قَالَ ابْن شهَاب:
فَأَخْبرنِي عُرْوَة بن الزبير أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَقِي الزبير فِي ركب من الْمُسلمين كَانُوا تجارًا قافلين من الشَّام، فكسا الزبير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبا بكر ثِيَاب بَيَاض، وَسمع الْمُسلمُونَ بِالْمَدِينَةِ بمخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَكَّة، فَكَانُوا يَغْدُونَ كل غَدَاة إِلَى الْحرَّة فيتنظرونه، حَتَّى يردهم حر الظهيرة، فانقلبوا يَوْمًا بَعْدَمَا أطالوا انتظارهم، فَلَمَّا أووا إِلَى بُيُوتهم أوفى رجلٌ من يهود على أَطَم من آطامهم لأمر ينظر إِلَيْهِ، فَبَصر برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه مبيضين، يَزُول بهم السراب، فَلم يملك الْيَهُودِيّ أَن قَالَ بِأَعْلَى صَوته: يَا معشر الْعَرَب، هَذَا جدكم الَّذِي تنتظرونه. قَالَ: فثار الْمُسلمُونَ إِلَى السِّلَاح، فَلَقوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِظهْر الْحرَّة، فَعدل بهم ذَات الْيَمين حَتَّى نزل بهم فِي بني عَمْرو بن عَوْف، وَذَلِكَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ من شهر ربيع الأول. فَقَامَ أَبُو بكر للنَّاس، وَجلسَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صامتاً، فَطَفِقَ من جَاءَ من الْأَنْصَار مِمَّن لم ير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحيي أَبَا بكر، حَتَّى أَصَابَت الشَّمْس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأقبل أَبُو بكر حَتَّى ظلل عَلَيْهِ بردائه، فَعرف النَّاس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد ذَلِك. فَلبث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بني عَمْرو بن عَوْف بضع عشرَة لَيْلَة، وَأسسَ الْمَسْجِد الَّذِي أسس على التَّقْوَى، وَصلى فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ ركب رَاحِلَته فَسَار يمشي مَعَه النَّاس حَتَّى بَركت عِنْد مَسْجِد الرَّسُول بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ يومئذٍ رجالٌ من الْمُسلمين، وَكَانَ مربداً للتمر لسهل وَسُهيْل، غلامين يتيمين فِي حجر سعد بن زُرَارَة - فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين بَركت رَاحِلَته: " هَذَا إِن شَاءَ الله الْمنزل " ثمَّ دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الغلامين، فساومهما بالمربد ليتخذه مَسْجِدا، فَقَالَا: بل نهبه لَك يَا رَسُول الله. ثمَّ بناه مَسْجِدا. وطفق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينْقل مَعَهم اللَّبن فِي بُنْيَانه، وَيَقُول وَهُوَ ينْقل اللَّبن:
(هَذَا الْحمال لَا حمال خَيْبَر ... هَذَا أبر رَبنَا وأطهر)(4/190)
وَيَقُول:
(اللَّهُمَّ إِن الْأجر أجر الْآخِرَه ... فَارْحَمْ الْأَنْصَار والمهاجره)
فتمثل بِشعر رجل من الْمُهَاجِرين لم يسم لي: قَالَ ابْن شهَاب:
وَلم يبلغنَا فِي الْأَحَادِيث أَن رَسُول الله تمثل بِبَيْت شعر تَامّ غير هَذِه الأبيات.
وَأخرج البُخَارِيّ أَيْضا مِنْهُ طرفا مُخْتَصرا، أَوله:
هَاجر إِلَى الْحَبَشَة نفرٌ من الْمُسلمين، وتجهز أَبُو بكر مُهَاجرا، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " على رسلك، فَإِنِّي أَرْجُو أَن يُؤذن لي " فَقَالَ أَبُو بكر: أَو ترجوه بِأبي أَنْت؟ : قَالَ: " نعم " فحبس أَبُو بكر نَفسه على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَذكر نَحوا مِمَّا قدمنَا إِلَى قَوْله: واستأجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر رجلا من بني الدئل.
وَأخرج البُخَارِيّ طرفا مِنْهُ من حَدِيث هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قَالَت:
اسْتَأْذن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبُو بكر فِي الْخُرُوج حِين اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْأَذَى، فَقَالَ " أقِم " فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أتطمع أَن يُؤذن لَك؟ فَكَانَ يَقُول: " إِنِّي لأرجو ذَلِك " قَالَ: فانتظره أَبُو بكر، فَأَتَاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات يَوْم ظهرا فَقَالَ لَهُ: " أخرج من عنْدك " فَقَالَ أَبُو بكر: إِنَّمَا هما ابنتاي. فَقَالَ: " اشعرت أَنه قد أذن لي فِي الْخُرُوج " فَقَالَ: يَا رَسُول الله، الصُّحْبَة؟ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " الصُّحْبَة " فَقَالَ: يَا رَسُول الله، عِنْدِي ناقتان قد كنت أعددتهما لِلْخُرُوجِ، فَأعْطى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِحْدَاهمَا وَهِي الجدعاء، فركبها، فَانْطَلقَا حَتَّى أَتَيَا الْغَار وَهُوَ بثور، فتواريا فِيهِ، وَكَانَ عَامر بن فهَيْرَة غُلَاما لعبد الله بن الطُّفَيْل بن سَخْبَرَة أخي عَائِشَة لأمها، وَكَانَت لأبي بكر منحةٌ، فَكَانَ يروح بهَا وَيَغْدُو عَلَيْهِم، وَيُصْبِح فيدلج إِلَيْهِمَا، ثمَّ يسرح فَلَا يفْطن لَهُ أحد من الرعاء. فَلَمَّا خرجا خرج مَعَهُمَا يعقبانه، حَتَّى قدما الْمَدِينَة، فَقتل عَامر بن فهَيْرَة يَوْم بِئْر مَعُونَة.(4/191)
قَالَ هِشَام:
فَأَخْبرنِي أبي قَالَ: لما قتل الَّذين ببئر مَعُونَة، وَأسر عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي، قَالَ لَهُ عَامر بن الطُّفَيْل: من هَذَا؟ وَأَشَارَ إِلَى قَتِيل. فَقَالَ لَهُ عَمْرو بن أُميَّة: هَذَا عَامر بن فهَيْرَة. قَالَ: لقد رَأَيْته بَعْدَمَا قتل رفع إِلَى السَّمَاء حَتَّى إِنِّي لأنظر إِلَيّ السَّمَاء بَينه وَبَين الأَرْض، ثمَّ وضع. فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خبرهم، فنعاهم، فَقَالَ: " إِن أصحابكم قد أصيبوا، وَإِنَّهُم قد سَأَلُوا رَبهم فَقَالُوا: أخبر عَنَّا إِخْوَاننَا بِمَا رَضِينَا عَنْك ورضيت عَنَّا " فَأخْبرهُم عَنْهُم، وَأُصِيب فيهم يَوْمئِذٍ عُرْوَة بن أَسمَاء ابْن الصَّلْت وَمُنْذِر بن عَمْرو.
وَفِي رِوَايَة عَليّ بن مسْهر عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة، قَالَت:
لقل يومٌ كَانَ يَأْتِي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا يَأْتِي فِيهِ بَيت أبي بكر أحد طرفِي النَّهَار، فَلَمَّا أذن لَهُ فِي الْخُرُوج إِلَى الْمَدِينَة لم يرعنا إِلَّا وَقد أَتَانَا ظهرا، فخبر بِهِ أَبُو بكر، فَقَالَ: مَا جَاءَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذِه السَّاعَة إِلَّا من حدث. فَلَمَّا دخل عَلَيْهِ قَالَ لأبي بكر: " أخرج من عنْدك " قَالَ: إِنَّمَا هما ابنتاي عَائِشَة وَأَسْمَاء. قَالَ: " أشعرت انه قد أذن لي فِي الْخُرُوج؟ " قَالَ: الصُّحْبَة يَا رَسُول الله؟ . قَالَ: " الصُّحْبَة ". قَالَ: يَا رَسُول الله، إِن عِنْدِي ناقتين أعددتهما لِلْخُرُوجِ، فَخذ إِحْدَاهمَا. قَالَ: " قد أَخَذتهَا بِالثّمن " لم يزدْ.
3333 - الْخَامِس عشر: أخرجه البُخَارِيّ تَعْلِيقا من حَدِيث يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ: " يَا عَائِشَة، مَا أَزَال أجد ألم الطَّعَام الَّذِي أكلت بِخَيْبَر، فَهَذَا أَوَان وجدت انْقِطَاع أَبْهَري من ذَلِك السم ".
3334 - السَّادِس عشر: عَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ: سَأَلت الزُّهْرِيّ: أَي أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استعاذت مِنْهُ؟ فَقَالَ: أَخْبرنِي عُرْوَة عَن عَائِشَة: أَن ابْنة الجون لما دخلت على(4/192)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ودنا مِنْهَا، قَالَت: أعوذ بِاللَّه مِنْك. فَقَالَ لَهَا: " لقد عذت بعظيم، الحقي بأهلك ".
3335 - السَّابِع عشر: عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة أَن قوما قَالُوا: يَا رَسُول الله، إِن قوما يأتوننا بِاللَّحْمِ، لَا نَدْرِي؛ أذكر اسْم الله عَلَيْهِ أم لَا؟ فَقَالَ: " سموا عَلَيْهِ أَنْتُم، وكلوا " قَالَت: وَكَانُوا حَدِيثي عهد بالْكفْر.
وَفِي حَدِيث أبي خَالِد الْأَحْمَر:
قَالَت: قَالُوا: يَا رَسُول الله، إِن هُنَا أَقْوَامًا، حَدِيث عَهدهم بشرك، يأتوننا بلحمانٍ لَا نَدْرِي يذكرُونَ اسْم الله عَلَيْهَا أم لَا.
فَقَالَ:
اذْكروا أَنْتُم اسْم الله وكلوا ".
3336 - الثَّامِن عشر: عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة: أَنَّهَا قَالَت لعبد الله بن الزبير: ادفني مَعَ صواحبي وَلَا تدفني مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْبَيْت، فَإِنِّي أكره أَن أزكي بِهِ.
وَعَن هِشَام عَن أَبِيه:
أَن عمر أرسل إِلَى عَائِشَة: ائذني لي أَن أدفن مَعَ صَاحِبي. قَالَت: إِي وَالله. وَكَانَ الرجل إِذا أرسل إِلَيْهَا من الصَّحَابَة قَالَت: لَا وَالله، لَا أوثرهم بأحدٍ أبدا.
3337 - التَّاسِع عشر: عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة: أَنَّهَا زفت امْرَأَة إِلَى رجل من الْأَنْصَار، فَقَالَ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " يَا عَائِشَة، مَا كَانَ مَعكُمْ لَهو؟ فَإِن الْأَنْصَار يعجبهم اللَّهْو ".
3338 - الْعشْرُونَ: عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة: أَن أَبَا بكر لم يكن يَحْنَث فِي يَمِين قطّ، حَتَّى أنزل الله كَفَّارَة الْأَيْمَان، فَقَالَ: لَا أَحْلف على يَمِين(4/193)
فَرَأَيْت غَيرهَا خيرا مِنْهَا، إِلَّا أتيت الَّذِي هُوَ خيرٌ وكفرت عَن يَمِيني. وَفِي رِوَايَة النَّضر بن شُمَيْل: إِلَّا قبلت رخصَة الله وَفعلت الَّذِي هُوَ خير.
وَقد أخرج بعض الْأَئِمَّة هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند أبي بكر رَضِي الله عَنهُ.
3339 - الْحَادِي وَالْعشْرُونَ: عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَاتَ وَأَبُو بكر بالسنح - يَعْنِي بِالْعَالِيَةِ. فَقَامَ عمر يَقُول: وَالله مَا مَاتَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَت: وَقَالَ عمر: مَا كَانَ يَقع فِي نَفسِي إِلَّا ذَاك، وليبعثنه الله، فليقطعن أَيدي رجال وأرجلهم. فجَاء أَبُو بكر، فكشف عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَبله، قَالَ: بِأبي أَنْت، طبت حَيا وَمَيتًا، وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يذيقنك الله الموتتين أبدا. ثمَّ خرج فَقَالَ: أَيهَا الْحَالِف، على رسلك. فَلَمَّا تكلم أَبُو بكر جلس عمر فَحَمدَ الله أَبُو بكر وَأثْنى عَلَيْهِ، وَقَالَ: أَلا من كَانَ يعبد مُحَمَّدًا فَإِن مُحَمَّدًا قد مَاتَ، وَمن كَانَ يعبد الله فَإِن الله حيٌّ لَا يَمُوت. وَقَالَ: {إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون} [الزمر] وَقَالَ: {وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قد خلت من قبله الرُّسُل أَفَإِن مَاتَ أَو قتل انقلبتم على أعقابكم وَمن يَنْقَلِب على عَقِبَيْهِ فَلَنْ يضر الله شَيْئا وسيجزي الله الشَّاكِرِينَ} [آل عمرَان] قَالَ: فنشج النَّاس يَبْكُونَ.
قَالَت:
وَاجْتمعت الْأَنْصَار إِلَى سعد بن عبَادَة فِي سَقِيفَة بني سَاعِدَة، فَقَالُوا: منا أميرٌ ومنكم أَمِير، فَذهب إِلَيْهِم أَبُو بكر وَعمر بن الْخطاب وَأَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح، فَذهب عمر يتَكَلَّم، فأسكته أَبُو بكر، وَكَانَ يَقُول: وَالله مَا أردْت بذلك إِلَّا أَنِّي قد هيأت كلَاما قد أعجبني، خشيت أَلا يبلغهُ أَبُو بكر. ثمَّ تكلم أَبُو بكر، فَتكلم أبلغ النَّاس، فَقَالَ فِي كَلَامه: نَحن الْأُمَرَاء وَأَنْتُم الوزراء. فَقَالَ حباب بن الْمُنْذر: لَا وَالله، لَا نَفْعل، منا أَمِير ومنكم أَمِير. فَقَالَ أَبُو بكر: لَا، وَلَكنَّا الْأُمَرَاء وَأَنْتُم الوزراء، هم أَوسط الْعَرَب دَارا، وأعزهم أحساباً، فَبَايعُوا عمر أَو أَبَا عُبَيْدَة.(4/194)
فَقَالَ عمر: بل نُبَايِعك أَنْت، فَأَنت سيدنَا وخيرنا وأحبنا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَأخذ عمر بِيَدِهِ فَبَايعهُ، وَبَايَعَهُ النَّاس. فَقَالَ قَائِل: قتلتم سعد بن عبَادَة. فَقَالَ عمر: قَتله الله.
