارِيّ، وَابْن أبي حَاتِم، أَو بتوسط أبي سَلمَة ابْن نبيه بَينهمَا، على مَا فِي إِسْنَاد الحَدِيث الْمَذْكُور - هُوَ أَيْضا مَجْهُول الْحَال، لم يذكر بِغَيْر هَذَا.
وَقبيصَة، رجل صَالح، إِلَّا أَنه كثير الْخَطَأ على الثَّوْريّ.
وَقَالَ النَّسَائِيّ: كثير الْخَطَأ، لم يقل على الثَّوْريّ، وَغَيره يَقُول: ثِقَة إِلَّا فِي الثَّوْريّ.(3/401)
قَالَ أَبُو دَاوُد: روى هَذَا الحَدِيث جمَاعَة عَن سُفْيَان، مَقْصُورا على عبد الله بن عَمْرو، وَلم يرفعوه، وَإِنَّمَا أسْندهُ قبيصَة، انْتهى قَوْله.
وَقد اتَّضَح بِمَا ذَكرْنَاهُ مَا أبهم من علته، فاعلمه.
(1144) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، حَدِيث: " الْجُمُعَة على من أَواه اللَّيْل إِلَى أَهله ".
ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده ضَعِيف، وَإِنَّمَا يرْوى [من] حَدِيث معارك بن عباد، عَن عبد الله بن سعيد المَقْبُري، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَلم يبين من هَذِه الْقطعَة مَوضِع الْعلَّة لمن لَا يعلمهَا، وَهِي ضعف عبد الله ابْن سعيد المَقْبُري.
قَالَ عَمْرو بن عَليّ: [هُوَ] مُنكر الحَدِيث مَتْرُوك.
وَقَالَ البُخَارِيّ عَن يحيى الْقطَّان: استبان لي كذبه فِي مجْلِس.
وَقَالَ ابْن حَنْبَل: مَتْرُوك الحَدِيث مدنِي.
[ومعارك بن عباد قَالَ ابْن حَنْبَل: لَا أعرفهُ.(3/402)
وَقَالَ أَبُو زرْعَة: واهي الحَدِيث] .
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: أَحَادِيثه مُنكرَة.
(1145) وَذكر من طَرِيق مُسلم حَدِيث جَابر: " اركع رَكْعَتَيْنِ وَتجوز فيهمَا ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ من رِوَايَة أبي سُفْيَان عَن جَابر.
وتكرر سُكُوته عَن أَحَادِيث من رِوَايَته، مِنْهَا حَدِيث:
(1146) " إِن فِي اللَّيْل لساعة لَا يُوَافِقهَا رجل مُسلم 000 ".
(1147) وَحَدِيث: " لَا يموتن أحدكُم إِلَّا وَهُوَ يحسن بِاللَّه الظَّن ".
اخْتَار فِيهِ رِوَايَة أبي سُفْيَان، وَترك رِوَايَة أبي الزبير، وَالْمعْنَى وَاحِد، وَاللَّفْظ مُخْتَلف.(3/403)
(1148) وَحَدِيث: " نعم الإدام الْخلّ ".
(1149) وَحَدِيث: " إِن الشَّيْطَان قد أيس أَن يعبده المصلون فِي جَزِيرَة الْعَرَب ".
كل هَذِه الْأَحَادِيث من مُسلم، وسَاق من عِنْد الْبَزَّار حَدِيث "
(1150) " أميران وليسا / بأميرين، فِي الْحَج وَفِي الْجَنَائِز ".
وَأتبعهُ أَن قَالَ: أَبُو سُفْيَان لَا يحْتَج بِهِ عِنْدهم.
وَقد أوعبنا فِي ذكر الحَدِيث فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها وَلم يبين عللها.
(1151) وَذكر حَدِيث: " الْوضُوء من الضحك " عِنْد أبي أَحْمد.
وَقَالَ بإثره: أَبُو سُفْيَان ضَعِيف، وَقَبله من هُوَ أَضْعَف مِنْهُ.
(1152) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن جَعْفَر بن خَالِد بن سارة،(3/404)
عَن أَبِيه، عَن عبد الله بن جَعْفَر، حَدِيث: " اصنعوا لآل جَعْفَر طَعَاما؛ فَإِنَّهُ / قد جَاءَهُم مَا يشغلهم ".
وَأتبعهُ أَن قَالَ: جَعْفَر ثِقَة، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن.
كَذَا قَالَ، وَلم يبين لم لَا يَصح، وَذَلِكَ أَن خَالِد بن سارة لَا تعرف حَاله، وروى عَنهُ ابْنه، وَعَطَاء بن أبي رَبَاح، قَالَه البُخَارِيّ.
وَأَهْمَلَهُ ابْن أبي حَاتِم كَسَائِر من يجهل أَحْوَالهم.
وَلَا أعلم لَهُ إِلَّا حديثين، هَذَا أَحدهمَا.
(1153) وَالْآخر أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " حمل غلامين من بني عبد الْمطلب على دَابَّة ".
رَوَاهُ [أَيْضا] جَعْفَر، عَن أَبِيه، عَن عبد الله بن جَعْفَر كَذَلِك.(3/405)
(1154) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن ابْن مَسْعُود، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إيَّاكُمْ والنعي؛ فَإِن النعي من عمل الْجَاهِلِيَّة ".
ثمَّ قَالَ: ويروى مَوْقُوفا على عبد الله، وَالْمَوْقُوف أصح.
لم يزدْ على هَذَا، وَهُوَ كَمَا نقُوله عَنهُ دائبين أَنه لَا يذكر من التَّعْلِيل إِلَّا مَا يجد لغيره، كَيفَ مَا كَانَ، وَرُبمَا تغير فِي نَقله.
وَبَيَان أَمر هَذَا الحَدِيث، هُوَ أَنه يرويهِ مَيْمُون، أَبُو حَمْزَة القصاب، عَن إِبْرَاهِيم، عَن عَلْقَمَة، عَن عبد الله، ثمَّ اخْتلف الروَاة عَنهُ:
فَمنهمْ من يَقُول: عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: هَكَذَا يَقُول عَنْبَسَة بن سعيد بن الضريس، أَبُو بكر الْأَسدي قَاضِي الرّيّ - وَهُوَ أحد الثِّقَات - عَن مَيْمُون أبي حَمْزَة.
وَمِنْهُم من يقفه على ابْن مَسْعُود، وَلَا يذكر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
هَكَذَا يَقُول سُفْيَان الثَّوْريّ عَن مَيْمُون الْمَذْكُور، فَذكر أَبُو عِيسَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَقَالَ فِي رِوَايَة الثَّوْريّ: إِنَّهَا أصح، على مَذْهَب لَهُ مَعْرُوف، فِي(3/406)
حَدِيث يرْوى تَارَة مَرْفُوعا / وَتارَة مَوْقُوفا، أَو تَارَة مُسْندًا، وَتارَة مُرْسلا.
ثمَّ أتبعه أَبُو عِيسَى أَن قَالَ: وَأَبُو حَمْزَة، هُوَ مَيْمُون الْأَعْوَر، وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ عِنْد أهل الحَدِيث.
وَقد تقدم لأبي مُحَمَّد تَضْعِيفه فِي حَدِيث:
(1155) " يَا أَفْلح، ترب وَجهك ".
فَكَانَ هَذَا من التِّرْمِذِيّ بَيَان ضعف هَذَا الحَدِيث مَرْفُوعا أَو مَوْقُوفا. "
فَمَعْنَى قَوْله إِذن فِي الْمَوْقُوف: " إِنَّه أصح "، لَيْسَ أَنه صَحِيح وصحيح، وَأَحَدهمَا أرجح، بل مَعْنَاهُ كَمَا يُقَال: {أَصْحَاب الْجنَّة يَوْمئِذٍ خير مُسْتَقرًّا} و " الْعَسَل أحلى من الْخلّ ".
فَترك أَبُو مُحَمَّد التَّنْبِيه على كَونه من رِوَايَة أبي حَمْزَة، فتسرد من قَوْله: " الْمَوْقُوف أصح " أَنَّهُمَا جَمِيعًا بِإِسْنَاد صَحِيح، وَلَكِن أَحدهمَا أرجح.
وَترك أَيْضا مِنْهُ أمرا آخر، وَهُوَ أَن يذكر الْإِسْنَاد الصَّحِيح لهَذَا الْخَبَر عِنْد التِّرْمِذِيّ نَفسه من رِوَايَة حُذَيْفَة.
وسنذكره (إِن شَاءَ الله تَعَالَى) فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا صَحِيحَة، وَهِي ضَعِيفَة، وَلها طرق صَحِيحَة.
(1156) وَذكر من طَرِيق مُسلم حَدِيث " الْمحرم الَّذِي وقصته رَاحِلَته ".(3/407)
ثمَّ قَالَ: وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي هَذَا الحَدِيث: " خمروهم وَلَا تشبهوا باليهود ".
رَوَاهُ من حَدِيث عَليّ بن عَاصِم، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس، وَالصَّحِيح مَا تقدم. انْتهى مَا أورد.
وَقد أبرز مَوضِع علته، وَهُوَ عَليّ بن عَاصِم، وَلكنه لم يبين ضعفه لمن لَا يُعلمهُ، وَهُوَ عِنْدهم ضَعِيف، كَانَ يكثر غلطه، وَكَانَ فِي لجاج، وَلم يكن مُتَّهمًا، قَالَه ابْن حَنْبَل.
وَقَالَ ابْن معِين: " لَيْسَ بِثِقَة ".
قَالَ ابْن أبي خَيْثَمَة: قيل ليحيى بن معِين: إِن أَحْمد بن حَنْبَل، يَقُول فِيهِ: ثِقَة، قَالَ: لَا، وَالله مَا كَانَ عِنْده قطّ ثِقَة، وَلَا حدث عَنهُ بِحرف قطّ، فَكيف صَار عِنْده الْيَوْم ثِقَة.
قَالَ ابْن أبي خَيْثَمَة: [قَالَ أبي] : مَا عتبت عَلَيْهِ إِلَّا أَنه كَانَ يغلط، فيلج، ويستصغر أَصْحَابه.
قَالَ: وَلم يحدث عَنهُ أبي بِشَيْء.(3/408)
(1157) وَلما ذكر التِّرْمِذِيّ حَدِيث: " من عزى مصابا فَلهُ مثل / أجره ".
قَالَ: يُقَال أَكثر مَا ابْتُلِيَ بِهِ عَليّ بن عَاصِم هَذَا الحَدِيث، نقموا عَلَيْهِ.
وَقَالَ يزِيد / بن زُرَيْع: أفادني عَليّ بن عَاصِم، عَن خَالِد الْحذاء، وَعَن هِشَام بن حسان أَحَادِيث، فأنكراها ومعا عرفاها.
وَقَالَ أَبُو زرْعَة: " إِنَّه تكلم بِكَلَام سوء "، وَلم يفسره، وَذكر ذَلِك عَنهُ أَبُو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم فِي بَاب مُحَمَّد بن مُصعب.
واعترى أَبَا مُحَمَّد فِي هَذَا الحَدِيث - مَعَ مَا ذَكرْنَاهُ من إِجْمَال علته - أَنه أوهم بإيراده إِيَّاه - إِثْر حَدِيث " الَّذِي وقصته رَاحِلَته " - أَنه فِيهِ.
وَلَيْسَ كَذَلِك، تِلْكَ قصَّة مَخْصُوصَة، وَهَذَا عَام فِي الْمحرم يَمُوت.
(1158) قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي، حَدثنَا مُحَمَّد بن عَليّ السَّرخسِيّ، حَدثنَا عَليّ بن عَاصِم، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْمحرم يَمُوت فَقَالَ: " خمروهم وَلَا تشبهوا باليهود ".(3/409)
وَقد جَاءَ هَذَا الحَدِيث بأعم من هَذَا اللَّفْظ، وَأَصَح من هَذَا الطَّرِيق.
وَهُوَ مَا ذكر الدَّارَقُطْنِيّ، قَالَ: حَدثنَا أَبُو الْقَاسِم بن منيع حَدثنَا عبد الرَّحْمَن ابْن صَالح الْأَزْدِيّ، حَدثنَا حَفْص بن غياث، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " خمروا وُجُوه مَوْتَاكُم، وَلَا تشبهوا باليهود ".
عبد الرَّحْمَن بن صَالح الْأَزْدِيّ، الْبَغْدَادِيّ - جَار عَليّ بن الْجَعْد - صَدُوق، قَالَه أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ وَسَائِر الْإِسْنَاد لَا يسْأَل عَنهُ.
(1159) وَذكر حَدِيث طَلْحَة بن الْبَراء: " لَا يَنْبَغِي لجيفة مُسلم أَن تقيم بَين ظهراني أَهله ".
وَقَالَ: لَيْسَ إِسْنَاده بِقَوي.
وَقد بَينا أمره فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة، وَهِي مُنْقَطِعَة.
(1160) وَذكر أَيْضا من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن ابْن عَبَّاس: " أَمر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بقتلى أحد، أَن ينْزع عَنْهُم الْحَدِيد والجلود ".
ثمَّ قَالَ: رَوَاهُ عَليّ بن عَاصِم، عَن عَطاء بن السَّائِب، عَن ابْن جُبَير، عَن(3/410)
ابْن عَبَّاس، فَذكره.
وَلم يزدْ على هَذَا اعْتِمَادًا على ضعف عَليّ عِنْد أهل الْعلم بِهِ.
(1161) وَذكر حَدِيث مُسلم عَن جَابر: " فِي الرجل الَّذِي قبر لَيْلًا "، وَقَول النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا كفن أحدهم أَخَاهُ فليحسن كَفنه ".
ثمَّ أتبعه من عِنْد أبي دَاوُد حَدِيث / جَابر.
(1162) " إِذا توفّي أحدكُم فَوجدَ شَيْئا، فليكفن فِي ثوب حبرَة ".
ثمَّ قَالَ: إِسْنَاد مُسلم أصح من هَذَا.
وَكَذَلِكَ هُوَ أَيْضا أصح من حَدِيث أبي دَاوُد، عَن عبَادَة بن الصَّامِت، وَحَدِيث التِّرْمِذِيّ عَن أبي أُمَامَة، كِلَاهُمَا عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ:
(1163) " خير الْكَفَن الْحلَّة، وَخير الضحية الْكَبْش الأقرن ".
لِأَن فِي إِسْنَاد حَدِيث أبي دَاوُد، هِشَام بن سعد وَغَيره.
وَفِي إِسْنَاده حَدِيث التِّرْمِذِيّ، عفير بن معدان، وهم ضعفاء، انْتهى كَلَامه.(3/411)
وَالْمَقْصُود بَيَانه، هُوَ مُجمل قَوْله: " حَدِيث مُسلم أصح "، وَذَلِكَ يحْتَمل أَن يَكُونَا صَحِيحَيْنِ، وَأَحَدهمَا أرجح، وَأَن يكون أَحدهمَا صَحِيحا وَالْآخر ضَعِيفا.
ونبين أَيْضا مَا أجمل فِي قَوْله: فِيهِ هِشَام بن سعد وَغَيره، وعفير بن معدان، وهم ضعفاء، فَإِنَّهُ ذكر اثْنَيْنِ، وَأبْهم ثَالِثا، أَو أَكثر من وَاحِد.
فَأَقُول: أما حَدِيث أبي دَاوُد فإسناده هُوَ هَذَا: حَدثنَا الْحسن بن الصَّباح الْبَزَّاز، قَالَ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن عبد الْكَرِيم، قَالَ: حَدثنَا إِبْرَاهِيم - يَعْنِي ابْن عقيل - عَن أَبِيه، عَن وهب - يَعْنِي ابْن مُنَبّه - عَن جَابر بن عبد الله، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِذا توفّي أحدكُم فَوجدَ شَيْئا، فليكفن فِي ثوب حبرَة ".
إِبْرَاهِيم بن عقيل بن معقل بن مُنَبّه لَا بَأْس بِهِ، وَأَبوهُ عقيل بن معقل ثِقَة، وَأَبوهُ معقل بن مُنَبّه، هُوَ أَخُو وهب بن مُنَبّه، وَهَمَّام بن مُنَبّه، وَلَا مدْخل لَهُ فِي الْإِسْنَاد.
فَأَما إِسْمَاعِيل بن عبد الْكَرِيم، رَاوِيه عَن إِبْرَاهِيم / بن عقيل، فَإِنَّهُ لَا يعرف وَلم يذكرهُ ابْن أبي حَاتِم ذكرا يَخُصُّهُ فِي بَاب إِسْمَاعِيل.(3/412)
لكنه جرى ذكره فِي بَاب إِبْرَاهِيم بن عقيل، فَقَالَ، روى عَنهُ إِسْمَاعِيل بن عبد الْكَرِيم الصَّنْعَانِيّ.
وَذكره مسلمة بن قَاسم فَقَالَ: إِسْمَاعِيل بن عبد الْكَرِيم بن معقل بن مُنَبّه صنعاني، جَائِز الحَدِيث.
فعلى هَذَا الَّذِي ذكر، يكون ابْن عَم إِبْرَاهِيم بن عقيل الْمَذْكُور، وَلم تثبت عَدَالَته.
وَقد زعم ابْن معِين لما ذكر إِبْرَاهِيم بن عقيل وَأَنه لَا بَأْس بِهِ، أَن حَدِيثهمْ يَنْبَغِي أَن يكون صحيفَة وَقعت إِلَيْهِم، فَالْحَدِيث لَا يَصح / من أجل إِسْمَاعِيل الْمَذْكُور.
فَأَما حَدِيث مُسلم الْمفضل عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ من رِوَايَة ابْن جريج، عَن أبي الزبير، قَالَ: سَمِعت جَابِرا، فَذكره.
وَأما حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت الَّذِي قَالَ [إِن] فِيهِ هِشَام بن سعد وَغَيره فَهُوَ من رِوَايَة ابْن وهب، قَالَ: حَدثنَا هِشَام بن سعد، عَن حَاتِم بن أبي نصر، عَن عبَادَة بن نسي، عَن أَبِيه، عَن عبَادَة.
فنسي، وَالِد عبَادَة بن نسي لَا تعرف حَاله، وحاتم بن أبي النَّصْر القنسريني لَا يعرف روى عَنهُ غير هِشَام بن سعد، وَلَا تعرف أَيْضا حَاله، فَاعْلَم ذَلِك.(3/413)
(1164) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن أُسَامَة بن زيد، عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مر بِحَمْزَة وَقد مثل بِهِ " الحَدِيث، وَفِيه: " لم يصل على أحد من الشُّهَدَاء غَيره ".
(1165) ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: الصَّحِيح مَا تقدم فِي حَدِيث البُخَارِيّ: " أَنه لم يصل على الشُّهَدَاء، وَلم يغسلوا ".
وَلم يبين علته، وَهِي ضعف أُسَامَة بن زيد اللَّيْثِيّ.
وَقد أتبعه فِي كِتَابه الْكَبِير، القَوْل فِي أُسَامَة بن زيد، وَذكر أَقْوَالهم فِيهِ، وَاخْتِلَاف أَصْحَاب الزُّهْرِيّ.
فَقَالَ أُسَامَة بن زيد، وَثَّقَهُ ابْن معِين، وَضَعفه يحيى بن سعيد، وَتكلم أَحْمد فِي رِوَايَته عَن نَافِع، وَقد روى عَنهُ الثَّوْريّ، وَابْن الْمُبَارك، وَغَيرهمَا.
قَالَ التِّرْمِذِيّ - وَذكر حَدِيثه هَذَا -: خُولِفَ فِي هَذَا الحَدِيث، فروى(3/414)
اللَّيْث بن سعد: عَن ابْن شهَاب، عَن عبد الرَّحْمَن بن كَعْب بن مَالك، عَن جَابر.
وروى معمر: عَنهُ، عَن عبد الله بن ثَعْلَبَة، عَن جَابر، وَلَا نعلم أحدا ذكره عَن الزُّهْرِيّ، عَن أنس، إِلَّا أُسَامَة بن زيد، وَسَأَلت مُحَمَّدًا عَنهُ فَقَالَ: حَدِيث اللَّيْث أصح. انْتهى مَا أورد.
وَهُوَ خلاف قَوْله هُوَ، وَذَلِكَ أَن البُخَارِيّ لم يقل: الصَّحِيح حَدِيث جَابر كَمَا قَالَ، وَإِنَّمَا قَالَ: " حَدِيث جَابر أصح ".
فَحَدِيث أنس أَيْضا لَعَلَّه صَحِيح، دونه فِي الصِّحَّة، وَأَيْضًا فَإِن البُخَارِيّ إِنَّمَا عَنى بِحَدِيث جَابر مَا تقدم لَهُ هُوَ من عِنْد البُخَارِيّ، وَهُوَ قَوْله فِي الشُّهَدَاء: " لم يغسلهم وَلم يصل عَلَيْهِم ".
فَإِذا / روى أُسَامَة بن زيد، عَن ابْن شهَاب، عَن أنس: " صلى على حَمْزَة وَحده " من أَيْن يجب أَن يَجْعَل هَذَا اخْتِلَافا على الزُّهْرِيّ؟
وَلَا تعَارض بَين مَا وري من ذَلِك عَن ابْن شهَاب، وَمَا روى النَّاس عَنهُ، فَخرج من هَذَا أَنه نقض أَصله فِي تَصْحِيحه أَحَادِيث أُسَامَة بن زيد، بتضعيفه هَذَا هُوَ، وَلم يُخَالِفهُ من روى عَن ابْن شهَاب: " لم يصل على الشُّهَدَاء ".
وَمن الْأَحَادِيث الَّتِي صححها، وَهِي من رِوَايَة أُسَامَة بن زيد، حَدِيث:(3/415)
(1166) " يَأْخُذ من طول لحيته وعرضها ".
(1167) وَحَدِيث أبي مَسْعُود فِي الْأَوْقَات.
(1168) وَحَدِيث: " كَانَ كَلَامه فصلا ".
(1169) وَحَدِيث: " إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على ميامن الصُّفُوف ".
وَأَحَادِيث سواهَا سنستوعب ذكرهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(1170) وَذكر فِي الْجَنَائِز من طَرِيق الْبَزَّار، عَن أبي سُفْيَان، عَن جَابر / قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أميران وليسا بأميرين " الحَدِيث.
ثمَّ رده بِأَن قَالَ: أَبُو سُفْيَان لَا يحْتَج بِهِ عِنْدهم، وَقَبله فِي الْإِسْنَاد من هُوَ أَضْعَف مِنْهُ.
وَقد رَوَاهُ عَمْرو بن عبد الْجَبَّار من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَلم يُتَابع عَلَيْهِ، خرجه الْعقيلِيّ، انْتهى مَا ذكر.
وَقد نبهت على أَحَادِيث سكت عَنْهَا وَلم يعرض لَهَا وَهِي من رِوَايَة(3/416)
أبي سُفْيَان، عَن جَابر - إِذا كَانَت من عِنْد مُسلم أَو غَيره مِمَّن صحّح رِوَايَته، وَهَا هُوَ ذَا يَقُول: لَا يحْتَج بِهِ عِنْدهم.
وَالْمَقْصُود بَيَانه الْآن، هُوَ قَوْله: " وَقَبله فِي الْإِسْنَاد من هُوَ أَضْعَف مِنْهُ "، وَذَلِكَ أَن فِي الْإِسْنَاد قبله، عَمْرو بن عبد الْغفار [الْفُقيْمِي.
قَالَ الْبَزَّار: حَدثنَا أَحْمد بن يزْدَاد الْكُوفِي، حَدثنَا عَمْرو بن عبد الْغفار] حَدثنَا الْأَعْمَش، عَن أبي سُفْيَان، عَن جَابر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أميران وليسا بأميرين: الْمَرْأَة تحج مَعَ الْقَوْم فتحيض قبل أَن تَطوف بِالْبَيْتِ طواف الزِّيَارَة، فَلَيْسَ لأصحابها أَن ينفروا حَتَّى يستأمروها، وَالرجل يتبع الْجِنَازَة فَيصَلي عَلَيْهَا، لَيْسَ لَهُ أَن يرجع حَتَّى يستأمر أهل الْجِنَازَة ".
قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ يرْوى / بِهَذَا اللَّفْظ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من وَجه أحسن من هَذَا الْوَجْه، على أَن الْأَعْمَش لم يسمع من أبي سُفْيَان، وَقد روى عَنهُ نَحْو مائَة حَدِيث، وَإِنَّمَا يكْتب من حَدِيثه مَا لَا نَحْفَظهُ عَن غَيره لهَذِهِ الْعلَّة، فَأَما أَن يكون فِي نَفسه ثِقَة، فَهُوَ فِي نَفسه ثِقَة، وَلَا نعلم روى هَذَا الحَدِيث عَن الْأَعْمَش، إِلَّا عَمْرو بن عبد الْغفار.
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: يُقَال: إِن الْأَعْمَش لم يسمع من أبي سُفْيَان، إِنَّمَا هِيَ صحيفَة عرضت، انْتهى كَلَام الْبَزَّار.
وَعَمْرو بن عبد الْغفار لَيْسَ بِشَيْء، وَقد اتهمه النَّاس بِوَضْع الحَدِيث، قَالَ أَبُو أَحْمد: كَانَ السّلف يَتَّهِمُونَهُ بِأَنَّهُ يضع فِي فَضَائِل أهل الْبَيْت، وَفِي مثالب(3/417)
غَيرهم.
وَقَالَ فِيهِ الْعقيلِيّ: مُنكر الحَدِيث.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مَتْرُوك الحَدِيث.
وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: رَافِضِي، تركته لأجل الرَّفْض.
فَمَا مثل هَذَا طوي ذكره.
وَأما الحَدِيث الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة، من طَرِيق عَمْرو بن عبد الْجَبَّار، فَذكره الْعقيلِيّ هَكَذَا:
حَدثنَا دَاوُد بن إِبْرَاهِيم أَبُو شيبَة، قَالَ: حَدثنَا عبيد بن صَدَقَة التغلبي، قَالَ: حَدثنَا عَمْرو بن عبد الْجَبَّار الْعَنْبَري ابْن أخي عُبَيْدَة بن حسان، عَن ابْن شهَاب، عَن يحيى بن سعيد، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أميران وليسا بأميرين: الرجل يتبع الْجِنَازَة، فَلَا ينْصَرف حَتَّى يسْتَأْذن، وَالْمَرْأَة تكون مَعَ الْقَوْم فتحيض، فَلَا ينفروا حَتَّى تطهر ".
قَالَ الْعقيلِيّ: وَقد يرْوى مُرْسلا، وَقَالَ: عَمْرو بن عبد الْجَبَّار السنجاري، عَن ابْن شهَاب: حَدِيثه غير مَحْفُوظ، وَلَا يُتَابع عَلَيْهِ. انْتهى كَلَامه.(3/418)
عبيد بن صَدَقَة وَدَاوُد، لَا أعلم أحوالهما، وَقد كرر أَبُو مُحَمَّد فِي الْحَج ذكر هذَيْن الْحَدِيثين، وَأورد كَلَام الْبَزَّار فِي الْأَعْمَش، عَن أبي سُفْيَان، عَن جَابر بِنَحْوِ مَا أوردناه.
وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَالْخلاف فِيهِ فِي كتاب الْعِلَل، فَقَالَ مَا هَذَا نَصه: /
وَسُئِلَ عَن حَدِيث أبي حَازِم، عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أميران وليسا بأميرين " الحَدِيث بنصه.
فَقَالَ: يرويهِ طَلْحَة بن مصرف، وَالْحكم بن عتيبة، وَاخْتلف عَنْهُمَا.
فَرَوَاهُ عَن طَلْحَة / لَيْث بن أبي سليم عَن أبي حَازِم، عَن أبي هُرَيْرَة مَوْقُوفا. "
وَخَالفهُ أَبُو خَالِد الدالاني؛ فَرَوَاهُ عَن طَلْحَة، عَن عبد الله بن مَسْعُود مُرْسلا.
وَرَوَاهُ أَبُو جناب الْكَلْبِيّ، عَن طَلْحَة قَوْله، لم يتجاوزه بِهِ.
وَأما الحكم فَرَوَاهُ الْحسن بن عمَارَة عَنهُ، أَو عَن عدي بن ثَابت، عَن أبي حَازِم، عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا.
وَخَالفهُ مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر؛ فَرَوَاهُ عَن الحكم، عَمَّن حَدثهُ عَن(3/419)
أبي هُرَيْرَة مَوْقُوفا.
وَقَالَ شُعْبَة: عَن الحكم، عَن هِلَال بن يسَاف، أَو بعض أَصْحَابه، عَن أبي هُرَيْرَة مَوْقُوفا، وَلَا يثبت مَرْفُوعا فِي جَمِيعهَا. انْتهى كَلَامه.
وَقد حصل الْمَقْصُود، وَهُوَ بَيَان مَا أجمل من عِلّة الحَدِيث الْمَذْكُور، فَاعْلَم ذَلِك.
(1171) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ حَدِيث أبي هُرَيْرَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كبر على الْجِنَازَة فَرفع يَدَيْهِ فِي أول تَكْبِيرَة مرّة، وَوضع الْيُمْنَى على الْيُسْرَى ".
ثمَّ قَالَ: حَدِيث غَرِيب.
لم يزدْ على هَذَا فقد يَنْبَغِي أَن نذْكر لم لَا يَصح، فَنَقُول: قَالَ التِّرْمِذِيّ: [حَدثنَا الْقَاسِم بن دِينَار الْكُوفِي] حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن أبان الْوراق، عَن يحيى بن يعلى، عَن أبي فَرْوَة: يزِيد بن سِنَان، عَن زيد بن أبي أنيسَة عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَذكره.
قَالَ: وَهُوَ غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه.
فقنع أَبُو مُحَمَّد بِكَلَام التِّرْمِذِيّ، وَهُوَ حَدِيث لَا يَصح، لضعف أبي فَرْوَة الرهاوي: يزِيد بن سِنَان.(3/420)
قَالَ ابْن معِين: " لَيْسَ بِشَيْء ".
وَقَالَ الْعقيلِيّ: " لَا يُتَابع على حَدِيثه ".
وَضَعفه ابْن حَنْبَل.
وَقَالَ فِيهِ النَّسَائِيّ: مَتْرُوك الحَدِيث.
فَأَما يحيى بن يعلى هَذَا، الرَّاوِي عَنهُ، فَإِنَّهُ يحْتَمل بِأول نظر أَن يكون يحيى بن يعلى الْأَسْلَمِيّ، أَبَا زَكَرِيَّاء الْقَطوَانِي، وَأَن يكون يحيى بن يعلى ابْن حَرْمَلَة / أَبَا المحياه، وَكِلَاهُمَا كُوفِي، فِي طبقَة وَاحِدَة، وَقد اشْترك قوم فِي الرِّوَايَة عَنْهُمَا: مِنْهُم أَبُو بكر بن أبي شيبَة، فَإِنَّهُ يروي عَنْهُمَا جَمِيعًا، وَلَكِن تبين عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ فِي إِسْنَاد الحَدِيث نَفسه، أَنه الْأَسْلَمِيّ الْقَطوَانِي، من رِوَايَة الْحسن بن حَمَّاد سجادة عَنهُ، فَإذْ ذَلِك كَذَلِك، فَهُوَ أَيْضا عِلّة أُخْرَى للْخَبَر، فَإِنَّهُ ضَعِيف، فَأَما أَبُو المحياه فَثِقَة، وَلكنه لَيْسَ بِهِ، فَاعْلَم ذَلِك.
(1172) وَذكر حَدِيث مَكْحُول، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الصَّلَاة وَاجِبَة عَلَيْكُم مَعَ كل مُسلم، برا كَانَ أَو فَاجِرًا " الحَدِيث.
ثمَّ رده بِأَن قَالَ: مَكْحُول لم يسمع من أبي هُرَيْرَة.(3/421)
وَلَيْسَت هَذِه فِي الْحَقِيقَة علته، بل علته مَعَ الِانْقِطَاع، ضعف إِسْنَاده.
وَقد ذَكرْنَاهُ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي لم يعبها بِغَيْر الْإِرْسَال.
وَأَشَارَ بعده إِلَى جمَاعَة من الصَّحَابَة سماهم، ذكره الدَّارَقُطْنِيّ عَنْهُم، ثمَّ قَالَ: لَا يثبت مِنْهَا شَيْء.
وَهُوَ تَعْلِيل مُجمل، وَلم نعرض لشرحه؛ لِأَنَّهُ لما لم يذكر ألفاظها، كَانَ كمن لم يُخرجهَا، فتركتها كَسَائِر مَا لم يخرج من الْأَحَادِيث.
وَكَذَلِكَ أَشَارَ فِي زَكَاة الذَّهَب إِلَى جمَاعَة من الصَّحَابَة سماهم، ذكر أَحَادِيثهم فِي ذَلِك الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا، وَعلل جَمِيعهَا عِنْده، وَلم أتعرض لَهَا أَيْضا كَذَلِك.
(1173) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عَبَّاس، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " دخل(3/422)
قبرا لَيْلًا فأسرج لَهُ سراج " الحَدِيث.
قَالَ فِيهِ: حسن.
وَلم يبين الْمَانِع من تَصْحِيحه، وَهُوَ حَدِيث فِي إِسْنَاده ثَلَاثَة، كل وَاحِد مِنْهُم مُخْتَلف فِيهِ، بِحَيْثُ يُقَال على الِاصْطِلَاح: الحَدِيث / من رِوَايَته حسن، أَي لَهُ حَال بَين حَالي الصَّحِيح والسقيم، بل أحدهم رُبمَا تنزلت رِوَايَته عَن هَذِه الدرجَة إِلَى دَرَجَة الضعْف، وَهُوَ حجاج بن أَرْطَاة، لَا سِيمَا وَهُوَ لم يذكر سَمَاعا.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَبُو كريب وَمُحَمّد بن عَمْرو السواق، قَالَا: حَدثنَا يحيى بن الْيَمَان، عَن الْمنْهَال / بن خَليفَة، عَن الْحجَّاج بن أَرْطَاة، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس، فَذكره.
حجاج ضَعِيف مُدَلّس.
وَإِن كَانَ من النَّاس من يوثقه فَهُوَ إِلَى الضعْف أقرب، وَكَذَلِكَ هُوَ عِنْد أبي مُحَمَّد.
ومنهال بن خَليفَة ضعفه ابْن معِين.
وَقَالَ البُخَارِيّ: فِيهِ نظر.
وَيحيى بن يمَان مُضْطَرب الحَدِيث، وَابْن معِين يوثقه.(3/423)
(1174) وَذكر فِي الْجَنَائِز مَا هَذَا نَصه: وَذكر أَبُو سعيد الْمَالِينِي فِي كِتَابه المؤتلف والمختلف، من حَدِيث الْمِقْدَام بن دَاوُد، عَن عبد الله بن مُحَمَّد ابْن الْمُغيرَة، عَن سُفْيَان، عَن ابْن عقيل، عَن ابْن الْحَنَفِيَّة، عَن عَليّ قَالَ: " أمرنَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن ندفن مَوتَانا وسط قوم صالحين " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: هَذَا الحَدِيث لم أره فِي كتاب أبي سعيد وَلَا رَأَيْت الْكتاب، وَلَكِن حَدثنِي بِالْحَدِيثِ وَبِأَنَّهُ فِي الْكتاب، الْفَقِيه أَبُو حميد السماني بِإِسْنَادِهِ، وَالْكتاب مَعْرُوف، انْتهى كَلَامه.
وَقد بَينا فِي بَاب الْأَسْمَاء الَّتِي تَغَيَّرت فِي نَقله، مَا فِي قَوْله " أَبُو سعيد الْمَالِينِي " من التَّغَيُّر.
ونبين الْآن - إِن شَاءَ الله - من شَأْن هَذَا الحَدِيث ضعفه، إِذْ قد تَبرأ هُوَ من عهدته بِذكر قِطْعَة من إِسْنَاده، جعلهَا محلا للنَّظَر.
وَذَلِكَ أَن عبد الله بن مُحَمَّد بن الْمُغيرَة، هُوَ فِي الأَصْل كُوفِي، إِلَّا أَنه سكن مصر.
قَالَ أَبُو أَحْمد: سَائِر أَحَادِيثه، عامتها لَا يُتَابع عَلَيْهِ، وَهُوَ مَعَ ضعفه يكْتب حَدِيثه، وكنيته أَبُو الْحسن.(3/424)
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِقَوي.
وَعبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل مُخْتَلف فِيهِ.
ومقدام بن دَاوُد كَذَلِك.
قَالَ فِيهِ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف.
وَسمع مِنْهُ ابْن أبي حَاتِم بِمصْر، وَقَالَ: إِنَّهُم تكلمُوا فِيهِ.
وَإِلَى هَذَا فَإِن الحَدِيث لَا أَدْرِي مِنْهُ من دون مِقْدَام بن دَاوُد إِلَى أبي سعيد مخرجه.
وَلَيْسَ الْأَمر فِيهِ كَسَائِر الْأَحَادِيث الَّتِي يُخرجهَا أَبُو مُحَمَّد مقتطعة الْأَسَانِيد، فَإنَّا نحمل الْأَمر فِيمَا ترك من أسانيدها على أَنه قد عرفه، وَقد تصحفنا جَمِيعه أَو أَكْثَره، وَنَبَّهنَا على مَا وجدنَا فِيهِ شَيْئا فِي الْبَاب / الْمَعْقُود لذَلِك، الْمُتَقَدّم ذكره، وَهُوَ الْبَاب الَّذِي يعرض من إِسْنَاد الحَدِيث لرجل وَيتْرك دونه أَو فَوْقه من هُوَ أولى أَن يُعلل بِهِ الحَدِيث، أَو مثل من ذكر.
فَأَما هَذَا الحَدِيث فَلَيْسَ الْأَمر فِيهِ كَذَلِك، فَإِنَّهُ قد قَالَ: إِنَّه لم يره فِي الْكتاب الْمَذْكُور.
فَإِذن الَّذِي بَقِي من إِسْنَاده يحْتَاج إِلَى نظره، فَلَعَلَّ فِيهِ عِلّة مَانِعَة من التعريج عَلَيْهِ.
وَلَعَلَّ من لَا خبْرَة لَهُ بِالرِّجَالِ، يتَوَهَّم أَن مَا ذكر مِنْهُ هُوَ جَمِيع إِسْنَاده،(3/425)
وَأَن أَبَا سعد الْمَالِينِي، هُوَ يرويهِ عَن مِقْدَام بن دَاوُد، فَهَذَا مِمَّن يتوهمه خطأ بَين، وَذَلِكَ أَن أَبَا سعد الْمَالِينِي توفّي سنة ثِنْتَيْ عشرَة وَأَرْبع مائَة، ومقدام بن دَاوُد توفّي سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ، فَبين وفاتيهما نَحْو مائَة عَام وَتِسْعَة وَعشْرين عَاما.
هَذَا على أَن يكون أَبُو سعد الْمَالِينِي ولد فِي الشَّهْر الَّذِي مَاتَ فِيهِ مِقْدَام، فَإِذا زِدْنَا على ذَلِك سنّ من يَصح تحمله فَهُوَ أَكثر من ذَلِك.
والماليني لم يبلغ هَذِه السن، وَلَا مِقْدَام لَهُ شيخ، وَالْأَمر فِيهِ عِنْد الْمُحدثين بَين.
وَسَنذكر أَبَا سعد فِي الْبَاب الَّذِي نعقده لذكر الرِّجَال الَّذين أخرج عَنْهُم أَبُو مُحَمَّد علم كِتَابه من حَدِيث، أَو تَعْلِيل، أَو تجريح، أَو تَعْدِيل.
(1175) وَذكر فِي الزَّكَاة من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن عَليّ، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - / قَالَ: " لَيْسَ فِي العوامل صَدَقَة، وَلَا فِي الْخَيل صَدَقَة ".
ثمَّ قَالَ: وَلَا يَصح من قبل إِسْنَاده، فِيهِ الصَّقْر بن حبيب.
كَذَا قَالَ من غير مزِيد، وَهُوَ إِجْمَال لموْضِع الْعلَّة، فَإِن الصَّقْر بن حبيب، لم يتَقَدَّم لَهُ فِيهِ ذكر وَلَا تَعْرِيف بِشَيْء من حَاله، وَلَا هُوَ أَيْضا من مشاهير الضُّعَفَاء، حَتَّى يكون قَوْله هَذَا بِمَنْزِلَة مَا لَو قَالَ: فِي إِسْنَاده ابْن لَهِيعَة، أَو الْوَاقِدِيّ، أَو مُحَمَّد بن سعيد المصلوب، فَلذَلِك اعتمدنا بَيَان أَمر هَذَا الحَدِيث هَاهُنَا.(3/426)
فَاعْلَم أَن الصَّقْر هَذَا جد مَجْهُول، وَلَا وجدت لَهُ ذكرا فِي شَيْء من مظان ذكره وَذكر أَمْثَاله وَلَا أعرفهُ إِلَّا / فِي هَذَا الْإِسْنَاد.
وَإِلَى ذَلِك، فَإِنَّهُ يرويهِ عَنهُ أَحْمد بن الْحَارِث الْبَصْرِيّ، وَهُوَ أَيْضا كَذَلِك، وَقد ظننته مصريا - بِالْمِيم - وَأمكن على ذَلِك كَونه أحد رجلَيْنِ مصريين، يتسميان بِهَذَا الِاسْم، وهما: أَحْمد بن الْحَارِث بن قَتَادَة، ذكره ابْن يُونُس فِي تَارِيخ المصريين، وَالْآخر أَحْمد بن الْحَارِث بن مِسْكين أَبُو بكر الْمصْرِيّ، ذكره مسلمة فِي كتاب الْحُرُوف، حَتَّى تحققته بِالْبَاء مَنْسُوبا إِلَى الْبَصْرَة، من نسخ صَحِيحَة، من كتاب الدَّارَقُطْنِيّ، فَبَقيَ على ذَلِك مَجْهُولا.
وَإِلَى هَذَا فَإِن للْحَدِيث إِسْنَادًا أَجود من هَذَا بل هُوَ صَحِيح، إِلَّا أَنه لَيْسَ فِيهِ ذكر " الْجَبْهَة " سَنذكرُهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا ضَعِيفَة، وَلها طَرِيق أحسن مِنْهَا أَو صَحِيحَة.
(1176) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن الزمعِي، عَن قريبَة بنت عبد الله بن وهب، عَن أمهَا كَرِيمَة بنت الْمِقْدَاد، عَن ضباعة بنت الزبير، قَالَت: " ذهب الْمِقْدَاد لِحَاجَتِهِ " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده لَا يحْتَج بِهِ.
وَصدق فِي ذَلِك، وَلَكِن أبهم على من لَا يعلم مَوضِع الْعلَّة، فَاعْلَم أَن(3/427)
هَؤُلَاءِ النسْوَة الثَّلَاث اللائي دون ضباعة، لَا تعرف أحوالهن.
فَأَما ضباعة بنت الزبير بن عبد الْمطلب بن هَاشم، أم حَكِيم، فصحابية، عادها رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذكرت لَهُ أَنَّهَا تُرِيدُ الْحَج فَقَالَ لَهَا:
(1177) " حجي، واشترطي أَن محلي حَيْثُ حبستني ".
وَهِي زوج الْمِقْدَاد بن الْأسود، ولدت لَهُ عبد الله وكريمة، وَقتل عبد الله يَوْم الْجمل فِي أَصْحَاب عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا.
(1178) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن معَاذ: " أَنه كتب إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يسْأَله عَن الخضروات، وَهِي الْبُقُول " الحَدِيث.
ثمَّ أتبعه قَول التِّرْمِذِيّ: لَيْسَ يَصح فِي هَذَا الْبَاب شَيْء.
كَذَا قَالَ، وَلم يُفَسر علته، وَهَذَا الحَدِيث أوردهُ [التِّرْمِذِيّ] هَكَذَا: حَدثنَا عَليّ بن خشرم، حَدثنَا عِيسَى بن يُونُس، عَن الْحسن بن عمَارَة، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن / بن عبيد، عَن عِيسَى بن طَلْحَة، عَن معَاذ، أَنه كتب إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَذكره.
ثمَّ قَالَ: إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بِصَحِيح، وَلَيْسَ يَصح عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي هَذَا الْبَاب شَيْء، وَالْحسن بن عمَارَة ضَعِيف عِنْد أهل الحَدِيث، ضعفه شُعْبَة(3/428)
وَغَيره، وَتَركه ابْن الْمُبَارك. انْتهى كَلَام التِّرْمِذِيّ.
(1179) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن أبي الزبير، عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَيْسَ فِي مَال الْمكَاتب زَكَاة حَتَّى يعْتق ".
ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده ضَعِيف.
هَكَذَا قَالَ من غير مزِيد.
وَإِسْنَاده هُوَ هَذَا: حَدثنَا عبد الْبَاقِي بن قَانِع، وَعبد الصَّمد بن عَليّ، قَالَا: حَدثنَا الْفضل بن الْعَبَّاس الصَّواف، قَالَ: حَدثنَا يحيى بن غيلَان، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن بزيع، عَن ابْن جريج، عَن أبي الزبير، فَذكره.
عبد الله بن بزيع الْأنْصَارِيّ، قَاضِي تستر أَحَادِيثه أَو عامتها لَيست بمحفوظة، وَلَيْسَ مِمَّن يحْتَج بِهِ، قَالَه / أَبُو أَحْمد بن عدي.
وَأَبُو الزبير مُدَلّس عَن جَابر.
وَأما يحيى بن غيلَان، فَهُوَ يحيى بن غيلَان الْبَغْدَادِيّ، التسترِي الأَصْل، ذكره ابْن أبي حَاتِم: يحيى بن عبد الله بن غيلَان، ثمَّ قَالَ: الْمَعْرُوف بِيَحْيَى بن غيلَان، وَهُوَ عِنْده مَجْهُول الْحَال.
وَأما يحيى بن غيلَان بن عبد الله بن أَسمَاء بن حَارِثَة، الَّذِي يروي عَن مَالك، فَهُوَ غير هَذَا، وَهُوَ ثِقَة، قَالَه الْخَطِيب فِي تَارِيخه.(3/429)
(1180) وَذكر حَدِيث فَاطِمَة بنت قيس: " إِن فِي المَال حَقًا سوى الزَّكَاة ".
من عِنْد التِّرْمِذِيّ ثمَّ قَالَ: رُوِيَ مُرْسلا عَن الشّعبِيّ، قَالَ: وَهُوَ أصح.
هَذَا فِيهِ خطأ وإجمال تَعْلِيل: أما خَطؤُهُ فَقَوله: رُوِيَ مُرْسلا عَن الشّعبِيّ.
وَلَيْسَ كَذَلِك قَول التِّرْمِذِيّ فِيهِ، وَقد بَينا صَوَابه فِي بَاب الْأَشْيَاء الْمُغيرَة عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ.
وَالْمَقْصُود الْآن بَيَان مَا أجمل من علته، وَذَلِكَ أَنه عِنْد التِّرْمِذِيّ من رِوَايَة شريك، عَن أبي حَمْزَة، عَن الشّعبِيّ، عَن فَاطِمَة بنت قيس /. وَأَبُو حَمْزَة مَيْمُون الْأَعْوَر، قد تقدم فِي الْكتاب تَضْعِيفه، وَشريك أَيْضا فِيهِ مَا تقدم ذكره.
(1181) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا، عَن أنس بن مَالك قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ": إِن الصَّدَقَة لتطفئ غضب الرب، وتدفع عَن ميتَة السوء ".(3/430)
قَالَ: هَذَا الحَدِيث غَرِيب.
لم يبين الْمَانِع من صِحَّته، وعلته ضعف رَاوِيه أبي خلف.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عقبَة بن مكرم، الْعمي، الْبَصْرِيّ، حَدثنَا عبد الله ابْن عِيسَى أَبُو خلف الخزاز الْبَصْرِيّ، عَن يُونُس بن عبيد، عَن الْحسن، عَن أنس بن مَالك، فَذكره.
أَبُو خلف: عبد الله بن عِيسَى الخزاز، مُنكر الحَدِيث عِنْدهم، وَلَا أعلم لَهُ موثقًا، فَهُوَ بِهِ ضَعِيف.
وَمن أجل انْفِرَاده بِهِ عَن يُونُس، هُوَ غَرِيب، وَهُوَ يروي عَنهُ جملَة أَحَادِيث تنكر عَلَيْهِ.
قَالَ أَبُو زرْعَة - وَسُئِلَ عَن عبد الله بن عِيسَى - فَقَالَ: مُنكر الحَدِيث.
وَقَالَ الْعقيلِيّ: لَا يُتَابع على أَكثر حَدِيثه.
وَقَالَ السَّاجِي: عِنْده مَنَاكِير.
وَقَالَ أَبُو أَحْمد: يروي عَن يُونُس بن عبيد وَدَاوُد بن أبي هِنْد، مَا لَا يُوَافقهُ عَلَيْهِ الثِّقَات، وَلَيْسَ هُوَ مِمَّن يحْتَج بحَديثه.
فَالْحَدِيث على هَذَا ضَعِيف لَا حسن، فَاعْلَم ذَلِك.(3/431)
(1182) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن رَافع بن أبي عَمْرو، " كنت أرمي نخل الْأَنْصَار "، الحَدِيث.
وَأتبعهُ قَول التِّرْمِذِيّ فِيهِ: حسن غَرِيب.
وَلم يبين لم لم يقل: صَحِيح، أَو يسكت عَنهُ، وَذَلِكَ أَنه حَدِيث إِنَّمَا يرويهِ الْفضل بن مُوسَى، عَن صَالح بن أبي جُبَير، عَن أَبِيه، عَن رَافع. فَذكره.
وَأَبُو جُبَير مَجْهُول فَأَما ابْنه صَالح، فَذكره ابْن أبي حَاتِم بروايته عَن أَبِيه، وَقَالَ: روى عَنهُ يحيى بن وَاضح، وَالْفضل بن مُوسَى السينَانِي، وَقَالَ: إِنَّه مولى الحكم بن عَمْرو الْغِفَارِيّ، ذكر ذَلِك عَن أَبِيه، وَلم يعرف من حَاله بِشَيْء، فَهُوَ عِنْده مَجْهُول الْحَال.
وَلَا يَنْبَغِي أَن يُقَال فِي هَذَا الحَدِيث: حسن، بل هُوَ ضَعِيف، للْجَهْل بِحَال أبي جُبَير وَابْنه، بل أَبُو جُبَير / لَا تعرف عينه.
فَالْحَدِيث بِهِ لَيْسَ من أَحَادِيث المساتير الْمُخْتَلف فيهم.
وَقَوله: " عَن رَافع بن أبي عَمْرو " قد بيّنت مَا فِيهِ فِي بَاب الْأَسْمَاء الَّتِي تَغَيَّرت فِي نَقله.
وَصَوَابه: رَافع بن عَمْرو، وَهُوَ أَخُو الحكم بن عَمْرو الْغِفَارِيّ، بَين ذَلِك(3/432)
ابْن السكن، وَذكر لَهُ حَدِيثا آخر غير هَذَا فاعلمه.
(1183) وَذكر حَدِيث الْهلَال: " إِذا غَابَ قبل الشَّفق أَو بعده ".
وَلم يبين علته، وَقد بَينا ذَلِك فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة وَهِي مُنْقَطِعَة.
(1184) وَذكر / من طَرِيق النَّسَائِيّ، عَن ابْن عَبَّاس: " صوما يَوْمًا مَكَانَهُ " لعَائِشَة وَحَفْصَة.
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: فِي إِسْنَاده خطاب بن الْقَاسِم، عَن خصيف.
وَقَالَ فِيهِ النَّسَائِيّ: حَدِيث مُنكر.
هَذَا مَا ذكره بِهِ، وَهُوَ إِجْمَال لتعليله، وإيهام أَن لخطاب فِي ضعفه مدخلًا.
وَلَيْسَ كَذَلِك؛ فَإِن خطاب بن الْقَاسِم، أَبَا عَمْرو الْحَرَّانِي، قاضيها، ثِقَة، قَالَه ابْن معِين وَأَبُو زرْعَة، وَلَا أحفظ لغَيْرِهِمَا فِيهِ مَا يُنَاقض ذَلِك، وَإِنَّمَا عِلّة الْخَبَر خصيف فَإِنَّهُ سيئ الْحِفْظ، على أَنه قد وَثَّقَهُ قوم،(3/433)
مِنْهُم أَبُو زرْعَة، وَقَالَ فِيهِ ابْن معِين: صَالح وَقَالَ أَبُو أَحْمد: إِذا روى عَنهُ ثِقَة فَلَا بَأْس بحَديثه.
(1185) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن سماك بن حَرْب، عَن هَارُون بن أم هَانِئ، عَن أم هَانِئ، حَدِيث: " وَإِن كَانَ من غير قَضَاء رَمَضَان، فَإِن شِئْت فاقضي وَإِن شِئْت فَلَا تقضي ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا أحسن أَسَانِيد أم هَانِئ، وَإِن كَانَ لَا يحْتَج بِهِ.
كَذَا قَالَ: وَهُوَ كَمَا ذكر، إِلَّا أَن الْعلَّة لم يبينها، وَهِي الْجَهْل بِحَال هَارُون ابْن أم هَانِئ، أَو ابْن ابْنة أم هَانِئ، فَكل ذَلِك قيل فِيهِ، وَهُوَ لَا يعرف أصلا.
(1186) وَذكر من طَرِيق مُسلم أَحَادِيث: " الْكَفَّارَة فِي وَطْء الزَّوْجَة فِي رَمَضَان ".
(1187) ثمَّ أورد من عِنْد أبي دَاوُد: " صم يَوْمًا واستغفر الله ".
ثمَّ قَالَ: طرق مُسلم أصح وَأشهر، وَلَيْسَ فِيهَا: " صم يَوْمًا، وَلَا مكيلة التَّمْر، وَلَا / الاسْتِغْفَار ".(3/434)
وَإِنَّمَا يَصح حَدِيث الْقَضَاء مُرْسلا.
كَذَا أجمل تَعْلِيل حَدِيث أبي دَاوُد، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ أَبُو دَاوُد هَكَذَا: حَدثنَا جَعْفَر بن مُسَافر التنيسِي قَالَ: حَدثنَا ابْن أبي فديك، قَالَ: حَدثنَا هِشَام ابْن سعد، عَن ابْن شهَاب، عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، أفطر فِي رَمَضَان بِهَذَا الحَدِيث.
قَالَ: فَأتي بعرق فِيهِ تمر، قدر خَمْسَة عشر صَاعا، وَقَالَ فِيهِ: " كُله أَنْت وَأهل بَيْتك، وصم يَوْمًا، واستغفر الله ".
فعلة هَذَا الحَدِيث ضعف هِشَام بن سعد، وَقد تقدم لَهُ التَّنْبِيه عَلَيْهِ فِي مَوَاضِع.
وبحسب ذَلِك كَانَ يجب أَن يُنَبه على أَنه من رِوَايَته، لَا أَن يُكَرر بَيَان أمره.
وَسَيَأْتِي من ذكر هِشَام بن سعد - فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي سكت عَنْهَا - مَا هُوَ أوعب مِمَّا تقدم فِيهِ، لِاجْتِمَاع جَمِيع مَا رُوِيَ لَهُ هُنَالك إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(1188) وَقَالَ أَيْضا فِي هَذَا الْمَوْضُوع: وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: " بعرق فِيهِ عشرُون صَاعا ".
وَلم يبين كَذَلِك علته، وَهُوَ حَدِيث ابْن أبي الزِّنَاد، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث، عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير، عَن عباد بن عبد الله، عَن عَائِشَة(3/435)
بِهَذِهِ الْقِصَّة قَالَ: " فَأتي بعرق فِيهِ عشرُون صَاعا ".
فعلة هَذَا إِذن، ضعف ابْن أبي الزِّنَاد عبد الرَّحْمَن.
وَعَلِيهِ فِي هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ دَرك آخر، بَيناهُ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي يوردها عَن راو، ثمَّ يردفها مَا يُوهم أَنه عَن ذَلِك الرَّاوِي لَيْسَ عَنهُ.
(1189) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث حَمْزَة بن عَمْرو الْأَسْلَمِيّ قَالَ: " إِنِّي صَاحب ظهر أعَالجهُ، أسافر عَلَيْهِ وأكريه " الحَدِيث.
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: إِسْنَاد مُسلم أصح وَأجل.
كَذَا قَالَ، فَهُوَ إِن كَانَ تضعيفا فقد يَنْبَغِي أَن نبين هَاهُنَا مَا أجمل مِنْهُ، وَإِن كَانَ تَصْحِيحا، فموضعه بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أتبعهَا كلَاما يقْضِي ظَاهره بِصِحَّتِهَا، وَلَيْسَت بصحيحة.
فلنفرغ مِنْهُ هَاهُنَا على تَقْدِير عمل / الصَّوَاب مِنْهُ فِي تَضْعِيفه، فَنَقُول:(3/436)
هُوَ حَدِيث لَا يَصح.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد النُّفَيْلِي، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الْمجِيد الْمدنِي، قَالَ: سَمِعت حَمْزَة بن مُحَمَّد بن حَمْزَة الْأَسْلَمِيّ، يذكر أَن أَبَاهُ أخبرهُ عَن جده، قلت: يَا رَسُول الله. الحَدِيث.
مُحَمَّد بن حَمْزَة بن عَمْرو / قد روى عَنهُ أُسَامَة بن زيد اللَّيْثِيّ، وَكثير بن زيد اللَّيْثِيّ وَلَا يعرف مَعَ ذَلِك لَهُ حَال.
(1190) وروى أَبُو الزِّنَاد، عَن ابْن حَمْزَة الْأَسْلَمِيّ، سمع أَبَاهُ، سمع النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " لَا يعذب بالنَّار إِلَّا رب النَّار ".
ذكره أَيْضا أَبُو دَاوُد، فَيُشبه أَن يكون هُوَ مُحَمَّدًا الْمَذْكُور.
وَابْنه حَمْزَة بن مُحَمَّد مَجْهُول الْحَال أَيْضا، وَلم يذكر فِي مظان ذكره وَذكر أَمْثَاله بترجمة تخصه، لم يذكرهُ بذلك لَا البُخَارِيّ، وَلَا ابْن أبي حَاتِم وَلَا غَيرهمَا فِيمَا أعلم.
وَإِنَّمَا جرى ذكره فِي بَاب مُحَمَّد بن عبد الْمجِيد هَذَا، الرَّاوِي عَنهُ بِأَن قيل: روى عَن حَمْزَة بن مُحَمَّد.(3/437)
وَمُحَمّد بن عبد الْمجِيد هَذَا، هُوَ ابْن عبد الْمجِيد بن سهل بن عبد الرَّحْمَن ابْن عَوْف، وَهُوَ لَا يعرف روى عَنهُ إِلَّا النُّفَيْلِي، وَلَا تعرف لَهُ هُوَ رِوَايَة عَن غير حَمْزَة بن مُحَمَّد هَذَا.
وَبِذَلِك ذكر، أخذا من هَذَا الْإِسْنَاد، فَهُوَ أَيْضا مَجْهُول، فَالْحَدِيث لأَجله لَا يَصح، فَاعْلَم ذَلِك.
(1191) وَذكر حَدِيث: " إِن شَاءَ فرق وَإِن شَاءَ تَابع ".
وَأتبعهُ قَول الدَّارَقُطْنِيّ: لم يسْندهُ غير سُفْيَان بن بشر.
وَلم يبين لَهُ عِلّة، وعلته الْجَهْل بِحَال سُفْيَان هَذَا، وَهُوَ أَيْضا من رِوَايَة عبد الْبَاقِي بن قَانِع، وَلم يبين ذَلِك.
(1192) وَقد تقدم لَهُ تَضْعِيفه فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كَانَ يصبح وَلم يجمع الصَّوْم، ثمَّ يَبْدُو لَهُ فيصوم ".
(1193) وَذكر حَدِيث أنس: " من أفطر يَوْمًا من شهر رَمَضَان من غير عذر فليصم شهرا ". وَلم يبين علته.
وَقد ذَكرْنَاهُ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أعلها بِرِجَال وَترك أمثالهم أَو /(3/438)
أَضْعَف مِنْهُم.
(1194) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ حَدِيث عَائِشَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كَانَ يَصُوم من الشَّهْر السبت والأحد والاثنين " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ فِيهِ عَن التِّرْمِذِيّ: إِنَّه حسن.
وَلم يبين الْعلَّة الْمَانِعَة من صِحَّته، وَالتِّرْمِذِيّ قد بَينهَا فَقَالَ: حَدِيث حسن، رَوَاهُ ابْن مهْدي، عَن سُفْيَان وَلم يرفعهُ، وَقد كَانَ سَاقه من رِوَايَة أبي أَحْمد، وَمُعَاوِيَة بن هِشَام، عَن سُفْيَان، عَن مَنْصُور، عَن خَيْثَمَة، عَن عَائِشَة مَرْفُوعا.
وَهَذَا عِنْد التِّرْمِذِيّ عِلّة، أَن يرْوى مَرْفُوعا وموقوفا، وَلَيْسَ بذلك بِصَحِيح من قَوْله وَقَول من ذهب مذْهبه.
وَيَنْبَغِي إِلَى هَذَا، أَن يبْحَث عَن سَماع خَيْثَمَة من عَائِشَة، فَإِنِّي لَا أعرفهُ. وَالله أعلم.
(1195) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن عبد الرَّحْمَن بن مسلمة، عَن عَمه، أَن أسلم أَتَت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: " صمتم يومكم هَذَا؟ قَالُوا: لَا "، الحَدِيث فِي عَاشُورَاء.(3/439)
ثمَّ قَالَ: وَلَا يَصح هَذَا الحَدِيث فِي الْقَضَاء.
كَذَا قَالَ، وَلم يبين علته، وَهِي الْجَهْل بِحَال عبد الرَّحْمَن بن مسلمة هَذَا.
قَالَ ابْن السكن: وَيُقَال: عبد الرَّحْمَن بن سَلمَة، وَهُوَ الصَّوَاب.
ثمَّ قَالَ: نَبَّأَنِي أَبُو عَليّ: الْحسن بن عَليّ بن يحيى بن حسان البَجلِيّ، الطَّبَرَانِيّ، قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن الْوَلِيد بن سَلمَة الطَّبَرَانِيّ، قَالَ: حَدثنَا روح ابْن عبَادَة، قَالَ: حَدثنَا سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن قَتَادَة، عَن عبد الرَّحْمَن بن سَلمَة الْخُزَاعِيّ، عَن عَمه، قَالَ: غدونا على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَبِيحَة عَاشُورَاء، وَقد تغدينا، فَقَالَ: " أصمتم هَذَا الْيَوْم؟ قُلْنَا: قد تغدينا، قَالَ: فَأتمُّوا بَقِيَّة يومكم ".
ثمَّ قَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ سعيد، وَرَوَاهُ شُعْبَة، عَن قَتَادَة، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْمنْهَال بن سَلمَة، عَن عَمه.
وَرَوَاهُ أنس بن سِيرِين، عَن عبد الْملك بن الْمنْهَال، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ.
وَيُقَال: إِن شُعْبَة أَخطَأ فِي اسْمه وَأَن الصَّوَاب حَدِيث / سعيد بن أبي عرُوبَة، وَالله أعلم. انْتهى كَلَام ابْن السكن.
وَكَذَا ذكره عَن روح، عَن سعيد / لَيْسَ فِيهِ ذكر الْقَضَاء.
وَذكر الْقَضَاء هُوَ عِنْد أبي دَاوُد، من رِوَايَة يزِيد بن زُرَيْع، عَن سعيد.
وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن بكر البرْسَانِي، عَن سعيد أَيْضا بِإِسْنَادِهِ، فَلم يذكر لَفْظَة(3/440)
الْقَضَاء، ذكره النَّسَائِيّ.
وَحَدِيث شُعْبَة الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ ابْن السكن يرويهِ عَنهُ غنْدر، ذكره ابْن حزم عَن الْخُشَنِي وَذكر رِوَايَة: " فاقضوا " الَّتِي رَوَاهَا يزِيد بن زُرَيْع، عَن سعيد، من طَرِيق عبد الْبَاقِي بن قَانِع، عَن أَحْمد بن عَليّ بن مُسلم، عَن مُحَمَّد بن الْمنْهَال، عَن يزِيد بن زُرَيْع، فَاعْلَم ذَلِك.
(1196) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن عَامر بن ربيعَة قَالَ: " رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا لَا أحصي يتَسَوَّك وَهُوَ صَائِم ".
وَقَالَ فِيهِ: حَدِيث حسن.
وَلم يبين الْمَانِع من صِحَّته، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ الثَّوْريّ، عَن عَاصِم بن عبيد الله.
وَعَاصِم مُخْتَلف فِيهِ، فَبِحَق قيل فِيهِ: حسن.
(1197) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن سعيد بن بشير، عَن عبيد الله ابْن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، أَن عمر نذر أَن يعْتَكف فِي الشّرك ويصوم 000 الحَدِيث.(3/441)
وَقَالَ فِيهِ: إِسْنَاد حسن، تفرد بِهَذَا اللَّفْظ سعيد بن بشير، عَن عبيد الله بن عمر.
كَذَا أوردهُ، وَلم يبين لم لَا يَصح، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ من رِوَايَة سعيد بن بشير، وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ.
(1198) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَيْسَ على الْمُعْتَكف صَوْم إِلَّا أَن يَجعله على نَفسه ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا يرْوى غير مَرْفُوع.
لم يزدْ على هَذَا، وَالدَّارَقُطْنِيّ أوردهُ هَكَذَا: حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق السُّوسِي من أصل كِتَابه، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن نصر الرَّمْلِيّ، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى بن أبي عمر، قَالَ: حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، عَن أبي سُهَيْل بن مَالك، عَم مَالك بن أنس، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس، فَذكره.
ثمَّ قَالَ: رَفعه هَذَا الشَّيْخ، وَغَيره لَا يرفعهُ.
هَذَا مَا ذكر / وَعبد الله بن مُحَمَّد بن نصر الرَّمْلِيّ هَذَا لَا أعرفهُ.
وَقد ذكر ابْن أبي حَاتِم عبد الله بن مُحَمَّد بن نصر الرَّمْلِيّ يروي عَن الْوَلِيد بن مُحَمَّد الموقري، روى عَنهُ مُوسَى بن سهل الرَّمْلِيّ.(3/442)
لم يزدْ على هَذَا، وروى أَبُو دَاوُد عَن أبي أَحْمد: عبد الله بن مُحَمَّد الرَّمْلِيّ الخشاب، قَالَ: حَدثنَا الْوَلِيد، عَن عبد الله بن الْعَلَاء، فَلَا أَدْرِي أهم ثَلَاثَة أم اثْنَان أم وَاحِد، وَالْحَال فِي الْجَمِيع مَجْهُولَة، فَاعْلَم ذَلِك.
(1199) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ، عَن النَّضر بن شَيبَان قَالَ: قلت لأبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن: حَدثنِي عَن شَيْء سمعته عَن أَبِيك. الحَدِيث فِي فضل رَمَضَان. وَفِيه: " سننت لكم قِيَامه ".
ثمَّ قَالَ بعده: أَبُو سَلمَة لم يسمع من أَبِيه شَيْئا، وضعفوا حَدِيث النَّضر بن شَيبَان هَذَا. انْتهى قَوْله.
(1200) وَقد تقدم لَهُ أَيْضا حَدِيث: " صَائِم رَمَضَان فِي السّفر كمفطره فِي الْحَضَر ".
فَقَالَ فِيهِ: إِنَّه أَيْضا لم يسمع من أَبِيه.
وَلَكِن ذَلِك مُعَنْعَن كَسَائِر مَا يروي عَن أَبِيه، فَأَما هَذَا فَفِيهِ: حَدثنِي أبي، وَهُوَ عِنْدهم مَدْفُوع بالإنكار على النَّضر بن شَيبَان.
وَهُوَ الَّذِي قصدت الْآن بَيَان مَا أجمل أَبُو مُحَمَّد من حَاله، فَإِنَّهُ لَو كَانَ ثِقَة، ثَبت سَماع أبي سَلمَة من أَبِيه لجملة أَحَادِيث، يَرْوِيهَا عَنهُ معنعنة، لكنه - أَعنِي النَّضر بن شَيبَان الْحدانِي - لَيْسَ بِثِقَة.(3/443)
قَالَ ابْن أبي خثيمَةَ: سُئِلَ عَنهُ ابْن معِين فَقَالَ: " لَيْسَ حَدِيثه بِشَيْء ".
(1201) وَذكر البُخَارِيّ رِوَايَته عَن أبي سَلمَة عَن أَبِيه: " فِيمَن صَامَ رَمَضَان وقامه ".
وَلم يتشاغل مِنْهَا بِمَا فِيهَا: من ذكر سَمَاعه من أَبِيه أَو عَدمه، وَإِنَّمَا تشاغل مِنْهَا / بِأَمْر آخر، وَهُوَ أَن الزُّهْرِيّ، وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، وَيحيى بن أبي كثير، رَوَوْهُ عَن أبي سَلمَة فَقَالُوا فِيهِ: عَن أبي هُرَيْرَة، لَا عَن أَبِيه.
قَالَ البُخَارِيّ: وَهُوَ أصح.
وَهَذَا عِنْدِي من ذَلِك الْبَاب، الَّذِي جرت عَادَتهم بالتسامح فِيهِ: من جمع الطّرق، وَضرب / بَعْضهَا بِبَعْض، من غير تعْيين لفظ لطريق مِنْهَا.
وَفِي الْحَقِيقَة لَيْسَ كَذَلِك، فَإِن الَّذِي روى هَؤُلَاءِ عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة، لَيْسَ فِيهِ: " وسننت لكم قِيَامه ".
وَإِنَّمَا رُوِيَ اللَّفْظ الْمَذْكُور عَنهُ، عَن أَبِيه.
وَهَكَذَا أَيْضا فعل الدَّارَقُطْنِيّ فِي كتاب الْعِلَل، ذكر أَن الزُّهْرِيّ قَالَ فِيهِ: عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة، إِلَّا أَنه تحرز فَقَالَ: وَلم يذكر فِيهِ: " وسننت لكم قِيَامه ".
فَكَانَ هَذَا من الدَّارَقُطْنِيّ أصوب، وَيُقَال لَهُ - وَمَعَ ذَلِك -: فَلم تجْعَل هَذَا اخْتِلَافا على أبي سَلمَة؟ وهما حديثان.(3/444)
وَحكم الدَّارَقُطْنِيّ بِأَن حَدِيث الزُّهْرِيّ أشبه بِالصَّوَابِ، وَلم يبين لماذا، وَإِنَّمَا ذَلِك لما قُلْنَاهُ: من ضعف النَّضر بن شَيبَان، وَهُوَ الْمُنْفَرد بِهِ، وَإِن كَانَ قد رَوَاهُ عَنهُ غير وَاحِد.
قَالَ الْبَزَّار: حَدثنَا عمر بن مُوسَى السَّامِي، قَالَ: حَدثنَا الْقَاسِم بن الْفضل، قَالَ: حَدثنَا النَّضر بن شَيبَان، قَالَ: قلت لأبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن، حَدثنِي حَدِيثا سمعته من أَبِيك، سَمعه أَبوك من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، قَالَ: سَمِعت أبي يَقُول: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن الله تبَارك وَتَعَالَى فرض عَلَيْكُم صِيَام شهر رَمَضَان، وسننت لكم قِيَامه، فَمن صَامَهُ إِيمَانًا واحتسابا غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه ".
قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ يرْوى عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد، من حَدِيث النَّضر بن شَيبَان.
وَرَوَاهُ عَن النَّضر غير وَاحِد، انْتهى كَلَامه فاعلمه.
(1202) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن مُسلم بن خَالِد الزنْجِي، عَن الْعَلَاء، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: " خرج رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَإِذا أنَاس فِي رَمَضَان يصلونَ فِي نَاحيَة الْمَسْجِد " الحَدِيث.(3/445)
ثمَّ [قَالَ] : قَالَ أَبُو دَاوُد: لَيْسَ هَذَا الحَدِيث بِالْقَوِيّ.
وَلم يُفَسر علته، وَهِي حَال مُسلم بن خَالِد، الملقب بالزنجي، الْفَقِيه، شيخ الشَّافِعِي، كَانَ أَبيض، مليحا، وَإِنَّمَا قيل لَهُ: الزنْجِي / بالضد.
وَثَّقَهُ ابْن معِين، وَضَعفه غَيره، وَفسّر بعض من ضعفه مَا ضعفه بِهِ، وَهُوَ أَنه مُنكر الحَدِيث، قَالَه البُخَارِيّ وَأَبُو حَاتِم.
وَقَالَ السَّاجِي: إِنَّه كثير الْغَلَط، وَكَانَ يرى الْقدر، وَكَانَ صَدُوقًا، صَاحب الرَّأْي، وَفقه.
(1203) وَلما ذكر أَبُو مُحَمَّد حَدِيث سرق فِي " بيع من عَلَيْهِ دين ".
أتبعه أَن قَالَ: مُسلم بن خَالِد، والبيلماني، لَا يحْتَج بهما.
(1204) وَذكر حَدِيثا من طَرِيق الْعقيلِيّ فِي " ضَعُوا وتعجلوا ".
فضعفه بِغَيْر مُسلم بن خَالِد، وَأعْرض عَن مُسلم، والْحَدِيث من رِوَايَته، وَبِه يعرف.(3/446)
(1205) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن عَليّ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من ملك زادا وراحلة تبلغه إِلَى بَيت الله وَلم يحجّ " الحَدِيث.
ثمَّ أتبعه قَول التِّرْمِذِيّ: حَدِيث غَرِيب، وَفِي إِسْنَاده مقَال.
وَلم يزدْ على هَذَا، فأجمل تَعْلِيله.
وَالتِّرْمِذِيّ لم يقْتَصر على ذَلِك، بل زَاد بَيَان الْعلَّة، وَهِي ضعف الْحَارِث الْأَعْوَر، وَالْجهل بِحَال هِلَال بن عبد الله، مولى ربيعَة بن عَمْرو بن مُسلم الْبَاهِلِيّ، رَاوِيه عَن أبي إِسْحَاق الْهَمدَانِي، عَن الْحَارِث، عَن عَليّ.(3/447)
(1206) وَذكر حَدِيث مَا يُوجب الْحَج قَالَ: " الزَّاد وَالرَّاحِلَة ".
وَضَعفه، ثمَّ قَالَ: إِن الدَّارَقُطْنِيّ ذكره / من رِوَايَة رجال من الصَّحَابَة سماهم، وَكلهَا لَا يحْتَج بِهِ.
وَإِنَّمَا لم نعرض الْآن لتبيين عللها؛ لِأَنَّهَا كَسَائِر مَا لم يذكر، وَإِنَّمَا أَشَارَ إِلَيْهَا.
(1207) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار، عَن ابْن عمر [قَالَ] قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " سفر الْمَرْأَة مَعَ عَبدهَا ".
ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن بزيع بن عبد الرَّحْمَن.
لم يزدْ على هَذَا، وَلم يتَقَدَّم لَهُ فِي بزيع شَيْء، وَهُوَ أَبُو عبد الله: بزيع بن عبد الرَّحْمَن، كناه الْبَزَّار فِي نفس الْإِسْنَاد.
قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: ضَعِيف.
وَلَو لم يقل ذَلِك فِيهِ، قُلْنَا: مَجْهُول، فَإِنَّهُ لَا يعرف روى عَنهُ إِلَّا إِسْمَاعِيل بن / عَيَّاش، وَهُوَ أَيْضا ضَعِيف فِيمَا يروي عَن غير أهل بَلَده.
وَذكر ابْن أبي حَاتِم رجلا آخر، يُقَال لَهُ: بزيع، أَبُو عبد الله، بَصرِي، روى عَنهُ عَفَّان بن مُسلم، وَلَيْسَ بِهَذَا، وَهُوَ أَيْضا مَجْهُول.(3/448)
(1208) وَذكر أَيْضا من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن زيد بن ثَابت، أَنه رأى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " تجرد لإحرامه واغتسل ".
قَالَ: حَدِيث حسن غَرِيب.
كَذَا قَالَ، وَلم يبين لم لَا يَصح، وَذَلِكَ أَن التِّرْمِذِيّ [سَاقه هَكَذَا: حَدثنَا عبد الله بن أبي زِيَاد، حَدثنَا عبد الله بن يَعْقُوب الْمدنِي] عَن ابْن أبي الزِّنَاد، عَن أَبِيه، عَن خَارِجَة بن زيد، عَن أَبِيه، فَذكره.
فَالَّذِي لأَجله حسنه، هُوَ الِاخْتِلَاف فِي عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد، وَلَعَلَّه عرف عبد الله بن يَعْقُوب الْمدنِي، وَمَا أَدْرِي كَيفَ ذَلِك، وَلَا أَرَانِي تلزمني حجَّته، [فَإِنِّي] أجهدت نَفسِي فِي تعرفه فَلم أجد أحدا ذكره.
وَقد مر فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ردهَا بالانقطاع، كَأَنَّهَا لَا عيب لَهَا سواهُ، حَدِيث:
(1209) " النَّهْي عَن الصَّلَاة خلف النَّائِم أَو المتحدث ".
وَفِيه عبد الله بن يَعْقُوب بن إِسْحَاق، وَهُوَ أَيْضا مَجْهُول، وَلَا أَدْرِي أهوَ هَذَا أم غَيره؟ وَهُوَ أَيْضا لَا أعرفهُ مَذْكُورا كَهَذا.
وَسَيَأْتِي لِابْنِ أبي الزِّنَاد ذكر باضطراب أبي مُحَمَّد فِي أمره، فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي سكت عَنْهَا مصححا لَهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.(3/449)
(1210) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن أبي عِيسَى الْخُرَاسَانِي، عَن عبد الله بن الْقَاسِم، [عَن أَبِيه] ، عَن سعيد بن الْمسيب، أَن رجلا من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَتَى عمر بن الْخطاب - رَضِي الله عَنهُ - فَشهد أَنه سمع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فِي مَرضه الَّذِي قبض فِيهِ، " ينْهَى عَن الْعمرَة قبل الْحَج ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا مُرْسل عَمَّن لم يسم، وَإِسْنَاده ضَعِيف جدا.
كَذَا قَالَ، والعهد بِهِ أَنه لَا يرد أَحَادِيث من لم يسم: مِمَّن يزْعم أَنه رأى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، أَو سَمعه، وَإِن لم يشْهد لَهُ التَّابِعِيّ، / الرَّاوِي عَنهُ بالصحبة.
وَقد كتبنَا لَهُ من ذَلِك جملَة كَبِيرَة فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة وَهِي مُنْقَطِعَة.
فَأَما مثل هَذَا الَّذِي شهد لَهُ سعيد بن الْمسيب بِأَنَّهُ من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فحري على مذْهبه بِقبُول مَا يرويهِ.
وَقد أعَاد ذكر هَذَا الحَدِيث قريب آخر كتاب الْحَج، بِذكر هُوَ أصوب من هَذَا؛ وَذَلِكَ أَنه قَالَ: هَذَا مُنْقَطع وَضَعِيف الْإِسْنَاد.
فَهَذَا أصوب فَإِنَّهُ مُنْقَطع فِيمَا بَين سعيد وَعمر بن الْخطاب، وَرَأَيْت نسخا لم يثبت فِيهَا الحَدِيث فِي الْمَكَان الأول، وَهُوَ بَاب الْقرَان والإفراد.(3/450)
فعلى هَذَا تسْقط المواخذة الَّتِي واخذناه بهَا فِي قَوْله: " مُرْسل عَمَّن لم يسم ".
وَلَكِن لم يسلم من مثل ذَلِك الْعَمَل فِي أَحَادِيث [أخر] نَاقض بِهَذَا، حسب مَا قد بَيناهُ فِي الْبَاب الْمَذْكُور، الَّذِي هُوَ بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة، وَهِي مُنْقَطِعَة أَو مُرْسلَة.
وَإِلَى هَذَا، فَإِن الَّذِي لأَجله كتبناه الْآن هُنَا، هُوَ مَا أجمل من ضعفه فِي قَوْله: / " إِنَّه ضَعِيف الْإِسْنَاد، مَعَ مَا بِهِ من الِانْقِطَاع "، ونبين ذَلِك - إِن شَاءَ الله - فَنَقُول: أَبُو عِيسَى الْخُرَاسَانِي مَجْهُول.
وَقد تقدم لَهُ فِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ من المراسل، عَن أبي عِيسَى الْخُرَاسَانِي هَذَا، عَن الضَّحَّاك بن مُزَاحم:
(1211) " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يخرج يَوْم الْعِيد بِالسِّلَاحِ ".
وَلم يعبه بسوى الْإِرْسَال.
وروى ذَلِك الْخَبَر عَن أبي عِيسَى الْمَذْكُور، سعيد بن أبي أَيُّوب، وروى هَذَا الآخر عَنهُ، حَيْوَة بن شُرَيْح، وَمَعَ ذَلِك فَلَا تعرف حَاله.
وَعبد الله بن الْقَاسِم وَأَبوهُ أَيْضا لَا تعرف أحوالهما كَذَلِك، فاعلمه.
(1212) وَذكر حَدِيث: " طَاف طوافين، وسعى سعيين لحجه وعمرته ".(3/451)
وَضعف طرقه، فَكَانَ مِنْهَا أَن قَالَ: وَفِيه إِسْنَاد آخر عَن عَليّ، وَهُوَ مَتْرُوك، فِيهِ عِيسَى بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عمر بن عَليّ.
كَذَا قَالَ، وَهُوَ كَلَام مثبج، وَإِنَّمَا كَانَ / صَوَابه أَن يَقُول: وَفِيه إِسْنَاد آخر عَن عَليّ، وَفِيه مَتْرُوك، وَهُوَ عِيسَى بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عمر بن عَليّ.
وَكَذَلِكَ فعل الدَّارَقُطْنِيّ لما ذكره من رِوَايَة عباد بن يَعْقُوب، عَن عِيسَى الْمَذْكُور، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام، أتبعه أَن قَالَ: عِيسَى بن عبد الله، يُقَال لَهُ: مبارك، وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث.
وعَلى كَلَام أبي مُحَمَّد، يبْقى الحَدِيث غير مُبين الْعلَّة، فَإِنَّهُ أعْطى أَنه إِسْنَاد مَتْرُوك، وَلم يبين بِمَاذَا؟ وَلم يسْتَقلّ بذلك قَوْله: فِيهِ عِيسَى؛ إِذْ لم يبين حَاله فِيمَا قبل.
وَالرجل مَتْرُوك كَمَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ، بل قَالَ أَبُو حَاتِم البستي: إِنَّه يروي عَن أَبِيه، عَن آبَائِهِ أَشْيَاء مَوْضُوعَة.
وَذكر لَهُ أَبُو أَحْمد جملَة أَحَادِيث، كلهَا مُنكرَة، فَاعْلَم ذَلِك.
(1213) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ - مُتَّصِلا بِهِ - عَن عبد الله بن(3/452)
مَسْعُود، قَالَ: " طَاف رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لحجته وعمرته طوافين، وسعى سعيين، وَأَبُو بكر، وَعمر، وَعلي، وَابْن مَسْعُود ".
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: إِسْنَاده ضَعِيف، فِيهِ عبد الْعَزِيز بن أبان وَغَيره. هَذَا أَيْضا إِجْمَال لتعليله، فَإِنَّهُ لم يحكم على عبد الْعَزِيز بن أبان، وَلَا على غَيره مِمَّن فِي الْإِسْنَاد.
وَنَصّ مَا أورد الدَّارَقُطْنِيّ فِي هَذَا: حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن سعيد، حَدثنَا جَعْفَر بن مُحَمَّد بن مَرْوَان حَدثنَا أبي، حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن أبان، حَدثنَا أَبُو بردة، عَن حَمَّاد، عَن إِبْرَاهِيم، عَن عَلْقَمَة، عَن عبد الله، فَذكره.
ثمَّ أتبعه أَن أَبَا بردة، هُوَ عَمْرو بن يزِيد، ضَعِيف، وَمن دونه فِي الْإِسْنَاد ضعفاء.
هَذَا كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ، عين للتضعيف من إِسْنَاده أَبَا بردة، وَهُوَ ضَعِيف كَمَا ذكر.
قَالَ ابْن معِين: لَيْسَ حَدِيثه بِشَيْء.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: إِنَّه مُنكر الحَدِيث، وَكَانَ مرجئا.
فَأَما عبد الْعَزِيز بن أبان، الَّذِي عين أَبُو مُحَمَّد بِالذكر، فَهُوَ أَبُو خَالِد(3/453)
القريشي مَتْرُوك، مُتَّهم بِوَضْع الأحديث، وَكَانَ / ابْن معِين، يقسم أَنه كَذَّاب وَقَالَ: إِنَّه وضع أَحَادِيث عَن سُفْيَان الثَّوْريّ.
وَقَالَ ابْن نمير: مَا مَاتَ عبد الْعَزِيز حَتَّى قَرَأَ مَا لَيْسَ من حَدِيثه.
فَأَما جَعْفَر بن مُحَمَّد وَأَبُو مُحَمَّد بن مَرْوَان، فَلَا أعرف حَالهمَا، وَلَكِن الدَّارَقُطْنِيّ قد عمم القَوْل فِيمَن دون أبي بردة بِأَنَّهُم ضعفاء، فقد شملهما قَوْله.
فَأَما شيخ الدَّارَقُطْنِيّ، أَحْمد بن مُحَمَّد بن سعيد، فالخطب فِيهِ أكبر، فَإِنَّهُ أَبُو الْعَبَّاس بن عقدَة، الْحَافِظ، أحد المكثرين، المتسعين فِي الرِّوَايَة وَالْجمع، حَتَّى إِنَّه ليقل فِي الْمُحدثين أَمْثَاله، وأنباؤه كَثِيرَة جدا، وَلكنه مَعَ ذَلِك فقد أنْكرت من أُمُوره أَشْيَاء، وَالدَّارَقُطْنِيّ خَاصَّة مِمَّن يُضعفهُ.
قَالَ أَبُو بكر بن ثَابت الْخَطِيب: حَدثنَا أَبُو طَاهِر: حَمْزَة بن مُحَمَّد / بن طَاهِر الدقاق، قَالَ: سُئِلَ أَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ - وَأَنا أسمع - عَن أبي الْعَبَّاس ابْن عقدَة، فَقَالَ: " كَانَ رجل سوء ".
حَدثنَا أَبُو بكر البرقاني، قَالَ: سَأَلت أَبَا الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ، عَن أبي الْعَبَّاس بن عقدَة، فَقلت: إيش أكبر مَا فِي نَفسك عَلَيْهِ؟ فَوقف ثمَّ قَالَ: " الْإِكْثَار بِالْمَنَاكِيرِ ".(3/454)
أَخْبرنِي عَليّ بن مُحَمَّد بن نصر، قَالَ: سَمِعت حَمْزَة بن يُوسُف، يَقُول: سَمِعت أَبَا عمر بن حيويه يَقُول: " كَانَ ابْن عقدَة فِي جَامع براثي يملي مثالب أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، أَو قَالَ: الشَّيْخَيْنِ - يَعْنِي أَبَا بكر وَعمر - فَتركت حَدِيثه، لَا أحدث عَنهُ بِشَيْء، وَمَا سَمِعت مِنْهُ بعد ذَلِك شَيْئا ".
أَخْبرنِي أَبُو عبد الله: أَحْمد بن مُحَمَّد القصري، قَالَ: سَمِعت أَبَا الْحسن: مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سُفْيَان الْحَافِظ: يَقُول: " وَجه إِلَى أبي الْعَبَّاس بن عقدَة من خُرَاسَان بِمَال، وَأمر أَن يُعْطِيهِ بعض الضُّعَفَاء، وَكَانَ على بَاب دَاره صَخْرَة عَظِيمَة، فَقَالَ لِابْنِهِ: ارْفَعْ هَذِه الصَّخْرَة، فَلم يسْتَطع رَفعهَا، لعظمها وثقلها، فَقَالَ لَهُ: أَرَاك ضَعِيفا، فَخذ هَذَا المَال، وَدفعه إِلَيْهِ ".
فَهَذَا تَفْسِير مَا أجمل أَبُو مُحَمَّد رَحمَه الله فِي قَوْله: فِيهِ عبد الْعَزِيز بن / أبان وَغَيره، فَاعْلَم ذَلِك، وَالله الْمُوفق.
(1214) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ - بِإِسْنَاد ضَعِيف، بل مَجْهُول - عَن أم كَبْشَة، أَنَّهَا قَالَت: يَا رَسُول الله، إِنِّي آلَيْت أَن أَطُوف بِالْبَيْتِ حبوا، فَقَالَ لَهَا: " طوفي على رجلك سبعين: سبعا عَن يَديك، وَسبعا عَن رجليك ".(3/455)
قد بَينا فِي بَاب الرِّجَال الَّذين تَغَيَّرت أَسمَاؤُهُم، أَو أنسابهم فِي نَقله، مَا اتّفق لَهُ من التَّغْيِير فِي قَوْله: عَن أم كَبْشَة، وَإِنَّمَا هِيَ: كَبْشَة أم مُعَاوِيَة بن خديج، وَمَا اتّفق لَهُ من الْخَطَأ فِي جعل الحَدِيث من روايتهما، فِي أول بَاب من هَذَا الْكتاب، وَهُوَ بَاب الزِّيَادَة فِي الْأَسَانِيد.
ونبين الْآن علته الَّتِي أجملها وَلم يُفَسِّرهَا، فَنَقُول: رُوَاته مَجْهُولُونَ، وَبَعْضهمْ ضَعِيف.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَمْرو بن عبد الْخَالِق، حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن رشدين حَدثنَا عبد الْوَاحِد بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز ابْن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مُعَاوِيَة بن خديج الْكِنْدِيّ، عَن أَبِيه مُحَمَّد، عَن جده عبد الْعَزِيز، عَن أَبِيه مُحَمَّد، عَن أَبِيه عبد الرَّحْمَن، عَن أَبِيه مُعَاوِيَة بن خديج. فَذكره.
أَحْمد بن مُحَمَّد بن رشدين ضَعِيف، وَمن فَوْقه مَجَاهِيل.
(1215) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن عَائِشَة، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أخر طواف الزِّيَارَة إِلَى اللَّيْل ".
وَقَالَ فِيهِ: حسن.(3/456)
وَإِنَّمَا لم يُصَحِّحهُ - وَالله أعلم - لِأَنَّهُ من رِوَايَة سُفْيَان، عَن أبي الزبير، عَن ابْن عَبَّاس، وَعَائِشَة.
وَأَبُو الزبير مُدَلّس، وَلم يقل: سَمِعت، وَلَا هُوَ من رِوَايَة اللَّيْث عَنهُ.
وَقد تقدم مَا اتّفق لَهُ فِي ترك ابْن عَبَّاس من هَذَا الْإِسْنَاد، فِي بَاب النَّقْص من الْأَسَانِيد.
(1216) وَذكر من طَرِيق أبي عمر، من حَدِيث ابْن علية، أسْندهُ إِلَى ابْن عَبَّاس، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أشعر بدنه من الْجَانِب الْأَيْسَر ".
ثمَّ قَالَ أَبُو عمر: هَذَا عِنْدِي حَدِيث مُنكر من حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَالصَّحِيح يَعْنِي من الْجَانِب الْأَيْمن.
كَذَا أجمل تَعْلِيله / والْحَدِيث إِنَّمَا أوردهُ أَبُو عمر فِي التَّمْهِيد هَكَذَا:
[قَالَ] وَرَأَيْت فِي كتاب ابْن علية، عَن أَبِيه، عَن سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن قَتَادَة، عَن أبي حسان الْأَعْرَج، عَن ابْن عَبَّاس، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أشعر بدنه من الْجَانِب الْأَيْسَر ثمَّ سلت الدَّم عَنْهَا وقلدها نَعْلَيْنِ ".
قَالَ: وَهَذَا عِنْدِي مُنكر فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا، وَالْمَعْرُوف فِيهِ مَا ذكر أَبُو دَاوُد: " الْجَانِب الْأَيْمن "، لَا يَصح فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس غير ذَلِك إِلَّا أَن(3/457)
عبد الله بن عمر كَانَ يشْعر بدنه من الْجَانِب الْأَيْسَر. انْتهى / كَلَام أبي عمر.
وَهُوَ كَلَام صَحِيح، والْحَدِيث فِي كتاب مُسلم من رِوَايَة [شُعْبَة عَن قَتَادَة، عَن أبي حسان، عَن ابْن عَبَّاس " بالجانب الْأَيْمن "، وَفِي كتاب أبي دَاوُد من رِوَايَة] شُعْبَة كَذَلِك.
وأخاف أَن يكون هَذَا الَّذِي نقل أَبُو عمر من كتاب ابْن علية، تصحف فِيهِ الْأَيْسَر بالأيمن، فَهُوَ قريب فِي الْخط.
وَالَّذِي لأَجله كتبته الْآن هُنَا، هُوَ أَن علته مجملة، وَهِي أَنه لَا يعلم ابْن علية إِلَّا الْأُخوة الثَّلَاثَة: إِسْمَاعِيل، ورِبْعِي، وَإِسْحَاق، والفقيه الْمَشْهُور مِنْهُم هُوَ إِسْمَاعِيل، - هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم بن سهم، وَعليَّة أمه، وَلَيْسَت هَذِه طبقته، أَن يرْوى بِهَذَا النُّزُول، فَإِن قدرناه هُوَ، فأبوه إِبْرَاهِيم بن سهم لَا أعرفهُ فِي رُوَاة الْأَخْبَار، وحاله مَجْهُولَة، فَاعْلَم ذَلِك.
(1217) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن عبد الله بن حَارِث الْأَزْدِيّ، قَالَ: سَمِعت غرفَة بن الْحَارِث الْكِنْدِيّ، قَالَ: شهِدت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَأتي بِالْبدنِ، فَقَالَ: " ادعو لي أَبَا حسن " الحَدِيث فِي نحرهما مَعًا الْبدن.
ثمَّ قَالَ بعده: حَدِيث جَابر فِي نحر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَكثر الْبدن، وَنحر عَليّ مَا(3/458)
بَقِي، أصح إِسْنَادًا من هَذَا، انْتهى قَوْله.
فَإِن كَانَ هُوَ تَصْحِيحا فقد أَخطَأ، فَإِن عبد الله بن الْحَارِث هَذَا لَا تعرف لَهُ حَال، وَلَا يعرف روى عَنهُ إِلَّا حَرْمَلَة بن عمرَان رَاوِي هَذَا الحَدِيث عَنهُ، وَإِن كَانَ هُوَ / تضعيفا فقد أجمل علته، وَهِي هَذِه الَّتِي ذكرنَا.
والْحَدِيث الْمَذْكُور ذكره أَبُو دَاوُد، عَن مُحَمَّد بن حَاتِم بن مَيْمُون، عَن عبد الرَّحْمَن بن مهْدي، عَن عبد الله بن الْمُبَارك، عَن حَرْمَلَة بن عمرَان، عَن عبد الله بن الْحَارِث.
وَرَوَاهُ مُسلم أَيْضا عَن مُحَمَّد بن حَاتِم بن مَيْمُون، بِإِسْنَادِهِ، وَمَتنه، حرفا بِحرف، لكنه لم يذكرهُ فِي كِتَابه، فَإِنَّهُ لَا يَصح لما ذَكرْنَاهُ.
وَإِنَّمَا ذكره عَنهُ أَبُو عَليّ بن السكن فِي كتاب الصَّحَابَة، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد ابْن عبد الرَّحْمَن السَّرخسِيّ، حَدثنَا مُسلم بن الْحجَّاج فَذكره.
(1218) وَذكر حَدِيث عَائِشَة حِين أضلت بدنتها.
وَقد ذكرنها مُبينًا فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها وَلَيْسَت بضعيفة.
(1219) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ حَدِيث ابْن عمر، فِي أَن " من وقف(3/459)
بِعَرَفَات بلَيْل فقد أدْرك الْحَج " الحَدِيث.
من رِوَايَة مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، عَن عَطاء وَنَافِع عَنهُ.
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: ابْن أبي ليلى قد تقدم ذكره، وَقَبله من هُوَ أَضْعَف مِنْهُ.
ولبيان هَذَا الَّذِي أجمل فِيمَن دونه كتبناه الْآن.
وَذَلِكَ أَن من دونه فِي الْإِسْنَاد إِنَّمَا هُوَ مَجْهُول.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن حَمَّاد بن إِسْحَاق، حَدثنَا أَبُو عون: مُحَمَّد بن عَمْرو بن عون، حَدثنَا دَاوُد بن جُبَير، حَدثنَا رَحْمَة بن مُصعب، أَبُو هَاشم، الْفراء الوَاسِطِيّ، عَن ابْن أبي ليلى فَذكره.
وَرَحْمَة هَذَا، لَا أعرفهُ مَذْكُورا، فَإِنَّهُ - كَمَا ترى - كناه أَبَا هَاشم ونعته بالفراء.
وَإِنَّمَا ذكر الْعقيلِيّ رَحْمَة بن مُصعب، أَبَا مُصعب الوَاسِطِيّ، وسَاق عَن ابْن معِين أَنه قَالَ فِيهِ: " لَيْسَ بِشَيْء، يحدث عَن عزْرَة بن ثَابت، روى عَنهُ الْقَاسِم بن عِيسَى ". فَالَّذِي فِي الْإِسْنَاد مَجْهُول، وَالله أعلم إِن كَانَ هُوَ إِيَّاه.
وَدَاوُد بن جُبَير الرَّاوِي عَنهُ، لَا أعرفهُ أَيْضا مَذْكُورا، ولسعيد بن الْمسيب أَخ يُقَال لَهُ: دَاوُد بن جُبَير، هُوَ مَجْهُول الْحَال أَيْضا، وَلَيْسَت هَذِه طبقته.(3/460)
(1220) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عَبَّاس، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - / " رمى الْجَمْرَة يَوْم النَّحْر رَاكِبًا ".
قَالَ فِيهِ: حَدِيث حسن.
كَذَا أوردهُ، وَلم يبين لم لَا يَصح، وَهُوَ حَدِيث إِنَّمَا يرويهِ حجاج بن أَرْطَاة، عَن الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس.
وحجاج مُخْتَلف فِيهِ، وَهُوَ مُدَلّس، وَلم يذكر سَمَاعا.
(1221) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " رخص للرعاء أَن يرموا بِاللَّيْلِ، وَأي سَاعَة من النَّهَار شاؤوا ".
ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده / ضَعِيف، فِيهِ بكر بن بكار وَغَيره. انْتهى مَا ذكره بِهِ. وَترك أَن يبين أَن فِيهِ إِبْرَاهِيم بن يزِيد الخوزي، وَأرَاهُ خَفِي عَلَيْهِ أَنه هُوَ، وَلم يتجاسر عَلَيْهِ.
ومعذور هُوَ، فَإِنَّهُ يعرفهُ يروي عَن عَطاء، وَعَمْرو بن دِينَار، وَمُحَمّد بن عباد بن جَعْفَر، وَنَحْوهم من التَّابِعين، وَرَآهُ فِي هَذَا الحَدِيث يرويهِ عَن سُلَيْمَان الْأَحول، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، فأشكل عَلَيْهِ.(3/461)
وَلم يستبعد من هَذَا بَعيدا، فَإِن سُلَيْمَان بن أبي مُسلم الْأَحول، يروي عَمَّن هُوَ فَوق هَذَا، يروي عَن أبي سَلمَة، وَسَعِيد بن جُبَير، وَطَاوُس.
وَإِبْرَاهِيم بن يزِيد الخوزي الْمَذْكُور، تَجِد لَهُ هَكَذَا بِوَاسِطَة عَن عَمْرو بن شُعَيْب رِوَايَات:
(1222) مِنْهَا مَا رَوَاهُ عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " قَاتلُوا دون أَمْوَالكُم، فَمن قتل دون مَاله فَهُوَ شَهِيد ".
ويروي عَن أَيُّوب بن مُوسَى، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر أَحَادِيث.
وَمَعَ هَذَا فَلم يرْتَفع احْتِمَال أَن لَا يكون هُوَ، وَلَكِن قد كفى هَذَا فِي تَعْلِيل الْخَبَر بِهِ، فَإِنَّهُ إِن كَانَ الخوزي، فَهُوَ ضَعِيف، وَإِن لم يكن إِيَّاه، فَلَا يدرى من هُوَ.
وَأما بكر بن بكار، أَبُو عمر الْبَصْرِيّ، فَقَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِالْقَوِيّ.
[وَكَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم.
وَهُوَ إِلَى التقوية أقرب، فَإِنَّهُمَا إِنَّمَا يعنيان بذلك أَنه لَيْسَ بأقوى] مَا يكون.
وَقَالَ أَبُو أَحْمد بن عدي: لَيست أَحَادِيثه بالمنكرة.(3/462)
وَفِي هَذَا الحَدِيث دون بكر بن بكار من لَا تعرف حَاله، وَهُوَ / جَعْفَر بن مُحَمَّد الشِّيرَازِيّ.
وَلِلْحَدِيثِ طَرِيق أحسن من هَذَا، من رِوَايَة صَحَابِيّ آخر، وَهُوَ عبد الله ابْن عمر بن الْخطاب، نذكرهُ بِهِ إِن شَاءَ الله فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها، وَلها طرق أحسن من الَّتِي سَاقهَا مِنْهَا، فَاعْلَم ذَلِك.
(1223) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث ابْن عمر أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " جمع بَين الظّهْر وَالْعصر، ثمَّ خطب النَّاس، ثمَّ رَاح، فَوقف على الْموقف من عَرَفَة ".
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: قد تقدم من حَدِيث جَابر أَنه عَلَيْهِ السَّلَام:
(1224) " خطب قبل الصَّلَاة ".
وَهُوَ الْمَشْهُور الَّذِي عمل بِهِ الْأَئِمَّة والمسلمون. انْتهى قَوْله.
فَإِن يكن هَذَا تعليلا للْحَدِيث، فَلم يبين لم لَا يَصح، وَذَلِكَ أَنه من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، لَا شَيْء بِهِ غير ذَلِك، فاعلمه.
(1225) وَذكر من طَرِيق مُسلم حَدِيث عَائِشَة، بِأَنَّهَا " طهرت يَوْم(3/463)
عَرَفَة، وحديثا آخر بِأَنَّهَا طهرت يَوْم النَّحْر ".
ثمَّ قَالَ: وَقد رُوِيَ من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة أَنَّهَا طهرت لَيْلَة الْبَطْحَاء، [وَلَا يَصح] .
كَذَا قَالَ: [وَلَا يَصح] وَلم يعزه، لَا بَين علته.
وَهُوَ حَدِيث ذكره أَبُو دَاوُد، عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن عَائِشَة، الحَدِيث.
[وَفِيه: " فَلَمَّا كَانَت لَيْلَة الْبَطْحَاء طهرت ".
وَهُوَ كَمَا قَالَ: لَا يَصح، فَإِن الْأَحَادِيث] كَثِيرَة بَيِّنَة بِأَنَّهَا - رَضِي الله عَنْهَا - مَا نزلت المحصب يَوْم النَّفر الثَّانِي، الَّذِي هُوَ رَابِع يَوْم النَّحْر، إِلَّا وَهِي قد فرغت من الْحَج، وطافت طواف الْإِفَاضَة يَوْم النَّحْر إِثْر مَا طهرت، وَلما نزلت المحصب استدعى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أخاها عبد الرَّحْمَن، فَقَالَ لَهُ: " اخْرُج بأختك من الْحرم، فلتهل بِالْعُمْرَةِ ثمَّ لتطوف بِالْبَيْتِ " الحَدِيث.
فَالْقَوْل بِأَنَّهَا طهرت لَيْلَة الْبَطْحَاء خطأ.
والبطحاء، والأبطح، والمحصب، والحصبة، وَخيف بني كنَانَة، كُله كِنَايَة عَن مَوضِع وَاحِد، نزله رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بعد انْصِرَافه؛ لِأَنَّهُ أسمح لِلْخُرُوجِ، وَلَيْسَ بِسنة.(3/464)
وَقد / كَانَ قَالَ فِي أمس يَوْم نُزُوله "
(1226) " نَحن نازلون غَدا إِن شَاءَ الله بخيف بني كنَانَة، حَيْثُ تقاسمت قُرَيْش على الْكفْر ".
وَمن هُنَالك ذهبت عَائِشَة إِلَى التَّنْعِيم لتعتمر، وهنالك / انتظرها رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَتَّى فرغت من عمرتها، فقد كَانَ [لَهَا طَاهِرا يَوْم النَّحْر، وَيَوْم النَّفر، وَيَوْم النَّفر الأول، وَيَوْم النَّفر الثَّانِي] .
وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن يعتل الْخَبَر الْمَذْكُور بِالْحملِ على أحد رُوَاته: إِمَّا حَمَّاد بن سَلمَة، وَإِمَّا الرَّاوِي عَنهُ لمُخَالفَة النَّاس، فَاعْلَم ذَلِك.
(1227) وَذكر من منتخب عَليّ بن عبد الْعَزِيز، عَن ثَوْبَان، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يمس الْقُرْآن إِلَّا طَاهِر، وَالْعمْرَة هِيَ الْحَج الْأَصْغَر ".
ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده ضَعِيف، انْتهى قَوْله.
وَهَذَا الحَدِيث يرويهِ عَليّ بن عبد الْعَزِيز هَكَذَا: حَدثنَا أسْحَاق بن إِسْمَاعِيل، قَالَ: حَدثنَا مسْعدَة الْبَصْرِيّ، عَن خصيب بن جحدر عَن النَّضر ابْن شفي، عَن أبي أَسمَاء الرَّحبِي، عَن ثَوْبَان، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يمس الْقُرْآن إِلَّا طَاهِر، وَالْعمْرَة الْحَج الْأَصْغَر، وَعمرَة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَحجَّة أفضل من عمْرَة ".(3/465)
وَذكر بِهَذَا الْإِسْنَاد أَحَادِيث، وَهُوَ إِسْنَاد فِي غَايَة الضعْف.
وَلم أجد للنضر بن شفي ذكرا فِي شَيْء من مظان وجوده، فَهُوَ جد مَجْهُول.
وَأما الخصيب بن جحدر، فقد رَمَاه ابْن معِين بِالْكَذِبِ.
وَاتَّقَى أَحْمد بن حَنْبَل حَدِيثه وَإِنَّمَا كَانَ يروي ثَلَاثَة عشر أَو أَرْبَعَة عشر حَدِيثا.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَهُ أَحَادِيث مَنَاكِير.
وَأما مسْعدَة الْبَصْرِيّ، فَهُوَ ابْن اليسع، خرق أَحْمد بن حَنْبَل حَدِيثه وَتَركه.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: إِنَّه يكذب على جَعْفَر بن مُحَمَّد.
فَأَما إِسْحَاق بن إِسْمَاعِيل، الَّذِي يرويهِ عَنهُ عَليّ بن عبد الْعَزِيز، فَهُوَ ابْن عبد الْأَعْلَى الْأَيْلِي، يكثر عَنهُ، يروي عَن ابْن عُيَيْنَة، وَجَرِير، وَغَيرهمَا، وَهُوَ شيخ لأبي دَاوُد، وَأَبُو دَاوُد لَا يروي إِلَّا عَن ثِقَة عِنْده، فاعلمه.
(1228) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن زيد بن ثَابت، قَالَ: قَالَ رَسُول الله / - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن الْحَج وَالْعمْرَة فريضتان، لَا يَضرك بِأَيِّهِمَا بدأت ".
ثمَّ قَالَ: الصَّحِيح أَنه من قَول زيد بن ثَابت.(3/466)
(1229) وَلَا يَصح فِي هَذَا الْبَاب إِلَّا حَدِيث أبي رزين.
هَكَذَا أجمل تَعْلِيل هَذَا الحَدِيث، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ الدَّارَقُطْنِيّ هَكَذَا: حَدثنَا عَليّ بن الْحسن بن رستم، حَدثنَا مُحَمَّد بن سعيد، أَبُو يحيى الْعَطَّار، حَدثنَا مُحَمَّد بن كثير الْكُوفِي، حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن مُسلم، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن زيد بن ثَابت. فَذكره.
وَمُحَمّد بن سعيد، كُوفِي، صيرفي، قَالَ فِيهِ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث.
وَلم يرضه ابْن حَنْبَل، وَقَالَ: خرقنا حَدِيثه.
وَيَرْوِيه هِشَام بن حسان، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن زيد بن ثَابت مَوْقُوفا، وَلَفظه: سُئِلَ عَن الْعمرَة قبل الْحَج فَقَالَ: " صلاتان لَا يَضرك بِأَيِّهِمَا بدأت ".
وَهَذَا مُقْتَضى آخر غير الأول، فاعلمه.
(1230) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن بِلَال بن الْحَارِث، قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله، فسخ الْحَج لنا خَاصَّة أَو لمن بَعدنَا؟ قَالَ: " بل لكم خَاصَّة ".
ثمَّ قَالَ: الصَّحِيح فِي هَذَا قَول أبي ذَر، غير مَرْفُوع إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خرجه مُسلم.(3/467)
هَكَذَا قَالَ فِي حَدِيث بِلَال، وَلم يبين علته.
وَإِسْنَاده هُوَ هَذَا: حَدثنَا النُّفَيْلِي، حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، حَدثنَا ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن، عَن الْحَارِث بن بِلَال، عَن أَبِيه. فَذكر.
الْحَارِث بن بِلَال هَذَا لَا يعرف حَاله، وَقَالَ عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل: سَأَلت أبي عَن حَدِيث بِلَال بن الْحَارِث الْمُزنِيّ، فِي فسخ الْحَج، فَقَالَ: " لَا أَقُول بِهِ، وَلَيْسَ إِسْنَاده بِالْمَعْرُوفِ، وَلم يروه إِلَّا الدَّرَاورْدِي وَحده ".
(1231) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن عَائِشَة، قُلْنَا: يَا رَسُول الله، أَلا نَبْنِي بنيانا يظلك بمنى؟ قَالَ: " [لَا] منى مناخ من سبق ".
قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن.
كَذَا قَالَ، وَلم يبين لم لَا يَصح، وَعِنْدِي أَنه لَيْسَ بِحسن، بل ضَعِيف، وَذَلِكَ أَن التِّرْمِذِيّ ذكره هَكَذَا: حَدثنَا يُوسُف بن عِيسَى، وَمُحَمّد بن أبان، قَالَا: حَدثنَا وَكِيع، عَن إِسْرَائِيل، عَن إِبْرَاهِيم بن مهَاجر / عَن يُوسُف بن مَاهك، عَن أمه مُسَيْكَة، عَن عَائِشَة. فَذَكرته.(3/468)
[ومسيكة] هَذِه أم يُوسُف بن مَاهك، لَا تعرف حَالهَا، لَا يعرف روى عَنْهَا غير ابْنهَا.
(1232) وَذكر من طَرِيقه إيضا، عَن أَشْعَث بن سوار، عَن أبي الزبير، عَن جَابر قَوْله: " فَكُنَّا نلبي عَن النِّسَاء ونرمي عَن الصّبيان ".
وَلم يقل بإثره شَيْئا.
وَأَحْسبهُ اكْتفى فِي تَضْعِيفه بإبراز مَا أبرز من إِسْنَاده، وَقد علم أَن أَشْعَث ابْن سوار ضَعِيف، وَأَبُو الزبير مُدَلّس.
وَله عِلّة أُخْرَى، وَذَلِكَ أَنه مُضْطَرب الْمَتْن، قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد / ابْن إِسْمَاعِيل الوَاسِطِيّ، قَالَ سَمِعت ابْن نمير، عَن أَشْعَث بن سوار، عَن أبي الزبير، عَن جَابر قَالَ: " كُنَّا إِذا حجَجنَا مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَكُنَّا نلبي عَن النِّسَاء، ونرمي عَن الصّبيان ".
فَفِيهِ - كَمَا ترى من رِوَايَة مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل، عَن ابْن نمير - أَن النِّسَاء لَا يلبين، وَإِنَّمَا يُلَبِّي عَنْهُن الرِّجَال، وَأَن الصّبيان لَا يلبى عَنْهُم، وَلَكِن يرْمى عَنْهُم.
وَقَالَ أَبُو بكر بن أبي شيبَة فِي مُصَنفه: حَدثنَا عبد الله بن نمير، عَن أَشْعَث، عَن أبي الزبير، عَن جَابر قَالَ: حجَجنَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ومعنا(3/469)
النِّسَاء وَالصبيان، فلبينا عَن الصّبيان، ورمينا عَنْهُم.
فَهَذَا - كَمَا ترى - أَن الصّبيان يلبى عَنْهُم، وَلم يذكر التَّلْبِيَة عَن النِّسَاء.
وَهَذَا أولى بِالصَّوَابِ وأشبه بِهِ، فَإِن الْمَرْأَة لَا يلبى عَنْهَا غَيرهَا، أجمع أهل الْعلم على ذَلِك.
حَكَاهُ هَكَذَا التِّرْمِذِيّ، قَالَ: وَإِنَّمَا لَا ترفع صَوتهَا بِالتَّلْبِيَةِ فَقَط.
وَلما أورد أَبُو مُحَمَّد حَدِيث التِّرْمِذِيّ الْمَذْكُور، وَعلم مَا فِيهِ، أتبعه حِكَايَة التِّرْمِذِيّ لهَذَا الْإِجْمَاع، فَلَو علم بِرِوَايَة ابْن أبي شيبَة، كَانَت من مَقْصُوده، فَاعْلَم ذَلِك.
(1233) وَذكر أَنه قد جَاءَت أَحَادِيث مراسل وضعاف: " تمنع من أَن يحجّ أحد عَن أحد ".
وَهِي مَا رُوِيَ عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن يحيى الْعَدوي، ثمَّ النجاري أَن امْرَأَة من الْعَرَب قَالَت: يَا رَسُول الله، الحَدِيث.
(1234) وَعَن مُحَمَّد بن حَيَّان / الْأنْصَارِيّ، أَن امْرَأَة جَاءَت إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، الحَدِيث.
(1235) وَعَن مُحَمَّد بن الْحَارِث التَّيْمِيّ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ،(3/470)
الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: حَدثنِي بِهَذِهِ الْأَحَادِيث شُرَيْح، إجَازَة عَن ابْن حزم، ونقلتها من كتاب ابْن حزم فِي حجَّة الْوَدَاع بِإِسْنَادِهِ. انْتهى كَلَامه.
فَأَقُول: أجمل من تعليلها مَا عدا الْإِرْسَال، وَهِي لَا تصح مراسل.
وَبَيَان ذَلِك هُوَ أَن الأول، أوردهُ ابْن حزم هَكَذَا: حَدثنَا أَحْمد بن عمر بن أنس العذري، حَدثنَا عبد الله بن حُسَيْن بن عقال، حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الدينَوَرِي، حَدثنَا مُحَمَّد بن الجهم، حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن حَمَّاد، حَدثنِي أبي، حَدثنَا ابْن أبي أويس، حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن كريم الْأنْصَارِيّ، عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن يحيى الْعَدوي، ثمَّ النجاري، أَن امْرَأَة من الْعَرَب قَالَت: يَا رَسُول الله، إِن أبي شيخ كَبِير، فَقَالَ لَهَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لتحجي عَنهُ وَلَيْسَ لأحد بعده ".
وَقَالَ ابْن حزم: مُرْسل، وَفِيه مَجْهُولَانِ، لَا يدرى أحد مِنْهُمَا:
أَحدهمَا مُحَمَّد بن عبد الله بن كريم، وَالْآخر إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن يحيى.
وَأما الثَّانِي فَقَالَ ابْن حزم: حَدثنِي أَحْمد بن عمر، حَدثنَا الْحُسَيْن بن يَعْقُوب، حَدثنَا سعيد بن مخلوف، حَدثنَا يُوسُف بن يحيى المغامي، حَدثنَا عبد الْملك بن حبيب حَدثنِي مطرف، عَن مُحَمَّد بن الكدير، عَن مُحَمَّد بن(3/471)
حَيَّان الْأنْصَارِيّ، أَن امْرَأَة جَاءَت إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَت: إِن أبي شيخ كَبِير لَا يقوى على الْحَج، قَالَ: " فلتحجي عَنهُ، وَلَيْسَ ذَلِك لأحد بعده ".
قَالَ ابْن حزم: فِيهِ ابْن حبيب، ومطرف، عَن مجهولين.
وَأما الثَّالِث، فبإسناده إِلَى ابْن حبيب، قَالَ: حَدثنَا هَارُون بن صَالح الطلحى، عَن عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم، عَن ربيعَة، عَن مُحَمَّد بن الْحَارِث التَّيْمِيّ، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا يحجّ أحد عَن أحد إِلَّا ولد عَن وَالِد ".
قَالَ ابْن حزم: رِوَايَة ابْن حبيب سَاقِطَة مطرحة / بلية من البلايا لَو روى عَن الثِّقَات، فَكيف عَن الطلحي الَّذِي لَا يعرف من هُوَ، عَن عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم، وَهُوَ سَاقِط. انْتهى مَا ذكر.
وَهُوَ تَفْسِير مَا أجمل أَبُو مُحَمَّد من تَعْلِيل هَذِه المراسل فاعلمه.
(1236) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن جَابر بن عبد الله / سَأَلت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن الضبع، فَقَالَ: " هِيَ صيد، وَيجْعَل فِيهِ كَبْش إِذا صَاده الْمحرم ".
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: " كَبْش مسن "، قَالَ: وَالصَّحِيح حَدِيث أبي دَاوُد.(3/472)
هَذَا مَا ذكر من غير مزِيد، وَالْغَرَض تَبْيِين مَا أجمل من عِلّة زِيَادَة " مسن ".
وَذَلِكَ أَنه حَدِيث يرويهِ الدَّارَقُطْنِيّ هَكَذَا: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن يُونُس بن ياسين، قَالَ: حَدثنَا إِسْحَاق بن أبي إِسْرَائِيل، قَالَ: حَدثنَا حسان بن إِبْرَاهِيم، قَالَ: حَدثنَا إِبْرَاهِيم الصَّائِغ، عَن عَطاء، عَن جَابر بن عبد الله، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " فِي الضبع إِذا أَصَابَهَا الْمحرم جَزَاء: كَبْش مسن، ويوكل ".
هَذَا إِسْنَاده، وَهُوَ غير إِسْنَاد [حَدِيث] أبي دَاوُد، وَذَلِكَ أَن رَاوِي حَدِيث أبي دَاوُد عَن جَابر، إِنَّمَا هُوَ عبد الرَّحْمَن بن أبي عمار، وَهُوَ ثِقَة.
والْحَدِيث مَشْهُور بِهِ، وَمن طَرِيقه يعرف، فَأَما هَذَا الَّذِي من رِوَايَة عَطاء عَن جَابر، فَمن هَذَا الْإِسْنَاد.
وَإِبْرَاهِيم بن زِيَاد الصَّائِغ، رَاوِيه عَن عَطاء، رجل صَالح ثِقَة.
وَحسان بن إِبْرَاهِيم الْكرْمَانِي، أخرج لَهُ البُخَارِيّ.
وَقَالَ ابْن معِين: لَا بَأْس بِهِ.
وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: كَانَ ثِقَة، وَكَانَ أَشد النَّاس فِي الْقدر.
وَكَانَ ابْن حَنْبَل يوثقه أَيْضا.(3/473)
(1237) وَقد سَاق أَبُو مُحَمَّد من طَرِيقه حَدِيث عَائِشَة فِي لَغْو الْيَمين.
وَهُوَ من رِوَايَته، عَن إِبْرَاهِيم الصَّائِغ، عَن عَطاء، عَن عَائِشَة.
وَلم يعرض لَهُ من جِهَة رِجَاله، لَكِن من جِهَة أَنه رُوِيَ مَوْقُوفا.
فَأَما إِسْحَاق بن أبي إِسْرَائِيل فَهُوَ من مشاهير الْمُحدثين وحفاظهم، وَأَكْثَرهم يوثقه، وَلكنه اتّفق لَهُ رَأْي فِي الْقُرْآن أَيَّام المحنة، وَهُوَ الْوَقْف، فَترك جمَاعَة من / أَئِمَّة الْمُحدثين حَدِيثه ورفضوه.
فَلَعَلَّ أَبَا مُحَمَّد علم هَذَا من حَاله، فَلذَلِك لم يصحح هَذِه الزِّيَادَة من طَرِيقه، وَقَالَ: إِن الصَّحِيح حَدِيث أبي دَاوُد دونهَا.
وَأَيْضًا فَإِن إِسْمَاعِيل بن يُونُس بن ياسين، شيخ الدَّارَقُطْنِيّ فِيهِ، هُوَ أَبُو إِسْحَاق، الْمَعْرُوف بالشيعي، لَا أعرف حَاله فِي الحَدِيث.
وَقد ذكره الْخَطِيب برواته من فَوق وَمن أَسْفَل، وَذكر وَفَاته، وَلم يعرض لَهُ بتعديل وَلَا تجريح، فَالله أعلم.
(1238) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " يقتل الْمحرم السَّبع العادي ".
قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن، وخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا.(3/474)
هَذَا نَص مَا أورد، فَهُوَ لم يبين لم لَا يَصح، وَذَلِكَ أَنه من رِوَايَة يزِيد بن أبي زِيَاد [حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن أبي نعم البَجلِيّ] .
قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَحْمد بن منيع، قَالَ: حَدثنَا هشيم، حَدثنَا يزِيد ابْن أبي زِيَاد، عَن ابْن أبي نعم، عَن أبي سعيد، فَذكره بِالنَّصِّ الْمُتَقَدّم من غير مزِيد.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا أَحْمد بن حَنْبَل، حَدثنَا هشيم، حَدثنَا يزِيد بن أبي زِيَاد، حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن أبي نعم البَجلِيّ، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سُئِلَ عَمَّا يقتل الْمحرم، قَالَ: " الْحَيَّة، وَالْعَقْرَب، والفويسقة، وَيَرْمِي الْغُرَاب وَلَا يقْتله، وَالْكَلب الْعَقُور، والحدأة، والسبع العادي ".
وَذكر أَبُو مُحَمَّد قبله من هَذَا الحَدِيث، قِطْعَة " يَرْمِي الْغُرَاب وَلَا يقْتله ".
ثمَّ قَالَ بإثره: فِي إِسْنَاده يزِيد بن أبي زِيَاد، وَلَا يحْتَج بِهِ.
فَهَذِهِ عِلّة الحَدِيث الْمَذْكُور، الْمَانِعَة من تَصْحِيحه، فَإِن يزِيد بن أبي زِيَاد مُخْتَلف فِيهِ.
(1239) وَذكر بعده أَن عبد الرَّحْمَن بن صَفْوَان، سَأَلَ عمر بن الْخطاب، كَيفَ صنع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِين دخل الْكَعْبَة؟ قَالَ: " صلى رَكْعَتَيْنِ ".(3/475)
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ من رِوَايَة يزِيد بن أبي زِيَاد، وَلم يبين ذَلِك، وَهُوَ أقل مَا كَانَ يلْزمه، فاعلمه.
(1240) وَذكر حَدِيث / عَائِشَة: " لَو اسْتقْبلت من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرت مَا دَخَلتهَا " يَعْنِي الْكَعْبَة /.
من طَرِيق أبي دَاوُد، وَضَعفه بِإِسْمَاعِيل بن عبد الْملك، ثمَّ قَالَ:
(1241) وَقد رُوِيَ بِإِسْنَاد آخر عَن عَائِشَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " نَدم على دُخُوله الْبَيْت ".
خرجه أَبُو بكر الْبَزَّار، وَلَا يثبت أَيْضا.
كَذَا ذكره وَلم يبين علته، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ الْبَزَّار هَكَذَا: حَدثنَا إِبْرَاهِيم ابْن عبد الله بن مُحَمَّد الْكُوفِي، قَالَ: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن أبي مُعَاوِيَة، قَالَ: حَدثنَا أبي، عَن خَالِد بن مغول، عَن ثَعْلَبَة، عَن شُرَيْح بن هَانِئ، عَن عَائِشَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " نَدم على دُخُول الْبَيْت، كَرَاهِيَة أَن يشق على أمته ".
قَالَ: لَا نعلم رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظ إِلَّا شُرَيْح بن هَانِئ، وَقد روى ابْن أبي مليكَة عَن عَائِشَة شَبِيها بِهَذَا الْمَعْنى، بِغَيْر هَذَا اللَّفْظ. انْتهى كَلَام الْبَزَّار.
ثَعْلَبَة هَذَا لَا يعرف من هُوَ، فَأَما إِبْرَاهِيم بن أبي مُعَاوِيَة، فصدوق لَا بَأْس(3/476)
بِهِ، وَأَبوهُ أَبُو مُعَاوِيَة هُوَ مُحَمَّد بن خازم الضَّرِير.
(1242) وَذكر حَدِيث عَائِشَة: " أَنَّهَا كَانَت تحمل من مَاء زَمْزَم " الحَدِيث.
وَقَالَ فِيهِ عَن التِّرْمِذِيّ: حسن غَرِيب.
وَلم يبين لم لَا يَصح، وَذَلِكَ أَن التِّرْمِذِيّ يرويهِ هَكَذَا: [حَدثنَا أَبُو كريب] حَدثنَا خَلاد بن يزِيد الْجعْفِيّ، حَدثنَا زُهَيْر بن مُعَاوِيَة، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة، فَذَكرته.
قَالَ البُخَارِيّ فِي خَلاد بن يزِيد - وَذكر لَهُ هَذَا الحَدِيث، عَن زُهَيْر [عَن هِشَام] ، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة، أَنَّهَا حملت مَاء زَمْزَم فِي الْقَوَارِير، وَقَالَت: " حمله رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الأداوي والقرب " - لَا يُتَابع عَلَيْهِ.
(1243) وَذكر من طَرِيق عبد الله بن المؤمل، عَن أبي الزبير، عَن جَابر، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَاء زَمْزَم لما شرب لَهُ ".
قَالَ: وَفِي هَذَا الْبَاب عَن ابْن عَبَّاس.
ذكر الأول أَبُو جَعْفَر الْعقيلِيّ، وَأَبُو بكر بن أبي شيبَة، وَالثَّانِي الدَّارَقُطْنِيّ. انْتهى كَلَامه.(3/477)
وَيظْهر / من أمره من حَيْثُ ذكر هَذِه الْقطعَة من إِسْنَاده أَنه مضعف لَهُ، وَيُحب أَن يكون كَذَلِك، فَإِن عبد الله بن مُؤَمل سيئ الْحِفْظ، وتدليس أبي الزبير مَعْلُوم.
والْحَدِيث الْمَذْكُور رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة، عَن زيد بن الْحباب وَسَعِيد بن زَكَرِيَّاء، كِلَاهُمَا عَن عبد الله بن المؤمل.
(1244) وَقد ذكر أَبُو مُحَمَّد حَدِيث: " اسْعوا فَإِن الله كتب عَلَيْكُم السَّعْي ".
وَهُوَ من رِوَايَة عبد الله بن المؤمل، وَحسنه.
وَقد ذَكرْنَاهُ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أتبعهَا كلَاما يَقْتَضِي ظَاهره تصحيحها وَلَيْسَت بصحيحة.
(1245) فَأَما حَدِيث ابْن عَبَّاس، فإسناده آخر، وَلَفظه آخر، وعلته أُخْرَى.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا عمر بن الْحسن بن عَليّ، حَدثنَا مُحَمَّد بن هِشَام ابْن عَليّ الْمروزِي، حَدثنَا مُحَمَّد بن حبيب الجارودي، حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن ابْن أبي نجيح، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَاء(3/478)
زَمْزَم لما شرب لَهُ، إِن شربته تستشفي بِهِ شفاك الله، وَإِن شربته لشبعك أشبعك الله بِهِ، وَإِن شربته لقطع ظمئك قطعه، وَهِي هزمة جِبْرِيل، وسقيا الله إِسْمَاعِيل ".
مُحَمَّد بن حبيب بن مُحَمَّد الجارودي، بَصرِي قدم بَغْدَاد، وَحدث بهَا، وَكَانَ صَدُوقًا.
وَشَيخ الدَّارَقُطْنِيّ: عمر بن الْحسن بن عَليّ بن الْجَعْد، أَبُو الْقَاسِم الْجَوْهَرِي، ثِقَة، وَلَكِن مُحَمَّد بن هِشَام بن عَليّ الْمروزِي، لم أجد لَهُ ذكرا، فَالله أعلم.
(1246) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن سُفْيَان بن حُسَيْن، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من أَدخل فرسا بَين فرسين " الحَدِيث.
قَالَ: وَرَوَاهُ سعيد بن بشير، عَن الزُّهْرِيّ بِمثلِهِ.
ثمَّ ذكر أَن معمرا وشعيبا، وعقيلا، رَوَوْهُ عَن الزُّهْرِيّ، عَن رجال من(3/479)
أهل الْعلم، قَالَ أَبُو دَاوُد: وَهَذَا أصح عندنَا.
هَذَا نَص مَا ذكر، وَهُوَ يُعْطي أَن عِلّة الْخَبَر، هِيَ مُخَالفَة هَؤُلَاءِ لِسُفْيَان بن حُسَيْن / وَسَعِيد بن بشير، بِأَن وَقَفُوهُ على رجال من أهل / الْعلم.
وَهَذَا لَيْسَ فِي الْحَقِيقَة بعلة، لَو كَانَ سُفْيَان وَسَعِيد رافعاه ثقتين، فَإِنَّهُ لَا بعد فِي أَن يكون الْخَبَر عِنْد الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَعَن رجال من أهل الْعلم ذَهَبُوا إِلَيْهِ ورأوه لأَنْفُسِهِمْ رَأيا.
وَإِنَّمَا عِلّة الْخَبَر ضعف سُفْيَان بن حُسَيْن فِي الزُّهْرِيّ، فقد عهد كثير الْمُخَالفَة لحفاظ أَصْحَابه، كثير الْخَطَأ عَنهُ، وَضعف سعيد بن بشير بِالْجُمْلَةِ، وَمِنْهُم من يوثقه.
فَلَو كَانَا حافظين لم يضرهما مُخَالفَة من وَقفه.
وَإِنَّمَا ذكرت هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب - وَلم أجعله فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي عللها بِمَا لَيْسَ بعلة، وَترك ذكر مَا هُوَ فِي الْحَقِيقَة لَهَا عِلّة - لِأَنَّهُ تَبرأ من عهدته بإبراز مَوضِع علته حِين ذكر الْقطعَة الْمَذْكُورَة من إِسْنَاده، فَكَأَنَّهُ قد علله بِمَا هُوَ لَهُ عِلّة، وَلكنه أجمل ذَلِك، فاعتمدنا بَيَانه فاعلمه.(3/480)
(1247) وَذكر حَدِيث ابْن عَبَّاس، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " تنفل سَيْفه ذَا الفقار يَوْم بدر " الحَدِيث.
من عِنْد التِّرْمِذِيّ، وَحسنه.
وَلم يبين لم لَا يَصح، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد، عَن أَبِيه، عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة، عَن ابْن عَبَّاس.
وَقد وَقع ذكر ابْن أبي الزِّنَاد مستوعبا، فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي سكت عَنْهَا مصححا لَهَا.
(1248) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن مزيدة العصري، قَالَ: " دخل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم الْفَتْح، وعَلى سَيْفه ذهب وَفِضة ".
ثمَّ قَالَ فِيهِ: حسن غَرِيب.
هَكَذَا حسنه بتحسين التِّرْمِذِيّ، وَلم يبين لم لَا يَصح، وَهُوَ عِنْدِي ضَعِيف لَا حسن إِلَّا على رَأْي من يقبل المساتير، وَلَا يَبْتَغِي فيهم مزيدا، فَإِنَّهُ يكون حسنا.(3/481)
قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن صدران أَبُو جَعْفَر الْبَصْرِيّ، حَدثنَا طَالب بن حُجَيْر، عَن هود - وَهُوَ ابْن عبد الله بن سعد - عَن / جده مزيدة قَالَ: " دخل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم الْفَتْح، وعَلى سَيْفه ذهب وَفِضة ".
قَالَ طَالب: فَسَأَلته عَن الْفضة: فَقَالَ: " كَانَت قبيعة سَيْفه فضَّة ".
قَالَ فِيهِ: حسن غَرِيب.
فَأَقُول - وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق -: هود بن عبد الله بن سعد، بَصرِي، لَا مزِيد فِيهِ على مَا فِي هَذَا الْإِسْنَاد: من رِوَايَته عَن جده، وَرِوَايَة طَالب بن حُجَيْر عَنهُ، فَهُوَ مَجْهُول الْحَال.
وطالب بن حُجَيْر أَبُو حُجَيْر، كَذَلِك، وَإِن كَانَ قد روى عَنهُ أَكثر من وَاحِد.
وَسُئِلَ عَنهُ الرازيان فَقَالَا: شيخ.
يعنيان بذلك أَنه لَيْسَ من طلبة الْعلم ومقتنيه، وَإِنَّمَا هُوَ رجل اتّفقت لَهُ رِوَايَة لحَدِيث، أَو أَحَادِيث أخذت عَنهُ.
وَقد كَانَ يلْزم أَبَا مُحَمَّد إِن كَانَ هَذَا الْإِسْنَاد عِنْده حسنا، كَمَا قنع بِهِ من تَحْسِين التِّرْمِذِيّ إِيَّاه - أَن يَسُوق بِهِ:(3/482)
(1249) " جعل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رايات الْأَنْصَار صفرا ".
فَإِنَّهُ لم يسق فِي " كَون راية النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صفراء " شَيْئا يلْتَفت إِلَيْهِ.
وَانْظُر هَذَا فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أرودها ضَعِيفَة وَلها طرق صَحِيحَة أَو حَسَنَة.
(1250) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " خير الصَّحَابَة أَرْبَعَة " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: حسن غَرِيب، لَا يسْندهُ كَبِير أحد.
لم يزدْ على هَذَا، فلنبين لم لَا يَصح أَيْضا، فَنَقُول: قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى الْأَزْدِيّ، الْبَصْرِيّ، وَأَبُو عمار، وَغير وَاحِد، قَالُوا: حَدثنَا وهب بن جرير، عَن أَبِيه، عَن يُونُس بن يزِيد، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عبيد الله بن عبد الله، عَن ابْن عَبَّاس، فَذكره.
قَالَ أَبُو عِيسَى: " هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، لَا يسْندهُ كَبِير / أحد، غير جرير بن حَازِم، وَإِنَّمَا رُوِيَ هَذَا الحَدِيث عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مُرْسلا.
وَقد روى حبَان بن عَليّ الْعَنزي، عَن عقيل، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عبيد الله عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.(3/483)
وَرَوَاهُ اللَّيْث بن سعد، عَن عقيل، عَن الزُّهْرِيّ / عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مُرْسلا " انْتهى كَلَام التِّرْمِذِيّ.
فعلته إِذن عِنْده، الِاخْتِلَاف فِيهِ بِالْإِسْنَادِ والإرسال.
وَذَلِكَ غير قَادِح فِي نظر غَيره، فَالْحَدِيث صَحِيح، فَيسْتَحق على هَذَا أَن يكْتب فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها بِمَا لَيْسَ بعلة، أَو حسنها وَهِي صَحِيحَة، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق.
(1251) وَذكر من طَرِيق ابْن أبي شيبَة، عَن أبي الْورْد، سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " إيَّاكُمْ والسرية الَّتِي إِن لقِيت فرت، وَإِن غنمت غلت ".
ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده ضَعِيف جدا، فِيهِ ابْن لَهِيعَة وَغَيره.
هَذَا مَا ذكر، وَهُوَ كَمَا قَالَ، إِلَّا أَنا نبين مَا أجمل فِي قَوْله: " وَغَيره ".
وَذَلِكَ أَن ابْن أبي شيبَة يرويهِ عَن زيد بن الْحباب، عَن ابْن لَهِيعَة، قَالَ: حَدثنَا يزِيد بن أبي حبيب، عَن لَهِيعَة بن عقبَة، قَالَ سَمِعت أَبَا الْورْد صَاحب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول، فَذكره.
ولهيعة بن عقبَة لَا يعرف، وَلم أجد لَهُ ذكرا، إِلَّا أَن ابْن لَهِيعَة هُوَ عِنْد ابْن أبي حَاتِم، عبد الله بن لَهِيعَة بن عقبَة.
هَكَذَا ذكره فِي بَاب اللَّام من أَسمَاء الْآبَاء.(3/484)
فَيُشبه على هَذَا أَن يكون وَالِد عبد الله، وَإِذا كَانَ هُوَ إِيَّاه لم يَنْفَعهُ؛ فَإِنَّهُ لَا تعرف حَاله.
فَأَما غير ابْن أبي حَاتِم، فَيَقُول فِيهِ: عبد الله بن عقبَة بن لَهِيعَة، وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب، فعلى هَذَا يبْقى لَهِيعَة بن عقبَة غير مَعْرُوف الْعين، فَالله أعلم.
(1252) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن صَخْر بن ودَاعَة الغامدي، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " اللَّهُمَّ بَارك لأمتي فِي بكورها، وَكَانَ إِذا بعث سَرِيَّة أَو جَيْشًا، بَعثهمْ أول النَّهَار ".
(1253) ويروى من حَدِيث أنس عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " اللَّهُمَّ بَارك لأمتي فِي بكورها يَوْم خميسها ".
(1254) وَفِي الْبَاب عَن ابْن عَبَّاس، خرج حَدِيثهمَا الْبَزَّار.
(1255) وَالصَّحِيح فِي هَذَا حَدِيث البُخَارِيّ، وَحَدِيث أبي دَاوُد حسن. انْتهى كَلَامه.
فَأَقُول، مُبينًا لما أجمل من تَعْلِيل هَذَا الْبَاب: أما / قَوْله فِي حَدِيث(3/485)
أبي دَاوُد: إِنَّه حسن، فخطأ.
وَبَيَان ذَلِك [هُوَ] أَن أَبَا دَاوُد أوردهُ هَكَذَا: حَدثنَا سعيد بن مَنْصُور، حَدثنَا هشيم، حَدثنَا يعلى بن عَطاء، قَالَ: حَدثنَا عمَارَة بن حَدِيد، عَن صَخْر الغامدي. فَذكره.
وَعمارَة بن حَدِيد هَذَا، مَجْهُول الْحَال، وَلَا يعرف روى عَنهُ إِلَّا يعلى بن عَطاء.
وَقد سُئِلَ عَنهُ أَبُو حَاتِم وَأَبُو زرْعَة الرازيان: فَقَالَ كل وَاحِد مِنْهُمَا فِيهِ: " مَجْهُول ".
وَأما حَدِيث أنس فَقَالَ الْبَزَّار: حَدثنَا عبد القدوس بن مُحَمَّد بن عبد الْكَبِير الْعَطَّار، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله الْخُزَاعِيّ، عَن عَنْبَسَة - يَعْنِي ابْن عبد الرَّحْمَن - عَن شبيب، عَن أنس، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " اللَّهُمَّ بَارك لأمتي فِي بكورها يَوْم خميسها ".
قَالَ: " وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ يرْوى عَن أنس إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وعنبسة ابْن عبد الرَّحْمَن لين الحَدِيث ". انْتهى كَلَام الْبَزَّار.
وَكَذَا قَالَ فِي عَنْبَسَة " لين الحَدِيث " وَلَيْسَ كَذَلِك، بل هُوَ عِنْدهم فِي عداد من يضع الْأَحَادِيث، قَالَه أَبُو حَاتِم.
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ عَن البُخَارِيّ: " هُوَ ذَاهِب الحَدِيث ".(3/486)
وشبيب بن بشر البَجلِيّ أَيْضا ضَعِيف.
وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس فَقَالَ الْبَزَّار: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن سيف، إبو أسْحَاق الْقطعِي قَالَ: حَدثنَا عَمْرو بن مساور، عَن أبي جَمْرَة، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " اللَّهُمَّ بَارك لأمتي فِي بكورها يَوْم / خميسها ".
قَالَ: وَقَالَ ابْن عَبَّاس: " لَا تسألن رجلا حَاجَة بلَيْل، وَلَا تسألن رجلا أعمى حَاجَة؛ فَإِن الْحيَاء فِي الْعَينَيْنِ ".
قَالَ: " وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ رَوَاهُ عَن أبي جَمْرَة إِلَّا عَمْرو، وَعَمْرو روى عَنهُ عَفَّان وَجَمَاعَة من أَصْحَاب الحَدِيث، وَلم يكن بِالْقَوِيّ، وَلَا نعلم لَهُ غير هذَيْن الْحَدِيثين ". انْتهى كَلَام الْبَزَّار.
وَذكر ابْن أبي حَاتِم عَمْرو بن مساور، أَبَا مسور روى عَن الشّعبِيّ، عَن قرظة، روى عَنهُ روح بن الْقَاسِم.
لم يذكرهُ بِأَكْثَرَ من هَذَا، وَلَا أَدْرِي أهوَ هَذَا أم لَا؟
وَقَالَ الْبَزَّار أَيْضا: حَدثنَا النَّضر بن طَاهِر، قَالَ: حَدثنَا / إِسْحَاق بن سُلَيْمَان بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " اللَّهُمَّ بَارك لأمتي فِي بكورها ".(3/487)
قَالَ: " وَهَذَا الحَدِيث يرْوى عَن ابْن عَبَّاس من وَجه آخر، وَهَذَا الْإِسْنَاد أحسن من الْإِسْنَاد الآخر، قَالَ: وَلَا نعلم أسْند إِسْحَاق بن سُلَيْمَان حَدِيثا غير هَذَا، وَالنضْر بن طَاهِر كَانَ رجلا كثير الذّكر لله، حدث بِأَحَادِيث لم يُتَابع على بَعْضهَا " انْتهى كَلَامه.
وَإِنَّمَا عَنى بِالْإِسْنَادِ الآخر، الْإِسْنَاد [الآخر] الَّذِي فَرغْنَا من ذكره قبل هَذَا.
وَإِسْحَاق بن سُلَيْمَان هَذَا لَا تعرف حَاله.
(1256) وَلِلْحَدِيثِ طَرِيق آخر، يَجِيء على أصل أبي مُحَمَّد أَنه لَا بَأْس بِهِ، وَلَيْسَ هُوَ عِنْدِي بِصَحِيح أَيْضا.
وَهُوَ حَدِيث ذكره ابْن السكن:
قَالَ: حَدثنَا يحيى بن مُحَمَّد بن صاعد، حَدثنَا الْحُسَيْن بن الْحسن الْمروزِي، حَدثنَا أَوْس بن عبد الله الْمروزِي، حَدثنَا الْحُسَيْن بن وَاقد، عَن عبد الله بن بُرَيْدَة، عَن أَبِيه، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " اللَّهُمَّ بَارك لأمتي فِي بكورهم ".
(1257) قد ذكر أَبُو مُحَمَّد حَدِيث: " إِسْلَام بُرَيْدَة فِي بَاب الفأل ".
وَهُوَ من رِوَايَة أَوْس بن عبد الله هَذَا، وَسكت عَنهُ مصححا لَهُ.
وَلَيْسَ هُوَ عِنْدِي بِصَحِيح؛ لِأَن أَوْس بن عبد الله الْمَذْكُور، مُنكر الحَدِيث.
وَقد بيّنت أَمر هَذَا الحَدِيث فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي سكت عَنْهَا مصححا لَهَا.(3/488)
(1258) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن سعد ابْن عمار، قَالَ: أَخْبرنِي عبد الله بن سعيد المَقْبُري، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا حسدتم فَلَا تَبْغُوا " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: لَيْسَ إِسْنَاده بِقَوي.
ذكره فِي الْجِهَاد، وَلم يزدْ فِي تَعْلِيله على هَذَا.
وَعبد الرَّحْمَن بن سعد هَذَا: " مدنِي ضَعِيف "، قَالَه ابْن معِين.
وَقَالَ البُخَارِيّ: " فِيهِ نظر ".
وَقَالَ فِي بَاب عمَارَة: " لم يَصح حَدِيثه " يَعْنِي حَدِيث عبد الرَّحْمَن هَذَا.
وَأما عبد الله بن سعيد المَقْبُري أَبُو عباد، فمتروك.
وَقَالَ يحيى الْقطَّان: " استبان كذبه فِي مجْلِس " /، حكى ذَلِك عَنهُ البُخَارِيّ.
(1259) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن ابْن عَبَّاس " أَن الْمُشْركين أَرَادوا(3/489)
أَن يشتروا جَسَد رجل من الْمُشْركين " الحَدِيث.
وَقَالَ فِيهِ: حسن.
قَالَ: وَذكره ابْن أبي شيبَة أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أُصِيب يَوْم الخَنْدَق رجل من الْمُشْركين، الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: وَإِسْنَاده مُنْقَطع وَضَعِيف، وَكَذَلِكَ إِسْنَاد التِّرْمِذِيّ.
كَذَا أبهم علته، وَهُوَ ضَعِيف كَمَا ذكر، وَهَذَا مِنْهُ عمل صَوَاب، أَعنِي أَن لم يقبل من التِّرْمِذِيّ قَوْله فِيهِ: حسن، لما رَآهُ ضَعِيفا.
وَبَيَان هَذَا، هُوَ أَن الحَدِيث الْمَذْكُور يرويهِ التِّرْمِذِيّ هَكَذَا: حَدثنَا مُحَمَّد بن غيلَان، حَدثنَا أَبُو أَحْمد، حَدثنَا سُفْيَان، عَن ابْن أبي ليلى، عَن الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس، فَذكر حَدِيثه.
وَقَالَ فِيهِ: حسن، لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث الحكم.
وَقَالَ ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا عَليّ بن مسْهر، عَن ابْن أبي ليلى، عَن الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس، فَذكر حَدِيثه.
فعلة [هَذَا] الْخَبَر، ضعف مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى.
فَأَما الِانْقِطَاع، فَهُوَ مَا ذكر ابْن الْمَدِينِيّ قَالَ: سَمِعت يحيى - يَعْنِي الْقطَّان - يَقُول: قَالَ شُعْبَة /: أَحَادِيث الحكم عَن مقسم كتاب، إِلَّا خَمْسَة(3/490)
أَحَادِيث، قلت ليحيى: مَا هِيَ؟ قَالَ:
(1260) حَدِيث " الْوتر ".
(1261) وَحَدِيث " الْقُنُوت ".
(1262) وَحَدِيث " عَزِيمَة الطَّلَاق، وَجَزَاء مثل مَا قتل من النعم ".
(1263) " وَالرجل يَأْتِي امْرَأَته وَهِي حَائِض ".
(1264) قَالَ: والحجامة للصَّائِم لَيْسَ بِصَحِيح.
وَهَذَا ذكره ابْن أبي خَيْثَمَة فِي كِتَابه عَن ابْن الْمَدِينِيّ كَمَا نَقَلْنَاهُ.
فَإِن كَانَ هُوَ معني أبي مُحَمَّد بالانقطاع، فقد كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن لَا يتناقض فِيهِ، فقد أعرض عَن أَمْثَاله فِي عدَّة أَحَادِيث:
من ذَلِك أَمر عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده، وَأبي سُفْيَان عَن جَابر، وَالْحسن عَن سَمُرَة، وَيحيى بن أبي كثير عَن مُعَاوِيَة بن سَلام، وَأبي النَّضر: سَالم عَن ابْن أبي أوفي، وَغَيرهم مِمَّن حدث من كتاب من لم يسمعهُ مِنْهُ، مِمَّا تقدم ذكره فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة، وَهِي مُنْقَطِعَة أَو مُرْسلَة، فَاعْلَم ذَلِك /.(3/491)
(1265) وَذكر من طَرِيق ابْن أبي شيبَة، عَن ابْن عمر، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " قسم للفارس سَهْمَيْنِ، وللراجل سَهْما ".
وَصحح مَا ذكره البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد، من أَن الْفَارِس أسْهم ثَلَاثَة أسْهم، وأحال فِي عِلّة هَذَا على الدَّارَقُطْنِيّ، وَلم يبينها هُوَ.
وعلته هِيَ أَن ابْن أبي شيبَة، يرويهِ عَن أبي أُسَامَة وَابْن نمير، قَالَا: حَدثنَا عبيد الله، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر.
قَالَ أَحْمد بن مَنْصُور الرَّمَادِي: كَذَا يَقُول ابْن نمير.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: قَالَ لنا أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي: هَذَا عِنْدِي وهم من ابْن أبي شيبَة أَو من الرَّمَادِي؛ لِأَن أَحْمد بن حَنْبَل، وَعبد الرَّحْمَن بن بشر، وَغَيرهمَا، يَقُولَانِ عَن ابْن نمير: خلاف هَذَا، وَكَذَلِكَ روى ابْن كَرَامَة وَغَيره عَن أبي أُسَامَة خلاف هَذَا.
يَعْنِي أَنه أسْهم للفارس ثَلَاثَة أسْهم، وَأورد الْأَحَادِيث بذلك كُله.
(1266) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن قُشَيْر بن عَمْرو، عَن بجالة(3/492)
ابْن عَبدة، عَن ابْن عَبَّاس، جَاءَ رجل من الأسبذيين من أهل الْبَحْر، وهم مجوس من هجر. الحَدِيث.
(1267) ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: إِسْنَاد حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فِي الْجِزْيَة هُوَ الصَّحِيح.
وَلم يبين عِلّة هَذَا، وَهِي الْجَهْل بِحَال قُشَيْر هَذَا، فَإِنَّهَا لَا تعرف.
وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ عَنهُ دَاوُد بن أبي هِنْد، وَذكر البُخَارِيّ أَن النَّضر بن مِخْرَاق الَّذِي كَانَ فِي مَسْجِد دَاوُد بن أبي هِنْد، روى عَنهُ أَيْضا، وَأَنه يعد فِي الْبَصرِيين.
هَذَا كُله لَا يصير بِهِ مَعْرُوف الْحَال، مَا لم تنقل، فَاعْلَم ذَلِك.
(1268) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا، من حَدِيث حَرْب بن عبيد الله ابْن عُمَيْر، عَن جده أبي أمه، عَن أَبِيه، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّمَا العشور على الْيَهُود والنصاري " الحَدِيث.
قَالَ: وَهُوَ حَدِيث فِي إِسْنَاده اخْتِلَاف، وَلَا أعلمهُ من طَرِيق يحْتَج بِهِ.(3/493)
انْتهى قَوْله.
وَهُوَ إِجْمَال لعلته، وَحرب بن عبيد الله سُئِلَ عَنهُ ابْن معِين، فَقَالَ: مَشْهُور.
وَهَذَا غير كَاف فِي تثبيت رِوَايَته، فكم من مَشْهُور / لَا تقبل رِوَايَته.
فَأَما جده أَبُو أمه، فَلَا يعرف من هُوَ أصلا، فَكيف أَبوهُ.
وَإِلَى هَذَا، فَإِنَّهُ مُخْتَلف فِيهِ على عَطاء بن السَّائِب اخْتِلَافا ذكره أَبُو دَاوُد، وَالْبُخَارِيّ غنينا عَن ذكره باستقلال علته الَّتِي ذكرنَا، فَهُوَ لَا يُقَارب مَا يلْتَفت إِلَيْهِ، فَاعْلَم ذَلِك.
(1269) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن فَيْرُوز الديلمي، قلت: يَا رَسُول الله، إِنِّي أسلمت وتحتي أختَان. الحَدِيث.
وَقَالَ فِيهِ: حسن.
وَلم يبين لم لَا يَصح؟ وَعِنْدِي أَنه ضَعِيف، إِلَّا بِاعْتِبَار رَأْي من يقبل رِوَايَة الْمُسلم المستور من غير اعْتِبَار مزِيد.
وَذَلِكَ أَنه حَدِيث يرويهِ عِنْد التِّرْمِذِيّ، وَأبي دَاوُد، يحيى بن أَيُّوب، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن أبي وهب الجيشاني / عَن الضَّحَّاك بن فَيْرُوز الديلمي، عَن أَبِيه.(3/494)
وَحَال الضَّحَّاك مَجْهُولَة، وَكَذَلِكَ حَالَة أبي وهب الرَّاوِي عَنهُ، واسْمه الديلم بن الهوشع.
وَلم يذكر الضَّحَّاك هَذَا بِأَكْثَرَ من رِوَايَته عَن أَبِيه، وَرِوَايَة أبي وهب هَذَا عَنهُ، أخذا من هَذَا الْإِسْنَاد.
وَقَالَ البُخَارِيّ: " فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث نظر ".
وَإِلَى ذَلِك، فَإِن يحيى بن أَيُّوب يضعف وَلأبي مُحَمَّد فِي اضْطِرَاب ستراه إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(1270) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، حَدِيث معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه، أَن غيلَان بن سَلمَة الثَّقَفِيّ، أسلم وَله عشر نسْوَة فِي الْجَاهِلِيَّة، فأسلمن مَعَه " فَأمره النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يخْتَار أَرْبعا مِنْهُنَّ ".
وَحكى عَن البُخَارِيّ أَنه غير مَحْفُوظ، قَالَ: وَالصَّحِيح مَا رَوَاهُ شُعَيْب بن(3/495)
أبي حَمْزَة، وَغَيره، عَن الزُّهْرِيّ، قَالَ: حدثت عَن مُحَمَّد بن سُوَيْد الثَّقَفِيّ، أَن غيلَان بن سَلمَة الثَّقَفِيّ، أسلم وَعِنْده عشر نسْوَة.
قَالَ البُخَارِيّ: وَإِنَّمَا حَدِيث الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه، أَن رجلا من ثَقِيف طلق نِسَاءَهُ، فَقَالَ [لَهُ] عمر: لتراجعن نِسَاءَك، أَو لأرجمن قبرك كَمَا رجم قبر أبي رِغَال.
ثمَّ قَالَ: وَقَالَ أَبُو عمر: الْأَحَادِيث فِي تَحْرِيم نِكَاح مَا زَاد على الْأَرْبَع، كلهَا معلولة. انْتهى كَلَام أبي مُحَمَّد.
وَلَيْسَ فِي شَيْء مِنْهُ تنصيص / على عِلّة حَدِيث غيلَان، فلنبينها كَمَا يُرِيد مضعفوه، وَإِن كَانَت عِنْدِي لَيست بعلة.
فَاعْلَم أَنه حَدِيث مُخْتَلف فِيهِ على الزُّهْرِيّ:
فقوم رَوَوْهُ عَنهُ مُرْسلا من قبله، كَذَلِك قَالَ مَالك عَنهُ، قَالَ: بلغنَا أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لرجل من ثَقِيف. الحَدِيث.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ معمر عَنهُ، قَالَ: أسلم غيلَان مثله، من رِوَايَة عبد الرَّزَّاق، من معمر، فَهَذَا قَول.
وَقَول ثَان، وَهُوَ زِيَادَة رجل فَوق الزُّهْرِيّ، وَهِي إِحْدَى رِوَايَتَيْنِ عَن يُونُس، رَوَاهُ ابْن وهب، عَن يُونُس، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُثْمَان بن مُحَمَّد بن أبي سُوَيْد، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لغيلان حِين أسلم، وَعِنْده عشر نسْوَة. فَذكره.(3/496)
وَعَن يُونُس فِيهِ رِوَايَة أُخْرَى، تبين فِيهَا انْقِطَاع مَا بَين الزُّهْرِيّ وَعُثْمَان.
وَهَذَا رَوَاهُ اللَّيْث، عَن يُونُس، عَن ابْن شهَاب، قَالَ: بَلغنِي عَن عُثْمَان ابْن أبي سُوَيْد، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ، فَذكر [الحَدِيث] .
وَقَول ثَالِث عَنهُ - أَعنِي عَن الزُّهْرِيّ -[وَهُوَ مَا ذكر البُخَارِيّ، قَالَ: روى شُعَيْب بن أبي حَمْزَة وَغير وَاحِد عَن الزُّهْرِيّ] قَالَ: حدثت عَن مُحَمَّد ابْن سُوَيْد الثَّقَفِيّ، أَن غيلَان بن سَلمَة أسلم، الحَدِيث.
وَقَول رَابِع عَنهُ، رَوَاهُ معمر عَنهُ، عَن سَالم، عَن أَبِيه، أَن غيلَان بن سَلمَة الثَّقَفِيّ، أسلم وَله عشر نسْوَة فِي الْجَاهِلِيَّة، وأسلمن مَعَه. الحَدِيث.
يرويهِ عَن معمر هَكَذَا، مَرْوَان بن مُعَاوِيَة، وَسَعِيد بن أبي عرُوبَة، وَيزِيد ابْن زُرَيْع، وَقد ذكر التِّرْمِذِيّ فِي علله رِوَايَات جَمِيعهم موصلة.
وَقد رَوَاهُ أَيْضا الثَّوْريّ عَن معمر، ذكر ذَلِك الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة يحيى بن سعيد عَنهُ فِي كتاب الْعِلَل، وَذكر جمَاعَة رَوَوْهُ أَيْضا عَن معمر كَذَلِك، إِلَّا أَنه لم يُوصل بهَا الْأَسَانِيد.
وَذكر أَن يحيى بن سَلام رَوَاهُ عَن مَالك، عَن الزُّهْرِيّ كَذَلِك.
وَهَذَا هُوَ الحَدِيث الَّذِي اعْتمد هَؤُلَاءِ فِي تخطئة معمر فِيهِ، وَمَا ذَلِك بالبين، فَإِن معمرا حَافظ.(3/497)
وَلَا بعد فِي أَن يكون عِنْد الزُّهْرِيّ فِي هَذَا كل مَا روى عَنهُ.
وَإِنَّمَا اتجهت تخطئتهم رِوَايَة معمر هَذِه، من حَيْثُ الاستبعاد / أَن يكون الزُّهْرِيّ يرويهِ بِهَذَا الْإِسْنَاد الصَّحِيح، عَن سَالم، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ثمَّ يحدث بِهِ على تِلْكَ الْوُجُوه الْوَاهِيَة.
تَارَة يُرْسِلهُ من قبله.
وَتارَة عَن عُثْمَان بن مُحَمَّد بن أبي سُوَيْد، وَهُوَ لَا يعرف الْبَتَّةَ.
وَتارَة يَقُول /: بلغنَا عَن عُثْمَان هَذَا.
وَتارَة عَن مُحَمَّد بن سُوَيْد الثَّقَفِيّ.
وَهَذَا عِنْدِي غير مستبعد، أَن يحدث بِهِ على هَذِه الْوُجُوه كلهَا، فيعلق كل وَاحِد من الروَاة عَنهُ مِنْهَا بِمَا تيَسّر لَهُ حفظه، فَرُبمَا اجْتمع كل ذَلِك عِنْد أحدهم، أَو أَكْثَره، أَو أَقَله.
(1271) وَأما مَا قَالَ البُخَارِيّ من أَن الزُّهْرِيّ، إِنَّمَا روى عَن سَالم، عَن أَبِيه، أَن عمر قَالَ لرجل من ثَقِيف طلق نِسَاءَهُ: " لتراجعن نِسَاءَك، أَو لأرجمنك كَمَا رجم قبر أبي رِغَال ".
فَإِنَّهُ قد رُوِيَ من غير رِوَايَة الزُّهْرِيّ، أَن عمر قَالَ ذَلِك لَهُ فِي حَدِيث وَاحِد، ذكر فِيهِ تَخْيِير النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِيَّاه حِين أسلم.(3/498)
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن نوح الجنديسابوري، حَدثنَا عبد القدوس ابْن مُحَمَّد.
وَحدثنَا مُحَمَّد بن مخلد، حَدثنَا حَفْص بن عمر بن يزِيد أَبُو بكر، قَالَا: حَدثنَا سيف بن عبيد الله الْجرْمِي، حَدثنَا سرار بن مجشر، عَن أَيُّوب، عَن نَافِع وَسَالم، عَن ابْن عمر، أَن غيلَان بن سَلمَة الثَّقَفِيّ أسلم وَعِنْده عشر نسْوَة " فَأمره النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يمسك مِنْهُنَّ أَرْبعا، فَلَمَّا كَانَ زمَان عمر طلقهن، فَقَالَ لَهُ عمر: راجعهن، وَإِلَّا ورثتهن مَالك، وَأمرت بقبرك.
زَاد ابْن نوح: فَأسلم وأسلمن مَعَه.
فَهَذَا أَيُّوب يرويهِ عَن سَالم، كَمَا رَوَاهُ الزُّهْرِيّ عَنهُ فِي رِوَايَة معمر، وَزَاد إِلَى سَالم نَافِعًا.
وسرار بن مجشر أحد الثِّقَات، وَسيف بن عبيد الله قَالَ فِيهِ عَمْرو بن عَليّ: " من خِيَار الْخلق ".
وَقع ذكره لَهُ بذلك فِي إِسْنَاد حَدِيث فِي الصّيام.
وَلم يذكرهُ ابْن أبي حَاتِم وَلَا أعرفهُ عِنْد غَيره.
وَلما ذكر الدَّارَقُطْنِيّ هَذَا الحَدِيث فِي كتاب الْعِلَل قَالَ: تفرد بِهِ سيف بن(3/499)
عبيد الله الْجرْمِي، عَن سرار.
وسرار بن مجشر، أَبُو عُبَيْدَة، ثِقَة من أهل الْبَصْرَة /.
والمتحصل من هَذَا، هُوَ أَن حَدِيث الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه، من رِوَايَة معمر فِي قصَّة غيلَان صَحِيح، وَلم يعتل عَلَيْهِ من ضعفه بِأَكْثَرَ من الِاخْتِلَاف على الزُّهْرِيّ، فَاعْلَم ذَلِك.
(1272) وَذكر من المراسل عَن عَليّ بن أبي طَلْحَة، عَن كَعْب بن مَالك، أَنه أَرَادَ أَن يتَزَوَّج يَهُودِيَّة فَقَالَ لَهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تتزوجها فَإِنَّهَا لَا تحصنك ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا مُنْقَطع وَضَعِيف الْإِسْنَاد، لَا أعلم رَوَاهُ عَن عَليّ، غير عتبَة بن تَمِيم وَأبي بكر بن أبي مَرْيَم، انْتهى مَا أورد.
فلنبين من تَعْلِيله مَا أجمل فَنَقُول: مَوضِع الِانْقِطَاع فِيهِ، هُوَ فِيمَا بَين عَليّ ابْن أبي طَلْحَة وَكَعب بن مَالك.
وَعلي أَيْضا يُرْسل عَن ابْن عَبَّاس، ويروي عَنهُ هَذَا الْمُرْسل أَبُو سبأ: عتبَة ابْن تَمِيم [وَهُوَ لَا تعرف حَاله، رَوَاهُ عَنهُ بَقِيَّة، وَهُوَ من قد علم ضعفه، وَلَا يعلم روى عَن عتبَة] إِلَّا بَقِيَّة وَإِسْمَاعِيل بن عَيَّاش.(3/500)
(1273) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد، عَن عبد الله ابْن مُحَمَّد بن عقيل، عَن جَابر بن عبد الله، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا نكح العَبْد بِغَيْر إِذن سَيّده فَهُوَ عاهر ".
قَالَ فِيهِ: حسن.
وَلم يبين لم لَا يَصح، وَسبب ذَلِك أَن عبد الله وزهيرا مُخْتَلف فيهمَا.
وَقد رَوَاهُ ابْن جريج، عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل كَمَا رَوَاهُ زُهَيْر، ذكره التِّرْمِذِيّ.
وَقد بَينا ذَلِك فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي رويت بِأَحْسَن مِمَّا رَوَاهَا بِهِ.
(1274) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن جَابر بن عبد الله، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -(3/501)
قَالَ: " من أعْطى فِي صدَاق امْرَأَة ملْء كفيه سويقا أَو تَمرا " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: هَذَا يرْوى مَوْقُوفا، وَلَا يعول على من أسْندهُ.
هَكَذَا أجمل تَعْلِيله، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ يزِيد قَالَ: حَدثنَا مُوسَى بن مُسلم بن رُومَان، عَن أبي الزبير، عَن جَابر، فَذكره.
وَلَا يعرف مُوسَى هَذَا، وَلم أجد لَهُ ذكرا.
وَفِي مثله يَقُول / أَبُو مُحَمَّد: كتبته حَتَّى أسأَل عَنهُ، فليت شعري لم قَالَ فِيهِ الْآن: إِنَّه لَا يعول عَلَيْهِ، فَهَلا قَالَ مثل هَذَا فِي أُولَئِكَ مِنْهُم.
(1275) وَإِنَّمَا روى هَذَا الحَدِيث ابْن جريج، عَن أبي الزبير، عَن جَابر، وَأَبُو / عَاصِم، عَن صَالح بن رُومَان، عَن أبي الزبير، عَن جَابر، قَالَ: " كُنَّا نستمتع بالقبضة من الطَّعَام على عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ". فَهَذَا معنى آخر من بَاب الْمُتْعَة لَا من بَاب الصَدَاق. وَرَوَاهُ ابْن مهْدي، عَن صَالح بن رُومَان، عَن أبي الزبير، عَن جَابر، بِالْمَعْنَى الأول، لَكِن مَوْقُوفا من قَول جَابر، لم يذكر على عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
هَذَا معنى مَا ذكر أَبُو دَاوُد إِثْر الحَدِيث الْمَذْكُور، وَلم يُوصل بِهِ الْأَسَانِيد، فَاعْلَم ذَلِك.(3/502)
(1276) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أنكحوا الْأَيَامَى ثَلَاثًا، قيل: مَا العلائق بَينهم يَا رَسُول الله؟ قَالَ: مَا تراضى عَلَيْهِ الأهلون، وَلَو قَضِيبًا من أَرَاك ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا يرْوى مُرْسلا، والمرسل أصح، وَفِي المراسل ذكره أَبُو دَاوُد وَلم يذكر الْقَضِيب. انْتهى كَلَامه.
وَهَذَا قد ذَكرْنَاهُ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أردفها أخر، أَو عطفها عَلَيْهَا، وَهِي مُخْتَلفَة الْمُقْتَضى.
وَذَكَرْنَاهُ الْآن لنبين مِنْهُ مَا أجمل من تَعْلِيله.
وَلِأَنَّهُ لم يرم الْمُرْسل الْمَذْكُور بسوى الْإِرْسَال، هُوَ أَيْضا من بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي لم يعبها بسوى الْإِرْسَال، وَلها عُيُوب سواهُ.
وَعلة هَذَا الْخَبَر هِيَ ضعف رَاوِيه.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن مخلد، قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن مَنْصُور، حَدثنَا عَمْرو بن خَالِد الْحَرَّانِي، حَدثنَا صَالح بن عبد الْجَبَّار، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْبَيْلَمَانِي، [عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس، فَذكره.
صَالح بن عبد الْجَبَّار مَجْهُول الْحَال، وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن بن](3/503)
الْبَيْلَمَانِي ضَعِيف.
وَقَالَ البُخَارِيّ: " مُنكر الحَدِيث ".
وَأَبوهُ لم تثبت عَدَالَته، وَلينه فِيمَا يرويهِ ظَاهر.
فَأَما عَمْرو بن خَالِد الْحَرَّانِي فصدوق، وَلَيْسَ بالقرشي، ذَلِك كَذَّاب، فَاعْلَم ذَلِك.
(1277) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن مشرح بن عاهان، عَن عقبَة ابْن عَامر، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَلا أخْبركُم بالتيس الْمُسْتَعَار " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده حسن.
كَذَا قَالَ، وَلم يبين لم لَا يَصح، وأبرز من إِسْنَاده مشرحا، موهما أَنه مَوضِع الْعلَّة مِنْهُ، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل هُوَ ثِقَة، وَثَّقَهُ ابْن معِين / وَغَيره، وروى عَنهُ من المصريين جمَاعَة، وَهُوَ معافري، يكنى أَبَا مُصعب.
والْحَدِيث إِنَّمَا يرويهِ الدَّارَقُطْنِيّ هَكَذَا: حَدثنَا أَبُو بكر الشَّافِعِي، حَدثنَا(3/504)
إِبْرَاهِيم بن الْهَيْثَم، حَدثنَا أَبُو صَالح كَاتب اللَّيْث، قَالَ: حَدثنَا اللَّيْث، عَن مشرح، فَذكره.
وَعبد الله بن صَالح، أَبُو صَالح كَاتب اللَّيْث - هُوَ الَّذِي لأَجله قَالَ فِيهِ: حسن -[فَإِنَّهُ] مُخْتَلف فِيهِ.
مِنْهُم من يوثقه، وَمِنْهُم من يُنكر عَلَيْهِ كَثْرَة رِوَايَته عَن اللَّيْث، حَتَّى قَالَ ابْن معِين: " إِن أقل أَحْوَاله أَن يكون مَا رَوَاهُ عَن اللَّيْث كتابا قَرَأَهُ عَلَيْهِ، وَأَجَازَهُ لَهُ ".
كَأَنَّهُ استكثر أَن يكون اللَّيْث حَدثهُ بهَا.
وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم: سَمِعت رجلا سَأَلَ أبي عَنهُ، فَقَالَ: تَسْأَلنِي عَن أقرب رجل إِلَى اللَّيْث، رَحل مَعَه فِي ليله ونهاره، وسفره وحضره، ويخلو مَعَه فِي أَوْقَات لَا يَخْلُو مَعَه غَيره، وَكَانَ صَاحبه، فَلَا يُنكر أَن يكون سمع مِنْهُ كَثْرَة مَا أخرج عَنهُ.
وَأما إِبْرَاهِيم بن الْهَيْثَم بن الْمُهلب، أَبُو إِسْحَاق الْبَلَدِي، فَإِنَّهُ بغدادي، حدث بهَا، وَبهَا سكن، وَأخذ النَّاس عَنهُ كثيرا.
(1278) وأنكروا عَلَيْهِ أَن حدث عَن الْهَيْثَم بن جميل، عَن مبارك بن(3/505)
فضَالة، عَن الْحسن، عَن أنس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَدِيث: " الثَّلَاثَة الَّذين / انطبق عَلَيْهِم الْغَار ".
وكذبوه فِيهِ وواجهوه بالتكذيب، وَأول من أنكر ذَلِك عَلَيْهِ فِي الْمجْلس أَحْمد بن هَارُون البرديجي.
ذكر مَا ذَكرْنَاهُ من هَذَا، أَبُو أَحْمد بن عدي، وَقَالَ مَعَ ذَلِك: إِن أَحَادِيثه [مُسْتَقِيمَة، سوى هَذَا الحَدِيث الَّذِي أَنْكَرُوا عَلَيْهِ، قَالَ: وَقد فتشت حَدِيثه] فَلم أر حَدِيثا مُنْكرا إِلَّا أَن يكون من جِهَة غَيره.
وَقَالَ الْخَطِيب بن ثَابت: " إِنَّه ثِقَة ثَبت "، وَذكر أَن هَذَا الحَدِيث قد رَوَاهُ غَيره وَبَين ذَلِك.
وَذكر عَن الدَّارَقُطْنِيّ أَنه قَالَ فِيهِ: ثِقَة، وَذكر وَفَاته سنة ثَمَان وَسبعين وَمِائَتَيْنِ.
فَهَذَا أَيْضا عِلّة مَانِعَة من أَن يُقَال للْحَدِيث صَحِيح.(3/506)
(1279) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن ابْن عمر، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - / قَالَ: " إيَّاكُمْ والتعري، فَإِن مَعكُمْ " الحَدِيث.
وَقَالَ فِيهِ: حسن غَرِيب.
وَلم يبين لم لَا يَصح، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ التِّرْمِذِيّ هَكَذَا: حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن نيزك الْبَغْدَادِيّ، حَدثنَا الْأسود بن عَامر، حَدثنَا أَبُو المحياة، عَن لَيْث، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، فَذكره.
لَيْث هُوَ ابْن أبي سليم، وَهُوَ دائبا يُضعفهُ ويضعف بِهِ.
وَبعد هَذَا بِمِقْدَار ورقة، ذكر فِي النِّكَاح حَدِيث ابْن عمر فِي حق الزَّوْج على زوجه قَالَ:
(1280) " لَا تخرج من بَيته إِلَّا بِإِذْنِهِ ".
فَقَالَ: فِي إِسْنَاده لَيْث بن أبي سليم.
فَأَما أَبُو المحياة: يحيى بن يعلى فَثِقَة، فَاعْلَم ذَلِك.
(1281) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار، عَن أبي مُوسَى، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا يُطلق النِّسَاء إِلَّا من رِيبَة، إِن الله لَا يحب الذواقين وَلَا الذواقات ".(3/507)
ثمَّ قَالَ: لَيْسَ لهَذَا الحَدِيث إِسْنَاد قوي.
لم يزدْ على هَذَا، وَعلة هَذَا اللَّفْظ هِيَ الِانْقِطَاع، وَقد نبهنا على ذَلِك فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة وَهِي مُنْقَطِعَة ووعدنا بشرح أمره هَاهُنَا.
فَاعْلَم أَنه حَدِيث يرويهِ الْبَزَّار هَكَذَا: حَدثنَا عَمْرو بن عَليّ، حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة، حَدثنَا مُحَمَّد بن شيبَة بن نعَامَة، عَن عبد الله بن عِيسَى، عَمَّن حَدثهُ عَن أبي مُوسَى، فَذكره.
فَهَذَا انْقِطَاع مُصَرح بِهِ مَا بَين عبد الله بن عِيسَى وَأبي مُوسَى، وَقد تفسر من بَينهمَا.
قَالَ قَاسم بن أصبغ: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي الْعَوام، قَالَ: حَدثنَا أبي، قَالَ: حَدثنَا حَفْص بن عمر البرجمي، عَن عبد الله بن عِيسَى بن عبد الرَّحْمَن ابْن أبي ليلى، عَن عمَارَة بن رَاشد، عَن عبَادَة بن نسي، عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لاتطلقوا النِّسَاء إِلَّا عَن رِيبَة؛ فَإِن الله يبغض الذواقين والذوااقات ".
فَفِي هَذَا أَن بَينهمَا رجلَيْنِ: أَحدهمَا عبَادَة بن نسي، وَالْآخر عمَارَة بن رَاشد.
وَعمارَة بن رَاشد هَذَا مَجْهُول، قَالَه أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ، وَهُوَ كَمَا قَالَ.
وَهَذَا عيب الْمُرْسل، إِنَّه رُبمَا يكون الَّذِي طوي ذكره ضَعِيفا، أَو من لَا يعرف.(3/508)
وَمُحَمّد بن شيبَة بن نعَامَة رَاوِي حَدِيث الْبَزَّار، لَا تعرف أَيْضا حَاله، وَهُوَ يروي عَنهُ جرير بن عبد الحميد، وَأَبُو مُعَاوِيَة الضَّرِير.
(1282) وَلِلْحَدِيثِ لفظ آخر، وَهُوَ: " إِن الله لَا يحب الذواقين وَلَا الذواقات ".
وَلَيْسَ فِيهِ: " لَا يُطلق النِّسَاء إِلَّا عَن رِيبَة ".
ذكره الْبَزَّار أَيْضا بِإِسْنَادَيْنِ غير صَحِيحَيْنِ، فَلَا معنى للإطالة بذكرهما، فَاعْلَم ذَلِك.
(1283) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " ثَلَاث جدهن جد " الحَدِيث.
وَأتبعهُ قَول التِّرْمِذِيّ فِيهِ: حسن غَرِيب.
فَيَنْبَغِي أَن تعرف الْعلَّة الْمَانِعَة لَهُ من الصِّحَّة، وَذَلِكَ أَنه من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن حبيب بن أردك، عَن عَطاء بن أبي رَبَاح، عَن ابْن مَاهك: هُوَ يُوسُف عَن أبي هُرَيْرَة.(3/509)
وَابْن أردك مولى بني مَخْزُوم، وَإِن كَانَ قد روى عَنهُ جمَاعَة: - إِسْمَاعِيل ابْن جَعْفَر، وحاتم بن إِسْمَاعِيل، والدراوردي، وَسليمَان بن بِلَال - فَإِنَّهُ لَا تعرف حَاله.
(1284) وَذكر حَدِيث: " إمْسَاك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان، هِيَ الطَّلقَة الثَّالِثَة ".
وَلم يبين علته، وَقد بَينا أمره فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي لم يعزها.
(1285) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن عَائِشَة، قَالَت: " آلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من نِسَائِهِ وَحرم " الحَدِيث /.
ثمَّ قَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ مسلمة بن عَلْقَمَة، عَن دَاوُد بن أبي هِنْد، عَن الشّعبِيّ، عَن مَسْرُوق، عَن عَائِشَة.
وَرَوَاهُ عَليّ بن مسْهر، عَن دَاوُد، عَن الشّعبِيّ، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مُرْسلا، وَهُوَ أصح، ذكر هَذَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ. انْتهى مَا ذكر.
وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة إِجْمَال لتعليله، فَإِنَّهُ لَو كَانَ الَّذِي وَصله ثِقَة قبل مِنْهُ، وَلم يضرّهُ أَن يُرْسِلهُ غَيره، وَإِنَّمَا هُوَ من يضعف فِيمَا يروي عَن دَاوُد بن أبي هِنْد.(3/510)
قَالَ عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل: سَمِعت أبي يَقُول: " مسلمة بن عَلْقَمَة، شيخ ضَعِيف الحَدِيث، حدث عَن دَاوُد بن أبي هِنْد أَحَادِيث مَنَاكِير، وَأسْندَ عَنهُ ".
وَغير أَحْمد يوثقه.
فَهُوَ كَمَا ترى مُخْتَلف فِيهِ.
(1286) وَذكر من طَرِيق / الْعقيلِيّ عَن الْحسن، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لم يجز طَلَاق الْمَرِيض ".
ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده سهل بن أبي الصَّلْت السراج. "
لم يزدْ على هَذَا، وَلَا أعلمهُ قد تقدم لَهُ ذكره بِشَيْء.
فَهُوَ إِذن غير تَعْلِيل مَا لم تعرف حَال سهل.
والعقيلي قد أورد مِمَّا أنكر عَلَيْهِ أَحَادِيث، هَذَا الحَدِيث مِنْهَا، نقلهَا عَن أبي حَفْص عَمْرو بن عَليّ.
قَالَ عَمْرو بن عَليّ - بعد أَن ذكر أَحَادِيث -: وَقد روى أنكر من هَذَا، سَمِعت عبد الصَّمد يَقُول: حَدثنَا سهل السراج، عَن الْحسن، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:(3/511)
" لم يجز طَلَاق الْمَرِيض ".
ثمَّ قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن أَحْمد، قَالَ: وجدت فِي كتاب أبي بِخَطِّهِ: قَالَ يزِيد بن هَارُون: كَانَ سهل السراج معتزليا، وَكنت أُصَلِّي مَعَه فِي الْمَسْجِد، وَلَا أسمع ذَلِك مِنْهُ، وَكنت أعرف ذَلِك فِيهِ. انْتهى مَا ذكر.
وَقد ذكر أَبُو أَحْمد بن عدي هَذَا الحَدِيث عَن عَمْرو بن عَليّ، كَمَا ذكره الْعقيلِيّ، وَذكره عَن عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث، عَن سهل، عَن الْحسن كَمَا تقدم.
ثمَّ قَالَ: " روى عَن سهل جمَاعَة من الْبَصرِيين: ابْن مهْدي، وَعبد الصَّمد، وَأَبُو عَاصِم، وَغَيرهم، وَهُوَ فِي عداد من يجمع حَدِيثه من شُيُوخ الْبَصْرَة، وَهُوَ غَرِيب الحَدِيث، وَأَحَادِيثه المسندة لَا بَأْس بهَا، وَلَعَلَّ جَمِيع مَا أسْند إِذا استقصي، عشرُون أَو ثَلَاثُونَ حَدِيثا.
وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: لم يكن بِهِ بَأْس، وَكَذَا قَالَ ابْن معِين، وَابْن أبي حَاتِم، وَزَاد: صَالح الحَدِيث.(3/512)
وَذكر البُخَارِيّ عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم أَنه قَالَ فِيهِ: ثِقَة.
وَقَالَ السَّاجِي: هُوَ صَدُوق.
وَقَول أبي مُحَمَّد - إِثْر الحَدِيث الْمَذْكُور -: " فِي إِسْنَاده سهل بن أبي الصَّلْت السراج "، يُوهم مَا يُوهم قَوْله: فِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن سعيد المصلوب، أَو الْحسن بن عمَارَة، أَو الْكَلْبِيّ، أَو نحوهم من الضُّعَفَاء أَو الْكَذَّابين، وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك فِي سهل الْمَذْكُور. وَقَول يزِيد بن هَارُون فِيهِ: " إِنَّه كَانَ معتزليا، وَكنت أُصَلِّي مَعَه فِي الْمَسْجِد، وَلَا أسمع ذَلِك مِنْهُ، وَكنت أعرف ذَلِك فِيهِ "، إِنَّمَا يَعْنِي بِهِ اعتزاله حَلقَة شَيْخه الْحسن، فَأَما سوء مَذْهَب فَلم / ينْقل عَنهُ.
فَإِذن عِلّة هَذَا الْخَبَر، إِنَّمَا هِيَ الْإِرْسَال فَحسب، لَا سِيمَا إرْسَال الْحسن، فَإِنَّهُ ضَعِيف المراسل عِنْدهم، فَاعْلَم ذَلِك.
(1287) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن رَافع بن سِنَان، أَنه أسلم، وأبت امْرَأَته أَن تسلم، فَأَتَت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَت: " ابْنَتي وَهِي فطيم أَو شبهه ". الحَدِيث.
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: اخْتلف فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث.(3/513)
لم يزدْ على هَذَا، وَهَذَا الِاخْتِلَاف الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ، لَا أعلم مِنْهُ إِلَّا مَا أذكرهُ الْآن، وَذَلِكَ أَن هَذَا السِّيَاق وَمَا فِي مَعْنَاهُ، هُوَ من رِوَايَة عِيسَى بن يُونُس، وَأبي عَاصِم، وَعلي بن غراب، كلهم عَن عبد الحميد / بن جَعْفَر، عَن أَبِيه، عَن جد أَبِيه رَافع بن سِنَان، فَإِنَّهُ عبد الحميد بن جَعْفَر بن عبد الله بن الحكم بن رَافع بن سِنَان.
وَعبد الحميد ثِقَة، وَأَبوهُ جَعْفَر كَذَلِك. قَالَه الْكُوفِي.
ذكر رِوَايَة عِيسَى بن يُونُس هَذِه أَبُو دَاوُد، وَهُوَ رَاوِي السِّيَاق الْمَذْكُور.
وَذكر رِوَايَة أبي عَاصِم وَعلي بن غراب، أَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ فِي كتاب السّنَن، وَسميت الْبِنْت الْمَذْكُورَة فِي رِوَايَة أبي عَاصِم، عميرَة.
وَرويت الْقِصَّة كَمَا هِيَ، من طَرِيق عُثْمَان البتي، عَن عبد الحميد بن سَلمَة، عَن أَبِيه، عَن جده، أَن أَبَوَيْهِ اخْتَصمَا فِيهِ إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، أَحدهمَا مُسلم وَالْآخر كَافِر، فخيره، فَتوجه إِلَى الْكَافِر فَقَالَ: " اللَّهُمَّ اهده فَتوجه إِلَى الْمُسلم فَقضى بِهِ لَهُ ".
هَكَذَا ذكره أَبُو بكر بن أبي شيبَة، عَن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم - هُوَ ابْن علية - عَن عُثْمَان البتي، وَكَذَا رَوَاهُ يَعْقُوب الدَّوْرَقِي، عَن إِسْمَاعِيل أَيْضا.
وَرَوَاهُ يزِيد بن زُرَيْع، عَن عُثْمَان البتي، فَقَالَ فِيهِ: عَن عبد الحميد بن يزِيد بن سَلمَة، أَن جده أسلم، وأبت امْرَأَته أَن تسلم، وَبَينهمَا ولد صَغِير، فَذكر مثله.(3/514)
رَوَاهُ عَن يزِيد بن زُرَيْع يحيى بن عبد الحميد الْحمانِي، من رِوَايَة ابْن أبي خَيْثَمَة عَنهُ.
