ـ[بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام]ـ
المؤلف: علي بن محمد بن عبد الملك الكتامي الحميري الفاسي، أبو الحسن ابن القطان (المتوفى: 628هـ)
المحقق: د. الحسين آيت سعيد
الناشر: دار طيبة - الرياض
الطبعة: الأولى، 1418هـ-1997م
عدد الأجزاء: 6 (5 أجزاء، ومجلد فهارس)
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع](/)
مُقَدّمَة المُصَنّف
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
قَالَ الشَّيْخ، الْفَقِيه، الْمُحدث، الْعَالم، الأوحد، أَبُو الْحسن: عَليّ بن الشَّيْخ، الْفَقِيه، المرحوم أبي عبد الله، مُحَمَّد بن عبد الْملك بن يحيى الْمَعْرُوف بِابْن الْقطَّان - رَحمَه الله وَرَضي عَنهُ -:
الْحَمد لله كَمَا يحِق لَهُ وَيجب، وَالصَّلَاة وَالتَّسْلِيم على مُحَمَّد نبيه الْمُصْطَفى الْمُنْتَخب.
وَبعد: فَإِن أَبَا مُحَمَّد عبد الْحق بن عبد الرَّحْمَن الْأَزْدِيّ، ثمَّ الإشبيلي - رَحْمَة الله عَلَيْهِ - قد خلد فِي كِتَابه الَّذِي جمع فِيهِ أَحَادِيث [أَحْكَام] أَفعَال الْمُكَلّفين علما نَافِعًا، وَأَجرا قَائِما، زكا بِهِ عمله، ونجح فِيهِ سَعْيه، وَظهر عَلَيْهِ مَا صلح فِيهِ من نِيَّته، وَصَحَّ من طويته فَلذَلِك شاع الْكتاب الْمَذْكُور وانتشر، وتلقي بِالْقبُولِ، وَحقّ لَهُ ذَلِك، لجودة تصنيفه، وبراعة تأليفه واقتصاده وجودة اخْتِيَاره، فَلَقَد أحسن فِيهِ مَا شَاءَ وأبدع فَوق مَا أَرَادَ، وأربى على الْغَايَة وَزَاد، وَدلّ مِنْهُ على حفظ وإتقان، وَعلم، وَفهم، واطلاع، واتساع، فَلذَلِك لَا تَجِد أحدا ينتمي إِلَى نوع من أَنْوَاع الْعُلُوم(2/7)
الشَّرْعِيَّة، إِلَّا وَالْكتاب الْمَذْكُور عِنْده، أَو نَفسه مُتَعَلقَة بِهِ.
قد حداهم حسن تأليفه إِلَى الإكباب عَلَيْهِ وإيثاره وخاصة من لَا يُشَارك فِي طلبه بِشَيْء من النّظر فِي علم الحَدِيث، من فُقَهَاء، ومتكلمين، وأصوليين، فَإِنَّهُم الَّذين قد قنعوا بِهِ، وَلم يَبْتَغُوا سواهُ، حَتَّى لربما جر عَلَيْهِم جهالات:
[منهاٍ] اعْتِقَاد أحدهم أَنه لَو نظر فِي كتب الحَدِيث نظر أَهله، فرواها وتفقد أسانيدها، وتعرف أَحْوَال رواتها فَعلم بذلك صِحَة الصَّحِيح، وسقم السقيم وَحسن الْحسن، فَاتَهُ كثير مِمَّا احتوى عَلَيْهِ الْكتاب الْمَذْكُور من مشتت الْأَحَادِيث، الَّتِي لَا يحتوي عَلَيْهَا إِلَّا مَا يتَعَذَّر على الْأَكْثَر من النَّاس جمعه.
وَهَذَا مِمَّن اعتقده غلط، بل إتقان كتاب من كتب الحَدِيث، وتعرفه كَمَا يجب، يحصل لَهُ أَكثر مِمَّا يحصل لَهُ الْكتاب الْمَذْكُور من صناعَة النَّقْل فَإِنَّهُ مَا من حَدِيث يبْحَث عَنهُ حق الْبَحْث، إِلَّا ويجتمع لَهُ من أَطْرَافه - وَضم مَا فِي مَعْنَاهُ إِلَيْهِ، والتنبه لما يُعَارضهُ فِي جَمِيع مَا يَقْتَضِيهِ أَو بعضه، أَو مَا يعاضده وَمَعْرِفَة أَحْوَال نقلته وتواريخهم - مَا يفتح لَهُ فِي الْألف من الْأَحَادِيث.
وَكَذَلِكَ يجر عَلَيْهِم أَيْضا اعْتِقَاد أَن مَا ذكره من عِنْد البُخَارِيّ مثلا لَا بُد فِيهِ من البُخَارِيّ وَمَا علم أَنه رُبمَا يكون عِنْد جَمِيعهم، وَمَا ذكره من عِنْد أبي دَاوُد،(2/8)
رُبمَا لَيْسَ هُوَ عِنْد التِّرْمِذِيّ، أَو النَّسَائِيّ، وَلذَلِك ذكره من عِنْد أبي دَاوُد وَمَا علم أَنه رُبمَا لم يخل مِنْهُ كتاب [أَيْضا] .
وَكَذَلِكَ [أَيْضا] / يجر عَلَيْهِم تَحْصِيل الْأَحَادِيث مشتتة غَايَة التشتت بِحَيْثُ يتَعَرَّض للغلط فِي نسبتها إِلَى موَاضعهَا بِأَدْنَى غيبَة عَنْهَا وَلذَلِك مَا ترى المشتغلين بِهِ، الآخذين أنفسهم بحفظه، ينسبون إِلَى مُسلم مَا لَيْسَ عِنْده أَو إِلَى غَيره مَا لم يذكر كَذَلِك، وَرُبمَا شعر أحدهم بِأَنَّهُ بذلك مُدَلّس كتدليس من يروي مَا لم يسمع عَمَّن قد روى عَنهُ، من حَيْثُ يُوهم قَوْله: ذكر مُسلم أَو البُخَارِيّ كَذَا، أَنه قد رأى ذَلِك فِي مَوْضِعه، وَنَقله من حَيْثُ ذكر، فيتحرج من ذَلِك أحدهم فيحوجه ذَلِك إِلَى أَن يَقُول ذكره عبد الْحق، فَيحصل من ذَلِك فِي مثل مَا يحصل فِيهِ من يذكر من النَّحْو مَسْأَلَة وَهِي فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ فَيَقُول: ذكرهَا الْمَهْدَوِيّ فِي التَّحْصِيل أَو مكي فِي الْهِدَايَة أَو يذكر مَسْأَلَة من الْفِقْه، هِيَ فِي أُمَّهَات كتبه، فينسبها إِلَى متأخري الناقلين مِنْهَا بِخِلَاف مَا يتَحَصَّل الْأَمر عَلَيْهِ فِي نفس قَارِئ كتاب مُسلم، أَو أَبى دَاوُد مثلا، فَإِنَّهُ يعلم الْأَبْوَاب مرتبَة مصنفة، وأطرافها من غَيره وَمَا عَلَيْهَا من زيادات، أَو معارضات، أَو معاضدات، مرتبَة عَلَيْهَا فِي(2/9)
خاطره بِحَيْثُ لَا يخْتل وَلَا يتثبج إِلَّا فِي الندرة.
وَالَّذِي يحصل من علم صِحَة هَذَا الَّذِي وصفناه للمزاول، أَكثر وَأبين مِمَّا وَصفنَا مِنْهُ، فالكتاب الْمَذْكُور من حَيْثُ حسنه وَكَثْرَة مَا فِيهِ، قد جر الْإِعْرَاض عَن النّظر الصَّحِيح، وَالتَّرْتِيب الأولى، من تَحْصِيل الشَّيْء من معدنه، وَأَخذه من حَيْثُ أَخذه هُوَ وَغَيره.
هَذَا على تَقْدِير سَلَامَته من اختلال نقل، أَو إغفال، أَو خطأ، فِي نظر أهل هَذَا الشَّأْن.
فَأَما وَالْأَمر على هَذَا، فقد يجب أَن / يكون نظر من يَقْرَؤُهُ وبحثه أَكثر وأكبر من بحث من يقْرَأ أصلا من الْأُصُول، لَا كَمَا يصنعه كثير مِمَّن أكب عَلَيْهِ: من اعتمادهم على مَا نقل، وتقليدهم إِيَّاه فِيمَا رأى وَذهب إِلَيْهِ من تَصْحِيح أَو تسقيم، وَقد يعمم بَعضهم هَذِه الْقَضِيَّة فِي جَمِيع نظر الْمُحدث، وَيَقُول: إِنَّه كُله تَقْلِيد، وَإِن غَايَة مَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ النَّاظر بنظرهم تَقْلِيد معدل أَو مجرح، فَهُوَ كتقليد مصحح أَو مضعف للْحَدِيث.
وَهَذَا مِمَّن يَقُوله خطأ بل يَنْتَهِي الْأَمر بالمحدث إِلَى مَا هُوَ الْحق من قبُول الرِّوَايَة ورد الرَّأْي فَهُوَ لَا يُقَلّد من صحّح وَلَا من ضعف، كَمَا لَا يُقَلّد من حرم وَلَا من حلل، فَإِنَّهَا فِي العلمين مسَائِل مجتهدة، لكنه يقبل من رِوَايَة(2/10)
الْعدْل النَّاقِل لَهُ من أَحْوَال من روى عَنهُ الحَدِيث، مَا يحصل عِنْده الثِّقَة بنقله، أَو عكس ذَلِك.
ونقلهم لذَلِك إِمَّا مفصلا وَإِمَّا مُجملا، بِلَفْظ مصطلح عَلَيْهِ، كألفاظ التَّعْدِيل وَالتَّجْرِيح، فَإِنَّهُم قد تواضعوا عَلَيْهَا بَدَلا من التطوف على جزئيات الْأَحْوَال، وتأديتها على التَّفْصِيل.
فَكَمَا كَانَ يحصل لنا من نقل الْعدْل إِذا قَالَ لنا: إِن فلَانا كَانَ ورعاً، حَافِظًا، فهما، عَالما، أَن فلَانا الْمَذْكُور مَقْبُول الرِّوَايَة، مُرَجّح جَانب صدقه على جَانب كذبه، فَكَذَلِك يحصل لنا ذَلِك، إِذا قَالَ لفظا من الْأَلْفَاظ المصطلح عَلَيْهَا.
ولبيان هَذَا الْمَعْنى والانفصال عَمَّا يتَعَرَّض بِهِ عَلَيْهِ موَاضعه.
وَلما كَانَ / الْحَال على مَا وصفت - من احتواء الْكتاب الْمَذْكُور على مَا لَا يعْصم مِنْهُ أحد، وَلَا سِيمَا من جمع جمعه، وَأكْثر إكثاره، وَكفى الْمَرْء نبْلًا أَن تعد معايبه - تجردت لذكر المعثور عَلَيْهِ من ذَلِك، فَذَكرته مُفِيدا بِهِ وممثلا لما لم أعثر عَلَيْهِ من نَوعه، إِذْ الْإِحَاطَة متعذرة.
وانحصر لي ذَلِك فِي أَمريْن: وهما نَقله وَنَظره، أما نَقله فأبواب، مِنْهَا:
1 - بَاب ذكر الزِّيَادَة فِي الْأَسَانِيد.(2/11)
2 - بَاب ذكر النَّقْص من الْأَسَانِيد.
3 - بَاب نِسْبَة الْأَحَادِيث إِلَى غير رواتها.
4 - بَاب ذكر أَحَادِيث، يوردها من مَوضِع عَن راو، ثمَّ يردفها زِيَادَة أَو حَدِيثا، من مَوضِع آخر، موهما أَنَّهَا عَن ذَلِك الرَّاوِي، أَو بذلك الْإِسْنَاد، أَو فِي تِلْكَ الْقِصَّة، أَو فِي ذَلِك الْموضع، وَلَيْسَ كَذَلِك.
5 - بَاب ذكر أَحَادِيث، يظنّ من عطفها على أخر، أَو إردافها إِيَّاهَا أَنَّهَا مثلهَا فِي مقتضياتها، وَلَيْسَت كَذَلِك.
6 - بَاب أَشْيَاء مفترقة تَغَيَّرت فِي نَقله أَو بعده عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ.
7 - بَاب / ذكر رُوَاة تَغَيَّرت أَسمَاؤُهُم، أَو أنسابهم، عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ.
8 - بَاب ذكر أَحَادِيث أوردهَا وَلم أجد لَهَا ذكرا، أَو عزاها إِلَى مَوَاضِع لَيست هِيَ فِيهَا، أَو لَيست كَمَا ذكر.
9 - بَاب ذكر أَحَادِيث أوردهَا على أَنَّهَا مَرْفُوعَة، وَهِي مَوْقُوفَة أَو مَشْكُوك فِي رَفعهَا.
10 - بَاب ذكر مَا جَاءَ مَوْقُوفا، وَهُوَ فِي الْموضع الَّذِي نَقله مِنْهُ مَرْفُوع.
11 - بَاب ذكر أَحَادِيث أغفل نسبتها إِلَى الْمَوَاضِع الَّتِي أخرجهَا مِنْهَا.
12 - بَاب ذكر أَحَادِيث أبعد النجعة فِي إيرادها، ومتناولها أقرب وَأشهر.
وَهَا هُنَا انْتهى الْقسم الأول الرَّاجِع إِلَى نَقله، فَإِن جَمِيع هَذِه الْأَبْوَاب(2/12)
أَوْهَام، إِمَّا مِنْهُ، وَإِمَّا مِمَّن بعده.
فَأَما مَا يرجع إِلَى نظره فَمِنْهُ:
1 - بَاب ذكر أَحَادِيث، أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة، وَهِي مُنْقَطِعَة، أَو مَشْكُوك فِي اتصالها.
2 - بَاب ذكر أَحَادِيث ردهَا بالانقطاع وَهِي مُتَّصِلَة.
3 - بَاب ذكر أَحَادِيث، ذكرهَا على أَنَّهَا مُرْسلَة لَا عيب لَهَا سوى الْإِرْسَال، وَهِي معتلة بِغَيْرِهِ، وَلم يبين ذَلِك مِنْهَا.
4 - بَاب ذكر أَحَادِيث أعلها بِرِجَال، وفيهَا من هُوَ مثلهم، أَو أَضْعَف، أَو مَجْهُول لَا يعرف. 5 - بَاب ذكر أَحَادِيث أعلها بِمَا لَيْسَ بعلة، وَترك ذكر عللها.
6 - بَاب ذكر أَحَادِيث، أعلها وَلم يبين من أسانيدها مَوَاضِع الْعِلَل.
7 - بَاب ذكر أَحَادِيث سكت عَنْهَا مصححا لَهَا، وَلَيْسَت بصحيحة.
8 - بَاب ذكر أَحَادِيث سكت عَنْهَا، وَقد ذكر أسانيدها أَو قطعا مِنْهَا، وَلم يبين من أمرهَا شَيْئا.
9 - بَاب ذكر أَحَادِيث، أتبعهَا مِنْهُ كلَاما يقْضى ظَاهره بتصحيحها، وَلَيْسَت بصحيحة.
10 - بَاب ذكر أَحَادِيث، أتبعهَا مِنْهُ كلَاما لَا يبين مِنْهُ مذْهبه فِيهَا، فنبين أحوالها، من صِحَة، أَو سقم، أَو حسن.
11 - بَاب ذكر أَحَادِيث أوردهَا على أَنَّهَا صَحِيحَة أَو حَسَنَة، وَهِي ضَعِيفَة من تِلْكَ الطّرق، صَحِيحَة أَو حَسَنَة من غَيرهَا /.(2/13)
12 - بَاب ذكر أَحَادِيث ضعفها من الطّرق الَّتِي أوردهَا مِنْهَا وَهِي ضَعِيفَة مِنْهَا، صَحِيحَة أَو حَسَنَة من طرق أخر.
13 - بَاب ذكر أَحَادِيث ضعفها، وَهِي صَحِيحَة أَو حَسَنَة، وَمَا أعلها بِهِ لَيْسَ بعلة. 14 - بَاب ذكر أَحَادِيث ضعفها، وَلم يبين بِمَاذَا؟ وضعفها إِنَّمَا هُوَ الِانْقِطَاع أَو / توهمه.
15 - بَاب ذكر أُمُور جميلَة من أَحْوَال رجال يجب اعْتِبَارهَا، فأغفل ذَلِك أَو تنَاقض فِيهِ.
16 - بَاب ذكر رجال لم يعرفهُمْ، وهم ثِقَات، أَو ضِعَاف، أَو مُخْتَلف فيهم.
17 - بَاب ذكر أَحَادِيث، عرف بِبَعْض رواتها، فَأَخْطَأَ فِي التَّعْرِيف بهم.
18 - بَاب ذكر رجال ضعفهم بِمَا لَا يسْتَحقُّونَ، وَأَشْيَاء ذكرهَا من غَيره محتاجة إِلَى التعقب.
19 - بَاب ذكر أَحَادِيث، أغفل مِنْهَا زيادات مفسرة، أَو مكملة، أَو متممة.
20 - بَاب ذكر المصنفين الَّذين أخرج عَنْهُم فِي كِتَابه مَا أخرج: من حَدِيث، أَو تَعْلِيل، أَو تجريح، أَو تَعْدِيل.
21 - بَاب ذكر مضمن هَذَا الْكتاب على نسق التصنيف.
فَهَذَا هُوَ الْقسم الرَّاجِع إِلَى نظره، مَا عدا الْبَابَيْنِ الْأَخيرينِ.
فَجَمِيع هَذَا الْقسم، إِيهَام مِنْهُ لصِحَّة سقيم، أَو لسقم صَحِيح، أَو(2/14)
لاتصال مُنْقَطع، أَو لانْقِطَاع مُتَّصِل، أَو لرفع مَوْقُوف، أَو لوقف مَرْفُوع، أَو لثقة ضَعِيف، أَو لضعف ثِقَة، أَو لتيقن مَشْكُوك، أَو لتشكك فِي مستيقن، إِلَى غير ذَلِك من مضمنه، وَبِاعْتِبَار هذَيْن الْقسمَيْنِ من الأوهام والإيهامات سميناه:
كتاب بَيَان الْوَهم وَالْإِيهَام، الواقعين فِي كتاب الْأَحْكَام.
وَالْبَاب الَّذِي هُوَ لذكر الزِّيَادَة المفسرة، أَو المكملة، هُوَ بَاب يَتَّسِع وَيكثر مضمنه، وَلم نقصده بِالْجمعِ، فَالَّذِي ذكرنَا فِيهِ إِنَّمَا هُوَ المتيسر ذكره، ولعلنا نعثر مِنْهُ على أَكثر من ذَلِك بعد أَن شَاءَ الله.
وَقد كنت شرعت فِي بَاب أذكر فِيهِ مَا ترك ذكره من الْأَحَادِيث الصِّحَاح، المفيدة أحكاماً لأفعال الْمُكَلّفين - لست أَعنِي مَا ترك من حسن أَو ضَعِيف، فَإِن هَذَا قد اعْترف هُوَ بِالْعَجزِ عَنهُ، وَهُوَ فَوق مَا ذكر، بل من قسم الصَّحِيح.
فرأيته أمرا يكثر ويتعذر الْإِحَاطَة بِهِ وَرَأَيْت مِنْهُ أَيْضا كثيرا لَا أَشك فِي أَنه تَركه قصدا، بعد الْعلم بِهِ وَالْوُقُوف عَلَيْهِ، وَعلمت ذَلِك إِمَّا بِأَن رَأَيْته قد كتبه فِي كِتَابه الْكَبِير، الَّذِي يذكر فِيهِ الْأَحَادِيث بأسانيدها، الَّذِي مِنْهُ اختصر هَذَا، وَإِمَّا بِأَن يكون مَذْكُورا فِي بَاب وَاحِد من مُصَنف، أَو فِي حَدِيث صَحَابِيّ وَاحِد من مُسْند، مَعَ مَا ذكر هُنَا.
فَعلمت أَنه ترك ذَلِك قصدا، خطأ أَو صَوَابا، فَأَعْرَضت عَن هَذَا الْمَعْنى، وَهُوَ أَيْضا إِذا تعرض لَهُ لَا يصلح أَن يكون فِي بَاب من كتاب، بل ديوانا قَائِما بِنَفسِهِ، يتَجَنَّب فِيهِ مَا ذكره هُوَ فَقَط.(2/15)
وَقد يظنّ ظان أَن كتَابنَا هَذَا، مَقْصُور الإفادة على من لَهُ بِكِتَاب أبي مُحَمَّد عبد الْحق اعتناء، فَذَلِك الَّذِي يَسْتَفِيد مِنْهُ إصْلَاح خلل، أَو تَنْبِيها / على مُغفل.
وَهَذَا الظَّن مِمَّن يَظُنّهُ خطأ، بل لَو كَانَ كتَابنَا قَائِما بِنَفسِهِ، غير مشير إِلَى كتاب أبي مُحَمَّد الْمَذْكُور، كَانَ - بِمَا فِيهِ من التَّنْبِيه على نكت حَدِيثِيَّةٌ، خلت عَنْهَا وَعَن أَمْثَالهَا الْكتب، وتعريف بِرِجَال يعز وجودهم، ويتعذر الْوُقُوف على الْموضع الَّذِي استفدنا أَحْوَالهم مِنْهَا، وَأَحَادِيث أفدنا فَوَائِد فِي متونها أَو فِي أسانيدها، وَعلل نبهنا عَلَيْهَا، وأصول أَشَرنَا إِلَيْهَا _ أفيد كتاب، وَأعظم ثَمَرَة تجتنى.
وَمن لَهُ بِهَذَا الشَّأْن اعتناء، يعرف صِحَة مَا قُلْنَاهُ، وَقد كَاد يكون مِمَّا لم نسبق إِلَى مثله فِي الصِّنَاعَة الحديثية، وترتيب النّظر فِيهَا، الْمُسْتَفَاد بطول الْبَحْث، وَكَثْرَة المباحثة، والمناظرة، والمفاوضة، وَشدَّة الاعتناء، وَوُجُود الْكتب المتعذر وجودهَا على غَيرنَا، مِمَّا تيَسّر الإنعام بِهِ من الله سُبْحَانَهُ علينا، لَهُ الْحَمد وَالشُّكْر. فَلَيْسَ فِي كتاب أبي مُحَمَّد: عبد الْحق حَدِيث إِلَّا وقفت عَلَيْهِ فِي الْموضع الَّذِي نَقله مِنْهُ، بل وَفِي مَوَاضِع لم يرهَا هُوَ قطّ، بل لَعَلَّه مَا سمع بهَا، إِلَّا أَحَادِيث يسيرَة جدا، لم أَقف عَلَيْهَا فِي موَاضعهَا، وَلم آل جهداً، وَلَا أَدعِي سَلامَة من الْخَطَأ، لكني أتيت بالمستطاع، فَإِن أصبت فأرجو تَضْعِيف الْأجر، وَالله يعْفُو عَن الزلل، ويتفضل بإجزال ثَوَاب بذل المجهود، وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِهِ، وَهَذَا حِين أبتدئ مستعيناً بِاللَّه سُبْحَانَهُ.(2/16)
الْقسم الأول بَيَان الْوَهم
وَهُوَ مَا يرجع إِلَى نقل أبي مُحَمَّد عبد الْحق.(2/17)
(1) بَاب ذكر الزِّيَادَة فِي الْأَسَانِيد(2/19)
(1) ذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن بشير بن خَلاد، عَن أمه، قَالَت: دخلت على مُحَمَّد بن كَعْب، فَسَمعته يَقُول: حَدثنِي أَبُو هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " توسطوا الإِمَام وسدوا الْخلَل " ... الحَدِيث.
كَذَا وَقع، وَهُوَ خطأ، وَلَعَلَّه تغير بعده، وَهُوَ هَكَذَا يزْدَاد بِهِ فِي الْإِسْنَاد من لَيْسَ مِنْهُ، وَصَوَابه / عَن يحيى بن بشير بن خَلاد، عَن أمه.
كَذَا هُوَ فِي الْموضع الَّذِي نَقله مِنْهُ، وَقد بَقِي أَن نبين عِلّة الْخَبَر، وسنذكرها فِي موضعهَا إِن شَاءَ الله.
(2) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، من حَدِيث عَطاء بن أبي مَيْمُونَة - وكنيته أَبُو معَاذ - قَالَ: حَدثنَا أبي، وَحَفْص الْمنْقري، عَن الْحسن، عَن سَمُرَة، أَن(2/21)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كَانَ يسلم تَسْلِيمَة وَاحِدَة تِلْقَاء وَجهه ".
ثمَّ قَالَ: عَطاء هَذَا ضَعِيف، مَعْرُوف بِالْقدرِ، مَعَ كَلَامه فِي سَماع الْحسن من سَمُرَة، انْتهى كَلَامه.
وَعَلِيهِ فِيهِ أَدْرَاك: مِنْهَا أَنه جعله من حَدِيث عَطاء بن أبي مَيْمُونَة، عَن أَبِيه وَحَفْص. وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا هُوَ من رِوَايَة روح بن عَطاء، قَالَ: حَدثنِي ابي وَحَفْص الْمنْقري.
فَلَيْسَ عَطاء على هَذَا بعلة لَهُ، لِأَنَّهُ مقرون بحفص الْمنْقري.
وَحَفْص هُوَ ابْن سُلَيْمَان لَا بَأْس بِهِ من قدماء أَصْحَاب الْحسن، وروى عَنهُ حَمَّاد بن زيد، وَمعمر، وَنَحْوهمَا.
فإعلال أبي مُحَمَّد هَذَا الْخَبَر بعطاء، خطأ، وَهُوَ بِنَاء مِنْهُ على خطأ فِي جعله إِيَّاه من رِوَايَة عَطاء عَن أَبِيه وَحَفْص.
وَإِنَّمَا هُوَ من رِوَايَة روح عَن أَبِيه وَحَفْص /.
وعلته إِنَّمَا هِيَ ضعف روح بن عَطاء، ووالد عَطاء لَا مدْخل لَهُ فِي إِسْنَاده.
وَذكره أَبُو أَحْمد فِي بَاب روح، وَفِي بَاب عَطاء، فنقله أَبُو مُحَمَّد من بَاب عَطاء، وَهُوَ فِيهِ مُخْتَصر، وَهُوَ فِي بَاب روح بكامله.
وَمن هَاهُنَا يتَبَيَّن عَلَيْهِ فِي سوقه إِيَّاه دَرك ثَان، نذكرهُ هُنَا وَإِن لم يكن من(2/22)
هَذَا الْبَاب ليجتمع الْكَلَام على الحَدِيث.
قَالَ أَبُو أَحْمد فِي بَاب عَطاء: أخبرنَا السَّاجِي، قَالَ: حَدثنَا أَبُو كَامِل الجحدري، قَالَ: حَدثنَا روح بن عَطاء بن أبي مَيْمُونَة، قَالَ: حَدثنَا أبي وَحَفْص الْمنْقري، عَن الْحسن، عَن سَمُرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كَانَ يسلم تَسْلِيمَة تِلْقَاء وَجهه "
هَذَا نَصه، وعَلى هَذَا صَحَّ لأبي مُحَمَّد أَن يدْخلهُ فِي جملَة الْأَحَادِيث الَّتِي فِيهَا الِاقْتِصَار على تَسْلِيمَة وَاحِدَة، وَلَا سِيمَا بِمَا زَاد فِي لَفظه من قَوْله: " وَاحِدَة " وَلَيْسَ ذَلِك فِي كتاب أبي أَحْمد الَّذِي مِنْهُ نَقله.
وَقَالَ فِي بَاب روح: حَدثنَا حَمْزَة بن مُحَمَّد قَالَ: وَحدثنَا نعيم بن حَمَّاد قَالَ: حَدثنَا روح بن عَطاء بن أبي مَيْمُونَة، عَن أَبِيه، عَن الْحسن، عَن سَمُرَة قَالَ: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يسلم فِي الصَّلَاة تَسْلِيمَة قبالة وَجهه، فَإِذا سلم عَن يَمِينه سلم عَن يسَاره ".
فَفِي هَذَا - كَمَا ترى - ثَلَاث تسليمات.
وَإِلَى هَذَا فَإِنَّهُ قد تنَاقض فِي عَطاء بن أبي مَيْمُونَة، فَسكت عَمَّا هُوَ من رِوَايَته مصححاً لَهُ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَته.
(3) وَذَلِكَ حَدِيث أنس " مَا رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رفع إِلَيْهِ شَيْء فِيهِ(2/23)
قصاص إِلَّا أَمر فِيهِ بِالْعَفو ".
فَهَذَا دَرك ثَالِث فَاعْلَم ذَلِك.
(4) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن عبد الله بن كنَانَة، قَالَ: أَرْسلنِي الْوَلِيد ابْن عتبَة - وَكَانَ أَمِير الْمَدِينَة - إِلَى ابْن عَبَّاس أسأله عَن صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الاسْتِسْقَاء، فَقَالَ: " خرج رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - متبذلا متواضعاً، متضرعا " الحَدِيث.
كَذَا أوردهُ، وَهُوَ خطأ فَاحش، يزْدَاد بِهِ فِي الْإِسْنَاد من لَيْسَ مِنْهُ، بل فِي الروَاة من لَيْسَ مِنْهُم، وَهَذَا يدل على تسامحه فِي إِيرَاد أَحَادِيث لَا يعرف بعض رجالها، ويسكت عَنْهَا مصححا لَهَا.
وسأريك من هَذَا كثيرا فِي بَابه إِن شَاءَ الله.
وَبَيَان الْخَطَأ فِي هَذَا، هُوَ أَن عبد الله بن كنَانَة، لَيْسَ من رُوَاة الْأَخْبَار وَلَا مِمَّن تعرف لَهُ حَال.(2/24)
وَهَذَا الحَدِيث لَيْسَ من رِوَايَته، وَإِنَّمَا سَاقه أَبُو دَاوُد هَكَذَا: حَدثنَا النُّفَيْلِي، وَعُثْمَان بن أبي شيبَة، قَالَا: حَدثنَا حَاتِم بن إِسْمَاعِيل قَالَ: حَدثنَا هِشَام بن إِسْحَاق بن عبد الله بن كنَانَة، قَالَ: حَدثنَا أبي قَالَ: أَرْسلنِي الْوَلِيد ابْن عتبَة إِلَى ابْن عَبَّاس، فَذكر الحَدِيث.
فعبد الله جد هِشَام - وَهُوَ عبد الله بن الْحَارِث بن كنَانَة - لَا مدْخل لَهُ فِي هَذَا الْإِسْنَاد، إِنَّمَا صَاحب الْقِصَّة الْمُرْسل فِيهَا إِلَى ابْن عَبَّاس، ابْنه إِسْحَاق بن عبد الله بن كنَانَة، وَهُوَ مدنِي ثِقَة.
وَابْنه هِشَام بن إِسْحَاق، هُوَ أَخُو عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق، يروي عَنهُ الثَّوْريّ، وحاتم بن إِسْمَاعِيل، وَهُوَ من الشُّيُوخ.
والقصة مَعْرُوفَة هَكَذَا عِنْد غير أبي دَاوُد أَيْضا، من رِوَايَة غير حَاتِم بن إِسْمَاعِيل.
(5) قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا الْحُسَيْن بن الْحسن بن عبد الرَّحْمَن القَاضِي.
الْأَنْطَاكِي قَالَ: حَدثنَا أَبُو الْحَارِث اللَّيْث بن عَبدة، قَالَ: حَدثنَا.(2/25)
عبد الله بن يُوسُف، قَالَ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن ربيعَة بن هِشَام بن إِسْحَاق، من بني عَامر بن لؤَي أَنه سمع / جده هِشَام بن إِسْحَاق، يحدث عَن أَبِيه إِسْحَاق ابْن عبد الله، أَن الْوَلِيد بن عتبَة أَمِير الْمَدِينَة أرْسلهُ إِلَى ابْن عَبَّاس، الحَدِيث.
(6) رَوَاهُ أَيْضا يحيى بن عُثْمَان بن صَالح، عَن عبد الله بن يُوسُف كَذَلِك وَرَوَاهُ أَيْضا سُفْيَان الثَّوْريّ عَن هِشَام بن إِسْحَاق بن عبد الله بن كنَانَة، عَن أَبِيه قَالَ /: أَرْسلنِي أَمِير من الْأُمَرَاء إِلَى ابْن عَبَّاس، أسأله عَن الاسْتِسْقَاء، الحَدِيث.
وَيَكْفِي فِي هَذَا أَن الْموضع الَّذِي نَقله مِنْهُ، هُوَ فِيهِ على مَا ذكرت لَك من الصَّوَاب، لَا على مَا ذكر من الْخَطَأ.
وَقد أتبع هَذَا خطأ آخر، اعْتقد بِهِ فِي قصَّة أُخْرَى أَنَّهَا هَذِه، سأذكرها فِي جملَة الْأَحَادِيث الَّتِي عطفها على أخر، أَو أردفها إِيَّاهَا وَلَيْسَت عَن رَاوِي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ - إِن شَاءَ الله تَعَالَى -.(2/26)
(7) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ عَن أم كَبْشَة أَنَّهَا قَالَت: يَا رَسُول الله، إِنِّي آلَيْت أَن أَطُوف بِالْبَيْتِ حبواً، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " طوفي على رجليك سبعين " الحَدِيث.
وَهُوَ خطأ فِي موضِعين:
أَحدهمَا: قَوْله: عَن أم كَبْشَة - هَكَذَا بالكنية - وَإِنَّمَا صَوَابه: أمه كَبْشَة، فَإِنَّهَا كَبْشَة بنت معدي كرب عمَّة الْأَشْعَث بن قيس، أم مُعَاوِيَة بن حديج.
وَالْآخر: أَنه جعل الحَدِيث عَنْهَا، وَجعلهَا راوية للْخَبَر، وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك فِيهِ عِنْد من نَقله من عِنْده، وَهُوَ الدَّارَقُطْنِيّ، وَإِنَّمَا أوردهُ عَن مُعَاوِيَة بن حديج، أَنه قدم على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَمَعَهُ أمه كَبْشَة بنت معدي كرب، عمَّة الْأَشْعَث بن قيس، فَقَالَت أمه: يَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنِّي أليت. الحَدِيث.
هَكَذَا هُوَ، لَيْسَ فِيهِ " عَنْهَا " فَجعل الحَدِيث عَنْهَا، زِيَادَة راو فِي الْإِسْنَاد، والْحَدِيث إِنَّمَا هُوَ من رِوَايَة ابْنهَا عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، والْحَدِيث فِي غَايَة الضعْف بالضعفاء والمجاهيل، فَاعْلَم ذَلِك.
(8) وَذكر من طَرِيق مُسلم، عَن سبيعة الأسْلَمِيَّة، أَنَّهَا نفست بعد(2/27)
وَفَاة زَوجهَا بِثَلَاث لَيَال، وَأَنَّهَا ذكرت ذَلِك لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فَأمرهَا أَن تتَزَوَّج "
هَكَذَا ذكر هَذَا الحَدِيث مُخْتَصرا من رِوَايَة سبيعة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَذَلِكَ أَيْضا خطأ كَالَّذي قبله، فَإِن سبيعة لم تروه، وَلَا أَخذ ذَلِك عَنْهَا، وَإِنَّمَا هِيَ صَاحِبَة الْقِصَّة.
(9) كَأبي جهم فِي قصَّة الأنبجانية.
(10) وَذي الْيَدَيْنِ فِي قصَّة السَّهْو.
فَلَو روى راو حَدِيث السَّهْو عَن ذِي الْيَدَيْنِ، أَو حَدِيث الأنبجانية عَن أبي جهم، كَانَ مخطئا، فَكَذَلِك هَذَا، وَإِنَّمَا راويته أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا.
قَالَ مُسلم: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى الْعَنزي، حَدثنَا عبد الْوَهَّاب، سَمِعت يحيى بن سعيد، أَخْبرنِي سُلَيْمَان بن يسَار أَن أَبَا سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن وَابْن عَبَّاس اجْتمعَا عِنْد أبي هُرَيْرَة، وهما يذكران الْمَرْأَة تنفس بعد وَفَاة زَوجهَا بِليَال، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: عدتهَا آخر الْأَجَليْنِ، وَقَالَ أَبُو سَلمَة: قد حلت(2/28)
فَجعلَا يتنازعان ذَلِك، قَالَ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة أَنا مَعَ ابْن أخي يَعْنِي أَبَا سَلمَة، فبعثوا كريبا مولى ابْن عَبَّاس إِلَى أم سَلمَة، فَسَأَلَهَا عَن ذَلِك، فَجَاءَهُمْ وَأخْبرهمْ أَن أم سَلمَة قَالَت: إِن سبيعة الأسْلَمِيَّة نفست بعد وَفَاة زَوجهَا بِليَال، وَإِنَّهَا ذكرت ذَلِك لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَأمرهَا أَن تتَزَوَّج.
هَذَا نَص الْخَبَر، وَمَا فِيهِ عَن سبيعة حرف وَلَا عِنْد كريب مِنْهَا خبر، وَلَو كَانَ عَنْهَا كَانَ مُنْقَطِعًا فِيمَا بَينهَا وَبَين كريب، فَاعْلَم ذَلِك.
(11) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن أبي الزبير، عَن جَابر وَعبد الرَّحْمَن بن سابط، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَصْحَابه كَانُوا ينحرون الْبَدنَة معقولة [الْيَد] الْيُسْرَى قَائِمَة على مَا بَقِي من قَوَائِمهَا.
كَذَا أورد هَذَا الحَدِيث، وَهُوَ هَكَذَا خطأ، فَإِنَّهُ يزْدَاد بِهِ فِي الْإِسْنَاد أَبُو الزبير، أَعنِي بِرِوَايَة ابْن سابط، وَأَبُو الزبير لَيْسَ يرويهِ عَن ابْن سابط أصلا، وَلَا أعرفهُ يرْوى عَنهُ، وَلَعَلَّه أَصْغَر مِنْهُ، وَأَحَادِيثه عَن جَابر غير مسموعة، قَالَه ابْن معِين فِيمَا روى عَنهُ الدوري.(2/29)
وَأما أَبُو الزبير فَصَاحب جَابر، وَقد رَأَيْت أَبَا مُحَمَّد بن يَرْبُوع غلط فِي هَذَا كغلط أبي مُحَمَّد عبد الْحق، فَزَاد فِي الروَاة عَن ابْن سابط أَبَا الزبير، وَأعلم ذَلِك بعلامة أبي دَاوُد، فَهُوَ إِنَّمَا يَعْنِي هَذَا الْمَكَان فِيمَا أرى. \ وَالصَّوَاب فِيهِ، هُوَ أَن ابْن جريح يرويهِ عَن أبي الزبير، وَعبد الرَّحْمَن ابْن سابط، قَالَ أَبُو الزبير: عَن جَابر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَقَالَ ابْن سابط: عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أرْسلهُ عَنهُ، وَلم يذكر من حَدثهُ بِهِ.
وَنَصّ الْوَاقِع من ذَلِك عِنْد أبي دَاوُد هُوَ هَذَا: حَدثنَا عُثْمَان بن أبي شيبَة، قَالَ: حَدثنَا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر، عَن ابْن جريج، عَن أبي الزبير، عَن جَابر.
وَأَخْبرنِي عبد الرَّحْمَن بن سابط، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَصْحَابه، فَذكر الحَدِيث.
فَهَذَا إِنَّمَا مَعْنَاهُ مَا قلته من أَن ابْن جريج قَالَ: عَن أبي الزبير عَن جَابر.
ثمَّ عَاد فَقَالَ: وَأَخْبرنِي عبد الرَّحْمَن بن سابط.
قَالَ عَبَّاس الدوري فِي كِتَابه: سَمِعت يحيى بن معِين يَقُول: قَالَ ابْن جريج: حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن سابط، قيل لَهُ: سمع من جَابر؟ قَالَ: لَا، هُوَ مُرْسل.
وَسَيَأْتِي فِي بَاب ذكر الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة وَهِي مُنْقَطِعَة ذكر مَا أورد أَبُو مُحَمَّد مِمَّا هُوَ من رِوَايَة ابْن جريج عَن ابْن سابط الْمَذْكُور إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَقَالَ أَبُو بكر بن أبي شيبَة فِي مُصَنفه: حَدثنَا يحيى بن سعيد، عَن(2/30)
ابْن جريج، عَن ابْن سابط أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَصْحَابه " كَانُوا يعْقلُونَ يَد الْبَدنَة الْيُسْرَى، وينحرونها قَائِمَة على مَا بَقِي من قوائهما ".
فَهَذَا حَدِيث ابْن سابط، مَفْصُولًا عَن حَدِيث أَبى الزبير، من رِوَايَة ابْن جريج عَنهُ فاعلمه.
(12) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا، عَن عبد الرَّحْمَن بن رُقَيْش أَنه سمع شُيُوخًا من بني عَمْرو بن عَوْف، وَمن خَاله عبد الله بن أبي أَحْمد قَالَ: قَالَ عَليّ بن أبي طَالب: حفظت عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا يتم بعد احْتِلَام، وَلَا صمَات يَوْم إِلَى ليل ".
ثمَّ قَالَ: الْمَحْفُوظ مَوْقُوف على عَليّ.
هَكَذَا ذكره، وَهُوَ خطأ / زَاد بِهِ فِي الْإِسْنَاد من لَيْسَ مِنْهُ وَلَا يعرف بروايته، وَإِنَّمَا الحَدِيث عَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن بن رُقَيْش، أَنه سمع شُيُوخًا من بني عَمْرو بن عَوْف، وَمن خَاله عبد الله بن أبي أَحْمد.
وَسَعِيد هُوَ الْمَعْرُوف بِهِ، وَهُوَ ثِقَة مَعْرُوف، فَأَما أَبوهُ فَغير مَعْرُوف بِهِ، بل وَلَا فِي الروَاة.
وَهَكَذَا على الصَّوَاب هُوَ عِنْد أبي دَاوُد الَّذِي نَقله من عِنْده، وَلِلْحَدِيثِ شَأْن آخر / سَنذكرُهُ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها وَلم يبين عللها، وَإِن شَاءَ الله تَعَالَى(2/31)
(13) وَذكر من طَرِيق البُخَارِيّ، عَن عبد الله بن موهب، قَالَ: دخلت على أم سَلمَة، فأخرجت لنا شَعرَات من شعر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مخضوباً.
زَاد ابْن أبي خَيْثَمَة: " بِالْحِنَّاءِ والكتم " والإسناد وَاحِد، انْتهى مَا ذكر كَمَا ذكره.
وَهُوَ خطأ يزْدَاد لَهُ فِي الْإِسْنَاد من لَيْسَ مِنْهُ، وَإِنَّمَا الدَّاخِل على أم سَلمَة الشَّاهِد لما ذكر، عُثْمَان بن عبد الله بن موهب.
كَذَا هُوَ عِنْد البُخَارِيّ الَّذِي نَقله من عِنْده، وَعند غَيره أَيْضا.
قَالَ البُخَارِيّ: حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، حَدثنَا سَلام، عَن عُثْمَان بن عبد الله بن موهب قَالَ: دخلت على أم سَلمَة ... فَذكره.
وَرَوَاهُ ابْن أبي خَيْثَمَة، عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل ايضاً بِالزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَة.
وَعُثْمَان بن عبد الله بن موهب أَبُو عبد الله الْأَعْرَج، مولى طَلْحَة بن عبيد الله، وَيُقَال: مولى لآل الحكم بن أبي الْعَاصِ، مدنِي كَانَ بالعراق، وروى عَن ابي هُرَيْرَة، وَابْن عمر، وَأم سَلمَة، ومُوسَى بن طَلْحَة بن عبيد الله، وَهُوَ ثِقَة، وَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره، وَأخرج لَهُ البُخَارِيّ وَمُسلم.
فَأَما أَبوهُ عبد الله بن موهب فَلَا أعلمهُ فِي رُوَاة الْأَخْبَار.
فَجعل الحَدِيث عَنهُ يدل على الْمُسَامحَة بإيراد الْأَحَادِيث من غير علم برواتها، اعْتِمَادًا على إِخْرَاج البُخَارِيّ أَو مُسلم إِيَّاهَا، فَاعْلَم ذَلِك.(2/32)
كل مَا ذكر فِي هَذَا الْبَاب، فَهُوَ يزْدَاد بِهِ فِي الْإِسْنَاد من لَيْسَ مِنْهُ، وَهُوَ أَيْضا نِسْبَة الْأَحَادِيث إِلَى غير رواتها.
وَهَذِه التَّرْجَمَة ستأتي فَكَانَ هَذَا نوعا مِنْهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ كل حَدِيث نسب إِلَى غير رَاوِيه فقد زيد فِي إِسْنَاده وَاحِد، وكل حَدِيث زيد فِي إِسْنَاده من لم يروه، فقد نسب إِلَى غير رَاوِيه، وَالله الْمُوفق.(2/33)
(2) بَاب النَّقْص من الْأَسَانِيد(2/35)
(14) ذكر من طَرِيق مُسلم عَن شُعْبَة، عَن ابي بَرزَة - وَسُئِلَ عَن صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: " كَانَ يُصَلِّي الظّهْر حِين تَزُول الشَّمْس " الحَدِيث.
كَذَا وَقع هَذَا فِي النّسخ، وَهُوَ هَكَذَا خطأ، وَينْقص مِنْهُ سيار بن سَلامَة بَين شُعْبَة وَأبي بَرزَة.
وَلَا أَدْرِي لأي شَيْء ذكر شُعْبَة، إِلَّا أَن يذكر بعده سيار بن سَلامَة، فَكَانَ يكون بذلك مَذْكُورا بِقِطْعَة من إِسْنَاده، وعَلى أَنه لَا يذكر الْأَحَادِيث / بِقطع من أسانيدها إِلَّا إِذا كَانَ مَا يذكر موضعا للنَّظَر، فيتبرأ بِذكر مَا يذكر من الْعهْدَة فِيهِ، أَو يبين الْعلَّة، وَإِنَّمَا الَّذِي بنى عَلَيْهِ وَعمل بِهِ، الِاقْتِصَار على صَحَابِيّ الحَدِيث الصَّحِيح، فَاعْلَم ذَلِك.
(15) وَذكر من طَرِيق مُسلم أَيْضا قَالَ: وَعَن عَطاء، عَن عبد الله بن عَمْرو، فِي هَذَا / الحَدِيث: " فَصم صِيَام دَاوُد، قَالَ: وَكَيف كَانَ يَصُوم دَاوُد يَا نَبِي الله؟ " الحَدِيث.
كَذَا أَيْضا أرَاهُ فِي النّسخ، وَهُوَ هَكَذَا خطأ، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْد مُسلم: عَن عَطاء، عَن أبي الْعَبَّاس الشَّاعِر، عَن عبد الله بن عَمْرو.
وَإِنَّمَا اعتراه مَا اعتراه من ذَلِك فِي الِاخْتِصَار، فاعلمه.(2/37)
(16) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، من حَدِيث عبد الله بن لَهِيعَة، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَسَأَلَهُ رجل عَن الْوتر - فَقَالَ: " افصل بَين الْوَاحِدَة والثنتين بِالسَّلَامِ ".
كذاأورده، وَهُوَ خطأ، سقط مِنْهُ بَين ابْن لَهِيعَة وَنَافِع، يزِيد بن أبي حبيب. كَذَلِك هُوَ فِي كتاب الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة سعيد بن عفير، عَن ابْن لَهِيعَة، فَأَما فِي رِوَايَة أبي الْأسود عَن ابْن لَهِيعَة، فَسقط مِنْهُ اثْنَان، فَإِنَّهُ يرويهِ عَن ابْن لَهِيعَة، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن بكير بن الأشع، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر وكل ذَلِك ذكره الدَّارَقُطْنِيّ، فاعلمه.
(17) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن عَائِشَة، ان النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أخر طواف الزِّيَارَة إِلَى اللَّيْل ".
كَذَا ذكره عَن عَائِشَة، وَلَيْسَ هُوَ فِي كتاب التِّرْمِذِيّ عَن عَائِشَة وَحدهَا، لَكِن عَن سُفْيَان، عَن أبي الزبير، عَن ابْن عَبَّاس وَعَائِشَة.
وَقد كرر أَبُو مُحَمَّد ذكره فِي آخر الْبَاب من طَرِيق أبي دَاوُد، فَقَالَ فِيهِ عَن أبي الزبير، عَن ابْن عَبَّاس وَعَائِشَة، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أخر الطّواف يَوْم النَّحْر إِلَى اللَّيْل "(2/38)
وَقد يظنّ بِهِ أَنه اقْتصر على عَائِشَة، وَترك ابْن عَبَّاس لم يذكرهُ، كَمَا فعل فِي حَدِيث:
(18) " يُنَادي مُنَاد: إِن لكم أَن تصحوا فَلَا تسقموا أبدا وَأَن لكم أَن تحيوا فَلَا تَمُوتُوا أبدا، وَإِن لكم أَن تشبوا فَلَا تهرموا أبدا " الحَدِيث.
فَإِنَّهُ ذكره من عِنْد مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة وَحده، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْد مُسلم عَن أبي سعيد وَأبي هُرَيْرَة.
فَأَبُو مُحَمَّد إِمَّا أَن يكون اقْتصر على أَحدهمَا / بِالْقَصْدِ [مِنْهُ] ، وَإِمَّا أَن يكون وضع بَصَره على أول الْإِسْنَاد وَهُوَ أَبُو هُرَيْرَة، وَلم يلْتَفت مَا قبله ظنا مِنْهُ أَن لَيْسَ قبله إِلَّا التَّابِعِيّ، إِذْ هُوَ لَا يضع نظرا فِي أَسَانِيد الصَّحِيحَيْنِ.
وَحَدِيث أبي الزبير هَذَا، لَا يَصح أَن يكون فعل ذَلِك فِيهِ بِالْقَصْدِ - أَعنِي أَن يقْتَصر على عَائِشَة دون ابْن عَبَّاس - إِلَّا أَن يكون قد أَخطَأ.
وَبَيَان الْخَطَأ فِيهِ، هُوَ أَنه لَا خَفَاء عِنْد أهل صناعَة النَّقْل بقبح الِاقْتِصَار على رِوَايَة أبي الزبير عَن عَائِشَة، بَدَلا من أبي الزبير عَن ابْن عَبَّاس، فَإِن أَبَا الزبير مَعْرُوف الرِّوَايَة عَن ابْن عَبَّاس، ومجهولها عَن عَائِشَة.
فَهُوَ إِن كَانَ فعل ذَلِك، فقد اقْتصر على مَا يشك فِيهِ وَلَا يعرف، وَمَا هُوَ مَوضِع نظر، وَترك مَالا ريب فِيهِ عِنْدهم(2/39)
وَقد ذكر التِّرْمِذِيّ فِي كتاب الْعِلَل أَنه سَأَلَ البُخَارِيّ عَن هَذَا الحَدِيث نَفسه قَالَ، قلت لَهُ: سمع أَبُو الزبير من ابْن عَبَّاس عَائِشَة؟ قَالَ: أما من أبن عَبَّاس فَنعم، وَفِي سَمَاعه من عَائِشَة نظر.
فَهَذَا من البُخَارِيّ تَصْرِيح بِأَنَّهُ قد سمع من ابْن عَبَّاس، وَهُوَ صَحِيح كَمَا ذكر، وَإِن كُنَّا نجده يروي عَن بتوسط سعيد بن جُبَير، أَو أبي معبد بَينهمَا، على مَا نبين إِن شَاءَ الله تَعَالَى / فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ذكرهَا بِقطع من أسانيدها، إِذْ أعَاد ذكر هَذَا الحَدِيث هُنَالك، من أجل تَدْلِيس أبي الزبير.
فَمن يظنّ بِهِ أَنه ترك رِوَايَة أبي الزبير عَن ابْن عَبَّاس لروايته عَن عَائِشَة، يحمل عَلَيْهِ أَنه جهل ترجح رِوَايَته عَن ابْن عَبَّاس على رِوَايَته عَن عَائِشَة.
ويغلب على الظَّن أَن ذَلِك لم يكن مِنْهُ بِقصد، وَإِنَّمَا اعتراه فِيهِ أَنه ظن أَنه من رِوَايَة ابْن عَبَّاس عَن عَائِشَة، وَأَن ابْن عَبَّاس فِيهِ بِمَنْزِلَة التَّابِعِيّ، فَتَركه وَاقْتصر على عَائِشَة، اقْتِصَاره من الْأَسَانِيد على الصَّحَابَة.
وَهَكَذَا رَأَيْته كتبه بِخَطِّهِ فِي كِتَابه الْكَبِير، حَيْثُ يذكر الْأَحَادِيث بأسانيدها، سَاقه بِإِسْنَادِهِ فَقَالَ فِيهِ: عَن أبي الزبير، عَن ابْن عَبَّاس، عَن عَائِشَة، هَكَذَا على الْخَطَأ ثمَّ اخْتَصَرَهُ من هُنَاكَ فَبَقيَ كَمَا كَانَ.
والْحَدِيث مَشْهُور كَمَا هُوَ عِنْد التِّرْمِذِيّ.(2/40)
قَالَ عَليّ بن عبد الْعَزِيز فِي منتخبه: حَدثنَا مُحَمَّد بن عمار، حَدثنَا يحيى بن سعيد / عَن سُفْيَان، حَدثنَا أَبُو الزبير، عَن عَائِشَة وَابْن عَبَّاس، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أخر طواف الزِّيَارَة إِلَى اللَّيْل "
وأظن أَنا أَبَا مُحَمَّد اعْتقد فِي حَدِيث أبي دَاوُد، عَن أبي الزبير، عَن ابْن عَبَّاس وَعَائِشَة /، - الَّذِي قُلْنَا: إِنَّه ذكره فِي آخر الْبَاب - أَنه فِي معنى لآخر، كَأَنَّهُ اعْتقد فِي حَدِيث التِّرْمِذِيّ إِنَّه فِي طواف الْقدوم، وَفِي حَدِيث أبي دَاوُد أَنه فِي طواف الْإِفَاضَة، فَإِنَّهُ ذكر حَدِيث التِّرْمِذِيّ فِي أول الْبَاب - حِين ذكر الْأَحَادِيث الَّتِي فِيهَا طواف الْقدوم - وَذكر حَدِيث أبي دَاوُد فِي آخر الْبَاب حِين ذكر طواف الْإِفَاضَة، وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك، وَمَا هُوَ إِلَّا حَدِيث وَاحِد، وَمَا الطّواف الَّذِي ذكر فيهمَا إِلَّا طواف الْإِفَاضَة إِلَّا أَن عَائِشَة وَابْن عَبَّاس خالفا غَيرهمَا من الصَّحَابَة، مِمَّن روى أَنه عَلَيْهِ السَّلَام: " طَاف يَوْم النَّحْر نَهَارا ".
هَذَا قَول ابْن عمر وَجَابِر، وَاخْتلفَا أَيْن صلى الظّهْر، هَل بِمَكَّة أَو بمنى؟ وَكَانَت صلَاته عِنْدهمَا بعد الطّواف.
وَلَيْسَ هَذَا مَوضِع النّظر فِي صِحَة الصَّحِيح من هَذَا أَو جمعه، فاعلمه.
(19) وَذكر من طَرِيق أَبى أَحْمد، من حَدِيث مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن ابْن الرداد، عَن يحيى بن سعيد، قَالَ: تكلم مَرْوَان يَوْمًا [عَليّ النَّاس] فَذكر مَكَّة، فأطنب فِي ذكرهَا، وَلم يذكر الْمَدِينَة، فَقَامَ رَافع بن خديج، فَقَالَ:(2/41)
مَالك يَا هَذَا! ذكرت مَكَّة فأطنبت فِي ذكرهَا وَأشْهد لسمعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " الْمَدِينَة خير من مَكَّة ".
كَذَا وَقع فِي النّسخ، وَهُوَ هَكَذَا ينقص مِنْهُ ذكر " عمْرَة " فَإِنَّهُ عِنْد أبي أَحْمد عَن يحيى بن سعيد، عَن عمْرَة، قَالَت: تكلم مَرْوَان.
وَكَذَلِكَ يتَّصل الحَدِيث من رِوَايَة يحيى بن سعيد، عَن عمْرَة، عَن رَافع ابْن خديج، وَلَو كَانَ على مَا وَقع عَلَيْهِ عِنْده كَانَ مُنْقَطِعًا، وَهُوَ لم يعرض لَهُ بالانقطاع، فَاعْلَم ذَلِك.
(20) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ، عَن حسان بن عبد الله، قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله، مَتى تَنْقَطِع الْهِجْرَة؟ قَالَ: " لَا تَنْقَطِع الْهِجْرَة مَا قوتل الْكفَّار ".
قَالَ النَّسَائِيّ: حسان بن عبد الله لَيْسَ بالمشهور / قَالَ: وَذكر النَّسَائِيّ أَيْضا عَن عبد الله بن محيريز، عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن حبيب الْمصْرِيّ، قَالَ أَتَيْنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذكر مثله.
ثمَّ قَالَ عَن النَّسَائِيّ: إِنَّه قَالَ: مُحَمَّد بن حبيب لَا أعرفهُ، قَالَ: وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: مُحَمَّد بن حبيب قَالَ: أتيت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَسَأَلته عَن(2/42)
الْهِجْرَة. رَوَاهُ عَنهُ عبد الله بن السَّعْدِيّ، وَأَبُو إِدْرِيس الْخَولَانِيّ، انْتهى مَا ذكر بنصه.
ورأيته هَكَذَا فِي نسخ، وَرَأَيْت فِي بَعْضهَا: قَالَ: وَذكره النَّسَائِيّ أَيْضا عَن عبد الله بن محيريز، عَن عبد الله بن حبيب الْمصْرِيّ قَالَ /: أَتَيْنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَذكر مثله.
فَأَقُول - وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق -: إِن فِي هَذَا الْكَلَام أخطاء هِيَ كلهَا تَغْيِير فِي النَّقْل.
أَولهَا: قَوْله: حسان بن عبد الله، قَالَ: قلت، يَا رَسُول الله.
وَلم يَقع هَكَذَا فِي كتاب النَّسَائِيّ، وَلَا يَصح أَن يكون كَذَلِك، وَمَا هُوَ إِلَّا تغير بِسُقُوط الصَّحَابِيّ، وَمِمَّا يدلك على ذَلِك قَوْله عَن النَّسَائِيّ: حسان ابْن عبد الله لَيْسَ بالمشهور، فَإِنَّهُ لم تجر لَهُ عَادَة بِوَضْع مثل هَذَا القَوْل فِيمَن هُوَ صَحَابِيّ، فَهُوَ إِذا قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله، لَا ينظر فِيهِ.
هَذَا مذْهبه وعادته، وَالَّذِي فِي كتاب النَّسَائِيّ إِنَّمَا هُوَ: عَن حسان بن عبد الله، عَن ابْن السَّعْدِيّ، ولنورده بنصه:(2/43)
قَالَ النَّسَائِيّ: حَدثنَا مَحْمُود بن خَالِد، قَالَ: حَدثنَا مَرْوَان، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن الْعَلَاء - هُوَ ابْن زبر - قَالَ: حَدثنَا بسر بن عبيد الله، عَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ، عَن حسان بن عبد الله الضمرِي، عَن عبد الله بن السَّعْدِيّ، قَالَ: وفدنا على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَدخل عَلَيْهِ أَصْحَابه فَقضى حَاجتهم، ثمَّ كنت آخِرهم دُخُولا عَلَيْهِ، فَقَالَ: " حَاجَتك؟ " فَقلت: يَا رَسُول الله، مَتى تَنْقَطِع الْهِجْرَة؟ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تَنْقَطِع الْهِجْرَة مَا قوتل الْكفَّار ".
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَيْضا عَمْرو بن أبي سَلمَة عَن عبد الله بن الْعَلَاء بن زبر، كَمَا رَوَاهُ مَرْوَان بن مُحَمَّد، وَعلة هَذَا الْخَبَر، الْجَهْل بِحَال حسان بن عبد الله، فَإِنَّهُ لَا يعرف إِلَّا بِرِوَايَة أبي إِدْرِيس عَنهُ لهَذَا الحَدِيث عَن ابْن السَّعْدِيّ.
وَإِنَّمَا لم أكتب هَذَا الْخَطَأ، فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة، وَهِي مُنْقَطِعَة - وَإِن كَانَ الْخَبَر قد صَار بِهِ مُرْسلا، وَهُوَ مُتَّصِل - لاحْتِمَال أَن / يكون الْفساد فِيهِ من قبل النساخ، أَو الروَاة عَنهُ، وَذَلِكَ الْبَاب إِنَّمَا نكتب فِيهِ - إِن شَاءَ الله - مَا خَفِي عَلَيْهِ انْقِطَاعه، فَأوردهُ على أَنه مُتَّصِل، وَلذَلِك جَعَلْنَاهُ فِي قسم خطئه فِي نظره، وَهَذَا قسم خطئه فِي النَّقْل. وَهَذَا الْخَطَأ الَّذِي بيّنت، هُوَ مَقْصُود هَذَا الْبَاب، فَإِنَّهُ إِسْقَاط وَاحِد من الْإِسْنَاد
وَخطأ ثَان: وَهُوَ قَوْله: ذكره النَّسَائِيّ أَيْضا، عَن عبد الله بن محيريز، عَن(2/44)
مُحَمَّد بن عبد الله بن حبيب الْمصْرِيّ وَفِي نسخه أُخْرَى: عَن عبد الله ابْن حبيب، وَأيهمَا كَانَ فَهُوَ خطأ، وَإِنَّمَا وَقع فِي كتاب النَّسَائِيّ وَغَيره: عَن مُحَمَّد ابْن حبيب، لَا عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن حبيب. \ وَلَيْسَ لَك أَن تَقول: لَعَلَّه عرف أَنه هَكَذَا مَنْسُوب إِلَى جده، فَبين من عِنْده اسْم أَبِيه، فَإِن هَذَا لَو كَانَ حَقًا لم يكن / لَهُ أَن يعزوه إِلَى النَّسَائِيّ، بل كَانَ يجب أَن يذكرهُ كَمَا هُوَ عِنْده، ثمَّ يبين هُوَ من أمره مَا شَاءَ، فَكيف وَلَيْسَ بِحَق.
وَالرجل لَا يعرف لَا فِي كتب الحَدِيث وَلَا فِي كتب الرِّجَال إِلَّا بِمَا وَقع فِي هَذَا الْإِسْنَاد، وَالَّذِي وَقع فِيهِ إِنَّمَا هُوَ: عَن مُحَمَّد بن حبيب.
قَالَ الْبَزَّار: وَلَا أعلم لَهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا هَذَا الحَدِيث، وَكَذَا قَالَ أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ وَغَيره.
وَخطأ ثَالِث: وَهُوَ قَوْله: إِن النَّسَائِيّ سَاقه من رِوَايَة عبد الله بن محيريز عَن مُحَمَّد هَذَا، وَهُوَ شَيْء لَا يُوجد لَا عِنْد النَّسَائِيّ وَلَا عِنْد غَيره فِيمَا أعلم، وَإِنَّمَا يرويهِ ابْن محيريز، عَن عبد الله بن السَّعْدِيّ، عَن مُحَمَّد الْمَذْكُور، أَو عَن عبد الله بن السَّعْدِيّ، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا يذكر مُحَمَّد بن حبيب.
قَالَ النَّسَائِيّ: أنبأني شُعَيْب بن شُعَيْب بن إِسْحَاق، وَأحمد بن يُوسُف، قَالَا: أخبرنَا أَبُو الْمُغيرَة، قَالَ: أنبأني الْوَلِيد بن سُلَيْمَان، قَالَ: حَدثنَا بشر بن عبيد الله، عَن عبد الله بن محيريز، عَن عبد الله بن السَّعْدِيّ، عَن(2/45)
مُحَمَّد بن حبيب، قَالَ: أَتَيْنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي نفر، كلنا ذُو حَاجَة، فتقدموا بَين يَدي، فَقضى الله لَهُم على لِسَان نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا شَاءَ، ثمَّ أَتَيْته، فَقَالَ لي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا حَاجَتك؟ " قلت: سَمِعت من أَصْحَابك يَقُولُونَ: قد انْقَطَعت الْهِجْرَة، قَالَ: " حَاجَتك خير من حَاجتهم، لَا تَنْقَطِع الْهِجْرَة مَا قوتل الْكفَّار ".
وَلما ذكر ابْن السكن مُحَمَّد بن حبيب هَذَا فِي كتاب الصَّحَابَة لَهُ، قَالَ: حَدِيثه هَذَا لَا يثبت، وَهُوَ / مَشْهُور عَن عبد الله بن السَّعْدِيّ، قَالَ: وَلَا يعرف - يَعْنِي مُحَمَّد بن حبيب - فِي الصَّحَابَة.
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ: لَا أعلم أحدا ذكر فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث مُحَمَّد ابْن حبيب، غير الْوَلِيد بن سُلَيْمَان بن أبي السَّائِب، وَبَلغنِي أَن الْوَلِيد بن سُلَيْمَان لين الحَدِيث.
وَعَن ابْن محيريز فِي هَذَا رِوَايَة ثَانِيَة رَوَاهَا عَنهُ عَطاء الخرساني، مثل رِوَايَة أبي إِدْرِيس عَن حسان، لم يذكر فِيهَا مُحَمَّد بن حبيب، ذكرهَا ابْن السكن، قَالَ: وَأَرْجُو أَن تكون أصح الرِّوَايَات.
وَإِنَّمَا قَالَ ابْن السكن هَذَا، لسلامتها مِمَّن لَا يعرف، فَإِنَّهَا لم يذكر فِيهَا مُحَمَّد بن حبيب وَلَا حسان بن عبد الله، وهما مَجْهُولَانِ.
وَقد كَانَ يجب كتبهَا بنصها فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها وَلها طرق أحسن مِنْهَا، وَلَكِن يمْنَع من ذَلِك أَن هَذَا الحَدِيث لم يَقع عِنْد أبي مُحَمَّد على صَوَاب، بل بِسُقُوط ابْن السَّعْدِيّ كَمَا تقدم، فَلذَلِك أكتفي بِذكرِهِ فِي هَذَا الْبَاب، حَتَّى يَنْتَظِم القَوْل على هَذَا الحَدِيث.(2/46)
قَالَ ابْن السكن: أخبرنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز - هُوَ الْبَغَوِيّ - قَالَ: حَدثنَا أَبُو نصر: مَنْصُور بن أبي مُزَاحم التركي، سنة إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَحدثنَا مُحَمَّد بن فضَالة بن الصَّقْر الدِّمَشْقِي، قَالَ: حَدثنَا هِشَام بن عمار، قَالَا: حَدثنَا يحيى بن حَمْزَة، عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي قَالَ: أنبأني ابْن محيريز عَن عبد لله بن السَّعْدِيّ، من بني مَالك بن حسل، أَنه قدم على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي أنَاس من أَصْحَابه، فَلَمَّا نزلُوا قَالُوا: احفظ علينا رحالنا حَتَّى تقضي / حاجتنا، ثمَّ تدخل - وَكَانَ أَصْغَر الْقَوْم - فَقضى لَهُم حَاجتهم ثمَّ قَالُوا لَهُ: أَدخل، فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ قَالَ لَهُ: " حَاجَتك؟ " قَالَ: حَاجَتي تُحَدِّثنِي، انْقَطَعت الْهِجْرَة؟ قَالَ: " حَاجَتك خير من حوائجهم، لَا تَنْقَطِع الْهِجْرَة مَا قوتل الْعَدو ".
قَالَ ابْن السكن: رَوَاهُ عبد الله بن الْعَلَاء بن زبر، عَن بسر بن عبيد الله عَن ابْن محيريز، عَن ابْن السَّعْدِيّ، وَعَن أبي إِدْرِيس، عَن حسان بن الضمرِي، عَن عبد الله بن السَّعْدِيّ - جَمعهمَا ابْن زبر - وَأَرْجُو أَن يكون الصَّحِيح من هَذِه الرِّوَايَات حَدِيث عَطاء الْخُرَاسَانِي.
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ: رَوَاهُ غير وَاحِد عَن ابْن / محيريز، عَن عبد الله ابْن السَّعْدِيّ، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، لم يذكرُوا مُحَمَّد بن حبيب.
أنبأني بِهِ مَنْصُور بن أبي مُزَاحم، حَدثنَا يحيى بن حَمْزَة، عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي، أنبأني ابْن محيريز، عَن عبد الله بن السَّعْدِيّ، قَالَ: قَالَ لي(2/47)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تَنْقَطِع الْهِجْرَة مَا قوتل الْكفَّار ".
وَالْمَقْصُود أَن تعلم أَن قَوْله عَن النَّسَائِيّ: أَنه سَاقه من رِوَايَة ابْن محيريز، عَن مُحَمَّد بن حبيب خطأ.
وَخطأ رَابِع: إِلَّا أَنه لَيْسَ من قبله، وَإِنَّمَا نَقله عَن ابْن أبي حَاتِم، وَحَكَاهُ ابْن أبي حَاتِم عَن أَبِيه، فتبع فِيهِ بَعضهم بَعْضًا - وَهُوَ قَوْله فِي مُحَمَّد بن حبيب: روى عَنهُ عبد الله بن السَّعْدِيّ وَأَبُو إِدْرِيس الْخَولَانِيّ. وَهَذَا مَا لَا يعرف، وَمَا روى عَنهُ أَبُو ادريس حرفا، وَإِنَّمَا يرويهِ إِمَّا عَن عبد الله بن السَّعْدِيّ من غير وساطة مُحَمَّد بن حبيب، وَإِمَّا عَن حسان بن عبد الله الضمرِي عَن ابْن السَّعْدِيّ على مَا تقدم. فَأَما أَن تُوجد لأبي إِدْرِيس رِوَايَة عَن مُحَمَّد بن حبيب فَلَا، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يروي عَنهُ ابْن السَّعْدِيّ وَحده، وَلَيْسَ هَذَا الْفَصْل من هَذَا الْبَاب، فَإِنَّهُ لم يتَغَيَّر فِي نَقله، بل هُوَ كَمَا نقل عَن ابْن أبي حَاتِم، وَلكنه انجز، وَإِنَّمَا يستوجبه بَاب ذكر الْأَشْيَاء الَّتِي حَكَاهَا عَن غَيره، وَهِي محتاجة إِلَى التعقب فاعلمه.
(21) وَذكر من طَرِيق البُخَارِيّ، عَن عَبَايَة بن رِفَاعَة، سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " من اغبرت قدماه فِي سَبِيل الله، [حرمه الله على النَّار] ".(2/48)
كَذَا ثَبت فِي النّسخ، وَهُوَ خطأ، فَإِن عَبَايَة غَايَته أَن يرْوى عَن ابْن عمر، وَعَن جده رَافع بن خديج، وَإِنَّمَا يروي هَذَا الحَدِيث عَن أبي عبس، وَإِنَّمَا اعترى سُقُوطه حِين الِاخْتِصَار.
قَالَ البُخَارِيّ: حَدثنَا عَليّ بن عبد الله، حَدثنَا الْوَلِيد بن مُسلم حَدثنَا يزِيد ابْن أبي مَرْيَم حَدثنَا عَبَايَة بن رِفَاعَة، قَالَ: أدركني أَبُو عبس وَأَنا أذهب إِلَى الْجُمُعَة، فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " من / اغبرت قدماه فِي سببيل الله، حرمه الله على النَّار ". هَكَذَا عِنْده أَن أَبَا عبس أدْرك عَبَايَة بن رِفَاعَة، وَعند غَيره أَن عَبَايَة هُوَ الَّذِي أدْرك يزِيد بن أبي مَرْيَم فحدثه بِالْحَدِيثِ عَن أبي عبس.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَبُو عمار: الْحُسَيْن بن حُرَيْث، حَدثنَا الْوَلِيد بن مُسلم، عَن يزِيد بن أبي مَرْيَم، قَالَ: لَحِقَنِي عَبَايَة بن رِفَاعَة بن رَافع وَأَنا ماش إِلَى الْجُمُعَة، فَقَالَ: أبشر، فَإِن خطاك هَذِه فِي سَبِيل الله، سَمِعت أَبَا عبس يَقُول: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول / فَذكره.
وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن أبي عمار مثله سَوَاء.
وَيزِيد بن أبي مَرْيَم - بياء مثناة وزاي - وَهُوَ أَبُو عبد الله الْأنْصَارِيّ الشَّامي ثِقَة ويتصحف كثيرا ببريد بن أبي مَرْيَم - بباء وَاحِدَة مَضْمُومَة وَرَاء مَفْتُوحَة.(2/49)
وَهُوَ السَّلُولي، بَصرِي ثِقَة أَيْضا.
(22) وَقد صحّح أَبُو مُحَمَّد من رِوَايَته حَدِيث: قنوت الْوتر.
(23) وَحَدِيث: " دع مَا يربيك إِلَى مَا لَا يريبك ".
وَأَبُو عبس، صَحَابِيّ مَشْهُور، اسْمه عبد الرَّحْمَن بن جبر، وَلَوْلَا أَن يكون سُقُوطه مِمَّا اعترى الروَاة، كتبت هَذَا الحَدِيث فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة، وَهِي مُنْقَطِعَة أَو مُرْسلَة.
(24) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ، عَن عبد الله بن فَيْرُوز الديلمي: أتيت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِرَأْس الْأسود الْعَنسِي.
ثمَّ قَالَ: يُقَال: إِن الْخَبَر بقتل الْأسود جَاءَ إِثْر موت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
كَذَا وَقع فِي النّسخ، وَلَوْلَا أَن يكون الْفساد مِنْهَا، ذكرته فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة، وَهِي مُنْقَطِعَة أَو مُرْسلَة، وَذَلِكَ أَنه سقط مِنْهُ " عَن أَبِيه ".
وبثبوته هُوَ فِي كتاب النَّسَائِيّ، وَهُوَ الصَّوَاب، فَإِن فَيْرُوز الديلمي وَالِد عبد الله، هُوَ الصَّحَابِيّ، وَهُوَ الَّذِي قتل الْأسود الْعَنسِي، فَأَما ابْنه عبد الله فتابعي ثِقَة ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...(2/50)
وثقة ابْن معِين والكوفي.
وَبَقِي من أَمر هَذَا الْخَبَر مَا أذكرهُ بِهِ إِن شَاءَ الله فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها وَهِي صَحِيحَة، أَو مُخْتَلف فِيهَا.
(25) وَذكر من طَرِيق مُسلم عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن الْغُلَام الَّذِي قَتله الْخضر طبع / كَافِرًا " الحَدِيث.
كَذَا ذكره، وَهُوَ خطأ، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْد مُسلم من رِوَايَة ابْن عَبَّاس عَن أبي، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَلَوْلَا أَن يكون الْفساد من النّسخ، ذكرته فِي الْبَاب الْمَذْكُور.
(26) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن صَالح بن مُحَمَّد بن زَائِدَة، عَن سَالم، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا وجدْتُم الرجل قد غل " الحَدِيث
ثمَّ رده بِضعْف صَالح.(2/51)
وَلَوْلَا أَن يكون أَيْضا الْفساد الَّذِي فِيهِ من النّسخ، ذكرته فِي الْبَاب الْمَذْكُور، وَذَلِكَ أَنه سقط مِنْهُ " عَن عمر بن الْخطاب " فَإِنَّهُ من رِوَايَته، وَعنهُ يرويهِ ابْنه فِي كتاب أبي دَاوُد، وَفِي كتاب غَيره.
وَقد قَالَ الْبَزَّار: إِنَّه لَا يعلم روى صَالح بن مُحَمَّد، عَن سَالم، عَن ابْن عمر، عَن عمر غَيره، وَفِي مُسْند عمر ذكره، وَالْأَمر فِيهِ بَين.
(27) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، من حَدِيث سعيد بن بشير، عَن قَتَادَة، عَن الْحسن، عَن أنس: " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: عَن حلق الْقَفَا بِالْمُوسَى إِلَّا عِنْد الْحجامَة ".
ثمَّ ضعفه.
وَلَيْسَ هَذَا الحَدِيث عِنْد أبي أَحْمد من مُسْند أنس، بل من مُسْند عمر بن الْخطاب، يرويهِ عِنْده أنس، عَن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فلولا أَن يكون الْفساد من النساخ أَخَّرته إِلَى الْبَاب الْمَذْكُور.
(28) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد أَيْضا، من حَدِيث أبي الْمهْدي: سعيد ابْن سِنَان عَن أبي الزَّاهِرِيَّة: كثير بن مرّة، قَالَ: سَمِعت عمر بن الْخطاب يَقُول: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - /: " لَا تبنى كَنِيسَة فِي الْإِسْلَام، وَلَا يجدد مَا خرب مِنْهَا ".(2/52)
كَذَا رَأَيْته فِي النّسخ، وَهُوَ هَكَذَا قد سقط مِنْهُ وَاحِد، وَجمع إِلَى ذَلِك خطأ آخر، وَهُوَ تَسْمِيَة أبي الزَّاهِرِيَّة بِغَيْر اسْمه، وَصَوَابه: عَن أبي الزَّاهِرِيَّة، عَن كثير بن مرّة.
وبثبوت " عَن " يتَّصل الْخَبَر، وَكَذَلِكَ على الصَّوَاب هُوَ فِي كتاب أبي أَحْمد، وَلَا يَصح غير ذَلِك، فَإِن أَبَا الزَّاهِرِيَّة هُوَ: حدير بن كريب، وَهُوَ صَاحب أبي شَجَرَة: كثير بن مرّة، وَالْأَمر فِيهِ أبين من أَن ينْسب الْغَلَط فِيهِ إِلَى أبي مُحَمَّد.
وَلِهَذَا الحَدِيث شَأْن آخر نذكرهُ بِهِ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أعلها بِقوم، وَترك مثلهم أَو أَضْعَف، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(29) وَذكر من طَرِيق / أبي أَحْمد أَيْضا، عَن إِبْرَاهِيم بن مهَاجر بن جَابر البَجلِيّ، عَن زِيَاد بن حدير، عَن عَليّ قَالَ: " لَئِن بقيت لأقتلن نَصَارَى بني تغلب، ولأسبين الذُّرِّيَّة " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: إِبْرَاهِيم ضَعِيف عِنْدهم، وَذكره أَبُو دَاوُد من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن مهَاجر أَيْضا، وَقَالَ: إِنَّه حَدِيث مُنكر، وَهُوَ عِنْد بعض النَّاس شَبيه بالمتروك، وأنكروا هَذَا الحَدِيث على عبد الرَّحْمَن بن هَانِئ، وَهُوَ رَوَاهُ عَن إِبْرَاهِيم.(2/53)
وَكَذَلِكَ عِنْد أبي أَحْمد من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن هَانِئ، عَن إِبْرَاهِيم، ذكر ذَلِك فِي بَاب إِبْرَاهِيم بن مهَاجر. انْتهى كَلَامه بنصه.
إِلَّا أَنِّي أسقطت مِنْهُ مَا لم أحتج إِلَيْهِ هَا هُنَا، وَهُوَ قَوْله رَوَاهُ من طَرِيق آخر، لِأَنَّهُ من بَاب آخر، قد ذكرته فِيهِ، وَهُوَ بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها بِقوم وَترك مثلهم أَو أَضْعَف. وَالْمَقْصُود بَيَانه الْآن، هُوَ الْخَطَأ الَّذِي فِي قَوْله: إِن عبد الرَّحْمَن بن هَانِئ يروي فِي كتابي أبي دَاوُد وَأبي أَحْمد، عَن إِبْرَاهِيم بن مهَاجر، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَمَا يرويهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إِلَّا عَن شريك، عَن إِبْرَاهِيم بن مهَاجر.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا الْعَبَّاس بن عبد الْعَظِيم، حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن هَانِئ: أَبُو نعيم النَّخعِيّ، حَدثنَا شريك، عَن إِبْرَاهِيم بن مهَاجر، عَن زِيَاد بن حدير قَالَ: قَالَ عَليّ، فَذكره.
وَقَالَ أَبُو أَحْمد: حَدثنَا السَّاجِي، حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد الْبَغْدَادِيّ، حَدثنَا أَبُو نعيم النَّخعِيّ، حَدثنَا شريك، عَن إِبْرَاهِيم بن مهَاجر، عَن زِيَاد بن حدير، فَذكره.
وَاتفقَ لَهُ فِيهِ أَيْضا شَيْء آخر، وَقد كتبته فِي بَاب ذكرت فِيهِ أموراً جميلَة، وَذَلِكَ تناقضه فِي إِبْرَاهِيم بن مهَاجر، فاعلمه.(2/54)
(30) وَذكر من طَرِيق الْعقيلِيّ من حَدِيث صَفْوَان الْأَصَم أَن رجلا كَانَ نَائِما مَعَ امْرَأَته، فَقَامَتْ فَأخذت سكيناً، وَجَلَست على صَدره، فَوضعت السكين على حلقه، فَقَالَت لَهُ: طَلقنِي وَإِلَّا ذبحتك فناشدها الله [تَعَالَى] فَأَبت، فَطلقهَا ثَلَاثًا، فَذكر ذَلِك لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا قيلولة فِي الطَّلَاق ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث مُنكر لَا يُتَابع عَلَيْهِ صَفْوَان / ومداره عَلَيْهِ. انْتهى مَا ذكر.
وَعَلِيهِ فِيهِ دَرك، من بَاب إعلاله الحَدِيث بِرَجُل وَتَركه غَيره مِمَّن هُوَ أَضْعَف، وسأذكره هُنَالك إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
فَأَما مَقْصُود هَذَا الْبَاب، فَهُوَ أَن هَذَا اللَّفْظ الَّذِي أورد، لَيْسَ إِسْنَاده هَكَذَا، بل إِسْنَاده بِزِيَادَة رجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - / لم يسم، يرويهِ عَنهُ ابْن الْأَصَم الْمَذْكُور، وَإِن كَانَ أَيْضا يرويهِ ابْن الْأَصَم مُرْسلا لَا يذكر رجلا حَدثهُ كَمَا أوردهُ أَبُو مُحَمَّد، فَإِن لَفظه غير هَذَا اللَّفْظ وَإِن كَانَ المعني وَاحِدًا، وَلَيْسَ لَهُ أَن يعين لفظا ويركبه على إِسْنَاد لَيْسَ لَهُ، لَا سِيمَا إِذا كَانَ إِسْنَاد ذَلِك اللَّفْظ(2/55)
دون الْإِسْنَاد الَّذِي اخْتَار لَهُ.
وَبَيَان هَذَا، هُوَ أَن الْعقيلِيّ ذكر عَن البُخَارِيّ، أَن صَفْوَان الْمَذْكُور يروي عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْمُكْره، وَأَنه مُنكر لَا يُتَابع عَلَيْهِ.
ثمَّ قَالَ: حَدثنَا يحيى بن عُثْمَان، حَدثنَا نعيم بن حَمَّاد، حَدثنَا بَقِيَّة، عَن الْغَازِي بن جبلة عَن صَفْوَان الْأَصَم الطَّائِي عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن رجلا كَانَ نَائِما مَعَ امْرَأَته. الحَدِيث بنصه. فَهَذَا هُوَ الحَدِيث الَّذِي أورد أَبُو مُحَمَّد لَفظه، وَإِسْنَاده كَمَا ترى فِيهِ رجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَكَذَا فِيهِ صَفْوَان الْأَصَم، ابْن الْأَصَم، وَكَذَلِكَ هُوَ عِنْد غير الْعقيلِيّ، وَهُوَ صَوَابه، فَأَما القَوْل بِأَنَّهُ ابْن الْأَصَم فخطأ وتغيير. ثمَّ إِن الْعقيلِيّ أورد لفظا آخر بِسَنَد لم يذكر فِيهِ هَذَا الصَّحَابِيّ، فَقَالَ: أخبرنَا مسْعدَة بن سعد، حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، حَدثنَا الْغَازِي بن جبلة الجيلاني، عَن صَفْوَان بن عمرَان الطَّائِي، أَن رجلا كَانَ نَائِما [مَعَ امْرَأَته] فَأخذت سكيناً فَجَلَست على صَدره فَوضعت السكين على حلقه، فَقَالَت: [لتطلقني] ثَلَاثًا الْبَتَّةَ أَو لأذبحنك، فناشدها الله، فَأَبت عَلَيْهِ، فَطلقهَا ثَلَاثًا، فَذكر ذَلِك لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: " لَا قيلولة فِي الطَّلَاق ".
فَهَذَا كَمَا ترى لَفظه غير اللَّفْظ الَّذِي أورد، ومعناهما / وَاحِد.(2/56)
وَهَذَا هُوَ الْإِسْنَاد الَّذِي سَاق بِهِ أَبُو مُحَمَّد اللَّفْظ الأول، أَعنِي أَنه لم يذكر فِيهِ ذَلِك الصَّحَابِيّ، وَهُوَ خير من إِسْنَاد اللَّفْظ الَّذِي سَاق، فَإِنَّهُ بَرِيء من بَقِيَّة، وَمن نعيم بن حَمَّاد، وَهُوَ وَإِن كَانَ فِيهِ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، فَإِنَّهُ عَن شَامي، فجَاء من هَذَا أَنه اخْتَار إِسْنَادًا حسنا، فساق بِهِ لفظا إِنَّمَا إِسْنَاده إِسْنَاد آخر دونه، وآثره (وَإِن كَانَ مُرْسلا) على الْمسند لحسنه، وَركب عَلَيْهِ لفظ الْإِسْنَاد الْمسند، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء، وَلَا يَنْبَغِي مثله.
وَقد أوردهُ الْعقيلِيّ - أَيْضا مُرْسلا - من طَرِيق ثَالِث، لَا رَاحَة فِيهِ لأبي مُحَمَّد، لِأَن لَفظه غير اللَّفْظ الَّذِي أورد.
قَالَ الْعقيلِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن سعيد قَالَ: حَدثنَا الْوَلِيد بن مُسلم عَن الْغَازِي بن جبلة الجيلاني أَنه سمع صَفْوَان الْأَصَم يَقُول: بَينا رجل نَائِم لم يرعه إِلَّا وَامْرَأَته جالسة على صَدره، وَاضِعَة السكين على فُؤَاده وَهِي تَقول [لَهُ] : طَلقنِي أَو لأَقْتُلَنك، فَطلقهَا، ثمَّ أَتَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: فَذكر ذَلِك لَهُ، فَقَالَ: " لَا قيلولة فِي الطَّلَاق، لَا قيلولة فِي الطَّلَاق ".
فَهَذَا أَيْضا لَا ذكر فِيهِ لرجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَمَا سَاقه أَبُو مُحَمَّد وَلَكِن لَفظه غير اللَّفْظ الَّذِي سَاق، وَاللَّفْظ الَّذِي سَاق، إِنَّمَا يكون عَن صَفْوَان الْأَصَم، لَا ابْن الْأَصَم، عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَمن طَرِيق نعيم بن حَمَّاد، عَن بَقِيَّة، وَلَا يعد اللَّفْظ الَّذِي سَاق / مروياً من هذَيْن الطَّرِيقَيْنِ الْمُرْسلين اللَّذين لَا ذكر فيهمَا لرجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَا لنعيم وَبَقِيَّة، إِلَّا على غَايَة التسامح.(2/57)
وَإِلَى ذَلِك فَإِن جَمِيعهَا لابد فِيهِ من الْغَازِي بن جبلة، وَهُوَ لَا يعرف إِلَّا بِهِ، وَلَا يدرى مِمَّن الْجِنَايَة فِيهِ، أَمنه أم من صَفْوَان، فكنى ذكره؟ وَالْحمل فِيهِ على صَفْوَان لَيْسَ بِصَحِيح من الْعَمَل.
وَقد حكى ابْن أبي حَاتِم عَن أَبِيه أَنه قَالَ: لَا أَدْرِي الْإِنْكَار مِنْهُ أم من صَفْوَان الْأَصَم؟ قَالَ: وَهُوَ مُنكر الحَدِيث - يَعْنِي الْغَازِي بن جبلة -.
وَكَذَا قَالَ البُخَارِيّ أَيْضا: إِنَّه مُنكر الحَدِيث فِي طَلَاق الْمُكْره.
وَبِهَذَا ذكره / السَّاجِي وَأَبُو أَحْمد بن عدي عَن البُخَارِيّ.
وَفِي الْحَقِيقَة أَنه - أَعنِي أَبَا مُحَمَّد - لما ذكر اللَّفْظ الْمَذْكُور وَلم يعبه إِلَّا بِصَفْوَان الْأَصَم، فقد طوى ذكر ضعفاء، وهم: الْغَازِي بن جبلة، وَبَقِيَّة، ونعيم بن حَمَّاد، فَإِن ذَلِك اللَّفْظ إِنَّمَا هُوَ من روايتهم، وَأسْقط مِنْهُ الصَّحَابِيّ، وَهَذَا هُوَ مَقْصُود الْبَاب.
(31) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد أَيْضا حَدِيث عُثْمَان الْخُرَاسَانِي، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَذكر حق الْجَار - وَقَالَ: " وَلَا تستطيل عَلَيْهِ بِالْبِنَاءِ فتحجب عَنهُ الرّيح إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَا تؤذه بِقُتَارِ قدرك، إِلَّا أَن تغرف لَهُ(2/58)
مِنْهَا " وَذكر الحَدِيث.
قَالَ: وَهَذَا حَدِيث مُنكر، وَإِسْنَاده ضَعِيف لَا يعول عَلَيْهِ.
هَذَا نَص مَا ذكره بِهِ، ودخوله فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها وَلم يبين عللها بَين، وسأذكره ثمَّ، إِن شَاءَ الله تَعَالَى، محيلاً على مَا نذْكر هُنَا لما أوجب التَّغْيِير الَّذِي فِيهِ من تَقْدِيمه.
وَذَلِكَ أَنه لَيْسَ هَكَذَا هُوَ فِي كتاب أبي أَحْمد، بل هُوَ عِنْده من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده.
قَالَ أَبُو أَحْمد: حَدثنَا أَبُو قصي، قَالَ: حَدثنَا سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن، قَالَ: حَدثنَا سُوَيْد بن عبد الْعَزِيز، قَالَ: حَدثنَا عُثْمَان بن عَطاء الْخُرَاسَانِي، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه عَن جده، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من أغلق بَابه دون جَاره مَخَافَة على أَهله وَمَاله، فَلَيْسَ ذَلِك بِمُؤْمِن، وَلَيْسَ بِمُؤْمِن من لَا يَأْمَن جَاره بوائقه، أَتَدْرِي مَا حق الْجَار؟ إِذا استعانك أعنته، وَإِذا استقرضك أَقْرَضته، وَإِذا افْتقر عدت عَلَيْهِ، وَإِذا مرض عدته، وَإِذا أَصَابَهُ خير هنيته، وَإِذا أَصَابَته مُصِيبَة عزيته، وَإِذا مَاتَ تبِعت جنَازَته، وَلَا تستطيل عَلَيْهِ بِالْبِنَاءِ تحجب عَنهُ الرّيح إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَا تؤذه بِقُتَارِ قدرك إِلَّا أَن تغرف لَهُ مِنْهَا، وَإِن اشْتريت فَاكِهَة فاهد لَهُ، فَإِن لم تفعل(2/59)
فَأدْخلهَا سرا، وَلَا يخرج بهَا ولدك ليغيظ بهَا وَلَده، أَتَدْرُونَ مَا حق الْجَار؟ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا يبلغ حق الْجَار / إِلَّا قَلِيل مِمَّن رَحمَه الله ".
فَمَا زَالَ يوصيهم بالجار حَتَّى ظنُّوا أَنه سيورثه، ثمَّ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الْجِيرَان ثَلَاثَة: فَمنهمْ من لَهُ ثَلَاثَة حُقُوق، وَمِنْهُم من لَهُ حقان، وَمِنْهُم من لَهُ حق، فَأَما الَّذِي لَهُ ثَلَاثَة حُقُوق، فالجار الْمُسلم الْقَرِيب، لَهُ حق الْجوَار، وَحقّ الْإِسْلَام، وَحقّ الْقَرَابَة، وَأما الَّذِي لَهُ حقان، فالجار الْمُسلم، لَهُ حق الْجوَار، وَحقّ الْإِسْلَام، وَأما الَّذِي لَهُ حق وَاحِد، فالجار الْكَافِر / لَهُ حق الْجوَار، قلت: يَا رَسُول الله، نطعمهم من نسكنا؟ قَالَ: لَا تطعموا الْمُشْركين بِشَيْء من النّسك ".
هَذَا نَص الحَدِيث عِنْد أبي أَحْمد، وَهُوَ شَدِيد النكارة، وَلَو جَاءَ بِهِ أوثق النَّاس، فَكيف هَؤُلَاءِ.
وَكَذَا وَقع فِي النُّسْخَة من كتاب أبي أَحْمد: عُثْمَان بن عَطاء، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده.
وأخاف أَن يكون قَوْله: " عَن جده " فِي عُثْمَان بن عَطاء خطأ، فَإِنِّي لَا أعرف لعبد الله أبي مُسلم - وَالِد عَطاء الْخُرَاسَانِي، مولى الْمُهلب بن أبي صفرَة - رِوَايَة، وَإِنَّمَا يروي عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَطاء الْخُرَاسَانِي نَفسه، لَا بوساطة أَبِيه، فَيَنْبَغِي أَن يكون الحَدِيث هَكَذَا: عَن عُثْمَان بن عَطاء الْخُرَاسَانِي، عَن(2/60)
أَبِيه، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
(32) وَمِمَّا رُوِيَ بِهَذَا الْإِسْنَاد، مَا ذكر الْعقيلِيّ فِي كِتَابه - نذكرهُ استظهاراً لما قُلْنَاهُ - قَالَ: حَدثنَا يحيى بن أَيُّوب، قَالَ: حَدثنَا سعيد بن أبي مَرْيَم، حَدثنَا عُثْمَان بن عَطاء الْخُرَاسَانِي، عَن أَبِيه، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي أسمع مِنْك أَشْيَاء أَخَاف أَن أَنْسَاهَا، أفتأذن لي فأكتبها؟ قَالَ: " نعم ".
فقد تبين بِهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ أَن جعل أبي مُحَمَّد - رَحمَه الله - هَذَا الحَدِيث عَن عُثْمَان بن عَطاء، عَن أَبِيه عَن جده [أرَاهُ أسقط عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده] عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خطأ، وَإِنَّمَا هُوَ حَدِيث عبد الله بن عَمْرو.
والْحَدِيث غَايَة فِي الضعْف، بِضعْف عُثْمَان الْمَذْكُور، فَاعْلَم ذَلِك.
(33) وَذكر أَيْضا من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن شمير بن قيس عَن / أَبيض ابْن حمال، أَنه سَأَلَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَمَّا يحمي من الْأَرَاك، قَالَ: " مَا لم تنله أَخْفَاف الْإِبِل ".(2/61)
كَذَا ذكر هَذَا الحَدِيث فِي بَاب الْحمى، وَهُوَ هَكَذَا خطأ ينقص مِنْهُ وَاحِد، وتصحف فِيهِ سمي بشمير.
وَقد ذكر هُوَ فِي بَاب الإقطاع الحَدِيث الَّذِي هَذَا قِطْعَة مِنْهُ، على الصَّوَاب وَذَلِكَ أَنه ذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن سمي بن قيس، عَن شمير بن عبد المدان، عَن أَبيض بن حمال حَدِيث إقطاع النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِيَّاه الْملح بمأرب ثمَّ استرجاعه، وَفِيه السُّؤَال عَمَّا يحمى من الْأَرَاك فَذكر مَا تقدم. وَهَذَا الذّكر هُوَ الصَّوَاب، أَعنِي أَنه عَن سمي بن قيس، عَن شمير بن عبد المدان، عَن أَبيض.
وَقد ذكرت هَذَا الحَدِيث وبينت علته فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي سكت عَنْهَا مصححاً لَهَا، فَإِن فِيهِ خَمْسَة مجهولين.
(34) وَذكر أَيْضا من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن حَكِيم بن حَكِيم، قَالَ: كتب عمر بن الْخطاب إِلَى أبي عُبَيْدَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الله وَرَسُوله مولى من لَا مولى لَهُ، وَالْخَال وَارِث من لَا وَارِث لَهُ ".(2/62)
كَذَا وَقع هَذَا الحَدِيث فِي النّسخ، وَهُوَ خطأ ينقص مِنْهُ وَاحِد، فَإِنَّمَا يرويهِ حَكِيم بن حَكِيم، عَن أبي أُمَامَة بن سهل بن حنيف، قَالَ: كتب عمر بن الْخطاب.
وأخاف أَن يكون إِنَّمَا سقط لأبي مُحَمَّد نَفسه، بِقَرِينَة أذكرها /، وَذَلِكَ أَن الحَدِيث هُوَ فِي التِّرْمِذِيّ هَكَذَا: عَن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث، عَن حَكِيم بن حَكِيم بن عباد بن حنيف، عَن أبي أُمَامَة بن سهل بن حنيف، قَالَ: كتب عمر ابْن الْخطاب.
هَذَا نَصه، فأظن أَن أَبَا مُحَمَّد ألْقى بَصَره على حَكِيم بن حَكِيم بن عباد بن حنيف، فَكَتبهُ مُقْتَصرا من نسبه على أَبِيه، ثمَّ أعَاد بَصَره، فَوَقع على حنيف جد أبي أُمَامَة الْمُتَّصِل بِهِ، قَالَ: كتب عمر بن الْخطاب، فَظَنهُ حَنِيفا جد حَكِيم الَّذِي قد عول على اختصاره، فَكتب مَا بعده، وَذَلِكَ قَوْله: قَالَ: كتب عمر ابْن الْخطاب، وَلَو كَانَ الثَّابِت فِي الْأَحْكَام: " عَن حَكِيم بن حَكِيم بن عباد بن حنيف قَالَ: كتب عمر بن الْخطاب " كنت أَقُول: على النَّاسِخ سقط مَا بَين حنيف وحنيف / فَلَمَّا لم يثبت كَذَلِك، دلّ على أَنه من عمله، وَلَكِن بَقِي الآخر مُمكنا، وَبِاعْتِبَار إِمْكَانه لم أكتب هَذَا فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة وَهِي مُنْقَطِعَة.
وَقد تحقق الظَّن وارتفع الِاحْتِمَال، بِأَنَّهُ فِي كِتَابه الْكَبِير هَكَذَا - وَمن خطه نقلت - التِّرْمِذِيّ، قَالَ: حَدثنَا بنْدَار، وَحدثنَا أَحْمد الزبيرِي، حَدثنَا سُفْيَان، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث، عَن حَكِيم بن حَكِيم بن عباد بن(2/63)
حنيف، قَالَ: كتب عمر بن الْخطاب.
فقد تبين أَن سُقُوط أبي أُمَامَة بن سهل بن حنيف، إِنَّمَا هُوَ من خطئه، ثمَّ اخْتَصَرَهُ هَاهُنَا على الْخَطَأ.
وَإِلَى هَذَا فَإِنَّهُ حسن الحَدِيث، وَلم يبين لم لم يَصح؟ وَقد بَينا ذَلِك فِي مَوْضِعه.
(35) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن سعيد بن غَزوَان، عَن أَبِيه، أَنه مر بَين يَدي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بتبوك، وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَ: " قطع صَلَاتنَا قطع الله أَثَره ".
قَالَ: فَمَا قُمْت عَلَيْهِمَا إِلَى يومي هَذَا.
هَكَذَا ذكر هَذَا الحَدِيث وَلم يبين علته بعد أَن قَالَ فِيهِ: ضَعِيف، وَقد بيّنت ذَلِك فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها وَلم يبين عللها.
وَالْمرَاد الْآن مِنْهُ بَيَان الْوَهم فِيهِ بِنِسْبَة الْمُرُور إِلَى غَزوَان وَالِد سعيد، وَهُوَ إِذا كَانَ كَذَلِك، يسْقط مِنْهُ وَاحِد، عَنهُ أَخذ ذَلِك غَزوَان الْمَذْكُور. ويتبين ذَلِك بِالْوُقُوفِ على نَص مَا أورد فِيهِ أَبُو دَاوُد.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا أَحْمد بن سعيد الْهَمدَانِي وَسليمَان بن دَاوُد، قَالَا: حَدثنَا ابْن وهب، قَالَ: حَدثنَا مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن سعيد بن غَزوَان(2/64)
عَن أَبِيه أَنه نزل بتبوك وَهُوَ حَاج، فَإِذا رجل مقْعد، فَسَأَلَهُ عَن أمره، فَقَالَ لَهُ: سأحدثك حَدِيثا، فَلَا تحدث بِهِ مَا سَمِعت أَنِّي حَيّ: إِن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نزل بتبوك إِلَى نَخْلَة، فَقَالَ: " هَذِه قبلتنا " ثمَّ صلى إِلَيْهَا، فَأَقْبَلت، وَأَنا غُلَام أسعى، حَتَّى مَرَرْت بَينه وَبَينهَا، فَقَالَ: " قطع صَلَاتنَا قطع الله أَثَره ". فَمَا قُمْت عَلَيْهِمَا إِلَى يومي هَذَا.
هَذَا نَص الْخَبَر عِنْد أبي دَاوُد، فغزوان فِيهَا تَابِعِيّ، وَجعله أَبُو مُحَمَّد فِي سِيَاقه صحابياً صَاحب الْقِصَّة.
والْحَدِيث فِي غَايَة الضعْف، ونكارة الْمَتْن، فَإِن دعاءه عَلَيْهِ السَّلَام لمن لَيْسَ لَهُ بِأَهْل، زَكَاة وَرَحْمَة، فَاعْلَم ذَلِك /.
(36) وَذكر أَيْضا من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن شريك، عَن عَاصِم بن كُلَيْب، عَن أَبِيه، عَن وَائِل بن حجر، قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا سجد وضع رُكْبَتَيْهِ قبل يَدَيْهِ " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: رَوَاهُ همام عَن عَاصِم مُرْسلا، وَهَمَّام ثِقَة.
كَذَا قَالَ، وَظَاهره أَن هماماً خَالف / شَرِيكا، فَرَوَاهُ عَن عَاصِم مُرْسلا، وَرَوَاهُ شريك عَن عَاصِم مُتَّصِلا، كَأَنَّهُمَا جَمِيعًا روياه عَن عَاصِم،(2/65)
وَالْأَمر فِيهِ لَيْسَ كَذَلِك عِنْد أبي دَاوُد.
وَإِنَّمَا يرويهِ همام عَن شَقِيق، قَالَ: حَدثنَا عَاصِم بن كُلَيْب، عَن أَبِيه عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هَكَذَا مُرْسلا.
فهمام إِذن لم يروه عَن عَاصِم، ويؤكد قبح هَذَا الْعَمَل ضعف شَقِيق الَّذِي عَنهُ رَوَاهُ همام، فَإِنَّهُ شَقِيق أَبُو اللَّيْث، هُوَ لَا يعرف بِغَيْر رِوَايَة همام عَنهُ
فإسقاطه إِزَالَة ضَعِيف من الْإِسْنَاد، وَهِي التَّسْوِيَة، وَقد تبين فِي كتاب المراسل فِي نفس الْإِسْنَاد أَنه شَقِيق أَبُو اللَّيْث، فَاعْلَم ذَلِك.
(3) وَذكر أَيْضا حَدِيث ابْن عمر: سُئِلَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: مَا يجوز فِي الرضَاعَة من الشُّهُود؟ قَالَ: " رجل وَامْرَأَة " من طَرِيق ابْن أبي شيبَة، عَن مُحَمَّد ابْن عبد الرَّحْمَن بن الْبَيْلَمَانِي، عَن ابْن عمر، ثمَّ قَالَ: الْبَيْلَمَانِي ضَعِيف.
كَذَا أوردهُ، وَهُوَ هَكَذَا قد سقط مِنْهُ وَاحِد، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْد ابْن أبي شيبَة: عَن مُعْتَمر بن سُلَيْمَان، حَدثنَا مُحَمَّد بن عثيم، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الْبَيْلَمَانِي، عَن أَبِيه، عَن ابْن عمر، قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: مَا يجوز فِي الرضَاعَة من الشُّهُود؟ قَالَ: " رجل أَو امْرَأَة ".
فَهَذَا - كَمَا ترى - بَيَان سُقُوط وَاحِد من إِيرَاد أبي مُحَمَّد، وَهُوَ عبد الرَّحْمَن الْبَيْلَمَانِي، وَالِد مُحَمَّد.
وَهَكَذَا ثَبت عِنْد ابْن أبي شيبَة: " أَو امْرَأَة " بِأَو، خلاف مَا وَقع فِي نسخ(2/66)
الْأَحْكَام، وَهُوَ من قسم التَّغْيِير الْوَاقِع فِي الْمُتُون، وسأذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَأما قَوْله: الْبَيْلَمَانِي ضَعِيف، فَإِنَّهُ لم يتَبَيَّن مِنْهُ من يَعْنِي: الْأَب أم الابْن؟ وَله مثل هَذَا فِي أَحَادِيث كَثِيرَة، سأبين ذَلِك فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ الله.
(38) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، من رِوَايَة الْوَلِيد بن سَلمَة - مؤدب الْمَأْمُون - عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن يحيى بن أبي كثير عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا نذر فِي غيظ ".
ثمَّ قَالَ: حَدِيث غير مَحْفُوظ.
كَذَا وَقع فِي النّسخ، وَهُوَ هَكَذَا قد سقط مِنْهُ أَبُو سَلمَة، بَين يحيى بن أبي كثير، وَأبي هُرَيْرَة.
كَذَا هُوَ فِي كتاب أبي أَحْمد الَّذِي نَقله من عِنْده.
وسأعيد ذكر هَذَا الْخَبَر فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أعلها وَلم يبين عللها إِن شَاءَ الله تَعَالَى.(2/67)
(3) بَاب نِسْبَة الْأَحَادِيث إِلَى غير رواتها(2/69)
اعْلَم أَن كل حَدِيث تقدم ذكره فِي بَاب الزِّيَادَة فِي الْأَسَانِيد، فَإِنَّهُ من هَذَا الْبَاب بِاعْتِبَار، وَذَلِكَ أَنه إِذا قَالَ فِي حَدِيث: رَوَاهُ يحيى بن بشير بن خَلاد، عَن أمه فقد نسبه إِلَى غير رُوَاته فَإِن بشيراً وَأمه لم يروياه، وَكَذَلِكَ عَن أبي مَيْمُونَة وَالِد عَطاء، وَعَن عبد الله بن كنَانَة وَالِد إِسْحَاق، إِلَى سَائِر مَا فِي الْبَاب.
وَلَكِن لَا أُعِيد مِنْهَا شَيْئا هُنَا، وَإِنَّمَا أذكر غَيرهَا مِمَّا هُوَ نِسْبَة الْأَحَادِيث إِلَى غير رواتها، وَلَا يزْدَاد بِهِ فِي الْأَسَانِيد من لَيْسَ مِنْهَا، فَأَقُول:
(39) وَذكر من طَرِيق مُسلم عَن أنس حَدِيث: " لَا يتمنين أحدكُم الْمَوْت لضر نزل بِهِ، فَإِن كَانَ لَا بُد متمنياً " الحَدِيث. ثمَّ قَالَ:
(40) وَعنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يتمنين أحدكُم الْمَوْت، وَلَا يدع بِهِ من قبل أَن يَأْتِيهِ، إِنَّه إِذا مَاتَ أحدكُم انْقَطع عمله، وَإنَّهُ لَا يزِيد الْمُؤمن عمره إِلَّا خيرا ".
(41) وَقَالَ البُخَارِيّ: " لَا يتمنين أحدكُم الْمَوْت، إم محسناً فَلَعَلَّهُ أَن يزْدَاد خيرا، وَإِمَّا مسيئاً فَلَعَلَّهُ أَن يستعتب ".(2/71)
هَكَذَا ذكر هَذِه الْأَحَادِيث وَالْخَطَأ فِيهِ فِي عطف الثَّانِي على الأول، ثمَّ / فِي عطف الثَّالِث على الثَّانِي، فَإِن الثَّانِي إِنَّمَا هُوَ عِنْد مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، لَا من حَدِيث أنس، وَلَيْسَ لَهُ عِنْده غير طَرِيق وَاحِد، وَهُوَ من صحيفَة همام.
وَالثَّالِث الَّذِي عزاهُ / إِلَى البُخَارِيّ، هُوَ أَيْضا عِنْد البُخَارِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، لَا من حَدِيث أنس كَذَلِك، إِلَّا أَنه لَيْسَ فِيهِ لَفظه " يزْدَاد خيرا " وَإِنَّمَا نَصه عِنْده هَكَذَا: حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد، حَدثنَا هِشَام بن يُوسُف حَدثنَا معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي عبيد، عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا يتمنين أحدكُم الْمَوْت، إِمَّا محسناً فَلَعَلَّهُ يزْدَاد، وَإِمَّا مسيئاً فَلَعَلَّهُ يستعتب ".
وَاللَّفْظ الَّذِي أورد أَبُو مُحَمَّد، هُوَ من عِنْد النَّسَائِيّ، من رِوَايَة عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَمِنْه ذكره هُوَ فِي كِتَابه الْكَبِير بِإِسْنَادِهِ وَمَتنه وَعَزاهُ هَاهُنَا إِلَى البُخَارِيّ.
وَلَيْسَ هَذَا الْآن بمقصود، وَإِنَّمَا الْمَقْصُود مَا قد بَينته من أَن الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّالِث، من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة، لَا من رِوَايَة أنس.(2/72)
(42) وَذكر أَيْضا من طَرِيق مُسلم، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَا زَالَ جِبْرِيل يوصيني بالجار حَتَّى ظَنَنْت أَنه سيورثه ".
(43) وَعنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَنا وكافل الْيَتِيم لَهُ أَو لغيره، كهاتين ".
كَذَا ذكرهمَا، وَعطف الثَّانِي على الأول يُحَقّق أَن الْخَطَأ فِي الأول مِنْهُ، فَإِن الثَّانِي عَن أبي هُرَيْرَة لَا شكّ فِيهِ، فَهُوَ إِذن لم يعطفه على الأول حَتَّى ظن أَن الأول عَن أبي هُرَيْرَة، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا هُوَ فِي كتاب مُسلم من رِوَايَة عَائِشَة، ثمَّ من رِوَايَة ابْن عمر.
وَقد رَأَيْته أوردهُ فِي كِتَابه الْكَبِير من طَرِيق مُسلم عَن عَائِشَة على الصَّوَاب، ثمَّ أتبعه من طَرِيق مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة حَدِيث:
(44) " لَا يدْخل الْجنَّة من لَا يَأْمَن جَاره بوائقه ".
فَأَخَاف أَن يكون من هَاهُنَا أُتِي إِمَّا أَن يكون اخْتَصَرَهُ حِين اخْتَصَرَهُ من(2/73)
هَذَا الْموضع فزل بَصَره، أَو كتبه من حفظه وَقد اخْتَلَّ فِيهِ.
(45) وَذكر أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن أغبط أوليائي عِنْدِي، لمُؤْمِن خَفِيف الحاذ ذُو حَظّ من الصَّلَاة " الحَدِيث.
ذكره من طَرِيق التِّرْمِذِيّ.
وَهَكَذَا رَأَيْته فِي النّسخ عَن أبي هُرَيْرَة، وَهُوَ خطأ، وَإِنَّمَا الحَدِيث عِنْد التِّرْمِذِيّ وَغَيره حَدِيث أبي أُمَامَة، يرويهِ عَنهُ الْقَاسِم أَبُو عبد الرَّحْمَن، وَعَن / الْقَاسِم عَليّ بن يزِيد، وَعنهُ عبيد الله بن زحر، وَعنهُ يحيى بن أَيُّوب.
هَذَا إِسْنَاده عِنْد التِّرْمِذِيّ، وَسكت عَنهُ أَبُو مُحَمَّد متسامحاً، وَقد كتبته فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي سكت عَنْهَا مُبينًا لحَال هَذَا الْإِسْنَاد.
(46) وَذكر أَيْضا من طَرِيق مُسلم، عَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب: " شهِدت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم حنين، فلزمت أَنا وَأَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث.(2/74)
بغلة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ". الحَدِيث بِطُولِهِ، ثمَّ قَالَ:
(47) وَعَن الْبَراء فِي هَذَا الحَدِيث قَالَ: فَلَمَّا غشوا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نزل عَن البغلة، ثمَّ قبض قَبْضَة من تُرَاب الأَرْض، ثمَّ اسْتقْبل بهَا وُجُوههم فَقَالَ: " شَاهَت الْوُجُوه " فَمَا خلق الله مِنْهُم أنسانا إِلَّا مَلأ عَيْنَيْهِ تُرَابا، الحَدِيث.
هَكَذَا / جعل هَذَا عَن الْبَراء، وَذَلِكَ عين الْخَطَأ، وَلم يذكرهُ مُسلم عَنهُ.
وَإِنَّمَا هُوَ حَدِيث إِيَاس بن سَلمَة بن الْأَكْوَع، عَن أَبِيه، اتَّصل بِحَدِيث الْبَراء من جَمِيع طرقه، فَظَنهُ مِنْهُ وَلم يتثبت.
قَالَ مُسلم: حَدثنَا زُهَيْر بن حَرْب قَالَ: حَدثنَا عمر بن يُونُس الْحَنَفِيّ، قَالَ: حَدثنَا عِكْرِمَة بن عمار، قَالَ: أنبأني إِيَاس بن سَلمَة، قَالَ حَدثنَا أَبى، قَالَ: غزونا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حنيناً، فَلَمَّا وَاجَهنَا الْعَدو تقدّمت فأعلو ثنية فاستقبلني رجل من الْعَدو فأرميه بِسَهْم فتوارى عني، فَمَا دَريت مَا صنع، وَنظرت إِلَى الْقَوْم فَإِذا هم قد طلعوا من ثنيه أُخْرَى فالتقواهم.(2/75)
وصحابة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فولى أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأرجع مُنْهَزِمًا، وَعلي بردتان، متزراً بِإِحْدَاهُمَا مرتدياً بِالْأُخْرَى، فاستطلق إزَارِي فجمعتهما جَمِيعًا، ومررت على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: مُنْهَزِمًا وَهُوَ على بغلته الشَّهْبَاء، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لقد رأى ابْن الْأَكْوَع فَزعًا، فَلَمَّا غشوا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ... " الحَدِيث كَمَا ذكره.
وَمَا للفظ الْمَذْكُور عَن غير سَلمَة بن الْأَكْوَع فِي كتاب مُسلم ذكر.
(48) وَذكر أَيْضا من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن حميد، عَن الْحسن، عَن عمرَان ابْن حُصَيْن، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - / قَالَ: " لَا جلب وَلَا جنب فِي الرِّهَان ".
قَالَ: وَقد رُوِيَ هَذَا عَن حميد، عَن أنس، وَهُوَ خطأ، وَالصَّوَاب فِي إِسْنَاده: حميد، عَن الْحسن، عَن عمرَان، ذكر ذَلِك النَّسَائِيّ رَحمَه الله.
هَذَا نَص مَا ذكر، وَفِيه أَرْبَعَة أَشْيَاء، مِنْهَا لهَذَا الْبَاب اثْنَان:
الأول: أَنه مُنْقَطع، فَإِن الْحسن لم يَصح سَمَاعه من عمرَان، وَلم يثبت مَا رُوِيَ من قَوْله: أَخذ عمرَان بيَدي.
وَقد اعْترض أَبُو مُحَمَّد تَصْحِيح التِّرْمِذِيّ حَدِيث:(2/76)
(49) " إطْعَام الْجد سدساً بعد توريثه سدساً " بِأَن قَالَ: قَالَ أَبُو حَاتِم: لم يسمع الْحسن من عمرَان.
وَسَيَأْتِي هَذَا مُبينًا فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة وَهِي مُنْقَطِعَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَالثَّانِي: أَنه أوردهُ عَن حميد، عَن الْحسن، عَن عمرَان، وَذَلِكَ عين الْخَطَأ، وَإِنَّمَا هُوَ عَن عَنْبَسَة عَن الْحسن، عَن عمرَان، هُوَ أحد الخطأين اللَّذين قصدت بيانهما فِي هَذَا الْبَاب، وَهُوَ يُمكن أَن يخفي على من لَا يتثبت. وَذَلِكَ أَن أَبَا دَاوُد قَالَ: حَدثنَا يحيى بن خلف، قَالَ: حَدثنَا عبد الْوَهَّاب بن عبد الْمجِيد، قَالَ حَدثنَا عَنْبَسَة.
وَحدثنَا مُسَدّد، قَالَ: حَدثنَا بشر بن الْمفضل عَن حميد الطَّوِيل جَمِيعًا، عَن الْحسن، عَن عمرَان بن حُصَيْن، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا جلب وَلَا جنب ".
زَاد يحيى فِي حَدِيثه: " فِي الرِّهَان ".
هَذَا نَصه، وَقد بَين فِيهِ أَن الزِّيَادَة الْمَذْكُورَة إِنَّمَا هِيَ فِي حَدِيث يحيى بن خلف، وَيحيى بن خلف إِنَّمَا يرويهِ عَن عبد الْوَهَّاب، عَن عَنْبَسَة، عَن الْحسن، عَن عمرَان.
فَالْقَوْل بِأَن ذَلِك من رِوَايَة حميد عَن الْحسن، إِضَافَة حَدِيث إِلَى غير رَاوِيه.
وَالثَّالِث - وَهُوَ لغير هَذَا الْبَاب (جَرّه هَذَا الثَّانِي) - وَهُوَ سُكُوته عَنهُ مصححاً لَهُ، فَإِن سُكُوته عَن الْأَحَادِيث إِعْلَام بِصِحَّتِهَا عِنْده، كَذَا أخبر عَن نَفسه.(2/77)
وَإِنَّمَا سكت عَنهُ لما خَفِي عَلَيْهِ أَنه من رِوَايَة عَنْبَسَة، وَظن أَنه من رِوَايَة حميد، وَذَلِكَ أَن عَنْبَسَة هُوَ ابْن سعيد، أَخُو أبي الرّبيع السمان / وَهُوَ ضَعِيف مختلط، قَالَ عَمْرو بن عَليّ: كَانَ مخلطاً، وَلَا روى عَنهُ، مَتْرُوك الحَدِيث، صَدُوق لَا يحفظ.
(50) وَقد ذكر فِي بَاب السَّلَام والاستئذان، حدث هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه عَن جده، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مس يَهُودِيّا فَتَوَضَّأ ".
ثمَّ قَالَ: عَنْبَسَة بن سعيد الْقطَّان، أَخُو الرّبيع السمان، كَانَ صَدُوقًا وَكَانَ لَا يحفظ.
وَالرَّابِع لهَذَا الْبَاب وَهُوَ قَوْله: وَقد رُوِيَ هَذَا عَن حميد، عَن أنس، وَهُوَ خطأ، وَذَلِكَ مِنْهُ خطأ، فَإِن معينه إِنَّمَا هُوَ زِيَادَة " فِي الرِّهَان "، وَلذَلِك أوردهُ فِي أَحَادِيث السباق من كتاب الْجِهَاد، وَلم يرو هَذَا قطّ حميد، عَن أنس.
والْحَدِيث الَّذِي تكلم النَّاس فِيهِ من رِوَايَة أنس وَمن رِوَايَة حميد عَن(2/78)
الْحسن، عَن عمرَان، إِنَّمَا هُوَ بِغَيْر الزِّيَادَة الْمَذْكُورَة.
(51) وكما قد أوردهُ هُوَ فِي كتاب الزَّكَاة من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه، عَن جده، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا جلب وَلَا جنب، وَلَا تُؤْخَذ صَدَقَاتهمْ إِلَّا فِي دُورهمْ ".
كَذَلِك كَانَ لَهُ أَن يُورِدهُ فِي النِّكَاح فِي بَاب الشّغَار، لزِيَادَة: " وَلَا شغار فِي الْإِسْلَام "، فَأَما هَذِه الزِّيَادَة فَإِنَّمَا هِيَ من رِوَايَة عَنْبَسَة بن سعيد كَمَا أَخْبَرتك.
وَإِن أردْت الْوُقُوف على حَدِيث أنس وَحَدِيث الْحسن، عَن عمرَان، من غير رِوَايَة عَنْبَسَة، لتعلم أَنه لَيْسَ فِي وَاحِد مِنْهُمَا زِيَادَة " فِي الرِّهَان "، فهذان هما:
(52) قَالَ النَّسَائِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن بزيع قَالَ: حَدثنَا يزِيد - وَهُوَ ابْن زُرَيْع - قَالَ حَدثنَا حميد، قَالَ: حَدثنَا الْحسن، عَن عمرَان بن حُصَيْن، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا جلب، وَلَا جنب، وَلَا شغار فِي الْإِسْلَام، وَمن انتهب نهبة فَلَيْسَ منا ".
وَرَوَاهُ أَيْضا ابو قزعة، عَن الْحسن، أخبرنَا مُحَمَّد بن بشار، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد، قَالَ حَدثنَا شُعْبَة، عَن أبي قزعة، عَن الْحسن، عَن عمرَان بن حُصَيْن، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا جلب، وَلَا جنب، وَلَا شغار فِي الْإِسْلَام ".(2/79)
وَرَوَاهُ أَيْضا يُونُس بن عبيد عَن الْحسن.
قَالَ ابْن السكن: أخبرنَا عبد الله بن مُحَمَّد الْبَغَوِيّ، حَدثنَا عبيد الله بن عمر القواريري، حَدثنَا بشر بن الْمفضل، حَدثنَا يُونُس بن عبيد، عَن الْحسن، عَن عمرَان بن حُصَيْن عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا جلب، [وَلَا جنب] ، وَلَا شغار فِي الْإِسْلَام، وَمن انتهب نهبة فَلَيْسَ منا " /.
(53) وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي كتاب الْعِلَل: حَدثنَا مَحْمُود بن غيلَان، حَدثنَا عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن ثَابت، عَن أنس، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: لَا جلب، وَلَا جنب، وَلَا شغار فِي الْإِسْلَام، وَمن انتهب فَلَيْسَ منا ".
سَأَلت مُحَمَّدًا عَنهُ فَقَالَ: لَا أعرفهُ إِلَّا من حَدِيث عبد الرَّزَّاق، وَلَا أعلم أحدا رَوَاهُ عَن ثَابت غير معمر، وَرُبمَا قَالَ عبد الرَّزَّاق فِي هَذَا الحَدِيث: عَن ثَابت وَأَبَان عَن أنس. انْتهى كَلَام التِّرْمِذِيّ.
وَقد روى هَذَا الحَدِيث بِأَكْثَرَ من هَذَا الْكَلَام.
قَالَ الْبَزَّار: حَدثنَا الْحسن بن مهْدي، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّزَّاق، قَالَ: أخبرنَا معمر، عَن ثَابت، عَن أنس.
وحدثناه زُهَيْر بن مُحَمَّد، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّزَّاق، قَالَ: حَدثنَا معمر، عَن أنس وَاللَّفْظ لفظ زُهَيْر قَالَ: لما بَايع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - النِّسَاء أَخذ عَلَيْهِنَّ أَلا(2/80)
يَنحن فَقُلْنَ: يَا رَسُول الله، إِن نسَاء أسعدننا فِي الْجَاهِلِيَّة أفنسعدهن فِي الْإِسْلَام؟ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا إسعاد فِي الْإِسْلَام، وَلَا جلب، وَلَا جنب، وَمن انتهب فَلَيْسَ منا ".
ثمَّ قَالَ: لَا نعلم رَوَاهُ عَن ثَابت، عَن أنس إِلَّا معمر.
وَقد تبين الْمَقْصُود، وَهُوَ أَن زِيَادَة " فِي الرِّهَان " إِنَّمَا هِيَ من رِوَايَة عَنْبَسَة، عَن الْحسن، عَن عمرَان، وَلَا آمن أَن تكون هَذِه الزِّيَادَة من المدرج فَسرهَا يحيى بن خلف، أَو من فَوْقه فاتصلت بالْخبر، فَاعْلَم ذَلِك.
(54) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار حَدِيث زيد بن حَارِثَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي أول مَا أُوحِي إِلَيْهِ أَتَاهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ / السَّلَام فَعلمه الْوضُوء، فَلَمَّا فرغ أَخذ حفْنَة من مَاء فنضح بهَا فرجه.
ثمَّ قَالَ: هَذَا يرويهِ عبد الله بن لَهِيعَة، وَهُوَ ضَعِيف عِنْدهم، وَقد رُوِيَ أَيْضا من طَرِيق رشدين ابْن سعد بِسَنَدِهِ إِلَى زيد بن حَارِثَة، وَهُوَ ضَعِيف.(2/81)
عِنْدهم كَذَلِك.
هَكَذَا ذكر رِوَايَة رشدين أَنَّهَا عَن زيد بن حَارِثَة، كَرِوَايَة ابْن لَهِيعَة، وَذَلِكَ شَيْء لَا يعرف، وَمَا رِوَايَة رشدين إِلَّا عَن أُسَامَة بن زيد بن حَارِثَة أَن جِبْرِيل نزل على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أرَاهُ الْوضُوء، فَلَمَّا فرغ من وضوئِهِ أَخذ حفْنَة من مَاء فرش بهَا فِي الْفرج. يَرْوِيهَا عقيل، وقرة، عَن ابْن شهَاب، / عَن عُرْوَة، عَن أُسَامَة بن زيد كَذَلِك مُرْسلَة.
هَكَذَا ذكرهَا الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره، وَلَا ذكر فِيهَا لزيد بن حَارِثَة، فَاعْلَم ذَلِك.
(55) وَذكر أَيْضا من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ عَن الْحسن بن دِينَار، قَالَ: حَدثنَا أَبُو جَعْفَر الْمَنْصُور، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " اجتنبوا من النِّكَاح أَرْبَعَة " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: وَالْحسن بن دِينَار مَتْرُوك. هَكَذَا ذكر عَن الْحسن بن دِينَار، وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِك فِي كتاب الدَّارَقُطْنِيّ، بل " عَن الْحسن بن عمَارَة " وَهُوَ أَيْضا مَتْرُوك كَذَلِك، وَقد ارتبت من هَذَا فِي(2/82)
كتابي من الدَّارَقُطْنِيّ، فاستظهرت بِغَيْرِهِ، فَرَأَيْت الْحسن بن عمَارَة فِي كل مَا رَأَيْت مِنْهَا، وفيهَا نسخ عتق، وَكتاب أبي عَليّ الصَّدَفِي بِخَطِّهِ كَاف فِي ذَلِك.
وَسَنذكر هَذَا الحَدِيث مرّة أُخْرَى فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أعلها بِقوم وَترك دونهم من هُوَ مثلهم أَو أَضْعَف مِنْهُم، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(56) وَذكر أَيْضا من طَرِيق أبي أَحْمد، عَن مُعَاوِيَة بن عَطاء، عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن مَنْصُور، عَن زر عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذكر الْأَصْنَاف السِّتَّة الربوية، وَزَاد: " الزَّيْت بالزيت ".
كَذَا رَأَيْته فِي النّسخ: " الزَّيْت "، وَهُوَ خطأ، وَصَوَابه: " الزَّبِيب "، وَكَذَلِكَ على الصَّوَاب هُوَ فِي الْكتاب الَّذِي نقل مِنْهُ: كتاب أبي أَحْمد.
وَلَيْسَ هَذَا مَقْصُودا الْآن، فَإِنَّهُ من قسم التَّغْيِير الْوَاقِع فِي الْمُتُون. وَالَّذِي قصدت مِنْهُ الْآن، هُوَ قَوْله: عَن ابْن عمر، وَذَلِكَ خطأ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْموضع الَّذِي نَقله مِنْهُ وَبِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور إِلَى زر، عَن عمر بن الْخطاب، وزر مَعْرُوف الرِّوَايَة عَن عمر وَعلي.(2/83)
\ وَلِلْحَدِيثِ شَأْن آخر، أذكرهُ بِهِ إِن شَاءَ الله فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أغفل بَيَان عللها.
(57) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن حميد، عَن أنس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا يكْتب فِي الْخَاتم بِالْعَرَبِيَّةِ ".
ثمَّ قَالَ عَنهُ: الصَّحِيح عَن حميد مُرْسلا.
كَذَا أورد هَذَا، وَهُوَ خطأ، فَإِن الْمَفْهُوم مِنْهُ، هُوَ أَن صَحِيح الحَدِيث إِنَّمَا هُوَ كَونه مُرْسلا عَن حميد عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - / لَا مُسْندًا بِزِيَادَة أنس.
وَعزا ذَلِك إِلَى الدَّارَقُطْنِيّ، وَهُوَ لم يقل هَذَا، وَإِنَّمَا صَححهُ الدَّارَقُطْنِيّ مُرْسلا عَن حميد، عَن الْحسن، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فمرسله هُوَ الْحسن، لَا حميد.
وَقد ذكرت نَص الْوَاقِع من ذَلِك عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ، فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة وَهِي مُنْقَطِعَة.
(58) وَذكر أَيْضا من طَرِيق قَاسم بن أصبغ، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما ولدت مَارِيَة إِبْرَاهِيم، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أعْتقهَا وَلَدهَا ".(2/84)
ثمَّ قَالَ: " فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث، مُحَمَّد بن مُصعب / القرقساني وَهُوَ ضَعِيف، كَانَت فِيهِ غَفلَة، وَأحسن مَا سَمِعت فِيهِ من قَول الْمُتَقَدِّمين: صَدُوق لَا بَأْس بِهِ، وَبَعض الْمُتَأَخِّرين يوثقه ".
هَكَذَا ذكره، وَهُوَ عين الْخَطَأ، وَلَيْسَ لمُحَمد بن مُصعب فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث ذكر الْبَتَّةَ.
وَقد رَأَيْته كتبه بِخَطِّهِ فِي كِتَابه الْكَبِير بِسَنَدِهِ، فَقَالَ: حَدثنَا الْقرشِي حَدثنَا شُرَيْح، حَدثنَا عَليّ بن أَحْمد - يَعْنِي ابْن حزم - حَدثنَا يُوسُف بن عبد الله - يَعْنِي ابْن عبد الْبر - حَدثنَا عبد الْوَارِث بن سعيد، حَدثنَا قَاسم بن أصبغ، حَدثنَا مُصعب بن مُحَمَّد، حَدثنَا عبيد الله بن عمر - هُوَ الرقي - عَن عبد الْكَرِيم الْجَزرِي، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، فَذكره.
هَكَذَا كتبه بِخَطِّهِ، وَفِيه من التَّخْلِيط مَا أبينه:
أول ذَلِك قَوْله فِي شيخ ابْن عبد الْبر: " عبد الْوَارِث بن سعيد "، وَإِنَّمَا هُوَ سُفْيَان، الملقب بالحبيب، هُوَ مُخْتَصّ بقاسم، وَهُوَ أحد ثِقَات شُيُوخ أبي عمر بن عبد الْبر.(2/85)
فَأَما عبد الْوَارِث بن سعيد التنوري فَلَيْسَ هَذَا مَكَانَهُ، وَالْأَمر فِيهِ بَين، وَإِنَّمَا سبقه الْقَلَم إِلَى الْخَطَأ باسم يحفظه.
وَأما قَوْله: حَدثنَا مُصعب بن مُحَمَّد، فَهُوَ عكس هَذَا الَّذِي فِي هَذَا الْكتاب، وَأَظنهُ تَخْلِيطًا كَانَ فِي كتاب ابْن حزم، أَو قد علم عَلَيْهِ بعلامة التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير، فَلم يعلم هُوَ بهَا.
وَكتب هُنَا مُحَمَّد بن مُصعب، وَفَسرهُ بالقرقساني، وَكتب عَلَيْهِ حكمه، واستوى مَا كتب عَلَيْهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ من كَونه ذَا غَفلَة، وَكَانَ هَذَا كُله خطأ /.
وَكَانَ مَا فِي هَذَا الْكتاب أقرب إِلَى تَبْيِين الصَّوَاب، وَذَلِكَ أَن الحَدِيث فِي كتاب قَاسم، إِنَّمَا هُوَ هَكَذَا: حَدثنَا مُحَمَّد، عَن مُصعب، فمحمد هُوَ ابْن وضاح، وَمصْعَب هُوَ ابْن سعيد، وَأَبُو خَيْثَمَة المصِّيصِي وَالْأَمر فِي ذَلِك بَين، ويتكرر فِي كتاب قَاسم، حَتَّى لَا يبْقى لمن لَا يعرفهُ ريب، وَهُوَ أَيْضا يضعف، وَقد ذكره أَبُو أَحْمد، وَسَيَأْتِي لَهُ ذكر - إِن شَاءَ الله - فِي هَذَا الحَدِيث فِي مَوضِع آخر.
(م 58) وَقد مر ذكره لأبي مُحَمَّد فِي حَدِيث " النَّهْي عَن تغميض الْعَينَيْنِ فِي الصَّلَاة كَمَا يفعل الْيَهُود ".(2/86)
وَأَبُو مُحَمَّد لَا ينْقل من كتب قَاسم إِلَّا بِوَاسِطَة، فَإِنَّهُ لم يرهَا، وَقد بيّنت ذَلِك فِي الْبَاب الَّذِي أذكر فِيهِ جَمِيع من أخرج عَنهُ علم هَذَا الْكتاب.
(59) وَذكر من المراسل عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَخذ من قبل الْقبْلَة وَلم يسل سلا ".
كَذَا ذكره، وَهُوَ خطأ، وَلم يَقع فِي المراسل لَفْظَة " التَّيْمِيّ " وَإِنَّمَا هِيَ زِيَادَة مِنْهُ، وَإِنَّمَا هِيَ من رِوَايَة حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان، عَن إِبْرَاهِيم، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هَكَذَا فَقَط، وَبَين أَن حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان، إِنَّمَا يروي عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ لَا التَّيْمِيّ، وَالرجلَانِ مشتركان فِي الِاسْم وَاسم الْأَب، وكل وَاحِد مِنْهُمَا يُقَال لَهُ: إِبْرَاهِيم بن يزِيد، ويشتركان فِي الْبَلَد أَيْضا، وَفِي كثير من الروَاة من فَوق وَمن أَسْفَل.
وَلما كتب الْحجَّاج إِلَى عَامله أَن يَأْخُذ إِبْرَاهِيم بن يزِيد، كتب إِلَيْهِ: إِن قبلنَا إِبْرَاهِيم بن يزِيد التَّيْمِيّ، وَإِبْرَاهِيم بن يزِيد النَّخعِيّ، فَكتب إِلَيْهِ أَن خذهما جَمِيعًا.
قَالَ هشيم: أما النَّخعِيّ فَلم يُوجد حَتَّى مَاتَ، وَأما التَّيْمِيّ فَأخذ فَمَاتَ فِي السجْن.
وَالْمَقْصُود أَن تعلم أَن لفظ التَّيْمِيّ الَّتِي أزعم أَنَّهَا خطأ، لَيست فِي(2/87)
الْموضع الَّذِي نقل الحَدِيث الْمَذْكُور مِنْهُ، فَاعْلَم ذَلِك.
(60) وَذكر أَيْضا من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ / عَن ابْن عمر أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " نهى عَن بيع أُمَّهَات الْأَوْلَاد "، وَقَالَ: " لَا يبعن، وَلَا يوهبن، وَلَا يورثن، يسْتَمْتع مِنْهَا سَيِّدهَا مَا دَامَ حَيا، وَإِذا مَاتَ فَهِيَ حرَّة ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا يرْوى من قَول ابْن عمر، وَلَا يَصح مُسْندًا.
كَذَا قَالَ: أَنه يرْوى من قَول ابْن عمر، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا يروي / مَوْقُوفا من قَول عمر، من حَدِيث يرويهِ عبد الْعَزِيز بن مُسلم الْقَسْمَلِي - وَهُوَ ثِقَة - عَن عبد الله بن دِينَار، عَن ابْن عمر، فَاخْتلف عَنهُ.
فَقَالَ عَنهُ يُونُس بن مُحَمَّد: وَهُوَ ثِقَة، وَحدث بِهِ من كِتَابه عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَقَالَ عَنهُ يحيى بن إِسْحَاق، وفليح بن سُلَيْمَان: عَن عمر، لم يتجاوزه، وَكلهمْ ثِقَات، وَهَذَا كُله ذكره الدَّارَقُطْنِيّ، فاعلمه.
(61) وَذكر أَيْضا من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، من رِوَايَة الْقَاسِم بن مُحَمَّد(2/88)
الْعمريّ، فِي حَدِيث أبي سعيد، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يقْضِي القَاضِي إِلَّا وَهُوَ شبعان رَيَّان ".
قَالَ: وَالقَاسِم بن مُحَمَّد هَذَا مَتْرُوك.
هَذَا نَص مَا ذكر، وتكرر لَهُ ذكر الْقَاسِم بن مُحَمَّد فِيهِ مرَّتَيْنِ، وَهُوَ عين الْخَطَأ، وَإِنَّمَا الحَدِيث فِي كتاب الدَّارَقُطْنِيّ، عَن الْقَاسِم بن عبد الله الْعمريّ عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الْأنْصَارِيّ، عَن أَبِيه، عَن أبي سعيد.
وَالقَاسِم هَذَا مُتَّهم بِوَضْع الْأَحَادِيث، وَلَا أعلم فِي العمريين من يُقَال لَهُ: الْقَاسِم بن مُحَمَّد.
وَلِهَذَا الحَدِيث شَأْن آخر، أذكرهُ بِهِ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها بِرِجَال وَترك فِي أسانيدها من تعتل بِهِ غَيرهم.
(62) وَذكر أَيْضا من طَرِيق أبي أَحْمد، من حَدِيث إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم ابْن عمرَان بن عُمَيْر المَسْعُودِيّ، عَن الْقَاسِم بن عبد الله قَالَ: قَالَ ابْن مَسْعُود: يَا عُمَيْر، أعتقك؟ سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " من أعتق مَمْلُوكا " الحَدِيث.
هَكَذَا ذكره، وَهُوَ خطأ، وَمَا هُوَ فِي الْموضع الَّذِي نَقله مِنْهُ إِلَّا عَن الْقَاسِم.(2/89)
ابْن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن مَسْعُود المَسْعُودِيّ، وَمَا لأحد مِمَّن يُقَال لَهُ الْقَاسِم بن عبد الله إِلَيْهِ سَبِيل.
وَقد كتبته أَيْضا فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة وَهِي مُنْقَطِعَة لِمَعْنى آخر اعتراه فِيهِ.
(63) وَذكر قصَّة رِدَاء صَفْوَان الْمَسْرُوق مِنْهُ، فَكَانَ من طرقه: وَأَشْعَث ابْن برَاز، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ صَفْوَان نَائِما فِي الْمَسْجِد.
وَعزا مَا ذكر من ذَلِك إِلَى النَّسَائِيّ.
وَذَلِكَ عين الْخَطَأ، وَمَا هُوَ عِنْد النَّسَائِيّ إِلَّا عَن أَشْعَث بن سوار، وَذَلِكَ أَنه ترْجم تَرْجَمَة /.
نَصهَا: خَالفه أَشْعَث بن سوار، ثمَّ قَالَ بعْدهَا: أخبرنَا مُحَمَّد بن هِشَام، قَالَ: حَدثنَا الْفضل - يَعْنِي ابْن الْعَلَاء الْكُوفِي - قَالَ: حَدثنَا أَشْعَث - هُوَ ابْن سوار - عَن عِكْرِمَة: عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " كَانَ صَفْوَان نَائِما فِي الْمَسْجِد " ... فَذكره.
وَقد رَوَاهُ أَيْضا عَن أَشْعَث، عَمْرو بن صَالح أَبُو أُميَّة، ففسره بِابْن سوار.
قَالَ الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن مَرْزُوق بن مكين، حَدثنَا عَمْرو بن صَالح أَبُو أُميَّة، قَالَ: حَدثنَا الْأَشْعَث بن سوار عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ صَفْوَان(2/90)
نَائِما فِي الْمَسْجِد، فجَاء رجل فَأخذ رِدَاءَهُ من تَحت رَأسه فَاتبعهُ فأدركه، فَأتى بِهِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: هَذَا سرق رِدَائي من تَحت رَأْسِي، وَأَنا نَائِم، فَأمر بِهِ أَن يقطع، فَقَالَ: إِن رِدَائي / لم يبلغ أَن يقطع فِيهِ هَذَا، فَقَالَ: " أَفلا قبل أَن تَأتِينِي بِهِ ".
وَأَشْعَث كُوفِي، مَعْرُوف الرِّوَايَة عَن عِكْرِمَة، وَالْفضل بن الْعَلَاء، مَعْرُوف الرِّوَايَة عَنهُ. فَأَما أَشْعَث بن برَاز فبصري، يروي عَن الْبَصرِيين، كقتادة، وَالْحسن، وثابت، وَعلي بن زيد، وَلَا أعرف لَهُ رِوَايَة عَن عِكْرِمَة
وَيَكْفِي من هَذَا أَنه فِي الأَصْل الَّذِي نقل مِنْهُ على خلاف مَا فسر، وأظن أَنه نَقله وَترك تَفْسِير أَشْعَث، فَلَمَّا جَاءَ إِلَى الِاخْتِصَار توهمه ابْن برَاز، وَإِلَى ذَلِك فَإِن ابْن برَاز ضَعِيف أَيْضا كَابْن سوار، فَاعْلَم ذَلِك.
(64) وَذكر مَا هَذَا نَصه: وروى النَّسَائِيّ من حَدِيث عصمَة بن مَالك، وَعبد الله ابْن الْحَارِث بن أبي ربيعَة، أَن مَمْلُوكا سرق على عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَرفع إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَعَفَا عَنهُ، ثمَّ سرق الثَّانِيَة، وَالثَّالِثَة، وَالرَّابِعَة، وَفِي كل مرّة يرفع إِلَيْهِ، فيعفو عَنهُ، ثمَّ رفع إِلَيْهِ الْخَامِسَة، وَقد سرق، فَقطع يَده، ثمَّ رفع إِلَيْهِ السَّادِسَة، فَقطع رجله، ثمَّ رفع إِلَيْهِ السَّابِعَة فَقطع يَده، ثمَّ رفع إِلَيْهِ الثَّامِنَة فَقطع رجله،(2/91)
وَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَربع بِأَرْبَع "، وَلم يقل فِي حَدِيث عبد الله: " أَربع بِأَرْبَع ".
قَالَ: وَهَذَا لَا يَصح، للإرسال وَضعف الْإِسْنَاد خرجه الدَّارَقُطْنِيّ / والْحَارث بن أبي أُسَامَة. انْتهى مَا ذكر.
فَأَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق -: إِنَّه تغير، وَلَا أعرف مَوضِع التَّغْيِير، أهوَ فِي قَوْله: وروى النَّسَائِيّ، أَو فِي قَوْله: وَعبد الله بن الْحَارِث بن أبي ربيعَة؟ وَمعنى هَذَا، هُوَ أَن النَّسَائِيّ لَيْسَ عِنْده هَذَا الْخَبَر هَكَذَا بِوَجْه.
وَإِنَّمَا عِنْده حَدِيث الْحَارِث بن حَاطِب، وَلَيْسَ فِيهِ شَيْء من هَذَا، وَإِنَّمَا نَصه: أخبرنَا سُلَيْمَان بن سلم المصاحفي، أخبرنَا النَّضر - هُوَ ابْن شُمَيْل - حَدثنَا حَمَّاد، أخبرنَا يُوسُف عَن الْحَارِث بن حَاطِب، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أُتِي بلص فَقَالَ: " اقْتُلُوهُ " قَالُوا: يَا رَسُول الله، إِنَّمَا سرق، قَالَ: " اقْتُلُوهُ "، قَالُوا: يَا رَسُول الله، إِنَّمَا سرق، قَالَ: " اقْطَعُوا يَده ". [قَالَ] ثمَّ سرق فَقطعت رجله ثمَّ سرق على عهد أبي بكر، حَتَّى قطعت قوائمه كلهَا، ثمَّ سرق أَيْضا الْخَامِسَة، فَقَالَ أَبُو بكر كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أعلم بِهَذَا حِين قَالَ: " اقْتُلُوهُ "، ثمَّ دَفعه إِلَى فتية من قُرَيْش ليقتلوه، فيهم عبد الله بن الزبير، وَكَانَ يحب الإمرة، فَقَالَ: أمروني عَلَيْكُم، فأمروه عَلَيْهِم، فَكَانَ إِذا ضرب ضربوا حَتَّى قَتَلُوهُ.
لَيْسَ عِنْد النَّسَائِيّ إِلَّا هَذَا، وَلَيْسَ من ذَلِك فِي شَيْء.(2/92)
وَأما الدَّارَقُطْنِيّ فَعنده: حَدثنَا مُحَمَّد بن مخلد بن حَفْص، حَدثنَا إِسْحَاق ابْن دَاوُد بن عِيسَى الْمروزِي، حَدثنَا خَالِد بن عبد السَّلَام الصَّدَفِي، حَدثنَا الْفضل بن الْمُخْتَار، عَن عبيد الله بن موهب، عَم عصمَة بن مَالك قَالَ: سرق مَمْلُوك فِي عهد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَرفع إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَعَفَا عَنهُ، ثمَّ رفع إِلَيْهِ الثَّانِيَة قد سرق، فَعَفَا عَنهُ، ثمَّ رفع إِلَيْهِ الثَّالِثَة، فَعَفَا عَنهُ، ثمَّ رفع إِلَيْهِ الرَّابِعَة، وَقد سرق، فَعَفَا عَنهُ، ثمَّ رفع إِلَيْهِ الْخَامِسَة، وَقد سرق، فَقطع يَده، ثمَّ رفع إِلَيْهِ السَّادِسَة، فَقطع رجله، ثمَّ رفع إِلَيْهِ السَّابِعَة، فَقطع يَده، ثمَّ رفع إِلَيْهِ الثَّامِنَة، فَقطع رجله، وَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَربع بِأَرْبَع ".
فَهَذَا مَا ذكر / الدَّارَقُطْنِيّ، وَأما مَا ذكر الْحَارِث بن أبي أُسَامَة فَلم أَقف عَلَيْهِ، وَلَعَلَّ هَذَا الَّذِي سَاق أَبُو مُحَمَّد من عِنْده.
وَالْمَقْصُود أَن نِسْبَة مَا عِنْد النَّسَائِيّ / إِلَى عصمَة بن مَالك وَعبد الله بن الْحَارِث، غير صَحِيحَة، فَاعْلَم ذَلِك.
(65) وَذكر أَيْضا عَن أبي دَاوُد، عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أقيلوا ذَوي الهيئات عثراتهم إِلَّا الْحُدُود ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا يرويهِ عبد الْملك بن زيد، وعطاف بن خَالِد، وهما ضعيفان.(2/93)
هَكَذَا قَالَ: وَهُوَ خطأ، وَذَلِكَ أَنه يفهم مِنْهُ أَنه عِنْد أبي دَاوُد من رِوَايَة هذَيْن، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا ذكره أَبُو دَاوُد من رِوَايَة عبد الْملك بن زيد فَقَط.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْأَنْبَارِي وجعفر بن مُسَافر التنيسِي قَالَا: حَدثنَا ابْن أبي فديك عَن عبد الْملك بن زيد - من ولد سعيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل - عَن مُحَمَّد بن أبي بكر، عَن عمْرَة، عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أقيلوا ذَوي الهيئات عثراتهم إِلَّا الْحُدُود ". لم يذكر غير هَذَا.
وَأما النَّسَائِيّ فَذكره من رِوَايَة الرجلَيْن، فِي طَرِيقين:
أَحدهمَا يرويهِ ابْن أبي مَرْيَم، قَالَ: حَدثنَا عطاف بن خَالِد، قَالَ: أَنبأَنَا عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن أبي بكر، عَن أَبِيه، عَن عمْرَة، عَن عَائِشَة.
وَالْآخر من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن مهْدي، قَالَ: حَدثنَا عبد الْملك بن زيد، عَن مُحَمَّد بن أبي بكر، عَن أَبِيه، عَن عمْرَة، عَن عَائِشَة.
فَفِي هَذَا زِيَادَة أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم فِي الْإِسْنَاد، فَيكون حَدِيث أبي دَاوُد - على هَذَا - مُنْقَطِعًا فِيمَا بَين مُحَمَّد بن أبي بكر وَعمرَة، فَاعْلَم ذَلِك.
(66) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، من حَدِيث عبد الله بن يحيى بن أبي كثير - وَكَانَ من خِيَار النَّاس، وَأهل الدَّين والورع - عَن أَبِيه، عَن رجل من الْأَنْصَار، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " نهى عَن أكل أُذُنِي الْقلب ".(2/94)
ثمَّ قَالَ: رَوَاهُ إِسْرَائِيل بن أبي إِسْحَاق، عَن عبد الله بن يحيى بن أبي كثير.
كَذَا وَقع هَذَا فِي النّسخ، وَهُوَ خطأ، وَنسبَة حَدِيث إِلَى غير رَاوِيه، وَلَيْسَ هَذَا من رِوَايَة إِسْرَائِيل بن أبي إِسْحَاق، وعَلى أَنه لَا يُوجد إِسْرَائِيل هَكَذَا مَنْسُوبا إِلَى جده، وَإِنَّمَا هُوَ إِسْرَائِيل بن يُونُس بن ابي إِسْحَاق، وَلَا أَيْضا أعرف فِي الروَاة من يُقَال لَهُ: إِسْرَائِيل بن أبي إِسْحَاق.
وَهَذَا الحَدِيث إِنَّمَا رَوَاهُ عِنْد أبي أَحْمد، إِسْحَاق بن أبي إِسْرَائِيل، عَن عبد الله بن يحيى بن أبي كثير، وَإِسْحَاق بن ابي إِسْرَائِيل مَعْرُوف، وَهُوَ مَنْسُوب إِلَى جده، وَإِنَّمَا هُوَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن / أبي إِسْرَائِيل، وَكَانَ ثِقَة وَله شَأْن، وَترك النَّاس حَدِيثه لرَأى وَقع لَهُ، فأظهره فِي الْقُرْآن من الْوَقْف، فَترك وحيداً وهجر، وَقد كَانَ النَّاس إِلَيْهِ عنقًا وَاحِدَة وَلم يكن مُتَّهمًا.
وسأعود إِلَى ذكر هَذَا الحَدِيث فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أتبعهَا كلَاما يَقْتَضِي صِحَّتهَا وَلَيْسَت بصحيحة، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(67) وَذكر أَيْضا فِي كتاب اللبَاس مَا هَذَا نَصه: وَقد خرج الْمَنْع من التحلي بِالذَّهَب للنِّسَاء، عَن ثَوْبَان، وَحُذَيْفَة، وَأبي هُرَيْرَة، وَأَسْمَاء بنت يزِيد، وَغَيرهم عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَالصَّحِيح الْإِبَاحَة للنِّسَاء، ذكر ذَلِك النَّسَائِيّ، وَأَبُو دَاوُد. انْتهى مَا ذكر.
وَقد كتبت فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها وَلم يبين عللها حَدِيث ثَوْبَان،(2/95)
وَأبي هُرَيْرَة، وَأَسْمَاء، وبينت عللها.
فَأَما حَدِيث حُذَيْفَة فَلَا وجود لَهُ فِيمَا أعلم، وخاصة عِنْد النَّسَائِيّ وَأبي دَاوُد، وَإِنَّمَا ذكرا حَدِيث أُخْت حُذَيْفَة، مَعَ جملَة الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة وَأرَاهُ تصحف لَهُ.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُسَدّد، قَالَ: حَدثنَا أَبُو عوَانَة، عَن مَنْصُور، عَن ربعي بن حِرَاش عَن امْرَأَته، عَن أُخْت لِحُذَيْفَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " يَا معشر النِّسَاء، أما لَكِن فِي الْفضة مَا تحلين بِهِ؟ أما إِنَّه لَيْسَ امْرَأَة تحلى ذَهَبا تظهره إِلَّا عذبت بِهِ ".
وَكَذَا ذكره النَّسَائِيّ من رِوَايَة مُعْتَمر وسُفْيَان، عَن مَنْصُور عَن ربعي، عَن امْرَأَته، عَن أُخْت حُذَيْفَة قَالَت: خَطَبنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَذكرت الحَدِيث.
وعلته الْجَهْل بِحَال امْرَأَة ربعي بن حِرَاش، فَاعْلَم ذَلِك.
(68) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: [قَالَ] رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن أغبط أوليائي عِنْدِي، لمُؤْمِن خَفِيف الحاذ ذُو حَظّ من(2/96)
الصَّلَاة، أحسن عبَادَة ربه، وأطاعه فِي السِّرّ، وَكَانَ غامضاً فِي النَّاس، لَا يشار إِلَيْهِ بالأصابع، وَكَانَ رزقه كفافاً، فَصَبر على ذَلِك.
ثمَّ نفض بيد فَقَالَ: عجلت منيته، قلت بوَاكِيهِ، قل تراثه ".
كَذَا وَقع فِي النّسخ، وَهُوَ خطأ، إِنَّمَا هُوَ حَدِيث أبي إِمَامَة، وَسكت عَنهُ، وَقد بَينا ضعف إِسْنَاده / فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي سكت عَنْهَا وَلَيْسَت بصحيحة.
(69) وَذكر من طَرِيق مُسلم، عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " يَا أَيهَا النَّاس، تُوبُوا إِلَى الله، فَإِنِّي أَتُوب إِلَيْهِ فِي الْيَوْم مائَة مرّة ".
كَذَا رَأَيْته فِي نسخ، وَهُوَ خطأ، وَنسبَة الحَدِيث إِلَى غير رَاوِيه، وَإِنَّمَا هُوَ فِي كتاب مُسلم، عَن الْأَغَر الْمُزنِيّ، يحدث ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَذكره
والأغر الْمُزنِيّ صَحَابِيّ، وَقد رَأَيْته فِي نُسْخَة على الصَّوَاب، وَلَا أَدْرِي لَعَلَّه أصلح فِيهَا.(2/97)
(4) بَاب ذكر أَحَادِيث يوردها من مَوضِع عَن راو، ثمَّ يردفها زِيَادَة أَو حَدِيثا من مَوضِع آخر، موهماً أَنَّهَا عَن ذَلِك الرَّاوِي، أَو بذلك الْإِسْنَاد، أَو فِي تِلْكَ الْقِصَّة، أَو فِي ذَلِك الْموضع، وَلَيْسَ [الْأَمر] كَذَلِك.(2/99)
اعْلَم أَن هَذَا الْبَاب ملتحق بِمَا كُنَّا فِيهِ الْآن: من نِسْبَة الْأَحَادِيث إِلَى غير رواتها، إِلَّا أَن الْفرق بَين مَا ذكرت فِي الْبَاب [الَّذِي] قبل هَذَا، وَبَين مَا أذكرهُ هُنَا، هُوَ أَن مَا تقدم يَقُول فِيهِ بالْخَطَأ مُصَرحًا.
كجعل حَدِيث سَلمَة عَن الْبَراء.
وَكَقَوْلِه فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة بعد ذكر أنس: وَعنهُ.
وَكَقَوْلِه لحَدِيث فِيهِ الْحسن بن عمَارَة: فِيهِ الْحسن بن دِينَار، وَسَائِر مَا ذكرته.
وَأما هَاهُنَا، فَإِنَّمَا يلْزمه الْخَطَأ، ونسبةالحديث إِلَى غير رَاوِيه، بِاعْتِبَار ملتزمه الَّذِي أخبر بِهِ عَن نَفسه فِي صدر الْكتاب: من أَنه مَتى ذكر الحَدِيث عَن راو، فَكل مَا يذكر بعده، هُوَ عَنهُ / مَا لم يقل: وَعَن فلَان، فيسمي رَاوِيا آخر.
وَكَذَلِكَ الْحَال فِي الْكتاب الَّذِي ينْقل مِنْهُ، وَإِنَّمَا يصعب الْحَال فِيمَا أذكرهُ فِي هَذَا الْبَاب، من حَيْثُ يقدر كَأَنَّهُ قَائِل - إِثْر كل حَدِيث يَعْتَرِيه ذَلِك فِيهِ: هَذَا الحَدِيث، أَو هَذِه الزِّيَادَة عَن الرَّاوِي فلَان، وَلَا يكون شَيْء من ذَلِك عَنهُ، فَإِنَّهُ وَإِن لم يقلهُ إِثْر كل حَدِيث، فَإِنَّهُ قد تقدم فِي أول الْكتاب مَا يدل على ذَلِك مِمَّا ذكرته.
(70) فَمن ذَلِك مَا ذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ، عَن أنس بن مَالك أَن(2/101)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَامَ فَحدث / النَّاس، فَقَامَ إِلَيْهِ رجل فَقَالَ: مَتى السَّاعَة يَا رَسُول الله؟ فبسر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي وَجهه، فَقُلْنَا لَهُ: اقعد، فَإنَّك سَأَلته مَا يكره ... الحَدِيث.
وَفِيه: أَعدَدْت لَهَا حب الله وَرَسُوله، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " اجْلِسْ فَإنَّك مَعَ من أَحْبَبْت ".
ثمَّ قَالَ: وَقَالَ مُسلم فِي هَذَا الحَدِيث: " الْمَرْء مَعَ من أحب ".
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: " الْمَرْء مَعَ من أحب وَله مَا اكْتسب ".
هَكَذَا أوردهُ، وَهُوَ يفهم قارئه أَن قَوْله: " الْمَرْء مَعَ من أحب " الْوَاقِع فِي كتاب مُسلم، هُوَ من حَدِيث أنس، وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك، وَمَا هُوَ فِي كتاب مُسلم إِلَّا من حَدِيث ابْن مَسْعُود، وَفِي قصَّة أُخْرَى، فَلَا هُوَ عَن أنس، وَلَا هُوَ فِي ذَلِك الحَدِيث كَمَا قَالَ.
وَبَيَان ذَلِك بإيراده كَمَا هُوَ فِي كتاب مُسلم.
قَالَ مُسلم: حَدثنَا عُثْمَان بن أبي شيبَة، وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، قَالَ إِسْحَاق: أخبرنَا، وَقَالَ عُثْمَان: حَدثنَا جرير، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي وَائِل، عَن عبد الله قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، كَيفَ ترى رجلا أحب قوما وَلما يلْحق بهم؟ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْمَرْء مَعَ من أحب ".
وَوَقع فِي كتاب مُسلم حَدِيث أنس فِي السُّؤَال عَن السَّاعَة، كَمَا تقدم فِي حَدِيث النَّسَائِيّ، وَلَكِن خطاب مواجه مُفْرد هَكَذَا: " أَنْت مَعَ من أَحْبَبْت ".
ذكره مُسلم من طَرِيق إِسْحَاق بن عبد الله، وَالزهْرِيّ، وثابت، وَسَالم بن(2/102)
أبي الْجَعْد، كلهم عَن أنس.
(71) وَذكر أَيْضا من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن عبد الله بن سرجس قَالَ: " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يغْتَسل الرجل بِفضل الْمَرْأَة، أَو الْمَرْأَة بِفضل الرجل، وَلَكِن يشركان جَمِيعًا ".
ثمَّ قَالَ: وخرجه النَّسَائِيّ رَحمَه الله. انْتهى مَا ذكره.
وَهَكَذَا قَالَ: إِن النَّسَائِيّ أخرجه، وَلَيْسَ كَذَلِك.
وَإِنَّمَا أخرج النَّسَائِيّ حَدِيث حميد بن عبد الرَّحْمَن، قَالَ: لقِيت رجلا صحب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَربع سِنِين كَمَا صَحبه أَبُو هُرَيْرَة قَالَ: " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يمتشط أَحَدنَا كل يَوْم، أَو يَبُول فِي مغتسله، أَو يغْتَسل الرجل بِفضل الْمَرْأَة، أَو الْمَرْأَة بِفضل الرجل / وليغترفا جَمِيعًا ".(2/103)
قَالَ أخبرنَا قُتَيْبَة بن سعيد، حَدثنَا أَبُو عوَانَة، عَن دَاوُد الأودي عَن حميد، فَذكره.
وَدَاوُد الأودي، وَثَّقَهُ ابْن معِين، وَابْن حَنْبَل، وَالنَّسَائِيّ، وَقد بَين فِي كِتَابه الْكَبِير أَنه إِنَّمَا يَعْنِي بقوله: خرجه النَّسَائِيّ هَذَا الحَدِيث، لَا حَدِيث عبد الله بن سرجس، فَإِنَّهُ أوردهُ مَعَ حَدِيث ابْن سرجس بِإِسْنَادِهِ، وأتبع حَدِيث ابْن سرجس تَعْلِيل البُخَارِيّ لَهُ، وسأذكر ذَلِك إِن شَاءَ الله [تَعَالَى] فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا صَحِيحَة، وَلَيْسَت كَذَلِك / وَلها طرق صَحِيحَة.
(71) وَذكر فِي الطَّهَارَة من طَرِيق مُسلم عَن أبي بن كَعْب، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الرجل يَأْتِي أَهله، ثمَّ: لَا ينزل، قَالَ: " يغسل ذكره وَيتَوَضَّأ ".(2/104)
وَقَالَ البُخَارِيّ: " يغسل مَا مس الْمَرْأَة مِنْهُ، ثمَّ يتَوَضَّأ وَيُصلي ".
وَزَاد عَن زيد بن خَالِد: فَسَأَلت عَن ذَلِك عَليّ بن أبي طَالب، وَالزُّبَيْر ابْن الْعَوام، وَطَلْحَة بن عبيد الله، وَأبي بن كَعْب، فَأمروا بذلك.
(74) وَلمُسلم من حَدِيث عُثْمَان فِي هَذَا " يتَوَضَّأ للصَّلَاة وَيغسل ذكره " قَالَ عُثْمَان: سمعته من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
(75) وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: إِنَّمَا كَانَ المَاء من المَاء فِي أول الْإِسْلَام ثمَّ نسخ بعد ذَلِك.
كَذَا ذكر هَذَا الْموضع، وَالْمَقْصُود مِنْهُ، هَذَا الَّذِي ذكر عَن التِّرْمِذِيّ بعد مَا لمُسلم عَن عُثْمَان، فَإِنَّهُ يتَوَهَّم مِنْهُ [أَنه] أَيْضا عَن عُثْمَان، وَإِنَّمَا هُوَ عَن أبي ابْن كَعْب، وسنعود لذكره فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة، وَهِي مُنْقَطِعَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(76) وَذكر أَيْضا من طَرِيق مُسلم عَن أبي جهيم قَالَ: قَالَ(2/105)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَو يعلم الْمَار بَين يَدي الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ، لَكَانَ أَن يقف أَرْبَعِينَ، خير لَهُ من أَن يمر بَين يَدَيْهِ ".
قَالَ أَبُو النَّضر: لَا أَدْرِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَو شهرا، أَو سنة.
ثمَّ قَالَ: فِي مُسْند الْبَزَّار: أَرْبَعِينَ خَرِيفًا ".
كَذَا ذكره، وَهُوَ على ملتزمه يفهم مِنْهُ أَنه عِنْد الْبَزَّار من رِوَايَة أبي جهيم، وَيَنْبَغِي لَو كَانَ عَن أبي جهيم أَن يكون عَن غير ابي النَّضر، لِأَنَّهُ لَا / يجْتَمع قَوْله هُنَا: " لَا أَدْرِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا، أَو شهرا، أَو سنة "، مَعَ قَوْله فِي كتاب الْبَزَّار: " أَرْبَعِينَ خَرِيفًا " من غير شكّ.
وَإِلَى هَذَا فَإِنَّهُ لَيْسَ عَن أبي جهيم فِي كتاب الْبَزَّار، بل عَن زيد بن خَالِد، عكس هَذَا الَّذِي فِي كتاب مُسلم، من رِوَايَة ابْن عُيَيْنَة، فَكَانَ عَلَيْهِ أَن يَنْقُلهُ كَمَا وَقع.
وبذكر الْحَدِيثين بنصهما يتَبَيَّن ذَلِك.
قَالَ مُسلم: حَدثنَا يحيى بن يحيى قَالَ: قَرَأت على مَالك عَن أبي(2/106)
النَّضر عَن بسر بن سعيد، أَن زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ، أرْسلهُ إِلَى أبي جهيم يسْأَله مَاذَا سمع من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: فِي الْمَار بَين يَدي الْمُصَلِّي؟ قَالَ أَبُو جهيم: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَو يعلم الْمَار بَين يَدي الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ، لَكَانَ أَن يقف أَرْبَعِينَ خير لَهُ من أَن يمر بَين يَدَيْهِ ". قَالَ أَبُو النَّضر: لَا أَدْرِي أقَال أَرْبَعِينَ يَوْمًا، أَو شهرا، أَو سنة. فَهَذَا حَدِيث أبي جهيم.
وَقَالَ الْبَزَّار: حَدثنَا أَحْمد بن عَبدة الضَّبِّيّ، حَدثنَا سُفْيَان، عَن سَالم أبي النَّضر، عَن بسر بن سعيد، قَالَ أَرْسلنِي أَبُو جهيم إِلَى زيد بن خَالِد، أسأله عَن الْمَار بَين يَدي الْمُصَلِّي، فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " لَو يعلم الْمَار بَين يَدي الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ، كَانَ لِأَن يقوم أَرْبَعِينَ خَرِيفًا خير لَهُ من أَن يقوم بَين يَدَيْهِ ".
هَذَا نَصه وَهُوَ عكس رِوَايَة مَالك، فَإِنَّهُ جعل الحَدِيث لزيد بن خَالِد، وَقد خطئَ فِيهِ ابْن عُيَيْنَة، وَلَيْسَ خَطؤُهُ بمتعين، لاحْتِمَال أَن يكون أَبُو جهيم، بعث بسر بن سعيد إِلَى زيد بن خَالِد، وَزيد بن خَالِد بَعثه إِلَى أبي جهيم بعد أَن أخبرهُ بِمَا عِنْده، يستثبته فِيمَا عِنْده، وَأخْبر كل وَاحِد مِنْهُمَا بمحفوظه، وَشك أَحدهمَا، / وَجزم الآخر بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا، وَاجْتمعَ ذَلِك كُله عِنْد أبي النَّضر، وَحدث بِهِ الْإِمَامَيْنِ، فحفظ مَالك حَدِيث أبي جهيم، وَحفظ سُفْيَان حَدِيث زيد بن خَالِد، وَالله أعلم.
(77) وَذكر أَيْضا من طَرِيق مُسلم عَن عَائِشَة أَنَّهَا كَانَ لَهَا ثوب فِيهِ(2/107)
تصاوير، مَمْدُود إِلَى سهوة فَكَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي إِلَيْهِ، فَقَالَ: " أخريه عني " قَالَت: / فأخرته فَجَعَلته وسائد.
(78) وَقَالَ البُخَارِيّ: " أميطي قرامك هَذَا، فَإِنَّهُ لَا تزَال تصاويره تعرض فِي صَلَاتي ".
هَكَذَا ذكره، وَمَفْهُومه على ملتزمه، أَن مَا عِنْد البُخَارِيّ، هُوَ زِيَادَة فِي حَدِيث عَائِشَة وطرف مِنْهُ، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْد البُخَارِيّ من رِوَايَة أنس.
قَالَ البُخَارِيّ: حَدثنَا أَبُو معمر، حَدثنَا عبد الْوَارِث، حَدثنَا عبد الْعَزِيز ابْن صُهَيْب، عَن أنس قَالَ: كَانَ قرام لعَائِشَة، سترت بِهِ جَانب بَيتهَا، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أميطي قرامك هَذَا، فَإِنَّهُ لَا تزَال تصاويره تعرض فِي صَلَاتي ".
وَذكر أَيْضا من طَرِيق مُسلم حَدِيث أنس " سووا صفوفكم، فَإِن(2/108)
تَسْوِيَة الصَّفّ من تَمام الصَّلَاة ".
ثمَّ قَالَ - مُتَّصِلا بِهِ - وَفِي لفظ آخر:
(80) " أقِيمُوا الصَّفّ فِي الصَّلَاة، فَإِن إِقَامَة الصَّفّ، من حسن الصَّلَاة ".
هَكَذَا ذكره، كَأَنَّهُ من رِوَايَة أنس، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْد مُسلم من رِوَايَة همام، عَن أبي هُرَيْرَة.
(81) وَذكر أَيْضا من طَرِيق مُسلم عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " صلى فِي الْمَسْجِد ذَات لَيْلَة، فصلى بِصَلَاتِهِ نَاس، ثمَّ صلى من الْقَابِلَة فَكثر النَّاس، فَاجْتمعُوا من اللَّيْلَة الثَّالِثَة، أَو الرَّابِعَة، فَلم يخرج إِلَيْهِم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَلَمَّا أصبح قَالَ: " قد رَأَيْت الَّذِي صَنَعْتُم، فَلم يَمْنعنِي من الْخُرُوج إِلَيْكُم إِلَّا أَنِّي(2/109)
خشيت أَن يفْرض عَلَيْكُم " قَالَ: وَذَلِكَ فِي رَمَضَان.
زَاد فِي طَرِيق آخر " وَلَو كتب عَلَيْكُم مَا قُمْتُم بِهِ ".
وَقَالَ فِي حَدِيث زيد بن ثَابت: " فَعَلَيْكُم بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتكُمْ، فَإِن خير صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته، إِلَّا الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة ".
هَكَذَا أوردهُ هَذَا الْموضع، وَهُوَ يُعْطي أَن قَوْله: " وَلَو كتب عَلَيْكُم مَا قُمْتُم بِهِ " هُوَ أَيْضا من رِوَايَة عَائِشَة.
ويؤكد هَذَا الْفَهم قَوْله بعده: وَقَالَ فِي حَدِيث زيد بن ثَابت: " فَعَلَيْكُم بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتكُمْ ".
هَذَا هُوَ الْمَفْهُوم بِلَا ريب، كَأَنَّهُ ذكر حَدِيث عَائِشَة، وألصق بِهِ طرفا من أَطْرَافه من طَرِيق آخر، ثمَّ لما فرغ أَخذ طرفا من حَدِيث زيد بن ثَابت، / وَلَيْسَ الْأَمر على هَذَا فِي الزِّيَادَة الْمَذْكُورَة، أَعنِي قَوْله: " وَلَو كتب عَلَيْكُم مَا قُمْتُم بِهِ " بل مَا هِيَ إِلَّا من حَدِيث زيد بن ثَابت، لَا عِنْد مُسلم وَلَا عِنْد غَيره.
وَإِنَّمَا سَاق مُسلم حَدِيث عَائِشَة، وَأتبعهُ مَا أتبعه من أَطْرَافه، ثمَّ بعد أوراق، أورد حَدِيث صَلَاة النَّافِلَة فِي الْبَيْت، من رِوَايَة ابْن عمر، وَجَابِر، وَأبي مُوسَى، وَأبي هُرَيْرَة.
(82) وَبعدهَا حَدِيث زيد بن ثَابت هَكَذَا: حَدثنَا مُحَمَّد بن مثنى،(2/110)
حَدثنَا جَعْفَر بن جَعْفَر، حَدثنَا عبد الله بن سعيد، حَدثنَا سَالم أَبُو النَّضر، عَن بسر بن سعيد، عَن زيد بن ثَابت قَالَ: احتجز رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: حجيرة بخصفه أَو حَصِير، فَخرج يُصَلِّي فِيهَا، فتتبع إِلَيْهِ رجال، وجاؤوا يصلونَ بِصَلَاتِهِ ثمَّ جاؤوا لَيْلَة فَحَضَرُوا، فَأَبْطَأَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنْهُم فَلم يخرج إِلَيْهِم فَرفعُوا أَصْوَاتهم، وحصبوا الْبَاب فَخرج إِلَيْهِم م رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مفضباً، فَقَالَ لَهُم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا زَالَ بكم صنيعكم، حَتَّى ظَنَنْت أَنه سيكتب عَلَيْكُم، فَعَلَيْكُم بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتكُمْ، فَإِن خير صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته، إِلَّا الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة ".
وانْتهى هَذَا الحَدِيث، وَمِنْه اقتطع أَبُو مُحَمَّد هَذِه الْقطعَة.
ثمَّ قَالَ مُسلم: وَحدثنَا مُحَمَّد بن حَاتِم، قَالَ: حَدثنَا بهز، قَالَ: حَدثنَا وهيب، قَالَ: حَدثنَا مُوسَى بن عقبَة، قَالَ: سَمِعت أَبَا النَّضر، عَن بسر بن سعيد، عَن زيد بن ثَابت أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " اتخذ حجرَة فِي الْمَسْجِد من حَصِير، فصلى فِيهَا ليَالِي، حَتَّى اجْتمع إِلَيْهِ نَاس " فَذكر نَحوه.
وَزَاد فِيهِ " وَلَو كتب عَلَيْكُم مَا قُمْتُم بِهِ ".(2/111)
فأظن أَن أَبَا مُحَمَّد، كتب حَدِيث عَائِشَة، المبدوء بِذكرِهِ، ثمَّ أتبعه قَوْله: وَقَالَ فِي حَدِيث زيد بن ثَابت: " فَعَلَيْكُم بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتكُمْ "
ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك: وَزَاد فِي طَرِيق آخر: " وَلَو كتب عَلَيْكُم مَا قُمْتُم بِهِ ".
فَكَانَ هَذَا صَوَابا، فَيمكن أَن يكون تقدم أَو تَأَخّر فِي النّسخ، أَو بالغلط فِي التَّخْرِيج إِلَيْهِ، وَالْإِشَارَة إِلَى مَوْضِعه من حَاشِيَة أَو غَيرهَا، فتثبج، فَاعْلَم ذَلِك، وَالله الْمُوفق.
(83) وَذكر أَيْضا من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عمر، أَن / رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا صَلَاة بعد الْفجْر إِلَّا سَجْدَتَيْنِ " ثمَّ قَالَ: حَدِيث غَرِيب.(2/112)
ثمَّ قَالَ من عِنْده: وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث من طرق فِيهَا عبد الرَّحْمَن ابْن زِيَاد الإفْرِيقِي، وَأَبُو هَارُون الْعَبْدي، وَأَبُو بكر بن مُحَمَّد [وَلَيْسَ بِابْن حزم] وَهُوَ رجل مَجْهُول، وَإِسْمَاعِيل بن قيس الْمدنِي، أَبُو مُصعب، وَلَا يَصح مِنْهَا كلهَا شَيْء، وأحسنها حَدِيث التِّرْمِذِيّ، انْتهى قَوْله.
وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ كَبِير دَرك، إِلَّا أَنه لما كَانَ يفهم مِنْهُ بِظَاهِرِهِ أَن جَمِيع هَذِه الطّرق [هِيَ طرق] لحَدِيث ابْن عمر الْمَذْكُور، وَجب بَيَان أَنه لَيْسَ كَذَلِك.
(84) فَأَما حَدِيث الإفْرِيقِي، فَهُوَ من رِوَايَة عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا صَلَاة بعد طُلُوع الْفجْر، إِلَّا رَكْعَتَيْنِ قبل صَلَاة الْفجْر.(2/113)
يرويهِ ابْن أبي شيبَة قَالَ: حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة عَن الإفْرِيقِي، عَن عبد الله ابْن يزِيد، عَن عبد الله بن عَمْرو.
رَوَاهُ أَيْضا سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن الإفْرِيقِي، كَذَلِك ذكره الدَّارَقُطْنِيّ.
(85) وَحَدِيث إِسْمَاعِيل بن قيس، هُوَ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا طلع الْفجْر، فَلَا صَلَاة إِلَّا رَكْعَتي الْفجْر ".
يرويهِ أَبُو أَحْمد بن عدي فِي كِتَابه، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر الإِمَام، وَعلي بن سعيد بن بشير قَالَا: حَدثنَا أَحْمد بن عبد الصَّمد، أَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ، قَالَ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن قيس بن سعد بن زيد بن ثَابت، أَبُو مُصعب الْمدنِي، عَن يحيى بن سعيد، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة فَذكره.
(86) وَحَدِيث أبي هَارُون الْعَبْدي، لَا أذكرهُ فِي هَذَا، وَلكنه فِي معنى(2/114)
آخر، من رِوَايَته عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: نَادَى مُنَادِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَن لَا وتر بعد طُلُوع الْفجْر ".
وَهُوَ حَدِيث ذكره ابْن أبي شيبَة، عَن هشيم عَنهُ، وَعَن مُعْتَمر عَنهُ.
وَذكره أَيْضا عبد الرَّزَّاق، عَن جَعْفَر بن سُلَيْمَان عَنهُ، عَن أبي سعيد - قَالَ: لَا أعلمهُ إِلَّا رَفعه - قَالَ: " من أدْركهُ الصُّبْح وَلم يُوتر فَلَا وتر لَهُ ".
فَأَما الحَدِيث الَّذِي قَالَ / إِن فِي إِسْنَاده أَبَا بكر بن مُحَمَّد فَلَا أذكر لَهُ موقعاً.
(87) وَذكر أَيْضا من طَرِيق مُسلم عَن جَابر قَالَ /: " شهِدت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الصَّلَاة يَوْم الْعِيد " الحَدِيث.
وَفِيه " فَجعلْنَ يتصدقن من حليهن، يلقين فِي ثوب بِلَال من قرطهن وخواتمهن ".
ثمَّ قَالَ: زَاد أَبُو دَاوُد " فَقَسمهُ على فُقَرَاء الْمُسلمين "
كَذَا أوردهُ، وَهُوَ موهم أَن الزِّيَادَة من حَدِيث جَابر، وَإِنَّمَا هِيَ عِنْد أبي دَاوُد من حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَذَلِكَ أَنه ذكر حَدِيث جَابر، فَلَمَّا فرغ مِنْهُ أتبعه حَدِيث ابْن عَبَّاس من طرق، آخرهَا رِوَايَة أَيُّوب عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس.(2/115)
فِي هَذَا الحَدِيث: " فَجعلت الْمَرْأَة تُعْطِي القرط والخاتم، وَجعل بِلَال يَجعله فِي كسائه ". قَالَ: " فَقَسمهُ بَين فُقَرَاء الْمُسلمين "
ورأيته فِي كِتَابه الْكَبِير قد سَاقه على الصَّوَاب، فَاعْلَم ذَلِك.
(88) وَذكر أَيْضا من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي خُرُوج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الاسْتِسْقَاء، وَقَالَ فِيهِ: إِن عبد الله بن كنَانَة قَالَ: أَرْسلنِي الْوَلِيد ابْن عتبَة - وَكَانَ أَمِير الْمَدِينَة - إِلَى ابْن عَبَّاس أسأله، الحَدِيث.
وَقد تقدم ذكره، والتنبيه على الْوَهم الَّذِي فِيهِ، فِي بَاب الزِّيَادَة فِي الْأَسَانِيد.
وَأُرِيد الْآن مِنْهُ، بَيَان مَا أتبعه، وَذَلِكَ أَنه قَالَ: وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي هَذَا الحَدِيث: " صلى رَكْعَتَيْنِ، كبر فِي الأولى سبع تَكْبِيرَات، وَقَرَأَ: سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى، وَقَرَأَ فِي الثَّانِيَة: هَل أَتَاك حَدِيث الغاشية، وَكبر خمس تَكْبِيرَات ".
ثمَّ قَالَ: أخرجه من حَدِيث مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن عمر بن عبد الرَّحْمَن ابْن عَوْف، وَهُوَ ضَعِيف الحَدِيث، ذكره ابْن أبي حَاتِم.
هَذَا نَص مَا أوردهُ وَهُوَ أَيْضا خطأ، وَبَيَان ذَلِك، هُوَ أَن هَذِه الْقِصَّة أُخْرَى، فالمرسل فِيهَا آخر، وَالرَّسُول آخر، وَذكر فِيهَا مَا لم يذكر فِي الأولى، وَذكر فِي الأولى مَا لم يذكر فِيهَا، وَإسْنَاد هَذِه غير إِسْنَاد تِلْكَ، وَلم يبْق إِلَّا الْمُشَاركَة فِي ابْن عَبَّاس، وَقد روى ابْن عَبَّاس أَحَادِيث، أفيجوز أَن تجْعَل كلهَا.(2/116)
حَدِيثا وَاحِدًا فِي الاسْتِسْقَاء أَو غَيره، هَذَا خلاف مَا يتحاور بِهِ أهل هَذَا الشَّأْن.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي، قَالَ: حَدثنَا عَليّ بن سعيد ابْن جرير، قَالَ: حَدثنَا سهل بن بكار، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز، عَن أَبِيه، عَن طَلْحَة، قَالَ: أَرْسلنِي مَرْوَان إِلَى / ابْن عَبَّاس أسأله عَن سنة الاسْتِسْقَاء، فَقَالَ: سنة الاسْتِسْقَاء، سنة الصَّلَاة فِي الْعِيدَيْنِ، إِلَّا أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قلب رِدَاءَهُ، فَجعل يَمِينه على يسَاره، يسَاره على يَمِينه، وَصلى رَكْعَتَيْنِ، كبر فِي الأولى سبع تَكْبِيرَات، وَقَرَأَ " سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى "، وَقَرَأَ فِي الثَّانِيَة " هَل أَتَاك حَدِيث الغاشية "، وَكبر فِيهَا خمس تَكْبِيرَات.
هَذَا حَدِيث الدَّارَقُطْنِيّ، والمرسل فِيهِ - كَمَا ترى - مَرْوَان بن الحكم، والمرسل هُوَ طَلْحَة بن عبد الله بن عَوْف أَبُو مُحَمَّد، الَّذِي يُقَال لَهُ: طَلْحَة الندى، ابْن أخي عبد الرَّحْمَن بن عَوْف - رَضِي الله عَنهُ - قَاضِي يزِيد بن مُعَاوِيَة على الْمَدِينَة، ثمَّ ولي [الصَّلَاة] أَيْضا على الْمَدِينَة لِابْنِ الزبير وَهُوَ يروي عَن أبي هُرَيْرَة، وَابْن عَبَّاس، وَأبي بكرَة، وَالَّذِي رَوَاهُ عَنهُ - وَهُوَ عبد الْعَزِيز ابْن عمر بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف - يَجِيء لطلْحَة الْمَذْكُور، / ابْن عَمه، فَإِن عمر بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، ابْن عَم لطلْحَة بن عبد الله بن عَوْف، وَرَاوِيه عَن عبد الْعَزِيز الْمَذْكُور - وَهُوَ ابْنه مُحَمَّد - يروي عَن أَبِيه، وَأبي الزِّنَاد وَالزهْرِيّ وَهِشَام بن عُرْوَة،(2/117)
وهم ثَلَاثَة إخْوَة ضعفاء، لَيْسَ لَهُم حَدِيث مُسْتَقِيم، وهم: مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز، وَعبد الله بن عبد الْعَزِيز، وَعمْرَان بن عبد الْعَزِيز.
وبمشورة مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز هَذَا، جلد مَالك - رَحمَه الله - فِيمَا قَالَ البُخَارِيّ وَحَال عبد الْعَزِيز هَذَا وَالِد مُحَمَّد الْمَذْكُور، مَجْهُولَة.
فَهُوَ أَيْضا قد اعتراه فِيهِ الْإِعْرَاض عَن رجل يعتل الْخَبَر بِهِ، إِلَى ذكر آخر، فسينبه عَلَيْهِ بِحَسب هَذَا فِي الْبَاب الْمَعْقُود لذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(89) وَذكر أَيْضا من كتاب مُسلم حَدِيث أنس قَالَ: " صلى لنا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْعَصْر، فَلَمَّا انْصَرف أَتَاهُ رجل من بني سَلمَة، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنَّا نُرِيد أَن نَنْحَر جزوراً لنا، وَنحن نحب أَن تحضرها، قَالَ: " نعم "، فَانْطَلق وانطلقنا مَعَه، فَوَجَدنَا الْجَزُور لم تنحر فنحرت، ثمَّ قطعت، ثمَّ طبخ مِنْهَا، ثمَّ أكلنَا قبل مغيب الشَّمْس ".(2/118)
كَذَا أوردهُ، وَلَيْسَ بِشَيْء، فَإِن رَافعا / مَا روى قطّ هَذِه الْقِصَّة، لَا بِزِيَادَة " لَحْمًا نضيجاً "، وَلَا دونهَا.
وَإِنَّمَا حَدِيث رَافع عِنْد مُسلم: " كُنَّا نصلي الْعَصْر مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثمَّ تنحر الْجَزُور، فتقسم عشر قسم، ثمَّ تطبخ، فنأكل لَحْمًا نضيجاً، قبل مغيب الشَّمْس ". هَذِه رِوَايَة الْوَلِيد بن مُسلم، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن أبي النَّجَاشِيّ، قَالَ: سَمِعت رَافع بن خديج.
وَأما رِوَايَة عِيسَى بن يُونُس، وَشُعَيْب بن إِسْحَاق، عَن الْأَوْزَاعِيّ، فَلَيْسَ فِيهَا: " كُنَّا نصلي مَعَه " وفيهَا " كُنَّا نَنْحَر الْجَزُور على عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الحَدِيث.
(90) وَذكر أَيْضا من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن عَليّ بن عَليّ الرِّفَاعِي، عَن أبي المتَوَكل، عَن أبي سعيد: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة بِاللَّيْلِ " الحَدِيث.(2/119)
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: هَذَا أشهر حَدِيث فِي هَذَا الْبَاب، على أَنهم يرسلونه عَن عَليّ بن عَليّ، عَن أبي المتَوَكل، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
كَذَا قَالَ: إِنَّه يُرْسل عَن عَليّ بن عَليّ، عَن أبي المتَوَكل، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَذَلِكَ خطأ من القَوْل، وَلَا يعرف هَكَذَا، وَإِنَّمَا قَالَ أَبُو دَاوُد - لما ذكر الحَدِيث الأول -. هَذَا الحَدِيث، يَقُولُونَ عَن عَليّ بن عَليّ، عَن الْحسن، مُرْسلا، وَالوهم من جَعْفَر.
فَالْحَدِيث إِذن، إِمَّا مُسْند عَن أبي سعيد، وَإِمَّا مُرْسل عَن الْحسن، فَأَما مُرْسل عَن أبي المتَوَكل فَلَا.
(91) وَذكر أَيْضا من طَرِيق مُسلم عَن جَابر بن سَمُرَة " كَانَت صلَاته قصدا، وخطبته قصدا ".
ثمَّ قَالَ: زَاد فِي طَرِيق أُخْرَى: " يقْرَأ آيَات من الْقُرْآن، وَيذكر النَّاس ".
كَذَا أورد هَذِه الزِّيَادَة، موهماً أَنَّهَا فِي كتاب مُسلم، وسأعقد بَابا نذْكر فِيهِ أَحَادِيث عزاها إِلَى مَوَاضِع لَيست هِيَ فِيهَا، وَإِنَّمَا ذَلِك فِيمَا صرح بِهِ، مثل أَن يَقُول: ذكره مُسلم، أَو أَبُو دَاوُد، وَلَا يكون عِنْد وَاحِد مِنْهُمَا.
فَأَما فِي هَذَا الْبَاب، فَإِنَّمَا أذكر فِيهِ مَا كَانَ ذَلِك مُتَوَهمًا فِيهِ بِحكم ظَاهر اللَّفْظ، كَهَذا الَّذِي نَحن فِيهِ، فَإِن ظَاهر لَفظه أَنه فِي كتاب مُسلم، من قَوْله:(2/120)
زَاد فِي طَرِيق أُخْرَى، وَيحْتَمل على بعد أَن يكون مَعْنَاهُ: زَاد جَابر بن سَمُرَة من طَرِيق أُخْرَى مُغَايرَة / لما ذكرنَا، حَتَّى فِي كَونهَا من عِنْد مُسلم.
وَالزِّيَادَة الْمَذْكُورَة، إِنَّمَا ذكرهَا فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أَبُو دَاوُد، وَمن عِنْده جَاءَ بهَا فِي كِتَابه الْكَبِير بإسنادها، إِثْر حَدِيث مُسلم.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُسَدّد، قَالَ: حَدثنَا يحيى، عَن سُفْيَان، قَالَ: أَخْبرنِي سماك، عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: " كَانَت صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قصدا، وخطبته قصدا، يقْرَأ آيَات من الْقُرْآن وَيذكر النَّاس ".
فَأَما رِوَايَة أبي الْأَحْوَص فِي كتاب مُسلم، عَن سماك بن حَرْب، عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ:
(92) " كَانَت للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خطبتان، يجلس بَينهمَا، يقْرَأ الْقُرْآن وَيذكر النَّاس ".
فَحَدِيث آخر، فِي معنى آخر، [لَيْسَ فِيهِ ذكر الْقَصْد والآيات، وَفِيه أَنه كَانَ يجلس بَين الْخطْبَتَيْنِ، وَإِنَّمَا هَذَا حَدِيث آخر] لَيْسَ من أَطْرَاف ذَاك، وَلَا من زِيَادَته فَلَيْسَ معنيه، فَاعْلَم ذَلِك.
(93) وَذكر أَيْضا من طَرِيق مُسلم حَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي الَّذِي وطئ(2/121)
امْرَأَته فِي رَمَضَان.
فَلَمَّا فرغ من الحَدِيث قَالَ: وَفِي طَرِيق أُخْرَى قَالَ: " فكلوه "
وَفِي حَدِيث عَائِشَة " فَجَاءَهُ عرقان فيهمَا طَعَام، فَأمره أَن يتَصَدَّق بِهِ ".
وَقَوله: " فكلوه " هُوَ من حَدِيثهَا أَيْضا. انْتهى كَلَامه.
هَكَذَا أوردهُ بِهَذَا التثبيج، فَإِنَّهُ لَو لم يسْتَدرك، لم يشك أحد أَن قَوْله: " فكلوه " من حَدِيث أبي هُرَيْرَة.
ثمَّ قَالَ - مُتَّصِلا بقوله: هُوَ من حَدِيثهَا أَيْضا -: وَقَالَ أَبُو دَاوُد: " فَأتي بعرق فِيهِ تمر، قدر خَمْسَة عشر صَاعا، وَقَالَ فِيهِ: " كُله أَنْت وَأهل بَيْتك، وصم يَوْمًا، واستغفر الله ".
وَفِي أُخْرَى: " عشرُون صَاعا ".
كَذَا أورد هَذَا الْموضع، وَهُوَ تَخْلِيط، وَبَيَانه هُوَ الْمَقْصُود، وَذَلِكَ أَن قَوْله: " فكلوه " قد تبين أَنه من حَدِيث عَائِشَة، فَمَا اتَّصل بِهِ وانعطف عَلَيْهِ لَا يفهم أحد إِلَّا أَنه من حَدِيثهَا أَيْضا، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل هُوَ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَعنِي قَوْله: " فَأتي بعرق فِيهِ تمر، قدر خَمْسَة عشر صَاعا ". وَكَذَلِكَ قَوْله: " صم يَوْمًا مَكَانَهُ، واستغفر الله ".
وَهُوَ من رِوَايَة هِشَام بن سعد عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة، عَن(2/122)
أبي هُرَيْرَة.
وَقَوله: وَفِي أُخْرَى " عشرُون صَاعا " هُوَ من حَدِيث عَائِشَة، يرويهِ ابْن أبي الزِّنَاد، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث، عَن مُحَمَّد بن / جَعْفَر بن الزبير، عَن عباد بن عبد الله بن الزبير، عَنْهَا.
كَذَلِك هُوَ فِي الْموضع الَّذِي نَقله مِنْهُ، وَهِشَام بن سعد وَابْن أبي الزِّنَاد، ضعيفان عِنْده [فَاعْلَم ذَلِك] .