قَالَت:
فَمَا كَانَت من خطبتهما من خطْبَة إِلَّا نفع الله بهَا، لقد خوف عمر النَّاس وَإِن فيهم لنفاقاً، فردهم الله بذلك، ثمَّ لقد بصر أَبُو بكر النَّاس فِي الله، وعرفهم الْحق الَّذِي عَلَيْهِم، وَخَرجُوا بِهِ يَتلون: {وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قد خلت من قبله الرُّسُل} إِلَى {الشَّاكِرِينَ} .
3340 - الثَّانِي وَالْعشْرُونَ: عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قَالَت: هزم الْمُشْركُونَ يَوْم أحد هزيمَة بَيِّنَة تعرف فيهم، فَصَرَخَ إِبْلِيس: أَي عباد الله، إخراكم.
فَرَجَعت أولاهم فاجتلدت هِيَ وأخراهم. فَنظر حُذَيْفَة بن الْيَمَان، فَإِذا هُوَ بِأَبِيهِ، فَقَالَ: أبي أبي. قَالَت: فوَاللَّه مَا انحجزوا حَتَّى قَتَلُوهُ. فَقَالَ حُذَيْفَة: غفر الله لكم. قَالَ عُرْوَة: فوَاللَّه مَا زَالَت فِي حُذَيْفَة مِنْهَا بَقِيَّة خيرٌ حَتَّى لَقِي الله. زَاد فِي آخر حَدِيث مُحَمَّد بن حَرْب: وَقد كَانَ انهزم مِنْهُم قومٌ حَتَّى لَحِقُوا بِالطَّائِف.
3341 - الثَّالِث وَالْعشْرُونَ: عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ يَوْم بُعَاث يَوْمًا قدمه الله لرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد افترق ملؤهم، وَقتلت سرواتهم وَخَرجُوا، قدمه الله لرَسُوله فِي دُخُولهمْ الْإِسْلَام.
3342 - الرَّابِع وَالْعشْرُونَ: عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قَالَت: أنزلت هَذِه الْآيَة: {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم} [الْبَقَرَة] فِي قَول(4/195)
الرجل: لَا وَالله، بلَى وَالله.
3343 - الْخَامِس وَالْعشْرُونَ: عَن هِشَام بن عُرْوَة تَعْلِيقا - من رِوَايَة ابْن أبي الزِّنَاد عَن أَبِيه مثل حديثٍ رَوَاهُ البُخَارِيّ قبله، من حَدِيث يحيى بن سعيد فِيهِ: وَقَالَت عَائِشَة: لددناه فِي مَرضه، فَجعل يُشِير إِلَيْنَا: " أَن لَا تلدوني " فَقُلْنَا: كَرَاهِيَة الْمَرِيض للدواء. فَلَمَّا أَفَاق قَالَ: " ألم أنهكم أَن تلدوني " قُلْنَا: كَرَاهِيَة الْمَرِيض للدواء فَقَالَ: " لَا يبْقى أحدٌ فِي الْبَيْت إِلَّا لد وَأَنا أنظر، إِلَّا الْعَبَّاس فَإِنَّهُ لم يشهدكم ".
وَهَذَا الحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ من رِوَايَة عَليّ بن الْمَدِينِيّ عَن يحيى:
وَهُوَ من حَدِيث يحيى بن سعيد الْقطَّان عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن مُوسَى بن أبي عَائِشَة عَن عبيد الله بن عبد الله.
وَقد ذكره أَبُو بكر البرقاني بِهَذَا الْإِسْنَاد، وَلم يذكرهُ أَبُو مَسْعُود فِي تَرْجَمَة مُوسَى بن أبي عَائِشَة عَن عبيد الله بن عبد الله.
3344 - السَّادِس وَالْعشْرُونَ: عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قَالَت: أسلمت امرأةٌ سَوْدَاء لبَعض الْعَرَب، وَكَانَ لَهَا حفشٌ فِي الْمَسْجِد، قَالَت: فَكَانَت تَأْتِينَا فَتحدث عندنَا، فَإِذا فرغت من حَدِيثهَا قَالَت:
(وَيَوْم الوشاح من تعاجيب رَبنَا ... أَلا إِنَّه من بَلْدَة الْكفْر أنجاني)
فَلَمَّا أكثرت قَالَت لَهَا عَائِشَة: وَمَا يَوْم الوشاح؟ وَفِي حَدِيث أبي أُسَامَة:
قَالَت عَائِشَة: فَقلت لَهَا: وَمَا شَأْنك؟ قَالَت: خرجت جويريةٌ وَعَلَيْهَا وشاحٌ من أَدَم فَسقط مِنْهَا، فانحطت عَلَيْهِ الحديا وَهِي تحسبه لَحْمًا لبَعض أَهلِي فَأَخَذته، فاتهموني بِهِ فعذبوني، إِذْ أَقبلت الحديا حَتَّى وازت رؤوسنا، ثمَّ ألقته، فَأَخَذُوهُ، فَقلت لَهُم: هَذَا الَّذِي اتهمتوني بِهِ وَأَنا مِنْهُ بريئة(4/196)
3345 - السَّابِع وَالْعشْرُونَ: عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقبل الْهَدِيَّة ويثيب. كَذَا فِي حَدِيث عِيسَى بن يُونُس عَن هِشَام.
قَالَ البُخَارِيّ: وَلم يذكر وَكِيع ومحاضر عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة.
3346 - الثَّامِن وَالْعشْرُونَ: عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة: أَن نَاسا طافوا بِالْبَيْتِ بعد صَلَاة الصُّبْح، ثمَّ قعدوا إِلَى الْمُذكر، حَتَّى إِذا طلعت الشَّمْس قَامُوا يصلونَ، فَقَالَت عَائِشَة: قعدوا حَتَّى إِذا كَانَت السَّاعَة الَّتِي تكرة فِيهَا الصَّلَاة قَامُوا يصلونَ.
3347 - التَّاسِع وَالْعشْرُونَ: عَن أبي الْأسود مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة عَن النَّبِي، قَالَ: " من عمر أَرضًا لَيست لأحد فَهُوَ أَحَق ". قَالَ عُرْوَة: قضى بِهِ عمر فِي خِلَافَته.
3348 - الثَّلَاثُونَ: عَن أبي الْأسود مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن عَن عُرْوَة قَالَ: كَانَ عبد الله بن الزبير أحب الْبشر إِلَى عَائِشَة بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر، وَكَانَ أبر النَّاس بهَا، وَكَانَت لَا تمسك شَيْئا، فَمَا جاءها من رزق الله تَصَدَّقت بِهِ. فَقَالَ ابْن الزبير: يَنْبَغِي أَن يُؤْخَذ على يَديهَا. فَقَالَت. أيؤخذ على يَدي؟ عَليّ نذرٌ إِن كَلمته.
فاستشفع إِلَيْهَا برجالٍ من قُرَيْش وبأخوال رَسُول الله خَاصَّة. فامتنعت، فَقَالَ لَهُ الزهريون أخوال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مِنْهُم عبد الرَّحْمَن بن الْأسود بن عبد يَغُوث، والمسور ابْن مخرمَة: إِذا استأذنا فاقتحم الْبَاب، فَفعل. فَأرْسل إِلَيْهَا بِعشر رِقَاب فأعتقتهم.
ثمَّ لم تزل تعتقهم حَتَّى بلغت أَرْبَعِينَ. فَقَالَت: وددت أَنِّي جعلت حِين حَلَفت عملا أعمله فأفرغ مِنْهُ.(4/197)
وَأخرج البُخَارِيّ أَيْضا طرفا مِنْهُ يتَعَلَّق بِهِ - تَعْلِيقا - من حَدِيث اللَّيْث عَن أبي الْأسود عَن عُرْوَة قَالَ:
ذهب عبد الله بن الزبير مَعَ أنَاس من بني زهرَة إِلَى عَائِشَة، وَكَانَت أرق شيءٍ عَلَيْهِم لقرابتهم من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
3349 - الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: عَن تَمِيم بن سَلمَة - تَعْلِيقا - من رِوَايَة الْأَعْمَش عَنهُ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة قَالَت: الْحَمد لله الَّذِي وسع سَمعه الْأَصْوَات، لقد جَاءَت المجادلة خَوْلَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكلمته فِي جَانب الْبَيْت، وَمَا أسمع مَا تَقول، فَأنْزل الله: {قد سمع الله قَول الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا} إِلَى آخر الْآيَة [فَاتِحَة المجادلة] . فِيهِ فِي كتاب البُخَارِيّ اخْتِصَار.
وَقد ذكره أَبُو بكر البرقاني فِي كِتَابه من حَدِيث الْأَعْمَش عَن تَمِيم كَمَا ذَكرْنَاهُ.
3350 - الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: عَن يحيى بن أبي كثير عَن أبي سَلمَة قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى ابْن عباسٍ وَأَبُو هُرَيْرَة جالسٌ عِنْده، قَالَ: أَفْتِنِي فِي امْرَأَة ولدت بعد زَوجهَا بِأَرْبَعِينَ لَيْلَة. فَقَالَ ابْن عَبَّاس: آخر الْأَجَليْنِ. وَقلت أَنا: {أولات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} [الطَّلَاق] قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: أَنا مَعَ ابْن أخي - يَعْنِي أَبَا سَلمَة.
فَأرْسل ابْن عَبَّاس غُلَامه كريباً، فَسَأَلَهَا فَقَالَت:
قتل زوج سبيعة الأسْلَمِيَّة وَهِي حُبْلَى، فَوضعت بعد مَوته بِأَرْبَعِينَ لَيْلَة، فَخطبت، فَأَنْكحهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَكَانَ أَبُو السنابل بن بعكك فِيمَن خطبهَا.
أخرجه أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي فِي أفرا د البُخَارِيّ من تَرْجَمَة يحيى بن أبي كثير عَن أبي سَلمَة عَن عَائِشَة فِي مُسْند عَائِشَة، ثمَّ قَالَ:
وَأخرجه مُسلم من حَدِيث يحيى الْأنْصَارِيّ عَن سُلَيْمَان بن يسَار عَن أم سَلمَة، وَذَلِكَ مَذْكُور فِي مُسْند أم سَلمَة فِي أَفْرَاد مُسلم من تَرْجَمَة كريب عَنْهَا. وَلَيْسَ فِيمَا عندنَا من كتاب البُخَارِيّ(4/198)
إِلَّا كَمَا أوردنا: فَسَأَلَهَا، مهملاً، لم يذكر لَهَا اسْما. وَلَعَلَّ أَبَا مَسْعُود وجد فِي نُسْخَة: عَن عَائِشَة.
3351 - الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ: عَن يحيى بن أبي كثير عَن أبي سَلمَة عَن عَائِشَة وَابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لبث بِمَكَّة عشر سِنِين ينزل عَلَيْهِ الْقُرْآن، وبالمدينة عشرا.
3352 - الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ: عَن مُجَاهِد عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا تسبوا الْأَمْوَات، فَإِنَّهُم قد أفضوا إِلَى مَا قدمُوا " قَالَ البُخَارِيّ: تَابعه عَليّ بن الْجَعْد وَابْن عرْعرة وَابْن أبي عدي عَن شُعْبَة.
3353 - الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ: عَن مُجَاهِد قَالَ: قَالَت عَائِشَة: مَا كَانَ لإحدانا إِلَّا ثوبٌ وَاحِد، تحيض فِيهِ، فَإِذا أَصَابَهُ شيءٌ من دمٍ قَالَت بريقها فقصعته بظفرها.
وَعند أبي بكر البرقاني: بلته بريقها، فقصعته بظفرها.
3354 - السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ: عَن ابْن جريج قَالَ: أَخْبرنِي عَطاء إِذْ منع ابْن هِشَام النِّسَاء الطّواف مَعَ الرِّجَال. قَالَ: كَيفَ يمنعهن وَقد طَاف نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ الرِّجَال؟ قَالَ، قلت: أبعد الْحجاب أَو قبله؟ قَالَ: لقد أَدْرَكته بعد الْحجاب. قلت كَيفَ يخالطن الرِّجَال؟ قَالَ: لم يكن يخالطن، كَانَت عَائِشَة تَطوف حجرَة من الرِّجَال لَا تخالطهم، فَقَالَت امْرَأَة: انطلقي نستلم يَا أم الْمُؤمنِينَ، قَالَت: انطلقي عَنْك، وأبت، وَكن يخْرجن متنكرات بِاللَّيْلِ فيطفن مَعَ الرِّجَال، وَكنت آتِي مَعَ عَائِشَة أَنا وَعبيد بن عُمَيْر وَهِي مجاورةٌ فِي جَوف ثبير. قلت: وَمَا حجابها؟ قَالَ: هِيَ فِي قبةٍ تركيةٍ لَهَا غشاء، وَمَا بَيْننَا وَبَينهَا غير ذَلِك. وَرَأَيْت عَلَيْهَا درعاً مورداً.(4/199)
3355 - السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ: عَن الْأسود بن يزِيد بن قيس النَّخعِيّ قَالَ: سَأَلت عَائِشَة: مَا كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصنع فِي بَيته؟ قَالَت: كَانَ يكون فِي مهنة أَهله - تَعْنِي خدمَة أَهله، فَإِذا حضرت الصَّلَاة خرج إِلَى الصَّلَاة.
وَفِي حَدِيث مُحَمَّد بن عرْعرة عَن شُعْبَة: فَإِذا سمع الْأَذَان خرج.
3356 - الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ: عَن مَسْرُوق بن الأجدع عَن عَائِشَة قَالَت: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الِالْتِفَات فِي الصَّلَاة. فَقَالَ: " هُوَ اختلاسٌ يختلسه الشَّيْطَان من صَلَاة العَبْد ".
3357 - التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ: عَن مَسْرُوق عَن عَائِشَة: أَنَّهَا كَانَت تكره أَن يَجْعَل يَده فِي خاصرته، وَتقول: إِن الْيَهُود تَفْعَلهُ. قَالَ البُخَارِيّ: تَابعه شُعْبَة عَن الْأَعْمَش.