نقلت جَمِيعهَا من كتاب قَاسم بن أصبغ، إِلَّا أَن هَذِه الْقِصَّة - هَكَذَا - بِجعْل الْمُخَير غُلَاما، وجدا لعبد الحميد بن يزِيد / بن سَلمَة، لَا يَصح؛ لِأَن عبد الحميد وأباه وجده لَا يعْرفُونَ، وَلَو صحت لم يَنْبغ أَن تجْعَل خلافًا لرِوَايَة أَصْحَاب عبد الحميد بن جَعْفَر عَن عبد الحميد بن جَعْفَر، فَإِنَّهُم ثِقَات، وَهُوَ وَأَبوهُ ثقتان، وجده رَافع بن سِنَان مَعْرُوف، بل كَانَ يجب أَن يُقَال: لعلهما قصتان، خير فِي إِحْدَاهمَا غُلَام، وَفِي الْأُخْرَى جَارِيَة. وَالله أعلم.
(1288) وَذكر الْأَحَادِيث فِي " النَّهْي عَن ثمن الْكَلْب إِلَّا كلب صيد ".
وَأَشَارَ إِلَى عللها إِلَّا حَدِيث أبي هُرَيْرَة، فَإِنَّهُ قَالَ: قد خرجه الدَّارَقُطْنِيّ مُسْندًا عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَلَا يَصح من قبل إِسْنَاده.
وَهَذَا الحَدِيث هُوَ عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ بِمَعْنَاهُ لَا بِلَفْظِهِ، وَله عِنْده إسنادان:
أَحدهمَا هَذَا: حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الْفَارِسِي، حَدثنَا عبيد بن مُحَمَّد ابْن إِبْرَاهِيم الصَّنْعَانِيّ، حَدثنَا مُحَمَّد بن عمر بن أبي مُسلم، حَدثنَا مُحَمَّد بن مُصعب الصَّنْعَانِيّ، حَدثنَا نَافِع بن عمر، عَن الْوَلِيد بن عبيد الله بن أبي(3/515)
زِيَاد، عَن عَمه عَطاء، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " ثَلَاث كُلهنَّ سحت: كسب الْحجام، وَمهر الْبَغي، وَثمن الْكَلْب، إِلَّا الْكَلْب الضاري ".
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: الْوَلِيد بن عبيد الله بن أبي زِيَاد ضَعِيف.
لم يذكر غير هَذَا من إِسْنَاده، وَعَطَاء بن أبي زِيَاد غير مَعْرُوف، وَمُحَمّد ابْن مُصعب إِن لم يكن القرقساني فَلَا أَدْرِي من هُوَ، وَإِن كَانَ هُوَ فَهُوَ ضَعِيف.
وَمُحَمّد بن عمر بن أبي مُسلم، مَجْهُول الْحَال، وَكَذَلِكَ عبيد بن مُحَمَّد.
وَأما الْإِسْنَاد الآخر فَهُوَ هَذَا: حَدثنَا أَحْمد بن عبد الله الْوَكِيل، حَدثنَا الْحسن بن أَحْمد بن أبي شُعَيْب، حَدثنَا مُحَمَّد بن سَلمَة، عَن الْمثنى، عَن عَطاء قَالَ: سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ثَلَاث كُلهنَّ سحت: كسب الْحجام سحت وَمهر الزَّانِيَة سحت، وَثمن الْكَلْب، إِلَّا كَلْبا ضاريا، سحت ".
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: الْمثنى ضَعِيف.
(1289) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، عَن ابْن عَبَّاس / " أرخص رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - / فِي ثمن كلب الصَّيْد ".(3/516)
ثمَّ قَالَ: أخرجه من طَرِيق أَحْمد بن عبد الله بن مُحَمَّد، أَبُو عَليّ اللَّجْلَاج، الْكِنْدِيّ، الْخُرَاسَانِي، عَن عَليّ بن معبد، عَن مُحَمَّد بن الْحسن، عَن أبي حنيفَة، عَن الْهَيْثَم الصراف، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: وَهَذَا بَاطِل، انْتهى مَا ذكر.
وَلم يبين علته، إِلَّا أَنه أبرز إِسْنَاده، وَاكْتفى بذلك، وَفِيه - كَمَا ترى - أَبُو حنيفَة وَصَاحبه، فَاحْتمل أَن يكون ذَلِك علته عِنْده.
وَأَبُو أَحْمد إِنَّمَا أعله بِأَحْمَد اللَّجْلَاج الْمَذْكُور، فَإِنَّهُ لم تثبت عَدَالَته، وَقد حدث بِأَحَادِيث مَنَاكِير لأبي حنيفَة، وَهِي كَثِيره بَوَاطِيلُ لَا تعرف إِلَّا بِهِ وَلَا يعرف إِلَّا بهَا.
وَعَلِيهِ يَنْبَغِي أَن يحمل فِيهَا، لَا على أبي حنيفَة وَصَاحبه، فَإِن ضعفهما عِنْدهم لَيْسَ بالاتهام فِيمَا يرويان.
(1290) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، عَن مُعَاوِيَة بن عَطاء، عَن الثَّوْريّ، عَن مَنْصُور، عَن زر، عَن ابْن عمر، زِيَادَة " الزَّيْت بالزيت " فِي الربويات.
ثمَّ قَالَ: إِنَّه إِسْنَاد بَاطِل عَن الثَّوْريّ، وَلَا يَصح.
وَلم يبين لم لَا يَصح.
والْحَدِيث - هَكَذَا - مغير عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ فِي الْموضع الَّذِي نَقله مِنْهُ، إِنَّمَا هُوَ:(3/517)
" الزَّبِيب بالزبيب " وَقد مر ذكره فِي بَاب الْمُتُون الْمُغيرَة.
وَنَذْكُر الْآن هَاهُنَا لم لَا يَصح، وَذَلِكَ أَن مُعَاوِيَة بن عَطاء هَذَا، لم تثبت عَدَالَته، ويروي أَحَادِيث لَيست بمحفوظة.
ودونه فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث أَبُو عَمْرو: مُوسَى بن الْحسن، وَهُوَ أَيْضا لَا يعرف حَاله.
(1291) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ مُرْسل سعيد بن الْمسيب، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا رَبًّا إِلَّا فِي ذهب أَو فضَّة، أَو مَا يُكَال أَو يُوزن أَو يُؤْكَل أَو يشرب ".
ثمَّ قَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ الْمُبَارك بن مُجَاهِد، عَن مَالك، عَن أبي الزِّنَاد، عَن سعيد.
وَوهم على مَالك بِرَفْعِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ قَول سعيد. انْتهى مَا ذكر.
وَلَيْسَ فِيهِ بَيَان الْعلَّة، فَإِنَّهُ لَو كَانَ مبارك أَبُو الْأَزْهَر الْخُرَاسَانِي موثوقا بِهِ، لم يجز التكهن بوهمه، / وَإِنَّمَا الْعلَّة أَنه - مَعَ ضعفه - انْفَرد عَن مَالك بِرَفْعِهِ، وَالنَّاس رَوَوْهُ عَنهُ مَوْقُوفا [وَهُوَ قدري] وَكَانَ قُتَيْبَة يُضعفهُ، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَا بَأْس بحَديثه. فَاعْلَم ذَلِك.(3/518)
(1292) وَذكر من طَرِيق أبي حنيفَة، حَدِيث عبد الله بن عَمْرو، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فِي بيع رباع مَكَّة، وَأكل ثمنهَا ".
وَجعل أَبَا حنيفَة واهما فِي رَفعه.
وَلَيْسَ هَذَا عِلّة، وَإِنَّمَا الْعلَّة ضعف أبي حنيفَة، وَرَاوِيه عَنهُ مُحَمَّد بن الْحسن صَاحبه، وَمُخَالفَة النَّاس لأبي حنيفَة فِي رَفعه.
وَذَلِكَ أَنه يرويهِ عَن عبيد الله بن أبي يزِيد، عَن أبي نجيح، عَن عبد الله بن عَمْرو مَرْفُوعا.
وَرَوَاهُ عِيسَى بن يُونُس وَمُحَمّد بن ربيعَة، عَن عبيد الله بن أبي زِيَاد - وَهُوَ الصَّوَاب - عَن أبي نجيح، عَن عبد الله بن عَمْرو قَوْله مَوْقُوفا.
وَوهم أَبُو حنيفَة فِي قَوْله: ابْن أبي يزِيد، وَإِنَّمَا هُوَ ابْن أبي زِيَاد القداح.
وَقد رَوَاهُ الْقَاسِم بن الحكم، عَن أبي حنيفَة على الصَّوَاب، فَقَالَ فِيهِ: ابْن أبي زِيَاد، فَلَعَلَّ الْوَهم من صَاحبه مُحَمَّد بن الْحسن.
(1293) وَذكر من طَرِيق عبد الرَّزَّاق، عَن يحيى بن الْعَلَاء، عَن جَهْضَم ابْن عبد الله، عَن مُحَمَّد بن زيد - هُوَ الْعَبْدي - عَن شهر بن حَوْشَب، [عَن أبي سعيد] الْخُدْرِيّ: " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - / عَن بيع الْمَغَانِم حَتَّى تقسم، وَعَن(3/519)
بيع الصَّدقَات " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده لَا يحْتَج بِهِ.
لم يبين من أمره إِلَّا مَا أبرز من إِسْنَاده.
وَشهر مُخْتَلف فِيهِ.
وَيحيى بن الْعَلَاء الرَّازِيّ البَجلِيّ ابْن أخي شُعَيْب بن خَالِد ضَعِيف.
قَالَ ابْن معِين: " لَيْسَ بِشَيْء ".
وَقَالَ عَمْرو بن عَليّ: " مَتْرُوك الحَدِيث جدا ".
وَضَعفه أَبُو سَلمَة التَّبُوذَكِي، ووكيع، وَأَبُو رزعة.
قَالَ عبد الرَّزَّاق، قلت لوكيع: مَا تَقول فِيهِ؟ فَقَالَ: مَا ترى، مَا كَانَ أجمله، مَا كَانَ أفصحه! ! قلت: مَا تَقول فِيهِ؟ قَالَ: مَا أَقُول فِي رجل حدث بِعشْرَة أَحَادِيث فِي خلع النَّعْل إِذا وضع الطَّعَام.
وَقد روى هَذَا الحَدِيث عَن جَهْضَم بن عبد الله، حَاتِم بن إِسْمَاعِيل - بَدَلا من يحيى بن الْعَلَاء - وَتبين / فِي رِوَايَته انْقِطَاع رِوَايَة يحيى بن الْعَلَاء.
وَقد بَينا ذَلِك فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي رَوَاهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة وَهِي مُنْقَطِعَة.(3/520)
وحاتم بن إِسْمَاعِيل ثِقَة، وَلَا بُد فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث من شهر بن حَوْشَب، فَاعْلَم ذَلِك.
(1294) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ، سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من فرق بَين وَالِدَة وَوَلدهَا " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ فِيهِ: حسن غَرِيب.
وَإِنَّمَا لم يُصَحِّحهُ؛ لِأَنَّهُ من رِوَايَة ابْن وهب، عَن حييّ بن عبد الله، عَن أبي عبد الرَّحْمَن - هُوَ الحبلي - عَن أبي أَيُّوب.
وحيي هَذَا، قَالَ البُخَارِيّ: " فِيهِ نظر ".
وَقَالَ أَحْمد: " أَحَادِيثه مَنَاكِير ".
وَقَالَ ابْن معِين: " لَيْسَ بِهِ بَأْس ".
فلأجل الِاخْتِلَاف فِيهِ لم يُصَحِّحهُ.
(1295) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن عمر، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْمُدبر لَا يُبَاع، وَلَا يُوهب، وَهُوَ حر من الثُّلُث ".(3/521)
ثمَّ قَالَ: إِسْنَاد هَذَا ضَعِيف.
كَذَا قَالَ، وَلم يبين علته.
وَهُوَ حَدِيث يرويهِ الدَّارَقُطْنِيّ هَكَذَا: حَدثنَا أَبُو جَعْفَر: مُحَمَّد بن عبيد الله، الْكَاتِب، وَأحمد بن مُحَمَّد بن أبي بكر، وَجَمَاعَة، قَالُوا: حَدثنَا عَليّ بن حَرْب، حَدثنَا عَمْرو بن عبد الْجَبَّار، أَبُو مُعَاوِيَة الْجَزرِي، عَن عَمه عُبَيْدَة بن حسان، عَن أَيُّوب، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَذكره.
ثمَّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لم يسْندهُ غير [عُبَيْدَة بن حسان، وَهُوَ ضَعِيف، وَإِنَّمَا هُوَ عَن ابْن عمر من قَوْله. انْتهى كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ.
عُبَيْدَة] هَذَا، قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: " مُنكر الحَدِيث ".
وَعَمْرو بن عبد الْجَبَّار لَا تعرف حَاله.
(1296) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن عباد بن لَيْث، حَدثنَا عبد الْمجِيد بن وهب، قَالَ: قَالَ العداء بن خَالِد، أَلا أقرئك كتابا " كتبه لي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الحَدِيث.(3/522)
فِيهِ: " لَا دَاء، وَلَا غائلة، وَلَا خبثة، بيع الْمُسلم للْمُسلمِ ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث عباد بن لَيْث، وَقد روى عَنهُ غير وَاحِد من أهل الحَدِيث / انْتهى مَا ذكر.
وَلَيْسَ فِيهِ بَيَان الْمَانِع من تَصْحِيحه، وَهُوَ أَن عبادا هَذَا لم تثبت عَدَالَته.
وَقد قَالَ فِيهِ ابْن معِين: " لَيْسَ بِشَيْء ".
وروى عَنهُ كَمَا ذكر جمَاعَة: مِنْهُم مُحَمَّد بن الْمثنى، وَابْن بشار - رَاوِي هَذَا الحَدِيث عَنهُ عِنْد التِّرْمِذِيّ - وَقيس بن عَاصِم، وَعُثْمَان بن طالوت، وَإِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عرْعرة، وَيحيى بن أبي الخصيب.
وكنية عباد الْمَذْكُور، أَبُو الْحسن، وَيُقَال لَهُ: صَاحب الكرابيس.
فَأَما أَبُو وهب: عبد الْمجِيد بن أبي يزِيد، وهب، فَثِقَة.
(1297) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا يتفرق عَن بيع إِلَّا عَن ترَاض ".(3/523)
قَالَ: هَذَا حَدِيث غَرِيب.
وَإِنَّمَا لم يُصَحِّحهُ؛ لِأَنَّهُ من / رِوَايَة يحيى بن أَيُّوب البَجلِيّ، [وَلَيْسَ بِيَحْيَى بن أَيُّوب الْمصْرِيّ.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا نصر بن عَليّ، حَدثنَا أَبُو أَحْمد، حَدثنَا يحيى بن أَيُّوب - وَهُوَ البَجلِيّ]- الْكُوفِي، قَالَ: سَمِعت أَبَا زرْعَة - هُوَ ابْن [عَمْرو ابْن] جرير - يحدث عَن أبي هُرَيْرَة، فَذكره.
يحيى بن أَيُّوب هَذَا، قَالَ فِيهِ ابْن معِين: " ضَعِيف، لَيْسَ بِشَيْء "، ذكر ذَلِك عَنهُ الْعقيلِيّ.
وَذكر عَنهُ أَيْضا أَنه لَا بَأْس بِهِ.
وَقَالَ النَّسَائِيّ: " لَيْسَ بِثِقَة ".
وَالرجل بِالْجُمْلَةِ لم تثبت عَدَالَته، فَالْحَدِيث لَا يَصح.
(1298) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ، عَن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن الْأَشْعَث، عَن أَبِيه، عَن جده، قَالَ: قَالَ عبد الله بن مَسْعُود: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا اخْتلف البيعان " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: ذكر أَبُو عمر أَن فِي هَذَا الحَدِيث انْقِطَاعًا.(3/524)
وروى النَّسَائِيّ هَذَا الحَدِيث هَكَذَا: حَدثنَا أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: مُحَمَّد بن إِدْرِيس، حَدثنَا عمر بن حَفْص بن غياث، حَدثنَا أبي، عَن أبي عُمَيْس، [هُوَ عتبَة بن عبد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود] قَالَ: أَخْبرنِي عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن الْأَشْعَث، عَن أَبِيه، عَن جده، فَذكره.
والانقطاع الَّذِي فِيهِ، هُوَ - وَالله أعلم - فِيمَا بَين مُحَمَّد، جد عبد الرَّحْمَن، وَبَين ابْن مَسْعُود، فَإِنَّهُ عبد الرَّحْمَن بن قيس بن مُحَمَّد بن الْأَشْعَث /.
فَإِذا قَالَ: عَن أَبِيه، فَإِنَّمَا يَعْنِي قيسا، وَإِذا قَالَ: عَن جده، فَإِنَّمَا يَعْنِي مُحَمَّد بن الْأَشْعَث، وَلَيْسَ هُوَ كَمَا فِي نفس الْإِسْنَاد، وَإِنَّمَا نسبه فِيهِ إِلَى جده حِين قَالَ فِيهِ: عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن الْأَشْعَث.
وكما بَيناهُ وَقع عِنْد أبي دَاوُد.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى ابْن فَارس، قَالَ: حَدثنَا عمر بن حَفْص بن غياث، قَالَ: حَدثنَا أبي، عَن أبي عُمَيْس، قَالَ: أَخْبرنِي عبد الرَّحْمَن بن قيس بن مُحَمَّد بن الْأَشْعَث، عَن أَبِيه، عَن جده، قَالَ: اشْترى الْأَشْعَث رَقِيقا من رَقِيق الْخمس، من عبد الله بن مَسْعُود بِعشْرين ألفا، فَأرْسل عبد الله إِلَيْهِ فِي ثمنهم، فَقَالَ: إِنَّمَا أخذتهم بِعشْرَة آلَاف، فَقَالَ عبد الله: فاختر رجلا يكون بينى وَبَيْنك، فَقَالَ [لَهُ] الْأَشْعَث: أَنْت بيني وَبَين نَفسك، فَقَالَ عبد الله: فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِذا اخْتلف البيعان وَلَيْسَ بَينهمَا بَيِّنَة، فَهُوَ مَا يَقُول رب السّلْعَة، أَو يتتاركان ".
وَعبد الرَّحْمَن بن قيس هَذَا، لَيْسَ فِيهِ مزِيد، فَهُوَ مَجْهُول الْحَال، وَكَذَلِكَ(3/525)
أَبوهُ قيس، وَكَذَلِكَ جده مُحَمَّد، إِلَّا أَن أشهرهم هُوَ أَبُو الْقَاسِم: مُحَمَّد بن الْأَشْعَث، عداده فِي الْكُوفِيّين، روى عَنهُ مُجَاهِد، وَالشعْبِيّ، وَالزهْرِيّ، وَعمر بن قيس الماصر، وَسليمَان بن يسَار.
ويروي عَن عَائِشَة، فَأَما رِوَايَته عَن ابْن مَسْعُود فمنقطعة، فَاعْلَم ذَلِك.
(1299) وَذكر فِي: " أَن الْمُسلمين عِنْد شروطهم " أَحَادِيث.
ثمَّ قَالَ: وَقد رُوِيَ مُسْندًا من حَدِيث عَائِشَة وَأنس، وَقَالَ فِي إِسْنَاده: لَا يحْتَج بِهِ.
وَلم يعزه، وَلَا بَين علته، والْحَدِيث الْمَذْكُور ذكره الدَّارَقُطْنِيّ، قَالَ: حَدثنَا رضوَان بن أَحْمد بن إِسْحَاق بن جالينوس الصيدلاني، حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن أبي الدُّنْيَا، حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن زُرَارَة، حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن عبد الرَّحْمَن، عَن خصيف، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْمُسلمُونَ عِنْد شروطهم مَا وَافق الْحق ".
وَعَن خصيف، عَن عَطاء بن أبي رَبَاح، عَن أنس بن مَالك / قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - /: " الْمُسلمُونَ عِنْد شروطهم مَا وَافق الْحق من ذَلِك ".
خصيف ضَعِيف.
وَعبد الْعَزِيز بن عبد الرَّحْمَن القريشي البالسي، يروي عَن خصيف(3/526)
أَحَادِيث، هِيَ كذب مَوْضُوعَة، قَالَه ابْن حَنْبَل.
وَإِسْمَاعِيل بن زُرَارَة، هُوَ إِسْمَاعِيل بن عبد الله بن زُرَارَة، ثِقَة.
(1300) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ فِي ذَلِك حَدِيث كثير بن عبد الله بن عَمْرو بن عَوْف، عَن أَبِيه، عَن جده، وَحسنه.
وَلم يبين الْمَانِع من صِحَّته، وَهُوَ الْجَهْل بِحَال عبد الله بن عَمْرو بن عَوْف، وَضعف كثير بن عبد الله بن عَمْرو بن عَوْف.
(1301) وَذكر من طَرِيق الْحَاكِم، حَدِيث عبد الْوَارِث بن سعيد، عَن أبي حنيفَة، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " نهى عَن بيع وَشرط ".
وَلم يقل بعده شَيْئا، وَكَأَنَّهُ تَبرأ من عهدته بِذكر إِسْنَاده.
وعلته ضعف أبي حنيفَة فِي الحَدِيث، فَأَما عَمْرو، عَن أَبِيه، عَن جده، فَإِن مذْهبه أَن لَا يُضعفهُ، وسترى مَا لَهُ فِي ذَلِك بعد إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(1302) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن عَطاء بن أبي رَبَاح، أَن رجلا(3/527)
رهن فرسا فنفق فِي يَده، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - للْمُرْتَهن: " ذهب حَقك ".
قَالَ: هَذَا مُرْسل وَضَعِيف الْإِسْنَاد.
(1303) وَالصَّحِيح عَن عَطاء فِي هَذَا، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الرَّهْن بِمَا فِيهِ ".
وأسنده الدَّارَقُطْنِيّ عَن أنس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " الرَّهْن بِمَا فِيهِ ".
وَذكر ضعف الاسناد، انْتهى مَا ذكر.
وَلم يبين للشَّيْء مِمَّا ذكر عِلّة:
فَأَما الْمُرْسل الأول فيرويه أَبُو دَاوُد، عَن مُحَمَّد بن الْعَلَاء، حَدثنَا ابْن الْمُبَارك، عَن مُصعب بن ثَابت، قَالَ: سَمِعت عَطاء، فَذكره.
وَمصْعَب بن ثَابت بن عبد الله بن الزبير ضَعِيف، كثير الْغَلَط، وَإِن كَانَ صَدُوقًا.
والمرسل الثَّانِي، يرويهِ أَبُو دَاوُد، عَن عَليّ بن سهل الرَّمْلِيّ، قَالَ: حَدثنَا الْوَلِيد، قَالَ: حَدثنَا / أَبُو عَمْرو - هُوَ الْأَوْزَاعِيّ - عَن عَطاء.
وَهَذَا صَحِيح إِلَى مرسله عَطاء.
وَأما حَدِيث أنس، فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا عبد الْبَاقِي بن قَانِع، حَدثنَا(3/528)
عبد الْوَارِث بن إِبْرَاهِيم، حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن أُميَّة حَدثنَا سعيد بن رَاشد، حَدثنَا حميد الطَّوِيل، عَن أنس، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " الرَّهْن بِمَا فِيهِ ".
قَالَ: وَحدثنَا إِسْمَاعِيل بن أُميَّة، حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن قَتَادَة، عَن أنس مثله.
إِسْمَاعِيل هَذَا يضع الحَدِيث، قَالَ ذَلِك الدَّارَقُطْنِيّ.
(1304) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن أبي ماجدة - أَو ابْن ماجدة - عَن عمر بن الْخطاب، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِنِّي وهبت لخالتي غُلَاما، وَأَنا أَرْجُو أَن يُبَارك لَهَا فِيهِ، فَقلت لَهَا: لَا تسلميه حجاما " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: لَا يَصح من قبل أبي ماجدة.
لم يزدْ على هَذَا، وَلم تبن بذلك علته، فاعتمدت بَيَانهَا.
وَهِي أَن أَبَا ماجدة الْمَذْكُور لَا يعرف إِلَّا بِهَذَا، وَلَا يعرف روى عَنهُ إِلَّا الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن، يرويهِ عَنهُ ابْن إِسْحَاق، وَلم يبين أَنه من رِوَايَته، وَاخْتلف عَلَيْهِ:
فَقَالَ حَمَّاد بن سَلمَة: عَن ابْن إِسْحَاق، عَن الْعَلَاء، عَن أبي ماجدة.
وَقَالَ عبد الْأَعْلَى: عَن ابْن إِسْحَاق، عَن الْعَلَاء، عَن ابْن ماجدة، رجل(3/529)
من بني سهم.
وَقَالَ سَلمَة بن الْفضل: عَن ابْن إِسْحَاق، عَن الْعَلَاء، عَن ابْن ماجدة السَّهْمِي.
وَقَالَ قَاسم بن أصبغ: قد قيل فِي هَذَا الْإِسْنَاد: عَن رجل من سهم، عَن رجل مِنْهُم، يُقَال لَهُ: ماجدة.
فَإِذن، لَا يَصح هَذَا الحَدِيث للْجَهْل / بِهَذَا الرجل.
(1305) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت: " فِي تَعْلِيمه نَاسا من أهل الصّفة، وإعطائهم إِيَّاه الْقوس ".
ثمَّ قَالَ: وَفِي هَذَا عَن أبي بن كَعْب، ذكره قَاسم بن أصبغ وَغَيره، وَهِي أَسَانِيد مُنْقَطِعَة وضعاف.
(1306) وَقد صَحَّ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن أَحَق مَا أَخَذْتُم عَلَيْهِ أجرا كتاب الله " خرجه البُخَارِيّ.
وَلَيْسَ إِسْنَاد حَدِيث أبي دَاوُد، مِمَّا يُعَارض بِهِ حَدِيث / البُخَارِيّ. انْتهى كَلَامه.
وَالْأَمر فيهمَا كَمَا ذكر، وَلَكِن لم يبين علتهما، فلنبينهما:
أما حَدِيث عبَادَة، فيرويه عَنهُ الْأسود بن ثَعْلَبَة، وَهُوَ مَجْهُول الْحَال، وَلَا(3/530)
يعرف روى عَنهُ غير عبَادَة بن نسي، ويروي أَيْضا عَن معَاذ بن جبل حَدِيثا أَو حديثين.
وَفِيه مَعَ ذَلِك مُغيرَة بن زِيَاد، وَهُوَ يرويهِ عَن عبَادَة بن نسي، وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ.
وَقد تقدم القَوْل فِي هَذَا الْإِسْنَاد، فِي حَدِيث:
(1307) " النُّفَسَاء شَهَادَة ".
(1308) وَأما حَدِيث أبي بن كَعْب، فَقَالَ قَاسم بن أصبغ: حَدثنَا عبد الله بن روح، قَالَ: حَدثنَا شَبابَة، قَالَ: حَدثنَا أَبُو زبر: عبد الله بن الْعَلَاء الشَّامي، قَالَ: حَدثنَا بسر بن عبيد الله، عَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ، قَالَ: كَانَ عِنْد أبي بن كَعْب نَاس من أهل الْيمن يُقْرِئهُمْ، فَجَاءَت رجلا مِنْهُم أقواس من أَهله، قَالَ: فغمز أبي قوسا مِنْهَا، فَأَعْجَبتهُ، فَقَالَ الرجل: أَقْسَمت عَلَيْك إِلَّا مَا تسلحتها فِي سَبِيل الله، فَقَالَ: لَا، حَتَّى أسأَل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَسَأَلَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: " أَتُحِبُّ أَن تَأتي الله بهَا فِي عُنُقك يَوْم الْقِيَامَة نَارا؟ ".
هَذَا [نَص] مَا ذكر بِهِ قَاسم حَدِيث أبي بن كَعْب.
وَهُوَ هَكَذَا مُنْقَطع، فَإِن أَبَا إِدْرِيس لم يُشَاهد هُوَ ذَلِك، فَإِنَّهُ لَا صُحْبَة لَهُ، إِلَّا أَن يكون أبي أخبرهُ بِمَا اتّفق لَهُ، وَلَيْسَ ذَلِك فِيهِ.(3/531)
وَعبد الله بن روح هَذَا، لَا تعرف لَهُ حَال.
وَقد رُوِيَ حَدِيث أبي بن كَعْب هَذَا من طرق غير هَذَا، وَلَيْسَ فِيهَا شَيْء يلْتَفت إِلَيْهِ ذكرهَا بن بَقِي بن مخلد وَغَيره.
(1309) وَذكر حَدِيث الْجَار: " لَا يستطيل على جَاره بِالْبِنَاءِ، يحجب عَنهُ الرّيح ".
وَضَعفه، وَلم يبين علته.
وَقد كتبناها مبينَة فِي بَاب النَّقْص من الْأَسَانِيد.
(1310) وَذكر فِي الْمُزَارعَة، من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن عُرْوَة بن الزبير، قَالَ: قَالَ زيد بن ثَابت: يغْفر الله لرافع بن خديج أَنا - وَالله - أعلم بِالْحَدِيثِ مِنْهُ، إِنَّمَا أَتَاهُ رجلَانِ من الْأَنْصَار قد اقتتلا، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - /: " إِن كَانَ هَذَا شَأْنكُمْ فَلَا تكروا الْمزَارِع " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: لَا يثبت هَذَا، لِأَن فِي إِسْنَاده عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق الْمدنِي عَن أبي عُبَيْدَة بن مُحَمَّد بن عمار بن يَاسر.
هَكَذَا أجمل تَعْلِيله، فَأَما أَبُو عُبَيْدَة فَهُوَ على أَصله غير عِلّة، فَإِنَّهُ قد أورد فِي الْجِهَاد حَدِيثا هُوَ من رِوَايَته، وَلم يبين أَنه من رِوَايَته، وَهُوَ حَدِيث:(3/532)
(1311) " من قتل دون مَاله فَهُوَ شَهِيد ".
وَسكت عَنهُ سُكُوته عَن أَمْثَاله من المساتير الَّذين تقبل رِوَايَة أحدهم إِذا روى عَنهُ أَكثر من وَاحِد، وَقد تكَرر الذّكر بذلك بعد الحَدِيث الْمَذْكُور.
وَأما عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق، فَهُوَ الْمَعْرُوف بعباد، وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ، فاعلمه.
(1312) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ، عَن صَفْوَان بن أُميَّة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - / اسْتعَار مِنْهُ أدراعا يَوْم حنين فَقَالَ: أغصبا يَا مُحَمَّد؟ الحَدِيث.
(1313) وَقد قدم قبله من عِنْد أبي دَاوُد، عَن يعلى بن أُميَّة، قَالَ لي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا أتتك رُسُلِي فادفع إِلَيْهِم ثَلَاثِينَ درعا " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: حَدِيث يعلى أصح.
وَلم يبين لماذا رجح عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَن حَدِيث صَفْوَان بن أُميَّة، هُوَ من رِوَايَة(3/533)
شريك، عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع، وَلم يقل: حَدثنَا، وَهُوَ مُدَلّس، وَأما أُميَّة ابْن صَفْوَان فَأخْرج لَهُ مُسلم.
(1314) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أد الْأَمَانَة إِلَى من ائتمنك وَلَا تخن من خانك ".
وَقَالَ فِيهِ: حسن غَرِيب.
وَلم يبين الْمَانِع من تَصْحِيحه، وَهُوَ كَونه من رِوَايَة شريك، وَقيس بن الرّبيع، عَن أبي حُصَيْن، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَشريك وَقيس مُخْتَلف فيهمَا، وهم ثَلَاثَة ولوا الْقَضَاء، فسَاء حفظهم بالاشتغال عَن الحَدِيث:
مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، وَشريك بن عبد الله، وَقيس بن الرّبيع.
وَشريك مَعَ ذَلِك مَشْهُور بالتدليس، وَهُوَ لم يذكر السماع فِيهِ /.
(1315) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن عَبَّاس حَدِيث: " لَا وَصِيَّة [لوَارث] إِلَّا أَن يَشَاء الْوَرَثَة ".
ثمَّ أعله بالانقطاع، ثمَّ قَالَ: وَصله يُونُس بن رَاشد؛ فَرَوَاهُ عَن عَطاء، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، والمقطوع هُوَ الْمَشْهُور.(3/534)
هَذَا مَا ذكر من غير مزِيد، فَلَا هُوَ عزاهُ، وَلَا هُوَ بَين علته.
وَهُوَ حَدِيث ذكره الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ: حَدثنَا عبيد الله بن عبد الصَّمد بن الْمُهْتَدي بِاللَّه، حَدثنَا مُحَمَّد بن عَمْرو بن خَالِد، حَدثنَا أبي، عَن يُونُس بن رَاشد، عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تجوز لوَارث وَصِيَّة إِلَّا أَن يَشَاء الْوَرَثَة ".
يُونُس بن رَاشد قَاضِي حران، قَالَ أَبُو زرْعَة: " لَا بَأْس بِهِ ".
وَقَالَ البُخَارِيّ: " كَانَ مرجئا ".
زَاد النَّسَائِيّ: " وَكَانَ واعيا ".
وَعَمْرو بن خَالِد الْحَرَّانِي روى عَنهُ البُخَارِيّ فِيمَن روى عَنهُ.
وَأما ابْنه مُحَمَّد، فيكنى أَبَا علاثة، حدث عَن أَبِيه وَغَيره، وَكَانَ ثِقَة، قَالَه أَبُو سعيد بن يُونُس فِي كِتَابه فِي تَارِيخ المصريين، قَالَ: وَقد رَأَيْته، وَذكر وَفَاته سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَمِائَتَيْنِ.
(1316) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن عبد الرَّحْمَن بن رُقَيْش، أَنه سمع شُيُوخًا من بني عَمْرو بن عَوْف، وَمن خَاله عبد الله بن(3/535)
أبي أَحْمد، قَالَ: قَالَ عَليّ: حفظت عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يتم بعد احْتِلَام وَلَا صمَات يَوْم إِلَى اللَّيْل ".
ثمَّ قَالَ: الْمَحْفُوظ مَوْقُوف على عَليّ.
وَقد رُوِيَ من حَدِيث جَابر، وَلَكِن فِي إِسْنَاده حرَام بن عُثْمَان، ذكره أَبُو أَحْمد.
هَذَا مَا ذكر، وَفِيه من الاختلال مَا قد بَيناهُ فِي أول بَاب من هَذَا الْكتاب، وَهُوَ بَاب الزِّيَادَة فِي الْأَسَانِيد.
ونبين هُنَا إِن شَاءَ الله مَا أجمل من علته فَنَقُول:
لَو كَانَ هَذَا الحَدِيث هَكَذَا، كَانَت علته أبين شَيْء، وَذَلِكَ أَن عبد الرَّحْمَن ابْن رُقَيْش لَا يعرف فِي رُوَاة الْأَخْبَار / وَإِنَّمَا هُوَ عَن ابْنه سعيد بن عبد الرَّحْمَن ابْن رُقَيْش، على مَا بَيناهُ فِي الْبَاب الْمَذْكُور، وَسَعِيد ثِقَة.
وعلته إِنَّمَا هِيَ أُمُور تتبين بِذكرِهِ بِإِسْنَادِهِ:
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا أَحْمد بن صَالح قَالَ: حَدثنَا يحيى بن مُحَمَّد الْمدنِي قَالَ: أَخْبرنِي عبد الله بن خَالِد بن سعيد بن أبي مَرْيَم / عَن أَبِيه، عَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن بن رُقَيْش، أَنه سمع شُيُوخًا من بني عَمْرو بن عَوْف،(3/536)
فَخَالِد بن سعيد بن أبي مَرْيَم، وَابْنه عبد الله بن خَالِد [بن سعيد بن أبي مَرْيَم] مَجْهُولَانِ.
وَلم أجد لعبد الله ذكرا، إِلَّا فِي رسم ابْن لَهُ يُقَال لَهُ: إِسْمَاعِيل بن عبد الله بن خَالِد بن سعيد بن أبي مَرْيَم، ذكره أَيْضا ابْن أبي حَاتِم، وَهُوَ مَجْهُول الْحَال كَذَلِك.
فَأَما جده سعيد بن أبي مَرْيَم فَثِقَة.
وَيحيى بن مُحَمَّد الْمدنِي، إِمَّا مَجْهُول، وَإِمَّا ضَعِيف إِن كَانَ ابْن هَانِئ.
وَعبد الله بن أبي أَحْمد بن جحش بن رِئَاب مَجْهُول الْحَال أَيْضا، وَلَيْسَ بوالد بكير بن عبد الله بن الْأَشَج، كَمَا ظَنّه ابْن أبي حَاتِم حِين جمع بَينهمَا.
وَالْبُخَارِيّ قد فصل بَينهمَا، فَجعل الَّذِي يروي عَن عَليّ فِي تَرْجَمَة، وَالَّذِي يروي عَن ابْن عَبَّاس (وَهُوَ وَالِد بكير) فِي تَرْجَمَة أُخْرَى.
وَأيهمَا كَانَ فحاله مَجْهُولَة أَيْضا.
فَهَذِهِ علل الْخَبَر الْمَذْكُور، فَاعْلَم ذَلِك.
(1317) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن حَكِيم بن حَكِيم، قَالَ: كتب عمر بن الْخطاب إِلَى أبي عُبَيْدَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْخَال وَارِث من لَا وَارِث لَهُ ". وَقَالَ فِيهِ: حسن.(3/537)
وَلم يبين لم لَا يَصح، وَذَلِكَ - وَالله أعلم - لِأَن حَكِيم بن حَكِيم بن عباد ابْن حنيف، ابْن أخي عَمْرو بن حنيف، لَا تعرف عَدَالَته.
وَإِن كَانَ قد روى عَنهُ سُهَيْل بن أبي صَالح، وَعبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث، وَأَخُوهُ عُثْمَان بن حَكِيم، وَهُوَ من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث عَن حَكِيم.
وَقد بَينا فِي بَاب النَّقْص من الْأَسَانِيد، كَيفَ سقط مِنْهُ أَبُو أُمَامَة / بن سهل ابْن حنيف.
وَلما ذكره فِي كِتَابه الْكَبِير، قَالَ بعده: وَقد تقدم الْكَلَام على عبد الرَّحْمَن ابْن الْحَارِث فِي كتاب الْإِمَامَة من كتاب الصَّلَاة.
(1318) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، من رِوَايَة ابْن وهب، عَن مُحَمَّد ابْن عَمْرو اليافعي، عَن ابْن جريج، عَن أبي الزبير عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يَرث الْمُسلم النَّصْرَانِي، إِلَّا أَن يكون عَبده أَو أمته ".
ثمَّ قَالَ: مُحَمَّد بن عَمْرو: شيخ، وَهَذَا الحَدِيث، الْمَحْفُوظ فِيهِ مَوْقُوف. انْتهى مَا ذكر.
وَلَيْسَ هَذَا بَيَان علته، وَإِنَّمَا علته أَن هَذَا الرجل مَجْهُول الْحَال، لَا يعرف(3/538)
إِلَّا بِرِوَايَة ابْن وهب عَنهُ، وَقد جازف فِي قَوْله فِيهِ: " شيخ "، فَإِن هَذِه اللَّفْظَة يطلقونها على الرجل إِذا لم يكن مَعْرُوفا بالرواية مِمَّن أَخذ وَأخذ عَنهُ، وَإِنَّمَا وَقعت لَهُ رِوَايَة لحَدِيث أَو أَحَادِيث، فَهُوَ يَرْوِيهَا، هَذَا الَّذِي يَقُولُونَ فِيهِ: شيخ.
وَقد لَا يكون من هَذِه صفته من أهل الْعلم، وَقد يَقُولُونَهَا للرجل، بِاعْتِبَار قلَّة مَا يرويهِ عَن شخص مَخْصُوص، كَمَا يَقُولُونَ: حَدِيث الْمَشَايِخ عَن أبي هُرَيْرَة، أَو عَن أنس، فيسوقون فِي ذَلِك رِوَايَات لقوم مقلين عَنْهُم، وَإِن كَانُوا مكثرين عَن غَيرهم.
وَكَذَلِكَ إِذا قَالُوا: أَحَادِيث الْمَشَايِخ عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَإِنَّمَا يعنون من لَيْسَ لَهُ عَنهُ إِلَّا الحَدِيث أَو الحديثان وَنَحْو ذَلِك.
وَأَبُو مُحَمَّد لم ير فِي هَذَا الرجل القَوْل بِأَنَّهُ شيخ، فَإِنَّهُم لم يَقُولُوا ذَلِك فِيهِ فِيمَا أعلم، وَإِنَّمَا رأى فِي كتاب ابْن أبي حَاتِم سُؤال أبي مُحَمَّد إباه وَأَبا زرْعَة عَنهُ، فَقَالَا: هُوَ شيخ لِابْنِ وهب.
فَهَذَا شَيْء آخر، لَيْسَ هُوَ الَّذِي ذكر، فَإِن لَفْظَة " شيخ " لَفْظَة مصطلح عَلَيْهَا كَمَا تقدم، فَأَما لَفْظَة شيخ لفُلَان، فَإِنَّهُ بِمَعْنى آخر.
وَالْمَقْصُود أَن تعلم أَن هَذَا / الرجل لم تنقل لنا عَدَالَته.
ثمَّ هُوَ قد خَالفه فِيهِ عبد الرَّزَّاق؛ فَرَوَاهُ عَن ابْن جريج / فَوَقفهُ وَلم يرفعهُ.(3/539)
فَإِذن إِنَّمَا ترجح الْمَوْقُوف؛ لِأَنَّهُ عَن ثِقَة، وَالْمَرْفُوع عَمَّن لَا نعلم عَدَالَته، فَهَذِهِ علته، فَاعْلَم ذَلِك
(1319) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ عَن الْمِقْدَام بن معدي كرب، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَنا ولي من وَلَا لي لَهُ " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: وَاخْتلف فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث، وَفِيه عَن عَائِشَة، وَاخْتلف فِيهِ أَيْضا.
كَذَا ذكره، وَلم يبين علته على الْحَقِيقَة، إِذْ لم يبين الِاخْتِلَاف، وَلم يعز حَدِيث عَائِشَة.
وأوهم بقوله: إِن فِي حَدِيث الْمِقْدَام اخْتِلَافا، أَنه ضَعِيف، وَمَا بِهِ من ضعف.
قَالَ النَّسَائِيّ: أخبرنَا قُتَيْبَة بن سعيد، حَدثنَا حَمَّاد - يَعْنِي ابْن زيد - عَن بديل - يَعْنِي ابْن ميسرَة - عَن عَليّ بن أبي طَلْحَة، عَن رَاشد بن سعد، عَن أبي عَامر الْهَوْزَنِي، عَن الْمِقْدَام، فَذكره.
وكل هَؤُلَاءِ مَا بهم بَأْس: أَبُو عَامر الْهَوْزَنِي، هُوَ عبد الله بن لحي شَامي.(3/540)
قَالَ أَبُو زرْعَة: " لَا بَأْس بِهِ ".
وَرَاشِد بن سعد ثِقَة.
وَعلي بن أبي طَلْحَة، شَامي، قَالَ الْكُوفِي: هُوَ ثِقَة.
وَسَائِر من فِي هَذَا الْإِسْنَاد لَا يسْأَل عَنْهُم.
فَأَما الْخلاف الَّذِي فِيهِ، فقد بَينه الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله، وَهُوَ أَن بديل بن ميسرَة، رَوَاهُ عَنهُ شُعْبَة، وَحَمَّاد بن زيد، وَإِبْرَاهِيم بن طهْمَان، كَمَا تقدم. وَخَالفهُم مُعَاوِيَة بن صَالح؛ فَرَوَاهُ عَن رَاشد بن سعد، عَن الْمِقْدَام، لم يذكر بَينهمَا أَبَا عَامر الْهَوْزَنِي.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَالْأول أشبه بِالصَّوَابِ.
وَهُوَ على مَا قَالَ، فَإِن عَليّ بن أبي طَلْحَة ثِقَة، وَقد زَاد فِي الْإِسْنَاد من يتَّصل بِهِ، فَلَا يضرّهُ إرْسَال من قطعه، وَلَو كَانَ ثِقَة، فَكيف إِذا كَانَ فِيهِ مقَال، فنرى هَذَا الحَدِيث حَدِيثا صَحِيحا.
فَأَما حَدِيث عَائِشَة فَإِنَّهُ ذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه، من رِوَايَة ابْن جريج، عَن عَمْرو بن مُسلم، عَن طَاوس، عَن عَائِشَة، وَذكر بعض الْخلاف الَّذِي فِيهِ، واستوعبه فِي كتاب الْعِلَل.(3/541)
وَجُمْلَته أَن ابْن جريج [اخْتلف عَلَيْهِ] ؛ فَرَوَاهُ روح / بن عبَادَة عَنهُ، عَن الْحسن بن مُسلم، عَن طَاوس، عَن عَائِشَة مَوْقُوفا.
وَوهم فِي قَوْله: الْحسن بن مُسلم.
وَخَالفهُ عبد الرَّزَّاق، وَمُحَمّد بن بكر، وَأَبُو عَاصِم؛ فَرَوَوْه عَن ابْن جريج، عَن عَمْرو بن مُسلم، عَن طَاوس، عَن عَائِشَة.
وَكَانَ أَبُو عَاصِم رُبمَا رَفعه وَرُبمَا وَقفه، وَرَفعه وهم. هَذَا مَا ذكر، فاعلمه.
(1320) وَذكر حَدِيث: " توارث بني العلات، وَالدّين قبل الْوَصِيَّة ".(3/542)
ثمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ الْحَارِث بن أبي أُسَامَة من حَدِيث ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَزَاد: " وَلَا وَصِيَّة لوَارث ".
وَضَعفه وَلم يبين علته، لَا أذكرها الْآن، وكتبته حَتَّى أَقف عَلَيْهِ عِنْد الْحَارِث إِن شَاءَ الله.
(1321) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن عَائِشَة، أَن مولى للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقع من عذق نَخْلَة، فَمَاتَ، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " انْظُرُوا هَل لَهُ وراث " الحَدِيث.
وَقَالَ فِيهِ: حسن.
وَلَا أَدْرِي لم لم يقل: صَحِيح، فَإِن رِجَاله ثِقَات، وَلَا انْقِطَاع وَلَا اخْتِلَاف.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا بنْدَار، حَدثنَا يزِيد بن هَارُون، حَدثنَا سُفْيَان، عَن عبد الرَّحْمَن بن الإصبهاني، عَن مُجَاهِد - وَهُوَ ابْن وردان - عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة، فَذكره.
مُجَاهِد بن وردان ثِقَة، وَإِن لم يعرفهُ ابْن معِين، فقد عرفه أَبُو حَاتِم وَوَثَّقَهُ، وروى عَنهُ شُعْبَة.(3/543)
وَعبد الرَّحْمَن / بن سُلَيْمَان الإصبهاني، كُوفِي ثِقَة.
(1322) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عَبَّاس، أَن رجلا مَاتَ وَلم يدع وَارِثا، إِلَّا عبدا هُوَ أعْتقهُ، " فَأعْطَاهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِيرَاثه ".
وَأتبعهُ أَن قَالَ فِيهِ: حسن.
وَلم يبين لم لَا يَصح، وَهُوَ حَدِيث إِنَّمَا يرويهِ سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن عَوْسَجَة، عَن ابْن عَبَّاس.
وعوسجة هَذَا، هُوَ مولى ابْن عَبَّاس، قَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِمَشْهُور.
وَقَالَ النَّسَائِيّ: لم أجد هَذَا الحَدِيث إِلَّا عِنْد عَوْسَجَة، وَلَا نعلم أَن أحدا روى عَنهُ غير عَمْرو بن دِينَار.
وَقَالَ / أَبُو زرْعَة: عَوْسَجَة مكي ثِقَة.
(1323) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار، من حَدِيث مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن(3/544)
الْبَيْلَمَانِي، عَن أَبِيه، عَن ابْن عمر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " استهلال الصَّبِي العطاس ".
ثمَّ قَالَ: الْبَيْلَمَانِي ضَعِيف عِنْدهم.
هَكَذَا ذكره، وَلم يبين [من يَعْنِي] ؟ الْأَب، أم الابْن، أم كليهمَا؟
وَقد بَينا ذَلِك فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أعلها بِرِجَال وَترك فِيهَا مثلهم أَو أَضْعَف مِنْهُم.
(1324) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن تَمِيم الدَّارِيّ: يَا رَسُول الله، مَا السّنة فِي الرجل يسلم على يَد الرجل من الْمُسلمين؟ قَالَ: " هُوَ أولى النَّاس بمحياه ومماته ".
ثمَّ قَالَ: قَالَ البُخَارِيّ: اخْتلفُوا فِي صِحَة هَذَا الحَدِيث.
كَذَا أبهم عِلّة هَذَا الْخَبَر.
وَإِسْنَاده عِنْد أبي دَاوُد هُوَ هَذَا: حَدثنَا يزِيد بن خَالِد الرَّمْلِيّ وَهِشَام بن عمار، قَالَا: حَدثنَا يحيى - وَهُوَ ابْن حَمْزَة - عَن عبد الْعَزِيز بن عمر بن(3/545)
عبد الْعَزِيز، قَالَ: سَمِعت عبد الله بن موهب، يحدث عمر بن عبد الْعَزِيز، عَن قبيصَة بن ذُؤَيْب، قَالَ هِشَام: عَن تَمِيم الدَّارِيّ، فَذكره.
وعلته الْجَهْل بِحَال عبد الله بن موهب، فَإِنَّهُ لَا تعرف حَاله وَإِن كَانَ قَاضِي فلسطين، وَلم يعرفهُ ابْن معِين.
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: عبد الله بن موهب، وَقَالَ بَعضهم: عبد الله بن وهب.
وَاخْتلفُوا فِيهِ على عبد الْعَزِيز بن عمر بن عبد الْعَزِيز، فَذكره التِّرْمِذِيّ من رِوَايَة أبي أُسَامَة وَابْن نمير ووكيع عَنهُ، عَن عبد الله بن موهب، عَن تَمِيم الدَّارِيّ.
وَرَوَاهُ يحيى بن حَمْزَة عَنهُ، فَأدْخل بَينهمَا قبيصَة بن ذُؤَيْب، وَهُوَ الأصوب.
وَعبد الْعَزِيز هَذَا، لَيْسَ بِهِ بَأْس، والْحَدِيث من أجل عبد الله بن موهب هَذَا لَا يَصح.
(1325) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن أنس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من ابْتغى الْقَضَاء، وَسَأَلَ فِيهِ شُفَعَاء، وكل إِلَى نَفسه، وَمن أكره عَلَيْهِ أنزل الله ملكا يسدده ".(3/546)
ثمَّ قَالَ فِيهِ: حسن غَرِيب.
وَلم يبين علته، وَهُوَ حَدِيث / يرويهِ أَبُو عوَانَة، عَن عبد الْأَعْلَى بن عَامر الثَّعْلَبِيّ، عَن بِلَال بن مرداس، عَن خَيْثَمَة - وَهُوَ الْبَصْرِيّ -، عَن أنس.
وخيثمة بن أبي خَيْثَمَة الْبَصْرِيّ، لم تثبت عَدَالَته. قَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِشَيْء.
وبلال بن مرداس الْفَزارِيّ، مَجْهُول الْحَال، روى عَنهُ عبد الْأَعْلَى بن عَامر، وَالسُّديّ.
وَعبد الْأَعْلَى بن عَامر ضَعِيف.
وَالْعجب من التِّرْمِذِيّ، فَإِنَّهُ أورد الحَدِيث من رِوَايَة إِسْرَائِيل، عَن عبد الْأَعْلَى بن عَامر هَكَذَا: حَدثنَا هناد، حَدثنَا وَكِيع، عَن إِسْرَائِيل، عَن عبد الْأَعْلَى، عَن بِلَال بن أبي مُوسَى، عَن أنس بن مَالك، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من سَأَلَ الْقَضَاء وكل إِلَى نَفسه، وَمن أجبر عَلَيْهِ، ينزل عَلَيْهِ ملك فيسدده ".
ثمَّ قَالَ فِي رِوَايَة أبي عوَانَة الْمُتَقَدّمَة: إِنَّهَا أصح من رِوَايَة / إِسْرَائِيل. انْتهى قَوْله.
وَإِسْرَائِيل أحد الْحفاظ، وَلَوْلَا ضعف عبد الْأَعْلَى، كَانَ هَذَا الطَّرِيق خيرا(3/547)
من طَرِيق أبي عوَانَة، الَّذِي فِيهِ خَيْثَمَة وبلال بن مرداس.
(1326) وَقد تقدم لَهُ تَضْعِيف عبد الْأَعْلَى، فِي حَدِيث عَليّ، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَمر رجلا صلى إِلَى رجل أَن يُعِيد ".
(1327) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا، عَن عبد الله بن عَمْرو: " لعن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الراشي والمرتشي ".
وَصَححهُ، ثمَّ قَالَ: زَاد الْبَزَّار من حَدِيث ثَوْبَان: " والرائش ".
ثمَّ قَالَ: وَحَدِيث التِّرْمِذِيّ أصح إِسْنَادًا.
كَذَا قَالَ، وَلَيْسَ هَذَا القَوْل بِشَيْء، فَإِن حَدِيث التِّرْمِذِيّ صَحِيح، وَحَدِيث الْبَزَّار ضَعِيف الْبَتَّةَ، فَلَا يَنْبَغِي أَن يفاضل بَينهمَا إِلَّا لَو اجْتمعَا فِي الصِّحَّة.
وَالْمَقْصُود الْآن إِنَّمَا هُوَ بَيَان مَا أجمل من ضعف حَدِيث الْبَزَّار، إِن كَانَ هَذَا مِنْهُ تضعيفا لَهُ، وَهُوَ الظَّن بِهِ.
قَالَ الْبَزَّار: حَدثنَا أَبُو كَامِل، قَالَ: حَدثنَا عبد الْوَاحِد بن زِيَاد، عَن لَيْث، عَن أبي زرْعَة، عَن أبي إِدْرِيس، عَن ثَوْبَان، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لعن الراشي والمرتشي، والرائش ".(3/548)
قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ يرْوى عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - / من وَجه من الْوُجُوه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، فَلذَلِك كتبناه، وَبينا أَنه عَن لَيْث [بن أبي سليم، عَن أبي زرْعَة، عَن أبي إِدْرِيس.
وَقد أَدخل دَاوُد بن علبة عَن لَيْث، بَين أبي] زرْعَة وَبَينه رجلا، فَذكره عَن أبي الْخطاب.
وَأَبُو الْخطاب فَلَيْسَ بِمَعْرُوف، إِلَّا أَنه قد روى عَنهُ لَيْث غير حَدِيث، وَإِنَّمَا يكْتب حَدِيثه إِذا لم يحفظ مَا يرْوى إِلَّا عَنهُ. انْتهى كَلَام الْبَزَّار.
وَلَيْث ضَعِيف.
(1328) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن أبي عون، عَن الْحَارِث بن عَمْرو، عَن أنَاس من أهل حمص من أَصْحَاب معَاذ، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما أَرَادَ أَن يبْعَث معَاذًا إِلَى الْيمن، الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: لَا يسند وَلَا يُوجد من وَجه صَحِيح. انْتهى كَلَامه.
وَلم يرمه بسوى الْإِرْسَال، فَانْظُر علته فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي لم يعبها بسوى الْإِرْسَال.
(1329) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن أبي صرمة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -(3/549)
قَالَ: " من ضار ضار الله بِهِ، وَمن شاق شاق الله عَلَيْهِ ".
قَالَ فِيهِ: حسن غَرِيب.
وَلم يبين لم لَا يَصح، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ حَدِيث يرويهِ مُحَمَّد بن يحيى بن حبَان، عَن لؤلؤة، عَن أبي صرمة.
ولؤلؤة هَذِه لَا تعرف إِلَّا فِيهِ، وَلَا يعرف روى عَنْهَا غير مُحَمَّد بن يحيى بن حبَان، فَهِيَ مَجْهُولَة الْحَال.
وللاختلاف فِي أَحَادِيث المساتير - وَالله أعلم - حسنه.
وَعِنْدِي أَنه ضَعِيف، فَإِن ذَلِك إِنَّمَا يتَحَقَّق فِيمَن روى عَنهُ أَكثر من وَاحِد، فَأَما من لم يرو عَنهُ إِلَّا وَاحِد فَلَا يقبل خَبره، وَمَا أَرَاهُم يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِك.
(1330) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن مُحَمَّد بن الْحسن، قَالَ: حَدثنَا أَبُو حنيفَة، عَن هَيْثَم الصَّيْرَفِي - وَهُوَ ابْن حبيب، وَهُوَ ثِقَة - عَن الشّعبِيّ، عَن جَابر، أَن رجلَيْنِ اخْتَصمَا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي نَاقَة. الحَدِيث.(3/550)
وَلم يقل إثره شَيْئا، إِلَّا أَنه أبرز من إِسْنَاده مَا ذَكرْنَاهُ، وَلم يذكر من دون مُحَمَّد بن الْحسن، فَأرَاهُ عِنْده ضَعِيفا، بِضعْف أبي حنيفَة وَصَاحبه مُحَمَّد ابْن الْحسن.
وَيَرْوِيه عَن مُحَمَّد بن الْحسن، زيد بن / نعيم وَهُوَ / رجل لَا يعرف حَاله.
وَقد ذكره أَبُو بكر بن ثَابت الْخَطِيب، فَلم يزدْ فِي ذكره إِيَّاه على مَا أَخذ من هَذَا الْإِسْنَاد، فَإِنَّهُ قَالَ: " روى عَن مُحَمَّد بن الْحسن صَاحب أبي حنيفَة، روى عَنهُ أَبُو إِسْمَاعِيل البطيخي.
ثمَّ أورد الحَدِيث بذلك فَقَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الْملك الْقرشِي، حَدثنَا عَليّ بن عمر الْحَافِظ - هُوَ الدَّارَقُطْنِيّ - حَدثنَا الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل [وَمُحَمّد بن جَعْفَر المطيري، وَأحمد بن عِيسَى الْخَواص، قَالُوا: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله ابْن إِسْمَاعِيل] بن مَنْصُور، أَبُو إِسْمَاعِيل الْفَقِيه، حَدثنَا زيد بن نعيم بِبَغْدَاد، حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحسن، بِحَدِيث ذكره. انْتهى مَا ذكره الْخَطِيب.
وَهَذَا هُوَ إِسْنَاد الحَدِيث الْمَذْكُور بِعَيْنِه عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ.
وَأَبُو إِسْمَاعِيل الْفَقِيه، هُوَ مُحَمَّد بن عبد الله بن مَنْصُور الشَّيْبَانِيّ، الْمَعْرُوف بالبطيخي، صَاحب الرَّأْي، وَهُوَ ثِقَة، قَالَه الدَّارَقُطْنِيّ.
وَقَالَ ابْن قَانِع: مَاتَ سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ.(3/551)
(1331) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد من المراسل، عَن عبد ربه بن الحكم أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لما حاصر أهل الطَّائِف خرج إِلَيْهِ أرقاء من أرقائها، فأسلموا فَأعْتقهُمْ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ". الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: هَذَا مُرْسل، وَلَيْسَ إِسْنَاده بِقَوي. انْتهى قَوْله.
وَعبد ربه بن الحكم لَا تعرف حَاله، وَلَا يعرف روى عَنهُ إِلَّا الَّذِي روى عَنهُ هَذَا الْمُرْسل.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد، قَالَ: حَدثنَا إِسْحَاق بن عِيسَى أَبُو هَاشم، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الطَّائِفِي، عَن عبد ربه بن الحكم. فَذكره.
وَعبد الله بن عبد الرَّحْمَن الطَّائِفِي روى عَنهُ جمَاعَة، كمروان الْفَزارِيّ، وَأبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، وَأبي أَحْمد الزبيرِي.
وَقَالَ ابْن أبي خَيْثَمَة: سَأَلت ابْن معِين عَنهُ فَقَالَ: صَالح.
وَحكى التِّرْمِذِيّ عَن البُخَارِيّ أَنه قَالَ فِيهِ: مقارب الحَدِيث.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِقَوي، لين الحَدِيث، بَابه طَلْحَة بن عَمْرو،(3/552)
وَعَمْرو بن رَاشد، وَعبد الله بن المؤمل.
(1332) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن ابْن عَبَّاس، جَاءَ رجل بأَخيه، فَقَالَ / يَا رَسُول الله، إِنِّي أُرِيد أَن أعتق أخي هَذَا، فَقَالَ: " إِن الله قد أعْتقهُ حِين ملكته ".
ثمَّ قَالَ: لَا يَصح من أجل ضعف الْإِسْنَاد.
كَذَا قَالَ، وَلم يبين علته، وَهُوَ من أَضْعَف مَا يرْوى، فَإِنَّهُ من رِوَايَة أَشْعَث بن عطاف، عَن الْعَرْزَمِي، عَن أبي النَّضر، عَن أبي صَالح، عَن ابْن عَبَّاس.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ بعد أَن ذكره: الْعَرْزَمِي تَركه ابْن الْمُبَارك، وَابْن مهْدي، وَيحيى الْقطَّان.
وَأَبُو النَّضر: مُحَمَّد بن السَّائِب الْكَلْبِيّ، مَتْرُوك أَيْضا، وَهُوَ الْقَائِل: كل مَا حدثت عَن أبي صَالح كذب.
(1333) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا، عَن عبد الْملك بن أبي سُلَيْمَان، عَن عَطاء، عَن جَابر، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا بَأْس بِبيع(3/553)
خدمَة الْمُدبر ".
وَقَالَ: الصَّوَاب مُرْسل.
وَقد بَينا مَا فِي هَذَا، فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها بِمَا لم يضعف بِهِ غَيرهَا.
وَعبد الْملك بن أبي سُلَيْمَان الْعَرْزَمِي هَذَا ثِقَة، بِخِلَاف الْمُتَقَدّم الذّكر، وَهُوَ ابْن أَخِيه.
(1334) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا عَن ابْن عمر، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْمُدبر لَا يُبَاع وَلَا يُوهب، وَهُوَ حر من الثُّلُث " /.
ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده ضَعِيف، وَالصَّحِيح مَوْقُوف.
هَكَذَا أجمل علته، وَهُوَ من رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة: عَمْرو بن عبد الْجَبَّار الْجَزرِي - وَهُوَ مَجْهُول الْحَال - عَن عَمه عُبَيْدَة بن حسان - وَهُوَ مُنكر الحَدِيث - عَن أَيُّوب، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر.
رَوَاهُ حَمَّاد بن زيد، عَن أَيُّوب، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر من قَوْله.
وَهُوَ الصَّحِيح، لثقة حَمَّاد وَضعف رَاوِيه عَمْرو بن عبد الْجَبَّار.(3/554)
(1335) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن خطاب بن صَالح، مولى الْأَنْصَار، عَن أمه، عَن سَلامَة بنت معقل، امْرَأَة من خَارِجَة قيس عيلان، الحَدِيث فِي الْعتْق.
وَضَعفه وَلم يبين علته، وَهِي الْجَهْل بأحوال هَؤُلَاءِ الْمُسلمين كلهم.
وَقد / تصحف فِي هَذَا الحَدِيث - فِيمَا رَأَيْت من النّسخ - الْحباب بن عَمْرو، بِمَا ذَكرْنَاهُ فِي بَاب تغير الْأَسْمَاء.
(1336) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يَمِين فِي غضب وَلَا طَلَاق، وَلَا عتق فِيمَا لَا يملك ".
ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده ضَعِيف.
كَذَا ذكره وَلم يبين علته، وَهُوَ حَدِيث ذكره الدَّارَقُطْنِيّ كَمَا ذكر، فاختصر أَبُو مُحَمَّد مَتنه.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل، حَدثنَا أَحْمد بن مَنْصُور زاج، حَدثنَا عمر بن يُونُس، حَدثنَا سُلَيْمَان بن أبي سُلَيْمَان، عَن يحيى بن أبي كثير، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا نذر إِلَّا(3/555)
فِيمَا أطيع الله، وَلَا يَمِين فِي غضب، وَلَا طَلَاق وَلَا عتاق فِيمَا لَا يملك ".
سُلَيْمَان بن أبي سُلَيْمَان، شيخ ضَعِيف الحَدِيث، قَالَه أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ.
(1337) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد من المراسل، عَن أبي الزَّاهِرِيَّة، وَرَاشِد بن سعد: أَهْدَت امْرَأَة إِلَى عَائِشَة تَمرا، فَأكلت وَبقيت تمرات، فَقَالَت المراة: أَقْسَمت عَلَيْك أَلا أَكلته كُله، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن الْإِثْم على المحنث ".
قَالَ: وَوَصله الدَّارَقُطْنِيّ عَنْهُمَا عَن عَائِشَة، وَلَا يَصح.
وَرَوَاهُ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِمَعْنَاهُ، وَلَا يَصح أَيْضا.
كَذَا ذكرهمَا وَلم يبين لَهما عِلّة.
فَأَما الْمُرْسل فَإِنَّهُ عِنْد أبي دَاوُد هَكَذَا: حَدثنَا هَارُون بن عباد الْأَزْدِيّ، قَالَ: حَدثنَا حجاج، عَن لَيْث بن سعد، عَن مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن أبي الزَّاهِرِيَّة وَرَاشِد بن سعد، فَذَكَرَاهُ.
حجاج هَذَا، هُوَ ابْن سُلَيْمَان، يروي عَن اللَّيْث، روى عَنهُ مُحَمَّد بن سَلمَة الْمرَادِي.
قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: شيخ مَعْرُوف.(3/556)
وَأما حَدِيث الدَّارَقُطْنِيّ الْمُتَّصِل، فَقَالَ: حَدثنَا الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل، حَدثنَا الصغاني، حَدثنَا أَحْمد بن أبي الطّيب، حَدثنَا ابْن وهب، أَخْبرنِي مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن أبي الزَّاهِرِيَّة وَرَاشِد بن سعد، عَن عَائِشَة / فَذَكرته.
أَحْمد بن أبي الطّيب لَا أعلم لَهُ حَالا.
(1338) فَأَما حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِمَعْنَاهُ، فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا عَليّ ابْن الْحسن بن هَارُون بن رستم، حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الْملك الدقيقي، حَدثنَا يزِيد بن هَارُون، حَدثنَا بَقِيَّة، حَدثنَا إِسْحَاق بن مَالك الْحَضْرَمِيّ، عَن عِكْرِمَة، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من حلف على أحد بِيَمِين، وَهُوَ يرى أَنه سيبره فَلم يفعل، فَإِنَّمَا إثمه على من لم يبره ".
إِسْحَاق بن مَالك هَذَا لَا يعرف حَاله، وَبَقِيَّة غير مَقْبُول الرِّوَايَة، لَا سِيمَا عَمَّن لَا يعرف.
(1339) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع وَأبي / أُمَامَة،(3/557)
قَالَا: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَيْسَ على مقهور يَمِين ".
ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده ضَعِيف، فِيهِ هياج بن بسطَام وَغَيره.
كَذَا قَالَ فِي تَعْلِيله، وَهُوَ حَدِيث فِيهِ جمَاعَة من الضُّعَفَاء.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا أَبُو بكر: مُحَمَّد بن الْحسن الْمُقْرِئ، حَدثنَا الْحُسَيْن ابْن إِدْرِيس، حَدثنَا خَالِد بن الْهياج، حَدثنَا أبي، عَن عَنْبَسَة بن عبد الرَّحْمَن، عَن الْعَلَاء عَن مَكْحُول، عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع وَعَن أبي أُمَامَة، فَذَكَرَاهُ.
هياج بن بسطَام هَذَا الَّذِي عين أَبُو مُحَمَّد بِالذكر، أقرب إِلَى السَّلامَة مِمَّن ترك ذكره مِنْهُم، وَذَلِكَ أَنه لَا يتهم بِوَضْع الْأَحَادِيث وَإِن كَانَ ضَعِيفا.
قَالَ أَبُو حَاتِم: " لَا يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ ".
وَقَالَ ابْن معِين: " لَيْسَ بِشَيْء، ضَعِيف الحَدِيث ".
وَابْنه خَالِد بن هياج لَا تعرف حَاله، وروى عَنهُ الْحُسَيْن بن إِدْرِيس أَحَادِيث أنْكرت عَلَيْهِ لَا أصل لَهَا، مِنْهَا هَذَا الحَدِيث.
فَأَما عَنْبَسَة بن عبد الرَّحْمَن الْقرشِي، فَمِمَّنْ يضع الحَدِيث، ونسأل الله الْعَافِيَة.
وَأَبُو بكر مُحَمَّد بن الْحسن الْمُقْرِئ - هُوَ النقاش، صَاحب التَّفْسِير - هُوَ أَيْضا كَذَلِك مِمَّن رمي بِالْكَذِبِ فِي حَدِيثه.(3/558)
فَهَذَا تَفْسِير مَا أجمل من أَمر هَذَا الحَدِيث.
(1340) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن سُوَيْد / بن حَنْظَلَة قَالَ: خرجنَا نُرِيد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ومعنا وَائِل بن حجر، فَأَخذه عَدو لَهُ، فتحزج الْقَوْم أَن يحلفوا، وَحلفت: إِنَّه أخي، فخلى سَبيله، فأتينا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَخْبَرته، فَقَالَ: " صدقت، الْمُسلم أَخُو الْمُسلم ".
ثمَّ قَالَ: أصح إِسْنَادًا من هَذَا، حَدِيث خرجه مُسلم.
(1341) يَعْنِي قَول إِبْرَاهِيم لسارة: " إِنَّهَا أُخْته ".
هَذَا نَص مَا أورد عقبه، فَإِن كَانَ تضعيفا لَهُ فقد أجمل علته.
وَهُوَ الظَّن بِهِ أَنه لَا يصحح مثله، فَإِنَّهُ من رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن عبد الْأَعْلَى، عَن جدته، عَن أَبِيهَا سُوَيْد بن حَنْظَلَة، وَهَذِه الْمَرْأَة لَا تعرف لَهَا حَال.
(1342) وَذكر من طَرِيق الطَّحَاوِيّ، زِيَادَة فِي حَدِيث عَائِشَة، الَّذِي هُوَ: " من نذر أَن يُطِيع الله فليطعه، وَمن نذر أَن يَعْصِي الله فَلَا يَعْصِهِ وليكفر يَمِينه ".
ثمَّ قَالَ: هَكَذَا عِنْد أبي دَاوُد فِي هَذَا الحَدِيث، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا نذر فِي مَعْصِيّة وكفارته كَفَّارَة يَمِين ".(3/559)
ثمَّ قَالَ: حَدِيث الطَّحَاوِيّ أحسن إِسْنَادًا وَأَصَح.
وَلم يبين عِلّة حَدِيث أبي دَاوُد، وَهِي أَن الزُّهْرِيّ لم يسمعهُ من أبي سَلمَة، رَاوِيه عَن أبي هُرَيْرَة.
وَإِنَّمَا أَخذه الزُّهْرِيّ عَن سُلَيْمَان بن أَرقم، وَسليمَان بن أَرقم عَن يحيى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة.
وَبَيَان ذَلِك فِي كتاب أبي دَاوُد.
وَقَالَهُ أَيْضا البُخَارِيّ وَغَيره.
وَسليمَان بن أَرقم مَتْرُوك.
(1343) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، من حَدِيث الْوَلِيد بن سَلمَة، - مؤدب الْمَأْمُون - عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن يحيى بن أبي كثير، عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا نذر فِي غيظ ".
ثمَّ قَالَ: حَدِيث غير مَحْفُوظ.
كَذَا أجمل علته، وَهِي أَن هَذَا الرجل الَّذِي هُوَ الْوَلِيد بن سَلمَة، عَامَّة مَا يرويهِ لَا يُتَابع عَلَيْهِ.
(1344) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد فِي الْقسَامَة، عَن عبد الرَّحْمَن بن(3/560)
بجيد، أَن الْيَهُود كتبُوا: " يحلفُونَ بِاللَّه خمسين يَمِينا مَا قَتَلْنَاهُ " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ بإثره: الصَّحِيح الْمَشْهُور أَن الْيَهُود لم يحلفوا.
كَذَا قَالَ: وَلم يبين علته، وَهِي أَن أَبَا دَاوُد / يرويهِ / عَن عبد الْعَزِيز بن يحيى، عَن مُحَمَّد بن سَلمَة، عَن ابْن إِسْحَاق، عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث، عَن عبد الرَّحْمَن بن بجيد.
وَعبد الرَّحْمَن بن بجيد هَذَا، قد صحّح التِّرْمِذِيّ من رِوَايَته حَدِيث:
(1345) " ردوا السَّائِل وَلَو بظلف محرق ".
وَلما ذكر قَاسم بن أصبغ حَدِيثه هَذَا، قَالَ فِيهِ: عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث التَّيْمِيّ، وَهُوَ رَاوِيه عَن عبد الرَّحْمَن بن بجيد، وَايْم الله مَا كَانَ سهل بِأَكْثَرَ علما مِنْهُ وَلكنه كَانَ أسن مِنْهُ، فَذكر الحَدِيث.
فَإِذن، إِنَّمَا عِلّة هَذَا الحَدِيث إِمَّا ابْن إِسْحَاق، وَإِمَّا عبد الْعَزِيز بن يحيى الْحَرَّانِي أَبُو الْأَصْبَغ، فَإِنَّهُ لَا يُتَابع.
وإعلال الحَدِيث بهما أَو بِأَحَدِهِمَا، لَيْسَ على أصل أبي مُحَمَّد، فقد عهد لَا يرد روايتهما.(3/561)
(1346) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من قتل مُتَعَمدا دفع إِلَى أَوْلِيَاء الْمَقْتُول " الحَدِيث.
وَقَالَ فِيهِ: حسن غَرِيب.
وَأرَاهُ لم يُصَحِّحهُ لكَونه من رِوَايَة سُلَيْمَان بن مُوسَى، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، وَذَلِكَ يُنَاقض مَا عهد مِنْهُ من تَصْحِيحه أَحَادِيث سُلَيْمَان وَأَحَادِيث عَمْرو، عَن أَبِيه، عَن جده، وَيَرْوِيه عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى مُحَمَّد بن رَاشد.(3/562)
(1347) وَبعده حَدِيث فِي شرح الدِّيَة مِمَّا هِيَ، وَفِي أَي شَيْء هِيَ؟ بِهَذَا الْإِسْنَاد سكت عَنهُ، [وَحَدِيث آخر بعده سكت عَنهُ] أَيْضا كَذَلِك.
وَحكم جَمِيعهَا وَاحِد، وَإِنَّمَا اكْتفى من القَوْل فِيهَا بِمَا أبرز من أسانيدها.
(1348) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن ابْن مَسْعُود حَدِيث: " تخميس الدِّيَة، بِذكر عشْرين من بني مَخَاض ذُكُور ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا من حَدِيث الْحجَّاج بن أَرْطَاة، عَن زيد بن جُبَير، عَن خشف بن مَالك، عَن عبد الله بن مَسْعُود، وَهُوَ إِسْنَاد ضَعِيف.
كَذَا أجمل أمره.
وخشف لم يرو عَنهُ إِلَّا زيد بن جُبَير، وَالْحجاج ضَعِيف مُدَلّس.
وَقد تولى الدَّارَقُطْنِيّ تَضْعِيف هَذَا الحَدِيث بِبَيَان شاف، فاعلمه.
(1349) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عَبَّاس، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -(3/563)
" ودى الْعَامِرِيين بدية الْمُسلمين " الحَدِيث.
وَقَالَ فِيهِ: حسن غَرِيب.
وَلم يبين لم لَا / يَصح.
وَعِنْدِي أَنه ضَعِيف، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يرويهِ أَبُو سعد: سعيد بن الْمَرْزُبَان الْبَقَّال - وَهُوَ مِمَّن يتهم بِالْكَذِبِ - يرويهِ عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس.
كَذَا ذكره التِّرْمِذِيّ وَغَيره، فَاعْلَم ذَلِك.
(1350) وَذكر عَن سراقَة بن مَالك، قَالَ: حضرت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يُقيد الْأَب من ابْنه، وَلَا يُقيد الابْن من أَبِيه ".
(1351) وَعَن عمر قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " لَا يُقَاد الْوَالِد بِالْوَلَدِ ".
(1352) وَعَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تُقَام الْحُدُود فِي الْمَسَاجِد،(3/564)
وَلَا يقتل الْوَالِد بِالْوَلَدِ ".
ثمَّ قَالَ: لَا يَصح مِنْهَا شَيْء، عللها مَذْكُورَة فِي كتاب التِّرْمِذِيّ وَغَيره. انْتهى كَلَامه.
فَاعْلَم أَن حَدِيث سراقَة، من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن الْمثنى بن الصَّباح، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن سراقَة.
وَحَدِيث عمر من رِوَايَة حجاج بن أَرْطَاة، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن عمر.
وَحَدِيث ابْن عَبَّاس من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن مُسلم الْمَكِّيّ، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس.
والمثنى بن الصَّباح، وحجاج بن أَرْطَاة، وَإِسْمَاعِيل بن مُسلم [الْمَكِّيّ] ضعفاء /.
وَإِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن غير الشاميين كَذَلِك، وَهُوَ هَاهُنَا روى عَن الْمثنى ابْن الصَّباح، وَلَيْسَ بشامي.
(1353) وَذكر بعده حَدِيث الَّذِي قتل عَبده " فَضَربهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مائَة " الحَدِيث.
وَقَالَ بعده: إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن غير الشاميين ضَعِيف، وَهَذَا الْإِسْنَاد حجازي.(3/565)
كَذَا قَالَ، وَهُوَ وهم، وَذَلِكَ أَنه من رِوَايَته عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده.
وَالْأَوْزَاعِيّ إِمَام أهل الشَّام، وَقد بيّنت أَمر هَذَا الحَدِيث بَيَانا شافيا فِي بَاب ذكر أَشْيَاء مفترقة تَغَيَّرت فِي نَقله أَو بعده عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ.
(1354) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن الْحسن، عَن قبيصَة بن حُرَيْث، عَن سَلمَة بن المحبق، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " قضى فِي رجل وَقع على جَارِيَة / امْرَأَته إِن كَانَ استكرهها فَهِيَ حرَّة " الحَدِيث.
قَالَ: وَهَذَا لَا يَصح، قَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ فِي هَذَا الْبَاب شَيْء صَحِيح يحْتَج بِهِ.
وَذكر أَبُو عمر هَذَا الحَدِيث وَصَححهُ، وَذكر شهرته عَن الْحسن، وَلم يذكر قبيصَة.
وَإِنَّمَا ضعف الحَدِيث من أجل قبيصَة. انْتهى كَلَامه.
وَلَيْسَ فِيهِ بَيَان أَمر قبيصَة، وَهُوَ رجل لَا تعرف لَهُ حَال، وَلَا يعرف روى عَنهُ غير الْحسن.(3/566)
(1355) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار عَن عَليّ بن أبي طَالب، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " قطع فِي بَيْضَة من حَدِيد، قيمتهَا أحد وَعِشْرُونَ درهما ".
قَالَ: وَإِسْنَاده ضَعِيف، فِيهِ الْمُخْتَار بن نَافِع وَغَيره. انْتهى مَا ذكر.
وَهُوَ إِجْمَال لتعليله، وَإِسْنَاده عِنْد البزارهكذا: حَدثنَا مُحَمَّد بن مَرْزُوق قَالَ: حَدثنَا سهل بن حَمَّاد، أَبُو عتاب، قَالَ: حَدثنَا الْمُخْتَار بن نَافِع، عَن أبي حَيَّان التَّيْمِيّ، عَن أَبِيه، عَن عَليّ بن أبي طَالب، فَذكره.
قَالَ الْبَزَّار: هَكَذَا حَدثنَا بِهِ مُحَمَّد بن مَرْزُوق، عَن أبي عتاب، عَن الْمُخْتَار، عَن أبي حَيَّان، عَن أَبِيه، عَن عَليّ.
وَرَوَاهُ غَيره عَن الْمُخْتَار، عَن أبي مطر، عَن عَليّ. انْتهى كَلَامه.
فَأَما كَلَام أبي مُحَمَّد فَفِيهِ مجازفة، وَذَلِكَ فِي قَوْله: " وَغَيره " فَإِن الْإِسْنَاد على مذْهبه لَا نظر فِيهِ إِلَّا فِي الْمُخْتَار بن نَافِع، فَإِنَّهُ شيخ مُنكر الحَدِيث.
فَأَما وَالِد أبي حَيَّان، فَلَا يَنْبَغِي لَهُ هُوَ أَن يعل الحَدِيث بِهِ، إِلَّا أَن يكون قد رَجَعَ إِلَى الصَّوَاب.
(1356) وَذَلِكَ أَنه قد تقدم لَهُ فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن الله تَعَالَى يَقُول: أَنا ثَالِث الشَّرِيكَيْنِ " الحَدِيث.(3/567)
وَسكت عَنهُ، مصححا لَهُ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة أبي حَيَّان، عَن أَبِيه، فَهُوَ إِذن صَحِيح عِنْده كَسَائِر مَا يسكت عَنهُ.
هَذَا مَا أخبر بِهِ عَن نَفسه.
وَالرجل الْمَذْكُور لَا تعرف لَهُ حَال فَإِذا لم يباله هُنَاكَ، فَيَنْبَغِي [لَهُ] أَن لَا يباليه هُنَا.
وَأما أَبُو عتاب: سهل بن حَمَّاد، فَإِنَّهُ لَا بَأْس بِهِ، قَالَه ابْن حَنْبَل.
وَقَالَ الرازيان: " صَالح الحَدِيث "، وَلَا يضرّهُ أَن لم يعرفهُ ابْن معِين.
وَمُحَمّد بن مَرْزُوق ثِقَة.
فَإِذن لم يبْق فِي الْإِسْنَاد من يعل بِهِ إِلَّا الْمُخْتَار / بن نَافِع، وَهُوَ مُنكر الحَدِيث، كُوفِي، يكنى أَبَا إِسْحَاق، وَيعرف بالتمار.
فَأَما الطَّرِيق الآخر، الَّذِي هُوَ من رِوَايَة أبي مطر عَن أبي هُرَيْرَة، فَإِنَّهُ لَا يكون معنيه، فَإِن الْإِسْنَاد لَيْسَ بموصل إِلَيْهِ عِنْد الْبَزَّار.
وَهُوَ أَيْضا رجل مَجْهُول لَا يعرف حَاله وَلَا اسْمه، فَاعْلَم ذَلِك.
(1357) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ، عَن صَفْوَان بن أُميَّة، قَالَ: " كنت نَائِما فِي الْمَسْجِد على خميصة لي، ثمنهَا ثَلَاثِينَ درهما، فجَاء رجل(3/568)
فاختلسها " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: رَوَاهُ سماك بن حَرْب، عَن حميد ابْن أُخْت صَفْوَان، عَن صَفْوَان.
[وَعبد الْملك بن أبي بشير، عَن عِكْرِمَة، عَن صَفْوَان، وَأَشْعَث بن برَاز، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: كَانَ صَفْوَان نَائِما فِي الْمَسْجِد.
وَرَوَاهُ عَمْرو بن دِينَار، عَن طَاوس، عَن صَفْوَان.
ذكر هَذِه الطّرق النَّسَائِيّ.
وَرَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ، عَن ابْن شهَاب، عَن صَفْوَان بن عبد الله بن صَفْوَان، أَن صَفْوَان بن أُميَّة.
وَقد رُوِيَ من غير هَذَا الْوَجْه، وَلَا أعلمهُ يتَّصل من وَجه يحْتَج بِهِ. انْتهى مَا ذكر.
وَلم يتَبَيَّن بِهِ علته، وَفِيه وهم بَين، وَهُوَ تَفْسِيره أَشْعَث بِأَنَّهُ ابْن برَاز.
وَفِيه إِيهَام ضعف من لَيْسَ بضعيف.
فلنبين جَمِيع هَذَا فَنَقُول: أما الْإِسْنَاد الَّذِي رَوَاهُ سماك بن حَرْب، عَن حميد بن أُخْت صَفْوَان، عَن صَفْوَان] ,
فضعفه بَين بحميد الْمَذْكُور، فَإِنَّهُ لَا يعرف فِي غير هَذَا، وَقد ذكره ابْن أبي حَاتِم بذلك وَلم يزدْ عَلَيْهِ.
وَذكره البُخَارِيّ، فَقَالَ: إِنَّه حميد بن حُجَيْر / ابْن أُخْت صَفْوَان بن أُميَّة،(3/569)
ثمَّ سَاق لَهُ هَذَا الحَدِيث.
وصحف فِيهِ زَائِدَة فَقَالَ: جعيد بن حُجَيْر، وَهُوَ كَمَا قُلْنَا مَجْهُول الْحَال.
وَسماك بن حَرْب، لأبي مُحَمَّد فِيهِ اضْطِرَاب، ستراه إِن شَاءَ الله فِي مَوْضِعه.
وَأما الطَّرِيق الَّتِي فِيهَا عبد الْملك بن أبي بشير، فقد أوهم بقوله: " لَا أعلمهُ يتَّصل من وَجه يحْتَج بِهِ " ضعف عبد الْملك هَذَا، وَهُوَ رجل ثِقَة، وَثَّقَهُ ابْن حبَان، وَالْقطَّان، وَابْن معِين، وَأَبُو زرْعَة، وَقَالَ سُفْيَان: كَانَ شيخ صدق.
وَلَكِن الطَّرِيق الْمَذْكُورَة يُمكن أَن تكون مُنْقَطِعَة، فَإِنَّهَا من / رِوَايَة عبد الْملك الْمَذْكُور، عَن عِكْرِمَة، عَن صَفْوَان بن أُميَّة.
وَعِكْرِمَة لَا أعرف أَنه سمع من صَفْوَان، وَإِنَّمَا يرويهِ عَن ابْن عَبَّاس.
وَمن دون عبد الْملك الْمَذْكُور إِلَى النَّسَائِيّ مخرجه، ثِقَات.
وَأما الطَّرِيق الَّتِي قَالَ: فِيهَا أَشْعَث بن برَاز، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، فقد اعتراه فِيهَا من الْخَطَأ - فِي تَفْسِير أَشْعَث بِأَنَّهُ ابْن برَاز - مَا قد بَيناهُ فِي بَاب نِسْبَة الْأَحَادِيث إِلَى غير رواتها، وأوضحنا كَونه أَشْعَث بن سوار.
وَأما الطَّرِيق الَّتِي فِيهَا عَمْرو بن دِينَار، عَن طَاوس، عَن صَفْوَان، فَيُشبه(3/570)
أَن لَا تكون مُنْقَطِعَة.
قَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر: أما طَاوس فسماعه من صَفْوَان مُمكن؛ لِأَنَّهُ أدْرك زمَان عُثْمَان.
وَذكر يحيى الْقطَّان عَن زُهَيْر، عَن لَيْث، عَن طَاوس، قَالَ: أدْركْت سبعين شَيخا من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
فَأَما قَول الْبَزَّار: إِنَّه رَوَاهُ طَاوس مُرْسلا، فَيُشبه أَن يَقُول ذَلِك لرِوَايَة لم يقل فِيهَا: عَن صَفْوَان، وَالله أعلم.
(1358) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن ابْن عَبَّاس [قَالَ] : قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَيْسَ على العَبْد الْآبِق إِذا سرق قطع، وَلَا على الذِّمِّيّ ".
قَالَ: وَلم يرفعهُ غير فَهد بن سُلَيْمَان، وَالصَّوَاب مَوْقُوف.
قَالَ: وَذكره أَيْضا من حَدِيث عبيد الله بن النُّعْمَان، عَن ابْن عَبَّاس، وَالصَّوَاب مَوْقُوف.
هَذَا الَّذِي ذكر صَوَاب، غير أَنه مُجمل، وَتَفْسِيره هُوَ أَن أَبَا مُحَمَّد: فَهد ابْن سُلَيْمَان النخاس فِي الرَّقِيق، مصري لم تثبت عَدَالَته حَتَّى يحْتَمل لَهُ مَا(3/571)
ينْفَرد بِهِ، وَإِن كَانَ مَشْهُورا، وَهُوَ مولى لقريش.
قَالَ أَبُو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم: كتبت فَوَائده، وَلم يقْض لي السماع مِنْهُ.
وَهُوَ يرويهِ عَن مُوسَى بن دَاوُد، عَن الثَّوْريّ، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس.
وَالنَّاس رَوَوْهُ عَن الثَّوْريّ بِهَذَا الْإِسْنَاد فوقفوه.
مِنْهُم عبد الرَّزَّاق، وَكَذَلِكَ ابْن جريج أَيْضا، رَوَاهُ عَن عَمْرو بن دِينَار فَوَقفهُ، وَلم يتَجَاوَز ابْن عَبَّاس.
وَأما رِوَايَة عبيد الله بن النُّعْمَان، فَإِنَّهَا عَن أبي عَاصِم، عَن ابْن جريج / عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا.
إِلَّا أَن عبيد الله هَذَا لَا تعرف حَاله، فَهَذِهِ حَال هَذَا الْخَبَر.
(1359) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، من حَدِيث ابْن عمر فِي شرب الْخمر " الْقَتْل فِي الْخَامِسَة ".
قَالَ: وَلَا يَصح، وَإِنَّمَا الصَّحِيح فِي الرَّابِعَة.
وَلم يبين علته، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ حَمَّاد بن سَلمَة، عَن حميد بن يزِيد،(3/572)
عَن نَافِع، عَن ابْن عمر.
وَحميد بن يزِيد أَبُو الْخطاب، مَجْهُول الْحَال، وَلَا يعرف روى عَنهُ إِلَّا حَمَّاد بن سَلمَة.
(1360) وَذكر من طَرِيق أبي الرمداء، " فِي ضرب عنق الشَّارِب فِي الْخَامِسَة ".
وَقد ذَكرْنَاهُ وَبينا علته فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة وَهِي مُنْقَطِعَة.
(1361) وَذكر من طَرِيق عبد الرَّزَّاق، عَن إِبْرَاهِيم، عَن دَاوُد بن الْحصين، عَن أبي سُفْيَان، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من قَالَ لرجل من الْأَنْصَار: يَا يَهُودِيّ، فَاضْرِبُوهُ عشْرين ".
ثمَّ قَالَ فِيهِ: مُرْسل وَضَعِيف جدا.
وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَلكنه لم يبين / علته.
فَأَما إرْسَاله فَبين، وَأما ضعفه فَمن أجل إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور، فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن أبي حَبِيبَة، وَهُوَ ضَعِيف.(3/573)
(1362) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن جَابر قَالَ: " نهينَا عَن صيد كلب الْمَجُوسِيّ ".
ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده ضَعِيف.
وَلم يبين علته، وَهُوَ من رِوَايَة وَكِيع، عَن شريك، عَن الْحجَّاج، عَن الْقَاسِم بن أبي بزَّة، عَن سُلَيْمَان الْيَشْكُرِي، عَن جَابر.
وحجاج هُوَ ابْن أَرْطَاة، وَشريك هُوَ ابْن عبد الله القَاضِي، وَقد تقدم القَوْل فيهمَا.
(1363) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث خَالِد بن الْوَلِيد، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " حرَام عَلَيْكُم لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة وخيلها وبغالها ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا يرويهِ صَالح بن يحيى بن الْمِقْدَام، عَن جده الْمِقْدَام، عَن خَالِد.
وَلَا تقوم بِهِ حجَّة لضعف إِسْنَاده، ذكر ذَلِك أَبُو عمر بن عبد الْبر.
كَذَا قَالَ، وَلم يبين علته، وَهِي أَن صَالحا الْمَذْكُور لم تثبت عَدَالَته.
وَقَالَ البُخَارِيّ: فِيهِ نظر.
وروى عَنهُ ثَوْر بن يزِيد وَأَبُو سَلمَة سُلَيْمَان بن سليم، رَاوِي هَذَا(3/574)
الحَدِيث عَنهُ /.
وَأَبُو سَلمَة هَذَا ثِقَة.
(1364) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن إِسْمَاعِيل بن مُسلم - هُوَ الْمَكِّيّ - عَن عبد الْكَرِيم بن أبي الْمخَارِق، عَن حبَان، بن جزي، عَن أَخِيه خُزَيْمَة بن جزي، سَأَلت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن أكل الضبع، فَقَالَ: " أَو يَأْكُل الضبع أحد؟ وَسَأَلته عَن أكل الذِّئْب، فَقَالَ: أَو يَأْكُل الذِّئْب أحد فِيهِ خير؟ ".
ثمَّ قَالَ: ضعف أَبُو عِيسَى هَذَا الْإِسْنَاد.
هَذَا مَا ذكر، وَلم يبين علته، إِلَّا أَنه اكْتفى بِمَا أبرز من إِسْنَاده.
وَقد ضعفه التِّرْمِذِيّ بِعَبْد الْكَرِيم، وَترك بَيَان أَمر حبَان بن جزي، فَهُوَ مَجْهُول الْحَال. وَهُوَ بِكَسْر الْحَاء، وَأَبوهُ يخْتَلف فِي ضَبطه، فَيُقَال جزي بِفَتْح الْجِيم وَكسر الزَّاي، وَيُقَال بِضَم الْجِيم وَفتح الزَّاي.
(1365) وَقد ذكر هُوَ بعد هَذَا، حَدِيثا آخر فِي أَن " الأرنب تحيض ".
فَقَالَ بإثره: عبد الْكَرِيم بن أبي الْمخَارِق ضَعِيف عِنْد الْجَمِيع.(3/575)
(1366) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن جَابر بن عبد الله، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا أَلْقَاهُ الْبَحْر أَو جزر عَنهُ فكلوه، وَمَا مَاتَ فِيهِ فطفا فَلَا تأكلوه ".
ثمَّ قَالَ: إِنَّمَا يرويهِ الثِّقَات من قَول جَابر، وَإِنَّمَا أسْند من وَجه ضَعِيف: من حَدِيث يحيى بن سليم، عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة، عَن أبي الزبير، عَن جَابر.
وَمن حَدِيث عبد الْعَزِيز بن عبيد الله بن حَمْزَة بن صُهَيْب، وَهُوَ ضَعِيف، لم يروه عَنهُ إِلَّا إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش هَذَا فِيمَا أعلم. انْتهى مَا ذكر.
فَأَقُول: إِسْنَاد يحيى بن سليم، علته أَن النَّاس رَوَوْهُ مَوْقُوفا.
وَإِنَّمَا رَفعه يحيى بن سليم.
وَابْن معِين يوثق يحيى بن سليم وَهُوَ من أهل الصدْق، وَلَكِن فِي حفظه شَيْء، من أجل ذَلِك تكلم فِيهِ غَيره.
وَلما ذكر أَبُو دَاوُد هَذَا الحَدِيث من هَذَا الطَّرِيق، قَالَ: رَوَاهُ الثَّوْريّ، وَحَمَّاد، عَن أبي الزبير، وَقَفاهُ على جَابر.
وَقد أسْند من وَجه ضَعِيف عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن أبي الزبير، عَن جَابر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
والْحَدِيث فِي حالتيه مَوْقُوفا وَمَرْفُوعًا، لَا بُد فِيهِ من أبي الزبير.(3/576)
فَأَبُو مُحَمَّد فِي قَوْله / عَن طَرِيق يحيى بن سليم، عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة: " ضَعِيف "، إِن عَنى بذلك كَونه من رِوَايَة أبي الزبير، لزمَه ذَلِك فِي الْمَوْقُوف، وَإِن عَنى بِهِ ضعف يحيى بن سليم، نَاقض فِيهِ، فكم من حَدِيث قد صحّح من رِوَايَته.
وَلم يُخَالف يحيى بن سليم فِي رَفعه الحَدِيث الْمَذْكُور عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة، إِلَّا من هُوَ دونه، وَهُوَ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، وَأما إِسْمَاعِيل بن أُميَّة فَثِقَة لَا يسْأَل عَن مثله /.
وَأما الطَّرِيق الآخر الَّذِي هُوَ من رِوَايَة عبد الْعَزِيز بن عبيد الله فضعيف، بِضعْف عبد الْعَزِيز، فَاعْلَم ذَلِك.
(1367) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن عَامر، أبي رَملَة، عَن مخنف بن سليم، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يَا أَيهَا النَّاس، إِن على [أهل] كل بَيت فِي كل عَام أضْحِية وعتيرة " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده ضَعِيف.
وَصدق، وَلكنه لم يبين علته، وَهِي الْجَهْل بِحَال عَامر هَذَا، فَإِنَّهُ لَا يعرف إِلَّا بِهَذَا، يرويهِ عَنهُ ابْن عون، وَقد رَوَاهُ أَيْضا عَنهُ ابْنه حبيب بن مخنف،(3/577)
وَهُوَ مَجْهُول أَيْضا كأبيه.
(1368) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن رِفَاعَة بن هرير حَدثنَا أبي، عَن عَائِشَة، قَالَت: قلت: يَا رَسُول الله، أستدين وأضحي؟ قَالَ: " نعم فَإِنَّهُ دين مقضي ".
قَالَ: هَذَا إِسْنَاد ضَعِيف.
كَذَا أوردهُ وَلم يبين علته، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ الدَّارَقُطْنِيّ هَكَذَا: حَدثنَا ابْن مُبشر، حَدثنَا أَحْمد بن سِنَان، حَدثنَا يَعْقُوب بن مُحَمَّد الزُّهْرِيّ، حَدثنَا رِفَاعَة ابْن هرير، حَدثنَا أبي، عَن عَائِشَة، فَذَكرته.
ثمَّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا إِسْنَاد ضَعِيف.
وهرير هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن بن رَافع بن خديج، وَلم يسمع من عَائِشَة، وَلم يُدْرِكهَا.
هَذَا مَا ذكره بِهِ الدَّارَقُطْنِيّ، فَفِيهِ مِنْهُ التَّنْصِيص على انْقِطَاعه، وَلم يعرض لذَلِك أَبُو مُحَمَّد.
وهرير الْمَذْكُور ثِقَة، قَالَه ابْن معِين، لكنه - كَمَا سَمِعت - لم يسمع من عَائِشَة.
وَأما ابْنه رِفَاعَة فَلَا تعرف حَاله.(3/578)
وَيَعْقُوب بن مُحَمَّد الزُّهْرِيّ، قَالَ فِيهِ أَبُو زرْعَة: واهي الحَدِيث.
وَقَالَ ابْن معِين: مَا حَدثكُمْ عَن الشُّيُوخ الثِّقَات فاكتبوه، وَمن لَا / يعرف من شُيُوخه فَدَعوهُ.
وَمن النَّاس من يوثقه.
(1369) وَذكر من المراسل عَن ثَوْر بن يزِيد، عَن الصَّلْت - هُوَ مولى سُوَيْد بن منجوف - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ذَبِيحَة الْمُسلم حَلَال، ذكر اسْم الله [عَلَيْهَا] أَو لم يذكر " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: مُرْسل وَضَعِيف.
وَلم يبين مَا ضعفه، وعلته مَعَ الْإِرْسَال، هِيَ أَن الصَّلْت السدُوسِي لَا تعرف لَهُ حَال، وَلَا يعرف بِغَيْر هَذَا، وَلَا روى عَنهُ إِلَّا ثَوْر بن يزِيد.
(1370) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْمُسلم يَكْفِيهِ اسْمه " الحَدِيث.
(1371) وَعَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " اسْم الله على كل مُسلم ".(3/579)
ثمَّ قَالَ: كلا الْحَدِيثين ضَعِيف.
كَذَا قَالَ، وَلم يزدْ على هَذَا.
أما حَدِيث ابْن عَبَّاس فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل، حَدثنَا أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ، حَدثنَا مُحَمَّد بن يزِيد، حَدثنَا معقل، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، فَذكره.
وَلَيْسَ فِي هَذَا الْإِسْنَاد على أصل أبي مُحَمَّد إِلَّا ثِقَة، إِلَّا مُحَمَّد بن يزِيد - وَهُوَ ابْن سِنَان الرهاوي - أَبُو عبد الله الْجَزرِي روى عَنهُ النَّاس: مِنْهُم أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ، وَمُحَمّد بن مُسلم بن وارة.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: " لَيْسَ بالمتين، هُوَ أَشد غَفلَة من ابْنه، مَعَ أَنه كَانَ رجلا صَالحا صَدُوقًا، لم يكن من أحلاس الحَدِيث، وَكَانَ يرجع إِلَى ستر وَصَلَاح، وَكَانَ النُّفَيْلِي يرضاه ".
وَقَالَ أَبُو أَحْمد: " لَهُ أَحَادِيث لَا يُتَابع عَلَيْهَا ".
فَأَما معقل بن عبيد الله، فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ يضعف فَإِن أَبَا مُحَمَّد يقبله.
وَقد أورد من طَرِيقه أَحَادِيث من عِنْد مُسلم، لم يُنَبه على أَنَّهَا من رِوَايَته، دلّ ذَلِك على أَنه عِنْده حجَّة.
وَأما حَدِيث أبي هُرَيْرَة، [فيرويه مَرْوَان بن سَلام، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن(3/580)
يحيى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة] .
ومروان بن سَالم، هُوَ الْغِفَارِيّ، سكن قرقيسياء من الجزيرة، وَلَيْسَ بِثِقَة، بل هُوَ ضَعِيف، وَلَيْسَ بِمَرْوَان بن سَالم الْمَكِّيّ.
(1372) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - / عَن الْجَنِين: " ذَكَاته ذَكَاة أمه، أشعر أَو لم يشْعر ".
ثمَّ ضعفه بِأَن قَالَ: فِيهِ عِصَام بن يُوسُف، عَن مبارك بن مُجَاهِد / وَالصَّوَاب مَوْقُوف.
لم يبين أَمر عِصَام، وَهُوَ رجل لَا تعرف حَاله، وَأرَاهُ الَّذِي ذكر ابْن أبي حَاتِم، وَلم يعرف من حَاله بِشَيْء، غير أَنه قَالَ فِيهِ: الزَّاهِد.
فَأَما مبارك بن مُجَاهِد، أَبُو الْأَزْهَر الْخُرَاسَانِي، فَقَالَ البُخَارِيّ عَن قُتَيْبَة: كَانَ قدريا وَضَعفه.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مَا أرى بحَديثه [بَأْسا] .
(1373) وَذكر أَيْضا أَن الدَّارَقُطْنِيّ خرج فِي ذَكَاة الْجَنِين عَن أبي هُرَيْرَة،(3/581)
وَابْن عَبَّاس، وَعلي.
وَلَا يحْتَج بأسانيدها كلهَا، وَلم يبين عللها.
فَأَما حَدِيث عَليّ، فَمن رِوَايَة مُوسَى بن عُثْمَان الْكِنْدِيّ، عَن أبي إِسْحَاق، عَن الْحَارِث، عَنهُ.
والْحَارث من قد علم، ومُوسَى هَذَا مَجْهُول.
فَأَما مُوسَى بن عُثْمَان الْحَضْرَمِيّ الَّذِي يرويهِ أَيْضا عَن أبي إِسْحَاق كَذَلِك، فمتروك، وَلَيْسَ بالكندي الْمَذْكُور.
وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس، فيرويه أَيْضا مُوسَى الْمَذْكُور، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عِكْرِمَة عَنهُ.
وَأما حَدِيث أبي هُرَيْرَة، فيرويه عمر بن قيس، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَعمر بن قيس، هُوَ سندل، مَتْرُوك.
(1374) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، حَدِيث أبي العشراء، عَن أَبِيه أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله، أما تكون الذَّكَاة إِلَّا فِي الْحلق واللبة؟ الحَدِيث.
وَقَالَ عَن أبي دَاوُد: لم يَصح.
وعلته هِيَ أَن أَبَا العشراء لَا تعرف حَاله، وَلَا يعرف لَهُ وَلَا لِأَبِيهِ إِلَّا هَذَا(3/582)
الحَدِيث، وَلَا يعرف روى عَنهُ إِلَّا حَمَّاد بن سَلمَة، وَاخْتلف فِي اسْمه وَاسم أَبِيه، وَذَلِكَ كُله مَعْرُوف فِي مظان وجوده.
(1375) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن أبي وَاقد، قَالَ: قدم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمَدِينَة وهم يجبونَ أسنمة الْإِبِل. الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ فِيهِ: حسن غَرِيب.
وَلم يبين لم لَا يَصح، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ عِنْد التِّرْمِذِيّ هَكَذَا: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيّ، حَدثنَا سَلمَة بن رَجَاء، حَدثنَا عبد الرَّحْمَن / بن عبد الله ابْن دِينَار، [عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي وَاقد، فَذكره.
وَعبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن دِينَار] يضعف، وَإِن كَانَ البُخَارِيّ قد أخرج لَهُ.
وَقد رَأَيْت أَبَا مُحَمَّد ذكر هَذَا الحَدِيث فِي كِتَابه الْكَبِير بِإِسْنَادِهِ.
(1376) ثمَّ ذكر بعده من عِنْد الْبَزَّار حَدِيث ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِمثل ذَلِك.
من رِوَايَة معن بن عِيسَى، عَن هِشَام بن سعد، عَن زيد بن أسلم، عَن ابْن عمر.
ثمَّ قَالَ: هِشَام بن سعد ضَعِيف، وَعبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن دِينَار أَضْعَف مِنْهُ.(3/583)
(1377) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ أَيْضا، عَن الْعَلَاء بن الْفضل، عَن عبيد الله بن عكراش بن ذُؤَيْب، عَن أَبِيه - وَأكل مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثريدا - فَقَالَ لَهُ: " يَا عكراش كل من مَوضِع وَاحِد " الحَدِيث.
وَفِيه صفة الْوضُوء مِمَّا مست النَّار، وَقَالَ: غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث الْعَلَاء بن الْفضل. انْتهى مَا ذكر.
وَلم يبين علته، وَهِي أَن عبيد الله بن عكراش، هُوَ لَا يعرف بِغَيْر هَذَا.
وَقد قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: مَجْهُول، وَهُوَ كَذَلِك.
وَقَالَ البُخَارِيّ فِي حَدِيثه: لَا يثبت.
والْعَلَاء بن الْفضل بن عبد الْملك بن أبي سوية، أَبُو الْهُذيْل، لَا تعرف حَاله.
(1378) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الطاعم الشاكر، بِمَنْزِلَة الصَّائِم الصابر ".
قَالَ فِيهِ: حسن غَرِيب.
وَلم يبين مَا الَّذِي مَنعه من الصِّحَّة، وَهُوَ يرويهِ مُحَمَّد بن معن الْمدنِي(3/584)
وَهُوَ ثِقَة، عَن أَبِيه معن بن مُحَمَّد الْغِفَارِيّ، وَهُوَ لَا تعرف حَاله، عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة.
وروى عَن معن الْمَذْكُور جمَاعَة: مِنْهُم ابْن جريج، وَعمر بن عَليّ، وَعبد الله بن عبد الله الْأمَوِي، وَابْنه مُحَمَّد بن معن.
(1379) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا، عَن أسلم، عَن عمر بن الْخطاب، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - /: " كلوا الزَّيْت، وادهنوا بِهِ؛ فَإِنَّهُ من شَجَرَة مباركة ".
ثمَّ قَالَ: وصف التِّرْمِذِيّ / الِاضْطِرَاب الَّذِي فِيهِ.
وَالتِّرْمِذِيّ لم يزدْ على أَن قَالَ: إِن عبد الرَّزَّاق كَانَ يضطرب فِيهِ، فَرُبمَا ذكر فِيهِ عَن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَرُبمَا قَالَ: عَن زيد بن أسلم، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا يذكر فِيهِ عَن عمر - يَعْنِي أَنه يَجعله مُرْسلا - فَهَذَا شرح مَا أعله، وَهُوَ لَيْسَ بعلة.
(1380) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن عَائِشَة قَالَت: " كنت آخذ قَبْضَة من تمر، وقبضة من الزَّبِيب، فألقيه فِي إِنَاء " الحَدِيث.
ثمَّ ضعفه، ثمَّ قَالَ: وَله فِيهِ إِسْنَاد آخر.
(1381) وَالصَّحِيح النَّهْي كَمَا ذكر مُسلم. انْتهى كَلَامه.(3/585)
(1382) وَهَذَا الْإِسْنَاد الآخر الَّذِي ذكر أَنه عِنْد أبي دَاوُد، هُوَ هَذَا: حَدثنَا مُسَدّد، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن دَاوُد، عَن مسعر، عَن مُوسَى بن عبد الله، عَن امْرَأَة من بني أَسد، عَن عَائِشَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كَانَ ينْبذ لَهُ زبيب فَيلقى فِيهِ تمر، أَو تمر ويلقى فِيهِ زبيب ".
وَضعف هَذَا بَين بِالْجَهْلِ بِهَذِهِ الْمَرْأَة.
(1383) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن جَابر، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا أسكر كَثِيره فقليله حرَام ".
ثمَّ قَالَ فِيهِ: حسن غَرِيب.
وَلم يبين لم لَا يَصح، وَذَلِكَ أَنه من رِوَايَة دَاوُد بن بكر بن أبي الْفُرَات، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر.
وَدَاوُد وَثَّقَهُ ابْن معِين.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَا بَأْس بِهِ، لَيْسَ بالمتين.
(1384) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار، حَدِيث ابْن عَبَّاس: " حرمت الْخمر بِعَينهَا " الحَدِيث مَوْقُوفا.
وَصَححهُ كَذَلِك، ثمَّ قَالَ: وَقد رُوِيَ مروفوعا عَن أنس عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -،(3/586)
وَفِي إِسْنَاده سعيد بن عمَارَة، عَن الْحَارِث بن النُّعْمَان.
وَمن حَدِيث أبي سعيد، وَفِي إِسْنَاده سوار بن مُصعب، عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ.
وَمن حَدِيث عَليّ، وَفِي إِسْنَاده عبد الرَّحْمَن بن بشر الْغَطَفَانِي.
وأتبعها أَن قَالَ: كلهم بَين ضَعِيف ومجهول.
وَعين عبد الرَّحْمَن بن بشر فَقَالَ فِيهِ: مَجْهُول.
فَاعْلَم أَن سعيد بن عمَارَة مَجْهُول كَذَلِك، والْحَارث بن النُّعْمَان، وسوار ابْن مُصعب، وعطية ضعفاء /.
(1385) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن أنس قَالَ: " لعن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْخمر عشرَة " الحَدِيث. وَقَالَ فِيهِ. غَرِيب.
وَلم يبين لم لَا يَصح، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ من رِوَايَة أبي عَاصِم، عَن شبيب بن بشر، عَن أنس.
وشبيب لم تثبت عَدَالَته.
وَقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: لين الحَدِيث.
(1386) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن ابْن لعطاء بن أبي رَبَاح، عَن(3/587)
أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تشْربُوا نفسا وَاحِدًا كشرب الْبَعِير " الحَدِيث.
وَقَالَ فِيهِ: حَدِيث غَرِيب.
وَلم يبين لم لَا يَصح، وَإِنَّمَا ذَلِك لِأَن ابْن عَطاء هُوَ مَجْهُول.
ودونه يزِيد بن سِنَان، أَبُو فَرْوَة الْجَزرِي، وَهُوَ ضَعِيف.
(1387) وَذكر حَدِيث " النَّهْي عَن لبس الذَّهَب إِلَّا مقطعا ".
ثمَّ قَالَ: وَقد خرج الْمَنْع من التحلي بِالذَّهَب للنِّسَاء عَن ثَوْبَان، وَحُذَيْفَة، وَأبي هُرَيْرَة، وَأَسْمَاء بنت يزِيد، وَغَيرهم عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
(1388) قَالَ: وَالصَّحِيح الْإِبَاحَة للنِّسَاء، ذكر ذَلِك النَّسَائِيّ، وَأَبُو دَاوُد.
وَلم يكن يَنْبَغِي لَهُ أَن يَرْمِي حَدِيث ثَوْبَان بِضعْف، فَإِنَّهُ قد قبل أَحَادِيث يحيى بن أبي كثير، عَن زيد بن سَلام، وَلم يرد مِنْهَا شَيْئا، وَالنَّاس قد قَالُوا: إِنَّهَا مُنْقَطِعَة.(3/588)
وَقد بَينا ذَلِك فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة وَهِي مُنْقَطِعَة.
وَلَيْسَ لحَدِيث ثَوْبَان هَذَا عيب غير ذَلِك، على / أَن يحيى يَقُول فِيهِ: حَدثنِي زيد بن سَلام، [وَلكنه مَعَ ذَلِك مخوف فِيهِ الِانْقِطَاع، وَلَعَلَّه كَانَ إجَازَة زيد بن سَلام] فَجعل يَقُول: حَدثنَا زيد بن سَلام، وَكَانَ الْأَكْمَل أَن يَقُول: " إجَازَة ".
وَأما - مَا ذكره فِي جُمْلَتهَا من حَدِيث حُذَيْفَة، فقد بَينا خطأه فِيهِ فِي بَاب نِسْبَة الْأَحَادِيث إِلَى غير رواتها، وَأَن صَوَابه " عَن أُخْت حُذَيْفَة " عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَلَيْسَ هَذَا كُله بمقصوده فِي هَذَا الْبَاب [فَإِنَّهُ] قد تقدم ذكره.
وَإِنَّمَا الْمَقْصُود بَيَان عِلّة حَدِيث أَسمَاء، وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة اللَّذين لم يمر لَهما ذكر فَنَقُول:
(1389) حَدِيث أَسمَاء يرويهِ أَبُو دَاوُد هَكَذَا: حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، قَالَ: حَدثنَا / أبان بن يزِيد الْعَطَّار، قَالَ: حَدثنَا يحيى، أَن مَحْمُود بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ، حَدثهُ أَن أَسمَاء بنت يزِيد حدثته أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " أَيّمَا امْرَأَة تقلدت قلادة من ذهب، قلدت فِي عُنُقهَا مثله(3/589)
من نَار يَوْم الْقِيَامَة، وَأَيّمَا امْرَأَة جعلت فِي أذنها خرصا من ذهب، جعل الله فِي أذنها مثله من نَار ".
وَكَذَا ذكره النَّسَائِيّ أَيْضا من رِوَايَة هِشَام الدستوَائي، عَن يحيى بن أبي كثير، وعلته هِيَ أَن مَحْمُود بن عَمْرو هَذَا مَجْهُول الْحَال وَإِن كَانَ قد روى عَنهُ جمَاعَة.
(1390) وَأما حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَقَالَ النَّسَائِيّ: حَدثنَا إِسْحَاق بن شاهين: قَالَ: حَدثنَا خَالِد، عَن مطرف.
وَأخْبرنَا أَحْمد بن حَرْب، قَالَ: حَدثنَا أَسْبَاط، عَن مطرف، عَن أبي الجهم، عَن أبي زيد، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: كنت قَاعِدا عِنْد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَتَتْهُ امْرَأَة فَقَالَت: ياا رَسُول الله، سواران من ذهب، قَالَ: " سواران من نَار " قَالَت: يَا رَسُول الله، طوق من ذهب، قَالَ: " طوق من نَار "، قَالَت: قرطان من ذهب، قَالَ: " قرطان من نَار ". قَالَ: وَكَانَ عَلَيْهَا سواران من ذهب، فرمت بِهِ، فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِن الْمَرْأَة إِذا لم تتزين لزَوجهَا صلفت عِنْده، قَالَ: " مَا يمْنَع إحداكن أَن تصنع قرطين من فضَّة، ثمَّ تصفره بزعفران أَو بعبير ".(3/590)
هَذَا حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَلَا يَصح، لِأَن أَبَا زيد هَذَا مَجْهُول، وَلَا يعرف روى عَنهُ غير أبي الجهم.
(1391) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن أَسمَاء بنت يزِيد، قَالَت: " كَانَ كم يَد رَسُول الله إِلَى الرسغ ".
ثمَّ قَالَ: حسن غَرِيب.
وَلم يبين لم لَا يَصح، وَذَلِكَ أَنه من رِوَايَة شهر بن حَوْشَب عَنْهَا.
وَشهر مُخْتَلف فِيهِ، وَفِي أغلب الْأَحْوَال يبرزه من إِسْنَاد يكون فِيهِ.
من ذَلِك مَا تقدم لَهُ قبل هَذَا بِيَسِير فِي الْأَشْرِبَة، من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن شهر بن حَوْشَب، عَن أم سَلمَة:
(1392) " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن كل مُسكر ومفتر ". وَقد استوعب القَوْل على شهر فِي بَاب السَّلَام والاستئذان.
(1393) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ أَيْضا، عَن كلدة بن حَنْبَل، / أَن صَفْوَان بن أُميَّة، بَعثه بِلَبن، ولبأ، وضغابيس إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَالنَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -(3/591)
بِأَعْلَى الْوَادي، قَالَ: فَدخلت عَلَيْهِ وَلم أسلم وَلم أَسْتَأْذن، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، الحَدِيث.
وَقَالَ فِيهِ: حسن غَرِيب.
وَإِنَّمَا لم يُصَحِّحهُ؛ لِأَنَّهُ يرويهِ عَن سُفْيَان بن وَكِيع، حَدثنَا روح بن عبَادَة، عَن ابْن جريج، أَخْبرنِي عَمْرو بن أبي سُفْيَان، أَن عَمْرو بن عبد الله بن صَفْوَان، أخبرهُ أَن كلدة بن حَنْبَل أخبرهُ، فَذكره.
وَعَمْرو بن عبد الله بن صَفْوَان، الْقرشِي، الجُمَحِي - أَخُو صَفْوَان بن عبد الله - مكي، روى عَنهُ عَمْرو بن دِينَار، وَعَمْرو بن أبي سُفْيَان، وَلَا تعرف حَاله.
فَأَما عَمْرو بن أبي سُفْيَان، فمستقيم الحَدِيث، قَالَه أَبُو حَاتِم.
وسُفْيَان بن وَكِيع شيخ، يتهم بِالْكَذِبِ، فَلَو انْفَرد بِرِوَايَة هَذَا الحَدِيث لوَجَبَ أَن يكون ضَعِيفا، لكنه قد رَوَاهُ عَن روح غَيره.
ذكره / أَبُو دَاوُد، عَن يحيى بن حبيب، عَن روح.
وَرَوَاهُ أَيْضا عَن ابْن جريج غير روح، ذكره أَبُو دَاوُد، عَن ابْن بشار، عَن أبي عَاصِم قَالَ: أخبرنَا ابْن جريج، فَاعْلَم ذَلِك.
(1394) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن أبي أسيد أَنه سمع(3/592)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول - وَهُوَ خَارج من الْمَسْجِد، فاختلط الرِّجَال مَعَ النِّسَاء فِي الطَّرِيق - فَقَالَ رَسُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - للنِّسَاء: " استأخرن؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكِن أَن تحققن الطَّرِيق، عليكن بحافات الطَّرِيق " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده هَذَا الحَدِيث شَدَّاد بن أبي عَمْرو بن حماس، عَن أَبِيه.
لم يزدْ على هَذَا فِي تَعْلِيله، وَلَا بَيَان فِيهِ وَإِنَّمَا علته أَن شدادا وأباه أَبَا عَمْرو، لَا تعرف لَهما حَال، وَيخْتَلف فِي الْأَب الْمَذْكُور.
فَمنهمْ من يَقُول فِيهِ: أَبُو عمر.
وَمِنْهُم من يَقُول: أَبُو عَمْرو.
قَالَ ابْن عبد الْبر: كَانَ من الْعباد.
وَهَذَا لَيْسَ بكاف فِيمَا يَنْبَغِي من تعرف حَاله فِي الرِّوَايَة، وَلَا يعرف روى عَنهُ إِلَّا ابْنه، وَلَا يعرف روى عَن شَدَّاد إِلَّا أَبُو الْيَمَان: كثير بن الْيَمَان الرّحال، وَهُوَ روى عَنهُ هَذَا الحَدِيث، وَهُوَ أَيْضا / غير مَعْرُوف الْحَال، وَإِن كَانَ قد روى عَنهُ الدَّرَاورْدِي، وَأَبُو هَاشم عمار.
وَفِي الْإِسْنَاد أَيْضا حَمْزَة بن أبي أسيد، وَهُوَ يرويهِ عَن أَبِيه أبي أسيد، وَهُوَ أَيْضا لَا تعرف حَاله، وَإِن كَانَ قد روى عَنهُ مُحَمَّد بن عَمْرو، وَعبد الرَّحْمَن ابْن الغسيل.(3/593)
(1395) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث ابْن عَبَّاس، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا أكل أحدكُم طَعَاما، فَلَا يَأْكُل من أَعلَى الصحفة، وَلَكِن ليَأْكُل من أَسْفَلهَا، فَإِن الْبركَة تنزل من أَعْلَاهَا ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا أصح من حَدِيث النَّسَائِيّ عَن عبد الله بن بسر.
(1396) وصنعوا لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثريدة بِسمن، فَقَالَ: " خُذُوا باسم الله "، وَأَشَارَ إِلَى جوانبها بأصابعه الثَّلَاث.
كَذَا ذكره، وَلم يبين عِلّة حَدِيث عبد الله بن بسر، هَذَا الَّذِي رجح عَلَيْهِ حَدِيث ابْن عَبَّاس وَصَححهُ، وَإِن كَانَ حَدِيث ابْن عَبَّاس من رِوَايَة عَطاء بن السَّائِب، عَن سعيد بن جُبَير عَنهُ، فَإِنَّمَا صَححهُ؛ لِأَنَّهُ من رِوَايَة شُعْبَة، عَن عَطاء.
وَشعْبَة وَالثَّوْري، سمعا مِنْهُ قَدِيما قبل اخْتِلَاطه.
فَأَما حَدِيث عبد الله بن بسر، فَإِنَّهُ اخْتَصَرَهُ.
وَاللَّفْظ الَّذِي فِيهِ: " ثريدة بِسمن " - كَمَا ذكر - هُوَ عِنْد النَّسَائِيّ هَكَذَا: حَدثنَا عَمْرو بن عُثْمَان، عَن بَقِيَّة، عَن صَفْوَان بن عَمْرو، قَالَ: أَخْبرنِي(3/594)
الْأَزْهَر بن عبد الله، عَن عبد الله بن بسر، قَالَ: قَالَت أُمِّي لأبي: لَو صنعنَا لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - طَعَاما فدعوته، قَالَ: فَفَعَلْنَا، فصنعنا لَهُ ثريدة بِسمن، ثمَّ جَاءَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَدخل الْبَيْت، فَوضعت لَهُ أُمِّي قطيفة لنا، وجمعتها لَهُ، فَقعدَ عَلَيْهَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فوضعناها لَهُ قَالَ: " خُذُوا باسم الله، فَأَشَارَ إِلَى ذروتها بأصابعه الثَّلَاث " فَمَا فرغ قُلْنَا: ادْع الله لنا يَا رَسُول الله، قَالَ: " اللَّهُمَّ ارحمهم فَاغْفِر لَهُم وَبَارك لَهُم فِي رزقهم ".
وَإِنَّمَا ترك أَن يصحح هَذَا الحَدِيث لمَكَان بَقِيَّة.
(1397) فَأَما أَزْهَر بن عبد الله الْحرَازِي، فقد احْتَاجَ بِهِ فِي حَدِيث النُّعْمَان بن بشير: " فِي الامتحان بِالضَّرْبِ ".
وَصَفوَان بن عَمْرو ثِقَة.
وَلِهَذَا الحَدِيث طَرِيق جَيِّدَة، سَنذكرُهُ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها، وَلها طرق صَحِيحَة أَو حَسَنَة، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(1398) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، عَن يحيى بن زَهْدَم بن الْحَارِث، عَن أَبِيه، قَالَ: أَخْبرنِي أبي، عَن أنس بن مَالك، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:(3/595)
" لَا تكْرهُوا أَرْبَعَة، فَإِنَّهَا لأربعة " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، والْحَارث وَابْنه زَهْدَم مَجْهُولَانِ، / فَأَما يحيى فَلَا بَأْس بِهِ.
وَإِنَّمَا كتبناه فِي هَذَا الْبَاب؛ لِأَنَّهُ وَإِن كَانَ سكت عَنهُ، فَإِنَّهُ تَبرأ من عهدته بِمَا ذكر من إِسْنَاده، فَهُوَ كالتضعيف لَهُ، فَلذَلِك بَينا علته فِي هَذَا الْبَاب.
(1399) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن عقبَة بن عَامر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تكْرهُوا مرضاكم على الطَّعَام " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ فِيهِ: حسن غَرِيب.
كَذَا ذكره، وَلم يبين علته الْمَانِعَة من تَصْحِيحه، وَهِي عِنْدِي مُوجبَة لضَعْفه، وَذَلِكَ أَنه من رِوَايَة أبي كريب، عَن بكر بن يُونُس بن بكير، عَن مُوسَى بن عَليّ عَن أَبِيه، عقبَة.
وَبكر هَذَا، قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: " مُنكر الحَدِيث ضعيفه ".
(1400) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ أَيْضا، عَن أَسمَاء بنت عُمَيْس، أَن(3/596)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَأَلَهَا: " بِمَ تستمشين "؟ الحَدِيث.(3/597)
وَقَالَ فِيهِ: حسن غَرِيب.
وَلم يبين مَا الَّذِي مَنعه من الصِّحَّة، وَمَا أرَاهُ يَعْنِي إِلَّا عبد الحميد بن جَعْفَر.
فَإِن التِّرْمِذِيّ يرويهِ هَكَذَا: حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار، حَدثنَا مُحَمَّد بن بكر، حَدثنَا عبد الحميد بن جَعْفَر، أَخْبرنِي عتبَة بن عبد الله عَن أَسمَاء بنت عُمَيْس، فَذكره.
وكل هَؤُلَاءِ ثِقَة إِلَّا عبد الحميد، فَإِنَّهُ يخْتَلف فِيهِ، كَانَ الثَّوْريّ يحمل عَلَيْهِ ويرميه بِالْقدرِ، وَغَيره يوثقه.
(1401) وَذكر من طَرِيق عبد الْملك بن حبيب، حَدثنَا أَسد بن مُوسَى،(3/598)
وَعلي بن معبد، عَن ابْن جريج، عَن حَبَّة بن سلم، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الشطرنج ملعونة، مَلْعُون من لعب بهَا " الحَدِيث.
ثمَّ ذكر / ضعفه وَكَونه مُرْسلا.
وَقَالَ ذَلِك فِي مرسلين آخَرين، ذكرهمَا أَيْضا مَعَه من كتاب ابْن حبيب.
وَالْمَقْصُود أَن نبين بعض مَا ضعف بِهِ هَذَا الْمُرْسل مِمَّا لم يُبينهُ أَبُو مُحَمَّد، وَذَلِكَ حَبَّة بن سلم هَذَا، فَإِنَّهُ لَا يعرف، وَإِنَّمَا يعرف حَبَّة بن سَلمَة، أَخُو أبي وَائِل: شَقِيق بن سَلمَة، وَهُوَ حَبَّة - بباء وَاحِدَة - وَقد قيل: إِنَّه هُوَ الَّذِي يروي هَذَا الْمُرْسل.
وَذَلِكَ أَيْضا لَا ينفع الْمُرْسل الْمَذْكُور، فَإِن حَاله مَجْهُولَة.
(1402) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، عَن عمر بن أبي سَلمَة، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا تمنى أحدكُم فَلْينْظر مَاذَا يتَمَنَّى؛ فَإِنَّهُ لَا يدْرِي مَا يكْتب لَهُ من أمْنِيته ".(3/599)
وَإِنَّمَا سكت عَنهُ، اتكالا على مَا قدم فِي عمر بن أبي سَلمَة، فأبرزه هُنَا، تبرؤا من عهدته.
(1403) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من عَاد مَرِيضا أَو زار أَخا لَهُ فِي الله، ناداه مُنَاد أَن طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الْجنَّة منزلا ".
قَالَ فِيهِ: حسن غَرِيب.
وَهُوَ عِنْدِي إِلَى الضعْف أقرب، إِلَّا أَنه رُبمَا سمح فِيهِ، لكَونه من فَضَائِل الْأَعْمَال، فَقَالَ فِيهِ: حسن.
وَإِسْنَاده هُوَ هَذَا: حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار وَالْحُسَيْن بن أبي كَبْشَة الْبَصْرِيّ، قَالَا: حَدثنَا يُوسُف بن يَعْقُوب السدُوسِي، قَالَ: حَدثنَا أَبُو سِنَان الْقَسْمَلِي، عَن عُثْمَان بن أبي سَوْدَة، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَعُثْمَان بن أبي سَوْدَة شَامي، يروي عَن أبي هُرَيْرَة، روى عَنهُ أَبُو سِنَان وَزيد بن وَاقد، وَلَا تعرف حَاله، وَكَانَت أمه سَوْدَة لعبادة بن الصَّامِت، وَأَبوهُ(3/600)
أَبُو سَوْدَة، لعبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي.
فَأَما أَبُو سِنَان الْقَسْمَلِي، فَهُوَ عِيسَى بن سِنَان، وَلم تثبت عَدَالَته، بل ضعفه ابْن حَنْبَل، وَابْن معِين.
فَمَا مثل هَذَا الحَدِيث حسن.
(1404) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا، عَن أبي الدَّرْدَاء، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من رد عَن عرض / أَخِيه، رد الله عَن وَجهه النَّار يَوْم الْقِيَامَة ".
قَالَ فِيهِ: حسن.
وَلم يبين لم لَا يَصح / وَذَلِكَ - وَالله أعلم - لِأَنَّهُ من رِوَايَة ابْن الْمُبَارك، عَن أبي بكر النَّهْشَلِي - وَهُوَ ثِقَة - عَن مَرْزُوق أبي بكر التَّيْمِيّ، عَن أم الدَّرْدَاء، عَن أبي الدَّرْدَاء.
ومرزوق هَذَا، هُوَ وَالِد يحيى بن أبي بكير، وَهُوَ كُوفِي، يروي عَنهُ الثَّوْريّ، وَشريك، وَإِسْرَائِيل، وَلَيْث بن أبي سليم، وَعمر بن مُحَمَّد، وَغَيرهم، وَلكنه مَعَ ذَلِك لم تثبت عَدَالَته، وَهُوَ شَبيه بِالْمَجْهُولِ الْحَال، وَالله أعلم.
(1405) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار، عَن عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي،(3/601)
عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا رَأَيْتُمْ أمتِي تهاب الظَّالِم أَن تَقول: إِنَّك ظَالِم؛ فقد تودع مِنْهُم ".
ثمَّ قَالَ: يُقَال: إِن فِي إِسْنَاده انْقِطَاعًا.
كَذَا قَالَ: وَلم يبين ذَلِك، وَالَّذِي فِيهِ من ذَلِك هُوَ أَن أَبَا الزبير لَا يعرف هَل سمع من عبد الله بن عَمْرو، أم لَا.
والْحَدِيث أوردهُ الْبَزَّار هَكَذَا: أخبرنَا مُحَمَّد بن الْمثنى، أَبُو مُوسَى، قَالَ: حَدثنَا عبيد الله بن عبد الله الربعِي، قَالَ: حَدثنَا الْحسن بن عَمْرو، عَن مُجَاهِد، عَن عبد الله بن عَمْرو، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا رَأَيْتُمْ أمتِي تهاب الظَّالِم أَن تَقول: إِنَّك ظَالِم؛ فقد تودع مِنْهُم ".
وحدثناه يُوسُف بن مُوسَى، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْمحَاربي، عَن الْحسن بن عَمْرو الْفُقيْمِي، عَن أبي الزبير عَن عبد الله بن عَمْرو، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا رَأَيْتُمْ أمتِي تهاب الظَّالِم أَن تَقول: إِنَّك ظَالِم؛ فقد تودع مِنْهُم ".
قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث عَن الْحسن بن عَمْرو، عَن أبي الزبير، هُوَ الصَّوَاب عِنْدِي.
ثمَّ ذكر حَدِيثا آخر لأبي الزبير، عَن عبد الله بن عَمْرو.
ثمَّ قَالَ: لَا نعلم أسْند أَبُو الزبير عَن عبد الله بن عَمْرو إِلَّا هذَيْن الْحَدِيثين. انْتهى كَلَام الْبَزَّار.
وَذكر أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ هَذَا الحَدِيث فِي كتاب الْعِلَل، من رِوَايَة مُحَمَّد ابْن الفضيل، عَن الْحسن بن عَمْرو، عَن أبي الزبير، عَن عبد الله بن عَمْرو، ثمَّ(3/602)
قَالَ: سَأَلت مُحَمَّدًا، قلت / لَهُ: أَبُو الزبير سمع من عبد الله بن عَمْرو؟ قَالَ: قد روى عَنهُ، وَلَا أعرف لَهُ سَمَاعا مِنْهُ.
وَهَذَا من البُخَارِيّ على أَصله فِي التماسه بَين المتعاصرين السماع لشَيْء مَا وَإِن قل، بِحَيْثُ يعلم أَنَّهُمَا التقيا، وَحِينَئِذٍ يحْتَج بِمَا يروي أَحدهمَا عَن الآخر مُعَنْعنًا، ويشتد الْأَمر فِي مثل هَذَا، لما علم من تَدْلِيس أبي الزبير.
(1406) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن أبي أُميَّة الشَّعْبَانِي، قَالَ: أتيت أَبَا ثَعْلَبَة فَقلت: كَيفَ يصنع بِهَذِهِ الْآيَة: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا عَلَيْكُم أَنفسكُم} فَقَالَ: أما وَالله لقد سَأَلت عَنْهَا خَبِيرا، سَأَلت عَنْهَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: " ائْتَمرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهوا عَن الْمُنكر " الحَدِيث.
وَقَالَ فِيهِ: حسن غَرِيب.
وَلم يبين أمره، وَذَلِكَ أَن أَبَا أُميَّة - واسْمه مُحَمَّد - شَامي، لَا تعرف حَاله، وَلَا يعرف روى عَنهُ غير عَمْرو بن جَارِيَة اللَّخْمِيّ.
وَعَمْرو بن جَارِيَة أَيْضا لَا تعرف حَاله، وَلَا يعرف روى عَنهُ غير عتبَة بن أبي حَكِيم.
وَعتبَة مُخْتَلف فِيهِ، فَابْن معِين يُضعفهُ، وَغَيره يَقُول: لَا بَأْس بِهِ.
(1407) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ:(3/603)
" لينتهين أَقوام يفتخرون بآبائهم الَّذين مَاتُوا، فَإِنَّمَا هم فَحم جَهَنَّم، أَو لَيَكُونن أَهْون على الله من الْجعل " الحَدِيث.
وَقَالَ فِيهِ: حسن.
وَلم يبين مَانع صِحَّته، وَذَلِكَ أَنه من رِوَايَة هِشَام بن سعد، عَن سعيد بن أبي سعيد، عَن أبي هُرَيْرَة.
(1408) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، من حَدِيث عُثْمَان بن سعد الْكَاتِب، عَن أنس، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - / قَالَ: " الصمت حكم، وَقَلِيل فَاعله ".
قَالَ فِيهِ: حَدِيث حسن، وَيكْتب على لينه.
هَذَا مَا ذكره بِهِ، فَلم يبين لم لَا يَصح.
وَعِنْدِي أَنه ضَعِيف، فَإِنَّهُ عِنْد أبي أَحْمد هَكَذَا: حَدثنَا السَّاجِي، حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن غَسَّان الْغلابِي، حَدثنَا أَبُو عَاصِم عَن عُثْمَان بن سعد، فَذكره.
وَعُثْمَان هَذَا يضعف، وَكَانَ ابْن معِين يعجب مِمَّن يروي عَنهُ /.
(1409) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الدُّنْيَا ملعونة، مَلْعُون مَا فِيهَا " الحَدِيث.(3/604)
وَقَالَ فِيهِ: حسن غَرِيب.
وَلم يبين لم لَا يَصح، وَذَلِكَ أَنه من رِوَايَة عَطاء بن قُرَّة، عَن عبد الله بن ضَمرَة، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَعبد الله بن ضَمرَة هُوَ السَّلُولي، روى عَنهُ مُجَاهِد، وَعبد الرَّحْمَن بن سابط، وَعَطَاء بن قُرَّة، وَهُوَ مَعَ ذَلِك غير مَعْرُوف الْحَال.
وَكَذَلِكَ عَطاء بن قُرَّة السَّلُولي، هُوَ أَيْضا قد روى عَنهُ جمَاعَة: مِنْهُم عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر، وَعبد الرَّحْمَن بن [ثَابت بن] ثَوْبَان، وَهُوَ قد روى عَنهُ هَذَا الحَدِيث، وَلكنه مَعَ ذَلِك لَا تعرف حَاله.
(1410) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا، عَن عبد الله بن مُحصن - وَكَانَت لَهُ صُحْبَة - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من أصبح مِنْكُم آمنا فِي سربه، معافى فِي جسده، عِنْده قوت يَوْمه فَكَأَنَّهُ حيزت لَهُ الدُّنْيَا ".
وَقَالَ فِيهِ: حسن غَرِيب.
وَلم يبين لم لَا يَصح، وَذَلِكَ أَنه من رِوَايَة مَرْوَان بن مُعَاوِيَة، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن أبي شميلة وَهُوَ أَيْضا لَا تعرف حَاله.(3/605)
وَإِن كَانَ قَالَ فِيهِ ابْن معِين وَأَبُو حَاتِم: مَشْهُور، فَإِنَّمَا يعنيان بِرِوَايَة حَمَّاد ابْن زيد عَنهُ، وَكم من مَشْهُور لَا تقبل رِوَايَته.
(1411) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " يحْشر المتكبرون يَوْم الْقِيَامَة أَمْثَال الذَّر، فِي صور الرِّجَال " الحَدِيث.
وَقَالَ فِيهِ: حسن.
وَلم يبين لم لَا يَصح، وَذَلِكَ أَنه من رِوَايَة ابْن عجلَان، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده.
(1412) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن أبي أُمَامَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " عرض عَليّ رَبِّي ليجعل لي بطحاء مَكَّة ذَهَبا، قلت: لَا يَا رب، بل أشْبع يَوْمًا وأجوع [يَوْمًا] " [الحَدِيث] .
وَحسنه.
وَلم يبين لم لَا يَصح، وَيَنْبَغِي أَن يُقَال فِيهِ: ضَعِيف؛ فَإِنَّهُ من رِوَايَة يحيى(3/606)
ابْن أَيُّوب، عَن عبيد الله بن زحر، عَن عَليّ بن يزِيد، عَن الْقَاسِم، عَنهُ /.
(1413) وَذكر من طَرِيقه حَدِيث أنس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن عظم الْجَزَاء مَعَ عظم الْبلَاء، وَإِن الله إِذا أحب قوما ابْتَلَاهُم، فَمن رَضِي فَلهُ الرِّضَا " الحَدِيث.
وَقَالَ فِيهِ: حسن.
وَلم يبين لم لَا يَصح، وَذَلِكَ أَنه عِنْده من رِوَايَة يزِيد بن أبي حبيب، عَن سعد بن سِنَان، عَن أنس.
وَسعد بن سِنَان هَذَا، الصَّحِيح فِيهِ: سِنَان بن سعد.
وَفِي بَاب سِنَان ذكره ابْن أبي حَاتِم.
وَقَالَ ابْن أبي خَيْثَمَة: سُئِلَ ابْن معِين عَن سعد بن سِنَان، الَّذِي روى عَنهُ يزِيد بن أبي حبيب، فَقَالَ: " ثِقَة ".
وَقَالَ البُخَارِيّ: " وهنه أَحْمد ". وَقَالَ ابْن معِين: " سمع عبد الله بن يزِيد من سِنَان بن سعد بَعْدَمَا اخْتَلَط ".
فَفِي هَذَا أَنه اخْتَلَط.
(1414) وَذكر من طَرِيقه عَن عَطِيَّة السَّعْدِيّ، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا(3/607)
يبلغ العَبْد أَن يكون من الْمُتَّقِينَ حَتَّى يدع مَا لَا بَأْس بِهِ حذرا مِمَّا بِهِ بَأْس ".
وَقَالَ فِيهِ: حسن غَرِيب.
وَلم يبين لأي شَيْء لَا يَصح، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ من رِوَايَة أبي بكر بن أبي النَّضر، قَالَ: حَدثنَا أَبُو النَّضر، حَدثنَا أَبُو عقيل الثَّقَفِيّ، حَدثنَا عبد الله بن يزِيد، أَخْبرنِي ربيعَة بن يزِيد، وعطية بن قيس، عَن عَطِيَّة السَّعْدِيّ، فَذكره.
وَعبد الله بن يزِيد لَا أعرف روى عَنهُ إِلَّا أَبُو عقيل: عبد الله بن عقيل الثَّقَفِيّ، وَمُحَمّد بن سعد، وَلَا تعرف حَاله.
فَأَما أَبُو عقيل فَثِقَة.
(1415) وَذكر من طَرِيقه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا فِي الْجنَّة شَجَرَة إِلَّا وساقها / من ذهب ".
قَالَ فِيهِ: حسن غَرِيب.
وَلم يبين لم لَا يَصح، وَذَلِكَ أَنه من رِوَايَة زِيَاد بن الْحسن بن فرات الْقَزاز، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن أبي حَازِم، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَزِيَاد هَذَا مُنكر الحَدِيث، قَالَه أَبُو حَاتِم.
فَأَما أَبوهُ وجده فثقتان.(3/608)
(1416) وَذكر من طَرِيقه عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن الْكَافِر ليسحب لِسَانه الفرسخ والفرسخين، يتوطؤه النَّاس ".
وَقَالَ فِيهِ: حَدِيث / [حسن] غَرِيب.
وَلم يبين إِن كَانَ لَا يَصح، وَهُوَ لَا يَصح لِأَنَّهُ من رِوَايَة الْفضل بن يزِيد - وَهُوَ ثِقَة - عَن أبي الْمخَارِق، عَن ابْن عمر.
وَأَبُو الْمخَارِق، هُوَ مغراء، قد قدم فِيهِ التَّضْعِيف فِي حَدِيث:
(1417) " من سمع النداء فَلم يجب، فَلَا صَلَاة لَهُ إِلَّا من عذر ".
(1418) وَذكر من طَرِيقه عَن بُرَيْدَة، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أهل الْجنَّة عشرُون وَمِائَة صف، ثَمَانُون مِنْهَا من هَذِه الْأمة، وَأَرْبَعُونَ من سَائِر الْأُمَم ".
وَقَالَ فِيهِ: حسن.
وَلم يبين لم لَا يَصح، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يرْوى مُرْسلا.
رَوَاهُ ضرار بن مرّة، عَن محَارب بن دثار، عَن ابْن بُرَيْدَة، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.(3/609)
وَرَوَاهُ عَلْقَمَة بن مرْثَد، عَن سُلَيْمَان بن بُرَيْدَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مُرْسلا.
وَلَيْسَ يَنْبَغِي أَن يعد ذَلِك مَانِعا من صِحَّته.
(1419) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار، عَن عبَادَة بن الصَّامِت، سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " أول مَا خلق الله الْقَلَم، فَقَالَ لَهُ: اجْرِ، فَجرى بِمَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا من حَدِيث أهل الشَّام، وَإِسْنَاده حسن، ذكر ذَلِك عَليّ بن الْمَدِينِيّ.
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِإِسْنَاد آخر. انْتهى مَا ذكر.
وَهُوَ حَدِيث يرويهِ زيد بن الْحباب، عَن مُعَاوِيَة بن صَالح، قَالَ: أَخْبرنِي أَيُّوب بن زيد، عَن عبَادَة بن الْوَلِيد بن عبَادَة، عَن أَبِيه، عَن جده.
والوليد هَذَا لَا تعرف حَاله، فَأَما ابْنه عبَادَة بن الْوَلِيد بن عبَادَة فَثِقَة، قَالَه النَّسَائِيّ.
وَأما أَيُّوب بن زيد، فَهُوَ أَيُّوب بن زيد، [وَهُوَ مولى أَيُّوب بن زِيَاد] وَلَا تعرف أَيْضا حَاله، وَقد روى عَنهُ أَيْضا زيد بن أبي أنيسَة، وَيزِيد بن سِنَان.(3/610)
وَأما حَدِيث التِّرْمِذِيّ فَهُوَ هَذَا: حَدثنَا يحيى بن مُوسَى حَدثنَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، حَدثنَا عبد الْوَاحِد بن سليم، سمع عَطاء بن أبي رَبَاح، سمع الْوَلِيد بن عبَادَة بن الصَّامِت، قَالَ: دَعَاني أبي، فَقَالَ: يَا بني، اتَّقِ الله، وَاعْلَم أَنَّك لَا تتقي الله حَتَّى تؤمن بِالْقدرِ كُله، خَيره وشره، فَإِن مت على غير هَذَا دخلت النَّار، إِنِّي سَمِعت رَسُول الله / - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِن أول مَا خلق الله الْقَلَم، فَقَالَ: اكْتُبْ، قَالَ: مَا أكتب؟ قَالَ: اكْتُبْ الْقدر، مَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِن إِلَى الْأَبَد ".
قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث غَرِيب.
وَعبد الْوَاحِد بن سليم هَذَا، قَالَ فِيهِ ابْن حَنْبَل: " حَدِيثه مُنكر، أَحَادِيثه مَوْضُوعَة ".
(1420) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " صنفان من أمتِي لَيْسَ لَهُم فِي الْإِسْلَام نصيب: المرجئة والقدرية ".
قَالَ: هَذَا حَدِيث غَرِيب.
كَذَا قَالَ من غير مزِيد، وَهُوَ حَدِيث لَا يَصح؛ لِأَنَّهُ عِنْد التِّرْمِذِيّ بِإِسْنَادَيْنِ "
أَحدهمَا من رِوَايَة الْقَاسِم بن حبيب، وَعلي بن نزار، عَن نزار، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس.(3/611)
وَقد رَوَاهُ أَيْضا مُحَمَّد بن بشر عَن عَليّ بن نزار، عَن أَبِيه، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس.
ونزار هُوَ ابْن حَيَّان، مَجْهُول الْحَال، وَلَا نعلم روى عَنهُ إِلَّا ابْنه عَليّ، وَالقَاسِم بن حبيب.
وَابْنه عَليّ بن نزار قَالَ فِيهِ ابْن معِين: " لَيْسَ حَدِيثه بِشَيْء ".
وَكَذَا قَالَ فِي الْقَاسِم بن حبيب التمار /. هَذَا أحد الإسنادين.
والإسناد الآخر هُوَ من رِوَايَة مُحَمَّد بن بشر، عَن سَلام بن أبي عمْرَة، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس.
وَسَلام هَذَا، هُوَ الْخُرَاسَانِي، قَالَ ابْن معِين أَيْضا: " لَيْسَ حَدِيثه بِشَيْء ".
وَإِن لج لاج فِي قَول ابْن معِين فِي أحد من هَؤُلَاءِ: " أَنه لَيْسَ بِشَيْء ". فليثبت لنا عَدَالَته، وَحِينَئِذٍ يقبل حَدِيثه.
(1421) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا قَالَ عبد قطّ: لَا إِلَه إِلَّا الله مخلصا، إِلَّا فتحت لَهُ أَبْوَاب السَّمَاء حَتَّى تُفْضِي إِلَى الْعَرْش " الحَدِيث. وَحسنه.(3/612)
وَلم يُفَسر لم لَا يَصح، وَذَلِكَ أَنه عِنْد التِّرْمِذِيّ من رِوَايَة الْوَلِيد بن الْقَاسِم ابْن الْوَلِيد الْهَمدَانِي، عَن يزِيد بن كيسَان، عَن أبي حَازِم، عَن أبي هُرَيْرَة.
والوليد بن قَاسم هَذَا، ضعفه ابْن معِين وَهُوَ أَيْضا مِمَّن لم تثبت عَدَالَته.
وَإِن كَانَ قد روى عَنهُ جمَاعَة، فَحَدِيثه لَا يَصح لأجل ذَلِك، وَإِن لم تعلم جرحته.
(1422) وَذكر من طَرِيقه عَن ابْن مَسْعُود، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - / قَالَ: " إِن أولى النَّاس بِي يَوْم الْقِيَامَة أَكْثَرهم صَلَاة عَليّ ".
وَقَالَ فِيهِ: حسن غَرِيب.
وَهُوَ حَدِيث يرويهِ مُوسَى بن يَعْقُوب الزمعِي، قَالَ: أَخْبرنِي عبد الله بن كيسَان، أَن عبد الله بن شَدَّاد أخبرهُ عَن عبد الله بن مَسْعُود.
وَعبد الله بن كيسَان لَا تعرف حَاله، وَلَا يعرف روى عَنهُ إِلَّا مُوسَى بن يَعْقُوب الزمعِي.
(1423) وَذكر من طَرِيقه عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَيْسَ شَيْء أكْرم على الله من الدُّعَاء ".(3/613)
ثمَّ قَالَ فِيهِ: حسن غَرِيب.
وَلم يبين لم لَا يَصح، وَهُوَ من رِوَايَة التِّرْمِذِيّ، عَن عَبَّاس بن عبد الْعَظِيم الْعَنْبَري قَالَ: حَدثنَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، حَدثنَا عمرَان الْقطَّان، عَن قَتَادَة، عَن سعيد بن أبي الْحسن، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَسَعِيد بن أبي الْحسن أَخُو الْحسن، ثِقَة مَشْهُور.
وَلَا مَوضِع فِي الْإِسْنَاد للنَّظَر إِلَّا عمرَان بن دَاور الْقطَّان وَهُوَ رجل مَا بحَديثه بَأْس، وَأَبُو مُحَمَّد يصحح أَحَادِيثه، وَرُبمَا حسنها اتبَاعا لِلتِّرْمِذِي.
وَأقرب مَا مر لَهُ فِي ذَلِك حَدِيث التِّرْمِذِيّ عَن أنس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: "
(1424) " يعْطى الْمُؤمن فِي الْجنَّة قُوَّة كَذَا وَكَذَا من الْجِمَاع " قيل: يَا رَسُول الله، أَو يُطيق ذَلِك؟ قَالَ: " يعْطى قُوَّة مائَة ".
وَقَالَ فِيهِ: حسن غَرِيب، لَا نَعْرِف من حَدِيث قَتَادَة عَن أنس، إِلَّا من رِوَايَة عمرَان الْقطَّان.
فَحكم الْحَدِيثين وَاحِد.
(1425) وَذكر من طَرِيقه عَن سلمَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا(3/614)
يرد الْقَضَاء إِلَّا الدُّعَاء، وَلَا يزِيد فِي الْعُمر إِلَّا الْبر ".
وَقَالَ فِيهِ: حسن.
وَذَلِكَ لِأَنَّهُ حَدِيث يرويهِ يحيى بن الضريس، عَن أبي مودود، عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، عَن أبي عُثْمَان، عَن سلمَان.
وَأَبُو مودود بَصرِي، اسْمه فضَّة، نزل الرّيّ، قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: " ضَعِيف ".
(1426) وَذكر من طَرِيقه عَن أنس، قَالَ: أَتَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي أُرِيد سفرا فزودني، قَالَ: " زودك الله التَّقْوَى: قَالَ: زِدْنِي. الحَدِيث.
وَقَالَ فِيهِ: حسن غَرِيب.
وَلم / يبين لم لَا يَصح، وَيَنْبَغِي على أَصله أَن يكون صَحِيحا، فَإِنَّهُ عِنْد التِّرْمِذِيّ هَكَذَا من رِوَايَة عبد الله بن أبي زِيَاد، قَالَ: حَدثنَا سيار بن حَاتِم، حَدثنَا جَعْفَر بن سُلَيْمَان [عَن ثَابت] عَن أنس، فَذكره.
ثمَّ قَالَ: لَا نعلم رَوَاهُ عَن ثَابت إِلَّا جَعْفَر.(3/615)
وَأَبُو مُحَمَّد لم يتَوَقَّف فِي شَيْء من رِوَايَات جَعْفَر، وَلَا يَقُول فِيهَا: حسان، بل يسكت عَنْهَا، / مصححا لَهَا.
وَقد نبهنا على جملَة من ذَلِك فِيمَا تقدم.
وَلَيْسَ لَهُ أَن يعتل على الحَدِيث بسيار بن حَاتِم، فَإِنَّهُ قد روى عَنهُ جمَاعَة: مِنْهُم أَحْمد بن حَنْبَل، وَعبد الله بن أبي زِيَاد، وَهَارُون بن عبد الله، فَهُوَ من المساتير، وَهُوَ يقبلهم، وَإِنَّمَا ألزمناه مَا الْتزم.
وَالْحق فِي الحَدِيث بِحَسب الِاصْطِلَاح، أَنه حسن كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيّ.
(1427) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن عبد الله بن يزِيد الخطمي، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه كَانَ يَقُول فِي دُعَائِهِ: " اللَّهُمَّ ارزقني حبك، وَحب من يبلغنِي حبه عنْدك " الحَدِيث.
وَقَالَ فِيهِ: حسن غَرِيب.
وَلم يبين لم لَا يَصح، وَذَلِكَ عِنْدِي أَنه عِنْد التِّرْمِذِيّ هَكَذَا: حَدثنَا سُفْيَان بن وَكِيع، حَدثنَا ابْن أبي عدي، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن أبي جَعْفَر الخطمي، عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ، عَن عبد الله بن يزِيد، فَذكره.
وَكلهمْ ثِقَة، إِلَّا سُفْيَان بن وَكِيع، فَإِنَّهُ مُتَّهم بِالْكَذِبِ.
وَأَبُو جَعْفَر الخطمي، اسْمه عُمَيْر بن يزِيد بن خماشة وَهُوَ ثِقَة.(3/616)
فَيَنْبَغِي أَن يكون هَذَا الحَدِيث بِهَذَا الطَّرِيق ضَعِيفا.
(1428) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن أبي رزين الْعقيلِيّ، قلت: يَا رَسُول الله، أَيْن كَانَ رَبنَا قبل أَن يخلق خلقه؟ قَالَ: " كَانَ فِي عماء، مَا فَوْقه هَوَاء، وَمَا تَحْتَهُ هَوَاء، وَخلق عَرْشه على المَاء ".
وَأتبعهُ أَن قَالَ فِيهِ: حسن.
وَلم يبين لم لَا يَصح، وَذَلِكَ أَنه يرويهِ هَكَذَا: حَدثنَا أَحْمد بن منيع، حَدثنَا يزِيد بن هَارُون، حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن يعلى بن عَطاء، عَن وَكِيع ابْن حدس، عَن عَمه أبي رزين.
ووكيع بن حدس هَذَا لَا تعرف لَهُ حَال، وَهُوَ يروي عَن عَمه مَا يروي، وَلَا يعرف عَنهُ راو إِلَّا يعلى بن عَطاء.
وَاخْتلف عَلَيْهِ فِيهِ أَصْحَابه، فَكَانَ شُعْبَة، وهشيم، وَأَبُو عوَانَة يَقُولُونَ فِيهِ عَنهُ: وَكِيع بن عدس.
وَقَالَ حَمَّاد بن سَلمَة عَنهُ: وَكِيع بن حدس.
وكناه من بَينهم أَبُو عوَانَة فَقَالَ فِيهِ: عَن أبي مُصعب وَكِيع بن عدس.
وَقد وَقع ذكره بِهَذَا فِي كتابي البُخَارِيّ، وَابْن أبي حَاتِم، وَلَا بَينا(3/617)
من حَاله أَكثر من ذَلِك، وَلَيْسَ فِي إِسْنَاد الحَدِيث الْمَذْكُور مَوضِع نظر سواهُ.
وَإِلَى ذَلِك فَإِنَّهُ لم يكن يَنْبَغِي لَهُ أَن يُحسنهُ، بل كَانَ يلْزمه تَصْحِيحه.
فَإِنَّهُ قد سَاق فِي كتاب التَّعْبِير، من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن أبي رزين: لَقِيط ابْن عَامر الْمَذْكُور، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ:
(1429) " رُؤْيا الْمُسلم جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا من النُّبُوَّة، وَهِي على رجل طَائِر مَا لم يحدث بهَا، فَإِذا حدث بهَا وَقعت ".
وَأتبعهُ قَول التِّرْمِذِيّ فِيهِ: حسن صَحِيح.
وَهَذَا الحَدِيث يرويهِ التِّرْمِذِيّ هَكَذَا: حَدثنَا الْحسن بن عَليّ الْخلال، حَدثنَا يزِيد بن هَارُون، حَدثنَا شُعْبَة، عَن يعلى بن عَطاء، عَن وَكِيع بن عدس، عَن عَمه، عَن أبي رزين، فَذكره.
فَإذْ هَذَا عِنْده صَحِيح، فَيَنْبَغِي أَن يكون الأول صَحِيحا، وَإِن كَانَ الأول حسنا فَيَنْبَغِي أَن يكون هَذَا حسنا.
فَإِن قيل، وَلَعَلَّه إِنَّمَا قَالَ فِيهِ: حسن، لِأَنَّهُ من رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة، وَهَذَا الَّذِي قَالَ فِيهِ: صَحِيح، من رِوَايَة شُعْبَة.
وَفضل مَا بَين شُعْبَة وَحَمَّاد فِي الْحِفْظ بَين.
قُلْنَا: قد صحّح من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة مَا لَا يُحْصى.
وَهُوَ مَوضِع لَا نظر فِيهِ عِنْده، وَلَا عِنْد أحد من أهل الْعلم بِهِ، فَإِنَّهُ إِمَام.(3/618)
وَكَانَ عِنْد شُعْبَة من تَعْظِيمه وإجلاله مَا هُوَ مَعْلُوم فِي موَاضعه، فَاعْلَم ذَلِك.
(1430) وَذكر أَيْضا من طَرِيقه عَن ابْن عمر حَدِيثه الَّذِي فِيهِ: " نَحن الْفَرَّارُونَ، قَالَ: بل أَنْتُم الْعَكَّارُونَ وَأَنا فِئَتكُمْ ".
وَأتبعهُ أَن قَالَ فِيهِ: حسن.
وَلم يبين لم لَا يَصح، وَإِنَّمَا ذَلِك لِأَنَّهُ من رِوَايَة يزِيد بن أبي زِيَاد، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، عَن ابْن عمر.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا ابْن أبي عمر، حَدثنَا سُفْيَان، عَن يزِيد بن أبي زِيَاد، فَذكره.(3/619)
وَقد تقدم ذكر / يزِيد بن أبي زِيَاد /.
وَسَيَأْتِي ذكره وَمَا لَهُ فِيهِ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي سكت عَنْهَا مصححا لَهَا.
(1431) وَذكر من طَرِيق أبي عمر بن عبد الْبر، من حَدِيث معَاذ بن جبل، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لكل دين خلق، وَخلق الْإِسْلَام الْحيَاء، من لَا حَيَاء لَهُ لَا دين لَهُ ".
قَالَ: هَذَا من حَدِيث الشاميين، وَإِسْنَاده حسن.
(1432) قَالَ: وَبِهَذَا الْإِسْنَاد، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " زَينُوا الْإِسْلَام بخصلتين، قلت: وَمَا هما؟ قَالَ: الْحيَاء والسماحة فِي الله لَا فِي غَيره ".
ثمَّ قَالَ: ذكرهمَا فِي بَاب مَالك، عَن صَفْوَان من كتاب التَّمْهِيد.
فَأَقُول (وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق) : لم يذكرهما أَبُو عمر حَيْثُ ذكر [بل] فِي بَاب مَالك، عَن سَلمَة بن صَفْوَان.
وإسنادهما عِنْده هُوَ هَذَا: حَدثنَا خلف بن الْقَاسِم، قَالَ: حَدثنَا أَبُو بكر: مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن صَالح السبيعِي الْحلَبِي بِدِمَشْق، قَالَ: حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد: عبد الله بن مُحَمَّد بن يحيى الْأَزْدِيّ، قَالَ: حَدثنَا آدم بن أبي إِيَاس، الْعَسْقَلَانِي،(3/620)
عَن معن بن الْوَلِيد، عَن ثَوْر بن يزِيد، عَن خَالِد بن معدان، عَن معَاذ.
ومعن بن الْوَلِيد ثِقَة، وسائرهم كَذَلِك، إِلَّا أَبَا مُحَمَّد: عبد الله بن مُحَمَّد، فَإِنِّي لَا أعرفهُ.
وَإِنَّمَا كتبته لتبحث عَنهُ فَلَعَلَّهُ مَعْرُوف، وَالله [تَعَالَى] الْمُوفق /.
[بلغت الْمُقَابلَة بِالْأَصْلِ الْمَنْقُول مِنْهُ هَذِه النُّسْخَة حسب الطَّاقَة وَالله الْمُوفق] .
كمل السّفر الأول من كتاب بَيَان الْوَهم وَالْإِيهَام، الواقعين فِي كتاب الْأَحْكَام، بِفضل الله وَحسن عونه.
يتلوه فِي أول الثَّانِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى: بَاب ذكر أَحَادِيث سكت عَنْهَا مصححا لَهَا، وَلَيْسَت بصحيحة [وَالْحَمْد لله وَسَلام على عباده الَّذين اصْطفى] [وَسَلام على الْمُرْسلين، وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين، وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل] .(3/621)
(7) بَاب ذكر أَحَادِيث سكت عَنْهَا مصححا لَهَا وَلَيْسَت بصحيحة(4/9)
اعْلَم أَن مؤاخذته فِي هَذَا الْبَاب إِنَّمَا هِيَ على مصطلحه الَّذِي أقرّ بِهِ فِي أول كِتَابه حَيْثُ يَقُول: إِن الحَدِيث إِذا لم تكن فِيهِ عِلّة، كَانَ سُكُوته عَنهُ دَلِيلا على صِحَّته، وَإنَّهُ إِنَّمَا يُعلل الحَدِيث إِذا كَانَ فِيهِ أَمر، أَو نهي، أويتعلق بِهِ حكم، وَأما مَا سوى ذَلِك فَرُبمَا كَانَ فِي بَعْضهَا سمح.
قَالَ: وَلَيْسَ مِنْهَا شَيْء عَن مُتَّفق على تَركه.
قَالَ: وَلَيْسَ فِيهَا من هَذَا النَّوْع إِلَّا قَلِيل.
فَأَقُول - وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق -: إِن الْأَحَادِيث الَّتِي سكت عَنْهَا:
مِنْهَا مَا ذكرهَا بأسانيدها، أَو بِقطع من أسانيدها، وَهَذَا سنفرده بِالذكر فِي بَاب بعد هَذَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَمِنْهَا مَا ذكرهَا مُقْتَصرا من أسانيدها على الصَّحَابِيّ الَّذِي يروي الحَدِيث، فَهَذَا الْقسم هُوَ الَّذِي يعْتَمد فِي هَذَا الْبَاب بَيَان مَا سكت عَنهُ مِمَّا لَيْسَ صَحِيحا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَذَلِكَ أَن ماسكت عَنهُ من الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة هَكَذَا بِغَيْر أَسَانِيد وَلَا قطع مِنْهَا.
مِنْهَا مَا هُوَ صَحِيح لَا شكّ فِي صِحَّته، وَهُوَ الْأَكْثَر.
وَمِنْهَا مَا لَيْسَ بِصَحِيح؛ بل إِمَّا حسن، وَإِمَّا ضَعِيف، سكت عَن جَمِيعهَا سكُوتًا وَاحِدًا، وَهَكَذَا الْأَمر فِيمَا هُوَ مِنْهَا؛ مِمَّا لَا يحكم فِيهِ لفعل مُكَلّف، مِمَّا هُوَ من قبيل التَّرْغِيب، والإخبار عَن ثَوَاب الْأَعْمَال، ويزداد فِي هَذَا النَّوْع أَمر آخر، وَهُوَ أَنه قد يعْتَقد فِي أَحَادِيث أَنَّهَا لَا تعلق لَهَا(4/11)
بِالْأَمر وَالنَّهْي، وَهِي فِي نظر غَيره لَيست كَذَلِك، وَقد كَانَ كَافِيا فِي الرَّغْبَة عَن عمله، أَن يكون هَذَا الْقسم لَا يحصل مِنْهُ فِي خاطر من يَقْرَؤُهُ فِي كِتَابه شَيْء يعْتَقد صِحَّته، بل كل مَا يرَاهُ مِنْهُ يظنّ بِهِ أَنه مِمَّا سمح فِيهِ، وَرُبمَا يكون صَحِيحا لَا شكّ فِيهِ، أَو يظنّ بِهِ أَنه صَحِيح، وَهُوَ مِمَّا سمح فِيهِ، أَو مِمَّا اعْتقد صِحَّته، مخطئا فِي ذَلِك، كَمَا اتّفق لَهُ فِي أَحَادِيث الْأَحْكَام.
فَإنَّك سترى لَهُ فِي هَذَا الْبَاب من أَحَادِيث الْأَحْكَام / أَحَادِيث لَيست بصحيحة، قد سكت عَنْهَا، وَهِي إِمَّا حَسَنَة، وَإِمَّا ضَعِيفَة.
وَهَذَا الَّذِي عمل بِهِ فِي هَذَا النَّوْع، هُوَ مِمَّا يجب التَّوَقُّف عَنهُ، فَإِن الْقَذْف بالأحاديث الضعيفة دون أسانيدها لَا يجوز عمله، وَإِنَّمَا تسَامح النَّاس فِيمَا هُوَ حث وتحريض أَن يكتبوه بأسانيده ويبينوا علله.
وَدون هَذَا أَن يكْتب بأسانيده، ثمَّ لَا تبين علله، اتكالا على مَا أظهر من مَوَاضِع علله بِذكر أسانيده، أَو مَوَاضِع النّظر مِنْهَا. وَدون هَذَا أَن يكْتب دون أسانيده، فَهَذَا يتَقَدَّر على وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: أَن يكْتب أَحَادِيث فِي التَّرْغِيب، يبين فِي أَولهَا أَنه تسَامح فِيهَا، لِأَنَّهُ حث وترغيب.
وَالثَّانِي: أَن يَكْتُبهَا كَذَلِك مختلطة بِمَا هُوَ - من هَذَا النَّوْع - صَحِيح لَا شكّ فِيهِ أَو حسن، ثمَّ لَا يُمَيّز بَين الْأَصْنَاف الثَّلَاثَة، فَهَذَا أصعبها وأقبحها، وَهُوَ عمل أبي مُحَمَّد، فَإنَّك لَا تَدْرِي مِمَّا فِي كِتَابه من هَذَا النَّوْع، مَا هُوَ صَحِيح، مِمَّا هُوَ ضَعِيف، مِمَّا هُوَ حسن.(4/12)
ونعني بالْحسنِ، مَا لَهُ من الحَدِيث منزلَة بَين منزلتي الصَّحِيح والضعيف، وَيكون الحَدِيث حسنا هَكَذَا، إِمَّا بِأَن يكون أحد رُوَاته مُخْتَلفا فِيهِ؛ وَثَّقَهُ قوم وَضَعفه آخَرُونَ، وَلَا يكون مَا ضعف بِهِ جرحا مُفَسرًا، فَإِنَّهُ إِن كَانَ مُفَسرًا، قدم على تَوْثِيق من وَثَّقَهُ، فَصَارَ بِهِ الحَدِيث ضَعِيفا.
وَإِمَّا بِأَن يكون أحد رُوَاته؛ إِمَّا مَسْتُورا وَإِمَّا مَجْهُول الْحَال.
ولنبين هذَيْن الْقسمَيْنِ، فَأَما المستور فَهُوَ من لم تثبت عَدَالَته لدينا مِمَّن روى عَنهُ اثْنَان فَأكْثر، فَإِن هَذَا يخْتَلف فِي قبُول رِوَايَته من لَا يرى رِوَايَة الرَّاوِي الْعدْل عَن الرَّاوِي تعديلا لَهُ.
فطائفة مِنْهُم يقبلُونَ رِوَايَته، وَهَؤُلَاء هم الَّذين لَا يَبْتَغُونَ على الْإِسْلَام مزيدا فِي حق الشَّاهِد والراوي، بل يقنعون بِمُجَرَّد الْإِسْلَام، مَعَ السَّلامَة عَن فسق ظَاهر، ويتحققون إِسْلَامه بِرِوَايَة عَدْلَيْنِ عَنهُ، إِذْ لم يعْهَد أحد مِمَّن يتدين يروي الدَّين إِلَّا عَن مُسلم.
وَطَائِفَة يردون رِوَايَته، وَهَؤُلَاء هم الَّذين يَبْتَغُونَ وَرَاء الْإِسْلَام مزيدا، وَهُوَ عَدَالَة الشَّاهِد أَو الرَّاوِي، وَهَذَا كُله بِنَاء على أَن رِوَايَة الرَّاوِي عَن الرَّاوِي لَيست تعديلا لَهُ، فَأَما من رَآهَا تعديلا لَهُ فَإِنَّهُ يكون بِقبُول رِوَايَته أَحْرَى وَأولى، مَا لم يثبت جرحه.
وَالْحق فِي هَذَا أَنه لَا تقبل رِوَايَته، وَلَو روى عَنهُ جمَاعَة، مَا لم تثبت عَدَالَته، وَمن يذكر فِي كتب الرِّجَال بِرِوَايَة أَكثر من وَاحِد عَنهُ، مهملا من الْجرْح وَالتَّعْدِيل، فَهُوَ غير مَعْرُوف الْحَال عِنْد ذاكره بذلك، وَرُبمَا وَقع التَّصْرِيح بذلك فِي بَعضهم.(4/13)
(1433) وَسَيَأْتِي مِنْهُ فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث: " من زار قَبْرِي وَجَبت لَهُ شَفَاعَتِي ".(4/14)
فَإِن أَبَا حَاتِم قَالَ فِي رِوَايَة مُوسَى بن هِلَال الْبَصْرِيّ: إِنَّه مَجْهُول، وَذَلِكَ بعد أَن ذكر رِوَايَة جمَاعَة عَنهُ.(4/16)
(1434) وَكَذَلِكَ عبد الله بن أبي سُفْيَان، رَاوِي حَدِيث: " حمى حول الْمَدِينَة بريدا من كل نَاحيَة ". قَالَ أَبُو حَاتِم: لَا أعرفهُ، بعد أَن ذكر رِوَايَة زيد بن الْحباب وَأبي عَامر الْعَقدي عَنهُ.
(1435) وَكَذَلِكَ زِيَاد بن جَارِيَة الَّذِي يروي عَن حبيب بن مسلمة حَدِيث " التَّنْفِيل ".(4/17)
قَالَ فِيهِ: مَجْهُول، وَهُوَ قد ذكر رِوَايَة جمَاعَة عَنهُ.
وَكَذَلِكَ أَبُو مَرْحُوم: عبد الرَّحِيم بن كردم بن أرطبان، ابْن عَم ابْن عون، ذكره أَبُو حَاتِم بِرِوَايَة جمَاعَة عَنهُ، مِنْهُم أَبُو عَامر الْعَقدي، وَأَبُو أُسَامَة، وَمعلى بن أَسد، وَإِبْرَاهِيم بن الْحجَّاج السَّامِي، ثمَّ قَالَ فِيهِ: مَجْهُول.
وَكَذَلِكَ أَبُو يسَار الْقرشِي، ذكر أَنه روى عَنهُ اللَّيْث، وَالْأَوْزَاعِيّ، وَقَالَ - مَعَ ذَلِك - إِنَّه مَجْهُول.
وعَلى هَذَا نظرت مَعَ أبي مُحَمَّد الْأَحَادِيث الَّتِي أذكرها فِي هَذَا الْبَاب، فَإِنَّهُ هُوَ قد صحّح كثيرا من الحَدِيث بسكوته عَنهُ، وَهُوَ من هَذَا الْقَبِيل، وَتوقف أَيْضا عَن تَصْحِيح أَحَادِيث مِنْهَا، عملا بِالصَّوَابِ الَّذِي يَنْبَغِي أَن يُقَال بِهِ فيهم.
فمما عمل فِيهِ بِالصَّوَابِ من أَحَادِيث هَذَا الصِّنْف، حَدِيث:
(1436) " صلوا فِي نعالكم خالفوا الْيَهُود ".(4/18)
وَذَلِكَ أَنه أتبعه أَن قَالَ: فِيهِ يعلى بن شَدَّاد، لم أرد فِيهِ تعديلا وَلَا تجريحا.
(1437) وَحَدِيث: " دعوا الْحَبَشَة مَا دعوكم ".
أتبعه أَن قَالَ: فِيهِ أَبُو سكينَة: زِيَاد بن مَالك، وَلم أسمع فِيهِ بتعديل وَلَا تجريح، وَقد روى عَنهُ أَبُو بكر بن أبي مَرْيَم، وجعفر بن برْقَان.
(1438) وَحَدِيث جَابر فِي الضَّحَايَا الَّذِي فِيهِ: " اللَّهُمَّ مِنْك وَلَك، عَن مُحَمَّد وَأمته ".
أتبعه أَن قَالَ: فِيهِ أَبُو عَيَّاش، روى عَنهُ خَالِد بن أبي عمرَان، وَيزِيد بن أبي حبيب، وَلم أسمع فِيهِ بتعديل وَلَا تجريح.
وَأَحَادِيث كَثِيرَة من هَذَا الصِّنْف، لم يصححها بِالسُّكُوتِ عَنْهَا بل إِمَّا حسنها هُوَ، أَو حسنها اتبَاعا لِلتِّرْمِذِي فِي ذَلِك، قد كتبنَا مِنْهَا كثيرا فِي الْبَاب الَّذِي قبل هَذَا.
وكل هَذَا الَّذِي عمل بِهِ من التَّوَقُّف عَن تَصْحِيح أَحَادِيث هَذَا الصِّنْف صَوَاب.
فَأَما مَا يَقع لَهُ مِمَّا أثْبته فِي هَذَا الْبَاب، من سُكُوته عَن الْأَحَادِيث - وَهِي من رِوَايَة هَذَا الصِّنْف - فخطأ.(4/19)
فَهَذَا قسم المساتير؛ فَأَما قسم مجهولي الْأَحْوَال، فَإِنَّهُم قوم أَنما روى عَن كل وَاحِد وَاحِد مِنْهُم وَاحِد، لَا يعلم روى عَنهُ غَيره، فَهَؤُلَاءِ إِنَّمَا يقبل رِوَايَة أحدهم من يرى رِوَايَة الرَّاوِي الْعدْل عَن الرَّاوِي تعديلا لَهُ، كالعمل بروايته، فَأَما من لَا يرى رِوَايَة الرَّاوِي عَن الرَّاوِي تعديلا لَهُ، فَإِنَّهُم لَا يقبلُونَ رِوَايَة هَذَا الصِّنْف إِلَّا أَن تعلم عَدَالَة أحدهم، فَإِنَّهُ إِذا علمت عَدَالَته، لم يضرّهُ أَن لَا يروي عَنهُ إِلَّا وَاحِد، فَأَما إِذا لم تعلم عَدَالَته، وَهُوَ لم يرو عَنهُ إِلَّا وَاحِد، فَإِنَّهُ لَا يقبل رِوَايَته لَا من يَبْتَغِي على الْإِسْلَام مزيدا، وَلَا من لَا يبتغيه.
وَقد عمل أَبُو مُحَمَّد فِي هَذَا بِالصَّوَابِ: من رد روايتهم وَقبُول رِوَايَة من علمت عَدَالَته مِنْهُم، وأخطأه ذَلِك فِي قوم مِنْهُم، صحّح أَيْضا أَحَادِيثهم بِالسُّكُوتِ عَنْهَا، تبين ذَلِك فِي هَذَا الْبَاب إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
فَإِن قيل: وَلَعَلَّه فِيمَن سكت عَن حَدِيثه من هَؤُلَاءِ الَّذين ترى أَنْت أَنه لم يرو عَنهُ إِلَّا وَاحِد، قد رأى هُوَ فيهم مَا لم تَرَ، وَعلم مَا لم تعلم، وَكَذَلِكَ أَيْضا فِي أَحَادِيث المساتير الَّذين قد روى عَن كل وَاحِد مِنْهُم أَكثر من وَاحِد، إِلَّا أَن عَدَالَة أحدهم لم تثبت، لَعَلَّه قد علم فِي تعديلهم مَا لم تعلم.
فَالْجَوَاب أَن أَقُول: فأعني على تعرف صَوَابه أَو خطئه ببحث يرقى بك عَن حضيض تَقْلِيده، وَإِذا فعلت ذَلِك فقد حصل الْمَقْصُود، ولعلك إِذا فعلت ذَلِك عرفت صِحَة قولي، فَإِن آحَاد من اعتراه ذَلِك فيهم، اسْتَوَى أهل هَذَا الشَّأْن فِي الْعلم بأحوالهم، وسترى ذَلِك فِيمَا نذكرهُ مِنْهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَيَنْبَغِي الْآن أَن نعرض عَلَيْك مثلا يتَبَيَّن بهَا من مذْهبه مَا أَخْبَرتك بِهِ من قبُول أَحَادِيث من ثبتَتْ عَدَالَته من هَذَا الصِّنْف، ورد أَحَادِيث من لم تثبت عَدَالَته مِنْهُم.(4/20)
فَأَما مَا اعتراه فِي ذَلِك من الْخَطَأ بتصحيح أَحَادِيثهم، فَيَأْتِي فِي نفس الْبَاب.
فمما قبل من أَحَادِيث من ثبتَتْ عَدَالَته مِنْهُم حَدِيث:
(1439) " الْأَمر بدفن الْقَتْلَى فِي مصَارِعهمْ ".
قَالَ بإثره: فِيهِ نُبيح الْعَنزي، وَهُوَ ثِقَة لم يرو عَنهُ غير الْأسود بن قيس، وَصحح حديثين من رِوَايَته فِي ذَلِك، وَفِي الصَّحَابَة جمَاعَة قبل أَحَادِيثهم، وَإِن لم يرو عَن أحدهم إِلَّا وَاحِد، كقيس بن أبي غرزة وَغَيره.
وَأما مَا رد من أَحَادِيث من لم تثبت عَدَالَته مِنْهُم، فكثير أَيْضا، نذْكر مِنْهُ مَا تيَسّر عفوا.
(1440) كَحَدِيث " الصَّلَاة على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم الْجُمُعَة، وَأَن الأَرْض لَا(4/21)
تَأْكُل أجساد الْأَنْبِيَاء ".
رده بِأَن قَالَ: زيد بن أَيمن، لَا أعلم روى عَنهُ إِلَّا سعيد بن أبي هِلَال.
(1441) وَحَدِيث فِي سَاعَة الْجُمُعَة.
رده بِأَن قَالَ: يحيى بن ربيعَة، لَا أعلم روى عَنهُ غير عبد الرَّزَّاق.(4/22)
(1442) وَفِي التهجير إِلَى الْجُمُعَة ذكر حَدِيثا ثمَّ قَالَ: أَوْس بن خَالِد لَا أعلم روى عَنهُ إِلَّا عَليّ بن زيد بن جدعَان.
وَقد كَانَ لَهُ أَن يَقُول فِي هَذَا أَكثر، من هَذَا؛ فَإِن لَهُ ثَلَاثَة أَحَادِيث عَن أبي هُرَيْرَة مُنكرَة، وَلَيْسَ لَهُ كَبِير شَيْء، بل كَانَ لَهُ أَن لَا يرد هَذِه الْأَحَادِيث الْمُتَقَدّمَة الذّكر كلهَا؛ لِأَنَّهَا فِي التَّرْغِيب، وَلَيْسَت من أَحَادِيث الْأَحْكَام، وَلكنه مَعَ ذَلِك لم يقبلهَا، فَكَانَ ذَلِك مِنْهُ صَوَابا.
(1443) وَحَدِيث الفراسي فِي " مَاء الْبَحْر ".
رده بِأَن قَالَ: مُسلم بن مخشي، لَا أعلم روى عَنهُ إِلَّا بكر بن سوَادَة.
(1444) وَحَدِيث: " فطر الْمُسَافِر على ثَلَاثَة أَمْيَال ".(4/23)
رده بِأَن قَالَ: مَنْصُور الْكَلْبِيّ لَا أعلم روى عَنهُ إِلَّا أَبُو الْخَيْر.
(1445) وَحَدِيث: " ثَلَاث من أصل الْإِيمَان ".
رده بِأَن قَالَ: يزِيد بن أبي نشيبة رجل من بني سليم، لم يرو عَنهُ إِلَّا جَعْفَر بن برْقَان.
(1446) وَحَدِيث قصَّة ثَقِيف ومحاصرة صَخْر إيَّاهُم.
رده بِأَن قَالَ: عُثْمَان بن أبي حَازِم، لَا أعلم روى عَنهُ إِلَّا أبان بن عبد الله.
(1447) وَحَدِيث غَزْو النِّسَاء وإسهامهن.
رده بِأَن قَالَ: حشرج بن زِيَاد، لَا أعلم روى عَنهُ إِلَّا رَافع بن سَلمَة بن زِيَاد.
(1448) وَحَدِيث معيقيب فِي خَاتم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.(4/24)
رده بِأَن قَالَ: فِيهِ إِيَاس بن الْحَارِث، لَا أعلم روى عَنهُ إِلَّا نوح بن ربيعَة.
وَمَا عمل بِهِ من هَذَا، هُوَ الصَّوَاب، لَا مَا عمل بِهِ من تَصْحِيح أَحَادِيث جمَاعَة من هَذَا الصِّنْف، حسب مَا يتَبَيَّن فِي هَذَا الْبَاب إِن شَاءَ الله تَعَالَى، والضعيف الَّذِي أنبه عَلَيْهِ إِن شَاءَ الله فِي هَذَا الْبَاب مِمَّا سكت عَنهُ،(4/25)
هُوَ، ضَعِيف إِمَّا بِضعْف راو من رُوَاته، وَإِمَّا بِكَوْنِهِ مَجْهُولا الْبَتَّةَ عينه وحاله، وَإِمَّا بالانقطاع، أَو الإعضال، أَو الْإِرْسَال.
وكل ذَلِك قد تقدم التَّنْبِيه عَلَيْهِ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة وَهِي مُنْقَطِعَة أَو مُرْسلَة - وَإِمَّا باضطراب فِي مَتنه، وَأما الِاضْطِرَاب فِي الْإِسْنَاد، فَلَا نعده عَلَيْهِ، وَلَا نؤاخذه بِهِ، إِلَّا أَن يكون الَّذِي اضْطَرَبَتْ رِوَايَته وَاخْتلف مَا جَاءَ عَنهُ، من لم تثبت لدينا عَدَالَته: إِمَّا من المساتير، وَإِمَّا من مجهولي الْأَحْوَال، فَإِنَّهُ إِذا كَانَ كَذَلِك، كَانَ اضطرابه زِيَادَة فِي ضعف الحَدِيث.
وأقبح مَا يكون التَّضْعِيف لأحاديث - سكت عَنْهَا - إِذا كَانَ بِأحد مِمَّن قد قدم هُوَ فِيهِ التَّضْعِيف ورد رِوَايَته، وَلم يبين فِيمَا يسكت عَنهُ أَنه من رِوَايَته.
وسترى لَهُ من ذَلِك كثيرا فِي هَذَا الْبَاب، وَأَقل مَا كَانَ يلْزمه أَن يُنَبه على كَون الحَدِيث من رِوَايَة أحدهم، وَإِن لم يعد القَوْل فِيهِ.
وَكثير من الْأَحَادِيث الَّتِي صححها بسكوته، اعتراه ذَلِك فِيمَا يخفى التجريح عَلَيْهِ فِي بعض رواتها، إِمَّا فِيمَن قد وَثَّقَهُ موثق، أَو موثقون، وَإِمَّا فِي المساتير، فعثر بِهَذَا الْبَحْث على التجريح فيهم، فَإِن كَانَ مُفَسرًا فَالْخَبَر ضَعِيف، لوُجُوب تَقْدِيم جرح المجرح على تَعْدِيل الْمعدل، وَإِن كَانَ غير مُفَسّر فَالْحَدِيث حسن، للِاخْتِلَاف فِي راو رُوَاته، ويفترق الْأَمر فِي هَذَا فِي حق من وَثَّقَهُ موثق أَو موثقون، وَمن هُوَ من المساتير، فَإِنَّهُ إِذا جرح من قد وَثَّقَهُ قوم بِجرح غير مُفَسّر، لم يَنْبغ أَن يسمع فِيهِ ذَلِك الْجرْح مَا لم يُفَسر، فَإِنَّهُ لَعَلَّه قد جرحه بِمَا لَا يرَاهُ غَيره تجريحا.