(94) وَذكر أَيْضا من طَرِيق النَّسَائِيّ، عَن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق، عَن أَبِيه - رَضِي الله عَنهُ - أَنه خرج حَاجا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حجَّة الْوَدَاع، وَمَعَهُ امْرَأَته أَسمَاء بنت عُمَيْس الخثعمية، فَلَمَّا كَانُوا بِذِي الحليفة، ولدت أَسمَاء مُحَمَّد بن أبي بكر، فَأتى أَبُو بكر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأخْبرهُ، " فَأمره رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يأمرها أَن تَغْتَسِل، ثمَّ تهل بِالْحَجِّ، وتصنع مَا يصنع النَّاس، إِلَّا أَنَّهَا لَا تَطوف بِالْبَيْتِ ".
زَاد أَبُو دَاوُد: " وترجل ".
هَكَذَا ذكره، ثمَّ بَين انْقِطَاع الأول.
وَزِيَادَة أبي دَاوُد لَيست من حَدِيث مُحَمَّد بن أبي بكر / وَإِنَّمَا أوردهَا من حَدِيث عَائِشَة هَكَذَا: عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قَالَت:(2/123)
" نفست أَسمَاء بنت عُمَيْس بِمُحَمد بن أبي بكر بِالشَّجَرَةِ فَأمر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَبَا بكر أَن تَغْتَسِل بهَا، وتهل وترجل ".
وَزِيَادَة: " وترجل " هِيَ من رِوَايَة ابْن الْأَعرَابِي عَن أبي دَاوُد.
والْحَدِيث فِي كتاب مُسلم، وَأبي دَاوُد، دون الزِّيَادَة الْمَذْكُورَة، وَلم يسقه من عِنْدهمَا، وَلم يعْتَرض مِنْهُ بِشَيْء، إِلَّا الحَدِيث الْمُنْقَطع الْمَذْكُور.
وَنَصّ حَدِيث مُسلم عَن عَائِشَة: " نفست أَسمَاء بنت عُمَيْس، بِمُحَمد بن أبي بكر بِالشَّجَرَةِ فَأمر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَبَا بكر أَن تَغْتَسِل وتهل ".
ورأيته فِي كِتَابه الْكَبِير قد عمل صَوَابا، فَإِنَّهُ ذكر حَدِيث عَائِشَة من عِنْد مُسلم، ثمَّ أردفه من عِنْد أبي دَاوُد زِيَادَة " وترجل ".
ثمَّ أتلاه حَدِيث مُحَمَّد بن أبي بكر الْمُنْقَطع من عِنْد النَّسَائِيّ، فَكَانَ هَذَا صَوَابا.
(95) وَذكر أَيْضا من طَرِيق مُسلم حَدِيث عَائِشَة حِين حَاضَت وأعمرها من التَّنْعِيم.
ثمَّ قَالَ: وعنها فِي هَذَا الحَدِيث: خرجنَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا نرى إِلَّا(2/124)
الْحَج، حَتَّى إِذا كُنَّا بسرف أَو قَرِيبا مِنْهَا حِضْت، فَدخل عَليّ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَنا أبْكِي، فَقَالَ: " أنفست؟ " / قلت: نعم، قَالَ: " إِن هَذَا شَيْء كتبه الله على بَنَات آدم، فأقضي مَا يقْضِي [الْحَاج] غير أَن لَا تطوفي بِالْبَيْتِ حَتَّى تغتسلي ".
قَالَت: وضحى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: عَن نِسَائِهِ بالبقر.
قَالَ: وَقَالَ أَبُو دَاوُد: " غير أَن لَا تطوفي بِالْبَيْتِ وَلَا تصلي ".
كَذَا أورد هَذَا الْموضع، وَهُوَ خطأ، فَإِن حَدِيث مُسلم من رِوَايَة عَائِشَة، وَحَدِيث أبي دَاوُد بِزِيَادَة: " وَلَا تصلي " من حَدِيث جَابر.
وَنَصه: " أَقبلنَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، مهلين بِالْحَجِّ، مُفردا، وَأَقْبَلت عَائِشَة، مُهْملَة بِعُمْرَة، حَتَّى إِذا كَانَت بسرف عركت ".
وَذكر الْقِصَّة كلهَا من رِوَايَته وإخباره، لم يحدث مِنْهَا عَن عَائِشَة بِشَيْء.
فَلَمَّا فرغ أَبُو دَاوُد من إيرادها، قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن حَنْبَل، ويحيي بن معِين، قَالَا: حَدثنَا يحيي بن سعيد، عَن ابْن جريح، قَالَ: أَخْبرنِي أَبُو الزبير، أَنه سمع جَابر بن عبد الله بِبَعْض هَذِه الْقِصَّة، قَالَ عِنْد قَوْله: " وَأَهلي بِالْحَجِّ، ثمَّ حجي، واصنعي مَا يصنع الْحَاج، غير أَن لَا تطوفي بِالْبَيْتِ وَلَا تصلي ".
هَكَذَا أوردهَا كلهَا من أَخْبَار جَابر.(2/125)
(96) وَذكر أَيْضا من مراسل أبي دَاوُد عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة، عَن رجل من الْأَنْصَار، أَن رجلا محرما، أوطأ رَاحِلَته أدحي نعام، فَانْطَلق إِلَى عَليّ، فَسَأَلَهُ عَن ذَلِك، فَقَالَ: " عَلَيْك فِي كل بَيْضَة ضراب نَاقَة، أَو جَنِين نَاقَة "، فَانْطَلق الرجل إِلَى نَبِي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأخْبرهُ بِمَا قَالَ عَليّ، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " قد قَالَ عَليّ مَا سَمِعت، وَلَكِن هَلُمَّ إِلَى الرُّخْصَة، عَلَيْك فِي كل بَيْضَة، صِيَام يَوْم أَو إطْعَام مِسْكين ".
وَفِي طَرِيق أُخْرَى: " فَأفْتى عَليّ أَن يَشْتَرِي بَنَات مَخَاض، فيضربهن، فَمَا أنتج أهداه إِلَى الْبَيْت، وَمَا لم ينْتج مِنْهُ أَجزَأَهُ، لِأَن الْبيض مِنْهُ مَا يصلح، وَمِنْه مَا يفْسد ".
هَذَا نَص مَا ذكر، وَالْمَقْصُود بَيَانه، هُوَ أَن هَذَا الَّذِي قَالَ: وَفِي طَرِيق / أُخْرَى: " فَأفْتى عَليّ " إِلَى آخِره، يتَوَهَّم فِيهِ من هَذَا الْإِيرَاد أَنه أَيْضا من(2/126)
المراسل، وَلَيْسَ لَهُ فِيهَا ذكر، وَإِنَّمَا هُوَ من كتاب السّنَن للدارقطني.
والمرسل الَّذِي ذكر من المراسل، هُوَ من رِوَايَة مطر الْوراق، عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة، وَكَذَلِكَ هَذَا / الَّذِي فِي كتاب الدَّارَقُطْنِيّ، وَرَوَاهُ عَن مطر رجلَانِ: أَحدهمَا سعيد بن أبي عرُوبَة، وَرِوَايَته هِيَ فِي المراسل.
وَالْآخر: إِبْرَاهِيم بن طهْمَان، وَرِوَايَته هِيَ مَا عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ.
وَقد نبهت على هَذَا الحَدِيث فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أغفل أَن يعزوها إِلَى مَوضِع، إِذْ لم أعد هَذَا مِنْهُ نِسْبَة لَهُ إِلَى المراسل، وَلم أذكرهُ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي يعزوها إِلَى مَوَاضِع لَيست فِيهَا، لِأَن ذَلِك الْبَاب، إِنَّمَا يذكر فِيهِ مَا صرح بنسبته إِلَى مَوضِع، وَلَيْسَ هُوَ فِيهِ.
(97) وَذكر أَيْضا من طَرِيق مُسلم، حَدِيث سهل بن سعد، أَن سَوَّلَ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَأُعْطيَن هَذِه الرَّايَة رجلا يفتح الله على يَدَيْهِ " الحَدِيث.
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: وَقَالَ النَّسَائِيّ: " فنفث فِي عَيْنَيْهِ، وهز الرَّايَة ثَلَاثًا، فَدَفعهَا إِلَيْهِ ".
وَهَكَذَا أوردهُ مردفاً حَدِيث سهل، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْد النَّسَائِيّ من رِوَايَة ابْن عَبَّاس.(2/127)
قَالَ النَّسَائِيّ: أخبرنَا مُحَمَّد بن الْمثنى، حَدثنَا يحيى بن حَمَّاد، حَدثنَا الوضاح - وَهُوَ أَبُو عوَانَة - حَدثنَا يحيى - وَهُوَ ابْن أبي سليم أَبُو بلج - حَدثنَا عَمْرو بن مَيْمُون، أَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَأَبْعَثَن رجلا يحب الله وَرَسُوله، لَا يخزيه الله أبدا، فَأَشْرَف من استشرف، قَالَ: أَيْن عَليّ ابْن أَبى طَالب؟ - وَهُوَ فِي الرحا يطحن - فَدَعَاهُ وَهُوَ أرمد، وَمَا يكَاد أَن يبصر فنفث فِي عَيْنَيْهِ، وهز الرَّايَة ثَلَاثًا، فَدَفعهَا إِلَيْهِ، فجَاء بصفية بنت حييّ ".
(98) وَذكر أَيْضا من طَرِيق مُسلم مَعَ أنس، حَدِيث مقَالَة الْأَنْصَار " يُعْطي قُريْشًا ويتركنا ".
فَلَمَّا فرغ قَالَ: وَفِي وَفِي بعض طرق هَذَا الحَدِيث، عَن عبد الله بن زيد، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ - إِذْ جمعهم -: " يَا معشر الْأَنْصَار، ألم أَجِدكُم ضلالا؟ " الحَدِيث.
فَلَمَّا فرغ مِنْهُ، قَالَ مُتَّصِلا بِهِ: وَفِي طَرِيق آخر: " لَو سلك النَّاس وَاديا، وسلكت الْأَنْصَار شعبًا، لَسَلَكْت شعب الْأَنْصَار ".
كَذَا أوردهُ، كَأَنَّهُ على ملتزمه، من حَدِيث عبد الله بن زيد، وَإِنَّمَا هُوَ فِي كتاب مُسلم، من حَدِيث أنس بن مَالك فاعلمه.
(99) وَذكر أَيْضا من طَرِيق أَسد بن مُوسَى، عَن / حَاتِم بن إِسْمَاعِيل،(2/128)
عَن عبد الرَّحْمَن بن عَطاء بن أبي لَبِيبَة، عَن عبد الْملك بن جَابر بن عتِيك، عَن جَابر بن عبد الله، قَالَ: كنت عِنْد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جَالِسا، فقد قَمِيصه من جيبه، ثمَّ أخرجه من رجلَيْهِ، فَنظر الْقَوْم إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: " إِنِّي أمرت ببدني الَّتِي بعثت بهَا أَن تقلد وتشعر على مَكَان كَذَا وَكَذَا، فَلبِست قَمِيصِي، فَلم أكن لأخرج قَمِيصِي من رَأْسِي " وَكَانَ بعث بِبدنِهِ وَأقَام بِالْمَدِينَةِ.
ثمَّ قَالَ: عبد الرَّحْمَن بن عَطاء ضَعِيف، وَذكره عبد الرَّزَّاق أَيْضا.
وَحَدِيث أَسد أتم لفظا، والإسناد وَاحِد. انْتهى مَا ورد.
وَالْمَقْصُود بَيَانه هُوَ قَوْله: والإسناد وَاحِد، فَإِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِك، وَمرَاده إِنَّمَا هُوَ عبد الرَّحْمَن [بن عَطاء] المضعف الْمَذْكُور، يرويهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، فَأتى بِلَفْظ يُعْطي أَكثر من ذَلِك، وينتسب بِهِ كل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى غير رَاوِيه. وَبَيَان ذَلِك، هُوَ أَن حَدِيث عبد الرَّزَّاق، يرويهِ عَن دَاوُد بن قيس، عَن عبد الرَّحْمَن بن عَطاء الْمَذْكُور، أَنه سمع ابْني جَابر، يحدثان عَن / أَبِيهِمَا جَابر ابْن عبد الله قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جَالس مَعَ أَصْحَابه، إِذْ شقّ قَمِيصه حَتَّى خرج مِنْهُ، فَسئلَ فَقَالَ: " وعدتهم يقلدون هدبي الْيَوْم فنسيت ".
هَذَا نَص حَدِيث عبد الرَّزَّاق، فَمَا لعبد الْملك بن جَابر بن عتِيك، وَلَا لحاتم بن إِسْمَاعِيل مدْخل، كَمَا أَن حَدِيث أَسد بن مُوسَى، مَا لَا بني جَابر بن(2/129)
عبد الله، وَلَا لداود بن قيس فِيهِ مدْخل.
وابنا جَابر هَذَانِ، هما: عبد الرَّحْمَن، وَمُحَمّد.
وَسَيَأْتِي لَهُ فِي الرَّضَاع حَدِيث ضَعِيف، وَمن رِوَايَة حرَام بن عُثْمَان، عَن عبد الرَّحْمَن، وَمُحَمّد ابْني جَابر [عَن جَابر] عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ:
(100) " لَا رضَاع بعد فصَال ".
وَيحْتَمل أَن يَكُونَا غير هذَيْن، أَو أَحدهمَا غير وَاحِد مِنْهُمَا، فَإِن لجَابِر ابْنا ثَالِثا يروي عَنهُ.
(101) قد رُوِيَ لَهُ فِي كتاب أبي دَاوُد، حَدِيث الرجل الَّذِي كَانَ يُصَلِّي، فأصيب بِسَهْم، فكره أَن يقطع السُّورَة، وَهُوَ عقيل بن جَابر بن عبد الله.
وَحَدِيث عبد الرَّزَّاق هَذَا، ذكره الْبَزَّار أَيْضا، وَفِيه لَفْظَة مفْسدَة لست أذكرها الْآن، وَالله الْمُوفق /.(2/130)
(102) وَذكر أَيْضا من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن أبي الْغُصْن، عَن صَخْر بن إِسْحَاق عَن عبد الرَّحْمَن بن جَابر بن عتِيك عَن أَبِيه، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " سَيَأْتِيكُمْ ركيب مبغضون " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: ابو الْغُصْن: ثَابت بن قيس بن غُصْن.
وَقَالَ أَبُو بكر الْبَزَّار: عَن عبد الرَّحْمَن بن جَابر بن عبد الله، وخرجه فِي مُسْند جَابر.
" وَعبد الرَّحْمَن بن جَابر بن عبد الله، لَا يحْتَج بِهِ " وَكَذَلِكَ الآخر، وَإِنَّمَا الصَّحِيح مَا تقدم: " أرضوا مصدقيكم وَإِن ظلمتم ".
هَذَا نَص مَا أوردهُ، وَهُوَ كُله صَحِيح، إِلَّا أَنِّي خفت أَن يتَوَهَّم [مِنْهُ] متوهم أَن هَذَا الَّذِي هُوَ عِنْد الْبَزَّار - عَن عبد الرَّحْمَن بن جَابر بن عبد الله، بَدَلا من عبد الرَّحْمَن بن جَابر بن عتِيك - هُوَ أَيْضا من رِوَايَة صَخْر بن إِسْحَاق الْمَذْكُور عَنهُ، وَمن رِوَايَة أبي الْغُصْن - عَن صَخْر، وأنهما لم يفترقا إِلَّا فِي عبد الرَّحْمَن.
فَهُوَ عِنْد أبي دَاوُد: ابْن جَابر بن عتِيك، وَهُوَ عِنْد الْبَزَّار: ابْن جَابر بن عبد الله.
وَهَذَا لَو توهمه متوهم، كَانَ لَهُ فِي الْكَلَام الْمَذْكُور مَا يحملهُ عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ إِذا ذكر حَدِيثا، ثمَّ أردفه عَن ذَلِك الصاحب أَو التَّابِع رِوَايَة أُخْرَى، لَا(2/131)
يلْزم أَن تكون الرِّوَايَتَانِ مشتركتين فِيمَا بَقِي من إسناديهما، فَإِن هَاهُنَا مغلطاً، وَهُوَ ذكر أبي الْغُصْن، وصخر بن إِسْحَاق، وَعبد الرَّحْمَن بن جَابر ابْن عتِيك.
ثمَّ قَالَ: هُوَ عِنْد الْبَزَّار، عبد الرَّحْمَن بن جَابر بن عبد الله، فَظَاهر هَذَا بِلَا شكّ الِاشْتِرَاك فِي جَمِيع مَا ذكر، وَلَيْسَ الْوَاقِع فِي الْوُجُود كَذَلِك.
وَإِنَّمَا هُوَ عِنْد الْبَزَّار، وَابْن أبي شيبَة، وَغَيرهمَا، عَن أبي الْغُصْن، عَن خَارِجَة بن إِسْحَاق السّلمِيّ، عَن عبد الرَّحْمَن بن جَابر بن عبد الله [عَن أَبِيه جَابر بن عبد الله] .
قَالَ الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن معمر، قَالَ حَدثنَا أَبُو عَامر، قَالَ: حَدثنَا أَبُو الْغُصْن: ثَابت بن قيس، عَن خَارِجَة بن إِسْحَاق، عَن عبد الرَّحْمَن بن جَابر بن عبد الله، عَن جَابر، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " سَيَأْتِيكُمْ ركيب مبغضون، فَإِذا جاؤوكم فرحبوا بهم، وخلو بَينهم وَبَين مَا يَبْتَغُونَ، فَإِن عدلوا فلأنفسهم، وَإِن ظلمُوا فعلَيْهَا، وأرضوهم، فَإِن تَمام / زَكَاتكُمْ رضاهم، وليدعوا لكم ".
قَالَ: وَهَذَا الْكَلَام لَا نعلمهُ يرْوى عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا / بِهَذَا الْإِسْنَاد، وخارجة بن إِسْحَاق من أهل الْمَدِينَة، وَأَبُو الْغُصْن من أهل الْمَدِينَة أَيْضا، وَلم يكن حَافِظًا. انْتهى مَا ذكر.
وَفِي مُسْند جَابر بن عبد الله ذكره، وَهَكَذَا فعل ابْن أبي شيبَة، وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه، إِسْنَادًا ومتناً.
وخارجة بن إِسْحَاق، لَيْسَ فِيهِ مزِيد، وصخر بن إِسْحَاق، الَّذِي فِي إِسْنَاد حَدِيث أبي دَاوُد، أعرض أَبُو مُحَمَّد عَن ذكره، وَهُوَ غير مَعْرُوف وَلَا(2/132)
مَذْكُور فِي كتب الرِّجَال، كَمَا أَن عبد الرَّحْمَن بن جَابر بن عتِيك، لَا أعلم لَهُ وجودا فِي شَيْء مِنْهَا.
إِلَّا أَن الْبَزَّار لما ذكر فِي بَاب عبد الرَّحْمَن بن جَابر بن عبد الله، عَن أَبِيه، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ:
(103) " إِذا حدث الرجل بِالْحَدِيثِ، ثمَّ الْتفت، فَهِيَ أَمَانَة ".
قَالَ: وَعبد الرَّحْمَن بن جَابر هَذَا، هُوَ عِنْدِي عبد الرَّحْمَن بن جَابر بن عتِيك، وَلَكِن هَكَذَا حَدثنَا مُحَمَّد بن معمر، وَلَا نعلم روى عبد الرَّحْمَن بن جَابر بن عتِيك، عَن جَابر إِلَّا هَذَا الحَدِيث.
فَفِي كَلَام الْبَزَّار هَذَا، أَن عبد الرَّحْمَن بن جَابر بن عتِيك، يروي عَن جَابر ابْن عبد الله.
فَأَما قَوْله فِي إِسْنَاد حَدِيث أبي دَاوُد: " عَن أَبِيه جَابر بن عتِيك "، فشيء لَا يعرف.
وَفِي كَلَام الْبَزَّار أَيْضا شَيْء آخر، وَذَلِكَ أَن هَذَا الحَدِيث الَّذِي هُوَ: " إِذا حدث الرجل بِالْحَدِيثِ، ثمَّ الْتفت، فَهُوَ أَمَانَة " إِنَّمَا سَاقه أَبُو دَاوُد فِي كِتَابه من رِوَايَة عبد الْملك بن جَابر بن عتِيك، عَن جَابر بن عبد الله.
وَعبد الْملك بن جَابر بن عتِيك، مدنِي ثِقَة، وَأما عبد الرَّحْمَن بن جَابر بن عبد الله، فقد روى عَن أَبِيه أَحَادِيث، وروى عَنهُ طَالب بن حبيب، وخارجة السّلمِيّ، وَأخرج لَهُ البُخَارِيّ، وَمُسلم، وَقَالَ فِيهِ الْكُوفِي: " مدنِي،(2/133)
تَابِعِيّ، ثِقَة ".
وَلما رأى أَبُو مُحَمَّد عبد الْحق أَبَا مُحَمَّد: عبد الرَّحْمَن وَأبي حَاتِم قد أهمله من ذكر الْجرْح وَالتَّعْدِيل، ظن أَنه مَجْهُول الْحَال، فَقَالَ مَا قدمْنَاهُ عَنهُ من أَنه لَا يحْتَج بِهِ، وَنقض فِي ذَلِك أَصله، فِيمَن يروي عَنهُ أَكثر من وَاحِد، أَنه يحْتَج بِهِ مَا لم يجرح.
فَإِذن هَذَا الحَدِيث الَّذِي ذكر الْبَزَّار، لَيْسَ علته مَا ذكر، وَإِنَّمَا علته الْجَهْل / بِحَال خَارِجَة السّلمِيّ. وَأما حَدِيث جَابر بن عتِيك الَّذِي ذكر أَبُو دَاوُد، فعلته الْجَهْل بِحَال عبد الرَّحْمَن بن جَابر بن عتِيك، وبحال صَخْر بن إِسْحَاق:
وَقد انجر القَوْل إِلَى مَا لَيْسَ مَقْصُودا، وَلَكِن فرغت مِنْهُ لأحيل عَلَيْهِ فِيمَا يَأْتِي من موَاضعه إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(104) وَذكر من طَرِيق مُسلم حَدِيث ابْن عَبَّاس " مر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -(2/134)
على قبرين: " الحَدِيث؟
وَأتبعهُ أَن قَالَ: وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد " كَانَ لَا يستنزه من بَوْله ".
وَفِي حَدِيث هناد بن السّري " لَا يستبرئ " - يَعْنِي من الِاسْتِبْرَاء.
كَذَا قَالَ: وَهُوَ قد يفهم مِنْهُ الْخَطَأ من يعلم أَن أَبَا دَاوُد قَالَ - إِثْر الحَدِيث الْمَذْكُور: وَقَالَ هناد: " يسْتَتر مَكَان " يستنزه " فيظن مَا أوردهُ أَبُو مُحَمَّد عَن هناد من قَوْله " يستبرئ " - من الِاسْتِبْرَاء - مَنْسُوبا إِلَى أبي دَاوُد، وَلَيْسَ لَهُ فِي كتاب أبي دَاوُد ذكر، - أَعنِي الِاسْتِبْرَاء - وَإِنَّمَا عني أَبُو مُحَمَّد بذلك أَنه رَآهُ فِي كتاب هناد بن السّري. وَقد بَين ذَلِك فِي كِتَابه الْكَبِير فَقَالَ: رَأَيْت فِي كتاب هناد بن السّري فِي الزّهْد هَذَا الحَدِيث بِهَذَا الْإِسْنَاد الَّذِي لأبي دَاوُد عَن هناد / وَفِيه " لَا يستبرئ من الْبَوْل " بِهَذَا اللَّفْظ - من الِاسْتِبْرَاء - وَلم أره فِي نُسْخَة أُخْرَى وَلَا صححته. انْتهى قَوْله.
فَمِنْهُ يتَبَيَّن أَن " يستبرئ " لم يعن بِهِ أَنه فِي رِوَايَة هناد عَن أبي دَاوُد.
وَأعرف هَذِه الرِّوَايَة فِي فَوَائِد ابْن صَخْر، من غير رِوَايَة هناد.(2/135)
قَالَ ابْن صَخْر: حَدثنَا أَبُو الْقَاسِم: عمر بن مُحَمَّد بن سيف الْبَغْدَادِيّ، الْكَاتِب، إملاء بِالْبَصْرَةِ: حَدثنَا أَبُو حفيص: عمر بن الْحسن الْحلَبِي، حَدثنَا مُحَمَّد بن قدامَة، حَدثنَا جرير، عَن الْأَعْمَش، عَن مُجَاهِد، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
(105) مر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بقبرين، فَقَالَ: " إنَّهُمَا ليعذبان، وَمَا يعذبان فِي كَبِير، ثمَّ قَالَ: بلَى، أما أَحدهمَا فَكَانَ يسْعَى بالنميمة، وَأما الآخر فَكَانَ لَا يستبرئ من الْبَوْل ".
(106) وَذكر أَيْضا من طَرِيق البُخَارِيّ، عَن ابْن عَبَّاس فِي قصَّة مَاعِز حَدِيثا فِيهِ " أنكتها؟ " - لَا يكنى - قَالَ: نعم، قَالَ: " فَعِنْدَ ذَلِك أَمر برجمه ".(2/136)
ثمَّ قَالَ: وَقَالَ أَبُو دَاوُد: " وَلم يصل عَلَيْهِ ".
وَقَالَ البُخَارِيّ من حَدِيث جَابر، " إِن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ / لَهُ خيرا، وَصلى عَلَيْهِ ".
كَذَا وَقع هَذَا الْموضع، مفهماً أَن زِيَادَة " لم يصل عَلَيْهِ " من حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَأَنا أَظن أَنه كَانَ قد كتب من عِنْد أبي دَاوُد: " وَلم يصل عَلَيْهِ " فِي الْحَاشِيَة مُلْحقًا، وَغلط فِي التَّخْرِيج وَالْإِشَارَة إِلَيْهِ. فَكتب قبل قَوْله: وَقَالَ البُخَارِيّ: من حَدِيث جَابر، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن يكون بعده، فَإِن ذَلِك فِي كتاب أبي دَاوُد، إِنَّمَا هُوَ فِي حَدِيث جَابر، وَهُوَ بِعَيْنِه حَدِيث البُخَارِيّ، فِي إِسْنَاده وَمَتنه، من رِوَايَة عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة، عَن جَابر، أَن رجلا من أسلم، فَذكر حَدِيثا وَاحِدًا عِنْدهمَا، قَالَ فِيهِ أَبُو دَاوُد: " وَقَالَ لَهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خيرا وَلم يصل عَلَيْهِ ". وَقَالَ البُخَارِيّ: " وَقَالَ لَهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خيرا وَصلى عَلَيْهِ ".
ثمَّ قَالَ البُخَارِيّ: رَوَاهُ معمر، قيل لَهُ: رَوَاهُ غَيره؟ قَالَ: لَا، يَعْنِي " وَصلى عَلَيْهِ ".
(107) وَذكر أَيْضا من طَرِيق مُسلم، حَدِيث عَائِشَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:(2/137)
" أَمر بكبش أقرن، يطَأ فِي سَواد، ويبرك فِي سَواد، وَينظر فِي سَواد " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: زَاد النَّسَائِيّ " وَيَأْكُل فِي سَواد ".
هَكَذَا أورد هَذَا، وَالنَّسَائِيّ، لم يذكر حَدِيث عَائِشَة، وَإِنَّمَا ذكر الزِّيَادَة الْمَذْكُورَة، من رِوَايَة أبي سعيد الْخُدْرِيّ، لَا من حَدِيث عَائِشَة، وأوهم أَيْضا كَلَامه مُشَاركَة حَدِيث أبي سعيد لحَدِيث عَائِشَة ي مُقْتَضَاهُ، وسأبين ذَلِك فِي الْبَاب بعد هَذَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(108) وَذكر أَيْضا من طَرِيق مُسلم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " لَا تدخل الْمَلَائِكَة بَيْتا فِيهِ كلب وَلَا صُورَة ".
وَقَالَ البُخَارِيّ: " وَلَا صُورَة تماثيل ".
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: " صُورَة، وَلَا كلب، وَلَا جنب " وَإسْنَاد مُسلم وَالْبُخَارِيّ، أصح وَأجل.
كَذَا أورد هَذَا الْموضع، ونقصه مِنْهُ أَن يَقُول: من حَدِيث عَليّ، وَلَعَلَّه قد قَالَه فَسقط، فَإِن الحَدِيث الْمَذْكُور فِي كتاب أَبى دَاوُد، إِنَّمَا هُوَ حَدِيث عَليّ -(2/138)
رَضِي الله عَنهُ - لَا حَدِيث ابْن عَبَّاس.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا حَفْص بن عمر، قَالَ: حَدثنَا شُعْبَة، عَن عَليّ بن مدرك، عَن أبي زرْعَة بن عَمْرو بن جرير، عَن عبد الله بن نجي عَن أَبِيه / عَن عَليّ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا تدخل الْمَلَائِكَة بَيْتا فِيهِ صُورَة وَلَا كلب وَلَا جنب ".
(109) وَذكر من طَرِيق / مُسلم عَن ابْن عمر، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كَانَ إِذا اسْتَوَى على بعيره، خَارِجا إِلَى سفر، كبر ثَلَاثًا، ثمَّ قَالَ: سُبْحَانَ الَّذِي سخر لنا هَذَا، وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرنين، وَإِنَّا إِلَى رَبنَا لمنقلبون، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلك فِي سفرنا هَذَا الْبر وَالتَّقوى، وَمن الْعَمَل مَا ترْضى، اللَّهُمَّ هون علينا سفرنا هَذَا واطوعنا بعده، اللَّهُمَّ أَنْت الصاحب فِي السّفر، والخليفة فِي الْأَهْل، اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من وعثاء السّفر، وكآبة المنقلب، وَسُوء المنظر فِي الْأَهْل وَالْمَال " وَإِذا رَجَعَ قالهن.
وَزَاد فِيهِنَّ: آيبون، تائبون، عَابِدُونَ، لربنا حامدون ".
(110) وَفِي رِوَايَة: " كآبة المنقلب، والحور بعد الكور، ودعوة الْمَظْلُوم ".(2/139)
هَكَذَا ذكر هَذَا الْموضع، وَهُوَ خطأ لَا شكّ فِيهِ، فَإِن هَذَا اللَّفْظ الْأَخير، إِنَّمَا هُوَ عِنْد مُسلم من رِوَايَة عبد الله بن سرجس عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَلَيْسَ لذَلِك ذكر فِي حَدِيث ابْن عمر، وَلم يسق مُسلم حَدِيث ابْن عمر الْمَذْكُور إِلَّا من طَرِيق وَاحِد، ثمَّ أتبعه حَدِيث ابْن سرجس، فَلم يتثبت أَبُو مُحَمَّد، وطنة من أَطْرَاف الحَدِيث ابْن عمر، وَلَيْسَ كَذَلِك فاعلمه.
وَمِمَّا يَنْبَغِي التبيه عَلَيْهِ من هَذَا - بِاعْتِبَار بعض الرِّوَايَات عَنهُ، فَإِنِّي قد رَأَيْته فِي بعض النّسخ على الصَّوَاب - مَا ذكر من طَرِيق ابي دَاوُد من حَدِيث ابي الدَّرْدَاء، سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول:
(111) " من سلك طَرِيقا يطْلب فِيهِ علما " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: أخرج مُسلم من أول هَذَا الحَدِيث إِلَى قَوْله: " من طرق الْجنَّة ".
كَذَا رَأَيْته فِي أَكثر النّسخ، وَرَأَيْت فِي بَعْضهَا: أخرج مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة(2/140)
من أول هَذَا الحَدِيث إِلَى قَوْله: " من طرق الْجنَّة " فَكَانَ هَذَا صَوَابا، فَإِنَّهُ عِنْد مُسلم، حَدِيث آخر من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة [من أول هَذَا الحَدِيث، إِلَى قَوْله من طرق الْجنَّة] .
(112) فَأَما حَدِيث أبي الدَّرْدَاء فَمَاله عِنْده ذكر، وَهُوَ أَيْضا لَا يَصح، وَسكت عَنهُ، متسامحاً فِيهِ، لكَونه من فَضَائِل الْأَعْمَال، وَقد نبهت عَلَيْهِ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي سكت عَنْهَا، وَلَيْسَت بصحيحة.
وَاعْلَم أَن هَذَا الَّذِي نبهت عَلَيْهِ / فِي هَذَا الْبَاب - من إِيهَام كَون الحَدِيث أَو الزِّيَادَة فِي حَدِيث من رِوَايَة راو، وَلَيْسَ أَو لَيست من رِوَايَته، أَو من كتاب، وَلَيْسَ مِنْهُ، أَو فِي قصَّة وَلَيْسَ مِنْهَا - قد يَقع عَكسه _ أَعنِي أَن يتَوَهَّم من ذكره الشَّيْء من مَوضِع، عَدمه فِي غَيره، وَلَكِن أقبح مَا فِي هَذَا أَن يكون ذَلِك من عمله.
(113) كَمَا اتّفق لَهُ فِي حَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع الطَّوِيل، المتضمن ذكر بيعَة الْحُدَيْبِيَة، وبيعة الشَّجَرَة، وغزوة ذِي قرد، وخيبر، ومسابقة سَلمَة، وَغير ذَلِك، فَإِنَّهُ ذكره من طَرِيق مُسلم، فَلَمَّا فرغ مِنْهُ قَالَ: وَعند البُخَارِيّ فِي هَذَا الحَدِيث - وَلم يذكرهُ بِكَمَالِهِ - قلت: يَا نَبِي الله، قد حميت الْقَوْم المَاء، وهم(2/141)
عطاش، فَابْعَثْ إِلَيْهِم السَّاعَة، فَقَالَ: " يَا بن الْأَكْوَع، ملكت فَأَسْجِحْ ".
فَهَذَا بِلَا ريب يُوهم عدم هَذَا فِي كتاب مُسلم، وَهُوَ عِنْده بنصه، من رِوَايَة يزِيد بن أبي عبيد، عَن سَلمَة، فِي طَرِيق من طرق حَدِيثه، فَاعْلَم ذَلِك، وَالله الْمُوفق.(2/142)
(5) بَاب ذكر أَحَادِيث، يظنّ من عطفها على أخر، أَو إردافها إِيَّاهَا أَنَّهَا مثلهَا فِي مقتضياتها وَلَيْسَت كَذَلِك(2/143)
هَذَا الْبَاب، تنتسب فِيهِ أَيْضا الْأَحَادِيث إِلَى غير رواتها بِحكم ظَاهر اللَّفْظ، فَلذَلِك جعلته بعد الْبَابَيْنِ الْمُتَقَدِّمين المفروغ مِنْهُمَا، وَلست أَعنِي فِيهِ أَن يعْطف الحَدِيث على الحَدِيث، وَهُوَ بِغَيْر لَفظه، وَلكنه بِمَعْنَاهُ.
(114) كَمَا روى ابْن وهب، عَن مَالك، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْحمى من فيح جَهَنَّم، فأطفئوها بِالْمَاءِ ".
قَالَ ابْن وهب / وَسمعت مَالِكًا، يحدث عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مثله.
فَقَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر: هَكَذَا عطفه ابْن وهب على حَدِيث ابْن عمر وَلَفظه: " فأطفئوها ".
وَلَفظ حَدِيث عَائِشَة " فَأَبْرِدُوهَا " وَهَذَا على نقل الحَدِيث بِالْمَعْنَى، انْتهى معنى مَا ذكر أَبُو عمر.
وَلست أَعنِي هَذَا النَّحْو، وَإِنَّمَا أَعنِي، أَن يتَضَمَّن أَحدهمَا مَا لَيْسَ فِي الآخر، فيعطف عَلَيْهِ عطفا، يُوهم تساويهما، ويتبين الْمَقْصُود فِي نفس الْبَاب إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(115) فَمن ذَلِك مَا ذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ / عَن قَتَادَة عَن أنس قَالَ:(2/145)
" كَانَت نعل سيف رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: فضَّة، وقبيعة سَيْفه فضَّة، وَمَا بَين ذَلِك حلق فضَّة ".
ثمَّ قَالَ: الَّذِي أسْند هَذَا الحَدِيث ثِقَة، وَهُوَ جرير بن حَازِم، وَكَذَلِكَ أسْندهُ عَمْرو بن عَاصِم، عَن همام، عَن قَتَادَة، وَلَكِن قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: الصَّوَاب: عَن قَتَادَة، عَن سعيد بن أبي الْحسن، أخي الْحسن مُرْسلا.
هَكَذَا أورد هَذَا الْكَلَام إِثْر الحَدِيث الْمَذْكُور، وَفِيه إِيهَام مُسَاوَاة مُرْسل سعيد بن أبي الْحسن للْحَدِيث الْمُتَقَدّم، فِيمَا فِيهِ من ذكر النَّعْل، والقبيعة، وَالْحلق، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا ذكر القبيعة فَقَط.
وَمَا حَكَاهُ عَن الدَّارَقُطْنِيّ، يُوهم مثل صَنِيعه، وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ، بل قد تحرز فِيهِ، على أَنه كثيرا مَا يجمع الْأَسَانِيد للْحَدِيث الْوَاحِد، من غير اعْتِبَار للفظه، وَلَا تعْيين لرِوَايَة، وَهُوَ هَاهُنَا إِنَّمَا قَالَ فِي كتاب الْعِلَل: وَسُئِلَ عَن حَدِيث قَتَادَة عَن أنس: " كَانَ حلية سيف رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: من فضَّة " فَقَالَ: اخْتلف فِيهِ على قَتَادَة، فَرَوَاهُ جرير بن حَازِم، عَن قَتَادَة، عَن أنس، وَكَذَلِكَ روى عَمْرو بن عَاصِم، عَن همام، عَن قَتَادَة، عَن أنس، وَرَوَاهُ(2/146)
هِشَام الدستوَائي، وَنصر بن طريف، عَن قَتَادَة، عَن سعيد بن أبي الْحسن، أخي الْحسن مُرْسلا ".
هَذَا نَص مَا ذكر، وَلَا إخلال فِيهِ، لِأَنَّهُ أجمل لفظ الْحِلْية.
(116) وَمتْن مُرْسل سعيد هُوَ هَذَا: قَالَ النَّسَائِيّ: حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد، حَدثنَا يزِيد - وَهُوَ ابْن زُرَيْع - عَن هِشَام، عَن قَتَادَة، عَن سعيد بن أبي الْحسن قَالَ: " كَانَت قبيعة سيف رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من فضَّة ".
وَهَكَذَا اشار إِلَيْهِ التِّرْمِذِيّ بِهَذَا اللَّفْظ، وَقَوله: الَّذِي أسْندهُ - وَهُوَ جرير ابْن حَازِم - ثِقَة، وَكَذَلِكَ عَمْرو بن عَاصِم، عَن همام، عَن قَتَادَة، يُوهم أَن عَمْرو بن عَاصِم، إِنَّمَا يرويهِ عَن همام فَقَط، وَهُوَ إِنَّمَا يرويهِ عَن همام وَجَرِير ابْن حَازِم، قَالَا: حَدثنَا قَتَادَة عَن أنس، كَذَلِك هُوَ عِنْد النَّسَائِيّ.
وَرَوَاهُ أَيْضا جرير / بن حَازِم وَحده عَن قَتَادَة، عَن أنس، بِذكر القبيعة فَقَط، مثل لفظ الْمُرْسل سَوَاء، ذكره التِّرْمِذِيّ وَالْبَزَّار /.
وَقَالَ الْبَزَّار أَيْضا: إِنَّمَا يرْوى عَن قَتَادَة، عَن سعيد بن ابي الْحسن مُرْسلا، وَهُوَ الصَّوَاب فَاعْلَم ذَلِك.(2/147)
(117) وَذكر أَيْضا من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن عبد الله بن عمر الْعمريّ، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا نكح العَبْد بِغَيْر إِذن مَوْلَاهُ، فنكاحه بَاطِل ".
ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده الْعمريّ هَذَا، وَهُوَ ضَعِيف عِنْد أهل الحَدِيث، وَقد أسْندهُ يحيى بن سعيد الْأمَوِي، عَن ابْن جريج، عَن مُوسَى بن عقبَة، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَرَوَاهُ أَبُو عَاصِم، وحجاج، وَعبد الرَّزَّاق، عَن ابْن جريج، بِهَذَا الْإِسْنَاد مَوْقُوفا، وَهُوَ الصَّوَاب.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَيُّوب، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، مَوْقُوفا، ذكر ذَلِك كُله الدَّارَقُطْنِيّ، فَجعل حَدِيث يحيى بن سعيد الْأمَوِي، فِي رفع هَذَا الحَدِيث وهما. انْتهى كَلَامه.
وَالْمَقْصُود مِنْهُ هُوَ أَن حَدِيث يحيى بن سعيد الْأمَوِي، إِنَّمَا لَفظه عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ " فَهُوَ زَان " وَفرق بَين " فنكاحه بَاطِل " وَبَين " فَهُوَ زَان "، وَإِن كَانَ لَا يكون زَانيا، إِلَّا إِذا كَانَ نِكَاحه بَاطِلا، وَذَلِكَ أَن لزان أحكاماً أخر، وَإِن كَانَت غير ثَابِتَة فِي حق العَبْد الناكح بِغَيْر إِذن سَيّده، لأدلة دلّت، فَإِن الْمُحدث عَلَيْهِ(2/148)
نقل اللَّفْظ كَمَا هُوَ لمن ينظر فِيهِ.
وَهَذَا الحَدِيث أوهم بإيراده هَكَذَا، أَنه عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ موصل الْإِسْنَاد، وَلَيْسَ كَذَلِك، وسأذكر هَذَا مُبينًا فِي بَابه.
وَنَصّ هَاهُنَا على ضعف الْعمريّ، وَقد يَقع لَهُ فِيهِ خلاف ذَلِك، مِمَّا ستراه أَيْضا فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(118) وَذكر أَيْضا من عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: [قَالَ] رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أنكحوا الأيامي ثَلَاثًا، قيل: مَا العلائق بَينهم يَا رَسُول الله، قَالَ: مَا تراضى عَلَيْهِ الأهلون، وَلَو قضيب من أَرَاك ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا يرْوى مُرْسلا وَهُوَ أصح، وَفِي المراسل ذكره أَبُو دَاوُد، وَلم يذكر الْقَضِيب. انْتهى مَا أورد.
وَهُوَ رَحمَه الله إِنَّمَا عَنى مِنْهُ قَوْله: " مَا العلائق بَينهم " إِلَى آخِره، وَلَكِن جَاءَ كَلَامه مفهماً أَن الْمُرْسل كالمسند، وَلَا سِيمَا بتحرزه فِي قَوْله: " وَلم يذكر الْقَضِيب ".
(119) وَنَصّ الْمُرْسل هُوَ هَذَا: قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا / هناد، عَن(2/149)
وَكِيع عَن سُفْيَان، عَن عُمَيْر الْخَثْعَمِي عَن عبد الْملك بن الْمُغيرَة الطَّائِفِي، عَن ابْن الْبَيْلَمَانِي، قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " وآتو النِّسَاء صدقاتهن نحلة، قَالُوا: يَا رَسُول الله، مَا العلائق بَينهم؟ قَالَ: مَا تراضى عَلَيْهِ أهلوهم ".
فَهَذَا لَيْسَ فِيهِ قَوْله: " أنكحوا الْأَيَامَى " وتكرير ذَلِك ثَلَاثًا ذكر، وإيهام أَنه مثله مُجَانب للتحفظ.
وسأذكر أَمر هَذَا الحَدِيث أَيْضا، إِن شَاءَ الله [تَعَالَى] فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها وَلم يبين عللها، وَفِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي لم يعبها بسوى الْإِرْسَال، وَلها عُيُوب سواهُ.
(120) وَذكر أَيْضا من طَرِيق مُسلم عَن ابْن عَبَّاس، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " طَاف فِي حجَّة الْوَدَاع على بعير، يسْتَلم الرُّكْن بمحجن ". ثمَّ قَالَ: / زَاد من حَدِيث ابي الطُّفَيْل " وَيقبل المحجن ".
كَذَا أوردهُ، وَهُوَ يُعْطي أَن أَبَا الطُّفَيْل، روى فِي كتاب مُسلم الطّواف عل الْبَعِير، وَلَيْسَ كَذَلِك فِي حَدِيث أبي الطُّفَيْل عِنْد مُسلم.
(121) وَنَصّ حَدِيثه: رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يطوف بِالْبَيْتِ، ويستلم(2/150)
الرُّكْن بمحجن مَعَه وَيقبل المحجن.
والْحَدِيث عَن أبي الطُّفَيْل فِي كتاب أبي دَاوُد، فِيهِ ذكر الرَّاحِلَة كَمَا أَرَادَ، وَلَكِن لَا يَنْبَغِي لمن نقل من كتاب، أَن يَعْزُو إِلَيْهِ لفظ غَيره.
(122) وَذكر أَيْضا من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن عبد الله بن ثَعْلَبَة بن صعير، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " صَاع من بر، أَو قَمح، عَن كل اثْنَيْنِ، صَغِير، أَو كَبِير، حر، أَو عبد، ذكر، أَو أُنْثَى، غنى، أَو فَقير، أما غنيكم فيزكيه الله تَعَالَى، وَأما فقيركم فَيرد الله عَلَيْهِ أَكثر مِمَّا أعْطى ".
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: فِي إِسْنَاده النُّعْمَان بن رَاشد، وَبكر بن وَائِل، وهما ضعيفان، إِلَّا أَن أَبَا حَاتِم قَالَ: بكر بن وَائِل، صَالح الحَدِيث.
هَذَا نَص مَا أوردهُ وَهُوَ هَكَذَا موهم تَسَاوِي حَدِيث بكر بن وَائِل، والنعمان بن رَاشد.
وَفِيه أَيْضا مَا لَا أعلم قَائِلا بِهِ غَيره، وَهُوَ تَضْعِيف بكر بن وَائِل. وَبِذَلِك يتَأَكَّد الَّذِي قصدت بَيَانه، وَذَلِكَ أَنه إِذا قَرَأَ أحد هَذَا الْموضع - واعتقد أَنه لَا بَأْس(2/151)
ببكر بن وَائِل كَمَا هُوَ الْحق فِيهِ - يظنّ أَن جَمِيع لفظ الحَدِيث الْمَذْكُور / فِي رِوَايَته، وَلَا يُبَالِي بِضعْف النُّعْمَان بن رَاشد، وَالْأَمر فِيهِ لَيْسَ كَذَلِك، بل الحَدِيث الْمَذْكُور، حَدِيث النُّعْمَان بن رَاشد وَحده، رَوَاهُ عَن الزُّهْرِيّ، فَأَما بكر بن وَائِل، فَلَيْسَ فِي رِوَايَته عَن الزُّهْرِيّ قَوْله " ذكر، أَو أُنْثَى، غَنِي، أَو فَقير " وَلَا أَيْضا قَوْله " أما غنيكم فيزكيه الله، وَأما فقيركم، فَيرد الله عَلَيْهِ أَكثر مِمَّا أعْطى ".
وَعِنْده زِيَادَة لَيست فِي رِوَايَة النُّعْمَان بن رَاشد، وَهِي قَوْله: " صَاع تمر، أَو صَاع شعير، على كل رَأس ".
وَإِن أردْت الْوُقُوف على نَص رِوَايَته، فَفِي كتاب أبي دَاوُد، وَإِنَّمَا طلبت بترك إيرادها الِاخْتِصَار، وينجر ذكر إخلال آخر، وَذَلِكَ أَنه اعتنى بِأَمْر الْوَاجِب فِي زَكَاة الْفطر، وَلم يسق أَلْفَاظ الْأَحَادِيث فِي ذَلِك، فيخلص، فأتبع النَّص الَّذِي ذكرته أَن قَالَ:
(123) وَرَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث الْحسن عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلم يسمع الْحسن من ابْن عَبَّاس.
فَهَذَا يظنّ مِنْهُ أَن فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس " أما غنيكم " إِلَى آخِره، وَأَن فِيهِ " غَنِي أَو فَقير ".(2/152)
وَلَيْسَ شَيْء من ذَلِك فِيهِ، وَإِنَّمَا معينه مَسْأَلَة " صَاع الْبر " أَنه عَن اثْنَيْنِ.
وسأذكر حَدِيث ابْن عَبَّاس أَيْضا فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُنْقَطِعَة وَهِي مُتَّصِلَة.
وَهَاهُنَا إخلال آخر، وَهُوَ أَنه أتبع هَذَا أَن قَالَ ":
(124) وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَاخْتلف فِي إِسْنَاده.
فَهَذَا أَيْضا كَمَا قلته، وَإِنَّمَا عني ذكر " الصَّاع من الْبر " أَنه بَين اثْنَيْنِ. وَحَدِيث التِّرْمِذِيّ هَذَا إِنَّمَا نَصه: " بعث منادياً فِي فجاج مَكَّة: أَلا إِن صَدَقَة الْفطر وَاجِبَة / على كل مُسلم، ذكر أَو أُنْثَى، حر أَو عبد، صَغِير أَو كَبِير، مدان من قَمح أَو سواهُ، صَاع من طَعَام ".
وَرَوَاهُ من طَرِيق ابْن جريج، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، وخفي عَلَيْهِ انْقِطَاع مَا بَينهمَا، وَلذَلِك لم يتبعهُ أَكثر من أَن قَالَ: اخْتلف فِي إِسْنَاده.
وَقد بيّنت ذَلِك فِي بَاب الإحاديث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة، وَهِي مُنْقَطِعَة.(2/153)
وَهَاهُنَا إخلال آخر: وَذَلِكَ أَنه قَالَ بعد هَذَا كُله: قَالَ أَبُو عمر: حَدِيث ثَعْلَبَة هَذَا مُضْطَرب، وَذكر / الْبر وهم فِي حَدِيث الثَّوْريّ.
فجَاء هَذَا كَأَنَّهُ إِعَادَة على حَدِيث ثَعْلَبَة، وَمَا للثوري فِي حَدِيث ثَعْلَبَة ذكر، فَإِنَّهُ لَا يروي عَن الزُّهْرِيّ، وَقد قيل لَهُ: لم لم ترحل إِلَى الزُّهْرِيّ؟ قَالَ: كنت قَلِيل الدَّرَاهِم، وأغنانا معمر عَنهُ.
حَدِيث ثَعْلَبَة إِنَّمَا مَدَاره على الزُّهْرِيّ، وَإِنَّمَا لفق أَبُو مُحَمَّد كَلَام أبي عمر من موضِعين:
فِي أَحدهمَا كَلَام أبي دَاوُد على حَدِيث أبي سعيد، وَهُوَ أَن مُعَاوِيَة بن هِشَام قَالَ فِيهِ: عَن الثَّوْريّ، عَن زيد بن أسلم، عَن عِيَاض، عَن أبي سعيد: " نصف صَاع من بر " وَهُوَ وهم من مُعَاوِيَة بن هِشَام، أَو مِمَّن روى عَنهُ. وَهُوَ - أَعنِي هَذَا الْكَلَام بنصه - فِي كتاب السّنَن.
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر من التَّمْهِيد - بعد هَذَا - فِي حَدِيث ثَعْلَبَة: إِنَّه مُضْطَرب لَا يثبت.
فلفق ابو مُحَمَّد الْكَلَامَيْنِ، فجاءا كَأَنَّهُمَا على حَدِيث ثَعْلَبَة، وَكَانَ صَوَاب القَوْل فِيمَا أَرَادَ هَكَذَا: حَدِيث ثَعْلَبَة هَذَا مُضْطَرب، وَذكر " الْبر " وهم فِي حَدِيث أبي سعيد من رِوَايَة الثَّوْريّ.
(125) وَذكر أَيْضا من طَرِيق عبد الرَّزَّاق، عَن عَليّ بن الْحُسَيْن، أَن(2/154)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: قَالَ: " لَا يصرمن نخل بلَيْل، وَلَا يشابن لبن لبيع ".
ثمَّ قَالَ: " إِنَّه مُرْسل " ثمَّ قَالَ: " وَقد روى عَن عَليّ بن الْحُسَيْن، عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام، وَزيد فِيهِ " النَّهْي عَن حصاد الزَّرْع بِاللَّيْلِ " ذكره الدَّارَقُطْنِيّ والمرسل هُوَ الصَّوَاب ".
هَكَذَا قَالَ: " وَزيد فِيهِ النَّهْي عَن حصاد الزَّرْع بِاللَّيْلِ ".
وَهُوَ قَول موهم أَن فِي هَذَا الَّذِي رُوِيَ مُسْندًا، مَا فِي المراسل من قَوْله " وَلَا يشابن لبن لبيع " وَلَيْسَ كَذَلِك وَإِنَّمَا اعتنى بجداد اللَّيْل وحصاده، وَأعْرض عَمَّا فِي الْخَبَر من غَيره فتثبج.
وَالَّذِي عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ هُوَ: وَسُئِلَ عَن حَدِيث الْحسن بن عَليّ، عَن عَليّ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " نهى عَن حصاد الزَّرْع، وجداد النّخل بِاللَّيْلِ ".
فَقَالَ: يرويهِ جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن جده، فَذكر كَلَامه إِلَى آخِره.
(126) وَذكر من طَرِيق مُسلم عَن عَائِشَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَمر بكبش أقرن، يطَأ فِي سَواد، ويبرك فِي سَواد، وَينظر فِي سَواد، فَأتي بِهِ ليضحي بِهِ، فَقَالَ: " يَا عَائِشَة هَلُمِّي المدية، ثمَّ / قَالَ: اشحذيها بِحجر، فَفعلت، ثمَّ(2/155)
أَخذهَا وَأخذ الْكَبْش فأضجعه، ثمَّ قَالَ: باسم الله، اللَّهُمَّ تقبل من مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد، وَمن أمة مُحَمَّد، ثمَّ ضحى بِهِ ".
زَاد النَّسَائِيّ: " وَيَأْكُل فِي سَواد ".
كَذَا أوردهُ، وَالنَّسَائِيّ لم يذكر حَدِيث عَائِشَة، وَإِنَّمَا ذكر حَدِيث أبي سعيد، وَلَيْسَ فِيهِ " يبرك فِي سَواد ".
وَقَوله: زَاد النَّسَائِيّ، يُوهم الْمُشَاركَة فِي ذَلِك وَكَذَلِكَ قَوْله: " يَا عَائِشَة، هَلُمِّي المدية " إِلَى آخِره، لَيْسَ لَهُ فِيهِ ذكر.
وَقد تقدم ذكر بعض هَذَا فِي الْبَاب قبل هَذَا.
(127) وَنَصّ حَدِيث أبي سعيد / هُوَ: " ضحى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بكبش أقرن، يمشي فِي سَواد، وَيَأْكُل فِي سَواد، وَينظر فِي سَواد ".
هَذَا نَصه من غير مزِيد، فَاعْلَم ذَلِك.
(128) وَذكر أَيْضا من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن عَليّ بن أبي طَالب، قَالَ:(2/156)
" نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن بيع الْمُضْطَر ".
قَالَ: وَهَذَا ضَعِيف، وَرَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور، من حَدِيث مَكْحُول، عَن حُذَيْفَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَهُوَ أَيْضا مُنْقَطع، وَإِسْنَاده ضَعِيف.
كَذَا ذكر هذَيْن الْحَدِيثين، وهما مُخْتَلِفَانِ، وَعطف أَحدهمَا على الآخر يُوهم تساويهما.
وَيبين ذَلِك بِذكر نصيهما: قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُحَمَّد بن عِيسَى حَدثنَا هِشَام حَدثنَا صَالح بن عَامر، حَدثنَا شيخ من بني تَمِيم، قَالَ: خَطَبنَا عَليّ بن أبي طَالب، أَو قَالَ: قَالَ عَليّ، قَالَ [مُحَمَّد] بن عِيسَى [هَكَذَا] حَدثنَا هشيم قَالَ: " سَيَأْتِي على النَّاس زمَان عضوض، يعَض الْمُوسر على مَا فِي يَده، وَلم يُؤمر بذلك، قَالَ الله تَعَالَى: {وَلَا تنسوا الْفضل بَيْنكُم} ويبايع المضطرون، وَقد نهى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن بيع الْمُضْطَر، وَبيع الْغرَر، وَبيع التَّمْر قبل أَن يدْرك ".
هَذَا نَص حَدِيث عَليّ، وَصَالح بن عَامر رَاوِيه، لَا يعرف من هُوَ، عَن شيخ من بني تَمِيم، وَهُوَ أبعد عَن أَن يعرف، وَالْكَلَام فِي الحَدِيث كَلَام عَليّ رَضِي الله عَنهُ.(2/157)
(129) فَأَما حَدِيث حُذَيْفَة، فَالْكَلَام فِيهِ كَلَام النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
قَالَ سعيد بن مَنْصُور: حَدثنَا هشيم، عَن كوثر بن حَكِيم، عَن مَكْحُول، قَالَ: بَلغنِي عَن حُذَيْفَة أَنه حدث عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: / أَنه قَالَ: " إِن بعد زمانكم هَذَا زَمَانا عَضُوضًا، يعَض الْمُوسر على مَا فِي يَدَيْهِ، وَلم يُؤمر بذلك، قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَا أنفقتم من شَيْء فَهُوَ يخلفه وَهُوَ خير الرازقين} ، وَيشْهد شرار خلق الله، ويبايعون كل مُضْطَر، أَلا إِن بيع الْمُضْطَرين حرَام، الْمُسلم أَخُو الْمُسلم، لَا يَظْلمه، وَلَا يخونه وَإِن كَانَ عنْدك خير فجد بِهِ على أَخِيك، وَلَا تزِدْه هَلَاكًا إِلَى هَلَاكه ".
هَذَا نَص حَدِيث حُذَيْفَة، والقطعة الَّتِي ذكر أَبُو مُحَمَّد من حَدِيث عَليّ، الَّتِي هِيَ " نهى عَن بيع الْمُضْطَرين: إِنَّمَا هِيَ فِيهِ بِالْمَعْنَى.
وكرثر بن حَكِيم ضَعِيف، وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ بقوله: إِنَّه مَعَ الِانْقِطَاع ضَعِيف، فَاعْلَم ذَلِك.
(130) وَذكر أَيْضا من طَرِيق مُسلم عَن جَابر بن عبد الله أَنه سمع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول عَام الْفَتْح - وَهُوَ بِمَكَّة - " إِن الله وَرَسُوله، حرم بيع الْخمر، وَالْميتَة، وَالْخِنْزِير، والأصنام " قيل: يَا رَسُول الله، أَرَأَيْت شحوم الْميتَة؟ فَإِنَّهَا تطلى بهَا السفن، وتدهن بهَا الْجُلُود، ويستصبح بهَا النَّاس، فَقَالَ: " لَا، هُوَ حرَام ". ثمَّ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عِنْد ذَلِك: قَاتل الله الْيَهُود، إِن الله لما حرم عَلَيْهِم شحومها، أجملوه ثمَّ باعوه، فَأَكَلُوا ثمنه ".(2/158)
ثمَّ قَالَ: زَاد أَبُو دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " وَإِن الله إِذا حرم على قوم أكل شَيْء، حرم عَلَيْهِم ثمنه ".
كَذَا سَاق حَدِيث ابْن عَبَّاس، كَأَنَّهُ مشارك لحَدِيث جَابر فِي جَمِيع مَا فِيهِ، زَائِد عَلَيْهِ بِمَا ذكر، وَلَيْسَ كَذَلِك.
(131) وَإِنَّمَا نَص حَدِيث ابْن عَبَّاس: رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جَالِسا عِنْد الرُّكْن / فَرفع بَصَره إِلَى السَّمَاء فَضَحِك فَقَالَ: " لعن الله الْيَهُود "، ثَلَاثًا، " إِن الله حرم عَلَيْهِم الشحوم، فَبَاعُوهَا وأكلوا أثمانها، وَإِن الله إِذا حرم على قوم أكل شَيْء حرم عَلَيْهِم ثمنه ".
(132) وَذكر أَيْضا من طَرِيق عبد الرَّزَّاق، عَن وهب بن مُنَبّه، قَالَ: قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " اتقو السُّحت " قَالُوا: وَمَا السُّحت يَا رَسُول الله؟ قَالَ: " بيع الشّجر، وَبيع المَاء، وَإِجَارَة الْأمة المسافحة، وَثمن الْخمر ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا مُرْسل.
(133) وَقد صَحَّ من طَرِيق آخر، بِلَفْظ آخر: " إِلَّا فِي بيع الشّجر " خرجه مُسلم وَغَيره /.
هَذَا نَص مَا ذكر، وَهُوَ خطأ، فَإِنَّهُ يفهم مِنْهُ أَن فِي كتاب مُسلم: " اتَّقوا السُّحت، قَالُوا: وَمَا السُّحت؟ ".(2/159)
إِمَّا بِهَذَا اللَّفْظ وَإِمَّا بِغَيْر كَمَا ذكر، وَأَن فِيهِ إجَازَة الْأمة المسافحة، وَمَا من هَذَا فِي الْكتاب الْمَذْكُور حرف.
(134) نعم، ثمَّ حَدِيث: " تَحْرِيم التِّجَارَة فِي الْخمر ".
(135) وَحَدِيث آخر: " بِتَحْرِيم بيع الْخمر " وَهُوَ الَّذِي تقدم الْآن.
(136) وَحَدِيث آخر: " بِالنَّهْي عَن بيع المَاء ".
(137) وَحَدِيث آخر: " بِتَحْرِيم مهر الْبَغي " وَلم يعن إِلَّا هَذِه، وَلكنه تسَامح، وَالله أعلم.
(138) وَذكر أَيْضا من طَرِيق النَّسَائِيّ عَن ابْن عمر، وَابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا يحل لرجل يُعْطي عَطِيَّة، ثمَّ يرجع فِيهَا [إِلَّا الْوَالِد فِيمَا يُعْطي وَلَده، وَمثل الَّذِي يُعْطي عَطِيَّة ثمَّ يرجع فِيهَا] كَمثل الْكَلْب، أكل حَتَّى إِذا شبع قاء، ثمَّ عَاد فِي قيئه ".
(139) ثمَّ قَالَ: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه عَن جده، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَزَاد: فَإِذا اسْتردَّ الْوَاهِب، فليوقف، فليعرف بِمَا اسْتردَّ، ثمَّ ليدفع إِلَيْهِ مَا وهب " وَلم يذكر اسْتثِْنَاء الْوَالِد.(2/160)
هَكَذَا أوردهُ، وَقَوله: " وَزَاد " يُعْطي الْمُشَاركَة فِي قَوْله: " لَا يحل لأحد أَن يُعْطي عَطِيَّة، فَيرجع فِيهَا " وَهَذَا لَيْسَ لَهُ ذكر فِي حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، وَلم يكف تحرزه بقوله: وَلم يذكر اسْتثِْنَاء الْوَالِد، فَإِنَّهُ غَايَة مَا يخرج بِهِ قَوْله: " إِلَّا الْوَالِد فِيمَا يُعْطي وَلَده ".
وَنَصّ حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، هُوَ هَذَا: عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مثل الَّذِي يسْتَردّ مَا وهب، كَمثل الْكَلْب يقيء فيأكل قيئه، فَإِذا اسْتردَّ الْوَاهِب فليوقف، فليعرف بِمَا اسْتردَّ، ثمَّ ليدفع إِلَيْهِ مَا وهب ".
رَوَاهُ عَن عمر وَأُسَامَة بن زيد، وأظن أَن الَّذِي جعل أَبَا مُحَمَّد شرك بَين الْحَدِيثين - بعطف أَحدهمَا على الآخر - هُوَ كَونهمَا من رِوَايَة عَمْرو بن شُعَيْب، فَإِن الأول يرويهِ عَمْرو بن شُعَيْب، قَالَ: اخبرني طَاوس، عَن ابْن عمر، وَابْن عَبَّاس، فَاعْلَم ذَلِك، وَالله الْمُوفق.
(140) وَذكر أَيْضا من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن أبي هُرَيْرَة " أهْدى رجل من بني فَزَارَة إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَاقَة من إبِله الَّتِي كَانُوا أَصَابُوا بالغاية " الحَدِيث /.(2/161)
وَفِيه: " وَايْم الله لَا أقبل بعد مقَامي هَذَا من رجل من الْعَرَب هَدِيَّة، إِلَّا من قريشي، أَو أَنْصَارِي، أَو ثقفي، أَو دوسي ".
زَاد أَبُو دَاوُد " أَو مُهَاجِرِي ".
كَذَا أوردهُ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَن عِنْد أبي دَاوُد ذكر الْقِصَّة، وَالْحَدِيثَانِ من رِوَايَة ابْن اسحق، وَيَرْوِيه عِنْد التِّرْمِذِيّ أَحْمد بن خَالِد الْوَهْبِي، عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ /:
أهْدى رجل من بني فَزَارَة إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَاقَة من إبِله الَّتِي كَانُوا أَصَابُوا بِالْغَابَةِ، فَعوضهُ مِنْهَا بعض الْعِوَض، فتسخطه، فَسمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِن رجَالًا من الْعَرَب يهدي أحدهم الْهَدِيَّة، فأعوضه مِنْهَا بِقدر مَا عِنْدِي، ثمَّ يتسخطه فيظل يتسخط عَليّ، وَايْم الله لَا أقبل بعد مقَامي هَذَا من رجل من الْعَرَب هَدِيَّة، إِلَّا من قريشي، أَو أَنْصَارِي، أَو ثقفي، أَو دوسي ".
هَذَا نَص حَدِيث التِّرْمِذِيّ، وَيَرْوِيه عِنْد أبي، سَلمَة بن الْفضل، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله
: " وَايْم الله لَا أقبل بعد يومي هَذَا [من أحد] هَدِيَّة، إِلَّا أَن يكون مهاجرياً، أَو قرشياً، أَو أَنْصَارِيًّا، أَو دوسياً، أَو ثقفياً ".
هَذَا نَص حَيْثُ أبي دَاوُد، وَلم يذكر الْقِصَّة، وَقَالَ: " من أحد ".(2/162)
(141) وَذكر أَيْضا من طَرِيق مُسلم، عَن أبي الجهم بن الْحَارِث قَالَ: " أقبل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: من نَحْو بِئْر جمل، فَلَقِيَهُ رجل فَسلم عَلَيْهِ، فَلم يرد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَيْهِ: حَتَّى أقبل على الْجِدَار، فَمسح وَجهه وَيَديه، ثمَّ رد عَلَيْهِ السَّلَام ".
(142) ثمَّ قَالَ: زَاد أَبُو دَاوُد من حَدِيث المُهَاجر بن قنفذ " ثمَّ اعتذر إِلَيْهِ، وَقَالَ: إِنِّي كرهت أَن أذكر الله إِلَّا على طهر - أَو قَالَ: على طَهَارَة ".
كَذَا أوردهُ، وَحَدِيث المُهَاجر لَيْسَ فِيهِ للتيمم ذكر.
وَنَصه: أَنه أَتَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَهُوَ يَبُول، فَسلم عَلَيْهِ، فَلم يرد عَلَيْهِ حَتَّى تَوَضَّأ، ثمَّ اعتذر إِلَيْهِ، وَقَالَ: " إِنِّي كرهت أَن أذكر الله إِلَّا على طهر - أَو قَالَ: على طَهَارَة ". وَلَو أَن أَبَا مُحَمَّد ذكره فِي غير تيَمّم، قلت إِنَّمَا كَانَ معنيه الذّكر على(2/163)
حَالَة الْحَدث، وتبيين / حكمه، وَلكنه ذكره فِي التَّيَمُّم، فجَاء إردافه حَدِيث المُهَاجر عَلَيْهِ، زِيَادَة حَدِيث فِي التَّيَمُّم، لَيْسَ لَهُ فِيهِ ذكر، وَهَذِه الزِّيَادَة الَّتِي جَاءَ بهَا من حَدِيث المُهَاجر، لم يكن مُحْتَاجا إِلَيْهَا فِي بَاب التَّيَمُّم، فَإِنَّهَا لَيست مِنْهُ. وَقد تقدم لَهُ ذكر حَدِيث المُهَاجر بجملته فِي أول بَاب من كتاب الطَّهَارَة بِالْوضُوءِ لَا بِالتَّيَمُّمِ كَمَا قلته.
وَحَدِيث أبي جهيم هَذَا، سأذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة، وَهِي مُنْقَطِعَة.
فَإِنَّهُ فِي كتاب مُسلم مُبين الِانْقِطَاع، وَهُوَ معرض فِيمَا يُورد من مُسلم، أَو البُخَارِيّ، عَن النّظر فِي الْأَسَانِيد، وَقد علم أَن فيهمَا أَحَادِيث مُنْقَطِعَة، ويظن أَنَّهَا تخطئه، فَيَقَع فِيهَا وَلَا يشْعر، وسترى من ذَلِك جملَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(143) وَذكر أَيْضا من طَرِيق مُسلم عَن ابْن عمر، عَن إِحْدَى نسْوَة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه كَانَ يَأْمر بقتل الْكَلْب الْعَقُور، والفأرة، وَالْعَقْرَب، والحديا، والغراب، والحية " قَالَ: وَفِي الصَّلَاة أَيْضا ".(2/164)
(144) قَالَ: وَذكر أَبُو دَاوُد فِي المراسل قَالَ: " فليقتلها بنعله الْيُسْرَى " - يَعْنِي فِي الصَّلَاة - روى عَن رجل من بني عدي بن كَعْب، سمع النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
هَذَا نَص مَا أورد، وَهُوَ خطأ / وَذَلِكَ أَنه هَكَذَا، يفهم مِنْهُ ثَلَاثَة أَشْيَاء، لَيست كَذَلِك.
أَحدهَا: أَن الْمَأْمُور بقتلها فِي الصَّلَاة فِي الحَدِيث الْمَذْكُور، كلهَا تقتل بالنعل الْيُسْرَى، وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُود بَيَانه فِي هَذَا الْبَاب، وَلَيْسَ ذَلِك فِي الْمُرْسل الْبَتَّةَ، وَلَا ذكر فِيهِ لغير الْعَقْرَب.
وَنَصه: حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، قَالَ: حَدثنَا حَمَّاد، عَن برد أبي الْعَلَاء، عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى، عَن رجل من بني عدي بن كَعْب، أَنهم دخلُوا على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَهُوَ يُصَلِّي، جَالِسا، فَقَالُوا: مَا شَأْنك يَا رَسُول الله؟ قَالَ (لسعتني عقرب) ثمَّ قَالَ: " إِذا وجد أحدكُم عقرباً، وَهُوَ يُصَلِّي، فليقتلها بنعله الْيُسْرَى ".
قَالَ أَبُو دَاوُد: سُلَيْمَان بن مُوسَى لم يدْرك الْعَدوي هَذَا.
وَالثَّانِي: قَوْله عَن الْعَدوي: إِنَّه سمع النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَلَيْسَ ذَلِك فِيهِ، وَلَعَلَّه حدث بِهِ عَن أحد المشاهدين، وَلَا هُوَ مِمَّن تعرف صحبته وسماعه فيرفع الِاحْتِمَال / فِي حَقه بِمَا علم من حَاله، فَقَوله: " سمع " زِيَادَة فِي النَّقْل وتغيير.
وَالثَّالِث: مَا يفهم مِنْهُ من أَن الحَدِيث إِنَّمَا هُوَ مُرْسل من جِهَة إِبْهَام هَذَا(2/165)
الْعَدوي، كَمَا يكون فِي إِسْنَاده رجل لَا يُسمى، وَلَيْسَ لهَذَا جعله أَبُو دَاوُد فِي جملَة المراسل، بل للانقطاع الَّذِي بَينه أَبُو دَاوُد بَين سُلَيْمَان بن مُوسَى، وَهَذَا الْعَدوي، فَاعْلَم ذَلِك.
(145) وَذكر أَيْضا من طَرِيق مُسلم عَن ابْن عمر قَالَ: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: يسبح على الرَّاحِلَة، قبل أَي وَجه توجه، ويوتر عَلَيْهَا، غير أَنه لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَة ".
(146) وَزَاد من حَدِيث جَابر بن عبد الله " يُومِئ بِرَأْسِهِ ".
وَزَاد أَبُو دَاوُد " السُّجُود أَخفض من الرُّكُوع ".
هَكَذَا أورد هَذَا الْموضع، وَعَلِيهِ فِيهِ أَدْرَاك ثَلَاثَة.
أَحدهَا: وَهُوَ الْمَقْصُود فِي هَذَا الْبَاب، إردافه حَدِيث جَابر حَدِيث ابْن عمر، بِلَفْظ " زَاد " حَتَّى يفهم مِنْهُ أَنه إِخْبَار من جَابر بِأَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كَانَ يسبح على رَاحِلَته قبل أَي وَجه توجه، يُومِئ إِيمَاء، ويوتر عَلَيْهَا، غير أَنه لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَة ".
هَذَا الَّذِي لَا يفهم مِنْهُ سواهُ، وَلَيْسَ حَدِيث جَابر هَكَذَا، وَإِنَّمَا هِيَ قصَّة(2/166)
حَكَاهَا، لم يذكر فِيهَا الرُّكُوع وَالسُّجُود الَّذِي أوهم السِّيَاق الْمَذْكُور أَن الْإِيمَاء الْمَذْكُور هُوَ بهما، بل تحْتَمل الْقِصَّة المحكية غير ذَلِك، فلنوردها بلفظها:
قَالَ مُسلم: وَحدثنَا أَحْمد بن يُونُس، قَالَ: حَدثنَا زُهَيْر، قَالَ: حَدثنِي أَبُو الزبير، عَن جَابر قَالَ: أَرْسلنِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَهُوَ منطلق إِلَى بني المصطلق، فَأَتَيْته وَهُوَ يُصَلِّي على بعيره، فكلمته، فَقَالَ لي بِيَدِهِ: هَكَذَا - وَأَوْمَأَ زُهَيْر بِيَمِينِهِ - ثمَّ كَلمته، فَقَالَ لي: هَكَذَا - فأوما زُهَيْر أَيْضا بِيَدِهِ نَحْو الأَرْض - وَأَنا أسمعهُ، يقْرَأ، يُومِئ بِرَأْسِهِ فَلَمَّا فرغ قَالَ: " مَا فعلت فِي الَّذِي أرسلتك لَهُ؟ فَإِنَّهُ لم يَمْنعنِي أَن أُكَلِّمك إِلَّا أَنِّي كنت أُصَلِّي ".
هَذَا نَص حَدِيث جَابر، وَقَوله فِيهِ: " يُومِئ بِرَأْسِهِ " إِنَّمَا هُوَ فِي حَال الْقِرَاءَة، فَكيف يجوز أَن يَجْعَل طرفا من أَطْرَاف حَدِيث ابْن عمر فِي أَن الرُّكُوع وَالسُّجُود يومأ / بهما، على أَنه يحْتَمل عِنْدِي أَن لَا يكون أَبُو مُحَمَّد أَرَادَ بإردافه حَدِيث ابْن عمر إِلَّا بَيَان / أَنه كَانَ فِي حَال قِرَاءَته يُومِئ بِرَأْسِهِ.
وَأما حَدِيث أبي دَاوُد، فنصه عِنْده: حَدثنَا عُثْمَان بن أبي شيبَة، حَدثنَا وَكِيع، عَن سُفْيَان، عَن أبي الزبير، عَن جَابر، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حَاجَة، فَجئْت، وَهُوَ يُصَلِّي على رَاحِلَته نَحْو الْمشرق وَالسُّجُود أَخفض من الرُّكُوع.
وَأما الدَّرك الثَّانِي: فَهُوَ إِيرَاده حَدِيث جَابر مصححاً لَهُ، معرضًا عَن النّظر فِي إِسْنَاده لما كَانَ من عِنْد مُسلم، وَهُوَ مِمَّا لم يذكر فِيهِ أَبُو الزبير سَمَاعه.(2/167)
من جَابر، وَلَا هُوَ من رِوَايَة اللَّيْث عَنهُ وسترى لَهُ إباية مثل هَذَا، ووقوعه أَيْضا فِي أَمْثَاله، من غير أَن يبين أَنه من رِوَايَة أبي الزبير.
والدرك الثَّالِث: هُوَ إِيرَاده حَدِيث ابْن عمر الْمَذْكُور، وَهُوَ من رِوَايَة حَرْمَلَة وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ، وَمِمَّنْ عيب على مُسلم إِخْرَاجه.
وسأذكر هَذَا أَيْضا مشروحاً، وَمَا لَهُ من أَمْثَاله فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(147) وَذكر أَيْضا من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، من حَدِيث جَابر بن عبد الله، قَالَ: " بعث رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَرِيَّة كنت فِيهَا، فأصابتنا ظلمَة " فَذكر الحَدِيث.
وَفِيه: " وَلم يَأْمُرنَا بِالْإِعَادَةِ " وَقَالَ: " قد أجزأتكم صَلَاتكُمْ ".
ثمَّ قَالَ: وَفِي إِسْنَاده اخْتِلَاف وَضعف، ذكره الدَّارَقُطْنِيّ - رَحمَه الله - انْتهى كَلَامه. فَاعْلَم أَن هَذَا الَّذِي أورد، ملفق من متنين بِإِسْنَادَيْنِ، لكل وَاحِد عِلّة غير(2/168)
عِلّة الآخر.
أَحدهمَا قَوْله: " بعث رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَرِيَّة كنت فِيهَا، فأصابتنا ظلمَة، فَلم نَعْرِف الْقبْلَة، فَقَالَت طَائِفَة منا: قد عرفنَا الْقبْلَة، هِيَ هَا هُنَا قبل الشمَال، فصلوا وخطوا خطا، وَقَالَ بَعْضنَا: الْقبْلَة هَاهُنَا قبل الْجنُوب، وخطوا خطا، فَلَمَّا أصبح، وطلعت الشَّمْس، أَصبَحت تِلْكَ الخطوط لغير الْقبْلَة، فَلَمَّا قَفَلْنَا من سفرنا، سَأَلنَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن ذَلِك، فَسكت، وَأنزل الله تَعَالَى: {وَللَّه الْمشرق وَالْمغْرب فأينما توَلّوا فثم وَجه الله} أَي حَيْثُ كُنْتُم ".
فَهَذَا حَدِيث قَائِم بِنَفسِهِ، لَيْسَ فِيهِ " فَلم يَأْمُرنَا بِالْإِعَادَةِ "، وَقَالَ: " قد أجزأتكم صَلَاتكُمْ ".
والْحَدِيث الَّذِي فِيهِ ذَلِك، هُوَ هَذَا:
(148) عَن جَابر أَيْضا قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله / - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي مسير - أَو(2/169)
سير - فأصابنا غيم، فتحيرنا فاختلفنا فِي الْقبْلَة، فصلى كل رجل منا على حِدة، وَجعل أَحَدنَا يخط بَين يَدَيْهِ لنعلم أمكنتنا، فَذَكرنَا ذَلِك لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلم يَأْمُرنَا بِالْإِعَادَةِ، وَقَالَ: قد أجزأتكم صَلَاتكُمْ ".
فَهَذَا - كَمَا ترى - غير ذَلِك، هَذِه غَزْوَة كَانَ فِيهَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَتلك سَرِيَّة بعثها رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَلِلْحَدِيثِ عِلّة غير عِلّة الأول، وَقد بيّنت علتهما فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها وَلم يبين عللها.(2/170)
(149) وَذكر أَيْضا من طَرِيق مُسلم، حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن، فِي أَنه عَلَيْهِ السَّلَام، سلم سَهوا من ثَلَاث، فَقَامَ إِلَيْهِ الْخِرْبَاق، فَذكر الحَدِيث.
وَفِيه: " ثمَّ سلم، ثمَّ سجد سَجْدَتَيْنِ، ثمَّ سلم " /.
(150) قَالَ: وَقَالَ أَبُو دَاوُد: " فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ، ثمَّ تشهد ثمَّ سلم ".
هَكَذَا أوردهُ، وَقد أثبت بِهَذَا الْعَمَل أَن سَجْدَتي السَّهْو المفعولتين بعد السَّلَام، يتَشَهَّد بعدهمَا ثمَّ يسلم، وَلَيْسَ حَدِيث أبي دَاوُد إِذا وقف على نَصه كَذَلِك.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى بن فَارس، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا أَشْعَث، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن خَالِد الْحذاء، عَن أبي قلَابَة، عَن أبي الْمُهلب، عَن عمرَان بن حُصَيْن، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صلى بهم فَسَهَا، فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ، ثمَّ تشهد، ثمَّ سلم " انْتهى حَدِيثه.
وَهُوَ معني أبي مُحَمَّد، وَلَيْسَ فِيهِ أَن ذَلِك بعد السَّلَام.
(151) فلقائل أَن يَقُول: لَعَلَّ هَذَا فِي ترك الجلسة الْوُسْطَى، كمروي.(2/171)
ابْن بُحَيْنَة، فَاعْلَم ذَلِك.
(152) وَذكر أَيْضا من عِنْد النَّسَائِيّ حَدِيث عَليّ قَالَ: كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا زَالَت الشَّمْس - يَعْنِي من مطْلعهَا - قيد رمح أَو رُمْحَيْنِ - كَقدْر صَلَاة الْعَصْر مَعَ مغْرِبهَا - صلى رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ أمْهل حَتَّى إِذا ارْتَفع الضحاء، صلى أَربع رَكْعَات، ثمَّ أمْهل حَتَّى إِذا زَالَت الشَّمْس، صلى أَربع رَكْعَات قبل الظّهْر حَتَّى تَزُول الشَّمْس، فَإِذا صلى الظّهْر صلى بعْدهَا رَكْعَتَيْنِ، وَقبل الْعَصْر أَربع رَكْعَات، فَذَلِك سِتّ عشرَة رَكْعَة.
ثمَّ قَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ عبد الْملك بن أبي سُلَيْمَان الْعَرْزَمِي، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عَاصِم بن ضَمرَة، عَن عَليّ.
وَرَوَاهُ حُصَيْن بن عبد الرَّحْمَن، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عَاصِم، عَن عَليّ، وَقَالَ: " يَجْعَل التَّسْلِيم فِي آخر رَكْعَة " - يَعْنِي من الْأَرْبَع الرَّكْعَات -.
وَخَالفهُ شُعْبَة، فَرَوَاهُ عَن أَبى إِسْحَاق بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَقَالَ: " يفصل بَين كل رَكْعَتَيْنِ بِالتَّسْلِيمِ على الْمَلَائِكَة المقربين، والنبيين، وَمن تَبِعَهُمْ من الْمُسلمين ".
هَذَا نَص مَا أوردهُ، وَهُوَ مباين للتحرز فِي النَّقْل، فَإِنَّهُ جعل هَذِه الرِّوَايَات(2/172)
- أَعنِي رِوَايَة الْعَرْزَمِي، وحصين، وَشعْبَة، أحكاماً على رِوَايَة من ذكر سِتّ عشرَة رَكْعَة، فَجعل الْعَرْزَمِي روى مثل ذَلِك، وَلَيْسَ ذَلِك فِي حَدِيثه، وَلَا أَيْضا فِي حَدِيثه بَيَان التَّسْلِيم مَتى هُوَ، فَأخذ من حَدِيث حُصَيْن، أَنه فِي آخر كل أَربع رَكْعَات.
وَحَدِيث حُصَيْن لَيْسَ فيد ذكر الْأَرْبَع المفعولة قبل الْعَصْر، وَيَجِيء من اخْتِصَار أبي مُحَمَّد كَأَن ذَلِك فِيهِ، وَأعْطى حَدِيث حُصَيْن أَن التَّسْلِيم فِي آخر رَكْعَة من الْأَرْبَع، وَلم يعرض للتَّشَهُّد فِي وسطهن بِنَفْي وَلَا إِثْبَات، فَأَخذه من حَدِيث شُعْبَة، الَّذِي فِيهِ " يفصل بَين كل رَكْعَتَيْنِ بِالتَّسْلِيمِ على الْمَلَائِكَة المقربين، والنبيين، وَمن تَبِعَهُمْ من الْمُسلمين ".
ويتوهم من اختصاره أَن ذَلِك فِي كل ثِنْتَيْنِ من السِّت عشرَة رَكْعَة، وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك، بل مَا فِي رِوَايَة شُعْبَة أَكثر من ثَمَانِي رَكْعَات: " ثِنْتَانِ قبل الظّهْر، وثنتان بعْدهَا، وَأَرْبع قبل الْعَصْر ".
وَإِنَّمَا عنيت بروايات هَؤُلَاءِ مَا فِي كتاب النَّسَائِيّ الَّذِي مِنْهُ نقل، وَقد أوهم عَنْهُم خلاف مَا ذكر النَّسَائِيّ، فَاعْلَم ذَلِك.
(153) وَذكر أَيْضا من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، حَدِيث الْمُغيرَة بن شُعْبَة فِي أَن(2/173)
" الطِّفْل يُصَلِّي عَلَيْهِ "، ثمَّ قَالَ: زَاد أَبُو دَاوُد: " ويدعى لوَالِديهِ بالمغفرة وَالرَّحْمَة " وَشك فِي رَفعه.
هَكَذَا ذكره، وَهُوَ خطأ، فَإِنَّهُ يفهم مِنْهُ أَنَّهُمَا اتفقَا فِي ذكر الطِّفْل، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَلَيْسَ للطفل عِنْد أبي دَاوُد / ذكر، وَإِنَّمَا عِنْده " والسقط يُصَلِّي عَلَيْهِ " الحَدِيث، فَاعْلَم ذَلِك.
(154) وَذكر أَيْضا من طَرِيق مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا تَصُوم الْمَرْأَة، وبعلها شَاهد إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَا تَأذن وَهُوَ شَاهد إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَمَا أنفقت من / كَسبه من غير أمره، فَإِن نصف أجره لَهُ ".
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: " غير رَمَضَان ". انْتهى مَا أورد.
وَلَيْسَ فِي حَدِيث أبي دَاوُد " وَمَا أنفقت ... إِلَى آخِره ".
(155) وَذكر أَيْضا من حَدِيث ابْن عَبَّاس، من عِنْد الطَّحَاوِيّ، فِي أَن " عَرَفَة كلهَا موقف إِلَّا بطن عُرَنَة، والمزدلفة موقف، وترتفع عَن بطن محسر، وشعاب منى كلهَا منحر ".
ثمَّ قَالَ: زَاد ابْن وهب: " وَمن جَازَ عَرَفَة قبل أَن تغيب الشَّمْس، فَلَا حج لَهُ ". \ ثمَّ قَالَ: رَوَاهُ مُرْسلا، ثمَّ ذكر علته.
وَالْمَقْصُود، هُوَ أَن تعلم أَن الْمُرْسل لَيْسَ فِيهِ ذكر لمزدلفة، وَمنى، وَإِنَّمَا فِيهِ(2/174)
فضل عَرَفَة فَقَط، وَفِيه إخلال آخر، أذكرهُ إِذا ذكرت التَّغْيِير الْوَاقِع فِي الْمُتُون، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(156) وَذكر أَيْضا من طَرِيق أبي دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ: " هَذِه عمْرَة استمتعنا بهَا، فَمن لم يكن مَعَه هدي، فليحل الْحل كُله، وَقد دخلت الْعمرَة فِي الْحَج إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ".
ثمَّ قَالَ: وخرجه مُسلم أَيْضا.
قَالَ أَبُو دَاوُد: إِنَّمَا هَذَا قَول ابْن عَبَّاس [انْتهى قَول أبي دَاوُد.
(157) وَقد صَحَّ عَن جَابر قَول النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " دخلت الْعمرَة فِي الْحَج "، وَمَعْنَاهُ: إِبَاحَة الْعمرَة فِي أشهر الْحَج] انْتهى مَا أورد بنصه.(2/175)
وَفِيه إخلال، من حَيْثُ أفهم أَن حَدِيث مُسلم كَحَدِيث أبي دَاوُد، وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِن حَدِيث أبي دَاوُد قد أمكنه فِيهِ أَمْرَانِ، لَا يمكنان فِي حَدِيث مُسلم إِلَّا على بعد.
وهما: قَول أبي دَاوُد - فِي الْقطعَة الَّتِي هِيَ " دخلت الْعمرَة فِي الْحَج إِلَى يَوْم الْقِيَامَة " - إِنَّمَا هُوَ قَول ابْن عَبَّاس.
وَالْآخر: مَا تَأَول هُوَ عَلَيْهِ حَدِيث جَابر، من أَن مَعْنَاهُ، إِبَاحَة الْعمرَة فِي أشهر الْحَج.
وَحَدِيث مُسلم يَأْبَى عَلَيْهِ الْأَمريْنِ، وَيُعْطِي أَن الْقطعَة الَّتِي هِيَ " دخلت الْعمرَة فِي الْحَج " من كَلَام النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَأَن مَعْنَاهُ، فسخ الْحَج لمن أحرم بِهِ فِي الْعمرَة، كَمَا فعل الصَّحَابَة - رَضِي الله عَنْهُم - بأَمْره لَهُم عَلَيْهِ السَّلَام.
وَذَلِكَ أَن لفظ حَدِيث مُسلم، إِنَّمَا هُوَ هَكَذَا:
" هَذِه عمْرَة استمتعنا بهَا، فَمن لم يكن مَعَه هدي، فليحلل الْحل كُله، فَإِن الْعمرَة قد دخلت فِي الْحَج إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ".
فَفِيهِ / أمره لَهُم بالإحلال، من أجل أَن الْعمرَة قد وَجب أَن تفعل قبل الْحَج تمتعاً، أَو مَعَه، قراناً إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
فَأَما حَدِيث أبي دَاوُد، فَإِنَّهُ باحتماله أَن يكون ذَلِك اللَّفْظ جملَة مُسْتَقلَّة مَقْطُوعَة مِمَّا قبلهَا، أمكنه فِيهِ مَا تَأَول، وَأمكن أَبَا دَاوُد مَا أنكر، وَيُمكن فِي لفظ حَدِيث أبي دَاوُد - أَمر آخر، يأباه لفظ حَدِيث مُسلم، وَهُوَ مَا تأولته عَلَيْهِ الْمَالِكِيَّة، من أَنه: بِمَعْنى سُقُوط وجوب الْعمرَة بِوُجُوب الْحَج، كَمَا سقط.(2/176)
عَاشُورَاء برمضان، أَي إِن الْحَج قد أغْنى عَمَّا دونه.
وَأَبُو مُحَمَّد - رَحمَه الله - يظْهر من أمره أَنه إِنَّمَا عدل عَن لفظ حَدِيث مُسلم إِلَى لفظ حَدِيث أبي دَاوُد المتسع لمراده، لمَذْهَب ذهب إِلَيْهِ، فِي أَن مَا كَانَ من فسخ الْحَج بِالْعُمْرَةِ مَنْسُوخ، أَو مُخْتَصّ.
وَلَيْسَ هَذَا من فعل الْمُحدث بصواب، فَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْأَدَاء، وعَلى المتفقه التَّمْيِيز وَالْبناء.
وَحَدِيث مُسلم وَلَفظه، يَنْبَغِي أَن يكون هُوَ الصَّحِيح، لَا حَدِيث أبي دَاوُد.
وَذَلِكَ / أَن أَبَا دَاوُد، إِنَّمَا حدث بحَديثه عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة، عَن غنْدر / عَن شُعْبَة.
وَمُسلم حدث بِهِ عَن ابْن بشار، وَابْن مثنى /، كِلَاهُمَا عَن غنْدر، عَن شُعْبَة.
فَالْخِلَاف على غنْدر: عُثْمَان يَقُول لفظ حَدِيث أبي دَاوُد، وَابْن الْمثنى، وَابْن بشار يَقُولَانِ لفظ حَدِيث مُسلم، ثمَّ رَوَاهُ مُسلم أَيْضا كَذَلِك، عَن عبيد الله ابْن معَاذ، عَن أَبِيه، عَن شُعْبَة، فَاشْتَدَّ وترجح.
وَيَرْوِيه شُعْبَة عِنْدهمَا جَمِيعًا، عَن الحكم، عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس فاعلمه.
(158) وَذكر أَيْضا من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث سعيد بن الْمسيب فِي(2/177)
الْأَخَوَيْنِ اللَّذين قَالَ أَحدهمَا للْآخر: " إِن عدت تَسْأَلنِي قسْمَة أَو غَيرهَا، فَكل مَالِي فِي رتاج الْكَعْبَة " فَقَالَ عَن عمر بن الْخطاب، سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " لَا يَمِين عَلَيْك، وَلَا نذر فِي مَعْصِيّة الرب، وَلَا فِي قطيعة الرَّحِم، وَلَا فِيمَا لَا تملك ".
ثمَّ قَالَ: وروى هَذَا الحَدِيث أَيْضا أَبُو دَاوُد، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَلم يذكر قصَّة الْأَخَوَيْنِ.
كَذَا أوردهُ، وَحَدِيث سعيد، هُوَ من رِوَايَة عَمْرو بن شُعَيْب عَنهُ.
وَحَدِيث عَمْرو هَذَا، عَن أَبِيه، عَن جده، إِنَّمَا نَصه / هَكَذَا: " لَا نذر فِيمَا يبتغى بِهِ وَجه الله [تَعَالَى] وَلَا يَمِين فِي قطيعة رحم ".
لَيْسَ فِيهِ غير هَذَا، وَأَبُو مُحَمَّد - رَحمَه الله - إِنَّمَا اعتنى مِنْهُ بِالْيَمِينِ فِي القطيعة، فَلم يتحرز فِي الْإِيرَاد، فَاعْلَم ذَلِك.
(159) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، عَن عَاصِم بن عمر بن حَفْص بن(2/178)
عَاصِم بن عمر بن الْخطاب، عَن سُهَيْل بن أبي صَالح، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الَّذِي يعْمل عمل قوم لوط، ارجموا الْأَعْلَى والأسفل، ارجموهما جَمِيعًا ". ثمَّ ضعفه بِضعْف عَاصِم بن عمر، ثمَّ قَالَ: وَمن حَدِيثه ذكره التِّرْمِذِيّ.
كَذَا قَالَ، وَالتِّرْمِذِيّ لَا ذكر عِنْده لرجمهما، وَإِنَّمَا فِيهِ عِنْده " قَتلهمَا " كَحَدِيث عَمْرو بن أَبى عَمْرو، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، وَلَا أَيْضا ذكره بِإِسْنَادِهِ، وَإِنَّمَا أَشَارَ إِلَيْهِ.
وَنَصّ مَا عِنْده هُوَ هَذَا: وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث عَن عَاصِم بن عمر، عَن سُهَيْل عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " اقْتُلُوا الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ ".
هَذَا مَا ذكر، ثمَّ ضعفه بِضعْف عَاصِم، وسأنبه عَلَيْهِ - إِن شَاءَ الله تَعَالَى - فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة وَهِي مُنْقَطِعَة.
(160) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " البسوا من ثيابكم الْبيض، فَإِنَّهَا من خير ثيابكم، وكفنوا فِيهَا مَوْتَاكُم، وَإِن خير أكحالكم الإثمد، ينْبت الشّعْر، ويجلو الْبَصَر ".
(161) زَاد التِّرْمِذِيّ: " وَكَانَ لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مكحلة، يكتحل بهَا عِنْد(2/179)
النّوم ثَلَاثًا فِي كل عين ".
كَذَا أورد هذَيْن الْحَدِيثين، جعل حَدِيث التِّرْمِذِيّ فِي شَأْن المكحلة، طرفا لحَدِيث ابْن عَبَّاس الَّذِي ذكره أَبُو دَاوُد، كَأَنَّهُ تضمن من أَمر الثِّيَاب الْبيَاض مَا تضمن، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا هما حديثان بِإِسْنَادَيْنِ مُخْتَلفين، ومقتضيين متغايرين، إِلَّا أَنَّهُمَا يتواردان فِي بعض مَا فيهمَا، وَأَحَدهمَا صَحِيح، وَالْآخر ضَعِيف، وَسكت عَنْهُمَا سكُوتًا وَاحِدًا.
وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس، فقد سَمِعت نَصه الْآن / وَأما إِسْنَاده فَهُوَ هَذَا: حَدثنَا أَحْمد بن يُونُس، حَدثنَا زُهَيْر بن مُعَاوِيَة، حَدثنَا عبد الله بن عُثْمَان ابْن خَيْثَم عَن سعيد / بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس فَذكره.
وَأما حَدِيث التِّرْمِذِيّ فَقَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى، حَدثنَا يزِيد بن هَارُون، حَدثنَا عباد بن مَنْصُور، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن خير مَا تداويتم [بِهِ] اللدود، والسعوط، والحجامة، وَالْمَشْي، وَخير مَا اكتحلتم بِهِ الإثمد يجلو الْبَصَر، وينبت الشّعْر. وَكَانَ لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مكحلة يكتحل بهَا عِنْد النّوم ثَلَاثًا فِي كل عين ".
قَالَ فِيهِ: حسن غَرِيب.
وَسَيَأْتِي تَضْعِيف عباد بن مَنْصُور وَمَا لَهُ فِيهِ، عِنْدَمَا أذكر مَا سكت عَنهُ من أَحَادِيثه إِن شَاءَ الله تَعَالَى.(2/180)
وَلم أتتبع هَذَا الْبَاب حق تتبعه، لِأَنَّهُ قد يعذرهُ فِيمَا فِيهِ من يعلم مَقْصُوده من الْأَحَادِيث، وَلم أر إخلاء هَذَا الْكتاب من التَّنْبِيه على هَذَا النَّوْع، فَلذَلِك ذكرت مِنْهُ هَذَا الَّذِي وجدت، غير متتبع لَهُ بِالْقَصْدِ، فَاعْلَم ذَلِك.(2/181)
(6) بَاب ذكر أَشْيَاء مُتَفَرِّقَة، تَغَيَّرت فِي نَقله أَو بعده عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ(2/183)
الَّذِي تقدم فِي الْبَاب قبل هَذَا من الْأَحَادِيث، كَانَ التَّغْيِير فِيهَا بعطف بَعْضهَا على بعض، أَو إرداف بَعْضهَا بَعْضًا، بِحَيْثُ توهم الْمُشَاركَة، وَهَذِه الَّتِي أذكر فِي هَذَا الْبَاب لَيست كَذَلِك، وَهِي تريك الْمَقْصُود، وَقد مر مِنْهَا مَا نبهت عَلَيْهِ فِي بَاب ذكر الزِّيَادَة فِي الْأَسَانِيد، فِي حَدِيث سَمُرَة: " كَانَ يسلم تَسْلِيمَة وَاحِدَة تِلْقَاء وَجهه " جعله من جملَة أَحَادِيث التسليمة الْوَاحِدَة، وَثَبت أَنه لَيْسَ مِنْهَا، لِأَنَّهُ أكمل مِمَّا أوردهُ.
وَمِنْهَا: " وَالزَّيْت بالزيت ". فِي حَدِيث ابْن عمر، وَإِنَّمَا هُوَ: " الزَّبِيب بالزبيب ".
وَهَذَا لَا أعده عَلَيْهِ، فَلَعَلَّهُ تغير بعده، أَو فِي بعض النّسخ، وَمِنْهَا فِي شُهُود الرَّضَاع: " قَالَ: رجل وَامْرَأَة "، وَإِنَّمَا هُوَ " أَو امْرَأَة ".
وَقد تقدم فِي بَاب النَّقْص فِي الْأَسَانِيد.
(162) وَمِنْهَا أَنه ذكر من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث أبي بكرَة أَنه عَلَيْهِ السَّلَام، " كَانَ إِذا جَاءَهُ أَمر سرُور، أَو بشر بِهِ خر سَاجِدا لله ".
كَذَا هُوَ فِي النّسخ، وَهُوَ عِنْد أبي / دَاوُد " خر سَاجِدا، شاكراً لله ".
وسأذكره فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أعلها بِمَا لَيْسَ بعلة، وَترك مَا هُوَ لَهَا عِلّة(2/185)
(163) وَذكر حَدِيث سلمَان بن عَامر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الصَّدَقَة على الْمِسْكِين صلَة، وعَلى ذِي الرَّحِم ثِنْتَانِ: صَدَقَة وصلَة ".
كَذَا رَأَيْته فِي النّسخ، وَصَوَابه: " الصَّدَقَة على الْمِسْكِين صَدَقَة "، كَذَلِك هُوَ فِي كتاب التِّرْمِذِيّ، الَّذِي نَقله من عِنْده.
(164) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد حَدِيث جَابر " مَا وقى بِهِ الْمَرْء عرضه فَهُوَ صَدَقَة ".
وَفِيه " مَا أنْفق الرجل من نَفَقَة، فعلى الله خلفهَا، إِلَّا مَا كَانَ من نَفَقَة فِي بُنيان أَو مَعْصِيّة ".
وَسقط لَهُ لفظ " ضَامِنا " وَهُوَ هَكَذَا فِي الْموضع الَّذِي نَقله مِنْهُ، " فعلى الله خلفهَا، ضَامِنا، / إِلَّا مَا كَانَ من نَفَقَة فِي بُنيان أَو مَعْصِيّة ".
(165) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ حَدِيث أبي هُرَيْرَة " إِذا بَقِي [النّصْف(2/186)
من شعْبَان فأمسكوا ".
وَلَيْسَ لَفظه عِنْد التِّرْمِذِيّ هَكَذَا، بل هَكَذَا: " إِذا بَقِي] نصف من شعْبَان فَلَا تَصُومُوا ".
وَبَينهمَا فرق بَين، فَإِن الَّذِي أورد هُوَ من قَوْله: " فأمسكوا " نهى لمن كَانَ صَائِما [عَن التَّمَادِي وَلَفظ الْخَبَر الْوَاقِع عِنْد التِّرْمِذِيّ نهى لمن كَانَ صَائِما] وَلمن لم يكن صَائِما عَن الصَّوْم بعد النّصْف
وَلَفظ " فأمسكوا " الَّذِي ذكر، هُوَ لفظ يرويهِ وَكِيع، عَن أبي العميس، عَن الْعَلَاء.
وروى مُحَمَّد بن ربيعَة، عَن أبي العميس، عَن الْعَلَاء فِي هَذَا الحَدِيث " فكفوا " ذكره النَّسَائِيّ، وَهُوَ أدل على مَقْصُوده، وَهُوَ صَحِيح.
(166) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، من رِوَايَة جَابر، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من أفطر يَوْمًا من شهر رَمَضَان، فليهد بَدَنَة ".
وَسقط لَهُ " فِي الْحَضَر "، وَهُوَ كَذَلِك فِي كتاب الدَّارَقُطْنِيّ.
(167) وَذكر من طَرِيق مُسلم حَدِيث عبد الله بن أنيس، فِي لَيْلَة الْقدر، فِيهِ " فَانْصَرف وَإِن أثر المَاء والطين على جَبهته ".(2/187)
كَذَا فِي النّسخ، والْحَدِيث فِي كتاب مُسلم، فِيهِ " على جَبهته وَأَنْفه " وسقوطه فَسَاد، فَإِن ثُبُوته يُعْطي أَن السُّجُود عَلَيْهِمَا، وَأَن الْأنف لَا يمسح فِي الصَّلَاة، كالجبهة.
(168) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " أمرت بِيَوْم الْأَضْحَى عيداً، جعله الله لهَذِهِ الْأمة " فَقَالَ رجل: أَرَأَيْت إِن لم أجد إِلَّا منيحة أَهلِي أفأضحي بهَا؟ قَالَ: " لَا، وَلَكِن تَأْخُذ من شعرك وتحلق / عانتك، فَتلك تَمام أضحيتك عِنْد الله عز وَجل ".
كَذَا وَقع عِنْده هَذَا الحَدِيث، وَقد سقط مِنْهُ، وَإِنَّمَا عِنْد أبي دَاوُد: " تَأْخُذ من شعرك وأظفارك، وتقص شاربك، وتحلق عانتك ".
وَكَذَا وَقع أَيْضا عِنْده " منيحة أَهلِي " وَإِنَّمَا عِنْد أبي دَاوُد: " منيحة ابْني ".
(169) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، عَن عبد الله بن نَافِع، مولى ابْن عمر، عَن أَبِيه، عَن ابْن عمر قَالَ: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: يُضحي بالجزور، وبالكبش إِن لم تكن جزور، وَإِن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " فِي الرِّكَاز الْخمس الْعشْر ".(2/188)
عبد الله بن نَافِع ضَعِيف.
هَذَا اللَّفْظ وجدته هَكَذَا فِي نسخ، وَلَعَلَّه أَن يُوجد فِي بَعْضهَا على الصَّوَاب، وَأرَاهُ كَانَ قد وَقع أحد اللَّفْظَيْنِ، إِمَّا الْخمس، وَإِمَّا الْعشْر، وَوَقع الآخر فِي الْحَاشِيَة بَدَلا مِنْهُ، فجمعهما نَاسخ مَعًا، فجَاء مِنْهُ تَخْلِيط.
وَصَوَابه: " وَفِي الرِّكَاز العشور "، جمع عشر وَكَذَلِكَ وَقع فِي رِوَايَة عبد الله بن نَافِع هَذَا، وَالْمَعْرُوف: " فِي الرِّكَاز الْخمس " وَلَكِن فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة.
وَإِذا أردْت تَصْحِيح لفظ حَدِيث عبد الله بن نَافِع هَذَا، فَإِنَّمَا هُوَ كَمَا أَخْبَرتك، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الْموضع الَّذِي نَقله مِنْهُ فِي غَيره.
قَالَ أَبُو أَحْمد: حَدثنَا ابْن أبي حسان، قَالَ: حَدثنَا دُحَيْم، قَالَ: حَدثنَا ابْن أبي فديك قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن نَافِع، عَن أَبِيه، عَن ابْن عمر، قَالَ: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُضحي بالجزور وبالكبش إِذا لم تكن / جزور، وَإِن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " فِي الرِّكَاز العشور ".
وَقَالَ بَقِي بن مخلد: حَدثنَا دُحَيْم، قَالَ: حَدثنَا ابْن أبي فديك، قَالَ: نَبَّأَنِي ابْن نَافِع، عَن أَبِيه، أَن ابْن عمر حَدثهمْ، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " فِي الرِّكَاز الْعشْر ".
هَذَا صَوَاب اللَّفْظ الْمَذْكُور فَاعْلَم ذَلِك.(2/189)
(170) وَذكر أَيْضا من طَرِيق ابْن وهب " وَمن جَازَ عَرَفَة قبل غرُوب الشَّمْس، فَلَا حج لَهُ ".
وَقد ذكر ته فِيمَا تقدم، وَأُرِيد الْآن مِنْهُ، بَيَان أَمر آخر، وَذَلِكَ أَنه إِنَّمَا نَقله بِالْمَعْنَى، وَالنَّقْل بِالْمَعْنَى، شَرط جَوَازه، الْوَفَاء بِالْمَقْصُودِ، ذَلِك أَن لفظ الْخَبَر عِنْد ابْن وهب، إِنَّمَا هُوَ ": فَعَلَيهِ حج قَابل: فنقله هُوَ " فَلَا حج لَهُ ".
وَبلا شكّ أَن الْحَج لَا يتَكَرَّر وُجُوبه.
فَإِذا عرفنَا أَنه عَلَيْهِ الْحَج من قَابل، فقد عرفنَا أَنه لم يحجّ قبل، فَمن هَا هُنَا رأى أَنه / قد وفى الْمَعْنى حَقه.
وَأَقُول: إِنَّه بَقِي عَلَيْهِ أَمر آخر، وَذَلِكَ أَن لفظ الْخَبَر، يُمكن أَن يُسْتَفَاد مِنْهُ وجوب التَّعْجِيل فِي أول سني الْإِمْكَان، زِيَادَة على الْوُجُوب، حَتَّى يكون من فسد حجه يجب عَلَيْهِ الْمَجِيء من قَابل حَاجا، وَلَا يجوز لَهُ التَّرَاخِي، وَلَو كُنَّا نقُول: إِن الْحَج فِي الأَصْل على التَّرَاخِي، وَاللَّفْظ الَّذِي نَقله هُوَ بِهِ، لَا يُعْطي ذَلِك.
فَإِن قلت: وَهَذَا الَّذِي زعمت أَنه يُسْتَفَاد مِنْهُ، لَا يعرف قَائِل بِهِ.
أجبْت بِأَنَّهُ لَا يلْزَمنِي أَن أجد بِهِ قَائِلا، بل يَكْفِي انقداحه فِيمَا أردْت من وجوب الْإِتْيَان بِلَفْظ يُؤَدِّيه للمتفقه، ثمَّ يتْركهُ بِدَلِيل إِن دلّ، أَو يَقُول بِهِ إِن لم يكن هُنَاكَ مَا يَأْبَى عَلَيْهِ القَوْل بِهِ.(2/190)
وَلِلْحَدِيثِ شَأْن آخر، سأذكره بِهِ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها بِذكر رجال، وَترك مثلهم أَو أَضْعَف، وَهُنَاكَ أذكر الْخَبَر بِإِسْنَادِهِ وَلَفظه، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(171) وَذكر أَيْضا من المراسل، عَن يزِيد بن نعيم، أَو زيد بن نعيم، أَن رجلا من جذام جَامع امْرَأَته، وهما محرمان، فَسَأَلَ الرجل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ لَهما: " اقضيا نسككما، واهديا هَديا، ثمَّ ارْجِعَا حَتَّى إِذا كنتما بِالْمَكَانِ الَّذِي أصبْتُمَا فِيهِ مَا أصبْتُمَا، فتفرقا وَلَا يرى وَاحِد مِنْكُمَا صَاحبه، وعليكما حجَّة أُخْرَى، فتقبلان حَتَّى إِذا كنتما بِالْمَكَانِ الَّذِي أصبْتُمَا فِيهِ مَا أصبْتُمَا فتفرقا، وَلَا يرى وَاحِد مِنْكُمَا صَاحبه، فأحرما، وإتما نسككما، واهديا ".
كَذَا وجدته فِيمَا رَأَيْت فِيهِ من النّسخ، والإخلال فِيهِ إِمَّا فِي الْأَمر بالتفرق فِي الرُّجُوع وَإِمَّا فِي الْأَمر بالتفرق فِي العودة، وَالَّذِي وَقع فِي المراسل هُوَ هَذَا:
حَدثنَا أَبُو تَوْبَة، قَالَ: حَدثنَا مُعَاوِيَة - يعْنى ابْن سَلام عَن يحيى، قَالَ: انبأني يزِيد بن نعيم، أَو زيد بن نعيم - شكّ أَبُو تَوْبَة - أَن رجلا من جذام جَامع امْرَأَته وهما محرمان، فساله الرجل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ لَهما: " اقضيا نسككما، واهديا هَديا، ثمَّ ارْجِعَا حَتَّى إِذا كنتما بِالْمَكَانِ الَّذِي أصبْتُمَا فِيهِ مَا أصبْتُمَا، تفَرقا، وَلَا يرى وَاحِد مِنْكُمَا صَاحبه، وعليكما حجَّة أُخْرَى، فتقبلان حَتَّى إِذا كنتما بِالْمَكَانِ / الَّذِي أصبْتُمَا فِيهِ مَا أصبْتُمَا، فأحرما وأتما نسككما، وأهديا ".(2/191)
هَذَا نَص مَا فِي المراسل / وَإِنَّمَا فِيهِ الْأَمر بالتفرق فِي الرُّجُوع لَا فِي العودة، وَقد يروي على غير هَذَا الْوَجْه.
قَالَ ابْن وهب فِي موطئِهِ: أخبرنَا ابْن لَهِيعَة، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة، عَن ابْن الْمسيب أَن رجلا من جذام، جَامع امْرَأَته - وهما محرمان - فَسَأَلَ الرجل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَقَالَ لَهما: " أتما حجكما، ثمَّ ارْجِعَا، وعليكما حجَّة أُخْرَى، فَأَقْبَلَا، حَتَّى إِذا كنتما بِالْمَكَانِ الَّذِي أصبْتُمَا فِيهِ مَا أصبْتُمَا، فأحرما وتفرقا، وَلَا يرى وَاحِد مِنْكُمَا صَاحبه، ثمَّ أتما نسككما وأهديا ".
فَهَذَا الحَدِيث يُفَسر مَا أمرا بِهِ، وَهُوَ أَن يَتَفَرَّقَا فِي العودة، فَأَما الأول فَغير بَين، وَلَا سِيمَا على سِيَاق ابي مُحَمَّد، وَكِلَاهُمَا لَا يَصح، وَأما هَذَا فَأمره بَين بِابْن لَهِيعَة، وَأما الأول فزيد بن نعيم مَجْهُول، وَيزِيد بن نعيم ثِقَة، وَلم يعرف عَمَّن هُوَ مِنْهُمَا، فَهُوَ لَا يَصح.
(172) وَذكر أَيْضا من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن النُّعْمَان بن بشير، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من أوقف دَابَّة فِي سَبِيل من سبل الْمُسلمين، أَو فِي سوق من أسواقهم، فَهُوَ ضَامِن ".
ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده السّري بن إِسْمَاعِيل، وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث.(2/192)
كَذَا أوردهُ، وَنَصه فِي الْموضع الَّذِي نَقله مِنْهُ هَكَذَا: " من أوقف دَابَّة فِي سَبِيل من سبل الْمُسلمين، أَو فِي سوق من أسواقهم، فأوطأت بيد أَو رجل، فَهُوَ ضَامِن " فَلَا أَدْرِي، أسْقطه؟ أم سقط لَهُ، أم للرواة بعده، وَأَقل مَا فِيهِ، التَّسْوِيَة بَين الْيَد وَالرجل.
(173) وَذكر أَيْضا من كتاب مُسلم، حَدِيث أنس " وَقت لنا فِي قصّ الشَّارِب، ونتف الْإِبِط، وَحلق الْعَانَة، أَن لَا نَتْرُك أَكثر من أَرْبَعِينَ لَيْلَة ".
كَذَا أوردهُ، وَكَذَلِكَ ألفيته فِي النّسخ، ونقصه مِنْهُ " تقليم الأضافر " بَين قصّ الشَّارِب، ونتف الْإِبِط كَذَلِك هُوَ فِي كتاب مُسلم.
(174) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ عَن بُرَيْدَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا تَقولُوا لِلْمُنَافِقِ سيدنَا، فَإِنَّهُ إِن يَك سيدكم فقد أسخطتم ربكُم ".
كَذَا وَقع فِي النّسخ، وَإِنَّمَا هُوَ [عِنْد] النَّسَائِيّ: " لَا تَقولُوا لِلْمُنَافِقِ سيد ".
(175) وَذكر أَيْضا من طَرِيق ابْن أبي شيبَة، عَن ابْن نمير، عَن إِسْرَائِيل،(2/193)
وَمن طَرِيق أبي كريب / عَن مُصعب بن الْمِقْدَام، عَن إِسْرَائِيل، عَن عَامر بن شَقِيق بن حَمْزَة، عَن شَقِيق بن سَلمَة، قَالَ: رَأَيْت عُثْمَان يتَوَضَّأ، فَذكر الِابْتِدَاء بِغسْل الْوَجْه قبل الْمَضْمَضَة والاستنثار.
قَالَ مُوسَى بن هَارُون: هُوَ عندنَا وهم.
وَقد رَوَاهُ عبد الرَّحْمَن بن مهْدي، عَن إِسْرَائِيل بِهَذَا الْإِسْنَاد، فَبَدَأَ فِيهِ بالمضمضة وَالِاسْتِنْشَاق قبل غسل الْوَجْه.
وتابع عبد الرَّحْمَن بن مهْدي على هَذَا أَبُو غَسَّان: مَالك بن إِسْمَاعِيل، عَن إِسْرَائِيل، وَهُوَ الصَّوَاب.
وَذكر الحَدِيث وَالتَّعْلِيل أَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ. انْتهى مَا أورد بنصه.
وَهُوَ موهم أَن الحَدِيث الْمَذْكُور من رِوَايَة ابْن نمير وَمصْعَب بن الْمِقْدَام، عَن إِسْرَائِيل، بِتَقْدِيم / غسل الْوَجْه على الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق بِحَيْثُ لَا يحْتَمل.
[وَأَن رِوَايَة ابْن مهْدي لَهُ عَن إِسْرَائِيل بِتَقْدِيم الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق على غسل الْوَجْه، بِحَيْثُ لَا يحْتَمل] .
وَالْأَمر لَيْسَ كَذَلِك، وَمَا الحَدِيث فِي كتاب الدَّارَقُطْنِيّ، من رِوَايَة الْمَذْكُورين: مُصعب، وَابْن نمير، عَن إِسْرَائِيل إِلَّا هَكَذَا:
" رَأَيْت عُثْمَان يتَوَضَّأ، فَغسل يَدَيْهِ ثَلَاثًا، وَغسل وَجهه ثَلَاثًا، ومضمض ثَلَاثًا، واستنشق ثَلَاثًا، وَغسل ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا " الحَدِيث.
[وَرِوَايَة] ابْن مهْدي عَن إِسْرَائِيل هَكَذَا: " فَغسل كفيه ثَلَاثًا، ومضمض، واستنشق ثَلَاثًا، وَغسل وَجهه ".(2/194)
فَمَا فِي هَذَا مَا يتناقض، إِذْ هُوَ بِالْوَاو، وَهِي لَا ترَتّب، وَلَا يخرج من هَذَا تَقْدِيم مضمضة على غسل وَجه.
وهبه أَنه ذهب إِلَى أَن الْوَاو [ترَتّب، لم يكن] يَنْبَغِي لَهُ، من حَيْثُ هُوَ مُحدث، أَن يُسَوِّي الْأَلْفَاظ على مذْهبه، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ نقلهَا كَمَا هِيَ، لينْظر فِيهَا من تَنْتَهِي إِلَيْهِ.
وَإِن جَازَ لَهُ النَّقْل بِالْمَعْنَى، فبشرط مرادفة اللَّفْظ الَّذِي يَأْتِي بِهِ للَّذي يتْرك وَلَا بُد.
وَمَا أوقعه فِي هَذَا، إِلَّا تَقْلِيد مُوسَى بن هَارُون الْحمال فِيمَا ذكر عَنهُ، فَلَو قَالَ فِي اختصاره: فَذكر الِابْتِدَاء بِغسْل الْوَجْه، قبل الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق بِالْوَاو، كَانَ صَوَابا.
(176) وَتَأْخِير الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق إِلَى مَا بعد غسل الْوَجْه والذراعين بِحَيْثُ لَا يحْتَمل، إِنَّمَا أعرفهُ من حَدِيث الْمِقْدَام بن معدي كرب، إِلَّا أَنه من رِوَايَة من لَا تعرف حَاله، وَهُوَ / عبد الرَّحْمَن بن ميسرَة الْحَضْرَمِيّ، ذكر الحَدِيث بذلك أَبُو دَاوُد، فاعلمه.
(177) وَذكر من طَرِيق مُسلم، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا نَهَضَ فِي الثَّانِيَة استفتح الْقِرَاءَة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين، وَلم يسكت ".(2/195)
ثمَّ قَالَ: لم يصله مُسلم، وَوَصله أَبُو بكر الْبَزَّار، هَذَا نَص مَا ذكر.
وَهُوَ خطأ، فَإِن مُقْتَضى هَذَا الحَدِيث هَكَذَا، أَن الثَّانِيَة لَا يسكت فِيهَا قبل الْقِرَاءَة، كَمَا يسكت فِي الأولى الَّتِي قبلهَا، وَهَذَا شَيْء لم يذكرهُ مُسلم لَا مَوْصُولا وَلَا مَقْطُوعًا، وَإِنَّمَا ذكره الْبَزَّار مَوْصُولا.
فَأَما مُسلم، فَإِنَّهُ أورد الحَدِيث مُنْقَطِعًا، وَلَفظه عِنْده: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا نَهَضَ من الرَّكْعَة الثَّانِيَة، استفتح الْقِرَاءَة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين، وَلم يسكت ". هَذَا نَص حَدِيثه، فَإِنَّمَا مُقْتَضَاهُ أَنه إِذا اسْتَوَى قَائِما فِي الثَّالِثَة، لم يسكت فِي ابْتِدَاء هَاتين الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ، كَمَا سكت فِي ابْتِدَاء الْأَوليين.
وَسَيَأْتِي أم انْقِطَاعه واتصاله، فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة، وَهِي مُنْقَطِعَة، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(178) وَذكر أَيْضا من عِنْد ابي أَحْمد فِي غسل الْجُمُعَة، حَدِيث أنس،(2/196)
أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لأَصْحَابه: " اغتسلوا يَوْم الْجُمُعَة، وَلَو كَانَت بِدِينَار ".
ثمَّ رده بِضعْف رَاوِيه: حَفْص بن عمر الْأَيْلِي.
كَذَا رَأَيْته فِي نسخ، وَأرَاهُ تصحيفاً من الروَاة، وَإِنَّمَا هُوَ فِي كتاب أبي أَحْمد: " وَلَو كأساً بِدِينَار ".
قَالَ أَبُو أَحْمد: حَدثنَا الْحسن بن يُونُس بن سعيد بن وهب - يلقب عجْرَة - بِمصْر قَالَ: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مَرْزُوق، قَالَ: حَدثنَا أَبُو إِسْمَاعِيل الْأَيْلِي - هُوَ حَفْص ابْن عمر - قَالَ حَدثنَا عبد الله بن الْمثنى / عَن عميه النَّضر ومُوسَى، ابْني أنس بن مَالك، عَن أَبِيهِمَا أنس بن مَالك، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لأَصْحَابه - رَضِي الله عَنْهُم -: " اغتسلوا يَوْم الْجُمُعَة، وَلَو كأساً بِدِينَار ".
(179) وَذكر أَيْضا فِي بَاب التَّيَمُّم من كتاب الطَّهَارَة، من طَرِيق الْعقيلِيّ، عَن صَالح بن بَيَان، عَن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان، عَن أَبِيه، عَن جده عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يمسح / الْمُتَيَمم هَكَذَا - وَوصف صَالح، من وسط رَأسه إِلَى جَبهته - ".
ثمَّ قَالَ: مُحَمَّد، هُوَ ابْن سُلَيْمَان بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس، وَلَا يعرف بِالنَّقْلِ وَحَدِيثه غير مَحْفُوظ.(2/197)
هَذَا نَص مَا أورد، وَهُوَ خطأ وتصحيف من عمله، وحققه عَلَيْهِ إِدْخَاله إِيَّاه فِي التَّيَمُّم، وَلَقَد كَانَ زاجراً عَن ذَلِك انه لم يسمع قطّ، لَا فِي رِوَايَة وَلَا فِي رَأْي، بمسح الرَّأْس فِي التَّيَمُّم.
وَلَيْسَ لقَائِل أَن يَقُول: لَعَلَّه تصحف للعقيلي الَّذِي نَقله من عِنْده، فَإِن الْعقيلِيّ إِنَّمَا يترجم بأسماء الرِّجَال، وَيذكر فِي أَبْوَابهم بعض مَا يُنكر عَلَيْهِم من الْأَحَادِيث، أَو كل مَا رووا من ذَلِك، بِحَسب إقلالهم وإكثارهم، كَمَا يفعل السَّاجِي، وَأَبُو أَحْمد، وَغَيرهمَا، فَهُوَ إِذن لم يُقيد بِبَاب، وَلَا أدخلهُ من الْفِقْه فِي كتاب. وَإِلَى هَذَا فَإِن الْأَمر فِيهِ بَين، لَا عِنْد الْعقيلِيّ وَلَا عِنْد غَيره مِمَّن ذكره، وَلَو قَرَأَ آخر الحَدِيث تبين لَهُ سوء نَقله.
قَالَ الْعقيلِيّ - فِي بَاب مُحَمَّد بن سُلَيْمَان -: حَدثنَا مُحَمَّد بن عَليّ الْمروزِي، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن مَرْزُوق، قَالَ: حَدثنَا صَالح النَّاجِي، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن عَليّ، أَمِير الْبَصْرَة، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يمسح الْيَتِيم هَكَذَا ". وَوصف صَالح من وسط رٍأسه إِلَى جَبهته.
" وَمن لَهُ أَب فَهَكَذَا ". وَوصف صَالح من جَبهته إِلَى وسط رَأسه.
قَالَ الْعقيلِيّ - فِي مُحَمَّد بن سُلَيْمَان -: " لَيْسَ يعرف بِالنَّقْلِ، وَحَدِيثه غير مَحْفُوظ، لَا يعرف إِلَّا بِهِ " يَعْنِي هَذَا الحَدِيث.
فَالْحَدِيث - كَمَا ترى - إِنَّمَا جَاءَ فِي مسح رَأس الْيَتِيم وَمن لَهُ أَب على معنى التحنن والشفقة، وَقد ذكره غير الْعقيلِيّ كَذَلِك.(2/198)
قَالَ الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن مَرْزُوق بن بكير، قَالَ حَدثنَا صَالح النَّاجِي، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْيَتِيم يمسح رَأسه هَكَذَا "، وَوصف صَالح أَنه وضع كَفه وسط رَأسه، ثمَّ أحدرها إِلَى مقدمه، أَو إِلَى جَبهته. " وَمن كن لَهُ أَب هَكَذَا "، وَوصف أَنه وضع كَفه على مقدم رَأسه مِمَّا / يَلِي جَبهته، ثمَّ اصعدها إِلَى وسط رٍأه.
قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ يرْوى عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَلَا نعلم لَهُ إِسْنَادًا غير هَذَا الْإِسْنَاد، وَلم يُشَارك مُحَمَّد بن سُلَيْمَان فِي هَذِه الرِّوَايَة أحد، وَكَانَ أَمِيرا بِالْبَصْرَةِ.
والْحَدِيث إِنَّمَا كتبناه على مَا فِيهِ، لأَنا لم نَحْفَظهُ عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا من هَذَا الْوَجْه / فَلذَلِك ذَكرْنَاهُ.
انْتهى كَلَام الْبَزَّار.
وَقد رَوَاهُ عَن صَالح النَّاجِي غير مُحَمَّد بن مَرْزُوق.
قَالَ أَبُو بكر بن ثَابت الْخَطِيب، فِي كتاب تَارِيخ بَغْدَاد: حَدثنَا أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد، حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الْمُسْتَمْلِي، حَدثنَا يحيى بن مُحَمَّد بن صاعد، حَدثنَا الْعَبَّاس بن أبي طَالب، حَدثنَا سَلمَة بن حَيَّان الْعَتكِي، حَدثنَا صَالح النَّاجِي، قَالَ: كنت عِنْد مُحَمَّد بن سُلَيْمَان - أَمِير الْبَصْرَة - فَقَالَ: أَخْبرنِي أبي عَن جدي الْأَكْبَر - يَعْنِي ابْن عَبَّاس - أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " امسح رَأس الْيَتِيم هَكَذَا إِلَى مقدم رَأسه، وَمن لَهُ أَب هَكَذَا إِلَى مُؤخر رَأسه ".
كَذَا وَقع فِي هَذَا الْإِسْنَاد فِي النُّسْخَة فِي تَارِيخ الْخَطِيب، وأظن أَنه سقط(2/199)
مِنْهُ لفظ " عَن جدي " قبل قَوْله: " عَن جدي الْأَكْبَر ".
قَالَ الْخَطِيب: " مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب الْهَاشِمِي، أَخُو جَعْفَر، وَإِسْحَاق، وَكَانَ عَظِيم أَهله، وجليل رهطه، ولي إِمَارَة الْبَصْرَة فِي عهد الْمهْدي، ثمَّ قدم بَغْدَاد على الرشيد لما أفضت إِلَيْهِ الهلافة، فَأَخْبرنِي أَبُو الْقَاسِم الْأَزْهَرِي، حَدثنَا أَحْمد بن إِبْرَاهِيم، حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن عَرَفَة، قَالَ: وَلما بُويِعَ الرشيد بالخلافة، قدم عَلَيْهِ مُحَمَّد ابْن سُلَيْمَان وافداً، فَأكْرمه وأعظمه وصنع بِهِ مَا لم يصنع بِأحد وزاده فِيمَا كَانَ يَتَوَلَّاهُ من أَعمال الْبَصْرَة كور دجلة والأعمال المفردة، والبحرين، والغوص، وعمان، واليمامة، وكور الأهواز، وكور فَارس، وَلم يجمع هَذَا لأحد غَيره، فَلَمَّا أَرَادَ الْخُرُوج، شيعه الرشيد إِلَى كلواذا وَقد / روى مُحَمَّد بن سُلَيْمَان [عَن أَبِيه] حَدثنَا مُسْندًا، وَلَا يحفظ لَهُ غَيره، فَذكر مَا تقدم.
ثمَّ قَالَ: أنبأني الْأَزْهَرِي، حَدثنَا أَحْمد بن إِبْرَاهِيم، حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن عَرَفَة، قَالَ: ثمَّ دخلت سنة ثَلَاث وَسبعين - يَعْنِي وَمِائَة - فَفِيهَا توفّي مُحَمَّد بن سُلَيْمَان، وسنه إِحْدَى وَخَمْسُونَ سنة، خَمْسَة اشهر، وَأمر الرشيد بِقَبض أَمْوَاله، فَأخذ لَهُ ودائع وأموالاً من منزله، فَكَانَت نيفاً وَخمسين ألفَ ألفِ ألف دِرْهَم ".(2/200)
وَقد انْتَهَيْت بِمَا كتبت من هَذَا كُله إِلَى الْمَقْصُود، وَهُوَ بَيَان تصحيفه اللَّفْظَة الْمَذْكُورَة تصحيفاً محققاً، بإدخاله إِيَّاهَا فِي كتاب الطَّهَارَة بَين أَحَادِيث التَّيَمُّم، وَإِنَّمَا هُوَ " الْيَتِيم ".
وَقد كتبته أَيْضا فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أعلها بِشَيْء، وَترك مثله أَو أَشد مِنْهُ، فَاعْلَم ذَلِك وَالله الْمُوفق.
(180) وَذكر فِي الْأَشْرِبَة، من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ عَن أم سَلمَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ فِي إهَاب الْميتَة: " إِن دباغه يحل كَمَا يحل خمر الْخلّ " ثمَّ ضعفه.
كَذَا ذكره، ورأيته كَذَلِك فِي نسخ، وَصَوَابه الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ فِي كتاب الدَّارَقُطْنِيّ " كَمَا يحل خل الْخمر ".
(181) وَذكر ايضاً من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن عَائِشَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كَانَ يسلم فِي الصَّلَاة تَسْلِيمَة وَاحِدَة تِلْقَاء وَجهه، يمِيل إِلَى الشق الْأَيْمن شَيْئا "(2/201)
ثمَّ قَالَ: هَذَا يرويهِ زُهَيْر بن مُحَمَّد، قَالَ أَبُو عمر: حَدِيث زُهَيْر بن مُحَمَّد فِي التسليمتين لَا يَصح مَرْفُوعا، وَزُهَيْر ضعفه / ابْن معِين وَغَيره فِي التسليمتين.
وَحَدِيث ابْن مَسْعُود فِي التسليمتين صَحِيح.
هَكَذَا وَقع، وتكرر فِي النّسخ الْخَطَأ فِي قَوْله: " حَدِيث زُهَيْر فِي التسليمتين " وَلَيْسَ كَذَلِك، وَهُوَ فَاسد من قبل أبي عمر، أَو مُفسد من قبل أبي مُحَمَّد، أَو من روى عَنهُ، وَهُوَ غَالب الظَّن.
فَإِن أَبَا عمر إِنَّمَا ذكر الْأَحَادِيث بالتسليمة الْوَاحِدَة هَكَذَا: رُوِيَ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه: " كَانَ يسلم تَسْلِيمَة وَاحِدَة " من حَدِيث سعد، وَمن حَدِيث عَائِشَة، وَمن حَدِيث أنس ".
ثمَّ أعلها، فَكَانَ من ذَلِك قَوْله: وَأما حَدِيث عَائِشَة: " أَنه كَانَ يسلم تَسْلِيمَة / وَاحِدَة، فَلم يرفعهُ إِلَّا زُهَيْر بن مُحَمَّد وَحده، عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، رَوَاهُ عَنهُ عَمْرو بن أبي سَلمَة ".
وَزُهَيْر بن مُحَمَّد، ضَعِيف عِنْد الْجَمِيع، كثير الْخَطَأ، لَا يحْتَج بِهِ، وَذكر ليحيى بن سعيد هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: عَمْرو بن أبي سَلمَة، وَزُهَيْر، ضعيفان، لَا حجَّة فيهمَا.
هَذَا نَص كَلَام أبي عمر وَهُوَ لم ينْسب فِيهِ لزهير بن مُحَمَّد إِلَّا حَدِيث التسليمة الْوَاحِدَة، وَذَلِكَ مَعْرُوف مَشْهُور، فنسبة التسليمتين إِلَيْهِ خطأ فَيَنْبَغِي أَن يكون الْكَلَام الْمَذْكُور هَكَذَا:(2/202)
حَدِيث زُهَيْر فِي التسليمة، لَا يَصح مَرْفُوعا، وَزُهَيْر ضعفه ابْن معِين وَغَيره فِي التسليمة.
وَفِي كَلَام أبي عمر حمل على زُهَيْر، وَعَمْرو بن أبي سَلمَة بفوق مَا يستحقان، وَلَيْسَ كَذَلِك عِنْد أهل الْعلم بهما.
وَلَيْسَ هَذَا مَوضِع بَيَانه، فَإِنِّي لم أقصد تَصْحِيح كَلَام أبي عمر وَالْمَعْرُوف لِابْنِ معِين تَوْثِيق زُهَيْر.
وَقد اضْطربَ أَبُو مُحَمَّد فِي أمره، فَإِنَّهُ إِن كَانَ هُوَ عِنْده من المضعف فِي هَذَا الْخَبَر، فَمَا باله سكت عَن هَذَا الحَدِيث.
(182) " إِذا أَرَادَ الله بالأمير خيرا، جعل لَهُ وَزِير صدق " الحَدِيث.
وَهُوَ من رِوَايَة زُهَيْر وَلم يُنَبه على أَنه من رِوَايَته.
(183) وَذكر حَدِيث: " لَا يتجردا تجرد العيرين " - يَعْنِي عِنْد الْجِمَاع.(2/203)
وَعرض من إِسْنَاده لصدقة بن عبد الله، وَلم يعرض لزهير.
وَفِي أَحَادِيث أخر، أتبعهَا تضعيفاً أقل من هَذَا الَّذِي هُنَا، فَقَالَ - إِثْر حَدِيث:
(184) " اتْرُكُوا التّرْك مَا تركوكم " - زُهَيْر سييء الْحِفْظ، وإثر حَدِيث:
(185) " إِذا ادَّعَت الْمَرْأَة طَلَاق زَوجهَا ": زُهَيْر لَيْسَ بِالْحَافِظِ وَلَا يحْتَج بِهِ.
وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا قصدت بَيَانه فِي هَذَا الْبَاب، وَلكنه انجر.(2/204)
(186) وَذكر حَدِيث عَليّ وعمار، فِي التَّكْبِير من غَدَاة عَرَفَة، إِلَى عصر آخر أَيَّام التَّشْرِيق ثمَّ قَالَ: إِنَّه ضَعِيف، وَأعله بجابر الْجعْفِيّ، ثمَّ قَالَ: وَاخْتلف عَلَيْهِ فِيهِ.
وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء، وَمَا اخْتلف إِلَّا على رَاوِيه عَنهُ، وَهُوَ عَمْرو بن شمر وَقد أخرت بَيَان هَذَا إِلَى بَاب / الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها بِقوم، وَترك من هُوَ مُتَّهم أَو أَضْعَف.
لِأَن هَذِه الْمُؤَاخَذَة الَّتِي نبهت عَلَيْهَا الْآن، هِيَ صناعية، وَقد يخرج كَلَامه على غَيرهَا، فَلذَلِك أخرت الْكَلَام إِلَى مَوضِع هُوَ أولى بِذكر الحَدِيث فِيهِ من هَذَا.
(187) وَذكر من حَدِيث ابْن عَبَّاس: " موت الْغَرِيب شَهَادَة ". وَأتبعهُ / أَن الدَّارَقُطْنِيّ ذكره وَصَححهُ.
وَهُوَ لم يفعل، وَإِنَّمَا تغير هَذَا فِي نَقله.
وَقد بيّنت هَذَا فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أتبعهَا كلَاما يَقْتَضِي ظَاهره تصحيحها وَلَيْسَت بصحيحة.
(188) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن أبي عُبَيْدَة، عَن عبد الله بن(2/205)
مَسْعُود، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فِي ثَلَاثِينَ من الْبَقر تبيع " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: أَبُو عُبَيْدَة لم يسمع من أَبِيه، وَقد وَصله خصيف، عَن أبي عُبَيْدَة عَن أمه، عَن عبد الله، وَالَّذِي رَوَاهُ مَقْطُوعًا أحفظ.
كَذَا وَقع هَذَا الْكَلَام مِنْهُ، وَهُوَ خطأ وتغيير للْوَاقِع فِي كتاب التِّرْمِذِيّ، فَإِنَّهُ يفهم مِنْهُ أَن الْمَوْصُول من رِوَايَة خصيف، والمقطوع من غير رِوَايَته، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَمَا رَوَاهُ فِي الْحَالين إِلَّا خصيف، وَلكنه اخْتلف عَلَيْهِ، فعبد السَّلَام بن حَرْب - وَهُوَ حَافظ - لَا يذكر عَن أمه ويجعله مَقْطُوعًا، وَشريك - وَهُوَ مِمَّن سَاءَ حفظه - يذكر " عَن أمه فَيَجْعَلهُ مَوْصُولا، وَكِلَاهُمَا يرويهِ عَن خصيف عَن أبي عُبَيْدَة.
(189) وَذكر أَيْضا من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن الْمثنى بن الصَّباح، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خطب النَّاس فَقَالَ: " أَلا من ولي يَتِيما لَهُ مَال فليتجر بِهِ " الحَدِيث.(2/206)
ثمَّ قَالَ: قَالَ أَبُو عِيسَى: إِنَّمَا رُوِيَ من هَذَا الْوَجْه، وَفِي إِسْنَاده مقَال.
ثمَّ قَالَ هُوَ من عِنْده: الْمقَال الَّذِي فِي إِسْنَاده أَنه رَوَاهُ الْمثنى بن الصَّباح، والمثنى ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ.
كَذَا أورد هَذَا الْموضع، جعل مَا قَالَ التِّرْمِذِيّ هُوَ " فِي إِسْنَاده مقَال " ثمَّ أَخذ هُوَ فِي تَفْسِير الْمقَال.
وَالْوَاقِع فِي كتاب التِّرْمِذِيّ نَصه. " وَإِنَّمَا رُوِيَ هَذَا الحَدِيث من هَذَا الْوَجْه، وَفِي إِسْنَاده مقَال، لِأَن الْمثنى بن الصَّباح يضعف فِي الحَدِيث ".
(190) وَذكر حَدِيث: " من كَانَ عَلَيْهِ قَضَاء من / رَمَضَان، فليسرده وَلَا يقطعهُ ".
ثمَّ أتبعه أَن أَبَا حَاتِم أنكرهُ على عبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم الْقَاص.
وَلَيْسَ كَذَلِك، وَأَبُو حَاتِم لم يُعينهُ، وَإِنَّمَا أنكر عَلَيْهِ حَدِيثا رَوَاهُ عَن الْعَلَاء، وَهَذَا وَإِن كَانَ عَن الْعَلَاء، فَلَعَلَّهُ إِنَّمَا عَنى أَبُو حَاتِم غَيره، فقد قَالُوا: كَانَ عِنْده عَن الْعَلَاء كراسة، وَالرجل ثِقَة.
وَقد بيّنت هَذَا فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها وَهِي صَحِيحَة، أَو حَسَنَة.
(191) وَذكر من طَرِيق مُسلم عَن يعلى بن أُميَّة، حَدِيث الرجل الَّذِي(2/207)
أحرم بِالْعُمْرَةِ، وَهُوَ فِي جُبَّة. فَلَمَّا فرغ مِنْهُ قَالَ:
وَفِي طَرِيق أُخْرَى: " عَلَيْهِ جُبَّة، متضمخ بِطيب ".
وَفِي أُخْرَى: " عَلَيْهِ (جُبَّة) بهَا أثر من خلوق ".
وَفِي أُخْرَى: فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أما الطّيب فاغسله ثَلَاث مَرَّات ".
كَذَا أورد هَذَا الْموضع، وَهُوَ خطأ، فَإِنَّهُ يُعْطي بتصريح أَن الطَّرِيق الَّتِي روى بهَا قَوْله: " عَلَيْهِ جُبَّة، متضمخ بِطيب " غير الطَّرِيق الَّتِي رُوِيَ بهَا قَوْله: " أما الطّيب فاغسله ثَلَاث مَرَّات "، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْد مُسلم حَدِيث [وَاحِد] وَلَيْسَ عِنْده الْأَمر بِغسْل الطّيب ثَلَاث مَرَّات، إِلَّا فِي الحَدِيث الْمَذْكُور.
وَالَّذِي اعتراه فِي هَذَا، هُوَ عكس مَا اعتراه فِي الْبَاب الَّذِي تقدم ذكره: من إِيرَاد أَحَادِيث أَو زيادات / فِي أَحَادِيث، مردفه أَحَادِيث رُوَاة، كَأَنَّهَا عَنْهُم وَلَيْسَت عَنْهُم، أَو فِي مَوَاضِع، أَو فِي قصَص.
وَهَاهُنَا اعتراه عكس ذَلِك، أَتَى بِكَلَام أوهم فِي شَيْئَيْنِ هما فِي حَدِيث وَاحِد، أَنَّهُمَا فِي حديثين، وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك فاعلمه.
(192) وَذكر حَدِيث: " من أهل بِعُمْرَة أَو حجَّة من الْمَسْجِد الْأَقْصَى ".
ثمَّ قَالَ: قَالَ أَبُو حَاتِم: يحيى بن أبي سُفْيَان الأخنسي، شيخ من شُيُوخ أهل الْمَدِينَة لَيْسَ بالمشهور مِمَّن يحْتَج بِهِ.
كَذَا ذكر عَن ابي حَاتِم، وَلَيْسَ عِنْده من أَيْن ينْقل كَلَامه إِلَّا من كتاب ابْنه(2/208)
أبي مُحَمَّد، وَلم يذكر عَنهُ لَفْظَة: " مِمَّن يحْتَج بِهِ ".
وَهَذَا الحَدِيث قد كتبناه فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها بِقوم، وَترك أمثالهم أَو أَشد مِنْهُم.
(193) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فِي طَلَاق الْأمة وعدتها ".
ثمَّ قَالَ: تفرد بِهِ عمر بن شبيب، الصَّحِيح / أَنه من قَول ابْن عمر.
ثمَّ قَالَ: كَذَا قَالَ - يَعْنِي الدَّارَقُطْنِيّ - فِي عمر بن شبيب، يحيى بن معِين يَقُول فِيهِ: لَيْسَ بِثِقَة، وَضَعفه أَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم.
كَذَا وَقع هَذَا الْفَصْل لَهُ، وَفِيه تَغْيِير، وَذَلِكَ يُعْطي، أَن الدَّارَقُطْنِيّ سَالم عمر بن شبيب، فَرد هُوَ مسالمته إِيَّاه، بِأَن بَين أَنه ضَعِيف عِنْد من ذكر.
وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك فِي كتاب الدَّارَقُطْنِيّ، بل هَكَذَا: " تفرد بِهِ عمر بن شبيب مَرْفُوعا، وَكَانَ ضَعِيفا، وَالصَّحِيح عَن ابْن عمر مَا رَوَاهُ سَالم وَنَافِع من قَوْله ".
فَسقط لأبي مُحَمَّد قَوْله: " وَكَانَ ضَعِيفا ".(2/209)
(194) وَذكر أَيْضا من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث عَليّ: " بَعَثَنِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى الْيمن قَاضِيا " الحَدِيث.
ثمَّ رده بِأَن قَالَ: يرويهِ حَنش بن الْمُعْتَمِر - وَيُقَال: ابْن ربيعَة - عَن عَليّ، وَكَانَ رجلا صَالحا وَفِي حَدِيثه ضعف.
كَذَا قَالَ هُنَا من عِنْده.
(195) ثمَّ ذكر فِي الدِّيات، حَدِيث الَّذِي وَقع فِي الْبِئْر، وَوَقع بتعلقه فَوْقه ثَلَاثَة، فَقضى عَليّ رَضِي الله عَنهُ بدية، وَنصف دِيَة، وَثلث دِيَة، وَربع دِيَة ... الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ بإثره فِيهِ: قَالَ أَبُو حَاتِم: " كَانَ عبدا صَالحا، وَلَا أَرَاهُم يحتجون بحَديثه ".
فعزا ذَلِك - كَمَا ترى - إِلَى أبي حَاتِم، وَأَبُو حَاتِم إِنَّمَا سَأَلَهُ ابْنه عَنهُ فَقَالَ: " هُوَ عِنْدِي صَالح، قلت: يحْتَج بحَديثه؟ قَالَ: لَيْسَ أَرَاهُم يحتجون(2/210)
بحَديثه ".
هَذَا نَص مَا ذكر ابْنه عَنهُ، فَمَعْنَى: " هُوَ عِنْدِي صَالح " أَي فِي الحَدِيث، وَهُوَ لفظ مُتَعَارَف مِنْهُ وَمن غَيره، وَأرَاهُ تصحف لَهُ " عِنْدِي " بِعَبْد، فَاعْلَم ذَلِك.
(196) وَذكر فِي الطَّهَارَة حَدِيث عَائِشَة: " كَانَت يَد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْيُمْنَى لطهوره وَطَعَامه " الحَدِيث.
من رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن يزِيد النَّخعِيّ عَنْهَا، ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: قَالَ الْعَبَّاس الدوري: لم يسمع إِبْرَاهِيم بن يزِيد النَّخعِيّ من عَائِشَة، ومراسله صَحِيحَة.
(197) إِلَّا حَدِيث تَاجر الْبَحْرين.
كَذَا ذكر هَذَا الْكَلَام عَن عَبَّاس / الدوري، وَالْقَوْل بِأَن مراسله صَحِيحَة إِلَّا حَدِيث تَاجر الْبَحْرين، إِنَّمَا حَكَاهُ الدوري فِي كِتَابه عَن ابْن معِين، فَاعْلَم ذَلِك.(2/211)
(
(198) وَذكر أَيْضا من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن / أَبِيه، عَن جده، أَن رجلا قتل عَبده مُتَعَمدا، " فجلده النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مائَة جلدَة، ونفاه سنة، ومحا سَهْمه من الْمُسلمين، وَلم يقده بِهِ، وَأمره أَن يعْتق رَقَبَة ".
ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، وَهُوَ ضَعِيف فِي غير الشاميين وَهَذَا الْإِسْنَاد حجازي.
كَذَا هُوَ عِنْده، وأخاف أَن يكون تغير " شَامي " " بحجازي " غَلطا.
على أَنه لَو كَانَ قَالَ: هَذَا الْإِسْنَاد شَامي، لَكَانَ قَوْله: إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش لَا باس بِهِ فِي الشاميين، فَلَمَّا قَالَ: إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش ضَعِيف فِي غير الشاميين، انتظم مَعَه قَوْله: وَهَذَا الْإِسْنَاد حجازي. وَبعد هَذَا، فَاعْلَم أَن إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث شَامي لَا حجازي.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا الْحُسَيْن بن الْحسن بن الصَّابُونِي الْأَنْطَاكِي، قَاضِي الثغور، حَدثنَا مُحَمَّد بن الحكم الرَّمْلِيّ، حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الرَّمْلِيّ، حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه، عَن جده، " أَن رجلا قتل عَبده عمدا، فجلده النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مائَة جلدَة، ونفاه سنة، ومحا سَهْمه من الْمُسلمين، وَلم يقد بِهِ، وَأمره أَن يعْتق رَقَبَة ".(2/212)
فَمَا فِي هَؤُلَاءِ من يخفي أمره، وَحَتَّى لَو كَانُوا كلهم غير شاميين، وَشَيخ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش شامياً كفى ذَلِك فِي الْمَقْصُود، وعد بِهِ الحَدِيث من صَحِيح حَدِيثه، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يُرَاعى فِي ذَلِك أشياخه فَقَط لِأَنَّهُ كَانَ بهم عَالما، وَكَانَ أَخذه عَن غَيرهم فِي الْأَسْفَار والرحل، فَلم يكن فيهم كَمَا هُوَ فِي أهل بَلَده.
فَإِذن لَا يلْتَفت إِلَى كَون الْإِسْنَاد حجازياً إِذا كَانَ شَيْخه شامياً، على هَذَا يتفسر مقصودهم.
وَعَمْرو بن شُعَيْب مكي، كَانَ يخرج إِلَى الطَّائِف لضيعة لَهُ، وَهُوَ الَّذِي غلط أَبَا مُحَمَّد وَالله أعلم.
(199) وَذكر من المراسل، عَن مَكْحُول قَالَ: أوصى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَبَا هُرَيْرَة ثمَّ قَالَ: " إِذا غزوت " فَذكر أَشْيَاء.
قَالَ: " وَلَا تحرقن نخلا وَلَا تغرقنه، وَلَا تؤذ مُؤمنا ".
ثمَّ قَالَ: وَمِنْهَا - وَلم يصل بِهِ سَنَده - عَن الْقَاسِم مولى عبد الرَّحْمَن، قَالَ: [قَالَ] النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَذكر نَحوه: " وَلَا تحرقن نخلا، وَلَا تغرقنها، وَلَا تقطع شَجَرَة تمر، ولاتقتل بَهِيمَة / لَيست لَك بهَا حَاجَة، وَاتَّقِ أَذَى الْمُؤمن ".
(200) قَالَ: وَالصَّحِيح فِي هَذَا، حَدِيث مُسلم فِي قطع نخل بني النَّضِير.(2/213)
هَكَذَا أورد هَذَا الْموضع، وَالْمَقْصُود مِنْهُ قَوْله: إِن ابا دَاوُد لم يصل سَنَده بالقاسم مولى عبد الرَّحْمَن، وَلَا أَدْرِي لَعَلَّه سقط من النُّسْخَة الَّتِي نقل مِنْهَا، أَو وَقعت رِوَايَة من كتاب المراسل عَن أبي دَاوُد كَذَلِك، وَلَا أعرفهَا.
والْحَدِيث فِيمَا عِنْدِي وَمَا رَأَيْت فِي كتاب المراسل هَكَذَا:
حَدثنَا [سُلَيْمَان بن دَاوُد، حَدثنَا ابْن وهب] أنبأني عَمْرو بن الْحَارِث، عَن عَمْرو بن عبد الرَّحْمَن، عَن الْقَاسِم مولى عبد الرَّحْمَن، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أوصى رجلا عشرا، قَالَ " وَلَا تقطع شَجَرَة مثمرة، وَلَا تقتل بَهِيمَة لَيست لَك بهَا حَاجَة، وَاتَّقِ أَذَى الْمُؤمن ".
هَذَا نَص مَا ذكر أَبُو دَاوُد، ويتبين خلاف مَا أَوْهَمهُ سِيَاقه، من أَن الْمُوصى هَذَا، هُوَ أَبُو هُرَيْرَة، وَإِنَّمَا فِي هَذَا الحَدِيث: أوصى رجلا، لَعَلَّه غير أبي هُرَيْرَة وَفِي الْمُرْسل الأول أَيْضا تَغْيِير، إِلَّا انه رُبمَا خرج لَهُ وَجه فيسمح فِيهِ.
وَذَلِكَ أَن نَصه فِي كتاب المراسل هَكَذَا:
" يَا أَبَا هُرَيْرَة إِذا غزوت فَلَقِيت الْعَدو فَلَا تجبن، وَوجدت فَلَا تغلل، وَلَا تؤذين مُؤمنا، وَلَا تعص ذَا أَمر، وَلَا تحرق نخلا، وَلَا تغرقه ". هَكَذَا نَصه، فَاخْتَصَرَهُ أَبُو مُحَمَّد، فَقَالَ فِي اختصاره: فَذكر أَشْيَاء، قَالَ: " وَلَا تحرقن نخلا وَلَا تغرقنه، وَلَا تؤذ مُؤمنا " فَتَأَخر: " وَلَا تؤذ مُؤمنا " عَن: " وَلَا تغلل ".
وَإِذا تلاه كَانَ فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ إِذا فصل عَنهُ، وَلم يكن هَذَا مَقْصُودا،(2/214)
وَإِنَّمَا الْمَقْصُود مَا تقدم.
وَسَيَأْتِي لهَذَا الحَدِيث ذكر، فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي لم يعبها بسوى الْإِرْسَال، وَلها عُيُوب سواهُ.
فَإِن عَمْرو بن عبد الرَّحْمَن، لَا تعرف حَاله، إِلَّا أَن أَبَا مُحَمَّد قد قَالَ: إِنَّه لم يقف لَهُ على إِسْنَاد يُوصل إِلَى الْقَاسِم، فاتضح فِي ذَلِك عذره من وَجه، فَاعْلَم ذَلِك.(2/215)
(7) بَاب ذكر / رُوَاة تَغَيَّرت أَسمَاؤُهُم أَو أنسابهم فِي نَقله عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ(2/217)
(201) فَمن ذَلِك مَا ذكر فِي السِّوَاك من طَرِيق الْبَزَّار، عَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب قَالَ: كَانُوا يدْخلُونَ على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلم يستاكوا، فَقَالَ: " مَا لكم تدخلون عَليّ قلحاً " ... الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ بإثره: يرويهِ من حَدِيث سُلَيْمَان بن كران - بالراء الْخَفِيفَة وَالنُّون - وَهُوَ بَصرِي لَا بَأْس بِهِ، انْتهى كَلَامه بنصه.
وَله فِي هَذَا الحَدِيث شَأْن نذكرهُ بِهِ أَن شَاءَ الله تَعَالَى فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أتبعهَا كلَاما يقْضِي بِصِحَّتِهَا.
وَالَّذِي نذكرهُ بِهِ الْآن، هُوَ هَذَا الَّذِي ذكر بِهِ سُلَيْمَان بن كران من قَوْله: إِنَّه بالراء الْخَفِيفَة وَالنُّون، وَهَذَا خطأ، وَإِنَّمَا هُوَ كراز - بالراء الْمُشَدّدَة وَالزَّاي - كَذَلِك ضَبطه الْأَمِير ابْن مَاكُولَا فِي إكماله، فِي بَاب ذكر فِيهِ كزاز بزايين، وكراز برَاء وزاي، وكرار - براءين، وكواز بواو وزاي، فَقَالَ فِي الْبَاب الْمَذْكُور: وَأما كراز - بِفَتْح الْكَاف، وَبعدهَا رَاء مُشَدّدَة، آخِره زَاي - فَهُوَ سُلَيْمَان بن كراز الطفَاوِي، يروي عَن عمر بن مُحَمَّد بن صهْبَان، ومبارك بن فضَالة، وَغَيرهمَا.
روى عَنهُ هِشَام بن عَليّ السيرافي، وَابْن أبي سُوَيْد، وَإِسْحَاق بن سيار، وَأحمد بن مُحَمَّد بن عمر اليمامي كيلجة، هَذَا مَا ذكره بِهِ فاعلمه.(2/219)
(202) وَذكر حَدِيث " إِمَامَة أم ورقة بقومها ".
فَقَالَ فِيهَا: أم ورقة بنت الْحَارِث.
وَإِنَّمَا فِي كتاب أبي دَاوُد - وَمن / عِنْده نَقله -: أم ورقة بنت عبد الله بن الْحَارِث.
(203) وَذكر عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، أَن عَائِشَة نزلت على صَفِيَّة بنت طَلْحَة الطلحات، فرأت بَنَات لَهَا، الحَدِيث.
كَذَا وَقع عِنْده، وَهُوَ خطأ، وَإِنَّمَا فِي كتاب أبي دَاوُد - وَمن عِنْده نَقله - نزلت على صَفِيَّة أم طَلْحَة الطلحات.
وَقد كتبت هَذَا بِزِيَادَة عَلَيْهِ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة، وَهِي مُنْقَطِعَة.
(204) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد، قَالَ: اسْتَأْذن عَلْقَمَة وَالْأسود على عبد الله، فَذكر صلَاته بَينهمَا /.
كَذَا رَأَيْته فِي نسخ، وَالَّذِي وَقع عِنْد أبي دَاوُد، هُوَ: عَن عبد الرَّحْمَن بن الْأسود، عَن أَبِيه قَالَ: اسْتَأْذن عَلْقَمَة وَالْأسود.
هَكَذَا عِنْده، وَهُوَ قلق فَإِن مَعْنَاهُ: اسْتَأْذن عَلْقَمَة وَالْأسود - يَعْنِي نَفسه - وَصَوَابه الَّذِي يَنْبَغِي أَن يكون عَلَيْهِ: عَن عبد الرَّحْمَن بن الْأسود بن يزِيد،(2/220)
قَالَ: اسْتَأْذن عَلْقَمَة وَالْأسود.
وَالَّذِي أورد أَبُو مُحَمَّد، لَا هُوَ مَا وَقع عِنْد أبي دَاوُد، وَلَا هُوَ إصْلَاح لَهُ، فاعلمه.
(205) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، من طَرِيق أبي بكر: عبد الحميد بن جَعْفَر الْحَنَفِيّ، عَن نوح بن أبي بِلَال، عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا قَرَأْتُمْ الْحَمد لله، فاقرؤوا باسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، إِنَّهَا أم الْقُرْآن، وَأم الْكتاب، والسبع المثاني، وباسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، إِحْدَى آياتها ".
رفع هَذَا الحَدِيث عبد الحميد بن جَعْفَر، وَعبد الحميد هَذَا، وَثَّقَهُ أَحْمد بن حَنْبَل، وَيحيى بن معِين وَيحيى بن سعيد.
وَأَبُو حَاتِم يَقُول فِيهِ: مَحَله الصدْق.
وَكَانَ سُفْيَان الثَّوْريّ يُضعفهُ وَيحمل عَلَيْهِ.
ونوح بن أبي بِلَال، ثِقَة مَشْهُور، انْتهى مَا ذكر.
وَهَذَا الحَدِيث بِهَذَا القَوْل الَّذِي أتبعه، مصحح عِنْده فَلذَلِك نبهنا عَلَيْهِ فِيمَا يَأْتِي من بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ذكرهَا، وأتبعها مِنْهُ قولا يَقْتَضِي ظَاهره تصحيحها.(2/221)
وَالَّذِي لأَجله كتبناه هُنَا، هُوَ الْوَهم الْوَاقِع فِي قَوْله: من حَدِيث أبي بكر: عبد الحميد بن جَعْفَر، وَقد رَأَيْته كَذَلِك فِي نسخ، وَلَو لم يتبع الْحَنَفِيّ عبد الحميد بن جَعْفَر، كُنَّا نقُول: سقط من الْكَلَام " عَن " بَين أبي بكر وَعبد الحميد، وَلَكِن نعت عبد الحميد بالحنفي، يدل على أَنه تَغْيِير اعتراه هُوَ، وَلَا يشكل الْخَطَأ الَّذِي فِي ذَلِك على أحد، فَإِن عبد الحميد بن جَعْفَر، لَيْسَ بحنفي، وَإِنَّمَا هُوَ عبد الحميد بن جَعْفَر الْأنْصَارِيّ، الْمدنِي، وينسب هَكَذَا: عبد الحميد بن جَعْفَر بن عبد الله بن الحكم بن رَافع بن سِنَان، وَلَيْسَ يكنى بِأبي بكر / وَإِنَّمَا كنيته أَبُو حَفْص، وجده رَافع بن سِنَان، هُوَ الَّذِي أسلم وأبت امْرَأَته أَن تسلم، فَخير النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ابْنَته بَين أَبَوَيْهَا.
قَالَ ابْن أبي حَاتِم: هُوَ جده لأمه، وَكَانَ الثَّوْريّ ينْسبهُ إِلَى القَوْل بِالْقدرِ، وَزَعَمُوا أَنه خرج مَعَ مُحَمَّد بن عبد الله بن حسن بن حسن بن عَليّ بن أبي طَالب.
فَأَما أَبُو بكر الْحَنَفِيّ، فَإِنَّهُ عبد الْكَبِير بن عبد الْمجِيد / الْحَنَفِيّ، أَخُو أبي عَليّ: عبيد الله بن عبد الْمجِيد الْحَنَفِيّ، وهما أَخَوان ثقتان.
وَأَبُو بكر الْحَنَفِيّ هَذَا، مَعْرُوف الرِّوَايَة عَن عبد الحميد بن جَعْفَر الْمَذْكُور، وَهُوَ الَّذِي يروي عَنهُ هَذَا الحَدِيث.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا يحيى بن مُحَمَّد بن صاعد، وَابْن مخلد، قَالَا: حَدثنَا عقبَة بن مكرم، قَالَ: حَدثنَا أَبُو بكر الْحَنَفِيّ، قَالَ حَدثنَا عبد الحميد بن جَعْفَر، قَالَ: أنبائي نوح بن أبي بِلَال، عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري بن جَعْفَر، قَالَ: أنبأني نوح بن أبي بِلَال، عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا قَرَأْتُمْ الْحَمد " الحَدِيث.(2/222)
قَالَ أَبُو بكر الْحَنَفِيّ: ثمَّ لقِيت نوحًا، فَحَدثني عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة بِمثلِهِ وَلم يرفعهُ.
وَهَكَذَا سَوَاء حرفا بِحرف، ذكره أَبُو عَليّ بن السكن فِي كِتَابه فِي السّنَن، عَن يحيى بن صاعد بِإِسْنَادِهِ.
وَمن هُنَا تبين عِلّة الْخَبَر، حَسْبَمَا نبينه - إِن شَاءَ الله تَعَالَى - فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أتبعهَا مِنْهُ كلَاما يقْضِي ظَاهره بِصِحَّتِهَا، وَلَيْسَت بصحيحة.
(206) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ، عَن عبد الْملك - هُوَ ابْن عُمَيْر - عَن شبيب أبي روح، عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه " صلى صَلَاة الصُّبْح، فَقَرَأَ الرّوم " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ بإثره: قَالَ أَبُو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم: " روح أَبُو شبيب شَامي، وَيُقَال: شبيب بن نعيم، الوحاظي، الْحِمصِي، كَلَامه إِلَى آخِره ".
كَذَا وَقع فِي نسخ، لم أر خِلَافه فِي غَيرهَا، وَهُوَ خطأ، وَصَوَابه: أَبُو روح شبيب. وَفِي بَاب شبيب - من حرف الشين - ذكره أَبُو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم بالْكلَام الَّذِي نقل أَبُو مُحَمَّد - رَحمَه الله -.
وَكَذَلِكَ فعل البُخَارِيّ /.
وَهُوَ مَعَ هَذَا، لَا تعرف حَاله.(2/223)
وَقد بيّنت أمره بمزيد على هَذَا، فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي سكت عَنْهَا مصححاً لَهَا.
(207) وَذكر عَن أبي سعيد الْمَالِينِي من كِتَابه، عَن مُحَمَّد بن أبي مُطِيع، عَن أَبِيه، عَن مُحَمَّد بن جَابر، عَن أبي إِسْحَاق، عَن الْحَارِث، عَن عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تصلوا وَالْإِمَام يخْطب ".
كَذَا وَقع فِي النّسخ، وَقد كتب عَلَيْهِ بعض الروَاة عَنهُ أَنه كَذَلِك وَقع، وَنبهَ على الصَّوَاب فِي الْحَاشِيَة.
وتكرر لَهُ هَذَا الْعَمَل من قَوْله: أَبُو سعيد الْمَالِينِي فِي كتاب الْجَنَائِز، حِين ذكره من عِنْده حَدِيث:
(208) " أمرنَا أَن ندفن مَوتَانا وسط قوم صالحين ".
وَصَوَابه أَبُو سعد الْمَالِينِي، وَهُوَ مَشْهُور، وَأَبُو مُحَمَّد لم ير كِتَابه، ذكر ذَلِك عَن نَفسه.
وَهُوَ الَّذِي يروي عَن أبي أَحْمد بن عدي كِتَابه الْكَامِل، واسْمه: أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن عبد الله بن حَفْص بن الْخَلِيل.(2/224)
وسنذكره فِي بَاب الرِّجَال الَّذين أخرج عَنْهُم أَبُو مُحَمَّد مَا أخرج: من حَدِيث، أَو تَعْلِيل، أَو تجريح، أَو تَعْدِيل، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(209) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن رَافع بن أبي عَمْرو: " كنت أرمي نخل الْأَنْصَار ... الحَدِيث "، ذكره فِي آخر كتاب الزَّكَاة.
وَكَذَا وجدته فِي نسخ، وَهُوَ خطأ، وَإِنَّمَا هُوَ رَافع بن عَمْرو.
كَذَلِك هُوَ عِنْد التِّرْمِذِيّ الَّذِي نَقله من عِنْده، وَكَذَلِكَ هُوَ مَذْكُور فِي مظان ذكره.
والْحَدِيث مَعَ ذَلِك لَا يَصح، وَقد بيّنت أمره فِيمَا بعد.
(210) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن قيس بن الْأسود، عَن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَنه كَانَ لَا يرى بَأْسا بِقَضَاء رَمَضَان فِي عشر ذِي الْحجَّة " /.
كَذَا وَقع، وَصَوَابه: عَن قيس أبي الْأسود.
كَذَلِك هُوَ فِي علل الدَّارَقُطْنِيّ، وَمن ثمَّ نقل الحَدِيث.
وَلَا تعرف حَال قيس أبي الْأسود هَذَا، وَهُوَ وَالِد الْأسود بن قيس.
والْحَدِيث غير مَوْصُول الْإِسْنَاد فِي الْكتاب الْمَذْكُور.(2/225)
وَلم يبين أَبُو مُحَمَّد ذَلِك، وسنذكره فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أعلها بِمَا لَيْسَ بعلة، وَترك ذكر مَا هُوَ لَهَا عِلّة على الْحَقِيقَة /.
(211) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن عَائِشَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْبكر إِذا نَكَحَهَا وَله نسَاء، لَهَا ثَلَاث لَيَال، وللثيب ليلتان ".
ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده عمر بن مُحَمَّد الْوَاقِدِيّ، وَهُوَ ضَعِيف بل مَتْرُوك.
كَذَا رَأَيْته فِي النّسخ، وَقد نبه عَلَيْهِ فِي حَوَاشِي بَعْضهَا أَنه كَذَلِك وَقع، وَعرف بصوابه، وَإنَّهُ لحري بِأَن يكون مُفْسِدا، لَا من قبل أبي مُحَمَّد، فَإِنَّهُ لَا يخفى على مثله أَنه مُحَمَّد بن عمر، لَا عمر بن مُحَمَّد.
وَلِهَذَا السِّيَاق شَأْن آخر، سَنذكرُهُ من أَجله إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها بِقوم وَترك أمثالهم أَو أَضْعَف مِنْهُم.
(212) وَذكر من طَرِيق مُسلم، عَن أُسَامَة بن زيد، وَسَعِيد بن عَمْرو بن نفَيْل، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أَنه قَالَ: " مَا تركت بعدِي فتْنَة أضرّ على الرِّجَال من النِّسَاء ".
كَذَا وَقع فِي النّسخ: سعيد بن عَمْرو بن نفَيْل، وَصَوَابه: سعيد بن زيد(2/226)
ابْن عَمْرو بن نفَيْل، وَقد تقدم مثل هَذَا من النِّسْبَة إِلَى الْجد.
وَمثله أَيْضا مَا يَأْتِي فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها وَلم يبين عللها، فَإِنَّهُ ذكر حَدِيث:
(213) " صلى فِي مَسْجِد بني عبد الْأَشْهَل فِي كسَاء، متلبباً بِهِ ".
من طَرِيق الْبَزَّار، من رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن أبي حَبِيبَة.
وَهُوَ عِنْد الْبَزَّار مُبين فِي نفس الْإِسْنَاد أَنه إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن أبي حَبِيبَة، وَقد شرحنا أمره فِي الْبَاب الْمَذْكُور.
وكل مَا وَقع من هَذَا النَّوْع، فَإِنَّمَا وَقع خطأ، أَن يَأْتِي إِلَى رجل قد وَقع ذكره على الصَّوَاب مَنْسُوبا إِلَى أَبِيه، فيذكره هُوَ مَنْسُوبا إِلَى جده، وَإِنَّمَا جرت الْعَادة بِأَن يجده مَنْسُوبا إِلَى جده فيبين أَبَاهُ وجده.
مثل أَن يجده فِي الْكتاب: سعيد بن عَمْرو بن نفَيْل، فَيَقُول هُوَ فِي نَقله: سعيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل.
وعَلى الصَّوَاب وَقع عِنْد مُسلم الَّذِي نقل الحَدِيث من عِنْده فاعلمه.
(214) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن ابْن عمر، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا كَانَت الْأمة تَحت الرجل، فَطلقهَا تَطْلِيقَتَيْنِ، ثمَّ اشْتَرَاهَا، لم تحل لَهُ حَتَّى تنْكح زوجا غَيره ".
ثمَّ رده بِأَن / قَالَ: فِي إِسْنَاده مُسلم بن سَالم، وَهُوَ ضَعِيف جدا.(2/227)
كَذَا رَأَيْته فِي نسخ، وَصَوَابه سلم بن سَالم، وَهُوَ الَّذِي يروي هَذَا الحَدِيث فِي كتاب الدَّارَقُطْنِيّ، وَهُوَ ضَعِيف.
وَهَذَا مَا يبين أَنه مِمَّا صحف بعده، فَإِن الحَدِيث لَو كَانَ عَن مُسلم بن سَالم: لم يقل فِيهِ: إِنَّه ضَعِيف، فَإِن مُسلم بن سَالم ثِقَة، وَسلم بن سَالم ضَعِيف، فَاعْلَم ذَلِك.
(215) وَذكر حَدِيث الفريعة بنت مَالك بن سِنَان: " فَأمر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَهَا أَن تمكث فِي بَيتهَا، حَتَّى / يبلغ الْكتاب أَجله ".
ثمَّ قَالَ: إِن مَالِكًا وَغَيره فِي رَاوِيه إِسْحَاق بن سعد وسُفْيَان يَقُول: سعيد.
كَذَا وَقع، إِسْحَاق بن سعد، وَقد نبه عَلَيْهِ فِي نسخ أَنه كَذَلِك وَقع، وَهُوَ خطأ، وَصَوَابه: سعد بن إِسْحَاق، وَالْأَمر فِيهِ بَين.
(216) وَذكر من طَرِيق ابْن أبي شيبَة، حَدثنَا أَبُو أُسَامَة، عَن حُسَيْن الْمعلم، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: تزوج زِيَاد بن حُذَيْفَة ابْن سعيد بن سهم، أم وئل بنت معمر الجمحية، الحَدِيث فِي وراثة الْمولى.(2/228)
كَذَا وَقع فِي النّسخ زِيَاد بن حُذَيْفَة، وَقد وَقع التَّنْبِيه عَلَيْهِ من بعض من أَخذ عَنهُ أَنه كَذَلِك وَقع.
وَذَلِكَ خطأ، وَصَوَابه: رِئَاب بن حُذَيْفَة بن سعيد - برَاء مَكْسُورَة، وَسَعِيد بِضَم السِّين - وَكَذَلِكَ وَقع فِي كتاب ابْن أبي شيبَة، وَسنَن أبي دَاوُد، وَكَذَلِكَ قَيده الدَّارَقُطْنِيّ فاعلمه.
(217) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن الْمُعْتَمِر - يَعْنِي ابْن عَمْرو بن نَافِع - عَن عمر بن خلدَة، " اتينا أَبَا هُرَيْرَة فِي صَاحب لنا أفلس " الحَدِيث.
كَذَا وَقع، وَهُوَ خطأ، وَصَوَابه أَبُو الْمُعْتَمِر، وَقد نطق بِهِ صَوَابا فِي [قَوْله] آخر الحَدِيث، قَالَ أَبُو دَاوُد: من يَأْخُذ بِهَذَا. أَبُو الْمُعْتَمِر من هُوَ؟
(218) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن خطاب بن صَالح مولى الْأَنْصَار، عَن أمه، عَن سَلامَة بنت معقل، امْرَأَة من خَارِجَة قيس عيلان، قَالَت: قلت " يَا رَسُول الله، إِنِّي امْرَأَة من خَارِجَة قيس عيلان، قدم بِي عمي الْمَدِينَة فِي الْجَاهِلِيَّة، فباعني من الحتات بن عَمْرو، أخي / أبي الْيُسْر، فَولدت لَهُ عبد الرَّحْمَن بن الحتات " الحَدِيث.(2/229)
كَذَا رَأَيْته فِي نسخ قد اعتنى بضبطه هَكَذَا: - بتاء مثناة مكررة - وَهُوَ عين الْخَطَأ وَإِنَّمَا هُوَ الْحباب - بباء، بِوَاحِدَة مكررة، وَكَذَلِكَ ذكره ابْن الفرضي بِوَاحِدَة وَغَيره.
وَسَيَأْتِي لهَذَا الحَدِيث ذكر فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي لم يبين عللها وضعفها إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(219) وَذكر أَيْضا من المراسل، عَن صَالح بن حسان، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رأى رجلا محتزماً بِحَبل أبرق، فَقَالَ: " يَا صَاحب الْحَبل ألقه ".
كَذَا رَأَيْته فِي النّسخ، فَإِن كَانَ هَكَذَا، فَفِيهِ عَلَيْهِ مَا يُوجب كتبه فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي رَمَاهَا بِالْإِرْسَال وَلها عُيُوب سواهُ، تكون بهَا مَرْدُودَة، وَلَو كَانَت مستندة، وَذَلِكَ أَن صَالح بن حسان يكون حِينَئِذٍ النضيري، وَهُوَ ضعف الحَدِيث، منكره.
والمرسل الْمَذْكُور لَيْسَ هَكَذَا هُوَ فِي كتاب المراسل، وَلَكِن عَن صَالح بن أبي حسان وَهُوَ ثِقَة، وَثَّقَهُ البُخَارِيّ، وَكِلَاهُمَا - أَعنِي صَالح بن حسان، وَصَالح ابْن أبي حسان، روى عَنْهُمَا ابْن أبي ذِئْب، وَهَذَا الحَدِيث من رِوَايَته فاعلمه.(2/230)
(220) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، عَن خَارِجَة بن مُصعب، عَن عبد الحميد بن سُهَيْل، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا لم يكن على الْبَاب ستر وَلَا بَاب، فَلَا بَأْس أَن يطلع فِي الدَّار ".
كَذَا وَقع فِي النّسخ: عبد الحميد، وَهُوَ خطأ، وَإِنَّمَا هُوَ عبد الْمجِيد بن سُهَيْل، وَهُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَهُوَ ثِقَة، وَهَكَذَا هُوَ فِي كتاب أبي أَحْمد.
وَلِلْحَدِيثِ شَأْن آخر، أذكرهُ بِهِ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أعلها بِقوم، وَترك أمثالهم أَو أَشد مِنْهُم.
(221) وَذكر أَيْضا من طَرِيق قَاسم بن أصبغ، عَن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن، عَن مُعلى بن عبد الرَّحْمَن الوَاسِطِيّ، عَن عبد الْمجِيد، عَن مُحَمَّد بن قيس، عَن ابْن عمر، أَنه طلق امْرَأَته، وَهِي حَائِض /، الحَدِيث.
كَذَا رَأَيْته فِي بعض النّسخ: عبد الْمجِيد، وَهُوَ خطأ، وَإِنَّمَا صَوَابه: عبد الحميد - وَهُوَ ابْن جَعْفَر - وَكَذَلِكَ هُوَ عِنْد قَاسم / ومنسوب إِلَى أَبِيه جَعْفَر فِي تَفْسِير الْإِسْنَاد.
وَقد رَأَيْته فِي بعض النّسخ على الصَّوَاب، فَإِنَّمَا ذكرته رفعا للبس.(2/231)
(222) وَذكر من طَرِيق أبي عمر، من حَدِيث معَاذ بن جبل حديثين: أَحدهمَا: " لكل دين خلق، وَخلق الْإِسْلَام الْحيَاء، وَلَا حَيَاء لمن لَا دين لَهُ ".
(223) وَالْآخر: " زَينُوا الْإِسْلَام بخصلتين: الْحيَاء والسماحة فِي الله لَا فِي غَيره ".
بِإِسْنَاد قَالَ فِيهِ: حسن، ثمَّ قَالَ: ذكره فِي بَاب مَالك، عَن صَفْوَان من كتاب التَّمْهِيد.
كَذَا رَأَيْته فِي النّسخ، وَهُوَ بِلَا شكّ مِمَّا سقط مِنْهُ فَتغير، وَذَلِكَ أَن أَبَا عمر، إِنَّمَا ذكره فِي بَاب سَلمَة بن صَفْوَان، فَأَما بَاب صَفْوَان فَلَيْسَ فِيهِ شَيْء من ذَلِك فاعلمه.(2/232)
(8) بَاب ذكر أَحَادِيث أوردهَا وَلم أجد لَهَا ذكرا، أَو عزاها إِلَى مَوَاضِع لَيست هِيَ فِيهَا، أَو لَيست كَمَا ذكر(2/233)
لم يخف عَليّ أَن قَارِئ هَذِه التَّرْجَمَة يَرَاهَا تعسفاً عَلَيْهِ، بِاحْتِمَال أَن يغيب عني مَا لم يغب عَنهُ، وَأَن يكون قد علم مَا جهل غَيره، وَلَكِن مَعَ ذَلِك رَأَيْت أَن أذكر فِيهَا مِمَّا تقاضاه مَا اعتر عَلَيْهِ مِنْهُ، قَاصِدا بذلك أَن تكون مِنْك على ذكر، تعيرها مِنْك بحثا، فإمَّا أَن يَصح لَك مَا ظننته أَنا، أَو مَا علمه هُوَ.
وَاعْلَم أَن كل حَدِيث أَقُول لَك: إِنِّي لم أَجِدهُ فِي الْموضع الَّذِي عزاهُ إِلَيْهِ يمْنَع من تَقْلِيده فِي نَقله، وَيُوجب عَلَيْك الْبَحْث عَنهُ أُمُور:
مِنْهَا احْتِمَال غلطه، وَاحْتِمَال تغير الْمَكْتُوب بِتَغَيُّر الروَاة والنساخ، وَاحْتِمَال أَن يكون قد رَآهُ عِنْد من عزاهُ إِلَيْهِ غير موصل، كَمَا قد اعتراه ذَلِك فِي كثير من الْأَحَادِيث، ستراها بعد أَن شَاءَ الله [تَعَالَى] .
وَهَذَا بعد تَقْدِير وجودهَا فِي الْموضع الَّذِي عزاها إِلَيْهِ، وخفاء ذَلِك عَليّ.
وَأَقل الْأَحْوَال أَن يُوجب عَلَيْك مَا أخْبرك بِهِ من عدمهَا فِي الْمَوَاضِع الَّتِي ينسبها إِلَيْهِ تثبيتاً وتوقفاً.
فَمن ذَلِك أَنه قَالَ فِي الطَّهَارَة - بعد ذكر حَدِيث عبد الله بن زيد فِي تَجْدِيد / المَاء للأذنين:
(224) (وَقد ورد الْأَمر بتجديد المَاء للأذنين، من حَدِيث نمران بن جَارِيَة، عَن أَبِيه عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَهُوَ إِسْنَاد ضَعِيف.
هَذَا نَص مَا ذكر، وَهُوَ شَيْء لَا يُوجد أصلا، وَهُوَ لم يعزه إِلَى مَوضِع فنتحاكم إِلَيْهِ، وَأَحَادِيث نمران بن جَارِيَة عَن أَبِيه جَارِيَة بن ظفر، محصورة(2/235)
معروفه، يَرْوِيهَا عَنهُ دهثم بن قرَان، وَهُوَ ضَعِيف، وَهِي أَرْبَعَة أَو نَحْوهَا، قد ذكر هُوَ مِنْهَا:
(225) حَدِيث الْقَضَاء للَّذي تليه معاقد القمط.
(226) وَحَدِيث العَبْد الَّذِي قطع يَد رجل ثمَّ شج آخر.
وَأرَاهُ اخْتَلَط عَلَيْهِ هَذَا الَّذِي أنكرناه عَلَيْهِ، وَبِمَا روى عَنهُ دهثم بن قرَان، عَن أَبِيه، جَارِيَة بن ظفر أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ:
(227) " خُذ للرأس مَاء جَدِيدا ".
وَهُوَ حَدِيث مَعْرُوف من جملَة مَا روى عَنهُ، ذكره الْبَزَّار.
وَأما الْأَمر بتجديد المَاء للأذنين فَلَا وجود لَهُ فِي علمي، فابحث عَنهُ.
(228) وَذكر أَيْضا فِي التَّيَمُّم، عَن أبي دَاوُد، من راوية عَطاء / عَن جَابر: خرجنَا فِي سفر فَأصَاب رجلا مَعنا حجر فَشَجَّهُ فِي رَأسه، فَاحْتَلَمَ، فَسَأَلَ أَصْحَابه، هَل تَجِدُونَ لي رخصَة فِي التَّيَمُّم؟ قَالُوا: مَا نجد لَك رخصَة، وَأَنت تقدر على المَاء، فاغتسل فَمَاتَ، فَلَمَّا قدمنَا على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أخبر ذَلِك فَقَالَ: " قَتَلُوهُ قَتلهمْ الله، أَلا سَأَلُوا إِذْ لم يعلمُوا، فَإِنَّمَا شِفَاء العي(2/236)
السُّؤَال، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَن يتَيَمَّم، ويعصر، أَو يعصب على جرحه خرقَة، ثمَّ يمسح عَلَيْهَا، وَيغسل سَائِر جسده ".
ثمَّ قَالَ: لم يروه عَن عَطاء غير الزبير بن خريق، وَلَيْسَ بِقَوي.
وَرَوَاهُ الْأَوْزَاعِيّ، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس، وَاخْتلف عَن الْأَوْزَاعِيّ، فَقيل عَنهُ: عَن عَطاء، وَقيل عَنهُ: بَلغنِي عَن عَطاء، وَلَا يرْوى الحَدِيث من وَجه قوي. هَذَا نَص مَا أورد، وَإِنَّمَا لم نكتب هَذَا الحَدِيث وَمَا يتبعهُ من القَوْل إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي الْبَاب الَّذِي تقدم - الَّذِي ذكرت فِيهِ أَحَادِيث يعطفها أَو يردفها، بِحَيْثُ تفهم مشاركتها لما قبلهَا فِي جَمِيع مقتضياتها - لِأَن تِلْكَ إِنَّمَا كَانَ ذَلِك فِيهَا بِحكم الظَّاهِر / فَأَما هَا هُنَا فَإِنَّهُ سَاق الحَدِيث الْمَذْكُور فِي التَّيَمُّم، ثمَّ أَخذ يَقُول: إِن الْأَوْزَاعِيّ رَوَاهُ عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس.
فَهَذَا لَا يفهم إِلَّا أَن التَّيَمُّم فِي حق الْمَرِيض من رِوَايَة ابْن عَبَّاس أَيْضا، كَمَا هُوَ من رِوَايَة جَابر، وَذَلِكَ بَاطِل.
وَإِنَّمَا اعتراه هَذَا من كتاب الدَّارَقُطْنِيّ الَّذِي نَقله مِنْهُ، فَإِنَّهُ أجمل القَوْل كَمَا ذكر، ثمَّ فسره بإيراد الْأَحَادِيث، فتخلص، فَكتب أَبُو مُحَمَّد الْإِجْمَال، وَلم يكْتب التَّفْسِير، فَوَقع فِي الْخَطَأ.
(229) وَحَدِيث ابْن عَبَّاس، لَا ذكر فِيهِ للتيمم، وَإِنَّمَا نَصه: عَن عَطاء،(2/237)
عَن ابْن عَبَّاس، أَن رجلا أَصَابَته جِرَاحَة على عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فأصابته جَنَابَة، فاستفتى فأفتي بِالْغسْلِ، فاغتسل فَمَاتَ، فَبلغ ذَلِك النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: " قَتَلُوهُ قَتلهمْ الله، ألم يكن شِفَاء العي السُّؤَال ".
قَالَ عَطاء: فبلغني أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سُئِلَ عَن ذَلِك بعد فَقَالَ: " لَو غسل جسده وَترك رَأسه حَيْثُ أَصَابَهُ الْجراح أَجزَأَهُ ".
ثمَّ أورد الدَّارَقُطْنِيّ الْأَسَانِيد يبين بهَا الْخلاف على الْأَوْزَاعِيّ.
وَمَا فِي شَيْء مِنْهَا إِلَّا هَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ، لم يَقع فِيهَا للتيمم ذكر، وَإِنَّمَا اشْتغل بالقصة لَا بِقِطْعَة التَّيَمُّم، وَلَا يعرف ذكر التَّيَمُّم فِيهَا إِلَّا من رِوَايَة الزبير ابْن خريق، عَن عَطاء، عَن جَابر، كَمَا تقدم، أَو من رِوَايَة أبي سعيد الْخُدْرِيّ بِإِسْنَاد بَالغ إِلَى الْغَايَة فِي الضعْف.
(230) قَالَ أَبُو أَحْمد بن عدي: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحسن بن مُوسَى الْكُوفِي بِمصْر، قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن بن حَمَّاد، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن أبي حَمَّاد، عَن عَمْرو بن شمر عَن عَمْرو بن أنس، عَن عَطِيَّة، عَن أبي سعيد قَالَ: أجنب رجل مَرِيض فِي يَوْم بَارِد، على عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَغسله أَصْحَابه فَمَاتَ، فَبلغ ذَلِك النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: " مَا لَهُم قَتَلُوهُ قَتلهمْ الله، إِنَّمَا كَانَ يُجزئ من ذَلِك التَّيَمُّم ".
هَذَا غَايَة فِي الضعْف من جِهَات: نجتزئ مِنْهَا _ إِذا لم نقصده بالتنبيه - / على عَمْرو بن شمر فَإِنَّهُ أحد الهالكين /.(2/238)
(231) وَذكر أَيْضا من طَرِيق الْبَزَّار، من حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود، رَفعه إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " جَنبُوا مَسَاجِدكُمْ صِبْيَانكُمْ وَمَجَانِينكُمْ ".
ثمَّ قَالَ: يرويهِ مُوسَى بن عُمَيْر.
قَالَ الْبَزَّار: لَيْسَ لَهُ أصل من حَدِيث عبد الله، انْتهى مَا ذكر.
فَأَقُول - وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق -: هَذَا الحَدِيث وَالْكَلَام بعده، لَيْسَ فِي مُسْند حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود من كتاب الْبَزَّار، لَعَلَّه نَقله من بعض أَمَالِيهِ الَّتِي تقع لَهُ مجَالِس مَكْتُوبَة فِي أَضْعَاف كِتَابه فِي بعض النّسخ، وَلَعَلَّه يعثر عَلَيْهِ بعد - إِن شَاءَ الله تَعَالَى -.
(232) وَذكر أَيْضا أَحَادِيث التَّكْبِير فِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ من فعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثمَّ قَالَ:
(233) وَرَوَاهُ أَبُو بكر الْبَزَّار من حَدِيث ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " التَّكْبِير فِي الْعِيدَيْنِ فِي الرَّكْعَة الأولى، سبع تَكْبِيرَات، وَفِي الْأُخْرَى خمس " قَالَ: وَفِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث فرج بن فضَالة.
هَذَا نَص مَا أورد، وَقد جهدت أَن أجد هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند حَدِيث ابْن عمر عِنْد الْبَزَّار، فَمَا قدرت عَلَيْهِ، وَقد جوزت أَن يكون وَقع فِي بعض أَمَالِيهِ، فَإِنَّهُ قد يذكر مِنْهَا.(2/239)
(234) فَمن ذَلِك حَدِيث: " لَا صَلَاة لملتفت " قَالَ: ذكره الْبَزَّار فِي الْإِمْلَاء فِي غير الْمسند.
فَكَانَ عَلَيْهِ إِن كَانَ هَذَا الحَدِيث مِنْهَا أَن يبين ذَلِك أَيْضا أَو يكون قد تصحف للرواة من نسبه إِلَيْهِ.
وَالَّذِي فِي مُسْند حَدِيث ابْن عمر عِنْد الْبَزَّار، إِنَّمَا هُوَ الْفِعْل لَا القَوْل، وَمن غير رِوَايَة فرج بن فضَالة وَهُوَ هَذَا: أخبرنَا عَبدة بن عبد الله، قَالَ: حَدثنَا عمر بن جيب، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن عَامر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كَانَ يكبر فِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ، ثِنْتَيْ عشرَة تَكْبِيرَة، سبعا فِي الأولى، وخمساً فِي الْآخِرَة ".
والْحَدِيث الْمَذْكُور من قَول النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَمن رِوَايَة فرج بن فضَالة، إِنَّمَا أعرفهُ عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ، قَالَ: حَدثنَا عُثْمَان بن أَحْمد الدقاق قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن عَليّ الخزاز / قَالَ: حَدثنَا سعد بن عبد الحميد، قَالَ: حَدثنَا فرج بن فضَالة، عَن يحيى بن سعيد، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " التَّكْبِير فِي الْعِيدَيْنِ فِي الرَّكْعَة الأولى سبع تَكْبِيرَات، وَفِي الْآخِرَة خمس تَكْبِيرَات ".
(235) وَذكر أَيْضا من طَرِيق الْبَزَّار، عَن جَعْفَر بن عبد الله بن عُثْمَان المَخْزُومِي، قَالَ: رَأَيْت مُحَمَّد بن عباد بن جَعْفَر قبل الْحجر، ثمَّ سجد عَلَيْهِ، قلت مَا هَذَا؟ قَالَ: رَأَيْت خَالك ابْن عَبَّاس قبل الْحجر ثمَّ سجد عَلَيْهِ وَقَالَ:(2/240)
رَأَيْت عمر قبله وَسجد عَلَيْهِ، وَقَالَ: " رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قبله وَسجد عَلَيْهِ ".
وَهَذَا الحَدِيث أَيْضا كَذَلِك، وَلَا ذكر لَهُ فِي حَدِيث عمر من كتاب الْبَزَّار، وَلَعَلَّه من بعض أَمَالِيهِ، وَإِنَّمَا أعرفهُ هَكَذَا عِنْد ابْن السكن.
قَالَ: حَدثنَا أَبُو بكر: أَحْمد بن مُحَمَّد الْآدَمِيّ، المقرىء الْبَغْدَادِيّ قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عَمْرو بن أبي مذعور، قَالَ: حَدثنَا أَبُو عَاصِم، قَالَ: حَدثنَا جَعْفَر بن عبد الله الْحميدِي - رجل من بني حميد من قُرَيْش - قَالَ: لَهُ رَأَيْت مُحَمَّد ابْن عباد بن جَعْفَر قبل الْحجر، ثمَّ سجد عَلَيْهِ / فَقلت مَا هَذَا؟ قَالَ: رَأَيْت خَالك عبد الله بن عَبَّاس قبله ثمَّ سجد عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: رَأَيْت عمر بن الْخطاب قبله ثمَّ سجد عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: وَالله إِنِّي لأعْلم أَنَّك حجر وَلَكِنِّي رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فعل هَكَذَا ففعلته.
(236) (وَذكر من حَدِيث مَالك، عَن أبي نعيم: وهب بن كيسَان، عَن جَابر " من صلى رَكْعَة، لم يقْرَأ فِيهَا بِأم الْقُرْآن، فَلم يصل إِلَّا وَرَاء الإِمَام ".
ثمَّ قَالَ: رَوَاهُ يحيى بن سَلام عَن مَالك بِهَذَا الْإِسْنَاد، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَتفرد بِرَفْعِهِ، وَلم يُتَابع عَلَيْهِ، وَرَوَاهُ أَصْحَاب الْمُوَطَّأ مَوْقُوفا على جَابر، وَهُوَ الصَّحِيح، انْتهى كَلَامه.