3358 - الْأَرْبَعُونَ: عَن أبي عَطِيَّة مَالك بن عَامر عَن عَائِشَة قَالَت: إِنِّي لأعْلم كَيفَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُلَبِّي: " لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك، إِن الْحَمد وَالنعْمَة لَك " زَاد فِي مُسْند ابْن عمر: " وَالْملك لَا شريك لَك.
3359 - الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ: عَن مُحَمَّد بن الْمُنْتَشِر عَن عَائِشَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَا يدع أَرْبعا قبل الظّهْر، وَرَكْعَتَيْنِ قبل الْغَدَاة.
3360 - الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ: عَن أبي عُبَيْدَة عَامر بن عبد الله بن مَسْعُود عَن عَائِشَة قَالَ: سَأَلتهَا عَن قَوْله عز وَجل: {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر} [سُورَة الْكَوْثَر] قَالَت: نهر أعْطِيه نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، شاطئاه عَلَيْهِ درٌّ مجوف، آنيته كعدد النُّجُوم.(4/200)
3361 - الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ: عَن يُوسُف بن مَاهك قَالَ: كَانَ مَرْوَان على الْحجاز، اسْتَعْملهُ مُعَاوِيَة، فَخَطب يذكر يزِيد بن مُعَاوِيَة لكَي يُبَايع لَهُ بعد أَبِيه، فَقَالَ لَهُ عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر شَيْئا. فَقَالَ: خذوه، فَدخل بَيت عَائِشَة فَلم يقدروا. فَقَالَ مَرْوَان: هَذَا الَّذِي أنزل الله فِيهِ: {وَالَّذِي قَالَ لوَالِديهِ أُفٍّ لَكمَا أتعدانني} [الْأَحْقَاف] فَقَالَت عَائِشَة من وَرَاء الْحجاب: مَا أنزل الله فِينَا شَيْئا من الْقُرْآن، إِلَّا أَن الله أنزل عُذْري.
3362 - الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ: عَن يُوسُف بن مَاهك عَن عَائِشَة قَالَت: لقد نزل على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنِّي لجارية أَلعَب: {بل السَّاعَة موعدهم والساعة أدهى وَأمر} [الْقَمَر] .
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا بِطُولِهِ عَن يُوسُف بن مَاهك قَالَ:
إِنِّي عِنْد عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ، إِذْ جاءها عراقيٌّ فَقَالَ: أَي الْكَفَن خير؟ قَالَت: وَيحك! وَمَا يَضرك؟ قَالَ: يَا أم الْمُؤمنِينَ، أريني مصحفك. قَالَت: لم؟ قَالَ: لعَلي أؤلف الْقُرْآن عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يقْرَأ غير مؤلف. قَالَت: وَمَا يَضرك أيه قَرَأت قبل، إِنَّمَا نزلت أول مَا نزل سورةٌ من الْمفصل، فِيهَا ذكر الْجنَّة وَالنَّار، حَتَّى إِذا ثاب النَّاس إِلَى الْإِسْلَام نزل الْحَلَال وَالْحرَام، وَلَو نزل أول شَيْء: لَا تشْربُوا الْخمر، قَالُوا: لَا نَدع الْخمر أبدا، وَلَو نزل: لَا تَزْنُوا، لقالوا: لَا نَدع الزِّنَا أبدا، لقد نزل بِمَكَّة على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا جَارِيَة أَلعَب: {بل السَّاعَة موعدهم والساعة أدهى وَأمر} وَمَا نزلت سُورَة الْبَقَرَة وَالنِّسَاء وَلَا وَأَنا عِنْده. قَالَ: فأخرجت الْمُصحف، فَأَمْلَتْ عَلَيْهِ آي السُّور.(4/201)
3363 - الْخَامِس وَالْأَرْبَعُونَ: عَن عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس عَن عَائِشَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اعْتكف مَعَه بعض نِسَائِهِ وَهِي مُسْتَحَاضَة ترى الدَّم، فَرُبمَا وضعت الطست تحتهَا من الدَّم. وَزعم أَن عَائِشَة رَأَتْ مَاء العصفر، فَقَالَ: كَأَن هَذَا شَيْء كَانَت فُلَانَة تَجدهُ.
وَفِي حَدِيث يزِيد بن زُرَيْع:
اعتكفت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم امْرَأَة من أَزوَاجه، فَكَانَت ترى الدَّم والصفرة والطست تحتهَا، وَهِي تصلي.
3364 - السَّادِس وَالْأَرْبَعُونَ: عَن عِكْرِمَة عَن عَائِشَة قَالَت: لما فتحت خَيْبَر قُلْنَا: الْآن نشبع من التَّمْر.
3365 - السَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ: عَن أَيمن الْمَكِّيّ قَالَ: دخلت على عَائِشَة وَعَلَيْهَا درع قطرٍ ثمن خَمْسَة دَرَاهِم، فَقَالَت: ارْفَعْ بَصرك إِلَى جاريتي، انْظُر إِلَيْهَا، فَإِنَّهَا تزهى أَن تلبسه فِي الْبَيْت، وَقد كَانَ لي مِنْهُنَّ درع على عهد رَسُول الله، فَمَا كَانَت امْرَأَة تقين بِالْمَدِينَةِ إِلَّا أرْسلت إِلَيّ تستعيره.
3366 - الثَّامِن وَالْأَرْبَعُونَ: عَن طَلْحَة بن عبد الله - رجل من بني تيم بن مرّة - عَن عَائِشَة قَالَت: قلت: يَا رَسُول الله، إِن لي جارين، فَإلَى أَيهمَا أهدي؟ قَالَ: " إِلَى أقربهما مِنْك بَابا ".(4/202)
3367 - التَّاسِع وَالْأَرْبَعُونَ: عَن يحيى بن معمر عَن عَائِشَة قَالَت: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الطَّاعُون فَأَخْبرنِي: " أَنه عَذَاب يَبْعَثهُ الله على من يَشَاء، وَأَن الله جعله رَحْمَة للْمُؤْمِنين، لَيْسَ من أحد يَقع الطَّاعُون فيمكث فِي بَلَده صَابِرًا محتسباً، يعلم أَنه لَا يُصِيبهُ إِلَّا مَا كتب الله لَهُ، إِلَّا كَانَ لَهُ مثل أجر شَهِيد ".
3368 - الْخَمْسُونَ عَن عمرَان بن حطَّان: أَن عَائِشَة حدثته: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن يتْرك شَيْئا فِيهِ تصاليب إِلَّا نقضه.
وَأخرجه أَبُو بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأَبُو بكر البرقاني من حَدِيث يزِيد بن هَارُون عَن هِشَام الدستوَائي، وَفِيه:
لم يكن يدع فِي بَيته سترا أَو ثوبا فِيهِ تصليبٌ إِلَّا قضبه.
وَهَكَذَا حكى أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الْحَافِظ فِي كِتَابه.
3369 - الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ: أخرجه تَعْلِيقا من حَدِيث اللَّيْث عَن يحيى بن سعيد عَن عمْرَة عَن عَائِشَة قَالَت: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " الْأَرْوَاح جنودٌ مجندة، فَمَا تعارف مِنْهَا ائتلف، وَمَا تناكر مِنْهَا اخْتلف " قَالَ البُخَارِيّ: وَقَالَ يحيى ابْن أَيُّوب: حَدثنِي يحيى بن سعيد بِهَذَا.
لم يُخرجهُ مُسلم من حَدِيث عَائِشَة، وَقد أخرجه بِالْإِسْنَادِ من حَدِيث سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة.
3370 - الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ: عَن الْحسن بن مُسلم بن يناق عَن صَفِيَّة بنت شيبَة عَن عَائِشَة قَالَت: كُنَّا إِذا أَصَابَت إحدانا جنابةٌ أخذت بِيَدَيْهَا ثَلَاثًا فَوق رَأسهَا، ثمَّ تَأْخُذ بِيَدِهَا على شقها الْأَيْمن، وبيدها الْأُخْرَى على شقها الْأَيْسَر.
3371 - الثَّالِث وَالْخَمْسُونَ: عَن عَائِشَة بنت طَلْحَة عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ أَنَّهَا(4/203)
قَالَت: يَا رَسُول الله، نرى الْجِهَاد أفضل الْعَمَل، أَفلا نجاهد؟ قَالَ: " لَكِن أفضل الْجِهَاد حجٌّ مبرور ".
وَلَيْسَ لعَائِشَة بنت طَلْحَة عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ رضوَان الله عَلَيْهَا فِي صَحِيح البُخَارِيّ غير هَذَا.
أَفْرَاد مُسلم
3372 - الحَدِيث الأول: عَن عبد الله بن الزبير عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " عشر من الْفطْرَة: قصّ الشَّارِب، وإعفاء اللِّحْيَة، والسواك، واستنشاق المَاء، وقص الْأَظْفَار، وَغسل البراجم، ونتف الْإِبِط، وَحلق الْعَانَة، وانتقاص المَاء " قَالَ: ونسيت الْعَاشِرَة، إِلَّا أَن تكون الْمَضْمَضَة. قَالَ وَكِيع: انتقاص المَاء: يَعْنِي الِاسْتِنْجَاء بِهِ.
3373 - الثَّانِي: عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ: أَنهم كَانُوا جُلُوسًا، فَذكرُوا مَا يُوجب الْغسْل، فَاخْتلف فِي ذَلِك رهطٌ من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّونَ: لَا يجب الْغسْل إِلَّا من الدفق أَو من المَاء. وَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: بل إِذا خالط فقد وَجب الْغسْل. قَالَ أَبُو مُوسَى: فَأَنا أشفيكم من ذَلِك، قَالَ: فَقُمْت، فاستأذنت على عَائِشَة، فَأَذنت لي، فَقلت لَهَا: يَا أمتاه - أَو: يَا أم الْمُؤمنِينَ، إِنِّي أُرِيد أَن أَسأَلك عَن شَيْء، وَإِنِّي أستحييك. فَقَالَت: لَا تَسْتَحي أَن تَسْأَلنِي عَمَّا كنت سَائِلًا عَنهُ أمك الَّتِي وَلدتك. قلت: فَمَا يُوجب الْغسْل؟ قَالَت: على الْخَبِير سَقَطت. قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِذا جلس بَين شعبها الْأَرْبَع وَمَسّ الْخِتَان الْخِتَان فقد وَجب الْغسْل ".(4/204)
وَلمُسلم أَيْضا من حَدِيث جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ عَن أم كُلْثُوم بنت أبي بكر عَن أُخْتهَا عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ:
أَن رجلا سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الرجل يُجَامع أَهله ثمَّ يكسل - وَعَائِشَة جالسة، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِنِّي لأَفْعَل ذَلِك أَنا وَهَذِه، ثمَّ نغتسل ".
3374 - الثَّالِث: عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة عَن عَائِشَة قَالَت: فقدت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْفراش، فالتمسته فَوَقَعت يَدي على بطن قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِد وهما منصوبتان، وَهُوَ يَقُول: " اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عُقُوبَتك، وَأَعُوذ بك مِنْك، لَا أحصي ثَنَاء عَلَيْك، أَنْت كَمَا أثنيت على نَفسك ".
قَالَ الإِمَام أَبُو بكر البرقاني: وَافق أَبَا أُسَامَة عَبدة بن سُلَيْمَان، وَرَوَاهُ عَن عبيد الله بن عمر مُحَمَّد بن يحيى بن حبَان عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة كَذَلِك.
وَمِنْهُم من قَالَ: عَن الْأَعْرَج عَن عَائِشَة. وَرِوَايَة من روى عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة عَن عَائِشَة أولى، لِأَنَّهُ زَاد، وَزِيَادَة الثِّقَة مَقْبُولَة، وَهِي الَّتِي عول مُسلم عَلَيْهَا، وَلم يخرج الرِّوَايَة الْأُخْرَى.
وَلمُسلم من حَدِيث ابْن أبي مليكَة عبد الله بن عبيد الله عَن عَائِشَة قَالَت:
افتقدت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات لَيْلَة، فَظَنَنْت أَنه ذهب إِلَى بعض نِسَائِهِ، فتحسست ثمَّ رجعت، فَإِذا هُوَ راكعٌ أَو ساجدٌ يَقُول: " سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك، لَا إِلَه إِلَّا أَنْت " فَقلت: بِأبي أَنْت وَأمي، إِنِّي لفي شَأْن وَإنَّك لفي آخر.
وَلمُسلم فِي معنى التَّسْبِيح لفظٌ آخر من حَدِيث مطرف بن عبد الله بن الشخير:
أَن عَائِشَة نبأته أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول فِي رُكُوعه وَسُجُوده: " سبوح قدوس، رب الْمَلَائِكَة وَالروح ".(4/205)
3375 - الرَّابِع: عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم من رِوَايَة مَالك عَن أَبِيه عَن عَائِشَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفرد الْحَج.
3376 - الْخَامِس: عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قَالَت: نفست أَسمَاء بنت عُمَيْس بِمُحَمد بن أبي بكر بِالشَّجَرَةِ، فَأمر النَّبِي أَبَا بكر أَن يأمرها أَن تَغْتَسِل وتهل.
3377 - السَّادِس: عَن ثَابت بن عبيد عَن الْقَاسِم عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " ناوليني الْخمْرَة " من الْمَسْجِد. فَقلت: إِنِّي حَائِض. قَالَ: إِن حيضتك لَيست فِي يدك ".
وَلَيْسَ لِثَابِت بن عبيد عَن الْقَاسِم فِي مُسْند عَائِشَة من الصَّحِيح غير هَذَا.
3378 - السَّابِع: عَن عبد الله بن أبي عَتيق عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِ ن فِي عَجْوَة الْعَالِيَة شِفَاء، وَإِنَّهَا ترياقٌ، أول البكرة ".
3379 - الثَّامِن: عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تحد على ميتٍ فَوق ثلاثٍ، إِلَّا على زَوجهَا ".
3380 - التَّاسِع: عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " من أدْرك من الْعَصْر سَجْدَة قبل أَن تغرب الشَّمْس فقد أدْرك ".