أما فِي المساتير فيضرهم، فَإنَّا قد كُنَّا تاركين لرواياتهم للْجَهْل بأحوالهم(4/26)
فَكيف وَقد سمع فِيهِ التجريح، وَمن لَا يَبْتَغِي على الْإِسْلَام مزيدا لَا أرَاهُ يقبل أَحَادِيث من قد سمع فِيهِ الْجرْح غير الْمُفَسّر.
وَلست أَدعِي - فِيمَا أنبه عَلَيْهِ فِي جَمِيع هَذَا الْبَاب، وأزعم أَنه لَيْسَ بِصَحِيح أَو حسن، كَمَا ذهب إِلَيْهِ أَبُو مُحَمَّد - أَنِّي مُصِيب فِيمَا ذهبت إِلَيْهِ من ذَلِك، وَلكنه مبلغ علمي، بعد بحث يغلب لأَجله الظَّن.
وَإِن لم يكن الْأَمر فِي بَعْضهَا كَمَا ذهبت، فقد حصلت بِهِ فَائِدَة الانبعاث للنَّظَر الْمُعَرّف بخطئي أَو صوابي.
وكل مَا ذكرته فِي هَذَا الْبَاب فَإِنَّمَا تبِعت فِيهِ نسق التصنيف، وَلم أرتبه بِحَسب هَذَا النَّوْع، لِأَنِّي لم آمن التَّدَاخُل فِيهِ، فقد يكون فِي الحَدِيث الْوَاحِد، الضَّعِيف والمجهول، والضعيف والمستور، والمجهول والمستور، فَلذَلِك آثرت سوقها على نسق التصنيف، وَهَذَا حِين أبتدئ مستعينا بِاللَّه سُبْحَانَهُ.
(1449) ذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن أبي الدَّرْدَاء، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من سلك طَرِيقا يطْلب فِيهِ علما 000 " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: خرج مُسلم من أول هَذَا الحَدِيث إِلَى قَوْله: " من طرق الْجنَّة ".
لم يزدْ على هَذَا، وَرَأَيْت فِي بعض النّسخ: خرج مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة من أول هَذَا الحَدِيث إِلَى قَوْله: " من طرق الْجنَّة ".
وَزِيَادَة " عَن أبي هُرَيْرَة " صَوَاب، يسلم بِهِ الحَدِيث من خلل يُعْطِيهِ الْكَلَام دونهَا من الإرداف لما هُوَ من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة على مَا هُوَ من رِوَايَة(4/27)
أبي الدَّرْدَاء، وَلَيْسَ هَذَا الْآن بمقصود، فَإنَّا قد فَرغْنَا من التَّنْبِيه عَلَيْهِ فِي الْبَاب الْمَعْقُود لذَلِك ولأمثاله من الْقسم الأول من هَذَا الْكتاب.
وَالْمَقْصُود بَيَانه الْآن، هُوَ أَن حَدِيث أبي الدَّرْدَاء هَذَا، سكت عَنهُ متسامحا فِيهِ، لِأَنَّهُ من رغائب الْأَعْمَال، فَوَجَبَ بَيَان أمره، ليعلم أَنه لَيْسَ من الصَّحِيح.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُسَدّد، حَدثنَا عبد الله بن دَاوُد، قَالَ: سَمِعت عَاصِم بن رَجَاء بن حَيْوَة، يحدث عَن دَاوُد بن جميل، عَن كثير بن قيس، قَالَ: كنت جَالِسا مَعَ أبي الدَّرْدَاء، فَذكر الحَدِيث.
دَاوُد بن جميل وَكثير بن قيس، لَا يعلمَانِ فِي غير هَذَا الحَدِيث، وَلَا يعلم روى عَن كثير غير دَاوُد، والوليد بن مرّة، وَلَا يعلم روى عَن دَاوُد بن جميل، غير عَاصِم بن رَجَاء، وَقد نَص البزارعلى مَا قُلْنَا من هَذَا.
وَلما ذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله قَالَ: " عَاصِم بن رَجَاء وَمن فَوْقه إِلَى أبي الدَّرْدَاء ضعفاء، وَلَا يثبت ".
وَقَالَ أَيْضا: " دَاوُد بن جميل مَجْهُول ".
وَزِيَادَة إِلَى هَذَا اضْطِرَاب عَاصِم بن رَجَاء فِيهِ، فَعنده فِي ذَلِك ثَلَاثَة أَقْوَال:
أَحدهَا: قَول عبد الله بن دَاوُد هَذَا الَّذِي تقدم.
وَالثَّانِي: قَول أبي نعيم: عَن عَاصِم بن رَجَاء، عَمَّن حَدثهُ عَن كثير بن قيس.
وَالثَّالِث: قَول مُحَمَّد بن يزِيد الوَاسِطِيّ: عَن عَاصِم بن رَجَاء، عَن كثير(4/28)
ابْن قيس، لم يذكر بَينهمَا أحدا.
وَغير الدَّارَقُطْنِيّ، يَقُول فِي عَاصِم بن رَجَاء: إِنَّه لَا بَأْس بِهِ، قَالَه أَبُو زرْعَة.
والمتحصل من عِلّة الْخَبَر، هُوَ الْجَهْل بِحَال رَاوِيَيْنِ من رُوَاته، وَالِاضْطِرَاب فِيهِ مِمَّن لم تثبت عَدَالَته.
(1450) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " خصلتان لَا تجتمعان فِي مُنَافِق، حسن سمت وَلَا فقه فِي الدَّين ".
ثمَّ سكت عَنهُ، وَاحْتمل سُكُوته أَن يكون صَححهُ، وَأَن يكون سمح فِيهِ،(4/29)
مُعْتَقدًا أَنه لَيْسَ فِيهِ تَكْلِيف، وَالْأول أظهر من حَاله لوَجْهَيْنِ:
أَحدهمَا: بَيَان مُقْتَضَاهُ الدَّاخِل فِي بَاب التَّكْلِيف دُخُولا بَينا، وَذَلِكَ أَنه جعل هَاتين الخصلتين مبرئتين للمتصف بهما من النِّفَاق.
وَالثَّانِي: أَنه لما أوردهُ فِي كِتَابه الْكَبِير اعتنى من إِسْنَاده بِذكر خلف بن أَيُّوب رَاوِيه، فَقَالَ: روى عَنهُ أَبُو كريب، وَمُحَمّد بن مقَاتل، وَأَبُو معمر، وَإِن ابْن أبي حَاتِم سَأَلَ عَنهُ أَبَاهُ فَقَالَ: " يرْوى عَنهُ ".
فَكَانَ هَذَا من فعله يدل على أَنه قبله بِاعْتِبَار رِوَايَة جمَاعَة عَنهُ، وَأَنه لم يضعف، وَقد خَفِي عَلَيْهِ من أمره مَا نذكرهُ بعد إِسْنَاد الْخَبَر.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَبُو كريب: مُحَمَّد بن الْعَلَاء، حَدثنَا خلف بن أَيُّوب العامري، عَن عَوْف، عَن ابْن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة، فَذكره.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: " هَذَا حَدِيث غَرِيب، لَا نعرفه من حَدِيث عَوْف إِلَّا من رِوَايَة هَذَا الشَّيْخ: خلف بن أَيُّوب، وَلم أر أحدا يروي عَنهُ غير أبي كريب وَلَا أَدْرِي كَيفَ هُوَ؟ ". انْتهى كَلَام التِّرْمِذِيّ.
فَأَقُول - وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق - هَذَا الرجل مرجئ، ويروي عَن قيس، وعَوْف الْأَعرَابِي، الْمَنَاكِير، قَالَه أَحْمد بن حَنْبَل، ذكر ذَلِك عَنهُ الْعقيلِيّ، وَضَعفه أَيْضا ابْن معِين.
وَبَعض هَذَا كَاف فِيمَن لم يوثقه أحد.(4/30)
(1451) وَذكر عَن عبَادَة بن الصَّامِت، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَيْسَ منا مَا لم يجل كَبِيرنَا " الحَدِيث من طَرِيق ابْن وهب.
ثمَّ قَالَ: خرجه أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ فِي بَيَان الْمُشكل.
هَكَذَا أوردهُ وَسكت عَنهُ، وَإِسْنَاده عِنْد الطَّحَاوِيّ هُوَ هَذَا: حَدثنَا يُونُس ابْن عبد الْأَعْلَى، وَمُحَمّد بن عبد الله بن عبد الحكم، قَالَا: حَدثنَا عبد الله بن وهب، أَخْبرنِي مَالك بن الْخَيْر الزبادي عَن أبي قبيل عَن عبَادَة فَذكره.
وَمَالك بن الْخَيْر الزبادي، رَوَت عَنهُ جمَاعَة، مِنْهُم ابْن وهب، وحيوة بن شُرَيْح، وَزيد بن الْحباب، وَبِهَذَا الِاعْتِبَار سكت عَنهُ، وَهُوَ مِمَّن لم تثبت عَدَالَته، فَاعْلَم ذَلِك.
(1452) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن أبي سعيد، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ:(4/31)
" إِن النَّاس لكم تبع، وَإِن رجَالًا يأتونكم من أقطار الأَرْض يتفقهون فِي الدَّين 000 " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ ضَعِيف، فَإِنَّهُ من رِوَايَة أبي هَارُون الْعَبْدي، واسْمه عمَارَة بن جُوَيْن عَن أبي سعيد.
قَالَ حَمَّاد بن زيد: كَانَ أَبُو هَارُون كذابا، يروي بِالْغَدَاةِ شَيْئا وبالعشي شَيْئا.
وَقَالَ فِيهِ ابْن حَنْبَل: لَيْسَ بِشَيْء. وَعنهُ أَيْضا: لَا يكْتب حَدِيثه.
وَقَالَ شُعْبَة: كنت أتلقى الركْبَان أسأَل عَنهُ، فَلَمَّا قدم أَتَيْته فَرَأَيْت عِنْده(4/32)
كتابا فِيهِ أَشْيَاء مُنكرَة فِي عَليّ. فَقلت: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: هَذَا الْكتاب حق.
وَقَالَ أَيْضا: لَو شِئْت أَن يحدثني عَن أبي سعيد بِكُل شَيْء لفعل.
وَقَالَ أَيْضا: لِأَن أقدم فَتضْرب عنقِي أحب إِلَيّ من أَن أَقُول: حَدثنَا أَبُو هَارُون الْعَبْدي.
وَقَالَ ابْن معِين: كَانَت عِنْده صحيفَة يَقُول: هَذِه صحيفَة الْوَصِيّ. وَكَانَ عِنْدهم لَا يصدق فِي حَدِيثه.
وَقَالَ البُخَارِيّ: تَركه الْقطَّان.
وَأَقل مَا كَانَ يلْزم أَبَا مُحَمَّد التَّنْبِيه على كَون الحَدِيث الْمَذْكُور من رِوَايَته.
فَإِنَّهُ قد ذكر هُوَ حَدِيث أبي سعيد أَن النَّبِي قَالَ:
(1453) " من أصبح وَلم يُوتر فَلَا وتر لَهُ ".
فَقَالَ بعده: أَبُو هَارُون ضَعِيف عِنْدهم، وَقد حدث عَنهُ الثِّقَات، وَيذكر فِيهِ تشيع، ثمَّ ذكر عَن شُعْبَة مَا ذَكرْنَاهُ فِي أَمر عَليّ.
وَإِن كَانَ اعْتقد فِي هَذَا الحَدِيث أَنه لَيْسَ فِيهِ أَمر وَلَا نهي فقد أَخطَأ، لِأَنَّهُ مُصَرح فِيهِ بِالْأَمر بالاستيصاء بالمتفقهة خيرا.(4/33)
وَلِهَذَا الْمَعْنى إِسْنَاد جيد غير هَذَا، سَنذكرُهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا صَحِيحَة وَهِي ضَعِيفَة، وَلها طرق أخر صَحِيحَة أَو حَسَنَة.
(1454) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي قَالَ: بَيْنَمَا نَحن عِنْد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذْ جَاءَ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أخبرنَا عَن ثِيَاب الْجنَّة، أخلق تخلق أم نَسِيج تنسج؟ " الحَدِيث.(4/34)
وَسكت عَنهُ وَهُوَ ضَعِيف.
وَإِسْنَاده هُوَ هَذَا: أخبرنَا عَمْرو بن مَنْصُور قَالَ: حَدثنَا حرمي بن حَفْص، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن علاثة، قَالَ: حَدثنِي الْعَلَاء بن عبد الله، أَن الحنان بن خَارِجَة حَدثهُ عَن عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي، قَالَ: بَينا نَحن عِنْد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذكره.
وَرَوَاهُ عَن الْعَلَاء بن عبد الله مُحَمَّد بن مُسلم بن أبي الوضاح فَجمع حديثين.
قَالَ الْبَزَّار: حَدثنَا بشر بن آدم، قَالَ: حَدثنَا أَبُو دَاوُد، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد ابْن مُسلم بن أبي الوضاح، قَالَ: حَدثنَا الْعَلَاء بن عبد الله بن رَافع، عَن حنان بن خَارِجَة، عَن عبد الله بن عَمْرو، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِي إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أخبرنَا عَن الْهِجْرَة، أَهِي لَك حَيْثُ مَا كنت، أَو إِلَيْك خَاصَّة، أَو إِلَى أَرض مَعْرُوفَة، أَو إِذا مت انْقَطَعت؟ فَسكت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَاعَة، ثمَّ قَالَ: " أَيْن السَّائِل؟ "، قَالَ: أَنا ذَا يَا رَسُول الله، قَالَ: " الْهِجْرَة أَن تهجر الْفَوَاحِش مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن، ثمَّ أَنْت مهَاجر وَإِن مت بِالْمِصْرِ ".
قَالَ: وَقَالَ عبد الله: وَقَامَ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أخبرنَا عَن ثِيَاب أهل الْجنَّة، الحَدِيث.
فَاعْلَم الْآن، أَن حنان بن خَارِجَة مَجْهُول، لَا تعرف لَهُ حَال، وَلَا يعرف روى عَنهُ غير الْعَلَاء بن عبد الله، وَضبط اسْمه حنان - بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالنُّون الْخَفِيفَة وَالْألف، بعْدهَا نون ثَانِيَة - وَيُقَال فِيهِ: حنان بن عبد الله بن خَارِجَة.(4/35)
والْعَلَاء بن عبد الله الْمَذْكُور، شيخ جزري، يروي عَنهُ مُحَمَّد بن مُسلم بن أبي الوضاح، وَمُحَمّد بن عبد الله بن علاثة، وجعفر بن برْقَان، وَهُوَ أَيْضا لَا تعرف حَاله، وَإِن كَانُوا قد قَالُوا: يكْتب حَدِيثه.
وَعلة الْخَبَر على كل مَذْهَب هِيَ الْجَهْل بِحَال حنان بن خَارِجَة الْمَذْكُور.
وَقد ذكر لَهُ أَبُو دَاوُد حَدِيثا ثَالِثا من رِوَايَة مُحَمَّد بن مُسلم بن أبي الوضاح الْمَذْكُور، عَن الْعَلَاء بن عبد الله، عَن حنان، عَن عبد الله بن عَمْرو، قلت: يَا رَسُول الله، أَخْبرنِي عَن الْجِهَاد والغزو، فَقَالَ:
(1455) " إِن قَاتَلت صَابِرًا محتسبا، بَعثك الله صَابِرًا محتسبا " الحَدِيث.
وَمَا مِنْهَا شَيْء يَصح فَاعْلَم ذَلِك.
(1456) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ(4/36)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من تعلم علما مِمَّا يَبْتَغِي بِهِ وَجه الله تَعَالَى 000 " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث فِي إِسْنَاده فليح بن سُلَيْمَان، وَهُوَ - وَإِن كَانَ البُخَارِيّ قد أخرج لَهُ - ضَعِيف، مِمَّن عيب عَلَيْهِ الْإِخْرَاج عَنهُ، وَأرَاهُ كَانَ حسن الرَّأْي فِيهِ، فَإِنَّهُ قد تجنب الداروردي، فَلم يخرج عَنهُ إِلَّا مَقْرُونا بِغَيْرِهِ وَهُوَ أثبت عِنْدهم من فليح.
قَالَ ابْن معِين فِي فليح: " لَا يحْتَج بِهِ، هُوَ دون الدَّرَاورْدِي ".
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: " لَيْسَ بِشَيْء ". روى ذَلِك عَنهُ الرَّمْلِيّ.
وَقَالَ السَّاجِي: إِنَّه يهم، وَإِن كَانَ من أهل الصدْق.
وأضعف مَا رمي بِهِ مَا ذكر عَن يحيى بن معِين، عَن أبي كَامِل: مظفر بن مدرك قَالَ: كُنَّا نتهمه لِأَنَّهُ كَانَ يتَنَاوَل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.(4/37)
وَقد اطرد عمل أبي مُحَمَّد فِي سُكُوته عَمَّا يروي فليح هَذَا.
(1457) فَمن ذَلِك حَدِيث فِي الْحَج، فِي صلَاته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْكَعْبَة، بِزِيَادَة استقباله بِوَجْهِهِ مَا يستقبلك إِذا ولجت. ذكره من عِنْد البُخَارِيّ أَيْضا.
(1458) وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة: " إِن فِي الْجنَّة مائَة دَرَجَة، مَا بَين الدرجتين كَمَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض، أعدهَا الله للمجاهدين ".
هُوَ أَيْضا عِنْد البُخَارِيّ من رِوَايَة فليح.
(1459) وَحَدِيث " هَل فِيكُم أحد لم يقارف اللَّيْلَة؟ ".
هُوَ أَيْضا من عِنْد البُخَارِيّ من رِوَايَة فليح، عَن هِلَال بن عَليّ، عَن أنس.
(1460) وَحَدِيث جَابر فِي الصَّلَاة فِي الثَّوْب الْوَاحِد: " فَإِن كَانَ وَاسِعًا فالتحف بِهِ، وَإِن كَانَ ضيقا فَخَالف بَين طَرفَيْهِ ".
هُوَ أَيْضا من عِنْد البُخَارِيّ من رِوَايَة فليح.(4/38)
(1461) وَحَدِيث أبي حميد: " كَانَ إِذا سجد أمكن أَنفه وجبهته من الأَرْض ".
قنع فِيهِ بتصحيح التِّرْمِذِيّ لَهُ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة فليح.
(1462) وَحَدِيث مُخَالفَة الطَّرِيق فِي الْعِيدَيْنِ عِنْد البُخَارِيّ،(4/39)
وَالتِّرْمِذِيّ.
وَهُوَ أَيْضا من رِوَايَة فليح.
وَاعْلَم أَن الحَدِيث الْمَذْكُور فِيمَن تعلم علما مِمَّا يبتغى بِهِ وَجه الله، يرْوى من حَدِيث ابْن عمر بِإِسْنَاد حسن، نَكْتُبهُ إِن شَاءَ الله فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا ضَعِيفَة، وَلها طرق صَحِيحَة، أَو حَسَنَة فَاعْلَم ذَلِك.
(1463) وَذكر حَدِيث: " من سُئِلَ عَن علم فكتمه، ألْجمهُ الله بلجام من نَار " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَقد بَينا انْقِطَاعه فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة، وَهِي مُرْسلَة، أَو مُنْقَطِعَة.(4/40)
وَسَنذكر لَهُ إِسْنَادًا سليما من الِانْقِطَاع، بِرِوَايَة ثِقَات، فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا صَحِيحَة، وَهِي ضَعِيفَة، وَلها طرق أخر صَحِيحَة، أَو حَسَنَة، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(1464) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ:(4/41)
سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " نضر الله امْرأ سمع منا شَيْئا " الحَدِيث.
وقنع مِنْهُ بتصحيح التِّرْمِذِيّ، وَلم يُنَبه على أَنه من رِوَايَة سماك بن حَرْب، وَقد تكَرر لَهُ تَصْحِيح مَا يرويهِ سماك بن حَرْب فِي أَحَادِيث.
(1465) مِنْهَا حَدِيث جَابر بن سَمُرَة فِي " صَلَاة الظّهْر إِذا دحضت الشَّمْس ".
(1466) وَحَدِيث النُّعْمَان بن بشير: " كَانَ يُسَوِّي صُفُوفنَا كَأَنَّمَا يُسَوِّي بهَا القداح ".(4/42)
(1467) وَحَدِيث: " يقْرَأ فِي الظّهْر بسبح، وَفِي الصُّبْح أطول من ذَلِك ".
(1468) وَحَدِيث: " يقْرَأ فِي الْفجْر بقاف، وَكَانَت صلَاته بعد تَخْفِيفًا ".
(1469) وَحَدِيث: " الْجُلُوس فِي الْمصلى حَتَّى تطلع الشَّمْس ".
(1470) وَحَدِيث: " من قَالَ: كَانَ يخْطب جَالِسا فقد كذب ".
(1471) وَحَدِيث: " كَانَت صلَاته قصدا، وخطبته قصدا ".(4/43)
(1472) وَحَدِيث: " ركُوبه عَلَيْهِ السَّلَام فِي جَنَازَة ابْن الدحداح ".
(1473) وَحَدِيث: " رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقد شمط مقدم رَأسه ".
(1474) وَحَدِيث: " إِنَّهَا لَيست الدَّوَاء، وَلكنهَا الدَّاء ".(4/44)
(1475) وَحَدِيث الَّذِي قتل نَفسه بمشاقص فَلم يصل عَلَيْهِ.
(1476) وَحَدِيث: " اسمعوا وَأَطيعُوا، فَإِنَّمَا عَلَيْهِم مَا حملُوا وَعَلَيْكُم مَا حملتم ".
(1477) وَحَدِيث: " إِنِّي لأعرف حجرا بكمة كَانَ يسلم عَليّ قبل أَن أبْعث، إِنِّي لأعرفه الْآن ".
كل هَذِه من عِنْد مُسلم بن الْحجَّاج.
وَأما مَا أورد من عِنْد غَيره فَحَدِيث:(4/45)
(1478) " إِذا استوينا كبر ".
(1479) وَحَدِيث فِي: " الْقِرَاءَة فِي الظّهْر وَالصُّبْح ".
(1480) وَحَدِيث عَليّ: " بَعَثَنِي إِلَى الْيمن قَاضِيا ".
وَلم يعين أَنه من رِوَايَة شريك عَن سماك.
(1481) وَحَدِيث: " إِنَّكُم تختصمون إِلَيّ " بِزِيَادَة: " إِنَّه فَاجر، لَيْسَ(4/46)
يتورع فِي شَيْء ".
(1482) وَحَدِيث ذِي النسعة.(4/47)
(1483) وَحَدِيث النَّاقة الَّتِي مَاتَت، فَقَالَ لصَاحِبهَا: " هَل عنْدك من غنى يُغْنِيك؟ " قَالَ: لَا، " قَالَ: فكلوها ".
(1484) وَحَدِيث: " رَأَيْته مُتكئا على وسَادَة على يسَاره ".(4/48)
(1485) وَحَدِيث: " اشْترى من عير بيعا، وَلَيْسَ عِنْده ثمنه ".
وَلم يعين أَيْضا أَنه من رِوَايَة شريك عَن سماك.
كل هَذِه أوردهَا من عِنْد أبي دَاوُد.
(1486) وَحَدِيث أم هَانِئ: " إِن شِئْت فاقضي، وَإِن شِئْت فَلَا تقضي "(4/49)
فِي صَوْم التَّطَوُّع.
سَاقه من طَرِيق النَّسَائِيّ، وَقَالَ: إِنَّه أحسن أَسَانِيد الْبَاب، وَإِن كَانَ لَا يحْتَج بِهِ.
(1487) وَحَدِيث: " إِنَّكُم منصورون، ومصيبون، ومفتوح لكم ".(4/50)
وَصَححهُ بتصحيح التِّرْمِذِيّ.
(1488) وَحَدِيث: " الْيَهُود مغضوب عَلَيْهِم، وَالنَّصَارَى ضلال ".
من عِنْد التِّرْمِذِيّ، فِي أَحَادِيث ثَوَاب الْقُرْآن وَتَفْسِيره.(4/51)
فَكل هَذِه الْأَحَادِيث، هِيَ عِنْده مسكوت عَنْهَا سكُوت الْمُصَحح، إِلَّا مَا أتبعه تَصْحِيح التِّرْمِذِيّ لَهُ مِنْهَا، وَذَلِكَ الحَدِيث المبدوء بِذكرِهِ، وَهَذَا الَّذِي فِيهِ: " إِنَّكُم منصورون ". وَمَا مِنْهَا شَيْء بَين أَنه من رِوَايَة سماك بن حَرْب، وَأَقل مَا كَانَ يلْزمه فِيهَا بَيَان كَونهَا من رِوَايَته، فقد فعل ذَلِك فِي مَوَاضِع، رُبمَا ضعف بَعْضهَا من أَجله.
(1489) فمما طعن فِيهِ بِكَوْنِهِ من رِوَايَة سماك بن حَرْب، حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي: " إِن المَاء لَا يجنب ".
سَاقه من عِنْد التِّرْمِذِيّ، وَأتبعهُ تَصْحِيحه إِيَّاه، ثمَّ اعْترض هُوَ ذَلِك بِأَن قَالَ: سماك يقبل التَّلْقِين.
(1490) وَحَدِيث الْمَرْأَة الَّتِي خرجت تُرِيدُ الصَّلَاة، فلقيها رجل(4/52)
فتجللها فَقضى حَاجته مِنْهَا.
قَالَ بعده أَيْضا: سماك يقبل التَّلْقِين.
(1491) وَحَدِيث عدي بن حَاتِم فِي " أكل الْكَلْب من الصَّيْد ".
قَالَ بعده أَيْضا: سماك يقبل التَّلْقِين، ذكر ذَلِك النَّسَائِيّ وَغَيره.
(1492) وَحَدِيث أبي الْأَحْوَص، عَن سماك، عَن الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن، عَن أَبِيه، عَن أبي بردة، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " اشربوا فِي الظروف وَلَا تسكروا ".
قَالَ فِيهِ: حَدِيث مُنكر، غلط فِيهِ أَبُو الْأَحْوَص، وَلَا نعلم أحدا تَابعه عَلَيْهِ من أَصْحَاب سماك، وَسماك لَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَكَانَ يقبل التقلين.
(1493) وَلما ذكر فِي الْبيُوع حَدِيث ابْن عمر: كنت أبيع الْإِبِل فِي(4/53)
البقيع، فأبيع بِالدَّنَانِيرِ، وآخذ الدَّرَاهِم، وأبيع بِالدَّرَاهِمِ وآخذ الدَّنَانِير، الحَدِيث.
أتبعه القَوْل فِي سماك واستوعب، فَحكى فِيهِ الْأَقْوَال بالتضعيف بِقبُول التَّلْقِين، واضطراب الحَدِيث، والانفراد بأسانيد لأحاديث لم يسندها غَيره، وَتبين فِي ذَلِك الْموضع أَنه عِنْده ضَعِيف.(4/54)
فَأَما الْأَحَادِيث الَّتِي ذكرهَا وأتبعها التَّنْبِيه على أَنَّهَا من رِوَايَة سماك، من غير تَضْعِيف، اتكالا على مَا فسر فِي هَذِه.
(1494) فَمِنْهَا حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي الرجل الَّذِي أسلم وَأَتَتْ امْرَأَته بعده مسلمة.
أبرز من إِسْنَاده سماكا.
(1495) وَكَذَلِكَ الحَدِيث الَّذِي بعده أَنَّهَا تزوجت، ثمَّ جَاءَ زَوجهَا مُسلما فَردَّتْ إِلَيْهِ.
قَالَ بعده: يرويهِ إِسْرَائِيل، عَن سماك، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس.(4/55)
(1496) وَحَدِيث: " اشربوا فِي السقاء، فَإِن رهبتم [غلمته] فأمدوه بِالْمَاءِ ".
أتبعه أَن قَالَ: وَفِي إِسْنَاده سماك. فَمثل هَذَا من فعله هُوَ صَوَاب، فَأَما سُكُوته عَن الْأَحَادِيث سكُوت الْمُصَحح لَهَا، لَا يبين أَنَّهَا من رِوَايَته فخطأ.
وَإِنَّمَا هِيَ بِهِ إِمَّا حَسَنَة وَإِمَّا ضَعِيفَة.
وَقد وَجب أَن نبين من حَال سماك مَا يعْتَمد فِي جَمِيع مَا تقدم ذكره من أَحَادِيثه فَنَقُول: سماك كُوفِي، أدْرك من الصَّحَابَة جمَاعَة.
قَالَ البُخَارِيّ: عَن مُؤَمل بن إِسْمَاعِيل، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن سماك: أدْركْت ثَمَانِينَ من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَكَانَ ذهب بَصرِي فدعوت الله فَرده عَليّ.
وَقَالَ عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل فِي كِتَابه فِي الْعِلَل: حَدثنَا أبي حَدثنَا مُؤَمل بن إِسْمَاعِيل، حَدثنَا حَمَّاد - يَعْنِي ابْن سَلمَة - قَالَ: سَمِعت سماكا(4/56)
يَقُول: ذهب بَصرِي فَرَأَيْت إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فِي الْمَنَام، فَمسح بِيَدِهِ على عَيْني، فَقَالَ لي: ائْتِ الْفُرَات فاغتمس فِيهِ، وَافْتَحْ عَيْنَيْك فِي المَاء، فَفعلت، فَرد الله عَليّ بَصرِي.
وَثَّقَهُ ابْن معِين وَأَبُو حَاتِم، قيل لِابْنِ معِين: فَمَا الَّذِي عيب عَلَيْهِ؟ قَالَ: أسْند أَحَادِيث لم يسندها غَيره.
وَقَالَ فِيهِ ابْن حَنْبَل: مُضْطَرب الحَدِيث.
وَقَالَ الْكُوفِي: هُوَ تَابِعِيّ جَائِز الحَدِيث، إِلَّا أَنه كَانَ يُخطئ فِي حَدِيث عِكْرِمَة، وَرُبمَا وصل الشَّيْء عَن ابْن عَبَّاس، وَكَانَ الثَّوْريّ يُضعفهُ بعض الضعْف، وَهُوَ جَائِز الحَدِيث، لم يتْرك حَدِيثه أحد، وَكَانَ عَالما بالسير وَأَيَّام النَّاس، وَكَانَ فصيحا.
وَقَالَ النَّسَائِيّ: إِذا انْفَرد بِأَصْل لم يكن حجَّة، لِأَنَّهُ كَانَ يلقن فيتلقن، رُبمَا قيل لَهُ عَن ابْن عَبَّاس.
وَذكر الْعقيلِيّ قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن أَحْمد، قَالَ: حَدثنَا أبي، قَالَ: حَدثنَا الْحجَّاج، قَالَ: قَالَ شُعْبَة: كَانُوا يَقُولُونَ لسماك: عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس، فَيَقُول: نعم، قَالَ شُعْبَة: فَكنت أَنا لَا أفعل ذَلِك بِهِ.(4/57)
وَفِي رِوَايَة عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّاس رُبمَا لقنوه، فَقَالُوا: عَن ابْن عَبَّاس، فَيَقُول: نعم، وَأما أَنا فَلم أكن ألقنه.
وَهَذَا أَكثر مَا عيب بِهِ سماك، وَهُوَ قبُول التَّلْقِين، وَإنَّهُ لعيب يسْقط الثِّقَة بِمن يَتَّصِف بِهِ، وَقد كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِك بالمحدث، تجربة لحفظه وَصدقه، وَرُبمَا لقنوه الْخَطَأ.
كَمَا قد فعلوا بالبخاري حِين قدم بَغْدَاد، وبالعقيلي أَيْضا نَحْو ذَلِك، فالحافظ الفطين يفْطن لما يرْمى بِهِ من ذَلِك، فيصنع مَا صنعا - رَحْمَة الله عَلَيْهِمَا -.
وقصة البُخَارِيّ ذكرهَا أَبُو أَحْمد الْجِرْجَانِيّ فِي كِتَابه فِي أَشْيَاخ البُخَارِيّ.
وقصة الْعقيلِيّ ذكرهَا مسلمة بن الْقَاسِم.
وروى سعيد بن بشير عَن قَتَادَة قَالَ: قَالَ أَبُو الْأسود الدؤَلِي: إِن سرك أَن يكذب صَاحبك فلقنه.
وروى همام، عَن قَتَادَة أَنه قَالَ: " إِذا أردْت أَن يكذب صَاحبك فلقنه ".
وروى مُحَمَّد بن سليم عَن قَتَادَة أَيْضا قَالَ: " إِذا سرك أَن يكذب الرجل فلقنه ".(4/58)
وروى ابْن عون عَن ابْن سِيرِين قَالَ: " إِذا أردْت أَن أكذب لَك فلقني ".
وروى الْمُنْذر بن زِيَاد، عَن أَيُّوب، قَالَ: قَالَ لي ابْن مليكَة: " يَا أَيُّوب إِذا سرك أَن يكذب الْعَالم فلقنه ".
وَقَالَ وهب بن بَقِيَّة: سَمِعت حَمَّاد بن زيد يَقُول: لقنت سَلمَة بن عَلْقَمَة حَدِيثا، فَحَدثني بِهِ، ثمَّ رَجَعَ عَنهُ، فَقَالَ: " إِذا سرك أَن يكذب صَاحبك فلقنه ".
(1497) وَقَالَ أَبُو أَحْمد بن عدي: أخبرنَا زَكَرِيَّا بن يحيى السَّاجِي، قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ، حَدثنَا عَفَّان، حَدثنَا همام، حَدثنَا قَتَادَة، عَن الْحسن، عَن أبي بكرَة قَالَ: " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يتعاطى السَّيْف مسلولا ".
وَكَانَ لقنه هَذَا الحَدِيث إِنْسَان، يُقَال لَهُ بسام، فَلَمَّا فرغ من الحَدِيث قَالَ: وَالله مَا حَدثكُمْ بِهَذَا همام، وَلَا حدث قَتَادَة بِهَذَا هماما، ففكر عَفَّان فِي نَفسه، ثمَّ علم أَنه قد أَخطَأ، فَمد يَده إِلَى لحية بسام، وَقَالَ: ادعوا لي صَاحب الزيغ؛ يافاجر مَا ماص، فَمَا خلصوه إِلَّا 000
(1498) وَقَالَ أَيْضا: حَدثنَا الْحسن بن سُفْيَان، وَمُحَمّد بن الْحُسَيْن بن(4/59)
قُتَيْبَة، وَالْحسن بن عبد الله الْآمِدِيّ، قَالُوا: حَدثنَا عبد الْوَهَّاب بن الضَّحَّاك، قَالَ: حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم، عَن أَبِيه، عَن سهل بن سعد، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَو كَانَ الْقُرْآن فِي إهَاب مَا مسته النَّار ".
سَمِعت عَبْدَانِ الأهوزي يَقُول: - وَذكرت لَهُ هَذَا الحَدِيث - فَقَالَ: رَأَيْت البغداديين يلقنونه عبد الْوَهَّاب فمنعتهم.
(1499) حَدثنَا مُحَمَّد بن حَاتِم الهزهاز المنبجي، حَدثنَا مُوسَى(4/60)
ابْن سُلَيْمَان المنبجي، حَدثنَا بَقِيَّة، عَن الزبيدِيّ، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة فَلَا صَلَاة إِلَّا الْمَكْتُوبَة ".
قَالَ أَبُو أَحْمد: قَالَ لنا مُحَمَّد بن حَاتِم: لقنه أَصْحَاب الحَدِيث فتلقن، ثمَّ رَجَعَ عَنهُ.
(1500) أخبرنَا أَحْمد بن عَليّ بن الْمثنى، حَدثنَا عبد الْغفار بن عبد الله بن الزبير، حَدثنَا عَليّ بن مسْهر، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من أَتَى بَهِيمَة فَاقْتُلُوهُ واقتلوا الْبَهِيمَة ".(4/61)
قَالَ لنا ابْن الْمثنى: بَلغنِي أَن عبد الْغفار رَجَعَ عَنهُ.
وَقَالَ الْحميدِي: قَالَ سُفْيَان - يَعْنِي ابْن عُيَيْنَة - كَانَ فِي حفظه - يَعْنِي فِي حفظ عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل - شَيْء، فَكرِهت أَن ألقنه.
وَلما ذكر يزِيد بن أبي زِيَاد فِي حَدِيث الْبَراء زِيَادَة: " ثمَّ لم يعد " فِي رفع الْيَدَيْنِ، خَافَ عَلَيْهِ ابْن عُيَيْنَة أَيْضا أَن يكون تلقنها مِمَّن لقنه إِيَّاهَا، فحذرت مِنْهُ لاحْتِمَال حَاله لذَلِك.
وَقَالَ الرامَهُرْمُزِي: حَدثنَا عبيد الله، حَدثنَا الْقَاسِم بن نصر، قَالَ: سَمِعت خلف بن سَالم يَقُول: حَدثنِي يحيى بن سعيد قَالَ: قدمت الْكُوفَة وَبهَا ابْن عجلَان، وَبهَا مِمَّن يطْلب الحَدِيث مليح بن وَكِيع، وَحَفْص بن غياث، وَعبد الله بن إِدْرِيس، ويوسف بن خَالِد السَّمْتِي، فَقُلْنَا: نأتي ابْن عجلَان، فَقَالَ يُوسُف بن خَالِد: نقلب على هَذَا الشَّيْخ حَدِيثه فَنَنْظُر تفهمه، قَالَ: فقلبوا، فَجعلُوا مَا كَانَ عَن سعيد، عَن أَبِيه، وَمَا كَانَ عَن أَبِيه، عَن سعيد، لَكِن ابْن إِدْرِيس تورع، وَجلسَ بِالْبَابِ، وَقَالَ: لَا أستحل، وَجَلَست مَعَه، وَدخل حَفْص ويوسف ومليح، فَسَأَلُوهُ فَمر فِيهَا، فَلَمَّا كَانَ عِنْد آخر الْكتاب، انتبه الشَّيْخ فَقَالَ: أعد الْعرض، فَعرض عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا سَأَلْتُمُونِي عَن أبي، فقد حَدثنِي سعيد بِهِ، وَمَا سَأَلْتُمُونِي عَن سعيد، فقد حَدثنِي بِهِ أبي، ثمَّ أقبل على يُوسُف بن خَالِد فَقَالَ: إِن كنت أردْت شيني وعيبي، فسلبك الله الْإِسْلَام، وَأَقْبل على حَفْص فَقَالَ: ابتلاك الله فِي دينك ودنياك، وَأَقْبل على مليح فَقَالَ: لَا نفعك الله بعلمك.(4/62)
قَالَ يحيى: فَمَاتَ مليح وَلم ينْتَفع بِهِ، وابتلي حَفْص فِي بدنه بالفالج وَفِي دينه بِالْقضَاءِ، وَلم يمت يُوسُف حَتَّى اتهمَ بالزندقة.
وَأما قصَّة البُخَارِيّ، فَقَالَ أَبُو أَحْمد بن عدي: سَمِعت عدَّة مَشَايِخ يحكون أَنه قدم بَغْدَاد، فَاجْتمع إِلَيْهِ أَصْحَاب الحَدِيث، فعمدوا إِلَى مائَة حَدِيث فقلبوا متونها وأسانيدها؛ جعلُوا متن هَذَا الْإِسْنَاد لإسناد آخر، وَإسْنَاد هَذَا الْمَتْن لمتن آخر، ودفعوا إِلَى عشرَة، لكل رجل عشرَة أَحَادِيث، فَحَضَرَ مَجْلِسه جمَاعَة من أَصْحَاب الحَدِيث من الغرباء، من أهل خُرَاسَان، وَغَيرهم من البغداديين، فَمَا اطْمَأَن الْمجْلس، انتدب من الْعشْرَة رجل فَسَأَلَهُ عَن عشرته حَدِيثا حَدِيثا، وَيَقُول البُخَارِيّ فِي كل وَاحِد: لَا أعرفهُ، ثمَّ فعل بَقِيَّة الْعشْرَة بِمَا عِنْدهم كَذَلِك.
فَلَمَّا علم البُخَارِيّ أَنهم فرغوا، الْتفت إِلَى الأول فَقَالَ: أما حَدِيثك الأول فَهُوَ كَذَا، حَتَّى أصلح لجميعهم مَا سَأَلُوا عَنهُ مقلوبا، ورد متون الْأَحَادِيث إِلَى إسانيدها، وَأقر لَهُ من حضر بِالْحِفْظِ وَالْعلم.
وأوردتها مختصرة وَلم أعْتَمد سِيَاقه لَكِن مَعْنَاهُ.
وَأما قصَّة الْعقيلِيّ، فَقَالَ مسلمة بن الْقَاسِم - عِنْد ذكره أَبَا جَعْفَر مُحَمَّد بن عَمْرو ابْن مُوسَى بن حَمَّاد بن مدرك الْعقيلِيّ -: كَانَ مكيا، ثِقَة، جليل الْقدر، عَظِيم الْخطر، عَالما بِالْحَدِيثِ، مَا رَأَيْت أحدا من أهل زَمَاننَا أعرف بِالْحَدِيثِ مِنْهُ، وَلَا أَكثر جمعا، وَكَانَ كثير التَّأْلِيف، عَارِفًا بالتصنيف، وَكَانَ كل من أَتَاهُ من أَصْحَاب الحَدِيث ليقْرَأ عَلَيْهِ " قَالَ لَهُ: اقْرَأ كتابك فَكَانَ يقْرَأ عَلَيْهِ وَلَا يخرج(4/63)
أَصله، فأنكرنا ذَلِك عَلَيْهِ " وتكلمنا فِي أمره، فَقُلْنَا: إِمَّا أَن يكون من أحفظ النَّاس، أَو أكذب النَّاس، وَاجْتمعت مَعَ نفر من أَصْحَاب الحَدِيث، فاتفقنا على أَن نكتب لَهُ أَحَادِيث من أَحَادِيثه ونزيد فِيهَا وننقص، ونقرؤها عَلَيْهِ، فَإِن هُوَ علم بهَا وَأصْلح من حفظه، عرفنَا أَنه من أوثق النَّاس وأحفظهم، وَإِن لم يفْطن للزِّيَادَة وَالنُّقْصَان، علمنَا أَنه من أكذب النَّاس، فاتفقنا على ذَلِك، فأخذنا أَحَادِيث من رِوَايَته، فبدلنا مِنْهَا ألفاظا، وزدنا فِيهَا ألفاظا، وَتَركنَا مِنْهَا أَحَادِيث صَحِيحَة، ثمَّ أَتَيْنَا بهَا مَعَ أَصْحَاب لنا من أهل الحَدِيث، فَقُلْنَا لَهُ: أصلحك الله، هَذِه أَحَادِيث من روايتك، أردنَا سماعهَا وقراءتها عَلَيْك، فَقَالَ لي: اقْرَأ، فقرأتها عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَتَت الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان، فطن لذَلِك، فَأخذ مني الْكتاب وَأخذ الْقَلَم فأصلحها من حفظه، وَألْحق النُّقْصَان، وَضرب على الزِّيَادَة، وصححها كَمَا كَانَت، ثمَّ قَرَأَهَا علينا، فانصرفنا من عِنْده وَقد طابت أَنْفُسنَا، وَعلمنَا أَنه من أحفظ النَّاس.
فَهَذَا كَانَ شَأْنهمْ فِي الاختبار بالتلقين، فَمن يفْطن لما يرْمى بِهِ يوثق، وَمن يَتَلَقَّن وَلَا يفْطن لما لقن من الْخَطَأ، تسْقط الثِّقَة بِهِ إِذا تكَرر ذَلِك مِنْهُ، وَمن شهد عَلَيْهِ بالتلقين لما هُوَ خطأ، وَكَانَ ذَلِك مِنْهُ مرّة، ترك ذَلِك الحَدِيث من حَدِيثه، وَمن شهد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ كَانَ يَتَلَقَّن، وَلم نعلم من حَاله أَنه كَانَ يفْطن أَو لَا يفْطن، هَذَا مَوضِع نظر.
وَهَذِه حَال سماك، لَا كهشام بن عمار وَمن يُشبههُ، فقد قَالَ أَبُو حَاتِم: إِنَّه لما كبر تغير، فَكَانَ كل مَا دفع إِلَيْهِ قَرَأَهُ، وكل مَا لقن تلقن.(4/64)
فَهَذَا حَال من يتْرك حَدِيثه. وَالله أعلم.
وروى عَبَّاس الدوري فِي كِتَابه عَن ابْن معِين قَالَ: قيل لَهُ: الرجل يلقن حَدِيثه؟ قَالَ: إِذا كَانَ يعرف أَن أَدخل عَلَيْهِ شَيْء فَلَيْسَ بحَديثه بَأْس، وَإِن لم يكن يعرف إِذا أَدخل عَلَيْهِ فَكَانَ يحيى يكرههُ.
قَالَ: وسمعته، وَقيل لَهُ: الرجل الضَّرِير يكْتب لَهُ ويلقن بعد ويحفظ؟ قَالَ: لَا، إِلَّا أَن يكون قد حفظ من فِيهِ.
وَقد انتهينا إِلَى مَا قصدنا بَيَانه من أَمر سماك، وسكوت أبي مُحَمَّد عَمَّا أورد من حَدِيثه، ومناقضته فِي ذَلِك برد بعض رواياته. وَالله الْمُوفق.
(1501) وَذكر من طَرِيق ابْن أبي شيبَة، عَن زيد بن ثَابت، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّه تَأتِينِي كتب من أنَاس لَا أحب أَن يَقْرَأها كل أحد، فَهَل تَسْتَطِيع أَن تعلم كتاب السريانية ". الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ عِنْد ابْن أبي شيبَة هَكَذَا: حَدثنَا يحيى بن عِيسَى، عَن الْأَعْمَش، عَن ثَابت بن عبيد، عَن زيد بن ثَابت.
وَيحيى بن عِيسَى هَذَا هُوَ الرَّمْلِيّ، الجرار، روى عَنهُ الأخوان: أَبُو بكر، وَعُثْمَان ابْنا أبي شيبَة، وَجَمَاعَة سواهُمَا، وكنيته أَبُو زَكَرِيَّا. وَهُوَ كُوفِي الأَصْل، سكن الرملة، وَكَانَ يخْتَلف إِلَى الْعرَاق.
قَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِشَيْء، وَفِي رِوَايَة عَنهُ: إِنَّه ضَعِيف، وَزَاد فِي رِوَايَة ثَالِثَة: لَا يكْتب حَدِيثه.
قَالَ أَبُو أَحْمد بن عدي: عَامَّة مَا يرويهِ لَا يُتَابع عَلَيْهِ.(4/65)
وَمِنْهُم من يوثقه، وَهُوَ الْكُوفِي، وَقَالَ: فِيهِ تشيع.
وَلِهَذَا الحَدِيث عَن الْأَعْمَش طَرِيق جيد، نذكرهُ - إِن شَاءَ الله - فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي لَهَا طرق خير من الَّتِي ذكرهَا مِنْهَا.
(1502) وَذكر أَيْضا من طَرِيق أبي دَاوُد عَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " نهى عَن الغلوطات ".
هَكَذَا ذكره وَسكت عَنهُ، وَلَا أعلم أَن أحدا من الْمُحدثين يَقُول فِيهِ: صَحِيح.
وَإِسْنَاده عِنْد أبي دَاوُد هُوَ هَذَا: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مُوسَى الرَّازِيّ، حَدثنَا عِيسَى بن يُونُس، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن عبد الله بن سعد عَن الصنَابحِي، عَن مُعَاوِيَة، فَذكره.
قَالَ البُخَارِيّ فِي تَارِيخه: عبد الله بن سعد عَن الصنَابحِي عَن مُعَاوِيَة " نهى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن الغلوطات " قَالَه [لي] إِبْرَاهِيم بن مُوسَى الرَّازِيّ عَن(4/66)
عِيسَى بن يُونُس، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن عبد الله بن سعد.
لم يزدْ البُخَارِيّ فِي تَعْرِيفه بِعَبْد الله بن سعد على هَذَا، وَذكره كَذَلِك ابْن أبي حَاتِم، وَقَالَ: سَمِعت أبي يَقُول: هُوَ مَجْهُول.
وَصدق أبي حَاتِم، وَلَو لم يقل ذَلِك قُلْنَاهُ. وَقد أخبر ابْن أبي حَاتِم بِأَن من يذكرهُ من الرِّجَال خليا من التَّعْدِيل وَالتَّجْرِيح، فَلِأَنَّهُ لم يعرف لَهُ حَالا.
وَأبين مَا هُوَ هَذَا فِيمَن لَا يعرف روى عَنهُ إِلَّا وَاحِد، وَهَذِه حَال عبد الله ابْن سعد هَذَا، فَإِنَّهُ لَا يعرف روى عَنهُ غير الْأَوْزَاعِيّ، وَلَا تعرف لَهُ رِوَايَة لغير هَذَا الحَدِيث.
وَقد ذكره السَّاجِي فِي ضعفاء أهل الشَّام، وَأورد لَهُ هَذَا الحَدِيث، وَقَالَ: ضعفه أهل الشَّام فِي الحَدِيث: وَإِنَّمَا يَعْنِي بذلك - وَالله أعلم - من عدم رِوَايَته وَعدم الْعلم بِحَالهِ. وَالله أعلم.
(1503) وَذكر حَدِيث: " لَو نهيت رجَالًا أَن لَا يَأْتُوا الْحجُون لأتوها ".
وَسكت عَنهُ، وَقد كتبته وبينت علته فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة وَهِي مُنْقَطِعَة أَو مُرْسلَة.
(1504) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ(4/67)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من أُفْتِي بِغَيْر علم، كَانَ إثمه على من أفتاه " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَإِسْنَاده عِنْد أبي دَاوُد هُوَ هَذَا: حَدثنَا سُلَيْمَان بن دَاوُد، حَدثنَا ابْن وهب، حَدثنَا يحيى بن أَيُّوب، عَن بكر بن عَمْرو، عَن عُمَيْر بن أبي نعيمة، عَن أبي عُثْمَان الطنبذي - رَضِيع عبد الْملك بن مَرْوَان - قَالَ: سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة، فَذكره.
وَلَا أَدْرِي كَيفَ سكت عَن هَذَا، وَلَعَلَّه اعْتقد اعتقادا أَخطَأ فِيهِ أَنه لَا حكم فِيهِ، وَهُوَ يسمع تأثيم من أفتى بِغَيْر علم.
وَالَّذِي يضعف بِهِ هَذَا الْخَبَر أُمُور: مِنْهَا عَمْرو بن أبي نعيمة، فَإِنَّهُ مَجْهُول الْحَال، لَا يعرف روى عَنهُ غير بكر بن عَمْرو، وَلَا يعرف لَهُ رِوَايَة غير هَذِه، وَهُوَ مصري.(4/68)
وَبكر بن عَمْرو الْمعَافِرِي، مصري أَيْضا، إِمَام الْمَسْجِد الْجَامِع بِمصْر، يروي عَن أبي عبد الرَّحْمَن الحبلي، ومشرح بن عاهان، وَبُكَيْر بن الْأَشَج، روى عَنهُ حَيْوَة بن شُرَيْح، وَسَعِيد بن أبي أَيُّوب، وَابْن لَهِيعَة، وَيحيى بن أَيُّوب، وَلَا تعلم عَدَالَته، وَإِنَّمَا هُوَ من الشُّيُوخ الَّذين لَا يعْرفُونَ بِالْعلمِ، وَإِنَّمَا وَقعت لَهُم رِوَايَات أخذت عَنْهُم.
بِنَحْوِ ذَلِك وَصفه أَحْمد بن حَنْبَل، فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنهُ فَقَالَ: يرْوى عَنهُ.
وَسُئِلَ عَنهُ أَبُو حَاتِم فَقَالَ: شيخ.
وَأما يحيى بن أَيُّوب، فَهُوَ أَبُو الْعَبَّاس الغافقي، الْمصْرِيّ، وَهُوَ من قد علمت حَاله، وَأَنه لَا يحْتَج بِهِ لسوء حفظه، وَقد عيب على مُسلم إِخْرَاجه، وَمِمَّنْ ضعفه أَحْمد بن حَنْبَل.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَا يحْتَج بِهِ.
وَقد تنَاقض فِيهِ أَبُو مُحَمَّد فَسكت - كَمَا ترى - عَن حَدِيث من رِوَايَته، وتكرر لَهُ ذَلِك فِي أَحَادِيث، وَضعف بِهِ أَحَادِيث، فلنذكر ذَلِك هُنَا حَتَّى نفرغ من حَدِيثه جملَة، كَمَا فعلنَا فِي سماك بن حَرْب.
(1505) فَمن ذَلِك حَدِيث فَيْرُوز الديلمي، أَنه أسلم وَتَحْته أختَان.(4/69)
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ من رِوَايَته من عِنْد أبي دَاوُد.
(1506) وَحَدِيث: " من أم النَّاس فَأصَاب الْوَقْت فَلهُ وَلَهُم، وَمن انْتقصَ(4/70)
من ذَلِك شَيْئا فَعَلَيهِ وَلَا عَلَيْهِم ".
سَاقه من عِنْد أبي دَاوُد وَسكت عَنهُ، وَهُوَ من رِوَايَته.
(1507) وَحَدِيث: " من جلس فِي مُصَلَّاهُ حِين يُصَلِّي الضُّحَى " كَذَلِك.
إِلَّا أَنه - وَالله أعلم - سمح فِيهِ، لِأَنَّهُ فِي ثَوَاب عمل.
(1508) وَحَدِيث: " خير الْخَيل الأدهم الأقرح ".
وَصَححهُ بتصحيح التِّرْمِذِيّ لَهُ.(4/72)
(1509) وَذكر حَدِيث الْأَعرَابِي الَّذِي قَالَ لَهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " اختر، قَالَ: عمرك الله بيعا ".(4/73)
زَاد فِيهِ زِيَادَة: " مِمَّن أَنْت؟ قَالَ: من قُرَيْش ".
وَهِي من رِوَايَة يحيى بن أَيُّوب، وَفِيه مَعَ ذَلِك أَبُو الزبير عَن جَابر، وَلم يبين شَيْئا من ذَلِك.
(1510) وَذكر مُرْسل أبي الزبير، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يُؤْخَذ من الْمعَاهد آخر أمريه إِذا كَانَ يعقل ".
وَلم يبين أَنه من رِوَايَة يحيى بن أَيُّوب، وَهُوَ إِمَّا يرويهِ ابْن وهب عَنهُ، عَن عَمْرو بن الْحَارِث، عَن أبي الزبير.
(1511) وَحَدِيث طَاوس: " فِي كَرَاهِيَة المصرمة أطباؤها فِي الْأَضَاحِي ".
هُوَ أَيْضا من رِوَايَة يحيى بن أَيُّوب.
كل هَذِه لم يبين فِي شَيْء مِنْهَا أَنَّهَا من رِوَايَته، وَذَلِكَ أقل مَا كَانَ يلْزمه، إِحَالَة على مَا وَقع لَهُ إِثْر أَحَادِيث أخر، من الحكم عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا يحْتَج بِهِ.
(1512) فَمن ذَلِك أَنه ذكر من طَرِيق يحيى بن أَيُّوب، عَن ابْن جريج،(4/74)
عَن ابْن شهَاب، عَن سَالم، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " وَإِن كَانَ مَائِعا فانتفعوا بِهِ ".(4/75)
ثمَّ قَالَ: يحيى هَذَا لَا يحْتَج بِهِ.(4/76)
(1513) وَذكر من عِنْد أبي عبيد، مُرْسل مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان: " من كشف امْرَأَة فَنظر إِلَى عورتها فقد وَجب الصَدَاق ".
ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده يحيى بن أَيُّوب الْمصْرِيّ، وَلَا يحْتَج بِهِ.
(1514) وَذكر من طَرِيق ابْن أبي شيبَة حَدِيث قيس بن سعد: " إِن الله حرم الْخمر، والكوبة، والقنين ".
ثمَّ قَالَ: " إيَّاكُمْ والغبيراء فَإِنَّهَا خمر الْعَالم ".
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: فِي إِسْنَاده يحيى بن أَيُّوب، عَن عبيد الله بن زحر، ثمَّ ذكر الْكَلَام فِي عبيد الله بن زحر.
وَذكره من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، من رِوَايَة يحيى بن أَيُّوب، عَن ابْن جريج، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة.(4/80)
ثمَّ قَالَ: قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَا يثبت مَرْفُوعا، وَالْمَحْفُوظ من قَول أبي هُرَيْرَة، وَاخْتلف عَنهُ.
(1515) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا، عَن منقذ مولى سراقَة، عَن عُثْمَان أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لَهُ:: إِذا بِعْت فَكل، وَإِذا ابتعت فاكتل ".
ثمَّ قَالَ: منقذ هَذَا لَيْسَ بِمَشْهُور، وَقَبله فِي الْإِسْنَاد من لَا يحْتَج بِهِ.
وَهُوَ من رِوَايَة يحيى بن أَيُّوب، وَفِيه أَيْضا عبد الله بن صَالح كَاتب(4/81)
اللَّيْث، وَلَعَلَّه يعنيهما جَمِيعًا.
فَإِذن كل حَدِيث سكت عَنهُ وَلم يبين أَنه من رِوَايَة يحيى بن أَيُّوب، قد أوهم فِيهِ الصِّحَّة، وَهُوَ عِنْده غير صَحِيح، كَأَنَّهُ لَا يحْتَج بِيَحْيَى بن أَيُّوب. فَاعْلَم ذَلِك.
(1516) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن أبي نملة الْأنْصَارِيّ، أَنه بَينا هُوَ جَالس عِنْد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَعِنْده رجل من الْيَهُود - مر بِجنَازَة فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، هَل تَتَكَلَّم هَذِه الْجِنَازَة؟ الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَمَا مثله صحّح فَإِنَّهُ إِنَّمَا يرويهِ معمر، عَن الزُّهْرِيّ، قَالَ:(4/82)
أَخْبرنِي ابْن أبي نملة الْأنْصَارِيّ عَن أَبِيه، فَذكره.
وَابْن أبي نملة هَذَا مَجْهُول الْحَال، وَلَا يعرف بِغَيْر هَذَا، وَلَا يعرف روى عَنهُ غير ابْن شهَاب، وَقد سمي فِي رِوَايَة ابْن وهب، عَن يُونُس، عَن الزُّهْرِيّ فِي هَذَا الحَدِيث، وَلم يخرج بذلك إِلَى حد الْمعرفَة بِحَالهِ.
قَالَ أَبُو عَليّ بن السكن: حَدثنَا أَحْمد بن حيوية الجواليقي بِالْبَصْرَةِ، حَدثنَا سُلَيْمَان بن دَاوُد أَبُو الرّبيع، أخبرنَا ابْن وهب، أَخْبرنِي يُونُس، عَن ابْن شهَاب، أَن نملة بن أبي نملة الْأنْصَارِيّ حَدثهُ، أَن أَبَاهُ أخبرهُ، أَنه بَينا هُوَ جَالس عِنْد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جَاءَ رجل من الْيَهُود، فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، أتتكلم هَذِه الْجِنَازَة؟ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الله أعلم " فَقَالَ الْيَهُودِيّ: أشهد أَنَّهَا تَتَكَلَّم، فَلَمَّا انْصَرف قَالَ: قَاتل الْيَهُود الْيَهُود، لقد أُوتُوا علما، مَا حَدثكُمْ أهل الْكتاب فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ، وَلَا تكذبوهم، وَقُولُوا: آمنا بِاللَّه وَكتبه وَرُسُله، فَإِن كَانَ حَقًا فَلم تكذبوهم، وَإِن كَانَ بَاطِلا فَلم تُصَدِّقُوهُمْ ".
فَهَذَا الحَدِيث كَمَا ترى من الْأَفْرَاد، لَا يعرف رَاوِيه إِلَّا فِيهِ، وَلَا يعرف الحَدِيث إِلَّا بِهِ، وَمُقْتَضَاهُ حكم من الْأَحْكَام.
وَأَبُو نملة مَعْرُوف من الصَّحَابَة، واسْمه عمار بن معَاذ بن زُرَارَة، شهد بَدْرًا مَعَ أَبِيه معَاذ، ثمَّ الْمشَاهد بعْدهَا، وَتُوفِّي فِي خلَافَة عبد الْملك بن مَرْوَان.
(1517) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا عَن عَائِشَة، قَالَت: " كَانَ كَلَام(4/83)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فصلا " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ من الحسان، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يرويهِ وَكِيع عَن الثَّوْريّ، عَن أُسَامَة بن زيد، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عَائِشَة.
وَأُسَامَة بن زيد اللَّيْثِيّ مَعْرُوف فِي أَصْحَاب ابْن شهَاب، وَأخرج لَهُ مُسلم مستشهدا بِهِ غير مُحْتَج، وَوَثَّقَهُ ابْن معِين وَمَعَ ذَلِك فقد تَركه يحيى الْقطَّان، وَقَالَ ابْن حَنْبَل: " لَيْسَ بِشَيْء، روى عَن نَافِع أَحَادِيث مَنَاكِير ".
وَعلة يحيى الْقطَّان فِي تَركه، غير عِلّة أَحْمد بن حَنْبَل هَذِه، وَذَلِكَ مَا ذكر عَمْرو بن عَليّ الفلاس فِي كِتَابه، قَالَ: كَانَ يحيى الْقطَّان، حَدثنَا عَن أُسَامَة ابْن زيد ثمَّ تَركه.
قَالَ: يَقُول: سَمِعت سعيد بن الْمسيب، على النكرَة لما قَالَ. انْتهى كَلَامه.
وَهَذَا أَمر مُنكر كَمَا ذكر، فَإِنَّهُ بذلك يُسَاوِي شَيْخه ابْن شهَاب، وَذَلِكَ لَا يَصح لَهُ.
وَقد كرر أَبُو مُحَمَّد سُكُوته عَن أَحَادِيث هِيَ من رِوَايَته، وَلم يُنَبه على كَونهَا من رِوَايَته.(4/84)
(1518) من ذَلِك حَدِيث: " كَانَ يَأْخُذ من طول لحيته وعرضها ".
(1519) وَحَدِيث أبي مَسْعُود فِي الْأَوْقَات.
(1520) وَحَدِيث: " إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على ميامن الصُّفُوف ".
(1521) وَحَدِيث: " الصَّائِم فِي السّفر كالمفطر فِي الْحَضَر ".
رده بالانقطاع، وَهُوَ من رِوَايَة أُسَامَة بن زيد.
(1522) وَزِيَادَة فِي حَدِيث: " إِنَّكُم تختصمون إِلَيّ "، من طَرِيق أبي دَاوُد.
(1523) وَحَدِيث: " هن أغلب " لما مرت الْجَارِيَة بَين يَدَيْهِ.(4/85)
(1524) وَحَدِيث: " سَأَلت يهود رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يقرهم على أَن يعملوا ".
(1525) وَحَدِيث: كَانَت لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثَلَاث صفايا.
(1526) وَقد أعل حَدِيثا: " فِي صلَاته عَلَيْهِ السَّلَام على حَمْزَة ".
سَاقه من طَرِيق أبي دَاوُد فِي الْجَنَائِز.
وَهُوَ لَا عِلّة لَهُ إِلَّا أُسَامَة بن زيد، لَيْسَ فِيهِ من يوضع فِيهِ نظر سواهُ، فَاعْلَم ذَلِك.
(1527) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن الْعِرْبَاض بن سَارِيَة " صلى بِنَا(4/86)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذَات يَوْم، ثمَّ أقبل علينا، فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت مِنْهَا(4/87)
الْعُيُون، ووجلت مِنْهَا الْقُلُوب " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَلَيْسَ بِصَحِيح، فَإِن أَبَا دَاوُد سَاقه هَكَذَا: حَدثنَا أَحْمد بن حَنْبَل، حَدثنَا الْوَلِيد بن مُسلم، حَدثنَا ثَوْر بن يزِيد، حَدثنَا خَالِد بن معدان، قَالَ: حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو السّلمِيّ، وَحجر بن حجر، قَالَا: أَتَيْنَا الْعِرْبَاض بن سَارِيَة فَذكره.
وَحجر بن حجر هَذَا لَا يعرف، وَلَا أعلم أحدا ذكره.
فَأَما عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو السّلمِيّ فترجم البُخَارِيّ وَابْن أبي حَاتِم باسمه؛ فَأَما ابْن أبي حَاتِم فَلم يقل فِيهِ شَيْئا. وَأما البُخَارِيّ، فَإِنَّهُ ذكر رِوَايَته عَن الْعِرْبَاض، وَرِوَايَة خَالِد بن معدان، وضمرة بن حبيب، وَعبد الْأَعْلَى بن(4/88)
هِلَال عَنهُ، وَلم يزدْ.
فالرجل مَجْهُول الْحَال، والْحَدِيث من أَجله لَا يَصح.
وَقد روى هَذَا الحَدِيث الْوَلِيد بن مُسلم بِإِسْنَاد آخر قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن الْعَلَاء بن زبر عَن يحيى بن أبي المطاع، عَن الْعِرْبَاض مثله.
ذكره الْبَزَّار وَاخْتَارَهُ، وَهُوَ أَيْضا لَا يَصح، فَإِن يحيى بن أبي المطاع لَا يعرف بِغَيْرِهِ، وَهُوَ فِي شَيْء من أهل الشَّام.
(1528) وَذكر حَدِيث أنس " فِي تَوْقِيت أَرْبَعِينَ لَيْلَة فِي الْفطْرَة ".
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا يرويهِ جَعْفَر بن سُلَيْمَان، وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ، فحقه أَن يَقُول فِيهِ: حسن.
(1529) وَهَكَذَا فعل فِي حَدِيث أنس: أَن رجلا أَرَادَ سفرا فَقَالَ: زودني.(4/89)
قَالَ فِيهِ: حسن، لَا غير.
وَلَا مَانع من تَصْحِيحه، إِلَّا أَنه من رِوَايَة جَعْفَر، عَن ثَابت، عَن أنس، فَكَانَ ذَلِك من فعله صَوَابا.
وعَلى أَنه إِنَّمَا اتبع فِيهِ التِّرْمِذِيّ.(4/90)
وَقد كرر سُكُوته عَن أَحَادِيث، إِنَّمَا هِيَ من رِوَايَة جَعْفَر هَذَا.
(1530) مِنْهَا حَدِيث: " لينتهين أَقوام عَن رفع أَبْصَارهم عِنْد / الدُّعَاء فِي(4/91)
الصَّلَاة ".
(1531) وَحَدِيث التمطر وَقَوله: " إِنَّه حَدِيث عهد بربه ".
(1532) وَحَدِيث: " يفْطر على رطبات ".(4/92)
(1533) وَحَدِيث: " إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة بِاللَّيْلِ كبر ".
(1534) وَحَدِيث: " طلقت لغير سنة، وراجعت لغير سنة ".(4/93)
(1535) وَحَدِيث: " مِم أضْرب يَتِيمِي ".
(1536) وَحَدِيث: " ليتحلق عشرَة عشرَة ".(4/94)
(1537) وَحَدِيث: " مَا يُقَال فِي لَيْلَة الْقدر ".(4/95)
(1538) وَحَدِيث: " وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار عَن جَابر أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " سلم عَلَيْهِ(4/96)
رجل وَهُوَ يَبُول فَلم يرد عَلَيْهِ " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث إِنَّمَا يرويهِ عَن جَابر، عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ، ضعفه قوم بِسوء الْحِفْظ، فَالْحَدِيث من أَجله حسن.
وَأَبُو مُحَمَّد - رَحمَه الله - قَابل لرواياته.
(1539) فقد ذكر حَدِيث حمْنَة فصححه بتصحيح ابْن حَنْبَل(4/97)
وَالتِّرْمِذِيّ لَهُ.
وَإِن كَانَ البُخَارِيّ لم يقل فِيهِ إِلَّا أَنه حسن، ذكر ذَلِك التِّرْمِذِيّ عَنهُ فِي علله.
وَذكر أَبُو دَاوُد عَن أَحْمد أَنه قَالَ: فِي نَفسِي مِنْهُ شَيْء.
والأليق - كَانَ - بِأبي مُحَمَّد، تحسينه لَا تَصْحِيحه، فَإِنَّهُ من رِوَايَة عبد الله ابْن مُحَمَّد بن عقيل.
(1540) وَذكر حَدِيث: " لَا تجوز شَهَادَة خصم وَلَا ظنين ".(4/98)
فَأتبعهُ أَن قَالَ: عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، ضعفه النَّاس، إِلَّا أَحْمد، وَإِسْحَاق، والْحميدِي، فَإِنَّهُم كَانُوا يحتجون بحَديثه.
والْحَدِيث الْمَذْكُور فِي تَسْلِيم الرجل على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ يَبُول، أتبعه فِي كِتَابه الْكَبِير مثل هَذَا القَوْل فِي عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل.
وَالَّذِي كَانَ عَلَيْهِ هُنَا، إِنَّمَا هُوَ أَن يُنَبه على كَونه من رِوَايَته، حَتَّى لَا يعْتَقد فِيهِ أَنه صَحِيح لَا شكّ فِيهِ، وَقد كرر سُكُوته عَن أَحَادِيث لم يُنَبه على أَنَّهَا من رِوَايَته.
(1541) مِنْهَا حَدِيث: " مِفْتَاح الصَّلَاة الطّهُور، وتحريمها التَّكْبِير ".(4/99)
سَاقه من عِنْد التِّرْمِذِيّ.
(1542) وَحَدِيث ابْنَتي سعد بن الرّبيع من عِنْده أَيْضا.
(1543) فَأَما حَدِيث الرّبيع فِي صفة الْوضُوء فَإِنَّهُ أبرزه، وَبَين أَنه من رِوَايَته، وَأتبعهُ احتجاج الْحميدِي، وَأحمد، وَإِسْحَاق بِهِ.
فأوهم بذلك صِحَّته عِنْده.
(1544) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث أبي هُرَيْرَة: " كَانَ(4/101)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا أَتَى الْخَلَاء أَتَيْته بِمَاء فِي تور أَو ركوة فاستنجى، ثمَّ مسح يَده على الأَرْض " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ لَا يَصح، فَإِن إِسْنَاده عِنْد أبي دَاوُد هُوَ هَذَا:
حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله المخرمي، قَالَ: حَدثنَا وَكِيع، عَن شريك الْمَعْنى.
وَحدثنَا إِبْرَاهِيم بن خَالِد، قَالَ: حَدثنَا أسود بن عَامر، حَدثنَا شريك - وَهَذَا لَفظه - عَن إِبْرَاهِيم بن جرير بن عبد الله، عَن أبي زرْعَة، عَن أبي هُرَيْرَة فَذكره.(4/102)
وَهُوَ حَدِيث لَهُ عِلَّتَانِ:
إِحْدَاهمَا: شريك، فَهُوَ سيء الْحِفْظ، مَشْهُور التَّدْلِيس، وَهُوَ بِسوء الْحِفْظ، مثل مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، وَقيس بن الرّبيع، وثلاثتهم اعتراهم سوء الْحِفْظ بِمَا ولوا من الْقَضَاء، وتشاغلهم بِهِ.
وَقد تقدم ذكره بِمَا اعترى أَبَا مُحَمَّد فِيهِ من التَّضْعِيف لحَدِيث من أَجله، فِي أول رسم من الْبَاب الَّذِي فَرغْنَا مِنْهُ، فعد إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ انجر هُنَاكَ ذكره، وَهُوَ من هَذَا الْبَاب.
وَالْعلَّة الثَّانِيَة: إِبْرَاهِيم بن جرير بن عبد الله، فَإِنَّهُ لَا تعرف حَاله وَهُوَ كُوفِي، يروي عَن أَبِيه مُرْسلا، وَمِنْهُم من يَقُول: حَدثنِي أبي. وَالله أعلم.
(1545) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن(4/103)
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " نزلت هَذِه الْآيَة فِي أهل قبَاء " {فِيهِ رجال} الحَدِيث.(4/104)
وَسكت عَنهُ، وَاحْتمل أَن يكون من قسم مَا سمح فِيهِ، وَهُوَ حَدِيث إِنَّمَا يرويهِ يُونُس بن الْحَارِث الطَّائِفِي، عَن إِبْرَاهِيم بن أبي مَيْمُونَة، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَإِبْرَاهِيم هَذَا مَجْهُول الْحَال، لَا يعرف روى عَنهُ غير يُونُس بن الْحَارِث، وَيُونُس بن الْحَارِث هُوَ الطَّائِفِي، ضَعِيف.
قَالَ فِيهِ ابْن معِين: " لَا شَيْء ".
وَبَين ابْن حَنْبَل حَاله فَقَالَ: " مُضْطَرب الحَدِيث ".
وَحكى أَبُو أَحْمد عَن ابْن معِين أَنه قَالَ فِيهِ: " ضَعِيف ".
وَعنهُ قَول آخر: " إِنَّه لَيْسَ بِهِ بَأْس، يكْتب حَدِيثه ".
وَقَالَ النَّسَائِيّ: " لَيْسَ بِالْقَوِيّ.(4/105)
وَعِنْدِي أَنه لم تثبت عَدَالَته، وَلَيْسَ لَهُ من الحَدِيث إِلَّا الْيَسِير، قَالَه ابْن عدي.
وَالْجهل بِحَال إِبْرَاهِيم بن مَيْمُونَة، كَاف فِي تَعْلِيل الْخَبَر الْمَذْكُور، فَاعْلَم ذَلِك.
(1546) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن أبي حَيَّة قَالَ: " رَأَيْت عليا(4/106)
تَوَضَّأ، فَغسل كفيه حَتَّى أنقاهما، ثمَّ مضمض " الحَدِيث.(4/107)
وَسكت عَنهُ.
وَأَبُو حَيَّة بن قيس الوادعي، قَالَ فِيهِ ابْن حبنل: " شيخ ".
وَمعنى ذَلِك عِنْدهم أَنه لَيْسَ من أهل الْعلم، وَإِنَّمَا وفعت لَهُ رِوَايَة لحَدِيث أَو أَحَادِيث، فَأخذت عَنهُ، وهم يَقُولُونَ: لَا تقبل رِوَايَة الشُّيُوخ فِي الْأَحْكَام. وَقد رَأَيْت من قَالَ فِي هَذَا الرجل: إِنَّه مَجْهُول، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِك فِيهِ: أَبُو الْوَلِيد ابْن الفرضي.
وَلَا يروي عَنهُ - فِيمَا أعلم - غير أبي إِسْحَاق.
وَقَالَ أَبُو زرْعَة: لَا يُسمى.
وَوَثَّقَهُ بَعضهم، وَصحح آخَرُونَ حَدِيث عَليّ هَذَا.
وَمِمَّنْ صَححهُ ابْن السكن، وَقد أتبع التِّرْمِذِيّ هَذَا الحَدِيث أَنه أحسن شَيْء فِي هَذَا الْبَاب.
وَهُوَ بِاعْتِبَار حَال أبي حَيَّة، وَبِاعْتِبَار حَال أبي إِسْحَاق واختلاطه، حسن، فَإِن أَبَا الْأَحْوَص، وَزُهَيْر بن مُعَاوِيَة، سمعا مِنْهُ بعد الِاخْتِلَاط،(4/108)
قَالَه ابْن معِين، ذكر ذَلِك المنتجالي، عَن ابْن البرقي، عَنهُ.
وَقد رويت فِي هَذَا الحَدِيث زِيَادَة، وَهِي: " مسح رَأسه ثَلَاثًا ".
قَالَ الْبَزَّار: حدّثنَاهُ مُحَمَّد بن نعم، قَالَ: حَدثنَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، قَالَ: حَدثنَا أَبُو الْأَحْوَص: سَلام بن سليم، عَن أبي إِسْحَاق، عَن أبي حَيَّة بن قيس، أَنه رأى عليا رَضِي الله عَنهُ فِي الرحبة تَوَضَّأ، فَغسل كفيه، ثمَّ مضمض ثَلَاثًا، واستنثر ثَلَاثًا، وَغسل وَجهه ثَلَاثًا، وذراعيه ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَمسح رَأسه ثَلَاثًا، وَغسل رجلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا " الحَدِيث.
(1547) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث الْمِقْدَام بن معد يكرب، فِيهِ " وَأدْخل أَصَابِعه فِي صماخ أُذُنَيْهِ ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ الْوَلِيد بن مُسلم، عَن حريز بن عُثْمَان، عَن عبد الرَّحْمَن بن ميسرَة، عَن الْمِقْدَام.
وَعبد الرَّحْمَن بن ميسرَة هَذَا، مَجْهُول الْحَال لَا يعرف روى عَنهُ إِلَّا حريز بن عُثْمَان.(4/109)
وَإِلَى ذَلِك فَإِن حريز بن عُثْمَان كَانَ لَهُ - فِيمَا زَعَمُوا - رَأْي سيئ فِي بعض الصَّحَابَة.
والوليد بن مُسلم كَانَ يُدَلس وَيُسَوِّي، وَلم يقل فِي هَذَا الحَدِيث: حَدثنَا وَلَا أخبرنَا، وَلَا سَمِعت، وَلَا ذكر عَن حريز أَنه قَالَ ذَلِك.
فَمن حَيْثُ هُوَ مُدَلّس، يُمكن أَن يكون قد أسقط بَينه وَبَين حريز وَاسِطَة، وَمن حَيْثُ هُوَ مسو، يُمكن أَن يكون قد أسقط من بَين حريز وَعبد الرَّحْمَن بن ميسرَة وَاسِطَة.
وَلَقَد زعم الدَّارَقُطْنِيّ أَنه كَانَ يفعل هَذَا فِي أَحَادِيث الْأَوْزَاعِيّ، يعمد إِلَى أَحَادِيث رَوَاهَا الْأَوْزَاعِيّ عَن أَشْيَاخ لَهُ ضعفاء، عَن أَشْيَاخ لَهُ ثِقَات، فَيسْقط الضُّعَفَاء من الْوسط، وَيَتْرُكهَا عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن أشياخه الثِّقَات، كَأَنَّهُ سَمعهَا مِنْهُم، وَهَذَا هُوَ التَّسْوِيَة بِإِسْقَاط الضُّعَفَاء، وَهُوَ أقبح التَّسْوِيَة، فَإِنَّهَا على قسمَيْنِ:
إِمَّا بِإِسْقَاط الثِّقَات، وَإِمَّا بِإِسْقَاط الضُّعَفَاء، كَمَا أَن التَّدْلِيس أَيْضا؛ إِمَّا بِإِسْقَاط الثِّقَات، وَإِمَّا بِإِسْقَاط الضُّعَفَاء، فَمَا كَانَ من التَّدْلِيس والتسوية بِإِسْقَاط الضُّعَفَاء، يَنْقَسِم قسمَيْنِ:
قسم هُوَ إِسْقَاط ضعفاء عِنْده وَعند غَيره، فَهَذَا إِذا فعله يكون بِهِ مجرحا، وَقسم هُوَ إِسْقَاط قوم ضعفاء عِنْد غَيره، ثِقَات عِنْده، وَهَذَا لَا يكون بِهِ مجرحا.
وَمن هَذَا الْقَبِيل هُوَ قَول الدَّارَقُطْنِيّ المحكي عَن الْوَلِيد بن مُسلم، أَعنِي أَن يكونن يسْقط من بَين الْأَوْزَاعِيّ وَبَين أشياخه الثِّقَات، قوما روى عَنْهُم وهم عِنْد الْوَلِيد ثِقَات، وَإِن كَانَ غَيره يضعفهم، فَلَا يكون بِعَمَلِهِ الْمَذْكُور مضعفا. وَالله أعلم(4/110)
وسنكتب مَا اعترى أَبَا مُحَمَّد فِي أَحَادِيث المدلسين والمسوين فِي بَاب نجمع فِيهِ أَشْيَاء مفترقة، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَقد رُوِيَ معنى هَذَا الحَدِيث بِإِسْنَاد حسن سَنذكرُهُ - إِن شَاءَ الله تَعَالَى - فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا صَحِيحَة وَهِي ضَعِيفَة، وَلها طرق صَحِيحَة أَو حَسَنَة.
(1548) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا عَن أنس: " رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يتَوَضَّأ وَعَلِيهِ عِمَامَة قطرية " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث لَا يَصح، قَالَ ابْن السكن: لم يثبت إِسْنَاده، وَهُوَ كَمَا قَالَ.
وَبَيَان ذَلِك هُوَ أَن الحَدِيث من رِوَايَة ابْن وهب عَن مُعَاوِيَة بن صَالح عَن عبد الْعَزِيز بن مُسلم، عَن أبي معقل، عَن أنس.
وَأَبُو معقل مَجْهُول الِاسْم وَالْحَال، وَقد ذكره ابْن أبي حَاتِم بحَديثه هَذَا، وَلم يزدْ على ذَلِك.(4/111)
وَعبد الْعَزِيز بن مُسلم مولى آل رَافع، ذكره البُخَارِيّ بِهَذَا الحَدِيث، وَلم يزدْ على ذَلِك.
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: روى عَنهُ ابْن إِسْحَاق، وَمُعَاوِيَة بن صَالح ".
وَلم يزدْ على ذَلِك.
وَإِلَى هَذَا فَإِن مُعَاوِيَة بن صَالح مُخْتَلف فِيهِ، وَمن ضعفه ضعفه بِسوء الْحِفْظ.
وَأَبُو مُحَمَّد مترجح فِيهِ؛ تَارَة يسكت عَن أَحَادِيث هِيَ من رِوَايَته وَلَا يبين ذَلِك، وَتارَة يتبعهَا ذكر اخْتلَافهمْ فِيهِ كالمتبرئ من عهدته.
فَالْحَدِيث من أَجله لَو لم يكن فِيهِ مَجْهُول، لَا يكون صَحِيحا بل حسنا.
فَمن الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا وَهِي من رِوَايَته، وَلم يبين ذَلِك وَسكت عَنْهَا حَدِيث:
(1549) " لَا يزَال يُسْتَجَاب لأحدكم مَا لم يعجل ".
(1550) وَحَدِيث: " لَا بَأْس بالرقى مَا لم تكن شركا ".(4/112)
كِلَاهُمَا من كتاب مُسلم، وَلم يبين أَنَّهُمَا من رِوَايَة مُعَاوِيَة بن صَالح.
(1551) حَدِيث: " إِن الله حرم الْخمر وثمنه ".
(1552) وَحَدِيث: " لينوا بأيدي إخْوَانكُمْ، وَلَا تذروا فرجات للشَّيْطَان ".
(1553) وَحَدِيث: " رُبمَا أوتر أول اللَّيْل وَرُبمَا أوتر آخِره، وَرُبمَا جهر وَرُبمَا أسر ".(4/113)
(1554) وَحَدِيث: " صلى فِي الصُّبْح بالمعوذتين ".(4/114)
(1555) وَحَدِيث: " تدنى الشَّمْس وَيُزَاد فِيهَا ".
(1556) وَحَدِيث: " مَا أرى الإِمَام إِذا أم الْقَوْم إِلَّا قد كفاهم ".
(1557) وَحَدِيث: " هلموا إِلَى الْغَدَاء الْمُبَارك ".
(1558) وَحَدِيث: " إِنَّكُم مصبحو عَدوكُمْ، وَالْفطر أقوى لكم ".(4/115)
(1559) وَحَدِيث: " مَا بَال الْمُؤمنِينَ يفتنون فِي قُبُورهم إِلَّا الشَّهِيد ".
كل هَذِه سكت عَنْهَا، وَلم يبين أَنَّهَا من رِوَايَة مُعَاوِيَة بن صَالح.
(1560) وَكَذَلِكَ فعل فِي مُرْسل مَكْحُول فِي " تهجين الهجين وتعريب الْعَرَبِيّ ".
لم يبين أَنه من رِوَايَة مُعَاوِيَة بن صَالح.
(1561) وَكَذَلِكَ حَدِيث: " إِنَّمَا الْإِثْم على المحنث ".
لم يعرض مِنْهُ لمعاوية بن صَالح، لَا فِي المراسل مِنْهُ وَلَا فِي الْمسند.
(1562) وَحَدِيث: " إِن الله قَالَ لعيسى بن مَرْيَم: إِنِّي باعث من بعْدك أمة " الحَدِيث.(4/116)
فَأَما الْأَحَادِيث الَّتِي تَبرأ من عهدتها بِذكر اخْتلَافهمْ فِيهِ - فَحَدِيث:
(1563) " ليشربن نَاس من أمتِي الْخمر يسمونها بِغَيْر اسْمهَا ".
قَالَ بعده: مُعَاوِيَة بن صَالح ضعفه قوم؛ مِنْهُم ابْن معِين، وَيحيى(4/117)
ابْن سعيد.
وَوَثَّقَهُ ابْن حَنْبَل، وَأَبُو زرْعَة.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: حسن الحَدِيث، يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ. فَاعْلَم ذَلِك.
(1564) وَحَدِيث عبد الله بن بسر فِي المتخطي الَّذِي قيل لَهُ: " اجْلِسْ قد آذيت ".(4/118)
قَالَ بعده: كَانَ يحيى بن سعيد لَا يرضى مُعَاوِيَة بن صَالح، وَقَالَ فِيهِ ابْن معِين: لَيْسَ بِرِضا، وَقد وَثَّقَهُ غَيرهمَا: أَحْمد بن حَنْبَل، وَأَبُو زرْعَة. فَاعْلَم ذَلِك.
(1565) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن أَوْس بن أبي أَوْس الثَّقَفِيّ أَنه(4/119)
رأى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَتَى كظامة قوم، فَتَوَضَّأ، وَمسح على نَعْلَيْه وقدميه ".
وَسكت عَنهُ مصححا لَهُ، وَمَا مثله صحّح، لِأَن من رِوَايَة هشيم، عَن يعلى بن عَطاء، عَن أَبِيه قَالَ: حَدثنِي أَوْس بن أبي أَوْس. فَذكره.
وَعَطَاء العامري وَالِد يعلى بن عَطاء، مَجْهُول الْحَال لَا تعرف لَهُ رِوَايَة إِلَّا هَذِه، وَأُخْرَى عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، وَلَا يعرف روى عَنهُ غير ابْنه يعلى [وَهُوَ] وَإِن كَانَ ثِقَة، فَإِن رِوَايَته عَنهُ غير كَافِيَة فِي المبتغى من ثقته.
وَلِلْحَدِيثِ عِلّة أُخْرَى، وَذَلِكَ أَن مِنْهُم من يَقُول فِيهِ: عَن أَوْس بن أَوْس، أَو: ابْن أبي أَوْس، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
فَزِيَادَة عَن " أَبِيه " عَادَتْ بِنَقص، فَإنَّا إِنَّمَا كُنَّا نقبل الأولى وَلَا نضع فِيهَا نظرا، باعتقاد أَن أَوْس بن أَوْس أَو: ابْن أبي أَوْس صَحَابِيّ، على رَأْي من يقبل أَمْثَال هَؤُلَاءِ الَّذين يدعونَ لأَنْفُسِهِمْ الصُّحْبَة، وَلَا تكون مَعْلُومَة لَهُم إِلَّا من أَقْوَالهم، فَأَما إِذا كَانَ إِنَّمَا يرويهِ عَن أَبِيه عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فقد صَار هُوَ مِمَّن(4/120)
يجب النّظر فِيهِ كَسَائِر من يعد فِي زمن التَّابِعين، وَإِذا كَانَ ذَلِك كَذَلِك، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يكون مَجْهُول الْحَال، غير ثَابت الْعَدَالَة، وَفِي أَنه أَوْس بن أَوْس، أَو: أَوْس بن أبي أَوْس خلاف مَعْرُوف.
واختصاره، هُوَ أَنه رويت عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَرْبَعَة أَحَادِيث:
أَحدهَا هَذَا فِي الْمسْح على الْقَدَمَيْنِ، وَهُوَ كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن أَوْس بن أبي أَوْس.
(1566) وَالثَّانِي حَدِيث: " من غسل واغتسل، وَبكر وابتكر ".(4/121)
يرويهِ أَبُو الْأَشْعَث عَن أَوْس بن أبي أَوْس.(4/122)
(1567) وَالثَّالِث حَدِيث: " تحزيب الْقُرْآن ".
يرويهِ عُثْمَان بن عبد الله بن أَوْس، عَن جده أَوْس بن حُذَيْفَة.(4/123)
(1568) وَالرَّابِع فِي " الصَّوْم ".
فَقيل فِي هَذَا كُله: إِنَّه وَاحِد، هُوَ أَوْس بن أَوْس، وَابْن أبي أَوْس، وَابْن حُذَيْفَة.
وَذكر أَبُو عمر بن عبد الْبر قَول ابْن معِين: أَوْس بن أَوْس، وَأَوْس بن أبي أَوْس وَاحِد، فخطأه فِيهِ، وَقَالَ إِن أَوْس بن أبي أَوْس، هُوَ أَوْس بن حُذَيْفَة، جد عُثْمَان بن عبد الله بن أَوْس.(4/124)
قَالَ: وَله أَحَادِيث: مِنْهَا فِي الْمسْح على الْقَدَمَيْنِ، وَفِي إِسْنَاده ضعف.
يَعْنِي حديثنا الْمصدر بِذكرِهِ.
وَالَّذِي ذَكرْنَاهُ: من أَنه يُقَال فِيهِ: " عَن أَبِيه " هُوَ مَا ذكر أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ، قَالَ: حَدثنَا أَبُو بكرَة، وَإِبْرَاهِيم بن مَرْزُوق، قَالَا: حَدثنَا أَبُو دَاوُد، قَالَ: حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة.
وَحدثنَا ابْن خُزَيْمَة، قَالَ: حَدثنَا حجاج، قَالَ: حَدثنَا حَمَّاد، عَن يعلى ابْن عَطاء، عَن أَوْس بن أبي أَوْس، قَالَ: رَأَيْت أبي تَوَضَّأ وَمسح على نَعله، فَقلت لَهُ: أتمسح على النَّعْلَيْنِ؟ فَقَالَ: " رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يمسح على النَّعْلَيْنِ ".
فَهَذَا - كَمَا ترى - أَوْس بن أبي أَوْس، إِنَّمَا يرويهِ عَن أَبِيه، فَإِذن يحْتَاج أَن تعرف حَاله.
وَفِي هَذَا الْإِسْنَاد إِسْقَاط عَطاء وَالِد يعلى، وَجعل الْحَد يث من رِوَايَة يعلى عَن أَوْس.
قَالَ الطَّحَاوِيّ: وَحدثنَا فَهد، حَدثنَا مُحَمَّد بن سعيد، أخبرنَا شريك، عَن يعلى بن عَطاء، عَن أَوْس بن أبي أَوْس قَالَ: كنت مَعَ أبي فِي سفر، فَذكر نَحوه.
وَهَذَا أَيْضا كَذَلِك، وأصوب من هَذَا حَدِيث أبي دَاوُد الْمُتَقَدّم، إِلَّا أَن عَطاء مَجْهُول الْحَال كَمَا قُلْنَا.
(1569) وَقد رُوِيَ فِي الْمسْح على النَّعْلَيْنِ حَدِيث صَحِيح من رِوَايَة ابْن عمر، نذكرهُ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا صَحِيحَة وَلَيْسَت(4/125)
كَذَلِك، وَلها طرق صَحِيحَة أَو حَسَنَة غَيرهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(1570) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ عَن أبي رَافع، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " طَاف على نِسَائِهِ ذَات يَوْم، فَجعل يغْتَسل عِنْد هَذِه، وَعند هَذِه " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ لَا يَصح، فَإِنَّهُ عِنْد النَّسَائِيّ من رِوَايَة حبَان، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، قَالَ: أخبرنَا عبد الرَّحْمَن بن فلَان بن أبي رَافع، عَن عمته(4/126)
سلمى، عَن أبي رَافع.
وَيخْتَلف فِي عبد الرَّحْمَن هَذَا، فَمنهمْ من يَقُول مَا ذَكرْنَاهُ، وَمِنْهُم من يَقُول فِيهِ: عبد الرَّحْمَن بن أبي رَافع، كَذَلِك ذكره أَبُو دَاوُد من رِوَايَة مُوسَى ابْن إِسْمَاعِيل، عَن حَمَّاد بن سَلمَة.
ومُوسَى أصحب النَّاس لحماد، وأعرفهم بحَديثه، وأقعدهم بِهِ.
وَهَكَذَا ذكره البُخَارِيّ فِي تَارِيخه قَالَ: " عبد الرَّحْمَن بن أبي رَافع عَن عمته، عَن أبي رَافع " طَاف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على نِسَائِهِ فِي لَيْلَة، قَالَه شهَاب عَن حَمَّاد بن سَلمَة.
(1571) وَقَالَ عبد الله بن مُحَمَّد: عَن عَارِم، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن(4/127)
عبد الرَّحْمَن بن أبي رَافع، عَن عمته سلمى، عَن أبي رَافع، قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ناولني الذِّرَاع ".(4/128)
(1572) [وَقَالَ عَفَّان وَيزِيد بن هَارُون: عَن حَمَّاد] حَدثنَا ابْن أبي رَافع مولى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: كَانَ عبد الله بن جَعْفَر يتختم فِي يَمِينه، وَزعم أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يتختم فِي يَمِينه، حَدِيثه فِي الْبَصرِيين.(4/129)
هَذَا مَا ذكره بِهِ البُخَارِيّ.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم: عبد الرَّحْمَن بن أبي رَافع، روى عَن عبد الله ابْن جَعْفَر، وَعَن عمته سلمى، روى عَنهُ حَمَّاد بن سَلمَة، ذكر أبي عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور، عَن يحيى بن معِين قَالَ: عبد الرَّحْمَن بن أبي رَافع الَّذِي يروي عَنهُ حَمَّاد بن سَلمَة صَالح.
هَذَا أَيْضا مَا ذكره بِهِ ابْن أبي حَاتِم، فَإِن كَانَ الْأَمر هَكَذَا - أَعنِي أَنه عبد الرَّحْمَن بن أبي رَافع مولى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، كَمَا قَالَ عَفَّان، وَيزِيد بن هَارُون - فَإِن عمته سلمى، أُخْت لأبي رَافع، وَهِي لَا تعرف لَهُ، وَإِن كَانَت فحالها لَا تعرف.
وَإِن كَانَ الْأَمر على مَا وَقع فِي الْإِسْنَاد عِنْد النَّسَائِيّ، من أَنه حفيد لأبي رَافع، فسلمى بنت لأبي رَافع، وَتَكون حَالهَا حِينَئِذٍ أخْفى، وَمَا وَقع من ذَلِك شَيْء يعرف، فَإِن أَبَا رَافع مولى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - احتوشته امْرَأَتَانِ، كل وَاحِدَة مِنْهُمَا اسْمهَا سلمى.(4/130)
إِحْدَاهمَا أمه، وَالْأُخْرَى زوجه، فأمه سلمى مولاة صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب.
(1573) رَوَت عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " بَيت لَا تمر فِيهِ، كَأَن لَيْسَ فِيهِ طَعَام ".
يرويهِ حَارِثَة بن مُحَمَّد، عَن عبيد الله بن أبي رَافع، عَن جدته، وَكَانَت خَادِمًا للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، قَالَت: قَالَ لي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَذَكرته.
ذكرهَا بحديثها هَذَا ابْن السكن.
وَأما زوجه فسلمى مولاة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
قَالَ أَبُو بكر بن أبي خَيْثَمَة زوجه النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مولاته، وَشهِدت سلمى هَذِه خَيْبَر، وَولدت لَهُ عبيد الله بن أبي رَافع كَاتب عَليّ رَضِي الله عَنهُ.
فَمَا من هَاتين من تكون عمَّة لعبد الرَّحْمَن بن أبي رَافع، وَلَا لحفيد أبي رَافع،(4/131)
إِذْ إِحْدَاهمَا أم لأبي رَافع، وَالْأُخْرَى زوجه.
وَقد كنت أَظن أَن أَبَا مُحَمَّد عثر فِي هَذَا على مزِيد، حَتَّى رَأَيْته كتب فِي كِتَابه الْكَبِير بِخَطِّهِ - إِثْر هَذَا الحَدِيث، بعد أَن أوردهُ من عِنْد النَّسَائِيّ - سلمى هِيَ مولاة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَتبين بذلك أَنه ظن خطأ، ومولاة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا يَصح أَن تكون عمَّة لأحد من ولد أبي رَافع، بل إِمَّا أما، وَإِمَّا جدة، فَاعْلَم ذَلِك.
(1574) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش، أَنَّهَا سَأَلت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فشكت إِلَيْهِ الدَّم، فَقَالَ لَهَا: " إِنَّمَا ذَلِك عرق، فانظري إِذا أَتَى قرؤك فَلَا تصلي " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ مصححا لَهُ، وَهُوَ حَدِيث إِنَّمَا يرويهِ الْمُنْذر بن الْمُغيرَة، عَن عُرْوَة، أَن فَاطِمَة، فَذكره.
وَالْمُنْذر مَجْهُول الْحَال، لَا يعرف بِغَيْر هَذَا، وَقد سَأَلَ ابْن أبي حَاتِم عَنهُ أَبَاهُ، فَقَالَ فِيهِ: " مَجْهُول لَيْسَ بالمشهور ".
(1575) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا حَدِيث الْمَرْأَة الأشهلية الَّتِي قَالَت: " إِن(4/132)
لنا طَرِيقا إِلَى الْمَسْجِد مُنْتِنَة ".
وَسكت عَنهُ، وَعبد الله بن عِيسَى رَاوِيه لَا يعرف، وَلَيْسَ بِابْن أبي ليلى.
(1576) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ حَدِيث أبي هُرَيْرَة: " أول مَا يُحَاسب(4/133)
بِهِ العَبْد يَوْم الْقِيَامَة من عمله الصَّلَاة ".(4/134)
وَسكت عَنهُ، إِمَّا مُعْتَقدًا صِحَّته، وَإِمَّا متسامحا فِيهِ، لما كَانَ مُقْتَضَاهُ الْحَث على النَّوَافِل، والاستكثار مِنْهَا.
وَهُوَ لَا يَصح، فَإِنَّهُ من رِوَايَة همام، عَن قَتَادَة، عَن الْحسن، عَن حُرَيْث ابْن قبيصَة، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَالتِّرْمِذِيّ إِنَّمَا قَالَ فِيهِ: حسن، ثمَّ قَالَ: " وَقد روى أَصْحَاب الْحسن عَن الْحسن، عَن قبيصَة بن حُرَيْث، غير هَذَا الحَدِيث، قَالَ: وَالْمَشْهُور قبيصَة بن حُرَيْث ".
وَالْأَمر على مَا قَالَ التِّرْمِذِيّ من أَنه قبيصَة بن حُرَيْث، لَا حُرَيْث بن قبيصَة، وَهُوَ يروي عَن سَلمَة بن المحبق، وَهُوَ مَعَ ذَلِك لَا تعرف حَاله، فَأَما إِن كَانَ حُرَيْث بن قبيصَة فَهُوَ لَا تعرف عينه وَلَا حَاله.
وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث عَن الْحسن، عَن أنس بن حَكِيم الضَّبِّيّ، عَن أبي هُرَيْرَة.
كَذَلِك رَوَاهُ يُونُس بن عبيد، عَن الْحسن.
وَأنس بن حَكِيم أَيْضا مَجْهُول.
وَرَوَاهُ حميد عَن الْحسن، عَن رجل من بني سليط، عَن أبي هُرَيْرَة، ذكرهَا أَبُو دَاوُد.(4/135)
وَرَوَاهُ أبان بن يزِيد، عَن قَتَادَة، عَن الْحسن، فَقَالَ فِيهِ: عَن أنس بن حَكِيم، كَمَا قَالَ يُونُس بن عبيد، ذكره ابْن أبي خَيْثَمَة.
وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن مُسلم عَن الْحسن، عَن صعصعة بن مُعَاوِيَة، عَم الْأَحْنَف بن قيس، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَرَوَاهُ مُوسَى بن خلف، عَن قَتَادَة، فَقَالَ فِيهِ: عَن الْحسن عَن أبي هُرَيْرَة، بِغَيْر وَاسِطَة.
ذكرهَا ابْن أبي خَيْثَمَة أَيْضا.
فَهَذِهِ عَن الْحسن خَمْسَة أَقْوَال، وَمَا مِنْهَا شَيْء يَصح.
وَلَيْسَ بمجد فِي هَذَا مَا ذكر ابْن أبي خَيْثَمَة عَن ابْن معِين من قَوْله: " إِذا روى الْحسن عَن رجل فَسَماهُ، فَهُوَ ثِقَة يحْتَج بِهِ "؛ فَإِن التسمك بِعُمُوم أَقْوَال الرِّجَال الَّذين لَيْسُوا بمعصومين من الْخَطَأ فِيمَا يَقُولُونَ، والذهول عَمَّا يعلمُونَ، وَالتَّقْصِير فِيمَا ينظرُونَ، والقصور فِيمَا يحصلون؛ لَا يَصح، وَإِنَّمَا وَجب التَّمَسُّك بِعُمُوم الشَّرْع لثُبُوت الْعِصْمَة، واستحالة الإلغاز، بِإِطْلَاق الْعَام غير مُرَاد الْعُمُوم، إِلَّا مقترنا بِبَيَان، أَو معقبا بمخصص.
(1577) وَإِلَى هَذَا فَإِن للْحَدِيث طَرِيقا صَحِيحا عَن أبي هُرَيْرَة من غير رِوَايَة الْحسن، سَنذكرُهُ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا من طرق على أَنَّهَا صَحِيحَة وَلَيْسَت كَذَلِك، وَلها طرق غَيرهَا صَحِيحَة أَو حَسَنَة، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.(4/136)
(1578) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث سُبْرَة بن معبد " فِي(4/137)
تَعْلِيم الصَّبِي الصَّلَاة وضربه عَلَيْهَا " وَصَححهُ.
وَهُوَ من رِوَايَة عبد الْملك بن الرّبيع بن سُبْرَة، عَن أَبِيه، عَن جده، وَقد قَالَ ابْن أبي خَيْثَمَة: سُئِلَ يحيى بن معِين عَن أَحَادِيث عبد الْملك بن الرّبيع بن سُبْرَة، عَن أَبِيه، عَن جده، فَقَالَ: ضِعَاف.
وَلَيْسَ هَذَا مني تمسكا فِي تَضْعِيفه بِعُمُوم قَول ابْن معِين، الَّذِي أَبيت مِنْهُ الْآن، وَلكنه تأنس فِيمَن لم تثبت عَدَالَته، وَإِن كَانَ مُسلم قد أخرج لعبد الْملك الْمَذْكُور فَغير مُحْتَج بِهِ، وَعَسَى أَن يكون الحَدِيث حسنا لَا ضَعِيفا.
(1579) وَكَذَا القَوْل فِي حَدِيث: " ليستتر أحدكُم لصلاته وَلَو بِسَهْم " فَإِنَّهُ أَيْضا بِهَذَا الْإِسْنَاد. فَاعْلَم ذَلِك.
(1580) وَذكر حَدِيث معَاذ فِي الْعشَاء، وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام: " فضلْتُمْ بهَا على سائرالأمم، وَلم تصلها أمة قبلكُمْ ".(4/138)
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ من رِوَايَة عَاصِم بن حميد السكونِي، وَلَا يعرف أَنه ثِقَة، وَهُوَ يروي عَن معَاذ حديثين أَو ثَلَاثَة، وَعَن عَوْف بن مَالك، وَعَائِشَة.
روى عَنهُ رَاشد بن سعد، وأزهر بن سعيد، وَعَمْرو بن قيس.
فَالْجَوَاب أَن نقُول: أَبُو عمر فِي هَذَا كَأبي مُحَمَّد، إِن لم يَأْتِ فِي توثيقه إِيَّاه بقول معاصر، أَو قَول من يظنّ بِهِ الْأَخْذ عَن معاصر لَهُ، فَإِنَّهُ لَا يقبل مِنْهُ، إِلَّا أَن يكون ذَلِك مِنْهُ فِي رجل مَعْرُوف، قد انْتَشَر لَهُ من الحَدِيث مَا تعرف بِهِ حَاله، وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِك فاعلمه.
(1582) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا، حَدِيث قبيصَة بن وَقاص الَّذِي فِيهِ: " صلوا مَعَهم مَا صلوا إِلَى الْقبْلَة ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ صَالح بن عبيد، عَن قبيصَة الْمَذْكُور، وَرَوَاهُ عَن صَالح أَبُو هَاشم: عمار بن عمَارَة الزَّعْفَرَانِي.
وَصَالح بن عبيد هَذَا لَا تعرف حَاله أصلا، فَالْحَدِيث ضَعِيف من أَجله.
وَأما قبيصَة بن وَقاص، فقد قَالَ قوم: " إِنَّه صَحَابِيّ "، وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِك أخذا من هَذَا الحَدِيث، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ غَيره، قَالَ ذَلِك ابْن أبي حَاتِم، وَأنكر على أبي زرْعَة إِدْخَاله فِي الصَّحَابَة الْبَصرِيين.(4/139)
وَمِمَّنْ قَالَ: إِن لَهُ صُحْبَة، أَبُو عَليّ بن السكن، إِلَّا أَنه بعد أَن قَالَ ذَلِك قَالَ: " روى عَنهُ حَدِيث وَاحِد " ثمَّ أورد هَذَا الحَدِيث.
وَهُوَ لم يذكر فِيهِ سَمَاعا من النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَحَتَّى لَو ذكر فَإِن فِي قبُول ذَلِك مِنْهُ نظرا، وَهُوَ لَو قَالَ عَن نَفسه: إِنَّه ثِقَة لم يقبل مِنْهُ، فَكيف إِذا ادّعى مَا فِيهِ عَظِيم المزية، وَلم يخبر عَنهُ تَابِعِيّ ثِقَة بِأَنَّهُ صَحَابِيّ، وَلَا عرف ذَلِك كَمَا يعرف لمن صحت صحبته.
وَمثل مَا فعل ابْن السكن فعل ابْن أبي خَيْثَمَة سَوَاء فاعلمه.
(1583) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا حَدِيث بُرَيْدَة: " بشر الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلم إِلَى الْمَسَاجِد " الحَدِيث.(4/140)
وَسكت عَنهُ متسامحا فِيهِ - وَالله أعلم - لما كَانَ فِي ثَوَاب عمل.
وَهُوَ حَدِيث فِي إِسْنَاده عبد الله بن أَوْس، وَهُوَ رجل مَجْهُول لَا يعرف روى عَنهُ غير أبي سُلَيْمَان الكحال، وَلَا تعرف لَهُ رِوَايَة عَن غير بُرَيْدَة لهَذَا الحَدِيث خَاصَّة.
وَرَأَيْت أَبَا مُحَمَّد حِين ذكر هَذَا الحَدِيث بِإِسْنَادِهِ فِي كِتَابه الْكَبِير، اعتنى مِنْهُ بِأبي سُلَيْمَان: إِسْمَاعِيل الكحال، وَنقل عَن ابْن معِين أَنه قَالَ: " لَا بَأْس بِهِ "، وَأعْرض عَن عبد الله بن أَوْس، كَأَنَّهُ عِنْده مَعْرُوف، وَلَيْسَ كَذَلِك.
(1584) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا حَدِيث الْأنْصَارِيّ الَّذِي فِيهِ: " إِذا تَوَضَّأ(4/142)
أحدكُم فَأحْسن الْوضُوء، ثمَّ خرج إِلَى الصَّلَاة لم يرفع قدمه الْيُمْنَى " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ أَيْضا متسامحا كَذَلِك، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ يعلى بن عَطاء، عَن معبد بن هُرْمُز، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن هَذَا الْأنْصَارِيّ.
ومعبد بن هُرْمُز لَا يعرف روى عَنهُ غير عَطاء، وَلَا تعرف حَاله.
(1585) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِيمَن خرج فَوجدَ النَّاس قد صلوا.
وَسكت عَنهُ متسامحا كَذَلِك، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ مُحصن بن عَليّ، عَن عَوْف بن الْحَارِث، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَلَا يعرف مُحصن إِلَّا بِهِ، وَهُوَ مَجْهُول.
(1586) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا حَدِيث أبي هُرَيْرَة: " من أَتَى الْمَسْجِد لشَيْء فَهُوَ حَظه ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ عُثْمَان بن أبي العاتكة، عَن عُمَيْر بن هَانِئ عَن أبي هُرَيْرَة.
وَعُثْمَان مُخْتَلف فِيهِ، قَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِشَيْء.(4/143)
وَقَالَ ابْن حَنْبَل: لَا بَأْس بِهِ، إِنَّمَا بليته من عَليّ بن يزِيد. انْتهى قَوْله.
فَحَدِيثه هَذَا، يَنْبَغِي أَن يُقَال فِيهِ: حسن لَا صَحِيح. وَالله أعلم.
(1587) وَذكر حَدِيث طلق بن عَليّ فِي " ترك الْوضُوء من مس الذّكر ".
وَذكره أَيْضا فِي كتاب الصَّلَاة فِي اتِّخَاذ الْبيعَة مَسْجِدا.
وَسكت عَنهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَهُوَ إِنَّمَا يرويهِ قيس بن طلق عَن أَبِيه، وَقد حكى الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه عَن ابْن أبي حَاتِم، أَنه سَأَلَ أَبَاهُ وَأَبا زرْعَة عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَا: " قيس بن طلق، لَيْسَ مِمَّن تقوم بِهِ حجَّة "، ووهناه، وَلم يثبتاه، وَإِن كَانَ ابْن معِين يَقُول: " شُيُوخ يمامة ثِقَات "، فَإِن هَذَا التَّعْمِيم لَا يَصح الْقَضَاء بِهِ على من لَعَلَّه قد زل عَن خاطره، أَو خَفِي عَلَيْهِ بعض أمره.
والْحَدِيث مُخْتَلف فِيهِ، فَيَنْبَغِي أَن يُقَال فِيهِ: حسن.(4/144)
(1588) وَلِهَذَا ذكر فِي الْوتر من طَرِيق أبي دَاوُد، حَدِيث طلق بن عَليّ أَيْضا فِي: " أَنه لَا وتران فِي لَيْلَة ".
وَقَالَ بإثره: إِن التِّرْمِذِيّ قَالَ فِيهِ: حسن غَرِيب.
قَالَ: وَغَيره يُصَحِّحهُ.
وَإِنَّمَا قَالَ التِّرْمِذِيّ فِيهِ حسن لما قُلْنَاهُ، وَذَلِكَ أَنه من رِوَايَة ملازم بن عَمْرو، عَن عبد الله بن بدر، عَن قيس بن طلق عَن أَبِيه، فاعلمه.
(1589) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " هَل فِيكُم أحد أطْعم الْيَوْم مِسْكينا " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ مصححا لَهُ، وَهُوَ إِنَّمَا يرويهِ مبارك بن فضَالة، عَن ثَابت الْبنانِيّ، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر، فَذكره.(4/145)
ومبارك مُخْتَلف فِيهِ. فَالْحَدِيث من أَجله حسن، كَانَ ابْن مهْدي لَا يحدث عَن مبارك هَذَا.
وَقَالَ فِيهِ النَّسَائِيّ: ضَعِيف.
وَقَالَ ابْن حَنْبَل: يرفع حَدِيثا كثيرا، وَيَقُول فِي غير حَدِيث عَن الْحسن: " حَدثنَا عمرَان بن الْحصين وَأَصْحَاب الْحسن لَا يَقُولُونَ ذَلِك غَيره ".
وَقَالَ فِيهِ ابْن معِين: " ضَعِيف الحَدِيث ".
وَقَالَ أَبُو زرْعَة: " يُدَلس كثيرا فَإِذا قَالَ: حَدثنَا فَهُوَ ثِقَة ".
وَكَانَ عَفَّان يوثقه وَأثْنى عَلَيْهِ يحيى بن سعيد.
وَيُمكن أَن يكون أَبُو مُحَمَّد لم يُصَحِّحهُ، وَلكنه تسَامح فِيهِ لِأَنَّهُ فِي ثَوَاب أَعمال، وَالله أعلم.
(1590) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي أَن " الْمُؤَذّن يغْفر لَهُ(4/146)
مدى صَوته ".
وَسكت عَنهُ، وَأرَاهُ تسَامح فِيهِ كَذَلِك، والْحَدِيث من رِوَايَة مُوسَى بن أبي عُثْمَان، عَن أبي يحيى، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَأَبُو يحيى هَذَا لَا يعرف، وَقد ذكره ابْن الْجَارُود فَلم يزدْ على مَا أَخذ من(4/147)
هَذَا الْإِسْنَاد: من رِوَايَته عَن أبي هُرَيْرَة، وَرِوَايَة مُوسَى بن أبي عُثْمَان عَنهُ،
وَهُنَاكَ جمَاعَة تروي عَن أبي هُرَيْرَة، كل وَاحِد مِنْهُم يُقَال لَهُ: أَبُو يحيى، مِنْهُم مولى جعدة، وَهُوَ ثِقَة، وَآخر اسْمه قيس، روى عَنهُ بكير بن الْأَشَج، ذكره مُسلم، وَآخر لَا يُسمى، روى عَنهُ صَفْوَان بن سليم، يعد فِي أهل الْمَدِينَة، ذكره ابْن أبي حَاتِم.
قَالَ أَبُو أَحْمد الْحَاكِم فِي كِتَابه فِي الكنى: خليق أَن يكون هَذَا قيسا الَّذِي روى عَنهُ بكير بن الْأَشَج، فَاعْلَم ذَلِك.
(1591) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا حَدِيث أبي مَحْذُورَة: " الْإِقَامَة مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ من رِوَايَة عُثْمَان بن السَّائِب، عَن أَبِيه وَأم عبد الْملك ابْن أبي مَحْذُورَة.
والسائب، وَابْنه، وَأم عبد الْملك بن أبي مَحْذُورَة، كلهم غير مَعْرُوف.
وَالصَّحِيح فِي حَدِيث أبي مَحْذُورَة تربيع التَّكْبِير، ثمَّ تَثْنِيَة سائرها، فَاعْلَم ذَلِك.
(1592) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا حَدِيث عقبَة بن عَامر، سَمِعت(4/148)
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " من أم النَّاس فَأصَاب الْوَقْت " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث إِنَّمَا يرويهِ ابْن وهب، عَن يحيى بن أَيُّوب، عَن عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة، عَن أبي عَليّ الْهَمدَانِي، قَالَ: سَمِعت عقبَة 000 فَذكره.
وَيحيى بن أَيُّوب قد تقدم ذكره فِي هَذَا الْبَاب، وَقَوله فِيهِ: لَا يحْتَج بِهِ.
وَلِلْحَدِيثِ شَأْن آخر، هُوَ أَن الطَّحَاوِيّ أوردهُ فِي كِتَابه فَقَالَ: حَدثنَا يُونُس بن عبد الْأَعْلَى، حَدثنَا ابْن وهب، حَدثنَا يحيى بن أَيُّوب، فَذكره.
إِلَّا أَنه قَالَ: " من أم النَّاس فَأصَاب الْوَقْت وَأتم الصَّلَاة ".
ثمَّ قَالَ: وَحدثنَا الرّبيع بن سُلَيْمَان الجيزي، حَدثنَا سعيد بن كثير بن عفير، حَدثنَا يحيى بن أَيُّوب، عَن حَرْمَلَة بن عمرَان، عَن أبي عَليّ الْهَمدَانِي، قَالَ: سَمِعت عقبَة بن عَامر، فَذكر مثله.
ثمَّ قَالَ الطَّحَاوِيّ: أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ يَقُولُونَ: الصَّوَاب فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث: يحيى بن أَيُّوب، عَن حَرْمَلَة، عَن أبي عَليّ الْهَمدَانِي، لِأَن عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة لَا يعرف لَهُ سَماع من أبي عَليّ. انْتهى كَلَامه.
فَفِيهِ - كَمَا ترى - تخطئة من قَالَ: عَن يحيى بن أَيُّوب، عَن عبد الرَّحْمَن ابْن حَرْمَلَة، وتصويب من قَالَ: عَنهُ: حَرْمَلَة بن عمرَان، وإنكار أَن يكون عَن عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة، لِأَنَّهُ لَا يعرف لَهُ سَماع من أبي عَليّ.
وَهَذَا لَوْلَا يحيى بن أَيُّوب، زِيَادَة قُوَّة للْخَبَر، فَإِن عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة(4/149)
كَانَ يقبل التَّلْقِين، وَقَالُوا فِيهِ مَعَ ذَلِك: " ثِقَة "، وَأخرج لَهُ مُسلم، وحرملة بن عمرَان خير مِنْهُ.
فرواية سعيد بن كثير بن عفير، خير من رِوَايَة ابْن وهب، فلولا يحيى ابْن أَيُّوب وَسُوء حفظه كُنَّا نقُول: الحَدِيث صَحِيح، وَلكنه بِسوء حفظه يُمكن أَن يكون لم يضْبط عَمَّن أَخذه، وَيُمكن أَن يكون رَوَاهُ عَنْهُمَا، وَيُمكن أَن يكون الْخَطَأ عَلَيْهِ من أحد الراويين لَهُ عَنهُ، وَإِن كَانَ كَمَا قَالَ ابْن وهب: عَن يحيى ابْن أَيُّوب، عَن عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة، بَقِي علينا سَمَاعه من أبي عَليّ.
وَأَبُو مُحَمَّد - رَحمَه الله - بسكوته عَن الحَدِيث الْمَذْكُور، معرض عَن هَذَا كُله، مُخطئ بِتَصْحِيحِهِ فاعلمه.
(1593) وَذكر من طَرِيق ابْن أبي شيبَة، عَن سُبْرَة بن معبد، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ليستتر أحدكُم لصلاته وَلَو بِسَهْم ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ ابْن أبي شيبَة، عَن زيد بن الْحَارِث قَالَ: أَخْبرنِي عبد الْملك بن الرّبيع بن سُبْرَة، أَخْبرنِي أبي، عَن أَبِيه 000 فَذكره.
وَقد تقدم ذكر عبد الْملك بِمَا يُغني عَن إِعَادَته.
(1594) وَذكر حَدِيث النُّعْمَان بن بشير: " يُسَوِّي صُفُوفنَا كَأَنَّمَا يُسَوِّي بهَا القداح " من كتاب مُسلم.(4/150)
(1595) وَحَدِيث: " إِذا استوينا كبر " من كتاب أبي دَاوُد.
وَكِلَاهُمَا من رِوَايَة سماك، وَقد تقدم ذكره.
(1596) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار حَدِيث الْعَبَّاس، أَنه عَلَيْهِ السَّلَام " أَخذ الْقِرَاءَة من حَيْثُ انْتهى إِلَيْهِ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ من رِوَايَة قيس بن الرّبيع، وَهُوَ عِنْدهم ضَعِيف، كَابْن أبي ليلى وَشريك، اعتراه من سوء الْحِفْظ لما ولي الْقَضَاء مَا اعتراهما.
وَقَالَ مُحَمَّد بن عبيد: مَا زَالَ أمره مُسْتَقِيمًا حَتَّى استقضي فَقتل رجلا.
وَقَالَ الْعقيلِيّ: إِن أَبَا جَعْفَر اسْتَعْملهُ على الْمَدَائِن، فَكَانَ يعلق النِّسَاء بثديهن وَيُرْسل عَلَيْهِنَّ الزنابير.
وَذكر السَّاجِي عَن أَحْمد بن حَنْبَل أَنه قَالَ: " كَانَ لَهُ ابْن يَأْخُذ حَدِيث مسعر، وسُفْيَان، والمتقدمين، فيدخلها فِي حَدِيث أَبِيه وَهُوَ لَا يعلم ".(4/151)
وَحكى البُخَارِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي دَاوُد قَالَ: إِنَّمَا أُتِي قيس من قبل ابْنه، كَانَ يَأْخُذ حَدِيث النَّاس فيدخلها فِي فرج كتاب قيس، وَلَا يعرف الشَّيْخ ذَلِك.
وَكَانَ وَكِيع يُضعفهُ.
وَكم من حَدِيث قد رده أَبُو مُحَمَّد من أَجله، بل رُبمَا رد حَدِيثا من أَجله، وَلم يعرض فِيهِ لغيره مِمَّن هُوَ ضَعِيف عِنْده.
(1597) كَحَدِيث ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كفن فِي قطيفة حَمْرَاء ".
سَاقه من كتاب أبي أَحْمد، من رِوَايَة قيس بن الرّبيع، عَن شُعْبَة، عَن أبي جَمْرَة عَنهُ.
ورده بِضعْف قيس، وَمُخَالفَة أَصْحَاب شُعْبَة لَهُ، فَإِنَّهُم فَإِنَّمَا رووا: " جعل فِي قبر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قطيفة حَمْرَاء ".
وَترك إعلاله بِمُحَمد بن مُصعب القرقساني رَاوِيه عَن قيس، وَلَعَلَّ ضعفه من قبله، فَإِنَّهُ مُنكر جدا أَن تكون القطيفة الْحَمْرَاء لَهُ عَلَيْهِ السَّلَام كفنا، مَعَ مَا صَحَّ من تكفينه فِي أَثوَاب بيض سحُولِيَّة من كُرْسُف.(4/152)
وَأَبُو مُحَمَّد يضعف مُحَمَّد بن مُصعب، فَاعْلَم ذَلِك.
(1598) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ حَدِيث سَمُرَة: " سكتتان حفظتهما من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ".
وَسكت عَنهُ مصححا لَهُ.
والْحَدِيث عِنْده من رِوَايَة عبد الْأَعْلَى، عَن سعيد، عَن قَتَادَة، عَن الْحسن عَنهُ.
وَسَعِيد بن أبي عرُوبَة مَشْهُور الِاخْتِلَاط، وَعبد الْأَعْلَى لَا يعرف مَتى سمع مِنْهُ.
وَلم يتَجَنَّب أَبُو مُحَمَّد من حَدِيث سعيد شَيْئا، بل سَاق عَنهُ مَا لَا يُحْصى من عِنْد مُسلم وَغَيره، وَلم يعْتَبر فِي الروَاة عَنهُ من سمع مِنْهُ قبل الِاخْتِلَاط أَو بعده، أَو من لم يعرف مَتى سمع، كَعبد الْأَعْلَى هَذَا.(4/153)
(1599) وَكَذَا فعل فِي حَدِيث: " لَا يرفع يَدَيْهِ فِي شَيْء من الدُّعَاء إِلَّا فِي الاسْتِسْقَاء " فَإِنَّهُ أَيْضا من رِوَايَة عبد الْأَعْلَى عَن سعيد.
(1600) وَكَذَلِكَ حَدِيث: " اعْتكف الْعشْر الْأَوْسَط من رَمَضَان يلْتَمس لَيْلَة الْقدر ".
(1601) وَحَدِيث ابْن عَبَّاس فِي " أَن البغايا اللَّاتِي ينكحن أَنْفسهنَّ بِغَيْر بَيِّنَة ".(4/154)
وَكِلَاهُمَا أَيْضا من رِوَايَة عبد الْأَعْلَى، عَن سعيد.
وَقد سَاق عَنهُ مَا هُوَ من رِوَايَة من روى عَنهُ بعد اخْتِلَاطه:
(1602) كَحَدِيث سعد بن هِشَام عَن عَائِشَة فِي صَلَاة اللَّيْل.
سَاقه من عِنْد مُسلم، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْده من رِوَايَة مُحَمَّد بن أبي عدي عَن سعيد.
وَقد نَص الْعقيلِيّ وَغَيره على أَنه إِنَّمَا سمع مِنْهُ بعد الِاخْتِلَاط كَأبي نعيم.
وَأما مَا سَاق عَنهُ مِمَّا هُوَ من رِوَايَة يزِيد بن زُرَيْع عَنهُ فكثير، لم نتعرض لإحصائه، وأذكر مِنْهُ الْآن، حَدِيث أبي هُرَيْرَة:
(1603) " الرُّؤْيَا ثَلَاث " من عِنْد التِّرْمِذِيّ.(4/155)
وَإِن أردْت أَن تعلم مذْهبه فِي الْمُخْتَلطين، حَتَّى يكون مُقَدّمَة لما ننبه عَلَيْهِ من أَحَادِيثهم، فَاعْلَم أَنه ذكر فِي الْجَنَائِز من عِنْد أبي دَاوُد: حَدِيث أبي هُرَيْرَة:
(1604) " من صلى على جَنَازَة فِي الْمَسْجِد فَلَا شَيْء لَهُ ".(4/156)
ورده بِأَن قَالَ: فِي إِسْنَاده صَالح مولى التَّوْأَمَة وَكَانَ قد اخْتَلَط بآخرة، فَلذَلِك ضعف حَدِيثه، وَاسْتثنى بعض أهل الحَدِيث مَا رَوَاهُ ابْن أبي ذِئْب عَنهُ فَقبله، لِأَنَّهُ روى عَنهُ قبل الِاخْتِلَاط.
وَقَالَ أَبُو أَحْمد: مِمَّن سمع مِنْهُ قَدِيما ابْن أبي ذِئْب، وَابْن جريج، وَزِيَاد بن سعد، وَغَيرهم قَالَ: ولحقه مَالك، وَالثَّوْري، وَغَيرهمَا بعد الِاخْتِلَاط، قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث من رِوَايَة ابْن أبي ذِئْب، عَن صَالح.
انْتهى مَا ذكره.
وَهَذَا الَّذِي حكى عَن أبي أَحْمد، من أَن ابْن أبي ذِئْب سمع مِنْهُ قَدِيما، حكى التِّرْمِذِيّ عَن البُخَارِيّ، عَن أَحْمد بن حَنْبَل خِلَافه، قَالَ: سمع مِنْهُ أخيرا، وروى عَنهُ مُنْكرا.
(1605) وَمن ذَلِك أَنه ذكر فِي الصّيام حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كَانَ يصبح جنبا وَلم يجمع الصَّوْم، ثمَّ يَبْدُو لَهُ فيصوم ".(4/157)
وَأعله بعلته، فَكَانَ مِنْهَا أَن قَالَ فِي عبد الْبَاقِي بن قَانِع: إِنَّه اخْتَلَط عقله قبل مَوته بِسنة.
ثمَّ لم يلبث أَن سَاق من عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ فِي قَضَاء الصَّوْم حَدِيث:
(1606) " إِن شَاءَ فرق، وَإِن شَاءَ تَابع ".
وَلم يبين أَنه من رِوَايَة عبد الْبَاقِي بن قَانِع الْمَذْكُور.
(1607) وَمن ذَلِك أَنه ذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ عَن عَليّ، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " {وَآتُوهُمْ من مَال الله الَّذِي آتَاكُم} قَالَ: ربع الْكِتَابَة ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث يرويهِ ابْن جريج، عَن عَطاء بن السَّائِب، وَيُقَال: إِنَّه لم يسمع مِنْهُ إِلَّا بعد الِاخْتِلَاط، وَالصَّوَاب مَوْقُوف على عَليّ.
(1608) وَمن ذَلِك أَنه ذكر حَدِيث مرداس بن عُرْوَة، أَن رجلا رمى رجلا بِحجر فَقتله " فَأتي بِهِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فأقاده مِنْهُ ".
ثمَّ قَالَ: مُحَمَّد بن جَابر اليمامي، كَانَ أعمى، وَاخْتَلَطَ عَلَيْهِ حَدِيثه،(4/158)
وَذَهَبت كتبه فضعف.
(1609) وَمن ذَلِك أَنه ذكر حَدِيث التِّرْمِذِيّ، عَن حَنْظَلَة بن عبيد الله السدُوسِي، عَن أنس، قَالَ رجل: يَا رَسُول الله، الرجل منا يلقى أَخَاهُ أَو صديقه، أينحني لَهُ؟ الحَدِيث فِي المصافحة.
ثمَّ قَالَ: حَنْظَلَة يروي مَنَاكِير، وَهَذَا مِمَّا أنكر عَلَيْهِ، وَكَانَ قد اخْتَلَط.
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِيهِ: حَدِيث حسن.
فَهَذَا مذْهبه فِي الْمُخْتَلطين، وبحسبه نلزمه فِي أَحَادِيث من لم ننبه عَلَيْهِ مِنْهُم رد رواياتهم، وَيَقَع ذكرهم مبثوثا فِي موَاضعه من هَذَا الْبَاب إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(1610) فَمن ذَلِك أَنه ذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ حَدِيث ابْن مَسْعُود: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَصُوم ثَلَاثَة أَيَّام من غرَّة كل شهر، وَقل مَا يفْطر يَوْم الْجُمُعَة ".
وَسكت عَنهُ، وَالنَّسَائِيّ إِنَّمَا سَاقه من حَدِيث أبي حَمْزَة: مُحَمَّد بن مَيْمُون، عَن عَاصِم، عَن زر، عَن عبد الله.(4/159)
وَقَالَ فِيهِ: " لَا بَأْس بِهِ، إِلَّا أَنه كَانَ ذهب بَصَره فِي آخر عمره، فَمن كتب عَنهُ قبل ذَلِك فَحَدِيثه جيد ".
يَعْنِي أَبَا حَمْزَة.
(1611) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن عبَادَة بن الصَّامِت، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " أم الْقُرْآن عوض من غَيرهَا، وَلَيْسَ غَيرهَا عوضا مِنْهَا ".
وَسكت عَنهُ كَأَنَّهُ صَحِيح، وَقد أتبعه فِي كِتَابه الْكَبِير أَن قَالَ: تفرد بِهِ مُحَمَّد بن خَلاد، عَن أَشهب.
وَمُحَمّد بن خَلاد، روى عَنهُ أَبُو حَاتِم وَأَبُو زرْعَة.
لم يزدْ على هَذَا، وَلَيْسَ يَنْبَغِي أَن يصحح هَذَا الْخَبَر؛ فَإِن مُحَمَّد بن خَلاد هَذَا لم يعلم من حَاله مَا يعْتَمد عَلَيْهِ، وَلم يذكرهُ أَبُو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم بِأَكْثَرَ من رِوَايَة أَبِيه أبي حَاتِم، وَعلي بن الْجُنَيْد عَنهُ، وَرِوَايَته هُوَ عَن اللَّيْث، وَلم يذكر فِيهِ تعديلا وَلَا تجريحا، فَهُوَ عِنْده مِمَّن لَا تعلم حَاله.(4/160)
وَإِلَى ذَلِك فقد عهد يروي مَنَاكِير، مِنْهَا هَذَا الحَدِيث الَّذِي لَا يعرف إِلَّا من رِوَايَته.
وَلما ذكره أَبُو سعيد بن يُونُس فِي كِتَابه فِي تَارِيخ المصريين قَالَ فِيهِ: " روى مَنَاكِير "، وكناه أَبَا عبد الله وَنسبه تميميا، وَذكر عَن ابْن أبي مطر أَنه قَالَ: توفّي فِي ربيع الآخر سنة أحدى وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَذكر أَنه يروي عَن أَبِيه، وَاللَّيْث وضمام، وَأَنه إسكندراني.
وَأَقُول - بعد هَذَا -: إِن الحَدِيث أَخَاف أَن يكون مغيرا، قصد بِهِ معنى حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت الآخر، فَغير، فلنذكرهما جَمِيعًا حَتَّى يتَبَيَّن ذَلِك:
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا عمر بن أَحْمد بن عَليّ الْجَوْهَرِي، قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن سيار الْمروزِي، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن خَلاد الإسْكَنْدراني، قَالَ: حَدثنَا أَشهب بن عبد الْعَزِيز، قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن ابْن شهَاب، عَن مَحْمُود بن الرّبيع عَن عبَادَة فَذكره.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: تفرد بِهِ مُحَمَّد بن خَلاد عَن أَشهب، عَن ابْن عُيَيْنَة.
وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من رِوَايَة ابْن شهَاب، عَن مَحْمُود بن الرّبيع، عَن عبَادَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ: " لَا تُجزئ صَلَاة لَا يقْرَأ فِيهَا الرجل بِفَاتِحَة الْكتاب ".
هَذَا هُوَ حَدِيث ابْن شهَاب، عَن مَحْمُود بن الرّبيع، وَهُوَ صَحِيح. فَالله أعلم إِن كَانَ غير إِلَى ذَلِك اللَّفْظ، فَإِن إسنادهما وَاحِد، فَاعْلَم ذَلِك.(4/161)
(1612) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ، حَدِيث الْعِرْبَاض بن سَارِيَة، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كَانَ يُصَلِّي على الصَّفّ الأول ثَلَاثًا، وعَلى الثَّانِي وَاحِدَة ".(4/162)
وَسكت عَنهُ، وَلَعَلَّه تسَامح فِيهِ لِأَنَّهُ ثَوَاب عمل، فَإِنَّهُ حَدِيث إِنَّمَا يرويهِ بَقِيَّة بن الْوَلِيد، وَبَقِيَّة من قد علمت حَاله ونكارة حَدِيثه.
وَقد تكَرر لأبي مُحَمَّد سُكُوته عَن أَحَادِيث، هِيَ من رِوَايَة بَقِيَّة، وَلم يبين أَنَّهَا من رِوَايَته.
(1613) من ذَلِك، حَدِيث أبي هُرَيْرَة: " قد اجْتمع لكم فِي يومكم هَذَا عيدَان ".
من طَرِيق أبي دَاوُد.
(1614) وَحَدِيث: " لم يسْتَقْبل الْبَاب من تِلْقَاء وَجهه، وَلَكِن من رُكْنه الْأَيْمن أَو الْأَيْسَر ".
(1615) وَحَدِيث: " فَإِذا غلبك أَمر، فَقل حسبي الله وَنعم الْوَكِيل ".
لم يعرض فِيهِ لبَقيَّة.
(1616) ومرسل الزُّهْرِيّ " يَا رَسُول الله أنزوج بناتنا موالينا؟ ".(4/163)
أعرض فِيهِ عَنهُ، وَصَححهُ مُرْسلا.
(1617) وَحَدِيث الْمِقْدَام بن معد يكرب فِي نهي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن الْحَرِير وَالذَّهَب ومياثر النمور.
(1618) وَحَدِيث: " للشهيد سِتّ خِصَال "
(1619) وَحَدِيث: " اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الشقاق والنفاق وَسُوء الْأَخْلَاق ".
(1620) وَحَدِيث: " من قَالَ حِين يصبح: اللَّهُمَّ إِنِّي أشهدك وَأشْهد حَملَة عرشك ".
لم يبين فِي هَذِه الْأَحَادِيث كلهَا أَنَّهَا من رِوَايَته.
(1621) وَحَدِيث: " النَّهْي عَن الذّبْح بِاللَّيْلِ ".
ضعفه بمبشر بن عبيد، وَأعْرض فِيهِ عَن ذكر بَقِيَّة بِشَيْء، إِلَّا أَنه أبرزه.
(1622) وَحَدِيث: " لَا يتَزَوَّج العَبْد فَوق اثْنَتَيْنِ ".(4/164)
رده بالوجيهي وَأعْرض عَن بَقِيَّة.
(1623) وَحَدِيث: " الرُّخْصَة فِي الْحَرِير عِنْد الْقِتَال ".
ضعفه بِعِيسَى بن إِبْرَاهِيم، وَلم يبين أَن دونه بَقِيَّة.
(1624) وَحَدِيث: " أجهدت فأفطرت، فَأمرهَا بِقَضَاء يَوْمَيْنِ ".
ذكره فَلم يبين أَنه من رِوَايَة بَقِيَّة، ثمَّ ذكر بعده آخر فَقَالَ: هَذَا أصح من الَّذِي قبله.
كَأَنَّهُ عِنْده صَحِيح، أَعنِي الأول.
وَأَحَادِيث بَين أَنَّهَا من رِوَايَة بَقِيَّة متبرئا بذلك من عهدتها.
(1625) مِنْهَا حَدِيث: " من أَخذ أَرضًا بجزيتها ".
ثمَّ قَالَ فِيهِ: ضَعِيف جدا، فِيهِ بَقِيَّة وَغَيره.(4/165)
(1626) وَحَدِيث ابْن عَبَّاس، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا جَامع أحدكُم زَوجته أَو جَارِيَته، فَلَا ينظر إِلَى فرجهَا، فَإِن ذَلِك يُورث الْعَمى ".
ذكره من طَرِيق أبي أَحْمد، عَن هِشَام بن خَالِد، قَالَ: حَدثنَا بَقِيَّة، قَالَ: حَدثنِي ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس.
ثمَّ قَالَ: هَكَذَا قَالَ هِشَام عَن بَقِيَّة، وَلَا يعرف من حَدِيث ابْن جريج.
(1627) وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة: " لَا نِكَاح إِلَّا بِإِذن الرجل وَالْمَرْأَة ".
من رِوَايَة بَقِيَّة، عَن الْعمريّ، ثمَّ قَالَ: قد تقدم الْكَلَام فيهمَا.
(1628) وَحَدِيث: " الامتحان بِالضَّرْبِ ". من رِوَايَة النُّعْمَان بن بشير.
قَالَ: فِي إِسْنَاده بَقِيَّة عَن صَفْوَان، وَأحسن حَدِيثه مَا كَانَ عَن بحير بن سعد.
(1629) وَحَدِيث: " من نسي الْأَذَان وَالْإِقَامَة " فِي بَاب السَّهْو.
قَالَ بعده: أحسن حَدِيث بَقِيَّة، مَا كَانَ عَن بحير بن سعد.(4/166)
وَأَحَادِيث ذكرهَا فضعفها من أجل بَقِيَّة، نقض بذلك مَا ابتدأنا بِذكرِهِ من الْأَحَادِيث الَّتِي صححها بسكوته عَنْهَا، وَلم يبين أَنَّهَا من رِوَايَته.
(1630) فَمن ذَلِك: حَدِيث أنس؛ أَنه عَلَيْهِ السَّلَام " طَاف على ثِنْتَيْ عشرَة امْرَأَة، لَا يمس فِي شَيْء من ذَلِك مَاء ".
أتبعه أَن قَالَ: بَقِيَّة وَسَعِيد بن بشير لَا يحْتَج بهما، وَبَقِيَّة أَكثر.
(1631) وَلما ذكر أَيْضا حَدِيث: " اقْتُلُوا شُيُوخ الْمُشْركين واستبقوا شرخهم ".
أتبعه أَن قَالَ: حجاج بن أَرْطَاة وَسَعِيد بن بشير لَا يحْتَج بهما.
فَهُوَ - كَمَا ترى - عِنْده أَضْعَف من سعيد بن بشير، وَسَعِيد بن بشير لَا يحْتَج بِهِ أصلا.
(1632) وَحَدِيث ابْن عَبَّاس فِي " الأوقاص " فِي بَاب زَكَاة الْبَقر.
أتبعه أَن قَالَ: بَقِيَّة لَا يحْتَج بِهِ.
وَأعْرض من إِسْنَاده عَن المَسْعُودِيّ، وَهُوَ جد مختلط، وَرَأى أَن عِلّة الْخَبَر، إِنَّمَا هِيَ كَونه من رِوَايَة بَقِيَّة.(4/167)
(1633) وَذكر فِي الطَّهَارَة حَدِيث دم الحبون.
من رِوَايَة بَقِيَّة، عَن ابْن جريج، ثمَّ أتبعه قَول الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا بَاطِل عَن ابْن جريج، وَلَعَلَّ بَقِيَّة دلسه عَن رجل ضَعِيف.
فَفِي هَذَا - كَمَا ترى - رمى بَقِيَّة باستباحة التَّدْلِيس بِإِسْقَاط الضُّعَفَاء، وَهُوَ مُفسد لعدالته إِن صَحَّ ذَلِك عَنهُ، بِخِلَاف التَّدْلِيس بِإِسْقَاط الثِّقَات.
(1634) وَحَدِيث عبد الله بن بسر فِي " الثريدة بالسمن " ضعفه من أجل بَقِيَّة.
وَقد تقدم فِي بَاب النَّقْص من الْأَسَانِيد، حَدِيث طَلَاق الْمُكْره وَيلْزم أَن يكون أعرض فِيهِ عَن بَقِيَّة، وَضَعفه بِغَيْرِهِ.
(1635) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث وهب بن مانوس [عَن(4/168)
سعيد بن جُبَير، عَن أنس] أَنه قَالَ: " مَا صليت وَرَاء أحد أشبه صَلَاة برَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من عمر بن عبد الْعَزِيز، فَكَانَ يحزر رُكُوعه قدر عشر تسبيحات، وَسُجُوده كَذَلِك.
وَسكت عَنهُ، ووهب هَذَا مَجْهُول الْحَال، وأظن أَن أَبَا مُحَمَّد قنع فِيهِ براوية جمَاعَة عَنهُ، فَإِنَّهُ قد روى عَنهُ إِبْرَاهِيم بن نَافِع وَإِبْرَاهِيم بن عمر بن كيسَان، وَهُوَ شَيْء لَا مقنع فِيهِ، فَإِن عَدَالَته لَا تثبت بذلك.
(1636) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ حَدِيث نمير الْخُزَاعِيّ " أَنه رأى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَاعِدا فِي الصَّلَاة وَاضِعا يَده الْيُمْنَى على فَخذه الْيُمْنَى، رَافعا السبابَة، قد حناها شَيْئا ".(4/169)
وَسكت عَنهُ، وَمَا مثله صحّح، فَإِنَّهُ لَا يروي عَن نمير الْمَذْكُور، إِلَّا ابْنه مَالك، وَهُوَ الَّذِي يروي عَنهُ هَذَا.
وَمَالك بن نمير لَا تعرف لَهُ حَال، وَلَا يعلم روى عَنهُ غير عِصَام بن قدامَة، وَلَا يعرف أَيْضا لنمير غير هَذَا الحَدِيث، وَلم تعرف صحبته من قَول غَيره.
(1637) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، حَدِيث أنس بن مَالك أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " حضهم على الصَّلَاة، ونهاهم أَن ينصرفوا قبل انْصِرَافه عَن الصَّلَاة ".
وَسكت عَنهُ مصححا لَهُ، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ أَبُو دَاوُد هَكَذَا: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْعَلَاء: أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا حَفْص بن بغيل المرهبي، قَالَ: حَدثنَا زَائِدَة، عَن الْمُخْتَار بن فلفل عَن أنس.
وَحَفْص بن بغيل لَا تعرف حَاله وَلَا يعرف روى عَنهُ غير أبي كريب وَأحمد بن بديل، فَأَما ابْن أبي حَاتِم فَإِنَّهُ لم يزدْ فِي ذكره إِيَّاه على أَن قَالَ: روى عَنهُ أَبُو كريب، فَهُوَ عِنْده مَجْهُول كَمَا قُلْنَاهُ.(4/170)
(1638) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن معَاذ بن أنس الْجُهَنِيّ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من قعد فِي مُصَلَّاهُ حِين ينْصَرف من الصُّبْح حَتَّى يسبح رَكْعَتي الضُّحَى " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ متسامحا، وَهُوَ لَا يَصح، لِأَنَّهُ من رِوَايَة ابْن وهب، عَن يحيى بن أَيُّوب، عَن زبان، بن فائد، عَن سهل بن معَاذ عَن أَبِيه فَذكره.
وَسَهل بن معَاذ ضَعِيف، وزبان بن فائد ضَعِيف، وَيحيى بن أَيُّوب قد تقدم عمله فِي أَحَادِيث، وَتَقَدَّمت فِي جُمْلَتهَا الْإِشَارَة إِلَى هَذَا الحَدِيث.
وَقد نَص هُوَ على ضعف زبان بن فائد، وَسَهل بن معَاذ، حِين ذكر من عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ، حَدِيث عبد الله بن لَهِيعَة عَن زبان عَن سهل، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ:
(1639) " الضاحك فِي الصَّلَاة، والملتفت، والمفرقع أَصَابِعه بِمَنْزِلَة ".(4/171)
ثمَّ قَالَ بإثره: كلهم ضعفاء.
وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَإِنَّمَا فعل ذَلِك فِيهِ لِأَنَّهُ مُتَضَمّن عِنْده حكما، وتسامح فِي الآخر، لِأَنَّهُ ثَوَاب عمل.
(1640) وَذكر فِي الْجُمُعَة حَدِيث معَاذ بن أنس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من تخطى رِقَاب النَّاس يَوْم الْجُمُعَة، اتخذ جِسْرًا إِلَى جَهَنَّم ".
ورده برشدين بن سعد، وَلم يعرض لسواه، وَرشْدِين إِنَّمَا يرويهِ عَن زبان ابْن فائد، عَن سهل بن معَاذ، عَن أَبِيه، كَذَلِك ذكره التِّرْمِذِيّ، وَمن عِنْده نَقله.
(1641) وَذكر حَدِيث: " النَّهْي عَن الحبوة يَوْم الْجُمُعَة " من حَدِيث سهل بن معَاذ عَن أَبِيه.
ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده ضَعِيف.(4/172)
وَهُوَ حَدِيث كَمَا قَالَ، لضعف سهل بن معَاذ، وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا يرويهِ عَنهُ أَبُو مَرْحُوم: عبد الرَّحِيم بن مَيْمُون، وَهُوَ أَيْضا ضَعِيف، قَالَه ابْن معِين، ذكر الحَدِيث أَبُو دَاوُد.
وَقد حصل الْمَقْصُود، وَهُوَ أَن الحَدِيث المبدوء بِذكرِهِ إِنَّمَا طوى إِسْنَاده وتعليله تسامحا لما كَانَ من فَضَائِل الْأَعْمَال، وَإِلَّا فَهُوَ ضَعِيف على مذْهبه.
(1642) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ حَدِيث أبي ذَر، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا قَامَ أحدكُم للصَّلَاة فَلَا يمسح الْحَصَى، فَإِن الرَّحْمَة تواجهه ".(4/173)
قَالَ: وَفِي مُسْند سُفْيَان: " فَلَا يمسح إِلَّا مرّة ".
كَذَا أوردهُ ساكتا عَنهُ مصححا لَهُ، وَهُوَ حَدِيث إِنَّمَا يرويهِ سُفْيَان، عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي الْأَحْوَص، عَن أبي ذَر، وَكَذَا هُوَ فِي مُسْند سُفْيَان بِاللَّفْظِ الَّذِي ذكره.
وَأَبُو الْأَحْوَص هَذَا، تفرد الزُّهْرِيّ بالرواية عَنهُ، وَلم يرو عَنهُ إِلَّا حديثين، هَذَا أَحدهمَا.
(1643) وَالْآخر حَدِيثه عَن أبي ذَر أَيْضا عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا(4/174)
يزَال الله عز وَجل مُقبلا على العَبْد فِي صلَاته مَا لم يلْتَفت، فَإِذا الْتفت انْصَرف عَنهُ ".
وَقد ذكر أَبُو مُحَمَّد أَحَادِيث كَثِيرَة فِي الِالْتِفَات، وَلم يذكر هَذَا الحَدِيث فِي جُمْلَتهَا، وَلَيْسَ فِيمَا ذكر شَيْء صَحِيح إِلَّا حَدِيث عَائِشَة.
(1644) " إِن الِالْتِفَات اختلاسة يختلسها الشَّيْطَان من صَلَاة العَبْد ".
ذكره من عِنْد البُخَارِيّ.
وَقد كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن كَانَ حَدِيثه هَذَا فِي الِالْتِفَات [أَن يُورِدهُ] ، فَإِنَّهُمَا حديثان لَا ثَالِث لَهما، من رِوَايَة أبي الْأَحْوَص الْمَذْكُور، وَهُوَ لَا تعرف لَهُ حَال، وَلَا قضى لَهُ بالثقة مَا رَوَاهُ يُونُس عَن ابْن شهَاب من قَوْله: " سَمِعت أَبَا الْأَحْوَص يحدث فِي مجْلِس سعيد بن الْمسيب " وَقد روى الدوري عَن ابْن معِين أَنه قَالَ: أَبُو الْأَحْوَص الَّذِي روى عَنهُ الزُّهْرِيّ لَيْسَ بِشَيْء.
وَأمره بَين، وَلَو لم يقل ذَلِك ابْن معِين.
(1645) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن زِيَاد بن علاقَة قَالَ: " صلى(4/175)
بِنَا الْمُغيرَة بن شُعْبَة فَنَهَضَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ مصححا لَهُ، وَمَا مثله صحّح؛ فَإِنَّهُ من رِوَايَة المَسْعُودِيّ، عَن زِيَاد بن علاقَة.
والمسعودي، هُوَ عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عتبَة بن عبد الله بن مَسْعُود، وَهُوَ مختلط، اشْتَدَّ مَا أَصَابَهُ من ذَلِك حَتَّى كَانَ لَا يعقل، فضعف حَدِيثه، وَلم يتَمَيَّز فِي الْأَغْلَب مَا رُوِيَ عَنهُ بعد اخْتِلَاطه مِمَّا رُوِيَ عَنهُ فِي الصِّحَّة.
قَالَ أَبُو النَّضر هَاشم بن الْقَاسِم: إِنِّي لأعرف الْيَوْم الَّذِي اخْتَلَط فِيهِ المَسْعُودِيّ، كُنَّا عِنْده وَهُوَ يعزى فِي ابْن لَهُ، إِذْ جَاءَهُ إِنْسَان فَقَالَ لَهُ: إِن غلامك أَخذ عشرَة آلَاف من مَالك وفر، فَفَزعَ وَقَامَ، فَدخل إِلَى منزله ثمَّ خرج إِلَيْنَا وَقد اخْتَلَط.
وَقَالَ أَحْمد بن عُثْمَان بن حَكِيم الأودي: قَالَ لي أَبُو نعيم: لَو رَأَيْت رجلا فِي قبَاء سَواد وشاشية، وَفِي وَسطه خنجر، وَلَا أعلمهُ إِلَّا قَالَ: مَكْتُوب بَين كَتفيهِ: " فَسَيَكْفِيكَهُم الله " كنت تكْتب عَنهُ؟ قلت: لَا، قَالَ: فقد رَأَيْت المَسْعُودِيّ فِي هَذِه الْحَالة يَعْنِي من شدَّة اخْتِلَاطه.
وَقد يظنّ من لَا يُحَقّق أَن أَخَاهُ أَبَا العميس هُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ المَسْعُودِيّ، وَمن ظن هَذَا فقد أَخطَأ، بل إِذا ذكر أَبُو العميس فَإِنَّمَا يعرف أَنه أَخُو المَسْعُودِيّ، وَذَلِكَ بَين فِي كتب الرِّجَال.(4/176)
وَاسم أبي العميس، عتبَة بن عبد الله بن عتبَة، بن عبد الله بن مَسْعُود، وَالْأَمر فِي هَذَا وَفِي اخْتِلَاط المَسْعُودِيّ أبين شَيْء، وَمَا أرَاهُ اعتراه فِيهِ إِلَّا مَا اعترى أَبَا مُحَمَّد بن حزم: من ظَنّه أَبَا العميس، وَهُوَ كثيرا مَا يتبعهُ فِي صَوَابه وخطئه، وَيحْتَمل أَن يكون خَفِي عَلَيْهِ أمره، وَهُوَ أبعد الِاحْتِمَالَيْنِ، وَقد تبع عمله هَذَا فِي الْإِعْرَاض عَن المَسْعُودِيّ، وَقد تقدّمت الْآن الْإِشَارَة إِلَيْهِ عِنْد ذكر بَقِيَّة.
(1646) وَمِنْهَا حَدِيث: " بيع المحفلات خلابة وَلَا تحل خلابة مُسلم ".
هُوَ من رِوَايَة المَسْعُودِيّ، عَن جَابر الْجعْفِيّ، وَهُوَ فِي إعراضه فِي هَذَا عَن المَسْعُودِيّ أعذر، بِشدَّة ضعف جَابر الْجعْفِيّ، الَّذِي اعْتمد فِي رد هَذَا الحَدِيث فَاكْتفى بذلك.
(1647) وَمِنْهَا - وَهِي أصعبها عَلَيْهِ - أَنه ذكر فِي الاسْتِسْقَاء زِيَادَة من عِنْد البُخَارِيّ عَن المَسْعُودِيّ، فِي جعل الْيَمين على الشمَال فِي تَحْويل الرِّدَاء.(4/177)
وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ شَيْء علقه البُخَارِيّ، وَلم يُوصل إِسْنَاده، وَهُوَ دائبا يعلق فِي الْأَبْوَاب من الْأَحَادِيث مَا لَيْسَ من شَرطه، وَيكْتب توصيل بعض ذَلِك الروَاة عَنهُ فِي حَاشِيَة الْموضع، وَلَا يعد ذَلِك مِمَّا أخرج، وَلذَلِك لم يعْتَقد أحد فِي المَسْعُودِيّ أَنه من رجال كتاب البُخَارِيّ وَلَا ذكره فيهم أحد مِمَّن ألف فِي ذَلِك، كالدارقطني، وَالْحَاكِم، واللالكائي والباجي وَغَيرهم.
فَإذْ قد كتب أَبُو مُحَمَّد هَذِه الزِّيَادَة وَعَزاهَا إِلَى البُخَارِيّ فَإِنَّهُ - وَالله أعلم - اعْتقد فِي المَسْعُودِيّ أَنه أَبُو العميس أَخُوهُ، وَذَلِكَ أشهر فِي الْخَطَأ.
وَسَيَأْتِي بعد هَذَا بِيَسِير ذكر هَذَا الحَدِيث مرّة أُخْرَى فِي مَوْضِعه من نسق التصنيف، فَأَما هَاهُنَا فَإِنَّمَا انجر ذكره.
(1648) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ حَدِيث يعلى بن مرّة فِي صَلَاة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على رَاحِلَته فِي الطين.
وَأتبعهُ قَول التِّرْمِذِيّ فِيهِ: غَرِيب، تفرد بِهِ عمر بن الرماح، وَقد روى عَنهُ غير وَاحِد من أهل الْعلم.(4/178)
لم يزدْ على هَذَا، وَهُوَ فِي حكم مَا سكت عَنهُ، فَإِن قَوْله: " غَرِيب " لَا يقْضى لَهُ بِصِحَّة، وَلَا ضعف، وَلَا حسن؛ فَإِن الغرابة تكون فِي الْأَنْوَاع الثَّلَاثَة.
والْحَدِيث الْمَذْكُور يرويهِ ابْن الرماح، وَهُوَ ثِقَة عَن كثير بن زِيَاد أبي سهل، وَهُوَ ثِقَة، عَن عَمْرو بن عُثْمَان بن يعلى بن أُميَّة، عَن أَبِيه، عَن جده.
وَعَمْرو بن عُثْمَان، لَا تعرف حَاله، وَكَذَلِكَ أَبوهُ عُثْمَان.
(1649) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن أبي هُرَيْرَة: " كَانَت قِرَاءَة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِاللَّيْلِ يرفع طورا ويخفض طورا ".
وَسكت عَنهُ مصححا، وَهُوَ حَدِيث إِنَّمَا يرويهِ عمرَان بن زَائِدَة، عَن أَبِيه، عَن أبي خَالِد الْوَالِبِي عَن أبي هُرَيْرَة.
وزائدة بن نشيط وَالِد عمرَان، لَا تعرف حَاله، وَلَا يعلم إِلَّا بِرِوَايَة ابْنه عَنهُ، وَسَيَأْتِي لَهُ ذكر فِي هَذَا الْبَاب فِي حَدِيث آخر إِن شَاءَ الله.
(1650) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس: " كَانَت قِرَاءَة(4/179)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على قدر مَا يسمعهُ من فِي الْبَيْت، وَهُوَ فِي الْحُجْرَة ".
وَسكت عَنهُ مصححا لَهُ، وَهُوَ إِنَّمَا يرويهِ ابْن أبي الزِّنَاد، عَن عَمْرو بن أبي عَمْرو، مولى الْمطلب، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس.
وأظن أَنه تسَامح فِيهِ لما لم يكن فِيهِ أَمر وَلَا نهي، وَإِنَّمَا هُوَ فعل من أَفعاله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام.
وَإِن كَانَ ذَلِك فخذله من هَاهُنَا أَنه لم يقْتَصر فِي تسامحه على مَا هُوَ من قبيل الْحَث وَالتَّرْغِيب والإخبار عَن الثَّوَاب فَقَط، بل وَفِيمَا من الْأَفْعَال مِمَّا لَيْسَ أمرا وَلَا نهيا.
وَإِن كَانَ لم ينْزع هَذَا المنزع، وَإِنَّمَا صَححهُ بسكوته، فقد نَاقض بذلك مَا علم من مذْهبه فِي تَضْعِيف رجلَيْنِ من هَذَا الْإِسْنَاد وهما: ابْن أبي الزِّنَاد، وَعَمْرو بن أبي عَمْرو الْمَذْكُور.
وَقد تبين تناقضه فِي عَمْرو بن أبي عَمْرو من غير هَذَا الحَدِيث، وَذَلِكَ أَنه لما ذكر حَدِيث:
(1561) " إِن النّذر لَا يقرب من ابْن آدم شَيْئا لم يكن الله قدره لَهُ ".(4/180)
سكت عَنهُ، وَلم يلْتَفت من إِسْنَاده على عَمْرو بن أبي عَمْرو بن أبي عَمْرو، لما كَانَ الحَدِيث من عِنْد مُسلم.
(1652) وَذكر حَدِيث جَابر: " بِسم الله وَالله أكبر، هَذَا عني وَعَمن لم يضح من أمتِي ".
وَلم يعرض لَهُ، وَهُوَ من رِوَايَته، ورده بِكَوْن الْمطلب لَا يعرف لَهُ سَماع من جَابر.
(1653) وَذكر حَدِيث: " إِذا دخل رَمَضَان شدّ مِئْزَره فَلم يأو إِلَى فرَاشه حَتَّى يَنْسَلِخ ".
ثمَّ قَالَ: حَدِيث مُسلم أصح إِسْنَادًا وَأجل.
(1654) وَذكر عِنْد البُخَارِيّ عَن أنس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " اللَّهُمَّ إِنِّي(4/181)
أعوذ بك من الْهم والحزن، وَالْعجز، والكسل، والجبن، وَالْبخل، وضلع الدَّين، وَغَلَبَة الرِّجَال ".
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا يرويهِ عَن أنس، عَمْرو بن أبي عَمْرو.
(1655) وَذكر حَدِيث: " اقْتُلُوا الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ ".
(1656) وَحَدِيث: " اقْتُلُوهُ واقتلوا الْبَهِيمَة ".
وَذكر كَلَامهم فِي عَمْرو بن أبي عَمْرو وَاخْتِلَافهمْ فِيهِ، وأوعب فِي ذَلِك، وَظهر من أمره أَنه قواه.
(1657) وَكَذَلِكَ حَدِيث: " الَّذِي يعْمل عمل قوم لوط، وَيَقَع على ذَات محرم ".
فَهَذَا مَا قوى فِيهِ عَمْرو بن أبي عَمْرو من الْأَحَادِيث.
فَأَما مَا نَاقض بِهِ تَضْعِيفه الْأَحَادِيث من أَجله:
(1658) فَمن ذَلِك حَدِيث الَّذِي جَاءَ بِمثل بَيْضَة من ذهب، وَكَانَ غَرِيمه(4/182)
قد لزمَه، فضمنه النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
ذكره فِي الْجِهَاد فِي الْمَعَادِن، من رِوَايَة عَمْرو الْمَذْكُور، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس.
ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده لَا تقوم بِهِ حجَّة.
وَلَيْسَ دون عَمْرو من يضعف بِهِ، وَإِنَّمَا عَنى بذلك عمرا.
(1659) وَذكر فِي الْجَنَائِز حَدِيث: " لَيْسَ عَلَيْكُم فِي ميتكم غسل " من عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ.
ثمَّ قَالَ: عَمْرو بن أبي عَمْرو لَا يحْتَج بِهِ.(4/183)
(1660) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ، عَن عَمْرو بن أبي عَمْرو، عَن الْمطلب، عَن جَابر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صيد الْبر لكم حَلَال، مَا لم تصيدوه أَو يصد لكم ".
ثمَّ قَالَ: عَمْرو بن أبي عَمْرو، لَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَإِن كَانَ مَالك قد روى عَنهُ.
فَفِي هَذَا تَقْوِيَة عَمْرو، وَلكنه لَيْسَ بأقوى مَا يكون، وَبِالْجُمْلَةِ فالرجل مستضعف، وَأَحَادِيثه تدل على حَاله.
فَأَما ابْن أبي الزِّنَاد، فَإِنَّهُ سكت عَنهُ فِي هَذَا الحَدِيث.
(1661) وَفِي حَدِيث عَائِشَة: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا يفضل بَعْضنَا على بعض فِي الْقسم ".
(1662) وَفِي حَدِيث المجامع فِي رَمَضَان، فِي زِيَادَة من طَرِيقه.
(1663) وَفِي حَدِيث: " إِن الشَّيْطَان يهم بِالْوَاحِدِ ".
(1664) وَفِي حَدِيث: " تنفل سَيْفه ذَا الفقار يَوْم بدر ".(4/184)
(1665) وَفِي حَدِيث نيار بن مكرم فِي مراهنة أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ الْمُشْركين على غَلَبَة الرّوم فَارس.
وَأتبعهُ تَصْحِيح التِّرْمِذِيّ إِيَّاه.
وَضعف من أَجله أَحَادِيث، مِنْهَا:
(1666) حَدِيث: " نهى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يقتني الْكَلْب إِلَّا صَاحب غنم، أَو خَائِف، أَو صائد ".
أتبعه أَن قَالَ: عبد الرَّحْمَن هَذَا ضَعِيف عِنْدهم.
(1667) وَحَدِيث: " من كَانَ لَهُ شعر فليكرمه ".(4/185)
تَبرأ من عهدته، بتبيين كَونه من رِوَايَة ابْن أبي الزِّنَاد.
(1668) وَحَدِيث: " الْهِرَّة من مَتَاع الْبَيْت ".
أتبعه أَن قَالَ: ابْن أبي الزِّنَاد مَعَ ضعفه يكْتب حَدِيثه.
وَلما ذكر أَبُو حَاتِم البستي عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد، قَالَ فِيهِ: ينْفَرد بالمقلوبات من سوء حفظه، وَكَثْرَة خطئه.
فَالْحَدِيث المبدوء بِذكرِهِ لَيْسَ بِصَحِيح، فسكوته عَنهُ كَمَا يسكت عَمَّا لَا شكّ فِي صِحَّته خطأ. فَاعْلَم ذَلِك.
(1669) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا، عَن عقبَة بن عَامر، قَالَ(4/186)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الجاهر بِالْقُرْآنِ كالجاهر بِالصَّدَقَةِ " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَفعل من ذَلِك مَا يجب على أَصله فِيمَا يرويهِ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن الشاميين أهل بَلَده، فَإِن هَذَا الحَدِيث يرويهِ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن بحير بن سعد، عَن خَالِد بن معدان، عَن كثير بن مرّة، عَن عقبَة بن عَامر.
وَلَكِن من حَيْثُ هُوَ مُخْتَلف فِيهِ - بِحَيْثُ ضعفه قوم على الْإِطْلَاق، وَوَثَّقَهُ قوم عَن الشاميين - يجب أَن يُقَال لحديثه: حسن.
وَقد تكَرر سُكُوته عَن الْأَحَادِيث لم يبين أَنَّهَا من رِوَايَته.
(1670) من ذَلِك حَدِيث ثَوْبَان: " ثَلَاث لَا يحل لأحد أَن يفعلهن: لَا يؤم(4/187)
رجل قوما فيخص نَفسه بِالدُّعَاءِ دونهم ".
الحَدِيث من عِنْد أبي دَاوُد.
(1671) وَحَدِيث مَالك بن يسَار فِي الاسْتِسْقَاء.
(1672) وَحَدِيث: " قضى بالسلب للْقَاتِل وَلم يخمسه ".(4/188)
(1673) وَحَدِيث: " إِن الله قد أعْطى كل ذِي حق حَقه فَلَا وَصِيَّة لوَارث ".
وأبرز من إِسْنَاده إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن شُرَحْبِيل بن مُسلم، عَن أبي أُمَامَة وَأتبعهُ تَصْحِيح التِّرْمِذِيّ إِيَّاه.
(1674) وَحَدِيث: " من أفلس فَوجدَ رجل مَتَاعه بِعَيْنِه أَو مَاتَ ".
أَيْضا رَوَاهُ من طَرِيق إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن الزبيدِيّ، وَهُوَ شَامي.
(1675) وَحَدِيث: " بِحَسب ابْن آدم أكلات يقمن صلبه ".(4/189)
أتبعه تَصْحِيح التِّرْمِذِيّ إِيَّاه. وَهُوَ من رِوَايَة إِسْمَاعِيل، عَن أبي سَلمَة الْحِمصِي وحبِيب بن صَالح.
(1676) وَحَدِيث الِاسْتِثْنَاء فِي الْعتْق.
ضعفه بحميد بن مَالك، وَلم يعرض لَهُ من جِهَة إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش.
(1677) وَلما ذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ حَدِيث الْمِقْدَام بن معد يكرب: " فِيمَن نزل بِقوم فَلم يقروه، فَأخذ مِنْهُم ثمن قراه ثَلَاثَة أَيَّام فَلَا إِثْم عَلَيْهِ ".
أتبعه أَن قَالَ: إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش ضَعِيف عِنْد جَمِيعهم إِلَّا فِي الشاميين، وَلَيْسَ هَذَا الحَدِيث بشامي.
هَذَا كُله مِنْهُ مُتَّفق عَلَيْهِ مطرد، وَلم أجد لَهُ من عمله مَا ينْقضه، إِلَّا أَنه لما ذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ حَدِيث:
(1678) " لَيْسَ لقَاتل مِيرَاث " من رِوَايَة ابْن جريج وَيحيى بن سعيد،(4/190)
عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن عمر بن الْخطاب.
أتبعه التَّعْلِيل بالمخالفة، مِمَّن جعله عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن عمر بن الْخطاب.
وَلم يبين أَنه من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن ابْن جريج وَيحيى بن سعيد، وليسا بشاميين.
(1679) وَاتفقَ لَهُ، فِي حَدِيث الرجل الَّذِي قتل عَبده مُتَعَمدا فجلده النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مائَة جلدَة، ونفاه سنة، ومحا سَهْمه من الْمُسلمين، وَلم يقده بِهِ، وَأمره أَن يعْتق رَقَبَة أَن قَالَ: فِي إِسْنَاده إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، وَهُوَ ضَعِيف فِي غير الشاميين، قَالَ: وَهَذَا الْإِسْنَاد حجازي، مَا بَينته بَيَانا شافيا فِي بَاب الْأَشْيَاء الَّتِي تَغَيَّرت فِي نَقله أَو بعده عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ من قَوْله: إِن إِسْنَاده هَذَا الحَدِيث حجازي، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل هُوَ كُله شَامي.
والْحَدِيث الْمَذْكُور المبدوء بِذكرِهِ قد رَوَاهُ غير عقبَة بن عَامر، ذكره بَقِي ابْن مخلد من حَدِيث أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ مثله سَوَاء، إِلَّا أَنه أَيْضا لَا يَصح، فَإِنَّهُ من رِوَايَة الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن، وَفِيه يحيى بن عبد الحميد الْحمانِي.
وَحَدِيث عقبَة أحسن مِنْهُ، فَلذَلِك لم نطل بِذكرِهِ بِإِسْنَادِهِ وَنَصه، فَاعْلَم ذَلِك.
(1680) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا، حَدِيث ابْن عمر: " رحم الله(4/191)
امْرأ صلى قبل الْعَصْر أَرْبعا ".
وَسكت عَنهُ متسامحا فِيمَا أرى، لكَونه من رغائب الْأَعْمَال، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن مهْرَان [الْقرشِي، حَدثنِي جدي أَبُو الْمثنى، عَن ابْن عمر.
مُحَمَّد بن الْمثنى الْقرشِي] يكنى أَيْضا أَبَا الْمثنى، وَهُوَ مُحَمَّد بن مهْرَان ابْن مُسلم بن مهْرَان كَذَا يَقُول ابْن معِين.
وَقَالَ غَيره: مُحَمَّد بن مهْرَان بن مُسلم بن الْمثنى.
وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو أَحْمد يَقُولَانِ: مُحَمَّد بن مُسلم بن مهْرَان بن مُسلم ابْن الْمثنى.
وَمُسلم بن الْمثنى، هُوَ جده، يكنى أَبَا الْمثنى، وَهُوَ مُؤذن مَسْجِد الْكُوفَة، وَهُوَ ثِقَة.(4/192)
فَأَما حفيده مُحَمَّد بن مهْرَان فوثقه ابْن معِين.
وَقَالَ فِيهِ أَبُو زرْعَة: واهي الحَدِيث.
وَقَالَ عَمْرو بن عَليّ: روى عَنهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ أَحَادِيث مُنكرَة.
وَلم يرضه يحيى الْقطَّان.
وَهَذَا الحَدِيث - كَمَا ترى - هُوَ من رِوَايَة أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَنهُ، وَقد ذكره أَبُو أَحْمد فِي جملَة مَا أورد مِمَّا أنكر عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي بَابه: إِن حَدِيثه يسير، لَا يتَبَيَّن بِهِ صدقه من كذبه.
(1681) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُطِيل الْقِرَاءَة فِي الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْمغرب، حَتَّى يتفرق أهل الْمَسْجِد ".
وَسكت عَنهُ أَيْضا متسامحا فِيهِ - فِيمَا أرى - وَهُوَ حَدِيث لَا يَصح.
وَإِسْنَاده هُوَ هَذَا: قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا حُسَيْن بن عبد الرَّحْمَن الجرجرائي قَالَ: حَدثنَا طلق بن غَنَّام قَالَ: حَدثنَا يَعْقُوب بن عبد الله، عَن جَعْفَر بن أبي الْمُغيرَة، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس، فَذكره.(4/193)
حَدثنَا مُحَمَّد بن عِيسَى بن الطباع، عَن نصر المجدر عَن يَعْقُوب القمي بِإِسْنَادِهِ مثله.
وَإِنَّمَا لم يقل فِيهِ: " صَحِيح " لِأَن جَعْفَر بن أبي الْمُغيرَة الْخُزَاعِيّ، القمي، لم تثبت عَدَالَته، وَإِنَّمَا هُوَ من المساتير وَقد روى عَنهُ مطرف بن طريف، وَأَشْعَث بن إِسْحَاق القمي، وثعلبة بن سهل، وَأَبُو السَّوْدَاء، وَيَعْقُوب بن عبد الله القمي، وَأَشْعَث بن سوار، قَالَه أَبُو حَاتِم.
وَلم يذكر لَهُ حَالا، فَهِيَ عِنْده مَجْهُولَة، فَالْحَدِيث من أَجله حسن فَاعْلَم ذَلِك.
(1682) وَذكر حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي " مُخَالفَة الطَّرِيق يَوْم الْعِيد " من عِنْد البُخَارِيّ، وَالتِّرْمِذِيّ.
وَقد تقدّمت الْإِشَارَة إِلَيْهِ فِي هَذَا الْبَاب، حِين مر ذكر فليح بن سُلَيْمَان، فَإِنَّهُ من رِوَايَته.
(1683) وَذكر من طَرِيق البُخَارِيّ فِي حَدِيث الاسْتِسْقَاء زِيَادَة " جهر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ ".(4/194)
ثمَّ قَالَ: وَزَاد عَن المَسْعُودِيّ: " جعل الْيَمين على الشمَال " فِي قلب الرِّدَاء [وَلَا تثبت] لِأَنَّهَا من رِوَايَته.
وَقد فَرغْنَا من ذكره فِيمَا تقدم من هَذَا الْبَاب.
وَلَا يَنْبَغِي أَيْضا أَن تعزى إِلَى البُخَارِيّ فَإِنَّهَا معلقَة عِنْده، لم يُوصل بهَا إِسْنَاده.
وَنَصّ مَا عمل فِي ذَلِك، هُوَ أَن ذكر حَدِيث عبد الله بن يزِيد، من طَرِيق عباد بن تَمِيم عَنهُ، من رِوَايَة رجلَيْنِ عَن عباد:
أَحدهمَا أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم، وَالْآخر، ابْنه عبد الله بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم فَكَانَ من طَرِيق عبد الله بن أبي بكر هَذَا الطَّرِيق: حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد، حَدثنَا سُفْيَان، عَن عبد الله بن أبي بكر، سمع عباد بن تَمِيم، عَن عَمه قَالَ: " خرج رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى الْمصلى يَسْتَسْقِي، واستقبل الْقبْلَة، فصلى رَكْعَتَيْنِ، وقلب رِدَاءَهُ ".
قَالَ سُفْيَان، أَخْبرنِي المَسْعُودِيّ عَن أبي بكر قَالَ: " جعل الْيَمين على الشمَال ".
هَذَا نَص مَا أورد، فَفِيهِ شَيْئَانِ: أَحدهمَا أَن سُفْيَان لَا نَدْرِي من وصل عَنهُ ذَلِك إِلَى البُخَارِيّ، فَإِنَّهُ يحْتَمل أَن يكون ذَلِك مِمَّا حَدثهُ بِهِ عبد الله بن مُحَمَّد عَنهُ، وَيحْتَمل أَن يكون علقه غير موصل، وَلذَلِك لَا يعد أحد المَسْعُودِيّ من رُوَاة الْكتاب.(4/195)
وَالشَّيْء الآخر، أَن أَبَا بكر بن مُحَمَّد الَّذِي حدث بذلك المَسْعُودِيّ [000] لم يقل لنا عَمَّن أَخذه، وكما يجوز أَن يكون أَخذهَا عَن عباد بن تَمِيم، أَو عَنهُ يروي الْقِصَّة، فَكَذَلِك يجوز أَن يكون أَخذهَا عَن غَيره وَلم يذكرهُ، وأرسلها إرْسَالًا، وَذكر الزِّيَادَة الْمَذْكُورَة على أَنَّهَا مِمَّا أخرج البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح خطأ، فَاعْلَم ذَلِك.
(1684) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ، حَدِيث سَمُرَة بن جُنْدُب: " بَينا أَنا وَغُلَام من أنصار نرمي غرضين لنا " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَمَا مثله صحّح، فَإِنَّهُ حَدِيث يرويهِ ثَعْلَبَة بن عباد، عَن سَمُرَة.
وَهُوَ رجل من الْبَصْرَة، عَبدِي النّسَب، لَا يعرف بِغَيْر هَذَا، رَوَاهُ عَنهُ الْأسود بن قيس، وَهُوَ وَإِن كَانَ ثِقَة، فَإِنَّهُ قد عهد يروي عَن مَجَاهِيل، قَالَه ابْن الْمَدِينِيّ، وثعلبة هَذَا مِنْهُم.(4/196)
وَلما ذكر أَبُو مُحَمَّد بن حزم هَذَا الحَدِيث، قَالَ فِي ثَعْلَبَة الْمَذْكُور: إِنَّه مَجْهُول.
وَهُوَ كَمَا قَالَ.
(1685) وَذكر فِي سُجُود الْقُرْآن، من طَرِيق مُسلم حَدِيث ابْن عمر: " رُبمَا قَرَأَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْقُرْآن، فيمر بِالسَّجْدَةِ فَيسْجد بِنَا " (الحَدِيث) .
وَأتبعهُ أَن قَالَ: وَقَالَ أَبُو دَاوُد: " كبر وَسجد ".
وَسكت عَن هَذِه الزِّيَادَة مصححا لَهَا، وَإِنَّمَا هِيَ عِنْد أبي دَاوُد من رِوَايَة الْعمريّ.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا أَحْمد بن الْفُرَات الرَّازِيّ، أَبُو مَسْعُود، أخبرنَا عبد الرَّزَّاق، أخبرنَا عبد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، قَالَ: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقْرَأ علينا الْقُرْآن، فَإِذا مر بِالسَّجْدَةِ كبر وَسجد وسجدنا مَعَه ".
قَالَ عبد الرَّزَّاق: كَانَ الثَّوْريّ يُعجبهُ هَذَا الحَدِيث: قَالَ أَبُو دَاوُد: يُعجبهُ، لِأَنَّهُ كبر.
فَهَذَا - كَمَا ترى - إِنَّمَا هُوَ من رِوَايَة عبد الله بن عمر الْعمريّ.
فَإِن قيل: فَلَعَلَّهُ تصحف عَلَيْهِ بأَخيه عبيد الله بن عمر فَظَنهُ إِيَّاه، أَو عَلَيْك، فظننته عبد الله، وَهُوَ عبيد الله.(4/197)
فَالْجَوَاب أَن نقُول: رَاوِي هَذَا الحَدِيث عِنْد أبي دَاوُد، هُوَ عبد الله مكبر كَمَا ذَكرْنَاهُ وعَلى ذَلِك أوردهُ أَبُو مُحَمَّد فِي كِتَابه الْكَبِير بِإِسْنَادِهِ.
وَأتبعهُ ذكر اخْتلَافهمْ فِي عبد الله بن عمر الْعمريّ، على نَحْو مَا تقدم لَهُ إِثْر حَدِيث:
(1686) " إِنَّمَا النِّسَاء شقائق الرِّجَال " فِي احْتِلَام الْمَرْأَة.
فَإِنَّهُ قد ضعف ذَلِك الحَدِيث من أَجله، وَذكر اخْتِلَاف الْمُحدثين فِيهِ.
(1687) وَكَذَلِكَ فعل أَيْضا فِي حَدِيث: " أول الْوَقْت رضوَان الله " فَإِنَّهُ رده من أَجله، وَترك فِي الْإِسْنَاد متروكا لَا خلاف فِيهِ. لم يعرض لَهُ. فَكَانَ ذَلِك عجبا من فعله.
(1688) وَكَذَلِكَ فعل أَيْضا فِي حَدِيث نَافِع عَن ابْن عمر، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا نكح العَبْد بِغَيْر إِذن سَيّده فنكاحه بَاطِل ".
فَإِنَّهُ أتبعه أَن قَالَ: فِيهِ الْعمريّ، وَهُوَ ضَعِيف عِنْد أهل الحَدِيث.
وَهَذَا الَّذِي عمل بِهِ فِي هَذِه الْأَحَادِيث: من تضعيفها من أجل الْعمريّ، هُوَ الْأَقْرَب إِلَى الصَّوَاب، وأصوب مِنْهُ أَن يُقَال فِيمَا لَا عيب لَهُ إِلَّا الْعمريّ: إِنَّه حسن،(4/198)
فَإِنَّهُ رجل مُخْتَلف فِيهِ، فَمن النَّاس من يوثقه ويثني عَلَيْهِ، وَمِنْهُم من يُضعفهُ.
فَأَما سُكُوته عَن هَذَا الحَدِيث مصححا لَهُ - وَهُوَ من رِوَايَة الْعمريّ - فَغير صَوَاب، وَقد تكَرر ذَلِك من عمله فِي أَحَادِيث.
(1689) مِنْهَا حَدِيث: " يخْطب ثمَّ يجلس فَلَا يتَكَلَّم، ثمَّ يقوم فيخطب " من عِنْد أبي دَاوُد.
(1690) وَحَدِيث: " يَأْتِي الْجمار فِي الْأَيَّام الثَّلَاثَة مَاشِيا ".
(1691) وَحَدِيث: " إقطاع الزبير حضر فرسه ".(4/199)
لم يبين فِي هَذِه الثَّلَاثَة الْأَحَادِيث أَنَّهَا من رِوَايَة الْعمريّ، وَسكت عَنْهَا مصححا لَهَا.
(1692) فَأَما حَدِيث: " من زار قَبْرِي وَجَبت لَهُ شَفَاعَتِي ".
فَإِنَّهُ سكت عَنهُ، وَهُوَ فِي إِسْنَاده الْعمريّ، ومُوسَى بن هِلَال، وَلم يعرض لوَاحِد مِنْهُمَا، وَلَكِن لَا أرَاهُ صَححهُ، لَكِن تسَامح فِيهِ، لِأَنَّهُ من رغائب الْأَعْمَال.
(1693) وَحَدِيث: " الأصلع يمر الموسى على رَأسه ".
ضعفه بِعَبْد الْكَرِيم بن روح، وَلم يعرض للعمري وَهُوَ من رِوَايَته.
(1694) وَحَدِيث: " إِن الْغناء ينْبت النِّفَاق فِي الْقلب ".
سَاقه من عِنْد أبي أَحْمد، من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن عبد الله الْعمريّ،(4/200)
فضعفه بِعَبْد الرَّحْمَن، وَأعْرض عَن أَبِيه، إِلَّا أَنه بَين فِي ذكره إِيَّاه أَنه من رِوَايَته.
وَقد قُلْنَا إِن الَّذِي يَنْبَغِي أَن يُقَال بِهِ فِي أَحَادِيث الْعمريّ: إِنَّهَا حسان، فَأَما تصحيحها فَلَا، وَالله أعلم.
(1695) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا، حَدِيث ابْن مَسْعُود، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كَانَ إِذا تشهد قَالَ: الْحَمد لله نستعينه وَنَسْتَغْفِرهُ " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ قَتَادَة، عَن عبد ربه، عَن أبي عِيَاض عَنهُ.
وَعبد ربه، هُوَ ابْن يزِيد لَا يعرف روى عَنهُ غير قَتَادَة، وَلَيْسَ فِيهِ مزِيد.(4/201)
(1696) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا، عَن أبي هُرَيْرَة: عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه(4/202)
قَالَ: " قد اجْتمع فِي يومكم هَذَا عيدَان، فَمن شَاءَ أَجزَأَهُ من الْجُمُعَة " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة بَقِيَّة.
وَقَالَ الْبَزَّار: لَا نعلمهُ رَوَاهُ عَن شُعْبَة إِلَّا بَقِيَّة، يرويهِ بَقِيَّة قَالَ: حَدثنَا شُعْبَة، عَن الْمُغيرَة الضَّبِّيّ، عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَقد رَوَاهُ عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع، زِيَاد بن عبد الله البكائي، ذكره الْبَزَّار.
وَهُوَ أَيْضا ضَعِيف، وَمِنْهُم من يكذبهُ.
(1697) وَذكر فِي ذَلِك من طَرِيقه أَيْضا حَدِيث زيد بن أَرقم، حِين(4/203)
سَأَلَهُ مُعَاوِيَة.
وَسكت عَنهُ أَيْضا، وَهُوَ من رِوَايَة إِيَاس بن أبي رَملَة [قَالَ ابْن الْمُنْذر: لَا يثبت هَذَا، فَإِن إياسا] مَجْهُول.
وَهُوَ كَمَا قَالَ.
(1698) وَذكر فِي الْجَنَائِز من طَرِيقه أَيْضا حَدِيث معَاذ: " من كَانَ آخر(4/204)
كَلَامه لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة ".(4/205)
وَسكت عَنهُ، وَأرَاهُ تسَامح فِيهِ، فَإِنَّهُ حَدِيث يرويهِ عبد الحميد بن جَعْفَر، قَالَ: حَدثنِي صَالح بن أبي عريب، عَن كثير بن مرّة، عَن معَاذ.
وَصَالح هَذَا لَا تعرف حَاله، وَلَا يعرف روى عَنهُ غير عبد الحميد وروى لَهُ أَبُو دَاوُد حَدِيثا آخر من رِوَايَة عبد الحميد عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث عَوْف بن مَالك:
(1699) " إِن صَاحب هَذِه الصَّدَقَة يَأْكُل الحشف يَوْم الْقِيَامَة ".
وَقَالَ البُخَارِيّ: إِنَّه يعد فِي الشاميين.
(1700) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة: " مَاتَ ميت من آل(4/206)
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَاجْتمع النِّسَاء يبْكين " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ مصححا لَهُ، وَهُوَ إِنَّمَا يرويهِ عَن أبي هُرَيْرَة رجل يُقَال لَهُ: سَلمَة بن الْأَزْرَق، رَوَاهُ عَنهُ مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَطاء.
وَسَلَمَة الْمَذْكُور لَا تعرف حَاله، وَلَا أعرف أحدا من مصنفي الرِّجَال ذكره، وَقد استدركه بَعضهم بِالذكر حَاشِيَة على بَاب سَلمَة من كتاب ابْن أبي حَاتِم، أخذا من هَذَا الْإِسْنَاد، وأحال على حَدِيثه هَذَا من عِنْد النَّسَائِيّ، فَالْحَدِيث من أَجله لَا يَصح.