وَالْخَطَأ فِيهِ بَين، إِلَّا أَنه لم يعزه، جَوَّزنَا أَن يكون قد وجده كَمَا قَالَ، ويغلب على الظَّن أَنه إِنَّمَا اتبع فِيمَا قَالَ أَبَا عمر بن عبد الْبر، فَإِنَّهُ الَّذِي ذكر حَدِيث مَالك هَذَا، ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: رَوَاهُ يحيى بن سَلام، صَاحب التَّفْسِير،(2/241)
عَن مَالك، عَن أبي نعيم، عَن جَابر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - / وَصَوَابه مَوْقُوف كَمَا فِي الْمُوَطَّأ.
هَكَذَا قَالَ أَبُو عمر، وَهُوَ خطأ، وَكَذَلِكَ أَيْضا فعل فِيهِ الدَّارَقُطْنِيّ، وَهُوَ غلط، فَإِن الَّذِي روى يحيى بن سَلام مَرْفُوعا، لَيْسَ هَكَذَا، وَإِنَّمَا هُوَ: " من صلى صَلَاة لم يقْرَأ فِيهَا بِفَاتِحَة فَلم يصل إِلَّا وَرَاء الإِمَام ".
وَفرق عَظِيم بَين اللَّفْظَيْنِ، فَإِن حَدِيث مَالك يقْضِي إِيجَاب قِرَاءَة الْفَاتِحَة فِي كل رَكْعَة، فَأَما حَدِيث يحيى بن سَلام عَنهُ، فَيمكن أَن يتقاصرعن هَذَا الْمَعْنى بِأَن يُقَال: إِنَّمَا فِيهِ إِيجَابهَا فِي الصَّلَاة ويتفصى عَن عهدته بالمرة الْوَاحِدَة.
وسنورد رِوَايَة يحيى بن سَلام بنصها فِي بَاب مَا أغفل نسبته من الْأَحَادِيث إِلَى الْمَوَاضِع الَّتِي نقلهَا مِنْهَا.
وَهَاهُنَا أَيْضا أَمر آخر لغير ابْن عبد الْبر، وَالدَّارَقُطْنِيّ، يجب التَّنْبِيه عَلَيْهِ، وَهُوَ أَن أَبَا عبد الله بن البيع الْحَاكِم، ذكر فِي كتاب الْمدْخل إِلَى كتاب الإكليل طبقَة من الجروحين: رَابِعَة وهم قوم رفعوا أَحَادِيث إِنَّمَا هِيَ مَوْقُوفَة.
ثمَّ قَالَ فِي الْبَاب: وَيحيى بن سَلام الْمصْرِيّ، روى عَن مَالك، عَن وهب ابْن كيسَان، عَن جَابر أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من كَانَ لَهُ إِمَام، فقراءة الإِمَام لَهُ قِرَاءَة ".(2/242)
وَهُوَ فِي الْمُوَطَّأ لمَالِك، عَن وهب بن كيسَان، عَن جَابر قَوْله، انْتهى كَلَامه.
وَهُوَ أَيْضا خطأ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْمُوَطَّأ هَكَذَا، وَلَا رَوَاهُ يحيى بن سَلام هَكَذَا.
وَذَلِكَ أَن هَذَا اللَّفْظ لم يعرض فِيهِ لأم الْقُرْآن بِتَعْيِين، لَا فِي كل الصَّلَاة وَلَا فِي رَكْعَة مِنْهَا.
وَهَؤُلَاء إِنَّمَا يُؤْتونَ من قلَّة الْفِقْه، فهم يسوون بَين الْأَلْفَاظ المتغايرة الدلالات وَيَنْبَغِي أَن تسْقط الثِّقَة بِمن هَذِه حَاله.
(237) وَذكر أَيْضا من طَرِيق ابْن أبي شيبَة، عَن إِسْحَاق بن سُوَيْد، عَن عمر بن الْخطاب أَنه أبْصر رجلا يُصَلِّي، بَعيدا من الْقبْلَة، فَقَالَ: " تقدم، وَلَا تفْسد [عَلَيْك] صَلَاتك، وَمَا قلت لَك إِلَّا مَا سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول ".
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: إِسْحَاق بن سُوَيْد لم يدْرك عمر.
لم يزدْ على هَذَا، فَاعْلَم أَن هَذَا الحَدِيث لَا ذكر لَهُ فِي مُسْند ابْن أبي شيبَة، وَلم أَجِدهُ أَيْضا فِي مُصَنفه، فلعلك تعثر عَلَيْهِ، وَكن حذرا من نسبته إِلَيْهِ، فقد جهدت أَن أَجِدهُ، وَخفت / أَن يكون تصحف فِي معلقاته.
وأذكر الحَدِيث من كتاب بَقِي بن مخلد، قَالَ: حَدثنَا هِشَام بن عمار، قَالَ: حَدثنَا يحيى بن حَمْزَة، قَالَ: حَدثنَا برد بن سِنَان، عَن إِسْحَاق بن سُوَيْد(2/243)
الْعَدوي - وَكَانَ شَيخا كَبِيرا - قَالَ: مر عمر بن الْخطاب بِرَجُل يُصَلِّي، فَقَالَ: " ادن من قبلتك، لَا يفْسد الشَّيْطَان عَلَيْك صَلَاتك، أما أَنِّي لست أَقُول بِرَأْي، وَلَكِن هَكَذَا سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ".
وَذكر أَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله قَالَ: وَسُئِلَ عَن حَدِيث رجل لم يسم، عَن عمر، أَنه رأى رجلا يُصَلِّي متباعداً عَن الْقبْلَة، فَقَالَ: " تقدم، لَا يفْسد الشَّيْطَان عَلَيْك صَلَاتك أما إِنِّي لم أقل إِلَّا مَا سَمِعت من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَقَالَ: يرويهِ إِسْحَاق بن سُوَيْد الْعَدوي، وَاخْتلف عَنهُ، فَرَوَاهُ مُعْتَمر، عَن إِسْحَاق بن سُوَيْد، عَمَّن حَدثهُ عَن عمر مَرْفُوعا.
وَرَوَاهُ عبد الْوَارِث، عَن إِسْحَاق بن سُوَيْد مُرْسلا عَن عمر مَرْفُوعا، وَقَوله أشبه بِالصَّوَابِ.
وَذكره عبد الرَّزَّاق، عَن ابْن جريج، قَالَ: مر عمر بن الْخطاب بفتى، وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَ: يَا فَتى، ثَلَاثًا، حَتَّى رأى أَن قد عرف صَوته، " تقدم إِلَى سَارِيَة، لَا يلْعَب الشَّيْطَان بصلاتك، فلست بِرَأْي أقوله، وَلَكِنِّي سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُوله ".
وَهَذَا أَيْضا فَاحش الِانْقِطَاع.
(238) وَذكر ايضاً من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن قدامَة بن عبد الله قَالَ: " رَأَيْته رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَرْمِي جَمْرَة الْعقبَة على نَاقَة لَهُ صهباء، لَا ضرب وَلَا طرد، وَلَا إِلَيْك إِلَيْك ".
وَأوردهُ فِي كِتَابه الْكَبِير بِإِسْنَادِهِ هَكَذَا: أَبُو دَاوُد قَالَ: حَدثنَا إِسْحَاق بن(2/244)
إِبْرَاهِيم، حَدثنَا وَكِيع، حَدثنَا أَيمن بن نابل، عَن قدامَة بن عبد الله فَذكره.
وَهَذَا الحَدِيث لم أجد لَهُ فِي شَيْء من الرِّوَايَات عَن أبي دَاوُد ذكرا، وَإِنَّمَا ذكره هَكَذَا بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، أَبُو عبد الرَّحْمَن النَّسَائِيّ فِي كِتَابه، وَهُوَ الَّذِي يلْزم أخبرنَا، فَأَما أَبُو دَاوُد فَإِنَّمَا يَقُول: حَدثنَا، وأخاف أَن يكون أَرَادَ أَن يَكْتُبهُ عَن النَّسَائِيّ، فغلط بِأَن / كتب أَبُو دَاوُد، وَالله أعلم.
(239) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن أبي أُمَامَة قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: أَرَأَيْت رجلا غزا يلْتَمس الْأجر وَالذكر، مَاله؟ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا شَيْء لَهُ " فَأَعَادَهَا عَلَيْهِ ثَلَاث مَرَّات، يَقُول لَهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا شَيْء لَهُ ".
ثمَّ قَالَ: " إِن الله عز وَجل لَا يقبل من الْعَمَل إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصا، وابتغى بِهِ وَجهه ".
كَذَا عزاهُ إِلَى أبي دَاوُد، وَلَا أعلمهُ عِنْده، وَإِنَّمَا هُوَ بِهَذَا النَّص عِنْد النَّسَائِيّ، قَالَ حَدثنَا عِيسَى بن هِلَال الْحِمصِي، حَدثنَا مُحَمَّد بن حمير حَدثنَا مُعَاوِيَة بن سَلام، عَن عِكْرِمَة بن عمار، عَن شَدَّاد أبي عمار، عَن أبي أُمَامَة، فَذكره.
وَكَذَا سَاقه فِي كِتَابه الْكَبِير من عِنْد النَّسَائِيّ بِهَذَا الْإِسْنَاد.(2/245)
(240) وَذكر أَيْضا من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن سماك، عَن رجل من قومه، عَن آخر مِنْهُم قَالَ: رَأَيْت راية رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - / صفراء.
(241) ثمَّ قَالَ: وَعَن الزبير بن الْعَوام قَالَ: كَانَ على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم أحد دِرْعَانِ، فَنَهَضَ إِلَى الصَّخْرَة فَلم يسْتَطع، فَأقْعدَ طَلْحَة تَحْتَهُ حَتَّى اسْتَوَى على الصَّخْرَة فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " أوجب طَلْحَة ".
كَذَا أوردهُ على أَنه من عِنْد أبي دَاوُد، وَهُوَ خطأ، وَسكت عَنهُ مصححاً لَهُ، وَفِيه من يضعف.
وَلَيْسَ الحَدِيث من كتاب أبي دَاوُد أصلا، وَإِنَّمَا هُوَ هَكَذَا حرفا بِحرف من عِنْد التِّرْمِذِيّ، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن سعيد، أَبُو سعيد الأشجع، حَدثنَا يُونُس ابْن بكير، حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن يحيى بن عباد، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن الزير بن الْعَوام، قَالَ: كَانَ على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم أحد، الحَدِيث.
(242) وَذكر أَيْضا من طَرِيق مُسلم، عَن أُسَامَة بن زيد، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يتوارث أهل ملتين ".
وَعنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا يَرث الْمُسلم الْكَافِر، وَلَا الْكَافِر الْمُسلم ".
كَذَا ذكر هذَيْن الْحَدِيثين، وَالْأول مِنْهُمَا لَيْسَ فِي كتاب مُسلم بِوَجْه من الْوُجُوه.(2/246)
وَأما الثَّانِي فَهُوَ فِيهِ. وإِنَّمَا الحَدِيث الأول فِي كتاب النَّسَائِيّ وَغَيره، وَمن عِنْد النَّسَائِيّ ذكره فِي كِتَابه الْكَبِير بِإِسْنَادِهِ /.
ثمَّ أورد بعده هَذَا الحَدِيث الثَّانِي من عِنْد مُسلم، فَكَانَ هَذَا الْعَمَل مِنْهُ صَوَابا.
(243) وَذكر أَيْضا من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن أبي هُرَيْرَة، أَن أَبَا هِنْد، حجم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي اليافوخ، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يَا بني بياضة، أنكحوا أَبَا هِنْد، وَانْكِحُوا إِلَيْهِ " قَالَ: " وَإِن كَانَ فِي شَيْء مِمَّا تداويتم بِهِ خير فالحجامة ".
قَالَ: وَزَاد فِي المراسل عَن الزُّهْرِيّ، فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، نزوج بناتنا من موالينا؟ فَأنْزل الله عز وَجل: {يَا أَيهَا النَّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ من ذكر وَأُنْثَى وجعلناكم} الْآيَة.
قَالَ الزُّهْرِيّ: نزلت فِي أبي هِنْد خَاصَّة.
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: وَقد أسْند هَذَا [الحَدِيث] والمرسل هُوَ الصَّحِيح، انْتهى مَا أورد.
وَقد بَينا فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي لم يعبها بسوى الْإِرْسَال - وَلها عُيُوب سواهُ - أَنه أعرض فِي هَذَا الْمُرْسل عَن بَقِيَّة، وَهُوَ دائباً يُضعفهُ ويضعف بِهِ، وَهَا هُوَ ذَا قد قَالَ فِي مرسله: هُوَ الصَّحِيح.(2/247)
\ ونريد الْآن بَيَان مَا فِي قَوْله: وَقد أسْند هَذَا، والمرسل هُوَ الصَّحِيح، فَإِن فِيهِ مجازفة، وَهُوَ لَا يعرف مَا جَاءَ بِهِ الزُّهْرِيّ من قَوْلهم: أنزوج بناتنا من موالينا - مُسْندًا.
وَإِنَّمَا أورد أَبُو دَاوُد الْمُرْسل الْمَذْكُور بِالزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَة، ثمَّ قَالَ: رُوِيَ بعض هَذ مُسْندًا وَهُوَ ضَعِيف، فأسقط أَبُو مُحَمَّد لَفْظَة " بعض " وَإِنَّمَا يَعْنِي أَبُو دَاوُد، أَن مَجْمُوع مَا ذكر الزُّهْرِيّ، رُوِيَ بعضه مُسْندًا يَعْنِي قَوْله: " يَا بني بياضة، أنكحوا أَبَا هِنْد، وَانْكِحُوا إِلَيْهِ ".
هَذَا هُوَ الَّذِي رُوِيَ مُسْندًا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَهُوَ صَحِيح.
وَأَبُو دَاوُد إِنَّمَا ذكره فِي كتاب السّنَن، وَلما لم يذكرهُ فِي المراسل وتضمنه الْمُرْسل، نبه على أَن بعض مُقْتَضَاهُ رُوِيَ مُسْندًا.
ثمَّ قَالَ: وَهُوَ ضَعِيف، يَعْنِي مُرْسل ابْن شهَاب، لِأَنَّهُ عَن بَقِيَّة.
ففهم أَبُو مُحَمَّد الْموضع على وَجه آخر، وَهُوَ أَن مَجْمُوع مَا روى الزُّهْرِيّ، رُوِيَ مُسْندًا وَهُوَ ضَعِيف. قَالَ: والمرسل هُوَ / الصَّحِيح، وَهَذَا لَيْسَ كَمَا ذكر، وَلَا يُوجد " أنزوج بناتنا " مُسْندًا فِيمَا أعلم، وَالله الْمُوفق.
(244) وَذكر أَيْضا من طَرِيق البُخَارِيّ، عَن الخنساء بنت خدام أَن أَبَاهَا زَوجهَا وَهِي ثيب، فَكرِهت ذَلِك، فَأَتَت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - /،(2/248)
فَرد نِكَاحه.
ثمَّ قَالَ: روى أَنَّهَا كَانَت بكرا، وَقع ذَلِك فِي كتاب أبي دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، وَالصَّحِيح أَنَّهَا كَانَت ثَيِّبًا. انْتهى كَلَامه.
وَفِيه نِسْبَة كَون خنساء بكرا إِلَى كتاب أبي دَاوُد، وَمَا فِيهِ شَيْء من ذَلِك، وَإِنَّمَا فِيهِ من شَأْن خنساء مَا فِي كتابي البُخَارِيّ وَمُسلم: من كَونهَا ثَيِّبًا، وَهُوَ حَدِيث مَالك، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، عَن أَبِيه، عَن عبد الرَّحْمَن وَمجمع، ابْني يزِيد بن جَارِيَة، عَن خنساء بنت خدام، نَقله جَمِيعهم.
فَأَما النَّسَائِيّ، فَذكر رِوَايَة الثَّوْريّ، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، عَن عبد الله بن يزِيد، عَن خنساء بنت خدام، قَالَت: أنكحني أبي، وَأَنا كارهة، وَأَنا بكر، فشكوت ذَلِك إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: " لَا تنكحها وَهِي كارهة ".
كَذَا قَالَ فِيهِ: " وَأَنا بكر " وَفِي إِسْنَاده: عَن عبد الله بن يزِيد.
وَالصَّحِيح مَا رَوَاهُ مَالك إِسْنَادًا ومتناً، وَقد رُوِيَ حَدِيثهَا بِأَنَّهَا كَانَت ثَيِّبًا من طرق غير هَذَا، وَإِنَّهَا تزوجت من هويت، وَهُوَ أَبُو لبَابَة بن عبد الْمُنْذر، فَولدت لَهُ السَّائِب بن أبي لبَابَة بن عبد الْمُنْذر، ولسنا الْآن نذكرها.
(245) فَأَما قصَّة الْجَارِيَة الْبكر الَّتِي زَوجهَا أَبوهَا وَهِي كارهة، فأخرى، تظاهرت بهَا الرِّوَايَات، من حَدِيث ابْن عمر، وَجَابِر، وَابْن عَبَّاس، وَعَائِشَة.(2/249)
ذكر مِنْهَا أَبُو دَاوُد حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَهُوَ صَحِيح، وَلَا يضرّهُ أَن يُرْسِلهُ بعض رُوَاته، إِذا أسْندهُ من هُوَ ثِقَة.
وَلَيْسَ لخنساء عِنْده ذكر إِلَّا بِمَا تقدم من أَنَّهَا ثيب، وَلَا تعدم فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا من ترجح رِوَايَته مُرْسلا على رِوَايَة من رَوَاهُ مُسْندًا، كَذَلِك فعل أَبُو دَاوُد، وَالدَّارَقُطْنِيّ، عَن طَريقَة لَهما قد علمت، وَالصَّوَاب غَيرهَا.
وَقد يظنّ أَن أَن جرير بن حَازِم مُنْفَرد عَن أَيُّوب بوصله بِزِيَادَة ابْن عَبَّاس فِيهِ، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل قد رَوَاهُ عَن أَيُّوب كَذَلِك، زيد بن حبَان، وَرَوَاهُ أَيْضا عَن الثَّوْريّ عَن أَيُّوب بذلك.
وَلنْ تعدم أَيْضا من يظنّ بِهِ اضطراباً فِي مَتنه، فَإِن فِي لفظ الْمَوْصُول: أَن جَارِيَة بكرا، ذكرت أَن أَبَاهَا زَوجهَا، وَهِي كارهة، فَخَيرهَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَفِي لفظ الْمُرْسل عَن / عِكْرِمَة، " فَرد نِكَاحهَا "، وَرُوِيَ " فَفرق بَينهمَا ".
وَهَذَا مُجْتَمع غير متناقض، وَإِنَّمَا الْمَعْنى: فَلم يلْزمهَا ذَلِك، فَإِنَّهُ إِذا خَيرهَا فقد رد الْإِلْزَام، وَتركهَا لما ترى. فَأَما حَدِيث خنساء فقصة أُخْرَى، وَهُوَ أصل لباب آخر، وَلَو صَحَّ فِيهِ أَنَّهَا كَانَت بكرا بِسَنَد لَا مطْعن فِيهِ، تنَاقض الحديثان فِي حَقّهَا. والمتقرر أَن هُنَاكَ قصتين: قصَّة خنساء، وَهِي كَانَت ثَيِّبًا، وقصة هَذِه الْجَارِيَة، وَهِي كَانَت بكرا.
وَقد روى ذَلِك مُصَرحًا بِهِ، وَإِن كَانَ لم يَصح.
(246) وَهُوَ مَا روى عبد الْملك الذمارِي، عَن الثَّوْريّ، عَن هِشَام(2/250)
الدستوَائي، عَن يحيى بن أبي كثير، عَن عِكْرِمَة / عَن ابْن عَبَّاس، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " رد نِكَاح بكر وثيب أنكحهما أَبوهُمَا، وهما كارهتان، فَرد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نِكَاحهمَا ". قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا وهم، وَالصَّوَاب يحيى بن أبي كثير، عَن المُهَاجر، عَن عِكْرِمَة مُرْسلا.
وَقد أطلنا بِمَا لَيْسَ من الْبَاب، لِأَن أَبَا مُحَمَّد، نسب كَون خنساء بكرا إِلَى كتاب أبي دَاوُد، بِنَاء على أَن الْقِصَّة وَاحِدَة، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَيلْزمهُ عَلَيْهِ أَن يعْتَقد فِي الْمَذْكُورَة فِي حَدِيث جَابر، وَعَائِشَة، أَنَّهَا خنساء، كَمَا اعْتقد فِي هَذِه الَّتِي فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَذَلِكَ خطأ فاعلمه.
(247) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: أنبأني عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس: " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاعَ مُصحفا ".
ثمَّ قَالَ: مُحَمَّد هَذَا، ضعفه أَبُو حَاتِم، وَأَبُو زرْعَة، وَابْن معِين، وَغَيرهم، وَهَذَا الحَدِيث كذب، انْتهى مَا ذكر.
هَذَا الحَدِيث لَا أعلم لَهُ موقعاً، فأبحث عَنهُ، فَإِنِّي لم أَجِدهُ فِي سنَن الدَّارَقُطْنِيّ، فَأَما كتاب الْعِلَل لَهُ، فَإِنَّهُ لم يذكر فِيهِ ابْن عَبَّاس، وَكَذَلِكَ جمَاعَة من الصَّحَابَة، أرَاهُ لم يبلغهم عمله، وَلَا أعلم أَبَا مُحَمَّد نقل حرفا عَن الدَّارَقُطْنِيّ من غير هذَيْن الْكِتَابَيْنِ، وَكتاب المؤتلف والمختلف، فَالله أعلم.(2/251)
(248) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ أَحَادِيث فِي أم الْوَلَد، ثمَّ قَالَ:
(249) وَعَن جَابر قَالَ: " بعنا أُمَّهَات الْأَوْلَاد على عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - / وَأبي بكر، فَلَمَّا كَانَ عمر نَهَانَا فَانْتَهَيْنَا ".
هَذَا لم أجد لَهُ عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ ذكرا.
(250) وَإِنَّمَا ذكر نصا آخر عَن جَابر، وَهُوَ: " كُنَّا نبيع سرارينا أُمَّهَات الْأَوْلَاد، وَالنَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَيّ لَا يرى بذلك بَأْسا ".
وَهَذَا اللَّفْظ ذكره أَبُو مُحَمَّد من طَرِيق النَّسَائِيّ، فَأَما الأول فَإِنَّمَا ذكره أَبُو دَاوُد، وَمن طَرِيقه سَاقه فِي كِتَابه الْكَبِير بِإِسْنَادِهِ.
فَإِذن نسبته إِلَى الدَّارَقُطْنِيّ مَحْذُورَة فَاعْلَم ذَلِك.
(251) وذكرمن طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن عمْرَة، عَن عَائِشَة قَالَت: " لما قدم جَعْفَر من أَرض الْحَبَشَة، خرج إِلَيْهِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فعانقه ".
فِي إِسْنَاده أَبُو قَتَادَة الْحَرَّانِي، وَقد رُوِيَ عَنْهَا من طَرِيق أُخْرَى، فِيهَا مُحَمَّد بن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر، قَالَ: وَكِلَاهُمَا غير مَحْفُوظ، وهما ضعيفان.
هَذَا نَص مَا ذكر، وَكَذَا رَأَيْته فِي النّسخ معزواً إِلَى الدَّارَقُطْنِيّ، وَلَا أعرفهُ(2/252)
عِنْده فِي كِتَابيه، وَلَا أَبَت نَفْيه، فاجعله مِنْك على ذكر لَعَلَّك تعثر عَلَيْهِ.
وَإِنَّمَا أعرفهُ عِنْد أبي أَحْمد من طريقيه.
قَالَ فِي بَاب أبي قَتَادَة /: عبد الله بن وَاقد الْحَرَّانِي: حَدثنَا الْحسن بن أبي معشر، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى بن كثير، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن وَاقد، عَن الثَّوْريّ، عَن يحيى بن سعيد، عَن عمْرَة - أرَاهُ ذكره - عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قدم جَعْفَر، فَخرج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَالْتَزمهُ - أَو قَالَت: فَقبله -.
قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث من حَدِيث الثَّوْريّ عَن يحيى، يرويهِ أَبُو قَتَادَة، وَيَرْوِيه مُحَمَّد بن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر، عَن يحيى بن سعيد، عَن الْقَاسِم، عَن عَائِشَة.
وَقَالَ فِي بَاب مُحَمَّد بن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر: حَدثنَا أَحْمد بن الْحسن الصُّوفِي، / وَعبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز، قَالَا: حَدثنَا دَاوُد بن عَمْرو، حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر اللَّيْثِيّ، عَن يحيى بن سعيد، عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد، عَن عَائِشَة قَالَت: لما قدم جَعْفَر " وَأَصْحَابه - قَالَ الصُّوفِي - من أَرض الْحَبَشَة - وَقَالا: " استقبله النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقبل بَين عَيْنَيْهِ ".
قَالَ: وَرَوَاهُ أَبُو قَتَادَة الْحَرَّانِي، عَن الثَّوْريّ، عَن يحيى / بن سعيد، فَقَالَ: عَن عمْرَة، عَن عَائِشَة.
(252) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن أبي قلَابَة، عَن أبي ثَعْلَبَة: سُئِلَ(2/253)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن قدور الْمَجُوس، فَقَالَ: " أنقوها غسلا، واطبخوا فِيهَا ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا مَشْهُور من طَرِيق أبي ثَعْلَبَة، وَقد ذكر هَذَا الحَدِيث عَن أبي قلَابَة، عَن أبي أَسمَاء، عَن أبي ثَعْلَبَة، إِلَّا أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله، إِنَّا بِأَرْض أهل الْكتاب، كَمَا تقدم لمُسلم.
وَقَالَ: " إِن لم تَجدوا غَيرهَا فارحضوها بِالْمَاءِ ".
(253) وَرَوَاهُ من طَرِيق الْحجَّاج - وَهُوَ ابْن أَرْطَاة - عَن الْوَلِيد بن أبي مَالك، عَن عَائِذ الله - وَهُوَ أَبُو إِدْرِيس الْخَولَانِيّ - عَن أبي ثَعْلَبَة، قَالَ فِيهِ: قلت: إِنَّا أهل سفر، نمر باليهود، وَالنَّصَارَى، وَالْمَجُوس، فَلَا نجد غير آنيتهم ... الحَدِيث.
كَذَا ذكر هَذَا الْكَلَام بِهَذَا النَّص، وَرِوَايَة أبي قلَابَة، عَن أبي أَسمَاء، عَن أبي ثَعْلَبَة، فِي كتاب التِّرْمِذِيّ، كَمَا ذكرهَا إِسْنَادًا ومتناً.
فَأَما رِوَايَة حجاج بن أَرْطَاة، فَإِنَّهَا لَيست فِي كتاب التِّرْمِذِيّ، وكثيراًما أجد فِي النّسخ هَذَا الْكَلَام هَكَذَا:
وَقد ذكر هَذَا الحَدِيث عَن أبي قلَابَة، عَن أبي أَسمَاء، مركبا لما لم يسم فَاعله، ويأبى ذَلِك قَوْله بعده: وَقد رَوَاهُ من طَرِيق الْحجَّاج بن أَرْطَاة.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ فِي كتاب التِّرْمِذِيّ كَمَا أَخْبَرتك فاعلمه.
(254) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: قَالَ الله عز وَجل: الْكِبْرِيَاء رِدَائي، وَالْعَظَمَة إزَارِي، فَمن نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفته فِي النَّار ".(2/254)
هَذَا لَا أعرفهُ عِنْد أبي دَاوُد، وَهُوَ عِنْد مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد بقريب من هَذَا اللَّفْظ.
(255) وَذكر من طَرِيق مُسلم، عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " قد أَفْلح من أسلم، ورزق كفافاً، وقنعه الله بِمَا آتَاهُ ".
وَهَذَا لم يذكرهُ مُسلم، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْد التِّرْمِذِيّ، وَلم يقل: " بِمَا آتَاهُ " وَقَالَ فِيهِ: حسن صَحِيح.
(256) وَذكر من طَرِيق عبد الرَّزَّاق، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَمر أَن مَاتَ سعد بن أبي وَقاص / من مَرضه - يَعْنِي بِمَكَّة - أَن يخرج من مَكَّة، وَأَن يدْفن فِي طَرِيق الْمَدِينَة ".
ثمَّ قَالَ: ذكره الْبَزَّار.
وَلَيْسَ هُوَ عِنْد الْبَزَّار، إِلَّا أَن يكون من بعض أَمَالِيهِ.
وَأما عِنْد عبد الرَّزَّاق فَهُوَ مُرْسل.
قَالَ عبد الرَّزَّاق: أخبرنَا ابْن جريح، قَالَ أنبأني عبد الله بن عُثْمَان بن خثيم، عَن نَافِع بن سرجس، أَن سعد بن أبي وَقاص، اشْتَكَى خلاف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِمَكَّة، حِين ذهب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى الطَّائِف، فَلَمَّا رَجَعَ، قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لعَمْرو بن الْقَارِي: " يَا عَمْرو، إِن مَاتَ فها هُنَا، وَأَشَارَ إِلَى طَرِيق الْمَدِينَة ".(2/255)
عبد الرَّزَّاق أَيْضا عَن ابْن عُيَيْنَة، أنبأني إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد، عَن الْأَعْرَج، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَمر السَّائِب بن [عبد] القارىء فَقَالَ: " إِن مَاتَ سعد فَلَا تدفنه بِمَكَّة ".
فَهَذِهِ كلهَا مراسل، وَأَبُو مُحَمَّد لم يبين ذَلِك، وَلَا ذكر من رَوَاهُ.
وَالْمَقْصُود إِنَّمَا كَانَ أَنِّي لَا أعرفهُ عِنْد الْبَزَّار فَاعْلَم ذَلِك.
وَقد اعتراه فِي حَدِيث عكس مَا نبهنا عَلَيْهِ فِيمَا تقدم، وَهُوَ أَن أنكر وجوده فِي مَوضِع عَمَّن عزاهُ إِلَيْهِ، وَأَخْطَأ فِي إِنْكَاره إِيَّاه، وَهُوَ حَدِيث:
(257) " إِذا كنت إِمَامًا فقس النَّاس بأضعفهم ".
سَاقه من طَرِيق ابْن حزم، قَالَ: إِنَّه أوردهُ من عِنْد الْبَزَّار، وَقَالَ عَن نَفسه: إِنَّه لم يره فِي مُسْند الْبَزَّار، وَإِنَّا رأى: إِذا كنت إِمَامًا فاقدر الْقَوْم بأضعفهم ".
وَالْحَدِيثَانِ باللفظين عِنْد الْبَزَّار، وسنبين ذَلِك فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي سكت عَنْهَا مصححاً لَهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَمن هَذَا الْبَاب أَشْيَاء - من غير الْأَحَادِيث -، ذكرهَا فَلم أَجدهَا كَمَا ذكر،(2/256)
وَلم نجدها أصلا، ننبه عَلَيْهَا لتَكون [مِنْك] على ذكر.
(258) مِنْهَا أَنه ذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، من رِوَايَة ابْن نصير حَدِيث: " لَا ينفع مَعَ الشّرك شَيْء " /. ثمَّ قَالَ: حجاج ضعفه ابْن معِين وَالنَّسَائِيّ.
وَقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم، وَالْبُخَارِيّ، وَابْن الْمَدِينِيّ: مَتْرُوك.
وَلَفظ البُخَارِيّ فِيهِ: سكتوا عَنهُ.
وَقَالَ فِيهِ ابْن معِين مرّة: شيخ صَدُوق، وَلَكِن أخذُوا عَلَيْهِ أَشْيَاء من حَدِيث شُعْبَة.
وَذكر لَهُ أَبُو أَحْمد أَحَادِيث، هَذَا مِنْهَا، وَقَالَ: لَا أعلم لَهُ شَيْئا مُنْكرا غير هَذَا، وَهُوَ فِي غير مَا ذكرته صَالح، وَهُوَ حجاج بن نصير الفساطيطي.
هَذَا نَص كَلَامه، وَهُوَ يُعْطي خلاف مَقْصُود أبي أَحْمد، وَإِنَّمَا أورد لَهُ أَبُو أَحْمد أَحَادِيث على عَادَته فِي سوق الْأَحَادِيث الَّتِي يُنكر على من يترجم باسمه، أَو مَا يَتَيَسَّر لَهُ مِنْهَا، فَكَانَ هَذَا الحَدِيث من جملَة مَا أورد لَهُ.
ثمَّ قَالَ ولحجاج بن نصير أَحَادِيث وَرِوَايَات عَن شُيُوخه، وَلَا أعلم لَهُ شَيْئا مُنْكرا غير مَا ذكرت، وَهُوَ فِي غير مَا ذكرته صَالح.(2/257)
هَذَا نَص كَلَام أبي أَحْمد، فَكَلَام أبي مُحَمَّد يخصص النكارة بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور، ويجعله فِيمَا عداهُ صَالحا.
وَكَلَام أبي أَحْمد يخصص النكارة بالأحاديث الَّتِي ذكر، اللَّاتِي الحَدِيث الْمَذْكُور من جُمْلَتهَا، ويجعله فِي غَيرهَا صَالحا، وَلَيْسَ لهَذَا التَّنْبِيه كَبِير موقع، وَإِنَّمَا كَانَ انجر بِأَمْر ذكرنَا الحَدِيث بِهِ ذكرا بَينا فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أعلها بِقوم وَترك أمثالهم، أَو أَضْعَف مِنْهُم، لم يعرض لَهَا من أَجلهم، فَاعْلَم ذَلِك.
(259) وَذكر عَن أبي عمر بن عبد الْبر أَن مسروقاً لم يلق معَاذًا، حكى ذَلِك فِي كتاب الزَّكَاة.
وَإِنَّمَا يعرف لأبي عمر خلاف هَذَا فِي كِتَابيه التَّمْهِيد والاستذكار، نَص فيهمَا على أَن ذَلِك الحَدِيث مُتَّصِل.
وَفد بَينا هَذَا مشروحاً فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ردهَا بالانقطاع / وَهِي مُتَّصِلَة.
(260) وَذكر عَنهُ أَيْضا - إِثْر حَدِيث ابْن عمر وَابْن عَبَّاس، فِي إقطاع بِلَال بن الْحَارِث معادن الْقبلية. جلسيها وغوريها - أَنه قَالَ فِيهِ مُنْقَطع.
وَهَذَا لَا أعرفهُ لَهُ، بل لَهُ خِلَافه فِي التَّمْهِيد، وَأما فِي الاستذكار فَلم(2/258)
يعرض لهذين الطَّرِيقَيْنِ، وَقد شرحنا هَذَا فِي الْبَاب الْمَذْكُور.
(261) وَذكر من حَدِيث جَابر فِي صفة الْحَج قِطْعَة، وَهِي: " فنزعوا لَهُ دلواً فَشرب مِنْهُ ".
ثمَّ قَالَ: الَّذِي نزع لَهُ الدَّلْو، هُوَ الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب، ذكره / أَبُو عَليّ ابْن السكن.
هَذَا أَيْضا لم أَجِدهُ لأبي عَليّ، لَا فِي سنَنه وَلَا فِي كتاب الصَّحَابَة، فابحث عَنهُ، وَلم أبعده، وَلَكِنِّي أَخْبَرتك أَنِّي لم أَجِدهُ.
(262) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن كثير بن عبد الله بن عَمْرو بن عَوْف، عَن أَبِيه، عَن جده عَمْرو بن عَوْف، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كبر فِي الْعِيدَيْنِ فِي الأولى سبعا قبل الْقِرَاءَة، وَفِي الْآخِرَة خمْسا قبل الْقِرَاءَة ".
ثمَّ قَالَ: صحّح البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث.
(263) قَالَ: وَكَذَلِكَ صحّح حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه عَن جده فِي ذَلِك.
فَأَقُول - وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق -: لم يصحح البُخَارِيّ حَدِيث كثير بن عبد الله(2/259)
الْمَذْكُور، وَالْمَنْقُول عَنهُ فِي ذَلِك، هُوَ مَا ذكر التِّرْمِذِيّ عَنهُ فِي كتاب الْعِلَل، قَالَ: سَأَلت مُحَمَّدًا عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: لَيْسَ فِي الْبَاب شَيْء أصح من هَذَا، وَبِه أَقُول.
وَحَدِيث عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الطَّائِفِي عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، فِي هَذَا الْبَاب هُوَ صَحِيح أَيْضا.
هَذَا نَص مَا ذكر، وَلَيْسَ فِيهِ تَصْحِيح البُخَارِيّ لوَاحِد مِنْهُمَا.
وَأما حَدِيث كثير بن عبد الله، فَإِنَّمَا قَالَ: لَيْسَ فِي الْبَاب شَيْء أصح مِنْهُ.
وَلَيْسَ هَذَا بِنَصّ فِي تَصْحِيحه إِيَّاه، إِذْ قد يَقُول هَذَا لأشبه مَا فِي الْبَاب، وَإِن كَانَ كُله ضَعِيفا.
فَإِن قيل: يُؤَكد مَفْهُوم أبي مُحَمَّد قَوْله: وَبِه أَقُول.
فَالْجَوَاب أَن تَقول: هَذَا لَا أَدْرِي هَل هُوَ كَلَام البُخَارِيّ أَو كَلَام التِّرْمِذِيّ؟
وَهُوَ إِذا كَانَ كَلَام البُخَارِيّ يكون مَعْنَاهُ: وَبِه أَقُول وأفتي فِي صَلَاة الْعِيدَيْنِ، وَإِلَيْهِ أذهب فِي عدد التَّكْبِير.
وَإِذا كَانَ كَلَام التِّرْمِذِيّ يكون مَعْنَاهُ: وَبِه أَقُول، أَي إِن الحَدِيث الْمَذْكُور أشبه مَا فِي الْبَاب وأصحه.
فَإِنَّهُ قيل: قَوْله: وَحَدِيث عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الطَّائِفِي، عَن(2/260)
عَمْرو، عَن أَبِيه، عَن جده فِي هَذَا الْبَاب هُوَ صَحِيح أَيْضا يُؤَكد الْمَفْهُوم الأول.
فَالْجَوَاب أَن تَقول: وَهَذَا أَيْضا لَعَلَّه من كَلَام التِّرْمِذِيّ، فَهُوَ الَّذِي عهد يصحح حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده، إِذا روى عَنهُ ثِقَة.
فَإِن قيل: وَهَذَا الفرارعن ظَاهر الْكَلَام الْمَذْكُور مَا أوجبه؟
فَالْجَوَاب أَن تَقول: أوجبه أَن عبد الله بن عَمْرو، وَالِد كثير هَذَا، لَا تعرف حَاله، وَلَا يعلم روى / عَنهُ غير ابْنه كثير، وَكثير عِنْدهم مَتْرُوك الحَدِيث قَالَه النَّسَائِيّ.
وَذكر السَّاجِي، وَأَبُو حَاتِم البستي، عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ فِيهِ: ركن من أَرْكَان الْكَذِب.
وَقَالَ أَبُو طَالب عَن أَحْمد بن حَنْبَل: هُوَ مُنكر الحَدِيث، لَيْسَ بِشَيْء.
وَقَالَ عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل: كثير بن عبد الله بن عَمْرو بن عَوْف، لَيْسَ يسوى شَيْئا، وَضرب على حَدِيثه فِي الْمسند، وَلم يحدث بِهِ.
وَقَالَ ابْن أبي مَرْيَم عَن ابْن معِين: لَيْسَ بِشَيْء / وَلَا يكْتب حَدِيثه.
وَكَذَلِكَ روى عَنهُ عُثْمَان الدَّارمِيّ، وروى عَنهُ عَبَّاس: كثير ضَعِيف.
وَقَالَ فِيهِ أَبُو زرْعَة: واهي الحَدِيث.
وَأورد لَهُ أَبُو أَحْمد أَحَادِيث مِمَّا تنكر عَلَيْهِ.(2/261)
مِنْهَا حَدِيث هَذَا الْبَاب، ثمَّ قَالَ: عَامَّة مَا يرويهِ لَا يُتَابع عَلَيْهِ.
وجده عَمْرو بن عَوْف صَحَابِيّ، يروي عَنهُ بِهَذَا الْإِسْنَاد أَحَادِيث.
قَالَ ابْن السكن: فِيهَا نظر.
وَقَالَ الْبَزَّار: لم يرو عَنهُ إِلَّا ابْنه.
وَحين ذكر التِّرْمِذِيّ هَذَا الحَدِيث لم يُصَحِّحهُ، واستبعد أَيْضا على البُخَارِيّ أَن يصحح حَدِيث عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الطرائفي عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده.
فقد ضعف الطرائفي الْمَذْكُور نَاس:
مِنْهُم ابْن معِين، وَلَقَد لقبوه الطرائفي لاستطرافهم طرائف يَأْتِيهم بهَا، وَقد أطلت مِمَّا لَيْسَ من الْبَاب، لأبين أَن قَول البُخَارِيّ: أصح شَيْء، لَيْسَ مَعْنَاهُ صَحِيحا، فاعلمه.
(264) وَذكر أَيْضا من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -(2/262)
قَالَ: " موت الْغَرِيب شَهَادَة ".
ثمَّ قَالَ: ذكره فِي كتاب الْعِلَل من حَدِيث ابْن عمر وَصَححهُ. انْتهى كَلَامه.
وَيَنْبَغِي أَن نشرحه فقد رَأَيْته مُفْسِدا فِي بعض النّسخ، وَذَلِكَ أَن الدَّارَقُطْنِيّ لم يَجْعَل فِي كتاب الْعِلَل لِابْنِ عَبَّاس رسماً، وَلَا ذكر من حَدِيثه إِلَّا مَا عرض فِي بَاب غَيره من الصَّحَابَة، إِمَّا لم يبلغهُ عمله وَإِمَّا لم يتَحَصَّل عِنْده مَا يضع فِي الْكتاب الْمَذْكُور، فَهَذَا الحَدِيث إِنَّمَا عرض لَهُ ذكره فِي حَدِيث ابْن عمر هَكَذَا:
قَالَ: وَسُئِلَ عَن حَدِيث يرْوى عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " موت الْغَرِيب شَهَادَة ".
فَقَالَ: يرويهِ عبد الْعَزِيز بن أبي رواد، وَاخْتلف عَنهُ، فَرَوَاهُ هُذَيْل بن الحكم، وَاخْتلف عَنهُ، حدث بِهِ يُوسُف بن مُحَمَّد الْعَطَّار، عَن مَحْمُود بن / عَليّ، عَن هُذَيْل بن الحكم، عَن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر.
وَالصَّحِيح مَا حدّثنَاهُ إِسْمَاعِيل الْوراق، حَدثنَا حَفْص بن عمر وَعمر بن شبة، قَالَا: حَدثنَا الْهُذيْل بن الحكم، عَن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد، عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " موت الْغَرِيب شَهَادَة " انْتهى مَا ذكر الدَّارَقُطْنِيّ.
وَلَيْسَ فِيهِ تَصْحِيح للْحَدِيث، لَا من رِوَايَة ابْن عمر وَلَا من رِوَايَة ابْن عَبَّاس، وَإِنَّمَا فِيهِ تَصْحِيحه عَن هُذَيْل بن الحكم وَمن طَرِيق ابْن عَبَّاس، لَا من طَرِيق ابْن عمر، وَهُوَ إِذْ قَالَ: الصَّحِيح عَن هُذَيْل بن الحكم أَنه عِنْده عَن(2/263)
ابْن عَبَّاس لَا عَن ابْن عمر، بِمَثَابَة مَا لَو قَالَ: الصَّحِيح عَن ابْن لَهِيعَة، أَو عَن مُحَمَّد بن سعيد المصلوب، أَو عَن الْوَاقِدِيّ، فَإِن ذَلِك لَا يقْضِي بِصِحَّة مَا رووا، لَكِن مَا روى عَنْهُم.
وَإِنَّمَا سلك الدَّارَقُطْنِيّ سَبِيل غَيره من ذكر الْخلاف على هُذَيْل بن الحكم، وترجيح بعض مَا رُوِيَ عَنهُ على بعض.
كَذَلِك فعل أَيْضا أَبُو أَحْمد بن عدي، فَإِنَّهُ سَاق رِوَايَة ابْن عَبَّاس من طَرِيق جمَاعَة، عَن هُذَيْل بن الحكم، عَن عبد الْعَزِيز، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس.
وسَاق رِوَايَة ابْن عمر من طَرِيق مُحَمَّد بن صدران، عَن الْهُذيْل بن الحكم، عَن عبد العزبز بن أبي رواد، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر.
ثمَّ صوب رِوَايَة الْجَمَاعَة عَن هُذَيْل، على رِوَايَة ابْن صدران، قَالَ: وَلَا أَدْرِي من أَخطَأ فِي جعله عَن نَافِع، عَن ابْن عمر.
قَالَ: والهذيل بن الحكم يعرف بِهَذَا الحَدِيث.
ثمَّ نقُول - بعد هَذَا - إِن الحَدِيث / الْمَذْكُور لَا يُمكن أَن يُصَحِّحهُ لَا الدَّارَقُطْنِيّ وَلَا غَيره، لِأَن أَبَا الْمُنْذر: هُذَيْل بن الحكم هَذَا ضَعِيف.
قَالَ فِيهِ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث.
وَهُوَ الْقَائِل عَن نَفسه فِي كِتَابه الْأَوْسَط: " كل من قلت فِيهِ مُنكر الحَدِيث فَلَا تحل الرِّوَايَة عَنهُ ".(2/264)
وَقد جعله فِي جملَة الضُّعَفَاء جمَاعَة: أشهرهم أَبُو جَعْفَر الْعقيلِيّ، وَزَاد أَنه لايقيم الحَدِيث.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم البستي فِي كِتَابه: هُوَ مُنكر الحَدِيث جدا.
وَإِنَّمَا اعترى أَبَا مُحَمَّد فِيهِ أحد أَمريْن:
إِمَّا أَن يكون لم يتثبت فِي كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ: " وَالصَّحِيح مَا حدّثنَاهُ فلَان "، فاعتقده تَصْحِيحا للْحَدِيث / عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَمَا اعْتقد فِي قَول البُخَارِيّ فِي الحَدِيث الَّذِي قبل هَذَا.
وَإِمَّا أَن يكون بحث بحثا غير مُسْتَوْفِي، فَوجدَ أَبَا مُحَمَّد بن أبي حَاتِم، وَهُوَ ملجؤه دائباً - قد ذكر هَذَا الرجل بِرِوَايَة من فَوق وَمن أَسْفَل، وَأَهْمَلَهُ من الْجرْح وَالتَّعْدِيل.
فَحمل الْأَمر على مَا عهد مِنْهُ فِيمَن روى عَنهُ أَكثر من وَاحِد وَلم يجرح، أَنه تقبل رواياته، فصحح الحَدِيث كَمَا فهم عَن الدَّارَقُطْنِيّ.
وَأَبُو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم إِنَّمَا هَؤُلَاءِ عِنْده مَجَاهِيل الْأَحْوَال، بذلك أخبر عَن نَفسه، فَإِذن هَذَا الحَدِيث لَا يَصح وَلَا صَححهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
(265) وَكَذَلِكَ أَيْضا رُوِيَ من طَرِيق أبي هُرَيْرَة وَلَا يَصح، ونرى أَن(2/265)
نذكرهُ لنفرغ مِنْهُ فِي مَوضِع وَاحِد.
قَالَ الْعقيلِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر بن برين حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن نَافِع، حَدثنَا أَبُو رَجَاء الْخُرَاسَانِي: عبد الله بن الْفضل، عَن هِشَام بن حسان، عَن مُحَمَّد ابْن سِرين، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " موت الْغَرِيب شَهَادَة ".
أَبُو رَجَاء مُنكر الحَدِيث، قَالَه الْعقيلِيّ.
قَالَ: وَفِي هَذَا رِوَايَة من غير وَجه، شَبيه بِهَذَا فِي الضعْف، فَاعْلَم ذَلِك وَالله الْمُوفق.
(266) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ حَدِيث " لَا يُؤذن لكم من يدغم الْهَاء ".
ثمَّ قَالَ: وَقَالَ: وَهَذَا الحَدِيث مُنكر، وَإِنَّمَا مر الْأَعْمَش بِرَجُل يُؤذن يدغم الْهَاء، فَقَالَ: لَا يُؤذن لكم من يدغم الْهَاء.
وَعلي بن جميل ضَعِيف.
هَذَا نَص مَا أتبعه، وَلَيْسَ هَذَا من كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ كَمَا ذكر، وَإِنَّمَا حَكَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَن شَيْخه الَّذِي رَوَاهُ عَنهُ، وَهُوَ أَبُو بكر: عبد الله بن أبي دَاوُد: سُلَيْمَان بن الْأَشْعَث، فَأَما: وَعلي بن جميل ضَعِيف [فَكَلَام الدَّارَقُطْنِيّ، ذكر الحَدِيث الْمَذْكُور فِي كتاب الْعِلَل] .(2/266)
(267) وَذكر حَدِيث " لَا تدخل الْمَلَائِكَة [بَيْتا] فِيهِ بَوْل منقع "، من رِوَايَة أبي الدَّرْدَاء.
ثمَّ أتبعه كلَاما عَن أبي أَحْمد مخرجه: وَهُوَ أَن قَالَ: كَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، عَن قيس مَوْقُوفا على أبي الدَّرْدَاء.
وَرَوَاهُ شيخ مَجْهُول عَن قيس، وَرَفعه إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
هَكَذَا ذكره، وَأَبُو أَحْمد لم يقل هَذَا الْكَلَام الَّذِي / هُوَ: وَرَفعه شيخ مَجْهُول عَن قيس، وَإِنَّمَا حَكَاهُ عَن يحيى بن صاعد فَهُوَ قَائِله.
(268) وَذكر زُهَيْر بن مُحَمَّد رَاوِي التسليمتين، وَأَن ابْن معِين ضعفه.
وَهَذَا خطأ، وَزُهَيْر إِنَّمَا روى التسليمة الْوَاحِدَة، وَابْن معِين إِنَّمَا وَثَّقَهُ.
وَقد تقدم ذكر ذَلِك مستوعباً.(2/267)
(9) بَاب ذكر أَحَادِيث أوردهَا على أَنَّهَا مَرْفُوعَة وَهِي مَوْقُوفَة أَو مَشْكُوك / فِي رَفعهَا(2/269)
(269) فَمن ذَلِك أَنه ذكر عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا مهر دون خَمْسَة دَرَاهِم ".
سَاقه من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، قَالَ: وَلَا يَصح.
وَهَذَا لَا وجود لَهُ عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ هَكَذَا، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْده عَن عَليّ من قَوْله، وَلَا يَصح كَمَا ذكر.
فَإِنَّهُ من رِوَايَة الْحسن بن دِينَار، عَن عبد الله الداناج، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، عَن عَليّ.
وَالْحسن بن دِينَار كَذَّاب، وَقد جهدت أَن أَجِدهُ فِي نُسْخَة من كتاب الدَّارَقُطْنِيّ كَمَا ذكر، استظهاراً على مَا فِي كتابي وَكتاب أبي عَليّ الصَّدَفِي فَلم أَجِدهُ.
وَإِنَّمَا خَطؤُهُ فِيهِ أَنه كثيرا مَا يَقع هَكَذَا: عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام، فَظَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
(270) وَذكر أَيْضا من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن عسب الْفَحْل وَعَن قفيز الطَّحَّان ".
كَذَا ذكره، وَالْحَال فِيهِ كَالَّذي قبله، وبحثت عَنهُ كَذَلِك فَلم أَجِدهُ وَإِنَّمَا هُوَ(2/271)
فِي كتاب الدَّارَقُطْنِيّ فِي كل الرِّوَايَات هَكَذَا مركبا لما لم يسم فَاعله: " نهي عَن عسب الْفَحْل، وَعَن قفيز الطَّحَّان ".
وَلَعَلَّ قَائِلا يَقُول: لَعَلَّه اعْتقد فِيمَا يَقُوله الصَّحَابِيّ من هَذَا مَرْفُوعا.
فَنَقُول لَهُ: إِنَّمَا عَلَيْهِ أَن ينْقل لنا رِوَايَته لَا رَأْيه، فَلَعَلَّ من يبلغهُ يرى غير مَا يرَاهُ من ذَلِك، فَإِنَّمَا نقبل مِنْهُ نَقله لَا قَوْله.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي الحَدِيث الْمَذْكُور: حَدثنَا إِسْحَاق بن مُحَمَّد بن الْفضل الزيات، حَدثنَا يُوسُف بن مُوسَى، حَدثنَا وَكِيع وَعبيد الله بن مُوسَى، قَالَا: حَدثنَا سُفْيَان، عَن هِشَام أبي كُلَيْب، عَن ابْن أبي نعم البَجلِيّ، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: " نهى عَن عسب الْفَحْل ".
زَاد عبيد الله: " عَن قفيز / الطَّحَّان " فاعلمه.
(271) وَذكر أَيْضا من طَرِيق ابْن الْأَعرَابِي، عَن زَيْنَب بنت جَابر الأحمسية، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لَهَا فِي امْرَأَة حجت مَعهَا مصمتة: " قولي لَهَا تَتَكَلَّم، فَإِنَّهُ لَا حج لمن لم يتَكَلَّم ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا الحَدِيث أرويه مُتَّصِلا إِلَى زَيْنَب، وَذكره أَبُو مُحَمَّد فِي كتاب الْمحلى، انْتهى كَلَامه.
فَأَقُول - وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق -: إِن هَذَا الحَدِيث لَا يُوجد مَرْفُوعا بِوَجْه من(2/272)
الْوُجُوه، لَا فِي الْموضع الَّذِي نَقله مِنْهُ وَلَا فِي غَيره فِي علمي، وَإِنَّمَا غلط فِيهِ أَبُو مُحَمَّد بن حزم فَتَبِعَهُ هُوَ فِي ذَلِك غير نَاظر فِيهِ وَلَا ناقل لَهُ من مَوْضِعه، وَإِنَّمَا اورد مِنْهُ مَا وَقع فِي كتاب الْمحلى، وَقد تبين ذَلِك من عمله فِي كِتَابه الْكَبِير حَيْثُ ذكر إِسْنَاده الْمُتَّصِل بِزَيْنَب كَمَا ذكر.
قَالَ فِي الْكتاب الْمَذْكُور: حَدثنَا الْقرشِي، قَالَ: حَدثنَا شُرَيْح، حَدثنَا ابْن حزم، حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحسن بن الْوَارِث الرَّازِيّ، حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن عمر بن مُحَمَّد بن النّحاس بِمصْر، حَدثنَا أَبُو سعيد بن الْأَعرَابِي، حَدثنَا عبيد ابْن غَنَّام بن حَفْص بن غياث النَّخعِيّ، حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير، حَدثنَا أَحْمد بن بشر، عَن عبد السَّلَام بن عبد الله بن جَابر الأحمسي، عَن أَبِيه، عَن زَيْنَب بنت جَابر الأحمسية، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لَهَا فِي امْرَأَة حجت مَعهَا مصمتة: " قولي لَهَا تَتَكَلَّم، فَإِنَّهُ لَا حج لمن لم يتَكَلَّم ".
هَذَا نَص مَا أورد [وَهُوَ] نَص مَا أورد أَبُو مُحَمَّد فِي كتاب الْحَج من الْمحلى، فِي مَسْأَلَة أَولهَا:
" كل فسوق تَعَمّده الْمحرم ذَاكِرًا لإحرامه، فقد بَطل بِهِ إِحْرَامه ".
فَجَمِيع مَا ذكر أَبُو مُحَمَّد وَأَبُو مُحَمَّد رَاجع إِلَى ابْن الْأَعرَابِي، وَابْن الْأَعرَابِي إِنَّمَا ذكره فِي كِتَابه المعجم، فلنذكره كَمَا وَقع هُنَالك حَتَّى تعلم مِنْهُ أَنه / مَوْقُوف على أبي بكر رَضِي الله عَنهُ.(2/273)
قَالَ ابْن الْأَعرَابِي - فِي بَاب عبيد بن غَنَّام -: حَدثنَا عبيد بن غَنَّام قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير، قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن بشر، عَن عبد السَّلَام ابْن عبد الله بن جَابر الأحمسي، عَن أَبِيه، عَن زَيْنَب بنت جَابر الأحمسية قَالَت: خرجت أَنا وصاحبة لي، حجاجاً حجَّة مصمتة، فَأَتَانَا رجل بِمَكَّة / قلت: من أَنْت؟ قَالَ: أَبُو بكر، قلت: صَاحب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؟ قَالَ: نعم، قلت: يَا صَاحب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنَّا مَرَرْنَا بِأَقْوَام كُنَّا نغزوهم ويغزوننا، فَلم يعرضُوا لنا وَلم نعرض لَهُم، مِم ذَاك؟ قَالَ: ذَاك من قبل الْآمِر، قلت: فَمَتَى يكون ذَلِك؟ قَالَ: إِذا استقامت لكم أئمتكم، قلت: وَمَا الْأَئِمَّة؟ قَالَ: إِنَّك لسؤول، أما لكم رُؤُوس قادة؟ قلت: بلَى، قَالَ: فَإِنَّهُم أُولَئِكَ، ثمَّ قَالَ: مَا بَال صَاحبَتك لَا تكلم؟ قلت: إِنَّهَا حجت مصمتة، قَالَ قولي لَهَا: تكلم، لَا حج لمن لم يتَكَلَّم.
هَذَا نَص الحَدِيث فِي كتاب ابْن الْأَعرَابِي، وَلم يتَكَرَّر لَهُ عِنْده ذكر، وَهُوَ عين الْإِسْنَاد الَّذِي أورد أَبُو مُحَمَّد.
وَالْقَوْل فِيهِ إِنَّمَا هُوَ لأبي بكر، لَيْسَ فِيهِ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حرف وَاحِد.
وَزَيْنَب الأحمسية لَا أعرف احداً ذكرهَا فِي الصَّحَابَة.
فَلَو كَانَ هَذَا حَدِيثا لكتبت بِهِ فِي الصحابيات، فقد كتبُوا وكتبن بأمثاله.
وَالْعجب كُله سكُوت أبي مُحَمَّد عَنهُ، وَهُوَ لَا يسكت - زعم - إِلَّا عَن صَحِيح.
وَلم يبرز إِسْنَاده فيتبرأ من عهدته بِذكرِهِ، ولعمر الله مَا لعبد السَّلَام بن(2/274)
عبد الله بن جَابر، وَلَا لِأَبِيهِ عبد الله بن جَابر، ذكر فِي شَيْء من كتب الرِّجَال، وَلَا أَعْرفهُمَا بِرِوَايَة شَيْء من الْعلم غير هَذَا، فَكيف يصحح حَدِيث بروايتهما، وَمَا هُوَ إِلَّا قلد فِيهِ أَبَا مُحَمَّد بن حزم.
ويغلب على ظَنِّي أَن أَبَا مُحَمَّد بن حزم لم يَجعله حَدِيثا وَلَا صَححهُ، وَلَا الْتفت إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا أوردهُ فِي كِتَابه على أَنه أثر كَمَا هُوَ فِي الأَصْل، لَا على أَنه خبر، وَلذَلِك لم يبال إِسْنَاده، فتصحف على الروَاة أَو النساخ فَجعل حَدِيثا عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَقد عهد أَبُو مُحَمَّد بن حزم يكْتب الْآثَار فِي كِتَابه من غير الْتِفَات على أسانيدها، لِأَنَّهُ لَا يحْتَج بهَا، وَإِنَّمَا يوردها مؤنساً لخصومه بِمَا وضع من مَذْهَب، وَهُوَ لَا يستوحش بعدمها، وَلِأَنَّهُ قد عَهدهم يقبلونها كَذَلِك، وَبَعْضهمْ يَرَاهَا حجَجًا، فَهُوَ يوردها لنَفسِهِ بِاعْتِبَار معتقدهم فِيهَا، وَلَا يعتمدها.
وَقد يردهَا على خصومه بضعفها، لأَنهم يوردونها لَا كَمَا يوردها هُوَ لنَفسِهِ، بل محتجين بهَا، فَلذَلِك يُسَلط لَهُم عَلَيْهَا النَّقْد.
وَقد غنينا بِهَذَا القَوْل عَن كتب هَذَا الحَدِيث فِي بَاب الْأَحَادِيث / الَّتِي سكت عَنْهَا مصححاً لَهَا وَلَيْسَت بصحيحة، إِذْ لَيْسَ هُوَ حَدِيثا عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَاعْلَم ذَلِك.
(272) وَذكر أَيْضا من طَرِيق مُسلم / عَن أنس قَالَ: " قنت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -(2/275)
\ شهرا بعد الرُّكُوع فِي صَلَاة الصُّبْح " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: ويروى قبل الرُّكُوع، وَبعد الرُّكُوع أَكثر وَأشهر.
ذكر حَدِيث قبل الرُّكُوع مُسلم أَيْضا.
هَذَا نَص مَا أورد، وَلَيْسَ بِصَحِيح، بل مَا فِي كتاب مُسلم لقنوته عَلَيْهِ السَّلَام قبل الرُّكُوع ذكر أصلا، إِنَّمَا ذكر الْأَحَادِيث عَن أنس بقنوته عَلَيْهِ السَّلَام بعد الرُّكُوع شهرا يَدْعُو على قتلة الْقُرَّاء، ثمَّ قَالَ: وَحدثنَا أَبُو بكر ابْن أبي شيبَة، وَأَبُو كريب، قَالَا: حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة، عَن عَاصِم، عَن أنس: قَالَ: سَأَلته عَن الْقُنُوت قبل الرُّكُوع أَو بعد الرُّكُوع؟ فَقَالَ: قبل الرُّكُوع، قَالَ: قلت: فَإِن نَاسا يَزْعمُونَ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قنت بعد الرُّكُوع، فَقَالَ: إِنَّمَا قنت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - شهرا يَدْعُو على أنَاس قتلوا نَاسا من أَصْحَابه، يُقَال لَهُم الْقُرَّاء.
لَيْسَ فِي كتاب مُسلم شَيْء ذكر فِيهِ الْقُنُوت قبل الرُّكُوع إِلَّا هَذَا.
وَهُوَ - كَمَا ترى - لَيْسَ فِيهِ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا قنوته شهرا بعد الرُّكُوع، يَدْعُو على قتلة الْقُرَّاء.
وَإِنَّمَا سَأَلَ عَاصِم أنسا عَمَّا يذهب إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: قبل الرُّكُوع، فَأخْبرهُ عَاصِم بِأَن نَاسا يَزْعمُونَ أَنه بعد الرُّكُوع، فَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِك لعَارض عرض تَمَادى لأَجله شهرا.
فَإِن قلت: ظَاهر هَذَا أَنه إِنَّمَا يَعْنِي بِهِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
فَالْجَوَاب أَن نقُول: لَا يجوز أَن يُضَاف إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - شَيْء إِلَّا بِنَصّ لَا(2/276)
يحْتَمل، وَمثل هَذَا لَا يتَسَامَح فِيهِ.
نعم رُوِيَ قنوته عَلَيْهِ السَّلَام قبل الرُّكُوع من حَدِيث أنس، وَلَكِن فِي غير كتاب مُسلم.
(273) قَالَ عبد الرَّزَّاق فِي كِتَابه عَن أبي جَعْفَر عَن عَاصِم عَن أنس قَالَ: " قنت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الصُّبْح بعد الرُّكُوع، يَدْعُو على أَحيَاء من أَحيَاء الْعَرَب، وَكَانَ قنوته قبل ذَلِك وَبعده قبل الرُّكُوع ".
وَهَذَا صَحِيح، فَاعْلَم ذَلِك.
(274) وَذكر من حَدِيث ابْن عَبَّاس: " من سمع النداء / فَلم يمنعهُ من اتِّبَاعه عذر " الحَدِيث.
وَأعله بمغراء الْعَبْدي، وَقَالَ: الصَّحِيح فِيهِ أَنه مَوْقُوف.
ثمَّ قَالَ: على أَن قَاسم بن أصبغ ذكره فِي كِتَابه فَقَالَ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق القَاضِي، قَالَ: حَدثنَا سُلَيْمَان بن حَرْب، حَدثنَا شُعْبَة، عَن حبيب بن أبي ثَابت، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من سمع النداء فَلم يجب فَلَا صَلَاة لَهُ إِلَّا من عذر ".
قَالَ: وحسبك بِهَذَا الْإِسْنَاد صِحَة.
هَكَذَا أوردهُ، وَلَيْسَ فِي كتاب قَاسم " إِلَّا من عذر " فِي الحَدِيث الْمَرْفُوع،(2/277)
إِنَّمَا هُوَ فِي الْمَوْقُوف، فَلم يتثبت أَبُو مُحَمَّد فَأوردهُ هَكَذَا.
وعَلى أَنه لَا ينْقل من كتاب قَاسم إِلَّا بِوَاسِطَة ابْن حزم، أَو ابْن عبد الْبر أَو ابْن مدير عَن ابْن الطلاع، وسنبين ذَلِك عَنهُ فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ الله.
وَهَذَا الحَدِيث مِمَّا نَقله من كتاب ابْن حزم، وَهُوَ جَاءَ بِهِ مُفْسِدا بِزِيَادَة " إِلَّا من عذر " فِي الْمَرْفُوع كَمَا ذَكرْنَاهُ.
ويتبين لَك الصَّوَاب فِيهِ بإيراد الْوَاقِع فِي كتاب قَاسم بنصه:
قَالَ قَاسم - وَمن كِتَابه نقلت -: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق قَالَ: حَدثنَا حَفْص بن عمر وَسليمَان بن حَرْب وَعَمْرو بن مَرْزُوق، عَن عدي بن ثَابت / عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " من سمع النداء فَلم يجب فَلَا صَلَاة لَهُ إِلَّا من عذر ".
قَالَ إِسْمَاعِيل: وَبِهَذَا الْإِسْنَاد روى النَّاس عَن شُعْبَة.
وَحدثنَا بِهِ أَيْضا سُلَيْمَان عَن شُعْبَة بِإِسْنَادِهِ آخر: حَدثنَا سُلَيْمَان قَالَ: حَدثنَا شُعْبَة، عَن حبيب بن أبي ثَابت، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من سمع النداء فَلم يجب فَلَا صَلَاة لَهُ ".
حَدثنَا بِهَذَا سُلَيْمَان مَرْفُوعا، وَحدثنَا بِالْأولِ مَوْقُوفا على ابْن عَبَّاس.
هَذَا نَص مَا عِنْده، فَالْمَرْفُوع عِنْده إِنَّمَا هُوَ من رِوَايَة شُعْبَة عَن حبيب بن أبي ثَابت، لَا عَن عدي بن ثَابت، وَلَيْسَ فِيهِ زِيَادَة " إِلَّا من عذر " وَإِنَّمَا تكون(2/278)
هَذِه الزِّيَادَة فِي حَدِيث عدي بن ثَابت، إِلَّا أَنَّهَا عِنْد قَاسم بن أصبغ مَوْقُوفَة.
فَحمل الحَدِيث الْمَرْفُوع على الْمَوْقُوف فِي أَن هَذِه الزِّيَادَة فِيهِ، وَنسبَة ذَلِك إِلَى قَاسم بن أصبغ خطأ.
نعم، هِيَ فِي الحَدِيث الْمَرْفُوع / من رِوَايَة عدي بن ثَابت، لَكِن عِنْد غير قَاسم، من رِوَايَة هشيم، عَن شُعْبَة، أعرفهَا الْآن فِي مَوَاضِع.
قَالَ بَقِي بن مخلد: حَدثنَا عبد الحميد بن بَيَان، أَبُو الْحسن من أهل وَاسِط، قَالَ: حَدثنَا هشيم، عَن شُعْبَة، عَن عدي بن ثَابت عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ:
(275) " من سمع النداء فَلم يجب فَلَا صَلَاة لَهُ إِلَّا من عذر ".
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا عَليّ بن عبد الله بن مُبشر قَالَ: حَدثنَا عبد الحميد ابْن بَيَان بِإِسْنَادِهِ مثله.
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ فِيمَا جمع من حَدِيث عَليّ بن الْجَعْد - بعد أَن ذكر رِوَايَة شُعْبَة الْمَوْقُوفَة، وَنَصهَا: " من سمع النداء فَلم يجب فَلَا صَلَاة لَهُ إِلَّا من عذر ".
ثمَّ قَالَ: حَدثنَا عَبَّاس بن مُحَمَّد، قَالَ: حَدثنَا عَمْرو بن عون، حَدثنَا هشيم، عَن شُعْبَة، عَن عدي بن ثَابت، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مثله.(2/279)
وَقَالَ أَبُو بكر بن الْمُنْذر: اُخْبُرْنَا عَليّ بن عبد الْعَزِيز، قَالَ: حَدثنَا عَمْرو بن بن عون، قَالَ: حَدثنَا هشيم، عَن شُعْبَة، عَن عدي بن ثَابت، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس يرفعهُ قَالَ: " من سمع النداء فَلم يَأْته فَلَا صَلَاة لَهُ إِلَّا من عذر ".
قَالَ ابْن الْمُنْذر: وَقد روى هَذَا الحَدِيث وَكِيع وَعبد الرَّحْمَن عَن شُعْبَة، مَوْقُوفا على ابْن عَبَّاس غير مَرْفُوع.
(276) وَمن الْمَشْكُوك فِي رَفعه مِمَّا أوردهُ مَرْفُوعا، مَا ذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن شهر بن حَوْشَب، عَن أبي أُمَامَة قَالَ: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يمسح المأقين ".
قَالَ: " الأذنان من الرَّأْس ".
لم يزدْ فِي إِيرَاده على هَذَا، وَلَا قَالَ بإثره شَيْئا، وَكَأَنَّهُ عِنْده بَين الضعْف بِشَهْر بن حَوْشَب. والْحَدِيث عِنْد أبي دَاوُد مَوْقُوف، أَو مَشْكُوك فِي رَفعه.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا سُلَيْمَان بن حَرْب، ومسدد، وقتيبة، عَن حَمَّاد بن زيد، عَن سِنَان بن ربيعَة، عَن شهر بن حَوْشَب، عَن أبي / أُمَامَة - ذكر وضوء النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يمسح المأقين ".
وَقَالَ: " الأذنان من الرَّأْس ".
فَقَوله: وَقَالَ: " الأذنان من الرَّأْس ". يحْتَمل أَن يكون / الْقَائِل لَهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَأَن يكون أَبَا أُمَامَة، وَالْأَظْهَر لحكم ظَاهر اللَّفْظ أَن يكون النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.(2/280)
فَأوردهُ أَبُو مُحَمَّد على ذَلِك، وَترك مَا ذكر أَبُو دَاوُد بعده، وَذَلِكَ أَنه قَالَ: قَالَ سُلَيْمَان بن حَرْب: يَقُوله أَبُو أُمَامَة.
وَقَالَ قُتَيْبَة عَن حَمَّاد: لَا أَدْرِي أهوَ من قَول النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَو من قَول أبي أُمَامَة.
فَهَذَا حَمَّاد - وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ عَنهُ مُسَدّد، وَسليمَان، وقتيبة - لَا يدْرِي من قَول من هُوَ؟ فقد تحقق الشَّك فِي رَفعه.
وَقد جزم سُلَيْمَان بن حَرْب بِأَنَّهُ من قَول أبي أُمَامَة.
وَقد بَينه الدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَ: حَدثنَا عبد الله بن جَعْفَر بن خشيش، حَدثنَا يُوسُف الْقطَّان، حَدثنَا سُلَيْمَان بن حَرْب، حَدثنَا حَمَّاد بن زيد، عَن سِنَان بن ربيعَة، عَن شهر بن حَوْشَب، عَن أبي أُمَامَة أَنه وصف وضوء رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: " كَانَ إِذا تَوَضَّأ مسح مأقيه بِالْمَاءِ ".
قَالَ أَبُو أُمَامَة: " الأذنان من الرَّأْس ".
قَالَ سُلَيْمَان بن حَرْب: " الأذنان من الرَّأْس " إِنَّمَا هُوَ من قَول أبي أُمَامَة، فَمن قَالَ غير هَذَا فقد بدل - أَو كلمة قَالَهَا سُلَيْمَان - أَي أَخطَأ.
وَقد رَوَاهُ مَرْفُوعا عَن حَمَّاد بن زيد فِي غير كتاب أبي دَاوُد جمَاعَة: مِنْهُم مُحَمَّد بن زِيَاد الزيَادي، والهيثم بن جميل، وَمعلى بن مَنْصُور، وَمُحَمّد بن أبي بكر.
وَإِنَّمَا قصدت بَيَان مَا أورد من كتاب أبي دَاوُد.
وَلَو جَاءَ بِالْحَدِيثِ من كتاب، وَكَانَ تَعْلِيله فِي كتاب آخر، فَلم يَنْقُلهُ وَلم يعل الحَدِيث بِهِ، كَانَ ذَلِك تقصيراً، فَكيف إِذا كَانَت علته فِي الْموضع الَّذِي نَقله مِنْهُ، فينقل الحَدِيث ويدع التَّعْلِيل.(2/281)
هَذَا غَايَة الْقبْح وَالتَّقْصِير، وَهُوَ عمله فِي هَذَا الحَدِيث فَاعْلَم ذَلِك.
(277) وَذكر أَيْضا من طَرِيق أبي دَاوُد عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا سمع أحدكُم النداء والإناء على يَده، فَلَا يَدعه / حَتَّى يقْضِي حَاجته مِنْهُ ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث مَشْكُوك فِي رَفعه فِي الْموضع الَّذِي نَقله مِنْهُ.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا عبد الْأَعْلَى بن حَمَّاد، أَظُنهُ عَن حَمَّاد، عَن مُحَمَّد ابْن عَمْرو، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَذكره.
هَكَذَا فِي رِوَايَة ابْن الْأَعرَابِي عَن أبي دَاوُد " أَظُنهُ " عَن حَمَّاد وَهِي متسعة للتشكك فِي رَفعه وَفِي اتِّصَاله، وَإِن كَانَ غَيره لم يذكر ذَلِك عَن أبي دَاوُد، فَهُوَ بِذكرِهِ إِيَّاه قد قدح فِي الْخَبَر الشَّك، وَلَا يدرؤه إِسْقَاط من أسْقطه، فَإِنَّهُ إِمَّا أَن يكون شكّ بعد الْيَقِين، فَذَلِك قَادِح، أَو تَيَقّن الشَّك، فَلَا يكون قادحاً، وَلم يتَعَيَّن هَذَا الْأَخير، فبقى مشكوكاً فِيهِ.
(278) وَذكر أَيْضا من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن عَمْرو بن يحيى، عَن أَبِيه،(2/282)
عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الأَرْض كلهَا مَسْجِد إِلَّا الْمقْبرَة وَالْحمام ".
ثمَّ قَالَ: اخْتلف فِي إِسْنَاده فأسنده نَاس، وأرسله آخَرُونَ، مِنْهُم الثَّوْريّ.
قَالَ أَبُو عِيسَى: وَكَأن الْمُرْسل أصح. انْتهى مَا أوردهُ.
وَهُوَ كَمَا ذكر، وَلَكِن يَنْبَغِي أَن لَا يضرّهُ الِاخْتِلَاف إِذا كَانَ الَّذِي أسْندهُ ثِقَة.
وَإِلَى هَذَا فَإِن الَّذِي لأَجله ذكرته / هَا هُنَا هُوَ أَن أَبَا دَاوُد ذكره هَكَذَا:
حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، حَدثنَا حَمَّاد.
وَحدثنَا مُسَدّد، حَدثنَا عبد الْوَاحِد، عَن عَمْرو بن يحيى، عَن أَبِيه، عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
قَالَ مُوسَى فِي حَدِيثه فِيمَا يحْسب عَمْرو، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الأَرْض كلهَا مَسْجِد إِلَّا الْحمام والمقبرة ".
فقد أخبر حَمَّاد فِي رِوَايَته أَن عَمْرو بن يحيى شكّ فِي ذكر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ومنتهى الَّذين رَوَوْهُ مَرْفُوعا إِلَى عَمْرو، فَإِن الحَدِيث حَدِيثه، وَعَلِيهِ يَدُور، فَسَوَاء شكّ أَولا ثمَّ تَيَقّن، أَو تَيَقّن ثمَّ شكّ، فَإِنَّهُ لَو تعين الْوَاقِع مِنْهُمَا أَنه الشَّك بعد أَن حدث بِهِ متيقناً للرفع، لَكَانَ يخْتَلف فِيهِ.
فَمن يرى نِسْيَان الْمُحدث قادحاً لَا يقبله، وَمن يرَاهُ غير ضائر / يقبله، وَإِن قدرناه حدث بِهِ شاكاً ثمَّ تَيَقّن، فها هُنَا يحْتَمل أَن يُقَال: عثر بعد الشَّك على سَبَب من أَسبَاب الْيَقِين، مثل أَن يرَاهُ فِي مسموعاته أَو مكتوباته، فيرتفع شكه، فَلَا يُبَالِي مَا تقدم من تشككه.(2/283)
وَمَعَ هَذَا فَلَا يَنْبَغِي للمحدث أَن يتْرك مثل هَذَا فِي نَقله، فَإِنَّهُ إِذا فعل فقد أَرَادَ منا قبُول رَأْيه فِي رِوَايَته.
وَهَذَا كُله إِنَّمَا يكون إِذا سلم أَن الدَّرَاورْدِي وَعبد الْوَاحِد الرافعين لَهُ، سمعاه مِنْهُ غير مَشْكُوك، فَإِنَّهُ من الْمُحْتَمل أَن لَا يكون الْأَمر كَذَلِك بِأَن يسمعاه مشكوكاً فِيهِ كَمَا سَمعه حَمَّاد، ولكنهما حَدثا بِهِ، وَلم يذكرَا ذَلِك اكْتِفَاء بحسبانه، وعَلى هَذَا تكون عِلّة الْخَبَر أبين، فَاعْلَم ذَلِك.
(279) وَذكر أَيْضا من طَرِيق مُسلم حَدِيث أبي هُرَيْرَة " لَا يَزْنِي الزَّانِي حِين يَزْنِي وَهُوَ مُؤمن " الحَدِيث مَرْفُوعا.
وَفِيه: " وَلَا ينتهب نهبة ذَات شرف يرفع النَّاس إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارهم حِين ينتهبها وَهُوَ مُؤمن ".
كَذَلِك ذكره، وَهُوَ اللَّفْظ إِنَّمَا هُوَ مَرْفُوع عِنْد غير مُسلم، فَأَما عِنْد مُسلم فمشكوك فِي رَفعه، وَلَا يتَبَيَّن لَك هَذَا إِلَّا بسوق الْوَاقِع مِنْهُ عِنْده بنصه.
قَالَ مُسلم: حَدثنِي حَرْمَلَة بن يحيى، قَالَ: حَدثنَا ابْن وهب، أنبأني يُونُس، عَن ابْن شهَاب، سَمِعت أَبَا سَلمَة وَسَعِيد بن الْمسيب يَقُولَانِ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: إِن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا يَزْنِي الزَّانِي حِين يَزْنِي وَهُوَ مُؤمن، وَلَا يسرق السَّارِق حِين يسرق وَهُوَ مُؤمن، وَلَا يشرب الْخمر حِين يشْربهَا وَهُوَ مُؤمن ".(2/284)
قَالَ ابْن شهَاب: فَأَخْبرنِي عبد الْملك بن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن، أَن أَبَا بكر كَانَ يُحَدِّثهُمْ هَؤُلَاءِ عَن أبي هُرَيْرَة، ثمَّ يَقُول: وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَة يلْحق مَعَهُنَّ: " وَلَا ينتهب نهبة ذَات شرف يرفع النَّاس إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارهم حِين ينتهبها وَهُوَ مُؤمن ".
هَذَا نَص مَا أورد، وَهُوَ يحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ: يلْحق ذَلِك فِي الحَدِيث عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَيحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ: يلْحق ذَلِك من عِنْده، وَهُوَ الْأَظْهر.
فَإِنَّهُ لَو حدث بِهِ فِي نفس الحَدِيث لأبي بكر بن عبد الرَّحْمَن لقَالَ ابْن شهَاب: كَانَ أَبُو بكر يحدث بِهِ عَن أبي هُرَيْرَة هَكَذَا فيذكر الْمَتْن كُله وَلم يقل: هَكَذَا وَإِنَّمَا قَالَ: كَانَ أَبُو بكر يُمَيّز لَهُم عَن أبي هُرَيْرَة مَا كَانَ يلْحقهُ بعد الْفَرَاغ مِمَّا سمع، وَلَو كَانَ مُلْحق الزِّيَادَة غير أبي هُرَيْرَة، أمكن أَن يُقَال: حدث بِهِ ابْن شهَاب دون الزِّيَادَة، ثمَّ ذكر مَا كَانَ يزِيدهُ أَبُو بكر عَن فلَان، فَأَما والراوي هُوَ أَبُو هُرَيْرَة، فَالْأَظْهر مَا قُلْنَاهُ، وَإِذا كَانَ اللَّفْظ مُحْتملا لم يكن للناقل رفض الِاحْتِمَال وتأديته نصا.
والمتن الَّذِي ذكر أَبُو مُحَمَّد إِنَّمَا هُوَ ملفق من رِوَايَات، لَفظهَا كلهَا فِي كتاب مُسلم لَيْسَ من رِوَايَة وَاحِدَة، وَله أَن يفعل ذَلِك إِذْ الرَّاوِي وَاحِد، إِلَّا أَنه كَانَ عَلَيْهِ التَّحَرُّز فِي هَذِه.
ثمَّ كل مَا أتبع مُسلم هَذَا الْإِسْنَاد الَّذِي ذَكرْنَاهُ من الْأَسَانِيد المركبة عَلَيْهِ، المردفة بعده، مَبْنِيَّة عَلَيْهِ، مُحْتَملَة مَا احْتمل، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَقُول بِمثلِهِ أَو نَحوه، فَبَقيَ الْأَمر كَمَا كَانَ، فالمحتمل هُوَ أَن ذكره النهبة لَيْسَ مَرْفُوعا فِي كتاب مُسلم، لَا منعوتة بقوله: ذَات شرف وَلَا غير منعوتة، وَلكنهَا عِنْد غَيره مَرْفُوعَة.(2/285)
قَالَ أَبُو عَليّ بن السكن: حَدثنَا مُحَمَّد بن زِيَاد بن حبيب الْحَضْرَمِيّ، حَدثنَا عِيسَى بن حَمَّاد، زغبة حَدثنَا اللَّيْث، عَن عقيل، عَن ابْن شهَاب، عَن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا يَزْنِي الزَّانِي حِين يَزْنِي وَهُوَ مُؤمن، وَلَا يشرب الْخمر شاربها حِين يشْربهَا وَهُوَ مُؤمن، وَلَا يسرق السَّارِق وَهُوَ مُؤمن، وَلَا ينتهب نهبة يرفع النَّاس إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارهم حِين ينتهبها وَهُوَ مُؤمن ".
فَتبين بِهَذَا أَن رِوَايَة ابْن شهَاب عَن أبي بكر فِيهَا ذكر " النهبة "، وَعقيل حَافظ، وَقد أرْدف مُسلم رِوَايَة عقيل هَذِه إِلَّا أَنه قَالَ فِيهِ: فاقتص الحَدِيث بِمثلِهِ، مَعَ ذكر النهبة، وَلم يقل: " ذَات شرف "، فَلم يكن فِي ذَلِك الرّفْع نصا، لاحْتِمَال أَن يكون معنى قَوْله بِمثلِهِ، أَي مثل مَا تقدم من احْتِمَال الرّفْع، وَالْوَقْف.
وَبَقِي عَلَيْهِ لفظ " ذَات شرف " فَإِنَّهُ إِنَّمَا يُوجد مَرْفُوعا من رِوَايَة الزُّهْرِيّ، عَن سعيد، وَأبي سَلمَة، وَأبي بكر بن عبد الرَّحْمَن، من رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ عَنهُ، ذكره النَّسَائِيّ فِي كتاب الرَّجْم، وَذكره أَيْضا فِي كتاب الْقطع فِي السّرقَة، من رِوَايَة اللَّيْث، عَن ابْن عجلَان، عَن الْقَعْقَاع بن حَكِيم، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَهُوَ صَحِيح من الطَّرِيقَيْنِ /.
وَوَقع فِي هَذَا اللَّفْظ خلاف ننبه عَلَيْهِ وَإِن لم يكن مِمَّا نَحن فِيهِ لنفرغ من ذكره فِي مَوضِع وَاحِد، وَذَلِكَ أَن بَعضهم رَوَاهُ بِالسِّين الْمُهْملَة، وَبِه ذكره الْحَرْبِيّ فِي غَرِيب الحَدِيث، وَعَلِيهِ فسره، وَأوردهُ من رِوَايَة ابْن أبي أوفى فَقَالَ:(2/286)
حَدثنَا مُسَدّد، حَدثنَا يحيى عَن شُعْبَة، عَن فراس، عَن مدرك بن عمَارَة، عَن ابْن أبي أوفي، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا ينتهب الرجل نهبة ذَات سرف وَهُوَ مُؤمن ".
ثمَّ فسره بِالسِّين، أَي ذَات قدر كَبِير يُنكره النَّاس ويستشرفون لَهُ كنهب الْفُسَّاق فِي الْفَنّ الْحَادِثَة، وَالْمَال الْعَظِيم الْقدر مِمَّا يستعظمه النَّاس، بِخِلَاف الثَّمَرَة والفلس مِمَّا لَا خطر لَهُ.
وَقد كَانَ أَبُو مُحَمَّد - رَحمَه الله - مُحْتَاجا فِي هَذَا / الْمَتْن الَّذِي لفق من طرق شَتَّى إِلَى بَيَان صَنِيعه لمن يَقْرَؤُهُ، كَمَا قد فعل ذَلِك فِي حَدِيث ذكره من عِنْد مُسلم رَحمَه الله، وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ نقد.
(280) وَذَلِكَ أَنه ذكر فِي الْجِهَاد فِي أَحَادِيث الْإِمَارَة، عَن وَائِل بن حجر، سَأَلَ سَلمَة بن يزِيد الْجعْفِيّ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: يَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، أَرَأَيْت إِن كَانَت علينا أُمَرَاء يسألوننا حَقهم، ويمنعوننا حَقنا، فَمَا تَأْمُرنَا؟
فَأَعْرض عَنهُ، ثمَّ سَأَلَهُ فِي الثَّانِيَة أَو فِي الثَّالِثَة، فَجَذَبَهُ الأشعت بن قيس، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " اسمعوا وَأَطيعُوا، فَإِنَّمَا عَلَيْهِم مَا حملُوا وَعَلَيْكُم مَا حملتم ".
ثمَّ قَالَ: ذكره فِي سندين عَن وَائِل انْتهى كَلَامه.(2/287)
وَهُوَ صَوَاب، وَمَعْنَاهُ أَن مُسلما أورد الحَدِيث أَولا من رِوَايَة مُحَمَّد بن جَعْفَر، غنْدر، عَن شُعْبَة، عَن سماك بن حَرْب، عَن عَلْقَمَة، عَن وَائِل بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، إِلَّا قَوْله: فَجَذَبَهُ الْأَشْعَث بن قيس، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ هَكَذَا " بل هَكَذَا " فَجَذَبَهُ الأشعب بن قيس، فَقَالَ: " اسمعوا وَأَطيعُوا "، بِحَيْثُ يحْتَمل أَن يكون ذَلِك من قَول الْأَشْعَث، وَيكون الضَّمِير الَّذِي فِي قَالَ ضَمِيره.
ثمَّ أوردهُ من رِوَايَة شَبابَة، عَن شُعْبَة، عَن سماك، فأحال على الأول، وَقَالَ فِيهِ: فَجَذَبَهُ الْأَشْعَث بن قيس، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " اسمعوا وَأَطيعُوا " الحَدِيث.
فجَاء اللَّفْظ الَّذِي أورد أَبُو مُحَمَّد - مبرزاً فِيهِ الضَّمِير - من مَجْمُوع لَفْظِي إسنادين، فَاعْلَم ذَلِك /.
(281) وَذكر أَيْضا من طَرِيق البُخَارِيّ عَن عَائِشَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من نذر أَن يُطِيع الله فليطعه، وَمن نذر أَن يَعْصِي الله فَلَا يَعْصِهِ ".
ثمَّ قَالَ: زَاد الطَّحَاوِيّ: " وَيكفر عَن يَمِينه ".
ثمَّ أورد حَدِيثا من عِنْد أبي دَاوُد، ثمَّ قَالَ: وَحَدِيث الطَّحَاوِيّ أحسن إِسْنَادًا وَأَصَح، انْتهى مَا ذكر.
وَالزِّيَادَة الْمَذْكُورَة مَشْكُوك فِي رَفعهَا، وَيرْفَع الشَّك إِيرَاده إِيَّاهَا بِالْوَاو وَإِنَّمَا هِيَ عِنْد الطَّحَاوِيّ هَكَذَا:(2/288)
حَدثنَا مُحَمَّد بن عَليّ الْبَغْدَادِيّ، حَدثنَا سعيد بن سُلَيْمَان الوَاسِطِيّ، حَدثنَا حَفْص بن غياث، عَن عبيد الله بن عمر، عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد، عَن عَائِشَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من نذر أَن يُطِيع الله فليطعه، وَمن نذر أَن يَعْصِي الله فَلَا يَعْصِهِ ".
قَالَ حَفْص: وَسمعت ابْن مجبر وَهُوَ عِنْد عبيد الله يذكرهُ عَن الْقَاسِم، عَن عَائِشَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، قَالَ: وَفِيه " يكفر عَن يَمِينه ".
كَذَا أوردهُ، فَإِنَّمَا فِيهِ أَن حفصاً أخبرهُ [بِهِ] عَن مُحدث آخر وَهُوَ عبد الرَّحْمَن بن مجبر بن عبد الرَّحْمَن بن عمر بن الْخطاب، وَهُوَ ثِقَة عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَأخْبر أَنه - أَعنِي الْقَاسِم - كَانَ يرى فِي ذَلِك الْكَفَّارَة.
فَأَما رَفعه إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَمَا هُوَ فِي اللَّفْظ.
وَرِوَايَة عبيد الله عَن الْقَاسِم، سقط مِنْهَا طَلْحَة بن عبد الْملك، فَهُوَ صَاحب هَذَا الحَدِيث / الْمَعْرُوف بِهِ عَن الْقَاسِم، وَعنهُ يرويهِ عبيد الله، يتَبَيَّن ذَلِك فِي موَاضعه، فاعلمه.
(282) وَذكر أَيْضا من طَرِيق مُسلم عَن رَافع بن خديج قَالَ: قلت يَا رَسُول الله، إِنَّا لاقو الْعَدو غَدا وَلَيْسَت مَعنا مدى، قَالَ: " أعجل، أَو أرن،(2/289)
مَا أنهر الدَّم وَذكر اسْم الله عَلَيْهِ فَكل مَا لَيْسَ السن وَالظفر، وسأحدثك، وَأما السن فَعظم، وَأما الظفر فمدى الْحَبَشَة " الحَدِيث.
وَهَذَا الحَدِيث هُوَ عِنْد مُسلم من رِوَايَة سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن أَبِيه سعيد بن مَسْرُوق، عَن عَبَايَة بن رِفَاعَة بن رَافع بن خديح، عَن رَافع بن خديج.
وَهَكَذَا رَوَاهُ عمر بن سعيد، أَخُو سُفْيَان الثَّوْريّ، وَالشَّكّ فِي شَيْئَيْنِ: فِي اتِّصَاله، وَفِي كَون: " أما السن فَعظم " من كَلَام النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - /.
وَذَلِكَ أَن أَبَا الْأَحْوَص رَوَاهُ عَن سعيد بن مَسْرُوق وَالِد سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن عَبَايَة بن رِفَاعَة بن رَافع، عَن أَبِيه، عَن جده رَافع بن خديج قَالَ: أتيت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقلت: يَا رَسُول الله، إِنَّا نلقى الْعَدو غَدا وَلَيْسَ عندنَا مدى، أفنذبح بالمروة وشقة الْعَصَا فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أرن أَو أعجل، مَا أنهر الدَّم وَذكر اسْم الله عَلَيْهِ فكلوه مَا لم يكن سنّ أَو ظفر ".
قَالَ رَافع: وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَن ذَلِك، وَأما السن فَعظم، وَأما الظفر فمدى الْحَبَشَة، وَتقدم سرعَان من النَّاس فتعجلوا فَأَصَابُوا من الْغَنَائِم، وَرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي آخر النَّاس الحَدِيث.
فَفِيهِ كَمَا ترى زِيَادَة رِفَاعَة بن رَافع بَين عَبَايَة وجده رَافع، وَلم يكن فِي حَدِيث مُسلم من رِوَايَة الثَّوْريّ وأخيه - وهما روياه عَن أَبِيهِمَا - ذكر لسَمَاع(2/290)
عَبَايَة من جده رَافع إِنَّمَا جَاءَ مُعَنْعنًا مُحْتَمل الزِّيَادَة لوَاحِد فَأكْثر، فَبين أَبُو الْأَحْوَص عَن سعيد، أَن بَينهمَا وَاحِدًا، وَهُوَ رِفَاعَة بن رَافع وَالِد عَبَايَة، وَإِن كَانَ التِّرْمِذِيّ قد قَالَ: إِن عَبَايَة سمع من جده رَافع بن خديج فَلَيْسَ فِي ذَلِك أَنه سمع مِنْهُ هَذَا الحَدِيث.
وَفِيه أَن قَوْله: " أما السن فَعظم " من كَلَام رَافع، وَلم يكن فِي رِوَايَة الثَّوْريّ وأخيه أَن ذَلِك من كَلَام النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نصا، فجَاء أَبُو الْأَحْوَص بِالْبَيَانِ.
وَرِوَايَة أبي الْأَحْوَص الَّتِي ذكرنَا، ذكرهَا ابو دَاوُد عَن مُسَدّد عَنهُ.
وَذكرهَا أَيْضا التِّرْمِذِيّ عَن هناد عَنهُ، إِلَّا أَن التِّرْمِذِيّ ذكر فِي رِوَايَته إِيَّاه عَن هناد زِيَادَة رِفَاعَة بن رَافع فِي الْإِسْنَاد، وَلم يذكر قَالَ رَافع: وَسَأُحَدِّثُكُمْ.
وَإِنَّمَا جعله مُتَّصِلا بِكَلَام النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَمَا جعله الثوريان فَهُوَ مُحْتَمل مَا احْتمل.
وَلَيْسَ لقَائِل أَن يَقُول: إِن أَبَا الْأَحْوَص أَخطَأ، إِلَّا كَانَ لآخر أَن يعكس بتخطئة من خَالفه، فَإِنَّهُ ثِقَة، فَاعْلَم ذَلِك.
وَاعْلَم أَن هَذَا الَّذِي طلبته بِعِلْمِهِ فِي هَذَا الْبَاب من تَبْيِين مَا هُوَ مَشْكُوك فِي رَفعه، هُوَ عمله هُوَ فِي أَحَادِيث.
(283) مِنْهَا حَدِيث الْمُغيرَة بن / شُعْبَة فِي أَن السقط يصلى عَلَيْهِ.
ذكره من عِنْد أبي دَاوُد، وَعلله / بشك الرَّاوِي فِي رَفعه بقوله: وأحسب(2/291)
أَن أهل زِيَاد أخبروني أَنه رَفعه إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
(284) وَذكر أَيْضا من عِنْد مُسلم عَن ابْن جريح، عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ: أكبر علمي وَالَّذِي يخْطر على بالي، أَن أَبَا الشعْثَاء أَخْبرنِي، أَن ابْن عَبَّاس أخبرهُ، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كَانَ يغْتَسل بِفضل مَيْمُونَة ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي هَذَا الْإِسْنَاد.
وَقد رَوَاهُ الطهراني بِلَا شكّ وَلَا يحْتَج بِحَدِيث الطهراني.(2/292)
(10) بَاب ذكر أَحَادِيث أوردهَا مَوْقُوفَة، وَهِي فِي الْمَوَاضِع الَّتِي نقلهَا مِنْهَا مَرْفُوعَة(2/293)
(285) ذكر من مراسل أبي دَاوُد، عَن عبد الله بن رَبَاح، عَن كَعْب قَالَ: " اقرؤوا هوداً يَوْم الْجُمُعَة ".
كَذَا رَأَيْته فِيمَا رَأَيْت من نسخ الْكتاب من قَول كَعْب.
وَإِنَّمَا هُوَ فِي المراسل عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَهُوَ مِمَّا تغير بعده للرواة بِلَا شكّ فَإِنَّهُ لَا يذكر فِي كِتَابه إِلَّا مَا هُوَ حَدِيث عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلَو كَانَ وَضعه فِيهِ مَوْقُوفا، كَانَ ذَلِك خلاف مَا قصد أَن يجمع فِي كِتَابه.
والْحَدِيث الْمَذْكُور هُوَ فِي المراسل هَكَذَا: حَدثنَا مُسلم بن إِبْرَاهِيم قَالَ: حَدثنَا همام، قَالَ: حَدثنَا أَبُو عمرَان الْجونِي، عَن عبد الله بن رَبَاح عَن كَعْب قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " اقرؤوا هود يَوْم الْجُمُعَة ".
قَالَ أَبُو دَاوُد: مُسلم قَالَ فِي هَذَا عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - انْتهى مَا أورد.
وَلم يذكر لَهُ طَرِيقا غير هَذَا.
وَمُسلم هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم شَيْخه فاعلمه.
(286) وَذكر أَيْضا من عِنْد أبي أَحْمد من حَدِيث ابْن عَبَّاس " فَلَمَّا بلغا مجمع بَينهمَا " قَالَ: إفريقية.
كَذَا رَأَيْته فِي نسخ، وَلَعَلَّه يُوجد فِي بَعْضهَا على الصَّوَاب، فَإِنَّهُ هَكَذَا(2/295)
خطأ، لِأَنَّهُ فِي كتاب أبي أَحْمد الَّذِي نَقله مِنْهُ، مَرْفُوع إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حسب مَا قد بَيناهُ بإيراده بنصه فِي بَاب / الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها بِقوم، وَترك أمثالهم أَو أَضْعَف مِنْهُم، فَإِنَّهُ اعتراه فِيهِ مَا أوجب كتبه هُنَالك فَانْظُرْهُ ثمَّ.(2/296)
(11) بَاب ذكر أَحَادِيث أغفل نسبتها إِلَى الْمَوَاضِع الَّتِي أخرجهَا مِنْهَا(2/297)
هَذَا التَّرْجَمَة لَيْسَ فِي شَيْء مِمَّا فِيهَا عَلَيْهِ نقد، وَإِنَّمَا نذْكر مَا فِيهَا لننبه عَلَيْهِ من يغْفل عَنهُ، وَمَا عرفنَا موقعه ذَكرْنَاهُ تكميلاً للفائدة.
وَلأَجل أَنه من قبل النَّقْل الَّذِي وَقع / الْإِخْلَال فِيهِ بِوَجْه مَا، ذَكرْنَاهُ فِي هَذَا الْقسم لَا فِي قسم نظره.
(287) فَمن ذَلِك مَا ذكر من كتاب عبد الرَّزَّاق، عَن ابْن جريج، عَن عَمْرو بن شُعَيْب قَالَ: " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يسل السَّيْف فِي الْمَسْجِد ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا مُرْسل، وَرَوَاهُ عمر بن هَارُون عَن ابْن جريج، قَالَ: أَخْبرنِي أَبُو الزبير أَنه سمع جَابِرا يَقُول: " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " بِمثلِهِ.
قَالَ: وَعمر بن هَارُون ضَعِيف وَالصَّحِيح حَدِيث عبد الرَّزَّاق وَهُوَ مُرْسل كَمَا تقدم.
هَذَا نَص مَا ذكر وَلم يعز رِوَايَة عمر بن هَارُون هَذِه وَلَا أعرف لَهَا الْآن موقعاً.
(288) وَذكر أَيْضا حَدِيث أنس " إِن النِّسَاء شقائق الرِّجَال ".
وَلم يعزه، وَهُوَ عِنْد الْبَزَّار، وَقد كتبناه فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا ضَعِيفَة وَلها طرق صَحِيحَة.(2/299)
(289) وَذكر أَيْضا قَالَ: وروى إِبْرَاهِيم بن يزِيد بن قديد، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن يحيى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا دخل أحدكُم الْمَسْجِد فَلَا يجلس حَتَّى يرْكَع رَكْعَتَيْنِ، وَإِذا دخل أحدكُم بَيته " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: وَهَذِه الزِّيَادَة فِي الرُّكُوع عِنْد دُخُول الْبَيْت لَا أصل لَهَا، قَالَ ذَلِك البُخَارِيّ.
وَإِنَّمَا يَصح فِي هَذَا حَدِيث أبي قَتَادَة الَّذِي تقدم.
وَإِبْرَاهِيم هَذَا لَا أعلم روى عَنهُ إِلَّا سعد بن عبد الحميد، وَلَا أعلم لَهُ إِلَّا هَذَا الحَدِيث. انْتهى / مَا ذكر.
وَلَيْسَ فِيهِ نِسْبَة الحَدِيث إِلَى مَوضِع نَقله مِنْهُ، وَالْبُخَارِيّ لم يتبع تَعْلِيله الْمَذْكُور الحَدِيث بِكَمَالِهِ، فَلَا يَصح نِسْبَة الحَدِيث إِلَيْهِ.
والْحَدِيث إِنَّمَا ذكره أَبُو أَحْمد بن عدي، وَمِنْه نَقله أَبُو مُحَمَّد وَالله أعلم.
قَالَ أَبُو أَحْمد: حَدثنَا حُذَيْفَة بن الْحسن وَأحمد بن عِيسَى الوشاء النَّيْسَابُورِي وَأحمد بن عَليّ الْمَدَائِنِي، قَالُوا حَدثنَا أَبُو أُميَّة: مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم، وَأخْبرنَا مُحَمَّد بن أبي مقَاتل قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن سُلَيْمَان(2/300)
وَأخْبرنَا عبد الله بن أبي سُفْيَان قَالَ: قرىء على إِبْرَاهِيم بن رَاشد قَالُوا: حَدثنَا سعد بن عبد الحميد بن جَعْفَر قَالَ: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن يزِيد بن قديد، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن يحيى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا دخل أحدكُم الْمَسْجِد فَلَا يجلس حَتَّى يرْكَع رَكْعَتَيْنِ، وَإِذا دخل أحدكُم بَيته فَلَا يجلس حَتَّى يرْكَع رَكْعَتَيْنِ، فَإِن الله عز وَجل جَاعل لَهُ من رَكْعَتَيْنِ فِي بَيته خيرا ".
قَالَ أَبُو أَحْمد: وَإِبْرَاهِيم بن يزِيد هَذَا لَا يحضرني لَهُ غير هَذَا الحَدِيث، وَهُوَ بِهَذَا الْإِسْنَاد مُنكر. انْتهى مَا ذكر.
وَسعد الْمَذْكُور مَجْهُول الْحَال فَاعْلَم ذَلِك.
(290) وَذكر أَيْضا أَن سعيد بن دَاوُد الزنبري روى عَن مَالك، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا كَانَ لأحدكم ثَوْبَان فليلبسهما إِذا صلى، فَإِن الله أَحَق من تجمل لَهُ ".
ثمَّ قَالَ: لَا يَصح هَذَا عَن مَالك، وَسَعِيد روى عَن مَالك أَحَادِيث مَوْضُوعَة.
هَذَا نَص مَا ذكره بِهِ، وَلم يعين من أَيْن نَقله، وَلَا أذكرهُ الْآن.(2/301)
وَقد ذكر هَذَا الرجل بروايات الْمُنْكَرَات عَن مَالك السَّاجِي، والعقيلي، وَأَبُو أَحْمد، وَلم يذكرُوا / هَذَا الحَدِيث.
وَلما ذكره أَبُو حَاتِم البستي فِي كِتَابه، ذكر مِمَّا روى عَن مَالك هَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه، إِلَّا أَنه لم يُوصل إِلَيْهِ الْإِسْنَاد، فَلَا أقنع بِهَذَا للْحَدِيث نِسْبَة، فَاعْلَم ذَلِك.
(291) وَذكر من رِوَايَة عمر بن يزِيد الْمَدَائِنِي، عَن عَطاء، عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله / - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تجزىء الْمَكْتُوبَة إِلَّا بِفَاتِحَة الْكتاب وَثَلَاث آيَات فَصَاعِدا ".
وَلم يعزها، وَهِي عِنْد أبي أَحْمد، وَمن عِنْده نقلهَا.
قَالَ أَبُو أَحْمد: حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن بشير، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن مُعَاوِيَة الْأنمَاطِي، قَالَ: حَدثنَا عمر بن يزِيد الْمَدَائِنِي، فَذكره بِإِسْنَادِهِ وَمَتنه.
(292) وَذكر أَيْضا حَدِيث مَالك، عَن وهب بن كيسَان، عَن جَابر " من صلى رَكْعَة لم يقْرَأ فِيهَا بِأم الْقُرْآن فَلم يصل إِلَّا وَرَاء إِمَام ".
ثمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ يحيى بن سَلام، عَن مَالك بِهَذَا الْإِسْنَاد عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَتفرد بِرَفْعِهِ، وَلم يُتَابع عَلَيْهِ.(2/302)
وَرَوَاهُ أَصْحَاب الْمُوَطَّأ مَوْقُوفا على جَابر، وَهُوَ الصَّحِيح. انْتهى كَلَامه.
وَلَيْسَ كَمَا ذكره، على مَا بَينا قبل فِي بَاب مَا ذكر وَلم أَجِدهُ كَمَا ذكر، وَمَعَ ذَلِك فَإِنَّهُ قد ترك شَيْئَيْنِ:
أَحدهمَا أَن يَعْزُو رِوَايَة يحيى بن سَلام إِلَى الْموضع الَّذِي نقلهَا مِنْهُ، كَمَا الْتزم فِي سَائِر مَا يذكر، فَإِن ذَلِك أقل مَا يصنع، إِذا لم يُوصل بِهِ إِسْنَاد نَفسه.
وَالْآخر أَنه لم يذكر لَهُ عِلّة إِلَّا مُخَالفَة النَّاس لَهُ فِي رَفعه إِيَّاه.
وَله عِلّة أُخْرَى لم يذكرهَا، وَهِي ضعف يحيى بن سَلام.
وسكوته عَن التَّعْرِيف بذلك يُوهم أَنه مِمَّا رَفعه ثِقَة، وَوَقفه ثِقَات، وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِن يحيى بن سَلام ضَعِيف عِنْدهم.
والْحَدِيث الْمَذْكُور فِي مَوَاضِع، نذْكر مِنْهَا مَا تيَسّر ذكره.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي، قَالَ حَدثنَا بَحر بن نصر، قَالَ: حَدثنَا يحيى بن سَلام، قَالَ: حَدثنَا مَالك بن أنس، قَالَ: نَبَّأَنِي وهب بن كيسَان، عَن جَابر بن عبد الله أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " كل صَلَاة لَا يقْرَأ فِيهَا بِأم الْكتاب فَهِيَ خداج، إِلَّا أَن يكون وَرَاء الإِمَام ".
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: يحيى بن سَلام ضَعِيف، وَالصَّوَاب مَوْقُوف.
وَقَالَ أَبُو أَحْمد بن عدي: حَدثنَا جَعْفَر بن أَحْمد بن الْحجَّاج وَجَمَاعَة قَالُوا: حَدثنَا بَحر بن نصر، قَالَ: حَدثنَا يحيى بن سَلام، قَالَ: حَدثنَا مَالك(2/303)
ابْن أنس، عَن أبي نعيم: وهب بن كيسَان، قَالَ: سَمِعت جَابر بن عبد الله يَقُول: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - / يَقُول: " من صلى صَلَاة لم يقْرَأ فِيهَا بِفَاتِحَة الْكتاب فَلم يصل، إِلَّا وَرَاء إِمَام ".
قَالَ أَبُو مُحَمَّد: وَهَذَا الحَدِيث بِهَذَا الْإِسْنَاد عَن مَالك، لم يرفعهُ غير يحيى بن سَلام وَهُوَ فِي الْمُوَطَّأ من قَول جَابر.
وَيحيى بن سَلام صَدُوق، وَلكنه يضعف فِي حَدِيثه كَمَا قُلْنَاهُ وَلَو لم يُخَالف، فَكيف إِذا خَالف الْحفاظ.
وَكَانَ بصرياً، وَقع إِلَى مصر، وَقَالَ أَبُو أَحْمد: إِنَّه سكن بإفريقية.
وَفِي كَلَام أبي أَحْمد هَذَا مَا فِي كَلَام أبي مُحَمَّد من التَّسْوِيَة بَين رِوَايَة مَالك فِي موطئِهِ، وَرِوَايَة يحيى بن سَلام المرفوعة، وليستا بِسَوَاء، فَإِن لفظ حَدِيث مَالك الْمَوْقُوف: " من صلى رَكْعَة " [وَلَفظ الْمَرْفُوع من رِوَايَة يحيى بن سَلام عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ وَعند أَحْمد إِنَّمَا هُوَ: " من صلى صَلَاة "] وَفرق مَا بَين اللفظتين وَاضح، فَإِن مَسْأَلَة هَل يجب تَكْرِير قِرَاءَة أم الْقُرْآن فِي كل رَكْعَة، مضمنة فِي الحَدِيث الْمَوْقُوف، وَلَيْسَ لَهَا فِي الْمَرْفُوع ذكر. وَأَبُو مُحَمَّد جعل الْمَرْفُوع هُوَ الْمَوْقُوف، وَلَيْسَ كَذَلِك، إِلَّا أَن يكون قد رَآهُ فِي مَوضِع لم نعثر عَلَيْهِ وَلم يذكرهُ لنا، فَإِن كَانَ ذَلِك فَالْحَدِيث - مَعَ ضعفه - مُضْطَرب الْمَتْن.
وَهَذَا اعتذار لَا يتَحَقَّق لَهُ، وَمَا يغلب على الظَّن إِلَّا أَنه قلد فِيهِ أَبَا عمر بن(2/304)
عبد الْبر.
وَقد وَقع فِي ذَلِك أَيْضا الدَّارَقُطْنِيّ، فَإِنَّهُ لما ذكر الحَدِيث الْمَرْفُوع كَمَا كتبناه عَنهُ الْآن، أتبعه أَن قَالَ: يحيى بن سَلام ضَعِيف، وَالصَّوَاب مَوْقُوف.
حَدثنَا أَبُو بكر قَالَ: حَدثنَا يُونُس، قَالَ: حَدثنَا ابْن وهب، أَن مَالِكًا أخبرهُ عَن وهب بن كيسَان، عَن جَابر نَحوه مَوْقُوفا.
هَذَا نَص عمله، وَقد علم أَنه لَيْسَ فِي الموطآت هَكَذَا، بل " من صلى رَكْعَة لم يقْرَأ فِيهَا بِأم الْقُرْآن، فَلم يصل إِلَّا وَرَاء إِمَام ".
وَقد تسَامح أَبُو عبد الله بن البيع بِهَذَا التسامح، فَذكره بِحَدِيث آخر، قد تقدم ذكره حِين مر ذكر هَذَا الحَدِيث فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي عزاها إِلَى مَوَاضِع، وَلَيْسَت فِيهَا كَمَا ذكر.
(293) وَذكر أَيْضا فِي بَاب الْوتر، قَالَ: وَفِي الْبَاب حَدِيث رَوَاهُ جرير ابْن حَازِم عَن / أبي هَارُون الْعَبْدي، أَنه سمع أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ يَقُول: " نَادَى فِينَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن من أصبح لم يُوتر فَلَا وترله ".
وَضَعفه بِضعْف أبي هَارُون وَلم ينْسبهُ إِلَى مَوضِع، وَهُوَ عِنْد ابْن أبي شيبَة كَذَلِك.(2/305)
(294) وَذكر فِي الصَّلَاة فِي كسوف الْقَمَر حَدِيثا عَن عَائِشَة.
ثمَّ قَالَ: رَوَاهُ مُوسَى بن أعين، عَن إِسْحَاق بن رَاشد، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة.
وَلم يذكر من أَيْن نَقله، وَهُوَ عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ. وَقد كتبناه بِإِسْنَادِهِ وَمَا فِيهِ، فِي الْبَاب الْأَحَادِيث المصححة بسكوته.
(295) وَذكر مُرْسلا فِي زَكَاة الْبَقر، من طَرِيق أبي أويس، عَن عبد الله وَمُحَمّد: ابْني أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم، عَن أَبِيهِمَا، عَن جدهما، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَنه كتب هَذَا الْكتاب لعَمْرو بن حزم حِين أمره على الْيمن ".
وَأعله بِضعْف أبي أويس وبالانقطاع، وَلم يعزه إِلَى مَوضِع.
وأره إِنَّمَا نَقله من عِنْد أبي مُحَمَّد بن حزم، فَإِنَّهُ قد ذكر فِي بَاب زَكَاة الذَّهَب وَالْوَرق، قِطْعَة أُخْرَى من هَذِه الصَّحِيفَة فِي زَكَاة الْوَرق بِهَذَا الْإِسْنَاد، معزوة إِلَيْهِ.(2/306)
(296) وَذكر فِي زَكَاة الرِّكَاز قَالَ: ويروى فِي تَفْسِير الرِّكَاز حَدِيث من طَرِيق عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، عَن جده، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن الرِّكَاز فَقَالَ: " هُوَ الذَّهَب الَّذِي خلق الله فِي الأَرْض يَوْم خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض ".
وَعبد الله بن سعيد هَذَا مَتْرُوك الحَدِيث، ذكر ذَلِك ابْن أبي حَاتِم.
وَقد روى من طَرِيق آخر عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَلَا يَصح أَيْضا.
ذكره الدَّارَقُطْنِيّ - رَحمَه الله - انْتهى مَا ذكر بنصه.
وَقد يظنّ من هَذَا الْكَلَام، أَن الحَدِيث الأول من رِوَايَة عبد الله بن سعيد، ذكره الدَّارَقُطْنِيّ / وَلم أجد لَهُ ذكرا فِي كتابي الدَّارَقُطْنِيّ: السّنَن والعلل، وَلَا أذكر أَنه ينْقل من غَيرهمَا سوى المؤتلف والمختلف.
فَأَما الطَّرِيق الآخر الَّذِي قَالَ: إِنَّه يرْوى عَن أبي هُرَيْرَة، فَذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْعِلَل بِغَيْر إِسْنَاد موصل.
وَنَصّ مَا ذكر: وَسُئِلَ عَن حَدِيث أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ / رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الرِّكَاز الذَّهَب الَّذِي ينْبت على وَجه الأَرْض ".
فَقَالَ: يرويهِ حسان بن عَليّ، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَهُوَ وهم، لَيْسَ من حَدِيث الْأَعْمَش، وَلَا من(2/307)
حَدِيث أبي صَالح، وَإِنَّمَا يرويهِ رجل مَجْهُول عَن آخر، عَن أبي هُرَيْرَة، انْتهى مَا ذكر.
(297) وَذكر مُرْسل سعيد بن الْمسيب فِي مَدين من حِنْطَة، فِي زَكَاة الْفطر. وَلم يعزه وَهُوَ فِي مراسل أبي دَاوُد.
(298) وَذكر حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه، عَن جده، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: " أَلا من ولي يَتِيما لَهُ مَال فليتجر بِهِ " الحَدِيث.
ثمَّ علله، ثمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ عبد الله بن عَليّ بن مهْرَان، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، وَهُوَ ضَعِيف أَو مَجْهُول.
هَذِه الرِّوَايَة لم يعزها، وَلَا أعرف من أَيْن أخرجهَا، وَقد رَوَاهُ عَن عَمْرو مَرْفُوعا نَاس، إِلَّا أَنه لَا يَصح مِنْهُ شَيْء، فَلذَلِك لم نطل بذكرها.
ثمَّ قَالَ (مُتَّصِلا بذلك) : وَرَوَاهُ حُسَيْن الْمعلم، عَن مَكْحُول عَن عَمْرو ابْن شُعَيْب، عَن ابْن الْمسيب، عَن عمر.
وَرَوَاهُ ابْن عُيَيْنَة، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن عمر، لم يذكر ابْن الْمسيب.(2/308)
وَخَالفهُ حَمَّاد بن زيد، فَرَوَاهُ عَن عَمْرو بن دِينَار / عَن مَكْحُول، لم يذكر عَمْرو بن شُعَيْب، وَلَا ابْن الْمسيب، وَحَدِيث عمر أصح مَا فِيهِ الْمَرْفُوع، انْتهى مَا ذكر.
وَلم يعزه وَهُوَ نَص مَا ذكر الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله، إِلَّا أَنه فِيهِ إخلال اعترى بالاختصار وَهُوَ فِي قَوْله: وَخَالفهُ حَمَّاد بن زيد، فَرَوَاهُ عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن مَكْحُول، لم يذكر عَمْرو بن شُعَيْب، وَلَا ابْن الْمسيب، ينقص مِنْهُ " عَن عمر ".
وَنَصّ مَا عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ: وَخَالفهُ حَمَّاد بن زيد، فَرَوَاهُ عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن مَكْحُول، عَن عمر، لم يذكر عَمْرو بن شُعَيْب وَلَا ابْن الْمسيب.
(299) وَذكر حَدِيث أبي سعيد: " لَا تحل الصَّدَقَة لَغَنِيّ إِلَّا لخمسة ".
بعد مُرْسل مَالك، عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن يسَار.
وَقَالَ: إِن الثَّوْريّ ومعمراً، هما اللَّذَان روياه عَن زيد مُسْندًا، بِزِيَادَة أبي سعيد، وَلم يعز شَيْئا من ذَلِك.(2/309)
والْحَدِيث بِهِ عِنْد الْبَزَّار: قَالَ الْبَزَّار: حَدثنَا سَلمَة بن شبيب، وَأحمد بن مَنْصُور، قَالَا: حَدثنَا عبد الرَّزَّاق، قَالَ: حَدثنَا معمر، عَن زيد بن / أسلم، عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -[وحدثناه زُهَيْر بن مُحَمَّد، قَالَ: أخبرنَا عبد الرَّزَّاق، قَالَ: أخبرنَا الثَّوْريّ وَمعمر، عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي سعيد، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -] قَالَ: " لَا تحل الصَّدَقَة لَغَنِيّ إِلَّا لخمسة: لرجل عَامل عَلَيْهَا، وَرجل اشْتَرَاهَا بِمَالِه، أَو مِسْكين تصدق عَلَيْهَا بهَا، فأهداها لَغَنِيّ، أَو غَارِم، أَو غاز فِي سَبِيل الله ".
قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث قد رَوَاهُ غير وَاحِد عَن زيد، عَن عَطاء بن يسَار مُرْسلا.
وأسنده عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، وَالثَّوْري، وَإِذا حدث بِالْحَدِيثِ / ثِقَة فأسنده، كَانَ عِنْدِي الصَّوَاب.
وَعبد الرَّزَّاق عِنْدِي ثِقَة، وَمعمر ثِقَة، انْتهى كَلَام الْبَزَّار.
(300) وَذكر حَدِيثا بِأَن عَائِشَة " طهرت يَوْم عَرَفَة " من عِنْد مُسلم.
وَأخْبر بِأَنَّهَا " طهرت يَوْم النَّحْر " من عِنْده أَيْضا.
ثمَّ قَالَ: وَقد روى من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة أَنَّهَا " طهرت لَيْلَة الْبَطْحَاء " وَلَا يَصح.
كَذَا ذكره، وَلم يعزه، وَهُوَ عِنْد أبي دَاوُد.(2/310)
وَقد بَينا مِنْهُ أمرا آخر فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها وَلم يبين عللها.
(301) وَذكر حَدِيث عَائِشَة: " من نزل بِقوم فَلَا يصومن تَطَوّعا إِلَّا بإذنهم ".
وَذكر أَن مِمَّن رَوَاهُ عَن هِشَام، عمار بن سيف، وَلم يذكر من أَيْن نقلهَا.
(302) وَذكر من طَرِيق الْعقيلِيّ عَن أُسَامَة بن زيد اللَّيْثِيّ، عَن عَطاء، عَن جَابر، حَدِيث: " أفضت قبل أَن أرمي ".
مُتبعا حَدِيث مُسلم، وَلم يذكر لَفظه، قَالَ وَأنكر هَذَا على أُسَامَة، ثمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ سُفْيَان، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء مُرْسلا.
وروى ابْن نمير، عَن ابْن أبي ليلى، عَن عَطاء، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من قدم شَيْئا مَكَان شَيْء فَلَا حرج ".
ابْن أبي ليلى ضَعِيف، انْتهى قَوْله.
فحديثا الثَّوْريّ وَابْن أبي ليلى، لَا يعرف من كَلَامه من أخرجهُمَا وَلَا من أَيْن نقلهما، وَإِنَّمَا نقلهما من كتاب الْعقيلِيّ فَهُوَ أورد جَمِيع مَا تقدم فِي مَوضِع(2/311)
وَاحِد وَزِيَادَة عَلَيْهِ، تَركهَا أَبُو مُحَمَّد، فلنذكر جَمِيعه بنصه.
قَالَ الْعقيلِيّ: أخبرنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن سَالم هُوَ الصَّائِغ، قَالَ: حَدثنَا الْحسن بن عَليّ الْحلْوانِي، قَالَ: حَدثنَا أَبُو أُسَامَة.
وَحدثنَا مُوسَى بن إِسْحَاق، قَالَ: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة، حَدثنَا وَكِيع، جَمِيعًا عَن أُسَامَة بن زيد، عَن عَطاء، عَن جَابر بن عبد الله، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " جمع كلهَا موقف / وعرفة كلهَا موقف، وَمنى كلهَا منحر، وكل فجاج مَكَّة طَرِيق ومنحر "، وَأَن رجلا أَتَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: حلقت قبل أَن أرمي، قَالَ: " ارْمِ وَلَا حرج "، وَقَالَ آخر: أفضيت قبل أَن أرمي، قَالَ: " ارْمِ وَلَا حرج ". اللَّفْظ لفظ الصَّائِغ.
حَدثنَا بشر، حَدثنَا الْحميدِي، وَحدثنَا مسْعدَة بن سعد، حَدثنَا سعيد بن مَنْصُور، قَالَا: حَدثنَا سُفْيَان، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء قَالَ: قَالَ رجل للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: ذبحت قبل أَن أرمي، قَالَ: " فارم وَلَا حرج ".
وَقَالَ رجل: حلقت قبل أَن أرمي، قَالَ: " فارم وَلَا حرج "، وَقَالَ آخر: حلقت قبل أَن أذبح، قَالَ: " فاذبح وَلَا حرج ".
وَقَالَ رجل: أفضت قبل أَن أرمي، قَالَ: " فارم وَلَا حرج ".
حَدثنَا مُوسَى، حَدثنَا أَبُو بكر، حَدثنَا ابْن نمير، حَدثنَا ابْن أبي ليلى، عَن عَطاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من قدم من حجه شَيْئا مَكَان شَيْء فَلَا حرج ".
وَهَكَذَا هُوَ هَذَا فِي مُصَنف ابْن أبي شيبَة.
وَذكر الْعقيلِيّ عَن أَحْمد بن حَنْبَل إِنْكَاره على أُسَامَة بن زيد حَدِيث(2/312)
عَطاء، عَن جَابر، الْمُتَقَدّم الذّكر الْآن فَاعْلَم ذَلِك.
(303) وَذكر أَيْضا حَدِيث جَابر فِي الضبع والظبي واليربوع والأرنب يُصِيبهَا الْمحرم.
وَلم يعز مَا ذكر من ذَلِك، وَسَاقه مُتبعا حَدِيث عمر بن الْخطاب من كتاب علل الدَّارَقُطْنِيّ.
وَهُوَ لَيْسَ فِي كتاب الْعِلَل، وَإِنَّمَا هُوَ فِي كتاب السّنَن وَقد كتبنَا الْجَمِيع فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة وَهِي مُنْقَطِعَة.
(304) وَذكر أَيْضا رِوَايَة فِي حَدِيث عَليّ فِي أَمر الَّذِي أصَاب / أدحى نعام محرما، بشرَاء بَنَات مَخَاض وإضرابهن وإهداء مَا أنتج مِنْهُنَّ.
وَلم يعزها، وَقد كتبنَا ذَلِك فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا عَن راو، أَو من كتاب، أَو فِي قصَّة، ثمَّ أردفها أَحَادِيث أَو زيادات، موهماً أَنَّهَا عَن أُولَئِكَ الروَاة، أَو من تِلْكَ الْمَوَاضِع، أَو فِي تِلْكَ الْقَصَص.
(305) وَذكر من المراسل عَن مَكْحُول، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " هجن(2/313)
الهجين يَوْم خَيْبَر، وعرب الْعَرَبِيّ " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: وَرُوِيَ مَوْصُولا عَن مَكْحُول، عَن زِيَاد بن جَارِيَة عَن / حبيب ابْن مسلمة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، والمرسل هُوَ الصَّحِيح.
هَذَا مَا ذكر، وَلم يعز هَذَا الْمَوْصُول، وَلَا أعرف لَهُ الْآن موقعاً.
(306) وَذكر من المراسل أَيْضا عَن تَمِيم بن طرفَة: " وجد رجل نَاقَة لَهُ، فارتفعا إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَأَقَامَ الْبَيِّنَة أَنَّهَا نَاقَته، وَأقَام الآخر أَنه اشْتَرَاهَا من الْعَدو " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: هَذَا مُرْسل، وَقد أسْند من حَدِيث ياسين الزيات، عَن سماك بن حَرْب، عَن تَمِيم بن طرفَة، عَن جَابر بن سَمُرَة، وَيَاسِين ضَعِيف.
كَذَا ذكره، وَلم يعز هَذَا الْمسند، وَلَا أعرف لَهُ الْآن موقعاً إِلَّا كتاب ابْن حزم، فَهُوَ صَاحب هَذَا الْكَلَام بِعَيْنِه، وأظن أَن أَبَا مُحَمَّد إِنَّمَا نَقله من عِنْده.
(307) وَذكر من عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ حَدِيث " تخَيرُوا لنُطَفِكُمْ ".
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: رَوَاهُ أَبُو أُميَّة الثَّقَفِيّ، ومندل بن عَليّ، وَعِكْرِمَة بن إِبْرَاهِيم، وَأَيوب بن وَاقد، عَن هِشَام. وَأَيوب وسائرهم ضعفاء، وَرَوَاهُ أَبُو الْمِقْدَام(2/314)
هِشَام بن زِيَاد، عَن أَبِيه مُرْسلا وَهُوَ الصَّوَاب.
كل هَذَا الَّذِي لم يعزه لَا أعرف مِنْهَا إِلَّا رِوَايَة أبي أُميَّة، فَإِنَّهَا عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا فابحث عَن سائرها.
(308) وَذكر من مُسْند الْحَارِث بن أبي أُسَامَة أَنه " اسْتَبْرَأَ صَفِيَّة بِحَيْضَة ".
ثمَّ قَالَ: وَقد رُوِيَ من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن حجاج بن أَرْطَاة، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أنس، وَلَا يَصح.
كَذَا أوردهُ وَلم يعزه إِلَى مَوضِع.
(309) وَذكر من مراسل أبي دَاوُد، مُرْسل أبي رزين فِي " أَن الثَّالِثَة إمْسَاك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان ".
ثمَّ قَالَ: قد أسْند هَذَا عَن إِسْمَاعِيل بن سميع عَن أنس، وَعَن قَتَادَة عَن أنس، والمرسل أصح.
هَكَذَا ذكر هَذَا وَلم يعزه.
وَالدَّارَقُطْنِيّ ذكر هذَيْن الطَّرِيقَيْنِ قَالَ: حَدثنَا القَاضِي الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن جرير بن جبلة، حَدثنَا عبيد الله بن(2/315)
عَائِشَة، حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة، حَدثنَا قَتَادَة، عَن أنس، أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله، أَلَيْسَ قَالَ الله تَعَالَى: {الطَّلَاق مَرَّتَانِ} فَلم صَار ثَلَاثًا قَالَ: " إمْسَاك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان ".
حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن زِيَاد الْقطَّان وَآخَرُونَ، قَالَ: حَدثنَا إِدْرِيس / ابْن عبد الْكَرِيم الْمُقْرِئ، حَدثنَا لَيْث بن حَمَّاد، حَدثنَا عبد الْوَاحِد بن زِيَاد، حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن سميع الْحَنَفِيّ، عَن أنس بن مَالك، قَالَ: قَالَ رجل للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: إِنِّي أسمع الله تَعَالَى يَقُول: {الطَّلَاق مَرَّتَانِ} فَأَيْنَ الثَّالِثَة؟ قَالَ: " إمْسَاك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان هِيَ الثَّالِثَة ".
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ /: كَذَا قَالَ عَن أنس، وَالصَّوَاب عَن إِسْمَاعِيل عَن أبي رزين، مُرْسلا عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. انْتهى كَلَامه.
وَعِنْدِي أَن هذَيْن الْحَدِيثين صَحِيحَانِ. فَإِن عبيد الله بن عَائِشَة ثِقَة، وَقد برىء مِمَّا قذف بِهِ من الْقدر، وَهُوَ أحد الأجواد الْمَشْهُورين بالجود، وأخباره فِي ذَلِك كَثِيرَة، وَهُوَ سيد من سَادَات الْبَصْرَة، وَكَانَ عَالما بِالْعَرَبِيَّةِ وَأَيَّام النَّاس، وَكَانَ عِنْده عَن حَمَّاد بن سَلمَة تِسْعَة آلَاف حَدِيث.
وَهُوَ عبيد الله بن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن حَفْص بن مُوسَى بن عبيد الله بن معمر، أَبُو عبد الرَّحْمَن الْقرشِي، التَّيْمِيّ، يعرف بِابْن عَائِشَة.
وَعبيد الله بن جرير بن جبلة بن أبي رواد، أَبُو الْعَبَّاس، وَقيل: أَبُو الْحسن، الْعَتكِي، بَصرِي، قَالَ فِيهِ الْخَطِيب: وَكَانَ ثِقَة.
وَأما الحَدِيث الثَّانِي فَإِن مَدَاره على إِسْمَاعِيل بن سميع، وَعَلِيهِ اخْتلفُوا:(2/316)
فَمن قَائِل عَنهُ: عَن أبي رزين عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَمِمَّنْ يرويهِ عَنهُ هَكَذَا، الثَّوْريّ.
وَمن قَائِل عَنهُ: عَن أنس، رَوَاهُ عَنهُ هَكَذَا عبد الْوَاحِد بن زِيَاد، وَعبد الْوَاحِد ثِقَة، وَأَبُو مُحَمَّد يصحح أَحَادِيثه، وَالطَّرِيق إِلَيْهِ صَحِيح، فَإِن لَيْث بن حَمَّاد أَبَا عبد الرَّحْمَن الصفار، بَصرِي صَدُوق، قَالَه الْخَطِيب.
وَإِدْرِيس بن عبد الْكَرِيم الْحداد، الْمُقْرِئ، صَاحب خلف بن هِشَام، ثِقَة وَفَوق الثِّقَة بِدَرَجَة، قَالَه الْخَطِيب.
وَقَالَ ابْن الْمُنَادِي: كتب النَّاس عَنهُ لِثِقَتِهِ وصلاحه.
وَإِسْمَاعِيل بن سميع فِي نَفسه، كُوفِي، ثِقَة، مَأْمُون، قَالَه ابْن معِين.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: صَدُوق صَالح الحَدِيث.
وَقَالَ يحيى بن سعيد: لم يكن بِهِ بَأْس.
وَقَالَ ابْن حَنْبَل: صَالح.
وَقَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس فالحديثان صَحِيحَانِ فَاعْلَم ذَلِك.
(310) وَذكر أَيْضا مَا هَذَا نَصه: وروى همام قَالَ: حَدثنَا يحيى بن(2/317)
أبي كثير، أَن يعلى / بن حَكِيم حَدثهُ، أَن يُوسُف بن مَاهك حَدثهُ، أَن حَكِيم بن حزَام حَدثهُ أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي رجل أَشْتَرِي هَذِه الْبيُوع، فَمَا يحل لي مِنْهَا وَمَا يحرم عَليّ؟ قَالَ: " يَا ابْن أخي، إِذا ابتعت بيعا فَلَا تبعه حَتَّى تقبضه ".
ثمَّ قَالَ: هَكَذَا ذكر سَماع يُوسُف بن مَاهك من حَكِيم بن حزَام.
وَهِشَام الدستوَائي يرويهِ عَن يحيى، فَيدْخل بَين يُوسُف وَحَكِيم، عبد الله ابْن عصمَة، وَكَذَلِكَ هُوَ بَينهمَا فِي غير حَدِيث.
وَعبد الله بن عصمَة ضَعِيف جدا، ذكر هَذَا الحَدِيث الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره، انْتهى كَلَامه.
وَإِنَّمَا كتبته فِي هَذَا الْبَاب، لِأَنِّي حَملته على أحسن محتمليه، وَذَلِكَ أَنه إِن عَاد قَوْله: " ذكر هَذَا الحَدِيث الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره " على جَمِيع مَا ذكر من رِوَايَة همام وَمَا بعْدهَا، كَانَ بَاطِلا من القَوْل، لِأَن الدَّارَقُطْنِيّ لم يذكر حَدِيث همام الْمَذْكُور، الَّذِي ذكر فِيهِ سَماع يُوسُف بن مَاهك من حَكِيم بن حزَام أصلا، وَلَو كَانَ الْأَمر هَكَذَا لَكَانَ هَذَا من بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي عزاها إِلَى مَوَاضِع لَيست هِيَ فِيهَا، فَوَجَبَ أَن يكون قَوْله /: " ذكر هَذَا الحَدِيث الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره " رَاجعا إِلَى الرِّوَايَة الَّتِي جرى فِيهَا ذكر عبد الله بن عصمَة بن يُوسُف بن هامك، وَحَكِيم بن حزَام، فَهِيَ الَّتِي ذكر الدَّارَقُطْنِيّ، فَأَما رِوَايَة همام الَّتِي لَيْسَ فِيهَا عبد الله بن عصمَة فَلم يذكرهَا إِلَّا على خلاف ذَلِك.(2/318)
وَنَصّ مَا ذكر هُوَ هَذَا: حَدثنَا أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي، حَدثنَا أَحْمد بن سعيد ابْن صَخْر، حَدثنَا حبَان بن هِلَال، حَدثنَا همام، حثنا يحيى بن أبي كثير، حَدثنَا يعلى بن حَكِيم أَن يُوسُف بن مَاهك حَدثهُ، أَن عبد الله بن عصمَة حَدثهُ، أَن حَكِيم بن حزَام حَدثهُ، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا ابتعت بيعا فَلَا تبعه حَتَّى تستوفيه ".
وَإِذا أعدنا قَوْله: " ذكر هَذَا الحَدِيث الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره " إِلَى رِوَايَة هِشَام الدستوَائي، كَانَ فِيهِ أَيْضا مَا هُوَ بَاطِل، وَذَلِكَ أَن الَّذِي أَرَادَ إِنَّمَا هُوَ أَن الرِّوَايَة الَّتِي أَدخل فِيهَا عبد الله بن عصمَة بَينهمَا، ذكرهَا الدَّارَقُطْنِيّ، فجَاء بِلَفْظ فِيهِ الْخَطَأ، وَذَلِكَ أَن رِوَايَة هِشَام الدستوَائي الَّتِي ذكر أَبُو مُحَمَّد، هِيَ عَن يحيى ابْن أبي كثير، عَن يعلى بن حَكِيم، عَن يُوسُف بن مَاهك / عَن عبد الله بن عصمَة، عَن حَكِيم بن حزَام.
هَذَا هُوَ الَّذِي ذكر، فعد إِلَيْهِ حَتَّى ترَاهُ فِي كَلَامه، وَهَذَا لم يذكرهُ الدَّارَقُطْنِيّ أصلا، إِنَّمَا ذكر عبد لله بن عصمَة بَينهمَا من رِوَايَة أبان بن يزِيد الْعَطَّار، عَن يحيى بن أبي كثير، لَا من رِوَايَة هِشَام الدستوَائي.
فَإِذن بَاطِل أَن يكون معنى قَول أبي مُحَمَّد: ذكر هَذَا الحَدِيث الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره، أَن رِوَايَة همام، وَهِشَام ذكرهمَا الدَّارَقُطْنِيّ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَن دُخُول عبد الله بن عصمَة بَين يُوسُف وَحَكِيم، ذكره الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره.
ولعلك تَقول: لَعَلَّ هَذَا فِي كتاب الْعِلَل للدارقطني، فَاعْلَم أَنه يَقع فِيهِ لحكيم بن حزَام رسم، وَإِنَّمَا ذكر الحَدِيث فِي كتاب السّنَن، فَإِذا حملنَا كَلَامه(2/319)
على هَذَا الْمحمل الْأَبْعَد الأخفى، بَقِي الحَدِيث من رِوَايَة همام وَمن رِوَايَة هِشَام، غير معزو إِلَى مَوضِع.
وَهَذَا أولى من أَن نجعله نسب إِلَى كتاب الدَّارَقُطْنِيّ مَا لَيْسَ فِيهِ.
وَبعد هَذَا، فَاعْلَم أَن الحَدِيث الْمَذْكُور، إِنَّمَا نَقله من كتاب أبي مُحَمَّد بن حزم، فَإِنَّهُ عِنْده من طَرِيق قَاسم بن أصْبع، وَلم يُوصل إِلَيْهِ إِسْنَاده.
إِنَّمَا قَالَ: برهَان ذَلِك مَا روينَاهُ من طَرِيق قَاسم بن أصبغ، حَدثنَا أَحْمد بن زُهَيْر حَدثنَا أبي، حَدثنَا حبَان بن هِلَال، حَدثنَا همام بن يحيى، حَدثنَا يحيى بن أبي كثير أَن يعلى بن حَكِيم حَدثهُ، أَن يُوسُف بن مَاهك حَدثهُ، أَن حَكِيم بن حزَام حَدثهُ، أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله. فَذكر الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: فَإِن قيل بِأَن هَذَا الْخَبَر مُضْطَرب، لأنكم رويتموه من طَرِيق خَالِد ابْن الْحَارِث الهُجَيْمِي، عَن هِشَام الدستوَائي، عَن يحيى بن أبي كثير، قَالَ: نَبَّأَنِي رجل من إِخْوَاننَا، نَبَّأَنِي يُوسُف بن مَاهك، أَن عبد الله بن عصمَة الْجُشَمِي، حَدثهُ أَن حَكِيم بن حزَام حَدثهُ، فَذكر هَذَا الْخَبَر، وَعبد الله بن عصمَة مَجْهُول.
قُلْنَا: نعم إِلَّا أَن همام بن يحيى، رَوَاهُ كَمَا أوردنا قبل، عَن يحيى بن أبي كثير / فَسمى ذَلِك الرجل الَّذِي لم يسمه هِشَام، وَذكر أَنه يعلى بن حَكِيم.
ويعلى [بن حَكِيم] ثِقَة، وَذكر فِيهِ أَن يُوسُف سَمعه من حَكِيم بن حزَام.
وَهَذَا صَحِيح، فَإِنَّهُ إِذا سَمعه من حَكِيم، فَلَا يضرّهُ أَن يسمعهُ أَيْضا / من(2/320)
غير حَكِيم عَن حَكِيم، فَصَارَ حَدِيث خَالِد بن الْحَارِث لَغوا، كَانَ أَو لم يكن بِمَنْزِلَة وَاحِدَة. انْتهى كَلَام أبي مُحَمَّد بن حزم.
وَقد قُلْنَا قبل ونقول الْآن: إِن أَبَا مُحَمَّد عبد الْحق لم ينْقل عَن قَاسم بن أصبغ حرفا من كتبه، إِنَّمَا يروي من طَرِيقه مَا وجد عِنْد ابْن حزم، أَو عِنْد ابْن عبد الْبر، أَو ابْن الطلاع.
فَهُوَ إِذن إِنَّمَا ذكرهَا هَا هُنَا من أَمر هَذَا الحَدِيث مَا ذكر ابْن حزم فِي كَلَامه الَّذِي نصصنا الْآن.
اخْتَصَرَهُ فجَاء مِنْهُ أَن فِي رِوَايَة هِشَام الدستوَائي إِدْخَال عبد الله بن عصمَة بَين يُوسُف وَحَكِيم، وَترك مِنْهَا كَونه لم يسم يعلى بن حَكِيم.
وَهَذَا لم يكن بِهِ بَأْس لَوْلَا مَا قَالَ بعد ذَلِك: ذكر هَذَا الحَدِيث الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره، وَهُوَ لم يفعل.
وكل مَا نقل ابو مُحَمَّد بن حزم من طَرِيق قَاسم بن أصبغ مِمَّا تقدم ذكره، فَهُوَ فِي كتاب قَاسم كَذَلِك، وَلَا بَأْس بالإطالة بإيراده بنصه ثمَّ نتبعه مَا نرَاهُ فِيهِ.
قَالَ قَاسم: حَدثنَا مُحَمَّد بن الجهم، قَالَ: حَدثنَا عبد الْوَهَّاب، قَالَ: حَدثنَا هِشَام الدستوَائي، عَن يحيى بن ابي كثير، عَن يُوسُف بن مَاهك، أَن عبد الله بن عصمَة، حَدثهُ أَن حَكِيم بن حزَام حَدثهُ، فَذكره.
حَدثنَا أَحْمد بن زُهَيْر، حَدثنَا أبي، حَدثنَا يزِيد بن هَارُون، أَن هِشَام(2/321)
الدستوَائي، فَذكر بِإِسْنَادِهِ مثله.
ثمَّ قَالَ: قَالَ ابْن أبي خَيْثَمَة، هَكَذَا قَالَ يزِيد بن هَارُون، عَن الدستوَائي عَن يحيى بن أبي كثير، عَن يُوسُف بن مَاهك، وَلم يسمع يحيى من يُوسُف ابْن مَاهك هَذَا الحَدِيث.
حَدثنَا أَحْمد بن زُهَيْر، قَالَ: حَدثنَا عبيد الله بن عمر، قَالَ: حَدثنَا خَالِد ابْن الْحَارِث. قَالَ: حَدثنَا هِشَام، عَن يحيى، عَن رجل من إِخْوَاننَا، قَالَ: نَبَّأَنِي يُوسُف بن مَاهك، أَن عبد الله بن عصمَة، حَدثهُ أَن حَكِيم بن حزَام حَدثهُ، فَذكر الحَدِيث.
هَذِه رِوَايَة خَالِد بن الْحَارِث الَّتِي ذكر ابْن حزم، وَالَّتِي طوى مِنْهَا أَبُو مُحَمَّد: عبد الْحق، كَون يحيى بن أبي كثير لم يسم من حدث عَن يُوسُف بن مَاهك، وَأخذ مِنْهَا دُخُول عبد الله بن عصمَة، بَين يُوسُف وَحَكِيم، ثمَّ قَالَ قَاسم: أسمى الرجل همام بن يحيى.
حَدثنَا أَحْمد يَعْنِي ابْن زُهَيْر - حَدثنَا أبي، حَدثنَا حبَان بن هِلَال، حَدثنَا همام، حَدثنَا يحيى بن أبي / كثير، أَن يعلى بن حَكِيم حَدثهُ، أَن يُوسُف بن مَاهك حَدثهُ، أَن حَكِيم بن حزَام حَدثهُ، فَذكر الحَدِيث بنصه، وانْتهى مَا ذكر قَاسم فِي ذَلِك.
فَأَقُول (وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق) : إِنَّمَا كَانَت عنايته ببتبين اسْم الرجل الَّذِي لم يسمه خَالِد بن الْحَارِث فِي رِوَايَته عَن هِشَام، وأسقطه يزِيد بن هَارُون الْبَتَّةَ فِي رِوَايَته عَن هِشَام، وَكَذَلِكَ عبد الْوَهَّاب، فَأَما مَا بَين يُوسُف بن مَاهك وَحَكِيم بن حزَام فَلم يشْتَغل بِهِ، وَوَقع فِي وَرَايَة همام الِاتِّصَال فِي ذَلِك بقوله: عَن يُوسُف، أَن حَكِيم بن حزَام حَدثهُ، وَأَنا أَخَاف أَن يكون سقط من ثمَّ، أَن عبد الله بن(2/322)
عصمَة حَدثهُ، وَمر على الخواطر، فَإِن استبعدت هَذَا قربه لَك أَن الرِّوَايَة الْمَذْكُورَة - أَعنِي رِوَايَة همام - هِيَ من رِوَايَة حبَان بن هِلَال عَنهُ /.
وَقد ذَكرنَاهَا من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، من رِوَايَة أَحْمد بن سعيد بن صَخْر الدَّارمِيّ، عَن حبَان بن هِلَال، عَن همام بن يحيى - بِزِيَادَة عبد الله بن عصمَة -[وَهَذَا هُوَ ذَاك بِعَيْنِه، وَكَذَا يتَّصل، وَيكون حِينَئِذٍ ضَعِيفا بِضعْف عبد الله بن عصمَة] وَقد حصل الْمَقْصُود فِي ضمن مَا أطلنا بِهِ، وَهُوَ أَن أَبَا مُحَمَّد لم يعزه، وموضعه كتاب قَاسم، أَو كتاب ابْن أَيمن فقد ذكره كَذَلِك أَيْضا عَن أَحْمد بن زُهَيْر قَالَ: حَدثنَا أبي، حَدثنَا حبَان بن هِلَال، حَدثنَا همام، حَدثنَا يحيى بن أبي كثير، أَن يعلى بن حَكِيم حَدثهُ، أَن يُوسُف بن مَاهك حَدثهُ، أَن حَكِيم بن حزَام حَدثهُ، أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي أَشْتَرِي هَذِه الْبيُوع فَمَا يحل لي مِنْهَا مِمَّا يحرم؟ قَالَ: " يَا ابْن أخي إِذا ابتعت شَيْئا فَلَا تبعه حَتَّى تقبضه " فَاعْلَم ذَلِك.
(311) وَذكر من المراسل: " خلع معَاذ من مَاله ".
ثمَّ قَالَ: وَقد أسْندهُ هِشَام بن يُوسُف، عَن معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن ابْن كَعْب بن مَالك، عَن أَبِيه، والمرسل أصح.
كَذَا ذكر هَذِه الرِّوَايَة وَلم يعزها، وَلَا أعرف موقعها.
(312) وَذكر حَدِيث عَليّ فِي " التَّفْرِيق بَين السَّبي "، فَذكر لَهُ طَرِيقا غير(2/323)
طَرِيق مَيْمُون بن أبي شبيب، وَحَدِيث أبي مُوسَى، أَو عمرَان بن حُصَيْن.
فَأَما حَدِيث عَليّ، فقد بَيناهُ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي / ضعفها وَهِي صَحِيحَة، وَأما حَدِيث أبي مُوسَى، أَو عمرَان، فَإِنَّهُ من عِنْد الدراقطني، وَالْخلاف فِيهِ - كَمَا ذكر - على طليق بن مُحَمَّد.
وَمِنْهُم من يَجعله عَن طليق، عَن أبي بردة، عَن أبي مُوسَى.
وَمِنْهُم من يَجعله عَن طليق، عَن عمرَان.
وَمِنْهُم من يُرْسِلهُ، وكل ذَلِك ذكره الدَّارَقُطْنِيّ وَلَا يَصح، فَإِن طليقاً لَا تعرف حَاله، وَهُوَ خزاعي.
(313) وَذكر حَدِيث: " الْمُسلمُونَ عِنْد شروطهم " ثمَّ قَالَ: وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث من طَرِيق مُرْسلَة، عَن عمر بن عبد الْعَزِيز، وَعَطَاء بن أبي رَبَاح، وَقد رُوِيَ مُسْندًا من حَدِيث عَائِشَة وَأنس. ثمَّ قَالَ: وأسانيدها لَا يحْتَج بهَا.
كَذَا أورد هَذِه الْأَحَادِيث غير معزوة، فَأَما المرسلان فَلَا أذكر الْآن موقعهما وَأما الْمسند من حَدِيث عَائِشَة، وَأنس، فَذكره الدَّارَقُطْنِيّ.(2/324)
وَقد كتبناه فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي لم يبين عللها.
(314) وَذكر أَيْضا من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، حَدِيث ابْن عَبَّاس: " لَا وَصِيَّة لوَارث إِلَّا أَن يَشَاء الْوَرَثَة ".
وَأعله بالانقطاع، ثمَّ قَالَ: وَوَصله يُونُس بن رَاشد، فَرَوَاهُ عَن عَطاء عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس، والمقطوع هُوَ الْمَشْهُور.
هَكَذَا ذكره، وَلَيْسَ يتَبَيَّن بِهَذَا الذّكر أَن رِوَايَة يُونُس بن رَاشد عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ، وَهِي عِنْده، وَلم يذكر علته وَقد بيناها فِي الْبَاب الْمَذْكُور.
(315) وَذكر أَيْضا حَدِيث عَائِشَة: " الْخَال وَارِث من لَا وراث لَهُ ".
وَلم يعزه، وَهُوَ عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ، وَقد كتبنَا مَا فِيهِ من الِاخْتِلَاف فِي الْبَاب الْمَذْكُور.
(316) وَذكر مُرْسل عَطاء، فِي أَن " الْعمة وَالْخَالَة لَا مِيرَاث لَهَا ".
ثمَّ قَالَ: وأسنده مسْعدَة بن اليسع الْبَاهِلِيّ، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فِي أَنه لَا شَيْء لَهما.
قَالَ: ومسعدة مَتْرُوك، وَالصَّوَاب مُرْسل.
وَهَذَا لم يعزه أَيْضا، وَهُوَ فِي كتاب السّنَن للدارقطني من الطَّرِيق الْمَذْكُور.(2/325)
(317) وَذكر حَدِيث عَليّ من عِنْد الْبَزَّار " فِي شَأْن القبطي الَّذِي كَانَ يزور مَارِيَة، فَوجدَ مجبوباً ".
ثمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ يحيى بن سعيد الْقطَّان، عَن الثَّوْريّ، عَن مُحَمَّد بن عمر بن عَليّ بن أبي طَالب، عَن جده عَليّ، وأسنده أَبُو نعيم عَن / الثَّوْريّ، عَن مُحَمَّد / بن عمر بن عَليّ، عَن أَبِيه، عَن عَليّ.
وَاخْتلف عَن أبي نعيم، والمرسل أصح.
هَكَذَا أورد روايتي يحيى بن سعيد وَأبي نعيم عَن الثَّوْريّ، وَلم يعزهما، وَلَا أعرف موقعهما.
(318) وَذكر حَدِيث نَاقَة الْبَراء من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن الزُّهْرِيّ، عَن حرَام بن محيصة، عَن الْبَراء.
ثمَّ قَالَ: حرَام لم يسمع من الْبَراء، ثمَّ قَالَ: وروى معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن حرَام بن محيصة، عَن أَبِيه، عَن الْبَراء، وَلم يُتَابع على قَوْله: عَن أَبِيه.
هَذَا مَا أورد فِيهِ، وَلم يعز هَذِه الرِّوَايَة، وَهِي عِنْد أبي دَاوُد أَيْضا.
ثمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ ابْن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ، عَن حرَام بن سعد، وَابْن الْمسيب عَن الْبَراء.(2/326)
ثمَّ ذكر رِوَايَة ابْن جريج، وَلم يعزهما، قَالَ: وَفِيه اخْتِلَاف أَكثر من هَذَا. انْتهى قَوْله.
وَقد وَجب أَن نذْكر مَا تحصل فِي هَذَا الحَدِيث عَن ابْن شهَاب، فَيكون فِي ضمنه الْمَقْصُود، وَذَلِكَ أَن عَنهُ فِيهِ سَبْعَة أَقْوَال:
أَولهَا: قَول معمر: عَن الزُّهْرِيّ، عَن حرَام، عَن أَبِيه، أَن نَاقَة للبراء. ذكرهَا أَبُو دَاوُد.
وَالثَّانِي: قَول الْأَوْزَاعِيّ: عَن الزُّهْرِيّ، عَن حرَام، عَن الْبَراء. ذكره أَيْضا أَبُو دَاوُد.
وَالثَّالِث: قَول مَالك: عَن الزُّهْرِيّ، عَن حرَام أَن نَاقَة للبراء.
وَالرَّابِع: قَول معن بن عِيسَى: عَن مَالك، عَن الزُّهْرِيّ، عَن حرَام، عَن جده محيصة، أَن نَاقَة للبراء.
نقلته من مُسْند حَدِيث مَالك فِي الْمُوَطَّأ للجوهري.
وَالْخَامِس: قَول ابْن عُيَيْنَة: عَن الزُّهْرِيّ، عَن حرَام، وَسَعِيد بن الْمسيب. ذكره ابْن عبد الْبر.
وَالسَّادِس: قَول ابْن جريج: عَن الزُّهْرِيّ، أَخْبرنِي أَبُو أُمَامَة أَن نَاقَة للبراء. ذكره أَيْضا ابْن عبد الْبر.
وَالسَّابِع: قَول أبي ذُؤَيْب: عَن الزُّهْرِيّ، بَلغنِي أَن نَاقَة للبراء. ذكره أَيْضا ابْن عبد الْبر.
وَلَا أبعد الزِّيَادَة على هَذَا، وَلَكِن هَذَا المتيسر أحْوج إِلَيْهِ قَوْله: وَفِيه(2/327)
اخْتِلَاف أَكثر من هَذَا.
(319) وَذكر من طَرِيق إِسْرَائِيل، عَن عمر بن عبد الله بن يعلى، عَن حكيمة، عَن أَبِيهَا، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من الْتقط لقطَة، درهما أَو حبلاً أَو شبه ذَلِك فليعرفه ثَلَاثَة أَيَّام " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: حكيمة هِيَ بنت غيلَان الثقفية، وَعمر بن عبد الله / هَذَا مُنكر الحَدِيث.
ضعفه أَبُو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم.
انْتهى مَا ذكر. وَلم يعزه وَلَا أذكر لَهُ الْآن موقعاً.
(320) وَذكر بعده، عَن مسلمة بن عَليّ، عَن الْمثنى بن الصياح، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من وجد دَوَاة أَو سكيناً " الحَدِيث.
كَذَا أَيْضا لم يعزه، وَهُوَ فِي كتاب أبي أَحْمد بِإِسْنَادِهِ وَمَتنه.(2/328)
(321) وَذكر مُرْسل عِكْرِمَة: " وَالله لأغزون قُريْشًا ".
ثمَّ قَالَ: إِنَّه يرويهِ مُسْندًا عبد الْوَاحِد بن صَفْوَان، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَقَالَ بعد الثَّالِثَة: ثمَّ سكت سَاعَة ثمَّ قَالَ: " إِن شَاءَ الله ".
وَعبد الْوَاحِد لَيْسَ حَدِيثه بِشَيْء، وَالصَّحِيح مُرْسل.
هَكَذَا أَيْضا لم يعزه، وَهُوَ مَذْكُور فِي كتاب أبي أَحْمد بِإِسْنَادِهِ هَذَا وَمَتنه.
(322) وَذكر من المراسل عَن ربيعَة فِي أَن " عقل الذِّمِّيّ كَانَ مثل عقل الْمُسلم فِي زمَان النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَأبي بكر وَعمر، حَتَّى كَانَ صدر من زمن مُعَاوِيَة ".
ثمَّ قَالَ: قد أسْند هَذَا / بركَة بن مُحَمَّد، من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَذكر قصَّة مُعَاوِيَة مختصرة.
وبركة مَتْرُوك، وَزَاد: فَلَمَّا اسْتخْلف عمر بن عبد الْعَزِيز، رد الْأَمر إِلَى الْقَضَاء الأول.
هَذَا مَا ذكر، وَلم يعز رِوَايَة بركَة، وَإِنَّمَا نقلهَا من كتاب أبي أَحْمد. قَالَ أَبُو أَحْمد: حَدثنَا أَحْمد بن عبد الله بن سَابُور قَالَ: حَدثنَا بركَة بن مُحَمَّد الْحلَبِي، قَالَ حَدثنَا الْوَلِيد بن مُسلم، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن يحيى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن، عَن أبي هُرَيْرَة، أَن " الدِّيَة كَانَت(2/329)
على عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أبي بكر، وَعمر، وَعُثْمَان وَعلي، - رضوَان الله عَلَيْهِم - دِيَة الْمُسلم واليهودي وَالنَّصْرَانِيّ سَوَاء، فَلَمَّا اسْتخْلف مُعَاوِيَة صير دِيَة الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ على النّصْف من دِيَة الْمُسلم، فَلَمَّا اسْتخْلف عمر بن عبد الْعَزِيز، رد الْأَمر إِلَى الْقَضَاء الأول ".
(323) وَذكر أَيْضا من المراسل عَن ربيعَة، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْبَيْلَمَانِي حَدِيث " قتل الْمُسلم بالذمي ".
ثمَّ قَالَ: وَقد أسْند عَن ابْن الْبَيْلَمَانِي، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَا يَصح من أجل ابْن الْبَيْلَمَانِي.
هَذَا مَا أورد وَلم يعز / هَذِه الرِّوَايَة، وَهِي فِي كتاب الدَّارَقُطْنِيّ، قَالَ: حَدثنَا الْحسن بن أَحْمد بن سعيد الرهاوي، أنبأني جدي: سعيد بن مُحَمَّد الرهاوي، أَن عمار بن مطر حَدثهمْ، قَالَ: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْأَسْلَمِيّ، عَن ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن، عَن ابْن الْبَيْلَمَانِي، عَن ابْن عمر، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " قتل مُسلما بمعاهد، وَقَالَ: أَنا أكْرم من وفى بِذِمَّتِهِ ".
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لم يسْندهُ غير إِبْرَاهِيم بن أبي يحيى، وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث، وَالصَّوَاب: عَن ربيعَة، عَن ابْن الْبَيْلَمَانِي مُرْسلا عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَابْن الْبَيْلَمَانِي ضَعِيف لَا تقوم بِهِ حجَّة إِذا وصل الحَدِيث، فَكيف إِذا أرْسلهُ. انْتهى كَلَامه.(2/330)
وَأَبُو مُحَمَّد - رَحمَه الله - لم يعل الحَدِيث إِلَّا بِابْن الْبَيْلَمَانِي، وإعلاله بِابْن أبي يحيى أولى، إِن كَانَ هَذَا الْإِسْنَاد معنيه، إِلَّا أَنه لما لم يعز مَا ذكر، جَازَ أَن يكون إِنَّمَا نَقله من طَرِيق آخر لَا يكون فِيهِ ابْن أبي يحيى، فَلذَلِك لَا نذكرهُ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أعلها بِقوم وَترك أمثالهم أَو أَضْعَف مِنْهُم، لم يعرض لَهُم.
(324) وَذكر عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " اجتهدوا أَيْمَانهم وكلوا ". [يَعْنِي] اللحمان الَّتِي تقدم بهَا الْأَعْرَاب، لَا يدرى اذْكروا اسْم الله عَلَيْهَا أم لَا وَلم يعز هَذِه الرِّوَايَة.
(325) وَذكر من طَرِيق مَالك عَن ابْن عمر، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " طَعَام الْبَخِيل دَاء، وَطَعَام السخي شِفَاء ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا من رِوَايَة الْمِقْدَام بن دَاوُد، عَن عبد الله بن يُوسُف التنيسِي، عَن مَالك.
كَذَا أوردهُ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة غير معزو، إِذْ لم يذكرهُ مَالك فِي كِتَابه، فَإِنَّمَا(2/331)
ذكر مَالك فِيهِ، بِمَثَابَة ذكر نَافِع أَو غَيره من رُوَاته.
وَأَبُو مُحَمَّد عبد الْحق - رَحمَه الله - إِنَّمَا هُوَ عِنْده من كتيب لأبي عَليّ / الصَّدَفِي، كتب فِيهِ عواليه، هُوَ عِنْدِي من رِوَايَة أبي الحكم بن غشليان، عَنهُ أوردهُ أَبُو مُحَمَّد فِي كِتَابه / الْكَبِير، عَن أبي عَليّ، الْمَذْكُور قَالَ: حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس العذري، حَدثنَا مُحَمَّد بن نوح الْأَصْبَهَانِيّ بِمَكَّة، حَدثنَا سُلَيْمَان بن أَيُّوب الطَّبَرَانِيّ، حَدثنَا الْمِقْدَام بن دَاوُد، حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف التنيسِي، عَن مَالك بن أنس، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَذكره.
قَالَ أَبُو عَليّ: حَدِيث غَرِيب عَجِيب، وَرِجَاله كلهم ثِقَات أَئِمَّة. انْتهى مَا ذكر.
وَإِنَّهُم لمشاهير ثِقَات، إِلَّا مِقْدَام بن دَاوُد، فَإِن أهل مصر تكلمُوا فِيهِ.
وَقَالَ فِيهِ الدَّارَقُطْنِيّ: ضَعِيف.
(326) وَذكر حَدِيث " حرمت الْخمر بِعَينهَا، والمسكر من كل شراب ".
ثمَّ قَالَ: رُوِيَ مَرْفُوعا عَن أنس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَفِي إِسْنَاده سعيد بن عمَارَة، عَن الْحَارِث بن النُّعْمَان، وَمن حَدِيث أبي سعيد، وَفِي إِسْنَاده سوار ابْن مُصعب، عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ وَلم يعزهما.
(327) وَذكر أَيْضا حَدِيث عَليّ لكنه عزاهُ بعد وَإِنَّمَا نقل حَدِيث(2/332)
أنس، وَأبي سعيد من كتاب أبي مُحَمَّد بن حزم، وَلم يُوصل إِسْنَاده بهما.
(328) وَذكر أَيْضا حَدِيث التِّرْمِذِيّ فِي كسر الدنان.
ثمَّ قَالَ: ويروى فِي " كسر جرار الْخمر وشق زقاقها " عَن ابْن عمر، وَأبي هُرَيْرَة، وَجَابِر بن عبد الله. قَالَ: وأسانيدها ضَعِيفَة، فِيهَا ثَابت بن يزِيد الْخَولَانِيّ، ونسير بن دعلوق، وَابْن لَهِيعَة، وَعمر بن صهْبَان، وَغَيرهم.
كَذَا ذكرهَا وَلم يعزها، وَهُوَ أَيْضا إِنَّمَا نقلهَا من عِنْد ابْن حزم، وَتَبعهُ فِيمَا جهل، وَذَلِكَ أَن ابْن حزم قَالَ عَن خصومه: إِنَّهُم احْتَجُّوا بِخَبَر من طَرِيق ابْن عمر، قَالَ:
(329) " شقّ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - زقاق الْخمر ".
وبخبر من طَرِيق أبي هُرَيْرَة، أَنه عَلَيْهِ السَّلَام:
(330) " شقّ زقاق الْخمر ".
ويخبر من طَرِيق جَابر، أَنه عَلَيْهِ السَّلَام:(2/333)
(331) " أراق الْخمر، وَكسر جرارها ".
قَالَ: وكل هَذَا لَا يَصح مِنْهُ شَيْء.
أما خبر ابْن عمر، فأحد طرقه، فِيهِ ثَابت بن يزِيد الْخَولَانِيّ، وَهُوَ مَجْهُول لَا يدْرِي من هُوَ.
وَالثَّانِي من طَرِيق ابْن لَهِيعَة، وَهُوَ هَالك، عَن أبي طعمة: وَهُوَ نسير بن ذعلوق، وَهُوَ لَا شَيْء.
وَالثَّالِث من رِوَايَة عبد الْملك بن حبيب الأندلسي، وَهُوَ / هَالك، عَن طلق، وَهُوَ ضَعِيف.
وَأما حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَفِيهِ عمر بن صهْبَان، وَهُوَ ضَعِيف، ضعفه البُخَارِيّ، وَغَيره، وَفِيه أَيْضا آخر لم يسم.
وَحَدِيث جَابر من طَرِيق ابْن لَهِيعَة، وَهُوَ مطرح.
هَذَا نَص كَلَامه، وَقد تبعه أَبُو مُحَمَّد فِي رمي الحَدِيث من أجل نسير بن ذعلوق: أبي طعمة، وَهُوَ رجل قَالَ فِيهِ ابْن معِين: ثِقَة وَقَالَ أَبُو حَاتِم: صَالح.
وكل هَذِه الْأَحَادِيث لم يُوصل إِلَيْهَا إِسْنَادًا، فَنحْن سننبه عَلَيْهَا إِن شَاءَ الله فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة وَهِي مُنْقَطِعَة(2/334)
وَإِنَّمَا ذَكرنَاهَا الْآن فِي هَذَا الْبَاب، بِاعْتِبَار أَنه لم يعزها.(2/335)
(12) بَاب ذكر أَحَادِيث، أبعد النجعة / فِي إيرادها، ومتناولها أقرب وَأشهر(2/337)
اعْلَم أَنه لَو كَانَ يذكر الْأَحَادِيث موصلة مِنْهُ بأسانيدها، لم يلْزمه أَن يوردها إِلَّا من حَدِيث اتَّصَلت لَهُ، كَمَا قد يَسُوق ابْن عبد الْبر من طَرِيق قَاسم، أَو ابْن أَيمن، أَو غَيرهمَا مَا هُوَ عِنْد البُخَارِيّ أَو مُسلم موصلاً، فَأَما من اعْتمد نِسْبَة الْأَحَادِيث إِلَى موَاضعهَا الْمَشْهُورَة كطريقته هُوَ فِي كِتَابه هَذَا، فَعَلَيهِ الدَّرك فِي إِيرَاده من مَوضِع خامل إِذا كَانَ فِي أشهر مِنْهُ، لَا سِيمَا مَعَ مَا صَحَّ فِي الْوُجُود من أَن هَذِه المختصرات، أَكثر من يلجأ إِلَيْهَا ويعتمد قرَاءَتهَا، إِنَّمَا هم من لَا علم عِنْده بِالْحَدِيثِ، وَإِن كَانَ فيهم من يطْلب أنواعاً من الْعلم غَيره.
فَإِذا الْأَمر هَكَذَا، فَأول حَاصِل عِنْد من يرى الحَدِيث هَا هُنَا مَنْسُوبا إِلَى مَوضِع، عَدمه فِي غَيره، والاحتياج فِيهِ إِلَى من ذكره عَنهُ، فَيحصل من هَذَا مَعَ أهل هَذَا الشَّأْن فِي مثل مَا يحصل فِيهِ من ينْسب مَسْأَلَة من النَّحْو إِلَى الْمَهْدَوِيّ، أَو ابْن النّحاس، وَهِي فِي كتاب سِيبَوَيْهٍ.
وَفِي الْحَقِيقَة جدوى هَذِه التَّرْجَمَة لَيْسَ من الْوَاجِب، وَلكنه مكمل، وَإِن اتّفق أَن يكون من أذكر الحَدِيث عَنهُ الْآن غير مَشْهُور عِنْد من يَقْرَؤُهُ، كَالَّذي / أخرجه أَبُو مُحَمَّد من عِنْده فِي حَقه، فليعد الْفَائِدَة فِيهِ تَكْثِير موَاضعه وتبيين مواقعه.
(332) فَمن ذَلِك أَنه ذكر حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ، وَلَا يسمع بِي اُحْدُ من هَذِه الْأمة، يَهُودِيّ وَلَا نَصْرَانِيّ ... "(2/339)
الحَدِيث من كتاب مُسلم.
ثمَّ أردفه من كتاب عبد بن حميد رِوَايَة فِيهِ، وَهِي: " لَا يسمع بِي أحد من هَذِه الْأمة وَلَا يَهُودِيّ وَلَا نَصْرَانِيّ ".
وَهُوَ حَدِيث صَحِيح عِنْد عبد بن حميد، قَالَ فِيهِ: أخبرنَا عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن همام، عَن أبي هُرَيْرَة فَذكره.
إِلَّا أَنه أبعد فِيهِ النجعة، وأوهم قارئه أَنه مُحْتَاج فِيهِ إِلَى شَاذ كتاب عبد بن حميد.
وَابْن أبي شيبَة قد ذكر من حَدِيث أبي مُوسَى صَحِيحا، ذَلِك الْمَعْنى بِعَيْنِه، وَكتابه عندنَا أشهر وَأكْثر وجودا.
قَالَ أَبُو بكر بن أبي شيبَة: حَدثنَا عَفَّان، حَدثنَا شُعْبَة، حَدثنَا أَبُو بشر، سَمِعت سعيد بن جُبَير، يحدث عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من سمع بِي من أمتِي، أَو يَهُودِيّ، أَو نَصْرَانِيّ، ثمَّ لم يُؤمن بِي دخل النَّار ".
هَذَا [حَدِيث] صَحِيح الْإِسْنَاد فاعلمه.
(333) وَذكر أَيْضا فِي كتاب الْعلم من فَوَائِد ابْن صَخْر، حَدِيث:(2/340)
" أَشد النَّاس عذَابا " الحَدِيث.
ورده من أجل عُثْمَان بن مقسم الْبري إِلَّا أَنه أبعد النجعة، وَعذر الْوُقُوف عَلَيْهِ فِي مَوضِع هُوَ فِيهِ إِلَّا لآحاد من أهل هَذَا الشَّأْن.
وَابْن صَخْر مَعَ ذَلِك إِنَّمَا خرج بِإِسْنَادِهِ فِيهِ إِلَى ابْن وهب، ونسبته إِلَيْهِ كَانَت أولى وَأَعْلَى، فَإِنَّهُ مَذْكُور فِي جَامعه، وَهُوَ مَشْهُور مَعْرُوف وَمن طَرِيقه سَاقه / ابْن صَخْر من فَوَائده، وَابْن عبد الْبر فِي بَيَان الْعلم.
وَسَنَد ابْن صَخْر فِيهِ هُوَ هَذَا: أخبرنَا أَبُو يَعْقُوب النجيرمي إملاء، أخبرنَا زَكَرِيَّاء بن يحيى السَّاجِي، حَدثنَا أَحْمد بن سعيد، حَدثنَا ابْن وهب، أنبأني يحيى ابْن سَلام، عَن عُثْمَان بن مقسم، عَن سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة عَالم لم يَنْفَعهُ الله بِعِلْمِهِ ". قَالَ ابْن صَخْر: وَهَذَا / غَرِيب الْإِسْنَاد والمتن، وَابْن وهب أرفع من يحيى ابْن سَلام، وَلم يرو هَذَا هَكَذَا فِيمَا قيل غير الْبري. انْتهى كَلَام ابْن صَخْر.
وَقد عمل أَبُو مُحَمَّد بِمثل مَا طلبته بِهِ الْآن فِي الحَدِيث الَّذِي ذكره فِي بَاب يَلِيهِ، وَذَلِكَ أَنه قَالَ:
(334) وَذكر ابْن وهب عَن عبَادَة بن الصَّامِت أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -(2/341)
قَالَ: " لَيْسَ منا من لم يجل كَبِيرنَا " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: خرجه أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ فِي بَيَان الْمُشكل.
فَإِن هَذَا لَيْسَ إِخْبَارًا عَن موقع آخر للْخَبَر، بل اخبر عَن الْموضع الَّذِي نَقله مِنْهُ، وَهُوَ كتاب الطَّحَاوِيّ، بعد أَن نبه على كَونه عِنْد ابْن وهب.
وَأرَاهُ - وَالله أعلم - لم يقف عَلَيْهِ عَن ابْن وهب، فَعمل فِيهِ كَمَا يعْمل فِيمَا ينْسبهُ إِلَى قَاسم بن أصبغ، أَو ابْن أَيمن، وَإِنَّمَا ذَلِك بتوسط ابْن حزم، أَو ابْن عبد الْبر، أَو ابْن الطلاع.
والْحَدِيث الْمَذْكُور إِنَّمَا ذكره الطَّحَاوِيّ من طَرِيق ابْن وهب هَكَذَا: أخبرنَا يُونُس بن عبد الْأَعْلَى وَمُحَمّد بن عبد الله بن عبد الحكم، قَالَا: حَدثنَا عبد الله ابْن وهب، أنبأني مَالك بن الْخَيْر الزيَادي، عَن أبي قبيل، عَن عبَادَة بن الصَّامِت أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَيْسَ منا من لم يجل كَبِيرنَا، وَيرْحَم صَغِيرنَا، وَيعرف لعالمنا حَقه ".
وَاعْلَم أَن هَذَا إِذا تكَرر لَهُ فِي الْأَحَادِيث - أَعنِي أَن يَقُول: ذكر ابْن وهب ثمَّ يَقُول: خرجه الطَّحَاوِيّ، أَو ذكر ابْن وهب ثمَّ يَقُول: خرجه ابْن صَخْر، أَو ذكر قَاسم، ثمَّ يَقُول: خرجه ابْن حزم، وَأَشْبَاه ذَلِك مِمَّا يكثر لَهُ - فَلَيْسَ هُوَ على حد مَا لَو قَالَ: روى الْأَعْمَش، ثمَّ يَقُول: خرجه مُسلم، أَو روى الزُّهْرِيّ، ثمَّ يَقُول: خرجه البُخَارِيّ، فَإِن هَذَا لم يعْمل بِهِ، وَإِنَّمَا لم يعْمل بِهِ لما لم يكن مَا يَأْتِي بِهِ من الحَدِيث عَن هَؤُلَاءِ وأمثالهم من كتب وضعوها، وَخَرجُوا الْأَحَادِيث فِيهَا، وَإِنَّمَا عمل بِهِ فِي حق أُولَئِكَ الْأُخَر وأشباههم، لما كَانَت الْأَحَادِيث الَّتِي يُورد عَنْهُم مخرجة فِي كتبهمْ، إِلَّا أَنه لم يقف عَلَيْهَا فِيهَا(2/342)
/ فَصَارَ ينْسب الْأَحَادِيث إِلَيْهِم، ويعزوها إِلَى من جَاءَ بهَا من طَرِيق أحدهم.
وَرُبمَا لم يعْمل هَذَا فِي بعض هَؤُلَاءِ كمالك - رَحمَه الله - فَإِنَّهُ يَسُوق أَحَادِيث معزوة إِلَى البُخَارِيّ، أَو مُسلم، وَلَا يذكر أَنَّهَا من رِوَايَة مَالك فِي موطئِهِ.
وَكَذَا هَذَا مِنْهُ لِأَنَّهُ يُقيم نسبتها إِلَى أَحدهمَا مقَام تَصْحِيحه إِيَّاهَا /، بِمَا علم من اشتراطهما الصِّحَّة، لكنه اسْتمرّ بِهِ ذَلِك إِلَى أَن صَار يذكر الحَدِيث من عِنْد النَّسَائِيّ أَو أبي دَاوُد، وَلَا يبين أَنه من رِوَايَة مَالك فِي موطئِهِ، فجَاء هَذَا / بِمَثَابَة الحَدِيث المبدوء بِذكرِهِ، الْمَنْسُوب إِلَى فَوَائِد ابْن صَخْر، وَهُوَ فِي كتاب ابْن وهب الَّذِي نَقله مِنْهُ ابْن صَخْر فَاعْلَم ذَلِك.
(335) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " انْصَرف من صَلَاة جهر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ " الحَدِيث إِلَى آخِره.
كَذَا ذكره من عِنْد أبي دَاوُد، وَهُوَ مِمَّا [قد] فَرغْنَا الْآن من التَّنْبِيه عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنه [مَذْكُور] فِي الْمُوَطَّأ كَمَا أوردهُ، فَلَا أَدْرِي لِمَ لم ينْسبهُ إِلَى مَالك.
(336) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه، عَن(2/343)
جده، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الرَّاكِب شَيْطَان، والراكبان شيطانان، وَالثَّلَاثَة ركب ".
هَذَا أَيْضا فِي الْمُوَطَّأ بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَمن طَرِيق مَالك سَاقه النَّسَائِيّ.
(337) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث: " أينقص الرطب إِذا يبس؟ ".
وَهُوَ فِي الْمُوَطَّأ، وَمن طَرِيق مَالك سَاقه أَبُو دَاوُد، وَقد أَخْبَرتك أَنِّي لَا أطالبه بِمثل هَذِه الْمُطَالبَة فِيمَا يَسُوقهُ من عِنْد مُسلم، أَو البُخَارِيّ، وَهُوَ فِي الْمُوَطَّأ مِمَّا يسوقانه، من طَرِيق مَالك، لِأَن ذَلِك مِنْهُ قَائِم مقَام التَّصْحِيح لَهُ.
أما مَا يَسُوقهُ من عِنْد غَيرهمَا، فَفِيهِ إبعاد انتجاع، وَرُبمَا يكون كتاب الْمُوَطَّأ فِي حجر من يتجشم الْمَشَقَّة فِي رِوَايَة الحَدِيث فِي كتاب النَّسَائِيّ، أَو أبي دَاوُد، بِمَا أبعد من خاطره، وَذَلِكَ بِمَا يعْتَقد من اطِّلَاعه واتساعه.
فَيَقُول الْقَارئ لَهُ: لم ينْسبهُ إِلَى النَّسَائِيّ إِلَّا وَقد عَدمه فِي غَيره من الْكتب /، وَهُوَ فِي حجره فِي كتاب الْمُوَطَّأ.
وَقد عمل أَيْضا فِي بعض الْأَحَادِيث عملا هُوَ خلاف مَا نبهنا عَلَيْهِ، وَهُوَ أَن ينْسب الحَدِيث إِلَيّ من أخرجه، وَهُوَ إِنَّمَا وقف عَلَيْهِ عِنْد غَيره مِمَّن أخبر عَنهُ أَنه أخرجه، كَمَا لَو قَالَ الْآن رجل: أخرج مُسلم حَدِيث كَذَا، وَهُوَ إِنَّمَا رَآهُ فِي هَذَا الْكتاب: كتاب الْأَحْكَام.(2/344)
(338) فَمن ذَلِك أَنه قَالَ: وَذكر أَسد بن مُوسَى، عَن حَاتِم بن إِسْمَاعِيل، عَن عبد الرَّحْمَن بن عَطاء، عَن عبد الْملك بن جَابر، عَن جَابر، حَدِيث: " شقّ الْقَمِيص، لِأَنَّهُ كَانَ بعث بهديه ".
وَهَذَا إِنَّمَا نَقله من عِنْد ابْن عبد الْبر، وَابْن عبد الْبر ذكره بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَسد، فَعَزاهُ أَبُو مُحَمَّد إِلَى أَسد، وَترك أَبَا عمر، عكس عمله الْمُتَقَدّم.
(339) وَذكر أَيْضا من طَرِيق أبي عبد الله الْحَاكِم من عُلُوم الحَدِيث لَهُ، من طَرِيق ابْن وهب، قَالَ: أنبأني مخرمَة بن بكير، عَن أَبِيه، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، قَالَ: قَاتل عبد مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ لَهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أذن لَك سيدك؟ " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: [قَالَ] الْحَاكِم: لَا نعلم أحدا رَفعه.
هَذَا مَا ذكره بِهِ، والْحَدِيث فِي موطأ ابْن وهب بِإِسْنَادِهِ وَمَتنه.
وَأما قَول الْحَاكِم: لَا أعلم أحدا رَفعه، فَإِنَّهُ إِن كَانَ عَنى بِهِ أَنه لَا يعلم أحدا أسْندهُ وَوَصله فَصدق، وَلَكِن لَيست هَذِه الْعبارَة مَشْهُورَة عَن هَذَا الْمَعْنى، وَإِنَّمَا يُقَال ذَلِك فِيمَا يكون مَوْقُوفا.
وَإِن كَانَ يَعْنِي بِهَذَا / أَن أحدا لم يبلغ بِهِ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَهَذَا خطأ، فقد ذكر ابْن وهب فِي ذَلِك مرسلين، أَحدهمَا أحسن من هَذَا، ولسنا لذكرهما الْآن.(2/345)
(340) وَذكر فِي كتاب الْإِيمَان مَا هَذَا نَصه: وَمِمَّا رويته بِالْإِسْنَادِ الْمُتَّصِل إِلَى ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن الله تجَاوز لي عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ ".
قَالَ: ذكرت إِسْنَاده فِي الْكتاب الْكَبِير وَقد ذكره أَبُو بكر الْأصيلِيّ فِي فَوَائده، وَابْن الْمُنْذر فِي كتاب الْإِقْنَاع.
هَذَا هُوَ كَمَا قَالَ، إِلَّا أَن الحَدِيث فِي كتاب / الدَّارَقُطْنِيّ، وَهُوَ أَكثر النَّاس نقلا مِنْهُ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي، وَأَبُو مُحَمَّد بن صاعد ومُوسَى بن جَعْفَر بن قرين، وَأحمد بن إِبْرَاهِيم [بن حبيب] الزراد، وَعبد الله بن أَحْمد بن إِسْحَاق الْمصْرِيّ، قَالُوا: حَدثنَا الرّبيع بن سُلَيْمَان حَدثنَا بشر بن بكر، حَدثنَا الْأَوْزَاعِيّ، عَن عَطاء بن أبي رَبَاح، عَن عبيد بن عُمَيْر، عَن ابْن عَبَّاس، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن الله تجَاوز لأمتي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ ".
(341) وَذكر أَيْضا فِي كتاب الْعلم، من طَرِيق أبي عمر بن عبد الْبر،(2/346)
عَن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن العذري، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يحمل هَذَا الْعلم من كل خلف عدوله، ينفون عَنهُ تَحْرِيف الغالين، وانتحال المبطلين وَتَأْويل الْجَاهِلين ".
قَالَ: وَذكره الْعقيلِيّ من حَدِيث أَبى هُرَيْرَة وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَأحسن مَا فِي هَذَا مُرْسل إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن.
كَذَا ذكر هَذَا الْمُرْسل من عِنْد ابْن عبد الْبر، وَترك ذكره من مواقع هِيَ أرفع وَأشهر، وأوهم بِذكرِهِ من عِنْد أبي عمر - وَمَا ذكر بعد ذَلِك من كَون الْعقيلِيّ رَوَاهُ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَعبد الله بن عَمْرو - أَنه لَيْسَ عِنْد الْعقيلِيّ.
وَأَبُو عمر إِنَّمَا ذكره من طَرِيق الْعقيلِيّ.
وَقد ذكره أَبُو أَحْمد بن عدي، وَأَبُو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم.
وَسَنذكر أسانيده فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ردهَا بِالْإِرْسَال وَلها عُيُوب سواهُ.
(342) وَذكر فِي كتاب الْعلم مَا هَذَا نَصه: روى إِسْمَاعِيل بن خَالِد المَخْزُومِي، قَالَ: حَدثنَا مَالك بن أنس، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لم يزل أَمر بني إِسْرَائِيل معتدلاً، حَتَّى كثر(2/347)
فيهم المولدون، أَبنَاء سَبَايَا الْأُمَم، فقاسوا مَا لم يكن بِمَا كَانَ، فضلوا وأضلوا ".
ذكره أَبُو بكر الْخَطِيب، قَالَ: إِسْمَاعِيل بن خَالِد ضَعِيف وَلَا يثبت عَن مَالك.
نقلته من كتاب أبي مُحَمَّد الرشاطي وَمن طَرِيقه رويته.
هَذَا نَص مَا أورد، والْحَدِيث فِي كتاب الْبَزَّار من غير رِوَايَة مَالك / بِإِسْنَاد أحسن من هَذَا.
قَالَ الْبَزَّار: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن زِيَاد، حَدثنَا يحيى بن آدم، حَدثنَا قيس بن الرّبيع، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عبد الله بن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لم يزل أَمر بني إِسْرَائِيل معتدلاً، حَتَّى بدا فيهم أَبنَاء سَبَايَا الْأُمَم، وأفتوا / بِالرَّأْيِ فضلوا وأضلوا ".
هَذَا إِسْنَاد حسن، وَقيس بن الرّبيع إِنَّمَا سَاءَ حفظه بعد ولَايَته الْقَضَاء، فَهُوَ مثل شريك، وَابْن أبي ليلى.
(343) وَذكر فِي " نوم الْجنب حَدِيث عمر ".
ثمَّ أردفه من رِوَايَة الثَّوْريّ، عَن عبد الله بن دِينَار، عَن ابْن عمر قَوْله(2/348)
عَلَيْهِ السَّلَام لَهُ: " يغسل ذكره وَيتَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة " ذكره أَبُو عمر بن عبد الْبر.
هَكَذَا عزاهُ إِلَى أبي عمر، وَهُوَ فِي كتاب الْبَزَّار من حَدِيث ابْن عمر، من ثَلَاثَة طرق.
أَحدهَا من رِوَايَة معمر، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه، عَن عمر بن الْخطاب أَنه سَأَلَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَيَنَامُ أَحَدنَا وَهُوَ جنب؟ فَقَالَ: نعم، إِذا تَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة ".
قَالَ: حَدثنَا سَلمَة بن شبيب، حَدثنَا عبد الرَّزَّاق، عَن معمر فَذكره.
قَالَ: وَهُوَ أحسن مَا يرْوى عَن عمر من الطّرق.
وَالثَّانِي وَالثَّالِث من رِوَايَة وهيب، عَن أَيُّوب، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، عَن عمر.
وَعَن أَيُّوب عَن أبي قلابه، عَن عمر، أَنه سَأَلَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أَيَنَامُ أَحَدنَا وَهُوَ جنب؟ قَالَ: " إِذا تَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة ".
فَإِن قيل: الَّذِي احْتَاجَ هُوَ فِيهِ إِلَى التنزل إِلَى أبي عمر فِيهِ، الْأَمر بِغسْل الذّكر وَلَيْسَ ذَلِك فِي حَدِيث الْبَزَّار.
قُلْنَا: هُوَ إِنَّمَا سَاق الحَدِيث لمَكَان زِيَادَة الْوضُوء للصَّلَاة، فَأَما الْأَمر بِغسْل الذّكر فقد أوردهُ من كتاب مُسلم، مَعَ الْأَمر بِالْوضُوءِ مُجملا غير مُبين(2/349)
(344) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ حَدِيث ابْن مَسْعُود " فِي طرح قُرَيْش سلا الْجَزُور بَين كَتِفي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - / وَهُوَ يُصَلِّي ".
والْحَدِيث كَذَلِك فِي كتاب مُسلم، وَأرَاهُ إِنَّمَا سَاقه من كتاب النَّسَائِيّ لمَكَان قَوْله فِيهِ: " خُذُوا هَذَا الفرث بدمه ".
بَدَلا من قَوْله فِي كتاب مُسلم سلا الْجَزُور، والسلا هُوَ مَا فسره بِهِ من الفرث بدمه، وَلَوْلَا مَخَافَة أَن يكون خَفِي عَلَيْهِ كَونه عِنْد مُسلم مَا كتبته.
(345) وَذكر من طَرِيق أبي الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ حَدِيث: " وَقت الْعَصْر مَا لم تغرب الشَّمْس " وَهُوَ كَذَلِك فِي مُسْند ابْن أبي شيبَة ومصنفه.
وَإِسْنَاده فِي كتاب مُسلم دون لَفظه، وَهُوَ رِوَايَته عَن يحيى بن أبي بكير.
(346) وَذكر من كتاب الْإِعْرَاب لِابْنِ حزم، حَدِيث مُحَمَّد بن الْفضل ابْن عَطِيَّة، عَن صَالح بن حَيَّان، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر [قَالَ:] قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يؤمكم أقرؤكم وَإِن كَانَ ولد زنا ".(2/350)
ثمَّ رده من أجل مُحَمَّد بن الْفضل.
والْحَدِيث فِي كتاب أبي أَحْمد بن عدي وَهُوَ كثير النَّقْل مِنْهُ، ذكره فِي بَاب مُحَمَّد بن الْفضل بِإِسْنَادَيْنِ إِلَيْهِ، وَهُوَ فِي كتاب ابْن حزم غير موصل.
(347) وَذكر حَدِيث وَائِل فِي رفع الْيَدَيْنِ إِذا رفع رَأسه من السُّجُود.
من عِنْد ابْن عبد الْبر.
والْحَدِيث عِنْد أبي دَاوُد، وَهُوَ أَيْضا عِنْد النَّسَائِيّ فِي حَدِيث مَالك بن الْحُوَيْرِث.
(348) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن أبي ثَعْلَبَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي صيد الْكَلْب -: " إِذا أرْسلت كلبك وَذكرت اسْم الله فَكل وَإِن أكل مِنْهُ، وكل مَا ردَّتْ عَلَيْك يدك / ".
ثمَّ ذكر الْكَلَام فِي رِوَايَة دَاوُد بن عَمْرو الدِّمَشْقِي، ثمَّ قَالَ: ويروي مثل حَدِيث أبي ثَعْلَبَة عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
(349) حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب هَذَا عزاهُ إِلَى ابْن حزم، وَهُوَ عِنْد أبي دَاوُد أَيْضا.(2/351)
قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمنْهَال الضَّرِير، قَالَ: حَدثنَا يزِيد بن زُرَيْع، قَالَ: حَدثنَا حبيب الْمعلم، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، أَن أَعْرَابِيًا يُقَال لَهُ أَبُو ثَعْلَبَة، قَالَ: يَا رَسُول الله إِن لي كلاباً مكلبة، فأفتني فِي صيدها، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن كَانَ لَك كلاب مكلبة، فَكل مِمَّا أمسكن عَلَيْك "، قَالَ: ذكي، / وَغير ذكي؟ قَالَ وَإِن أكل مِنْهُ؟ قَالَ: " وَإِن أكل مِنْهُ "، قَالَ: يَا رَسُول الله، أَفْتِنِي فِي قوسي، قَالَ: " كل مَا ردَّتْ عَلَيْك قوسك "، قَالَ: ذكي وَغير ذكي؟ قَالَ: وَإِن تغيب عني، قَالَ: " وَإِن تغيب عَنْك مَا لم يصل أَو تَجِد فِيهِ أثرا غير سهمك "، قَالَ: أَفْتِنِي فِي آنِية الْمَجُوس إِذا اضطررنا إِلَيْهَا، قَالَ: " اغسلها ".
فَهَذَا - كَمَا ترى - من رِوَايَة عبد الله بن عَمْرو، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، لَا من رِوَايَة أبي ثَعْلَبَة، وَهُوَ بِلَا شكّ معنيه.
(350) وَذكر من طَرِيق مُسلم عَن قُطْبَة بن مَالك قَالَ: صليت وَصلى بِنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَرَأَ: ق حَتَّى قَرَأَ: {وَالنَّخْل باسقات} الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: فِي الرَّكْعَة الأولى.
كَذَا قَالَ، وَصدق، وَلَكِن أبعد فِيهِ الانتجاع من التِّرْمِذِيّ وَهُوَ فِي كتاب مُسلم.
قَالَ مُسلم - بعد أَن ذكر رِوَايَة زِيَاد بن علاقَة، عَن قُطْبَة بن مَالك الْمُتَقَدّمَة(2/352)
الذّكر -: حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار، قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر، قَالَ: حَدثنَا شُعْبَة، عَن زِيَاد بن علاقَة، عَن عَمه، أَنه صلى مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الصُّبْح فَقَرَأَ فِي أول رَكْعَة: {وَالنَّخْل باسقات لَهَا طلع نضيد} وَرُبمَا قَالَ: ق.
(351) وَذكر من طَرِيق أبي سُلَيْمَان الْخطابِيّ قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن هِشَام، قَالَ: [أخبرنَا] ، الدبرِي عَن عبد الرَّزَّاق، عَن ابْن جريج، أخبرنَا ابْن شهَاب، عَن ابْن الْمسيب، أَن أَبَا بكر وَعمر، تذاكرا الْوتر عِنْد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَقَالَ أَبُو بكر: أما أَنا فَإِنِّي أَنَام على الْوتر، فَإِذا استيقظت صليت شفعاً حَتَّى الصَّباح، وَقَالَ عمر: لكني أَنَام على شفع ثمَّ أوتر من السحر، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لأبي بكر: " حذر هَذَا "، وَقَالَ لعمر: " قوي هَذَا ".