حكى أَبُو مَسْعُود أَن مُسلما أخرجه فِي
" الصَّلَاة " وَحكى أَبُو بكر البرقاني أَن بعض الروَاة قَالَ: والسجدة إِنَّمَا هِيَ الرَّكْعَة.(4/206)
3381 - الْعَاشِر: عَن الزُّهْرِيّ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقسم أَلا يدْخل على أَزوَاجه شهرا، قَالَ الزُّهْرِيّ: فَأَخْبرنِي عُرْوَة عَن عَائِشَة قَالَت: لما مَضَت تسع وَعِشْرُونَ لَيْلَة أعدهن دخل عَليّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَت: بَدَأَ بِي، فَقلت: يَا رَسُول الله، إِنَّك أَقْسَمت أَلا تدخل علينا شهرا، وَإنَّك دخلت من تسع وَعشْرين أعدهن. قَالَ: " إِن الشَّهْر تسعٌ وَعِشْرُونَ ".
3382 - الْحَادِي عشر: عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ يدْخل على أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مخنثٌ، فَكَانُوا يعدونه من غير أولي الإربة: قَالَ: فَدخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا وَهُوَ عِنْد بعض نِسَائِهِ وَهُوَ ينعَت امْرَأَة، قَالَ: إِذا أَقبلت أَقبلت بِأَرْبَع، وَإِذا أَدْبَرت أَدْبَرت بثمانٍ. فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أَلا أرى هَذَا يعرف مَا هَا هُنَا، لَا يدخلن عليكن " فحجبوه.
3383 - الثَّانِي عشر: عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " خلقت الْمَلَائِكَة من نور، وَخلق الجان من مارجٍ من نَار، وَخلق آدم مِمَّا وصف لكم.
3384 - الثَّالِث عشر: عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة: أَن أم سليم، أم بني أبي طَلْحَة سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْمَرْأَة ترى فِي منامها مَا يرى الرجل، هَل عَلَيْهَا الْغسْل؟ فَقَالَ: " نعم، إِذا رَأَتْ المَاء ".
أدرجه مُسلم على مَا قبله،
وَقَالَ: بِمَعْنَاهُ. غير أَن فِيهِ: إِن عَائِشَة قَالَت: فَقلت لَهَا: أفٍّ، أَتَرَى الْمَرْأَة ذَلِك.
وَأخرجه أَيْضا من حَدِيث مسافع بن عبد الله الحَجبي عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة:
أَن امْرَأَة قَالَت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل تَغْتَسِل الْمَرْأَة إِذا احْتَلَمت وأبصرت المَاء؟ فَقَالَ:(4/207)
" نعم ". فَقَالَت لَهَا عَائِشَة: تربت يداك. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " دعيها، وَهل يكون الشّبَه إِلَّا من قبل ذَلِك؟ فَإِذا علا مَاؤُهَا مَاء الرجل أشبه الرجل أَخْوَاله، وَإِذا علا مَاء الرجل ماءها أشبه أَعْمَامه ".
3385 - الرَّابِع عشر: عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قَالَت: مَا ضرب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا قطّ بِيَدِهِ، وَلَا امْرَأَة وَلَا خَادِمًا، إِلَّا أَن يُجَاهد فِي سَبِيل الله، وَمَا نيل مِنْهُ شيءٌ قطّ فينتقم من صَاحبه، إِلَّا أَن ينتهك شيءٌ من محارم الله، فينتقم لله.
3386 - الْخَامِس عشر: عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " نعم الْأدم - أَو الإدام - الْخلّ " شكّ الرَّاوِي. وَفِي حَدِيث يحيى بن صَالح الوحاظي: " الْأدم " وَلم يشك.
3387 - السَّادِس عشر: عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَا يجوع أهل بيتٍ عِنْدهم التَّمْر ".
وَأخرجه أَيْضا من حَدِيث أبي الرِّجَال مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن عَن أمه عمْرَة عَن عَائِشَة قَالَت:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " يَا عَائِشَة، بيتٌ لَا تمر فِيهِ جياعٌ أَهله - أَو: جَاع أَهله " قَالَهَا مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا.
3388 - السَّابِع عشر: عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة أَن امْرَأَة قَالَت: يَا رَسُول الله، أَقُول: إِن زَوجي أَعْطَانِي مَا لم يُعْطِنِي. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " المتشبع بِمَا لم يُعْط كلابس ثوبي زور ".
وَفِي حَدِيث فَاطِمَة بنت الْمُنْذر عَن أَسمَاء أَنَّهَا قَالَت:
إِن لي ضرَّة، فَهَل عَليّ جنَاح أَن أتشبع من مَال زَوجي؟ فَقَالَ:. . فَذكر مثل ذَلِك. وَهُوَ مَذْكُور فِي مسندها.(4/208)
3389 - الثَّامِن عشر: عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة، وَعَن ثَابت عَن أنس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بِقوم يُلَقِّحُونَ فَقَالَ: " لَو لم يَفْعَلُوا لصلح " فتركوا.
قَالَ: فَخرج شيصاً. فَمر بهم فَقَالَ: " مَا لنخلكم؟ " قَالُوا: قلت كَذَا وَكَذَا، قَالَ: " أَنْتُم أعلم بِأَمْر دنياكم ".
3390 - التَّاسِع عشر: عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه قَالَ: قَالَت عَائِشَة: يَا ابْن أُخْتِي، أمروا أَن يَسْتَغْفِرُوا لأَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسبوهم.
3391 - الْعشْرُونَ: عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن عَائِشَة قَالَت: لما نزلت: {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} [الشُّعَرَاء] قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الصَّفَا. فَقَالَ: " يَا فَاطِمَة بنت مُحَمَّد، يَا صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب، يَا بني عبد الْمطلب، لَا أملك لكم من الله شَيْئا، سلوني من مَالِي مَا شِئْتُم ".
3392 - الْحَادِي وَالْعشْرُونَ: عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة قَالَت: طَاف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّة الْوَدَاع حول الْكَعْبَة على بعيره يسْتَلم الرُّكْن، كَرَاهِيَة أَن يضْرب عَنهُ النَّاس.
3393 - الثَّانِي وَالْعشْرُونَ: عَن سعد بن إِبْرَاهِيم عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يَقُول: " قد كَانَ يكون فِي الْأُمَم قبلكُمْ محدثون، فَإِن يكن فِي أمتِي مِنْهُم أحد، فَإِن عمر بن الْخطاب مِنْهُم " قَالَ ابْن وهب: تَفْسِير محدثون: ملهمون. وَرَوَاهُ هَكَذَا عَن سعد بن إِبْرَاهِيم ابْنه إِبْرَاهِيم بن سعد، وَابْنه عجلَان، وَأخرجه مُسلم من حَدِيثهمَا عَنهُ كَمَا ذكرنَا.
وَأخرجه البُخَارِيّ بِخِلَاف ذَلِك من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن سعد عَن أَبِيه عَن أبي(4/209)
سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة. قَالَ البُخَارِيّ: وَرَوَاهُ زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة عَن سعد عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة. قَالَ أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي: وَهُوَ الصَّوَاب، وَأما حَدِيث ابْن عجلَان عَن سعد فَإِنَّهُ يَقُول فِيهِ: عَن عَائِشَة. كَذَلِك رَوَاهُ عَنهُ النَّاس، وَلَا أعلم أحدا تَابع ابْن وهب عَن إِبْرَاهِيم بن سعد فِي قَوْله عَن عَائِشَة.
3394 - الثَّالِث وَالْعشْرُونَ: عَن أبي الْأسود مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ فِي غَزْوَة تَبُوك عَن ستْرَة الْمُصَلِّي، فَقَالَ: " كمؤخرة الرحل ".
3395 - الرَّابِع وَالْعشْرُونَ: عَن عبد الله بن نيار بن مكرم الْأَسْلَمِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة قَالَت: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل بدر، فَلَمَّا كَانَ بحرة الْوَبرَة أدْركهُ رجلٌ قد كَانَ يذكر مِنْهُ جرأةٌ ونجدة، ففرح أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين رَأَوْهُ، فَلَمَّا أدْركهُ قَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: جِئْت لأتبعك وَأُصِيب مَعَك. فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " تؤمن بِاللَّه وَرَسُوله؟ " قَالَ: لَا، قَالَ: " فَارْجِع فَلَنْ أستعين بمشرك ".
قَالَت: ثمَّ مضى، حَتَّى إِذا كُنَّا بِالشَّجَرَةِ أدْركهُ الرجل، فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أول مرّة، فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا قَالَ أول مرّة، فَقَالَ: لَا، قَالَ: " فَارْجِع، فَلَنْ أستعين بمشرك " قَالَ: ثمَّ رَجَعَ فأدركه بِالْبَيْدَاءِ، فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أول مرّة: " تؤمن بِاللَّه وَرَسُوله؟ ". قَالَ: نعم. فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " فَانْطَلق ".
3396 - الْخَامِس وَالْعشْرُونَ: عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن خَالِد بن عَمْرو بن عُثْمَان: أَنه سَأَلَ عُرْوَة بن الزبير عَن الْوضُوء مِمَّا مست النَّار. فَقَالَ عُرْوَة: سَمِعت عَائِشَة تَقول: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " توضئوا مِمَّا مست النَّار ".
3397 - السَّادِس وَالْعشْرُونَ: عَن يزِيد بن عبد الله بن قسيط اللَّيْثِيّ عَن عُرْوَة(4/210)
عَن عَائِشَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بكبش أقرن يطَأ فِي سَواد، ويبرك فِي سَواد، وَينظر فِي سَواد، فَأتي بِهِ ليضحي بِهِ، فَقَالَ لَهَا: " يَا عَائِشَة هَلُمِّي المدية " ثمَّ قَالَ:: " اشحذيها بحجرٍ " فَفعلت، ثمَّ أَخذهَا وَأخذ الْكَبْش فأضجعه ثمَّ ذبحه ثمَّ قَالَ: " بِسم الله، اللَّهُمَّ تقبل من مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد وَمن أمة مُحَمَّد " ثمَّ ضحى.
3398 - السَّابِع وَالْعشْرُونَ: عَن يزِيد بن قسيط عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج من عِنْدهَا لَيْلًا، قَالَت: فغرت عَلَيْهِ،، فجَاء فَرَأى مَا أصنع، فَقَالَ: " مَا لَك يَا عَائِشَة؟ أغرت؟ " فَقلت: وَمَا لي لَا يغار مثلي على مثلك؟ . فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أقد جَاءَك شَيْطَانك؟ ". قلت: يَا رَسُول الله، أَو معي شَيْطَان؟ قَالَ: " نعم " قلت: وَمَعَ كل إِنْسَان؟ قَالَ: " نعم " قلت: ومعك يَا رَسُول الله؟ قَالَ: " نعم، وَلَكِن رَبِّي أعانني عَلَيْهِ حَتَّى أسلم ".
3399 - الثَّامِن وَالْعشْرُونَ: عَن عبد الله بن الْبَهِي مولى مُصعب بن الزبير عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يذكر الله على كل أحيانه.
3400 - التَّاسِع وَالْعشْرُونَ: عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث التَّيْمِيّ عَن أبي سَلمَة قَالَ: سَأَلت عَائِشَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كم كَانَ صدَاق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَت: كَانَ صداقه لأزواجه ثِنْتَيْ عشرَة أُوقِيَّة وَنَشَأ. قَالَت: أَتَدْرِي مَا النش؟ قلت: لَا.
قَالَت: نصف أُوقِيَّة، وَتلك خَمْسمِائَة دِرْهَم.
3401 - الثَّلَاثُونَ: عَن أبي النَّضر سَالم عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن أَن(4/211)
عَائِشَة لما توفّي سعد بن أبي وَقاص قَالَت: ادخُلُوا بِهِ الْمَسْجِد حَتَّى نصلي عَلَيْهِ، فَأنْكر ذَلِك عَلَيْهَا، فَقَالَت: وَالله لقد صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ابْني بَيْضَاء فِي الْمَسْجِد: سُهَيْل وأخيه.
وَأخرجه أَيْضا من حَدِيث عباد بن عبد الله بن الزبير أَن عَائِشَة
أمرت أَن يمر بِجنَازَة سعد بن أبي وَقاص فِي الْمَسْجِد فَتُصَلِّي عَلَيْهِ، فَأنْكر النَّاس ذَلِك عَلَيْهَا.
فَقَالَت: مَا أسْرع مَا نسي النَّاس، مَا صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على سُهَيْل بن الْبَيْضَاء إِلَّا فِي الْمَسْجِد.
وَفِي رِوَايَة مُوسَى بن عقبَة عَن عبد الْوَاحِد بن حَمْزَة قَالَ:
لما توفّي سعد بن أبي وَقاص أرسل أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يمروا بجنازته فِي الْمَسْجِد فيصلين عَلَيْهِ، فَفَعَلُوا، فَوقف بِهِ على حجرهن يصلين عَلَيْهِ، وَأخرج بِهِ من بَاب الْجَنَائِز الَّذِي كَانَ إِلَى المقاعد، فبلغهن أَن النَّاس عابوا ذَلِك، وَقَالُوا: مَا كَانَت الْجَنَائِز يدْخل بهَا الْمَسْجِد.
فَبلغ ذَلِك عَائِشَة، فَقَالَت: مَا أسْرع النَّاس إِلَى أَن يعيبوا مَا لَا علم لَهُم بِهِ، عابوا علينا أَن يمر بجنازته فِي الْمَسْجِد. مَا صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على سُهَيْل بن الْبَيْضَاء إِلَّا فِي جَوف الْمَسْجِد. قَالَ مُسلم: سُهَيْل بن دعد، وَهُوَ ابْن الْبَيْضَاء، أمه بَيْضَاء.