(1701) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ، عَن قيس بن عَاصِم أَنه قَالَ: " لَا تنوحوا عَليّ، فَإِن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم ينح عَلَيْهِ ".(4/207)
وَلم يقل فِيهِ شَيْئا، بل سكت عَنهُ.
وَهُوَ حَدِيث يرويهِ شُعْبَة، عَن قَتَادَة، عَن مطرف، عَن حَكِيم بن قيس، أَن قيس بن عَاصِم قَالَ، فَذكر الحَدِيث.
وَحَكِيم بن قيس بن عَاصِم مَجْهُول الْحَال، لَا يعرف روى عَنهُ إِلَّا مطرف ابْن عبد الله بن الشخير.
وَحَدِيثه هَذَا يرْوى مطولا، ذكره الْبَزَّار قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، قَالَ: حَدثنَا شُعْبَة، عَن قَتَادَة، عَن مطرف بن عبد الله، عَن حَكِيم بن قيس بن عَاصِم، عَن أَبِيه، أَنه أوصى وَلَده عِنْد مَوته فَقَالَ: " يَا بني، اتَّقوا الله، وسودوا أكبركم، فَإِن الْقَوْم إِذا سودوا أكبرهم خلفوا أباهم، وَإِذا سودوا أَصْغَرهم أزرى ذَلِك بهم فِي أكفائهم، وَعَلَيْكُم بِالْمَالِ واصطناعه، فَإِن فِيهِ منبهة للكريم، ويستغنى بِهِ عَن اللَّئِيم، وَإِذا مت فَلَا تنوحوا عَليّ، فَإِن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم ينح عَلَيْهِ، وَإِذا مت فادفنوني بِأَرْض لَا تعلم بمدفني بكر بن وَائِل، فَإِنِّي كنت أغاولهم فِي الْجَاهِلِيَّة ".
قَالَ الْبَزَّار: لَا نعلمهُ عَن قيس بِهَذَا اللَّفْظ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَإِنَّمَا شَرط الْبَزَّار بِهَذَا اللَّفْظ، لِأَنَّهُ يرْوى بِإِسْنَاد آخر، لَكِن أطول من هَذَا.
قَالَ أَبُو عَليّ بن السكن، حَدثنَا حُسَيْن بن إِسْمَاعِيل القَاضِي، حَدثنَا مُحَمَّد بن صَالح أَبُو بكر، قَالَ: حَدثنَا الْعَلَاء بن الْفضل بن عبد الْملك بن أبي سوية، قَالَ: حَدثنِي أبي، عَن أَبِيه، عَن أبي سوية، قَالَ: شهِدت قيس بن(4/208)
عَاصِم حِين حَضرته الْوَفَاة وَجمع بنيه، وَكَانُوا اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ رجلا، فَقَالَ: يَا بني إِذا مت فسودوا أكبركم، تخلفوا أَبَاكُم، فَإِن الْقَوْم إِذا سودوا أكبرهم خلفوا أباهم، وَإِذا سودوا أَصْغَرهم أزرى ذَلِك بهم عِنْد أكفائهم، وَعَلَيْكُم بِالْمَالِ واصطناعه فَإِنَّهُ منبهة للكريم ويستغنى بِهِ عَن اللَّئِيم، لَا تعطوا رِقَاب الْإِبِل إِلَّا فِي حَقّهَا، وَلَا تمنعوها من حَقّهَا إِذا وَجب، وَإِيَّاكُم وكل خلق سوء فَإِنَّهُ إِن سركم يَوْمًا، فَمَا يسوؤكم أَكثر، وَإِذا مت فَلَا تنوحوا عَليّ فَإِن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم ينح عَلَيْهِ، وَإِذا دفنتموني فاعفوا قَبْرِي، لَا يطلع عَلَيْهِ الْحَيّ من بكر بن وَائِل، فَإِنَّهُ كَانَ بيني وَبينهمْ خماشات فِي الْجَاهِلِيَّة، فَلَا آمن سَفِيها مِنْهُم أَن يَأْتِي أمرا يعنتكم فِي دنياكم وآخرتكم.
ثمَّ قَالَ لِابْنِهِ عَليّ - وَكَانَ أكبر وَلَده، وَبِه كَانَ يكنى -: ائْتِنِي بكنانتي، فَأَتَاهُ بهَا فَقَالَ: أخرج سَهْما، فَأخْرجهُ، فَقَالَ: اكسره، فَكَسرهُ، ثمَّ قَالَ، أخرج سَهْمَيْنِ، فَقَالَ اكسرهما، فكسرهما، ثمَّ قَالَ: أخرج ثَلَاثَة أسْهم، فأخرجها فَقَالَ: اكسرهما فكسرهما، ثمَّ قَالَ: أخرج اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ سَهْما، فأخرجها، فَقَالَ: شدها بِوتْر، فشدها فَقَالَ: اكسرها، فَلم يسْتَطع، فَقَالَ: أَنْتُم يَا بني هَكَذَا إِذا اجْتَمَعْتُمْ، وَكَذَلِكَ أَنْتُم فِي الْفرْقَة، ثمَّ أنشأ يَقُول: % (إِنَّمَا الْمجد مَا بنى وَالِد الصدْق % وَأَحْيَا فعاله الْمَوْلُود) % % (وَكَمَال الْمجد الشجَاعَة والحلم % إِذا زانها عفاف وجود) %
فِي أَبْيَات مفْسدَة بإفساد الروَاة، وَلم أر كتبهَا كَذَلِك، وَلم أكتب هَذَا الْإِسْنَاد لِأَنَّهُ أقوى من الأول، وَلكنه انجر.
وَقد حصل الْمَقْصُود بَيَانه، وَهُوَ أَن الحَدِيث الْمَذْكُور لَا يَصح عَن قيس، لِأَن ابْنه حكيما مَجْهُول الْحَال، فَاعْلَم ذَلِك.(4/209)
(1702) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث ابْن عَبَّاس، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " اللَّحْد لنا والشق لغيرنا ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث إِنَّمَا يرويهِ عَليّ بن عبد الْأَعْلَى، عَن أَبِيه، عَن(4/210)
سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس.
وَعبد الْأَعْلَى، هُوَ ابْن عَامر الثَّعْلَبِيّ، كَانَ ابْن مهْدي لَا يحدث عَنهُ، وَوصف اضطرابه.
وَقَالَ فِيهِ ابْن حَنْبَل: ضَعِيف الحَدِيث وَكَذَا قَالَ أَبُو زرْعَة، وَزَاد، رُبمَا رفع الحَدِيث وَرُبمَا وَقفه.
وَقَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بذلك الْقوي.
وَكَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم.
وَذكر أَبُو أَحْمد عَن ابْن حَنْبَل أَنه قَالَ فِيهِ: مُنكر الحَدِيث عَن سعيد بن جُبَير.
ووهن يحيى بن سعيد أَحَادِيثه عَن ابْن الْحَنَفِيَّة وَكَذَلِكَ الثَّوْريّ.
وَقَالَ أَبُو أَحْمد: روى عَنهُ الثِّقَات، وَيحدث عَن سعيد بن جُبَير، وَابْن الْحَنَفِيَّة، وَأبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ بأَشْيَاء لَا يُتَابع عَلَيْهَا.
فَأرى هَذَا الحَدِيث لَا يَصح من أَجله، فَأَما ابْنه عَليّ بن عبد الْأَعْلَى، فَثِقَة، فَاعْلَم ذَلِك.(4/211)
(1703) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن عَائِشَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " كسر عظم الْمَيِّت ككسره حَيا ".
كَذَا أوردهُ، وَلم يقل إثره شَيْئا، وَهُوَ إِنَّمَا يَنْبَغِي أَن يُقَال فِيهِ: حسن، فَإِنَّهُ من رِوَايَة الدَّرَاورْدِي - وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ - عَن سعد بن سعيد، وَكَانَ أَحْمد يُضعفهُ.
وَقَالَ فِيهِ ابْن معِين: صَالح، وَأخرج لَهُ مُسلم.
وَقد بيّنت من أمره أَكثر من هَذَا، فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أعلها بِالْإِرْسَال، كَأَنَّهَا لَا عيب لَهَا سواهُ.
(1704) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا، عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " اذْكروا محَاسِن مَوْتَاكُم، وَكفوا عَن مساوئهم ".(4/212)
كَذَا ذكره مسكوتا عَنهُ، وَهُوَ إِنَّمَا يرويهِ مُعَاوِيَة بن هِشَام، عَن عمرَان بن أنس الْمَكِّيّ، عَن عَطاء، عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذكره.
وَعمْرَان بن أنس أَبُو أنس، مكي، أهمله ابْن أبي حَاتِم، كَأَنَّهُ لم يعرف حَاله.
(1705) وَذكر البُخَارِيّ بِحَدِيث عَن عَائِشَة، ثمَّ قَالَ: لَا يُتَابع عَلَيْهِ.
وَذكر التِّرْمِذِيّ فِي جَامعه عَن البُخَارِيّ أَنه قَالَ: عمرَان بن أنس الْمَكِّيّ، مُنكر الحَدِيث، وَهُوَ الْقَائِل: كل من قلت فِيهِ مُنكر الحَدِيث فَلَا تحل الرِّوَايَة عَنهُ.
وَقد كنت ظَنَنْت أَنه خَفِي على أبي مُحَمَّد أَمر عمرَان بن أنس هَذَا، وَاخْتَلَطَ عَلَيْهِ بعمران بن أبي أنس الْبَصْرِيّ، فَإِذا بِهِ لما ذكر الحَدِيث فِي كِتَابه الْكَبِير أتبعه مَا ذكر التِّرْمِذِيّ عَن البُخَارِيّ. فَلَا أَدْرِي كَيفَ سكت عَنهُ هُنَا، وَهُوَ من أَحَادِيث أَحْكَام التَّكْلِيف، فاعلمه.
(1706) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا حَدِيث أنس: " فِي أَن المعتدي فِي(4/213)
الصَّدَقَة كمانعها ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث إِنَّمَا يرويهِ اللَّيْث، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن سعد بن سِنَان، عَن أنس.
وَسعد بن سِنَان يُقَال فِيهِ: سِنَان بن سعد، وَيُقَال: سعد بن سِنَان، وَابْن معِين يوثقه، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: تكلم فِيهِ أَحْمد بن حَنْبَل.
وَقَالَ فِيهِ النَّسَائِيّ: ضَعِيف الحَدِيث.
فَهَذَا الحَدِيث إِذن من أَجله حسن، وَكَذَلِكَ قَالَ فِيهِ التِّرْمِذِيّ، فاعلمه.
(1707) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ حَدِيث سهل بن أبي حثْمَة، كَانَ(4/214)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِذا خرصتم فَخُذُوا ودعوا " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث لم يروه عَن سهل إِلَّا عبد الرَّحْمَن بن مَسْعُود ابْن نيار، قَالَه الْبَزَّار، وَقَالَ: إِنَّه مَعْرُوف.
وَهَذَا غير كَاف فِيمَا يبتغى من عَدَالَته، فكم من مَعْرُوف غير ثِقَة، وَالرجل لَا تعرف لَهُ حَال، وَلَا يعرف بِغَيْر هَذَا، وَلم يزدْ ذاكروه على مَا أخذُوا من هَذَا الْإِسْنَاد: من رِوَايَته عَن سهل، وَرِوَايَة خبيب بن عبد الرَّحْمَن عَنهُ، وَلم يتَعَرَّض التِّرْمِذِيّ لهَذَا الحَدِيث بقول؛ لَا تَصْحِيح وَلَا تَحْسِين وَلَا تسقيم، فَاعْلَم ذَلِك.
(1708) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث مَالك بن نَضْلَة: " الْأَيْدِي ثَلَاثَة ".(4/215)
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث فِي طَرِيقه عُبَيْدَة بن حميد.
(1709) وَقد ضعف بِهِ حَدِيث ابْن مَسْعُود فِي قدر صَلَاة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الشتَاء والصيف.
(1710) وَسكت عَن حَدِيث عَليّ: " كنت رجلا مذاء ".(4/216)
وَهُوَ من رِوَايَته، وَالرجل مُخْتَلف فِيهِ، وَقد مر ذكره.
(1711) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا حَدِيث رَافع بن خديج، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْعَامِل على الصَّدَقَة بِالْحَقِّ ".(4/217)
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ عِنْده من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق، عَن عَاصِم بن عمر، عَن مَحْمُود بن لبيد، عَن رَافع.
فَهُوَ للِاخْتِلَاف فِي ابْن إِسْحَاق حَدِيث حسن، وَالْقَوْل فِي ابْن إِسْحَاق كثير.
وَأَبُو مُحَمَّد قد تولى ذكره غير مقصر، وَنقل كثيرا من أَقْوَالهم فِيهِ إِثْر حَدِيث عبَادَة.
(1712) " فِي قِرَاءَة أم الْقُرْآن فِي الصَّلَاة ".
(1713) ثمَّ لما ذكر فِي الزَّكَاة حَدِيث الرجل الَّذِي جَاءَ بِمثل بَيْضَة من ذهب.(4/218)
قَالَ بعده: فِي إِسْنَاده ابْن إِسْحَاق، وَقد تقدم ذكره فِي قِرَاءَة أم الْقُرْآن من كتاب الصَّلَاة.
فَكَانَ هَذَا مِنْهُ كَأَنَّهُ لم يمر فِي إِسْنَاد حَدِيث قبل حَدِيث أم الْقُرْآن، وَهُوَ لم ينْتَه إِلَى ذكر حَدِيث أم الْقُرْآن إِلَّا بعد أَن مر لَهُ فِي الْكتاب إِمَّا خَمْسَة وَعِشْرُونَ حَدِيثا، أَو سِتَّة وَعِشْرُونَ حَدِيثا، كلهَا من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق، وَكلهَا سكت عَنْهَا، وَلم يبين أَنَّهَا من رِوَايَته.
وَالْأَحَادِيث الْوَاقِعَة فِي كِتَابه من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق على ثَلَاثَة أَقسَام:
أَحدهَا: مَا بَين عَقِبَيْهِ أَنه من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق وَذكر حَال ابْن إِسْحَاق وأقوال النَّاس فِيهِ، وَهَذَا هُوَ حَدِيث أم الْقُرْآن الْمَذْكُور، وَحَدِيث الرجل الَّذِي جَاءَ بِمثل بَيْضَة من ذهب، فَإِنَّهُ لما أحَال بعده على الْموضع الَّذِي تكلم فِيهِ على ابْن إِسْحَاق، صَار كَأَنَّهُ كرر الْكَلَام عَلَيْهِ عَقِيبه.
وَالثَّانِي: أَحَادِيث بَين عقيبها أَنَّهَا من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق، وأبرزه من أسانيدها، وَهَذَا الْقسم أَيْضا كَالْأولِ فِي أَنه لَا لوم عَلَيْهِ فِيهِ، فَإِنَّهُ قد تَبرأ من عهدتها بتبيينه مَوضِع النّظر من أسانيدها، وَهُوَ قد قدم القَوْل فِيهِ أَو أَخّرهُ.
فَمن هَذَا الْقسم حَدِيث:
(1714) " لَا جلب وَلَا جنب، وَلَا تُؤْخَذ صَدَقَاتهمْ إِلَّا فِي دُورهمْ ".
أبرزه من إِسْنَاده ابْن إِسْحَاق عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده.(4/219)
(1715) وَحَدِيث عَائِشَة فِي أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَفَاضَ من آخر يَوْم حَتَّى صلى الظّهْر " - يَعْنِي يَوْم النَّحْر -.
ذكره فِي بَاب رمي الْجمار، ثمَّ قَالَ: هَذَا يرويهِ مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، عَن أَبِيه عَن عَائِشَة.
(1716) وَحَدِيث أم سَلمَة فِي طواف الْإِفَاضَة أَنهم يصيرون حرما حَتَّى يفيضوا.
بَين أَنه أَيْضا من رِوَايَته.
(1717) وَحَدِيث: " رد زَيْنَب ابْنَته على أبي الْعَاصِ بن الرّبيع بِالنِّكَاحِ الأول ".(4/220)
أتبعه أَن قَالَ: فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث ابْن إِسْحَاق، وَلم يروه مَعَه - فِيمَا أعلم - إِلَّا من هُوَ دونه.(4/221)
(1718) وَحَدِيث: " أَخذ الْبَعِير بالبعيرين إِلَى إبل الصَّدَقَة ".(4/222)
أعلم أَنه من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق، عَن زيد بن أبي حبيب، عَن مُسلم بن جُبَير [عَن أبي سُفْيَان] عَن عَمْرو بن الحريشي.
(1719) وَحَدِيث: " اشْترى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من الْأَعرَابِي الْبَعِير بوسق من تمر الذخرة فَلم يجده ".
أعلم أَيْضا أَنه من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق.
(1720) وَحَدِيث: " تزوج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بجويرية ".(4/223)
اقتطع من إِسْنَاده قِطْعَة من عِنْد ابْن إِسْحَاق، فَذكره وَذكر من فَوْقه.
(1721) وَحَدِيث جَابر فِي أَن " الدِّيَة على [أهل] الْبَقر مِائَتَا بقرة، وعَلى أهل الشَّاء ألفا شَاة، وعَلى أهل الْحلَل مِائَتَا حلَّة ".
أعلم أَنه من رِوَايَته.
(1722) وَحَدِيث: " هلا تَرَكْتُمُوهُ " فِي مَاعِز.
أعلم فِي بعض طرقه أَنه من رِوَايَته، وَقَالَ: هَذَا الْإِسْنَاد أحسن من الَّذِي قبله وَأَصَح.
(1723) وَحَدِيث: " إِن شرب فِي الرَّابِعَة فَاقْتُلُوهُ ".(4/224)
أبرز من إِسْنَاده ابْن إِسْحَاق، وَزِيَاد بن عبد الله البكائي رَاوِيه عَنهُ.
(1724) وَحَدِيث: " النَّهْي عَن أكل الْجَلالَة وَأَلْبَانهَا ".
كل هَذِه الْأَحَادِيث تَبرأ من عهدتها بالإعلام بِأَنَّهَا من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق، فَكَانَ ذَلِك من عمله صَوَابا.
فَأَما الْقسم الثَّالِث: وَهُوَ الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا وَسكت عَنْهَا مصححا لَهَا، وَلم يبين أَنَّهَا من رِوَايَته، حَتَّى جَاءَت عِنْد من / لَا علم عِنْده بأسانيدها صَحِيحَة، كَسَائِر مَا لَا خلاف فِي صِحَّته.
(1725) فَمِنْهَا حَدِيث: " فلتقرصه، ولتنضح مَا لم تَرَ ولتصل فِيهِ ".
وَلَقَد كَانَ بَيَان أَمر هَذَا الحَدِيث بِذكر ابْن إِسْحَاق أولى من حَدِيث عبَادَة فِي قِرَاءَة أم الْقُرْآن فِي الصَّلَاة، فَإِنَّهُ الحَدِيث الَّذِي من أَجله قَالَ هِشَام بن عُرْوَة فِيهِ: إِنَّه كَذَّاب، وَتَبعهُ فِي ذَلِك مَالك، وبتعه فِي ذَلِك يحيى بن سعيد، وتتابعوا بعدهمْ تقليدا لَهُم، وَذَلِكَ أَن ابْن إِسْحَاق رَوَاهُ عَن فَاطِمَة بنت الْمُنْذر، امْرَأَة هِشَام بن عُرْوَة، فَأنْكر ذَلِك هِشَام وَكذبه، وَزعم أَنه لم يرو عَنْهَا.(4/225)
(1726) وَحَدِيث الغفارية الَّتِي أمرهَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن تجْعَل فِي المَاء الَّذِي غسلت بِهِ دم الْحيض ملحا.
(1727) وَحَدِيث سهلة بنت سُهَيْل فِي جمع الْمُسْتَحَاضَة بَين الصَّلَاتَيْنِ.
(1728) وَحَدِيث سهل بن حنيف فِي الْمَذْي.
وَأتبعهُ تَصْحِيح التِّرْمِذِيّ إِيَّاه.(4/226)
(1729) وَحَدِيث جَابر: " فرأيته قبل أَن يقبض بعام يستقبلها ".
إِلَّا أَنه قَالَ فِيهِ: حسن.
وَلم يبين أَنه من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق.
(1730) وَحَدِيث: " يُصَلِّي بعد الْعَصْر رَكْعَتَيْنِ وَينْهى عَنْهُمَا، ويواصل وَينْهى عَن الْوِصَال ".(4/227)
(1731) وَحَدِيث: " لَا تزَال أمتِي بِخَير مَا لم يؤخروا الْمغرب إِلَى أَن تشتبك النُّجُوم ".(4/228)
(1732) وَحَدِيث: " الْعَامِل على الصَّدَقَة بِالْحَقِّ ".
(1733) وَحَدِيث: " إِذا قعد فِي وسط الصَّلَاة فليفرش فَخذه الْيُسْرَى ".(4/229)
(1734) وَحَدِيث: " من السّنة أَن يخفي التَّشَهُّد ".
(1735) وَحَدِيث: " كَيفَ نصلي عَلَيْك فِي صَلَاتنَا ".(4/230)
(1736) وَحَدِيث: " إِن أحدكُم إِذا قَامَ يُصَلِّي جَاءَهُ الشَّيْطَان، فَلبس عَلَيْهِ حَتَّى لَا يدْرِي كم صلى، فَإِذا وجد ذَلِك أحدكُم 000 ".
(1737) وَحَدِيث: " [إِذا] وصل ضحوته بروحته " فِي الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ.(4/231)
(1738) وَحَدِيث: " وَلبس من أحسن ثِيَابه " - يَعْنِي يَوْم الْجُمُعَة -.(4/232)
(1739) وَحَدِيث زِيَادَة الْأَذَان يَوْم الْجُمُعَة على بَاب الْمَسْجِد.
(1740) وَحَدِيث: " مَا أخذت قَاف إِلَّا من فِي رَسُول الله / - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ". وَتَركه عِنْد مُسلم صَحِيحا من غير رِوَايَة ابْن إِسْحَاق، وَرِوَايَة ابْن إِسْحَاق الَّتِي ذكر، هِيَ مَعَ ذَلِك مُنْقَطِعَة.
(1741) وَحَدِيث: " وَلَا تعد لمثل هَذَا "، فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَالْإِمَام يخْطب.(4/234)
(1742) وَحَدِيث: " إِذا نعس أحدكُم يَوْم الْجُمُعَة ".(4/236)
وَأتبعهُ تَصْحِيح التِّرْمِذِيّ إِيَّاه.
(1743) وَحَدِيث: " غسل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي قَمِيص ".(4/237)
(1744) وَحَدِيث ليلى بنت قانف فِي " كفن الْمَرْأَة ".(4/238)
(1745) وَحَدِيث: " إِذا صليتم على الْمَيِّت فأخلصوا لَهُ الدُّعَاء ".
(1746) وَحَدِيث: " قبر أبي رِغَال وَمَا وجد فِيهِ ".(4/239)
(1747) وَحَدِيث زِيَادَة: " صَاعا من حِنْطَة فِي زَكَاة الْفطر ".
وَهِي مَعَ ذَلِك مُنْقَطِعَة.
(1748) وَحَدِيث: " أَمر من كل جاد عشرَة أوسق بقنو يعلق فِي الْمَسْجِد ".(4/240)
(1749) وَحَدِيث: " لما أُصِيب إخْوَانكُمْ بِأحد، جعل الله أَرْوَاحهم فِي أَجْوَاف طير خضر ".(4/241)
(1750) وَحَدِيث عبد الله بن عتِيك: " فِيمَن خرج مُجَاهدًا فَمَاتَ [أَو خر عَن] دَابَّته أَو وقصته رَاحِلَته ".
(1751) وَحَدِيث: " لبد رَأسه [بِالْغسْلِ] ".
(1752) وَحَدِيث: " رخص للنِّسَاء فِي الْخُفَّيْنِ ".
(1753) وَحَدِيث: " ضرب أبي بكر عَبده وَهُوَ محرم ".
(1754) وَحَدِيث: " إهلاله إِذا اسْتَقَلت بِهِ رَاحِلَته إِذا أَخذ طَرِيق(4/242)
الْفَرْع ".
(1755) وَحَدِيث ابْن عَبَّاس فِي تَوْجِيه اخْتلَافهمْ فِي الْموضع الَّذِي أهل مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلَام. وَذكر الْخلاف فِي خصيف، وَأعْرض عَن ذكر ابْن إِسْحَاق.
(1756) وَحَدِيث خطْبَة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِعَرَفَة أَنَّهَا: " كَانَت بعد الصَّلَاة ".(4/243)
وَرجح عَلَيْهِ حَدِيث جَابر، وَأصَاب، وَلم يبين أَن حَدِيث ابْن عمر من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق، عَن نَافِع عَنهُ.
(1757) وَحَدِيث: " أَمرهم أَن يبدلوا الْهَدْي الَّذِي نحرُوا فِي عَام الْحُدَيْبِيَة ".
(1758) وَحَدِيث أبي لاس: " مَا من بعير إِلَّا وَفِي ذروته شَيْطَان ".(4/244)
(1759) وَحَدِيث: " كَانَ على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم أحد دِرْعَانِ، فَلم يسْتَطع النهوض إِلَى الصَّخْرَة ".
(1760) وَحَدِيث /: " عبأنا لَيْلَة بدر ليَوْم بدر ".
(1761) وَحَدِيث الْمَرْأَة القرظية الَّتِي كَانَت عِنْد عَائِشَة تحدث تضحك ظهرا لبطن، فاستدعيت فقتلت.(4/245)
(1762) وَحَدِيث: " إِن أَبَا سُفْيَان رجل يحب الْفَخر، فَلَو جعلت لَهُ شَيْئا ".
(1763) وَحَدِيث: " من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر، فَلَا يركب دَابَّة من فَيْء الْمُسلمين " الحَدِيث.(4/246)
[وَهُوَ] حَدِيث طَوِيل، فِيهِ قِطْعَة فِي وَطْء الْحَامِل.
(1764) ومرسل بتحصن أهل خَيْبَر.
(1765) وَحَدِيث قسمته عَلَيْهِ السَّلَام سهم ذَوي الْقُرْبَى يَوْم خَيْبَر بَين(4/247)
بني هَاشم وَبني عبد الْمطلب، وَكَلَام عُثْمَان وَجبير بن مطعم فِي ذَلِك.
(1766) وَحَدِيث: " ردوا عَلَيْهِم سَبْيهمْ، فَمن تمسك بِشَيْء مِنْهُ 000 ".
هُوَ من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده.
(1767) وَحَدِيث: " لَا إِسْلَال، وَلَا إِغْلَال ".
(1768) وَحَدِيث: " لَوْلَا أَن الرُّسُل لَا تقتل لقتلتك ".
(1769) وَحَدِيث: " لَا يدْخل الْجنَّة صَاحب مكس ".(4/248)
(1770) وَحَدِيث: " إِذا أَرَادَ أحدكُم أَن يتَزَوَّج الْمَرْأَة، فَإِن اسْتَطَاعَ أَن ينظر إِلَى مَا يَدعُوهُ إِلَى نِكَاحهَا فَلْيفْعَل ".
(1771) وَحَدِيث: " لَا يحرم من الرضَاعَة المصة وَلَا المصتان، وَإِنَّمَا يحرم مِنْهُ مَا فتق الأمعاء من اللَّبن ".(4/249)
(1772) وَحَدِيث: " لَا طَلَاق وَلَا عتاق فِي إغلاق ".
ورده بِمُحَمد بن عبيد، وَلم يعرض مِنْهُ لِابْنِ إِسْحَاق.(4/251)
(1773) وَحَدِيث: " إِن قربك فَلَا خِيَار لَك ".
(1774) وَحَدِيث مُظَاهرَة سَلمَة بن صَخْر.
(1775) وَحَدِيث المواقع قبل أَن يكفر.
(1776) وَحَدِيث: " أمسك الْمَرْأَة عنْدك حَتَّى تَلد " - يَعْنِي الْمُلَاعنَة -.
(1777) وَحَدِيث الَّذِي تزوج امْرَأَة على أَنَّهَا عذراء فَلم يجدهَا كَذَلِك، ولاعنها.
(1778) وَحَدِيث: " نهى أَن تبَاع السّلع حَيْثُ تبْتَاع، حَتَّى يحوزها التُّجَّار إِلَى رحالهم ".
(1779) وَحَدِيث: " إِذا أتيت وَكيلِي بِخَيْبَر ".
(1780) وَحَدِيث الَّذِي كَانَ يخدع فِي الْبيُوع فَقيل لَهُ: " لَك الْخِيَار(4/252)
ثَلَاثًا ".
(1781) ومرسل عُرْوَة فِي: " من أَحْيَا أَرضًا ميتَة ".
(1782) وَحَدِيث: " لَا أقبل هَدِيَّة إِلَّا من قرشي، أَو أَنْصَارِي، أَو دوسي، أَو ثقفي ".
إِلَّا أَنه قَالَ: لَيْسَ إِسْنَاده بِقَوي.
وَلم يبين أَنه من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق.
(1783) وَحَدِيث القبطي الَّذِي كَانَ يزور مَارِيَة فَوجدَ مجبوبا.
(1784) ومرسل: " لَا ضَرَر وَلَا ضرار ".
(1785) وَحَدِيث العبيد الَّذين خَرجُوا يَوْم الْحُدَيْبِيَة قبل الصُّلْح.(4/253)
(1786) وَقطعَة من حَدِيث سلمَان فِي أمره بِأَن يُكَاتب.
(1787) وَحَدِيث كتبه عَلَيْهِ السَّلَام للْيَهُود فِي شَأْن الْقَتِيل، فَكَتَبُوا يحلفُونَ بِاللَّه خمسين يَمِينا مَا قَتَلْنَاهُ، وَلَا علمنَا لَهُ قَاتلا.
ثمَّ قَالَ بعده: الصَّحِيح الْمَشْهُور أَنهم لم يحلفوا.
وَلم يبين أَنه من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق، وَلَيْسَ لَهُ عِلّة غَيره.
وَعبد الْعَزِيز بن يحيى الْحَرَّانِي، شيخ أبي دَاوُد فِيهِ، صَدُوق، وَلكنه يروي أَشْيَاء لَا يُتَابع عَلَيْهَا.
(1788) وَحَدِيث قتل الْأَشْجَعِيّ الَّذِي فِيهِ [أَلا] تقبل الْغَيْر يَا عُيَيْنَة.
(1789) ومرسل مَكْحُول فِي أَن " فِي اللِّسَان الدِّيَة، وَفِي الذّكر الدِّيَة، وَفِيمَا أقبل من الْأَسْنَان خمس فَرَائض ".(4/254)
(1790) وَحَدِيث: " دِيَة الْمعَاهد نصف دِيَة الْحر ".(4/255)
(1791) وَحَدِيث: " ولد الزِّنَا شَرّ الثَّلَاثَة " أَن ذَلِك فِي رجل مَخْصُوص.
(1792) وَحَدِيث: " هلا تَرَكْتُمُوهُ وجئتموني بِهِ ".
يَعْنِي ماعزا.
(1793) وَحَدِيث: " لَا تقطع يَد السَّارِق فِيمَا دون الْمِجَن ".
(1794) وَحَدِيث: " أَمر بِالرجلَيْنِ وَالْمَرْأَة فَضربُوا حَدهمْ ".(4/256)
(1795) وَحَدِيث: " عق عَن الْحسن بِشَاة، وَقَالَ: احلقي رَأسه، وتصدقي بزنة شعره فضَّة ".
(1796) وَحَدِيث: " إِن لم يَتْرُكُوهُ فقاتلوهم ".
يَعْنِي شراب الْقَمْح.(4/257)
(1797) وَحَدِيث: " أهْدى الْمُقَوْقس للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قدح قَوَارِير ".
تعرض مِنْهُ لمندل بن عَليّ، وَلم يتَعَرَّض لِابْنِ إِسْحَاق، وَلَا بَين أَنه من رِوَايَته.
(1798) وَحَدِيث: " تحلي بِهَذَا يَا بنية ".
عَن خَاتم الذَّهَب الَّذِي كَانَ فِي هَدِيَّة النَّجَاشِيّ.
(1799) وَحَدِيث: " صدعت الْفرق من يَافُوخه وَأرْسلت ناصيته(4/258)
بَين عَيْنَيْهِ ".
(1800) وَحَدِيث: " التَّعَوُّذ بالمعوذتين ".(4/259)
(1801) وَحَدِيث ابْن عمر فِي وَصِيَّة نوح ابْنه بقول: لَا إِلَه إِلَّا الله.
(1802) وَحَدِيث " جَابر بن عبد الله: " إِذا سَمِعْتُمْ نباح الْكلاب ونهيق الْحمير بِاللَّيْلِ ".(4/260)
كل هَذِه الْأَحَادِيث هِيَ من رِوَايَة ابْن أسْحَاق، وَلم يبين أَنَّهَا من رِوَايَته، فَهِيَ بِحَسب ملتزمه من السُّكُوت عَن كل حَدِيث صَحِيح عِنْده، يقْضِي لَهَا بِأَنَّهَا صَحِيحَة، كَمَا هُوَ صَحِيح لَا شكّ فِيهِ، وَلَو بَين أَنَّهَا من رِوَايَته، صَادف من لَا يقبلهَا من أَجله، فَكَانَ الأولى تَبْيِين ذَلِك لينْظر فِيهِ، وَلِئَلَّا يخْتَلط الصَّحِيح الَّذِي لَا يخْتَلف فِي صِحَّته، بِمَا هُوَ مُخْتَلف فِيهِ، فَاعْلَم ذَلِك.
(1803) وذ كرّ من طر يق النَّسَائِيّ، عَن عَائِذ بن عَمْرو، " أَن رجلا سَأَلَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأعْطَاهُ " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَمَا مثله صحّح؛ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يرويهِ شُعْبَة، عَن بسطَام بن مُسلم، عَن عبد الله بن خَليفَة، عَن عَائِذ بن عَمْرو.
وَقَالَ النَّسَائِيّ: أخبرنَا مُحَمَّد بن عُثْمَان، قَالَ: حَدثنَا أُميَّة بن خَالِد، حَدثنَا شُعْبَة، فَذكره.
وَعبد الله بن خَليفَة، هَذَا لَا تعرف حَاله، وَقد وَقع ذكره فِي كتاب ابْن أبي حَاتِم منجرا فِي بَاب خَليفَة، فَأَما ذكر يَخُصُّهُ فِي بَاب من اسْمه عبد الله(4/261)
فَلَا، وَذَلِكَ أَنه لما ذكر خَليفَة بن عبد الله الغبري الْبَصْرِيّ، قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: عبد الله بن خَليفَة - روى عَن عَائِذ بن عَمْرو، وروى عَنهُ شُعْبَة، وبسطام بن مُسلم، وَقَالَ: إِنَّه سمع ذَلِك من أَبِيه.
وَلم يزدْ على ذَلِك فَهُوَ عِنْده - كَمَا ترى - مَجْهُول الْحَال، وَفِي قَوْله هَذَا: - إِن شُعْبَة روى عَنهُ - نظر؛ فَإِنَّهُ إِن كَانَ هُوَ الَّذِي فِي هَذَا الْإِسْنَاد، فشعبة إِنَّمَا روى عَنهُ بِوَاسِطَة بسطَام بن مُسلم، وبسطام بن مُسلم ثِقَة، وَلَا تَكْفِي رِوَايَته عَنهُ فِيمَا يبتغى من تعديله، فاعلمه.
(1804) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ حَدِيث أبي أُمَامَة: " عَلَيْك بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَا مثل لَهُ ".(4/262)
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ ابْن مهْدي، قَالَ: حَدثنَا مهْدي بن مَيْمُون، قَالَ: حَدثنِي [عبد الله بن أبي يَعْقُوب] ، حَدثنِي رَجَاء بن حَيْوَة، عَن أبي أُمَامَة فَذكره.
وَعبد الله بن أبي يَعْقُوب هَذَا لَا تعرف لَهُ حَال.
(1805) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن الْعِرْبَاض بن سارسة حَدِيث:(4/263)
" هلموا إِلَى الْغَدَاء الْمُبَارك ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ النَّسَائِيّ هَكَذَا: أخبرنَا شُعَيْب بن يُوسُف، حَدثنَا عبد الرَّحْمَن، عَن مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن يُونُس بن سيف، عَن الْحَارِث بن زِيَاد، عَن أبي رهم، عَن الْعِرْبَاض بن سَارِيَة، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَهُوَ يَدْعُو إِلَى السّحُور فِي شهر رَمَضَان. الحَدِيث.
وَهَذَا الحَدِيث لَا يَصح، وَرَأَيْت أَبَا مُحَمَّد لما ذكره فِي كِتَابه الْكَبِير بِإِسْنَادِهِ هَذَا، اعتنى مِنْهُ بِأبي رهم، فأسماه أحزاب بن أسيد وَيُقَال فِيهِ: أحزاب بن رَاشد.
لم يزدْ على ذَلِك، كَأَنَّهُ عرف حَاله وَحَال من قبله، وَهُوَ لَا يعرف إِلَّا أَنه روى عَنهُ أَبُو الْخَيْر، وَمَكْحُول، وخَالِد بن معدان، وَهُوَ أَيْضا يروي عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ.
فَأَما الْحَارِث بن زِيَاد الرَّاوِي عَنهُ، فَلم يذكر بِغَيْر رِوَايَته هَذِه من رِوَايَة يُونُس بن سيف عَنهُ.
وَلما ذكر الْبَزَّار هَذَا الحَدِيث قَالَ: لَهُ عِلَّتَانِ: إِحْدَاهمَا: أَن الْحَارِث بن زِيَاد لَا يعلم كَبِير أحد روى عَنهُ، وَيُونُس بن سيف صَالح الحَدِيث، قد(4/264)
روى عَنهُ.
هَذَا مَا ذكر، وَلم يبين الْعلَّة الْأُخْرَى، وَهِي: إِمَّا مَا ذَكرْنَاهُ من الْجَهْل بِحَال أبي رهم، وَإِمَّا مَا بِمُعَاوِيَة بن صَالح من الضعْف، وَإِن كَانَ من النَّاس من يوثقه.
(1806) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ عَن أم سَلمَة قَالَت: كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -(4/265)
يَصُوم يَوْم السبت والأحد أَكثر مَا يَصُوم، وَيَقُول: " إنَّهُمَا يَوْمًا عيد للْمُشْرِكين، فَأَنا أحب أَن أخالفهم ".
هَكَذَا سكت عَنهُ مصححا، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ النَّسَائِيّ هَكَذَا: أخبرنَا مُحَمَّد بن حَاتِم الْمروزِي، أخبرنَا حبَان، أخبرنَا عبد الله، عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عمر بن عَليّ، حَدثنِي أبي، عَن كريب قَالَ: أَرْسلنِي ابْن عَبَّاس، وناس من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى أم سَلمَة: " أَي الْأَيَّام كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَكْثَرهَا صياما؟ قَالَت: يَوْم السبت والأحد، فأنكروا عَليّ ذَلِك وظنوا أَنِّي لم أحفظ، فردوني، فَقَالَت مثل ذَلِك، فَأَخْبَرتهمْ فَقَامُوا بأجمعهم فَقَالُوا: إِنَّا أرسلنَا إِلَيْك فِي كَذَا وَكَذَا، فَزعم هَذَا أَنَّك قلت كَذَا، قَالَت: صدق، كَانَ(4/266)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَصُوم السبت والأحد أَكثر مَا يَصُوم، وَيَقُول: " إنَّهُمَا يَوْمًا عيد للْمُشْرِكين، فَأَنا أحب أَن أخالفهم ".
وَمُحَمّد بن عمر بن عَليّ بن أبي طَالب تروى عَنهُ أَحَادِيث: مِنْهَا مَا رَوَاهُ عَنهُ ابْنه، وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ عَنهُ الثَّوْريّ، وروى عَنهُ أَيْضا مُوسَى بن عقبَة، وَابْن جريج، وَيحيى بن أَيُّوب، ذكره البُخَارِيّ وَلَا تعرف حَاله.
(1807) وَفِي كتاب التِّرْمِذِيّ عَنهُ، من رِوَايَة سعيد بن عبد الله الْجُهَنِيّ،(4/267)
عَن مُحَمَّد بن عمر بن عَليّ، عَن أَبِيه، عَن عَليّ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " يَا عَليّ، ثَلَاث لَا تؤخرها " الحَدِيث.
(1808) وَمن حَدِيث الثَّوْريّ عَنهُ: " الشَّاهِد يرى مَا لَا يرى الْغَائِب ".(4/268)
وَابْنه عبد الله بن مُحَمَّد بن عمر بن عَليّ، روى أَيْضا عَن أَبِيه، وروى عَنهُ ابْن الْمُبَارك، والدراوردي، وَابْن أبي فديك، وَأَبُو أُسَامَة، وَلَا تعرف أَيْضا حَاله.
فَأرى الحَدِيث حسنا، فَاعْلَم ذَلِك.(4/269)
(1809) وَذكر أَيْضا من طَرِيقه عَن عَائِشَة: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَصُوم شعْبَان ورمضان، ويتحرى يَوْم الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس ".
وَسكت عَنهُ مصححا لَهُ، والْحَدِيث إِنَّمَا هُوَ عِنْد التِّرْمِذِيّ حسن، وَإِسْنَاده فِيهِ إِسْنَاد النَّسَائِيّ.(4/270)
قَالَ النَّسَائِيّ: أخبرنَا عَمْرو بن عَليّ، حَدثنَا عبد الله بن دَاوُد، أخبرنَا ثَوْر، عَن خَالِد بن معدان، عَن ربيعَة الجرشِي، عَن عَائِشَة فَذَكرته.
وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن عَمْرو بن عَليّ.
وَرَبِيعَة الجرشِي، إِن لم تكن لَهُ صُحْبَة، فَلَا يعرف أَنه ثِقَة وَقد قَالَ بعض النَّاس: إِن لَهُ صُحْبَة، وَكَانَ فَقِيه النَّاس أَيَّام مُعَاوِيَة، قَالَه أَبُو المتَوَكل النَّاجِي.
وَلَكِن لَيْسَ كل فَقِيه ثِقَة فِي الحَدِيث. وَلست أرى هَذَا الحَدِيث صَحِيحا من أَجله، وَمن أجل الِاخْتِلَاف فِي ثَوْر بن يزِيد وَمَا رمى بِهِ من الْقدر، فاعلمه.
(1810) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا حَدِيث ابْن عَبَّاس: " لَو قلت: نعم،(4/271)
لَوَجَبَتْ، ثمَّ إِذن لَا تَسْمَعُونَ وَلَا تطيعون، وَلكنه حجَّة وَاحِدَة ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث إِنَّمَا ذكره النَّسَائِيّ هَكَذَا: أخبرنَا مُحَمَّد بن يحيى بن عبد الله النَّيْسَابُورِي، حَدثنَا سعيد بن أبي مَرْيَم، أخبرنَا مُوسَى بن سَلمَة، حَدثنِي عبد الْجَلِيل بن حميد، عَن ابْن شهَاب، عَن أبي سِنَان الدؤَلِي، عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَامَ فَقَالَ: " إِن الله كتب عَلَيْكُم الْحَج " فَقَالَ الْأَقْرَع بن حَابِس: كل عَام يَا رَسُول الله؟ ، فَسكت، ثمَّ قَالَ. الحَدِيث.
وَعبد الْجَلِيل بن حميد لَا تعرف حَاله، وَلم يذكرهُ [ابْن أبي حَاتِم] بِأَكْثَرَ من رِوَايَة مُوسَى بن سملة الْمصْرِيّ عَنهُ، وَرِوَايَته هُوَ عَن ابْن شهَاب وخَالِد بن أبي عمرَان.
فَأَما البُخَارِيّ فَإِنَّهُ قَالَ: إِن ابْن عجلَان روى عَنهُ أَيْضا، وَذكر غَيرهمَا أَن ابْن وهب روى عَنهُ أَيْضا.
وَهَذَا كُله غير كَاف فِيمَا يبتغى من ثقته.
وَأما مُوسَى بن سَلمَة الْمصْرِيّ، فمجهول، غير مَذْكُور فِي مظان ذكره، لكنه انجر ذكره فِي بَاب عبد الْجَلِيل الْمَذْكُور فَالْحَدِيث لَا يَصح من أجلهما فاعلمه.
(1811) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: قَالَ(4/272)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من أَرَادَ الْحَج فَليَتَعَجَّل ".
هَكَذَا أوردهُ وَسكت عَنهُ، وَهُوَ لايصح؛ فَإِن أَبَا دَاوُد إِنَّمَا سَاقه هَكَذَا: حَدثنَا مُسَدّد، حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة: مُحَمَّد بن خازم عَن الْحسن بن عَمْرو، عَن مهْرَان أبي صَفْوَان، عَن ابْن عَبَّاس.(4/273)
ومهران أَبُو صَفْوَان، ذكر بِهَذَا، وَلم يعرف من حَاله أَكثر، فَهُوَ مَجْهُول، وأتبع أَبُو مُحَمَّد هَذَا الحَدِيث أَن قَالَ: وَذكره الطَّحَاوِيّ، وَقَالَ فِيهِ: " من أَرَادَ الْحَج فَليَتَعَجَّل؛ فَإِنَّهُ يمرض الْمَرِيض، وَتضِل الضَّالة وَتَكون الْحَاجة ".
كَذَا أوردهُ أَيْضا وَسكت عَنهُ، وَهُوَ لَا يَصح؛ فَإِن إِسْنَاده عِنْد الطَّحَاوِيّ هُوَ هَذَا:
حَدثنَا الْحسن بن غليب، حَدثنَا يُوسُف بن عدي، حَدثنَا حَفْص بن غياث، عَن إِسْمَاعِيل أبي إِسْرَائِيل، عَن الفضيل، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن الْعَبَّاس رَفعه إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من أَرَادَ الْحَج " فَذكره.
أَبُو إِسْرَائِيل، هُوَ إِسْمَاعِيل بن خَليفَة، قَالَ فِيهِ ابْن معِين: صَالح الحَدِيث.
وَقَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: يكْتب حَدِيثه، ويروي حَدِيثا مُنْكرا فِي الْقَتِيل، وَقَالَ عَمْرو بن عَليّ: لَيْسَ من أهل الْكَذِب، وَقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: حسن الحَدِيث، جيد اللِّقَاء، لَهُ أغاليط، يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ، سيئ الْحِفْظ.
وَقَالَ فِيهِ أَبُو زرْعَة: صَدُوق، فِي رَأْيه غلو.(4/274)
وَقَالَ البُخَارِيّ: تَركه ابْن مهْدي، كَانَ يشْتم عُثْمَان.
وَقَالَ ابْن الْمُبَارك: لقد من الله على الْمُسلمين بِسوء حفظ أبي إِسْرَائِيل.
فَالْحَدِيث من أَجله لَا يُقَال فِيهِ: صَحِيح، فاعلمه.
(1812) وَذكر من طَرِيق مُسلم حَدِيث سَالم، عَن أَبِيه، سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يهل ملبدا ".(4/275)
والْحَدِيث إِنَّمَا رَوَاهُ مُسلم عَن حَرْمَلَة بن يحيى، وحرملة قد اخْتلفُوا فِيهِ.
وَقد كرر السُّكُوت عَن أَحَادِيث؛ إِنَّمَا هِيَ من رِوَايَة حَرْمَلَة.
(1813) مِنْهَا حَدِيث ابْن عمر فِي الْجمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء بِمُزْدَلِفَة.
(1814) وَذكر عَن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر، أَن رجلا قَالَ: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن، مَا أَرَاك تستلم إِلَّا هذَيْن الرُّكْنَيْنِ، قَالَ: إِنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -(4/276)
يَقُول: " إِن مسحهما يحط الْخَطِيئَة " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث إِنَّمَا يرويهِ عَطاء بن السَّائِب، من رِوَايَة حَمَّاد بن زيد عَنهُ.
وَقد تكَرر سكُوت أبي مُحَمَّد عَن أَحَادِيث، هِيَ من رِوَايَة عَطاء بن السَّائِب، لم يبين أَنَّهَا من رِوَايَته.
مِنْهَا أَحَادِيث يعرف أَنَّهَا من رِوَايَة من روى عَنهُ قَدِيما قبل اخْتِلَاطه.
وَمِنْهَا مَا هُوَ من رِوَايَة من روى عَنهُ بعد الِاخْتِلَاط. وَمِنْهَا مَا هُوَ من رِوَايَة من لَا يعرف مَتى روى عَنهُ، أقبل الِاخْتِلَاط أم بعده؟
فمما أورد من الْأَحَادِيث الَّتِي رَوَاهَا عَنهُ من رَوَاهَا عَنهُ قبل اخْتِلَاطه:
(1815) حَدِيث عرْفجَة، عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي فضل رَمَضَان بِزِيَادَة: " وينادي مُنَاد: يَا باغي الْخَيْر هَلُمَّ " الحَدِيث.
وَقد تقدم ذكره والتنبيه على عرْفجَة أَنه مَجْهُول.
ونقول الْآن: إِنَّه من رِوَايَة شُعْبَة، عَن عَطاء بن السَّائِب، وَهُوَ إِنَّمَا سمع مِنْهُ قَدِيما قبل اخْتِلَاطه.(4/277)
(1816) وَكَذَلِكَ حَدِيث: " النَّهْي عَن الْأكل من أَعلَى الصحفة ".
صَححهُ أَيْضا، وَهُوَ من رِوَايَته عَنهُ كَذَلِك.
وَأما مَا هُوَ من رِوَايَة من روى عَنهُ بعد الِاخْتِلَاط، فَحَدِيث عَليّ:
(1817) : " من ترك مَوضِع شَعْرَة من جَنَابَة لم يغسلهَا " الحَدِيث.
أعله بِالْوَقْفِ تَارَة، وبالرفع أُخْرَى، وَلم يعرض لكَونه من رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة عَن عَطاء، وَهُوَ إِنَّمَا سمع مِنْهُ بعد الِاخْتِلَاط.
(1818) وَحَدِيث: " الْحجر الْأسود من الْجنَّة ".(4/278)
هُوَ أَيْضا من رِوَايَته عَنهُ، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس.
(1819) وَحَدِيث: " الطّواف حول الْبَيْت صَلَاة ".
لم يقل بعده إِلَّا أَن غير عَطاء وَقفه.
وَهُوَ إِنَّمَا يرويهِ جرير، عَن عَطاء، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس.
واقتطع إِسْنَاده من عِنْد عَطاء، وَالْعلَّة إِنَّمَا هِيَ فِيمَا قبله؛ فَهُوَ لَو ذكر أَنه من رِوَايَة جرير عَن عَطاء، بَرِئت عهدته.
وَقد نَص هُوَ فِي كِتَابه الْكَبِير - إِثْر هَذَا الحَدِيث - على اخْتِلَاط عَطاء.(4/279)
(1820) وَذكر فِي كتاب الْأَحْكَام فِي بَاب التَّيَمُّم حَدِيث: " الرجل إِذا كَانَت [بِهِ] جِرَاحَة ".
فَقَالَ بعده: إِن يحيى بن معِين قَالَ: جرير إِنَّمَا روى عَن عَطاء بعد الِاخْتِلَاط.
(1821) وَذكر أَيْضا حَدِيث: " نزل الْحجر الْأسود من الْجنَّة، أَشد بَيَاضًا من اللَّبن ".
وَصَححهُ بتصحيح التِّرْمِذِيّ.
وَإِنَّمَا هُوَ من رِوَايَة جرير عَنهُ، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس.(4/280)
(1822) وَذكر من عِنْد أبي دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس حَدِيث: " لما(4/281)
نزلت: {وَلَا تقربُوا مَال الْيَتِيم إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أحسن} و {إِن الَّذين يَأْكُلُون أَمْوَال الْيَتَامَى ظلما} " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة جرير، عَن عَطاء بن السَّائِب، عَن سعيد بن جُبَير عَنهُ.
فَأَما مَا هُوَ من رِوَايَة من لَا يدرى مَتى سمع مِنْهُ، فَالْحَدِيث الَّذِي ابتدأنا بِذكرِهِ من رِوَايَة حَمَّاد بن زيد عَنهُ.
(1823) وَحَدِيث: " إِن للشَّيْطَان بِابْن آدم لمة ".
صَححهُ بتصحيح التِّرْمِذِيّ. وَهُوَ من رِوَايَة أبي الْأَحْوَص، عَن عَطاء ابْن السَّائِب، عَن مرّة، عَن عبد الله.(4/282)
وَبِالْجُمْلَةِ فَلَيْسَ يَنْبَغِي أَن يصحح مَا يرويهِ عَطاء، وَإِنَّمَا الْأَحَادِيث من رِوَايَته حسان، وَقد ذكر أَحَادِيث أعرض فِيهَا عَن عَطاء بن السَّائِب وأعلها بِغَيْرِهِ.
(1824) مِنْهَا حَدِيث: " الْجَزُور فِي الْأَضْحَى عَن عشرَة ".
ضعفه بِأبي الْجمل، وَترك عَطاء بن السَّائِب لم يعرض لَهُ، وَأَبُو الْجمل إِنَّمَا يرويهِ عَنهُ.
(1825) وَحَدِيث: " طَعَام الْوَلِيمَة أول يَوْم حق ".
أعله بِزِيَاد بن عبد الله، وَأعْرض عَن عَطاء بن السَّائِب، وَهُوَ يرويهِ عَنهُ.
(1826) وَحَدِيث: " تَعْتَد الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا حَيْثُ شَاءَت ".
أعرض فِيهِ عَن عَطاء بن السَّائِب، وَضَعفه بِغَيْرِهِ، وَأصَاب فِي ذَلِك؛ فَإِن عَطاء أخف مَا فِيهِ، فَهُوَ فِيهِ أعذر، وَقد نَص أَيْضا فِي حَدِيث عَليّ أَن ابْن جريج سمع من عَطاء بعد الِاخْتِلَاط.
(1827) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ، عَن عبد الله بن السَّائِب قَالَ:(4/283)
سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول - بَين الرُّكْن الْيَمَانِيّ وَالْحجر: {رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة} الْآيَة.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ ابْن جريج، عَن يحيى بن عبيد، عَن(4/284)
أَبِيه، عَن عبد الله بن السَّائِب.
وَكَذَا ذكره فِي كتاب التميير، وَقَالَ فِي يحيى بن عبيد: إِنَّه ثِقَة.
فَأَما ابْن أبي حَاتِم فَلم يزدْ فِيهِ على أَن قَالَ: روى عَن أَبِيه، روى عَنهُ ابْن جريج.
وَذكره البُخَارِيّ عَن أبي نعيم، عَن سُفْيَان، عَن ابْن جريج، عَن يحيى بن عبيد، عَن السَّائِب بن عبد الله، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، قَالَ البُخَارِيّ: وَهُوَ وهم.
وَإِلَى هَذَا فَإِن وَالِد يحيى هَذَا لَا تعرف حَاله، وَلَا يعرف بِغَيْر رِوَايَة ابْنه يحيى عَنهُ.
وَابْنه يحيى أَيْضا لَا يعرف روى عَنهُ غير ابْن جريج، وَلَكِن قد قَالَ فِيهِ النَّسَائِيّ: إِنَّه ثِقَة، فَالله أعلم إِن كَانَ كَذَلِك، فَإِن تَعْدِيل غير المعاصر وتجريحه فِيهِ نظر، فَاعْلَم ذَلِك.
(1828) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن المُهَاجر الْمَكِّيّ، قَالَ: سُئِلَ جَابر عَن(4/285)
الرجل يرى الْبَيْت، أيرفع يَدَيْهِ؟ الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، ومهاجر بن عِكْرِمَة المَخْزُومِي، روى عَن جَابر، وَعبد الله ابْن أبي بكر، وَالزهْرِيّ روى عَنهُ يحيى بن أبي كثير، وَأَبُو قزعة: سُوَيْد ابْن حُجَيْر، وَجَابِر الْجعْفِيّ، وَلَا يعرف حَاله.
وَكَذَا ذكره أَبُو دَاوُد من رِوَايَة أبي قزعة، عَن مهَاجر الْمَكِّيّ.
وَهُنَاكَ رجل آخر يُقَال لَهُ: مهَاجر الْمَكِّيّ، وَهُوَ ابْن الْقبْطِيَّة، وَهُوَ ثِقَة، يروي عَن أم سَلمَة، وَلَيْسَ بِهَذَا.
(1829) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن ابْن عمر، أَنه " كَانَ يَأْتِي الْجمار فِي(4/286)
الْأَيَّام الثَّلَاثَة بعد يَوْم النَّحْر مَاشِيا، ذَاهِبًا وراجعا " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة عبد الله بن عمر الْعمريّ، عَن نَافِع عَنهُ.
(1830) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا، عَن سُلَيْمَان بن عَمْرو بن الْأَحْوَص، عَن أمه قَالَت: " رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عِنْد جَمْرَة الْعقبَة رَاكِبًا، وَرَأَيْت بَين أَصَابِعه حجرا، فَرمى وَرمى النَّاس ".
وَسكت عَنهُ مصححا لَهُ، وَقد كَانَ كَافِيا فِي أَن لَا يُصَحِّحهُ حَال سُلَيْمَان ابْن عَمْرو هَذَا؛ فَإِنَّهُ مَجْهُول، وَأمه لَا تعرف لَهَا صُحْبَة إِلَّا بِمَا ذكر، وَلَا يعرف أَنه روى عَنهُ غير يزِيد بن أبي زِيَاد، وشبيب بن غرقدة، فَكيف وَفِي الحَدِيث - مَعَ ذَلِك - يزِيد بن أبي زِيَاد، هُوَ يرويهِ عَن سُلَيْمَان الْمَذْكُور.(4/287)
وَيزِيد بن أبي زِيَاد مُخْتَلف فِيهِ، وَقد اعتراه هُوَ فِيهِ اضْطِرَاب، وَذَلِكَ أَنه أورد أَحَادِيث كَثِيرَة، هِيَ من رِوَايَته، سكت عَنْهَا وَلم يبين أَنَّهَا من رِوَايَته، لعَلي أستدرك التَّنْبِيه عَلَيْهَا، فَإِنِّي كنت أغفلته.
وَفِي ذكري مِنْهَا الْآن - زِيَادَة إِلَى هَذَا الحَدِيث - حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن صَفْوَان، أَنه سَأَلَ عمر:
(1831) كَيفَ صنع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِين دخل الْكَعْبَة؟ قَالَ: " صلى رَكْعَتَيْنِ ".
فَإِنَّهُ سكت عَنهُ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَته، وَقد بَين فِي غير حَدِيث إِنَّه لَا يحْتَج بِهِ.
(1832) فَمن ذَلِك حَدِيث، أبي سعيد: " يَرْمِي الْغُرَاب وَلَا يقْتله ".
قَالَ بعده: فِي إِسْنَاده يزِيد بن أبي زِيَاد وَلَا يحْتَج بِهِ.
وَذكر بعده قِطْعَة أُخْرَى مِنْهُ، وحسنها، وَذَلِكَ صَوَاب.(4/288)
(1833) وَذكر حَدِيث ابْن عَبَّاس: " كفن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي ثَلَاثَة أَثوَاب " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: يَدُور على يزِيد بن أبي زِيَاد، وَلَيْسَ مِمَّن يحْتَج بِهِ لَو لم يُخَالف، فَكيف وَقد خَالفه الثِّقَات بِمَا روى عَن عَائِشَة وَثَبت عَنْهَا.
(1834) وَذكر فِي الْأَشْرِبَة حَدِيث: " إِذا اشْتَدَّ عَلَيْكُم فَاقْتُلُوهُ بِالْمَاءِ ".
ثمَّ قَالَ: فِيهِ يزِيد بن أبي زِيَاد الْكُوفِي، وَهُوَ ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ.
(1835) وَذكر حَدِيث ابْن عمر فِي تَقْبِيل يَد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ثمَّ قَالَ: فِيهِ يزِيد بن أبي زِيَاد، وَلَا يحْتَج بِهِ.(4/289)
(1836) وَذكر من عِنْد أبي دَاوُد حَدِيث سعد بن عبَادَة، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا من امْرِئ يقْرَأ الْقُرْآن ثمَّ ينساه إِلَّا يلقى الله يَوْم الْقِيَامَة أَجْذم ".
وتبرأ من عهدته بإبراز قِطْعَة من إِسْنَاده، وَهِي يزِيد بن أبي زِيَاد، عَن عِيسَى بن فائد، عَن سعد بن عبَادَة.
وَقد مر ذكر هَذَا الحَدِيث فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة، وَهِي مُنْقَطِعَة.
(1837) وَذكر حَدِيث: " أَنْتُم الْعَكَّارُونَ وَأَنا فِئَتكُمْ ".
وَلم يقل فِيهِ إِلَّا حسن، وَلَيْسَ ذَلِك إِلَّا لِأَنَّهُ من رِوَايَة يزِيد بن أبي زِيَاد
(1838) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَيْسَ على النِّسَاء حلق، إِنَّمَا على النِّسَاء التَّقْصِير ".
وَسكت عَنهُ مصححا لَهُ، وَهُوَ حَدِيث لَا يَصح؛ فَإِن أم عُثْمَان بنت أبي سُفْيَان راويته عَن ابْن عَبَّاس لَا تعرف.
وَإِلَى ذَلِك فَإِن الطَّرِيقَيْنِ إِلَيْهَا اللَّذين ذكره بهما أَبُو دَاوُد، فيهمَا انْقِطَاع، قد بَيناهُ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة وَهِي مُنْقَطِعَة.
(1839) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار، عَن الْأسود بن خلف، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -(4/290)
" أمره أَن يجدد أنصاب الْحرم عَام الْفَتْح ".
وَسكت عَنهُ، وَمَا مثله صحّح؛ فَإِن الْأسود بن خلف لَا يعرف روى عَنهُ إِلَّا ابْنه مُحَمَّد، وَابْنه مُحَمَّد لَا يعرف حَاله، وَإِنَّمَا روى عَنهُ عبد الله بن عُثْمَان ابْن خثيم وَذكر بَعضهم أَن أَبَا الزبير روى عَنهُ.
وَقيل: إِن أَبَا الزبير إِنَّمَا روى عَن عبد الله بن عُثْمَان بن حَكِيم عَنهُ.(4/291)
لَيْسَ بِنَافِع لَهُ أَن يروي عَنهُ أَبُو الزبير، وثالث، ورابع وَلَو اتّفق؛ فَإِن روايتهم عَنهُ لَا تكون تعديلا لَهُ، وَلَا يرْوى عَنهُ - فِيمَا أعلم - إِلَّا هَذَا الحَدِيث.
(1840) وَحَدِيث: " الْوَلَد مَبْخَلَة مَجْبَنَة مجهلَة ".
قَالَ الْبَزَّار: حَدثنَا بشر بن معَاذ، وَمُحَمّد بن مُوسَى الْحَرَشِي، قَالَا: حَدثنَا فُضَيْل بن سُلَيْمَان، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن عُثْمَان بن خثيم، عَن مُحَمَّد ابْن الْأسود بن خلف، عَن أَبِيه، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أمره أَن يجد أنصاب الْحرم عَام الْفَتْح ".
هَذَا إِسْنَاد الحَدِيث الْمَذْكُور فاعلمه.(4/292)
(1841) وَذكر من طَرِيق مُسلم حَدِيث جَابر، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " دخل مَكَّة وَعَلِيهِ عِمَامَة سَوْدَاء بِغَيْر إِحْرَام ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ إِنَّمَا يرويهِ عِنْد مُسلم مُعَاوِيَة بن عمار، عَن أبي الزبير.
وَيَنْبَغِي أَن نذْكر مذْهبه فِي أبي الزبير عَن جَابر، ثمَّ نذْكر عمله فِيهِ فَنَقُول:
(1842) لما ذكر حَدِيث جَابر فِي الْمَرِيض الَّذِي رفع إِلَى وَجهه وسَادَة(4/293)
يُصَلِّي عَلَيْهَا، فَرمى بهَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الحَدِيث.
قَالَ بعده: رَوَاهُ أَبُو بكر الْحَنَفِيّ - وَكَانَ ثِقَة - عَن الثَّوْريّ، عَن أبي الزبير، عَن جَابر، وَقد تقدم الْكَلَام فِي حَدِيث أبي الزبير عَن جَابر، أَنه لَا يَصح من حَدِيثه إِلَّا مَا ذكر فِيهِ السماع، أَو كَانَ من رِوَايَة اللَّيْث عَنهُ.
(1843) وَذكر من طَرِيق مُسلم عَن أبي الزبير، عَن جَابر: " دخل أَبُو بكر يسْتَأْذن على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ". الحَدِيث.
وَفِيه: " هن حَولي - كَمَا ترى - يَسْأَلْنَنِي النَّفَقَة ".
ثمَّ قَالَ بإثره: إِنَّمَا يُؤْخَذ من حَدِيث أبي الزبير، مَا ذكر فِيهِ السماع، أَو كَانَ من رِوَايَة اللَّيْث عَنهُ، وَلَيْسَ هَذَا من رِوَايَة اللَّيْث.
(1844) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن حَرْب بن أبي الْعَالِيَة، عَن(4/294)
أبي الزبير، عَن جَابر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْمُطلقَة ثَلَاثًا لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفقَة ".
(1845) وَبِهَذَا الْإِسْنَاد: " لَيْسَ للحامل الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا نَفَقَة ".
ثمَّ أتبعهَا أَن قَالَ: إِنَّمَا يُؤْخَذ من حَدِيث أبي الزبير عَن جَابر، مَا ذكر فِيهِ السماع، أَو كَانَ عَن اللَّيْث، عَنهُ، عَن جَابر.
ثمَّ ضعف حَرْب بن أبي الْعَالِيَة.
(1846) وَذكر - من رِوَايَة أبي الزبير عَن جَابر، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " نهى عَن ثمن السنور، وَالْكَلب، إِلَّا كلب صيد "، من طَرِيق النَّسَائِيّ.
ثمَّ قَالَ: أَبُو الزبير يُدَلس فِي حَدِيث جَابر، فَإِذا ذكر سَمَاعه مِنْهُ، أَو كَانَ من رِوَايَة اللَّيْث عَن أبي الزبير، فَهُوَ صَحِيح، وَهَذَا من رِوَايَة جمَاعَة عَنهُ، لَيْسَ فيهم اللَّيْث.
(1847) وَذكر حَدِيث تَفْسِير الْجَائِحَة من طَرِيق ضَعِيف.(4/295)
ثمَّ قَالَ: وَأَبُو الزبير يُدَلس فِي حَدِيث جَابر.
(1848) وَذكر فِي أُمَّهَات الْأَوْلَاد حديثين، ثمَّ قَالَ: ذكر فِي الأول سَمَاعه من جَابر، وَلم يذكرهُ فِي الثَّانِي.
(1849) وَذكر حَدِيث: " ذبحنا يَوْم خَيْبَر، الْخَيل، وَالْبِغَال، وَالْحمير ".(4/296)
الحَدِيث.
من رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة، عَن أبي الزبير، عَن جَابر.
ثمَّ قَالَ: لَا يُؤْخَذ من حَدِيث أبي الزبير عَن جَابر إِلَّا مَا ذكر فِيهِ السماع، أَو كَانَ من رِوَايَة اللَّيْث عَنهُ.
(1850) وَذكر فِي التَّشَهُّد حَدِيث جَابر، من طَرِيق النَّسَائِيّ.
ثمَّ قَالَ: أحسن حَدِيث أبي الزبير عَن جَابر، مَا ذكر سَمَاعه مِنْهُ، وَلم يذكر السماع فِي هَذَا فِيمَا أعلم. فَهَذَا مذْهبه فلنبين علمه. وَذَلِكَ أَنه كَانَ يجب أَن يطرد هَذَا الْمَذْهَب فِي أَحَادِيثه، فيبين مَا كَانَ مِنْهَا غير مَذْكُور فِيهَا سَمَّاعَة مِمَّا لم يروه اللَّيْث عَنهُ، فَيكون ذَلِك مِنْهُ تعليلا لَهَا، محالا على هَذِه الْمَوَاضِع الَّتِي قد فسر فِيهَا أمره، وَقد كَانَ يَكْفِيهِ بَعْضهَا، ثمَّ يسكت إِن شَاءَ عَمَّا(4/297)
كَانَ من رِوَايَته مَذْكُورا فِيهَا سَمَاعه، أَو كَانَ من رِوَايَة اللَّيْث عَنهُ.
هَذَا هُوَ طرد مَا ذهب إِلَيْهِ، وَلم يفعل بل أورد الْأَحَادِيث فِيمَا عدا هَذِه الَّتِي تقدم ذكرهَا على نحوين: نَحْو يذكرهَا فيبين أَنَّهَا من رِوَايَة أبي الزبير عَن جَابر، فَهَذَا قريب من الصَّوَاب؛ فَإِنَّهُ بذلك كالمتبري من عهدتها.
وَنَحْو يسكت عَنهُ، وَلَا يبين أَنه من رِوَايَته، وَهُوَ مِمَّا لم يذكر فِيهِ سَمَاعه، وَلَا هُوَ من رِوَايَة اللَّيْث عَنهُ، بل إِذا قَرَأَهُ الْقَارئ يَظُنّهُ من غير رِوَايَة أبي الزبير، فيعتقد - بسكوته عَنهُ - أَنه مِمَّا لَا خلاف فِي صِحَّته.
وَأكْثر مَا يَقع لَهُ هَذَا الْعَمَل، فِيمَا كَانَ من الْأَحَادِيث مِمَّا أخرجه مُسلم، كَأَنَّهَا بِإِدْخَال مُسلم لَهَا، حصلت فِي حمى من النَّقْد، وَهَذَا خطأ لَا شكّ فِيهِ.
فلنعرض الْآن عَلَيْك أَحَادِيث النحوين الْمَذْكُورين حَتَّى يتَبَيَّن ذَلِك.
(1851) ذكر حَدِيث الطُّفَيْل الدوسي، من رِوَايَة أبي الزبير عَن جَابر.
وَلَيْسَ من رِوَايَة اللَّيْث، وَلَا مِمَّا ذكر فِيهِ سَمَاعه، وَلكنه أبرزه.
(1852) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، عَن أَيمن بن نابل، عَن أبي(4/298)
الزبير، عَن جَابر حَدِيث: " الرَّمْي والتلبية عَن الصّبيان ".
وَإسْنَاد أبي أَحْمد إِلَى أَيمن بن نابل صَحِيح، فَكَأَن أَبَا مُحَمَّد تَبرأ من عهدته بتبيينه أَنه من رِوَايَة أبي الزبير عَن جَابر، من غير رِوَايَة اللَّيْث، وَمِمَّا لم يذكر فِيهِ سَمَاعه.
وأيمن بن نابل رَاوِيه عَنهُ ثِقَة.
(1853) وَذكر أَيْضا فِي ذَلِك حَدِيث أَشْعَث بن سوار، عَن أبي الزبير عَن جَابر: " كُنَّا نلبي عَن النِّسَاء ونرمي عَن الصّبيان ".
وَيظْهر فِيهِ أَيْضا أَنه لم يُصَحِّحهُ لمَكَان أَشْعَث بن سوار، وتدليس أبي الزبير.
(1854) وَذكر حَدِيث: " مَاء زَمْزَم لما شرب لَهُ " وأبرز من إِسْنَاده عبد الله ابْن مُؤَمل، عَن أبي الزبير، عَن جَابر.
(1855) وَحَدِيث: " النَّهْي أَن يتعاطى السَّيْف مسلولا ".(4/299)
(1856) وَحَدِيث: " عمرك الله بيعا " فِي الْخِيَار فِي البيع.
(1857) وَحَدِيث: " رخص لنا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْعَصَا وَالْحَبل وَالسَّوْط ".
(1858) وَحَدِيث: " النَّهْي عَن أكل الهر وَأكل ثمنهَا ".(4/300)
هُوَ من رِوَايَة عمر بن زيد، عَن أبي الزبير، عَن جَابر.
(1859) وَحَدِيث: " لَا تذبحوا إِلَّا مُسِنَّة ".(4/301)
(1860) وَحَدِيث: " ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه ".
(1861) وَحَدِيث: " النَّهْي أَن ينتعل الرجل قَائِما ".
يرويهِ إِبْرَاهِيم بن طهْمَان، عَن أبي الزبير.(4/302)
(1862) " إِذا انْقَطع شسع أحدكُم ".(4/303)
(1863) وَحَدِيث: " احْتجم على وركه من وثء كَانَ بِهِ ".
(1864) وَحَدِيث: " من قتل ضفدعا فَعَلَيهِ شَاة، محرما كَانَ أَو غير محرم ".
ضعفه بِعَبْد الرَّحْمَن بن هَانِئ، وَلم يعرض لأبي الزبير، وَلكنه بَين أَنه من رِوَايَة الثَّوْريّ عَنهُ، عَن جَابر.(4/304)
كل هَذِه الْأَحَادِيث أبرز عِنْد ذكره إِيَّاهَا أَبَا الزبير، فَتبين بذلك أَنَّهَا من رِوَايَته، وَكلهَا مِمَّا لم يذكر فِيهِ سَمَاعه وَلَا هُوَ من رِوَايَة اللَّيْث عَنهُ، وَهُوَ فِيهَا غير مُخطئ؛ فَإِنَّهُ بإبرازه إِيَّاه قد أحَال على مَا شرح من أمره فِي الْأَحَادِيث الْمُتَقَدّمَة، فَهَذَا أحد النحوين.
وَأما النَّحْو الآخر، وَهُوَ مَا سكت عَنهُ سُكُوته عَمَّا لَا خلاف فِي صِحَّته، من غير أَن يبين أَنه من رِوَايَته.
(1865) فَمن ذَلِك حَدِيث: " عَالم الْمَدِينَة ".
صَححهُ بتصحيح التِّرْمِذِيّ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة ابْن عُيَيْنَة، عَن ابْن جريج، عَن أبي الزبير، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَابْن عُيَيْنَة، وَابْن جريج، وَأَبُو الزبير، كلهم مُدَلّس.(4/305)
(1866) وَحَدِيث: " أَيّكُم خَافَ أَن لَا يقوم من آخر اللَّيْل ".
(1867) وَحَدِيث: " أَن رجلا تَوَضَّأ فَترك مَوضِع ظفر على قدمه ".(4/306)
(1868) وَحَدِيث: " الِاسْتِجْمَار تو، وَالطّواف تو، وَرمي الجمارتو ".
(1869) وَحَدِيث: " لَا يحل لأحدكم أَن يحمل السِّلَاح بِمَكَّة ".
(1870) وَحَدِيث: " أَن رجلا سَأَلَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: أَرَأَيْت إِذا صليت الصَّلَوَات المكتوبات؟ ".(4/308)
(1871) وَحَدِيث: " الْبَدنَة عَن سَبْعَة ".
(1872) وَحَدِيث: " دخل مَكَّة بِغَيْر إِحْرَام ".
(1873) وَحَدِيث: " إِذا دعِي أحدكُم إِلَى طَعَام فليجب ".(4/309)
(1874) وَحَدِيث: " رأى امْرَأَة فَأتى امْرَأَته زَيْنَب، وَهِي تمعس منيئة لَهَا ".(4/310)
(1875) وَحَدِيث: " لَا يبع حَاضر لباد، دعوا النَّاس يرْزق الله بَعضهم من بعض ".
(1876) وَحَدِيث: " قدم رجل من جيشان فَسَأَلَ عَن المزر(4/311)
(1877) وَحَدِيث: " لَا تُرْسِلُوا فَوَاشِيكُمْ إِذا غَابَتْ الشَّمْس ".
(1878) وَحَدِيث: " استكثروا من النِّعَال؛ فَإِن الرجل لَا يزَال رَاكِبًا مَا انتعل ".
(1879) وَحَدِيث: " غيروا هَذَا بِشَيْء وَاجْتَنبُوا السوَاد ".(4/312)
(1880) وَحَدِيث: " النَّهْي عَن تجصيص الْقُبُور ".(4/313)
كل هَذِه من كتاب مُسلم، من رِوَايَة أبي الزبير، عَن جَابر مِمَّا لم يذكر فِيهِ سَمَاعه وَلَا هُوَ من رِوَايَة اللَّيْث عَنهُ.
(1881) وَحَدِيث: " أَخذ الْجمار من وَادي محسر ".
أعله بِعَبْد الله بن عَامر، وَلم يعرض لكَونه من رِوَايَة أبي الزبير عَن جَابر.
(1882) وَحَدِيث: " من أعْطى فِي صدَاق امْرَأَة ملْء كفيه سويقا ".(4/314)
لم يعرض فِيهِ لأبي الزبير عَن جَابر، وَرجح رِوَايَته مَوْقُوفا.
(1883) وَحَدِيث: " إِذا اسْتهلّ الصَّبِي ورث وَصلي عَلَيْهِ ".
لم يعرض لَهُ من جِهَة أبي الزبير عَن جَابر، لَكِن من جِهَة أَنه رُوِيَ مَوْقُوفا.
(1884) وَحَدِيث: " أَن رجلا زنى بِامْرَأَة، فجلد، ثمَّ أخبر أَنه مُحصن فرجم ".
(1885) وَحَدِيث: " لَيْسَ على خائن، وَلَا منتهب، وَلَا مختلس قطع ".
وَأتبعهُ تَصْحِيح التِّرْمِذِيّ إِيَّاه.(4/315)
(1886) وَحَدِيث: " مَا جزر عَنهُ الْبَحْر فكلوه ".
(1887) وَحَدِيث: " لَا تأذنوا لمن لَا يبْدَأ بِالسَّلَامِ ".
(1888) وَحَدِيث: " كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا يَأْذَن لمن لَا يبْدَأ بِالسَّلَامِ ".
(1889) وَحَدِيث: " لكل دَاء دَوَاء ".(4/316)
كل هَذِه الْأَحَادِيث من عِنْد غير مُسلم من مَوَاضِع مُخْتَلفَة، لم يبين فِي شَيْء مِنْهَا أَنه من رِوَايَة أبي الزبير عَن جَابر.(4/317)
وَقد سكت أَيْضا عَن أَحَادِيث، هِيَ من رِوَايَة أبي الزبير عَن غير جَابر.
(1890) مِنْهَا حَدِيث: " إِذا رَأَيْتُمْ أمتِي تهاب الظَّالِم ".
وَأتبعهُ أَن قَالَ: يُقَال: إِن إِسْنَاده مُنْقَطع.
وَلم يبين أَنه من رِوَايَة أبي الزبير، عَن عبد الله بن عَمْرو ذكره النَّسَائِيّ.
(1891) وَحَدِيث: " عَرَفَة كلهَا موقف، وَارْفَعُوا عَن بطن عُرَنَة ".
هُوَ من رِوَايَة أبي الزبير، عَن أبي معبد، عَن ابْن عَبَّاس، ذكره الطَّحَاوِيّ.
(1892) وَحَدِيث: " عَلَيْكُم بحصى الْخذف. وَلم يزل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -(4/318)
يُلَبِّي حَتَّى رمى الْجَمْرَة ".
هُوَ من رِوَايَة أبي الزبير، عَن أبي معبد، عَن ابْن عَبَّاس، كَذَلِك ذكره مُسلم.
(1893) وَحَدِيث: " تَأْخِير طواف الْإِفَاضَة إِلَى اللَّيْل ".
هُوَ من رِوَايَة أبي الزبير، عَن عَائِشَة وَابْن عَبَّاس.
(1894) وَحَدِيث: " لما أُصِيب إخْوَانكُمْ، جعل الله أَرْوَاحهم فِي أَجْوَاف طير خضر ".
وَلم يبين أَنه من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق، عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة، عَن أبي الزبير، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس.
فَجَمِيع هَذِه الْأَحَادِيث، من رِوَايَة أبي الزبير عَن غير جَابر، وَهُوَ بتدليسه الْمَعْلُوم عَنهُ، لَا يَنْبَغِي أَن يخلط حَدِيثه - بِالسُّكُوتِ عَنهُ - بِحَدِيث غَيره مِمَّن لَا يُدَلس، وَلَا يَنْبَغِي أَن يقصر تدليسه على جَابر، فَإِن ذَلِك لَا يَصح، بل هُوَ مُدَلّس بِإِطْلَاق، وَاتفقَ أَن سَأَلَهُ اللَّيْث عَمَّا رَوَاهُ عَن جَابر، فميز لَهُ مَا سمع مِمَّا(4/319)
لم يسمع، وَلذَلِك اسْتثْنِي من حَدِيثه - مِمَّا لم يذكر فِيهِ سَمَاعه - مَا كَانَ من رِوَايَة اللَّيْث عَنهُ.
(1895) وَقد يظنّ بِحَدِيث جَابر - قَالَ: " أقبل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من شعب من الْجَبَل وَقد قضى حَاجته، وَبَين أَيْدِينَا تمر على ترس، أَو جحفة - فدعوناه فَأكل مَعنا وَمَا مس مَاء " - أَنه من جملَة مَا رَوَاهُ اللَّيْث، من حَدِيث أبي الزبير عَن جَابر.
وَيُشبه أَن يكون أَبُو مُحَمَّد مِمَّن ظن هَذَا، وَلذَلِك سكت عَنهُ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة أبي الزبير.
وَلَيْسَ الْأَمر فِيهِ كَذَلِك، بل هُوَ من جملَة مَا يتقى فِيهِ تَدْلِيس أبي الزبير، وَذَلِكَ أَنه إِنَّمَا يرويهِ اللَّيْث عَن خَالِد بن يزِيد الإسْكَنْدراني، عَن أبي الزبير، عَن جَابر.
وخَالِد ثِقَة، وَلَكِن لَا يَنْبَغِي أَن يعد هَذَا مِمَّا ميزه أَبُو الزبير لليث من حَدِيثه المسموع؛ فَإِنَّهُ لَو كَانَ مِنْهُ، لَكَانَ مِمَّا أَخذ عَنهُ، وَلم يحْتَج فِيهِ لتوسط خَالِد بَينه وَبَينه.
ونرى أَن نذْكر لَك الْوَاقِع فِي الْوُجُود من سُؤال اللَّيْث لأبي الزبير على مَا رُوِيَ عَلَيْهِ، حَتَّى نَنْظُر فِيهِ، غير مقلد لأبي مُحَمَّد:
قَالَ أَبُو جَعْفَر القيلي: حَدثنَا زَكَرِيَّاء بن يحيى الْحلْوانِي، حَدثنَا أَحْمد بن(4/320)
سعد بن أبي مَرْيَم، حَدثنَا عمي.
وَحدثنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل، حَدثنَا الْحسن بن عَليّ، حَدثنَا سعيد بن أبي مَرْيَم، حَدثنَا اللَّيْث بن سعد، قَالَ: قدمت مَكَّة فَجئْت أَبَا الزبير، فَدفع إِلَيّ كتابين، فَانْقَلَبت بهما، فَقلت فِي نَفسِي: لَو عاودته، فَسَأَلته: أسمع هَذَا كُله من جَابر؟ وَرجعت إِلَيْهِ فَقلت لَهُ: هَذَا كُله سمعته من جَابر؟ فَقَالَ: مِنْهُ مَا سَمِعت وَمِنْه مَا حدثت عَنهُ، فَقلت: أعلم لي على مَا سَمِعت، فَأعْلم لي على هَذَا الَّذِي عِنْدِي.
وَقَالَ أَحْمد بن سعيد بن حزم الصَّدَفِي المنتجالي: حَدثنِي أَحْمد بن خَالِد، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن وضاح، قَالَ: سَمِعت أَبَا جَعْفَر الْوراق البستي يَقُول: قَالَ اللَّيْث: أتيت أَبَا الزبير، فَقلت لَهُ: أخرج إِلَيّ كتاب جَابر، فَأخْرج إِلَيّ عَن جَابر كتابين، فَقلت لَهُ: سمعتهما مِنْهُ؟ قَالَ: بعض سَمِعت، وَبَعض لم أسمع، فَقلت لَهُ: علم لي على مَا سَمِعت، فَعلم لي على شَيْء، قَالَ أَبُو جَعْفَر: فَكَانَت نَحوا من ثَلَاثِينَ.
وَقَالَ الصَّدَفِي أَيْضا: حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد، حَدثنَا عُبَيْدَة بن أَحْمد، حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الصَّائِغ، حَدثنَا الْحسن بن عَليّ، حَدثنَا ابْن أبي مَرْيَم، حَدثنَا اللَّيْث بن سعد، قَالَ: أتيت أَبَا الزبير، فَأخْرج لي كتابين فَنَظَرت فيهمَا، فَإِذا عَن جَابر، فَقلت لَهُ: هَذَا الَّذِي عَن جَابر سمعته؟ قَالَ: لَا، قلت: أفتعرف مَا سَمِعت مِمَّا لم تسمع؟ قَالَ: نعم، قَالَ: قلت: فَأعْلم لي(4/321)
عَلَيْهِ، فَأعْلم لي على هَذِه الْأَحَادِيث الَّتِي كتبتها عَنهُ.
وَقَالَ الصَّدَفِي أَيْضا أمْلى عَليّ مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الْملك، قَالَ: سَمِعت مُحَمَّد بن وضاح يَقُول: قَالَ اللَّيْث بن سعد، فَذكر مثله وَزَاد: وَهِي نَحْو من سَبْعَة وَعشْرين، أَو تِسْعَة وَعشْرين حَدِيثا. قَالَ ابْن وضاح: وَهِي مَعْرُوفَة.
فَيَجِيء من هَذَا أَن رِوَايَة اللَّيْث، عَن خَالِد بن يزِيد، عَن أبي الزبير، عَن جَابر، هُوَ مِمَّا لم يسمعهُ أَبُو الزبير عَن جَابر.
وَقد انْتَهَيْت إِلَى مَا قصدت بَيَانه: من مَذْهَب أبي مُحَمَّد فِي أبي الزبير، وَعَمله فِي رواياته.
وَالرجل صَدُوق، إِلَّا أَنه يُدَلس، وَلَا يَنْبَغِي أَن يتَوَقَّف من حَدِيثه فِي شَيْء ذكر فِيهِ سَمَاعه، أَو كَانَ من رِوَايَة اللَّيْث عَنهُ، وَإِن كَانَ مُعَنْعنًا، وَلَا يَنْبَغِي أَن يلْتَفت إِلَى مَا أَكثر بِهِ عَلَيْهِ من غير هَذَا، كَقَوْل شُعْبَة: إِنَّه رَآهُ يُصَلِّي فيسيء الصَّلَاة، فَإِن مَذَاهِب الْفُقَهَاء مُخْتَلفَة؛ فقد يرى الشَّافِعِي بعض صَلَاة الْحَنَفِيّ إساءة، وَهِي عِنْده هُوَ لَيست بإساءة.
وَكَذَلِكَ قَوْله: إِنَّه رأى أَبَا الزبير يزن فيرجح فِي الْمِيزَان - هُوَ أَمر لَا يحققه عَلَيْهِ شُعْبَة؛ إِذْ قد يعلم هُوَ من أَمر الْمِيزَان الَّذِي يزن بِهِ، مَا يَظُنّهُ غَيره بِهِ مطففا، وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِك.
وَكَذَلِكَ قَول من قَالَ: سفه على رجل من أهل الْعلم بِحَضْرَتِهِ فَلم يُنكر قد يكون لَهُ فِي السُّكُوت عذر، وَنحن نلومه، مثل أَن لَا يقدر على الْإِنْكَار على السافه إِلَّا بِقَلْبِه، أَو لَا يرى ذَلِك سفها، وَيَرَاهُ الحاكي سفها، أَو يرى المسفوه(4/322)
عَلَيْهِ أَهلا لذَلِك، وَلَا يرَاهُ الحاكي لذَلِك أَهلا.
والمخارج عَن هَذَا كَثِيرَة، وَقد نَص يحيى الْقطَّان، وَأحمد بن حَنْبَل، على أَن مَا لم يقل فِيهِ: حَدثنَا جَابر، لَكِن " عَن جَابر "؛ بَينهمَا فِيهِ فياف، فَاعْلَم ذَلِك.
(1896) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من زار قَبْرِي وَجَبت لَهُ شَفَاعَتِي " قَالَ: وَذكره الْبَزَّار أَيْضا.
هَكَذَا سكت عَنهُ، وَأرَاهُ تسَامح فِيهِ؛ لِأَنَّهُ من الْحَث وَالتَّرْغِيب على عمل.
وَإِسْنَاده عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ هُوَ هَذَا: حَدثنَا القَاضِي الْمحَامِلِي، حَدثنَا عبيد بن مُحَمَّد الْوراق، حَدثنَا مُوسَى بن هِلَال الْعَبْدي، عَن عبد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من زار قَبْرِي وَجَبت لَهُ شَفَاعَتِي ".
ومُوسَى بن هِلَال الْعَبْدي، بَصرِي، روى عَن هِشَام بن حسان، وَعبد الله ابْن عمر الْعمريّ، قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: مَجْهُول.
هَذَا، على أَنه قد ذكر أَن جمَاعَة رَوَت عَنهُ، وهم: أَبُو بجير: مُحَمَّد ابْن جَابر الْمحَاربي، وَمُحَمّد بن إِسْمَاعِيل الأحمسي، وَأَبُو أُميَّة: مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الطرسوسي، وَهَذَا عبيد بن مُحَمَّد فِي نفس هَذَا الْإِسْنَاد، وَمَعَ ذَلِك قَالَ فِيهِ: مَجْهُول، وَهُوَ كَمَا قَالَ.(4/323)
وَقد ذكره الْعقيلِيّ أَيْضا فَقَالَ: مُوسَى بن هِلَال الْبَصْرِيّ، سكن الْكُوفَة، عَن عبد الله بن عمر، لَا يَصح حَدِيثه، وَلَا يُتَابع عَلَيْهِ.
روى عَنهُ جَعْفَر بن مُحَمَّد الْبزورِي، فَهَذِهِ عِلّة أُخْرَى فِيهِ - وَلَو كَانَ مَعْرُوفا -، وَهُوَ أَنه لَا يُتَابع.
فَأَما أَبُو أَحْمد بن عدي فَإِنَّهُ ذكر هَذَا الرجل بِهَذَا الحَدِيث، ثمَّ قَالَ: ولموسى غير هَذَا، وَأَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ.
وَهَذَا من أبي أَحْمد قَول صدر عَن تصفح رِوَايَات هَذَا الرجل، لَا عَن مُبَاشرَة لأحواله، فَالْحق فِيهِ أَنه لم تثبت عَدَالَته.
وَإِلَى هَذَا، فَإِن الْعمريّ قد عهد أَبُو مُحَمَّد يرد الْأَحَادِيث من أَجله، كَمَا تقدم ذكره فِي هَذَا الْبَاب.
وَأما قَوْله: وَذكره الْبَزَّار، فَاعْلَم أَن الْبَزَّار ذكره كَمَا قَالَ، وَلَكِن من طَرِيق غير طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ.
قَالَ: حَدثنَا قُتَيْبَة - هُوَ ابْن الْمَرْزُبَان - قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن إِبْرَاهِيم - يَعْنِي ابْن أبي عَمْرو الْغِفَارِيّ - قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم، عَن أَبِيه، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من زار قَبْرِي؛ حلت لَهُ شَفَاعَتِي ".
قَالَ: وَعبد الله بن إِبْرَاهِيم حدث بِأَحَادِيث لَا يُتَابع عَلَيْهَا، وَكَذَا قَالَ فِيهِ أَبُو أَحْمد.
وَعبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم ضَعِيف، وَأَبُو مُحَمَّد يرد الْأَحَادِيث من(4/324)
أَجله، فَذَلِك مِنْهُ صَوَاب، وَالله الْمُوفق.
(1897) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن عدي بن زيد قَالَ: " حمى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كل نَاحيَة من الْمَدِينَة بريدا بريدا ".
وَسكت عَنهُ مصححا لَهُ، وَمَا مثله صحّح، فَإِنَّهُ عِنْد أبي دَاوُد هَكَذَا: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْعَلَاء، أَن زيد بن الْحباب حَدثهمْ قَالَ: حَدثنَا سُلَيْمَان بن كنَانَة - مولى عُثْمَان بن عَفَّان - قَالَ: أَخْبرنِي عبد الله بن أبي سُفْيَان، عَن عدي ابْن زيد، قَالَ: " حمى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كل نَاحيَة من الْمَدِينَة بريداً بريداً، لَا يخبط شَجَره، وَلَا يعضد إِلَّا مَا يساق بِهِ الْجمل ".
وعدي بن زيد لَا يعرف فِي الصَّحَابَة، وَلم يذكر فيهم - فِيمَا أعلم - غير أَن ابْن السكن، لما ذكر عديا الجذامي وَفرغ من ذكره قَالَ: وَقد رُوِيَ عَن عدي ابْن زيد أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " حمى كل نَاحيَة من الْمَدِينَة بريدا ".
لم يزدْ على هَذَا، كَأَنَّهُ عِنْده عدي الجذامي، وَلم يذكر وَالِد عدي الجذامي حِين ذكره. وَكَذَلِكَ أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ.
وَحَدِيثه الَّذِي يعرف بِهِ، هُوَ غير حَدِيث عدي بن زيد هَذَا.
وَأما عبد الله بن أبي سُفْيَان الرَّاوِي عَنهُ، فَلَا يعرف من هُوَ.
وَسليمَان بن كنَانَة الرَّاوِي عَن عبد الله بن أبي سُفْيَان الْمَذْكُور، روى عَنهُ(4/325)
زيد بن الْحباب، وَأَبُو عَامر الْعَقدي، وَسُئِلَ عَنهُ أَبُو حَاتِم فَقَالَ: لَا أعرفهُ.
فَهَذَا حَال هَذَا الحَدِيث.
(1898) وَذكر من طَرِيق أبي عمر، عَن سعد قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من قَالَ: يثرب؛ فَلْيقل: الْمَدِينَة ".
وَسكت عَنهُ وَهُوَ لَا يَصح لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا قد ذَكرْنَاهُ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة وَهِي مُنْقَطِعَة.
وَالثَّانِي: هُوَ أَن عُثْمَان بن حَفْص رَاوِيه، لم يتَبَيَّن من هُوَ، وَلَا تعرف حَاله.
(1899) وَذكر حَدِيث الزبير: " أَن صيد وَج وعضاهه حرَام ".(4/326)
وَأتبعهُ أَن قَالَ: عُرْوَة رأى أَبَاهُ.
لم يعرض لَهُ بِأَكْثَرَ من هَذَا، وَهُوَ حَدِيث لَا يَصح؛ فَإِنَّهُ من رِوَايَة مُحَمَّد ابْن عبد الله بن إِنْسَان، عَن أَبِيه، عَن عُرْوَة.
وَمُحَمّد بن عبد الله بن إِنْسَان، قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِالْقَوِيّ؛ فِي حَدِيثه نظر.
وَذكر لَهُ البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث بِهَذَا الْإِسْنَاد، فَقَالَ: لَا يُتَابع عَلَيْهِ.
وَذكر ابْن أبي خَيْثَمَة عَن ابْن معِين قَالَ: لَيْسَ بِهِ بَأْس.
فَأَما أَبوهُ عبد الله بن إِنْسَان، فَلَا يعرف روى عَنهُ غير ابْنه مُحَمَّد، قَالَ البُخَارِيّ: لَا يَصح حَدِيثه.
(1900) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة: " مر رجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بشعب فِيهِ عُيَيْنَة من مَاء عذبة، فَأَعْجَبتهُ ".
الحَدِيث فِي فضل الْجِهَاد.(4/327)
وَسكت عَنهُ، وَأرَاهُ إِنَّمَا تسَامح فِيهِ؛ لِأَنَّهُ من فَضَائِل الْأَعْمَال، وَإِلَّا فَهُوَ حَدِيث إِنَّمَا يرويهِ هِشَام بن سعد، عَن ابْن أبي هِلَال، عَن ابْن أبي ذُبَاب، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَالتِّرْمِذِيّ إِنَّمَا قَالَ فِيهِ: حسن، وَهُوَ كَذَلِك حسن، لَا صَحِيح؛ فَإِن هِشَام ابْن سعد يضعف، وَقد أَكثر عَلَيْهِ أَبُو مُحَمَّد إكثارا يَنْبَغِي أَن نقفك عَلَيْهِ هُنَا، لتعلم مذْهبه فِيهِ، وَحَال الرجل إِنَّمَا يَأْتِي من أَحَادِيثه - بعد أَن نذْكر مَا عمل فِيهِ مثل عمله فِي هَذَا الحَدِيث: من تَصْحِيح أَو تسَامح.
(1901) ذكر من عِنْد التِّرْمِذِيّ حَدِيث: " إِن من أكبر الْكَبَائِر الشّرك بِاللَّه، وعقوق الْوَالِدين، وَالْيَمِين الْغمُوس ".
وَسكت عَنهُ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة هِشَام بن سعد.
(1902) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار حَدِيث أبي سعيد فِي " أَن عُيُون قُرَيْش الْآن بضجنان، وَمر الظهْرَان " الحَدِيث بِطُولِهِ.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ أَيْضا كَذَلِك من رِوَايَته، وَلم يبين ذَلِك.
(1903) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث: " صم يَوْمًا واستغفر الله "(4/328)
لواطئ زوجه فِي رَمَضَان.
وَلم يبين أَنه من رِوَايَة هِشَام، إِلَّا أَنه قَالَ: طرق مُسلم أصح وَأشهر، وَإِنَّمَا يَصح الْقَضَاء مُرْسلا.
(1904) وَذكر فِي رجم الزَّانِي قَوْله: " إِنَّك قد قلتهَا أَربع مَرَّات " فبمن؟ قَالَ: بفلانة. الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَلم يبين أَنَّهَا من رِوَايَة هِشَام بن سعد.
(1905) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن زيد بن أسلم، عَن ابْن عمر: " أَتَى نفر من الْيَهُود، فدعوا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى القف ". الحَدِيث فِي شَأْن الرَّجْم.
وَسكت عَنهُ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة هِشَام بن سعد.
(1906) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن قيس بن بشر، عَن أَبِيه، عَن(4/329)
ابْن الحظلية حَدِيث: " نعم الرجل خريم الْأَسدي، لَوْلَا طول جمته وإسبال إزَاره، وَإِنَّكُمْ قادمون على إخْوَانكُمْ " الحَدِيث.
وَلم يبين أَنه من رِوَايَة هِشَام بن سعد.
(1907) وَذكر حَدِيث: " لَيْسَ فِي [شَيْء من] الْمَاشِيَة قطع، إِلَّا فِي مَا أَواه المراح ".
من رِوَايَة هِشَام بن سعد، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده. هَكَذَا مبرزا، وأبتعه قَول أبي عمر بن عبد الْبر، بتصحيح حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، إِذا كَانَ الرَّاوِي عَنهُ ثِقَة.
فَكَانَ هَذَا كالتوثيق لهشام بن سعد، وَتَصْحِيح الحَدِيث الْمَذْكُور وَإِن كَانَ من رِوَايَته.
فَهَذَا مَا صحّح من الْأَحَادِيث وَلم يبين أَنَّهَا من رِوَايَة هِشَام.
فَأَما مَا حمل بِهِ عَلَيْهِ، وَضعف من رواياته فَحَدِيث ابْن عَبَّاس فِي صفة الْوضُوء، الَّذِي فِيهِ:
(1908) " فرش على رجله الْيُمْنَى، وفيهَا النَّعْل " من طَرِيق أبي دَاوُد.(4/330)
أتبعه أَن قَالَ: فِي إِسْنَاده هِشَام بن سعد، وَهُوَ ضَعِيف عِنْدهم، ضعفه يحيى بن معِين، وَيحيى بن سعيد، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن حَنْبَل، وَأَبُو حَاتِم، وَأَبُو زرْعَة، كلهم ضعفه، أَو قَالَ فِيهِ كلَاما مَعْنَاهُ التَّضْعِيف، ذكر ذَلِك ابْن أبي حَاتِم، وَابْن عدي.
(1909) وَقَالَ فِي الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ: هِشَام بن سعد ضَعِيف؛ ضعفه أَحْمد بن حَنْبَل، وَابْن معِين، وَأَبُو حَاتِم، وَأَبُو زرْعَة، وَيحيى بن سعيد، وَكَانَ لَا يحدث عَنهُ، وَضَعفه النَّسَائِيّ أَيْضا.
قَالَ: وَلم أر فِيهِ أحسن من قَوَّال الْبَزَّار: وَلم أر أحدا توقف عَن حَدِيثه، وَلَا أعله بعلة توجب التَّوَقُّف عَنهُ.(4/331)
كَذَا قَالَ، وَقد أسقط من كَلَام الْبَزَّار هَذَا قَوْله فِيهِ: إِنَّه ثِقَة، وَوصل بِهِ قَوْله: وَلم أر أحدا توقف عَن حَدِيثه كَمَا ذكره، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك الْبَزَّار إِثْر الحَدِيث الْمَذْكُور فِي صفة الْوضُوء الْمُتَقَدّم ذكره الْآن.(4/332)
(1910) وَذكر حَدِيث ابْن عَبَّاس: " ثَلَاث لَا يفطرن الصَّائِم ".
فَقَالَ بإثره: هِشَام يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ.(4/333)
(1911) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، حَدِيث نعيم بن هزال عَن أَبِيه، فِي قصَّة مَاعِز: " هلا تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّه يَتُوب فيتوب الله عَلَيْهِ ".
ثمَّ قَالَ: لَيْسَ إِسْنَاده بِالْقَوِيّ؛ لِأَنَّهُ من حَدِيث هِشَام، عَن يزِيد بن نعيم، عَن أَبِيه وَلَا يحْتَج بِهَذَا الْإِسْنَاد.
(1912) وَذكر بعده قِطْعَة أُخْرَى من هَذَا الحَدِيث بِنَفسِهِ وَهِي: " إِنَّك قد قلتهَا أَربع مَرَّات ".(4/334)
وَسكت عَنهُ، وَلم يبين أَنه بِهَذَا الْإِسْنَاد فَكَانَ مِنْهُ ذَلِك تَصْحِيحا لَهُ.
(1913) ثمَّ ذكر بعده من طَرِيق أبي دَاوُد عَن يزِيد بن نعيم بن هزال، عَن أَبِيه [أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -] قَالَ لهزال: " لَو سترته بثوبك ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ من رِوَايَة زيد بن أسلم، عَن يزِيد بن نعيم، فَدلَّ ذَلِك على أَن يزِيد عِنْده ثِقَة، وَأَنه إِنَّمَا ضعف الْإِسْنَاد الَّذِي قَالَ فِيهِ: " لَا يحْتَج بِهِ " من أجل هِشَام بن سعد.
وَقد قَالَ الْكُوفِي فِي يزِيد بن نعيم بن هزال الْمَذْكُور: إِنَّه مدنِي تَابِعِيّ ثِقَة.
(1914) وَحَدِيث: " لينتهين أَقوام يفتخرون بآبائهم ".
وَقَالَ فِيهِ: حسن.
وَلَا مَانع من تَصْحِيحه، إِلَّا أَنه من رِوَايَة هِشَام بن سعد.
(1915) وَذكر من حَدِيث ابْن عمر فِي " رده عَلَيْهِ السَّلَام على الْأَنْصَار(4/335)
السَّلَام إِشَارَة، حِين سلمُوا عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي ".
فَقَالَ: فِي إِسْنَاده هِشَام بن سعد.
(1916) وَذكر مُرْسل زيد بن أسلم: " وَأي الْمُؤمن وَاجِب ".
فَبين أَنه من رِوَايَة هِشَام بن سعد عَنهُ.
(1917) وَذكر فِي الزَّكَاة قَول عمر: " الْيَوْم أسبق أَبَا بكر إِن سبقته يَوْمًا " الحَدِيث.
وَقَالَ بعده: هَذَا يرويهِ هِشَام بن سعد، وَقد وثق وَضعف.
وَهَذَا أصوب مَا عمل بِهِ فِي أمره، وَكَذَلِكَ تَحْسِين الحَدِيث الْمُتَقَدّم الذّكر، الَّذِي فِيهِ: " لينتهين أَقوام يفتخرون بآبائهم ".
فَأَما تَصْحِيح أَحَادِيثه أَو الْحمل عَلَيْهِ، فَكل ذَلِك خطأ؛ فَإِن الرجل مُخْتَلف فِيهِ، وَهُوَ غير مَدْفُوع عَن الصدْق، وَقد أخرج لَهُ مُسلم.
وَالَّذِي حَكَاهُ عَن ابْن حَنْبَل من أَنه ضعفه، إِنَّمَا قَالَ أَحْمد: " لم يكن بِالْحَافِظِ ".
وَهَذَا قد يُقَال لمن غَيره أحفظ مِنْهُ، وَالَّذِي حَكَاهُ عَن ابْن معِين من تَضْعِيفه(4/336)
إِيَّاه، فَإِنَّمَا ذَلِك تَضْعِيفه لَهُ بِالْقِيَاسِ إِلَى غَيره، وَأما أَبُو حَاتِم فَهُوَ عِنْده مثل ابْن إِسْحَاق، نَص على ذَلِك، وَكَذَلِكَ أَبُو زرْعَة، وَزَاد أَن قَالَ: هِشَام أحب إِلَيّ.
وَقد علم تَوْثِيق أبي مُحَمَّد لِابْنِ إِسْحَاق فِي أَكثر أمره، فالرجل مَحْمُول عَلَيْهِ مِنْهُ، وَلست أَقُول: إِنَّه ثِقَة، وَلَكِن الحَدِيث من أَجله حسن.
(1918) وَذكر أَيْضا حَدِيث: " للشهيد عِنْد الله سِتّ خِصَال "(4/337)
وَصَححهُ.
وَسَيَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله مُبينًا مَا فِيهِ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أتبعهَا قولا يقْضِي بِصِحَّتِهَا وَلَيْسَت بصحيحة.
(1919) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لما أُصِيب إخْوَانكُمْ بِأحد، جعل الله أَرْوَاحهم فِي أَجْوَاف طير خضر " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَقد تقدّمت الْإِشَارَة إِلَى أَنه من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة، عَن أبي الزبير، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس عِنْد ذكر ابْن إِسْحَاق، وَعند ذكر أبي الزبير فِي هَذَا الْبَاب، فَالْحَدِيث حسن.
(1920) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ عَن عبَادَة بن الصَّامِت، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -(4/338)
قَالَ: " من غزا وَهُوَ لَا يَنْوِي إِلَّا عقَالًا، فَلهُ مَا نوى ".
وَسكت عَنهُ مصححا لَهُ.
وَإِسْنَاده هُوَ هَذَا: قَالَ النَّسَائِيّ: أَخْبرنِي هَارُون بن عبد الله، حَدثنَا يزِيد ابْن هَارُون، أخبرنَا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن جبلة بن عَطِيَّة، عَن يحيى بن الْوَلِيد، عَن عبَادَة بن الصَّامِت. فَذكره.
يحيى بن الْوَلِيد بن عبَادَة بن الصَّامِت الْأنْصَارِيّ، لَا يعرف بِغَيْر رِوَايَة جبلة بن عَطِيَّة عَنهُ، وَرِوَايَته عَن عبَادَة، فَهُوَ لَا يعرف حَاله، فَأَما جبلة بن عَطِيَّة فَثِقَة.
(1921) وَذكر من طَرِيق مُسلم حَدِيث أبي سعيد: " إِذا بُويِعَ لخليفتين ".
وَلم يبين أَنه من رِوَايَة سعيد الْجريرِي، وَهُوَ مختلط، يرويهِ عَنهُ خَالِد بن(4/339)
عبد الله.
وَهَذَا من عمله متكرر، يصحح أَحَادِيثه من غير اعْتِبَار لقديم مَا رُوِيَ عَنهُ من حَدِيثه.
(1922) من ذَلِك أَيْضا حَدِيث: " أقصه مِنْهُ وَقد رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقص من نَفسه ".
(1923) وَحَدِيث: " كَانَ إِذا استجد ثوبا سَمَّاهُ باسمه قَمِيصًا أَو عِمَامَة ".(4/340)
هُوَ من رِوَايَة ابْن الْمُبَارك عَن الْجريرِي.
(1924) وَحَدِيث: " النَّهْي عَن كثير من الإرفاه وَالْأَمر بالاحتفاء " هُوَ من رِوَايَة يزِيد، عَن الْجريرِي.(4/341)
(1925) وَحَدِيث: " أحسن مَا غيرتم بِهِ الشيب، الْحِنَّاء والكتم ".(4/342)
(1926) وَحَدِيث: " عَلَيْك السَّلَام تَحِيَّة الْمَيِّت ".
(1927) وَحَدِيث: " يَا أَبَا الْمُنْذر، أَي آيَة من كتاب الله مَعَك أعظم ".
(1928) وَحَدِيث: " تعوذوا بِاللَّه من الْفِتَن ".
(1929) فَأَما حَدِيث: " انْتهى إِلَى نهر من مَاء السَّمَاء فِي الصَّوْم فِي السّفر ".(4/343)
فَإِنَّهُ قد تَبرأ من عهدته، بِذكر إِسْنَاده، وَلَيْسَ فِيهِ من ينظر فِيهِ إِلَّا الْجريرِي.
(1930) وَذكر من عِنْد مُسلم حَدِيث ابْن مُغفل: " بَين كل أذانين صَلَاة ".
ثمَّ قَالَ: وَفِي رِوَايَة، قَالَ فِي الرَّابِعَة: " لمن شَاءَ ".
وَلم يبين أَن هَذِه الزِّيَادَة من رِوَايَة سعيد الْجريرِي [على غير لفظ كهمس فِي أَنَّهَا قَالَهَا فِي الثَّالِثَة] .
(1931) [و] حَدِيث عَائِشَة: " هَل كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي(4/344)
الضُّحَى؟ قَالَت: لَا، إِلَّا أَن يَجِيء من مغيبه ".
وَكِلَاهُمَا من عِنْد مُسلم.
(1932) وَذكر حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة فِي صَلَاة الْكُسُوف من عِنْد مُسلم، وَمن عِنْد النَّسَائِيّ.
وَهُوَ عِنْدهمَا من رِوَايَة الْجريرِي.
قَالَ أَبُو أَحْمد: " سَبيله كسبيل سعيد بن أبي عرُوبَة، فِيمَن رُوِيَ عَنهُ قبل الِاخْتِلَاط وَبعده ".
وَقَالَ كهمس: أنكرناه أَيَّام الطَّاعُون.
وَقد ذكرُوا أَن حَدِيث: " بَين كل أذانين صَلَاة " مِمَّا تبين فِيهِ اخْتِلَاطه.
قَالَ عَمْرو بن عَليّ الفلاس فِي تَارِيخه: سَمِعت يحيى بن سعيد يَقُول: أتيت الْجريرِي فَقَالَ: حَدثنَا عبد الله بن بُرَيْدَة، عَن عبد الله بن عَمْرو: " بَين كل أذانين صَلَاة "، فَلَمَّا خرجت قَالَ لي رجل: إِنَّمَا هُوَ: عَن عبد الله بن الْمُغَفَّل،(4/345)
فَرَجَعت إِلَيْهِ، فَقلت لَهُ: فَقَالَ: عَن عبد الله بن الْمُغَفَّل.
(1933) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن أبي أُمَامَة، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أفضل الصَّدقَات ظلّ فسطاط " الحَدِيث.
وَصَححهُ بتصحيح التِّرْمِذِيّ.
وَمَوْضِع ذكره أَيْضا بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أتبعهَا قولا يقْضِي بِصِحَّتِهِ، وَلَيْسَت بصحيحة؛ فَإِنَّهُ لم يسكت عَنهُ، بل صَححهُ نطقا.(4/346)
(1934) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ عَن أبي رَيْحَانَة، سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " حرمت النَّار على عين دَمَعَتْ من خشيَة الله " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ متسامحا؛ فَإِنَّهُ حَدِيث لَا يَصح، وَإِسْنَاده عِنْد النَّسَائِيّ هَكَذَا: أخبرنَا الْحَارِث بن مِسْكين قِرَاءَة عَلَيْهِ، عَن ابْن وهب، حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن شُرَيْح، عَن مُحَمَّد بن شمير، عَن أبي عَليّ الْجَنبي، عَن أبي رَيْحَانَة. فَذكره.
وَمُحَمّد بن شمير الرعيني، لَا تعرف حَاله، وَيُقَال فِيهِ: ابْن سمير - بِالسِّين الْمُهْملَة - وَكَذَلِكَ وَقع فِي كتاب النَّسَائِيّ، وَذكره البُخَارِيّ، وَابْن أبي حَاتِم - بالشين الْمُعْجَمَة - وَكَذَلِكَ عبد الْغَنِيّ وَحكى أَنه يُقَال: بِالْمُهْمَلَةِ،(4/347)
وكنيته أَبُو الصَّباح الرعيني.
وَذكره أَيْضا أَبُو سعيد بن يُونُس فِي جملَة المصريين، بِرِوَايَة أبي شُرَيْح: عبد الرَّحْمَن بن شُرَيْح عَنهُ، وَلم يزدْ على ذَلِك؛ فَهُوَ مَجْهُول الْحَال عِنْد جَمِيعهم، فَأَما أَبُو شُرَيْح فَثِقَة.
(1935) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث جَابر بن عتِيك: " مَا تَعدونَ الشَّهَادَة؟ قَالُوا: الْقَتْل فِي سَبِيل الله " الحَدِيث.(4/348)
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ غير صَحِيح؛ فَإِنَّهُ من رِوَايَة عتِيك بن الْحَارِث بن عتِيك، عَن جَابر بن عتِيك، وَلَا تعرف حَال عتِيك هَذَا، وَلَا يعرف روى عَنهُ إِلَّا حفيده عبد الله بن عبد الله، شيخ مَالك - رَحمَه الله -، وَهُوَ جده لأمه، وَهُوَ مَعْرُوف النّسَب وَالْبَيْت؛ فَإِن أَبَاهُ الْحَارِث بن عتِيك، هُوَ أَخُو جَابر بن عتِيك. هما: الْحَارِث وَجَابِر ابْنا عتِيك بن قيس بن هيشة، الأنصاريان، وَلَهُمَا جَمِيعًا صُحْبَة.
والْحَدِيث الْمَذْكُور هُوَ فِي الْمُوَطَّأ، وَمن طَرِيق مَالك سَاقه أَبُو دَاوُد، فقد يظنّ بِهِ لذَلِك الصِّحَّة، لَا سِيمَا مَعَ قَول مَالك - رَحمَه الله - وَسُئِلَ عَن رجل فَقَالَ: لَو كَانَ ثِقَة لرأيته فِي كتبي.
وَهَذَا مِمَّن يَظُنّهُ خطأ، وَلَيْسَ فِي القَوْل الْمَذْكُور أَن كل من فِي كِتَابه فَهُوَ ثِقَة؛ فَإِنَّهُ إِذا قَالَ: كل ثِقَة فَهُوَ فِي كِتَابه، لم يلْزم عَكسه، وَهُوَ أَن كل من فِي كتابي فَهُوَ ثِقَة، وَلَا أَيْضا القَوْل بِأَن كل ثِقَة فَهُوَ فِي كتابي بِصَحِيح، فَإِن الثِّقَات طبقوا الأَرْض كَثْرَة فِي زَمَانه وزمان التَّابِعين، فِي الْعرَاق، وخراسان، وَالشَّام، واليمن، والحجاز، ومصر، وَالْمغْرب، وَغَيرهَا من الْبِلَاد، وَمَا تضمن كِتَابه مِنْهُم إِلَّا بعض الْمَدَنِيين، ونزرا - لَا يعد لقلته - من الْحِجَازِيِّينَ، وَإِنَّمَا كَانَ الرجل المسؤول عَنهُ مدنيا، قد لقِيه مَالك، فَظن السَّائِل أَنه عِنْده ثِقَة،(4/349)
فَسَأَلَهُ عَنهُ، فَأخْبرهُ بِأَن الْمَانِع لَهُ من إِدْخَاله فِي كِتَابه أَنه لَيْسَ بِثِقَة عِنْده.
وَقد قيل: إِن ذَلِك الرجل، هُوَ سعد بن إِبْرَاهِيم، قَاضِي الْمَدِينَة، وَهُوَ من جلالة الْقدر فِي الْبَيْت وَالدّين وَالْعلم، بِحَيْثُ هُوَ حَيّ يعد على مَالك - رَحمَه الله - كَلَامه فِيهِ، وَكَانَ من النَّاس من يخطئه فِي ذَلِك، فَكَأَن مَالِكًا - رَحمَه الله - يَقُول: هَذَا الَّذِي سُئِلت عَنهُ - على شهرته وجلالة قدره - أمتنع من إِدْخَاله فِي كتابي، لِأَنَّهُ لَيْسَ عِنْدِي بِثِقَة.
هَذَا معنى ذَلِك الْكَلَام فاعلمه. وَالله الْمُوفق.
(1936) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار عَن عبَادَة بن الصَّامِت، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَذكر الشُّهَدَاء - قَالَ: " وَالنُّفَسَاء شَهَادَة ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث أوردهُ الْبَزَّار هَكَذَا: أخبرنَا عَمْرو بن عبد الله الأودي، قَالَ: حَدثنَا وَكِيع بن الْجراح، حَدثنَا الْمُغيرَة بن زِيَاد، عَن عبَادَة بن نسي، عَن الْأسود بن ثَعْلَبَة، عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ: عادني رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَنا مَرِيض - فِي أنَاس من الْأَنْصَار، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " هَل تَدْرُونَ مَا(4/350)
الشَّهِيد؟ " فَسَكَتُوا، فَقلت: وَمن يدْرِي من الشَّهِيد؟ فَقلت لامرأتي: أسنديني، فَقلت: الشَّهِيد من أسلم ثمَّ هَاجر، ثمَّ قتل فِي سَبِيل الله، فَهُوَ شَهِيد، فَقَالَ: " إِن شُهَدَاء أمتِي إِذن لقَلِيل، الْقَتْل فِي سَبِيل الله شَهَادَة، والبطن شَهَادَة، وَالْغَرق شَهَادَة وَالنُّفَسَاء شَهَادَة ".
حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن الْجُنَيْد، قَالَ: حَدثنَا الْحسن بن بشر بن سلم، حَدثنَا الْمعَافى بن عمرَان، عَن الْمُغيرَة بن زِيَاد، عَن عبَادَة بن نسي، عَن الْأسود بن ثَعْلَبَة، عَن عبَادَة، فَذكره.
قَالَ: وَلَا نعلمهُ يرْوى عَن عبَادَة إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد.
فَأَقُول: إِن الْأسود بن ثَعْلَبَة هَذَا مَجْهُول الْحَال، وَلم يذكر بِزِيَادَة على مَا يُؤْخَذ من هَذَا الْإِسْنَاد: من رِوَايَته عَن عبَادَة بن الصَّامِت، وَرِوَايَة عبَادَة بن نسي عَنهُ، ويروي عَن معَاذ بن جبل حَدِيثا:
(1937) فِيهِ: " إِنَّكُم على بَيِّنَة من ربكُم، مَا لم تظهر فِيكُم سكرتان " الحَدِيث. ذكره الْبَزَّار.
(1938) وَسَيَأْتِي لأبي مُحَمَّد رَحمَه الله هَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه، عَن الْمُغيرَة ابْن زِيَاد، عَن عبَادَة بن نسي، عَن الْأسود بن ثَعْلَبَة، عَن عبَادَة بن الصَّامِت فِي أُجْرَة تَعْلِيم الْقُرْآن، مسكوتا عَنهُ، كَمَا فعل فِيهِ الْآن.(4/351)
والمغيرة بن زِيَاد، هُوَ الْموصِلِي، يوثقه قوم ويضعفه آخَرُونَ.
وَقَالَ عَمْرو بن عَليّ: إِنَّه مُضْطَرب الحَدِيث.
وَقَالَ أَحْمد: إِنَّه مُنكر الحَدِيث مضطربه.
وَقد حكى أَبُو مُحَمَّد هَذَا وَزِيَادَة عَلَيْهِ، فِي بَاب قصر الصَّلَاة وَالْجمع، إِثْر حَدِيث عَائِشَة:
(1939) " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يتم فِي السّفر وَيقصر ".
من طَرِيق ابْن أبي شيبَة.(4/352)
فقد كَانَ عَلَيْهِ أَن يُنَبه فِي حديثنا هَذَا على كَونه من رِوَايَته، وَلَو قَدرنَا الْأسود بن ثَعْلَبَة مَعْرُوفا وعدلا، فَاعْلَم ذَلِك.
(1940) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن سعيد بن زيد، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من قتل دون دينه فَهُوَ شَهِيد " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ إِبْرَاهِيم بن سعد، عَن أبي عُبَيْدَة بن مُحَمَّد بن عمار بن يَاسر، عَن طَلْحَة بن عبد الله بن عَوْف، عَن سعيد بن زيد. وَقَالَ فِيهِ التِّرْمِذِيّ: حسن.
وَأَبُو عُبَيْدَة هَذَا لَا تعرف حَاله، وَهُوَ يروي عَن جَابر بن عبد الله، وَالربيع بنت معوذ، وَأَبِيهِ مُحَمَّد بن عمار بن يَاسر، والوليد بن أبي الْوَلِيد.(4/353)
روى عَنهُ مُحَمَّد بن إِسْحَاق، وَيَعْقُوب بن أبي سَلمَة الْمَاجشون، وَعبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق، وَسعد بن إِبْرَاهِيم، وَإِسْمَاعِيل بن صَخْر، وَابْنه عبد الله بن أبي عُبَيْدَة، وَغَيرهم.
وَمَعَ هَذَا فَلَا تعرف حَاله.
(1941) وَقد ذكر أَبُو مُحَمَّد فِي الْمُزَارعَة حَدِيث: " إِذا كَانَ هَذَا شَأْنكُمْ فَلَا تكروا الْمزَارِع ".
من طَرِيق أبي دَاوُد، قَالَ: لَا يثبت هَذَا؛ لِأَن فِي إِسْنَاده عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق الْمدنِي، عَن أبي عُبَيْدَة بن [مُحَمَّد] بن عمار بن يَاسر.
وَإِنَّمَا يَعْنِي أَبَا عُبَيْدَة بن مُحَمَّد هَذَا فاعلمه.
(1942) وَذكر من طَرِيق ابْن أبي شيبَة، عَن عبد الله بن عتِيك، سَمِعت(4/354)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " من خرج مُجَاهدًا فِي سَبِيل الله، ثمَّ جمع أَصَابِعه الثَّلَاث، ثمَّ قَالَ: وَأَيْنَ المجاهدون " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ ابْن أبي شيبَة، عَن يزِيد بن هَارُون، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث، عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن عتِيك، عَن أَبِيه.
وَمُحَمّد بن عبد الله بن عتِيك لَا تعرف لَهُ حَال، وَلَا يعرف روى عَنهُ غير مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم.
وَابْن إِسْحَاق، قد تقدم القَوْل فِيهِ.
(1943) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن عقبَة بن مَالك قَالَ: بعث النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَرِيَّة فسلحت رجلا مِنْهُم سَيْفا، فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: لَو رَأَيْت مَا لامنا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " أعجزتم إِذْ بعثت رجلا فَلم يمض لأمري أَن تجْعَلُوا مَكَانَهُ من يمْضِي لأمري "؟
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث لَا يَصح؛ فَإِنَّهُ من رِوَايَة حميد بن هِلَال، عَن بشر بن عَاصِم، عَن عقبَة بن مَالك من رهطه، قَالَ: بعث النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَرِيَّة.(4/355)
فَذكره.
وَبشر بن عَاصِم اللَّيْث هَذَا مَجْهُول الْحَال، وَلَا يعرف روى عَنهُ غير حميد ابْن هِلَال.
وَعقبَة بن مَالك هَذَا أَيْضا، ليثي، وَهُوَ بَصرِي، وَلم يذكرهُ البُخَارِيّ، وَقَالَ ابْن السكن: يُقَال: لَهُ صُحْبَة.
وَإِنَّمَا أَخذ ذَلِك من قَالَه من هَذَا الحَدِيث.
(1944) وَمن حَدِيث آخر ذكره ابْن السكن فِيمَن قتل رجلا بعد أَن قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله.(4/356)
من رِوَايَة حميد بن هِلَال أَيْضا، عَن بشر بن عَاصِم الْمَذْكُور عَنهُ.
وَلَا يعرف أَن غير بشر بن عَاصِم روى عَنهُ.
وَقد رَأَيْت أَبَا مُحَمَّد فِي كِتَابه الْكَبِير - لما ذكر الحَدِيث الْمَذْكُور، من طَرِيق أبي دَاوُد بِإِسْنَادِهِ - أتبعه أَن قَالَ: بشر بن عَاصِم هَذَا ثِقَة، قَالَه النَّسَائِيّ رَحمَه الله.
كَذَا قَالَ، وَالنَّسَائِيّ لم يعين هَذَا، وَإِنَّمَا قَالَ فِي كتاب التَّمْيِيز لَهُ: بشر بن عَاصِم ثِقَة فَقَط، وَلم يذكر الحَدِيث وَلَا أَشَارَ إِلَيْهِ، فَلَا يدرى من يَعْنِي ببشر بن عَاصِم، فَإِن هُنَاكَ سوى اللَّيْثِيّ الْمَذْكُور بشر بن عَاصِم آخر، يروي عَن عبد الله ابْن عَمْرو، وروى عَنهُ يعلى بن عَطاء، قَالَ أَبُو حَاتِم: أَظُنهُ طائفيا.
وَبشر بن عَاصِم بن سُفْيَان بن عبد الله بن ربيعَة الثَّقَفِيّ، روى عَن أَبِيه، روى عَنهُ عبيد الله بن عمر، وَعمر بن سعيد بن أبي حُسَيْن، وَابْن عُيَيْنَة، قَالَه أَبُو حَاتِم أَيْضا.
وَأَنا أَظن أَن هَذَا هُوَ موثق النَّسَائِيّ، فَالله أعلم.
(1945) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار، عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: قَالَ(4/357)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يكون من بعدِي اثْنَا عشر خَليفَة، كلهم من قُرَيْش " ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَيته، فَقلت: ثمَّ يكون مَاذَا؟ قَالَ: " ثمَّ يكون الْهَرج ".
هَكَذَا ذكره وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث رَوَاهُ أنَاس عَن جَابر بن سَمُرَة، فَلم يذكر وَاحِد مِنْهُم فِيهِ كلمة " ثمَّ يكون مَاذَا؟ " قَالَ: " ثمَّ يكون الْهَرج " إِلَّا الْأسود ابْن سعيد الْهَمدَانِي، عَن جَابر بن سَمُرَة.
وَالْأسود هَذَا لَا يعرف حَاله، وَهُوَ كُوفِي، روى عَنهُ جمَاعَة: مِنْهُم أَبُو إِسْرَائِيل، وَزِيَاد بن خَيْثَمَة، ومعن بن يزِيد، ويروي عَن ابْن عمر، وَجَابِر بن سَمُرَة، ويعد فِي الْكُوفِيّين، قَالَه أَبُو حَاتِم.
(1946) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ عَن أنس، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْأَئِمَّة من قُرَيْش، إِن لَهُم عَلَيْكُم حَقًا، وَلكم عَلَيْهِم مثل ذَلِك، مَا إِن استرحموا رحموا " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ شُعْبَة، عَن عَليّ أبي الْأسد، قَالَ:(4/358)
حَدثنِي بكير بن وهب، قَالَ: قَالَ أنس بن مَالك، فَذكره.
وَبُكَيْر بن وهب هَذَا، هُوَ الْجَزرِي، غير مَعْرُوف الْحَال، وَلَا تعرف لَهُ رِوَايَة إِلَّا عَن أنس، وَلَا يعرف روى عَنهُ إِلَّا عَليّ أَبُو الْأسد.
وَعلي أَبُو الْأسد، هُوَ سهل أَبُو الْأسد، وَزعم شُعْبَة أَن اسْمه عَليّ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِيهِ فِي نفس هَذَا الْإِسْنَاد.
وَمِمَّنْ ذكر ذَلِك عَن شُعْبَة - أَعنِي أَن اسْمه عَليّ، وَأَنه سهل - أَبُو مُحَمَّد بن الْجَارُود فِي كناه.
فَإِن كَانَ الْأَمر هَكَذَا، فَإِن سهلا أَبَا الْأسد ثِقَة، وَثَّقَهُ ابْن معِين وَأَبُو زرْعَة وَهُوَ يروي عَن بكير بن وهب الْجَزرِي فِيمَن يروي عَنهُ.
وَإِن كَانَ عَليّ أَبُو الْأسد الْوَاقِع فِي الْإِسْنَاد، غير سهل أبي الْأسد، فحاله لَا تعرف، كَمَا لم تعرف حَال بكير بن وهب الْجَزرِي، فَاعْلَم ذَلِك.
(1947) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَن أبي هُرَيْرَة حَدِيث: " ويل لِلْأُمَرَاءِ، ويل للأمناء، ويل للعرفاء ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ عِنْد الطَّيَالِسِيّ هَكَذَا: حَدثنَا هِشَام عَن عباد بن أبي عَليّ، عَن أبي حَازِم، عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " ويل لِلْأُمَرَاءِ، ويل(4/359)
للأمناء، ويل للعرفاء، ليتمنين أَقوام يَوْم الْقِيَامَة أَن ذائبهم كَانَت معلقَة بِالثُّرَيَّا، يتذبذبون بَين السَّمَاء وَالْأَرْض، وَأَنَّهُمْ لم يلوا عملا ".
وَعباد بن أبي عَليّ، روى عَنهُ جمَاعَة، كهشام الدستوَائي، وَحَمَّاد بن زيد، وخليد بن حسان، وَلَكِن عَدَالَته لم تثبت.
(1948) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ زِيَادَة: " إِن أخونكم عِنْدِي من(4/360)
طلبه ".
فِي حَدِيث أبي مُوسَى فِي الرجلَيْن اللَّذين طلبا الْعَمَل.
وَسكت عَنْهَا، وَهِي عِنْد النَّسَائِيّ من رِوَايَة سُفْيَان، عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد، عَن أَخِيه، عَن أبي بردة، عَن أبي مُوسَى.
وَلَا أعرف أَخا إِسْمَاعِيل وكنيته، حَتَّى أعثر عَلَيْهِ.
وَله عِلّة أُخْرَى، وَهِي أَن أَبَا دَاوُد أوردهُ عَن خَالِد، عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد، عَن أَخِيه، عَن بشر بن قُرَّة الْكَلْبِيّ، عَن أبي بردة.
أَدخل بَينهمَا رجلا، وَهُوَ بشر بن قُرَّة الْكَلْبِيّ، وَهُوَ أَيْضا غير مَعْرُوف، وَغَايَة مَا ذكره بِهِ ابْن أبي حَاتِم أَن قَالَ: كُوفِي روى عَن أبي بردة بن أبي مُوسَى، روى عَنهُ أَخُو إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد، قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: قُرَّة بن بشر.
لم يزدْ على هَذَا فَهَذَا غَايَة الخمول.
وعَلى هَذَا، فَإِن الرِّوَايَة الَّتِي اقْتصر أَبُو مُحَمَّد على إيرادها، تكون(4/361)
مُنْقَطِعَة، فَاعْلَم ذَلِك.
(1949) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من سكن الْبَادِيَة جَفا، وَمن اتبع الصَّيْد غفل " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ عِنْد التِّرْمِذِيّ هَكَذَا: حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار، حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي، حَدثنَا سُفْيَان، عَن أبي مُوسَى، عَن وهب بن مُنَبّه، عَن ابْن عَبَّاس. فَذكره.
وَأَبُو مُوسَى هَذَا لَا يعرف الْبَتَّةَ، وَلم يزدْ ذاكروه على مَا فِي هَذَا الْإِسْنَاد.
وَرَأَيْت الدولابي - فِيمَا جمع من حَدِيث الثَّوْريّ - ذكر هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ فِيهِ: عَن أبي مُوسَى الْيَمَانِيّ. وَهَذَا لَا يُخرجهُ من الْجَهْل بِهِ.
وَقَول التِّرْمِذِيّ فِيهِ: حسن، هُوَ بِاعْتِبَار قَول من يقبل أَحَادِيث هَذَا النَّوْع، وَلَا يَبْتَغِي فيهم على الْإِسْلَام مزيدا، مَا لم يثبت فِيهِ مَا يتْرك لَهُ رواياتهم، وَسَوَاء عِنْد هَؤُلَاءِ روى عَن أحدهم وَاحِد أَو أَكثر.
وَإِلَى هَذَا، فَإِن لهَذَا الحَدِيث طَرِيقا أحسن من هَذَا، وَهُوَ حَدِيث أبي(4/362)
هُرَيْرَة، وَقد أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيّ فَقَالَ: إِن فِي الْبَاب عَنهُ.
والْحَدِيث قد كتبناه فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا صَحِيحَة وَهِي ضَعِيفَة، وَلها طرق خير مِنْهَا صَحِيحَة أَو حَسَنَة.
(1950) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن أبي سعيد، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن أحب النَّاس إِلَى الله يَوْم الْقِيَامَة، وأدناهم مِنْهُ مَجْلِسا، إِمَام عَادل " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ إِنَّمَا يرويهِ عَطِيَّة الْعَوْفِيّ، وَهُوَ يضعف، وَقَالَ فِيهِ ابْن معِين: صَالح. فَالْحَدِيث بِهِ حسن.(4/363)
(1951) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث عَائِشَة: " إِذا أَرَادَ الله بالأمير خيرا، جعل لَهُ وَزِير صدق " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ إِنَّمَا يرويهِ عِنْده زُهَيْر بن مُحَمَّد، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة.
وَزُهَيْر بن مُحَمَّد، قد تقدم لَهُ تَضْعِيفه، وكتبنا ذَلِك فِي بَاب الْأَشْيَاء الْمُغيرَة عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ، حِين ذكر من رِوَايَته:
(1952) حَدِيث: " التسليمتين فِي الصَّلَاة ".
وَمر لَهُ الْآن فِي كتاب الْجِهَاد:
(1953) " اتْرُكُوا التّرْك مَا تركوكم ".
قَالَ بعده: فِيهِ زُهَيْر بن مُحَمَّد، وَهُوَ سيئ الْحِفْظ.
(1954) وَذكر أَيْضا حَدِيث زُهَيْر بن مُحَمَّد، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن(4/364)
أَبِيه عَن جده، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَبا بكر وَعمر: " حرقوا مَتَاع الغال وضربوه ".
فَقَالَ بعده: زُهَيْر بن مُحَمَّد ضَعِيف.
فَأرَاهُ تسَامح فِي الحَدِيث الْمَذْكُور؛ لِأَنَّهُ رَآهُ حاثا على اتِّخَاذ وَزِير صدق.
وَله إِسْنَاد أحسن من هَذَا، نذكرهُ بِهِ - إِن شَاءَ الله تَعَالَى - فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي صححها وَلَيْسَت بصحيحة، وَلها طرق أحسن مِنْهَا، صَحِيحَة أَو حَسَنَة.
(1955) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:(4/365)
" مَا من وَال إِلَّا وَله بطانتان " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ النَّسَائِيّ هَكَذَا: أَخْبرنِي مُحَمَّد بن يحيى ابْن عبد الله، حَدثنَا معمر بن يعمر، حَدثنِي مُعَاوِيَة - يَعْنِي ابْن سَلام - حَدثنِي [الزُّهْرِيّ، قَالَ: حَدثنِي] أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَمعمر بن يعمر هَذَا، لم أجد لَهُ ذكرا فِي كتب الْجرْح وَالتَّعْدِيل، وَلكنه ذكره أَصْحَاب المؤتلف والمختلف لضبط اسْمه - بِضَم الْمِيم الأولى وَفتح الْعين وَشد الْمِيم الثَّانِيَة - وكنوه أَبَا عَامر، ونسبوه ليثيا، وَقَالُوا: روى عَنهُ مُحَمَّد ابْن يحيى وَغَيره.
وَإِذ حَاله مَجْهُولَة، فَالْحَدِيث من أَجله لَا يَصح، فَاعْلَم ذَلِك.(4/366)
(1956) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن الْمُسْتَوْرد بن شَدَّاد، سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " من كَانَ لنا عَاملا فليكتسب زَوْجَة " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ غير صَحِيح.(4/368)
فَإِنَّهُ من رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ عَن الْحَارِث بن يزِيد، [عَن جيبر بن نفير] عَن الْمُسْتَوْرد.
والْحَارث بن يزِيد لَا يعرف من هُوَ، وَقد ذكر ابْن أبي حَاتِم وَالنَّسَائِيّ والكوفي جمَاعَة مِمَّن تسمى بِهَذَا الِاسْم، وأشبه مَا هُوَ مِنْهُم بِالْحَارِثِ بن يزِيد، الْحَضْرَمِيّ الَّذِي يروي عَنهُ ابْن لَهِيعَة، فَإِن كَانَ إِيَّاه فَهُوَ ثِقَة، وَثَّقَهُ ابْن معِين وَأَبُو حَاتِم، وَقد ذكر ابْن أبي شيبَة هَذَا الحَدِيث، ففسر الْحَارِث بن(4/369)
يزِيد بِأَنَّهُ الْحَضْرَمِيّ، إِلَّا أَنه من رِوَايَة ابْن لَهِيعَة عَنهُ، وَجعله أَيْضا عَن عبد الرَّحْمَن بن جُبَير [بن نفير] عَن الْمُسْتَوْرد، لَا عَن جُبَير بن نفير.
وإيراده بنصه، أبين فِي تَحْصِيل علمه.
قَالَ ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا زيد بن الْحباب، قَالَ حَدثنِي ابْن لَهِيعَة قَالَ: حَدثنِي الْحَارِث بن يزِيد الْحَضْرَمِيّ، عَن عبد الرَّحْمَن بن جُبَير [بن نفير] الْحَضْرَمِيّ، أَنه سمع الْمُسْتَوْرد بن شَدَّاد الفِهري يَقُول: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " من ولي لنا على عمل مِنْكُم، فَإِن لم تكن لَهُ زَوْجَة فليتزوج، وَإِن لم يكن لَهُ مسكن فليتخذ مسكنا، وَمن لم تكن لَهُ دَابَّة فليتخذ دَابَّة، وَمَا سوى ذَلِك فَهُوَ غال أَو سَارِق ".
هَذَا نَص الْخَبَر.
وَابْن لَهِيعَة من قد علم، واعتماده فِي تَفْسِير رجل لم يتَعَيَّن لنا، حَتَّى نَبْنِي الحكم بِصِحَّة الحَدِيث عَلَيْهِ، كاعتماده فِيمَا روى، وَشَيْء من ذَلِك لَا يَصح، فاعلمه.
(1957) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، قَالَ(4/370)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن من إجلال الله إكرام ذِي الشيبة الْمُسلم، وحامل الْقُرْآن، غير الغالي فِيهِ، وَلَا الجافي عَنهُ، وإكرام ذِي السُّلْطَان المقسط ".
وَسكت عَنهُ، وَمَا مثله صحّح فَإِنَّهُ عِنْد أبي دَاوُد هَكَذَا:
حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الصَّواف، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن حمْرَان، قَالَ: حَدثنَا عَوْف بن أبي جميلَة، عَن زِيَاد بن مِخْرَاق، عَن أبي كنَانَة، عَن أبي مُوسَى، فَذكره.
وَأَبُو كنَانَة هَذَا لَا تعرف حَاله، وَقد ذكره ابْن أبي حَاتِم ذكرا يجب تفقده،
وَذَلِكَ أَنه عد من يروي عَنهُ فَقَالَ: " روى عَنهُ أَبُو إِيَاس، وَزِيَاد الْجَصَّاص ". لم يزدْ على هَذَا، وَزِيَاد الْجَصَّاص لَيْسَ هُوَ زِيَاد بن مِخْرَاق الَّذِي فِي الْإِسْنَاد، بل هُوَ زِيَاد بن أبي زِيَاد، وَهُوَ عِنْدهم مُنكر الحَدِيث.
فَأَما ابْن مِخْرَاق فَثِقَة.
فَالله أعلم أَن كَانَ روى عَنهُ أَيْضا الْجَصَّاص، كَمَا روى ابْن مِخْرَاق.
وَلم يذكرهُ ابْن الْجَارُود بِأَكْثَرَ من رِوَايَة زِيَاد بن مِخْرَاق عَنهُ، وَرِوَايَته هُوَ عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، فَاعْلَم ذَلِك.
(1958) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث أبي سعيد، أَن رجلا هَاجر(4/371)
إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من الْيمن فَقَالَ: " هَل لَك أحد بِالْيمن " قَالَ: أبواي.
الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ إِنَّمَا يرويهِ عِنْده دراج أَبُو السَّمْح، عَن أبي الْهَيْثَم، عَن أبي سعيد.
ودراج يوثقه قوم ويضعفه آخَرُونَ. وَقَالَ ابْن حَنْبَل، وَالنَّسَائِيّ: إِنَّه مُنكر الحَدِيث.
وَلم أره تنَاقض فِي تَصْحِيح أَحَادِيث هَذَا الرجل:
(1959) فَمن ذَلِك حَدِيث: " لَا حَلِيم إِلَّا ذُو عثره وَلَا حَكِيم إِلَّا ذُو تجربة ".(4/372)
ذكره من عِنْد التِّرْمِذِيّ.(4/373)
(1960) وَحَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي: " لَو أَن رصاصة مثل هَذِه - وَأَشَارَ إِلَى مثل الجمجمة - أرْسلت من السَّمَاء إِلَى الأَرْض، وَهِي مسيرَة خَمْسمِائَة سنة، لبلغت الأَرْض قبل اللَّيْل، وَلَو أَنَّهَا أرْسلت من رَأس السلسلة، لَسَارَتْ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا - اللَّيْل وَالنَّهَار - قبل أَن تبلغ أَصْلهَا أَو قعرها ".
وَقَالَ فِيهِ: حسن صَحِيح.
وَإِنَّمَا يرويهِ أَبُو السَّمْح عَن عِيسَى بن هِلَال الصَّدَفِي عَن عبد الله بن عَمْرو.
(1961) وَحَدِيث أبي سعيد: {وهم فِيهَا كَالِحُونَ} قَالَ: تَشْوِيه(4/374)
النَّار فتقلص شفته الْعليا حَتَّى تبلغ وسط رَأسه " الحَدِيث.
وَقَالَ فِيهِ: [حسن صَحِيح غَرِيب.
(1962) وَحَدِيث: " إِن الْحَمِيم ليصب على رؤوسهم، فَينفذ الْحَمِيم حَتَّى يخلص إِلَى جَوْفه ".
وَقَالَ فِيهِ] : حسن صَحِيح] .
وَهُوَ أَيْضا من رِوَايَة أبي السَّمْح، عَن عبد الرَّحْمَن بن حجيرة، عَن أبي هُرَيْرَة.(4/375)
(1963) وَحَدِيث أبي سعيد: " قَالَ مُوسَى: يَا رب، عَلمنِي شَيْئا أذكرك بِهِ، قَالَ: قل: لَا إِلَه إِلَّا الله، قَالَ: رب كل عبيدك يَقُول هَذَا " الحَدِيث.
يرويهِ أَيْضا دراج، عَن أبي الْهَيْثَم، عَن أبي سعيد.(4/376)
(1964) وَبِهَذَا الطَّرِيق أَيْضا حَدِيث: " استكثروا من الْبَاقِيَات الصَّالِحَات ".
(1965) وَحَدِيث: " إِنَّه ليخفف عَن الْمُؤمن حَتَّى يكون أخف عَلَيْهِ من(4/377)
الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة فِي الدُّنْيَا ".
يَعْنِي يَوْم الْحساب.
(1966) وَحَدِيث: " أصدق الرُّؤْيَا بالأسحار ".
وَفِيه مَعَ ذَلِك ابْن لَهِيعَة.
فَهَذِهِ كلهَا صحيحها من رِوَايَته، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن يُقَال فِيهَا: حسان؛ فَإِنَّهُ مُخْتَلف فِيهِ، فَاعْلَم ذَلِك.(4/378)
(1967) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ، عَن أبي وهب الْجُشَمِي - وَكَانَت لَهُ صُحْبَة - قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " تسموا بأسماء الْأَنْبِيَاء، وَأحب الْأَسْمَاء إِلَى الله عز وَجل: عبد الله وَعبد الرَّحْمَن، وارتبطوا الْخَيل " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ مصححا لَهُ، وَمَا مثله صحّح؛ فَإِن إِسْنَاده عِنْده هُوَ هَكَذَا:
أخبرنَا مُحَمَّد بن رَافع [النَّيْسَابُورِي] ، حَدثنَا أَبُو أَحْمد الْبَزَّاز: هِشَام ابْن سعيد، حَدثنَا مُحَمَّد بن مهَاجر - ثِقَة - عَن عقيل بن شبيب، عَن أبي(4/379)
وهب الْمَذْكُور.
وَلَا تعلم لأبي وهب الصُّحْبَة إِلَّا بزعم عقيل بن شبيب هَذَا، وَلَا يعرف روى عَنهُ غَيره.
وَعقيل الْمَذْكُور، يحْتَاج فِي تَعْدِيل نَفسه إِلَى كَفِيل، فَهُوَ غير مَعْرُوف الْحَال، وَلَا مَذْكُور بِأَكْثَرَ من رِوَايَة مُحَمَّد بن مهَاجر عَنهُ.
وكل من رَأَيْته ذكر أَبَا وهب فِي الصَّحَابَة، فَإِنَّمَا ذكره بِهَذَا الَّذِي قَالَ فِيهِ عقيل هَذَا.(4/380)
وَقد اعترت أَبَا مُحَمَّد بن أبي حَاتِم فِيهِ غَفلَة؛ وَذَلِكَ أَنه لما ذكر عقيل بن شبيب الْمَذْكُور، قَالَ: روى عَن أبي وهب الكلَاعِي الْجُشَمِي، قَالَ: وَأَبُو وهب [هُوَ] عبيد الله بن عبيد روى عَنهُ مُحَمَّد بن مهَاجر.
هَذَا نَص مَا ذكر بِهِ عقيل بن شبيب، فخلط أَبَا وهب الكلَاعِي، بِأبي وهب الْجُشَمِي، وجعلهما وَاحِدًا.
وَذكر أَيْضا فِي بَاب: عبيد الله بن عبيد، أَبَا وهب الكلَاعِي، الْجُشَمِي، وَكَانَ من أَصْحَاب مَكْحُول، روى أَحْمد بن حَنْبَل، وَالْفضل الْأَعْرَج، [عَن مُسلم] ، عَن هِشَام بن سعيد الطَّالقَانِي، عَن مُحَمَّد بن مهَاجر، عَن عقيل ابْن شبيب، عَن أبي وهب الْجُشَمِي، وَكَانَت لَهُ صُحْبَة، وَهُوَ وهم، سَمِعت أبي يَقُول ذَلِك.
هَذَا مُنْتَهى قَوْله، فَانْظُر هَذَا التَّخْلِيط كَيفَ عمله، ثمَّ نبه على أَنه وهم، وَإِنَّمَا هُوَ عمل يَده، وَأَبوهُ مِنْهُ بَرِيء، وَذَلِكَ أَن أَبَا وهب الكلَاعِي، رجل اسْمه عبيد الله بن عبيد، روى عَنهُ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، وَيحيى بن حَمْزَة، وطبقتهما من الشاميين.(4/381)
وَقد وَقع لَهُ فِي كتاب الْجِهَاد عِنْد أبي دَاوُد حَدِيث، وَذكره البُخَارِيّ فِي اسْم زِيَاد بن جَارِيَة، من رِوَايَة يحيى بن حَمْزَة، عَن أبي وهب: عبيد الله الكلَاعِي، عَن مَكْحُول، عَن زِيَاد بن جَارِيَة، عَن حبيب بن مسلمة الفِهري، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي تنفيل الرّبع فِي الْبدَاءَة، وَالثلث فِي الرّجْعَة.
(1968) وَذكر لَهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا حَدِيثا آخر فِي التَّشَهُّد، من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَنهُ.
فَأَما هَذَا الْجُشَمِي فقد زعم عقيل بن شبيب أَنه صَحَابِيّ، وكل من ذكره إِنَّمَا ذكره بكنيته مُجَرّدَة، غير ذَات اسْم، وَكَذَلِكَ ذكره البُخَارِيّ فِيمَن ذكره وَتبع ابْن أبي حَاتِم غلطه فِيهِ، فَلم يذكرهُ فِي الكنى الْمُجَرَّدَة لما كَانَ عِنْده مُسَمّى بعبيد الله بن عبيد، مَذْكُورا فِي بَاب عبيد الله.(4/382)
وَهَذَا الَّذِي كتبناه كُله يُؤَكد مَا قُلْنَاهُ: من كَون الحَدِيث الْمَذْكُور لَا يَصح؛ فَإِنَّهُ من الْأَفْرَاد الَّتِي لَا تقبل إِلَّا من الثِّقَات الْمَشْهُورين، وَقد عدم ذَلِك فِيهِ؛ للْجَهْل بِحَال عقيل بن شبيب.
وَقد ذكر أَبُو مُحَمَّد حَدِيثا آخر من رِوَايَة أبي وهب الْجُشَمِي، هَذَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " تمسوا بأسماء الْأَنْبِيَاء، وَأحب الْأَسْمَاء إِلَى الله: عبد الله وَعبد الرَّحْمَن، وَأصْدقهَا حَارِث وَهَمَّام، وأقبحها حَرْب وَمرَّة ".(4/383)
وَهُوَ أَيْضا من رِوَايَة مُحَمَّد بن مهَاجر، عَن عقيل بن شبيب الْمَذْكُور عَنهُ. فَهُوَ أَيْضا كَذَلِك لَا يَصح، وَقد سكت هُوَ عَنهُ، فَاعْلَم ذَلِك.
(1969) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن أبي قَتَادَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ:(4/384)
" خير الْخَيل الأدهم الأقرح الأرثم " الحَدِيث.
ثمَّ صَححهُ بتصحيح التِّرْمِذِيّ.(4/385)
والْحَدِيث عِنْده إِنَّمَا هُوَ من رِوَايَة يحيى بن أَيُّوب وَابْن لَهِيعَة.
وَقد تقدم القَوْل على يحيى بن أَيُّوب، وَذكرنَا عمله فِيهِ، وتضعيفه إِيَّاه.
وإقرانه بِابْن لَهِيعَة زِيَادَة وَهن، فَإِنَّهُ غَايَة فِي الضعْف، وَهُوَ من حَيْثُ يكن أَن يكون الحَدِيث حَدِيثه، ودعم بِيَحْيَى بن أَيُّوب، وَلَفظه غير لَفظه - كَمَا قد اتّفق فِي أَحَادِيث - يزْدَاد لذَلِك سُقُوط الثِّقَة بالْخبر.
وَالْأَمر فِي الْوُجُود على هَذَا، وَذَلِكَ أَن التِّرْمِذِيّ إِنَّمَا أورد الحَدِيث بِلَفْظ ابْن [لَهِيعَة] وَلم يسق لفظ يحيى بن أَيُّوب.
ونبين ذَلِك بإيراده كَمَا وَقع عِنْده.(4/386)
قَالَ التِّرْمِذِيّ: أخبرنَا أَحْمد بن مُحَمَّد، حَدثنَا عبد الله بن الْمُبَارك، أخبرنَا ابْن لَهِيعَة، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن عَليّ بن رَبَاح، عَن أبي قَتَادَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " خير الْخَيل الأدهم، الأقرح، الأرثم، ثمَّ الأقرح المحجل، طلق الْيُمْنَى، فَإِن لم يكن أدهم؛ فكميت على هَذِه الشية ".
حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار، حَدثنَا وهب بن جرير، حَدثنَا أبي، حَدثنَا يحيى ابْن أَيُّوب، عَن يزِيد بن أبي حبيب نَحوه بِمَعْنَاهُ. قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
هَذَا مَا أوردهُ التِّرْمِذِيّ بنصه فاعلمه.
(1970) وَذكر من طَرِيق ابْن أبي شيبَة حَدِيث أبي لاس: " مَا من(4/387)
بعير إِلَّا وَفِي ذروته شَيْطَان ".
وَسكت عَنهُ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق.(4/388)
(1971) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار حَدِيث ابْن عمر فِي " النَّهْي عَن أكل(4/389)
لُحُوم الْجَلالَة، وَأَن تشرب أَلْبَانهَا، وَأَن يحمل عَلَيْهَا ".(4/391)
وَسكت عَنهُ أَيْضا وَلم يبين أَنه من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق.
(1927) وَذكر من طَرِيق بُرَيْدَة قَالَ: " بَيْنَمَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يمشي، جَاءَ رجل وَمَعَهُ حمَار، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، اركب، وَتَأَخر الرجل، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: لَا، أَنْت أَحَق بصدر دابتك إِلَّا أَن تَجْعَلهُ لي، قَالَ: فَإِنِّي قد(4/392)
جعلته لَك. [قَالَ] : فَركب ".
وَسكت عَنهُ.(4/393)
وَهُوَ حَدِيث يرويهِ أَبُو دَاوُد هَكَذَا: حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن ثَابت الْمروزِي، قَالَ: حَدثنَا عَليّ بن الْحُسَيْن، [حَدثنِي أبي، حَدثنِي عبد الله بن بُرَيْدَة، قَالَ: سَمِعت أبي، فَذكره.
وَعلي بن الْحُسَيْن هُوَ ابْن وَاقد مروزي] ، قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: " ضَعِيف ". وَقَالَ الْعقيلِيّ: " كَانَ مرجئا ".
وَقد رَوَاهُ عَن حُسَيْن بن وَاقد غَيره مِمَّن يوثق، وسنذكره فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ذكرهَا من طرق ضَعِيفَة، وَلها طرق أحسن مِنْهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(1973) وَذكر أَيْضا من طَرِيق التِّرْمِذِيّ حَدِيث بُرَيْدَة، فِي الْمَرْأَة الَّتِي نذرت أَن تضر بالدف بَين يَدي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وتغني، إِن رده الله صَالحا.(4/394)
ذكره فِي مَنَاقِب عمر، وَقَالَ بعده عَن التِّرْمِذِيّ: إِنَّه حسن صَحِيح.
وَهَذَا إِنَّمَا يرويهِ عَليّ بن حُسَيْن بن وَاقد الْمَذْكُور، عَن أَبِيه، عَن عبد الله بن بُرَيْدَة، عَن بُرَيْدَة.
وَقد رَوَاهُ أَيْضا غَيره مِمَّن يوثق مُخْتَصرا، وسنذكره فِي الْبَاب الْمَذْكُور إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(1974) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ، عَن جعيل الْأَشْجَعِيّ قَالَ:(4/395)
غزوت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي بعض غَزَوَاته، وَأَنا على فرس لي عجفاء ضَعِيفَة، فلحقني رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَقَالَ: " سر يَا صَاحب الْفرس " الحَدِيث. وَسكت عَنهُ، وَمَا مثله صحّح؛ فَإِنَّهُ حَدِيث يرويهِ النَّسَائِيّ هَكَذَا: أخبرنَا مُحَمَّد بن رَافع، حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله الرقاشِي، حَدثنِي رَافع بن سَلمَة بن زِيَاد [هُوَ ابْن أبي الْجَعْد] قَالَ: حَدثنِي عبد الله بن أبي الْجَعْد، عَن جعيل الْأَشْجَعِيّ. فَذكره.
وَإِسْنَاده فِيهِ اثْنَان لَا تعرف أحوالهما: أَحدهمَا عبد الله بن أبي الْجَعْد، وَالثَّانِي رَافع بن سَلمَة بن زِيَاد.
أما عبد الله بن أبي الْجَعْد، فَذكره البُخَارِيّ وَلم يعرف من أمره بِشَيْء، زِيَادَة على مَا فِي هَذَا الْإِسْنَاد.
وَأما رَافع بن سَلمَة بن زِيَاد بن أبي الْجَعْد الْأَشْجَعِيّ، فَإِنَّهُ قد روى عَنهُ جمَاعَة: مِنْهُم زيد بن الْحباب، وَمُسلم بن إِبْرَاهِيم، وَسَعِيد بن سُلَيْمَان، وهلال ابْن فياض، وَمُحَمّد بن عبد الله الرقاشِي وَهُوَ. وَهُوَ مَعَ ذَلِك لَا تعرف حَاله.
(1975) وَقد جرى ذكره فِي حَدِيث آخر من رِوَايَته فِي الإسهام للنِّسَاء، فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها بِقوم وَترك فِيهَا أمثالهم أَو أَضْعَف(4/396)
مِنْهُم.
(1976) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " كَانَت راية رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَوْدَاء، وَلِوَاؤُهُ أَبيض ".(4/397)
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ لَا يَصح؛ فَإِنَّهُ من رِوَايَة يزِيد بن حَيَّان، عَن أبي(4/398)
مجلز، عَن ابْن عَبَّاس.
وَيزِيد بن حَيَّان، هُوَ أَخُو مقَاتل بن حَيَّان، روى عَنهُ جمَاعَة:
مِنْهُم يحيى بن إِسْحَاق السالحيني، وَهُوَ الَّذِي روى عَنهُ هَذَا الحَدِيث عِنْد التِّرْمِذِيّ.
وَمِنْهُم أَبُو صَالح: عبد الْغفار الْحَرَّانِي، وعباس بن طَالب.
وَهَذَا ذكره ابْن أبي حَاتِم وَلم يزدْ على ذَلِك، فَهُوَ عِنْده مَجْهُول الْحَال.
فَأَما البُخَارِيّ فَإِنَّهُ زَاد أَن قَالَ: عِنْده غلط كثير، ثمَّ أورد لَهُ هَذَا الحَدِيث.
وَقد سكت عَنهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا.
وَلَيْسَ سُكُوته كسكوت أبي مُحَمَّد؛ فَإِن التِّرْمِذِيّ يصحح الصَّحِيح، ويضعف الضَّعِيف وَيحسن مَا بَينهمَا، وسكوته - إِذا سكت - ترك للْحَدِيث إِلَى نظر من ينظر فِيهِ.
فَأَما أَبُو مُحَمَّد فقد قَالَ: إِنَّه لَا يسكت إِلَّا عَمَّا هُوَ عِنْده صَحِيح، وَهَذَا غير صَحِيح، فَاعْلَم ذَلِك.
(1977) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ عَن الْبَراء بن عَازِب " أَنَّهَا كَانَت(4/399)
سَوْدَاء مربعة من نمرة. يَعْنِي راية النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَسكت عَنهُ أَيْضا، وَهُوَ لَا يَصح؛ فَإِنَّهُ من رِوَايَة النَّسَائِيّ عَن أَحْمد ابْن منيع، قَالَ: حَدثنَا ابْن أبي زَائِدَة، قَالَ: حَدثنَا أَبُو يَعْقُوب الثَّقَفِيّ، قَالَ: حَدثنَا يُونُس بن عبيد، مولى مُحَمَّد بن الْقَاسِم، قَالَ: بَعَثَنِي مُحَمَّد بن الْقَاسِم إِلَى الْبَراء بن عَازِب، أسأله عَن راية رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. فَذكره.
وَيُونُس بن عبيد هَذَا، لَا يعرف بِغَيْر هَذَا الحَدِيث، وَبِمَا وصف بِهِ من إِسْنَاده من أَنه مولى مُحَمَّد بن الْقَاسِم، وَقَالَ فِيهِ أَبُو دَاوُد - فِي نفس إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث -: إِنَّه رجل من ثَقِيف.
وَلم يرو عَنهُ أَيْضا من يعرف، إِنَّمَا هُوَ أَبُو يَعْقُوب الثَّقَفِيّ: إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، مَعْدُود فِي الْكُوفِيّين، رَوَت عَنهُ جمَاعَة، وَلم يعرف حَاله، وَهُوَ جَار الْمُبَارك بن فضَالة.(4/400)
وَقد يعرض من لَا يُحَقّق عَن يُونُس بن عبيد هَذَا - إِذا قَرَأَ هَذَا الْإِسْنَاد - ظَانّا أَنه يُونُس بن عبيد، صَاحب الْحسن وَابْن سِيرِين، فَيكون بذلك مخطئا غَايَة الْخَطَأ.
وَلكَون راية رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -[لَهَا] طرق جَيِّدَة غير هَذَا، سنذكرها - إِن شَاءَ الله تَعَالَى - فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ذكرهَا على أَنَّهَا صَحِيحَة وَهِي ضَعِيفَة، وَلها طرق أحسن مِنْهَا.
(1978) وَذكر حَدِيث الزبير، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كَانَ عَلَيْهِ يَوْم أحد دِرْعَانِ ". الحَدِيث.
وَنسبَة إِلَى أبي دَاوُد، وَلَيْسَ هَذَا عِنْده الْبَتَّةَ، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْد التِّرْمِذِيّ، وَالْبَزَّار، أخذاه عَن شيخ وَاحِد، وَفِي إِسْنَاده ابْن إِسْحَاق.
وَسكت عَنهُ أَبُو مُحَمَّد، وَلم يبين أَنه من رِوَايَته، فأوهم بذلك صِحَّته، وَإِنَّمَا هُوَ حسن، وَبِذَلِك قضى عَلَيْهِ التِّرْمِذِيّ.
وَقد ذكرنَا الحَدِيث بِإِسْنَادِهِ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي عزاها إِلَى مَوَاضِع لَيست فِيهَا.
(1979) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ، عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ: " لما أمرنَا(4/401)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِحَفر الخَنْدَق، عرض لنا حجر " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ النَّسَائِيّ هَكَذَا: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى، حَدثنَا مُعْتَمر، سَمِعت عوفا، سَمِعت ميمونا يحدث عَن الْبَراء، فَذكره.
وَمَيْمُون هَذَا، هُوَ أَبُو عبد الله مولى عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة، يروي عَن زيد بن أَرقم، والبراء بن عَازِب، روى عَنهُ قَتَادَة، وخَالِد الْحذاء، وَشعْبَة، وعَوْف الْأَعرَابِي، وَزعم شُعْبَة - مَعَ رِوَايَته عَنهُ - أَنه كَانَ فسلا. وَقَالَ أَحْمد ابْن حَنْبَل: أَحَادِيثه مَنَاكِير. وَقَالَ فِيهِ ابْن معِين: لَا شَيْء.
وَقَالَ البُخَارِيّ عَن عَليّ بن الْمَدِينِيّ: كَانَ يحيى لَا يحدث عَنهُ.
وكل من رَأَيْت من مُؤَلَّفِي كتب الضُّعَفَاء أَو أَكْثَرهم، ذكره فِي جُمْلَتهمْ، فَأَقل أَحْوَاله أَن لَا يكون ثَابت الْعَدَالَة، إِن لم يثبت ضعفه بِجرح مُفَسّر.(4/402)
(1980) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار عَن أبي سعيد: " خرجنَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، حَتَّى إِذا كُنَّا بعسفان، قَالَ لنا: إِن عُيُون قُرَيْش الْآن على ضجنَان " الحَدِيث. وَسكت عَنهُ.
وَالْبَزَّار إِنَّمَا يرويهِ هَكَذَا: حَدثنَا إِسْحَاق بن بهْلُول الْأَنْبَارِي، حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن أبي فديك، حَدثنَا هِشَام بن سعد، عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي سعيد، فَذكره.
وَقد تقدم مَا لَهُ فِي هِشَام بن سعد.
وَيَجِيء على أَصله فِيهِ أَن هَذَا الحَدِيث ضَعِيف، وَعِنْدِي أَنه حسن، فعلى كلا الْوَجْهَيْنِ السُّكُوت عَنهُ تَصْحِيحا لَهُ خطأ.
(1981) وَذكر من طَرِيق قَاسم بن أصبغ، عَن أبي هُرَيْرَة: كَانَ(4/404)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِن الشَّيْطَان يهم بِالْوَاحِدِ وبالاثنين، فَإِذا كَانُوا ثَلَاثَة لم يهم بهم ".
ذكره أَبُو عمر بن عبد الْبر فِي التَّمْهِيد، وَذكره الْبَزَّار.
وَهَذَا نَص مَا أورد، فَهُوَ قد سكت عَنهُ، فَهُوَ على هَذَا صَحِيح عِنْده، وَلَيْسَ كَذَلِك؛ فَإِن إِسْنَاده هُوَ هَذَا: قَالَ قَاسم بن أصبغ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الْكُوفِي بِالْكُوفَةِ، قَالَ: حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد الْكُوفِي، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد، عَن عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة، فَذكره.
قَالَ ابْن عبد الْبر: حدّثنَاهُ عبد الْوَارِث بن سُفْيَان، حَدثنَا قَاسم، فَذكره.
وَعبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد قد مر ذكره فِي هَذَا الْبَاب، وَذكرنَا اضطرابه فِيهِ.
وَعبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد الْكُوفِي لَا تعرف حَاله، وَلم أجد لَهُ ذكرا فِي غير هَذَا الْإِسْنَاد، وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث عَن غَيره مِمَّن لَا يعرف أَيْضا.
يتَبَيَّن ذَلِك بسوق إِسْنَاد الْبَزَّار فِيهِ، الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ أَبُو مُحَمَّد.
قَالَ الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن أبي الحنين، قَالَ: حَدثنَا عبد الْعَزِيز ابْن عبد الله بن الْأَصَم، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد، عَن ابْن حَرْمَلَة، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الشَّيْطَان يهم بِالْوَاحِدِ والاثنين، وَإِذا كَانُوا ثَلَاثَة لَا يهم بهم ".(4/405)
(1982) وبإسناده قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يزَال النَّاس بِخَير مَا عجلوا الْفطر وَلم يؤخروه تَأْخِير أهل الشّرك ".
قَالَ الْبَزَّار: حَدِيثا ابْن حَرْمَلَة، لَا نعلم رَوَاهُمَا إِلَّا عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد، وَلم نسمعهما بِهَذَا الْإِسْنَاد إِلَّا من أبي الحنين، عَن عبد الْعَزِيز.(4/406)
والْحَدِيث الأول: " الشَّيْطَان يهم بِالْوَاحِدِ " قد رَوَاهُ غير ابْن أبي الزِّنَاد، عَن ابْن حَرْمَلَة، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده.
انْتهى قَول الْبَزَّار.
وَذَلِكَ مِمَّا نقُوله دائبا من قلَّة التفاتهم - حِين كَلَامهم على الْأَسَانِيد - إِلَى أَلْفَاظ الْأَحَادِيث المروية بهَا، وَذَلِكَ غَايَة الْخَطَأ مِنْهُم.
وَذَلِكَ أَن الرَّاوِي للفظ، لَا يَنْبَغِي أَن يعد مُخَالفا لراو آخر روى الحَدِيث بِإِسْنَاد آخر، وَلَفظ آخر.
وقصة هَذَا الْخَبَر هِيَ كَذَلِك، وَذَلِكَ أَن الَّذِي روى ابْن حَرْمَلَة، عَن عَمْرو ابْن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، إِنَّمَا هُوَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام:
(1983) " الرَّاكِب شَيْطَان، والراكبان شيطانان ن وَالثَّلَاثَة ركب ".
هَكَذَا رَوَاهُ مَالك عَن ابْن حَرْمَلَة فِي موطئِهِ، وَمن طَرِيقه سَاقه النَّسَائِيّ كَذَلِك.(4/407)
وَالَّذِي قصدنا بَيَانه، هُوَ الِاخْتِلَاف الَّذِي قد تبين على مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن أبي الحنين.
فَقَالَ عَنهُ قَاسم بن أصبغ: حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد الْكُوفِي، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد.
وَقَالَ عِنْد الْبَزَّار: حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن الْأَصَم، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد.
وَأيهمَا كَانَ: من عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، أَو عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن الْأَصَم، فَإِن لَا يعرف، فَالْحَدِيث إِذن لَا يَصح، فَاعْلَم ذَلِك.
(1984) وَذكر من طَرِيق قَاسم بن أصبغ أَيْضا، عَن بُرَيْدَة بن(4/408)
حصيب: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا يتطير، وَلَكِن يتفاءل، فَركب بُرَيْدَة فِي سبعين رَاكِبًا من أهل بَيته " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ مصححا لَهُ، وَمَا مثله صحّح؛ فَإِن إِسْنَاده عِنْد قَاسم بن أصبغ هُوَ هَذَا: حَدثنَا أَحْمد بن زُهَيْر، حَدثنَا الْحُسَيْن بن حُرَيْث، حَدثنَا أَوْس ابْن عبد الله بن بُرَيْدَة، عَن الْحُسَيْن بن وَاقد، عَن عبد الله بن بُرَيْدَة، عَن أَبِيه.
وَأَوْس بن عبد الله بن بُرَيْدَة بن حصيب، روى عَنهُ نَاس حَدثهمْ بِالْبَصْرَةِ، وَهُوَ مُنكر الحَدِيث، قَالَه السَّاجِي.
وَقَالَ البُخَارِيّ: " فِيهِ نظر ".
وَذكره أَبُو أَحْمد بحَديثه هَذَا، وبحديثه الآخر:
(1985) " اللَّهُمَّ بَارك لأمتي فِي بكورها ". وَقَالَ عَن حُسَيْن بن حُرَيْث: سَمِعت أَوْسًا بعد ذَلِك يحدث بِحَدِيث بُرَيْدَة هَذَا - يَعْنِي قصَّة إِسْلَامه - عَن أَخِيه سهل بن عبد الله بن بُرَيْدَة، عَن أَبِيه عبد الله، فَأَعَدْت ذَلِك عَلَيْهِ، فَقلت لَهُ: من حَدثَك؟ قَالَ: حَدثنِي أخي سهل.
أورد هَذَا كالطعن عَلَيْهِ فِيمَا رَوَاهُ أَولا من ذَلِك عَن الْحُسَيْن بن وَاقد، وَلَو(4/409)
كَانَ ثِقَة لم يبعد أَن يحدث بِهِ عَن رجلَيْنِ وَأكْثر، وَلَكِن بضعفه لَا يوثق بقوله: إِنَّه عَن سهل، وَلَا بقوله: إِنَّه عَن الْحُسَيْن.
وَقد زعم أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ أَنه سَأَلَ عَنهُ المراوزة فعرفوه، وَقَالُوا: إِنَّه تقادم مَوته.
(1986) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار، عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ: " عبأنا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَيْلَة بدر ليَوْم بدر ".
وَسكت عَنهُ، ورأيته فِي كِتَابه الْكَبِير ذكره بِإِسْنَادِهِ، ثمَّ قَالَ: رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَطَرِيق الْبَزَّار أحسن.
فَاعْلَم الْآن أَنه لَا يَصح، لَا من طَرِيق الْبَزَّار وَلَا من طَرِيق التِّرْمِذِيّ.
أما طَرِيق الْبَزَّار فَقَالَ: حَدثنَا عبد الله بن شبيب، حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن يحيى ابْن هَانِئ، حَدثنَا أبي، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن ثَوْر - يَعْنِي ابْن زيد -، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، فَذكره.
وَيحيى بن هَانِئ وَالِد إِبْرَاهِيم بن يحيى بن هَانِئ، أَخَاف أَن يكون أَبُو مُحَمَّد قد ظَنّه يحيى بن هَانِئ بن عُرْوَة، وَهُوَ أحد الْأَشْرَاف، سيد أهل الْكُوفَة، وَهُوَ ثِقَة فِي الحَدِيث، وَلَيْسَ بِهِ بَأْس.(4/410)
وَإِنَّمَا يحيى بن هَانِئ - وَالِد إِبْرَاهِيم - الَّذِي فِي الْإِسْنَاد، يحيى بن مُحَمَّد بن عباد بن هَانِئ، الشجري، فَيَقَع مَنْسُوبا إِلَى جده إِذا قيل فِيهِ: يحيى بن هَانِئ، وَهُوَ يروي عَن ابْن إِسْحَاق، وَمُحَمّد بن هِلَال، ومُوسَى بن يَعْقُوب الزمعِي، وَابْن أخي الزُّهْرِيّ، وَمُحَمّد بن مُوسَى الفطري.
روى عَنهُ ابْنه إِبْرَاهِيم، وَعبد الْجَبَّار بن سعيد المساحقي. قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: ضَعِيف.
وَقَالَ السَّاجِي: فِي أَحَادِيثه مَنَاكِير وأغاليط، وَكَانَ ضريرا يلقن، يحدث عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، روى عَنهُ ابْنه إِبْرَاهِيم.
وَضَبطه ابْن الفرضي وَغَيره " الشجري " بالشين الْمُعْجَمَة، وَالْجِيم المفتوحتين، وَالرَّاء، فِي تَرْجَمَة ذكر فِيهَا السجْزِي - بِالسِّين الْمُهْملَة، وَالزَّاي، وَالْجِيم سَاكِنة -، والشجري بالشين الْمُعْجَمَة وَالْجِيم الفتوحتين وَالرَّاء.
وَقَالَ فِيهِ: يحيى بن مُحَمَّد بن عباد بن هَانِئ، الشجري، الضَّرِير، يروي عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، ثمَّ ذكر ابْنه.
وَابْنه الْمَذْكُور، هُوَ إِبْرَاهِيم بن يحيى بن عباد بن هَانِئ الشجري.
قَالَ فِيهِ أَيْضا أَبُو حَاتِم: ضَعِيف.
وَأما إِسْنَاد التِّرْمِذِيّ فَهُوَ هَذَا: حَدثنَا مُحَمَّد بن حميد الرَّازِيّ، حَدثنَا سَلمَة بن الْفضل، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، عَن(4/411)
عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ: " عبأنا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ببدر لَيْلًا ".
قَالَ التِّرْمِذِيّ: سَأَلت مُحَمَّدًا عَنهُ فَلم يعرفهُ - يَعْنِي هَذَا الحَدِيث - وَقَالَ: مُحَمَّد بن إِسْحَاق سمع من عِكْرِمَة، وَحين رَأَيْته كَانَ حسن الرَّأْي فِي مُحَمَّد ابْن حميد، ثمَّ ضعفه بعد.
فَهَذَا - كَمَا ترى - أَيْضا إِسْنَاد ضَعِيف، أول مَا فِيهِ أَن مَا بَين ابْن إِسْحَاق وَعِكْرِمَة مُنْقَطع، وَإِنَّمَا يتَّصل بثور بن زيد، حسب مَا فِي الَّذِي فَرغْنَا من ذكره من عِنْد الْبَزَّار، وَإِن كَانَ ابْن إِسْحَاق قد سمع من عِكْرِمَة على مَا قَالَ البُخَارِيّ.
وَأَيْضًا ضعف سَلمَة بن الْفضل فقد تَركه نَاس، وَإِن كَانَ مِنْهُم من يوثقه.
وَمُحَمّد بن حميد كَذَلِك وَثَّقَهُ قوم، وَلكنه اعتراه بعد مَا ضعف بِهِ، وَرُبمَا اتهمَ، وَكَانَ أَبُو زرْعَة وَمُحَمّد بن مُسلم بن وارة، كتبا عَنهُ، ثمَّ تركا الرِّوَايَة عَنهُ، وأخباره عِنْد الْمُحدثين مَعْرُوفَة.
وَابْن إِسْحَاق، وَعِكْرِمَة من قد علم مَا فيهمَا، وَمَا حكمهمَا.
وَمَا مثل هَذَا الحَدِيث سكت عَنهُ، فَاعْلَم ذَلِك.
(1987) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن قيس بن عباد قَالَ: " كَانَ(4/412)
أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَرَضي عَنْهُم يكْرهُونَ الصَّوْت عِنْد الْقِتَال ".
وَعَن أبي مُوسَى عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مثل ذَلِك.
كَذَا أوردهُ وَسكت عَنهُ، أَعنِي حَدِيث أبي مُوسَى، فَأَما حَدِيث قيس بن عباد فَلَيْسَ بمرفوع.
وَحَدِيث أبي مُوسَى الْمَذْكُور، هُوَ عِنْد أبي دَاوُد من رِوَايَة مطر، عَن قَتَادَة، عَن أبي بردة، عَن أَبِيه.
ومطر مُخْتَلف فِيهِ.
(1988) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن أبي أسيد قَالَ: قَالَ(4/413)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم بدر: " إِذا أكثبوكم فارموهم، وَلَا تسملوا السيوف حَتَّى يغشوكم ".
كَذَا أوردهُ وَسكت عَنهُ، وَمَا مثله صحّح.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُحَمَّد بن عِيسَى، حَدثنَا إِسْحَاق بن نجيح - وَلَيْسَ بالملطي - عَن مَالك بن حَمْزَة بن أبي أسيد السَّاعِدِيّ عَن أَبِيه، عَن جده، فَذكره.
أما حَمْزَة بن أبي أسيد، فَأخْرج لَهُ البُخَارِيّ، وَأما ابْنه مَالك بن حَمْزَة، فَلَا تعرف لَهُ حَال وَلَا ذَاكر.
وَفِي مثله عهد أَبُو مُحَمَّد يَقُول: كتبته حَتَّى أسأَل عَنهُ، فليت شعري: هَل عرفه حِين كتب هَذَا الحَدِيث.
وَإِسْحَاق بن نجيح هَذَا أَيْضا غير مَعْرُوف، وَلَيْسَ بالملطي، والملطي كَذَّاب مَشْهُور.(4/414)
(1989) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا، عَن جَابر بن عتِيك أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَقُول: " من الْغيرَة مَا يحب الله، وَمِنْهَا مَا يبغض الله " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ.(4/415)
وَأَبُو دَاوُد إِنَّمَا يرويهِ من طَرِيق مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم، عَن ابْن جَابر بن عتِيك، عَن أَبِيه. وَابْن جَابر بن عتِيك، إِن كَانَ هُوَ عبد الْملك فَهُوَ ثِقَة، وَإِن كَانَ هُوَ عبد الرَّحْمَن الْمَذْكُور فِي إِسْنَاد حَدِيث:
(1990) " سَيَأْتِيكُمْ ركيب مبغضون ". فَإِنَّهُ غير مَعْرُوف وَلَا مَذْكُور فِيمَا أعلم، وَالله الْمُوفق.
(1991) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " جعل فدَاء أهل الْجَاهِلِيَّة يَوْم بدر أَرْبَعمِائَة ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ شُعْبَة، عَن أبي العنيس، عَن أبي الشعْثَاء، عَن ابْن عَبَّاس.(4/416)
وَأَبُو العنبس لَا يعرف اسْمه وَلَا حَاله، وَهُوَ يروي عَنهُ شُعْبَة، وَعبد الْملك بن عُمَيْر. وَقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: " شيخ ".
وَهُوَ لفظ لَا يُعْطي فِيهِ معنى التَّعْدِيل المبتغى، وَلَا أَيْضا التجريح، وَإِنَّمَا هُوَ من المساتير المقلين، وَقعت لَهُم رِوَايَة أَحَادِيث أخذت عَنْهُم.
(1992) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَام(4/417)
الْفَتْح جَاءَهُ الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب بِأبي سُفْيَان بن حَرْب، فَأسلم بمر الظهْرَان، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاس: يَا رَسُول الله، إِنَّه رجل يحب الْفَخر ". الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق.
(1993) وَذكر حَدِيث: " كُنَّا نَأْكُل الجزر فِي الْغَزْو وَلَا نقسمهُ ".
وَلم يبين أَنه من رِوَايَة الْقَاسِم أبي عبد الرَّحْمَن.
وَقد كتبنَا الحَدِيث لِمَعْنى آخر، فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي لم يعلها بسوى الْإِرْسَال، وَبينا أَن دونه رجلا لَا يعرف، يُقَال لَهُ: ابْن حرشف الْأَزْدِيّ، وَلم أجد لَهُ ذكرا.
(1994) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن مجمع بن جَارِيَة(4/418)
الْأنْصَارِيّ - وَكَانَ أحد الْقُرَّاء الَّذين قرؤوا الْقُرْآن - قَالَ: " قسمت خَيْبَر على أهل الْحُدَيْبِيَة " الحَدِيث.
وَفِيه أَنه " أعْطى الْفَارِس سَهْمَيْنِ والراجل سَهْما ".
وَسكت عَنهُ، وَلم يعرض لَهُ بتعليل، غير أَنه قَالَ: إِن أَبَا دَاوُد قَالَ: هَذَا وهم، كَانُوا مِائَتي فَارس، فَأعْطى الْفرس سَهْمَيْنِ، وَأعْطى صَاحبه سَهْما.
وَعلة هَذَا الْخَبَر، إِنَّمَا هِيَ الْجَهْل بِحَال يَعْقُوب بن مجمع بن يزِيد الْأنْصَارِيّ.
قَالَ [أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُحَمَّد بن عِيسَى، حَدثنَا] مجمع بن يَعْقُوب بن مجمع ابْن يزِيد الْأنْصَارِيّ، قَالَ] : سَمِعت أبي: يَعْقُوب بن مجمع، يذكر عَن عَمه عبد الرَّحْمَن بن يزِيد الْأنْصَارِيّ، عَن عَمه مجمع بن جَارِيَة. فَذكره.
وَعبد الرَّحْمَن بن يزِيد الْأنْصَارِيّ، أخرج لَهُ البُخَارِيّ.
وَمجمع بن يَعْقُوب بن مجمع، هُوَ القبائي، ثِقَة، وَأَبوهُ يَعْقُوب لَا تعرف حَاله، وَلَا يعرف روى عَنهُ غير ابْنه.(4/419)
(1995) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن ابْن عمر قَالَ: " لما فتحت خَيْبَر، سَأَلت يهود رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يقرهم على أَن يعملوا ". الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ إِنَّمَا يرويهِ ابْن وهب، عَن أُسَامَة بن زيد اللَّيْثِيّ، عَن نَافِع عَنهُ.
وَأُسَامَة مُخْتَلف فِيهِ، فَالْحَدِيث حسن.
وَقد تقدم ذكر أُسَامَة فِي هَذَا الْبَاب.
(1996) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا حَدِيث عمر، أَنه " كَانَت لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثَلَاث صفايا بَنو النَّضِير، وخيبر، وفدك ". الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ أَيْضا من رِوَايَة أُسَامَة بن زيد الْمَذْكُور.
(1997) وَذكر من طَرِيقه حَدِيث عَوْف بن مَالك، وخَالِد بن الْوَلِيد(4/420)
[فِي " الْقَضَاء بالسلب للْقَاتِل ".
وَسكت عَنهُ] .
وَهُوَ من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، وَإِن كَانَ عَن صَفْوَان بن عَمْرو، وَهُوَ شَامي، وَلَكِن يَنْبَغِي أَن يبين أَنه من رِوَايَته؛ فَإِن من النَّاس من يُضعفهُ بِإِطْلَاق.
والْحَدِيث مَعَ ذَلِك مُنْقَطع، وَقد بَينا ذَلِك فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة وَهِي مُنْقَطِعَة.
(1998) وَذكر من طَرِيقه عَن حبيب بن مسلمة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كَانَ ينفل الرّبع بعد الْخمس وَالثلث بعد الْخمس إِذا قفل ".
وَسكت عَنهُ.
وَإِنَّمَا يرويهِ مَكْحُول عَن زِيَاد بن جَارِيَة، عَن حبيب بن مسلمة.
وَزِيَاد بن جَارِيَة شيخ مَجْهُول، قَالَه أَبُو حَاتِم.(4/421)
وَهُوَ كَمَا ذكر لَا تعرف حَاله، وَإِن كَانَ قد روى عَنهُ جمَاعَة: مَكْحُول، وَسليمَان بن مُوسَى، وَيُونُس بن ميسرَة بن حَلبس.
(1999) وَذكر حَدِيث أبي سعيد فِي مقَالَة الْأَنْصَار، وَفِيه: " أما وَالله لَو شِئْتُم لقلتم: أَتَيْتنَا مُكَذبا فَصَدَّقْنَاك " الحَدِيث.(4/422)
وَسكت عَنهُ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق.
(2000) وَذكر أَيْضا حَدِيث " جعله عَلَيْهِ السَّلَام يَوْم خَيْبَر سهم ذَوي الْقُرْبَى فِي بني هَاشم وَبني الْمطلب "، وَكَلَام عُثْمَان وَجبير بن مطعم فِي ذَلِك.
وَسكت أَيْضا عَنهُ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق.
(2001) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا، عَن عَمْرو بن حُرَيْث قَالَ:(4/423)
خطّ لي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دَارا بِالْمَدِينَةِ " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ فطر بن خَليفَة، قَالَ: حَدثنَا أبي، عَن عَمْرو بن حُرَيْث. وَفطر ثِقَة، وَلَكِن أَبوهُ لَا تعرف حَاله وَلَا من روى عَنهُ غير ابْنه.