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: يُقَال: إِن ابْن الْمسيب لم يسمع من عمر إِلَّا نعيه النُّعْمَان ابْن مقرن.
هَكَذَا أورد هَذَا الحَدِيث من عِنْد الْخطابِيّ، عَن رجل لَا تعرف حَاله - وَهُوَ شَيْخه مُحَمَّد بن هِشَام - فأبعد النجعة مَا شَاءَ، وأوهم بذلك عَدمه عِنْد غَيره، وأخلى الْبَاب من سواهُ مِمَّا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ أَو قَرِيبا مِنْهُ، مِمَّا سنذكر بعضه الْآن بعد أَن نذْكر هَذَا اللَّفْظ الَّذِي أورد من مَوضِع / مَشْهُور، مَظَنَّة لَهُ ولأمثاله إِن شَاءَ الله تَعَالَى، ولعلك / ترى أَن الْخطابِيّ أشهر مِمَّن نذكرهُ من عِنْده، فَإِنَّمَا(2/353)
نعني بِالنِّسْبَةِ إِلَى علم أهل الحَدِيث، فَأَما اللُّغَة فالخطابي من أَهلهَا.
قَالَ بَقِي بن مخلد فِي مُسْنده فِي حَدِيث عمر بن الْخطاب -: فَابْن رمح قَالَ: أخبرنَا اللَّيْث بن سعد، عَن ابْن شهَاب، عَن سعيد بن الْمسيب، أَن أَبَا بكر وَعمر، تذاكرا عِنْد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ أَبُو بكر: أما أَنا فأصلي ثمَّ أَنَام على وتر، فَإِذا استيقظت صليت شفعاً حَتَّى الصَّباح، فَقَالَ عمر: لكني أَنَام على شفع ثمَّ أوتر من السحر، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لأبي بكر: " حذر هَذَا " وَقَالَ لعمر: " قوي هَذَا ".
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَيْضا سُفْيَان فِي مُسْنده عَن ابْن شهَاب، عَن سعيد، قَالَ تَذَاكَرُوا الْوتر عِنْد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَقَالَ أَبُو بكر: أما أَنا فأوتر أول اللَّيْل، وَقَالَ عمر: أما أَنا أوتر آخر اللَّيْل، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " حذر هَذَا، وَقَوي هَذَا ".
وَقد روى من طَرِيق غير هَذَا الطَّرِيق، مِنْهَا صَحِيح وَمِنْهَا مَا لَا يَصح.
(352) فَمن صحيحها حَدِيث أبي قَتَادَة، ذكره أَبُو دَاوُد، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن أَحْمد بن أبي خلف قَالَ: حَدثنَا أَبُو زَكَرِيَّا السيلَحِينِي قَالَ: حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة، عَن ثَابت، عَن عبد الله بن رَبَاح، عَن أبي قَتَادَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لأبي بكر: " مَتى توتر؟ " قَالَ: أوتر من أول اللَّيْل، وَقَالَ لعمر:(2/354)
" مَتى توتر؟ " قَالَ أوتر آخر اللَّيْل؟ فَقَالَ لأبي بكر: " أَخذ هَذَا بالحذر " وَقَالَ لعمر: " أَخذ هَذَا بِالْقُوَّةِ ". هَؤُلَاءِ كلهم ثِقَات.
(353) وَمن الحسان فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث ابْن عمر.
قَالَ الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عباد، قَالَ: حَدثنَا يحيى بن سليم، عَن عبيد الله، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ لأبي بكر: " مَتى توتر؟ " قَالَ: أوتر ثمَّ أَنَام، قَالَ: " بالحزم أخذت "، وَقَالَ لعمر: " مَتى توتر؟ " قَالَ: أَنَام ثمَّ أقوم من اللَّيْل فأوتر، قَالَ: " بِالْقُوَّةِ فعلت ".
قَالَ: وَلَا نعلم رَوَاهُ عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر إِلَّا يحيى بن سليم، وَيحيى بن سليم وَثَّقَهُ ابْن معِين، وَمن / ضعفه لم يَأْتِ بِحجَّة، وَهُوَ صَدُوق عِنْد الْجَمِيع.
(354) وَمن الضِّعَاف فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث ابْن عمر أَيْضا.
قَالَ الْبَزَّار: أخبرنَا عبيد الله بن أَحْمد، قَالَ: حَدثنَا أَبُو الْيَمَان قَالَ: حَدثنَا سعيد بن سِنَان، عَن أبي الزَّاهِرِيَّة، عَن كثير بن مرّة، عَن ابْن عمر قَالَ: سَأَلَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَبَا بكر وَعمر - رَحْمَة الله عَلَيْهِمَا - عَن وترهما، فَقَالَ أَبُو بكر: أوتر من أول اللَّيْل، فَقَالَ: " حذر "، وَقَالَ لعمر: فَقَالَ: أوتر آخر اللَّيْل، فَقَالَ: " قوي معَان ".
سعيد بن سِنَان أَبُو الْمهْدي، سيئ الْحِفْظ.(2/355)
(355) وَمِنْهَا حَدِيث أبي هُرَيْرَة، ذكره الْبَزَّار أَيْضا، من رِوَايَة سُلَيْمَان ابْن دَاوُد اليمامي - وَهُوَ ضَعِيف - عَن يحيى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ سَأَلَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَبَا بكر، " كَيفَ توتر؟ " قَالَ: أوتر أول اللَّيْل، قَالَ: " قوي معَان ".
(356) وَمِنْهَا حَدِيث عقبَة / بن عَامر، ذكره ابْن سنجر، من رِوَايَة ابْن وهب، عَن ابْن لَهِيعَة، عَن الْحَارِث بن يزِيد، عَن أبي المصعب الْمعَافِرِي، عَن عقبَة، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَأَلَ أَبَا بكر، " مَتى توتر؟ " قَالَ: أُصَلِّي مثنى مثنى، ثمَّ أوتر قبل أَن أَنَام، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مُؤمن حذر "، وَقَالَ لعمر: " مَتى توتر؟ " قَالَ: أُصَلِّي مثنى مثنى، ثمَّ أَنَام حَتَّى أوتر من آخر اللَّيْل، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مُؤمن قوي ".
وَإِنَّمَا أكثرت فِي هَذَا لترى أَنه لم يعدل إِلَى الْخطابِيّ للظفر مِنْهُ بِمَا لَيْسَ عِنْد غَيره فَاعْلَم ذَلِك.
(357) وَذكر أَيْضا من طَرِيق عبد الرَّزَّاق، عَن أبي الدَّرْدَاء، قَالَ: أَوْصَانِي خليلي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِثَلَاث: " بصيام ثَلَاثَة أَيَّام كل شهر، وَأَن لَا أَنَام إِلَّا(2/356)
على وتر، وسبحة الضُّحَى فِي السّفر والحضر ".
وخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا، انْتهى مَا ذكر.
وَقد بيّنت فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها وَلم يبين عللها مَا أغفل من علته، وَهِي الْجَهْل بِحَال أبي إِدْرِيس السكونِي، رَاوِيه عَن جُبَير بن نفير، عَن أبي الدَّرْدَاء.
وَالْمَقْصُود بَيَانه الْآن هُوَ أَنه مِمَّا أبعد فِيهِ النجعة، فَتَركه فِي كتاب مُسلم صَحِيحا.
قَالَ مُسلم: نَبَّأَنِي هَارُون / بن عبد الله وَمُحَمّد بن رَافع، قَالَا: حَدثنَا ابْن أبي فديك، عَن الضَّحَّاك بن عُثْمَان، عَن إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن حنين، عَن أبي مرّة مولى أم هَانِئ، عَن أبي الدَّرْدَاء، قَالَ: أَوْصَانِي حَبِيبِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِثَلَاث، لن أدعهن مَا عِشْت: " بصيام ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر، وَصَلَاة الضُّحَى، وَأَن لَا أَنَام حَتَّى أوتر ".
اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون إِنَّمَا عدل عَن هَذَا الصَّحِيح من كتاب مُسلم إِلَى ذَلِك الْحسن، أَو الضَّعِيف من كتاب الْبَزَّار وَأبي دَاوُد، لمَكَان لَفْظَة فِي الْحَضَر وَالسّفر، فَلهُ فِي ذَلِك بعض الْعذر، وَهُوَ غير مُتَّجه، فَإِن إِطْلَاق لفظ حَدِيث مُسلم يُغني عَن ذَلِك فاعلمه.
(358) وَذكر فِي الزَّكَاة قَالَ: رويت بِالْإِسْنَادِ الْمُتَّصِل الصَّحِيح إِلَى خَالِد(2/357)
ابْن عدي الْجُهَنِيّ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " من جَاءَهُ من أَخِيه مَعْرُوف من غير إشراف وَلَا مَسْأَلَة، فليقبله وَلَا يردهُ، فَإِنَّمَا هُوَ رزق سَاقه الله إِلَيْهِ ".
ذكره أَبُو عمر بن عبد الْبر وَغَيره. انْتهى مَا ذكر.
فلنذكر ثَلَاثَة أُمُور:
أَحدهمَا: إِسْنَاد أبي عمر فِيهِ.
وَالْآخر: إِسْنَاده هُوَ الَّذِي قَالَ أَنه رَوَاهُ بِهِ. وَالثَّالِث: تقريب مَوْضِعه، وتبيين موقع لَهُ أشهر من ذَلِك.
أما إِسْنَاد أبي عمر فِيهِ، فَقَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن عبد الله، قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن جَعْفَر بن حمدَان، حَدثنَا عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل حَدثنَا، حَدثنَا أبي، حَدثنَا عبد الله بن يزِيد أَبُو عبد الرَّحْمَن، حَدثنَا سعيد بن أبي أَيُّوب وحيوة بن شُرَيْح، عَن أبي الْأسود، أَنه أخبرهما عَن بكير بن الْأَشَج، أخبرهُ أَن بسر بن سعيد، أخبرهُ عَن عدي بن خَالِد الْجُهَنِيّ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " من جَاءَهُ من أَخِيه مَعْرُوف من غير إشراف وَلَا مَسْأَلَة فليقبله، فَإِنَّمَا هُوَ رزق سَاقه الله إِلَيْهِ / ".
هَكَذَا وَقع عدي بن خَالِد، وَصَوَابه: خَالِد بن عدي.
وَأما إِسْنَاد أبي مُحَمَّد فَقَالَ فِي كِتَابه الْكَبِير: حَدثنَا الْقرشِي، حَدثنَا شُرَيْح، حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد - يَعْنِي ابْن حزم - حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن الجسور، حَدثنَا أَحْمد بن الْفضل بن بهْرَام الدينَوَرِي، حَدثنَا مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ /(2/358)
حَدثنَا الْفضل بن الصَّباح، حَدثنَا عبد الله بن يزِيد، حَدثنَا سعيد بن أبي أَيُّوب، عَن أبي الْأسود، عَن بكير بن عبد الله بن الْأَشَج، عَن بسر بن سعيد، عَن خَالِد بن عدي الْجُهَنِيّ، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من جَاءَهُ من أَخِيه مَعْرُوف فليقبله وَلَا يردهُ، فَإِنَّمَا هُوَ رزق سَاقه الله إِلَيْهِ ".
هَذَا هُوَ إِسْنَاده الَّذِي قَالَ: إِنَّه رَوَاهُ بِهِ مُتَّصِلا صَحِيحا.
وَفِيه (كَمَا ترى) الْفضل بن الصَّباح، الَّذِي قَالَ فِيهِ من كتاب الْجَنَائِز - إِثْر حَدِيث ابْن عمر أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ:
(359) " اغسلوا قَتْلَاكُمْ " - إِنَّه كتبته حَتَّى أنظرهُ.
فَلَعَلَّهُ بعد ذَلِك نظره فَعرفهُ، وغالب الظَّن أَنه إِنَّمَا قلد ابْن حزم فِي تَصْحِيح هَذَا الْخَبَر، وَهُوَ عِنْدِي صَحِيح، وسنبين أَمر الْفضل بن الصَّباح فِي بَاب الرِّجَال الَّذين جهلهم وهم معروفون إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَإِمَّا تقريب مَوْضِعه، فَهُوَ أَن أَبَا بكر بن أبي شيبَة ذكره فِي مُسْنده فَقَالَ: حَدثنَا أَبُو عبد الرَّحْمَن الْمُقْرِئ، عَن سعيد بن أبي أَيُّوب، قَالَ: حَدثنَا أَبُو الْأسود، عَن بكير بن عبد الله، عَن بسر بن سعيد، عَن خَالِد بن عدي الْجُهَنِيّ، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " من بلغه مَعْرُوف من أَخِيه من غير مَسْأَلَة وَلَا إشراف فليقبله وَلَا يردهُ، فَإِنَّمَا هُوَ رزق سَاقه الله إِلَيْهِ " فَاعْلَم ذَلِك وَالله الْمُوفق.(2/359)
(360) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، قَالَ: " رخص رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْقبْلَة للصَّائِم، وَفِي الْحجامَة ".
ثمَّ قَالَ: أسْندهُ مُعْتَمر بن سُلَيْمَان، عَن حميد، عَن أبي المتَوَكل، عَن أبي سعيد، وَغَيره يرويهِ مَوْقُوفا، وَذكره أَبُو بكر الْبَزَّار أَيْضا.
كَذَا قَالَ فِيهِ، وَهُوَ كَمَا ذكر، وَالْمَقْصُود أَن تعلم أَنه فِي كتاب النَّسَائِيّ أَيْضا.
قَالَ: أخبرنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم - هُوَ ابْن رَاهَوَيْه - أخبرنَا الْمُعْتَمِر، قَالَ: سَمِعت حميدا، عَن أبي المتَوَكل، عَن أبي سعيد، قَالَ: " رخص رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْقبْلَة وَفِي الْحجامَة " يَعْنِي للصَّائِم.
(361) وَذكر من طَرِيق مُسلم، حَدِيث عبد الله بن عَمْرو فِي تَقْدِيم بعض الْأَفْعَال فِي الْحَج / على بعض.
ثمَّ قَالَ: زَاد مُحَمَّد بن أبي حَفْصَة: أفضت قبل أَن أرمي، قَالَ: " ارْمِ وَلَا حرج ". قَالَ: وَلم يُتَابع ابْن أبي حَفْصَة على قَوْله: " أفضت " أرَاهُ وهم.
ذكر الحَدِيث وَالتَّعْلِيل أَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ، خرجه من حَدِيث عبد الله ابْن عَمْرو بن الْعَاصِ أَيْضا.(2/360)
هَكَذَا ذكر هَذَا الْموضع، وَوَقع بعض النّسخ: وَذكر هَذَا الحَدِيث وَالتَّعْلِيل أَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ، فعلى الرِّوَايَة الأولى بِسُقُوط الْوَاو تَجِيء هَذِه الزِّيَادَة كَأَنَّهَا من كتاب الدَّارَقُطْنِيّ فَقَط، وَذَاكَ حِينَئِذٍ إبعاد انتجاع.
وعَلى رِوَايَة: " وَذكر " بِالْوَاو يبْقى من لَا يعلم فِي ريب من نسبتها إِلَى غير الدَّارَقُطْنِيّ.
فَاعْلَم الْآن أَنَّهَا فِي كتاب مُسلم، من طَرِيق مُحَمَّد بن أبي حَفْصَة الْمَذْكُور عَن الزُّهْرِيّ.
وَذَلِكَ أَن الحَدِيث حَدِيث الزُّهْرِيّ، يرويهِ عَن عِيسَى بن طَلْحَة، عَن عبد الله بن عَمْرو. فأصحابه لَا يَقُولُونَ عَنهُ: " أفضت قبل أَن أرمي " وَابْن أبي حَفْصَة يَقُول ذَاك، وتوهم الدَّارَقُطْنِيّ وهمه لمُخَالفَة الْحفاظ لَهُ، وَالرجل ثِقَة وَلكنه يضعف فِي الزُّهْرِيّ خَاصَّة، كَأَنَّهُ لم يحفظ حَدِيثه / كَمَا يجب، فَصَارَ يَجِيء فِيهِ بِخِلَاف مَا يَجِيء بِهِ غَيره.
(362) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: بعثنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي بعث وَقَالَ: " إِن وجدْتُم فلَانا وَفُلَانًا - لِرجلَيْنِ من قُرَيْش - فاحرقوهما بالنَّار " الحَدِيث.
كَذَا أوردهُ، وَتَركه عِنْد البُخَارِيّ، ونسبته إِلَيْهِ أَعلَى.
(363) وَذكر من طَرِيق ابْن سنجر، من حَدِيث ثَابت الْبنانِيّ، قَالَ نَبَّأَنِي ابْن عمر بن أبي سَلمَة بن عبد الْأسد، عَن أَبِيه، عَن أم سَلمَة، قَالَ: بعث إِلَيْهَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يخطبها فَقَالَت: مرْحَبًا برَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، أَو مرْحَبًا بِاللَّه وَرَسُوله، اقْرَأ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - السَّلَام، الحَدِيث.(2/361)
ثمَّ قَالَ: وَذكره ابْن أبي خَيْثَمَة أَيْضا، وَابْن عمر هَذَا لَا يعرف. انْتهى مَا أورد.
فَأَقُول: قد كَانَ متناوله أقرب.
قَالَ النَّسَائِيّ: نَبَّأَنِي مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل ابْن إِبْرَاهِيم بن علية، قَالَ: حَدثنَا يزِيد عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن ثَابت الْبنانِيّ، قَالَ / نَبَّأَنِي ابْن عمر بن أبي سَلمَة، عَن أَبِيه، عَن أم سَلمَة، لما انْقَضتْ عدتهَا، بعث إِلَيْهَا أَبُو بكر يخطبها فَلم تزَوجه، ثمَّ بعث إِلَيْهَا عمر بن الْخطاب فَلم تزَوجه، فَبعث رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عمر بن الْخطاب يخطبها عَلَيْهِ، فَقَالَت: أخبر رَسُول الله أَنِّي امْرَأَة غَيْرِي، وَأَنِّي امْرَأَة مُصِيبَة، وَلَيْسَ أحد من أوليائي شَاهدا، فَأتى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذكر ذَلِك لَهُ، فَقَالَ: " ارْجع إِلَيْهَا فَقل لَهَا: أما قَوْلك: إِنِّي امْرَأَة غَيْرِي، فسأدعو الله فَيذْهب غيرتك، وَأما قَوْلك: إِنِّي امْرَأَة مصبية، فستكفي صبيانك، وَأما قَوْلك: لَيْسَ أحد من أوليائي شَاهدا، فَلَيْسَ أحد من أوليائك شَاهدا أَو غَائِبا يكره ذَلِك "، فَقَالَت لابنها: يَا عمر، قُم فزوج رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. مُخْتَصر.
(364) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن أنس بن مَالك قَالَ: كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يدْخل علينا ولي أَخ صَغِير يكنى أَبَا عُمَيْر، وَكَانَ لَهُ نغر يلْعَب بِهِ، فَمَاتَ، فَدخل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذَات يَوْم، فَرَآهُ حَزينًا، فَقَالَ: " مَا شَأْنه؟ "(2/362)
فَقَالُوا: مَاتَ نغره، فَقَالَ: " يَا أَبَا عُمَيْر، مَا فعل النغير ".
كَذَا ذكره من عِنْد أبي دَاوُد، وَهُوَ صَحِيح، وَأرَاهُ عدل إِلَيْهِ لِأَنَّهُ أشرح لفظا.
والْحَدِيث فِي كتاب مُسلم من رِوَايَة أبي التياح، عَن أنس، قَالَ: كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أحسن النَّاس خلقا، وَكَانَ لي أَخ يُقَال لَهُ: أَبُو عُمَيْر - أَحْسبهُ قَالَ: فطيماً - فَكَانَ إِذا جَاءَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَرَآهُ، قَالَ: " يَا أَبَا عُمَيْر، مَا فعل النغير؟ " وَكَانَ يلْعَب بِهِ.
(365) وَذكر من طَرِيق الطَّحَاوِيّ عَن أنس، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا حم أحدكُم فليشن عَلَيْهِ المَاء الْبَارِد من السحر ثَلَاثًا ".
كَذَا أوردهُ من عِنْد الطَّحَاوِيّ، وَهُوَ عِنْده كَمَا ذكر، وَإِسْنَاده لَا بَأْس بِهِ، قَالَ الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا ابْن أبي دَاوُد، حَدثنَا ابْن أبي عَائِشَة، حَدثنَا حَمَّاد، عَن حميد، عَن أنس - قَالَ ابْن أبي عَائِشَة: كَذَا علقته - أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: فَذكره /.
وَلكنه أبعد فِيهِ النجعة، فَإِن النَّسَائِيّ قد ذكره فِي كِتَابه فَقَالَ: حَدثنَا أَحْمد ابْن مُحَمَّد بن هَانِئ، أَبُو بكر / الأترم، بغدادي، إسكاف، قَالَ: حَدثنَا عبيد الله بن مُحَمَّد - هُوَ ابْن أبي عَائِشَة - قَالَ: حَدثنَا حَمَّاد، عَن حميد، عَن أنس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا حم أحدكُم فليشن عَلَيْهِ المَاء الْبَارِد من السحر ثَلَاثًا ".(2/363)
(366) وَذكر أَيْضا من عِنْده، عَن ابْن عَبَّاس، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْحمى من فيح جَهَنَّم، فَأَبْرِدُوهَا بِمَاء زَمْزَم ".
ثمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ أَبُو بكر بن أبي شيبَة أَيْضا.
وَهُوَ عِنْدهمَا كَذَلِك من رِوَايَة همام، عَن أبي جَمْرَة عَنهُ.
قَالَ ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا عَفَّان، حَدثنَا همام، حَدثنَا أَبُو جَمْرَة قَالَ: كنت أدفَع النَّاس عَن ابْن عَبَّاس، فاحتبست أَيَّامًا، فَقَالَ: مَا حَبسك؟ قلت: الْحمى، قَالَ: إِن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْحمى من فيح جَهَنَّم فَأَبْرِدُوهَا بِمَاء زَمْزَم ".
وَهَذَا أَيْضا ذكره النَّسَائِيّ مثله سَوَاء فَقَالَ: حَدثنَا الْحسن بن إِسْحَاق، قَالَ: حَدثنَا عَفَّان، قَالَ: حَدثنَا همام، عَن أبي جَمْرَة، قَالَ: كنت أدفَع الزحام عَن ابْن عَبَّاس، فغبت عَنهُ، فَقَالَ لي: أَيْن كنت؟ قلت: الْحمى، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْحمى من فيح جَهَنَّم فَأَبْرِدُوهَا بِمَاء زَمْزَم ".
(367) وَذكر من طَرِيق أبي مُحَمَّد بن حزم قَالَ: وروى الْفرج بن فضَالة، عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا عملت أمتِي خمس عشرَة خصْلَة حل بهَا الْبلَاء ".(2/364)
فَذكر فِيهِنَّ: " اتَّخذُوا الْقَيْنَات وَالْمَعَازِف " قَالَ: وَفرج بن فضَالة ضَعِيف جدا، وَقَبله فِي الْإِسْنَاد ثَلَاث مَجْهُولُونَ: لَاحق بن الْحُسَيْن، وَضِرَار بن على، وَأحمد بن عبد الله بن سعيد بن كثير الْحِمصِي.
كَذَا أورد هَذَا الحَدِيث، وَعَلِيهِ فِيهِ أَشْيَاء.
مِنْهَا مَا يُوهِمهُ لَفظه من أَن فرجا يرويهِ عَن عَليّ، وَإِنَّمَا يرويهِ عَنهُ بوسائط.
وَمِنْهَا مَا يُوهِمهُ سوقه إِيَّاه كَمَا يَسُوق غَيره من أَنه وقف على إِسْنَاده فِي الْموضع الَّذِي نَقله مِنْهُ موصلاً، وَابْن حزم لم يُوصل بِهِ إِسْنَاده.
وَمِنْهَا ذكره / من ذكره من هَذَا الطَّرِيق، وَله طَرِيق يُوصل إِلَى فرج بن فضَالة، سَالم من هَؤُلَاءِ.
وَمِنْهَا إبعاده فِي إِيرَاده [من عِنْد ابْن حزم] كَأَنَّهُ مَعْدُوم فِيمَا هُوَ أقرب متناولاً، وَلَا أخص بِذكر الْأَحَادِيث، وَهُوَ حَدِيث قد ذكره التِّرْمِذِيّ، وَأرَاهُ خَفِي عَلَيْهِ مَوْضِعه من كِتَابه.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا صَالح بن عبد الله التِّرْمِذِيّ، حَدثنَا الْفرج بن فضَالة، أَبُو الفضالة الشَّامي، عَن يحيى بن سعيد، عَن مُحَمَّد بن عَليّ عَن عَليّ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا فعلت أمتِي خمس عشرَة خصْلَة، حل بهَا الْبلَاء "، قيل: وَمَا هن يَا رَسُول الله؟ قَالَ: " إِذا كَانَ الْمغنم دولاً، وَالْأَمَانَة مغنماً، وَالزَّكَاة مغرماً، وأطاع الرجل زَوجته، وعق أمه، وبر صديقه، وجفا أَبَاهُ،(2/365)
وَارْتَفَعت الْأَصْوَات فِي الْمَسَاجِد، وَكَانَ زعيم الْقَوْم أرذلهم، وَأكْرم الرجل مَخَافَة شَره، وشربت الْخُمُور، وَلبس الْحَرِير، واتخذت القيان وَالْمَعَازِف، وَلعن آخر هَذِه الْأمة أَولهَا، فليرتقبوا عِنْد ذَلِك ريحًا حَمْرَاء، أَو خسفاً، أَو مسخاً ".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث غَرِيب، لَا نعرفه من حَدِيث عَليّ إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَلَا نعلم أحدا رَوَاهُ عَن يحيى بن سعيد / الْأنْصَارِيّ، غير فرج بن فضَالة، والفرج بن فضَالة قد تكلم فِيهِ بعض أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ وَضَعفه من قبل حفظه، وَقد رَوَاهُ عَنهُ وَكِيع وَغير وَاحِد من الْأَئِمَّة. انْتهى كَلَامه.
صَالح بن عبد الله التِّرْمِذِيّ، بغدادي صَدُوق، قَالَه أَبُو حَاتِم.
قد انْقَضى ذكر الْقسم الأول من الْكتاب، وَهُوَ الرَّاجِع إِلَى نَقله، وَنَذْكُر الْآن - إِن شَاءَ الله تَعَالَى - الْقسم الثَّانِي، وَهُوَ الرَّاجِع إِلَى نظره، وَهُوَ أَيْضا أَبْوَاب كَذَلِك، وَهَذَا حِين أبتدئ مستعيناً بِاللَّه [تَعَالَى فَأَقُول] .(2/366)
الْقسم الثَّانِي بَيَان الْإِيهَام وَهُوَ مَا يرجع إِلَى نظر أبي مُحَمَّد بن عبد الْحق(2/367)
(1) بَاب ذكر أَحَادِيث أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة وَهِي مُنْقَطِعَة، أَو مَشْكُوك فِي اتصالها.(2/369)
اعْلَم أَن مَا أذكرهُ فِي هَذَا الْبَاب من انْقِطَاع الْأَحَادِيث، هُوَ مدرك من إِحْدَى أَربع جِهَات:
الأولى: قَول إِمَام من أَئِمَّة الْمُحدثين: هَذَا مُنْقَطع، لِأَن فلَانا لم يسمع من فلَان، فنقبل ذَلِك مِنْهُ مَا لم يثبت خِلَافه.
الثَّانِيَة أَن تُوجد رِوَايَة الْمُحدث عَن الْمُحدث، لحَدِيث بِعَيْنِه بِزِيَادَة وَاسِطَة بَينهمَا، فَيقْضى على الأولى الَّتِي لَيْسَ فِيهَا ذكر الْوَاسِطَة بالانقطاع، وسنزيد هَذَا شرحاً إِذا انتهينا إِلَيْهِ.
الثَّالِثَة: أَن تعلم من تَارِيخ الرَّاوِي والمروي عَنهُ أَنه لم يسمع مِنْهُ.
الرَّابِعَة: أَن يكون الِانْقِطَاع مُصَرحًا بِهِ من الْمُحدث، مثل أَن يَقُول: حدثت عَن فلَان، أما بَلغنِي، إِمَّا مُطلقًا، وَإِمَّا فِي حَدِيث [حَدِيث] .
وعَلى هَذَا التَّرْتِيب نذْكر مَضْمُون الْبَاب إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَنَقُول:
الْمدْرك الأول لانْقِطَاع الْأَحَادِيث فِي هَذَا الْبَاب
:
(368) ذكر من طَرِيق مُسلم حَدِيث عَليّ قَالَ: " أرسلنَا الْمِقْدَاد إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَسَأَلَهُ عَن الْمَذْي " الحَدِيث.(2/371)
(369) وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة: " لَيْسَ فِي العَبْد صَدَقَة إِلَّا صَدَقَة الْفطر ".
(370) وَحَدِيث كَون سَالم مولى أبي حُذَيْفَة، ذَا لحية فِي رضاعه الْكَبِير.
(371) وَحَدِيث عَائِشَة: " لَوْلَا أَن قَوْمك حديثو عهد بجاهلية - أَو قَالَ: بِكفْر - لأنفقت كنز الْكَعْبَة فِي سَبِيل الله ".
(372) وَحَدِيث ابْن عمر: " كَانَ إِذا استجمر استجمر بألوة، غير مطراة وكافور يطرحه مَعَ الألوة "، وَقَالَ: " هَكَذَا كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يستجمر ".
كل هَذِه الْأَحَادِيث هِيَ عِنْده صَحِيحَة بسكوته عَنْهَا، لم يعرض لَهَا بِشَيْء، وَهُوَ قد أخبر عَن نَفسه بِأَن مَا يسكت / عَنهُ صَحِيح عِنْده، إِلَّا أَن يكون مِمَّا لَا حكم فِيهِ، فَإِنَّهُ رُبمَا كَانَ فِيهِ بعض السَّمْح، وَلم يبين فِي شَيْء مِنْهَا(2/372)
أَنَّهَا من رِوَايَة مخرمَة بن بكير. عَن أَبِيه، وَهِي كَذَلِك من رِوَايَته عَنهُ، وجميعها من كتاب مُسلم.
(373) وَمِمَّا هُوَ أَيْضا من رِوَايَة مخرمَة عَن أَبِيه وَلم يعرض لَهُ من أَجله، مِمَّا هُوَ عِنْد غير مُسلم - حَدِيث ابْن عمر عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا كَانَ الْجِهَاد على بَاب أحدكُم، فَلَا يخرج إِلَّا بِإِذن / أَبَوَيْهِ ".
ذكره أَبُو أَحْمد، وَلم يعرض أَبُو مُحَمَّد لكَونه من رِوَايَة مخرمَة، عَن أَبِيه، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، بل لكَونه من رِوَايَة ابْن أخي ابْن وهب.
ومخرمة لم يسمع من أَبِيه شَيْئا، وَإِنَّمَا يحدث من كِتَابه، وَقد نَص هُوَ على ذَلِك أثر أَحَادِيث:
(374) مِنْهَا حَدِيث أَبى مُوسَى فِي سَاعَة الْجُمُعَة: " إِنَّهَا مَا بَين أَن يجلس الإِمَام إِلَى أَن تقضي الصَّلَاة ".
قَالَ فِيهِ: لم يسْندهُ غير مخرمَة بن بكير، عَن أَبِيه، عَن أبي بردة، عَن أبي مُوسَى، ومخرمة لم يسمع من أَبِيه، إِنَّمَا كَانَ يحدث من كتاب أَبِيه.
وَقد كَانَ لَهُ أَن يسمح فِيهِ، لِأَنَّهُ من الْأَحَادِيث المرغبة فِي عمل، المخبرة عَن ثَوَاب.(2/373)
(375) وَمِنْهَا حَدِيث مَحْمُود بن لبيد، أخبر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " عَن رجل طلق امْرَأَته ثَلَاثًا جَمِيعًا " الحَدِيث.
قَالَ بإثره: رَوَاهُ مخرمَة بن بكير، عَن أَبِيه، وَلم يسمع مِنْهُ، وَإِنَّمَا كَانَ يحدث من كتاب أَبِيه.
فَأَبُو مُحَمَّد أحد الْقَائِلين بِأَنَّهُ لم يسمع من أَبِيه، وَقد أخبر بذلك مخرمَة عَن نَفسه، فَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِبَار من الْمدْرك الرَّابِع.
وَقد قدمنَا ذكره فِي هَذَا الأول، لِأَن الْمُحدثين قَائِلُونَ بِهِ عَنهُ، وَالْأَمر فِيهِ عِنْدهم مَشْهُور.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: قَالَ حَمَّاد بن خَالِد: سَأَلت مخرمَة، أسمعت من أَبِيك شَيْئا؟ قَالَ: لَا.
وَقَالَ سعيد بن أبي مَرْيَم: حَدثنَا مُوسَى بن سَلمَة خَالِي، قَالَ: أتيت مخرمَة ابْن بكير فَقلت لَهُ: حَدثَك أَبوك؟ فَقَالَ: لم أدْرك أبي، وَلَكِن هَذِه كتبه.(2/374)
وَقَالَ ابْن حَنْبَل: مخرمَة ثِقَة، لم يسمع من أَبِيه شَيْئا، وَإِنَّمَا يروي من كِتَابه وَكَذَا قَالَ ابْن معِين.
وَحكى البُخَارِيّ عَن حَمَّاد بن خَالِد بن الْخياط، قَالَ: أخرج مخرمَة بن بكير كتابا، فَقَالَ: هَذِه كتب أبي، لم أسمع مِنْهُ مِنْهَا شَيْئا.
(376) وَمثل هَذَا أَيْضا، مَا ذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن سَمُرَة بن(2/375)
جُنْدُب، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " احضروا الذّكر، وادنوا من الإِمَام، فَإِن الرجل لَا يزَال يتباعد حَتَّى يُؤَخر فِي الْجنَّة وَإِن دَخلهَا ".
هَكَذَا ذكره وَسكت عَنهُ، وَلم يقل بإثره شَيْئا، وَلَو تَأمل إِسْنَاده عِنْد أبي دَاوُد، وجد فِيهِ مثل مَا قد فَرغْنَا مِنْهُ الْآن من أَمر مخرمَة بن بكير.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا عَليّ بن عبد الله، قَالَ: حَدثنَا معَاذ بن هِشَام، قَالَ: وجدت فِي كتاب أبي بِخَط يَده - وَلم أسمع مِنْهُ - / قَالَ قَتَادَة: عَن يحيى بن مَالك، عَن سَمُرَة بن جُنْدُب، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: فَذكره.
(377) وَذكر من طَرِيق مُسلم حَدِيث أبي مَالك: " الطّهُور شطر الْإِيمَان ".(2/376)
وَلم يعرض لَهُ بِشَيْء، وَاكْتفى بِأَنَّهُ من كتاب مُسلم.
وَإِسْنَاده فِي كتاب مُسلم هُوَ هَذَا: أنبأني إِسْحَاق بن مَنْصُور / قَالَ: حَدثنَا حبَان بن هِلَال، قَالَ: حَدثنَا أبان، قَالَ: حَدثنَا يحيى، أَن زيدا حَدثهُ، أَن أَبَا سَلام حَدثهُ، عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ، فَذكره.
وَالَّذِي لأَجله ذَكرْنَاهُ، هُوَ انْقِطَاع مَا بَين أبي سَلام وَأبي مَالك، فقد قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره: إِنَّه مُنْقَطع، وَإنَّهُ إِنَّمَا يرويهِ عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم، عَن أبي مَالك.
وَذَلِكَ أَن مُعَاوِيَة بن سَلام يُخَالف فِيهِ يحيى بن أبي كثير، فيرويه عَن أَخِيه زيد بن سَلام، عَن أبي سَلام، عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم، أَن أَبَا مَالك حَدثهمْ بِهَذَا.
وَقد نبه النَّاس على انْقِطَاع مَا بَين أبي سَلام، وَأبي مَالك فِي هَذَا الحَدِيث، وعدوه من الْأَحَادِيث المنقطعة فِي كتاب مُسلم.
(378) وَقد روى بِهَذَا الْإِسْنَاد فِي كتاب الْجَنَائِز، حَدِيث أبي مَالك(2/377)
الْأَشْعَرِيّ أَيْضا، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " أَربع فِي أمتِي من أَمر الْجَاهِلِيَّة ".
وَسكت عَنهُ أَيْضا أَبُو مُحَمَّد، مصححاً لَهُ، وَلَيْسَ القَوْل فِيهِ فِيمَا بَين أبي سَلام وَأبي مَالك - كَمَا تقدم - بل رُبمَا أمكن فِيهِ الِاتِّصَال، إِذْ لم نجده عَنهُ بِوَاسِطَة كَمَا وجدنَا الأول، وَلَا نعلم أحدا قَالَ فِيهِ: أَنه مُنْقَطع.
وَأعلم أَن فِي هذَيْن الْحَدِيثين موضعا آخر للنَّظَر، وَهُوَ مَا بَين يحيى بن أبي كثير وَزيد بن سَلام، فَإِنَّهُ قد قَالَ نَاس: إِنَّه مُنْقَطع.
ذكر أبن أبي خَيْثَمَة، عَن ابْن معِين قَالَ: " لم يسمع يحيى بن أبي كثير، من زيد بن سَلام "، زَاد عَنهُ عَبَّاس الدوري: " وَلم يلقه "، وَإِنَّمَا قدم أَخُوهُ مُعَاوِيَة على يحيى فَأعْطَاهُ كتابا فِيهِ أَحَادِيث أَخِيه زيد، فدلسه عَنهُ، وَلم يسمع مِنْهُ.
وَعِنْدِي أَنه مِمَّا يجب التثبت فِيهِ، فَإِنَّهُ قد ذكر فِي نفس الْإِسْنَاد أَن زيدا(2/378)
حَدثهُ فِي الْحَدِيثين جَمِيعًا، وَالرجل أحد الثِّقَات أهل الصدْق وَالْأَمَانَة، وَالْغَالِب على الظَّن أَن زيدا أجَازه أَحَادِيثه، وبلغه إِجَازَته أَخُوهُ مُعَاوِيَة، فَحدث يحيى / بهَا عَنهُ قَائِلا: " حَدثنَا " وَكَانَ الْأَكْمَل أَن يَقُول: إجَازَة.
وَالرجل من مذْهبه جَوَاز التَّدْلِيس، بل كَانَ عَاملا بِهِ، فَجَاءَت رِوَايَته عَنهُ مظنوناً بهَا السماع، وَلَيْسَت بمسموعة.
قَالَ عَبَّاس الدوري: سَمِعت يحيى بن معِين يَقُول: قَالَ بعض الْمُحدثين: مَا رَأَيْت مثل يحيى بن أبي كثير، كُنَّا نحدثه بِالْغَدَاةِ، ويحدثنا بِهِ بالْعَشي.
يَعْنِي بذلك أَنه كَانَ يُدَلس، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: " أَنه كَانَ يُدَلس كثيرا ". فَيَنْبَغِي على هَذَا أَن يكون فِي مُعَنْعَن يحيى بن أبي كثير من الْخلاف - بِالْقبُولِ حَتَّى يتَبَيَّن الِانْقِطَاع، أَو الرَّد حَتَّى يتَبَيَّن الِاتِّصَال - مثل مَا فِي مُعَنْعَن كل مُدَلّس.
ويزداد إِلَى ذَلِك فِي حَدِيث يحيى بن أبي كثير أَنه أَيْضا وَلَو قَالَ: حَدثنَا، أَو: أخبرنَا فَيَنْبَغِي أَن لَا يجْزم بِأَنَّهُ مسموع لَهُ، لاحْتِمَال أَن يكون مِمَّا هُوَ عِنْده بِالْإِجَازَةِ، أما إِذا صرح بِالسَّمَاعِ فَلَا كَلَام فِيهِ، فَإِنَّهُ ثِقَة، حَافظ، صَدُوق، فَيقبل مِنْهُ ذَلِك بِلَا خلاف.
وَاعْلَم أَن حَدثنَا لَيست بِنَصّ فِي أَن قَائِلهَا سمع:
(379) وَقد جَاءَ فِي كتاب مُسلم حَدِيث الَّذِي يقْتله الدَّجَّال، ثمَّ(2/379)
يحييه ثمَّ يَقُول /: من أَنا؟ فَيَقُول: أَنْت الدَّجَّال الَّذِي حَدثنَا بِهِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَمَعْلُوم أَن ذَلِك الرجل مُتَأَخّر الْمِيقَات.
(380) وَقد ذكر أَبُو مُحَمَّد - رَحمَه الله - حَدِيث الْحَارِث الْأَشْعَرِيّ، فِي كتاب الْجِهَاد، فِي الْإِمَارَة - وَهُوَ حَدِيث طَوِيل - وَحكى عَن التِّرْمِذِيّ تَصْحِيحه.
وَهُوَ إِنَّمَا يرويهِ يحيى بن أبي كثير الْمَذْكُور، عَن زيد بن سَلام الْمَذْكُور، أَن أَبَا سَلام حَدثهُ، أَن الْحَارِث الْأَشْعَرِيّ حَدثهُ، فَذكره.
وَلم يقل فِيهِ يحيى: حَدثنَا زيد، إِنَّمَا قَالَ: عَن زيد.
فَمثل هَذَا يَنْبَغِي أَن يكون القَوْل فِيهِ: إِنَّه مُنْقَطع، لِأَن يحيى لم يلق زيدا، وَإِنَّمَا قُلْنَا: لَعَلَّه أجَازه فِي الْحَدِيثين الْمُتَقَدِّمين، لمَكَان قَوْله فيهمَا: إِن زيدا حَدثهُ، وَهَا هُنَا إِذْ لم يقل ذَلِك وَهُوَ لم يقلهُ - فَلَا اتِّصَال.
وَأما التِّرْمِذِيّ حَيْثُ صَححهُ، فَلَعَلَّهُ توهم أَنه أجَازه الْكتاب أجمع، كَمَا قدمنَا الْحِكَايَة عَن ابْن معِين، من رِوَايَة الدوري عَنهُ.
(381) وَقد وَقع لأبي مُحَمَّد قَول يظنّ بِهِ مِنْهُ خلاف هَذَا، فِي حَدِيث(2/380)
يحيى عَن / زيد.
وَذَلِكَ أَنه لما ذكر الذَّهَب للنِّسَاء قَالَ: وَقد خرج الْمَنْع من التحلي بِالذَّهَب للنِّسَاء، عَن ثَوْبَان وَحُذَيْفَة، وَأبي هُرَيْرَة، وَأَسْمَاء بنت يزِيد، وَغَيرهم، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَالصَّحِيح الْإِبَاحَة للنِّسَاء، وَذكر ذَلِك النَّسَائِيّ، وَأَبُو دَاوُد.
يعْنى أَن الْأَحَادِيث عَن هَؤُلَاءِ الصَّحَابَة بِالْمَنْعِ، ذكرهَا النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد، وضعفها - كَمَا ترى - بقوله: وَالصَّحِيح الْإِبَاحَة، وَقد بَينا أمرهَا فِي مَوْضِعه.
فَكَانَ مِنْهَا حَدِيث ثَوْبَان، لم نجد لَهُ عِلّة يرميه بهَا إِلَّا أَنه من رِوَايَة يحيى ابْن أبي كثير، عَن زيد بن سَلام، وعَلى أَنه مثل الْحَدِيثين الْمُتَقَدِّمين، قَالَ فِيهِ: حَدثنِي زيد، عَن أبي سَلام، عَن أبي أَسمَاء الرَّحبِي، عَن ثَوْبَان، فَهُوَ - وَالله أعلم - مِمَّا أجَازه، وَلَكِن مَعَ هَذَا لم يره أَبُو مُحَمَّد صَحِيحا.
وَقد ذكرنَا الحَدِيث بِإِسْنَادِهِ وَمَتنه، فِي الْموضع الَّذِي ذكرنَا فِيهِ جَمِيعهَا، وَهُوَ بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها وَلم يبين عللها.
وَقد ذكرنَا أَيْضا - فِيمَا تقدم - وهمه فِي عده فيهم حُذَيْفَة، والْحَدِيث بذلك إِنَّمَا هُوَ عَن أُخْته.
(382) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن عمر قَالَ: [قَالَ] رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:(2/381)
" من تَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء ... " الحَدِيث، بِزِيَادَة: " اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من التوابين، واجعلني من المتطهرين ".
وَسكت عَنهُ، مصححاً لَهُ، وَهُوَ مُنْقَطع، فَإِنَّهُ من رِوَايَة أبي إِدْرِيس، وَأبي عُثْمَان، عَن عمر.
قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي كتاب الْعِلَل: سَأَلت مُحَمَّدًا عَنهُ فَقَالَ: هَذَا خطأ، وَإِنَّمَا هُوَ مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن ربيعَة بن يزِيد، عَن أبي إِدْرِيس، عَن عقبَة، عَن عمر.
وَمُعَاوِيَة عَن ربيعَة بن يزِيد، عَن أبي عُثْمَان، عَن جُبَير بن نفير، عَن عمر.
قَالَ: وَلَيْسَ لأبي إِدْرِيس سَماع من عمر.
قلت: من أَبُو عُثْمَان هَذَا؟ قَالَ: شيخ لم أعرف اسْمه.
وَقد نَص التِّرْمِذِيّ فِي جَامعه على أَن أَبَا إِدْرِيس، لم يسمع من عمر، وَالْقَوْل بِأَن أَبَا عُثْمَان لم يسمعهُ من عمر، هُوَ لأجل إِدْخَال جُبَير بن نفير بَينهمَا، فمدركه إِذن زِيَادَة / وَاحِدَة بَينهمَا، فَهُوَ من الْمدْرك الَّذِي بعد هَذَا، وقدمناه هُنَا لقَولهم: إِن / أَبَا إِدْرِيس لم يسمع من عمر.(2/382)
(383) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، أَن عَائِشَة نزلت على صَفِيَّة بنت طَلْحَة الطلحات، فرأت بَنَات لَهَا فَقَالَت: إِن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " دخل وَفِي حُجْرَتي جَارِيَة، فَألْقى إِلَيّ حقوه " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَلم يتَبَيَّن لَهُ - وَالله أعلم - من أمره شَيْء، وَقد يظنّ بِهِ أَنه تَبرأ من عهدته بعض التبري بقوله: عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، أَن عَائِشَة، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَمَا ذكره إِلَّا ليستقيم لَهُ الْإِخْبَار عَن عَائِشَة.
وَقد قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: إِن رِوَايَة مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن عَائِشَة مُرْسلَة.
وَقد بَينا الْوَهم الَّذِي فِي قَوْله: نزلت على صَفِيَّة بنت طَلْحَة الطلحات، فِيمَا تقدم.(2/383)
(384) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كَانَ يُصَلِّي، فَذهب جدي يمر بَين يَدَيْهِ " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وخفي عَلَيْهِ انْقِطَاعه، وَذَلِكَ [أَنه] عِنْد أبي دَاوُد، من رِوَايَة يحيى بن الجزار، عَن ابْن عَبَّاس، وَهُوَ لم يسمع مِنْهُ، وَإِنَّمَا بَينه وَبَينه أَبُو الصَّهْبَاء.
وَقد نَص على ذَلِك ابْن أبي خَيْثَمَة فِي نفس إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: حَدثنَا عَفَّان، حَدثنَا شُعْبَة، أنبأني عَمْرو بن مرّة، عَن يحيى بن الجزار، عَن ابْن عَبَّاس - وَلم أسمعهُ - " أَن جدياً مر بَين يَدي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الحَدِيث.
وَكَذَا هُوَ أَيْضا عِنْد ابْن أبي شيبَة، وَإِنَّمَا كتبته هَا هُنَا بِاعْتِبَار تَعْرِيف ابْن أبي خَيْثَمَة بانقطاعه، وَلَو شِئْت كتبته فِي الْمدْرك الرَّابِع، لِأَن يحيى بن الجزار، قد صرح بِأَنَّهُ لم يسمع مِنْهُ فِي نفس إِسْنَاد الحَدِيث الْمَذْكُور.
(385) وَذكر أَيْضا أَبُو مُحَمَّد من طَرِيق أبي دَاوُد، حَدِيث ابْن عَبَّاس(2/384)
فِي مُرُور الجاريتين أَمَام الصَّفّ " فَمَا بالى ذَلِك رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ".
وَهُوَ أَيْضا من رِوَايَة ابْن الجزار عَنهُ كَذَلِك، فَيَنْبَغِي أَن يكون مُنْقَطِعًا.
(386) وَذكر من طَرِيق عبد الرَّزَّاق، عَن ابْن جريج، قَالَ: نَبَّأَنِي عبد الرَّحْمَن بن سابط، أَن أَبَا أُمَامَة، سَأَلَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - / مَتى غرُوب الشَّمْس؟ قَالَ: " من أول مَا تصفر إِلَى أَن تغرب ".
ثمَّ قَالَ بإثره: عبد الرَّحْمَن بن سابط أَكثر مَا يعرف بالرواية عَن جَابر.
(387) وَذكر أَيْضا بِهَذَا الْإِسْنَاد، أَن أَبَا أُمَامَة سَأَلَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أَي الدُّعَاء أسمع؟ قَالَ: " شطر اللَّيْل الآخر، وأدبار الصَّلَوَات المكتوبات " وَذكر الحَدِيث.
هَذَا نَص مَا أورد، وَلم يقل بإثره شَيْئا، فَاعْلَم الْآن، أَن مَا يرويهِ ابْن سابط عَن أبي أُمَامَة، هُوَ مُنْقَطع، وَلم يسمع مِنْهُ، وَحَدِيثه عَنهُ طَوِيل، تقتطع مِنْهُ - هَكَذَا - قطع بِحَسب تقاضي الْأَبْوَاب إِيَّاهَا، ذكره بِطُولِهِ عبد الرَّزَّاق.
وَابْن سابط هَذَا هُوَ الجُمَحِي، مكي، ثِقَة، يُرْسل عَن عمر، وَاخْتلفُوا فِي حَدِيثه عَن جَابر: فَقَالَ ابْن أبي حَاتِم /: إِنَّه مُتَّصِل وَزعم ابْن معِين أَنه(2/385)
مُرْسل، وَكَذَلِكَ عَن أبي أُمَامَة، الَّذِي هُوَ الْآن مَوضِع النّظر.
قَالَ عَبَّاس الدوري: مثل ليحيى: سمع من أبي أُمَامَة؟ قَالَ: لَا، قيل: سمع من جَابر؟ قَالَ: لَا، هُوَ مُرْسل، كَانَ مَذْهَب يحيى أَنه يُرْسل عَنْهُم، وَلم يسمع مِنْهُم.
وَقد تقدم فِي أول بَاب من هَذَا الْكتاب - وَهُوَ بَاب الزِّيَادَة فِي الْأَسَانِيد، من ذكر رِوَايَة ابْن جريج عَن عبد الرَّحْمَن بن سابط - مَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى الِاسْتِظْهَار عَلَيْهِ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثين وَغَيرهمَا من رِوَايَته عَنهُ، فَاعْلَم ذَلِك.
(388) وَذكر حَدِيث أم عبد الله الدوسية: " فِي عدد من تجب عَلَيْهِ الْجُمُعَة ".(2/386)
ورده بِضعْف رُوَاته.
وَبَقِي عَلَيْهِ أَن يبين من أمره مَا قد تولى الدَّارَقُطْنِيّ بَيَانه من انْقِطَاعه فِيمَا بَين الزُّهْرِيّ، وَأم عبد الله، فَإِنَّهُ لم يسمع مِنْهَا.
(389) وَذكر من طَرِيق مُسلم، عَن أم هِشَام بنت حَارِثَة، قَالَت: " مَا أخذت {ق وَالْقُرْآن الْمجِيد} إِلَّا عَن لِسَان رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقْرؤهَا كل يَوْم جُمُعَة على الْمِنْبَر إِذا خطب النَّاس ".
هَكَذَا أورد هَذَا الحَدِيث، مُخْتَارًا لَهُ على غَيره مِمَّا هُوَ أصح مِنْهُ، وَذَلِكَ أَن هَذَا مُنْقَطع - فِيمَا يُقَال - فِيمَا بَين يحيى بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن سعد بن زُرَارَة، وَأم هِشَام، فَإِنَّهُ من رِوَايَته عَنْهَا.
قَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر: لم يسمع يحيى بن عبد الله من أم هِشَام، بَينهمَا عبد الرَّحْمَن بن سعيد، ذكر ذَلِك فِي بَابهَا من كتاب الِاسْتِيعَاب.
وَهَذَا الطَّرِيق الَّذِي أورد أَبُو مُحَمَّد، الَّذِي قُلْنَا عَنهُ: إِنَّه مُنْقَطع، هُوَ من طَرِيق ابْن إِسْحَاق، وَقد كَانَ لَهُ أَن يُورِدهُ صَحِيحا، مُتَّصِلا من رِوَايَة يحيى بن سعيد، عَن عمْرَة، عَن أُخْت لعمرة، قَالَت: " أخذت {ق وَالْقُرْآن الْمجِيد} من فِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فِي يَوْم جُمُعَة، وَهُوَ يقْرَأ بهَا على الْمِنْبَر كل جُمُعَة " ذكره أَيْضا مُسلم.(2/387)
(390) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث ابْن جريج، عَن عمرَان ابْن أبي أنس، عَن مَالك بن أَوْس بن الْحدثَان، عَن أبي ذَر، حَدِيث: " وَفِي الْبَز - هَكَذَا بالزاي - صدقته ".
وَلم يتبعهُ أَكثر من أَن مُوسَى بن عُبَيْدَة أَيْضا رَوَاهُ عَن عمرَان كَذَلِك.
فَاعْلَم أَن التِّرْمِذِيّ [قَالَ] : سَأَلَ البُخَارِيّ عَن هَذَا، فَقَالَ: ابْن جريج لم يسمع من عمرَان بن أبي أنس، يَقُول: حدثت عَن عمرَان بن أبي أنس، ذكر ذَلِك فِي كتاب الْعِلَل.
فَالْحَدِيث على هَذَا مُنْقَطع، وَابْن جريج لم يقل: حَدثنَا عمرَان، وَهُوَ مُدَلّس.(2/388)
وَلِلْحَدِيثِ شَأْن آخر، ذَكرْنَاهُ بِهِ بعد فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي سكت عَنْهَا إِلَّا أَنه ذكرهَا بِقطع من أسانيدها.
(391) وَذكر حَدِيث عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، فِي الْهلَال إِذْ سقط لليلة أَو لَيْلَتَيْنِ.
رَوَاهُ بَقِيَّة، عَن مجاشع بن عَمْرو، عَن عبيد الله، وَضَعفه، وَلم يبين انْقِطَاعه، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لم يسمع مجاشع من عبيد الله بن عمر شَيْئا.
(392) وَذكر فِي قَضَاء صَوْم التَّطَوُّع، من رِوَايَة أبي الْأَحْوَص، عَن طَلْحَة بن يحيى / عَن مُجَاهِد، عَن عَائِشَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِنَّمَا مثل صَوْم(2/389)
التَّطَوُّع، مثل الَّذِي يخرج من مَاله الصَّدَقَة ".
(393) وَبعده حَدِيث آخر من رِوَايَة شريك، عَن طَلْحَة، بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَلم يقل فيهمَا شَيْئا.
وهما منقطعان عِنْد أهل الحَدِيث:
قَالَ يحيى بن سعيد: كَانَ شُعْبَة يُنكر أَن يكون مُجَاهِد سمع من عَائِشَة، ذكره التِّرْمِذِيّ فِي كتاب الْعِلَل وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَن يحيى بن معِين قَالَ: كَانَ يحيى بن سعيد يُنكره، ذكره الدوري عَنهُ.
وَذكر عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل / عَن أَبِيه قَالَ: كَانَ شُعْبَة يُنكر أَن يكون مُجَاهِد سمع من عَائِشَة، قَالَ: وَقَالَ يحيى بن سعيد، فِي حَدِيث مُوسَى الْجُهَنِيّ، عَن مُجَاهِد، قَالَ: خرجت إِلَيْنَا عَائِشَة، أَو حَدَّثتنِي [عَائِشَة] قَالَ يحيى: فَحدثت بِهِ شُعْبَة فَأنكرهُ.(2/390)
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: روى عَن عَائِشَة مُرْسلا.
(394) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، من حَدِيث يزِيد بن أبي زِيَاد، عَن مُجَاهِد، عَن عَائِشَة أَيْضا قَالَت: " كَانَ الركْبَان يَمرونَ بِنَا، وَنحن مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، مُحرمَات، فَإِذا حاذوا بِنَا سدلت إحدانا جلبابها " الحَدِيث.
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: يزِيد بن أبي زِيَاد لَا يحْتَج بحَديثه.
لم يعرض لَهُ بِأَكْثَرَ من هَذَا، وَالْقَوْل فِيهِ كَمَا تقدم.
(395) وَذكر أَيْضا من طَرِيق مُسلم عَن عَائِشَة " أَنَّهَا حَاضَت بسرف، فتطهرت بِعَرَفَة ".
وَلم يقل فِي إِسْنَاده شَيْئا، وَهُوَ عِنْد مُسلم من طَرِيق ابْن أبي نجيح، عَن(2/391)
مُجَاهِد عَن عَائِشَة، وَالْقَوْل فِيهِ كَمَا تقدم.
(396) وَالصَّحِيح عَن عَائِشَة من غير رِوَايَة مُجَاهِد، أَنَّهَا إِنَّمَا طهرت يَوْم النَّحْر، وَيَوْم النَّحْر إِنَّمَا تكون فِيهِ إِمَّا بِمُزْدَلِفَة سحرًا، أَو بمنى، أَو بِمَكَّة.
(397) وعنها أَيْضا صَحِيح فِي كتاب مُسلم: " أدركني يَوْم عَرَفَة وَأَنا حَائِض ".
(398) وَذكر حَدِيث حَبِيبَة بنت أبي تجراة: " إِن الله كتب عَلَيْكُم السَّعْي ".(2/392)
اخْتَار من أَلْفَاظه لفظا أوردهُ بِهِ من التَّمْهِيد.
وَأَبُو عمر قد تولى بَيَان انْقِطَاع طَرِيق ذَلِك اللَّفْظ، وَقد اسْتحق الحَدِيث أَن(2/393)
يذكر ذكرا مستوعباً، فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أتبعهَا كلَاما، يقْضِي ظَاهره بِصِحَّتِهَا وَلَيْسَت بصحيحة.
(399) وَذكر من مراسل أبي دَاوُد، عَن عَطاء الخرساني، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: عَليّ بَدَنَة وَأَنا مُوسر لَهَا، وَلَا أجد، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " اذْبَحْ سبع شِيَاه ".
ثمَّ قَالَ: وَصله يحيى بن الْحجَّاج، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس، وَالصَّحِيح مُرْسل.
هَكَذَا أوردهُ هَذَا الْموضع، وَهُوَ دَال على المجازفة، وَيَنْبَغِي أَن نورد مَا فِي المراسل بنصه، حَتَّى يتَبَيَّن لَهُ أَن يحيى بن الْحجَّاج، لم يَأْتِ بِزِيَادَة.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا عبد الله بن سعيد، أَن سُلَيْمَان / بن حَيَّان، حَدثهمْ عَن ابْن جريج، عَن عَطاء الخرساني، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: عَليّ بَدَنَة وَأَنا مُوسر لَهَا وَلَا أجد، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " اذْبَحْ سبع شِيَاه / ".
حَدثنِي الْوَلِيد بن عتبَة، قَالَ: حَدثنِي أَبُو ضَمرَة، عَن ابْن جريج بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ. هَذَا نَص مَا فِي كتاب المراسل، وَهُوَ مثل مَا ذكر عَن يحيى بن حجاج سَوَاء، فلنبين مَا فِي كَلَام أبي مُحَمَّد فَنَقُول الْمُحدث إِذا قَالَ: مُرْسل، فَأكْثر مَا يَقُوله(2/394)
عَن حَدِيث سقط أول إِسْنَاده.
مِثَاله أَن يسْقط من هَذَا ذكر ابْن عَبَّاس، فَيبقى عَن عَطاء الخرساني، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَلَو سقط مِنْهُ أَوله وثانيه فَأكْثر، سموهُ مُرْسلا أَيْضا، وَمِنْهُم من يخص بِهِ اسْم معضل، فَمَتَى ثَبت أَوله، وَسقط مِمَّا بعده، أَو ثَبت أَوله وثانيه، وَسقط مِمَّا بعدهمَا، فَأكْثر مَا يَقُولُونَ فِي هَذَا: مُنْقَطع وَرُبمَا قَالُوا: مُرْسل.
فَقَوْل أبي مُحَمَّد: " وَصله يحيى بن الْحجَّاج، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس، وَالصَّحِيح مُرْسل "، لَا يَصح إِلَّا لَو كَانَ الأول الَّذِي فِي المراسل لَا ذكر فِيهِ لِابْنِ عَبَّاس، وَيكون يحيى بن الْحجَّاج قد زَاده، أَن يكون يحيى بن الْحجَّاج، قد زَاد وَاحِدًا بَين عَطاء وَابْن عَبَّاس، وَلَيْسَ شَيْء من ذَلِك كَائِنا، بل الِانْقِطَاع الَّذِي كَانَ فِيمَا أورد من المراسل، بَاقٍ فِي رِوَايَة يحيى بن الْحجَّاج كَمَا كَانَ.
وَمَا يدل هَذَا إِلَّا على أَن أَبَا مُحَمَّد خَفِي عَلَيْهِ انْقِطَاع الأول، وَاعْتمد فِي كَونه مُرْسلا سوق أبي دَاوُد لَهُ فِي المراسل، وَإِلَّا فَلَو علم انْقِطَاعه مَا كَانَ يقْضِي على رِوَايَة يحيى بن الْحجَّاج بالاتصال، وَذَلِكَ الِانْقِطَاع بِعَيْنِه فِيهَا، وَانْقِطَاع الأول هُوَ فِيمَا بَين عَطاء الخرساني وَابْن عَبَّاس، وَقد تولى بَيَانه أَبُو دَاوُد بِنَفسِهِ فِي بَاب آخر.
(400) وَذَلِكَ أَنه ذكر فِي كتاب النِّكَاح من المراسل حَدِيث ابْن جريج(2/395)
أَيْضا، عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا وَصِيَّة لوَارث إِلَّا أَن يَشَاء الْوَرَثَة ".
ثمَّ قَالَ بإثره: عَطاء الْخُرَاسَانِي لم يدْرك ابْن عَبَّاس وَلم / يره.
فَإِذا الْأَمر هَكَذَا، فرواية يحيى بن الْحجَّاج أَيْضا مُنْقَطِعَة كَذَلِك.
وَمَا أَوْهَمهُ قَوْله من أَن رِوَايَة يحيى بن الْحجَّاج فِيهَا مَا لَيْسَ فِيمَا أوردهُ من المراسل خطأ، وَإِنَّمَا رأى رِوَايَة يحيى فِي كتاب أبي أَحْمد.
قَالَ أَبُو أَحْمد: حَدثنَا الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل، حَدثنَا مُحَمَّد بن حسان الْأَزْرَق، أخبرنَا يحيى بن أبي الْحجَّاج، عَن ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس، أَن رجلا سَأَلَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أَن عَليّ بَدَنَة وَأَنا مُوسر، وَلَا أَجدهَا، قَالَ: " فَأمره أَن يذبح تسع شِيَاه، أَو سبع شِيَاه - ابْن حسان شكّ - ".
فَهَذِهِ رِوَايَة يحيى بن حجاج بن أبي الْحجَّاج، مثل رِوَايَة أبي خَالِد وَأبي ضَمرَة سَوَاء فَاعْلَم ذَلِك.
(401) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " وفطركم يَوْم تفطرون، وأضحاكم يَوْم تضحون وكل منى منحر، وكل فجاج(2/396)
مَكَّة منحر، وكل جمع موقف ".
هَكَذَا ذكره وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ عِنْد أبي دَاوُد أَيُّوب، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَقد نَص يحيى بن معِين على أَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر لم يسمع من أبي هُرَيْرَة وتكرر ذَلِك فِي كتاب عَبَّاس الدوري.
وَذكر الْبَزَّار لمُحَمد بن الْمُنْكَدر / عَن أبي هُرَيْرَة أَحَادِيث يسيرَة.
مِنْهَا هَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه، فَقَالَ: وَمُحَمّد بن الْمُنْكَدر لَا نعلمهُ سمع من أبي هُرَيْرَة، وَقد سمع من ابْن عمر، وَجَابِر، وَأنس. ثمَّ قَالَ فِي آخر الْبَاب: وَقد ذكرنَا أَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر لم يسمع من أبي هُرَيْرَة، فأمسكنا أَن نذْكر عَنهُ إِلَّا هَذِه الْأَحَادِيث لنبين أَنه لم يسمع مِنْهُ.
وَلِهَذَا الحَدِيث شَأْن آخر لَيْسَ من هَذَا الْبَاب، وَهُوَ أَن جمَاعَة روته عَن أَيُّوب فوقفته على أبي هُرَيْرَة:
مِنْهُم عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ، وَابْن علية، وَاخْتلف فِيهِ على معمر، عَن أَيُّوب، فَرفع عَنهُ ووقف، وَقد بَين ذَلِك كُله الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله.
(402) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن حميد، عَن الْحسن، عَن عمرَان(2/397)
ابْن حُصَيْن، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا جلب وَلَا جنب فِي الرِّهَان ".
هَكَذَا ذكره على أَنه مُتَّصِل.
(403) وَلما ذكر من طَرِيق مُسلم حَدِيث عمرَان / بن حُصَيْن فِي " الَّذِي(2/398)
أعتق عِنْد مَوته سِتَّة أعبد "، أتبعه أَن قَالَ: القَوْل الشَّديد - وَالله أعلم - هُوَ مَا ذكر النَّسَائِيّ من رِوَايَة الْحسن، عَن عمرَان بن الْحصين، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ:
(404) " لقد هَمَمْت أَن لَا أُصَلِّي عَلَيْهِ ".
وَلم يعرض للْحَدِيث أَيْضا بِشَيْء.
(405) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن الْحسن، عَن عمرَان، أَن(2/399)
نَبِي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا أركب الأرجوان، وَلَا ألبس المعصفر " الحَدِيث.
وَقَالَ بإثره: تكلمُوا فِي سَماع الْحسن من عمرَان.
لم يزدْ على هَذَا، وَالْحسن لَا يَصح لَهُ السماع من عمرَان، فَهُوَ مُنْقَطع.
وَقد أنكر أَحْمد بن حَنْبَل على مبارك بن فضَالة قَوْله فِي غير حَدِيث عَن الْحسن: حَدثنَا عمرَان، وَأَصْحَاب الْحسن غَيره لَا يَقُولُونَ ذَلِك، وَكَانَ كثير التَّدْلِيس.
(406) وَقد ذكر أَبُو مُحَمَّد فِي كتاب النِّكَاح من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن(2/400)
الْحسن، عَن عمرَان بن حُصَيْن، جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: إِن ابْني مَاتَ فَمَا لي من مِيرَاثه؟ قَالَ: " السُّدس " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: صَححهُ التِّرْمِذِيّ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لم يسمع الْحسن من عمرَان.
فَهَذَا مِنْهُ اعْتِرَاف بِأَنَّهُ لم يسمع حِين اعْترض بِهِ تَصْحِيح التِّرْمِذِيّ للْحَدِيث الْمَذْكُور.
وَقد اعترى أَبَا مُحَمَّد فِي الحَدِيث الأول مَا أوجب كتبه فِي بَاب نِسْبَة الْأَحَادِيث إِلَى غير رواتها وَقد تقدم ذَلِك.
(407) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن أم هَانِئ، قَالَت: " قدم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -(2/401)
مَكَّة وَله أَربع غدائر "، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث حسن.
كَذَا ذكره، وَلم يعرض لَهُ بِأَكْثَرَ من هَذَا.
وَالتِّرْمِذِيّ قد حكى إثره عَن البُخَارِيّ أَن قَالَ: لَا أعرف لمجاهد سَمَاعا من أم هَانِئ، وَهُوَ عِنْده من رِوَايَة مُجَاهِد عَنْهَا فاعلمه.
(408) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ حَدِيث جَابر: كَانَت لنا جوَار، وَكُنَّا نعزل عَنْهُن، فَقَالَ الْيَهُود: تِلْكَ الموؤودة الصُّغْرَى، فَسئلَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن ذَلِك. الحَدِيث.
وَهُوَ عِنْدِي مُتَّصِل، وَإِنَّمَا كتبته ملزماً لَهُ فِيهِ الِانْقِطَاع على مذْهبه.
وَذَلِكَ أَنه من رِوَايَة يحيى بن أبي كثير، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان، أَن جَابر / بن عبد الله / قَالَ: كَانَت لنا جوَار.(2/402)
وَأَبُو مُحَمَّد قد نَص فِي بَاب الصّيام فِي السّفر على أَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان لم يسمع من جَابر.
وَذَلِكَ خطأ من قَوْله، وسنبين ذَلِك فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ردهَا بالانقطاع وَهِي مُتَّصِلَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(409) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن أبي بكر الصّديق - رَضِي الله عَنهُ -(2/403)
قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَلْعُون من ضار مُسلما أَو مكر بِهِ ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث غَرِيب، وخرجه أَبُو بكر الْبَزَّار عَن أبي بكر أَيْضا، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يدْخل الْجنَّة جَسَد غذي بِحرَام، وَلَا يدْخل الْجنَّة سيئ الملكة، مَلْعُون من ضار مُسلما أَو غره ".
فِي إِسْنَاده أسلم الْكُوفِي.
هَذَا نَص مَا أورد، وَعَلِيهِ فِيهِ أدْرك.
أَحدهَا هُوَ مَقْصُود الْبَاب، وَهُوَ انْقِطَاع حَدِيث التِّرْمِذِيّ، وَذَلِكَ أَن التِّرْمِذِيّ سَاقه من طَرِيق زيد بن الْحباب، قَالَ: حَدثنَا أَبُو سَلمَة الْكِنْدِيّ قَالَ: حَدثنَا فرقد السبخي، عَن مرّة بن شرَاحِيل الْهَمدَانِي، - وَهُوَ الطّيب - عَن أبي بكر، فَذكره.
وَقد نَص الْبَزَّار على أَن مرّة بن شرَاحِيل لم يدْرك أَبَا بكر، فِي الْمَكَان الَّذِي ذكر فِيهِ الحَدِيث الْمَذْكُور، وَأدْخل بَينهمَا زيد بن أَرقم، هُوَ عِنْده هَكَذَا من رِوَايَة عبد الْوَاحِد بن زيد، قَالَ: قَالَ أسلم الْكُوفِي: عَن مرّة الطّيب، عَن زيد ابْن أَرقم، عَن أبي بكر، فَذكره.
وَلم يعْتَمد الْآن فِي انْقِطَاع حَدِيث التِّرْمِذِيّ زِيَادَة الْبَزَّار بَينهمَا وَاحِدًا، فَإِن هَذَا الْقسم لم نذكرهُ بعد، وَإِنَّمَا نذْكر مَا نَص المحدثون على انْقِطَاعه.
وَالْبَزَّار قد قَالَ: إِن مرّة لم يدْرك أَبَا بكر، وَمَا من الْجَمِيع شَيْء يَصح، فَإِن فرقداً السبخي - وَهُوَ ابْن يَعْقُوب، وَإِن كَانَ رجلا صَالحا - حَدِيثه مُنكر جدا. قَالَه البُخَارِيّ. وَقد كَانَ ابْن معِين يوثقه.(2/404)
وَأَبُو سَلمَة الْكِنْدِيّ مَجْهُول.
وَعبد الْوَاحِد بن زيد، وَأَبُو عُبَيْدَة الْبَصْرِيّ، قَالَ ابْن معِين: لَيْسَ حَدِيثه بِشَيْء.
وَقَالَ عَمْرو بن عَليّ: كَانَ قَاصا، وَكَانَ مَتْرُوك الحَدِيث.
وَقَالَ البُخَارِيّ: تَرَكُوهُ، يذكر بِالْقدرِ، مُنكر / الحَدِيث.
وَقَالَ الْبَزَّار: أَحْسبهُ كَانَ يذهب إِلَى الْقدر مَعَ شهرة عِبَادَته.
وَأسلم الْكُوفِي لَا يعرف بِغَيْر هَذَا، وَلَا يعرف روى عَنهُ غير عبد الْوَاحِد هَذَا.
وَأَبُو مُحَمَّد رَحمَه الله أعل الحَدِيث بأسلم، وَترك إعلاله بِعَبْد الْوَاحِد، وَلم يقل فِي حَدِيث التِّرْمِذِيّ شَيْئا، وَقد تبين انْقِطَاعه، وَضعف فرقد، وَالْجهل بِحَال أبي سَلمَة، فَاعْلَم ذَلِك.
(410) وَذكر من طَرِيق مُسلم عَن ابْن عَبَّاس، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:(2/405)
" قضى بِيَمِين وَشَاهد ".
كَذَا أوردهُ، وَلم يعرض [لَهُ] بِشَيْء لما كَانَ من عِنْد مُسلم.
وَهُوَ فِي كتاب مُسلم من طَرِيق قيس بن سعد، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن ابْن عَبَّاس.
وَالتِّرْمِذِيّ قد ذكره فِي علله هَكَذَا، ثمَّ قَالَ: سَأَلت مُحَمَّدًا عَنهُ فَقَالَ: عَمْرو بن دِينَار لم يسمع عِنْدِي من ابْن عَبَّاس هَذَا الحَدِيث.
وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: قيس بن سعد لَا نعلمهُ يحدث عَن عَمْرو بن دِينَار بِشَيْء.
فَهَذَا - كَمَا ترى - رمي للْحَدِيث بالانقطاع / فِي موضِعين:
من البُخَارِيّ فِيمَا بَين عَمْرو بن دِينَار، وَابْن عَبَّاس.
وَمن الطَّحَاوِيّ، فِيمَا بَين قيس بن سعد، وَعَمْرو بن دِينَار.
(411) وَقد ذكر الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه، مَا لَا نعتمده مِمَّا يُوَافق ذَلِك: من(2/406)
رِوَايَة عبد الله بن مُحَمَّد بن ربيعَة، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن مُسلم، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " قضى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِد الْوَاحِد ".
فَلَو صحت هَذِه الرِّوَايَة، تبين بهَا مَا قَالَه البُخَارِيّ، وَلَكِن لَا تصح، فَإِن عبد الله بن مُحَمَّد بن ربيعَة هَذَا، هُوَ القدامي، يروي عَن مَالك، وَهُوَ مَتْرُوك، قَالَه الدَّارَقُطْنِيّ، فَاعْلَم ذَلِك.
(412) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب، أَن عمر بن الْخطاب أعتق أُمَّهَات الْأَوْلَاد.(2/407)
وَقَالَ: " أعتقهن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ".
ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده عبد الرَّحْمَن الإفْرِيقِي، وَهُوَ ضَعِيف.
(413) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن سعيد بن الْمسيب، أَن أَخَوَيْنِ من الْأَنْصَار، كَانَ بَينهمَا مِيرَاث، فَسَأَلَ أَحدهمَا / صَاحبه الْقِسْمَة، فَقَالَ: إِن عدت تَسْأَلنِي الْقِسْمَة، فَكل مَالِي فِي رتاج الْكَعْبَة، فَقَالَ لَهُ عمر: إِن الْكَعْبَة غنية عَن مَالك، كفر عَن يَمِينك، وكلم أَخَاك، سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " لَا يَمِين عَلَيْك، وَلَا نذر فِي مَعْصِيّة الرب " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ بعده: قَالَ أَحْمد: سعيد بن الْمسيب عَن عمر، عندنَا حجَّة، قد رأى عمر وَسمع مِنْهُ، إِذا لم نقبل سعيداً عَن عمر، فَمن نقبل؟
ذكر هَذَا عَنهُ أَبُو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم.
(414) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن الضَّحَّاك بن قيس، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كتب إِلَيْهِ أَن يُورث امْرَأَة أَشْيَم الضبابِي من دِيَة زَوجهَا ".(2/408)
ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح، قَالَ: وَقَالَ أَبُو عمر: حَدِيث الضَّحَّاك هُوَ حَدِيث صَحِيح عِنْد جمَاعَة الْعلمَاء، مَعْمُول بِهِ، انْتهى مَا ذكر.
وَلم يبين أَنه من رِوَايَة سعيد بن الْمسيب.
هَكَذَا قَالَ: قَالَ عمر: الدِّيَة على الْعَاقِلَة، وَلَا تَرث الْمَرْأَة من دِيَة زَوجهَا شَيْئا، فَأخْبرهُ الضَّحَّاك بن سُفْيَان الْكلابِي بالْخبر الْمَذْكُور.
(415) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ عَن سعيد بن الْمسيب، أَن عمر بن الْخطاب: " قضى فِي يَوْم وجد بَينهم قَتِيل، فاستحلف مِنْهُم خمسين شَيخا، بِاللَّه رب هَذَا الْبَيْت الْحَرَام " الحَدِيث.
وَضَعفه بعمر بن صبح، وَلم يعرض لسَعِيد عَن عمر.
(416) وَذكر من طَرِيق قَاسم بن أصبغ، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن(2/409)
صَفْوَان بن الْمُعَطل السّلمِيّ، أَنه ضرب حسان بن ثَابت بِالسَّيْفِ فِي هجائه، فَأتى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فاستعداه عَلَيْهِ فَلم يعده، وعقل لَهُ جرحه، وَقَالَ: " إِنَّك قلت قولا سَيِّئًا ".
ثمَّ قَالَ: تكلمُوا فِي سَماع سعيد بن الْمسيب من صَفْوَان.
وَصَفوَان قتل فِي أَيَّام عمر، وَإِن كَانَ سعيد قد سمع من عمر نعيه النُّعْمَان ابْن مقرن.
(417) وَقَالَ فِي بَاب الْوتر - بعد أَن ذكر حَدِيث وتر أبي بكر أول اللَّيْل، وَعمر آخِره -: يُقَال: إِن سعيداً لم يسمع من عمر إِلَّا نعيه النُّعْمَان بن مقرن.
(418) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن أبي عِيسَى الخرساني، عَن عبد الله ابْن الْقَاسِم [عَن أَبِيه] عَن سعيد بن الْمسيب، أَن رجلا من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَتَى عمر / بن الْخطاب / يشْهد أَنه سمع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي مَرضه الَّذِي قبض فِيهِ: " يُنْهِي عَن الْعمرَة قبل الْحَج ".(2/410)
ثمَّ قَالَ: هَذَا مُنْقَطع وَضَعِيف الْإِسْنَاد.
وَلَيْسَ فِيهِ مَوضِع للانقطاع الَّذِي يَعْنِي، إِلَّا فِيمَا بَين سعيد وَعمر.
(419) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن أبي قُرَّة، عَن سُفْيَان، عَن يحيى بن سعيد، عَن سعيد عَن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَيْسَ لقَاتل شَيْء ".
ثمَّ قَالَ: قد تكلم فِي سَماع سعيد عَن عمر.(2/411)
وَالْمَقْصُود أَن كل مَا سكت عَنهُ من هَذِه الْأَحَادِيث - وَلم يبين أَنه من رِوَايَة سعيد عَن عمر - فَإِنَّهُ قد أوهم اتِّصَاله، وَهُوَ مُنْقَطع، فَإِن سعيداً لَا يَصح لَهُ سَماع من عمر، إِلَّا نعيه النُّعْمَان بن مقرن.
وَمِنْهُم من أنكر أَن يكون سمع مِنْهُ شَيْئا الْبَتَّةَ، فَاعْلَم ذَلِك.
(420) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ، عَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان، قَالَ: " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن لبس الذَّهَب إِلَّا مقطعاً ".
كَذَا ذكره وَلم يقل فِيهِ شَيْئا، وَهُوَ مُنْقَطع، فَإِنَّهُ من رِوَايَة أبي قلَابَة عَن مُعَاوِيَة، وَقد قَالَ أَبُو دَاوُد - بعد ذكره إِيَّاه فِي رِوَايَة عَنهُ -: أَبُو قلَابَة لم يلق مُعَاوِيَة.
(421) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ - فِي زَكَاة الْفطر بِنصْف صَاع من بر - حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.(2/412)
ثمَّ قَالَ: اخْتلف فِي إِسْنَاده.
لم يزدْ على هَذَا، وَالْخلاف الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ قد ذكره التِّرْمِذِيّ، وَذَلِكَ أَن رَاوِيه عَن عَمْرو بن شُعَيْب، وَهُوَ ابْن جريج، فَعَنْهُ فِي ذَلِك قَولَانِ:
أَحدهمَا: قَول سَالم بن نوح: عَنهُ، عَن عَمْرو، عَن أَبِيه، عَن جده. وَالْآخر: قَول عمر بن هَارُون: عَنهُ، عَن الْعَبَّاس بن ميناء، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَهَذَا لم يكن بضار لَهُ لَو اتَّصل، وَإِنَّمَا الحَدِيث غير مُتَّصِل.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي كتاب الْعِلَل: لم يسمع ابْن جريج من عَمْرو بن شُعَيْب، فاعلمه.
(422) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن رِفَاعَة بن هرير، حَدثنَا أبي(2/413)
عَن عَائِشَة، قلت: يَا رَسُول الله، أستدين وأضحي: قَالَ: " نعم، فَإِنَّهُ دين مقضي ".
ثمَّ قَالَ عَن الدَّارَقُطْنِيّ /: إِنَّه إِسْنَاد ضَعِيف.
لم يزدْ على هَذَا فِيمَا ذكره بِهِ، وَقد بَين الدَّارَقُطْنِيّ أَن هرير بن عبد الرَّحْمَن ابْن رَافع، لم يدْرك عَائِشَة، فَالْحَدِيث مُنْقَطع. وَقد نبهنا عَلَيْهِ أَيْضا فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها وَلم يبين عللها.
(423) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن يزِيد بن أبي زِيَاد، عَن عِيسَى بن فائد، عَن سعد بن عبَادَة، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا من امرىء يقْرَأ الْقُرْآن ثمَّ(2/414)
ينساه إِلَّا لَقِي الله يَوْم الْقِيَامَة أَجْذم ".
لم يزدْ على إبراز هَذِه الْقطعَة من إِسْنَاده، وَاعْتمد فِي يزِيد بن أبي زِيَاد مَا قدم: من أَنه لَا يحْتَج بِهِ.
وَقد بَينا فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي سكت عَنْهَا، مصححاً لَهَا، مَا اعتراه فِيهِ.
وَلم يعرض لعيسى بن فائد بأمرين:
أَحدهمَا: أَنه لم يعرف بِحَالهِ، وَهِي مَجْهُولَة، وَلَا يعرف روى عَنهُ غير يزِيد بن أبي زِيَاد.
وَقَالَ البُخَارِيّ: هُوَ أَمِير الرقة.
وَالثَّانِي: أَنه لم يبين هَل سمع من سعد بن عبَادَة أم لَا؟ وَهُوَ الَّذِي قصدنا بِذكرِهِ فِي هَذَا الْبَاب.
فَاعْلَم أَن أَبَا مُحَمَّد بن أبي حَاتِم لما ذكره قَالَ: روى عَمَّن سمع سعد بن عبَادَة، روى عَنهُ يزِيد بن أبي زِيَاد، فَاعْلَم ذَلِك /.
الْمدْرك الثَّانِي لانْقِطَاع الْأَحَادِيث فِي هَذَا الْبَاب
:
أعلم أَن الْمُحدث إِذا روى حَدِيثا عَن رجل قد عرف بالرواية عَنهُ وَالسَّمَاع مِنْهُ، وَلم يقل: حَدثنَا، أَو أخبرنَا، أَو سَمِعت، وَإِنَّمَا جَاءَ بِهِ بِلَفْظَة " عَن " فَإِنَّهُ يحمل حَدِيثه على أَنه مُتَّصِل، إِلَّا أَن يكون مِمَّن عرف بالتدليس، فَيكون لَهُ شَأْن آخر.(2/415)
وَإِذا جَاءَ عَنهُ فِي رِوَايَة أُخْرَى إِدْخَال وَاسِطَة بَينه وَبَين من كَانَ قد روى الحَدِيث عَنهُ مُعَنْعنًا، غلب على الظَّن أَن الأول مُنْقَطع، من حَيْثُ يبعد أَن يكون قد سَمعه مِنْهُ، ثمَّ حدث بِهِ عَن رجل عَنهُ.
وَأَقل مَا فِي هَذَا سُقُوط الثِّقَة باتصاله، وَقيام الريب فِي ذَلِك، وَيكون هَذَا أبين فِي اثْنَيْنِ لم يعلم سَماع أَحدهمَا من الآخر، وَأَن كَانَ الزَّمَان / قد جَمعهمَا.
وعَلى هَذَا المحدثون، وَعَلِيهِ وضعُوا كتبهمْ، كمسلم فِي كتاب التَّمْيِيز، وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي علله، وَالتِّرْمِذِيّ، وَمَا يَقع مِنْهُ للْبُخَارِيّ، وَالنَّسَائِيّ، وَالْبَزَّار، وَغَيرهم مِمَّن لَا يُحْصى كَثْرَة، تجدهم دائبين يقضون بِانْقِطَاع الحَدِيث المعنعن، إِذا رُوِيَ بِزِيَادَة وَاحِد بَينهمَا، بِخِلَاف مَا لَو قَالَ فِي الأول: حَدثنَا، أَو أخبرنَا، أَو سَمِعت، ثمَّ نجده عَنهُ بِوَاسِطَة بَينهمَا، فَإِن هَا هُنَا نقُول: سَمعه مِنْهُ، وَرَوَاهُ بِوَاسِطَة عَنهُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: سَمعه مِنْهُ، لِأَنَّهُ ذكر أَنه سَمعه مِنْهُ، أَو حَدثهُ بِهِ، وَيَنْبَغِي أَن نعرض عَلَيْك فِي هذَيْن الْفَصْلَيْنِ، مَا يدلك على أَن مَذْهَب أبي مُحَمَّد: عبد الْحق، هُوَ هَذَا الَّذِي وصفناه فيهمَا.
(424) ذكر حَدِيث قَتَادَة، عَن أبي شيخ الْهنائِي، أَن مُعَاوِيَة قَالَ لأَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: هَل تعلمُونَ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " نهى عَن كَذَا، وَعَن ركُوب جُلُود النمور "؟ قَالُوا: نعم قَالَ: فتعلمون أَنه " نهى أَن يقرن بَين الْحَج(2/416)
وَالْعمْرَة؟ " قَالُوا: أما هَذِه فَلَا. قَالَ: إِنَّهَا مَعَهُنَّ، وَلَكِنَّكُمْ نسيتم.
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: لم يسمعهُ أَبُو شيخ من مُعَاوِيَة بِكَمَالِهِ، سمع مِنْهُ النَّهْي عَن ركُوب جُلُود النمور، فَأَما النَّهْي عَن الْقرَان فَسَمعهُ من أبي حسان، عَن مُعَاوِيَة، وَمرَّة يَقُول: عَن أَخِيه حمان وَمرَّة يَقُول: جماز، وهم مَجْهُولُونَ.
فَهَذَا - كَمَا ترى - حكم مِنْهُ على الأول بالانقطاع، لزِيَادَة وَاحِد بَينهمَا.
واختصار أَمر هَذَا الحَدِيث، هُوَ أَن أَبَا شيخ يرويهِ عَنهُ رجلَانِ: قَتَادَة، ومطر، فَلَا يجعلان بَينه وَبَين مُعَاوِيَة أحدا، وَرَوَاهُ عَنهُ بيهس بن فهدان فَذكر سَمَاعه من مُعَاوِيَة لَفْظَة النَّهْي عَن جُلُود النمور خَاصَّة، وَحَدِيثه مَذْكُور بِبَيَان ذَلِك عِنْد النَّسَائِيّ، وَرَوَاهُ عَن أبي شيخ يحيى بن أبي كثير، فَأدْخل بَينه وَبَين مُعَاوِيَة رجلا اخْتلفُوا فِي خبطه كَمَا ذكر.
فَقيل: أَبُو حمان، وَقيل: جمان / [وَقيل: جماز] وَهُوَ أَخُو أبي شيخ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: إِن القَوْل فِيهِ قَول من لم يدْخل بَين أبي شيخ وَمُعَاوِيَة فِيهِ أحدا - يَعْنِي قَتَادَة، ومطراً، وبيهس بن فهدان.
وَلَكِن أَبى / ذَلِك أَبُو مُحَمَّد عبد الْحق، وَقضى بانقطاعه، لإدخال الْوَاسِطَة بَينهمَا، اتبَاعا لِابْنِ حزم.(2/417)
(425) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن جَعْفَر بن برْقَان، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه: " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن مطْعمين: الْجُلُوس على مائدة يشرب عَلَيْهَا الْخمر، وَأَن يَأْكُل الرجل منبطحاً على بَطْنه ".
ثمَّ قَالَ: لم يسمعهُ جَعْفَر من الزُّهْرِيّ هَذَا أَيْضا إِنَّمَا تَلقاهُ من أبي دَاوُد، فَإِنَّهُ لما أورد الحَدِيث، أتبعه رِوَايَة هَارُون بن زيد بن أبي الزَّرْقَاء، عَن أَبِيه، عَن جَعْفَر بن برْقَان، أَنه بلغه عَن الزُّهْرِيّ.
(426) وَذكر حَدِيث سَلمَة بن المحبق، فِي الَّذِي يَقع على جَارِيَة امْرَأَته.
من رِوَايَة الْحسن، عَن سَلمَة، ثمَّ قَالَ: إِن أَبَا عمر بن عبد الْبر صَححهُ، ثمَّ أَبى ذَلِك عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ قد رُوِيَ عَن الْحسن، عَن قبيصَة بن حُرَيْث، عَن سَلمَة، ثمَّ ضعفه من أجل قبيصَة.
فَهَذَا عمله فِي الْفَصْل الأول، يقْضِي بِانْقِطَاع المعنعن، إِذا وجده بِزِيَادَة(2/418)
وَاحِد، وَقد يَقع لَهُ مَا يُوهم خلاف هَذَا، وَلَيْسَ على ظَاهره.
(427) ذكر حَدِيث عَمْرو بن الْعَاصِ: " فِي صلَاته حِين أجنب دون اغتسال " من رِوَايَة جُبَير بن نفير عَنهُ، ثمَّ أردفه لفظا آخر، من رِوَايَة جُبَير ابْن نفير، عَن أبي قيس مولى عَمْرو عَن عَمْرو، ثمَّ قَالَ: هَذَا أوصل من الأول.
كَأَنَّهُ يفهم أَن الأول أَيْضا مَوْصُول، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل معنى قَوْله: " أوصل " أَن هَذَا مُتَّصِل دون الأول، فَإِنَّهُ مُنْقَطع، وَالْأَمر فِيهِ بَين عِنْد الْمُحدثين أَنه دون أبي قبيص مُنْقَطع.
(428) وَأما الْفَصْل الثَّانِي، فَإِنَّهُ ذكر حَدِيث حَكِيم بن حزَام: " إِذا(2/419)
ابتعت بيعا فَلَا تبعه حَتَّى تستوفيه ".
وَصَححهُ لما وجد فِي رِوَايَة همام قَول يُوسُف بن مَاهك: حَدثنَا حَكِيم بن حزَام، وَلم يبال بِإِدْخَال من أَدخل عبد الله بن عصمَة بَينهمَا، لِأَنَّهُ قد قَالَ: حَدثنَا حَكِيم، فَلم يبعد أَن يسمعهُ مِنْهُ، وَيَرْوِيه بِوَاسِطَة عَنهُ، فَيحدث بِهِ على الْوَجْهَيْنِ، وعَلى أَن هَذَا الْعَمَل عِنْدِي فِي هَذَا الحَدِيث خَاصَّة خطأ، لما قد بيّنت من أمره فِيمَا تقدم فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي لم يعزها.
(429) وَصحح أَيْضا حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن معَاذ التَّمِيمِي فِي / " خطْبَة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بمنى، وإنزال الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، وَرمي الْجمار "، فَإِنَّهُ ذكر أَنه سَمعه من النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ثمَّ رُوِيَ عَنهُ عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
(430) وَكَذَلِكَ حَدِيث الْحجَّاج بن عَمْرو: " من كسر أَو عرج " يرويهِ(2/420)
عِكْرِمَة قَالَ: سَمِعت حجاج بن عَمْرو، يرويهِ أَيْضا عَن عبد الله بن رَافع عَنهُ بِزِيَادَة: " أَو مرض ".
(431) وَكَذَلِكَ حَدِيث الْمُغيرَة بن شُعْبَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تسبوا الْأَمْوَات فتؤذوا الْأَحْيَاء ".
رَوَاهُ عَنهُ زِيَاد بن علاقَة، فَقَالَ: سَمِعت الْمُغيرَة، من رِوَايَة أبي دَاوُد الْحَفرِي عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن زِيَاد /.
وَلم يبال بِإِدْخَال من أَدخل من أَصْحَاب الثَّوْريّ بَين زِيَاد والمغيرة رجلا.
(432) وَكَذَا حَدِيث عَليّ: " نهاني رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن أَقرَأ الْقُرْآن وَأَنا(2/421)
رَاكِع أَو ساجد ".
لما وجد فِي رِوَايَة يُونُس عَن ابْن شهَاب، من قَول عبد الله بن حنين: إِنَّه سمع عليا، لم يبال بِإِدْخَال الضَّحَّاك بن عُثْمَان، وَابْن عجلَان بَينهمَا ابْن عَبَّاس.
وَقد اسْتمرّ بِهِ هَذَا حَتَّى عمله حَيْثُ لَا يَنْبَغِي.
(433) وَذَلِكَ أَنه ذكر حَدِيث عرْفجَة الْمُتَّخذ أنفًا من ورق، فَلَمَّا أنتن(2/422)
اتَّخذهُ من ذهب.
وَقَبله لما علم أَن عبد الرَّحْمَن بن طرفَة قد سمع من جده عرْفجَة. وَلم يبال أَن رُوِيَ من طَرِيق ابْن علية، عَن أبي الْأَشْهب بِزِيَادَة أَبِيه طرفَة بَينهمَا.(2/423)
وَهُوَ عمل غير صَحِيح، لأَنا نقُول لَهُ: هبك أَنه سمع مِنْهُ، فَهُوَ لم يقل فِي هَذَا الحَدِيث: إِنَّه سَمعه مِنْهُ، وَقد رُوِيَ بِزِيَادَة وَاسِطَة، فَهُوَ فِي الْحَقِيقَة مثل الْقسم الأول.
وَقد فرغت من مُقَدّمَة هَذَا الْمدْرك الثَّانِي، والآن أبتدئ بِذكر مَا فِيهِ، مستعيناً بِاللَّه فَأَقُول:
(434) ذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من سُئِلَ عَن علم فكتمه، ألْجمهُ الله بلجام من نَار يَوْم الْقِيَامَة ".(2/424)
كَذَا أوردهُ وَسكت عَنهُ، وَهُوَ عِنْد أبي دَاوُد من رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة قَالَ: حَدثنَا عَليّ بن الحكم عَن عَطاء، عَن أبي هُرَيْرَة.
وتابع حَمَّاد بن سَلمَة على هَذَا، عمَارَة بن زَاذَان ذكره عَنهُ الْبَزَّار، وَخَالَفَهُمَا عبد الوراث ابْن سعيد - وَهُوَ ثِقَة - فَرَوَاهُ عَن عَليّ بن الحكم، عَن رجل / عَن عَطاء، عَن أبي هُرَيْرَة - أَدخل بَين عَليّ وَعَطَاء رجلا مَجْهُولا - وَقد قيل: أَنه حجاج بن أَرْطَاة.
وَلَو كَانَ عَليّ قد سَمعه من عَطاء، مَا رَوَاهُ عَن رجل عَنهُ، اللَّهُمَّ إِلَّا لَو كَانَ قد صرح بِسَمَاعِهِ من عَطاء بِأَن يَقُول: حَدثنَا، أَو أخبرنَا، أَو سَمِعت، أَو مَا أشبه ذَلِك فَحِينَئِذٍ كُنَّا نقُول: رَوَاهُ عَنهُ سَمَاعا، وَرَوَاهُ بِوَاسِطَة عَنهُ، فَحدث بِهِ على الْوَجْهَيْنِ، وَإِذا كَانَ الأول مُعَنْعنًا، فَزِيَادَة رجل بَينهمَا دَلِيل انْقِطَاع المعنعن.
وَلِلْحَدِيثِ إِسْنَاد آخر بِرِجَال ثِقَات، سليم من الِانْقِطَاع، فَذكره بِهِ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي هِيَ صَحِيحَة من غير الطّرق الَّتِي ذكرهَا مِنْهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(435) وَذكر فِي الطَّهَارَة من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، من حَدِيث أبي: " إِنَّمَا كَانَ المَاء من المَاء [رخصَة] فِي أول الْإِسْلَام، ثمَّ نسخ بعد ذَلِك ".(2/425)
وَلم يتبعهُ شَيْئا، اعْتِمَادًا على تَصْحِيح التِّرْمِذِيّ إِيَّاه.
وَهُوَ عِنْد التِّرْمِذِيّ من رِوَايَة الزُّهْرِيّ، عَن سهل بن سعد، عَن أبي بن كَعْب.
وَقد تبين عِنْد أبي دَاوُد، من رِوَايَة عَمْرو بن الْحَارِث عَن ابْن شهَاب أَنه مُنْقَطع.
قَالَ ابْن شهَاب: أَخْبرنِي بعض من أرْضى، أَن سهل بن سعد أخبرهُ، أَن أبي بن كَعْب أخبرهُ، فَذكره.
وَإِن صَحَّ مَا ذكر بَقِي بن مخلد، كَانَ الحَدِيث مُتَّصِلا، قَالَ: حَدثنَا أَبُو كريب: مُحَمَّد بن الْعَلَاء، قَالَ: حَدثنَا ابْن الْمُبَارك، عَن يُونُس، عَن الزُّهْرِيّ، قَالَ: نَبَّأَنِي سهل بن سعد السَّاعِدِيّ، عَن أبي بن كَعْب، قَالَ: كَانَت الْفتيا فِي المَاء من المَاء رخصَة فِي أول / الْإِسْلَام، ثمَّ أحكم الْأَمر وَنهي عَنهُ.
وَقد تقدم ذكر هَذَا الحَدِيث أَيْضا فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي يذكرهَا عَن راو أَو رُوَاة، ثمَّ يردف عَلَيْهَا آخر، لَيست من رِوَايَة أُولَئِكَ الروَاة.
(436) وَذكر من طَرِيق مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة، أَنه: " لَقِي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي طَرِيق من طرق الْمَدِينَة وَهُوَ جنب " الحَدِيث.(2/426)
سكت عَن هَذَا الحَدِيث وَلم يقل فِيهِ شَيْئا، وَهُوَ عِنْد مُسلم من رِوَايَة يحيى ابْن سعيد، وَإِسْمَاعِيل بن علية، عَن حميد، عَن أبي رَافع.
وَهُوَ هَكَذَا مُنْقَطع فِيمَا بَين حميد وَأبي رَافع.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُسَدّد، قَالَ: حَدثنَا يحيى - هُوَ ابْن سعيد - وَبشر، عَن حميد، عَن بكر، عَن أبي رَافع / عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: " لَقِيَنِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي طَرِيق من طرق الْمَدِينَة، وَأَنا جنب "، الحَدِيث بنصه.
وَفِيه: " سُبْحَانَ الله، إِن الْمُسلم لَا ينجس ".
وَقَالَ فِي حَدِيث بشر: نَبَّأَنِي حميد، قَالَ: حَدثنِي بكر، وَكَذَلِكَ ذكره البُخَارِيّ عَن مُحَمَّد بن الْمثنى، عَن يحيى بن سعيد، عَن حميد، قَالَ: حَدثنَا بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ، عَن أبي رَافع.
وَلَا أَدْرِي لم لم يذكرهُ من عِنْد البُخَارِيّ بِهَذَا الْإِسْنَاد الْمُتَّصِل.
وَكَذَلِكَ ذكر ابْن أبي شيبَة فِي مُسْنده رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن علية، عَن حميد عَن بكر، عَن أبي رَافع.
وَكَذَلِكَ ذكره ابْن السكن من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن بشر بن الحكم، عَن يحيى بن سعيد، عَن حميد، عَن بكر، عَن أبي رَافع.
فَإِذن إِمَّا قصر فِيهِ عَن يحيى بن سعيد زُهَيْر بن حَرْب - أسقط مِنْهُ بكرا من بَينهمَا - وَلَا أَدْرِي لم لم يذكر حَدِيث حُذَيْفَة بِمثل ذَلِك أَيْضا؟ وَهُوَ حَدِيث صَحِيح مُتَّصِل، ذكره مُسلم، فَاعْلَم ذَلِك.
(437) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: " اغْتسل بعض(2/427)
أَزوَاج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي جَفْنَة، فَأَرَادَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يتَوَضَّأ مِنْهَا " الحَدِيث.
وَأتبعهُ تَصْحِيح التِّرْمِذِيّ إِيَّاه، وَاعْتَرضهُ هُوَ بِكَوْن سماك يقبل التَّلْقِين.
وَقد كَانَ يجب على أَصله فِي قبُول حَدِيث شريك بن عبد الله فِي بعض الْمَوَاضِع، أَن يكون هَذَا مُرْسلا، فَإِن شَرِيكا رَوَاهُ عَن سماك، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، عَن مَيْمُونَة، قَالَت: " أجنبت فاغتسلت من جَفْنَة، فجَاء النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الحَدِيث.
ذكر ذَلِك الدَّارَقُطْنِيّ، فَزَاد - كَمَا ترى - عَن مَيْمُونَة، فَيجب بِهِ أَن تكون رِوَايَة شُعْبَة، وَالثَّوْري، وَأبي الْأَحْوَص، عَن سماك، مُرْسلَة، إِذْ لم تذكر فِيهَا مَيْمُونَة، ويتبين بِرِوَايَة شريك، أَن ابْن عَبَّاس لم يشْهد ذَلِك، وَإِنَّمَا تَلقاهُ من مَيْمُونَة خَالَته، وَالله أعلم.
(438) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ عَن قيس بن عَاصِم، أَنه أسلم " فَأمره النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يغْتَسل بِمَاء وَسدر ".
قَالَ: وَذكره التِّرْمِذِيّ وَقَالَ فِيهِ: حَدِيث حسن.(2/428)
هَذَا مَا ذكره بِهِ وَلم يزدْ عَلَيْهِ، وَهُوَ حَدِيث مُنْقَطع الْإِسْنَاد عِنْد / النَّسَائِيّ، وَذَلِكَ أَنه عِنْده من رِوَايَة سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن الْأَغَر - وَهُوَ ابْن الصَّباح - عَن خَليفَة بن حُصَيْن، عَن قيس بن عَاصِم.
رَوَاهُ عِنْده عَن سُفْيَان يحيى بن سعيد، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن مُحَمَّد بن كثير، عَن سُفْيَان بِهَذَا الْإِسْنَاد أَيْضا، وَقد زيد بَينهمَا وَاحِد - أَعنِي بَين خَليفَة بن حُصَيْن، وَقيس بن عَاصِم -.
قَالَ أَبُو عَليّ بن السكن فِي كِتَابه فِي السّنَن، عَن مُحَمَّد بن يُوسُف، هُوَ - الْفربرِي - عَن البُخَارِيّ، عَن عَليّ بن خشرم، عَن وَكِيع، عَن سُفْيَان، عَن الْأَغَر، عَن خَليفَة بن حُصَيْن، عَن / أَبِيه، عَن جده قيس بن عَاصِم أَنه قَالَ: " أسلمت فَأمرنِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن أَغْتَسِل بِمَاء وَسدر ".
ثمَّ قَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ وَكِيع مجوداً عَن أَبِيه، عَن جده.
وَيحيى بن سعيد وَجَمَاعَة رَوَوْهُ عَن سُفْيَان، لم يذكرُوا أَبَاهُ، انْتهى كَلَام أبي عَليّ.
فقد تبين بِهَذَا أَن رِوَايَة يحيى وَمُحَمّد بن كثير عَن سُفْيَان مُنْقَطِعَة، فَإِنَّهَا كَانَت معنعنة، فجَاء وَكِيع - وَهُوَ فِي الْحِفْظ من هُوَ - فَزَاد " عَن أَبِيه " فارتفع الْإِشْكَال وَتبين الِانْقِطَاع.
ثمَّ نقُول: فَإذْ لابد فِي هَذَا الْإِسْنَاد من زِيَادَة حُصَيْن بن قيس بَين خَليفَة وَقيس، فَالْحَدِيث ضَعِيف فَإِنَّهَا زِيَادَة عَادَتْ بِنَقص، فَإِنَّهَا ارْتَفع بهَا الِانْقِطَاع وَتحقّق ضعف الْخَبَر، فَإِن حَاله مَجْهُولَة بل هُوَ فِي نَفسه غير مَذْكُور وَلم يجر لَهُ ذكر فِي كتابي البُخَارِيّ وَابْن أبي حَاتِم إِلَّا غير مَقْصُود برسم يَخُصُّهُ.(2/429)
أما البُخَارِيّ فَإِنَّهُ لما ذكر خَليفَة بن حُصَيْن قَالَ: روى عَن أَبِيه.
وَأما ابْن أبي حَاتِم فَإِنَّهُ لما ذكر قيس بن عَاصِم قَالَ: روى عَنهُ ابْن ابْنه خَليفَة بن حُصَيْن.
فَأَما فِي بَاب من اسْمه حُصَيْن فَلم يذكر وَابْنه خَليفَة ثِقَة، وَكَذَلِكَ الْأَغَر بن الصَّباح فَأعْلم ذَلِك.
(439) وَذكر فِي التَّيَمُّم أَلْفَاظ حَدِيث عمار.
ثمَّ قَالَ: ويروى من حَدِيث عمار أَيْضا أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " مسح وَجهه وَيَديه إِلَى نصف الساعد وَلم يبلغ الْمرْفقين، ويروى إِلَى الْمرْفقين ".
ثمَّ قَالَ: وَالصَّحِيح الْمَشْهُور فِي صفة التَّيَمُّم من تَعْلِيم النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، إِنَّمَا هُوَ للْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ.
وَهَذِه الْأَحَادِيث الَّتِي تزيد على مَا فِي الْمَشْهُور / ذكرهَا أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَغَيرهمَا. انْتهى كَلَامه.
فَفِيهِ الْقَضَاء لأحاديث الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ بِالصِّحَّةِ والشهرة - وَصدق - ولأحاديث نصف الساعد أَو الْمرْفقين بنقيض ذَلِك، إِمَّا أَنَّهَا لَيست صَحِيحَة(2/430)
وَلَا مَشْهُورَة، وَإِمَّا أَنَّهَا لَيست مَشْهُورَة، وَإِن كَانَت صَحِيحَة.
فَإِن كَانَ يَعْنِي أَنَّهَا صَحِيحَة وَلَكِن لَيست مَشْهُورَة، فَهِيَ من هَذَا الْبَاب، فَإِنَّهَا على مَا نبين - مُنْقَطِعَة، وَذَلِكَ أَن الحَدِيث الَّذِي فِيهِ نصف الساعد، هُوَ عِنْد أبي دَاوُد، من رِوَايَة الْأَعْمَش، عَن سَلمَة بن كهيل، عَن ابْن أَبْزَى، عَن عمار.
والانقطاع فِيهِ، هُوَ فِيمَا بَين سَلمَة بن كهيل وَابْن أَبْزَى، فَإِن سَلمَة لم يسمعهُ من عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى، إِنَّمَا سَمعه من سعيد بن عبد الرَّحْمَن بن أَبْزي، عَن أَبِيه - فِي قَول جرير - عَن الْأَعْمَش، أَو من أبي مَالك، عَن عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى - فِي قَول الثَّوْريّ - عَن سَلمَة، أَو من ذَر، عَن سعيد بن عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى، عَن عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى - فِي قَول شُعْبَة، عَن سَلمَة _.
وَالْأَمر فِي ذَلِك عِنْد الْمُحدثين بَين أَعنِي أَن سَلمَة لم يسمع هَذَا من عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى.
وَفِي رِوَايَة الثَّوْريّ: عَن سَلمَة، عَن أبي مَالك، عَن عبد الرَّحْمَن بن أَبْزي فِي هَذَا الحَدِيث: ثمَّ مسح بهما وَجهه وَيَديه إِلَى نصف الذِّرَاع، فَقَالَ عمر: يَا عمار.
الحَدِيث.
ذكره أَبُو دَاوُد وَهُوَ صَحِيح مُتَّصِل، مغن عَمَّا أورد أَبُو مُحَمَّد، فَلَا أَدْرِي لم كتب اللَّفْظ الَّذِي / إِسْنَاده مُنْقَطع وَترك هَذَا! ؟
وَأما الحَدِيث الآخر الَّذِي فِيهِ إِلَى الْمرْفقين، فأبين انْقِطَاعًا من هَذَا، فَإِن قَتَادَة يَقُول فِيهِ بِلَا خلاف عَنهُ: حَدثنِي مُحدث عَن الشّعبِيّ.
وسنعيد القَوْل فِيهِ فِي الْمدْرك الرَّابِع إِن شَاءَ الله تَعَالَى.(2/431)
(440) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، حَدِيثا بَين فِيهِ أَنه مُرْسل بِسُقُوط الصاحب مِنْهُ، وَبَقِي عَلَيْهِ أَن يبين أَنه مُنْقَطع قبل أَن يصل إِلَى الَّذِي أرْسلهُ، وَهُوَ مَا ذكر عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، قَالَ: خرج رجلَانِ فِي سفر، وَلَيْسَ مَعَهُمَا مَاء، فتيمما صَعِيدا طيبا. الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: - يَعْنِي أَبَا دَاوُد - ذكر أبي سعيد لَيْسَ بِمَحْفُوظ فِي هَذَا الحَدِيث. انْتهى / كَلَامه.
فقد أعْطى فِيهِ أَنه مُرْسل بِسُقُوط أبي سعيد بَين عَطاء بن يسَار وَالنَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وقنع فِيهِ بِبَعْض كَلَام أبي دَاوُد.
وَأَبُو دَاوُد كَمَا بَين أَن ذكر أبي سعيد لَا يَصح فِيهِ، فَكَذَلِك بَين أَنه مُنْقَطع قبل أَن يصل إِلَى عَطاء.
وَبَيَان هَذَا هُوَ أَن أَبَا دَاوُد قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق الْمسَيبِي، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن نَافِع، عَن اللَّيْث، عَن بكر بن سوَادَة، عَن عَطاء بن يسَار عَن أبي سعيد، فَذكره.
ثمَّ قَالَ أَبُو دَاوُد: غير ابْن نَافِع يرويهِ عَن اللَّيْث، عَن عميرَة بن أبي نَاجِية، عَن بكر بن سوَادَة، عَن عَطاء بن يسَار، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَذكر أبي سعيد فِي هَذَا الحَدِيث وهم لَيْسَ بِمَحْفُوظ، وَهُوَ مُرْسل.(2/432)
فَفِي هَذَا من كَلَام أبي دَاوُد بَيَان أَمريْن.
أَحدهمَا: أَن ذكر أبي سعيد وهم، فَهُوَ إِذن مُرْسل من مراسل عَطاء.
وَالْآخر: أَن بَين اللَّيْث وَبَين بكر بن سوَادَة، عميرَة بن أبي نَاجِية، فَلم يذكر أَبُو مُحَمَّد هَذَا الِانْقِطَاع، الَّذِي بَين اللَّيْث وَبَين بكر.
فَإِن قلت: هُوَ قد قنع بِهِ مُرْسلا، والمرسل مُتَّصِل إِلَى عَطاء بن يسَار، بِزِيَادَة عميرَة بن أبي نَاجِية، فَلَعَلَّهُ الَّذِي أورد، وإياه قصد.
فالجوب أَن نقُول: هُوَ إِذن قد ترك أَن يبين أَنه مُرْسل، فِي إِسْنَاده رجل مَجْهُول، وَذَلِكَ أَن عميرَة بن أبي نَاجِية مَجْهُول الْحَال، فَإِذا لم يبين ذَلِك فقد أوهم أَنه لَا عيب لَهُ إِلَّا الْإِرْسَال.
وَالْأَظْهَر أَنه لم يرد شَيْئا من ذَلِك، وَلَا اعْتقد فِيهِ إِلَّا أَنه إِذا سقط مِنْهُ ذكر أبي سعيد، بَقِي من رِوَايَة اللَّيْث، عَن بكر، عَن عَطاء مُرْسلا، على نَحْو مَا رَوَاهُ ابْن الْمُبَارك، عَن اللَّيْث، ذكر رِوَايَته الدَّارَقُطْنِيّ، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد ابْن إِسْمَاعِيل الْفَارِسِي، حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، حَدثنَا عبد الرَّزَّاق، عَن عبد الله بن الْمُبَارك، عَن لَيْث، عَن بكر بن سوَادَة، عَن عَطاء بن يسَار، أَن رجلَيْنِ أصابتهما جَنَابَة فتيمما. نَحوه.
وَإِذا كَانَ هَذَا هُوَ الَّذِي اعْتقد، فَلم يعْتَمد إِلَّا مُنْقَطِعًا فِيمَا بَين لَيْث وَبكر وَلكنه لم يُبينهُ وَلَا أَيْضا تبين لَهُ على نَحْو يَنْفَعهُ، فَإِن الْمُنْقَطع الَّذِي اعْتمد، إِنَّمَا وَصله أَبُو دَاوُد عَن رجل مَجْهُول، وَهُوَ / عميرَة بن أبي نَاجِية، وَأَقُول بعد هَذَا: إِنَّه قد جَاءَ من رِوَايَة أبي الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ، قَالَ: نَبَّأَنِي اللَّيْث بن(2/433)
سعد / عَن عَمْرو بن الْحَارِث، وعميرة بن أبي نَاجِية، عَن بكر بن سوَادَة، عَن عَطاء بن يسَار، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، أَن رجلَيْنِ من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذكر الحَدِيث.
ذكره أَبُو عَليّ بن السكن، قَالَ: حَدثنَا أَبُو بكر بن أَحْمد الوَاسِطِيّ، قَالَ: حَدثنَا عَبَّاس بن مُحَمَّد، قَالَ: حَدثنَا أَبُو الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ، فَذكره.
فَهَذَا اتِّصَال مَا بَين اللَّيْث وَبكر، بِعَمْرو بن الْحَارِث، وَهُوَ ثِقَة، قرنه بعميرة، وَوَصله بِذكر أبي سعيد.
فَإِن قيل: فَكيف بِمَا روى ابْن لَهِيعَة فِي هَذَا، عَن بكر بن سوَادَة، عَن أبي عبد الله مولى إِسْمَاعِيل بن عبيد، عَن عَطاء بن يسَار، أَن رجلَيْنِ، هَكَذَا مُرْسلا، أَلَيْسَ هَذَا يُعْطي انْقِطَاعًا آخر، فِيمَا بَين بكر وَعَطَاء بِرَجُل مَجْهُول، وَهُوَ أَبُو عبد الله مولى إِسْمَاعِيل؟
قُلْنَا: هَذَا لَا يلْتَفت إِلَيْهِ، لضعف رَاوِيه ابْن لَهِيعَة.
وَقد تبين الْمَقْصُود، وَهُوَ أَن أَبَا مُحَمَّد ذكر الْإِرْسَال، وَلم يذكر الِانْقِطَاع فاعلمه.
(441) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ حَدِيث أبي هُرَيْرَة: " الإِمَام ضَامِن والمؤذن مؤتمن، اللَّهُمَّ أرشد الْأَئِمَّة " الحَدِيث.
من رِوَايَة أبي صَالح عَنهُ، ثمَّ حكى عَن التِّرْمِذِيّ أَنه قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن(2/434)
عَائِشَة.
وَسمعت أَبَا زرْعَة يَقُول: حَدِيث أبي هُرَيْرَة أصح، وَسمعت البُخَارِيّ يَقُول: حَدِيث أبي صَالح عَن عَائِشَة أصح.
هَذَا نَص مَا أورد من غير مزِيد، وخفي عَلَيْهِ من أمره أَنه مُنْقَطع، فَإِنَّهُ عِنْد التِّرْمِذِيّ من رِوَايَة الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة.
ومعنعن الْأَعْمَش عرضة لتبين الِانْقِطَاع، فَإِنَّهُ مُدَلّس، وَأبين مَا يكون الِانْقِطَاع بِزِيَادَة وَاحِد فِي حَدِيث من عرف بالتدليس، فَإِنَّهُ إِذا كَانَ ثِقَة يخْتَلف فِي قبُول معنعنه مَا لم يقل: حَدثنَا، أَو أخبرنَا، أَو سَمِعت، فَإِنَّهُ إِذا قَالَ ذَلِك قبل إِجْمَاعًا لِثِقَتِهِ، وَإِذا لم يقل ذَلِك قبله قوم مَا لم يتَبَيَّن فِي حَدِيث بِعَيْنِه أَنه لم يسمعهُ، ورده آخَرُونَ مَا لم يتَبَيَّن أَنه سَمعه.
فَهَذَا الحَدِيث من ذَاك الْقَبِيل / فَإِن أَبَا دَاوُد قد بَين فِيهِ الِانْقِطَاع فَقَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن حَنْبَل، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن فُضَيْل قَالَ: حَدثنَا الْأَعْمَش، عَن رجل، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الإِمَام ضَامِن والمؤذن مؤتمن، اللَّهُمَّ أرشد الْأَئِمَّة واغفر للمؤذنين ".
حَدثنَا الْحسن بن عَليّ، قَالَ: حَدثنَا ابْن نمير، عَن الْأَعْمَش، قَالَ: نبئت عَن أبي صَالح - وَلَا أَرَانِي إِلَّا قد سَمِعت مِنْهُ - عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَذكر مثله.
فَفِيهِ - كَمَا ترى التَّصْرِيح بالانقطاع فِي رِوَايَة ابْن فُضَيْل بِزِيَادَة رجل مَجْهُول، وَالشَّكّ فِي الِاتِّصَال، بِظَنّ السماع فِي رِوَايَة ابْن نمير.(2/435)
فَلَيْسَ يَنْبَغِي - وحاله هَذِه أَن يجْزم أَنه سَمعه مِنْهُ.
وَفِي كتاب عَبَّاس الدوري، عَن ابْن معِين، أَنه قَالَ: قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ: لم يسمع الْأَعْمَش هَذَا الحَدِيث من أبي صَالح: " الإِمَام ضَامِن " وَلم يصحح ابْن الْمَدِينِيّ فِي هَذَا الْبَاب شَيْئا، لَا من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة، وَلَا من رِوَايَة عَائِشَة.
وَفِيه أَيْضا حَدِيث جَابر، وَسَيَأْتِي فِي هَذَا الْبَاب فِي الْمَشْكُوك فِي اتِّصَاله إِن شَاءَ الله تَعَالَى /.
(442) وَذكر من طَرِيق مُسلم عَن عَليّ، قَالَ " نهاني رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن أَقرَأ الْقُرْآن وَأَنا رَاكِع أَو ساجد ".
وَسكت عَنهُ، وَيَنْبَغِي أَن يكون مُنْقَطِعًا، فَإِن الَّذين رَوَوْهُ بِهَذَا اللَّفْظ - بِزِيَادَة ذكر السُّجُود - هم الزُّهْرِيّ، وَزيد بن أسلم، الْوَلِيد بن كثير، وَدَاوُد بن قيس، يَقُول جَمِيعهم: عَن إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن حنين، عَن أَبِيه، عَن عَليّ.(2/436)
وَهُوَ هَكَذَا ينقص مِنْهُ وَاحِد، فَإِن الضَّحَّاك بن عُثْمَان، وَابْن عجلَان، روياه فزادا بَين عبد الله بن حنين وَعلي، عبد الله بن عَبَّاس، وَبِذَلِك يتَّصل.
وَلَيْسَ لَك أَن تَقول: فَلَعَلَّهُ اعْتمد فِيهِ هَذَا الطَّرِيق، وَإِنَّمَا لم يكن لَك ذَلِك، لِأَن رِوَايَة هذَيْن وَجَمَاعَة غَيرهمَا، لَيْسَ فِيهَا للسُّجُود ذكر.
(443) وَذكر من طَرِيق ابْن أبي شيبَة، عَن أبي إِسْحَاق السبيعِي، عَن أَرقم بن شُرَحْبِيل، عَن ابْن عَبَّاس، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " حَيْثُ جَاءَ أَخذ الْقِرَاءَة من حَيْثُ بلغ أَبُو بكر " قَالَ: وَذكره الْبَزَّار عَن الْعَبَّاس.
قَالَ / البُخَارِيّ: لم يذكر ابو إِسْحَاق سَمَاعا من أَرقم.
وَقَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر: كَانَ أَرقم ثِقَة جَلِيلًا.
وَقَالَ عَن أبي إِسْحَاق: أَرقم من أشرف النَّاس وَمن خيارهم.
قَالَ ابْن عبد الْبر: هم ثَلَاثَة إخْوَة: أَرقم، وَعَمْرو وهذيل. انْتهى مَا ذكر.
وَالْمَقْصُود بَيَانه مِنْهُ، هُوَ انْقِطَاع رِوَايَة ابْن عَبَّاس، فَإِنَّهُ - رَضِي الله عَنهُ - كثيرا مَا يُرْسل، وَلَا يذكر من حَدثهُ، حَتَّى لقالوا: إِن مسموعاته سَبْعَة عشر(2/437)
حَدِيثا، وَقد زيد على ذَلِك، وَقد جمعهَا الْحميدِي وَغَيره.
وَلَكِن الصَّحِيح الَّذِي يجب أَن يعْمل بِهِ فِي أمره، هُوَ أَن تحمل أَحَادِيثه - مِمَّا لم يذكر فِيهَا السماع - على الِاتِّصَال، حَتَّى يتَبَيَّن فِي حَدِيث مِنْهَا أَنه أَخذه عَن وَاسِطَة بَينه وَبَين النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَيُقَال حِينَئِذٍ فِي ذَلِك الحَدِيث - حِين رَوَاهُ بِغَيْر ذكر الْوَاسِطَة -: مُرْسل.
وَهَذَا الحَدِيث كَذَلِك، [فَإِنَّهُ] إِنَّمَا يرويهِ عَن أَبِيه الْعَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَالرِّوَايَة الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا الْآن أَبُو مُحَمَّد فِي كِتَابه، من رِوَايَة الْعَبَّاس عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، إِنَّمَا هِيَ من رِوَايَة ابْنه عبد الله بن عَبَّاس عَنهُ، وَكَانَ حَقه أَن يَقُول: " وَذكر الْبَزَّار عَن ابْن عَبَّاس، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - "، ليتبين بذلك انْقِطَاع الأولى، الَّتِي سَاق من عِنْد ابْن أبي شيبَة، لكنه لم يفعل، فجَاء بِهِ، كَأَنَّهُ مسموع لَهما من النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
والْحَدِيث الْمَذْكُور إِنَّمَا هُوَ حَدِيث أَرقم بن شُرَحْبِيل، فَرَوَاهُ عَنهُ أَبُو إِسْحَاق، عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِغَيْر ذكر الْعَبَّاس.
هَذِه رِوَايَة ابْن أبي شيبَة، عَن إِسْرَائِيل عَنهُ.
وَرَوَاهُ عَن أَرقم، عبد الله بن أبي السّفر، فَزَاد فِيهِ الْعَبَّاس، رَوَاهُ عَن عبد الله بن أبي السّفر - عِنْد الْبَزَّار - قيس بن الرّبيع، وَعند الدَّارَقُطْنِيّ، يحيى ابْن آدم.(2/438)
فرواية ابْن عَبَّاس مُرْسلَة، تتصل بِزِيَادَة أَبِيه الْعَبَّاس، فَاعْلَم ذَلِك.
(444) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، من حَدِيث عِيسَى بن يُونُس، عَن الْأَخْضَر بن عجلَان / عَن أبي بكر الْحَنَفِيّ، عَن أنس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فِي قصَّة الْأنْصَارِيّ الَّذِي سَأَلَهُ: " فَبَاعَ عَلَيْهِ الحلس والقدح ".
كَذَا قَالَ عَن أنس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ".
وَالتِّرْمِذِيّ قد ذكر فِي كتاب الْعِلَل، من رِوَايَة مُعْتَمر بن سُلَيْمَان، عَن الْأَخْضَر بن عجلَان، عَن أبي بكر الْحَنَفِيّ، عَن أنس، عَن رجل من الْأَنْصَار، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذكر قصَّة الحلس والقدح.
فَيظْهر من هَذَا أَن أنسا إِنَّمَا أَخذ الْقِصَّة من غَيره.
وَقد عَاد ذكر هَذَا الحَدِيث فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي سكت عَنْهَا مصححاً لَهَا.
(445) وَذكر إِثْر حَدِيث: " هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ الْحل ميتَته " أَن قَالَ: قَالَ أَبُو(2/439)
عِيسَى: وَفِي الْبَاب عَن جَابر، والفراسي. انْتهى كَلَام أبي عِيسَى.
حَدِيث الفراسي، لم يروه - فِيمَا أعلم - إِلَّا مُسلم بن مخشي، وَمُسلم ابْن مخشي لم يرو عَنهُ - فِيمَا أعلم - إِلَّا بكر بن سوَادَة.
هَذَا نَص مَا ذكر، وأظن أَنه خَفِي عَلَيْهِ انْقِطَاع حَدِيث الفراسي، وَهُوَ حَدِيث لم يسمعهُ مُسلم بن مخشي عَن الفراسي، وَإِنَّمَا يروي مُسلم بن مخشي عَن ابْن الفراسي، عَن الفراسي.
والْحَدِيث الْمَذْكُور هُوَ هَذَا: قَالَ أبوعمر بن عبد الْبر: حَدثنَا خلف بن الْقَاسِم قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن الْحُسَيْن الرَّازِيّ، قَالَ حَدثنَا أَبُو الزِّنْبَاع: روح بن الْفرج الْقطَّان، قَالَ: حَدثنَا يحيى بن عبد الله بن بكير، قَالَ: حَدثنَا اللَّيْث بن سعد، عَن جَعْفَر بن ربيعَة، عَن بكر بن سوَادَة، عَن مُسلم بن مخشي، أَنه حدث أَن الفراسي قَالَ: كنت أصيد فِي الْبَحْر الْأَخْضَر، على أرمات، وَكنت أحمل قربَة لي، فِيهَا مَاء، فَإِذا لم أتوضأ من الْقرْبَة رقق ذَلِك بِي، وَبقيت لي، فَجئْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فقصصت ذَلِك عَلَيْهِ، فَقَالَ: " هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ الْحل ميتَته ".
وَمَا أرى أَبَا مُحَمَّد وقف عَلَيْهِ إِلَّا عِنْد ابْن عبد الْبر، وَلذَلِك لم يقل فِيهِ كَمَا قَالَ فِي حَدِيث:(2/440)
(446) " إِذا كنت سَائِلًا فسل الصَّالِحين ".
حَيْثُ قَالَ: ابْن الفراسي لم يرو عَنهُ إِلَّا مُسلم بن مخشي.
وَذَلِكَ أَنه لم ير فِي حَدِيثه هُنَا لِابْنِ الفراسي ذكرا، وَرَآهُ فِي حَدِيث: " سل الصَّالِحين ".
وَمن هُنَاكَ يتَبَيَّن أَن مُسلم بن مخشي لَا يروي عَن الفراسي إِلَّا بِوَاسِطَة ابْنه.
والْحَدِيث الْمَذْكُور ذكره فِي الزَّكَاة من طَرِيق النَّسَائِيّ، من رِوَايَة مُسلم بن مخشي، عَن ابْن الفراسي / أَن الفراسي قَالَ لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أسأَل يَا رَسُول الله؟ قَالَ: " لَا، وَإِن كنت لَا بُد سَائِلًا فاسأل الصَّالِحين ".
ثمَّ قَالَ: ابْن الفراسي لَا أعلم روى عَنهُ إِلَّا مُسلم بن مخشي.
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي علله: " سَأَلت مُحَمَّدًا عَن حَدِيث ابْن الفراسي فِي مَاء الْبَحْر، فَقَالَ: هُوَ حَدِيث مُرْسل، لم يدْرك ابْن الفراسي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، والفراسي لَهُ صُحْبَة ".
فَهَذَا (كَمَا ترى) يُعْطي أَن الحَدِيث يرْوى أَيْضا عَن ابْن الفراسي، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، لَا يذكر فِيهِ الفراسي.(2/441)
فَمُسلم بن مخشي إِنَّمَا يروي عَن الابْن، وَرِوَايَته عَن الْأَب مُرْسلَة، وَالله أعلم.
(447) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ حَدِيث أبي هُرَيْرَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من لم يدع قَول الزُّور وَالْعَمَل بِهِ وَالْجهل فِي الصَّوْم، فَلَيْسَ لله حَاجَة فِي ترك طَعَامه وَشَرَابه ".
هَكَذَا ذكره على أَنه مُتَّصِل، وَفِيه / عِنْدِي نظر لَا يعْدم عَلَيْهِ مساعد، وَذَلِكَ أَنه حَدِيث يرويهِ عِنْد النَّسَائِيّ ابْن أبي ذِئْب، عَن سعيد بن ابي سعيد عَن أبي هُرَيْرَة.
وَسَعِيد سمع أَبَا هُرَيْرَة، يرْوى عَنهُ أَحَادِيث يذكر فِيهَا سَمَاعه مِنْهُ، ويروي أَيْضا الْكثير عَن أَبِيه، أبي سعيد المَقْبُري عَن أبي هُرَيْرَة، فَإِذا جَاءَ معنعنة عَن أبي هُرَيْرَة، حملنَا علىأنه مِمَّا سمع، مَا لم يتَبَيَّن الِانْقِطَاع، فَإِن جَاءَنَا فِي حَدِيث قد رَوَاهُ عَن أبي هُرَيْرَة أَنه حدث بِهِ عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة، أورث شكا فِي الطَّرِيق الَّذِي لم يذكر فِيهِ أَبَاهُ، وظنناه مُنْقَطِعًا.
وَحَدِيث هَذَا الْبَاب من ذَلِك، فَإِنَّهُ يرويهِ ابْن وهب، عَن ابْن أبي ذِئْب عَن سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة، كَمَا ذَكرْنَاهُ بِزِيَادَة لفظ " وَالْجهل ".(2/442)
وَيَرْوِيه غير ابْن وهب، عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن سعيد بن أبي سعيد، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة، بِزِيَادَة: " عَن أَبِيه " فِي إِسْنَاده، وَنقص لَفْظَة: " وَالْجهل " من مَتنه.
فيستبعد أَن يكون الحَدِيث عَن سعيد بن أبي سعيد مسموعا من أبي هُرَيْرَة كَامِلا، فَيحدث بِهِ عَن أَبِيه، عَنهُ نَاقِصا.
قَالَ البُخَارِيّ: حَدثنَا آدم بن أبي إِيَاس، حَدثنَا ابْن أبي ذِئْب، حَدثنَا سعيد المَقْبُري، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: / قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من لم يدع قَول الزُّور وَالْعَمَل بِهِ، فَلَيْسَ لله حَاجَة فِي أَن يدع طَعَامه وَشَرَابه ".
لم يذكر " وَالْجهل ".
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا أَحْمد بن يُونُس قَالَ: حَدثنَا ابْن أبي ذِئْب، عَن المَقْبُري، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَذكر مثله سَوَاء.
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى، قَالَ حَدثنَا عُثْمَان بن عمر، قَالَ: حَدثنَا ابْن أبي ذِئْب، عَن المَقْبُري، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ، فَذكره. وَقَالَ فِيهِ حسن صَحِيح.
وَقَالَ الْبَزَّار: حَدثنَا عَمْرو بن عَليّ، قَالَ حَدثنَا أَبُو عَامر، عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن سعيد، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. فَذكره.(2/443)
قَالَ: وحدثناه عَمْرو بن عَليّ، قَالَ: حَدثنَا أَبُو قُتَيْبَة، عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن سعيد، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِمثلِهِ.
فَهَؤُلَاءِ آدم بن أبي إِيَاس وَأحمد بن يُونُس، وَعُثْمَان بن عمر، وَأَبُو عَامر الْعَقدي، وَأَبُو قُتَيْبَة: سَالم بن قُتَيْبَة، كلهم يذكر فِي الْإِسْنَاد: " عَن أَبِيه " وَلَا يذكر فِي الْمَتْن: " وَالْجهل " وَكلهمْ ثِقَة.
وَابْن وهب يذكر فِي الْمَتْن لَفْظَة: " وَالْجهل " وَيسْقط من الْإِسْنَاد " عَن أَبِيه " فروايته - وَالله أعلم - مُنْقَطِعَة، فَاعْلَم ذَلِك.
(448) وَذكر من طَرِيق مَالك، عَن أبي مُوسَى [الْأَشْعَرِيّ] أَن(2/444)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من لعب بالنرد، فقد عصى الله وَرَسُوله ".
ثمَّ قَالَ: اخْتلف فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث.
كَذَا قَالَ، وَلم يبين من أمره شَيْئا، إِنَّمَا هُوَ - وَالله أعلم - مُنْقَطع - أَعنِي رِوَايَة مَالك - وَذَلِكَ أَنه يرويهِ عَن مُوسَى بن ميسرَة، عَن سعيد بن أبي هِنْد، عَن أبي مُوسَى.
وَهَكَذَا يرويهِ نَافِع مولى ابْن عمر، وَعبد الله بن سعيد بن أبي هِنْد، ومُوسَى بن عبد الله بن سُوَيْد، كلهم عَن سعيد بن أبي هِنْد كَذَلِك.
وَكَذَا رَوَاهُ ابْن وهب، عَن أُسَامَة بن زيد اللَّيْثِيّ، عَن سعيد بن أبي هِنْد كَذَلِك، وَخَالفهُ ابْن الْمُبَارك، فَرَوَاهُ عَن أُسَامَة، عَن سعيد بن أبي هِنْد، عَن أبي مرّة / مولى أم هَانِئ، عَن أبي مُوسَى.
فذل ذَلِك على / انْقِطَاع الأول.(2/445)
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا يحيى بن صاعد إملاء، حَدثنَا الْحسن بن عِيسَى النَّيْسَابُورِي، إملاء، فِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ - وكتبت بخطي - حَدثنَا عبد الله بن الْمُبَارك، عَن أُسَامَة بن زيد، عَن سعيد بن أبي هِنْد، عَن أبي مرّة مولى عقيل - فِيمَا أعلم - عَن أبي مُوسَى، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذكره.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَهُوَ أشبه بِالصَّوَابِ.
وَأَبُو مُحَمَّد عبد الْحق حسن الرَّأْي فِي أُسَامَة بن زيد اللَّيْثِيّ، وسترى ذَلِك فِي مَوْضِعه، فَاعْلَم ذَلِك.
(449) وَذكر من طَرِيق عبد الرَّزَّاق، عَن يحيى بن الْعَلَاء، عَن جَهْضَم ابْن عبد الله، عَن مُحَمَّد بن زيد - هُوَ الْعَبْدي - عَن شهر بن حَوْشَب، عَن أبي سعيد قَالَ: " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن بيع الْمَغَانِم حَتَّى تقسم، وَعَن بيع الصَّدقَات حَتَّى تقبض، وَعَن بيع الْآبِق، وَعَن بيع مَا فِي بطُون الْأَنْعَام، حَتَّى تضع، وَعَما فِي ضروعها إِلَّا بكيل، وَعَن ضَرْبَة الغائص "، ثمَّ قَالَ إِسْنَاده لَا يحْتَج بِهِ.
وَلم يبين بِمَا ضعف عِنْده، وَقد بَيناهُ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها وَلم(2/446)
يبين عللها.
ونبين هَا هُنَا - إِن شَاءَ الله - أَنه مُنْقَطع فِيمَا بَين جَهْضَم وَمُحَمّد بن زيد، ينقص من بَينهمَا رجل مَجْهُول الْحَال.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن يُونُس بن ياسين، حَدثنَا إِسْحَاق بن أبي إِسْرَائِيل، حَدثنَا حَاتِم بن إِسْمَاعِيل، عَن جَهْضَم بن عبد الله، عَن مُحَمَّد ابْن إِبْرَاهِيم، عَن مُحَمَّد بن زيد الْعَبْدي، عَن شهر، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، قَالَ: " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن شِرَاء مَا فِي بطُون الْأَنْعَام حَتَّى تضع، وَعَن شِرَاء الْغَنَائِم حَتَّى تقسم، وَعَن شِرَاء الصَّدَقَة حَتَّى تقسم، وَعَن شِرَاء ضَرْبَة الغائص ".
هَكَذَا رَوَاهُ حَاتِم بن إِسْمَاعِيل - وَهُوَ ثِقَة - عَن جَهْضَم، فَزَاد فِيهِ رجلا - وَهُوَ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم - وَهُوَ الْبَاهِلِيّ بَصرِي -.
قَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَمِعت أبي يَقُول: هُوَ مَجْهُول.
(450) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن معَاذ بن جبل قَالَ: قَالَ(2/447)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا قَالَ الرجل لمملوكه: أَنْت حر إِن شَاءَ الله، فَهُوَ حر، وَلَيْسَ لَهُ اسْتِثْنَاؤُهُ ".
ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده حميد بن مَالك، وَهُوَ ضَعِيف. انْتهى كَلَامه.
فَأَقُول / - وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق -: إِنَّه مُنْقَطع، فَإِن حميد بن مَالك يرويهِ عَن مَكْحُول، عَن معَاذ، قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يَا معَاذ، مَا خلق الله عز وَجل شَيْئا على وَجه الأَرْض أحب إِلَيْهِ من الْعتاق، وَلَا خلق شَيْئا على وَجه الأَرْض أبْغض إِلَيْهِ من الطَّلَاق، فَإِذا قَالَ الرجل لمملوكه: أَنْت حر إِن شَاءَ الله، فَهُوَ حر، وَلَا اسْتثِْنَاء لَهُ، وَإِذا قَالَ الرجل لامْرَأَته: أَنْت طَالِق، إِن شَاءَ الله، فَلهُ اسْتِثْنَاؤُهُ ".
رَوَاهُ عَنهُ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، وَمَكْحُول إِنَّمَا أَخذه عَن مَالك بن يخَامر، عَن معَاذ.
كَذَلِك روى عمر بن إِبْرَاهِيم بن خَالِد، عَن حميد بن مَالك اللَّخْمِيّ الْمَذْكُور، قَالَ: حَدثنَا مَكْحُول، عَن مَالك بن يخَامر عَن معَاذ بن جبل، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا خلق الله تَعَالَى شَيْئا أبْغض إِلَيْهِ من الطَّلَاق، فَمن طلق وَاسْتثنى فَلهُ اسْتِثْنَاؤُهُ ".
وَقد ذكر أَبُو مُحَمَّد هَذِه الْقطعَة فِي الطَّلَاق هَكَذَا وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ هَذِه الرِّوَايَة كَمَا ذَكرنَاهَا، فَاعْلَم ذَلِك.(2/448)
(451) وَذكر حَدِيث: " أقيلوا ذَوي الهيئات عثراتهم ".
وَفِيه انْقِطَاع لم يعرض لَهُ، قد بَيناهُ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي نسبت إِلَى غير رواتها.
(452) وَذكر حَدِيث: " إِنَّا لاقو الْعَدو غَدا ".
وَفِيه انْقِطَاع لم يعرض لَهُ أَيْضا، وَقد بَيناهُ فِي بَاب الْأَحَادِيث الْمَشْكُوك فِي رَفعهَا.
(453) وَذكر من طَرِيق مُسلم، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن كل ذِي نَاب من السبَاع، وَعَن كل ذِي مخلب من الطير ".(2/449)
كَذَا ذكره وَسكت عَنهُ، وَلم يضع فِيهِ نظرا لما كَانَ من عِنْد مُسلم، وَهُوَ من أَفْرَاد مُسلم، لم يُخرجهُ البُخَارِيّ، يرويهِ مَيْمُون بن مهْرَان عَن ابْن عَبَّاس.
وَلَا يتَكَرَّر فِي الْكتاب لَهُ شَيْء عَن ابْن عَبَّاس.
وَلم يسمعهُ من ابْن عَبَّاس، بل بَينهمَا فِيهِ سعيد بن جُبَير.
كَذَلِك ذكره أَبُو دَاوُد فِي كِتَابه من رِوَايَة عَليّ بن الحكم عَن مَيْمُون بن مهْرَان، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس.
وَذكره الْبَزَّار أَيْضا عَن عَليّ بن الحكم كَذَلِك.
قَالَ الْبَزَّار: وَلَا نعلم أحدا رَوَاهُ عَن مَيْمُون بن مهْرَان، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس، إِلَّا عَليّ بن الحكم.
وَقد رَوَاهُ أَبُو بشر وَالْحكم عَن مَيْمُون بن مهْرَان، عَن ابْن عَبَّاس، وَلم يذكرَا سعيد بن جُبَير بَينهمَا. انْتهى كَلَام الْبَزَّار /.
عَليّ بن الحكم ثِقَة، أخرج لَهُ البُخَارِيّ وَمُسلم، وَمِمَّنْ وَثَّقَهُ النَّسَائِيّ رَحمَه الله.
وَذكر البُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن عَليّ الأرقط، قَالَ أَظن بَين مَيْمُون وَابْن عَبَّاس سعيد بن جُبَير - يَعْنِي فِي هَذَا الحَدِيث - فاعلمه.(2/450)
(454) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن أم سَلمَة قَالَت: " كَانَ أحب الثِّيَاب إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْقَمِيص ".
كَذَا ذكره وَسكت عَنهُ، وَهُوَ إِمَّا مُنْقَطع، وَإِمَّا مُتَّصِل بِمن لَا تعرف حَاله.
وَذَلِكَ أَن التِّرْمِذِيّ ذكره من رِوَايَة عبد الْمُؤمن بن خَالِد - وَهُوَ الْحَنَفِيّ، قَاضِي مرو، وَهُوَ لَا بَأْس بِهِ - عَن عبد الله بن بُرَيْدَة، عَن أم سَلمَة.
ثمَّ أوردهُ من رِوَايَة زِيَاد بن أَيُّوب، عَن أبي تُمَيْلة عَن عبد الْمُؤمن الْمَذْكُور، عَن عبد الله بن بُرَيْدَة، عَن أمه، عَن أم سَلمَة.
فَالْأول مُنْقَطع، وَالثَّانِي عَن أم عبد الله بن بُرَيْدَة، وحالها غير مَعْرُوفَة.
(455) وَذكر من طَرِيق مُسلم، عَن بِلَال، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، - وَسَأَلَهُ عَن صَدَقَة الْمَرْأَة على زَوجهَا، وعَلى أَيْتَام فِي حجرها - فَقَالَ: " أَجْرَانِ: أجر(2/451)
الْقَرَابَة، وَأجر الصَّدَقَة " ثمَّ قَالَ هَذَا مُخْتَصر.
كَذَا أوردهُ، وَاخْتَصَرَهُ من حَدِيث طَوِيل، نذكرهُ بِقِصَّتِهِ [لنبين] الْمَقْصُود إِن شَاءَ الله.
قَالَ مُسلم: حَدثنَا حسن بن الرّبيع، حَدثنَا أَبُو الْأَحْوَص عَن الْأَعْمَش، عَن أبي وَائِل، عَن عَمْرو بن الْحَارِث، عَن زَيْنَب امْرَأَة عبد الله، قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " تصدقن يَا معشر النِّسَاء وَلَو من حليكن ".
قَالَت فَرَجَعت إِلَى عبد الله، فَقلت: إِنَّك رجل خَفِيف ذَات الْيَد، وَإِن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قد أمرنَا بِالصَّدَقَةِ، فائته فَاسْأَلْهُ، فَإِن كَانَ يُجزئ ذَلِك عني، وَإِلَّا صرفتها / إِلَى غَيْركُمْ، قَالَت: فَقَالَ لي عبد الله، بل ائتيه أَنْت، قَالَت: فَانْطَلَقت فَإِذا امْرَأَة من الْأَنْصَار بِبَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَاجَتهَا حَاجَتي، قَالَت: وَكَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قد ألقيت عَلَيْهِ المهابة، قَالَت: فَخرج علينا بِلَال، فَقُلْنَا لَهُ: ائْتِ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَأخْبرهُ أَن امْرَأتَيْنِ بِالْبَابِ، تسألانك: أتجزئ الصَّدَقَة عَنْهُمَا على أزواجهما وعَلى أَيْتَام فِي / حجورهما، وَلَا تخبره من نَحن، قَالَت: فَدخل بِلَال على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من هما "؟ فَقَالَ: امْرَأَة من الْأَنْصَار، وَزَيْنَب، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَي الزيانب "؟ قَالَ: امْرَأَة عبد الله بن مَسْعُود، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَهما(2/452)
أَجْرَانِ: أجر الْقَرَابَة، وَأجر الصَّدَقَة ".
فَأَقُول - وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق -: إِنَّه مُنْقَطع فِيمَا بَين عَمْرو بن الْحَارِث وَزَيْنَب، وَهُوَ عَمْرو بن الْحَارِث بن المصطلق، أَخُو جوَيْرِية بنت الْحَارِث، زوج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَقد أدْرك النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَهُوَ غُلَام، وروى عَنهُ حديثين.
وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّه مُنْقَطع، لِأَنَّهُ حَدِيث يرويهِ الْأَعْمَش كَمَا ذكرنَا.
فَاخْتلف عَلَيْهِ أَصْحَابه، فشعبة، وَالثَّوْري، وَحَفْص بن غياث - فِي إِحْدَى رِوَايَتَيْنِ عَنهُ - قَالُوا فِيهِ: عَن الْأَعْمَش، عَن أبي وَائِل، عَن عَمْرو بن الْحَارِث، عَن زَيْنَب، لم يجْعَلُوا بَينهمَا أحدا.
وَرَوَاهُ جرير، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي وَائِل، عَن زَيْنَب، فَلم يذكر بَينهمَا عَمْرو بن الْحَارِث.
وكل هَذَا تَقْصِير، فَرَوَاهُ حَفْص بن غياث - فِي رِوَايَة عَنهُ - وَأَبُو مُعَاوِيَة الضَّرِير - فِي رِوَايَة ابْن الْمثنى وَعبد الله بن هَاشم بن حَيَّان الْعَبْدي عَنهُ - فَقَالَا فِيهِ: عَن الْأَعْمَش، عَن أبي وَائِل، عَن عَمْرو بن الْحَارِث، عَن ابْن أخي زَيْنَب، امْرَأَة عبد الله، عَن زَيْنَب امْرَأَة عبد الله، فَأدْخل بَينهمَا ابْن أخي زَيْنَب.
والْحَدِيث بذلك ذكره أَبُو عَليّ بن السكن، قَالَ حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن عبد الله العسكري قَالَ: حَدثنَا أَبُو مُوسَى: مُحَمَّد بن الْمثنى.
وَحدثنَا مكي بن عَبْدَانِ النَّيْسَابُورِي، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن هَاشم بن حَيَّان الْعَبْدي قَالَا: حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة، قَالَ: حَدثنَا الْأَعْمَش، عَن شَقِيق، عَن عَمْرو بن الْحَارِث، عَن ابْن أخي زَيْنَب، امْرَأَة عبد الله، عَن زَيْنَب امْرَأَة(2/453)
عبد الله، قَالَت: خَطَبنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: " يَا معشر النِّسَاء، تصدقن وَلَو من حليكن، فَإِنَّكُنَّ أَكثر أهل جَهَنَّم " قَالَت: وَكَانَ عبد الله رجلا خَفِيف ذَات الْيَد، الحَدِيث.
وَقد أورد التِّرْمِذِيّ فِي جَامعه رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة هَذِه، ثمَّ أورد بعْدهَا رِوَايَة شُعْبَة / فَقَالَ: هَذَا أصح من حَدِيث أبي مُعَاوِيَة، وَأَبُو مُعَاوِيَة وهم فِي حَدِيثه فِي قَوْله عَن عَمْرو بن الْحَارِث، عَن ابْن أخي زَيْنَب، وَالصَّحِيح إِنَّمَا هُوَ: عَن عَمْرو بن الْحَارِث بن أخي زَيْنَب.
وَحكى هَذَا فِي كتاب الْعِلَل عَن البُخَارِيّ.
وَفِيه عِنْدِي نظر، فَإِن أَبَا مُعَاوِيَة لم ينْفَرد بِهِ، وَأَيْضًا فَإِن عمر بن الْحَارِث خزاعي، وَزَيْنَب بنت أبي مُعَاوِيَة، امْرَأَة عبد الله، ثقفية، فَلَا يتَّجه أَن يكون ابْن أَخِيهَا إِلَّا لأم، وَشَيْء من ذَلِك / لم يتَحَقَّق.
وتوهيم حَافظ فِي زِيَادَة زَادهَا لَا معنى لَهُ إِلَّا لَو صرح النَّاس بمخالفته، وهم لم يصرحوا، وَإِنَّمَا سكتوا عَن شَيْء جَاءَ هُوَ بِهِ وَالله أعلم.
وَقد يكون فِي هَذَا الحَدِيث بحث آخر، فِيمَا بَين زَيْنَب وبلال، فَإِن زَيْنَب لم تقل فِي هَذَا الحَدِيث: إِنَّهَا سمعته من النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَلَا ذكرت أَن بِلَالًا(2/454)
أخْبرهَا وَإِنَّمَا يتَبَيَّن أَنَّهَا سمعته مِنْهُ فِي حَدِيث آخر، من رِوَايَة أبي سعيد.
وَلم يسقه أَبُو مُحَمَّد، وَلَا عرض لَهُ.
ذكره الْبَزَّار: قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن سكين، وَعبد الله بن أَحْمد بن شبويه الْمروزِي، قَالَا: حَدثنَا سعيد بن الحكم، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر بن أبي كثير، عَن زيد بن أسلم، عَن عِيَاض - هُوَ ابْن عبد الله بن سعد بن أبي سرح - عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، أَنه قَالَ:
(456) خرج رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي أضحى، أَو فطر، فصلى، ثمَّ انْصَرف فوعظ النَّاس، وَأمرهمْ بِالصَّدَقَةِ فَقَالَ: " يَا أَيهَا النَّاس، تصدقوا ".
ثمَّ انْصَرف فَمر على النِّسَاء، فَقَالَ لَهُنَّ: " تصدقن، فَإِنِّي رأيتكن أَكثر أهل النَّار "، فَقُلْنَ: يَا رَسُول الله، بِمَ ذَاك؟ قَالَ: " إنكن تكثرن اللَّعْن، وتكفرن العشير، مَا رَأَيْت من ناقصات عقل وَدين أذهب لقلب الرجل الحازم من إحداكن يَا معشر النِّسَاء "، فَقُلْنَ: لَهُ: مَا نُقْصَان عقلهَا ودينها يَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " أَلَيْسَ شَهَادَة امْرَأَة نصف شَهَادَة الرجل "؟ فَذَلِك من نُقْصَان عقلهَا، أَو لَيْسَ إِذا حَاضَت الْمَرْأَة لم تصل "؟ قُلْنَ: بلَى، قَالَ: " فَذَلِك من نُقْصَان دينهَا " قَالَ: ثمَّ انْصَرف، فَلَمَّا صَار إِلَى منزله جَاءَتْهُ زَيْنَب امْرَأَة عبد الله بن مَسْعُود(2/455)
تستأذن عَلَيْهِ فَقيل: يَا رَسُول الله، هَذِه زَيْنَب / تستأذن عَلَيْك، قَالَ: " أَي الزيانب "؟ قيل: امْرَأَة عبد الله بن مَسْعُود، قَالَ: " ائْذَنْ لَهَا "، فَأذن لَهَا.
فَقَالَت: يَا نَبِي الله، إِنَّك أمرتنا الْيَوْم بِالصَّدَقَةِ، وَعِنْدِي حلي لي فَأَرَدْت أَن أَتصدق بِهِ، فَزعم ابْن مَسْعُود أَنه هُوَ وَولده أَحَق من تَصَدَّقت بِهِ عَلَيْهِم، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " صدق ابْن مَسْعُود، زَوجك وولدك أَحَق من تَصَدَّقت بِهِ عَلَيْهِم ".
قَالَ لَا نعلم رَوَاهُ عَن زيد، عَن عِيَاض عَن أبي سعيد إِلَّا مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَلَا نعلمهُ يروي عَن أبي سعيد إِلَّا من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الْإِسْنَاد. انْتهى كَلَام الْبَزَّار.
فَفِي هَذَا أَنَّهَا سمعته من النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَلَكِن لَا نَدْرِي مِمَّن تلقى ذَلِك أَبُو سعيد.
وَبحث ثَالِث هُوَ أَن أَبَا مُحَمَّد سَاقه فِي اختصاره عَام اللَّفْظ.
والْحَدِيث إِنَّمَا فِيهِ قَضَاء شخصي خَاص بِهَاتَيْنِ الْمَرْأَتَيْنِ، فَإِن حكم لغَيْرِهِمَا بِمثل ذَلِك فَمن دَلِيل آخر، لَا من نفس الْخَبَر فَاعْلَم ذَلِك.
(457) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش، أَنَّهَا(2/456)
كَانَت تستحاض، فَقَالَ لَهَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا كَانَ دم الْحيض فَإِنَّهُ دم أسود يعرف ... " الحَدِيث.
كَذَا أوردهُ، وَهُوَ - فَمَا أرى - مُنْقَطع، وَذَلِكَ أَنه حَدِيث انْفَرد بِلَفْظِهِ مُحَمَّد ابْن عَمْرو، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة.
فَرَوَاهُ عَن مُحَمَّد بن عَمْرو، مُحَمَّد بن أبي عدي مرَّتَيْنِ: أَحدهمَا من كِتَابه، فَجعله عَن مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن فَاطِمَة أَنَّهَا كَانَت تستحاض /.
فَهُوَ على هَذَا مُنْقَطع، لِأَنَّهُ قد حدث بِهِ مرّة أُخْرَى من حفظه، فَزَادَهُم فِيهِ " عَن عَائِشَة " فِيمَا بَين عُرْوَة وَفَاطِمَة، فاتصل، فَلَو كَانَ بعكس هَذَا كَانَ أبعد من الرِّيبَة - أَعنِي أَن يحدث بِهِ من حفظه مُرْسلا، وَمن كِتَابه مُتَّصِلا، فَأَما هَكَذَا فَهُوَ مَوضِع نظر -.(2/457)
وَأَبُو مُحَمَّد إِنَّمَا سَاق الرِّوَايَة المنقطعة، فَإِنَّهُ سَاقه عَن فَاطِمَة.
والمتصلة إِنَّمَا هِيَ عَن عَائِشَة أَن فَاطِمَة، فَإِذا نظر هَذَا فِي كتاب أبي دَاوُد، تبين مِنْهُ أَن عُرْوَة إِنَّمَا أَخذ ذَلِك عَن عَائِشَة، لَا عَن فَاطِمَة.
هَذَا وَلَو قَدرنَا أَن عُرْوَة سمع من فَاطِمَة.
(458) وَقد يظنّ بِهِ السماع مِنْهَا لحَدِيث اللَّيْث، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن بكر / بن عبد الله، عَن الْمُنْذر بن الْمُغيرَة، عَن عُرْوَة، أَن فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش، حدثته أَنَّهَا سَأَلت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فشكت إِلَيْهِ الدَّم، فَقَالَ لَهَا: " إِنَّمَا ذَلِك عرق فانظري ... " الحَدِيث.
وَهَذَا لَا يَصح مِنْهُ سَمَاعه مِنْهَا، للْجَهْل بِحَالَة الْمُنْذر بن الْمُغيرَة. وَقد سَأَلَ ابْن أبي حَاتِم أَبَاهُ عَنهُ فَقَالَ: مَجْهُول.
ذكره هَكَذَا أَبُو دَاوُد، وَهُوَ عِنْد غَيره مُعَنْعَن، لم يقل فِيهِ: إِن فَاطِمَة حدثته.
(459) وَكَذَلِكَ حَدِيث سُهَيْل بن أبي صَالح، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة،(2/458)
قَالَ: حَدَّثتنِي فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش أَنَّهَا أمرت أَسمَاء، أَو أَسمَاء حَدَّثتنِي أَنَّهَا أمرت فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش أَن تسْأَل لَهَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، الحَدِيث. فَإِنَّهُ مَشْكُوك فِي سَمَاعه إِيَّاه من فَاطِمَة، أَو من أَسمَاء، وَفِي متن الحَدِيث مَا أنكر على سُهَيْل، وعد مِمَّا سَاءَ فِيهِ حفظه، أَو ظهر أثر تغيره عَلَيْهِ، وَكَانَ قد تغير، وَذَلِكَ أَنه أحَال فِيهِ على الْأَيَّام، وَذَلِكَ أَنه قَالَ: " فَأمرهَا أَن تقعد الْأَيَّام الَّتِي كَانَت تقعد ".
وَالْمَعْرُوف فِي قصَّة فَاطِمَة الإحالة على الدَّم والقرء.
وَعَن عُرْوَة فِيهِ رِوَايَة أُخْرَى لم يشك فِيهَا أَن الَّتِي حدثته هِيَ أَسمَاء، رَوَاهَا عَن سُهَيْل عَليّ بن عَاصِم، ذكرهَا الدَّارَقُطْنِيّ، والمتقدم ذكره أَبُو دَاوُد.
(460) وَذكر أَيْضا: حَدثنَا وهب بن بَقِيَّة، حَدثنَا خَالِد، عَن سُهَيْل بن أبي صَالح، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة بن الزبير، عَن أَسمَاء بنت عُمَيْس، قَالَت: قلت: يَا رَسُول الله، إِن فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش استحيضت فَقَالَ: " لتغتسل لِلظهْرِ وَالْعصر غسلا وَاحِدًا، وتغتسل للمغرب وَالْعشَاء غسلا وَاحِدًا، وتغتسل للفجر غسلا [وَاحِدًا] وتتوضأ فِيمَا بَين ذَلِك ".
فترى قصَّتهَا إِنَّمَا يَرْوِيهَا إِمَّا عَن عَائِشَة، وَإِمَّا عَن أَسمَاء، وَقد قُلْنَا: إِنَّه لَو(2/459)
صَحَّ أَن عُرْوَة سمع من فَاطِمَة، لم ينفع ذَلِك فِي الحَدِيث الأول، لإدخال عُرْوَة بَينه وَبَينهَا فِيهِ عَائِشَة.
وَزعم أَبُو مُحَمَّد ابْن حزم، أَن عُرْوَة أدْرك فَاطِمَة بنت أبي حُبَيْش وَلم يستبعد أَن يسمعهُ من خَالَته عَائِشَة، وَمن ابْنة عَمه فَاطِمَة.
وَهَذَا عِنْدِي غير صَحِيح، وَيجب أَن يُزَاد فِي الْبَحْث عَنهُ.
وَفَاطِمَة، هِيَ فَاطِمَة بنت أبي / حُبَيْش بن الْمطلب بن أَسد بن عبد الْعُزَّى.
وَعُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام، بن خويلد، بن أَسد، بن عبد الْعُزَّى، فخويلد وَالْمطلب أَخَوان، فَهِيَ فِي قعدد الزبير رَضِي الله عَنهُ، وَلَا يعرف لَهَا حَدِيث غير هَذَا، وَلم يتَبَيَّن مِنْهُ أَن عُرْوَة أَخذه عَنْهَا.
وَمِمَّا يَنْبَغِي تعرفه من أَمر هَذَا الحَدِيث / - وَإِن لم يكن مِمَّا نَحن فِيهِ - أَن مُحَمَّد بن عَمْرو هَذَا، هُوَ ابْن عَمْرو بن عَلْقَمَة، وَهُوَ شيخ لِلزهْرِيِّ، قد روى عَنهُ الزُّهْرِيّ أَحَادِيث، وَتبين هَذَا فِي نفس هَذَا الْإِسْنَاد فِي مَوَاضِع: مِنْهَا كتاب سنَن ابْن السكن، وَقَالَ فِي كتاب الصَّحَابَة: إِنَّه لم يرو عَن الزُّهْرِيّ مُسْندًا غير هَذَا الحَدِيث فَاعْلَم ذَلِك.(2/460)
(الْمدْرك الثَّالِث لانْقِطَاع الْأَحَادِيث فِي هَذَا الْبَاب: وَهُوَ الْعلم بتاريخ الرَّاوِي والمروي عَنهُ)
(461) ذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن عِكْرِمَة، أَن أم حَبِيبَة استحيضت، " فَأمرهَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن تنْتَظر أَيَّام أقرائها " الحَدِيث.
هَكَذَا أوردهُ وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث مُرْسل، أخبر فِيهِ عِكْرِمَة بِمَا لم يدْرك وَلم يسمع، وَلم يقل: إِن أم حَبِيبَة أخْبرته بِهِ، وَلَا أَيْضا يَصح لَهُ ذَلِك.
وَحين أورد أَبُو دَاوُد هَذَا الحَدِيث، أوردهُ من رِوَايَة أبي بشر: جَعْفَر بن أبي وحشية عَنهُ أَن أم حَبِيبَة استحيضت " فَأمرهَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الحَدِيث.
وَكَانَ قد أَشَارَ إِلَيْهِ قبل ذَلِك فِي جملَة إشارات قَالَ فِيهَا: وروى أَبُو بشر، عَن عِكْرِمَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، أَن أم حَبِيبَة بنت جحش استحيضت فَأمرهَا. الحَدِيث.
وَهَذَا أبين فِي الِانْقِطَاع.
(462) وَذكر حَدِيث أبي حميد السَّاعِدِيّ، فِي وَصفه صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -(2/461)
فِي عشرَة من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فيهم أَبُو قَتَادَة، وَفِيه الْمُخَالفَة بَين الجلوسين فِي الصَّلَاة، فَفِي الأولى: " جلس على رجله الْيُسْرَى، وَفِي الْأُخْرَى [فِي الآخر] جلس على الأَرْض " من رِوَايَة مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَطاء، قَالَ: سَمِعت أَبَا حميد فَذكره.
وَهُوَ عِنْده / صَحِيح مُتَّصِل، وَهُوَ من رِوَايَة عبد الحميد بن جَعْفَر، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو، وَجُمْلَة أمره أَنه من أهل الصدْق.
وَوَثَّقَهُ يحيى بن سعيد وَابْن حَنْبَل وَابْن معِين وَأخرج لَهُ مُسلم، وَضَعفه يحيى بن سعيد فِي رِوَايَة عَنهُ، وَكَانَ الثَّوْريّ يحمل عَلَيْهِ من أجل الْقدر وَزَعَمُوا أَنه مِمَّن خرج مَعَ مُحَمَّد بن عبد الله بن حسن بن حسن.
فلأجل هَذَا من حَاله، يجب التثبت فِيمَا روى من قَوْله فِي هَذَا الحَدِيث: فيهم أَبُو قَتَادَة، فَإِن أَبَا قَتَادَة، توفّي زمن عَليّ رَضِي الله عَنهُ، وَهُوَ صلى عَلَيْهِ، وَهُوَ مِمَّن قتل مَعَه، وَسن مُحَمَّد بن عَمْرو مقصرة عَن إِدْرَاك ذَلِك.
وَقد قيل فِي وَفَاة أبي قَتَادَة غير هَذَا، من أَنه توفّي سنة أَربع وَخمسين، وَلَيْسَ ذَلِك بِصَحِيح، بل الصَّحِيح مَا ذَكرْنَاهُ، وَقتل عَليّ رَضِي الله عَنهُ(2/462)
سنة أَرْبَعِينَ.
وَقد ذكر هَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ، أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ قَالَ: وَالَّذِي زَاد مُحَمَّد ابْن عَمْرو، غير مَعْرُوف وَلَا مُتَّصِل، لِأَن فِي حَدِيثه أَنه حضر أَبُو حميد وَأَبا قَتَادَة.
ووفاة أبي قَتَادَة قبل ذَلِك بدهر طَوِيل، لِأَنَّهُ قتل مَعَ عَليّ، وَصلى عَلَيْهِ، فَأَيْنَ سنّ مُحَمَّد بن عَمْرو من هَذَا؟
وَيزِيد هَذَا الْمَعْنى تَأْكِيدًا أَن عطاف بن خَالِد، روى هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: نَبَّأَنِي مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَطاء، قَالَ نَبَّأَنِي رجل أَنه وجد عشرَة من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جُلُوسًا، فَذكر نَحْو حَدِيث أبي عَاصِم.
وعطاف بن خَالِد أَبُو صَفْوَان / الْقرشِي، مدنِي، لَيْسَ بِدُونِ عبد الحميد ابْن جَعْفَر وَإِن كَانَ البُخَارِيّ قد حكى أَن مَالِكًا لم يحمده فَإِن ذَلِك لَا يضرّهُ، إِذْ لم يكن ذَلِك من مَالك بِأَمْر مُفَسّر يجب لأَجله ترك رِوَايَته.
وَقد اعْترض مَالِكًا فِي ذَلِك الطَّبَرِيّ بِمَا ذَكرْنَاهُ: من عدم تَفْسِير الجرحة، وبأمر آخر لَا نرَاهُ صَوَابا، وَهُوَ أَن قَالَ: " وَحَتَّى وَلَو كَانَ مَالك قد فسر، لم يجب أَن نَتْرُك بتجريحه رِوَايَة عطاف، حَتَّى يكون مَعَه مجرح آخر ".
وَإِنَّمَا لَا نرى هَذَا صَوَابا لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا أَن هَذَا الْمَذْهَب لَيْسَ بِصَحِيح، بل إِذا جرح وَاحِد بِمَا هُوَ جرحة قبل، فَإِنَّهُ نقل مِنْهُ لحَال سَيِّئَة تسْقط بهَا الْعَدَالَة، وَلَا يحْتَاج فِي النَّقْل إِلَى تعدد الروَاة.(2/463)
وَالْوَجْه الثَّانِي / هُوَ أَن غير مَالك قد وجد عَنهُ أَيْضا مثل مَا ذهب إِلَيْهِ مَالك فِيهِ، وَهُوَ ابْن مهْدي، فَإِنَّهُ ذهب إِلَى عطاف فَلم يرضه وَالَّذِي يرد بِهِ هَذَا، هُوَ مَا رد بِهِ مَا ذهب إِلَيْهِ مَالك فِيهِ: من كَونه لم يُفَسر مَا زهده فِيهِ، فَلَو قبلنَا مِنْهُ هَذَا، كُنَّا قد قلدناه فِي رَأْي لَا رِوَايَة.
وَغير مَالك وَابْن ومهدي يوثق عطافا، روى أَبُو طَالب عَن أَحْمد بن حَنْبَل أَنه قَالَ: هُوَ من أهل الْمَدِينَة، ثِقَة صَحِيح الحَدِيث، روى نَحْو مائَة حَدِيث.
وَقَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِهِ بَأْس، صَالح الحَدِيث.
وَقد رُوِيَ عَن ابْن معِين أَنه قَالَ: من قلت: لَيْسَ بِهِ بَأْس، فَهُوَ عِنْدِي ثِقَة.
وَقَالَ أَبُو زرْعَة أَيْضا: لَيْسَ بِهِ بَأْس وَهُوَ عِنْد أبي حَاتِم بِحَال مُحَمَّد ابْن إِسْحَاق، وَسُئِلَ عَنهُ فَقَالَ: لَيْسَ بِذَاكَ.
وَصدق، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِأَعْلَى مَا يكون، وَمَا مثله أعرض عَن حَدِيثه وَلَعَلَّه أحسن حَالا من عبد الحميد بن جَعْفَر.
وَهُوَ قد بَين أَن بَين مُحَمَّد بن عَمْرو وَبَين أُولَئِكَ الصَّحَابَة رجلا.(2/464)
وَلَو كَانَ هَذَا عِنْدِي مُحْتَاجا إِلَيْهِ فِي هَذَا الحَدِيث للْقَضَاء بانقطاعه، كتبته فِي الْمدْرك الَّذِي فرغت مِنْهُ.
وَلكنه غير مُحْتَاج إِلَيْهِ، للمتقرر من تَارِيخ وَفَاة أبي قَتَادَة، وتقاصر سنّ مُحَمَّد بن عَمْرو عَن إِدْرَاك حَيَاته رجلا، فَإِنَّمَا جَاءَت رِوَايَة عطاف عاضدة لما قد صَحَّ وَفرغ مِنْهُ.
(463) وَقد رَوَاهُ عِيسَى بن عبد الله بن مَالك، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو فَقَالَ فِيهِ: عَن عَيَّاش، أَو عَبَّاس بن سهل السَّاعِدِيّ، أَنه كَانَ فِي مجْلِس فِيهِ أَبوهُ، وَأَبُو هُرَيْرَة، وَأَبُو أسيد، وَأَبُو حميد، وَلم يذكر فِيهِ من الْفرق بَين الجلوسين مَا ذكر عبد الحميد بن جَعْفَر، ذكر ذَلِك أَبُو دَاوُد.
(464) وَلِلْحَدِيثِ بِالْفرقِ بَين الجلوسين إِسْنَاد صَحِيح مُتَّصِل لم يذكر فِيهِ أَبُو قَتَادَة، ذكره البُخَارِيّ قَالَ: حَدثنَا يحيى بن بكير، حَدثنَا اللَّيْث، سمع يزِيد بن أبي حبيب وَيزِيد بن مُحَمَّد سمع مُحَمَّد بن عَمْرو بن حلحلة سمع مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَطاء، أَنه كَانَ جَالِسا فِي نفر من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَذكر صَلَاة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ أَبُو حميد: أَنا كنت أحفظكم لصَلَاة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، رَأَيْته إِذا كبر جعل يَدَيْهِ / حَذْو مَنْكِبَيْه، وَإِذا ركع أمكن يَدَيْهِ من رُكْبَتَيْهِ، ثمَّ هصر(2/465)
ظَهره، فَإِذا رفع رَأسه، اسْتَوَى حَتَّى يعود كل فقار مَكَانَهُ، فَإِذا سجد وضع يَدَيْهِ غير مفترش وَلَا قابضهما، واستقبل بأطراف رجلَيْهِ الْقبْلَة، فَإِذا جلس فِي الرَّكْعَتَيْنِ، جلس على رجله الْيُسْرَى، وَنصب الْيُمْنَى، فَإِذا جلس فِي الرَّكْعَة الْآخِرَة قدم رجله الْيُسْرَى، وَنصب الْأُخْرَى، وَقعد على مقعدته.
فَهَذَا لَا ذكر فِيهِ لأبي قَتَادَة وَلَكِن / لَيْسَ فِيهِ ذكر لسماعه من أبي حميد وَإِن كَانَ ذَلِك ظَاهره.
وَقد ذكر أَبُو مُحَمَّد هَذَا الحَدِيث فِي كِتَابه فِي مَوضِع آخر فَاعْلَم ذَلِك.
(465) وَذكر أَيْضا من طَرِيق النَّسَائِيّ، عَن جَابر بن عبد الله " أَن جِبْرِيل(2/466)
أَتَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ليعلمه مَوَاقِيت الصَّلَاة فَتقدم جِبْرِيل، وَرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَلفه، وَالنَّاس خلف رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فصلى " الحَدِيث بِطُولِهِ إِلَى آخِره.
وَهُوَ أَيْضا يجب أَن يكون مُرْسلا كَذَلِك، إِذْ لم يذكر جَابر من حَدثهُ بذلك، وَهُوَ لم يُشَاهد ذَلِك صَبِيحَة الْإِسْرَاء، لما علم من أَنه أَنْصَارِي، إِنَّمَا صحب بِالْمَدِينَةِ.
وَابْن عَبَّاس، وَأَبُو هُرَيْرَة، اللَّذَان رويا أَيْضا قصَّة إِمَامَة جِبْرِيل، فَلَيْسَ يلْزم فِي حَدِيثهمَا من الْإِرْسَال مَا فِي رِوَايَة جَابر، لِأَنَّهُمَا قَالَا: إِن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ ذَلِك وقصه عَلَيْهِم.
(466) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن عَوْف بن مَالك، وخَالِد بن الْوَلِيد، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " قضى بالسلب وَلم يُخَمّس السَّلب ".(2/467)
كَذَا أوردهُ، وَهُوَ كَمَا ذكر، وأصل الْقِصَّة فِي كتاب مُسلم، وَهِي عِنْد أبي دَاوُد مُطَوَّلَة مشروحة، يتَبَيَّن من إيرادها أَنه عَن خَالِد مُنْقَطع الْإِسْنَاد، وَعَن عَوْف متصله.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَنْبَل قَالَ: حَدثنَا الْوَلِيد بن مُسلم قَالَ: حَدثنِي صَفْوَان بن عَمْرو، عَن عبد الرَّحْمَن بن جُبَير بن نفير عَن أَبِيه، عَن عَوْف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ، قَالَ خرجت مَعَ زيد بن حَارِثَة فِي غَزْوَة مُؤْتَة، ورافقني مددي من أهل الْيمن، لَيْسَ مَعَه غير سَيْفه، فَنحر رجل من الْمُسلمين جزورا / فَسَأَلَهُ المددي طَائِفَة من جلده، فَأعْطَاهُ إِيَّاه، فاتخذه كَهَيئَةِ الدرقة، ومضينا فلقينا جموع الرّوم، وَفِيهِمْ رجل على فرس لَهُ أشقر، عَلَيْهِ سرج مَذْهَب، وَسلَاح مَذْهَب، فَجعل الرُّومِي يغري بِالْمُسْلِمين، وَقعد لَهُ المددي خلف صَخْرَة، فَمر بِهِ الرُّومِي فعرقب فرسه، فَخر، وعلاه فَقتله، وَحَازَ فرسه وسلاحه، فَلَمَّا فتح الله للْمُسلمين، بعث إِلَيْهِ خَالِد بن الْوَلِيد فَأخذ مِنْهُ السَّلب، قَالَ عَوْف: فَأَتَيْته فَقلت: يَا خَالِد، أما علمت أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " قضى بالسلب للْقَاتِل " قَالَ: بلَى، وَلَكِنِّي استكثرته، قلت: لتردنه أَو لأعرفنكما عِنْد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأبى أَن يرد عَلَيْهِ.
قَالَ عَوْف: فَاجْتَمَعْنَا عِنْد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فقصصت عَلَيْهِ قصَّة المددي وَمَا(2/468)
فعل خَالِد، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يَا خَالِد مَا حملك على مَا صنعت "؟ قَالَ: يَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - استكثرته، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يَا خَالِد: رد عَلَيْهِ مَا أخذت مِنْهُ ".
فَقَالَ عَوْف: فَقلت: دونكما يَا خَالِد، ألم أُفٍّ لَك؟ فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " وَمَا ذَاك "؟ قَالَ: فَأَخْبَرته [قَالَ] فَغَضب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: " يَا خَالِد، لَا ترد عَلَيْهِ، هَل أَنْتُم تاركو لي أمرائي، لكم صفوة أَمرهم، وَعَلَيْهِم كدره ".
ثمَّ أورد أَبُو دَاوُد: حَدثنَا سعيد بن مَنْصُور، حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن صَفْوَان بن عَمْرو عَن عبد الرَّحْمَن بن جُبَير بن نفير، عَن أَبِيه، عَن عَوْف بن مَالك الأشجع، وخَالِد بن الْوَلِيد، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " قضى بالسلب للْقَاتِل، وَلم يُخَمّس السَّلب ".
فَهَذَا - كَمَا ترى - إِنَّمَا اخْتَصَرَهُ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن صَفْوَان، أَو اخْتَصَرَهُ غَيره من الْقِصَّة / الْمَذْكُورَة، فجَاء من رِوَايَة جُبَير عَن خَالِد، وَهُوَ إِنَّمَا أَخذه عَن عَوْف: عَن خَالِد، فَاعْلَم ذَلِك.
وَإِنَّمَا لم نَكْتُبهُ فِي الْمدْرك الَّذِي قبل هَذَا لأَنا لم نعتمد فِي انْقِطَاع مَا بَينهمَا إِلَّا الْعلم بِأَنَّهُمَا لم يلتقيا، واعتضد الْمَعْلُوم من ذَلِك بِمَا يتَبَيَّن من نفس الْقِصَّة فاعلمه.(2/469)
(467) وَذكر من طَرِيق مُسلم، عَن الْمسيب بن حزن، قَالَ: لما حضرت أَبَا طَالب الْوَفَاة، جَاءَهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَوجدَ عِنْده أَبَا جهل، وَعبد الله ابْن أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة، الحَدِيث.
ذكره فِي أَحَادِيث التَّفْسِير، لقَوْله فِيهِ: فَأنْزل الله عز وَجل {مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين} وَأنزل فِي أبي طَالب {إِنَّك لَا تهدي من أَحْبَبْت} .
وقنع بتخريج مُسلم لَهُ، وَلم يعرض لَهُ، وَهُوَ عِنْدِي مُرْسل، لَا من جِهَة الِاحْتِمَال الَّذِي فِي قَول الصَّحَابِيّ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، من أَن لَا يكون سمع ذَلِك، لَكِن من جِهَة أَن الْمسيب بن حزن بن أبي وهب إِنَّمَا هُوَ وَأَبوهُ من مسلمة الْفَتْح.
وَإِن شكّ فِي هَذَا، لم يشك فِي أَنه لم يُشَاهد هَذِه الْقِصَّة الْوَاقِعَة فِي أول الْأَمر، وَلَا فِيهِ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أخْبرهُم بذلك، وَلَا يجوز أَن يَقُول من ذَلِك مَا لم(2/470)
يقل، لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون إِنَّمَا تلقى ذَلِك من مشَاهد، كَعبد الله بن أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة، فقد أسلم بعد ذَلِك وَحسن إِسْلَامه، أَو من غَيره مِمَّن لم يُشَاهد.
وَمَا حَكَاهُ الْمسيب من ذَلِك، إِنَّمَا هُوَ بِمَثَابَة مَا لَو قَالَ:
(468) " نَام رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عِنْد الْبَيْت، فَجَاءَهُ جِبْرِيل فَأسْرى بِهِ ".
(469) أَو تَحنث فِي غَار حراء، فَجَاءَهُ الْملك " وَشبه ذَلِك، مِمَّا يعلم أَنه لم يُشَاهِدهُ.
(470) وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة فِي هَذِه الْقِصَّة من قَوْله: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِعَمِّهِ عِنْد الْمَوْت: " قل لَا إِلَه إِلَّا الله " مثل هَذَا سَوَاء، لِأَن أَبَا هُرَيْرَة لم يُشَاهد ذَلِك، وَلم يقل لنا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: قلت لِعَمِّي عِنْد الْمَوْت.
وَلَا فرق بَين مَا يخبر بِهِ [من هَذَا، من يعلم أَنه لم يلق النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِينَئِذٍ، وَبَين مَا يخبر بِهِ] مِمَّا كَانَ قبل ميلاده.
وَلَيْسَ بِنَافِع فِي هَذَا أَن يُقَال: إِن الْمسيب بن حزن مِمَّن بَايع تَحت الشَّجَرَة، فَإِن ذَلِك مُتَأَخّر عَن وَقت هَذِه الْقِصَّة، فَلَا بُد أَن يكون غَيره هُوَ الَّذِي أخبرهُ بهَا، أَو يكون سمع هُوَ ذَلِك من النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، يخبر بِهِ عَن نَفسه وَعَن عَمه،(2/471)
وَلَكِن لَيْسَ بِالِاحْتِمَالِ يجْزم بالاتصال، فَاعْلَم ذَلِك.
(471) وَذكر أَيْضا من عِنْد مُسلم حَدِيث أنس بن مَالك فِي الْإِسْرَاء / بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَهِي رِوَايَة ثَابت الْبنانِيّ عَن أنس، وَلم يقل فِيهَا: إِن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لَهُم ذَلِك، وَأَنه سَمعه مِنْهُ، بل قد علم من رِوَايَة ابْن شهَاب عَن أنس، أَن أَبَا ذَر هُوَ الَّذِي حَدثهمْ بذلك عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَمن رِوَايَة قَتَادَة، عَن أنس، أَن مَالك بن صعصعة حَدثهُ بذلك.
وَمن المتقرر أَن سنّ أنس تصغر عَن وَقت الْإِسْرَاء، فَلَا بُد أَن يكون حَدِيثه مُرْسلا، وَأما الَّذِي فِيهِ من الِاضْطِرَاب فلسنا فِي هَذَا الْكتاب لبيانه، وَإِنَّمَا حَسبنَا مَا يخص الْأَسَانِيد.
(472) وَذكر أَيْضا من هَذَا النَّوْع من عِنْد مُسلم، عَن أنس بن مَالك قَالَ: إِن أهل مَكَّة سَأَلُوا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يُرِيهم آيَة، فَأَرَاهُم انْشِقَاق الْقَمَر مرَّتَيْنِ.(2/472)
فَهَذَا لم يقل: إِنَّه سَمعه، وَلَا هُوَ شَاهده، فَلَعَلَّهُ أَخذه عَن ابْن مَسْعُود، أَو غَيره وَقد رَوَاهُ أَيْضا ابْن عمر، وَابْن عَبَّاس.
(473) وَذكر من طَرِيق عبد الرَّزَّاق، قَالَ حَدثنَا الْأَسْلَمِيّ، قَالَ: نَبَّأَنِي عبد الله بن أبي بكر، عَن عمر بن عبد الْعَزِيز، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " قضى بِالشُّفْعَة فِي الدَّين " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: زَاد فِي طَرِيق آخر: " إِذا أدّى مثل الَّذِي أدّى صَاحبه ".
قَالَ وَهَذِه الزِّيَادَة رَوَاهَا عَن عمر أَيْضا مُرْسلا. انْتهى كَلَامه.
وَقد كَانَ قدم أَن الْأَسْلَمِيّ مَتْرُوك، وَهُوَ إِبْرَاهِيم بن أبي يحيى.
وَالْمَقْصُود بَيَانه الْآن، هُوَ أَن هَذِه الزِّيَادَة الَّتِي قَالَ: إِنَّهَا أَيْضا عَن عمر مُرْسلَة، لم يبين أَنَّهَا مُنْقَطِعَة قبل أَن تصل إِلَى عمر.
إِنَّمَا قَالَ عبد الرَّزَّاق: أخبرنَا معمر، عَن رجل من قُرَيْش، أَن عمر بن عبد الْعَزِيز " قضى فِي مكَاتب، اشْترى مَا عَلَيْهِ بِعرْض، فَجعل الْمكَاتب أولى بِنَفسِهِ ".
ثمَّ قَالَ: إِن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من ابْتَاعَ دينا على رجل، فَصَاحب الدَّين أولى بِهِ، إِذا أدّى مثل الَّذِي أدّى صَاحبه ".(2/473)
(474) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن الْحسن، أَن عمر قَالَ: أَيّكُم يعلم مَا ورث رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْجد؟ فَقَالَ معقل بن يسَار: " إِنَّه وَرثهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - السُّدس " الحَدِيث.
وَهَذَا لَا خَفَاء بانقطاعه فِيمَا بَين الْحسن وَعمر، وَإِنَّمَا نبينه لمن لَا / يعلم، وَذَلِكَ أَن الْحسن إِنَّمَا ولد لِسنتَيْنِ بَقِيَتَا من خلَافَة عمر، فسنه لَا تَقْتَضِي السماع مِنْهُ، وَلَا مُشَاهدَة مَا جرى فِي أَيَّامه.
وَأما سَمَاعه من معقل بن يسَار - على تَقْدِير أَن يكون هُوَ الَّذِي حَدثهُ بالقصة - فمختلف فِيهِ.
قَالَ أَبُو حَاتِم: لم يَصح لَهُ السماع مِنْهُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم: وَقد ذكرُوا ذَلِك وَلَيْسَ بمستفيض.
وَفِي كتاب البُخَارِيّ حَدِيث الْحسن، عَن معقل بن يسَار فِي الطَّلَاق، وَالتَّفْسِير، وَالْأَحْكَام، وَفِيه من رِوَايَة عباد بن بشر، وَيُونُس بن عبيد، عَن الْحسن، قَالَ نَبَّأَنِي معقل بن يسَار، فَاعْلَم ذَلِك.
(475) وَذكر حَدِيث الزبير فِي الشَّفَاعَة بعد الْوُصُول إِلَى الإِمَام، من(2/474)
رِوَايَة مَالك، عَن ربيعَة، أَن الزبير.
وَقَالَ: هَذَا هُوَ الصَّحِيح.
وانقطاعه لَا ريب فِيهِ، فَإِن ربيعَة لم يلْحق الزبير، وسنبين كَيفَ يَصح فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها بِقوم وَترك أمثالهم.
(476) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن أبي بكرَة: " صلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي خوف الظّهْر، فَصف بَعضهم خَلفه " الحَدِيث.
وَمن طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ عَنهُ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صلى بالقوم صَلَاة الْمغرب ثَلَاث رَكْعَات ثمَّ انْصَرف، وَجَاء الْآخرُونَ فصلى بهم ثَلَاث رَكْعَات، فَكَانَت لَهُ سِتّ رَكْعَات، وَلِلْقَوْمِ ثَلَاث ثَلَاث ".
وَعِنْدِي أَن هذَيْن الْحَدِيثين غير متصلين، فَإِن أَبَا بكرَة لم يصل مَعَه صَلَاة الْخَوْف، وَإِن كَانَ قد قَالَ فِي الحَدِيث الأول: إِنَّه صلاهَا مَعَه.
كَذَلِك هُوَ عِنْد أبي دَاوُد، من رِوَايَة الْحسن عَنهُ، وَقد صَحَّ سَمَاعه مِنْهُ.(2/475)
وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِن أَبَا بكرَة لم يصل مَعَه صَلَاة الْخَوْف، لِأَنَّهُ من المتقرر عِنْد أهل السّير والأخباريين - وَهُوَ أَيْضا صَحِيح بِالْأَسَانِيدِ الْمُتَّصِلَة عِنْد الْمُحدثين - أَنه أسلم حِين حِصَار رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الطَّائِف، نزل من سورها ببكرة وَبهَا كني أَبَا بكرَة، وحصار الطَّائِف كَانَ بعد الِانْصِرَاف من حنين وَقبل قسم غنائمها بالجعرانة.
وَلما انْتقل عَنْهَا إِنَّمَا انْتقل إِلَى الْجِعِرَّانَة، فقسم بهَا غَنَائِم حنين، ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة، فَأَقَامَ بهَا مَا بَين ذِي الْحجَّة إِلَى رَجَب، ثمَّ خرج / إِلَى تَبُوك، غازيا للروم، فَأَقَامَ بتبوك بضع عشرَة لَيْلَة، لم يجاوزها، وَلم تكن / فِيهَا حَرْب تصلى لَهَا صَلَاة الْخَوْف، وَهِي آخر غَزْوَة غَزَاهَا بِنَفسِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَالَّتِي قَاتل فِيهَا من غزاوته / هِيَ: بدر، وَأحد، وَالْخَنْدَق، وَقُرَيْظَة، والمصطلق، وخيبر، وحنين، والطائف.
وَمن النَّاس من يعد وَادي الْقرى، حِين قتل غُلَامه مدعم وَيَوْم الغابة.
فعلى هَذَا لَا أَدْرِي لصَلَاة أبي بكرَة مَعَه موطنا، وَقد جَاءَت عَنهُ فِي هَذَا رِوَايَات لَا توهم أَنه شَهِدَهَا، كَرِوَايَة أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، عَن أبي حرَّة عَن الْحسن، عَن أبي بكرَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صلى بِأَصْحَابِهِ صَلَاة الْخَوْف،(2/476)
صفهم صفّين: صف بِإِزَاءِ الْعَدو " الحَدِيث ذكره الْبَزَّار.
وَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يُنكر، فَإِنَّهُ لم يقل: إِنَّه صلاهَا مَعَه، وَكَذَلِكَ رِوَايَة أَشْعَث، عَن الْحسن، عَن أبي بكرَة، ذكرهَا الْبَزَّار أَيْضا، فَاعْلَم ذَلِك.
وَمن هَذَا الْبَاب أَحَادِيث، هِيَ فِي الْمَوَاضِع الَّتِي نقلهَا مِنْهَا غير موصلة الْأَسَانِيد من مخرجها إِلَى من ذكرت عَنهُ، مِمَّا يعلم أَن بَينهمَا زَمَانا يقْضِي بالانقطاع.
وَهِي كَثِيرَة يَقع ذكره لَهَا، موهما أَنه قد وقف لَهَا على أَسَانِيد فِي الْمَوَاضِع الَّتِي نقلهَا مِنْهَا، كَسَائِر مَا يذكر من الْأَحَادِيث، فَإِنَّهُ مَا من حَدِيث يذكرهُ من عِنْد مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة مثلا، أَو من عِنْد البُخَارِيّ عَن أنس مثلا، إِلَّا وَأَنت تعتقد من عَادَته أَنه قد رأى إسنادهما إِلَى أبي هُرَيْرَة وَإِلَى أنس عِنْد البُخَارِيّ وَمُسلم، وَترك ذكره اختصارا، وَاقْتصر على من ذكر من رُوَاته.
وَهَذِه الْأَحَادِيث الَّتِي نذْكر الْآن، يتَوَهَّم هَذَا فِيهَا من حَيْثُ عهد يصنع كثيرا مَا ذَكرْنَاهُ، وَهِي فِي الْمَوَاضِع الَّتِي نقلهَا مِنْهَا لَا أَسَانِيد لَهَا، وَإِنَّمَا اقتطعت أسانيدها من رُوَاة لم يدركهم الْمخْرج لَهَا، وَكَانَ من حَقه أَن يبين أَنه لَا يعلم الْأَسَانِيد إِلَيْهَا موصلة.
كَمَا فعل فِي حَدِيث ذكره من كتاب الْإِعْرَاب لِابْنِ حزم، عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ:
(477) " إِذا حج العَبْد ثمَّ عتق فَعَلَيهِ حجَّة أُخْرَى " الحَدِيث /.(2/477)
فَإِنَّهُ قَالَ بعده: هَذَا إِسْنَاد رِجَاله أَئِمَّة وثقات، وَلَكِنِّي لَا أَدْرِي الْإِسْنَاد الْموصل إِلَى يزِيد بن زُرَيْع.
فبمثل هَذَا أطالبه فِيمَا أورد من الْأَحَادِيث الَّتِي ننبه عَلَيْهَا [الْآن] إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(478) فَمن ذَلِك أَنه ذكر من عِنْد البُخَارِيّ، عَن الْعَزِيز بن صُهَيْب عَن أنس حَدِيث " القَوْل عِنْد دُخُول الْخَلَاء ".
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: وَقَالَ سعيد بن زيد عَن عبد الْعَزِيز: " إِذا أَرَادَ أَن يدْخل ".
وَهَذِه لم يُوصل إِلَيْهَا البُخَارِيّ إِسْنَادًا، فَمَا بَينه وَبَين سعيد بن زيد غير مُتَّصِل.
(479) وَذكر " حَدِيث الاسْتِسْقَاء " ثمَّ سَاق عَن البُخَارِيّ زِيَادَة فِيهِ(2/478)
فَقَالَ: زَاد عَن المَسْعُودِيّ قلب الْيَمين على الشمَال.