3402 - الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: عَن يحيى بن أبي كثير عَن أبي سَلمَة قَالَ: سَأَلت عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ: بِأَيّ شيءٍ كَانَ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يفْتَتح صلَاته إِذا قَامَ من اللَّيْل؟ قَالَت: كَانَ إِذا قَامَ من اللَّيْل افْتتح صلَاته قَالَ: " اللَّهُمَّ رب جِبْرِيل وميكال وإسرافيل، فاطر السَّمَوَات وَالْأَرضين، عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة، أَنْت تحكم بَين عِبَادك فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ. اهدني لما اخْتلف فِيهِ من الْحق بإذنك، إِنَّك تهدي من تشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم ".(4/212)
3403 - الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: عَن أبي حَازِم سَلمَة بن دِينَار عَن أبي سَلمَة عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: وَاعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جِبْرِيل فِي ساعةٍ يَأْتِيهِ فِيهَا، فَجَاءَت تِلْكَ السَّاعَة وَلم يَأْته، وَفِي يَده عَصا، فألقاها من يَده وَقَالَ: " مَا يخلف الله وعده وَلَا رسله. " ثمَّ الْتفت فَإِذا جرو كلب تَحت سَرِيره، فَقَالَ: " يَا عَائِشَة، مَتى دخل هَذَا الْكَلْب هَا هُنَا؟ " فَقَالَت: وَالله مَا دَريت. فَأمر بِهِ فَأخْرج، فجَاء جِبْرِيل، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " واعدتني، فَجَلَست لَك فَلم تأت " فَقَالَ: " مَنَعَنِي الْكَلْب الَّذِي كَانَ فِي بَيْتك، إِنَّا لَا ندخل بَيْتا فِيهِ كلبٌ وَلَا صُورَة ".
وَفِي رِوَايَة وهيب عَن أبي حَازِم:
وعد جِبْرِيل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. . وَذكره مُخْتَصرا.
وَلَيْسَ لأبي حَازِم عَن أبي سَلمَة فِي مُسْند عَائِشَة من الصَّحِيح غير هَذَا.
3404 - الثَّالِث الثَّلَاثُونَ: عَن مُحَمَّد بن أبي حَرْمَلَة عَن عَطاء وَسليمَان ابْني يسَار وَأبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُضْطَجعا فِي بَيته كاشفاً عَن فَخذيهِ - أَو سَاقيه، فَاسْتَأْذن أَبُو بكر، فَأذن لَهُ وَهُوَ على تِلْكَ الْحَال، فَتحدث، ثمَّ أستاذن عمر فَأذن لَهُ وَهُوَ كَذَلِك، فَتحدث، ثمَّ اسْتَأْذن عُثْمَان، فَجَلَسَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسوى ثِيَابه، فَقَالَ مُحَمَّد: وَلَا أَقُول ذَلِك فِي يَوْم وَاحِد، فَدخل فَتحدث، فَلَمَّا خرج قَالَت عَائِشَة: دخل أَبُو بكر فَلم تهتش لَهُ وَلم تبال، ثمَّ دخل عمر فَلم تهتش لَهُ وَلم تبال، ثمَّ دخل عُثْمَان فَجَلَست وسويت ثِيَابك. فَقَالَ: " أَلا أستحيي من رجلٍ تستحيي مِنْهُ الْمَلَائِكَة ".(4/213)
وَأخرج مُسلم من حَدِيث سعيد بن الْعَاصِ أَن عَائِشَة وَعُثْمَان حَدَّثَاهُ:
أَن أَبَا بكر اسْتَأْذن على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مُضْطَجع على فرَاشه، لابسٌ مرط عَائِشَة: فَأذن لأبي بكر وَهُوَ كَذَلِك، فَقضى إِلَيْهِ حَاجته ثمَّ انْصَرف. ثمَّ أَسْتَأْذن عمر، فَأذن لَهُ وَهُوَ على تِلْكَ الْحَال فَقضى إِلَيْهِ حَاجته ثمَّ انْصَرف. قَالَ عُثْمَان: ثمَّ اسْتَأْذَنت عَلَيْهِ، فَجَلَسَ وَقَالَ لعَائِشَة: اجمعي عَلَيْك ثِيَابك، فَقضيت إِلَيْهِ حَاجَتي ثمَّ انصرفت، فَقَالَت عَائِشَة: يَا رَسُول الله، مَا لي لم أرك فزعت لأبي بكر وَعمر كَمَا فزعت لعُثْمَان. قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن عُثْمَان رجلٌ حييٌّ، وَإِنِّي خشيت إِن أَذِنت لَهُ على تِلْكَ الْحَال أَلا يبلغ إِلَيّ فِي حَاجته ".
وَمِنْهُم من أخرج هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند عُثْمَان أَيْضا.
3405 - الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ: عَن الْأسود بن الْعَلَاء عَن أبي سَلمَة عَن عَائِشَة قَالَت: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " لَا يذهب اللَّيْل وَالنَّهَار حَتَّى تعبد اللات والعزى ". فَقلت: يَا رَسُول الله، إِن كنت لأَظُن حِين أنزل الله: {هُوَ الَّذِي أرسل رَسُوله} إِلَى قَوْله {وَلَو كره الْمُشْركُونَ} [التَّوْبَة] أَن ذَلِك تَامّ. قَالَ: " إِنَّه سَيكون من ذَلِك مَا شَاءَ الله، ثمَّ يبْعَث الله ريحًا طيبَة، فتوفى كل من فِي قلبه مِثْقَال حَبَّة خردلٍ من إِيمَان، فَيبقى من لَا خير فِيهِ، فيرجعون إِلَى دين آبَائِهِم ".
3406 - الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ: عَن سعيد بن الْمسيب عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " مَا من يومٍ أَكثر أَن يعْتق الله فِيهِ عبيدا من النَّار من يَوْم عَرَفَة، إِنَّه ليدنو ثمَّ يباهي بهم الْمَلَائِكَة، فَيَقُول: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟ ".
3407 - السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ: عَن طَلْحَة بن يحيى عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي بِاللَّيْلِ وَأَنا إِلَى جنبه وَأَنا حَائِض، وَعلي مرطٌ لي وَعَلِيهِ بعضه.(4/214)
3408 - السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ: عَن أبي مُحَمَّد عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكَة قَالَ: سَمِعت عَائِشَة وسئلت: من كَانَ رَسُول الله مستخلفاً لَو اسْتخْلف؟ قَالَت: أَبُو بكر. فَقيل لَهَا: ثمَّ من بعد أبي بكر؟ قَالَت: عمر. ثمَّ قيل لَهَا: من بعد عمر؟ قَالَت: أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح. ثمَّ انْتَهَت إِلَى هَذَا.
3409 - الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ: عَن أبي مليكَة عَن عَائِشَة قَالَت: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول وَهُوَ بَين ظهراني أَصْحَابه: " إِنِّي على الْحَوْض أنظر من يرد عَليّ مِنْكُم، وَالله ليقتطعن دوني رجالٌ، فلأقولن: أَي رب، منى وَمن أمتِي، فَيَقُول: " إِنَّك لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بعْدك، مَا زَالُوا يرجعُونَ على أَعْقَابهم ".
3410 - التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ: عَن أبي عَاصِم عبيد بن عُمَيْر اللَّيْثِيّ قَالَ: بلغ عَائِشَة أَن عبد الله بن عَمْرو يَأْمر النِّسَاء إِذا اغْتَسَلْنَ أَن يَنْقُضْنَ رؤوسهن. فَقَالَت: يَا عجبا لِابْنِ عَمْرو هَذَا {يَأْمر النِّسَاء إِذا اغْتَسَلْنَ أَن يَنْقُضْنَ رؤوسهن، أَولا يَأْمُرهُنَّ أَن يَحْلِقن رؤوسهن} لقد كنت أَغْتَسِل أَنا وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من إِنَاء وَاحِد، وَمَا أَزِيد على أَن أفرغ على رَأْسِي ثَلَاث إفْرَاغَات.
3411 - الْأَرْبَعُونَ: عَن الْأسود بن يزِيد عَن عَائِشَة قَالَت: مَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَائِما فِي الْعشْر قطّ.
3412 - الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ: عَن مَسْرُوق عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: يَا رَسُول الله، إِن ابْن جدعَان كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة يصل الرَّحِم، وَيطْعم المكسين، أنافعه ذَلِك؟ قَالَ: " لَا يَنْفَعهُ، إِنَّه لم يقل يَوْمًا: رب اغْفِر لي خطيئتي يَوْم الدّين ".
3413 - الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ: عَن مَسْرُوق عَن عَائِشَة قَالَت: مَا ترك رَسُول الله(4/215)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دِينَارا وَلَا درهما، وَلَا شَاة وَلَا بَعِيرًا، وَلَا أوصى بِشَيْء.
3414 - الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ: عَن مَسْرُوق عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَوْله عز وَجل: {يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض وَالسَّمَاوَات} [إِبْرَاهِيم] فَأَيْنَ يكون النَّاس يومئذٍ يَا رَسُول الله؟ قَالَ: " على الصِّرَاط ".
3415 - الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ: عَن مَسْرُوق عَن عَائِشَة قَالَت:
دخل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلَانِ، فَكَلمَاهُ بِشَيْء لَا أَدْرِي مَا هُوَ، فأغضباه، فلعنهما وسبهما، فَلَمَّا خرجا قلت: يَا رَسُول الله، من أصَاب من الْخَيْر شَيْئا مَا أَصَابَهُ هَذَانِ. قَالَ: " وَمَا ذَاك؟ " قَالَت: قلت: لعنتهما وسببتهما. قَالَ: " أَو مَا علمت مَا شارطت عَلَيْهِ رَبِّي؟ قلت: اللَّهُمَّ إِنَّمَا أَنا بشرٌ، فَأَي الْمُسلمين لعنته أَو سببته فاجعله لَهُ زَكَاة وَأَجرا ".
3416 - الْخَامِس وَالْأَرْبَعُونَ: عَن أبي عَطِيَّة مَالك بن عَامر قَالَ: دخلت أَنا ومسروق على عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ، فَقلت: يَا أم الْمُؤمنِينَ، رجلَانِ من أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَحدهمَا يعجل الْإِفْطَار ويعجل الصَّلَاة، وَالْآخر يُؤَخر الْإِفْطَار وَيُؤَخر الصَّلَاة. قَالَت: أَيهمَا الَّذِي يعجل الْإِفْطَار ويعجل الصَّلَاة؟ قَالَ: قُلْنَا: عبد الله - يَعْنِي ابْن مَسْعُود. قَالَت: كَذَا كَانَ يصنع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. زَاد أَبُو كريب عَن أبي مُعَاوِيَة: وَالْآخر أَبُو مُوسَى.
وَفِي حَدِيث يحيى بن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة:
فَقَالَ لَهَا مَسْرُوق: رجلَانِ من أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كِلَاهُمَا لَا يألو عَن الْخَيْر، أَحدهمَا يعجل الْمغرب والإفطار، وَالْآخر يُؤَخر الْمغرب والإفطار. فَقَالَت: من يعجل الْمغرب والإفطار؟ قَالَ: عبد الله. قَالَت: هَكَذَا كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصنع.(4/216)
3417 - السَّادِس وَالْأَرْبَعُونَ: عَن زُرَارَة بن أبي أوفى: أَن سعد بن هِشَام بن عَامر أَرَادَ أَن يَغْزُو فِي سَبِيل الله، فَقدم الْمَدِينَة، فَأَرَادَ أَن يَبِيع عقارا لَهُ بهَا فَيَجْعَلهُ فِي السِّلَاح والكراع، ويجاهد الرّوم حَتَّى يَمُوت، فَلَمَّا قدم الْمَدِينَة لَقِي أُنَاسًا من أهل الْمَدِينَة، فنهوه عَن ذَلِك، وَأَخْبرُوهُ أَن رهطاً سِتَّة أَرَادوا ذَلِك فِي حَيَاة نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فنهاهم نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ: " أَلَيْسَ لكم فِي أسوةٌ؟ " فَلَمَّا حدثوه بذلك رَاجع امْرَأَته، وَقد كَانَ طَلقهَا، وَأشْهد على رَجعتهَا.
فَأتى ابْن عَبَّاس فَسَأَلَهُ عَن وتر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ ابْن عَبَّاس:
أَلا أدلك على أعلم أهل الأَرْض بِوتْر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: من؟ قَالَ: عَائِشَة، فَأْتِهَا فاسألها، ثمَّ ائْتِنِي فَأَخْبرنِي بردهَا عَلَيْك. قَالَ: فَانْطَلَقت إِلَيْهَا، فَأتيت على حَكِيم ابْن أَفْلح فاستحلقته إِلَيْهَا، فَقَالَ: مَا أَنا بقاربها، لِأَنِّي نهيتها أَن تَقول فِي هَاتين الشيعتين شَيْئا فَأَبت إِلَّا مضياً. قَالَ: فأقسمت عَلَيْهِ، فجَاء. فَانْطَلَقْنَا إِلَى عَائِشَة، فاستئذنا عَلَيْهَا فَأَذنت لنا، فَدَخَلْنَا عَلَيْهَا، فَقَالَت: أحكيم؟ فعرفته، فَقَالَ: نعم، فَقَالَت: من مَعَك؟ قَالَ: سعد بن هِشَام. قَالَت: من هِشَام؟ قَالَ: ابْن عَامر.
فَتَرَحَّمت عَلَيْهِ وَقَالَت خيرا. قَالَ قَتَادَة: وَكَانَ أُصِيب يَوْم أحد.
فَقلت: يَا أم الْمُؤمنِينَ. أَنْبِئِينِي عَن خلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَت: أَلَسْت تقْرَأ الْقُرْآن؟ قلت: بلَى. قَالَت: فَإِن خلق نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ الْقُرْآن. قَالَ: فهممت أَن أقوم وَلَا أسأَل أحدا عَن شَيْء حَتَّى أَمُوت، ثمَّ بدا لي فَقلت: أَنْبِئِينِي عَن قيام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَقَالَت: أَلَسْت تقْرَأ؟ {يَا أَيهَا المزمل} ؟ [سُورَة المزمل] قلت: بلَى. قَالَت: فَإِن الله افْترض قيام اللَّيْل فِي أول هَذِه السُّورَة، فَقَامَ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه حولا، وَأمْسك الله خاتمتها اثْنَي عشر شهرا فِي السَّمَاء، حَتَّى أنزل الله عز وَجل فِي آخر هَذِه السُّورَة التَّخْفِيف، فَصَارَ قيام اللَّيْل تَطَوّعا بعد فَرِيضَة.