وَأَيْضًا فَإِن عَمْرو بن حُرَيْث لم تدْرك سنه هَذَا الْمَعْنى؛ فَإِنَّهُ إِمَّا أَنه كَانَ يَوْم بدر حملا، حسب مَا روى شريك، عَن أبي إِسْحَاق، وَإِمَّا قبض النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ ابْن اثْنَتَيْ عشرَة سنة فِي قَول ابْن إِسْحَاق، أَو: وَهُوَ ابْن عشر سِنِين، روى ذَلِك أَيْضا شريك عَن أبي إِسْحَاق. فَالله أعلم.
(2002) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن ابْن عمر، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أقطع الزبير حضر فرسه " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا يرويهِ الْعمريّ عَن نَافِع عَنهُ.(4/424)
وَقد تقدم فِي هَذَا الْبَاب ذكر الْعمريّ.
(2003) وَذكر من طَرِيقه حَدِيث أبي سعيد، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إيَّاكُمْ والقسامة ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ ابْن أبي فديك، عَن مُوسَى بن يَعْقُوب الزمعِي، عَن الزبير بن عُثْمَان بن عبد الله بن سراقَة، أَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن ابْن ثَوْبَان، أخبرهُ عَن أبي سعيد.
وَالزُّبَيْر هَذَا لَا تعرف لَهُ حَال، وَلَا يعرف روى عَنهُ غير الزمعِي.
(2004) وَذكر حَدِيث: " لَا إِسْلَال وَلَا إِغْلَال ".
وَسكت عَنهُ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق.(4/425)
(2005) وَكَذَلِكَ: " لَوْلَا أَن الرُّسُل لَا تقتل لقتلتكما ".
وَسكت عَنهُ كَذَلِك، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق.(4/426)
(2006) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا، عَن الْعِرْبَاض بن سَارِيَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن الله لم يحل لكم أَن تدْخلُوا بيُوت أهل الْكتاب إِلَّا بِإِذن، وَلَا ضرب نِسَائِهِم، وَلَا أكل ثمارهم، إِذا أعطوكم الَّذِي عَلَيْهِم ".
وَسكت عَنهُ، وَلَا أبعد صِحَّته، وَلَكِن لَا أَعْرفهُمَا؛ فَإِن بعض رُوَاته لم تثبت عَدَالَته وَإِن كَانَ مَشْهُورا، وَهُوَ أَشْعَث بن شُعْبَة، رَوَاهُ عَن أَرْطَأَة بن الْمُنْذر، عَن حَكِيم بن عُمَيْر أبي الْأَحْوَص، عَن الْعِرْبَاض.
وَقد روى عَنهُ جمَاعَة: مِنْهُم أَحْمد بن عَمْرو بن السَّرْح، وَالْمُسَيب بن وَاضح، وَسَلَمَة بن عَفَّان، وَالْحسن بن الرّبيع، وَهِشَام بن الْمفضل - صَاحب أَحْمد الدَّوْرَقِي - وَعبد الْوَهَّاب بن نجدة، وَمُحَمّد بن عِيسَى هَذَا الَّذِي روى عَنهُ هَذَا الحَدِيث، وَعنهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَأَصله خراساني، سكن الثغر.
قَالَ أَبُو حَاتِم: أَشْعَث بن شُعْبَة لين الحَدِيث، وَهَذَا كالتقوية لَهُ،(4/427)
وتفضيل غَيره عَلَيْهِ، وَالَّذِي لَا أرَاهُ أَنه لم تثبت عَدَالَته.
(2007) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن جَابر بن عبد الله، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا خطب أحدكُم امْرَأَة فَإِن اسْتَطَاعَ أَن ينظر إِلَى مَا يَدعُوهُ إِلَى نِكَاحهَا فَلْيفْعَل " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ لَا يَصح؛ فَإِن إِسْنَاد أبي دَاوُد فِيهِ هُوَ هَذَا: حَدثنَا مُسَدّد، حَدثنَا عبد الْوَاحِد بن زِيَاد، حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن دَاوُد بن حُصَيْن، عَن وَاقد بن عبد الرَّحْمَن - يَعْنِي ابْن سعد بن معَاذ - عَن جَابر بن عبد الله، فَذكره، وَهَكَذَا ذكره غَيره.
قَالَ الْبَزَّار: حَدثنَا عمر بن عَليّ الْمقدمِي، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن دَاوُد بن الْحصين، عَن وَاقد بن عبد الرَّحْمَن بن سعد، عَن جَابر بن عبد الله(4/428)
قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا أَرَادَ أحدكُم أَن يتَزَوَّج الْمَرْأَة، فَإِن اسْتَطَاعَ أَن ينظر مِنْهَا إِلَى مَا يَدعُوهُ إِلَى نِكَاحهَا فَلْيفْعَل ".
قَالَ: فَخطبت جَارِيَة من الْأَنْصَار فَجعلت أتخبأ لَهَا تَحت الْكَرم حَتَّى نظرت مِنْهَا إِلَى مَا دَعَاني إِلَى نِكَاحهَا فتزوجتها.
قَالَ الْبَزَّار: وَهَذَا لَا نعلمهُ رُوِيَ عَن جَابر إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، قَالَ: وَلَا أسْند وَاقد بن عبد الرَّحْمَن بن سعد عَن جَابر، إِلَّا هَذَا الحَدِيث. انْتهى كَلَام الْبَزَّار.
فَأَقُول - وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق -: إِن واقدا هَذَا لَا تعرف حَاله، وَالْمَذْكُور الْمَعْرُوف، إِنَّمَا هُوَ وَاقد بن عَمْرو بن سعد بن معَاذ، أَبُو عبد الله الْأنْصَارِيّ، الأشْهَلِي، الَّذِي يروي عَنهُ يحيى بن سعيد، وَدَاوُد بن الْحصين أَيْضا، وَمُحَمّد بن زِيَاد، وَمُحَمّد بن عَمْرو، وَغَيرهم من المدنين، وروى مَالك عَن يحيى بن سعيد عَنهُ، وَهُوَ مدنِي ثِقَة، قَالَه أَبُو زرْعَة.
فَأَما وَاقد بن عبد الرَّحْمَن بن سعد بن معَاذ فَلَا أعرفهُ، فَاعْلَم ذَلِك.
(2008) وَذكر من فَوَائِد أبي مُحَمَّد الْأصيلِيّ، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن تتَزَوَّج الْمَرْأَة على الْعمة أَو الْخَالَة. وَقَالَ: إِنَّكُم إِذا(4/429)
فَعلْتُمْ قطعْتُمْ أَرْحَامكُم ".
قَالَ: وَذكره أَبُو عمر فِي التَّمْهِيد.
كَذَا أوردهُ وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث إِنَّمَا يرويهِ أَبُو حريز: عبد الله بن الْحُسَيْن، قَاضِي سجستان.
قَالَ أَبُو مُحَمَّد الْأصيلِيّ: قَرَأت على أبي الْحُسَيْن: مُحَمَّد بن عَليّ بن حُبَيْش، قلت: حَدثكُمْ أَبُو عبد الله: أَحْمد بن الْحسن بن عبد الْجَبَّار(4/430)
الصُّوفِي، حَدثنَا يحيى بن معِين - فِي شعْبَان سنة تسع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ - حَدثنَا مُعْتَمر بن سُلَيْمَان، قَالَ: قَرَأت على الفضيل بن ميسرَة، عَن أبي حريز، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن تتَزَوَّج الْمَرْأَة على الْعمة أَو الْخَالَة، وَقَالَ: إنكن إِذا فعلتن ذَلِك قطعتن أرحامكن ".(4/431)
هَكَذَا عِنْده مُخَاطبَة النِّسَاء.
وَقَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر: أخبرنَا يحيى بن عبد الرَّحْمَن، وَسَعِيد بن نصر، قَالَا: أخبرنَا ابْن أبي دليم، قَالَ: أخبرنَا ابْن وضاح، قَالَ: أخبرنَا(4/432)
يحيى بن معِين، قَالَ: أخبرنَا مُعْتَمر بن سُلَيْمَان، قَالَ: قَرَأت على فُضَيْل بن ميسرَة، عَن أبي حريز، قَاضِي سجستان، أَن عِكْرِمَة حَدثهمْ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يجمع بَين الْمَرْأَة وعمتها، وَبَين الْمَرْأَة وخالتها "، وَقَالَ: " إنكن إِذا فعلتن ذَلِك قطعتن أرحامكن ".(4/433)
وَعبد الله بن حُسَيْن: أَبُو حريز الْأَزْدِيّ، قَاضِي سجستان، قَالَ ابْن حَنْبَل: كَانَ يحيى بن سعيد يحمل عَلَيْهِ، وَلَا أرَاهُ إِلَّا كَمَا قَالَ.
هَذِه رِوَايَة حَرْب بن إِسْمَاعِيل عَن أَحْمد بن حَنْبَل، وروى عَنهُ ابْنه عبد الله أَنه قَالَ: حَدِيثه مُنكر.(4/434)
وَمِمَّنْ ضعفه أَيْضا، سعيد بن أبي مَرْيَم، وَالنَّسَائِيّ، فَأَما ابْن معِين، وَأَبُو زرْعَة، فوثقاه.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: هُوَ حسن الحَدِيث، لَيْسَ بمنكره، يكْتب حَدِيثه.
وَقد ذكر أَبُو أَحْمد هَذَا الحَدِيث كنحو مَا ذكره الْأصيلِيّ، إِلَّا أَن المخاطبة عِنْده للرِّجَال.
قَالَ أَبُو أَحْمد: حَدثنَا أَحْمد بن الْحُسَيْن الصُّوفِي، قَالَ: حَدثنَا يحيى بن معِين، قَالَ: حَدثنَا مُعْتَمر، قَالَ: قَرَأت على الفضيل بن ميسرَة، عَن أبي حريز، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن تتَزَوَّج الْمَرْأَة على الْعمة أَو على الْخَالَة "، وَقَالَ: " إِنَّكُم إِن فَعلْتُمْ ذَلِك قطعْتُمْ أَرْحَامكُم ".
وَلما فرغ من ذكر مَا أورد لَهُ، قَالَ: عَامَّة مَا يرويهِ لَا يُتَابع عَلَيْهِ.
وَقد كرر أَبُو مُحَمَّد سُكُوته عَن أَحَادِيث من رِوَايَة أبي حريز هَذَا، وَلم يبين أَنَّهَا من رِوَايَته.(4/435)
(2009) مِنْهَا حَدِيث: " قرض مرَّتَيْنِ، يعدل صَدَقَة مرّة ".(4/436)
(2010) وَحَدِيث النُّعْمَان بن بشير، سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِن(4/437)
الْخمر من الْعصير، وَالزَّبِيب، وَالتَّمْر، وَالْحِنْطَة، وَالشعِير، والذرة، وَإِنِّي أنهاكم عَن كل مُسكر ".
هُوَ أَيْضا عِنْد أبي دَاوُد من رِوَايَة مُعْتَمر، عَن الفضيل بن ميسرَة، عَن أبي حريز، عَن الشّعبِيّ، عَن النُّعْمَان بن بشير.(4/438)
(2011) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ، حَدِيث أم مهزول فِي سَبَب نزُول: {الزَّانِي لَا ينْكح إِلَّا زَانِيَة} .(4/439)
وَسكت عَنهُ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه [عَن جده] .
(2012) وَبعده حَدِيث: " لَا ينْكح الزَّانِي المجلود إِلَّا مثله ".
لم يبين أَنه من رِوَايَة عَمْرو بن شُعَيْب، عَن المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَعَمْرو مُخْتَلف فِيهِ وَلَو روى عَن غير أَبِيه.
(2013) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث أم حَبِيبَة وتزويج النَّجَاشِيّ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِيَّاهَا.(4/440)
وَسكت عَنهُ، وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يُنَبه على أَنه من رِوَايَة مُعلى بن مَنْصُور، عَن ابْن الْمُبَارك، عَن معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن أم حَبِيبَة.
(2014) وَهُوَ قد قدم فِي حَدِيث جَابر: " لَا تُؤخر الصَّلَاة لطعام وَلَا لغيره " أَن قَالَ: مُعلى بن مَنْصُور، رَمَاه أَحْمد بن حَنْبَل بِالْكَذِبِ.
وَكَانَ لَهُ أَن يَسُوق رِوَايَة عَليّ بن الْحسن بن شَقِيق، عَن ابْن الْمُبَارك فِي(4/441)
ذَلِك فَلم يفعل، بل اخْتَار رِوَايَة مُعلى بن مَنْصُور، فساق الحَدِيث بِلَفْظِهِ.
(2015) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن ابْن مَسْعُود: " لعن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمُحَلّل والمحلل لَهُ ".
ثمَّ أتبعه أَنه حسن صَحِيح.
وَلم يلْتَفت على كَونه من رِوَايَة أبي قيس: عبد الرَّحْمَن بن ثروان.(4/442)
(2016) وَهُوَ لما ذكر حَدِيث ابْن مَسْعُود فِي الرجل الَّذِي أوصى بِجُزْء من مَاله " فَجعله رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - السُّدس ".
قَالَ بعده: عبد الرَّحْمَن بن ثروان، لَهُ أَحَادِيث يُخَالف فِيهَا، وَفِيه أَيْضا الْعَرْزَمِي.(4/444)
(2017) وَصحح من حَدِيثه: " سُئِلَ أَبُو مُوسَى عَن ابْنة، وَابْنَة ابْن، وَأُخْت فِي الْفَرَائِض " سَاقه من عِنْد البُخَارِيّ.
(2018) وَفِي الْفِتَن حَدِيث أبي مُوسَى: " إِن بَين يَدي السَّاعَة فتنا كَقطع اللَّيْل ".
سَاقه من عِنْد أبي دَاوُد.(4/445)
(2019) وَلما سَاق فِي الْخُفَّيْنِ حَدِيث الْمُغيرَة بن شُعْبَة فِي الْمسْح على الجوربين والنعلين.(4/447)
أتبعه تَصْحِيح التِّرْمِذِيّ، ثمَّ قَالَ: قَالَ النَّسَائِيّ: مَا نعلم أَن أحدا تَابع [هزيلا] على هَذِه الرِّوَايَة، وَالصَّحِيح عَن الْمُغيرَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مسح على الْخُفَّيْنِ.
فَفِي هَذَا أَيْضا مسالمة عبد الرَّحْمَن بن ثروان.
(2020) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار عَن سلمَان، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:(4/448)
" إِذا تزوج أحدكُم امْرَأَة فَكَانَ لَيْلَة الْبناء، فَليصل رَكْعَتَيْنِ، وليأمرها فلتصل خَلفه رَكْعَتَيْنِ؛ فَإِن الله عز وَجل جَاعل فِي الْبَيْت خيرا ".
كَذَا أوردهُ وَسكت عَنهُ، وَأرَاهُ تسَامح فِيهِ؛ لِأَنَّهُ حث على عمل من أَعمال الْبر، وَإِسْنَاده ضَعِيف.
قَالَ الْبَزَّار: حَدثنَا عبيد الله بن يُوسُف، قَالَ: حَدثنَا الْحجَّاج بن فروخ قَالَ: حَدثنَا ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس، عَن سلمَان، فَذكره.
وحجاج بن فروخ كُوفِي.
أما أَبُو حَاتِم فَقَالَ فِيهِ: شيخ مَجْهُول.
وَأما ابْن معِين فَقَالَ: لَيْسَ بِشَيْء.
وَأما أَبُو أَحْمد الْجِرْجَانِيّ، والساجي، فَإِنَّهُمَا ذكرَاهُ فِي جملَة الضُّعَفَاء.
روى عَن زِيَاد أبي عمار، عَن أنس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَحَادِيث مَنَاكِير يطول ذكرهَا.(4/449)
وَذكر أَبُو أَحْمد هَذَا الحَدِيث بِزِيَادَة قصَّة فِيهِ، بَين عمر، و [سلمَان] .
ثمَّ قَالَ: لَا أعرف لَهُ كَبِير رِوَايَة.
(2021) وَذكر من طَرِيق مُسلم عَن أبي سعيد، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن من شَرّ النَّاس عِنْد الله منزلَة يَوْم الْقِيَامَة الرجل يُفْضِي إِلَى الْمَرْأَة " الحَدِيث.(4/450)
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث إِنَّمَا يرويهِ عِنْد مُسلم عمر بن حَمْزَة الْعمريّ، عَن عبد الرَّحْمَن بن سعد، عَن أبي سعيد.
وَعمر بن حَمْزَة ضعفه ابْن معِين، وَقَالَ: إِنَّه أَضْعَف من عمر بن مُحَمَّد ابْن زيد.
وَهَذَا تَفْضِيل لعمر بن مُحَمَّد بن زيد عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ ثِقَة - أَعنِي عمر بن مُحَمَّد - فَهُوَ الْحَقِيقَة تَفْضِيل أحد ثقتين على الآخر.
وَأما ابْن حَنْبَل فَقَالَ: أَحَادِيثه مَنَاكِير.
فَالْحَدِيث بِهِ حسن.
(2022) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:(4/451)
" اسْتَحْيوا من الله حق الْحيَاء، لَا تَأْتُوا النِّسَاء فِي أدبارهن ".
وَسكت عَنهُ، وَإِسْنَاده عِنْد النَّسَائِيّ هَكَذَا: أَخْبرنِي عُثْمَان بن عبد الله، حَدثنَا سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن، حَدثنَا عبد الْملك بن مُحَمَّد الصَّنْعَانِيّ، حَدثنَا سعيد بن عبد الْعَزِيز، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَعبد الْملك بن مُحَمَّد الصَّنْعَانِيّ أَبُو الزَّرْقَاء، قَالَ البستي: إِنَّه يتفرد بِهِ.
سُئِلَ عَنهُ دُحَيْم فضجع.(4/452)
وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: يكْتب حَدِيثه.
وَسليمَان بن عبد الرَّحْمَن، هُوَ ابْن بنت شُرَحْبِيل، أَبُو أَيُّوب الدِّمَشْقِي.(4/453)
قَالَ ابْن معِين: " لَيْسَ بِهِ بَأْس. [وَقَالَ أَبُو حَاتِم] : وَهُوَ صَدُوق، وَلكنه أروى النَّاس عَن الضُّعَفَاء(4/454)
والمجهولين، قَالَ: فَلَو أَن رجلا وضع لَهُ حَدِيثا لم يفهم، وَلم يُمَيّز.
فَحق هَذَا الحَدِيث أَن يكون حسنا.
(2023) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَلْعُون من أَتَى امْرَأَة فِي دبرهَا ".(4/455)
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ عِنْده من رِوَايَة سُهَيْل بن أبي صَالح، عَن الْحَارِث بن مخلد، عَن أبي هُرَيْرَة.
والْحَارث هَذَا روى عَنهُ سُهَيْل، وَبسر بن سعيد، وَلم تعرف حَاله.
(2024) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن عُرْوَة قَالَ: قَالَت عَائِشَة: " يَا بن أُخْتِي، كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا يفضل بَعْضنَا على بعض فِي الْقسم " الحَدِيث.(4/456)
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْد أبي دَاوُد، من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه.
(2025) وَذكر من طَرِيقه عَن عَائِشَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " بعث إِلَى النِّسَاء فِي مَرضه، فاجتمعن، فَقَالَ: إِنِّي لَا أَسْتَطِيع أَن أدور " الحَدِيث.(4/457)
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا يرويهِ أَبُو عمرَان الْجونِي، عَن يزِيد بن بابنوس، عَن عَائِشَة.
وَيزِيد هَذَا لَا تعرف حَاله فِي الحَدِيث، وَلَا روى عَنهُ غير أبي عمرَان.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: كَانَ شِيعِيًّا.
وَقَالَ البُخَارِيّ: كَانَ من الشِّيعَة الَّذين قَاتلُوا عليا.
(2026) وَذكر حَدِيث ابْن مَسْعُود: " إِن الله ليغار لعَبْدِهِ الْمُسلم، فليغر لنَفسِهِ ".
وَزعم أَن الدَّارَقُطْنِيّ صَححهُ، وَقد كتبناه فِي جملَة الْأَشْيَاء الَّتِي عزاها وَلم تُوجد.
(2027) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:(4/458)
" الْغيرَة من الْإِيمَان، والمذاء من النِّفَاق ".
وَسكت عَنهُ.
وَالْبَزَّار أوردهُ هَكَذَا: أخبرنَا مُحَمَّد بن معمر، حَدثنَا أَبُو عَامر، حَدثنَا أَبُو مَرْحُوم الأرطباني، حَدثنَا زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَذكره.
قَالَ: لَا نعلمهُ يرْوى عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِهَذَا اللَّفْظ إِلَّا عَن أبي سعيد، وَلَا نعلم أحدا شَارك أَبَا مَرْحُوم عَن زيد فِي هَذَا الحَدِيث، وَعند أبي مَرْحُوم حَدِيث آخر بِهَذَا الْإِسْنَاد عَن أبي سعيد. انْتهى كَلَام الْبَزَّار.
أَبُو مَرْحُوم، هُوَ عبد الرَّحِيم بن كردم بن أرطبان، ابْن عَم عبد الله بن عون ابْن أرطبان.
قَالَ أَبُو حَاتِم: إِنَّه يروي عَن الزُّهْرِيّ، وَزيد بن أسلم، روى عَنهُ أَبُو عَامر الْعَقدي، وَأَبُو أُسَامَة، وَمعلى بن أَسد، وَإِبْرَاهِيم بن الْحجَّاج السَّامِي، قَالَ ابْنه أَبُو مُحَمَّد: سَأَلته عَنهُ فَقَالَ: مَجْهُول.
فَانْظُر كَيفَ عرفه، وَعرف رِوَايَة جمَاعَة عَنهُ، ثمَّ قَالَ فِيهِ: مَجْهُول.
وَهَذَا مِنْهُ صَوَاب، وَقد يحسن الظَّن بِأبي مُحَمَّد فِي سُكُوته عَن هَذَا(4/459)
الحَدِيث، بِأَن يكون عرف من حَال هَذَا الرجل مَا أوجب ذَلِك.
وَيدْفَع هَذَا الظَّن أَنه لما ذكره فِي كِتَابه الْكَبِير بِإِسْنَادِهِ، أتبعه قَول أبي حَاتِم فِيهِ.
لم يزدْ على ذَلِك، فَكَانَ هَذَا مِنْهُ تعليلا للْخَبَر، وَذَلِكَ صَوَاب من فعله، فَلَعَلَّهُ هَاهُنَا تسَامح فِيهِ على علم، وَالله أعلم.
(2028) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ عَن عَليّ حَدِيث: " النَّهْي أَن يكلم النِّسَاء إِلَّا بِإِذن أَزوَاجهنَّ ".
وَالْخلاف فِيهِ، وَرجح إِسْنَادًا على آخر، كَأَنَّهَا لَا عيب فِيهَا، وفيهَا الِانْقِطَاع، والضعف فِي بعض الروَاة، وَالْجهل بأحوال بَعضهم، وَلم يعرض لذَلِك.
وَقد كتبناه فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة وَهِي مُنْقَطِعَة أَو مُرْسلَة.
(2029) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أُتِي(4/460)
بمخنث قد خضب يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَمَا مثله صحّح؛ فَإِنَّهُ من رِوَايَة مفضل بن يُونُس، عَن الْأَوْزَاعِيّ [عَن أبي بشار] ، أَو أبي يسَار الْقرشِي، عَن أبي هَاشم، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَأَبُو هَاشم هَذَا، هُوَ ابْن عَم أبي هُرَيْرَة، وَلَا تعرف حَاله.
وَأَبُو يسَار الْقرشِي، زعم ابْن أبي حَاتِم أَنه روى عَنهُ الْأَوْزَاعِيّ، وَاللَّيْث، وَسَأَلَ أَبَاهُ عَنهُ فَقَالَ: مَجْهُول.
وَهُوَ كَمَا ذكر، وَهَذَا الرجل هُوَ آخر من وَقع ذكره فِي كتاب ابْن أبي حَاتِم، بِهِ ختم الْكتاب.(4/461)
(2030) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، فِي قصَّة سَالم مولى أبي حُذَيْفَة فِي رضَاع الْكَبِير، " أَن سهلة أَرْضَعَتْه خمس رَضعَات ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ إِنَّمَا يرويهِ أَبُو دَاوُد، عَن أَحْمد بن صَالح، عَن عَنْبَسَة، عَن يُونُس، عَن ابْن شهَاب، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة.
وعنبسة هُوَ ابْن خَالِد ابْن يزِيد الْأَيْلِي، لم تثبت عَدَالَته، بل أَخَاف أَن يكون على نقيض ذَلِك، وَذَلِكَ أَن ابْن أبي حَاتِم حكى أَنه كَانَ على خراج مصر، فَكَانَ يعلق النِّسَاء بالثدي.(4/462)
فَإِن صَحَّ هَذَا كفى فِي تجريحه، وَقد أخرج لَهُ البُخَارِيّ، وتجنبه مُسلم رحمهمَا الله.
(2031) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا عَن عَائِشَة قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لبريرة: " إِن قربك فَلَا خِيَار لَك ".
وَسكت عَنهُ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق.
(2032) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا، عَن يُوسُف بن عبد الله بن سَلام، حَدِيث مُظَاهرَة أَوْس بن الصَّامِت من زوجه خُوَيْلَة بنت مَالك.(4/463)
وَلم يبين أَنه من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق.
وَيَرْوِيه ابْن إِسْحَاق، عَن معمر بن عبد الله بن حَنْظَلَة، عَن يُوسُف.
وَمعمر هَذَا لم يذكر بِأَكْثَرَ من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق عَنهُ؛ فَهُوَ مَجْهُول الْحَال.
(2033) وَذكر بعده حَدِيث مُظَاهرَة سَلمَة بن صَخْر.(4/464)
من رِوَايَة سُلَيْمَان بن يسَار عَنهُ، وَبَين أَنه من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق، وَبَين انْقِطَاعه فِيمَا بَين سُلَيْمَان وَسَلَمَة.
(2034) وَذكر أَيْضا حَدِيث الَّذِي يَقع على امْرَأَته قبل أَن يكفر كَفَّارَة الظِّهَار.
من رِوَايَة سُلَيْمَان - أَيْضا - عَن سَلمَة، وَبَين انْقِطَاعه كَذَلِك، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق.
(2035) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي قصَّة لعان بن هِلَال بن أُميَّة.(4/465)
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْد أبي دَاوُد من رِوَايَة يزِيد بن هَارُون، عَن عباد ابْن مَنْصُور، عَن عِكْرِمَة عَنهُ، وَعباد بن مَنْصُور تكلمُوا فِي رَأْيه وَرِوَايَته.
قَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ: قلت ليحيى بن سعيد: عباد بن مَنْصُور تغير؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، إِلَّا أَنا حِين رَأَيْنَاهُ نَحن كَانَ لَا يحفظ.
وَقَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِشَيْء، ضَعِيف.
وَقَالَ مرّة أُخْرَى: ضَعِيف، قدري.
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: فِي حَدِيثه عَن عِكْرِمَة ضعف.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: ضَعِيف الحَدِيث، يكْتب حَدِيثه، ونرى أَنه أَخذ هَذِه الْأَحَادِيث عَن ابْن أبي يحيى، عَن دَاوُد بن حُصَيْن، عَن عِكْرِمَة.
وَقَالَ البُخَارِيّ: روى عَن ابْن أبي يحيى، عَن دَاوُد، عَن عِكْرِمَة أَشْيَاء،(4/466)
رُبمَا دلسها فَجَعلهَا عَن عِكْرِمَة.
وَقَالَ فِيهِ السَّاجِي: ضَعِيف يُدَلس، روى أَحَادِيث مَنَاكِير، وَكَانَ ينْسب إِلَى الْقدر.
وَكَذَا حكى الْعقيلِيّ أَنه يرى الْقدر.
وَقَالَ البستي: كَانَ قدريا دَاعِيَة إِلَى الْقدر، وكل مَا روى عَن عِكْرِمَة سَمعه من إِبْرَاهِيم بن أبي يحيى، عَن دَاوُد بن الْحصين، فدلسها عَن عِكْرِمَة.
قلت: وَهَذِه تكفيه إِن صحت؛ فَإِن إِبْرَاهِيم بن أبي يحيى هَالك، فالتدليس بإسقاطه جرحة إِن كَانَ علم بضعفه. وَقد أثبت عَلَيْهِ يحيى بن سعيد الْقدر، مَعَ حسن رَأْيه فِيهِ بقوله: عباد بن مَنْصُور كَانَ ثِقَة، لَيْسَ يَنْبَغِي أَن يتْرك حَدِيثه لرأي أَخطَأ فِيهِ.
وَأَقل مَا يلْزم أَبَا مُحَمَّد، تَبْيِين أَن الحَدِيث الْمَذْكُور، من رِوَايَته، حَتَّى يكون ذَلِك إِحَالَة على مَا قد بَين من أمره فِي مَوضِع آخر.
(2036) وَذَلِكَ أَنه ذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، عَن عباد بن مَنْصُور،(4/467)
عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فِي الَّذِي يعْمل عمل قوم لوط، وَفِي الَّذِي يَقع على بَهِيمَة، وَفِي الَّذِي يَقع على ذَات محرم، وَفِي الَّذِي يُؤْتِي فِي نَفسه، أَنه يقتل ".
فَأتبعهُ القَوْل فِي عباد بن مَنْصُور، وَذكر ضعفه، وتضعيفهم لَهُ بِبَعْض مَا كتبنَا الْآن فِيهِ.
(2037) وَقد ذكر حَدِيثا آخر، من طَرِيق أبي أَحْمد، فأبرز مِنْهُ عباد بن مَنْصُور، عَن أَيُّوب، [عَن أبي قلَابَة] ، عَن أنس، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " قضى فِي(4/468)
الطَّرِيق الميتاء " الحَدِيث. فِي بَاب الشُّفْعَة.
فَكَانَ إبرازه إِيَّاه صَوَابا.
وَكرر مَا أَخطَأ بِهِ من سُكُوته عَن أَحَادِيث من رِوَايَته، وَلم يبين ذَلِك.
(2038) مِنْهَا حَدِيث ذكره من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن خير مَا تدوايتم بِهِ، الْحجامَة، والسعوط، واللدود، وَالْمَشْي " الحَدِيث.(4/469)
(2039) وَحَدِيثه أَيْضا قَالَ: " كَانَت لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مكحلة يكتحل بهَا عِنْد النّوم ثَلَاثًا فِي كل عين، وَخير أكحالكم الإثمد، يجلو الْبَصَر، وينبت الشّعْر ".
كل هَذَا من رِوَايَة عباد من مَنْصُور، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، وَلم يبين ذَلِك أَبُو مُحَمَّد رَحمَه الله، فاعلمه.(4/470)
(2040) وَذكر حَدِيث سهل بن سعد بِزِيَادَة: " أمسك الْمَرْأَة عنْدك حَتَّى تَلد ".
وَسكت عَنهُ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق.
(2041) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن أبي هُرَيْرَة، أَنه سمع النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -(4/471)
يَقُول - حِين نزلت آيَة الْمُلَاعنَة -: " أَيّمَا امْرَأَة أدخلت على قوم من لَيْسَ مِنْهُم " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا يرويهِ ابْن وهب، عَن عَمْرو بن الْحَارِث، عَن ابْن الْهَادِي، عَن عبد الله بن يُونُس، عَن سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَعبد الله بن يُونُس هَذَا لَا تعرف حَاله، وَلَا يعرف لَهُ راو غير يزِيد بن عبد الله بن الْهَادِي، وَلَا يعرف لَهُ غير هَذَا الحَدِيث.
وَلما ذكر أَبُو مُحَمَّد هَذَا الحَدِيث بِإِسْنَادِهِ فِي كِتَابه الْكَبِير، أتبعه أَن قَالَ: عبد الله بن يُونُس، إِنَّمَا يعرف بِهَذَا الحَدِيث.
(2042) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ عَن فَاطِمَة بنت قيس، فِي خَبَرهَا(4/472)
قَالَت: فَأتيت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذكرت ذَلِك لَهُ، قَالَت: " فَلم يَجْعَل لي سُكْنى وَلَا نَفَقَة، وَقَالَ: إِنَّمَا السُّكْنَى وَالنَّفقَة لمن تملك الرّجْعَة ".
قَالَ: وخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا.
هَذَا نَص مَا أورد، وَسكت عَنهُ، وَهُوَ لَا يَنْبَغِي السُّكُوت عَنهُ تَصْحِيحا لَهُ، فَإِنَّهُ عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ هَكَذَا:(4/473)
حَدثنَا ابْن صاعد، حَدثنَا يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، حَدثنَا هشيم، عَن سيار، وحصين، ومغيرة، وَأَشْعَث، وَدَاوُد، ومجالد، وَإِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد، كلهم عَن الشّعبِيّ، قَالَ: دخلت على فَاطِمَة بنت قيس، فسألتها عَن قَضَاء رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَيْهَا، فَقَالَت: طَلقهَا زَوجهَا الْبَتَّةَ، فَأَتَت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذكرت ذَلِك لَهُ، قَالَت: " فَلم يَجْعَل لي سُكْنى وَلَا نَفَقَة، وَقَالَ: إِنَّمَا السُّكْنَى وَالنَّفقَة لمن يملك الرّجْعَة ".
هَكَذَا أوردهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره، وَلَكِن قد تبين أَن هَذِه الزِّيَادَة الَّتِي هِيَ: " إِنَّمَا السُّكْنَى وَالنَّفقَة لمن يملك الرّجْعَة " إِنَّمَا زَادهَا مجَالد وَحده من الْجَمَاعَة الَّتِي روته عَن الشّعبِيّ.
وَقد أورد مُسلم الحَدِيث دونهَا فَقَالَ: وحَدثني زُهَيْر بن حَرْب، قَالَ: حَدثنَا هشيم، قَالَ: أخبرنَا سيار، حُصَيْن، ومغيرة، وَأَشْعَث، ومجالد، وَإِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد، وَدَاوُد، كلهم عَن الشّعبِيّ، قَالَ: دخلت على فَاطِمَة بنت قيس، فسألتها عَن قَضَاء رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَيْهَا، فَقَالَت: طَلقهَا زَوجهَا الْبَتَّةَ، فَخَاصَمته إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي السُّكْنَى وَالنَّفقَة، قَالَت: " فَلم يَجْعَل لي سُكْنى وَلَا نَفَقَة، وَأَمرَنِي أَن أَعْتَد فِي بَيت [ابْن] أم مَكْتُوم ".
وَرَوَاهَا أَيْضا هَكَذَا عَن هشيم، أَحْمد بن حَنْبَل، لم يذكر الزِّيَادَة.
قَالَ أَبُو بكر بن ثَابت الْخَطِيب، أخبرنَا الْحسن بن عَليّ التَّمِيمِي، أخبرنَا أَحْمد بن جَعْفَر بن حمدَان، حَدثنَا عبد الله بن أَحْمد، قَالَ: حَدثنِي أبي، قَالَ: حَدثنِي هشيم: أخبرنَا سيار، وحصين، ومغيرة، وَأَشْعَث، وَابْن أبي خَالِد، وَدَاوُد.(4/474)
[وحدثناه مجَالد، أَو إِسْمَاعِيل - يَعْنِي ابْن سَالم -] عَن الشّعبِيّ، قَالَ: دخلت على فَاطِمَة بنت قيس، فسألتها عَن قَضَاء رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَقَالَت: طَلقهَا زَوجهَا الْبَتَّةَ، قَالَت: فَخَاصَمته إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي السُّكْنَى وَالنَّفقَة، فَلم يَجْعَل لي سُكْنى وَلَا نَفَقَة، وَأَمرَنِي أَن أَعْتَد فِي بَيت ابْن أم مَكْتُوم.
وَرَوَاهُ الْحسن بن عَرَفَة عَن هشيم، فَجعل الزِّيَادَة الْمَذْكُورَة عَن مجَالد وَحده عَن الشّعبِيّ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا الْمحَامِلِي، وَمُحَمّد بن مخلد، وَعمر بن أَحْمد الدُّرِّي، وَعلي بن الْحسن بن هَارُون، قَالُوا: حَدثنَا الْحسن بن عَرَفَة، حَدثنَا هشيم، حَدثنَا الْمُغيرَة، وحصين، وَأَشْعَث، وَإِسْمَاعِيل بن أبي مخلد، وَدَاوُد ابْن أبي هِنْد، وسيار، ومجالد، كلهم عَن الشّعبِيّ بِهَذَا.
قَالَ: قَالَ هشيم: قَالَ مجَالد فِي حَدِيثه: " إِنَّمَا السُّكْنَى، وَالنَّفقَة، لمن كَانَ لَهَا على زَوجهَا رَجْعَة ".
وَقد جَاءَت رِوَايَة مجَالد بِهَذِهِ الزِّيَادَة، مُفْردَة عَن رِوَايَات هَؤُلَاءِ المقرونين بِهِ، من غير رِوَايَة هشيم، وَهُوَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَعَبدَة.
قَالَ قَاسم بن أصبغ: حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل، قَالَ: حَدثنَا الْحميدِي، قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان، قَالَ: حَدثنَا مجَالد بن سعيد الْهَمدَانِي، عَن الشّعبِيّ، قَالَ: قدمت فَاطِمَة بنت قيس الْكُوفَة على أَخِيهَا الضَّحَّاك بن قيس، وَكَانَ عَاملا عَلَيْهَا، فأتيناها فسألناها، فَقَالَت: كنت عِنْد أبي عَمْرو بن حَفْص بن الْمُغيرَة، فطلقني فَبت طَلَاقي، وَخرج إِلَى الْيمن فَأتيت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذكرت ذَلِك لَهُ، وَطلبت النَّفَقَة، فَقَالَ: بكمه هَكَذَا - واستتر النَّبِي
عَن الْمَرْأَة،(4/475)
وَرفع أَبُو بكر الْحميدِي كمه فَوق رَأسه - فَقَالَ: " اسمعي مني يَا ابْنة آل قيس، إِنَّمَا السُّكْنَى وَالنَّفقَة للْمَرْأَة إِذا كَانَ لزَوجهَا عَلَيْهَا رَجْعَة، فَأَما إِذا لم يكن لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَة فَلَا سُكْنى وَلَا نَفَقَة، ثمَّ قَالَ: اعْتدي عِنْد أم شريك ابْنة الحكم. ثمَّ قَالَ: تِلْكَ امْرَأَة يتحدث عِنْدهَا، اعْتدي عِنْد ابْن أم مَكْتُوم؛ فَإِنَّهُ رجل مَحْجُوب الْبَصَر، فتضعي ثِيَابك وَلَا يراك ".
وَأما رِوَايَة عَبدة فأوردها أَحْمد بن حَنْبَل إِثْر الرِّوَايَة الَّتِي ذكرنَا عَنهُ الْآن، فَقَالَ: حَدثنَا عَبدة بن سُلَيْمَان، حَدثنَا مجَالد، عَن الشّعبِيّ، قَالَ: حَدثنِي فَاطِمَة بنت قيس، قَالَت: طَلقنِي زَوجي ثَلَاثًا، فَأتيت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلم يَجْعَل لي سُكْنى وَلَا نَفَقَة، وَقَالَ: " إِنَّمَا السُّكْنَى وَالنَّفقَة لمن كَانَ لزَوجهَا عَلَيْهَا رَجْعَة "، وأمرها أَن تَعْتَد فِي بَيت ابْن أم مَكْتُوم الْأَعْمَى.
فَهَذِهِ رِوَايَة مجَالد، وَإِذا قرن بِالْجَمَاعَة توهم من يرَاهُ أَن الزِّيَادَة الْمَذْكُورَة من رِوَايَة جَمِيعهم، وَقد تبين أَنهم لم يرووها.
ولهشيم فِي التَّدْلِيس صَنْعَة مَحْذُورَة فِي مثل هَذَا.
من ذَلِك مَا ذكر أَبُو عبد الله بن البيع الْحَاكِم، أَن جمَاعَة من أَصْحَابه اجْتَمعُوا يَوْمًا على أَن لَا يَأْخُذُوا عَنهُ التَّدْلِيس، فَفطن لذَلِك، فَجعل يَقُول فِي كل حَدِيث يذكرهُ: حَدثنَا حُصَيْن، ومغيرة، عَن إِبْرَاهِيم، فَلَمَّا فرغ قَالَ لَهُم: هَل دلست لكم الْيَوْم؟ قَالُوا: لَا، فَقَالَ: لم أسمع من مُغيرَة حرفا وَاحِدًا مِمَّا ذكرته، إِنَّمَا قلت: حَدثنِي حُصَيْن، ومغيرة غير مسموع لي.(4/476)
وَإِذ قد تبينت رِوَايَة الْجَمَاعَة دون الزِّيَادَة، وَرِوَايَة مجَالد دونهم بِالزِّيَادَةِ، وفصلها الْحسن بن عَرَفَة عَن رِوَايَة الْجَمَاعَة، وَعَزاهَا إِلَى مجَالد مِنْهُم، فقد تحقق فِيهَا الريب، وَوَجَب لَهَا الضعْف بِضعْف مجَالد الْمُنْفَرد بهَا.
وَقد تولى الْخَطِيب بن ثَابت بَيَان أَمر هَذِه الزِّيَادَة بِبَعْض هَذَا الَّذِي بَيناهُ بِهِ فِي كِتَابه: " غنية الملتمس فِي إِيضَاح الملتبس ". فَاعْلَم ذَلِك، وَالله الْمُوفق.
وَأما قَول أبي مُحَمَّد: وخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا، فَإِنِّي أَظُنهُ يَعْنِي بذلك طَرِيقا آخر للزِّيَادَة الْمَذْكُورَة من غير رِوَايَة مجَالد عَن الشّعبِيّ، وَهُوَ أَيْضا لَا يَصح.
قَالَ النَّسَائِيّ: أَخْبرنِي أَحْمد بن يحيى قَالَ: حَدثنَا أَبُو نعيم، قَالَ: حَدثنَا سعيد بن يزِيد الأحمسي، قَالَ: حَدثنَا الشّعبِيّ، قَالَ: حَدثنَا فَاطِمَة بنت قيس، قَالَت: أتيت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقلت: أَنا بنت آل خَالِد، وَإِن زَوجي فلَانا أرسل إِلَيّ بطلاقي، وَإِنِّي سَأَلت أَهله النَّفَقَة وَالسُّكْنَى، فَأَبَوا عَليّ، قَالُوا: يَا رَسُول الله، إِنَّه أرسل بِثَلَاث تَطْلِيقَات، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّمَا النَّفَقَة وَالسُّكْنَى للْمَرْأَة إِذا كَانَ لزَوجهَا عَلَيْهَا الرّجْعَة ".
ذكره فِي بَاب الرُّخْصَة فِي التَّطْلِيق بِثَلَاث مجتمعة.
وَقَالَ قَاسم بن أصبغ: حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل، قَالَ: حَدثنَا أَبُو نعيم، فَذكر مثله سَوَاء.
وَسَعِيد بن يزِيد الأحمسي هَذَا، كُوفِي، لم تثبت عَدَالَته.(4/477)
وَقد ذكره أَبُو حَاتِم بِرِوَايَة أبي نعيم عَنهُ، وَرِوَايَته هُوَ عَن الشّعبِيّ، وَقَالَ: إِنَّه شيخ يرْوى عَنهُ، فَاعْلَم ذَلِك.
(2043) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ حَدِيث ابْن عمر: " التَّاجِر الصدوق الْمُسلم " الحَدِيث.(4/478)
وَسكت عَنهُ، وَأرَاهُ تسَامح فِيهِ، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن يُقَال فِيهِ: حسن؛ لِأَنَّهُ من رِوَايَة كثير بن هِشَام، وَهُوَ - وَإِن كَانَ قد أخرج لَهُ مُسلم - مستضعف عِنْد أبي حَاتِم وَغَيره، وَقَالَ ابْن معِين: لَا بَأْس بِهِ.
(2044) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار عَن ابْن مَسْعُود، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن الرِّبَا وَإِن كثر فَإِنَّهُ يصير إِلَى قل ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ من رِوَايَة أبي أَحْمد، عَن شريك، عَن الركين بن الرّبيع، عَن أَبِيه، عَن عبد الله، قَالَ الْبَزَّار: وَلَا نعلم رَوَاهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا عبد الله.
وَشريك، قد تقدم ذكره.
(2045) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -(4/479)
" اشْترى من عير بيعا وَلَيْسَ عِنْده ثمنه، فأربح فِيهِ، فَتصدق بِالرِّبْحِ على أرامل بني عبد الْمطلب " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ إِنَّمَا يرويهِ أَبُو دَاوُد من طَرِيق شريك - أَيْضا، عَن سماك، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس.
وَقد تقدم مَا لَهُ فِي شريك، وَسماك.
(2046) وَذكر من طَرِيق قَاسم بن أصبغ، عَن مَسْرُوق قَالَ: قَالَ عبد الله بن مَسْعُود: أشهد على الصَّادِق المصدوق أبي الْقَاسِم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ: " بيع المحفلات خلابة، وَلَا تحل خلابة مُسلم ".
ذكره أَبُو عمر فِي التَّمْهِيد، وَقد رُوِيَ مَوْقُوفا. انْتهى مَا ذكر.
وَهَذِه مِنْهُ مسالمة للْحَدِيث الْمَذْكُور، كَأَنَّهُ لَا عيب فِيهِ إِلَّا أَنه وقف وَرفع، وَهَذَا مِنْهُ معجب؛ فَإِن الحَدِيث الْمَذْكُور فِي غَايَة الضعْف، وَأَظنهُ اعتراه فِيهِ شَيْء، نذكرهُ مقيمين لعذره، وَذَلِكَ أَن الحَدِيث فِي التَّمْهِيد هَكَذَا:(4/480)
حَدثنَا عبد الْوَارِث بن سُفْيَان، حَدثنَا قَاسم بن أصبغ، حَدثنَا أَبُو يحيى بن أبي ميسرَة، حَدثنَا المقرئي، حَدثنَا المَسْعُودِيّ، عَن جَابر، وَعَن أبي الضُّحَى، عَن مَسْرُوق، قَالَ: قَالَ عبد الله بن مَسْعُود، فَذكره.
وَهُوَ هَكَذَا مُفسد - أَعنِي قَوْله: " عَن جَابر، وَعَن أبي الضُّحَى "، فَلَعَلَّ أَبَا مُحَمَّد رَآهُ هَكَذَا، فَظَنهُ غير مُفسد، واعتقد أَن جَابِرا الْجعْفِيّ مقرون بِأبي الضُّحَى، فاعتمد أَبَا الضُّحَى وَلم يبال جَابِرا لما اقْترن بِثِقَة، وسامح نَفسه فِي المَسْعُودِيّ واختلاطه.
(2047) كَمَا قد فعل فِي حَدِيث الْمُغيرَة بن شُعْبَة، فِي السَّهْو عَن الجلسة الْوُسْطَى. حَيْثُ سكت عَنهُ وَهُوَ من رِوَايَته.(4/481)
(2048) وَفِي حَدِيث " جعل الْيَمين على الشمَال " فِي الاسْتِسْقَاء أَيْضا كَذَلِك.
وَهَذَا كُله خطأ تبع فِيهِ نَاسِخا أَخطَأ فِي التَّمْهِيد، وبعيد أَن يكون ذَلِك من عمل أبي عمر.
ولنبين الْآن الصَّوَاب فَنَقُول:
هَذَا الحَدِيث إِنَّمَا هُوَ فِي كتاب قَاسم بن أصبغ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، دون وَاو فِي قَوْله: وَعَن أبي الضُّحَى، وَإِنَّمَا هُوَ: حَدثنَا المَسْعُودِيّ، عَن جَابر، عَن أبي الضُّحَى.
وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَن يكون؛ فَإِن جَابِرا الْجعْفِيّ يروي عَن أبي الضُّحَى،(4/482)
والمسعودي لَا يروي عَنهُ.
وَقد ذكر الْبَزَّار أَيْضا هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى الْقطعِي قَالَ: حَدثنَا أَبُو دَاوُد، قَالَ: أخبرنَا المَسْعُودِيّ، عَن جَابر، عَن أبي الضُّحَى، عَن مَسْرُوق، عَن عبد الله قَالَ: قَالَ الصَّادِق المصدوق: " بيع المحفلات خلابة، وَلَا تحل الخلابة ".
ثمَّ قَالَ: لَا نعلمهُ يرْوى عَن أبي الضُّحَى إِلَّا من حَدِيث جَابر. انْتهى كَلَامه، وَهُوَ تَصْحِيح لما قُلْنَاهُ.
وَذكره أَيْضا أَبُو بكر بن أبي شيبَة، قَالَ: حَدثنَا وَكِيع، عَن المَسْعُودِيّ، عَن جَابر، عَن أبي الضُّحَى، عَن مَسْرُوق، عَن عبد الله قَالَ: حَدثنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ الصَّادِق المصدوق قَالَ: " بيع المحفلات خلابة، وَلَا تحل الخلابة لمُسلم ". وَهَذَا أَيْضا كَذَلِك.
وَيَكْفِيك أَنه لم يَقع فِي كتاب قَاسم بن أصبغ الَّذِي مِنْهُ نَقله أَبُو عمر إِلَّا على الصَّوَاب، وَإِن لم يكن مَا رَأَيْنَاهُ من الْفساد فِيهِ فِي كل نسخ التَّمْهِيد، فقد وَقع أَبُو مُحَمَّد مِنْهُ فِي أَشد من ذَلِك، أَن يكون يصحح حَدِيثا انْفَرد بروايته جَابر الْجعْفِيّ، وَلَا يبين أَنه من رِوَايَته، وَفِيه أَيْضا المَسْعُودِيّ، وَقد بَينا حَاله فِيمَا مر من هَذَا الْبَاب.
وَإِن أردْت استظهاراً لرِوَايَة المَسْعُودِيّ عَن جَابر الْجعْفِيّ، عَن أبي الضُّحَى، عَن مَسْرُوق، عَن عبد الله بِغَيْر هَذَا الحَدِيث، فَحَدِيث: "(4/483)
(2049) " أمنا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَسلم عَن يَمِينه حَتَّى نرى بَيَاض خَدّه الْأَيْسَر: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله ".
ذكره الْبَزَّار أَيْضا بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَالْأَمر فِيهِ بَين، غير مُحْتَاج إِلَى مزِيد، فَاعْلَم ذَلِك.
(2050) وَذكر من طَرِيق مُسلم عَن جَابر بن عبد الله، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا بيع حَاضر لباد، دعوا النَّاس يرْزق الله بَعضهم من بعض ".(4/484)
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْد مُسلم من رِوَايَة زُهَيْر بن مُعَاوِيَة، عَن أبي الزبير، عَن جَابر، هَكَذَا مُعَنْعنًا.
(2051) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن ابْن عمر، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " نهى أَن يَبِيع أحد طَعَاما اشْتَرَاهُ بكيل حَتَّى يَسْتَوْفِيه ".
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْد أبي دَاوُد من رِوَايَة عَمْرو بن الْحَارِث، عَن الْمُنْذر بن عبيد، عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد، عَن ابْن عمر.
وَالْمُنْذر هَذَا مدنِي لَا تعرف حَاله.
قَالَ أَبُو حَاتِم: روى عَنهُ ابْن لَهِيعَة، وَعَمْرو بن الْحَارِث، وَأَبُو معشر، وَلم يعرف من حَاله بِشَيْء، فَهُوَ عِنْده مجهولها، فَاعْلَم ذَلِك.
(2052) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، حَدِيث زيد بن ثَابت: " نهى(4/485)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن تبَاع السّلع حَيْثُ تبْتَاع، حَتَّى يحوزها التُّجَّار إِلَى رحالهم ".
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا يرويهِ ابْن إِسْحَاق.
(2053) وَذكر من طَرِيق مُسلم عَن أبي الزبير " سَأَلت جَابِرا عَن ثمن السنور " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ من رِوَايَة معقل الْجَزرِي، عَن أبي الزبير، وَمَعْقِل عِنْدهم مستضعف.(4/486)
وَقد كرر سُكُوته عَن أَحَادِيث هِيَ من رِوَايَته، وَلم يبين ذَلِك، وَرُبمَا كَانَت معنعنة لأبي الزبير، وَقد مر ذكرهَا فِيمَا تقدم من ذكر أبي الزبير.
(2054) من ذَلِك حَدِيث: " استكثروا من النِّعَال؛ فَإِن الرجل مَا يزَال رَاكِبًا مَا انتعل ".(4/487)
(2055) وَقد ذكر حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي " ترك التَّسْمِيَة ".
من رِوَايَة مُحَمَّد بن يزِيد الرهاوي، عَن معقل، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن عِكْرِمَة عَنهُ.
وَضَعفه وَلم يبين بِمَاذَا، وَمَا أرَاهُ ضعفه إِلَّا من أجل مُحَمَّد بن يزِيد، لَا من أجل معقل.
(2056) وَذكر من طَرِيق مُسلم حَدِيث أبي سعيد " فِي بيعَة التَّمْر الرَّدِيء صَاعَيْنِ بِصَاع لمطعم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: وَذكره الْبَزَّار عَن بِلَال، فَقَالَ فِيهِ: أتيت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَحَدَّثته بِمَا صنعت، فَقَالَ: " انْطلق فَرده على صَاحبه " الحَدِيث.
قَالَ: وَكَذَلِكَ خرجه عَن أنس، فِيهِ أَيْضا " ردُّوهُ على صَاحبه ".
وَسكت عَن هذَيْن الْحَدِيثين " حَدِيث بِلَال، وَأنس، وهما غير صَحِيحَيْنِ.
قَالَ الْبَزَّار: حَدثنَا الْعَبَّاس بن عبد الْعَظِيم، حَدثنَا عَمْرو بن مُحَمَّد بن أبي رزين، حَدثنَا إِسْرَائِيل، عَن أبي إِسْحَاق، عَن مَسْرُوق، عَن بِلَال، قَالَ: كَانَ عِنْدِي تمر فَبِعْته بأجود مِنْهُ: بِنصْف كَيْله، أَبُو بِبَعْض كَيْله، فَأتيت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -(4/488)
فَحَدَّثته فَقَالَ: " انْطلق فَرده على صَاحبه، وَخذ تمرك، التَّمْر بِالتَّمْرِ مثلا بِمثل " فَفعلت.
قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ عَن إِسْرَائِيل عَمْرو بن مُحَمَّد، وَعُثْمَان بن عمر. انْتهى كَلَامه.
فَأَقُول: أما عُثْمَان بن عمر، فَلم يُوصل إِلَيْهِ إِسْنَاده، وَعَمْرو بن مُحَمَّد لَا تعرف حَاله، وَهُوَ من خُزَاعَة، روى عَنهُ الدوري، وَبُنْدَار، ويروي عَن الثَّوْريّ، وَشعْبَة، وَعمْرَان بن حدير، قَالَه أَبُو حَاتِم، وَلم يزدْ على هَذَا.
وَأرَاهُ قد أَخطَأ فِي قَوْله: روى عَنهُ الدوري؛ فَإِنَّهُ - أَعنِي عَبَّاس بن مُحَمَّد الدوري - غَايَته أَن يكون يروي عَن بنْدَار، وَإِنَّمَا اخْتَلَط عَلَيْهِ عَبَّاس بن عبد الْعَظِيم بعباس بن مُحَمَّد الدوري، وَزعم البُخَارِيّ أَن عَليّ بن الْمَدِينِيّ روى عَنهُ أَيْضا.
وَلَيْسَ فِي هَذَا كُله مَا يثبت عندنَا المبتغى من عَدَالَته.
هَذَا حَدِيث بِلَال، فَأَما حَدِيث أنس فَقَالَ الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن معمر، حَدثنَا روح بن عبَادَة، حَدثنَا كثير بن يسَار، عَن ثَابت، عَن أنس قَالَ: أُتِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِتَمْر الريان فَقَالَ: " أَنى لكم هَذَا التَّمْر؟ " قَالُوا: كَانَ عندنَا تمر(4/489)
بعل فَبِعْنَاهُ صَاعَيْنِ بِصَاع، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ردُّوهُ على صَاحبه ".
وَهَذَا أَيْضا كَذَلِك؛ فَإِن كثير بن يسَار تفرد عَن ثَابت، وحاله غير مَعْرُوفَة، وَإِن كَانَ قد روى عَنهُ جمَاعَة: مِنْهُم حَمَّاد بن زيد، وجعفر بن سُلَيْمَان، وروح بن عبَادَة، وَصدقه بن أبي سهل، وروى عَن الْحسن، وثابت الْبنانِيّ، ويوسف بن عبد الله بن سَلام.
هَذَا مَا ذكره بِهِ أَبُو حَاتِم.
وَخَالف بذلك البُخَارِيّ؛ فَإِن البُخَارِيّ جعل هَذَا فِي رسمين، وَذَلِكَ مُؤَكد للْجَهْل بِهِ، فَاعْلَم ذَلِك.
(2057) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن الله يَقُول: أَنا ثَالِث الشَّرِيكَيْنِ " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ إِنَّمَا يرويهِ أَبُو حَيَّان التَّيْمِيّ، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَأَبُو حَيَّان، وَهُوَ يحيى بن سعيد بن حَيَّان أحد الثِّقَات، وَلَكِن أَبوهُ لَا تعرف لَهُ حَال، وَلَا يعرف من روى عَنهُ غير ابْنه.
ويروي عَن أبي حَيَّان أَبُو همام مُحَمَّد بن الزبْرِقَان.(4/490)
وَحكى الدَّارَقُطْنِيّ عَن لوين أَنه قَالَ: لم يسْندهُ غير أبي همام.
ثمَّ سَاقه من رِوَايَة أبي ميسرَة النهاوندي، قَالَ: حَدثنَا جرير، عَن أبي حَيَّان، عَن أَبِيه، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مُرْسلا.
(2058) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا حَدِيث جَابر: " إِذا أتيت وَكيلِي، فَخذ مِنْهُ خَمْسَة عشر وسْقا، فَإِن ابْتغى مِنْك آيَة، فضع يدك على ترقوته ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق، وَلم يبين ذَلِك.
(2059) وَذكر حَدِيث الَّذِي كَانَ يخدع فِي الْبيُوع من تَارِيخ البُخَارِيّ، وَفِيه: " وَأَنت فِي كل سلْعَة ابتعتها بِالْخِيَارِ ثَلَاث لَيَال ".(4/491)
وَسكت عَنهُ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق.
وَالْبُخَارِيّ إِنَّمَا أوردهُ فِي تَارِيخه هَكَذَا: وَقَالَ عَيَّاش بن الْوَلِيد، حَدثنَا عبد الْأَعْلَى، حَدثنَا ابْن إِسْحَاق، حَدثنِي مُحَمَّد بن يحيى بن حبَان قَالَ: كَانَ جدي منقذ بن عَمْرو، أَصَابَته آمة فِي رَأسه فَكسرت لِسَانه، ونزعت عقله، وَكَانَ لَا يدع التِّجَارَة، فَلَا يزَال يغبن، فَذكر ذَلِك للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: " إِذا بِعْت فَقل: لَا خلابة، وَأَنت فِي كل سلْعَة ابتعتها بِالْخِيَارِ ثَلَاث لَيَال ".(4/492)
وعاش ثَلَاثِينَ وَمِائَة سنة، وَكَانَ فِي زمن عُثْمَان حِين كثر النَّاس يبْتَاع فِي السُّوق، فيغبن، فَيصير إِلَى أَهله، فيلومونه فَيردهُ، وَيَقُول: " إِن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جعلني بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا " حَتَّى يمر الرجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَيَقُول: صدق.
(2060) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن رَافع بن خديج، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَنه نهى عَن كسب الْإِمَاء حَتَّى يعلم من أَيْن هُوَ ".(4/493)
وَسكت عَنهُ، وَمَا مثله صحّح؛ فَإِنَّهُ من رِوَايَة عبيد الله بن هرير، عَن أَبِيه، عَن جده رَافع.
هَكَذَا ذكره أَبُو دَاوُد، وَيَنْبَغِي أَن تكون الْهَاء من جده عَائِدَة على هرير؛ فَإِنَّهُ عبيد الله بن هرير بن عبد الرَّحْمَن بن رَافع بن خديج، قَالَه البُخَارِيّ.
وَعبيد الله مَجْهُول الْحَال.
قَالَ البُخَارِيّ: حَدِيثه لَيْسَ بالمشهور.
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: روى عَنهُ إِبْرَاهِيم بن جَعْفَر، وَابْن أبي فديك، وَأَهْمَلَهُ، فَهُوَ عِنْده مَجْهُول.(4/494)
وَأما أَبوهُ هرير بن عبد الرَّحْمَن فَثِقَة، قَالَه ابْن معِين.
(2061) وَذكر من طَرِيق الطَّبَرِيّ عَن عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا تخيفوا الْأَنْفس بعد أمنها "، قَالُوا: يَا رَسُول الله، وَمَا ذَاك؟ قَالَ: " الدَّين ".
ثمَّ قَالَ: خرجه أَيْضا الطَّحَاوِيّ، والْحَارث بن أبي أُسَامَة.
هَكَذَا سكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث إِنَّمَا يرويهِ [عَن عقبَة، بكر بن عَمْرو الْمعَافِرِي، وَعَن بكر شُعَيْب بن زرْعَة] ، وَكِلَاهُمَا لم تثبت ثقته فِي الحَدِيث.
أما بكر بن عَمْرو، فَهُوَ إِمَام مَسْجِد الْجَامِع بِمصْر، وَهُوَ مصري معافري، يروي عَن مشرح بن عاهان، وَأبي عبد الرَّحْمَن الحبلي، وَبُكَيْر بن الْأَشَج.
يروي عَنهُ حَيْوَة بن شُرَيْح، وَسَعِيد بن أبي أَيُّوب، وَيحيى بن أَيُّوب، وَابْن لَهِيعَة.(4/495)
سُئِلَ أَبُو حَاتِم عَنهُ فَقَالَ: شيخ. وَكَذَلِكَ أَحْمد بن حَنْبَل، وَقَالَ أَبُو سعيد بن يُونُس فِي تَارِيخ المصريين: كَانَت لَهُ عبَادَة وَفضل.
وَشُعَيْب بن زرْعَة يروي عَن عقبَة بن عَامر، روى عَنهُ بكر هَذَا، وَأَبُو قبيل المعافريان، قَالَه أَبُو حَاتِم، وَلم يعرف حَاله.
وَمن أحْسنهم لَهُ سِيَاقَة - إِسْنَادًا ومتنا - بَقِي بن مخلد، قَالَ: حَدثنَا أَبُو الطَّاهِر، قَالَ: أخبرنَا ابْن وهب، عَن حَيْوَة، عَن بكر بن عَمْرو، عَن شُعَيْب ابْن زرْعَة، عَن عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ أَنه سمع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول لأَصْحَابه: " لَا تخيفوا أَنفسكُم " أَو قَالَ: " الْأَنْفس " فَقيل لَهُ: يَا رَسُول الله، وَمَا يخيف الْأَنْفس؟ قَالَ: " الدَّين ".
وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا يُونُس - هُوَ ابْن عبد الْأَعْلَى - قَالَ: حَدثنَا ابْن وهب، فَذكره، وَقَالَ فِيهِ: فَقيل: يَا رَسُول الله، بِمَ نخيف أَنْفُسنَا؟
(2062) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار عَن عبد الله بن مَسْعُود، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " قرض مرَّتَيْنِ يعدل صَدَقَة مرّة ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ متسامح فِيهِ؛ فَإِنَّهُ من رِوَايَة الْبَزَّار عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى، وأزهر بن جميل، قَالَا: حَدثنَا الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان، قَالَ: قَرَأت على الفضيل بن ميسرَة، عَن أبي حريز، عَن إِبْرَاهِيم، عَن الْأسود، عَن(4/496)
عبد الله، فَذكره.
وَقد تقدم القَوْل فِي أبي حريز فِي هَذَا الْبَاب، إِثْر حَدِيث:
(2063) : " إنكن إِذا فعلتن ذَلِك قطعتن أرحامكن ".
(2064) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ، عَن عبد الله بن أبي ربيعَة المَخْزُومِي(4/497)
قَالَ: استسلف مني رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَرْبَعِينَ ألفا، فجَاء مَال فَدَفعهَا إِلَيّ، وَقَالَ: " بَارك الله لَك فِي أهلك وَمَالك، إِنَّمَا جَزَاء السّلف الْحَمد وَالْأَدَاء ".
وَسكت عَنهُ، وَإِسْنَاده عِنْد النَّسَائِيّ هُوَ هَذَا: أخبرنَا عَمْرو بن عَليّ، حَدثنَا عبد الرَّحْمَن، عَن سُفْيَان، عَن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن أبي ربيعَة، عَن أَبِيه، عَن جده، قَالَ: اسْتقْرض مني رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَذكره.
وَهَذَا الْإِسْنَاد لَهُ تَفْسِير، وَذَلِكَ أَن ظَاهر هَذَا مُسْتَقِيم، فَإِذا عرف أَنه إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن أبي ربيعَة، وَجب أَن يَجْعَل قَوْله: " عَن جده " إِمَّا على أَنه جد أَبِيه، فَتكون الْهَاء من " جده " عَائِدَة على إِبْرَاهِيم، أَو يكون سَمَّاهُ جدا بِمَا هُوَ جد أَعلَى؛ فَإِن الصَّحَابِيّ هُوَ عبد الله ابْن أبي ربيعَة، وَهُوَ أَخُو عَيَّاش بن أبي ربيعَة.
وَإِلَى ذَلِك، فَإِن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن أبي ربيعَة الْمَذْكُور، لَا تعرف لَهُ حَال، وَإِن كَانَ قد روى عَنهُ الزُّهْرِيّ، وابناه: إِسْمَاعِيل ومُوسَى، وَسَعِيد بن سَلمَة بن أبي الحسام.
وَابْنه إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم أَيْضا، لم تثبت عَدَالَته.(4/498)
وَقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: شيخ.
وروى عَنهُ الثَّوْريّ، وحاتم بن إِسْمَاعِيل، وَهُوَ مدنِي.
(2065) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ أَيْضا حَدِيث: " لي الْوَاجِد يحل عرضه وعقوبته ".
وَسكت عَنهُ، وَإِسْنَاده هُوَ هَذَا: أخبرنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، أخبرنَا وَكِيع، حَدثنَا وبر بن أبي دليلة الطَّائِفِي، حَدثنَا مُحَمَّد بن مَيْمُون بن مُسَيْكَة - وَأثْنى عَلَيْهِ خيرا - أخبرنَا عَمْرو بن الشريد، عَن أَبِيه. فَذكره.(4/499)
وَابْن أبي دليلة ثِقَة، وَمُحَمّد بن مَيْمُون من مُسَيْكَة لَا يعرف من حَاله إِلَّا مَا فِي هَذَا الْإِسْنَاد: من ثَنَاء وبر عَلَيْهِ، وَذكره ابْن أبي حَاتِم، فَلم يعرف من حَاله بِشَيْء، وَلَا ذكر مِمَّن روى عَنهُ غير ابْن أبي دليلة وَلَا مِمَّن روى هُوَ عَنهُ، غير عَمْرو بن الشريد.
وَأما عَمْرو بن الشريد فروى عَنهُ جمَاعَة: الزُّهْرِيّ، وَصَالح بن دِينَار، وَإِبْرَاهِيم بن ميسرَة، وَيُونُس بن الْحَارِث، وَعبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن يعلى ابْن كَعْب الطَّائِفِي، قَالَه أَبُو حَاتِم، وَلم يذكر لَهُ حَالا.
وَأخرج لَهُ البُخَارِيّ.
(2066) وَذكر من طَرِيق ابْن أبي شيبَة، عَن يعلى بن مرّة، سَمِعت(4/500)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " من أَخذ أَرضًا بِغَيْر حَقّهَا كلف أَن يحمل ترابها إِلَى الْمَحْشَر ".
هَكَذَا سكت عَنهُ، وَإِسْنَاده هُوَ هَذَا: حَدثنَا يحيى بن زَكَرِيَّاء بن أبي زَائِدَة، عَن أبي يَعْفُور، عَن أَيمن - هُوَ ابْن ثَابت، أَبُو ثَابت - قَالَ: سَمِعت يعلى بن مرّة يَقُول: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. فَذكره.
وأيمن بن ثَابت أَبُو ثَابت، كُوفِي، من بني ثَعْلَبَة، يروي عَن ابْن عَبَّاس، ويعلى بن مرّة، روى عَنهُ أَبُو يَعْفُور: عبد الرَّحْمَن بن عبيد بن نسطاس، وَالربيع بن عبد الله، وَذكر ابْن ابْن الفرضي أَن الشّعبِيّ روى عَنهُ، وَهُوَ لَا يعرف لَهُ حَال، وَهَكَذَا ذكره ابْن الفرضي: أَيمن بن ثَابت، أَبُو ثَابت.
فَأَما ابْن أبي حَاتِم فَقَالَ: أَيمن أَبُو ثَابت، لم يذكر أَبَاهُ.
وَذكر عَليّ بن عبد الْعَزِيز هَذَا الحَدِيث فِي منتخبه هَكَذَا: حَدثنَا مُسلم، حَدثنَا عبد الْوَاحِد بن زِيَاد، حَدثنَا أَبُو يَعْفُور، حَدثنِي أَبُو ثَابت، عَن يعلى بن(4/501)
مرّة، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من أَخذ من الأَرْض شَيْئا ظلما، جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة يحمل ترابها إِلَى الْمَحْشَر ".
(2067) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد: عَن عبد الله بن حبشِي، قَالَ(4/502)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من قطع سِدْرَة صوب الله رَأسه فِي النَّار ".
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا يرويهِ عُثْمَان بن أبي سُلَيْمَان، عَن سعيد بن مُحَمَّد ابْن جُبَير بن مطعم، عَن عبد الله بن حبشِي.
فَأَما عُثْمَان فأحد ثِقَات المكيين، وَهُوَ عُثْمَان بن أبي سُلَيْمَان بن جُبَير بن مطعم، وَأما ابْن عَمه سعيد بن مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم، فَلَا تعرف لَهُ حَال، وَإِن كَانَ قد روى عَنهُ جمَاعَة: مِنْهُم عُثْمَان الْمَذْكُور، وَعبيد الله بن موهب، وَابْن أبي ذِئْب، وَعبد الله بن جَعْفَر، وَغَيرهم.
كلهم أَخذ عَنهُ هَذَا الحَدِيث، وَلَا أعرف لَهُ من الْعلم غَيره، وَإِن كَانَ مَعْرُوف الْبَيْت وَالنّسب.
وَله أَخ اسْمه عمر، وَأَخ ثَان اسْمه الْحَارِث، يروي أَيْضا عَن أَبِيه، وثالث اسْمه جُبَير بن مُحَمَّد بن جُبَير، يروي أَيْضا عَن أَبِيه، فهم أَرْبَعَة: سعيد، وَعمر، والْحَارث، وَجبير. فَالْحَدِيث من أَجله حسن.
(2068) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار عَن عَليّ، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَمر بالجماجم(4/503)
أَن تنصب فِي الزَّرْع [من أجل الْعين "] .
وَسكت عَنهُ وَهُوَ لَا يَصح.
قَالَ الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن معمر، حَدثنَا يَعْقُوب بن مُحَمَّد، حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، عَن الْهَيْثَم بن مُحَمَّد بن حَفْص، عَن عمر بن عَليّ، عَن أَبِيه. فَذكره.
الْهَيْثَم هَذَا مَجْهُول، قَالَه أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ، وَلَا يعرف روى عَنهُ غير الدَّرَاورْدِي.
(2069) وَذكر من طَرِيق ابْن أبي شيبَة، عَن ضرار بن الأوزر قَالَ:(4/504)
بَعَثَنِي أَهلِي بلقوح إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فَأمرنِي أَن أَحْلَبَهَا، فحلبتها، فَقَالَ: دع دَاعِي اللَّبن لَا تجهده ".
وَسكت عَنهُ، وَإِسْنَاده عِنْد ابْن أبي شيبَة هُوَ هَذَا:
حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة، ووكيع، عَن الْأَعْمَش، عَن يَعْقُوب بن بحير، عَن ضرار بن الْأَزْوَر، فَذكره.
وَيَعْقُوب بن بحير لَا يعرف بِغَيْر هَذَا، وَلَا يعرف روى عَنهُ غير الْأَعْمَش، على مَا قَالَ عَنهُ أَبُو مُعَاوِيَة، ووكيع.
فَأَما الثَّوْريّ فَإِنَّهُ يَقُول فِيهِ: عَن الْأَعْمَش، عَن عبد الله بن سِنَان، عَن ضرار، قَالَه أَبُو حَاتِم.
وَأَبُو مُحَمَّد - رَحمَه الله - لم يذكر متن حَدِيث عبد الله بن سِنَان؛ فَإِنَّهُ لَو ذكره كَانَ أمثل إِسْنَادًا؛ فَإِن عبد الله بن سِنَان الَّذِي يروي عَنهُ الْأَعْمَش وَأَبُو(4/505)
حُصَيْن، وروى هُوَ عَن ابْن مَسْعُود - ثِقَة.
(2070) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ:(4/506)
" تهادوا؛ فَإِن الْهَدِيَّة تذْهب وحر الصَّدْر، لَا تحقرن جَارة لجارتها وَلَو فرسن شَاة ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ عِنْد التِّرْمِذِيّ من رِوَايَة أبي معشر، نجيح، عَن سعيد، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَأَبُو معشر ضَعِيف، وَمِنْهُم من يوثقه.
فَالْحَدِيث من أَجله حسن، وَإِنَّمَا كَانَ عَلَيْهِ أَن يبين كَونه من رِوَايَته، إِحَالَة على مَا ذكر فِيهِ فِي مَوَاضِع.(4/507)
(2071) وَقد كرر هَذَا الْعَمَل فِي حَدِيث: " اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْجُوع؛ فَإِنَّهُ بئس الضجيع ".
وَسكت عَنهُ أَيْضا، وَلم يبين أَنه من رِوَايَته، فَأَما أَحَادِيث أخر، فَإِنَّهُ بَين - بعد ذكره إِيَّاهَا - أَنَّهَا من رِوَايَته، وَأتبعهُ قولا مِنْهُ.
(2072) فَمن ذَلِك حَدِيث: " لَا تَقولُوا: رَمَضَان ".
قَالَ بعده: من ضعفه أَكثر من وَثَّقَهُ، وَمَعَ ضعفه يكْتب حَدِيثه.(4/509)
(2073) وَحَدِيث جَابر، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن الله يدْخل بِالْحجَّةِ الْوَاحِدَة ثَلَاثَة " - يَعْنِي الْجنَّة -.
قَالَ بعده: أَبُو معشر أَكثر النَّاس ضعفه، وَمَعَ ضعفه يكْتب حَدِيثه.
(2074) وَحَدِيث: " أَن رجلا أكل فِي رَمَضَان ".
قَالَ بعده: أَبُو معشر ضَعِيف.
(2075) وَحَدِيث: " لَا أَعرفن أحدكُم مُتكئا على أريكته ".(4/510)
قَالَ بعده: روى عَنهُ الجلة: اللَّيْث، وهشيم، وَيزِيد بن هَارُون، ووكيع، وَالثَّوْري، وَابْن مهْدي، وَغَيرهم، وَلم يكن قَوِيا فِي الحَدِيث، إِلَّا أَن هشيما كَانَ يُقَوي أمره وَيَقُول: مَا رَأَيْت مدنيا يُشبههُ.(4/511)
(2076) وَحَدِيث: " لَا تقطعوا اللَّحْم بالسكين؛ فَإِنَّهُ من صَنِيع الْأَعَاجِم ".(4/512)
قَالَ بعده: قَالَ أَبُو دَاوُد: لَيْسَ بِالْقَوِيّ -[يَعْنِي الحَدِيث - قَالَ: إِنَّمَا يرويهِ أَبُو معشر، عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة] .
(2077) وَحَدِيث: دَعْوَة الْمَظْلُوم مستجابة، وَإِن كَانَ فَاجِرًا ".
هُوَ وَإِن كَانَ سكت عَنهُ، قد أبرز من إِسْنَاده أَبَا معشر، وَبَين أَنه من رِوَايَته.(4/513)
(2078) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث الْمِقْدَام بن معدي كرب، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَيّمَا رجل أضَاف قوما فَأصْبح [الضَّيْف] محروما " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ لَا يَصح؛ فَإِن رَاوِيه عَن الْمِقْدَام، هُوَ سعيد بن المُهَاجر، لَا تعرف حَاله، وَلَا يعرف روى عَنهُ غير أبي الجودي: الْحَارِث بن(4/514)
عُمَيْر، وَأَبُو الجودي ثِقَة.
(2079) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ حَدِيث ابْنَتي سعد بن الرّبيع فِي الْمَوَارِيث، وَصَححهُ بتصحيح التِّرْمِذِيّ.
وَهُوَ من رِوَايَة عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، وَقد تقدم ذكره فِي هَذَا الْبَاب.
(2080) وَذكر من طَرِيق البُخَارِيّ حَدِيث ابْن مَسْعُود فِي " ابْنة، وَابْنه ابْن، وَأُخْت ".
وَسكت عَنهُ؛ لِأَنَّهُ من كتاب البُخَارِيّ: وَلم يعرض لكَونه من رِوَايَة أبي قيس: عبد الرَّحْمَن بن ثروان، وَقد مر لَهُ فِي عبد الرَّحْمَن بن ثروان أَن لَهُ أَحَادِيث يُخَالف فِيهَا.(4/515)
(2081) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث بُرَيْدَة فِي الْأَزْدِيّ الَّذِي مَاتَ، وَلم يُوجد لميراثه أزدي.
ثمَّ قَالَ: وَفِي لفظ آخر: مَاتَ رجل من خُزَاعَة، فَأتي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بميراثه، فَقَالَ: " التمسوا لَهُ وَارِثا أَو ذَا رحم " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة شريك، عَن جِبْرِيل بن أَحْمَر، عَن عبد الله بن بُرَيْدَة، عَن أَبِيه.
(2082) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِذا اسْتهلّ الْمَوْلُود ورث ".
سكت عَنهُ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق.(4/516)
(2083) وَذكر من طَرِيقه عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كل قسم [قسم] فِي الْجَاهِلِيَّة فَهُوَ على مَا قسم " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَيَنْبَغِي أَن يكون حسنا؛ فَإِنَّهُ من رِوَايَة مُحَمَّد بن مُسلم الطَّائِفِي، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن أبي الشعْثَاء، عَن ابْن عَبَّاس.(4/518)
وَمُحَمّد بن مُسلم مُخْتَلف فِيهِ.
(2084) وَهُوَ قد تولى ذكر ذَلِك إِثْر حَدِيث ذكره من عِنْد أبي أَحْمد، من رِوَايَة مُحَمَّد بن مُسلم الْمَذْكُور، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من كَانَت عِنْده شَهَادَة فَلَا يقل: لَا أخبر بهَا إِلَّا عِنْد الإِمَام، وَلَكِن ليخبر بهَا لَعَلَّه يرجع أَو يرعوي ".
فَأَقل مَا كَانَ عَلَيْهِ هَاهُنَا أَن يبين أَن هَذَا الحَدِيث من رِوَايَته.
(2085) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن أبي أُمَامَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من شفع لِأَخِيهِ شَفَاعَة " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ من رِوَايَة الْقَاسِم الشَّامي.
(2086) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا حَدِيث أم سَلمَة: " إِنَّكُم تختصمون(4/519)
إِلَيّ بِزِيَادَة: " اقْتَسمَا وتوخيا ".
وَفِيه أَنهم اخْتَصَمُوا فِي مَوَارِيث وَأَشْيَاء قد درست.
وَفِيه: " أَقْْضِي بَيْنكُمَا برأيي فِيمَا لم ينزل عَليّ فِيهِ ".
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا هُوَ من رِوَايَة أُسَامَة بن زيد اللَّيْثِيّ، عَن عبد الله بن رَافع مولى أم سَلمَة عَنْهَا.
وَعبد الله ثِقَة، وَأُسَامَة مُخْتَلف فِيهِ، وَقد مر ذكر مَاله فِي هَذَا الْبَاب.(4/520)
(2087) وَذكر من طَرِيق مُسلم حَدِيث: " ذِي النسعة ".
وَلم يبين أَنه من رِوَايَة سماك بن حَرْب، وَقد مر أَيْضا فِي هَذَا الْبَاب ذكره.
(2088) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن عَائِشَة، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " على المقتتلين أَن ينحجزوا، الأول فَالْأول، وَإِن كَانَت امْرَأَة ".
وَسكت عَنهُ، وحصن رَاوِيه عَن أبي سَلمَة، لَا تعرف لَهُ حَال، وَلَا روى عَنهُ غير الْأَوْزَاعِيّ، وَبِذَلِك يذكر فِي كتب الرِّجَال من غير مزِيد.
وَمِمَّنْ ذكره البُخَارِيّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَابْن أبي حَاتِم، وَقَالَ: إِنَّه سَأَلَ أَبَاهُ عَنهُ فَقَالَ: لَا أعلم أحدا روى عَنهُ غير الْأَوْزَاعِيّ، وَلَا أعلم أحد نسبه.
(2089) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن أنس قَالَ: " مَا رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -(4/521)
رفع إِلَيْهِ شَيْء فِيهِ قصاص، إِلَّا أَمر فِيهِ بِالْعَفو ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ إِنَّمَا يرويهِ مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، عَن عبد الله بن بكر ابْن عبد الله الْمُزنِيّ، عَن عَطاء بن أبي مَيْمُونَة، عَن أنس.
(2090) وَقد قدم أَبُو مُحَمَّد فِي حَدِيث التسليمة الْوَاحِدَة تِلْقَاء الْوَجْه أَن قَالَ فِي عَطاء بن أبي مَيْمُونَة: ضَعِيف، مَعْرُوف بِالْقدرِ.
فَأَقل مَا كَانَ عَلَيْهِ أَن يبين أَن هَذَا الحَدِيث من رِوَايَته، فَأَما عبد الله بن بكر فَلَيْسَ بِهِ بَأْس.
(2091) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي أَن " ولد الزِّنَا شَرّ الثَّلَاثَة ".
ثمَّ قَالَ: وَذكر الطَّحَاوِيّ عَن عَائِشَة أَن هَذَا فِي رجل مَخْصُوص.
كَذَا قَالَ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق.
والْحَدِيث هُوَ هَذَا: قَالَ الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا صَالح بن شُعَيْب بن أبان، حَدثنَا الْحسن بن عمر بن شَقِيق، حَدثنَا سَلمَة بن الْفضل، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، قَالَ: بلغ عَائِشَة أَن أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ولد الزِّنَا شَرّ الثَّلَاثَة " فَقَالَت: يرحم الله أَبَا هُرَيْرَة، أَسَاءَ سمعا(4/522)
فأساء إِجَابَة؛ لم يكن الحَدِيث على هَذَا، إِنَّمَا كَانَ رجل يُؤْذِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أما إِنَّه [مَعَ] مَا بِهِ. ولد الزِّنَا "، وَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " هُوَ شَرّ الثَّلَاثَة ".
قَالَ أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ: هَكَذَا فِي الحَدِيث، وَأما أهل اللُّغَة فَيَقُولُونَ: سَاءَ سمعا فسَاء إِجَابَة بِغَيْر ألف ".(4/523)
(2092) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن أبي هُرَيْرَة فِي حَدِيث مَاعِز، أَن(4/524)
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لَهُ: " أنكتها "؟ قَالَ: " نعم " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث إِنَّمَا يرويهِ ابْن جريج، أَخْبرنِي أَبُو الزبير، أَن عبد الرَّحْمَن بن الصَّامِت ابْن عَم أبي هُرَيْرَة، أخبرهُ أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة، فَذكره.
وَهَذَا لايصح؛ لِأَن عبد الرَّحْمَن بن الصَّامِت مَجْهُول، وَعبد الرَّزَّاق، هُوَ الَّذِي يَقُول فِيهِ: عَن ابْن جريج، عَن أبي الزبير، عَن عبد الرَّحْمَن بن الصَّامِت.
وَقَالَ فِيهِ حَمَّاد بن سَلمَة: عبد الرَّحْمَن بن الهضهاض، قَالَ البُخَارِيّ: وَابْن الصَّامِت، لَا أرَاهُ مَحْفُوظًا، قَالَ: وَحَدِيثه فِي أهل الْحجاز، وَلَيْسَ يعرف إِلَّا بِهَذَا الْوَاحِد. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: ابْن هضهاض أصح.
(2093) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن نعيم بن هزال، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لماعز حِين اعْترف " إِنَّك قلتهَا أَربع مَرَّات، فبمن؟ قَالَ: بفلانة ".(4/525)
وَسكت عَنهُ، وَلم يقل فِيهِ: إِنَّه من رِوَايَة هِشَام بن سعد، عَن يزِيد بن نعيم بن هزال، عَن أَبِيه عَن [جده] ، وَقد ذكر قبله بِيَسِير حَدِيث: " فَهَلا(4/526)
تَرَكْتُمُوهُ " - وَهُوَ كُله حَدِيث وَاحِد، وَهَذِه قِطْعَة أُخْرَى مِنْهُ - فَقَالَ: " لَيْسَ إِسْنَاد هَذَا بِالْقَوِيّ؛ لِأَنَّهُ من حَدِيث هِشَام بن سعد، عَن يزِيد بن نعيم بن هزال، عَن أَبِيه عَن [جده] .
وَأَقل مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي هَذِه الْقطعَة أَن يبين من رِوَايَة من هِيَ، ويعتمد من تضعيفهم على مَا قدم فيهم.
وَالْخَبَر بنصه هُوَ هَذَا،: قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْأَنْبَارِي، حَدثنَا وَكِيع، عَن هِشَام بن سعد، قَالَ: أَخْبرنِي يزِيد بن نعيم بن هزال، عَن أَبِيه، قَالَ: كَانَ مَاعِز بن مَالك يَتِيما فِي حجر أبي، فَأصَاب جَارِيَة من الْحَيّ، فَقَالَ لَهُ أبي: ائْتِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأخْبرهُ بِمَا صنعت لَعَلَّه يسْتَغْفر لَك، وَإِنَّمَا يُرِيد بذلك رَجَاء أَن يكون لَهُ مخرج، فَأَتَاهُ، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي زَنَيْت فأقم عَليّ كتاب الله، فَأَعْرض عَنهُ، فَعَاد فَأَعْرض عَنهُ، فَعَاد فَأَعْرض عَنهُ، فَعَاد فَأَعْرض عَنهُ، حَتَّى قَالَهَا أَربع مَرَّات، قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّك قد قلتهَا أَربع مَرَّات، فبمن؟ قَالَ: بفلانة، قَالَ ضاجعتها؟ قَالَ: نعم، قَالَ: هَل باشرتها؟ قَالَ: نعم، قَالَ: هَل جامعتها؟ قَالَ: نعم، قَالَ: يرْجم، فَأخْرج بِهِ إِلَى(4/527)
الْحرَّة، فَلَمَّا رجم فَوجدَ مس الْحِجَارَة جزع، فَخرج يشْتَد، فَلَقِيَهُ عبد الله بن أنيس وَقد أعجز أَصْحَابه، فَنزع لَهُ بوظيف بعير فَرَمَاهُ بِهِ فَقتله، ثمَّ أُتِي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذكر ذَلِك لَهُ، فَقَالَ: هلا تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّه فيتوب الله عَلَيْهِ ".
اختصرت فِيهِ عودة أَربع مَرَّات هَكَذَا، واعتمدت سِيَاق لَفظه فِيمَا سوى ذَلِك.
وَلم يضعف الحَدِيث إِلَّا بِهِشَام بن سعد، وَقد تقدم ذكره فِي هَذَا الْبَاب بشرح مَاله فِيهِ.
فَأَما يزِيد بن نعيم بن هزال، فمدني تَابِعِيّ ثِقَة، قَالَه الْكُوفِي.
وَقد سَاق أَبُو مُحَمَّد بعد هَذَا مَا يدل على أَنه ثِقَة؛ وَذَلِكَ أَنه سَاق من عِنْد أبي دَاوُد، عَن يزِيد بن نعيم الْمَذْكُور، عَن أَبِيه نعيم بن هزال قَول النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لهزال:
(2094) " لَو سترته بثوبك لَكَانَ خيرا لَك ".(4/528)
وَسكت عَنهُ مصححا لَهُ، وَهُوَ يرويهِ عَن يزِيد بن نعيم، زيد بن أسلم.
ثمَّ عَاد إِلَى مثل عمله فَقَالَ: وَفِي طَرِيق آخر أَن هزالًا أَمر ماعزا أَن يَأْتِي نَبِي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. وَسكت أَيْضا عَن ذَلِك، هِيَ قِطْعَة من الْخَبَر الْمَذْكُور.
(2095) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن جَابر حَدِيث " الَّذِي اعْترف بِأَنَّهُ(4/529)
زنى بِامْرَأَة فجلد، ثمَّ أخبر أَنه مُحصن فرجم ".
وَلم يبين أَنه من رِوَايَة ابْن جريج، عَن أبي الزبير، عَن جَابر، من غير تحديث وَلَا ذكر سَماع.
(2096) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تقطع يَد السَّارِق فِيمَا دون الْمِجَن ".(4/530)
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق، عَن يزِيد بن أبي حبيب أَن بكير ابْن عبد الله بن الْأَشَج، حَدثهُ أَن سُلَيْمَان بن يسَار حَدثهُ، أَن عمْرَة حدثته عَنْهَا.(4/531)
(2097) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن ابْن عمر وَنَفر من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالُوا: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من شرب الْخمر فاجلدوه " الحَدِيث.(4/532)
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث عِنْد النَّسَائِيّ هَكَذَا: أخبرنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، أخبرنَا جرير، عَن الْمُغيرَة، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي نعم، عَن ابْن عمر وَنَفر من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. فَذكره.
عبد الرَّحْمَن بن أبي نعم، أَبُو الحكم البَجلِيّ الْكُوفِي، سمع أَبَا هُرَيْرَة، وَأَبا سعيد، وَرَافِع بن خديج، والمغيرة بن شُعْبَة، وَابْن عمر، روى عَنهُ زُرَارَة ابْن أوفى، وفضيل بن غَزوَان، قَالَه أَبُو حَاتِم، وَذكر لَهُ عبَادَة وفضلا.(4/533)
(2098) وَقَالَ أَبُو بكر بن أبي خَيْثَمَة: سُئِلَ يحيى بن معِين عَن حَدِيث(4/538)
يزِيد بن أبي زِيَاد، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي نعم، عَن أبي سعيد عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، قَالَ: " الْحسن وَالْحُسَيْن سيدا شباب أهل الْجنَّة ". فَقَالَ: ابْن أبي نعم ضَعِيف.(4/539)
(2099) وَذكر أَنه قد صَحَّ من حَدِيث عَائِشَة قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " ولد الرجل من كَسبه، من أطيب كَسبه، فَكُلُوا من أَمْوَالهم ".(4/544)
ذكره أَبُو دَاوُد.
كَذَا قَالَ: إِنَّه صَحَّ، وَكرر ذكره أَيْضا فِي أَحَادِيث الزّهْد والورع وَسكت عَنهُ.(4/545)
وَهَذَا الحَدِيث، هُوَ عِنْد أبي دَاوُد من حَدِيث عمَارَة بن عُمَيْر وَاخْتلف عَلَيْهِ: فَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: عَن عمَارَة بن عُمَيْر، عَن عمته أَنَّهَا سَأَلت عَائِشَة فَقَالَت: " فِي حجري يَتِيم، أَفَآكُل من مَاله؟ قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: إِن من أطيب مَا أكل الرجل " الحَدِيث.
وَقَالَ الحكم: عَن عمَارَة بن عُمَيْر، عَن أمه، عَن عَائِشَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَذكرت الحَدِيث.
وكلتاهما لَا تعرف - أَعنِي أمه وَعَمَّته -.
(2100) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد فِي حَدِيث المختصمين فِي الأَرْض(4/546)
زِيَادَة: " إِنَّه فَاجر، لَيْسَ يتورع من شَيْء، قَالَ: لَيْسَ لَك مِنْهُ إِلَّا ذَلِك ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ من رِوَايَة سماك بن حَرْب عَن عَلْقَمَة بن وَائِل، عَن أَبِيه.
وَقد تقدم ذكر سماك فِي هَذَا الْبَاب.
(2101) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن خريم بن فاتك قَالَ: " صلى(4/547)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَاة الصُّبْح، فَلَمَّا انْصَرف قَامَ قَائِما فَقَالَ: عدلت شَهَادَة الزُّور بالشرك ". الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ لَا يَصح؛ فَإِنَّهُ عِنْده من رِوَايَة سُفْيَان بن زِيَاد الْعُصْفُرِي، عَن أَبِيه، عَن حبيب بن النُّعْمَان الْأَسدي، عَن خريم.
وحبِيب لَا يعرف بِغَيْر هَذَا، وَلَا تعرف حَاله، وَزِيَاد الْعُصْفُرِي مَجْهُول، فَأَما ابْنه سُفْيَان فَثِقَة.
(2102) وَذكر من طَرِيق الطَّحَاوِيّ عَن عبد الله بن مَسْعُود، عَن(4/548)
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " بَين يَدي السَّاعَة تَسْلِيم الْخَاصَّة، وفشو التِّجَارَة ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث إِنَّمَا يرويهِ الطَّحَاوِيّ هَكَذَا: حَدثنَا فَهد بن سُلَيْمَان، حَدثنَا أَبُو نعيم، حَدثنَا بشير بن سلمَان، حَدثنِي سيار أَبُو الحكم، عَن طَارق قَالَ: كُنَّا عِنْد عبد الله بن مَسْعُود، فروى عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: " بَين يَدي السَّاعَة تَسْلِيم الْخَاصَّة، وفشو التِّجَارَة حَتَّى تعين الْمَرْأَة زَوجهَا على التِّجَارَة، وَقطع الْأَرْحَام، وَظُهُور شَهَادَة الزُّور، وكتمان شَهَادَة الْحق ".
هَذَا نَص الْخَبَر، وَفِيه كَمَا ترى سيار أَبُو الحكم، وأبى نَاس من الْمُحدثين إِلَّا أَن يكون سيارا أَبَا حَمْزَة - أَعنِي هَذَا الَّذِي يروي عَن طَارق بن شهَاب، وروى عَنهُ بشير بن سلمَان - وخطؤوا البُخَارِيّ فِي أَن جعل الَّذِي يروي عَن طَارق، وروى عَنهُ بشير بن سلمَان أَبَا الحكم، وَتَبعهُ على الْخَطَأ أَبُو مُحَمَّد بن(4/549)
أبي حَاتِم، وَعزا ذَلِك إِلَى أَبِيه، وَهُوَ كَمَا ترى قَول أبي نعيم.
وَمِمَّنْ ذهب إِلَى تخطئتهم فِي ذَلِك، وَتَصْحِيح أَنه سيار أَبُو حَمْزَة لَا أَبُو الحكم - أَبُو مُحَمَّد عبد الْحق نَفسه فِي كِتَابه الْكَبِير إِثْر هَذَا الحَدِيث.
وسيار أَبُو الحكم ثِقَة، وسيار أَبُو حَمْزَة لَا يعرف.(4/550)
(2103) وَقد جرى هَذَا أَيْضا فِي حَدِيث: " من أَصَابَته فاقة فأنزلها بِالنَّاسِ " الحَدِيث.
ذكره أَبُو دَاوُد بِهَذَا الْإِسْنَاد.
(2104) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن عَائِشَة " أَنه اعتل لصفية بنت(4/551)
حييّ بعير، وَعند زَيْنَب فضل ظهر، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِزَيْنَب: أعطيها بَعِيرًا، فَقَالَت: أَنا أعطي تِلْكَ الْيَهُودِيَّة. فَغَضب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فهجرها ذَا الْحجَّة، وَالْمحرم، وَبَعض صفر ".
وَسكت عَنهُ وَهُوَ لَا يَصح؛ فَإِن رِوَايَته عَن عَائِشَة لَا تعرف، وَهِي امْرَأَة اسْمهَا سميَّة.
(2105) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن عَليّ قَالَ: " خرج عَبْدَانِ إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم الْحُدَيْبِيَة قبل الصُّلْح " الحَدِيث.(4/552)
وَسكت عَنهُ،، [وَهُوَ] عِنْد أبي دَاوُد من رِوَايَة مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن أبان بن صَالح، عَن مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر، عَن ربعي بن حِرَاش، عَن عَليّ. فَذكره، وَلم يبين ذَلِك.
(2106) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ، عَن ابْن عمر، وَجَابِر بن عبد الله،(4/553)
أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من أعتق عبدا وَله فِيهِ شُرَكَاء، وَله وَفَاء فَهُوَ حر، وَيضمن نصيب شركائه لما أَسَاءَ من مشاركتهم ".
كَذَا سكت عَنهُ أَيْضا، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة سُلَيْمَان بن مُوسَى.
قَالَ النَّسَائِيّ: أَخْبرنِي عَمْرو بن عُثْمَان، عَن الْوَلِيد، عَن حَفْص - وَهُوَ ابْن غيلَان - عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، وَعَن عَطاء، عَن(4/554)
جَابر أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ، فَذكره.
وَسليمَان بن مُوسَى عِنْده مَقْبُول الرِّوَايَة، عمل بذلك فِي أَحَادِيث من رِوَايَته.
(2107) مِنْهَا حَدِيث: " إِذا طلع الْفجْر فقد ذهب كل صَلَاة اللَّيْل وَالْوتر، فأوتروا قبل طُلُوع الْفجْر ".(4/555)
(2108) وَحَدِيث: " [ابْن آدم] صل أَربع رَكْعَات [فِي] أول النَّهَار أكفك آخِره ".(4/556)
(2109) وَحَدِيث: " من قَاتل فِي سَبِيل الله فوَاق نَاقَة ".(4/557)
(2110) وَحَدِيث: " أَيَّام التَّشْرِيق كلهَا ذبح ".
كل هَذِه سكت عَنْهَا، وَلم يبين أَنَّهَا من رِوَايَته.(4/559)
(2111) وَلما ذكر حَدِيث: " أَيّمَا امْرَأَة نكحت بِغَيْر إِذن وَليهَا؛ فنكاحها(4/561)
بَاطِل ".
استوعب فِي ذكره إِيَّاه بِمَا لَهُم فِيهِ.
وَأورد أَيْضا أَحَادِيث أبرز أَنَّهَا من رِوَايَته.(4/562)
(2112) كَحَدِيث: " رد شَهَادَة الخائن والخائنة " هُوَ من رِوَايَته عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، وَلم يعرض لَهُ بِشَيْء.(4/572)
(2113) وَذكر أَيْضا حَدِيث: " من قتل [مُؤمنا] مُتَعَمدا، دفع إِلَى(4/573)
أَوْلِيَاء الْمَقْتُول ".
هُوَ أَيْضا بِهَذَا الْإِسْنَاد، إِلَّا أَنه حسنه، وَلم يُصَحِّحهُ.
(2114) وَلما ذكر حَدِيث ابْن عمر فِي " وَضعه أصبعيه فِي أُذُنَيْهِ عِنْد سَماع المزمار ".
لم يبين أَنه من رِوَايَة سُلَيْمَان بن مُوسَى، وَأتبعهُ أَن قَالَ: قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا حَدِيث مُنكر.
وَهَذَا كالمس لِسُلَيْمَان؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث من ينظر فِيهِ سواهُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي رمي بِهِ سُلَيْمَان بن مُوسَى، قَالَ فِيهِ البُخَارِيّ: مُنكر(4/574)
الحَدِيث لَا أروي عَنهُ شَيْئا، روى أَحَادِيث مَنَاكِير.
(2115) [وَذكر حَدِيثه] عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا طلع الْفجْر فقد ذهب كل صَلَاة اللَّيْل، وَالْوتر، فأوتروا قبل الْفجْر ".
(2116) وَحَدِيثه عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " أفشوا السَّلَام، وأطعموا الطَّعَام، [وَكُونُوا إخْوَانًا كَمَا أَمركُم الله] ".(4/575)
(2117) وروى عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. " أَيّمَا امْرَأَة نكحت بِغَيْر إِذن وَليهَا ".
هَذَا مَا ذكر التِّرْمِذِيّ عَن البُخَارِيّ فِي كتاب الْعِلَل، حِين ذكر من رِوَايَته حَدِيث:
(2118) " تنفيل الرّبع فِي الْبدَاءَة ".
[ثمَّ قَالَ التِّرْمِذِيّ: هُوَ ثِقَة عِنْد أهل الحَدِيث، لَا أعلم أحدا من أهل الْعلم من الْمُتَقَدِّمين تكلم فِيهِ] . انْتهى كَلَامه.
وَالْمَقْصُود - الْآن - أَن الْأَحَادِيث من رِوَايَته لَا يَنْبَغِي أَن تصحح على مصطلحهم، إِنَّمَا هِيَ حسان من أَجله.
(2119) وَذكر من طَرِيق قَاسم بن أصبغ حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي أَن " مَارِيَة أعْتقهَا وَلَدهَا ".
وَقد تقدم ذكر هَذَا الحَدِيث بِمَا فِيهِ فِي بَاب نِسْبَة الْأَحَادِيث إِلَى غير رواتها.
(2120) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار حَدِيث سلمَان الَّذِي فِيهِ: " كَاتب يَا(4/577)
سلمَان ".(4/578)
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا هُوَ من رِوَايَة بن إِسْحَاق، عَن عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة، عَن مَحْمُود بن لبيد، عَن عبد الله بن عَبَّاس. فَذكره.
(2121) وَذكر حَدِيث أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق - رَضِي الله عَنهُ - فِي ضرب أبي بكر غُلَامه حِين أضلّ رَاحِلَته وَهُوَ محرم، وَالنَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْمحرم مَا يصنع ".
وَسكت عَنهُ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق.
(2122) وَذكر من طَرِيق ابْن أبي شيبَة، عَن ابْن عمر، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:(4/579)
" الْيَمين حنث أَو نَدم ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ ابْن أبي شيبَة، عَن أبي مُعَاوِيَة، عَن بشار ابْن كدام السّلمِيّ، عَن مُحَمَّد بن زيد، عَن ابْن عمر.
وبشار هَذَا لَا تعرف لَهُ حَال وَإِن كَانَ قد روى عَنهُ وَكِيع، وَأَبُو نعيم، وَيزِيد بن عبد الْعَزِيز بن سياه.
(2123) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن عبد الله بن أنيس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -(4/580)
قَالَ: " إِن من أكبر الْكَبَائِر الشّرك بِاللَّه، وعقوق الْوَالِدين، وَالْيَمِين الْغمُوس " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ التِّرْمِذِيّ هَكَذَا: حَدثنَا عبد بن حميد، حَدثنَا يُونُس بن مُحَمَّد، حَدثنَا اللَّيْث بن سعد، عَن هِشَام بن سعد، عَن مُحَمَّد بن زيد بن المُهَاجر بن قنفذ التَّيْمِيّ، عَن أبي أُمَامَة الْأنْصَارِيّ، عَن عبد الله بن أنيس.
وَأَبُو أُمَامَة هَذَا قد روى عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَلَا يعرف اسْمه.
وَهِشَام بن سعد قد تقدم فِي هَذَا الْبَاب مَا لَهُ فِيهِ.
(2124) وَذكر من طَرِيق مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ:(4/581)
" إِن النّذر لَا يقرب من ابْن آدم شَيْئا لم يكن الله قدره لَهُ " الحَدِيث.
وَلم يبين أَنه من رِوَايَة عَمْرو بن أبي عَمْرو، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة.
(2125) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس فِي الَّذِي نذرت أُخْته أَن تحج مَاشِيَة، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن الله لَا يصنع بشقاء أختك شَيْئا ".
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا يرويهِ شريك، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن مولى آل طَلْحَة، عَن كريب، عَن ابْن عَبَّاس.
وَقد تقدم ذكر شريك فِي أول بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي [أعلها] وَلم يبين عللها.
(2126) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ وَأبي دَاوُد، حَدِيث الَّتِي نذرت أَن تحج مَاشِيَة، وَهِي أُخْت عقبَة بن عَامر، قَالَ فِيهِ: " ولتصم ثَلَاثَة أَيَّام "، وَلم يذكر الْهَدْي كَمَا ذكره فِي حَدِيث الطَّحَاوِيّ الَّذِي قبله.(4/582)
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث إِنَّمَا يرويهِ عِنْدهمَا عبيد الله بن زحر، عَن أبي سعيد الرعيني، عَن عبد الله بن مَالك، عَن عقبَة بن عَامر.
وَعبد الله بن مَالك، وَأَبُو سعيد الرعيني مَجْهُولَانِ، وَعبيد الله بن زحر مُخْتَلف فِيهِ.
(2127) وَذكر فِي الْحُدُود حَدِيث أبي بكرَة: " أَن الزَّمَان قد اسْتَدَارَ " من عِنْد مُسلم.
وَلم يبال كَونه من رِوَايَة عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ، وَهُوَ مِمَّن اخْتَلَط.
وَرَوَاهُ عَنهُ أَبُو بكر بن أبي شيبَة، وَيحيى بن حبيب الْحَارِثِيّ، قَالَ ابْن معِين: اخْتَلَط بِآخِرهِ.
وَقَالَ عَمْرو بن عَليّ: قبل مَوته بِسنتَيْنِ أَو ثَلَاث، سمعته يَقُول: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان - باختلاط شَدِيد.(4/583)
(2128) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس " أَن رجلا من بني بكر، أَتَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَأقر أَنه زنى بِامْرَأَة أَربع مَرَّات، فجلده مائَة، وَكَانَ بكرا، ثمَّ سَأَلَهُ الْبَيِّنَة على الْمَرْأَة ". الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ أَبُو دَاوُد هَكَذَا: حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى ابْن فَارس، قَالَ: حَدثنَا مُوسَى بن هَارُون البردي، قَالَ: حَدثنَا هِشَام بن يُوسُف، عَن الْقَاسِم بن فياض، الأبناوي، عَن خَلاد بن عبد الرَّحْمَن، عَن ابْن الْمسيب، عَن ابْن عَبَّاس.
وخلاد ثِقَة، وَالقَاسِم بن فياض ضَعِيف، قَالَه ابْن معِين.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم البستي: ينْفَرد بِالْمَنَاكِيرِ.
ومُوسَى بن هَارُون البردي، لَا بَأْس بِهِ، قَالَه أَبُو زرْعَة.
وَقَالَ النَّسَائِيّ فِي هَذَا الحَدِيث: إِنَّه حَدِيث مُنكر.
(2129) وَذكر أَبُو مُحَمَّد بعده حَدِيث سهل بن سعد فِي ذَلِك، ثمَّ(4/584)
قَالَ: إِسْنَاد [حَدِيث] سهل أحسن من إِسْنَاد الَّذِي قبله.
فقد يظْهر من هَذَا أَنه لَيْسَ عِنْده بِصَحِيح، فَلَا يكون من هَذَا الْبَاب.
(2130) وَذكر حَدِيث عَائِشَة: " لما نزل عذرها أَمر بِالرجلَيْنِ وَالْمَرْأَة فَضربُوا حَدهمْ ".
وَسكت عَنهُ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق، ذكره من عِنْد أبي دَاوُد.
(2131) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن أم كرز، سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -(4/585)
يَقُول: " أقرُّوا الطير على مكناتها ".
وَسكت عَنهُ، وَأرَاهُ غره تَصْحِيح التِّرْمِذِيّ إِيَّاه، وَالتِّرْمِذِيّ إِنَّمَا صَححهُ من طَرِيق آخر، وَذَلِكَ أَن أَبَا دَاوُد أوردهُ هَكَذَا: حَدثنَا مُسَدّد، حَدثنَا سُفْيَان، عَن عبيد الله بن أبي يزِيد، عَن أَبِيه، عَن سِبَاع بن ثَابت، عَن أم كرز قَالَت: سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " أقرُّوا الطير فِي مكناتها "، قَالَت: وسمعته يَقُول: " عَن الْغُلَام شَاتَان، وَعَن الْجَارِيَة شَاة، وَلَا يضركم ذكرانا كن أم إِنَاثًا ".
هَذِه رِوَايَة سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَهِي مَعْرُوفَة بِزِيَادَة وَاحِد بَين عبيد الله بن أبي يزِيد وسباع بن ثَابت، وَهُوَ أَبُو يزِيد وَالِد عبيد الله، وَهُوَ لَا تعرف لَهُ حَال، وَلَا يعرف روى عَنهُ غير ابْنه.
وَيزِيد، من غير مزِيد، ذكره ابْن أبي حَاتِم.(4/586)
فَهَذِهِ عِلّة حَدِيث أبي دَاوُد، وَقد زعم أَبُو دَاوُد أَن ابْن عُيَيْنَة وهم فِيهِ، وَعلة أُخْرَى، وَذَلِكَ أَن مَا بَين سِبَاع بن ثَابت وَأم كرز مُنْقَطع.(4/587)
يتَبَيَّن ذَلِك من حَدِيث التِّرْمِذِيّ، قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا الْحسن بن عَليّ، حَدثنَا عبد الرَّزَّاق، عَن ابْن جريج، أَخْبرنِي عبيد الله بن أبي يزِيد، عَن سِبَاع ابْن ثَابت، أَن مُحَمَّد بن ثَابت بن سِبَاع، أخبرهُ، أَن أم كرز أخْبرته أَنَّهَا سَأَلت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن الْعَقِيقَة، فَقَالَ: " عَن الْغُلَام شَاتَان، وَعَن الْأُنْثَى شَاة، لَا يضركم أذكرانا كن أم إِنَاثًا ".
قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
كَذَا ذكره، وَلم يذكر فِيهِ: " أقرُّوا الطير على مكناتها ".
فَهُوَ - كَمَا ترى - يُورث شكا فِي سَماع سِبَاع بن ثَابت من أم كرز بِمَا زَاد من مُحَمَّد بن ثَابت بن سِبَاع، وَقد ذكر أَبُو مُحَمَّد - بعد هَذَا - فِي الْعَقِيقَة حَدِيث أم كرز: " عَن الْغُلَام شَاتَان ". من رِوَايَة حَمَّاد بن زيد، عَن عبيد الله بن أبي يزِيد، عَن سِبَاع بن ثَابت، عَن أم كرز.
وَسكت عَنهُ أَيْضا، مصححا لَهُ.
وَتبين عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ أَن ذَلِك هُوَ الصَّوَاب، وَأَن عبيد الله سمع من سِبَاع، وَأَن سِبَاع سمع من أم كرز. فتجيء رِوَايَة ابْن عُيَيْنَة - بِإِدْخَال أبي يزِيد وَالِد عبيد الله بَين عبيد الله وَبَين سِبَاع ابْن ثَابت - وهما.
وَكَذَلِكَ رِوَايَة عبد الرَّزَّاق - بِإِدْخَال مُحَمَّد بن ثَابت بن سِبَاع، بَين سِبَاع(4/588)
وَأم كرز - خَالف فِيهَا عبد الرَّزَّاق أَصْحَاب ابْن جريج الْحفاظ، وَأَن الصَّوَاب: " عَن سِبَاع بن ثَابت، ابْن عَم مُحَمَّد بن ثَابت، عَن أم كرز ".
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي، قَالَ: حَدثنَا يزِيد بن سِنَان، حَدثنَا مُحَمَّد بن بكر البرْسَانِي، أخبرنَا ابْن جريج، أَخْبرنِي عبيد الله بن أبي يزِيد، أَن سِبَاع بن ثَابت، ابْن عَم مُحَمَّد بن ثَابت، أخبرهُ أَن أم كرز، أخْبرته، أَنَّهَا سَأَلت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن الْعَقِيقَة، فَقَالَ: " يعق عَن الْغُلَام شَاتَان، وَعَن الْجَارِيَة وَاحِدَة، وَلَا يضركم ذكرانا كن أم إِنَاثًا ".
وَقد حصل الْمَقْصُود، وَهُوَ أَن الرِّوَايَة الَّتِي سَاق أَبُو مُحَمَّد، الَّتِي فِيهَا أَبُو يزِيد وَالِد عبيد الله بن أبي يزِيد الْمَذْكُور [خطأ] ، وَيبقى النّظر فِي أَن عبيد الله ابْن أبي يزِيد، هَل سمع من سِبَاع بن ثَابت من غير توَسط أَبِيه - حسب مَا ذكر الدَّارَقُطْنِيّ فِي حَدِيثه هَذَا - أم لَا؟
وَلَا بعد فِي أَن يكون سَمعه مِنْهُ، بِدَلِيل قَوْله: إِنَّه أخبرهُ، وسَمعه من أَبِيه عَنهُ، فَحدث بِهِ على الْوَجْهَيْنِ، وَالله أعلم.
(2132) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ، عَن عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي،(4/589)
يرفعهُ، قَالَ: " من قتل عصفورا فَمَا فَوْقهَا بِغَيْر حَقّهَا، سَأَلَهُ الله عز وَجل عَنْهَا يَوْم الْقِيَامَة. قيل: يَا رَسُول الله، وَمَا حَقّهَا؟ " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا يرويهِ سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن صُهَيْب مولى بني عَامر، عَن عبيد الله بن عَمْرو.
وصهيب هَذَا، هُوَ الْحذاء مولى عبد الله بن عَامر، لَا تعرف لَهُ حَال،(4/590)
وَلَا راو عَنهُ إِلَّا عَمْرو بن دِينَار.
(2133) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن ابْن عَبَّاس، وَأبي هُرَيْرَة، قَالَا: " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن شريطة الشَّيْطَان " الحَدِيث. وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا يرويهِ معمر، عَن عَمْرو بن عبد الله، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، وَأبي هُرَيْرَة.
وَعَمْرو بن عبد الله هَذَا، هُوَ عَمْرو برق، وأظن أَن أَبَا مُحَمَّد عمل فِيهِ [مَا يعْمل] فِي هَؤُلَاءِ المساتير أَن يسكت عَن أَحَادِيثهم إِذا وجد أحدهم قد روى عَنهُ أَكثر من وَاحِد، واعتقد أَنه مِنْهُم، بإهمال أبي مُحَمَّد بن أبي حَاتِم إِيَّاه من ذكر الْجرْح وَالتَّعْدِيل، بل ذكر أَن أَيُّوب لم يُنكر على معمر مَا عرض عَلَيْهِ من حَدِيثه عَن عِكْرِمَة.
وَقَالَ معمر: لم أره حمل إِلَّا مَا حمل الْفُقَهَاء.
وحقق مَا ظَنَنْت من ذَلِك عمله فِي كِتَابه الْكَبِير؛ فَإِنَّهُ لما ذكر هَذَا الحَدِيث،(4/591)
ذكر فِيهِ هَذَا الَّذِي ذكره بِهِ ابْن أبي حَاتِم من غير مزِيد.
وَالرجل لم تثبت عَدَالَته، بل رُبمَا توهمت جرحته، وَذَلِكَ أَن ابْن معِين ذكر فِي رِوَايَة الدوري عَنهُ، أَن عِكْرِمَة كَانَ نزل على عبد الله الأسوار، وَالِد عَمْرو الْمَذْكُور - يَعْنِي بِصَنْعَاء - قَالَ: فَيُقَال: إِنَّه أَمر ابْنه عَمْرو بِالْأَخْذِ عَنهُ، وَقَالَ لعكرمة: تعاهده، فَكَانَ عِكْرِمَة يَقُول: اطلبوه، فَكَانُوا يجيئونه بِهِ، وَكَانَ يشرب، وَكَانَ يَقُول لَهُ: لَعَلَّك مِمَّن تَقول: % (اصبب على كبدك من بردهَا % إِنِّي أرى النَّاس يموتونا) %
قَالَ عَبَّاس الدوري: قلت ليحيى: " يموجونا "، قَالَ: لَا " يموتونا ".
زَاد أَبُو أَحْمد بن عدي فِي هَذَا: فَيقوم وَهُوَ سَكرَان.
وَقَالَ أُميَّة بن شبْل: إِنَّه عدا على كتاب لعكرمة فنسخه، ثمَّ جعل يسْأَل عِكْرِمَة، فَعلم أَنه كتبه من كتبه، وَقَالَ: علمت أَن عقلك لَا يبلغ هَذَا.
وَحكى أَبُو سعيد بن الْأَعرَابِي عَن أبي دَاوُد أَنه قَالَ: كَانَ معمر إِذا حدث أهل الْبَصْرَة، قَالَ: عَمْرو بن عبد الله، وَإِذا حدث أهل الْيمن، كَانَ لَا يُسَمِّيه؛ وَذَلِكَ أَنه صنعاني من أهل الْيمن، فَكَانَ لَا يُسَمِّيه لأهل بَلَده، وَهَذَا نوع من أَنْوَاع التَّدْلِيس قَبِيح.
وَذكر أَبُو أَحْمد، عَن هِشَام بن يُوسُف القَاضِي أَنه قَالَ فِيهِ: لَيْسَ بِثِقَة، وَذكر مِمَّا يُنكر عَلَيْهِ هَذَا الحَدِيث.
قَالَ: وَله أَحَادِيث غير هَذَا، وَأَحَادِيثه لَا يُتَابِعه الثِّقَات عَلَيْهَا.(4/592)
(2134) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ عَن جُبَير بن مطعم، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " أَيَّام التَّشْرِيق كلهَا ذبح ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ من رِوَايَة سُلَيْمَان بن مُوسَى، وَقد تقدم فِي هَذَا الْبَاب.
(2135) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن أبي رَافع قَالَ: " رَأَيْت(4/593)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أذن فِي أذن الْحسن بن عَليّ حِين وَلدته فَاطِمَة بِالصَّلَاةِ.
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا يرويهِ عِنْده عَاصِم بن عبيد الله، عَن عبيد الله بن أبي رَافع، عَن أبي رَافع.
وَعَاصِم، هُوَ الْعمريّ، ضَعِيف الحَدِيث، منكره، مضطربه.
(2136) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، أَنه كَانَ يَقُول فِي دُعَاء ذكره: " اللَّهُمَّ إِنِّي إعوذ بك من الْجُوع؛ فَإِنَّهُ بئس الضجيع " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ إِنَّمَا يرويهِ هَكَذَا: حَدثنَا عَمْرو، حَدثنَا جَابر بن إِسْحَاق، حَدثنَا أَبُو معشر، عَن سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَقُول: " اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الصمم والبكم، وَأَعُوذ بك من المأثم والمغرم، وَأَعُوذ بك من الْغم - يَعْنِي الْغَرق، وَأَعُوذ بك من الْهَرم، وَأَعُوذ بك من الْجُوع؛ فَإِنَّهُ بئس الضجيع، وَأَعُوذ بك من الْخِيَانَة؛ فَإِنَّهَا بئست البطانة ".
وَأَبُو معشر يضعف ويوثق، وَقد تقدم فِي هَذَا الْبَاب عمل أبي مُحَمَّد فِيهِ.
(2137) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن طَلْحَة بن عبيد الله قَالَ: " تمشى(4/594)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَيْلَة مَعنا وَهُوَ صَائِم، فأجهده الصَّوْم، فحلبنا لَهُ نَاقَة لنا فِي قَعْب، وصببنا لَهُ عَلَيْهِ عسلا، نكرم بِهِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عِنْد فطره ".
الحَدِيث فِي التَّوَاضُع والاقتصاد.
وَسكت عَنهُ، وَأرَاهُ تسَامح فِيهِ، وَهُوَ لَا يَصح.
قَالَ الْبَزَّار: حَدثنَا عمرَان بن هَارُون الْبَصْرِيّ - وَكَانَ شَيخا مَسْتُورا، وَكَانَ عِنْده هَذَا الحَدِيث وَحده، وَكَانَ ينزل بِنَاحِيَة الحربية، وَكَانَ النَّاس ينتابونه فِي هَذَا الحَدِيث يسمعونه مِنْهُ - قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد الْقرشِي، حَدثنَا مُحَمَّد بن طَلْحَة بن يحيى بن طَلْحَة، عَن أَبِيه، عَن جده طَلْحَة بن عبيد الله، فَذكره. قَالَ الْبَزَّار: وَلَا نعلمهُ يرْوى إِلَّا من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَلم نَسْمَعهُ إِلَّا من عمرَان بن هَارُون، وَكَانُوا يكتبونه عَنهُ قبل أَن يُولد يحيى. انْتهى كَلَام الْبَزَّار.
يحيى بن طَلْحَة، وَابْنه طَلْحَة بن يحيى لَا بَأْس بهما.
وَأما مُحَمَّد بن طَلْحَة، فَلَا تعرف حَاله.
وَعبد الله بن مُحَمَّد الْقرشِي، لَا يعرف من هُوَ.
وَعمْرَان بن هَارُون شيخ لَا تعرف حَاله، وَلَيْسَ من أهل الحَدِيث.(4/595)
(2138) وَذكر من هَذَا النَّوْع حَدِيث: " طَعَام الْبَخِيل دَاء ".
وَلم يُنَبه على أَنه من رِوَايَة مِقْدَام بن دَاوُد، ومقدام مُخْتَلف فِيهِ.
وَقد ذكرنَا الحَدِيث الْمَذْكُور فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي لم يعزها.
(2139) وَذكر أَيْضا حَدِيث " النَّهْي عَن الْجُلُوس بَين الظل وَالشَّمْس ".
من طَرِيق أبي أَحْمد، واقتطع إِسْنَاده من عِنْد عبد الله بن مُحَمَّد بن الْمُغيرَة، عَن الثَّوْريّ، عَن ابْن الْمُنْكَدر، عَن جَابر.
وَضَعفه بلين عبد الله هَذَا، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة مِقْدَام الْمَذْكُور عَنهُ.
وَقد ذكرنَا ذَلِك فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها بِقوم وَترك أمثالهم لم يذكرهم.
(2140) وَذكر من طَرِيق ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:(4/596)
" مَا عَال من اقتصد ".
وَسكت عَنهُ، وَيَنْبَغِي أَن يُقَال فِيهِ: ضَعِيف؛ فَإِنَّهُ عِنْد ابْن أبي شيبَة، عَن عَفَّان، عَن سكين بن عبد الْعَزِيز، عَن إِبْرَاهِيم الهجري، عَن أبي الْأَحْوَص، عَن عبد الله، فَذكره.
وَإِبْرَاهِيم بن مُسلم الهجري يضعف، وَكَانَ يحيى بن سعيد لَا يحدث عَنهُ.
وَقَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِشَيْء.
وَمِمَّنْ كَانَ يُضعفهُ أَيْضا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، ذكر ذَلِك البُخَارِيّ، عَن عبد الله ابْن مُحَمَّد عَنهُ.
وَلَيْسَ هَذَا مناقضا لما روى أَحْمد بن حَنْبَل، عَن عَليّ بن الْمَدِينِيّ، عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة من قَوْله: كَانَ إِبْرَاهِيم الهجري يَسُوق الحَدِيث سِيَاقَة جَيِّدَة، على مَا فِيهِ.
فَأَما سكين بن عبد الْعَزِيز الْعَطَّار، فَثِقَة.(4/597)
(2141) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن أنس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَدِيث: " ليتحلق عشرَة عشرَة، وليأكل كل إِنْسَان مِمَّا يَلِيهِ ".
وَقَالَ فِيهِ: حسن صَحِيح، وَهُوَ إِنَّمَا يرويهِ جَعْفَر بن سُلَيْمَان الضبعِي، عَن الْجَعْد بن عُثْمَان، عَن أنس، وَهِي قصَّة أبي طَلْحَة فِي الطَّعَام.
وَقد تقدم فِي هَذَا الْبَاب التَّنْبِيه على عمله فِي جَعْفَر بن سُلَيْمَان.
(2142) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن وَحشِي بن حَرْب، أَن [أَصْحَاب] النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالُوا: " يَا رَسُول الله، إِنَّا نَأْكُل وَلَا نشبع، قَالَ: فلعلكم(4/598)
تَفْتَرِقُونَ، قَالُوا: نعم، قَالَ: فَاجْتمعُوا على طَعَامكُمْ، واذْكُرُوا اسْم الله يُبَارك لكم فِيهِ ".
وَسكت عَنهُ، وَأرَاهُ تسَامح فِيهِ، وَلم يَنْبغ لَهُ ذَلِك؛ فَإِنَّهُ حَدِيث حكم من الْأَحْكَام، وَهُوَ لَا يَنْبَغِي أَن يُقَال فِيهِ: صَحِيح؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يرويهِ وَحشِي بن حَرْب ابْن وَحشِي بن حَرْب، عَن أَبِيه حَرْب، عَن جده وَحشِي بن حَرْب الصَّحَابِيّ.
فحرب بن وَحشِي، وَابْنه وَحشِي بن حَرْب، لَا تعرف حَالهمَا.
وَقد رَأَيْت بعض النَّاس كتب على هَذَا الْموضع من كتاب أبي مُحَمَّد، أَنه خطأ، وَأَنه يسْقط مِنْهُ: " عَن أَبِيه عَن جده ". قَالَ: وَكَذَلِكَ هُوَ فِي كتاب السّنَن، وَالصَّوَاب إثْبَاته.
وَهَذَا خطأ مِمَّن كتبه؛ فَإِن أَبَا مُحَمَّد لم يذكر من الْإِسْنَاد وَحشِي بن حَرْب الَّذِي يروي عَن أَبِيه عَن جده، إِنَّمَا ذكر الْجد الَّذِي هُوَ الصَّحَابِيّ، فَقَوله: عَن وَحشِي بن حَرْب، كَمَا يَقُول عَن أبي هُرَيْرَة، وَعَن أنس، وَعَن جَابر، وأبرز اسْمه، وَكَانَ فِي كتاب أبي دَاوُد غير مُسَمّى، لَكِن هَكَذَا: عَن وَحشِي ابْن حَرْب، عَن أَبِيه، عَن جده فأسمى هُوَ الْجد، وَأصَاب فِي ذَلِك.
(2143) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:(4/599)
" كَانَ إِذا فرغ من طَعَامه قَالَ: الْحَمد لله الَّذِي أطعمنَا، وَسَقَانَا، وَجَعَلنَا مُسلمين ".(4/600)
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ عِنْد أبي دَاوُد، يحيى بن دِينَار، أَبُو هَاشم الوَاسِطِيّ، الرماني، عَن إِسْمَاعِيل بن ريَاح، عَن أَبِيه، أَو غَيره، عَن أبي سعيد.
وَهَذَا غَايَة فِي الضعْف؛ فَإِن إِسْمَاعِيل هَذَا لَا يعرف بِغَيْر هَذَا، وَلَا روى عَنهُ إِلَّا أَبُو هَاشم، فحاله مَجْهُولَة، وَأَبوهُ أَجْهَل مِنْهُ، بل هُوَ لَا يعرف الْبَتَّةَ.
هَذَا لَو تحقق أَنه رَاوِي الحَدِيث، فَكيف وَقد شكّ فِي ذَلِك بقوله: " أَو غَيره "؟ ! فَمَا مثل هَذَا صحّح، وَلَا يَنْبَغِي أَن يتَسَامَح فِيهِ فيورد - لِأَنَّهُ لَيْسَ تكليفا - كَمَا يُورد الصَّحِيح من جنسه، فَاعْلَم ذَلِك.
(1244) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن قُرَّة بن إِيَاس، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " نهى(4/601)
عَن أكل هَاتين الشجرتين، وَقَالَ: من أكلهما فَلَا يقربن مَسْجِدنَا. وَقَالَ: إِن كُنْتُم لَا بُد آكليهما فأميتوهما طبخا ".
ثمَّ قَالَ: قد صَحَّ إِبَاحَة ذَلِك نيئا، وَقد تقدم فِي الصَّلَاة. انْتهى كَلَامه.
وَلَيْسَ هَذَا تضعيفا للْخَبَر الْمَذْكُور؛ فَهُوَ سكُوت عَنهُ، والْحَدِيث يرويهِ عِنْد أبي دَاوُد خَالِد بن ميسرَة الْعَطَّار، عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة، عَن أَبِيه.
وخَالِد بَصرِي، وَقد روى عَنهُ جمَاعَة، وَلَكِن لَا تعرف حَاله.
(2145) وَذكر من طَرِيقه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: " علمت أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -(4/602)
كَانَ يَصُوم، فتحينت فطره بنبيذ صَنعته فِي دباء ". الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ زيد بن وَاقد - وَهُوَ ثِقَة - عَن خَالِد بن عبد الله بن حُسَيْن، عَن أبي هُرَيْرَة.
وخَالِد بن عبد الله بن حُسَيْن، مولى عُثْمَان بن عَفَّان، روى عَن إِسْمَاعِيل ابْن عبيد الله، وَزيد بن وَاقد، وَمُحَمّد بن عبد الله الشعيتي، وَهُوَ شَامي لَا تعرف حَاله.
(2146) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا حَدِيث النُّعْمَان: " إِن الْخمر من الْعصير " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا هُوَ من رِوَايَة الفضيل بن ميسرَة، عَن أبي حريز.
وَقد تقدم ذكره فِي هَذَا الْبَاب فِي الْجمع بَين القرينات.
(2147) وَذكر من طَرِيق مُسلم عَن جَابر، أَن رجلا قدم من جيشان - وجيشان من الْيمن - فَسَأَلَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن شراب يشربونه بأرضهم من الذّرة، يُقَال لَهُ: المزر. الحَدِيث.(4/603)
وَسكت عَنهُ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة عمَارَة بن غزيَّة، عَن أبي الزبير، عَن جَابر مُعَنْعنًا.
(2148) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْخمر أم الْخَبَائِث ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ لَا يَصح؛ فَإِنَّهُ عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ عَن عَليّ بن إشكاب، عَن مُحَمَّد بن ربيعَة، حَدثنَا الحكم بن عبد الرَّحْمَن بن أبي نعم، عَن الْوَلِيد ابْن عبَادَة، قَالَ: سَمِعت عبد الله بن عَمْرو، فَذكره.
والوليد هَذَا لَا تعرف لَهُ حَال، بل لم أجد لَهُ ذكرا، وَلما ذكر ابْن أبي حَاتِم الحكم بن عبد الرَّحْمَن بن أبي نعم هَذَا، إِنَّمَا قَالَ: يروي عَن عبَادَة بن الْوَلِيد(4/604)
ابْن عبَادَة.
فَإِن كَانَ هَذَا عبَادَة بن الْوَلِيد بن عبَادَة بن الصَّامِت، فَهُوَ ثِقَة، وَلَكِن لَيْسَ هَذَا الْخَبَر عَنهُ، بل هُوَ عَن الْوَلِيد بن عبَادَة، كَمَا فِي نفس الْإِسْنَاد.
وَأما الحكم بن عبد الرَّحْمَن بن أبي نعم، فَقَالَ فِيهِ ابْن معِين: ضَعِيف.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: صَالح الحَدِيث.
وَمُحَمّد بن ربيعَة، غَالب الظَّن أَنه أَبُو عبد الله الْكلابِي، الرُّؤَاسِي، ابْن عَم وَكِيع، وَهُوَ ثِقَة.
(2149) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا، عَن زيد بن خَالِد قَالَ: تلقفت هَذِه الْخطْبَة من فِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بتبوك، سمعته يَقُول: " وَالْخمر جماع الْإِثْم ".
كَذَا ذكره، وَسكت عَنهُ أَيْضا، وَهُوَ عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة الزبير بن بكار، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن نَافِع الصَّائِغ، حَدثنِي عبد الله بن مُصعب بن خَالِد بن زيد الْجُهَنِيّ، عَن أَبِيه، عَن جده زيد بن خَالِد فَذكره.
مُصعب وَابْنه غير معروفين.
وَعبد الله بن نَافِع الصَّائِغ، هُوَ الْفَقِيه، صَاحب نَافِع، وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ.
(2150) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن عَائِشَة، قَالَت: سَمِعت(4/605)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " كل مُسكر حرَام، وَمَا أسكر مِنْهُ الْفرق، فملء الْكَفّ مِنْهُ حرَام ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ لَيْسَ بِصَحِيح؛ فَإِنَّهُ من رِوَايَة مهْدي بن مَيْمُون - وَهُوَ ثِقَة - قَالَ: حَدثنَا أَبُو عُثْمَان: عَمْرو بن سَالم الْأنْصَارِيّ، عَن الْقَاسِم، عَن عَائِشَة.
وَأَبُو عُثْمَان هَذَا لَا تعرف حَاله وَإِن كَانَ قَاضِيا بمرو، لم أجد ذكره فِي مظان وجوده من مصنفات الرِّجَال الروَاة، وَإِنَّمَا الدَّارَقُطْنِيّ لما ذكر هَذَا الحَدِيث قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِم - يَعْنِي الْبَغَوِيّ -: اسْم أبي عُثْمَان، عَمْرو بن سَالم، وَكَانَ قَاضِي أهل مرو، ورى عَنهُ مطرف.
(2151) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن دليم بن الهوشع، قلت: يَا رَسُول الله، إِنَّا بِأَرْض بَارِدَة، نعالج فِيهَا عملا شَدِيدا، وَإِنَّا نتَّخذ شرابًا من هَذَا الْقَمْح نتقوى بِهِ على أَعمالنَا وعَلى برد بِلَادنَا، فَقَالَ: " هَل يسكر؟ " قُلْنَا:(4/606)
نعم. الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا هُوَ من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن مرْثَد بن عبد الله الْيَزنِي، عَنهُ.
(2152) وَذكر من طَرِيق مُسلم عَن أم سَلمَة حَدِيث: " من شرب فِي إِنَاء من ذهب أَو فضَّة، فَإِنَّمَا يجر جر فِي بَطْنه نَار جَهَنَّم ".
ثمَّ قَالَ: زَاد الدَّارَقُطْنِيّ: " أَو إِنَاء فِيهِ شَيْء من ذَلِك " أخرجه من حَدِيث ابْن عمر عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَسكت عَن هَذِه الزِّيَادَة.
وَحَدِيث ابْن عمر هَذَا لَا يَصح، وَإِسْنَاده عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ هُوَ هَذَا: حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن إِسْحَاق الفاكهي، حَدثنَا أَبُو يحيى بن أبي ميسرَة، حَدثنَا يحيى بن مُحَمَّد الْجَارِي، حَدثنَا زَكَرِيَّاء بن إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن مُطِيع، عَن أَبِيه، عَن عبد الله بن عمر، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من شرب فِي(4/607)
إِنَاء من ذهب أَو فضَّة، أَو إِنَاء فِيهِ شَيْء من ذَلِك؛ فَإِنَّمَا يجرجر فِي بَطْنه نَار جَهَنَّم ".
يحيى بن مُحَمَّد الْجَارِي ثِقَة مدنِي، قَالَه الْكُوفِي.
فَأَما زَكَرِيَّاء وَأَبوهُ فَلَا تعرف لَهما حَال.
(2153) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أهْدى الْمُقَوْقس إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قدح قَوَارِير، فَكَانَ يشرب فِيهِ.
ثمَّ قَالَ: هَذَا يرْوى مُنْقَطِعًا، وَوَصله منْدَل بن عَليّ، وَكَانَ لَا بَأْس بِهِ عِنْد بَعضهم. انْتهى كَلَامه.
فَهُوَ - بِهِ - شبه الْمُصَحح لَهُ.
وَهُوَ من رِوَايَة منْدَل، عَن ابْن إِسْحَاق، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عبيد الله بن عبد الله، عَن ابْن عَبَّاس.
وَلم يبين أَبُو مُحَمَّد أَنه من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق.
(2154) وَذكر من طَرِيق مُسلم عَن جَابر، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تُرْسِلُوا فَوَاشِيكُمْ إِذا غَابَتْ الشَّمْس حَتَّى تذْهب فَحْمَة الْعشَاء " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة الثَّوْريّ، وَزُهَيْر بن مُعَاوِيَة، عَن أبي الزبير عَنهُ، مِمَّا لم يذكر فِيهِ سَمَاعا.
(2155) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ، عَن الْمِقْدَام بن معدي كرب " نهى(4/608)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن الْحَرِير، وَالذَّهَب، ومياثر النمور ".
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا يرويهِ بَقِيَّة، عَن بحير، عَن خَالِد بن معدان، عَن الْمِقْدَام.
وَبَقِيَّة قد تقدم ذكره فِي هَذَا الْبَاب.
(2156) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث عرْفجَة " أَنه أُصِيب أَنفه يَوْم الْكلاب، فَاتخذ أنفًا من ورق، فَأَنْتن عَلَيْهِ، فَأمره النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يتَّخذ أنفًا من ذهب ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ لَا يَصح؛ فَإِنَّهُ من رِوَايَة أبي الْأَشْهب، وَاخْتلف عَنهُ، فالأكثر يَقُول: عَنهُ، عَن عبد الرَّحْمَن بن طرفَة بن عرْفجَة، عَن جده.
وَابْن علية يَقُول: عَنهُ، عَن عبد الرَّحْمَن بن طرفَة، عَن أَبِيه، عَن عرْفجَة.(4/609)
فعلى طَريقَة الْمُحدثين، يَنْبَغِي أَن تكون رِوَايَة الْأَكْثَرين مُنْقَطِعَة، فَإِنَّهَا معنعنة، وَقد زَاد فِيهَا ابْن علية وَاحِدًا، وَلَا يدْرَأ هَذَا قَوْلهم: إِن عبد الرَّحْمَن ابْن طرفَة، سمع جده.
وَقَول يزِيد بن زُرَيْع: إِنَّه سمع من جده، فَإِنَّهُ هَذَا الحَدِيث لم يقل: إِنَّه سَمعه مِنْهُ.
وَقد أَدخل بَينهمَا فِيهِ الْأَب.
وَإِلَى هَذَا فَإِن عبد الرَّحْمَن بن طرفَة الْمَذْكُور، لَا يعرف بِغَيْر هَذَا الحَدِيث، وَلَا يعرف راو عَنهُ غير أبي الْأَشْهب، فَإِن احْتِيجَ فِيهِ إِلَى أَبِيه طرفَة - على مَا قَالَ ابْن علية - عَن أبي الْأَشْهب، كَانَ الْحَال أَشد، فَإِنَّهُ لَا مَعْرُوف الْحَال، وَلَا مَذْكُور فِي رُوَاة الْأَخْبَار.
(2157) وَذكر من طَرِيق مُسلم عَن عَائِشَة، " خرج رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذَات غَدَاة وَعَلِيهِ مرط مرحل من شعر أسود ".(4/610)
وَسكت عَنهُ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة مُصعب بن شيبَة.
(2158) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن جَابر بن سَمُرَة " دخلت على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي بَيته فرأيته مُتكئا على وسَادَة على يسَاره ".
وَسكت عَنهُ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة سماك بن حَرْب عَنهُ.
(2159) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن ابْن عمر قَالَ: " مَا قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْإِزَار، فَهُوَ فِي الْقَمِيص ".
وَسكت عَنهُ، وَأرَاهُ تسَامح فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أثر غير مَرْفُوع، وَهُوَ عِنْد أبي دَاوُد من رِوَايَة ابْن الْمُبَارك، عَن أبي الصَّباح، عَن يزِيد بن أبي سميَّة، عَن ابْن عمر.
وَأَبُو الصَّباح هُوَ سَعْدَان بن سَالم الْأَيْلِي، وَقد روى عَنهُ أَيْضا ضَمرَة بن ربيعَة، وَمَعَ ذَلِك لَا تعرف حَاله، وَقد سُئِلَ عَنهُ أَبُو زرْعَة فَقَالَ: روى حَدِيثا وَاحِدًا.
وَلم يُعينهُ، وَأرَاهُ هَذَا الحَدِيث، فَإِنِّي لَا أعرف لَهُ غَيره.
فَأَما يزِيد بن أبي سميَّة فَثِقَة.(4/611)
(2160) وَذكر من طَرِيقه عَن عِكْرِمَة، أَنه رأى ابْن عَبَّاس يأتزر، فَيَضَع حَاشِيَة إزَاره من مقدمه على ظهر قدمه، وَيرْفَع من مؤخره، قلت: لم تأتزر هَذِه الإزرة؟ قَالَ: " رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يأتزرها ".
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْد أبي دَاوُد هَكَذَا: حَدثنَا مُسَدّد، حَدثنَا يحيى، حَدثنَا مُحَمَّد بن أبي يحيى، حَدثنِي عِكْرِمَة. فَذكره.
وَمُحَمّد بن أبي يحيى لَا أعرف من هُوَ، فَانْظُرْهُ لَعَلَّك تَجدهُ.
(2161) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا استجد ثوبا - سَمَّاهُ باسمه - قَمِيصًا أَو عِمَامَة، ثمَّ يَقُول: اللَّهُمَّ لَك الْحَمد، أَنْت كسوتنيه " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ من رِوَايَة ابْن الْمُبَارك، عَن الْجريرِي، عَن أبي نَضرة، عَنهُ.
والجريري مختلط، وَقد تقدم فِي هَذَا الْبَاب.
(2162) وَذكر حَدِيث فضَالة بن عبيد: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ينهانا عَن(4/612)
كثير من الإرفاه " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا هُوَ أَيْضا من رِوَايَة يزِيد، عَن الْجريرِي، عَن عبد الله ابْن بُرَيْدَة، عَن فضَالة. ذكره من طَرِيق أبي دَاوُد.
(2163) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن عَائِشَة، قَالَت: " قدم على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حلية من عِنْد النَّجَاشِيّ أهداها لَهُ، فِيهَا خَاتم من ذهب ". الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ عِنْد أبي دَاوُد من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق، وَلم يبين ذَلِك أَبُو مُحَمَّد.
(2164) وَذكر من طَرِيق مُسلم عَن جَابر، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ فِي غَزْوَة غَزَاهَا: " استكثروا من النِّعَال؛ فَإِن الرجل لَا يزَال رَاكِبًا مَا انتعل ".
وَسكت عَنهُ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة أبي الزبير، عَن جَابر، من غير رِوَايَة اللَّيْث عَنهُ.
(2165) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " من السّنة إِذا(4/613)
جلس الرجل أَن يخلع نَعْلَيْه فيضعهما بجنبه " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ إِنَّمَا يرويهِ عَن ابْن عَبَّاس أَبُو نهيك، وَهُوَ لَا يعرف لَهُ حَال، وَإِن كَانَ يروي عَنهُ قَتَادَة، وَزِيَاد بن سعد، وَالْحُسَيْن بن وَاقد.
ذكره ابْن عبد الْبر فِي كِتَابه فِي الْأَسْمَاء والكنى.
(2166) وَذكر من طَرِيق مُسلم عَن جَابر: " أُتِي بِأبي قُحَافَة يَوْم فتح مَكَّة، وَرَأسه ولحيته كالثغامة بَيَاضًا ". الحَدِيث.
وَلم يبين أَنه من رِوَايَة ابْن جريج، عَن أبي الزبير، عَن جَابر.
(2167) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن أبي ذَر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن أحسن مَا غيرتم بِهِ الشيب، الْحِنَّاء والكتم ".
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا هُوَ من رِوَايَة معمر، عَن الْجريرِي، عَن عبد الله بن بُرَيْدَة، عَن أبي الْأسود، عَن أبي ذَر.
والجريري مختلط.(4/614)
(2168) وَذكر من طَرِيقه عَن عَائِشَة: " كنت إِذا أردْت أَن أفرق رَأس رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صدعت الْفرق من يَافُوخه، وَأرْسلت ناصيته بَين عَيْنَيْهِ ". وَلم يبين أَنه من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق.
(2169) وَذكر من طَرِيق مُسلم عَن جَابر بن سَمُرَة: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قد شمط مقدم رَأسه ولحيته ". الحَدِيث.
وَلم يبين أَنه من رِوَايَة سماك بن حَرْب.
(2170) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " تسمونهم مُحَمَّدًا ثمَّ تسبونهم ".
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا يرويهِ الْبَزَّار هَكَذَا: حَدثنَا زيد بن أخزم، حَدثنَا أَبُو دَاوُد، حَدثنَا الحكم بن عَطِيَّة، عَن ثَابت، عَن أنس.
وَالْحكم بن عَطِيَّة، قَالَ ابْن حَنْبَل: لَا بَأْس بِهِ، إِلَّا أَن أَبَا دَاوُد روى عَنهُ أَحَادِيث مُنكرَة.
وَهَذَا الحَدِيث من رِوَايَة أبي دَاوُد عَنهُ، وَكَانَ أَبُو دَاوُد يذكرهُ بجميل.(4/615)
وَضَعفه أَيْضا أَبُو الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ، وروى عَنهُ، وَوَثَّقَهُ ابْن معِين؛ فَالْحَدِيث من أَجله حسن.
(2171) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ عَن جَابر بن سليم، لقِيت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَقلت: " عَلَيْك السَّلَام يَا رَسُول الله، قَالَ: عَلَيْك السَّلَام تَحِيَّة الْمَيِّت " الحَدِيث. وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا هُوَ من رِوَايَة الْجريرِي، عَن أبي السَّلِيل: ضريب ابْن نقير، عَن أبي تَمِيمَة الهُجَيْمِي، عَن جَابر بن سليم.
يرويهِ عَن الْجريرِي عبد الْوَارِث.(4/616)
(2172) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن عبد الله بن بسر، قَالَ: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا أَتَى بَاب قوم لم يسْتَقْبل الْبَاب من تِلْقَاء وَجهه ". الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ إِنَّمَا يرويهِ بَقِيَّة، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، عَن عبد الله بن بسر.
وَقد تقدم فِي هَذَا الْبَاب ذكر بَقِيَّة، وَعَمله فِيهِ.
وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن هَذَا، هُوَ ابْن عرق - هَكَذَا بِعَين مَكْسُورَة وَرَاء سَاكِنة - كَذَلِك ضَبطه فِي كِتَابه أَبُو الْوَلِيد [ابْن] الفرضي وَغَيره.
ويكنى أَبَا الْوَلِيد، وَهُوَ يحصبي روى عَنهُ بَقِيَّة، وَإِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، وَيحيى بن سعيد الْعَطَّار، وَمُحَمّد بن سُلَيْمَان أَبُو ضَمرَة الْحِمصِي، قَالَه أَبُو حَاتِم، وَلم يذكر لَهُ حَالا، فَهِيَ عِنْده مَجْهُولَة.(4/617)
(2173) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن عَليّ بن شَيبَان، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من بَات على ظهر بَيت لَيْسَ عَلَيْهِ حجار، فقد بَرِئت مِنْهُ الذِّمَّة ".
وَسكت عَنهُ، وَإِسْنَاده عِنْد أبي دَاوُد هُوَ هَذَا: حَدثنَا ابْن الْمثنى، حَدثنَا سَالم - يَعْنِي ابْن نوح - عَن عمر بن جَابر الْحَنَفِيّ، عَن وَعلة بن عبد الرَّحْمَن ابْن وثاب عَن عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن شَيبَان، عَن أَبِيه. فَذكره.
وَعبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن شَيبَان الْحَنَفِيّ، ورى عَنهُ وَعلة هَذَا، وَعبد الله ابْن بدر، وَلَا تعرف حَاله.
ووعلة بن عبد الرَّحْمَن بن وثاب لَا يعرف إِلَّا بروايته عَن عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن شَيبَان، وَرِوَايَة عمر بن جَابر الْحَنَفِيّ عَنهُ.
وَعمر بن جَابر الْحَنَفِيّ اليمامي، روى عَن عبد الله بن بدر، ووعلة بن عبد الرَّحْمَن، روى عَنهُ سَالم بن نوح، وَإيَاس بن دَغْفَل، وَلَا تعرف أَيْضا حَاله.
(2174) وَذكر من طَرِيق مُسلم عَن جَابر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لكل دَاء دَوَاء ".(4/618)
وَسكت عَنهُ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة عبد ربه، عَن أبي الزبير، عَن جَابر.
(2175) وَذكر من طَرِيقه عَن وَائِل بن حجر " أَن طَارق بن سُوَيْد سَأَلَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن الْخمر فَنَهَاهُ، أَو كره أَن يصنعها، فَقَالَ: إِنَّمَا أصنعها للدواء ". الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة سماك بن حَرْب.
(2176) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:(4/619)
" من احْتجم لسبع عشرَة، أَو تسع عشرَة، أَو إِحْدَى وَعشْرين، كَانَ شِفَاء من كل دَاء ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ ضَعِيف؛ فَإِنَّهُ من رِوَايَة سعيد بن عبد الرَّحْمَن الجُمَحِي، عَن سهل، عَن أمه، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَسَهل وَأمه مَجْهُولَانِ، وَقد يظنّ أَنه سهل بن أبي سهل، وَيُقَال: سُهَيْل ابْن أبي سُهَيْل؛ فَإِنَّهُ يروي عَن أمه، عَن عَائِشَة، وروى عَنهُ سعيد بن أبي هِلَال، وَعَمْرو بن الْحَارِث، وخَالِد بن يزِيد، وَهُوَ أَيْضا كَذَلِك لَا تعرف حَاله وَلَا حَال أمه.(4/620)
(2177) وَذكر من طَرِيقه عَن عقبَة بن عَامر " بَينا أَنا أَسِير مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَين الْجحْفَة والأبواء غشيتنا ريح وظلمة شَدِيدَة، فَجعل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يتَعَوَّذ بقل أعوذ بِرَبّ الفلق، وَقل أعوذ بِرَبّ النَّاس ". الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق.
(2178) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن أبي سعيد، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا حَلِيم إِلَّا ذُو عَثْرَة، وَلَا حَكِيم إِلَّا ذُو تجربة ".(4/621)
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا قَالَ فِيهِ التِّرْمِذِيّ: حسن، وَهُوَ كَذَلِك يَنْبَغِي أَن يُقَال فِيهِ؛ لِأَنَّهُ من رِوَايَة ابْن وهب، عَن عَمْرو بن الْحَارِث، عَن دراج، عَن أبي الْهَيْثَم عَنهُ.
وَقد تقدم ذكر دراج فِي هَذَا الْبَاب.
(2179) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن أبي أسيد " بَيْنَمَا نَحن عِنْد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذْ جَاءَهُ رجل من بني سَلمَة، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، هَل بَقِي من بر أَبَوي شَيْء أبرهما بِهِ بعد مَوْتهمَا " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْد أبي دَاوُد، من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن سُلَيْمَان - هُوَ ابْن عبد الله بن حَنْظَلَة بن الغسيل وَهُوَ ثِقَة -، عَن أسيد بن عَليّ بن عبيد، مولى بني سَاعِدَة، عَن أَبِيه، عَن أبي أسيد.
وَأسيد بن عَليّ وَأَبوهُ مَجْهُولَانِ، وَضبط اسْمه بِفَتْح الْهمزَة وَكسر السِّين، هَذَا صَوَابه.
ومُوسَى بن يَعْقُوب الزمعِي يَقُول فِيهِ: أسيد، بِضَم الْهمزَة، وَفتح السِّين،(4/622)
وَلَيْسَ ذَلِك بصواب عِنْدهم، وَلَا يعرف روى عَن عَليّ هَذَا غير ابْنه هَذَا الحَدِيث، وَلَا عَن ابْنه أسيد الْمَذْكُور إِلَّا عبد الرَّحْمَن بن سُلَيْمَان، ومُوسَى بن يَعْقُوب الزمعِي.
قَالَ ابْن أبي حَاتِم: إِنَّه مولى أبي أسيد السَّاعِدِيّ.
(2180) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " ثَلَاثَة لَا ينظر الله إِلَيْهِم يَوْم الْقِيَامَة: الْعَاق لوَالِديهِ، والديوث، وَالْمَرْأَة المترجلة " الحَدِيث.
وخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا.
كَذَا أوردهُ وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا يرويهِ عمر بن مُحَمَّد، عَن عبد الله بن(4/623)
يسَار، عَن سَالم، عَن أَبِيه تفرد بِهِ.
وَعبد الله بن يسَار الْأَعْرَج، مدنِي، هُوَ مولى ابْن عمر، روى عَنهُ سُلَيْمَان ابْن بِلَال، وَعمر بن مُحَمَّد، وَلَا نَعْرِف حَاله.
(2181) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ثَلَاث دعوات مستجابات لَا شكّ فِيهِنَّ: دَعْوَة الْمَظْلُوم " الحَدِيث.(4/624)
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا يرويهِ عِنْد التِّرْمِذِيّ يحيى بن أبي كثير، عَن أبي جَعْفَر، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَأَبُو جَعْفَر هُوَ الْمُؤَذّن، يروي عَنهُ يحيى بن أبي كثير، لَا يعرف روى عَنهُ غَيره، ذكره بذلك مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ، وَلَا تعرف لَهُ حَال.
(2182) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن أنس، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لَهُ: " يَا ذَا الْأُذُنَيْنِ ".
وَصَححهُ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة شريك، عَن عَاصِم الْأَحول، عَن أنس.
وَقد تقدم ذكر شريك فِي هَذَا الْبَاب وَغَيره.
(2183) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ:(4/625)
" إِن الْهَدْي الصَّالح، والسمت الصَّالح، والاقتصاد، جُزْء من خَمْسَة وَعشْرين جُزْءا من النُّبُوَّة ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ من عِنْد أبي دَاوُد، من رِوَايَة قَابُوس بن أبي ظبْيَان، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس.
وقابوس مضعف ومحدود فِي الْفِرْيَة، وَقد تقدم ذكره، وَسَيَأْتِي أَيْضا، وَسَنذكر مَعْنَاهُ بِأَحْسَن من هَذَا الْإِسْنَاد.
(2184) وَذكر من طَرِيق ابْن أبي شيبَة عَن أنس، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -(4/626)
قَالَ: " من خزن لِسَانه ستر الله عَوْرَته، وَمن كف غَضَبه كف الله عَنهُ عَذَابه، وَمن اعتذر إِلَى الله، قبل الله مِنْهُ عذره ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ عِنْد ابْن أبي شيبَة، عَن زيد بن الْحباب، حَدثنِي الرّبيع ابْن سليم، حَدثنِي أَبُو عَمْرو، مولى أنس، أَنه سمع أنسا. فَذكره.
وَأَبُو عَمْرو هَذَا، لَا تعرف حَاله.
وَالربيع بن سليم لَا أعلمهُ إِلَّا أَبَا سُلَيْمَان الخلقاني، قَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِشَيْء ".
فَأَما قَول أبي حَاتِم فِيهِ: " شيخ " فَلَيْسَ بتعريف بِشَيْء من حَاله، إِلَّا أَنه مقل لَيْسَ من أهل الْعلم، وَإِنَّمَا وَقعت لَهُ رِوَايَة أخذت عَنهُ.
(2185) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:(4/627)
" لَيْسَ منا من لم يرحم صَغِيرنَا، ويوقر كَبِيرنَا، وَيَأْمُر بِالْمَعْرُوفِ، وينه عَن الْمُنكر ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ ضَعِيف؛ فَإِنَّهُ من رِوَايَة يزِيد بن هَارُون، عَن شريك، عَن لَيْث، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس.
وَلَيْسَ هُوَ ابْن أبي سليم، ضَعِيف، وَشريك تقدم ذكره.(4/628)
(2186) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار عَن أبي الدَّرْدَاء، سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " من أبلغ ذَا سُلْطَان حَاجَة من لَا يَسْتَطِيع إبلاغه " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث لَا يَصح؛ فَإِنَّهُ عِنْد الْبَزَّار هَكَذَا: حَدثنَا بشر بن آدم، قَالَ: حَدثنَا أَبُو عَاصِم، قَالَ: حَدثنَا سعيد بن زيد، عَن سعيد البراد، عَن عُثْمَان بن حَيَّان قَالَ: كنت عِنْد أم الدَّرْدَاء، فَأخذت برغوثا فألقيته فِي النَّار، فَقَالَت: سَمِعت أَبَا الدَّرْدَاء يَقُول: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يعذب بالنَّار إِلَّا رب النَّار ". قَالَ: وَسمعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " من أبلغ ذَا سُلْطَان حَاجَة من لَا يَسْتَطِيع إبلاغه، ثَبت الله قَدَمَيْهِ على الصِّرَاط يَوْم تزل فِيهِ الْأَقْدَام ".
قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث يرْوى بعض كَلَامه عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِغَيْر هَذَا اللَّفْظ وَهُوَ: " لَا يعذب بالنَّار إِلَّا رب النَّار ".(4/631)
وَرُوِيَ نَحْو هَذَا الْكَلَام عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من وُجُوه، وَزَاد أَبُو الدَّرْدَاء: " من أبلغ ذَا سُلْطَان "، فَهَذَا الْأَخير عَن أبي الدَّرْدَاء لَا يحفظ عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من وَجه مُتَّصِل غير هَذَا الْوَجْه، فَلذَلِك كتبناه.
وَسَعِيد البراد، روى عَنهُ حَمَّاد بن زيد، وَأَخُوهُ سعيد بن زيد، وَهُوَ بَصرِي. انْتهى كَلَام الْبَزَّار.
عُثْمَان بن حَيَّان هَذَا لَا تعرف حَاله، وَلم يذكرهُ ابْن أبي حَاتِم بِأَكْثَرَ من رِوَايَة هِشَام بن سعد عَنهُ، وَهَذَا الْآن سعيد البراد، يروي أَيْضا عَنهُ، وَلكنه لَا يعرف لَهُ أَيْضا حَاله.
فَأَما سعيد بن زيد، أَخُو حَمَّاد بن زيد فَثِقَة.
(2187) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن أبي هُرَيْرَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إيَّاكُمْ والحسد؛ فَإِن الْحَسَد يَأْكُل الْحَسَنَات " الحَدِيث.(4/632)
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ لَا يَصح؛ لِأَنَّهُ من رِوَايَة سُلَيْمَان بن بِلَال، عَن إِبْرَاهِيم ابْن أبي أسيد، عَن جده، عَن أبي هُرَيْرَة.
وجد إِبْرَاهِيم لَا يعرف من هُوَ، فَأَما إِبْرَاهِيم بن أبي أسيد الْمدنِي البراد، فصدوق.
(2188) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ: " أفضل الْجِهَاد كلمة حق عِنْد سُلْطَان جَائِر ".
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا يرويهِ عبد الرَّحْمَن بن مُصعب أَبُو يزِيد المعني، عَن إِسْرَائِيل، [عَن مُحَمَّد بن جحادة] ، عَن عَطِيَّة، عَن أبي سعيد.
وعطية هُوَ الْعَوْفِيّ، ضَعِيف، وَعبد الرَّحْمَن بن مُصعب، لَا تعرف حَاله.
(2189) وَلما ذكر أَبُو مُحَمَّد حَدِيث أبي سعيد: " من أسلف فِي شَيْء فَلَا يصرفهُ إِلَى غَيره ".(4/633)
قَالَ: عَطِيَّة لَا يحْتَج أحد بحَديثه، وَإِن كَانَ الجلة قد رووا عَنهُ.
وَالْعجب أَن بعده مُتَّصِلا بِهِ، حَدِيث أبي أُميَّة الشَّعْبَانِي عَن أبي ثَعْلَبَة، قَالَ فِيهِ: حسن، وَهُوَ بِثَلَاثَة مجهولين، فَهَلا قَالَ فِي حَدِيث عَطِيَّة: حسن؟
(2190) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ حَدِيث ابْن مَسْعُود، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّكُم منصورون، ومصيبون، ومفتوح لكم " الحَدِيث.
وَقَالَ فِيهِ: صَحِيح، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة سماك بن حَرْب.
(2191) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار، عَن أنس، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الدَّال على الْخَيْر كفاعله، وَالله يحب إغاثة اللهفان ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ من رِوَايَة السكن بن إِسْمَاعِيل، عَن زِيَاد النميري،(4/634)
عَن أنس.
وَزِيَاد النميري، هُوَ زِيَاد بن عبد الله، قَالَ فِيهِ ابْن معِين: ضَعِيف.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ.
وَأما السكن فَثِقَة.
(2192) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار عَن أنس، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَو لم تَكُونُوا تذنبون، لَخَشِيت عَلَيْكُم مَا هُوَ أَكثر مِنْهُ، الْعجب ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ سَلام أَبُو الْمُنْذر، عَن ثَابت، عَن أنس.(4/635)
وَهُوَ سَلام بن سُلَيْمَان الْقَارئ، صَاحب عَاصِم، وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ، فَالْحَدِيث حسن.
(2193) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن عقبَة بن عَامر، قلت: " يَا رَسُول الله، مَا النجَاة؟ قَالَ: أملك عَلَيْك لسَانك، وليسعك بَيْتك، وابك على خطيئتك ".
وَسكت عَنهُ، وَالتِّرْمِذِيّ إِنَّمَا قَالَ فِيهِ: حسن، وَهُوَ أقرب إِلَى الضَّعِيف؛ فَإِنَّهُ عِنْده من رِوَايَة يحيى بن أَيُّوب، عَن عبيد الله بن زحر، عَن عَليّ بن يزِيد، عَن الْقَاسِم، عَن أبي أُمَامَة.
وَكلهمْ مُتَكَلم فِيهِ، وَقد تقدمُوا.
(2194) وَذكر حَدِيث أبي هُرَيْرَة، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِن أغبط أوليائي عِنْدِي، لمُؤْمِن خَفِيف الحاذ ذُو حَظّ من الصَّلَاة، أحسن عبَادَة ربه، وأطاعه فِي السِّرّ، وَكَانَ غامضا فِي النَّاس، لَا يشار إِلَيْهِ بالأصابع، وَكَانَ رزقه كفافا فَصَبر، ثمَّ نفض بِيَدِهِ فَقَالَ: عجلت منيته، قلت بوَاكِيهِ، قل تراثه ".
هُوَ أَيْضا بِهَذَا الْإِسْنَاد مثله إِلَى أبي أُمَامَة، لم يقل: عَن عقبَة.
وَهَذَا الَّذِي وَقع فِي النّسخ، من جعل الحَدِيث عَن أبي هُرَيْرَة، خطأ(4/636)
فَاحش، وَإِنَّمَا هُوَ حَدِيث أبي أُمَامَة، وَقد بَينا ذَلِك فِي بَاب نِسْبَة الْأَحَادِيث إِلَى غير رواتها.
(2195) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار عَن أبي خَلاد - وَكَانَت لَهُ صُحْبَة - قَالَ:(4/637)
قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا رَأَيْتُمْ الرجل قد أعطي زهدا فِي الدُّنْيَا، وَقلة منطق، فاقتربوا مِنْهُ؛ فَإِنَّهُ يلقى الْحِكْمَة ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ الْبَزَّار هَكَذَا: حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق - قَالَ: حَدثنَا عبد الْأَعْلَى بن مَسْرُوق قَالَ: حَدثنِي الحكم بن هِشَام، [قَالَ: حَدثنَا يحيى بن سعيد، عَن أبي] فَرْوَة، عَن أبي خَلاد -، وَكَانَت لَهُ صُحْبَة، فَذكره.
قَالَ الْبَزَّار: إِنَّمَا أدخلْنَاهُ فِي الْمسند؛ لِأَنَّهُ ذكر فِي الحَدِيث: " وَكَانَت لَهُ صُحْبَة "، وَلم يقل فِي هَذَا الحَدِيث: رَأَيْت، وَلَا قلت، وَلَا سَمِعت. انْتهى كَلَام الْبَزَّار.
أَبُو خَلاد لَا يعرف فِي الصَّحَابَة، وَالْقَائِل: إِن لَهُ صُحْبَة، هُوَ أَبُو فَرْوَة الرَّاوِي عَنهُ، وَهُوَ غير مَعْرُوف فِيمَن يكنى بِهَذِهِ الكنية.
(2196) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار أَيْضا، عَن أنس بن مَالك قَالَ: لَقِي(4/638)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَبَا ذَر، فَقَالَ: " يَا أَبَا ذَر، أَلا أدلك على خَصْلَتَيْنِ، هما خفيفتان على الظّهْر، وأثقل فِي الْمِيزَان من غَيرهمَا؟ قَالَ: بلَى يَا رَسُول الله، قَالَ: عَلَيْك بِحسن الْخلق، وَطول الصمت، فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ مَا عمل الْخَلَائق بمثلهما ".
كَذَا ذكره وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ أَبُو بدر: بشار بن الحكم الضَّبِّيّ، وَهُوَ شيخ بَصرِي، مُنكر الحَدِيث، قَالَه أَبُو زرْعَة.(4/639)
يرويهِ عَن ثَابت، عَن أنس.
قَالَ الْبَزَّار: لَا نعلم رَوَاهُمَا - لهَذَا الحَدِيث وَلِحَدِيث آخر - عَن ثَابت، عَن أنس غَيره.
(2197) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن عبد الله بن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تكثروا الْكَلَام بِغَيْر ذكر الله؛ فَإِن كَثْرَة الْكَلَام بِغَيْر ذكر الله قسوة للقلب " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث يَدُور على إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن حَاطِب، يرويهِ عَن عبد الله بن دِينَار.
وَإِبْرَاهِيم الْمَذْكُور مدنِي، روى عَنهُ القعْنبِي، وَعلي بن حَفْص، وَغَيرهمَا وَمَعَ ذَلِك فَلَا تعرف حَاله.
(2198) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار عَن أنس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:(4/640)
" أَرْبَعَة من الشَّقَاء: جمود الْعين، وقساوة الْقلب، وَطول الأمل، والحرص على الدُّنْيَا ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ هَانِئ بن المتَوَكل، قَالَ: حَدثنَا عبد الله ابْن سُلَيْمَان، عَن إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة، عَن أنس.
وَعبد الله بن سُلَيْمَان قد حدث عَن الْمُقْرِئ وَغَيره أَحَادِيث لم يُتَابع عَلَيْهَا. قَالَه الْبَزَّار.
وهانئ بن المتَوَكل، إسكندراني، لَا تعرف حَاله.(4/641)
(2199) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن الله تَعَالَى يَقُول: يَا ابْن آدم، تفرغ لعبادتي، أملأ صدرك غنى " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْد التِّرْمِذِيّ هَكَذَا: حَدثنَا عَليّ بن خشرم، أخبرنَا عِيسَى بن يُونُس، عَن عمرَان بن زَائِدَة بن نشيط عَن أَبِيه، عَن أبي خَالِد الْوَالِبِي، [عَن أَبِيه] ، عَن أبي هُرَيْرَة. فَذكره.
ووالد أبي خَالِد لَا يعرف، فَأَما أَبُو خَالِد: هُرْمُز فَلَا بَأْس بِهِ.
وزائدة بن نشيط لَا تعرف حَاله.
(2200) وَذكر من طَرِيق ابْن أبي شيبَة عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا طلعت قطّ شمس إِلَّا بعث بجنبتيها ملكان يناديان - إنَّهُمَا ليسمعان من على الأَرْض غير الثقلَيْن -: يَا أَيهَا النَّاس، هلموا إِلَى ربكُم فَإِن مَا قل(4/642)
وَكفى، خير مِمَّا كثر وألهى " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ قَتَادَة، عَن خُلَيْد بن عبد الله العصري، عَن أبي الدَّرْدَاء.
وخليد هَذَا بَصرِي، يروي عَن أبي ذَر، وَأبي الدَّرْدَاء، روى عَنهُ قَتَادَة، وَأَبُو الْأَشْهب، وَلَا أعرف حَاله.
(2201) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار عَن جَابر بن عبد الله، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تمنوا الْمَوْت؛ فَإِن هول المطلع شَدِيد " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ الْبَزَّار هَكَذَا: أخبرنَا مُحَمَّد بن الْمثنى، وَمُحَمّد بن معمر، وَعَمْرو بن عَليّ، قَالُوا: حَدثنَا أَبُو عَامر، قَالَ: حَدثنَا كثير ابْن زيد، قَالَ: حَدثنِي الْحَارِث بن أبي يزِيد، قَالَ سَمِعت جَابِرا. فَذكره.
والْحَارث بن أبي يزِيد هَذَا. لَا تعرف حَاله، روى عَن جَابر حديثين، هَذَا أَحدهمَا من رِوَايَة كثير بن زيد عَنهُ.(4/643)
وَالْآخر من رِوَايَة مُحَمَّد بن أبي يحيى الْأَسْلَمِيّ عَنهُ، ذكره الْبَزَّار أَيْضا.
وَكثير بن زيد ضَعِيف، فَالْحَدِيث من أجلهما لَا يَصح.
(2202) وَذكر [من طَرِيق قَاسم بن أصبغ، عَن أبي أُمَامَة، عَن النَّبِي]- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " تدنى الشَّمْس يَوْم الْقِيَامَة على قدر ميل، ويزداد فِيهَا كَذَا وَكَذَا، تغلي مِنْهَا الْهَوَام كَمَا تغلي الْقُدُور على الأثافي ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ قَاسم هَكَذَا: حَدثنَا أَبُو بكر: مُحَمَّد بن مُعَاوِيَة الْقرشِي، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن عبيد بن آدم، عَن أَبِيه، عَن اللَّيْث ابْن سعد، عَن مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن أبي عبد الرَّحْمَن، عَن أبي أُمَامَة.
وَأَبُو عبد الرَّحْمَن الْقَاسِم الشَّامي، وَمُعَاوِيَة بن صَالح، مُخْتَلف فيهمَا.
فَأَما عبيد بن آدم فصدوق، وَأَبوهُ ثِقَة؛ فَالْحَدِيث إِذن حسن لَا صَحِيح.
(2203) وَذكر من طَرِيق مُسلم عَن أبي سعيد، أَن ابْن صياد سَأَلَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن تربة الْجنَّة، فَقَالَ: " درمكة بَيْضَاء، مسك خَالص ".(4/644)
هَذَا اللَّفْظ من رِوَايَة الْجريرِي، عَن أبي نَضرة، رَوَاهُ عَنهُ أَبُو أُسَامَة.
وَله عِنْد مُسلم طَرِيق آخر، من رِوَايَة أبي مسلمة، عَن أبي نَضرة، عَن أبي سعيد، وَلَفظه غير هَذَا، قَالَ فِيهِ: إِن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لِابْنِ صياد: " مَا تربة الْجنَّة؟ قَالَ: درمكة بَيْضَاء، مسك يَا أَبَا الْقَاسِم، قَالَ: صدقت ".
(2204) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من لبس الْحَرِير فِي الدُّنْيَا " الحَدِيث.
وَفِيه: " لِبَاس أهل الْجنَّة، وشراب أهل الْجنَّة، وآنية أهل الْجنَّة ".
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا يرويهِ عِنْده زيد بن وَاقد، عَن خَالِد بن عبد الله بن حُسَيْن، عَن أبي هُرَيْرَة.
وخَالِد بن عبد الله بن حُسَيْن، مولى عُثْمَان بن عَفَّان، شَامي، روى عَن أبي هُرَيْرَة، روى عَنهُ إِسْمَاعِيل بن عبيد الله، وَزيد بن وَاقد، وَمُحَمّد بن عبد الله الشعيثي، وَلَا تعرف حَاله.
(2205) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا، عَن أنس بن مَالك قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:(4/645)
" من قَالَ حِين يصبح: اللَّهُمَّ إِنِّي أشهدك وَأشْهد حَملَة عرشك " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا يرويهِ عِنْد النَّسَائِيّ بَقِيَّة بن الْوَلِيد، عَن مُسلم بن زِيَاد مولى مَيْمُونَة، عَن أنس.
وَمُسلم هَذَا شَامي، كَانَ صَاحب خيل عمر بن عبد الْعَزِيز، وَلَا يعرف روى عَنهُ غير بَقِيَّة، وحاله مَجْهُولَة.
(2206) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ عَن الْحَارِث بن مُسلم التَّمِيمِي،(4/646)
قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا صليت الصُّبْح فَقل قبل أَن تَتَكَلَّم: اللَّهُمَّ أجرني من النَّار، سبع مَرَّات " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ عِنْد النَّسَائِيّ هَكَذَا: أَخْبرنِي عَمْرو بن عُثْمَان، عَن الْوَلِيد بن مُسلم، عَن عبد الرَّحْمَن بن حسان الْكِنَانِي، عَن مُسلم بن الْحَارِث ابْن مُسلم التَّمِيمِي، أَنه حَدثهمْ عَن أَبِيه. فَذكره.
هَكَذَا قَالَ فِيهِ: مُسلم بن الْحَارِث بن مُسلم، وَإِنَّمَا ذكره ابْن أبي حَاتِم: الْحَارِث بن مُسلم بن الْحَارِث، فَجعل مُسلم بن الْحَارِث هُوَ الَّذِي يروي عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ويروي عَنهُ ابْنه الْحَارِث.
وَذكر أَيْضا عَن أبي زرْعَة، أَنه سُئِلَ عَن مُسلم بن الْحَارِث، أَو الْحَارِث بن مُسلم، فَقَالَ: الصَّحِيح الْحَارِث بن مُسلم بن الْحَارِث عَن أَبِيه، وَذكر عَن ابْن أبي حَاتِم أَنه قَالَ: الْحَارِث بن مُسلم تَابِعِيّ.(4/647)
وَلم يذكر لمُسلم بن الْحَارِث هَذَا أَكثر من أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أرْسلهُ فِي سَرِيَّة، وَذكر عَن مُحَمَّد بن شُعَيْب بن شَابُور قَالَ: قَالَ عبد الرَّحْمَن بن حسان: كَانَ مُسلم بن الْحَارِث قد صحب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
فَأَما ابْنه الْحَارِث فَلَا تعرف لَهُ حَال، وَلَا يعرف روى عَنهُ إِلَّا عبد الرَّحْمَن ابْن حسان الْكِنَانِي.
فَهَذَا حَال هَذَا الحَدِيث على تَقْدِير الصَّوَاب فِي الْإِسْنَاد، فَأَما على مَا وَقع عِنْد النَّسَائِيّ، وَمَا نَقله عَنهُ أَبُو مُحَمَّد، فالحال أَشد، فَإِنَّهُ إِذا كَانَ هَكَذَا: مُسلم ابْن الْحَارِث بن مُسلم؛ فَإِن الْحَارِث بن مُسلم لَا يعرف فِي الصَّحَابَة، وَابْنه مُسلم بن الْحَارِث لَا تعرف حَاله.
وَإِلَى هَذَا، فَإِن عبد الرَّحْمَن بن حسان الْكِنَانِي أَيْضا لَا تعرف حَاله، وَإِن كَانَ قد روى عَنهُ جمَاعَة: صَدَقَة بن خَالِد، والوليد بن مُسلم، وَمُحَمّد ابْن شُعَيْب بن شَابُور.
(2207) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ عَن [أبي سعيد الْخُدْرِيّ، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: قَالَ مُوسَى: يَا] رب عَلمنِي شَيْئا أذكرك بِهِ، قَالَ: يَا مُوسَى: قل: لَا إِلَه إِلَّا الله " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ من رِوَايَة عَمْرو بن الْحَارِث، عَن دراج أبي السَّمْح،(4/648)
عَن أبي الْهَيْثَم، عَن أبي سعيد، وَقد تقدم.
(2208) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار عَن ابْن عمر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَلا أخْبركُم بِوَصِيَّة نوح ابْنه، قَالُوا: بلَى، قَالَ: أوصى نوح ابْنه، فَقَالَ لَهُ: يَا بني إِنِّي أوصيك بِاثْنَتَيْنِ، وأنهاك عَن اثْنَتَيْنِ، أوصيك بقول: لَا إِلَه إِلَّا الله " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن ابْن عمر.
(2209) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " استكثروا من الْبَاقِيَات الصَّالِحَات " الحَدِيث.
وَلم يبين أَنه من رِوَايَة أبي السَّمْح: دراج، عَن أبي الْهَيْثَم، عَن أبي سعيد.
(2210) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن جَابر، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ:(4/649)
" من قَالَ: سُبْحَانَ الله غرست لَهُ نَخْلَة فِي الْجنَّة ".
وَلم يبين أَنه من رِوَايَة حجاج الصَّواف، عَن أبي الزبير، عَن جَابر مُعَنْعنًا.
(2211) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من لزم الاسْتِغْفَار، جعل الله لَهُ من كل ضيق مخرجا، وَمن كل هم فرجا " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ من رِوَايَة الْوَلِيد بن مُسلم، قَالَ: حَدثنَا الحكم بن مُصعب، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس.
وَالْحكم هَذَا، قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: شيخ للوليد، لَا أعلم أحدا روى عَنهُ غَيره.
وَلم يذكر لَهُ حَالا فَهُوَ مجهولها.
(2212) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ عَن أبي طَلْحَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:(4/650)
" جَاءَ ذَات يَوْم والبشرى فِي وَجهه، فَقُلْنَا: إِنَّا لنرى الْبُشْرَى فِي وَجهك، قَالَ: إِنَّه أَتَانِي الْملك فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، إِن رَبك عز وَجل يَقُول: أما يرضيك أَنه لَا يُصَلِّي عَلَيْك أحد إِلَّا صليت عَلَيْهِ عشرا " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث حَمَّاد، عَن ثَابت قَالَ: قدم علينا سُلَيْمَان مولى الْحسن بن عَليّ، فحدثنا عَن عبد الله بن أبي طَلْحَة، عَن أَبِيه.
وَسليمَان هَذَا لَا تعرف لَهُ حَال وَلَا ذكر بِأَكْثَرَ من رِوَايَة ثَابت عَنهُ.(4/651)
(2213) وَذكر من طَرِيق مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا يزَال يُسْتَجَاب للْعَبد مَا لم يدع بإثم " الحَدِيث.
وَلم يبين أَنه من رِوَايَة مُعَاوِيَة بن صَالح.
(2214) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ عَن عَامر بن ربيعَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا رأى أحدكُم من نَفسه، أَو مَاله، أَو أَخِيه مَا يُعجبهُ، فَليدع بِالْبركَةِ ".(4/652)
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ من رِوَايَة أُميَّة بن هِنْد - وَهُوَ مَجْهُول الْحَال - وَهُوَ يروي عَن أبي أُمَامَة بن سهل بن حنيف، وَعبد الله بن عَامر بن ربيعَة، روى عَنهُ سعيد بن أبي هِلَال، وَعبد الله بن عِيسَى بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، وَهُوَ يعد فِي أهل الْحجاز، بِهَذَا ذكره أَبُو حَاتِم، وَزَاد ابْنه أَنه يروي عَن عُرْوَة.
وَمَعَ هَذَا كُله فَلَا تعرف حَاله، وَقد سَأَلَ عُثْمَان الدَّارمِيّ عَنهُ ابْن معِين فَقَالَ: لَا أعرفهُ.
(2215) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار، عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ، كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -(4/653)
إِذا رأى مَا يكره، قَالَ: " الْحَمد لله على كل حَال ". وَإِذا رأى مَا يسره قَالَ: " الْحَمد لله الَّذِي بنعمته تتمّ الصَّالِحَات ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ إِنَّمَا يرويهِ الْبَزَّار هَكَذَا: حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق الْبَغْدَادِيّ، حَدثنَا يحيى بن أبي بكير، حَدثنَا إِسْرَائِيل، عَن مُحَمَّد بن عبد الله ابْن أبي رَافع، عَن أَبِيه، عَن عَمه عبيد الله بن أبي رَافع، عَن عَليّ.(4/654)
وَعبيد الله بن أبي رَافع ثِقَة، فَأَما عبد الله بن أبي رَافع، فَلَا يعرف، وَكَذَلِكَ ابْنه مُحَمَّد، وَالْمَعْرُوف إِنَّمَا هُوَ مُحَمَّد بن عبيد الله بن أبي رَافع، وَهُوَ ضَعِيف يروي عَن أَبِيه، وَعَمه، وَدَاوُد بن حُصَيْن، وَزيد بن أسلم.
(2216) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث: " إِذا سَمِعْتُمْ نباح الْكلاب ونهيق الْحمير بِاللَّيْلِ ".
وَلم يبين أَنه من رِوَايَة إِسْحَاق.
(2217) [وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ عَن أبي بكر الصّديق، سَمِعت رَسُول الله]- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " سلوا الله الْعَفو، والعافية، والمعافاة " الحَدِيث.(4/655)
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا يرويهِ الْوَلِيد بن مُسلم، قَالَ: حَدثنِي ابْن جَابر، حَدثنِي سليم بن عَامر، قَالَ: سَمِعت أَوسط البَجلِيّ يَقُول: سَمِعت أَبَا بكر يَقُول: قَالَ فِينَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَام أول - فبأبي وَأمي هُوَ، ثمَّ خنقته الْعبْرَة ثمَّ عَاد - فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَام الأول يَقُول. فَذكره.
وأوسط بن عَمْرو أَبُو إِسْمَاعِيل البَجلِيّ، وَيُقَال: أَوسط بن عَامر، وَيُقَال: أَوسط بن إِسْمَاعِيل، لَا يعرف حَاله روى عَن أبي [بكر] ، روى عَنهُ سليم بن عَامر، وحبِيب بن عبيد الرَّحبِي.
(2218) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ عَن نَافِع، قَالَ: كَانَ ابْن عمر إِذا جلس مَجْلِسا لم يقم حَتَّى يَدْعُو لجلسائه بِهَذِهِ الْكَلِمَات، وَزعم أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَدْعُو بِهن لجلسائه: " اللَّهُمَّ اقْسمْ لنا من خشيتك مَا تحول بِهِ بَيْننَا وَبَين(4/656)
مَعَاصِيك " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ النَّسَائِيّ هَكَذَا: أخبرنَا الرّبيع بن سُلَيْمَان ابْن دَاوُد، حَدثنَا عبد الله بن عبد الحكم، أخبرنَا بكر - هُوَ ابْن مُضر - عَن عبيد الله بن زحر، عَن خَالِد بن أبي عمرَان، عَن نَافِع.
وَعبيد الله بن زحر، وَإِن كَانَ صَدُوقًا فَإِنَّهُ ضَعِيف، ضعفه ابْن حَنْبَل.
وَقَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِشَيْء.
وَقَالَ فِيهِ ابْن الْمَدِينِيّ: مُنكر الحَدِيث.
وَقَالَ أَبُو زرْعَة: لَا بَأْس بِهِ، صَدُوق.
فَالْحَدِيث من أَجله حسن، وَهُوَ إفريقي وَكَذَلِكَ خَالِد بن أبي عمرَان، قَاضِي إفريقية.
(2219) وَذكر من طَرِيق [أبي دَاوُد عَن] أبي هُرَيْرَة، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -(4/657)
كَانَ يَدْعُو: " اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من النِّفَاق، والشقاق، وَسُوء الْأَخْلَاق ".
وَسكت عَنهُ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة بَقِيَّة، وَقد تقدم ذكره فِي هَذَا الْبَاب.
وَفِيه أَيْضا ضبارة بن عبد الله بن أبي السليك.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا عَمْرو بن عُثْمَان، حَدثنَا بَقِيَّة، حَدثنَا ضبارة بن عبد الله [بن أبي السليك، عَن دويد بن نَافِع، حَدثنَا أَبُو صَالح السمان، قَالَ: قَالَ] أَبُو هُرَيْرَة. فَذكره.
وضبارة بن عبد الله بن أبي السليك هَذَا، لَا يعرف روى عَنهُ غير بَقِيَّة، وروى هُوَ عَن دويد بن نَافِع، وَلَا يعرف لَهُ حَال، وَهَكَذَا هُوَ فِي هَذَا الْإِسْنَاد: ضبارة بن عبد الله بن أبي السليك.
وَعند أبي دَاوُد فِي كتاب الْأَدَب حَدِيث آخر من رِوَايَة بَقِيَّة أَيْضا، عَن ضبارة بن مَالك الْحَضْرَمِيّ، عَن أَبِيه، عَن جُبَير بن نفير، عَن أَبِيه.
فهما - كَمَا ترى - رجلَانِ " أَحدهمَا ضبارة بن عبد الله بن أبي السليك،(4/658)
وَهُوَ قرشي، وَالْآخر ضبارة بن مَالك، وَهُوَ حضرمي.