وَهَذَا لَا يَنْبَغِي أَن يعزى إِلَى البُخَارِيّ، فَإِنَّهُ لم يُوصل فِيهِ إِلَى المَسْعُودِيّ إِسْنَادًا.
وَأَيْضًا فَإِن المَسْعُودِيّ لَيْسَ مِمَّن يخرج البُخَارِيّ وَلَا مُسلم عَنهُ، لضَعْفه وَشدَّة اخْتِلَاطه، وَلم يعده أحد مِمَّن ألف فِي رجال الصَّحِيحَيْنِ فيهم.
وَالْبُخَارِيّ - رَحمَه الله - فِيمَا يعلق من الْأَحَادِيث فِي الْأَبْوَاب غير مبال بِضعْف رواتها.(2/479)
فَإِنَّهَا غير مَعْدُودَة فِيمَا انتخب، وَإِنَّمَا يعد من ذَلِك مَا وصل الْأَسَانِيد بِهِ، فَاعْلَم ذَلِك.
(480) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ / حَدِيث بِلَال، الَّذِي فِيهِ " عَلَيْكُم بِقِيَام اللَّيْل فَإِنَّهُ دأب الصَّالِحين قبلكُمْ " الحَدِيث.
وَأعله ثمَّ قَالَ: وَرَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث أبي إِدْرِيس عَن أبي أُمَامَة، قَالَ:(2/480)
وَهُوَ أصح من حَدِيث أبي إِدْرِيس عَن بِلَال.
كَذَا ذكره وَهُوَ يُوهم أَنه عِنْد التِّرْمِذِيّ موصل الْإِسْنَاد، وَلَيْسَ كَذَلِك، إِنَّمَا قَالَ: وَقد روى هَذَا الحَدِيث مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن ربيعَة بن يزِيد، عَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ، عَن أبي أُمَامَة، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ، فَذكره.
قَالَ: وَهَذَا أصح من حَدِيث أبي إِدْرِيس، عَن بِلَال.
فَمَا بَين التِّرْمِذِيّ وَمُعَاوِيَة بن صَالح مُنْقَطع بِغَيْر إِسْنَاد، وَقد روى هَذَا الحَدِيث ابْن سنجر موصلا، من رِوَايَة عبد الله بن صَالح كَاتب اللَّيْث، عَن مُعَاوِيَة بن صَالح.
وَقد ذَكرْنَاهُ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أعلها بِقوم وَترك / أمثالهم أَو أَضْعَف مِنْهُم.
(481) وَذكر أَيْضا حَدِيث عَاصِم بن عمر بن حَفْص بن عمر بن الْخطاب، عَن سُهَيْل، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة فِي الَّذِي يعْمل عمل قوم لوط: " يرْجم الْأَعْلَى، والأسفل ".
ذكره عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ثمَّ قَالَ: وَمن حَدِيثه ذكره التِّرْمِذِيّ.(2/481)
كَذَا قَالَ، وَالتِّرْمِذِيّ لم يُوصل إِلَى عَاصِم إِسْنَاده، وَلَيْسَ لفظ التِّرْمِذِيّ فِيهِ لفظ أبي أَحْمد، إِنَّمَا قَالَ: " اقْتُلُوا الْفَاعِل، وَالْمَفْعُول بِهِ " لم يذكر الرَّجْم.
وَقد ذَكرْنَاهُ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي تغير مقتضاها بالْعَطْف أَو الإرداف.
(482) وَذكره من طَرِيق مُسلم حَدِيث أبي سعيد فِي زَكَاة الْفطر.
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: زَاد أَبُو دَاوُد فِي هَذَا الحَدِيث " أَو صَاعا من حِنْطَة " قَالَ: وَلَيْسَ بِمَحْفُوظ.
وَهَذَا أَيْضا يُوهم أَنه وقف لهَذِهِ الزِّيَادَة على إِسْنَاد عِنْد أبي دَاوُد، وَهِي لَا إِسْنَاد لَهَا عِنْده، وَإِنَّمَا أتبعهَا أَبُو دَاوُد حَدِيث أبي سعيد فَقَالَ: رَوَاهُ ابْن علية وَعَبدَة بن سُلَيْمَان، وَغَيرهمَا عَن ابْن إِسْحَاق، عَن عبد الله بن عبد الله ابْن عُثْمَان بن حَكِيم بن حزَام، عَن عِيَاض، عَن أبي سعيد بِمَعْنَاهُ.(2/482)
وَذكر رجل وَاحِد فِيهِ عَن أبن علية: " أَو صَاع من حِنْطَة " وَلَيْسَ بِمَحْفُوظ.
هَذَا مَا عِنْد أبي دَاوُد، فَهُوَ كَمَا ترى غير مُتَّصِل فِيمَا بَينه وَبَين ابْن علية، لَا فِيمَا ذكر فِيهِ الحنظة وَلَا فِيمَا لم يذكرهَا فِيهِ، وَلَا أَيْضا اتَّصل مَا بَينه وَبَين عَبدة بن سُلَيْمَان.
فَكل الرِّوَايَات عَن ابْن إِسْحَاق فِي هَذَا، غير مُتَّصِل عِنْده.
وَهَذِه الرِّوَايَة الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا أَبُو دَاوُد عَن ابْن علية بِذكر الْحِنْطَة، هِيَ عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ مُتَّصِلَة، قَالَ: حَدثنَا الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل الْمحَامِلِي، وَعبد الْملك ابْن أَحْمد الدقاق، قَالَا: حَدثنَا يَعْقُوب الدَّوْرَقِي، قَالَ: حَدثنَا ابْن علية عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، قَالَ: حَدثنِي عبد الله بن عبد الله بن عُثْمَان بن حَكِيم بن حزَام، عَن عِيَاض بن عبد الله بن أبي سرح قَالَ: قَالَ أَبُو سعيد - وَذكروا عِنْده صَدَقَة رَمَضَان - قَالَ: لَا أخرج إِلَّا مَا كنت أخرج فِي عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صَاعا من تمر، أَو صَاعا من حِنْطَة، أَو صَاعا / من شعير، أَو صَاعا من أقط "، فَقَالَ لَهُ رجل من الْقَوْم: أَو مَدين من قَمح؟ قَالَ: لَا، تِلْكَ قيمَة مُعَاوِيَة، لَا أقبلها وَلَا أعمل بهَا.
(483) وَذكر من عِنْد مُسلم أَيْضا حَدِيث ابْن عمر: " وَالْيَد الْعليا المنفقة ".(2/483)
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: فِي بعض الرِّوَايَات فِي هَذَا الحَدِيث " الْيَد الْعليا المتعففة ".
ذكر هَذَا أَبُو دَاوُد، وَقَالَ أَكْثَرهم: " المنفقة ".
هَذِه الزِّيَادَة أَيْضا لَيْسَ لَهَا عِنْد أبي دَاوُد إِسْنَاد، وَإِنَّمَا / هِيَ مشار إِلَيْهَا، غير موصلة الْإِسْنَاد، وَذَلِكَ أَنه لما ذكر حَدِيث ابْن عمر، قَالَ بإثره: اخْتلف على أَيُّوب، عَن نَافِع فِي هَذَا الحَدِيث: قَالَ عبد الْوَارِث عَن أَيُّوب: " الْيَد الْعليا المتعففة ".
وَقَالَ أَكْثَرهم: عَن حَمَّاد بن زيد، عَن أَيُّوب: " الْيَد الْعليا المنفقة ".
وَقَالَ وَاحِد: عَن حَمَّاد " المتعففة ".
هَذَا نَص مَا عِنْد أبي دَاوُد، فرواية عبد الْوَارِث وَبَعض أَصْحَاب أَيُّوب ب " المتعففة " لم يُوصل إِلَيْهَا إِسْنَادًا.
(484) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار عَن عَائِشَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من مَاتَ وَعَلِيهِ صَوْم، صَامَ عَنهُ وليه إِن شَاءَ ".(2/484)
ثمَّ قَالَ: هَذَا يرويهِ عبد الله بن لَهِيعَة، وَيحيى بن أَيُّوب، عَن عبيد الله بن أبي جَعْفَر، عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة.
كَذَا أورد هَذَا الحَدِيث، وَهُوَ خطأ، وَذَلِكَ أَنه أَفَادَ الْخَبَر قُوَّة يحيى بن أَيُّوب، فَإِنَّهُ لَا مفاضلة بَينه وَبَين ابْن لَهِيعَة، وَإِن كَانَ يضعف فَإِنَّهُ قد أخرج لَهُ مُسلم، وَوَثَّقَهُ نَاس.
وَالْبَزَّار لم يُوصل إِلَيْهِ الْإِسْنَاد، إِنَّمَا وَصله إِلَى ابْن لَهِيعَة وَحده، ثمَّ [قَالَ] : إِن يحيى بن أَيُّوب رَوَاهُ أَيْضا عَن عبيد الله.
وَنَصّ مَا عِنْده: أخبرنَا بشر بن آدم بن بنت أَزْهَر، قَالَ: حَدثنَا يحيى ابْن كثير الزيَادي قَالَ: حَدثنَا ابْن لَهِيعَة، عَن عبيد الله بن أبي جَعْفَر، عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من مَاتَ وَعَلِيهِ صِيَام، فليصم عَنهُ وليه إِن شَاءَ ".
قَالَ وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ يرْوى عَن عَائِشَة إِلَّا من حَدِيث عبيد الله [بن أبي جَعْفَر، عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة] رَوَاهُ عَن عبيد الله، يحيى بن أَيُّوب، وَابْن لَهِيعَة. انْتهى مَا ذكره.
وَفِي نقل أبي مُحَمَّد " صَامَ عَنهُ وليه " وَالَّذِي عِنْد الْبَزَّار - كَمَا أوردناه - " فليصم عَنهُ ". وَهَذَا قريب.
وَيحيى بن كثير الزيَادي، هُوَ أَبُو النَّضر، صَاحب الْبَصْرِيّ، ضَعِيف عِنْدهم جدا، وَإِن كَانَ لَا يتهم بِالْكَذِبِ.
وَمن عيب عمله فِي إِيرَاد رِوَايَة يحيى بن أَيُّوب - وَهِي لَا إِسْنَاد لَهَا -(2/485)
مقرونة بِرِوَايَة أبن لَهِيعَة، أَنَّك لَا تعدم الْوُقُوف عَلَيْهَا عِنْد غير الْبَزَّار، موصلة الْإِسْنَاد، لَيْسَ فِيهَا لَفْظَة " إِن شَاءَ " وَذَلِكَ مِمَّا يقْضِي بِكَوْن الزِّيَادَة الْمَذْكُورَة من قبل ابْن لَهِيعَة، وَهُوَ فِي الضعْف من هُوَ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: قرئَ على [أبي مُحَمَّد] ابْن صاعد، وَأَنا أسمع، حَدثكُمْ مُحَمَّد بن عبد الْملك بن زَنْجوَيْه، وَأَبُو نشيط وَمُحَمّد بن إِسْحَاق، قَالُوا: حَدثنَا عَمْرو بن الرّبيع.
وَحدثنَا الْحسن بن سعيد بن الْحسن بن يُوسُف المروروذي حَدثنَا أَبُو بكر ابْن زَنْجوَيْه، قَالَ: حَدثنَا عَمْرو بن الرّبيع بن طَارق، قَالَ: حَدثنَا يحيى بن أَيُّوب، عَن عبيد الله بن أبي جَعْفَر، عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر - يَعْنِي بن الزبير - عَن عُرْوَة بن الزبير، عَن عَائِشَة زوج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من مَاتَ وَعَلِيهِ صِيَام، صَامَ عَنهُ وليه ".
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا إِسْنَاد حسن.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَمْرو بن الْحَارِث، عَن عبيد الله بن أبي جَعْفَر. انْتهى كَلَامه.
وَلَيْسَ فِيهِ - كَمَا ترى - لَفْظَة: " إِن شَاءَ ".
وَرِوَايَة عَمْرو بن الْحَارِث، هِيَ عِنْد مُسلم إِسْنَادًا ومتنا.(2/486)
(485) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ حَدِيث عَائِشَة: " من نزل على قوم فَلَا يصومن تَطَوّعا إِلَّا بإذنهم ".
ثمَّ قَالَ: رَوَاهُ أَيُّوب بن وَاقد وَأَبُو بكر الْمدنِي، وعمار بن سيف، كلهم عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة.
وَمَا فيهم من يقبل حَدِيثه، وَلم يذكر التِّرْمِذِيّ عمار بن سيف.
هَكَذَا أوردهُ، كَأَن رِوَايَة أبي بكر الْمدنِي عِنْد التِّرْمِذِيّ موصلة، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا قَالَ: " روى مُوسَى بن دَاوُد، عَن أبي بكر الْمدنِي، عَن هِشَام "، وَلم يُوصل إِلَيْهِ الْإِسْنَاد، وَلَا ذكر من رَوَاهُ عَن مُوسَى بن دَاوُد، وَأما رِوَايَة عمار فَلم يعزها.
(486) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، عَن أَحْمد بن ميسرَة أبي صَالح.
عَن زِيَاد بن سعد، عَن / صَالح مولى التَّوْأَمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " رخص النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْهِمْيَان للْمحرمِ ".
ثمَّ قَالَ: لَا يعرف أَحْمد إِلَّا فِي هَذَا الحَدِيث، على أَنه قد رَوَاهُ عَن صَالح(2/487)
إِبْرَاهِيم بن أبي يحيى، وَهُوَ مُنكر من حَدِيث زِيَاد بن سعد، وَزِيَاد ثِقَة والْحَدِيث لَا يَصح.
كَذَا أوردهُ، وَفِيه مَا ننبه عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنه هَكَذَا، مُصَرح بِرَفْعِهِ لَا يتَّصل سَنَده عِنْد أبي أَحْمد، وَالَّذِي هُوَ عِنْده موصل الْإِسْنَاد، إِنَّمَا هُوَ من قَول ابْن عَبَّاس غير مَرْفُوع.
وَنَصّ مَا عِنْد أبي أَحْمد هُوَ هَذَا: أَحْمد بن ميسرَة، أَبُو صَالح، لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ إِلَّا فِي حَدِيث وَاحِد، حَدثنَا عبد الْوَهَّاب بن عِصَام بن الحكم قَالَ: حَدثنَا أَبُو طَالب: أَحْمد بن حميد قَالَ: سَأَلت أَحْمد بن حَنْبَل عَن أَحْمد بن ميسرَة، الَّذِي يروي عَنهُ سُرَيج وروى عَن زِيَاد بن سعد، عَن صَالح مولى التَّوْأَمَة، عَن ابْن عَبَّاس " رخص رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْهِمْيَان للْمحرمِ "، فَقَالَ: لَا أعرفهُ.
هَذَا هُوَ الْمُصَرّح فِيهِ بِالرَّفْع، وَهُوَ الَّذِي نقل أَبُو مُحَمَّد، وَلَيْسَ بِمُتَّصِل الْإِسْنَاد إِلَى سُرَيج بن النُّعْمَان، وَإِنَّمَا وَقعت مَسْأَلَة أبي طَالب عَنهُ لِأَحْمَد بن حَنْبَل، مشارا إِلَيْهِ غير موصل.
ثمَّ قَالَ أَبُو أَحْمد بن عدي: حدّثنَاهُ مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحسن الْأَهْوَازِي، قَالَ حَدثنَا الْحسن بن عَليّ بن بَحر، قَالَ: حَدثنَا سُرَيج بن النُّعْمَان، قَالَ حَدثنَا أَحْمد بن ميسرَة أَبُو صَالح، عَن زِيَاد بن سعد، عَن(2/488)
صَالح مولى التَّوْأَمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " رخص فِي الْهِمْيَان للْمحرمِ، يشد فِيهِ نَفَقَته ".
هَذَا هُوَ الْموصل عِنْده، وَهُوَ غير الَّذِي ذكر أَبُو مُحَمَّد.
ثمَّ قَالَ أَبُو أَحْمد: أَحْمد بن ميسرَة هَذَا لَا يعرف إِلَّا بِهَذَا الحَدِيث، وَلَيْسَ بِمَعْرُوف، على أَن هَذَا الحَدِيث، قد رَوَاهُ عَن صَالح مولى التَّوْأَمَة [إِبْرَاهِيم] ، وَإِبْرَاهِيم بن أبي يحيى يحْتَمل لضَعْفه، وَزِيَاد لَا يحْتَمل لِأَنَّهُ ثِقَة، وَهُوَ مُنكر من حَدِيث زِيَاد. انْتهى كَلَام أبي أَحْمد.
وَإِنَّمَا ذكرته لأبين مِنْهُ هَذَا الَّذِي ذكر أَبُو مُحَمَّد من رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن أبي يحيى، وَلم يعزه، وَقد تبين أَنه من كَلَام أبي أَحْمد، إِلَّا أَن أَبَا مُحَمَّد أوردهُ بِلَفْظِهِ، وَهُوَ أشهر وَأقرب إِلَى الإفهام / فَإِن كَلَام أبي أَحْمد فِيهِ مَا ينافر بِحكم الظَّاهِر، وَالَّذِي كَانَ يؤلف هُوَ مَا لَو قَالَ: زِيَاد يحْتَمل لِأَنَّهُ ثِقَة، وَإِبْرَاهِيم لَا يحْتَمل لِأَنَّهُ ضَعِيف، فجَاء كَلَامه معكوس هَذَا، فَقَالَ: إِبْرَاهِيم يحْتَمل لضَعْفه، وَزِيَاد لَا يحْتَمل لِأَنَّهُ ثِقَة.
وَمَعْنَاهُ: أَن زِيَاد بن سعد لِثِقَتِهِ وأمانته، لَا يحْتَمل نِسْبَة هَذَا الحَدِيث إِلَيْهِ، وَلَا عده من مسموعاته وَرِوَايَته، وَمن قَالَ ذَلِك عَنهُ أَو نسبه إِلَيْهِ، لم نحتمله مِنْهُ، وَلم نقبله عَنهُ، فَإِنَّهُ حَدِيث مُنكر، وَالرجل لِثِقَتِهِ، وَكَثْرَة الآخذين عَنهُ يبعد عَلَيْهِ أَن يَجِيء بِمثلِهِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ كَانَ ينتشر عَنهُ، وَلَا ينْفَرد بِهِ مُنْفَرد لَا يوثق [بِهِ] .
فَأَما إِبْرَاهِيم بن أبي يحيى، الْمَتْرُوك الرِّوَايَة، الْمُتَّهم، فاعز إِلَيْهِ مِنْهُ وَمن(2/489)
أشباهه مَا شِئْت، تكن / قد أَلْقَت بِهِ مَا يلوق بِهِ، وأضفت إِلَيْهِ مَا هُوَ مشبه للمعهود مِنْهُ، فَهُوَ فِي ذَلِك مُحْتَمل، هَذَا معنى كَلَامه، وَالله أعلم.
(487) وَذكر من طَرِيق أبي مُحَمَّد بن حزم، من كتاب الْإِعْرَاب، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عمار بن أبي عمار، عَن عبد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل، قَالَ: " إِن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رد، وَهُوَ محرم تتمير وَحش، وبيض نعام ".
قَالَ: ورويناه أَيْضا من طَرِيق حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَليّ بن زيد عَن عبد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل عَن عَليّ، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
ثمَّ قَالَ: عَليّ بن زيد: من ضعفه أَكثر مِمَّن وَثَّقَهُ، انْتهى مَا أورد.
فَنَقُول: وَهَذَا أَيْضا غير موصل الْإِسْنَاد فِي كتاب الْإِعْرَاب إِلَى حَمَّاد بن سَلمَة، وَلَو عزاهُ إِلَيْهِ كَمَا يَعْزُو الْأَحَادِيث إِلَى مُسلم وَالْبُخَارِيّ، لم يحْتَج إِلَى ابْن حزم، وَلَكِن بعد أَن يعلم أَنه فِي مُصَنف حَمَّاد، وَهُوَ إِنَّمَا احْتَاجَ إِلَى ابْن حزم، لِأَنَّهُ لم يعلم أَنه فِي كتاب حَمَّاد، وَابْن حزم إِنَّمَا نَقله من كتاب حَمَّاد وَهُوَ عِنْده من الطَّرِيقَيْنِ كَمَا ذكر، فَاعْلَم ذَلِك.(2/490)
(488) وَذكر من طَرِيق أبي عمر، عَن سعد بن أبي وَقاص، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ: " من قَالَ يثرب، فَلْيقل الْمَدِينَة ".
هَكَذَا أوردهُ وَسكت عَنهُ موهما فِيهِ شَيْئَيْنِ: أَحدهمَا الصِّحَّة، من حَيْثُ سُكُوته عَنهُ / فَنحْن سَنذكرُهُ لأجل ذَلِك فِي بَاب الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة بسكوته، وَلَيْسَت بصحيحة.
وَالْآخر أَنه وقف على إِسْنَاده عِنْد أبي عمر، وَلَيْسَ كَذَلِك.
والْحَدِيث عِنْد أبي عمر، غير موصل الْإِسْنَاد، إِنَّمَا ذكر عُثْمَان بن حَفْص ابْن عمر بن عبد الرَّحْمَن بن خلدَة، الزرقي، الْأنْصَارِيّ، فوثقه، وَذكر أَن مَالِكًا، والماجشون، يرويان عَنهُ.
ثمَّ قَالَ: وَقد قيل: إِن عُثْمَان بن حَفْص، الَّذِي روى عَنهُ عباد بن إِسْحَاق، عَن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن سعد بن أبي وَقاص، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من قَالَ يثرب، فَلْيقل الْمَدِينَة " وَهُوَ عُثْمَان بن حَفْص ابْن خلدَة.
قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ إِبْرَاهِيم بن طهْمَان، عَن عباد بن إِسْحَاق، عَن عُثْمَان، انْتهى مَا كتبت عَن أبي عمر.(2/491)
فَالْحَدِيث - كَمَا ترى - عِنْده غير موصل الْإِسْنَاد إِلَى إِبْرَاهِيم بن طهْمَان.
وَإِنَّمَا أعرف هَذَا الحَدِيث مَوْقُوفا على سعد موصل الْإِسْنَاد إِلَيْهِ.
ذكره الْعقيلِيّ قَالَ: حدّثنَاهُ أَحْمد بن شُعَيْب - هُوَ النَّسَائِيّ - قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن حَفْص، قَالَ: نَبَّأَنِي أبي قَالَ: أخبرنَا إِبْرَاهِيم بن طهْمَان، عَن عباد بن إِسْحَاق، عَن عُثْمَان بن حَفْص، عَن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن سعد بن أبي وَقاص، عَن أَبِيه، عَن جده قَالَ: " من قَالَ يثرب مرّة، فَلْيقل الْمَدِينَة عشر مَرَّات ".
هَكَذَا هُوَ عِنْد الْعقيلِيّ مَوْقُوف، وَقَالَ عَن البُخَارِيّ: إِنَّه قَالَ: عُثْمَان بن حَفْص بن خلدَة الزرقي، الْمدنِي، روى عَنهُ عباد بن إِسْحَاق، فِي إِسْنَاده نظر - يَعْنِي فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث.
(489) وَذكر من طَرِيق أبي عمر من التَّمْهِيد، عَن بَقِيَّة، عَن زرْعَة، عَن(2/492)
عمرَان بن أبي الْفضل، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْعَرَب أكفاء بَعْضهَا لبَعض، قَبيلَة لقبيلة، وَحي لحي، وَرجل لرجل، إِلَّا حائكا، أَو حجاما ".
ثمَّ قَالَ: وَهُوَ حَدِيث مُنكر مَوْضُوع.
قَالَ: وَقد رُوِيَ عَن ابْن جريج، عَن ابْن أبي مليكَة، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا مثله، قَالَ: وَلَا يَصح عَن ابْن جريج.
هَذَا نَص مَا أورد، وَهُوَ يتَوَهَّم فِيهِ أَنه وقف لَهُ عِنْد أبي عمر على إِسْنَاد موصل، وَلَيْسَ / كَذَلِك، وَمَا ذكره أَبُو عمر إِلَّا من بَقِيَّة، عَن زرْعَة.
وَبَقِيَّة من قد علم، ورزعة / هُوَ ابْن عبد الله بن زِيَاد الزبيرِي.
قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: شيخ مَجْهُول ضَعِيف الحَدِيث.
وَعمْرَان بن أبي الْفضل ضَعِيف الحَدِيث، منكره جدا، قَالَه أَيْضا أَبُو حَاتِم، فاعلمه.(2/493)
(490) وَذكر من طَرِيق أبي عمر أَيْضا من التَّمْهِيد، من حَدِيث عَمْرو ابْن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا لعان بَين مملوكين وَلَا كَافِرين ".
ثمَّ قَالَ: قَالَ أَبُو عمر: لَيْسَ دون عَمْرو بن شُعَيْب من يحْتَج بِهِ.
انْتهى مَا ذكر وَهُوَ أَيْضا غير موصل الْإِسْنَاد إِلَى عَمْرو بن شُعَيْب، فَهُوَ مُنْقَطع فِيمَا بَين أَبَا عمر وَعَمْرو.
(491) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، عَن يحيى بن عُثْمَان، أبي سهل الْأنْصَارِيّ، بِإِسْنَادِهِ إِلَى أبي هُرَيْرَة: " من لم يجب الدعْوَة، فقد عصى الله وَرَسُوله، وَأَنت بِالْخِيَارِ فِي الخرس والعذار ".
قَالَ: وَهُوَ غير مَحْفُوظ، وَيحيى مُنكر الحَدِيث.
كَذَا أوردهُ، وأوهم أَيْضا أَنه عِنْد أبي أَحْمد موصل، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا(2/494)
ذكر أَبُو أَحْمد هَذَا الرجل، ثمَّ وصل إِسْنَاده إِلَى البُخَارِيّ بِأَنَّهُ قَالَ: يحيى بن عُثْمَان أَبُو سهل، سمع يحيى بن عبد الله بن أبي مليكَة، عَن أَبِيه، وَسمع إِسْمَاعِيل بن أُميَّة، عَن مُجَاهِد، عَن أبي هُرَيْرَة: " من لم يجب الدعْوَة " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ البُخَارِيّ: إِنَّه مُنكر الحَدِيث.
فَإِذن لَا إِسْنَاد لَهُ من البُخَارِيّ إِلَى يحيى بن عُثْمَان.
(492) وَذكر حَدِيث: " الشُّفْعَة فِي كل شَيْء " مُسْندًا من طَرِيق التِّرْمِذِيّ.
ثمَّ قَالَ: روى هَذَا الحَدِيث مُحَمَّد بن جَعْفَر قَالَ: حَدثنَا شُعْبَة، عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع عَن ابْن أبي مليكَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فِي العَبْد شُفْعَة وَفِي كل شَيْء ".
ذكر ذَلِك أَبُو مُحَمَّد - يَعْنِي ابْن حزم.
وَابْن حزم لم يُوصل إِلَيْهِ إِسْنَادًا.(2/495)
(493) وَذكر من طَرِيق الْعقيلِيّ عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، قَالَ: " من أهديت لَهُ هَدِيَّة، وَمَعَهُ قوم جُلُوس، فهم شركاؤه فِيهَا ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا يرويهِ منْدَل بن عَليّ، وَعبد السَّلَام بن عبد القدوس، وهما ضعيفان.
وَرَوَاهُ أَيْضا عَن عَائِشَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَفِي إِسْنَاده / وضاح بن خَيْثَمَة، وَلَا يُتَابع عَلَيْهِ. انْتهى مَا ذكر.
وَالْمَقْصُود بَيَانه، هُوَ أَن رِوَايَة منْدَل، قد يتَوَهَّم من هَذَا الْإِيرَاد أَنَّهَا موصلة الْإِسْنَاد عِنْد الْعقيلِيّ، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا أوردهُ هَكَذَا فِي بَاب عبد السَّلَام الْمَذْكُور: حَدثنَا يحيى بن عُثْمَان، قَالَ: حَدثنَا نعيم قَالَ: حَدثنَا عبد السَّلَام بن عبد القدوس، قَالَ: نَبَّأَنِي ابْن جريج، عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، قَالَ: " من أهديث لَهُ هَدِيَّة، وَمَعَهُ قوم جُلُوس، فهم شركاؤه فِيهَا ".(2/496)
وَقَالَ منْدَل: عَن ابْن جريج، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَحوه.
ثمَّ قَالَ: وَلَا يَصح فِي هَذَا الْبَاب شَيْء.
[ثمَّ] قَالَ: وَعبد السَّلَام لَا يُتَابع على شَيْء من حَدِيثه، وَلَيْسَ مِمَّن يُقيم الحَدِيث.
فَحَدِيث منْدَل - كَمَا ترى - لَا إِسْنَاد لَهُ إِلَيْهِ.
وَحَدِيث عبد السَّلَام، دونه نعيم بن حَمَّاد، وَأَبُو مُحَمَّد يُضعفهُ، فَلَعَلَّ الْبلَاء مِنْهُ، وَكَذَلِكَ حَدِيث وضاح بن خَيْثَمَة أَيْضا دونه من لَا يعرف، وَسَنذكر ذَلِك فِي الْبَاب الَّذِي ضعف فِيهِ أَحَادِيث بِقوم، وَترك أمثالهم.
(494) وَذكر من طَرِيق أبي عمر من التَّمْهِيد، عَن عَطاء، أَن رجلا أسلم على مِيرَاث على عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فَأعْطَاهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نصِيبه مِنْهُ ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا مُرْسل.
كَذَا ذكره، وَهُوَ أَيْضا ذكر يُوهم اتِّصَال إِسْنَاده عِنْده إِلَى مرسله عَطاء، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَمَا / هُوَ فِي التَّمْهِيد إِلَّا هَكَذَا: وروى عبد الْوَارِث عَن كثير ابْن شنظير عَن عَطاء، فَذكره.(2/497)
فِيمَا بَين أبي عمر إِلَى عبد الْوَارِث لَا إِسْنَاد لَهُ.
(495) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد من حَدِيث إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن عمرَان بن عُمَيْر المَسْعُودِيّ مَوْلَاهُم، عَن الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن، قَالَ: قَالَ ابْن مسوعد: يَا عُمَيْر أعتقك؟ سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " من أعتق مَمْلُوكا فَلَيْسَ للمملوك من مَاله شَيْء ".
ثمَّ قَالَ: لَا يُتَابع إِسْحَاق على هَذَا، وَهُوَ قَلِيل الحَدِيث جدا، انْتهى مَا ذكر.
وَهُوَ أَيْضا لَا إِسْنَاد لَهُ مَوْصُولا عِنْد أبي أَحْمد /.
وَنَصّ مَا عِنْده: عَن البُخَارِيّ أَنه قَالَ: إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن عمرَان بن عُمَيْر المَسْعُودِيّ، لَا يُتَابع فِي رفع حَدِيثه عَن الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن، قَالَ ابْن مَسْعُود: يَا عُمَيْر أعتقك؟ سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " من أعتق مَمْلُوكا فَلَيْسَ للمملوك من مَاله شَيْء ".
ثمَّ قَالَ أَبُو أَحْمد: [وَإِسْحَاق هَذَا بِهَذَا الحَدِيث] ذكره البُخَارِيّ، وَمَا أعلم لَهُ إِلَّا الْحَدِيثين أَو ثَلَاثَة. انْتهى مَا ذكره.(2/498)
فَهُوَ - كَمَا ترى - غير موصل مِنْهُ وَلَا من البُخَارِيّ إِلَى إِسْحَاق.
وَقَوله: الْقَاسِم بن عبد الله، خطأ قد بَيناهُ فِي بَاب الْأَسْمَاء الْمُغيرَة.
(496) وَذكر من طَرِيق ابْن أبي حَاتِم، عَن أبي الرمداء البلوي أَن رجلا شرب الْخمر أَربع مَرَّات، " فَأمر بِضَرْب عُنُقه ".
من رِوَايَة ابْن لَهِيعَة، عَن عبد الله بن هُبَيْرَة، عَن أبي سُلَيْمَان مولى [أم] سَلمَة، عَن أبي الرمداء فَذكره.
وَقَالَ: هَذَا إِسْنَاد لَا حجَّة فِيهِ.
كَذَا أوردهُ، وَهُوَ لَا إِسْنَاد لَهُ عِنْد ابْن أبي حَاتِم إِلَى ابْن لَهِيعَة.
وَأَبُو سُلَيْمَان لَا تعرف حَاله.
(497) وَذكر من طَرِيق ابْن حزم، حَدِيث أنس وَأبي سعيد، فِي تَحْرِيم الْخمر بِعَينهَا، والمسكر من كل شراب.
وَهُوَ عِنْده غير موصل الْإِسْنَاد، وَقد ذَكرْنَاهُ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي لم يعزها إِلَى الْمَوَاضِع الَّتِي نقلهَا مِنْهَا.(2/499)
(498) وَذكر أَيْضا من طَرِيق ابْن حزم، فِي شقّ زقاق الْخمر، حَدِيث ابْن عمر، وَأبي هُرَيْرَة، وَجَابِر.
وَهُوَ لم يُوصل الْأَسَانِيد بهَا أَيْضا، وَقد ذَكرنَاهَا فِي هَذَا الْبَاب الْمَذْكُور، لِأَنَّهُ لم يعزها.
(499) وَذكر أَيْضا من طَرِيق ابْن حزم من رِوَايَة فرج بن فضَالة، عَن عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا عملت أمتِي خمس عشرَة خصْلَة، حل بهَا الْبلَاء " فَذكر فِيهِنَّ: " وَاتَّخذُوا الْقَيْنَات وَالْمَعَازِف ". وَضَعفه.
وَهُوَ أَيْضا مِمَّا لَا إِسْنَاد لَهُ موصلا عِنْده.
وَمن هَذَا الْقَبِيل كل مَا ذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، مِمَّا هُوَ من كتاب الْعِلَل، فَإِن الْأَحَادِيث فِيهِ غير موصلة الْأَسَانِيد، بل مُنْقَطِعَة من مَوَاضِع عللها(2/500)
[عِنْده] أَو من الْمَوَاضِع الَّتِي يَتَأَتَّى لَهُ بذكرها ذكر عللها، وَقد يَقع لَهُ فِي الْكتاب / الْمَذْكُور قَلِيلا، مَا يُوصل إِسْنَاده، فَنقل أَبُو مُحَمَّد الْأَحَادِيث من الْكتاب الْمَذْكُور، وَلم يبين أَنَّهَا مِنْهُ، فيتوهم من يَرَاهَا معزوة إِلَى الدَّارَقُطْنِيّ أَنَّهَا من كتاب السّنَن، حَيْثُ الْأَحَادِيث [فِيهِ] موصلة الْأَسَانِيد، وَحَتَّى لَو بَين أَنَّهَا من الْكتاب الْمَذْكُور لم يكن ذَلِك معلما لمن يقْرؤهَا أَنَّهَا مُنْقَطِعَة، إِلَّا لَو قدم قولا كليا يعرف بِهِ أَن جَمِيع مَا يَنْقُلهُ من كتاب الْعِلَل هُوَ لَا إِسْنَاد لَهُ موصلا، وَهُوَ لم يفعل شَيْئا من ذَلِك.
(500) فَمن هَذِه الْأَحَادِيث حَدِيثه من رِوَايَة لَيْث بن أبي سليم، عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ، عَن أنس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ابْنُوا الْمَسَاجِد جما ".(2/501)
وَقَالَ: وَلم يُتَابع لَيْث على هَذَا، وَهُوَ ضَعِيف، وَغَيره / يرويهِ عَن أَيُّوب، عَن عبد الله بن شَقِيق قَوْله.
هَذَا نَص مَا ذكر.
وَنَصّ مَا عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ: قَالَ: سُئِلَ عَن حَدِيث أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ، عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ابْنُوا الْمَسَاجِد جما ".
فَقَالَ: يرويهِ لَيْث بن أبي سليم، عَن أَيُّوب، عَن أنس، وَلم يُتَابع عَلَيْهِ.
وَغَيره يرويهِ عَن أَيُّوب، عَن عبد الله بن شَقِيق قَوْله. انْتهى مَا ذكر الدَّارَقُطْنِيّ.
وَهُوَ كَمَا قُلْنَاهُ لَا إِسْنَاد لَهُ مِنْهُ إِلَى لَيْث، وَقد ذكره ابْن أبي شيبَة مُرْسلا، فَقَالَ: عَن مَالك بن إِسْمَاعِيل قَالَ: حَدثنَا هريم، عَن لَيْث، عَن أَيُّوب، عَن أنس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ابْنُوا الْمَسَاجِد واتخذوها جما ".
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي كتاب الْعِلَل: حَدثنَا الْقَاسِم بن دِينَار، حَدثنَا إِسْحَاق ابْن مَنْصُور، عَن هريم، عَن لَيْث، عَن أَيُّوب، عَن أنس، قَالَ قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ابْنُوا الْمَسَاجِد واتخذوها جما ".
[ثمَّ] قَالَ: سَأَلت مُحَمَّدًا - يَعْنِي البُخَارِيّ - عَنهُ فَقَالَ: إِنَّمَا يرْوى عَن أَيُّوب، عَن عبد الله بن شَقِيق قَوْله، انْتهى كَلَامه فاعلمه.(2/502)
(501) وَذكر أَيْضا من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن لَيْث، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عمر قَالَ: " نَهَانَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن نصلي فِي مَسْجِد مشرف ".
وَهَذَا أَيْضا كَذَلِك، إِنَّمَا ذكره الدَّارَقُطْنِيّ كَالْأولِ، وَقَالَ: إِن إِسْحَاق بن مَنْصُور وَأَبا / غَسَّان يرويانه عَن هريم، عَن لَيْث كَذَلِك.
وَرَوَاهُ عبد الحميد بن صَالح، عَن هريم، عَن لَيْث، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَوْله.
قَالَ: وَلَا نعلم رَوَاهُ عَن لَيْث غير هريم. انْتهى كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ.
وَقد ذكره أَيْضا ابْن أبي شيبَة موصلا، عَن مَالك بن إِسْمَاعِيل - هُوَ أَبُو غَسَّان - عَن هريم، عَن لَيْث، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عمر، فَذكره.
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي علله: حَدثنَا عبد الله بن دِينَار، حَدثنَا إِسْحَاق بن مَنْصُور، عَن هريم، عَن لَيْث، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عمر، قَالَ: " نَهَانَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، أَو قَالَ: نهينَا أَن نصلي فِي مَسْجِد مشرف " وَسَأَلَ عَنهُ البُخَارِيّ فَلم يعرفهُ.
(502) وَذكر أَيْضا من طَرِيقه عَن عَامر الشّعبِيّ، عَن أنس قَالَ: قَالَ(2/503)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من اقتراب السَّاعَة أَن ترى الْهلَال قبلا فَيُقَال: لليلتين، وَأَن تتَّخذ الْمَسَاجِد طرقا، وَأَن يظْهر موت الْفجأَة ".
هَذَا الحَدِيث أَيْضا من ذَاك الْقَبِيل، لم يُوصل إِلَيْهِ الدَّارَقُطْنِيّ إِسْنَاده، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْده هَكَذَا: وَسُئِلَ عَن حَدِيث عَامر الشّعبِيّ، عَن أنس، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من اقتراب السَّاعَة " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ يرويهِ عبد الْكَبِير بن الْمعَافى، عَن شريك، عَن الْعَبَّاس بن ذريح عَن الشّعبِيّ، عَن أنس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَغَيره يرويهِ عَن الشّعبِيّ مُرْسلا، وَالله أعلم.
وَهَذَا جَمِيع مَا ذكر، فَمَا بَينه وَبَين عبد الْكَبِير مُنْقَطع، فاعلمه.
(503) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا، عَن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة، عَن عَليّ، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَمر رجلا صلى إِلَى رجل أَن يُعِيد " وَضَعفه.
وَهُوَ أَيْضا مَا لَا إِسْنَاد لَهُ عِنْده، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْده هَكَذَا: وَسُئِلَ عَن حَدِيث مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَمر رجلا صلى إِلَى رجل أَن يُعِيد الصَّلَاة " فَقَالَ: هُوَ حَدِيث يرويهِ إِسْرَائِيل عَن عبد الْأَعْلَى(2/504)
الثَّعْلَبِيّ، عَن ابْن الْحَنَفِيَّة، عَن عَليّ، قَالَه وَكِيع وَإِسْمَاعِيل بن صبيح عَن إِسْرَائِيل.
وَخَالَفَهُمَا عبيد الله بن مُوسَى، وَعلي بن الْجَعْد / فروياه عَن إِسْرَائِيل، عَن عبد الْأَعْلَى، عَن ابْن الْحَنَفِيَّة مُرْسلا.
وَعبد الْأَعْلَى مُضْطَرب / الحَدِيث، والمرسل أشبه بِالصَّوَابِ.
فَهَذَا - كَمَا ترى - لَا اتِّصَال لَهُ فِيمَا بَينه وَبَين وَكِيع وَإِسْمَاعِيل بن صبيح، اللَّذين زادا فِيهِ ذكر عَليّ.
وَفِيمَا أتبعه أَبُو مُحَمَّد من قَوْله، شَيْء يَنْبَغِي التَّنْبِيه عَلَيْهِ لِئَلَّا يغلط بِهِ من لَا يعرف اصطلاحهم، وَذَلِكَ أَنه قَالَ: رَفعه عبد الْأَعْلَى الثَّعْلَبِيّ، عَن ابْن الْحَنَفِيَّة، عَن عَليّ، وَهَذَا اللَّفْظ إِنَّمَا يُقَال فِي حَدِيث، وَقفه قوم وَرَفعه آخَرُونَ إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَأَما حَدِيث رَوَاهُ قوم مُرْسلا وَوَصله آخَرُونَ، فَلَا يُقَال هَذَا، إِنَّمَا يُقَال فِيهِ: وَصله فلَان، أَو أسْندهُ فلَان، فَإِن الْمُرْسل مَرْفُوع، كَمَا هُوَ الْمُتَّصِل مَرْفُوع، وَقد تبين كَيفَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي هَذَا الحَدِيث فاعلمه.
(504) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا، عَن أنس بن سِيرِين، عَن أنس بن مَالك، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صلى بهم الْمَكْتُوبَة على دَابَّته، وَالْأَرْض طين وَمَاء ".
ثمَّ أعله بِمَا أعله بِهِ الدَّارَقُطْنِيّ.(2/505)
وَهُوَ أَيْضا من ذَلِك، وَنَصّ مَا عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ هُوَ هَذَا: وَسُئِلَ عَن حَدِيث أنس بن سِيرِين، عَن أنس بن مَالك، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صلى بهم الْمَكْتُوبَة " الحَدِيث.
فَقَالَ: يرويهِ أَبُو هِشَام: مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي خِدَاش الْموصِلِي، عَن الْمعَافى، عَن الثَّوْريّ، عَن هِشَام بن حسان، عَن أنس بن سِيرِين، عَن أنس بن مَالك، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَالْمَحْفُوظ عَن أنس بن سِيرِين: عَن أنس فعله غير مَرْفُوع. انْتهى قَوْله.
وَهَذِه الْمُؤَاخَذَة مني لأبي مُحَمَّد فِي هَذَا الحَدِيث، إِنَّمَا هِيَ فِي اللَّفْظ الْمَذْكُور، وَأما مَعْنَاهُ فقد وَصله الدَّارَقُطْنِيّ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، فَقَالَ بعده: وَسُئِلَ عَن حَدِيث ابْن أبي خِدَاش، عَمَّن سَمعه، فَقَالَ: حدّثنَاهُ أَبُو عبيد الْمحَامِلِي، وَأَبُو بكر بن مُجَاهِد، وَابْن مخلد، وَجَمَاعَة، قَالُوا: حَدثنَا مُحَمَّد بن مُسلم بن وارة، حَدثنَا أَبُو هَاشم بن أبي خِدَاش الْموصِلِي، حَدثنَا الْمعَافى، عَن سُفْيَان، عَن هِشَام بن حسان، عَن أنس ابْن سِيرِين، عَن أنس بن مَالك، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَنه صلى الْمَكْتُوبَة فِي ردغة على حمَار ".
قَالَ: وَرَوَاهُ / غير الْمعَافى، عَن الثَّوْريّ، عَن هِشَام مَوْقُوفا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ شريك، وَعبد الرَّزَّاق، عَن هِشَام مَوْقُوفا وَهُوَ صَحِيح. انْتهى قَوْله.
فاللفظ الأول صَحِيح الدُّخُول فِي هَذَا الْبَاب، فَأَما من حَيْثُ مَعْنَاهُ فمتصل فَاعله(2/506)
(505) وَذكر أَيْضا من طَرِيقه، عَن عبد الله بن عبد الْعَزِيز اللَّيْثِيّ، عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا صلى الْإِنْسَان على الْجِنَازَة، انْقَطع ذمامها إِلَّا أَن يَشَاء أَن يتبعهَا ".
ثمَّ أتبعه معنى مَا قَالَ فِيهِ الدَّارَقُطْنِيّ.
وَنَصّ مَا عِنْده: وَسُئِلَ عَن حَدِيث عُرْوَة، عَن عَائِشَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا صلى الْإِنْسَان، الحَدِيث.
فَقَالَ: يرويهِ هِشَام بن عُرْوَة، وَاخْتلف عَنهُ، فَرَوَاهُ عبد الله بن عبد الْعَزِيز اللَّيْثِيّ، عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة مَرْفُوعا.
وَالْمَحْفُوظ: عَن هِشَام، عَن أَبِيه مَوْقُوفا، لَيْسَ فِيهِ ذكر عَائِشَة.
هَذَا مَا عِنْده من غير مزِيد، وَأعْرض أَبُو مُحَمَّد عَن إعلال الحَدِيث بِعَبْد الله بن عبد الْعَزِيز.
والْحَدِيث لَو اتَّصل إِسْنَاد الدَّارَقُطْنِيّ إِلَيْهِ مَا صَحَّ من أَجله، فَإِنَّهُ ضَعِيف، قَالَ أَبُو حَاتِم: هُوَ مُنكر الحَدِيث ضعيفه، عَامَّة حَدِيثه خطأ، لَا أعلم / لَهُ حَدِيثا مُسْتَقِيمًا، لَا يشْتَغل بِهِ.
وَقَالَ أَبُو ضَمرَة: كَانَ قد خلط.(2/507)
(506) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن ابْن عمر قَالَ: " نهينَا أَن نتبع جَنَازَة مَعهَا رانة ".
ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده ضَعِيف.
لم يزدْ على هَذَا، فسنذكره إِن شَاءَ الله فِي جملَة مَا أجمل تَعْلِيله من الْأَحَادِيث.
وَالَّذِي قصد الْآن بَيَانه هُوَ أَن هَذَا الحَدِيث من ذَلِك الْقَبِيل. ذكره الدَّارَقُطْنِيّ ذكرين فِي موضِعين من الْكتاب الْمَذْكُور، قَالَ فِي أَحدهمَا: وَسُئِلَ عَن حَدِيث مُجَاهِد، عَن ابْن عمر " نهينَا أَن نتبع جَنَازَة مَعهَا رانة " فَقَالَ: يرويهِ لَيْث بن أبي سليم، وَزيد الْعمي، وَأَبُو يحيى القَتَّات.
وَاخْتلف على أبي يحيى، فَرَوَاهُ أَحْمد بن يُونُس، عَن إِسْرَائِيل، عَن أبي يحيى القَتَّات، عَن مُجَاهِد مُرْسلا، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو غَسَّان، وَقد أسْندهُ غير إِسْرَائِيل / انْتهى مَا ذكر فِي أحد الْمَوْضِعَيْنِ.
وَقَالَ فِي الْموضع الآخر: وَسُئِلَ عَن حَدِيث مُجَاهِد، عَن ابْن عمر: " نَهَانَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن نتبع جَنَازَة مَعهَا رانة ".(2/508)
فَقَالَ: يرويهِ أَبُو يحيى القَتَّات، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عمر عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، كَذَا قَالَ إِسْرَائِيل عَن أبي يحيى.
وَخَالفهُ لَيْث؛ فَرَوَاهُ عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عمر قَالَ: " نهينَا أَن نتبع جَنَازَة مَعهَا رانة " لم يُصَرح بِرَفْعِهِ.
وَقَالَ ابْن جريج، عَن أبي يحيى، عَن مُجَاهِد، عَن عبد الله " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن الْبدع كلهَا حَتَّى النوح ".
وَهَذَا لفظ آخر، وَهَذَا كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ.
فَانْظُر كَيفَ لم يُوصل إِسْنَاده لَا إِلَى إِسْرَائِيل، وَلَا إِلَى ابْن جريج، راوييه عَن أبي يحيى، بلفظين مُخْتَلفين مُصَرحًا بِرَفْعِهِ، وَلَا إِلَى لَيْث رَاوِيه عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عمر مَوْقُوفا.
وَهَذَا هُوَ الَّذِي أورد أَبُو مُحَمَّد، فَاجْتمع فِي فعله أَشْيَاء.
مِنْهَا أَنه سَاق الَّذِي لَيْسَ الرّفْع فِيهِ مُصَرحًا بِهِ، وَترك الْمُصَرّح بِرَفْعِهِ، وَالْمَوْقُوف من رِوَايَة لَيْث بن أبي سليم، وَالْمَرْفُوع من رِوَايَة أبي يحيى القَتَّات، وَهُوَ أحسن حَالا من لَيْث، قد وَثَّقَهُ ابْن معِين فِي رِوَايَة عَنهُ.
وَقَالَ الْبَزَّار: مَا نعلم بِهِ بَأْسا، قد روى عَنهُ جمَاعَة من أهل الْعلم، وَهُوَ كُوفِي مَعْرُوف، فروايته كَانَت أولى بِالذكر من رِوَايَة لَيْث، وكلتاهما لَا إِسْنَاد إِلَيْهَا عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ فَاعْلَم ذَلِك.(2/509)
(507) وَذكر أَيْضا من طَرِيقه عَن الشّعبِيّ، عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فِي كل أَرْبَعِينَ من الْبَقر مُسِنَّة، وَفِي كل ثَلَاثِينَ تبيع أَو تبيعة ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا يرْوى عَن الشّعبِيّ مُرْسلا، وَهُوَ الصَّوَاب.
فَنَقُول: وَهَذَا أَيْضا كَذَلِك، إِنَّمَا سُئِلَ الدَّارَقُطْنِيّ عَنهُ فَقَالَ: يرويهِ دَاوُد بن أبي هِنْد، وَاخْتلف عَنهُ، فَرَوَاهُ أَبُو أُميَّة الطرسوسي، عَن عبيد الله بن مُوسَى، عَن الثَّوْريّ، عَن دَاوُد، عَن الشّعبِيّ، عَن أنس، وَرَفعه، وَغَيره يرويهِ عَن الثَّوْريّ، عَن دَاوُد، عَن الشّعبِيّ مُرْسلا، وَهُوَ الصَّوَاب.
(508) وَذكر أَيْضا من طَرِيقه عَن عَليّ بن حُسَيْن، عَن عَليّ / فِي " النَّهْي عَن حصاد الزَّرْع بِاللَّيْلِ ".
قَالَ: وَالصَّوَاب مُرْسل.
وَهَذَا أَيْضا كَذَلِك إِنَّمَا سُئِلَ الدَّارَقُطْنِيّ / عَنهُ فَأجَاب بذلك، وَوصل الْمسند من طَرِيق ضَعِيف.
والمرسل عِنْده هُوَ غير الْموصل، وَقد كتبناه فِي بَاب من الْأَبْوَاب الْمُتَقَدّمَة فِي الْقسم الأول من الْكتاب.
(509) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن ابْن عمر، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:(2/510)
" فِي الْهلَال إِذا سقط قبل الشَّفق فَهُوَ لليلته، وَإِذا سقط بعد الشَّفق فَهُوَ لليلتين ".
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: إِسْنَاده يرجع إِلَى ضَعِيف ومتروك.
وَهَذَا أَيْضا كَذَلِك، إِنَّمَا سُئِلَ الدَّارَقُطْنِيّ عَنهُ فَقَالَ: يرويهِ رشدين بن سعد، عَن يُونُس بن يزِيد عَن نَافِع، عَن ابْن عمر.
وَخَالفهُ أَحْمد بن عِيسَى الْمصْرِيّ رَوَاهُ عَن رشدين، عَن يحيى بن عبد الله بن سَالم، عَن عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر.
وَرَوَاهُ بَقِيَّة بن الْوَلِيد، وَاخْتلف عَنهُ، فَرَوَاهُ ابْن مصفي عَن بَقِيَّة عَن عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر.(2/511)
وَقيل عَن ابْن مصفي، عَن بَقِيَّة، عَن مجاشع بن عَمْرو، عَن عبيد الله.
ومجاشع لم يسمع من عبيد الله شَيْئا.
وَقيل: عَن عبيد الله بن صَالح، عَن بَقِيَّة، عَن عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن، عَن عبيد الله.
وَعُثْمَان هَذَا هُوَ الطرائفي، وَلم يسمع من عبيد الله.
وَرَوَاهُ مُحَمَّد بن سَلام السعيدي، عَن عُثْمَان الْمكتب، عَن عبيد الله.
وَرَوَاهُ عبد الْملك بن سُلَيْمَان القلانسي، عَن عُثْمَان الطرائفي، عَن مُعلى ابْن هِلَال، عَن عبيد الله بن عمر، فَرجع حَدِيث بَقِيَّة إِلَى هِلَال بن مُعلى، وَهُوَ مَتْرُوك.
وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيم بن الْوَلِيد بن سَلمَة الطَّبَرَانِيّ، فَقَالَ: عَن أَبِيه، عَن عبيد الله ابْن عمر، وَمرَّة يَقُول: عَن أَبِيه، عَن النَّضر بن مُحرز، عَن عبيد الله بن عمر، وَلَا يَصح ذَلِك.
وكل من رَوَاهُ ضَعِيف. انْتهى كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ.
وَفِيه اختلال وَقع فِي النُّسْخَة كَذَلِك، وَهُوَ فِي قَوْله أَولا، وَخَالفهُ أَحْمد ابْن عِيسَى فَإِن الْهَاء من خَالفه لم تعد على مَذْكُور، وَقد تبين الْمَقْصُود، وَهُوَ أَنه غير موصل عِنْده. فَاعْلَم ذَلِك.
(510) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا، عَن أنس بن مَالك، عَن / أبي طَلْحَة أَنه(2/512)
كَانَ يَأْكُل الْبرد وَهُوَ صَائِم، وَيَقُول: " لَيْسَ بِطَعَام وَلَا شراب ".
قَالَ: يرويهِ قَتَادَة، وَحميد، عَن أنس مَوْقُوفا، وَخَالَفَهُمَا عَليّ بن يزِيد، فَرَوَاهُ عَن أنس، وَقَالَ: فَأخْبرت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بذلك فَقَالَ: " خُذ عَن عمك ".
قَالَ: وَالْمَوْقُوف هُوَ الصَّحِيح.
هَذَا مَا ذكره بِهِ، وَهُوَ أَيْضا عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ كَمَا قُلْنَا غير موصل، إِنَّمَا سُئِلَ عَنهُ فَأجَاب بِهَذَا.
وَقد ذكره الْبَزَّار موصلا، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن معمر، قَالَ: حَدثنَا عبد الصَّمد، قَالَ: حَدثنَا أبي، عَن عَليّ بن زيد، عَن أنس، قَالَ: مُطِرْنَا بردا على عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَكَانَ أَبُو طَلْحَة يَأْكُل مِنْهُ وَهُوَ صَائِم، فَذكرت ذَلِك لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: " خُذ عَن عمك ".
قَالَ: [وَهَذَا الحَدِيث قد خَالف عَليّ بن زيد قَتَادَة فِي رِوَايَته] حدّثنَاهُ هِلَال بن يحيى قَالَ: حَدثنَا أَبُو عوَانَة، عَن قَتَادَة، عَن أنس قَالَ: رَأَيْت(2/513)
أَبَا طَلْحَة يَأْكُل الْبرد وَهُوَ صَائِم، وَيَقُول: إِنَّه لَيْسَ بِطَعَام وَلَا شراب، قَالَ: فَذكرت ذَلِك لسَعِيد بن الْمسيب فكرهه، وَقَالَ: إِنَّه يقطع الظمأ.
وَلَا يعلم رُوِيَ / هَذَا الْفِعْل إِلَّا عَن أبي طَلْحَة.
(511) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن ابْن عمر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي رجل مَاتَ وَعَلِيهِ صِيَام: " يطعم عَنهُ كل يَوْم مِسْكين ".
ثمَّ صَححهُ مَوْقُوفا، وَضعف الْمَرْفُوع بأشعث بن سوار، وَابْن أبي ليلى.
وَهُوَ أَيْضا غير موصل كَذَلِك، إِنَّمَا سُئِلَ عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَ: يرويهِ(2/514)
أَشْعَث بن سوار، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، تفرد بِهِ عَبْثَر بن الْقَاسِم، وَالْمَحْفُوظ عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَوْقُوفا.
كَذَلِك رَوَاهُ عبد الْوَهَّاب بن بخت، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، مَوْقُوفا [انْتهى مَا ذكر] .
(512) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن الْحَارِث، عَن عَليّ، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تقضي رَمَضَان فِي عشرَة ذِي الْحجَّة " الحَدِيث.
وَفِيه: " وَلَا تدخل الْحمام وَأَنت صَائِم ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا / يرْوى مَوْقُوفا على عَليّ، وَالْمَوْقُوف هُوَ الصَّحِيح.
هَذَا أَيْضا من ذَلِك الْقَبِيل، إِنَّمَا سُئِلَ عَنهُ فَقَالَ: يرويهِ أَبُو إِسْحَاق، وَاخْتلف عَنهُ؛ فَرَوَاهُ إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق، عَن عبد الله بن مرّة، عَن الْحَارِث، عَن عَليّ، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من رِوَايَة مُؤَمل، عَن إِسْرَائِيل، وَوَقفه غير عَن إِسْرَائِيل.
وَرَوَاهُ الثَّوْريّ، وَشعْبَة، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عبد الله بن مرّة، عَن(2/515)
الْحَارِث مَوْقُوفا.
وَرَوَاهُ خَالِد بن مَيْمُون عَن أبي إِسْحَاق، عَن الْحَارِث، عَن عَليّ مَوْقُوفا، وَلم يذكر عبد الله بن مرّة، وَالْمَوْقُوف أصح.
وروى مُحَمَّد بن إِسْحَاق من رِوَايَة عبد الْوَارِث عَنهُ، عَن أبي إِسْحَاق، عَن الْحَارِث، عَن عَليّ، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّد بن كثير، عَن أجلح، عَن أبي إِسْحَاق، عَن الْحَارِث، عَن عَليّ مَرْفُوعا أَيْضا: حَدثنَا يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم، وَأحمد بن عبد الله الْوَكِيل، قَالَا: حَدثنَا عَمْرو ابْن شبة حَدثنَا يحيى، عَن سُفْيَان، عَن أبي إِسْحَاق، عَن عبد الله بن مرّة، عَن الْحَارِث، عَن عَليّ، قَالَ: " لَا تحتجم وَأَنت صَائِم، وَلَا تصم يَوْم الْجُمُعَة، وَلَا تدخل الْحمام وَأَنت صَائِم، وَلَا تقض رَمَضَان فِي ذِي الْحجَّة " انْتهى مَا ذكر.
وجميعه غير موصل إِلَّا هَذَا الْأَخير، وَهُوَ مَوْقُوف، وَلَا يَصح، فَإِنَّهُ من رِوَايَة الْحَارِث، فَإِذن قَوْله: " وَالْمَوْقُوف هُوَ الصَّحِيح " مؤول.
(513) وَذكر أَيْضا من طَرِيقه عَن معَاذ بن معَاذ، عَن شُعْبَة، عَن قَتَادَة،(2/516)
عَن مطرف، عَن مُعَاوِيَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَيْلَة الْقدر لَيْلَة أَربع وَعشْرين ".
ثمَّ قَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ معَاذ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَلَا يَصح عَن شُعْبَة مَرْفُوعا. انْتهى كَلَامه.
والْحَدِيث أَيْضا غير موصل كَذَلِك، إِنَّمَا سُئِلَ عَنهُ فَقَالَ: يرويهِ معَاذ بن معَاذ عَن شُعْبَة، عَن قَتَادَة، عَن مطرف، عَن مُعَاوِيَة مَرْفُوعا.
وَكَذَلِكَ قَالَ فَهد بن سُلَيْمَان، عَن عمر بن مَرْزُوق، وَعباد بن زِيَاد السَّاجِي، عَن عُثْمَان بن عمر، عَن شُعْبَة، وَلَا يَصح عَن شُعْبَة مَرْفُوعا.
(514) وَذكر أَيْضا من طَرِيقه عَن أبي صَالح الْحَنَفِيّ، عَن أبي هُرَيْرَة(2/517)
عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْحَج جِهَاد، وَالْعمْرَة تطوع ".
ثمَّ قَالَ: الصَّوَاب مُرْسلا عَن أبي صَالح. انْتهى قَوْله.
وَهُوَ أَيْضا كَذَلِك، إِنَّمَا سُئِلَ عَنهُ فَقَالَ: يرويهِ [مُعَاوِيَة بن إِسْحَاق وَاخْتلف عَنهُ؛ فَرَوَاهُ شُعْبَة عَنهُ، وَاخْتلف عَن شُعْبَة، فَرَوَاهُ الْحَرْبِيّ عَنهُ، عَن] مُعَاوِيَة بن إِسْحَاق عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَخَالفهُ أَصْحَاب شُعْبَة، مِنْهُم: غنْدر، وَمُحَمّد بن كثير، وَعَفَّان، وَرَوَوْهُ عَن شُعْبَة، عَن مُعَاوِيَة بن إِسْحَاق، عَن أبي صَالح مُرْسلا / عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ شريك، عَن مُعَاوِيَة بن إِسْحَاق، عَن أبي صَالح مُرْسلا، وَهُوَ الصَّوَاب. انْتهى كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ.
وَأعرف هَذَا الحَدِيث موصلا عِنْد ابْن أبي شيبَة، قَالَ: حَدثنَا جرير، عَن مُعَاوِيَة ابْن إِسْحَاق، عَن أبي صَالح: ماهان، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الْحَج جِهَاد، وَالْعمْرَة تطوع ".
وَقَالَ عبد الرَّزَّاق: عَن الثَّوْريّ، عَن مُعَاوِيَة بن إِسْحَاق، عَن أبي صَالح الْحَنَفِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْحَج جِهَاد، وَالْعمْرَة تطوع ".(2/518)
(515) وَذكر من طَرِيقه عَن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " فِي اليربوع جفرة ".
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: رَوَاهُ الثِّقَات الْأَثْبَات عَن عمر قَوْله: مِنْهُم اللَّيْث، وَابْن عُيَيْنَة، وَابْن عون، وَغَيرهم، وأسنده الْأَجْلَح، وَمُحَمّد بن فُضَيْل، وَالْأول هُوَ الصَّحِيح.
وروى الْأَجْلَح أَيْضا عَن أبي الزبير، عَن جَابر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " فِي الضبع إِذا أَصَابَهَا الْمحرم كَبْش، وَفِي الظبي شَاة، وَفِي الأرنب عنَاق، وَفِي اليربوع جفرة ".
كَذَا رَوَاهُ الْأَجْلَح من رِوَايَة مُحَمَّد بن فُضَيْل عَنهُ، وَرَوَاهُ أَصْحَاب أبي الزبير، عَن أبي الزبير، عَن جَابر، عَن عمر قَوْله، وَهُوَ أصح من الْمسند، انْتهى كَلَامه.
وَالْمَقْصُود فِيهِ هُوَ بَيَان أَنه من ذَلِك الْقَبِيل، لم يُوصل [إِلَيْهِ] الدَّارَقُطْنِيّ إِسْنَادًا.
وَفِيه إِلَى ذَلِك أَشْيَاء ننبه عَلَيْهَا: مِنْهَا قَوْله: إِن الْأَجْلَح وَابْن فُضَيْل أسْندهُ مخالفين لليث، وَابْن(2/519)
عُيَيْنَة، وَابْن عون، الواقفين لَهُ على عمر، وَلَيْسَ الْأَمر فِيهِ كَذَلِك، وَإِنَّمَا يَدُور الحَدِيث على أبي الزبير، يرويهِ عَن جَابر.
فمالك بن سعير، وَمُحَمّد بن فُضَيْل روياه عَن الْأَجْلَح، عَن أبي الزبير، عَن جَابر، عَن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَابْن عوان، وَأَيوب، وَابْن عُيَيْنَة، وَهِشَام بن حسان، وَالْأَوْزَاعِيّ، وصخر بن جوَيْرِية، وَاللَّيْث بن سعد، رَوَوْهُ عَن أبي الزبير، عَن جَابر، عَن عمر قَوْله، لم يرفعوه إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
فَحصل الْخلاف على أبي الزبير بَين الْأَجْلَح وَالْجَمَاعَة، وَالْأَجْلَح يرفعهُ وَالْجَمَاعَة ثقفه.
هَكَذَا أوردهُ الدَّارَقُطْنِيّ الَّذِي نَقله من عِنْده، فَقَوله إِذن: إِن الْأَجْلَح وَابْن فُضَيْل أسنداه خطأ، فَإِن ابْن فُضَيْل لَا يروي عَن أبي الزبير، وَلَكِن عَن الْأَجْلَح، وَهَذِه الرِّوَايَة عَن ابْن فُضَيْل، هِيَ رِوَايَة مُوسَى بن إِسْحَاق القواس عَنهُ.
وَعنهُ فِي هَذِه رِوَايَة أُخْرَى، وَهِي الَّتِي تقدم ذكرهَا، يَرْوِيهَا عَن الْأَجْلَح عَن أبي الزبير، عَن جَابر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، بِغَيْر ذكر عمر.
رَوَاهَا عَن ابْن فُضَيْل أَبُو كريب، وَأَبُو مَرْيَم، ذكر ذَلِك عَنْهُمَا الدَّارَقُطْنِيّ فِي كتاب السّنَن موصلا.(2/520)
وَأَبُو مُحَمَّد لم يعز ذَلِك، وأوهم أَيْضا بقوله: وَرَوَاهُ الثِّقَات عَن عمر، مِنْهُم فلَان وَفُلَان، أَن هَؤُلَاءِ باشروا عمر بالرواية عَنهُ، وَلَيْسَ كَذَلِك على مَا قد تبين بِمَا ذَكرْنَاهُ.
(516) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن عَائِشَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ بعد حنين: " عشرَة أَشْيَاء مُبَاحَة للْمُسلمين ".
ثمَّ رده بِأَن أَبَا سَلمَة: الحكم بن عبد الله بن خطَّاف العاملي، رَاوِيه عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة مَتْرُوك.
وَلم يبين انْقِطَاعه فِيمَا بَينه وَبَين الدَّارَقُطْنِيّ، فَإِنَّهُ أَيْضا غير موصل الْإِسْنَاد مِنْهُ إِلَى رَاوِيه.
(517) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث نَافِع، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة، " إِذا كَانُوا ثَلَاثَة فِي السّفر، فليؤمروا أحدهم ".(2/521)
ثمَّ قَالَ: وَفِي بعض أَلْفَاظ هَذَا الحَدِيث: " إِذا سافرتم فليؤمكم أقرؤكم، وَإِن كَانَ أصغركم، وَإِذا أمكُم فَهُوَ أميركم ".
ثمَّ / قَالَ: ذكر هَذَا اللَّفْظ أَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ. انْتهى قَوْله.
وَهُوَ حَدِيث لم يُوصل أَيْضا إِلَيْهِ الدَّارَقُطْنِيّ إِسْنَادًا، وَأتبعهُ ذكر الِاخْتِلَاف فِيهِ على أبي سَلمَة، فساق فِي ذَلِك بعض الطّرق / اللَّفْظ الَّذِي ذكره أَبُو دَاوُد، فَلم يتَحَصَّل لهَذَا اللَّفْظ الَّذِي نقل من عِنْده إِسْنَاده، فَاعْلَم ذَلِك.
(518) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا عَن يحيى بن سعيد الْأمَوِي، عَن ابْن جريج، عَن مُوسَى بن عقبَة، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَدِيث: " نِكَاح العَبْد بِغَيْر إِذن مَوْلَاهُ ".
فاعتراه فِيهِ مَا أوجب ذكره فِي بَاب الْأَحَادِيث الْمُغيرَة عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ.
وَهُوَ أَيْضا من هَذَا الْبَاب، لكَونه مِمَّا لم يُوصل إِلَيْهِ إِسْنَاده.
(519) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا حَدِيث: " لَا نِكَاح إِلَّا بولِي وشاهدي عدل ".(2/522)
فَذكر فِيهِ رِوَايَات، هِيَ من علل الدَّارقطني أَيْضا، غير موصلة بِالْأَسَانِيدِ، قد ذَكرنَاهَا فِي بَاب الْأَحَادِيث المصححة بسكوته، الْمَذْكُورَة بِقطع من أسانيدها.
(520) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه " نهى عَن الْعَزْل عَن الْحرَّة إِلَّا بِإِذْنِهَا ".(2/523)
ثمَّ أتبعه أَنه إِنَّمَا انْفَرد بِهِ إِسْحَاق الطباع، عَن ابْن لَهِيعَة، عَن جَعْفَر بن ربيعَة، عَن الزُّهْرِيّ، عَن مُحَرر بن أبي هُرَيْرَة، عَن عمر، وَوهم فِيهِ.
وَخَالفهُ ابْن وهب فَقَالَ: عَن ابْن لَهِيعَة، عَن جَعْفَر بن ربيعَة، عَن الزُّهْرِيّ، عَن حَمْزَة بن عبد الله بن عمر، عَن أَبِيه، قَالَ: وَهُوَ وهم أَيْضا.
وَالصَّوَاب عَن عمر بن حَمْزَة مُرْسلا، لَيْسَ فِيهِ عَن أَبِيه. انْتهى كَلَامه.
وَهُوَ كَمَا ذكر، وَلكنه غير موصل الْإِسْنَاد عِنْده، إِنَّمَا سُئِلَ عَنهُ فَأجَاب بذلك.
(521) وَذكر أَيْضا من طَرِيقه، عَن جَابر بن عبد الله، قيل: يَا(2/524)
رَسُول الله، أَيَنَامُ أهل الْجنَّة؟ قَالَ: " لَا، النّوم أَخُو الْمَوْت، وَالْجنَّة لَا موت فِيهَا ".
كَذَا ذكره وَسكت عَنهُ، وَهُوَ إِنَّمَا ذكره الدَّارَقُطْنِيّ غير موصل كَذَلِك، إِنَّمَا سُئِلَ عَنهُ فَقَالَ: يرويهِ الثَّوْريّ، فَاخْتلف عَنهُ.
فَرَوَاهُ عبد الله بن مُحَمَّد بن الْمُغيرَة، عَن الثَّوْريّ، عَن ابْن الْمُنْكَدر، عَن جَابر، وَكَذَلِكَ قيل عَن الْأَشْجَعِيّ.
وَرَوَاهُ يحيى بن الْقطَّان، وَابْن مهْدي، وَأَبُو شهَاب الحناط وَأَبُو عَامر الْعَقدي، عَن الثَّوْريّ، عَن ابْن الْمُنْكَدر مُرْسلا، وَهُوَ الصَّوَاب.
هَذَا مَا ذكره بِهِ من غير مزِيد فاعلمه.
(522) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن أبي جَعْفَر: مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن،(2/525)
عَن عَليّ، قَالَ: " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يكلم النِّسَاء إِلَّا بِإِذن أَزوَاجهنَّ ".
ثمَّ قَالَ: رَوَاهُ ابْن أبي ليلى، عَن الحكم، عَن أبي جَعْفَر، عَن عَليّ، وَخَالفهُ شُعْبَة عَن الحكم، عَن ذكْوَان أبي صَالح، عَن مولى لعَمْرو بن الْعَاصِ، عَن عَمْرو بن الْعَاصِ، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي هَذَا الْإِسْنَاد. انْتهى مَا ذكر.
وَهُوَ أَيْضا عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ غير موصل الْإِسْنَاد كَذَلِك، وَإِلَى ذَلِك فَإِن أَبَا جَعْفَر هَذَا لَا يعرف، وَابْن أبي ليلى مُحَمَّد سيئ الْحِفْظ، وَهُوَ يُضعفهُ ويضعف بِهِ، وَهُوَ هَا هُنَا قد أعرض عَنهُ.
(523) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا: حَدِيث عُثْمَان: " لَا شُفْعَة فِي بِئْر، وَلَا فَحل النّخل ".
وَالِاخْتِلَاف فِي رَفعه وَوَقفه.
وَهُوَ أَيْضا غير موصل كَذَلِك.(2/526)
(524) وَذكره من طَرِيقه أَيْضا عَن زَيْنَب بنت منجل، وَيُقَال: بنت منخل، عَن عَائِشَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - زجر صبياننا عَن الْجَرَاد، وَكَانُوا يَأْكُلُونَهُ.
قَالَ: وَالصَّوَاب مَوْقُوف، وَذكر فِي المؤتلف والمختلف، أَن منجلا - بِالْجِيم - تَصْحِيف. انْتهى مَا ذكر.
والْحَدِيث أَيْضا غير موصل / فِي كتاب الْعِلَل كَذَلِك، وَإِنَّمَا سُئِلَ عَنهُ فَأجَاب بِأَنَّهُ يرويهِ عُثْمَان بن غياث، وَاخْتلف عَنهُ، فَرَوَاهُ روح بن عبَادَة عَنهُ، عَن برد بن عرين عَن زَيْنَب بنت منخل، عَن عَائِشَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.(2/527)
وَخَالفهُ شُعْبَة، وَابْن أبي عدي، روياه عَن عُثْمَان بن غياث، لم يذكرَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَفِيه " كَانَ صبيانا يَأْكُلُونَهُ " مَوْقُوفا، وَهُوَ صَوَاب.
(525) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن سَالم، عَن أَبِيه، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَمر أَن تحد الشفار، وَأَن توارى عَن الْبَهَائِم " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: إِنَّه يرْوى مَوْقُوفا، وَالَّذِي أسْندهُ لَا يحْتَج بِهِ، وَالصَّحِيح: عَن الزُّهْرِيّ مُرْسل.
وَهُوَ أَيْضا عِنْده غير موصل لَا إِلَى مُسْنده، وَلَا إِلَى مرسله.
(526) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا(2/528)
دخلت على أَخِيك، فَكل من طَعَامه، وَلَا تسأله، وَإِذا سقاك فَاشْرَبْ من شرابه، وَلَا تسأله ".
ثمَّ قَالَ: أسْندهُ يحيى بن غيلَان وَعبد / الْجَبَّار بن الْعَلَاء، عَن ابْن عُيَيْنَة، عَن ابْن عجلَان، عَن المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة، وَأَوْقفهُ غَيرهمَا، وَالْمَوْقُوف أصوب.
هَذَا مَا ذكره بِهِ، وَهُوَ كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ عَلَيْهِ، وَهُوَ غير موصل الْإِسْنَاد إِلَى من ذكر أَنه أسْندهُ، وَلَا إِلَى من وَقفه فاعلمه.
(527) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن عَطاء بن يزِيد عَن أبي ثَعْلَبَة الْخُشَنِي، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رأى فِي يَده خَاتمًا من ذهب فقرعه بقضيب، فَلَمَّا غفل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَلْقَاهُ، فَنظر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلم يره، فَقَالَ: " مَا أرانا إِلَّا قد أوجعناك وأغرمناك ".
ثمَّ قَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ النُّعْمَان بن رَاشد، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عَطاء.
وَرَوَاهُ الْحفاظ من أَصْحَاب الزُّهْرِيّ، عَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ، أَن رجلا من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، لبس خَاتمًا، وَهُوَ الصَّحِيح.
هَذَا مَا ذكر، وَهُوَ أَيْضا عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ غير موصل كَذَلِك.
(528) وَذكر أَيْضا من طَرِيقه، عَن حميد، عَن أنس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -(2/529)
قَالَ: " لَا يكْتب فِي الْخَاتم بِالْعَرَبِيَّةِ ".
ثمَّ قَالَ: الصَّحِيح عَن حميد مُرْسلا.
وَهَذَا أَيْضا إِنَّمَا سُئِلَ عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ، فَأجَاب بِأَن أَبَا عبد الرَّحْمَن الْمُقْرِئ، رَوَاهُ عَن حميد، عَن أنس، وَبِأَن هشيما رَوَاهُ عَن حميد، عَن الْحسن مُرْسلا، قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيح.
وأوهم كَلَام أبي مُحَمَّد أَنه مُرْسل عَن حميد، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَلَيْسَ كَذَلِك.
(529) وَذكر أَيْضا من طَرِيقه، عَن أبي الزبير، عَن جَابر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " يود أهل الْعَافِيَة أَن لحومهم قرضت بِالْمَقَارِيضِ، لما يرَوْنَ من ثَوَاب الله لأهل الْبلَاء ".
كَذَا ذكره وَسكت عَنهُ، وَالدَّارَقُطْنِيّ لم يُوصل إِسْنَاده إِلَى عبد الرَّحْمَن بن مغراء رَاوِيه عَن الْأَعْمَش، عَن أبي الزبير، عَن جَابر وَذكر أَن أَبَا عُبَيْدَة بن معن خَالفه، فَرَوَاهُ عَن الْأَعْمَش قَالَ: سمعتهم يذكرُونَ عَن جَابر، يَعْنِي أَنه لم يسم من حَدثهُ عَن جَابر.
(530) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا، عَن حَمَّاد بن زيد، عَن أبي عمرَان(2/530)
الْجونِي عَن جُنْدُب / عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من بَات فَوق إجار لَيْسَ حوله شَيْء فَوَقع، فَمَاتَ، أَو ركب الْبَحْر عِنْد ارتجاجه، فقد بَرِئت مِنْهُ الذِّمَّة ".
ثمَّ قَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ حَمَّاد بن زيد، وَغَيره عَن أبي عمرَان، عَن زُهَيْر بن عبد الله مَوْقُوفا، وَهُوَ الصَّوَاب، وَزُهَيْر لَيست لَهُ / صُحْبَة.
ذكر هَذَا كُله الدَّارَقُطْنِيّ، وَحَمَّاد بن زيد، جليل حَافظ. انْتهى قَوْله.
وَفِيه كَمَا ترى تَرْجِيح رِوَايَة حَمَّاد واصله ورافعه، وَقد نقض فِي ذَلِك.(2/531)
وَإِلَى ذَلِك فَإِنَّهُ لَا إِسْنَاد لَهُ عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ موصلا إِلَى حَمَّاد، وَلَا إِلَى من وَقفه فَاعْلَم ذَلِك.
(531) وَذكر أَيْضا من طَرِيقه عَن ابْن الْمُنْكَدر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، قَالَ: " إِذا دعت أحدكُم أمه وَهُوَ فِي الصَّلَاة، فليجب، وَإِذا دَعَاهُ أَبوهُ فَلَا يجب ".
ثمَّ قَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ حَفْص بن غياث، عَن ابْن أبي ذِئْب عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر مُرْسلا، وَرَوَاهُ عبد الْعَزِيز بن أبان، عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن ابْن الْمُنْكَدر، عَن جَابر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، والمرسل هُوَ الصَّوَاب.
كَذَا ذكره وَهُوَ أَيْضا غير موصل كَذَلِك.
(532) وَذكر أَيْضا من طَرِيقه، عَن أبي عبد الرَّحْمَن الحبلي عَن(2/532)
عبد الله بن مَسْعُود، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من كَانَت لَهُ سريرة صَالِحَة أَو سَيِّئَة، أظهر الله عَلَيْهِ مِنْهَا رِدَاء يعرف بِهِ ".
ثمَّ قَالَ: الصَّحِيح فِي هَذَا، عَن عُثْمَان، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، انْتهى مَا أورد.
والْحَدِيث أَيْضا عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ غير موصل الْإِسْنَاد، وَفِي إِيرَاد أبي مُحَمَّد هَذَا وهم بَين، وَهُوَ قَوْله: عَن أبي عبد الرَّحْمَن الحبلي، إِنَّمَا هُوَ السّلمِيّ، وَفِي جملَة أَحَادِيث السّلمِيّ أوردهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَقد بَينا ذَلِك فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي وهم فِي التَّعْرِيف بِرِجَال مِنْهَا فَاعْلَم ذَلِك.
(533) وَذكر فِي طَرِيقه عَن مُحَمَّد بن أبي عميرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَو أَن رجلا خر على وَجهه من يَوْم ولد إِلَى أَن يَمُوت هرما فِي طَاعَة الله، لحقره ذَلِك الْيَوْم، ولود أَنه زيد كَيْمَا يزْدَاد من الْأجر ".(2/533)
كَذَا ذكره وَسكت عَنهُ، وَهُوَ أَيْضا عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ غير موصل / الْإِسْنَاد، إِنَّمَا قَالَ: يرويهِ ثَوْر بن يزِيد وَاخْتلف عَنهُ، حدث بِهِ عَنهُ ابْن الْمُبَارك.
فَقَالَ عبد الحميد بن صَالح: عَن ابْن الْمُبَارك، عَن ثَوْر، عَن خَالِد بن معدان، عَن مُحَمَّد بن أبي عميرَة.
وَقَالَ عَليّ بن إِسْحَاق: عَن ابْن الْمُبَارك، عَن ثَوْر، عَن خَالِد بن معدان، عَن جُبَير بن نفير عَن مُحَمَّد بن أبي عميرَة.
وَيُشبه أَن يكون القَوْل قَول عَليّ بن إِسْحَاق، لِأَنَّهُ زَاد رجلا وَهُوَ ثِقَة. انْتهى كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ.
وَهُوَ كَمَا قُلْنَاهُ لَا إِسْنَاد لَهُ مِنْهُ إِلَى عبد الحميد، وَلَا إِلَى عَليّ بن إِسْحَاق.
(534) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا، عَن ابْن عمر: " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن تسقى الْبَهَائِم الْخمر ".
ثمَّ قَالَ: الصَّحِيح فِي هَذَا مَوْقُوف على ابْن عمر.
وَهَذَا أَيْضا كَذَلِك، إِنَّمَا سُئِلَ عَنهُ فَأجَاب بِأَن أَبَا مُسلم قَائِد الْأَعْمَش رَوَاهُ عَن عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَرْفُوعا.
وَتَابعه على رَفعه أَحْمد بن عبد الله بن إشكاب، وَلم يُوصل إِلَى وَاحِد(2/534)
مِنْهُمَا إِسْنَاده، يرويهِ عَن عبد الرَّحِيم بن سُلَيْمَان عَن عبيد الله قَالَ: وَالصَّحِيح عَن عبيد الله الْوَقْف على ابْن عمر.
(535) وَذكر أَيْضا من طَرِيقه، عَن صَفْوَان بن سليم، عَن أنس بن مَالك، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " اطْلُبُوا الْخَيْر، وتعرضوا لنفحات الله، فَإِن لله نفحات من رَحمته يُصِيب بهَا من يَشَاء، وسلوا الله أَن يستر عوراتكم، ويؤمن روعاتكم ".
وَسكت عَنهُ، وَلم يبين أَنه غير موصل الْإِسْنَاد كَذَلِك، وَإِنَّمَا سُئِلَ الدَّارَقُطْنِيّ عَنهُ فَقَالَ: قد اخْتلف فِيهِ على صَفْوَان بن سليم، فَرَوَاهُ عِيسَى بن مُوسَى بن إِيَاس بن بكير، عَن صَفْوَان بن سليم / عَن أنس، وَخَالفهُ اللَّيْث بن سعد، فَرَوَاهُ عَن صَفْوَان بن سليم، عز رجل، عَن أبي هُرَيْرَة، وَالله أعلم.
الْمدْرك الرَّابِع لانْقِطَاع الْأَحَادِيث: وَهُوَ أَن يكون الِانْقِطَاع مُصَرحًا بِهِ فِي أسانيدها /.
(536) فَمن ذَلِك مَا ذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ(2/535)
قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - /: " إِن الله أجاركم من ثَلَاث خلال: أَن لَا يَدْعُو(2/536)
عَلَيْكُم نَبِيكُم فَتَهْلكُوا " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: [هَذَا] يرويهِ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش من حَدِيث الشاميين، وَحَدِيثه عَنْهُم صَحِيح، قَالَه ابْن معِين وَغَيره.
وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيل، عَن ضَمْضَم بن زرْعَة عَن شُرَيْح بن عبيد، عَن أبي مَالك.
هَكَذَا نَص مَا ذكر، والْحَدِيث عِنْد أبي دَاوُد مُنْقَطع، وَبَيَان هَذَا هُوَ أَن أَبَا دَاوُد قَالَ فِيهِ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عَوْف، حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل، حَدثنِي أبي - قَالَ ابْن عَوْف، وقرأت فِي أصل إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش - حَدثنِي ضَمْضَم فَذكره.
فَهَذَا الْقطعَة الَّتِي ترك أَبُو مُحَمَّد ذكرهَا من الْإِسْنَاد تبين فِيهَا أَن مُحَمَّد ابْن عَوْف لم يسمعهُ من إِسْمَاعِيل، وَإِنَّمَا قَرَأَهُ فِي كِتَابه، أَو حَدثهُ بِهِ عَنهُ ابْنه: مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل، وَمُحَمّد بن إِسْمَاعِيل لَا يصدق فِيمَا يرويهِ عِنْدهم، وَلَا أَيْضا صَحَّ سَمَاعه من أَبِيه.
قَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: لم يسمع من أَبِيه شَيْئا، حملوه على أَن يحدث عَنهُ فَحدث.
(537) وَكرر أَبُو مُحَمَّد هَذَا الْعَمَل بِعَيْنِه فِي حَدِيث ثَوْبَان أَنهم استفتوا(2/537)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن غسل الْجَنَابَة فَقَالَ: " أما الرجل فلينشر رَأسه فليغسله " الحَدِيث.
هُوَ عِنْده بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَعمل فِيهِ كعمله الْمَذْكُور.
(538) وَقد تحرز مِنْهُ فِي حَدِيث: " امْتِنَاعه عَلَيْهِ السَّلَام من الدُّخُول إِلَى زَيْنَب زوجه، لما صبغت ثِيَابهَا بمغزة " فَإِنَّهُ ذكر إِسْنَاده كَمَا هُوَ عِنْد أبي دَاوُد كالمتبرئ من عهدته، فَكَانَ ذَلِك صَوَابا.
(539) وَذكر من طَرِيق مُسلم، عَن جَابر بن سَمُرَة، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم جُمُعَة عَشِيَّة رجم الْأَسْلَمِيّ قَالَ: " لَا يزَال الدَّين قَائِما حَتَّى تقوم السَّاعَة أَو يكون عَلَيْكُم اثْنَا عشر خَليفَة " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ عِنْد مُسلم - رَحمَه الله - مُنْقَطع إِنَّمَا كتب بِهِ جَابر بن سَمُرَة إِلَى عَامر بن سعد بن أبي وَقاص.
قَالَ مُسلم: حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد، وَأَبُو بكر بن أبي شيبَة، قَالَا: حَدثنَا(2/538)
حَاتِم - وَهُوَ ابْن إِسْمَاعِيل - عَن المُهَاجر بن مِسْمَار، عَن عَامر بن سعد بن أبي وَقاص، قَالَ: كتبت إِلَى جَابر بن سَمُرَة مَعَ غلامي نَافِع أَن أَخْبرنِي بِشَيْء سمعته من رَسُول الله / - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: فَكتب إِلَيّ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: فَذكره.
وَلَيْسَ فِيهِ أَن نَافِعًا غُلَامه رد الْجَواب، وَحَتَّى لَو كَانَ فِيهِ ذَلِك لم ينفع، فَإِن حَاله لَا تعرف، وَإِنَّمَا هُوَ غُلَام من غلْمَان عَامر لَا يعرف بالرواية.
وَمُسلم - رَحمَه الله - لم يعتمده، وَإِنَّمَا أورد الحَدِيث على أَنه كتاب كَسَائِر مَا فِي كِتَابه من أَمْثَاله.
وَلِهَذَا لَا تَجِد لنافع الْمَذْكُور ذكرا فِي شَيْء من مصنفات / الرِّجَال الَّذين رويت لَهُم الْأَحَادِيث فِي الصَّحِيحَيْنِ، فَاعْلَم ذَلِك.
(540) وَذكر أَيْضا من طَرِيق مُسلم، عَن عبد الله بن أبي أوفى، " أَن(2/539)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي بعض أَيَّامه الَّتِي لَقِي فِيهَا الْعَدو ينْتَظر " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ حَدِيث لم يسمعهُ أَبُو النَّضر: سَالم، من عبد الله ابْن أبي أوفى، وَإِنَّمَا كتب بِهِ إِلَى مَوْلَاهُ، فَلَعَلَّهُ رَآهُ فِي الْكتاب، وَقد نبه عَلَيْهِ الدارقطبي.
وَنَصّ مَا عِنْد مُسلم فِيهِ: نَبَّأَنِي مُحَمَّد بن رَافع قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّزَّاق، حَدثنَا ابْن جريج، أنبأني مُوسَى بن عقبَة، عَن أبي النَّضر: هُوَ سَالم مولى عمر بن عبيد الله، عَن كتاب رجل من أسلم، من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُقَال لَهُ: عبد الله بن أبي أوفى، فَكتب إِلَى عمر بن عبيد الله - حِين سَار إِلَى الحرورية يُخبرهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي بعض أَيَّامه الَّتِي لَقِي فِيهَا الْعَدو ينْتَظر، حَتَّى إِذا مَالَتْ الشَّمْس قَامَ فيهم فَقَالَ: " يَا أَيهَا النَّاس لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاء الْعَدو، واسألوا الله الْعَافِيَة " الحَدِيث.
وَفِي كتاب البُخَارِيّ من رِوَايَة مُعَاوِيَة بن عَمْرو، عَن أبي إِسْحَاق الْفَزارِيّ، عَن مُوسَى بن عقبَة، عَن سَالم أبي النَّضر مولى عمر بن عبيد الله قَالَ: كتب إِلَى عبد الله بن أبي أوفى فَقَرَأته.
وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْن أبي الزِّنَاد عَن مُوسَى بن عقبَة - كَمَا رَوَاهُ الْفَزارِيّ - أَن عبد الله بن أبي أوفى، كتب إِلَى أبي النَّضر.(2/540)
وَلَيْسَ ذَلِك بِشَيْء، وَإِنَّمَا الصَّوَاب مَا رَوَاهُ ابْن جريج، عَن مُوسَى بن عقبَة، من أَن ابْن أبي أوفى كتب بِهِ إِلَى مَوْلَاهُ عمر بن عبيد الله بن معمر بن عُثْمَان بن عَمْرو بن كَعْب بن سعد بن تَمِيم بن مرّة الْقرشِي، الْأَمِير على الجيوش، الْجواد، الَّذِي قتل أَبَا فديك، وَولي الْولَايَة الْعَظِيمَة، وَشهد مَعَ عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة بن حبيب فتوح كابل شَاة هـ وَهُوَ صَاحب الْبَقَرَة بَات يُقَاتل عَنْهَا حَتَّى أصبح، وأخباره كَثِيرَة ومناقبه وممادحه، وَكَانَ يُقَاوم قطري بن الْفُجَاءَة، وَمَات بِدِمَشْق عِنْد عبد الْملك بن مَرْوَان.
فَالْحَدِيث إِذن مُنْقَطع، حدث بِهِ أَبُو النَّضر، عَن كتاب ابْن أبي أوفى إِلَى مَوْلَاهُ الْمَذْكُور.
(541) وَقد ذكر أَبُو مُحَمَّد حَدِيث ابْن عمر فِي الدعْوَة قبل الْقِتَال كَمَا وَقع، فبرئت مِنْهُ عهدته.
قَالَ عَن ابْن عون: كتبت إِلَى نَافِع أسأله عَن الدعْوَة قبل الْقِتَال، فَكتب إِلَى: إِنَّمَا كَانَ ذَلِك فِي أول الْإِسْلَام، قد أغار رَسُول الله على بني(2/541)
المصطلق وهم غَارونَ [الحَدِيث] .
فَمثل هَذَا هُوَ الصَّوَاب فِي أَمْثَاله، أَن يبين أَنه عَن كتاب فاعلمه.
(542) وَذكر من طَرِيق مُسلم، عَن أبي الجهم بن الْحَارِث، " أقبل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من نَحْو بِئْر جمل، فَلَقِيَهُ رجل فَسلم عَلَيْهِ " الحَدِيث فِي التَّيَمُّم.
وَلم يبين انْقِطَاعه، وَهُوَ مُصَرح بِهِ عِنْد مُسلم.
إِنَّمَا قَالَ فِيهِ: وروى اللَّيْث بن سعد، عَن جَعْفَر بن ربيعَة، عَن عبد الرَّحْمَن ابْن هُرْمُز، عَن عُمَيْر مولى مَيْمُونَة، قَالَ: " أَقبلت وَأَنا عبد الله بن يسَار " الحَدِيث.
وَهُوَ مُتَّصِل عِنْد أبي دَاوُد، وَالنَّسَائِيّ، من رِوَايَة شُعَيْب بن اللَّيْث، عَن أَبِيه.
وَرَوَاهُ عَنهُ أَيْضا يحيى بن بكير، ذكره عَنهُ البُخَارِيّ، فَاعْلَم ذَلِك.
(543) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث أُسَامَة بن عُمَيْر: " رَأَيْتنَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - زمن الْحُدَيْبِيَة، ومطرنا مَطَرا لم تبل السَّمَاء أَسْفَل نعالنا ". الحَدِيث.(2/542)
وَسكت عَنهُ، وَإِسْنَاده عِنْد أبي دَاوُد مُنْقَطع - أَعنِي هَذَا اللَّفْظ - إِنَّمَا قَالَ فِيهِ سُفْيَان بن حبيب: أخبرنَا عَن خَالِد الْحذاء، عَن أبي قلَابَة، عَن أبي الْمليح ابْن أُسَامَة، عَن أَبِيه. فَذكره /.
(544) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن ابْن عمر، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ:(2/543)
" أقِيمُوا الصُّفُوف، وحاذوا بَين المناكب، وسدوا الْخلَل، ولينوا بأيدي إخْوَانكُمْ، وَلَا تذروا فرجات للشَّيْطَان، وَمن وصل صفا / وَصله الله، وَمن قطع صفا قطعه الله ".
هَكَذَا سَاق هَذَا الحَدِيث، وَلم يتبعهُ قولا، وَهُوَ هَكَذَا خطأ، فَإِن قِطْعَة مِنْهُ مُرْسلَة، فَجَاءَت هَكَذَا كَأَنَّهَا مُسندَة، وَهِي لَفْظَة: " ولينوا بأيدي إخْوَانكُمْ ".
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا عِيسَى بن إِبْرَاهِيم الغافقي قَالَ: حَدثنَا ابْن وهب.
وَحدثنَا قُتَيْبَة قَالَ: حَدثنَا اللَّيْث - وَحَدِيث ابْن وهب أتم - عَن مُعَاوِيَة بن صَالح عَن أبي الزَّاهِرِيَّة عَن كثير بن مرّة عَن عبد الله بن عمر - قَالَ قُتَيْبَة -: عَن أبي الزَّاهِرِيَّة، عَن أبي شَجَرَة.
وَلم يذكر ابْن عمر أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " أقِيمُوا الصُّفُوف، وحاذوا بَين المناكب، وسدوا الْخلَل، ولينوا بأيدي إخْوَانكُمْ ".
وَلم يقم عِيسَى " بأيدي إخْوَانكُمْ " - صحف فِيهِ - " وَلَا تذروا فرجات للشَّيْطَان، وَمن وصل صفا وَصله الله، وَمن قطع صفا قطعه الله ".
هَذَا نَص مَا عِنْده، وَفِيه بَيَان مَا قُلْنَا، فَإِن رِوَايَة قُتَيْبَة لم يذكر فِيهَا ابْن عمر، إِنَّمَا جعله مُرْسلا من مراسل أبي شَجَرَة: كثير بن مرّة.
وَعِيسَى بن إِبْرَاهِيم الَّذِي وَصله بِذكر ابْن عمر فِيهِ، لم يقم، أَو لم يقل.(2/544)
لَفْظَة " بأيدي إخْوَانكُمْ "، فَاعْلَم ذَلِك.
(545) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا فِي أَحَادِيث التَّيَمُّم أَن قَالَ ويروى إِلَى الْمرْفقين.
وَهَذِه الرِّوَايَة إِنَّمَا هِيَ عِنْد أبي دَاوُد مُنْقَطِعَة الْإِسْنَاد، مُصَرح من قَتَادَة بذلك، إِنَّمَا قَالَ فِيهَا: حَدثنِي مُحدث عَن الشّعبِيّ، عَن عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى عَن عمار بن يَاسر أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِلَى الْمرْفقين ".
(546) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَيْسَ على النِّسَاء حلق " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، فَكَانَ ذَلِك تَصْحِيحا لَهُ مِنْهُ، وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف مُنْقَطع.(2/545)
أما ضعفه فبأن أم عُثْمَان بنت أبي سُفْيَان، لَا يعرف لَهَا حَال.
وَأما انْقِطَاعه فيتبين بإيراده كَمَا وَقع.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحسن الْعَتكِي، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن بكر، قَالَ: حَدثنَا ابْن جريج، قَالَ بَلغنِي عَن صَفِيَّة بنت شيبَة، قَالَت: أَخْبَرتنِي أم عُثْمَان بنت أبي سُفْيَان أَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ / رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: مثله " لَيْسَ على النِّسَاء حلق، إِنَّمَا على النِّسَاء التَّقْصِير ".
فَهَذَا طَرِيق مُنْقَطع، لقَوْل ابْن جريج: بَلغنِي عَن صَفِيَّة.
ثمَّ قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا رجل ثِقَة، يكنى أَبَا يَعْقُوب قَالَ: حَدثنَا هِشَام ابْن يُوسُف عَن ابْن جريج، عَن عبد الحميد بن جُبَير بن شيبَة، عَن صَفِيَّة بنت شيبَة، قَالَت: أَخْبَرتنِي أم عُثْمَان بنت أبي سُفْيَان، أَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مثله.
وَهَذَا أَيْضا مُنْقَطع، فَإنَّا مَا لم نَعْرِف الَّذِي حدث بِهِ حَتَّى يوضع فِيهِ النّظر، فَهُوَ بِمَثَابَة من لم يذكر.
وَهَكَذَا القَوْل فِيمَا يرويهِ مَالك، عَن الثِّقَة عِنْده وأشباهه.
وَلم ينفع كَونه يكنى أَبَا يَعْقُوب، فقد عرفنَا نَحن أَنه مكنى، وإنسان، فَمَا ذَلِك بِنَافِع.
وَمن لج فِي هَذَا، لن يلج فِي أَنه مَجْهُول فَلَا يكون الحَدِيث من أَجله صَحِيحا.(2/546)
وَإِن فسره مُفَسّر بِأَنَّهُ أَبُو يَعْقُوب: إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن أبي إِسْرَائِيل، فَإِنَّهُ يروي هَذَا الحَدِيث، عَن هِشَام بن يُوسُف، لم يقنع بذلك، وَهُوَ أَيْضا رجل قد علم لَهُ رَأْي فَاسد يتجرح بِهِ، تَركه / النَّاس من أَجله، وَهُوَ الْوَقْف فِي أَن الْقُرْآن مَخْلُوق، وَإِن كَانَ لَا يُؤْتى من جِهَة الصدْق وَمن طَرِيقه ذكر الدَّارَقُطْنِيّ هَذَا الحَدِيث، عَن الْبَغَوِيّ عَنهُ، فَاعْلَم ذَلِك.
(547) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار، عَن أبي مُوسَى، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يُطلق النِّسَاء إِلَّا من رِيبَة، إِن الله لَا يحب الذواقين وَلَا الذواقات ".
ثمَّ قَالَ: لَيْسَ لهَذَا الحَدِيث إِسْنَاد قوي.
لم يزدْ على هَذَا، وَصدق فِيهِ، وَهُوَ حَدِيث مُصَرح فِي إِسْنَاده بالانقطاع، إِنَّمَا هُوَ من رِوَايَة عبد الله بن عِيسَى، عَمَّن حَدثهُ، عَن أبي مُوسَى.
وَلِأَن أَبَا مُحَمَّد لم يذكر علته وَلَا فسر من حَاله شَيْئا، أخرنا شرح أمره إِلَى الْبَاب الَّذِي نذْكر فِيهِ الْأَحَادِيث الَّتِي أجمل تعليلها.
واكتفينا هَا هُنَا بالتنبيه على انْقِطَاعه.
وَقد فَرغْنَا من ذكر الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة وَهِي مُنْقَطِعَة، فلنذكر مَا ذكر من الْأَحَادِيث على أَنَّهَا مُتَّصِلَة، وَهِي مَشْكُوك فِي اتصالها.
(548) فَمن ذَلِك مَا ذكر من طَرِيق أبي أَحْمد الْحَاكِم، من حَدِيث(2/547)
عَبدة بن حزن النصري - وَكَانَت لَهُ صُحْبَة - قَالَ: كَانُوا يَفْعَلُونَ أَشْيَاء فكرهها النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَقيل لَهُ: لَو نهيتهم فَقَالَ: " لَو نهيت رجَالًا أَن لَا يَأْتُوا الْحجُون لأتوها، مَا لَهُم بهَا حَاجَة ".
هَكَذَا أورد هَذَا الحَدِيث، وَسكت عَنهُ مصححا لَهُ، وَهَذَا الحَدِيث لَا يَنْبَغِي أَن يُطلق عَلَيْهِ القَوْل بِالصِّحَّةِ، وَذَلِكَ أَنهم يَخْتَلِفُونَ فِي صُحْبَة هَذَا الرجل.
قَالَ ابْن السكن: يُقَال: لَهُ صُحْبَة، وَلم تصح لَهُ صُحْبَة.
وَكَانَ شريك يَقُول فِي حَدِيثه: كَانَت لَهُ صُحْبَة، وَاخْتلف فِيهِ على أبي إِسْحَاق، فَقَالَ بَعضهم: نصر بن حزن، وَقَالَ الْأَعْمَش: عَنهُ عَن أبي الْوَلِيد: عَبدة السؤاي، وَكَانَ قد أدْرك.
وَهَذَا لَا يُوضح الْمَقْصُود من كَونه صحابيا، وَلما ذكره ابْن أبي حَاتِم قَالَ: روى عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مُرْسلا وَهُوَ تَابِعِيّ، روى عَن عبد الله بن مَسْعُود، وَأورد البُخَارِيّ فِي بَابه عَن ابْن أبي عدي عَن شُعْبَة قَالَ: قلت لأبي إِسْحَاق: أدْرك نصر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؟ قَالَ: نعم.(2/548)
وَهَذَا أَيْضا لَا يُوضح الْمَقْصُود، من كَون عَبدة صحابيا.
فلقائل أَن يَقُول: نصر بن حزن، غير عَبدة، ويختلفون فِي ضبط اسْمه، فَمنهمْ من يَقُول بِفَتْح الْبَاء، وَمِنْهُم من يسكنهَا، وَذكر البُخَارِيّ بَيَان من يَقُول ذَلِك، وَمن يَقُول فِيهِ: عُبَيْدَة بِزِيَادَة يَاء، وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا مثله صَحَّ، فَاعْلَم ذَلِك.
(549) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن زَيْنَب بنت أم سَلمَة - أَن امْرَأَة كَانَت تهراق الدَّم، وَكَانَت تَحت عبد الرَّحْمَن بن عَوْف - أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أمرهَا " الحَدِيث.
وَهُوَ حَدِيث مُرْسل فِيمَا أرى وَزَيْنَب ربيبة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، مَعْدُودَة فِي التابعيات، وَإِن كَانَت إِنَّمَا ولدت بِأَرْض الْحَبَشَة، فَهِيَ إِنَّمَا تروي عَن عَائِشَة، وَأمّهَا أم سَلمَة.
(550) وَحَدِيث: " لَا يحل لامْرَأَة أَن تحد إِلَّا على زَوجهَا " ترويه عَن أمهَا، وَعَن أم حَبِيبَة، وَعَن زَيْنَب، أَزوَاج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.(2/549)
وكل مَا جَاءَ عَنْهَا عَن النَّبِي / - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِمَّا لم تذكر فِيهِ بَينهَا وَبَينه أحدا لم تذكر فِيهِ سَمَاعا مِنْهُ مثل حَدِيثهَا هَذَا.
(551) وَحَدِيث رَوَاهُ كُلَيْب بن وَائِل عَنْهَا، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه " نهى عَن الدُّبَّاء والحنتم ".
(552) وحديثها فِي تَغْيِير / اسْمهَا، فَاعْلَم ذَلِك.
(553) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث قبيصَة بن وَقاص " صلوا مَعَهم مَا صلوا إِلَى الْقبْلَة ".
وَسكت عَنهُ، وَهُوَ مَشْكُوك فِي اتِّصَاله، فَإِن قبيصَة هَذَا لَا يعرف لَهُ غير هَذَا الحَدِيث.
وَمن أَجله قَالَ فِيهِ من قَالَ: إِنَّه صَحَابِيّ وَقد أنكر على أبي زرْعَة(2/550)
إِدْخَاله فِي الصَّحَابَة الْبَصرِيين.
وَإِلَى ذَلِك فَإِن صَالح بن عبيد رَاوِيه عَنهُ، وَلَا تعرف حَاله، فَاعْلَم ذَلِك.
(554) وَذكر أَيْضا من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث ابْن أم مَكْتُوم: " لَا أجد لَك رخصَة " وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: " إِن الْمَدِينَة كَثِيرَة الْهَوَام وَالسِّبَاع ".
وكلتا الرِّوَايَتَيْنِ مَشْكُوك فِي اتصالهما: أما الأولى فيرويها عَاصِم بن بَهْدَلَة عَن أبي رزين، عَن ابْن أَن أم مَكْتُوم.
وَأَبُو رزين: مَسْعُود بن مَالك الْأَسدي أَعلَى مَا لَهُ، الرِّوَايَة عَن عَليّ وَيُقَال: إِنَّه حضر مَعَه بصفين.
وَابْن أم مَكْتُوم، قتل بالقادسية أَيَّام عمر، وَانْقِطَاع مَا بَينهمَا إِن لم يكن مَعْلُوما - لأَنا لَا نَعْرِف سنه - فَإِن اتِّصَال مَا بَينهمَا لَيْسَ مَعْلُوما أَيْضا، فَهُوَ مَشْكُوك فِيهِ.(2/551)
وَأما الرِّوَايَة الْأُخْرَى، فيرويها عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، عَن ابْن أم مَكْتُوم، وسنه لَا تَقْتَضِي لَهُ السماع مِنْهُ، فَإِنَّهُ ولد لست بَقينَ من خلَافَة عمر.
(555) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ عَن جَابر، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الإِمَام ضَامِن، فَمَا صنع فَاصْنَعُوا ".
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: قَالَ أَبُو حَاتِم: هَذَا يصحح لمن قَالَ بِالْقِرَاءَةِ خلف الإِمَام.
لم يزدْ على هَذَا، كَأَنَّهُ رأى هَذَا من أبي حَاتِم تَصْحِيحا لَهُ، فَترك النّظر فِي إِسْنَاده.
وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة لَيْسَ بتصحيح لَهُ من أبي حَاتِم، إِنَّمَا هُوَ بِمَثَابَة من يروي حَدِيثا صَحِيحا أَو سقيما ثمَّ يَقُول: هَذَا فِيهِ الْحجَّة لمن ذهب إِلَى كَذَا، يَعْنِي أَنه من متعلقاته إِن صَحَّ، أَو حَتَّى يدْفع بِمَا يُوجب دَفعه بِهِ.
وَإِلَى هَذَا فَلَو / كَانَ تَصْحِيحا من أبي حَاتِم، لوَجَبَ مَعَ ذَلِك من النّظر فِي إِسْنَاده، مَا يجب مَعَ تَصْحِيح البُخَارِيّ، أَو مُسلم، أَو التِّرْمِذِيّ، أَو غَيرهم، فَإِنَّمَا تقبل الرِّوَايَة لَا الرَّأْي فِي مسَائِل الِاجْتِهَاد.
والْحَدِيث الْمَذْكُور سَاقه الدَّارَقُطْنِيّ هَكَذَا، حَدثنَا مُحَمَّد بن مخلد، حَدثنَا أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ، حَدثنَا الْحميدِي، حَدثنَا مُوسَى بن شيبَة، عَن مُحَمَّد بن(2/552)
كُلَيْب، وَهُوَ ابْن جَابر [بن عبد الله، عَن جَابر] فَذكره.
فَفِيهِ للبحث موضعان: أَحدهمَا هَل سمع مُحَمَّد بن كُلَيْب بن جَابر من جده جَابر أم لَا؟ فَإِنِّي رَأَيْت البُخَارِيّ لما ذكره إِنَّمَا قَالَ: يروي عَن مَحْمُود، وَمُحَمّد ابْني جَابر، فَأَما زِيَادَة ابْن أبي حَاتِم فِي كِتَابه حَيْثُ قَالَ: روى عَن جَابر وَمُحَمّد ومحمود ابْني جَابر فَإِنَّمَا ذَلِك أَخذ من هَذَا الْإِسْنَاد، وَلَيْسَ فِي قَوْله: عَن جَابر، مَا يُؤذن بِسَمَاعِهِ مِنْهُ.
والموضع الآخر، مُوسَى بن شيبَة، فَإِن ابْن حَنْبَل قَالَ: أَحَادِيثه مَنَاكِير.
وَإِن كَانَ أَبُو حَاتِم قد قَالَ فِيهِ: صَالح الحَدِيث فَإِن الَّذِي مَسّه بِهِ أَحْمد جرح مُفَسّر.
(556) وَذكر من طَرِيق عبد الرَّزَّاق، عَن معمر وَابْن عُيَيْنَة، عَن أَيُّوب، عَن ابْن سِيرِين، عَن عمرَان بن الْحصين، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " التَّسْلِيم بعد سَجْدَتي السَّهْو ".
ثمَّ قَالَ: قَالَ ابْن معِين: سمع مُحَمَّد بن سِيرِين من عمرَان.
هَذَا مَا أورد، وَهُوَ كَمَا ذكر، وَلكنه عِنْدِي / مَشْكُوك فِي اتِّصَاله.(2/553)
وَبَيَان ذَلِك، هُوَ أَن مُحَمَّد بن سِيرِين قد روى عَن عمرَان أَحَادِيث معنعنة، لَا يذكر فِيهَا السماع.
(557) مِنْهَا فِي كتاب مُسلم، حَدِيث الَّذِي عض يَد رجل.
(558) وَحَدِيث الَّذِي " أعتق سِتَّة أعبد لَهُ عِنْد مَوته ".
(559) وَفِي غير كتاب مُسلم حَدِيث: " من حلف على يَمِين صَبر كَاذِبًا، فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار ".
(560) وَحَدِيث: " من كذب على مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار ".
(561) وَحَدِيث " لَا يزَال العَبْد فِي الصَّلَاة مَا انْتظر الصَّلَاة ".
(562) وَحَدِيث " لَا طَاعَة فِي مَعْصِيّة الله ".(2/554)
هَذَا مَا أذكر من ذَلِك الْآن، وَمَا مِنْهُ شَيْء ذكر فِيهِ سَمَاعه مِنْهُ.
فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لم يسمع مِنْهُ فِيمَا يُقَال.
وَقَالَ غَيره: سمع مِنْهُ، كَمَا ذكر الْآن / أَبُو مُحَمَّد، عَن ابْن معِين، وَهُوَ صَحِيح عَنهُ، ذكره عَنهُ إِسْحَاق بن مَنْصُور الكوسج.
(563) وَفِي كتاب مُسلم حَدِيث: " سبعين ألفا يدْخلُونَ الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب ".
فِيهِ قَول مُحَمَّد بن سِيرِين: حَدثنِي عمرَان بن حُصَيْن، وَلكنه مَعَ هَذَا يبْقى الشَّك فِيهِ، ويقوى فِي حَدِيث هَذَا الْبَاب فَإِنَّهُ إِنَّمَا يروي قصَّة سَهْو النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، بتوسط ثَلَاثَة بَينه وَبَين عمرَان بن حُصَيْن.
(564) قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُحَمَّد بن يحيى بن فَارس، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا أَشْعَث عَن مُحَمَّد بن سِيرِين، عَن خَالِد الْحذاء، عَن أبي قلَابَة، عَن أبي الْمُهلب، عَن عمرَان بن حُصَيْن، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " صلى بهم، فَسَهَا، فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ، ثمَّ تشهد ثمَّ سلم ".
بل احْتَاجَ أَن يرويهِ - كَمَا ترى - عَمَّن دونه، وَهُوَ خَالِد الْحذاء، فَإِنَّهُ - أَعنِي(2/555)
خَالِد الْحذاء - إِنَّمَا عهد يروي عَن ابْن سِيرِين.
(565) وَمن رِوَايَته عَنهُ فِي كتاب مُسلم حَدِيث " الْفَأْرَة أَنَّهَا مسخ ".
فيغلب على الظَّن أَنه لم يسمع مِنْهُ حَدِيث هَذَا الْبَاب، وَلَو صَحَّ أَنه سمع مِنْهُ غَيره، وَالله أعلم.
(566) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن الْحصين بن وحوح أَن طَلْحَة ابْن الْبَراء مرض، فَأَتَاهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يعودهُ، الحَدِيث.
وَفِيه: " فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لجيفة مُسلم أَن تقيم بَين ظهراني أَهله ".
وَقَالَ بإثره: لَيْسَ إِسْنَاده بِقَوي، وَالْحصين بن وحوح لَهُ صُحْبَة.
لم يزدْ على هَذَا، وَقد بَينا فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي لم يبين عللها علته.
وَاحْتِمَال الْإِرْسَال فِيهِ، بِكَوْن الْحصين بن وحوح يرْوى عَنهُ، عَن طَلْحَة(2/556)
ابْن الْبَراء، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَقد أوضحت ذَلِك فِي الْبَاب الْمَذْكُور، فَهُوَ أخص بِذكرِهِ من هَذَا الْبَاب.
(567) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " وَقت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لأهل الْمشرق العقيق ".
ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده يزِيد بن أبي زِيَاد.(2/557)
لم يزدْ على هَذَا، وَإِنَّمَا ذَلِك مِنْهُ اتكال على مَا تقدم فِي يزِيد بن أبي زِيَاد: من كَونه لَا يحْتَج بِهِ.
وَالْمَقْصُود الْآن بَيَانه هُوَ أَن هَذَا الحَدِيث مَشْكُوك فِي اتِّصَاله، وَذَلِكَ أَن أَبَا دَاوُد قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن حَنْبَل، حَدثنَا وَكِيع، حَدثنَا سُفْيَان، عَن يزِيد / ابْن أبي زِيَاد، عَن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: " وَقت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فَذكره.
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَبُو كريب، حَدثنَا وَكِيع، فَذكره بِإِسْنَادِهِ وَمَتنه.
فَأَقُول: إِن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس / إِنَّمَا هُوَ مَعْرُوف الرِّوَايَة عَن أَبِيه، عَن جده ابْن عَبَّاس، وَبِذَلِك ذكر فِي كتب الرِّجَال.
(568) وَفِي كتاب مُسلم، حَدِيث حبيب بن أبي ثَابت عَن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس، عَن أَبِيه، عَن عبد الله بن عَبَّاس، أَنه رقد عِنْد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فَاسْتَيْقَظَ، فَتَسَوَّكَ، وَتَوَضَّأ وَهُوَ يَقُول: إِن فِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض " الحَدِيث.
(569) وَعند الْبَزَّار، حَدِيث هِشَام بن عُرْوَة، عَن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أكل كَتفًا(2/558)
أَو لَحْمًا، ثمَّ صلى، وَلم يمس المَاء ".
فَهُوَ - كَمَا ترى - إِنَّمَا عهد يروي عَن أَبِيه، عَن جده، وَلَا أعلمهُ يروي عَن جده، إِلَّا هَذَا الحَدِيث، وأخاف أَن يكون مُنْقَطِعًا، وَلم يذكر البُخَارِيّ وَلَا ابْن أبي حَاتِم أَنه يروي عَن جده، وَقد ذكرا أَنه يروي عَن أَبِيه.
وَقَالَ مُسلم فِي كتاب التَّمْيِيز لَا يعلم لَهُ سَماع من جده، وَلَا أَنه لقِيه، فَاعْلَم ذَلِك.
(570) وَذكر من مُسْند أبي بكر بن أبي شيبَة، عَن سعد، " لما قدمنَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حجَّته، فمنا من رمى بست وَمنا من رمى بِسبع " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده الْحجَّاج بن أَرْطَأَة.
وَهُوَ كَمَا ذكر، وَلَكِنِّي أَشك فِي اتِّصَاله، فَإِنَّهُ من رِوَايَة مُجَاهِد، عَن سعد ابْن أبي وَقاص، وَلَا أعلم لَهُ سَمَاعا مِنْهُ، وَإِنَّمَا أعلمهُ يروي عَن عَامر بن سعد ابْن أبي وَقاص، عَن أَبِيه سعد، ويروي عَن الصَّحَابَة: عَن ابْن عمر، وَابْن عَبَّاس، وَأبي سعيد، وَجَابِر، وَأبي هُرَيْرَة، وَأبي رَيْحَانَة.(2/559)
وَرِوَايَته عَن عَائِشَة مُرْسلَة، وَعَن عَليّ كَذَلِك، وَكَانَ موت سعد بن أبي وَقاص، سنة ثَمَان وَخمسين، وَمُجاهد إِذْ ذَاك من نَحْو ثَمَان وَثَلَاثِينَ سنة فَهُوَ لَا يبعد سَمَاعه مِنْهُ، وَلَكِن لَا أعلمهُ.
(571) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن سعد بن أبي / وَقاص: مَرضت مَرضا أَتَانِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يعودنِي، " فَوضع يَده بَين ثديي حَتَّى وجدت بردهَا على فُؤَادِي، فَقَالَ: إِنَّك رجل مفؤود ائْتِ الْحَارِث بن كلدة أَخا ثَقِيف، فَإِنَّهُ رجل يتطبب " الحَدِيث، وَسكت أَيْضا عَنهُ مصححا لَهُ، وَإِنَّمَا يرويهِ مُجَاهِد عَن سعد.
(572) وَذكر من طَرِيق مُسلم عَن أبي رَافع قَالَ: " لم يَأْمُرنِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن أنزل الأبطح حِين خرج من منى، وَلَكِنِّي جِئْت، فَضربت قُبَّته، فجَاء فَنزل ".
كَذَا أوردهُ وَسكت عَنهُ، وَلم يضع فِيهِ نظرا لما كَانَ من عِنْد مُسلم، وَمُسلم إِنَّمَا هُوَ عِنْده من رِوَايَة سُلَيْمَان بن يسَار، قَالَ: قَالَ أَبُو رَافع فَذكره.(2/560)
وَقد يعرض فِي سَماع سُلَيْمَان بن يسَار من أبي رَافع شكّ لمن يقف على كَلَام أبي عمر بن عبد الْبر.
(573) فَإِنَّهُ لما ذكر حَدِيث مَالك، عَن ربيعَة بن عبد الرَّحْمَن، عَن سُلَيْمَان بن يسَار، " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بعث أَبَا رَافع مَوْلَاهُ ورجلا من الْأَنْصَار، فزوجاه مَيْمُونَة بنت الْحَارِث، وَرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالْمَدِينَةِ قبل أَن يخرج ".
قَالَ: إِن مَطَرا الْوراق، رَوَاهُ عَن ربيعَة، عَن سُلَيْمَان بن يسَار، عَن أبي رَافع، قَالَ: وَذَلِكَ عِنْدِي غلط من مطر، لِأَن سُلَيْمَان بن يسَار، ولد سنة أَربع وَثَلَاثِينَ، وَقيل: سنة سبع وَعشْرين، وَمَات أَبُو رَافع / بِالْمَدِينَةِ إِثْر قتل عُثْمَان - رَضِي الله عَنهُ - وَكَانَ قَتله فِي ذِي الْحجَّة، سنة خمس وَثَلَاثِينَ، فَغير مُمكن سَمَاعه مِنْهُ، وممكن أَن يسمع من مَيْمُونَة، لِأَنَّهُ توفيت سنة سِتّ وَسِتِّينَ بسرف، وَهِي مولاته ومولاة إخْوَته، أعتقتهم وولاؤهم لَهَا، ويستحيل أَن يخفى عَلَيْهِ أمرهَا.
وَقد ذكر أَبُو مُحَمَّد فِي النِّكَاح - من طَرِيق النَّسَائِيّ - حَدِيث سُلَيْمَان بن يسَار هَذَا عَن أبي رَافع، فِي زواج مَيْمُونَة.
وَهُوَ عِنْد النَّسَائِيّ من رِوَايَة مطر كَذَلِك، وَسكت عَنهُ، وَلم يعرض مِنْهُ لانْقِطَاع إِسْنَاد وَلَا لضعف مطر.
وَذكره التِّرْمِذِيّ أَيْضا بِإِسْنَاد النَّسَائِيّ سَوَاء، يرويانه جَمِيعًا عَن قُتَيْبَة، عَن(2/561)
حَمَّاد بن زيد، عَن مطر، عَن ربيعَة، عَن سُلَيْمَان، عَن أبي رَافع /.
وَأَنا أَظن أَن الحَدِيث الْمَذْكُور مُتَّصِل، بِاعْتِبَار أَن يكون الصَّحِيح فِي مولد سُلَيْمَان، قَول من قَالَ: سنة سبع وَعشْرين، فَتكون سنه نَحْو ثَمَانِيَة أَعْوَام يَوْم مَاتَ أَبُو رَافع وَقد يَصح سَماع من هَذِه سنه.
وَقد ذكر ابْن أبي خَيْثَمَة فِي كِتَابه الحَدِيث الْمَذْكُور، فَقَالَ: حَدثنَا حَامِد بن يحيى، حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة، قَالَ: كَانَ عَمْرو بن دِينَار يحدثنا هَذَا الحَدِيث، عَن صَالح بن كيسَان أَنه سمع سُلَيْمَان بن يسَار، يَقُول: أَخْبرنِي أَبُو رَافع - وَكَانَ على ثقل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: لم يَأْمُرنِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن أنزل الأبطح، وَلَكِن أَنا جِئْت فَضربت فبته، فجَاء فَنزل.
فَفِي ذكر هَذَا سَمَاعه مِنْهُ، فَالله أعلم.
(574) وَذكر حَدِيث أبي الزبير، عَن عَائِشَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أخر طواف الزِّيَارَة إِلَى اللَّيْل ".
وَقد تقدم فِي بَاب الزِّيَادَة فِي الْأَسَانِيد، أَنه مَشْكُوك فِي اتِّصَاله.
(575) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:(2/562)
" لَا تأذنوا لمن لَا يبْدَأ بِالسَّلَامِ ".
وَأعله بِكَوْنِهِ من رِوَايَة إِبْرَاهِيم [بن يزِيد] الخوزي.
وَبَقِي عَلَيْهِ أَن يبين أَنه يرويهِ عَن أبي الزبير والوليد بن أبي مغيث عَن أَحدهمَا، أَو عَن كليهمَا، عَن جَابر.
والوليد بن أبي مغيث لَا أعلمهُ إِلَّا الْوَلِيد بن عبد الله بن أبي مغيث، وَرِوَايَته إِنَّمَا هِيَ عَن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحَنَفِيَّة وَعَن يُوسُف بن مَاهك، فَأَما عَن صَحَابِيّ فَلَا.
فَالْحَدِيث إِذن مَشْكُوك فِي اتِّصَاله إِذْ لم يتمحض كَونه عَن أبي الزبير الَّذِي يروي عَن جَابر، على أَنه يُدَلس عَنهُ، فَاعْلَم ذَلِك.
(576) وَذكر من طَرِيق مُسلم عَن ابْن عَبَّاس، أَن نَبِي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، كَانَ يَقُول عِنْد الكرب: " لَا إِلَه إِلَّا الله الْعَظِيم الْحَلِيم " الحَدِيث.(2/563)
وَهُوَ حَدِيث يرويهِ هِشَام الدستوَائي، عَن قَتَادَة، عَن أبي الْعَالِيَة عَن ابْن عَبَّاس هَكَذَا مُعَنْعنًا.
وَرَوَاهُ سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة، فَقَالَ فِيهِ: إِن أَبَا الْعَالِيَة حَدثهمْ عَن ابْن عَبَّاس.
وَهَذَا لَيْسَ من المدلس تَصْرِيحًا بِأَنَّهُ سَمعه، وَلَا أَنه حدث بِهِ، لاحْتِمَال أَن يكون يَعْنِي / بقوله: إِن أَبَا الْعَالِيَة حَدثهمْ، إِنَّه حدث النَّاس غَيره، وَهَذَا لم يكن لنا أَن نتعسف بِهِ، لَوْلَا أَن شُعْبَة قد قَالَ: إِنَّمَا سمع قَتَادَة من أبي الْعَالِيَة أَرْبَعَة أَحَادِيث.
(577) [حَدِيث] يُونُس بن مَتى.
(578) وَحَدِيث عمر فِي الصَّلَاة.
(579) وَحَدِيث: " الْقُضَاة ثَلَاثَة ".(2/564)
(580) وَحَدِيث / ابْن عَبَّاس: حَدثنِي رجال مرضيون، مِنْهُم عمر، وأرضاهم عِنْدِي عمر.
هَكَذَا ذكر أَبُو دَاوُد عَن شُعْبَة فِي بَاب الْوضُوء من النّوم.
فَأَما التِّرْمِذِيّ فَإِنَّهُ ذكر عَن ابْن الْمَدِينِيّ، عَن يحيى بن سعيد، قَالَ: قَالَ شُعْبَة: لم يسمع قَتَادَة من أبي الْعَالِيَة إِلَّا ثَلَاثَة أَحَادِيث: حَدِيث يُونُس بن مَتى، وَحَدِيث عمر، وَحَدِيث الْقُضَاة. ذكر ذَلِك فِي بَاب النَّهْي عَن الصَّلَاة بعد الْعَصْر وَالصُّبْح.
فعلى هَذَا، سَماع قَتَادَة من أبي الْعَالِيَة لهَذَا الحَدِيث مَشْكُوك فِيهِ، فَاعْلَم ذَلِك.
(581) وَذكر من طَرِيق مُسلم، عَن سهل وَرَافِع بن خديج حَدِيث الْقسَامَة، فِي قصَّة عبد الله بن سهل، الْمَقْتُول بِخَيْبَر، وَقد بَين لَيْث فِي رِوَايَته، عَن يحيى بن سعيد، عَن بشير بن يسَار، أَنه حسبان، وَذَلِكَ أَنه قَالَ: قَالَ يحيى: وحسبت وَقَالَ: وَعَن رَافع بن خديج، فَحصل بذلك شكّ(2/565)
يحيى بن سعيد فِي ذكر رَافع، فَكل رِوَايَة لم يذكر فِيهَا شكه فِي ذَلِك، يجب أَن يقْضى عَلَيْهَا بِنَقص ذكر الشَّك مِنْهَا، لِأَن زِيَادَة الْحَافِظ مَقْبُولَة، وَإِن جَازَ أَن تيقنه بعد التشكك، فَإِن تشككه بعد التيقن أَيْضا جَائِز كَذَلِك.
وَسَهل بن أبي حثْمَة كَانَ صَغِيرا، إِنَّمَا يروي الْقِصَّة عَن رجال من كبراء قومه.
هَذَا على قَول من قَالَ فِيهِ: عَن مَالك، عَن سهل، عَن رجال من كبراء قومه.
فَأَما على قَول من قَالَ عَنهُ: [عَن] سهل، وَرِجَال من كبراء قومه، فَهُوَ مُرْسل.
وَاعْلَم أَن بَين أَن يحدث الْمُحدث بِالْحَدِيثِ ثمَّ يُنكره - يكون الَّذِي حدث بِهِ عَنهُ ثِقَة - وَبَين أَن يرْوى عَنهُ الشَّك فِيهِ، فرقا بَينا، وَذَلِكَ أَنه إِذا أنكرهُ، يُمكن أَن يكون نَسيَه، فالثقة مَقْبُول عَلَيْهِ، أما إِذا روى عَنهُ التشكك، فَذَلِك قدح، لاحْتِمَال أَن يكون تشكك بعد مَا رَوَاهُ على غير ذَلِك التشكك.
فَإِن قيل: فَلم قلت فِي حَدِيث سهل مُرْسل، وَهُوَ / صَحَابِيّ مَعْرُوف الصُّحْبَة، وَقد قَالَ أَبُو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم الرَّازِيّ: إِنَّه سمع أَبَاهُ يسْأَل رجلا من وَلَده، فَأخْبرهُ أَنه كَانَ دَلِيل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى أحد، وَأَنه شَهِدَهَا وَمَا بعْدهَا، وَأَنه بَعثه مخرصا، وَأَنه بَقِي إِلَى خلَافَة مُعَاوِيَة؟ قُلْنَا: من ظن هَذَا فقد أَخطَأ، وَلَا يدْرِي من هَذَا الرجل الْمُخطئ الَّذِي(2/566)
أخبر أَبَا حَاتِم بِهَذَا، فَإِن هَذَا إِنَّمَا يعرف لِأَبِيهِ أبي حثْمَة، هُوَ الَّذِي ذكره النَّاس بِهَذَا.
قَالَ أَبُو جَعْفَر الطَّبَرِيّ: " كَانَ أَبُو حثْمَة كَبِيرا، وَهُوَ دَلِيل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى أحد، وَشهد مَعَه الْمشَاهد بعد ذَلِك، وَبَعثه النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خارصا إِلَى خَيْبَر، وَضرب لَهُ بسهمه وَسَهْم فرسه، وَتُوفِّي فِي خلَافَة مُعَاوِيَة ".
وَقَالَ فِي ابْنه سهل بن أبي حثْمَة: " كَانَ يكنى أَبَا يحيى، وَقيل: أَبَا مُحَمَّد، قبض رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَهُوَ ابْن ثَمَان سِنِين، وَقد حفظ عَنهُ ".
وَكَذَا أَيْضا قَالَ أَبُو عَليّ بن السكن: " إِنَّه إِذْ قبض النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ابْن ثَمَان سِنِين "، وَمِمَّنْ قَالَه الْوَاقِدِيّ وَغَيره.
وَإِنَّمَا ولد سنة ثَلَاث من الْهِجْرَة، وَقد روى عَنهُ أَبُو هُرَيْرَة أَنه قَالَ: لقد ضَرَبَنِي بكر من معقلة الْمَقْتُول بِخَيْبَر، وَأَنا غُلَام، دَنَوْت مِنْهُ فركضني. ذكر ذَلِك أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ. وَهَذَا بِلَا شكّ - على مَا ذكر - إِنَّمَا كَانَ إِذْ ذَاك غُلَاما / وَأَيْنَ أحد من خَيْبَر؟ فَكيف يَصح أَن يُقَال فِيهِ: إِنَّه كَانَ دَلِيل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى أحد، فَاعْلَم ذَلِك.(2/567)
(2) بَاب ذكر أَحَادِيث ردهَا بالانقطاع وَهِي مُتَّصِلَة(2/569)
قد فَرغْنَا فِي الْبَاب الَّذِي انْقَضى من بَيَان الِانْقِطَاع فِي الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة فِيهِ، وَكَانَت قسمَيْنِ: قسم ظَنّه صَحِيحا فَبينا أَنه مُنْقَطع، وَقسم ضعفه بِغَيْر الِانْقِطَاع، فَبينا أَيْضا أَنه مُنْقَطع، وَلم نفصل فِي الْبَاب الْمَذْكُور قسما من قسم، وَإِنَّمَا هما مبثوثان فِي الْبَاب أجمع، وَأحد الْقسمَيْنِ - وَهُوَ الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها وَبينا / عَلَيْهِ انقطاعها - يعاكسه هَذَا الْبَاب، فَإنَّا نذْكر فِيهِ أَحَادِيث ضعفها بالانقطاع وَهِي مُتَّصِلَة، وَمَا نذْكر فِيهِ، هُوَ أَيْضا كَالَّذي فِي الْبَاب المفروغ مِنْهُ، فِي أَن مِنْهُ مبتوتا بِحكمِهِ ومشكوكا فِيهِ؛ فَمِنْهُ أَحَادِيث لَا ريب فِي اتصالها، وَأَحَادِيث لَا يبت بانقطاعها، فلنذكرها كَذَلِك.
(582) فمما هُوَ مُتَّصِل لَا ريب فِيهِ، مَا ذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن أَشْعَث، عَن الْحسن، عَن ابْن مُغفل، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يبولن(2/571)
أحدكُم فِي مستحمه " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: " وَلم يسمعهُ أَشْعَث من الْحسن، وَرُوِيَ مَوْقُوفا على عبد الله بن مُغفل " انْتهى مَا ذكر بنصه.
وَقد يظنّ بِهِ أَنه إِنَّمَا أتبعه هَذَا القَوْل لفضل علم عِنْده فِيهِ، من أَنه مُنْقَطع كَمَا ذكر، وَلَيْسَ كَذَلِك.
وَمَا بَيَانه إِلَّا مَا كتب فِي كِتَابه الْكَبِير، وَذَلِكَ أَنه بعد أَن أورد الحَدِيث الْمَذْكُور بِإِسْنَاد أبي دَاوُد من رِوَايَة عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن أَشْعَث قَالَ: " هَذَا الحَدِيث أرْسلهُ الْأَشْعَث عَن الْحسن، وَلم يسمعهُ مِنْهُ.
ذكر الْعقيلِيّ عَن يحيى الْقطَّان، قيل لأشعث: " أسمعته من الْحسن؟ قَالَ: " لَا "، وَرَوَاهُ شُعْبَة عَن قَتَادَة، عَن عقبَة بن صهْبَان، عَن عبد الله بن مُغفل مَوْقُوفا ".
هَذَا نَص مَا ذكر، وَمن خطه نقلته، وَعلمنَا مِنْهُ أَن الَّذِي رمى بِهِ الحَدِيث الْمَذْكُور من الِانْقِطَاع فِيمَا بَين الْأَشْعَث وَالْحسن، هُوَ مَا ذكر الْعقيلِيّ عَن يحيى الْقطَّان، فَنَظَرْنَا فِي ذَلِك فَلم نجد عِنْد الْعقيلِيّ مِنْهُ حرفا، وَإِنَّمَا الَّذِي عِنْده أَن الْحسن بن ذكْوَان قيل لَهُ: " أسمعته من الْحسن؟ " - يَعْنِي الْبَصْرِيّ - قَالَ: " لَا ".
وَالْحسن بن ذكْوَان لَا ذكر لَهُ فِي إِسْنَاد الحَدِيث الَّذِي أورد من عِنْد أبي دَاوُد.
ولنورد نَص مَا عِنْد الْعقيلِيّ حَتَّى نَنْظُر فِيهِ جَمِيعًا.
قَالَ الْعقيلِيّ: حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، عَن عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، قَالَ:(2/572)
نَبَّأَنِي أَشْعَث، عَن الْحسن، عَن عبد الله بن مُغفل قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يبولن أحدكُم فِي مستحمه ثمَّ يتَوَضَّأ فِيهِ؛ فَإِن عَامَّة الوسواس مِنْهُ ".
حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَاصِم، حَدثنَا / عَليّ بن عبد الله بن جَعْفَر الْمَدِينِيّ، حَدثنَا يحيى بن سعيد الْقطَّان، عَن الْحسن بن ذكْوَان، عَن الْحسن، عَن عبد الله بن الْمُغَفَّل قَالَ: " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن الْبَوْل فِي المغتسل ".
قَالَ يحيى: قيل لَهُ: " أسمعته من الْحسن؟ "، قَالَ: " لَا ".
هَذَا نَص مَا ذكر الْعقيلِيّ، ففسر أَبُو مُحَمَّد الضَّمِير من " لَهُ " بِأَنَّهُ الْأَشْعَث، فجَاء من الْخَطَأ مَا ذَكرْنَاهُ.
قَالَ الْعقيلِيّ: " حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل، حَدثنَا شَبابَة، حَدثنَا شُعْبَة عَن قَتَادَة بن صبهان قَالَ: سَمِعت عبد الله بن الْمُغَفَّل يَقُول: " الْبَوْل فِي المغتسل يَأْخُذ مِنْهُ الوسواس ".
قَالَ الْعقيلِيّ: " حَدِيث شُعْبَة أولى، وَلَعَلَّ الْحسن بن ذكْوَان أَخذه عَن أَشْعَث الْحدانِي، وَأَشْعَث بن عبد الله الْأَعْمَى الْحدانِي بَصرِي، فِي حَدِيثه وهم " انْتهى كَلَام الْعقيلِيّ.
وَهُوَ (كَمَا ترى) لم يعرض فِيهِ لما بَين أَشْعَث وَالْحسن الْبَصْرِيّ، وَكَيف يعرض لَهُ وَهُوَ أخص أَصْحَابه، وَقد سمع مِنْهُ كثيرا، وَإِنَّمَا عرض لرِوَايَة الْحسن بن ذكْوَان عَن الْحسن، فَبين بِمَا أورد أَنَّهَا مُنْقَطِعَة، وَأَنه لَعَلَّه إِنَّمَا أَخذ هَذَا الحَدِيث عَن أَشْعَث، عَن الْحسن، فَإِن الحَدِيث حَدِيث أَشْعَث. فَاعْلَم ذَلِك، وَالله الْمُوفق.(2/573)
(583) وَذكر أَيْضا من طَرِيق النَّسَائِيّ فِي زَكَاة الْبَقر، حَدِيث معَاذ بن جبل.
ثمَّ قَالَ: " هَذَا يرويهِ مَسْرُوق بن الأجدع، عَن معَاذ، ومسروق لم يلق معَاذًا، وَلَا ذكر من حَدثهُ بِهِ عَنهُ، ذكر ذَلِك أَبُو عمر وَغَيره: انْتهى مَا ذكره.
فَأَقُول (وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق) : " أَبُو عمر " أَخَاف أَن يكون تصحف من: " أَبُو مُحَمَّد " وَلم أَبَت بِهَذَا، وَلذَلِك لم أذكرهُ فِيمَا سلف فِي بَاب الْأَسْمَاء الْمُغيرَة.
وَإِنَّمَا خفت ذَلِك لِأَن أَبَا عمر بن عبد الْبر الْمَعْرُوف، لَهُ خلاف هَذَا، هُوَ يَقُول فِي رِوَايَة مَسْرُوق هَذِه عَن معَاذ: إِنَّهَا مُتَّصِلَة، وَأَبُو مُحَمَّد بن حزم، هُوَ الَّذِي كَانَ رَمَاهَا بالانقطاع، ثمَّ رَجَعَ.
ولننص لَك قوليهما حَتَّى تنظر فِي ذَلِك: قَالَ أَبُو عمر فِي التَّمْهِيد - فِي بَاب حميد بن قيس -: " وَقد رُوِيَ هَذَا الْخَبَر عَن معَاذ، بِإِسْنَاد مُتَّصِل صَحِيح ثَابت.
ذكره عبد الرَّزَّاق قَالَ: حَدثنَا معمر، / وَالثَّوْري، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي وَائِل، عَن مَسْرُوق، عَن معَاذ بن جبل قَالَ: " بَعثه النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى الْيمن فَأمره أَن يَأْخُذ من كل ثَلَاثِينَ بقرة تبيعا أَو تبيعة، وَمن كل أَرْبَعِينَ مُسِنَّة، وَمن حالم دِينَارا، أَو عدله عافر ".(2/574)
وَقَالَ فِي الاستذكار فِي بَاب صَدَقَة الْمَاشِيَة -: " وَلَا خلاف بَين الْعلمَاء أَن السّنة فِي زَكَاة الْبَقر مَا فِي حَدِيث معَاذ هَذَا، وَأَنه النّصاب الْمُجْتَمع عَلَيْهِ فِيهَا.
وَحَدِيث طَاوس هَذَا عِنْدهم عَن معَاذ، غير مُتَّصِل، والْحَدِيث عَن معَاذ ثَابت مُتَّصِل من رِوَايَة معمر، وَالثَّوْري، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي وَائِل، عَن مَسْرُوق، عَن معَاذ، بِمَعْنى حَدِيث مَالك ".
فَهَذَا نَص آخر لَهُ بِأَن الحَدِيث من رِوَايَة مَسْرُوق عَن معَاذ مُتَّصِل.
وَأما أَبُو مُحَمَّد بن حزم فَإِنَّهُ قَالَ: " إِنَّه مُنْقَطع، وَأَنه لم يلق معَاذًا ".
ثمَّ استدرك فِي آخر الْمَسْأَلَة فَقَالَ: " وجدنَا حَدِيث مَسْرُوق إِنَّمَا ذكر فِيهِ فعل معَاذ بِالْيمن، فِي زَكَاة الْبَقر.
ومسروق بِلَا شكّ عندنَا، أدْرك معَاذًا بسنه وعقله، وَشَاهد أَحْكَامه يَقِينا، وَأفْتى فِي أَيَّام عمر، وَهُوَ رجل، وَأدْركَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ رجل، وَكَانَ بِالْيمن أَيَّام معَاذ، يُشَاهد أَحْكَامه.
هَذَا مَا لَا شكّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ همداني النّسَب كَمَا فِي الدَّار، فصح أَن مسروقا وَإِن كَانَ لم يسمعهُ من معَاذ، فَإِنَّهُ عِنْده بِنَقْل الكافة من أهل بَلَده لذَلِك / عَن معَاذ فِي أَخذه لذَلِك، عَن عهد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن الكافة ". انْتهى كَلَام ابْن حزم.
وَلم أقل بعد: إِن مسروقا سمع من معَاذ، وَإِنَّمَا أَقُول: إِنَّه يجب على أصولهم أَن يحكم لحديثه عَن معَاذ، بِحكم حَدِيث المتعاصرين اللَّذين لم يعلم(2/575)
انْتِفَاء اللِّقَاء بَينهمَا، فَإِن الحكم فِيهِ أَن يحكم لَهُ بالاتصال لَهُ عِنْد الْجُمْهُور، وَشرط البُخَارِيّ، وَعلي بن الْمَدِينِيّ أَن يعلم اجْتِمَاعهمَا وَلَو مرّة وَاحِدَة، فهما - أَعنِي البُخَارِيّ وَابْن الْمَدِينِيّ - إِذا لم يعلمَا لِقَاء أَحدهمَا للْآخر، لَا يَقُولَانِ فِي حَدِيث أَحدهمَا عَن الآخر: مُنْقَطع، إِنَّمَا يَقُولَانِ: لم يثبت سَماع فلَان من فلَان.
فَإِذن لَيْسَ فِي حَدِيث المتعاصرين إِلَّا رأيان: أَحدهمَا هُوَ مَحْمُول على / الِاتِّصَال، وَالْآخر: لم يعلم اتِّصَال مَا بَينهمَا، فَأَما الثَّالِث وَهُوَ أَنه مُنْقَطع فَلَا، فَاعْلَم ذَلِك، وَالله الْمُوفق.
(584) وَذكر أَيْضا من طَرِيق النَّسَائِيّ فِي حَدِيث " لَيْسَ من الْبر الصّيام فِي السّفر " زِيَادَة، وَهِي: " عَلَيْكُم بِرُخْصَة الله الَّتِي رخص لكم فاقبلوها ".(2/576)
ثمَّ قَالَ: رَوَاهُ من حَدِيث مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان عَن جَابر، قَالَ: وَلم يسمع من جَابر، انْتهى مَا قَالَ.
وَهُوَ خطأ، وَإِنَّمَا هُوَ قَول النَّسَائِيّ تَلقاهُ عَنهُ، وَلم ينظر فِيهِ، وَلَا تفقد صِحَّته، وَلَا نَقله عَنهُ كَمَا قَالَه، فَإِن النَّسَائِيّ إِنَّمَا قَالَ: لم يسمع هَذَا الحَدِيث مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن من جَابر، فَقَالَ هُوَ: " لم يسمع من جَابر "، هَكَذَا بِإِطْلَاق، وَزَاد من عِنْده أَنه ابْن ثَوْبَان، وَأصَاب فِي ذَلِك وَلكنه لم يصب من حَيْثُ الْقَضَاء عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لم يسمع من جَابر.(2/577)
وَالنَّسَائِيّ إِنَّمَا قَالَ فِيهِ: إِنَّه لم يسمع من جَابر هَذَا الحَدِيث، وَذَلِكَ أَنه اعْتقد فِيهِ أَنه رجل آخر.
(585) وَذكر أَبُو مُحَمَّد فِي الْعَزْل، من طَرِيق النَّسَائِيّ أَيْضا عَن جَابر: " كَانَت لنا جوَار وَكُنَّا نعزل عَنْهُن فَقَالَت الْيَهُود: تِلْكَ الموءودة الصُّغْرَى ". الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ وَلم يبين من أَمر إِسْنَاده شَيْئا، وَلَا أبرز من رُوَاته أحدا، وَهُوَ إِنَّمَا يرويهِ يحيى بن أبي كثير عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان، أَن جَابر بن عبد الله قَالَ: " كَانَت لنا جوَار ". فَذكره.
فَهُوَ لَو اعْتقد فِيهِ هَا هُنَا الِانْقِطَاع لبين ذَلِك، أَو لأبرز من إِسْنَاده مَوْضِعه، مُعْتَمدًا على مَا قدم، وَهُوَ لم يفعل شَيْئا من ذَلِك.
فَأَما بَيَان اتِّصَال الحَدِيث الْمَذْكُور وَأَنه لَيْسَ بمنقطع كَمَا ذكر، فَهُوَ بِأَن تعلم أَنه حَدِيث يرويهِ رجلَانِ: كل وَاحِد مِنْهُمَا يُقَال لَهُ: مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن؛ أَحدهمَا: ابْن ثَوْبَان، وَالْآخر: ابْن سعد بن زُرَارَة، وَهَذَا هُوَ الَّذِي لم يسمعهُ من جَابر، فَأَما ابْن ثَوْبَان فَإِنَّهُ يَقُول فِيهِ: حَدثنِي جَابر.
فلنذكر أحاديثهما بنصها حَتَّى يتَبَيَّن الِاتِّصَال فِي أَحدهمَا والِانْقِطَاع فِي الآخر.
قَالَ النَّسَائِيّ: حَدثنَا شُعَيْب بن شُعَيْب بن إِسْحَاق قَالَ: حَدثنَا عبد الْوَهَّاب(2/578)
قَالَ: حَدثنَا شُعَيْب / قَالَ: حَدثنَا الْأَوْزَاعِيّ قَالَ: حَدثنَا يحيى بن أبي كثير قَالَ: حَدثنِي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن قَالَ: حَدثنِي جَابر بن عبد الله، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مر بِرَجُل فِي ظلّ شَجَرَة يرش عَلَيْهِ المَاء، فَقَالَ: " مَا بَال صَاحبكُم هَذَا؟ "، قَالُوا: يَا رَسُول الله، صَائِم، قَالَ: " إِنَّه لَيْسَ من الْبر أَن تَصُومُوا فِي السّفر، وَعَلَيْكُم بِرُخْصَة الله الَّتِي رخص لكم فاقبلوها ".
هَذَا إِسْنَاد صَحِيح مُتَّصِل، يذكر كل وَاحِد مِنْهُم " حَدثنِي "، حَتَّى انْتهى ذَلِك إِلَى مُحَمَّد / بن عبد الرَّحْمَن فَقَالَ: " حَدثنِي جَابر ".
وَهَذَا هُوَ الَّذِي أورد أَبُو مُحَمَّد وَفسّر مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، بِأَنَّهُ ابْن ثَوْبَان، وَأصَاب فِي ذَلِك، وَأَخْطَأ فِي قَوْله: لم يسمع من جَابر، وَهُوَ يروي من قَوْله وَيسمع حَدثنِي جَابر.
وَالَّذِي بعده من قَول النَّسَائِيّ: " هَذَا خطأ، وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن لم يسمع هَذَا الحَدِيث من جَابر ".
نبين الْآن - إِن شَاءَ الله _ أَنه إِنَّمَا قَالَ ذَلِك، مُعْتَقدًا أَنه مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن ابْن سعد، لَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان، وَذَلِكَ أَن كل مَا أورد بعده مُنْقَطِعًا، إِنَّمَا هُوَ لمُحَمد بن عبد الرَّحْمَن بن سعد / لَا لِابْنِ ثَوْبَان.
فمما أورد بعده: نَبَّأَنِي مَحْمُود بن خَالِد، حَدثنَا الْفرْيَابِيّ، حَدثنَا الْأَوْزَاعِيّ، حَدثنَا يحيى، حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، أَخْبرنِي من سمع جَابِرا نَحوه.(2/579)
فَهَذَا هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن سعد [بن زُرَارَة] لَا ابْن ثَوْبَان.
وَأورد من رِوَايَة وَكِيع، عَن عَليّ بن الْمُبَارك، عَن يحيى، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان، " عَن جَابر "، هَكَذَا مُعَنْعنًا، لم يقل: أَخْبرنِي جَابر، كَمَا قَالَ شُعَيْب عَن الْأَوْزَاعِيّ، وَصرح فِيهِ بِأَنَّهُ ابْن ثَوْبَان.
وَقَالَ عُثْمَان بن عمر: عَن عَليّ بن الْمُبَارك، عَن يحيى [عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، عَن رجل، عَن جَابر.
وَهَذَا أَيْضا هُوَ ابْن سعد، لَا ابْن ثَوْبَان، فَعرف النَّسَائِيّ أَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، هَذَا الَّذِي يَقُول فِي رِوَايَة الْفرْيَابِيّ: عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن يحيى عَنهُ، حَدثنِي من سمع جَابِرا - وَفِي رِوَايَة عُثْمَان بن عمر، عَن عَليّ بن الْمُبَارك عَن يحيى] عَنهُ، عَن رجل، عَن جَابر - أَنه مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن سعد فَقضى لذَلِك بِانْقِطَاع رِوَايَته للْحَدِيث عَن جَابر، وَزَاد إِلَى ذَلِك أَن ظن أَنه الَّذِي فِي / رِوَايَة شُعَيْب، عَن الْأَوْزَاعِيّ، فخطأ من قَالَ عَنهُ: حَدثنِي جَابر.
وَجزم بِأَن بَينهمَا رجلا، ثمَّ أَخذ فِي بَيَان من هُوَ هَذَا الرجل الَّذِي بَينهمَا، فَقَالَ: ذكر اسْم الرجل، حَدثنَا عَمْرو بن عَليّ، قَالَ: حَدثنَا يحيى، وخَالِد بن الْحَارِث، عَن شُعْبَة، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حسن، عَن جَابر، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رأى رجلا قد ظلل عَلَيْهِ فِي السّفر فَقَالَ: " لَيْسَ الْبر الصّيام فِي السّفر ".
ثمَّ قَالَ: حَدِيث شُعْبَة هَذَا هُوَ الصَّحِيح.(2/580)
انْتهى مَا أورد النَّسَائِيّ فِي بَيَان انْقِطَاع رِوَايَة مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن سعد فِيمَا بَينه وَبَين جَابر فِي هَذَا الحَدِيث.
وَالْخَطَأ فِيهِ، هُوَ فِي أَن اعْتقد فِي مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الْقَائِل: حَدثنِي جَابر، أَنه ابْن سعد، وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك، وَإِنَّمَا هُوَ ابْن ثَوْبَان، وَهُوَ قد سَمعه من جَابر، كَمَا أخبر عَن نَفسه فِي قَوْله: " حَدثنِي جَابر " وَقد صرح بِكَوْنِهِ ابْن ثَوْبَان، فِي رِوَايَة وَكِيع، عَن عَليّ بن الْمُبَارك.
فَإِذن هَذَا الَّذِي يرويهِ شُعْبَة عَنهُ، عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حسن، عَن جَابر، لَيْسَ هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان، إِنَّمَا هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن ابْن سعد بن زُرَارَة.
وَبَيَان ذَلِك فِي كتاب مُسلم وَأبي دَاوُد فِي نفس هَذَا الْإِسْنَاد، وَهُوَ أَنْصَارِي، وَلَيْسَ فِي رِوَايَته ذكر للزِّيَادَة الْمَذْكُورَة، وَإِنَّمَا هِيَ فِي رِوَايَة مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان.
وَيحيى بن أبي كثير مَعْرُوف الرِّوَايَة عَن الرجلَيْن، أما عَن ابْن ثَوْبَان فَهُوَ مُصَرح بِهِ فِي الْإِسْنَاد الْمَذْكُور، من رِوَايَة وَكِيع عَن عَليّ بن الْمُبَارك.
وَرِوَايَته عَن ابْن سعد بن زُرَارَة مُصَرح بِهِ أَيْضا فِي كتاب مُسلم فِي الحَدِيث الْمَذْكُور دون الزِّيَادَة الْمَذْكُورَة.
(586) وَفِي كتاب البُخَارِيّ فِي فَضَائِل الْقُرْآن من رِوَايَة شَيبَان، عَن يحيى بن أبي كثير، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، عَن أبي سَلمَة، عَن عبد الله(2/581)
ابْن عَمْرو أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لَهُ: " فِي كم تقْرَأ الْقُرْآن؟ " الحَدِيث. وَهَذَا هُوَ ابْن سعد بِلَا خلاف.
فَإذْ الْأَمر هَكَذَا، فَلَا يَنْبَغِي أَن يبت على الَّذِي يَقُول: " حَدثنِي جَابر " بِأَنَّهُ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن سعد / كَمَا فعل النَّسَائِيّ، ثمَّ يقْضِي على قَوْله " أَخْبرنِي جَابر " بالْخَطَأ، من أجل إِدْخَال الآخر بَينه / وَبَين جَابر رجلا، بل يجب أَن يُقَال: إِنَّه ابْن ثَوْبَان، الصَّحِيح السماع من جَابر، وَلَو لم يثبت أَنَّهُمَا رجلَانِ، لما جَازَ أَن يَقُول فِي رِوَايَته: إِنَّهَا مُنْقَطِعَة، وَهُوَ قد قَالَ: " حَدثنِي جَابر " وَلَو رَوَاهُ بِوَاسِطَة عَنهُ، فَإِنَّهُ لَا مَانع من أَن يكون سَمعه مِنْهُ، وحدثه بِهِ غَيره عَنهُ، فأداه على الْوَجْهَيْنِ.
وَقد تقرر أَنَّهُمَا رجلَانِ، فالقائل مِنْهُمَا: " حَدثنِي جَابر " هُوَ ابْن ثَوْبَان، وَالْقَائِل " عَن رجل عَن جَابر " هُوَ ابْن سعد بن زُرَارَة.
فَإِن قيل: فَهَل علم سَماع مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان من جَابر من غير هَذَا الحَدِيث؟ قُلْنَا: " نعم ".
(587) روى شَيبَان النَّحْوِيّ قَالَ: حَدثنِي يحيى بن أبي كثير، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان، أَن جَابر بن عبد الله أخبرهُ، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كَانَ يُصَلِّي التَّطَوُّع وَهُوَ رَاكب فِي غير الْقبْلَة ".
وَقَالَ هِشَام الدستوَائي: عَن يحيى بن أبي كثير، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن(2/582)
ابْن ثَوْبَان، حَدثنِي جَابر بن عبد الله، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كَانَ يُصَلِّي على رَاحِلَته نَحْو الْمشرق فَإِذا أَرَادَ أَن يُصَلِّي الْمَكْتُوبَة نزل فَاسْتقْبل الْقبْلَة ".
فَهَذَا نَص سَمَاعه مِنْهُ فِي هذَيْن الْحَدِيثين، وهما صَحِيحَانِ، ذكرهمَا جَمِيعًا البُخَارِيّ فِي جمَاعه.
ومنهما يتَبَيَّن الْخَطَأ فِي إِطْلَاق القَوْل بِأَنَّهُ لم يسمع من جَابر، وَلَو قَالَ كَمَا قَالَ النَّسَائِيّ كَانَ أعذر، على أَنه قد تبين أَنه سمع ذَلِك الحَدِيث كَمَا قدمْنَاهُ.
وَقد ذكر مُسلم - إِثْر رِوَايَة شُعْبَة عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن سعد بن زُرَارَة عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حسن، عَن جَابر - أَن شُعْبَة قَالَ: " كَانَ يبلغنِي عَن يحيى بن أبي كثير، أَنه كَانَ يزِيد فِي هَذَا الحَدِيث وَفِي هَذَا الْإِسْنَاد: " عَلَيْكُم بِرُخْصَة الله الَّتِي رخص لكم ".
قَالَ: فَلَمَّا سَأَلته لم يحفظه ".
فجَاء من هَذَا أَن رِوَايَة شُعْبَة الَّتِي جعلهَا النَّسَائِيّ حجَّة على انْقِطَاع رِوَايَة شُعَيْب عَن الْأَوْزَاعِيّ، لَيْسَ فِيهَا ذكر الزِّيَادَة الْمَذْكُورَة.
فَإِذن، إِنَّمَا / الزِّيَادَة الْمَذْكُورَة فِي حَدِيث مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان عَن جَابر كَمَا بَيناهُ.
وهنالك أَيْضا غلط آخر للنسائي فِي هَذَا الحَدِيث، وَذَلِكَ أَنه ظن فِي رِوَايَة عمَارَة بن غزيَّة، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، عَن جَابر لهَذَا الحَدِيث، أَنه أَيْضا ابْن ثَوْبَان، وَهُوَ خطأ مِنْهُ، وَإِنَّمَا يرويهِ عمَارَة بن غزيَّة، عَن مُحَمَّد بن(2/583)
عبد الرَّحْمَن بن سعد بن زُرَارَة، عَن جَابر مُنْقَطِعًا، سَاقِطا من بَينهمَا مُحَمَّد ابْن عَمْرو بن حسن.
وَقع الْبَيَان فِيهِ أَنه ابْن سعد بن زُرَارَة فِي كتاب بَقِي بن مخلد، فَاعْلَم ذَلِك، وَالله الْمُوفق.
(588) وَذكر من طَرِيق ابْن حزم، من كتاب الْإِعْرَاب: روينَا من طَرِيق يزِيد بن زُرَيْع، عَن شُعْبَة، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي الظبيان، عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا حج العَبْد ثمَّ عتق فَعَلَيهِ حجَّة أُخْرَى، وَإِذا حج الإعرابي ثمَّ هَاجر، فَعَلَيهِ حجَّة أُخْرَى ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا إِسْنَاد رِجَاله أَئِمَّة وثقات، وَلَكِن لَا أَدْرِي الْإِسْنَاد الْموصل إِلَى يزِيد بن زُرَيْع، فَإِن أَبَا مُحَمَّد أحَال بِهِ على كتاب الإيصال وَلم أره. انْتهى كَلَامه.
وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ الدَّرك مثل مَا فِي سَائِر الْبَاب؛ لِأَنَّهُ لم يرمه بالانقطاع، وَهُوَ مُتَّصِل فِي الْموضع الَّذِي نَقله مِنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مُتَّصِل فِي غير الْموضع الَّذِي(2/584)
نَقله مِنْهُ، وَإِنَّمَا كتبته لِئَلَّا يذهب على قارئه.
وَهُوَ حَدِيث قد وصل أَبُو مُحَمَّد بن حزم إِسْنَاده فِي الْمحلى فَقَالَ: / حَدثنَا مُحَمَّد بن سعيد بن نَبَات، حَدثنَا أَحْمد بن عون الله، حَدثنَا قَاسم بن أصبغ، حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد السَّلَام الْخُشَنِي، حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار، حَدثنَا مُحَمَّد بن أبي عدي وَمُحَمّد بن الْمنْهَال: قَالَ ابْن الْمنْهَال حَدثنَا يزِيد بن زُرَيْع، حَدثنَا شُعْبَة، وَقَالَ ابْن أبي عدي: حَدثنَا شُعْبَة - ثمَّ اتفقَا - عَن شُعْبَة عَن الْأَعْمَش عَن أبي ظبْيَان عَن ابْن عَبَّاس - قَالَ يزِيد بن زُرَيْع -: عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا حج الصَّبِي، فَهِيَ لَهُ حجَّة صبي حَتَّى يعقل، فَإِذا عقل، فَعَلَيهِ حجَّة أُخْرَى / [وَإِذا حج الْأَعرَابِي فَلهُ حجَّة أَعْرَابِي، فَإِذا هَاجر فَعَلَيهِ حجَّة أُخْرَى] "، وَأَوْقفهُ ابْن أبي عدي على ابْن عَبَّاس.
فَهَذَا قسم وَاحِد مِمَّا فِي الْخَبَر الْمَذْكُور، وَهُوَ فصل الْأَعرَابِي يحجّ ثمَّ يُهَاجر، فَأَما فصل العَبْد يحجّ ثمَّ يعْتق، فَإِنَّهُ لَا يتَّصل مِمَّن هَاهُنَا.
وَذكره أَبُو مُحَمَّد بن حزم، هَكَذَا قَالَ: ورويناه من طَرِيق عُثْمَان بن خرزاد الْأَنْطَاكِي، حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمنْهَال الضَّرِير، حَدثنَا يزِيد بن زُرَيْع، حَدثنَا شُعْبَة، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي ظبْيَان، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَيّمَا صبي حج وَلم يبلغ الْحِنْث فَعَلَيهِ حجَّة أُخْرَى، وَأَيّمَا عبد حج ثمَّ أعتق فَعَلَيهِ أَن يحجّ حجَّة أُخْرَى " انْتهى.(2/585)
وَلَيْسَ فِيهِ ذكر الإعرابي، وَلَا وصل إِسْنَاده إِلَى عُثْمَان، فَفِي هَذَا يحْتَاج إِلَى الْوُقُوف عَلَيْهِ فِي الإيصال، وعَلى أَن هَذَا الَّذِي قَالَ أَبُو مُحَمَّد: عبد الْحق، من أَن أَبَا مُحَمَّد بن حزم أحَال فِي كتاب الْإِعْرَاب بِهَذَا الحَدِيث على كتاب الإيصال لم أره لَهُ فِي الْإِعْرَاب، وَقد تكَرر فِيهِ ذكر الحَدِيث فِي موضِعين.
والإيصال الَّذِي بِخَطِّهِ، هُوَ الَّذِي بحثت فِيهِ من الْكتاب الْمَذْكُور، وَلَكِن الْأَمر على مَا قَالَ أَبُو مُحَمَّد مَعْلُوم بِالْجُمْلَةِ أَن كل حَدِيث يُورِدهُ فِي كتاب من كتبه فقد فرغ مِنْهُ فِي الإيصال بِسَنَدِهِ.
وَزعم أَبُو مُحَمَّد بن حزم أَن هَذَا الحَدِيث صَحِيح، وَرُوَاته ثِقَات، وَعُثْمَان بن خرزاد بن عبد الله ثِقَة، حَافظ، أَصله بغدادي، توفّي بأنطاكية سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَانْصَرف ابْن حزم عَن مُوجبه بِأَن زعم أَنه مَنْسُوخ، وَإِنَّمَا كَانَ محكما قبل فتح مَكَّة، حِين كَانَت الْهِجْرَة وَاجِبَة إِلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلَام، فَلَمَّا ارْتَفع وجوب المهاجرة إِلَيْهِ وَصَحَّ لكل من نأى عَنهُ الْمقَام مُسلما، بِحَيْثُ هُوَ، صَار حجه إِن حج جازيا.
وَذكر من وَقفه على ابْن عَبَّاس غير ابْن أبي عدي، وَهُوَ الثَّوْريّ، رَوَاهُ عَن الْأَعْمَش، عَن أبي ظبْيَان، عَن ابْن عَبَّاس قَوْله، وَوَقفه أَيْضا أَبُو السّفر، وَعبيد صَاحب الْحلِيّ، وَقَتَادَة. انْتهى مَا ذكره ابْن حزم /.
وَقَالَ ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه: أخبرنَا أَبُو مُعَاوِيَة، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي ظبْيَان، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: احْفَظُوا عني وَلَا تَقولُوا: قَالَ ابْن عَبَّاس: " أَيّمَا(2/586)
عبد حج بِهِ أَهله ثمَّ أعتق، فَعَلَيهِ الْحَج، وَأَيّمَا صبي حج بِهِ أَهله صَبيا ثمَّ أدْرك، فَعَلَيهِ حجَّة رجل، وَأَيّمَا أَعْرَابِي حج أَعْرَابِيًا ثمَّ هَاجر، فَعَلَيهِ حجَّة المُهَاجر ".
وَظَاهر هَذَا الرّفْع وَالله أعلم.
(589) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، عَن فرات بن السَّائِب، عَن مَيْمُون ابْن مهْرَان، عَن ابْن عَبَّاس، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَنه نهى أَن تتَّخذ الْمَسَاجِد طرقا " الحَدِيث.
ورده بِضعْف فرات بن السَّائِب.
وَهُوَ كَمَا ذكر ضَعِيف، وَلكنه اعترى فِي هَذَا الحَدِيث شَيْء، وجدت النّسخ / عَلَيْهِ، وَهُوَ وهم، كَانَ - وَالله أعلم - فِي الْكتاب الَّذِي نقل مِنْهُ، وَهُوَ قَوْله: عَن ابْن عَبَّاس، عَن ابْن عمر.
والْحَدِيث فِي كتاب أبي أَحْمد، إِنَّمَا هُوَ عَن ابْن عَبَّاس، وَابْن عمر.
وَمَيْمُون بن مهْرَان مَعْرُوف الرِّوَايَة عَن ابْن عمر، كَمَا هُوَ معروفها عَن ابْن عَبَّاس، وأدخلته فِي هَذَا الْبَاب لِأَنَّهُ على مَا ذكر تكون رِوَايَة ابْن عَبَّاس لَهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مُنْقَطِعَة، واتصالها بتوسط ابْن عمر.
وَلَيْسَ الْأَمر فِيهَا كَذَلِك، وَيكون أَيْضا مَيْمُون بن مهْرَان لم يروه عَن ابْن(2/587)
عمر إِلَّا بِوَاسِطَة ابْن عَبَّاس، وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك، بل إِنَّمَا يرويهِ عَنْهُمَا، فَاعْلَم ذَلِك.
(590) وَذكر أَيْضا من المراسل مُرْسلا فِي " تحريق النّخل وتغريقها ".
وَزعم أَن أَبَا دَاوُد لم يُوصل بِهِ سَنَده: وَلَيْسَ كَذَلِك، بل هُوَ موصل الْإِسْنَاد، وَقد تقدم ذكره فِي بَاب الْأَشْيَاء الَّتِي تَغَيَّرت فِي نَقله عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ.
(591) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن عَمْرو بن عَوْف، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أقطع بِلَال بن الْحَارِث الْمُزنِيّ معادن الْقبلية، جلسيها، وغوريها، وَحَيْثُ يصلح الزَّرْع من قدس " الحَدِيث.(2/588)
وَفِيه أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كتب لَهُ بذلك "، فَذكر الْكتاب، وَأتبعهُ أَن قَالَ وَعَن ابْن عَبَّاس مثله.
ثمَّ قَالَ: قَالَ / الحنيني - وَهُوَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم - قرأته غير مرّة، يَعْنِي هَذَا الْكتاب - زَاد فِيهِ: " ذَات النصب " وَكتب أبي بن كَعْب.
قَالَ أَبُو عمر: هَذَا الحَدِيث مُنْقَطع لَا تقوم بِهِ حجَّة. انْتهى مَا أورد.
فَأَقُول - وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق - إِنَّه لَيْسَ بمنقطع من رِوَايَة عَمْرو بن عَوْف، [وَإِنَّمَا الْمُنْقَطع حَدِيث ابْن عَبَّاس.
وَظَاهر كَلَامه أَنه حكم على الحَدِيث من طَرِيق عَمْرو بن عَوْف] .
وَإِذا حملناه على أَنه عَنى حَدِيث ابْن عَبَّاس، بَقِي حَدِيث عَمْرو بن عَوْف غير مَحْكُوم عَلَيْهِ.
وَهَذَا الْكَلَام الَّذِي عزاهُ إِلَى أبي عمر لَا أعرفهُ لَهُ، بل لَهُ خِلَافه فِي(2/589)
التَّمْهِيد، فلنذكر أَولا إِسْنَاد الحَدِيث عِنْد أبي دَاوُد، ثمَّ كَلَام أبي عمر.
قَالَ أَبُو دَاوُد: [حَدثنَا الْعَبَّاس بن مُحَمَّد بن حَاتِم وَغَيره، قَالَ الْعَبَّاس: حَدثنَا الْحُسَيْن بن مُحَمَّد] قَالَ: حَدثنَا أَبُو أويس، قَالَ: نَبَّأَنِي كثير بن عبد الله ابْن عَمْرو بن عَوْف الْمُزنِيّ، عَن أَبِيه عَن جده، فَذكره.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا غير وَاحِد، عَن حُسَيْن بن مُحَمَّد، قَالَ: حَدثنَا أَبُو أويس، قَالَ: وحَدثني ثَوْر بن زيد، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، فَذكره بِزِيَادَة: " وَكتب أبي بن كَعْب ".
فالإسناد الأول مُتَّصِل بِلَا شكّ، عَن كثير بن عبد الله بن عَمْرو بن عَوْف، عَن أَبِيه، عَن جده، فَأَما الثَّانِي الَّذِي عَن ثَوْر بن زيد عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، فمنقطع من أجل أَن أَبَا دَاوُد قَالَ فِيهِ: حَدثنَا غير وَاحِد عَن حُسَيْن بن مُحَمَّد، وَأَبُو مُحَمَّد قد حكى عَن أبي عمر انْقِطَاع الحَدِيث.
وَالَّذِي فِي التَّمْهِيد: إِنَّمَا هُوَ أَن ذكر رِوَايَة أبي أويس للحديثين، ثمَّ قَالَ: كثير مُجْتَمع على ضعفه، لَا يحْتَج بِمثلِهِ، وَهُوَ غَرِيب، وَحَدِيث ابْن عَبَّاس لَيْسَ يرويهِ غير أبي أويس، عَن ثَوْر. انْتهى مَا ذكر.(2/590)
وَلم يرمه بِانْقِطَاع، وَلم يعرض فِي كِتَابه الاستذكار لوَاحِد من هذَيْن الطَّرِيقَيْنِ، فَلَا أَدْرِي أَيْن وجد لَهُ مَا ذكر عَنهُ، فَاعْلَم ذَلِك.
(592) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ عَن الزبير قَالَ: " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يُقَاتل عَن أحد من الْمُشْركين إِلَّا عَن أهل الذِّمَّة ".
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: فِي إِسْنَاده رشدين، وَقد تقدم ذكره، وَلَا يتَّصل أَيْضا.
كَذَا قَالَ إِنَّه لَا يتَّصل، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، فَإِن إِسْنَاده عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ هُوَ هَذَا: حَدثنَا عَليّ بن مُحَمَّد الْمصْرِيّ، حَدثنَا يحيى بن عُثْمَان بن الصَّالح، حَدثنَا نعيم، حَدثنَا رشدين، حَدثنَا عقيل عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة بن الزبير، [عَن الزبير] فَذكره.
وكل من / فِي هَذَا الْإِسْنَاد إِلَى عقيل قد قَالَ: حَدثنَا.
وَعقيل عَن الزُّهْرِيّ لَا شكّ فِي اتِّصَاله، فَإِنَّهُ لَا يُدَلس، وَالزهْرِيّ عَن عُرْوَة كَذَلِك، وَيَنْبَغِي أَن يكون عُرْوَة عَن أَبِيه كَذَلِك.(2/591)
وأظن أَن الَّذِي حمل أَبَا مُحَمَّد على قَوْله: " لَا يتَّصل " هُوَ أَن أَبَا حَاتِم الرَّازِيّ، قَالَ فِي عُرْوَة بن الزبير: رأى أَبَاهُ.
ففهم مِنْهُ أَبُو مُحَمَّد أَنه لم يَصح لَهُ [مِنْهُ] أَكثر من الرِّوَايَة، فَأَما السماع فَلَا، وَهَذَا الْفَهم خطأ، فَإِن البُخَارِيّ قد قَالَ: سمع أَبَاهُ، وَقد سَاق الْبَزَّار وَغَيره من حَدِيث عُرْوَة، عَن أَبِيه أَحَادِيث، مَا رموا شَيْئا مِنْهَا بالانقطاع.
وَنبهَ أَبُو مُحَمَّد على رشدين، وَأعْرض عَن نعيم بن حَمَّاد، وَلم يبين أَنه فِي إِسْنَاده، وَهُوَ قد ضعفه فِي غير هَذَا.
(593) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن بشير بن يسَار مولى الْأَنْصَار، عَن رجال من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لما ظهر على خَيْبَر، قسمهَا على سِتَّة وَثَلَاثِينَ سَهْما " الحَدِيث.
[ثمَّ سَاق من عِنْده أَيْضا، عَن بشير بن يسَار، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لما أَفَاء الله عَلَيْهِ خَيْبَر قسمهَا سِتَّة وَثَلَاثِينَ سَهْما " الحَدِيث] بِطُولِهِ.
ثمَّ قَالَ: هَذَا مُرْسل، وَكَذَلِكَ الَّذِي قبله.
كَذَا قَالَ فِي الأول: إِنَّه مُرْسل، وَلَيْسَ فِيهِ للإرسال مَكَان إِلَّا كَونه عَن(2/592)
صحابة غير مسمين، وَهَذَا لَا يُوجب كَونه مُرْسلا.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا حُسَيْن بن عَليّ، حَدثنَا مُحَمَّد بن فُضَيْل، عَن يحيى بن سعيد، عَن بشير بن يسَار مولى الْأَنْصَار، عَن رجال من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لما ظهر على خَيْبَر " / فَذكره.
وَبشير بن يسَار، قد شهد لهَؤُلَاء الَّذين رَوَاهُ عَنْهُم بالصحبة وَهُوَ يروي عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة الْأَنْصَار، مِنْهُم أنس، وَجَابِر، وسُويد بن النُّعْمَان، وَسَهل بن أبي حثْمَة، وَرَافِع بن خديج.
(594) وَقد اعتراه مثل هَذَا فِي حَدِيث آخر، ذكره من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن الْقَاسِم مولى عبد الرَّحْمَن، عَن بعض أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " كُنَّا نَأْكُل الجزر فِي الْغَزْو وَلَا نقسمهُ ".
فَقَالَ فِي بعض النّسخ: قد تقدم الْكَلَام فِي الْقَاسِم، والْحَدِيث مُرْسل.
كَذَا قَالَ، وَمَا بِهِ إرْسَال، إِنَّمَا هُوَ مَوْقُوف، وَضَعِيف بِغَيْر الْإِرْسَال، وَهُوَ الْجَهْل بِحَال ابْن حرشف الْأَزْدِيّ، رَاوِيه عَن الْقَاسِم.(2/593)
(595) وَقد اعتراه ذَلِك أَيْضا فِي حَدِيث آخر، ذكره من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن أبي عِيسَى الخرساني، عَن عبد الله بن الْقَاسِم، [ٍعن أَبِيه] عَن سعيد بن الْمسيب، أَن رجلا من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَتَى عمر بن الْخطاب [رَضِي الله عَنهُ] فَشهد عِنْده أَنه سمع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي مَرضه الَّذِي قبض فِيهِ: " ينْهَى عَن الْعمرَة قبل الْحَج ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا مُرْسل [لِأَنَّهُ] عَمَّن لم يسم.
وَهُوَ كَلَام يحْتَمل مَعْنيين: أَحدهمَا أَن يكون مَعْنَاهُ: هَذَا مُرْسل؛ لِأَنَّهُ عَمَّن لم يسم، فَإِن كَانَ هَذَا الَّذِي عني، فَهُوَ مثل الَّذِي قَالَ فِي الْحَدِيثين اللَّذين قبله، من رِوَايَة بشير بن يسَار، وَالقَاسِم، عَمَّن لم يسم.
وَالْمعْنَى الآخر أَن يكون مَعْنَاهُ: هَذَا مُرْسل، أَي مُنْقَطع فِيمَا بَين سعيد بن الْمسيب وَعمر بن الْخطاب، وَعَمن لم يسم / زِيَادَة إِلَى ذَلِك.
فَهَذَا إِن كَانَ معنيه فَإِنَّهُ يُخرجهُ عَن أَن يكون مثل الْحَدِيثين، وَلكنه يكون قد عد عِلّة كَون الحَدِيث لم يسم صحابيه، بعد أَن شهد لَهُ التَّابِعِيّ بالصحبة، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء، فَإِنَّهُ يصحح أَمْثَال هَذَا دائبا، بل يصحح أَحَادِيث / رجال يَقُولُونَ عَن أنفسهم: إِنَّهُم رَأَوْا أَو سمعُوا، وَإِن لم يشْهد(2/594)
لأَحَدهم التَّابِعِيّ الرَّاوِي عَنهُ بالصحبة، وَلم يثبت / هَذَا الحَدِيث فِي بَاب الْقُرْآن والإفراد، بِهَذَا الْكَلَام الَّذِي بعده فِي جَمِيع النّسخ.
وتكرر ذكره فِي بَاب آخر قريب آخر كتاب الْحَج، فَقَالَ بعده: هَذَا مُنْقَطع وَضَعِيف الْإِسْنَاد. فَكَانَ هَذَا القَوْل صَوَابا.
(596) وَإِن أردْت الْوُقُوف على مَا حكم لَهُ بالاتصال: مِمَّا هُوَ عَن صَحَابِيّ لم يسم، فَاعْلَم أَنه ذكر حَدِيث " النَّهْي عَن أَن يَسْتَطِيب أحد بِعظم، أَو وَرَثَة، أَو جلد ".
وَهُوَ عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن، عَن رجل من بعض أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَقَالَ: " إِنَّه لَا يَصح "، وَلم يرمه بِالْإِرْسَال.
(597) وَذكر عَن خَالِد بن معدان، عَن أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَمر الَّذِي ترك مَوضِع ظفر على قدمه أَن يُعِيد الْوضُوء وَالصَّلَاة ".
ثمَّ رده بِأَن قَالَ: فِي إِسْنَاده بَقِيَّة، وَلم يعرض لَهُ بِالْإِرْسَال.(2/595)
(598) وَذكر أَيْضا عَن الْعَلَاء بن زِيَاد، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَنه اغْتسل فَرَأى لمْعَة على مَنْكِبه لم يصبهَا المَاء، فَأخذ خصْلَة من شعر " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: " وَقد أسْند هَذَا عَن الْعَلَاء، عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ".
فَانْظُر كَيفَ هُوَ عِنْده مُسْند، والصحابي لم يسم.
(599) وَذكر حَدِيث أبي الْعَالِيَة، قَالَ: أَخْبرنِي من سمع النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " أعْطوا كل سُورَة حظها من الرُّكُوع وَالسُّجُود ".
وَسكت عَنهُ مصححا لَهُ.
(600) وَذكر عَن طَاوس، عَن رجل أدْرك النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -[أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -] قَالَ: " الطّواف صَلَاة " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ.(2/596)
(601) وَذكر حَدِيث أبي عُمَيْر بن أنس، عَن عمومة لَهُ من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، أَن ركبا جَاءُوا إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يشْهدُونَ أَنهم رَأَوْا الْهلَال بالْأَمْس. الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ مصححا لَهُ، وَإنَّهُ لحري بِأَن لَا يُقَال فِيهِ: صَحِيح؛ لِأَن أَبَا عُمَيْر لَا تعرف حَاله، وَلكنه هُوَ صَححهُ، وَلم يبال / كَون عمومة أبي عُمَيْر لم يسموا.
(602) وَذكر عَن ربعي بن حِرَاش عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: اخْتلف النَّاس فِي آخر يَوْم من رَمَضَان، فَقدم أَعْرَابِيَّانِ. الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ مصححا لَهُ.
(603) وَذكر عَن عبد الله بن الْحَارِث، عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -(2/597)
[قَالَ: " دخلت على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ يتسحر] الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ.
(604) وَذكر عَن عرْفجَة عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -] فِي فضل رَمَضَان: " وينادي مُنَاد، يَا باغي الْخَيْر هَلُمَّ " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ.
(605) وَذكر عَن أبي زرْعَة السيباني عَن أبي سكينَة عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " اتْرُكُوا التّرْك مَا تركوكم ".
وَسكت عَنهُ، وَلم يرمه بإرسال، وَيَنْبَغِي أَن لَا يَصح، فَإِن أَبَا سكينَة مَجْهُول.
(606) وَذكر عَن رَاشد بن سعد، عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -،(2/598)
أَنهم قَالُوا للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: مَا بَال الْمُؤمنِينَ يفتنون فِي قُبُورهم إِلَّا الشَّهِيد؟ قَالَ: " كفى ببارقة السيوف على رَأسه فتْنَة ".
وَسكت عَنهُ مصححا لَهُ.
(607) وَذكر خبر بني النَّضِير، عَن عبد الرَّحْمَن بن كَعْب بن مَالك، عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَسكت عَنهُ.
(608) وَذكر عَن صَفْوَان بن سليم، عَن عدَّة من أَبنَاء أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، عَن آبَائِهِم دنية عَن / رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " أَلا من ظلم معاهدا " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَمَا مثله صحّح للْجَهْل بأحوال هَؤُلَاءِ الْأَبْنَاء.
(609) وَذكر عَن الْمُهلب بن أبي صفرَة، أَخْبرنِي من سمع النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -(2/599)
يَقُول: " إِن بيتم فَلْيَكُن شِعَاركُمْ {حم} لَا ينْصرُونَ ".
وَسكت عَنهُ.
(610) وَذكر حَدِيث الرجل الَّذِي تزوج امْرَأَة بكرا فَوَجَدَهَا حُبْلَى، عَن سعيد بن الْمسيب (فِي رِوَايَة) عَن رجل من الْأَنْصَار، وَفِي رِوَايَة عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَلم يعرض لَهُ بِهَذَا الْمَعْنى، إِنَّمَا عرض لَهُ من جِهَة أُخْرَى، وَهِي أَنه يرْوى عَن سعيد، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، بِغَيْر ذكر الصَّحَابِيّ.
وَأَيْضًا فَإِن ابْن جريج إِنَّمَا يرويهِ عَن ابْن أبي يحيى.(2/600)
(611) وَذكر عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن الْحِمْيَرِي، عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا اجْتمع داعيان فأجب أقربهما بَابا " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ.
(612) وَذكر حَدِيث عمَارَة بن خُزَيْمَة، عَن عَمه، وَكَانَ من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فِي قصَّة الْفرس وَجعل شَهَادَة خُزَيْمَة شهادتين ".
وَسكت عَنهُ [أَيْضا] .
(613) وَحَدِيث الشّعبِيّ عَن غير وَاحِد من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي [الدَّابَّة يعجز عَنْهَا أَهلهَا فيحييها] .(2/601)
(614) وَعَن يزِيد مولى المنبعث، عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي اللّقطَة.
(615) وَحَدِيث: " أقرّ الْقسَامَة على مَا كَانَت عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّة ".
من رِوَايَة أبي سَلمَة، وَسليمَان بن يسَار، عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من الْأَنْصَار، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
(616) وَحَدِيث أبي أُمَامَة بن سهل بن حنيف، عَن بعض أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، أَنه اشْتَكَى رجل مِنْهُم حَتَّى أضني فَذكر حَدِيثه فِي وُقُوعه على الْجَارِيَة، وَإِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ، بضربة وَاحِدَة بِمِائَة شِمْرَاخ.(2/602)
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: اخْتلف فِي إِسْنَاده.
وَقد تَمَادى بِهِ هَذَا إِلَى تَصْحِيح مَا لَا يجوز تَصْحِيحه، وَهِي أَحَادِيث عَن رجال لم يسموا، وَلَا قَالَ الروَاة عَنْهُم: إِنَّهُم صحابة، وهم لَا يَنْبَغِي أَن يقبل مِنْهُم تعديلهم أنفسهم لَو عدلوها، وَالَّذين يَزْعمُونَ الرُّؤْيَة وَالسَّمَاع أَكثر.
(617) فَمن ذَلِك مَا ذكر عَن سعيد بن الْمسيب، قَالَ: حضر رجلا من الْأَنْصَار الْمَوْت فَقَالَ: إِنِّي أحدثكُم حَدِيثا مَا / أحدثكموه إِلَّا احتسابا، سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " إِذا تَوَضَّأ أحدكُم فَأحْسن الْوضُوء " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَلم يرمه بإرسال وَلَا غَيره.
(618) وَحَدِيث معَاذ بن عبد الله الْجُهَنِيّ، أَن رجلا من جُهَيْنَة، أخبرهُ أَنه سمع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " يقْرَأ فِي الصُّبْح إِذا زلزلت " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ أَيْضا كَذَلِك.
(619) وَعَن عبيد الله بن عدي بن الْخِيَار، قَالَ: حَدثنِي رجلَانِ أَنَّهُمَا(2/603)
أَتَيَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حجَّة الْوَدَاع: " وَهُوَ يقسم الصَّدَقَة " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ أَيْضا.
(620) وَعَن أبي نجيح عَن رجلَيْنِ من بني بكر، قَالَا: رَأينَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " يخْطب بَين أَوسط أَيَّام التَّشْرِيق " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ.
(621) وَعَن عبد الله بن شَقِيق عَن رجل من بلقين قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله، هَل أحد أَحَق بِشَيْء من الْمغنم من أحد؟ قَالَ: " لَا ".
ثمَّ قَالَ عَن ابْن حزم: لَا يدْرِي هَذَا الرجل القيني من هُوَ.(2/604)
ثمَّ رد عَلَيْهِ هُوَ بِأَن قَالَ: كَذَا قَالَ فِي القيني، وَعبد الله بن شَقِيق أدْرك أَبَا هُرَيْرَة، وَابْن عَبَّاس، وَابْن عمر، وَغَيرهم. انْتهى قَوْله.
وَمَا درى أَن أَبَا مُحَمَّد بن حزم لَا يقبل حَدِيث من لَا يعرف، سَوَاء ادّعى لنَفسِهِ الثِّقَة أَو الصُّحْبَة، مَا لم يخبرنا تَابِعِيّ ثِقَة بِصُحْبَتِهِ، فَحِينَئِذٍ نقبل نَقله، وَأَيْنَ هَذَا مِمَّا قد بدأنا بِهِ من قَوْله فِي حَدِيث قد شهد التَّابِعِيّ لراويه / بالصحبة: هَذَا مُرْسل.
(622) وَعَن عَاصِم بن كُلَيْب، عَن أَبِيه، عَن رجل من الْأَنْصَار، قَالَ: خرجنَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي سفر فَأصَاب النَّاس حَاجَة، الحَدِيث فِي " أَن النهبة لَيست بأحل من الْميتَة ".
وَسكت عَنهُ بعد أَن أورد إِسْنَاده كُله، كالمتبرئ من عهدته، وَذَلِكَ مِنْهُ يُنَاقض مَا تقدم، فَإِن مَا هُوَ عِنْده صَحِيح لَا يذكر لَهُ إِسْنَادًا.
وَإسْنَاد هَذَا الحَدِيث صَحِيح، إِلَّا مَا فِيهِ من كَون هَذَا الْأنْصَارِيّ لَا يعرف، إِنَّمَا قَالَ / أَبُو دَاوُد: أخبرنَا هناد، حَدثنَا أَبُو الْأَحْوَص، عَن عَاصِم بن كُلَيْب فَذكره.(2/605)
(623) وَذكر حَدِيث يزِيد بن عبد الله بن الشخير: كُنَّا بالمربد فجَاء رجل أَشْعَث الرَّأْس، بِيَدِهِ قِطْعَة أَدِيم حَمْرَاء، الحَدِيث.
وَفِيه قُلْنَا لَهُ: من كتب هَذَا؟ فَقَالَ: رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فِيهِ سهم الصفي، وَفسّر هَذَا الرجل بِأَنَّهُ النمر بن تولب، قَالَ: وَكَانَ جوادا فصيحا، شَاعِرًا.
وَهَذَا مِنْهُ غير مغن فِيمَا ألزمناه: من تَصْحِيح أَحَادِيث يجب تضعيفها، فَإِنَّهُ لم يثبت أَنه النمر.
(624) وَإِنَّمَا هُوَ النمر فِي حَدِيث " فضل رَمَضَان وَثَلَاثَة من الشَّهْر ".
(625) وَذكر حَدِيث: " أطعميه الْأُسَارَى " فِي الشَّاة الَّتِي أخذت بِغَيْر إِذن صَاحبهَا فِي الْبيُوع.
وَهُوَ من رِوَايَة كُلَيْب بن شهَاب الْجُهَنِيّ، عَن رجل من الْأَنْصَار، قَالَ: خرجت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَذكره وَسكت عَنهُ.
(626) وَعَن سهل بن أبي حثْمَة، عَن رجال من كبراء قومه، أَن عبد الله بن سهل، ومحيصة، خرجا إِلَى خَيْبَر، الحَدِيث.(2/606)
(627) وَعَن أبي سَلمَة وَسليمَان بن يسَار، عَن رجال من الْأَنْصَار، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ ليهود - وَبَدَأَ بهم -: " أيحلف مِنْكُم خَمْسُونَ " الحَدِيث.
(628) وَعَن يحيى بن أبي كثير، عَن رجل من الْأَنْصَار، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " نهى [عَن أكل] أُذُنِي الْقلب ".
(629) وَعَن عبد الله بن سعد الدشتكي، عَن أَبِيه قَالَ: " رَأَيْت رجلا ببخارى، على بغلة بَيْضَاء، عَلَيْهِ عِمَامَة خَز سَوْدَاء، فَقَالَ: " كسانيها رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ".
وَسكت عَنهُ.
وَعبد الله بن سعد، وَأَبوهُ، لَا تعرف أحوالهما، زِيَادَة إِلَى الْجَهْل بِحَال الرجل الْمَذْكُور.
(630) وَعَن أبي الْمليح، عَن ردف رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا عثرت بك الدَّابَّة، فَلَا تقل تعس الشَّيْطَان " الحَدِيث.
وَلَا يعرف من هُوَ هَذَا الردف الْمَذْكُور، وَقد صَححهُ بِالسُّكُوتِ عَنهُ، وَلَا(2/607)
يكون قَول أبي الْمليح /: عَن ردف رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، بِمَنْزِلَة مَا لَو قَالَ: عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
(631) وَعَن أُميَّة بنت أبي الصَّلْت، عَن امْرَأَة من غفار، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أمرهَا أَن تجْعَل فِي المَاء الَّذِي غسلت بِهِ دم الْحيض ملحا ".
وَلم يرمه بإرسال وَلَا ضعفه.
(632) وَعَن مُوسَى بن عبد الله بن يزِيد، عَن امْرَأَة من بني عبد الْأَشْهَل، قَالَت: قلت: يَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِن لنا طَرِيقا إِلَى الْمَسْجِد مُنْتِنَة " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ.
(633) وَعَن صَفِيَّة بنت شيبَة، عَن امْرَأَة، قَالَت: رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يسْعَى فِي المسيل، وَيَقُول: " لَا يقطع الْوَادي إِلَّا شدا ".
وَلم يرمه بِالْإِرْسَال وَلَا غَيره.
فَهَذِهِ الْأَحَادِيث كلهَا صححها، وَهِي لَا يَنْبَغِي تصحيحها، وَالَّتِي قبلهَا(2/608)
صححها، وَفعله فِيهَا أقرب إِلَى الصَّوَاب، لشهادة التَّابِعين لمن لم يسم من رواتها بالصحبة / أَو الرِّوَايَة.