قَالَ: قلت:
يَا أم الْمُؤمنِينَ، أَنْبِئِينِي عَن وتر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: كُنَّا نعد لَهُ(4/217)
سواكه وَطهُوره، فيبعثه الله مَتى شَاءَ أَن يَبْعَثهُ من اللَّيْل، فيتسوك وَيتَوَضَّأ، وَيُصلي تسع رَكْعَات، لَا يجلس فِيهَا إِلَّا فِي الثَّامِنَة، فيذكر الله وَيَحْمَدهُ، ويدعوه ثمَّ يسلم تَسْلِيمًا يسمعنا، ثمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَمَا يسلم وَهُوَ قَاعد، فَتلك إِحْدَى عشرَة يَا بني، فَلَمَّا أسن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَخذه اللَّحْم أوتر بِسبع، وصنع فِي الرَّكْعَتَيْنِ مثل صَنِيعه الأول، فَتلك تسعٌ يَا بني. وَكَانَ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صلى صَلَاة أحب أَن يداوم عَلَيْهَا. وَكَانَ إِذا غَلبه نومٌ أَو وجعٌ عَن قيام اللَّيْل صلى من النَّهَار ثِنْتَيْ عشرَة رَكْعَة. وَلَا أعلم نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ الْقُرْآن كُله فِي لَيْلَة، وَلَا صلى لَيْلَة إِلَى الصُّبْح، وَلَا صَامَ شهرا كَامِلا غير رَمَضَان. قَالَ: فَانْطَلَقت إِلَى ابْن عَبَّاس، فَحَدَّثته بحديثها، فَقَالَ: صدقت، لَو كنت أقربها وَأدْخل عَلَيْهَا لأتيتها حَتَّى تشافهني بِهِ.
قَالَ: قلت: لَو علمت أَنَّك لَا تدخل عَلَيْهَا مَا حدثتك حَدِيثهَا.
وَفِي رِوَايَة سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة عَن زُرَارَة عَن سعد بن هِشَام قَالَ:
انْطَلَقت إِلَى عبد الله بن عَبَّاس، فَسَأَلته عَن الْوتر. وسَاق الحَدِيث بِقِصَّتِهِ. وَقَالَ فِيهِ: قَالَت: من هِشَام؟ قلت: ابْن عَامر؟ قَالَت: نعم الْمَرْء كَانَ عامرٌ، أُصِيب يَوْم أحد.
وَفِي رِوَايَة معمر عَن قَتَادَة عَن زُرَارَة:
أَن سعد بن هِشَام كَانَ جاراً لَهُ فَأخْبرهُ أَنه طلق امْرَأَته، واقتص الحَدِيث بِمَعْنى حَدِيث سعيد. وَفِيه: قَالَت: من هِشَام؟ قَالَ: ابْن عَامر. قَالَت: نعم الْمَرْء كَانَ، أُصِيب مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَفِيه: فَقَالَ حَكِيم ابْن أَفْلح: أما إِنِّي لَو علمت أَنَّك لَا تدخل عَلَيْهَا مَا أَنْبَأتك بحديثها.
وَقد فرق مُسلم مِنْهُ شَيْئا بِإِسْنَاد آخر. وَهَذَا الَّذِي أوردنا يجمع ذَلِك.
3418 - السَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ: عَن سعد بن هِشَام بن عَامر عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ(4/218)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
من أحب لِقَاء الله أحب الله لقاءه، وَمن كره لِقَاء الله كره الله لقاءه " فَقلت: يَا نَبِي الله، أكراهية الْمَوْت، وكلنَا يكره الْمَوْت؟ قَالَ: " لَيْسَ كَذَلِك، وَلَكِن الْمُؤمن إِذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لِقَاء الله، فَأحب الله لقاءه، وَإِن الْكَافِر إِذا بشر بِعَذَاب الله وَسخطه كره لِقَاء الله، فكره الله لقاءه ".
وَأخرجه مُسلم أَيْضا من حَدِيث شُرَيْح بن هَانِئ عَن عَائِشَة قَالَت:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " من أحب لِقَاء الله أحب الله لقاءه، وَمن كره لِقَاء الله كره الله لقاءه.
وَالْمَوْت قبل لِقَاء الله ".
وَمن حَدِيث شُرَيْح بن هَانِئ أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
من أحب لِقَاء الله أحب الله لقاءه، وَمن كره لِقَاء الله كره الله لقاءه " قَالَ شُرَيْح: فَأتيت عَائِشَة فَقلت: يَا أم الْمُؤمنِينَ، سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة يذكر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيثا، إِن كَانَ كَذَلِك فقد هلكنا، فَقَالَت: إِن الْهَالِك من هلك بقول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمَا ذَاك؟ قلت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " من أحب لِقَاء الله أحب الله لقاءه، وَمن كره لِقَاء الله كره الله لقاءه " وَلَيْسَ أحدٌ إِلَّا وَهُوَ يكره الْمَوْت. فَقَالَت: قد قَالَه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَيْسَ الَّذِي تذْهب إِلَيْهِ، وَلَكِن إِذا شخص الْبَصَر، وحشرج الصَّدْر، واقشعر الْجلد. وتشنجت الْأَصَابِع، فَعِنْدَ ذَلِك: من أحب لِقَاء الله أحب الله لقاءه، وَمن كره لِقَاء الله كره الله لقاءه ".
3419 - الثَّامِن وَالْأَرْبَعُونَ: عَن سعد بن هِشَام عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَامَ من اللَّيْل افْتتح صلَاته بِرَكْعَتَيْنِ خفيفتين.
3420 - التَّاسِع وَالْأَرْبَعُونَ: عَن عَطاء بن يسَار عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلما كَانَ لَيْلَتهَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخرج من آخر اللَّيْل إِلَى البقيع، فَيَقُول: " السَّلَام عَلَيْكُم دَار قوم مُؤمنين، وأتاكم مَا توعدون غَدا، مؤجلون، وَإِنَّا إِن شَاءَ الله بكم لاحقون. اللَّهُمَّ اغْفِر لأهل بَقِيع الْغَرْقَد ".(4/219)
3421 - الْخَمْسُونَ: عَن مُحَمَّد بن قيس بن مخرمَة بن الْمطلب أَنه قَالَ يَوْمًا: أَلا أحدثكُم عني وَعَن أُمِّي؟ قَالَ: فظننا أَنه يُرِيد أمه الَّتِي وَلدته، قَالَ: قَالَت عَائِشَة: أَلا أحدثكُم عني وَعَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قُلْنَا: بلَى. قَالَ: قَالَت: لما كَانَت لَيْلَتي الَّتِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا عِنْدِي، انْقَلب فَوضع رِدَاءَهُ، وخلع نَعْلَيْه فوضعهما عِنْد رجلَيْهِ، وَبسط طرف إزَاره على فرَاشه فاضطجع، فَلم يلبث إِلَّا ريثما ظن أَنِّي قد رقدت، فَأخذ رِدَاءَهُ رويداً، وانتقل رويداً، وَفتح الْبَاب رويداً، فَخرج ثمَّ أجافه رويداً، وَجعلت دِرْعِي فِي رَأْسِي، واختمرت وتقنعت، ثمَّ انْطَلَقت على إثره حَتَّى جَاءَ البقيع، فَقَامَ فَأطَال الْقيام، ثمَّ رفع يَدَيْهِ ثَلَاث مرار، ثمَّ انحرف، فانحرفت، فأسرع فأسرعت، فهرول فهرولت، فأحضر فأحضرت، فسبقته، فَدخلت فَلَيْسَ إِلَّا أَن اضطجعت فَدخل فَقَالَ: " مَالك يَا عَائِشَة حشياً رابيه؟ " قَالَت: قلت: لَا شَيْء. قَالَ: " لتخبرني، أَو ليخبرني اللَّطِيف الْخَبِير " قَالَت: قلت: يَا رَسُول الله، بأبى أَنْت وَأمي، فَأَخْبَرته. قَالَ: " فَأَنت السوَاد الَّذِي رَأَيْت أَمَامِي؟ " قلت: نعم.
فلهزني فِي صَدْرِي لهزةً أوجعتني ثمَّ قَالَ: " أظننت أَن يَحِيف الله عَلَيْك وَرَسُوله؟ " قَالَت: قلت: مهما يكتم النَّاس يُعلمهُ الله، نعم. قَالَ: " فَإِن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَتَانِي حِين رَأَيْت، فناداني فأخفاه مِنْك، فأجبته، فأخفيته مِنْك، وَلم يكن يدْخل عَلَيْك وَقد وضعت ثِيَابك، وظننت أَن قد رقدت، وكرهت أَن أوقظك، وخشيت أَن تستوحشي. فَقَالَ: إِن رَبك يَأْمُرك أَن تَأتي أهل البقيع فتستغفر لَهُم ". قلت: كَيفَ أَقُول يَا رَسُول الله. قَالَ: " قولي: السَّلَام على أهل الديار من الْمُؤمنِينَ وَالْمُسْلِمين، وَيرْحَم الله الْمُسْتَقْدِمِينَ منا والمستأخرين، وَإِنَّا إِن شَاءَ الله للأحقون ".
3422 - الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ: عَن عبد الله بن يزِيد رَضِيع عَائِشَة عَن عَائِشَة عَن(4/220)
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
مَا من ميت يُصَلِّي عَلَيْهِ أمةٌ من الْمُسلمين يبلغون مائَة، كلهم يشفعون لَهُ إِلَّا شفعوا فِيهِ " قَالَ: فَحدثت بِهِ شُعَيْب بن الحبحاب فَقَالَ: حَدثنِي بِهِ أنس بن مَالك عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَلَيْسَ لعبد الله بن يزِيد عَن عَائِشَة فِي مسندها من الصَّحِيح غير هَذَا.
3423 - الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ: عَن أبي يُونُس مولى عَائِشَة قَالَ: أَمرتنِي عَائِشَة أَن أكتب لَهَا مُصحفا، وَقَالَت: إِذا بلغت هَذِه الْآيَة فَآذِنِّي: {حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى} [الْبَقَرَة] قَالَ: فَلَمَّا بلغتهَا آذَنتهَا، فَأَمْلَتْ عَليّ: {حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَصَلَاة الْعَصْر وَقومُوا لله قَانِتِينَ} قَالَت عَائِشَة: سَمعتهَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
3424 - الثَّالِث وَالْخَمْسُونَ: عَن أبي عبد الله مولى شَدَّاد بن الْهَاد قَالَ: دخلت على عَائِشَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم توفّي سعد بن أبي وَقاص، فَدخل عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر فَتَوَضَّأ عِنْدهَا، فَقَالَت: يَا عبد الرَّحْمَن، أَسْبغ الْوضُوء، فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " ويلٌ لِلْأَعْقَابِ من النَّار ".
3425 - الرَّابِع وَالْخَمْسُونَ: عَن عبد الله بن فروخ عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِنَّه خلق كل إِنْسَان من بني آدم على سِتِّينَ وثلاثمائة مفصل، فَمن كبر الله، وَحمد الله، وَهَلل الله، وَسبح الله، واستغفر الله، وعزل حجرا عَن طَرِيق النَّاس أَو شَوْكَة أَو عظما عَن طَرِيق النَّاس، وَأمر بِمَعْرُوف أَو نهى عَن مُنكر، عدد تِلْكَ السِّتين والثلاثمائة السلامى، فَإِنَّهُ يُمْسِي يومئذٍ وَقد زحزح نَفسه عَن النَّار ".
وَفِي رِوَايَة يحيى بن كثير:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " خلق كل إِنْسَان ... " ثمَّ(4/221)
ذكر نَحوه، وَقَالَ: " فَإِنَّهُ يمشي يومئذٍ ... ".
وَلَيْسَ لعبد الله بن فروخ عَن عَائِشَة فِي الصَّحِيح غير هَذَا.
3426 - الْخَامِس وَالْخَمْسُونَ: عَن شُرَيْح بن هَانِئ عَن عَائِشَة قَالَت: كنت أشْرب وَأَنا حَائِض، فأناوله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَيَضَع فَاه على مَوضِع فِي فيشرب.
وأتعرق الْعرق وَأَنا حَائِض، ثمَّ أناوله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيَضَع فَاه على مَوضِع فِي.
3427 - السَّادِس وَالْخَمْسُونَ: عَن شُرَيْح بن هَانِئ قَالَ: سَأَلت عَائِشَة: باي شيءٍ كَانَ يبْدَأ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا دخل بَيته؟ قَالَت: بِالسِّوَاكِ.
3428 - السَّابِع وَالْخَمْسُونَ: عَن شُرَيْح بن هَانِئ عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِن الرِّفْق لَا يكون فِي شيءٍ إِلَّا زانه، وَلَا ينْزع من شيءٍ إِلَّا شَأْنه ".
وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بن جَعْفَر غنْدر عَن شُعْبَة:
ركبت عَائِشَة بَعِيرًا، فَكَانَت فِيهِ صعوبة، فَجعلت تردده، فَقَالَ لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " عَلَيْك بالرفق ... . " ثمَّ ذكر مثله.
وَأخرج أَيْضا من حَدِيث أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم عَن عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن عَن عَائِشَة
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِن الله رفيقٌ يحب الرِّفْق، وَيُعْطِي على الرِّفْق مَا لَا يُعْطي على العنف، وَمَا لَا يُعْطي على مَا سواهُ ".
3429 - الثَّامِن وَالْخَمْسُونَ: عَن فَرْوَة بن نَوْفَل الْأَشْجَعِيّ عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول فِي دُعَائِهِ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من شَرّ مَا عملت، وَمن شَرّ مَا لم أعمل ".(4/222)
3430 - التَّاسِع وَالْخَمْسُونَ: عَن عبد الله الْبَهِي عَن عَائِشَة قَالَت: سَأَلَ رجلٌ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَي النَّاس خير؟ قَالَ: " الْقرن الَّذِي أَنا فِيهِ، ثمَّ الثَّانِي، ثمَّ الثَّالِث ".
وَلَيْسَ لعبد الله الْبَهِي عَن عَائِشَة فِي الصَّحِيح غير هَذَا.
3431 - السِّتُّونَ: عَن أبي الجوزاء أَوْس بن عبد الله الربعِي عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يستفتح الصَّلَاة بِالتَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَة ب {الْحَمد لله رب الْعَالمين} وَكَانَ إِذا ركع لم يشخص رَأسه وَلم يصوبه، وَلَكِن بَين ذَلِك. وَكَانَ إِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع لم يسْجد حَتَّى يَسْتَوِي قَائِما، وَكَانَ إِذا رفع رَأسه من السَّجْدَة لم يسْجد حَتَّى يَسْتَوِي جَالِسا، وَكَانَ يَقُول فِي كل رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّة، وَكَانَ يفرش رجله الْيُسْرَى وَينصب رجله الْيُمْنَى، وَكَانَ ينْهَى عَن عقبَة الشَّيْطَان، وَينْهى أَن يفترش الرجل ذِرَاعَيْهِ افتراش السَّبع، وَكَانَ يخْتم الصَّلَاة بِالتَّسْلِيمِ.