وَهَكَذَا ذكرهمَا البُخَارِيّ، فَإِنَّهُ بعد أَن ذكر ضبارة بن مَالك بن أبي السليك، أَبَا شُرَيْح الْحَضْرَمِيّ، قَالَ: وَلَهُم شيخ آخر يُقَال لَهُ: ضبارة بن عبد الله
الْقرشِي، قَالَه لنا إِسْحَاق.
فنص - كَمَا ترى - على أَنَّهُمَا رجلَانِ إِلَّا أَنه جعل ابْن مَالك مِنْهُمَا ابْن أبي السليك، وَفِي إِسْنَاد الحَدِيث الْمَذْكُور أَن ابْن عبد الله، هُوَ ابْن أبي السليك، فَلَا أَدْرِي مَا هَذَا؟
وَأَنا أستبعد أَن يكون ضبارة بن عبد الله بن أبي السليك الْقرشِي، وضبارة ابْن مَالك بن أبي السليك الْحَضْرَمِيّ رجلَيْنِ، وأخاف أَن يَكُونَا وَاحِدًا، اخْتلف فِيهِ على بَقِيَّة، أَو اضْطربَ هُوَ فِيهِ، أَو يكون كَمَا اعْتقد فِيهِ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ، أَنه ضبارة بن عبد الله بن مَالك بن أبي السليك، أَبُو شُرَيْح الْقرشِي.
وَيبقى عَلَيْهِ أَن يجمع إِلَى كَونه قرشيا أَن يكون بولاء أَو حلف لإحدى القبيلتين.
وكيفما كَانَ الْأَمر فِيهِ، فَإِنَّهُ مَجْهُول، أَو أَنَّهُمَا مَجْهُولَانِ، فَاعْلَم ذَلِك.
(2220) وَذكر من طَرِيق البُخَارِيّ، عَن أنس عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي دُعَاء ذكره: " اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْهم والحزن ".(4/659)
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْد البُخَارِيّ من رِوَايَة عَمْرو بن أبي عَمْرو، عَن أنس، وَقد تقدم فِي هَذَا الْبَاب.
(2221) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن الَّذِي لَيْسَ فِي جَوْفه شَيْء من الْقُرْآن كالبيت الخرب ".
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْده هَكَذَا: حَدثنَا أَحْمد بن منيع، حَدثنَا جرير، عَن قَابُوس بن أبي ظبْيَان، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس.
قَالَ فِيهِ: حسن صَحِيح، وَلَكِن قد بَينا فِيمَا قبل أَن قَابُوس بن أبي ظبْيَان ضَعِيف، وَإِن كَانَ صَدُوقًا. وَجَرِير رَاوِي هَذَا الحَدِيث عَنهُ، هُوَ الْقَائِل: أتيناه بعد كساده، وَزَعَمُوا أَنه افترى على رجل فحد، فكسد لذَلِك. وَسَيَأْتِي لَهُ ذكر فِي الْبَاب الَّذِي بعد هَذَا، إِثْر حَدِيث ذكره بِقِطْعَة من إِسْنَاده من عِنْد قَابُوس الْمَذْكُور.
وَعَمله فِي ذَلِك أصوب؛ فَإِنَّهُ يشبه أَن يكون إبرازه إِيَّاه تبريا من عهدته، فَأَما سُكُوته عَنهُ وَلَا يبين أَن الحَدِيث من رِوَايَته فخطأ.
(2222) وَذكر من طَرِيق مُسلم حَدِيث أبي بن كَعْب: " يَا أَبَا الْمُنْذر، أَي(4/660)
آيَة مَعَك من كتاب الله أعظم ".
وَلم يبين أَنه من رِوَايَة الْجريرِي، وَهُوَ مختلط.
(2223) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن لكل شَيْء قلبا، وقلب الْقُرْآن يس ".(4/661)
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ عِنْد الْبَزَّار هَكَذَا: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن الْفضل حَدثنَا زيد بن الْحباب، حَدثنَا حميد، عَن عَطاء، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَحميد هَذَا هُوَ مولى بني عَلْقَمَة، لَا يعرف روى عَنهُ إِلَّا زيد بن حباب، وَقد ذكر أَبُو مُحَمَّد نَفسه فِي كِتَابه الْكَبِير هَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ إِثْر هَذَا الحَدِيث.
(2224) وَذكر من طَرِيق أبي عمر بن عبد الْبر، عَن عبد الله بن(4/662)
مَسْعُود، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " من قَرَأَ سُورَة الْوَاقِعَة كل لَيْلَة لم تصبه فاقة أبدا ".
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا تسَامح فِيهِ، وَلَيْسَ يَنْبَغِي أَن تظن بِهِ الصِّحَّة.
وَإسْنَاد أبي عمر فِيهِ هُوَ هَذَا: أخبرنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن يُوسُف، حَدثنَا: بشر بن عبد الله الْبَغْدَادِيّ، أخبرنَا: عبد الله بن الْحُسَيْن بن عبد الرَّحْمَن القَاضِي، الْأَنْطَاكِي، حَدثنَا [حبشِي بن عَمْرو بن الرّبيع بن طَارق - واسْمه طَاهِر يَعْنِي اسْم حبشِي -] حَدثنِي أبي أخبرنَا السّري بن يحيى، عَن أبي شُجَاع، عَن أبي ظَبْيَة، عَن عبد الله بن مَسْعُود. فَذكره.
وَلَا يتَحَقَّق كَون أبي ظَبْيَة هَذَا هُوَ الكلَاعِي، وَلَا يعرف غير أبي ظَبْيَة الكلَاعِي، وَأَبُو ظَبْيَة الكلَاعِي، إِنَّمَا تعرف رِوَايَته عَن معَاذ، والمقداد، وَهُوَ ثِقَة.
وَلَا يتَحَقَّق أَيْضا كَون أبي شُجَاع هَذَا، سعيد بن يزِيد الإسكندري، وَهُوَ أَيْضا ثِقَة، يروي عَنهُ اللَّيْث، وَابْن الْمُبَارك، وَنَحْوهمَا.
وَالسري بن يحيى ثِقَة أَيْضا.
وَعَمْرو بن الرّبيع بن طَارق ثِقَة، وَابْنه طَاهِر لَا تعرف لَهُ حَال.(4/663)
وَعبد الله بن الْحُسَيْن، وَبشر بن عبد الله، لَا يعرف لَهما أَيْضا حَال كَذَلِك.
وَقد ذكر أَبُو عبيد: الْقَاسِم بن سَلام هَذَا الحَدِيث فِي كِتَابه فِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن أبي شُجَاع أَيْضا، عَن أبي ظَبْيَة، عَن ابْن مَسْعُود، وَذكره ابْن وهب فِي جَامعه فَقَالَ: أَخْبرنِي السّري بن يحيى أَن شجاعا حَدثهُ عَن أبي ظَبْيَة، عَن عبد الله بن مَسْعُود، وَزَاد فِيهِ، وَكَانَ أَبُو ظَبْيَة لَا يَدعهَا.
قَالَ السّري: وَبَلغنِي أَن عَائِشَة كَانَت تَقول للنِّسَاء: " لَا تعجز إحداكن أَن تقْرَأ سُورَة الْوَاقِعَة فِي كل لَيْلَة ".
كَذَا فِي النُّسْخَة " أَن شجاعا " فَإِن لم يكن وهما فِيهَا، فَهُوَ مِمَّا يُؤَكد الْجَهْل بِهِ، أَن كَانَ مُخْتَلفا فِيهِ، فَيُقَال: شُجَاع، وَيُقَال أَبُو شُجَاع، فَالله أعلم.
(2225) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " ضرب بعض(4/664)
أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خباءه على قبر، وَهُوَ لَا يحْسب أَنه قبر، فَإِذا فِيهِ إِنْسَان يقْرَأ سُورَة: تبَارك الَّذِي بِيَدِهِ الْملك " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ متسامحا فِيهِ، وَهُوَ من رِوَايَة يحيى بن عَمْرو بن مَالك النكري، عَن أَبِيه، عَن أبي الجوزاء، عَن ابْن عَبَّاس.
وَعَمْرو بن مَالك لَا تعرف حَاله، وَقد روى عَنهُ جمَاعَة، وَهُوَ بَصرِي.
فَأَما ابْنه يحيى فضعيف، ضعفه ابْن معِين، وَأَبُو زرْعَة، وَالنَّسَائِيّ.
وَقد تولى أَبُو مُحَمَّد نَفسه تَضْعِيفه، وَنقل ذَلِك عَن هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة فِي كتاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور، إِثْر حَدِيث أوردهُ من رِوَايَته عَن أبي الجوزاء، عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
(2226) " من حلف على يَمِين فَرَأى غَيرهَا خيرا مِنْهَا فليأتها، فَإِن كفارتها طَلَاق أَو عتاق ".
سَاقه من طَرِيق أبي أَحْمد.(4/665)
(2227) وَذكر بِهَذَا الْإِسْنَاد أَيْضا: كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَاتب يُسمى السّجل.(4/666)
وأحال فِيهِ على مَا قدم من ذكره وتضعيفه فِي كتاب الْأَيْمَان وَالنُّذُور.
وبمثل هَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَن يعْمل فِي هَذَا الحَدِيث لَوْلَا أَنه تسَامح فِيهِ لكَونه ترغيبا.
(2228) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -(4/667)
قَالَ: " اتَّقوا الحَدِيث عني إِلَّا مَا قد علمْتُم، فَمن كذب عَليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار، وَمن قَالَ فِي الْقُرْآن بِرَأْيهِ " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا يرويهِ التِّرْمِذِيّ هَكَذَا: حَدثنَا سُفْيَان بن وَكِيع، حَدثنَا سُوَيْد بن عَمْرو الْكَلْبِيّ، حَدثنَا أَبُو عوَانَة، عَن عبد الْأَعْلَى، عَن سعيد بن جُبَير عَنهُ.
وَقد تقدم فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي لم يبين عللها ذكر سُفْيَان بن وَكِيع، وَأَنه مُتَّهم بِالْكَذِبِ.
وَقد كَانَ لَهُ أَن يذكر هَذَا الحَدِيث من غير طَرِيقه، على مَا نذْكر - إِن شَاءَ الله - فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا من طرق ضَعِيفَة، وَلها طرق أحسن مِنْهَا، صَحِيحَة أَو حَسَنَة.
(2229) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ أَيْضا عَن عدي بن حَاتِم، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْيَهُود مغضوب عَلَيْهِم، وَالنَّصَارَى ضلال ".
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا يرويهِ عِنْده سماك بن حَرْب، عَن عباد بن حُبَيْش، عَن عدي بن حَاتِم.
وَعباد بن حُبَيْش لَا تعرف لَهُ حَال، وَلَا يعرف روى عَنهُ غير سماك بن(4/668)
حَرْب، وَهُوَ كُوفِي.
وَلما ذكره البُخَارِيّ لم يزدْ على أَن قَالَ: يروي عَنهُ سماك فِي إِسْلَام عدي.
وَإِنَّمَا يَعْنِي هَذَا الحَدِيث، فَإِنَّهُ حَدِيث طَوِيل، هَذِه قِطْعَة مِنْهُ.
وَسماك بن حَرْب، قد تقدم ذكره فِي هَذَا الْبَاب.
(2230) [وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن ابْن عَبَّاس " لما] أنزل الله تَعَالَى {وَلَا تقربُوا مَال الْيَتِيم إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أحسن} ، {إِن الَّذين يَأْكُلُون أَمْوَال الْيَتَامَى ظلما} ".
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا يرويهِ جرير عَن عَطاء بن السَّائِب، عَن سعيد بن جُبَير، عَنهُ.
وَقد تقدم ذكر عَطاء.
(2231) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس " {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا(4/669)
تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى} ، و {يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر} ، قَالَ: نسختها الَّتِي فِي الْمَائِدَة: {إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر والأنصاب} الْآيَة ".
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا هُوَ من رِوَايَة عَليّ بن حُسَيْن، عَن أَبِيه، عَن يزِيد النَّحْوِيّ، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس.
وَعلي ضَعِيف.
(2232) وَذكر من طَرِيق الْحميدِي عَن ابْن عَبَّاس، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَأَلَ جِبْرِيل: " أَي الْأَجَليْنِ قضى مُوسَى ".(4/670)
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا يرويهِ الْحميدِي هَكَذَا: حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن يحيى بن أبي يَعْقُوب - وَكَانَ من أسناني أَو أَصْغَر وَكَانَ رجلا صَالحا - عَن الحكم بن أبان، عَن عِكْرِمَة عَنهُ.(4/671)
وَإِبْرَاهِيم بن يحيى هَذَا لَا يعرف بِغَيْر هَذَا، وَلَا يعرف راو عَنهُ إِلَّا ابْن عُيَيْنَة، وَلَيْسَ كل صَالح ثِقَة فِي الحَدِيث، بل قد قيل: لم نر الصَّالِحين فِي شَيْء أكذب مِنْهُم فِي الحَدِيث.
وَذَلِكَ - وَالله أعلم - لِسَلَامَةِ صُدُورهمْ، وَتَحْسِينهمْ الظَّن بِمن يُحَدِّثهُمْ، ولتشاغلهم بِمَا هم بسبيله عَن حفظ الحَدِيث وَضَبطه، وَفهم مَعَانِيه، وَمن لم تثبت عَدَالَته لَا يَصح حَدِيثه.(4/672)
(2233) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ حَدِيث نيار بن مكرم فِي مراهنة أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ الْمُشْركين على غَلَبَة الرّوم فَارس.
وَأتبعهُ تَصْحِيح التِّرْمِذِيّ إِيَّاه، والْحَدِيث عِنْده من رِوَايَة ابْن أبي الزِّنَاد.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ، حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن أبي أويس، حَدثنَا ابْن أبي الزِّنَاد، عَن أبي الزِّنَاد، عَن عُرْوَة بن الزبير، عَن نيار بن مكرم. فَذكره.(4/673)
وَقد تقدم ذكر ابْن أبي الزِّنَاد وَمَا لَهُ فِيهِ.
ونيار بن مكرم صَحَابِيّ.
(2234) وَذكر من طَرِيق قَاسم بن أصبغ، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة، فَقلت: مَا أطول هَذَا؟ فَقَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، إِنَّه ليخفف على الْمُؤمن " الحَدِيث.
وَلم يبين أَنه من رِوَايَة دراج، وَقد تقدم. قَالَ قَاسم: حَدثنَا مُحَمَّد بن مُعَاوِيَة، حَدثنَا جَعْفَر بن مُحَمَّد، حَدثنَا يزِيد ابْن خَالِد بن موهب، حَدثنَا ابْن وهب، أَخْبرنِي عَمْرو بن الْحَارِث، عَن دراج، عَن أبي الْهَيْثَم، عَن أبي سعيد. فَذكره.
(2235) وَذكر من طَرِيق مُسلم حَدِيث أبي هُرَيْرَة: " أصدقكم رُؤْيا أصدقكم حَدِيثا ".
وَلم يبين أَنه من رِوَايَة عبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد، وَهُوَ مختلط.
(2236) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن أبي سعيد، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أصدق الرُّؤْيَا بالأسحار ".
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا يرويهِ ابْن لَهِيعَة، قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا قُتَيْبَة، حَدثنَا(4/674)
ابْن لَهِيعَة، عَن دراج، عَن أبي الْهَيْثَم، عَن أبي سعيد. فَذكره.
وَقد كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يبين أَنه من رِوَايَة دراج، وَلَو سلم من ابْن لَهِيعَة.
(2237) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، حَدِيث ابْن عمر: " أَنْتُم الْعَكَّارُونَ، وَأَنا فِئَتكُمْ ".
وَسكت عَنهُ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة يزِيد بن أبي زِيَاد.
(2238) وَذكر من طَرِيق مُسلم عَن جَابر بن سَمُرَة، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنِّي لأعرف حجرا بِمَكَّة، كَانَ يسلم عَليّ قبل أَن أبْعث ".
وَسكت عَنهُ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة سماك بن حَرْب.
(2239) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن سعيد بن زيد، حَدِيث الْعشْرَة الَّذين تحرّك بهم حراء. وَفِيه: " قيل: فَمن الْعَاشِر؟ قَالَ: أَنا ".(4/675)
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْد التِّرْمِذِيّ حسن، وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَن يُقَال فِيهِ؛ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يرويهِ هِلَال بن يسَاف، عَن عبد الله بن ظَالِم الْمَازِني، عَن سعيد بن زيد.
وَعبد الله بن ظَالِم هَذَا لَا يعرف حَاله، وَلَا راو عَنهُ إِلَّا هِلَال بن يسَاف، وَعبد الْملك بن ميسرَة، حديثين هَذَا أَحدهمَا.
(2240) وَالْآخر: " بِحَسب أَصْحَابِي الْقَتْل " يرويهِ الْبَزَّار من طَرِيق(4/676)
هِلَال بن يسَاف عَنهُ، عَن سعيد بن زيد، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " بِحَسب أَصْحَابِي الْقَتْل ".
(2241) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار، عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن الله اخْتَار أَصْحَابِي على الْعَالمين، سوى النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ " الحَدِيث.(4/677)
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا يرويهِ كَاتب اللَّيْث، وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ.
قَالَ الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن رزق الله الكلوذاني وَأحمد بن مَنْصُور - وَاللَّفْظ لمُحَمد - قَالَا: حَدثنَا عبد الله بن صَالح - هُوَ كَاتب اللَّيْث - حَدثنَا نَافِع بن يزِيد، حَدثنِي أَبُو عقيل: زهرَة بن معبد، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن جَابر. فَذكره.
والْحَدِيث من أَجله حسن، وَالرجل من أهل الصدْق، وَلم يثبت عَلَيْهِ مَا يسْقط لَهُ حَدِيثه، لكنه مُخْتَلف فِيهِ.(4/678)
(2242) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار حَدِيث أبي الدَّرْدَاء، سَمِعت أَبَا الْقَاسِم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِن الله قَالَ لعيسى بن مَرْيَم: إِنِّي باعث من بعْدك أمة، إِن أَصَابَهُم مَا يحبونَ حمدوا وشكروا " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَيَنْبَغِي أَن يُقَال لَهُ أَيْضا: حسن؛ فَإِنَّهُ من رِوَايَة مُعَاوِيَة بن صَالح - وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ - وَهُوَ أَيْضا من أهل الصدْق، وَلم يثبت عَلَيْهِ مَا يسْقط لَهُ حَدِيثه، وَقد تقدم.
قَالَ الْبَزَّار: حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم - قرَابَة أَحْمد بن منيع -، حَدثنَا الْحسن بن سوار، حَدثنَا اللَّيْث، عَن مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن أبي حَلبس: يُونُس بن ميسرَة، عَن أم الدَّرْدَاء. فَذكره.
وَيُونُس ثِقَة، وَهُوَ أحد الْعباد، وَالْحسن بن سوار صَدُوق.
(2243) وَذكر من طَرِيق مُسلم، عَن زيد بن ثَابت: بَيْنَمَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حَائِط لبني النجار. وَفِيه " تعوذوا بِاللَّه من الْفِتَن، مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن ".
وَلم يبين أَنه من رِوَايَة سعيد الْجريرِي، وَقد تقدم.(4/679)
(8) بَاب ذكر أَحَادِيث سكت عَنْهَا وَقد ذكر أسانيدها أَو قطعا مِنْهَا وَلم يبين من أمرهَا شَيْئا(5/7)
هَذَا الْبَاب نذْكر فِيهِ أَحَادِيث يتَوَهَّم من رَآهُ ساكتاً عَنْهَا أَنَّهَا عِنْده صَحِيحَة، وَيحْتَمل أَن يكون - لما ذكر من أسانيدها مَا ذكر - قد تَبرأ من عهدها.
وَقد كَانَ ذَلِك مِنْهُ فِي جملَة أَحَادِيث مر ذكرهَا فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي لم يبين عللها، ذكرهَا بِقطع من أسانيدها، مُعْتَمدًا على مَا قدم فِي أحد من رواتها، أَو لِأَن من يذكر فِيهَا مَشْهُور بالضعف، فَلم يتَوَهَّم - بسكوته عَن إعلالها - تَصْحِيحه إِيَّاهَا.
وَمَرَّتْ لَهُ أَيْضا أَحَادِيث ذكرهَا بِقطع من أسانيدها، فِي بَاب مَا أعل من الْأَحَادِيث بِرِجَال، وَترك دونهم أَو فَوْقهم من هُوَ مثلهم أَو أَضْعَف مِنْهُم. \ فَأَما هَذِه الَّتِي نذْكر الْآن، فَإِن تَصْحِيحه متوهم فِيهَا، فنعتمد بَيَان أمرهَا - إِن شَاءَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تَعَالَى - وَقد قُلْنَا - ونقول الْآن: إِنَّه حِين بَين اصْطِلَاحه فِيمَا يسكت عَنهُ، لم يفرق بَين مَا ذكر فِيهِ الصَّحَابِيّ فَقَط، وَبَين مَا ذكر فِيهِ بعض رُوَاته مِمَّن دون الصَّحَابَة، بل ظَاهر أمره أَنه يحكم على الْجَمِيع [بِالصِّحَّةِ، اللَّهُمَّ إِلَّا مَا تقدم] لَهُ التَّنْبِيه على أَنه ضَعِيف أَو مَجْهُول، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ - بعد إبرازه إِيَّاه - بِمَثَابَة قَوْله: فِي إِسْنَاده فلَان، وعَلى أَنا قد وَجَدْنَاهُ يذكر فِي بعض(5/9)
الْأَحَادِيث من دون الصَّحَابَة مِمَّن لَا شكّ فِي ثقته.
(2244) كَمَا فعل فِي حَدِيث قتل كَعْب بن الْأَشْرَف.
فَإِنَّهُ جَاءَ بِهِ من عِنْد مُسلم، واقتطع إِسْنَاده من عِنْد سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن عَمْرو بن دِينَار، قَالَ: سَمِعت جَابِرا، وَفِي أَحَادِيث قد مر ذكرهَا فِي بَاب النَّقْص من الْأَسَانِيد.
وَقد وَجَدْنَاهُ يَقُول فِي بعض الْأَحَادِيث: فِي إِسْنَاده فلَان، وَيكون فلَان الْمَذْكُور ثِقَة لَا نظر فِيهِ.
(2245) كَمَا قد جرى لَهُ فِي مُرْسل الْحسن فِي طَلَاق الْمَرِيض، حِين قَالَ: فِي إِسْنَاده سهل بن أبي الصَّلْت السراج.
وَقد بَينا أمره فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي لم يعبها بسوى الْإِرْسَال.
(2246) وكما فعل فِي حَدِيث: " من لبس ثوب شهرة فِي الدُّنْيَا ... ".(5/10)
فَإِنَّهُ أتبعه أَن قَالَ: فِي إِسْنَاده شريك، عَن عُثْمَان بن أبي زرْعَة.
وَهَذَا يُوهم ضعفا فِي عُثْمَان بن أبي زرْعَة، وَهُوَ عُثْمَان بن الْمُغيرَة، وَمَا بِهِ ضعف، بل هُوَ أحد الثِّقَات.
ومقصود الْبَاب يتَبَيَّن بِمَا يذكر فِيهِ - إِن شَاءَ الله تَعَالَى - بَينا شافياً. وَلم يُخرجهُ ذكر الْقطع من أَسَانِيد هَذِه الْأَحَادِيث من سوء الصَّنِيع الَّذِي بَينا من عمله فِي أول الْبَاب الَّذِي فَرغْنَا مِنْهُ، وَهُوَ خلطه مَا هُوَ صَحِيح بِمَا هُوَ حسن أَو سقيم، من غير تَمْيِيز بَينهمَا، فَإِنَّهُ مَتى لم يذكر جَمِيع إِسْنَاد الحَدِيث، اَوْ يُنَبه على علته، فقد لبس وخلط مَا هُوَ صَحِيح بِمَا لَيْسَ كَذَلِك.
وجامع ذَلِك وضابطه أَن من يُرْسل الْأَحَادِيث، ويطوي ذكر من اتَّصَلت بِهِ، لَا يَخْلُو المطوي ذكره من أَربع أَحْوَال: أَحدهَا: أَن يكون ثِقَة عِنْده وَعند غَيره. وَالثَّانيَِة: عكس هَذِه، أَن يكون ضَعِيفا عِنْده وَعند غَيره. وَالثَّالِثَة: أَن يكون ثِقَة عِنْده، ضَعِيفا عِنْد غَيره. وَالرَّابِعَة: عكس هَذِه، أَن يكون ضَعِيفا عِنْده، ثِقَة عِنْد غَيره فَفِي الأول يجوز الْإِرْسَال بطي ذكره الثِّقَة بِخِلَاف، وَإِنَّمَا الْخلاف فِي أَنه يعْمل بِهِ أم لَا.
وَالثَّانيَِة: لَا يجوز لَهُ ذَلِك بِلَا خلاف، لِأَنَّهُ لما كَانَ ضَعِيفا عِنْده وَعند النَّاس، لم يجز لَهُ طي ذكره، فَإِنَّهُ إِذا فعل ذَلِك، رُبمَا صَادف من يعْمل(5/11)
بالمراسل فَيَأْخُذ بِهِ، وَالَّذِي أرْسلهُ قد علم أَنه لَيْسَ من الشَّرْع.
وَالثَّالِثَة: وَهِي أَن يَقُول: حَدثنِي الثِّقَة عِنْدِي، أَو من أرْضى، مَوضِع نظر، فَإِنَّهُ إِن قيل: يجوز لَهُ لِأَنَّهُ عِنْده ثِقَة كالأولى، احْتمل أَن يُقَال: لَا يجوز لَهُ ذَلِك كالثانية، للمانع الْمَذْكُور فِيهَا، لأَنا قد فرضناه ضَعِيفا عِنْد النَّاس.
وَالرَّابِعَة كالثانية، لِأَنَّهُ ضَعِيف عِنْده وَقد ينفرج فِيهَا احْتِمَال، وكل هَذِه مسَائِل فرعية، والحظ الأصولي مِنْهَا إِنَّمَا هُوَ: هَل يعْمل بالمرسل أم لَا؟
وتخلص من هَذَا أَن الْإِرْسَال إِنَّمَا يجوز إِذا طوى الَّذِي يُرْسل ذكر من هُوَ عِنْده ثِقَة وَهُوَ عِنْد غَيره كَذَلِك.
فَأَما الْأُخَر الممتنعة فيشتد الْأَمر فِيهَا إِذا خلطت بِالصَّحِيحِ حَتَّى يتَوَهَّم فِيهَا أَنَّهَا صَحِيحَة كَذَلِك، ولنرجع إِلَى ذكر مَقْصُود الْبَاب فَنَقُول:
(2247) فَمن ذَلِك أَنه ذكر من طَرِيق أبي مُحَمَّد بن حزم، من طَرِيق الْبَزَّار، عَن طَلْحَة بن عَمْرو، عَن عَطاء، عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا كنت إِمَامًا فقس النَّاس بأضعفهم ".
قَالَ: وَالَّذِي رَأَيْت فِي الْمسند: " إِذا كنت إِمَامًا فاقدر الْقَوْم بأضعفهم " انْتهى مَا أورد.
وَالْمَقْصُود مِنْهُ لهَذَا الْبَاب سُكُوته عَنهُ، فَلم يعله، وينجر الْكَلَام على إِنْكَاره على ابْن حزم مَا سَاق مِنْهُ.(5/12)
وَقَوله: إِنَّه إِنَّمَا رأى فِي مُسْند الْبَزَّار اللَّفْظ الَّذِي ذكر، لَا لفظ " فقس " وَسكت أَيْضا عَن هَذَا اللَّفْظ الَّذِي رأى، فجَاء من ذَلِك أَنه لم يعب شَيْئا من الْإِسْنَاد الْمَذْكُور.
فَنَقُول - وَبِاللَّهِ [التَّوْفِيق -: اللَّفْظ الَّذِي أنكرهُ أَبُو مُحَمَّد، هُوَ مَوْجُود عِنْد الْبَزَّار] ، كَمَا نقل ابْن حزم حرفا بِحرف.
قَالَ الْبَزَّار: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن نصر، حَدثنَا أَبُو نعيم: الْفضل بن دُكَيْن، حَدثنَا طَلْحَة - يَعْنِي ابْن عَمْرو -، عَن عَطاء - يَعْنِي بن أبي رَبَاح -، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ لَهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
(2248) " يَا أَبَا هُرَيْرَة، رز غبا تَزْدَدْ حبا ".(5/13)
(2249) ثمَّ قَالَ: وبإسناده: " إِن الله تبَارك وَتَعَالَى أَعْطَاكُم عِنْد وفاتكم ثلث أَمْوَالكُم، زِيَادَة فِي أَعمالكُم ".(5/15)
(2250) ثمَّ سَاق بِالْإِسْنَادِ نَفسه: " إِنِّي لأسْمع بكاء الصَّبِي " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: وبإسناده قَالَ: " إِذا كنت إِمَامًا فقس النَّاس بأضعفهم، وَإِذا كنت إِمَام نَفسك فَأَنت وَذَاكَ ".
هَكَذَا سَاق جَمِيع مَا أوردناه، وَقَالَ بعد ذَلِك فِي طَلْحَة بن عَمْرو: لم يكن بِالْحَافِظِ. فخفي هَذَا كُله على أبي مُحَمَّد، عبد الْحق، فَوَقع فِي شَيْئَيْنِ: الْإِنْكَار على ابْن حزم مَا سَاق من ذَلِك، وإيهام سَلامَة الْإِسْنَاد بسكوته عَنهُ، وَلم يكن بَينه وَبَين مَا رأى إِلَّا نَحْو من عشْرين سطراً، وَذَلِكَ أَن الَّذِي رأى إِنَّمَا وَقع فِي الْمسند قبل هَذَا بذلك الْمِقْدَار، وَهُوَ بِغَيْر هَذَا الْإِسْنَاد، إِنَّمَا هُوَ هَكَذَا: حَدثنَا الْفضل بن سهل، حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن يُونُس، أَبُو مُسلم، أخبرنَا سُفْيَان، عَن ابْن جريح، عَن عَطاء، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا كنت إِمَامًا فاقدر الْقَوْم بأضعفهم، فَإِن فيهم الْكَبِير وَالصَّغِير والسقيم وَذَا الْحَاجة، وَإِذا صليت لنَفسك فطول مَا اسْتَطَعْت ".
وَلَو كَانَ قد تقدم لَهُ تَضْعِيف طَلْحَة بن عَمْرو، كُنَّا نقُول: سكت عَنهُ بعد أَن أبرزه، اعْتِمَادًا على مَا قدم فِيهِ، وَلَوْلَا أَنه أوهم بقوله: " الَّذِي رَأَيْت فِي الْمسند كَذَا ". أَن ذَلِك بِهَذَا الْإِسْنَاد، كُنَّا نقُول: إِنَّمَا لم يُعلل الأول بِأَنَّهُ لم يسلم لَهُ وجوده، لَكِن إحالته بِالَّذِي رأى على الْإِسْنَاد الأول، يُوجب عَلَيْهِ التَّعْرِيف(5/16)
بِحَال الْإِسْنَاد [الأول وَبَيَان حَال طَلْحَة بن عَمْرو.
(2251) وَذكر من طَرِيق] أبي دَاوُد عَن الْوَلِيد بن زروان، عَن أنس بن مَالك أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ إِذا تَوَضَّأ أَخذ كفا من مَاء فَأدْخلهُ تَحت حنكه " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: الْوَلِيد بن زروان، روى عَنهُ حجاج، وجعفر بن برْقَان، وَأَبُو الْمليح الرقي.
لم يزدْ على هَذَا، والوليد هَذَا مَجْهُول الْحَال، وَلَا يعرف بِغَيْر هَذَا الحَدِيث، وَله إِسْنَاد جيد عَن أنس، سَنذكرُهُ بِهِ - إِن شَاءَ الله - فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا صَحِيحَة، وَلَيْسَت كَذَلِك من تِلْكَ الطّرق، وَلها طرق أحسن مِنْهَا صَحِيحَة أَو حَسَنَة.
(2252) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا، عَن حُصَيْن بن قبيصَة، عَن(5/17)
عَليّ، قَالَ: " كنت رجلا مذاء " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، إِلَّا مَا أبرزه من ذكر حُصَيْن بن قبيصَة، وَهُوَ كُوفِي يروي عَن عَليّ، وَابْن مَسْعُود، روى عَنهُ الركين بن الرّبيع، وَالقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن، وَلَا تعرف حَاله.
وَأعْرض فِيهِ عَن عُبَيْدَة بن حميد الْحذاء، فَلم يعله بِهِ وَلَا بَين كَونه من رِوَايَته، وَأصَاب فِي ذَلِك، وَإِنَّمَا أَخطَأ حِين ضعف [بِهِ] حَدِيث ابْن مَسْعُود.
(2253) " كَانَت صَلَاة رَسُول الله
فِي الشتَاء كَذَا، وَفِي الصَّيف كَذَا ". فِي الوقوت.
وعَلى تضعيفة الحَدِيث من أجل عُبَيْدَة بن حميد، كَانَ يلْزمه فِي هَذَا أَن يُنَبه على كَونه من رِوَايَته، وَإِذا لم يفعل فقد أَخطَأ أَيْضا فِي هَذَا؛ فاعلمه.
(2254) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن جَمِيع بن عُمَيْر، عَن عَائِشَة:(5/18)
" كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة ثمَّ يفِيض على جسده " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، إِلَّا أَنه أبرز من إِسْنَاده جَمِيع بن عُمَيْر، وطوى ذكر رَاوِيه عَنهُ، وَهُوَ صَدَقَة بن سعيد الْحَنَفِيّ، وَالِد الْمفضل بن صَدَقَة، وَهُوَ عِلّة الْخَبَر. [قَالَ البُخَارِيّ: عِنْده عجائب. وَقَالَ فِيهِ] السَّاجِي: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ ابْن وضاح: ضَعِيف. وَقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: شيخ. وَبِالْجُمْلَةِ فَلم تثبت عَدَالَته، وَلم يثبت فِيهِ جرح مُفَسّر. وَإِلَى هَذَا فَإِن جَمِيع بن عُمَيْر، وَإِن كَانَ قد روى عَنهُ جمَاعَة، وَقَالُوا: إِنَّه صَالح الحَدِيث، فقد قَالَ أَبُو حَاتِم: إِنَّه من عتق الشِّيعَة. وَقَالَ أَبُو أَحْمد بن عدي: عَامَّة مَا يرويهِ لَا يُتَابِعه غَيره عَلَيْهِ. وَأحسن أَحْوَال هَذَا الحَدِيث، أَن يُقَال فِيهِ: حسن.(5/19)
(2255) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا، من حَدِيث آمِنَة بنت أبي الصَّلْت، عَن امْرَأَة من غفار، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أمرهَا أَن تجْعَل فِي المَاء الَّذِي غسلت بِهِ دم الْحيض ملحاً ".
هَكَذَا أوردهُ مُخْتَصرا وَسكت عَنهُ، إِلَّا أَنه أبرز من إِسْنَاده آمِنَة بنت أبي الصَّلْت، وَلم يتَقَدَّم لَهُ فِيهَا شَيْء، وَلَا يعرف لَهُ غير هَذَا، وَلَا هِيَ مَذْكُورَة فِي غَيره، وَهُوَ حَدِيث مطول سَاقه ابْن إِسْحَاق فِي سيره، وَمن طَرِيقه سَاق أَبُو دَاوُد هَذِه الْقطعَة المقتطعة مِنْهُ، وَزعم بَعضهم أَنَّهَا آمِنَة بنت الحكم، كَانَ الحكم اسْما لأبي الصَّلْت، وَأَنَّهَا أم سُلَيْمَان بن سحيم.
هَذَا قَالَه أَبُو الْوَلِيد بن الفرضي فِي كِتَابه، وَلم تجْعَل بِهَذَا كُله فِي حد من يحْتَج بروايته.
وَضبط اسْمهَا: آمِنَة بِأَلف مُطَوَّلَة، قبلهَا همزَة مَفْتُوحَة، وَمِيم مَكْسُورَة، بعْدهَا نون، وَكَذَلِكَ وَقع ذكرهَا فِي سير ابْن إِسْحَاق وَفِي كتاب أبي دَاوُد، وَخَالف فِي ضبط اسْمهَا أَبُو بكر بن ثَابت الْخَطِيب، فَقَالَ فِي كِتَابه تَلْخِيص الْمُتَشَابه: بَاب الْفرق بالتذكير والتأنيث مَعَ الِاتِّفَاق فِي الْحُرُوف(5/20)
فَذكر فِي هَذَا الْبَاب، أُميَّة بن أبي الصَّلْت الشَّاعِر الثَّقَفِيّ الجاهلي، وَأُميَّة بنت أبي الصَّلْت هَذِه، وَأورد حَدِيثهَا الْمَذْكُور من عِنْد ابْن إِسْحَاق، ثمَّ من طَرِيق الْوَاقِدِيّ بِزِيَادَة أم عَليّ بنت أبي الحكم فِي تَفْسِير الْإِسْنَاد بَين سُلَيْمَان بن سحيم، وَأُميَّة الْمَذْكُورَة، ثمَّ جعله من رِوَايَتهَا عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - و [لم يذكر الْمَرْأَة الَّتِي من بني غفار، وَبِذَلِك تكون أُميَّة الْمَذْكُورَة عِنْد] الْوَاقِدِيّ صحابية وَشَيْء من هَذَا لم يثبت، وَلَو جهدت جهدك لم تَجِد فِيهَا إِلَّا مَا قُلْنَاهُ من أَنَّهَا مَجْهُولَة، وَكَذَلِكَ الغفارية الْمَذْكُورَة.
وَلَيْسَ يَنْبَغِي أَن نقبل قَوْلهَا عَن نَفسهَا: إِنَّهَا صحابية، كَمَا لَا نقبل قَول أحد عَن نَفسه: إِنَّه ثِقَة، بل هَذَا أَشد، لما فِيهِ من ادِّعَاء المزية فَهَذِهِ زِيَادَة عِلّة أُخْرَى لهَذَا الْخَبَر.
وَقد قدمنَا ذكر مَا اعترى أَبَا مُحَمَّد فِيمَا أورد من أَحَادِيث رجال أَو نسَاء غير مسمين عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة، وَهِي مُنْقَطِعَة.
(2256) وَقد [رد] حَدِيث الذيل من أجل أم ولد إِبْرَاهِيم(5/21)
راويته. \ وَهَذِه أخمل ذكرا مِنْهَا، وَذَلِكَ الحَدِيث أشهر من هَذَا، وَهُوَ من رِوَايَة مَالك، وَهَذَا من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق، فَاعْلَم ذَلِك.
(2257) وَذكر من طَرِيق مَالك حَدِيث بسر بن محجن، عَن أَبِيه: " إِذا جِئْت فصل مَعَ النَّاس، وَإِن كنت قد صليت ".
وَسكت عَنهُ، إِلَّا أَنه لم يقْتَصر على الصَّحَابِيّ، بل ذكر بسراً ودونه، وَبسر لَا يعرف بِغَيْر رِوَايَة زيد بن أسلم عَنهُ، وَلَا تعرف خَاله.
وأظن أَن أَبَا مُحَمَّد، مِمَّن يعْتَمد فِيمَا يُخرجهُ مَالك فِي موطئِهِ قَوْله لبشر بن عمر حِين سَأَلَهُ عَن رجل: لَو كَانَ ثِقَة لرأيته فِي كتبي.
وَهَذَا لمن اعْتَمدهُ غير مُعْتَمد، لوجوه.
مِنْهَا: أَن شُمُوله لمن لَعَلَّه قد غَابَ عَن خاطره حِين إِطْلَاقه إِيَّاه غير مَعْلُوم.
وَمِنْهَا: أَن القَوْل الْمَذْكُور لَا بُد من تَأْوِيله، فَإِن ظَاهره يُعْطي أَن كل الثِّقَات(5/22)
فِي كتبه وَهَذَا لَا يَصح، وَلَا بُد من تَخْصِيصه، فكم من ثِقَة من أهل الْمَدِينَة لم يدْخل لَهُ كتابا.
وَمِنْهَا: أَنا لَو سلمناه هَكَذَا - واضعين أَن كل ثِقَة فَهُوَ فِي كِتَابه - فَإِنَّهُ لم يكن يلْزم مِنْهُ أَن يكون كل من هُوَ فِي كِتَابه فَهُوَ ثِقَة، فَإِنَّهُ إِذا فرض أَن فِي كِتَابه الثِّقَات والضعفاء [لم يُنَاقض ذَلِك اسْتِيفَاء جَمِيع الثِّقَات. أَن كل من فِي كِتَابه ثِقَة]
فَإِذن بسر بن محجن، مُحْتَاج إِلَى ثُبُوت عَدَالَته وَحِينَئِذٍ يحْتَج بروايته وَالله أعلم.
(2258) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا، عَن الْوَلِيد بن عبد الله بن جَمِيع، عَن عبد الرَّحْمَن بن خَلاد، عَن أم ورقة بنت الْحَارِث، حَدِيث إمامتها أهل دارها.
ثمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ الْوَلِيد بن جَمِيع، عَن جدته، عَن أم ورقة.
لم يزدْ على هَذَا، فَلَا أَدْرِي، أعتقد صِحَّته أم تَبرأ من عهدته، فَذكر مَا ذكر من إِسْنَاده، وَإِن كَانَ لم يتَقَدَّم لَهُ فِيهِ قَول؟
وأستبعد عَلَيْهِ تَصْحِيحه، فَإِن حَال عبد الرَّحْمَن بن خَلاد مَجْهُولَة، وَهُوَ كُوفِي، وَجدّة الْوَلِيد كَذَلِك لَا تعرف أصلا، وَكَذَا وَقع أم ورقة بنت الْحَارِث، وَقد بَينا صَوَابه فِي بَاب الْأَسْمَاء الْمُغيرَة.
(2259) وَذكر من طَرِيق وَكِيع، عَن أُسَامَة - هُوَ ابْن زيد - عَن مُحَمَّد بن(5/23)
قيس، عَن أمه، عَن أم سَلمَة: فِي الْجَارِيَة الَّتِي مرت بَين يَدَيْهِ فَقَالَ: " هن أغلب ".
وَلم يقل فِيهِ شَيْئا، وَأم مُحَمَّد بن قيس لَا تعرف الْبَتَّةَ، فَأَما ابْنهَا مُحَمَّد، فإنني لَا أعرف من هُوَ من جمَاعَة مسمين بِهَذَا الِاسْم وَفِي هَذِه الطَّبَقَة، وَقد ذكر الحَدِيث، كَمَا ذكره وَكِيع بن أبي شيبَة، وَالظَّن بِأبي مُحَمَّد أَنه لم يعرف هَذَا الْإِسْنَاد، فَلذَلِك تَبرأ من عُهْدَة الحَدِيث بِذكر جَمِيعه، وَلَو عرفه اقْتصر مِنْهُ على أم سَلمَة، كغالب أمره فِيمَا يذكرهُ.
وَإِلَى هَذَا فَإِن أُسَامَة بن زيد اللَّيْثِيّ مُخْتَلف فِيهِ، فَالْحَدِيث من أَجله - لَو سلم من غَيره - لَا يُقَال لَهُ: صَحِيح، وَهُوَ من أجل مُحَمَّد بن قيس وَأمه ضَعِيف، فَاعْلَم ذَلِك.
(2260) وَذكر من طَرِيق عبد الرَّزَّاق عَن الثَّوْريّ، عَن أبي إِسْحَاق الهجري، عَن أبي الْأَحْوَص، عَن عبد الله عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من أحسن الصَّلَاة حَيْثُ يرَاهُ النَّاس ... " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَلكنه أبرز جَمِيع إِسْنَاده، وَلَيْسَ يَنْبَغِي أَن يتَوَهَّم صِحَّته، وَإِن كَانَ لم يقدم فيهم شَيْئا، فَإِن أَبَا إِسْحَاق الهجري: إِبْرَاهِيم بن مُسلم.(5/24)
ضَعِيف، قَالَ ابْن معِين: لَيْسَ حد [يثه بِشَيْء، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِقَوي، لين الحَدِيث وَأَبُو مُحَمَّد] يُضعفهُ.
(2261) وَكَذَلِكَ فعل فِي حَدِيث: " مَا عَال من اقتصد ".
من حَدِيث ابْن مَسْعُود، ذكره أَيْضا مبرزاً من إِسْنَاده أَبَا إِسْحَاق الْمَذْكُور، عَن أبي الْأَحْوَص، عَن عبد الله، ذكره ابْن أبي شيبَة.
(2262) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث أبي حميد السَّاعِدِيّ، فِي صفة صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، من رِوَايَة مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَطاء، عَن عَبَّاس أَو عَيَّاش ابْن سهل السَّاعِدِيّ.
وَسكت عَمَّا أبرز من إِسْنَاده، وطوى دونهم ذكر عِيسَى بن عبد الله بن مَالك الدَّار، وحاله مَجْهُولَة.(5/25)
(2263) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا من حَدِيث زِيَاد بن زيد، عَن أبي جُحَيْفَة أَن عليا - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: " السّنة وضع الْكَفّ فِي الصَّلَاة تَحت السُّرَّة ".
وَلم يتَقَدَّم لَهُ فِي زِيَاد بن زيد قَول، وَهُوَ لَا يعرف، وَلَيْسَ بالأعسم. وَحَال هَذَا أَيْضا مَجْهُولَة.(5/26)
وَإِلَى ذَلِك فَإِن الرَّاوِي لَهُ عَن زِيَاد، هُوَ عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق، وَهُوَ ابْن الْحَارِث، أَبُو شيبَة الوَاسِطِيّ.
قَالَ فِيهِ ابْن حَنْبَل وَأَبُو حَاتِم: مُنكر الحَدِيث.
وَقَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِشَيْء وَقَالَ البُخَارِيّ: فِيهِ نظر، وَهُوَ كُوفِي، وطوى أَبُو مُحَمَّد ذكره، وَلم يكن ذَلِك مِمَّا يَنْبَغِي لَهُ.
(2264) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن عَليّ بن عَليّ الرِّفَاعِي، عَن أبي المتَوَكل، عَن أبي سعيد: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة بِاللَّيْلِ كبر، ثمَّ قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك، وتبارك ... " الحَدِيث.
وَأتبعهُ زِيَادَة من عِنْد أبي دَاوُد، ثمَّ قَالَ: هَذَا أشهر حَدِيث فِي هَذَا الْبَاب، على أَنهم يرسلونه عَن عَليّ بن عَليّ، عَن أبي المتَوَكل، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. انْتهى مَا أورد.
فَالْحَدِيث عِنْده على هَذَا صَحِيح، وَالتِّرْمِذِيّ قد أتبعه عَن أَحْمد أَنه قَالَ: لَا يَصح هَذَا الحَدِيث، قَالَ: وَكَانَ يحيى بن سعيد يتَكَلَّم فِي عَليّ بن عَليّ، وَقد وَثَّقَهُ ابْن معِين، ووكيع، وَأَبُو زرْعَة، وَقَالَ ابْن حَنْبَل: مَا بِهِ [بَأْس، إِلَّا أَنه رفع أَحَادِيث.
وَسكت عَن جَعْفَر بن سُلَيْمَان، فَلم يعله بِهِ] وَلَا أبرزه بِالذكر. وَهُوَ(5/27)
الَّذِي نسب إِلَيْهِ أَبُو دَاوُد الْوَهم فِي هَذَا الحَدِيث، وَقَالَ: إِنَّهُم يَقُولُونَ: عَن عَليّ بن عَليّ، عَن الْحسن مُرْسلا، وَكَانَ جَعْفَر يتشيع فِي عَليّ، ويروي فِي فضائله أَحَادِيث، وَكَانَ ابْن معِين يُضعفهُ وَغَيره يوثقه، وَقد تكَرر لأبي مُحَمَّد إعراضه عَن جَعْفَر ومسالمته لَهُ فِي جملَة أَحَادِيث هِيَ من رِوَايَته:
(2265) من ذَلِك حَدِيث: تَوْقِيت أَرْبَعِينَ فِي الْفطْرَة.
(2266) وَحَدِيث: " لينتهين أَقوام عَن رفعهم أَبْصَارهم عِنْد الدُّعَاء فِي الصَّلَاة ".
(2267) وَحَدِيث: التمطر. وَقَوله: " إِنَّه حَدِيث عهد بربه ". كلهَا من عِنْد مُسلم.(5/28)
(2268) وَحَدِيث: " يفْطر على رطبات ".
(2269) وَحَدِيث: " طلقت لغير سنة، وراجعت لغير سنة ". وَكِلَاهُمَا من عِنْد أبي دَاوُد.
(2270) وَحَدِيث: " ليتحلق عشرَة عشرَة، وليأكل كل إِنْسَان مِمَّا يَلِيهِ " من عِنْد التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ بِتَصْحِيحِهِ.
(2271) وَحَدِيث أنس: " أَن رجلا كَانَ إِذا أَرَادَ سفرا قَالَ: زودني ". وَقَالَ فِيهِ: حسن، وَذَلِكَ يُنَاقض تَصْحِيحه مَا ذكرنَا من أَحَادِيثه، فَإِنَّهُ لَا عِلّة مَانِعَة من تَصْحِيحه إِلَّا حَال جَعْفَر بن سُلَيْمَان، فَيَنْبَغِي أَن يُقَال: الْأَحَادِيث حسان كَذَلِك.
وَقد تقدم التَّنْبِيه على الْوَهم الَّذِي فِي قَوْله: على أَنهم يرسلونه عَن عَليّ ابْن عَليّ، عَن أبي المتَوَكل، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَذكر الصَّوَاب فِيهِ فِي بَاب الْأَحَادِيث [المنسوبة إِلَى غير رواتها] فَاعْلَم ذَلِك.
(2272) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، حَدِيث جَابر: فِي الصَّلَاة فِي(5/29)
الْقَمِيص.
من رِوَايَة إِسْرَائِيل، عَن أبي حرمل، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر، عَن أَبِيه، وَلم يتَقَدَّم لَهُ قَول بِكَوْن هَذِه إِحَالَة عَلَيْهِ.
وَيحْتَمل أَن يكون - بِمَا أبرز من إِسْنَاده - تَبرأ من عهدته، وَالْأَظْهَر أَنه صَححهُ، وَلَيْسَ ذَلِك بمنبغ، للْجَهْل بِحَال أبي حرمل، أَو أبي حومل هَذَا، فَإِنَّهَا لَا تعرف، بل هُوَ فِي نَفسه غير مَعْرُوف، وَلم أر لَهُ ذكرا فِي شَيْء من مظان وجوده، إِلَّا ابْن الْجَارُود [.....] .
(2273) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن يحيى بن عَليّ [بن يحيى] بن خَلاد بن رَافع الزرقي، عَن أَبِيه، عَن جده عَن رِفَاعَة بن رَافع، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لرجل: " تَوَضَّأ كَمَا أَمرك الله " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ بعد ذكره هَذِه الْقطعَة من إِسْنَاده، وَلم يتَقَدَّم لَهُ مَا يكون محيلاً عَلَيْهِ.
وَمَوْضِع عِلّة هَذَا الحَدِيث، يحيى بن عَليّ بن خَلاد، فَإِنَّهُ لَا تعرف لَهُ حَال، وَلَيْسَ فِيهِ مزِيد على مَا فِي الْإِسْنَاد، فَأَما أَبُو عَليّ فَثِقَة، وجده يحيى بن خَلاد، أخرج لَهُ البُخَارِيّ.
(2274) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ، عَن عبد الْملك بن عُمَيْر، عَن شبيب(5/30)
أبي روح، عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه صلى صَلَاة الصُّبْح، فَقَرَأَ الرّوم والتبس عَلَيْهِ. الحَدِيث.
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: قَالَ ابو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم: [روح] أَبُو شبيب شَامي، وَيُقَال: شبيب بن نعيم الوحاظي الْحِمصِي، روى عَن أبي هُرَيْرَة، وَعَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، يُقَال لَهُ: الْأَغَر، روى عَنهُ سِنَان بن قيس، وحريز بن عُثْمَان، وَعبد الْملك بن عُمَيْر، وَجَابِر بن غَانِم. انْتهى كَلَامه.
وَفِيه شَيْئَانِ: أَحدهمَا قد فَرغْنَا من ذكره وَذكر الصَّوَاب فِيهِ فِي بَاب الْأَسْمَاء الْمُغيرَة، وَهُوَ قَوْله: روح أَبُو شبيب.
وَالثَّانِي: وَهُوَ مَقْصُود هَذَا الْبَاب، وَهُوَ سُكُوته عَنهُ، واعتماده تعدد الروَاة عَن شبيب الْمَذْكُور، وَهُوَ رجل لَا تعرف لَهُ حَال، وَغَايَة مَا رفع بِهِ من قدره أَنه روى عَنهُ شُعْبَة، وَعبد الْملك بن عُمَيْر.
قَالَ ابْن الْجَارُود، عَن مُحَمَّد بن يحيى الذهلي: هَذَا شُعْبَة، وَعبد الْملك بن عُمَيْر فِي جلالتهما يرويان عَن شبيب أبي روح، وروى عَنهُ أَيْضا حريز بن عُثْمَان.
هَذَا كُله غير كَاف فِي المبتغى من عَدَالَته فاعلمه.(5/31)
(2275) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، عَن أُميَّة، عَن أبي مجلز، عَن ابْن عمر، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سجد فِي صَلَاة الظّهْر ثمَّ قَامَ فَرَكَعَ، فَرَأَوْا أَنه [قد " قَرَأَ تَنْزِيل السَّجْدَة ".
وَسكت عَنهُ، وأبرز من إِسْنَاده أُميَّة، وَلم يحل بِهِ] على مُتَقَدم من القَوْل، وَلَيْسَ يَنْبَغِي أَن يظنّ بِهَذَا الحَدِيث الصِّحَّة على مَا بِهِ من الْجَهْل بِحَال أُميَّة راوية، وَلَا أعلم أحدا مِمَّن صنف فِي الرِّجَال ذكره، وَقد روى أَبُو عِيسَى الرَّمْلِيّ عَن أبي دَاوُد أَنه قَالَ - إِثْر هَذَا الحَدِيث _: أُميَّة هَذَا لَا يعرف.
وَقد ذكر الطَّحَاوِيّ هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة يزِيد بن هَارُون، عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، عَن أبي مجلز، عَن ابْن عمر، بِغَيْر توَسط أُميَّة الْمَذْكُور بَينهمَا، قَالَ: وَلم أسمعهُ مِنْهُ. فَالْحَدِيث إِذن ضَعِيف. فاعلمه.
(2276) وَذكر من كتاب شَرِيعَة المقارئ، لأبي بكر بن أبي دَاوُد، قَالَ: حَدثنَا عمي، حَدثنَا حجاج، حَدثنَا حَمَّاد، عَن أبان، عَن سعيد بن(5/32)
جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: غَدَوْت على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم جُمُعَة فِي صَلَاة الْفجْر، فَقَرَأَ سُورَة من المئين فِي الرَّكْعَة الأولى فِيهَا سَجْدَة فَسجدَ، ثمَّ غَدَوْت عَلَيْهِ من الْغَد. الحَدِيث.
هَكَذَا ذكره بِإِسْنَادِهِ، فَلَا أَدْرِي أحسن ظَنّه بِهِ فصححه، أم تَبرأ من عهدته بِذكر الْإِسْنَاد؟ فَأَما أَن يكون أحَال على قَول مُتَقَدم فِيهِ فَلَا.
وَأَبَان هَذَا، إِن كَانَ ابْن أبي عَيَّاش فَهُوَ مَتْرُوك، وَالظَّن غَالب بِأَنَّهُ هُوَ، فَإِنَّهُ مَعْرُوف بِرِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة عَنهُ.
وَحَمَّاد الْمَذْكُور، هُوَ - بِلَا شكّ - ابْن سَلمَة، وحجاج هُوَ ابْن منهال، صَاحبه وراوي مُصَنفه عَنهُ، إِن لم يكن ابْن أبي عَيَّاش فَإِنَّهُ مَجْهُول.
وَعم أبي بكر بن أبي دَاوُد: أَخُو أبي دَاوُد، سُلَيْمَان بن الْأَشْعَث صَاحب كتاب السّنَن - لَا أعرف حَاله.
وَأَبُو بكر بن أبي دَاوُد كثيرا مَا يروي عَنهُ فِي كِتَابه الْمَذْكُور، فَيَقُول: حَدثنَا عمي، كَمَا يَقُول: حَدثنَا أبي.
وَقد تكَرر من أبي مُحَمَّد قبُول رِوَايَات لأبي بكر بن أبي دَاوُد، لم يعرض لَهَا من أَجله، مِنْهَا هَذَا الحَدِيث.
(2277) وَمِنْهَا حَدِيث ذكره فِي الْجَنَائِز من طَرِيق أبي عمر بن عبد الْبر،(5/33)
عَن أبي هُرَيْرَة " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -[صلى على جَنَازَة، فَكبر عَلَيْهَا أَرْبعا، ثمَّ أَتَى الْقَبْر من قبل] رَأسه، فَحَثَا فِيهِ ثَلَاثًا. الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ مصححاً لَهُ، وَأَبُو عمر إِنَّمَا هُوَ عِنْده، من طَرِيق أبي بكر بن أبي دَاوُد.
قَالَ أَبُو عمر: حَدثنَا خلف بن قَاسم، حَدثنَا أَحْمد بن صَالح المقرئي، حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي دَاوُد السجسْتانِي، حَدثنَا الْعَبَّاس بن الْوَلِيد بن صبح الْخلال، حَدثنِي يحيى بن صَالح، حَدثنَا سَلمَة بن كُلْثُوم، حَدثنَا الْأَوْزَاعِيّ، أَخْبرنِي يحيى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة فَذكره.
ثمَّ قَالَ: قَالَ أَبُو بكر بن أبي دَاوُد: لَيْسَ يروي عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من وَجه ثَابت أَنه كبر على جَنَازَة أَرْبعا إِلَّا هَذَا، وَلم يروه إِلَّا سَلمَة بن كُلْثُوم، وَهُوَ ثِقَة، من كبار أَصْحَاب الْأَوْزَاعِيّ.
(2278) وَإِنَّمَا يرْوى عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من وَجه ثَابت أَنه كبر على قبر(5/34)
أَرْبعا، وَأما على جَنَازَة هَكَذَا فَلَا، إِلَّا حَدِيث سَلمَة بن كُلْثُوم هَذَا، انْتهى كَلَامه.
فَأَقُول - وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق - إِن أَبَا بكر: عبد الله بن أبي دَاوُد، أحد الْأَئِمَّة، مِمَّن جمع الْعلم والزهد وَالْفضل، كَانَ يحفظ وَيفهم.
قَالَ الْخَطِيب أَبُو بكر بن ثَابت: رَحل بِهِ أَبوهُ من سجستان، فطوف بِهِ شرقاً وغرباً، وسَمعه من عُلَمَاء ذَلِك الْوَقْت، فَسمع بخراسان، وَالْجِبَال، وأصبهان، وَفَارِس، وَالْبَصْرَة، وبغداد، والكوفة، وَالْمَدينَة، وَالشَّام، ومصر، والجزيرة، والثغور، واستوطن بَغْدَاد، وصنف الْمسند، وَالسّنَن، والقراءات، والناسخ والمنسوخ، وَغير ذَلِك، وَكَانَ فهما عَالما، وَذكر مِمَّن روى عَنهُ من أَشْيَاخ أَبِيه أبي دَاوُد جمَاعَة، نَحْو خَمْسَة وَعشْرين، قَالَ: وَخلق كثير من أمثالهم، فَأَما من أَخذ عَنهُ فَمَا لَا يُحْصى، بعد أَن عد مِنْهُم جمَاعَة، وَأورد من أخباره كثيرا مِمَّا لَيْسَ مَقْصُودا الْآن، وَهُوَ فِي مَوْضِعه من تَارِيخه لمن أَرَادَ الْوُقُوف عَلَيْهِ.
وَحكى عَن مُحَمَّد بن عبيد الله بن الْفَتْح أَنه لما مَاتَ صلى عَلَيْهِ زهاء ثَلَاث مائَة [ألف إِنْسَان وَأكْثر، وَصلى عَلَيْهِ فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع، وَأخرج صَلَاة الغ [د] اة وَدفن بعد صَلَاة الظّهْر، وَمَات وَهُوَ ابْن سبع وَثَمَانِينَ سنة، وَدفن بمقبرة الْبُسْتَان وَكَانَ مَوته يَوْم الْأَحَد، لثنتي عشرَة بقيت من ذِي الْحجَّة سنة سِتّ عشرَة وثلاثمائة، وَحكي عَن ابْنه عبد الْأَعْلَى بن عبد الله ابْن أبي دَاوُد أَنه قَالَ: صلي عَلَيْهِ ثَمَانِينَ مرّة، حَتَّى أنفذ المقتدر من خلص جنَازَته فدفنوه.(5/35)
وَذكر عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ أَنه سَأَلَ الدَّارَقُطْنِيّ عَنهُ فَقَالَ: ثِقَة، إِلَّا أَنه كثير الْخَطَأ فِي الْكَلَام على الحَدِيث.
وَحكى عَن أبي حَامِد بن أَسد قَالَ: مَا رَأَيْت مثله فِي الْعلم، قَالَ: وَذكر كلَاما كثيرا مَا ضبطته، ثمَّ قَالَ: إِلَّا إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ، وَقَالَ: مَا رَأَيْت بعد الْحَرْبِيّ مثله.
وَحكى عَن أبي الْفضل صَالح بن أَحْمد الْحَافِظ أَنه قَالَ: أَبُو بكر: عبد الله ابْن سُلَيْمَان إِمَام الْعرَاق، وَعلم فِي الْأَمْصَار وَمن نصب لَهُ السُّلْطَان الْمِنْبَر، فَحدث عَلَيْهِ لفضله ومعرفته.
وَإِلَى هَذَا من أَمْثَاله فِي مدحه، وَالثنَاء الْجَمِيل عَلَيْهِ، فَإِن أَبَا أَحْمد بن عدي قَالَ فِي كِتَابه الْكَامِل - بعد أَن ذكره - كلَاما مَعْنَاهُ:
لَوْلَا أَنِّي شرطت فِي أول هَذَا الْكتاب أَن أذكر كل من تكلم فِيهِ مُتَكَلم مَا ذكرته، ثمَّ أورد: سَمِعت عَليّ بن عبد الله الداهري يَقُول: سَمِعت أَحْمد ابْن مُحَمَّد بن عَمْرو بن كركرة يَقُول: سَمِعت عَليّ بن الْحُسَيْن بن الْجُنَيْد يَقُول: سَمِعت أَبَا دَاوُد السجسْتانِي يَقُول: ابْني عبد الله هَذَا كَذَّاب.
وَكَانَ ابْن صاعد يَقُول: كفانا مَا قَالَ أَبوهُ فِيهِ.(5/36)
سَمِعت مُوسَى بن الْقَاسِم بن مُوسَى بن الْحسن الأشيب. قَالَ: حَدثنِي أَبُو بكر قَالَ: سَمِعت إِبْرَاهِيم بن الْأَصْبَهَانِيّ [يَقُول: أَبُو بكر بن أبي دَاوُد كَذَّاب، قَالَ ابْن عدي: وَابْن أبي دَاوُد قد تكلم فِيهِ أَبوهُ وَإِبْرَاهِيم الْأَصْبَهَانِيّ] ، وَنسب فِي الِابْتِدَاء إِلَى النصب، ونفاه ابْن فرات من بَغْدَاد إِلَى وَاسِط، ورده عَليّ بن عِيسَى، وَحدث وَأظْهر فَضَائِل [عَليّ] ، ثمَّ تحنبل فَصَارَ شَيخا فيهم، وَهُوَ مَعْرُوف بِالطَّلَبِ، وَعَامة مَا كتب مَعَ أَبِيه، وَدخل مصر، وَالشَّام، وَالْعراق، وخراسان، وَهُوَ مَقْبُول عِنْد أَصْحَاب الحَدِيث، وَأما كَلَام أَبِيه [فِيهِ فَلَا أَدْرِي] إيش تبين لَهُ مِنْهُ. انْتهى كَلَامه.
فَأَقُول - وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق -: إِن الحَدِيث من رِوَايَته مُخْتَلف فِيهِ من أَجله، فَهُوَ حسن، فَاعْلَم ذَلِك.
(2279) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد: حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل(5/37)
وَأحمد بن مُحَمَّد بن ثَابت الْمروزِي، وَمُحَمّد بن رَافع، وَمُحَمّد بن عبد الْملك الغزال، قَالُوا: حَدثنَا عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ ابْن حَنْبَل: - أَن يجلس الرجل فِي الصَّلَاة وَهُوَ مُعْتَمد على يَدَيْهِ ". وَقَالَ أَحْمد بن مُحَمَّد بن ثَابت: " نهى أَن يعْتَمد الرجل على يَدَيْهِ فِي الصَّلَاة ".
وَقَالَ ابْن رَافع: " نهى أَن يُصَلِّي الرجل وَهُوَ مُعْتَمد على يَدَيْهِ ".
وَذكره فِي بَاب الرّفْع من السَّجْدَة.(5/38)
وَقَالَ ابْن عبد الْملك: نهى أَن يعْتَمد الرجل على يَدَيْهِ إِذا نَهَضَ فِي الصَّلَاة. كَذَا ذكره، وَلم يبين من أَمر شيخ أبي دَاوُد هَذَا، الَّذِي هُوَ مُحَمَّد بن عبد الْملك الغزال شَيْئا، وَهُوَ رجل مَجْهُول الْحَال، لم أجد لَهُ ذكرا.
وَقد خَالفه الثَّلَاثَة المذكورون، وهم الثِّقَات الْحفاظ.
ورواياتهم الْمَذْكُورَة وَإِن اخْتلفت ألفاظها، تَجْتَمِع على معنى وَاحِد، وَهُوَ الْمُفَسّر فِي رِوَايَة ابْن حَنْبَل مِنْهُم، وَهُوَ النَّهْي عَن الِاعْتِمَاد على الْيَد فِي حَال الْجُلُوس.
فَأَما رِوَايَة مُحَمَّد بن عبد الْملك هَذَا، فمقتضاها النَّهْي عَن الِاسْتِعَانَة باليدين فِي حِين النهوض، وَذَلِكَ شَيْء لَا يحْتَمل من مثله، فَإِن حَاله لَا تعرف وَلَو لم يُخَالِفهُ غَيره.
فَإِن قيل: فَإِن أَبَا دَاوُد لَا يروي إِلَّا عَن ثِقَة؟
قيل: هَذَا لم نجده عَنهُ نصا، وَإِنَّمَا وَجَدْنَاهُ عَنهُ توقياً فِي الْأَخْذ. يُوهم ذَلِك، مثل مَا ذكر أَبُو أَحْمد عَنهُ من امْتِنَاعه عَن الرِّوَايَة عَن أبي الْأَشْعَث: أَحْمد بن الْمِقْدَام الْعجلِيّ شيخ البُخَارِيّ، لما احتال بحيلة، كَانَ فِيهَا قطع جُلُوس المجان الَّذين كَانُوا يعبثون بالمارة، بِأَن يصروا صرر الدَّرَاهِم، ويبثوها فِي الطَّرِيق فَإِذا تطأطا لَهَا أحد [صاحوا: ضعها، ليخجل الرجل، فَعلم أَبُو الْأَشْعَث الْمَارَّة بِالْبَصْرَةِ أَن يتخذوا صرر] الزّجاج فَإِذا(5/39)
صاحوا بكم، وضعتم صرر الزّجاج بَدَلا من صررهم.
فَامْتنعَ أَبُو دَاوُد من الرِّوَايَة عَنهُ لما كَانَ من تسامحه فِي ذَلِك، فعد هَذَا مِنْهُ غَايَة فِي انتقاء الرِّجَال، والتوقي فِي الْأَخْذ، وَهَذَا غير كَافِي فِي الْمَقْصُود، ولعلنا نعثر بعد - من أَمر مُحَمَّد بن عبد الْملك هَذَا، على مزِيد إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(2280) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ عَن كثير بن قاروندا عَن سَالم، أَن ابْن عمر جمع ثمَّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِذا حفز أحدكُم الْأَمر الَّذِي يخَاف فَليصل هَذِه الصَّلَاة ".
وَلم يقل بإثره شَيْئا، وَيُمكن أَن يكون ذكره مَا ذكر من إِسْنَاده تبرياً من(5/40)
عهدته، وَإِن كَانَ لم يحل بذلك على ذكر مُتَقَدم فِي كثير بن قاروندا الْمَذْكُور، وَهُوَ مِمَّن لَا تعرف حَاله، وَإِن كَانَ قد روى عَنهُ جمَاعَة:
مِنْهُم يزِيد بن زُرَيْع، وَالنضْر بن شُمَيْل، وروح بن عبَادَة، وَعلي بن عبد الْعَزِيز.
وَإِلَى هَذَا فَإِن الحَدِيث الْمَذْكُور مُنكر، من حَيْثُ علم من رِوَايَة ابْن عمر أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جمع فَقَط، فَأَما هَذَا اللَّفْظ الَّذِي قَالَ بعده، فَلَا يعرف إِلَّا من رِوَايَة كثير هَذَا.
(2281) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ أَيْضا، عَن إِسْرَائِيل، عَن عِيسَى بن أبي عزة، عَن عَامر، عَن أبي ثَوْر الْأَزْدِيّ، عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَمر بالركعتين قبل صَلَاة الْفجْر ".
هَكَذَا أوردهُ بِقِطْعَة من إِسْنَاده، وَلم يتَقَدَّم لَهُ فِيهَا قَول، وَلَا تَلا هَذَا الحَدِيث مِنْهُ.
وَأَبُو ثَوْر هَذَا لَا يعرف لَهُ حَال وَلَا اسْم وَلَا أعلم من أمره إِلَّا أَن البُخَارِيّ ذكره فِي الكنى الْمُجَرَّدَة من تَارِيخه، وَهُوَ جُزْء، وَلم يَقع إِلَيْنَا فِي نسخ التَّارِيخ.
وَذكر أَبُو مُحَمَّد بن الْجَارُود فِي كناه أَن البُخَارِيّ ذكر ثَلَاثَة فجعلهم وَاحِدًا.(5/41)
وَنَصّ مَا ذكر عَن البُخَارِيّ هُوَ هَذَا:
أَبُو ثَوْر الْحدانِي، روى عَنهُ أَبُو [البخْترِي. قَالَ: أَبُو ثَوْر الْحدانِي، سمع حديفة، وَأَبا] مَسْعُود أَبُو ثَوْر الْأَزْدِيّ عَن أبي هُرَيْرَة، روى إِسْرَائِيل عَن عِيسَى بن أبي عزة، عَن عَامر - هُوَ الشّعبِيّ - عَنهُ.
فَذكر حبيب بن أبي مليكَة فَقَالَ: هُوَ أَبُو ثَوْر الْحدانِي، روى عَنهُ أَبُو البخْترِي، وَالشعْبِيّ، قَالَ أَبُو مُحَمَّد بن الْجَارُود، فَكَأَنَّهُ جعل هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة وَاحِدًا، انْتهى قَوْله.
فَأَقُول - وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق -: إِن حبيب بن أبي مليكَة مَعْرُوف، قَالَ فِيهِ أَبُو زرْعَة: ثِقَة، فَأَما الْآخرَانِ - أَعنِي أَبَا ثَوْر الْحدانِي، وَأَبا ثَوْر الْأَزْدِيّ - فمجهولان.
وَقد ذكر أَبُو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم أَبَا ثَوْر عَن أبي هُرَيْرَة: فِي أَذَان بِلَال، روى عَنهُ الشّعبِيّ، فَيُشبه أَن يكون هَذَا الْأَزْدِيّ الَّذِي فِي إِسْنَاد الحَدِيث الْمَذْكُور.
وَذكر أَيْضا أَبَا ثَوْر الْحدانِي بِرِوَايَة أبي البخْترِي عَنهُ، وَلم يذكر فيهمَا شَيْئا، فهما عِنْده مَجْهُولا الْحَال، فَاعْلَم ذَلِك.
(2282) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن أبي زِيَادَة: عبيد الله بن زِيَادَة(5/42)
الْكِنْدِيّ، عَن بِلَال، قَالَ [قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -] : " لَو أَصبَحت أَكثر مِمَّا أَصبَحت لركعتهما، وأحسنتهما، وأجملتهما - يَعْنِي رَكْعَتي الْفجْر - ".
هَكَذَا ذكره بِهَذِهِ الْقطعَة من الْإِسْنَاد، غير محيل بهَا على ذكر مُتَقَدم، وَلَعَلَّه تَبرأ بذكرها من عهدته، فَإِن أَبَا زِيَادَة هَذَا لَا تعرف حَاله.
وَإِن كَانَ قد روى عَنهُ عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر، وَعبد الله بن الْعَلَاء ابْن زبر.
(2283) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا عَن مَكْحُول، عَن أبي عَائِشَة جليس لأبي هُرَيْرَة، أَن سعيد بن العَاصِي، سَأَلَ أَبَا مُوسَى، وَحُذَيْفَة: " كَيفَ(5/43)
كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يكبر فِي الْأَضْحَى وَالْفطر؟ " الحَدِيث.
وَلم يزدْ على ذكر هَذِه الْقطعَة من إِسْنَاده. وَأَبُو عَائِشَة هَذَا لَا تعرف حَاله، وَلما ذكر أَبُو مُحَمَّد بن حزم هَذَا الحَدِيث، قَالَ فِي أبي عَائِشَة هَذَا: إِنَّه مَجْهُول، وَهُوَ كَمَا قَالَ.
وَلما ذكره أَبُو عمر بن عبد الْبر فِي الكنى الْمُجَرَّدَة من كتاب الِاسْتِغْنَاء، لم يزدْ على / مَا أَخذ من هَذَا [الْإِسْنَاد من رِوَايَته عَن أبي هُرَيْرَة، وَرِوَايَة خَالِد بن معدان، وَمَكْحُول عَنهُ ... ] . فاعلمه.
(2284) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا، عَن أبي عُمَيْر بن أنس، عَن عمومة لَهُ من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَن ركباً شهدُوا أَنهم رَأَوْا الْهلَال " الحَدِيث.(5/44)
وَسكت عَنهُ، وَأرَاهُ صَححهُ، واعتقد فِي أبي عُمَيْر مَا اعْتقد فِيهِ ابْن حزم، فَإِنَّهُ قَالَ: إِنَّه سَنَد صَحِيح، وَكَذَلِكَ أَبُو بكر بن الْمُنْذر قَالَ: إِنَّه حَدِيث ثَابت يجب الْعَمَل بِهِ.
وَعِنْدِي أَنه حَدِيث يَنْبَغِي أَن ينظر فِيهِ، وَلَا يقبل إِلَّا أَن تثبت عَدَالَة أبي عُمَيْر، فَإِنَّهُ لَا يعلم لَهُ كَبِير شَيْء، إِنَّمَا هِيَ حديثان أَو ثَلَاثَة، لم يروها عَنهُ غير أبي بشر: جَعْفَر بن أبي وحشية، وَلَا أعرف أحدا عرف من حَاله بِمَا يُوجب قبُول رِوَايَته، وَلَا هُوَ مِمَّن يعلم أَن أَكثر من وَاحِد روى عَنهُ، فَيصير من جملَة المساتير الْمُخْتَلف فِي ابْتِغَاء مزِيد على مَا تقرر من إسْلَامهمْ بِرِوَايَة أهل الْعلم عَنْهُم.
وَقد رَأَيْت البارودي ذكر حَدِيثه هَذَا فِي كِتَابه فِي الصَّحَابَة لَهُ، فأسماه فِي نفس الْإِسْنَاد عبد الله، وَذَلِكَ لَا يُفِيد فِي الْمَقْصُود من معرفَة حَالَة شَيْئا. فاعلمه.
(2285) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا، عَن إِسْحَاق بن سَالم، مولى بنى نَوْفَل، قَالَ: حَدثنِي بكر بن مُبشر الْأنْصَارِيّ أَنه قَالَ: " كنت أغدو مَعَ رَسُول الله
إِلَى الْمصلى يَوْم الْفطر وَيَوْم الْأَضْحَى " الحَدِيث.(5/45)
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: قَالَ أَبُو دَاوُد: يرْوى هَذَا الحَدِيث عَن أبي هُرَيْرَة، وَغَيره.
كَذَا سكت عَنهُ، بعد ذكره هَذِه الْقطعَة من إِسْنَاده، وَمَا أرَاهُ إِلَّا قد حسن ظَنّه أَيْضا بِهِ، فقد رَأَيْت أَبَا عَليّ بن السكن فِي كِتَابه فِي الصَّحَابَة لما ذكر مُبشر ابْن جبر الْأنْصَارِيّ هَذَا قَالَ فِيهِ: مدنِي، رُوِيَ عَنهُ حَدِيث وَاحِد بِإِسْنَاد صَالح.
ثمَّ أوردهُ من رِوَايَة إِسْحَاق بن سَالم الْمَذْكُور، ثمَّ قَالَ: لَيْسَ لبكر بن مُبشر رِوَايَة صَحِيحَة إِلَّا من هَذَا الْوَجْه.
هَذَا مَا ذكر، وَعِنْدِي أَنه لَا يَصح، فَإِن إِسْحَاق بن سَالم هَذَا لَا يعرف بِشَيْء من الْعلم إِلَّا هَذَا، وَلَا روى عَنهُ غير أنيس بن أبي يحيى، روى عَنهُ [هَذَا الحَدِيث الْمَذْكُور، ثمَّ إِن بكر بن مُبشر لَا تعرف صحبته من] غير هَذَا الحَدِيث، فَاعْلَم ذَلِك.
(2286) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا ابْن أبي دَاوُد، قَالَ:(5/46)
حَدثنَا سهل بن سُلَيْمَان النيلي، حَدثنَا ثَابت بن مُحَمَّد، أَبُو إِسْمَاعِيل الزَّاهِد، حَدثنَا سُفْيَان بن سعيد، عَن حبيب بن أبي ثَابت، عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صلى فِي كسوف الشَّمْس وَالْقَمَر ثَمَانِي رَكْعَات فِي أَربع سَجدَات ".
هَكَذَا أوردهُ بِإِسْنَادِهِ، وَقد يظنّ بِهِ أَنه صَححهُ بسكوته عَنهُ، غير محيل على ذكر مُتَقَدم. وَمَوْضِع النّظر من هَذَا الْإِسْنَاد ثَلَاثَة رجال.
أحدهم: ثَابت بن مُحَمَّد الزَّاهِد، وَهُوَ مَعْرُوف صَدُوق، روى عَنهُ الرازيان وَغَيرهمَا.
وَالْآخر: سهل بن سُلَيْمَان النيلي، وَلم أجد لَهُ ذكرا، وَلَا أعرفهُ بِغَيْر هَذَا وَالثَّالِث: ابْن أبي دَاوُد، وَقد تقدم ذكره الْآن.(5/47)
(2287) وَذكر أَيْضا مُتَّصِلا بِهِ أَن قَالَ: وروى الصَّلَاة فِي كسوف الْقَمَر أَيْضا: مُوسَى بن أعين، عَن مُحَمَّد بن رَاشد، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة قَالَت: إِن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كَانَ يُصَلِّي فِي كسوف الشَّمْس وَالْقَمَر أَربع رَكْعَات وَأَرْبع سَجدَات، يقْرَأ فِي الرَّكْعَة الأولى بالعنكبوت، أَو الرّوم وَفِي الثَّانِيَة بيس ".
هَكَذَا سَاقه وَلم يعزه إِلَى مخرجه، وَاقْتصر على هَذِه الْقطعَة من إِسْنَاده وَهِي قِطْعَة سليمَة، وَإِنَّمَا الشَّأْن فِيمَا بَين الدَّارَقُطْنِيّ مخرج الحَدِيث الْمَذْكُور، وَبَين مُوسَى بن أعين.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي، قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن سعد ابْن إِبْرَاهِيم الزُّهْرِيّ، حَدثنَا سعيد بن حَفْص، خَال النُّفَيْلِي، حَدثنَا مُوسَى بن أعين، فَذكره.
سعيد بن حَفْص، خَال النُّفَيْلِي، لَا أعرف حَاله، وَلَا أبعد أَن يكون أَبُو مُحَمَّد علمهَا، وَالرجل لَيْسَ لَهُ من الرِّوَايَة مَا تعلم بِهِ حَاله، وَلَا ذكر فِي مظان وجوده من كتب الرِّجَال، خلا أَن هَذَا الأندلسي مسلمة بن الْقَاسِم ذكره فَقَالَ: إِنَّه حراني، يكنى أَبَا عَمْرو، روى عَنهُ بَقِي بن مخلد.
وَهَذَا غير كَاف [فِي إِثْبَات عَدَالَته، فَهُوَ من جملَة المساتير الْمُخْتَلف فيهم، وَلَعَلَّ أَبَا مُحَمَّد] يكون قد وقف لَهُ على إِسْنَاد آخر إِلَى مُوسَى بن أعين،(5/48)
من غير رِوَايَة سعيد بن حَفْص الْمَذْكُور، فَإِنِّي لَا أَبَت أَنه إِنَّمَا عني طَرِيقه، وَذَلِكَ أَنه لم يعزه إِلَى الدَّارَقُطْنِيّ، فَلَعَلَّهُ رَآهُ عِنْد غَيره.
فَأَما أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي فَلَا يسْأَل عَن مثله، وَكَذَلِكَ أَحْمد بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، فَإِنَّهُ أحد الْفُضَلَاء، الْعلمَاء، الزهاد، ثِقَة رضَا، قد أطنب أَبُو بكر بن ثَابت فِي ذكره، فَاعْلَم ذَلِك.
(2288) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن أبي عُثْمَان - وَلَيْسَ النَّهْدِيّ -، عَن أَبِيه، عَن معقل بن يسَار قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " اقرؤوا يس على مَوْتَاكُم ".
كَذَا أوردهُ مقتطعاً هَذِه الْقطعَة من إِسْنَاده، وَلم يعرض لَهُ بِأَكْثَرَ من ذَلِك، وَهُوَ لَا يَصح، لِأَن أَبَا عُثْمَان هَذَا لَا يعرف، وَلَا روى عَنهُ غير سُلَيْمَان(5/49)
التَّيْمِيّ، وَإِذا لم يكن هُوَ مَعْرُوفا، فأبوه أبعد من أَن يعرف، وَهُوَ إِنَّمَا روى عَنهُ.
(2289) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن عَامر الشّعبِيّ عَن عَليّ، سَمِعت رَسُول الله
يَقُول: " لَا تغَالوا فِي الْكَفَن " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ الشّعبِيّ رأى عَليّ بن أبي طَالب.
لم يزدْ على هَذَا، وَهُوَ حَدِيث لَا يَنْبَغِي أَن يُقَال فِيهِ: صَحِيح، بل حسن، لِأَنَّهُ من رِوَايَة عَمْرو بن هَاشم أبي مَالك الْجَنبي، عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد، عَن عَامر الشّعبِيّ.
وَعَمْرو بن هَاشم - وَإِن كَانَ قد وَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره - فَإِن البُخَارِيّ قَالَ: فِيهِ نظر عَن ابْن إِسْحَاق.
وَضعف مُسلم مُطلقًا.
وَقَالَ ابْن حَنْبَل: هُوَ صَدُوق، وَلكنه لم يكن صَاحب حَدِيث.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: لين الحَدِيث، يكْتب حَدِيثه.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم البستي: إِنَّه يقلب الْأَسَانِيد. فَأَما الْفَصْل الَّذِي اعتنى بِهِ أَبُو مُحَمَّد من قَوْله: إِن الشّعبِيّ رأى عليا، فَإِنَّهُ(5/50)
مَوضِع نظر، وَقد قيل للدارقطني: سمع الشّعبِيّ من عَليّ؟ قَالَ: سمع مِنْهُ حرفا، مَا سمع غير هَذَا. ذكر هَذَا فِي كتاب الْعِلَل، وَحَدِيثه عَنهُ قَلِيل [مُعَنْعَن، فَمن ذَلِك حَدِيثه عَنهُ مَرْفُوعا: لَا تغَالوا فِي الْكَفَن.
(2290) وَحَدِيثه: " كَانَ أَبُو بكر] أواهاً منيباً، وَعمر نَاصح الله فنصحه ".
(2291) وَحَدِيثه فِي رجم المحصنة، وَقَوله فِيهَا: " جلدتها بِكِتَاب الله، ورجمتها بِسنة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ".
وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ اخْتلَافهمْ فِي هَذَا الحَدِيث، فَمنهمْ من يدْخل بَينه وَبَين عَليّ عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، وَسنة مُحْتَملَة لإدراك عَليّ، فَإِن عليا - رَضِي الله عَنهُ - قتل سنة أَرْبَعِينَ، وَالشعْبِيّ - إِن صَحَّ أَن عمره كَانَ إِذْ مَاتَ اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ سنة، وَمَوته سنة أَربع وَمِائَة، كَمَا قَالَ مجَالد - فقد كَانَ مولده سنة اثْنَيْنِ وَعشْرين، فَيكون إِذْ قتل عَليّ ابْن ثَمَانِيَة عشر عَاما، وَإِن كَانَ مَوته، سنة خمس وَمِائَة، أَو سنة ثَلَاث وَمِائَة - وكل ذَلِك قد قيل - فقد زَاد عَام أَو نقص عَام.
وَإِن صَحَّ أَن سنه كَانَت يَوْم مَاتَ سبعا وَسبعين - كَمَا قد قيل فِيهِ أَيْضا -(5/51)
نقص من ذَلِك خَمْسَة أَعْوَام، فَيكون ابْن اثْنَتَيْ عشرَة سنة.
وَإِن صَحَّ أَنه مَاتَ ابْن سبعين سنة كَمَا قَالَ أَبُو دَاوُد، فقد صغرت سنة عَن سنّ من يتَحَمَّل.
فعلى هَذَا يكون سَمَاعه من عَليّ مُخْتَلفا فِيهِ، فَاعْلَم ذَلِك.
(2292) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا، عَن رجل من بني عُرْوَة بن مَسْعُود يُقَال لَهُ: دَاوُد، قد وَلدته أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان، زوج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن ليلى بنت قانف الثقفية قَالَت: " كنت فِيمَن غسل أم كُلْثُوم بنت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عِنْد وفاتها " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ إِلَّا بِمَا أبرز من إِسْنَاده، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ ابْن إِسْحَاق، قَالَ: حَدثنَا نوح بن حَكِيم الثَّقَفِيّ - وَكَانَ قَارِئًا لِلْقُرْآنِ - عَن رجل من بني عُرْوَة بن مَسْعُود يُقَال لَهُ: دَاوُد، قد وَلدته أم حَبِيبَة، فَذكره.
وَابْن إِسْحَاق: إِنَّمَا يُقَال لما يرويهِ: حسن، إِذا لم يكن لما يرويهِ عِلّة غَيره.
فَأَما هَذَا فَإِن نوح بن حَكِيم، رجل مَجْهُول الْحَال، وَلم تثبت عَدَالَته [وَلَا يعرف بِغَيْر رِوَايَة ابْن إِسْحَاق عَنهُ، وَرِوَايَته عَن رجل يُقَال لَهُ: دَاوُد، وَقد ذكره ابْن أبي] حَاتِم فَلم يزدْ فِيمَا ذكره بِهِ على مَا أَخذ من هَذَا الْإِسْنَاد.(5/52)
وَأما هَذَا الرجل الثَّقَفِيّ الَّذِي يُقَال لَهُ: دَاوُد من بني عُرْوَة بن مَسْعُود، وَقد وَلدته أم حَبِيبه، فنحدس فِيهِ حدساً لَا يقطع النزاع، وَلَا يدْخلهُ فِي بَاب من يقبل حَدِيثه، وَذَلِكَ أَن هُنَاكَ دَاوُد بن أبي عَاصِم بن عُرْوَة بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ، وَهُوَ رجل مَعْرُوف يروي عَن عُثْمَان بن أبي العَاصِي، وَابْن عمر، وَسَعِيد بن الْمسيب، روى عَنهُ عبد الله بن عُثْمَان بن خَيْثَم، وَيزِيد بن أبي زِيَاد، وَابْن جريح، وَيَعْقُوب بن عَطاء، وَقيس بن سعد، وَهُوَ مكي ثِقَة، قَالَه أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ.
وَلَا نجزم القَوْل بِأَنَّهُ هُوَ، وَمُوجب التَّوَقُّف فِي ذَلِك هُوَ أَنه وصف الَّذِي فِي الْإِسْنَاد بِأَنَّهُ قد وَلدته أم حَبِيبَة وَأم حَبِيبَة - رَضِي الله عَنْهَا - إِنَّمَا كَانَت لَهَا بنت وَاحِدَة قدمت بهَا من أَرض الْحَبَشَة، كَانَت ولدتها بهَا من زَوجهَا - كَانَ - عبيد الله بن جحش [بن] رِئَاب المفتتن بدين النَّصْرَانِيَّة، الْمُتَوفَّى هُنَاكَ عَنْهَا.
وَاسم هَذِه الْبِنْت حَبِيبَة، فَلَو كَانَ زوج حَبِيبَة هَذِه أَبُو عَاصِم بن عُرْوَة بن مَسْعُود، أمكن أَن يُقَال: إِن دَاوُد الْمَذْكُور ابْنه مِنْهَا، فَهُوَ حفيد لأم حَبِيبَة، وَهَذَا لَا نقل بِهِ، وَلَا تحقق لَهُ، بل الْمَنْقُول خِلَافه، وَهُوَ أَن زوج حَبِيبَة هَذِه، هُوَ دَاوُد بن عُرْوَة بن مَسْعُود، كَذَا قَالَ أَبُو عَليّ بن السكن وَغَيره.
فداود الَّذِي لأم حَبِيبَة عَلَيْهِ ولادَة لَيْسَ دَاوُد بن أبي عَاصِم بن عُرْوَة بن مَسْعُود، إِذْ لَيْسَ أَبُو عَاصِم زوجا لحبيبة، وَلَا هُوَ بِدَاوُد بن عُرْوَة بن مَسْعُود، الَّذِي هُوَ زوج حَبِيبَة، فَإِنَّهُ لَا ولادَة لأم حَبِيبَة عَلَيْهِ، فَالله أعلم من هُوَ.(5/53)
فَالْحَدِيث من أَجله ضَعِيف، فاعلمه.
(2293) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ، عَن أبي الْحسن، مولى أم قيس بنت مُحصن قَالَت: " توفّي ابْني فَجَزِعت عَلَيْهِ " الحَدِيث.
وَأَبُو الْحسن مولى أم قيس الْمَذْكُور لَا تعرف عَدَالَته وَلَا من هُوَ من رُوَاة الحَدِيث وَهُوَ] لَا يعرف بِغَيْر هَذَا، وَلَا ذكر إِلَّا بِرِوَايَة يزِيد بن أبي حبيب عَنهُ.
(2294) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن بجير بن أبي بجير قَالَ: سَمِعت عبد الله بن عَمْرو، فَذكر حَدِيث: " الْغُصْن من الذَّهَب الَّذِي دلهم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَيْهِ فِي قبر أبي رِغَال ".
وَلم يتَقَدَّم لَهُ ذكر لبجير هَذَا.
والْحَدِيث من أَجله لَا يَصح، فَإِن حَاله مَجْهُولَة، وَلَا يعرف لَهُ راو عَنهُ إِلَّا إِسْمَاعِيل بن أُميَّة.
وَلما ذكر الدَّارَقُطْنِيّ فِي كِتَابه فِي المؤتلف والمختلف بجيراً بروايته هَذِه عَن(5/54)
عبد الله بن عَمْرو، وَرِوَايَة إِسْمَاعِيل بن أُميَّة عَنهُ لَهَا، أتبعه عَن عَبَّاس الدوري، عَن ابْن معِين أَنه قَالَ: لم أسمع أحدا حدث عَنهُ غير إِسْمَاعِيل بن أُميَّة. وَلم يعرف ابْن أبي حَاتِم حَاله.
وَإِلَى ذَلِك فَإِن الحَدِيث الْمَذْكُور، إِنَّمَا يرويهِ عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة ابْن إِسْحَاق، فاعلمه.
(2295) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، من حَدِيث ابْن جريح عَن عمرَان ابْن أبي أنس، عَن مَالك بن أَوْس بن الْحدثَان، عَن أبي ذَر حَدِيث: " وَفِي الْبَز صدقته ".
هَكَذَا بالزاي، وَلم يقْض عَلَيْهِ بِشَيْء، غير أَنه قَالَ: كَذَلِك فِي حَدِيث مُوسَى بن عُبَيْدَة، عَن عمرَان بن أبي أنس بِهَذَا الْإِسْنَاد.
فَاعْلَم أَن هَذَا الحَدِيث لَا يَصح، لِأَنَّهُ لَا يعرف إِلَّا بمُوسَى بن عُبَيْدَة - وَهُوَ ضَعِيف - عَن عمرَان بن أبي أنس.
فَأَما رِوَايَة ابْن جريح، عَن عمرَان بن أبي أنس، فَلَا تصح إِلَى ابْن جريح. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي، قَالَ: حَدثنَا جَعْفَر بن مُحَمَّد(5/55)
ابْن الْحجَّاج الرقي، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن مُعَاوِيَة، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن بكر، عَن ابْن جريح، فَذكره.
وَعبد الله بن مُعَاوِيَة هَذَا، لَا تعرف حَاله.
فَإِن قيل: فقد رَوَاهُ عَن مُحَمَّد بن بكر غَيره، وَهُوَ يحيى بن مُوسَى الْبَلْخِي، الْمَعْرُوف بخت وَهُوَ ثِقَة.
فَالْجَوَاب أَنا إِنَّمَا واخذناه فِيمَا سَاق من عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ لم يسقه عَن ابْن جريج إِلَّا من [طَرِيق عبد الله بن مُعَاوِيَة عَن مُحَمَّد بن بكر. هَذَا وَإِن لرِوَايَة ابْن جريح عَن عمرَان] ، وَلَو صحت من طَرِيق يحيى بن مُوسَى - شَأْنًا آخر، وَهُوَ الِانْقِطَاع.
قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي كتاب الْعِلَل: حَدثنَا يحيى بن مُوسَى، حَدثنَا مُحَمَّد بن بكر، حَدثنَا ابْن جريح، عَن عمرَان بن أبي أنس، عَن مَالك بن أَوْس بن الْحدثَان النصري، عَن أبي ذَر قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " فِي الْإِبِل صدقتها، وَفِي الْغنم صدقتها، وَفِي الْبَقر صدقتها، وَفِي الْبَز صدقته ".
ثمَّ قَالَ: سَأَلت مُحَمَّدًا عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: ابْن جريج لم يسمع من عمرَان بن أبي أنس، يَقُول: حدثت عَن عمرَان بن أبي أنس.
وَقد تقدم التَّنْبِيه على هَذَا الحَدِيث فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة وَهِي مُنْقَطِعَة.(5/56)
(2296) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن حَمَّاد، عَن أَيُّوب، عَن ديسم - رجل من بني سدوس - عَن بشير بن الخصاصية [قَالَ: قُلْنَا] : " أَن أهل الصَّدَقَة يعتدون علينا " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ.
وديسم هَذَا لَيْسَ فِيهِ مزِيد على مَا فِي الْإِسْنَاد، وَلَا يعرف بِغَيْر ذَلِك.
(2297) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا عَن الْأَخْضَر بن عجلَان، عَن أبي بكر الْحَنَفِيّ، عَن أنس بن مَالك " أَن رجلا من الْأَنْصَار أَتَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يسْأَله " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: أَبُو بكر الْحَنَفِيّ، اسْمه عبد الله، وَلم أجد أحدا ينْسبهُ، وَذكر التِّرْمِذِيّ طرفا من هَذَا الحَدِيث، وَقَالَ فِيهِ: حسن.
فَأَقُول: ظَاهر أمره أَنه صحّح هَذَا الحَدِيث، وَهُوَ لَا يَصح، فَإِن عبد الله الْحَنَفِيّ لَا أعرف أحدا نقل عَدَالَته، فَهِيَ لم تثبت.
وَإِن كَانَ لم يذهب إِلَى تَصْحِيحه، فقد بَقِي عَلَيْهِ تبين الْعلَّة الْمَانِعَة من صِحَّته، فَيكون من بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي لم يبين عللها.
فَاعْلَم أَن ذَلِك مَا ذَكرْنَاهُ من الْجَهْل بِحَال الْحَنَفِيّ الْمَذْكُور.
وَقَالَ فِيهِ التِّرْمِذِيّ: حسن، بِاعْتِبَار اخْتلَافهمْ فِي قبُول رِوَايَات المساتير، والحنفي الْمَذْكُور مِنْهُم، وَقد رَوَت عَنهُ جمَاعَة لَيْسُوا من [مشاهير أهل الْعلم،(5/57)
وهم: عبد الرَّحْمَن بن شميط، وَعبيد الله بن شميط] ، والأخضر ابْن عجلَان عَمهمَا. والأخضر وَابْن أَخِيه عبيد الله ثقتان، فَأَما عبد الرَّحْمَن بن شميط فَلَا تعرف حَاله.
وَأما قَول أبي مُحَمَّد: إِن التِّرْمِذِيّ سَاق طرفا مِنْهُ، وَقَالَ فِيهِ: حسن، فَإِنَّهُ فعل ذَلِك، وَلَكِن على مَا نبينه، وَذَلِكَ أَنه ذكر فِي الْجَامِع قصَّة بيع الْقدح، والحلس، من رِوَايَة عبيد الله بن شميط عَن عَمه الْأَخْضَر بن عجلَان، عَن أبي بكر الْحَنَفِيّ، عَن أنس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، كَمَا فعل عِيسَى بن يُونُس، راوية عَن الْأَخْضَر بن عجلَان عِنْد أبي دَاوُد، حَسْبَمَا تقدم.
فَأَما فِي كتاب الْعِلَل، فَإِنَّهُ سَاقه سوقاً آخر: جعله من رِوَايَة أنس، عَن رجل من الْأَنْصَار، كَأَن أنسا لم يُشَاهد الْقِصَّة، ولم يسمع مَا فِيهَا من النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وبسوق الحَدِيث بنصه يتَبَيَّن ذَلِك: قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عَليّ بن سعيد: الْكِنْدِيّ، قَالَ: حَدثنَا مُعْتَمر بن سُلَيْمَان، عَن الْأَخْضَر بن عجلَان، عَن أبي بكر الْحَنَفِيّ، عَن أنس بن مَالك، عَن رجل من الْأَنْصَار، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " بَاعَ حلسا وَقَدحًا فِيمَن يزِيد ".
كَذَا قَالَ مُعْتَمر عَن الْأَخْضَر، فَالله أعلم أَن كَانَت رِوَايَة عِيسَى بن يُونُس، وَعبيد الله بن شميط مُرْسلَة أم لَا.
(2298) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ، عَن عرْفجَة، عَن رجل من(5/58)
أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - زِيَادَة: " وينادي مُنَاد: يَا باغي الْخَيْر هَلُمَّ ... " الحَدِيث فِي فضل شهر رَمَضَان.
وَسكت عَنهُ، وَلَعَلَّه مِمَّا تسَامح فِيهِ، فَإِن عرْفجَة بن عبد الله الثَّقَفِيّ، لَا تعرف عَدَالَته، وَهُوَ يروي عَن عَائِشَة،، وَابْن مَسْعُود، وَعلي، رَضِي الله عَنْهُم، وروى عَنهُ مَنْصُور، وَعَطَاء بن السَّائِب، وَعمر بن عبد الله بن يعلى بن مرّة. بِهَذَا ذكره أَبُو حَاتِم وَلم يزدْ.
وَلَا يعتل الحَدِيث بِكَوْنِهِ من رِوَايَة عَطاء بن السَّائِب عَنهُ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا رَوَاهُ عَنهُ شُعْبَة، وَهُوَ قديم السماع مِنْهُ، مِمَّن أَخذ عَنهُ قبل اخْتِلَاطه.
(2299) وَذكر [من طَرِيق الْبَزَّار حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -] انْتهى إِلَى نهر من مَاء السَّمَاء، فِي الصَّوْم فِي السّفر.
ثمَّ أتبعه إِسْنَاد الْبَزَّار لَهُ فَقَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى، حَدثنَا عبد الْأَعْلَى، حَدثنَا سعيد الْجريرِي، عَن أبي نَضرة، عَن أبي سعيد، فَذكره.
فَلَا أَدْرِي أصححه أم تَبرأ من عهدته، وحذر اخْتِلَاط الْجريرِي؟ والعهد بِهِ يصحح أَحَادِيثه، وَلَا يُمَيّز بَين مَا رُوِيَ عَنهُ قبل اخْتِلَاطه وَبعده.
وَسَعِيد الْجريرِي مختلط، سَبيله كسبيل سعيد بن أبي عرُوبَة، وَقد تقدم(5/59)
ذكره فِي الْبَاب الَّذِي قبل هَذَا بِمَا يُغني عَن إِعَادَته.
(2300) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن ابْن لأبي وَاقد اللَّيْثِيّ، عَن أَبِيه، سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول لأزواجه فِي حجَّة الْوَدَاع: " هَذِه ثمَّ ظُهُور الْحصْر ".
هَكَذَا سكت عَنهُ بعد إبرازه هَذِه الْقطعَة من إِسْنَاده، وفيهَا عِلّة، وَهِي أَن(5/60)
ابْن أبي وَاقد هَذَا لَا يعرف لَهُ اسْم وَلَا حَال، والْحَدِيث من رِوَايَة زيد بن أسلم عَنهُ.
(2301) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن سُلَيْمَان بن أبي دَاوُد، عَن عَطاء وَنَافِع، عَن ابْن عمر وَجَابِر " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنَّمَا طَاف لحجته وعمرته طَوافا وَاحِدًا " الحَدِيث.
وَلم يزدْ على مَا أبرز من هَذِه الْقطعَة.
وَسليمَان بن أبي دَاوُد هَذَا، لَا يعرف من هُوَ، وَدون سُلَيْمَان فِي الْإِسْنَاد من لَا يَنْبَغِي أَن يطوي ذكره، وَلَا يقتطع الْإِسْنَاد مِمَّا فَوْقه، وَهُوَ هَارُون بن عمرَان الْموصِلِي راوية عَنهُ، وَهُوَ مَجْهُول الْحَال أَيْضا، يرويهِ عَنهُ على بن حَرْب.
وَلم يعرف ابْن أبي حَاتِم لِسُلَيْمَان وَهَارُون الْمَذْكُورين حَالا، وَجرى لَهُ فِي ذكره هَارُون أَن قَالَ: روى عَن جَعْفَر بن برْقَان، وَسليمَان بن دَاوُد، روى عَنهُ عَليّ بن حَرْب. لم يزدْ على هَذَا، كَذَا قَالَ: سُلَيْمَان بن دَاوُد، وَالَّذِي فِي الْإِسْنَاد، إِنَّمَا هُوَ(5/61)
سُلَيْمَان بن أبي دَاوُد، وَكِلَاهُمَا لَا يعرف من هُوَ.
(2302) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، من حَدِيث أَيمن بن [نابل، عَن أبي الزبير، عَن جَابر قَالَ: " حجَجنَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ومعنا النِّسَاء وَالصبيان، فلبينا عَن الصّبيان، ورمينا عَنْهُم ".
وَسكت عَنهُ، مبرزاً من إِسْنَاده] مَا ذكر كالمتبرئ من عهدته، وَلَيْسَ لهَذَا الحَدِيث عيب إِلَّا تَدْلِيس أبي الزبير، فَإِن أَيمن ابْن نابل ثِقَة، وَقد احْتج هُوَ بِهِ، وَسكت عَن حَدِيث قدامَة بن عبد الله.
(2303) " لَا طرد، وَلَا ضرب، وَلَا إِلَيْك) وَهُوَ من رِوَايَته.
وَلما ذكره أَبُو أَحْمد، قَالَ: إِنَّه لَا بَأْس [بِهِ] ، وَلم أجد أحدا مِمَّن تكلم فِي الرِّجَال ضعفه.
والْحَدِيث الْمَذْكُور يرويهِ أَبُو أَحْمد هَكَذَا: حَدثنَا مُحَمَّد بن أبان بن مَيْمُون السراج، حَدثنَا عَمْرو النَّاقِد، حَدثنَا ابْن عُيَيْنَة، عَن أَيمن بن نابل. فَذكره
(2304) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث يزِيد بن شَيبَان، قَالَ: " أَتَانَا(5/62)
ابْن مربع الْأنْصَارِيّ، وَنحن بِعَرَفَة فَقَالَ: إِنِّي رَسُول [رَسُول] الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَيْكُم يَقُول: قفوا على مشاعركم " الحَدِيث. وَسكت عَنهُ إِلَّا مَا ذكر من هَذِه الْقطعَة، وَهُوَ عِنْد أبي دَاوُد، من رِوَايَة عَمْرو ابْن دِينَار، عَن عَمْرو بن عبد الله بن صَفْوَان، عَن يزِيد بن شَيبَان الْمَذْكُور.
وَعَمْرو بن عبد الله بن صَفْوَان الْقرشِي الجُمَحِي، أَخُو صَفْوَان بن عبد الله ابْن صَفْوَان، مكي، يروي عَن يزِيد بن شَيبَان، روى عَنهُ عَمْرو بن دِينَار، وَعَمْرو بن أبي سُفْيَان الجُمَحِي، وَمُحَمّد بن أبي سُفْيَان، وَلَا تعرف لَهُ حَال، وَكَذَلِكَ يزِيد بن شَيبَان، وَهُوَ أبعد من أَن تعرف حَاله من عَمْرو، وَلَا يعرف روى عَنهُ غير عَمْرو الْمَذْكُور.
وَزيد بن مربع لَا يعرف إِلَّا بِهَذَا، وَلَا تعرف صحبته إِلَّا من قَوْله حَسْبَمَا أخبر عَنهُ يزِيد بن شَيبَان، وكل هَذَا ضعف على ضعف.
وَلما ذكره ابْن السكن فِي الصَّحَابَة قَالَ: روى عَنهُ يزِيد بن شَيبَان، وَيزِيد غير مَعْرُوف، وَلم يترجم باسمه فِي بَاب يزِيد، وَأورد لِابْنِ مربع هَذَا الحَدِيث بِهَذَا الْإِسْنَاد، فاعلمه.(5/63)
(2305) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ أَيْضا، عَن أبي الزبير عَن عَائِشَة، وَابْن عَبَّاس " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أخر [طواف يَوْم النَّحْر إِلَى اللَّيْل ".
وَسكت عَنهُ مبرزاً من] إِسْنَاده أَبَا الزبير، وَلَيْسَ ذَلِك تبرياً من عهدته، فَإِنَّهُ قد عهد يصحح مَا يرويهِ أَبُو الزبير، وَلَو لم يجِئ إِلَّا بِلَفْظَة " عَن " لَا مِمَّا يروي عَن جَابر، وَلَا مِمَّا يروي عَن غَيره.
وَقد تقدم ذكر جملَة من ذَلِك فِي الْبَاب الَّذِي قبل هَذَا.
وَعِنْدِي أَن هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بصح، فَإِن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنَّمَا طَاف يَوْمئِذٍ نَهَارا، وَإِنَّمَا اخْتلفُوا هَل صلى الظّهْر بِمَكَّة أَو رَجَعَ إِلَى منى فَصلاهَا بهَا، بعد أَن فرغ من طَوَافه.
فَابْن عمر يَقُول: إِنَّه عَلَيْهِ السَّلَام رَجَعَ إِلَى منى فصلى الظّهْر بهَا.
وَجَابِر يَقُول: إِنَّه صلى الظّهْر بِمَكَّة وَهُوَ ظَاهر حَدِيث عَائِشَة من غير رِوَايَة أبي الزبير هَذِه، الَّتِي فِيهَا أَنه أخر الطّواف إِلَى اللَّيْل.
وَهُوَ شَيْء لم يرو إِلَّا من هَذَا الطَّرِيق.
وَأَبُو الزبير مُدَلّس، وَلم يذكر هَاهُنَا سَمَاعا من عَائِشَة، وَقد عهد يروي عَنْهَا بِوَاسِطَة، وَلَا أَيْضا من ابْن عَبَّاس فقد عهد كَذَلِك يروي عَنهُ بِوَاسِطَة، وَإِن كَانَ قد سمع مِنْهُ.(5/64)
(2306) فمما رَوَاهُ عَن عَائِشَة وَصرح بِمن بَينه وَبَينهَا قصَّة بَرِيرَة، يرويهِ عَن عُرْوَة عَنْهَا، ذكره الْبَزَّار.
(2307) و " إغتسال النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَعهَا من إِنَاء وَاحِد ". يرويهِ عَن عبيد بن عُمَيْر عَنْهَا، ذكره مُسلم.
(2308) وَمِمَّا رَوَاهُ عَن ابْن عَبَّاس، وَصرح بِمن بَينه وَبَينه، جمعه عَلَيْهِ السَّلَام من غير خوف وَلَا مطر، يرويهِ فِي الْمُوَطَّأ عَن سعيد بن جُبَير عَنهُ.
(2309) وَحَدِيث: " عَرَفَة كلهَا موقف ".
(2310) وَحَدِيث: " عَلَيْكُم بحصى الْخذف "، وَحَدِيث: " كَانَ يُلَبِّي حَتَّى رمى الْجَمْرَة ".
هِيَ كلهَا من رِوَايَته عَن أبي معبد، عَن ابْن عَبَّاس، وَأَحَادِيث سوى هَذِه كَذَلِك.(5/65)
(2311) فَأَما حَدِيث: " لما أُصِيب إخْوَانكُمْ بِأحد " فَإِن عدي بن الْفضل، رَوَاهُ عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة، عَن أبي الزبير، عَن ابْن عَبَّاس.
هَكَذَا بِلَفْظَة: " عَن ". وَرَوَاهُ ابْن إِسْحَاق، عَن إِسْمَاعِيل بن أُميَّة، عَن أبي الزبير، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس، ذكره أَبُو [دَاوُد، عَن طَرِيق إِسْمَاعِيل بن أُميَّة عَنهُ، وَأَبُو الزبير يجب التَّوَقُّف فِيمَا يرويهِ. عَن عَائِشَة وَابْن عَبَّاس، مِمَّا لَا يذكر فِيهِ سَمَاعه مِنْهُمَا، لما عرف بِهِ من التَّدْلِيس، ولَو صَحَّ سَمَاعه مِنْهُمَا لغير هَذَا، فَأَما وَلم يَصح لنا أَنه سمع من عَائِشَة، فَالْأَمْر بَين فِي وجوب التَّوَقُّف فِيهِ، وَإِنَّمَا يخْتَلف الْعلمَاء فِي قبُول حَدِيث المدلس إِذا كَانَ عَمَّن قد علم لقاؤه لَهُ وسماعه مِنْهُ.
هَاهُنَا يَقُول قوم: يقبل مَا يعنعن عَنْهُم حَتَّى يتَبَيَّن الِانْقِطَاع فِي حَدِيث حَدِيث فَيرد.
وَيَقُول آخَرُونَ: بل يرد مَا يعنعن عَنْهُم حَتَّى يتَبَيَّن الِاتِّصَال فِي حَدِيث حَدِيث فَيقبل.
أما مَا يعنعنه المدلس عَمَّن لم نعلم لقاءه لَهُ وَلَا سَمَاعه مِنْهُ، فَلَا أعلم الْخلاف فِيهِ بِأَنَّهُ لَا يقبل، وَلَو كُنَّا نقُول بِرَأْي مُسلم فِي أَن مُعَنْعَن المتعاصرين مَحْمُول على الِاتِّصَال وَلَو لم يعلم التقاؤهما، فَإِنَّمَا ذَلِك فِي غير المدلس. وَأَيْضًا فَلَمَّا قدمْنَاهُ من صِحَة طواف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْمئِذٍ نَهَارا.
وَالْخلاف فِي رد حَدِيث المدلس حَتَّى يعلم اتِّصَاله، أَو قبُوله حَتَّى يعلم(5/66)
انْقِطَاعه، إِنَّمَا هُوَ إِذا لم يُعَارضهُ مَا لَا شكّ فِي صِحَّته، وَهَذَا فقد عَارضه مَا لَا شكّ فِي صِحَّته.
وعد إِلَى الْبَاب الثَّانِي من هَذَا الْكتاب، وَهُوَ بَاب النَّقْص من الْأَسَانِيد، فَانْظُر مَا كتبنَا عَلَيْهِ حِين ذَكرْنَاهُ عَنهُ، عَن عَائِشَة وَحدهَا، من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، فَإِنَّهُ كرر ذكره فِي موضِعين، وَالله الْمُوفق.
(2312) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا حَدِيث سراء بنت نَبهَان فِي الْخطْبَة يَوْم الرؤوس.
وأبرز من إِسْنَاده ربيعَة بن عبد الرَّحْمَن بن حصن عَنْهَا، وَهِي جدته.
وَرَبِيعَة هَذَا لم يقدم فِيهِ شَيْئا وَلَا أَخّرهُ، وَلَا هُوَ مَعْرُوف فِي غير هَذَا الحَدِيث، وَلَا يعرف روى عَنهُ غير أبي عَاصِم النَّبِيل.
وَيُقَال فِيهِ أَيْضا: ربيعَة بن عبد الله بن حُصَيْن، كَذَا وَقع عِنْد ابْن السكن، عِنْد ذكره إِيَّاه فِي بَاب سراء الْمَذْكُورَة، وَهِي لَا تعرف صحبتهَا إِلَّا من قَوْلهَا الَّذِي لم يَصح عَنْهَا [فِي هَذَا الحَدِيث.
(2313) وَفِي حَدِيث آخر ضَعِيف رَوَاهُ عَنْهَا من] لَا تعرف أصلا،(5/67)
وَهِي سَاكِنة بنت الْجَعْد، ودونها من لَا يلْتَفت إِلَيْهِ، وَلَا يعرج عَلَيْهِ.
والْحَدِيث هُوَ أَن غُلَاما لَهَا يُقَال لَهُ: نصيب، سَأَلَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن الْحَيَّات مَا يقتل مِنْهَا، قَالَت: فَسَمعته يَقُول: " اقْتُلُوا مَا ظهر مِنْهَا، كبيرها وصغيرها، أسودها وأبيضها، فَإِن من قَتلهَا من أمتِي كَانَت لَهُ فدَاء من النَّار، وَمن قتلته كَانَ شَهِيدا ". فَاعْلَم ذَلِك.
(2314) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا عَن ابْن أبي نجيح، عَن أَبِيه عَن رجلَيْنِ من بني بكر، قَالَا: " رَأينَا رَسُول الله
يخْطب بَين أَوسط أَيَّام التَّشْرِيق " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ أَيْضا، وَهُوَ لَا يَصح فَإِن هذَيْن الرجلَيْن لَا يَنْبَغِي أَن يقبل فهما مَا ادعياه لأنفسهما من المزية بالصحبة، وهما لَو قَالَا عَن أَنفسهمَا: إنَّهُمَا ثقتان لم يقبل مِنْهُمَا ذَلِك، فَكيف بِمَا فِيهِ عَظِيم المزية، وَلم يشْهد لَهما بذلك من يوثق من التَّابِعين، وَإِنَّمَا هُوَ مَا قَالَ يسَار أَبُو نجيح، وَالِد عبد الله بن أبي نجيح: من أَنَّهُمَا قَالَا ذَلِك عَن أَنفسهمَا، وَلم يقل هُوَ عَنْهُمَا: إنَّهُمَا صحابيان، وَلَا ارْتهن فيهمَا بِشَيْء، ويسار ثِقَة. فاعلمه.
(2315) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن مُوسَى بن باذان، عَن يعلى بن(5/68)
أُميَّة، عَن أَبِيه، أَن رَسُول الله، قَالَ: " احتكار الطَّعَام فِي الْحرم إلحاد فِيهِ ".
وَلم يزدْ على إبراز هَذِه الْقطعَة من إِسْنَاده، وَهُوَ حَدِيث لَا يَصح، لِأَن مُوسَى بن باذان مَجْهُول، وَيُقَال فِيهِ: مُسلم بن باذان، هَكَذَا يَقُول فِيهِ الرازيان، وخطئا البُخَارِيّ فِي قَوْله: [مُوسَى بن] باذان، بالنُّون، وَلَا يعرف روى عَنهُ غير عمَارَة بن ثَوْبَان، وَهُوَ روى عَنهُ هَذَا الحَدِيث.
وَعمارَة أَيْضا لَا يعرف روى عَنهُ غير ابْن أَخِيه جَعْفَر بن يحيى بن ثَوْبَان، وَهُوَ روى عَنهُ هَذَا الحَدِيث، وجعفر أَيْضا لَا تعرف حَاله.
فهم كَمَا ترى [ثَلَاثَة مَجَاهِيل مُتَتَابعين فِي رِوَايَة هَذَا الحَدِيث واقتطاع] أبي مُحَمَّد الحَدِيث من عِنْد مُوسَى، وطية ذكر يحيى وَعمارَة، خطأ موهم أَنه لَا نظر فيهمَا، وَلِأَنَّهُ احْتمل أَن يكون مصححاً لَهُ بسكوته عَنهُ، لم نذكرهُ فِي الْبَاب الَّذِي تقدم ذكره، وَهُوَ الْبَاب الَّذِي ذكرت فِيهِ الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها بِذكر رجال وَترك دونهم أَو فَوْقهم من هُوَ مثلهم أَو أَضْعَف، فَإِن ذَلِك الْبَاب إِنَّمَا ذكرنَا فِيهِ مَا ضعف، وَهَذَا لم نجزم بِأَنَّهُ ضعفه.
(2316) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا، من حَدِيث خَارِجَة بن(5/69)
الْحَارِث الْجُهَنِيّ، عَن أَبِيه، عَن جَابر، أَن رَسُول الله
قَالَ: " لَا يخبط، وَلَا يعضد حمى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَلَكِن يهش هشاً رَفِيقًا " وَسكت عَنهُ، إِلَّا أَنه أبرز من إِسْنَاده هَذِه الْقطعَة. وخارجة بن الْحَارِث بن رَافع بن مكيث الْجُهَنِيّ صَالح الحَدِيث، وَلَكِن أَبوهُ لَا تعرف حَاله.
(2317) وبعدهما ذكر حَدِيث سعد فِي " سلب من يصيد فِي حرم الْمَدِينَة ". ثمَّ قَالَ: سُلَيْمَان بن أبي عبد الله لَيْسَ بالمشهور.
وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك، لِأَن أَبَا حَاتِم قَالَه بنصه، وَإِلَّا فَهُوَ أحسن حَالا من هَؤُلَاءِ المجاهيل الَّذين لم يبين من أَحْوَالهم شَيْئا، إِلَّا أَنه أبرز ذكرهم فَاعْلَم ذَلِك.
(2318) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن خَالِد بن زيد، عَن عقبَة بن عَامر،(5/70)
قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِن الله عز وَجل يدْخل بِالسَّهْمِ الْوَاحِد ثَلَاثَة نفر الْجنَّة " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَلكنه أبرز من إِسْنَاده خَالِد بن زيد، وَهُوَ حَدِيث لَا يَصح. قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا سعيد بن مَنْصُور قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن الْمُبَارك، قَالَ: حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر، قَالَ: حَدثنِي أَبُو سَلام، عَن خَالِد بن زيد، فَذكره.
وخَالِد بن زيد هَذَا، الَّذِي يروي عَن عقبَة بن عَامر، لم يذكرهُ البُخَارِيّ، وَابْن أبي حَاتِم بِأَكْثَرَ من رِوَايَة أبي سَلام عَنهُ.
فَهُوَ عِنْدهمَا مَجْهُول الْحَال، ويعرض فِيهِ أَمر آخر، وَهُوَ أَنَّهُمَا أَيْضا ذكرا خَالِد بن زيد الْجُهَنِيّ، وَقَالا: أَنه روى [عَن أَبِيه فِي اللّقطَة روى عَنهُ عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، فَيحْتَمل أَنَّهُمَا وَاحِد، أَو اثْنَان كَذَلِك] .
فَزعم أَبُو بكر بن ثَابت الْخَطِيب، فِي كِتَابه فِي الْجمع والتفريق أَن البُخَارِيّ أَخطَأ فِي جعله إيَّاهُمَا رجلَيْنِ؛ أعنى الَّذِي روى عَن عقبَة بن عَامر، وَهَذَا الَّذِي روى عَن أَبِيه، وَبَين أَنَّهُمَا رجل وَاحِد يروي عَن عقبَة بن عَامر، ويروي عَن أَبِيه زيد بن خَالِد حَدِيثه فِي اللّقطَة، وَأورد حَدِيثه عَنهُ بذلك فِي الْكتاب الْمَذْكُور.(5/73)
وَهَذَا الَّذِي ذكر قد كَانَ مُحْتملا، وَلم يكن ضَرْبَة لازب أَن يخطأ البُخَارِيّ وَابْن أبي حَاتِم، وَمَا قَالَاه مُحْتَمل، إِلَّا أَن أَبَا بكر بن أبي شيبَة قد ذكر الحَدِيث الْمَذْكُور، فَبين فِي نفس إِسْنَاده أَنه الْجُهَنِيّ، وَكَذَلِكَ فعل النَّسَائِيّ، وَمَعَ ذَلِك فَإِنَّهُ قد بَقِي علينا أَن نعرفه ثِقَة، وَذَلِكَ شَرط صِحَة الحَدِيث، وَلم يقنع فِي ذَلِك قَول الْكُوفِي فِي كِتَابه: خَالِد بن زيد تَابِعِيّ ثِقَة.
فَإِنِّي لم أعرف أَنه يَعْنِي هَذَا الْمَذْكُور، لَا سِيمَا وَهُوَ جَائِز أَن يكون عِنْده مِمَّن يتسمى بِهَذَا الِاسْم أَكثر من وَاحِد، كَمَا هُوَ عِنْد البُخَارِيّ وَابْن أبي حَاتِم.
وأظن أَن أَبَا مُحَمَّد لم يحكم بِصِحَّتِهِ، أَو تسَامح فِيهِ، بل تَبرأ من عهدته بِذكر مَوضِع النّظر مِنْهُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَن يعْتَقد أَنه مذْهبه فِي كل حَدِيث ذكره بِقِطْعَة من إِسْنَاده، وَإِن لم يكن بذلك محيلا على ذكر مُتَقَدم وَلَا مُتَأَخّر، وَالله أعلم، فَإِنَّهُ لَو كَانَ عِنْده صَحِيحا ذكره من عِنْد الصَّحَابِيّ فَحسب، وَالله أعلم.
(2319) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا عَن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن(5/74)
يحيى بن أبي عَمْرو السيباني، عَن أبي مَرْيَم، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إيَّاكُمْ أَن تَتَّخِذُوا ظُهُور دوابكم مَنَابِر ".
وَسكت عَنهُ وَلَعَلَّه بإبرازه إِسْنَاده تَبرأ من عهدته.
وَإِسْمَاعِيل بن عَيَّاش فِيهِ، غير مَنْظُور فِيهِ، فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَن شَامي ثِقَة، وَحَدِيثه عَن الشاميين أهل بَلَده صَحِيح، وَإِنَّمَا خلط فِيمَا روى عَن غير أهل بَلَده فِي أَسْفَاره.
وَإِنَّمَا الَّذِي ينظر فِي أمره من هَذَا الْإِسْنَاد أَبُو مَرْيَم وَهُوَ مولى أبي هُرَيْرَة، وَلَا يعرف لَهُ حَال وه [ناك اثْنَان: أَبُو مَرْيَم مولى أبي هُرَيْرَة، وَأَبُو مَرْيَم الْأنْصَارِيّ، الَّذِي روى عَنهُ صَفْوَان بن عمر، وحريز] ابْن عُثْمَان، وَهُوَ أَيْضا يروي عَن أبي هُرَيْرَة.
وَقد ذكر ابْن أبي حَاتِم لِأَبِيهِ مَا فعل البُخَارِيّ من تفريقه بَينهمَا، وَجعله لَهما رجلَيْنِ، فَقَالَ: هما وَاحِد.(5/75)
وَهَكَذَا فعل الْبَزَّار، فَإِنَّهُ ترْجم بِأبي مَرْيَم عَن أبي هُرَيْرَة، ثمَّ سَاق الَّذِي روى عَنهُ مُعَاوِيَة، وحريز بن عُثْمَان، وَيحيى بن أبي عَمْرو، وَجعل الْجَمِيع وَاحِدًا، وَأورد أَحَادِيثهم عَنهُ فِي مَكَان وَاحِد.
وكيفما كَانَ - وَاحِدًا أَو اثْنَيْنِ - فحاله أَو حَالهمَا مَجْهُولَة، فَمَا مثل هَذَا الحَدِيث صحّح.
(2320) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا، عَن حميد، عَن الْحسن، عَن عمرَان بن حُصَيْن، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا جلب وَلَا جنب فِي الرِّهَان ".
قَالَ: وَقد روى هَذَا عَن حميد عَن أنس، وَهُوَ خطأ، وَالصَّوَاب فِي إِسْنَاده: حميد، عَن الْحسن، عَن عمرَان، ذكر ذَلِك النَّسَائِيّ رَحمَه الله. هَذَا نَص مَا ذكره بِهِ.
وَفِيه أخطئة: مِنْهَا: إِيرَاده إِيَّاه على أَنه مُتَّصِل.
وَمِنْهَا: نِسْبَة لفظ مِنْهُ إِلَى غير رِوَايَة، [وَقد تقدم ذَلِك فِي بَاب نِسْبَة الْأَحَادِيث إِلَى غير رواتها] ، وَفِي هَذَا الْبَاب استوعبنا القَوْل على هَذَا الحَدِيث.
وَمِنْهَا: أَنه عَن رجل ضَعِيف طوى ذكره، فَالْحَدِيث من أَجله لَا يَصح. وَهَذَا الْمَعْنى هُوَ الَّذِي لأَجله ذَكرْنَاهُ الْآن فِي هَذَا الْبَاب، وَلِأَنَّهُ لم يضعف الحَدِيث، لم نذكرهُ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها بِقوم، وَترك دونهم أَو فَوْقهم من هُوَ مثلهم أَو أَضْعَف.(5/76)
فَاعْلَم الْآن أَن هَذَا الحَدِيث إِنَّمَا أوردهُ أَبُو دَاوُد هَكَذَا: حَدثنَا يحيى بن خلف قَالَ: حَدثنَا عبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد، قَالَ: حَدثنَا عَنْبَسَة.
وَحدثنَا مُسَدّد، قَالَ: حَدثنَا بشر بن الْمفضل، عَن حميد الطَّوِيل، جَمِيعًا عَن الْحسن، عَن عمرَان بن حُصَيْن، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا جلب وَلَا جنب " زَاد يحيى فِي حَدِيثه " فِي الرِّهَان ".
فقد تبين بِهَذَا السِّيَاق أَن اللَّفْظ الَّذِي أورد، هُوَ لفظ يحيى بن خلف، عَن عبد الْوَهَّاب، عَن عَنْبَسَة، عَن الْحسن، لَا لفظ مُسَدّد، عَن بشر [بن الْمفضل، عَن حميد الطَّوِيل، عَن] الْحسن.
وعنبسة هَذَا، هُوَ ابْن سعيد الوَاسِطِيّ، الْقطَّان، أَخُو أبي الرّبيع السمان، روى عَن الْحسن، روى عَنهُ البصريون، فَقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: ضَعِيف الحَدِيث أَتَى بالطامات.
وَقَالَ عَمْرو بن عَليّ: عَنْبَسَة بن سعيد الْقطَّان أَخُو أبي الرّبيع، كَانَ مختلطاً لَا يرْوى عَنهُ، وَقد سَمِعت مِنْهُ وَجَلَست إِلَيْهِ.
وَمن النَّاس من يَجْعَل الْقطَّان غير أخي السمان.
وكيفما كَانَ فَهُوَ ضَعِيف، وَبلا ريب أَن الَّذِي فِي هَذَا الْإِسْنَاد، هُوَ أَخُو أبي الرّبيع السمان. وَهُوَ ضَعِيف، فَإِن كَانَ هُوَ الْقطَّان فَذَاك، فَالْحَدِيث هَكَذَا لَا يَصح، فاعلمه.(5/77)
(2321) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا، عَن سهل بن معَاذ الْجُهَنِيّ عَن أَبِيه قَالَ: " غزوت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - غَزْوَة كَذَا وَكَذَا، وضيق النَّاس الْمنَازل وَقَطعُوا الطَّرِيق ". الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ أَبُو دَاوُد، عَن سعيد بن مَنْصُور، عَن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن أسيد بن عبد الرَّحْمَن الْخَثْعَمِي، عَن فَرْوَة بن مُجَاهِد اللَّخْمِيّ، عَن سهل بن معَاذ، عَن أَبِيه. فَذكره.
وَسَهل يضعف، وَأسيد لَا تعرف حَاله، وَإِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، من قد عرف، وَقد تقدم.
(2322) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ عَن عمر بن مُرَقع بن صَيْفِي بن(5/78)
رَبَاح بن ربيع قَالَ: سَمِعت أبي يحدث عَن جده رَبَاح بن ربيع، قَالَ: " كُنَّا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي غزَاة، وَالنَّاس مجتمعون على شَيْء فَبعث رجلا، فَقَالَ: انْظُر على م اجْتَمعُوا؟ قَالَ: على امْرَأَة " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، ومرقع بن صَيْفِي لَا تعرف حَاله، فَأَما ابْنه عمر فَلَا بَأْس بِهِ. والمرقع الْمَذْكُور، روى عَنهُ ابْنه عمر، وَأَبُو الزِّنَاد، ومُوسَى بن عقبَة، وَيُونُس ابْن أبي إِسْحَاق، ويروى هُوَ عَن جده رَبَاح بن الرّبيع، وَعَن ابْن عَبَّاس وَهُوَ كُوفِي.
وَهُوَ قد بَين فِيهِ، وَفِيمَا بعده هَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ، إِلَّا أَنه - وَالله أعلم - قبله على أَصله فِيمَن روى عَنهُ أَكثر من وَاحِد.
(2323) وَذكر [من طَرِيق أبي دَاوُد عَن سمي بن قيس المأربي عَن شمير بن عبد المدان] ، عَن أَبيض بن حمال - حَدِيث إقطاع النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِيَّاه الْملح بمأرب، ثمَّ استقالته.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ مُحَمَّد بن يحيى بن قيس المأربي، عَن أَبِيه، عَن ثُمَامَة بن شُرَحْبِيل، عَن سمي بن قيس، عَن شمير بن عبد المدان، عَن أَبيض. فَكل من دون أَبيض بن حمال مَجْهُول، وهم خَمْسَة، مَا مِنْهُم من يعرف لَهُ حَال، وَمِنْهُم من لم يرو عَنهُ شَيْء من الْعلم إِلَّا هَذَا، وهم الْأَرْبَعَة،(5/80)
يسْتَثْنى مِنْهُم مُحَمَّد بن يحيى بن قيس، فَإِنَّهُ قد روى عَنهُ جمَاعَة.
وَقد أعَاد ذكر هَذَا الحَدِيث فِي الْحمى بتغيير ذَكرْنَاهُ لأَجله فِي بَاب النَّقْص من الْأَسَانِيد.
(2324) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا، عَن قَابُوس بن أبي ظبْيَان، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَيْسَ على مُسلم جِزْيَة ".
كَذَا أوردهُ وَلم يقل فِيهِ شَيْئا، وقابوس ضَعِيف عِنْدهم، وَرُبمَا ترك بَعضهم حَدِيثه، وَلَا يدْفع عَن صدق، وَإِنَّمَا كَانَ قد افترى على رجل فحد، فكسد لذَلِك.
(2325) وَذكر أَيْضا من رِوَايَته عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس حَدِيث: " لَا تكون قبلتان فِي بلد وَاحِد ".
وَأتبعهُ أَن قَالَ [قَابُوس بن أبي طنبيان] : مرّة وَثَّقَهُ ابْن معِين، وَمرَّة ضعفه، وَضَعفه غَيره، وَكَانَ يحيى بن سعيد يحدث عَنهُ.(5/81)
وَعَمله فِي هذَيْن الْحَدِيثين أحسن من عمله فِي الحَدِيث الَّذِي تقدم فِي الْبَاب الَّذِي قبل هَذَا من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
(2326) " إِن الَّذِي لَيْسَ فِي جَوْفه شَيْء من الْقُرْآن كالبيت الخرب ".
فَإِنَّهُ سكت عَنهُ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة قَابُوس الْمَذْكُور، عَن أَبِيه، وَلَا أبرزه بِالذكر.
وَجَرِير رَاوِي ذَلِك الحَدِيث عَنهُ هُوَ الْقَائِل: أتيناه بعد كساده، زَعَمُوا أَنه افترى على رجل فحد فكسد لذَلِك.
وَفِيه عيب آخر، وَهُوَ مَا ذكره أَبُو حَاتِم البستي، والساجي.
قَالَ البستي: كَانَ رَدِيء الْحِفْظ ينْفَرد [عَن أَبِيه بِمَا لَا أصل لَهُ. وَقَالَ: كَانَ ابْن معِين شَدِيد الْحمل عَلَيْهِ.
وَقَالَ] السَّاجِي: هُوَ صَدُوق [لَيْسَ بثبت، يقدم عليا على عُثْمَان.
(2327) وَذكر من طَرِيق أبي] أَحْمد، عَن مُؤَمل بن إِسْمَاعِيل،(5/82)
أخبرنَا عِكْرِمَة بن عمار، عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " زجر الْمُتْعَة - أَو قَالَ: _ هدم الْمُتْعَة الطَّلَاق وَالْعدة وَالْمِيرَاث ".
ثمَّ قَالَ: عِكْرِمَة إِنَّمَا يضعف حَدِيثه عَن يحيى بن أبي كثير. انْتهى مَا ذكر.
فَيظْهر من أمره أَنه صحّح هَذَا الحَدِيث، فَإِنَّهُ نفى عَن عِكْرِمَة الوهن فِي غير مَا يرويهِ عَن يحيى بن أبي كثير، وَلم يعرض من الْإِسْنَاد لغيره.
والقطعة الَّتِي ذكر من إِسْنَاده لَيْسَ فِيهَا من يوضع فِيهِ النّظر غير عِكْرِمَة بن عمار، وَقد أبدى فِيهِ مذْهبه، وَإِنَّمَا الشَّأْن فِيمَن طوى ذكره، مِمَّن دون مُؤَمل بن إِسْمَاعِيل.
وَهُوَ قد جرت عَادَته بتحسين الظَّن بِأبي أَحْمد، يرى أَنه إِذا ذكر الْخَبَر بِشَيْء فقد سلم من غَيره، فَلَمَّا رَآهُ ذكر هَذَا الْخَبَر فِي بَاب عِكْرِمَة بن عمار، ظن أَنه لَا نظر فِي غَيره من رُوَاته عِنْده.(5/83)
وَلَيْسَ هَذَا الْعَمَل بِصَحِيح، فَإنَّا قد كتبنَا فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي يعلها بِذكر رجل وَيتْرك فِي الْإِسْنَاد مِمَّن هُوَ مثله، أَو أَضْعَف، أَو مَجْهُول لَا يعرف - أَحَادِيث يذكرهَا أَبُو أَحْمد فِي أَبْوَاب رجال لَعَلَّ الْجِنَايَة فِيهَا من غَيرهم مِمَّن هُوَ أَضْعَف مِنْهُم، مِمَّن قد ذكرهَا أَبُو أَحْمد أَيْضا فِي أَبْوَابهم، وَلم يتقص ذَلِك أَبُو مُحَمَّد.
وَهَذَا الحَدِيث إِنَّمَا يرويهِ أَبُو أَحْمد هَكَذَا: حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن بلبل، حَدثنَا عبيد الله بن يُوسُف، حَدثنَا مُؤَمل بن إِسْمَاعِيل، فَذكره بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَلَفظه: " هدم الْمُتْعَة الطَّلَاق وَالْعدة وَالْمِيرَاث ".
هَذَا لَفظه، وَلَيْسَ فِيهِ الشَّك بَين زجر، وَهدم.
وَلَا معنى لزجر فِي هَذَا، وَلَا أَدْرِي من عبيد الله بن يُوسُف هَذَا، وَلَا مَا حَال ابْن بلبل، وَقد رَوَاهُ عَن مُؤَمل بن إِسْمَاعِيل، رجل مَعْرُوف صَدُوق.
وَكَانَ سوقه لَهُ من طَرِيقه أحسن وَأقرب منتجعاً.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي دَاوُد، حَدثنَا أَحْمد بن الْأَزْهَر، حَدثنَا مُؤَمل بن إِسْمَاعِيل، حَدثنَا عِكْرِمَة بن عمار [عَن سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " حرم] أَو: هدم الْمُتْعَة النِّكَاح، وَالطَّلَاق، وَالْعدة، وَالْمِيرَاث ".، [وَإِسْنَاده حسن] .
وَأحمد بن الْأَزْهَر بن منيع أَبُو الْأَزْهَر النَّيْسَابُورِي، روى عَنهُ أَبُو حَاتِم،(5/84)
وَابْنه أَبُو مُحَمَّد، وَقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: صَدُوق.
وَقد رَوَت عَنهُ جمَاعَة سواهُمَا، مِنْهُم: مَرْوَان بن مُحَمَّد الطاطري، وَمُحَمّد بن بِلَال الْبَصْرِيّ، وَمُحَمّد بن سُلَيْمَان بن دَاوُد الْحَرَّانِي، وقريش بن أنس، وَإِسْمَاعِيل بن عمر أَبُو الْمُنْذر، وروح بن عبَادَة، ووهب بن جرير، وأسباط بن مُحَمَّد.
وَالْأَمر فِيهِ، لَيْسَ كَمَا زعم مسلمة بن قَاسم فِي كِتَابه حِين قَالَ: " إِنَّه مَجْهُول ".
(2328) فَأَما حَدِيث عَليّ بن أبي طَالب فِي هَذَا الْمَعْنى فضعيف، فِيهِ ابْن لَهِيعَة وَغَيره، فَاعْلَم ذَلِك.
(2329) وَذكر حَدِيث عَائِشَة: " أَيّمَا امْرَأَة نكحت بِغَيْر إِذن وَليهَا فنكاحها بَاطِل " الحَدِيث.
من رِوَايَة سُلَيْمَان بن مُوسَى، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَنْهَا ثمَّ قَالَ: إِن عِيسَى بن يُونُس، رَوَاهُ عَن ابْن جريح، عَن سُلَيْمَان، بِزِيَادَة:
وشاهدي عدل " من عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ.
وَبَقِي عَلَيْهِ أَن يبين أَن رَاوِيه - أَعنِي هَذِه الزِّيَادَة - عَن عِيسَى بن يُونُس، هُوَ سُلَيْمَان بن عمر بن خَالِد الرقي، وَهُوَ لَا تعرف حَاله، وَأتبعهُ الدَّارَقُطْنِيّ رِوَايَات لم يُوصل أسانيدها، وَكَذَلِكَ أتبعه أَبُو مُحَمَّد من علل الدَّارَقُطْنِيّ(5/85)
رِوَايَة حَفْص بن غياث، وخَالِد بن الْحَارِث، عَن ابْن جريج مثله.
وهما غير موصلتين إِلَى حَفْص وخَالِد، عَن ابْن جريج.
ثمَّ ذكر من عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا مُخَالفَة من خَالف من الْحفاظ أَصْحَاب ابْن جريح بِأَن لم يذكر الشَّاهِدين. وكل ذَلِك عِنْده غير موصل الْإِسْنَاد، فاعلمه.
(2330) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة إِسْحَاق بن رَاهْوَيْةِ، عَن عِيسَى بن يُونُس، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن إِبْرَاهِيم بن مرّة، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تنْكح الْبكر حَتَّى تستأذن، وللثيب نصيب من أمرهَا مَا لم تدع إِلَى سخطه " [الحَدِيث.
وأبرز من إِسْنَاده إِبْرَاهِيم بن مرّة، وَلم يذكرهُ ابْن أبي حَاتِم بِأَكْثَرَ من رِوَايَة ابْن عجلَان عَنهُ وَالْأَوْزَاعِيّ] ، وَصدقَة بن عبد الله السمين.
(2331) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، من حَدِيث مُحَمَّد بن جَابر اليمامي، عَن قيس بن طلق، عَن أَبِيه أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا جَامع أحدكُم أَهله، فَلَا يعجلها " الحَدِيث.(5/86)
ثمَّ قَالَ: مُحَمَّد بن جَابر، روى عَنهُ الْأَئِمَّة، كشعبة، وَالثَّوْري، وَأَيوب، وَغَيرهم. انْتهى مَا ذكر.
وَهَذَا الحَدِيث يرويهِ أَبُو أَحْمد هَكَذَا: حَدثنَا يحيى بن نَاجِية الْحَرَّانِي، حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن أبي حميد الْحَرَّانِي، حَدثنَا عَليّ بن عَيَّاش، حَدثنَا مُعَاوِيَة بن يحيى، عَن عباد بن كثير، عَن مُحَمَّد بن جَابر، فَذكره.
وَمُعَاوِيَة بن يحيى، هُوَ الطرابلسي، الشَّامي، أَبُو مُطِيع، ثِقَة، وَلَيْسَ بِأبي روح.
وَعباد بن كثير هُوَ الرَّمْلِيّ، الفلسطيني، الشَّامي أَيْضا، وَلَيْسَ بالبصري، والبصري مَتْرُوك، وَهَذَا الشَّامي ضَعِيف.
قَالَ ابْن أبي حَاتِم: سُئِلَ أبي عَنهُ فَقَالَ: ظَنَنْت أَنه أحسن حَالا من الْبَصْرِيّ، فَإِذا هُوَ قريب مِنْهُ ضَعِيف الحَدِيث.
وَكَذَا قَالَ فِيهِ أَبُو زرْعَة: ضَعِيف الحَدِيث، وَوَثَّقَهُ ابْن معِين.
وَإِلَى هَذَا فَإِن قيس بن طلق أَيْضا يضعف.
فَالْحَدِيث على هَذَا لَيْسَ بِصَحِيح.
(2332) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار، عَن عَطاء بن يسَار، عَن سلمَان،(5/87)
قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " من اتخذ من الخدم غير مَا ينْكح ثمَّ بغين، فَعَلَيهِ مثل آثامهن من غير أَن ينتقص من آثامهن شَيْئا ".
كَذَا أوردهُ غير مبرز من إِسْنَاده إِلَّا عَطاء، وَرَأَيْت فِي بَعْضهَا تَنْبِيها فِي الْحَاشِيَة، معزواً إِلَى أبي مُحَمَّد، مَعْنَاهُ: أَنه لَا يعلم سَماع عَطاء من سلمَان كَأَنَّهُ لم يهمه من أَمر إِسْنَاده غير ذَلِك.
والْحَدِيث لَا يَصح وَلَو صَحَّ سَمَاعه مِنْهُ، لِأَنَّهُ عِنْد الْبَزَّار هَكَذَا: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن عبد الله، قَالَ: حَدثنَا سعيد بن مُحَمَّد، قَالَ: حَدثنَا عَليّ بن غراب، عَن سعيد بن الْحر، عَن سَلمَة بن كُلْثُوم عَن عَطاء. فَذكره.
أما سعيد بن الْحر، فَلَا أعرف لَهُ وجودا إِلَّا هَاهُنَا.
وَسَلَمَة بن [كُلْثُوم ذكره أَبُو حَاتِم بروايته عَن الرّبيع بن نَافِع، وَيحيى بن صَالح الوحاظي، وَزَاد ابْنه: روى عَن صَفْوَان] بن عَمْرو، وجعفر بن برْقَان، وَإِبْرَاهِيم بن أدهم، وروى عَنهُ أَبُو تَوْبَة: الرّبيع بن نَافِع، وَيحيى بن صَالح الوحاظي، وَعُثْمَان بن سعيد بن كثير بن دِينَار، وَهُوَ - مَعَ ذَلِك - مَجْهُول الْحَال عِنْده، لم يعرف من أمره بمزيد.
(2333) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن أبي الزِّنَاد قَالَ: كَانَ عُرْوَة بن(5/88)
الزبير، يحدث عَن سهل بن أبي حثْمَة، عَن زيد بن ثَابت، قَالَ: " كَانَ النَّاس يتبايعون الثِّمَار قبل أَن يَبْدُو صَلَاحهَا " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَإِنَّمَا يرويهِ عَن أبي الزِّنَاد يُونُس، وَعَن يُونُس عنبسه بن خَالِد.
وعنبسة هَذَا، كَانَ يعلق النِّسَاء بالثدي فِي الْخراج، وَمَعَ ذَلِك فقد أخرج لَهُ البُخَارِيّ وَلم يخرج لَهُ مُسلم، وَقد روى هَذَا الحَدِيث عَن يُونُس غَيره، وَهُوَ أَبُو زرْعَة: وهب الله بن رَاشد، ذكره الدَّارَقُطْنِيّ، فاعلمه.
(2334) وَذكر من طَرِيق قَاسم بن أصبغ، عَن سعيد، وَأبي سَلمَة، عَن(5/89)
أبي هُرَيْرَة، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يغلق الرَّهْن، مِمَّن رَهنه " الحَدِيث
ثمَّ قَالَ: رُوِيَ مُرْسلا عَن سعيد، وَرفع عَنهُ فِي هَذَا الْإِسْنَاد، وَرَفعه صَحِيح. انْتهى كَلَامه.
وَأرَاهُ إِنَّمَا تبع فِي هَذَا أَبَا عمر بن عبد الْبر، فَإِنَّهُ صَححهُ.
وَهُوَ حَدِيث فِي إِسْنَاده عبد الله بن نصر الْأَصَم، الْأَنْطَاكِي، وَلَا أعرف حَاله، وَقد روى عَنهُ جمَاعَة، وَذكره أَبُو أَحْمد فِي كِتَابه فِي الضُّعَفَاء، وَلم يبين من حَاله شَيْئا، إِلَّا أَنه ذكر لَهُ أَحَادِيث مِمَّا أنكر عَلَيْهِ، هَذَا أَحدهَا.
وَقد بَين أَبُو مُحَمَّد فِي كِتَابه الْكَبِير أَنه إِنَّمَا هُوَ عِنْده من طَرِيق أبي عمر.
فَقَالَ أَبُو عمر: حَدثنَا عبد الْوَارِث بن سُفْيَان، حَدثنَا قَاسم بن أصبغ، فَذكره.(5/90)
(2335) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، من حَدِيث عباد بن مَنْصُور النَّاجِي، عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ، [عَن أبي قلَابَة] ، عَن أنس قَالَ:: " قضى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الطَّرِيق الميتاء، الَّتِي تُؤْتى من كل مَكَان إِذا اسْتَأْذن أَهله فِيهِ " الحَدِيث.
[وأبرز من إِسْنَاده عباد بن مَنْصُور، وصنيعه فِيهِ يخْتَلف، فَتَارَة لَا يبين فِيمَا هُوَ] من رِوَايَته أَنه من رِوَايَته.
(2336) كَفِعْلِهِ فِي حَدِيث لعان هِلَال بن أُميَّة.
وَتارَة يبرزه غير محيل على ذكر لَهُ مُتَقَدم، كَمَا فعل هُنَا، فَيحْتَمل أَن يكون بإبرازه متبرئاً من عهدته، وَقد قدمنَا مَا فِيهِ فِي الْبَاب الَّذِي قبل هَذَا.
(2337) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن صَفِيَّة ودحيبة بِنْتي عليبة(5/91)
عَن قيلة بنت مخرمَة، قَالَت: قدمنَا على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذكره حَدِيث: " الْمُسلم أَخُو الْمُسلم، يسعهم المَاء وَالشَّجر، ويتعاونون على الفتان ".
وَسكت عَنهُ سُكُوته عَمَّا صَحَّ عِنْده، وَهَذِه قِطْعَة من حَدِيث طَوِيل بِقِصَّتِهَا. وَصفِيَّة، ودحيبة، لَا يعلم لَهما حَال، وَلَا قيلة جدة أَبِيهِمَا أَيْضا مِمَّن صحت لَهَا صُحْبَة، وَإِنَّمَا تروى قصَّتهَا بِهَذَا الطَّرِيق، والراوي لهَذِهِ الْقِصَّة عَن دحيبة وَصفِيَّة وَهُوَ عبد الله بن حسان الْعَنْبَري وَهُوَ أَيْضا غير مَعْرُوف الْحَال، وهما جدتاه، وكنيته أَبُو الْجُنَيْد، وَهُوَ تميمي.
وَلَا أعلم أَنه من أهل الْعلم، وَإِنَّمَا كَانَ عِنْده هَذَا الحَدِيث عَن جدتيه، فَأَخذه النَّاس عَنهُ: مِنْهُم أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، والمقرىء، وَأَبُو عمر الحوضي، وَعبد الله بن سوار، وَعلي بن عُثْمَان اللاحقي، وَحَفْص بن عمر، وَعَفَّان بن مُسلم، ومُوسَى بن إِسْمَاعِيل، فَمَا مثل هَذَا الحَدِيث صحّح، فَاعْلَم ذَلِك.
(2338) وَذكر من طَرِيق عبد الرَّزَّاق، عَن أبي حَازِم الْقرظِيّ، عَن أَبِيه،(5/92)
عَن جده أَن رَسُول الله
قضى فِي سيل مهزور أَن يحبس فِي كل حَائِط حَتَّى يبلغ الْكَعْبَيْنِ، ثمَّ يُرْسل، وَغَيره من السُّيُول كَذَلِك ".
وَهَذَا الْإِسْنَاد لَا يَصح، فَإِن أَبَا حَازِم الْقرظِيّ هَذَا لَا يعرف، فأبوه وجده أَحْرَى بذلك.
وَقد كَانَ لَهُ أَن يذكر فِي هَذَا الْمَعْنى مَا هُوَ أحسن من هَذَا: من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، لَا سِيمَا وَهُوَ [دائباً يسكت عَن أَحَادِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده كالمصحح] لَهَا. و [سَيَأْتِي ذكر هَذَا الحَدِيث فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي لَهَا طرق أحسن] من الَّتِي أوردهَا مِنْهَا.
(2339) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن ثَابت بن سعيد، عَن أَبِيه، عَن جده أَبيض بن حمال: أَنه سَأَلَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن حمى الْأَرَاك، فَقَالَ: لَا حمى فِي الْأَرَاك ".
وَهُوَ حَدِيث لَا يَصح، فَإِن ثَابتا وأباه مَجْهُولَانِ، وَفِي الحَدِيث زِيَادَة تَركهَا أَبُو مُحَمَّد اختصاراً، وَهِي فَقَالَ: " أراكة فِي حظاري، فَقَالَ: لَا حمى فِي الْأَرَاك ".(5/93)
(2340) وَذكر من طَرِيقه عَن عبيد الله بن حميد بن عبد الرَّحْمَن الْحِمْيَرِي أَن عَامِرًا الشّعبِيّ حَدثهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من وجد دَابَّة قد عجز عَنْهَا أَهلهَا " الحَدِيث.
قَالَ عبيد الله، فَقلت: عَمَّن؟ قَالَ: عَن غير وَاحِد من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: عبيد الله روى عَنهُ هِشَام، وَأَبَان الْعَطَّار، وَمَنْصُور بن زَاذَان، وَغَيرهم.
لم يزدْ على هَذَا، وَعبيد الله هَذَا لَا يعرف حَاله، وَسُئِلَ عَنهُ ابْن معِين فَلم يعرفهُ.
(2341) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا من رِوَايَة، عَن الْحسن، عَن(5/94)
سَمُرَة، حَدِيث: " إِذا أَتَى أحدكُم على مَاشِيَة فَإِن كَانَ فِيهَا صَاحبهَا " الحَدِيث وَلم يقل بإثره شَيْئا.
(2342) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن قَتَادَة، عَن الْحسن، عَن سَمُرَة، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " على الْيَد مَا أخذت حَتَّى تُؤَدِّيه ".(5/95)
لم يزدْ على مَا أبرز من إِسْنَاده، ثمَّ ذكر أَن الْحسن نَسيَه، وَلَعَلَّه أحَال فيهمَا على مَا تقدم لَهُ من أَن الْحسن سمع من سَمُرَة حَدِيث الْعَقِيقَة.
(2343) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن أبي قُرَّة، عَن سُفْيَان، عَن يحيى بن سعيد، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن عمر بن الْخطاب، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَيْسَ لقَاتل شَيْء ".
هَكَذَا ذكره، وَقَالَ: قد تكلم فِي سَماع سعيد من عمر.
(2344) وَذكر قبله حَدِيث تَوْرِيث امْرَأَة أَشْيَم الضبابِي من دِيَة زَوجهَا وَصَححهُ، وَهُوَ من رِوَايَة سعيد عَن عمر، وَلم يبين فِيهِ ذَلِك. [والْحَدِيث قد تقدم ذكره فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي] أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة وَهِي مُنْقَطِعَة، وَإِنَّمَا الْمَقْصُود الْآن أَن تعلم أَن هَذِه الْقطعَة الَّتِي ذكر، كل رجالها ثِقَات لَا نظر فيهم، فَإِن أَبَا قُرَّة، هُوَ مُوسَى بن طَارق الْيَمَانِيّ، هُوَ ثِقَة، وَهُوَ يروي عَن الثَّوْريّ، وَابْن جريج، وَغَيرهمَا.
وَأَبُو مُحَمَّد رَحمَه الله، قَالَ: أَظن أَنه مُوسَى بن طَارق.
وَهُوَ هُوَ بِلَا ريب، وَإِنَّمَا الشَّأْن فِيمَا ترك من الْإِسْنَاد، فَإِن الدَّارَقُطْنِيّ ذكره هَكَذَا: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن يحيى، حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْأَزْهَر،(5/96)
حَدثنَا أَبُو حمة، حَدثنَا أَبُو قُرَّة، فَذكره.
وَأَبُو حمة: اسْمه مُحَمَّد بن يُوسُف، وكنيته أَبُو يُوسُف، وَأَبُو حمة لقب لَهُ، ذكره بذلك أَبُو مُحَمَّد بن الْجَارُود فِي كتاب الكنى، وَلم يذكر لَهُ حَالا.
وَلَا أعرف من ذكره غَيره، فَاعْلَم بذلك.
(2345) وَذكر أَيْضا فِي ذَلِك حَدِيث ابْن عَبَّاس.
وَأعله بليث بن أبي سليم، وَأعْرض عَن أبي حمة الْمَذْكُور.
(2346) وَذكر حَدِيث الْحسن، عَن سَمُرَة: " من وجد عين مَاله عِنْد رجل فَهُوَ أَحَق بِهِ، وَيتبع البيع من بَاعه ".(5/97)
وَأَظنهُ اكْتفى بإبراز مَوضِع الْعلَّة.
(2347) وَذكر أَحَادِيث ديات الْأَعْضَاء، وأبرز إسنادها، وَهُوَ مُحَمَّد ابْن رَاشد، عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده. أَظُنهُ تَبرأ بذلك من عهدها.
(2348) وَذكر أَيْضا حَدِيث قتل الْأَشْجَعِيّ، وقصة محلم بن جثامة. وَاكْتفى فِي تَعْلِيله بإبرازه إِسْنَاده فِيمَا أرى.
وَهُوَ من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد، [عَن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث] ، عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير، عَن زِيَاد بن سعد بن ضَمِيره، عَن أَبِيه.
وَقد تقدم ذكر عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد فِي الْبَاب الَّذِي قبل هَذَا وَعَمله فِيهِ. وَزِيَاد بن سعد هَذَا مَجْهُول الْحَال، وَأَبوهُ لم تثبت لَهُ صُحْبَة، وَلَا يعرف.(5/98)
مِنْهَا إِلَّا مَا قَالَ ابْنه.
(2349) وَذكر من [طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَمر بِقطعِهِ من الْمفصل ".
كَذَا ذكر هَذَا الحَدِيث مُخْتَصر الْمَتْن] ، مقتطع الْإِسْنَاد من عِنْد عَمْرو بن شُعَيْب، معقباً بِهِ قصَّة رِدَاء صَفْوَان، من عِنْد مَالك، وَالنَّسَائِيّ، وَقَالَ: إِنَّه لَا يُعلمهُ يتَّصل من وَجه يحْتَج بِهِ.
وَلما لم يذكر من دون عَمْرو بن شُعَيْب، كَانَ ذَلِك خطأ من فعله فَإِنَّهُ حَدِيث يرويهِ الدَّارَقُطْنِيّ هَكَذَا: حَدثنَا القَاضِي أَحْمد بن كَامِل، حَدثنَا أَحْمد ابْن عبد الله النَّرْسِي، حَدثنَا أَبُو نعيم النَّخعِيّ، حَدثنَا مُحَمَّد بن عبيد الله الْعَرْزَمِي عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، قَالَ: " كَانَ صَفْوَان بن أُميَّة بن خلف نَائِما فِي الْمَسْجِد، ثِيَابه تَحت رَأسه، فجَاء سَارِق فَأَخذهَا فَأتي بِهِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَأقر السَّارِق، فَأمر بِهِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يقطع، فَقَالَ صَفْوَان: يَا رَسُول الله، أيقطع رجل من الْعَرَب فِي ثوبي؟ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أَفلا كَانَ هَذَا قبل أَن تَجِيء بِهِ؟ ثمَّ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: اشفعوا مَا لم يصل إِلَى الْوَالِي، فَإِذا وصل إِلَى الْوَالِي فَعَفَا، فَلَا عَفا الله عَنهُ، ثمَّ أَمر بِقِطْعَة من الْمفصل ".(5/99)
هَذَا هُوَ الْخَبَر وَلَيْسَ هُنَاكَ غَيره.
وَمُحَمّد بن عبيد الله الْعَرْزَمِي مَتْرُوك، وَأَبُو مُحَمَّد دائباً يضعف بِهِ، وَأَبُو نعيم: عبد الرَّحْمَن بن هَانِئ النَّخعِيّ، فَلَا يُتَابع على مَا لَهُ من الحَدِيث.
فَكَانَ عَلَيْهِ أَن يُنَبه على أَنَّهُمَا فِي إِسْنَاده، وَلَا يطوي ذكرهمَا.
وَإِنَّمَا لم نذكرهُ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها بِقوم وَترك من هُوَ مثلهم، أَو أَضْعَف، أَو مَجْهُول لَا يعرف؛ لِأَن ذَلِك الْبَاب إِنَّمَا نذْكر فِيهِ مَا ضعفه، فَأَما هَذَا فَإِنَّهُ رفق فِيهِ، وَلم ينص على أَنه ضَعِيف عِنْده بِمَا أبرز من إِسْنَاده.
(2350) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن عمر بن أبي سَلمَة، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة. قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا سرق الْمَمْلُوك فبعه وَلَو بنش ".
وَلم يزدْ على إبراز مَا أبرز مِنْهُ. وَعمر هَذَا ضَعِيف، وَإِن كَانَ صَدُوقًا.
(2351) وَذكر [من طَرِيق النَّسَائِيّ عَن ابْن جريح، قَالَ: قلت لعطاء:(5/100)
أَخْبرنِي مُحَمَّد] بن عَليّ بن ركَانَة، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لم يُوَقت فِي الْخمر حدا " الحَدِيث.
وَلم يزدْ على مَا أبرز من إِسْنَاده.
وَمُحَمّد بن عَليّ هَذَا قرشي، روى عَنهُ ابْن إِسْحَاق، وَابْن جريج، ذكره البُخَارِيّ، وَلم يذكرهُ ابْن أبي حَاتِم، وحاله مَجْهُولَة.
(2352) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ من حَدِيث زِيَاد البكائي، عَن مُحَمَّد ابْن إِسْحَاق، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر بن عبد لله حَدِيث: " فَإِن عَاد فِي الرَّابِعَة فاضربوا عُنُقه ": الحَدِيث.
وَلم يبين من أمره شَيْئا، إِلَّا أَنه أبرز هَذِه الْقطعَة.
وَابْن إِسْحَاق من قد علم، وَزِيَاد بن عبد الله مُخْتَلف فِيهِ، وَاحْتج بِهِ البُخَارِيّ وَمُسلم، وَقَالَ ابْن حَنْبَل: لَيْسَ بِهِ بَأْس، حَدِيثه حَدِيث أهل الصدْق.(5/101)
وَقَالَ فِيهِ أَبُو زرْعَة: صَدُوق. وَضَعفه النَّسَائِيّ، وَابْن معِين، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: زِيَاد، كثير الغرائب والمناكير، سَمِعت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل يذكر عَن مُحَمَّد بن عقبَة قَالَ: قَالَ وَكِيع: زِيَاد بن عبد الله - مَعَ شرفه - يكذب فِي الحَدِيث.
كَذَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي الْجَامِع، فِي بَاب الْوَلِيمَة وَالَّذِي فِي تَارِيخ البُخَارِيّ عَن ابْن عقبَة السدُوسِي، قَالَ وَكِيع: هُوَ أشرف من أَن يكذب، وَكَذَا حَكَاهُ أَبُو أَحْمد الْحَاكِم فِي كِتَابه فِي الكنى بِإِسْنَادِهِ إِلَى وَكِيع.
(2353) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده: " أَنْت وَمَالك لأَبِيك ".
ثمَّ قَالَ: وَقد صَحَّ من طَرِيق آخر، ذكره الْبَزَّار. فَاعْلَم الْآن أَنا إِنَّمَا ذَكرْنَاهُ فِي هَذَا الْبَاب لذكره إِيَّاه بِقِطْعَة مِنْهُ، وَأمره فِي عَمْرو بن شُعَيْب سنبينه بعد وينجر ذكر مَا أَشَارَ إِلَيْهِ من حَدِيث الْبَزَّار، إكمالاً للفائدة، فَإِنَّهُ صَحِيح.
قَالَ الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى بن عبد الْكَرِيم الْأَزْدِيّ، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن دَاوُد، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لرجل: " أَنْت وَمَالك لأَبِيك ".
قَالَ الْبَزَّار: إِنَّمَا يرْوى عَن هِشَام، عَن ابْن الْمُنْكَدر مُرْسلا، وَلَا نعلم أسْندهُ(5/102)
هَكَذَا إِلَّا عُثْمَان بن عُثْمَان الْغَطَفَانِي، وَعبد الله بن دَاوُد.
وَمن صَحِيح هَذَا الْبَاب، حَدِيث ذكره بَقِي بن مخلد، قَالَ: حَدثنَا هِشَام ابْن عمار، قَالَ: حَدثنَا عِيسَى بن يُونُس، قَالَ: حَدثنَا يُوسُف بن إِسْحَاق بن أبي إِسْحَاق، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر " أَن [رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله، إِن لي مَالا وَولدا، وَإِن أبي يُرِيد أَن يحْتَاج] مَالِي، [فَقَالَ: أَنْت وَمَالك لأَبِيك ... "] . لم يتقاضاه، فأودعناه هَذَا الْموضع.
(2354) وَذكر من طَرِيق أبي عَمْرو بن عبد الْبر من التَّمْهِيد، من رِوَايَة عبد الْملك بن معَاذ النصيبي، عَن الدَّرَاورْدِي، عَن عَمْرو بن يحيى، عَن أَبِيه، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، عَن رَسُول الله
قَالَ: " لَا ضَرَر وَلَا ضرار ".
وَلم يزدْ على إبرازه مِنْهُ مَا أبرز.
وَعبد الْملك هَذَا لَا تعرف لَهُ حَال، وَلَا أعرف من ذكره، روى هَذَا الحَدِيث عَنهُ أَبُو عَليّ: الْحسن بن سُلَيْمَان الْحَافِظ الْمَعْرُوف بقبيطة، وصل إِلَيْهِ أَبُو عمر إِسْنَاده.
(2355) وَذكر من طَرِيق عبد الرَّزَّاق، قَالَ: حَدثنَا عَمْرو بن حَوْشَب، أَخْبرنِي إِسْمَاعِيل بن أُميَّة، عَن أَبِيه، عَن جده، قَالَ: " كَانَ لَهُم غُلَام يُقَال(5/103)
لَهُ: طهْمَان، أَو ذكْوَان، فَأعتق جده نصفه، فجَاء العَبْد إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأخْبرهُ فَقَالَ لَهُ: تعْتق فِي عتقك وترق فِي رقك ".
وَلم يزدْ على مَا أبرز من إِسْنَاده.
وَأُميَّة بن عَمْرو بن سعيد بن العَاصِي، لَا يعرف حَاله، فَأَما ابْنه إِسْمَاعِيل فَثِقَة.
وَعمر بن حَوْشَب مَجْهُول الْحَال أَيْضا، وَلَا يعرف روى عَنهُ غير عبد الرَّزَّاق، وَهُوَ صنعاني.
(2356) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن سماك بن حَرْب عَن جَابر بن سَمُرَة " أَن رجلا نزل الْحرَّة وَمَعَهُ أَهله وَولده، فَقَالَ رجل: إِن نَاقَة لي ضلت " الحَدِيث فِي أكل الْميتَة.
وَكَأَنَّهُ تَبرأ من عهدته بإبرازه سماكاً، وَكَانَ ذَلِك خلاف عمله فِيهِ، وَقد تقدم.
(2357) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن الْمطلب، عَن جَابر بن عبد الله،(5/104)
" شهِدت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْأَضْحَى ". الحَدِيث.
وَفِيه: " هَذَا عني وَعَمن لم يضح من أمتِي ".
ثمَّ رده بِأَن قَالَ: لَا يعرف للمطلب سَماع من جَابر.
وَهَذَا لم تجر بِهِ عَادَته أَن يضعف أَحَادِيث المتعاصرين اللَّذين لم يعرف سَماع أَحدهمَا من الآخر، وَإِنَّمَا يَجِيء ذَلِك على رَأْي البُخَارِيّ وَابْن الْمَدِينِيّ المشترطين [بِثُبُوت اللِّقَاء وَالتَّصْرِيح بِالسَّمَاعِ وَلَو مرّة وَاحِدَة، وهما] يقصدا [ن.....] .
وَهُوَ كَونه من رِوَايَة عَمْرو بن أبي عَمْرو، عَن الْمطلب، وَقد تقدم فِي الْبَاب الَّذِي قبل هَذَا كَيفَ عمله فِيهِ.(5/105)
(2358) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ من حَدِيث عُثْمَان بن حصن، عَن عُرْوَة بن رُوَيْم عَن ابْن الديلمي عَن عبد الله بن عَمْرو، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " لَا يشرب الْخمر رجل من أمتِي فَيقبل الله مِنْهُ صَلَاة أَرْبَعِينَ يَوْمًا ".
وَأرَاهُ تَبرأ من عهدته بِمَا أبرز من إِسْنَاده، فَإِن عُثْمَان بن حصن هَذَا لَا أعرف لَهُ حَالا، وَلَا أعرف أحدا ذكره.
(2359) وَذكر من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن شُرَحْبِيل بن مُسلم،(5/106)
عَن شُفْعَة المسمعي، عَن عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي، قَالَ: " رَآنِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَعلي ثوب مصبوغ بعصفر " الحَدِيث.
وَأرَاهُ أَيْضا تَبرأ من عهدته، فَإِن شُفْعَة هَذَا لَا يعرف بِغَيْر هَذَا الحَدِيث، وَلَا تعرف حَاله.
(2360) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن وهب، مولى أبي أَحْمد، عَن أم سَلمَة " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دخل عَلَيْهَا وَهِي تختمر، فَقَالَ: لية لَا ليتين ".
وَلم يزدْ على هَذَا، ووهب لَا يعرف.
(2361) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا، عَن عبد الله بن سعد الدشتكي، عَن أَبِيه قَالَ: رَأَيْت رجلا ببخارى، على بغلة بَيْضَاء، عَلَيْهِ(5/107)
عِمَامَة خَز سَوْدَاء، فَقَالَ: " كسانيها رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ".
وَهَذَا أَيْضا أرَاهُ تَبرأ من عهدته بإبراز مَا أبرز من إِسْنَاده، فَإِن عبد الله بن سعيد، وأباه، وَهَذَا الرجل الَّذِي ادّعى الصُّحْبَة، كلهم لَا يعرف.
أما سعد وَالِد عبد الله، فَلَا يعرف روى عَنهُ غير ابْنه عبد الله هَذَا الحَدِيث لَا ثَانِي لَهُ.
وَأما ابْنه عبد الله، فقد روى عَنهُ جمَاعَة، وَله ابْن يُقَال لَهُ: عبد الرَّحْمَن ابْن عبد الله بن سعد الدشكتي، مروزي، صَدُوق، وَله ابْن اسْمه أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن سعد، هُوَ شيخ لأبي دَاوُد، وَعنهُ يرْوى هَذَا الحَدِيث.
(2362) [وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن قيس بن بشر عَن] أَبِيه، عَن ابْن الحنظلية، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " نعم الرجل خريم الْأَسدي، لَوْلَا طول جمته، وإسبال إزَاره " الحَدِيث.
(2363) وَبِه " إِنَّكُم قادمون على إخْوَانكُمْ فأصلحوا رحالكُمْ، وَأَصْلحُوا لباسكم " الحَدِيث.
وَسكت عَنْهُمَا إِلَّا بِمَا أظهر من الْإِسْنَاد، وَقيس بن بشر لَا يعرف روى عَنهُ إِلَّا هِشَام بن سعد، وَهُوَ يروي عَنهُ هَذَا الحَدِيث.
وَقد قدمنَا حمله عَلَيْهِ ومذهبه فِيهِ، فقد كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يبين أَنه من(5/108)
رِوَايَته، وَلَا يطوي ذكره.
وَيَقُول فِيهِ هِشَام بن سعد: إِنَّه رجل صَدُوق - أَعنِي فِي قيس بن بشر، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مَا أرى بحَديثه بَأْسا.
وَحَال بشر وَالِد قيس بن بشر الْمَذْكُور لَا تعرف، وَلَا تعرف روى عَنهُ أحد إِلَّا ابْنه قيس، فَاعْلَم ذَلِك.
(2364) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا عَن بنانه مولاة عبد الرَّحْمَن ابْن حَيَّان الْأنْصَارِيّ، عَن عَائِشَة حَدِيث: " لَا تدخل الْمَلَائِكَة بَيْتا فِيهِ جرس ".
وَسكت عَنهُ إِلَّا بإبراز هَذِه الْقطعَة.
وَبنَاته هَذِه لَا يعرف أحد من هِيَ، وَلَا روى عَنْهَا إِلَّا ابْن جريح.
(2365) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أبي معشر، عَن المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " دَعْوَة الْمَظْلُوم مستجابة، وَإِن كَانَت من فَاجر ففجوره على نَفسه ".(5/109)
كَذَا ذكره، وَأرَاهُ تَبرأ من عهدته بإبراز أبي معشر، فَإِنَّهُ مُخْتَلف فِيهِ.
وَلِلْحَدِيثِ على أَصله عِلّة لم يعرض لَهَا، وَهُوَ أَنه يرْوى مَوْقُوفا، وَالَّذِي رَوَاهُ عَن أبي معشر ثِقَة، وَهُوَ سعيد بن مَنْصُور، بَين ذَلِك الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله.
(2366) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن يحيى بن عبيد الله، عَن أَبِيه،(5/110)
عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا رَأَيْت مثل النَّار نَام هَارِبهَا، وَلَا مثل الْجنَّة نَام طالبها ".
وَلم يزدْ على مَا أبرز من إِسْنَاده، وَعبيد الله بن عبد الله بن موهب، مَجْهُول الْحَال،] وَابْنه يحيى [قَالَ أَحْمد: مُنكر الحَدِيث لَيْسَ بِثِقَة.
وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: سَأَلت يحيى بن سعيد عَنهُ فَقَالَ:] قَالَ شُعْبَة: رَأَيْته يُصَلِّي صَلَاة لَا يقيمها. فتركته.
(2367) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن سيف الشَّامي، عَن عَوْف بن(5/111)
مَالك " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قضى بَين رجلَيْنِ، فَقَالَ الْمقْضِي عَلَيْهِ لما أدبر: حسبي الله وَنعم الْوَكِيل، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: إِن الله يلوم على الْعَجز " الحَدِيث.
وَهَذَا الَّذِي أبرز من إِسْنَاده هُوَ علته - أَعنِي سَيْفا الشَّامي - وَهُوَ رجل لَا يعرف بِغَيْرِهِ، رَوَاهُ عَنهُ خَالِد بن معدان، وَعَن خَالِد بحير بن سعد، وَعَن بحير بَقِيَّة.
وَلم يبين ذَلِك، وَهُوَ دائباً يُضعفهُ ويضعف بِهِ، وَقد تقدم ذكر عمله فِيهِ.
(2368) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن الْبَراء بن نَاجِية، عَن عبد الله بن(5/112)
مَسْعُود، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " تَدور رحى الْإِسْلَام لخمس وَثَلَاثِينَ، أَو سِتّ وَثَلَاثِينَ ".
وَلم يزدْ على إبراز الْبَراء بن نَاجِية، وَهُوَ الْمحَاربي، الْكَاهِلِي، لَا تعرف لَهُ حَال، وَلَا يعرف أحد روى عَنهُ غير ربعي بن حِرَاش، وَهُوَ الَّذِي روى عَنهُ هَذَا الحَدِيث.(5/113)
(9) بَاب ذكر أَحَادِيث أتبعهَا مِنْهُ كلَاما يقْضِي ظَاهره بتصحيحها وَلَيْسَت بصحيحة(5/115)
اعْلَم أَن الَّذِي تقدم ذكره فِي الْبَابَيْنِ اللَّذين قبل هَذَا، إِنَّمَا كَانَ مَا قضى عَلَيْهِ بِالصِّحَّةِ، لِأَنَّهُ سكت عَنهُ حَسْبَمَا أخبر عَن نَفسه فِي صدر كِتَابه.
وانقسم إِلَى مَا ذكره من عِنْد الصَّحَابِيّ فَقَط، وَإِلَى مَا ذكره بِقِطْعَة من إِسْنَاده أَو بِإِسْنَادِهِ.
وَإِن كَانَ قد ذكرت من هَذَا الْقسم مَا يغلب على الظَّن أَنه تَبرأ من عهدته حَسْبَمَا قد تقدم التَّنْبِيه عَلَيْهِ. فَأَما هَذَا الْبَاب فَإِنَّمَا مضمنه أَحَادِيث أتبعهَا مِنْهُ كلَاما يقْضِي ظَاهره بِأَنَّهَا صَحِيحَة وَلَيْسَت بصحيحة، وَيُمكن فِي كَلَامه التَّأْوِيل [ ... .]
(2369) [فَمن ذَلِك مَا ذكر من طَرِيق عَليّ بن عبد الْعَزِيز فِي الْمُنْتَخب، من] رِوَايَة يحيى بن يمَان، عَن سُفْيَان، عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن الْمُنْتَشِر، عَن أَبِيه، عَن مَسْرُوق، عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ: " من قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله لم يضرّهُ مَعهَا خَطِيئَة، كَمَا لَو أشرك بِاللَّه لم تَنْفَعهُ مَعهَا حَسَنَة ".
ثمَّ قَالَ: هَكَذَا قَالَ يحيى بن الْيَمَان، وَيحيى بن الْيَمَان لَا يحْتَج بحَديثه،(5/117)
وَأكْثر النَّاس يُضعفهُ، وَالصَّحِيح مَا رَوَاهُ أَبُو نعيم، عَن سُفْيَان، عَن إِبْرَاهِيم ابْن مُحَمَّد بن الْمُنْتَشِر، عَن أَبِيه، قَالَ: جَاءَ رجل - أَو شيخ - فَنزل على مَسْرُوق، فَقَالَ: سَمِعت عبد الله بن عَمْرو يَقُول: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من مَاتَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا ". ثمَّ ذكره مثله.
هَكَذَا أورد هَذَا الحَدِيث وَالْكَلَام بعده، وَلم نَكْتُبهُ مستدركين عَلَيْهِ فِي شَيْء مِنْهُ، لَكِن مبينين لمن يَقْرَؤُهُ فَسَاد مَا يُوهِمهُ ظَاهره من صِحَة اللَّفْظ الثَّانِي بقوله: وَالصَّحِيح مَا رَوَاهُ أَبُو نعيم إِلَى آخِره.
وَهَذَا لم يرد بِهِ صِحَة شَيْء من هَذَا الحَدِيث، لَا بِاللَّفْظِ الأول وَلَا بِالثَّانِي، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَن الصَّحِيح عَن سُفْيَان أحد الْقَوْلَيْنِ، وَهُوَ قَول أبي نعيم فِي إِدْخَاله بَين مَسْرُوق وَعبد الله بن عَمْرو شَيخا مَجْهُولا، لَا قَول يحيى بن يمَان فِي جعله إِيَّاه عَن مَسْرُوق، عَن عبد الله بن عَمْرو، بِغَيْر وَاسِطَة.
فَإِنَّمَا أَرَادَ أَن الصَّحِيح فِي رِوَايَة هَذَا الحَدِيث رِوَايَة من زَاد فِيهِ رجلا مَجْهُولا، فَيكون بِهِ ضَعِيفا.
وَكَانَ عَلَيْهِ أَن يبين هَذَا الْمَعْنى بَيَانا لَا يبْقى لقارئه إشْكَالًا، لَا سِيمَا وَقد ظهر فِي الْوُجُود أَن أَكثر من يقْتَصر على قِرَاءَة كِتَابه هَذَا وأشباهه من المختصرات والمنتقيات، عوام بِالنِّسْبَةِ إِلَى علم النَّقْل الحديثي، وَمَا تجب الْعِنَايَة بِهِ من معرفَة صَحِيحَة من سقيمه، فاعلمه.
(2370) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار، من حَدِيث أبي بكر: رجل من ولد(5/118)
عبد الله بن عمر بن الْخطاب، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، " فِي قصَّة الَّذِي سلم على النَّبِي [- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ يَبُول قَالَ: فَرد عَلَيْهِ السَّلَام، ثمَّ قَالَ: إِنَّمَا رددت] عَلَيْك أَنِّي خشيت [أَن تَقول: سلمت عَلَيْهِ فَلم يرد عَليّ " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: وَأَبُو بكر فِيمَا] أعلم، هُوَ ابْن عمر بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عمر، روى عَنهُ مَالك وَغَيره، وَهُوَ لَا بَأْس بِهِ، وَلَكِن حَدِيث مُسلم أصح، لِأَنَّهُ من حَدِيث الضَّحَّاك بن عُثْمَان، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر. وَالضَّحَّاك أوثق من أبي بكر، وَلَعَلَّ ذَلِك كَانَ فِي موطنين.
هَذَا مَا ذكر، وَهُوَ تَصْحِيح مِنْهُ للْخَبَر نطقاً، لَا بِالسُّكُوتِ عَنهُ، وَإِن كَانَ رجح عَلَيْهِ الحَدِيث مُسلم، فقد ترجح فِي ذَلِك، وَالْتمس لَهُ مخرجا بجعله إِيَّاه فِي موطن آخر وقصة أُخْرَى.
وَهَذَا الَّذِي ذكر فِي أبي بكر هَذَا، يَنْبَغِي أَن يتَوَقَّف فِيهِ، فَإِن الرجل الْمَذْكُور فِي الْإِسْنَاد لم يعلم مِنْهُ أَكثر من أَنه من ولد عبد الله بن عمر، فَمن أَيْن أَنه أَبُو بكر بن عمر بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عمر الَّذِي روى عَنهُ مَالك.
وَقد كَانَ مَانِعا لَهُ من أَن يَقُول ذَلِك لَو تثبت أَن الَّذِي فِي الْإِسْنَاد يروي عَن نَافِع، وَالَّذِي توهمه أَنه مَعْلُوم الرِّوَايَة عَن ابْن عمر، ويروي عَنهُ مَالك، وَإِبْرَاهِيم بن طهْمَان، وَإِسْحَاق بن شرفي، وَعبيد الله بن عمر الْعمريّ.(5/119)
وَإِلَى هَذَا، فَإِن الحَدِيث الْمَذْكُور إِنَّمَا يرويهِ عِنْد الْبَزَّار عَن أبي بكر الْمَذْكُور سعيد بن سَلمَة، وَهُوَ ابْن أبي الحسام أَبُو عمر - مولى عمر بن الْخطاب، وَهُوَ قد أخرج لَهُ مُسلم - رَحمَه الله -، وَإِن كَانَ ابْن معِين سُئِلَ عَنهُ فَلم يعرفهُ، وَإِنَّمَا يُرِيد حَاله، وَإِلَّا فقد عرفت عينه، وكنيته، وَنسبه بِالْوَلَاءِ، وَرِوَايَة من روى عَنهُ، وَعَمن روى، وَالله أعلم.
(2371) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار عَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب قَالَ: " كَانُوا يدْخلُونَ على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلم يستاكوا، فَقَالَ: مَا لكم تدخلون عَليّ قلحاً؟ " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ بإثره: يرويهِ من حَدِيث سُلَيْمَان بن كران - بالراء الْخَفِيفَة وَالنُّون - وَهُوَ بَصرِي لَا بَأْس بِهِ.
لم يزدْ على هَذَا، وَهُوَ كَلَام يُوهم صِحَّته من حَيْثُ لم يضع نظرا [فِيمَن فَوق سُلَيْمَان بن كران -، وَإِسْنَاده عِنْد] الْبَزَّار [هُوَ هَذَا: حَدثنَا عَمْرو بن عَليّ، حَدثنَا سُلَيْمَان بن] كران بَصرِي مَشْهُور، لَيْسَ بِهِ بَأْس - كَذَا فِي نفس الْإِسْنَاد _.(5/120)
قَالَ: حَدثنَا عمر بن عبد الرَّحْمَن الْأَبَّار قَالَ: حَدثنَا مَنْصُور، عَن أبي عَليّ الصيقل، عَن جَعْفَر بن تَمام، عَن أَبِيه، عَن جده الْعَبَّاس، فَذكره.
وَأَبُو عَليّ الصيقل هَذَا لَا تعرف لَهُ حَال وَلَا اسْم، وَقد ذكره ابْن أبي حَاتِم فِي الكنى الْمُجَرَّدَة بِرِوَايَة مَنْصُور، وَالثَّوْري عَنهُ من غير مزِيد، وَهُوَ مولى بني أَسد.
وَقد رد ابْن السكن الحَدِيث من أَجله، وَقَالَ: إِنَّه مَجْهُول، وَقَالَ: إِنَّه حَدِيث مُضْطَرب فِيهِ نظر، وَأوردهُ فِي بَاب تَمام من كتاب الصَّحَابَة.
وَنَصّ مَا ذكر هُوَ هَذَا: حَدثنِي الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن غَسَّان بن جبلة الْعَتكِي بِالْبَصْرَةِ، وَمُحَمّد بن هَارُون الْحَضْرَمِيّ بِبَغْدَاد، قَالَا: حَدثنَا مُحَمَّد بن زِيَاد بن عبيد الله، قَالَ: حَدثنَا فُضَيْل بن عَيَّاش، عَن مَنْصُور، عَن أبي عَليّ الصيقل، عَن جَعْفَر بن أبي تَمام بن الْعَبَّاس عَن أَبِيه، يبلغ بِهِ، قَالَ: " تدخلون عَليّ قلحاً؟ تسوكوا، فلولا أَن أشق على أمتِي لفرضت عَلَيْهِم السِّوَاك، كَمَا فرض عَلَيْهِم الْوضُوء ".
حَدثنِي الْحُسَيْن ين إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد، حَدثنَا يُوسُف بن مُوسَى الْقطَّان، حَدثنَا جرير، عَن مَنْصُور، عَن أبي عَليّ، عَن جَعْفَر بن تَمام بن عَبَّاس، عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا لكم تدخلون عَليّ قلحاً: تسوكوا فلولا أَن أشق على أمتِي لأمرتهم بِالسِّوَاكِ عِنْد كل صَلَاة ".
قَالَ أَبُو عَليّ: رَوَاهُ شَيبَان، وزائدة، وَقيس بن الرّبيع، وَغَيرهم، عَن مَنْصُور، عَن أبي عَليّ، عَن جَعْفَر بن تَمام بن عَبَّاس، عَن أَبِيه. وَيُقَال: إِن تَمامًا كَانَ أَشد قُرَيْش بطشاً، وَكَانَ أَصْغَر ولد الْعَبَّاس، وَلَيْسَ يحفظ لَهُ عَن(5/121)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَماع من وَجه ثَابت. انْتهى كَلَامه.