وفعلاه فِي هذَيْن الصِّنْفَيْنِ مناقضان لما اعتراه فِي الْأَحَادِيث المبدوء بذكرها فِي رميه إِيَّاهَا بِالْإِرْسَال، لأجل أَن رواتها عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يسموا.
وَهَذَا الصِّنْف الَّذِي لم يشْهد التَّابِعِيّ لأَحَدهم بالصحبة وَلَا بِالرُّؤْيَةِ، وَلَا بِالسَّمَاعِ، وَإِنَّمَا هُوَ زعمهم - اخْتلف النَّاس فِي تَصْحِيح أَحَادِيثه، فقبلها قوم، وردهَا بعض أهل الظَّاهِر، وَهُوَ الصَّوَاب عِنْدِي، وَذَلِكَ أَنهم لَو ادعوا لأَنْفُسِهِمْ أَنهم ثِقَات لم يقبل مِنْهُم، فَكيف يقبل مِنْهُم ادِّعَاء مزية الصُّحْبَة؟
وَأَبُو عمر بن عبد الْبر مِمَّن يصحح أَحَادِيث هَذَا الصِّنْف.
(634) فمما صَحَّ مِنْهُ، حَدِيث رجل من بني أَسد، قَالَ: " نزلت أَنا وَأَهلي ببقيع الْغَرْقَد ".
فِي التعفف عَن الْمَسْأَلَة.
وَهَذَا الرجل لم يرتهن التَّابِعِيّ فِيهِ بِشَيْء فَلَا يَنْبَغِي أَن يقبل مِنْهُ حَتَّى تثبت عَدَالَته.(2/609)
(635) وَقد ذكر أَبُو مُحَمَّد: عَن عبد الله بن عُثْمَان الثَّقَفِيّ، عَن رجل من ثَقِيف - كَانَ يُقَال لَهُ مَعْرُوف: أَي يثنى عَلَيْهِ خيرا، إِن لم يكن اسْمه زُهَيْر ابْن عُثْمَان فَلَا أَدْرِي مَا اسْمه - أَن النَّبِي / - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْوَلِيمَة حق " [الحَدِيث] .
ثمَّ قَالَ عَن البُخَارِيّ: لم يَصح سَنَده، وَلَا تعرف لَهُ صُحْبَة.
وَأما الَّذين شهد التَّابِعِيّ لأَحَدهم بالصحبة، أَو بِالرُّؤْيَةِ، أَو بِالسَّمَاعِ، فموضع نظر.
وَقد اخْتلف النَّاس فِيهِ أَيْضا، وَحجَّة من قبله هِيَ أَن التَّابِعِيّ الثِّقَة قد قَالَ: إِن الَّذِي حَدثهُ صَحَابِيّ، فكفانا ذَلِك مِنْهُ.
ولخصمه أَن يعْتَرض بِأَن يَقُول: وَمن أنبأ التَّابِعِيّ بذلك، وَهُوَ لم يدْرك زمَان النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؟ فأقصى مَا عِنْده أَن يكون هُوَ أخبرهُ بِأَنَّهُ صحب، أَو رأى، أَو سمع، فقد عَادَتْ الْمَسْأَلَة كَمَسْأَلَة أهل الصِّنْف الآخر، وهم الَّذين يَزْعمُونَ(2/610)
أَنهم صحبوا، أَو رَأَوْا، أَو سمعُوا، أَو لَا نعلم ذَلِك إِلَّا من أقولهم، وَالْمَسْأَلَة مُحْتَملَة.
قَالَ الْأَثْرَم: قلت لأبي عبد الله - يَعْنِي ابْن حَنْبَل -: إِذا قَالَ رجل من التَّابِعين: حَدثنِي رجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلم يسمه، فَالْحَدِيث صَحِيح؟ قَالَ: نعم.
وَقَالَ أَبُو عَليّ بن السكن: حَدثنِي مُحَمَّد بن يُوسُف قَالَ: سَمِعت مُحَمَّد ابْن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ يَقُول: " سَمِعت عبد الله بن الزبير الْحميدِي يَقُول: إِذا صَحَّ الْإِسْنَاد عَن الثِّقَات إِلَى رجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَهُوَ حجَّة، وَإِن لم يسم ذَلِك الرجل؛ لِأَن أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كلهم عدُول ".
(636) وَمن المتردد فِيهِ فِي هَذَا الْبَاب الَّذِي رده بالانقطاع - وَهُوَ يغلب على الظَّن اتِّصَاله - مَا ذكر من رِوَايَة مَالك عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن يسَار، عَن عبد الله الصنَابحِي، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا تَوَضَّأ العَبْد الْمُؤمن فَمَضْمض خرجت الْخَطَايَا من فِيهِ " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: وَعبد الله الصنَابحِي، لم يلق النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، يُقَال: أَبُو عبد الله، وَهُوَ الصَّوَاب / واسْمه عبد الرَّحْمَن بن عسيلة الصنَابحِي. انْتهى مَا ذكر.(2/611)
وَهُوَ كُله مقول أَكْثَرهم، زَعَمُوا أَن مَالِكًا هم فِي قَوْله: عَن عبد الله الصنَابحِي فِي هَذَا الحَدِيث.
(637) وَفِي حَدِيث: " إِن الشَّمْس تطلع وَمَعَهَا قرن الشَّيْطَان ".
(638) " وَفِي صلَاته خلف أبي بكر الْمغرب ".
(639) " وَفِي قِرَاءَته فِي الأخيره مِنْهَا: {رَبنَا لَا تزغ قُلُوبنَا بعد إِذْ هديتنا} ".
كل هَذِه الْأَحَادِيث يَقُول فِيهَا مَالك: عَن عبد الله الصنَابحِي، فيزعمون(2/612)
أَنه وهم فِيهِ، أَو لم يعرفهُ، فأسماه عبد الله، فَإِن النَّاس كلهم عبيد الله.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: سَأَلت البُخَارِيّ عَنهُ فَقَالَ: وهم مَالك فِي هَذَا، فَقَالَ: عبد الله الصنَابحِي، وَهُوَ أَبُو عبد الله الصنَابحِي، واسْمه عبد الرَّحْمَن بن عسيلة، وَلم يسمع من النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَهَذَا الحَدِيث مُرْسل، وَعبد الرَّحْمَن هُوَ الَّذِي روى عَن أبي بكر الصّديق، والصنابح بن الأعسر الأحمسي صَاحب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وروى حديثين:
(640) أَحدهمَا فِي الصَّدَقَة.
(641) وَالْآخر: " إِنِّي مُكَاثِر بكم الْأُمَم ". انْتهى كَلَام التِّرْمِذِيّ فِي كتاب الْعِلَل.
وَمِمَّنْ تبعه على هَذَا وَنَقله كَمَا هُوَ، أَبُو عمر بن عبد الْبر، وَمِمَّنْ نحا نَحوه أَبُو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم وَأَبوهُ، وَذَلِكَ أَن أَبَا مُحَمَّد، ترْجم باسم عبد الرَّحْمَن(2/613)
ابْن عسيلة، فَقَالَ فِيهِ: أَبُو عبد الله الصنَابحِي، نزل الشَّام، روى عَن أبي بكر الصّديق، روى عَنهُ مرْثَد بن عبد الله، وَرَبِيعَة بن يزِيد، غير أَن ربيعَة بن يزِيد يَقُول: عَن عبد الله الصنَابحِي: سَمِعت أبي يَقُول ذَلِك.
هَذَا مَا ذكره بِهِ، وَبلا شكّ إِن هَذَا الَّذِي قَالُوهُ من أَمر أبي عبد الله: عبد الرَّحْمَن ابْن عسيلة الصنَابحِي، هُوَ كَمَا ذَكرُوهُ وَهُوَ رجل مَشْهُور الْخَيْر وَالْفضل، فَاتَتْهُ الصُّحْبَة بِمَوْت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قبل وُصُوله إِلَيْهِ بِليَال، وَلَكِن التكهن بِأَنَّهُ المُرَاد بقول عَطاء بن يسَار: عَن عبد الله الصنَابحِي، وَنسبَة الْوَهم فِيهِ إِلَى مَالك، وَإِلَى من فَوْقه، كل ذَلِك خطأ وَلَا سَبِيل إِلَيْهِ إِلَّا بِحجَّة بَيِّنَة.
وَمَالك - رَحمَه الله - لم ينْفَرد بِمَا قَالَ من ذَلِك عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء ابْن يسَار، بل قد وَافقه عَلَيْهِ أَبُو غَسَّان: مُحَمَّد بن مطرف، وَهُوَ أحد الثِّقَات، وَثَّقَهُ ابْن معِين، وَأَبُو حَاتِم، وَأثْنى عَلَيْهِ أَحْمد بن حَنْبَل، وَاتفقَ البُخَارِيّ وَمُسلم على الْإِخْرَاج [لَهُ] / والاحتجاج بِهِ.
(642) روى أَبُو دَاوُد فِي كِتَابه عَن مُحَمَّد بن حَرْب الوَاسِطِيّ، قَالَ: حَدثنَا يزِيد بن هَارُون، حَدثنَا مُحَمَّد بن مطرف، عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء(2/614)
ابْن يسَار، عَن عبد الله الصنَابحِي قَالَ: زعم أَبُو مُحَمَّد " أَن الْوتر وَاجِب " فَقَالَ عبَادَة بن الصَّامِت: " كذب أَبُو مُحَمَّد " الحَدِيث.
وَمِمَّنْ وَافق مَالِكًا وَأَبا غَسَّان على ذَلِك، زُهَيْر بن مُحَمَّد، رَوَاهُ عَن زيد ابْن أسلم كَذَلِك، كَذَلِك ذكره أَبُو عَليّ بن السكن.
وَذكر أَيْضا: حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد قَالَ: حَدثنَا سُوَيْد بن سعيد، قَالَ: حَدثنَا حَفْص بن ميسرَة، عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن يسَار، عَن عبد الله الصنَابحِي، سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: إِن الشَّمْس تطلع مَعَ قرن الشَّيْطَان، فَإِذا طلعت فَارقهَا، فَإِذا ارْتَفَعت فَارقهَا ويقارنها حَتَّى تستوي، وَإِذا نزلت عِنْد الْغُرُوب قارنها، فَإِذا غربت فَارقهَا، فَلَا تصلوا عِنْد هَذِه السَّاعَات ".
فَهَؤُلَاءِ /: مَالك، وَأَبُو غَسَّان، وَزُهَيْر بن مُحَمَّد، وَحَفْص بن ميسرَة، كلهم يَقُول فِيهِ: عبد الله الصنَابحِي، وَنَصّ حَفْص بن ميسرَة على سَمَاعه من النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي هَذَا الحَدِيث.
وَترْجم ابْن السكن باسمه فِي الصَّحَابَة، وَقَالَ: يُقَال: لَهُ صُحْبَة، مَعْدُود فِي الْمَدَنِيين، روى عَنهُ عَطاء بن يسَار، قَالَ: وَأَبُو عبد الله الصنَابحِي أَيْضا مَشْهُور، يروي عَن أبي بكر، وَعبادَة، لَيست لَهُ صُحْبَة، قَالَ: وَيُقَال أَيْضا: إِن عبد الله الصنَابحِي غير مَعْرُوف فِي الصَّحَابَة.(2/615)
وَسَأَلَ عَبَّاس الدوري يحيى بن معِين عَن هَذَا فَقَالَ: عبد الله الصنَابحِي، روى عَنهُ المدنيون، يشبه أَن تكون لَهُ صُحْبَة.
والمتحصل من هَذَا أَنَّهُمَا رجلَانِ: أَحدهمَا أَبُو عبد الله: عبد الرَّحْمَن بن عسيلة الصنَابحِي، لَيست لَهُ صُحْبَة، يروي عَن أبي بكر وَعبادَة، وَالْآخر، عبد الله الصنَابحِي، يروي أَيْضا عَن أبي بكر وَعَن عبَادَة، وَالظَّاهِر مِنْهُ أَن لَهُ صُحْبَة، وَلَا أَبَت ذَلِك، وَلَا أَيْضا أجعله أَبَا عبد الله: عبد الرَّحْمَن بن عسيلة / فَإِن توهيم أَرْبَعَة من الثِّقَات فِي ذَلِك لَا يَصح، فاعلمه، وَالله الْمُوفق.
(643) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن عُثْمَان بن إِسْحَاق بن خَرشَة، عَن قبيصَة بن ذُؤَيْب، قَالَ: " جَاءَت الْجدّة إِلَى أبي بكر " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: لَيْسَ هَذَا الحَدِيث بِمُتَّصِل السماع فِيمَا أعلم، والْحَدِيث(2/616)
مَشْهُور. انْتهى قَوْله.
هَذَا الحَدِيث [هُوَ] فِي الْمُوَطَّأ، وَمن طَرِيق مَالك سَاقه أَبُو دَاوُد، يرويهِ عَن ابْن شهَاب، عَن عُثْمَان الْمَذْكُور، عَن قبيصَة.
وَالَّذِي ظن أَبُو مُحَمَّد من عدم الِاتِّصَال، إِنَّمَا هُوَ فِيمَا بَين القبيصة، وَأبي بكر، وَعمر، وَإنَّهُ ليقوى مَا تخوف، وَلَكِن قد أعرض عَن ذَلِك التِّرْمِذِيّ فَقَالَ فِيهِ: حسن صَحِيح. وَهُوَ لَا يَقُول ذَلِك فِي الْمُنْقَطع، فَهُوَ عِنْده مُتَّصِل، وَالله أعلم.(2/617)
((3) بَاب ذكر أَحَادِيث، ذكرهَا على أَنَّهَا مُرْسلَة لَا عيب لَهَا سوى الْإِرْسَال، وَهِي معتلة بِغَيْرِهِ، وَلم يبين ذَلِك فِيهَا) .(3/5)
اعْلَم أَن الْمُرْسل يَنْقَسِم بانقسام الْمسند إِلَى صَحِيح وَسَقِيم، فَإِن مِنْهُ مَا يرويهِ الثِّقَات إِلَى الَّذِي أرْسلهُ.
وَمِنْه مَا يكون فِي إِسْنَاده إِلَى الَّذِي أرْسلهُ ضَعِيف، أَو ضعفاء، أَو مَجْهُول، أَو مَجَاهِيل.
فَالَّذِي لَا عيب لَهُ سوى الْإِرْسَال، هُوَ الَّذِي اخْتلف الْعلمَاء فِي الِاحْتِجَاج بِهِ، فَرَأى ذَلِك قوم، وأباه آخَرُونَ، فَإِن جمع إِلَى كَونه مُرْسلا ضعف راو أَو رُوَاة مِمَّن فِي إِسْنَاده، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يكون أَسْوَأ حَالا من الْمسند الضَّعِيف؛ لِأَنَّهُ يزِيد عَلَيْهِ بالانقطاع.
فَلَيْسَ يجب - وَالْحَالة هَذِه - أَن يسالم رُوَاة الحَدِيث الْمُرْسل، اكْتِفَاء بِذكر إرْسَاله، بل يبين من أَمرهم مَا يبين من أُمُورهم إِذا رووا الْمسند، وَيُوضَع فيهم من الْجرْح وَالتَّعْدِيل مَا يوضع فِي رُوَاة / الْمسند.
وَأَبُو مُحَمَّد - رَحمَه الله - يذكر أَحَادِيث مراسل، وَيبين إرسالها، وَلَا يعرض لَهَا بسوى ذَلِك، فَتحصل بِذكرِهِ عِنْد من لَا يعلم ضعفها، فِي جملَة مَا اخْتلف فِي قبُوله أَو رده من الْمُرْسل / وَهِي فِي الْحَقِيقَة لضعف من أعرض عَن ذكره من رواتها، فِي جملَة مَا لَا يحْتَج بِهِ أحد.
(644) فَمن ذَلِك أَنه ذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، حَدِيث عَليّ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " وكاء السه العينان " الحَدِيث.(3/7)
ثمَّ رده بِأَن قَالَ: لَيْسَ بِمُتَّصِل.(3/8)
وَهُوَ كَمَا قَالَ لَيْسَ بِمُتَّصِل، وَلَكِن بَقِي عَلَيْهِ أَن يبين أَنه من رِوَايَة بَقِيَّة بن الْوَلِيد، وَهُوَ ضَعِيف، وَهُوَ دائبا يضعف بِهِ الْأَحَادِيث، وَقد تقدم ذكر ذَلِك.
وَيَرْوِيه بَقِيَّة عَن الْوَضِين بن عَطاء.
والوضين واهي الحَدِيث، قَالَه السَّعْدِيّ، وَقد أنكر عَلَيْهِ هَذَا الحَدِيث نَفسه، وَمِنْهُم من يوثقه.
وَيَرْوِيه الْوَضِين بن عَطاء، عَن مَحْفُوظ بن عَلْقَمَة - وَهُوَ ثِقَة -.
وَيَرْوِيه مَحْفُوظ عَن عبد الرَّحْمَن بن عَائِذ، وَهُوَ مَجْهُول الْحَال.
وَيَرْوِيه ابْن عَائِذ عَن عَليّ، وَلم يسمع مِنْهُ.
فَهَذِهِ ثَلَاث علل سوى الْإِرْسَال، كل وَاحِدَة تمنع من تَصْحِيحه، مُسْندًا كَانَ أَو مُرْسلا.
(645) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن طَاوس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:(3/9)
" إِذا أَتَى أحدكُم البرَاز فَليُكرم قبْلَة الله " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: وَقد أسْند عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي ذكر الِاسْتِنْجَاء، وَلَا يَصح، أسْندهُ أَحْمد بن الْحسن الْمصْرِيّ، وَهُوَ مَتْرُوك.
هَكَذَا ضعف الْمسند، وَسكت عَن الْمُرْسل، كَأَنَّهُ لَا عيب لَهُ، وَهُوَ دائر على زَمعَة بن صَالح، يرويهِ عَن سَلمَة بن وهرام، عَن طَاوس.
وَزَمعَة ضعفه ابْن حَنْبَل وَابْن معِين وَأَبُو حَاتِم.
وَأما سَلمَة بن وهرام، فأكثرهم يوثقه، وَقَالَ ابْن حَنْبَل: إِنَّه روى عَنهُ زَمعَة بن صَالح أَحَادِيث مَنَاكِير، أخْشَى أَن يكون حَدِيثه ضَعِيفا.
(646) وَقد رد أَبُو مُحَمَّد حَدِيث عبد الله بن رَوَاحَة فِي قِرَاءَة الْجنب، وَهُوَ بِهَذَا الْإِسْنَاد فَاعْلَم ذَلِك.
(647) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث أبي قَتَادَة، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كره(3/10)
الصَّلَاة نصف النَّهَار، إِلَّا يَوْم الْجُمُعَة ".
ورد بِأَن أَبَا الْخَلِيل لم يلق أَبَا قَتَادَة. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَلَكِن بَقِي عَلَيْهِ أَن يبين أَنه من رِوَايَة لَيْث بن أبي سليم، وَهُوَ ضَعِيف.
وَقد رد من أَجله أَحَادِيث:(3/11)
(648) مِنْهَا / حَدِيث جَابر: " من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يدْخل الْحمام بِغَيْر إِزَار ".
(649) وَحَدِيث: " لَا يتَقَدَّم الصَّفّ الأول أَعْرَابِي، وَلَا أعجمي، وَلَا غُلَام لم يَحْتَلِم ".
(650) وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ: " أَوْصَانِي خليلي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِثَلَاث، ونهاني عَن ثَلَاث: مِنْهَا الإقعاء ".
وَغير ذَلِك من الْأَحَادِيث كثير، اجتزينا مِنْهَا بِهَذِهِ الثَّلَاثَة لتَحْصِيل(3/12)
الْمَقْصُود، وَهُوَ أَنه ضَعِيف عِنْده، يرد بِهِ المسندات، فالمرسل أَحْرَى.
وَأَقل مَا كَانَ عَلَيْهِ أَن يبين أَنه من رِوَايَته.
(651) وَذكر من مراسل أبي دَاوُد، عَن بكير بن الْأَشَج: " كَانَ فِي الْمَدِينَة تِسْعَة مَسَاجِد مَعَ مَسْجِد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الحَدِيث.
وَلم يقل عَنهُ عقبه شَيْئا، كَأَنَّهُ سليم الْإِسْنَاد، وَهُوَ حَدِيث لَا يرويهِ عَن بكير إِلَّا ابْن لَهِيعَة، كَذَلِك هُوَ فِي المراسل من حَيْثُ نَقله، وَفِي سنَن الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا، وَابْن لَهِيعَة من قد عرف /.
(652) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا عَن عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يَا عَليّ لَا تفتح على الإِمَام الصَّلَاة ".
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: هَذَا مُنْقَطع.
لم يزدْ على ذَلِك، والْحَدِيث الْمَذْكُور إِنَّمَا يرويهِ أَبُو إِسْحَاق، عَن الْحَارِث الْأَعْوَر، عَن عَليّ.
والْحَارث مُتَّهم بِالْكَذِبِ.(3/13)
(653) وَقد ذكر أَبُو مُحَمَّد من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، حَدِيث عَليّ أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لَهُ: " إِنِّي أحب لَك مَا أحب لنَفْسي، وأكره لَك مَا أكره لنَفْسي، لَا تقع بَين السَّجْدَتَيْنِ ".
فَرده بِتَضْعِيف الْحَارِث، وَذكر بعض مَا للمحدثين فِيهِ.
فَأَقل مَا كَانَ عَلَيْهِ أَن يبين فِي هَذَا الْمُنْقَطع أَنه من رِوَايَته فَلم يفعل.
(654) وَذكر من طَرِيق عبد الرَّزَّاق، عَن بشر بن رَافع، عَن يحيى بن أبي كثير، عَن أبي عُبَيْدَة بن عبد الله بن مَسْعُود، عَن أَبِيه: " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن نكشف سترا أَو نكف شعرًا أَو نُحدث وضُوءًا ".
ثمَّ قَالَ: لم يسمع أَبُو عُبَيْدَة من أَبِيه.(3/14)
لم يزدْ على هَذَا، وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَهُوَ فِي هَذَا أعذر مِنْهُ فِيمَا تقدم: من حَيْثُ أبرز الْإِسْنَاد، وَمَعَ ذَلِك فالأكمل أَن ننبه على ضعف بشر بن رَافع، فَإِنَّهُ عِنْدهم / ضَعِيف الحَدِيث منكره وكنيته أَبُو الأسباط الْحَارِثِيّ.
وَسَيَأْتِي تَضْعِيفه لَهُ بِهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ عَنْهُم فِي الْبَاب الَّذِي بعد هَذَا، إِثْر حَدِيث:
(655) " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا تَلا غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين قَالَ: آمين، حَتَّى يسمع من يَلِيهِ من الصَّفّ الأول ".
(656) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن الْحسن، عَن سَمُرَة قَالَ: " أمرنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن نرد على الإِمَام، وَأَن نتحاب، وَأَن يسلم بَعْضنَا على بعض ".
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: الصَّحِيح أَن الْحسن لم يسمع من سَمُرَة إِلَّا حَدِيث الْعَقِيقَة.
هَكَذَا أوردهُ، موهما بِهَذَا الْعَمَل أَنه لَا عيب لَهُ إِلَّا مَا يُقَال من انْقِطَاع مَا بَين الْحسن وَسمرَة، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة سعيد بن بشير، عَن قَتَادَة، وَهُوَ وَإِن كَانَ مُخْتَلفا فِيهِ، فَإِنَّهُ عِنْده لَا يحْتَج بِهِ.(3/15)
(657) وَقد ذكر بعد هَذَا من طَرِيق الْبَزَّار، من حَدِيث سعيد بن بشير، عَن قَتَادَة، عَن الْحسن، عَن سَمُرَة، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " نهى عَن التورك والإقعاء، وَأَن نستوفز فِي صَلَاتنَا، وَأَن يُصَلِّي المُهَاجر خلف الْأَعرَابِي ".
ثمَّ قَالَ بإثره: سعيد بن بشير لَا يحْتَج بِهِ، وَاخْتلف فِي سَماع الْحسن من سَمُرَة.
وَهَذَا الْعَمَل صَوَاب، وَبِه طالبته فِي هَذَا الْبَاب، وَقد عمل بِهِ فِي جملَة أَحَادِيث، سننبه عَلَيْهَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي آخر الْبَاب.
وَسَعِيد بن بشير، قد تَركه ابْن مهْدي لفحش خطئه، ونكارة بعض حَدِيثه.
(658) وَلما ذكر أَبُو مُحَمَّد حَدِيث سَمُرَة: " اقْتُلُوا شُيُوخ الْمُشْركين(3/16)
واستبقوا شرخهم ".
قَالَ بإثره: سعيد بن بشير لَا يحْتَج بِهِ.
(659) وَكَذَلِكَ قَالَ فِي حَدِيث " [رُبمَا] طَاف عَليّ ثِنْتَيْ عشرَة امْرَأَة لَا يمس مَاء ".
وَقد ترك أَبُو مُحَمَّد لهَذَا الحَدِيث إِسْنَادًا لَيْسَ بِهِ من الْبَأْس مَا بِهَذَا، نذكرهُ - إِن شَاءَ الله تَعَالَى - فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا وَهِي ضَعِيفَة أَو مُخْتَلف فِيهَا، وَترك مَا هُوَ خير مِنْهَا.
(660) وَذكر من مراسل أبي دَاوُد عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد، أَن / رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِين كَلمه ذُو الْيَدَيْنِ -: " قَامَ فَكبر "، الحَدِيث.
وَهَذَا الْمُرْسل إِنَّمَا يرويهِ من /، لَا يحْتَج بِهِ لَو أسْند.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا سُلَيْمَان بن دَاوُد، قَالَ: حَدثنَا ابْن وهب، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن سلمَان وَغَيره، عَن ابْن الْهَادِي، عَن عبد الرَّحْمَن بن(3/17)
عمار عَن الْقَاسِم، فَذكره.
وكل هَؤُلَاءِ ثِقَات، إِلَّا عبد الرَّحْمَن بن سلمَان الحجري فَأَنا لَا أعلم أحدا وَثَّقَهُ غير النَّسَائِيّ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَا بَأْس بِهِ، وَأدْخلهُ البُخَارِيّ فِي الضُّعَفَاء، وَكَذَلِكَ فعل أَبُو أَحْمد، والعقيلي، والساجي، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: إِن فِي حَدِيثه اضطرابا.
وَبِالْجُمْلَةِ فَلَو كَانَ حَدِيثه مُسْندًا، مَا انبغى أَن يسكت عَنهُ - دون أَن يبين أَنه من رِوَايَته - من جعل سُكُوته عَن الْأَحَادِيث مصححا لَهَا.
(661) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن الحكم، عَن مقسم، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " بعث النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ابْن رَوَاحَة فِي سَرِيَّة، فَوَافَقَ ذَلِك يَوْم جُمُعَة " الحَدِيث.
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: لم يسمع الحكم هَذَا الحَدِيث من مقسم. انْتهى قَوْله.(3/18)
وَهُوَ إِنَّمَا تبع فِيهِ التِّرْمِذِيّ، فَإِنَّهُ لما أوردهُ، سَاق عَن ابْن الْمَدِينِيّ أَنه قَالَ: قَالَ يحيى بن سعيد: قَالَ شُعْبَة: لم يسمع الحكم من مقسم إِلَّا خَمْسَة أَحَادِيث، وعدها، وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا.
وَالْمَقْصُود أَن تعلم أَن الحَدِيث من رِوَايَة حجاج بن أَرْطَأَة، عَن الحكم.
فاقتطاع أبي مُحَمَّد الْإِسْنَاد مِمَّن فَوْقه خطأ، وَهُوَ دائبا يُضعفهُ ويضعف بِهِ، والخوض فِيهِ طَوِيل.
(662) وَذكر من المراسل عَن مَكْحُول قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا مَاتَت الْمَرْأَة مَعَ الرِّجَال لَيْسَ مَعَهم امْرَأَة " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: هَذَا مُرْسل.
لم يزدْ على ذَلِك، وَهَذَا الحَدِيث لَا يَصح مُرْسلا أصلا، وَقد خفيت عَلَيْهِ من أمره خافية يعْذر فِيهَا.
وَذَلِكَ أَن أَبَا دَاوُد يرويهِ هَكَذَا: حَدثنَا هَارُون بن عباد قَالَ: حَدثنَا أَبُو بكر - يَعْنِي ابْن عَيَّاش - عَن مُحَمَّد بن أبي سهل، عَن مَكْحُول، فَذكره.
فأظن أَن أَبَا مُحَمَّد، بحث عَن مُحَمَّد بن أبي سهل فَوجدَ أَبَا مُحَمَّد بن(3/19)
أبي حَاتِم قد ذكر مُحَمَّد بن أبي سهل صَاحب الساج، فَظن أَنه هُوَ وَلم يذكر فِي هَذَا الْموضع غَيره، وَلم يعلم أَنه قد / ذكر فِي مَوضِع آخر عَن البُخَارِيّ: مُحَمَّد بن أبي سهل بروايته عَن مَكْحُول، وَرِوَايَة أبي بكر بن عَيَّاش عَنهُ، ذكر ذَلِك فِي بَاب الْآحَاد، وَقَالَ: إِن أَبَاهُ أَبَا حَاتِم قَالَ فِي مُحَمَّد بن أبي سهل هَذَا: هُوَ عِنْدِي مُحَمَّد بن سعيد المصلوب.
وَمُحَمّد بن سعيد رجل كَذَّاب، تولع قوم من المدلسين بتغيير اسْمه فِي الْأَسَانِيد.
فَمنهمْ من يَقُول فِيهِ: مُحَمَّد بن أبي قيس.
وَمِنْهُم من يَقُول: مُحَمَّد بن حسان.
وَمِنْهُم من يَقُول: مُحَمَّد بن الأردني.
وَمِنْهُم من يَقُول: مُحَمَّد الدِّمَشْقِي.
وَمِنْهُم من يَقُول: مُحَمَّد الْقرشِي.
وَسَيَأْتِي لَهُ ذكر كَذَلِك فِي الْبَاب الَّذِي بعد هَذَا، فِي حَدِيث:
(663) " عَلَيْكُم بِقِيَام اللَّيْل ".
وَقَالَ البُخَارِيّ: إِنَّه يُقَال لَهُ: ابْن الطَّبَرِيّ.
وَزعم الْعقيلِيّ أَن عبد الرَّحْمَن بن أبي شميلة، هُوَ مُحَمَّد بن سعيد(3/20)
المصلوب، وأبى ذَلِك عَلَيْهِ عبد الْغَنِيّ، وَبَينه.
وَمِنْهُم من يَقُول فِيهِ: مُحَمَّد بن سعيد الْأَسدي.
فَكَانَ من جملَة ذَلِك، القَوْل فِيهِ بِأَنَّهُ مُحَمَّد بن أبي سهل رَاوِي هَذَا الْمُرْسل، كَمَا بَين أَبُو حَاتِم. فَإِن لج فِي هَذَا لاج، وَرَآهُ تكهنا، فليخبرنا من هُوَ؟ فَإِنَّهُ إِن لم يكن مُحَمَّد بن سعيد، فَهُوَ مَجْهُول. وَصَاحب الساج أَيْضا لَا تعرف أَيْضا حَاله. فَاعْلَم ذَلِك.
(664) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن مَكْحُول، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - /: " الصَّلَاة وَاجِبَة عَلَيْكُم مَعَ كل مُسلم، برا كَانَ أَو فَاجِرًا ". الحَدِيث.
ثمَّ رده بِأَن مَكْحُولًا لم يسمع من أبي هُرَيْرَة.
لم يزدْ على هَذَا، كَأَنَّهُ صَحِيح إِلَى مَكْحُول.
وَإِسْنَاده عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ هُوَ هَذَا: حَدثنَا أَبُو جَعْفَر: مُحَمَّد بن سُلَيْمَان النعماني، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عَمْرو بن حنان، قَالَ: حَدثنَا بَقِيَّة قَالَ: حَدثنَا الْأَشْعَث، عَن يزِيد بن يزِيد بن جَابر، عَن مَكْحُول، عَن أبي هُرَيْرَة، فَذكره.
وَبَقِيَّة من قد علم، وَهُوَ عِنْده لَا يحْتَج بِهِ، وَهُوَ أروى النَّاس عَن المجهولين، وَأَشْعَث هَذَا مِنْهُم.
وَإِن أردْت أَن تعلم بعض الْأَحَادِيث الَّتِي يُصَرح أَبُو مُحَمَّد إثْرهَا بِأَن(3/21)
بَقِيَّة لَا يحْتَج بِهِ، فَحَدِيث أنس:
(665) " طَاف رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - / على ثِنْتَيْ عشرَة امراة لَا يمس مَاء ".
(666) وَحَدِيث زَكَاة الْبَقر.
وَهِي كَثِيرَة، سَيَأْتِي لَهَا ذكر فِي بَاب الْأَحَادِيث المصححة بسكوته إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(667) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن ربيعَة بن سيف، عَن عبد الله بن عَمْرو حَدِيث: " من مَاتَ يَوْم الْجُمُعَة أَو لَيْلَتهَا ".
ثمَّ قَالَ عَن التِّرْمِذِيّ: حسن غَرِيب، وَلَيْسَ إِسْنَاده بِمُتَّصِل، لَا نَعْرِف(3/22)
لِرَبِيعَة بن سيف سَمَاعا من عبد الله بن عَمْرو. انْتهى مَا ذكر.
وَهُوَ اخْتِصَار كَلَام التِّرْمِذِيّ، فَإِنَّهُ ترك مِنْهُ قَوْله: إِنَّمَا يروي عَن عبد الرَّحْمَن الحبلي، عَن عبد الله بن عَمْرو.
وَهَذِه الزِّيَادَة مُؤَكدَة لما أَرَادَ من الِانْقِطَاع.
وَالْمَقْصُود الْآن، أَن تعلم أَن أَبَا مُحَمَّد قد ضعف ربيعَة بن سيف، وَضعف بِهِ حَدِيث:
(668) " لَو بلغت مَعَهم الكدى مَا دخلت الْجنَّة حَتَّى يدخلهَا جد أَبِيك " فِي خُرُوج النِّسَاء إِلَى الْمَقَابِر.
وَلم يلْزمه فِيهِ خطأ، فَإِنَّهُ قد صرح باسمه، وَبَين أَنه من رِوَايَته، فَلَعَلَّ ذَلِك مِنْهُ اعْتِمَاد على مَا قدم من تَضْعِيفه، وَالرجل لَا بَأْس بِهِ عِنْد غَيره.
ووراء هَذَا فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث عِنْده هِشَام بن سعد، هُوَ يرويهِ عَن سعيد بن أبي هِلَال، عَن ربيعَة بن سيف، وَقد طوى ذكره، وَهُوَ عِنْده ضَعِيف، قد أغْلظ فِي أمره على مَا سنبينه فِيمَا بعد إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(669) وَذكر حَدِيث: " الصَّائِم فِي السّفر كالمفطر ".(3/23)
وَأعله بالانقطاع، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة أُسَامَة بن زيد.
(670) وَذكر من المراسل عَن إِسْمَاعِيل بن سميع الْحَنَفِيّ، عَن مَالك بن عُمَيْر، قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي لقِيت الْعَدو، وَلَقِيت أبي فيهم. الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ كَأَنَّهُ لَا عيب لَهُ سوى الْإِرْسَال، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل إِسْمَاعِيل ابْن سميع، قد تَركه زَائِدَة، فَقَالَ يحيى الْقطَّان: إِنَّمَا تَركه لِأَنَّهُ كَانَ صفريا.
وَقَالَ الْعقيلِيّ: كَانَ يرى رَأْي الْخَوَارِج.(3/24)
قَالَ أَبُو نعيم: أَقَامَ جارا لِلْمَسْجِدِ أَرْبَعِينَ عَاما، لَا يرى فِي جُمُعَة / وَلَا جمَاعَة.
وَقَالَ البُخَارِيّ، وَالنَّسَائِيّ، وَيحيى الْقطَّان: لَا بَأْس بِهِ.
وَمَالك بن عُمَيْر مخضرم، وَلم تصح صحبته، وَإِنَّمَا يروي عَن عَليّ، وحاله مَجْهُولَة.
(671) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن قَتَادَة، " كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا غزا، كَانَ لَهُ سهم صَاف، يَأْخُذهُ من حَيْثُ شَاءَ " الحَدِيث.
وَلم يبين أَنه من رِوَايَة سعيد بن بشير الْمُتَقَدّم الذّكر، وَهُوَ لَا يقبل مِنْهُ الْمسند، فَكيف الْمُرْسل.
وَلم يقْتَصر فِي الْمسند الْمَذْكُور على مَا ذَكرْنَاهُ، بل سَاق بعده فِي ذَلِك مُرْسلا عَن ابْن سِيرِين، ثمَّ قَالَ: ابْن سِيرِين، وَقَتَادَة، تابعيان / جليلان، فَكَانَ هَذَا مِنْهُ رضَا بمرسل قَتَادَة الْمَذْكُور.
(672) وَذكر أَيْضا من طَرِيق أبي دَاوُد عَن سعيد بن بشير الْمَذْكُور، عَن(3/25)
قَتَادَة، عَن خَالِد بن دريك، عَن عَائِشَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن الْجَارِيَة إِذا حَاضَت لم يصلح أَن يرى مِنْهَا إِلَّا وَجههَا ويداها " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: هَذَا مُرْسل، وخَالِد بن دريك لم يسمع من عَائِشَة. انْتهى مَا ذكر.
وَهُوَ فِيهِ أعذر، من حَيْثُ أبرز من إِسْنَاده مَوضِع الْعَيْب، وَهُوَ سعيد بن بشير، فَإِنَّهُ ضَعِيف كَمَا قُلْنَاهُ، وخَالِد بن دريك، فَإِنَّهُ مَجْهُول الْحَال.
(673) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد من المراسل، عَن الزُّهْرِيّ، فِي قصَّة أبي هِنْد، قَالُوا: يَا رَسُول الله، نزوج بناتنا من موالينا؟ فَأنْزل الله عز وَجل:(3/26)
{يَا أَيهَا النَّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ من ذكر وَأُنْثَى} الْآيَة. الحَدِيث.
وَلم يعرض لغير الْإِرْسَال من حَاله، وَهُوَ حَدِيث إِنَّمَا يرويهِ بَقِيَّة، وَهُوَ عِنْده ضَعِيف.
وَقد ذكرنَا هَذَا الْمُرْسل بنصه لأمر آخر اعتراه فِيهِ، فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي عزاها إِلَى مَوَاضِع لَيست هِيَ فِيهَا.
(674) وَذكر حَدِيث أم سَلمَة: " واغمزي قرونك عِنْد كل حفْنَة " يَعْنِي فِي الْغسْل.
ورده بِأَنَّهُ مُنْقَطع فِيمَا بَين المَقْبُري وَأم سَلمَة.
وَلم يبين أَنه من رِوَايَة أُسَامَة بن زيد اللَّيْثِيّ، وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ، فَلَو أسْند، لقيل فِي حَدِيثه: حسن لَا صَحِيح.(3/27)
(675) وَذكر / من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن رجل من سواءة عَن عَائِشَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَنه كَانَ يغسل رَأسه بالخطمي، وَهُوَ جنب ".
لم يزدْ على مَا بَين من انقطاعة، بِكَوْنِهِ عَن رجل لم يسم، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ شريك القَاضِي، وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ، لَا يُقَال فِيمَا يرويهِ صَحِيح، وسترى مَا لأبي مُحَمَّد فِيهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(676) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا، عَن خَيْثَمَة، عَن عَائِشَة: " أَمرنِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن أَدخل امْرَأَة على زَوجهَا قبل أَن يُعْطِيهَا شَيْئا ".
ثمَّ قَالَ: قَالَ أَبُو دَاوُد: خَيْثَمَة لم يسمع من عَائِشَة.
لم يزدْ على هَذَا، والْحَدِيث أَيْضا من رِوَايَة شريك.
وَذكر مراسل هِيَ من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق، وَلم يبين أَنَّهَا من رِوَايَته.
وَسَيَأْتِي ذكر مَا اعتراه فِي ابْن إِسْحَاق - إِن شَاءَ الله - وَجُمْلَة الْحَال أَنه مخلتف فِيهِ، لَا يَنْبَغِي أَن تخلط رواياته فِي الِاخْتِصَار، بِمَا هُوَ من رِوَايَة من لَا يخْتَلف فِيهِ.(3/28)
(677) فَمن ذَلِك أَنه ذكر عَن الزُّهْرِيّ، وَعبد الله بن أبي بكر، وَبَعض ولد مُحَمَّد بن مسلمة، قَالُوا: " بقيت بَقِيَّة من أهل خَيْبَر فَتَحَصَّنُوا " الحَدِيث.
(678) وَمن طَرِيق أبي دَاوُد " مُظَاهرَة سَلمَة بن صَخْر " من رِوَايَة سُلَيْمَان بن يسَار عَنهُ. وَقَالَ: إِنَّهَا مُنْقَطِعَة.
(679) وَمن طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن سُلَيْمَان بن يسَار، عَن سَلمَة بن صَخْر، فِي الَّذِي يواقع قبل أَن يكفر، قَالَ: " كَفَّارَة وَاحِدَة ".
وَأتبعهُ أَيْضا أَن سُلَيْمَان لم يسمع من سَلمَة.
(680) ومرسل عبد الله بن أبي بكر وَغَيره، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:(3/29)
" زوج عمَارَة بنت حَمْزَة، سَلمَة بن أبي سَلمَة، وَلم يدركا، فماتا، فتوارثا ".
(681) ومرسل وَاسع بن حبَان فِي قصَّة أبي لبَابَة حَدِيث: " لَا ضَرَر وَلَا ضرار ".(3/30)
(682) ومرسل مَكْحُول: " فِي اللِّسَان الدِّيَة، وَفِي الذّكر الدِّيَة، وَفِيمَا أقبل من الْأَسْنَان خمس فَرَائض ".(3/31)
(683) وَمن طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن عَليّ / قَالَ: " عق رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن الْحسن بِشَاة، وَقَالَ: يَا فَاطِمَة، احلقي رَأسه، وتصدقي بزنة شعره فضَّة " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: لَيْسَ إِسْنَاده بِمُتَّصِل /.
وَلم يبين فِي شَيْء من هَذِه كلهَا، أَنَّهَا من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق، وَلَا بَين مَوضِع الِانْقِطَاع من هَذَا الْأَخير، وَذَلِكَ أَنه يرويهِ ابْن إِسْحَاق، عَن عبد الله ابْن أبي بكر، عَن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن، عَن عَليّ.
وَمُحَمّد لم يدْرك عليا - رَضِي الله عَنهُ -
(684) وَذكر من طَرِيق وَكِيع، عَن سُفْيَان، عَن قيس، عَن الْحسن بن مُحَمَّد بن عَليّ - وَهُوَ ابْن الْحَنَفِيَّة - قَالَ: " كتب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى مجوس هجر، يعرض عَلَيْهِم الْإِسْلَام " الحَدِيث.(3/32)
وَفِيه: " وَلَا تنْكح لَهُم امْرَأَة ".
وَلم يعرض [لَهَا] بسوى الْإِرْسَال البادي.
وَقيس هُوَ ابْن الرّبيع، وَالثَّوْري مَعْدُود عِنْد البُخَارِيّ فِيمَن روى عَنهُ، وَهُوَ أَيْضا مُخْتَلف فِيهِ، وَمِمَّنْ سَاءَ حفظه بِالْقضَاءِ، كشريك، وَابْن أبي ليلى، وَهُوَ فِيهِ أعذر لما أبرزه من الْإِسْنَاد وَلم يطو ذكره.
(685) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث مُحَمَّد بن سَلمَة، عَن خصيف، عَن أبي عُبَيْدَة بن عبد الله بن مَسْعُود، عَن أَبِيه، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا كنت فِي صَلَاة فشككت فِي ثَلَاث أَو أَربع " الحَدِيث.
ثمَّ رده بِانْقِطَاع مَا بَين أبي عُبَيْدَة وَأَبِيهِ، وباضطرابهم فِي متن الْخَبَر، وَاخْتِلَافهمْ فِي رَفعه، وَلم يبين ضعف خصيف، وَهُوَ عِنْدهم مُخْتَلف فِيهِ، سيئ الْحِفْظ فِي الْجُمْلَة، وَعَسَى أَن يكون قد تَبرأ من عهدته بإبرازه.
(686) وَذكر حَدِيث: " الَّذِي قضى رَكْعَتي الْفجْر بعد الصُّبْح ".(3/33)
ورده بِانْقِطَاع مَا بَين مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم، وَقيس بن عَمْرو وَلم يبين أَنه من رِوَايَة سعد بن سعيد، أخي يحيى بن سعيد، وَعبد ربه بن سعيد، وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ.
وَقد قَالَ فِيهِ ابْن حَنْبَل: ضَعِيف.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: مود.
وَاخْتلف فِي ضبط هَذِه اللَّفْظَة، فَمنهمْ من يخففها، أَي هَالك، وَمِنْهُم من يشددها، أَي حسن الْأَدَاء.
والْحَدِيث من أَجله - لَو اتَّصل - فمختلف فِيهِ، لَا يُقَال فِيهِ: صَحِيح، بل حسن.
(687) وَذكر عَن مَكْحُول، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " هجن الهجين / وعرب الْعَرَبِيّ " الحَدِيث.
وَلم يبين أَنه من رِوَايَة مُعَاوِيَة بن صَالح، وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ، يرويهِ عَن أبي بشر، عَن مَكْحُول.
وسترى - إِن شَاءَ الله - كَيفَ حَال مُعَاوِيَة بن صَالح عِنْده فِيمَا بعد.(3/34)
(688) وَذكر من طَرِيق وَكِيع، عَن خَالِد بن معدان: " أسْهم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - للنِّسَاء وَالصبيان وَالْخَيْل ".
وَلم يعبه بسوى الْإِرْسَال، ووكيع إِنَّمَا يرويهِ عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن مهَاجر الشعيثي، وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ.
قَالَ دُحَيْم: كَانَ ثِقَة.
وَضَعفه أَبُو حَاتِم، وَقَالَ: لَا يحْتَج بِهِ.
(689) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أنكحوا الْأَيَامَى، ثَلَاثًا، قيل: مَا العلائق بَينهم يَا رَسُول الله؟ قَالَ: مَا تراضى عَلَيْهِ الأهلون، وَلَو قضيب من أَرَاك ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا يرْوى مُرْسلا، وَهُوَ أصح، وَفِي المراسل ذكره أَبُو دَاوُد، وَلم يذكر الْقَضِيب. انْتهى مَا أورد.
وَقد ذكرنَا الحَدِيث الأول وَبينا علته فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي لم يبين عللها وَذكرنَا أَيْضا فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي / تَغَيَّرت بالْعَطْف أَو الإرداف، مَا فِي إردافه الْمُرْسل على الْمسند من التَّغْيِير.(3/35)
وَنَذْكُر هَاهُنَا إِن شَاءَ الله، إِن الْمُرْسل الْمَذْكُور لم يعبه بسوى الْإِرْسَال، وَهُوَ من رِوَايَة عبد الْملك بن الْمُغيرَة الطَّائِفِي، عَن ابْن الْبَيْلَمَانِي، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. فَذكره.
وَابْن الْبَيْلَمَانِي: عبد الرَّحْمَن وَالِد مُحَمَّد، لم تثبت عَدَالَته، وَهُوَ ظَاهر الضعْف، وَسَيَأْتِي ذكره بِأَكْثَرَ من هَذَا، فِي الْبَاب الَّذِي بعد هَذَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(690) وَذكر من المراسل، عَن طَاوس، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: سُئِلَ مَا يكره من الضَّحَايَا وَالْبدن؟ فَقَالَ: " العوراء، والعجفاء، والمصرمة أطباؤها ". كَذَا ذكره، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة يحيى بن أَيُّوب، عَن ابْن طَاوس، عَن أَبِيه.
وَيحيى بن أَيُّوب مُخْتَلف فِيهِ، وَهُوَ / يُضعفهُ، وسترى إِن شَاءَ الله كَيفَ هُوَ عِنْده.
وَمن هَذَا الْبَاب، مراسل لم يعبها بسوى الْإِرْسَال، ورواتها مَجْهُولُونَ، بِحَيْثُ لَو كَانَت أَحَادِيثهم مُسندَة، لم يحْتَج بهَا من أَجلهم.(3/36)
(691) فَمن ذَلِك أَنه ذكر من طَرِيق أبي عمر بن عبد الْبر، عَن إِبْرَاهِيم ابْن عبد الرَّحْمَن العذري، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يحمل هَذَا الْعلم من كل خلف عدوله، ينفون عَنهُ تَحْرِيف الغالين، وانتحال المبطلين، وَتَأْويل الْجَاهِلين ".
ثمَّ قَالَ: وَذكره أَبُو جَعْفَر الْعقيلِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَأحسن مَا فِي هَذَا - فِيمَا أعلم - مُرْسل إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن العذري. انْتهى مَا ذكره بنصه.
فلنتول بَيَان مَا فِيهِ، إِذْ لَا يتَكَرَّر، فَنَقُول: أما الْمُرْسل الَّذِي اخْتَار، وَقَالَ: إِنَّه أحسن مَا فِيهِ، فَإِن إِسْنَاده عِنْد أبي عمر هُوَ هَذَا: حَدثنَا خلف بن أَحْمد(3/37)
الْأمَوِي، حَدثنَا أَحْمد بن سعيد الصَّدَفِي حَدثنَا أَبُو جَعْفَر الْعقيلِيّ، حَدثنَا عَليّ بن عبد الْعَزِيز، قَالَ: حَدثنَا القعْنبِي، حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن معَان بن رِفَاعَة السلَامِي، عَن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن العذري، فَذكره.
وَقد أبعد النجعة فِي نسبته إِلَى أبي عمر، والْحَدِيث ذكره الْعقيلِيّ، وَإِنَّمَا لم يعزه إِلَيْهِ - وَالله أعلم - لِأَنَّهُ لم يره فِي كِتَابه، وَإِنَّمَا رَآهُ عِنْد أبي عمر.
وَبِهَذَا الْإِسْنَاد الَّذِي ذَكرْنَاهُ من رِوَايَة أبي عمر، أوردهُ فِي كِتَابه الْكَبِير.
وَالَّذِي نسب إِلَى الْعقيلِيّ من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة، وَعبد الله بن عَمْرو، إِنَّمَا رَآهُ أَيْضا عِنْد أبي عمر، فَإِنَّهُ كَمَا سَاق الْمُرْسل، سَاق الْمسند عَن الصحابيين الْمَذْكُورين، وَقد كَانَ يَنْبَغِي أَن ينْسب الْجَمِيع إِلَى الْعقيلِيّ، أَو إِلَى أبي عمر، وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ كَبِير، وَلم يَضرك التَّنْبِيه عَلَيْهِ.
وَقد ذكر الْمُرْسل الْمَذْكُور / غير الْعقيلِيّ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم: حَدثنَا الْحسن بن عَرَفَة، قَالَ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن معَان بن رِفَاعَة السلَامِي، عَن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن العذري، فَذكره حرفا بِحرف.
حَدثنَا عَليّ بن الْحسن الهسنجاني حَدثنَا مُحَمَّد بن عبيد الْمدنِي / حَدثنَا(3/38)
مُبشر بن إِسْمَاعِيل، عَن معَان بن رِفَاعَة، عَن أبي عبد الرَّحْمَن العذري، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ليحمل هَذَا الْعلم من كل خلف عدوله، ينفون عَنهُ تَحْرِيف الغالين، وانتحال المبطلين، وَتَأْويل الْجَاهِلين ".
وَقَالَ أَبُو أَحْمد بن عدي: حَدثنَا مَحْمُود بن عبد الْبر بن سِنَان الْعَسْقَلَانِي، قَالَ: حَدثنَا أَبُو إِبْرَاهِيم الترجماني.
وَحدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم، قَالَ: حَدثنَا الْحسن بن عَرَفَة، قَالَا: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن معَان بن رِفَاعَة السلَامِي، عَن إِبْرَاهِيم ابْن عبد الرَّحْمَن العذري، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يحمل هَذَا الْعلم من كل خلف عدوله، ينفون عَنهُ كذب الْجَاهِلين، وانتحال المبطلين، وافتراء الغالين ".
حدّثنَاهُ عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز، قَالَ: حَدثنِي زِيَاد بن أَيُّوب، قَالَ: حَدثنِي مُبشر بن إِسْمَاعِيل، عَن معَان بِإِسْنَادِهِ نَحوه.
حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز، قَالَ: حَدثنَا أَبُو الرّبيع الزهْرَانِي، قَالَ: حَدثنَا حَمَّاد بن زيد، عَن بَقِيَّة بن الْوَلِيد، عَن معَان بن رِفَاعَة، عَن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن العذري، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يَرث هَذَا الْعلم من كل خلف عدوله " الحَدِيث.
قد أريتك فِي هَذَا الَّذِي ذكرت، رِوَايَة مُبشر بن إِسْمَاعِيل، وَبَقِيَّة بن الْوَلِيد، هَذَا الْمُرْسل، عَن معَان بن رِفَاعَة، كَمَا رَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش.
وَأَبُو مُحَمَّد إِنَّمَا اعْتمد رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش.
ومبشر بن إِسْمَاعِيل خير مِنْهُ، فطريقه إِلَى معَان بن رِفَاعَة أحسن، ثمَّ(3/39)
نقُول بعد ذَلِك: إِن معَان بن رِفَاعَة السلَامِي هَذَا، هُوَ دمشقي.
قَالَ ابْن حَنْبَل: لم يكن بِهِ بَأْس، وخفي على أَحْمد من أمره مَا علمه غَيره /. قَالَ الدوري عَن ابْن معِين: إِنَّه ضَعِيف.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ.
وَقَالَ السَّعْدِيّ: لَيْسَ بِحجَّة.
وَقَالَ أَبُو أَحْمد بن عدي: عَامَّة مَا يرويهِ لَا يُتَابع عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم البستي: هُوَ مُنكر الحَدِيث، يروي مراسل كَثِيرَة، وَيحدث عَن المجاهيل بِمَا لَا يثبت، اسْتحق التّرْك.
وَإِلَى هَذَا، فَإِن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن العذري مُرْسل هَذَا الحَدِيث، لَا نعرفه الْبَتَّةَ فِي شَيْء من الْعلم غير هَذَا، وَلَا أعلم أحدا مِمَّن صنف الرِّجَال ذكره، مَعَ أَن كثيرا مِنْهُم [ذكر مرسله هَذَا فِي مُقَدّمَة كِتَابه، كَابْن أبي حَاتِم، وَأبي أَحْمد، والعقيلي، فَإِنَّهُم ذَكرُوهُ، ثمَّ] لم يذكرُوا إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن فِي بَاب من اسْمه إِبْرَاهِيم، فَهُوَ عِنْدهم غَايَة الْمَجْهُول، فَكيف يعرض عَن مثل هَذِه [الْعلَّة] الَّتِي هُوَ بهَا فِي جملَة مَا لَا يحْتَج بِهِ أحد، إِلَى(3/40)
الِاقْتِصَار على الْإِرْسَال الَّذِي يكون بِهِ فِي جملَة مَا يخْتَلف فِيهِ، فَاعْلَم ذَلِك، وَالله الْمُوفق.
(692) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث " اتَّقوا اللاعنين ".
ثمَّ قَالَ: زَاد أَبُو دَاوُد: " البرَاز فِي الْمَوَارِد ".
رَوَاهُ من حَدِيث أبي سعيد، عَن معَاذ بن جبل، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
قَالَ: وَأَبُو سعيد هُوَ الْحِمْيَرِي، وَلم يسمع من معَاذ. انْتهى مَا ذكر.
وَأَبُو سعيد هَذَا لَا يعرف من غير هَذَا الْإِسْنَاد، وَلم يزدْ أَبُو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم فِي ذكره إِيَّاه على مَا أَخذ من هَذَا الْإِسْنَاد، وَقد ذكره أَيْضا بذلك من غير مزِيد، أَبُو عمر بن عبد الْبر فِي الكنى الْمُجَرَّدَة، فَهُوَ مَجْهُول، فَاعْلَم ذَلِك.
(693) وَذكر من المراسل عَن طَلْحَة بن أبي قنان أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يَبُول، فَأتى عزازا " الحَدِيث.
وَلم يذكر / لَهُ عِلّة إِلَّا الْإِرْسَال، وَطَلْحَة هَذَا لَا يعرف بِغَيْر هَذَا.(3/41)
(694) وَذكر من المراسل أَيْضا عَن مُحَمَّد بن خَالِد القريشي، عَن عَطاء بن أبي رَبَاح، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا شربتم فَاشْرَبُوا مصا " الحَدِيث.
وَلم يقل بإثره شَيْئا، كَأَنَّهُ اكْتفى فِي تَعْلِيله بِالْإِرْسَال.
وَمُحَمّد بن خَالِد لَا تعرف / حَاله، وَلَا يعرف روى عَنهُ غير هشيم، وَبِذَلِك ذكر فِي كتب الرِّجَال، من غير مزِيد.
(695) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث: " ألق عَنْك شعر الْكفْر واختتن ".(3/42)
ثمَّ قَالَ: إِنَّه مُنْقَطع الْإِسْنَاد.
لم يردهُ بِغَيْر ذَلِك، فسيظفر بِهِ من لَا يرد الْمُرْسل فيحتج بِهِ غير مُتَوَقف.
وَهُوَ حَدِيث فِي إِسْنَاده من الِانْقِطَاع مَجْهُولُونَ.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مخلد بن خَالِد قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّزَّاق، حَدثنَا ابْن جريج، قَالَ، أخْبرت عَن عثيم بن كُلَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، أَنه جَاءَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: قد أسلمت، فَقَالَ لَهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ألق عَنْك شعر الْكفْر " - يَقُول: احْلق [واختتن]- قَالَ: وَأَخْبرنِي آخر أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لآخر مَعَه: " ألق عَنْك شعر الْكفْر واختتن ".
هَذَا إِسْنَاده، وَهُوَ غَايَة فِي الضعْف، من الِانْقِطَاع الَّذِي فِي قَول ابْن جريج: أخْبرت، وَذَلِكَ أَن عثيم بن كُلَيْب وأباه وجده، مَجْهُولُونَ، وَمَعَ هَذَا فليته بَقِي هَكَذَا بل فِيهِ زِيَادَة لَا أَقُول أَنَّهَا صَحِيحَة، وَلكنهَا مُحْتَملَة، وَهِي أَن من الْمُحدثين من قَالَ: إِن ابْن جريج الْقَائِل الْآن: أخْبرت عَن عثيم بن كُلَيْب، إِنَّمَا رَوَاهُ لَهُ عَن عثيم بن كُلَيْب إِبْرَاهِيم بن أبي يحيى، وَهُوَ من قد علم ضعفه، وَأُمُور أخر رمي بهَا فِي دينه، وَقد كَانَ من النَّاس من كَانَ حسن الرَّأْي فِيهِ، مِنْهُم الشَّافِعِي، وَابْن جريج.
وَقد روى ابْن جريج أَحَادِيث، قَالُوا: إِنَّه إِنَّمَا أَخذهَا عَنهُ، فأسقطه وأرسلها، مِنْهَا هَذَا الحَدِيث.
- وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِك فِيهِ: أَبُو أَحْمد بن عدي، وَأَبُو بكر بن ثَابت الْخَطِيب،(3/43)
ذكر ذَلِك فِي كِتَابه " تَلْخِيص الْمُتَشَابه " وَأطَال فِي بَيَانه -.
(696) وَمِنْهَا حَدِيث: " من مَاتَ مَرِيضا مَاتَ شَهِيدا ".(3/44)
(697) وَحَدِيث، الَّذِي تزوج امْرَأَة بكرا فَوَجَدَهَا حُبْلَى.
وَعِنْدِي أَن هَذَا لَا يَصح على ابْن جريج، فَإِنَّهُ من أهل الدَّين وَالْعلم، وَإِن كَانَ يُدَلس، فَلَا يَنْتَهِي فِي التَّدْلِيس إِلَى مثل هَذَا الْفِعْل الْقَبِيح، وَلَو قدرناه حسن الرَّأْي فِي إِبْرَاهِيم. وَالله أعلم /.
(698) وَذكر عَن سعيد بن أبي هِلَال، عَن إِسْحَاق بن عمر، عَن عَائِشَة قَالَت: " مَا صلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَاة إِلَّا لوَقْتهَا مرَّتَيْنِ ".
من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، وَأتبعهُ قَول التِّرْمِذِيّ فِيهِ: حسن غَرِيب لَيْسَ بِمُتَّصِل.
وَاكْتفى بذلك، وَترك أَن ينظر فِي أَمر إِسْحَاق بن عمر هَذَا، وَهُوَ لَا يعرف، وَقد قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: إِنَّه مَجْهُول.(3/45)
وَهُوَ كَمَا ذكر.
والانقطاع الْمشَار إِلَيْهِ، هُوَ فِيمَا بَينه وَبَين عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا -.
(699) وَذكر من المراسل عَن عَمْرو بن عَليّ الثَّقَفِيّ، لما نَام رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن صَلَاة الْغَدَاة قَالَ: " لنغيظن الشَّيْطَان كَمَا غاظنا ".
كَذَا أوردهُ، وَكَذَا رَأَيْته فِي النّسخ عَن عَمْرو بن عَليّ.
وَلَيْسَ ذَلِك بِصَحِيح، وَالَّذِي وَقع فِي المراسل إِنَّمَا هُوَ عَن عَليّ بن عَمْرو، وَأيهمَا كَانَ فَلَا يعرف، بل لم يذكر فِي غير هَذَا الْإِسْنَاد.
(700) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن شَدَّاد مولى عِيَاض، عَن بِلَال، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا تؤذن حَتَّى يستبين لَك الْفجْر هَكَذَا ".
ثمَّ رده / بِأَن قَالَ: شَدَّاد لم يدْرك بِلَالًا، وَالصَّحِيح أَن بِلَالًا يُنَادي(3/46)
بلَيْل.
لم يزدْ على هَذَا، وَلم ينظر فِي أَمر شَدَّاد، وَكَانَ عَلَيْهِ إِن كَانَ علمه أَن يعرف بمبلغ علمه فِيهِ، فَإِنَّهُ عِنْدهم مَجْهُول، لَا يعرف بِغَيْر رِوَايَة جَعْفَر بن برْقَان عَنهُ، وَهُوَ يروي عَنهُ هَذَا الْمُرْسل، ويروي عَنهُ أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة، وَعنهُ عَن وابصة بن معبد حَدِيث:
(701) " أَي شهر هَذَا، وَأي بلد هَذَا؟ ".
وَمَا زَاد من قَوْله: " الصَّحِيح أَن بِلَالًا يُنَادي بلَيْل "، غير معترض على الحَدِيث الْمَذْكُور لَو صَحَّ سَنَده، فَإِنَّهُ إِنَّمَا كَانَ يُؤذن لَيْلًا فِي رَمَضَان.
(702) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد أَيْضا حَدِيث الْمُغيرَة بن شُعْبَة: " لَا(3/47)
يُصَلِّي الإِمَام فِي الْموضع الَّذِي صلى فِيهِ حَتَّى يتَحَوَّل ".
ورده بِانْقِطَاع مَا بَين عَطاء الخرساني والمغيرة، وَترك أَن يذكر أَمر عبد الْعَزِيز بن عبد الْملك القريشي فَإِنَّهُ مَجْهُول.
وَقد / رَأَيْت من اعْتقد فِيهِ أَنه عبد الْعَزِيز بن عبد الْملك بن أبي مَحْذُورَة، وَإِن ذَلِك ليغلب على الظَّن، فَإِنَّهُ فِي هَذِه الطَّبَقَة، وقريشي، وَلَا أعرف متسميا بِهَذَا الِاسْم مَعَ اسْم الْأَب غَيره، وهبه أَنه هُوَ، لَا يُغني فِيمَا نُرِيد، فَإِنَّهُ أَيْضا مَجْهُول الْحَال، على مَا بَينا فِي حَدِيث من رِوَايَته فِي الْأَذَان، يَأْتِي ذكره فِي غير هَذَا الْبَاب إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(703) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ حَدِيث عمر بن عبد الْعَزِيز، عَن(3/48)
أنس أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صلى بِالنَّاسِ فَمر بَين أَيْديهم حمَار، فَقَالَ عَيَّاش بن أبي ربيعَة: سُبْحَانَ الله " الحَدِيث.
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: اخْتلف فِي إِسْنَاده، وَالصَّوَاب مُرْسل عَن عمر - يَعْنِي ابْن عبد الْعَزِيز -.
هَذَا مَا ذكره بِهِ، والْحَدِيث مَذْكُور بِمَا ذكره بِهِ فِي علل الدَّارَقُطْنِيّ، وموصل الْإِسْنَاد فِي كتاب السّنَن [لَهُ] وَهُوَ إِنَّمَا يرويهِ صَخْر بن عبد الله بن حَرْمَلَة، وَهُوَ مَجْهُول الْحَال وَلَا يعرف روى عَنهُ غير بكر بن مُضر.
(704) وَذكر من المراسل عَن قبيصَة بن ذُؤَيْب: " أَن قطا أَرَادَ أَن يمر بَين يَدي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ يُصَلِّي فحبسه بِرجلِهِ ".
وَلم يعرض لشَيْء من حَال إِسْنَاده غير الْإِرْسَال، وَهُوَ من رِوَايَة ابْن وهب، عَن عَمْرو بن الْحَارِث، عَن بكر بن سوَادَة، عَن عبد الله بن أبي مَرْيَم [عَن قبيصَة.(3/49)
وَعبد الله بن أبي مَرْيَم] هَذَا، هُوَ مولى بني سَاعِدَة، يروي عَن أبي هُرَيْرَة، وَقبيصَة بن ذُؤَيْب، وَرَأى أَبَا حميد السَّاعِدِيّ، وَأَبا أسيد السَّاعِدِيّ، روى عَنهُ جهم بن أَوْس، ووهب بن مُنَبّه، وَبكر بن سوَادَة، وحاله عِنْدِي غير مَعْرُوفَة، فَانْظُرْهُ.
(705) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فِي النَّهْي عَن الصَّلَاة خلف النَّائِم، أَو المتحدث ".
ورده بالانقطاع، وَهُوَ لَو كَانَ مُتَّصِلا مَا صَحَّ، للْجَهْل براويين من رُوَاته، وَذَلِكَ أَنه من رِوَايَة عبد الْملك بن مُحَمَّد بن أَيمن، عَن عبد الله بن يَعْقُوب بن إِسْحَاق، عَمَّن حَدثهُ عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ، عَن ابْن عَبَّاس.
وَعبد الله بن يَعْقُوب بن إِسْحَاق لَا يعرف / أصلا، وَكَذَلِكَ عبد الْملك ابْن مُحَمَّد بن أَيمن، وَقد يغلط فِيهِ من لَا يعرف مُحَمَّد بن عبد الْملك بن أَيمن الأندلسي، وَذَلِكَ عبد الْملك بن مُحَمَّد، وَهَذَا مُحَمَّد بن عبد الْملك.
وَسَيَأْتِي فِي الْحَج حَدِيث زيد بن ثَابت:(3/50)
(706) " تجرد لإهلاله واغتسل ".
من طَرِيق التِّرْمِذِيّ.
فِيهِ عبد الله بن يَعْقُوب، ولَا يعرف، / وَلَعَلَّه هَذَا.
(707) وَذكر من المراسل عَن أبي الْحجَّاج الطَّائِي رَفعه قَالَ: " نهى أَن يتحدث الرّجلَانِ وَبَينهمَا أحد يُصَلِّي ".
وَاكْتفى فِي تَعْلِيله بِكَوْنِهِ مُرْسلا.
وَأَبُو الْحجَّاج هَذَا لَا يعرف، وَلم أجد لَهُ ذكرا فِي غير هَذَا الْمُرْسل.
وَإِلَى ذَلِك فَإِن أَبَا دَاوُد إِنَّمَا سَاقه فِي المراسل هَكَذَا: حَدثنَا عمر بن حَفْص الوصابي، حَدثنَا ابْن حمير، عَن بشر بن جبلة، عَن خير بن نعيم، عَن أبي الْحجَّاج الْمَذْكُور.
وَبشر بن جبلة روى عَن زُهَيْر بن مُعَاوِيَة، وَعبد الْعَزِيز بن أبي رواد، روى عَن بَقِيَّة.
وَمُحَمّد بن حمير، قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: مَجْهُول، ضَعِيف الحَدِيث.
وَهَذَا الْكَلَام مِنْهُ لَيْسَ بمتناقض، فَإِن كل مَجْهُول الْعين أَو الْحَال، ضَعِيف(3/51)
الحَدِيث، وَلَيْسَ كل ضَعِيف الحَدِيث مَجْهُولا.
(708) وَذكر من المراسل عَن أبي عِيسَى الْخُرَاسَانِي، عَن الضَّحَّاك بن مُزَاحم، قَالَ: " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يخرج يَوْم الْعِيد بِالسِّلَاحِ ".
لم يعب هَذَا الحَدِيث بسوى الْإِرْسَال، غير أَنه أبرز من رُوَاته أَبَا عِيسَى الْخُرَاسَانِي، وَذَلِكَ (وَالله أعلم) تبرؤ من عهدته، فَاعْلَم أَنه لَا تعرف لَهُ حَال، رَوَاهُ عَنهُ سعيد بن أبي أَيُّوب.
(709) وَسَيَأْتِي لَهُ حَدِيث آخر، رَوَاهُ عَنهُ حَيْوَة بن شُرَيْح " فِي النَّهْي عَن الْعمرَة قبل الْحَج ". نذكرهُ إِن شَاءَ الله فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها وَلم يبين عللها.
(710) وَذكر أَيْضا من المراسل عَن سُلَيْمَان بن عبد الله بن عُوَيْمِر، كنت مَعَ عُرْوَة، فأشرت بيَدي إِلَى السَّحَاب فَقَالَ: " لَا تفعل، فَإِن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَهَانَا أَن يشار إِلَيْهِ ".
سَاقه هَكَذَا، وَلم يعبه بسوى الْإِرْسَال، وَسليمَان بن عبد الله بن عُوَيْمِر، لَا يعلم روى عَنهُ غير ابْن إِسْحَاق، وَابْن أبي الزِّنَاد، وَلَا تعرف حَاله /.
(711) وَذكر من المراسل أَيْضا عَن أبي الْيَمَان الْهَوْزَنِي، قَالَ: " لما توفّي(3/52)
أَبُو طَالب خرج رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُعَارض جنَازَته " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: هَذَا مُرْسل.
لم يزدْ على هَذَا، وَأَبُو الْيَمَان هَذَا، لَو أسْند حَدِيثا مَا قبل مِنْهُ، فَكيف بِمَا أرْسلهُ، واسْمه عَامر بن عبد الله بن لحي، يروي عَن أبي أُمَامَة وَكَعب، وَأَبِيهِ، وَلَا تعرف لَهُ حَال.
(712) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تتبع الْجِنَازَة بِصَوْت وَلَا نَار " الحَدِيث.
ثمَّ رده بِانْقِطَاع إِسْنَاده.
والْحَدِيث لَا يَصح وَلَو كَانَ مُتَّصِلا، للْجَهْل بِحَال بَاب بن عُمَيْر، رَاوِيه عَن رجل عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة.
وأظن أَن أَبَا مُحَمَّد جرى فِيهِ على أَصله، فِيمَن يروي عَنهُ أَكثر من وَاحِد أَنه يقبلهم.
وَبَاب الْمَذْكُور قد روى عَنهُ الْأَوْزَاعِيّ، وَيحيى بن أبي كثير.(3/53)
(713) وَذكر من المراسل عَن عبد الله بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " رش على قبر [ابْنه] إِبْرَاهِيم " الحَدِيث.
وَلم يعبه بسوى الْإِرْسَال.
وَعبد الله هَذَا، لَا تعرف حَاله، وَلكنه - وَالله أعلم - جرى فِيهِ على ذَلِك الأَصْل، فَإِنَّهُ روى عَنهُ ابْن الْمُبَارك، والدراوردي، وَابْن أبي فديك، وَأَبُو أُسَامَة، وَكَذَلِكَ أَبوهُ مُحَمَّد بن عمر لَا تعرف حَاله أَيْضا.
(714) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن عَطاء بن يسَار، عَن معَاذ بن جبل، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِين بَعثه إِلَى الْيمن قَالَ: " خُذ الْحبّ من الْحبّ " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: عَطاء لم يدْرك معَاذًا.
وَلم يبين أَنه من رِوَايَة شريك بن عبد الله بن أبي نمر عَنهُ.(3/54)
وَهُوَ قد قَالَ فِي الاسْتِسْقَاء: إِنَّه لم يكن بِالْحَافِظِ، رد بذلك حَدِيثا / من رِوَايَته.
(715) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَوْف: " صَائِم رَمَضَان فِي السّفر كمفطره فِي الْحَضَر ".
ورده بِانْقِطَاع مَا بَين أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَأَبِيهِ.
(716) وَذكر بعده بأوراق حَدِيث النَّسَائِيّ، عَن النَّضر بن شَيبَان، قَالَ: قلت لأبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف: حَدثنِي / عَن شَيْء سمعته من أَبِيك، سَمعه أَبوك من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، لَيْسَ بَين أَبِيك وَبَين رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أحد فِي شهر رَمَضَان، قَالَ: نعم، حَدثنِي أبي قَالَ: قَالَ رَسُول الله
: " إِن الله فرض صِيَام رَمَضَان، وسننت لكم قِيَامه، فَمن صَامَهُ وقامه إِيمَانًا واحتسابا، خرج من ذنُوبه كَيَوْم وَلدته أمه ".
ثمَّ قَالَ: أَبُو سَلمَة لم يسمع من أَبِيه شَيْئا، وضعفوا حَدِيث النَّضر بن شَيبَان هَذَا.
وَالْمَقْصُود الْآن أَن الحَدِيث الأول فِي أَن " الصَّائِم فِي السّفر كالمفطر فِي(3/55)
الْحَضَر " هُوَ عِنْد الْبَزَّار هَكَذَا: حَدثنَا بشر بن آدم، حَدثنَا يَعْقُوب بن مُحَمَّد، حَدثنَا عبد الله بن عِيسَى الْمدنِي، حَدثنَا أَبُو أُسَامَة بن زيد. فَذكره.
ثمَّ قَالَ: هَذَا الحَدِيث أسْندهُ أُسَامَة بن زيد، وَتَابعه على إِسْنَاده يُونُس، وَقد رَوَاهُ ابْن أبي ذِئْب وَغَيره، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة، عَن أَبِيه، مَوْقُوفا من قَوْله.
وَلم يُوصل الْبَزَّار إِسْنَاد رِوَايَة يُونُس.
وَعبد الله بن عِيسَى هَذَا لَا أعلمهُ إِلَّا الْفَروِي، الْأَصَم، هُوَ مدنِي، يروي عَن ابْن نَافِع، ومطرف بن عبد الله الْعَجَائِب ويقلب الْأَخْبَار عَن الثِّقَات، قَالَه أَبُو حَاتِم البستي.
وَلَا أعلمهُ مَذْكُورا عِنْد غَيره، وَإِنَّمَا أَكثر من ذكر متسميا بِهَذَا الِاسْم كوفيون، وبصريون، ورازيون، وشاميون.
وَأما يَعْقُوب بن مُحَمَّد، فَإِنَّهُ إِن كَانَ الزُّهْرِيّ، فَإِنَّهُ ضَعِيف جدا، وَإِن كَانَ يَعْقُوب بن مُحَمَّد بن طحلاء فَهُوَ مدنِي ثِقَة، وَكِلَاهُمَا يشبه هَذَا الَّذِي فِي الْإِسْنَاد.
وَلما ذكر أَبُو أَحْمد هَذَا الحَدِيث فِي بَاب يزِيد بن عِيَاض، قَالَ: إِن رِوَايَة أُسَامَة بن زيد رَوَاهَا عَنهُ عبد الله بن مُوسَى التَّيْمِيّ. وَهَذَا أشبه بِالصَّوَابِ من قَول الْبَزَّار فِيهِ: عبد الله بن عِيسَى الْمدنِي، وَهُوَ(3/56)
عبد الله بن مُوسَى بن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن طَلْحَة بن عبيد الله، التَّيْمِيّ، القريشي، يروي عَن أُسَامَة بن زيد، وَعبد الحميد بن جَعْفَر، وَهُوَ لَا بَأْس بِهِ.
وَلكنه لم يُوصل إِلَيْهِ الْإِسْنَاد، وَأتبعهُ / أَبُو مُحَمَّد أَن قَالَ: ويروى بِإِسْنَاد ضَعِيف ومجهول، فِيهِ يزِيد بن عِيَاض وَغَيره إِلَى أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
كَذَا قَالَ، وَهُوَ أَيْضا شَيْء يجب التَّوَقُّف فِيهِ، فَإِن رِوَايَة يزِيد بن عِيَاض، إِنَّمَا هِيَ أَيْضا إِلَى عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، لَا إِلَى أبي هُرَيْرَة.
قَالَ أَبُو أَحْمد: حَدثنَا مُحَمَّد بن عُبَيْدَة المصِّيصِي، إملاء بجرجان، فِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ، حَدثنَا إِسْحَاق بن مَنْصُور، حَدثنَا يزِيد بن هَارُون، قَالَ: حَدثنَا يزِيد بن عِيَاض، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أبي سَلمَة، عَن أَبِيه، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " صَائِم رَمَضَان فِي السّفر، كالمفطر فِي الْحَضَر ".
وَهَذَا الحَدِيث لَا يرفعهُ عَن الزُّهْرِيّ غير يزِيد بن عِيَاض، وَعقيل من رِوَايَة سَلامَة بن روح عَنهُ، وَيُونُس بن يزِيد من رِوَايَة الْقَاسِم بن مبرور عَنهُ، وَأُسَامَة زيد، من رِوَايَة عبد الله بن مُوسَى التَّيْمِيّ عَنهُ.
وَالْبَاقُونَ من أَصْحَاب الزُّهْرِيّ، رَوَوْهُ عَنهُ، عَن أبي سَلمَة، عَن أَبِيه من قَوْله، انْتهى كَلَام أبي أَحْمد.
وَإِنَّمَا لم نذْكر قَول أبي مُحَمَّد فِي رِوَايَة / يزِيد بن عِيَاض: إِنَّهَا عَن أبي هُرَيْرَة، فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي نَسَبهَا إِلَى غير رواتها؛ لِأَنَّهُ لم يعزها إِلَى كتاب أبي أَحْمد، فجوزنا أَن يكون قد رَآهَا عِنْد غَيره، من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة(3/57)
كَمَا ذكر.
وَقد ذكر الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله الْخلاف على الزُّهْرِيّ فِي هَذَا الحَدِيث، وَلم يذكر رِوَايَة أُسَامَة بن زيد، لَا من رِوَايَة عبد الله بن عِيسَى الْمدنِي، وَلَا من رِوَايَة عبد الله بن مُوسَى التَّيْمِيّ، فَاعْلَم ذَلِك.
(717) وَذكر من المراسل عَن طَاوس: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا سَافر أول النَّهَار أفطر " الحَدِيث.
وَلم يعبه بسوى الْإِرْسَال، وَرَاوِيه عَن طَاوس لَا يعرف.
(718) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن جهم بن الْجَارُود، عَن سَالم بن عبد الله، عَن أَبِيه " أهْدى عمر بختيا، فَأعْطِي بهَا ثَلَاث مائَة دِينَار " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: جهم لَا يعرف لَهُ سَماع من سَالم.
وَهَذَا إِنَّمَا / هُوَ قَول البُخَارِيّ فِيهِ، وَهُوَ مَجْهُول الْحَال، لَا يعرف روى عَنهُ غير أبي عبد الرَّحِيم: خَالِد بن أبي يزِيد.
وَبِذَلِك من غير مزِيد ذكره البُخَارِيّ، وَابْن أبي حَاتِم.
(719) وَذكر من المراسل عَن يزِيد بن نعيم، أَو زيد بن نعيم - شكّ أَبُو(3/58)
تَوْبَة - أَن رجلا من جذام، جَامع امْرَأَته وهما محرمان. الحَدِيث.
وَلم يعرض لعلته، وَهِي الْجَهْل بزيد بن نعيم، فَإِنَّهُ لَا يعرف، فَأَما يزِيد بن نعيم بن هزال فَثِقَة، وَعنهُ يروي يحيى بن أبي كثير.
وَقد شكّ أَبُو تَوْبَة فَلم يدر عَمَّن حَدثهمْ بِهِ مُعَاوِيَة بن سَلام، عَن يحيى بن أبي كثير، أعن زيد بن نعيم، أم عَن يزِيد بن نعيم؟
(720) وَذكر من المراسل عَن مَكْحُول، قَالَ: " أوصى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَبَا هُرَيْرَة، ثمَّ قَالَ: إِذا غزوت " الحَدِيث.
وَهَذَا الْمُرْسل صَحِيح إِلَى مَكْحُول.
(721) ثمَّ قَالَ: وَمِنْهَا - وَلم يصل بِهِ سَنَده - عَن الْقَاسِم مولى عبد الرَّحْمَن، قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَذكر نَحوه: " لَا تحرقن نخلا، وَلَا تغرقنها، وَلَا تقطع شَجَرَة تمر، وَلَا تقتل بَهِيمَة لَيست لَك بهَا حَاجَة، وَاتَّقِ أَذَى الْمُؤمن ".
ثمَّ قَالَ: الصَّحِيح فِي هَذَا حَدِيث مُسلم فِي قطع نخل بني النَّضِير.
فَنَقُول - وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق -: إِن هَذَا الْإِيرَاد خطأ، وَأَبُو دَاوُد قد وصل إِسْنَاده بِهِ إِلَى الْقَاسِم مولى عبد الرَّحْمَن.
وأظن أَبَا مُحَمَّد نقل من نُسْخَة كَانَ قد سقط مِنْهَا إِسْنَاده، وبحسب ذَلِك لم يَجْعَل لَهُ عَيْبا سوى الْإِرْسَال والانقطاع، فَأَما من وقف على إِسْنَاده إِلَى الْقَاسِم، فسيعلم أَن فِيهِ مَجْهُولا لَا يَصح الحَدِيث من أَجله وَلَو اتَّصل، وَهُوَ(3/59)
عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا سُلَيْمَان بن دَاوُد، حَدثنَا ابْن وهب، حَدثنِي عَمْرو ابْن الْحَارِث، عَن عُثْمَان بن عبد الرَّحْمَن عَن الْقَاسِم مولى عبد الرَّحْمَن، فَذكره.
وَالقَاسِم الْمَذْكُور، هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن، أَبُو عبد الرَّحْمَن الشَّامي، مولى عبد الرَّحْمَن بن خَالِد بن يزِيد بن مُعَاوِيَة، يخْتَلف فِيهِ.
وَأَبُو مُحَمَّد يصحح مَا يروي كَمَا فعل التِّرْمِذِيّ.
(722) وَذكر من المراسل / عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صلب عقبَة بن أبي معيط إِلَى شَجَرَة " الحَدِيث.
وَلم يعبه بسوى الْإِرْسَال، وَهُوَ إِنَّمَا يرويهِ إِسْرَائِيل، قَالَ: حَدثنَا أَبُو الْهَيْثَم، عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ.
وَأَبُو الْهَيْثَم هَذَا لَا يعرف من هُوَ مِمَّن يكنى بِهَذِهِ الكنية.
(723) وَذكر من المراسل أَيْضا عَن ابْن جريج، حَدثنَا أَبُو عُثْمَان بن يزِيد، قَالَ: لم يزل يعْمل بِهِ، ويرفعونه إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن الرجل إِذا ولد لَهُ(3/60)
ولد بَعْدَمَا يخرج من أَرض الْمُسلمين " الحَدِيث.
وَلم يعبه / بسوى الْإِرْسَال، وَأَبُو عُثْمَان لَا يدرى من هُوَ.
(724) وَذكر من المراسل عَن سعيد بن أبي هِلَال، أَن ابْن شبْل حَدثهُ، أَن سهلة ابْنة عَاصِم ولدت يَوْم خَيْبَر فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " تساهلت " الحَدِيث.
وَلم يعبه بسوى الْإِرْسَال، وَابْن شبْل هَذَا لَا يعرف.
(725) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن الْقَاسِم مولى عبد الرَّحْمَن، عَن بعض أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " كُنَّا نَأْكُل الجزر فِي الْغَزْو وَلَا نقسمهُ " الحَدِيث.
وَفِي رِوَايَة سكت عَنهُ، وَفِي رِوَايَة فِي بعض النّسخ أتبعه أَن قَالَ: قد تقدم الْكَلَام فِي الْقَاسِم، والْحَدِيث أَيْضا مُرْسلا. فَأَقُول (وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق) : إِن صحت هَذِه الزِّيَادَة، فَهُوَ قد أعله بِالْإِرْسَال، وَلَا أعرفهُ فِيهِ فَإِن هَذَا الرجل الَّذِي لم يسم صَحَابِيّ، على مَا قَالَ الْقَاسِم، وَلَكِن هبه أَنه مُرْسل، فَمَا باله لم يبين أَنه من رِوَايَة ابْن حرشف الْأَزْدِيّ، عَن الْقَاسِم.(3/61)
وَابْن حرشف لَا أعرفهُ مَوْجُودا فِي شَيْء من كتب الرِّجَال الَّتِي هِيَ مظان ذكره وَذكر أَمْثَاله، فَهُوَ جد مَجْهُول.
(726) وَذكر من المراسل أَيْضا، عَن ابْن أبي لَبِيبَة، عَن أَبِيه، عَن جده، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من بلغ لَهُ ولد، وَعِنْده مَال بِمَا ينكحه فَلم يفعل، فأحدث فالإثم عَلَيْهِ ".
وَلم يعبه بسوى الْإِرْسَال، وَهُوَ أخف مَا فِيهِ.
فَإِن كل هَؤُلَاءِ مَجْهُولُونَ وَإِن كَانَ ابْن أبي لَبِيبَة مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَبِيبَة، فَهُوَ لَا شَيْء، وَأَبوهُ وجده / لَا يعرفان.
(727) وَذكر عَن خَالِد بن معدان، عَن معَاذ بن جبل [قَالَ] قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْعَرَب بَعْضهَا لبَعض أكفاء " الحَدِيث.
ثمَّ رده بِأَن قَالَ: خَالِد بن معدان لم يسمع من معَاذ.
وَهَذَا كَمَا ذكر، وَالْبَزَّار هُوَ قَائِل ذَلِك ومبينه فِي حَدِيث آخر من رِوَايَته.
والْحَدِيث الْمَذْكُور يرويهِ الْبَزَّار هَكَذَا: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا سُلَيْمَان بن أبي الجون، قَالَ: حَدثنَا ثَوْر بن يزِيد، عَن خَالِد بن معدان، عَن معَاذ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْعَرَب بَعْضهَا لبَعض أكفاء، والموالي(3/62)
بَعْضهَا لبَعض أكفاء ".
وَسليمَان بن أبي الجون لم أجد لَهُ ذكرا.
(728) وَذكر من المراسل عَن زِيَاد السَّهْمِي قَالَ: " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن تسترضع الحمقاء، فَإِن اللَّبن يشبه ".
قَالَ: وَقد أسْند، وَالَّذِي أسْندهُ يتهم بِوَضْعِهِ، وَهُوَ عَمْرو بن خليف الحتاوي. وحتاوة قَرْيَة بعسقلان، ذكر ذَلِك أَبُو أَحْمد. انْتهى مَا ذكر.
أما الْمُرْسل فَفِي غَايَة الضعْف بِغَيْر الْإِرْسَال، وَذَلِكَ أَن زِيَاد السَّهْمِي مَجْهُول الْبَتَّةَ، وَيَرْوِيه عَنهُ هِشَام بن إِسْمَاعِيل الْمَكِّيّ، وَهُوَ أَيْضا مَجْهُول، وَيَرْوِيه عَن هِشَام إِسْحَاق ابْن بنت دَاوُد بن أبي هِنْد، وَلَا تعرف لَهُ حَال إِلَّا أَن الْحسن بن الصَّباح قَالَ فِي نفس الْإِسْنَاد لما رَوَاهُ عَنهُ: إِن إِسْحَاق هَذَا من خير الرِّجَال، وَهَذَا لَا يقْضى لَهُ بالثقة فِي الرِّوَايَة.(3/63)
فَأَما الْمسند فيرويه أَبُو أَحْمد هَكَذَا: حَدثنَا مُحَمَّد بن عَمْرو بن عبد الْعَزِيز الْعَسْقَلَانِي، قَالَ: حَدثنَا أَبُو صَالح: عَمْرو بن خليف الحتاوي، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن مخلد الرعيني، قَالَ: حَدثنَا نعيم - يَعْنِي بن سَالم بن قنبر - عَن أنس بن مَالك، فَذكره.
ونعيم بن سَالم لَا تعرف حَاله، وَلَا وجدت لَهُ ذكرا، وَمُحَمّد بن مخلد الرعيني لم تثبت عَدَالَته، وَهُوَ حمصي يكنى أَبَا أسلم، سُئِلَ عَنهُ أَبُو حَاتِم فَقَالَ: لم أر فِي حَدِيثه مُنْكرا.
(729) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن عَليّ " نهى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن بيع الْمُضْطَر ".
ثمَّ قَالَ: وَهَذَا / مُنْقَطع.
كَذَا قَالَ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة صَالح بن عَامر، وَهُوَ مَجْهُول.
وَقد كتبناه فِي بَاب الْأَحَادِيث الْمُغيرَة عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ.
(730) وَذكر من طَرِيق أبي مُحَمَّد بن حزم، من كتاب الْإِعْرَاب، قَالَ: روينَا من طَرِيق ابْن أبي شيبَة، عَن وَكِيع، عَن قَاسم الْجعْفِيّ، عَن أَبِيه، عَن مَيْمُون بن مهْرَان، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الصَّفْقَة عَن ترَاض، وَالْخيَار بعد(3/64)
الصَّفْقَة، وَلَا يحل لمُسلم أَن يغبن مُسلما ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا مُرْسل.
لم يزدْ على هَذَا، إِلَّا أَنه أبرز إِسْنَاده كَمَا ترى، فَكَانَ بذلك أقرب إِلَى الصَّوَاب، لَا كعمله فِي أَكثر مَا مر لَهُ فِي هَذَا الْبَاب / من الْأَحَادِيث الَّتِي يطوي ذكر من فِيهَا من الضُّعَفَاء والمجاهيل، ويقتصر على ذكر الْإِرْسَال.
وَإِلَى ذَلِك فالقاسم الْجعْفِيّ يروي عَن أَبِيه وَعَن الشّعبِيّ، وروى عَنهُ وَكِيع، وَهُوَ مَجْهُول.
قَالَ ابْن أبي حَاتِم: حَدثنَا عَليّ بن الْحُسَيْن بن الْجُنَيْد، قَالَ: سَمِعت ابْن نمير يَقُول: روى وَكِيع عَن الْقَاسِم الْجعْفِيّ، شيخ لَيْسَ بِمَعْرُوف.
وَإِذا الْأَمر هَكَذَا فأبوه أَحْرَى بِأَن لَا يعرف.
(731) وَذكر من المراسل، عَن عُرْوَة بن الزبير، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، حِين خرج هُوَ وَأَبُو بكر مَعَه، مُهَاجِرين إِلَى الْمَدِينَة، مرا براعي غنم فَاشْترى مِنْهُ شَاة وَشرط أَن سلبها لَهُ.(3/65)
لم يعبه بسوى الْإِرْسَال، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ ابْن وهب، عَن مُوسَى بن شيبَة الْحَضْرَمِيّ، عَن يُونُس بن يزِيد، عَن عمَارَة بن غزيَّة الْأنْصَارِيّ، عَن عُرْوَة.
ولَا يعرف لمُوسَى بن شيبَة هَذَا حَال، وَترك لَهُ إِسْنَادًا أحسن من هَذَا، إِلَّا أَنه جعله من مراسل عمَارَة بن غزيَّة، لم يذكر عُرْوَة بن الزبير.
رَوَاهُ ابْن وهب، عَن اللَّيْث، عَن يُونُس، عَن عمَارَة، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَذكره.
(732) وَذكر من المراسل عَن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن أبي بكر بن حزم، عَن أَبِيه، عَن جده، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا يعضى مِيرَاث الْقَوْم ".
لم يزدْ على بَيَان أَنه مُرْسل، وإبرازه مَا ذكرنَا من إِسْنَاده /.
فَاعْلَم أَن عبد الرَّحْمَن هَذَا لَا يعرف.
(733) وَذكر من طَرِيق ابْن وهب، عَن هِشَام بن سعد، عَن زيد بن أسلم، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " وَأي الْمُؤمن وَاجِب ".
أرَاهُ اكْتفى بإبراز هِشَام بن سعد، فَهُوَ عِنْده ضَعِيف.(3/66)
(734) وَذكر من المراسل عَن هِشَام بن سعد أَيْضا، عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي، أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله، إِن بني سَلمَة كلهم يُقَاتل، فَمنهمْ من يُقَاتل للرياء وَمِنْهُم من يُقَاتل - يَعْنِي نجدة - الحَدِيث.
وَهَذَا أَيْضا كالتبري من عهدته بإبراز هِشَام، وَهُوَ عِنْده ضَعِيف.
(735) وَذكر من رِوَايَة سُلَيْمَان بن مُوسَى، عَن نصير مولى مُعَاوِيَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " نهى عَن قسْمَة الضرار ".
لم يعرض لَهُ بسوى الْإِرْسَال.
ونصير هَذَا لَا يعرف، وَلَا وجدت لَهُ ذكرا.
(736) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن أبي عون، عَن الْحَارِث بن عَمْرو، عَن أنَاس من أهل حمص من أَصْحَاب معَاذ، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما أَرَادَ أَن يَبْعَثهُ إِلَى الْيمن قَالَ لَهُ: " بِمَ تحكم " 000 الحَدِيث.(3/67)
ثمَّ قَالَ: لَا يسند وَلَا يُوجد من وَجه صَحِيح.
كَذَا قَالَ من غير مزِيد، وَلم يبين حَال الْحَارِث بن عَمْرو هَذَا، وَلَا تقدم لَهُ ذكر عِنْده، بِخِلَاف فعله الْآن فِي هِشَام بن سعد، فَإِنَّهُ اكْتفى بإبرازه، اعْتِمَادًا على مَا تقدم فِيهِ.
والْحَارث الْمَذْكُور هُوَ ابْن أخي الْمُغيرَة بن شُعْبَة، وَلَا تعرف لَهُ حَال، وَلَا يدرى روى عَنهُ غير أبي عون: مُحَمَّد بن عبيد الله الثَّقَفِيّ.(3/68)
(737) وَذكر من المراسل عَن عبد الله بن عبد الْعَزِيز الْعمريّ قَالَ: لما اسْتعْمل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَليّ بن أبي طَالب على الْيمن، قَالَ عَليّ: دَعَا بِي، وَقَالَ لي: " قدم الوضيع على الشريف، والضعيف على الْقوي، وَالرِّجَال قبل النِّسَاء ".
وَلم يرمه بسوى الْإِرْسَال، وَفِيه جمَاعَة لَا يعْرفُونَ.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن يحيى، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمُغيرَة، الْمدنِي المَخْزُومِي، قَالَ: حَدثنَا سُلَيْمَان بن مُحَمَّد / بن يحيى بن عُرْوَة، عَن عبد الله بن عبد الْعَزِيز، فَذكره /.
وَمُحَمّد بن الْمُغيرَة، وَسليمَان بن مُحَمَّد، لَا يعرفان بِغَيْر هَذَا.
والعمري هُوَ الزَّاهِد الْمَشْهُور، وحاله فِي الحَدِيث مَجْهُولَة وَلَا أعلم لَهُ رِوَايَة غير هَذِه.
(738) وَذكر من طَرِيق عبد الرَّزَّاق، وَسَعِيد بن مَنْصُور، عَن مُحَمَّد بن(3/69)
عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ، أَن بني سعيد بن الْعَاصِ، كَانَ لَهُم غُلَام فأعتقوه. الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: إِنَّه مُنْقَطع؛ لِأَن مُحَمَّد بن عَمْرو لم يذكر من حَدثهُ.
وَلم يعرض لحَال مُحَمَّد هَذَا، وَهِي مَجْهُولَة، بل هُوَ فِي نَفسه غير مَعْرُوف.
(739) وَذكر من المراسل عَن عبد الله بن عبد الْعَزِيز الْحَضْرَمِيّ قَالَ: " قتل رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم خَيْبَر مُسلما بِكَافِر قتل غيلَة، وَقَالَ: أَنا أَحَق من وفى بِذِمَّتِهِ ".
وَلم يرمه بسوى الْإِرْسَال، وَهُوَ إِنَّمَا يرويهِ من طَرِيق ابْن وهب، عَن عبد الله ابْن يَعْقُوب، عَن عبد الله بن عبد الْعَزِيز بن صَالح الْحَضْرَمِيّ الْمَذْكُور.
وَهَذَانِ الْمَذْكُورَان مَجْهُولَانِ، وَلم أجد لَهما ذكرا.
(740) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا غرم على السَّارِق بعد قطع يَمِينه ".(3/70)
ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده مُنْقَطع.
وَلم يبين من حَاله غير هَذَا، وَهُوَ لَا يَصح وَلَو اتَّصل، وَذَلِكَ لِأَن نَاسا رَوَوْهُ عَن مفضل بن فضَالة، فَقَالُوا فِيهِ: عَن يُونُس بن يزِيد، عَن سعد بن إِبْرَاهِيم - هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف - عَن أَخِيه الْمسور بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن ابْن عَوْف.
فَهُوَ هَكَذَا مُنْقَطع فِيمَا بَين الْمسور وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف، فَإِن الْمسور لم يدْرك جده عبد الرَّحْمَن، قَالَه الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيره.
وَمِمَّنْ رَوَاهُ هَكَذَا سعيد بن عفير، وَأَبُو صَالح الْحَرَّانِي: عبد الْغفار بن دَاوُد، فِي رِوَايَة عَنهُ، وَله مَعَ ذَلِك من الْعَيْب أَن الْمسور لَا تعرفه حَاله.
وَإِلَى ذَلِك فَإِنَّهُ يروي فِيهِ عَن أبي صَالح رِوَايَة أُخْرَى قَالَ فِيهَا: عَن الْمفضل / عَن يُونُس، عَن سعيد بن إِبْرَاهِيم، قصَّة عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فِي السَّارِق.
فَهُوَ هَكَذَا مُرْسل، قَالَ أَبُو صَالح: فَقلت للمفضل: يَا أَبَا مُعَاوِيَة، إِنَّمَا هُوَ سعد بن إِبْرَاهِيم، قَالَ: هَكَذَا حَدثنِي أَو قَالَ: فِي كتابي.
وَرِوَايَة أُخْرَى عَن أبي صَالح قَالَ فِيهَا: عَن سعيد بن إِبْرَاهِيم، عَن أَخِيه الْمسور، قَالَ أَبُو صَالح: قلت لَهُ: إِنَّمَا هُوَ سعد، قَالَ: هَكَذَا فِي كتابي، أَو هَكَذَا قَالَ. فَهُوَ كَمَا ترى، لَا يعرف من حدث بِهِ يُونُس، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: سعيد ابْن إِبْرَاهِيم مَجْهُول، وَصدق فِي ذَلِك.
فَالْحَدِيث مَعْلُول بِغَيْر الْإِرْسَال، وَرَوَاهُ إِسْحَاق بن الْفُرَات، عَن الْمفضل(3/71)
ابْن فضَالة، فَجعل فِيهِ الزُّهْرِيّ بَين يُونُس بن يزِيد، وَسعد بن إِبْرَاهِيم، فجَاء من ذَلِك انْقِطَاع مَا تقدم فِي مَوضِع آخر.
فَهَذَا الضعْف والانقطاع، فَمَا للاقتصار فِي تَعْلِيله على الِانْقِطَاع معنى.
(741) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد من حَدِيث مُنِير بن الزبير الشَّامي، عَن مَكْحُول، عَن عَائِشَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " نهى أَن يُقَام عَن الطَّعَام حَتَّى يرفع ".
ثمَّ قَالَ: لم يسمع مَكْحُول من عَائِشَة.
كَذَا ذكره من غير مزِيد، لم يعبه بسوى الِانْقِطَاع.
وَهُوَ لَو كَانَ مُتَّصِلا مَا صَحَّ؛ لِأَن مُنِير بن الزبير، إِمَّا مَجْهُول وَإِمَّا ضَعِيف، وَذَلِكَ أَنه لَا يعرف لَهُ كَبِير شَيْء، وَلَا من روى عَنهُ، إِلَّا الْوَلِيد بن مُسلم.
وَقد سَأَلَ أَبُو زرْعَة الدِّمَشْقِي دحيما عَنهُ فَقَالَ: تَسْأَلنِي عَنهُ، وَهُوَ يروي عَن مَكْحُول قَالَ: أتيت الْمِقْدَاد؟(3/72)
فَهَذَا غَايَة الْمُنكر، وَلذَلِك أنكرهُ دُحَيْم، فاعلمه.
(742) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن سُلَيْمَان بن خَرَّبُوذ قَالَ: حَدثنَا شيخ من أهل الْمَدِينَة، قَالَ: سَمِعت عبد الرَّحْمَن بن عَوْف يَقُول: " عممني رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فسدلها بَين يَدي وَمن خَلْفي ".
كَذَا أوردهُ، كَأَنَّهُ مُعْتَمد فِي تَعْلِيله انْقِطَاعه بِكَوْنِهِ عَن شيخ لم يسم.
وَله من الْعَيْب سوى ذَلِك / أَن سُلَيْمَان / هَذَا لَا يعرف الْبَتَّةَ.
(743) وَذكر أَيْضا عَن الْهَيْثَم بن شفي عَن صَاحب لَهُ، عَن أبي رَيْحَانَة: " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن الْخَاتم إِلَّا لذِي سُلْطَان ".
قد يظنّ أَيْضا بِهَذَا من لَا يعرف أَنه لَا عيب لَهُ إِلَّا الِانْقِطَاع بِهَذَا الَّذِي لم يسم.
والهيثم بن شفي، أَبُو الْحُسَيْن الْأَسدي، لَا تعرف حَاله، وروى عَنهُ(3/73)
جمَاعَة.
وَإِذ قد فَرغْنَا من ذكر مَا عثرنا لَهُ عَلَيْهِ من مَضْمُون الْبَاب - فَاعْلَم بعد ذَلِك - أَنه قد الْتزم الصَّوَاب الَّذِي طلبناه بِهِ -: من التَّنْبِيه على مَا يكون من الْمُرْسل من عيب سوى الْإِرْسَال، حَتَّى لَا يعْتَقد فِيهِ من لَا علم لَهُ بِهَذِهِ الطَّرِيقَة أَنه مُرْسل مُخْتَلف فِي قبُوله ورده فَقَط، بل يعلم بتنبيهه أَنه ضَعِيف وَلَو كَانَ مُتَّصِلا - فِي جملَة أَحَادِيث بَين فِيهَا مَعَ الْإِرْسَال أَنَّهَا ضَعِيفَة، إِمَّا بقول مُجمل، وَإِمَّا بقول مُفَسّر، فلنذكر مَا وَقع لَهُ من ذَلِك مستصوبين لعمله فِيهِ فَنَقُول:
(744) ذكر من طَرِيق عبد الرَّزَّاق حَدِيث: " من قَالَ لرجل من الْأَنْصَار: يَا يَهُودِيّ، فَاضْرِبُوهُ عشْرين ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا مُرْسل وَضَعِيف جدا.
(745) وَذكر من طَرِيقه حَدِيث الَّذِي نذر أَن ينْحَر نَفسه: " فَأمره أَن يهدي مائَة نَاقَة فِي ثَلَاث سِنِين ".
ثمَّ قَالَ: رشدين ضَعِيف، والْحَدِيث مُرْسل.(3/74)
(746) وَذكر من طَرِيقه: " فِي دِيَة الْجَنِين، فِي الذّكر غُلَام، وَفِي الْأُنْثَى جَارِيَة ".
من رِوَايَة أبي جَابر البياضي، عَن ابْن الْمسيب، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ ذَلِك. ثمَّ قَالَ: هَذَا مُرْسل، وَضَعِيف جدا.
(747) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا حَدِيث عَمْرو بن عبيد، عَن الْحسن، أَن رجلا سَأَلَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن مِيرَاث العَبْد، فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن لم تكن لَهُ عصبَة فَهُوَ لَك ".
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: عَمْرو بن عبيد، هُوَ القدري.
(748) وَذكر حَدِيث: " ذَبِيحَة الْمُسلم حَلَال، ذكر اسْم الله أم لم يذكر ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا مُرْسل وَضَعِيف.(3/75)
(749) وَذكر من طَرِيق عبد الْملك بن حبيب، عَن / سَالم بن غيلَان، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من كَانَت لَهُ طلبة عِنْد أحد فَعَلَيهِ الْبَيِّنَة، وَالْمَطْلُوب أولى بِالْيَمِينِ، فَإِن نكل حلف الطَّالِب وَأخذ ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا مُرْسل مَعَ ضعف إِسْنَاده.
يَعْنِي بِعَبْد الْملك بن حبيب -.
(750) وَذكر من المراسل عَن ابْن الْمسيب فِي أَن " الشُّهُود إِذا اسْتَووا أَقرع بَين الْخَصْمَيْنِ ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا مُرْسل، وَإِبْرَاهِيم بن أبي يحيى مَتْرُوك.
(751) وَذكر حَدِيث عَطاء عَن عمر، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أجَاز شَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ فِي النِّكَاح ".
ثمَّ قَالَ: عَطاء لم يسمع من عمر، وَفِي إِسْنَاده بَقِيَّة وحجاج بن أَرْطَاة.
(752) وَذكر مُرْسل الْحسن " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يسْتَحْلف مُسلم بِطَلَاق أَو عتاق ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا مُرْسل ومنكر الْمَتْن، وَأَشْعَث بن برَاز مَتْرُوك.(3/76)
(753) وَذكر مُرْسل الْحسن: " من دعِي إِلَى حَاكم من الْحُكَّام فَلم يجب فَهُوَ ظَالِم ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا مُرْسل، ومراسل الْحسن ضِعَاف عِنْدهم جدا.
(754) وَذكر مرسله أَيْضا، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَمر أَن يُقَاتل الْعَرَب على الْإِسْلَام، وَلَا يقبل مِنْهُم غَيره، وَأَن يُقَاتل أهل الْكتاب على الْإِسْلَام، فَإِن أَبَوا فالجزية ".
ثمَّ قَالَ: مراسل الْحسن من أَضْعَف المراسل.
وَقد ذكر لَهُ مراسل لم يقل بعْدهَا شَيْئا، اعْتِمَادًا على مَا قد فسر فِي هَذِه.
(755) فَمن ذَلِك مرسله: " كفى بِالسَّيْفِ شا " من / كتاب عبد الرَّزَّاق.
(756) ومرسله فِي أَن " لَا قطع فِي الطَّعَام ".(3/77)
(757) ومرسله فِي أَن: " القنطار اثْنَي عشر ألفا دِيَة أحدكُم ".
(758) ومرسله فِي أَن رجلا أَرَادَ أَن يحمل على الْمُشْركين وَحده، فَقَالَ لَهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أتراك تقتلهم وَحدك؟ " الحَدِيث.
(759) ومرسله أَن رجلا سرق نَاقَة، فَقطع فَكَانَ جَائِز الشَّهَادَة.
(760) ومرسله فِي أَنه: " لم يقْض فِي الْمُوَضّحَة بِشَيْء ".
(761) ومرسله فِي " النَّهْي أَن يتَزَوَّج الْأَعرَابِي المهاجرة " /.
(762) وَذكر حَدِيث: " اشْتِرَاك النَّفر، أحدهم الأَرْض، وَالْآخر الفدان، وَالْآخر الْعَمَل، وَالْآخر الْبذر ".
من عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ، ثمَّ قَالَ: هَذَا مُرْسل، وواصل بن أبي جميلَة ضَعِيف.(3/78)
(763) وَذكر مُرْسل يحيى بن أبي كثير، من رِوَايَة عِكْرِمَة بن عمار عَنهُ: {فكاتبوهم إِن علمْتُم فيهم خيرا} قَالَ: حِرْفَة.
ثمَّ قَالَ: هَذَا مُرْسل وَضَعِيف.
(764) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن عَبَّاس، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا يقتل حر بِعَبْد ".
ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده جُوَيْبِر، عَن الضَّحَّاك، مَقْطُوع وَضَعِيف.
(765) وَذكر من حَدِيث جُوَيْبِر، عَن الضَّحَّاك، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كتبت الصَّلَاة على الْغُلَام إِذا عقل، وَالصَّوْم إِذا أطَاق، وتجري عَلَيْهِ الشَّهَادَة وَالْحُدُود إِذا احْتَلَمَ ".
ثمَّ قَالَ: جُوَيْبِر لَا يحْتَج بِهِ أحد، وَقد تَركه يحيى بن سعيد وَعبد الرَّحْمَن، كَانَا لَا يحدثان عَنهُ، وَلَا يَصح سَماع الضَّحَّاك من ابْن عَبَّاس.
(766) وَذكر حَدِيث عَليّ: " من السّنة أَن لَا يقتل مُسلم بِذِي عهد، وَلَا حر بِعَبْد ".(3/79)
ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده جَابر الْجعْفِيّ، وَلَيْسَ بِمُتَّصِل أَيْضا.
(767) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة: " لعن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - النائحة والمستمعة وَالْمُغني والمغنى لَهُ ".
فَبين فِيهِ أَن الْحسن لَا يَصح سَمَاعه من أبي هُرَيْرَة، وَأَن عمر بن يزِيد الْمَدَائِنِي رَاوِيه عَن الْحسن، مُنكر الحَدِيث.
(768) وَذكر مُرْسلا فِي " أَن الْبَقر يُؤْخَذ مِنْهَا فِي الزَّكَاة مَا يُؤْخَذ من الْإِبِل ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا مُرْسل، وَفِي إِسْنَاده سُلَيْمَان بن دَاوُد الْجَزرِي.
(769) وَذكر من عِنْد أبي أَحْمد من طَرِيق الضَّحَّاك، عَن حُذَيْفَة حَدِيث: " كل مَسْجِد فِيهِ إِمَام ومؤذن، فالاعتكاف فِيهِ يصلح ".
ثمَّ رده بِأَن قَالَ: الضَّحَّاك لم يسمع من حُذَيْفَة، وَقَبله فِي الْإِسْنَاد من لَا يحْتَج بِهِ: جُوَيْبِر وَغَيره.
(770) وَذكر من طَرِيق ابْن أبي / شيبَة، عَن عَطاء، حَدِيث: " من لم(3/80)
يدْرك الْحَج فَعَلَيهِ الْهَدْي وَحج قَابل ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا مُرْسل وَضَعِيف الْإِسْنَاد، وَذَلِكَ أَنه من رِوَايَة ابْن أبي ليلى عَن عَطاء.
(771) وَذكر من طَرِيق أبي عبيد، بِإِسْنَادِهِ إِلَى مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن ابْن ثَوْبَان، حَدِيث: " من كشف امْرَأَة فَنظر إِلَيْهَا فقد وَجب الصَدَاق ".
قَالَ: فِي إِسْنَاده يحيى بن أَيُّوب الْمصْرِيّ، وَلَا يحْتَج بِهِ.
وَذكر من المراسل ذَلِك بطرِيق أُخْرَى، وَذكره أَيْضا من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، وَبَين أَن فِيهِ ابْن لَهِيعَة.
(772) وَذكر من المراسل عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِنِّي أُرِيد أَن أجدد فِي صُدُور الْمُؤمنِينَ، أَيّمَا صبي حج بِهِ أَهله فَمَاتَ، أَجْزَأَ عَنهُ " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: هَذَا مُرْسل ومنقطع، لَيْسَ بِمُتَّصِل السماع.
وَمعنى هَذَا الْكَلَام أَن فِي إِسْنَاده انْقِطَاعًا قبل أَن يصل إِلَى مرسله.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا أَحْمد بن حَنْبَل، قَالَ: حَدثنَا وَكِيع، عَن يُونُس بن إِسْحَاق، قَالَ: سَمِعت شَيخا / يحدث أَبَا إِسْحَاق، عَن مُحَمَّد بن كَعْب،(3/81)
فَذكره.
فَجعله مُرْسلا، لِأَن مُحَمَّد بن كَعْب تَابِعِيّ، وَلم يذكر عَمَّن أَخذه، ومنقطعا من أجل أَن هَذَا الشَّيْخ الَّذِي حدث بِهِ أَبَا إِسْحَاق لم يسم.
وَهَذَا الْعَمَل أصوب من عمله فِي الحَدِيث الآخر الَّذِي ذكره من طَرِيق عبد الرَّزَّاق قَالَ: حَدثنَا ابْن جريج قَالَ: حَدثنَا أَبُو الزبير، عَن رجل صَالح من أهل الْمَدِينَة، عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن، قَالَ:
(773) " كَانَت امْرَأَة تَحت رجل من الْأَنْصَار، فَقتل عَنْهَا يَوْم أحد، وَله مِنْهَا ولد، فَخَطَبَهَا عَم وَلَدهَا وَرجل آخر إِلَى أَبِيهَا، فأنكح الآخر، فَجَاءَت إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَت: أنكحني رجلا لَا أريده، وَترك عَم وَلَدي، فَيُؤْخَذ مني وَلَدي، فَدَعَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَبَاهَا ". الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: هَذَا مُرْسل وَفِيه رجل مَجْهُول.
كَذَا قَالَ، وَهُوَ مُنَاقض لمصطلحهم وَلما تقدم لَهُ الْآن، فَإِنَّهُم إِنَّمَا يَقُولُونَ لما هَذَا سَبيله: مُنْقَطع، فَإِنَّهُ لَا فرق / بَين أَن يطوى ذكره، أَو يُقَال: عَن رجل، أَو شيخ، وَلَا يُسمى، وَإِنَّمَا يَقُولُونَ فِيهِ مَجْهُول، لحَدِيث فِي إِسْنَاده رجل مُسَمّى لَا يعرف.(3/82)
(774) وَذكر من طَرِيق سعيد بن مَنْصُور، حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم، عَمَّن سمع الْحسن يَقُول: " نهى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن تنْكح الْأمة على الْحرَّة ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا مُرْسل ومنقطع.
(775) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن ابْن جريج، قَالَ: أخْبرت عَن أبي بكر ابْن عبد الرَّحْمَن بن الحكم، قَالَ: قَالَ رجل: يَا رَسُول الله، زَنَيْت بِامْرَأَة فِي الْجَاهِلِيَّة، أفأنكح ابْنَتهَا؟
ثمَّ قَالَ: هَذَا مُنْقَطع ومرسل، وَأَبُو بكر هَذَا مَجْهُول.
(776) وَذكر الْأَحَادِيث فِي أَن: " لَا يحجّ أحد عَن أحد ".
من كتاب حجَّة الْوَدَاع، وَقَالَ: إِنَّهَا مراسل وضعاف.
(777) وَذكر حَدِيث جَابر: " صيد الْبر لكم حَلَال، مَا لم تصيدوه أَو(3/83)
يصد لكم ".
ثمَّ قَالَ: قَالَ النَّسَائِيّ: عَمْرو بن أبي عَمْرو، لَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَإِن كَانَ قد روى عَنهُ مَالك، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: لَا يعرف للمطلب سَماع من جَابر.
(778) وَذكر حَدِيث: " من اشْترى شَيْئا لم يره، فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِذا رَآهُ ".
ثمَّ قَالَ: وَمَعَ إرْسَاله يرويهِ أَبُو بكر بن أبي مَرْيَم، وَهُوَ ضَعِيف.
(779) وَذكر حَدِيث: " لَا وَصِيَّة لوَارث، وَلَا إِقْرَار بدين ". من رِوَايَة جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَذكره.
ثمَّ قَالَ: هَذَا مُرْسل، وَفِي إِسْنَاده نوح بن دراج وَهُوَ ضَعِيف. كل هَذَا صَوَاب، وَبِه طالبته فِيمَا ذكرت فِي هَذَا الْبَاب.
وَقد عرض لبَعض المراسل، بِزِيَادَة قَول، على بَيَان كَونه مُرْسلا، مِمَّا يُوهم ضعفا سوى الْإِرْسَال، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَهُوَ مَا ذكر فِي مُرْسل الْحسن، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:(3/84)
(780) " لم يجز طَلَاق الْمَرِيض ".
فَإِنَّهُ قَالَ بإثره: فِي إِسْنَاده سهل بن أبي الصَّلْت، السراج.
فأوهم بِهَذَا القَوْل فِي هَذَا الرجل ضعفا، على أبلغ مَا يرْمى بِهِ الضَّعِيف.
وَسَهل لَيْسَ بِهِ بَأْس، وَمِنْهُم من يوثقه، وَمَا قَالَه يزِيد بن هَارُون: من أَنه كَانَ معتزليا، إِنَّمَا يَعْنِي بذلك، أَنه اعتزل حَلقَة الْحسن، فَإِنَّهُ كَانَ من أَصْحَابه، وَلم يحفظ عَنهُ سوء فِي /.(3/85)
((4) بَاب ذكر أَحَادِيث أعلها بِرِجَال وفيهَا من هُوَ مثلهم، أَو أَضْعَف، أَو مَجْهُول لَا يعرف [209 ق] )(3/87)
اعْلَم أَنه يجب النّظر فِي هَذَا الْبَاب، خوفًا مِمَّا يُوهِمهُ إعراضه عَمَّا يجب إعلال الحَدِيث بِهِ: من كَونه ثِقَة عِنْده، وَلَا سِيمَا إِذا كَانَ من يرى ذَلِك من لَا علم عِنْده بِهَذَا الشَّأْن، فَهَذَا يسْرع إِلَى اعْتِقَاد انحصار عِلّة الْخَبَر فِيمَن نبه عَلَيْهِ من رُوَاته دون من سواهُ.
وَلَعَلَّ علته إِنَّمَا هِيَ فِيمَا ترك التَّنْبِيه عَلَيْهِ، وَقد تكون الْجِنَايَة مِنْهُ، لَا مِمَّن نبه عَلَيْهِ.
وسترى فِيهِ أَحَادِيث يذكرهَا من طَرِيق أبي أَحْمد، فيعل الحَدِيث مِنْهَا بِذكر رجل، وَأَبُو أَحْمد قد أعله بِهِ وَذكره فِي بَابه، وَذكره أَيْضا فِي بَاب غَيره، وَجوز أَن تكون الْجِنَايَة فِيهِ مِنْهُ، ويقتصر أَبُو مُحَمَّد على أَحدهمَا، وَمَا ذَاك إِلَّا لِأَنَّهُ لم يبْحَث عَنهُ فِي بَاب آخر، بعد أَن وجده فِي بَاب من نبه عَلَيْهِ، فَهُوَ بِفِعْلِهِ هَذَا، يعصب الْجِنَايَة بِرَأْس أَحدهمَا، وَلَعَلَّ الَّذِي اعترى الْخَبَر من وهم، أَو وضع، أَو زِيَادَة، أَو نقص، من غَيره، لَا مِنْهُ، وَرب ملوم لَا ذَنْب لَهُ.
وَنِهَايَة مَا يعْتَذر بِهِ لأبي مُحَمَّد أَن يُقَال: إِنَّه بِذكرِهِ من هُوَ عِلّة للْخَبَر قد أسقط بِهِ الْخَبَر وأبطله، وَكَونه من رِوَايَة ضَعِيف آخر، لَا يزِيد فِي هَذَا الحكم، فَلذَلِك اكْتفى بِهِ.
وَهَذَا عذر ضَعِيف، فَإِنَّهُ قد يعل الْخَبَر بِمن لَا يرَاهُ غَيره عِلّة لَهُ، وَيتْرك من هُوَ عِنْده عِلّة، فقد الْتحق عمله هَذَا من هَذَا الْوَجْه، برميه الْأَخْبَار بالضعف من غير أَن يذكر عللها، وَهَذَا إِذا قبل مِنْهُ فقد قلد فِي رَأْيه، وَلَيْسَ ذَلِك بجائز، وَإِنَّمَا تقبل مِنْهُ رِوَايَته لَا رَأْيه.
وَالَّذِي يعتري أَبَا مُحَمَّد هَذَا فِيهِ من الْأَحَادِيث، هُوَ قِسْمَانِ:
قسم إِنَّمَا يذكر الْأَحَادِيث فِيهِ بِغَيْر أسانيدها، ثمَّ يعمد من إِسْنَاد الحَدِيث(3/89)
مِنْهَا إِلَى رجل، وَيكون فِيمَن ترك من لَعَلَّ الْجِنَايَة مِنْهُ.
وَقسم إِنَّمَا يذكر الْأَحَادِيث فِيهِ بِبَعْض أسانيدها، ثمَّ يعمد / من الْقطعَة الَّتِي اقتطع من الْإِسْنَاد إِلَى أحد من فِيهَا، فيعل الحَدِيث بِهِ، ويعرض عَن آخر، أَو أخر، ويعل الحَدِيث بِمن لَيْسَ فِي الْقطعَة الَّتِي اقتطع، وَيتْرك فِي الْقطعَة من يجب التَّنْبِيه عَلَيْهِ.
وصنيعه فِي هَذَا أخف من وَجه، وَذَلِكَ أَنه فِي الأول طوى ذكر من لَعَلَّ الْجِنَايَة مِنْهُ، وَذكر غَيره، وَفِي هَذَا لم يطو ذكره، بل أبرزه وَعرضه لنظر الْمطَالع، وَفِي كليهمَا من إِيهَام سَلَامَته مَا ذَكرْنَاهُ.
وَقد يذكر أَحَادِيث بِقطع من أسانيدها، وَلَا يعرض لَهَا بتعليل.
فَمِنْهَا مَا تكون علته فِيمَا أبرز من الْقطع.
وَمِنْهَا مَا تكون علته فِيمَا ترك من الْإِسْنَاد واقتطعه مِمَّا فَوْقه، فَيكون هَذَا من هَذَا الْبَاب، إِلَّا أَنا لم نذكرهُ فِيهِ لما لم يُعلل الحَدِيث، وأخرنا ذَلِك إِلَى بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ذكرهَا بِقطع من أسانيدها، بِحَيْثُ يتَوَهَّم أَنه صححها؛ لِأَنَّهُ لم يحل بِمَا ذكره على مُتَقَدم وَلَا مُتَأَخّر من بَيَانه، وَسكت عَنْهَا.
فلأجل أَنه قد يظنّ بِهَذَا النَّوْع أَنه صَحِيح عِنْده، أفردناه بِبَاب بعد بَاب الْأَحَادِيث المصححة بسكوته.
وَالَّذين يتْرك إعلال الْأَخْبَار بهم فِي هَذَا الْبَاب هم: إِمَّا ضعفاء، وَإِمَّا مستورون، مِمَّن روى عَن أحدهم اثْنَان فَأكْثر، وَلم تعلم مَعَ ذَلِك أَحْوَالهم، وَإِمَّا مَجْهُولُونَ، وهم من لم يرو عَن أحدهم إِلَّا وَاحِد، وَلم يعلم مَعَ ذَلِك(3/90)
حَاله، فَإِنَّهُ قد يكون فِيمَن لم يرو عَنهُ إِلَّا / وَاحِد من عرفت ثقته وأمانته.
فلنذكر الْبَاب قسمَيْنِ، بِاعْتِبَار التَّقْسِيم الأول، ثمَّ كل قسم مِنْهُمَا ثَلَاثَة أَقسَام، بِاعْتِبَار التَّقْسِيم الثَّانِي، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(781) فَمن ذَلِك أَنه ذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ عَن عُثْمَان، أَنه تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، ثمَّ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " من تَوَضَّأ هَكَذَا وَلم يتَكَلَّم، ثمَّ قَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله " الحَدِيث.
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: هَذَا يرويهِ الْبَيْلَمَانِي عَن عُثْمَان.
لم يزدْ على هَذَا، فلقائل أَن يَقُول: وَمن لنا بِأَنَّهُ علل الحَدِيث بِهَذَا القَوْل حَتَّى ندخله فِي هَذَا الْبَاب؟
فَأَقُول: قد بَين مذْهبه / فِي الْبَيْلَمَانِي فِي غير هَذَا الحَدِيث.
(782) ذكر حَدِيث سرق فِي بيع من عَلَيْهِ دين.
من رِوَايَة مُسلم بن خَالِد، عَن عبد الرَّحْمَن الْبَيْلَمَانِي.
ثمَّ قَالَ: مُسلم وَعبد الرَّحْمَن لَا يحْتَج بهما.
(783) وَحَدِيث: " قتل مُسلم بِكَافِر " من رِوَايَة ابْن الْبَيْلَمَانِي عَن ابْن(3/91)
عمر.
ثمَّ قَالَ: وَلَا يَصح من أجل الْبَيْلَمَانِي.
(784) وَكَذَلِكَ حَدِيث: " من مثل بِمَ ملوكه فَهُوَ حر " من رِوَايَة ابْن الْبَيْلَمَانِي عَن ابْن عمر.
ثمَّ قَالَ: هَذَا ضَعِيف.
(785) وَكَذَلِكَ حَدِيث: " الشُّفْعَة كحل العقال ".
وَعبد الرَّحْمَن هَذَا، هُوَ مولى عمر سمع من ابْن عمر، وَابْن عَبَّاس، وَعَمْرو بن عبسة، وسرق، ويعنعن عَن عُثْمَان، وَلَا يبعد سَمَاعه مِنْهُ.
روى عَنهُ سماك بن الْفضل، وَزيد بن أسلم، وَرَبِيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن، وَعبد الْملك بن الْمُغيرَة الطَّائِفِي، وَيزِيد بن طلق، وَهُوَ لين الحَدِيث.
وَقَالَ الْموصِلِي: إِنَّه مُنكر الحَدِيث، روى عَن ابْن عمر بواطل.
فَإذْ قد بَينا أَن كَلَامه الْمَذْكُور تَعْلِيل، وَإِن احْتمل غير ذَلِك - كَمَا قدمنَا فِي قَوْله فِي الْبَاب الَّذِي فَرغْنَا مِنْهُ: فِي إِسْنَاده سهل بن أبي الصَّلْت السراج.(3/92)
فَاعْلَم أَنه قد ترك فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث من هُوَ أولى بِأَن يضعف الْخَبَر بِهِ من عبد الرَّحْمَن هَذَا، فَإِنَّهُ حَدِيث يرويهِ صَالح بن عبد الْجَبَّار، عَن ابْن الْبَيْلَمَانِي، عَن أَبِيه، عَن عُثْمَان.
وَابْنه هُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْبَيْلَمَانِي، قَالَ التِّرْمِذِيّ عَن البُخَارِيّ: إِنَّه مُنكر الحَدِيث، وَقد قَالَ فِي كِتَابه الْأَوْسَط: كل من قلت فِيهِ: مُنكر الحَدِيث، فَلَا تحل الرِّوَايَة عَنهُ.
وَقد ضعف أَبُو مُحَمَّد من أَجله أَحَادِيث.
(786) مِنْهَا حَدِيث فِي " إنكاح الْأَيَامَى ".
(787) وَحَدِيث: " وَآتوا النِّسَاء صدقاتهن نحلة " قيل: وَمَا العلائق بَينهم.
(788) وَحَدِيث: " استهلال الصَّبِي العطاس ".
وَصَالح بن عبد الْجَبَّار رَاوِيه عَنهُ، مَجْهُول الْحَال، وَلَا أعرفهُ فِي غير هَذَا الحَدِيث، وَفِي حَدِيث: " أنكحوا الْأَيَامَى "، المنبه عَلَيْهِ الْآن.
(789) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ حَدِيث ابْن عمر: " الْوَقْت الأول رضوَان الله " الحَدِيث.(3/93)
ثمَّ رده بِأَن قَالَ: هَذَا يرويهِ عبد الله بن عمر الْعمريّ / وَقد تكلمُوا فِيهِ، انْتهى مَا ذكر.
وَهُوَ عجب أَن يكون عبد الله بن عمر الْعمريّ - وَهُوَ رجل صَالح، قد وَثَّقَهُ قوم وأثنوا عَلَيْهِ، وَضَعفه آخَرُونَ من أجل حفظه، لَا من أجل صدقه وأمانته عِلّة للْحَدِيث، يرويهِ عَنهُ يَعْقُوب بن الْوَلِيد الْمدنِي، وَهُوَ كَذَّاب، هَذَا لَو قَصده كَانَ ظلما للعمري الْمَذْكُور، إِذْ لَا يصل إِلَيْهِ الْخَبَر الْمَذْكُور، إِلَّا على لِسَان من لَعَلَّه كذب عَلَيْهِ.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَحْمد بن منيع، حَدثنَا يَعْقُوب بن الْوَلِيد الْمدنِي، عَن عبد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْوَقْت الأول من الصَّلَاة رضوَان / الله، وَالْوَقْت الآخر عَفْو الله ".
وَلم يسق لَهُ التِّرْمِذِيّ إِسْنَادًا غَيره، وَكَذَا وَقع أَيْضا فِي كتاب الدَّارَقُطْنِيّ، من طَرِيق أَحْمد بن منيع الْمَذْكُور، عَن يَعْقُوب بن الْوَلِيد.
وَيَعْقُوب هَذَا، أحد المنسوبين إِلَى الْكَذِب، قَالَ عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل: سَمِعت أبي يَقُول: كَانَ من المكذابين الْكِبَار، وَكَانَ يضع الحَدِيث.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: كَانَ يكذب، والْحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ مَوْضُوع.
وَأَبُو أَحْمد بن عدي، إِنَّمَا حمل عَلَيْهِ فِيهِ وَفِي بَابه ذكره، وَذكر أَن مُحَمَّد بن هَارُون بن حميد، كَانَ يرويهِ عَن ابْن منيع، عَن يَعْقُوب بن الْوَلِيد، عَن عبيد الله مُصَغرًا - وَهُوَ الثِّقَة الْمَأْمُون - يَعْنِي أَخا عبد الله بن عمر.(3/94)
وَرَوَاهُ ابْن صاعد، وَإِبْرَاهِيم بن أَسْبَاط، عَن ابْن منيع، عَن يَعْقُوب، عَن عبد الله بن عمر مكبرا - وَهُوَ المضعف.
ثمَّ قَالَ: هَكَذَا كَانَ ابْن حميد يَقُول: عَن عبيد الله، وَالصَّوَاب مَا حَدثنَا بِهِ ابْن صاعد، وَابْن أَسْبَاط، على أَنه بَاطِل بِهَذَا الْإِسْنَاد، قيل فِيهِ: عبيد الله، أَو عبد الله.
وَيَعْقُوب هَذَا عَامَّة مَا يرويهِ من هَذَا الطّراز، فَلَيْسَ بِمَحْفُوظ، وَهُوَ بَين الْأَمر فِي الضُّعَفَاء. انْتهى كَلَام أبي أَحْمد.
وَقد تبين الْمَقْصُود من أَنه ضعف الْخَبَر بِمن غَيره أَحَق بِالْحملِ عَلَيْهِ فِيهِ مِنْهُ.
(790) وَذكر حَدِيث: " إِقَامَة عبد الله بن زيد ".
وَترك دون من أعله بِهِ مُحَمَّد بن عَمْرو الوَاقِفِي، وَهُوَ ضَعِيف.
وَقد بَينا / ذَلِك فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي لم يبين من أسانيدها مَوَاضِع الْعِلَل.
(791) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من سمع النداء فَلم يمنعهُ من اتِّبَاعه عذر " الحَدِيث.(3/95)
ثمَّ قَالَ: هَذَا يرويهِ مغراء الْعَبْدي، وَالصَّحِيح فِيهِ مَوْقُوف، ومغراء روى عَنهُ أَبُو إِسْحَاق، على أَن قَاسم بن أصبغ ذكره فِي كِتَابه - يَعْنِي مُسْندًا -. انْتهى كَلَامه.
فَنَقُول - وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق -: لَيْسَ الشَّأْن فِي مغراء الْعَبْدي، فَإِنَّهُ لم يثبت فِيهِ مَا يتْرك لَهُ حَدِيثه، وَهُوَ أَبُو الْمخَارِق النساج، يروي عَن ابْن عمر، وروى عَنهُ أَبُو إِسْحَاق الْهَمدَانِي، وَالْأَعْمَش، وَالْحسن بن عبيد الله وَلَيْث بن أبي سليم، وَيُونُس بن أبي إِسْحَاق، وَقد عهد أَبُو مُحَمَّد يحْتَج بِمن هَذِه حَاله، أَن يروي عَنهُ جمَاعَة، وَلَا يحفظ فِيهِ لأحد تجريح، فقد كَانَ يَنْبَغِي لَهُ على هَذَا الأَصْل أَن لَا يعل الحَدِيث بِهِ، وعَلى أَنه لَا بَأْس بِهِ عِنْد الْكُوفِي ذكر ذَلِك عَنهُ أَبُو الْعَرَب التَّمِيمِي، وَلَيْسَ ذَلِك فِي كتاب الْكُوفِي.
وَالْخَبَر الْمَذْكُور إِنَّمَا علته رَاوِيه عَن مغراء الْعَبْدي، وَهُوَ أَبُو جناب: يحيى بن أبي حَيَّة الْكَلْبِيّ، فَإِنَّهُ يضعف، وَمِمَّنْ ضعفه النَّسَائِيّ، وَابْن معِين، وَأَبُو حَاتِم، وَكَانَ يحيى الْقطَّان يُضعفهُ كثيرا، وَيُوجد فِيهِ لِابْنِ حَنْبَل التوثيق، وَلَكِن مَعَ وَصفه بالتدليس وَهُوَ عِنْدهم مَشْهُور بِهِ.(3/96)
قَالَ ابْن نمير: هُوَ صَدُوق، وَلَكِن فَشَا فِي حَدِيثه التَّدْلِيس، وَهُوَ لم يقل فِي هَذَا الحَدِيث: حَدثنَا مغراء، فَهَذَا هُوَ المتقى فِيهِ.
(792) وَقد ذكر أَبُو مُحَمَّد من طَرِيق أبي أَحْمد حَدِيث ابْن عَبَّاس، سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " ثَلَاث عَليّ فَرِيضَة، وَلكم تطوع: الْوتر، وَالضُّحَى، وركعتا الْفجْر ".
ثمَّ قَالَ بإثره: أَبُو جناب: يحيى بن أبي حَيَّة، لَا يُؤْخَذ من حَدِيثه / إِلَّا مَا قَالَ فِيهِ: حَدثنَا لِأَنَّهُ كَانَ يُدَلس، وَهُوَ أَكثر مَا عيب بِهِ، وَلم يقل فِي هَذَا الحَدِيث: حَدثنَا عِكْرِمَة، وَلَا ذكر مَا يدل عَلَيْهِ، انْتهى كَلَامه.
وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَن يعل بِهِ هَذَا الْخَبَر، أَو يذكر مَعَ مَا / ذكر من أَمر مغراء فاعلمه.
(793) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد حَدِيث الحكم بن عُمَيْر، قَالَ: قَالَ(3/97)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " اثْنَان فَمَا فَوْقهمَا جمَاعَة ".
ورده بِأَن قَالَ: رَوَاهُ عِيسَى بن إِبْرَاهِيم بن طهْمَان، وَهُوَ مُنكر الحَدِيث، ضعيفه عِنْدهم.
لم يزدْ على هَذَا، وَهَذَا الحَدِيث إِنَّمَا يرويهِ عِنْد أبي أَحْمد، بَقِيَّة، عَن عِيسَى بن إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور، قَالَ: حَدثنِي ابْن أبي حبيب - يَعْنِي عَمه مُوسَى ابْن أبي حبيب - قَالَ: سَمِعت الحكم بن عُمَيْر، فَذكره، وَذكر أَن لَهُ بِهَذَا الْإِسْنَاد نَحوا من عشْرين حَدِيثا، وتنتهي إِلَى أَكثر - يَعْنِي من رِوَايَة بَقِيَّة عَنهُ، عَن عَمه، عَن الحكم -.
ومُوسَى هَذَا ضَعِيف، وَبَقِيَّة من قد علمت حَاله فِي رِوَايَة الْمُنْكَرَات، فَمَا يَنْبَغِي أَن يحمل فِيهِ على عِيسَى وَقد اكتنفه ضعيفان من فَوق وَمن أَسْفَل.(3/98)
(794) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، من رِوَايَة خَالِد بن إلْيَاس، يسْندهُ إِلَى(3/99)
أبي هُرَيْرَة قَالَ: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ينْهض فِي الصَّلَاة على ظُهُور قَدَمَيْهِ ".
ثمَّ قَالَ: قَالَ أَبُو عِيسَى: خَالِد بن إلْيَاس ضَعِيف عِنْد أهل الحَدِيث. انْتهى مَا ذكر.
وَلَا أَدْرِي لم لم يذكر أَن خَالِد بن إلْيَاس، إِنَّمَا يرويهِ عَن صَالح مولى التَّوْأَمَة، عَن أبي هُرَيْرَة، وأسقطه إِسْقَاطًا، وَجعل مَكَانَهُ قَوْله: " يسْندهُ إِلَى أبي هُرَيْرَة "، فَلَو كَانَ صَالح ثِقَة، جَازَ لَهُ ذَلِك الِاقْتِصَار على مَوضِع الْعلَّة.
وَصَالح لَيْسَ بأمثل من خَالِد بن إلْيَاس، وَمَا إِطْلَاقهم عَلَيْهِ فِي التَّضْعِيف إِلَّا كإطلاقهم على خَالِد، بل قد تفسر فِيهِ مَا رموا بِهِ حَدِيثه، وَهُوَ شدَّة الِاخْتِلَاط، وَبَقِي الْأَمر فِي خَالِد مُحْتملا، بِحَيْثُ يُمكن أَن يكون معنى تضعيفهم إِيَّاه، أَنه لَيْسَ كَغَيْرِهِ مِمَّن هُوَ فَوْقه فِي الْعَدَالَة.
فَإِذن لَا معنى لتضعيف الحَدِيث بِخَالِد وَترك صَالح.
وَقد ذكر أَبُو مُحَمَّد فِي الْجَنَائِز اخْتِلَاط صَالح، وَاعْتِبَار قديم حَدِيثه من حَدِيثه.
وخَالِد لَا يعرف مَتى أَخذ عَنهُ، فَاعْلَم ذَلِك /.
(795) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، حَدِيث بِلَال " فِي قيام اللَّيْل "، محالا(3/100)
بِهِ على حَدِيث سلمَان، وَلم يذكر مَتنه، وَأعله بِمُحَمد بن سعيد المصلوب.
وَهُوَ كَمَا ذكر، وَلَكِن فِي الْإِسْنَاد غَيره مِمَّن لَا يَنْبَغِي الْإِعْرَاض عَنهُ لجَوَاز أَن تكون الْجِنَايَة مِنْهُ، وَإِن كَانَ لَا يداني مُحَمَّد بن سعيد فِي سوء الْحَال.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَحْمد بن منيع، حَدثنَا أَبُو النَّضر، حَدثنَا بكر بن خُنَيْس، عَن مُحَمَّد القريشي عَن ربيعَة بن يزِيد، عَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ، عَن بِلَال أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " عَلَيْكُم بِقِيَام اللَّيْل فَإِنَّهُ دأب الصَّالِحين قبلكُمْ، وَإِن قيام اللَّيْل قربَة إِلَى الله، ومنهاة عَن الْإِثْم، وتكفير للسيئات، ومطردة للداء عَن الْجَسَد ".
قَالَ: هَذَا حَدِيث [حسن] غَرِيب، لَا نعرفه من حَدِيث بِلَال إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَلَا يَصح من قبل إِسْنَاده، سَمِعت مُحَمَّدًا يَقُول: مُحَمَّد الْقرشِي، هُوَ مُحَمَّد بن سعيد الشَّامي، وَهُوَ ابْن أبي قيس، وَهُوَ مُحَمَّد بن حسان وَقد ترك حَدِيثه. انْتهى كَلَامه.
وَعِنْده بعده إِشَارَة / إِلَى حَدِيث أبي أُمَامَة بذلك.
وَقد كتبناه فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهُ على اأنها مُتَّصِلَة وَهِي مُنْقَطِعَة.
وَالَّذِي قصدت بَيَانه الْآن هُوَ أَن بكر بن خُنَيْس أعرض عَن ذكره، وَهُوَ(3/101)
عِنْدهم ضَعِيف.
قَالَ فِيهِ ابْن معِين: ضَعِيف لَا شَيْء.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: كَانَ رجلا صَالحا غرا، وَلَيْسَ هُوَ بِقَوي فِي الحَدِيث، وَسَأَلت عَنهُ عَليّ بن الْمَدِينِيّ فَقَالَ: للْحَدِيث رجال.
وَلَا يَنْبَغِي أَن يُقَارب مَا بَينه وَبَين مُحَمَّد بن سعيد، فَإِن مُحَمَّد بن سعيد هَالك، وَلكنه أَيْضا - أَعنِي بكر بن خُنَيْس - لَو لم يكن فِي الحَدِيث غَيره كَانَ عِلّة فِيهِ، فَاعْلَم ذَلِك.
(796) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث عمار بن يَاسر، وَعلي بن أبي طَالب، أَنَّهُمَا سمعا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يكبر فِي دبر كل الصَّلَوَات الْمَكْتُوبَة من صَلَاة الْفجْر غَدَاة عَرَفَة / إِلَى صَلَاة الْعَصْر آخر أَيَّام التَّشْرِيق ".
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: فِي إِسْنَاده جَابر بن يزِيد الْجعْفِيّ، وَقد اخْتلف عَنهُ.
هَذَا مَا ذكر بِهِ هَذَا الْخَبَر، وَهُوَ اختصر لَفظه، وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف، لَكِن لَا يتَعَيَّن للْحَمْل عَلَيْهِ فِيهِ جَابر الْجعْفِيّ، بل لَعَلَّ الْجِنَايَة من غَيره مِمَّن هُوَ أَضْعَف مِنْهُ لَا يصل إِلَيْهِ إِلَّا بِهِ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْقَاسِم بن زَكَرِيَّاء الْمحَاربي بِالْكُوفَةِ، قَالَ: حَدثنَا الْحسن بن مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد، قَالَ: حَدثنَا سعيد بن عُثْمَان،(3/102)
قَالَ حَدثنِي عَمْرو بن شمر عَن جَابر، عَن أبي الطُّفَيْل، عَن عَليّ بن أبي طَالب وعمار بن يَاسر، أَنَّهُمَا سمعا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يجْهر فِي المكتوبات بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فِي فَاتِحَة الْقُرْآن، ويقنت فِي صَلَاة الْفجْر وَالْوتر، وَيكبر فِي دبر الصَّلَوَات المكتوبات من صَلَاة الْفجْر غَدَاة عَرَفَة، إِلَى صَلَاة الْعَصْر، آخر أَيَّام التَّشْرِيق، يَوْم دفْعَة النَّاس الْعُظْمَى ".
ذكره الدَّارَقُطْنِيّ من طرق.
وَاللَّفْظ الَّذِي أوردهُ أَبُو مُحَمَّد إِنَّمَا هُوَ فِي هَذَا، اقتطعه مِنْهُ على عَادَته فِي اخْتِصَار مَا يحْتَاج إِلَيْهِ.
وَهُوَ كَمَا ترى لَا يصل إِلَى جَابر الْجعْفِيّ إِلَّا بِرِوَايَة عَمْرو بن شمر الْجعْفِيّ أَيْضا، وَهُوَ أحد الهالكين.
قَالَ السَّعْدِيّ: عَمْرو بن شمر زائغ كَذَّاب.
وَقَالَ عَمْرو بن عَليّ: عَمْرو بن شمر واهي الحَدِيث.
وروى الدوري عَن ابْن معِين قَالَ: عَمْرو بن شمر لَيْسَ بِثِقَة.
زَاد غَيره عَنهُ: وَلَا يكْتب حَدِيثه.
وَقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: " مُنكر الحَدِيث جدا، لَا يشْتَغل بِهِ، مَتْرُوك الحَدِيث ".(3/103)
وَقَالَ البُخَارِيّ فِيهِ: " مُنكر الحَدِيث ".
وَقَالَ النَّسَائِيّ: " مَتْرُوك الحَدِيث ".
وَقَالَ أَبُو حَاتِم البستي: " كَانَ رَافِضِيًّا يشْتم الصَّحَابَة - رَضِي الله عَنْهُم - ويروي الموضوعات عَن الثِّقَات فِي فَضَائِل أهل الْبَيْت ".
فعلى هَذَا لَا يَنْبَغِي تعصيب الْجِنَايَة فِي هَذَا الحَدِيث بِرَأْس جَابر الْجعْفِيّ، فَإِن عَمْرو بن شمر مَا فِي الْمُسلمين من يقبل حَدِيثه.
وَسَعِيد بن عُثْمَان الرَّاوِي لهَذَا الحَدِيث عَنهُ لَا أعرفهُ، وَفِي طبقته من يتسمى هَكَذَا من يشبه أَن / يكونه، وَلَا أحققه.
وَقَول أبي مُحَمَّد: إِن جَابِرا الْجعْفِيّ، قد اخْتلف عَلَيْهِ فِيهِ، يُوهم أَن غير عَمْرو بن شمر رَوَاهُ عَنهُ، وَهَذَا مَا لَا يُوجد فِي علمي، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَاف فِيهِ على عَمْرو بن شمر، وَذَلِكَ أَن سعيد بن عُثْمَان الْمَذْكُور، قَالَ عَنهُ مَا ذَكرْنَاهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ عَنهُ أسيد بن زيد كِلَاهُمَا يَقُول فِيهِ: عَن عَمْرو بن شمر، عَن جَابر الْجعْفِيّ، عَن أبي الطُّفَيْل، عَن عَليّ، / وعمار.
وَرَوَاهُ مُصعب بن سَلام، عَن عَمْرو بن شمر، فَقَالَ فِيهِ: عَن جَابر الْجعْفِيّ، عَن أبي جَعْفَر: وَهُوَ مُحَمَّد بن عَليّ بن حُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب، عَن أَبِيه عَليّ بن حُسَيْن، عَن جَابر بن عبد الله، قَالَ: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يكبر فِي صَلَاة الْفجْر يَوْم عَرَفَة، إِلَى صَلَاة الْعَصْر من آخر أَيَّام التَّشْرِيق، حِين يسلم من المكتوبات ".(3/104)
وَرَوَاهُ مَحْفُوظ بن نصر، عَن عَمْرو بن شمر، عَن جَابر الْجعْفِيّ، عَن مُحَمَّد بن عَليّ، عَن جَابر أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كبر يَوْم عَرَفَة، وَقطع فِي آخر أَيَّام التَّشْرِيق ".
أسقط من الْإِسْنَاد عَليّ بن حُسَيْن، وَهَكَذَا رَوَاهُ عَن عَمْرو بن شمر رجل يُقَال لَهُ: نائل بن نجيح، وَقرن بِأبي جَعْفَر: مُحَمَّد بن عَليّ عبد الرَّحْمَن بن سابط، وَزَاد فِي الْمَتْن كَيْفيَّة التَّكْبِير فَقَالَ: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا صلى الصُّبْح غَدَاة عَرَفَة أقبل على أَصْحَابه فَيَقُول: على مَكَانكُمْ، وَيَقُول: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لَا إِلَه إِلَّا الله، وَالله أكبر، وَالله أكبر، وَللَّه الْحَمد، فيكبر من غَدَاة عَرَفَة إِلَى صَلَاة الْعَصْر من آخر أَيَّام التَّشْرِيق ".
هَذَا الِاخْتِلَاف كُله على عَمْرو بن شمر، ذكره الدَّارَقُطْنِيّ فَاخْتَصَرَهُ أَبُو مُحَمَّد بِأَن قَالَ: اخْتلف عَلَيْهِ يَعْنِي على جَابر، فأساء الِاخْتِصَار.
ثمَّ أورد أَبُو مُحَمَّد بعده هَذَا اللَّفْظ الْأَخير الَّذِي رَوَاهُ نائل بن نجيح، عَن عَمْرو بن شمر، عَن جَابر الْجعْفِيّ، وَأعله أَيْضا بجابر الْجعْفِيّ معرضًا عَن عَمْرو بن شمر، كَمَا كَانَ فِي الَّذِي قبله، وَزَاد إِلَى ذَلِك الْإِعْرَاض عَن نائل ابْن نجيح، وَهُوَ غير مَعْرُوف، فَاعْلَم ذَلِك.
(797) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ عَن أبي أُمَامَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - / قَالَ: " على خمسين جُمُعَة، لَيْسَ فِيمَا دون ذَلِك ".(3/105)
ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده جَعْفَر بن الزبير، وَهُوَ مَتْرُوك.
لم يزدْ على هَذَا، وَلَو كَانَ جَعْفَر بن الزبير ثِقَة، مَا صَحَّ هَذَا الحَدِيث من أجل غَيره من رُوَاته، وهم جمَاعَة.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحسن النقاش، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن السَّامِي، وَالْحُسَيْن بن إِدْرِيس، قَالَا: حَدثنَا خَالِد بن الْهياج، قَالَ: حَدثنَا أبي، عَن جَعْفَر بن الزبير، عَن الْقَاسِم، عَن أبي أُمَامَة، أَن نَبِي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: فَذكره.
فَأَما الْقَاسِم فقد تقدم ذكره وَهُوَ يوثقه ويصحح حَدِيثه، كَمَا فعل التِّرْمِذِيّ، فَلَا نؤاخذه بِهِ، وَإِن كَانَ مُخْتَلفا فِيهِ.
وَهياج بن بسطَام الْهَرَوِيّ، ضَعِيف الحَدِيث لَيْسَ بِشَيْء، قَالَه ابْن معِين.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ.
وَابْنه خَالِد بن هياج، لَا أعرفهُ فِي شَيْء من كتب الرِّجَال مَذْكُورا بِذكر يَخُصُّهُ، مترجما باسمه، وَهِي مظان وجوده وَوُجُود أَمْثَاله، وَلكنه عرض لِابْنِ أبي حَاتِم ذكره فِي بَاب أَبِيه هياج، فعده فِي جملَة الروَاة عَنهُ.(3/106)
وَعرض لَهُ أَيْضا ذكره فِي بَاب الْحُسَيْن بن إِدْرِيس رَاوِي هَذَا الحَدِيث عَنهُ، فَذكره ذكرا يمسهُ، وَذَلِكَ أَنه قَالَ: الْحُسَيْن بن إِدْرِيس، الْأنْصَارِيّ، الْهَرَوِيّ، الْمَعْرُوف بِابْن خرم روى عَن خَالِد بن هياج بن بسطَام، كتب إِلَيّ بِجُزْء من حَدِيثه، عَن خَالِد بن هياج بن بسطَام، فَأول حَدِيث مِنْهُ بَاطِل، وَالثَّانِي بَاطِل، وَالثَّالِث ذكرته لعَلي بن الْحُسَيْن بن الْجُنَيْد، فَقَالَ: أَحْلف بِالطَّلَاق أَنه حَدِيث لَيْسَ لَهُ أصل، وَكَذَا هُوَ عِنْدِي، فَلَا أَدْرِي مِنْهُ، أَو من خَالِد بن هياج. انْتهى مَا ذكر ابْن أبي حَاتِم فِي بَاب حُسَيْن بن إِدْرِيس.
فَأَما / المقرون بالحسين بن إِدْرِيس، وَهُوَ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، فَأرَاهُ أَبَا عبد الله الْهَرَوِيّ، وَهُوَ صَدُوق.
وَمُحَمّد بن الْحسن النقاش، شيخ الدَّارَقُطْنِيّ، هُوَ صَاحب التَّفْسِير، وَهُوَ عِنْدهم ضَعِيف قَالَ عبيد الله بن أبي الْفَتْح: ذكر طَلْحَة بن مُحَمَّد بن جَعْفَر مُحَمَّد بن الْحسن النقاش / فَقَالَ: كذب فِي الحَدِيث، وَالْغَالِب عَلَيْهِ الْقَصَص.
وَقَالَ أَبُو بكر البرقاني: كل حَدِيثه مُنكر.
(798) وَجرى لَهُ قصَص فِي حَدِيث رَوَاهُ عَن أبي غَالب بن بنت مُعَاوِيَة، " فِي سُؤال النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ربه أَن لَا يستجيب دُعَاء حبيب على حَبِيبه ".(3/107)
فَأنكرهُ عَلَيْهِ الدَّارَقُطْنِيّ فَرجع عَنهُ.
(799) وَحَدِيث آخر رَوَاهُ عَن يحيى بن مُحَمَّد بن صاعد، أنكر عَلَيْهِ.
قَالَ الْخَطِيب: وَفِي حَدِيثه مَنَاكِير بأسانيد مَشْهُورَة، وَأَقل مِمَّا شرح فِي هذَيْن الْحَدِيثين تسْقط بِهِ عَدَالَة الْمُحدث، وَيتْرك الِاحْتِجَاج بِهِ. انْتهى كَلَامه.
وَالْمَقْصُود أَن تعلم أَن تَضْعِيف هَذَا الحَدِيث بِجَعْفَر بن الزبير، ظلم لَهُ، إِذْ فَوْقه وَتَحْته من لَعَلَّ الْجِنَايَة مِنْهُ، فَاعْلَم ذَلِك.
(800) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن سهل بن معَاذ، عَن أَبِيه، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " نهى عَن الحبوة يَوْم الْجُمُعَة " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده ضَعِيف، وَقَالَ فِيهِ التِّرْمِذِيّ: حسن. انْتهى مَا ذكر. وَسَهل بن معَاذ ضَعِيف، وَيَرْوِيه عَنهُ أَبُو مَرْحُوم: عبد الرَّحِيم بن مَيْمُون، وَهُوَ أَيْضا ضَعِيف الحَدِيث، قَالَه ابْن معِين.
وَقد طوى أَبُو مُحَمَّد ذكره فِي ظَاهر الْأَمر، وَإِن كَانَ عَنى بقوله: إِسْنَاده(3/108)
ضَعِيف جَمِيع من فِيهِ، فَهُوَ من بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها وَلم يبين عللها.
(801) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ عَن عَائِشَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا صلى الرجل على الْجِنَازَة، فقد انْقَطع ذمامها " الحَدِيث.
وتشاغل فِيهِ بمخالفة من وَقفه على عُرْوَة، رافعه: عبد الله بن عبد الْعَزِيز، عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَقد بَينا مَا اعتراه فِيهِ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة، وَهِي مُنْقَطِعَة.
ونبين الْآن أَن عبد الله بن عبد الْعَزِيز اللَّيْثِيّ، ضَعِيف، وَقد شرحنا ذَلِك كُله فِي الْبَاب الْمَذْكُور.
(802) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار، فِي زَكَاة الْبَقر، حَدِيث ابْن عَبَّاس: " فِيهِ ذكر الأوقاص ".
ثمَّ رده بِأَن قَالَ: بَقِيَّة لَا يحْتَج بِهِ.
وَلم يعرض لمن هُوَ أَضْعَف مِنْهُ، / وَهُوَ المَسْعُودِيّ.
وَإِنَّمَا يرويهِ الْبَزَّار هَكَذَا: حَدثنَا عبد الله بن أَحْمد بن شبوية الْمروزِي، قَالَ: حَدثنَا حَيْوَة بن شُرَيْح، حَدثنَا بَقِيَّة، عَن المَسْعُودِيّ، عَن الحكم، عَن طَاوس، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: " لما بعث رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - معَاذًا إِلَى الْيمن، أمره أَن يَأْخُذ من كل ثَلَاثِينَ من الْبَقر تبيعا، أَو تبيعة، جذعا، أَو جَذَعَة، وَمن كل أَرْبَعِينَ بقرة، بقرة مُسِنَّة " الحَدِيث.(3/109)
والمسعودي أحد الْمُخْتَلطين، حَتَّى كَانَ لَا يعقل، وَسَيَأْتِي لَهُ ذكر بعد.
(803) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن عَائِشَة، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كَانَ يقبلهَا وَهُوَ صَائِم، ويمص لسانها ".
ثمَّ قَالَ: لَا تصح هَذِه الرِّوَايَة؛ لِأَنَّهَا من حَدِيث مُحَمَّد بن دِينَار، عَن سعد بن أَوْس، وَلَا يحْتَج بهما، وَقد قَالَ ابْن الْأَعرَابِي عَن أبي دَاوُد: هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بِصَحِيح.
كَذَا قَالَ، وَهَذَا الحَدِيث إِنَّمَا يرويهِ سعد بن أَوْس الْمَذْكُور، عَن مصدع أبي يحيى، عَن عَائِشَة.
فَأَعْرض / عَنهُ أَبُو مُحَمَّد لِأَنَّهُ - وَالله أعلم - نظره حِين كتبه عِنْد ابْن أبي حَاتِم فَلم ير فِيهِ شَيْئا، ووجده يروي عَنهُ جمَاعَة، فَجرى فِيهِ على أَصله فِي هَؤُلَاءِ، واعتل على الحَدِيث بِمَا لَيْسَ بعلة، فَإِن مُحَمَّد بن دِينَار الطَّاحِي صَدُوق، لَيْسَ بِهِ بَأْس، ويروى عَن ابْن معِين استضعاف حَدِيثه، وَذَلِكَ - وَالله أعلم - بقياسه إِلَى غَيره مِمَّن هُوَ فَوْقه، وَإِلَّا فقد رُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ فِيهِ: لَا بَأْس بِهِ، وَقد قَالَ عَن نَفسه: كل من قلت: " لَا بَأْس بِهِ "، فَهُوَ عِنْدِي ثِقَة.
وَقَالَ فِيهِ أَبُو زرْعَة: صَدُوق، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَا بَأْس بِهِ.(3/110)
وَالرجل لم يكن لَهُ كتاب، وَهَذَا لَا يضرّهُ إِذا حفظ مَا حدث بِهِ.
وَسعد بن أَوْس، الْكَاتِب الْعَبْدي - وَيُقَال: الْعَدوي - قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: صَالح ويروى أَيْضا عَن ابْن معِين استضعاف حَدِيثه وَلَعَلَّه أَيْضا بِالْإِضَافَة كَمَا قُلْنَاهُ، وَإِن لم يكن كَذَلِك، فَمَا قَوْله بضربة لازب، إِذْ لم يُفَسر جرحة فَيقبل نَقله لَهَا.
أما أَبُو يحيى مصدع الْأَعْرَج / وَيُقَال لَهُ: المعرقب، عرقب فِي التَّشَيُّع، فضعيف، قَالَ السَّعْدِيّ: كَانَ زائغا، جائرا عَن الطَّرِيق، وَفِي بَابه ذكر أَبُو أَحْمد هَذَا الحَدِيث، وَعَلِيهِ أنكرهُ، وَقَالَ لَهُ وَلِحَدِيث آخر ذكره: هما معروفان بِهِ. فَإِذن عِلّة الْخَبَر إِنَّمَا هِيَ هَذِه، فَاعْلَم ذَلِك.
(804) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ عَن أنس، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من أفطر يَوْمًا من شهر رَمَضَان من غير عذر فليصم شهرا ".
ثمَّ قَالَ: يرْوى من حَدِيث منْدَل بن عَليّ، ومصاد بن عقبَة، وَلَا يَصح.
كَذَا أوردهُ، وَلم يبين علته، وَلَا ذكر من إِسْنَاده سواهُمَا، وأوهم أَنَّهُمَا جَمِيعًا فِي إِسْنَاد وَاحِد، وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك.
وَبَيَان هَذَا هُوَ أَن الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن مخلد، حَدثنَا الْحسن(3/111)
ابْن عَليّ بن شبيب، حَدثنَا عبد الله ابْن عبد الصَّمد بن أبي خِدَاش، حَدثنَا أَبُو عبد الله: مُحَمَّد بن صبيح، عَن عمر بن أَيُّوب الْموصِلِي، عَن مصاد بن عقبَة، عَن مقَاتل بن حَيَّان، عَن عَمْرو بن مرّة، عَن عبد الْوَارِث الْأنْصَارِيّ، قَالَ: سَمِعت أنس بن مَالك يَقُول: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من أفطر يَوْمًا من شهر رَمَضَان من غير رخصَة وَلَا عذر، كَانَ عَلَيْهِ أَن يَصُوم ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَمن أفطر يَوْمَيْنِ كَانَ عَلَيْهِ سِتُّونَ، وَمن أفطر ثَلَاثَة [أَيَّام] كَانَ عَلَيْهِ تسعون يَوْمًا ".
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: " لَا يثبت هَذَا الْإِسْنَاد، وَلَا يَصح عَن عَمْرو بن مرّة ". انْتهى كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ.
هَذَا إِسْنَاد مصاد، وَلَا ذكر فِيهِ لمندل، وَهُوَ غَايَة فِي الضعْف، وَلَيْسَ فِيهِ أَهْون أمرا من مصاد بن عقبَة، فَإِنَّهُ قد روى عَنهُ جمَاعَة: مِنْهُم مُوسَى بن أعين، وَعَمْرو بن أَيُّوب الْموصِلِي، والمعافى بن عمرَان.
ويروي عَن مقَاتل بن حَيَّان وَزِيَاد بن سعد، قَالَه أَبُو حَاتِم.
وَإِن كُنَّا لَا نَعْرِف حَاله، فَإِن أصل أبي مُحَمَّد فِي هَؤُلَاءِ يقْضِي أَن يقبله، وتضعيفه الحَدِيث من أَجله لَيْسَ على أَصله، وَترك أَن يبين أَنه من رِوَايَة عبد الْوَارِث الْأنْصَارِيّ.
وَقد ذكر التِّرْمِذِيّ عَن البُخَارِيّ / أَنه مُنكر الحَدِيث.(3/112)
وَذكر ابْن أبي خَيْثَمَة عَن ابْن معِين أَنه قَالَ فِيهِ: مَجْهُول.
وَأما إِسْنَاد منْدَل فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ:
حَدثنَا أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي، قَالَ: حَدثنَا أَبُو أُميَّة الطرسوسي، وَحدثنَا مُحَمَّد بن مخلد قَالَ: حَدثنَا الْعَلَاء بن سَالم أَبُو الْحسن قَالَ: حَدثنَا أَبُو نعيم، قَالَ: حَدثنَا منْدَل بن عَليّ، عَن أبي هَاشم، عَن عبد الْوَارِث، عَن أنس ابْن مَالك قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من أفطر يَوْمًا من رَمَضَان من غير عذر فَعَلَيهِ صِيَام شهر ".
وَعبد الْوَارِث هُوَ الْمُتَقَدّم الذّكر، وَأَبُو هَاشم مَجْهُول الْبَتَّةَ.
وَقد ذكره ابْن الْجَارُود فِي كِتَابه فِي الكنى، عَن عبد الْوَارِث عَن أنس، وَقَالَ: روى أَبُو نعيم / عَن منْدَل عَنهُ يَعْنِي هَذَا ثمَّ قَالَ: " حَدِيث مُنكر ".
وَلم يسمه وَلَا عرف من أمره بمزيد.
فَإِذن لَا يَنْبَغِي أَن يقْتَصر فِي تَعْلِيل الْحَدِيثين على منْدَل ومصاد فَاعْلَم ذَلِك.
(805) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ حَدِيث ابْن عمر: " فِيمَن أهْدى تَطَوّعا، ثمَّ ضلت، فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْبَدَل " الحَدِيث.(3/113)
ورده بِعَبْد الله بن عَامر.
وَهَذَا الطَّرِيق الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ، الَّذِي فِيهِ عبد الله بن عَامر، فِيهِ أَيْضا مُحَمَّد ابْن مُصعب، يرويهِ عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن عبد الله بن عَامر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر.
وَيَرْوِيه عَن مُحَمَّد بن مُصعب، أَبُو زيد: أَحْمد بن عبد الرَّحِيم.
وَمُحَمّد بن مُصعب، هُوَ القرقساني وَهُوَ قد تولى تَضْعِيفه، وَنقل كَلَام الْمُحدثين فِيهِ فِي مَوَاضِع غلط فِي بَعْضهَا نذكرهُ فِيهِ.
وَقد تقدم ذكر ذَلِك فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي نَسَبهَا إِلَى غير رواتها.
وَأَبُو زيد: أَحْمد بن عبد الرَّحِيم لَا يعرف حَاله.
وَذكر بعده أَنه يرْوى من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد، يسْندهُ إِلَى ابْن عمر، قَالَ: وَلَا يَصح أَيْضا.
لم يزدْ على هَذَا، كَأَنَّهُ اكْتفى فِي ابْن أبي الزِّنَاد بِمَا قدم من ذكره فِي غير هَذَا الْموضع.
وَبَقِي عَلَيْهِ أَن يبين أَنه من رِوَايَة عبد الله بن شبيب، عَن عبد الْجَبَّار بن سعيد، عَن ابْن أبي الزِّنَاد، عَن مُوسَى بن عقبَة، عَن أبي الزبير عَن ابْن عمر.
فَأَبُو الزبير مُدَلّس، وَعبد الْجَبَّار / هُوَ المساحقي، وَلَا يعرف حَاله،(3/114)
وَعبد الله بن شبيب هُوَ الأخباري، أَبُو سعيد الربعِي الْمَكِّيّ، تَركه ابْن خُزَيْمَة.
وَقَالَ [فضلك] الرَّازِيّ: عبد الله بن شبيب يحل ضرب عُنُقه.
وَقَالَ غَيره: هُوَ ذَاهِب الحَدِيث.
(806) وَذكر من طَرِيق ابْن وهب حَدِيث: " من جَازَ عَرَفَة قبل أَن تغيب الشَّمْس فَلَا حج لَهُ ".
ثمَّ قَالَ: رَوَاهُ مُرْسلا عَن عَمْرو بن شُعَيْب وَسَلَمَة بن كهيل، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَفِي إِسْنَاده يزِيد بن عِيَاض وَهُوَ مَتْرُوك. انْتهى قَوْله فِيهِ.
والْحَدِيث هُوَ فِي موطأ ابْن وهب هَكَذَا:
أخبرنَا يزِيد بن عِيَاض، عَن إِسْحَاق بن عبد الله، عَن عَمْرو بن شُعَيْب وَسَلَمَة بن كهيل، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " هَذَا الْموقف وكل عَرَفَة، وارتفعوا عَن بطن عُرَنَة، وَمن جَازَ بطن عَرَفَة قبل أَن تغيب الشَّمْس فَعَلَيهِ حج قَابل ".
هَكَذَا هُوَ عِنْده: فَبين أَبُو مُحَمَّد أَمر يزِيد بن عِيَاض، وَترك إِسْحَاق بن عبد الله - وَهُوَ ابْن أبي فَرْوَة - وَهُوَ يرْمى بِالْكَذِبِ، وَكَذَلِكَ يزِيد بن عِيَاض،(3/115)
ولعمري إِنَّه فِي صَنِيعه هَذَا لَا أعذر مِنْهُ، فِيمَا إِذا كَانَ من ترك التَّنْبِيه عَلَيْهِ تَحت من ضعف بِهِ، فَإِنَّهُ يُمكن حِينَئِذٍ أَن تكون الْجِنَايَة مِمَّن طوى ذكره، وَيكون من ضعف بِهِ بَرِيئًا، أما فِي مثل هَذَا فَيمكن أَن يكون إِسْحَاق بَرِيئًا، وَيزِيد لَا يصدق عَلَيْهِ، وَأَشد مَا يكون [هَذَا] قبحا إِذا أبرز ذكره، فَاعْلَم ذَلِك.
(807) وَذكر من مُسْند ابْن أبي شيبَة عَن جَابر، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لَهُم: " خُذُوا حَصى الْجمار من وَاد محسر ".
ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده عبد الله بن عَامر الْأَسْلَمِيّ، وَهُوَ ضَعِيف عِنْدهم.
كَذَا قَالَ، وَهُوَ كَمَا ذكر، وَلكنه ترك من لَا يَصح بِهِ وَلَو كَانَ عبد الله بن عَامر ثِقَة.
قَالَ ابْن أبي شيبَة: حَدثنَا مَحْبُوب القواريري، عَن عبد الله بن عَامر، عَن أبي الزبير، عَن جَابر، فَذكره.
أَبُو الزبير مُدَلّس، وَلم يذكر سَمَاعا، وَلَا هُوَ من رِوَايَة اللَّيْث عَنهُ.
ومحبوب بن مُحرز القواريري لم تثبت عَدَالَته، وَقد سُئِلَ عَنهُ أَبُو حَاتِم فَقَالَ /: يكْتب حَدِيثه، قيل: يحْتَج بِهِ؟ قَالَ: يحْتَج بِحَدِيث شُعْبَة وسُفْيَان.(3/116)
وَسَيَأْتِي فِي هَذَا الْبَاب قَول الدَّارَقُطْنِيّ فِيهِ: ضَعِيف.
(808) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ عَن أبي المهزم، عَن أبي هُرَيْرَة / عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَنه قضى فِي بيض النعام يُصِيبهُ الْمحرم بِثمنِهِ ".
(809) وَعَن حُسَيْن بن عبد الله بن عبيد الله بن عَبَّاس، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، عَن كَعْب بن عجْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَنه قضى فِي بيض النعام أَصَابَهُ محرم بِقدر ثمنه ".
ثمَّ قَالَ: أَبُو المهزم وحسين ضعيفان، وَأَبُو المهزم أَكثر. انْتهى قَوْله.
وَإِنَّمَا ذكرنَا حَدِيث حُسَيْن بن عبد الله هَاهُنَا؛ لِأَنَّهُ ملازم فِي ذكره لحَدِيث أبي المهزم وَإِلَّا فَهُوَ من الْقسم الآخر الَّذِي سنذكر بعد إِن شَاءَ الله - أَعنِي الَّذِي يذكر فِيهِ الْأَحَادِيث بِقطع من أسانيدها، ثمَّ يعللها بِبَعْض رواتها -.
فَاعْلَم الْآن أَن الَّذِي أعل بِهِ هذَيْن الْحَدِيثين، عِلّة كَافِيَة لَو صَحَّ الْخَبَر إِلَيْهِمَا - أَعنِي فِي الأول إِلَى أبي المهزم، وَفِي الثَّانِي إِلَى حُسَيْن - وَلَكِن من لنا بذلك، وَالْأول إِنَّمَا يرويهِ عَن أبي المهزم عَليّ بن غراب، بِلَفْظَة " عَن " وَلم يقل: " حَدثنَا " وَهُوَ مَشْهُور التَّدْلِيس وَإِن كَانَ صَدُوقًا.(3/117)
(810) وَقد ذكر أَبُو مُحَمَّد من طَرِيق أبي أَحْمد حَدِيث أنس: " اعقلها وتوكل ".
وَأعْرض فِيهِ عَن رجل هُوَ علته، فَإِنَّهُ مَجْهُول، وَهُوَ الْمُغيرَة بن أبي قُرَّة، وتشاغل بعلي بن غراب، فَبين تدليسه، وَأَنه لم يقل: " حَدثنَا الْمُغيرَة "، فَهَذَا يلْزمه مثله هَاهُنَا.
وَأما الثَّانِي - أَعنِي حَدِيث كَعْب بن عجْرَة - فَإِنَّهُ أغضى فِيهِ عَمَّن لَا يجوز الإغضاء عَنهُ، وَهُوَ إِبْرَاهِيم بن أبي يحيى، فَهُوَ يرويهِ عَن حُسَيْن الْمَذْكُور.
وَابْن أبي يحيى كَذَّاب، وَقد قيل فِيهِ مَا هُوَ شَرّ من الْكَذِب، فَاعْلَم ذَلِك.
(811) وَذكر حَدِيث الزبير فِي " النَّهْي عَن أَن يُقَاتل عَن أحد من الْمُشْركين إِلَّا عَن أهل الذِّمَّة ".
ورده بالانقطاع، وَمَا فِيهِ انْقِطَاع، وَضَعفه برشدين، وَأعْرض عَن نعيم.(3/118)
(812) وَهُوَ قد أعل بِهِ حَدِيث: " قوم يقيسون الْأُمُور برأيهم ".
وَقد تقدم / ذكر هَذَا الحَدِيث فِي الْبَاب الَّذِي قبل هَذَا.
(813) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن مهَاجر بن جَابر البَجلِيّ، عَن زِيَاد بن حدير، عَن عَليّ قَالَ: " لَئِن بقيت إِلَى قَابل لأقتلن نَصَارَى بني تغلب، ولأسبين الذُّرِّيَّة، أَنا كتبت الْعَهْد بَينهم وَبَين رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: وَقد رَوَاهُ من طَرِيق آخر فِيهِ عبد الرَّحْمَن بن عُثْمَان البكراوي، وَهُوَ ضَعِيف أَيْضا.
وَهَذَا هُوَ المُرَاد بِبَيَان مَا فِيهِ الْآن، وَذَلِكَ أَن هَذَا الطَّرِيق الَّذِي فِيهِ البكراوي فِيهِ أَيْضا الْكَلْبِيّ، وَهُوَ أشهر من ينْسب إِلَى الْكَذِب فَمَا مثله أعرض عَنهُ إِلَى غَيره.(3/119)
قَالَ أَبُو أَحْمد: حَدثنَا أَبُو يعلى، حَدثنَا القواريري، حَدثنَا عبد الرَّحْمَن ابْن عُثْمَان البكراوي، حَدثنَا الْكَلْبِيّ، حَدثنَا الْأَصْبَغ بن نباتة، عَن عَليّ قَالَ: " شهِدت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَالح نَصَارَى الْعَرَب من بني تغلب على أَن لَا ينصرُوا أَوْلَادهم فَإِن فعلوا فقد بَرِئت مِنْهُم الذِّمَّة "، فقد - وَالله - فعلوا، فوَاللَّه لَئِن جَاءَنِي هَذَا الْأَمر لأقتلن مُقَاتلَتهمْ ولأسبين ذَرَارِيهمْ.
الْكَلْبِيّ لَا يسمح لَهُ، فَإِنَّهُ كَذَّاب، والأصبغ بن نباتة أَيْضا ضَعِيف.
وَقد تقدم ذكر مَا اعترى أَبَا مُحَمَّد فِي كَلَامه على هَذَا الحَدِيث - من غير هَذَا الْمَعْنى - فِي بَاب النَّقْص من الْأَسَانِيد، فَاعْلَم ذَلِك.
(814) وَذكر حَدِيث ابْن عَبَّاس " اجتنبوا من النِّكَاح أَرْبعا " من عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ.
ورده بالْحسنِ بن دِينَار. وَقد بَينا فِي بَاب نِسْبَة الْأَحَادِيث إِلَى غير رواتها، أَن الْحسن بن دِينَار لَا ذكر لَهُ فِي هَذَا الحَدِيث، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ، من رِوَايَة الْحسن بن عمَارَة.
/ ونريد الْآن هُنَا أَن دون الْحسن بن عمَارَة مجهولين:
أَحدهمَا عبد الله بن سعيد أَبُو الخصيب.(3/120)
وَالْآخر سُلَيْمَان بن عبد الْعَزِيز.
(815) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ عَن جَابر، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تنْكِحُوا النِّسَاء إِلَّا الْأَكفاء، وَلَا يزوجهن إِلَّا الْأَوْلِيَاء، وَلَا مهر أقل / من عشرَة دَرَاهِم ".
ثمَّ قَالَ: فِيهِ مُبشر بن عبيد وَهُوَ مَتْرُوك.
وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَلَكِن بَقِي عَلَيْهِ أَن يبين أَنه من رِوَايَته عَن الْحجَّاج بن أَرْطَاة وَهُوَ ضَعِيف مُدَلّس عَن الضُّعَفَاء، وَكَذَا هُوَ عِنْده وَقد تقدم ذكره لَهُ.
(816) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن عبد الله بن مَسْعُود، [قَالَ] قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " طَعَام أول يَوْم حق، وَطَعَام يَوْم الثَّانِي سنة، وَطَعَام يَوْم الثَّالِث سمعة، وَمن سمع سمع الله بِهِ ".
ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده زِيَاد بن عبد الله، وَهُوَ كثير الغرائب والمناكير، قَالَه أَبُو عِيسَى، انْتهى قَوْله.
وَهَذَا الحَدِيث إِنَّمَا يرويهِ زِيَاد، عَن عَطاء بن السَّائِب، عَن أبي عبد الرَّحْمَن(3/121)
عَن ابْن مَسْعُود.
فَأَعْرض عَن إعلال الحَدِيث بعطاء، وَهُوَ مختلط، وسترى رَأْيه فِيهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(817) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن أبي الوداك: جبر بن نوف، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَفعه: فِي سبي أَوْطَاس: " لَا تُوطأ حَامِل حَتَّى تضع " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: أَبُو الوداك وَثَّقَهُ ابْن معِين، وَهُوَ عِنْده غَيره دون ذَلِك.
هَكَذَا قَالَ، وَترك مَا هُوَ أولى أَن يعل بِهِ الْخَبَر، وَهُوَ شريك بن عبد الله، فَإِنَّهُ يرويهِ عَن قيس بن وهب، عَن أبي الوداك.
وَشريك مُخْتَلف فِيهِ، وَهُوَ مُدَلّس، وسترى رَأْيه فِيهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(818) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ حَدِيث عَائِشَة: " فِي الْمقَام عِنْد الْبكر ثَلَاثًا وَعَن الثّيّب لَيْلَتَيْنِ ".(3/122)
ورده بِأَن قَالَ: فِي إِسْنَاده عمر بن مُحَمَّد الْوَاقِدِيّ.
وَبينا الْخَطَأ فِي ذَلِك فِي بَاب الْأَشْيَاء الْمُغيرَة عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ، إِذْ صَوَابه مُحَمَّد بن عمر.
ونبين الْآن - إِن شَاءَ الله تَعَالَى - أَن فِي إِسْنَاده من لَا يَصح من أَجله، وَلَو كَانَ الْوَاقِدِيّ ثِقَة.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عَمْرو بن البخْترِي، حَدثنَا أَحْمد بن الْخَلِيل، حَدثنَا الْوَاقِدِيّ، حَدثنَا مُحَمَّد بن ضَمرَة بن سعيد الْمَازِني، عَن خبيب ابْن سلمَان، عَن يُوسُف بن مَاهك، عَن ريطة بنت هِشَام، وَأم سليم بنت نَافِع بن عبد الْحَارِث، عَن عَائِشَة، عَن النَّبِي / - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَحدثنَا مُحَمَّد، حَدثنَا أَحْمد، حَدثنَا الْوَاقِدِيّ، حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن يزِيد الْمَكِّيّ، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أم سليم بنت نَافِع بن عبد الْحَارِث، عَن عَائِشَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْبكر إِذا نَكَحَهَا رجل وَله نسَاء، لَهَا ثَلَاث لَيَال، وللثيب ليلتان ".
وريطة، وَأم سليم، وَمُحَمّد بن ضَمرَة، مَا مِنْهُم مَعْرُوف وَلَا مَذْكُور فِي غَيره فِيمَا أعلم.
وَإِبْرَاهِيم بن يزِيد الخوزي، مكي مَتْرُوك، فالواقدي إِذن إِحْدَى علله.
(819) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ عَن عبد الله بن سرجس، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -(3/123)
قَالَ: " إِذا أَتَى أحدكُم أَهله، فليلق على عَجزه وعجزها شَيْئا " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: هَذَا يتَّصل من حَدِيث صَدَقَة بن عبد الله السمين، وَلَيْسَ بِقَوي.
لم يزدْ على هَذَا، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ النَّسَائِيّ هَكَذَا: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الرَّحِيم البرقي، قَالَ: حَدثنَا عَمْرو بن أبي سَلمَة، عَن صَدَقَة ابْن عبد الله، عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد، عَن عَاصِم الْأَحول، عَن عبد الله بن سرجس، فَذكره.
زُهَيْر / بن مُحَمَّد ضَعِيف، وَقد اضْطربَ فِيهِ أَبُو مُحَمَّد، وسترى رَأْيه فِيهِ بعد إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(820) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، أَن نَبِي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ للمختلعة: " زيديه ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا يرويهِ الْحسن بن عمَارَة، وَهُوَ مَتْرُوك. انْتهى مَا ذكر.
وَقد ترك فَوْقه وَتَحْته من لَا يَصح الحَدِيث من أَجله، وَذَلِكَ أَنه يرويهِ الدَّارَقُطْنِيّ هَكَذَا: قرئَ على أبي الْقَاسِم بن منيع وَأَنا أسمع، حَدثكُمْ أَبُو حَفْص: عمر بن زُرَارَة الحدثي، حَدثنَا مسروح بن عبد الرَّحْمَن، عَن الْحسن بن عمَارَة، عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَنه قَالَ: كَانَت أُخْتِي تَحت رجل من الْأَنْصَار، تزَوجهَا على حديقة، فَكَانَ بَينهمَا كَلَام،(3/124)
فارتفعا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَقَالَ: " تردين عَلَيْهِ حديقته ويطلقك؟ " قَالَت: نعم، وأزيده قَالَ: " ردي عَلَيْهِ حديقته وزيديه ".
عَطِيَّة الْعَوْفِيّ ضَعِيف /.
ومسروح بن عبد الرَّحْمَن لَا أعرفهُ، إِلَّا أَن يكون أَبَا شهَاب الَّذِي يروي عَن الثَّوْريّ، وَهُوَ مسروح أَبُو شهَاب، من سَاكِني مَدِينَة حدث روى عَن سُفْيَان الثَّوْريّ. قَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَأَلت أبي عَنهُ - وَعرضت عَلَيْهِ بعض حَدِيثه - فَقَالَ: لَا أعرفهُ، وَيحْتَاج أَن يَتُوب إِلَى الله من حَدِيث بَاطِل رَوَاهُ عَن الثَّوْريّ.
وَأَبُو حَفْص: عمر بن زُرَارَة ثِقَة، ذكره الْخَطِيب وَقَالَ بَعضهم: فِيهِ غَفلَة.
(821) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " جعل الْخلْع تَطْلِيقَة بَائِنَة ".
ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده عباد بن كثير الثَّقَفِيّ، وَلَا يَصح. انْتهى مَا ذكر.
وَعباد بن كثير الْبَصْرِيّ الثَّقَفِيّ، مَتْرُوك، شَبيه بالْحسنِ بن عمَارَة، وَلَكِن دونه من يضعف أَيْضا، وَهُوَ رواد بن الْجراح، أَبُو عِصَام الْعَسْقَلَانِي، هُوَ(3/125)
يرويهِ عَنهُ.
ورواد هَذَا، قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: مُضْطَرب الحَدِيث لينه، اخْتَلَط بآخرة، وَكَانَ مَحَله الصدْق.
وَأدْخلهُ البُخَارِيّ فِي الضُّعَفَاء.
وَوَثَّقَهُ ابْن معِين.
ودونه أَيْضا مُحَمَّد بن أبي السّري الْعَسْقَلَانِي، وَهُوَ مُتَكَلم فِيهِ من سوء حفظه، وَلَيْسَ يَنْبَغِي أَن يرد حَدِيثه، فَإِنَّهُ حَافظ، مكثر، صَدُوق.
(822) وَذكر حَدِيث: " الَّذِي أكرهته امْرَأَته على طَلاقهَا ".
وَعين للنَّظَر فِيهِ رجلا، وَترك غَيره مِمَّن هُوَ ضَعِيف عِنْده: بَقِيَّة، ونعيم بن حَمَّاد، وَغَيرهمَا.
وَقد بَينا ذَلِك بَيَانا شافيا فِي بَاب النَّقْص من الْأَسَانِيد.
(823) وَذكر حَدِيث الْمُغيرَة بن شُعْبَة: " أَن امْرَأَة الْمَفْقُود امْرَأَته حَتَّى يَأْتِيهَا الْخَبَر " من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ.
ورده بِمُحَمد بن شُرَحْبِيل رَاوِيه عَن الْمُغيرَة، قَالَ فِيهِ: مَتْرُوك.(3/126)
وَلم يبين أَنه من رِوَايَة سوار بن مُصعب، وَهُوَ أشهر فِي المتروكين مِنْهُ، ودونه صَالح بن مَالك وَلَا يعرف، ودونه مُحَمَّد بن الْفضل بن جَابر، وَلَا يعرف حَاله.
(824) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا عَن عَليّ، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَمر الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا أَن تَعْتَد حَيْثُ شَاءَت ".
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: لم يسْندهُ / غير أبي مَالك النَّخعِيّ، وَهُوَ ضَعِيف.
وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَالدَّارَقُطْنِيّ هُوَ قَائِله، وَلَكِن زَاد أَن قَالَ: ومحبوب بن مُحرز ضَعِيف أَيْضا - يَعْنِي رَاوِيه عَن أبي مَالك -.
وَيَرْوِيه أَبُو مَالك عَن عَطاء بن السَّائِب، وَهُوَ مختلط.
فَأَعْرض أَبُو مُحَمَّد عَنْهُمَا، وَعين لتضعيفه أَبَا مَالك، وَإنَّهُ لحري بذلك لضَعْفه، وَلَكِن ذكر الْجَمِيع أصوب، لاحْتِمَال أَن تكون الْجِنَايَة من غَيره.
(825) وَذكر / من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فِي الأصلع يمر الموسى على رَأسه ".
وَضَعفه بِعَبْد الْكَرِيم بن روح.
وَترك عبد الله بن عمر الْعمريّ، وَهُوَ يرويهِ عَن نَافِع، عَن ابْن عمر.(3/127)
وَقد مر لَهُ فِي هَذَا الْبَاب تَضْعِيفه حَدِيثا بِهِ، وإعراضه عَمَّن هُوَ أَضْعَف مِنْهُ، وَذَلِكَ عكس مَا فعل فِي هَذَا الحَدِيث.
(826) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا عَن عبد الله بن عَمْرو، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَكَّة مناخ لَا تبَاع رباعها " الحَدِيث.
وَضَعفه بإبراهيم بن مهَاجر.
(827) وَنسي أَنه قبل من رِوَايَته حَدِيث: " تأخذين فرْصَة ممسكة " لما كَانَ من كتاب مُسلم.
(827) وَضعف بِهِ أَيْضا حَدِيث: " معاهدة نَصَارَى بني تغلب، أَن لَا ينصرُوا أَوْلَادهم ".
وَترك دونه فِي هَذَا الحَدِيث، فِي أَن " مَكَّة مناخ " ابْنه إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن مهَاجر، وَهُوَ ضَعِيف.(3/128)
وَقَالَ البُخَارِيّ: فِيهِ نظر، مُنكر الحَدِيث.
(829) وَقد ذكر أَبُو مُحَمَّد حَدِيث عبد الله بن عَمْرو فِي الْجَلالَة: " لَا تركب حَتَّى تعلف أَرْبَعِينَ لَيْلَة ".
فَقَالَ بإثره: فِي إِسْنَاده إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن مهَاجر البَجلِيّ، وَهُوَ ضَعِيف، وَأَبوهُ لَا يحْتَج بِهِ.
(830) وَذكر من طَرِيق عَليّ بن عبد الْعَزِيز من منتخبه، عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا شُفْعَة لغَائِب، وَلَا لصغير، وَلَا لِشَرِيك على شَرِيكه إِذا سبقه بِالشِّرَاءِ، وَالشُّفْعَة كحل العقال ".
قَالَ وَذكره الْبَزَّار، وَحَدِيث عَليّ أتم، وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف الْإِسْنَاد، فِيهِ الْبَيْلَمَانِي وَغَيره.
وَذكره أَبُو مُحَمَّد وَقَالَ فِيهِ: " الشُّفْعَة كحل العقال، فَإِن قيدها / مَكَانَهُ ثَبت حَقه، وَإِلَّا فاللوم عَلَيْهِ ".
وَهُوَ أَيْضا من أَحَادِيث الْبَيْلَمَانِي عَن ابْن عمر مُسْندًا.
هَذَا مَا ذكر بنصه، وَفِيه عَلَيْهِ أَشْيَاء، وَالْمَقْصُود لهَذَا الْبَاب، يبين بعد إِيرَاد الْأَحَادِيث بأسانيدها وألفاظها.(3/129)
قَالَ عبد الْعَزِيز: حَدثنَا عَفَّان بن مُسلم، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحَارِث، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْبَيْلَمَانِي، عَن أَبِيه، عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا شُفْعَة لغَائِب، وَلَا لصغير، وَلَا لِشَرِيك على شَرِيكه إِذا سبقه بِالشِّرَاءِ، وَالشُّفْعَة كحل العقال ".
وَقَالَ الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحَارِث، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، عَن أَبِيه، عَن ابْن عمر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا شُفْعَة لغَائِب، وَلَا لصغير، وَالشُّفْعَة كحل العقال ".
وَمن طَرِيق الْبَزَّار بِهَذَا الْإِسْنَاد سَاقه أَبُو مُحَمَّد بن حزم فِي الْمحلى بِهَذَا اللَّفْظ، وَزَاد فِيهِ: " من مثل بملوكه فَهُوَ حر، وَهُوَ مولى الله وَرَسُوله، وَالنَّاس على شروطهم مَا وَافق الْحق ".
وَلم يذكر الزِّيَادَة الَّتِي أورد أَبُو مُحَمَّد عَنهُ، الَّتِي هِيَ: " فَإِن قيدها مَكَانَهُ " إِلَى آخِره، وَلَعَلَّه رَآهَا لَهُ فِي غير الْمحلى.
وَهَذَا الَّذِي زَاد ابْن حزم فِي الْمحلى، من أَمر العَبْد والشروط، لم يذكرهُ الْبَزَّار فِي حَدِيث الشُّفْعَة، وَإِنَّمَا حَدِيث الشُّفْعَة عِنْده كَمَا أوردناه عَنهُ، لكنه أورد أَمر العَبْد بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور حَدِيثا، وَكَذَلِكَ أورد أَمر الشُّرُوط، وَمَعَهُ: " المنحة مَرْدُودَة " حَدِيثا.
وأظن أَن ابْن حزم لما كَانَ ذَلِك كُله بِإِسْنَاد وَاحِد لفقه، تشنيعا على الْخُصُوم الآخذين بعض مَا رُوِيَ بِهَذَا الْإِسْنَاد، التاركين لبعضه، وَإِلَّا فَالْحَدِيث إِنَّمَا هُوَ كَمَا أَخْبَرتك.
وَإِلَى هَذَا فَإِن الْمَقْصُود لهَذَا الْبَاب، إِنَّمَا هُوَ أَن تعلم أَن مُحَمَّد بن الْحَارِث هَذَا ضَعِيف جدا، أَسْوَأ حَالا من ابْن الْبَيْلَمَانِي وَأَبِيهِ، وَهُوَ أَبُو عبد الله، /(3/130)
الْبَصْرِيّ، الْحَارِثِيّ.
قَالَ عَمْرو بن عَليّ فِيهِ: مَتْرُوك الحَدِيث.
وَقَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِشَيْء.
وَترك أَبُو زرْعَة حَدِيثه، وَلم يقرأه / عَلَيْهِ فِي الشُّفْعَة - يَعْنِي هَذَا الحَدِيث -.
وَكَذَلِكَ ضعفه أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ وَغَيره.
وَلم أر من لَهُ فِيهِ رَأْي أحسن من رَأْي الْبَزَّار، وَذَلِكَ أَنه قَالَ فِيهِ: رجل مَشْهُور، لَيْسَ بِهِ بَأْس، وَإِنَّمَا تَأتي نكرَة هَذِه الْأَحَادِيث من مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن ابْن الْبَيْلَمَانِي، فَاعْلَم ذَلِك وَالله الْمُوفق.
(831) وَذكر من طَرِيق الْعقيلِيّ عَن ابْن عَبَّاس، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِين أَمر بِإِخْرَاج بني النَّضِير من الْمَدِينَة، جَاءَهُ نَاس مِنْهُم، فَقَالُوا: إِن لنا ديونا، فَقَالَ: " ضَعُوا وتعجلوا ".
ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده رجل يُقَال لَهُ: عَليّ بن أبي مُحَمَّد، وَهُوَ مَجْهُول، وَحَدِيثه غير مَحْفُوظ.(3/131)
هَذَا نَص مَا ذكر، وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَعلي بن أبي مُحَمَّد هَذَا مَجْهُول، وَكَذَا وَقع فِي كتاب الْعقيلِيّ: عَليّ بن أبي مُحَمَّد، وَقد قابلت هَذَا الْموضع بالنسخة الَّتِي بِخَط أبي عَليّ الجياني من كتاب الْعقيلِيّ.
وَوَقع فِي سنَن الدَّارَقُطْنِيّ هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: " عَليّ بن مُحَمَّد " هَكَذَا فِي كتابي، وَكَذَلِكَ فِي أصل أبي عَليّ الصَّدَفِي الَّذِي بِخَطِّهِ، وَذَلِكَ مِمَّا يُؤَكد كَونه مَجْهُولا.
وَالَّذِي قصدت بَيَانه الْآن، هُوَ أَن هَذَا الحَدِيث مَدَاره على مُسلم بن خَالِد الزنْجِي، واضطرب فِيهِ.
فقد كَانَ يَنْبَغِي أَن يُنَبه أَبُو مُحَمَّد على كَونه من رِوَايَته، فَإِنَّهُ لم يسالمه فِي أَحَادِيث أعلها بِهِ وَحده.
(832) كَحَدِيث " صَلَاة التَّرَاوِيح ".
(833) وَحَدِيث " سرق " يَقُول فِيهِ دائبا: لَا يحْتَج بِهِ.
وَالَّذِي أعل بِهِ هَذَا الحَدِيث من الْجَهْل بِحَال عَليّ بن أبي مُحَمَّد، أَو عَليّ ابْن مُحَمَّد، عِلّة كَافِيَة، والأكمل أَن يُنَبه أَيْضا على أَمر مُسلم بن خَالِد، فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ قد وَثَّقَهُ قوم - وَهُوَ أحد الْفُقَهَاء - فَإِنَّهُ سيئ الْحِفْظ، وَتبين بعض سوء حفظه فِي هَذَا الحَدِيث، فَإِنَّهُ تلون فِيهِ تلونا نذْكر بعضه ليبين أمره.
قَالَ الْعقيلِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن أَحْمد بن سُفْيَان التِّرْمِذِيّ، قَالَ: حَدثنَا عبيد الله بن عمر القواريري، قَالَ: حَدثنَا مُسلم بن خَالِد قَالَ: سَمِعت عَليّ(3/132)
ابْن أبي مُحَمَّد، يحدث عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِين أَمر بِإِخْرَاج بني / النَّضِير من الْمَدِينَة، جَاءَهُ نَاس مِنْهُم فَقَالُوا: إِن لنا ديونا تحل، فَقَالَ: " ضَعُوا وتعجلوا ".
قَالَ الْعقيلِيّ: لَا يعرف إِلَّا بِهِ، وَهُوَ مَجْهُول بِالنَّقْلِ، حَدِيثه غير مَحْفُوظ.
وَهَكَذَا نَص الْخَبَر عِنْد الْعقيلِيّ، وأظن أَن أَبَا مُحَمَّد خَافَ اختلال لَفْظَة " تحل " بِسُقُوط " لم " الجازمة، فأسقط اللَّفْظَة.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: قرئَ على أبي الْقَاسِم بن منيع وَأَنا أسمع، حَدثكُمْ عبيد الله ابْن عمر القواريري، حَدثنَا مُسلم بن خَالِد، قَالَ: سَمِعت عَليّ بن مُحَمَّد، يذكرهُ عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حِين أَمر بِإِخْرَاج بني النَّضِير من الْمَدِينَة، جَاءَهُ نَاس مِنْهُم، فَقَالُوا إِن لنا ديونا لم تحل، فَقَالَ: " ضَعُوا وتعجلوا ".
كَذَا فِي النُّسْخَة: " عَليّ بن مُحَمَّد "، " وَلم تحل " قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَا يَصح.
حَدثنَا أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي، حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق، حَدثنَا عبيد الله بن عمر، حَدثنَا مُسلم بن خَالِد بِهَذَا.
حَدثنَا الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل، وَأَبُو بكر النَّيْسَابُورِي وَآخَرُونَ، قَالُوا: حَدثنَا سَعْدَان بن نصر، حَدثنَا عفيف بن سَالم، عَن الزنْجِي بن خَالِد، عَن دَاوُد بن الْحصين، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: لما أَمر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بإجلاء بني النَّضِير، قَالُوا: يَا مُحَمَّد، إِن لنا ديونا على النَّاس، قَالَ: " ضَعُوا وتعجلوا ".
هَذَا رِجَاله ثِقَات، إِلَّا مَا بِمُسلم بن خَالِد الزنْجِي من سوء الْحِفْظ، وَلَكِن(3/133)
بَينه وَبَين دَاوُد بن حُصَيْن / [فِيهِ، رجل، وَالله أعلم.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن الْعَلَاء، حَدثنَا عبد الله بن أَحْمد الدَّوْرَقِي، حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن يحيى، حَدثنَا الزنحي بن خَالِد، عَن مُحَمَّد بن عَليّ بن يزِيد بن ركَانَة، عَن دَاوُد بن الْحصين] عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: لما أَرَادَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يخرج بني النَّضِير قَالُوا: يَا رَسُول الله، إِنَّك أمرت بإخراجنا، وَلنَا على النَّاس دُيُون لم تحل. قَالَ: " ضَعُوا وتعجلوا ".
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: مُسلم بن خَالِد ثِقَة، إِلَّا أَنه سيئ الْحِفْظ، وَقد اضْطربَ فِي هَذَا الحَدِيث. انْتهى كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ.
وَفِيه تثبيج فَإِن سوء الْحِفْظ يُنَاقض الثِّقَة، وَقد كَانَ لَازِما لأبي مُحَمَّد / سوق هَذَا الحَدِيث من هَذَا الطَّرِيق، فَهُوَ خير مِمَّا اخْتَار، فَإِنَّهُ لم يعله بالزنجي بن خَالِد.
وَمُحَمّد بن عَليّ بن يزِيد بن ركَانَة من المساتير الَّذين يقبل أمثالهم، روى عَنهُ ابْن جريج، وَابْن إِسْحَاق، وَمُسلم بن خَالِد، فَهُوَ خير من عَليّ بن مُحَمَّد، أَو عَليّ بن أبي مُحَمَّد، وَأرَاهُ لم يره فَلذَلِك لم يذكرهُ، وَإِلَّا فَمَا يُؤثر أحد ذَلِك الحَدِيث من ذَلِك الطَّرِيق على هَذَا، وَلَا أَقُول: إِنَّه صَحِيح وَلكنه أقرب إِلَى أَن يلْتَفت إِلَيْهِ وَيكْتب.
وَقد حصل فِيهِ من اضْطِرَاب الزنْجِي ابْن خَالِد أَرْبَعَة أَقْوَال:
أَحدهَا عَن عَليّ بن مُحَمَّد، عَن عِكْرِمَة.(3/134)
وَالثَّانِي: عَن عَليّ بن أبي مُحَمَّد، عَن عِكْرِمَة.
وَالثَّالِث: عَن دَاوُد بن الْحصين، عَن عِكْرِمَة.
وَالرَّابِع: عَن مُحَمَّد بن عَليّ بن يزِيد بن ركَانَة، عَن دَاوُد بن الْحصين، عَن عِكْرِمَة، فَاعْلَم ذَلِك.
(834) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ حَدِيث ابْن عمر، فِي أَن " من وهب هبة فَهُوَ أَحَق بهَا مَا لم يثب ".
(835) ثمَّ أَشَارَ إِلَى حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي ذَلِك، وَلم يذكر مَتنه، وَعَزاهُ إِلَى الدَّارَقُطْنِيّ.
ورده بِأَن فِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن عبيد الله الْعَرْزَمِي، وَهُوَ ضَعِيف.
وَبَقِي عَلَيْهِ أَن يبين أَنه لَا يصل إِلَى الْعَرْزَمِي إِلَّا على لِسَان كَذَّاب لَعَلَّ الْجِنَايَة مِنْهُ، وَهُوَ إِبْرَاهِيم بن أبي يحيى، وَهُوَ بِنَفسِهِ قد نسب إِلَيْهِ الْكَذِب فِي مَوَاضِع، وَقد تقدم التَّنْبِيه عَلَيْهِ.
وَإسْنَاد هَذَا الحَدِيث هُوَ هَذَا: قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا عبد الصَّمد بن عَليّ، حَدثنَا مُحَمَّد بن نوح بن حَرْب العسكري، حَدثنَا يحيى بن غيلَان، حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن أبي يحيى، عَن مُحَمَّد بن عبيد الله، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من وهب هبة فارتجع فِيهَا فَهُوَ أَحَق بهَا مَا لم يثب(3/135)
مِنْهَا، وَلكنه كَالْكَلْبِ يعود فِي قيئه ".
وَيحيى بن غيلَان ثِقَة.
(836) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن عبد الله بن عَمْرو، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْعلم ثَلَاثَة وَمَا سوى ذَلِك فَهُوَ فضل ".
ثمَّ رده بالأفريقي، وَترك فَوْقه عبد الرَّحْمَن بن رَافع التنوخي، وَهُوَ لم تثبت عَدَالَته، بل فِي أَحَادِيثه مَنَاكِير. /
(837) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن عَليّ قَالَ: " بَعَثَنِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى الْيمن قَاضِيا " الحَدِيث.
ثمَّ رده بِأَن قَالَ: يرويهِ حَنش بن الْمُعْتَمِر، وَيُقَال: ابْن ربيعَة، عَن عَليّ، وَكَانَ رجلا صَالحا، وَفِي حَدِيثه ضعف.
كَذَا قَالَ، وَالْمَقْصُود أَن تعلم أَنه إِنَّمَا يرويهِ شريك، عَن سماك عَنهُ، وَلم يبين ذَلِك. وَقد رَوَاهُ غير شريك، وَلَكِن عِنْد غير أبي دَاوُد.
وَقد تقدم التَّنْبِيه على قَوْله: " وَكَانَ رجلا صَالحا " فِي بَاب الْأَشْيَاء الْمُغيرَة.(3/136)
(838) وَذكر حَدِيث: " مَلْعُون من ضار مُؤمنا أَو مكر بِهِ ".
وَضَعفه بأسلم الْكُوفِي.
وَترك دونه عبد الْوَاحِد بن زيد، وَهُوَ ضَعِيف، وَقد بَينا أَمر هَذَا الحَدِيث فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة وَهِي مُنْقَطِعَة.
(839) وَذكر من طَرِيق أبي / أَحْمد، من حَدِيث عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، عَن جَابر بن عبد الله، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تجوز شَهَادَة مُتَّهم وَلَا ظنين ".
ثمَّ ذكر أَمر عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل، وَأَن النَّاس ضَعَّفُوهُ، إِلَّا أَحْمد، وَإِسْحَاق، والْحميدِي.
وَترك فِي الْإِسْنَاد قيس بن الرّبيع، وَهُوَ عِنْده ضَعِيف، وَحَمَّاد بن الْحسن، وَهُوَ لَا تعرف حَاله.
قَالَ أَبُو أَحْمد: " حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر بن يزِيد، قَالَ: حَدثنَا حَمَّاد بن الْحسن قَالَ: حَدثنَا أَبُو دَاوُد، عَن قيس قَالَ: حَدثنِي عبد الله [بن مُحَمَّد] بن عقيل ". فَذكره.
(840) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ(3/137)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَيّمَا أمة ولدت من سَيِّدهَا، فَإِنَّهَا إِذا مَاتَ حرَّة إِلَّا أَن يعتقها قبل مَوته ".
ثمَّ ضعفه بِحُسَيْن بن عبد الله بن عبيد الله بن عَبَّاس، وَترك دونه أَبَا أويس، وَهُوَ عبد الله بن عبد الله بن أويس الأصبحي، صَدُوق ضَعِيف الحَدِيث، ودونه عبيد الله بن يحيى الرهاوي وَلَا تعرف حَاله.
(841) وَذكر بعده: " من ولدت مِنْهُ أمة فَهِيَ حرَّة بعد مَوته ".
وَضَعفه أَيْضا بِهِ.
وَأعْرض عَن شريك رَاوِيه عَنهُ، وَهُوَ شريك بن عبد الله القَاضِي.
(842) وَذكر حَدِيث: " إِذا قَالَ لعَبْدِهِ: أَنْت حر إِن شَاءَ الله، فَهُوَ حر وَلَا اسْتثِْنَاء لَهُ ".
وَضَعفه بِمُحَمد بن مَالك.
وَلم يذكر إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، وَهُوَ يرويهِ عَنهُ، وَلَا بَين أَنه مُنْقَطع.
وَقد بَينا أمره فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة وَهِي(3/138)
مُنْقَطِعَة.
(843) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ عَن عبَادَة بن الصَّامِت، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا تجْعَلُوا على الْعَاقِلَة من دِيَة الْمُعْتَرف شَيْئا ".
ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن سعيد، وَأَظنهُ المصلوب.
كَذَا قَالَ، وَأصَاب فِي تشكيكه فِيهِ، وَلكنه ترك من لَا شكّ فِي كَونه للْحَدِيث عِلّة.
وَذَلِكَ أَنه حَدِيث يرويهِ ابْن وهب عَن الْحَارِث بن نَبهَان عَن مُحَمَّد بن سعيد [هَذَا] ، عَن رَجَاء بن حَيْوَة، عَن جُنَادَة بن أبي أُميَّة، عَن عبَادَة.
والْحَارث مَتْرُوك، مُنكر الحَدِيث.
(844) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن عَبَّاس، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا يقتل حر بِعَبْد ".
ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده جُوَيْبِر، عَن الضَّحَّاك، مَقْطُوع وَضَعِيف.
كَذَا قَالَ، وَترك أَن يبين أَنه من رِوَايَة عُثْمَان الْبري عَنهُ.
وَهُوَ قد تولى بَيَان ضعفه فِي كتاب الْعلم إِثْر حَدِيث:(3/139)
(845) " أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة، عَالم لم يَنْفَعهُ الله بِعِلْمِهِ ".
وَقَالَ: إِنَّه كثير الْوَهم وَالْخَطَأ، وَكَانَ صَاحب بِدعَة، كَانَ يُنكر الْمِيزَان.
(846) وَذكر حَدِيث الَّذِي قتل عَبده مُتَعَمدا، " فجلده النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مائَة " الحَدِيث.
ثمَّ ضعفه بِأَن إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي فَرْوَة، مَتْرُوك، وَهُوَ مدنِي.
وَلم يبين أَنه من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش [عَنهُ] .
وَقَبله - مُتَّصِلا بِهِ - ضعف إِسْمَاعِيل فِي غير الشاميين.
(847) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ عَن عُرْوَة بن الزبير قَالَ: شفع الزبير فِي سَارِق، فَقيل: حَتَّى نبلغه الإِمَام، فَقَالَ: " إِذا بلغ فلعن الله الشافع والمشفع " كَمَا قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن مُوسَى بن مِسْكين، أَبُو غزيَّة، وَهُوَ ضَعِيف.
وَرَوَاهُ مَالك عَن ربيعَة، أَن الزبير، وَلم يذكر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَالْمَوْقُوف هُوَ(3/140)
الصَّحِيح /.
هَذَا مَا / ذكر، وَفِي قَوْله: " الْمَوْقُوف هُوَ الصَّحِيح " تسَامح، فَإِن ربيعَة لم يدْرك الزبير.
وإعلاله الحَدِيث بِأبي غزيَّة صَحِيح، وَلكنه ترك فِيهِ أَيْضا من هُوَ ضَعِيف عِنْده، وَهُوَ عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد، فَعَنْهُ يرويهِ أَبُو غزيَّة، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه قَالَ: شفع الزبير فَذكره.
(848) وَمن الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها من أجل ابْن أبي الزِّنَاد: حَدِيث " المجامع فِي رَمَضَان ".
(849) وَحَدِيث " النَّهْي أَن يقتني الْكَلْب إِلَّا صَاحب غنم، أَو خَائفًا، أَو صائدا ".
وَلَعَلَّه إِنَّمَا يَعْنِي بِصِحَّتِهِ مَوْقُوفا، مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، حَدثنَا عبد الله بن جَعْفَر بن خشيش، حَدثنَا سلم، بن جُنَادَة، حَدثنَا وَكِيع، حَدثنَا هِشَام بن عُرْوَة، عَن عبد الله بن عُرْوَة، عَن الفرافصة الْحَنَفِيّ قَالَ: " مروا على الزبير بسارق فشفع لَهُ، فَقَالُوا: يَا أَبَا عبد الله، تشفع للسارق؟ قَالَ: نعم، لَا بَأْس بِهِ(3/141)
مَا لم يُؤْت بِهِ الإِمَام، فَإِذا أُتِي بِهِ الإِمَام، فَلَا عَفا الله عَنهُ إِن عَفا عَنهُ ".
فَهَذَا إِن عناه فَلَا بَأْس بِهِ على أَصله، فَإِن الفرافصة بن عُمَيْر من المساتير، وَعبد الله بن عُرْوَة ثِقَة.
(850) وَذكر حَدِيث جَابر، قَالَ: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا يَأْذَن لمن لَا يبْدَأ بِالسَّلَامِ ".
وَضَعفه بإبراهيم بن يزِيد الخوزي.
وَلم يبين أَنه يرويهِ عَن أبي الزبير عَن جَابر.
(851) وَذكر حَدِيث جَابر قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تأذنوا لمن لَا يبْدَأ بِالسَّلَامِ ".
وَأعله بإبراهيم بن يزِيد كَذَلِك.
وَفِيه عِلّة أُخْرَى، وَذَلِكَ إِنَّمَا يرويهِ إِبْرَاهِيم بن يزِيد، عَن أبي الزبير، والوليد بن أبي مغيث، عَن أَحدهمَا، أَو عَن كليهمَا، عَن جَابر.
والوليد بن أبي مغيث لَا أعلمهُ إِلَّا أَن يكون الْوَلِيد بن عبد الله بن أبي مغيث، فَإِن كَانَ هُوَ، فَهُوَ ثِقَة، وَلكنه إِنَّمَا تعرف لَهُ الرِّوَايَة عَن مُحَمَّد بن عَليّ ابْن الْحَنَفِيَّة، ويوسف بن مَاهك، فَأَما عَن صَحَابِيّ فَلَا.(3/142)
فَهُوَ إِذن مَشْكُوك فِي اتِّصَاله، وَقد بَينا ذَلِك قبل.
قد ذكرنَا من أحد الْقسمَيْنِ فِي هَذَا الْبَاب / - وَهُوَ الَّذِي ذكر فِيهِ الْأَحَادِيث بِغَيْر قطع من أسانيدها - مَا وجدنَا من الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها بِقوم وَترك غَيرهم مِمَّن هُوَ ضَعِيف.
وَنَذْكُر الْآن من هَذَا الْقسم الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها بِقوم وَترك غَيرهم، مِمَّن لَا تعرف لَهُ حَال، إِمَّا مِمَّن يروي عَن أحدهم جمَاعَة، وَإِمَّا مِمَّن لَا يروي عَن أحدهم إِلَّا وَاحِد.
(852) فَمن ذَلِك حَدِيث أبي سعيد، سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " لَا يخرج الرّجلَانِ يضربان الْغَائِط " الحَدِيث من طَرِيق أبي دَاوُد.
وَأتبعهُ أَن قَالَ: لم يسْندهُ غير عِكْرِمَة بن عمار، وَقد اضْطربَ فِيهِ.
لم يزدْ على هَذَا، وَبَقِي عَلَيْهِ أَن يذكر علته الْعُظْمَى، وَهِي من رَوَاهُ عَنهُ يحيى بن أبي كثير، وَهُوَ مَحل الِاضْطِرَاب الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنه حَدِيث يرويهِ عِكْرِمَة بن عمار، عَن يحيى بن أبي كثير - فِي رِوَايَة عَنهُ -: عَن عِيَاض بن هِلَال، وَفِي رِوَايَة عَنهُ: عَن هِلَال بن عِيَاض، وَفِي رِوَايَة عَنهُ: عَن عِيَاض بن(3/143)
أبي زُهَيْر، وَهُوَ مَعَ ذَلِك كُله مَجْهُول لَا يعرف، وَلَا يعرف بِغَيْر هَذَا، فَأَما لَو كَانَ هَذَا الرجل مَعْرُوفا، مَا كَانَ عِكْرِمَة بن عمار لَهُ بعلة، فَإِنَّهُ صَدُوق حَافظ، إِلَّا أَنه يهم كثيرا فِي حَدِيث يحيى بن أبي كثير، فَأَما عَن غَيره فَلَا / بَأْس بِهِ، وَأمره مَبْسُوط فِي كتب الرِّجَال.
وَقد وَقع لأبي مُحَمَّد فِيهِ شبه اضْطِرَاب سَنذكرُهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
(853) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْوضُوء من الْبَوْل مرّة وَمن الْغَائِط مرَّتَيْنِ ".
ثمَّ رده بِأَن قَالَ: عَمْرو بن فائد مُنكر الحَدِيث، لَيْسَ حَدِيثه بِشَيْء.
وَترك أَن يبين أَن دونه من لَا تعرف لَهُ حَال أصلا، وَهُوَ أَبُو الْعَلَاء: أَيُّوب ابْن الْعَلَاء الْبَصْرِيّ مجاور كَانَ بِالْمَدِينَةِ وَكَذَا ذكره أَبُو أَحْمد، ودونه أَيْضا من لَا يعرف /.
فالحمل على عَمْرو بن فائد من بَينهم تبرئة لهَؤُلَاء.
(854) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، من حَدِيث قيس بن الرّبيع، يسْندهُ إِلَى أبي الدَّرْدَاء قَالَ: " لَا تدخل الْمَلَائِكَة بَيْتا فِيهِ بَوْل منقع ".(3/144)
ثمَّ قَالَ: كَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، عَن قيس مَوْقُوفا على أبي الدَّرْدَاء، وَرَوَاهُ شيخ مَجْهُول عَن قيس، فرفعه إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
هَكَذَا ذكره، والْحَدِيث الْمَذْكُور إِنَّمَا أتبعه أَبُو أَحْمد هَذَا الْكَلَام بعد أَن تَبرأ من عهدته بِذكر إِسْنَاده، فَأَما أَبُو مُحَمَّد - حِين ترك إِسْنَاده وَأتبعهُ الْكَلَام الْمَذْكُور - فقد أوهم أَنه لَا عيب لَهُ مَوْقُوفا، أما مُسْندًا فَعَن هَذَا الشَّيْخ الْمَجْهُول.
وَهُوَ لَا يَصح لَا مَوْقُوفا وَلَا مُسْندًا؛ لِأَنَّهُ عِنْد أبي أَحْمد هَكَذَا: حَدثنَا ابْن صاعد، حَدثنَا أَحْمد بن الْمِقْدَام، حَدثنَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، حَدثنَا قيس بن الرّبيع عَن أبي حُصَيْن، عَن الأعجف بن زُرَيْق، عَن أم الدَّرْدَاء، عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: " لَا تدخل الْمَلَائِكَة بَيْتا فِيهِ بَوْل منقع ".
ثمَّ قَالَ أَبُو أَحْمد: قَالَ لنا ابْن صاعد: " رَفعه شيخ مَجْهُول عَن قيس ". انْتهى مَا أورد أَبُو أَحْمد.
والأعجف بن زُرَيْق لَا تعرف حَاله أصلا، فَمَا مثله ترك ذكره.
وَقَوله: " رَفعه شيخ مَجْهُول عَن قيس " عزاهُ أَبُو مُحَمَّد لأبي أَحْمد، وَأَبُو أَحْمد إِنَّمَا حَكَاهُ عَن ابْن صاعد.
(855) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن عَليّ، أَن حَبِيبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " نهاني أَن(3/145)
أُصَلِّي فِي الْمقْبرَة وَأَرْض بابل فَإِنَّهَا ملعونة ".
ثمَّ رده بِأَن قَالَ: هَذَا أَوْهَى من الَّذِي قبله لِأَن فِيهِ ابْن لَهِيعَة وَغَيره.
وَهَكَذَا قَالَ وَلم يزدْ، وَهَذَا تلفيق فِي ضمنه خطأ.
وَبَيَان ذَلِك هُوَ أَن أَبَا دَاوُد إِنَّمَا أورد هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة ابْن وهب من طَرِيقين:
أَحدهمَا رِوَايَة سُلَيْمَان بن دَاوُد عَن ابْن وهب قَالَ: نَبَّأَنِي ابْن لَهِيعَة وَيحيى بن أَزْهَر، عَن عمار بن سعد الْمرَادِي عَن أبي صَالح الْغِفَارِيّ، عَن عَليّ.
وَالْآخر، رِوَايَة أَحْمد بن صَالح، عَن ابْن وهب قَالَ: أَخْبرنِي يحيى بن أَزْهَر وَابْن / لَهِيعَة عَن الْحجَّاج بن شَدَّاد، عَن أبي صَالح الْغِفَارِيّ، عَن عَليّ.
فَالْخِلَاف بَين أَحْمد بن صَالح وَسليمَان بن دَاوُد، إِنَّمَا هُوَ فِي الرَّاوِي لَهُ عَن أبي صَالح الْغِفَارِيّ:
أَحدهمَا يَجعله حجاج بن شَدَّاد، وَالْآخر يَجعله عمار بن سعد، فَأَما من رَوَاهُ ابْن وهب عَنهُ، فَلم يخْتَلف أَنه ابْن لَهِيعَة وَيحيى بن أَزْهَر.
فَإِذن مَا حق الحَدِيث أَن يضعف بِابْن لَهِيعَة إِلَّا إِن كَانَ يحيى بن أَزْهَر المقترن بِهِ فِي رِوَايَته إِيَّاه، ضَعِيفا كَذَلِك، أما إِن كَانَ ثِقَة، فَلَا نبالي بمقارنة ابْن لَهِيعَة لَهُ فِي الرِّوَايَة، وأنما جَمعهمَا ابْن وهب، وَهُوَ قد سَمعه مِنْهُمَا منفردين،(3/146)
أَو مُجْتَمعين، وكل ذَلِك لَا يضر.
فَالَّذِي يَنْبَغِي هُوَ أَن نَنْظُر حَال يحيى بن أَزْهَر، فَإِن عَرفْنَاهُ ثِقَة صَحَّ الحَدِيث، إِلَّا أَن تكون لَهُ عِلّة أُخْرَى مِمَّا لم يعرض لَهُ / أَبُو مُحَمَّد، وَإِن كَانَ ضَعِيفا وَجب من تبين أمره مثل مَا بَين من أَمر ابْن لَهِيعَة، فَأَما إِجْمَال القَوْل فِيهِ بِحَيْثُ يحْتَمل أَن يكون إِنَّمَا أَرَادَ بقوله: " فِيهِ ابْن لَهِيعَة وَغَيره " من فَوْقهمَا فَلَيْسَ بصواب.
وَمن الْآن نبين - إِن شَاءَ الله تَعَالَى - من حَال الْإِسْنَاد مَا يجب فَنَقُول:
أما أَبُو صَالح الْغِفَارِيّ، فَهُوَ سعيد بن عبد الرَّحْمَن، مصري، يروي عَن عَليّ، وَأبي هُرَيْرَة، وصلَة بن الْحَارِث وهبيب بن مُغفل.
قَالَ فِيهِ الْكُوفِي: مصري تَابِعِيّ ثِقَة ذكر ذَلِك المنتجالي فِي كِتَابه.
وَأما عمار بن سعد فَهُوَ التجِيبِي، شهد فتح مصر، يروي عَن عَمْرو بن العَاصِي، وَأبي الدَّرْدَاء، روى عَن الضَّحَّاك بن شُرَحْبِيل الغافقي، وَعَطَاء بن دِينَار، توفّي سنة خمسين وَمِائَة، وَلَا تعرف حَاله.
وحجاج بن شَدَّاد الصَّنْعَانِيّ، مرادي، مصري، لَا تعرف أَيْضا حَاله.
فَالْحَدِيث من هَاهُنَا مَعْلُول من طَرِيقه.
وَأما يحيى بن أَزْهَر فَإِنَّهُ مولى قُرَيْش، روى عَنهُ ابْن وهب، وَابْن الْقَاسِم(3/147)
وَإِدْرِيس بن يحيى، وَكَانَ رجلا صَالحا لَهُ حَدِيث مُسْند، قَالَه ابْن يُونُس.
وَإِنَّمَا يَعْنِي - وَالله أعلم - / هَذَا الحَدِيث، فنراه لَا يَصح من أجل الْجَهْل بِحَال حجاج وعمار، وَلم يعرض لبَيَان ذَلِك أَبُو مُحَمَّد فاعلمه.
(856) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ حَدِيث أبي هُرَيْرَة: " إِن سركم أَن تزكوا صَلَاتكُمْ فقدموا خياركم ".
ورده بِمَا رده بِهِ الدَّارَقُطْنِيّ: من ضعف رِوَايَة أبي الْوَلِيد: خَالِد بن إِسْمَاعِيل وَأعْرض عَن الْعَلَاء بن سَالم، رَاوِيه عَن أبي الْوَلِيد، وَهُوَ لَا يعرف أصلا.
(857) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا حَدِيث ابْن عمر: " اجعلوا أئمتكم خياركم؛ فَإِنَّهُم وفدكم فِيمَا بَيْنكُم وَبَين الله عز وَجل ".(3/148)
ورده بعمر بن يزِيد قَاضِي الْمَدَائِن، وَسَلام بن سُلَيْمَان.
وَأعْرض من إِسْنَاده عَن الْحُسَيْن بن نصر الْمُؤَدب، رَاوِيه عَن سَلام بن سُلَيْمَان الْمَذْكُور وَهُوَ لَا يعرف.
(858) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن عبد الله بن عَمْرو، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ثَلَاثَة لَا تقبل مِنْهُم صَلَاة: من تقدم قوما وهم لَهُ كَارِهُون 000 " الحَدِيث.
ثمَّ رده بِأَن قَالَ: فِي إِسْنَاده عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد الأفريقي.
لم يزدْ على هَذَا، وَعبد الرَّحْمَن ضَعِيف كَمَا أفهم كَلَامه، وَلكنه من أهل الْعلم والزهد بِلَا خلاف، وَكَانَ من النَّاس من يوثقه ويربأ بِهِ عَن حضيض رد الرِّوَايَة، وَلَكِن الْحق فِيهِ أَنه ضَعِيف بِكَثْرَة رِوَايَة الْمُنْكَرَات وَهُوَ أَمر يعتري الصَّالِحين كثيرا، لقلَّة نقدهم للرواة وَلذَلِك قيل: لم تَرَ الصَّالِحين فِي شَيْء أكذب مِنْهُم فِي الحَدِيث.
وَالَّذِي لأَجله كتبناه هُنَا الْآن، هُوَ أَنه إِنَّمَا يرويهِ عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد الْمَذْكُور، عَن عمرَان بن عبد الْمعَافِرِي، عَن عبد الله بن عَمْرو.
وَعمْرَان هَذَا لَا تعرف حَاله، حَتَّى لَو كَانَ الإفْرِيقِي ثِقَة مَا جَازَ أَن يحْتَج بِهَذَا الْخَبَر، من أجل عمرَان الْمَذْكُور.(3/149)
(859) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يُجزئ من الستْرَة مثل مؤخرة الرحل، وَلَو بدق شَعْرَة ".
ثمَّ رده بِمُحَمد بن الْقَاسِم / الْأَسدي أبي إِبْرَاهِيم؛ فَإِنَّهُ مَتْرُوك.
وَهَذَا الحَدِيث ذكره أَبُو أَحْمد هَكَذَا: حَدثنَا ابْن مكرم، حَدثنَا مُحَمَّد ابْن معمر، حَدثنِي مُحَمَّد بن الْقَاسِم أَبُو إِبْرَاهِيم الْأَسدي، حَدثنَا ثَوْر - هُوَ ابْن يزِيد - عَن يزِيد بن يزِيد بن جَابر، عَن مَكْحُول، عَن يزِيد بن جَابر عَن أبي هُرَيْرَة. فَذكره.
مُحَمَّد بن الْقَاسِم مَتْرُوك كَمَا ذكر، وَعَلِيهِ حمل فِيهِ أَبُو أَحْمد /.
وَبَقِي على أبي مُحَمَّد أَن يبين من حَال يزِيد بن جَابر أَنَّهَا لَا تعرف، وَلَا يعرف روى عَنهُ غير مَكْحُول، وروى عَن أبي هُرَيْرَة.
وَبِهَذَا من غير مزِيد ذكر فِي كتب الْجرْح وَالتَّعْدِيل، فَهُوَ مَجْهُول الْحَال.(3/150)
وَيُشبه أَن يكون وَالِد يزِيد بن يزِيد بن جَابر صَاحب مَكْحُول، رَاوِي هَذَا الْخَبَر عَنهُ، فكلاهما أزدي.
وَيزِيد بن يزِيد بن جَابر أحد الثِّقَات فَاعْلَم ذَلِك.
(860) وَذكر حَدِيث ابْن عَبَّاس: " خياركم ألينكم مناكب فِي الصَّلَاة " من طَرِيق أبي دَاوُد.
ورده بِأَن قَالَ: عمَارَة بن ثَوْبَان لَيْسَ بِالْقَوِيّ.
وَهَذَا لَا أعرفهُ فِي هَذَا الرجل، وَلَا أَدْرِي لمن رَآهُ فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَجْهُول الْحَال.
وَمَعَ ذَلِك فَإِنَّهُ لم يبين حَال جَعْفَر بن يحيى بن ثَوْبَان، ابْن أَخِيه، وَلَا أَنه(3/151)
من رِوَايَته، وَهُوَ أَيْضا مَجْهُول الْحَال كَذَلِك.
(861) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ حَدِيث ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يتَقَدَّم الصَّفّ الأول أَعْرَابِي وَلَا أعجمي " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: لَيْث بن أبي سليم عِنْدهم ضَعِيف.
وَلم يعرض من إِسْنَاده لغيره، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ مُحَمَّد بن غَالب، قَالَ: حَدثنَا الْعَبَّاس بن سليم، قَالَ: حَدثنَا عبيد الله بن سعيد، عَن اللَّيْث، عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس. فَذكره.
وعباس هَذَا لم أجد لَهُ ذكرا، وَعبيد الله بن سعيد لم يتَعَيَّن من جمَاعَة يتسمون هَكَذَا، فَهُوَ إِذن مَجْهُول أَيْضا كَذَلِك، فليث بن أبي سليم أيسر مَا فِيهِ.
(862) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ حَدِيث ابْن عَبَّاس: " فِي الصَّلَاة فِي / السَّفِينَة ".(3/152)
ثمَّ رده بِأَن قَالَ: حُسَيْن بن علوان مَتْرُوك.
وَهُوَ كَذَلِك وَلَكِن بَقِي عَلَيْهِ أَن يبين أَنه من رِوَايَة جَابر بن كردِي عَنهُ، وَهُوَ لَا يعرف.
(863) وَذكر من طَرِيق أبي عمر، من كتاب التَّمْهِيد، حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " نهى عَن البتيراء: أَن يُصَلِّي الرجل رَكْعَة وَاحِدَة يُوتر بهَا ".
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: فِي إِسْنَاده عُثْمَان بن مُحَمَّد بن ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن،(3/153)
وَالْغَالِب على حَدِيثه الْوَهم.
هَذَا نَص مَا أورد، لم يزدْ عَلَيْهِ والْحَدِيث من شَاذ الحَدِيث الَّذِي لَا يعرج على رُوَاته مَا لم تعرف عدالتهم، وَعُثْمَان وَاحِد من جمَاعَة فِيهِ.
قَالَ ابْن عبد الْبر: حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن يُوسُف، قَالَ: حَدثنَا أَحْمد ابْن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن الْفرج حَدثنَا أبي الْحسن، حَدثنَا ابْن سُلَيْمَان قبيطة، حَدثنَا عُثْمَان بن مُحَمَّد بن ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن، حَدثنَا عبد الْعَزِيز ابْن مُحَمَّد الدَّرَاورْدِي، عَن عَمْرو بن يحيى، عَن أَبِيه، عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " نهى عَن البتيراء أَن يُصَلِّي الرجل رَكْعَة وَاحِدَة يُوتر بهَا ".
قَالَ أَبُو عمر: هُوَ عُثْمَان بن مُحَمَّد بن ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن، قَالَ الْعقيلِيّ: " الْغَالِب على حَدِيثه الْوَهم " انْتهى كَلَامه.
فَأَقُول: لَيْسَ دون الدَّرَاورْدِي من يغمض عَنهُ.
(864) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار، من حَدِيث وَائِل بن حجر، وصف(3/154)
صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه: " وصف النَّاس خَلفه، عَن يَمِينه وَعَن يسَاره ".
ورده بِأَن قَالَ: مُحَمَّد بن حجر، لَيْسَ بِالْقَوِيّ.
قَالَ البُخَارِيّ: فِيهِ نظر. انْتهى قَوْله.
وَهُوَ عِنْد الْبَزَّار حَدِيث طَوِيل، فِيهِ صفة الْوضُوء وَالصَّلَاة بِأَلْفَاظ تنكر وَلَا تعرف فِي غَيره.
وعلته لَيست مَا ذكر، وَإِنَّمَا يرويهِ مُحَمَّد بن حجر، عَن عَمه: سعيد بن عبد الْجَبَّار بن وَائِل، عَن أَبِيه، عَن أمه، عَن وَائِل.
وَأمه هَذِه لَا تعرف لَهَا حَال، فَأَما ابْنهَا / عبد الْجَبَّار فَثِقَة، وَكَانَ إِذْ مَاتَ وَائِل حملا، فَإِنَّمَا رِوَايَته عَنهُ بِوَاسِطَة أمه هَذِه / أَو غَيرهَا من أهل بَيته، أَو عَن أَخِيه عَنهُ.
وَذكر أَيْضا قِطْعَة أُخْرَى من حَدِيث وَائِل " وَهِي وضع يَمِينه على يسَاره عِنْد صَدره " وَأعله بِمُحَمد بن حجر كَذَلِك.
(865) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا تَلا غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين، قَالَ: آمين، حَتَّى يسمع من يَلِيهِ من الصَّفّ الأول ".
ثمَّ رده بِأَن قَالَ: فِي إِسْنَاده بشر بن رَافع.(3/155)
وَلم يزدْ على هَذَا وَقد بَقِي عَلَيْهِ أَن يبين أَمر بشر هَذَا، وَأمر من يرويهِ عَنهُ بشر.
فَأَما بشر فَهُوَ أَبُو الأسباط الْحَارِثِيّ، وَقد تقدم ذكره بالضعف، ويروي هَذَا الحَدِيث عَن أبي عبد الله ابْن عَم أبي هُرَيْرَة.
وَأَبُو عبد الله هَذَا لَا تعرف لَهُ حَال وَلَا روى عَنهُ غير بشر.
وَهُنَاكَ أَيْضا أَبُو عبد الله شيخ من أهل صنعاء، سمع وهب بن مُنَبّه، روى عَنهُ أَيْضا بشر بن رَافع الْمَذْكُور: فَقَالَ: أَبُو أَحْمد الْحَاكِم: خليق أَن يكون هَذَا وَابْن عَم أبي هُرَيْرَة وَاحِدًا، وَزعم ابْن عبد الْبر فِي كِتَابه فِي الكنى، أَنَّهُمَا اثْنَان وَذَلِكَ مِمَّا يزِيد بِهِ جَهَالَة.
والْحَدِيث لَا يَصح من أَجله.
(866) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن أبي هُرَيْرَة [قَالَ] رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَيعْجزُ أحدكُم أَن يتَقَدَّم أَو يتَأَخَّر " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ بإثره: رَوَاهُ اللَّيْث بن أبي سليم، عَن حجاج بن عبيد، ضَعِيف عَن مَجْهُول، وَترك فِي الْإِسْنَاد من هُوَ أَيْضا مَجْهُول وَهُوَ إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل.(3/156)
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُسَدّد، حَدثنَا حَمَّاد بن زيد وَعبد الْوَارِث، عَن لَيْث، عَن الْحجَّاج بن عبيد، عَن إِبْرَاهِيم، بن إِسْمَاعِيل، عَن أبي هُرَيْرَة، فَذكره.
قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ فِي حجاج بن عبيد وَإِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل: إنَّهُمَا مَجْهُولَانِ. وهما كَذَلِك.
(867) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن عَليّ، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - / " فِي هَيْئَة صَلَاة الْمَرِيض ".
ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده الْحسن بن الْحُسَيْن العرني، وَلم يكن عِنْدهم بصدوق، وَكَانَ من رُؤَسَاء الشِّيعَة وَلم يذكر من إِسْنَاده غَيره، ودونه وفوقه من لَا يعرف.
وَذَلِكَ أَنه يرويهِ الْحسن بن الحكم - وَهُوَ لَا يعرف لَهُ حَال - عَن حسن بن الْحُسَيْن الْمَذْكُور، عَن حُسَيْن بن يزِيد وَهُوَ أَيْضا لَا تعرف لَهُ حَال - عَن جَعْفَر، عَن أَبِيه، عَن عَليّ بن حُسَيْن، عَن الْحُسَيْن بن عَليّ، عَن عَليّ، فَاعْلَم ذَلِك.
(868) وَذكر فِي الاسْتِسْقَاء من حَدِيث ابْن عَبَّاس، قصَّة خُرُوج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -،(3/157)
ثمَّ أردفه من عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ: " التَّكْبِير فِي الأولى سبعا وَفِي الثَّانِيَة خمْسا ".
ثمَّ أعله بِمُحَمد بن عبد الْعَزِيز بن عمر بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَلم يعرض لِأَبِيهِ عبد الْعَزِيز، وَهُوَ مَجْهُول الْحَال، وَهُوَ من رِوَايَته عَنهُ.
واعتراه فِيهِ أَمر آخر، ذَكرْنَاهُ لأَجله فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا عَن رُوَاة ثمَّ أرْدف عَلَيْهَا مَا لَيْسَ عَنْهُم، موهما أَنَّهَا عَنْهُم.
(869) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن عبد الله بن منين، عَن عَمْرو ابْن الْعَاصِ حَدِيث: " خمس عشرَة سَجْدَة، مِنْهَا فِي الْحَج ثِنْتَانِ ".
ثمَّ قَالَ: عبد الله ابْن منين لَا يحْتَج بِهِ.
لم يزدْ على هَذَا، وَإِنَّمَا معنى قَوْله فِي عبد الله بن منين: لَا يحْتَج بِهِ، أَنه مَجْهُول فَإِنَّهُ لَا يعرف، والمجهول لَا يحْتَج بِهِ.
وَقد وَقع فِي نسبه وَفِي اسْم أَبِيه اخْتِلَاف وتصحف على ابْن أبي حَاتِم فَقَالَ فِيهِ: مُنِير - بالراء - وَإِنَّمَا هُوَ منين - بِضَم الْمِيم ونونين - وَقَالَ فِيهِ: " من بني عبد الدَّار "، وَصَوَابه أَنه من بني عبد كلال، كَذَلِك هُوَ مُبين فِي كتاب أبي دَاوُد، وَفِي تَارِيخ البُخَارِيّ. وَلَا يعرف روى عَنهُ إِلَّا الرجل الَّذِي / من(3/158)
أَجله ذَكرْنَاهُ الْآن، لإعراض أبي مُحَمَّد عَنهُ، وَهُوَ الْحَارِث بن سعيد العتقي وَهُوَ رجل لَا تعرف لَهُ حَال، وروى عَنهُ ابْن لَهِيعَة، وَنَافِع بن يزِيد، ذكره بذلك أَبُو سعيد بن يُونُس فِي تَارِيخ المصريين / وَذكر من رِوَايَته حَدِيث السُّجُود فِي " إِذا السَّمَاء انشقت ".
فَالْحَدِيث من أَجله لَا يَصح، وَلَو كَانَ ابْن منين مَعْرُوفا.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم البرقي، قَالَ: حَدثنَا ابْن أبي مَرْيَم، قَالَ: أخبرنَا نَافِع بن يزِيد، عَن الْحَارِث بن سعيد العتقي، عَن عبد الله ابْن منين - من بني عبد كلال - عَن عَمْرو بن الْعَاصِ، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أقرأه خمس عشرَة سَجْدَة [فِي الْقُرْآن] مِنْهَا ثَلَاثَة فِي الْمفصل، وَفِي سُورَة الْحَج سَجْدَتَانِ ".
(870) وَذكر فِي الْجُمُعَة من رِوَايَة ضرار بن عَمْرو، من حَدِيث تَمِيم الدَّارِيّ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - زِيَادَة " أَو مُسَافر ".
قَالَ: وَلم يُتَابع ضرار على هَذَا الحَدِيث، خرجه الْعقيلِيّ.(3/159)
هَذَا مَا أورد من غير مزِيد، وَهُوَ حَدِيث يجب النّظر فِيهِ فِي غير ضرار الْمَذْكُور.
قَالَ الْعقيلِيّ: حَدثنِي جدي، قَالَ: حَدثنَا الْحجَّاج بن الْمنْهَال، قَالَ، حَدثنَا مُحَمَّد بن طَلْحَة، عَن الحكم أبي عَمْرو، عَن ضرار بن عَمْرو، عَن أبي عبد الله الشَّامي، عَن تَمِيم الدَّارِيّ، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْجُمُعَة وَاجِبَة إِلَّا على امْرَأَة، أَو صبي، أَو مَرِيض، أَو عبد، أَو مُسَافر ".
ثمَّ قَالَ: لَا يُتَابع عَلَيْهِ، وَقَالَ البُخَارِيّ: " فِيهِ نظر ".
أَقُول - وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق -: أَبُو عبد الله الشَّامي مَجْهُول، وَلم يزدْ ابْن أبي حَاتِم فِي ذكره إِيَّاه [على] أَن قَالَ: " روى عَن تَمِيم الدَّارِيّ، روى عَنهُ ضرار ابْن عمر "، وَإِنَّمَا أَخذ ذَلِك من هَذَا الْإِسْنَاد.
وَالْحكم أَبُو عَمْرو بن عَمْرو، روى عَنهُ مُحَمَّد بن طَلْحَة بن مصرف، قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: " شيخ مَجْهُول ".
وَمُحَمّد بن طَلْحَة بن مصرف، قَالَ ابْن حَنْبَل: " لَا بَأْس بِهِ، إِلَّا أَنه لَا يكَاد يَقُول فِي شَيْء من حَدِيثه: حَدثنَا ".
وَقَالَ ابْن أبي خَيْثَمَة عَن ابْن معِين: " إِنَّه صَالح ".
وَقَالَ عَنهُ إِسْحَاق بن مَنْصُور: " إِنَّه ضَعِيف ".(3/160)
وَقَالَ عَنهُ عبد الله بن أَحْمد: " كَانَ يُقَال: ثَلَاثَة يتقى حَدِيثهمْ: مُحَمَّد بن طَلْحَة بن مصرف، وَأَيوب بن عتبَة، وفليح بن سلمَان، قلت لَهُ: سَمِعت هَذَا؟ قَالَ: سمعته من / أبي كَامِل: مظفر بن مدرك، وَكَانَ رجلا صَالحا ".
فَهَذَا - كَمَا ترى - حَدِيث فِيهِ ثَلَاثَة، يعتل بِكُل وَاحِد مِنْهُم: ضرار رابعهم. وَإِنَّمَا اعْتمد أَبُو مُحَمَّد فِي تَعْلِيل الْخَبَر ضِرَارًا، من أجل أَن الْعقيلِيّ ذكره فِي بَابه، وَهُوَ على عَادَته لَا يلْتَفت من الْإِسْنَاد إِلَى غير من يذكرهُ أَبُو أَحْمد، أَو الْعقيلِيّ، أَو السَّاجِي، أَو غَيرهم فِي بَاب، وَرب حَدِيث يكون فِيهِ ضعيفان فيذكر فِي بابيهما، فيعل الحَدِيث بِأَحَدِهِمَا، لِأَنَّهُ لم ينظره فِي بَاب الآخر، وَقد مر فِي هَذَا الْبَاب من ذَلِك.
وَضِرَار الْمَذْكُور مَجْهُول كَمَا ذكر، وَلم يتَحَصَّل من أمره مَا يعْتَمد.
ذكره ابْن أبي حَاتِم فَقَالَ: روى عَن عَطاء الخرساني، وَأبي رَافع، عَن أبي هُرَيْرَة، وَأبي عبد الله الشَّامي، روى عَنهُ الحكم أَبُو عَمْرو والمعافى بن عمرَان الْموصِلِي، وَعبد الْعَزِيز بن مُسلم، وَذكر ذَلِك عَن أَبِيه أبي حَاتِم.
وَأما البُخَارِيّ فَجعل هَذَا الْمَجْمُوع فِي ترجمتين، ذكر فِي إِحْدَاهمَا ضرار بن عَمْرو، عَن أبي عبد الله الشَّامي، روى عَنهُ الحكم أَبُو عَمْرو، وَفِي الْأُخْرَى ضرار بن عَمْرو، عَن أبي رَافع، عَن أبي هُرَيْرَة، روى عَنهُ / عبد الْعَزِيز بن مُسلم.
فَالله أعلم أَن كَانَا اثْنَيْنِ كَمَا جَعلهمَا البُخَارِيّ، أَو وَاحِدًا كَمَا جعله(3/161)
أَبُو حَاتِم، وَأي ذَلِك كَانَ، فحاله، أَو حَالهمَا لَا تعرف، وَلَا يَنْبَغِي أَن يحمل عَلَيْهِ وَحده فِي هَذَا الحَدِيث.
وَقد ذكر ابْن سنجر الحَدِيث الْمَذْكُور كَمَا ذكره الْعقيلِيّ، من رِوَايَة مُحَمَّد ابْن طَلْحَة الْمَذْكُور، عَن الحكم أبي عَمْرو الْمَذْكُور، عَن ضرار، عَن أبي عبد الله الشَّامي، عَن تَمِيم الدَّارِيّ، وَلَفظه كلفظه.
(871) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن أبي المهزم عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من اتبع جَنَازَة وَحملهَا ثَلَاث مَرَّات، فقد قضى مَا عَلَيْهِ من حَقّهَا ".
ثمَّ قَالَ: أَبُو المهزم: اسْمه يزِيد بن سُفْيَان، وَهُوَ ضَعِيف.
هَكَذَا من غير مزِيد، وَهُوَ فِيهِ تَابع لمخرجه أبي عِيسَى.
قَالَ أَبُو عِيسَى: حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار، قَالَ: حَدثنَا روح بن عبَادَة، حَدثنَا عباد بن مَنْصُور، قَالَ: سَمِعت أَبَا المهزم قَالَ: صَحِبت أَبَا هُرَيْرَة عشر سِنِين، فَسَمعته يَقُول: / سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول، فَذكره.
قَالَ: هَذَا حَدِيث غَرِيب، وَرَوَاهُ بَعضهم بِهَذَا الْإِسْنَاد وَلم يرفعهُ، وَأَبُو المهزم، اسْمه يزِيد بن سُفْيَان، وَضَعفه شُعْبَة.
فَهَذَا نَص مَا أتبعه التِّرْمِذِيّ، وَهُوَ قد أعرض مِنْهُ عَن قَوْله: " رَوَاهُ بَعضهم وَلم يرفعهُ " وَهُوَ دائبا يعل بِهِ الْأَحَادِيث، وَظن أَن التِّرْمِذِيّ اعْتمد فِي تَضْعِيفه أَبَا المهزم، وَضَعفه، فَتَبِعَهُ فِي ذَلِك.(3/162)
وَالتِّرْمِذِيّ إِنَّمَا تشاغل بالكنية يسميها، ثمَّ ذكر ضعفه، وَعباد بن مَنْصُور عِنْده ضَعِيف وبارز الِاسْم.
فَأَبُو مُحَمَّد حِين طوى ذكره، تعين الدَّرك عَلَيْهِ.
وَقد ذكرُوا من أَمر عباد بن مَنْصُور التَّدْلِيس، ونكارة الحَدِيث، وَالْقَوْل بِالْقدرِ، وَالدُّعَاء إِلَيْهِ.
قَالَ أَبُو حَاتِم البستي: " كَانَ قدريا دَاعِيَة إِلَى الْقدر ".
وَقَالَ فِيهِ ابْن معِين: " لَيْسَ بِشَيْء ".
وَعنهُ فِي رِوَايَة أُخْرَى " أَنه ثِقَة، لَا يَنْبَغِي أَن يتْرك حَدِيثه لرأي أَخطَأ فِيهِ ".
وَهَذَا خطأ من ابْن معِين، إِلَّا أَن لَا يكون علمه دَاعِيَة، فَإِنَّهُم إِنَّمَا اخْتلفُوا فِيمَن يَقُول بِرَأْي فَاسد وَلَا يَدْعُو إِلَيْهِ، أما إِذا كَانَ دَاعِيَة، فالثقة بِهِ سَاقِطَة، وَرِوَايَته مَرْدُودَة عِنْد جَمِيعهم.
وَقَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ: قلت ليحيى بن سعيد: عباد بن مَنْصُور تغير؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، إِلَّا أَنه حِين رَأَيْنَاهُ كَانَ لَا يحفظ.
وَسَيَأْتِي بَيَان مَا عمل بِهِ أَبُو مُحَمَّد فِي أَحَادِيث عباد هَذَا، فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي سكت عَنْهَا، وَهِي ضَعِيفَة - إِن شَاءَ الله تَعَالَى -.
وَأما أَبُو المهزم، فَقَالَ شُعْبَة: " كتبت عَنهُ مائَة حَدِيث، مَا حدثت عَنهُ(3/163)
بِشَيْء مِنْهَا ".
وَقَالَ البُخَارِيّ: " تَركه شُعْبَة ".
وَقَالَ شُعْبَة: كَانَ مطروحا فِي مَسْجِد ثَابت الْبنانِيّ، لَو أعطَاهُ رجل فلسين حَدثهُ خمسين حَدِيثا.
وَقَالَ مُسلم بن إِبْرَاهِيم: سَمِعت شُعْبَة يَقُول: رَأَيْت أَبَا المهزم فِي الْمَسْجِد، لَو يعْطى درهما وضع حَدِيثا.
هَذَا أشنع مَا لَهُم، فَإِنَّهُ اتهام بِالْوَضْعِ، وَلم يحدث عَنهُ يحيى، وَعبد الرَّحْمَن بِشَيْء.
وَقَالَ أَبُو أَحْمد: عَامَّة مَا يروي / يُنكر عَلَيْهِ.
وَذكر من ذَلِك جملَة، مِنْهَا هَذَا الحَدِيث.
وَسُئِلَ عَنهُ ابْن حَنْبَل فَقَالَ: مَا أقرب حَدِيثه.
(872) وَذكر من طَرِيق الْعقيلِيّ حَدِيث أبي هُرَيْرَة: " أميران وليسا بأميرين ".(3/164)
وَأعله بِعَمْرو بن عبد الْجَبَّار.
وَلم يبين أَن فِي إِسْنَاده دَاوُد بن إِبْرَاهِيم وَصدقَة بن عبيد، وَكِلَاهُمَا لَا تعرف أحوالهما.
وَقد كتبت الحَدِيث بِإِسْنَادِهِ، فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها وَلم يبين عللها، تَابعا لحَدِيث جَابر.
وَقد ذكر مسلمة بن قَاسم، دَاوُد بن إِبْرَاهِيم هَذَا، وَقَالَ /: هُوَ أَبُو شيبَة دَاوُد بن إِبْرَاهِيم بن دَاوُد بن يزِيد الْفَارِسِي، توفّي بِمصْر يَوْم السبت، لعشرين لَيْلَة خلت من رَمَضَان، سنة عشر وثلاثمائة وَلم يذكر لَهُ حَالا، وَعنهُ يروي الْعقيلِيّ هَذَا الحَدِيث.
(873) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد حَدِيث: " الصَّائِم فِي عبَادَة مَا لم يغتب ".
وَقَالَ: إِنَّه يرويهِ عبد الرَّحِيم بن هَارُون، وَضَعفه بِهِ.
وَلم يبين أَن فِي الْإِسْنَاد الْحسن بن مَنْصُور، وَهُوَ غير مَعْرُوف الْحَال.
قَالَ أَبُو أَحْمد: حَدثنَا الْقَاسِم بن زَكَرِيَّاء، حَدثنَا الْحُسَيْن بن مَنْصُور،(3/165)
حَدثنَا عبد الرَّحِيم بن هَارُون، أَبُو هِشَام الغساني، حَدثنَا هِشَام بن حسان، عَن مُحَمَّد، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الصَّائِم فِي عبَادَة مَا لم يغتب ".
لم أجد للحسين بن مَنْصُور هَذَا ذكرا.
(874) وَذكر من طَرِيق أبي مُحَمَّد بن حزم، من رِوَايَة ابْن عَبَّاس، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كَانَ يصبح وَلم يجمع الصَّوْم، فيبدو لَهُ فيصوم ".
ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده ضَعِيف جدا، فِيهِ عمر بن هَارُون، عَن يَعْقُوب بن عَطاء.
وَعبد الْبَاقِي أَيْضا تَركه أَصْحَاب الحَدِيث، وَكَانَ قد اخْتَلَط عقله قبل مَوته بِسنة.
هَذَا كَمَا ذكر، وَلكنه ترك دون عمر بن هَارُون من لَا يعرف أصلا، وَهُوَ مُسلم بن عبد الرَّحْمَن الْبَلْخِي السّلمِيّ، يرويهِ عبد الْبَاقِي عَنهُ، عَن عمر بن هَارُون - وَهُوَ مَتْرُوك -، عَن يَعْقُوب بن عَطاء - وَهُوَ ضَعِيف - عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس.(3/166)
(875) وَذكر من حَدِيث يعلى بن أُميَّة: " احتكار الطَّعَام فِي الْحرم إلحاد فِيهِ /.
وأبرز من إِسْنَاده مُوسَى بن باذان، وَترك عمَارَة بن ثَوْبَان، ودونه ابْن أَخِيه جَعْفَر بن يحيى بن ثَوْبَان، وَالثَّلَاثَة مَجْهُولُونَ.
(876) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن الْحَارِث بن قيس، قَالَ: أسلمت وَعِنْدِي ثَمَانِي نسْوَة. الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: الصَّوَاب: قيس بن الْحَارِث، فِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن(3/167)
ابْن أبي ليلى، وَهُوَ ضَعِيف، تَركه البُخَارِيّ. انْتهى كَلَامه.
وَقد ترك من الحَدِيث مَا من أَجله فِي غَايَة الضعْف، وَلَو كَانَ ابْن أبي ليلى ثِقَة، وَهُوَ حميضة بن الشمرذل، فَإِن إِسْنَاده عِنْد أبي دَاوُد هَكَذَا: حَدثنَا مُسَدّد، قَالَ: حَدثنَا هشيم.
وَحدثنَا وهب بن بَقِيَّة قَالَ: حَدثنَا هشيم، عَن ابْن أبي ليلى، عَن حميضة ابْن الشمرذل، عَن الْحَارِث بن قيس - قَالَ مُسَدّد: ابْن عميرَة، وَقَالَ وهب: الْأَسدي - قَالَ: أسلمت وَعِنْدِي ثَمَانِي نسْوَة، وَذكرت ذَلِك للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: " اختر مِنْهُنَّ أَرْبعا ".
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا بِهِ أَحْمد بن إِبْرَاهِيم، قَالَ: حَدثنَا هشيم فَقَالَ: قيس ابْن الْحَارِث - مَكَان الْحَارِث بن قيس - قَالَ أَحْمد بن إِبْرَاهِيم: هُوَ الصَّوَاب - يَعْنِي قيس بن الْحَارِث -.
حَدثنَا أَحْمد بن إِبْرَاهِيم، حَدثنَا بكر بن عبد الرَّحْمَن، قَاضِي الْكُوفَة، عَن عِيسَى بن الْمُخْتَار، عَن ابْن أبي ليلى، عَن حميضة بن الشمرذل، عَن قيس ابْن الْحَارِث بِمَعْنَاهُ.
هَذَا جَمِيع مَا ذكر أَبُو دَاوُد، وَالْمَقْصُود بَيَانه، هُوَ أَن أَبَا مُحَمَّد أعل الحَدِيث بِابْن أبي ليلى - وَهُوَ من الْفِقْه وَالْعلم بمَكَان، على سوء حفظه وتغيره بِولَايَة الْقَضَاء - وَترك إعلاله بحميضة بن الشمرذل، وَبَيَان كَونه من رِوَايَته، وَهُوَ لَا يعرف إِلَّا بحديثين أَو ثَلَاثَة، يَرْوِيهَا عَنهُ ابْن أبي ليلى، وَلَا تعرف لَهُ حَال.(3/168)
وَقَالَ البُخَارِيّ: فِيهِ نظر.
وَقد ضعف ابْن السكن حَدِيثه هَذَا.
(877) وَلِهَذَا الحَدِيث إِسْنَاد آخر لَا يَصح أَيْضا، ذكره ابْن السكن وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَلَا معنى للإطاله بِهِ.
(878) وَذكر حَدِيث أنس فِي " النَّهْي عَن أَن تسترضع الحمقاء ".
وَضَعفه بِعَمْرو بن خليف.
وَترك دونه مُحَمَّد بن مخلد الرعيني، وفوقه نعيم بن سَالم، وَكِلَاهُمَا / لَا تعرف حَاله.
وَقد ذكرنَا هَذَا الحَدِيث فِيمَا تقدم: فِي بَاب الْأَحَادِيث / الَّتِي لم يعلها بسوى الْإِرْسَال.
(879) وَذكر من طَرِيق الْعقيلِيّ، حَدِيث عَائِشَة عَن معَاذ " فِي النثار ".
وَقَالَ: فِي إِسْنَاده بشر بن إِبْرَاهِيم الْأنْصَارِيّ وَهُوَ ضَعِيف.
وَلم يبين أَن فِي إِسْنَاده من لَا يعرف، وَهُوَ الْقَاسِم بن عمر الْعَتكِي.(3/169)
قَالَ الْعقيلِيّ: حَدثنَا أَزْهَر بن زفر الْحَضْرَمِيّ، قَالَ: حَدثنَا الْقَاسِم بن عمر الْعَتكِي، قَالَ: حَدثنَا بشر بن إِبْرَاهِيم الْأنْصَارِيّ، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن مَكْحُول، عَن عُرْوَة بن الزبير، عَن عَائِشَة قَالَت: حَدثنِي معَاذ بن جبل " أَنه شهد ملاك رجل من الْأَنْصَار، مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَخَطب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وأنكح الْأنْصَارِيّ، وَقَالَ: " على الألفة وَالْخَيْر، وَالطير الميمون، دففوا على رَأس صَاحبكُم ".
فدفف على رَأسه، وَأَقْبَلت السلال، فِيهَا الْفَاكِهَة وَالسكر، فنثر عَلَيْهِم، وَأمْسك الْقَوْم فَلم ينْتَهوا، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا أزين الْحلم! ! أَلا تنتهبون؟ " فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، إِنَّك نَهَيْتنَا عَن النهبة يَوْم كَذَا وَكَذَا، قَالَ: " إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ عَن نهبة العساكر، وَلم أنهكم عَن نهبة الولائم، فانتهبوا ".
قَالَ معَاذ بن جبل: فوَاللَّه لقد رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يجررنا ونجرره فِي ذَلِك النهاب ".
قَالَ الْعقيلِيّ: بشر بن إِبْرَاهِيم روى عَن الْأَوْزَاعِيّ أَحَادِيث مَوْضُوعَة، فَذكر مِنْهَا حَدِيثا، وَهَذَا بعده.
وَالقَاسِم بن عمر هَذَا لم أجد لَهُ ذكرا.
(880) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ عَن معَاذ، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَا أحل الله شَيْئا أبْغض إِلَيْهِ من الطَّلَاق " الحَدِيث.(3/170)
ورده بِأَن قَالَ: حميد بن مَالك ضَعِيف.
وَترك فِي الْإِسْنَاد من لَا يعرف.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا عُثْمَان بن أَحْمد الدقاق، حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن سِنِين حَدثنَا عمر بن إِبْرَاهِيم بن خَالِد، حَدثنَا حميد بن مَالك اللَّخْمِيّ، حَدثنَا مَكْحُول، عَن مَالك بن يخَامر، عَن معَاذ. فَذكره.
عمر بن إِبْرَاهِيم بن خَالِد هَذَا لَا يعرف، وَقد ذكر / ابْن أبي حَاتِم عمر بن إِبْرَاهِيم بن خَالِد الْهَاشِمِي، الْقرشِي، يروي عَن عِيسَى بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس، وَعبد الْملك بن عُمَيْر، روى عَنهُ أَحْمد بن مُصعب الْمروزِي وَهُوَ أَيْضا غير مَعْرُوف الْحَال، وَلَا أَدْرِي أهوَ هَذَا أم لَا؟
وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن سِنِين مَجْهُول الْحَال.
(881) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن ابْن عمر، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذا كَانَت الْأمة تَحت الرجل، فَطلقهَا تَطْلِيقَتَيْنِ ثمَّ اشْتَرَاهَا، لم تحل لَهُ حَتَّى تنْكح زوجا غَيره ".
ورده بِأَن قَالَ: فِي إِسْنَاده مُسلم بن سَالم.(3/171)
وَبينا فِي بَاب الْأَسْمَاء الْمُغيرَة أَنه سلم لَا مُسلم.
وَبَقِي عَلَيْهِ أَن يبين أَن هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة من لَا يعرف.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا أَحْمد بن حُسَيْن، أَبُو حَامِد الْهَمدَانِي، حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن عمر المنكدري، حَدثنَا أَبُو حنيفَة: مُحَمَّد بن رَبَاح بن يُوسُف الْجوزجَاني، وَمُحَمّد بن صَالح بن سهل، قَالَا: حَدثنَا صَالح بن عبد الله التِّرْمِذِيّ، حَدثنَا سلم بن سَالم، عَن ابْن جريج، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، فَذكره.
سلم بن سَالم، مرجىء، مَتْرُوك الحَدِيث، وَصَالح بن عبد الله التِّرْمِذِيّ صَدُوق، والمنكدري، وَأَبُو حنيفَة، وَمُحَمّد بن صَالح، كلهم لَا تعرف أَحْوَالهم.
(882) وَذكر من طَرِيقه عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من اشْترى شَيْئا لم يره فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِذا رَآهُ ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا يرويهِ عمر بن إِبْرَاهِيم الْكرْدِي، وَكَانَ يضع الحَدِيث. انْتهى مَا ذكره.
وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَلَكِن بَقِي عَلَيْهِ أَن يبين أَنه يرويهِ عَن عمر الْمَذْكُور، داهر ابْن نوح، وَهُوَ لَا يعرف / وَلَعَلَّ الْجِنَايَة مِنْهُ.(3/172)
(883) وَذكر حَدِيث: " النَّهْي عَن بيع السِّلَاح فِي الْفِتْنَة " من طَرِيق أبي أَحْمد.
وَأتبعهُ القَوْل فِي مُحَمَّد بن مُصعب القرقساني، كَأَنَّهُ لَا عيب لَهُ سواهُ، وَترك رَاوِيه عَنهُ لم يبرزه، وَهُوَ عُثْمَان بن يحيى إِمَام مَسْجِد قرقيساء، فَإِنَّهُ أَيْضا لَا تعرف حَاله.
(884) وَذكر حَدِيث أبي سعيد: " من أسلم فِي شَيْء فَلَا يصرفهُ إِلَى غَيره ".
وَضَعفه بعطية الْعَوْفِيّ.
وَلم / يبين أَن دونه سعد الطَّائِي، أَبَا الْمُجَاهِد، وَلَا تعرف حَاله، وَقد روى عَنهُ جمَاعَة.
(885) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن ابْن عمر [قَالَ] : قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا مَاتَ الرجل وَله دين إِلَى أجل وَعَلِيهِ دين إِلَى أجل " الحَدِيث.(3/173)
ثمَّ رده بِأَن قَالَ: فِي إِسْنَاده أَبُو حَمْزَة، عَن جَابر بن يزِيد، ضَعِيف عَن مَتْرُوك. انْتهى كَلَامه.
وَفِيه مجازفة نبينها بعد الْفَرَاغ من مَقْصُود الْبَاب، وَهُوَ أَن دون هذَيْن من لَا يعرف.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا أَحْمد بن إِبْرَاهِيم بن أبي قَتَادَة الْمُقْرِئ، حَدثنَا عِيسَى بن مُحَمَّد بن عِيسَى الْمروزِي، حَدثنَا عمر بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن، حَدثنَا أبي، حَدثنَا عِيسَى بن مُوسَى، حَدثنَا أَبُو حَمْزَة، عَن جَابر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، فَذكره.
فعيسى بن مُحَمَّد، وَعمر بن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن، وَأَبُو مُحَمَّد بن الْحُسَيْن، كلهم مَجْهُول الْحَال.
فَأَما عِيسَى بن مُوسَى، فَهُوَ غُنْجَار، أَبُو أَحْمد الْأَزْرَق.
وَقد عد أَبُو حَاتِم فِي الروَاة عَنهُ، مُحَمَّد بن الْحُسَيْن البُخَارِيّ، وَلَعَلَّه هَذَا الَّذِي فِي هَذَا الْإِسْنَاد، وَلم يترجم باسمه فِي بَاب مُحَمَّد والحاء من أَسمَاء الْآبَاء.
فَلَو لم يكن فِي الحَدِيث جَابر الْجعْفِيّ، مَا صَحَّ من أجل هَؤُلَاءِ، بل من أجل أحدهم، لَا سِيمَا فِي حق من بحث عَنْهُم وباحث، فَلم يعرفهُمْ وَلَا عرف بهم.
وَإِلَى هَذَا فَإِن قَوْله: " أَبُو حَمْزَة ضَعِيف " مجازفة، وَذَلِكَ أَنه ظَنّه أَبَا حَمْزَة ميمونا القصاب، فَهُوَ ضَعِيف كَمَا ذكر.(3/174)
وَقد مر لَهُ ذكره فِي حَدِيث:
(886) " إِن فِي المَال حَقًا سوى الزَّكَاة ".
وَهَذَا الظَّن خطأ، وَمَا أَبُو حَمْزَة الْمَذْكُور إِلَّا السكرِي واسْمه مُحَمَّد بن مَيْمُون، وَهُوَ ثِقَة، وَثَّقَهُ ابْن معِين، وَقَالَ فِيهِ ابْن الْمُبَارك: صَحِيح الْكتب.
وَلَا يعرف لغَيْرِهِمَا فِيهِ تَضْعِيف.
والغنجار مَعْدُود فِي الروَاة عَنهُ، وَهُوَ مَعْدُود فِيمَن يروي عَن جَابر الْجعْفِيّ.
وَلأَجل أَن هَذَا لم يُصَرح بِهِ، لم نَكْتُبهُ فِي بَاب الرِّجَال الَّذين أَخطَأ فِي التعريفات بهم، وَإِنَّمَا ظنناه عَلَيْهِ، لقَوْله فِيهِ: " ضَعِيف " فبذلك عرفنَا أَنه اعْتقد فِيهِ أَنه القصاب، فَإِن السكرِي عِنْده ثِقَة، قد قبل / من رِوَايَته أَحَادِيث.
(887) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث سعد بن أبي وَقاص: " كُنَّا نكرِي الأَرْض بِمَا على السواقي، من الزَّرْع، وَمَا سعد بِالْمَاءِ مِنْهَا، فنهاني رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الحَدِيث.(3/175)
وَأعله بِمُحَمد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَبِيبَة - وَيُقَال: ابْن لَبِيبَة - وَترك دونه من لَا يعرف، وَهُوَ مُحَمَّد بن عِكْرِمَة بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام، يرويهِ عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَبِيبَة، ذكره عَنهُ إِبْرَاهِيم بن سعد.
وَقد ذكره الْبَزَّار من رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن سعد، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن ابْن أبي لَبِيبَة، أسقط من بَينهمَا مُحَمَّد بن عِكْرِمَة.
وَهُوَ هَكَذَا مُنْقَطع، وَلَا بُد فِي اتِّصَاله مِنْهُ، وَهُوَ مَجْهُول الْحَال، فَاعْلَم ذَلِك.
(888) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من بنى فِي رباع قوم بإذنهم، فَلهُ الْقيمَة، وَمن بنى بِغَيْر إذْنهمْ، فَلهُ النَّقْض ".
ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاد عمر بن قيس، يعرف بسندل، وَهُوَ مَتْرُوك.
لم يزدْ على هَذَا، وَترك فِي إِسْنَاده من لَا يعرف.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا مُوسَى بن جَعْفَر بن قرين العثماني / حَدثنَا مُحَمَّد ابْن فضَالة، حَدثنَا كثير بن أبي صابر، حَدثنَا عَطاء بن مُسلم، عَن عمر بن قيس، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة، فَذَكرته.
أما عَطاء بن مُسلم فَهُوَ الْخفاف، ثِقَة، وَأما كثير بن أبي صابر فَلَا أعرفهُ،(3/176)
وَقد ذكر ابْن أبي حَاتِم كثير بن يزِيد أَبَا صابر التنوخي، روى عَن مُبشر بن إِسْمَاعِيل، وَعَطَاء بن مُسلم، وَيحيى بن سليم الطَّائِفِي، سمع مِنْهُ أَبُو حَاتِم بِقِنِّسْرِينَ وَقَالَ فِيهِ: صَدُوق.
وَالْقَضَاء على الَّذِي فِي الْإِسْنَاد بِأَنَّهُ هُوَ؛ يحْتَاج إِلَى زِيَادَة بَيَان.
والشبهة من اجْتِمَاعهمَا فِي الرِّوَايَة عَن عَطاء بن مُسلم، غير كَافِيَة:
وَالَّذِي فِي الْإِسْنَاد: كثير بن أبي صابر، وَهَذَا الَّذِي ذكر ابْن أبي حَاتِم، كثير بن يزِيد أَبُو صابر، وَمُحَمّد بن فضَالة غير مَعْرُوف الْحَال أَيْضا.
(889) وَذكر من طَرِيق الْعقيلِيّ عَن ابْن عَبَّاس، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - / قَالَ: " من أهديت لَهُ هَدِيَّة، وَمَعَهُ قوم جُلُوس، فهم شركاؤه فِيهَا ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا يرويهِ منْدَل بن عَليّ، وَعبد السَّلَام بن عبد القدوس، وهما ضعيفان، وَرَوَاهُ أَيْضا عَن عَائِشَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَفِي إِسْنَاده وضاح بن خَيْثَمَة، وَلَا يُتَابع عَلَيْهِ، انْتهى مَا ذكر.
وَقد ترك دون عبد السَّلَام نعيم بن حَمَّاد، وَقد ذَكرْنَاهُ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة وَهِي مُنْقَطِعَة، وَترك أَيْضا دون وضاح بن خَيْثَمَة من لَا يعرف.(3/177)
قَالَ الْعقيلِيّ: حَدثنَا يحيى بن عُثْمَان، حَدثنَا بكار بن مُحَمَّد بن شُعْبَة، حَدثنَا الوضاح بن خَيْثَمَة، حَدثنَا هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قَالَت: أهدي لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هَدِيَّة، وَعِنْده أَرْبَعَة نفر من أَصْحَابه، فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لجلسائه: " أَنْتُم شركائي فِيهَا، إِن الْهَدِيَّة إِذا أهديت إِلَى الرجل، وَعِنْده جُلَسَاؤُهُ، فهم شركاؤه فِيهَا ".
قَالَ: وَلَا يُتَابع عَلَيْهِ، وَلَا يَصح فِي هَذَا الْمَتْن حَدِيث. انْتهى.
وبكار بن مُحَمَّد لَا تعرف حَاله.
(890) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، حَدِيث ابْن عَبَّاس: " فِي أَن الْقَاتِل لَا يَرث ".
وَأعله بليث بن أبي سليم وَترك رجلا يُقَال لَهُ: أَبُو حمة لَا تعرف حَاله.
(891) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ من رِوَايَة الْقَاسِم بن مُحَمَّد الْعمريّ، حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يقْضِي القَاضِي إِلَّا وَهُوَ شبعان رَيَّان ".
ثمَّ قَالَ: الْقَاسِم بن مُحَمَّد هَذَا مَتْرُوك.(3/178)
هَذَا مَا ذكر، وَقد بَينا الْخَطَأ الَّذِي فِي قَوْله: " الْقَاسِم بن مُحَمَّد " فِي بَاب نِسْبَة الْأَحَادِيث إِلَى غير رواتها.
ونبين الْآن - إِن شَاءَ الله - أَنه ترك فِي الْإِسْنَاد من لَا يَصح من أَجله.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا عبد الله بن أَحْمد بن ثَابت الْبَزَّار حَدثنَا الْقَاسِم ابْن عَاصِم، حَدثنَا مُوسَى بن دَاوُد، حَدثنَا الْقَاسِم بن عبد الله الْعمريّ، عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الْأنْصَارِيّ، عَن أَبِيه، عَن أبي سعيد، فَذكره.
أشبه من / يكون عبد الله هَذَا، عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي صعصعة، فَإِنَّهُ الَّذِي يروي عَن أبي سعيد، ويروي عَنهُ ابناه: مُحَمَّد، وَعبد الرَّحْمَن وَلَكِنِّي لَا أحقق أَنه هُوَ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ فِي هَذَا الحَدِيث، إِنَّمَا يرويهِ عَن أَبِيه، عَن أبي سعيد، فَلَا أَدْرِي - لأجل ذَلِك - أَنه هُوَ، وَلَو كَانَ هُوَ لم ينفع ذَلِك فِي شَأْن أَبِيه، فَإِنَّهُ لَا يعرف لَهُ حَال، فَالْحق أَنَّهُمَا مَجْهُولَانِ.
وَأما الْقَاسِم بن عَاصِم فمجهول الْحَال، وَقد ذكر أَبُو بكر بن ثَابت الْخَطِيب فِي تَارِيخه: " الْقَاسِم بن عَاصِم الْمروزِي " نزل بَغْدَاد وَحدث بهَا، عَن يحيى بن أبي بكير وَأبي مسْهر الدِّمَشْقِي، وَقَالَ: ذكره ابْن أبي حَاتِم قَالَ: كتبت عَنهُ بِبَغْدَاد.
ثمَّ سَاق بعده الْقَاسِم بن عَاصِم أَبَا السّري الصَّائِغ، فَقَالَ: حدث عَن مُحَمَّد بن عمر الْوَاقِدِيّ، وَعلي بن عَيَّاش الْحِمصِي، وحنيفة بن مَرْزُوق،(3/179)
ومُوسَى بن دَاوُد، روى عَنهُ ابْن مخلد، وَعبد الله بن يزِيد الدقيقي / وَعبد الله ابْن أَحْمد بن ثَابت الْبَزَّار، قَالَ: وأخاف أَن يكون شيخ ابْن أبي حَاتِم، فَالله أعلم. انْتهى كَلَام الْخَطِيب.
وَقد تبين بِهَذَا الذّكر الَّذِي ذكره [بِهِ] أَنه الَّذِي فِي الْإِسْنَاد الْمَذْكُور، وحاله - كَمَا ترى - غير مَعْرُوفَة، فَاعْلَم ذَلِك.
(892) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن عبد الله بن عَمْرو بن هِلَال(3/180)
الْمُزنِيّ: " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن كسر سكَّة الْمُسلمين " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: فِيهِ مُحَمَّد بن فضاء، وَهُوَ عِنْدهم ضَعِيف جدا. انْتهى مَا ذكر.
وَقد ترك أَن يذكر وَالِده فضاء بن خَالِد الْجَهْضَمِي، فَإِن حَاله مَجْهُول وَلَا يعرف بِغَيْر هَذَا.
قَالَ أَبُو حَاتِم البستي - فِي عبد الله الْمُزنِيّ هَذَا -: " لم يَصح إِسْنَاد حَدِيثه ".
(893) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد من حَدِيث معَاذ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تجوز شَهَادَة نخاس، من استقالنا شَهَادَته أقلناه ".
ثمَّ رده بعمر بن عَمْرو الطَّحَّان الْعَسْقَلَانِي.
وَبَقِي عَلَيْهِ أَن يُنَبه على رَاوِيه عَنهُ فَإِنَّهُ مَجْهُول لَا يعرف الْبَتَّةَ.
قَالَ أَبُو أَحْمد: حَدثنَا أَحْمد بن / حَمَّاد بن عبد الله، الرقي، حَدثنَا زَكَرِيَّاء بن الحكم، حَدثنَا عمر بن عَمْرو الْعَسْقَلَانِي، حَدثنَا أَبُو فَاطِمَة الْكُوفِي، عَن ثَوْر بن يزِيد عَن خَالِد بن معدان، عَن معَاذ، فَذكره.(3/181)
(894) وَأورد أَيْضا عَن أبي فَاطِمَة هَذَا حَدِيثا آخر، وَقَالَ فِيهِ: أَبُو فَاطِمَة النَّخعِيّ.
ثمَّ قَالَ أَبُو أَحْمد: أَبُو فَاطِمَة هَذَا لَا يعرف، وَعمر بن عَمْرو، عَامَّة مَا يرويهِ مَوْضُوع.
(895) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث الزَّبِيب فِي " إِسْلَام بلعنبر، وَالْقَضَاء بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِد ".
ورده بِأَن قَالَ: عمار بن شعيث لَا يحْتَج بحَديثه.
وَصدق، وَلكنه بَقِي عَلَيْهِ أَن يُنَبه على أَبِيه شعيث بن عبيد الله، فَعَنْهُ يرويهِ، وَهُوَ أَيْضا مَجْهُول، وَقد نَص على ذَلِك أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ.
(896) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِن الْوَلَاء لَيْسَ بمتنقل وَلَا متحول ".(3/182)
ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده الْمُغيرَة بن جميل وَهُوَ مَجْهُول.
وَترك فَوْقه من لَا يعرف حَاله، قَالَ الْبَزَّار: حَدثنَا عبد الله بن سعيد، قَالَ: حَدثنَا الْمُغيرَة بن جميل، قَالَ: حَدثنَا سُلَيْمَان بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس، قَالَ: أَخْبرنِي أبي، عَن جدي عبد الله بن عَبَّاس رَفعه. فَذكره.
وَقَالَ: وَهَذَا الحَدِيث لَا نعلمهُ يرْوى عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا من هَذَا الْوَجْه بِهَذَا الْإِسْنَاد، والمغيرة بن جميل لَيْسَ بِمَعْرُوف فِي الحَدِيث. انْتهى قَول الْبَزَّار.
فَأَقُول: سُلَيْمَان بن عَليّ - فِي بَيته وشرفه فِي قومه - غير مَعْرُوف الْحَال فِي الحَدِيث.
(897) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن فضَالة بن عبيد، قَالَ: " أُتِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بسارق، فَقطعت يَده، ثمَّ أَمر بهَا فعلقت فِي عُنُقه ".
ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده حجاج بن أَرْطَأَة.
لم يزدْ على هَذَا، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ حجاج بن أَرْطَأَة، عَن مَكْحُول، عَن عبد الرَّحْمَن بن محيريز [قَالَ: سَأَلنَا فضَالة بن عبيد، فَذكره.(3/183)
وَعبد الرَّحْمَن بن محيريز، قَالَ التِّرْمِذِيّ: إِنَّه أَخُو عبد الله بن محيريز] وَهُوَ شَامي، وَلم يعرف بِشَيْء من حَاله، وَهِي لَا تعرف، وَلم يذكرهُ البُخَارِيّ وَلَا ابْن أبي حَاتِم.
(898) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن حَنش، قَالَ: رَأَيْت عليا يُضحي بكبش، فَقلت: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: إِن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - /: " أَوْصَانِي أَن أضحي عَنهُ، فَأَنا أضحي عَنهُ ".
ثمَّ قَالَ: حَنش هَذَا لَا يحْتَج بحَديثه. انْتهى مَا ذكر.
وَهُوَ حَدِيث يرويهِ شريك عَن أبي الْحَسْنَاء، عَن الحكم، عَن حَنش.
وَأَبُو الْحَسْنَاء هَذَا، اسْمه الْحسن وَلَا تعرف لَهُ حَال.
فَأَما شريك، فقد تقدم / القَوْل فِيهِ.
(899) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن عَائِشَة قَالَت: " كنت آخذ قَبْضَة من تمر، وقبضة من زبيب، فألقيه فِي إِنَاء فأمرسه ثمَّ أسقيه النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ".
ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده أَبُو بَحر البكراوي، وَهُوَ ضَعِيف عِنْدهم.(3/184)
وَله فِيهِ إِسْنَاد آخر، وَالصَّحِيح النَّهْي كَمَا ذكر مُسلم. انْتهى مَا ذكر.
أما الْإِسْنَاد الأول الَّذِي أعله بِأبي بَحر البكراوي، فَإِنَّهُ قد ترك فِيهِ من لَا يَصح مَعَه، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يرويهِ أَبُو بَحر، عَن عتاب بن عبد الْعَزِيز الْحمانِي قَالَ: حَدَّثتنِي صَفِيَّة بنت عَطِيَّة، عَن عَائِشَة.
وَصفِيَّة هَذِه لَا تعرف.
وعتاب بن عبد الْعَزِيز بَصرِي، روى عَنهُ يزِيد بن هَارُون، وَعلي بن نصر، وَلَا تعرف أَيْضا حَاله.
وَأما الْإِسْنَاد الآخر لهَذَا الْمَعْنى، فنذكره - إِن شَاءَ الله تَعَالَى - فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها وَلم يبين عللها.
وَقد فَرغْنَا من ذكر الْقسم الأول من هَذَا الْبَاب، وه الْأَحَادِيث الَّتِي أعلها بِقوم وَترك من تعلل بِهِ أَيْضا لم يُنَبه عَلَيْهِ، وَلم يذكر من أسانيدها غير من نبه عَلَيْهِ.
وَنَذْكُر الْآن إِن شَاءَ الله الْقسم الثَّانِي، وَهِي الْأَحَادِيث الَّتِي اقتطع من أسانيدها قطعا، نبه على ضعف الحَدِيث بِذكر رجل أَو أَكثر مِمَّن فِيهَا، أَو مِمَّن فِيمَا ترك من الْأَسَانِيد، وَقد قُلْنَا: إِنَّه إِذا ضعفه بِبَعْض من فِي الْقطعَة الَّتِي ترك، وَترك فِي الْقطعَة الَّتِي ذكر من يعتل بِهِ وَلم يُنَبه عَلَيْهِ، فَهُوَ فِي هَذَا أعذر.
وَإِنَّمَا كَانَ فِي هَذَا أعذر لِأَنَّهُ لم يطو ذكر هَذَا الَّذِي يعتل بِهِ أَيْضا، بل أبرزه وَعرضه لنظر الْمطَالع، ويعارض هَذَا مَا فِيهِ من مسالمته لَهُ، الْمُؤَكّدَة بِالْقَصْدِ إِلَى(3/185)
غَيره، وَذَلِكَ يُوهم أَنه لَا نظر فِيهِ.
وَإِمَّا إِذا كَانَ من / ترك التَّنْبِيه عَلَيْهِ فِي الْقطعَة الَّتِي لم يذكر، فسوء الصَّنِيع فِي ذَلِك أبين، من حَيْثُ يُمكن أَن تكون الْجِنَايَة من ذَلِك الضَّعِيف أَو الْمَجْهُول، الَّذِي قبل من ضعف هُوَ بِهِ الْخَبَر.
فلتقع الْبِدَايَة بِهَذَا الْقسم، وهم إِمَّا ضعفاء وَإِمَّا مَجْهُولُونَ.
(900) فَمن ذَلِك أَنه ذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، من رِوَايَة سُلَيْمَان بن أَرقم، عَن الْحسن، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا تَوَضَّأ أحدكُم فَلَا يغسل أَسْفَل رجلَيْهِ بِيَدِهِ الْيُمْنَى ".
ثمَّ قَالَ: سُلَيْمَان بن أَرقم مَتْرُوك، وَلم يَصح سَماع الْحسن من أبي هُرَيْرَة. انْتهى مَا ذكر.
وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَلكنه (بتوجه قَصده إِلَى هَذِه الْقطعَة من إِسْنَاده) يُوهم أَن مَا ترك مِنْهُ لَا نظر فِيهِ، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل فِيمَا طوى ذكره من يتهم، مِمَّن لَعَلَّ الْجِنَايَة فِيهِ مِنْهُ.
قَالَ أَبُو أَحْمد: حَدثنَا أَحْمد بن مُوسَى الحنيني، الْجِرْجَانِيّ، حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم السالحيني، حَدثنَا مُحَمَّد بن الْقَاسِم، أَبُو إِبْرَاهِيم الْأَسدي، حَدثنَا سُلَيْمَان بن أَرقم، فَذكره بِإِسْنَادِهِ وَمَتنه.
مُحَمَّد بن الْقَاسِم هَذَا، هُوَ أَبُو إِبْرَاهِيم الْأَسدي الْكُوفِي.
قَالَ البُخَارِيّ: كذبه أَحْمد بن حَنْبَل.(3/186)
وَقَالَ عبد الله بن أَحْمد عَن أَبِيه: أَحَادِيثه مَوْضُوعَة لَيْسَ بِشَيْء.
[وَحكى السَّاجِي عَن أَحْمد أَنه قَالَ: لَا يكْتب حَدِيثه، أَحَادِيثه مَوْضُوعَة، لَيْسَ بِشَيْء] .
وَكَذَا حكى الْعقيلِيّ عَنهُ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم البستي: يروي عَن الثِّقَات مَا لم يحدثوا بِهِ، كَانَ أَحْمد يكذبهُ.
فَأَما ابْن معِين، فَعَنْهُ أَنه كَانَ لَا يرضاه لِغَفْلَتِه.
وَحكى ابْن أبي خَيْثَمَة عَنهُ، أَنه وَثَّقَهُ.
وَلَيْسَ ذَلِك بِشَيْء /.
وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا حَاله بِأَحْسَن من حَال سُلَيْمَان بن أَرقم، فَمَا باله يلوم سُلَيْمَان، وَلَعَلَّه مِنْهُ بَرِيء؟
(901) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن خَارِجَة بن عبد الله بن سُلَيْمَان ابْن زيد بن ثَابت، عَن دَاوُد بن حُصَيْن، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: " أصَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَو جلده - بَوْل صبي " الحَدِيث.(3/187)
ورده بِأَن قَالَ: خَارِجَة ضَعِيف.
وَهُوَ كَمَا ذكر، وَلكنه قد قيل فِيهِ غير ذَلِك.
قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: حَدِيثه صَالح.
وَقد ترك دونه من لَا ريب فِي ضعفه، بل هُوَ مُتَّهم، وَهُوَ الْوَاقِدِيّ، وَقد تعمقوا / فِي رميه بِالْكَذِبِ، حَتَّى قَالَ بَعضهم: الكذابون على رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَرْبَعَة، الْوَاقِدِيّ أحدهم.
فالعجب لأبي مُحَمَّد، يعل الحَدِيث بخارجة، وَيتْرك الْوَاقِدِيّ لَا يُنَبه على كَون الحَدِيث من رِوَايَته.
(902) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن الْبَراء، حَدِيث: " لَا بَأْس ببول مَا أكل لَحْمه ".
من رِوَايَة سوار بن مُصعب، عَن مطرف بن طريف، عَن أبي الجهم عَن الْبَراء.
ثمَّ قَالَ: خَالفه يحيى بن الْعَلَاء؛ فَرَوَاهُ عَن مطرف، عَن محَارب بن دثار، عَن جَابر.
وسوار مَتْرُوك، وَيحيى بن الْعَلَاء [ضَعِيف.(3/188)
كَذَا قَالَ: وَهُوَ كَمَا ذكر، وَلَكِن بَقِي عَلَيْهِ أَن يبين أَن حَدِيث] يحيى بن الْعَلَاء، لم يصل إِلَيْهِ إِلَّا من طَرِيق مَتْرُوك، يرويهِ عَنهُ، وَهُوَ عَمْرو بن الْحصين.
وَقد نبه الدَّارَقُطْنِيّ [حِين ذكره] على أَنه مَتْرُوك، فَترك ذَلِك أَبُو مُحَمَّد، وَذَلِكَ غير منبغ؛ لاحْتِمَال أَن تكون الْجِنَايَة مِنْهُ.
(903) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، عَن الْعَلَاء بن كثير، قَالَ: حَدثنَا مَكْحُول، عَن وَاثِلَة وَأبي الدَّرْدَاء وَأبي أُمَامَة، قَالُوا: سمعنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " جَنبُوا مَسَاجِدكُمْ صِبْيَانكُمْ " الحَدِيث.
ثمَّ رده بِأَن قَالَ: الْعَلَاء بن كثير هُوَ الدِّمَشْقِي، مولى بني أُميَّة، ضَعِيف عِنْدهم.
هَذَا نَص مَا أتبعه، وَهُوَ كَمَا ذكر، وَلَكِن لَا معنى للْحَمْل فِيهِ على الْعَلَاء بن كثير، ودونه من هُوَ مُتَّهم بِالْكَذِبِ، فَلَعَلَّ الْجِنَايَة مِنْهُ، وَإِنَّمَا يغر أَبَا مُحَمَّد فِي هَذَا، ذكر أبي أَحْمد للْحَدِيث فِي بَاب رجل كَيْفَمَا تيَسّر لَهُ، فيظن أَبُو مُحَمَّد أَن الْجِنَايَة مِنْهُ، وَيحسن ظَنّه بِغَيْرِهِ، فَيَقَع لَهُ مَا ذَكرْنَاهُ فِي هَذَا الْبَاب كُله.
وَهَذَا الحَدِيث قَالَ أَبُو أَحْمد - حِين ذكره فِي بَاب الْعَلَاء بن كثير -:(3/189)
حَدثنَا حُذَيْفَة بن الْحسن، حَدثنَا أَبُو أُسَامَة: مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم، قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن هَانِئ النَّخعِيّ، قَالَ: حَدثنَا الْعَلَاء مولى بني أُميَّة، حَدثنَا مَكْحُول، عَن وَاثِلَة، وَأبي الدَّرْدَاء، وَأبي أُمَامَة، قَالُوا: سمعنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول فَذكره.
عبد الرَّحْمَن بن هَانِئ هَذَا، هُوَ أَبُو نعيم، النَّخعِيّ، الْكُوفِي، قَالَ فِيهِ ابْن حَنْبَل: لَيْسَ بِشَيْء. وَقَالَ على بن الْحسن الهسنجاني: سَمِعت يحيى بن معِين يَقُول: بِالْكُوفَةِ كذابان: أَبُو نعيم / النَّخعِيّ، وَأَبُو نعيم: ضرار بن صرد.
وَقد ذكر أَبُو أَحْمد أَبَا نعيم هَذَا فِي بَاب يَخُصُّهُ، وَذكر لَهُ أَحَادِيث مِمَّا أنكر [عَلَيْهِ] وَقَالَ: إِن لَهُ سواهَا كَذَلِك.
فَإِذن، الْحمل فِي هَذَا الحَدِيث على الْعَلَاء بن كثير - وَهُوَ لَا يرويهِ عَنهُ إِلَّا هَذَا الْكذَّاب - ظلم لَهُ، فَاعْلَم ذَلِك.
(904) وَذكر من طَرِيق الْعقيلِيّ، من حَدِيث الْهَيْثَم بن عِقَاب، عَن محَارب بن دثار، عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من أم قوما(3/190)
وَفِيهِمْ من هُوَ أَقرَأ مِنْهُ " الحَدِيث.
ثمَّ رده بِأَن الْهَيْثَم بن عِقَاب كُوفِي مَجْهُول، وَحَدِيثه غير مَحْفُوظ.
وَهَذَا الَّذِي أتبعه من القَوْل، هُوَ قَول الْعقيلِيّ / فِيهِ لما ذكر.
وَبَقِي عَلَيْهِ أَن يبين أَنه من رِوَايَة من يُمكن أَن تكون الْجِنَايَة مِنْهُ، وَهُوَ عَليّ بن يزِيد الصدائي فقد قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: إِنَّه مُنكر الحَدِيث عَن الثِّقَات.
وَقَالَ أَبُو أَحْمد بن عدي: أَحَادِيثه لَا تشبه أَحَادِيث الثِّقَات، إِمَّا أَن يَأْتِي بِإِسْنَاد لَا يُتَابع عَلَيْهِ، أَو بمتن عَن الثِّقَات مُنكر، أَو يروي عَن مَجْهُول، وَعَامة مَا يرويهِ مِمَّا لَا يُتَابع عَلَيْهِ.
(905) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد بن عدي، من حَدِيث خَالِد بن إِسْمَاعِيل، عَن عيبد الله بن نَافِع، عَن ابْن عمر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " صلوا على من قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله " الحَدِيث.
ثمَّ رده بِأَن قَالَ: خَالِد بن إِسْمَاعِيل هُوَ الْمَذْكُور فِيمَا تقدم.
يَعْنِي أَبَا الْوَلِيد المَخْزُومِي وَلم يزدْ على هَذَا، وَهَذِه تبرئة لمن دونه مِمَّن(3/191)
طوى ذكره، وَذَلِكَ مِنْهُ سوء صَنِيع، فَإِن دونه من يتهم بِوَضْع الحَدِيث.
قَالَ أَبُو أَحْمد: حَدثنَا عمر بن سِنَان، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمُغيرَة، الشهرزوري قَالَ: حَدثنَا خَالِد بن إِسْمَاعِيل، حَدثنَا عبد الله بن عمر.
فَذكره بِإِسْنَادِهِ فِي بَاب خَالِد بن إِسْمَاعِيل الْمَذْكُور، وَهُوَ - أَعنِي أَبَا أَحْمد - قد ذكر مُحَمَّد بن الْمُغيرَة هَذَا، - الَّذِي يرويهِ عَن خَالِد بن إِسْمَاعِيل - ذكرا يَخُصُّهُ فَقَالَ: " إِنَّه يسرق الحَدِيث، وَهُوَ مِمَّن يضع الحَدِيث ".
وَذكر لَهُ أَحَادِيث مَا يُنكر عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: وَرَأَيْت لَهُ مِمَّا يتهم فِيهِ غير مَا ذكرت.
وَلَو أَن أَبَا مُحَمَّد نظر بَقِيَّة الْإِسْنَاد لم يخف عَلَيْهِ أَمر هَذَا الرجل، فَإِنَّهُ - كَمَا قُلْنَاهُ - مَذْكُور فِي كتاب أبي أَحْمد.
وَقد ذكر الدَّارَقُطْنِيّ هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة الْعَلَاء بن سَالم الَّذِي روى حَدِيث:
(906) " قدمُوا خياركم "، فاعلمه.
(907) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد من حَدِيث زيد بن الْحوَاري، الْعمي، عَن قَتَادَة، عَن أنس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " يكره للمؤذن أَن يكون إِمَامًا ".(3/192)
ثمَّ قَالَ: زيد الْعمي هَذَا، مَعْرُوف فِي الضُّعَفَاء.
لم يزدْ على هَذَا، قأقول - وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق -: قد كنت أَظن أَن الَّذِي يوقعه فِي هَذَا الْمَذْكُور فِي هَذَا الْبَاب - من عِنْد أبي أَحْمد، أَو الْعقيلِيّ، أَو السَّاجِي - رُؤْيَته للْحَدِيث عِنْد أحدهم فِي بَاب الرجل الضَّعِيف الَّذِي يوردون الحَدِيث فِي بَابه، فيكتفي من تَعْلِيله بالإخبار عَن كَون ذَلِك الرجل فِي إِسْنَاده، وَلَا يَمْتَد نظره إِلَى من سواهُ مِمَّن يُمكن أَن تكون عِلّة الْخَبَر مِنْهُ، اكْتِفَاء بمعتقد مخرجه فِي بَاب ذَلِك الرجل، فَإِذا بِهَذَا الظَّن قد أخلفني فِي هَذَا الحَدِيث، وَذَلِكَ أَن أَبَا أَحْمد مخرجه، قد جَازَ عِنْده أَن تكون الْجِنَايَة فِيهِ من غير زيد الْعمي، مِمَّن هُوَ أَضْعَف مِنْهُ، وَأكْثر مُنكرَات، فَلم يذكر ذَلِك أَبُو مُحَمَّد رَحمَه الله.
ولنذكر لَك نَص مَا أورد أَبُو أَحْمد، حَتَّى تتبين هَذَا الَّذِي ذكرت.
قَالَ فِي بَاب زيد الْعمي: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن سُلَيْمَان بن مُوسَى بن عدي الْجِرْجَانِيّ بِمَكَّة، قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن سعيد قَالَ: حَدثنَا الْقَاسِم بن الحكم، قَالَ: حَدثنَا سَلام - هُوَ الطَّوِيل - عَن زيد الْعمي، عَن قَتَادَة، عَن أنس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " يكره للمؤذن أَن يكون إِمَامًا ".(3/193)
قَالَ أَبُو أَحْمد: وَهَذَا مُنكر عَن قَتَادَة، عَن أنس، وَلَعَلَّ الْبلَاء فِيهِ من سَلام، أَو مِنْهُمَا.
وَذكر قبله حَدِيثا آخر، من رِوَايَة أبي الرّبيع الزهْرَانِي، عَن سَلام الطَّوِيل، عَن زيد الْعمي، عَن يزِيد الرقاشِي، عَن أنس بن مَالك، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: /
(908) " فلق الْبَحْر لبني إِسْرَائِيل يَوْم عَاشُورَاء ".
ثمَّ قَالَ: وَلَعَلَّ الْبلَاء فِيهِ من سَلام الطَّوِيل، أَو مِنْهُمَا / جَمِيعًا، فَإِنَّهُمَا ضعيفان. وَذكر بعده حَدِيثا آخر، من رِوَايَة أبي الرّبيع الزهْرَانِي أَيْضا، عَن سَلام الطَّوِيل، عَن زيد الْعمي، عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة، عَن معقل بن يسَار، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
(909) " من احْتجم يَوْم الثُّلَاثَاء لسبعة عشر من الشَّهْر، كَانَ دَوَاء لداء السّنة ".
ثمَّ قَالَ: لَا أعلم يرويهِ عَن زيد الْعمي غَيره.
فَيدل هَذَا على أَن الْبلَاء فِي هَذِه الْأَحَادِيث، الَّتِي يَرْوِيهَا سَلام عَن زيد، من سَلام، لَا من زيد.(3/194)
وَذكر فِي بَاب سَلام الطَّوِيل أَقْوَال الْعلمَاء فِيهِ، وَأورد لَهُ من الْأَحَادِيث بعض مَا يُنكر عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: وَعَامة مَا يرويهِ عَمَّن يرويهِ عَنهُ من الضُّعَفَاء والثقات، لَا يُتَابِعه عَلَيْهِ أحد. انْتهى مَا كتبت عَنهُ.
فَإِذن لَا يَنْبَغِي أَن يخص زيد الْعمي بالذنب فِيهِ، ودونه من يجوز أَن يكون كَاذِبًا عَلَيْهِ، فَاعْلَم ذَلِك.
(910) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار من حَدِيث خبيب بن سُلَيْمَان بن سَمُرَة، عَن أَبِيه، عَن جده، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كَانَ يَأْمُرنَا أَن يُصَلِّي أَحَدنَا كل لَيْلَة بعد الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة مَا قل أَو كثر ".
ثمَّ قَالَ: خبيب ضَعِيف.
كَذَا ذكره، وَفِي إِسْنَاده عِنْد الْبَزَّار من يكذب، وَهُوَ يُوسُف بن خَالِد السَّمْتِي، وَلم يذكر الْبَزَّار هَذَا الحَدِيث إِلَّا من رِوَايَته، أَو من رِوَايَة سَلام بن أبي خبْزَة، عَن يُونُس، عَن الْحسن، عَن سَمُرَة، وَقد عرض لَهُ أَبُو مُحَمَّد بِمَا يَنْبَغِي أَن يُقَال فِيهِ.
فَأَما حَدِيث يُوسُف بن خَالِد فَقَالَ الْبَزَّار: وحدثناه خَالِد بن يُوسُف، قَالَ: حَدثنَا أبي، قَالَ: حَدثنَا جَعْفَر بن سعد، عَن خبيب بن سُلَيْمَان بن سَمُرَة، عَن أَبِيه، عَن جده سَمُرَة بن جُنْدُب. فَذكره.(3/195)
وَهَذَا الْإِسْنَاد قد ذكر بِهِ الْبَزَّار عشرات من الحَدِيث، وَتبين عِنْده بَيَانا شافيا أَنه - أَعنِي وَالِد خَالِد بن يُوسُف - يُوسُف بن خَالِد السَّمْتِي، وَكَانَ صَاحب رَأْي، من أَصْحَاب أبي حنيفَة، يكذبهُ أَصْحَاب الحَدِيث.
(911) وَقد ذكر أَبُو مُحَمَّد رَحمَه الله فِي الْمَسَاجِد، حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا وجد أحدكُم القملة فِي الْمَسْجِد فليدفنها ".
وَهُوَ حَدِيث يرويهِ الْبَزَّار / هَكَذَا: حَدثنَا خَالِد بن يُوسُف، حَدثنَا أبي، قَالَ: سَمِعت زِيَاد بن سعد يحدث عَن عتبَة الْكُوفِي، وَهُوَ عتبَة بن يقظان، عَن عِكْرِمَة، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بإثره: فِي إِسْنَاده يُوسُف بن خَالِد السَّمْتِي وَهُوَ ضَعِيف الحَدِيث جدا. فَاعْلَم ذَلِك.
(912) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، من حَدِيث عمر بن مُوسَى الوجيهي، عَن مَكْحُول، عَن أنس " كَانَت قِرَاءَة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا قَامَ من(3/196)
اللَّيْل الزمزمة " الحَدِيث.
ورده بِأَن الوجيهي مَتْرُوك.
وَلم يبين أَنه يرويهِ عَنهُ الْوَلِيد بن الْقَاسِم بن الْوَلِيد الْهَمدَانِي، وَهُوَ ضَعِيف الحَدِيث؛ قَالَه ابْن معِين.
وَقد ذكر أَبُو أَحْمد هَذَا الحَدِيث فِي بَاب الْوَلِيد الْمَذْكُور، وَقَالَ: لَيْسَ الْبلَاء فِي هَذَا الحَدِيث مِنْهُ، بل من عمر بن مُوسَى الوجيهي، وَذكر عَن ابْن حَنْبَل تَوْثِيق الْوَلِيد.
وَلَكِن مَعَ هَذَا فَلَا يَنْبَغِي أَن يتْرك بَيَان كَونه من رِوَايَته، وَيَرْوِيه عَن الْوَلِيد الْمَذْكُور [مُحَمَّد بن المستنير] وَهُوَ لَا تعرف حَاله.
(913) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، من رِوَايَة شبيب بن شيبَة الْخَطِيب، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة [قَالَت:] قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كل صَلَاة لَا يقْرَأ فِيهَا بِفَاتِحَة الْكتاب وآيتين، فَهِيَ خداج ".
ثمَّ قَالَ: شبيب بن شيبَة لَيْسَ بِثِقَة، قَالَه ابْن معِين.
وَقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِقَوي. انْتهى مَا ذكر.(3/197)
فَنَقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق: فِي إِسْنَاد / هَذَا الحَدِيث عِنْد أبي أَحْمد، من هُوَ أَضْعَف من شيبَة بن شبيب، وَهُوَ جبارَة بن الْمُغلس.
كَانَ ابْن معِين يَقُول: جبارَة بن مغلس كَذَّاب.
وَترك أَبُو حَاتِم حَدِيثه.
وَقَالَ أَبُو زرْعَة: لَيْسَ هُوَ عِنْدِي مِمَّن يكذب. وَإِنَّمَا كَانَ يوضع لَهُ الحَدِيث فَيحدث بِهِ، وَمَا كَانَ مِمَّن يتَعَمَّد الْكَذِب.
وَقَالَ فِيهِ البُخَارِيّ: مُضْطَرب الحَدِيث.
وَقَالَ ابْن نمير: صَدُوق.
وَقَالَ فِيهِ أَبُو أَحْمد بن عدي: فِي بعض أَحَادِيثه مَا لَا يُتَابع عَلَيْهِ، وَعِنْدِي أَنه لَا بَأْس بِهِ.
(914) وَقد ذكر أَبُو مُحَمَّد فِي كتاب الْعلم حَدِيث " تعْمل هَذِه الْأمة بُرْهَة بِكِتَاب الله ".
فَقَالَ بعده: جبارَة مَتْرُوك.(3/198)
وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا يداني أَبَا معمر: / شبيب بن شيبَة، فَإِن شبيب بن شيبَة لَا يتهم، فَاعْلَم ذَلِك.
(915) وَذكر أَبُو مُحَمَّد من حَدِيث حجاج بن تَمِيم، عَن مَيْمُون بن مهْرَان، عَن ابْن عَبَّاس " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يغسل يَوْم الْفطر وَيَوْم الْأَضْحَى ".
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: قَالَ أَبُو أَحْمد: أَحَادِيث حجاج عَن مَيْمُون، لَيست بمستقيمة. انْتهى مَا أورد.
وَهَذَا الْعَمَل مِنْهُ لَيْسَ بِمُسْتَقِيم؛ فَإِنَّهُ اقتطع الْإِسْنَاد من حَيْثُ حسن، وَأعْرض عَن مَوضِع الْعلَّة مِنْهُ، فجَاء الحَدِيث غير ذِي عِلّة، فَإِن القَوْل بِأَن حجاجا لَيست رِوَايَته عَن مَيْمُون بمستقيمة، لَا يعْطى فِيهِ مَا يتْرك الحَدِيث لأَجله، لِأَنَّهُ قد يُقَال مثل ذَلِك فِي الرجل بِالْإِضَافَة إِلَى غَيره، فَإِن النَّاس متفاوتون.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يُعْطي أَنه فِي غير مَيْمُون بن مهْرَان أحسن حَالا مِنْهُ فِي مَيْمُون، وَيُعْطِي أَن الحَدِيث لَا عِلّة لَهُ سوى مَا ذكر.
وَهَذَا هُوَ الَّذِي قصد بَيَانه فِي هَذَا الْبَاب، وَذَلِكَ أَنه حَدِيث يرويهِ عَنهُ جبارَة بن الْمُغلس الْمُتَقَدّم الْآن ذكره.
وَإِنَّمَا ذكر الحَدِيث أَبُو أَحْمد فِي بَاب حجاج، لِأَن مذْهبه فِي جبارَة مَا قدمنَا عَنهُ الْآن: من أَنه لَا بَأْس بِهِ، وَلَا يُتَابع فِي بعض حَدِيثه.(3/199)
وَأَقل مَا كَانَ على أبي مُحَمَّد، أَن يبين أَنه من رِوَايَة جبارَة عَنهُ. فَاعْلَم ذَلِك.
(916) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن الْوَلِيد بن مُحَمَّد الموقري، قَالَ: حَدثنَا الزُّهْرِيّ، أنبأني سَالم بن عبد الله، أَن عبد الله بن عمر، أخبرهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كَانَ يكبر يَوْم الْفطر من حِين يخرج من بَيته حَتَّى يَأْتِي الْمصلى ".
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: الموقري ضَعِيف عِنْدهم.
لم يزدْ على هَذَا، وَهَذَا مُؤَكد لما يغلب على الظَّن من أمره: من أَنه كَانَ إِذا ظفر من الْإِسْنَاد بضعيف، عصب الْجِنَايَة بِرَأْسِهِ، وَلم ينظر سَائِرهمْ، وَأعْرض عَنْهُم، وَإِن كَانَ لَا يعرفهُمْ.
وَذَلِكَ أَن هَذَا الحَدِيث هُوَ عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ هَكَذَا: حَدثنَا أَبُو عبد الله الْأَيْلِي: مُحَمَّد بن عَليّ بن إِسْمَاعِيل، قَالَ: حَدثنَا عبيد الله بن مُحَمَّد بن خُنَيْس قَالَ: حَدثنَا مُوسَى بن مُحَمَّد بن عَطاء، قَالَ: حَدثنَا الْوَلِيد بن / مُحَمَّد، قَالَ: حَدثنَا الزُّهْرِيّ، قَالَ: حَدثنَا سَالم بن عبد الله، أَن عبد الله بن عمر، أخبرهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. فَذكره.
مُوسَى بن مُحَمَّد بن عَطاء، أَبُو الطَّاهِر الْمَقْدِسِي، يروي عَن أبي الْمليح، وَحجر بن الْحَارِث، والوليد بن مُحَمَّد، والهيثم بن حميد.
قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: رَأَيْته عِنْد هِشَام بن عمار، وَلم أكتب عَنهُ، كَانَ(3/200)
يغرب، وَيَأْتِي بأباطيل.
وَقَالَ مُوسَى بن سهل الرَّمْلِيّ: أشهد عَلَيْهِ أَنه كَانَ يكذب.
وَقَالَ أَبُو زرْعَة: أَتَيْته فَحدث عَن الْهَيْثَم بن حميد، وَفُلَان، وَفُلَان، وَكَانَ يكذب.
وَقَالَ أَبُو أَحْمد بن عدي: مُنكر الحَدِيث، يسرق الحَدِيث، روى عَن الموقري، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أنس أَحَادِيث / مَنَاكِير، وَلَيْسَ الْبلَاء فِيهَا عَن الزُّهْرِيّ من أبي الطَّاهِر، إِنَّمَا الْبلَاء من الموقري، والموقري وَأَبُو الطَّاهِر ضعيفان. انْتهى كَلَام أبي أَحْمد.
وَلَا أَدْرِي لماذا حمل على الموقري دون أبي الطَّاهِر، وَهِي لَا تصل إِلَيْنَا عَن الموقري إِلَّا على لِسَان أبي الطَّاهِر، وهبك هَذَا فِي أَحَادِيث الزُّهْرِيّ عَن أنس، حديثنا هَذَا من رِوَايَته عَن الموقري، عَن الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه.
فالحمل عَلَيْهِ فِيهِ مُتَعَيّن، واقتطاع الْإِسْنَاد من الموقري تبرئة لأبي الطَّاهِر، وَمَا أرَاهُ فعل ذَلِك إِلَّا وَهُوَ لَا يعرفهُ، وَحسن بِهِ الظَّن، وَلم يبْحَث عَنهُ.
وَإِلَى هَذَا، فَإِن الرَّاوِي لَهُ عَن أبي الطَّاهِر - وَهُوَ عبيد الله بن مُحَمَّد بن خُنَيْس - لَا أعرف حَاله. فَالله أعلم.
(917) وَقد ذكر فِي الْجُمُعَة حَدِيث أم عبد الله الدوسية: " الْجُمُعَة وَاجِبَة(3/201)
على كل قَرْيَة فِيهَا إِمَام، وَإِن لم يَكُونُوا فِيهَا إِلَّا أَرْبَعَة ".
ثمَّ رده بِأَن قَالَ: لم يروه إِلَّا مَتْرُوك.
وَإِنَّمَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ عَقِيبه: لم يروه عَن الزُّهْرِيّ إِلَّا مَتْرُوك، فجَاء كَلَام أبي مُحَمَّد أَعم.
وَهُوَ إِلَى الصَّوَاب أقرب، فَإِن أحد طريقيه عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ، هُوَ هَذَا الَّذِي فَرغْنَا مِنْهُ آنِفا، عَن أبي عبد الله الْأَيْلِي، عَن عبيد الله بن مُحَمَّد بن الْأَخْنَس عَن مُوسَى بن مُحَمَّد الْمَذْكُور، عَن الموقري، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أم عبد الله /.
وَطَرِيق آخر، فِيهِ جمَاعَة من الضُّعَفَاء والمجاهيل، أحدهم رَاوِيه عَن الزُّهْرِيّ، وَهُوَ الحكم بن عبد الله، وَرَوَاهُ عَنهُ مَجْهُول لَا يعرف، وَهُوَ مُحَمَّد ابْن مطرف - وَلَيْسَ بِأبي غَسَّان - وَعنهُ مسلمة بن عَليّ الْخُشَنِي، وَهُوَ مَتْرُوك، وَعنهُ عَمْرو بن الرّبيع بن طَارق، وَلَا تعرف حَاله.
وَالْمَقْصُود إِنَّمَا هُوَ أَن تعلم أَنه هَاهُنَا من حَيْثُ عمم الْقَضِيَّة، قد عرف حَال مُوسَى بن مُحَمَّد الْمَذْكُور الَّذِي أعرض عَن ذكره فِي حديثنا الأول، وَذَلِكَ - وَالله أعلم - أَنه عرف حَاله بالمطالعة، وَلم يبْق فِي حفظه، وَالله الْمُوفق.
(918) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن(3/202)
جده: " كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا استسقى قَالَ: " اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادك وبهائمك 000 " الحَدِيث.
وَلم يعرض لشَيْء مِنْهُ، وَهُوَ حَدِيث إِنَّمَا يرويهِ عَليّ بن قادم، عَن سُفْيَان، عَن يحيى بن سعيد، عَن عَمْرو بن شُعَيْب.
وَعلي بن قادم وَإِن كَانَ صَدُوقًا فَإِنَّهُ يستضعف.
قَالَ فِيهِ ابْن معِين: ضَعِيف.
وَقَالَ أَبُو أَحْمد: نقمت عَلَيْهِ أَحَادِيث رَوَاهَا عَن الثَّوْريّ غير مَحْفُوظَة.
وَحَدِيثه هَذَا عَن الثَّوْريّ كَمَا ترى، فَأَقل مَا كَانَ يلْزم، التَّنْبِيه على كَون الحَدِيث من رِوَايَته، وَالله الْمُوفق.
(919) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار، عَن عَليّ بن يزِيد، عَن الْقَاسِم، عَن أبي أُمَامَة، عَن أبي عُبَيْدَة بن الْجراح، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن أفضل الصَّلَوَات صَلَاة الصُّبْح يَوْم الْجُمُعَة فِي جمَاعَة " الحَدِيث.
وَلم يقل فِيهِ شَيْئا، إِمَّا تسامحا لما كَانَ من فَضَائِل الْأَعْمَال، وَإِمَّا لِأَنَّهُ قد أبرز من إِسْنَاده من يعتل بِهِ، اعْتِمَادًا على مَا قدم فيهم، وَأي ذَلِك كَانَ، فقد طوى ذكره من هُوَ أَيْضا ضَعِيف، وَإِن كَانَ لَا بَأْس بِهِ عِنْد بَعضهم، وَهُوَ عبد الله(3/203)
ابْن زحر فَعَنْهُ ذكره الْبَزَّار وَهُوَ يرويهِ عَن عَليّ بن يزِيد.
وَلَا نَدْرِي من أَضْعَف: أعلي بن يزِيد، أم عبيد الله بن زحر؟ فكلاهما مُنكر الحَدِيث.
قَالَ أَبُو حَاتِم البستي: يروي عَن عَليّ بن يزِيد الطَّامَّات، وَإِذا اجْتمع فِي إِسْنَاد خبر عبيد الله بن زحر، وَعلي بن يزِيد، وَالقَاسِم أَبُو عبد الرَّحْمَن، فَلَا / يكون ذَلِك الْخَبَر إِلَّا مِمَّا عملته أَيْديهم، فَلَا يحل الِاحْتِجَاج بِهَذِهِ الصَّحِيفَة، بل التنكب عَن رِوَايَة ابْن زحر على الْأَحْوَال / أولى.
قَالَ ابْن معِين: كل حَدِيثه عِنْدِي ضَعِيف. انْتهى كَلَام البستي.
وَهُوَ مغن عَن طَوِيل مَا لَهُم فِي هَذَا الْإِسْنَاد.
(920) وَقد ذكر أَبُو مُحَمَّد فِي الطَّهَارَة حَدِيث: " يطهر الْمُؤمن ثَلَاثَة أَحْجَار وَالْمَاء والطين " من عِنْد أبي أَحْمد.
فَقَالَ فِيهِ: أَضْعَف من فِي هَذَا الْإِسْنَاد عَليّ بن يزِيد. وَعبيد الله وَالقَاسِم، قد تكلم فيهمَا.
(921) وَذكر من طَرِيق ابْن أبي شيبَة، حَدِيث قيس بن سعد بن عبَادَة،(3/204)
عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن رَبِّي حرم الْخمر والكوبة والقنين ".
ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده يحيى بن أَيُّوب الْمصْرِيّ، عَن عبيد الله بن زحر.
وَعبيد الله هَذَا، ضعفه [أَحْمد] بن حَنْبَل، وَابْن معِين، وَأَبُو حَاتِم، وَابْن الْمَدِينِيّ وَقَالَ فِيهِ أَبُو زرْعَة: " صَدُوق ". وَوَثَّقَهُ البُخَارِيّ.
وَالْمَقْصُود هُوَ أَن ترك ذكره، والتنبيه على كَون الحَدِيث من رِوَايَته، تبرئة لَهُ فاعلمه.
(922) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، عَن قيس بن الرّبيع، عَن شُعْبَة، عَن أبي جَمْرَة، عَن ابْن عَبَّاس، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كفن فِي قطيفة حَمْرَاء ".
ثمَّ رده بِأَن قَالَ: قيس بن الرّبيع لَا يحْتَج بِهِ.
وَإِنَّمَا الصَّحِيح مَا رَوَاهُ مُسلم، من حَدِيث غنْدر، ووكيع، وَيحيى بن سعيد، عَن شُعْبَة بِهَذَا الْإِسْنَاد:
(923) " جعل فِي قبر النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قطيفة حَمْرَاء " انْتهى مَا ذكر.
وَعلة هَذَا الْخَبَر فِي الْحَقِيقَة، إِنَّمَا هِيَ مَا ثَبت من أَنه عَلَيْهِ السَّلَام " كفن فِي ثَلَاثَة أَثوَاب بيض ".(3/205)
فَأَما جعل القطيفة فِي الْقَبْر، فَغير مُنَاقض للتكفين فِي قطيفة أُخْرَى مثلهَا، فالقطائف الْحمر كَثِيرَة، وَلَيْسَ هَذَا بمقصود، وَإِنَّمَا الْمَقْصُود أَنه طوى ذكر من هُوَ مثل قيس بن الرّبيع، أَو أَسْوَأ حَالا، فَإِن قيسا غَايَة مَا رمي بِهِ حَدِيثه، مَا اعتراه من سوء الْحِفْظ حِين ولي الْقَضَاء، كشريك، وَابْن أبي ليلى.
والْحَدِيث الْمَذْكُور يرويهِ عَن قيس، مُحَمَّد بن مُصعب / القرقساني.
وَأَبُو مُحَمَّد قد تولى تَضْعِيفه، وَذكر أَقْوَال النَّاس فِيهِ فِي مَوَاضِع، وَقد مر ذكره مَرَّات.
(924) فَمِنْهَا: حَدِيث: " كَانَ يرفع يَدَيْهِ فِي كل خفض وَرفع ".
قَالَ فِيهِ بإثره: كَانَت فِيهِ غَفلَة شَدِيدَة.
(925) وَكَذَلِكَ حَدِيث: " أعْتقهَا وَلَدهَا ".
وَغلط فِي جعله رَاوِيا لذَلِك الحَدِيث.
والْحَدِيث الْمَذْكُور الْآن، هُوَ عِنْد أبي أَحْمد هَكَذَا: حَدثنَا الْحسن بن عبد الله الْقطَّان، قَالَ: حَدثنَا أَيُّوب الْوزان قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن مُصعب، قَالَ: حَدثنَا قيس، عَن شُعْبَة، عَن أبي جَمْرَة، عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كفن فِي قطيفة حَمْرَاء ".(3/206)
وَلَقَد أَخَاف أَن يكون تصحف لبَعض رُوَاته أَو رُوَاة الْكتاب " الْكَامِل " الَّذِي هُوَ فِيهِ، لفظ " دفن " ب " كفن "، وَالله أعلم.
(926) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار، عَن عَاصِم بن عبيد الله، عَن عبد الله بن عَامر بن ربيعَة، عَن أَبِيه، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " قَامَ على قبر عُثْمَان بن مَظْعُون بَعْدَمَا دَفنه، وَأمر فرش عَلَيْهِ بِالْمَاءِ ".
ثمَّ قَالَ: قد تقدم ذكر عَاصِم.
لم يعرض لَهُ بِأَكْثَرَ من هَذَا، وَفِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث من هُوَ أَضْعَف من عَاصِم، فَلَا يَنْبَغِي أَن يطوى ذكره، إِذْ لَعَلَّ الْجِنَايَة مِنْهُ.
قَالَ الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله، قَالَ: حَدثنَا يُونُس قَالَ: حَدثنَا الْعمريّ، عَن عَاصِم بن عبيد الله، عَن عبد الله بن عَامر بن ربيعَة، عَن أَبِيه فَذكره.
العمريون كثير، وَمِنْهُم عَاصِم بن عبيد الله هَذَا، وَأكْثر مَا يَقع فِي الْإِسْنَاد هَكَذَا " الْعمريّ " غير مُسَمّى، عبد الله بن عمر بن حَفْص بن عَاصِم، وَمَعَ هَذَا فقد تبين أَن الْعمريّ الْمَذْكُور فِي هَذَا الْإِسْنَاد، الرَّاوِي لَهُ عَن عَاصِم بن عبيد الله، هُوَ الْقَاسِم بن عبد الله الْعمريّ.
وَتبين ذَلِك فِي كتاب / الْبَزَّار، فَإِنَّهُ سَاق جملَة أَحَادِيث بِهَذَا الْإِسْنَاد، أَعنِي عَن عَاصِم بن عبيد الله، عَن عبد الله بن عَامر بن ربيعَة، عَن أَبِيه، من(3/207)
رِوَايَة الْعمريّ عَنهُ، وَهُوَ فِي بَعْضهَا مُسَمّى كَمَا قُلْنَاهُ، من جُمْلَتهَا هَذَا الحَدِيث.
وَالقَاسِم الْمَذْكُور، هُوَ أَخُو عبيد الله، وَعبد الله، وَكلهمْ بَنو عمر بن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب، وَهُوَ ضَعِيف جدا.
قَالَ ابْن حَنْبَل: هُوَ / مدنِي كَذَّاب، كَانَ يضع الحَدِيث، ترك النَّاس حَدِيثه.
وَمِنْهُم من يَقُول: مَتْرُوك.
وَمِنْهُم من يَقُول: مُنكر الحَدِيث.
وَقَالَ أَبُو زرْعَة: لَا يُسَاوِي شَيْئا.
(927) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، من حَدِيث أبي الْمهْدي: سعيد بن سِنَان، عَن أبي الزَّاهِرِيَّة: كثير بن مرّة، قَالَ: سَمِعت عمر بن الْخطاب يَقُول: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تبنى كَنِيسَة فِي الْإِسْلَام، وَلَا يجدد مَا خرب مِنْهَا ".
ثمَّ قَالَ: أَبُو الْمهْدي كَانَ رجلا صَالحا، من صالحي أهل الشَّام، وَلَكِن حَدِيثه ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ. انْتهى كَلَامه.
فَنَقُول - وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق -: قد تبين فِي بَاب النَّقْص من الْأَسَانِيد، الْفساد الْوَاقِع فِي هَذَا الحَدِيث، بِسُقُوط " عَن " بَين أبي الزَّاهِرِيَّة وَكثير بن مرّة،(3/208)
ونريد الْآن بَيَان مَا لهَذَا الْبَاب، من كَونه طوى ذكر من يرويهِ عَن أبي الْمهْدي، وَهُوَ مَتْرُوك.
قَالَ أَبُو أَحْمد: حَدثنَا الْحسن بن سُفْيَان، حَدثنَا مُحَمَّد بن جَامع، حَدثنَا سعيد بن عبد الْجَبَّار، عَن أبي الْمهْدي، فَذكره.
سعيد بن عبد الْجَبَّار الْحِمصِي، ضَعِيف، بل مَتْرُوك.
حكى البُخَارِيّ أَن جرير بن عبد الحميد كَانَ يكذبهُ.
وَمُحَمّد بن جَامع، أَبُو عبد الله الْعَطَّار، بَصرِي مَعْرُوف بالرواية عَنهُ، وَعَن حَمَّاد بن زيد، ومعتمر بن سُلَيْمَان، وخَالِد بن الْحَارِث، وَهُوَ أَيْضا لَيْسَ بصدوق، قَالَه أَبُو زرْعَة، وَلم يقْرَأ عَلَيْهِم حَدِيثه.
وَامْتنع أَبُو حَاتِم من الرِّوَايَة عَنهُ.
فَهَذَا شَأْن هَذَا الحَدِيث، فَلَعَلَّ أَبَا الْمهْدي لَا ذَنْب لَهُ، وَنحن نلومه.
(928) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، عَن نوح بن أبي مَرْيَم، عَن مقَاتل بن حَيَّان، عَن الْحسن، عَن جَابر بن عبد الله، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يتربص بالغريق يَوْم وَلَيْلَة ثمَّ يدْفن ".(3/209)
ثمَّ رده بِأَن قَالَ: لم يسمع الْحسن من جَابر، ونوح مَتْرُوك.
هَذَا مَا ذكره بِهِ، وَقد طوى ذكر سلم بن سَالم، رَاوِيه عَن نوح بن أبي مَرْيَم، وَهُوَ مُتَّهم.
وَقد ذكره أَبُو أَحْمد فِي بَاب سلم بن سَالم، وَفِي بَاب نوح، وَإِن كَانَ قد قَالَ: لَعَلَّ الْبلَاء فِيهِ من نوح / وَسَالم سلما، وَلَكِن مَعَ ذَلِك لَا يَنْقَطِع عَن سلم الاتهام بِهِ فَإِنَّهُ مَتْرُوك مُتَّهم.
قَالَ أَبُو زرْعَة: مَا أعلم أَنه حدثت عَنهُ إِلَّا مرّة، قيل لَهُ: كَيفَ كَانَ فِي الحَدِيث؟ قَالَ: لَا يكْتب حَدِيثه، كَانَ مرجئا، وَكَانَ لَا - وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ -.
قَالَ ابْن أبي حَاتِم: يَعْنِي لَا يصدق.
وَقَالَ أَبُو أَحْمد بن عدي: سَمِعت إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم يَقُول:
(929) سُئِلَ ابْن الْمُبَارك عَن الحَدِيث الَّذِي يحدثه فِي أكل العدس: " إِنَّه قدس على لِسَان سبعين نَبيا "، فَقَالَ: لَا، وَلَا على لِسَان نَبِي وَاحِد، إِنَّه لموذ، منفخ من يُحَدثكُمْ هَذَا؟ قَالُوا: سلم بن سَالم، قَالَ: عَمَّن؟ قَالُوا: عَنْك، قَالَ: وعني أَيْضا؟ !
وَقَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِشَيْء.(3/210)
وَقَالَ نعيم بن حَمَّاد: سَمِعت ابْن الْمُبَارك - وَذكر عِنْده حَدِيث لسلم بن سَالم - فَقَالَ: هَذَا من عقارب سلم.
وَقَالَ أَبُو زرْعَة: أَخْبرنِي بعض الخراسانيين، قَالَ: سَمِعت ابْن الْمُبَارك يَقُول: اتَّقِ حيات سلم لَا تلسعك.
وَقَالَ فِيهِ النَّسَائِيّ: ضَعِيف.
هَذَا هُوَ الصَّحِيح فِي أَمر هَذَا الرجل: إِنَّه ضَعِيف، لَا مَا قَالَه أَبُو أَحْمد، من أَنه لَا بَأْس بِهِ.
فَلَيْسَ يَنْبَغِي أَن يحمل على نوح بن أبي مَرْيَم، وَإِن كَانَ متروكا، فِي حَدِيث إِنَّمَا جَاءَنَا عَنهُ على لِسَان ضَعِيف.
(930) وَذكر / من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن عَمْرو بن أبي عَمْرو، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَيْسَ عَلَيْكُم فِي ميتكم غسل إِذا غسلتموه؛ إِن ميتكم لَيْسَ بِنَجس، فحسبكم أَن تغسلوا أَيْدِيكُم ".
ثمَّ قَالَ: عَمْرو بن أبي عَمْرو لَا يحْتَج بِهِ.
(931) وَسَيَأْتِي ذكره فِي " رجم الَّذِي يعْمل عمل قوم لوط " بِأَكْثَرَ من هَذَا.(3/211)
ثمَّ قَالَ: وَإِسْنَاده عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن سعيد، حَدثنَا أَبُو شيبَة: إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن أبي شيبَة، حَدثنَا خَالِد بن مخلد، حَدثنَا سُلَيْمَان بن بِلَال، عَن عَمْرو بن أبي عَمْرو. فَذكره. انْتهى مَا ذكر.
وَيُشبه أَن يكون قد تَبرأ من عهدته لما ذكر إِسْنَاده، هَذَا هُوَ ظَاهر أمره فِي الْأَحَادِيث الَّتِي يذكرهَا بأسانيدها، أَنه لم يحكم عَلَيْهَا بِشَيْء، وَإِنَّمَا تَركهَا لنظر الْمطَالع. وَقد ينْدر لَهُ خلاف هَذَا، أَن يذكر إِسْنَاد مَا هُوَ عِنْده صَحِيح / أَو بعضه.
(932) كَمَا فعل فِي قصَّة كَعْب بن الْأَشْرَف، فَإِنَّهُ سَاقه من طَرِيق مُسلم فَقَالَ: عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ: سَمِعت جَابِرا. فَذكره.
وَإِلَى هَذَا، فَاعْلَم أَن أَبَا شيبَة أولى بِالْحملِ عَلَيْهِ فِي هَذَا الحَدِيث من عَمْرو ابْن أبي عَمْرو، فَإِنَّهُ ضَعِيف، وَعَمْرو بن أبي عَمْرو مُخْتَلف فِيهِ.
وَقد تقدم لأبي مُحَمَّد تَضْعِيف أبي شيبَة فِي كتاب الْجَنَائِز. فَاعْلَم ذَلِك.(3/212)
(933) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث غورك بن الخضرم أبي عبد الله، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فِي الْخَيل السَّائِمَة، فِي كل فرس دِينَار ".
ثمَّ قَالَ: تفرد بِهِ غورك [وَهُوَ ضَعِيف جدا.
هَذَا مَا ذكر، وَقد أَسَاءَ فِي ترك ذكر من دون غورك] وهم جمَاعَة ضعفاء.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: أَخْبرنِي أَحْمد بن عَبْدَانِ الشِّيرَازِيّ فِيمَا كتب إِلَيّ، أَن مُحَمَّد بن مُوسَى الْحَارِثِيّ، حَدثهمْ قَالَ: أخبرنَا إِسْمَاعِيل بن يحيى بن بَحر الْكرْمَانِي، قَالَ: حَدثنَا اللَّيْث بن حَمَّاد الْإِصْطَخْرِي قَالَ: حَدثنَا أَبُو يُوسُف، عَن غورك بن الخضرم، أبي عبد الله، عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فِي الْخَيل السَّائِمَة، فِي كل فرس دِينَار ".
ثمَّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: تفرد بِهِ غورك عَن جَعْفَر، وَهُوَ ضَعِيف جدا، وَمن دونه ضعفاء. هَذَا نَص مَا ذكره بِهِ الدَّارَقُطْنِيّ.
وَقد طوى أَبُو مُحَمَّد ذَلِك كُله، وَاقْتصر على غورك بن الخضرم.
وَأَبُو يُوسُف، هُوَ القَاضِي، وَهُوَ مَحْمُول عَلَيْهِ عِنْدهم، فَاعْلَم ذَلِك.(3/213)
(934) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار حَدِيث: " من مَاتَ وَعَلِيهِ صِيَام فليصم عَنهُ وليه إِن شَاءَ ".
واقتطع إِسْنَاده من ابْن لَهِيعَة، وطوى ذكر الرَّاوِي لَهُ عَنهُ، وَهُوَ يحيى بن كثير الزيَادي، أَبُو النَّضر وَهُوَ عِنْدهم ضَعِيف.
(935) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن سُفْيَان بن بشر قَالَ: حَدثنَا عَليّ بن مسْهر، عَن عبيد الله بن عمر، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ فِي قَضَاء رَمَضَان: " إِن شَاءَ فرق، وَإِن شَاءَ تَابع ".
ثمَّ قَالَ: لم يسْندهُ غير سُفْيَان بن بشر
هَكَذَا أوردهُ وَلم يبين لَهُ فِي / الْحَقِيقَة عِلّة، فَإِنَّهُ لم يتَقَدَّم لَهُ قَول فِي سُفْيَان بن بشر، وَالرجل غير مَعْرُوف الْحَال.
وَالَّذِي لأَجله كتبناه الْآن، هُوَ أَنه حَدِيث يرويهِ الدَّارَقُطْنِيّ هَكَذَا: حَدثنَا أَبُو الْحسن: عبد الْبَاقِي بن قَانِع القَاضِي، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن مَنْصُور الْفَقِيه، أَبُو إِسْمَاعِيل، وَمُحَمّد بن عُثْمَان، قَالَا: حَدثنَا سُفْيَان / بن بشر، فَذكره.
وَأَقل مَا كَانَ عَلَيْهِ أَن يبين أَنه من رِوَايَة عبد الْبَاقِي إِحَالَة على مَا تقدم(3/214)
فِيهِ مِمَّا ذَكرْنَاهُ الْآن، إِثْر حَدِيث ابْن عَبَّاس، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
(936) " كَانَ يصبح وَلم يجمع الصَّوْم، فيبدو لَهُ فيصوم ". من تَضْعِيفه إِيَّاه، وَترك أَصْحَاب الحَدِيث [لَهُ] واختلاط عقله قبل مَوته بِسنة.
(937) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا، عَن مقَاتل بن سُلَيْمَان، عَن عَطاء، عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من أفطر يَوْمًا من شهر رَمَضَان فليهد بَدَنَة " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: مقَاتل بن سُلَيْمَان مَتْرُوك.
هَذَا مَا ذكره بِهِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَلكنه ترك دونه من يُمكن أَن يكون لغيره فِيهِ نظر، وَذكره كَانَ أَبْرَأ للعهدة، وَإِن كَانَ مقَاتل ضَعِيفا جدا.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا عُثْمَان بن أَحْمد الدقاق، قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن خَالِد بن عَمْرو الْحِمصِي، حَدثنَا أبي، حَدثنَا الْحَارِث بن عُبَيْدَة الكلَاعِي، حَدثنَا مقَاتل بن سُلَيْمَان. فَذكره.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: الْحَارِث بن عُبَيْدَة، وَمُقَاتِل، ضعيفان.
هَذَا فعل الدَّارَقُطْنِيّ مخرجه، قد تَبرأ من عُهْدَة الحَدِيث بِتَضْعِيف الْحَارِث ابْن عُبَيْدَة وَمُقَاتِل جَمِيعًا، فَمَا بَال أبي مُحَمَّد يقْتَصر على مقَاتل؟ وَلَعَلَّه مَكْذُوب عَلَيْهِ فِيهِ.(3/215)
وَإِلَى ذَلِك فَإِن أَحْمد بن خَالِد، وأباه خَالِد بن عَمْرو، لَا أعرف حَالهمَا.
(938) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، من حَدِيث عمر بن مُوسَى الوجيهي - وَهُوَ مَتْرُوك - عَن مَكْحُول، عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يتَزَوَّج الْمَمْلُوك فَوق اثْنَتَيْنِ ".
هَكَذَا ذكره، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة بَقِيَّة عَن الوجيهي /.
(939) وَذكر عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، حَدِيث: " فَإِذا اسْتردَّ الْوَاهِب مَا وهب، فليوقف " الحَدِيث.
وَلم يبين أَنه من رِوَايَة أُسَامَة بن زيد عَن عَمْرو، وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ.
(940) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ، من حَدِيث ابْن جريج وَيحيى بن سعيد، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَدِيث: " لَيْسَ لقَاتل من الْمِيرَاث شَيْء ".
وَلم يقل فِيهِ إِلَّا أَن جمَاعَة روته مُرْسلا، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن عمر.(3/216)
والْحَدِيث الْمَذْكُور إِنَّمَا رَوَاهُ عَن ابْن جريج وَيحيى بن سعيد، إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، وَهُوَ يُضعفهُ إِذا روى عَن غير الشاميين، فَكَانَ عَلَيْهِ أَن يبين ذَلِك وَلم يفعل.
(941) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، من رِوَايَة إِسْحَاق بن الفراث، عَن اللَّيْث بن سعد، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " رد الْيَمين على صَاحب الْحق ".
قَالَ: وَإِسْحَاق ضَعِيف.
كَذَا قَالَ: وطوى ذكر من دون إِسْحَاق، وَإِسْحَاق خير مِمَّن دونه، وَأَنه - أَعنِي إِسْحَاق بن الفراث بن الْجَعْد بن سليم مولى مُعَاوِيَة بن خديج - فَقِيه ولي الْقَضَاء بِمصْر، خَليفَة لمُحَمد بن مَسْرُوق الْكِنْدِيّ، يكنى أَبَا نعيم، يروي عَن مَالك، وَاللَّيْث، وَيحيى بن أَيُّوب، والمفضل بن فضَالة، وَحميد بن هَانِئ.
وَلم يعرفهُ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ، وَذَلِكَ أَنه سُئِلَ عَنهُ فَقَالَ: شيخ لَيْسَ بالمشهور.
وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم: مَا رَأينَا قَاضِيا أفضل مِنْهُ، وَكَانَ(3/217)
عَالما.
وَقَالَ بَحر بن نصر: سَمِعت ابْن علية يَقُول: مَا رَأَيْت ببلدكم أحدا يحسن الْعلم إِلَّا ابْن الفراث.
قَالَ ابْن الْوَزير: وَكَانَ من أكَابِر أَصْحَاب مَالك.
وَكَانَ لَقِي القَاضِي أَبَا يُوسُف بِالْبَصْرَةِ وَأخذ عَنهُ، وَكَانَ يتَخَيَّر فِي الْأَحْكَام، وَولي الْقَضَاء، وَكَانَ موفقا سديدا. قَالَ ابْن الْوَزير: وسمعته يَقُول: ولدت سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَمِائَة.
قَالَ أَبُو سعيد / بن يُونُس: توفّي لَيْلَة الْجُمُعَة لليلتين خلتا / من ذِي الْحجَّة أَربع وَمِائَتَيْنِ، وَله أَخ يُقَال لَهُ: يحيى بن الفراث من أكَابِر أَصْحَاب مَالك. هَذَا كل الَّذِي ذكر بِهِ هُوَ من كتاب تَارِيخ المصريين لأبي سعيد بن يُونُس.
وَإسْنَاد الحَدِيث الْمَذْكُور هُوَ هَذَا: قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا أَبُو هُرَيْرَة الْأَنْطَاكِي: مُحَمَّد بن عَليّ بن حَمْزَة بن صَالح، حَدثنَا يزِيد بن مُحَمَّد، حَدثنَا سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن، حَدثنَا مُحَمَّد بن مَسْرُوق، عَن إِسْحَاق بن الفراث، فَذكره.
سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن، هُوَ ابْن بنت شُرَحْبِيل الدِّمَشْقِي، وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ، إِلَّا أَنه كَانَ أروى النَّاس عَن المجهولين، وَكَانَت فِيهِ غَفلَة، وَكَانَ فِي حد(3/218)
لَو أَن رجلا وضع لَهُ حَدِيثا لم يفهم، وَكَانَ لَا يُمَيّز.
وَمُحَمّد بن مَسْرُوق لَا تعرف لَهُ حَال، روى عَنهُ هِشَام بن عمار، ومُوسَى ابْن عبد الرَّحْمَن الْمَسْرُوقي، فَاعْلَم ذَلِك.
(942) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، من حَدِيث حجاج بن تَمِيم، عَن مَيْمُون بن مهْرَان، عَن ابْن عَبَّاس، أَن عبدا من رَقِيق الْخمس سرق. الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: حجاج لَيست رِوَايَته عَن مَيْمُون بمستقيمة.
هَذَا مَا ذكره بِهِ، وَقد طوى ذكر جبارَة بن مغلس، رَاوِيه عَن حجاج، وَقد تقدم الْآن القَوْل فِيهِ.
(943) وَذكر أَيْضا من طَرِيقه من حَدِيث عبد الحميد بن بهْرَام، عَن شهر بن حَوْشَب، قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس: " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن الذَّبِيحَة أَن تفرس قبل أَن تَمُوت ".
(944) وَذكر بِهِ أَيْضا حَدِيث آخر، وَهُوَ: " النَّهْي عَن ذَبِيحَة نَصَارَى(3/219)
الْعَرَب ".
وَنبهَ على مَا قدم من ضعف شهر وَالْخلاف فِيهِ.
وَلم يبين أَنَّهُمَا من رِوَايَة جبارَة بن الْمُغلس أَيْضا، عَن عبد الحميد الْمَذْكُور.
(945) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن عبيد الله بن أبي زِيَاد القداح. عَن أبي الزبير، عَن جَابر، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " ذَكَاة الْجَنِين ذَكَاة أمه ".
وَضَعفه بِضعْف القداح.
وَلم يبين أَنه من رِوَايَة عتاب بن بشير عَنهُ.
وعتاب بن بشير أَبُو الْحسن الْحَرَّانِي زَعَمُوا أَنه روى بآخرة أَحَادِيث / مُنكرَة، وَأَنه اخْتَلَط عَلَيْهِ الْعرض وَالسَّمَاع، فتكلموا فِيهِ.
وَهَذَا عِنْدِي من الوسواس، وَلَا يضرّهُ ذَلِك، فَإِن كل وَاحِد مِنْهُمَا تحمل صَحِيح، وَإِنَّمَا ذَكرْنَاهُ لِأَنَّهُ مُخْتَلف فِيهِ بَينهم.
(946) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، من حَدِيث مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن(3/220)
الطفَاوِي، عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كَانَ إِذا أكل الطَّعَام أَو الإدام أكل بِثَلَاث أَصَابِع ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا الحَدِيث ضَعِيف، وَقد وَقع ذكر الطفَاوِي فِي الطِّبّ، قَالَ: وَقد رَوَاهُ عَنهُ الطفَاوِي أَيْضا. انْتهى كَلَامه.
(947) وَقد بَين كَمَا ذكر أَمر الطفَاوِي [إِثْر حَدِيث عَائِشَة فِيمَا ينفع من الجذام] .
وأسوأ مَا ذكره بِهِ أَنه مُنكر الحَدِيث.
وَالَّذِي لأَجله كتبنَا الْآن هَذَا الحَدِيث، هُوَ أَنه من رِوَايَة عَمْرو بن عبد الْجَبَّار، عَن الطفَاوِي.
وَقد كرر أَبُو أَحْمد ذكره فِي بَابه، وَأنْكرهُ عَلَيْهِ فِي جملَة مَا أورد لَهُ وَلم يخص بِهِ الطفَاوِي، بل جَازَ عِنْده أَن تكون الْجِنَايَة من عَمْرو، فالاقتصار على الطفَاوِي فِي تَعْلِيله لَا معنى لَهُ.(3/221)
(948) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن ابْن لعطاء بن أبي رَبَاح، عَن أَبِيه، عَن ابْن عَبَّاس [قَالَ] رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تشْربُوا نفسا وَاحِدًا كشرب الْبَعِير " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ فِيهِ: غَرِيب.
لم يذكرهُ بِأَكْثَرَ من هَذَا، وَوَجَب ذكره فِي هَذَا الْبَاب؛ لِأَنَّهُ لما اقتطع ذكره من ابْن عَطاء، [ثمَّ] لم يقْض عَلَيْهِ بِالصِّحَّةِ، كَانَ ذَلِك موهما أَنه لَا عيب لَهُ فِيمَا ترك من إِسْنَاده.
وَلَيْسَ كَذَلِك، بل هُوَ من رِوَايَة يزِيد بن سِنَان الْجَزرِي أبي فَرْوَة عَن ابْن عَطاء الْمَذْكُور، وَيزِيد ضَعِيف عِنْدهم.
(949) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، من حَدِيث عِيسَى بن إِبْرَاهِيم بن طهْمَان الْهَاشِمِي، عَن مُوسَى بن أبي حبيب، عَن الحكم بن عُمَيْر - وَكَانَ من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " رخص رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي لِبَاس الْحَرِير عِنْد الْقِتَال ".
ثمَّ قَالَ: عِيسَى ضَعِيف عِنْدهم، بل مَتْرُوك.(3/222)
لم يزدْ على هَذَا، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة / بَقِيَّة، عَن عِيسَى، وَهُوَ عِنْده / لَا يحْتَج بِهِ، وَلَا بَين أَيْضا أَن مُوسَى بن أبي حبيب ضَعِيف، إِلَّا أَنه أبرزه.
(950) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا، عَن سعيد بن بشير، عَن قَتَادَة، عَن الْحسن، عَن أنس: " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن حلق الْقَفَا بِالْمُوسَى إِلَّا عِنْد الْحجامَة ".
ثمَّ أتبعه أَنه متن مُنكر، وتضعيف سعيد بن بشير بِأَنَّهُ يهم فِي الشَّيْء بعد الشَّيْء، وَالْغَالِب على حَدِيثه الاسْتقَامَة، وَعَلِيهِ الصدْق.
وَلم يبين أَنه من رِوَايَة سُلَيْمَان بن عبد الرَّحْمَن الدِّمَشْقِي، ابْن بنت شُرَحْبِيل، عَن الْوَلِيد بن مُسلم، عَنهُ.
وَسليمَان مُغفل، قد مر ذكره.
(951) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن خَارِجَة بن مُصعب، عَن عبد الحميد ابْن سُهَيْل، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا لم يكن على الْبَاب ستر وَلَا بَاب، فَلَا بَأْس أَن يطلع فِي الدَّار ".
ثمَّ ضعفه من أجل خَارِجَة الْمَذْكُور، وطوى ذكر رَاوِيه عَنهُ، وَهُوَ خَالِد بن أَيُّوب وَلَا أعرفهُ إِلَّا الْبَصْرِيّ، وَهُوَ ضَعِيف عِنْدهم.(3/223)
وَيَرْوِيه عَن خَالِد وَارِث بن الْفضل، وَهُوَ لَا تعرف حَاله، وَكَذَا وَقع فِي النُّسْخَة: عبد الحميد، وَصَوَابه: عبد الْمجِيد، وَقد بيّنت ذَلِك فِي بَاب الْأَسْمَاء الْمُغيرَة عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ.
(952) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا من حَدِيث عبد الله بن مُحَمَّد بن الْمُغيرَة، عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر: " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يقْعد الرجل بَين الظل وَالشَّمْس، وَقَالَ: إِنَّه مقْعد الشَّيْطَان ".
ثمَّ قَالَ فِي عبد الله هَذَا: لَيْسَ بِالْقَوِيّ.
وَترك أَن يبين أَنه من رِوَايَة مِقْدَام بن دَاوُد عَنهُ، وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ.
قَالَ أَبُو أَحْمد: حَدثنَا مُحَمَّد بن أبي عَليّ، حَدثنَا مِقْدَام، فَذكره.
وَقَالَ: لَا أعلم يرويهِ عَن الثَّوْريّ غير عبد الله بن مُحَمَّد.
(953) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا حَدِيث ابْن عَبَّاس: {فَلَمَّا بلغا مجمع بَينهمَا} قَالَ: إفريقية.
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: هَذَا يرويهِ مُحَمَّد بن أبان بن صَالح، وَكَانَ من رُؤُوس المرجئة، فَتكلم فِيهِ من أجل ذَلِك، وَمَعَ ذَلِك يكْتب حَدِيثه.
هَذَا مَا ذكر، وَهُوَ كَمَا قَالَ، إِلَّا أَنه / ترك أَن يبين أَنه من رِوَايَة ابْن(3/224)
الْحمانِي عَنهُ.
وَقَالَ أَبُو أَحْمد: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن فُضَيْل، قَالَ: حَدثنَا يُوسُف ابْن سعيد بن مُسلم، قَالَ: أمْلى عَليّ ابْن الْحمانِي، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن أبان، عَن أبي إِسْحَاق، عَن سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: {فَلَمَّا بلغا مجمع بَينهمَا} قَالَ: " إفريقية ".
وَيحيى بن عبد الحميد الْحمانِي، لَا يَنْبَغِي أَن يطوى ذكره، فَإِن جمَاعَة - وهم الْأَكْثَرُونَ - يضعفونه، بل كَانَ أَحْمد بن حَنْبَل يكذبهُ.
وَترك الرِّوَايَة عَنهُ ابْن نمير، وَأَبُو زرْعَة.
وَسُئِلَ عَليّ بن الْحُسَيْن بن الْجُنَيْد: أيكتب حَدِيثه؟ قَالَ: لَا.
وَكَانَ ابْن معِين فِي كل الرِّوَايَات عَنهُ يوثقه ويثني عَلَيْهِ.
وَأما مَا يُوهِمهُ إِيرَاد أبي مُحَمَّد لهَذَا الحَدِيث - من كَونه مَوْقُوفا، وَهُوَ عِنْد أبي أَحْمد مَرْفُوع - فقد بَيناهُ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا مَوْقُوفَة وَهِي مَرْفُوعَة.
قد ذكرنَا من هَذَا الْقسم مَا كَانَ الْمَسْكُوت عَنهُ، الْمَتْرُوك ذكره من رُوَاته(3/225)
ضَعِيفا، وَنَذْكُر الْآن مِنْهُ [مَا كَانَ مِمَّن] لم يجر ذكره من رُوَاته مَجْهُولا.
(954) فَمن ذَلِك مَا ذكر من طَرِيق أبي أَحْمد [أَيْضا] من حَدِيث الْعَلَاء بن كثير، عَن مَكْحُول، عَن أبي ذَر وَعبادَة بن الصَّامِت، قَالَا: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أقرُّوا بِالْإِيمَان، وتسموا بِهِ ". الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: الْعَلَاء بن كثير مُنكر الحَدِيث ضعيفه، وَلَا يَصح سَماع مَكْحُول / من عبَادَة وَأبي ذَر.
هَذَا مَا ذكره بِهِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَلكنه ترك أَن يبين أَنه من رِوَايَة أبي غَانِم الْكَاتِب، قَالَ: حَدثنَا سُلَيْمَان بن عَمْرو، قَالَ: سَمِعت الْعَلَاء بن كثير، فَذكره.
وَأَبُو غَانِم لَا تعرف حَاله، وَسليمَان بن عَمْرو لَا يعرف، إِلَّا أَن يكون النَّخعِيّ، فَهُوَ كَذَّاب.
(955) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، من حَدِيث مُحَمَّد بن أبان، عَن أَيُّوب بن عَائِذ الطَّائِي، عَن مُجَاهِد، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من تَوَضَّأ وَذكر اسْم الله تطهر جسده كُله " الحَدِيث.(3/226)
ثمَّ قَالَ: مُحَمَّد بن أبان، لَا أعرفهُ الْآن، وَأما أَيُّوب بن / عَائِذ فمعروف، ثِقَة. انْتهى كَلَامه.
وَلَقَد جعل من مُحَمَّد بن أبان مَجْهُولا، وَإِن كَانَ يغلب على الظَّن أَنه مُحَمَّد بن أبان الْجعْفِيّ، جد مشكدانة الْحَافِظ، وَهُوَ كُوفِي ضَعِيف، كَانَ رَأْسا فِي المرجئة، فَترك لأجل ذَلِك حَدِيثه.
وَأَيوب بن عَائِذ أَيْضا كَذَلِك، كُوفِي، مرجئ، ذكره بذلك البُخَارِيّ ووراء هَذَا أَن فِي إِسْنَاده من لايعرف الْبَتَّةَ، وَهُوَ رَاوِيه عَن مُحَمَّد بن أبان، وَهُوَ مرداس بن مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي بردة فَاعْلَم ذَلِك.
(956) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، من رِوَايَة كثير بن شنظير عَن عَطاء، عَن جَابر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من أدْرك رَكْعَة من الصَّلَاة، فقد أدْرك فضل الْجَمَاعَة " الحَدِيث.
ثمَّ رده بِأَن قَالَ: كثير بن شنظير، لَيْسَ بِقَوي.(3/227)
كَذَا قَالَ وَلم يزدْ.
وَكثير بن شنظير، أَبُو قُرَّة لَيْسَ فِي حد من يتْرك بِهِ هَذَا الْخَبَر لَو لم يكن فِيهِ سواهُ، فقد قَالَ فِيهِ ابْن معِين: صَالح الحَدِيث.
وَقد روى النَّاس عَنهُ وَاحْتَمَلُوهُ، وَأخرج لَهُ مُسلم، وَمَعَ ذَلِك فَفِي حَدِيثه لين، قَالَه أَبُو زرْعَة.
وَهَذَا غير ضائر فَإِن النَّاس متفاوتون، وَإِنَّمَا الرجل قَلِيل الحَدِيث، وبحسب ذَلِك قَالَ فِيهِ من قَالَ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ.
وَقد قَالَ بِهَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ فِيهِ، أَبُو عبد الله بن البيع الْحَاكِم.
وإعراض أبي مُحَمَّد عَن جَمِيع الْإِسْنَاد إِلَّا كثير بن شنظير، عجب، وَذَلِكَ أَنه حَدِيث أوردهُ أَبُو أَحْمد فِي بَاب كثير بن شنظير، فَتوهم أَبُو مُحَمَّد - لأجل ذَلِك - أَنه لَا حمل فِيهِ إِلَّا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل قبله فِي الْإِسْنَاد من يتَعَيَّن لتضعيف الْخَبَر بِهِ، وَضَعفه من أَجله.
قَالَ أَبُو أَحْمد: حَدثنَا حَاجِب بن مَالك، قَالَ: حَدثنَا عباد بن الْوَلِيد الغبري قَالَ: حَدثنَا صَالح بن رزين الْمعلم، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن جَابر، عَن أبان بن طَارق، عَن كثير بن شنظير، عَن عَطاء، عَن جَابر، فَذكره.(3/228)
هَذَا إِسْنَاده عِنْده، وَلَيْسَ فِيهِ من دون كثير بن شنظير أحسن حَالا من كثير الْمَذْكُور.
أما أبان بن طَارق، فمجهول لَا يعرف إِلَّا بحديثين، أَو ثَلَاثَة.
(957) أَحدهَا [فِي قصَّة نصر مَعَ الطفيلي] / وَهُوَ رِوَايَته عَن نَافِع، عَن ابْن عمر يرفعهُ: " من أَتَى طَعَاما لم يدع إِلَيْهِ، دخل سَارِقا وَخرج مغيرا ".
وَبِه ذكره أَبُو أَحْمد وَقَالَ: لَعَلَّ لَهُ حديثين أَو ثَلَاثَة، وَلَا يعرف إِلَّا بِهَذَا الحَدِيث، وَهُوَ أنكر مَا يرويهِ، أَو كلَاما هَذَا مَعْنَاهُ.
وَسُئِلَ أَبُو زرْعَة عَن أبان بن طَارق هَذَا، فَقَالَ: شيخ مَجْهُول.
وَمُحَمّد بن جَابر الرَّاوِي عَنهُ، إِن لم يكن اليمامي فَهُوَ مَجْهُول أَيْضا، وَصَالح بن رزين الْمعلم لَا يعرف أصلا، فَهَذِهِ حَال هَذَا الْخَبَر فاعلمه.
(958) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن سعيد بن زَرْبِي عَن ثَابت، عَن أنس، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الِاثْنَان جمَاعَة، وَالثَّلَاثَة جمَاعَة " الحَدِيث.
ثمَّ أتبعه تَضْعِيف سعيد بن زَرْبِي، وَلم يذكرهُ غَيره.
وَهَذَا الحَدِيث يرويهِ أَبُو أَحْمد هَكَذَا: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن سعيد بن(3/229)
خَليفَة قَالَ: حَدثنَا عباد الدَّوْرَقِي، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن الصَّلْت قَالَ: حَدثنَا سعيد بن زَرْبِي. فَذكره.
وَعباد هَذَا لم أجد لَهُ ذكرا، / وَلَا أعرفهُ فِي غير هَذَا.
(959) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار، من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد، عَن أَبِيه، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْهِرَّة لَا تقطع الصَّلَاة؛ إِنَّمَا هِيَ من مَتَاع الْبَيْت ".
وَأتبعهُ أَن قَالَ: عبد الرَّحْمَن بن أبي الزِّنَاد يكْتب حَدِيثه على ضعفه.
لم يزدْ على هَذَا.
وَإِسْنَاده عِنْد الْبَزَّار هَكَذَا: حَدثنَا فردوس الوَاسِطِيّ، حَدثنَا مهْدي بن عِيسَى قَالَ: حَدثنَا ابْن أبي الزِّنَاد. فَذكره.
مهْدي بن عِيسَى، أَبُو الْحسن الوَاسِطِيّ، يروي عَن حَمَّاد بن زيد، وجعفر بن سُلَيْمَان، وَعبد الله بن يحيى التوأم، وعبيس بن مَيْمُون،(3/230)
وخَالِد بن عبد الله، وهشيم.
روى عَنهُ الرازيان، وَلم يذكر فِيهِ أَبُو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم تجريحا وَلَا تعديلا، فَهُوَ عِنْده مَجْهُول الْحَال.
وَلَيْسَ فِي رِوَايَة أَبِيه وَأبي زرْعَة عَنهُ مَا يقْضِي لَهُ بِحسن الْحَال، فقد رويا عَمَّن لَا يثقان.
وفردوس الوَاسِطِيّ أَيْضا لَا أعرف حَاله.
(960) وَسَيَأْتِي لَهُ فِي بَاب الْأَحَادِيث المصححة / بِالسُّكُوتِ حَدِيث " التجرد والاغتسال للإهلال ".
سكت عَنهُ، وَهُوَ من رِوَايَة ابْن أبي الزِّنَاد، وَفِيه من لَا يعرف، وَإِنَّمَا لم نذكرهُ هَاهُنَا لِأَنَّهُ لم يُضعفهُ، وَشرط هَذَا الْبَاب أَن يضعف الحَدِيث بِرَجُل وَيتْرك غَيره.
(961) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، من رِوَايَة حَنْظَلَة بن عبيد الله السدُوسِي، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " صلى صَلَاة لم يقْرَأ فِيهَا إِلَّا بِفَاتِحَة الْكتاب ".
ورده بِأَن قَالَ: حَنْظَلَة اخْتَلَط، فَأنْكر عَلَيْهِ، وَضعف.(3/231)
هَذَا كَمَا ذكر، وَلَكِن بَقِي عَلَيْهِ أَن يبين أَنه من رِوَايَة عبد الْملك بن خطاب بن عبيد الله بن أبي بكرَة، عَن حَنْظَلَة الْمَذْكُور.
وَعبد الْملك لَا يعرف بِأَكْثَرَ من رِوَايَة مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الرَّمْلِيّ، وَعبد الله بن الْمفضل العلاف عَنهُ، وحاله مَجْهُولَة.
(962) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن سُلَيْمَان بن سَمُرَة، عَن سَمُرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ثمَّ سلمُوا على قارئكم وعَلى أَنفسكُم ".
ثمَّ قَالَ: لَيْسَ هَذَا الْإِسْنَاد مَشْهُورا.
كَذَا ذكره، وَلم يبرز من إِسْنَاده غير سُلَيْمَان، فَإِذن لَا يرجع قَوْله: " لَيْسَ هَذَا الْإِسْنَاد مَشْهُورا " إِلَّا إِلَيْهِ عِنْد من لَا يعرف مَا قبله، بل يظنّ أَن مَا قبله لَا نظر فِيهِ، وَلَيْسَ الْأَمر فِيهِ كَذَلِك.
وَحَدِيث سَمُرَة هَذَا، لَهُ إِسْنَاد مَجْهُول قبل الْوُصُول إِلَى سُلَيْمَان، تروى بِهِ جملَة أَحَادِيث.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا [مُحَمَّد بن دَاوُد بن سُفْيَان، حَدثنَا يحيى بن حسان، حَدثنَا سُلَيْمَان بن مُوسَى] حَدثنَا جَعْفَر بن سعد بن سَمُرَة بن جُنْدُب قَالَ: حَدثنِي خبيب بن سُلَيْمَان، عَن أَبِيه سُلَيْمَان، عَن سَمُرَة.
وَلَيْسَ فِي هَذَا الْإِسْنَاد من تعرف ثقته إِلَّا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، وَقد بسطنا(3/232)
القَوْل فِي هَذَا الْإِسْنَاد بِأَكْثَرَ من هَذَا فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أتبعهَا [مِنْهُ] كلَاما يقْضِي ظَاهره بِصِحَّتِهَا وَلَيْسَت [كَذَلِك] بصحيحة.
(963) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، من حَدِيث يحيى بن سعيد الْحِمصِي الْعَطَّار، عَن عبد الحميد بن سُلَيْمَان، عَن أبي حَازِم، عَن سهل بن سعد، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كَانَ يمشي خلف الْجِنَازَة " الحَدِيث.
ثمَّ / قَالَ: يحيى هَذَا مُنكر الحَدِيث.
لم يزدْ على هَذَا، وَهُوَ كَمَا ذكر مُنكر الحَدِيث، قَالَه السَّعْدِيّ.
وَقَالَ مُحَمَّد بن عَوْف: سَمِعت ابْن معِين يُضعفهُ، وَذكر أَنه احترقت كتبه، وَأَنه روى أَحَادِيث مُنكرَة.
وَفِي رِوَايَة الدَّارمِيّ / عَن ابْن معِين: لَيْسَ بِشَيْء.
قَالَ أَبُو أَحْمد بن عدي: لَهُ كتاب مُصَنف فِي حفظ اللِّسَان، حَدثنَا بِهِ أَحْمد بن مُحَمَّد بن عَنْبَسَة، عَن أبي التقي: هِشَام بن عبد الله، عَنهُ وَفِي ذَلِك الْكتاب أَحَادِيث لَا يُتَابع عَلَيْهَا، وَهُوَ بَين الضعْف.(3/233)
وَالَّذِي لأَجله كتبناه الْآن هُنَا، هُوَ أَنه يرويهِ عَن يحيى بن سعيد الْمَذْكُور، سُلَيْمَان بن أبي سَلمَة، وَلَا يعرف من هُوَ، ويروي عَن سُلَيْمَان هَذَا الْحسن بن أبي معشر، شيخ أبي أَحْمد بن عدي.
وَإِلَى ذَلِك فَإِن عبد الحميد بن سُلَيْمَان - أَخا فليح بن سُلَيْمَان - ضَعِيف، أَضْعَف من أَخِيه فليح، فَاعْلَم ذَلِك.
(964) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، عَن أبي معشر: نجيح، عَن سعيد المَقْبُري، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تَقولُوا رَمَضَان؛ فَإِن رَمَضَان اسْم من أَسمَاء الله ".
ثمَّ قَالَ: أَبُو معشر هَذَا، من ضعفه أَكثر مِمَّن وَثَّقَهُ، وَهُوَ مَعَ ضعفه يكْتب حَدِيثه.
لم يزدْ على هَذَا، وَهَذَا الحَدِيث إِنَّمَا ذكره أَبُو أَحْمد هَكَذَا: حَدثنَا عَليّ بن سعيد، حَدثنِي مُحَمَّد بن أبي معشر، حَدثنِي أبي، عَن سعيد المَقْبُري، فَذكره.
وَمُحَمّد بن أبي معشر لَا تعرف لَهُ حَال، بل لم أجد لَهُ ذكرا، غير أَنِّي أرى أَبَا أَحْمد يروي عَن عَليّ بن سعيد عَنهُ، وَعَن مُحَمَّد بن هَارُون عَنهُ، وَعَن شُعَيْب الذارع عَنهُ، وَلَا يَنْبَغِي أَن يقبل حَدِيثه حَتَّى تعرف حَاله.(3/234)
فَأَما أَبوهُ، فقد وَثَّقَهُ قوم وَضَعفه آخَرُونَ، وَإِنَّمَا يغلط أَبَا مُحَمَّد فِي مثل هَذَا، ذكر أبي أَحْمد للْحَدِيث فِي بَاب أبي معشر، فيظن أَن ذَلِك مِنْهُ تبرئة لِابْنِهِ الرَّاوِي لَهُ عَنهُ، فَاعْلَم ذَلِك.
(965) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا، عَن مُبشر بن عبيد، عَن حميد الطَّوِيل، عَن أنس بن مَالك: " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن صِيَام الدارة ".
يَعْنِي آخر يَوْم من الشَّهْر.
وَقَالَ فِي مُبشر بن عبيد /: مَتْرُوك.
وَهَذَا الحَدِيث يرويهِ أَبُو أَحْمد، عَن ابْن قُتَيْبَة - هُوَ مُحَمَّد بن الْحسن بن قُتَيْبَة - قَالَ: حَدثنَا عِيسَى بن هِلَال، قَالَ: حَدثنَا شُرَيْح بن يزِيد، قَالَ: حَدثنَا مُبشر بن عبيد فَذكره.
وَعِيسَى بن هِلَال لَيْسَ بالصدفي الْمصْرِيّ، وَلَا الْبَصْرِيّ، وَلَا أعرفهُ.
(966) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا، عَن إِبْرَاهِيم بن أبي حَيَّة، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة قَالَت: " اسْتَأْذَنت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي أَن أبتني كنيفا بمنى، فَلم يَأْذَن لي ".(3/235)
ثمَّ قَالَ: إِبْرَاهِيم هَذَا وَثَّقَهُ ابْن معِين.
وَقَالَ فِيهِ البُخَارِيّ، وَأَبُو حَاتِم: " مُنكر الحَدِيث ".
لم يزدْ على هَذَا.
وَهَذَا الحَدِيث إِنَّمَا يرويهِ أَبُو أَحْمد، عَن أَحْمد بن مُحَمَّد ابْن عبد الْعَزِيز بن الْجَعْد، قَالَ: حَدثنَا دَاوُد بن حَمَّاد، قَالَ: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن أبي حَيَّة، فَذكره.
وَدَاوُد بن حَمَّاد هَذَا، يشبه أَن يكون دَاوُد بن حَمَّاد بن فرافصة، الْبَلْخِي، كَانَ بنيسابور، يروي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، ووكيع، وَإِبْرَاهِيم بن الْأَشْعَث، روى عَنهُ أَبُو زرْعَة، وَأحمد بن سَلمَة النَّيْسَابُورِي.
بِهَذَا ذكره ابْن أبي حَاتِم من غير مزِيد، فحاله مَجْهُولَة، وَإِن لم يكن هُوَ، فَهُوَ مَجْهُول الْعين وَالْحَال، وَالله أعلم.
(967) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن الْحسن بن دِينَار، عَن أبي جَعْفَر الْمَنْصُور، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " اجتنبوا من النِّكَاح أَرْبعا ".
وَضَعفه بالْحسنِ بن دِينَار.
وَقد بَينا فِي بَاب نِسْبَة الْأَحَادِيث إِلَى غير رواتها، الْخَطَأ فِي قَوْله: " الْحسن ابْن دِينَار " وَأَن صَوَابه: " الْحسن بن عمَارَة "، وَترك الرَّاوِي عَنهُ، وَهُوَ(3/236)
سُلَيْمَان بن عبد الْعَزِيز، فَإِنَّهُ من لَا يعرف، والراوي عَنهُ - وَهُوَ عبد الله بن سعيد، أَبُو الخصيب لَا يعرف أَيْضا من هُوَ.
(968) وَذكر حَدِيث " النَّهْي عَن استرضاع الحمقاء، فَإِن اللَّبن يشبه ".
وَترك من رُوَاته من لم يُنَبه عَلَيْهِ / مِمَّن هُوَ مَجْهُول لَا يعرف.
وَقد كتبناه فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي لم يعبها بِغَيْر الْإِرْسَال، فأغنى ذَلِك عَن إِعَادَته هُنَا /.
(969) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، من حَدِيث سعيد بن الْمَرْزُبَان عَن يزِيد الْفَقِير، عَن جَابر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا رضَاع بعد الفصال " الحَدِيث.
ثمَّ ضعفه بِأَن قَالَ: سعيد هَذَا، هُوَ أَبُو سعد الْبَقَّال، أحسن مَا قيل فِيهِ: إِنَّه [كَانَ] لَا يكذب، وَأَنه مِمَّن يكْتب حَدِيثه.(3/237)
هَذَا مَا ذكر، وَهُوَ - أَعنِي أَبَا سعيد الْبَقَّال - ضَعِيف جدا، وَالْقَوْل فِيهِ أغْلظ مِمَّا قَالَ أَبُو مُحَمَّد، فَإِنَّهُ مُنكر الحَدِيث.
وَإِلَى ذَلِك فَإِن دونه من لَا يعرف وَهُوَ أَبُو مَسْعُود اليمني، فَاعْلَم ذَلِك.
(970) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا، من حَدِيث الْهَيْثَم بن جميل، حَدثنَا سُفْيَان، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن ابْن عَبَّاس، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا يحرم من الرَّضَاع إِلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا يعرف بالهيثم، مُسْندًا، عَن ابْن عُيَيْنَة، وَغَيره يقفه على ابْن عَبَّاس.
والهيثم هَذَا، سكن أنطاكية، وَيُقَال: هُوَ الْبَغْدَادِيّ، ويغلط الْكثير على الثِّقَات، كَمَا يغلط غَيره، وَأَرْجُو أَنه لَا يتَعَمَّد الْكَذِب.
وَذكر أَبُو حَاتِم الْهَيْثَم هَذَا، وَقَالَ: وَثَّقَهُ أَحْمد بن حَنْبَل. انْتهى كَلَامه.
وَهُوَ بِعَيْنِه كَلَام أبي أَحْمد، إِلَّا مَا حَكَاهُ عَن أبي حَاتِم.
وَالْمَقْصُود أَن تعلم أَن دون الْهَيْثَم من لَا يعرف.(3/238)
قَالَ أَبُو أَحْمد: سَمِعت عمر بن مُحَمَّد الوكيع يَقُول: حَدثنَا أَبُو الْوَلِيد: يزِيد الْأَنْطَاكِي، حَدثنَا الْهَيْثَم بن جميل، حَدثنَا سُفْيَان، فَذكره.
وَأَبُو الْوَلِيد هَذَا لَا يعرف.
(971) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا، من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن عبد الله ابْن أخي عبد الرَّزَّاق قَالَ: أَظُنهُ عَن عبد الرَّزَّاق، عَن سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن عبيد الله، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الضِّيَافَة على أهل الْوَبر، وَلَيْسَت على أهل الْمدر ".
ثمَّ قَالَ: إِبْرَاهِيم هَذَا، يحدث بِالْمَنَاكِيرِ.
هَذَا مَا ذكر، وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَلَكِن بَقِي عَلَيْهِ أَن يبين أَنه من رِوَايَة من لَا يعرف.
قَالَ أَبُو أَحْمد: حَدثنَا مُحَمَّد بن خلف بن الْمَرْزُبَان، قَالَ: حَدثنَا إِبْرَاهِيم ابْن عبد الله - قَالَ أَبُو أَحْمد: أَظُنهُ الْكَجِّي - قَالَ: حَدثنِي إِبْرَاهِيم بن عبد الله ابْن أخي / عبد الرَّزَّاق، فَذكر الحَدِيث كَمَا قَالَ.
فإبراهيم هَذَا الَّذِي ظن بِهِ أَبُو أَحْمد أَنه الْكَجِّي، لَا يتَحَقَّق أَنه هُوَ، فَهُوَ(3/239)
مَجْهُول، والكجي أحد الْأَثْبَات.
(972) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا، من حَدِيث يحيى بن سعيد الْمَازِني، الْفَارِسِي، قَاضِي شيراز، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " نهى عَن عتق الْيَهُودِيّ، وَالنَّصْرَانِيّ، والمجوسي ".
ورده بِيَحْيَى بن سعيد الْمَذْكُور.
وَهُوَ بِهِ مَرْدُود، وَلَكِن دونه من لَا يعرف.
قَالَ أَبُو أَحْمد: حَدثنَا عَليّ بن أَحْمد بن مَرْوَان، حَدثنَا أَحْمد بن عبد الله ابْن زيد الديباجي، حَدثنَا أَيُّوب بن سُلَيْمَان الْجبلي، أَبُو اليسع، حَدثنَا يحيى بن سعيد الْمَذْكُور.
وَأَيوب هَذَا، وَأحمد الرَّاوِي عَنهُ، لَا تعرف لَهما حَال.
(973) وَكَذَلِكَ القَوْل فِي حَدِيث آخر، ذكره من طَرِيق أبي أَحْمد أَيْضا بِهَذَا الْإِسْنَاد فِي الَّذِي يحلف بِالْمَشْيِ إِلَى مَكَّة وبالهدي وبالأيمان الْمُغَلَّظَة، إِن مضى شهر كَذَا وَكَذَا حَتَّى يُطلق امْرَأَته، " إِنَّهَا يَمِين يكفرهَا " من حَدِيث ابْن عَبَّاس وَابْن عمر.(3/240)
(974) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا، عَن يحيى بن عمر بن مَالك النكري، عَن أَبِيه، عَن أبي الجوزاء، عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من حلف على يَمِين فَرَأى غَيرهَا / خيرا مِنْهَا فليأتها، فَإِنَّهَا كفارتها إِلَّا طَلَاقا أَو عتاقا ".
وَضَعفه بِضعْف يحيى هَذَا.
وَأعْرض عَن ابْنه مَالك بن يحيى رَاوِيه عَنهُ، وَعَن أَبِيه عَمْرو بن مَالك، وَعَن الْمُنْذر بن الْوَلِيد الجارودي، رَاوِيه عَن مَالك بن يحيى، وَمَا مِنْهُم من تعرف لَهُ حَال.
(975) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا، من رِوَايَة لَيْث، عَن مُجَاهِد، عَن عبد الله بن عَمْرو، قَالَ: " قطع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَارِقا من الْمفصل ".
ثمَّ قَالَ: لَيْث هُوَ ابْن أبي سليم، ذكره فِي بَاب خَالِد بن عبد الرَّحْمَن الْخُرَاسَانِي، وَهُوَ رَاوِيه عَن مَالك بن مغول، عَن لَيْث، وخَالِد ثِقَة مَعْرُوف.
كَذَا ذكره، وَترك دون خَالِد بن عبد الرَّحْمَن الْخُرَاسَانِي، عبد الرَّحْمَن بن سَلمَة، وَلَا أعرف لَهُ حَالا.(3/241)
قَالَ أَبُو أَحْمد: حَدثنَا أَحْمد / بن عِيسَى الوشاء بتنيس قَالَ: حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن سَلمَة، فَذكره.
(976) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن ملقام بن التلب، عَن أَبِيه: " صَحِبت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلم أسمع لحشرات الأَرْض تَحْرِيمًا ".
ثمَّ قَالَ: ملقام لَيْسَ بِمَشْهُور، وَلَا أعلم روى عَنهُ إِلَّا غَالب بن حجرَة. انْتهى مَا ذكر.
غَالب بن حجرَة - بِضَم الْحَاء - كَذَا ضَبطه الْأَمِير من مَاكُولَا وَهُوَ رَاوِي هَذَا الحَدِيث، عَن ملقام بن التلب، وَهُوَ لَا تعرف حَاله، وَإِن كَانَ قد روى عَنهُ مُحَمَّد بن عبد الله الرقاشِي، ومُوسَى بن إِسْمَاعِيل، وحرمي بن حَفْص.
(977) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، من رِوَايَة عمر بن مُوسَى بن وجيه، عَن وَاصل بن أبي جميل، عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كَانَ يكره أكل سبع من الشَّاة: المثانة والمرارة، والغدة والأنثيين، وَالْحيَاء، وَالدَّم ".(3/242)
ثمَّ قَالَ: عمر بن مُوسَى مَتْرُوك.
وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَلم يُنَبه على وَاصل بن أبي جميل، وَلكنه أبرزه، وَهُوَ لم تثبت لَهُ عَدَالَة، وَقد قَالَ فِيهِ ابْن معِين: لَيْسَ بِشَيْء.
وَإِلَى ذَلِك فَإِن هَذَا الحَدِيث إِنَّمَا يرويهِ عَن عمر بن مُوسَى فهر بن بشر الداماني، وَهُوَ مَجْهُول الْحَال، وَلَا أعلم لَهُ ذكرا فِي شَيْء من مصنفات الرِّجَال، مظان كره وَذكر أَمْثَاله، غير أَن ابْن الفرضي ذكره لضبط اسْمه، فَذكره بالراء وَالْفَاء الْمَكْسُورَة وَلم يزدْ على أَن قَالَ: روى عَنهُ أَيُّوب بن مُحَمَّد الْوزان، أخذا من إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث، فَهُوَ يرويهِ عَنهُ، فَاعْلَم ذَلِك.
(978) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، من حَدِيث غَالب بن عبيد الله الْجَزرِي، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يَأْكُل دجَاجَة أَمر بهَا فَربطت أَيَّامًا، ثمَّ أكلهَا بعد ذَلِك ".
وَضَعفه بغالب بن عبيد الله، فَإِنَّهُ مَتْرُوك الحَدِيث.
إِلَّا أَن أَبَا أَحْمد يرويهِ من رِوَايَة مَسْعُود بن جوَيْرِية، قَالَ: حَدثنَا عمر بن أَيُّوب، عَن غَالب، فَذكره، ويروي بِهَذَا الْإِسْنَاد أَحَادِيث.
ومسعود هَذَا لَا تعرف حَاله.(3/243)
(979) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا / من رِوَايَة ابْن الْمُبَارك، عَن وقاء بن إِيَاس، عَن الْمُخْتَار بن فلفل، عَن أنس بن مَالك قَالَ: " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن تجمع شَيْئَيْنِ مِمَّا يَبْغِي، أَحدهمَا على الآخر " الحَدِيث.
وَتكلم على وقاء بن إِيَاس، وَذكر الْخلاف فِيهِ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة يحيى بن عِيسَى بن ماسرجس وَالْمُسَيب بن وَاضح.
أما الْمسيب فقد قدم القَوْل فِيهِ إِثْر حَدِيث:
(980) " النَّهْي عَن شم الطَّعَام كَمَا تشم السبَاع ".
وَأما يحيى بن عِيسَى هَذَا فَلَا أعرف حَاله.
(981) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن مَالك بن أبي مَرْيَم، قَالَ: دَخَلنَا على عبد الرَّحْمَن بن غنم فتذاكرنا الطلاء فَقَالَ: حَدثنِي أَبُو مَالك الْأَشْعَرِيّ، أَنه سمع رَسُول الله / - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " ليشربن نَاس من أمتِي الْخمر، يسمونها بِغَيْر اسْمهَا ".(3/244)
وَعرض من إِسْنَاده لمعاوية بن صَالح، فَذكر الْخلاف فِيهِ، وَمُعَاوِيَة إِنَّمَا يرويهِ عَن حَاتِم بن حُرَيْث عَن مَالك بن أبي مَرْيَم.
وحاتم هَذَا، سُئِلَ ابْن معِين عَنهُ فَقَالَ: لَا أعرفهُ، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: شيخ.
وَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يقْضِي لَهُ بالثقة، وَهُوَ طائي حمصي، روى عَنهُ مُعَاوِيَة ابْن صَالح، والجراح بن مليح.
وَمَالك بن أبي مَرْيَم أَيْضا لَا تعرف حَاله إِلَّا أَنه قد أبرز اسْمه كالمتبرئ من عهدته.
قد فَرغْنَا من ذكر أحد الْقسمَيْنِ، وَهُوَ مَا ذكر فِيهِ من الْأَسَانِيد قطعا، وَكَانَ الحَدِيث بِمن لم يذكر مِمَّن طوى ذكره ضَعِيفا، بِحَيْثُ لَا تتَعَيَّن الْجِنَايَة فِي حق من ضعف هُوَ الْخَبَر بِهِ.
وَنَذْكُر الْآن إِن شَاءَ الله [تَعَالَى] الْقسم الأول: وَهُوَ مَا ذكر من الْأَحَادِيث بِقطع من أسانيدها، ثمَّ ضعفها بِذكر بعض من فِي تِلْكَ الْقطع، وَترك بعض من فِيهَا.
وَقد قُلْنَا: إِنَّه أعذر فِي هَذَا من حَيْثُ أبرز ذكر من لم يُنَبه عَلَيْهِ، فَذَلِك مِنْهُ كالتبري من عهدته، وإحالة للمطالع على مَا أبرز من اسْمه، ويعارض هَذَا(3/245)
مَا فِيهِ من مسالمته لَهُ، الْمُؤَكّدَة بِقَصْدِهِ إِلَى غَيره، الموهمة أَنه لَا نظر فِيهِ /.
فَمن ذَلِك مَا يكون من ترك التَّنْبِيه عَلَيْهِ من الْقطع الَّتِي يذكر، ضَعِيفا، وَمِنْه مَا يكون مَجْهُولا لَا يعرف.
وَمِنْهُم من يكون قد قدم [فيهم] قولا، يكون هَذَا الإبراز هُنَا لاسمه إِحَالَة على مَا قدم فِيهِ، وَلَكِن لَا يعرف ذَلِك من يقْرَأ الْموضع.
وَمِنْهُم من لم يقدم فِيهِ شَيْئا والدرك فِي هَذَا ألحق لَهُ.
والآن نذْكر مَا وجدنَا لَهُ من ذَلِك - إِن شَاءَ الله تَعَالَى - فَنَقُول:
(982) وَذكر فِي كتاب الْإِيمَان، من طَرِيق أبي أَحْمد من حَدِيث حجاج ابْن نصير قَالَ: حَدثنَا الْمُنْذر بن زِيَاد، عَن زيد بن أسلم، عَن أَبِيه، قَالَ: سَمِعت عمر بن الْخطاب يَقُول: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " كَمَا لَا ينفع مَعَ الشّرك شَيْء، كَذَلِك لَا يضر مَعَ الْإِيمَان بِاللَّه شَيْء ".
ثمَّ قَالَ: حجاج بن نصير، ضعفه ابْن معِين وَالنَّسَائِيّ.
وَقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم وَالْبُخَارِيّ وَعلي بن الْمَدِينِيّ: مَتْرُوك.
وَلَفظ البُخَارِيّ فِيهِ: سكتوا عَنهُ.
وَقَالَ فِيهِ ابْن معِين مرّة: " شيخ صَدُوق، وَلَكِن أخذُوا عَلَيْهِ أَشْيَاء من(3/246)
حَدِيث شُعْبَة ".
وَذكر لَهُ أَبُو أَحْمد أَحَادِيث، مِنْهَا هَذَا، وَذكر كَلَامه إِلَى آخِره.
فَنَقُول - وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق -: فِي اعتنائه من هَذَا الْإِسْنَاد بِذكر مَا قيل فِي حجاج بن نصير، وَحشر كَلَامهم فِيهِ، يذهب بقارئ هَذَا الْموضع إِلَى اعْتِقَاد سَلامَة من فِي سَائِر الْقطعَة، وَأَنه لَا نظر فِي أحد مِنْهُم.
وَلم يتَقَدَّم لَهُ ذكر فيهم، يكون بإبرازه إيَّاهُم، محيلا على مَا قد قدم فيهم، وَذَلِكَ من فعله خطأ.
وَالْمُنْذر بن زِيَاد هَذَا الَّذِي يروي عَنهُ حجاج بن نصير، هُوَ أَبُو يحيى الطَّائِي الْبَصْرِيّ، الرَّاوِي عَن الْوَلِيد بن سريع.
قَالَ عَمْرو بن عَليّ: كَانَ كذابا، ينزل فِي منزل بني مجاشع يَعْنِي بِالْبَصْرَةِ.
ذكر قَول عَمْرو بن عَليّ هَذَا أَبُو أَحْمد.
وَذكر عَنهُ ابْن أبي حَاتِم قَالَ: سَمِعت الْمُنْذر بن زِيَاد، وَكَانَ كذابا.
وَإِلَى هَذَا فَإِن دون حجاج بن نصير من لَا تعرف حَاله، وَهُوَ يَعْقُوب بن سُفْيَان، فَاعْلَم ذَلِك.
(983) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد أَيْضا، من رِوَايَة يزِيد بن عبد الْملك /(3/247)
النَّوْفَلِي، قَالَ: حَدثنَا دَاوُد بن فَرَاهِيجَ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله / - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " النّظر إِلَى الْمُغنيَة حرَام " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: يزِيد بن عبد الْملك: لَا أعلم أحدا وَثَّقَهُ.
كَذَا ذكره، وَلم يبين من أَمر دَاوُد بن فَرَاهِيجَ شَيْئا، وَهُوَ ضَعِيف، وَقد تَركه شُعْبَة، وَابْن معِين، وَإِن كَانَ صَدُوقًا.
(984) وَذكر 0 حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي " الرُّخْصَة للْمحرمِ فِي الْهِمْيَان ".
وأبرز من إِسْنَاده أَحْمد بن ميسرَة، وصالحا مولى التَّوْأَمَة، وَعرض مِنْهُ لِأَحْمَد بن ميسرَة، وَلم يعرض لصالح، وَأرَاهُ اعْتمد فِيهِ على مَا تقدم.
(985) وَذكر أَيْضا من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد، عَن عَمْرو ابْن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَبا بكر وَعمر " حرقوا مَتَاع الغال ".
وَضَعفه بزهير.
وَلم يعرض لعَمْرو بن شُعَيْب، وَذَلِكَ إِحَالَة على مَا شهر من أمره فِي مَوَاضِع.(3/248)
(986) وَذكر من المراسل، عَن بَقِيَّة، عَن مُبشر بن عبيد، عَن زيد بن أسلم، عَن عَطاء بن يسَار: " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن الذّبْح بِاللَّيْلِ ".
وَعرض لمبشر، وَأعْرض عَن بَقِيَّة، اعْتِمَادًا على مَا تقدم فِيهِ.
(987) وَذكر من حَدِيث ابْن مَسْعُود: " الْجَزُور فِي الْأَضْحَى عَن عشرَة ".
من رِوَايَة أَيُّوب أبي الْجمل عَن عَطاء بن السَّائِب، عَن أبي عبد الرَّحْمَن عَن ابْن مَسْعُود.
وَضعف أَيُّوب، وَلم يعرض لعطاء وَلَعَلَّه اعْتمد فِيهِ [على] مَا قد قدم، وسترى رَأْيه فِيهِ بعد إِن شَاءَ الله.
وَقد تقدم لَهُ فِي أَيُّوب أَنه لَا بَأْس بِهِ فِي حَدِيث:
(988) " لَيْسَ على الْمَرْأَة حرم إِلَّا فِي وَجههَا ".(3/249)
(989) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عبد الله ابْن عمر بن حَفْص الْعمريّ، عَن أَبِيه، عَن سعيد بن أبي سعيد، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْغناء ينْبت النِّفَاق فِي الْقلب ".
قَالَ: وَعبد الرَّحْمَن مَتْرُوك، انْتهى مَا ذكر.
وَهُوَ كَمَا قَالَ، بل هُوَ مُتَّهم بِالْكَذِبِ، وَالَّذِي لأَجله ذكرنَا هَذَا الحَدِيث هُوَ بإعراضه عَن أَبِيه، وَهُوَ يُضعفهُ دائبا، وَإِنَّمَا اعْتمد فِيهِ مَا تقدم /.
فَأَما المجاهيل من هَذَا الْقسم، فَذكر من طَرِيق الْعقيلِيّ، عَن صَالح النَّاجِي، عَن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
(990) " يمسح الْمُتَيَمم هَكَذَا " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس، لَا يعرف بِالنَّقْلِ، وَحَدِيثه غير مَحْفُوظ. انْتهى مَا ذكر.
وَقد بَينا فِي بَاب الْأَشْيَاء الْمُغيرَة عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ، أَنه تصحف لَهُ " التَّيَمُّم " من " الْيَتِيم ".