وَفِي رِوَايَة ابْن نمير عَن أبي خَالِد الْأَحْمَر:
وَكَانَ ينْهَى عَن عقب الشَّيْطَان.
3432 - الْحَادِي وَالسِّتُّونَ: عَن عبد الله بن الْحَارِث عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا سلم لم يقْعد إِلَّا مِقْدَار مَا يَقُول: " اللَّهُمَّ أَنْت السَّلَام ومنك السَّلَام، تَبَارَكت يَا ذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام ".
3433 - الثَّانِي وَالسِّتُّونَ: عَن عبد الرَّحْمَن بن شماسَة قَالَ: أتيت عَائِشَة أسألها عَن شَيْء، فَقَالَت مِمَّن أَنْت؟ فَقلت: رجل من أهل مصر. فَقَالَت: كَيفَ كَانَ صَاحبكُم لكم فِي غزاتكم هَذِه؟ فَقلت: مَا نقمنا شَيْئا، إِن كَانَ ليَمُوت للرجل منا الْبَعِير فيعطيه الْبَعِير، وَالْعَبْد فيعطيه العَبْد، وَيحْتَاج إِلَى النَّفَقَة فيعطيه النَّفَقَة.(4/223)
فَقَالَت:
أما إِنَّه لَا يَمْنعنِي الَّذِي فعل فِي مُحَمَّد أخي أَن أخْبرك مَا سَمِعت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سمعته يَقُول فِي بَيْتِي هَذَا: " اللَّهُمَّ، من ولي من أَمر أمتِي شَيْئا فشق عَلَيْهِم فاشقق عَلَيْهِ، وَمن ولي من أَمر أمتِي شَيْئا فرفق بهم فارفق بِهِ ".
وَلَيْسَ لعبد الرَّحْمَن بن شماسَة عَن عَائِشَة فِي الصَّحِيح غير هَذَا.
3434 - الثَّالِث وَالسِّتُّونَ: عَن سعد بن سعيد الْأنْصَارِيّ عَن عمْرَة عَن عَائِشَة قَالَت: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن صَوْم يَوْمَيْنِ: يَوْم الْفطر وَيَوْم الْأَضْحَى. اخْتَصَرَهُ مُسلم.
وَقد وَقع لنا بِطُولِهِ، وَأخرجه الإِمَام أَبُو بكر أَحْمد بن مُحَمَّد بن غَالب الْخَوَارِزْمِيّ البرقاني رَحْمَة الله عَلَيْهِ بِطُولِهِ من حَدِيث ابْن نمير عَن سعد بن سعيد بِهَذَا الْإِسْنَاد، قَالَت:
نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن لبستين، وَعَن صَلَاتَيْنِ، وَعَن صيامين: أما اللبستان فاشتمال الصماء، والاحتباء فِي ثوب وَاحِد وَأَن تُفْضِي بفرجك. وَعَن صلاةٍ بعد الْفجْر حَتَّى تطلع الشَّمْس، فَإِنَّهَا تطلع بَين قَرْني شَيْطَان، وَبعد الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس. وَعَن صَوْم يَوْمَيْنِ: يَوْم الْفطر وَيَوْم الْأَضْحَى.
3435 - الرَّابِع وَالسِّتُّونَ: عَن مُصعب بن شيبَة عَن صَفِيَّة بنت شيبَة عَن عَائِشَة قَالَت: خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات غداةٍ وَعَلِيهِ مرطٌ مرحل من شعر أسود، لم يزدْ فِي كتاب " اللبَاس " على هَذَا.(4/224)
وَأخرجه بِطُولِهِ فِي مَوضِع آخر من كِتَابه من حَدِيث مُحَمَّد بن بشر عَن زَكَرِيَّا ابْن أبي زَائِدَة، وَفِيه: قَالَت:
خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات غَدَاة وَعَلِيهِ مرطٌ مرحلٌ من شعر أسود، فجَاء الْحسن بن عَليّ فَأدْخلهُ، ثمَّ جَاءَ الْحُسَيْن فَدخل مَعَه، ثمَّ جَاءَت فَاطِمَة فَأدْخلهَا، ثمَّ جَاءَ عليٌّ فَأدْخلهُ، ثمَّ قَالَ: {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا} [الْأَحْزَاب] .
وَلَيْسَ لمصعب بن شيبَة عَن صَفِيَّة فِي مُسْند عَائِشَة من الصَّحِيح غير هَذَا.
3436 - الْخَامِس وَالسِّتُّونَ: عَن عَائِشَة بنت طَلْحَة عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ قَالَت: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات يَوْم: " يَا عَائِشَة، هَل عنْدكُمْ شيءٌ؟ " قَالَت: فَقلت: يَا رَسُول الله، مَا عندنَا شَيْء. قَالَ: " فَإِنِّي صَائِم ". قَالَت: فَخرج صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأهديت لنا هديةٌ، أَو جَاءَنَا زورٌ، قَالَت فَلَمَّا رَجَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلت: يَا رَسُول الله، أهديت لنا هديةٌ، أَو جَاءَنَا زورٌ، وَقد خبأت لَك شَيْئا، قَالَ: " مَا هُوَ؟ " قلت: حيسٌ، قَالَ: " هاتيه ". فَجئْت بِهِ فَأكل، ثمَّ قَالَ: " قد كنت أَصبَحت صَائِما ".
قَالَ طَلْحَة:
فَحدثت مُجَاهدًا بِهَذَا الحَدِيث فَقَالَ: ذَلِك بِمَنْزِلَة الرجل يخرج الصَّدَقَة من مَاله، فَإِن شَاءَ أمضاها وَإِن شَاءَ أمْسكهَا.
وَفِي حَدِيث وَكِيع عَن طَلْحَة بن يحيى عَن عمته عَائِشَة بنت طَلْحَة عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ قَالَت:
دخل عَليّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات يَوْم فَقَالَ: " هَل عنْدكُمْ شَيْء؟ " فَقُلْنَا: لَا. قَالَ: " إِنِّي صَائِم ". ثمَّ أَتَانَا يَوْمًا آخر فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله، أهدي لنا حيسٌ، فَقَالَ: " أرينيه، فَلَقَد أَصبَحت صَائِما " فَأكل.
3437 - السَّادِس وَالسِّتُّونَ: عَن عَائِشَة بنت طَلْحَة عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ قَالَت: توفّي صبيٌّ، فَقلت: طُوبَى بِهِ، عصفورٌ من عصافير الْجنَّة. فَقَالَ رَسُول الله(4/225)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أَولا تدرين أَن الله خلق الْجنَّة وَخلق النَّار، فخلق لهَذِهِ أَهلا ولهذه أَهلا ".
وَفِي حَدِيث وَكِيع عَن طَلْحَة بن يحيى، أَنَّهَا قَالَت:
دعِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى جَنَازَة صبيٍّ من الْأَنْصَار، فَقلت: يَا رَسُول الله، طُوبَى لهَذَا، عصفورٌ من عصافير الْجنَّة، لم يعْمل السوء، وَلم يُدْرِكهُ. فَقَالَ: " أَو غير ذَلِك يَا عَائِشَة، إِن الله خلق للجنة أَهلا، خلقهمْ لَهَا وهم فِي أصلاب آبَائِهِم، وَخلق للنار أَهلا، خلقهمْ لَهَا وهم فِي أصلاب آبَائِهِم ".
3438 - السَّابِع وَالسِّتُّونَ: عَن معَاذَة العدوية أَنَّهَا سَأَلت زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَصُوم من كل شهرٍ ثَلَاثَة أَيَّام؟ قَالَت: نعم. فَقلت لَهَا: من أَي أَيَّام الشَّهْر كَانَ يَصُوم؟ قَالَت: لم يكن يُبَالِي من أَي أَيَّام الشَّهْر يَصُوم.
آخر مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ
عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا(4/226)
(213) فَاطِمَة بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَضِي الله عَنْهَا
3439 - لَهَا حديثٌ وَاحِد فِيمَا سَارهَا بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد مَوته. هُوَ مَذْكُور فِي مُسْند عَائِشَة، لاشْتِرَاكهمَا فِيهِ. رَضِي الله عَنْهُمَا وَعَن الصَّحَابَة والقرابة أَجْمَعِينَ، وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان إِلَى يَوْم الدّين.
(214) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند أم الْمُؤمنِينَ أم سَلمَة بنت أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة بن عبد الله بن عمر بن مَخْزُوم بن يقظة بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي رضوَان الله عَلَيْهَا
3440 - الحَدِيث الأول: عَن زَيْنَب بنت أم سَلمَة عَن أم سَلمَة: أَن أم سليم - وَهِي امْرَأَة أبي طَلْحَة - قَالَت: يَا رَسُول الله، إِن الله لَا يستحي من الْحق، فَهَل على الْمَرْأَة الْغسْل إِذا احْتَلَمت؟ قَالَ: " نعم، إِذا رَأَتْ المَاء " فَقَالَت أم سَلمَة: وتحتلم الْمَرْأَة؟ فَقَالَ: " تربت يداك، فَبِمَ يشبهها وَلَدهَا؟ ".
وَفِي حَدِيث سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن هِشَام بِمثل مَعْنَاهُ، وَزَاد: قَالَت:
فضحت النِّسَاء.
وَفِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة:
فغطت أم سَلمَة وَجههَا وَقَالَت: يَا رَسُول الله، وتحتلم الْمَرْأَة؟ قَالَ: " نعم، تربت يَمِينك، فَبِمَ يشبهها وَلَدهَا؟ ".(4/227)
وَفِي حَدِيث يحيى بن سعيد عَن هِشَام: فَضَحكت أم سَلمَة.
3441 - الثَّانِي: عَن زَيْنَب بنت أبي سَلمَة عَن أم سَلمَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى فِي بَيتهَا جَارِيَة فِي وَجههَا سفعةٌ، فَقَالَ: " استرقوا لَهَا؛ فَإِن بهَا النظرة " يَعْنِي: بوجهها صفرَة.
3442 - الثَّالِث: عَن زَيْنَب بنت أبي سَلمَة عَن أم سَلمَة قَالَت: شَكَوْت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنِّي أشتكي. فَقَالَ: " طوفي من وَرَاء النَّاس وَأَنت راكبةٌ " فطفت وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي إِلَى جنب الْبَيْت يقْرَأ ب {الطّور وَكتاب مسطور} .
وَأخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن أم سَلمَة
زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَهُوَ بِمَكَّة وَأَرَادَ الْخُرُوج، وَلم تكن أم سَلمَة طافت بِالْبَيْتِ وأرادت الْخُرُوج، فَقَالَ لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِذا أُقِيمَت صَلَاة الصُّبْح فطوفي على بعيرك وَالنَّاس يصلونَ " فَفعلت ذَلِك، فَلم تصل حَتَّى خرجت. لم يذكر فِيهِ زَيْنَب.
3443 - الرَّابِع: عَن زَيْنَب بنت أبي سَلمَة عَن أم سَلمَة قَالَت: قلت: يَا رَسُول الله، هَل لي أجرٌ فِي بني أبي سَلمَة أَن أنْفق عَلَيْهِم، وَلست بتاركتهم هَكَذَا وَهَكَذَا، إِنَّمَا هم بني؟ فَقَالَ: " نعم، لَك أجر مَا أنفقت عَلَيْهِم ".
3444 - الْخَامِس: عَن زَيْنَب بنت أبي سَلمَة عَن أم سَلمَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ عِنْدهَا وَفِي الْبَيْت مخنث، فَقَالَ لعبد الله بن أبي أُميَّة أخي أم سَلمَة: يَا عبد الله، إِن فتح الله لكم غَدا الطَّائِف فَإِنِّي أدلك على ابْنة غيلَان، فَإِنَّهَا تقبل بِأَرْبَع وتدبر بثمان. فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا يدخلن هَؤُلَاءِ عَلَيْكُم " قَالَ ابْن جريج: المخنث هيت.(4/228)
3445 - السَّادِس: عَن زَيْنَب بنت أبي سَلمَة عَن أم سَلمَة قَالَت: بَينا أَنا مُضْطَجِعَة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الخميلة إِذْ حِضْت، فانسللت وَأخذت ثِيَاب حيضتي، فلبستها، فَقَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أنفست؟ " قلت: نعم. فدعاني فاضطجعت مَعَه فِي الخميلة. قَالَت: وَكَانَت هِيَ وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يغتسلان فِي الْإِنَاء الْوَاحِد من الْجَنَابَة. لفظ حَدِيث مُسلم عَن أبي مُوسَى، لم يزدْ.
وَفِي حَدِيث البُخَارِيّ عَن سعد بن حَفْص نَحوه، وَزَاد: قَالَت:
وحدثتني أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقبلهَا وَهُوَ صَائِم. قَالَت: وَكنت أَغْتَسِل أَنا وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي إِنَاء وَاحِد من الْجَنَابَة.
وَفِي حَدِيث مُسَدّد نَحوه، وَفِيه هَذِه الزِّيَادَة.
وَلمُسلم من حَدِيث أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن زَيْنَب عَن أمهَا أَنَّهَا قَالَت:
كَانَت هِيَ وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يغتسلان فِي الْإِنَاء الْوَاحِد من الْجَنَابَة.
3446 - السَّابِع: عَن زَيْنَب عَن أمهَا أم سَلمَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سمع جلبة خصمٍ بِبَاب حجرته، فَخرج إِلَيْهِم فَقَالَ: " إِنَّمَا أَنا بشرٌ، وَإنَّهُ يأتيني الْخصم، فَلَعَلَّ بَعضهم أَن يكون أبلغ من بعض فأحسب أَنه صَادِق فأقضي لَهُ، فَمن قضيت لَهُ بِحَق مسلمٍ فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَة من النَّار، فليحملها أَو يذرها ".