وَفِيه جعل الحَدِيث الْمَذْكُور من رِوَايَة تَمام عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، لَا من رِوَايَة أَبِيه الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ، وَهِي رِوَايَة هَؤُلَاءِ عَن مَنْصُور.
وَقد ذكر أَيْضا [هَذَا الحَدِيث الْبَغَوِيّ فِي ... . وَأعله بِأبي عَليّ الصيقل] الْمَذْكُور: [قَالَ ... ] وَمِائَتَيْنِ: حَدثنَا جرير، عَن مَنْصُور، عَن أبي عَليّ - يَعْنِي الصيقل -، عَن جَعْفَر بن تَمام بن عَبَّاس، عَن أَبِيه، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مالكم تدخلون عَليّ قلحاً؟ تسوكوا، فلولا أَن أشق على أمتِي لأمرتهم أَن يتسوكوا عِنْد كل صَلَاة ".
ثمَّ قَالَ: حَدثنَا شُرَيْح بن يُونُس، حَدثنَا عمر بن عبد الرَّحْمَن أَبُو حَفْص الْأَبَّار، عَن مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر، عَن أبي عَليّ، عَن جَعْفَر بن تَمام، عَن أَبِيه، عَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب قَالَ: كَانُوا يدْخلُونَ على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَا يستاكون، فَقَالَ: " تدخلون عَليّ قلحاً؟ استاكوا، لَوْلَا أَن أشق على أمتِي لفرضت عَلَيْهِم السِّوَاك عِنْد كل صَلَاة، كَمَا فرض عَلَيْهِم الْوضُوء ".
قَالَ الْبَغَوِيّ: وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن سَابق، عَن شَيبَان، عَن مَنْصُور، عَن أبي عَليّ الصَّقِيل، مولى بني أَسد، عَن جَعْفَر بن تَمام بن عَبَّاس، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَحوه.
حَدثنِي بِهِ ابْن زَنْجوَيْه، عَن ابْن سَابق، وَرَوَاهُ الأشيب، عَن شَيبَان، عَن مَنْصُور، عَن أبي عَليّ، عَن جَعْفَر بن عَبَّاس، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَالصَّوَاب مَا حدث بِهِ الأشيب - زَعَمُوا - انْتهى مَا ذكر.(5/122)
وَقد مر فِيهِ أَن شُرَيْح بن يُونُس رَوَاهُ عَن أبي حَفْص الْأَبَّار، فَجعله من حَدِيث الْعَبَّاس، لَا من حَدِيث ابْنه تَمام، كَمَا جعله سُلَيْمَان بن كران الْمَذْكُور فِي رِوَايَته إِيَّاه عَن أبي حَفْص الْأَبَّار.
فَلم نَكُنْ إِذن مُحْتَاجين فِي حَدِيث الْعَبَّاس إِلَى سُلَيْمَان بن كران الْمَذْكُور، لِأَن شريحاً ثِقَة مَشْهُور، وَلَكِن مَعَ ذَلِك فَإِن مرجعه - من كل وَجه وكيفما رُوِيَ إِلَى أبي عَليّ الصيقل، وَهُوَ مَجْهُول.
أما حَدِيث تَمام بن الْعَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَهُوَ الَّذِي استصوب الْبَغَوِيّ، وَذكر ذَلِك عَن غَيره - فَإِنِّي أَخَاف - مَعَ كَونه من رِوَايَة أبي عَليّ الصيقل الْمَذْكُور - أَن يكون مُرْسلا، فَإِن تَمامًا لَا تعرف صحبته من غَيره، وَهُوَ [ ... .] بحت فِيهِ [وكران بالراء الْخُف ... ] يفة، وَالنُّون.
فعلى تَسْلِيم الصَّوَاب فِيمَا ذكر أَبُو مُحَمَّد عبد الْحق، من كَونه كَذَلِك.
وَقد فرغت من خطئه فِيهِ - وبينت أَن صَوَابه كراز - بِفَتْح الْكَاف وَالرَّاء الْمُشَدّدَة، وَالْألف، وَبعدهَا زَاي - فِي بَاب الْأَسْمَاء الْمُغيرَة. فَاعْلَم ذَلِك، وَالله الْمُوفق.
(2372) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ حَدِيث عَائِشَة: " من حَدثكُمْ أَنه كَانَ يَبُول قَائِما فَلَا تُصَدِّقُوهُ " الحَدِيث.
وَأتبعهُ أَن قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن عمر، وَبُرَيْدَة، وَحَدِيث عَائِشَة أحسن شي فِي هَذَا الْبَاب وَأَصَح.
قَالَ: وَإِنَّمَا أَرَادَ أَبُو عِيسَى أَن هَذَا أحسن شَيْء فِي بَاب الْمَنْع من الْبَوْل قَائِما وَأَصَح، وَإِلَّا فَحَدِيث حُذَيْفَة مُجْتَمع على صِحَّته، وَحُذَيْفَة حدث بِمَا رأى(5/123)
وَشَاهد. انْتهى مَا ذكر بنصه.
وَهُوَ قد فهم عَن التِّرْمِذِيّ من قَوْله: " أصح " تَصْحِيح الْخَبَر الْمَذْكُور، وَأخذ يتأوله فِي أَحَادِيث الْمَنْع من الْبَوْل قَائِما، وَهُوَ حَدِيث إِنَّمَا يرويهِ شريك ابْن عبد الله القَاضِي.
وَقد بَينا أمره وَمَا اعترى أَبَا مُحَمَّد فِيهِ، فعد إِلَيْهِ تعلم بِهِ أَن هَذَا الْخَبَر لَا يُقَال فِيهِ: صَحِيح.
(2373) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار، حدثتا مُحَمَّد بن معمر النجراني، حَدثنَا أَبُو عَاصِم، عَن إِبْرَاهِيم بن سَلام، عَن حَمَّاد - يَعْنِي ابْن أبي سُلَيْمَان -، عَن إِبْرَاهِيم - يَعْنِي النَّخعِيّ -، عَن أنس بن مَالك قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " طلب الْعلم فَرِيضَة على كل مُسلم ".
قَالَ: هَذَا أحسن إِسْنَاد يروي فِي هَذَا عَن أنس.
وَرَوَاهُ من طَرِيق حَفْص بن سُلَيْمَان، عَن كثير بن شنظير، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن أنس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مثله.
قَالَ: وَحَفْص بن سُلَيْمَان لين الحَدِيث، وكل مَا يرْوى عَن أنس فِي هَذَا، فأسانيده لينَة. انْتهى مَا ذكر.
وَالْمَقْصُود أَن نبين أَن الحَدِيث الأول لَا يلْتَفت إِلَيْهِ، وَكَلَام أبي مُحَمَّد(5/124)
يُعْطي أَنه إِمَّا صَحِيح وَإِمَّا [حسن، وَلنْ تَجِد شَيْئا من ذَلِك صَحِيحا ... ] الْمَعْنى مَا يحد [ ... .] فِيهِ شَيْء، وَهَذَا أحسن مَا فِيهِ.
وَالْخَبَر الْمَذْكُور ضَعِيف للْجَهْل بِحَال إِبْرَاهِيم بن سَلام، فَهِيَ لَا تعرف، بل لَا أعرفهُ مَذْكُورا، وَلَا أعرف لَهُ رِوَايَة غير هَذِه.
قَالَ الْبَزَّار: وَلَا نعلم روى عَنهُ إِلَّا أَبُو عَاصِم، وَأَيْضًا فَإِن النَّخعِيّ عَن أنس مَوضِع نظر، وَقد قَالَ الْبَزَّار: لَا نعلمهُ أسْند عَنهُ إِلَّا هَذَا الحَدِيث، وَقد قَالَ أَبُو حَاتِم: إِنَّه أدْركهُ.
وسنه ووفاة أنس يقتضيان ذَلِك، وَيُقَال: إِنَّه - أَعنِي النَّخعِيّ - توفّي سنة سِتّ وَتِسْعين، فَالله أعلم.
(2374) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا(5/125)
وطئ أحدكُم الْأَذَى بخفيه فطهورهما التُّرَاب ".
ثمَّ قَالَ: اخْتلف فِي إِسْنَاده هَذَا الحَدِيث اخْتِلَافا كثيرا، وَحَدِيث أبي سعيد الَّذِي قبله هُوَ الصَّوَاب، على أَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة قد أسْندهُ مُحَمَّد بن كثير، عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن ابْن عجلَان، عَن سعيد بن أبي سعيد، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَهَذَا نَص مَا أورد، وَهِي مِنْهُ كَأَنَّهَا اسْتِدْرَاك بالتصحيح لَهُ بعد أَن رَمَاه بالاختلاف فِي إِسْنَاده، وَلم يَنْفَعهُ ذَلِك مِنْهُ، فَإِن الحَدِيث الَّذِي سَاق لَفظه، لَيْسَ هُوَ عِنْد أبي دَاوُد بِإِسْنَاد آخر غير إِسْنَاد مُحَمَّد بن كثير، فَتكون رِوَايَة مُحَمَّد بن كثير عاضدة لَهُ، بل مَا هُوَ - أَعنِي اللَّفْظ الْمَذْكُور - عِنْد أبي دَاوُد إِلَّا بِإِسْنَاد مُحَمَّد بن كثير، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن ابْن عجلَان، عَن سعيد بن أبي سعيد، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَالَّذِي يُوهِمهُ ظَاهر كَلَامه من صِحَّته بِهَذَا الطَّرِيق، خطأ، فَإِن مُحَمَّد بن كثير، هُوَ الصَّنْعَانِيّ الأَصْل، المصِّيصِي الدَّار، ابو يُوسُف، يرْوى عَن الْأَوْزَاعِيّ وَغَيره، وَهُوَ ضَعِيف، وأضعف مَا هُوَ فِي الْأَوْزَاعِيّ.
قَالَ عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل: ذكر أبي مُحَمَّد بن كثير فضعفه جدا. [وَقَالَ فِي رِوَايَة صَالح: لَيْسَ] عِنْدِي بِثِقَة.
وَقَالَ عبد الله بن أَحْمد أَيْضا [عَن أَبِيه: وَهُوَ مُنكر الحَدِيث، أَو قَالَ: يروي أَشْيَاء مُنكرَة] .(5/126)
وَقَالَ [يُونُس بن حبيب: ذكرت لعَلي بن الْمَدِينِيّ مُحَمَّد بن كثير - يَعْنِي المصِّيصِي وَأَنه حدث] عَن، الْأَوْزَاعِيّ، عَن قَتَادَة، عَن أنس:
(2375) " رأى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَبَا بكر وَعمر فَقَالَ: هَذَانِ سيدا كهول أهل الْجنَّة ".(5/127)
فَقَالَ عَليّ: كنت أشتهي أَن أرى هَذَا الشَّيْخ فَالْآن لَا أحب أَن أرَاهُ.
فعلى هَذَا لَا يَنْبَغِي أَن يظنّ بِهَذَا الحَدِيث أَنه صَحِيح من هَذَا الطَّرِيق، فَاعْلَم ذَلِك.
(2376) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ، عَن الحكم بن سُفْيَان الثَّقَفِيّ، عَن(5/129)
أَبِيه، " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ [إِذا تَوَضَّأ] أَخذ حفْنَة من مَاء، فَقَالَ بهَا هَكَذَا، وَوصف شُعْبَة نضح فرجه ".
ثمَّ قَالَ: اخْتلف فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث وَفِي اسْم الصاحب، وَأَصَح الْأَسَانِيد فِيهِ إِسْنَاد النَّسَائِيّ هَذَا.
قَالَ النَّسَائِيّ: أخبرنَا إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود، حَدثنَا خَالِد بن الْحَارِث، عَن شُعْبَة، عَن مَنْصُور، عَن مُجَاهِد، عَن الحكم، عَن أَبِيه.
كَذَا قَالَ التِّرْمِذِيّ عَن البُخَارِيّ: إِن هَذَا الْإِسْنَاد أصح أَسَانِيد هَذَا الحَدِيث، ذكر ذَلِك فِي كتاب الْعِلَل.
وَقَالَ عبد الرَّزَّاق فِي مُصَنفه: " إِذا تَوَضَّأ وَفرغ، أَخذ كفا من مَاء فنضح بِهِ فرجه ".
رَوَاهُ معمر، عَن مَنْصُور، عَن مُجَاهِد، عَن سُفْيَان بن الحكم، أَو الحكم بن سُفْيَان، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَذكره التِّرْمِذِيّ فِي كِتَابه بِإِسْنَاد ضَعِيف عَن أبي هُرَيْرَة، فِيهِ الْحسن بن عَليّ الْهَاشِمِي، انْتهى كَلَامه بنصه.
وَهُوَ موهم صِحَة هَذَا الحَدِيث من جِهَتَيْنِ: فإحداهما: سُكُوته عَن إعلاله، وَالْأُخْرَى قَوْله: إِنَّه بِهَذَا الطَّرِيق أصح.
والْحَدِيث الْمَذْكُور قد عدم الصِّحَّة من وُجُوه:(5/130)
أَحدهَا: مَا أعرض عَنهُ بعد الْإِشَارَة إِلَيْهِ من الِاضْطِرَاب
وَالثَّانِي: الْجَهْل بِحَال الحكم بن سُفْيَان، فَإِنَّهُ غير معروفها، وَلَا سِيمَا على مَا ارتضى أَبُو مُحَمَّد من النَّسَائِيّ - أَعنِي أَن لَا يكون أخبر عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا بِوَاسِطَة أَبِيه -.
وَالثَّالِث: أَن أَبَاهُ الْمَذْكُور لَا تعرف صحبته، وَلَا رِوَايَته لشَيْء غير هَذَا. وَالرَّابِع: [ ... .] هَذِه [ ... .] .
وَهُوَ قد تلون فِيهِ ألواناً، أَو تلون عَلَيْهِ، فَمِمَّنْ رَوَاهُ عَنهُ، شُعْبَة، كَمَا أورد النَّسَائِيّ الْآن، وَقَالَ فِيهِ: عَن مَنْصُور، عَن مُجَاهِد، عَن الحكم، عَن أَبِيه " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ إِذا تَوَضَّأ أَخذ حفْنَة من مَاء فَقَالَ بهَا هَكَذَا ". رَوَاهَا عَن شُعْبَة خَالِد بن الْحَارِث كَمَا ذكر، وَرَوَاهَا أَيْضا عَنهُ النَّضر بن شُمَيْل.
قَالَ البُخَارِيّ فِي تَارِيخه: حَدثنِي يحيى، حَدثنِي النَّضر، حَدثنَا شُعْبَة، عَن مَنْصُور، عَن مُجَاهِد، قَالَ: سَمِعت رجلا من ثَقِيف اسْمه الحكم، أَو يكنى أَبَا الحكم، عَن أَبِيه: " رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ".
فَفِي هَذِه الرِّوَايَة - كَمَا ترى - زِيَادَة " عَن أَبِيه "، كَمَا زَاده خَالِد بن الْحَارِث عَن شُعْبَة، وَلكنه شكّ فِي اسْم الابْن، هَل هُوَ الحكم، أَو أَبُو الحكم، وأعطت أَنه من لَا يعرف بِأَكْثَرَ من أَنه رجل من ثَقِيف.
وَفِيه رِوَايَة ثَانِيَة عَن شُعْبَة، وَهُوَ قَول عَليّ بن الْجَعْد عَنهُ.
قَالَ أَبُو عَليّ بن السكن: حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد، قَالَ: حَدثنَا عَليّ بن الْجَعْد، قَالَ: حَدثنَا شُعْبَة، عَن مَنْصُور، عَن مُجَاهِد، عَن رجل من ثَقِيف، يُقَال لَهُ: الحكم، أَو أَبُو الحكم " أَنه رأى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، تَوَضَّأ، ثمَّ أَخذ حفْنَة من مَاء، فَقَالَ بهَا هَكَذَا " - يَعْنِي انتضح بهَا -.(5/131)
فَفِي هَذَا الشَّك فِي اسْمه، هَل هُوَ الحكم، أَو أَبُو الحكم، وَلم يقل: " عَن أَبِيه " فَإِن صحت الرِّوَايَة الَّتِي قبل هَذِه بِزِيَادَة: " عَن أَبِيه "، فَقَوْل هَذَا: إِنَّه رأى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يكون خطأ، وَإِن لم يكن خطأ، فالانقطاع بَين مُجَاهِد وَبَينه، فَإِن مُجَاهدًا لم يروه عَن الصَّحَابِيّ، إِذْ قد قَدرنَا قَوْله: " عَن أَبِيه " صَحِيحا.
وفيهَا من الْبَحْث الأصولي إِن الرجل الَّذِي لَا يعرف إِذا قَالَ عَن نَفسه: إِنَّه ثِقَة فَذَلِك غير مَقْبُول مِنْهُ، وَهَذَا مَا لَا ريب فِيهِ، فَإِذا كَانَ لَا يعرف فَادّعى أَنه رأى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -[فَفِيهِ خلاف، وَعِنْدِي أَنه لايقبل مِنْهُ ذالك، و ... ] ، لَو قَالَ التَّابِعِيّ [عَنهُ ذَلِك لِأَنَّهُ قد يكون التَّابِعِيّ] إِنَّمَا أَخذ ذَلِك عَن غَيره، وَهُوَ لم يسمه، أَو لَعَلَّه أَخذه عَنهُ، فَإِن التَّابِعِيّ لم يدْرك زمن الاصطحاب.
وَالَّذِي يقبل بِلَا ريب أَن يَقُول لنا ذَلِك عَنهُ صَحَابِيّ أدْرك، وَهَذَا كُله فِيمَن لَا يعرف، فَأَما من عرفت صحبته بالتواتر أَو بِالنَّقْلِ الصَّحِيح لأخباره، كمشاهير الصَّحَابَة - رَضِي الله عَنْهُم - فَلَا كَلَام فِيهِ. وَفِي هَذِه الرِّوَايَة أَنه إِنَّمَا رأى ذَلِك من النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مرّة وَاحِدَة.
وَهَذَا يشبه الصَّوَاب، فَأَما قَوْله: " كَانَ " فبعيد أَن يكون على ظَاهره، وَلَو أطلقهُ ألزم النَّاس للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَحين حكم من حكم لرِوَايَة من زَاد فِيهِ: " عَن أَبِيه " بِالصِّحَّةِ، لم يلْتَفت للفظ الحَدِيث، وَإِنَّمَا اعْتبر زِيَادَة وَاحِد فِي الْإِسْنَاد، وَلم يحكم للْخَبَر بِالصِّحَّةِ، إِلَّا كَمَا يَقُول: هَذَا الْإِسْنَاد بِزِيَادَة هَذَا الرجل بَين فلَان وَفُلَان، أصح من رِوَايَة من رَوَاهُ دونه، بل كَمَا يَقُول: هَذَا الْمُرْسل أصح، فَلَا يخرج من شَيْء من ذَلِك تَصْحِيح مَا رَوَاهُ ضَعِيف، أَو مَتْرُوك، أَو مَا رُوِيَ مُرْسلا.(5/132)
وَأَبُو مُحَمَّد - رَحمَه الله - لَو أطلقها كَمَا يطلقهَا الْمُحدث، لم يفهم مِنْهَا إِلَّا مَا ذَكرْنَاهُ، وَلكنه يوردها عقيب أَحَادِيث لَا يتبعهَا مِنْهُ قَول آخر، فَتوهم من لَا علم عِنْده بِالْأَسَانِيدِ صِحَة الْأَحَادِيث.
وعَلى أَن كَلَامه الْمَذْكُور فِيهِ شَيْء من جِهَة النَّقْل، وَذَلِكَ أَنه نسب قَوْله: " إِنَّه أصح الْأَسَانِيد " إِلَى البُخَارِيّ، وَعين مَوضِع ذكره لَهُ، وَهُوَ علل التِّرْمِذِيّ.
وَالَّذِي هُنَاكَ إِنَّمَا هُوَ: " سَأَلت البُخَارِيّ عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: الصَّحِيح مَا رَوَاهُ شُعْبَة ووهيب، وَقَالا: عَن أَبِيه، وَرُبمَا قَالَ ابْن عُيَيْنَة فِيهِ هَذَا الحَدِيث: عَن أَبِيه ".
فَمَا فِي هَذَا عَن البُخَارِيّ أَنه قَالَ: هُوَ أصح الْأَسَانِيد، وَإِنَّمَا قَالَ: الصَّحِيح رِوَايَة من زَاد: " عَن أَبِيه "، يَعْنِي رِوَايَة شُعْبَة، ووهيب، وَابْن عُيَيْنَة فِي بعض [الرِّوَايَات، عَنهُ وَذَلِكَ لَا يُفِيد صِحَة الحَدِيث الَّذِي قيل فِيهِ ذَلِك] ، بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح.
وَبينا أَيْضا أَن عَن شُعْبَة فِيهِ رِوَايَة لم يقل فِيهَا " عَن أَبِيه ".
وَنَذْكُر الْآن رِوَايَة وهيب الْمُوَافقَة للمشهور عَن شُعْبَة الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا البُخَارِيّ.
قَالَ أَبُو عَليّ بن السكن: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الدغولي [ ... . حَدثنَا وهيب، عَن مَنْصُور، عَن مُجَاهِد، عَن الحكم بن سُفْيَان](5/133)
عَن أَبِيه قَالَ: " رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تَوَضَّأ وَأخذ مَاء فنضح بِهِ ".
فقد ذكرنَا الْآن عَن شُعْبَة فِي رِوَايَة، ووهيب زِيَادَة عَن أَبِيه، وَهِي الَّتِي تعتمد فِي إعلال الْخَبَر، فَإِن زِيَادَة " عَن أيبه " يَقْتَضِي للْحكم بِأَنَّهُ لَيْسَ بصحابي، فَيتَعَيَّن النّظر فِي حَاله، وتلمس عَدَالَته، وَهِي لم تثبت.
وَلَعَلَّ قَائِلا يَقُول: فَلَعَلَّهُ أَيْضا قد رأى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَمَا رَآهُ أَبوهُ، أخذا من رِوَايَة من لم يقل: " عَن أَبِيه " فَنَقُول لَهُ: فَمَا فِي هَذَا أَكثر من دعواهما أَنَّهُمَا رَأيا، وسمعا، وَإِذا لم يعرفا بِالْعَدَالَةِ لم يقبل مِنْهُمَا، لِأَنَّهُمَا قد يدعيان مَا شاءا.
وعَلى أَنه قد نَص الْعلمَاء على أَنه لم يدْرك النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
قَالَ البُخَارِيّ فِي تَارِيخه فِي بَاب الحكم بن سُفْيَان الْمَذْكُور: قَالَ بعض ولد الحكم: لم يدْرك الحكم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَقَالَ عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل فِي علله: أَخْبرنِي أبي، عَن شَاذان، عَن شريك، سَأَلت أهل الحكم بن سُفْيَان، فَذكرُوا أَنه لم يدْرك النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَذكر أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، أَنه قَالَ: سَأَلت آل الحكم ابْن سُفْيَان، فَقَالُوا: لم تكن لَهُ صُحْبَة.
وَقد تغير فِي أمره كَلَام أبي عمر بن عبد الْبر، حِين قَالَ: سَمَاعه النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عِنْدِي صَحِيح، لِأَنَّهُ نَقله الثِّقَات، مِنْهُم سُفْيَان الثَّوْريّ، وَلم يُخَالِفهُ من هُوَ فِي الْحِفْظ والإتقان مثله.(5/134)
كَذَا قَالَ أَبُو عمر، وَهُوَ كَلَام [غير مُسلم وَيَنْبَغِي وضع النّظر فِيهِ] ، فَإِن شُعْبَة وَهُوَ من هُوَ قد قَالَ ذَلِك، ووهيب أَيْضا قد قَالَه.
فَإِن قيل: قد اخْتلف فِيهِ على شُعْبَة، فَلم يذكر النَّضر عَنهُ قَوْله: " عَن أَبِيه " قُلْنَا: وسُفْيَان الثَّوْريّ أَيْضا عَنهُ فِي هَذَا أَقْوَال: مِنْهَا قَول مُحَمَّد بن كثير: أخبرنَا سُفْيَان، عَن مَنْصُور، عَن مُجَاهِد، عَن سُفْيَان بن الحكم، أَو الحكم بن سُفْيَان الثَّقَفِيّ، قَالَ: " كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا بَال تَوَضَّأ وينتضح " ذكره أَبُو دَاوُد
فَإِن احْتج أَبُو عمر بِهَذِهِ الرِّوَايَة من حَيْثُ لم [يقل] فِيهَا: " عَن أَبِيه ": قُلْنَا: هِيَ مُحْتَملَة أَن تكون نشكا فِي اسْم الرجل الَّذِي قَالَ: إِنَّه رأى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، أَو أَن تكون شكا فِي كَونه الْأَب أَو الابْن، فَهِيَ بِهَذَا الِاحْتِمَال الثَّانِي مُتَرَدّد فِيهَا بَين الْإِرْسَال والانقطاع، وَكَأَنَّهُ يَقُول: لَا أَدْرِي أعن سُفْيَان بن الحكم، فَيكون مُرْسلا، أَو عَن أَبِيه الحكم بن سُفْيَان، فَيكون مُنْقَطِعًا؟ وَلم يذكر فه الرِّوَايَة أَو السماع، فَيَنْقَطِع النزاع، ويرتفع الِاحْتِمَال، وَذكر فِيهَا لَفْظَة " كَانَ " وفيهَا مَا فِيهَا.
وَقد ذكر البُخَارِيّ فِي تَارِيخه رِوَايَة مُحَمَّد بن كثير هَذِه عَن سُفْيَان، كَمَا ذكرهَا أَبُو دَاوُد.
وَرَوَاهُ أَيْضا كَذَلِك عَن سُفْيَان بِغَيْر زِيَادَة " عَن أَبِيه "، وَالشَّكّ فِي الحكم، أَو سُفْيَان عبد الرَّحْمَن بن مهْدي، وَلَفظه أحسن من لفظ مُحَمَّد بن كثير، قَالَ فِيهِ: " رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَال ثمَّ تَوَضَّأ ونضح فرجه بِالْمَاءِ ". ذكرهَا ابْن السكن.(5/135)
وَمِمَّنْ رَوَاهُ هَكَذَا: معمر كَمَا تقدم ذكره فِي الأَصْل من كتاب عبد الرَّزَّاق.
وَمِمَّنْ رَوَاهُ عَن سُفْيَان الثَّوْريّ بِغَيْر زِيَادَة " عَن أَبِيه " دون شكّ فِي الْأَب وَالِابْن، مُحَمَّد بن يُوسُف، وَهِي الَّتِي يُمكن أَن يحْتَج بهَا ابْن عبد الْبر لما ذهب [إِلَيْهِ من تَصْحِيح صُحْبَة الحكم، قَالَ فِيهِ مُحَمَّد بن يُوسُف: حَدثنَا سُفْيَان، عَن مَنْصُور، عَن مُجَاهِد، عَن الحكم بن سُفْيَان، قَالَ: رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تَوَضَّأ ونضح فرجه] بِالْمَاءِ ". ذكر ذَلِك عَنهُ البُخَارِيّ فِي تَارِيخه.
ويمنعه من الِاحْتِجَاج بِهِ رِوَايَة من رَوَاهُ عَنهُ بِالشَّكِّ كَمَا قدمْنَاهُ.
وَرَوَاهُ وَكِيع عَن سُفْيَان، فَقَالَ فِيهِ: عَن مَنْصُور، عَن مُجَاهِد، عَن رجل من ثَقِيف، لم يسمه، ذكرهَا ابْن السكن.
وَقد رَوَاهُ عَن مَنْصُور هَكَذَا - أَعنِي بِغَيْر شكّ وَلَا زِيَادَة " عَن أَبِيه " عمار بن رزين، وَجَرِير بن عبد الحميد، ولسي فِيهِ لَفْظَة " كَانَ "، وَإِنَّا أخبر عَن فعلة وَاحِدَة. ذكر حَدِيثهمَا ابْن السكن.
وَرَوَاهُ كَذَلِك أَيْضا زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة، عَن مَنْصُور. ذكره البُخَارِيّ فِي تَارِيخه.
وَرَوَاهُ ابْن أبي نجيح، عَن مُجَاهِد، كَمَا رَوَاهُ مَنْصُور عَن مُجَاهِد، فِي رِوَايَة وَكِيع عَن سُفْيَان، أَعنِي أَنه قَالَ فِيهِ: عَن مُجَاهِد، عَن رجل من ثَقِيف، إِلَّا أَنه زَاد " عَن أَبِيه "، وَذكر فعلة وَاحِدَة. ذكرهَا أَبُو دَاوُد.
وَإِذ قد انتهينا إِلَى هُنَا، فَنَقُول بعده: لَا نَتْرُك رِوَايَة من زَاد عَن أَبِيه لترك من ترك ذَلِك، وَمن حفظ حجَّة على من لم يحفظ، وَإِذا لم يكن بُد من زِيَادَته، فَالْحكم تَابِعِيّ، فَيحْتَاج أَن نَعْرِف من عَدَالَته مَا يلْزمنَا بِهِ قبُول رِوَايَته، وَإِن لم يثبت ذَلِك لم تصح عندنَا رِوَايَته، ونسأل من صححها عَمَّا علم من(5/136)
حَاله، وَلَيْسَ بمبين لَهَا فِيمَا أعلم. وَالله الْمُوفق.
(2377) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، وَمن طَرِيق أبي دَاوُد - صفة الْوضُوء من رِوَايَة الرّبيع بنت معوذ.
وَأتبعهُ أَن الْحميدِي، وَأحمد، وَإِسْحَاق، كَانُوا يحتجون بِحَدِيث عبد الله ابْن مُحَمَّد بن عقيل.
فأوهم هَذَا صِحَّته عِنْده، وَهُوَ مذْهبه فِيهِ.
وَقد بَينا عمله فِي أَحَادِيثه فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا صَحِيحَة، وَلَيْسَت كَذَلِك، وَلها طرق أخر صَحِيحَة أَو حَسَنَة.
(2378) وَذكر حَدِيث عَائِشَة: " أَمر بِبِنَاء الْمَسَاجِد فِي الدّور، [وَأَن تطيب وتنظف " زَاد من حَدِيث سَمُرَة: " ونصلح صنعتها] .(5/137)
وَالْأول أشهر إِسْنَادًا، وَإِن كَانَ قد رُوِيَ مُرْسلا عَن عُرْوَة.
كَذَا قَالَ، وَيقْضى ظَاهره بِأَن حَدِيث سَمُرَة شَيْء ملتفت إِلَيْهِ بِحَيْثُ يفاضل بَينه وَبَين حَدِيث عَائِشَة، وَهَذَا لَا شَيْء، فَإِن حَدِيث عَائِشَة لَا شكّ فِي صِحَّته، رَفعه مُسْندًا جمَاعَة من أَصْحَاب هِشَام بن عُرْوَة، وَلَا يضرّهُ إرْسَال ابْن عُيَيْنَة إِيَّاه، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
فَأَما حَدِيث سَمُرَة فبإسناد مَجْهُول الْبَتَّةَ، فِيهِ جَعْفَر بن سعد بن سَمُرَة، وخبيب بن سُلَيْمَان بن سَمُرَة، وَأَبوهُ سُلَيْمَان بن سَمُرَة.
وَمَا من هَؤُلَاءِ، من تعرف لَهُ حَال، وَقد جهد المحدثون فيهم جهدهمْ، وَهُوَ إِسْنَاد تروى بِهِ جملَة أَحَادِيث قد ذكر الْبَزَّار مِنْهَا نَحْو الْمِائَة.
وَقد تقدم لأبي مُحَمَّد حَدِيث سَمُرَة فِيمَن نسي صَلَاة أَو نَام عَنْهَا، أَنه يُصليهَا مَعَ الَّتِي تَلِيهَا.
سَاقه من طَرِيق الْبَزَّار، ثمَّ أتبعه أَن قَالَ فِي هَؤُلَاءِ: لَيْسُوا بأقوياء.
(2379) وَذكر أَيْضا من طَرِيق الْبَزَّار، من رِوَايَة خبيب بن سُلَيْمَان بن سَمُرَة، عَن أَبِيه، عَن جده، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَقُول: " إِذا صلى أحدكُم فَلْيقل: اللَّهُمَّ باعد بيني وَبَين خطيئتي " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ بإثره: الصَّحِيح فِي هَذَا فعل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا أمره، كَمَا أخرج مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة.(5/138)
(2380) وَذكر [حَدِيث] سَمُرَة: " سلمُوا على قارئكم وعَلى أَنفسكُم " من هَذَا الطَّرِيق.
ثمَّ قَالَ: لَيْسَ هَذَا الْإِسْنَاد مَشْهُورا.
(2381) وَذكر حَدِيث: " كَانَ يَأْمُرنَا أَن يُصَلِّي أَحَدنَا بعد الْمَكْتُوبَة كل لَيْلَة مَا قل أَو كثر ".
من رِوَايَة خبيب بن سُلَيْمَان الْمَذْكُور، عَن أَبِيه، عَن جده، ثمَّ قَالَ بعده: خبيب ضَعِيف.
(2382) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، ثمَّ من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ فِي الزَّكَاة حَدِيث: " أمرنَا أَن نخرج الزَّكَاة [من الَّذِي نعد للْبيع ".
ثمَّ قَالَ: خبيب هَذَا لَيْسَ بِمَشْهُور، وَلَا أعلم روى عَنهُ] إِلَّا [جَعْفَر بن سعد بن سَمُرَة، وَلَيْسَ جَعْفَر هَذَا مِمَّن يعْتَمد عَلَيْهِ.
(2383) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد] عَن سُلَيْمَان بن سَمُرَة: " أما(5/139)
بعد، كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: من يكتم غالاً فَإِنَّهُ مثله ".
وَسكت عَنهُ فَلم يقل فِيهِ شَيْئا، وَلَا نبه على أَنه من رِوَايَة جَعْفَر بن سعد الْمَذْكُور، عَن خبيب الْمَذْكُور، عَن أَبِيه سُلَيْمَان، فَكَانَ هَذَا مِنْهُ تَصْحِيحا لَهُ، كَمَا أوهمته مفاضلته الْآن، مَا بَين حَدِيث سَمُرَة وَعَائِشَة، فَاعْلَم ذَلِك.
(2384) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، من حَدِيث أبي بكر: عبد الحميد ابْن جَعْفَر الْحَنَفِيّ، عَن نوح بن أبي بِلَال، عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا قَرَأْتُمْ الْحَمد لله فاقرؤوا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، إِنَّهَا أم الْقُرْآن، وَأم الْكتاب، والسبع المثاني، وبسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم إِحْدَى آياتها ".
ثمَّ قَالَ: رفع هَذَا الحَدِيث عبد الحميد بن جَعْفَر، وَعبد الحميد هَذَا وَثَّقَهُ أَحْمد بن حَنْبَل، وَيحيى بن سعيد، وَابْن معِين.
وَأَبُو حَاتِم يَقُول فِيهِ: مَحَله الصدْق، وَكَانَ سُفْيَان الثَّوْريّ يُضعفهُ وَيحمل عَلَيْهِ، ونوح بن أبي بِلَال ثِقَة مَشْهُور. هَذَا نَص مَا ذكره بِهِ.
وَهُوَ بِهَذَا القَوْل صَححهُ، وَهُوَ لَا يَصح، وَأَخْطَأ خطأ فَاحِشا فِي قَوْله: من حَدِيث أبي بكر: عبد الحميد بن جَعْفَر الْحَنَفِيّ، عَن نوح بن أبي بِلَال،(5/140)
وَهَذَا تَغْيِير لَا يَلِيق بِهِ.
وَلَعَلَّه قد سقط من الْكَلَام " عَن " حَتَّى يكون عَن: أبي بكر الْحَنَفِيّ، عَن عبد الحميد بن جَعْفَر، على أَن تَأْخِير النِّسْبَة، وَنسبَة عبد الحميد بهَا، تدل على أَن ذَلِك من عمله، والْحَدِيث إِنَّمَا يرويهِ أَبُو بكر الْحَنَفِيّ - واسْمه عبد الْكَبِير ابْن عبد الْمجِيد، أَخُو أبي عَليّ: عبيد الله بن عبد الْمجِيد الْحَنَفِيّ -، وَهُوَ ثِقَة مَشْهُور، عَن عبد الحميد بن جَعْفَر الْأنْصَارِيّ، عَن نوح بن أبي بِلَال.
كَذَلِك ذكره الدَّارَقُطْنِيّ وَابْن السكن، قَالَا: حَدثنَا يحيى بن مُحَمَّد بن صاعد حَدثنَا عقبَة بن مكرم. حَدثنَا أَبُو بكر [الْحَنَفِيّ، حَدثنَا عبد الحميد بن جَعْفَر، قَالَ أنبأني نوح بن أبي بِلَال] وَعلة الْخَبَر هِيَ أَن أَبَا بكر الْحَنَفِيّ قَالَ مُتَّصِلا بِهِ، ثمَّ لقِيت نوحًا فَحَدثني عَن سعيد بن أبي سعيد، عَن أبي هُرَيْرَة بِمثلِهِ، وَلم يرفعهُ.
فَإِذن قَول أبي مُحَمَّد: رفع هَذَا الحَدِيث عبد الحميد بن جَعْفَر، لم يُورِدهُ كَمَا يجب، فَإِن الَّذِي يفهم من إِيرَاده، هُوَ أَن عبد الحميد رَوَاهُ عَن رجل فرفعه، وَرَوَاهُ عَنهُ غَيره فَوَقفهُ.
وَالْمَسْأَلَة أشنع من هَذَا، إِنَّمَا رَوَاهُ لأبي بكر الْحَنَفِيّ مَرْفُوعا، فَمر أَبُو بكر الْحَنَفِيّ إِلَى الشَّيْخ الَّذِي رَوَاهُ لَهُم عَنهُ، فحدثه بِهِ مَوْقُوفا، فَمَا ظَاهر الْقِصَّة إِلَّا أَنه أنكر أَن يكون حدث بِهِ مَرْفُوعا، بعد أَن عرفه أَبُو بكر الْحَنَفِيّ أَنه قد حدث بِهِ عبد الحميد عَنهُ فرفعه.
وَإِذا كَانَ الْأَمر هَكَذَا، صَارَت الْمَسْأَلَة مَسْأَلَة مَا إِذا رُوِيَ عَن رجل حَدِيث(5/141)
فَأنْكر أَن يكون حدث بِهِ، وَإِن لم يسلم هَذَا التَّنْزِيل، فَالْمَسْأَلَة مَسْأَلَة رجل مضعف أَو مُخْتَلف فِيهِ، رفع مَا وَقفه غَيره من الثِّقَات، وَذَلِكَ أَن أَبَا بكر الْحَنَفِيّ، ثِقَة بِلَا خلاف، وَهُوَ قد لَقِي نوحًا فحدثه بِهِ مَوْقُوفا، وَلم يعْتَمد على مَا رَوَاهُ لَهُ عِنْد عبد الحميد بن جَعْفَر من ذَلِك مَرْفُوعا، لِأَن عبد الحميد ينْسب إِلَى القَوْل بِالْقدرِ، وَكَانَ مِمَّن خرج مَعَ مُحَمَّد بن عبد الله بن الْحسن بن حسن، ابْن عَليّ بن أبي طَالب.
وَقد قدمنَا لتنبيه على هَذَا الحَدِيث فِي بَاب الْأَحَادِيث الْمُغيرَة.
(2385) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: " حذف السَّلَام سنة ". قَالَ فِيهِ: حسن صَحِيح.
فَهَذَا مِنْهُ قناعة بتصحيح التِّرْمِذِيّ لَهُ.
وَهُوَ لَا يَصح لَا مَوْقُوفا هَكَذَا، وَلَا مَرْفُوعا كَمَا ذكره أَبُو دَاوُد، من أجل(5/142)
أَنه فِي حَالية من رِوَايَة قُرَّة بن عبد الرَّحْمَن بن حيوئيل الَّذِي يُقَال لَهُ: كاسر الْمَدّ، وَهُوَ ضَعِيف، وَلم يخرج لَهُ مُسلم محتجاً بِهِ، بل مَقْرُونا بِغَيْرِهِ، قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عَليّ بن حجر، أخبرنَا عبد الله بن الْمُبَارك، وهقل بن زِيَاد عَن الْأَوْزَاعِيّ [عَن قُرَّة بن عبد الرَّحْمَن، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة] قَالَ: " حذف [السَّلَام سنة "، وَقَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد] : حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ، قَالَ: حَدثنَا الْأَوْزَاعِيّ، عَن قُرَّة بن عبد الرَّحْمَن، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " حذف السَّلَام سنة ".
كَذَا سَاقه أَبُو دَاوُد مَرْفُوعا، وَلكنه أورد بأثره أَن الْفرْيَابِيّ لما رَجَعَ من مَكَّة ترك رَفعه، وَقَالَ: نهاني أَحْمد بن حَنْبَل عَن رَفعه.
فَفِي هَذَا أَن أَحْمد أَخذه عَنهُ مَرْفُوعا، وَنَهَاهُ عَن رَفعه.
وَقَالَ عِيسَى بن يُونُس الرَّمْلِيّ: نهاني ابْن الْمُبَارك عَن رَفعه.
وَهَذَا كُله قد كَانَ يعرض عَنهُ لَو كَانَ راوية ثِقَة، وَإِذ لَيْسَ بمعتمد فَلَا حرج على مَا رفع وَلَا مَا وقف، فَمَا يَنْبَغِي تَصْحِيح مَا روى، وَلَو صَححهُ التِّرْمِذِيّ أَو غَيره.
وَقد بينوا عِلّة ضعف قُرَّة، قَالَ فِيهِ أَحْمد بن حَنْبَل: مُنكر الحَدِيث جدا.(5/143)
وَقَالَ البُخَارِيّ: كل من قلت فِيهِ: مُنكر الحَدِيث، فَلَا تحل الرِّوَايَة عَنهُ
(2386) وَذكر حَدِيث كثير بن عبد الله بن عَمْرو بن عَوْف، عَن أَبِيه عَن جده، فِي عدد التَّكْبِير فِي الْعِيد.
وَقد بَينا أمره فِي بَاب الْأَشْيَاء الَّتِي عزاها إِلَى مَوَاضِع لم أَجدهَا فِيهَا أَو لم أَجدهَا كَمَا ذكر.
(2387) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن عبيد الله التَّيْمِيّ، عَن أبي هُرَيْرَة أَنه أَصَابَهُم مطر فِي يَوْم عيد، فصلى بهم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْعِيد فِي الْمَسْجِد "
ثَبت بعد هَذَا الحَدِيث فِي بعض النّسخ كَلَام مِنْهُ، وَهُوَ أَن قَالَ: وَقع فِي بعض النّسخ من هَذَا الْكتاب، فِي آخر هَذَا الحَدِيث، عبيد الله ضَعِيف عِنْدهم، وَكَانَ ذَلِك وهما مني، وَإِنَّمَا الْمُتَكَلّم فِيهِ ابْن أَخِيه عبيد الله بن عبد الرَّحْمَن،(5/144)
ضعفه يحيى بن معِين فِي رِوَايَة الدوري، وَوَثَّقَهُ فِي رِوَايَة إِسْحَاق بن مَنْصُور، ذكر ذَلِك ابو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم.
وَقَالَ فِيهِ [النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِذَاكَ الْقوي.
وَالْمَذْكُور فِي هَذَا الحَدِيث، هُوَ عبيد الله بن عبد الله] بن موهب، التَّيْمِيّ الْمدنِي ... ] وَهُوَ يُعْطي عَطاء بَينا صِحَة الحَدِيث عِنْده.
وَمَا مثله صحّح، للْجَهْل بِحَال عبيد الله بن عبد الله بن موهب، وَالِد يحيى بن عبيد الله بن عبد الله بن موهب المكنى بِهِ.
وللجهل بِحَال عِيسَى بن عبد الْأَعْلَى الْفَروِي راوية عَنهُ فِي كتاب أبي دَاوُد. بل لَا أعلمهُ مَذْكُورا فِي شَيْء من كتب الرِّجَال، وَلَا فِي غير هَذَا الْإِسْنَاد.
وَلما روى الْوَلِيد بن مُسلم هَذَا الحَدِيث إِنَّمَا قَالَ فِيهِ: حَدثنَا رجل من الفرويين، وَسَماهُ الرّبيع بن سُلَيْمَان، عَن عبد الله بن يُوسُف عَنهُ، فَقَالَ: عِيسَى بن عبد الْأَعْلَى بن أبي فَرْوَة.
وَلَا يعلم روى عَن عبيد الله أبي يحيى الْمَذْكُور - سوى ابْنه يحيى - غير هَذَا الْفَروِي الَّذِي هُوَ فِي حكم الْمَعْدُوم، وَغير ابْن أَخِيه عبيد الله بن عبد الرَّحْمَن، فَالْحَدِيث لَا يَصح، فَاعْلَم ذَلِك.
(2388) وَذكر فِي الْبكاء على الْمَيِّت من عِنْد ابْن أبي خَيْثَمَة قِطْعَة من(5/145)
حَدِيث قيلة بنت مخرمَة فِي بكائها على ابْنهَا. ثمَّ قَالَ بإثره: حَدِيث قيلة مَشْهُور، خرجه النَّاس كَامِلا ومقطعاً.
هَذَا مَا ذكره بِهِ، فَهُوَ - كَمَا ترى - بِحكم قَوْله الْمُطلق فِيمَا سكت عَن تَعْلِيله من الْأَحَادِيث، صَحِيح، بل يزِيد ذَلِك تَأْكِيدًا قَوْله فِيهِ: إِنَّه مَشْهُور وَلَيْسَ الْأَمر فِيهِ كَذَلِك، بل هُوَ أَيْنَمَا وَقع رَاجع إِلَى أبي الْجُنَيْد: عبد الله ابْن حسان الْعَنْبَري.
قَالَ أَبُو عَليّ بن السكن: لم يروه غَيره عَن جدتيه: صَفِيَّة، ودحيبة بِنْتي عليبة، وكانتا ربيبتي قيلة، أَن قيلة حدثتهما.
وَهَذَا غَايَة فِي الضعْف، فَإِن أَحَادِيث النِّسَاء متقاة، مَحْذُورَة مِنْهَا قَدِيما من أَئِمَّة هَذَا الشَّأْن، إِلَّا المعلومات مِنْهُنَّ الثِّقَات، فَأَما هَؤُلَاءِ الخاملات، القليلات الْعلم، اللَّاتِي إِنَّمَا اتّفق لَهُنَّ أَن روين أَحَادِيث آبائهن، أَو أمهاتهن، أَو إخوانهن، أَو أخواتهن، أَو أقربائهن بِالْجُمْلَةِ، بِحَيْثُ يعلم أَنَّهُنَّ مِمَّا [ ... ...] لَهَا فَأخذ [ ... ...] قد رَوَت الْعلم، وتحملته وَحَمَلته إِلَى الآخذين عَنْهَا، فَإِن الْغَالِب فِي هَؤُلَاءِ، أَنَّهُنَّ من المستورات، كمساتير الرِّجَال.
فَأَما مثل عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن، وَعَائِشَة بنت طَلْحَة، وَصفِيَّة بنت شيبَة، وأشباههن من ثقاتهن، فَلَا ريب فِي وجوب قبُول روايتهن.
وَيَكْفِيك من هَذَا أَنَّك لَا تَجِد فِي شَيْء من كتب الرِّجَال المصنفة للتعريف بأحوال الروَاة وإحصائهم، ذكرا لهاتين الْمَرْأَتَيْنِ وأشباههما.
وَعبد الله بن حسان أَيْضا هُوَ كَذَلِك أَعنِي من المجاهيل الْأَحْوَال، الَّذين لَا(5/146)
علم عِنْدهم يعرف، وَقد اتّفق لَهُ أَن روى هَذَا الحَدِيث، فَأَخذه عَنهُ جمَاعَة، كَعبد الله بن سوار، وَأحمد بن إِسْحَاق، وَحَفْص بن عمر الحوضي، وَعَفَّان، وَعبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث، وَأبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، والمقرئ، وَعلي بن عُثْمَان اللاحقي.
وَمَعَ ذَلِك فَلَا تعرف حَاله، وَكبر شَأْن هَذَا الحَدِيث فِي الْمَرْأَتَيْنِ المذكورتين، فَإِنَّهُمَا لَا يعرفان أصلا بِغَيْرِهِ. وَهُوَ حَدِيث طَوِيل، تقتطع مِنْهُ الْقطع، بِحَسب تقاضي الْأَبْوَاب إِيَّاهَا، فَاعْلَم ذَلِك.
(2389) وَذكر فِي آخر كتاب الجنائزمن عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " موت الْغَرِيب شَهَادَة ".
ثمَّ قَالَ: ذكره فِي كتاب الْعِلَل فِي حَدِيث ابْن عمر وَصَححهُ. انْتهى مَا أورد.
وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا القَوْل، لِأَن كتاب الْعِلَل للدارقطني لم يصنف فِيهِ علل حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي جمَاعَة من مشاهير الصَّحَابَة، تَركهم أَيْضا، أَو لم ينْتَه إِلَيْهِم عمله فِي التَّأْلِيف الْمَذْكُور.
فَلَو ذكر أَبُو مُحَمَّد حَدِيث ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ويعزوه إِلَى علل الدَّارَقُطْنِيّ، أوقع قارئه فِي حيرة، إِن هُوَ أَرَادَ الْوُقُوف على إِسْنَاده فِي الْموضع الَّذِي نَقله مِنْهُ، وَعَزاهُ إِلَيْهِ، فَلذَلِك بَين أَنه ذكره فِي حَدِيث ابْن عمر - يَعْنِي أَنه عرض لَهُ - فِي خلال أَحَادِيث ابْن عمر ذكره.(5/147)
وَقد كتبنَا فِي بَاب [الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة، وَهِي مُنْقَطِعَة أَو مَشْكُوك فِي اتصالها جملَة] أَحَادِيث، سَاقهَا أَبُو مُحَمَّد من هَذَا الْكتاب: كتاب الْعِلَل للدارقطني، وَبينا هُنَاكَ أَن جَمِيعهَا مُنْقَطع، لِأَن الْكتاب الْمَذْكُور لَيست الْأَحَادِيث فِيهِ موصلة الْأَسَانِيد، فَخفت لِكَثْرَة مَا مر فِي ذَلِك الْبَاب من هَذَا النَّوْع أَن يظنّ قَارِئ هَذَا الْموضع أَن حَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا أَيْضا هُوَ من ذَلِك الْقَبِيل عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ، أَعنِي مِمَّا لم يُوصل بِهِ إِسْنَاده فِي الْكتاب الْمَذْكُور.
وَلَيْسَ الْأَمر فِيهِ كَذَلِك، بل هُوَ عِنْده موصل الْإِسْنَاد.
وإيراد الْموضع بنصه يبين هَذَا، وَيبين أَيْضا مَا قصدنا الْآن بَيَانه من أَنه لَيْسَ بِصَحِيح، وَمن أَن الدَّارَقُطْنِيّ لم يُصَحِّحهُ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْكتاب الْمَذْكُور: وَسُئِلَ عَن حَدِيث يرْوى عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " موت الْغَرِيب شَهَادَة " فَقَالَ: يرويهِ عبد الْعَزِيز ابْن أبي رواد، وَاخْتلف عَنهُ، فَرَوَاهُ هُذَيْل بن الحكم، وَاخْتلف عَنهُ، حدث بِهِ يُوسُف بن مُحَمَّد الْعَطَّار، عَن مَحْمُود بن عَليّ، عَن هُذَيْل بن الحكم عَن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، وَالصَّحِيح مَا حدّثنَاهُ إِسْمَاعِيل الْوراق، حَدثنَا حَفْص بن عمر، وَعمر بن شبة قَالَا: حَدثنَا الْهُذيْل بن الحكم، عَن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس(5/148)
أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " موت الْغَرِيب شَهَادَة " انْتهى مَا ذكره الدَّارَقُطْنِيّ بنصه.
والآن انْتَهَيْت إِلَى بَيَان مَا قصدت بَيَانه، فَأَقُول - وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق -.
إِن هَذَا الحَدِيث لَا يَصح، وَلم يُصَحِّحهُ الدَّارَقُطْنِيّ كَمَا زعم أَبُو مُحَمَّد، وَإِنَّمَا ذكر الِاخْتِلَاف الَّذِي اخْتلفُوا فِيهِ على الْهُذيْل بن الحكم، فصحح عَنهُ قَول من قَالَ فِيهِ: عَن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، وَحكم لَهُ على من قَالَ فِيهِ: عَنهُ، عَن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر.
وَبَقِي هَل هُوَ صَحِيح من الْهُذيْل بن الحكم إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يعرض لذَلِك الدَّارَقُطْنِيّ، [لِأَن الْهُذيْل بن الحكم الْمَذْكُور ضَعِيف، وَلَا يُمكن أَن يُصَحِّحهُ الدَّارَقُطْنِيّ] أَو غَيره.
[وَأَبُو الْمُنْذر الْمَذْكُور، ضَعِيف قَالَ فِيهِ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث، وَهُوَ الْقَائِل عَن نَفسه فِي كِتَابه الْأَوْسَط: كل] من قلت فِيهِ: مُنكر الحَدِيث فَلَا تحل الرِّوَايَة عَنهُ.
وَقد ذكره فِي جملَة الضُّعَفَاء أَبُو جَعْفَر الْعقيلِيّ، وَحكى قَول البُخَارِيّ فِيهِ، وَزَاد أَنه لَا يُقيم الحَدِيث.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم البستي: إِنَّه مُنكر الحَدِيث جدا وَلَا يعرف هَذَا الحَدِيث إِلَّا بِهِ، وَمن طَرِيقه.
وَأَبُو مُحَمَّد - رَحمَه الله - اعتراه فِيهِ أحد أَمريْن: إِمَّا أَن يكون لم يتثبت(5/149)
فِي كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ: " وَالصَّحِيح مَا حَدثنَا فلَان " فاعتقده تَصْحِيحا للْحَدِيث، وَلم يبْحَث عَنهُ.
وَإِمَّا أَن يكون علم من أَمر هُذَيْل بن الحكم الْمَذْكُور، أَن أَبَا مُحَمَّد بن حَاتِم - وَهُوَ ملجؤه فِي التَّعْدِيل وَالتَّجْرِيح - قد ذكره برواته من فَوق وَمن أَسْفَل، وَأَهْمَلَهُ من التَّعْدِيل وَالتَّجْرِيح، فَحمل الْأَمر على مَا عهد مِنْهُ فِي أَمْثَاله من قبُول رِوَايَات من روى عَن أحدهم أَكثر من وَاحِد، فصحح الحَدِيث لأجل ذَلِك، فَلم يذكر لَهُ عِلّة، وَحمل كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ على مَا ذهب إِلَيْهِ، فأساء النَّقْل عَنهُ.
وَقد بَينا قبل ونبين الْآن أَن أَبَا مُحَمَّد بن أبي حَاتِم إِنَّمَا أهمل هَؤُلَاءِ من الْجرْح وَالتَّعْدِيل، لِأَنَّهُ لم يعرفهُ فيهم، فهم عِنْده مجهولو الْأَحْوَال، بَين ذَلِك عَن نَفسه فِي أول كِتَابه.
وهم على قسمَيْنِ: قسم لم يرو عَن أحدهم إِلَّا وَاحِد، فَهَذَا لَا تقبل رواياته، وَقسم روى عَن أحدهم أَكثر من وَاحِد، فَهَؤُلَاءِ هم المساتير الَّذين اخْتلف فِي قبُول رواياتهم.
فطائفة من الْمُحدثين تقبل رِوَايَة أحدهم، اعْتِمَادًا على مَا يثبت من إِسْلَامه بِرِوَايَة عَدْلَيْنِ عَنهُ شَرِيعَة من الشَّرَائِع، وَمَا عهدناهم يروون الدَّين وَالشَّرْع إِلَّا عَن مُسلم، وهم لَا يَبْتَغُونَ فِي الشَّاهِد والراوي مزيداً على إِسْلَامه، بل يقبلُونَ مِنْهُ مَا لم تتبين جرحة، فَيعْمل بحسبها.
وَطَائِفَة ردَّتْ رِوَايَات هَذَا النَّوْع، وهم الَّذين يَلْتَمِسُونَ فِي الشَّاهِد والراوي مزيداً على إِسْلَامه، وَهُوَ الْعَدَالَة، فَمَا [أرى أَبَا مُحَمَّد: عبد الْحق إِلَّا(5/150)
أَنه ذهب مَذْهَب] الطَّائِفَة [الَّتِي لَا تبغي على الْإِسْلَام مزيداً فِي حق الشَّاهِد والراوي، واعتقد فِي الْهُذيْل] بن الحكم أَنه مِنْهُم، وَلم يختبر حَاله، وَلَا سمع قَول البُخَارِيّ الَّذِي اختبرها، وَقَول غَيره: إِنَّه مُنكر الحَدِيث.
وَلَزِمَه سوء النَّقْل، فِيمَا عزا إِلَى الدَّارَقُطْنِيّ من تَصْحِيحه الْخَبَر الْمَذْكُور وَهُوَ لم يفعل، وَإِنَّمَا صحّح عَن الْهُذيْل أحد الْقَوْلَيْنِ عَنهُ، هَذَا هُوَ الَّذِي تشاغل بِهِ الدَّارَقُطْنِيّ من هَذَا الحَدِيث فَقَط، وَهُوَ الَّذِي تشاغل بِهِ غَيره من أمره، نذْكر بعض ذَلِك تأنيساً بِهَذَا الْمِقْدَار.
قَالَ أَبُو أَحْمد بن عدي - بعد أَن ذكر حَدِيث ابْن عَبَّاس وَحَدِيث ابْن عمر بأسانيدهما، وَذكر من رَوَاهُ عَن الْهُذيْل بن الحكم، عَن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، وهم جمَاعَة، وَمن رَوَاهُ عَن الْهُذيْل بن الحكم، عَن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، وَهُوَ مُحَمَّد بن صدران: لَا أَدْرِي من أَخطَأ فِيهِ، يَعْنِي فِي رِوَايَة من قَالَ: نَافِع، عَن ابْن عمر، والذيل بن الحكم يعرف بِهَذَا الحَدِيث. انْتهى كَلَامه. وَفِيه مَا قُلْنَاهُ: من تَشَاغُله من أمره بتخطئة من جعله عَن نَافِع، عَن ابْن عمر.
وَإِذ قد انتهينا إِلَى هُنَا، فلننبه على مَوضِع للْحَدِيث الْمَذْكُور، تكون نسبته إِلَيْهِ أشرف، إِذْ كتاب علل الدَّارَقُطْنِيّ غير موصل الْأَحَادِيث كَمَا قُلْنَاهُ.
قَالَ عَليّ بن عبد الْعَزِيز فِي منتخبه: حَدثنَا مُحَمَّد بن كثير الْعَبْدي، قَالَ: أخبرنَا الْهُذيْل بن الحكم أَبُو الْمُنْذر، قَالَ: حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن أبي رواد، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " موت الْغَرِيب شَهَادَة ".(5/151)
وَقد رُوِيَ من طَرِيق أبي هُرَيْرَة، وَلَا يَصح أَيْضا. قَالَ الْعقيلِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر بن برين، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن ابْن نَافِع، قَالَ: حَدثنَا أَبُو رَجَاء الخرساني: عبد الله بن الْفضل، عَن هِشَام ابْن حسان، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " موت الْغَرِيب شَهَادَة ".
قَالَ الْعقيلِيّ: أَبُو رَجَاء مُنكر الحَدِيث، وَفِي هَذَا رِوَايَة [من غير وَجه، شَبيه بِهَذَا فِي الضعْف. انتهي كَلَام الْعقيلِيّ] ، وَالله الْمُوفق.
(2390) وَذكر [من طَرِيق مُسلم حَدِيث حَمْزَة بن عَمْرو الْأَسْلَمِيّ فِي الصَّوْم فِي السّفر.
وَأتبعهُ] من عِنْد أبي دَاوُد حَدِيثه الَّذِي فِيهِ: " يَا رَسُول الله إِنِّي صَاحب ظهر، أعَالجهُ، أسافر عَلَيْهِ، وأكريه ".
ثمَّ قَالَ بإثره: إِسْنَاد مُسلم أصح وَأجل. انْتهى مَا ذكر.
فلاحتمال قَوْله الْمَذْكُور أَن يكون تعليلاً، ذَكرْنَاهُ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أجمل تعليلها، وباحتمال أَن يكون تَصْحِيحا وَجب أَن ننبه عَلَيْهِ هَاهُنَا، وَيرجع من أَرَادَ الْوَقْف على علته إِلَى الْبَاب الْمَذْكُور، فقد فَرغْنَا مِنْهَا هُنَالك، وَالْحَمْد لله.(5/152)
(2391) وَمِمَّا هُوَ أَيْضا من هَذَا الْبَاب، حَدِيث أبي سعيد فِي الصَّوْم فِي السّفر: " إِنِّي رَاكب وَأَنْتُم مشَاة " من عِنْد الْبَزَّار.
فَإِنَّهُ لما ذكره وَفرغ، أورد إِسْنَاد الْبَزَّار فِيهِ وَهُوَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى، حَدثنَا عبد الْأَعْلَى، حَدثنَا سعيد الْجريرِي، عَن أبي نَضرة عَنهُ.
وَلم تجرعادته فِيمَا هُوَ صَحِيح أَن يذكر أسانيده، فَكَانَ هَذَا تبرؤاً من عهدته.
وَمن حَدِيث عهدناه يقبل الْجريرِي على كل أَحْوَاله، وَلَا يُمَيّز بَين حَدِيث حَدِيثه وقديمة، يتَوَهَّم أَنه صَححهُ.
فَإِن كَانَ كَذَلِك، فَاعْلَم أَنه لَا يَنْبَغِي أَن يُقَال فِيهِ: صَحِيح حَتَّى يعلم مَتى كَانَ سَماع عبد الْأَعْلَى من الْجريرِي، وَالله أعلم.
(2392) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن عمر، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَيْسَ على الْمَرْأَة حرم إِلَّا فِي وَجههَا ".
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: فِي إِسْنَاده ايوب بن مُحَمَّد، وَأحسن مَا سَمِعت فِيهِ: لَا بَأْس بِهِ، انْتهى كَلَامه.
وَظَاهره أَنه صَححهُ أَو حسنه، فَإِنَّهُ لم ينْقل فِيهِ تضعيفاً، وَلَا أَدْرِي لم اقْتصر مِمَّا سمع فِي أبي الْجمل على أحسن مَا سمع، وَلَيْسَ هُوَ من رغائب(5/153)
الْأَعْمَال فيتسامح فِيهِ، وَقد سمع فِي هَذَا الرجل مَا هُوَ أحسن مِمَّا سمع أَبُو مُحَمَّد.
قَالَ أَبُو أَحْمد بن عدي: حَدثنَا الْحُسَيْن بن سُفْيَان، قَالَ: حَدثنَا يَعْقُوب ابْن سُفْيَان، قَالَ: [حَدثنَا عبد الله بن رَجَاء، حَدثنَا أَيُّوب بن مُحَمَّد، أَبُو الْجمل، ثِقَة، عَن] عبيد الله بن [عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَيْسَ] على الْمَرْأَة حرم إِلَّا فِي وَجههَا ".
كَذَا أوردهُ من رِوَايَة كَمَا هُوَ عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ، إِلَّا أَنه زَاد تَوْثِيق أَيُّوب بن مُحَمَّد أبي الْجمل فِي نفس الْإِسْنَاد.
قَالَ: أَبُو أَحْمد: وهما حديثان يعرف بهما، هَذَا أَحدهمَا.
وَالْآخر حَدِيثه عَن عَطاء بن السَّائِب، عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ، عَن ابْن مَسْعُود.
(2393) قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْجَزُور فِي الْأَضْحَى عَن عشرَة ".
وَالْقَائِل لما ذكر أَبُو مُحَمَّد من أَنه لَا بَأْس بِهِ، هُوَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ، فَأَما أَبُو زرْعَة فَإِنَّهُ قَالَ: إِنَّه مُنكر الحَدِيث.
وَقَالَ عُثْمَان الرَّازِيّ: قلت ليحيى بن معِين: عبيد الله الْحَنَفِيّ يَقُول: حَدثنَا أَبُو الْجمل، من هُوَ؟ قَالَ: شيخ، ضَعِيف يمامي.
فَخرج من هَذَا أَن الحَدِيث الْمَذْكُور لَا يَنْبَغِي أَن يُقَال فِيهِ: صَحِيح، فَإِن أَبَا(5/154)
الْجمل مُخْتَلف فِيهِ، وَقد فسر تَضْعِيفه بنكارة مَا يرويهِ، وَهُوَ مسْقط للثقة بروايته.
وَهُنَاكَ رجل آخر يمامي أَيْضا، يكنى أَبَا الْجمل، كَذَا قَالَ ابْن عدي وَقَالَ ابْن معِين: يُقَال: لَهُ أَبُو الْجمل، هُوَ سُلَيْمَان بن دَاوُد، روى عَن يحيى بن أبي كثير، وَهُوَ أَيْضا مُنكر الحَدِيث كَذَلِك.
وَبعد هَذَا ذكر فِي كتاب الْحَج نَفسه حَدِيث أبي الْجمل الْمشَار إِلَيْهِ، الثَّانِي من حَدِيثه فِي الْجَزُور عَن عشرَة.
وَأتبعهُ أَن قَالَ: أَيُّوب هَذَا يكنى أَبَا الْجمل، وَهُوَ ضَعِيف، وَلم يروه عَن عَطاء بن السَّائِب غَيره، وَالصَّحِيح مَا تقدم من فعل الصَّحَابَة.
فَهَذَا مِنْهُ تَضْعِيف للْحَدِيث، من أجل ضعف أبي الْجمل الْمَذْكُور، وَهَذَا من فعله أصوب من الأول، فاعلمه.
(2394) وَذكر من طَرِيق أبي عمر من التَّمْهِيد، من بَاب جَعْفَر، عَن حَبِيبَة بنت أبي تجراة الشيبية قَالَت: " رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يطوف بَين الصَّفَا والمروة، وَالنَّاس بَين يَدَيْهِ، وَهُوَ وَرَاءَهُمْ، وَهُوَ يسْعَى، حَتَّى أرى رُكْبَتَيْهِ من شدَّة السَّعْي، وَهُوَ يَقُول: سعوا فَإِن الله كتب عَلَيْكُم السَّعْي ".
رَوَاهُ عبد الله بن المؤمل، وَتفرد بِهِ، وَقَالَ أَبُو عمر فِيهِ] : كَانَ سيئ الْحِفْظ [،(5/155)
وَلَا تعلم لَهُ خربة تسْقط عَدَالَته. انْتهى كَلَامه.
وَهُوَ مِنْهُ] تَصْحِيح للْحَدِيث الْمَذْكُور بتصحيح أبي عمر لَهُ.
وَهُوَ لَا يَصح، وَأول مَا نبدأ بِهِ من بَيَان أمره أَن هَذَا اللَّفْظ الَّذِي أورد من التَّمْهِيد، هُوَ فِي التَّمْهِيد مُنْقَطع الْإِسْنَاد بِسُقُوط وَاحِد، ويتصل بِثُبُوتِهِ من جِهَة أُخْرَى، وَلَكِن بِلَفْظ خلاف هَذَا اللَّفْظ الَّذِي أورد، وَهُوَ مَعَ ذَلِك من كل طرقه لَا يَصح، لِأَنَّهُ دائر على عبد الله بن المؤمل المَخْزُومِي، قَاضِي مَكَّة، وَهُوَ - وَإِن كَانَ قد وَثَّقَهُ ابْن معِين فِي بعض الرِّوَايَات عَنهُ - ضَعِيف.
وعلته شَيْئَانِ: أَحدهمَا: سوء الْحِفْظ، وَالْآخر: نَكَارَة الحَدِيث، ونكارة الحَدِيث كَافِيَة فِي إِسْقَاط الثِّقَة بِمن جربت عَلَيْهِ.
حكى الْعقيلِيّ عَن أَحْمد أَنه قَالَ: أَحَادِيثه مَنَاكِير.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم البستي: كَانَ قَلِيل الحَدِيث، مُنكر الرِّوَايَة، ثمَّ ذكر مِمَّا يُنكر عَلَيْهِ أَحَادِيث.
وَكَذَلِكَ فعل أَبُو أَحْمد بن عدي، وَذكر من جملَة مَا يُنكر عَلَيْهِ هَذَا الحَدِيث، قَالَ: وَبِه يعرف، قَالَ: وَعَامة حَدِيثه الضعْف عَلَيْهِ بَين.
وكل مَا ذكر لَهُ من الحَدِيث قَالَ فِيهِ: غير مَحْفُوظ - يَعْنِي لغيره -.
وَأما كَلَام أبي عمر بن عبد الْبر الَّذِي اخْتَصَرَهُ أَبُو مُحَمَّد، وَاعْتَمدهُ فَإِن نَصه فِي مَوْضِعه هُوَ هَذَا: فَإِن قَالَ قَائِل: إِن عبد الله بن المؤمل لَيْسَ مِمَّن يحْتَج(5/156)
بحَديثه لضَعْفه، وَقد انْفَرد بِهَذَا الحَدِيث، قيل لَهُ: هُوَ سيئ الْحِفْظ، فَلذَلِك اضْطَرَبَتْ الرِّوَايَة عَنهُ، وَمَا علمنَا لَهُ جرحة تسْقط عَدَالَته وَقد روى عَنهُ جمَاعَة من جلة الْعلمَاء، وَفِي ذَلِك مَا يرفع من حَاله، وَالِاضْطِرَاب عَنهُ لَا يسْقط حَدِيثه، لِأَن الِاخْتِلَاف على ألأئمة كثير، وَلم يقْدَح ذَلِك فِي روايتهم، وَقد اتّفق شَاهِدَانِ عَدْلَانِ عَلَيْهِ، وهما: الشَّافِعِي، وَأَبُو نعيم، وَلَيْسَ من لم يحفظ وَلم يقم، حجَّة على من أَقَامَ وَحفظ. انْتهى كَلَام ابْن عبد الْبر.
[.....] فَلذَلِك [ ... .] وَحين قَالَ: وَالِاضْطِرَاب عَنهُ لَا يسْقط حَدِيثه، لِأَن الِاخْتِلَاف على الْأَئِمَّة كثير إِلَى آخِره أعطي نقيض ذَلِك، وَجعل الِاضْطِرَاب فِيمَا روى عَنهُ من رُوَاته لَا مِنْهُ، وَالْحق فِي أمره أَنه - لسوء حفظه - اضْطِرَاب مَا رُوِيَ عَنهُ، فلنبين مَا عَنهُ فِي هَذَا الحَدِيث.
رَوَاهُ عَنهُ سُرَيج بن النُّعْمَان - وَهُوَ ثِقَة - فَقَالَ عَنهُ: عَن عَطاء، عَن صَفِيَّة بنت شيبَة، عَن حَبِيبَة بنت أبي تجراة، قَالَت: رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذكرت اللَّفْظ الْمَذْكُور، وَهَذَا هُوَ إِسْنَاده، رَوَاهُ عَن سُرَيج بن النُّعْمَان أَبُو بكر ابْن أبي خَيْثَمَة، وَعَن ابْن أبي خَيْثَمَة قَاسم بن أصبغ، وَفِيه انْقِطَاع كَمَا قُلْنَاهُ، وَذَلِكَ مُبين فِي كتاب التَّمْهِيد بتبيين أبي عمر نَفسه، وَأعْرض عَنهُ أَبُو مُحَمَّد، وَذَلِكَ أَنه قَالَ: هَكَذَا قَالَ: " عَن عبد الله بن المؤمل "، عَن عَطاء وَبَينهمَا فِي هَذَا الحَدِيث عمر بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَيْصِن السَّهْمِي.(5/157)
ثمَّ أورد كَذَلِك رِوَايَة أبي نعيم، عَن عبد الله بن المؤمل، عَن عمر بن عبد الرَّحْمَن السَّهْمِي، عَن عَطاء، عَن صَفِيَّة بنت شيبَة، عَن حَبِيبَة بنت أبي تجرأة - امْرَأَة من أهل الْيمن - قَالَت: " لما سعى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَين الصَّفَا والمروة، دَخَلنَا فِي دَار آل أبي حُسَيْن فِي نسْوَة من قُرَيْش، فَرَأَيْت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يسْعَى فِي بطن الْوَادي، وَهُوَ يَقُول: اسْعوا فَإِن الله كتب عَلَيْكُم السَّعْي ".
هَذَا هُوَ اللَّفْظ الَّذِي اتَّصل عِنْده سَنَده، وَأَبُو مُحَمَّد إِنَّمَا سَاق اللَّفْظ الَّذِي إِسْنَاده مُنْقَطع بِسُقُوط ابْن مُحَيْصِن مِنْهُ بَين ابْن مُؤَمل وَعَطَاء.
وَفِي هَذَا الْمُتَّصِل وهم نبه عَلَيْهِ أَيْضا أَبُو عمر نَفسه، وَهُوَ قَوْله: " امْرَأَة من أهل الْيمن ". قَالَ أَبُو عمر: قَول أبي نعيم: امْرَأَة من أهل الْيمن لَيْسَ بِشَيْء، قَالَ: وَالصَّوَاب مَا قَالَ الشَّافِعِي.
ثمَّ أورد رِوَايَة الشَّافِعِي من طَرِيق الطَّحَاوِيّ، قَالَ: حَدثنَا الْمُزنِيّ، حَدثنَا الشَّافِعِي، أخبرنَا عبد الله بن المؤمل العائدي، عَن عمر بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَيْصِن، [عَن عَطاء بن أبي رَبَاح، عَن صَفِيَّة بنت شيبَة، قَالَت: أَخْبَرتنِي ابْنة أبي تجراة، إِحْدَى نسَاء بني عبد الدَّار، قَالَت: " دخلت مَعَ نسْوَة من قُرَيْش دَار أبي حُسَيْن] نَنْظُر إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ يسْعَى " الحَدِيث.
قَالَ أَبُو عمر: وَذكره أَبُو بكر بن أبي شيبَة فَأَخْطَأَ فِي إِسْنَاده، وَهُوَ، أَو مُحَمَّد بن بشر فِي موضِعين: أَحدهمَا أَنه جعل بدل ابْن مُحَيْصِن عبد الله بن أبي حُسَيْن، وَالْآخر أَنه أسقط صَفِيَّة بنت شيبَة.
كَذَا قَالَ أَبُو عمر، وَعِنْدِي أَن الْخَطَأ فِيهِ إِنَّمَا هُوَ من عبد الله بن المؤمل، فَإِن(5/158)
مُحَمَّد بن بشر رِوَايَة عَنهُ ثِقَة، وَابْن أبي شيبَة إِمَام، وَعبد الله بن المؤمل، يحْتَمل - بِسوء حفظه - أَن يحمل عَلَيْهِ، وَقد ظهر اضطرابه فِي هَذَا الحَدِيث.
وَعنهُ أَيْضا فِيهِ خطأ آخر، رَوَاهُ عَنهُ مُحَمَّد بن سِنَان العوقي، وَذَلِكَ أَنه قَالَ فِيهِ، عَن عبد الله بن المؤمل أَن الطّواف الْمَذْكُور كَانَ حول الْبَيْت، وَأسْقط من الْإِسْنَاد عَطاء.
ذكره أَبُو جَعْفَر الْعقيلِيّ، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن أَيُّوب، قَالَ: أخبرنَا مُحَمَّد بن سِنَان العوقي، أخبرنَا عبد الله بن المؤمل، قَالَ: أخبرنَا عمر بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَيْصِن السَّهْمِي، عَن صَفِيَّة بنت شيبَة، عَن امْرَأَة يُقَال لَهَا: حَبِيبَة بنت أبي تجراة، قَالَت: " دخلت الْمَسْجِد أَنا ونسوة معي من قُرَيْش، قَالَت: وَالنَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يطوف بِالْبَيْتِ، قَالَت: إِنَّه ليسعى حَتَّى إِنِّي لأرثي لَهُ وَهُوَ يَقُول لأَصْحَابه: اسْعوا فَإِن الله كتب عَلَيْكُم السَّعْي ".
كل هَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ ذكره أَبُو عمر، قَالَ: وَالصَّحِيح فِي إِسْنَاده وَمَتنه مَا ذكر الشَّافِعِي، وَأَبُو نعيم، إِلَّا قَول أبي نعيم: " من أهل الْيمن "، فَلَيْسَ بِشَيْء.
قلت: وَقد روى يُوسُف بن مُحَمَّد، ومعاذ بن هَانِئ، عَن عبد الله بن المؤمل مثل رِوَايَة الشَّافِعِي، وَذكر ذَلِك الدَّارَقُطْنِيّ.
فَهَذَا الِاضْطِرَاب بِإِسْقَاط عَطاء تَارَة، وَابْن مُحَيْصِن أُخْرَى، وَصفِيَّة بنت شيبَة أُخْرَى، وإبدال ابْن مُحَيْصِن بِابْن أبي حُسَيْن أُخْرَى، وَجعل الْمَرْأَة عبدرية تَارَة، وَمن أهل الْيمن أُخْرَى، وَفِي الطّواف تَارَة وَفِي السَّعْي [بَين الصَّفَا والمروة أُخْرَى من عبد الله بن المؤمل هُوَ دَلِيل على سوء حفظه وَقلة ضَبطه. و] مَا عهد [من أبي مُحَمَّد، هُوَ رد رِوَايَات ابْن المؤمل.(5/159)
(2395) فقد ذكر حَدِيث] " مَاء زَمْزَم لما شرب لَهُ ".
فأعله بِعَبْد الله ابْن المؤمل، فَإِنَّهُ تَبرأ من عهدته بإبرازه عَن أبي الزبير عَن جَابر. وَمَا أرَاهُ يعْتَقد فِي هَذَا الحَدِيث الصِّحَّة، وَلَكِن كَلَامه يوهمها، فقصدنا بَيَان الصَّوَاب فِيهِ، وَقد فعلنَا، وَالله الْمُوفق.
(2396) وَذكر بعده من طَرِيق النَّسَائِيّ، عَن صَفِيَّة بنت شيبَة، عَن امْرَأَة قَالَت: رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يسْعَى فِي المسيل وَيَقُول: " لَا يقطع الْوَادي إِلَّا شدا "
ثمَّ قَالَ: قَالَ أَبُو عمر وَذكر هَذَا الحَدِيث: هَذَا يبين صِحَة مَا قَالَه عبد الله ابْن المؤمل. انْتهى كَلَامه.
فَأَقُول: هَذَا الحَدِيث صَحِيح إِلَى هَذِه الْمَرْأَة الَّتِي زعمت أَنَّهَا سَمِعت وَرَأَتْ، وَلَيْسَ فِيهِ معنى الأول، وَهُوَ قَوْله: " اسْعوا فَإِن الله كتب عَلَيْكُم السَّعْي ".
قَالَ النَّسَائِيّ: أخبرنَا قُتَيْبَة بن سعيد، قَالَ: حَدثنَا حَمَّاد بن زيد، عَن بديل، عَن الْمُغيرَة بن حَكِيم، عَن صَفِيَّة، فَذكره.
والمغيرة ثِقَة، وَبُدَيْل بن ميسرَة الْعقيلِيّ ثِقَة، وَقد روى هَذَا عَن الْمُغيرَة بن حَكِيم من لَا يحْتَج بِهِ، وَهُوَ الْمثنى بن صباح، فَجعله كَحَدِيث عبد الله بن المؤمل، إِلَّا أَنه سمى الْمَرْأَة، قَالَ فِيهِ: عَن الْمُغيرَة بن حَكِيم، عَن صَفِيَّة بنت شيبَة، عَن تملك الشيبية قَالَت: نظرت إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَنا فِي غرفَة لي(5/160)
بَين الصَّفَا والمروة وَهُوَ يَقُول: " يَا أَيهَا النَّاس، إِن الله كتب عَلَيْكُم السَّعْي فَاسْعَوْا ".
روى ذَلِك الثَّوْريّ عَن الْمثنى، ذكره الْعقيلِيّ.
(2397) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن الْمِقْدَام بن معد يكرب، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " للشهيد عِنْد الله سِتّ خِصَال ".
ثمَّ أتبعه قَول التِّرْمِذِيّ فِيهِ: حسن صَحِيح غَرِيب.
فَلَو سكت عَنهُ، قُلْنَا: تسَامح فِيهِ، لِأَنَّهُ من أَحَادِيث فَضَائِل الْأَعْمَال، فَأَما بِمَا أتبعه من هَذَا القَوْل فقد حكم عَلَيْهِ بِالصِّحَّةِ.
وَإِسْنَاده عِنْد التِّرْمِذِيّ [هُوَ هَذَا، حَدثنَا عبد الله بن عبد الرَّحْمَن، حَدثنَا نعيم بن حَمَّاد] ، حَدثنَا بَقِيَّة بن [الْوَلِيد، عَن بحير بن سعد، عَن خَالِد بن معدان، عَن الْمِقْدَام بن معد يكرب، قَالَ] : قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. فَذكره.
وَقد تقدم لَهُ فِي كتاب الْعلم ذكر مَا لَهُم فِي نعيم بن حَمَّاد: من أَنه اتهمَ بِوَضْع الحَدِيث فِي تَقْوِيَة السّنة، وتوثيق من وَثَّقَهُ.
وَتقدم أَيْضا مَا اعتراه فِي بَقِيَّة من الِاضْطِرَاب إِلَّا أَنه فِي أَكثر أمره يَقُول: أحسن حَدِيثه مَا كَانَ عَن بحير بن سعد، فَالَّذِي يَنْبَغِي أَن يُقَال: إِن هَذَا الحَدِيث حسن.(5/161)
(2398) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أفضل الصَّدقَات ظلّ فسطاط فِي سَبِيل الله " الحَدِيث.
ثمَّ أتبعه قَول التِّرْمِذِيّ فِيهِ: حسن صَحِيح.
والْحَدِيث عِنْد التِّرْمِذِيّ فِيهِ هَكَذَا: حَدثنَا زِيَاد بن أَيُّوب، حَدثنَا يزِيد بن هَارُون، أخبرنَا الْوَلِيد بن جميل، عَن الْقَاسِم أبي عبد الرَّحْمَن، عَن أبي أُمَامَة. فَذكره.
وَالقَاسِم مُخْتَلف فِيهِ، فَحق الحَدِيث أَن يُقَال فِيهِ: حسن.
(2399) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، حَدِيث عبد الله بن عَمْرو ": أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أمره أَن يُجهز جَيْشًا، فنفدت الْإِبِل ". الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: يرويهِ مُحَمَّد بن إِسْحَاق، وَاخْتلف عَنهُ فِي إِسْنَاده، والْحَدِيث مَشْهُور.
كَذَا قَالَ، وَهُوَ قَول تبع فِيهِ غَيره، والشهرة لَا تَنْفَعهُ، فَإِن الضَّعِيف قد يشْتَهر.(5/162)
وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف يريوه حَمَّاد بن سَلمَة، عَن ابْن اسحاق عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن مُسلم بن جُبَير، عَن [أبي سُفْيَان، عَن عَمْرو بن حريش، عَن عبد الله بن عَمْرو، هَكَذَا ذكره [أَبُو دَاوُد الَّذِي أوردهُ هُوَ من عِنْده، وَرَوَاهُ جرير بن حَازِم، عَن ابْن إِسْحَاق، فأسقط يزِيد بن أبي حبيب، وَقدم أَبَا سُفْيَان [على مُسلم بن جُبَير، فَقَالَ فِيهِ: عَن ابْن إِسْحَاق، عَن أبي سُفْيَان، عَن مُسلم ابْن جُبَير، عَن عَمْرو بن حريش، وَذكر هَذِه الرِّوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ.
وَرَوَاهُ عَفَّان، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، فَقَالَ فِيهِ: عَن ابْن إِسْحَاق، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن مُسلم بن أبي سُفْيَان، عَن عَمْرو بن حريش.
وروراه عَن عبد الْأَعْلَى، عَن ابْن إِسْحَاق، عَن أبي سُفْيَان، عَن مُسلم بن كثير، عَن عَمْرو بن حريش. فَذكره.
وَرَوَاهُ عَن عبد الْأَعْلَى ابْن أبي شيبَة، فأسقط يزِيد بن أبي حبيب وَقدم أَبَا سُفْيَان] ، كَمَا فعل جرير بن حَازِم، إِلَّا أَنه قَالَ فِي مُسلم بن جُبَير: مُسلم بن كثير.
فَاعْلَم بعد هَذَا الِاضْطِرَاب أَن عَمْرو بن حريش، أَبَا مُحَمَّد الزبيدِيّ، مَجْهُول الْحَال، وَمُسلم بن جُبَير لم أجد لَهُ ذكرا، وَلَا أعلمهُ فِي غير هَذَا الْإِسْنَاد، وَكَذَلِكَ مُسلم بن كثير مَجْهُول الْحَال أَيْضا [إِذا كَانَ عَن أبي سُفْيَان وَأَبُو سُفْيَان فِيهِ نظر. وَأما] ، الِاضْطِرَاب [الَّذِي فِيهِ فَإِنَّهُ تَارَة يَقُول: أَبُو سُفْيَان، عَن مُسلم بن جُبَير، وَتارَة] مُسلم بن جُبَير عَنهُ. وَتارَة: أَبُو سُفْيَان [عَن] مُسلم بن كثير.(5/163)
وَذكر أَبُو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم، فَقَالَ: أَبُو سُفْيَان: مُسلم بن كثير، عَن عَمْرو بن حريش، روى عَنهُ مُحَمَّد بن إِسْحَاق.
فبحسب هَذَا الاظطراب فِيهِ، لم يتَحَصَّل من أمره شَيْء يجب أَن يعْتَمد عَلَيْهِ، وَلَكِن مَعَ هَذَا فَإِن عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ، قَالَ: قلت ليحيى بن معِين: مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن أبي سُفْيَان، مَا حَال أبي سُفْيَان هَذَا؟ فَقَالَ: ثِقَة مَشْهُور.
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِيهِ: عَن مُسلم بن كثير، عَن عَمْرو بن حريش: هَذَا حَدِيث مَشْهُور.
فَالله أعلم أَن كَانَ الْأَمر هَكَذَا، وَقد اسْتَقل تَعْلِيل الحَدِيث بِغَيْرِهِ، فَهُوَ لَا يَصح، فَاعْلَم ذَلِك.
(2400) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ حَدِيث عُرْوَة بن الْجَعْد فِي الدِّينَار الَّذِي دَفعه إِلَيْهِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ليَشْتَرِي لَهُ شَاة، فَاشْترى لَهُ شَاتين. الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ بعد كَلَام: وَأخرجه البُخَارِيّ عَن شبيب بن غرقدة، قَالَ: سَمِعت الْحَيّ يتحدثون عَن عُرْوَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أعطَاهُ دِينَارا، فكذر الحَدِيث. انْتهى مَا ذكر.
وَهُوَ كَمَا نقل، مَا أخل فِيهِ بِشَيْء، غير أَنه يجب أَن تعرف أَن نِسْبَة الْخَبَر(5/164)
إِلَى البُخَارِيّ، كَمَا ينْسب إِلَيْهِ مَا يخرج من صَحِيح الحَدِيث، خطأ، فَإِنَّهُ رَحمَه الله قد يعلق مَا لَيْسَ من شَرطه إِثْر التراجم، وَقد يترجم بِأَلْفَاظ أَحَادِيث غير صَحِيحَة، ويورد الْأَحَادِيث مُرْسلَة، فَلَا يَنْبَغِي أَن يعْتَقد فِي هَذِه كلهَا أَن مذْهبه صِحَّتهَا، بل لَيْسَ ذَلِك بِمذهب، إِلَّا فِيمَا يُورِدهُ بِإِسْنَادِهِ موصلاً، على نَحْو مَا عرف من شَرطه.
وَلم يعرف من مذْهبه تَصْحِيح حَدِيث فِي إِسْنَاده من لم يسم، كَهَذا الحَدِيث، بل يكون عِنْده بِحكم الْمُرْسل، فَإِن الْحَيّ الَّذِي حدث شبيباً لَا يعْرفُونَ، وَلَا بُد أَنهم محصورون فِي عدد، وتوهم أَن الْعدَد الَّذِي حَدثهُ عدد يحصل بخبرهم التَّوَاتُر بِحَيْثُ لَا يوضع فيهم النّظر بِالْجرْحِ وَالتَّعْدِيل يكون خطأ، فَإِذن فَالْحَدِيث هَكَذَا مُنْقَطع [لإبهام الْوَاسِطَة فِيهِ بَين شبيب وَعُرْوَة، والمتصل مِنْهُ هُوَ مَا]
فِي آخِره من ذكر الْخَيل، وَأَنَّهَا مَعْقُود فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
وَلذَلِك أتبعه الْأَحَادِيث بذلك من رِوَايَة ابْن عمر، وَأنس، وَأبي هُرَيْرَة، وَكلهَا فِي الْخَيل.
ولنورد مَا أوردهُ بنصه ليَكُون تبين ذَلِك أمكن.
ذكر فِي بَاب سُؤال الْمُشْركين النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يُرِيهم آيَة فَأَرَاهُم انْشِقَاق الْقَمَر أَحَادِيث، فِيهَا إخْبَاره عَمَّا يكون، فَكَانَ مِنْهَا: حَدثنَا عَليّ بن عبد الله، حَدثنَا سُفْيَان، حَدثنَا شبيب بن غرقدة، قَالَ: سَمِعت الْحَيّ يتحدثون عَن عُرْوَة " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أعطَاهُ دِينَارا يَشْتَرِي لَهُ بِهِ شَاة، فَاشْترى لَهُ شَاتين، فَبَاعَ إِحْدَاهمَا بِدِينَار، فَجَاءَهُ بِدِينَار وشَاة، فَدَعَا لَهُ بِالْبركَةِ فِي بَيْعه، وَكَانَ لَو(5/165)
اشْترى التُّرَاب لربح فِيهِ ".
قَالَ سُفْيَان: كَانَ الْحسن بن عمَارَة جَاءَنَا بِهَذَا الحَدِيث عَنهُ، قَالَ: سَمعه شبيب من عُرْوَة فَأَتَيْته، فَقَالَ: شبيب: إِنِّي لم أسمعهُ من عُرْوَة، قَالَ: سَمِعت الْحَيّ يخبرونه عَنهُ، وَلَكِن سمعته يَقُول: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " الْخَيْر مَعْقُود بنواصي الْخَيل إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ".
قَالَ: وَقد رَأَيْت فِي دَاره سبعين فرسا.
قَالَ سُفْيَان: يَشْتَرِي لَهُ شَاة كَأَنَّهَا أضْحِية. انْتهى مَا أورد البُخَارِيّ بنصه.
(2401) وَبعده عِنْده عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْخَيل مَعْقُود فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ".
(2402) وَبعده عَن أنس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْخَيل مَعْقُود فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ".
(2403) وَبعده عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْخَيل ثَلَاثَة: لرجل أجر، ولرجل ستر، وعَلى رجل وزر ". وَقَبله: " وَلَا تزَال أمتِي قَائِمَة بِأَمْر الله لَا يضرهم من خالفهم ".
(2404) وَقَبله حَدِيث آخر من نَحْو ذَلِك.(5/166)
فقد ترى من هَذَا أَن [ ... ] تَتَضَمَّن أَنه عَلَيْهِ [ ... .] " الْخَيل فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْر " فأورد بِهِ حَدِيث عُرْوَة وَمَا بعده وَاعْتمد فِيهِ إِسْنَاد سُفْيَان، عَن شبيب بن غرقدة، قَالَ: سَمِعت عُرْوَة، وَجرى فِي سِيَاق الْقِصَّة من قصَّة الدِّينَار مَا لَيْسَ من مَقْصُوده وَلَا على شَرطه مِمَّا حدث بِهِ شبيب عَن الْحَيّ، عَن عُرْوَة، فَاعْلَم ذَلِك.
(2405) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، من حَدِيث أبي عَامر الخزاز:(5/167)
صَالح بن رستم قَالَ: وَلَا بَأْس بِهِ عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: " قَالَ رجل: يَا رَسُول الله، مِم أضْرب يَتِيمِي " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ إِلَّا مَا أبرز من إِسْنَاده، كَأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نظر فِي غَيره.
وَهُوَ عِنْد أبي أَحْمد هَكَذَا: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن عَليّ الْعمريّ، قَالَ: حَدثنَا مُعلى بن مهْدي، قَالَ: أخبرنَا جَعْفَر بن سُلَيْمَان الضبعِي، عَن أبي عَامر الخزاز، فَذكره.
وجعفر بن سُلَيْمَان يضعف، وَهُوَ رَافِضِي، وَإِن كَانَ قد أخرج لَهُ مُسلم، وَأرى أَن أَبَا مُحَمَّد يقبل أَحَادِيثه، وَقد نبهنا على جملَة من ذَلِك.
وَمعلى بن مهْدي رُبمَا حدث بالمنكر، وَإِنَّمَا كتبناه فِي هَذَا الْبَاب لِأَنَّهُ يَقُول فِي أبي عَامر: لَا بَأْس بِهِ، كالمصحح لَهُ.
(2406) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: قَالَ(5/169)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن الله ليغار لعَبْدِهِ الْمُسلم، فليغر لنَفسِهِ ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح، خرجه فِي كتاب الْعِلَل.
كَذَا قَالَ: إِن الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ فِيهِ: صَحِيح، وَالدَّارَقُطْنِيّ لم يقل شَيْئا من(5/170)
ذَلِك، وَإِنَّمَا أورد الحَدِيث، وَذكر الْخلاف فِي وَقفه وَرَفعه، ثمَّ قَالَ: وَالصَّحِيح مَرْفُوع، وَهَذَا اللَّفْظ قد يَقُوله فِي حديثين ضعيفين: أَحدهمَا مَوْقُوف، وَالْآخر مَرْفُوع، من رِوَايَة رجل وَاحِد اخْتلف عَلَيْهِ فِيهِ، فَلَا يخرج من ذَلِك تَصْحِيح أَحدهمَا.
والْحَدِيث الْمَذْكُور لَا يَصح، فَإِنَّهُ عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ هَكَذَا: أخبرنَا [أَبُو مُحَمَّد بن صاعد، والمحاملي، القَاضِي، حَدثنَا أَبُو هِشَام] الرِّفَاعِي، [حَدثنَا وَكِيع، حَدثنَا سُفْيَان، عَن عبد الْأَعْلَى، عَن أبي عُبَيْدَة] ، عَن أمه، عَن عبد الله، قَالَ رَسُول الله: " إِن الله ليغار لعَبْدِهِ الْمُسلم فليغر لنَفسِهِ ".
وَأم أبي عُبَيْدَة، زوج ابْن مَسْعُود لَا يعرف لَهَا حَال، وَلَيْسَت زَيْنَب امْرَأَة عبد الله الثقفية، تِلْكَ صحابية، رويت عَنْهَا أَحَادِيث، وعاش ابْن مَسْعُود بعد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى سنة ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ، فَلَا أبعد أَن يتَزَوَّج من لَا صُحْبَة لَهَا.
وَأَبُو عُبَيْدَة لَا يذكر من أَبِيه شَيْئا.
(2407) وَذكر فِي طَرِيق أبي أَحْمد، من حَدِيث عبد الله بن يحيى بن(5/171)
أبي كثير وَكَانَ من خِيَار النَّاس وَأهل الدَّين والورع، عَن أَبِيه، عَن رجل من الْأَنْصَار: أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نهى عَن أكل أُذُنِي الْقلب ".
ثمَّ قَالَ: رَوَاهُ إِسْرَائِيل بن أبي إِسْحَاق، عَن عبد الله بن يحيى بن أبي كثير.
وَرَوَاهُ أَيْضا يحيى بن إِسْحَاق البَجلِيّ، فَقَالَ: عَن عبد الله بن يحيى بن أبي كثير، عَن أَبِيه، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن أكل أُذُنِي الْقلب ".
قَالَ: وَلم أجد فِيهِ يَعْنِي فِي عبد الله هَذَا للْمُتَقَدِّمين كلَاما، وَقد أثنى عَلَيْهِ إِسْحَاق بن أبي إِسْرَائِيل، وأرجوا أَنه لَا بَأْس بِهِ، وَلَا أعرف لَهُ شَيْئا أنكرهُ(5/172)
إِلَّا: " نهى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن أكل أُذُنِي الْقلب ".
ثمَّ قَالَ أَبُو مُحَمَّد: كَذَا قَالَ: " لم أجد فِيهِ للْمُتَقَدِّمين كلَاما "، وَقد قَالَ فِيهِ أَحْمد بن حَنْبَل: ثِقَة لَا بَأْس بِهِ.
وَقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: صَدُوق. انْتهى مَا ذكر بنصه.
وَيظْهر مِنْهُ أَن الحَدِيث عِنْده لَا عيب فِيهِ، وَذَلِكَ من حَيْثُ اعْتمد تَوْثِيق عبد الله بن يحيى، وَأعْرض عَمَّا سواهُ.
وَإِن أول مَا نبين من أمره، الْخَطَأ فِي قَوْله: رَوَاهُ إِسْرَائِيل بن أبي إِسْحَاق، وَإِنَّمَا صَوَابه: إِسْحَاق بن أبي إِسْرَائِيل.
وَقد بَينا ذَلِك فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي نسبت إِلَى غير رواتها وَقد عَاد هُوَ إِلَى النُّطْق بِهِ صَوَابا فِي قَوْله: وَقد أثنى عَلَيْهِ إِسْحَاق بن أبي إِسْرَائِيل. ونبين [الْآن نه لَا يُمكن اعْتِبَار مَا ذكر ابْن عدي فِي عبد الله بن يحيى من قَوْله:] وَكَانَ من خِيَار [النَّاس وَأهل الدَّين والورع توثيقاً إِذْ الثَّنَاء عَلَيْهِ بالخيرية وَالدّين لَا يقتضى ذَلِك. وَأَبُو] مُحَمَّد قد اضْطربَ فِيمَا يكون هَكَذَا، عَن رجل لَا يعرف أَنه من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا من قَوْله، وَلم يقل ذَلِك عَنهُ التَّابِعِيّ.
وَقد مر ذكر عمله فِي ذَلِك مستوعباً.(5/173)
وَهَذَا مِمَّا يُنبئ عَن ضعف ذَلِك، فَإِن هَذَا الْأنْصَارِيّ لم يقل: إِنَّه رأى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَلَا أَنه سمع مِنْهُ، وَلَعَلَّه تَابِعِيّ، وحاله مَجْهُولَة.
وَهَذَا هُوَ الَّذِي يغلب على الظَّن فِيهِ، فَإِن يحيى بن أبي كثير لم يرو عَن صَاحب، إِلَّا أَنه رأى أنس بن مَالك، وَلم يسمع مِنْهُ، وَإِنَّمَا يُرْسل عَنهُ.
وَأَبُو دَاوُد رَحمَه الله قد أورد هَذَا الحَدِيث فِي الْمَرَاسِيل من أجل هَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ، فَإِن الْإِسْنَاد الَّذِي سَاقه بِهِ مُتَّصِل إِلَى هَذَا الرجل.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُسَدّد، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن يحيى بن أبي كثير، عَن أَبِيه، قَالَ: حَدثنِي رجل من الْأَنْصَار " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نهى عَن أكل أُذُنِي الْقلب ".
فَهَذَا بَيَان إرْسَاله عِنْده، وَأَبُو مُحَمَّد لم يعرض للْحَدِيث من هَذِه الْجِهَة.
وَإِلَى ذَلِك، فَإِن إِسْحَاق بن أبي إِسْرَائِيل وَإِن كَانَ من أهل الصدْق، وَمِمَّنْ كَانَ النَّاس إِلَيْهِ عنقًا وَاحِدَة للأخذ عَنهُ، وَالرِّضَا بِهِ، فَإِنَّهُ بعد أَن أظهر الْوَقْف فِي الْقُرْآن تَرَكُوهُ، وهجروه، وفسدت عِنْدهم رِوَايَته، لما ظهر من فَسَاد رَأْيه، وأحر بِهِ أَن لَا يقبل مِنْهُ حرف مَعَ ذَلِك من حَاله.
وَأما عبد الله بن يحيى فَثِقَة.
(2408) وَقد سَاق عَنهُ مُسلم فِي كِتَابه، عَن أَبِيه يحيى بن أبي كثير: " لَا يُسْتَطَاع الْعلم براحة الْجِسْم ". فَاعْلَم ذَلِك.
(2409) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ، عَن أبي أَفْلح الْهَمدَانِي، عَن عبد الله(5/174)
ابْن زرير أَنه سمع عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: " إِن نَبِي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَخذ حَرِيرًا فِي يَمِينه، وَأخذ ذَهَبا فَجعله فِي شِمَاله، ثمَّ قَالَ: إِن هذَيْن حرَام على ذُكُور أمتِي "
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ عَن ابْن الْمَدِينِيّ: إِنَّه حَدِيث حسن، [رِجَاله معروفون. هَكَذَا قَالَ، وَأَبُو أَفْلح مَجْهُول، وَعبد الله بن زرير] مَجْهُول الْحَال.
(2410) [وَذكر من عِنْد التِّرْمِذِيّ حَدِيث جَابر: " السَّلَام قبل الْكَلَام ".(5/179)
وَضَعفه بِتَضْعِيف التِّرْمِذِيّ لَهُ، من أجل عَنْبَسَة بن عبد الرَّحْمَن] .
قَالَ: وَأحسن من هَذَا مَا ذكر أَبُو أَحْمد من حَدِيث عبد الْعَزِيز بن أبي رواد، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " السَّلَام قبل السُّؤَال، من بَدَأَكُمْ بالسؤال قبل الْكَلَام فَلَا تجيبوه ".
كَذَا أورد هَذَا الحَدِيث، وَأَبُو أَحْمد يرويهِ من طَرِيق حَفْص بن عمر الْأَيْلِي، عَن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد.
وَحَفْص بن عمر الْأَيْلِي، هُوَ حَفْص بن عمر بن مَيْمُون، أَبُو إِسْمَاعِيل، وَالِد إِسْمَاعِيل بن حَفْص، سمع مِنْهُ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ، وَقَالَ: كَانَ شَيخا كذابا.
(2411) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار، عَن الْحر بن مَالك، عَن مبارك بن فضَالة،(5/181)
عَن الْحسن، عَن أبي بكرَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا قَود إِلَّا بِالسَّيْفِ ".
ثمَّ قَالَ: أسْندهُ الْحر بن مَالك هَذَا، وَكَانَ لَا بَأْس بِهِ، وَالنَّاس يرسلونه عَن الْحسن. انْتهى كَلَامه.
هَذَا الحَدِيث، كَأَنَّهُ صَحِيح عِنْده من قَوْله هَذَا، وَالْبَزَّار إِنَّمَا يرويهِ عَن شيخ لَهُ، يُقَال لَهُ: أَبُو زيد الْأَيْلِي، عَن الْحر بن مَالك الْمَذْكُور، وَلَا أعرف حَال أبي زيد هَذَا، وَقد ترك من كَلَام الْبَزَّار بَعْضًا، وَنقل بَعْضًا، وَذَلِكَ أَن البزارأتبعه أَن قَالَ: لَا نعلم أحدا أسْندهُ بِأَحْسَن من هَذَا الْإِسْنَاد، وَلَا نعلم أحدا قَالَ: عَن أبي بكرَة، إِلَّا الْحر بن مَالك، وَلم يكن بِهِ بَأْس، وَأَحْسبهُ أَخطَأ فِي هَذَا الحَدِيث، لِأَن النَّاس يَرْوُونَهُ عَن الْحسن مُرْسلا. انْتهى كَلَام الْبَزَّار.
وَكَذَا قَالَ أَبُو حَاتِم فِي الْحر بن مَالك: " لَا بَأْس بِهِ ".(5/184)
\ ومبارك بن فضَالة، وثقة قوم وَضَعفه آخَرُونَ، وَكَانَ ابْن مهْدي لَا يروي عَنهُ، وَأنكر عَلَيْهِ أَحْمد قَوْله فِي غير حَدِيث عَن الْحسن: حَدثنَا عمرَان، وَأَصْحَاب الْحسن لَا يَقُولُونَ ذَلِك، وَكَانَ يُدَلس.
قَالَ ابو زرْعَة: كَانَ يُدَلس كثيرا.
وَقَالَ يحيى الْقطَّان: لم أقبل مِنْهُ شَيْئا قطّ إِلَّا شَيْئا يَقُول فِيهِ: حَدثنَا وَحَدِيثه هَذَا لم يقل فِيهِ حَدثنَا، وَإِنَّمَا رَوَاهُ بِلَفْظَة " عَن ".
وَقَول الْبَزَّار: لَا نعلم أحدا قَالَ فِيهِ: عَن مبارك، عَن الْحسن، عَن أبي بكرَة غير الْحر بن مَالك، فَإِنَّهُ قد قَالَ ذَلِك عَن مبارك [بِحَسب علمه، وَإِلَّا، فَلَيْسَ الْأَمر فِيهِ كَمَا ذكر] .(5/185)
(10) بَاب ذكر أَحَادِيث أتبعهَا مِنْهُ كلَاما لَا يبين مِنْهُ مذْهبه فِيهَا فنبين أحوالها من صِحَة أَو سقم أَو حسن(5/187)
هَذِه التَّرْجَمَة أغفلت كثيرا من مقتضاها، ثمَّ استدركت النّظر فِي المعثور عَلَيْهِ مِنْهُ
وَمَعْنَاهَا أَن الْأَحَادِيث الَّتِي صححها بسكوته عَنْهَا، وَالَّتِي أتبعهَا مِنْهُ كلَاما يقْضِي ظَاهره بِصِحَّتِهَا، وَالَّتِي لم يصححها، بل ضعفها أَو حسنها، كل قد علم مذْهبه فِيهَا.
فَأَما مَا نذكرهُ فِي هَذِه، فَمثل أَن يَقُول: هَذَا حَدِيث غَرِيب.
والغرابة تكون فِي الْأَنْوَاع الثَّلَاثَة فَإِنَّهَا فِي الْإِسْنَاد أَو فِي الْمَتْن، لَا تخص صنفا، وَالْأَمر فِيهَا بَين عِنْد أَصْحَاب هَذَا المصطلح.
وَمثل أَن يَقُول: هَذَا أصح من حَدِيث كَذَا، أَو أصح فِي الْبَاب وَهَذِه اللَّفْظَة قد تقال لتفضيل أحد المشتركين على الآخر فِيمَا اشْتَركَا فِيهِ، وَقد تقال وَلَا اشْتِرَاك بَينهمَا وَأَشْبَاه هَذَا مِمَّا يعرض فيتبين فِي نفس الْبَاب إِن شَاءَ الله تَعَالَى.(5/189)
(2412) فَمن ذَلِك أَنه ذكر حَدِيث عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا أحدث أحدكُم فِي صلَاته فليأخذ بِأَنْفِهِ ثمَّ لينصرف "
أتبعه أَن قَالَ: رَوَاهُ عَليّ بن طلق عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَقَالَ: " فلينصرف فَليَتَوَضَّأ، وليعد الصَّلَاة ". وَالْأول أصح إِسْنَادًا. انْتهى كَلَامه.
فَنَقُول: حَدِيث طلق الْمَذْكُور، نَقله من عِنْد أبي دَاوُد، وَإِسْنَاده هُوَ هَذَا: حَدثنَا عُثْمَان بن أبي شيبَة، حَدثنَا جرير بن عبد الحميد، عَن عَاصِم الْأَحول، عَن عِيسَى بن حطَّان، عَن مُسلم بن سَلام، عَن عَليّ بن طلق قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا فسا أحدكُم فِي الصَّلَاة فلينصرف، فَليَتَوَضَّأ، وليعد الصَّلَاة ".
وَمُسلم بن سَلام الْحَنَفِيّ، أَبُو عبد الْملك مَجْهُول الْحَال.
فَأَما عِيسَى بن حطَّان فَثِقَة، قَالَه الْكُوفِي، فَالْحَدِيث إِذن لَا يَصح، فَقَوله فِي حَدِيث عَائِشَة: إِنَّه أصح لَا يقْضِي لهَذَا بمشاركة [الأول فِي الصِّحَّة وَقد كرر أَبُو مُحَمَّد هَذَا] فِي مَوَاضِع حَتَّى لربما قَول الدَّارَقُطْنِيّ: إِنَّه صحّح حَدِيث ابْن عَبَّاس: " موت الْغَرِيب شَهَادَة "، وَالْبُخَارِيّ أَنه صحّح حَدِيث(5/191)
التَّكْبِير فِي الصَّلَاة فِي الْعِيدَيْنِ. أخذا من قَوْلهمَا: أصح، فَاعْلَم ذَلِك
(2413) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا حَدِيث ابْن عمر فِي حصا الْمَسْجِد من رِوَايَة عمر بن سليم، عَن أبي الْوَلِيد، قَالَ: سَأَلت ابْن عمر.
ثمَّ قَالَ بأثره: " أَبُو الْوَلِيد لَا أعلم روى عَنهُ إِلَّا عمر بن سليم، وَيُقَال: عَمْرو ".
هَذَا نَص مَا أتبعه، وَهُوَ إِمَّا تَضْعِيف للْخَبَر، وَإِمَّا موهم للضعف، لما قد علم من مذْهبه فِي رد رِوَايَة من لم يرو عَنهُ إِلَّا وَاحِد.
وَقد تقدم مِنْهُ فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: " هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ، الْحل ميتَته " إِيرَاد كَلَام أبي عمر بن عبد الْبر فِي تَصْحِيح البُخَارِيّ لَهُ، واعتراضه عَلَيْهِ فِي ذَلِك بِأَن قَالَ: سعيد بن سَلمَة، لَا يعلم روى عَنهُ غير صَفْوَان بن سليم، وَمن هَذِه حَاله فَكيف يحْتَج بحَديثه؟ .
(2414) وَلما ذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ حَدِيث عبَادَة " لَا تقرؤا بِشَيْء من الْقُرْآن إِذا جهرت، إِلَّا بِأم الْقُرْآن "، وَقَول الدَّارَقُطْنِيّ فِيهِ: حسن، رِجَاله ثِقَات.
اعْترض عَلَيْهِ بِأَن قَالَ: كَذَا قَالَ، وَنَافِع بن مَحْمُود هَذَا، لم يذكرهُ البُخَارِيّ فِي تَارِيخه، وَلَا ابْن أبي حَاتِم، وَلَا أخرج لَهُ مُسلم وَلَا البُخَارِيّ شَيْئا.
وَقَالَ فِيهِ أَبُو عمر: مَجْهُول. انْتهى قَوْله.(5/192)
وَقد سمع قَول الدَّارَقُطْنِيّ فِيهِ: ثِقَة، فَإذْ هَذَا مذْهبه فِيمَن لم يرو عَنهُ إِلَّا وَاحِد، فإتباعه الحَدِيث ان يَقُول: لم يرو عَن فلَان إِلَّا فلَان، وَلَا يعلم روى عَنهُ إِلَّا فلَان، تَضْعِيف للْحَدِيث بِكَوْن رِوَايَة مَجْهُولا.
إِذا تقرر هَذَا فَاعْلَم بعده أَن قَوْله كَانَ يُمكن فِيهِ أحد تأويلين، إِمَّا أَن يعلم أَن أَبَا الْوَلِيد الْمَذْكُور ثِقَة، مَعَ أَنه لم يرو عَنهُ غير عمر بن سليم، وَإِمَّا أَن لَا يعلم مِنْهُ أَكثر من أَن عمر بن سليم روى عَنهُ، لَا غير ذَلِك.
وَيَنْبَغِي أَن يحمل أمره على الأول، أَن يكون قد علم أَنه ثِقَة مَعَ أَنه لم يرو عَنهُ غير [عمر بن سليم، وَإِنَّمَا قلت: يَنْبَغِي أَن] يحمل كَلَامه على هَذَا، لِأَنِّي رَأَيْته فِي كِتَابه الْكَبِير الَّذِي يذكر فِيهِ الْأَحَادِيث بأسانيدها، قد ذكر هَذَا الحَدِيث بِإِسْنَادِهِ.
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: أَبُو الْوَلِيد، هُوَ عبد الله بن الْحَارِث ثِقَة مَعْرُوف.
فَإِذن لم يُطلق هَاهُنَا مَا أطلق إِلَّا ليعرف أَنه مِمَّن لم يرو عَنهُ إِلَّا وَاحِد فِي علمه.
وَيحْتَمل على بعد إِذْ كتب هَذَا الْموضع أَنه كَانَ قد نسي مَا حصل فِيهِ وَلم يُرَاجع النّظر، فَظَنهُ مَجْهُولا.
وَمن الْآن فَاعْلَم أَن أَبَا الْوَلِيد الَّذِي ذكر أَنه عبد الله بن الْحَارِث، هُوَ نسيب ابْن سِيرِين، وَزوج أُخْته، بَصرِي، أخرج لَهُ البُخَارِيّ، وَمُسلم، وَوَثَّقَهُ أَبُو زرْعَة، وروى عَنهُ جمَاعَة: أحدهم عمر بن سليم، وَهُوَ يروي عَن ابْن عمر. ذكر ذَلِك اللالكائي.(5/193)
وَعمر بن سليم مَعْدُود فِي جملَة من روى عَنهُ عِنْد ابْن أبي حَاتِم وَإِلَى هَذَا، فَالْحَدِيث لَا يَصح، فَإِن أَبَا الْوَلِيد هَذَا مَجْهُول لَا يعرف من هُوَ، وَلَيْسَ بِعَبْد الله بن الْحَارِث.
وَقد بَين ذَلِك الْعقيلِيّ، وَنَصّ مَا ذكر هُوَ أَن ترْجم باسم عمر بن سليم الْمُزنِيّ أبي حَفْص الْبَصْرِيّ، ثمَّ قَالَ: قَالَ البُخَارِيّ: كناه ابْن مهْدي وَنسبه، وَلَا يُتَابع، وَأَبُو الْوَلِيد لَا يعرف بِالنَّقْلِ.
وَهَذَا الحَدِيث حدّثنَاهُ سعيد بن عُثْمَان أَبُو أُميَّة الْأَهْوَازِي، قَالَ: حَدثنَا سهل بن تَمام، قَالَ: حَدثنَا عمر بن سليم، عَن أبي الْوَلِيد، قَالَ: سَأَلت ابْن عمر عَن الصُّفْرَة فِي الْمَسْجِد، فَقَالَ: رأى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي قبْلَة الْمَسْجِد نخامة فَقَالَ: " غير ذَا أحسن من ذَا " فَسَمعهُ الرجل فصفر مَكَانهَا، فَلَمَّا قضى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الصَّلَاة قَالَ: " هَذَا أحسن من ذَلِك "، فصفر النَّاس مَسَاجِدهمْ.
حدّثنَاهُ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل وَعلي بن عبد الْعَزِيز، قَالَا: حَدثنَا أَبُو معمر قَالَ: حَدثنَا عبد الْوَارِث، قَالَ: حَدثنَا عمر بن سليم، عَن أبي الْوَلِيد، عَن ابْن عمر نَحوه، وَلَا يعرف إِلَّا بِهِ، انْتهى مَا أورد.
وَعمر بن سليم الرواي عَنهُ هُنَا مزني وَهُوَ [غير الَّذِي روى حَدِيث التحصيب فَهُوَ باهلي فَخرج من هَذَا أَن أَبَا الْوَلِيد] الْمَذْكُور إِمَّا غير [مَعْرُوف أصلا، وَإِمَّا أَنه عبد الله بن الْحَارِث آخر، وَقد.(5/194)
ذكر الْبَزَّار حَدِيثا غير هذَيْن من رِوَايَة عبد الله بن الْحَارِث عَن ابْن عمر، وَقَالَ: إِنَّه لم يرو عَنهُ غَيره، وَقد ترْجم ابْن الْجَارُود بِأبي الْوَلِيد تَرْجَمَة ذكر فِيهَا عبد الله بن الْحَارِث.
ثمَّ ترْجم أُخْرَى ذكر فِيهَا أَبَا الْوَلِيد، عَن ابْن عمر، روى عَنهُ عمر بن سليم وَلم يسمه، وَكَذَا فعل ابْن عبد الْبر فِي كِتَابه فِي الكنى، وَمُسلم أَيْضا هُوَ عِنْده غير مُسَمّى كَذَلِك.
فَإذْ هَذَا هَكَذَا، فَحَدِيث التحصيب الْمَذْكُور غير صَحِيح، وَأَبُو الْوَلِيد راوية لَيْسَ بِعَبْد الله بن الْحَارِث السيريني، فَاعْلَم ذَلِك.
(2415) وَذكر أَيْضا من طَرِيق التِّرْمِذِيّ حَدِيث ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: " كَانَ يلحظني فِي الصَّلَاة يَمِينا وَشمَالًا ".
وقنع فِيهِ بقول التِّرْمِذِيّ: إِنَّه حَدِيث غَرِيب، وَيظْهر من مذْهبه أَنه عِنْده ضَعِيف، لِأَنَّهُ أعَاد على أَحَادِيث الِالْتِفَات قولا كلياً، وَهُوَ أَن قَالَ: الصَّحِيح فِي الِالْتِفَات حَدِيث البُخَارِيّ، يَعْنِي حَدِيث عَائِشَة.
وَحَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور يَنْبَغِي أَن يكون على مذْهبه صَحِيحا.(5/195)
قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مَحْمُود بن غيلَان، وَغير وَاحِد، قَالُوا: حَدثنَا الْفضل ابْن مُوسَى، عَن عبد الله بن سعيد بن أبي هِنْد، عَن ثَوْر بن زيد، عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يلحظني فِي الصَّلَاة يَمِينا وَشمَالًا، وَلَا يلوي عُنُقه خلف ظَهره ".
عبد الله بن سعيد، وثور بن زيد ثقتان، وَعِكْرِمَة أمره أشهر من أَن يذكر هُنَا، وَالْحق فِيهِ أَنه ثِقَة، وَالْبُخَارِيّ يحْتَج بِهِ، وَأَبُو مُحَمَّد عبد الْحق لم يلْتَفت إِلَى شَيْء مِمَّا قيل فِيهِ.
فَالْحَدِيث صَحِيح وَإِن كَانَ غَرِيبا لَا يعرف إِلَّا من هَذَا الطَّرِيق.
(2416) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ أَيْضا عَن عَائِشَة حَدِيث " فَتحه عَلَيْهِ السَّلَام لَهَا الْبَاب وَهُوَ فِي الصَّلَاة ".
وَأتبعهُ قَول التِّرْمِذِيّ فِيهِ: حسن غَرِيب.
والْحَدِيث عِنْدِي صَحِيح، لثقة رُوَاته واتصاله.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَبُو [سَلمَة: يحيى بن خلف، حَدثنَا بشر بن الْمفضل، عَن برد بن سِنَان] ، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة قَالَت: " جِئْت وَرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي فِي الْبَيْت ". الحَدِيث.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا أَحْمد بن حَنْبَل ومسدد، قَالَا: حَدثنَا بشر بن الْمفضل. فَذكره. إِلَّا أَنه لم يقل: " فِي الْبَيْت ".(5/196)
(2417) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث أنس: " رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَدْعُو هَكَذَا بباطن كفيه وظاهرهما ".
ثمَّ قَالَ بعده: إِسْنَاده حَدِيث مُسلم أصح من هَذَا، وَأجل من الَّذِي بعده وَالَّذِي بعده هُوَ حَدِيث أبي دَاوُد أَيْضا، عَن مَالك بن يسَار، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا سَأَلْتُم الله عز وَجل فسلوه ببطون أكفكم، وَلَا تسألوه بظهورها ".
وَحَدِيث مُسلم الْمفضل عَلَيْهِمَا، هُوَ حَدِيث أنس، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " استسقى فَأَشَارَ بِظهْر كفيه إِلَى السَّمَاء ".
فَأَقُول: إِن هذَيْن الْحَدِيثين حَدِيث أنس، وَحَدِيث مَالك بن يسَار لم يتَبَيَّن فيهمَا مذْهبه من تَفْضِيل أنس عَلَيْهِمَا، وَالْأَظْهَر أَنه صححهما، وَرجح حَدِيث مُسلم عَن أنس.
وهما حديثان لَهما حكمان مُخْتَلِفَانِ بِحَسب نظر الْمُحدث.
أما حَدِيث أنس فضعيف، وَإِسْنَاده هُوَ هَذَا: قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا عقبَة بن مكرم، قَالَ: حَدثنِي سلم بن قُتَيْبَة، عَن عمر بن نَبهَان [عَن قَتَادَة، عَن أنس. وَعمر بن نَبهَان] هُوَ الغبري وَيُقَال: لَهُ الرَّازِيّ، وَهُوَ بَصرِي لَيْسَ لَهُ من(5/197)
الحَدِيث إِلَّا شَيْء يسير لَا يُتَابع عَلَيْهِ، قَالَه البُخَارِيّ، وَأَبُو أَحْمد بن عدي وَغَيرهمَا.
وَقد ذكر أَبُو أَحْمد هَذَا الحَدِيث فِي جملَة مَا يُنكر عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم البستي: يروي الْمَنَاكِير عَن الْمَشَاهِير. وَقَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِشَيْء، قَالَ: وَلَيْسَ بَينه وَبَين الْحَارِث بن نَبهَان قرَابَة.
وَقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم، وَأَبُو زرْعَة: ضَعِيف الحَدِيث.
وَإِذا كَانَ الرَّاوِي من لم تعلم أَحْوَاله، وَلَا وَثَّقَهُ موثق يقبل فِيهِ الْجرْح من المجرح لَهُ الْعدْل وَإِن لم يُفَسر مَا بِهِ جرحه، لأَنا قد [كُنَّا تاركين رِوَايَته لجهالته، فَلَمَّا ورد فِيهِ الْجرْح زَاده ضعفا وَقد] فسرت عِلّة [ذَلِك فِي الْكَلَام على المساتير وَسلم بن قُتَيْبَة الرَّاوِي] عَنهُ، لَيْسَ هُوَ سلم بن قُتَيْبَة الْبَاهِلِيّ، وَالِد سعيد بن سليم، هَذَا يروي عَن شُعْبَة، بل هُوَ سلم بن قُتَيْبَة الشعيري، خراساني، نزيل الْبَصْرَة، هُوَ يروي عَن شُعْبَة، وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ، زعم أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ أَنه كثير الْوَهم، وثقة أَبُو زرْعَة.
فَحق هَذَا الحَدِيث أَن يُقَال فِيهِ: ضَعِيف، فَقَوله فِيهِ: حَدِيث مُسلم أصح مِنْهُ وَأجل إِسْنَادًا ": إِن لم يكن غَلطا باعتقاد صِحَّته، فَهُوَ تَفْضِيل من غير اشْتِرَاك فِي الصِّحَّة.
وَأما حَدِيث مَالك بن يسَار فَحسن، قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا سُلَيْمَان بن عبد الحميد، قَالَ: قَرَأت فِي أصل إِسْمَاعِيل يَعْنِي ابْن عَيَّاش حَدثنِي(5/198)
ضَمْضَم، عَن شُرَيْح، قَالَ: حَدثنَا أَبُو ظَبْيَة أَن أَبَا بحريّة السكونِي حَدثهُ، عَن مَالك بن يسَار السكونِي، ثمَّ الْعَوْفِيّ، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا سَأَلْتُم الله عز وَجل فسلوه ببطون أكفكم، وَلَا تسألوه بظهورها ".
مَالك بن يسَار السكونِي لَا يعرف لَهُ غير هَذَا، وَبِه ذكره ابْن عبد الْبر.
وَقَالَ ابْن السكن: لم نجد لَهُ غَيره.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد عَن شَيْخه سُلَيْمَان بن عبد الحميد: لَهُ عندنَا صُحْبَة يَعْنِي مَالك بن يسَار.
وَأَبُو ظَبْيَة، وَأَبُو بحريّة ثقتان، وَاسم أبي بحريّة عبد الله بن قيس السكونِي، التراغمي، ثِقَة، قَالَه ابْن معِين. وَأما أَبُو ظَبْيَة، فَقَالَ أَبُو زرْعَة: لَا أعرف أحدا يُسَمِّيه، وَوَثَّقَهُ أَيْضا ابْن معِين وَقَالَ شهر بن حَوْشَب: كَانَ من أفضل رجل بِالشَّام. وَشُرَيْح بن عبيد تَابِعِيّ ثِقَة، قَالَه الْكُوفِي. وضمضم بن زرْعَة الْحَضْرَمِيّ شَامي، وثقة ابْن معِين.(5/199)
وَقَالَ فِيهِ أَبُو زرْعَة: ضَعِيف.
وَإِسْمَاعِيل بن عَيَّاش مُخْتَلف فِيهِ، فِي حَدِيثه عَن أهل الشَّام، فَحق الحَدِيث أَن يُقَال فِيهِ: حسن.
(2418) وَذكر أَيْضا حَدِيث غرفَة بن الْحَارِث فِي نحر الْبدن. وَقد كتبته وبينت مَا فِيهِ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أغفل بَيَان عللها.
(2419) وَذكر حَدِيث [محرش الكعبي " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اعْتَمر من الْجِعِرَّانَة لَيْلًا، فَأصْبح بالجعرانة] كبائت ".
ذكره [من عِنْد التِّرْمِذِيّ، قَالَ: حَدِيث غَرِيب.
كَذَا قَالَ، وَالتِّرْمِذِيّ إِنَّمَا سَاقه من طَرِيق ابْن جريح] عَن مُزَاحم بن أبي مُزَاحم، عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله، عَن محرش.
وغرابته هِيَ أَن محرشاً لَا يعرف لَهُ غَيره، وَلَا روى عَنهُ إِلَّا عبد الْعَزِيز(5/200)
ابْن عبد الله بن خَالِد بن أسيد، وَهُوَ ثِقَة، وَإِنَّمَا لَا يَصح عِنْدِي لِأَن مزاحماً لَا تعرف لَهُ حَال، وَإِن كَانَ قد روى عَنهُ ابْن جريح، وَإِسْمَاعِيل بن أُميَّة، وَابْنه سعيد بن مُزَاحم.
(2420) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن عبد الله بن مُسلم بن هُرْمُز،(5/201)
عَن مُحَمَّد وَسَعِيد ابْني عبيد، عَن أبي حَاتِم الْمُزنِيّ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا جَاءَكُم من ترْضونَ دينه وخلقه فأنكحوه، إِلَّا تفعلوه تكن فتْنَة فِي الأَرْض وَفَسَاد كَبِير " الحَدِيث.
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث غَرِيب. انْتهى كَلَام أبي عِيسَى.
ثمَّ قَالَ: قد أسْند هَذَا الحَدِيث من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَلَا يَصح، وَإِنَّمَا هُوَ مُرْسل.
انْتهى كَلَام أبي مُحَمَّد عبد الْحق رَحمَه الله.(5/202)
فَأَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق إِن حملنَا قَوْله: " وَلَا يَصح " على حَدِيث أبي هُرَيْرَة، بَقِي حَدِيث أبي حَاتِم الْمُزنِيّ مُسْتَحقّا أَن يذكر حكمه فِي هَذَا الْبَاب، من حَيْثُ قنع فِيهِ بقول التِّرْمِذِيّ فِيهِ: إِنَّه غَرِيب، وَلم يخرج من ذَلِك لَا أَنه صَحِيح وَلَا غير صَحِيح، وغرابته هِيَ من جِهَة أَن أَبَا حَاتِم الْمُزنِيّ الْمَذْكُور، لم يرو عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - غير هَذَا الحَدِيث، وَهُوَ لَا يرْوى إِلَّا من هَذَا الطَّرِيق عَنهُ.
وَإِن كَانَ قَوْله: " لَا يَصح " يرجع إِلَى مَا ذكر من حَدِيثي أبي حَاتِم وَأبي هُرَيْرَة، فقد صرح بالتضعيف، وَيَنْبَغِي حِينَئِذٍ أَن يكون فِي بَاب مَا ضعفه وَلم يبين علته.
وَلِأَن الِاحْتِمَال الأول أظهر، ذَكرْنَاهُ فِي هَذَا الْبَاب، فَنَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق: إِن حَدِيث أبي حَاتِم الْمَذْكُور لَا يَصح. أول مَا فِيهِ أَن أَبَا حَاتِم لم تصح صحبته، وَقد ذكر أَبُو دَاوُد حَدِيثه هَذَا فِي الْمَرَاسِيل، قَالَ: حَدثنَا يحيى بن معِين، حَدثنَا حَاتِم بن إِسْمَاعِيل، حَدثنَا ابْن [هُرْمُز الفدكي، عَن سعيد وَمُحَمّد ابْني عبيد، عَن أبي حَاتِم الْمُزنِيّ] ، وَذكره أَيْضا من [طَرِيق قُتَيْبَة بن سعيد، حَدثنَا اللَّيْث، عَن ابْن عجلَان، عَن عبد الله بن هُرْمُز الْيَمَانِيّ، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -] فَذكره إِيَّاه فِي الْمَرَاسِيل دَلِيل على أَنه عِنْده أَعنِي أَبَا حَاتِم الْمُزنِيّ غير صَحَابِيّ، وَمن يزْعم أَن لَهُ صُحْبَة إِنَّمَا يروم إِثْبَاتهَا لَهُ بِهَذَا الْخَبَر.
وَهَذَا الْخَبَر لَا يثبت إِلَّا بِهِ، فَيتَوَقَّف ثُبُوته على ثُبُوت صحبته، وَثُبُوت صحبته على ثُبُوته.
وَمُحَمّد وَسَعِيد أبنا عبيد، لَا يعرفان إِلَّا فِيهِ، وَلم أجد لَهما ذكرا فِي شَيْء من مظان وجودهما وَوُجُود أمثالهما، فهما مَجْهُولَانِ.
وَعبد الله بن مُسلم بن هُرْمُز قد كفانا أَبُو مُحَمَّد المؤونة مَعَ نَفسه فِي(5/203)
تَفْسِيره، فقد كَانَ لسائل أَن يسْأَل عَنهُ، أهوَ عبد الله بن مُسلم بن هُرْمُز أم لَا؟ وَذَلِكَ أَن الحَدِيث الْمَذْكُور، إِنَّمَا ذكره من عِنْد التِّرْمِذِيّ، وَالَّذِي وَقع فِي إِسْنَاده عِنْد التِّرْمِذِيّ، إِنَّمَا هُوَ عبد الله بن هُرْمُز، لَا ذكر لمُسلم بَينهمَا، وَهَكَذَا ترْجم أَبُو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم فِي بَاب من اسْم أَبِيه على الْهَاء، مِمَّن اسْمه عبد الله، فَذكره على أَنه عبد الله بن هُرْمُز، وَلم يعرف بِشَيْء من أمره إِلَّا أَنه الْيَمَانِيّ الفدكي، حسب مَا فِي نفس الْإِسْنَاد عِنْد أبي دَاوُد فِي الْمَرَاسِيل.
وَذكر هَا هُنَا أَبُو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم أَنه روى عَن مُحَمَّد وَسَعِيد ابْني عبيد، ثمَّ لم يترجم فِي بَاب من اسْمه مُحَمَّد بِمُحَمد، وَلَا فِي بَاب من اسْمه سعيد بِسَعِيد، قَالَ: روى عَنهُ حَاتِم بن إِسْمَاعِيل، وَمُحَمّد بن عجلَان - أَعنِي عَن عبد الله بن هُرْمُز -، فَهُوَ عِنْده كَمَا ترى مَجْهُول الْحَال.
ثمَّ لما جَاءَ إِلَى بَاب الْمِيم من أَسمَاء الْآبَاء فِيمَن اسْمه عبد الله، ذكر عبد الله ابْن مُسلم بن هُرْمُز، فَجعله غير هَذَا، وَحكم عَلَيْهِ.
فَمَا على هَذَا غُبَار أَن رَاوِي الحَدِيث الْمَذْكُور، هُوَ عبد الله بن هُرْمُز، كَمَا فِي نفس الْإِسْنَاد، لَا عبد الله بن مُسلم بن هُرْمُز، كَمَا فِي الْمَرَاسِيل وَعند بن أبي حَاتِم.(5/204)
فَالْقَوْل إِذن بِأَنَّهُ عبد الله بن مُسلم بن هُرْمُز، يحْتَاج إِلَى مُعْتَمد يقوم [عَلَيْهِ، وَهَذَا الْمُعْتَمد هُوَ مَا أوردهُ أَبُو عَليّ بن السكن فِي الصَّحَابَة بِإِسْنَاد] [جَاءَ فِيهِ: حَدثنَا عبد الْوَهَّاب] بن عِيسَى الْبَغْدَادِيّ، حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْمروزِي، حَدثنَا حَاتِم بن إِسْمَاعِيل، حَدثنِي عبد الله بن مُسلم بن هُرْمُز، عَن مُحَمَّد وَسَعِيد ابْني عبيد، عَن أبي حَاتِم الْمُزنِيّ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا جَاءَكُم من ترْضونَ دينه وخلقه فأنكحوه، إِلَّا تفعلوه تكن فتْنَة فِي الأَرْض وَفَسَاد عريض ".
قَالُوا: يَا رَسُول الله، وَإِن كَانَ فِيهِ؟ فَأَعَادُوا عَلَيْهِ ثَلَاثًا، كل ذَلِك يَقُول ذَلِك ثَلَاثًا. قَالَ أَبُو عَليّ: لم يروه عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - غَيره.
فَإِذا قد تبين بِهَذَا أَنه عبد الله بن مُسلم بن هُرْمُز كَمَا فسره أَبُو مُحَمَّد، فَاعْلَم أَن عبد الله بن مُسلم بن هُرْمُز مكي، لم يكن يحيى بن سعيد الْقطَّان وَلَا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي يحدثان عَنهُ.
وَسُئِلَ عَنهُ ابْن حَنْبَل فَقَالَ: لَيْسَ بِشَيْء، ضَعِيف الحَدِيث.
فقد تبين بِمَا كتبناه ضعف الحَدِيث الْمَذْكُور من وُجُوه، وَبَقِي من كَلَام أبي مُحَمَّد مَا يجب بَيَانه، وَإِن لم يكن من هَذَا الْبَاب فنذكره فِيهِ ليجتمع الْكَلَام عَلَيْهِ، ثمَّ نحيل عَلَيْهِ فِي مَوْضِعه، فَنَقُول: قَوْله: " انْتهى كَلَام أبي عِيسَى، قد أسْند هَذَا الحَدِيث من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَلَا يَصح، وَإِنَّمَا هُوَ مُرْسل " يُوهم أَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة لَيْسَ عِنْد أبي عِيسَى، وَأول مَذْكُور فِي الْبَاب عِنْد أبي عِيسَى(5/205)
هُوَ حَدِيث أبي هُرَيْرَة، ثمَّ قَوْله: " لَا يَصح، إِنَّمَا هُوَ مُرْسل " يجب أَيْضا بَيَان مَا فِيهِ، وَذَلِكَ أَنه حَدِيث مُنْقَطع الْإِسْنَاد أَو عَن مَجْهُول.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا قُتَيْبَة، قَالَ: حَدثنَا عبد الحميد بن سُلَيْمَان، عَن ابْن عجلَان، عَن ابْن وثيمة النصري، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا خطب إِلَيْكُم من ترْضونَ دينه وخلقه فَزَوجُوهُ، إِلَّا تفعلوه تكن فتْنَة فِي الأَرْض وَفَسَاد عريض ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: وَفِي الْبَاب عَن أبي حَاتِم الْمُزنِيّ، قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدِيث أبي هُرَيْرَة، قد خُولِفَ عبد الحميد بن سُلَيْمَان فِيهِ، رَوَاهُ اللَّيْث بن سعد، عَن ابْن عجلَان، عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -[مُرْسلا، وَقَالَ مُحَمَّد: وَحَدِيث اللَّيْث أشبه] قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَلم يعد حَدِيث عبد الحميد مَحْفُوظًا. انْتهى مَا نقلت عَن التِّرْمِذِيّ
وَإِنَّمَا يَعْنِي بقوله: مُرْسلا انْقِطَاع مَا بَين ابْن عجلَان وَأبي هُرَيْرَة، وَقد رجح البُخَارِيّ الْمُنْقَطع على الْمُتَّصِل من رِوَايَة عبد الحميد، وَحَتَّى لَو صحت الرِّوَايَة عَن عبد الحميد مَا أغنت للْجَهْل بِحَال ابْن وثيمة، فَكيف وَعبد الحميد ضَعِيف عِنْدهم؟ وَهُوَ أَخُو فليح بن سُلَيْمَان!
وَلأَجل كَلَام التِّرْمِذِيّ الَّذِي أوردنا، يتَرَجَّح فِي قَول أبي مُحَمَّد أحد الِاحْتِمَالَيْنِ، وَهُوَ أَنه إِنَّمَا يَعْنِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَقَط بقوله: " لَا يَصح "، فَإِنَّهُ قد تبع فِيهِ البُخَارِيّ، وَالله أعلم.(5/206)
(2421) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن أبي هُرَيْرَة " أَن امْرَأَة جَاءَت إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَأَنا عِنْده، فَقَالَت: إِن زَوجي يُرِيد أَن يذهب بِابْني، وَقد سقاني من بِئْر أبي عنبة " الحَدِيث.
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: هَذَا يرويهِ هِلَال بن أُسَامَة، عَن أبي مَيْمُونَة سلمي، مولى من أهل الْمَدِينَة، رجل صدق، عَن أبي هُرَيْرَة.
لم يزدْ على هَذَا، وَلم يفهم مِنْهُ تَصْحِيحه وَلَا تسقيمه، وَذَلِكَ أَن أَبَا مَيْمُونَة هَذَا، إِن لم يكن روى عَنهُ غير بِلَال بن أُسَامَة، فَيَنْبَغِي أَن يكون على مذْهبه مَجْهُولا، وَلَا يَنْفَعهُ قَول بِلَال بن أُسَامَة فِي: " رجل صدق "، وَإِن كَانَ لَا يعرف فَقبله ذكر من عِنْد عبد الرَّزَّاق من رِوَايَة أبي الزبير عَن رجل صَالح(5/207)
من أهل الْمَدِينَة، عَن أبي سَلمَة، فَرده بِأَنَّهُ مُرْسل، وَعَن مَجْهُول يَعْنِي هَذَا الَّذِي قد أثنى عَلَيْهِ أَبُو الزبير.
وَلقَائِل أَن يَقُول عَنهُ: بَين الْمَوْضِعَيْنِ فَوق بَين، وَذَلِكَ أَن هَذَا الرجل الَّذِي أثنى عَلَيْهِ أَبُو الزبير لم يسمه، وَلَعَلَّه لَو سَمَّاهُ عَرفْنَاهُ بنقيض مَا وَصفه بِهِ أَبُو الزبير، فَيبقى الحَدِيث مُرْسلا، فَإِن الْمُرْسل هُوَ الَّذِي طوي عَنَّا من إِسْنَاده من لَو ذكر، أمكن أَن نعرفه ضَعِيفا أَو مَجْهُولا.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لم يثن عَلَيْهِ إِلَّا بالصلاح، وَذَلِكَ لَا يقْضِي لَهُ بالثقة، وَلَا بِالصّدقِ الَّذِي نبتغيه فِي الروَاة، وَقد قيل: " لم نر الصَّالِحين [فِي شَيْء أكذب مِنْهُم فِي الحَدِيث ".
وَهَذَا الَّذِي يروي عَن أبي هُرَيْرَة، كناه هِلَال فِي هَذَا] الحَدِيث الْمَذْكُور أَبَا مَيْمُونَة، وَسَماهُ سلمياً، وَذكر أَنه مولى من أهل الْمَدِينَة، وَوَصفه بِأَنَّهُ رجل صدق.
وَهَذَا الْقدر كَاف فِي الرَّاوِي مَا لم يتَبَيَّن خِلَافه، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قد روى عَن أبي ميونة الْمَذْكُور: أَبُو النَّضر، قَالَه أَبُو حَاتِم. وروى عَنهُ يحيى بن أبي كثير هَذَا الحَدِيث نَفسه.
قَالَ ابْن أبي شيبَة فِي مُسْنده: حَدثنَا وَكِيع، عَن عَليّ بن الْمُبَارك، عَن يحيى ابْن أبي كثير، عَن أبي مَيْمُونَة، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: " جَاءَت امْرَأَة إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قد طَلقهَا زَوجهَا، فَأَرَادَ أَن يَأْخُذ ابْنهَا، قَالَ: فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: اسْتهمَا فِيهِ. فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: تخير أَيهمَا شِئْت. قَالَ: فَاخْتَارَ أمه فَذَهَبت بِهِ ".(5/208)
فجَاء من هَذَا جودة هَذَا الحَدِيث وَصِحَّته، وَلَعَلَّه مَقْصُود أبي مُحَمَّد، فاعلمه.
(2422) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، حَدِيث أَبيض بن حمال فِي إقطاع النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِيَّاه الْملح بمأرب، وَفِيه قَوْله: " مَا يحمى من الْأَرَاك ".
وَسكت عَنهُ فِي بَاب الإقطاع من كتاب الْجِهَاد، ثمَّ أَعَادَهُ فِي بَاب الْحمى بعد حَدِيث آخر لأبيض بن حمال، ثمَّ قَالَ: أصح هَذَا الْأَحَادِيث، حَدِيث الصعب بن جثامة. يَعْنِي فِي أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حمى البقيع هُوَ الَّذِي يعول عَلَيْهِ فَاحْتمل هَذَا الْكَلَام بِقَرِينَة سُكُوته عَنهُ فِي الإقطاع، وبإعراضه عَن رِجَاله أَن يكون عِنْده صَحِيحا، وَيكون معنى: " أصح هَذِه الْأَحَادِيث " تَرْجِيح صَحِيح على صَحِيح، وَاحْتمل بإبرازه من إِسْنَاده بعضه أَن يكون تَبرأ من عهدته، فَيكون هَذَا الْكَلَام تضعيفاً، وَالْحَدِيثَانِ ضعيفان:
أما حَدِيث: " لَا حمى فِي الْأَرَاك " فللجهل بِحَال ثَابت بن سعيد وَأَبِيهِ سعيد بن أَبيض بن حمال.
وَأما حَدِيث " إقطاع الْملح، وَحمى مَا لم تنله أَخْفَاف الْإِبِل " فبخمسة مجهولين قد بيناهم فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي صححها بسكوته عَنْهَا، فَاعْلَم ذَلِك.(5/209)
(2423) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن يحيى [بن سليم، عَن عبيد الله ابْن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -] قَالَ: " من دخل حَائِطا فَليَأْكُل وَلَا يتَّخذ خبنة ".
ثمَّ قَالَ عَنهُ: حَدِيث غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث يحيى بن سليم. انْتهى كَلَامه.
فَأَقُول: وَلم يتَبَيَّن من هَذَا مذْهبه فِيهِ، وَلَا حكم الحَدِيث.
وَيَنْبَغِي أَن يكون حسنا، فَإِن يحيى بن سليم الطَّائِفِي زعم ابو حَاتِم أَنه لم يكن بِالْحَافِظِ، وَقَالَ ابْن حَنْبَل: فِي حَدِيثه شَيْء، وَكَأَنَّهُ لم يحمده.
وَوَثَّقَهُ ابْن معِين. وَهُوَ صَدُوق صَالح.
وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَا بَأْس بِهِ، وَلكنه مُنكر الحَدِيث عَن عبيد الله بن عمر.
(2424) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه(5/210)
قَالَ: " الصُّلْح جَائِز بَين الْمُسلمين إِلَّا صلحا أحل حَرَامًا أَو حرم حَلَالا ".
ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده كثير بن زيد، أَبُو مُحَمَّد مولى الأسلميين، عَن الْوَلِيد ابْن رَبَاح.
فَلم يتَبَيَّن من هَذَا مذْهبه فِيهِ، وَيَنْبَغِي أَن يُقَال فِيهِ: حسن، لما بِكَثِير بن زيد من الضعْف، وَإِن كَانَ صَدُوقًا، وَقد فرع القَوْل فِيهِ وَفِي الْوَلِيد فِي بَاب الشُّرُوط من كتاب الْبيُوع، وعَلى ذَلِك أحَال.
(2425) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن مخلد بن خفاف، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قضى أَن الْخراج بِالضَّمَانِ ".(5/211)
ثمَّ قَالَ: مخلد بن خفاف مَعْرُوف بِهَذَا الحَدِيث، وَلَا يعرف لَهُ غَيره، وَقَالَ فِيهِ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث [حسن صَحِيح] .
كَذَا قَالَ: وَلَا يبين من هَذَا حكم الْخَبَر عِنْده.
ومخلد مدنِي ثِقَة، ذكر ذَلِك المنتجالي، عَن أَحْمد بن خَالِد، عَن ابْن وضاح، وَلَيْسَ فِي الحَدِيث من ينظر فِيهِ سواهُ، فَهُوَ صَحِيح.(5/212)
(11) بَاب ذكر أَحَادِيث أوردهَا على أَنَّهَا صَحِيحَة أَو حَسَنَة، وَهِي ضَعِيفَة من تِلْكَ الطّرق، صَحِيحَة أَو حَسَنَة من غَيرهَا(5/213)
قد تقدم فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ظَنّهَا مُتَّصِلَة وَهِي مراسل أَو مُنْقَطِعَة مَا هُوَ من هَذَا الْبَاب.
(2426) وَمِنْه مَا ذكر فِي كتاب الْعلم من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -] قَالَ: إِن النَّاس [لكم تبع، وَإِن النَّاس يأتونكم من أقطار الأَرْض يتفقهون] فَإِذا أَتَوْكُم فَاسْتَوْصُوا بهم خيرا ".
سكت عَنهُ مصححاً لَهُ، وَهُوَ عِنْد التِّرْمِذِيّ من رِوَايَة أبي هَارُون الْعَبْدي، وَهُوَ ضَعِيف، وَمِنْهُم من يَقُول فِيهِ: كَذَّاب، وَقد ذكرنَا أمره إِثْر هَذَا الحَدِيث ونسبنا أَقْوَال مخرجيه إِلَى قائليها فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي سكت عَنْهَا مصححاً.
وَالَّذِي لَهُ أعدنا ذكره الْآن هُوَ أَنِّي أعرف لَهُ إِسْنَادًا حسنا بل صَحِيحا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم فِي مُقَدّمَة كِتَابه فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل: حَدثنَا(5/215)
مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن إشكاب، قَالَ: حَدثنَا سعيد بن سُلَيْمَان، قَالَ: حَدثنَا عباد بن الْعَوام، قَالَ: حَدثنَا الْجريرِي، عَن أبي نَضرة، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَنه قَالَ: " مرْحَبًا بِوَصِيَّة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يوصينا بكم ".
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن خلال الرامَهُرْمُزِي فِي كِتَابه: حَدثنَا مُوسَى بن زَكَرِيَّا، حَدثنَا بشر ين معَاذ الْعَقدي، حَدثنَا أَبُو عبد الله شيخ ينزل وَرَاء منزل حَمَّاد بن زيد، [حَدثنَا] الْجريرِي عَن أبي نَضرة، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، أَنه كَانَ إِذا رأى الشَّبَاب قَالَ: " مرْحَبًا بِوَصِيَّة رَسُول الله
، أمرنَا أَن نحفظكم الحَدِيث، ونوسع لكم فِي الْمجَالِس ". حدّثنَاهُ الْحَضْرَمِيّ، حَدثنَا ابْن إشكاب، حَدثنَا سعيد بن سُلَيْمَان، حَدثنَا عباد بن الْعَوام، عَن الْجريرِي، عَن أبي نَضرة، عَن أبي سعيد قَالَ: " مرْحَبًا بِوَصِيَّة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يوصينا بكم ".
رجال هَذَا الْإِسْنَاد الثَّانِي الَّذِي ذكر الرامَهُرْمُزِي، وَالْأول الَّذِي ذكر ابْن أبي حَاتِم ثِقَات.
سعيد بن سُلَيْمَان، هُوَ سعدوية، ثِقَة مَشْهُور، وَابْن إشكاب، هُوَ الْحُسَيْن ابْن إِبْرَاهِيم بن الْحر، وَهُوَ شيخ البُخَارِيّ، وَهُوَ ثِقَة روى عَنهُ فِيمَن روى ابناه: مُحَمَّد، وَعلي، وأظن أَنه قد روى الْحُسَيْن وَابْنه مُحَمَّد، عَن سعدوية.(5/216)
والحضرمي، هُوَ مُحَمَّد بن عبد الله بن سُلَيْمَان الْكُوفِي الملقب بمطين مُحدث وقته.
فَإِن قلت: فَإِن الْجريرِي مختلط [قُلْنَا: رَوَاهُ عَنهُ حَمَّاد بن زيد، وَهُوَ روى عَنهُ قبل الِاخْتِلَاط، وَقد ذكر لَهُ أَبُو مُحَمَّد جملَة من الْأَحَادِيث] على شَرط [البُخَارِيّ وَسكت عَنْهَا، وَلم يذكر عَنْهَا] شَيْئا.
وعد إِلَى بَاب الْأَحَادِيث المصححة بسكوته، حَتَّى ترى عمله فِي أَحَادِيث الْجريرِي، فقد تقدم التَّنْبِيه عَلَيْهَا فِي مَوضِع وَاحِد مِنْهُ.
(2427) وَذكر أَيْضا فِي كتاب الْعلم من طَرِيق أبي دَاوُد، حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من تعلم علما مِمَّا يَبْتَغِي بِهِ وَجه الله تَعَالَى، لَا يتعلمه إِلَّا ليصيب بِهِ غَرضا من الدُّنْيَا لم يجد عرف الْجنَّة يَوْم الْقِيَامَة ".
وَفِي إِسْنَاده عِنْد أبي دَاوُد، فليح بن سُلَيْمَان، وَقد بَينا أمره فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي سكت عَنْهَا مصححاً لَهَا.
ونريد الْآن بَيَان أَنه قد رُوِيَ مَعْنَاهُ صَحِيحا من حَدِيث ابْن عمر، قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عَليّ بن نصر، حَدثنَا مُحَمَّد بن عباد الْهنائِي، حَدثنَا عَليّ بن الْمُبَارك، عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ، عَن خَالِد بن دريك، عَن ابْن عمر عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من تعلم علما لغير الله، أَو أَرَادَ بِهِ غير الله، فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار ".(5/217)
خَالِد بن دريك، قَالَ فِيهِ ابْن معِين: مَشْهُور، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَا بَأْس بِهِ، روى عَنهُ جمَاعَة، ويروي عَن عَائِشَة وَلم يُدْرِكهَا.
وَرويت فِي هَذَا الْمَعْنى عَن أبي هُرَيْرَة رِوَايَات لَيست كلهَا بِشَيْء، وأحسنها حَدِيث فليح.
(2428) وَذكر حَدِيث أبي هُرَيْرَة: " من سُئِلَ عَن علم فكتمه ألْجمهُ الله بلجام من نَار ".
وَسكت عَنهُ، وَقد بَينا علته فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي سكت عَنْهَا مصححاً لَهَا. وَله إِسْنَاد أحسن من ذَاك.
قَالَ قَاسم ابْن أصبغ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْهَيْثَم أَبُو الْأَحْوَص، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن أبي السّري الْعَسْقَلَانِي، حَدثنَا مُعْتَمر بن سُلَيْمَان، عَن أَبِيه، عَن عَطاء، عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه قَالَ: " من سُئِلَ عَن علم فكتمه، ألْجمهُ الله بلجام من نَار يَوْم الْقِيَامَة ".
هَؤُلَاءِ كلهم ثِقَات، وَابْن أبي السّري مُحَمَّد بن المتَوَكل ثِقَة حَافظ، ولكثرة محفوظه أحصيت عَلَيْهِ أَوْهَام، لم يعد بهَا كَبِير الْوَهم، وَإِنَّمَا هِيَ معايب عدت على نبيل، وسقطات أحصيت على فَاضل.
وَمُحَمّد بن الْهَيْثَم أَبُو الْأَحْوَص [الْبَغْدَادِيّ الْمَعْرُوف بالقنطري، وَبِه] يلقب، سكن [عكبرة، وَكَانَ قَاضِي أَهلهَا وفيهَا توفّي يروي] عَن جمَاعَة.(5/218)
وروت عَنهُ جمَاعَة كَبِيرَة، مِنْهُم قَاسم بن أصبغ، قَالَ فِيهِ الدَّارَقُطْنِيّ: ثِقَة حَافظ.
وَقَالَ فِيهِ عبد الرَّحْمَن بن يُوسُف بن خرَاش: هَذَا أحد الْأَثْبَات المتقنين، ذكر ذَلِك الْخَطِيب.
(2429) وَذكر من طَرِيق ابْن أبي شيبَة، من حَدِيث زيد بن ثَابت، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّه تَأتِينِي كتب من أنَاس لَا أحب أَن يَقْرَأها كل أحد، فَهَل تَسْتَطِيع أَن تعلم كتاب السريانية ". الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ مصححاً لَهُ، وَإِنَّمَا يرويهِ عَن الْأَعْمَش: يحيى بن عِيسَى الرَّمْلِيّ، وَقد بَينا مَا فِيهِ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي سكت عَنْهَا مصححا لَهَا، ونقول الْآن: إِن لَهُ إِسْنَادًا خيرا جيدا من الَّذِي ذكر.
قَالَ أَبُو بكر بن أبي خَيْثَمَة: حَدثنَا أبي، حَدثنَا جرير، عَن الْأَعْمَش، عَن ثَابت بن عبيد، عَن زيد بن ثَابت، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " تحسن السريانية؟ ، إِنَّهَا تَأتِينِي كتب " قلت: لَا، قَالَ: [فتعلمها] قَالَ: فتعلمتها فِي سَبْعَة عشر يَوْمًا.
هَذَا إِسْنَاد صَحِيح، وَفِيه الْأَمر بتعلمها.
(2430) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، من رِوَايَة الْوَلِيد بن زروان عَن أنس بن مَالك، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كَانَ إِذا تَوَضَّأ أَخذ كفا من مَاء فَأدْخلهُ تَحت(5/219)
حنكه " الحَدِيث.
وَأتبعهُ أَن قَالَ: الْوَلِيد بن زروان روى عَنهُ حجاج، وجعفر بن برْقَان، وَأَبُو الْمليح الرقي. وَلم يزدْ على ذَلِك، وَقد بيّنت أمره فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي صححها بسكوته. وأعدت الْآن ذكره لأنبه على إِسْنَاد لَهُ خير من هَذَا، وَهُوَ مَا ذكر مُحَمَّد بن يحيى الذهلي، فِي كِتَابه فِي علل حَدِيث الزُّهْرِيّ، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن خَالِد الصفار من أَصله وَكَانَ صدوقاُ، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن حَرْب قَالَ: حَدثنَا الزبيدِيّ عَن الزُّهْرِيّ، عَن أنس بن مَالك أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " تَوَضَّأ فَأدْخل أَصَابِعه تَحت لحيته فخللها بأصابعه " ثمَّ قَالَ: " هَكَذَا أَمرنِي رَبِّي جلّ وَعز "
هَذَا الْإِسْنَاد صَحِيح، وَلَا يضرّهُ رِوَايَة من رَوَاهُ عَن مُحَمَّد [بن حَرْب عَن الزبيدِيّ أَنه بلغه عَن أنس] فقد يُرَاجع كِتَابه، فَيعرف مِنْهُ أَن الَّذِي حَدثهُ بِهِ هُوَ الزُّهْرِيّ، فَيحدث بِهِ، فَيَأْخذهُ عَنهُ الصفار وَغَيره، وَهَذَا الَّذِي أَشرت إِلَيْهِ هُوَ الَّذِي اعتل بِهِ عَلَيْهِ مُحَمَّد بن يحيى الذهلي حِين ذكره.
وَنَصّ كَلَامه هُوَ أَن قَالَ: حَدثنَا يزِيد بن عبد ربه، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن حَرْب، عَن الزبيدِيّ أَنه بلغه عَن أنس بن مَالك أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " تَوَضَّأ(5/220)
فَأدْخل أَصَابِعه تَحت لحيته "
قَالَ مُحَمَّد بن يحيى: الْمَحْفُوظ عندنَا حَدِيث يزِيد بن عبد ربه، وَحَدِيث الصَّفَا واه، هَذَا نَص مَا قَالَ، فَانْظُر فِيهِ، وَيزِيد بن عبد ربه وَثَّقَهُ.
(2431) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، حَدِيث الْمِقْدَام بن معد يكرب، فِي إِدْخَال الأصبعين فِي صماخي الْأُذُنَيْنِ.
وَسكت عَنهُ، وَقد بَينا ضعفه فِي بَاب الْأَحَادِيث المصححة بسكوته.
وَنَذْكُر الْآن أَن هَذَا الْمَعْنى قد رُوِيَ من طَرِيق، إِن لم يكن صَحِيحا فقد أورد هُوَ بِهِ حَدِيثا وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن الرّبيع بنت معوذ بن عفراء فِي مسح الرَّأْس، والصدغين، والأذنين، وَأورد بعده بِهِ " مسح بِرَأْسِهِ مرَّتَيْنِ "
ثمَّ قَالَ: كَانَ الْحميدِي، وَأحمد، وأسحاق، يحتجون بِحَدِيث عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل.
فَإذْ هَذَا مذْهبه فِيهِ، فقد كَانَ يَنْبَغِي أَن يُورد هَذَا الْمَعْنى من طَرِيقه بِإِسْنَاد صَحِيح إِلَيْهِ.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن سعيد، قَالَ: حَدثنَا وَكِيع، قَالَ: حَدثنَا الْحسن بن صَالح، عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن الرّبيع بنت معوذ بن عفراء، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " تَوَضَّأ فَأدْخل أصبعيه فِي حجري أُذُنَيْهِ ".
وَقد تقدم ذكر عمله فِي عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي سكت عَنْهَا مصححاً لَهَا.(5/221)
(2432) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن أَوْس بن أبي أَوْس الثَّقَفِيّ أَنه رأى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَتَى كظامة قوم يَعْنِي الميضأة فَتَوَضَّأ فَمسح على نَعْلَيْه وقدميه.
وَسكت عَنهُ مصححاً] لَهُ وحصلنا الْخلاف فِي هَذَا الحَدِيث، وَذكرنَا جَمِيعه، وَبينا علته فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي سكت عَنْهَا مصححاً لَهَا.
ونقول الْآن: إِنَّه قد رُوِيَ الْمسْح على النَّعْلَيْنِ صَحِيحا من رِوَايَة ابْن عمر.
قَالَ أَبُو بكر الْبَزَّار: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن سعيد، قَالَ: حَدثنَا روح بن عبَادَة، عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر: كَانَ يتَوَضَّأ ونعلاه فِي رجلَيْهِ، وَيمْسَح عَلَيْهِمَا، وَيَقُول: " كَذَلِك كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يفعل ".
قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ رَوَاهُ عَن نَافِع إِلَّا ابْن أبي ذِئْب، وَلَا نعلم رَوَاهُ عَنهُ إِلَّا روح، وَإِنَّمَا كَانَ يمسح عَلَيْهِمَا، لِأَنَّهُ تَوَضَّأ من غير حدث، وَكَانَ يتَوَضَّأ لكل صَلَاة من غير حدث، فَهَذَا مَعْنَاهُ عندنَا. انْتهى كَلَام الْبَزَّار. وَقد سلم صِحَة الحَدِيث، وَذَلِكَ مَا أردنَا.
(2433) وَذكر من طَرِيق مُسلم، عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا جلس بَين شعبها الْأَرْبَع، ثمَّ جهدها، فقد وَجب الْغسْل وَإِن لم ينزل ".
هَذَا نَص مَا ذكر، وَأتبعهُ تضعيفاً لحَدِيث غَيره، ثمَّ قَالَ: وَالصَّحِيح حَدِيث مُسلم.(5/222)
والْحَدِيث الْمَذْكُور، هُوَ عِنْد مُسلم من رِوَايَة هِشَام الدستوَائي، عَن قَتَادَة ومطر، عَن الْحسن، عَن أبي رَافع عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا جلس بَين شعبها الْأَرْبَع، ثمَّ جهدها، فقد وَجب عَلَيْهِ الْغسْل " وَفِي حَدِيث مطر: " وَإِن لم ينزل ".
هَذَا نَص مَا أورد مُسلم، فَالْمُعْتَمَد عِنْده إِذن رِوَايَة قَتَادَة، فَأَما رِوَايَة مطر فممتنعة.
ومطر عِنْده غير مُعْتَمد، وَقد ذكر فِيمَن عيب عَلَيْهِ الْإِخْرَاج عَنهُ.
فسوق أبي مُحَمَّد الزِّيَادَة الْمَذْكُورَة هَكَذَا منسوبه إِلَى مُسلم، يُوهم خطأ، فَإِن مُسلما قد بَين أَنَّهَا عِنْده من رِوَايَة مطر، غير مقرونة بِرِوَايَة قَتَادَة.
وَالَّذِي لأَجله نبهنا عَلَيْهِ الْآن، هُوَ أَن لَهَا إِسْنَادًا جيدا، وَأَنَّهَا زِيَادَة صَحِيحَة يَرْوِيهَا أَيْضا [قَتَادَة كَذَلِك. قَالَ الدراقطني: حَدثنَا أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي قَالَ: حَدثنَا] عَليّ بن سهل، [حَدثنَا عَفَّان، حَدثنَا همام، حَدثنَا قَتَادَة عَن الْحسن] عَن أبي هُرَيْرَة، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا جلس بَين شعبها الْأَرْبَع، وأجهد نَفسه، فقد وَجب الْغسْل، أنزل أَو لم ينزل ".
وَقَالَ قَاسم بن أصبغ: حَدثنَا أَحْمد بن زُهَيْر بن حَرْب، حَدثنَا عَفَّان بن مُسلم، حَدثنَا همام وَأَبَان، قَالَا: حَدثنَا قَتَادَة، عَن الْحسن، عَن أبي رَافع، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا قعد بَين شعبها الْأَرْبَع، وأجهد نَفسه، فقد وَجب الْغسْل، أنزل أَو لم ينزل ".
فهذان همام وَأَبَان وهما ثقتان قد رويا الزِّيَادَة الْمَذْكُورَة عَن قَتَادَة، وَقد صَحَّ عَن عَائِشَة أَنَّهَا فعلت ذَلِك هِيَ وَرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فاغتسلا، ذكره(5/223)
الدَّارَقُطْنِيّ. وَقد كتبناه فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها، وَهِي صَحِيحَة من غير تِلْكَ الطّرق.
(2434) وَذكر حَدِيث أبي هُرَيْرَة: " إِن الْمُؤمن لَيْسَ بِنَجس ".
وَقد نبهنا عَلَيْهِ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة وَهِي مُنْقَطِعَة.
وَقد ذكرنَا لَهُ هُنَاكَ طَرِيقا صَحِيحا مُتَّصِلا، من رِوَايَة حُذَيْفَة من كتابي البُخَارِيّ وَأبي دَاوُد، فَاعْلَم ذَلِك.
(2435) وَذكر حَدِيث أبي سعيد فِي بِئْر بضَاعَة، وَبينا الْعلَّة الَّتِي لأَجلهَا لم يقل فِيهِ: صَحِيح لَكِن حسن، فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي لم يبين عللها. وَنَذْكُر الْآن هُنَا أَن لَهُ إِسْنَادًا صَحِيحا من رِوَايَة سهل بن سعد.
قَالَ قَاسم بن أصبغ: [حَدثنَا ابْن وضاح] حَدثنَا أَبُو عَليّ: عبد الصَّمد بن أبي سكينَة الْحلَبِي بحلب، قَالَ: حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم عَن أَبِيه، عَن سهل بن سعد، قَالُوا: يَا رَسُول الله، إِنَّك تتوضأ من بِئْر بضَاعَة، وفيهَا مَا يُنجي النَّاس والمحايض والخبث، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء ".(5/224)
قَالَ قَاسم: هَذَا من أحسن شَيْء فِي بِئْر بضَاعَة.
وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الْملك بن أَيمن: حَدثنَا ابْن وضاح، فَذكره أَيْضا بِإِسْنَادِهِ وَمَتنه [ ... . قَالَ ابْن حزم: وَعبد الصَّمد بن أبي] سكينَة، ثِقَة مَشْهُور، [ ... . وَقَالَ قَاسم: ويروى حَدِيث عَن] سهل بن سعد فِي بِئْر بضَاعَة من طرق، هَذَا خَيرهَا فَاعْلَم ذَلِك.
(2436) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن عبد الله بن سرجس قَالَ: " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يغْتَسل الرجل بِفضل الْمَرْأَة، أَو الْمَرْأَة بِفضل الرجل، وَلَكِن يشرعان جَمِيعًا ".
ثمَّ قَالَ: خرجه النَّسَائِيّ أَيْضا. انْتهى كَلَامه. فَاعْلَم أَن حَدِيث ابْن سرجس الْمَذْكُور، هُوَ عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة عبد الْعَزِيز بن الْمُخْتَار، عَن عَاصِم الْأَحول، عَن عبد الله بن سرجس.
وَشعْبَة يُخَالِفهُ، فيرويه عَن عَاصِم فيقفه.
وَلما ذكره الدَّارَقُطْنِيّ أورد رِوَايَة شُعْبَة، ثمَّ قَالَ: وَهِي أولى بِالصَّوَابِ، وَذكر التِّرْمِذِيّ فِي علله من البُخَارِيّ أَنه قَالَ: الصَّحِيح فِيهِ مَوْقُوف.
وَعِنْدِي أَن عبد الْعَزِيز بن الْمُخْتَار قد رَفعه وَهُوَ ثِقَة، وَلَا يضرّهُ وقف من(5/225)
وَقفه، وَلَكِن شيخ الدَّارَقُطْنِيّ فِيهِ وَهُوَ عبد الله بن مُحَمَّد بن سعيد لَا تعرف حَاله، وَهُوَ أَبُو مُحَمَّد الْمُقْرِئ، الْمَعْرُوف بِابْن الْجمال، وَقد ذكره الْخَطِيب وَعرف برواته وتاريخ وَفَاته، غير حَاله فَلم يعرض لَهَا وَلَعَلَّه سيوجد فِيهِ تَعْرِيف بِحَالهِ، أَو يُوجد الحَدِيث بِإِسْنَاد غَيره إِلَى عبد الْعَزِيز بن الْمُخْتَار.
فَأَما الْآن فَهُوَ عِنْدِي غير صَحِيح، وَأَصَح مِنْهُ وَأولى بِأَن يكون فِي هَذَا الْبَاب، حَدِيث حميد بن عبد الرَّحْمَن، قَالَ: لقِيت رجلا صحب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَمَا صَحبه أَبُو هُرَيْرَة أَربع سِنِين قَالَ: " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يمتشط أَحَدنَا كل يَوْم، أَو يتبول فِي مغتسله، أَو يغْتَسل الرجل بِفضل الْمَرْأَة، أَو الْمَرْأَة بِفضل الرجل، وليغترفا جَمِيعًا ".
يرويهِ النَّسَائِيّ عَن قُتَيْبَة، عَن أبي عوَانَة، عَن دَاوُد الأودي، عَن حميد.
وَدَاوُد هَذَا وَثَّقَهُ ابْن معِين وَالنَّسَائِيّ، وَغلط أَبُو مُحَمَّد بن حزم فِيهِ غَلطا قد بَيناهُ عَلَيْهِ فِي أَمْثَاله، وَسبق إِلَى ذَلِك أَبُو بكر بن مفوز وَذَلِكَ [أَن ابْن حزم قَالَ: إِن كَانَ دَاوُد عَم ابْن إِدْرِيس فَهُوَ] ضَعِيف وَإِن [كَانَ غَيره فَهُوَ مَجْهُول وَابْني عَم ابْن] إِدْرِيس، هُوَ دَاوُد بن يزِيد الأودي، فَأَما هَذَا فَهُوَ دَاوُد بن عبد الله الأودي، وَقد وَثَّقَهُ من ذكرنَا وَغَيرهم.
وَقد كتب الْحميدِي إِلَى ابْن حزم من الْعرَاق يُخبرهُ بِصِحَّة هَذَا الحَدِيث وَبَين لَهُ أَمر هَذَا الرجل، فلآ أَدْرِي، أرجع عَن قَوْله أم لَا؟
وأظن أَن أَبَا مُحَمَّد: عبد الْحق، إِنَّمَا عَنى بقوله: خرجه النَّسَائِيّ أَيْضا، هَذَا الحَدِيث، فَإِنَّهُ لم يخرج حَدِيث عبد الله بن سرجس، وَلم يكن يَنْبَغِي لَهُ أَن يَقُول ذَلِك حَتَّى يبين أَنه من رِوَايَة غير عبد الله بن سرجس، إِلَّا أَن يكون اعْتقد أَن هَذَا(5/226)
الرجل الَّذِي لم يسم، هُوَ عبد الله بن سرجس، فَإِنَّهُ أحد الْأَقْوَال فِيهِ، وَقيل: الحكم بن عَمْرو الْغِفَارِيّ، وَقيل: عبد الله بن مُغفل الْمُزنِيّ.
وَقد تقدم ذكر هَذَا الحَدِيث فِي بَاب الْأَحَادِيث المردفة على رِوَايَات رُوَاة كَأَنَّهَا عَنْهُم، وَلَيْسَت كَذَلِك.
(2437) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ حَدِيث أنس، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الدُّعَاء لَا يرد بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة ".
وَأتبعهُ تَحْسِين التِّرْمِذِيّ إِيَّاه ".
وَلم يبين لم لَا يَصح، وَقد كتبناه وَبينا لم لَا يَصح، وَأَنه ضَعِيف بِضعْف زيد الْعمي.
وَالَّذِي لأَجله نعيده الْآن، هُوَ أَنه قد تَركه بِإِسْنَاد جيد، وَفِيه مَعَ ذَلِك زِيَادَة، وَترك مِنْهُ أَيْضا بِالْإِسْنَادِ الَّذِي بِهِ ذكره التِّرْمِذِيّ وَنَقله هُوَ عَنهُ زِيَادَة بذلك الْإِسْنَاد، سَنذكرُهُ من أجلهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي بَاب الزِّيَادَات.
والإسناد الْجيد، هُوَ مَا ذكر ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه، وَابْن سنجر فِي مُسْنده، عَن عبيد الله بن مُوسَى، عَن إِسْرَائِيل، عَن أبي إِسْحَاق، عَن بريد ابْن أبي مَرْيَم، عَن أنس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن الدُّعَاء لَا يرد بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة، فَادعوا "
وَهَذَا إِسْنَاد جيد، وَبُرَيْدَة ثِقَة، فاعلمه.(5/227)
(2438) وَذكر أَيْضا من طَرِيق، أبي دَاوُد حَدِيث عقبَة بن [عَامر أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من أم النَّاس فَأصَاب الْوَقْت، فَلهُ وَلَهُم، وَمن انْتقصَ] من ذَلِك شَيْئا فَعَلَيهِ وَلَا عَلَيْهِم ".
وَسكت عَنهُ مصححاً لَهُ، وَبينا فِي الْبَاب الْمَعْقُود لهَذَا أَنه لَيْسَ بِصَحِيح، وَترك مِنْهُ زِيَادَة، هِيَ بِإِسْنَادِهِ الْمَذْكُور بِهِ عِنْد أبي دَاوُد، سَنذكرُهُ من أجلهَا فِي الْبَاب الْمَعْقُود للزيادات.
وَالَّذِي لأَجله نذكرهُ الْآن، هُوَ أَنه عِنْد أبي دَاوُد، من رِوَايَة ابْن وهب، عَن يحيى بن أَيُّوب، عَن عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة الْمدنِي، عَن أبي عَليّ الْهَمدَانِي، عَن عقبَة.
وَعبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة، أَبُو حَرْمَلَة، مدنِي، أحد أَشْيَاخ مَالك، وَثَّقَهُ قوم وَضَعفه آخَرُونَ من أجل حفظه، وَحكى عَنهُ ابْن معِين أَنه قَالَ: " كنت لَا أحفظ، فَرخص لي سعيد بن الْمسيب فِي الْكتاب.
فعلى هَذَا أَن يتَوَقَّف فِيمَا لم يعلم أَنه حدث بِهِ من كِتَابه، وَقد لَا يعْتَمد هَذَا فِي التَّوَقُّف عَن حَدِيثه غَيرنَا.
وَكَذَلِكَ مَا ذكره ابْن الْمَدِينِيّ، عَن يحيى الْقطَّان من قَوْله عَنهُ " إِنَّه كَانَ يلقن، وَلَو شِئْت أَن ألقنه أَشْيَاء ".(5/228)
هُوَ أَيْضا مِمَّا قد لَا يرى غَيرنَا التَّوَقُّف بِهِ عَن حَدِيثه، لِأَنَّهُ لم يثبت عَنهُ أَنه تلقن خطأ، وَلَكِن مَعَ هَذَا، فَاعْلَم أَنه قد رَوَاهُ عَن أبي عَليّ الْهَمدَانِي غَيره، مِمَّن هُوَ ثِقَة عِنْدهم، وَهُوَ حَرْمَلَة بن عمرَان التجِيبِي.
قَالَ أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا الرّبيع بن سُلَيْمَان الجيزي، حَدثنَا سعيد ابْن كثير بن عفير، حَدثنَا يحيى بن أَيُّوب، عَن حَرْمَلَة بن عمرَان، عَن أبي عَليّ الْهَمدَانِي، سَمِعت عقبَة بن عَامر، سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول فَذكره.
قَالَ الطَّحَاوِيّ: أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ يَقُولُونَ: الصَّوَاب فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث: " يحيى بن أَيُّوب، عَن حَرْمَلَة، عَن أبي عَليّ الهمذاني " لِأَن عبد الرَّحْمَن لَا يعرف لَهُ سَماع من أبي عَليّ. انْتهى قَول الطَّحَاوِيّ.
وَهُوَ كَمَا ذكر فاعلمه.
(2439) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة حَدِيث: " أول مَا يُحَاسب بِهِ العَبْد يَوْم الْقِيَامَة الصَّلَاة ".
وَسكت عَنهُ، وَذَكَرْنَاهُ فِي بَاب [الْأَحَادِيث المصححة بسكوته، وَبينا الْخلاف] الَّذِي فِيهِ و [نقُول الْآن: إِنَّه قد رُوِيَ بِسَنَد صَحِيح قَالَ النَّسَائِيّ: أخبرنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، قَالَ: حَدثنَا النَّضر بن شُمَيْل، قَالَ: أخبرنَا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن الْأَزْرَق بن قيس، عَن يحيى بن يعمر عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن أول مَا يُحَاسب بِهِ العَبْد صلَاته، فَإِن كَانَ أكملها وَإِلَّا قَالَ الله:(5/229)
انْظُرُوا ألعبدي من تطوع؟ فَإِن وجد لَهُ، قَالَ: أكملوا بِهِ الْفَرِيضَة ".
الْأَزْرَق بن قيس الْحَارِثِيّ، بَصرِي، وثقة ابْن معِين وَقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: صَالح الحَدِيث، وَلَيْسَ فِي الْإِسْنَاد من يوضع فِيهِ النّظر سواهُ
(2440) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن عَائِشَة، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كَانَ لَا يتَوَضَّأ بعد الْغسْل ".
وَأتبعهُ قَول التِّرْمِذِيّ فِيهِ: حسن صَحِيح.
وَهُوَ إِنَّمَا يرويهِ عَن التِّرْمِذِيّ شريك، عَن أبي إِسْحَاق، عَن الْأسود عَن عَائِشَة.
وَكَانَ حَقه أَن لَا يقنع فِيهِ بتصحيح التِّرْمِذِيّ، لِأَنَّهُ يضعف بِشريك الْأَحَادِيث، إِذا لم يصححها لَهُ التِّرْمِذِيّ.
من ذَاك حَدِيث: " إِن بني إِسْرَائِيل لما قصوا ضلوا ". ضعفه، وَلَيْسَ فِيهِ من بِهِ يضعف إِلَّا شريك.
وَالَّذِي نريده الْآن، هُوَ أَن للْحَدِيث طَرِيقا خيرا من هَذَا من غير رِوَايَة شريك، ذكره النَّسَائِيّ، قَالَ: أخبرنَا أَحْمد بن عُثْمَان بن حَكِيم، قَالَ: حَدثنَا أبي، حَدثنَا حسن بن صَالح، عَن أبي إِسْحَاق فَذكره.
الْحسن بن صَالح بن حَيّ، خير من شريك، وَعُثْمَان بن حَكِيم أخرج(5/230)
لَهُ البُخَارِيّ، وَابْنه أَحْمد أخرج لَهُ مُسلم وَالْبُخَارِيّ رحمهمَا الله.
(2441) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن مَرْوَان بن الحكم، قَالَ: قَالَ لي زيد بن ثَابت: " مَالك تقْرَأ فِي صَلَاة الْمغرب بقصار الْمفصل، وَقد رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقْرَأ فِي الْمغرب بطولى الطوليين " الحَدِيث.
كَذَا أوردهُ وَسكت عَنهُ، وَمَا مثله صحّح، فَإِن مَرْوَان بن الحكم متوسط بَين عُرْوَة بن الزبير، وَزيد بن ثَابت، وَهَكَذَا كَانَ الْأَمر فِي حَدِيث بسرة فِي الْوضُوء من مس الذّكر، فَقَالَ ابْن معِين: أَبى [ ... .] ونه من رِوَايَة مَرْوَان وَلَكِن صَحَّ أَن عُرْوَة استثبت فِي ذَلِك، بِأَن سَأَلَ عَنهُ بسرة، فصدقت مَرْوَان بِمَا قَالَ عَنْهَا من ذَلِك.
واعتراه أَيْضا وَالله أعلم مثل ذَلِك فِي هَذَا الحَدِيث، فَسَأَلَ زيد ن ثَابت عَنهُ بعد أَن كَانَ قد حَدثهُ بِهِ مَرْوَان.
قَالَ الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا الرّبيع بن سُلَيْمَان الجيزي قَالَ: حَدثنَا أبوزرعة قَالَ: حَدثنَا حَيْوَة، قَالَ: أخبرنَا أَبُو الْأسود أَنه سمع عُرْوَة بن الزبير يَقُول: أَخْبرنِي زيد بن ثَابت أَنه قَالَ لمروان بن الحكم: أَبَا عبد الْملك مَا يحملك أَن تقْرَأ فِي صَلَاة الْمغرب قل هُوَ الله أحد، وَسورَة أُخْرَى صَغِير؟ قَالَ زيد: فوَاللَّه لقد سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقْرَأ فِي صَلَاة الْمغرب بأطول الطول وَهِي المص.(5/231)
فَفِي هَذَا أَن عُرْوَة سَمعه من زيد بن ثَابت، فإمَّا أَن يكون سَمعه مِنْهُ بعد أَن حَدثهُ بِهِ مَرْوَان عَنهُ، أَو حَدثهُ بِهِ زيد أَولا، وسَمعه أَيْضا من مَرْوَان فَصَارَ يحدث بِهِ على الْوَجْهَيْنِ، وَذَلِكَ وَالله أعلم أَنه لم يكن يعتمده فِيمَا يروي، فَلذَلِك كَانَ يستظهر عَلَيْهِ.
وَأَبُو الْأسود، هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن نَوْفَل يَتِيم عُرْوَة، أحد الثِّقَات، وَأَبُو زرْعَة الرَّاوِي عَنهُ، هُوَ وهب الله بن رَاشد، مُؤذن الْفسْطَاط، صَدُوق.
(2442) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث سَمُرَة " أمرنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن نرد على الإِمَام وَأَن نتحاب، وَأَن يسلم بَعْضنَا على بعض ".
وَقد كتبناه بِمَا فِيهِ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي لم يعبها بسوى الْإِرْسَال ,. وَنَذْكُر الْآن هُنَا أَنه قد رُوِيَ من طَرِيق جيد.
قَالَ الْبَزَّار: حَدثنَا عَمْرو بن عَليّ، حَدثنَا عبد الْأَعْلَى بن الْقَاسِم، حَدثنَا همام، عَن قَتَادَة، عَن الْحسن، عَن سَمُرَة: " أمرنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن نسلم على أَئِمَّتنَا، وَأَن يسلم بَعْضنَا على بعض فِي الصَّلَاة ".
فَهَذَا أبين لفظا، فَإِن الأول لم يتَبَيَّن فِيهِ أَن السَّلَام الْمَأْمُور [برده على الإِمَام وعَلى بَعضهم الْبَعْض، يكون دَاخل الصَّلَاة أَو خَارِجهَا، بِخِلَاف هَذَا] فَإِن السَّلَام الْمَذْكُور [فِيهِ مُقَيّد بِالصَّلَاةِ، ويؤكد أَن الأول غير مُرَاد بِهِ دَاخل(5/232)
الصَّلَاة، حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول] الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا تدخلون الْجنَّة حَتَّى تؤمنوا، وَلَا تؤمنوا حَتَّى تحَابوا، أَولا أدلكم على شَيْء إِذا فعلتموه تحاببتم: أفشو السَّلَام بَيْنكُم ".
وَتبين فِي هَذَا الحَدِيث الَّذِي ذكر الْبَزَّار أَن السَّلَام الْمَذْكُور هُوَ فِي الصَّلَاة، فَهِيَ زِيَادَة دَاخِلَة فِي بَاب الزِّيَادَات الَّتِي تفِيد فِي الْأَحَادِيث فَائِدَة أَو تَفْسِير معنى من مَعَانِيهَا، وَهُوَ أَيْضا أحسن إِسْنَادًا، فَإِن همام بن يحيى لَا يفاضل بَينه وَبَين سعيد بن بشير فِي قَتَادَة.
وَعبد الْأَعْلَى بن الْقَاسِم اللؤْلُؤِي صَدُوق.
(2443) وَذكر من طَرِيق مُسلم حَدِيث عَائِشَة: قَالَت: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي فِيمَا بَين أَن يفرغ من صَلَاة الْعشَاء وَهِي الَّتِي يَدْعُو النَّاس الْعَتَمَة إِلَى الْفجْر، إِحْدَى عشرَة رَكْعَة، يسلم بَين كل رَكْعَتَيْنِ، ويوتر بِوَاحِدَة، فَإِذا سكت الْمُؤَذّن من صَلَاة الْفجْر، وَتبين لَهُ الْفجْر، وجاءه الْمُؤَذّن قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خفيفتين ثمَّ اضْطجع على شقة الْأَيْمن حَتَّى يَأْتِيهِ الْمُؤَذّن بِالْإِقَامَةِ ".
هَكَذَا أوردهُ، وَلم يُورد فِي مَعْنَاهُ غَيره، وَلَا أَدْرِي لم اخْتَارَهُ، وَهُوَ من رِوَايَة حَرْمَلَة بن يحيى عِنْد مُسلم، وحرملة قد تكلم فِيهِ وَهُوَ أَيْضا مثبج(5/233)
اللَّفْظ، وَذَلِكَ فِي قَوْله: " يسلم بَين كل رَكْعَتَيْنِ "، وَإِنَّمَا أَرَادَ: من كل رَكْعَتَيْنِ وَفِي قَوْله: وَإِذا سكت الْمُؤَذّن من صَلَاة الْفجْر، وَإِنَّمَا أَرَادَ إِذا سكت الْمُؤَذّن من الْأَذَان الأول لصَلَاة الْفجْر، وَفِيه مَا لَا يعرف إِلَّا مِنْهُ، وَهُوَ قَوْله: إِن الْمُؤَذّن كَانَ يَأْتِيهِ بعد فَرَاغه من الْأَذَان قبل أَن يرْكَع رَكْعَتي الْفجْر، ثمَّ يَأْتِيهِ مرّة أُخْرَى للإقامة، وَهَذَا مَا لَا يعرف فِي غَيره.
وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس حِين بَات عِنْده أَنه نَام بعد الْوتر حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذّن، فَقَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خفيفتين، ثمَّ خرج إِلَى الصَّلَاة، إِلَّا أَن هَذَا إِخْبَار عَن قَضِيَّة مَخْصُوصَة، نَام فِيهَا بعد الْوتر، وَالْمَعْرُوف من حَدِيث عَائِشَة، وَحَفْصَة، وَغَيرهمَا إِنَّمَا هُوَ أَنه كَانَ [يرْكَع رَكْعَتَيْنِ خفيفتين، ثمَّ يضطجع على شقَّه الْأَيْمن، حَتَّى يَأْتِيهِ الْمُؤَذّن] للإقامة.
وَفِي الحَدِيث الْمَذْكُور أَيْضا أَنه صلى ثَلَاث عشرَة رَكْعَة بركعتي الْفجْر، وَذَلِكَ صَحِيح من طرق كَثِيرَة جدا.
وَالَّذِي قصدت الْآن بَيَانه، هُوَ أَن الحَدِيث ذكره أَبُو دَاوُد، وَمن أصح من هَذَا الطَّرِيق.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم دُحَيْم، وَنصر بن عَاصِم الْأَنْطَاكِي، قَالَا: حَدثنَا الْوَلِيد، قَالَ: حَدثنَا الْأَوْزَاعِيّ، قَالَ نصر: عَن ابْن أبي ذِئْب [الْأَوْزَاعِيّ] عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة قَالَت: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي فِيمَا بَين أَن يفرغ من صَلَاة الْعشَاء إِلَى أَن ينصدع الْفجْر إِحْدَى عشرَة رَكْعَة، يسلم من كل ثِنْتَيْنِ، ويوتر بِوَاحِدَة، وَيمْكث فِي(5/234)
سُجُوده قدر مَا يقْرَأ أحدكُم خمسين آيَة، قبل أَن يرفع رَأسه، فَإِذا سكت الْمُؤَذّن بِالْأولَى من صَلَاة الْفجْر، قَامَ فَرَكَعَ خفيفتين، ثمَّ اضْطجع على شقَّه الْأَيْمن حَتَّى يَأْتِيهِ الْمُؤَذّن " فَهَذَا أصح إِسْنَادًا ولفظاً الله الْمُوفق.
(2444) وَذكر أَيْضا فِي الْجِهَاد حَدِيث: " من أَطَاعَنِي فقد أطَاع الله ". وَهُوَ لفظ يرويهِ مُسلم عَن حَرْمَلَة، وَله لفظ آخر آحسن مِنْهُ، بطرِيق لَا مغمز فِيهِ فِي كتاب مُسلم أَيْضا تَركه، فَإِن فِي الَّذِي سَاق " وَمن أطَاع أَمِيري، وَمن عصى أَمِيري "، وَفِي الَّذِي ترك " وَمن يطع الْأَمِير فقد أَطَاعَنِي، وَمن يعْص الْأَمِير فقد عَصَانِي ".
وَهَذَا أَعم فِي كل أَمِير، وَإِسْنَاده: حَدثنَا يحيى بن يحيى، حَدثنَا الْمُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن الْحزَامِي، عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة فَذكره.
(2445) وَذكر من طَرِيق مُسلم أَيْضا حَدِيث أم هِشَام بنت حَارِثَة بن النُّعْمَان " مَا أخدت " ق " إِلَّا على لِسَان رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يخْطب بهَا كل جُمُعَة ".
وَهُوَ مُنْقَطع، وَله إِسْنَاد صَحِيح غير هَذَا عِنْد مُسلم، قد كتبنَا جَمِيع مَا يجب أَن يبين بِهِ هَذَا فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة وَهِي(5/235)
مُنْقَطِعَة، فِي الْمدْرك الأول مِنْهُ فعد إِلَيْهِ.
(2446) وَذكر حَدِيث ابْن مَسْعُود فِي " النَّهْي عَن النعي "
وَلَيْسَ بِصَحِيح، وَقد [كتبناه فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أعلها، وَلم يبين من أسانيدها مَوَاضِع الْعِلَل، ... . وَوجدنَا] لَهُ إِسْنَادًا صَحِيحا على مذْهبه، من رِوَايَة حُذَيْفَة، نذكرهُ هُنَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَحْمد بن منيع، حَدثنَا عبد القدوس بن بكر بن خُنَيْس حَدثنَا حبيب بن سليم الْعَبْسِي، عَن بِلَال بن يحيى الْعَبْسِي، عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان، قَالَ: " إِذا مت فَلَا تؤذنوا بِي أحدا، إِنِّي أَخَاف أَن يكون نعياً، فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ينْهَى عَن النعي ".
قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
وَإِنَّا ألزمته ذكره، بِاعْتِبَار مذْهبه فِي قبُوله تَصْحِيح التِّرْمِذِيّ أَو غَيره إِذا صحّح لَهُ، وَهُوَ حَدِيث مُحْتَاج إِلَى نظر، وَذَلِكَ أَن بِلَال بن يحيى هَذَا وَإِن كَانَ ثِقَة، فَإِن أَبَا مُحَمَّد بن أبي حَاتِم قد قَالَ: إِنَّه وَحده يَقُول: بَلغنِي عَن حُذَيْفَة
فَكَانَ هَذَا عِنْده ريباً فِي سَمَاعه مِنْهُ، وَقد روى عَن حُذَيْفَة أَحَادِيث معنعة، لَيْسَ فِي شَيْء مِنْهَا ذكر سَماع.
وَالتِّرْمِذِيّ قد صحّح رِوَايَته عَنهُ، فمعتقده وَالله أعلم أَنه سمع مِنْهُ.(5/236)
وحبِيب بن سليم الْعَبْسِي، قد روى عَنهُ وَكِيع، وَعِيسَى بن يُونُس، وَأَبُو نعيم. قَالَه أَبُو حَاتِم وَلم يزدْ.
وَأرى أَن التِّرْمِذِيّ قد وَثَّقَهُ بتصحيح حَدِيثه.
وَعبد القدوس بن بكر بن خُنَيْس، قَالَ أَبُو حَاتِم: لَا بَأْس بحَديثه. وَوَثَّقَهُ أَيْضا التِّرْمِذِيّ هُنَا.
فَهَذَا الحَدِيث خير من الَّذِي سَاق أَبُو مُحَمَّد بِلَا شكّ، فَاعْلَم ذَلِك.
(2447) وَذكر من طَرِيق مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَيْسَ فِي العَبْد صَدَقَة إِلَّا صَدَقَة الْفطر ".
هَذَا اللَّفْظ هُوَ عِنْد مُسلم من رِوَايَة مخرمَة بن بكير، عَن أَبِيه، عَن عرَاك ابْن مَالك، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَقد بَينا فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي سَاقهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة وَهِي مُنْقَطِعَة أَن مخرمَة لم يسمع من أَبِيه، وَمَا اعترى أَبَا مُحَمَّد فِيهِ.
والْحَدِيث لَهُ إِسْنَاد حسن مُتَّصِل، ذكره قَاسم بن أصبغ، قَالَ: حَدثنَا أَبُو إِسْمَاعِيل [التِّرْمِذِيّ، حَدثنَا سعيد بن أبي مَرْيَم، حَدثنَا نَافِع بن يزِيد، عَن [جَعْفَر بن ربيعَة، [عَن عرَاك بن مَالك، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -] قَالَ: " لَا صَدَقَة فِي فرس الرجل وَلَا عَبده، إِلَّا صَدَقَة الْفطر ".
أَبُو إِسْمَاعِيل: مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل التِّرْمِذِيّ، شيخ للنسائي، وَثَّقَهُ(5/237)
النَّسَائِيّ وَالنَّاس.
وَلَيْسَ فِي الْإِسْنَاد من ينظر فِيهِ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن أَحْمد بن عَمْرو بن عبد الْخَالِق، قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن رشدين، قَالَ: حَدثنَا ابْن أبي مَرْيَم، حَدثنَا نَافِع ابْن يزِيد، عَن جَعْفَر بن ربيعَة، عَن عرَاك بن مَالك، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا صَدَقَة على الرجل فِي فرسه وَلَا عَبده، إِلَّا زَكَاة الْفطر ".
أَبُو جَعْفَر: أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحجَّاج بن رشدين بن سعد، ثِقَة عَالم بِالْحَدِيثِ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا: حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد بن صاعد، قَالَ: حَدثنَا عَليّ بن دَاوُد، قَالَ: حَدثنَا يزِيد بن خَالِد بن موهب، قَالَ: حَدثنَا يحيى بن زَكَرِيَّاء بن أبي زَائِدَة، عَن عبيد الله بن عمر، عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَيْسَ فِي الْخَيل وَالرَّقِيق صَدَقَة، إِلَّا أَن فِي الرَّقِيق صَدَقَة الْفطر ".
هَذِه كلهَا صِحَاح.
(2448) وَذكر فِي الزَّكَاة من طَرِيق أبي أَحْمد، عَن عبد الحميد الْهِلَالِي، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كل(5/238)
مَعْرُوف صَدَقَة، وَمَا أنْفق الرجل على نَفسه وَأَهله كَانَ لَهُ صَدَقَة، وَمَا وقى رجل بِهِ عرضه فَهُوَ صَدَقَة، وَمَا أنْفق رجل من نفقه فعلى الله خلفهَا، إِلَّا مَا كَانَ من نَفَقَة فِي بُنيان أَو مَعْصِيّة ".
قَالَ عبد الحميد: قلت لِابْنِ الْمُنْكَدر: مَا وقِي الرجل عرضه؟ قَالَ: يُعْطي الشَّاعِر أَو ذَا اللِّسَان.
عبد الحميد: وَثَّقَهُ ابْن معِين، انْتهى مَا ذكره. وَهُوَ كَمَا قَالَ، إِلَّا فِي قَوْله فعلى الله خلفهَا، إِلَّا مَا كَانَ من نَفَقَة فِي بُنيان أَو مَعْصِيّة " فَإِن الحَدِيث هُوَ فِي الأَصْل هَكَذَا " فعلى الله خلفهَا ضَامِنا، إِلَّا مَا كَانَ من نَفَقَة فِي بُنيان أَو مَعْصِيّة ".
فلفظة " ضَامِنا " هِيَ من كَلَام النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَلَا يَنْبَغِي أَن تختصر، وَفِي قَول ابْن الْمُنْكَدر: يُعْطي الشَّاعِر أَو ذَا [اللِّسَان يتقيه] نوع تَفْسِير للْحَدِيث الْمَرْفُوع.
وَإِسْنَاده عِنْد أبي أَحْمد هُوَ: هَذَا حَدثنَا مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الباغندي، قَالَ: حَدثنَا سُوَيْد بن سعيد، قَالَ: حَدثنَا عبد الحميد بن الْحسن، فَذكره.
وَوَقع فِي النُّسْخَة: " سعيد بن سعيد " وَهُوَ خطأ، وَإِنَّمَا هُوَ حَدثنَا سُوَيْد بن سعيد، والباغندي صَاحبه، وَعنهُ أَخذ، وَبِه عرف، فإعراض أبي مُحَمَّد عَن سُوَيْد بن سعيد الحدثاني خطأ، فَإِنَّهُ كَانَ قد أفرط فِي التَّدْلِيس، وَقَالَ(5/239)
البُخَارِيّ: كَانَ قد عمي فلقن مَا لَيْسَ من حَدِيثه. وَقَالَ فِيهِ النَّسَائِيّ: ضَعِيف.
وَأنْكرت عَلَيْهِ أَحَادِيث، وروى حَدِيثا فِي الَّذين يقيسون بآرائهم، قد كَانَ اتهمَ بِهِ نعيم بن حَمَّاد.
وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا مثله سكت عَنهُ. وَأَبُو مُحَمَّد نَفسه قد نبه على هَذَا فِي كتاب الْعلم، وَذكر السياجي أَن ابْن معِين نهى عَنهُ، وَتكلم فِيهِ كلَاما غليظاً.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم البستي: " سُوَيْد الحدثاني، يَأْتِي عَن الثِّقَات بالمعضلات، روى عَن عَليّ بن مسْهر عَن أبي يحيى القَتَّات، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ:
(2449) " من عشق فعف وكتم فَمَاتَ، مَاتَ شَهِيدا "(5/240)
قَالَ ابْن معِين: لَو كَانَ لي فرس ورمح لَكُنْت أغزو سُوَيْد بن سعيد ".(5/241)
وَقَالَ هبة الله اللالكائي: من سمع مِنْهُ وَهُوَ بَصِير، فَحَدِيثه عَنهُ حسن.
وأظن أَن أَبَا مُحَمَّد إِنَّمَا تسَامح فِيهِ لما علم أَن مُسلما أخرج لَهُ، وَلم يصب فِي ذَلِك، فَإِنَّهُ مِمَّن قد عيب عَلَيْهِ الْإِخْرَاج عَنهُ، أَو يكون رَآهُ فِي النُّسْخَة الَّتِي نقل مِنْهَا " سعيد بن سعيد " مغيراً، كَمَا قد أَخْبَرتك أَنه وَقع عِنْدِي، فعزب عَن خاطره سُوَيْد، فَلم يعرض لَهُ، وَيكون الْأَمر عَلَيْهِ حِينَئِذٍ أَشد، فَإِن سعيد بن سعيد فِي هَذَا الْمَكَان لَا يعرف.
وَفِي الحَدِيث أَمر آخر، وَهُوَ أَن أَبَا بكر: مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الباغندي، قد أَكثر النَّاس فِيهِ، هُوَ عِنْدهم مِمَّن أَكثر من التَّدْلِيس.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: كَانَ كثير التَّدْلِيس، يحدث بِمَا لم يسمع، وَرُبمَا سرق.
وَقَالَ أَبُو بكر البرقاني: سَأَلت أَبَا بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ عَنهُ، فَقَالَ: لَا [أَتَّهِمهُ فِي قصد الْكَذِب، وَلكنه خَبِيث التَّدْلِيس، ومصحف] أَيْضا. أَو قَالَ: كثير التَّصْحِيف، ثمَّ قَالَ: حُكيَ لي عَن سُوَيْد أَنه كَانَ يُدَلس، قَالَ] الْإِسْمَاعِيلِيّ كَأَنَّهُ تعلم من سُوَيْد التَّدْلِيس. وَقَالَ أَبُو الْفَتْح: مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي الفوارس: كَانَ الباغندي مدلساً.(5/242)
قَالَ أَبُو بكر الْخَطِيب: لم يثبت من أَمر الباغندي مَا يعاب بِهِ سوى التَّدْلِيس، وَرَأَيْت كَافَّة شُيُوخنَا يحتجون بحَديثه ويخرجونه فِي الصَّحِيح انْتهى كَلَام الْخَطِيب.
وَقَوله عِنْدِي أعدل مَا قيل فِيهِ، فالحمل عَلَيْهِ بِالْكَذِبِ تعسف.
وَمِمَّنْ ذكر ذَلِك عَنهُ أَبُو أَحْمد بن عدي، قَالَ: سَمِعت مُوسَى بن الْقَاسِم ابْن مُوسَى بن الْحسن الأشيب يَقُول: حَدثنِي أَبُو بكر، قَالَ سَمِعت إِبْرَاهِيم الْأَصْبَهَانِيّ يَقُول: أَبُو بكر الباغندي كَذَّاب.
قَالَ أَبُو أَحْمد: وللباغندي أَشْيَاء أنْكرت عَلَيْهِ من الْأَحَادِيث، وَكَانَ مدلساً، وَأَرْجُو أَنه لَا يتَعَمَّد الْكَذِب.
وَالْمَقْصُود أَن تعلم أَن مَا ترك أَبُو مُحَمَّد من الْإِسْنَاد وطوى ذكره، أَدخل فِي بَاب مَا ينظر فِيهِ ويبحث عَنهُ، من الْقطعَة الَّتِي ذكر مِنْهُ.
وَقد صحت من الحَدِيث الْمَذْكُور قِطْعَة بِرِوَايَة غير سُوَيْد بن سعيد، من أجلهَا ذكرنَا الحَدِيث. فِي هَذَا الْبَاب، وَهِي مَا ذكر أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فِي مُسْنده، قَالَ: حَدثنَا عبد الحميد - يَعْنِي ابْن الْحسن الْهِلَالِي الْمَذْكُور - حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا وقى بِهِ الْمُؤمن عرضه فَهُوَ صَدَقَة ".
(2450) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " من سكن الْبَادِيَة جَفا " الحَدِيث.(5/243)
وَسكت عَنهُ، وَقد بَينا علته فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي سكت عَنْهَا مصححاً لَهَا.
وَنَذْكُر الْآن أَن لَهُ طَرِيقا خيرا من هَذَا الطَّرِيق الَّذِي هُوَ بِهِ عِنْد التِّرْمِذِيّ، وَقد أَشَارَ التِّرْمِذِيّ أَيْضا إِلَى هَذَا الَّذِي نذْكر، وَلم يُوصل بِهِ الْإِسْنَاد، إِنَّمَا قَالَ: فِي الْبَاب عَن أبي هُرَيْرَة.
وَهُوَ حَدِيث ذكره الْبَزَّار قَالَ: حَدثنَا الْحسن بن مُحَمَّد الزَّعْفَرَانِي، حَدثنَا مُحَمَّد بن الصَّباح يَعْنِي الدولابي حَدثنَا إِسْمَاعِيل ابْن زَكَرِيَّاء، عَن الْحسن بن الحكم، عَن [عدي بن ثَابت، عَن أبي حَازِم عَن أبي هُرَيْرَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -[قَالَ: " من بدا جَفا، وَمن اتبع الصَّيْد غفل " فَذكره بِتَمَامِهِ]
قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ شريك عَن الْحسن بن الحكم، عَن عدي بن ثَابت، عَن الْبَراء. قَالَ إِسْمَاعِيل: عَن الْحسن، عَن عدي، عَن أبي حَازِم، وَالْحسن فَلَيْسَ بِالْحَافِظِ. انْتهى كَلَامه.
هَكَذَا ذكر أَبُو حَاتِم البستي أَيْضا هَذَا الرجل أَعنِي الْحسن بن الحكم بِأَنَّهُ يُخطئ كثيرا ويهم شَدِيدا، وروى عَن عدي بن ثَابت، عَن أبي حَازِم، عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه " من بدا جَفا، وَمن اتبع الصَّيْد غفل، وَمن أَتَى أَبْوَاب السُّلْطَان افْتتن، وَمَا ازْدَادَ من السُّلْطَان قرباً إِلَّا ازْدَادَ من الله بعدا " قَالَ: وروى عَن أبي بردة بن أبي مُوسَى، عَن عبد الله بن يزِيد الخطمي رَفعه.
(2451) " عَذَاب أمتِي فِي الدُّنْيَا " انْتهى كَلَام البستي.
وَهَذَا الحَدِيث الثَّانِي مُنكر، وَقد روى صَحِيحا من حَدِيث أبي مُوسَى،(5/244)
وَالزِّيَادَة الَّتِي زَاد، وَهِي قَوْله: " وَمَا ازْدَادَ " إِلَى آخِره، ذكره أَبُو دَاوُد من رِوَايَة الْحسن بن الحكم، عَن عدي بن ثَابت، عَن شيخ من الْأَنْصَار، عَن أبي هُرَيْرَة رَفعه لم يسمه بِأبي حَازِم.
وَالْحسن بن الحكم هَذَا قد وَصفه الْبَزَّار والبستي بِمَا وصفاه بِهِ، وَقد حكى ابْن أبي حَاتِم، عَن ابْن معِين توثيقه، وَكَذَلِكَ عَن أَحْمد بن حَنْبَل. وَقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: صَالح الحَدِيث.
فَأرى هَذَا الحَدِيث حسنا، فَأَما الَّذِي ذكر أَبُو مُحَمَّد فضعيف فاعلمه.
(2452) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث عَائِشَة، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا أَرَادَ الله بالأمير خيرا جعل لَهُ وَزِير صدق، إِن نسي ذكره، وَإِن ذكر أَعَانَهُ،(5/245)
وَإِذا أَرَادَ بِهِ غير ذَلِك، جعل لَهُ وَزِير سوء، إِن نسي لم يذكرهُ، وَإِن ذكر لم يعنه ".
وَسكت عَنهُ، وَقد بَينا أمره فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي سكت عَنْهَا، وَنَذْكُر الْآن أَن لَهُ إِسْنَادًا أحسن من هَذَا، وَهُوَ مَا ذكر الْبَزَّار، قَالَ: حَدثنَا الْفضل بن سهل، حَدثنَا مَنْصُور بن أبي مُزَاحم، حَدثنَا أَبُو سعيد الْمُؤَدب، عَن يحيى بن سعيد، عَن عمْرَة، عَن عَائِشَة، قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -[: " من ولي من أَمر الْمُسلمين شَيْئا فَأَرَادَ الله بِهِ خيرا جعل لَهُ وزيراً] صَالحا، إِن نسي [ذكره، وَإِن ذكر أَعَانَهُ " وَأَبُو سعيد الْمُؤَدب، اسْمه مُحَمَّد بن مُسلم بن] أبي الوضاح ثِقَة مَشْهُور، وسائرهم لَا يسْأَل عَنْهُم.
(2453) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث بُرَيْدَة فِي قصَّة صَاحب الْحمار، الَّذِي قَالَ لَهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَنْت أَحَق بصدر دابتك "
وَسكت عَنهُ، وَقد بَينا أمره فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي سكت عَنْهَا مصححاً لَهَا.
ونقول الْآن: إِن لَهُ طَرِيقا أحسن من ذَلِك، ولفظاً أَعم من لَفظه، فَإِن هَذَا مُخَاطبَة لرجل مَخْصُوص.
قَالَ الْبَزَّار: حَدثنَا عَبدة بن عبد الله، وَبشر بن آدم، قَالَا: حَدثنَا زيد بن الْحباب، قَالَ: حَدثنَا الْحُسَيْن بن وَاقد، عَن عبد الله بن بُرَيْدَة، عَن أَبِيه، أَن(5/246)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " صَاحب الدَّابَّة أَحَق بصدرها، وَالرجل أَحَق بصدر فرسه ".
وَهَذَا إِسْنَاد ثَابت، وَزيد بن الْحباب، خير من عَليّ بن حُسَيْن رَاوِي الأول، عَن أَبِيه، عَن عبد الله بن بُرَيْدَة.
فَأَما حَدِيث الْحسن بن عَليّ، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي هَذَا فَغير صَحِيح، فَإِن الْحسن بن عَليّ هَذَا هُوَ الْهَاشِمِي، مُنكر الحَدِيث، وَالْبَزَّار أَيْضا ذكر هَذَا الحَدِيث فاعلمه.
(2454) وَذكر فِي أَن راية رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَت سَوْدَاء أَحَادِيث:
مِنْهَا حَدِيث ابْن عَبَّاس: " كَانَت رايته سَوْدَاء وَلِوَاؤُهُ أَبيض ". وَهُوَ ضَعِيف، لحَال يزِيد بن حَيَّان، أخي مقَاتل بن حَيَّان، فَإِنَّهُ لم تثبت عَدَالَته، وَهُوَ مَعَ ذَلِك كثير الْغَلَط.
ومرسل يحيى بن سعيد: " كَانَت سَوْدَاء تسمى الْعقَاب ".
وَحَدِيث الْبَراء: " كَانَت سَوْدَاء، مربعة من نمرة ".
وَفِيه رجلَانِ مَجْهُولَانِ: يُونُس بن عبيد، وَأَبُو يَعْقُوب: إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الثقفيان، وَقد بَينا ذَلِك أجمع فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي سكت عَنْهَا مصححاً لَهَا.
ونقول الْآن: إِن هُنَاكَ إِسْنَادًا صَحِيحا بِهَذَا الْمَعْنى. قَالَ النَّسَائِيّ: أخبرنَا أَحْمد بن سُلَيْمَان وَهُوَ ثِقَة حَدثنَا عَفَّان، حَدثنَا يزِيد بن زُرَيْع، حَدثنَا سعيد عَن قَتَادَة، عَن أنس أَن ابْن أم مَكْتُوم كَانَت مَعَه راية سَوْدَاء فِي بعض مشَاهد(5/247)
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -[فَهَذِهِ بِلَا شكّ من رايات رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -] [ثمَّ قَالَ النَّسَائِيّ أَيْضا: أخبرنَا إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب، قَالَ: حَدثنَا] عَفَّان، حَدثنَا سَلام أَبُو الْمُنْذر، عَن عَاصِم، عَن أبي وَائِل، عَن الْحَارِث بن حسان، قَالَ: " دخلت الْمَسْجِد، فَإِذا الْمَسْجِد غاص بِالنَّاسِ، فَإِذا راية سَوْدَاء، قلت: مَا شَأْن النَّاس؟ قَالُوا: هَذَا رَسُول الله
يُرِيد أَن يبْعَث عَمْرو بن الْعَاصِ وَجها ".
سَلام أَبُو الْمُنْذر صَدُوق صَالح الحَدِيث، قَالَه أَبُو حَاتِم، وَقَول ابْن معِين: فِيهِ لَا شَيْء، هُوَ لفظ يَقُول لمن يقل حَدِيثه وَإِن لم يكن لَهُ بَأْس.
(2455) وَذكر أَيْضا حَدِيث: " هدم الْمُتْعَة النِّكَاح وَالطَّلَاق "، وَذكرنَا ضعفه، وَأَنه رُوِيَ من طَرِيق أحسن من الَّذِي سَاقه مِنْهُ، وأوردناه فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي سكت عَنْهَا مصححاً لَهَا، انجر القَوْل إِلَى الْفَرَاغ من ذَلِك فِي الْبَاب الْمَذْكُور، فعد إِلَيْهِ.
(2456) وَذكر من طَرِيق مُسلم عَن جَابر: أَتَى بِأبي قُحَافَة يَوْم فتح مَكَّة وَرَأسه ولحيته كالثغامة بَيَاضًا، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " غيروا هَذَا بِشَيْء، وَاجْتَنبُوا السوَاد ".(5/248)
وَقد بَينا أَنه من رِوَايَة أبي الزبير عَن جَابر، من رِوَايَة ابْن جريح عَنهُ، وَلِلْحَدِيثِ طَرِيق أحسن من هَذَا من رِوَايَة أنس. قَالَ الْبَزَّار: حَدثنَا الْحسن ابْن أَحْمد بن أبي شُعَيْب الْحَرَّانِي، حَدثنَا مُحَمَّد بن سَلمَة الْحَرَّانِي، حَدثنَا هِشَام بن حسان، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن أنس قَالَ: " جِيءَ بِأبي قُحَافَة يَوْم فتح مَكَّة، وَكَأن رَأسه ولحيته ثغامة بَيْضَاء، فَأمر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يغيروه ويجتنبوا السوَاد " كل هَؤُلَاءِ ثِقَات.
(2457) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن أبي الزِّنَاد، قَالَ: كَانَ عُرْوَة بن الزبير يحدث عَن سهل بن أبي حثْمَة، عَن زيد بن ثَابت قَالَ: كَانَ النَّاس يتبايعون الثِّمَار قبل أَن يَبْدُو صَلَاحهَا، فَإِذا جد النَّاس وَحضر تقاضيهم، قَالَ الْمُبْتَاع أَصَابَهُ الدمَان. الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وافتطع من الْإِسْنَاد هَذِه الْقطعَة، وَترك مِنْهُ مَا فِيهِ [علته.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا أَحْمد بن صَالح، حَدثنَا عَنْبَسَة بن خَالِد بن] أخي يُونُس بن [يزِيد قَالَ: سَأَلت أَبَا الزِّنَاد، فَذكره.
وعنبسة بن خَالِد الْأَيْلِي] ، ابْن أخي يُونُس بن يزِيد لم تثبت عَدَالَته، بل إِن ثَبت عَنهُ مَا ذكر ابْن أبي حَاتِم فقد تجرح.(5/249)
قَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: كَانَ على خراج مصر، وَكَانَ يعلق النِّسَاء بالثدي.
وَالْمَقْصُود الْآن بَيَان أَن هَذَا الْمَعْنى قد رُوِيَ بِخَير من هَذَا الْإِسْنَاد إِلَى يُونُس
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا يحيى بن صاعد، حَدثنَا عبد الله بن عبد السَّلَام، أَبُو الرداد بِمصْر، حَدثنَا وهب الله بن رَاشد، أَبُو زرْعَة الحجري، عَن يُونُس ابْن يزِيد، قَالَ: قَالَ أَبُو الزِّنَاد: كَانَ عُرْوَة يحدث عَن سهل بن أبي حثْمَة الْأنْصَارِيّ، أَنه أخبرهُ، أَن زيد بن ثَابت كَانَ يَقُول: كَانَ النَّاس فِي عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يتبايعون الثِّمَار، فَإِذا جد النَّاس وَحضر تقاضيهم، قَالَ الْمُبْتَاع: إِنَّه قد أصَاب الثَّمر مراق، وأصابه قشام، عاهات كَانُوا يحتجون بهَا، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِين كثرت عِنْده الْخُصُومَة: " إِمَّا لَا، فَلَا تبتاعوا حَتَّى يَبْدُو صَلَاح الثَّمر ".
كالمشهور يُشِير بهَا لِكَثْرَة خصومتهم.
ووهب الله بن رَاشد، سُئِلَ أَبُو زرْعَة عَنهُ فَقَالَ: لَيْسَ لي بِهِ علم، لِأَنِّي لم أكتب عَن أحد عَنهُ.
وَأما ابو حَاتِم فَقَالَ: مَحَله الصدْق.(5/250)
وروى عَنهُ بَنو عبد الحكم: مُحَمَّد، وَعبد الرَّحْمَن، وَسعد.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم: قلت لمُحَمد بن مُسلم بن وارة: عَنْبَسَة بن خَالِد أحب، أَو وهب الله بن رَاشد؟ فَقَالَ: سُبْحَانَ الله! وَمن يقرن عَنْبَسَة إِلَى وهب الله؟ مَا سَمِعت بوهب الله إِلَّا الْآن مِنْكُم.
وَهَذَا هُوَ على مَا قَالَ مُحَمَّد بن مُسلم أَن عَنْبَسَة أشهر من وهب الله، وَلَكِن علم أَبُو حَاتِم من عَنْبَسَة مَا لم يعلم مُحَمَّد بن مُسلم، مِمَّا يُوجب تَخْرِيجه، وَعلم من وهب الله أَنه صَدُوق، فروايته خير من رِوَايَة عَنْبَسَة.
(2458) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن بُرَيْدَة بن حصيب، خرج رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي بعض مغازيه، فَلَمَّا انْصَرف جَاءَت جَارِيَة سَوْدَاء، فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِنِّي كنت [نذرت إِن ردك الله صَالحا أَن أضْرب بَين يَديك بالدف] الحَدِيث.
وَقَالَ فِيهِ: [حسن صَحِيح. وَلَيْسَ كَذَلِك، لِأَن فِي إِسْنَاده عَليّ بن الْحُسَيْن بن وَاقد] فقد قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: ضَعِيف.
وَقَالَ الْعقيلِيّ: كَانَ مرجئاً، وَلَكِن قد رَوَاهُ عَن حُسَيْن بن وَاقد غير(5/251)
عَليّ الْمَذْكُور كَمَا قُلْنَاهُ فِي حَدِيث الْحمار الْمُتَقَدّم الذّكر الْآن.
قَالَ ابْن أبي شيبَة: عَن زيد بن الْحباب، عَن حُسَيْن بن وَاقد، عَن ابْن بُرَيْدَة، عَن أَبِيه أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - غزا، فنذرت أمة سَوْدَاء إِن رده الله سالما أَن تضرب عِنْده بالدف، فَرجع سالما غانماً، فَأَخْبَرته، فَقَالَ: " إِن كنت فعلت فافعلي، وَإِلَّا فَلَا "، فَقَالَت: يَا رَسُول الله، قد فعلت، فَضربت، فَدخل أَبُو بكر وَهِي تضرب، وَدخل عَمْرو وَهِي تضرب، فَأَلْقَت الدُّف وَجَلَست عَلَيْهِ مقعية، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَنا هَا هُنَا، وَأَبُو بكر هَا هُنَا، وَهَؤُلَاء هَا هُنَا، إِنِّي لأحسب الشَّيْطَان يفرق مِنْك يَا عمر ".
فَهَذَا حَدِيث صَحِيح.
(2459) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " اتَّقوا الحَدِيث عني إِلَّا مَا علمْتُم، فَمن كذب عَليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار، وَمن قَالَ فِي الْقُرْآن بِرَأْيهِ فليتبؤا مَقْعَده من النَّار ".
وَسكت عَنهُ، وَالتِّرْمِذِيّ إِنَّمَا قَالَ فِيهِ: حسن، وَيَنْبَغِي أَن يُقَال فِيهِ: ضَعِيف، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يرويهِ التِّرْمِذِيّ هَكَذَا: حَدثنَا سُفْيَان بن وَكِيع، حَدثنَا سُوَيْد ابْن عَمْرو الْكَلْبِيّ، حَدثنَا أَبُو عوَانَة، عَن عبد الْأَعْلَى، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس.(5/252)
سُفْيَان بن وَكِيع بن الْجراح، ترك الرازيان الرِّوَايَة عَنهُ بعد أَن كتبا عَنهُ
وَقَالَ أَبُو زرْعَة مِنْهُمَا: لَا يشْتَغل بِهِ، قيل لَهُ: كَانَ يكذب؟ قَالَ: كَانَ أَبوهُ رجلا صَالحا، قيل لَهُ: كَانَ يتهم بِالْكَذِبِ، قَالَ: نعم.
وَحكى أَبُو حَاتِم عَنهُ حِكَايَة: مضمونها أَنه نهي عَن وراقه وَقيل لَهُ: إِنَّه قد أَدخل فِي حَدِيثك مَا لَيْسَ مِنْهُ، فَلم ينْتَه عَنهُ، وَكَانَ يحدث بعد ذَلِك بالأحاديث الَّتِي أدخلت فِي جملَة حَدِيثه [لَكِن الحَدِيث الْمَذْكُور لَهُ مخرج آخر، فقد رَوَاهُ عَن سُوَيْد بن] عَمْرو غير سُفْيَان [بن وَكِيع، قَالَ ابْن أبي شيبَة فِي مُسْنده ... . حَدثنَا سُوَيْد بن] عَمْرو الْكَلْبِيّ، حَدثنَا أَبُو عوَانَة، عَن عبد الْأَعْلَى، عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " اتَّقوا الحَدِيث عني إِلَّا مَا علمْتُم، فَإِنَّهُ من كذب عَليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار ".
وسُويد بن عَمْرو ثِقَة، فَالْحَدِيث صَحِيح من هَذَا الطَّرِيق، لَا من الطَّرِيق الَّذِي أوردهُ مِنْهُ فاعلمه.(5/253)
(12) بَاب ذكر أَحَادِيث ضعفها من الطّرق الَّتِي أوردهَا مِنْهَا، وَهِي ضَعِيفَة مِنْهَا، صَحِيحَة أَو حَسَنَة من طرق أُخْرَى(5/255)
نذْكر فِي هَذَا الْبَاب طرقاً لأحاديث هِيَ أصح من الطّرق الَّتِي أوردهَا مِنْهَا، كَمَا فَعَلْنَاهُ فِي الْبَاب الَّذِي فَرغْنَا مِنْهُ، إِلَّا أَن الْفرق بَين الْبَابَيْنِ، هُوَ أَن الأول كَانَ قد اعْتقد فِي تِلْكَ الْأَحَادِيث أَنَّهَا صَحِيحَة أَو حَسَنَة، فَبينا فِيمَا اعتقده صَحِيحا أَنه حسن أَو ضَعِيف، أَو فِيمَا هُوَ حسن أَنه ضَعِيف، وأوردنا لَهَا طرقاً خيرا مِنْهَا.
وَأما فِي هَذَا الْبَاب، فَإِن الْأَحَادِيث الَّتِي نذْكر فِيهِ، هِيَ عِنْده ضَعِيفَة أَو حَسَنَة، ونبين فِيهَا أَنَّهَا قد وَردت من طرق أخر، هِيَ خير مِنْهَا.
(2460) فَمن ذَلِك أَنه ذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن أبي سعيد قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " لَا يخرج الرّجلَانِ يضربان الْغَائِط، كاشفين عَن عورتهما يتحدثان، فَإِن الله يمقت على ذَلِك ".
ثمَّ قَالَ: لم يسند هَذَا الحَدِيث غير عِكْرِمَة بن عمار، وَقد اضْطربَ فِيهِ، انْتهى مَا ذكر.
وَقد نبهنا على أَمر هَذَا الحَدِيث بِبَعْض القَوْل فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أعلها بِمَا لَيْسَ بعلة، وَترك ذكر عللها على الْحَقِيقَة، وأخرنا بَيَانه وَبسط(5/257)
القَوْل فِيهِ إِلَى هَذَا الْموضع، وَذَلِكَ أَنه ذكر عِكْرِمَة [على أَنه علته، وَهُوَ صَدُوق لَيْسَ بِهِ بَأْس] . قَالَه ابْن معِين.
وَقَالَ البُخَارِيّ: " لم يكن عِنْده كتاب ".
وَلم يضرّهُ؛ ذَلِك فَإِنَّهُ كَانَ يحفظ إِلَّا أَنه غلط فِيمَا يروي عَن يحيى بن أبي كثير، وَكَانَ أَيْضا مدلساً.
وبالجلمة فَلَو لم يكن بِالْحَدِيثِ إِلَّا هَذَا لم يكن معلولاً، وَإِنَّمَا علته الْكُبْرَى أَن رَاوِيه عَن أبي سعيد لَا يعرف من هُوَ، وَذَلِكَ أَنه يرويهِ عِكْرِمَة بن عمار، عَن يحيى بن أبي كثير، عَن هِلَال بن عِيَاض.
وَكَذَا رَوَاهُ عَن يحيى بن أبي كثير أبان بن زيد، قَالَا جَمِيعًا: عَنهُ، عَن هِلَال بن عِيَاض.
وروته جمَاعَة عَن يحيى بن أبي كثير، فَقَالَت: عِيَاض بن هِلَال، كَذَا رَوَاهُ عَنهُ هِشَام الدستوَائي، وَعلي بن الْمُبَارك وَحرب بن شَدَّاد، كلهم عكس مَا قَالَ عِكْرِمَة بن عمار وَأَبَان بن يزِيد، فَقَالُوا: عَن عِيَاض بن هِلَال.
وَرَوَاهُ عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن يحيى بن أبي كثير، فَقَالَ: حَدثنِي عِيَاض بن أبي زُهَيْر.
وَهَذَا كُله اضْطِرَاب، لكنه على يحيى بن أبي كثير لَا على عِكْرِمَة بن عمار. فَيحْتَمل أَن يكون ذَلِك من يحيى بن أبي كثير نَفسه، وَيحْتَمل أَن يكون(5/258)
من أَصْحَابه الْمُخْتَلِفين عَلَيْهِ، فَقَوْل أبي مُحَمَّد: " لم يسند هَذَا الحَدِيث غير عِكْرِمَة بن عمار، وَقد اضْطربَ فِيهِ " يَنْبَغِي أَن يكون ضَبطه " اضْطِرَاب " مَبْنِيا لما لم يسم فَاعله، فَإِنَّهُ إِن أسْند الْفِعْل إِلَى عِكْرِمَة بن عمار كَانَ خطأ، وَيحيى بن أبي كثير أحد الْأَئِمَّة، وَلَكِن هَذَا الرجل الَّذِي أَخذ عَنهُ هَذَا الحَدِيث هُوَ من لَا يعرف، وَلَا يحصل من أمره شَيْء.
وَهَكَذَا هُوَ عِنْد مصنفي الروَاة لم يعرفوا مِنْهُ بِزِيَادَة على هَذَا.
وَلِلْحَدِيثِ مَعَ ذَلِك عِلّة أُخْرَى، وَهِي اضْطِرَاب مَتنه.
وَبَيَان ذَلِك، هُوَ أَن ابْن مهْدي رَوَاهُ عَن عِكْرِمَة بن عمار، فَقَالَ فِي لَفظه مَا تقدم: " جلّ المقت على التكشف والتحدث فِي حَال قَضَاء الْحَاجة ".
وَرَوَاهُ بَعضهم أَيْضا: " فَجعل المقت [ ... . وَفِي نَظَرِي أَن هَذَا قد] كَانَ يتَكَلَّف جَمِيعه لَو كَانَ راوية مُعْتَمدًا [ ... .] حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل، حَدثنَا أَبُو حُذَيْفَة، حَدثنَا عِكْرِمَة بن عمار، عَن يحيى بن أبي كثير، عَن هِلَال بن عِيَاض، عَن أبي سعيد قَالَ: " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الرجلَيْن أَن يقعدا جَمِيعًا يتبرزا، ينظر أَحدهمَا إِلَى عَورَة صَاحبه، فَإِن الله تبَارك وَتَعَالَى يمقت على هَذَا ".
هَذِه رِوَايَة أبي حُذَيْفَة عَن عِكْرِمَة، جعل التوعد فِيهَا على التكشف وَالنَّظَر، وَلم يذكر التحدث.
وَقَالَ أَبُو بشر الدولابي: حَدثنَا أَحْمد بن حَرْب الطَّائِي، حَدثنَا الْقَاسِم بن يزِيد، حَدثنَا سُفْيَان، عَن عِكْرِمَة بن عمار، عَن يحيى بن أبي كثير، عَن عِيَاض، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - المتغوطين أَن يتحدثا، إِن الله يمقت على ذَلِك ".(5/259)
فالتوعد فِي هَذَا الحَدِيث على التحدث فَحسب.
واضطرابه دَلِيل سوء حَال رَاوِيه، وَقلة تَحْصِيله، فَكيف وَهُوَ من لَا يعرف؟ ! والآن فقد بلغنَا إِلَى الْغَرَض الْمَقْصُود، وَهُوَ أَن للْحَدِيث طَرِيقا جيدا غير هَذَا.
قَالَ أَبُو عَليّ بن السكن: حَدثنَا يحيى بن مُحَمَّد بن صاعد، حَدثنَا الْحسن ابْن أَحْمد بن أبي شُعَيْب الْحَرَّانِي، حَدثنَا مِسْكين بن بكير، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن يحيى بن أبي كثير، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، عَن جَابر بن عبد الله، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِذا تغوط الرّجلَانِ فليتوار كل وَاحِد مِنْهُمَا عَن صَاحبه، وَلَا يتحدثان على طوقهما، فَإِن الله يمقت على ذَلِك ".
قَالَ ابْن السكن: رَوَاهُ عِكْرِمَة بن عمار، عَن يحيى بن أبي كثير، عَن هِلَال بن عِيَاض، عَن أبي سعيد، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَأَرْجُو أَن يَكُونَا صَحِيحَيْنِ. انْتهى كَلَامه.
وَلَيْسَ فِيهِ تَصْحِيح حَدِيث أبي سعيد الَّذِي فَرغْنَا من تَعْلِيله، وَإِنَّمَا يَعْنِي أَن الْقَوْلَيْنِ عَن يحيى بن أبي كثير صَحِيحَانِ، وَصدق فِي ذَلِك، صَحَّ عَن يحيى ابْن أبي كثير أَنه قَالَ: عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن عَن جَابر، أَنه قَالَ عَن عِيَاض أَو [هِلَال بن عِيَاض، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ. وَلَا يُمكن أَن يصحح ابْن السكن حَدِيث أبي سعيد]
أصلا، وَلَو فعل، كَانَ [ذَلِك خطأ من القَوْل، وَإِنَّمَا يَصح من حَدِيث جَابر] .
وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان ثِقَة، وَقد صَحَّ سَمَاعه من جَابر.(5/260)
وَقد بَينا ذَلِك فِيمَا تقدم.
ومسكين بن بكير، أَبُو عبد الرَّحْمَن الْحذاء، لَا بَأْس بِهِ، قَالَه ابْن معِين.
وَهَذَا اللَّفْظ هُوَ مِنْهُ مؤنس، بَين ذَلِك بِنَفسِهِ، وَأخْبر أَنه إِذْ قَالَ فِي رجل: لَا بَأْس بِهِ، فَهُوَ عِنْده ثِقَة.
وَكَذَا أَيْضا قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم.
وَالْحسن بن أَحْمد بن أبي شُعَيْب: أَبُو مُسلم، صَدُوق لَا بَأْس بِهِ وَسَائِر من فِي الْإِسْنَاد لَا يسْأَل عَنهُ.
وَعَن يحيى بن أبي كثير فِي هَذَا الْمَعْنى غير هَذَا مِمَّا قد ذكره الدَّارَقُطْنِيّ عَنهُ فِي علله إِلَّا أَنه لم يُوصل بِهِ إِلَيْهِ الْأَسَانِيد، وَلَا حَاجَة بِنَا أَيْضا إِلَى شَيْء مِنْهُ، فَلذَلِك لم نعرض لَهُ.
(2461) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا، عَن إِبْرَاهِيم بن يزِيد النَّخعِيّ، عَن عَائِشَة قَالَت: " كَانَت يَد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْيُمْنَى لطهوره " الحَدِيث. ثمَّ قَالَ: قَالَ الْعَبَّاس الدوري: لم يسمع إِبْرَاهِيم بن يزِيد من عَائِشَة،(5/261)
ومراسله صَحِيحَة إِلَّا حَدِيث تَاجر الْبَحْرين.
هَذَا نَص مَا أتبعه، فَيحْتَمل أَن يكون ردا من حَيْثُ الْإِرْسَال، وَيحْتَمل أَن يكون قبولاً من حَيْثُ مراسل النَّخعِيّ على مَا حكى.
فَإِن كَانَ ردا، فَإِن هُنَاكَ إِسْنَادًا آخر ذكره أَبُو دَاوُد نَفسه، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن حَاتِم بن بزيع، حَدثنَا عبد الْوَهَّاب بن عَطاء، عَن سعيد، عَن أبي معشر، عَن إِبْرَاهِيم، عَن الْأسود عَن عَائِشَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِمَعْنَاهُ. فَهَذَا بِزِيَادَة الْأسود بَينهمَا، وَبِذَلِك يتَّصل.
وَعبد الْوَهَّاب بن عَطاء الْخفاف، قَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِهِ بَأْس.
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: يكْتب حَدِيثه، مَحَله الصدْق قلت: هُوَ أحب إِلَيْك أَو أَبُو زيد النَّحْوِيّ فِي ابْن أبي عرُوبَة؟ فَقَالَ: عبد الْوَهَّاب، وَلَيْسَ عِنْدهم يُقَوي فِي الحَدِيث.
هَذَا من أبي حَاتِم لَيْسَ تضعيفاً، وَإِنَّمَا يَعْنِي: لَيْسَ بِقَوي قُوَّة غَيره مِمَّن هُوَ فَوْقه، وَقد أخرج لَهُ مُسلم رَحمَه الله.
(2462) وَذكر حَدِيث: " الأذنان من الرَّأْس " [وَقد ذكرنَا مَا اعتراه فِيهِ فِي بَاب ذكر الْأَحَادِيث الَّتِي أعلها بِمَا لَيْسَ بعلة،(5/262)
وَترك ذكر] عللها.
وَبَقِي أَن نذْكر مِنْهُ فِي هَذَا الْبَاب قَوْله فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس كَذَلِك: إِنَّه ضَعِيف.
وَلَيْسَ عِنْدِي بضعيف، بل إِمَّا صَحِيح وَإِمَّا حسن.
وَبَيَان ذَلِك هُوَ أَن الحَدِيث، هُوَ مَا ذكر الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن زَكَرِيَّاء النَّيْسَابُورِي بِمصْر، حَدثنَا أَحْمد بن عَمْرو بن عبد الْخَالِق الْبَزَّار، حَدثنَا أَبُو كَامِل الجحدري، حَدثنَا غنْدر: مُحَمَّد بن جَعْفَر، عَن ابْن جريح، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الأذنان من الرَّأْس ".
حَدثنِي بِهِ أبي، حَدثنَا مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الباغندي، حَدثنَا أَبُو كَامِل الجحدري بِهَذَا مثله.
هَذَا الْإِسْنَاد صَحِيح بِثِقَة رَاوِيه واتصاله، وَإِنَّمَا أعله الدَّارَقُطْنِيّ بِالِاضْطِرَابِ فِي إِسْنَاده فَتَبِعَهُ أَبُو مُحَمَّد على ذَلِك، وَهُوَ لَيْسَ بِعَيْب فِيهِ.
وَالَّذِي قَالَ فِيهِ الدَّارَقُطْنِيّ، هُوَ أَن أَبَا كَامِل تفرد بِهِ عَن غنْدر، وَوهم فِيهِ عَلَيْهِ.
هَذَا مَا قَالَ، وَلم يُؤَيّدهُ بِشَيْء وَلَا عضده بِحجَّة، غير أَنه ذكر أَن ابْن جريح الَّذِي دَار الحَدِيث عَلَيْهِ، يرْوى عَنهُ عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مُرْسلا.(5/263)
وَمَا أَدْرِي مَا الَّذِي يمْنَع أَن يكون عِنْده فِي ذَلِك حديثان: مُسْند ومرسل؟ ! وَالله أعلم.
(2463) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن الْمُسْتَوْرد قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِذا تَوَضَّأ يدلك أَصَابِع رجلَيْهِ بِخِنْصرِهِ ".
خرجه التِّرْمِذِيّ، وَقَالَ: " يخلل " وَفِي بعض الرِّوَايَات " دلك "، وَفِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث عبد الله بن لَهِيعَة.
هَذَا نَص مَا ذكره بِهِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ من رِوَايَة ابْن لَهِيعَة، وَهُوَ ضَعِيف، وَلكنه قد رَوَاهُ غَيره فصح.
ولنذكر أَولا إِسْنَاد حَدِيث أبي دَاوُد، ثمَّ نتبعه الطَّرِيق الَّذِي صَحَّ مِنْهُ.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد، قَالَ: حَدثنَا ابْن لَهِيعَة، عَن يزِيد بن عَمْرو، عَن أبي عبد الرَّحْمَن الحبلي، عَن الْمُسْتَوْرد بن شَدَّاد، قَالَ: " رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا تَوَضَّأ [يدلك أَصَابِع رجلَيْهِ بِخِنْصرِهِ ".
وَالطَّرِيق الَّذِي صَحَّ مِنْهُ، هُوَ مَا ذكره ابْن أبي حَاتِم، أخبرنَا أَحْمد ابْن عبد الرَّحْمَن ابْن أخي ابْن وهب، قَالَ: سَمِعت عمي يَقُول: سَمِعت(5/264)
مَالِكًا يسْأَل عَن تَخْلِيل أَصَابِع الرجلَيْن فِي الْوضُوء، فَقَالَ: لَيْسَ ذَلِك على النَّاس، قَالَ: فتركته حَتَّى خف النَّاس، فَقلت لَهُ: عندنَا فِي ذَلِك سنة، فَقَالَ: وَمَا هِيَ؟ قلت: حَدثنَا اللَّيْث، وَابْن لَهِيعَة، وَعَمْرو بن الْحَارِث، عَن يزِيد بن عَمْرو الْمعَافِرِي، عَن أبي عبد الرَّحْمَن الحبلي، عَن الْمُسْتَوْرد بن شَدَّاد الْقرشِي، قَالَ: [" رَأَيْت] رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يدلك بِخِنْصرِهِ مَا بَين أَصَابِع رجلَيْهِ ".
فَقَالَ: إِن هَذَا الحَدِيث حسن، وَمَا سَمِعت بِهِ قطّ إِلَّا السَّاعَة، ثمَّ سمعته بعد ذَلِك سُئِلَ فَأمر بتخليل الْأَصَابِع.
أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن وهب، قد وَثَّقَهُ أهل زَمَانه، قَالَ أَبُو مُحَمَّد بن [أبي] حَاتِم: سَأَلت مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم عَنهُ، فَقَالَ: ثِقَة، مَا رَأينَا إِلَّا خيرا، قلت: سمع من عَمه. قَالَ: إِي وَالله.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: سَمِعت عبد الْملك بن شُعَيْب بن اللَّيْث يَقُول: أَبُو عبيد الله ابْن أخي ابْن وهب ثِقَة.
وَقد أخرج لَهُ مُسلم رَحمَه الله وَإِنَّمَا أنكر عَلَيْهِ بعض من تَأَخّر أَحَادِيث رَوَاهَا بآخرة عَن عَمه، وَهَذَا لَا يضرّهُ إِذْ هُوَ ثِقَة أَن ينْفَرد بِأَحَادِيث مَا لم يكن(5/265)
وَإِنَّمَا الَّذِي يجب أَن يتفقد من أَمر هَذَا الحَدِيث، قَول أبي مُحَمَّد بن أبي حَاتِم: أخبرنَا أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن، فَإِنِّي أَظُنهُ يَعْنِي فِي الْإِجَازَة، فَإِنَّهُ لما ذكره فِي بَابه قَالَ: " إِن أَبَا زرْعَة أدْركهُ، وَلم يكْتب عَنهُ، وَإِن أَبَاهُ قَالَ: أَدْرَكته، وكتبت عَنهُ.
وَظَاهر هَذَا أَنه هُوَ لم يسمع مِنْهُ، فَإِنَّهُ لم يقل: كتبت عَنهُ مَعَ أبي، وَسمعت مِنْهُ، كَمَا هِيَ عَادَته أَن يَقُول فِيمَن يشْتَرك فِيهِ مَعَ أَبِيه. والْحَدِيث الْمَذْكُور، وَقع لَهُ فِي آخر الْمُقدمَة فِي ذكره مَالك بن أنس فاعلمه.
(2464) وَذكر حَدِيث أبي ذَر: " الصَّعِيد الطّيب وضوء الْمُسلم وَإِن لم يجد المَاء عشر سِنِين ".
وقنع فِيهِ بتحسين التِّرْمِذِيّ لَهُ، فَهُوَ عِنْده غير صَحِيح [لِأَنَّهُ لَا يعرف حَال لعَمْرو بن بجدان] ، وَقد بَينا مَا يَنْبَغِي من أمره فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أعلها، وَلم يبين لماذا؟
وَنَذْكُر الْآن أَن لهَذَا الْمَعْنى إِسْنَادًا صَحِيحا من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة. قَالَ الْبَزَّار: حَدثنَا مقدم بن مُحَمَّد بن يحيى بن عَطاء بن مقدم الْمقدمِي، قَالَ: حَدثنِي عمي: الْقَاسِم بن يحيى بن عَطاء بن مقدم، قَالَ: حَدثنَا هِشَام بن حسان، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:(5/266)
" الصَّعِيد وضوء الْمُسلم وَإِن لم يجد المَاء عشر سِنِين، فَإِذا وجد المَاء فليتق الله وليمسه بَشرته، فَإِن ذَلِك خير ".
قَالَ الْبَزَّار: وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ يروي عَن أبي هُرَيْرَة إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَلم نَسْمَعهُ إِلَّا من مقدم، عَن عَمه، وَكَانَ مقدم ثِقَة، مَعْرُوف النّسَب. انْتهى كَلَام الْبَزَّار.
فَأَقُول بعده: إِن الْقَاسِم بن يحيى بن عَطاء بن مقدم، أَبَا مُحَمَّد الْهِلَالِي الوَاسِطِيّ، يروي عَن عبيد الله بن عمر، وَعبد الله بن عُثْمَان بن خثيم، روى عَنهُ ابْن أَخِيه مقدم بن مُحَمَّد الوَاسِطِيّ، وَأحمد بن حَنْبَل، وَأخرج لَهُ البُخَارِيّ فِي التَّفْسِير، والتوحيد، وَغَيرهمَا من جَامِعَة مُعْتَمدًا مَا يروي، فَاعْلَم ذَلِك.
(2465) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا جَاوز الْخِتَان الْخِتَان فقد وَجب الْغسْل ".
قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
ثمَّ قَالَ: كَذَا قَالَ أَبُو عِيسَى فِي هَذَا الحَدِيث: [حسن] ، وَرَوَاهُ من حَدِيث الْوَلِيد بن مُسلم، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، عَن أَبِيه عَن عَائِشَة.
وَقَالَ فِي الْعِلَل: قَالَ البُخَارِيّ: هَذَا الحَدِيث خطأ، إِنَّمَا يرويهِ(5/267)
الْأَوْزَاعِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم [مُرْسلا. روى الْأَوْزَاعِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن أَبِيه عَن عَائِشَة من قَوْلهَا] وَقَالَ: قَالَ أَبُو الزِّنَاد: سَأَلت الْقَاسِم بن مُحَمَّد: سَمِعت فِي هَذَا الْبَاب شَيْئا؟ قَالَ: لَا ... [وَذكره التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عَليّ بن زيد بن جدعَان، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن عَائِشَة، وَقَالَ: حَدِيث] حسن صَحِيح [وَلم يقل فِي عَليّ شَيْئا، وَأكْثر النَّاس يُضعفهُ، انْتهى كَلَامه.
وَكَونه] يرْوى مُرْسلا لَيْسَ بعلة فِيهِ، وَلَا أَيْضا قَول الْقَاسِم: إِنَّه لم يسمع فِي هَذَا شَيْئا، فَإِنَّهُ قد يَعْنِي بِهِ شَيْئا يُنَاقض هَذَا الَّذِي رويت. لَا بُد من حمله على ذَلِك لصِحَّة الحَدِيث الْمَذْكُور عَنهُ، من رِوَايَة ابْنه عبد الرَّحْمَن وَهُوَ الثِّقَة الْمَأْمُون، وَالْأَوْزَاعِيّ إِمَام، والوليد بن مُسلم وَإِن كَانَ مدلساً ومسوياً، فَإِنَّهُ قد قَالَ فِيهِ: حَدثنَا.
ذكر ذَلِك الدَّارَقُطْنِيّ، وَذكر لَهُ أَيْضا طَرِيقا آخر عَن الْأَوْزَاعِيّ، هُوَ مِنْهُ أَيْضا صَحِيح.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي، أَخْبرنِي الْعَبَّاس بن الْوَلِيد بن مزِيد، أَخْبرنِي أبي، قَالَ: سَمِعت الْأَوْزَاعِيّ، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا سُئِلت عَن الرجل يُجَامع الْمَرْأَة فَلَا ينزل المَاء؟ قَالَت " فعلته أَنا وَرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فاغتسلنا جَمِيعًا ".
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: رَفعه الْوَلِيد بن مُسلم، والوليد بن مزِيد، وَرَوَاهُ بشر بن(5/268)
بكر، وَأَبُو الْمُغيرَة، وَعَمْرو بن أبي سَلمَة، وَمُحَمّد بن كثير المصِّيصِي، وَمُحَمّد ابْن مُصعب وَغَيرهم مَوْقُوفا. انْتهى كَلَامه.
الْوَلِيد بن مزِيد ثِقَة، أحد أكَابِر أَصْحَاب الْأَوْزَاعِيّ، وَكَانَ الْأَوْزَاعِيّ يَقُول: " عَلَيْكُم بِهِ، فَإِن كتبه صَحِيحه "، أَو كلَاما هَذَا مَعْنَاهُ.
وَقَالَ أَيْضا: مَا عرض عَليّ كتاب أصح من كتب الْوَلِيد بن مزِيد. وَقَالَ فِيهِ دُحَيْم: " صَالح الحَدِيث ".
وَابْنه الْعَبَّاس بن الْوَلِيد ثِقَة صَدُوق، وَقد ذكر جَمِيعهم سَماع بَعضهم من بعض، فصح الحَدِيث.
فَإِن كَانَ حَدِيث التِّرْمِذِيّ مُعْتَرضًا من طَرِيق الْوَلِيد بن مُسلم، فقد صَحَّ [من طَرِيق] الْوَلِيد بن مزِيد، وَقد صَحَّ حَدِيث عَائِشَة بِهَذَا الْمَعْنى من رِوَايَة جَابر عَنْهَا، ذكره مُسلم، فَاعْلَم ذَلِك.
(2466) وَذكر [حَدِيث ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه] قَالَ: " الْغسْل صَاع، وَالْوُضُوء [مد ".
وَقَالَ: هَذَا غير مَحْفُوظ. انْتهى كَلَامه.
وَهَذَا الحَدِيث مُنكر] ، لنكارة حَدِيث راوية حَكِيم بن نَافِع.(5/269)
وَأعرف لهَذَا الْمَعْنى إِسْنَادًا جيدا من رِوَايَة جَابر بن عبد الله.
قَالَ أَبُو عَليّ بن السكن: حَدثنَا عبد الله بن سُلَيْمَان، قَالَ: حَدثنَا هَارُون ابْن إِسْحَاق، قَالَ: حَدثنَا ابْن فُضَيْل، عَن حُصَيْن، وَآخر ذكره عَن سَالم بن أبي الْجَعْد، عَن جَابر بن عبد الله، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يُجزئ من الْوضُوء الْمَدّ، وَمن الْجَنَابَة الصَّاع "، فَقَالَ رجل: مَا يَكْفِينِي، قَالَ: قد كفى من هُوَ خير مِنْك، وَأكْثر شعرًا.
هَذَا إِسْنَاد صَحِيح على مَذْهَب أبي مُحَمَّد فِي قبُول رِوَايَات أبي بكر: عبد الله ابْن أبي دَاوُد: سُلَيْمَان بن الْأَشْعَث حَسْبَمَا قد مر لَهُ ذكره. والْحَدِيث فِي كتاب مُسلم من فعله عَلَيْهِ السَّلَام لَا من قَوْله، من رِوَايَة جَابر وَأنس، فَاعْلَم ذَلِك.
(2467) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث عَائِشَة: " إِنَّمَا النِّسَاء شقائق الرِّجَال ".
ورده بِأَنَّهُ من رِوَايَة عبد الله بن عمر الْعمريّ، ثمَّ قَالَ بإثره: هَذَا اللَّفْظ: " إِنَّمَا النِّسَاء شقائق الرِّجَال " قد رُوِيَ فِيمَا أعلم من حَدِيث أنس بن مَالك بِإِسْنَاد صَحِيح.
وَلم يعزه، فَلهُ بِحَسب هَذَا مدْخل فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي لم يعزها، وَلَكِن لما لم يذكرهُ بنصه اسْتَحَقَّه هَذَا الْبَاب، فَإِن الَّذِي سَاق عَن عَائِشَة ضَعِيف، وَترك سوق هَذَا الصَّحِيح، وَإِن كَانَ قد أَشَارَ إِلَيْهِ.(5/270)
وَهُوَ حَدِيث، ذكره الْبَزَّار، قَالَ: حَدثنَا عمر بن الْخطاب، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن كثير، قَالَ حَدثنَا الْأَوْزَاعِيّ، عَن إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة، عَن أنس بن مَالك قَالَ: جَاءَت أم سليم إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَت: يَا رَسُول الله، الْمَرْأَة ترى مَا يرى لرجل فِي الْمَنَام؟ فَقَالَت أم سَلمَة: فضحت النِّسَاء يَا أم سليم، فَقَالَ: " إِذا رَأَتْ ذَلِك فلتغتسل " فَقَالَت أم سَلمَة: وَهل للنِّسَاء من مَاء؟ قَالَ: " نعم، إِنَّمَا هن شقائق الرِّجَال ".
قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث [لَا يرويهِ عَن أنس إِلَّا إِسْحَاق بن] عبد الله بن أبي طَلْحَة.
(2468) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ حَدِيث ابْن] عَبَّاس فِي الرجل يَقع على امْرَأَته، وَهِي حَائِض، قَالَ: " يتَصَدَّق بِنصْف دِينَار ".
وَعنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا كَانَ دَمًا أَحْمَر فدينار، وَإِذا كَانَ دَمًا أصفر فَنصف دِينَار ".
ثمَّ حكى عَن البُخَارِيّ فِي تَضْعِيفه أَنه رُوِيَ مَوْقُوفا، قَالَ، وَلم يذكر ضعف الْإِسْنَاد، قَالَ: وَلَا يرْوى بِإِسْنَاد يحْتَج بِهِ، فقد رُوِيَ فِيهِ: " يتَصَدَّق بخمسي دِينَار " انْتهى مَا ذكر.(5/271)
فَاعْلَم الْآن أَن هَذَا الحَدِيث كَانَ يسْتَحق أَن يكْتب من أجل كَلَامه هَذَا فِي الْبَاب الَّذِي ذكرت فِيهِ أَحَادِيث عللها وَلم يبين عللها، وَلما كَانَ لَهُ عِنْدِي طَرِيق حسن بل صَحِيح، ذكرته فِي هَذَا الْبَاب، فَيَنْبَغِي أَن يجمع القَوْل عَلَيْهِ بتبيين مَا اعتل بِهِ عَلَيْهِ المحدثون، ثمَّ نورد الطَّرِيق الصَّحِيح فَنَقُول:
هَذَا الحَدِيث الَّذِي ذكره من عِنْد التِّرْمِذِيّ، هُوَ من رِوَايَة خصيف، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس.
وَالثَّانِي من رِوَايَة عبد الْكَرِيم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس.
أما رِوَايَة خصيف فضعيفة يضعف خصيف، فَإِنَّهُ كَانَ يخلط فِي محفوظه.
قَالَ يحيى الْقطَّان: كُنَّا تِلْكَ الْأَيَّام نتجنب حَدِيثه، وَمَا كتبت عَنهُ بِالْكُوفَةِ شَيْئا، إِنَّمَا كتبت عَنهُ بِآخِرهِ، وَكَانَ يُضعفهُ.(5/274)
وَكَانَ ابْن حَنْبَل أَيْضا يُضعفهُ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: إِنَّه كَانَ رجلا صَالحا، وَلكنه يخلط، وَتكلم فِي سوء حفظه. وَوَثَّقَهُ أَبُو زرْعَة.
ويزداد إِلَى ضعف خصيف، اضْطِرَاب متن هَذَا الحَدِيث الَّذِي هُوَ من رِوَايَته.
وَبَيَان اضطرابه، هُوَ أَن ابْن جريح وَأَبا خَيْثَمَة وَغَيرهمَا، روياه عَن خصيف، قَالَا فِي: " بِنصْف دِينَار " كَمَا تقدم.
وَرَوَاهُ شريك وَغَيره عَنهُ فَقَالَ فِيهِ: " بِدِينَار " وَكَذَا قَالَ عَنهُ الثَّوْريّ، إِلَّا أَنه أرْسلهُ فَلم يذكر [ابْن عَبَّاس، ولشريك فِيهِ رِوَايَة أُخْرَى، فقد رَوَاهُ عَن] خصيف عَن عِكْرِمَة عَن [ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَذكر فِيهِ أَنه يتَصَدَّق بِنصْف] دِينَار أَيْضا.
هَكَذَا. جعله فِي هَذِه الرِّوَايَة عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ فِيهِ: بِنصْف دِينَار أَيْضا، هكذ جعله فِي هَذِه الرِّوَايَة عَن عِكْرِمَة لَا عَن مقسم] .
والْحَدِيث إِنَّمَا هُوَ عَن مقسم، وَحمل فِيهِ النَّسَائِيّ على شريك، وَخطأ قَوْله عَن عِكْرِمَة.(5/275)
فالاضطراب فِي هَذَا الحَدِيث عِنْدِي، يُمكن أَن يكون من خصيف لَا من أَصْحَابه، لما عهد من سوء حفظه. انْتهى القَوْل فِي حَدِيث خصيف.
فَأَما حَدِيث عبد الْكَرِيم وَهُوَ الثَّانِي الَّذِي فِيهِ: " إِذا كَانَ أَحْمَر فدينار، وَإِذا كَانَ أصفر فَنصف دِينَار ".
فَإِنَّهُ يرويهِ عبد الْكَرِيم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس، مِنْهُم من يرفعهُ فيذكر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، كَذَلِك فعل الثَّوْريّ عَنهُ.
وَمِنْهُم من يقفه فَلَا يذكر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، كَذَلِك يَقُول ابْن جريح عَنهُ، لَيْسَ لَهُم مَا يعتلون بِهِ على رِوَايَة عبد الْكَرِيم غير هَذَا.
وَعِنْدِي أَنه غير قَادِح، وَلَكنهُمْ يَزْعمُونَ أَن متن الحَدِيث بِالْجُمْلَةِ لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى رِوَايَة راو بِعَيْنِه مُضْطَرب.
وَذَلِكَ عِنْدِي خطأ من الاعتلال، وَالصَّوَاب هُوَ أَن تنظر رِوَايَة كل راو بحسبها، وَيعلم مَا خرج عَنهُ فِيهَا، فَإِن صَحَّ من طَرِيق قبل، وَلَو كَانَت لَهُ طرق أخر ضَعِيفَة.
وهم إِذا قَالُوا: هَذَا رُوِيَ فِيهِ " بِدِينَار "، وروى " بِنصْف دِينَار "، وَرُوِيَ بِاعْتِبَار صِفَات الدَّم، وَرُوِيَ دون اعْتِبَارهَا، وَرُوِيَ بِاعْتِبَارِهِ أول الْحيض وَآخره، وَرُوِيَ دون ذَلِك، وَرُوِيَ بخمسي دِينَار، وَرُوِيَ بِعِتْق نسمَة، قَامَت من هَذَا فِي الذِّهْن صُورَة سَوَاء، وَهُوَ عِنْد التبين وَالتَّحْقِيق لَا يضرّهُ، وَنحن نذْكر الْآن كَيفَ هُوَ صَحِيح بعد أَن نقدم أَن نقُول:
يحْتَمل قَوْله: " دِينَار أَو نصف دِينَار " ثَلَاثَة أُمُور:
أَحدهَا: أَن يكون تخييراً وَيبْطل هَذَا بِأَن يُقَال] : التَّخْيِير لَا يكون إِلَّا بعد(5/276)
طلب، وَهَذَا وَاقع بعد الْخَبَر] إِذْ حكم التَّخْيِير [الِاسْتِغْنَاء بِأحد الشَّيْئَيْنِ عَن الآخر لِأَنَّهُ إِذا] خير بَين الشَّيْء وَبَعضه، كَانَ بعض أَحدهمَا متروكاً بِغَيْر بدل.
وَالْأَمر الثَّانِي: أَن يكون شكا من الرَّاوِي.
وَالثَّالِث: أَن يكون بِاعْتِبَار حَالين، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يتَعَيَّن مِنْهَا، ونبينه الْآن فَنَقُول:
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُسَدّد، قَالَ: حَدثنَا يحيى، عَن شُعْبَة، حَدثنِي الحكم، عَن عبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَته وَهِي حَائِض، قَالَ: " يتَصَدَّق بِدِينَار أَو بِنصْف دِينَارا "
قَالَ أَبُو دَاوُد: كَذَا الرِّوَايَة الصَّحِيحَة: " بِدِينَار أَو بِنصْف دِينَار "، وَرُبمَا لم يرفعهُ شُعْبَة، [وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ] توهين لَهُ لاحْتِمَال أَن يكون عِنْده فِيهِ الْمَرْفُوع وَالْمَوْقُوف، وَيكون ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ قد رَوَاهُ، وَرَآهُ فَحَمله، وَأفْتى بِهِ
وَهَذَا مَذْهَب التِّرْمِذِيّ فِي رِوَايَة خصيف، فَإِنَّهُ لم يعبها بِأَكْثَرَ من أَنَّهَا رويت مَوْقُوفَة، وَطَرِيق خصيف ضَعِيف كَمَا بَيناهُ.
فَأَما طَرِيق أبي دَاوُد هَذَا فَصَحِيح، فَإِن عبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن بن زيد بن الْخطاب، اعْتَمدهُ أهل الصَّحِيح، مِنْهُم البُخَارِيّ، وَمُسلم، وَوَثَّقَهُ النَّسَائِيّ، والكوفي.
ويحق لَهُ، فقد كَانَ مَحْمُود السِّيرَة فِي إمارته على الْكُوفَة لعمر بن(5/277)
عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ، ضابطاً لما يرويهِ وَمن دونه فِي الْإِسْنَاد لَا يسْأَل عَنْهُم.
وسيتكرر على سَمعك من بعض الْمُحدثين أَن هَذَا الحَدِيث فِي كَفَّارَة من أَتَى حَائِضًا لَا يَصح، فلتعلم أَنه لَا عيب لَهُ عِنْدهم إِلَّا الِاضْطِرَاب زَعَمُوا فَمِمَّنْ صرح بذلك أَبُو عَليّ بن السكن، قَالَ: هَذَا حَدِيث مُخْتَلف فِي إِسْنَاده وَلَفظه، وَلَا يَصح مَرْفُوعا، لم يُصَحِّحهُ البُخَارِيّ، وَهُوَ صَحِيح من كَلَام ابْن عَبَّاس. انْتهى كَلَامه.
فَنَقُول لَهُ: الرِّجَال الَّذين رَوَوْهُ مَرْفُوعا ثِقَات، وَشعْبَة إِمَام أهل الحَدِيث [ ... .] ظان كَمَا تقدم، [ ... .] النَّاس بشعبة مَعَ ثقته.
وَرَوَاهُ سعيد بن عَامر، عَن شُعْبَة، فَقَالَ فِيهِ: عَن الحكم، عَن عبد الحميد، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس من قَوْله وَوَقفه عَلَيْهِ.
ثمَّ قَالَ لشعبة: أما حفظي فمرفوع، وَقَالَ فلَان وَفُلَان: إِنَّه كَانَ لَا يرفعهُ فَقَالَ لَهُ بعض الْقَوْم: يَا أَبَا بسطَام حَدثنَا بحفظك وَدعنَا من فلَان وَفُلَان فَقَالَ: وَالله مَا أحب أنني حدثت بِهَذَا أَو أسكت أَو أَنِّي عمرت فِي الدُّنْيَا عمر نوح فِي قومه.
فَهَذَا غَايَة التثبت مِنْهُ، وهبك أَن أوثق أهل الأَرْض خَالفه فِيهِ فَوَقفهُ على ابْن عَبَّاس، كَانَ مَاذَا؟ أَلَيْسَ إِذا روى الصَّحَابِيّ حَدِيثا عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يجوزله، بل يجب عَلَيْهِ أَن يُقَلّد مُقْتَضَاهُ، فيفتي بِهِ؟ ! هَذَا قُوَّة للْخَبَر لَا توهين لَهُ.
فَإِن قلت: فَكيف بِمَا ذكر ابْن السكن قَالَ: حَدثنَا يحيى وَعبد الله بن(5/278)
سُلَيْمَان، وَإِبْرَاهِيم، قَالُوا: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي، قَالَ: حَدثنَا شُعْبَة بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدّم مثله مَوْقُوفا، فَقَالَ لَهُ رجل: إِنَّك كنت ترفعه، فَقَالَ: إِنِّي كنت مَجْنُونا فصححت؟
قُلْنَا: نظن أَنه رَضِي الله عَنهُ لما أَكثر عَلَيْهِ فِي رَفعه إِيَّاه، توقى رَفعه لَا لِأَنَّهُ مَوْقُوف، لَكِن إبعاداً للظنة عَن نَفسه.
وَأبْعد من هَذَا الِاحْتِمَال أَن يكون شكّ فِي رَفعه فِي ثَانِي حَال فَوَقفهُ، فَإِن كَانَ هَذَا فَلَا نبالي ذَلِك أَيْضا، بل لَو نسي الحَدِيث بعد أَن حدث بِهِ لم يضرّهُ، فَإِن أَبيت إِلَّا أَن يكون شُعْبَة رَجَعَ عَن رَفعه، فَاعْلَم أَن غَيره من أهل الثِّقَة وَالْأَمَانَة أَيْضا قد رَوَاهُ عَن الحكم مَرْفُوعا كَمَا رَوَاهُ شُعْبَة فِيمَا تقدم وَهُوَ عَمْرو بن قيس الْملَائي، وَهُوَ ثِقَة، قَالَ فِيهِ عَن الحكم، مَا قَالَه شُعْبَة من رَفعه إِيَّاه إِلَّا أَن لَفظه هـ " فَأمره أَن يتَصَدَّق بِنصْف دِينَار " وَلم يذكرهُ " دِينَارا "، وَذَلِكَ لَا يضرّهُ فَإِنَّهُ إِنَّمَا حكى قَضِيَّة مُعينَة قَالَ [ ... .] عَلَيْهِ وَسلم أَن يتَصَدَّق [ ... .] " فِيهَا بِنصْف دِينَار ".
وَهُوَ مُؤَكدَة مَا قُلْنَاهُ: من أَن دِينَارا، أَو نصف دِينَارا، إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَار حَالين، لَا تَخْيِير وَلَا شكّ.
وَرَوَاهُ أَيْضا مَرْفُوعا هَكَذَا عَن عبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن الْمَذْكُور قَتَادَة، وَهُوَ من هُوَ.
قَالَ النَّسَائِيّ: أخبرنَا خشيش بن أَصْرَم، قَالَ: حَدثنَا روح، وَعبد الله ابْن بكر، قَالَا: حَدثنَا ابْن أبي عرُوبَة، عَن قَتَادَة، عَن عبد الحميد، عَن(5/279)
مقسم، عَن ابْن عَبَّاس أَن رجلا غشي امْرَأَته وَهِي حَائِض، فَأمره النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يتَصَدَّق بِدِينَار أَو بِنصْف دِينَار.
إِلَّا أَن الْأَظْهر فِي هَذَا أَنه شكّ من الرواي فِي هَذِه الْقَضِيَّة بِعَينهَا.
فَهَذَا شَأْن حَدِيث مقسم، وَلنْ نعدم عَنهُ فِيهِ وَقفا وإرسالاً، وألفاظاً أخر لَا يَصح مِنْهَا شَيْء غير مَا ذَكرْنَاهُ.
وَأما مَا رُوِيَ فِيهِ من خمسي دِينَار، أَو عتق نسمَة فَمَا مِنْهَا شَيْء يعول عَلَيْهِ، فَلَا يعْتَمد فِي نَفسه، وَلَا يطعن بِهِ على حَدِيث مقسم، فَاعْلَم ذَلِك.
(2469) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ حَدِيث أم قيس فِي غسل دم الْحَيْضَة: " حكيه بضلع واغسليه بِمَاء وَسدر " ثمَّ قَالَ: الْأَحَادِيث الصِّحَاح لَيْسَ فِيهَا ذكر الضلع والسدر.
هَذَا مَا ذكر، وَهُوَ قد يفهم مِنْهُ أَن حَدِيث أم قيس الْمَذْكُور، يرْوى على وَجْهَيْن: أَحدهمَا فِيهِ ذكر الضلع والسدر، وَالْآخر لَا يذكر ذَلِك فِيهِ وَهِي الطّرق الصَّحِيحَة لَهُ.
وَالْوَجْه الآخر، أَن الْأَحَادِيث الصِّحَاح من غير رِوَايَة أم قيس [لَيْسَ] فِيهَا ذَلِك، فَلَو كَانَ الأول، كَانَ مساً للْحَدِيث بِالِاضْطِرَابِ، وترجيح أحد روايتيه على الْأُخْرَى.(5/280)
وَإِذا كَانَ الْوَجْه الثَّانِي، فَذَلِك لَا يكون تضعيفاً لَهُ إِذا صَحَّ طَرِيقه.
فَاعْلَم الْآن أَنه إِنَّمَا يَعْنِي هَذَا الْوَجْه، أَعنِي أَن غَيره من الْأَحَادِيث كَحَدِيث أَسمَاء، لَيْسَ فِيهِ ذَلِك، وَإِنَّمَا فِيهِ: " تَحْتَهُ، ثمَّ تقرصه، ثمَّ تنضحه " [بِالْمَاءِ ثمَّ تصلي فِيهِ، وَلَا مُنَافَاة بَينهمَا، لِأَن حَدِيث أَسمَاء، حَدِيث مستفهم، والْحَدِيث الْمَذْكُور] حَدِيث مستتبت [قَالَ النَّسَائِيّ: أخبرنَا عبيد الله بن] سعيد، حَدثنِي يحيى عَن سُفْيَان حَدثنِي أَبُو الْمِقْدَام: ثَابت الْحداد، عَن عدي بن دِينَار، قَالَ: سَمِعت أم قيس فَذكره.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُسَدّد، حَدثنَا يحيى فَذكره.
وَهَذَا غَايَة فِي الصِّحَّة، فَإِن أَبَا الْمِقْدَام: ثَابت بن هُرْمُز الْحداد، وَالِد عَمْرو ابْن أبي الْمِقْدَام، ثِقَة، قَالَه ابْن حَنْبَل، وَابْن معِين، وَالنَّسَائِيّ، وَلَا أعلم أحدا ضعفه [غير الدَّارَقُطْنِيّ]
وعدي بن دِينَار، هُوَ مولى أم قيس الْمَذْكُور، قَالَ فِيهِ النَّسَائِيّ: ثِقَة
وَلَا أعلم لهَذَا الْإِسْنَاد عِلّة، وَالْعجب أَنه أورد قبله حَدِيث ابْن إِسْحَاق، عَن فَاطِمَة بنت الْمُنْذر، وَهُوَ مَا أنكر عَلَيْهِ زَوجهَا هِشَام فَلم يقل هُوَ فِيهِ شَيْئا،(5/281)
بل سكت عَنهُ، ثمَّ ذكر هَذَا بعده، وَهُوَ أَحَق بِأَن يصحح، فَلم يسالمه وَقَالَ فِيهِ مَا ذَكرْنَاهُ. وَالله الْمُوفق.
(2470) وَذكر حَدِيث أبي سهلة: السَّائِب بن خَلاد فِي تَأْخِير الَّذِي بَصق فِي الْقبْلَة عَن الْإِمَامَة، من طَرِيق أبي دَاوُد وَضَعفه. وَيَجِيء على أَصله صَحِيحا، ونبين ذَلِك فِي الْبَاب الَّذِي بعد هَذَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَإِن سلمنَا الْآن مَا ذهب إِلَيْهِ من ضعفه، فَاعْلَم أَن ذَلِك قد رُوِيَ صَحِيحا من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو.
قَالَ بَقِي بن مخلد: حَدثنَا هَارُون بن سعيد، قَالَ: حَدثنَا ابْن وهب قَالَ: وحَدثني حييّ بن عبد الله، وَهُوَ حبلي، عَن أبي عبد الرَّحْمَن، عَن عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي، قَالَ: أَمر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رجلا يُصَلِّي بِالنَّاسِ صَلَاة الظّهْر فتفل فِي الْقبْلَة، وَهُوَ يُصَلِّي، فَلَمَّا كَانَ صَلَاة الْعَصْر أرسل إِلَى آخر، فأشفق الرجل الأول فجَاء إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أنزل فِي؟ قَالَ: " لَا، وَلَكِنَّك تفلت بَين يَديك وَأَنت تؤم النَّاس، فآذيت الله(5/282)
وَرَسُوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ".
وَجَاء من طَرِيق آخر مُرْسلا، وَفِي هَذَا غنى عَنهُ.
(2471) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، من رِوَايَة نصر بن حَمَّاد، عَن شُعْبَة [عَن تَوْبَة الْعَنْبَري، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله] عَلَيْهِ وَسلم: " إِذا صليتم [فَاتَّزِرُوا، وَلَا تشبهوا باليهود ". [قَالَ بعده: إِن] نصرا مَتْرُوك، وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوف على ابْن عمر.
وَهَذَا الحَدِيث أعرف لَهُ طَرِيقا جيدا ذكره أَبُو بكر بن الْمُنْذر، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل، قَالَ: حَدثنَا يَعْقُوب، قَالَ: حَدثنَا آدم، قَالَ: حَدثنَا أَبُو عمر الصَّنْعَانِيّ، عَن مُوسَى بن عقبَة، قَالَ: حَدثنِي نَافِع، عَن ابْن عمر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا صلى أحدكُم فليلبس ثوبيه، فَإِن الله أَحَق من تزين لَهُ، فَمن لم يكن لَهُ ثَوْبَان فليتزر، وَلَا يَشْمَل اشْتِمَال الْيَهُود ".
آدم، هُوَ ابْن أبي إِيَاس، ثِقَة صَدُوق، وابو عمر الصَّنْعَانِيّ، هُوَ حَفْص بن ميسرَة، ثِقَة مَشْهُور.
(2472) وَذكر من رِوَايَة عمر بن يزِيد الْمَدَائِنِي، عَن عَطاء، عَن ابْن عمر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تُجزئ الْمَكْتُوبَة إِلَّا بِفَاتِحَة الْكتاب وَثَلَاث آيَات فَصَاعِدا ".(5/283)
وَهُوَ حَدِيث غير مَحْفُوظ، وَعمر بن يزِيد مُنكر الحَدِيث.
كَذَا ذكر هَذِه الرِّوَايَة وَلم يعزها، وَالْمَقْصُود فِي هَذَا الْبَاب هُوَ بَيَان أَن لفظ " لَا تُجزئ " قد رُوِيَ صحيحأً، وَهُوَ لفظ مُفَسّر ل " لَا صَلَاة إِلَّا بِفَاتِحَة الْكتاب " الْمُحْتَمل لنفي الْإِجْزَاء، أَو نفي الْكَمَال.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا ابْن صاعد، قَالَ: حَدثنَا سوار بن عبد الله الْعَنْبَري، وَعبد الْجَبَّار بن الْعَلَاء، وَمُحَمّد بن عَمْرو بن سُلَيْمَان، وَزِيَاد بن أَيُّوب، وَالْحسن بن مُحَمَّد الزَّعْفَرَانِي وَاللَّفْظ لسوار قَالُوا: حَدثنَا سُفْيَان ابْن عُيَيْنَة، قَالَ: حَدثنِي الزُّهْرِيّ، عَن مَحْمُود بن الرّبيع، أَنه سمع عباة بن الصَّامِت يَقُول قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ فِيهَا بِفَاتِحَة الْكتاب "، قَالَ زِيَاد بن أَيُّوب فِي حَدِيثه: " لَا تُجزئ صَلَاة لَا يقْرَأ فِيهَا الرجل بفاتجة الْكتاب ". قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: فَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح. انْتهى كَلَامه.
وَهُوَ صَحِيح كَمَا ذكر، وَزِيَاد بن أَيُّوب هُوَ دلويه، أَبُو هَاشم [الوَاسِطِيّ، ثِقَة حَافظ من رجال البُخَارِيّ]
(2473) وَذكر حَدِيث: [" لَيْسَ فِي العوامل صَدَقَة ".
وَقَالَ: لَا يَصح من قبل إِسْنَاده، فِيهِ الصَّقْر بن حبيب.(5/284)
وَلم يبين من حَاله شَيْئا، وَفِيه أبضاً أَحْمد بن الْحَارِث الْبَصْرِيّ رِوَايَة عَن الصَّقْر.
وَلِلْحَدِيثِ هَكَذَا من غير ذكر الْجَبْهَة إِسْنَاد صَحِيح.
قَالَ الدراقطني: حَدثنَا عُثْمَان بن أَحْمد الدقاق، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبيد الله بن الْمُنَادِي، قَالَ: حَدثنَا أَبُو بدر: هُوَ شُجَاع بن الْوَلِيد، قَالَ: حَدثنَا زُهَيْر، قَالَ: حَدثنَا أَبُو إِسْحَاق، عَن الْحَارِث وَعَاصِم بن ضَمرَة، عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَيْسَ فِي الْبَقر العوامل شَيْء ".
وَفِي حَدِيث الْحَارِث: " لَيْسَ على الْبَقر العوامل شَيْء ".
لم أعز إِلَّا رِوَايَة عَاصِم، لَا رِوَايَة الْحَارِث، وكل من فِي هَذَا الْإِسْنَاد ثِقَة مَعْرُوف، وَابْن الْمُنَادِي أحد الاثبات.
(2474) وَذكر حَدِيث نِفَاس أَسمَاء بنت عُمَيْس بِمُحَمد بن أبي بكر بِذِي الحليفة وَهُوَ من هَذَا الْبَاب، فَإِنَّهُ سَاقه من عِنْد النَّسَائِيّ مُنْقَطِعًا، وَبَين زِيَادَة وَقعت فِيهِ من زِيَادَة ابْن الْأَعرَابِي عَن أبي دَاوُد.
والْحَدِيث صَحِيح عَن عَائِشَة فِي كتاب مُسلم، وَقد بَينا ذَلِك بَيَانا شافياً فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي يوردها عَن راو، ثمَّ يردفها أَشْيَاء كَأَنَّهَا عَن ذَلِك الرَّاوِي،(5/285)
وَلَيْسَت عَنهُ.
(2475) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " رخص لرعاء الْإِبِل أَن يرموا بِاللَّيْلِ وَأي سَاعَة من النَّهَار شاؤوا ".
ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده ضَعِيف، فِيهِ بكر بن بكار وَغَيره.
وَقد بَينا فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها وَلم يبين عللها مَا بِهِ، مِمَّا لم يشر إِلَيْهِ أَبُو مُحَمَّد.
وَالْمَقْصُود هُنَا أَن تعلم أَن لَهُ طَرِيقا أحسن من هَذَا من رِوَايَة صَحَابِيّ آخر، وَهُوَ ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ. قَالَ الْبَزَّار: حَدثنَا عبد الْأَعْلَى بن حَمَّاد، حَدثنَا مُسلم بن خَالِد، عَن عبيد الله، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " رخص لرعاء الْإِبِل أَن يرموا بِاللَّيْلِ ". قَالَ: لَا نعلمهُ عَن ابْن عمر إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَلَا نعلم رَوَاهُ عَن [عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر، إِلَّا مُسلم بن خَالِد. وَمُسلم] بن خَالِد فَقِيه بِهِ تفقه [الشَّافِعِي، وَإِذا كَانُوا ينقلون فِيهِ من التجريح شَيْئا فباعتبار الْحِفْظ كَسَائِر أهل الرَّأْي، وَلَا يُؤْتى من جِهَة الصدْق وَالْأَمَانَة.
(2476) وَلما ذكر أَبُو مُحَمَّد حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي صَلَاة أبي كَعْب فِي(5/286)
رَمَضَان بِمن لَيْسَ مَعَه قُرْآن، من رِوَايَة مُسلم بن خَالِد. أتبعه أَن قَالَ: قَالَ أَبُو دَاوُد: لَيْسَ هَذَا الحَدِيث بِالْقَوِيّ. وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك من أجل مُسلم بن خَالِد، وَهُوَ بِمَا فِيهِ أحسن من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو الْمَذْكُور، فَاعْلَم ذَلِك.
(2477) وَذكر من الْمَرَاسِيل حَدِيث مُعَاوِيَة بن قُرَّة، عَن رجل من الْأَنْصَار أَن رجلا محرما أوطأ رَاحِلَته أدحي نعام. الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: وَفِي طَرِيق آخر: فَأفْتى عَليّ أَن تشترى بَنَات مَخَاض. الحَدِيث
واعتراه فِيهِ أَنه بهذاالإرداف لحَدِيث عَليّ على الَّذِي أورد من المراسل موهم أَنه مِنْهَا، وَلَيْسَ لَهُ فِيهَا ذكر، وَإِنَّمَا هُوَ من كتاب الدَّارَقُطْنِيّ فِي السّنَن، وَهُوَ عَنهُ من رِوَايَة مطر بن طهْمَان، عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة، وَكَذَلِكَ الَّذِي فِي المراسل أَيْضا، إِلَّا أَن رَاوِيه عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ عَن مطر، هُوَ إِبْرَاهِيم بن طهْمَان، وَرِوَايَة عَنهُ عِنْد أبي دَاوُد، هُوَ سعيد بن أبي عرُوبَة.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا يُوسُف بن مُوسَى، حَدثنَا أَبُو أُسَامَة، حَدثنَا سعيد ابْن أبي عرُوبَة، حَدثنَا مطر الْوراق، أَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة، حَدثهمْ عَن رجل من الْأَنْصَار. الحَدِيث.
وَقد ذَكرنَاهَا بنصها فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي رَوَاهَا عَن راو أَو رُوَاة، ثمَّ(5/287)
أردفها زيادات أَو أَحَادِيث، موهما أَنَّهَا عَن ذَلِك الرَّاوِي أَو الروَاة، وَلَيْسَت عَنْهُم.
وَالَّذِي لأَجله كتبناهما الْآن، هُوَ أَن الحَدِيث فِي الْقِصَّة نَفسهَا يرْوى بِإِسْنَاد لَيْسَ لَهُ عيب إِلَّا مَا فِي الْمُرْسلين اللَّذين أورد أَبُو مُحَمَّد، وَهُوَ مطر بن طهْمَان الْوراق، وهم لم يعب الحَدِيث بِهِ.
فالاستدراك عَلَيْهِ بإيراد الْمُتَّصِل صَحِيح، ومطر مُحْتَمل، وَقد أخرج لَهُ مُسلم رَحمَه الله.
والْحَدِيث الْمَذْكُور [هُوَ مَا ذكر الدَّارَقُطْنِيّ، قَالَ: حَدثنَا الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل، قَالَ:] حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن [الصَّيْرَفِي، حَدثنَا يزِيد، أخبرنَا ابْن أبي عرُوبَة، عَن مطر عَن مُعَاوِيَة] بن قُرَّة، عَن رجل من الْأَنْصَار، من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَحدثنَا الْحُسَيْن، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد ابْن الْمنْهَال، قَالَ: حَدثنَا يزِيد بن زُرَيْع، عَن سعيد بن أبي عرُوبَة، عَن مطر عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة، قَالَ: حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام أَن رجلا أوطأ بعيره أدحى نعام وَهُوَ محرم، فَأتى عليا فَذكر ذَلِك لَهُ، فَقَالَ: عَلَيْك فِي كل بَيْضَة ضَرْبَة نَاقَة، أَو جَنِين نَاقَة، فَأتى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذكر ذَلِك لَهُ، فَقَالَ: " قد قَالَ عَليّ فِيهَا مَا قَالَ، وَلَكِن هَلُمَّ إِلَى الرُّخْصَة: عَلَيْك فِي كل بَيْضَة صِيَام يَوْم أَو إطْعَام مِسْكين ".
ابْن أبي ليلى سمع عليا، قَالَه البُخَارِيّ.(5/288)
وكل من فِي هَذَا الْإِسْنَاد ثِقَة إِلَّا مطر، فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ من أهل الصدْق قد قيل فِي سوء حفظه، وَشبه فِي ذَلِك بِمُحَمد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى القَاضِي، وَأخرج لَهُ مُسلم كَمَا قُلْنَاهُ، وَهُوَ أَيْضا فِي الْمُرْسل الَّذِي ذكر.
وأظن أَن أَبَا مُحَمَّد إِنَّمَا لم يذكر هَذَا الحَدِيث، لِأَنَّهُ لم يعلم من هُوَ شيخ الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل الْمحَامِلِي فِيهِ أَعنِي: مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الصَّيْرَفِي فَإِنَّهُ لَيْسَ مَذْكُورا فِي شَيْء من الْمَوَاضِع الَّتِي أرَاهُ يلجأ إِلَيْهَا فِي تعرف أَحْوَال الروَاة.
وَالرجل ثِقَة، مَعْرُوف بِالْعلمِ، وَالدّين، وَالْعقل، كَانَ يعد من الْعُقَلَاء وَأهل التدين فِي التحديث وابتغاء الْأجر بِهِ، وَقد أوعب أَبُو بكر بن ثَابت الْخَطِيب فِي ذكره. فَمَا بِهَذَا الحَدِيث عيب يُؤثر بِهِ الْمُرْسل عَلَيْهِ فاعلمه
وَمن هَذَا الْبَاب أَحَادِيث يعلها بِمَا لَا يكون فِي الْحَقِيقَة عِلّة لَهَا، وَهِي مَعَ ذَلِك لَهَا طرق أخر.
(2478) فَمِنْهَا حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: إِذا كَانَ ثَلَاثَة فِي سفر فليؤمروا أحدهم " الحَدِيث.
ذكره من طَرِيق أبي دَاوُد، من رِوَايَة نَافِع، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة.
ثمَّ قَالَ: هَذَا يرْوى مُرْسلا عَن أبي سَلمَة، وَالَّذِي أرْسلهُ أحفظ. انْتهى.(5/289)
وَهَذَا الحَدِيث إِنَّمَا يرويهِ أَبُو دَاوُد من طَرِيق حَاتِم بن إِسْمَاعِيل، عَن ابْن عجلَان [عَن نَافِع، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة، وَفِي رِوَايَة: عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ] وَجعل أَبَا سعيد بَدَلا من أبي هُرَيْرَة، ذكر الطَّرِيقَيْنِ أَبُو دَاوُد، فأورد الدَّارَقُطْنِيّ أَن يحيى بن سعيد رَوَاهُ عَن ابْن عجلَان، فَجعله مُرْسلا عَن أبي سَلمَة، لم يذكر لَا ابا هُرَيْرَة وَلَا أَبَا سعيد، وَقَالَ: إِنَّه الصَّوَاب.
هَذَا وَالله أعلم لمَكَان يحيى بن سعيد الْقطَّان: من الْحِفْظ، والإتقان، والتقدم فِي ذَلِك على حَاتِم بن إِسْمَاعِيل وعَلى غَيره.
وحاتم بن إِسْمَاعِيل، وَإِن كَانَ ثِقَة فَإِنَّهُ فِيمَا زَعَمُوا كَانَت فِيهِ غَفلَة، وَكتابه صَحِيح، فَإِذا حدث من كِتَابه فَحَدِيثه صَحِيح، وَهُوَ عِنْدهم فِي هَذَا الْمَعْنى أحسن من الدَّرَاورْدِي.
فَهَذَا وَالله أعلم هُوَ الَّذِي عَنى أَبُو مُحَمَّد بقوله: إِن الَّذِي أرْسلهُ أحفظ من الَّذِي وَصله.
وَإِلَى ذَلِك فَإِن، الحَدِيث طَرِيقا آخر لَا بَأْس بِهِ.
قَالَ الْبَزَّار: حَدثنَا عمار بن خَالِد الوَاسِطِيّ، قَالَ: حَدثنَا الْقَاسِم بن مَالك الْمُزنِيّ، قَالَ: حَدثنَا الْأَعْمَش، عَن زيد بن وهب، عَن عمر بن الْخطاب أَنه قَالَ: " إِذا كُنْتُم ثَلَاثَة فِي سفر فَأمروا عَلَيْكُم أحدكُم، فَذَاك أَمِير أمره رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ".
قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث قد رَوَاهُ غير وَاحِد عَن الْأَعْمَش، عَن زيد بن وهب،(5/290)
عَن عمر مَوْقُوفا، وَلَا نعلم أسْندهُ إِلَّا الْقَاسِم بن مَالك عَن الْأَعْمَش. انْتهى قَوْله.
الْقَاسِم بن مَالك، أَبُو جَعْفَر الْمُزنِيّ، قَالَ فِيهِ ابْن معِين: ثِقَة، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: صَالح لَا بَأْس بِهِ، لَيْسَ بالمتين.
وَهَذَا إِنَّمَا مَعْنَاهُ أَن غَيره فَوْقه، وَبلا شكّ أَن الثِّقَات متفاوتون، هَذَا إِذا سلم لَهُ مَا قَالَ من أَنه لَيْسَ بالمتين، وَالرجل ثِقَة لَا شكّ فِيهِ، والراوي عَنهُ وَهُوَ عمار بن خَالِد ثِقَة.
فَهَذَا الطَّرِيق صَحِيح، فَإِن وقف من وَقفه لَا يضرّهُ، لاحْتِمَال أَن يكون الْأَعْمَش قد رَوَاهُ على الْوَجْهَيْنِ وَالله أعلم.
(2479) وَمِمَّا لَهُ مدْخل فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث ذكره من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن سماك، عَن رجل من قومه، عَن آخر مِنْهُم، قَالَ: " رَأَيْت راية رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صفراء ".
وَهَذَا مَا لَا يلْتَفت [إِلَيْهِ ... ] .
(2480) وَذَلِكَ أَنه قد أورد بعد هَذَا حَدِيث مزيدة العصري من عِنْد التِّرْمِذِيّ، قَالَ: " دخل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم الْفَتْح وعَلى سَيْفه ذهب وَفِضة " وَأتبعهُ بتحسين التِّرْمِذِيّ إِيَّاه.(5/291)
وَإِسْنَاده عِنْد التِّرْمِذِيّ هُوَ هَذَا: حَدثنَا مُحَمَّد بن صدران: أَبُو جَعْفَر الْبَصْرِيّ، حَدثنَا طَالب بن حُجَيْر، عَن هود هُوَ ابْن عبد الله بن سعد عَن جده مزيدة.
(2481) وَقد ورد بِهَذَا الْإِسْنَاد " جعل رايات الْأَنْصَار صفراً ".
قَالَ أَبُو عَليّ بن السكن: حَدثنِي مُحَمَّد بن هَارُون الْحَضْرَمِيّ، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن سهل بن عَسْكَر، قَالَ: حَدثنَا قيس بن حَفْص، قَالَ: حَدثنَا طَالب بن حُجَيْر الْعَبْدي، قَالَ: حَدثنَا هود بن عبد الله، قَالَ: حَدثنِي جدي مزيدة وَكَانَ من الْوَفْد قَالَ: " رَأينَا عَلَيْهِ يَعْنِي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عِمَامَة سَوْدَاء، وَعقد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رايات الْأَنْصَار، وجعلهن صفراً، وَدخل يَوْم فتح مَكَّة وعَلى سَيْفه ذهب وَفِضة ".
وبرواية طَالب بن حُجَيْر أَيْضا، عَن هود بن عبد الله، عَن مزيدة قَالَ: رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَنزلت إِلَيْهِ فَقبلت يَده.
وَقيس بن حَفْص بن الْقَعْقَاع، بَصرِي، شيخ، حَاله كَحال طَالب بن حُجَيْر.
وَلم أقل: إِن هَذَا الْإِسْنَاد صَحِيح، وَلكنه يلْزمه إِخْرَاجه، لِأَنَّهُ قد أخرج بِهِ قِطْعَة من الحَدِيث الْمَذْكُور(5/292)
(2482) وَذكر حَدِيث: " أَيّمَا عبد تزوج بِغَيْر إِذن سَيّده فَهُوَ عاهر ".
سَاقه من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد، عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن جَابر، وَحسنه.
وَترك أَن يجىء بِهِ من رِوَايَة ابْن جريح، عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن جَابر مثله سَوَاء.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا سعيد بن يحيى بن سعيد الْأمَوِي، قَالَ: حَدثنَا أبي، قَالَ: حَدثنَا ابْن جريج فَذكره.
وَابْن جريج لَا مفاضلة بَينه وَبَين زُهَيْر بن مُحَمَّد، وَيحيى بن سعيد الْأمَوِي ثِقَة، قَالَه ابْن معِين، وَابْنه صَدُوق. قَالَه أَبُو حَاتِم.
(2483) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن أبي تَمِيمَة الهُجَيْمِي أَن رجلا قَالَ لَا [مرأته: يَا أخية، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أختك هِيَ؟ ! "] فكره ذَلِك وَنهى عَنهُ. ثمَّ قَالَ: هَذَا مُنْقَطع الْإِسْنَاد.
كَذَا قَالَ، وَإِنَّمَا يَعْنِي الْإِرْسَال، وَقد كَانَ لَهُ أَن يذكر صَحِيحا على رَأْيه، وَذَلِكَ أَن أَبَا دَاوُد يروي الأول من طَرِيق حَمَّاد بن زيد، وَعبد الْوَاحِد بن زِيَاد،(5/293)
وخَالِد الطَّحَّان، كلهم عَن خَالِد الْحذاء، عَن أبي تَمِيمَة.
فَهَذَا الَّذِي أورد أَبُو مُحَمَّد.
وَرَوَاهُ أَيْضا عِنْد أبي دَاوُد عبد السَّلَام بن حَرْب عَن خَالِد الْحذاء، عَن أبي تَمِيمَة، عَن رجل من قومه، أَنه سمع النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سمع رجلا يَقُول لامْرَأَته: يَا أخية، فَنَهَاهُ.
فَترك أَبُو مُحَمَّد هَذَا وَلم يسقه.
وَعبد السَّلَام حَافظ، وَكَون الرجل لم يسم لَا يضرّهُ على أحد رأييه، وعَلى الرَّأْي الآخر لَهُ يُسَمِّيه مُرْسلا، وَقد تقدم ذكر ذَلِك فاعلمه.
(2484) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن أبي عبد الرَّحْمَن الْخُرَاسَانِي، أَن عَطاء الْخُرَاسَانِي، حَدثهُ أَن نَافِعًا حَدثهُ عَن ابْن عمر، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أَذْنَاب الْبَقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الْجِهَاد، سلط الله عَلَيْكُم ذلاً لَا يَنْزعهُ حَتَّى ترجعوا إِلَى دينكُمْ ". ثمَّ قَالَ: أَبُو عبد الرَّحْمَن الْخُرَاسَانِي لَيْسَ بِمَشْهُور. انْتهى كَلَامه.
أَبُو عبد الرَّحْمَن هَذَا، هُوَ إِسْحَاق بن أسيد أَبُو عبد الرَّحْمَن، يروي عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي، روى عَنهُ حَيْوَة بن شُرَيْح، وَهُوَ يروي عَنهُ هَذَا الْخَبَر، وَبِهَذَا ذكره ابْن أبي حَاتِم، وَلم يقل فِيهِ إِلَّا أَنه لَيْسَ بالمشهور.(5/294)
وَوهم الْبَزَّار فِي تَفْسِيره هَذَا الرجل بِأَنَّهُ ابْن أبي فَرْوَة، وَذَلِكَ أَنه لما ذكر هَذَا الحَدِيث قَالَ بإثره: إِسْحَاق عِنْدِي، هُوَ ابْن عبد الله بن أبي فَرْوَة، وَهُوَ لين الحَدِيث.
وَإِنَّمَا لم يكن مِنْهُ هَذَا صَوَابا، لِأَن إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي فَرْوَة مدنِي، ويكنى أَبَا سُلَيْمَان، وراوي هَذَا الْإِسْنَاد خراساني ويكنى أَبَا عبد الرَّحْمَن.
وَأيهمَا كَانَ، فَالْحَدِيث من طَرِيقه لَا يَصح.
وَله طَرِيق أحسن من هَذَا [عَن عَطاء رَوَاهُ عَليّ بن عبد الْعَزِيز] فِي منتخبه، حَدثنَا أَبُو الْأَحْوَص: مُحَمَّد بن حَيَّان، قَالَ: أَخْبرنِي إِسْمَاعِيل ابْن علية، عَن لَيْث، عَن عبد الْملك، عَن عَطاء، قَالَ: قَالَ ابْن عمر: أَتَى علينا زمَان وَمَا نرى أحدا منا أَحَق بالدينا وَالدِّرْهَم من أَخِيه الْمُسلم، حَتَّى كَانَ هَاهُنَا بآخرة، فَأصْبح الدِّينَار وَالدِّرْهَم أحب إِلَى أَحَدنَا من أَخِيه الْمُسلم، وَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِذا ضن النَّاس بالدينار وَالدِّرْهَم، وتبايعوا بالعينة، واتعبوا أَذْنَاب الْبَقر، وَتركُوا الْجِهَاد، بعث الله عَلَيْهِم ذلاً، ثمَّ لَا يَنْزعهُ مِنْهُم حَتَّى يراجعوا دينهم ".
وَإِنَّمَا لم نقل لهَذَا: صَحِيح، لكمان لَيْث، فَإِنَّهُ ابْن أبي سليم، وَلم يكن بِالْحَافِظِ، وَهُوَ صَدُوق ضَعِيف.
وَقَالَ أَيْضا: حَدثنَا الْمُعَلَّى بن مهْدي، قَالَ: حَدثنَا عبد الْوَارِث، عَن لَيْث ابْن أبي سليم، عَن عبد الْملك بن أبي سُلَيْمَان، عَن عَطاء، عَن ابْن عمر، فَذكر الحَدِيث، إِلَّا قَوْله: " وَتركُوا الْجِهَاد ".
وَلِلْحَدِيثِ طَرِيق أحسن من هَذَا، بل هُوَ صَحِيح، وَهُوَ الَّذِي قصدت(5/295)
إِيرَاده، وَهُوَ مَا ذكر أَحْمد بن حَنْبَل رَحمَه الله نقلته من كتاب الزّهْد لَهُ، قَالَ: حَدثنَا أسود بن عَامر، حَدثنَا أَبُو بكر هُوَ ابْن عَيَّاش عَن الْأَعْمَش، عَن عَطاء بن أبي رَبَاح، عَن ابْن عمر قَالَ: أَتَى علينا زمَان وَمَا يرى أحد منا أَنه أَحَق بالدينار وَالدِّرْهَم من أَخِيه الْمُسلم، ثمَّ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِذا بغى النَّاس تبايعوا بِالْعينِ، وَاتبعُوا أَذْنَاب الْبَقر، وَتركُوا الْجِهَاد فِي سَبِيل الله، أنزل الله بهم بلَاء، فَلم يرفعهُ عَنْهُم حَتَّى يراجعوا دينهم ".
كَذَا فِي النُّسْخَة " بلَاء "، وَأرَاهُ مُصحفا من " ذلاً " وَهَذَا الْإِسْنَاد كل رِجَاله ثِقَات، فَاعْلَم ذَلِك.
(2485) وَذكر من طَرِيق عبد الرَّزَّاق، عَن أبي حَازِم الْقرظِيّ، عَن أَبِيه عَن جده، أَن رَسُول الله
: " قضى فِي سيل مهزور أَن يحبس فِي كل حَائِط حَتَّى يبلغ [الْكَعْبَيْنِ ثمَّ يُرْسل، وَغَيره من السُّيُول كَذَلِك، وتبرأ من عهدته بِذكر] الْإِسْنَاد مكتفياً بِذكر [أبي حَازِم وَأَبِيهِ، وجده وَلم يعرف] بأحوال هَؤُلَاءِ، وَلَا أعرف أحدا ذكر أَبَا حَازِم الْقرظِيّ، فأبوه وجده أبعد من أَن يعرفا.
وَلِلْحَدِيثِ طَرِيق يكون على أصل أبي مُحَمَّد صَحِيحا، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة(5/296)
حسن، هُوَ بِالذكر أولى من هَذَا.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا أَحْمد بن عَبدة، قَالَ: أخبرنَا الْمُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن، قَالَ: حَدثنَا أبي، عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " قضى فِي السَّيْل المهزور أَن يمسك حَتَّى يبلغ الْكَعْبَيْنِ، ثمَّ يُرْسل الْأَعْلَى على الْأَسْفَل ".
الْمُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن عبد الله بن عَيَّاش بن أبي ربيعَة المَخْزُومِي، مدنِي، لَيْسَ بِهِ بَأْس. قَالَه أَبُو حَاتِم.
وَأَبوهُ عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث، قَالَ فِيهِ ابْن معِين: صَالح الحَدِيث.
وَقد يلتبس هَذَا بالمغيرة بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام المَخْزُومِي أَيْضا، شيخ مَالك، وَكَذَلِكَ أَبوهُ بِأَبِيهِ، وليسا بهما، وكنية هَذَا الثَّانِي: أَبُو مُحَمَّد: عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث، وكنية الأول الَّذِي فِي إِسْنَاده حديثنا هَذَا: أَبُو الْحَارِث: عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث، وكنيه الْمُغيرَة هَذَا الثَّانِي شيخ مَالك: أَبُو هَاشم، وَلَا أعرف للْأولِ كنية، وَلَو كَانَ فِي إِسْنَاد عبد الرَّزَّاق من كَانَ أولى بِالذكر من هَذَا، لقَوْله فِيهِ: " وَغَيره من السُّيُول ". وَالله الْمُوفق.
(2486) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ عَن أبي الْمُنْذر، مولى أبي ذَر عَن أبي أُميَّة المَخْزُومِي، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أُتِي بلص اعْترف اعترافاً، وَلم يُوجد عِنْده مَتَاع، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا إخالك سرقت " قَالَ: بلَى، قَالَ: " اذْهَبُوا(5/297)
فاقطعوه ثمَّ جيئوا بِهِ "، فقطعوه ثمَّ جَاءُوا بِهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " قل: أسْتَغْفر الله وَأَتُوب إِلَيْهِ " قَالَ: أسْتَغْفر الله وَأَتُوب إِلَيْهِ، قَالَ: " اللَّهُمَّ تب عَلَيْهِ "
ثمَّ قَالَ: أَبُو الْمُنْذر لَا أعلم [روى عَنهُ غير إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة.
وَذكره] عبد الرَّزَّاق عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان قَالَ: أُتِي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِرَجُل سرق شملة بِهَذَا الحَدِيث، وَقَالَ: " اقْطَعُوا يَده ثمَّ احملوها " انْتهى مَا أورد.
وَالْمَقْصُود بَيَانه، هُوَ أَن هَذَا الْمُرْسل، هُوَ من رِوَايَة يزِيد بن خصيفَة، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن.
وَقد رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مُتَّصِلا بِإِسْنَاد لَا بَأْس بِهِ.
قَالَ: حَدثنَا أَبُو عبيد: الْقَاسِم بن إِسْمَاعِيل، حَدثنَا يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد الدَّرَاورْدِي، قَالَ: أَخْبرنِي يزِيد بن خصيفَة، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان، عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَتَى بسارق قد سرق شملة فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، إِن هَذَا قد سرق، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا، مَا إخَاله سرق " فَقَالَ السَّارِق: بلَى يَا رَسُول الله، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " اذْهَبُوا بِهِ فاقطعوه ثمَّ احسموه، ثمَّ ائْتُونِي بِهِ "، فَقطع ثمَّ أُتِي بِهِ فَقَالَ: " تب إِلَى الله " فَقَالَ: قد تبت إِلَى الله. قَالَ: " تَابَ الله عَلَيْك ".
يزِيد بن خصيفَة يَقع هَكَذَا فِي الْأَكْثَر مَنْسُوبا إِلَى جده، وَهُوَ يزِيد بن عبد الله بن خصيفَة، وَهُوَ ثِقَة بِلَا خلاف، فاعلمه.(5/298)
(2487) وَمن ذَلِك حَدِيث عبد الله بن بسر حِين دَعَا أَبوهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى منزلَة إِلَى ثريدة بِسمن صنعوها لَهُ.
ضعفه بِأَن قَالَ: إِن حَدِيث ابْن عَبَّاس أصح مِنْهُ.
وَبينا علته الَّتِي أغفل بَيَانهَا فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أعلها وَلم يبين عللها.
وَبَقِي أَن نذْكر هُنَا أَن لَهُ إِسْنَادًا جيدا خيرا من الَّذِي اعْتَرَضَهُ مِنْهُ، وَذَلِكَ أَن اللَّفْظ الَّذِي سَاق، هُوَ من رِوَايَة بَقِيَّة، فَهُوَ يرويهِ عَن صَفْوَان بن عَمْرو، قَالَ: حَدثنِي أَزْهَر بن عبد الله، عَن عبد الله بن بسر.
وَبَقِيَّة لَا يحْتَج بِهِ.
وَقد رَوَاهُ عَن صَفْوَان بن عَمْرو مِمَّن يوثق، عِيسَى بن يُونُس.
قَالَ النَّسَائِيّ: اُخْبُرْنَا زَكَرِيَّاء بن يحيى، قَالَ: حَدثنَا نصر بن عَليّ، قَالَ: حَدثنَا [ابْن يُونُس، عَن صَفْوَان بن عَمْرو، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن] بسر.
قَالَ: قَالَ أبي لأمي: [لَو صنعت لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - طَعَاما، فصنعت] ثريدة وَقَالَ بِيَدِهِ يقلل فَانْطَلق أبي فَدَعَاهُ فَوضع يَده على ذروتها، ثمَّ قَالَ: " خُذُوا بِسم الله " فَأخذُوا من حواليها، فَلَمَّا طعموا دَعَا لَهُم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " اللَّهُمَّ اغْفِر لَهُم فارحمهم، وَبَارك لَهُم وارزقهم ".
فنرى هَذَا الحَدِيث صَحِيحا، فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ سقط أَزْهَر بن عبد الله من بَين صَفْوَان بن عَمْرو وَعبد الله بن بسر، فَإِنَّهُ قد قَالَ: حَدثنَا، فصح بذلك سَمَاعه(5/299)
مِنْهُ، وَقد ذكر بروايته عَن عبد الله بن بسر، وبإرساله عَن أنس بن مَالك.
فَهَذَا الحَدِيث صَحِيح لثقة رُوَاته واتصاله، وَحين لم يقبله أَبُو مُحَمَّد وَلَا أوردهُ، نَاقض فعله فِي حَدِيث:
(2488) " إِذا ابتغت بيعا فَلَا تبعه حَتَّى تستوفيه "
فَإِنَّهُ كَمَا لم يبال هُنَاكَ بِسُقُوط عبد الله بن عصمَة، بَين يُوسُف بن مَاهك وَحَكِيم بن حزَام لما قَالَ يُوسُف: حَدثنَا حَكِيم، فِي رِوَايَة همام فَكَذَلِك كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَن يفعل هَا هُنَا، فَلَا يُبَالِي فِي هَذَا الْإِسْنَاد بِسُقُوط أَزْهَر بن عبد الله، بَين صَفْوَان وَعبد الله بن بسر، لما قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن بسر، بل جَاءَ فعله هَا هُنَا أشنع، فَإِنَّهُ ترك هَذَا وسَاق رِوَايَة بَقِيَّة، وَبَقِيَّة لَا يحْتَج بِهِ عِنْده، وَلَعَلَّه لسوء حفظه، زَاد فِي رِوَايَته عَن صَفْوَان بن عَمْرو أَزْهَر بن عبد الله، بَين صَفْوَان وَعبد الله ابْن بسر، فَإِن مسقطه، وَهُوَ عِيسَى بن يُونُس ثِقَة بِلَا خلاف، فَاعْلَم ذَلِك.
(2489) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَيْسَ الْمُؤمن بالطعان، وَلَا اللّعان، وَلَا الْفَاحِش، وَلَا الْبَذِيء ".
قَالَ فِيهِ: حسن غَرِيب.(5/300)
كَذَا أوردهُ، وَهُوَ كَمَا ذكر، وَلَا يَنْبَغِي أَن يُقَال فِيهِ، صَحِيح، لِأَنَّهُ من رِوَايَة [مُحَمَّد بن] سَابق، عَن إِسْرَائِيل، عَن الْأَعْمَش، عَن إِبْرَاهِيم، عَن عَلْقَمَة، عَن عبد الله.
وَمُحَمّد بن سَابق [الْبَزَّار يضعف] وَإِن كَانَ مَشْهُورا، وَمن النَّاس من يثتني عَلَيْهِ، وَرُبمَا وَثَّقَهُ [بَعضهم، وَقَالَ الْعجلِيّ: كُوفِي ثِقَة، وَقَالَ يَعْقُوب] بن شيبَة: كَانَ ثِقَة صَدُوقًا، وَلَيْسَ مِمَّن يُوصف بالضبط للْحَدِيث.
وَقَالَ مُحَمَّد بن صَالح كيلجة: كَانَ خياراً لَا بَأْس بِهِ.
وَكَذَا قَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. ذكر هَذَا كُله الْخَطِيب.
وَغير هَؤُلَاءِ يستضعفه، فَالْحَدِيث من أَجله حسن.
قَالَ أَبُو بكر الْخَطِيب: أخبرنَا عَليّ بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الدقاق، قَالَ: قَرَأنَا على الْحُسَيْن بن هَارُون الضَّبِّيّ، عَن أبي الْعَبَّاس بن سعيد، قَالَ: حَدثنَا نجيح بن إِبْرَاهِيم، قَالَ: سَمِعت أَبَا بكر بن أبي شيبَة، وَذكر يَعْنِي هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: إِن كَانَ حفظه يَعْنِي مُحَمَّد بن سَابق فَهُوَ غَرِيب.(5/301)
أخبرنَا أَبُو نصر: أَحْمد بن عبد الْملك الْقطَّان، أخبرنَا عبد الرَّحْمَن بن عمر الْخلال، حَدثنَا مُحَمَّد بن أَحْمد بن يَعْقُوب هُوَ ابْن أبي شيبَة - حَدثنَا جدي، قَالَ: سَمِعت عَليّ بن الْمَدِينِيّ ذكر هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: هُوَ مُنكر من حَدِيث إِبْرَاهِيم، عَن عَلْقَمَة، وَإِنَّمَا هُوَ من حَدِيث أبي وَائِل من غير حَدِيث الْأَعْمَش.
قَالَ الْخَطِيب: رَوَاهُ لَيْث بن أبي سليم عَن زبيد اليامي، عَن أبي وَائِل، عَن عبد الله، إِلَّا أَنه وَقفه وَلم يرفعهُ. وَرَوَاهُ إِسْحَاق بن زِيَاد الْعَطَّار، الْكُوفِي وَكَانَ صدوقاُ، فَخَالف فِيهِ مُحَمَّد بن سَابق.
أخبرنيه أَحْمد بن عبد الْملك، أخبرنَا عبد الرَّحْمَن بن عمر، حَدثنَا مُحَمَّد ابْن أَحْمد بن يَعْقُوب، حَدثنَا جدي قَالَ: حَدثنَا إِسْحَاق بن زِيَاد الْعَطَّار من كِتَابه، عَن إِسْرَائِيل، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، عَن الحكم، عَن إِبْرَاهِيم، عَن عَلْقَمَة، عَن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَيْسَ الْمُؤمن بالطعان، وَلَا اللّعان، وَلَا الْفَاحِش، وَلَا الْبَذِيء ".
لم يزدْ يَعْقُوب بن شيبَة فِي ذكره مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن على هَذَا، وَلم يعرف بِهِ، وَلَا قَالَ: إِنَّه ابْن أبي ليلى، فَالله أعلم أَن كَانَ هُوَ أَو غَيره.
والآن أنتهيت إِلَى مَا قصدت، وَهُوَ أَن لَهُ طَرِيقا أحسن من الَّذِي ذكره مِنْهُ وَمن هَذَا الَّذِي ذكره بِهِ الْخَطِيب، وَهُوَ مَا ذكر [الْبَزَّار، حَدثنَا يُوسُف بن مُوسَى، قَالَ: حَدثنَا] عبد الرَّحْمَن] بن مغراء، حَدثنَا الْحسن [بن عَمْرو،(5/302)
عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد، عَن أَبِيه، عَن] عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَيْسَ الْمُؤمن بالطعان، وَلَا اللّعان، وَلَا الْفَاحِش، وَلَا الْبَذِيء ".
قَالَ الْبَزَّار ": وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ عَن الْحسن بن عَمْرو بِهَذَا الْإِسْنَاد: أَبُو بكر ابْن عَيَّاش، وَعبد الرَّحْمَن بن مغراء.(5/303)
(13) بَاب ذكر أَحَادِيث ضعفها، وَهِي صَحِيحَة أَو حَسَنَة، وَمَا أعلها بِهِ لَيْسَ بعلة(5/305)
اعْلَم أَن الْبَاب الْمُقدم، كَانَ قد ضعف الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة فِيهِ، وَالْأَمر فِيهَا كَمَا ذكر، وَلَكنَّا رَأينَا لَهَا أَسَانِيد أخر، هِيَ مِنْهَا صَحِيحَة أَو حَسَنَة.
وَهَذَا الْبَاب نذْكر فِيهِ أَحَادِيث ضعفها، وَلَيْسَ يَنْبَغِي أَن يُقَال فِيهَا بذلك لِأَنَّهُ فِي تَضْعِيفه إِيَّاهَا: إِمَّا أَن يجهل مَعْرُوفا، أَو يضعف ثِقَة، أَو يعْتَمد شهرة خِلَافه، أَو يُقَلّد فِي التَّضْعِيف من قد أَخطَأ فِيهِ.
وَالَّذِي نذكرهُ فِي هَذِه التَّرْجَمَة هُوَ قِسْمَانِ: مَا ضعفه وَهُوَ صَحِيح، وَمَا ضعفه وَهُوَ حسن.
وَقد آثرت ذكره على تصنيف الْأَحَادِيث لَا بِاعْتِبَار هَذَا الانقسام، خوفًا من التَّدَاخُل.
وكل مَا ذكر فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ردهَا بالانقطاع وَهِي مُتَّصِلَة، هُوَ من هَذَا الْبَاب، وَلكنه تميز صنفا، فَلذَلِك أفردنا لَهُ بَابا إِثْر بَاب مَا رَآهُ مُتَّصِلا وَهُوَ مُنْقَطع.(5/307)
(2490) فَمن ذَلِك مَا ذكر من طَرِيق الْبَزَّار، عَن ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن، عَن عبد الْملك بن سعيد بن سُوَيْد، قَالَ: سَمِعت أَبَا حميد وَأَبا أسيد يَقُولَانِ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا سَمِعْتُمْ الحَدِيث تعرفه قُلُوبكُمْ " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ بإثره: عبد الْملك بن سعيد ذكره أَبُو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم وَلم يذكر أحدا رَوَاهُ عَنهُ إِلَّا ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن، وَلم يذكر فِيهِ شَيْئا، هَذَا نَص مَا ذكر من غير مزِيد [وَهُوَ كَمَا ذكر، لم يرو عَنهُ غير] ربيعَة. وَقد أهمل من ذكر [التجريح وَالتَّعْدِيل فِيهِ وللقاعدة أَن من لم يذكر فيهم ابْن أبي] حَاتِم الْجرْح وَالتَّعْدِيل فهم عِنْده مجهولو الْأَحْوَال، بَين ذَلِك عَن نَفسه فِي أول كِتَابه، وَسَوَاء كَانَ من لم يذكر فِيهِ الْجرْح وَالتَّعْدِيل مِمَّن لم يرو عَنهُ إِلَّا وَاحِد أَو مِمَّن قد روى عَنهُ جمَاعَة، وَرَأى أَبُو مُحَمَّد أَن من روى عَنهُ جمَاعَة يقبل، وعَلى ذَلِك بنى نظره، وَبِه عمل فِي كِتَابه.(5/309)
فَأَما من لم يرو عَنهُ إِلَّا وَاحِد، وَلم يعرف فِيهِ جرح وَلَا تَعْدِيل، فَهَؤُلَاءِ يقبلهم، وَلَا يحْتَج بهم.
وَقد يعرف فِيمَن لم يرو عَنهُ إِلَّا وَاحِد أَنه ثِقَة فَيقبل، أَو أَنه ضَعِيف فَيرد، بِحكم التَّضْعِيف.
وَقيل: أَنه سمع فِيهِ التجريح يرد بِحكم الْمَجْهُول الْحَال.
وَقد تقدم بَيَان هَذَا كُله، فَهُوَ إِذن قد اعْتقد فِي عبد الْملك بن سعيد هَذَا أَنه مَجْهُول الْحَال، وَأول مَا اعتراه فِيهِ سوء النَّقْل، وَذَلِكَ بقلة التثبيت، فَإِنَّهُ لَو نظر، رأى فِي كتاب ابْن أبي حَاتِم خلاف مَا ذكر.
وَذَلِكَ أَن ابْن أبي حَاتِم، قد ذكر عَن أَبِيه أَنه روى عَنهُ بكير بن عبد الله بن الْأَشَج، فَزَاد هُوَ من عِنْده أَن ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن روى عَنهُ، فَوَقع بصر أبي مُحَمَّد على قَول ابْن أبي حَاتِم: روى عَنهُ ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن، فَقَالَ مَا ذكر: من أَنه لم يرو عَنهُ غير ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن.
وَلَا ينفعك أقل من الْوُقُوف على نَص كَلَام أبي مُحَمَّد بن أبي حَاتِم، وَهَذَا هُوَ: " عبد الْملك بن سعيد بن سُوَيْد الْأنْصَارِيّ، روى عَن عَبَّاس بن سهل بن سعد، روى عَنهُ بكير بن عبد الله بن الْأَشَج، سَمِعت أبي يَقُول ذَلِك ". قَالَ أَبُو مُحَمَّد: وَسمع من أبي حميد، وَأبي أسيد السَّاعِدِيّ، وَجَابِر بن عبد الله، روى عَنهُ ربيعَة، بن أبي عبد الرَّحْمَن.
هَذَا نَص مَا ذكر من غير مزِيد، وَقد تبين مِنْهُ كَيفَ اعتراه مَا اعتراه من تَغْيِير الْموضع.
وَقد انتهينا إِلَى الْمَقْصُود، وَهُوَ أَن نبين أَن الرجل الْمَذْكُور لَيْسَ بِالْمَجْهُولِ،(5/310)
لَا اقول ذَلِك من أجل أَنه قد روى عَنهُ بكير [بن الْأَشَج، وَرَبِيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن، وَلَكِن لِأَن قوما] وثقوه وقبلوا روا [يته، فَمنهمْ مُسلم، فقد أخرج لَهُ فِي صَحِيحه، وَقَالَ الْكُوفِي] فِي كِتَابه: عبد الْملك بن سعيد ابْن سُوَيْد، مدنِي تَابِعِيّ ثِقَة.
وَقَالَ النَّسَائِيّ فِي كِتَابه التَّمْيِيز: لَيْسَ بِهِ بَأْس، روى عَنهُ بكير بن عبد الله ابْن الْأَشَج وَرِوَايَة بكير هَذِه هِيَ الَّتِي قد أَشَارَ إِلَيْهَا أَبُو حَاتِم، وَالنَّسَائِيّ عَنهُ، لَيست هِيَ لهَذَا الحَدِيث.
وَإِنَّمَا يروي عَنهُ عَن جَابر حَدِيث عمر " هششت إِلَى امْرَأَتي فَقَبلتهَا وَأَنا صَائِم ". الحَدِيث الَّذِي قيل لَهُ فِيهِ: " أَرَأَيْت لَو تمضمضت " ذكره أَبُو دَاوُد.
(2491) وَقد أخرج لَهُ مُسلم رَحمَه الله - محتجا بِهِ - حَدِيثه عَن أبي حميد وَأبي أسيد فِي القَوْل عِنْد دُخُول الْمَسْجِد، وَمن رِوَايَة ربيعَة عَنهُ، وَهَذِه هِيَ رِوَايَة ربيعَة الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا أَبُو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم.
وَقد زعم اللالكائي أَن الدَّرَاورْدِي عَنهُ، وَهَذَا لَا أعرفهُ ولعلي أَجِدهُ بعد.
وَإِنَّمَا يروي الدَّرَاورْدِي عَن ربيعَة عَنهُ هَذَا الحَدِيث فِي القَوْل عِنْد دُخُول الْمَسْجِد.
ذكره كَذَلِك أَبُو دَاوُد.(5/311)
وَقد ذكر أَبُو مُحَمَّد حَدِيثه هَذَا من عِنْد أبي دَاوُد، من رِوَايَة الدَّرَاورْدِي، عَن ربيعَة عَنهُ فِي القَوْل عِنْد دُخُول الْمَسْجِد لزيادته فِيهِ: " فليسلم على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ثمَّ ليقل: اللَّهُمَّ افْتَحْ لي أَبْوَاب رحمتك ".
وَلم يسقه من عِنْد مُسلم؛ لِأَن زِيَادَة الْأَمر بِالتَّسْلِيمِ على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَيست عِنْده.
فَهَذَا مِنْهُ قبُول لرِوَايَة عبد الْملك الْمَذْكُور واحتجاج بِهِ.
(2492) وَكَذَلِكَ ذكر فِي الصّيام حَدِيث: " أَرَأَيْت لَو تمضمضت " من عِنْد النَّسَائِيّ، وَمن رِوَايَة بكير بن عبد الله بن الْأَشَج عَنهُ.
وَسكت عَنهُ مصححا لَهُ، فَأَيْنَ رده من أَجله حديثنا المبدوء بِذكرِهِ.
وَقَوله: لم يرو عَنهُ إِلَّا ربيعَة؛ هَذِه غَفلَة بَيِّنَة، فَاعْلَم ذَلِك.(5/312)
(2493) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار، عَن عبد الله بن مَسْعُود عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من كذب عَليّ مُتَعَمدا ليضل بِهِ " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: هَذِه الزِّيَادَة " ليضل بِهِ "، هِيَ من طَرِيق يُونُس بن بكير [عَن] الْأَعْمَش، عَن طَلْحَة بن مصرف، عَن عَمْرو [بن شُرَحْبِيل، عَن عبد الله، وَلَا تصح عَن الْأَعْمَش، عَن عبد الله.
هَكَذَا] قَالَ من غير مزِيد.
وَقد يتَوَهَّم من يقف على هَذَا الْموضع مِمَّن لَا علم عِنْده بِهَذَا الشَّأْن، ضعف يُونُس بن بكير راويها، وَلذَلِك قَالَ: " لَا تصح عَن الْأَعْمَش "، وَيُونُس(5/313)
ابْن بكير: أَبُو بكر الشَّيْبَانِيّ، كُوفِي، قَالَ ابْن معِين: كَانَ صَدُوقًا.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مَحَله الصدْق.
وَقيل لأبي زرْعَة: أينكر عَلَيْهِ شَيْء؟ فَقَالَ: أما فِي الحَدِيث فَلَا أعلمهُ.
وَقَالَ أَبُو أَحْمد بن عدي: سَمِعت أَبَا يعلى يَقُول: كَانَ ابْن نمير يطنب فِي مدح يُونُس بن بكير، وَقد أخرج لَهُ مُسلم رَحمَه الله.
وَقَالَ الْكُوفِي: كَانَ على الْمَظَالِم لجَعْفَر بن برمك، ضَعِيف الحَدِيث.
فَإِن كَانَ أَبُو مُحَمَّد اعْتمد فِي تَضْعِيف هَذَا الحَدِيث تَضْعِيف من ضعف يُونُس بن بكير، مِمَّن لم يَأْتِ بِحجَّة فِي تَضْعِيفه إِيَّاه - مَعَ مَا وصف بِهِ من الصدْق وثنائهم عَلَيْهِ، فقد كَانَ يجب أَن يبين ذَلِك، وَإِن كَانَ لم يضعف عِنْده إِلَّا من أَمر آخر، فقد كَانَ أوجب وآكد أَيْضا أَن يعرف بِهِ.
والْحَدِيث الْمَذْكُور أوردهُ الْبَزَّار هَكَذَا: حَدثنَا عبد الله بن سعيد، حَدثنَا يُونُس بن بكير، فَذكره بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدّم، ثمَّ قَالَ: وَقد رَوَاهُ غير يُونُس، عَن الْأَعْمَش مُرْسلا.
وَأَنا أَظن أَن أَبَا مُحَمَّد إِنَّمَا رأى قَول الْبَزَّار هَذَا: إِن غير يُونُس رَوَاهُ عَن الْأَعْمَش مُرْسلا. فاعتمده فِي تَعْلِيله، وَهُوَ قد يعل الْأَحَادِيث بِأَن تروى تَارَة مُتَّصِلَة وَتارَة مُرْسلَة على مَا قد تقدم بعض ذَلِك عَنهُ.
وسنعرض لذكر مَا لَهُ مِنْهُ بعد إِن شَاءَ الله تَعَالَى.(5/314)
فَإِن كَانَ هَذَا هُوَ الَّذِي رأى وَالَّذِي من أَجله ضعفه، فقد أَخطَأ؛ فَإِن كَلَام الْبَزَّار لَيْسَ فِيهِ تَرْجِيح لرِوَايَة من أرْسلهُ على رِوَايَة من أسْندهُ، وَإِنَّمَا أخبر أَنه قد أرسل، وَلَيْسَ يضر الحَدِيث تفنن رُوَاته فِي رِوَايَته بالوصل والإرسال، وَالرَّفْع وَالْوَقْف.
وَلما ذكر أَبُو أَحْمد بن عدي هَذَا الحَدِيث قَالَ: اخْتلفُوا فِيهِ على طَلْحَة، فَمنهمْ من أرْسلهُ، [وَمِنْهُم من قَالَ: عَن عَليّ بدل عبد الله. وَيُونُس بن] بكير جود إِسْنَاده [وَالِاخْتِلَاف فِيهِ بالوهل والإرسال لَيْسَ بعلة وَهُوَ لَا يضرّهُ.
ولعلك ترى مَا ذكر الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله من تَعْلِيل رِوَايَة عَمْرو بن شُرَحْبِيل، عَن عبد الله لهَذَا الحَدِيث، فتظنه فِي حديثنا هَذَا، وَلَيْسَ كَذَلِك.
وَإِنَّمَا هُوَ فِي قَوْله: " من كذب عَليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار " دون الزِّيَادَة الْمَذْكُورَة وَلم يعرض لهَذِهِ الزِّيَادَة بِوَجْه، والْحَدِيث دونهَا من غير ذَلِك الطَّرِيق، وَمن طرق شَتَّى، صَحِيح لَا شكّ فِيهِ، فَاعْلَم ذَلِك.
(2494) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن أبي غطفان، عَن ابْن عَبَّاس(5/315)
قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " استنثروا مرَّتَيْنِ بالغتين أَو ثَلَاثًا ".
ثمَّ قَالَ: قارظ هُوَ ابْن شيبَة، وَهُوَ لَا بَأْس بِهِ، وَالصَّحِيح مَا تقدم من الْأَمر بالوتر بالاستنثار.
وَلم يعتل على هَذَا الحَدِيث بِأَكْثَرَ من هَذَا.
وَحكمه على قارظ بن شيبَة بِأَنَّهُ لَا بَأْس بِهِ، وعَلى الحَدِيث بالضعف، يعين لتضعيفه أَبَا غطفان، لإبرازه إِيَّاه، وَأَبُو غطفان، هُوَ ابْن طريف المري يروي عَن أبي هُرَيْرَة، وَابْن عَبَّاس، روى عَنهُ دَاوُد بن حُصَيْن، وقارظ بن شيبَة، وَكَانَت لَهُ بِالْمَدِينَةِ دَار عِنْد دَار عمر بن عبد الْعَزِيز، أخرج لَهُ مُسلم رَحمَه الله.
وَقَالَ عَبَّاس الدوري: سَمِعت ابْن معِين يَقُول فِيهِ: ثِقَة، يحدث عَنهُ دَاوُد ابْن الْحصين.
وقارظ بن شيبَة هُوَ أَخُو عَمْرو بن شيبَة من بني لَيْث، من بني كنَانَة حلفاء لقريش.
قَالَ النَّسَائِيّ: لَا بَأْس بِهِ.
يروي عَن سعيد بن الْمسيب، وَأبي غطفان، روى عَنهُ أَخُوهُ عَمْرو بن [أبي شيبَة، وَابْن] أبي ذِئْب، وَمَات فِي خلَافَة سُلَيْمَان بن عبد الْملك بِالْمَدِينَةِ،(5/316)
قَالَه أَبُو حَاتِم.
وَلَا يسْأَل عَن بَقِيَّة الْإِسْنَاد، فَإِنَّهُم أَئِمَّة.
ووظيفة الْمُحدث النّظر فِي الْأَسَانِيد، من حَيْثُ الروَاة والِاتِّصَال والانقطاع، فَأَما مُعَارضَة هَذَا الْمَتْن ذَلِك الآخر، وَأَشْبَاه هَذَا، فَلَيْسَ من نظره [بل هُوَ من نظر الْفَقِيه، وَإِذا نظر بِهِ الْفَقِيه تبين لَهُ خلاف] مَا ذكر.
(2495) [وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -] : " التَّسْبِيح للرِّجَال والتصفيق للنِّسَاء، من أَشَارَ فِي صلَاته إِشَارَة تفهم عَنهُ فليعد لَهَا ".
ثمَّ قَالَ: أَبُو غطفان هَذَا مَجْهُول، ذكر ذَلِك الدَّارَقُطْنِيّ.(5/317)
كَذَا قَالَ، وَالدَّارَقُطْنِيّ إِنَّمَا قَالَ: قَالَ لنا ابْن أبي دَاوُد: " أَبُو غطفان هَذَا رجل مَجْهُول، وَآخر الحَدِيث زِيَادَة فِي الحَدِيث، وَلَعَلَّه من قَول ابْن إِسْحَاق ".
فَإِذن القَوْل الْمَذْكُور، إِنَّمَا يَنْبَغِي أَن يعزى لِابْنِ أبي دَاوُد، لَا للدارقطني، ثمَّ ينظر فِيهِ هَل هُوَ صَحِيح أم لَا؟ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَقع من مَقْصُود هَذَا الْبَاب، وَذَلِكَ أَن هَذَا الحَدِيث هُوَ من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق، عَن يَعْقُوب بن عتبَة، عَن أبي غطفان.
فيونس بن بكير يرويهِ عَن ابْن إِسْحَاق.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا أَبُو سعيد: عبد الله بن سعيد الْأَشَج، قَالَ: حَدثنَا يُونُس بن بكير، فَذكره.
وَقَالَ فِيهِ: عَن أبي غطفان، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَرَوَاهُ أَبُو بكر بن أبي دَاوُد، عَن أبي سعيد: عبد الله بن سعيد الْأَشَج الْمَذْكُور أَيْضا، شَارك فِيهِ أَبَاهُ أَبَا دَاوُد، إِلَّا أَنه زَاد فِيهِ أَن قَالَ: عَن [أبي] غطفان المري، ذكر ذَلِك الدَّارَقُطْنِيّ عَنهُ.
فَلَو سكت عَنهُ هَذَا، قُلْنَا: عرف أَنه المري، أَو ظَنّه إِيَّاه، وَلكنه زَاد إِلَى ذَلِك أَن قَالَ: وَأَبُو غطفان هَذَا مَجْهُول، فجَاء من هَذَا أَنه وَصفه بِأَنَّهُ المري، وَقَالَ عَنهُ: إِنَّه مَجْهُول.
وَهَذَا تَخْلِيط، فَإِن أَبَا غطفان بن طريف المري، ثِقَة، مَعْرُوف بالرواية عَن(5/318)
أبي هُرَيْرَة، فَلَو رَأينَا من يَقُول فِي هَذَا الحَدِيث فِي رِوَايَته عَن أبي غطفان المري عَن أبي هُرَيْرَة، لم نشك فِي أَنه هَذَا الْمَعْرُوف، وَلم نَكُنْ نقدر وجود أبي غطفان المري آخر، يروي عَن أبي هُرَيْرَة إِلَّا على حد مَا نقدر وجود ألف كَذَلِك.
لَكِن لما قَالَ لنا الَّذِي زَاد فِي نَعته: إِنَّه مَجْهُول، دلّ ذَلِك على أَنه إِمَّا واهم فِي قَوْله: " المري "، وَإِمَّا عَالم بِأَن هُنَاكَ مريا آخر يكنى أَبَا غطفان، يروي عَن أبي هُرَيْرَة، وَالصَّحِيح أَنه أَبُو غطفان، عَن أبي هُرَيْرَة [غير مَوْصُوف بِأَنَّهُ المري، فَيكون مَجْهُولا] إِذْ لم يثبت أَنه المري، [وَأما بعد ثُبُوت أَنه هُوَ فَلَا سَبِيل لتجهيله، وَقد ترْجم الْبَزَّار تَرْجَمَة، فِيهَا: أَبُو غطفان] عَن أبي هُرَيْرَة.
فساق فِيهَا: حَدثنَا مصرف بن عَمْرو الْكُوفِي - فِيمَا أعلم - قَالَ: حَدثنَا أَبُو أُسَامَة، قَالَ: حَدثنَا عمر بن حَمْزَة، قَالَ: حَدثنِي أَبُو غطفان المري، أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
(2496) " لَا يشربن أحد مِنْكُم قَائِما، فَمن نسي فليستقئ ".(5/319)
وَحدثنَا مُحَمَّد بن عمر بن الْوَلِيد الْكِنْدِيّ، قَالَ: حَدثنَا يُونُس بن بكير، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن يَعْقُوب بن عتبَة، عَن أبي غطفان، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " التَّسْبِيح للرِّجَال والتصفيح للنِّسَاء ".
هَكَذَا ذكر هذَيْن الْحَدِيثين فِي تَرْجَمَة وَاحِدَة فَدلَّ على أَنه عِنْده المري، وَلَيْسَ بِمَجْهُول كَمَا زعم ابْن أبي دَاوُد، فَإِن المري الَّذِي يروي حَدِيث " النَّهْي عَن الشّرْب قَائِما والاستقاء لمن نسي "، هُوَ بِلَا شكّ أَبُو غطفان بن طريف، وَعنهُ سَاقه مُسلم - رَحمَه الله - فِي كِتَابه من رِوَايَة عمر بن حَمْزَة، كَمَا فعل الْبَزَّار.
فَإِذن مَذْهَب الْبَزَّار فِي رَاوِي حَدِيث الْبَاب، أَنه أَبُو غطفان بن طريف المري، إِلَّا أَنه لم يذكر الزِّيَادَة الَّتِي هِيَ: " من أَشَارَ فِي صلَاته إِشَارَة " إِلَى آخرهَا، وَذَلِكَ مِمَّا يُؤَكد لِابْنِ أبي دَاوُد قَول: إِن آخر الحَدِيث زِيَادَة فِيهِ، ولعلها من قَول ابْن إِسْحَاق.
وَتقدم للبزار تَرْجَمَة أُخْرَى نَصهَا: أَبُو غطفان عَن أبي هُرَيْرَة، حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن حَفْص، حَدثنَا يُونُس بن بكير، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن يَعْقُوب بن عتبَة، عَن أبي غطفان، عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " التَّسْبِيح(5/320)
للرِّجَال والتصفيق للنِّسَاء ".
لم يسق فِيهَا غير هَذَا، فَهُوَ يدل على أَنه عِنْده غير المري، وَالْخَارِج من هَذَا كُله أَنه لَا يعرف من هُوَ كَمَا ذكر أَبُو بكر بن أبي دَاوُد.
(2497) وَذكر من طَرِيق مُسلم عَن أنس قَالَ: " وَقت لنا فِي قصّ الشَّارِب، ونتف الْإِبِط، وَحلق الْعَانَة، أَن لَا نَتْرُك أَكثر من أَرْبَعِينَ لَيْلَة ".
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: وَقت لنا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَحَدِيث [مُسلم أَعلَى إِسْنَادًا، ثمَّ أتبعه رِوَايَة أُخْرَى عَن أنس، فَقَالَ: والصح [يح] فِي التَّوْقِيت. حَدِيث مُسلم رَحمَه الله.
فَهُوَ - كَمَا ترى - قد رجح حَدِيث مُسلم على] حَدِيث التِّرْمِذِيّ من جِهَة الْإِسْنَاد، لَا من جِهَة مُسلم وَأبي عِيسَى أَنفسهمَا، وَهَذَا لَو عناه كَانَ بَاطِلا، فَإِنَّهُمَا لم يتعارض مَا روياه، بل نقبل من الْحَافِظ مَا زَاد مِمَّا لم يحفظ غَيره.
وَالتِّرْمِذِيّ أحد الْأَئِمَّة الْحفاظ المتقنين، وَقد جهل من جَهله كَمَا اعترى أَبَا مُحَمَّد بن حزم فِيهِ، وَقد شهد لَهُ بِالْإِمَامَةِ - زِيَادَة إِلَى مَا يعرف النَّاس من حَاله - جمَاعَة مِمَّن عرض لذكر أَمْثَاله.
وَذكره فِي جملَة الْأَئِمَّة الدَّارَقُطْنِيّ، وَأَبُو عبد الله بن الرّبيع، وَغَيرهمَا.(5/321)
وَإِذا لم يَصح لَهُ أَن يكون هَذَا معنيه، فقد عري كَلَامه من الْمَعْنى وخلا من الْفَائِدَة.
وَإسْنَاد الحَدِيث عِنْد الْإِمَامَيْنِ وَاحِد، فَلَا معنى لقَوْله: إِن حَدِيث مُسلم أَعلَى إِسْنَادًا.
قَالَ مُسلم: حَدثنَا يحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد، كِلَاهُمَا عَن جَعْفَر، قَالَ يحيى: حَدثنَا جَعْفَر بن سُلَيْمَان، عَن أبي عمرَان الْجونِي، عَن أنس بن مَالك قَالَ: " وَقت لنا فِي قصّ الشَّارِب، وتقليم الأظافر، ونتف الْإِبِط، وَحلق الْعَانَة: أَن لَا نَتْرُك أَكثر من أَرْبَعِينَ لَيْلَة ".
فَهَذَا مُسلم قد قرن بَين يحيى بن يحيى وقتيبة بن سعيد، وَلم يتخل عَن قُتَيْبَة، بل أورد الحَدِيث عَنْهُمَا، وَأخْبر أَن يحيى يَقُول: حَدثنَا، فأردنا أَن نَعْرِف زِيَادَة التِّرْمِذِيّ فَإِذا بِهِ قد قَالَ: حَدثنَا قُتَيْبَة، حَدثنَا جَعْفَر بن سُلَيْمَان، عَن أبي عمرَان الْجونِي، عَن أنس بن مَالك قَالَ: " وَقت لنا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي قصّ الشَّارِب، وتقليم الْأَظْفَار، وَحلق الْعَانَة، ونتف الْإِبِط أَن لَا نَتْرُك أَكثر من أَرْبَعِينَ يَوْمًا ".
فَهَذَا هُوَ إِسْنَاد مُسلم، وَفِيه أَن قُتَيْبَة قَالَ: حَدثنَا، كَمَا قَالَه يحيى بن يحيى، على أَنه لَا يعرف لَهُ تَدْلِيس، فَلَيْسَ يَنْبَغِي أَن يلْتَمس مِنْهُ أَن يَقُول: حَدثنَا.
فَلم يبْق لقَوْله: " حَدِيث مُسلم أَعلَى إِسْنَادًا " معنى، إِلَّا أَن يكون من جِهَة تَفْضِيل مُسلم على التِّرْمِذِيّ.
فَإِن قيل: وَلَعَلَّه اعْتقد أَن مُسلما قد أعرض عَن قُتَيْبَة بعد أَن قَالَ: [قَالَ(5/322)
يحيى: حَدثنَا جَعْفَر بن سُلَيْمَان وَأعْرض عَن يحيى وَرَأى] أَن الْخلاف فِيهِ بِذكر [قُتَيْبَة، الَّذِي عين من وَقت ذَلِك، وأبهمه جَعْفَر، وَهَذَا خلاف فِيهِ بَين] يحيى وقتيبة، ثمَّ رجح يحيى على قُتَيْبَة.
فَالْجَوَاب من وَجْهَيْن: أَحدهمَا أَن الرجلَيْن ثقتان، وَإِن كَانَ التَّفْضِيل؛ فقتيبة فَوق يحيى بن يحيى، وَيعرف ذَلِك من تتبع أنباءهما فِي موَاضعهَا.
وَالْوَجْه الآخر: أَن هَذَا لَا يُمكن أَن يحمل الْأَمر عَلَيْهِ، فَإِن مُسلما لم يعرض عَن قُتَيْبَة، وَلَو كَانَ هَذَا، لم يكن مَا قلت إِلَّا بعد الْحمل على مُسلم بِأَنَّهُ علم أَن رِوَايَة قُتَيْبَة مُصَرح فِيهَا بِذكر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلم يبين ذَلِك، وَسوى بَين رِوَايَته وَرِوَايَة يحيى الَّتِي لم يذكر فِيهَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
فَإِن قيل: نفرض أَن عَن قُتَيْبَة رِوَايَتَيْنِ: إِحْدَاهمَا: رِوَايَة مُسلم: " وَقت لنا ".
وَالْأُخْرَى رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: " وَقت لنا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن لَا نَتْرُك " إِلَّا أَن رِوَايَة مُسلم عَن قُتَيْبَة، رُوِيَ مثلهَا عَن يحيى بن يحيى، فَكَانَت رِوَايَة " وَقت لنا أَن نَتْرُك " أرجح؛ لِأَنَّهَا رَوَاهَا يحيى بن يحيى وقتيبة. فَالْجَوَاب أَن نقُول: إِن كَانَ هَكَذَا، فقتيبة قد روى: " وَقت لنا أَن لَا نَتْرُك "، فَاحْتمل الْمُؤَقت أَن يكون النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، أَو يكون غَيره، وروى لنا هُوَ نَفسه التَّفْسِير بِأَنَّهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَيجب أَن نقبل مِنْهُ ذَلِك كُله، وَلَا نرجح رِوَايَة على الْأُخْرَى، وَالله أعلم.(5/323)
(2498) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن شُعْبَة مولى ابْن عَبَّاس، عَن ابْن عَبَّاس " أَنه كَانَ إِذا اغْتسل من الْجَنَابَة، يفرغ بِيَدِهِ الْيُمْنَى على يَده الْيُسْرَى سبع مَرَّات " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: شُعْبَة يَقُول فِيهِ مَالك: لَيْسَ بِثِقَة.
وَضَعفه أَبُو زرْعَة، وَأَبُو حَاتِم. وَقَالَ فِيهِ يحيى بن معِين: لَا يكْتب حَدِيثه. انْتهى مَا أورد.
(2499) وَكَذَا قَالَ فِي حَدِيث: " الْوضُوء مِمَّا خرج وَلَيْسَ مِمَّا دخل ".(5/324)
وَفِيه قلَّة إنصاف، وَبَيَان ذَلِك أَن نقُول: إِن مَالِكًا لم يُضعفهُ، وَإِنَّمَا شح عَلَيْهِ بِلَفْظَة " ثِقَة "، وَقد كَانُوا [لَا يطلقونها إِلَّا على الْعدْل الضَّابِط، كَمَا قَالَ ابْن مهْدي: حَدثنَا أبوخلدة، فَقيل لَهُ كَانَ ثِقَة؟ قَالَ:] بل الثِّقَة: شُعْبَة وسُفْيَان. [فَفرق بَين الثِّقَة وَغَيره، وَيظْهر من أَقْوَالهم] فِي هَذَا، أَن هَذِه اللَّفْظَة إِنَّمَا تقال لمن هُوَ فِي الطَّبَقَة الْعَالِيَة من الْعَدَالَة، وَرُبمَا قَالُوا أَيْضا: لَيْسَ بِثِقَة للضعيف أَو الْمَتْرُوك.
فَإِذن هُوَ لفظ يتفسر مُرَاد مطلقه بِحَسب حَال من قيل فِيهِ ذَلِك.
وَأما قَوْله: إِن أَبَا حَاتِم ضعفه، فَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا قَالَ فِيهِ: لَيْسَ بِقَوي، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بأقوى مَا يكون.
وَأما أَبُو زرْعَة فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: ضَعِيف الحَدِيث.
وَلكنهَا أَيْضا قد تصدر مِنْهُ فِيمَن يشْهد لَهُ بِالصّدقِ، فَلَا يعد ذَلِك مِنْهُ تناقضا.(5/325)
وَأما قَوْله عَن ابْن معِين: " لَا يكْتب حَدِيثه " فَإِنَّهُ قد رُوِيَ عَنهُ فِيهِ أَنه قَالَ: " لَيْسَ بِهِ بَأْس "، روى ذَلِك عَنهُ عَبَّاس الدوري، قَالَ: وَهُوَ أحب إِلَيّ من صَالح مولى التَّوْأَمَة؛ وَهُوَ قد قَالَ عَن نَفسه: إِذا قلت فِي رجل: " لَيْسَ بِهِ بَأْس " فَهُوَ عِنْدِي ثِقَة، ذكر ذَلِك عَنهُ ابْن أبي خثيمَةَ فِي بَاب عبد الله بن باباه من تَارِيخه.
وَقَالَ البُخَارِيّ: إِن مَالِكًا تكلم فِي شُعْبَة هَذَا، وَيحْتَمل مِنْهُ - يَعْنِي من شُعْبَة -.
وَنِهَايَة مَا يُوجد لمَالِك فِيهِ أَن قَالَ: لم يكن يشبه الْقُرَّاء.
وَقَالَ أَبُو أَحْمد بن عدي: لم أر لَهُ حَدِيثا مُنْكرا جدا، فأحكم عَلَيْهِ بالضعف، وَأَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ، وَلم أجد لَهُ أنكر من حَدِيث: " الْوضُوء مِمَّا دخل وَلَيْسَ مِمَّا خرج "، وَلَعَلَّ الْبلَاء فِيهِ من الْفضل بن الْمُخْتَار - يَعْنِي رَاوِيه عَن ابْن أبي ذِئْب -.
وَالْمَقْصُود بَيَانه، هُوَ أَن هَذَا الذّكر الَّذِي ذكر بِهِ أَبُو مُحَمَّد بن شُعْبَة مولى ابْن عَبَّاس، يُوهم فِيهِ أَنه من جملَة من يتْرك حَدِيثه، وَلَيْسَ كَذَلِك.
وَإِن أردْت أَن يتَبَيَّن لَك قلَّة إنصافه فِي ذكره إِيَّاه، فَانْظُر الحَدِيث الَّذِي(5/326)
بعده مُتَّصِلا بِهِ عِنْده، وَهُوَ حَدِيث جَمِيع بن عُمَيْر عَن عَائِشَة، وَمَا كتبنَا عَلَيْهِ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي سكت عَنْهَا مصححا لَهَا؛ فَإِنَّهُ سكت عَنهُ، وحاله عِنْدهم أَسْوَأ من حَال شُعْبَة هَذَا، فاعلمه.
(2500) وَذكر [حَدِيث عَائِشَة، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " وجهوا] هَذِه الْبيُوت عَن الْمَسْجِد [فَإِنِّي لَا أحل الْمَسْجِد لحائض وَلَا جنب "، من عِنْد أبي دَاوُد، وَقَالَ: رَوَاهُ من حَدِيث] أفلت بن خَليفَة وَيُقَال: فليت، عَن جسرة بنت دجَاجَة، عَن عَائِشَة، وَلَا يثبت من قبل إِسْنَاده.(5/327)
لم يزدْ على ذَلِك، وَلم يبين بِمَا هُوَ عِنْده ضَعِيف.
وَهُوَ حَدِيث يرويهِ عبد الْوَاحِد ين زِيَاد، قَالَ: حَدثنَا أفلت، حَدَّثتنِي جسرة بنت دجَاجَة، قَالَت: سَمِعت عَائِشَة.
وَعبد الْوَاحِد ثِقَة، وَلم يعتل عَلَيْهِ بقادح، وَأَبُو مُحَمَّد يحْتَج بِهِ.
(2501) وَقد صحّح من رِوَايَته حَدِيث: " من تَوَضَّأ خرجت الذُّنُوب، حَتَّى تخرج من أَظْفَاره " من كتاب مُسلم.
(2502) وَحَدِيث: " كل خطْبَة لَيْسَ فِيهَا شَهَادَة، فَهِيَ كَالْيَدِ(5/328)
الجذماء ".
(2503) وَحَدِيث: " الْأَمر بالضجعة "، [من أبي دَاوُد] .(5/329)
(2504) وَحَدِيث: " إِذا نَهَضَ فِي الثَّانِيَة استفتح بِالْحَمْد وَلم يسكت ".
(2505) وَحَدِيث: " تَوْرِيث النِّسَاء دور الْمُهَاجِرين ".
(2506) وَحَدِيث: " الْمُصراة وردة مَعهَا مثل أَو مثلي لَبنهَا قمحا ".
تعرض مِنْهُ لغيره، وَلم يعرض لَهُ.(5/330)
(2507) وَحَدِيث: " فَإِن كَانَ ذائبا فاستصبحوا بِهِ ".
وَغَيرهَا من الْأَحَادِيث مِمَّا لم يجِئ للخاطر الْآن، وَمَا أرَاهُ عناه فِي تَضْعِيفه هَذَا الحَدِيث.
فَأَما أفلت بن خَليفَة، أَو فليت العامري، فَقَالَ ابْن حَنْبَل: مَا أرى بِهِ بَأْسا، وَقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: شيخ.
وَأما جسرة بنت دجَاجَة، فَقَالَ فِيهَا الْكُوفِي: تابعية ثِقَة، وَقَول البُخَارِيّ: إِن عِنْدهَا عجائب - لَا يَكْفِي لمن يسْقط مَا رَوَت.
(2508) وَلما ذكر أَبُو مُحَمَّد من طَرِيق النَّسَائِيّ حَدِيث ترديد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:(5/331)
" إِن تُعَذبهُمْ فَإِنَّهُم عِبَادك " حَتَّى أصبح.
من حَدِيث جسرة بنت دجَاجَة، قَالَ بإثره: جسرة لَيست بمشهورة.
وَأرَاهُ أَخذ ذَلِك من الْبَزَّار؛ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا: لَا نعلم حدث عَنْهَا غير قدامَة، وَيَجِيء على نظر أبي مُحَمَّد أَن تكون مَشْهُورَة مَقْبُولَة، فَإِن حَدِيث:
(2509) " لَا أحل الْمَسْجِد " رَوَاهُ عَنْهَا أفلت، وَهَذَا الآخر رَوَاهُ عَنْهَا قدامَة، وَهُوَ إِنَّمَا قبل حَدِيث [ ... .] من حَاله أَكثر من ذَلِك [ ... .] روى عَن جسرة، روى عَنهُ جمَاعَة.
وَلم أقل: إِن هَذَا الحَدِيث الْمَذْكُور صَحِيح، وَإِنَّمَا أَقُول: إِنَّه حسن، وَكَلَامه هُوَ يُعْطي أَنه ضَعِيف، فَاعْلَم ذَلِك.
(2510) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا حَدِيث ابْن عمر فِي التثويب أَنه بِدعَة.
ثمَّ رده بِأَن قَالَ: أَبُو يحيى القَتَّات ضَعِيف الحَدِيث.
هَكَذَا قَالَ، وَأَبُو يحيى القَتَّات أحسن حَالا من كثير مِمَّن قبل، مِمَّن تقدم ذكر أَحَادِيثهم فِي بَاب الْأَحَادِيث المصححة بسكوته وَفِي غير مَوضِع، مِمَّن لَا(5/332)
تعرف أَحْوَالهم، إِلَّا أَن أحدهم روى عَنهُ أَكثر من وَاحِد، بل وَمن الْمَشَاهِير، كأسامة بن زيد، والدراوردي، وَسُهيْل بن أبي صَالح، وَعبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، وَشريك، وَيحيى بن أَيُّوب، وَإِبْرَاهِيم بن مهَاجر، وَمن لَا يُحْصى كَثْرَة.
وَهَذَا الرجل الَّذِي هُوَ أَبُو يحيى القَتَّات، قد روى عُثْمَان الدَّارمِيّ عَن ابْن معِين أَنه قَالَ فِيهِ: ثِقَة، وَذَلِكَ مَذْكُور فِي كتاب عُثْمَان، وَذكره أَيْضا المنتجالي.
وَقَالَ الْبَزَّار: مَا نعلم بِهِ بَأْسا، قد روى عَنهُ جمَاعَة من أهل الْعلم، وَهُوَ كُوفِي مَعْرُوف.
ذكره إِثْر حَدِيثه عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
(2511) " من عجز مِنْكُم عَن اللَّيْل أَن يكابده، وبخل بِالْمَالِ أَن يُنْفِقهُ، وَجبن عَن الْعَدو أَن يجاهده، فليكثر ذكر الله ".
وَالَّذِي روى مفضل وَابْن أبي خَيْثَمَة عَن ابْن معِين من أَنه يضعف، وَفِي أَحَادِيثه ضعف، إِنَّمَا مَعْنَاهُ بِالْقِيَاسِ إِلَى غَيره، أَلا ترَاهُ قد قَالَ فِيهِ: ثِقَة، والثقات متفاوتون.(5/333)
وَقد قُلْنَا: إِن ابْن معِين إِذا قَالَ فِي رجل مَعْرُوف من أهل الْعلم: إِنَّه ضَعِيف، فَإِن ذَلِك لَيْسَ تجريحا مِنْهُ لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ تَفْضِيل لغيره عَلَيْهِ فِي الْأَغْلَب.
وَقد يَقُوله بِاعْتِبَار أَوْهَام تُوجد لَهُ لَا تسْقط الثِّقَة بِهِ، بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ ذَلِك فِيمَن لَا يعلم من عِنْد غَيره مِمَّن لَو لم نجد تَضْعِيفه لَهُ، كُنَّا نَتْرُك حَدِيث [هـ للْجَهْل بِحَالهِ، وَهُوَ إِذا ضعف بذلك رجلا مَعْرُوفا] أَو غَيره ضعفه، يَنْبَغِي أَن لَا يقبل [مِنْهُ ذَلِك إِلَّا بِحجَّة بَيِّنَة، وَأَبُو يحيى القَتَّات، اسْمه] زادان، وَقيل: عبد الرَّحْمَن بن دِينَار، وَهَكَذَا ذكره ابْن أبي حَاتِم؛ فاعلمه.
(2512) وَذكر من عِنْد التِّرْمِذِيّ حَدِيث رَافع: " أسفروا بِالْفَجْرِ، فَإِنَّهُ أعظم لِلْأجرِ ".
وَحسنه، وَزعم أَن عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة، وثقة أَبُو زرْعَة، وَابْن معِين، وَضَعفه غَيرهمَا.
وَهَذَا أَمر لَا أعرفهُ، بل هُوَ ثِقَة، كَمَا ذكر عَن ابْن معِين وَأبي زرْعَة، وَكَذَلِكَ قَالَ النَّسَائِيّ وَغَيره.(5/334)
وَلَا أعرف أحدا ضعفه، وَلَا ذكره فِي جملَة الضُّعَفَاء.
وَقد ترك أَن يبين أَن الحَدِيث من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق، وَترك أَن يُورِدهُ من رِوَايَة ابْن عجلَان - بَدَلا مِنْهُ - من عِنْد أبي دَاوُد، وَلَيْسَ هُوَ معنيه فِي قَوْله: " وَقد رُوِيَ بِإِسْنَاد آخر إِلَى رَافع، وَحَدِيث عَاصِم أصح ".
وَإِنَّمَا يَعْنِي بذلك إِسْنَادًا آخر لَيْسَ من طَرِيق عَاصِم، فَأَما طَرِيق عَاصِم هَذَا فَصَحِيح، وَلم يُصَحِّحهُ بقوله: " أصح ". وَإِنَّمَا هُوَ عِنْده حسن فَقَط، وَالله أعلم.
(2513) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا، عَن بكر بن سوَادَة الجذامي، عَن صَالح بن حَيَوَان، عَن أبي سهلة: السَّائِب بن خَلاد، من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن رجلا أم قوما فبصق فِي الْقبْلَة " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: صَالح بن حَيَوَان لَا يحْتَج بِهِ، وَهُوَ بِالْحَاء الْمُهْملَة، وَمن قَالَ: خيوان بِالْخَاءِ المنقوطة فقد أَخطَأ، ذكر ذَلِك أَبُو دَاوُد رَحمَه الله. انْتهى مَا ذكر.
فَأَما قَوْله: " من قَالَ بِالْخَاءِ المنقوطة فقد أَخطَأ "، فَهُوَ قَول أبي دَاوُد كَمَا ذكر، وَابْن أبي حَاتِم جعله بِالْخَاءِ المنقوطة، وَكَذَا ذكره ابْن الفرضي وَقَالَ: إِنَّه يُقَال بِالْحَاء يَعْنِي الْمُهْملَة، وَنسبه فَقَالَ: الْخَولَانِيّ، وَيُقَال: السبائي، قَالَ: وَقَالَ سعيد بن كثير بن عفير: من قَالَ: الْخَولَانِيّ فبالخاء - يَعْنِي المنقوطة -، وَمن قَالَ: السبائي، فبالحاء - يَعْنِي الْمُهْملَة -.(5/335)
وَأما قَوْله: " لَا يحْتَج بِهِ "، فَهُوَ من قبله، وَإنَّهُ لمشبه أَن يكون كَمَا قَالَ، وَلم [يذكرهُ أحد مِمَّن تَرْجمهُ بِأَكْثَرَ من رِوَايَته عَن السَّائِب بن خَلاد، وَرِوَايَة بكر بن سوَادَة عَنهُ، وَذكروا] إِنَّه لَيْسَ لَهُ غير هَذَا [الحَدِيث عَن السَّائِب بن خَلاد، وَبِذَلِك ذكره أَيْضا ابْن أبي حَاتِم وقا] ل: إِنَّه روى أَيْضا عَن عقبَة بن عَامر.
وَإِنَّمَا ذكرت حَدِيثه الْآن فِي هَذَا الْبَاب، مستدركا عَلَيْهِ، مصححا لَهُ؛ لِأَن الْكُوفِي ذكره فِي كِتَابه فَقَالَ: صَالح بن حَيَوَان، تَابِعِيّ ثِقَة.
فعلى هَذَا يكون الحَدِيث صَحِيحا، لَا سِيمَا على أَصله فِي قبُوله أَحَادِيث المساتير، وَأَحَادِيث من وَثَّقَهُ معدل، وَإِن لم يكن معاصرا.
وَإِن أَبى إِلَّا تَضْعِيف هَذَا الْخَبَر، فقد ذكرنَا فِي الْبَاب الَّذِي قبل هَذَا أَن مُقْتَضَاهُ رُوِيَ صَحِيحا من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو، فَاعْلَم ذَلِك.
(2514) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن عُرْوَة بن الزبير، عَن امْرَأَة من بني النجار، قَالَت: " كَانَ بَيْتِي من أطول بَيت حول الْمَسْجِد، فَكَانَ بِلَال يُؤذن عَلَيْهِ " الحَدِيث.
ثمَّ رده بِأَن قَالَ: الصَّحِيح الَّذِي لَا اخْتِلَاف فِيهِ أَن بِلَالًا يُؤذن بلَيْل.
وَيَجِيء على أَصله أَن يكون هَذَا صَحِيحا من جِهَة الْإِسْنَاد؛ فَإِن ابْن(5/336)
إِسْحَاق عِنْده ثِقَة، وَلم يعرض لَهُ الْآن إِلَّا من جِهَة مُعَارضَة غَيره، وَهَذَا لَيْسَ من نظر الْمُحدث، وَإِذا نظر بِهِ الْفَقِيه تبين لَهُ مِنْهُ خلاف مَا قَالَ هُوَ: من أَنه معَارض، وَذَلِكَ أَنه لَا يتَحَقَّق بَينهمَا التَّعَارُض إِلَّا بِتَقْدِير أَن يكون قَوْله: " إِن بِلَالًا يُنَادي بلَيْل " فِي سَائِر الْعَام. وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِك فِي رَمَضَان.
وَالَّذِي نقُول بِهِ فِي هَذَا الْخَبَر، هُوَ أَنه حسن، وَمَوْضِع النّظر مِنْهُ أَن هَذِه النجارية، لَا تعلم، وَمَا ادَّعَت لنَفسهَا من مزية الصُّحْبَة، لم يقلهُ عَنْهَا غَيرهَا، وَالله أعلم.
(2515) وَذكر من طَرِيق ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا يزِيد بن الْمِقْدَام، عَن الْمِقْدَام، عَن أَبِيه شُرَيْح، أَنه سَأَلَ عَائِشَة: " أَكَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي على الْحَصِير؟ " الحَدِيث.
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: يزِيد بن الْمِقْدَام ضَعِيف، وَلَكِن يكْتب حَدِيثه.
فَاعْلَم أَن يزِيد الْمَذْكُور، لَا أعلم أحدا قَالَ فِيهِ: ضَعِيف كَمَا قَالَ [أَبُو(5/337)
مُحَمَّد وَنَصّ] مَا قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم هُوَ: [يكْتب حَدِيثه، وَوَثَّقَهُ ابْن معِين فِي رِوَايَة الدوري] ، وَقد قَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس، فَاعْلَم ذَلِك.
(2516) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن عبد الحميد بن مَحْمُود، حَدِيث: " الصَّلَاة بَين ساريتين "، وَقَول أنس: " كُنَّا نتقي هَذَا على عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ".
ثمَّ قَالَ: لَيْسَ عبد الحميد مِمَّن يحْتَج بحَديثه.
وَلَا أَدْرِي من أنبأه بِهَذَا، وَلم أر أحدا مِمَّن صنف الضُّعَفَاء ذكره فيهم،(5/338)
وَنِهَايَة مَا يُوجد فِيهِ مِمَّا يُوهم ضعفا، قَول أبي حَاتِم الرَّازِيّ - وَقد سُئِلَ عَنهُ -: هُوَ شيخ.
وَهَذَا لَيْسَ بِتَضْعِيف، وَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَار بِأَنَّهُ لَيْسَ من أَعْلَام أهل الْعلم، وَإِنَّمَا هُوَ شيخ وَقعت لَهُ رِوَايَات أخذت عَنهُ.
وَقد ذكره أَبُو عبد الرَّحْمَن النَّسَائِيّ، فَقَالَ فِيهِ: ثِقَة، على شحه بِهَذِهِ اللَّفْظَة،
وَالرجل بَصرِي، يروي عَن ابْن عَبَّاس، وَأنس، روى عَنهُ يحيى بن هَانِئ - وَهُوَ أحد الثِّقَات - وَعَمْرو بن هرم، وَابْنه حَمْزَة بن مَحْمُود، فاعلمه.
(2517) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ عَن الْحجَّاج بن أبي زَيْنَب، قَالَ:(5/339)
سَمِعت أَبَا عُثْمَان يحدث عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: رَآنِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقد وضعت شمَالي على يَمِيني فِي الصَّلَاة، فَأخذ يَمِيني فوضعها على شمَالي.
ثمَّ [قَالَ] : حجاج لَيْسَ بِقَوي، وَلَا يُتَابع على هَذَا، وَقد رُوِيَ عَنهُ عَن أبي سُفْيَان، عَن جَابر: مر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِرَجُل قد وضع شِمَاله على يَمِينه.
وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن الْحسن الوَاسِطِيّ عَن الْحجَّاج، ذكر ذَلِك أَبُو أَحْمد بن عدي. انْتهى مَا ذكر.
وَهَذَا رد لهَذَا الحَدِيث، وَمَا مثله رد، فَإِن حجاج بن أبي زَيْنَب واسطي ثِقَة، قَالَه ابْن معِين، ويكنى أَبَا يُوسُف، وَيعرف بالصيقل، وَهُوَ مِمَّن أخرج لَهُ مُسلم مُعْتَمدًا رِوَايَته، وَقد قَالَ أَبُو أَحْمد - بعد تصفح رواياته -: أَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ.
وَمَا حَكَاهُ أَبُو مُحَمَّد من أَنه لَيْسَ بِقَوي، إِنَّمَا هُوَ قَول النَّسَائِيّ، وَقد علم معني النَّسَائِيّ فِي ذَلِك، أَنه لَيْسَ [بأقوى مَا يكون بِالنِّسْبَةِ لغيرة، والثِّقَات] متفاوتون، وَرُوِيَ عَن أَحْمد بن حَنْبَل أَنه قَالَ: " أخْشَى أَن يكون ضَعِيف الحَدِيث "، ذكره ذَلِك عَنهُ ابْنه. وَهَذَا أَيْضا لَيْسَ بِتَضْعِيف.
وَأما قَول أبي مُحَمَّد: وَلَا يُتَابع على هَذَا، فَإِنَّهُ أَيْضا نَقله من عِنْد(5/340)
الْعقيلِيّ.
وَإِنَّمَا يَعْنِي بِهِ الْعقيلِيّ أَن الحَدِيث مُرْسل، وَقد أَشَارَ النَّسَائِيّ إِلَى ذَلِك وَلَكِن جعل الْمُنْفَرد بوصله هشيما، فَقَالَ: غير هشيم أرسل هَذَا الحَدِيث.
وَذَلِكَ أَن هشيما، هُوَ الَّذِي يرويهِ عَن حجاج بن أبي زَيْنَب، فيصله، وَغَيره يُرْسِلهُ.
وَقد ذكره الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة مُحَمَّد بن يزِيد الوَاسِطِيّ، عَن الْحجَّاج ابْن أبي زَيْنَب، عَن أبي عُثْمَان، عَن ابْن مَسْعُود مَوْصُولا كَمَا رَوَاهُ هشيم.
فَإِذن لم ينْفَرد هشيم بوصله.
وَذكره أَيْضا من رِوَايَة مُحَمَّد بن الْحسن الوَاسِطِيّ، عَن الْحجَّاج بن أبي زَيْنَب، عَن أبي سُفْيَان، عَن جَابر كَمَا ذكره أَبُو أَحْمد.
وَهَذَا الْإِسْنَاد أَيْضا حسن، وَلم يقل أَبُو مُحَمَّد إثره شَيْئا يعْتَمد فِيهِ.
وَمُحَمّد بن الْحسن الوَاسِطِيّ، القَاضِي، أحد الثِّقَات، روى هَذَا الحَدِيث عَنهُ ابْن معِين.
قَالَ أَبُو أَحْمد: حدّثنَاهُ يحيى بن صاعد، قَالَ: حَدثنَا الْفضل بن سهل، قَالَ: حَدثنِي يحيى بن معِين فَذكره.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن جَعْفَر الْجَوْزِيّ حَدثنَا مُضر ابْن مُحَمَّد، حَدثنَا يحيى بن معِين، فَذكره.
فَالْحَدِيث إِذن صَحِيح أَو حسن من الطَّرِيقَيْنِ جَمِيعًا - أَعنِي طَرِيق أبي عُثْمَان(5/341)
عَن ابْن مَسْعُود، وَطَرِيق أبي سُفْيَان عَن جَابر - فَاعْلَم ذَلِك.
(2518) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث جَابر " لَا تُؤخر الصَّلَاة لطعام وَلَا لغيره ".
ثمَّ رده بِأَن قَالَ: مُحَمَّد بن مَيْمُون لين الحَدِيث، وَمعلى بن مَنْصُور، رَمَاه أَحْمد بن حَنْبَل بِالْكَذِبِ، وَكرر ذكر ذَلِك فِي مُعلى بن مَنْصُور أَيْضا، إِثْر حَدِيث ابْن عمر:
(2519) : " أَرَأَيْت لَو أَنِّي طَلقتهَا ثَلَاثًا، أَكَانَ يحل لي أَن أرَاجعهَا؟ ".
وَهَذَا هـ[ونَص مقَالَة أبي حَاتِم وَأحمد فِيهِ] : روى عَن أبي حَاتِم أَنه ق [ال فِيهِ: كَانَ صَدُوقًا فِي الحَدِيث، وَكَانَ صَاحب رَأْي] ، وَرُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ: قيل لِأَحْمَد: لم لم تكْتب عَنهُ؟ فَقَالَ: كَانَ يكْتب الشُّرُوط، وَمن يَكْتُبهَا لم يخل من أَن يكذب.(5/342)
هَكَذَا حَكَاهُ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِيّ فِي كِتَابه فِي رجال البُخَارِيّ، وَالْأول حَكَاهُ عَنهُ ابْنه أَبُو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم فِي كِتَابه.
وَالَّذِي حَكَاهُ الْبَاجِيّ أليق، ويوافق مَا حَكَاهُ أَبُو دَاوُد فِي كِتَابه فِي السّنَن قَالَ: كَانَ أَحْمد لَا يروي [عَنهُ] ؛ لِأَنَّهُ كَانَ ينظر فِي الرَّأْي، وَابْن معِين يوثقه، وَكَذَلِكَ غَيره.
وَقد جهد أَبُو أَحْمد بن عدي أَن يجد لَهُ شَيْئا يُنكر عَلَيْهِ فَلم يجده، وَقَالَ: إِنَّه لَا بَأْس بِهِ.
(2520) وَقد نسي أَبُو مُحَمَّد مَا كتب فِيهِ هُنَا، لما ذكر فِي النِّكَاح من طَرِيق أبي دَاوُد، حَدِيث أم حَبِيبَة أَنَّهَا كَانَت تَحت عبيد الله بن جحش، فَمَاتَ عَنْهَا، فَزَوجهَا النَّجَاشِيّ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَمْهَرهَا عَنهُ أَرْبَعَة آلَاف.
فَإِنَّهُ سكت عَنهُ مصححا لَهُ، وَلم يبرز من إِسْنَاده أحدا، وَإِنَّمَا يرويهِ عِنْد أبي دَاوُد مُعلى بن مَنْصُور الْمَذْكُور.
وَأما قَوْله فِي مُحَمَّد بن مَيْمُون: إِنَّه لين الحَدِيث، فَهُوَ أَيْضا أَمر لَا يتَحَصَّل، والثقات متفاوتون، وَالرجل لَا بَأْس بِهِ.(5/343)
(2521) وَذكر حَدِيث: " من نفخ فقد تكلم ".
ورده بِأَن قَالَ: عَنْبَسَة بن أَزْهَر لَا يحْتَج بِهِ.
وَالرجل أَيْضا لَا بَأْس بِهِ، وَلَا أعرف فِيهِ مَا ذكر.(5/344)
(2522) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن السَّلُولي - وَهُوَ أَبُو كَبْشَة - عَن سهل بن الحنظلية فِي الِالْتِفَات [فِي الصَّلَاة، وَقَالَ: الصَّحِيح] فِي الِالْتِفَات حَدِيث البُخَارِيّ - يَعْنِي حَدِيث عَائِشَة -.
(2523) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا، عَن ربيعَة بن يزِيد، عَن أبي(5/345)
كَبْشَة السَّلُولي، عَن سهل بن الحنظلية، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من سَأَلَ وَعِنْده مَا يُغْنِيه " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ بإثره: يُقَال إِن أَبَا كَبْشَة هَذَا مَجْهُول، ذكر ذَلِك أَبُو مُحَمَّد، وَلم يذكر مُسلم فِي الكنى، وَلَا أَبُو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم فِي كِتَابه أَيْضا أَبَا كَبْشَة السَّلُولي الَّذِي يروي عَن سهل بن الحنظلية [إِلَّا الَّذِي يروي عَنهُ حسان بن عَطِيَّة، وَلم] يذكرَا لَهُ رَاوِيا آخر.
وَأما أَبُو أَحْمد الْحَاكِم، فقد ذكر فِي كتاب الكنى أَبَا كَبْشَة السَّلُولي، عَن سهل بن الحنظلية، وَعبد الله بن عَمْرو، روى عَنهُ أَبُو سَلام: مَمْطُور الحبشي، وَحسان بن عَطِيَّة.
فَإِن كَانَ أَبُو كَبْشَة الَّذِي ذكر أَبُو أَحْمد، هُوَ الَّذِي روى عَنهُ أَبُو دَاوُد حَدِيثه، من طَرِيق ربيعَة بن يزِيد فَلَيْسَ بِمَجْهُول وَلَا أعرف غَيره، وَالله أعلم. انْتهى كَلَامه.
فَاعْلَم الْآن أَن الحَدِيث الأول، هُوَ من رِوَايَة أبي سَلام مَمْطُور الحبشي.(5/346)
عَن السَّلُولي أبي كَبْشَة الْمَذْكُور.
وَالثَّانِي هُوَ من رِوَايَة ربيعَة بن يزِيد، عَن أبي كَبْشَة.
(2524) وَذكر أَيْضا فِي الْجِهَاد عَن سهل بن الحنظلية مر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِبَعِير قد لحق ظَهره ببطنه، فَقَالَ: " اتَّقوا الله فِي هَذِه الْبَهَائِم، فاركبوها صَالِحَة وكلوها صَالِحَة ".
وَسكت عَنهُ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة أبي كَبْشَة الْمَذْكُور، رَوَاهُ عَنهُ ربيعَة بن يزِيد الْمَذْكُور أَيْضا، ذكره أَبُو دَاوُد.
وَأَبُو كَبْشَة فِي هَذِه الْأَحَادِيث الثَّلَاثَة وَاحِد، وَهُوَ أَيْضا الَّذِي روى عَنهُ حسان بن عَطِيَّة، وَأخرج البُخَارِيّ حَدِيثه فِي الْهِبَة والأنبياء.
وَلم تجر عَادَة الْمُحدثين باستيعاب رُوَاة الْمُحدث إِذا ذَكرُوهُ، وَإِنَّمَا يذكرُونَ مِنْهُم: إِمَّا من اشْتهر بِالْأَخْذِ عَنهُ، أَو من فِي رِوَايَته عَنهُ تفخيم لَهُ، أَو مَا كَانَ من ذَلِك متيسرا مُمكنا، فَلَيْسَ يَنْبَغِي لمن نظر فِي كتب الرِّجَال فَرَأى مثلا أَبَا كَبْشَة السَّلُولي روى عَنهُ حسان بن عَطِيَّة، أَن يظنّ أَنه لم يرو عَنهُ غَيره، بل قد يُوجد مِمَّن يروي عَنهُ جمَاعَة سوى من ذكر.
وَأَبُو مُحَمَّد - رَحمَه الله - إِنَّمَا يبْحَث فِي الرِّجَال الَّذين لم يعرف أَنهم ثِقَات عَن تعدد الروَاة عَن أحدهم، فَإِن وجده قد روى عَنهُ اثْنَان فَأكْثر، قبل رِوَايَته، وَقد صرح بذلك فِي هَذِه الْمَسْأَلَة، حَيْثُ قضى على أبي كَبْشَة بِمَا قضى بِهِ عَلَيْهِ(5/347)