ونبين الْآن - إِن شَاءَ الله - أَن سُلَيْمَان بن عَليّ - وَالِد مُحَمَّد - هُوَ أَيْضا لَا(3/250)
تعرف حَاله فِي الحَدِيث، وَكَانَ أَمِيرا بِالْبَصْرَةِ، يروي عَنهُ ابْنه مُحَمَّد بن سُلَيْمَان، وَمُحَمّد بن رَاشد.
وَذكر ابْن أبي حَاتِم أَن صَالحا النَّاجِي يروي عَنهُ.
وَذَلِكَ خطأ، وَإِنَّمَا يروي عَن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان ابْنه.
وَصَالح النَّاجِي أَيْضا لَا تعرف لَهُ حَال، ويروي عَنهُ أَبُو عَاصِم النَّبِيل.
(991) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، عَن عباد بن كثير، عَن عُثْمَان الْأَعْرَج، عَن الْحسن قَالَ: حَدثنِي سَبْعَة رَهْط من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَمِنْهُم أنس بن مَالك، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " نهى عَن الصَّلَاة تجاه حش أَو حمام، أَو مَقْبرَة ".
ثمَّ أعله بعباد بن كثير.
وَهُوَ عِلّة كَافِيَة، وَلَكِن مَعَ ذَلِك بَقِي عَلَيْهِ أَن يُنَبه على عُثْمَان هَذَا، فَإِنَّهُ لَا يعرف.
(992) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن الْفرج بن فضَالة، عَن أبي سعد، قَالَ: رَأَيْت وَاثِلَة بن الْأَسْقَع فِي مَسْجِد دمشق بَصق على البوري - يَعْنِي الْحَصِير - ثمَّ مَسحه بِرجلِهِ، فَقيل لَهُ: لم فعلت هَذَا؟ فَقَالَ /: " لِأَنِّي رَأَيْت(3/251)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَفْعَله ".
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: فرج بن فضَالة ضَعِيف، وَأَيْضًا فَلم يكن فِي مَسْجِد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حصر.
(993) وَالصَّحِيح أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنَّمَا " بَصق على الأَرْض، ودلكه بنعله الْيُسْرَى ".
وَلَعَلَّ وَاثِلَة إِنَّمَا أَرَادَ هَذَا، فَحمل الْحَصِير عَلَيْهِ. انْتهى مَا ذكر.
وَبَقِي عَلَيْهِ أَن يبين أَن أَبَا سعد هَذَا لَا يعرف من هُوَ، وَوَقع فِي رِوَايَة ابْن الْأَعرَابِي: أَبُو سعيد، وَالصَّوَاب أَبُو سعد، وَهُوَ شَامي / مَجْهُول الْحَال. وتعليل الحَدِيث بِهِ أولى من تَعْلِيله بفرج بن فضَالة؛ فَإِنَّهُ - وَإِن كَانَ ضَعِيفا - فَإِنَّهُ مَعْرُوف فِي أهل الْعلم، أَخذ النَّاس عَنهُ، وَقد روى عَنهُ شُعْبَة، وَهُوَ من هُوَ، قَالَ يزِيد بن هَارُون: رَأَيْت شُعْبَة يسْأَله عَن حَدِيث من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش.
وَمِمَّنْ روى عَنهُ أَيْضا قُتَيْبَة بن سعيد، وَسَعِيد بن مُحَمَّد الْجرْمِي، وَإِبْرَاهِيم ابْن مهْدي، وسُويد بن سعيد، وَابْن الطباع، وسعدويه، وأمثالهم.(3/252)
وَهُوَ صَدُوق، وَإِنَّمَا أَنْكَرُوا عَلَيْهِ أَحَادِيث رَوَاهَا عَن يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ مَقْلُوبَة.
قَالَ أَبُو حَاتِم: وَهُوَ فِي غَيره أحسن حَالا وَهُوَ بِالْجُمْلَةِ ضَعِيف.
وَأما مَا ذكر من أَن ذكر البوري ملغى من الحَدِيث، وَإِنَّمَا بَصق النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - على الأَرْض فَحمل وَاثِلَة البوري عَلَيْهَا بنظره، فَتَأْوِيل صَحِيح، وَكَذَلِكَ ذكره الْحمانِي عَن فرج، لم يذكر البوري.
قَالَ السَّاجِي: أَخْبرنِي مُحَمَّد بن عبد الله فِيمَا كتب إِلَيّ، حَدثنَا الْحمانِي، حَدثنَا الْفرج بن فضَالة، عَن أبي سعيد قَالَ: رَأَيْت وَاثِلَة بن الْأَسْقَع بزق ودلك بِرجلِهِ، وَقَالَ: " رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَفْعَله ".
(994) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار، عَن عَاصِم بن عبيد الله، عَن عبيد مولى أبي رهم، عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَيّمَا امْرَأَة تطيبت ثمَّ أَتَت الْمَسْجِد 000 " الحَدِيث.
ثمَّ أتبعه تَضْعِيف عَاصِم عَن جمَاعَة.
وَلم يعرض لِعبيد مولى أبي رهم، وَهُوَ لَا يعرف، وَقد اخْتلفُوا فِيهِ.(3/253)
فَمنهمْ من لَا يُسَمِّيه عَن عَاصِم، فَيَقُول: عَن مولى لأبي رهم.
فَمن قائلي ذَلِك: ابْن عُيَيْنَة، من رِوَايَة ابْن أبي عمر عَنهُ.
وَقَالَ عَنهُ ابْن أبي شيبَة: عَن مولى ابْن أبي رهم.
وَمِنْهُم من يُسَمِّيه، وَاخْتلفُوا، فالأكثر يَقُول: عَن عَاصِم، عَن عبيد، وَهَذَا قَول الثَّوْريّ، وَشعْبَة، وَرُبمَا قَالَ بَعضهم: عَن عبيد بن أبي عبيد، كَذَا قَالَ شريك.
وَمِنْهُم من يَقُول: عَن علوان مولى أبي رهم، كَذَا قَالَ ابْن إِدْرِيس، عَن لَيْث، عَن علوان مولى أبي رهم.
وَقَالَ الْمحَاربي: عَن لَيْث، عَن / عبيد الْكَرِيم مولى لأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَفِيه غَيره هَذَا، وَهُوَ مَعَ هَذَا رجل لَا تعرف لَهُ حَال، وَلَا يعرف لَهُ كَبِير شَيْء من الحَدِيث، إِنَّمَا هِيَ ثَلَاثَة أَو نَحْوهَا عَن أبي هُرَيْرَة، فَاعْلَم ذَلِك.
(995) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، عَن عبد الرَّحْمَن بن سُلَيْمَان بن أبي الجون، عَن الْأَعْمَش، عَن أبي الْعَلَاء الْعَنزي، عَن سلمَان، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " عَلَيْكُم بِقِيَام اللَّيْل؛ فَإِنَّهُ دأب الصَّالِحين قبلكُمْ 000 " الحَدِيث.(3/254)
ثمَّ قَالَ: قَالَ أَبُو أَحْمد: [ابْن أبي الجون أَحَادِيثه مُسْتَقِيمَة.
هَذَا مَا ذكره بِهِ، وَفِي ذكره] ابْن أبي الجون إِعْرَاض عَمَّن سواهُ.
وَابْن أبي الجون، قَالَ أَبُو أَحْمد: أَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ، أَحَادِيثه مُسْتَقِيمَة.
وَلَيْسَ الشَّأْن فِيهِ عِنْدِي، وَإِنَّمَا الشَّأْن فِي أبي الْعَلَاء الْعَنزي، فَإِنَّهُ لَا يعرف بِغَيْر هَذَا، وَلم يذكرهُ البُخَارِيّ، وَلَا ابْن أبي حَاتِم /.
وَذكره ابْن الْجَارُود غير مُسَمّى، وَلَا مُعَرفا بِشَيْء من أمره، إِلَّا رِوَايَته عَن سلمَان، وَرِوَايَة الْأَعْمَش عَنهُ، فَاعْلَم ذَلِك.
(996) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن مَيْمُون: أبي حَمْزَة، عَن أبي صَالح مولى أم سَلمَة قَالَت: " رأى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - غُلَاما يُقَال لَهُ: أَفْلح، إِذا سجد نفخ، فَقَالَ لَهُ: " يَا أَفْلح، ترب وَجهك ".
ثمَّ رده بِأَن قَالَ: مَيْمُون أَبُو حَمْزَة قد ضعفه بعض أهل الْعلم.
وَلم يبين من أَمر هَذَا الحَدِيث أَكثر من هَذَا، كَأَن أَبَا صَالح الْمَذْكُور فِيهِ، مَعْرُوف عِنْده.
وَالَّذِي اعتره فِيهِ هُوَ مَا يعتري أَكثر الناظرين فِيهِ مَا لم يحققوا، وَذَلِكَ أَنهم يَظُنُّونَهُ أَبَا صَالح: ذكْوَان السمان، الثِّقَة الْمَأْمُون، وَلَيْسَ بِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ أَبُو صَالح ذكْوَان مولى أم سَلمَة، [وَقد بَين ذَلِك ابْن الْجَارُود فِي كتاب الكنى:(3/255)
ذكر أَبَا صَالح ذكْوَان السمان، ثمَّ ذكر بعده أَبَا صَالح ذكْوَان مولى] أم سَلمَة، عَن أم سَلمَة، روى عَنهُ مَيْمُون أَبُو حَمْزَة.
فَإِذا الْأَمر فِيهِ هَكَذَا، فَأَبُو صَالح هَذَا مَجْهُول الْحَال، وَلَا أعلم لَهُ غير هَذَا.
(997) وَسَيَأْتِي لأبي مُحَمَّد فِي الْجَنَائِز حَدِيث، هُوَ من رِوَايَة أبي حَمْزَة، مَيْمُون " فِي كَرَاهِيَة النعي ".
وَسكت عَنهُ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَته، وَترك فِي الْبَاب صَحِيحا من غير رِوَايَته لم يذكرهُ. فَاعْلَم ذَلِك.
(998) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ حَدِيث مُسلم بن مخشي عَن ابْن الفراسي [عَن الفراسي] " إِن كنت / لَا بُد سَائِلًا، فسل الصَّالِحين ".
ورده بِأَن قَالَ: ابْن الفراسي لَا أعلم روى عَنهُ إِلَّا مُسلم بن مخشي.
وَترك إعلاله بِمُسلم بن مخشي.
وَقد قدم فِي مَاء الْبَحْر أَنه لم يرو عَنهُ إِلَّا بكر بن سوَادَة.
وَقد جرى لهَذَا الحَدِيث ذكر فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا(3/256)
مُتَّصِلَة وَهِي مُنْقَطِعَة.
(999) وَذكر من طَرِيق ابْن أبي شيبَة، عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد، عَن مُوسَى ابْن جُبَير، عَن أبي أُمَامَة، عَن عبد الله بن عَمْرو، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " اتْرُكُوا الْحَبَشَة مَا تركوكم " الحَدِيث.
ثمَّ رده بِأَن قَالَ: زُهَيْر بن مُحَمَّد سيئ الْحِفْظ، لَا يحْتَج بِهِ، وَمن طَرِيقه أخرجه أَبُو دَاوُد.
هَذَا مَا ذكر، وَبَقِي عَلَيْهِ أَن يبين أَن حَال مُوسَى بن جُبَير لَا تعرف، وَإِن كَانَ قد روى عَنهُ جمَاعَة، وَهُوَ مدنِي مولى بني سَلمَة.
(1000) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي عَوْف، عَن أبي هِنْد البَجلِيّ، قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَة: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " لَا تَنْقَطِع الْهِجْرَة حَتَّى تَنْقَطِع التَّوْبَة " الحَدِيث.(3/257)
ثمَّ قَالَ: أَبُو هِنْد لَيْسَ بالمشهور.
كَذَا قَالَ: لَيْسَ بالمشهور، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل هُوَ مَجْهُول لَا يعرف بِغَيْر هَذَا، وَلَا يعرف روى عَنهُ إِلَّا عبد الرَّحْمَن هَذَا.
وَلم يبين أَبُو مُحَمَّد من أَمر عبد الرَّحْمَن هَذَا شَيْئا، وَهُوَ مَجْهُول الْحَال، وَإِن كَانَ قد روى عَنهُ جمَاعَة: صَفْوَان بن عَمْرو الزبيدِيّ، وحريز بن عُثْمَان، وثور بن يزِيد.
ويروي عَن جُبَير بن نفير، عَن الْمِقْدَام بن معدي كرب، حَدِيث:
(1001) " أَلا أَنِّي أُوتيت الْكتاب وَمثله مَعَه ".
ذكره أَبُو دَاوُد، وَبِه ذكره البُخَارِيّ فِي تَارِيخه، وَهُوَ قَاضِي حمص، فَاعْلَم ذَلِك.
(1002) وَذكر من المراسل، عَن عبد الله بن بسر الحبراني، عَن(3/258)
عبد الرَّحْمَن بن عدي البهراني، عَن أَخِيه عبد الْأَعْلَى، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَنه بعث عليا يَوْم غَدِير خم، فَرَأى رجلا مَعَه قَوس فارسية فَقَالَ لَهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يَا صَاحب الْقوس ألقها " الحَدِيث.
ثمَّ أتبعه قَول أبي دَاوُد: / أسْند / وَلَيْسَ بِصَحِيح.
وَعبد الله بن بسر، لَيْسَ بِقَوي، كَانَ يحيى بن سعيد يُضعفهُ.
وَهَذَا الحَدِيث ذكره أَبُو دَاوُد فِي المراسل هَكَذَا: حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن أَبُو الْجمَاهِر التنوخي، قَالَ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن عبد الله بن بسر الحبراني فَذكره، ثمَّ أتبعه مَا ذكرنَا.
وَالَّذِي لأَجله كتبته الْآن، لَيْسَ هُوَ أَمر إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش وَمَا قيل فِيهِ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا رَوَاهُ عَن شَامي، لَكِن أَمر عبد الرَّحْمَن وأخيه، فَإِنَّهُمَا مَجْهُولَانِ وَإِن كَانَ عبد الْأَعْلَى مِنْهُمَا، قَاضِي حمص، فَإِن حَاله فِي الحَدِيث لَا تعرف.
وَذكر البُخَارِيّ جمَاعَة رَوَت عَنهُ، وَأَخُوهُ عبد الرَّحْمَن أخمل مِنْهُ.
وَأَبُو مُحَمَّد - بإعراضه عَنْهُمَا وتشاغله بِعَبْد الله بن بسر - أوهم أَنَّهُمَا معروفان عِنْده، وَمَا أرَاهُ عرف من أحوالهما أَكثر من هَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ، فَاعْلَم ذَلِك.(3/259)
(1003) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن أبان بن عبد الله بن أبي حَازِم، عَن عُثْمَان بن أبي حَازِم، عَن أَبِيه، عَن جده صَخْر، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " غزا ثقيفا، فَلَمَّا أَن سمع صَخْر بذلك، ركب فِي خيل يمد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الحَدِيث بِطُولِهِ.
ثمَّ قَالَ بإثره: عُثْمَان بن أبي حَازِم، لَا أعلمهُ روى عَنهُ إِلَّا أبان بن عبد الله.
كَذَا قَالَ: وَهُوَ كَمَا ذكر، وَلَكِن بَقِي عَلَيْهِ أَن يبين أَن أَبَا حَازِم بن صَخْر، لَا يعرف روى عَنهُ أَيْضا إِلَّا ابْنه عُثْمَان، وَلَا يعرف بِغَيْر هَذَا الحَدِيث.
(1004) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ، عَن رَافع بن سَلمَة، عَن حشرج ابْن زِيَاد، عَن جدته أم أَبِيه قَالَت: " خرجت مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي غزَاة خَيْبَر، وَأَنا سادسة سِتّ نسْوَة " الحَدِيث.
ورده بِأَن قَالَ: حشرج لَا أعلم روى عَنهُ إِلَّا رَافع بن سَلمَة بن زِيَاد.
وَترك أَن يُنَبه على حَال رَافع بن سَلمَة بن زِيَاد بن أبي الْجَعْد، فَإِنَّهَا لَا تعرف، وَإِن كَانَ روى عَنهُ جمَاعَة: زيد بن الْحباب، وَمُسلم بن إِبْرَاهِيم، وَسَعِيد بن سُلَيْمَان، وهلال بن فياض /.(3/260)
وَلما ذكر أَبُو مُحَمَّد بن حزم هَذَا الحَدِيث قَالَ: رَافع وحشرج مَجْهُولَانِ.
وَأصَاب فِي ذَلِك.
(1005) وَقد وَقع ذكره فِي حَدِيث جعيل فِي ضرب الْفرس.
وَسَيَأْتِي فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي سكت عَنْهَا مصححا لَهَا.
(1006) وَذكر من طَرِيق ابْن أبي شيبَة، عَن نَوْفَل بن عبد الْملك، عَن أَبِيه، عَن عَليّ: " نهى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن التلقي، وَعَن ذبح ذَوَات الدّرّ " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث ضَعِيف من أجل نَوْفَل، وَقَبله فِي الْإِسْنَاد أَيْضا الرّبيع بن حبيب أَخُو عَائِذ بن حبيب، ضعفه البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ.
هَكَذَا ذكره، وَقد عمل فِيهِ بِنَحْوِ مِمَّا طالبته بِعَمَلِهِ فِي سَائِر هَذَا الْبَاب، وَلكنه مَعَ ذَلِك قد ترك أَن يبين من حَال عبد الْملك وَالِد نَوْفَل، مَا لم يعرف بِهِ قبل.
وَذَلِكَ أَنه أَيْضا كابنه، لَا تعرف حَاله، بل لم أجد لَهُ ذكرا، فَاعْلَم ذَلِك.(3/261)
(1007) وَذكر من طَرِيق الْحَارِث بن أبي أُسَامَة، عَن الْوَاقِدِيّ، عَن عبد الحميد بن عمرَان بن أبي أنس، عَن أَبِيه، قَالَ: سمع رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عُثْمَان يَقُول: " فِي هَذَا الْوِعَاء كَذَا وَكَذَا، وَلَا أبيعه إِلَّا مجازفة " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: الْوَاقِدِيّ، مَتْرُوك.
كَذَا ذكره، وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَبَقِي أَن تعلم أَن عبد الحميد بن عمرَان بن أبي أنس، لَيْسَ بِمَعْرُوف، وَلَيْسَ بِأبي الجويرية.
(1008) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن سيار بن مَنْظُور، رجل من بني فَزَارَة، عَن أَبِيه، عَن امْرَأَة يُقَال لَهَا بهيسة / عَن أَبِيهَا، قَالَ لي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا الشَّيْء الَّذِي لَا يحل مَنعه " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: بهيسة مَجْهُولَة، وَكَذَلِكَ الَّذِي قبلهَا.
هَكَذَا ذكره، وَصدق، وَبَقِي عَلَيْهِ أَن يبين أَن منظورا أَيْضا لَا تعرف حَاله، وَكَذَلِكَ أَيْضا أَبوهَا، فَاعْلَم ذَلِك.
(1009) وَذكر من رِوَايَة إِسْرَائِيل، عَن عمر بن عبد الله بن يعلى، عَن(3/262)
حكيمة، عَن أَبِيهَا، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من الْتقط لقطَة / درهما أَو حبلا " 000 الحَدِيث.
ثمَّ ضعفه بعمر بن عبد الله بن يعلى، وَترك أَن يعرف بِحَال حكيمة وأبيها، وهما مَجْهُولَانِ، وَقد ذَكرْنَاهُ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي لم يعزها.
(1010) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار، عَن دهثم بن قرَان، عَن نمران ابْن جَارِيَة، عَن أَبِيه، أَن قوما اخْتَصَمُوا إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي خص فَبعث حُذَيْفَة بن الْيَمَان ليقضي بَينهم، فَقضى بِهِ للَّذي يَلِيهِ القمط.
ثمَّ ضعفه بِأَن قَالَ: دهثم بن قرَان مَتْرُوك الحَدِيث.
وَترك بَيَان حَال نمران بن جَارِيَة، فَإِنَّهَا لَا تعرف، وَلَا يعرف أحد روى عَنهُ غير دهثم.
(1011) وَذكر أَيْضا من طَرِيقه، حَدِيث العَبْد الَّذِي خرج فلقي رجلا، فَقطع يَده، ثمَّ لَقِي آخر فَشَجَّهُ فاختصم مولى العَبْد، والمقطوع، والمشجوج، إِلَى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - 000 " الحَدِيث.(3/263)
[وَهُوَ أَيْضا من رِوَايَة دهثم، عَن نمران، عَن أَبِيه كَذَلِك، وَالْقَوْل فيهمَا وَاحِد] .
(1012) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، من حَدِيث حرَام بن عُثْمَان، عَن أبي عَتيق، عَن جَابر بن عبد الله، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كل إنسية توحشت فذكاتها ذَكَاة الوحشية ".
كَذَا ذكره، وَلم يعرض لأبي عَتيق، وَلَا يعرف من هُوَ.
وَيَرْوِيه عَن حرَام بن عُثْمَان، إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش.
(1013) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ، عَن يحيى بن زُرَارَة بن كريم بن الْحَارِث، قَالَ: أَخْبرنِي أبي، عَن جدي، سمع النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " من شَاءَ عتر وَمن شَاءَ لم يعتر، من شَاءَ فرع وَمن شَاءَ لم يفرع " الحَدِيث.
وَضَعفه بِأَن قَالَ: زُرَارَة هَذَا لَا يحْتَج بحَديثه.
وَإِنَّمَا يَعْنِي بذلك أَنه لَا تعرف حَاله، وَهُوَ مَعَ ذَلِك قد ترك أَن يبين أَمر ابْنه(3/264)
يحيى، وَهُوَ أَيْضا لَا تعرف حَاله، غير أَنه قد روى عَنهُ جمَاعَة من الأجلة كَابْن الْمُبَارك، وَأبي عَاصِم النَّبِيل، ومُوسَى بن إِسْمَاعِيل، وَأبي الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ.
(1014) وَذكر من طَرِيق أبي عمر من التَّمْهِيد عَن مُحَمَّد بن قرظة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: " اشْتريت كَبْشًا لأضحي بِهِ، فَأكل الذِّئْب من ذَنبه " الحَدِيث.
وَضَعفه بجابر الْجعْفِيّ، وَأعْرض عَن مُحَمَّد بن قرظة / هَذَا، وَهُوَ لَا تعرف لَهُ حَال، وَقَالَ: يُقَال إِنَّه لم يسمع من أبي سعيد.
(1015) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن مُحَمَّد بن حسان، قَالَ: حَدثنَا عبد الْوَهَّاب الْكُوفِي، عَن عبد الْملك بن عُمَيْر، عَن أم عَطِيَّة، أَن امْرَأَة كَانَت تختن بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تنهكي " الحَدِيث.
وَضَعفه بِأَن مُحَمَّد بن حسان مَجْهُول.
وَلم يبين حَال عبد الْوَهَّاب هَذَا، وَهِي لَا تعرف.(3/265)
(1016) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا، عَن الْقَاسِم بن حسان، عَن عبد الرَّحْمَن ابْن حَرْمَلَة، أَن ابْن مَسْعُود كَانَ يَقُول: " كَانَ نَبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يكره عشر خِصَال " الحَدِيث.
ذكره فِي كتاب الطِّبّ، فِي أَحَادِيث الرقى، وَأتبعهُ أَن ضعف عبد الرَّحْمَن ابْن حَرْمَلَة، وَقَالَ: إِنَّه لَيْسَ بِمَشْهُور فِي أَصْحَاب ابْن مَسْعُود.
وَترك أَن يبين أَن الْقَاسِم بن حسان لَا تعرف حَاله، وَهُوَ كُوفِي، وَترك أَن يذكر أَيْضا مَا ذكر ابْن أبي حَاتِم، عَن أَبِيه أَنه قَالَ: لَا يعلم سمع من ابْن مَسْعُود / أم لَا.
ذكره فِي بَاب الْقَاسِم وَهُوَ عَم الْقَاسِم بن حسان.
(1017) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، من حَدِيث عَليّ بن غراب الْكُوفِي، قَالَ: حَدثنَا الْمُغيرَة بن أبي قُرَّة السدُوسِي، عَن أنس بن مَالك، أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أأرسل نَاقَتي وَأَتَوَكَّل، أم أعقلها وَأَتَوَكَّل؟ قَالَ: " بل اعقلها وتوكل ".(3/266)
ثمَّ قَالَ: عَليّ بن غراب صَدُوق لَا بَأْس بِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ يُدَلس، وَقد قَالَ فِي الحَدِيث: حَدثنَا الْمُغيرَة بن أبي قُرَّة.
وَذكر ابْن أبي حَاتِم عَن يحيى بن معِين أَنه قَالَ: ظلمه النَّاس حِين تكلمُوا فِيهِ.
قَالَ: وَذكره التِّرْمِذِيّ من حَدِيث يحيى بن سعيد، عَن الْمُغيرَة، قَالَ: وَهُوَ حَدِيث غَرِيب. انْتهى مَا ذكر.
وَفِيه إعراضه عَن الْمُغيرَة، وَهُوَ لَا تعرف لَهُ حَال، غير أَنه روى عَنهُ يحيى الْقطَّان، وَعلي بن غراب هَذَا الحَدِيث.
وَدون عَليّ بن غراب فِيهِ، عبد الْغفار بن الحكم، وحاله أَيْضا لَا تعرف.
وَدون عبد الْغفار، الْعَبَّاس بن صَالح بن مساور.
وَحَدِيث التِّرْمِذِيّ سليم من هَذَا كُله، إِلَّا الْمُغيرَة بن أبي قُرَّة /.
إِنَّمَا قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عَمْرو بن عَليّ، قَالَ: حَدثنَا يحيى بن سعيد الْقطَّان، قَالَ: حَدثنَا الْمُغيرَة بن أبي قُرَّة السدُوسِي، قَالَ: سَمِعت أنس بن مَالك يَقُول: قَالَ رجل: يَا رَسُول الله، أعقلها وَأَتَوَكَّل، أَو أطلقها وَأَتَوَكَّل؟ قَالَ: " اعقلها وتوكل ".
قَالَ عَمْرو بن عَليّ: قَالَ يحيى: وَهَذَا عِنْدِي مُنكر. انْتهى مَا أورد التِّرْمِذِيّ.(3/267)
وأظن أَبَا مُحَمَّد إِنَّمَا عدل عَن هَذَا الْإِسْنَاد إِلَى إِسْنَاد أبي أَحْمد - على مَا فِيهِ - لمَكَان زِيَادَة " نَاقَتي " وَلَيْسَ ذَلِك عِنْد التِّرْمِذِيّ.
وَعلة الْخَبَر الْمُشْتَركَة فِي الْمَوْضِعَيْنِ، هِيَ الْمُغيرَة بن أبي قُرَّة، فَعلم ذَلِك.(3/268)
((5) بَاب ذكر أَحَادِيث أعلها بِمَا لَيْسَ بعلة وَترك ذكر عللها.)(3/269)
هَذِه التَّرْجَمَة إِنَّمَا نعني بقولنَا فِيهَا " مَا لَيْسَ بعلة " أَي فِي الصَّحِيح من النطر، فَأَما هُوَ فقد رأى مَا أعل بِهِ مَا يذكر من الْأَحَادِيث الَّتِي فِي هَذَا الْبَاب عللا.
(1018) فَمن ذَلِك أَنه ذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، حَدِيث أبي سعيد: " لَا يخرج الرّجلَانِ يضربان الْغَائِط، كاشفين عَن عورتهما يتحدثان، فَإِن الله يمقت على ذَلِك ".
وَأعله بِأَن قَالَ: " لم يسْندهُ غير عِكْرِمَة بن عمار، وَقد اضْطربَ فِيهِ ".
لم يزدْ على هَذَا، وَقد ترك مَا هُوَ عِلّة فِي الْحَقِيقَة، وَهُوَ الْجَهْل براويه عَن أبي سعيد، وَهُوَ عِيَاض بن بِلَال، أَو هِلَال بن عِيَاض.
وَقد بسطنا القَوْل فِي هَذَا الحَدِيث فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا من طرق ضَعِيفَة، وَلها طرق صَحِيحَة أَو حَسَنَة.
(1019) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا عَن عَليّ، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " من(3/271)
ترك مَوضِع شَعْرَة من جَنَابَة لم يغسلهَا فعل بِهِ كَذَا وَكَذَا فِي النَّار ".
ثمَّ قَالَ بعده: هَذَا يرْوى مَوْقُوفا على عَليّ، وَهُوَ الْأَكْثَر، انْتهى مَا ذكر.
وَهَذَا الأَصْل - أَعنِي أَن يروي الحَدِيث تَارَة مَوْقُوفا، وَتارَة مُسْندًا مَرْفُوعا / - قد تنَاقض فِيهِ، وسنريك ذَلِك لَهُ بعد إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَالْأَحَادِيث الَّتِي قد صححها وَهَذَا الْمَعْنى مَوْجُود فِيهَا، كَثِيرَة جدا، لم / نعرض لإحصائها عَلَيْهِ، وَلَكِنَّك لَا تعدمه، وَإِنَّمَا تعدم حَدِيثا لَا يَعْتَرِيه هَذَا الْمَعْنى، إِلَّا فِي الْأَقَل من الْأَحَادِيث، وَهُوَ مَعَ ذَلِك أصل بَاطِل، فَإِنَّهُ لَا بعد فِي أَن يكون رَاوِي الحَدِيث يتقلد مُقْتَضَاهُ، فيفتي بِهِ فَيَجِيء الحَدِيث عَنهُ مَرْفُوعا وموقوفا، أَو أَن يتقلد مُقْتَضَاهُ، فَيحدث بِهِ عَن نَفسه لَا فِي معرض الْفَتْوَى، أَو أَن يكون ابْن عمر مثلا، قد روى الحَدِيث مَرْفُوعا، وَرَوَاهُ عَن أَبِيه مَوْقُوفا، وَكَذَلِكَ غَيره من الصَّحَابَة.
والخوض فِي هَذَا طَوِيل، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعه.
وَهَذَا الحَدِيث قد أعرض أَبُو مُحَمَّد مِنْهُ عَمَّا هُوَ فِي الْحَقِيقَة علته، وَهِي أَنه من رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَطاء بن السَّائِب، عَن زَاذَان، عَن عَليّ.
وَحَمَّاد بن سَلمَة إِنَّمَا سمع من عَطاء بعد اخْتِلَاطه وَإِنَّمَا يقبل من حَدِيث عَطاء مَا كَانَ قبل أَن يخْتَلط.(3/272)
وَأَبُو مُحَمَّد يعْتَبر هَذَا من حَاله، وسنريك ذَلِك لَهُ فِيمَا بعد، ونريك أَيْضا تناقضه فِيهِ، بسكوته عَن بعض مَا هُوَ من رِوَايَته بعد اخْتِلَاطه، وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن يقبل من حَدِيثه مَا روى عَنهُ مثل شُعْبَة، وسُفْيَان.
فَأَما جرير، وخَالِد بن عبد الله، وَابْن علية، وَعلي بن عَاصِم، وَحَمَّاد بن سَلمَة، وَبِالْجُمْلَةِ أهل الْبَصْرَة، فأحاديثهم عَنهُ مِمَّا سمع مِنْهُ بعد الِاخْتِلَاط، لِأَنَّهُ إِنَّمَا قدم عَلَيْهِم فِي آخر عمره.
وَقد نَص الْعقيلِيّ على حَمَّاد بن سَلمَة أَنه مِمَّن سمع مِنْهُ بعد الِاخْتِلَاط، وَأما أَبُو عوَانَة فَسمع مِنْهُ فِي الْحَالين.
وَلما أورد أَبُو أَحْمد فِي بَابه مَا أنكر عَلَيْهِ من الحَدِيث، أَو مَا خلط فِيهِ، أَو مَا رُوِيَ عَنهُ بعد اخْتِلَاطه، أورد فِي جملَة ذَلِك هَذَا الحَدِيث.
(1020) وَإِن أردْت أَن تتعجل الْوُقُوف على بعض مَا اعْتبر فِيهِ أَبُو مُحَمَّد حَال عَطاء، فَانْظُر فِي التَّيَمُّم حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِن كُنْتُم مرضى أَو على سفر} .
فَإِنَّهُ أتبعه أَن قَالَ: قَالَ يحيى بن معِين: إِنَّمَا روى جرير عَن عَطاء بعد /(3/273)
الِاخْتِلَاط، ذكر ذَلِك أَبُو أَحْمد، فَاعْلَم ذَلِك.
(1021) وَذكر حَدِيث: " أَذَان بِلَال عِنْد الْفجْر ".
ورده بمعارضة قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " إِن بِلَالًا يُنَادي بلَيْل ".
وَلم يبين أَنه من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق.
والْحَدِيث الْمَذْكُور لَا يُعَارضهُ؛ لِأَنَّهُ فِي رَمَضَان خَاصَّة، أما سَائِر الْعَام فَمَا كَانَ يُؤذن إِلَّا بعد الْفجْر.
وَعلة الْخَبَر إِنَّمَا هِيَ أَن الْمَرْأَة الْمَذْكُورَة لم تثبت صحبتهَا، وَلَا ارْتهن فِيهَا الرَّاوِي عَنْهَا - وَهُوَ عُرْوَة بن الزبير - بِشَيْء، وَإِنَّمَا هِيَ قَالَت عَن نَفسهَا: إِنَّهَا شاهدت مَا ذكرت.
(1022) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من صلى وَحده ثمَّ أدْرك الْجَمَاعَة فَليصل، إِلَّا الْفجْر وَالْعصر ".
ثمَّ قَالَ: رَوَاهُ سهل بن صَالح الْأَنْطَاكِي - وَكَانَ ثِقَة - عَن يحيى بن سعيد الْقطَّان، عَن عبيد الله، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَخَالفهُ عَمْرو بن عَليّ، عَن يحيى الْقطَّان بِهَذَا الْإِسْنَاد عَن ابْن عمر.
وَتَابعه على ذَلِك ابْن نمير، وَأَبُو أُسَامَة، عَن عبيد الله، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر مَوْقُوفا من قَوْله.(3/274)
وَكَذَا قَالَ مَالك وَاللَّيْث، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَوْله.
هَذَا نَص مَا ذكره بِهِ، وَهُوَ كَالْأولِ إعلال للْحَدِيث، بوقفه عِنْد قوم، وَرَفعه عِنْد آخَرين / وعلته فِي الْحَقِيقَة غير هَذَا، وَذَلِكَ أَنه لَا يصل إِلَى سهل ابْن صَالح إِلَّا بِمن لَا تعرف حَاله، وَهُوَ أَيْضا مُضْطَرب الْمَتْن، وَذَلِكَ عِلّة، لَا كالاضطراب فِي الْإِسْنَاد، فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَن يعد عِلّة، وَإِن رَآهُ المحدثون عِلّة.
بَيَان ذَلِك من حَال هَذَا الْخَبَر، هُوَ أَن الدَّارَقُطْنِيّ ساقة هَكَذَا: حَدثنَا أَبُو بكر الطلحي، قَالَ: حَدثنَا الْحَضْرَمِيّ، حَدثنَا سهل بن صَالح الْأَنْطَاكِي.
وَحدثنَا أَبُو بكر: مُحَمَّد بن عمر بن أَيُّوب الْمعدل، الرَّمْلِيّ، بهَا من أَصله، حَدثنَا مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن يَعْقُوب القحطي، بطرسوس، قَالَ: أَخْبرنِي سهل بن صَالح، حَدثنَا يحيى بن سعيد الْقطَّان، عَن عبيد الله، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من صلى وَحده ثمَّ أدْرك الْجَمَاعَة، أعَاد، إِلَّا الْفجْر / وَالْمغْرب ".
وَقَالَ الْحَضْرَمِيّ: " إِلَّا الْفجْر وَالْعصر ".
هَذَا مَا ذكر الدَّارَقُطْنِيّ، وَهُوَ فِي كتاب الْعِلَل من الْقَلِيل الْموصل فِيهِ، وَلم يذكرهُ فِي كتاب السّنَن.
وَأَبُو بكر الطلحي، اسْمه عبد الله بن يحيى، أَصله من الْكُوفَة، وَبهَا سمع مِنْهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَلَا أعرف حَاله.
والحضرمي هُوَ مُحَمَّد بن عبد الله بن سلمَان مطين، الْكُوفِي، أحد الثِّقَات.(3/275)
وَأَبُو بكر: مُحَمَّد بن عمر بن أَيُّوب، وَمُحَمّد بن مُحَمَّد، لَا أعرف حَالهمَا أَيْضا فَاعْلَم ذَلِك.
(1023) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن أبي مُوسَى حَدِيث: " لَا يقبل الله صَلَاة رجل فِي جسده شَيْء من خلوق ".
ثمَّ قَالَ بإثره: مِنْهُم من يرويهِ مَوْقُوفا على أبي مُوسَى، وَهُوَ الْأَشْهر. وَقد صَحَّ النَّهْي عَن التخلق. انْتهى كَلَامه.
وَهُوَ أَيْضا تَعْلِيل بِمَا لَيْسَ بعلة، وَلَا يضرّهُ أَن يقفه وَاقِف على أبي مُوسَى أَو غَيره لَو صَحَّ سَنَده، وَإِنَّمَا لَيْسَ صَحِيحا من جِهَة أُخْرَى ترك ذكرهَا، وَهِي أَنه من رِوَايَة الرّبيع بن أنس بن مَالك، عَن جديه: زيد وَزِيَاد:
وهما غير معروفين، وَلم يذكرَا بِغَيْر مَا فِي هَذَا الْإِسْنَاد من روايتهما عَن أبي مُوسَى، وَرِوَايَة الرّبيع بن أنس عَنْهُمَا، وليسا بمذكورين فِي نسب الرّبيع بن أنس.
وَقد ذكر البُخَارِيّ فِي تَارِيخه هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: فِي إِسْنَاده نظر.(3/276)
(1024) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن جَابر بن عبد الله، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الطِّفْل لَا يصلى عَلَيْهِ وَلَا يَرث وَلَا يُورث حَتَّى يستهل ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث قد اضْطربَ النَّاس فِيهِ، وَرُوِيَ مَوْقُوفا.
هَذَا مَا أعله بِهِ من غير مزِيد، وَقد ترك مَا هُوَ فِي الْحَقِيقَة علته، وَذكر مَا لَيْسَ بعلة عِنْد التَّحْقِيق.
أما اضْطِرَاب النَّاس فِيهِ، فَهُوَ فِي الْإِسْنَاد لَا فِي الْمَتْن، وَأما وقف من وَقفه فَلَا يضرّهُ ذَلِك، ونبين الْآن الْفَصْلَيْنِ، ثمَّ نبين علته فِي الْحَقِيقَة.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: اضْطربَ النَّاس فِيهِ، فروى بَعضهم عَن أبي الزبير، عَن جَابر عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَرَوَاهُ أَشْعَث بن سوار، وَغير وَاحِد، عَن أبي الزبير، عَن جَابر مَرْفُوعا.
وروى مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن عَطاء بن أبي رَبَاح / عَن جَابر مَوْقُوفا، وَكَأن هَذَا أصح من الحَدِيث الْمَرْفُوع. انْتهى كَلَام التِّرْمِذِيّ.
وَهُوَ الَّذِي اقْتصر أَبُو مُحَمَّد عَلَيْهِ، مُخْتَصرا لَهُ، وَالتِّرْمِذِيّ أَيْضا ترك أَن يبين عِلّة الْمَرْفُوع الْحَقِيقِيَّة إِلَّا أَنه أعذر فِي ذَلِك من أبي مُحَمَّد، بإبرازه إِسْنَاده، وَذَلِكَ يُبرئ ساحته مِنْهُ، ويحيل الْمطَالع عَلَيْهِ لينْظر فِيهِ، وَأَقل مَا كَانَ على أبي مُحَمَّد، أَن يُنَبه على كَونه من رِوَايَة أبي الزبير عَن جَابر، بِلَفْظَة " عَن " من غير رِوَايَة اللَّيْث عَنهُ، وَقد عهد يعْتد هَذَا عِلّة.(3/277)
وَإِلَى ذَلِك فَإِنَّهُ من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن مُسلم الْمَكِّيّ، عَن أبي الزبير، عَن جَابر وَهُوَ جدا ضَعِيف.
قَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ: سَمِعت يحيى بن سعيد - وَسُئِلَ عَنهُ - فَقَالَ: " لم يزل مخلطا، كَانَ يحدثنا بِالْحَدِيثِ الْوَاحِد على ثَلَاثَة / ضروب ".
قَالَ عَمْرو بن عَليّ: " كَانَ يرى الْقدر "، وَهُوَ ضَعِيف، يحدث عَن الْحسن، وَقَتَادَة، بِأَحَادِيث بواطل، لم يحدث عَنهُ يحيى، وَلَا عبد الرَّحْمَن، قَالَ: وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث، قد اجْتمع أهل الْعلم على ترك حَدِيثه، وَإِنَّمَا يحدث عَنهُ من لَا يبصر الرِّجَال، قَالَ: وَقد حدث عَنهُ قوم من أهل الْكُوفَة " الْأَعْمَش، وَإِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد، وَحَفْص، وَأَبُو مُعَاوِيَة، وَعبد الرَّحِيم الْمحَاربي، وَجَمَاعَة. انْتهى كَلَامه، فاعلمه.
(1025) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، من حَدِيث عفيف بن سَالم، قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان الثَّوْريّ، عَن مُوسَى بن عقبَة، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يحصن الشّرك بِاللَّه شَيْئا ".(3/278)
ثمَّ قَالَ: وهم عفيف فِي رَفعه، وَالصَّحِيح مَوْقُوف من قَول ابْن عمر.
هَذَا مَا أتبعه، وَهُوَ كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة غير عِلّة، فَإِن عفيف بن سَالم الْموصِلِي ثِقَة، قَالَه ابْن معِين، وَابْن حَاتِم وَإِذا رَفعه الثِّقَة لم يضرّهُ وقف من وَقفه.
وَإِنَّمَا علته أَنه من رِوَايَة أَحْمد بن أبي نَافِع، عَن عفيف الْمَذْكُور - وَهُوَ أَبُو سَلمَة الْموصِلِي - وَلم تثبت عَدَالَته.
وَقَالَ أَبُو أَحْمد بن عدي: سَمِعت أَحْمد بن عَليّ بن الْمثنى يَقُول: لم يكن موضعا للْحَدِيث، وَذكر لَهُ فِيمَا ذكر هَذَا الحَدِيث وَقَالَ: / وَهُوَ مُنكر من حَدِيث الثَّوْريّ.
(1026) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من كَانَ لَهُ مَال فَلم يضح فَلَا يقربن مصلانا ".
ثمَّ قَالَ: الصَّوَاب مَوْقُوف.(3/279)
هَذَا مَا أعله بِهِ، وعلته فِي الْحَقِيقَة أَنه من رِوَايَة عَمْرو بن الْحصين، عَن ابْن علاثة، عَن عبيد الله بن أبي جَعْفَر، عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَضعف عَمْرو بن الْحصين وَابْن علاثة لَا خَفَاء بِهِ عِنْدهم، وَمَا مثل ذَلِك طوى.
(1027) وَذكر حَدِيث جَابر: " من صلى رَكْعَة لم يقْرَأ فِيهَا بِأم الْقُرْآن، فَلم يصل إِلَّا وَرَاء إِمَام ".
وَضَعفه مَرْفُوعا بمخالفة النَّاس يحيى بن سَلام فِي رَفعه.
وَلَيْسَ ذَلِك لَهُ بعلة لَو كَانَ يحيى بن سَلام مُعْتَمدًا.
وَقد اسْتَوْفَيْنَا الْكَلَام على هَذَا الحَدِيث فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أغفل نسبتها إِلَى الْمَوَاضِع الَّتِي أخرجهَا مِنْهَا، وَفِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي عزاها، وَلم أجد لَهَا حَيْثُ ذكر ذكرا.
(1028) وَذكر حَدِيث سلمَان: " عَلَيْكُم بِقِيَام اللَّيْل ".
وَأعله بِمَا لَيْسَ بعلة.
وَترك مَا هُوَ فِي الْحَقِيقَة علته: مِمَّا قد كتبناه فِي الْبَاب الَّذِي قبل هَذَا.(3/280)
(1029) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، حَدِيث أبي بكرَة أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كَانَ إِذا جَاءَهُ أَمر سرُور أَو بشر بِهِ، خر سَاجِدا لله ".
ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده بكار بن عبد الْعَزِيز، وَلَيْسَ بِقَوي.
هَذَا مَا أعله بِهِ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة لَا يكون بِهِ الْخَبَر ضَعِيفا، فَإِنَّهُ رجل مَشْهُور، يكنى أَبَا بكرَة، ثقفي، روى عَنهُ جمَاعَة: مِنْهُم أَبُو عَاصِم، ومُوسَى ابْن إِسْمَاعِيل، وخَالِد بن خرَاش، وَغَيرهم.
وَقد عهد سقبل المستورين الَّذين روى عَن أحدهم جمَاعَة، وَهَذَا أرفع حَالا مِنْهُم.
وَمَا روى ابْن خَيْثَمَة عَن ابْن معِين من قَوْله فِيهِ: " لَيْسَ بِشَيْء " إِنَّمَا يَعْنِي بذلك قلَّة حَدِيثه، وَقد عهد يَقُول ذَلِك فِي المقلين، وَفسّر قَوْله فيهم ذَلِك بِمَا قُلْنَاهُ.
وَقد جرى ذكر ذَلِك عِنْد قَوْله مثل ذَلِك فِي كثير بن شنظير.
ويدلك على هَذَا أَنه - أَعنِي ابْن معِين - قد روى عَنهُ إِسْحَاق بن مَنْصُور أَنه قَالَ فِي بكار بن عبد الْعَزِيز هَذَا: إِنَّه صَالح.
وَقَالَ الْبَزَّار /: لَيْسَ بِهِ بَأْس.(3/281)
وَإِنَّمَا عِلّة الْخَبَر أَبوهُ عبد الْعَزِيز / بن أبي بكرَة، فَإِنَّهُ لَا تعرف لَهُ حَال، وَهُوَ يرويهِ عَنهُ، عَن أبي بكرَة جده، وَقد روى عَنهُ ابْنه بكار، وَعبد ربه بن عبيد، وسوار أَبُو حَمْزَة، وبحر بن كنيز، فَاعْلَم ذَلِك.
(1030) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، من حَدِيث عِيسَى بن عبد الله بن الحكم بن النُّعْمَان بن بشير، أبي مُوسَى، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر: " كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا دنا من منبره يَوْم الْجُمُعَة، سلم على من عِنْده من الْجُلُوس فَإِذا صعد الْمِنْبَر، اسْتقْبل النَّاس بِوَجْهِهِ ".
ثمَّ قَالَ: لَا يُتَابع عِيسَى بن عبد الله على هَذَا الحَدِيث.
كَذَا قَالَ، وَهُوَ لَيْسَ بعلة فِي الْحَقِيقَة أَن لَا يُتَابع الثِّقَة، وَلَا يضرّهُ الِانْفِرَاد عِنْد أَكثر الْمُحدثين، وَهُوَ أحدهم، وَإِن كَانَ بعض النَّاس يَأْبَى ذَلِك.
وَإِنَّمَا الْعلَّة أَن عِيسَى بن عبد الله الْمَذْكُور، لَا يُتَابع فِيمَا يرويهِ، لَيْسَ فِي هَذَا الحَدِيث فَقَط، بل فِي عَامَّة مَا يرويهِ.
كَذَلِك ذكره أَبُو أَحْمد بن عدي حِين ذكره، فَهُوَ إِذن مُنكر الحَدِيث.
(1031) وَقد ذكر أَبُو أَحْمد من طَرِيق الْبَزَّار، من رِوَايَة عِيسَى الْمَذْكُور، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يمس لحيته فِي الصَّلَاة(3/282)
من غير عَبث ".
ثمَّ قَالَ بإثره: لَا يُتَابع عِيسَى على هَذَا الحَدِيث، وَله أَحَادِيث مَنَاكِير، فَاعْلَم ذَلِك.
(1032) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث أبي هُرَيْرَة، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من غسل الْمَيِّت فليغتسل، وَمن حمله فَليَتَوَضَّأ ".
ثمَّ قَالَ: وَاخْتلف فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث. انْتهى مَا ذكر.
وَهُوَ إِن كَانَ لَيْسَ تعليلا، فسنبين الْآن أَنه حَدِيث ضَعِيف، وَإِن كَانَ مِنْهُ تعليلا.
فسنبين أَنه لَيْسَ بعلة فِي الْحَقِيقَة، وَنَذْكُر مَا هُوَ الْعلَّة فَنَقُول:
هَذَا الحَدِيث ذكره أَبُو دَاوُد، وَلم يسق لفظا سواهُ، وَإِنَّمَا ركب عَلَيْهِ طَرِيقا آخر، وَقَالَ: " بِمَعْنَاهُ "، وَلم يذكر مَتنه.
وَالْخَبَر الْمَذْكُور بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور، هُوَ من رِوَايَة عَمْرو بن عُمَيْر، عَن أبي هُرَيْرَة، يرويهِ عَن عَمْرو بن عُمَيْر الْقَاسِم بن عَبَّاس، وَرَوَاهُ عَن الْقَاسِم ابْن عَبَّاس / ابْن أبي ذِئْب.(3/283)
وَعَمْرو بن عُمَيْر هَذَا، مَجْهُول الْحَال، لَا يعرف بِغَيْر هَذَا، وَبِهَذَا الحَدِيث من غير مزِيد ذكره ابْن أبي حَاتِم فَهَذِهِ عِلّة هَذَا الْخَبَر.
فَأَما الِاخْتِلَاف الَّذِي قَالَه أَبُو مُحَمَّد، فَإِنَّهُ وَضعه غير مَوْضِعه، وَلَيْسَ هُوَ فِي هَذَا الْإِسْنَاد، إِنَّمَا هُنَاكَ لحَدِيث أبي هُرَيْرَة فِي الْغسْل من غسل الْمَيِّت طَرِيقَانِ مشهوران:
أَحدهمَا طَرِيق أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة، فِيهِ بَينهم اخْتِلَاف على سُهَيْل بن أبي صَالح.
مِنْهُم من يَقُول فِيهِ: عَن سُهَيْل، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَمِنْهُم من يَقُول: عَن سُهَيْل، عَن إِسْحَاق مولى زَائِدَة، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَمِنْهُم من يقفه بِهَذَا الطَّرِيق على أبي هُرَيْرَة.
وَمِنْهُم من يقفه عَلَيْهِ أَيْضا، وَلكنه يَقُول: عَن سُهَيْل، عَن إِسْحَاق، عَن أبي هُرَيْرَة، وَلَا يذكر أَبَا صَالح.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ - لما ذكر هَذَا الِاخْتِلَاف -: يشبه أَن يكون سُهَيْل كَانَ يضطرب فِيهِ.
وَأما الطَّرِيق الآخر، فَمن رِوَايَة أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من غسل مَيتا فليغتسل، وَمن حمله فَليَتَوَضَّأ، وَمن تبع جَنَازَة فَلَا يجلس حَتَّى تُوضَع ".
رَوَاهُ قوم عَن أبي سَلمَة هَكَذَا.(3/284)
وَرَوَاهُ قوم عَنهُ فوقفوه على أبي هُرَيْرَة.
وَقد رُوِيَ من طَرِيق الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن أبي هُرَيْرَة، وَلَيْسَ ذَلِك بِمَعْرُوف.
وَرُوِيَ أَيْضا عَن الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة، وَهُوَ أَيْضا كَذَلِك غير مَعْرُوف.
وَالْمَقْصُود أَن رِوَايَة عَمْرو بن عُمَيْر لَيْسَ فِيهَا اخْتِلَاف وَلَا [هُوَ] عِلّة لَهَا، وَإِنَّمَا علتها الْجَهْل بِحَال عَمْرو بن عُمَيْر، فَلَو عرفت حَاله لم تكن كَثْرَة الروَاة لَهُ / عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا وموقوفا، ضادا لَهَا، فَاعْلَم ذَلِك.
(1033) وَذكر حَدِيث: " سَيَأْتِيكُمْ ركيب مبغضون ".
وَأعله بِأَن قَالَ: عبد الرَّحْمَن بن جَابر بن عبد الله، لَا يحْتَج بِهِ.
هَذَا مَا أعله بِهِ، وَهَذَا الرجل لَيْسَ كَمَا ذكر، بل هُوَ ثِقَة، وَثَّقَهُ الْكُوفِي، وَأخرج لَهُ البُخَارِيّ وَمُسلم.
وَإِنَّمَا عِلّة الْخَبَر، الْجَهْل / بِحَال خَارِجَة السّلمِيّ، رَاوِيه عَنهُ.
وَقد تقدم هَذَا مَبْسُوطا فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا عَن رُوَاة، ثمَّ أردفها أَشْيَاء، موهما أَنَّهَا عَن أُولَئِكَ الروَاة.
(1034) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ، حَدِيث عَائِشَة فِي قَضَاء صِيَام(3/285)
التَّطَوُّع " صوما يَوْمًا مَكَانَهُ ".
وَعلله بتعليل الدَّارَقُطْنِيّ لَهُ بِأَن قَالَ: وهم جرير بن حَازِم، وَفرج بن فضَالة - يَعْنِي فِي قَوْلهمَا: عَن يحيى بن سعيد، عَن عمْرَة، عَن عَائِشَة -. وَخَالَفَهُمَا حَمَّاد بن زيد، وَعباد بن الْعَوام، وَيحيى بن أَيُّوب، رَوَوْهُ عَن يحيى ابْن سعيد، عَن الزُّهْرِيّ مُرْسلا.
هَذَا مَا أتبعه، وَلَا عيب على الحَدِيث فِي أَن يرْوى تَارَة مُسْندًا، وَتارَة مُرْسلا، وَإِنَّمَا عِلّة حَدِيث النَّسَائِيّ الْمَذْكُور، أَنه عِنْده من رِوَايَته عَن شَيْخه أَحْمد بن عِيسَى الْمصْرِيّ الخشاب، عَن ابْن وهب، عَن جرير.
وَأحمد هَذَا يتَكَلَّم فِيهِ، وينكر عَلَيْهِ، ويروي بواطل.
وَقد كتبه أَبُو مُحَمَّد فِي كِتَابه الْكَبِير من طَرِيق النَّسَائِيّ بِهَذَا الطَّرِيق الَّذِي قُلْنَاهُ، فَهُوَ معنيه بِلَا شكّ.
(1035) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن ركَانَة بن عبد يزِيد، قَالَ: سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " فرق مَا بَيْننَا وَبَين الْمُشْركين العمائم على القلانس ".
ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده مَجْهُول، لَا يعرف لبَعْضهِم سَماع من بعض. انْتهى مَا ذكر.(3/286)
هَذَا الْكَلَام الَّذِي ذكر، هُوَ كَلَام البُخَارِيّ، إِلَّا أَنه من البُخَارِيّ على أَصله، وَلَيْسَ من أبي مُحَمَّد على أَصله فِيمَا لَا يُحْصى من الْأَحَادِيث.
وَذَلِكَ أَن البُخَارِيّ وَعلي بن الْمَدِينِيّ، يريان رَأيا قد تولى رده عَلَيْهِمَا مُسلم، وَهُوَ: " أَن المتعاصرين لَا يحمل مُعَنْعَن أَحدهمَا عَن الآخر على الِاتِّصَال، مَا لم يثبت أَنَّهُمَا التقيا " وَخَالَفَهُمَا الْجُمْهُور فِي ذَلِك.
وَعِنْدِي أَن الصَّوَاب مَا قَالَاه وَلَيْسَ هَذَا مَوضِع بَيَانه، ولنوم إِلَيْهِ، وَذَلِكَ أَن الأَصْل فِي أَخْبَار الْآحَاد الرَّد لما هِيَ عَلَيْهِ من احْتِمَال الْخَطَأ وَالْكذب، وَغير ذَلِك من أحوالها لَوْلَا مَا قَامَ من الْحجَّة على إِلْزَام الْعَمَل بهَا، الَّتِي هِيَ الْإِجْمَاع، أَو / التَّوَاتُر عَن الشَّرْع بإلزام ذَلِك.
وَلَا يتَحَقَّق الْإِجْمَاع إِلَّا فِيمَا إِذا كَانَا قد التقيا وَلَو مرّة من دهرهما، وَلم يكن المعنعن مَعْرُوفا بالتدليس، وَكَانَ ثِقَة، وَمَتى اخْتَلَّ من هَذِه وَاحِد، فَالْخِلَاف قَائِم، فَلَا يكن حجَّة، وَكَذَلِكَ حجَّة التَّوَاتُر إِنَّمَا تتَحَقَّق فِيمَا لَا يشك فِي الالتقاء.
وَلَيْسَ بسط هَذَا من غرضنا، فلنرجع إِلَى رَأْي الْجُمْهُور مُلْتَزم أبي مُحَمَّد: فَنَقُول لَهُ:
البُخَارِيّ إِذا قَالَ ذَلِك فِي هَؤُلَاءِ فعلى أَصله، وَأما أَنْت إِذا قلته فقد تركت أصلك، إِذْ الزَّمَان مُحْتَمل للقاء.
وَإِنَّمَا عِلّة هَذَا الْخَبَر أَنه من رِوَايَة أبي الْحسن الْعَسْقَلَانِي، عَن أبي جَعْفَر(3/287)
[بن] مُحَمَّد بن ركَانَة، عَن أَبِيه، أَن ركَانَة، فَذكره.
وَمَا من هَؤُلَاءِ من تعرف لَهُ حَال.
وَلما ذكر التِّرْمِذِيّ هَذَا الْخَبَر قَالَ فِيهِ: " غَرِيب، إِسْنَاده لَيْسَ بالقائم، وَلَا نَعْرِف أَبَا الْحسن الْعَسْقَلَانِي، وَلَا ابْن ركَانَة ".
وَالْأَمر فِي هَذَا كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيّ، فاعلمه.
(1036) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن عمر، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي امْرَأَة لَهَا زوج وَلها مَال وَلَا يَأْذَن لَهَا فِي الْحَج -: " لَيْسَ لَهَا أَن تَنْطَلِق إِلَّا بِإِذن زَوجهَا ".
ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده رجل مَجْهُول يُقَال / لَهُ مُحَمَّد بن أبي يَعْقُوب الْكرْمَانِي، رَوَاهُ عَن حسان بن إِبْرَاهِيم الْكرْمَانِي.
هَذَا مَا ذكر من غير مزِيد، وَهَذَا الحَدِيث ذكره الدَّارَقُطْنِيّ هَكَذَا: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن أَحْمد القرميسيني قَالَ: حَدثنَا الْعَبَّاس بن مُحَمَّد بن مجاشع، قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن أبي يَعْقُوب، قَالَ: حَدثنَا حسان بن إِبْرَاهِيم، قَالَ:(3/288)
حَدثنَا إِبْرَاهِيم الصَّائِغ قَالَ: قَالَ نَافِع، عَن ابْن عمر، فَذكره.
فَأَبُو مُحَمَّد - رَحمَه الله - قَالَ فِي مُحَمَّد بن أبي يَعْقُوب هَذَا الَّذِي يروي عَن حسان بن إِبْرَاهِيم: إِنَّه مَجْهُول كَمَا قَالَ غَيره، وَهُوَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ.
وَكَذَلِكَ ذكره البُخَارِيّ ذكرا يقْضِي بِأَنَّهُ مَجْهُول.
ورد ذَلِك الْخَطِيب بن ثَابت على البُخَارِيّ، وَبَين أَنه مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن أبي يَعْقُوب الْكرْمَانِي الْمُتَقَدّم ذكره عِنْده فِي بَاب الْألف من أَسمَاء الْآبَاء.
قَالَ: وَقد وهم / البُخَارِيّ فِي التَّفْرِقَة بَينهمَا بترجمتين، وهما وَاحِد، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو نصر الكلاباذي كَمَا قَالَ الْخَطِيب.
فَأَما مُتَابعَة ابْن أبي حَاتِم للْبُخَارِيّ على التَّفْرِقَة فَغير مُعْتَبرَة؛ فَإِنَّهُ إِنَّمَا ينْقل رسوم البُخَارِيّ فِي الْأَكْثَر، وَيزِيد الْجرْح وَالتَّعْدِيل، فَلذَلِك يتفقان فِي الأوهام كثيرا، وَكَذَا ذكره ابْن الْجَارُود فِي كتاب الكنى مَنْسُوبا إِلَى جده فَقَالَ: أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أبي يَعْقُوب كَمَا فِي الْإِسْنَاد.
وَإِذا كَانَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن أبي يَعْقُوب الْكرْمَانِي، فَهُوَ ثِقَة، وَثَّقَهُ ابْن(3/289)
معِين، وَأخرج لَهُ البُخَارِيّ فِي جَامعه، روى عَنهُ البُخَارِيّ بِالْبَصْرَةِ، وَإِذا ثَبت هَذَا، فَلَيْسَ مَا أعل الْخَبَر بِهِ عِلّة، وعلته إِنَّمَا هِيَ الْعَبَّاس بن مُحَمَّد بن مجاشع، فَإِنَّهُ لَا تعرف حَاله، فَاعْلَم ذَلِك.(3/290)
((6) بَاب ذكر أَحَادِيث عللها، وَلم يبين من أسانيدها مَوضِع الْعِلَل.)(3/291)
الَّذِي يذكر فِي هَذَا الْبَاب، هُوَ قِسْمَانِ: قسم لم يُصَحِّحهُ وَهُوَ ضَعِيف، وَقسم لم يُصَحِّحهُ وَهُوَ حسن، وَلم نفضل فِي الذّكر أحد الْقسمَيْنِ من الآخر، لتداخل القَوْل فِي الرِّجَال، وَلكنه يتَبَيَّن ذَلِك فِي حَدِيث حَدِيث من سَائِر الْبَاب.
(1037) فَمن ذَلِك أَنه ذكر من طَرِيق الْبَزَّار، من حَدِيث شريك بن عبد الله، عَن أبي سِنَان، عَن ابْن أبي الْهُذيْل، عَن خباب، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِن بني إِسْرَائِيل لما ضلوا قصوا ".
قَالَ الْبَزَّار فِي هَذَا الْإِسْنَاد: إِسْنَاد حسن.
قَالَ أَبُو مُحَمَّد: وَلَيْسَ مِمَّا يحْتَج بِهِ.(3/293)
كَذَا قَالَ، وَلم يبين مَوضِع علته، ورأيته لما ذكره فِي كِتَابه الْكَبِير، قَالَ بعده: ابْن أبي الْهُذيْل اسْمه عبد الله، وَأَبُو سِنَان اسْمه ضرار بن مرّة.
فَهَذَا مِنْهُ تَصْرِيح بِأَن الَّذِي لأَجله لَا يحْتَج بِهِ عِنْده، هُوَ شريك، فَإِنَّهُ قد كَانَ يظنّ أَنه لم يعرف ابْن أبي / الْهُذيْل، وَأَبا سِنَان، وَلذَلِك تَبرأ من عهدته بذكرهما، فَإذْ قد عرفهما فقد عرف أحكامهما، فَإِنَّهَا عِنْد الْمُحدثين بَيِّنَة - أَعنِي أَنَّهُمَا ثقتان.
قَالَ النَّسَائِيّ والكوفي فِي عبد الله بن أبي الْهُذيْل، أبي الْمُغيرَة الْعَنزي: إِنَّه ثِقَة كُوفِي، وَقَالَ الْكُوفِي: إِنَّه كَانَ عثمانيا.
وَهَذَا لم يثبت، وَلَا نعدمه وَمَا أشبهه فِي كثير مِمَّن يحْتَج بهم.
وَأَبُو سِنَان هُوَ الْأَكْبَر ضرار بن مرّة " كُوفِي " / أَيْضا، ثِقَة.
قَالَ فِيهِ ابْن معِين وَابْن حَنْبَل: ثَبت.
وَقَالَ يحيى الْقطَّان: ثِقَة.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: ثِقَة، لَا بَأْس بِهِ.
وَقَالَ فِيهِ الْكُوفِي: ثِقَة، ثَبت، مبرز، صَالح، صَاحب سنة، وَهُوَ(3/294)
فِي عداد الشُّيُوخ، وَلَيْسَ بِكَثِير الحَدِيث.
وَكَانَ الثَّوْريّ يَقُول: بِالْكُوفَةِ خَمْسَة يزدادون فِي كل سنة خيرا، فعده فيهم.
وَيُقَال: إِنَّه كَانَ لَهُ جمل يَسْتَقِي عَلَيْهِ المَاء لنَفسِهِ، فيسقي قوما لَا يَجدونَ المَاء إِلَّا غبا، احتسابا مِنْهُ، فَكَانَ قومه يَقُولُونَ لَهُ: فضحتنا رَأَيْت فِينَا سقاء؟ فَيَقُول: لَيْسَ تَدْرُونَ مَا هَذَا.
فَإِذن لم يبْق من يتَعَيَّن النّظر فِي أمره عِنْده إِلَّا شريك بن عبد الله القَاضِي، وَأمره أشهر، وأخباره أَكثر من أَن نعرض لَهَا.
وَجُمْلَة أمره أَنه صَدُوق، ولي الْقَضَاء فَتغير محفوظه فَمن سمع مِنْهُ قبل ذَلِك فَحَدِيثه صَحِيح.
وَهَذَا الحَدِيث يرويهِ عَنهُ أَبُو أَحْمد الزبيرِي، وَلَا أَدْرِي مَتى سمع مِنْهُ. فَهَذِهِ هِيَ الْعلَّة الْمَانِعَة من تَصْحِيح هَذَا الْخَبَر.
(1038) وَقد ذكر أَبُو مُحَمَّد فِي الْأَشْرِبَة حَدِيث: " اشربوا فِي(3/295)
الظروف، وَلَا تسكروا ".(3/296)
من رِوَايَة شريك.
ثمَّ قَالَ: وَشريك لَا يحْتَج بِهِ، وَيُدَلس أَيْضا.
(1039) وَذكر حَدِيث: " من لبس ثوب شهرة فِي الدُّنْيَا " من عِنْد أبي دَاوُد.
ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده مهَاجر الشَّامي، لَيْسَ بِمَشْهُور، وَقَبله فِي الْإِسْنَاد شريك، عَن عُثْمَان بن أبي زرْعَة.
وَهَذَا مِنْهُ أَيْضا مس لِشَرِيك، فَإِن عُثْمَان بن أبي زرْعَة، هُوَ عُثْمَان بن الْمُغيرَة، أَبُو الْمُغيرَة، أحد ثِقَات الْكُوفِيّين.
وَهَذَا الَّذِي عمل بِهِ فِي هَذِه الْأَحَادِيث: من كَونه لم يصحح مَا هُوَ من رِوَايَة / شريك - لَا أَقُول: ضعفها، إِنَّمَا أَقُول: لم يصححها - هُوَ الصَّوَاب، فَهِيَ حَسَنَة.(3/297)
فَأَما تَصْحِيحه مَا هُوَ من رِوَايَة شريك فَلَيْسَ بصواب، وَذَلِكَ فِي أَحَادِيث كَثِيرَة سكت عَنْهَا، وَهِي من رِوَايَته وَلم يبين أَنَّهَا من رِوَايَته، وَهُوَ قد أخبر عَن نَفسه أَن سُكُوته عَن الحَدِيث تَصْحِيح لَهُ، إِلَّا أَن يكون فِي فضل عمل.
(1040) فَمن ذَلِك حَدِيث عَائِشَة: " من حَدثكُمْ أَنه كَانَ يَبُول قَائِما فَلَا تُصَدِّقُوهُ ".
يرويهِ عَن شريك عَليّ بن حجر، ذكره التِّرْمِذِيّ عَنهُ.
(1041) وَحَدِيث أنس: " أَتَيْته بِمَاء فِي ركوة فاستنجى وَمسح يَده بِالْأَرْضِ ".(3/298)
رَوَاهُ عَن شريك وَكِيع.
(1042) وَحَدِيث عَائِشَة فِي: " ترك الْوضُوء بعد الْغسْل ".
رَوَاهُ ابْن مهْدي، وَإِسْمَاعِيل بن مُوسَى عَن شريك.
(1043) وَحَدِيث: " وضع الرُّكْبَتَيْنِ قبل الْيَدَيْنِ ".(3/299)
(1044) وَحَدِيث " كنت أنظر إِلَى وبيص الطّيب فِي مفرق رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بعد ثَلَاث ".(3/300)
(1045) وَحَدِيث ابْن مَسْعُود: " أَن الرِّبَا وَإِن كثر فَإِنَّهُ يصير إِلَى قل ".
وَهُوَ أَيْضا من رِوَايَة أبي أَحْمد عَن شريك.
(1046) وَحَدِيث: " اشْترى من عير بيعا وَلَيْسَ عِنْده ثمنه،(3/301)
فَتصدق بِالرِّبْحِ على أرامل بني عبد الْمطلب ".
وَهُوَ من رِوَايَة شريك، عَن سماك، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس.
(1047) وَحَدِيث يعلى بن أُميَّة، وَحَدِيث صَفْوَان بن أُميَّة " فِي الْعَارِية ".
وَقَالَ بعدهمَا: حَدِيث يعلى أصح.
وَذَلِكَ أَنه من رِوَايَة شريك، فَهُوَ أَيْضا قد صَححهُ وَرجح عَلَيْهِ.
(1048) وَحَدِيث: مَاتَ رجل من خُزَاعَة فَأتي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بميراثه فَقَالَ:(3/302)
" التمسوا لَهُ وَارِثا أَو ذَا رحم ".
(1049) وَحَدِيث: " إِن الله لَا يصنع بشقاء أختك شَيْئا ".
(1050) وَحَدِيث: " الْأَمر بقتل الْحَيَّات، فَمن / خَافَ ثأرهن فَلَيْسَ مني ".(3/303)
(1051) وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام لأنس: " يَا ذَا الْأُذُنَيْنِ ".
كل هَذِه سكت عَنْهَا، وَلم يبين فِي شَيْء مِنْهَا أَنه من رِوَايَة شريك.
(1052) وَلم يَصح " أد الْأَمَانَة إِلَى من ائتمنك ".
وَذَلِكَ - وَالله أعلم - لِأَنَّهُ من رِوَايَة شريك وَقيس بن الرّبيع مَعًا، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة.
(1053) وَذكر حَدِيث: " بعث عليا قَاضِيا إِلَى الْيمن " /.
وَضَعفه بحنش.
وَلم يعرض لكَونه من رِوَايَة شريك.(3/304)
(1054) وَذكر حَدِيث: " صيد البزاة ".
وَقَالَ: إِسْنَاده ضَعِيف.
وَذَلِكَ - وَالله أعلم - لِأَنَّهُ من رِوَايَة شريك، عَن حجاج بن أَرْطَأَة.
وَقد تبين بِمَا ذَكرْنَاهُ اضطرابه فِي شريك، وأصوب رأييه ترك الِاحْتِجَاج بِهِ، فَاعْلَم ذَلِك.
(1055) وَذكر من طَرِيق أبي نعيم، حَدثنَا عَليّ بن حميد الوَاسِطِيّ، حَدثنَا أسلم بن سهل الوَاسِطِيّ، حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن حبيب، حَدثنَا هَانِئ بن يحيى، حَدثنَا مبارك بن فضَالة، عَن عبيد الله، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " تعلمُوا من أنسابكم مَا تصلونَ بِهِ أَرْحَامكُم، وَمن النُّجُوم مَا تهتدون بِهِ فِي الظُّلُمَات ".
(1056) حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد بن جَعْفَر، حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي عَاصِم، حَدثنَا عبد الْجَبَّار بن الْعَلَاء، حَدثنَا سُفْيَان عَن مسعر، عَن(3/305)
إِبْرَاهِيم السكْسكِي، عَن عبيد الله بن أبي أوفى، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " خِيَار عباد الله الَّذين يراعون الشَّمْس وَالْقَمَر، والأظلة لذكر الله ".
ثمَّ قَالَ: وَلَيْسَ إسنادهما مِمَّا يحْتَج بِهِ. انْتهى قَوْله.
وَهُوَ كَمَا ذكر، وَلَكِن لَا أَدْرِي مَا جهل مِنْهُمَا وَمَا علم.
أما الْإِسْنَاد الأول، فمبارك بن فضَالة يوثقه قوم ويضعفه آخَرُونَ وأقوالهم فِيهِ مبسوطة فِي موَاضعهَا.
وهانئ بن يحيى أَبُو مَسْعُود السّلمِيّ ثِقَة.
وَمُحَمّد بن عبد الله بن حبيب الوَاسِطِيّ، أَبُو بكر بن الخباز، ثِقَة [قَالَه أَحْمد بن سِنَان الوَاسِطِيّ.
فَأَما أسلم بن سهل وَعلي بن حميد فَلَا أَعْرفهُمَا.
والإسناد الثَّانِي لَا يسْأَل مِنْهُ عَمَّن فَوق عبد الْجَبَّار، وَإِن كَانَ قوم قد] ضعفوا إِبْرَاهِيم السكْسكِي، فَلم يَأْتُوا بِحجَّة، وَهُوَ ثِقَة، وَقد أخرج لَهُ البُخَارِيّ.
وَعبد الْجَبَّار بن الْعَلَاء أَبُو بكر الْعَطَّار، مكي صَالح، قَالَه أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ، وَمن دونهمَا لَا أَعْرفهُمَا.(3/306)
(1057) وَذكر من المراسل عَن عِيسَى بن أزداد، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا بَال أحدكُم فلينثر / ذكره ثَلَاثًا ".
قَالَ: وَلَا يَصح حَدِيثه هَذَا.
وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَلكنه لم يبين مِنْهُ سوى الْإِرْسَال، وعلته أَن عِيسَى وأباه لَا يعرفان، وَلَا يعلم لَهما غير هَذَا.
(1058) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن مُوسَى بن أبي إِسْحَاق الْأنْصَارِيّ، عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن، عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، " أَنه نهى أَن يَسْتَطِيب أحدكُم بِعظم، أَو رَوْثَة، أَو جلد ".
ثمَّ قَالَ: لَا يَصح ذكر الْجلد.
لم يزدْ على هَذَا، وَإِنَّمَا تبع فِي ذَلِك الدَّارَقُطْنِيّ، فَإِنَّهُ قَالَ: إِسْنَاده غير ثَابت، وَلم يبين مَوضِع علته أَيْضا.
وعلته هِيَ الْجَهْل بِحَال مُوسَى بن أبي إِسْحَاق، وَكَذَا وَقع فِي كتاب الدَّارَقُطْنِيّ: مُوسَى بن أبي إِسْحَاق.
فَأَما ابْن أبي حَاتِم فَذكره مُوسَى بن إِسْحَاق، فِي جملَة من يُسمى أَبوهُ(3/307)
إِسْحَاق، مِمَّن اسْمه مُوسَى، وَذكر لَهُ هَذَا الحَدِيث، وَلم يعرف من أمره بِشَيْء، فَهُوَ عِنْده مَجْهُول.
وَعبد الله بن عبد الرَّحْمَن أَيْضا مَجْهُول كَذَلِك.
وَقد تقدم ذكره فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أعلها بِقوم وَترك من تعتل بهم أَيْضا لم يذكرهم.
(1059) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن أبي سعيد حَدِيث: " أَنَتَوَضَّأُ من بِئْر بضَاعَة " الحَدِيث. وَأتبعهُ قَول التِّرْمِذِيّ فِيهِ: حسن.
وَلم يبين مَا الْمَانِع من صِحَّته، وَقَالَ: رُوِيَ من غير وَجه عَن أبي سعيد.
وَأمره إِذا بَين، يبين مِنْهُ ضعف الحَدِيث لَا حسنه.
وَذَلِكَ أَن مَدَاره على أبي / أُسَامَة عَن مُحَمَّد بن كَعْب، ثمَّ اخْتلف على أبي أُسَامَة فِي الْوَاسِطَة الَّتِي بَين مُحَمَّد بن كَعْب وَأبي سعيد.
فقوم يَقُولُونَ: عبد الله بن عبد الله بن رَافع بن خديج.(3/308)
وَقوم يَقُولُونَ: عبيد الله بن عبد الله بن رَافع بن خديج.
وَله طَرِيق آخر من رِوَايَة ابْن إِسْحَاق عَن سليط بن أَيُّوب، وَاخْتلف على ابْن إِسْحَاق فِي الْوَاسِطَة الَّتِي بَين سليط وَأبي سعيد:
فقوم يَقُولُونَ: عبيد الله بن عبد الرَّحْمَن بن رَافع.
وَقوم / يَقُولُونَ: عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن رَافع.
وَقوم يَقُولُونَ: عَن عبد الرَّحْمَن بن رَافع. فَتحصل فِي هَذَا الرجل الرَّاوِي لَهُ عَن أبي سعيد، خَمْسَة أَقْوَال.
عبد الله بن عبيد الله بن رَافع، وَعبيد الله بن عبد الله بن رَافع، وَعبد الله ابْن عبد الرَّحْمَن بن رَافع، وَعبيد الله بن عبد الرَّحْمَن بن رَافع، وَعبد الرَّحْمَن ابْن رَافع، وكيفما كَانَ فَهُوَ من لَا تعرف لَهُ حَال وَلَا عين.
والأسانيد بِمَا ذَكرْنَاهُ فِي كتب الْأَحَادِيث مَعْرُوفَة، وَقد ذكر البُخَارِيّ فِي تَارِيخه الْخلاف الْمَذْكُور مُفَسرًا.
وَلِحَدِيث بِئْر بضَاعَة طَرِيق حسن من غير رِوَايَة أبي سعيد من رِوَايَة سهل بن سعد، سَنذكرُهُ (إِن شَاءَ الله) فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي سَاقهَا صحاحا أَو حسانا، وَهِي ضَعِيفَة من تِلْكَ الطّرق، صَحِيحَة أَو حَسَنَة من غَيرهَا.(3/309)
(1060) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن الْعَلَاء ابْن الْحَارِث، عَن حرَام بن حَكِيم، عَن عَمه عبد الله بن سعد قَالَ: " سَأَلت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن المَاء يكون بعد المَاء ".
ثمَّ قَالَ: لَا يَصح غسل الْأُنْثَيَيْنِ، وَلَا يحْتَج بِهَذَا الْإِسْنَاد. كَذَا قَالَ، وَهُوَ كَذَلِك، وَلكنه بَقِي عَلَيْهِ أَن يبين مِنْهُ مَوضِع الْعلَّة، وَهُوَ الْجَهْل بِحَال حرَام بن حَكِيم الدِّمَشْقِي - وَهُوَ حرَام بالراء بعد الْحَاء الْمَفْتُوحَة - وَقد يتصحف - على من لَا يعرف - بحزام بن حَكِيم - بالزاي بعد الْحَاء الْمَكْسُورَة - وَكِلَاهُمَا فِي طبقَة وَاحِدَة، وَهُوَ - أَعنِي هَذَا الثَّانِي - حزَام بن حَكِيم بن حزَام.
وَإِذا جعلت حَرَامًا هَذَا مَوضِع عِلّة الْخَبَر على مَا أرَاهُ؛ فَإِن كَانَ ذَلِك أَيْضا معني أبي مُحَمَّد، فقد نَاقض فِيهِ، وَذَلِكَ أَنه لَا يزَال يقبل أَحَادِيث المساتير الَّذين يروي عَن أحدهم أَكثر من وَاحِد.
وَحرَام هَذَا، يروي عَنهُ الْعَلَاء بن الْحَارِث، وَزيد بن وَاقد، وَعبد الله بن(3/310)
الْعَلَاء، ويروي هُوَ عَن أبي هُرَيْرَة، وَعَمه عبد الله بن سعد، قَالَه أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ، وَترْجم باسمه ابْنه أَبُو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم بعد تَرْجَمَة أُخْرَى ذكر فِيهَا حرَام / بن مُعَاوِيَة. روى عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مُرْسلا، وروى عَن عمر، وروى معمر عَن زيد بن رفيع عَنهُ، وروى عبيد الله بن عَمْرو، عَن زيد بن رفيع، فَقَالَ: عَن حرَام بن حَكِيم بن حرَام قَالَ ابْن أبي حَاتِم: سَمِعت أبي يَقُول ذَلِك.
فجعلهما كَمَا ترى رجلَيْنِ فِي ترجمتين: إِحْدَاهمَا ذكر فِيهَا حرَام بن حَكِيم، وَالْأُخْرَى ذكر فِيهَا حرَام بن مُعَاوِيَة، وَتبع فِي ذَلِك البُخَارِيّ.
وَزعم الْخَطِيب بن ثَابت أَن البُخَارِيّ وهم فِي ذَلِك، وَبَين أَنه رجل وَاحِد يخْتَلف على مُعَاوِيَة بن صَالح فِي اسْم أَبِيه، وسَاق جَمِيع مَا تولى بَيَانه من ذَلِك بأسانيد، مِمَّا يقف عَلَيْهِ من أَرَادَهُ فِي كِتَابه الْمُسَمّى بِالْجمعِ والتفريق فِي أَوْهَام البُخَارِيّ.
وَمِمَّنْ عمل فِيهِ عمل البُخَارِيّ، وَابْن أبي حَاتِم، أَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ فِي كِتَابه، فِي المؤتلف والمختلف وَقد تبين الْمَقْصُود، وَهُوَ عِلّة الْخَبَر.(3/311)
(1061) وَلما ذكر أَبُو مُحَمَّد فِي بَاب الْحيض حَدِيث حرَام هَذَا، عَن عَمه: " فِيمَا يحل للرجل من امْرَأَته / وَهِي حَائِض ".
قَالَ بعده " حرَام ضَعِيف.
وَلَا أَدْرِي من أَيْن جَاءَهُ تَضْعِيفه، وَإِنَّمَا هُوَ مَجْهُول الْحَال، فَاعْلَم ذَلِك.
(1062) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن سعيد بن زيد، قَالَ: سَمِعت(3/312)
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول: " لَا وضوء لمن لم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ ".
ثمَّ قَالَ: قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: لَا أعلم فِي هَذَا حَدِيثا لَهُ إِسْنَاد جيد.
وَقَالَ مُحَمَّد - يَعْنِي البُخَارِيّ -: أحسن شَيْء فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث رَبَاح ابْن عبد الرَّحْمَن. انْتهى كَلَام التِّرْمِذِيّ.
وَحَدِيث رَبَاح بن عبد الرَّحْمَن هُوَ هَذَا الَّذِي ذكر التِّرْمِذِيّ. انْتهى كَلَام أبي مُحَمَّد رَحمَه الله.
فَإِن كَانَ اعْتمد قَول أَحْمد: " لَا أعلم فِي هَذَا حَدِيثا لَهُ إِسْنَاد جيد " فقد بَقِي عَلَيْهِ أَن يبين علته، وَذَلِكَ هُوَ الَّذِي قصدت بَيَانه فِي هَذَا الْبَاب لتكمل الْفَائِدَة.
وَإِن كَانَ اعْتمد قَول البُخَارِيّ: " إِنَّه أحسن شَيْء فِي هَذَا الْبَاب " فقد يُوهم فِيهِ أَنه حسن، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَمَا هُوَ إِلَّا ضَعِيف جدا، وَإِنَّمَا معنى كَلَام البُخَارِيّ: " إِنَّه أحسن / مَا فِي الْبَاب على علته ".
وَبَيَان هَذَا هُوَ بِأَن تعلم أَنه حَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ هَكَذَا: حَدثنَا نصر بن(3/313)
وَعلي الْجَهْضَمِي، وَبشر بن معَاذ الْعَقدي، الْبَصْرِيّ، قَالَا: حَدثنَا بشر بن الْمفضل، عَن عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة، عَن أبي ثفال المري، عَن رَبَاح بن عبد الرَّحْمَن بن أبي سُفْيَان بن حويطب، عَن جدته، عَن أَبِيهَا، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول، فَذكره.
قَالَ أَبُو عِيسَى: أَبوهَا سعيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل، وَأَبُو ثفال المري، اسْمه ثُمَامَة بن حُصَيْن، ورباح بن عبد الرَّحْمَن، هُوَ أَبُو بكر بن حويطب. انْتهى كَلَامه.
فَفِي إِسْنَاد هَذَا الْكَلَام ثَلَاثَة مَجَاهِيل الْأَحْوَال:
أَوَّلهمْ: جدة رَبَاح، فَإِنَّهَا لَا تعرف بِغَيْر هَذَا، وَلَا يعرف لَهَا اسْم وَلَا حَال وَغَايَة مَا تعرفنا بِهَذَا أَنَّهَا ابْنة لسَعِيد بن زيد رَضِي الله عَنهُ.
وَالثَّانِي: رَبَاح الْمَذْكُور، فَإِنَّهُ مَجْهُول الْحَال كَذَلِك، وَلم يعرف ابْن أبي حَاتِم من حَاله بِأَكْثَرَ مِمَّا أَخذ من هَذَا الْإِسْنَاد: من رِوَايَته عَن جدته، وَرِوَايَة أبي ثفال عَنهُ.
وَالثَّالِث: أَبُو ثفال الْمَذْكُور، فَإِنَّهُ أَيْضا مَجْهُول الْحَال كَذَلِك وَهُوَ أشهرهم لرِوَايَة جمَاعَة عَنهُ؛ مِنْهُم: عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة، وَسليمَان بن بِلَال، وَصدقَة مولى الزبير والدراوردي، وَالْحُسَيْن بن أبي جَعْفَر، وَعبد الله(3/314)
ابْن عبد الْعَزِيز. قَالَه أَبُو حَاتِم، فَاعْلَم ذَلِك.
(1063) وَذكر من طَرِيق أبي بكر بن أبي شيبَة من مُسْنده، عَن حَفْص ابْن غياث، عَن لَيْث، عَن طَلْحَة، عَن أَبِيه، عَن جده، قَالَ: " رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تَوَضَّأ فَمسح رَأسه هَكَذَا " وَأمر حَفْص بِيَدِهِ على رَأسه حَتَّى مسح قَفاهُ.
ثمَّ قَالَ بإثره: سأذكر هَذَا الْإِسْنَاد وَضَعفه إِن شَاءَ الله.
(1064) ثمَّ ذكر فِي الْبَاب من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن طَلْحَة، عَن أَبِيه، عَن جده: " رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يمسح رَأسه مرّة وَاحِدَة حَتَّى بلغ القذال، وَهُوَ أول الْقَفَا ".
(1065) وَعَن طَلْحَة، عَن أَبِيه، عَن جده: " دخلت على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ يتَوَضَّأ، وَالْمَاء يسيل من وَجهه / ولحيته على صَدره، فرأيته يفصل بَين الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق ".
قَالَ: وَطَلْحَة هَذَا، يُقَال: هُوَ رجل من الْأَنْصَار، وَيُقَال: هُوَ طَلْحَة بن(3/315)
مصرف، وَلَا تعرف لجده صُحْبَة.
(1066) ثمَّ ذكر فِي الْبَاب نَفسه من كتاب الْحُرُوف لِابْنِ السكن، من حَدِيث مصرف بن عَمْرو بن السّري بن مصرف بن عَمْرو بن كَعْب، عَن أَبِيه، عَن جده، يبلغ بِهِ عَمْرو بن كَعْب، قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تَوَضَّأ فَمسح لحيته وَقَفاهُ.
فَقَالَ: وَهَذَا الْإِسْنَاد لَا أعرفهُ، وكتبته حَتَّى أسأَل عَنهُ، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
هَذَا / مَا ذكر بِهِ الْأَحَادِيث، وَهِي كلهَا لَا تصح.
وَقد كَانَ وعد أَن يذكر ضعف هَذَا الْإِسْنَاد فَلم يفعل.
وَالْمَقْصُود الْآن بَيَان مَا أجمل من ضعفه، فَاعْلَم أَولا أَن طَلْحَة الْمَذْكُور فِيهَا، هُوَ طَلْحَة بن مصرف بن عَمْرو بن كَعْب.
وَعَمْرو بن كَعْب جده هُوَ عَمْرو بن كَعْب بن جحدر بن مُعَاوِيَة بن سعد بن الْحَارِث بن ذهل، من بني يام.
وَقد تبين أَن طَلْحَة الْمَذْكُور هُوَ طَلْحَة بن مصرف فِي نفس الْإِسْنَاد عِنْد أبي دَاوُد، فَاخْتَصَرَهُ أَبُو مُحَمَّد.(3/316)
قَالَ أَبُو دَاوُد، حَدثنَا مُحَمَّد بن عِيسَى ومسدد، قَالَا: حَدثنَا عبد الْوَارِث، عَن لَيْث، عَن طَلْحَة بن مصرف، عَن أَبِيه، عَن جده، قَالَ: " رَأَيْت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يمسح بِرَأْسِهِ مرّة وَاحِدَة حَتَّى بلغ القذال " - وَهُوَ أول الْقَفَا -.
فَقَوْل أبي مُحَمَّد: طَلْحَة هَذَا يُقَال: إِنَّه رجل من الْأَنْصَار، وَيُقَال: هُوَ طَلْحَة بن مصرف، وَلَا تعرف لجده صُحْبَة، وَهُوَ عِلّة هَذِه الْأَخْبَار عِنْده من غير مزِيد.
وَهُوَ كَلَام فِيهِ نظر، وَذَلِكَ أَنه قد تبين - كَمَا قُلْنَا فِي هَذَا الحَدِيث - أَنه عِنْد أبي دَاوُد: عَن طَلْحَة بن مصرف.
وَكَذَا يجب أَن يكون فِي الحَدِيث الَّذِي أورد من طَرِيق ابْن أبي شيبَة؛ لِأَنَّهُ عَن حَفْص بن غياث، عَن لَيْث بن أبي سليم، عَن طَلْحَة.
وَلَيْث بن أبي سليم، مَعْرُوف الرِّوَايَة عَن طَلْحَة بن مصرف، وخاصة حَدِيث مسح الرَّأْس.
قَالَ لَيْث: أَمرنِي مُجَاهِد أَن ألزم أَرْبَعَة: أحدهم طَلْحَة بن مصرف.
وَرُوِيَ أَيْضا عَن ابْن إِدْرِيس، عَن لَيْث بن أبي سليم، عَن مُجَاهِد، قَالَ: أعجب أهل الْكُوفَة إِلَيّ أَرْبَعَة: مِنْهُم طَلْحَة بن مصرف /.
وَإِنَّمَا جعل أَبَا مُحَمَّد يَقُول ذَلِك، أَن ابْن أبي حَاتِم لما فرغ من ذكر طَلْحَة بن مصرف ترْجم تَرْجَمَة أُخْرَى نَصهَا:
طَلْحَة روى عَن أَبِيه، عَن جده، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَنه مسح بِرَأْسِهِ من مقدم رَأسه حَتَّى أَتَى آخر رَأسه إِلَى تَحت لحيته ".(3/317)
روى عَنهُ لَيْث بن أبي سليم، سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: يُقَال إِنَّه رجل من الْأَنْصَار، وَمِنْهُم من يَقُول: طَلْحَة بن مصرف، وَلَو كَانَ طَلْحَة بن مصرف لم يخْتَلف فِيهِ.
وَسُئِلَ أَبُو زرْعَة عَن طَلْحَة الَّذِي يروي عَن أَبِيه عَن جده، قَالَ: " رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تَوَضَّأ ".
فَقَالَ: لَا أعرف أحدا سمى وَالِد طَلْحَة، إِلَّا أَن بَعضهم يَقُول: طَلْحَة بن مصرف، انْتهى مَا ذكر ابْن أبي حَاتِم.
وَهُوَ عذر أبي مُحَمَّد، وَلَكنَّا نقُول: روى هَذَا الرجل، عَن أَبِيه عَن جده مَا ذكر، وروى طَلْحَة بن مصرف، عَن أَبِيه، عَن جده مَا ذكر، حسب مَا وَقع مُفَسرًا فِي نفس الْإِسْنَاد، وَلَا يجب خلطهما.
وَقَول أبي حَاتِم: لَو كَانَ طَلْحَة بن مصرف لم يخْتَلف فِيهِ، ينعكس عَلَيْهِ، فَلَو كَانَ غَيره لم يخْتَلف فِيهِ، أَو لم يقل الرَّاوِي عَنهُ: إِنَّه ابْن مصرف؟
فعلة هَذِه الْأَخْبَار كلهَا الْجَهْل بِحَال مصرف بن عَمْرو، وَالِد طَلْحَة بن مصرف وَفِي بَعْضهَا لَيْث بن أبي سليم.
فَأَما إِسْنَاد ابْن السكن، فمجهول مثبج.(3/318)
ومصرف بن عَمْرو بن السّري، وَأَبُو عَمْرو، وجده السّري لَا يعْرفُونَ.
وَلَيْسَ فِيهِ رِوَايَة لمصرف بن عَمْرو بن كَعْب، وَإِنَّمَا ظهر فِيهِ من السّري إِلَى عَمْرو بن كَعْب الَّذِي هُوَ جد طَلْحَة بن مصرف.
وسماعه مِنْهُ لَا يعرف، بل وَلَا تعاصرهما، فالجميع لَا يَصح، فَاعْلَم ذَلِك.
(1067) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ حَدِيث ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من تَوَضَّأ فَغسل كفيه ثَلَاثًا - وَوصف الْوضُوء - ثمَّ قَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله / وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله قبل أَن يتَكَلَّم، غفر لَهُ مَا بَين الوضوءين ".
قَالَ: وَفِي إِسْنَاده الْبَيْلَمَانِي.
لم يزدْ فِي تَعْلِيله على هَذَا، وَهُوَ مِنْهُ اعْتِمَاد على مَا قدم، وَلكنه لم يقدم بَيَانا، فَإِن الْبَيْلَمَانِي / أَب، وَابْن، والْحَدِيث من روايتهما، وَكِلَاهُمَا ضَعِيف، وهما مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن، فمحمد بن عبد الرَّحْمَن وَأَبوهُ لَا يحْتَج بهما، وَقد قدمنَا ذكرهمَا، فاعلمه.(3/319)
(1068) وَذكر حَدِيث: " الْأَمر بتجديد المَاء للأذنين " من حَدِيث نمران بن جَارِيَة، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
قَالَ: وَهُوَ إِسْنَاد ضَعِيف.
لم يزدْ على هَذَا، وَهُوَ كَمَا ذكر، وعلته الْجَهْل بِحَال نمران هَذَا، وَضعف رَاوِيه عَنهُ، وَهُوَ دهثم بن قرَان.
وَإِلَى هَذَا فَإِن هَذَا الحَدِيث لم يعزه إِلَى مَوضِع، وَقد بَينا أمره فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ذكرهَا وَلَا وجود لَهَا أَو عزاها إِلَى مَوَاضِع لَيست هِيَ فِيهَا.
(1069) وَذكر أَنه روى عَن أبي أُمَامَة، وَأبي هُرَيْرَة، وَابْن عَبَّاس، وَأبي مُوسَى، كلهم عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ: " الأذنان من الرَّأْس ".
قَالَ: وَلَا يَصح مِنْهَا كلهَا شَيْء، ذكر هَذِه الْأَحَادِيث أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ.
وَفِي حَدِيث أبي دَاوُد - وَذكره عَن شهر بن حَوْشَب - عَن أبي أُمَامَة قَالَ: " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يمسح المأقين، وَقَالَ: الأذنان من الرَّأْس ".(3/320)
[فَنَقُول] : أما الْأَحَادِيث من غير رِوَايَة أبي أُمَامَة فَلم يذكر أسانيدها، فتركنا تعليلها لِأَنَّهُ لم يذكرهَا.
أما حَدِيث أبي أُمَامَة، فَإِنَّهُ لم يذكر لَهُ عِلّة، غير أَنه أبرز من رُوَاته شهرا، وَلم يتَقَدَّم ذكره قبل هَذَا الْموضع، فَهُوَ إِذن لم يعْتَمد فِيهِ مقدما قدمه.
وَشهر قد وَثَّقَهُ قوم، وَضَعفه آخَرُونَ.
فَمِمَّنْ وَثَّقَهُ ابْن حَنْبَل وَابْن معِين وَقَالَ أَبُو زرْعَة: لَا بَأْس بِهِ، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِدُونِ أبي الزبير.
وَغير هَؤُلَاءِ يُضعفهُ، وَلم أسمع لمضعفيه حجَّة، وَمَا ذَكرُوهُ - من تزييه بزِي الأجناد، وسماعه الْغناء بالآلات، وقذفه بِأخذ خريطة مِمَّا استحفظ من الْمغنم -؛ كُله إِمَّا لَا يَصح، وَإِمَّا خَارج على مخرج لَا يضرّهُ.
أما أَخذه للخريطة فكذب عَلَيْهِ، وَتقول الشَّاعِر - أَرَادَ عَيبه - فَقَالَ /: % (لقد بَاعَ شهر دينه بخريطة % فَمن يَأْمَن الْقُرَّاء بعْدك يَا شهر) %(3/321)
والقصة قد ذكرهَا الطَّبَرِيّ.
ومختصر مَا ذكر، هُوَ أَنه كَانَ فِي غزَاة قد أَمن على الْفَيْء أَو الْغَنَائِم، ففقدت مِمَّا اؤتمن عَلَيْهِ خريطة، قيل: إِنَّهَا سرقت لَهُ، وَشر مَا قيل فِيهِ: إِنَّه يروي مُنكرَات عَن ثِقَات، وَهَذَا إِذا كثر مِنْهُ سَقَطت الثِّقَة بِهِ.
ويروي هَذَا الحَدِيث عَنهُ أَبُو ربيعَة: سِنَان بن ربيعَة، قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: شيخ مُضْطَرب الحَدِيث.
وَقَالَ ابْن معِين: لَيْسَ بِالْقَوِيّ وَقد أخرجه البُخَارِيّ.
وَفِي الحَدِيث مَعَ هَذَا انْقِطَاع، وَقد بَيناهُ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة وَهِي مُنْقَطِعَة.
فَهَذَا الَّذِي فسرناه من عِلّة هَذَا الْخَبَر، هُوَ الَّذِي لَا يَصح من أَجله عِنْده، وَالله أعلم.
وَأما مَا ذكر من الْأَحَادِيث الَّتِي رَوَاهَا غير أبي أُمَامَة فجميعها عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ مُبين الْعِلَل، فِي بَعْضهَا نظر، قد ذَكرْنَاهُ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ضعفها وَهِي صَحِيحَة.
وَقَوله: ذكرهَا أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ / وَالدَّارَقُطْنِيّ، موهم أَنَّهَا كلهَا ذكرهَا هَؤُلَاءِ، وَلَيْسَ كَذَلِك.(3/322)
وَمَا ذكر أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ مِنْهَا، غير حَدِيث أبي أُمَامَة، فَاعْلَم ذَلِك.
(1070) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن أَيُّوب بن قطن عَن أبي بن عمَارَة فِي " الْمسْح بِغَيْر تَوْقِيت ".
قَالَ: وَفِي طَرِيق آخر: حَتَّى بلغ سبعا.
ثمَّ قَالَ: روى اللَّفْظ الأول يحيى بن أَيُّوب، عَن عبد الرَّحْمَن بن رزين، عَن مُحَمَّد بن يزِيد، عَن أَيُّوب.
وَاللَّفْظ الثَّانِي رَوَاهُ يحيى بن أَيُّوب أَيْضا، عَن عبد الرَّحْمَن، عَن مُحَمَّد عَن عبَادَة بن نسي، عَن أَيُّوب، قَالَ أَبُو دَاوُد: اخْتلف فِي إِسْنَاده، وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ.
هَذَا مَا أعله بِهِ، وَلم يزدْ عَلَيْهِ، وعلته هِيَ أَن هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة مَجْهُولُونَ، قَالَ ذَلِك الدَّارَقُطْنِيّ.
وَأَيْضًا الِاخْتِلَاف فِيهِ على يحيى بن أَيُّوب، وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ أَبُو دَاوُد.(3/323)
وَقَالَ الْموصِلِي أَيْضا: أَيُّوب بن قطن مَجْهُول، وَذكر حَدِيثه هَذَا، وَالِاخْتِلَاف فِيهِ / وَقَالَ: كل لَا يَصح.
وَمُحَمّد بن يزِيد، هُوَ ابْن أبي زِيَاد، صَاحب حَدِيث الصُّور.
قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِم: مَجْهُول.
وَعبد الرَّحْمَن بن رزين أَيْضا لَا تعرف لَهُ حَال، فَهُوَ مَجْهُول.
وَيحيى بن أَيُّوب مُخْتَلف فِيهِ، وَهُوَ مِمَّن عيب على مُسلم إِخْرَاج حَدِيثه.
وَأَبُو مُحَمَّد ينص فِي مَوَاضِع على أَنه لَا يحْتَج بِهِ، ويتناقض فِيهِ فِي بعض الْمَوَاضِع.
وسنبين بعد هَذَا رَأْيه فِيهِ، وَمَا اعتراه فِي أمره بأبسط من هَذَا - إِن شَاءَ الله تَعَالَى -.
وَأما الِاخْتِلَاف عَلَيْهِ، الَّذِي أَشَارَ أَبُو دَاوُد، وَالدَّارَقُطْنِيّ إِلَيْهِ، فتنحصل فِيهِ عَنهُ أَرْبَعَة أَقْوَال، نذكرها مجملة / فلشرحها غير هَذَا الْموضع.
وَذَلِكَ أَنه يروي عَنهُ، عَن عبد الرَّحْمَن بن رزين، عَن مُحَمَّد بن يزِيد، عَن أَيُّوب بن قطن عَن أَيُّوب بن عمَارَة، هَذَا قَول.(3/324)
[ويروى عَنهُ، عَن عبد الرَّحْمَن بن رزين، عَن مُحَمَّد بن يزِيد، عَن عبَادَة ابْن نسي، عَن أبي بن عمَارَة، هَذَا قَول ثَان.
ويروى عَنهُ عَن عبد الرَّحْمَن بن رزين، عَن مُحَمَّد بن يزِيد، عَن أَيُّوب بن قطن، عَن عبَادَة بن نسي، عَن أبي بن عمَارَة، هَذَا قَول ثَالِث.
ويروى عَنهُ هَكَذَا إِلَى عبَادَة بن نسي، ثمَّ لَا يذكر أبي بن عمَارَة] لَكِن يُرْسِلهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، هَذَا قَول رَابِع.
وَفِيه قَول خَامِس، لكنه لما لم يتَّصل لي سَنَده، لم أجعله مِمَّا تحصل فِيهِ، وَهُوَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ ابْن السكن، وَلم يُوصل بِهِ إِسْنَادًا، إِنَّمَا قَالَ: وَيُقَال أَيْضا: عَن يحيى بن أَيُّوب، عَن عبد الرَّحْمَن، عَن مُحَمَّد، عَن وهب بن قطن، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
فَهَذَا مَا أَشَارَ إِلَيْهِ من الْخلاف، وَالله الْمُوفق.
(1071) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن عَليّ قَالَ: " انْكَسَرَ أحد زندي فَأمرنِي رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن أَمسَح على الجبائر ".
ثمَّ قَالَ: هَذَا يرويهِ عَمْرو بن خَالِد الوَاسِطِيّ، وَلَا يَصح.(3/325)
لم يزدْ فِي تَعْلِيله على هَذَا، وَإنَّهُ لكاف عِنْد من يعلم حَال عَمْرو بن خَالِد.
وَإِنَّمَا ذكرته الْآن بِاعْتِبَار حَال من لَا يُعلمهُ، فَاعْلَم أَنه أحد الْكَذَّابين /.
قَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه: كَانَ يضع الحَدِيث.
وَقَالَ ابْن معِين: هُوَ كَذَّاب غير ثِقَة وَلَا مَأْمُون.
(1072) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " من أَتَى حَائِضًا أَو امْرَأَة فِي دبرهَا، أَو كَاهِنًا " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: ضعف البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث.
كَذَا قَالَ، وَلم يبين علته، وَهُوَ حَدِيث لَا يعرف إِلَّا بِحَكِيم الْأَثْرَم، يرويهِ عَن أبي تَمِيمَة الهُجَيْمِي، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَحَكِيم هَذَا لَا يعرف لَهُ غير هَذَا الحَدِيث إِلَّا الْيَسِير، قَالَه أَبُو أَحْمد بن عدي.
وَقَالَ البُخَارِيّ: وَهُوَ لَا يُتَابع عَلَيْهِ. قَالَ: وَلَا يعرف لأبي تَمِيمَة سَماع(3/326)
لأبي هُرَيْرَة /.
وَقَالَ مُحَمَّد بن يحيى النَّيْسَابُورِي - هُوَ الذهلي - قلت: لعَلي بن الْمَدِينِيّ: حَكِيم الْأَثْرَم من هُوَ؟ قَالَ: أعيانا هَذَا.
(1073) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن عَمْرو بن بجدان، عَن أبي ذَر حَدِيث: " الصَّعِيد الطّيب وضوء الْمُسلم وَإِن لم يجد المَاء عشر سِنِين " الحَدِيث.
وَقَالَ عَن التِّرْمِذِيّ: إِنَّه حَدِيث حسن.
فَهُوَ عِنْده غير صَحِيح، وَلم يبين لم لَا يَصح؟ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يعرف لعَمْرو ابْن بجدان هَذَا حَال، وَإِنَّمَا روى عَنهُ أَبُو قلَابَة، وَاخْتلف عَنهُ:
فَيَقُول خَالِد الْحذاء: عَنهُ: عَن عَمْرو بن بجدان، وَلَا يخْتَلف فِي(3/327)
ذَلِك على خَالِد.
وَأما أَيُّوب فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَن أبي قلَابَة، فَاخْتلف عَلَيْهِ:
فَمنهمْ من يَقُول: عَنهُ عَن أبي قلَابَة، عَن رجل من بني عَامر.
وَمِنْهُم من يَقُول: عَن رجل فَقَط.
وَمِنْهُم من يَقُول: عَن رَجَاء بن عَامر.
وَمِنْهُم من يَقُول: عَن عَمْرو بن بجدان، كَقَوْل خَالِد.
وَمِنْهُم من يَقُول: عَن أبي الْمُهلب.
وَمِنْهُم من لَا يَجْعَل بَينهمَا أحدا، فَيَجْعَلهُ عَن أبي قلَابَة، عَن أبي ذَر.
وَمِنْهُم من يَقُول: عَن أبي قلَابَة أَن رجلا من بني قُشَيْر، قَالَ: يَا نَبِي الله.
هَذَا كُله اخْتِلَاف على أَيُّوب فِي رِوَايَته إِيَّاه عَن أبي قلَابَة، وجميعه فِي علل الدَّارَقُطْنِيّ وسننه، وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف لَا شكّ فِيهِ.
وَلِهَذَا الْمَعْنى إِسْنَاد صَحِيح سَنذكرُهُ إِن شَاءَ الله فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي لم يصححها، وَلها أَسَانِيد صِحَاح.
(1074) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن مسَّة الْأَزْدِيَّة / عَن أم سَلمَة(3/328)
حَدِيث: " مكث النُّفَسَاء أَرْبَعِينَ يَوْمًا ".
ثمَّ ذكر مَا فِي الْبَاب، قَالَ: وَهِي أَحَادِيث معتلة بأسانيد متروكة، وأحسنها حَدِيث أبي دَاوُد.
هَذَا مَا ذكر، وَعلة الْخَبَر الْمَذْكُور، مسَّة الْمَذْكُورَة، وَهِي تكنى أم بسة، وَلَا تعرف حَالهَا وَلَا عينهَا، وَلَا تعرف فِي غير هَذَا الحَدِيث، قَالَه التِّرْمِذِيّ فِي علله.
فخبرها هَذَا ضَعِيف الْإِسْنَاد ومنكر الْمَتْن، فَإِن أَزوَاج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا مِنْهُنَّ من كَانَت نفسَاء أَيَّام كَونهَا مَعَه إِلَّا خَدِيجَة، وزوجيتها كَانَت قبل الْهِجْرَة.
فَإِذن لَا معنى لقولها: " قد كَانَت الْمَرْأَة من نسَاء النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تقعد فِي(3/329)
النّفاس أَرْبَعِينَ يَوْمًا ".
إِلَّا أَن تُرِيدُ بنسائه غير أَزوَاجه، من بَنَات وقريبات وسريته مَارِيَة.
(1075) وَذكر من طَرِيق مُسلم عَن ابْن عَبَّاس، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كَانَ يغْتَسل بِفضل مَيْمُونَة ".
وَذكر قَول عَمْرو بن دِينَار فِي إِسْنَاده: أكبر علمي وَالَّذِي يخْطر على بالي أَن أَبَا الشعْثَاء أَخْبرنِي، أَن عبد الله بن عَبَّاس أخبرهُ، فَذكره.
ثمَّ قَالَ: وَقد رَوَاهُ الطهراني عَن عَمْرو بِلَا شكّ، وَلَا يحْتَج بِحَدِيث الطهراني، وَالصَّحِيح الأول. انْتهى مَا ذكر.
وَهُوَ مُحْتَاج إِلَى بَيَان يُؤمن من لَا يعرف من الْغَلَط، وَذَلِكَ فِي قَوْله: رَوَاهُ الطهراني، عَن عَمْرو، وَأَيْنَ الطهراني من عَمْرو؟ إِنَّمَا يرويهِ عَن عبد الرَّزَّاق، عَن ابْن جريج، عَن عَمْرو.
وَقَوله: " وَلَا يحْتَج بِحَدِيث الطهراني " يفهم أَنه ضَعِيف، وَذَلِكَ شَيْء لم يقلهُ أحد، بل هُوَ ثِقَة حَافظ، وَهُوَ أَبُو عبد الله: مُحَمَّد بن حَمَّاد الطهراني، وَهُوَ أحد المختصين بِعَبْد الرَّزَّاق وَمِمَّنْ روى عَنهُ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ، وَقَالَ فِيهِ:(3/330)
ثِقَة صَدُوق.
وروى عَنهُ أَيْضا ابْنه أَبُو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم، وَكَانَ حَافِظًا للْحَدِيث، ثِقَة، وَأكْثر مَا حدث بِهِ فَمن حفظه.
وَهَذَا الْكَلَام الَّذِي قَالَ أَبُو مُحَمَّد، إِنَّمَا تبع فِي مَعْنَاهُ أَبَا مُحَمَّد بن حزم، على خلله من وَجه آخر.
وَذَلِكَ / أَن أَبَا مُحَمَّد بن حزم، أورد حَدِيث الطهراني عَن / عبد الرَّزَّاق، قَالَ: أَخْبرنِي ابْن جريج. قَالَ: أَخْبرنِي عَمْرو بن دِينَار، عَن أبي الشعْثَاء، عَن ابْن عَبَّاس، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " كَانَ يغْتَسل بِفضل مَيْمُونَة " مُخْتَصر.
ثمَّ قَالَ ابْن حزم: هَكَذَا فِي نفس الحَدِيث: " مُخْتَصرا " وَأَخْطَأ فِيهِ الطهراني بِيَقِين، لِأَن مُحَمَّد بن بكر البرْسَانِي، قَالَ فِيهِ: عَن ابْن جريج، عَن عَمْرو، أكبر علمي، وَالَّذِي يخْطر على بالي.
قَالَ: وَهَؤُلَاء أوثق من الطهراني وأحفظ بِلَا شكّ. انْتهى كَلَام ابْن حزم.
وَهُوَ بَين الْخَطَأ، فَإِن الَّذِي أورد فِيهِ، إِنَّمَا هُوَ اخْتِلَاف أَصْحَاب ابْن جريج، وهما: عبد الرَّزَّاق، وَمُحَمّد بن بكر.
أَحدهمَا يَقُول عَن ابْن جريج: أكبر علمي - وَهُوَ مُحَمَّد بن بكر - وَالْآخر لَا يَقُوله - وَهُوَ عبد الرَّزَّاق - وَالنَّظَر إِنَّمَا يجب أَن يكون فِيمَا بَينهمَا، فَأَما الطهراني فَلَا.
وَقَوله: " وَهَؤُلَاء أوثق من الطهراني " مجازقة، فَإِنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ أَكثر من(3/331)
وَاحِد، وَهُوَ مُحَمَّد بن بكر الَّذِي ذكر الشَّك، وَمن دونه مبلغ عَنهُ، وَقَوله: " من الطهراني "، إِنَّمَا كَانَ يحْتَاج أَن يَقُول: " من عبد الرَّزَّاق ".
فَإذْ قد تقرر هَذَا، فلنرجع إِلَى الْمَقْصُود، وَهُوَ بَيَان عِلّة الْخَبَر الْمَذْكُور فَنَقُول: يجب على رَأْي الْمُحدثين رد رِوَايَة الطهراني، من جِهَة أُخْرَى، وَذَلِكَ أَن غَيره من أَصْحَاب عبد الرَّزَّاق قد ذكر فِيهِ عَن عبد الرَّزَّاق، الشَّك من عَمْرو بن دِينَار، فَإِذن لم تسلم رِوَايَة عبد الرَّزَّاق من الشَّك، وَمن حفظ أولى مِمَّن لم يحفظ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: أخبرنَا الْحُسَيْن بن إِسْمَاعِيل، حَدثنَا بن زَنْجوَيْه، حَدثنَا عبد الرَّزَّاق، أخبرنَا ابْن جريج، أَخْبرنِي عَمْرو بن دِينَار، قَالَ: علمي وَالَّذِي يخْطر على بالي، أَن أَبَا الشعْثَاء أَخْبرنِي، أَن ابْن عَبَّاس أخبرهُ، فَذكره.
وَهَكَذَا هُوَ أَيْضا فِي كتاب عبد الرَّزَّاق من رِوَايَة الدبرِي عَنهُ.
فعبد الرَّزَّاق إِذن على هَذَا، يرويهِ كَمَا يرويهِ مُحَمَّد بن بكر البرْسَانِي.
فالاختصار إِذن الَّذِي قَالَ الطهراني: إِنَّه فِي حَدِيثه، هُوَ - وَالله أعلم - / فِيمَا ترك من شكّ عَمْرو بن دِينَار.
وَقد يحْتَمل أَن يكون عبد الرَّزَّاق اخْتَصَرَهُ حِين حدث بِهِ الطهراني، وَحدث بِهِ على الْكَمَال لغيره.
فعلى هَذَا الِاحْتِمَال، يكون النّظر بَين عبد الرَّزَّاق والبرساني.(3/332)
وعَلى الأول، يكون النّظر بَين الطهراني وَبَين الدبرِي وَابْن زَنْجوَيْه.
وَقد حصل الْمَقْصُود من إبراز عِلّة الحَدِيث على رَأْيهمْ. وَالله الْمُوفق للصَّوَاب.
(1076) وَذكر حَدِيث جَابر، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يؤم الْمُتَيَمم المتوضئين ".
ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده ضَعِيف جدا.
وَلم يبين علته، وَهُوَ أَنه عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ الَّذِي ذكره من عِنْده، من رِوَايَة عُثْمَان بن معبد، حَدثنَا سعيد بن سُلَيْمَان بن ماتع الْحِمْيَرِي، حَدثنَا أَبُو إِسْمَاعِيل الْكُوفِي: أَسد بن سعيد حَدثنَا صَالح بن بَيَان، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر.
وكل من دون مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر لَا يعرف.
(1077) وَذكر حَدِيث: " عشر من الْفطْرَة " من رِوَايَة عَائِشَة.(3/333)
(1078) ثمَّ قَالَ: وخرجه أَبُو دَاوُد من حَدِيث عمار بن يَاسر: ذكر فِيهِ " الْمَضْمَضَة " وَزَاد: " الْخِتَان " وَلم يذكر " إعفاء اللِّحْيَة ".
قَالَ: وَلَيْسَ إِسْنَاده مِمَّا يقطع بِهِ حكم.
كَذَا قَالَ، وَلم يُفَسر علته، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ عَليّ بن زيد عَن سَلمَة بن مُحَمَّد بن عمار، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مُرْسلا.
هَذِه رِوَايَة التَّبُوذَكِي، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عَليّ بن زيد.
وَرَوَاهُ دَاوُد بن شبيب، عَن حَمَّاد، فَقَالَ فِيهِ: عَن عَليّ بن زيد، عَن سَلمَة الْمَذْكُور، عَن عمار، فَهَذِهِ مُنْقَطِعَة.
قَالَ البُخَارِيّ: لَا يعرف / أَنه سمع من عمار أم لَا.
وَإِلَى ذَلِك فَإِن حَال سلمه هَذَا لَا تعرف.
وَعلي بن زيد تَركه قوم وَضَعفه آخَرُونَ، وَوَثَّقَهُ جمَاعَة ومدحوه.
وَجُمْلَة أمره أَنه كَانَ يرفع الْكثير مِمَّا يقفه غَيره، وَاخْتَلَطَ أخيرا، وَلَا يتهم بكذب، وَكَانَ من الْأَشْرَاف الْعلية.(3/334)
(1079) وَذكر من رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن سَالم النَّيْسَابُورِي، حَدِيث أنس: " وَقت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يحلق الرجل عانته كل أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَأَن ينتف إبطه / إِذا طلع " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: الصَّحِيح فِي التَّوْقِيت حَدِيث مُسلم.
هَكَذَا ذكر هَذَا الحَدِيث غير معزو إِلَى الْموضع الَّذِي نَقله مِنْهُ، وَغير مشروح الْعلَّة.
وَهُوَ حَدِيث ذكره أَبُو أَحْمد بن عدي، قَالَ: حَدثنَا الْحُسَيْن بن الْحسن بن سُفْيَان الْفَارِسِي، البُخَارِيّ، حَدثنَا أَحْمد بن حَفْص بن عبد الله، حَدثنَا أَبُو خَالِد: إِبْرَاهِيم بن سَالم، حَدثنَا عبد الله بن عمرَان، عَن أبي عمرَان الْجونِي، عَن أنس بن مَالك، قَالَ: " وَقت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يحلق الرجل عانته كل أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَأَن ينتف إبطه كلما طلع، وَلَا يدع شاربيه يطولان، وَأَن يقلم أَظْفَاره من الْجُمُعَة إِلَى الْجُمُعَة، وَأَن يتَعَاهَد البراجم إِذا تَوَضَّأ، فَإِن الْوَسخ إِلَيْهَا سريع، وَاعْلَم أَن لنَفسك عَلَيْك حَقًا، وَأَن لرأسك عَلَيْك حَقًا، وَأَن لجسدك عَلَيْك حَقًا [وَأَن لزوجك عَلَيْك حَقًا] ، وَأما النِّسَاء، فَلَيْسَ يَنْبَغِي أَن لَا يتعاهدن أَنْفسهنَّ لأنفسهن ولأزواجهن، وَأَن الله عز وَجل جميل يحب الْجمال، وَأَن لكم حفظَة يحبونَ الرّيح الطّيبَة، كَمَا تحبونها، ويكرهون الرّيح المنتنة كَمَا تكرهونها ".(3/335)
قَالَ أَبُو أَحْمد: إِبْرَاهِيم بن سَالم، أَبُو خَالِد النَّيْسَابُورِي، يروي عَن عبد الله ابْن عمرَان أَحَادِيث مُسندَة مَنَاكِير.
وَعبد الله بن عمرَان بَصرِي وَلَا أعرف لَهُ عِنْد الْبَصرِيين إِلَّا حَدِيثا وَاحِدًا يحدثه عَنهُ نوح بن قيس.
وَسَأَلَ ابْن أبي حَاتِم أَبَاهُ عَن عبد الله بن عمرَان هَذَا، فَقَالَ: شيخ.
(1080) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ، حَدِيث قيس بن عَاصِم: " حِين أَمر بِالْغسْلِ عِنْد إِسْلَامه ".
وَأتبعهُ تَحْسِين التِّرْمِذِيّ لَهُ.
وَقد تبين فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردهَا على أَنَّهَا صَحِيحَة مُتَّصِلَة - وَهِي مُنْقَطِعَة أَو مُرْسلَة - أَنه غير صَحِيح وَلَا مُتَّصِل إِلَّا أَنه يتَّصل من غير الطّرق الَّذِي أوردهُ مِنْهُ بِمن لَا يعرف حَاله.
(1081) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، من رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة، عَن عبد الله بن شَدَّاد، عَن أبي عذرة، عَن عَائِشَة، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " نهى عَن(3/336)
دُخُول الحمامات، ثمَّ رخص للرِّجَال " / الحَدِيث.
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: قَالَ التِّرْمِذِيّ: لَيْسَ إِسْنَاده بالقائم.
لم يزدْ على هَذَا.
وَعلة هَذَا الحَدِيث، الْجَهْل بِحَال عبد الله بن شَدَّاد هَذَا، وَهُوَ شيخ من تجار وَاسِط، لم يرو عَنهُ غير حَمَّاد بن سَلمَة.
بَين أمره كَمَا قُلْنَاهُ، ابْن معِين فِي رِوَايَة عَبَّاس وَالْبُخَارِيّ أَيْضا، وَغَيرهمَا.
ويلتبس على من لم يحصل بِعَبْد الله بن شَدَّاد بن الْهَادِي، الثِّقَة الْمَأْمُون.
وَلَا آمن أَن يكون أَبُو مُحَمَّد قد ظَنّه إِيَّاه، فَلذَلِك عدل عَن تبين عِلّة الحَدِيث إِلَى مُجمل كَلَام التِّرْمِذِيّ.
وَأما أَبُو عذرة رَاوِيه عَن عَائِشَة، فَإِنَّهُ صَحَابِيّ، قَالَه مُسلم بن الْحجَّاج وَغَيره.
وَوَقع لأبي مُحَمَّد فِي كِتَابه الْكَبِير تَخْلِيط، أكد مَا ظننته بِهِ: من اخْتِلَاط أَمر عبد الله بن شَدَّاد عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنه قَالَ - إِثْر هَذَا الحَدِيث، وَمن خطه نقلت - أَبُو عذرة ذكره الْحَاكِم / فِي الكنى، قَالَ: أدْرك النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، روى عَن عَائِشَة قَالَ: وَيُقَال: إِنَّه كَانَ شَيخا من تجار وَاسِط.
هَذَا نَص مَا ذكر، وَهُوَ تَخْلِيط لَا خَفَاء بِهِ، فَإِن الَّذِي قَالُوا فِيهِ: إِنَّه أدْرك النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هُوَ أَبُو عذرة الرَّاوِي عَن عَائِشَة.(3/337)
وَالَّذِي قَالُوا فِيهِ: إِنَّه من تجار وَاسِط، هُوَ عبد الله بن شَدَّاد، الَّذِي روى عَنهُ حَمَّاد بن سَلمَة، وَهُوَ قَائِل ذَلِك بِنَفسِهِ فاعلمه، وَالله الْمُوفق.
(1082) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ عَن ابْن جرهد، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مر بِهِ، وَهُوَ كاشف فَخذه، فَقَالَ: " غط فخذك؛ فَإِنَّهَا من الْعَوْرَة ".
(1083) ثمَّ أورد بعده حَدِيث أنس.
ثمَّ قَالَ: قَالَ البُخَارِيّ: حَدِيث أنس أسْند، وَحَدِيث جرهد أحوط، حَتَّى يخرج من اخْتلَافهمْ.
لم يزدْ على هَذَا، فَهُوَ مِنْهُ إِن كَانَ تَصْحِيحا لحَدِيث جرهد، فقد يجب أَن أكتبه فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي صححها وَهِي ضَعِيفَة.
وَإِن كَانَ ذَلِك مِنْهُ تضعيفا لَهُ، فقد بَقِي عَلَيْهِ أَن يشْرَح علته، وَهُوَ الَّذِي نتولى الْآن، فَنَقُول:(3/338)
هَذَا الحَدِيث لَهُ عِلَّتَانِ: إِحْدَاهمَا: الِاضْطِرَاب الْمُورث لسُقُوط الثِّقَة بِهِ، وَذَلِكَ أَنهم يَخْتَلِفُونَ فِيهِ.
فَمنهمْ من يَقُول: زرْعَة بن / عبد الرَّحْمَن.
وَمِنْهُم من يَقُول: زرْعَة بن عبد الله.
وَمِنْهُم من يَقُول: زرْعَة بن مُسلم.
ثمَّ من هَؤُلَاءِ من يَقُول: عَن أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَمِنْهُم من يَقُول: عَن أَبِيه، عَن جرهد، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَمِنْهُم من يَقُول: زرْعَة، عَن آل جرهد، عَن جرهد، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَإِن كنت لَا أرى الِاضْطِرَاب فِي الْإِسْنَاد عِلّة، وَإِنَّمَا ذَلِك إِذا كَانَ من يَدُور عَلَيْهِ الحَدِيث ثِقَة، فَحِينَئِذٍ لَا يضرّهُ اخْتِلَاف النقلَة عَنهُ إِلَى مُسْند ومرسل، أَو رَافع وواقف، أَو وَاصل وقاطع.
وَأما إِذا كَانَ الَّذِي اضْطربَ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ هَذَا، أَو بِبَعْضِه، أَو بِغَيْرِهِ، غير ثِقَة، أَو غير مَعْرُوف، فالاضطراب حِينَئِذٍ يكون زِيَادَة فِي وهنه، وَهَذِه حَال هَذَا الْخَبَر، وَهِي الْعلَّة الثَّانِيَة، وَذَلِكَ أَن زرْعَة، وأباه غير معروفي الْحَال وَلَا مشهوري الرِّوَايَة، فَاعْلَم ذَلِك.
(1084) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن امْرَأَة معَاذ بن عبد الله بن(3/339)
خبيب قَالَت: " كَانَ رجل منا يذكر عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، أَنه سُئِلَ عَن ذَلِك - يَعْنِي مَتى يُؤمر الصَّبِي بِالصَّلَاةِ - فَقَالَ: إِذا عرف يَمِينه من شِمَاله ".
وَلم يبين لَهُ عِلّة، وعلته أَن هَذِه الْمَرْأَة لَا تعرف حَالهَا، وَلَا حَال هَذَا الرجل الَّذِي رَوَت عَنهُ، وَلَا صحت لَهُ صُحْبَة.
فإمَّا معَاذ وَأَبوهُ، وجده، فَثِقَاتٌ، وَلَكِن لَا مدْخل لَهُم وَلَا لأَحَدهم فِي إِسْنَاده.
(1085) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، حَدِيث أنس فِي " إِمَامَة جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِي الْجَهْر والإسرار ".(3/340)
ثمَّ قَالَ: الْمُرْسل أصح.
الْمُرْسل تقدم ذكره قبله.
وَلم يبين لحَدِيث أنس عِلّة، وَهُوَ حَدِيث يرويهِ مُحَمَّد بن سعيد بن جِدَار، عَن جرير بن حَازِم، عَن قَتَادَة، عَن أنس.
وَمُحَمّد بن سعيد، هَذَا مَجْهُول، وَيَرْوِيه عَنهُ أَبُو حَمْزَة إِدْرِيس بن يُونُس ابْن يناق الْفراء، وَلَا تعرف أَيْضا حَاله.
(1086) وَذكر حَدِيث رَافع: " فِي الْأَمر بِتَأْخِير الْعَصْر " /.
وَقَالَ: لَا يَصح.
وَلم يبين بِمَاذَا؟
وعلته / عبد الْوَاحِد بن نَافِع أَبُو الرماح، فَإِنَّهُ مَجْهُول الْحَال مُخْتَلف فِي حَدِيثه.
(1087) وَذكر إثره أَن حَدِيث عَليّ فِي ذَلِك أَيْضا لَا يَصح.
وَلم يبين بِمَاذَا؟
وعلته الْجَهْل بِحَال زِيَاد بن عبد الله النَّخعِيّ، وَبِذَلِك أعله(3/341)
الداقطني مخرجه.
(1088) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، حَدِيثي جَابر، وَأبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا صَلَاة لِجَار الْمَسْجِد إِلَّا فِي الْمَسْجِد ".
وَقَالَ: هُوَ حَدِيث ضَعِيف.
وَهَذَا كَمَا قَالَ: وَبَيَان علتهما، هُوَ أَنَّهُمَا بِإِسْنَادَيْنِ مُخْتَلفين:
أما حَدِيث جَابر، فَمن رِوَايَة مُحَمَّد بن سكين الشقري الْمُؤَذّن، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن بكير الغنوي، عَن مُحَمَّد بن سوقة، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر، قَالَ: " فقد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قوما فِي الصَّلَاة فَقَالَ: " مَا خلفكم عَن الصَّلَاة؟ قَالُوا: لحاء كَانَ بَيْننَا، فَقَالَ: " لَا صَلَاة لِجَار الْمَسْجِد إِلَّا فِي الْمَسْجِد " ".
وَعبد الله بن بكير الغنوي، قَالَ السَّاجِي: إِنَّه من أهل الصدْق، وَلَيْسَ بِقَوي فِي الحَدِيث.
وَذكر لَهُ أَبُو أَحْمد بن عدي أَحَادِيث عَن مُحَمَّد بن سوقة مِمَّا ينْفَرد بِهِ.
ثمَّ قَالَ: لم أر للْمُتَقَدِّمين فِيهِ كلَاما.
وَأَهْمَلَهُ أَبُو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم من الْجرْح وَالتَّعْدِيل، كَأَنَّهُ لم يعرف من(3/342)
حَاله شَيْئا.
وَمُحَمّد بن سكين مُؤذن مَسْجِد بني شقرة ذكره الْعقيلِيّ فِي الضُّعَفَاء بِمَا ذكره بِهِ البُخَارِيّ فِي تَارِيخه.
وَذَلِكَ أَنه ذكر لَهُ عَن عبد الله بن بكير أَيْضا عَن مُحَمَّد بن سوقة بِإِسْنَادِهِ: " لَا صَلَاة لمن يسمع النداء ثمَّ لم يَأْتِ إِلَّا من عِلّة ".
ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده نظر.
وَلما ذكره أَبُو أَحْمد فِي الضُّعَفَاء قَالَ فِيهِ: لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ، وَلم يحضرني لَهُ شَيْء فَأنكرهُ.
وَإِلَى هَذَا فَإِن الْإِسْنَاد من الدَّارَقُطْنِيّ إِلَى مُحَمَّد بن سكين فِي الحَدِيث الْمَذْكُور فِيهِ من لَا تعرف حَاله، وهما: أَبُو سكين: زَكَرِيَّاء بن يحيى الطَّائِي، وجنيد بن حَكِيم.
وَأما حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَمن رِوَايَة سُلَيْمَان بن دَاوُد اليمامي، الْمَعْرُوف بِأبي الْجمل، عَن يحيى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَسليمَان ضَعِيف، وَعَامة / مَا يرويهِ بِهَذَا الْإِسْنَاد لَا يُتَابع عَلَيْهِ.
(1089) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، حَدِيث يزِيد بن عَامر: " إِذا جِئْت الصَّلَاة فَوجدت النَّاس فصل مَعَهم، وَإِن كنت قد صليت، تكن لَك نَافِلَة،(3/343)
وَهَذِه مَكْتُوبَة ".
وَأتبعهُ أَن قَالَ: الصَّحِيح حَدِيث التِّرْمِذِيّ.
وَذكر أَنه من رِوَايَة سعيد بن السَّائِب، عَن نوح بن صعصعة، عَن يزِيد ابْن عَامر.
وَلم يبين علته، وَهِي الْجَهْل بِحَال نوح هَذَا، وَلَا يعرف روى عَنهُ غير سعيد بن السَّائِب.
(1090) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا، حَدِيث حَكِيم بن حزَام فِي " النَّهْي عَن أَن يستقاء فِي الْمَسْجِد، أَو تنشد فِيهِ الْأَشْعَار، أَو تُقَام فِيهِ الْحُدُود ".
قَالَ فِيهِ: ضَعِيف، يرويهِ مُحَمَّد بن عبد الله الشعيثي عَن زفر بن وثيمة عَن حَكِيم.
وَلم يبين من أمره شَيْئا، وعلته الْجَهْل بِحَال زفر بن وثيمة بن مَالك بن(3/344)
أَوْس بن الْحدثَان؛ فَإِنَّهُ لَا يعرف بِأَكْثَرَ من رِوَايَة الشعيثي عَنهُ، وَرِوَايَته هُوَ عَن حَكِيم.
وَقد روى هَذَا الحَدِيث وَكِيع عَن الشعيثي الْمَذْكُور، عَن الْعَبَّاس بن عبد الرَّحْمَن، عَن حَكِيم، ذكره الدَّارَقُطْنِيّ، وَلَا يَصح أَيْضا.
فَإِن الْعَبَّاس هَذَا لَا يعرف كَذَلِك، فَأَما الشعيثي فمختلف فِيهِ، وَثَّقَهُ دُحَيْم.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: ضَعِيف الحَدِيث لَيْسَ بِقَوي، يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ.
(1091) وَذكر من طَرِيقه أَيْضا حَدِيث أبي مَحْذُورَة [فِي الْأَذَان.
من رِوَايَة الْحَارِث بن عبيد، عَن مُحَمَّد بن عبد الْملك بن أبي مَحْذُورَة] عَن أَبِيه، عَن جده أبي مَحْذُورَة.
ثمَّ قَالَ: لَا يحْتَج بِهَذَا الْإِسْنَاد /.(3/345)
وَلم يبين علته، وَهِي الْجَهْل بِحَال مُحَمَّد بن عبد الْملك بن أبي مَحْذُورَة، وَلَا يعلم روى عَنهُ إِلَّا أَبُو قدامَة الْحَارِث بن عبيد وَهُوَ أَيْضا ضَعِيف. قَالَه ابْن معِين، وَقَالَ فِيهِ أَيْضا: مُضْطَرب الحَدِيث، وَكَذَا قَالَ ابْن حَنْبَل.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ.
وَقَالَ عَمْرو بن عَليّ: سَمِعت ابْن مهْدي يحدث عَنهُ، وَقَالَ: كَانَ من شُيُوخنَا، وَمَا رَأَيْت إِلَّا خيرا.
فَأَما عبد الْملك بن أبي مَحْذُورَة، فقد روى عَنهُ جمَاعَة.
مِنْهُم ابْنه / مُحَمَّد، والنعمان بن رَاشد، وَأَبْنَاء ابنيه: إِبْرَاهِيم بن عبد الْعَزِيز ابْن عبد الْملك، وَإِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن عبد الْملك.
وسَاق التِّرْمِذِيّ حَدِيثا فِي الْأَذَان من رِوَايَته وَرِوَايَة ابْنه عبد الْعَزِيز جَمِيعًا، فصححه. فَاعْلَم ذَلِك.
(1092) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد حَدِيث سعد الْقرظ فِي " الاستدارة فِي الْأَذَان ".(3/346)
من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن سعد بن عمار بن سعد الْقرظ، عَن أَبِيه، عَن آبَائِهِ.
ثمَّ قَالَ: حَدِيث التِّرْمِذِيّ وَأبي دَاوُد أصح من هَذَا. فَإِذا كَانَ هَذَا الْكَلَام مِنْهُ تضعيفا - وَهُوَ الظَّن بِهِ - فَاعْلَم أَن علته هِيَ أَن عبد الرَّحْمَن الْمَذْكُور، وأباه وجده، كلهم لَا تعرف لَهُ حَال.
وَفِي بَاب عبد الرَّحْمَن ذكره أَبُو أَحْمد، وحاله عِنْده مَجْهُولَة كَمَا قُلْنَاهُ.
(1093) وَذكر حَدِيث: " إِن كَانَ أذانك سهلا سَمحا، وَإِلَّا فَلَا تؤذن " من عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ.
ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاده إِسْحَاق بن أبي يحيى الكعبي، عَن ابْن جريج.
لم يزدْ على هَذَا، وَلم يتَقَدَّم لَهُ فِيهِ قَول يحِيل عَلَيْهِ.
وَإِسْحَاق الْمَذْكُور، يروي نَحْو عشرَة أَحَادِيث مَنَاكِير، قَالَه أَبُو أَحْمد بن عدي.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم البستي: ينْفَرد عَن الثِّقَات، وَهُوَ الَّذِي روى عَن ابْن جريج، فَذكر هَذَا الحَدِيث.(3/347)
(1094) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، حَدِيث: " إِقَامَة عبد الله بن زيد " من رِوَايَة مُحَمَّد بن عبد الله [عَن عَمه عبد الله بن زيد.
هَكَذَا اقتطع الْإِسْنَاد من هَاهُنَا، ثمَّ قَالَ: إِقَامَة عبد الله] بن زيد لَيست تَجِيء من وَجه قوي فِيمَا أعلم. انْتهى قَوْله.
وَعلة هَذَا الْخَبَر، إِنَّمَا هِيَ فِيمَا ترك من الْإِسْنَاد.
وَذَلِكَ أَنه يرويهِ مُحَمَّد بن عَمْرو الوَاقِفِي عَن مُحَمَّد بن عبد الله هَذَا.
وَمُحَمّد بن عَمْرو ضَعِيف لَا يُسَاوِي شَيْئا.
وَمُحَمّد بن عبد الله هَذَا الَّذِي اقْتصر على ذكره، لَا تعرف أَيْضا حَاله، واضطرب فِيهِ أَيْضا.
فحماد بن خَالِد، يَقُول عَن مُحَمَّد بن عَمْرو مَا ذَكرْنَاهُ.
وَعبد الرَّحْمَن بن مهْدي يَقُول فِيهِ: عَن مُحَمَّد بن عَمْرو، عَن عبد الله ابْن مُحَمَّد، قَالَ: كَانَ جدي.
وَكِلَاهُمَا لَا تعرف حَاله، / لَا مُحَمَّد بن عبد الله، وَلَا عبد الله بن مُحَمَّد.
وَلِهَذَا الحَدِيث أَيْضا مدْخل فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أعلها بِقوم وَترك(3/348)
مثلهم أَو أَضْعَف مِنْهُم.
(1095) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ حَدِيث أنس: " الدُّعَاء بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة لَا يرد ".
وَأتبعهُ تَحْسِين التِّرْمِذِيّ.
وَلم يبين لم لم يَصح، وَذَلِكَ أَنه من رِوَايَة زيد بن الْحوَاري، الْعمي، عَن أنس، وَهُوَ عِنْدهم ضَعِيف.
قَالَ فِيهِ أَبُو زرْعَة: واهي الحَدِيث.
وَكَانَ شُعْبَة لَا يحمد حفظه.
وَقَالَ فِيهِ ابْن معِين: لَا شَيْء.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ.
وَقَالَ فِيهِ ابْن حَنْبَل: صَالح.(3/349)
فللخلاف فِي هَذَا الرجل، قيل فِي الحَدِيث: حسن، فَاعْلَم ذَلِك.
(1096) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن أبي الْفضل، أَو أبي الفضيل - رجل من الْأَنْصَار - عَن مُسلم بن أبي بكرَة، عَن أَبِيه، حَدِيث: " ناداه: الصَّلَاة أَو حركه بِرجلِهِ ".
وَلم يبين مَوضِع الْعلَّة / مِنْهُ.
وعلته أَبُو الْفضل هَذَا، أَو أَبُو الفضيل فَإِنَّهُ رجل مَجْهُول.
(1097) وَذكر حَدِيث: " توسطوا الإِمَام وسدوا الْخلَل ".
وَقَالَ: لَيْسَ هَذَا الْإِسْنَاد بِقَوي وَلَا مَشْهُور.
كَذَا قَالَ، وَلم يبين علته، وَهِي الْجَهْل بِحَال يحيى بن بشير بن خَلاد، وبحال أمه.
هَذَا على تَقْدِير الصَّوَاب فِي ذكره، فَأَما [على] مَا ذكره هُوَ، فالجهل ببشير بن خَلاد وَأمه.
وَقد بَينا خطأه فِي هَذَا فِي بَاب الزِّيَادَة فِي الْأَسَانِيد، وَهُوَ أول حَدِيث بدأنا بِذكرِهِ فِي هَذَا الْكتاب.(3/350)
(1098) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ حَدِيث معَاذ وَعلي، قَالَا: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا أَتَى أحدكُم الصَّلَاة، وَالْإِمَام على حَال، فليصنع كَمَا يصنع الإِمَام ".
ثمَّ قَالَ: إِسْنَاد حَدِيث عَليّ ضَعِيف، وَإسْنَاد حَدِيث معَاذ مُنْقَطع.
وَلم يبين مَوضِع الْعلَّة مِنْهُمَا:
فَأَما حَدِيث عَليّ فَمن رِوَايَة حجاج، عَن أبي إِسْحَاق، عَن هُبَيْرَة بن يريم عَن عَليّ.
وحجاج هُوَ ابْن أَرْطَاة، وَهُوَ ضَعِيف مُدَلّس عَن الضُّعَفَاء.
وَأما حَدِيث معَاذ، فَمن رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَنهُ، وَلم يسمع مِنْهُ.
(1099) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد حَدِيث الْمِقْدَاد / بن الْأسود: " مَا رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي إِلَى عود، وَلَا عَمُود، وَلَا شَجَرَة " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: لَيْسَ إِسْنَاده بِقَوي.
وَلم يبين مَوضِع الْعلَّة مِنْهُ، وَهِي الْجَهْل بِحَال ثَلَاثَة من رُوَاته:
الْوَلِيد بن كَامِل، عَن الْمُهلب بن حجر البهراني، عَن ضباعة بنت(3/351)
الْمِقْدَاد، عَن أَبِيهَا.
فضباعة مَجْهُولَة الْحَال، وَلَا أعلم أحدا ذكرهَا، وَكَذَلِكَ الْمُهلب بن حجر مَجْهُول الْحَال أَيْضا.
والوليد بن كَامِل من الشُّيُوخ الَّذين لم تثبت عدالتهم، وَلَا لَهُم من الرِّوَايَة كَبِير شَيْء يسْتَدلّ بِهِ على حَالهم.
وَلِهَذَا الحَدِيث شَأْن آخر، وَهُوَ أَن أَبَا عَليّ بن السكن، ذكره فِي سنَنه هَكَذَا: حَدثنَا سعيد بن عبد الْعَزِيز الْحلَبِي، حَدثنَا أَبُو تَقِيّ: هِشَام بن عبد الْملك، حَدثنَا بَقِيَّة، عَن الْوَلِيد بن كَامِل، أنبأني الْمُهلب بن حجر البهراني، عَن ضبيعة بنت الْمِقْدَام بن معدي، عَن أَبِيهَا، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا صلى أحدكُم إِلَى عَمُود، أَو سَرِيَّة، أَو شَيْء، فَلَا يَجعله نصب عَيْنَيْهِ، وليجعله على حَاجِبه الْأَيْسَر ".
قَالَ ابْن السكن: ذكر هَذَا الحَدِيث أَبُو دَاوُد، وَأَبُو عبد الرَّحْمَن - يَعْنِي النَّسَائِيّ -.
كَذَا قَالَ أَبُو عَليّ، وَهُوَ عين الْخَطَأ، فَإِن الَّذِي ذكر أَبُو دَاوُد، من رِوَايَة عَليّ بن عَيَّاش، عَن الْوَلِيد بن كَامِل، غير هَذَا إِسْنَادًا ومتنا، فَإِنَّهُ عَن ضباعة بنت الْمِقْدَاد بن الْأسود، عَن أَبِيهَا. وَهَذَا الَّذِي روى بَقِيَّة هُوَ عَن ضبيعة بنت الْمِقْدَام بن معدي كرب، عَن أَبِيهَا، وَذَاكَ فعل، وَهَذَا قَول.(3/352)
وَحَدِيث النَّسَائِيّ كَحَدِيث أبي دَاوُد، وَمَعَ أَنه كَمَا ترى حَدِيث آخر - أَعنِي رِوَايَة بَقِيَّة - هُوَ عَائِد على رِوَايَة عَليّ بن عَيَّاش بالوهن، من حَيْثُ هُوَ اخْتِلَاف على الْوَلِيد بن كَامِل، ومورث للشَّكّ فِيمَا كَانَ عِنْده من ذَلِك، على ضعفه فِي نَفسه، وَالْجهل بِحَال من فَوْقه.
وَلما ذكر ابْن أبي حَاتِم الْمُهلب بن حجر، ذكره براوية الْوَلِيد بن كَامِل عَنهُ، وَبِأَنَّهُ يروي عَن ضباعة بنت الْمِقْدَام بن معدي كرب.
وَلم يزدْ على ذَلِك / فَكَانَ هَذَا مِنْهُ غير مَا فِي الإسنادين: فَإِن الَّذِي فِي الإسنادين: إِمَّا ضباعة بنت الْمِقْدَاد، وَإِمَّا ضبيعة بنت الْمِقْدَام، فجَاء هُوَ بِأَمْر ثَالِث وَذَلِكَ كُله دَلِيل على مَا قُلْنَاهُ، من الْجَهْل بأحوال رُوَاة هَذَا الْخَبَر.
(1100) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ، عَن الْفضل / بن عَبَّاس، قَالَ:(3/353)
" زار النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عباسا فِي بادية لنا، وَلنَا كليبة وحمارة " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده ضَعِيف.
وَهُوَ كَمَا ذكر ضَعِيف، فَإِنَّهُ من رِوَايَة ابْن جريج، عَن مُحَمَّد بن عمر بن عَليّ، عَن عَبَّاس بن عبيد الله بن عَبَّاس، عَن الْفضل بن عَبَّاس.
وعباس هَذَا لَا تعرف حَاله، وَلَا ذكر بِأَكْثَرَ من رِوَايَة مُحَمَّد بن عمر هَذَا عَنهُ، وَرِوَايَته هُوَ عَن الْفضل.
وَقَالَ البُخَارِيّ: إِن بَعضهم قَالَ فِيهِ: عَبَّاس بن عبد الله [بن عَبَّاس] مكبرا، قَالَ: وَالْأول أصح.
وَمُحَمّد بن عمر بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب أَبُو حَفْص، مَجْهُول الْحَال، وَقد يَظُنّهُ من لَا يعلم، مُحَمَّد بن عمر بن عَليّ الْمقدمِي، وَلَيْسَ بِهِ.
(1101) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: - أَحْسبهُ عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا صلى أحدكُم إِلَى غير ستْرَة، فَإِنَّهُ يقطع صلَاته: الْكَلْب، وَالْحمار، وَالْخِنْزِير، والمجوسي، واليهودي، وَالْمَرْأَة، ويجزيء عَنهُ إِذا مروا بَين(3/354)
يَدَيْهِ، على قذفة بِحجر ".
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: إِنَّمَا يَصح من هَذَا ذكر الْمَرْأَة وَالْكَلب وَالْحمار.
لم يزدْ على هَذَا.
وَعلة هَذَا الحَدِيث بادية، وَهِي الشَّك فِي رَفعه، فَلَا يجوز أَن يُقَال: إِنَّه مَرْفُوع، وَرَاوِيه قد قَالَ: أَحْسبهُ عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَإِلَّا فَلَيْسَ فِي إِسْنَاده مُتَكَلم فِيهِ إِلَّا عِكْرِمَة، وَهُوَ عِنْدِي من لَا يوضع فِيهِ نظر، وَصَاحب الْكتاب يقبله ويحتج بِهِ، غير ملتفت على شَيْء مِمَّا قيل فِيهِ، وَأصَاب فِي ذَلِك، لعلم عِكْرِمَة [وَدينه.
وَلم يعن أَبُو مُحَمَّد بِتَضْعِيف الْخَبَر كَونه من رِوَايَة عِكْرِمَة] وَلَيْسَ فِي سَائِر الْإِسْنَاد من يسْأَل عَنهُ.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل الْبَصْرِيّ، مولى بن هَاشم، حَدثنَا معَاذ، حَدثنَا هِشَام، عَن يحيى، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس، فَذكره /.
وَالْعجب أَن أَبَا دَاوُد قد قَالَ: [إِنَّه] لم يسمعهُ إِلَّا من مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل بن أبي سَمِينَة، وَأَنه ذَاكر بِهِ فَلم يعرف، وَأَن فِي نَفسه مِنْهُ شَيْئا، وَأَن الْمُنكر مِنْهُ ذكر الْمَجُوسِيّ واليهودي وَالْخِنْزِير، والمقدار فِي الْمسَافَة، وَأَنه يظنّ أَن ابْن أبي سَمِينَة [وهم فِيهِ، فَإِنَّهُ كَانَ يُحَدِّثهُمْ من حفظه.
وَهَذَا كُله لَا يحْتَاج إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ رَأْي لَا خبر، وَلم يجْزم ابْن عَبَّاس بِرَفْعِهِ.(3/355)
وَابْن أبي سَمِينَة] أحد الثِّقَات، وَقد جَاءَ هَذَا الْخَبَر بِذكر أَرْبَعَة فَقَط، عَن ابْن عَبَّاس مَوْقُوفا بِسَنَد جيد كَذَلِك.
قَالَ الْبَزَّار: حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا عبد الْأَعْلَى، قَالَ: حَدثنَا سعيد، عَن قَتَادَة، قَالَ: قلت لجَابِر بن زيد: مَا يقطع الصَّلَاة؟ قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس: " الْكَلْب الْأسود، وَالْمَرْأَة الْحَائِض " قَالَ: قلت: قد كَانَ يذكر الثَّالِث، قَالَ مَا هُوَ؟ قلت: " الْحمار " قَالَ: رويدك، الْحمار؟ قلت: قد كَانَ يذكر الرَّابِع، قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: " العلج الْكَافِر "، قَالَ: إِن اسْتَطَعْت أَن لَا يمر بَين يَديك كَافِر وَلَا مُسلم فافعل ".
(1102) وَذكر من طَرِيقه حَدِيث سعيد بن غَزوَان، عَن أَبِيه، فِي مروره بَين يَدي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وَقَوله: " قطع صَلَاتنَا قطع الله أَثَره ".
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: إِسْنَاده ضَعِيف.
وَلم يبين علته، وَهُوَ كَمَا ذكر ضَعِيف، وعلته الْجَهْل بِحَال سعيد، فَإِنَّهَا لَا تعرف، فَأَما أَبُو غَزوَان، فَإِنَّهُ لَا يعرف مَذْكُورا، فَإِن ابْنه وَإِن كَانَت حَاله لَا تعرف، فقد ذكر وَترْجم باسمه فِي مظان ذكره وَذكر أَمْثَاله، وَذكر مَا يذكر بِهِ المجهولون.
واعترى أَبَا مُحَمَّد فِي هَذَا الحَدِيث - من جعل غَزوَان هَذَا صحابيا وَلَيْسَ كَذَلِك - مَا قد ذَكرْنَاهُ فِي بَاب النَّقْص من الْأَسَانِيد.(3/356)
(1103) وَذكر من طَرِيق أبي أَحْمد، حَدِيث ابْن عَبَّاس " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - / يُصَلِّي عِنْد الْإِقَامَة فِي بَيت مَيْمُونَة ".
قَالَ: رَوَاهُ من حَدِيث سَلام بن سُلَيْمَان، عَن مُحَمَّد بن الْفضل بن [عَطِيَّة] .
ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده أَضْعَف من / الَّذِي قبله.
لم يزدْ على هَذَا، وَقد أبلغ، وَلَكِن من لاعلم لَهُ بِمُحَمد بن الْفضل، تخفى عَلَيْهِ عِلّة [هَذَا] الْخَبَر.
فَاعْلَم أَن مُحَمَّد بن الْفضل هَذَا كَذَّاب، وَسَلام بن سُلَيْمَان ضَعِيف، وَيَرْوِيه عَنهُ سَلام بن تَوْبَة، وَهُوَ مَجْهُول.
قَالَ أَبُو أَحْمد: أَظن أَن الْبلَاء فِي هَذِه الرِّوَايَة من مُحَمَّد بن الْفضل.
(1104) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ حَدِيث عَامر بن ربيعَة: " فِي(3/357)
صلَاتهم فِي اللَّيْلَة الْمظْلمَة، حِين خفيت عَلَيْهِم الْقبْلَة على حيالهم ".
ثمَّ أتبعه أَن قَالَ: قَالَ أَبُو عِيسَى: لَيْسَ إِسْنَاده بِذَاكَ.
رَوَاهُ من حَدِيث أَشْعَث بن سعيد السمان، عَن عَاصِم بن عبيد الله، عَن عبد الله بن عَامر بن ربيعَة عَن أَبِيه.
لم يزدْ على هَذَا فِي تَعْلِيله.
وَمَوْضِع الْعلَّة مِنْهُ عَاصِم بن عبيد الله، فَإِنَّهُ مُضْطَرب الحَدِيث، تنكر عَلَيْهِ أَحَادِيث.
وَأَشْعَث السمان، سيئ الْحِفْظ، يروي الْمُنْكَرَات عَن الثِّقَات، وَقَالَ فِيهِ عَمْرو بن عَليّ: مَتْرُوك.
(1105) وَذكر بعده من حَدِيث جَابر بن عبد الله، قَالَ: " بعث رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَرِيَّة كنت فِيهَا، فأصابتنا ظلمَة فَذكر مثله بِمَعْنَاهُ، وَزَاد: " فَلم يَأْمُرنَا بِالْإِعَادَةِ ". وَقَالَ: " قد أجزأتكم صَلَاتكُمْ ".
ثمَّ قَالَ: وَفِي إِسْنَاده اخْتِلَاف، وَضَعفه الدَّارَقُطْنِيّ. انْتهى مَا ذكر.
فَاعْلَم أَن هَذَا الْخَبَر غير مُبين الْعلَّة، وَهُوَ أَيْضا ملفق من متنين، على مَا بَيناهُ فِيمَا تقدم فِي بَاب الْأَحَادِيث الْمُغيرَة بالْعَطْف أَو الإرداف.
ونزيد ذَلِك الْآن بَيَانا - لاحتياجنا هُنَا إِلَى شرح الْعلَّة - فَنَقُول: إِن الحَدِيث(3/358)
الَّذِي فِيهِ: " فَلم يَأْمُرنَا بِالْإِعَادَةِ " وَقَالَ: " قد أجزأتكم صَلَاتكُمْ "، غير الحَدِيث الَّذِي فِيهِ: " بعث رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَرِيَّة كنت فِيهَا "، وَلم يذكر ذَلِك فِي سَرِيَّة، بل فِي غزَاة من غزوات رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَعلة أَحدهمَا غير عِلّة الآخر، ويتبين هَذَا بإيرادهما بنصيهما.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن عَليّ، أَبُو مُحَمَّد، قَالَ: حَدثنَا الْحسن بن عَليّ بن شبيب قَالَ: حَدثنَا أَحْمد بن عبيد الله بن الْحسن الْعَنْبَري قَالَ: وجدت فِي كتاب أبي، حَدثنَا عبد الْملك الْعَرْزَمِي، عَن عَطاء / عَن جَابر قَالَ: بعث رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَرِيَّة كنت فِيهَا، فأصابتنا ظلمَة، فَلم نَعْرِف الْقبْلَة، فَقَالَت طَائِفَة منا: قد عرفنَا الْقبْلَة، هِيَ هَاهُنَا قبل الشمَال، فصلوا وخطوا خطا، وَقَالَ بَعْضنَا: الْقبْلَة هَاهُنَا قبل الْجنُوب، وخطوا خطا، فَلَمَّا أَصْبحُوا، وطلعت الشَّمْس، أَصبَحت تِلْكَ الخطوط لغير الْقبْلَة، فَلَمَّا قَفَلْنَا من سفرنا، سَأَلنَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَن ذَلِك، فَسكت، وَأنزل الله تَعَالَى: {وَللَّه الْمشرق وَالْمغْرب فأينما توَلّوا فثم وَجه الله} أَي حَيْثُ كُنْتُم.
هَذَا حَدِيث قَائِم بِنَفسِهِ، علته الِانْقِطَاع فِيمَا بَين أَحْمد بن عبيد الله بن الْحسن الْعَنْبَري، وَأَبِيهِ، وَالْجهل بِحَال أَحْمد الْمَذْكُور، وَمَا مس بِهِ أَيْضا عبيد الله بن الْحسن الْعَنْبَري من الْمَذْهَب، على مَا ذكر ابْن أبي خَيْثَمَة وَغَيره.
ثمَّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: قرئَ على عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز، وَأَنا(3/359)
أسمع، حَدثكُمْ دَاوُد بن عَمْرو قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن يزِيد الوَاسِطِيّ، عَن مُحَمَّد بن سَالم، عَن عَطاء، عَن جَابر، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - / فِي مسير أَو سير، فأصابنا غيم، فتحيرنا، فاختلفنا فِي الْقبْلَة، فصلى كل رجل منا على حِدة، وَجعل أَحَدنَا يخط بَين يَدَيْهِ، لنعلم أمكنتنا، فَذَكرنَا ذَلِك لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَلم يَأْمُرنَا بِالْإِعَادَةِ، وَقَالَ: " قد أجزأتكم صَلَاتكُمْ ".
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: كَذَا قَالَ: عَن مُحَمَّد بن سَالم، وَغَيره قَالَ: عَن مُحَمَّد بن يزِيد، عَن مُحَمَّد بن عبيد الله الْعَرْزَمِي، عَن عَطاء، وهما ضعيفان. انْتهى كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ.
فَهَذَا كَمَا ترى حَدِيث آخر فِي غَزْوَة من غزوات رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حضرها جَابر، وَقد يُمكن الْجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ لَو صحتا، بِأَن يُقَال: إِن السّريَّة كَانَت جَرِيدَة جردها رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من الْعَسْكَر، فَمر فِيهَا جَابر، واعتراهم مَا ذكر، وَلما قَفَلُوا مِنْهَا إِلَى عَسْكَر رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، سَأَلُوهُ.
أَو تكون الجريدة لم تَجْتَمِع مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا فِي الْمَدِينَة، حَتَّى يكون / قَوْله: " كُنَّا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - "، وَقَوله: " بعث رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَرِيَّة كنت فِيهَا " صَادِقين.
ولكنهما لم يصحا.
أما الأولى: فقد ذكرنَا علتها، وَأما هَذِه فعلتها ضعف راوييها عَن عَطاء، وهما: مُحَمَّد بن سَالم، وَمُحَمّد بن عبيد الله الْعَرْزَمِي.
وَأَبُو مُحَمَّد - رَحمَه الله - لفق المتنين، وَضعف مَا لفق من ذَلِك، كَأَنَّهُ بعلة(3/360)
وَاحِدَة، وَالْأَمر فِيهِ على مَا أَخْبَرتك فاعلمه.
(1106) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، عَن زر بن حُبَيْش، أَنه سمع عليا، " وَسُئِلَ عَن وضوء رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: هَذَا يرويهِ ربيعَة بن عبيد الله الْكِنَانِي، عَن الْمنْهَال بن عَمْرو.
كَذَا أوردهُ، وَلم يزدْ على هَذَا.
وَلَيْسَ الْقَائِل أَن يَقُول: هُوَ عِنْده صَحِيح، فَإِنَّهُ سكت عَنهُ، لِأَنَّهُ قَلما يذكر من الحَدِيث إِسْنَاده أَو قِطْعَة من إِسْنَاده، إِلَّا ليعين مَوضِع النّظر فِيهِ، إِلَّا أَنه لم يبين فِي هَذَا مَوضِع النّظر.(3/361)
فَاعْلَم أَنه حَدِيث ذكره أَبُو دَاوُد هَكَذَا: حَدثنَا عُثْمَان بن أبي شيبَة، حَدثنَا أَبُو نعيم، حَدثنَا ربيعَة الْكِنَانِي، عَن الْمنْهَال بن عَمْرو، عَن زر بن حُبَيْش، فَذكره.
وَرَبِيعَة بن عبيد، وَثَّقَهُ ابْن معِين وَأخرج لَهُ البُخَارِيّ.
وَلَيْسَ فِي الْإِسْنَاد من يسْأَل عَنهُ غير الْمنْهَال بن عَمْرو، فَمن أَجله - وَالله أعلم - جعل الحَدِيث مِمَّا يَنْبَغِي أَن ينظر فِيهِ، فَإِن شَيْخه ومعتمده فِي التَّصْحِيح والتضعيف أَبَا مُحَمَّد بن حزم، يضعف الْمنْهَال بن عَمْرو هَذَا، وَيَقُول: إِنَّه كَانَ لَا يقبل فِي باقة بقل.
ورد من رِوَايَته حَدِيث الْبَراء بن عَازِب فِي أَن روح الْمَيِّت يُعَاد إِلَى جسده عِنْد المساءلة فِي الْقَبْر.
(1107) وَذكر أَبُو مُحَمَّد فِي الْجَنَائِز حَدِيث الْبَراء: " جلس رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَجَلَسْنَا حوله " الحَدِيث.
وَسكت عَنهُ، وَلم يبين أَنه من رِوَايَة الْمنْهَال، فَكَانَ هَذَا مِنْهُ قبولا لَهُ.
وَالرجل قد وَثَّقَهُ ابْن معِين والكوفي.(3/362)
وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَرك فِيمَا حكى عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل عَن أَبِيه، من قَوْله: ترك شُعْبَة الْمنْهَال على عمد.
قَالَ ابْن أبي حَاتِم: لِأَنَّهُ سمع من دَاره صوب قِرَاءَة بالتطريب /.
فَإِن هَذَا لَيْسَ بجرحه، إِلَّا أَن يتَجَاوَز إِلَى حد يحرم، وَلم يذكر ذَلِك فِي الْحِكَايَة، وَلَا أَيْضا فِيمَا بشع من هَذِه الْحِكَايَة، وَذَلِكَ مَا ذكر الْعقيلِيّ عَن وهب قَالَ: سَمِعت شُعْبَة يَقُول: أتيت منهال بن عَمْرو، فَسمِعت / عِنْده صَوت طنبور فَرَجَعت وَلم أسأله قيل: فَهَلا سَأَلته، فَعَسَى كَانَ لَا يعلم؟ .
فَهَذَا - كَمَا ترى - التعسف فِيهِ ظَاهر، وَلَا أعلم لهَذَا الحَدِيث عِلّة غير مَا ذكرت، فاعلمه.
(1108) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن ابْن عمر، أَن رَسُول الله: " كَانَ إِذا تَوَضَّأ عَرك عارضيه بعض العرك " الحَدِيث.(3/363)
قَالَ: وَالصَّحِيح أَنه فعل ابْن عمر، غير مَرْفُوع إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
هَذَا نَص مَا ذكر، وَلم يبين علته.
وَقد يظنّ أَن تَعْلِيله إِيَّاه، هُوَ مَا ذكر من وَقفه وَرَفعه، وَلَيْسَ ذَلِك بِصَحِيح، فَإِنَّهُ إِنَّمَا كَانَ يَصح أَن يكون هَذَا عِلّة، لَو كَانَ رافعه ضَعِيفا، وواقفه ثِقَة، فَفِي مثل هَذَا الْحَال كَانَ يصدق قَوْله: " الصَّحِيح مَوْقُوف من فعل ابْن عمر ".
أما إِذا كَانَ رافعه ثِقَة، وواقفه ثِقَة، فَهَذَا لَا يضرّهُ، وَلَا هُوَ عِلّة فِيهِ.
وَهَذَا حَال هَذَا الحَدِيث، فَإِن رافعه عَن الْأَوْزَاعِيّ، هُوَ عبد الحميد بن حبيب بن أبي الْعشْرين كَاتبه، وواقفه عَنهُ، هُوَ أَبُو الْمُغيرَة، وَكِلَاهُمَا ثِقَة، فالقضاء للْوَاقِف على الرافع يكون خطأ.
وَبعد هَذَا، فعلة الْخَبَر هِيَ غير ذَلِك، وَهِي ضعف عبد الْوَاحِد بن قيس، رَاوِيه عَن نَافِع عَن ابْن عمر، وَعنهُ رَوَاهُ الْأَوْزَاعِيّ فِي الْوَجْهَيْنِ.
قَالَ ابْن معِين: عبد الْوَاحِد بن قيس الَّذِي رَوَاهُ عَنهُ الْأَوْزَاعِيّ، شبه لَا شَيْء.
وَإِذ الْمَوْقُوف الَّذِي صحّح لَا بُد فِيهِ من عبد الْوَاحِد الْمَذْكُور، فَلَيْسَ إِذن بِصَحِيح.
وَالدَّارَقُطْنِيّ لم يقل فِي الْمَوْقُوف: صَحِيح، وَلَا أصح، وَإِنَّمَا قَالَ: إِن رِوَايَة أبي الْمُغيرَة بوقفه هِيَ الصَّوَاب، فَاعْلَم ذَلِك.(3/364)
(1109) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عَلْقَمَة، عَن عبد الله: " أَلا أُصَلِّي بكم صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - "؟ قَالَ: " فصلى فَلم يرفع يَده إِلَّا مرّة [وَاحِدَة] ".
وَأتبعهُ أَن قَالَ: إِنَّه لَا يَصح، وَقد / ذكر علته وَبَينهَا أَبُو عبد الله الْمروزِي فِي كتاب رفع الْأَيْدِي.
هَذَا مَا أتبع هَذَا الحَدِيث، وَهُوَ مِنْهُ تَضْعِيف.
وَمِمَّنْ ضعفه كَذَلِك أَبُو دَاوُد، وَزعم أَنه مُخْتَصر من حَدِيث طَوِيل، قَالَ: وَلَيْسَ بِصَحِيح على هَذَا اللَّفْظ.
وَذكر التِّرْمِذِيّ عَن ابْن الْمُبَارك أَنه قَالَ: لَا يَصح.
وَقَالَ الْآخرُونَ: إِنَّه صَحِيح.
وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِك الدَّارَقُطْنِيّ، قَالَ: إِنَّه حَدِيث صَحِيح، وَإِنَّمَا الْمُنكر فِيهِ على وَكِيع، زِيَادَة: " ثمَّ لَا يعود " قَالُوا: إِنَّه كَانَ يَقُولهَا من قبل نَفسه.
وَتارَة لم يقلها، وَتارَة أتبعهَا الحَدِيث، كَأَنَّهَا من كَلَام ابْن مَسْعُود.
وَأَبُو عبد الله الْمروزِي، الَّذِي توهم أَبُو مُحَمَّد: عبد الْحق أَنه ضعف الحَدِيث(3/365)
الْمَذْكُور، إِنَّمَا اعتنى بِتَضْعِيف هَذِه اللَّفْظَة، وَكَذَلِكَ أَحْمد بن حَنْبَل وَغَيره.
فَأَما الحَدِيث دونهَا فَصَحِيح كَمَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ.
وَالَّذِي توهمه أَبُو دَاوُد: من أَنه مُخْتَصر، قد بَين متوهمه من ذَلِك فِي كِتَابه، بإتباعه إِيَّاه حَدِيث ابْن إِدْرِيس، وَرِوَايَته لَهُ عَن عَاصِم بن كُلَيْب.
قَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا عُثْمَان بن أبي شيبَة، قَالَ: حَدثنَا وَكِيع، عَن سُفْيَان، عَن عَاصِم بن كُلَيْب، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْأسود، عَن عَلْقَمَة قَالَ: قَالَ عبد الله بن مَسْعُود: أَلا أُصَلِّي بكم صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -؟ قَالَ: فصلى فَلم يرفع يَده إِلَّا مرّة.
قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا الحَدِيث مُخْتَصر من حَدِيث طَوِيل، وَلَيْسَ هُوَ بِصَحِيح على هَذَا اللَّفْظ، حَدثنَا عُثْمَان بن أبي شيبَة، حَدثنَا عبد الله بن إِدْرِيس، عَن عَاصِم بن كُلَيْب، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْأسود، عَن عَلْقَمَة، قَالَ عبد الله:
علمنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الصَّلَاة: " فَكبر وَرفع يَدَيْهِ، فَلَمَّا / ركع، طبق يَدَيْهِ بَين رُكْبَتَيْهِ، قَالَ: فَبلغ ذَلِك سَعْدا فَقَالَ: صدق أخي، قد كُنَّا نَفْعل هَذَا، ثمَّ أمرنَا بِهَذَا - يَعْنِي الْإِمْسَاك على الرُّكْبَتَيْنِ -.
فَمن هَذَا زعم أَبُو دَاوُد أَنه اختصر حَدِيث وَكِيع، فتثبج مَعْنَاهُ.
وكما فعل أَبُو دَاوُد فعل أَحْمد بن حَنْبَل فِي هَذَا الحَدِيث، من مُعَارضَة رِوَايَة وَكِيع / عَن الثَّوْريّ، بِرِوَايَة ابْن إِدْرِيس.(3/366)
ثمَّ قَالَ: وَكِيع رجل يثبج الحَدِيث: لِأَنَّهُ يحمل على نَفسه فِي حفظ الحَدِيث.
وَالَّذِي فعله أَبُو مُحَمَّد - من إِبْهَام عِلّة هَذَا الحَدِيث، والإحالة بهَا على مُحَمَّد بن نصر - يُوهم أَن عِنْده فِيهِ مزيدا، وَلَيْسَ كَذَلِك.
والْحَدِيث عِنْدِي - لعدالة رُوَاته - أقرب إِلَى الصِّحَّة، وَمَا بِهِ عِلّة سوى مَا ذكرت.
(1110) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار، عَن خبيب بن سُلَيْمَان بن سَمُرَة بن جُنْدُب، عَن أَبِيه، عَن جده، أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَقُول: " إِذا صلى أحدكُم فَلْيقل: اللَّهُمَّ باعد بيني وَبَين خطيئتي " الحَدِيث.
ثمَّ رده بِأَن قَالَ: الصَّحِيح فِي هَذَا فعل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا أمره، كَمَا أخرج مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة.
هَذَا مَا ذكر، وَلم يبين عِلّة حَدِيث سَمُرَة، وَهِي الْجَهْل بِحَال خبيب وَأَبِيهِ.
وَقد كتبنَا ذَلِك فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أتبعهَا مِنْهُ كلَاما يُوهم صِحَّتهَا، وَلَيْسَت بصحيحة.
(1111) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، من حَدِيث حميد الْأَعْرَج، عَن(3/367)
ابْن شهَاب، عَن عُرْوَة، عَن عَائِشَة، وَذكرت حَدِيث الْإِفْك، وَفِيه: " التَّعَوُّذ ".
ثمَّ قَالَ: قَالَ أَبُو دَاوُد: هَذَا حَدِيث مُنكر، قد روى هَذَا الحَدِيث عَن الزُّهْرِيّ جمَاعَة لم يذكرُوا هَذَا الْكَلَام على هَذَا الشَّرْح، وأخاف أَن يكون أَمر الِاسْتِعَاذَة من كَلَام حميد.
هَذَا مَا أتبعه، وَلَيْسَ فِيهِ بَيَان علته فَإِن حميد بن قيس، أحد الثِّقَات، وَلَا يضرّهُ الِانْفِرَاد، وَإِنَّمَا علته أَنه من رِوَايَة قطن بن نسير، عَن جَعْفَر بن سُلَيْمَان، عَن حميد.
كَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن قطن.
وقطن وَإِن كَانَ مُسلم يروي عَنهُ فقد كَانَ أَبُو زرْعَة يحمل عَلَيْهِ، وَيَقُول: إِنَّه روى عَن جَعْفَر بن سُلَيْمَان عَن ثَابت، عَن أنس، أَحَادِيث مِمَّا أنكر عَلَيْهِ، وجعفر أَيْضا مُخْتَلف فِيهِ.
فَلَيْسَ يَنْبَغِي أَن يحمل على حميد، وَهُوَ ثِقَة بِلَا خلاف، فِي شَيْء جَاءَ بِهِ عَنهُ من يخْتَلف فِيهِ.
(1112) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن عمر بن حَفْص الْمَكِّيّ، عَن(3/368)
ابْن جريج، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - /، " لم يزل يجْهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فِي السورتين حَتَّى قبض ".
وَفِيه عَن أنس بِمَعْنَاهُ.
وَعَن عَليّ بن أبي طَالب كَذَلِك، وَلم يقل: " حَتَّى قبض ".
وَالصَّحِيح حَدِيث نعيم المجمر.
هَذَا نَص مَا ذكر، وَلَيْسَ فِي بَيَان علته، لَا من رِوَايَة ابْن عَبَّاس، وَلَا من رِوَايَة أنس، وَلَا من رِوَايَة عَليّ، فلنبين ذَلِك فَنَقُول:
أما حَدِيث ابْن عَبَّاس، فعلته الْجَهْل بِحَال عمر بن حَفْص الْمَكِّيّ، بل لَا أعرفهُ مَذْكُورا فِي مظان ذكره وَذكر أَمْثَاله، وَكَذَلِكَ رَاوِيه عَنهُ، وَهُوَ جَعْفَر بن عَنْبَسَة بن عَمْرو الْكُوفِي.
(1113) وَأما حَدِيث أنس، وَعلي، فَإِنَّمَا لم نذْكر علتهما؛ لِأَنَّهُ لم يذكرهما، وَإِنَّمَا أَشَارَ إِلَيْهِمَا وهما عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ، وَنحن أَيْضا لَا نعرض لَهما؛ لِأَنَّهُمَا كَسَائِر مَا ترك من الْأَحَادِيث.(3/369)
(1114) وَذكر من طَرِيق النَّسَائِيّ حَدِيث أبي الدَّرْدَاء، فِيهِ: " فَالْتَفت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَيّ، وَكنت أقرب الْقَوْم مِنْهُ، فَقَالَ: " مَا أرى الإِمَام إِذا أم / الْقَوْم إِلَّا قد كفاهم ".
ثمَّ قَالَ: اخْتلف فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث، وَلَا يثبت.
كَذَا قَالَ: وَهُوَ هَكَذَا يُوهم فِي الحَدِيث عِلّة لَا يقبله مَعهَا أحد، وَلَيْسَ كَذَلِك، بل هُوَ مَوضِع نظر، فَإِنَّهُ حَدِيث رَوَاهُ النَّسَائِيّ من طَرِيق زيد بن الْحباب عَن مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن أبي الزَّاهِرِيَّة، عَن كثير بن مرّة، عَن أبي الدَّرْدَاء.
وَكَذَا ذكره الدَّارَقُطْنِيّ، وَأتبعهُ أَن قَالَ: الصَّوَاب أَنه من قَول أبي الدَّرْدَاء.
فَرَأى أَبُو مُحَمَّد هَذَا فاعتمده وَلم يُجَاوِزهُ، ورأيته فِي كِتَابه الْكَبِير، لم يزدْ فِيمَا علله بِهِ على أَن قَالَ: خُولِفَ زيد فِي هَذَا، وَالصَّوَاب أَنه من قَول(3/370)
أبي الدَّرْدَاء، ذكر ذَلِك الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه.
لم يزدْ على هَذَا.
وَكرر الدَّارَقُطْنِيّ ذكره فِي مَوضِع آخر من الْكتاب الْمَذْكُور، فجَاء بِهِ من رِوَايَة ابْن وهب، عَن مُعَاوِيَة بن صَالح، فَجعله من كَلَام أبي الدَّرْدَاء.
ثمَّ قَالَ: رَوَاهُ زيد بن الْحباب موفوعا، وَوهم فِيهِ، وَالصَّوَاب [فِيهِ] قَول ابْن وهب. انْتهى قَوْله.
فَإِذن لَيْسَ / فِيهِ أَكثر من أَن ابْن وهب وَقفه، وَزيد بن الْحباب رَفعه، وَهُوَ أحد الثِّقَات، وَلَو خَالفه فِي رَفعه جمَاعَة ثِقَات فوقفته، مَا يَنْبَغِي أَن يحكم عَلَيْهِ فِي رَفعه إِيَّاه بالْخَطَأ، فَكيف وَلم يُخَالِفهُ إِلَّا وَاحِد.
وسترى تنَاقض أبي مُحَمَّد فِي هَذَا الأَصْل، فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أعلها بِشَيْء لم يعل بهَا غَيرهَا، ومذهبه أَيْضا فِي مُعَاوِيَة بن صَالح، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وأوقع مَا يعتل بِهِ عَلَيْهِ مَرْفُوعا، الشَّك الَّذِي فِي قَوْله: " مَا أرى الإِمَام إِذا أم الْقَوْم إِلَّا قد كفاهم ".
فَإِن هَذَا يستبعد أَن يكون من كَلَام النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَو كَانَ من مجتهداته، وَالْأَظْهَر أَنه من كَلَام أبي الدَّرْدَاء، وَالله أعلم.(3/371)
(1115) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذا قَالَ: {غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين} فأنصتوا ".
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن عُثْمَان بن ثَابت الصيدلاني، وَأَبُو سهل ابْن زِيَاد، قَالَا: حَدثنَا مُحَمَّد بن يُونُس، حَدثنَا عَمْرو بن عَاصِم، حَدثنَا مُعْتَمر قَالَ: سَمِعت أبي يحدث عَن الْأَعْمَش، عَن أبي صَالح، عَن أبي هُرَيْرَة، فَذكره.
(1116) ثمَّ قَالَ: الصَّحِيح الْمَعْرُوف، " إِذْ قَالَ الإِمَام: {غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين} فَقولُوا: آمين ".
لم يزدْ على هَذَا، والْحَدِيث فِي غَايَة الضعْف بِمُحَمد بن يُونُس الْكُدَيْمِي، فَإِنَّهُ مِمَّن يتهم بِالْوَضْعِ، وَلم يبين ذَلِك أَبُو مُحَمَّد،
وَأما مَا اعْتَمدهُ فِي رده من قَوْله: " الصَّحِيح الْمَعْرُوف [إِذا قَالَ الإِمَام: {غير المغضوب} ] فَقولُوا: آمين "، فَغير مُعْتَمد، وَلَا يجب أَن يَجْعَل هَذَا مُعَارضا للْحَدِيث الْمَذْكُور، فَإِنَّهُ لم يرد بِهِ أَن لَو صَحَّ الْإِنْصَات عَن غير الْقِرَاءَة، وَإِنَّمَا المُرَاد بِهِ: أَنْصتُوا حِين يقْرَأ الإِمَام، وَهَذَا هُوَ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو صَالح، عَن(3/372)
أبي هُرَيْرَة، من رِوَايَة زيد بن أسلم عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -:
(1117) " وَإِذا قَرَأَ فأنصتوا ".
فَغَيره هَذَا الضَّعِيف الرَّاوِي لَهُ عَن عَمْرو بن عَاصِم، الَّذِي هُوَ مُحَمَّد بن يُونُس، وَفهم من قَوْله: " قَرَأَ " فرغ من الْقِرَاءَة.
وَهَكَذَا فهم الدَّارَقُطْنِيّ من الحَدِيث الْمَذْكُور، / فَإِنَّهُ سَاقه فِي أَحَادِيث سكُوت الْمَأْمُوم خلف الإِمَام. فاعلمه.
(1118) وَذكر من طَرِيق التِّرْمِذِيّ، عَن وَائِل بن حجر، قَالَ: " سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَرَأَ: {غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين} فَقَالَ: آمين، وَمد بهَا صَوته ".
ثمَّ قَالَ فِيهِ: حَدِيث حسن، قَالَ: وَرَوَاهُ شُعْبَة، فَقَالَ: " خفض بهَا صَوته ".(3/373)
قَالَ البُخَارِيّ: حَدِيث / سُفْيَان أصح، وَأَخْطَأ شُعْبَة فِي قَوْله: " خفض بهَا صَوته ". انْتهى كَلَامه.
وَلَيْسَ فِيهِ بَيَان الْمَانِع من إِطْلَاق أَنه صَحِيح، فَإِن الْحسن مَعْنَاهُ الَّذِي لَهُ حَال بَين حَالي الصَّحِيح والضعيف، وَهَذَا الحَدِيث فِيهِ أَرْبَعَة أُمُور:
أَحدهَا: اخْتِلَاف شُعْبَة وسُفْيَان فِي " خفض وَرفع "، فسفيان يَقُول: " مد بهَا صَوته " وَشعْبَة يَقُول: " خفض بهَا صَوته ".
وَالثَّانِي: اخْتِلَافهمَا فِي حجر، فشعبة يَقُول فِيهِ: حجر أَبُو العنبس، وَالثَّوْري يَقُول: حجر بن عَنْبَس، وَصوب البُخَارِيّ، وَأَبُو زرْعَة، قَول الثَّوْريّ، وَلَا أَدْرِي لم لَا يصوب قَوْلهمَا جَمِيعًا حَتَّى يكون حجر بن عَنْبَس أَبَا العنبس، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يَكُونَا - أَعنِي البُخَارِيّ وَأَبا زرْعَة - قد علما لَهُ كنية أُخْرَى.
وَإِلَى ذَلِك فَإِنَّهُ لَا تعرف حَاله.
وَهَذَا هُوَ الثَّالِث، فَإِن المستور الَّذِي روى عَنهُ أَكثر من وَاحِد، مُخْتَلف فِي قبُول حَدِيثه ورده، للِاخْتِلَاف الَّذِي فِي أصل ابْتِغَاء مزِيد الْعَدَالَة بعد الْإِسْلَام.
وَالرَّابِع: أَنَّهُمَا - أَعنِي الثَّوْريّ وَشعْبَة - اخْتلفَا أَيْضا فِي شَيْء آخر، وَهُوَ أَن جعله الثَّوْريّ من رِوَايَة حجر عَن وَائِل، وَجعله شُعْبَة من رِوَايَة حجر عَن(3/374)
عَلْقَمَة بن وَائِل.
وَلما ذكر الدَّارَقُطْنِيّ رِوَايَة الثَّوْريّ صححها، كَأَنَّهُ عرف من حَال حجر الثِّقَة، وَلم يره مُنْقَطِعًا بِزِيَادَة شُعْبَة عَلْقَمَة بن وَائِل فِي الْوسط، وَفِي ذَلِك نظر.
وَهَذَا الَّذِي ذكرنَا هُوَ مُوجب حكم التِّرْمِذِيّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ حسن، وَقد كَانَ من جملَته اضطرابهما فِي مَتنه ب " خفض " و " رفع ".
وَالِاضْطِرَاب فِي الْمَتْن عِلّة مضعفة. فَالْحَدِيث / لِأَن يُقَال فِيهِ: ضَعِيف أقرب مِنْهُ إِلَى أَن يُقَال: حسن، فَاعْلَم ذَلِك.
(1119) وَذكر من طَرِيق أبي دَاوُد، من حَدِيث سعيد الْجريرِي، عَن السَّعْدِيّ، عَن أَبِيه، أَو عَمه، قَالَ: " رمقت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي صلَاته، فَكَانَ يتَمَكَّن فِي رُكُوعه وَسُجُوده " الحَدِيث.
وَلم يقل بإثره شَيْئا، وَلم أذكرهُ فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي سكت عَنْهَا مصححا لَهَا، تحسينا للظن يه لَهُ أَن لَا يكون صَححهُ، أَو أَن يكون اكتفاؤه(3/375)
فِي تَعْلِيله بِمَا أبرزه من إِسْنَاده، وَذكر من هُوَ مَوضِع علته، وَإِن كنت قد ذكرت فِي ذَلِك الْبَاب أَحَادِيث، هِيَ هَكَذَا مَذْكُورَة بِقطع من أسانيدها، مسكوتا عَنْهَا، فَإِنَّمَا فعلت ذَلِك لغالب الظَّن بِهِ أَنه صححها، وَلَيْسَت عِنْدِي بصحيحة، فَأَما هَذَا فيستبعد عَلَيْهِ أَن يكون صَححهُ.
وَهَذَا السَّعْدِيّ، وَأَبوهُ، وَعَمه، مَا مِنْهُم من يعرف، وَلَا من ذكر بِغَيْر هَذَا.
وَقد ذكره ابْن السكن فِي كتاب الصَّحَابَة فِي الْبَاب الَّذِي ذكر فِيهِ رجَالًا لَا يعْرفُونَ، فَاعْلَم ذَلِك.
(1120) وَذكر من طَرِيق الْبَزَّار، من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن أبي حَبِيبَة، عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن ثَابت بن الصَّامِت، عَن أَبِيه، عَن جده، أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " صلى فِي مَسْجِد بني عبد الْأَشْهَل فِي كسَاء متلببا بِهِ " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ بإثره: لَا يَصح، قَالَه البُخَارِيّ.
لم يزدْ على هَذَا.
وَهَذَا الحَدِيث علته بَيِّنَة فِيمَا أبرز من إِسْنَاده، بِالْجَهْلِ بِحَال عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن ثَابت بن الصَّامِت، فَأَما أَبوهُ عبد الرَّحْمَن بن ثَابت بن(3/376)
الصَّامِت، فَإِنَّهُ مدنِي مَعْرُوف.
وَمِنْهُم من يَقُول فِيهِ: عبد الرَّحْمَن بن عبد الرَّحْمَن بن ثَابت بن الصَّامِت، إِلَّا أَن البُخَارِيّ أدخلهُ فِي كتاب الضُّعَفَاء، وَقَالَ: لم يَصح حَدِيثه.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم: حَدِيثه لَيْسَ بِهِ بَأْس، وَلَيْسَ / عِنْدِي بمنكر الحَدِيث.
وَقد يكون معنى قَول البُخَارِيّ:: لم يَصح حَدِيثه "، أَي لضعف الطَّرِيق إِلَيْهِ، إِذْ هُوَ من رِوَايَته ابْنه، وَهُوَ مَجْهُول الْحَال /.
وَأَيْضًا من رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن أبي حَبِيبَة، وَهُوَ وَإِن كَانَ قوم يوثقونه، فَإِن البُخَارِيّ قد قَالَ فِيهِ: مُنكر الحَدِيث، وَهُوَ الْقَائِل: كل من قلت فِيهِ: مُنكر الحَدِيث، فَلَا تحل الرِّوَايَة عَنهُ.
وَكَذَا قَالَ فِيهِ أَيْضا أَبُو حَاتِم.
وَلَيْسَ لَك أَن تَقول: لَعَلَّ إِبْرَاهِيم بن أبي حَبِيبَة الَّذِي عَنهُ ذكر أَبُو مُحَمَّد الحَدِيث، غير إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيل بن أبي حَبِيبَة، الَّذِي فسرته أَنْت بِهِ.
وَإِنَّمَا لم يكن لَك ذَلِك لوَجْهَيْنِ:
أَحدهمَا: أَن الْبَزَّار بَينه فِي نفس الْإِسْنَاد، وَأَبُو مُحَمَّد غَيره، وَلم يكن لَهُ ذَلِك، وَإِنَّمَا الَّذِي لَهُ، أَن يجده مَنْسُوبا إِلَى الْجد، فيذكر أَبَاهُ ثمَّ جده، فَأَما أَن يجده فِي الْإِسْنَاد مَنْسُوبا إِلَى أَبِيه، ثمَّ جده، فينسبه هُوَ فِي ذكره إِيَّاه إِلَى(3/377)
جده فَقَط، فخطأ من الْعَمَل، يُوهم مَا اعترضت بِهِ.
وَالْوَجْه الثَّانِي: أَنَّك إِذا فعلت ذَلِك - أَعنِي أَن تَقول: لَعَلَّه غير من فسرت بِهِ - وَقعت فِي أَشد مِمَّا فَرَرْت مِنْهُ، فَإنَّك أَبيت أَن يكون هَذَا الْمُخْتَلف فِيهِ، وَزَعَمت أَنه من لَا يعرف الْبَتَّةَ، فَاعْلَم ذَلِك.
(1121) وَذكر من طَرِيق الْعقيلِيّ، من حَدِيث الرّبيع بن بدر، عَن عنطوانة عَن الْحسن، عَن أنس بن مَالك، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " يَا أنس إِذا صليت فضع بَصرك حَيْثُ تسْجد " الحَدِيث.
ثمَّ قَالَ: إِسْنَاده ضَعِيف.
لم يزدْ على هَذَا.
وَهُوَ كَمَا قَالَ، وعلته الْجَهْل [بِحَال] عنطوانة.
وَلما ذكره الْعقيلِيّ، قَالَ فِيهِ: بَصرِي مَجْهُول.
وَالربيع بن بدر أَيْضا ضَعِيف، وَهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ: عليلة.(3/378)
(1122) وَذكر من طَرِيق الدَّارَقُطْنِيّ، عَن يُوسُف بن عبد الله بن سَلام، عَن أبي الدَّرْدَاء، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا صَلَاة لملتفت ".
وَذكر أَنه لَا يثبت.
وَلم يبين علته وَهُوَ من الْأَحَادِيث الَّتِي بيّنت - فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي ذكرهَا على أَنَّهَا مُتَّصِلَة وَهِي مُنْقَطِعَة أَو مُرْسلَة - أَنه غير مَوْصُول الْإِسْنَاد.
وَالَّذِي لأَجله كتبته الْآن هُنَا، هُوَ تَبْيِين مَا أجمل من / علته، وَذَلِكَ أَن رِجَاله مَجْهُولُونَ، وَمَعَ ذَلِك اضْطَرَبُوا فِيهِ.
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ لما ذكره: يرويهِ أَبُو شمر الضبعِي، وَاخْتلف عَنهُ؛ فَرَوَاهُ الصَّلْت بن طريف المعولي، عَن أبي شمر قَالَ: أَخْبرنِي رجل عَن ابْن أبي مليكَة، عَن يُوسُف بن عبد الله بن سَلام، عَن أبي الدَّرْدَاء.
وَقَالَ أَبُو قُتَيْبَة: سلم بن قُتَيْبَة: عَن الصَّلْت بن طريف [عَن رجل، عَن ابْن أبي مليكَة، عَن يُوسُف بن عبد الله بن سَلام، عَن أَبِيه، وخلط فِي الْإِسْنَاد.
وَقَالَ شُعْبَة: عَن أبي شمر، عَن رجل] ، عَن رجل، عَن رجل، عَن رجل، فيهم امْرَأَة من هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة. والْحَدِيث مُضْطَرب لَا يثبت، انْتهى(3/379)
كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ.
وَمَا مثل هَذَا ألتفت إِلَيْهِ، وَلَا يَنْبَغِي لمن يذكرهُ أَن يطوي إِسْنَاده، فَإِن ذَلِك يُوهم أَنه شَيْء ينظر فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ عدم الْإخْفَاء بِأَمْر من لم يسم من رِجَاله، وَلَا بِمن سمي مِنْهُم، كَأبي شمر، وَنصر بن طريف؛ فَإِنَّهُمَا لَا يعرفان.
وَأتبعهُ أَبُو مُحَمَّد أَن قَالَ: وَرَوَاهُ الصَّلْت بن مهْرَان، عَن ابْن أبي مليكَة، عَن يُوسُف بن عبد الله بن سَلام، عَن أَبِيه، عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مثله سَوَاء، ذكره الْبَزَّار فِي الْإِمْلَاء، فِي غير الْمسند، انْتهى مَا ذكر.
وَهَذَا أَيْضا لم يبين علته، وَهِي قد تبينت بِمَا تقدم، فَإِنَّهُ كَانَ من قبيل: عَن الصَّلْت بن طريف المعولي، عَن أبي شمر، عَن رجل، عَن ابْن أبي مليكَة.
وَهُوَ الْآن: عَن الصَّلْت بن مهْرَان، عَن ابْن أبي مليكَة.
وَكَانَ قبيل عَن أبي الدَّرْدَاء، وَهُوَ الْآن عَن عبد الله / بن سَلام.
والصلت بن مهْرَان أَيْضا مَجْهُول.
وَقد ترْجم ابْن أبي حَاتِم ترجمتين متواليتين، قَالَ فِي إِحْدَاهمَا: صلت بن مهْرَان، روى عَن الْحسن، وَشهر بن حَوْشَب، ورى عَنهُ مُحَمَّد بن بكر البرْسَانِي، وَسَهل بن حَمَّاد، سَمِعت أبي يَقُوله.
ثمَّ قَالَ فِي الْأُخْرَى: صلت بن طريف المعولي، روى عَن الْحسن، وَأبي شمر، روى عَنهُ أَبُو قُتَيْبَة، ومُوسَى بن إِسْمَاعِيل، سَمِعت أبي يَقُوله.
ثمَّ زَاد هُوَ أَنه روى عَنهُ عبد الْملك بن إِبْرَاهِيم الجدي، وَسَهل بن بكار.
وَقَالَ سهل: حَدثنِي صلت / بن طريف، وَكَانَ جَار الْمهْدي بن مَيْمُون،(3/380)