وَفِي رِوَايَة القعْنبِي عَن مَالك:
إِنَّمَا أَنا بشر، وَإِنَّكُمْ تختضمون إِلَيّ، وَلَعَلَّ بَعْضكُم أَن يكون أَلحن بحجته من بعض، فأقضي على نَحْو مَا أسمعهُ، فَمن قضيت لَهُ بِحَق أَخِيه فَإِنَّمَا أقطع لَهُ قِطْعَة من النَّار ".(4/229)
وَفِي رِوَايَة سُفْيَان الثَّوْريّ عَن هِشَام بن عُرْوَة نَحوه، وَقَالَ:
فَمن قضيت لَهُ من أَخِيه شَيْئا فَلَا يَأْخُذ، فَإِنَّمَا لَهُ قِطْعَة من النَّار ".
3447 - الثَّامِن: عَن حميد بن نَافِع عَن زَيْنَب بنت أبي سَلمَة عَن أمهَا أم سَلمَة: أَن امْرَأَة توفّي عَنْهَا زَوجهَا، فخشوا على عينهَا، فَأتوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاستأذنوه فِي الْكحل، فَقَالَ: " لَا تكتحل، قد كَانَت إحداكن تمكث فِي شَرّ أحلاسها أَو شَرّ بَيتهَا، فَإِذا كَانَ حولٌ فَمر كلبٌ رمت ببعرة. فَلَا، حَتَّى تمْضِي أَرْبَعَة أشهر وَعشر ".
زَاد فِي رِوَايَة البُخَارِيّ عَن آدم:
قَالَ حميد: وَسمعت زَيْنَب بنت أم سَلمَة تحدث عَن أم سَلمَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَا يحل لامْرَأَة مسلمة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تحد فَوق ثَلَاثَة أَيَّام إِلَّا على زَوجهَا، أَرْبَعَة أشهر وَعشرا ".
وَقد رَوَت زَيْنَب بنت أبي سَلمَة هَذَا الْمَعْنى عَن أمهَا وَعَن غَيرهَا. وَهُوَ عِنْد مُسلم أَيْضا، وَسَيَأْتِي هَذَا الْمُشْتَرك فِيمَا بعد فِي مُسْند زَيْنَب بنت جحش إِن شَاءَ الله عز وَجل.
3448 - التَّاسِع: عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الصّديق عَن أم سَلمَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " الَّذِي يشرب فِي إِنَاء الْفضة إِنَّمَا يجرجر فِي بَطْنه نَار جَهَنَّم ".
زَاد عِنْد مُسلم فِي رِوَايَة على بن مسْهر عَن عبيد الله:
إِن الَّذِي يَأْكُل وَيشْرب فِي آنِية الْفضة وَالذَّهَب ".
وَلمُسلم من رِوَايَة عُثْمَان بن مرّة عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن عَن خَالَته أم سَلمَة(4/230)
قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
من شرب فِي إناءٍ من ذهبٍ أَو فضَّة، فَإِنَّمَا يجرجر فِي بَطْنه نَارا من جَهَنَّم ".
وَلَيْسَ لعبد الله بن عبد الرَّحْمَن عَن أم سَلمَة فِي الصَّحِيحَيْنِ غير هَذَا.
3449 - الْعَاشِر: عَن أبي رشدين كريب مولى ابْن عَبَّاس: أَن عبد الله بن عَبَّاس وَعبد الرَّحْمَن بن أَزْهَر والمسور بن مخرمَة أَرْسلُوهُ إِلَى عَائِشَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: اقْرَأ عَلَيْهَا السَّلَام منا جَمِيعًا، واسألها عَن الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر، وَقل: إِنَّا أخبرنَا أَنَّك تصلينهما، وَقد بلغنَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَنْهُمَا. قَالَ ابْن عَبَّاس وَكنت أضْرب مَعَ عمر بن الْخطاب النَّاس عَنْهُمَا. قَالَ كريب: فَدخلت عَلَيْهَا وبلغتها مَا أرسلوني بِهِ، فَقَالَت: سل أم سَلمَة. فَخرجت إِلَيْهِم فَأَخْبَرتهمْ، فردوني إِلَى أم سَلمَة بِمثل مَا أرسلوني بِهِ إِلَى عَائِشَة. فَقَالَت أم سَلمَة: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينْهَى عَنْهُمَا، ثمَّ رَأَيْته يُصَلِّيهمَا حِين صلى الْعَصْر، ثمَّ دخل عِنْدِي نسْوَة من بني حرَام من الْأَنْصَار، فَأرْسلت إِلَيْهِ الْجَارِيَة فَقلت: قومِي بجنبه فَقولِي: تَقول لَك أم سَلمَة: يَا رَسُول الله، سَمِعتك تنْهى عَن هَاتين الرَّكْعَتَيْنِ وأراك تصليهما، فَإِن أَشَارَ يُبْدِهِ فاستأخري عَنهُ، فَفعلت الْجَارِيَة، فَأَشَارَ بِيَدِهِ فاستأخرت عَنهُ، فَلَمَّا انْصَرف قَالَ: " يَا ابْنة أبي أُميَّة، سَأَلت عَن الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر، وَإنَّهُ أَتَانِي ناسٌ من عبد الْقَيْس بِالْإِسْلَامِ من قَومهمْ، فشغلوني عَن الرَّكْعَتَيْنِ بعد الظّهْر، فهما هَاتَانِ ".
3450 - الْحَادِي عشر: عَن عِكْرِمَة بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام المَخْزُومِي عَن أم سَلمَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حلف لَا يدْخل على بعض أَهله شهرا، فَلَمَّا مضى تسع وَعِشْرُونَ يَوْمًا غَدا عَلَيْهِم - أَو رَاح - فَقلت: يَا نَبِي الله: حَلَفت أَلا تدخل عَلَيْهِنَّ شهرا. فَقَالَ: " إِن الشَّهْر يكون تسعا وَعشْرين ".(4/231)
وَفِي حَدِيث أبي عَاصِم وَحده:
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آلى من نِسَائِهِ شهرا. . وَذكر نَحوه.
3451 - الثَّانِي عشر: عَن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث من رِوَايَة عبد الله ابْن كَعْب الْحِمْيَرِي عَنهُ: أَن مَرْوَان أرْسلهُ إِلَى أم سَلمَة يسْأَل عَن الرجل يصبح جنبا: أيصوم؟ فَقلت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصبح جنبا من جماعٍ لَا حلم، ثمَّ لَا يفْطر وَلَا يقْضِي.
وَفِي رِوَايَة سمي مولى أبي بكر عَن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن قَالَ:
كنت أَنا وَأبي، فَذَهَبت مَعَه حَتَّى دَخَلنَا على عَائِشَة، فَقَالَت: أشهد على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن كَانَ ليُصبح جنبا من جماعٍ غير احْتِلَام، ثمَّ يَصُوم. ثمَّ دَخَلنَا على أم سَلمَة فَقَالَت مثل ذَلِك.
وَأخرجه مُسلم من حَدِيث سُلَيْمَان بن يسَار عَن أم سَلمَة قَالَت:
كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصبح جنبا من غير احْتِلَام، ثمَّ يَصُوم.
وَلَيْسَ لِسُلَيْمَان بن يسَار عَن أم سَلمَة فِي الصَّحِيح غير هَذَا. وَهَذَا الحَدِيث فِي مُسْند عَائِشَة مُسْتَوفى مَعَ قصَّة لأبي هُرَيْرَة فِي ذَلِك.
3452 - الثَّالِث عشر: من الْمُتَّفق عَلَيْهِ من ترجمتين: أخرجه البُخَارِيّ من رِوَايَة زَيْنَب بنت أبي سَلمَة عَن أمهَا أم سَلمَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن امْرَأَة من أسلم يُقَال لَهَا سبيعة كَانَت تَحت زَوجهَا، فَتوفي عَنْهَا وَهِي حُبْلَى، فَخَطَبَهَا أَبُو السنابل بن بعكك، فَأَبت أَن تنكحه، فَقَالَ: وَالله مَا يَصح أَن تنكحي حَتَّى تعتدي آخر الْأَجَليْنِ. فَمَكثت قَرِيبا من عشر لَيَال، ثمَّ جَاءَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: " انكحي ".(4/232)
وَلمُسلم من رِوَايَة سُلَيْمَان بن يسَار:
أَن أَبَا سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن وَابْن عَبَّاس اجْتمعَا عِنْد أبي هُرَيْرَة، وهما يذكران الْمَرْأَة تنفس بعد وَفَاة زَوجهَا بِليَال، فَقَالَ ابْن عَبَّاس:
عدتهَا آخر الْأَجَليْنِ. وَقَالَ أَبُو سَلمَة: قد خلت. فَجعلَا يتنازعان ذَلِك، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: أَنا مَعَ ابْن أخي - يَعْنِي أَبَا سَلمَة. فبعثوا كريباً مولى ابْن عَبَّاس إِلَى أم سَلمَة يسْأَلهَا عَن ذَلِك، فَجَاءَهُمْ فَأخْبرهُم أَن أم سَلمَة قَالَت: إِن سبيعة الأسْلَمِيَّة نفست بعد وَفَاة زَوجهَا بليالٍ، وَأَنَّهَا ذكرت ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأمرهَا أَن تتَزَوَّج.
أَفْرَاد البُخَارِيّ
3453 - الحَدِيث الأول: عَن عُثْمَان بن عبد الله بن موهب قَالَ: أَرْسلنِي أَهلِي إِلَى أم سَلمَة بقدح من مَاء، فَجَاءَت بجلجل من فضَّة فِيهِ شعر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ إِذا أصَاب الْإِنْسَان عينٌ أَو شيءٌ بعث إِلَيْهَا بِإِنَاء فخضخضت لَهُ فَشرب مِنْهُ، فاطلعت فِي الجلجل فَرَأَيْت شعراتٍ حمراً.
وَفِي رِوَايَة سَلام بن أبي مُطِيع عَن عُثْمَان قَالَ:
دخلت على أم سَلمَة فأخرجت إِلَيْنَا شعرًا من شعر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مخضوباً.
وَلَيْسَ لعُثْمَان بن عبد الله بن موهب عَن أم سَلمَة فِي الصَّحِيح غير هَذَا.
وَأخرجه أَيْضا تَعْلِيقا من رِوَايَة نصير بن أبي الْأَشْعَث عَن ابْن موهب أَن أم سَلمَة أرته شعر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَحْمَر.(4/233)
3454 - الثَّانِي: عَن هِنْد بنت الْحَارِث عَن أم سَلمَة قَالَت: استقيظ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من اللَّيْل وَهُوَ يَقُول: " لَا إِلَه إِلَّا الله، مَاذَا أنزل اللَّيْلَة من الْفِتْنَة؟ مَاذَا أنزل من الخزائن؟ من يوقظ صَوَاحِب الحجرات؟ كم من كاسيةٍ فِي الدُّنْيَا عاريةٌ يَوْم الْقِيَامَة ".
قَالَ الزُّهْرِيّ:
وَكَانَت هِنْد لَهَا إزرار فِي كميها بَين أصابعها.
وَفِي حَدِيث صَدَقَة بن الْفضل:
وماذا فتح من الخزائن؟ ".
وَفِي حَدِيث أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب نَحوه، وَفِيه:
من يوقظ صَوَاحِب الْحجر؟ " يُرِيد أَزوَاجه حَتَّى يصلين. " رب كاسية فِي الدُّنْيَا عاريةٌ فِي الْآخِرَة ".
3455 - الثَّالِث: عَن هِنْد بنت الْحَارِث عَن أم سَلمَة قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا سلم قَامَ النِّسَاء حِين يقْضِي تَسْلِيمه وَهُوَ يمْكث فِي مقَامه يَسِيرا قبل أَن يقوم.
قَالَت: نرى - وَالله أعلم - أَن ذَلِك كَانَ لكَي ينْصَرف النِّسَاء قبل أَن يدركهن الرِّجَال.
وَفِي رِوَايَة عُثْمَان بن عمر عَن يُونُس بِالْإِسْنَادِ أَن أم سَلمَة قَالَت:
أَن النِّسَاء فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كن إِذا سلمن من الْمَكْتُوبَة قمن، وَثَبت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن صلى مَعَه من الرِّجَال مَا شَاءَ، فَإِذا قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَامَ الرِّجَال.
وَاخْتلف فِي نسب هِنْد بنت الْحَارِث:
فَقَالَ جَعْفَر بن ربيعَة عَن الزُّهْرِيّ، وَابْن وهب عَن يُونُس عَنهُ، وَابْن أبي عَتيق عَن الزُّهْرِيّ: الفراسية. وَفِي رِوَايَة عُثْمَان ابْن عمر عَن يُونُس، وَفِي رِوَايَة الزبيدِيّ وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة عَن الزُّهْرِيّ: القرشية. وَقَالَ اللَّيْث: عَن يحيى بن سعيد عَن امْرَأَة من قُرَيْش.(4/234)
أَفْرَاد مُسلم
3456 - الحَدِيث الأول: عَن زَيْنَب بنت أبي سَلمَة أَن أمهَا أم سَلمَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت تَقول: أبي سَائِر أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يدخلن عَلَيْهِنَّ أحدا بِتِلْكَ الرضَاعَة، وقلن لعَائِشَة: مَا نرى هَذَا إِلَّا رخصَة أرخصها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لسالم خَاصَّة، فَمَا هُوَ بداخلٍ علينا أحدٌ بِهَذِهِ الرضَاعَة، وَلَا رائينا.
3457 - الثَّانِي: عَن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن عَن أم سَلمَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما تزوج أم سَلمَة أَقَامَ عِنْدهَا ثَلَاثًا، وَقَالَ: " إِنَّه لَيْسَ بك على أهلك هوان، إِن شِئْت سبعت لَك، وَإِن سبعت لَك سبعت لنسائي ".
وَأخرجه من حَدِيث أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن:
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين تزوج أم سَلمَة وأصبحت عِنْده، قَالَ لَهَا: " لَيْسَ بك على أهلك هوانٌ، إِن شِئْت سبعت عنْدك، وَإِن شِئْت ثلثت ثمَّ درت " قَالَت: ثلث.
وَفِي رِوَايَة القعْنبِي من حَدِيث أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن:
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين تزوج أم سَلمَة فَدخل عَلَيْهَا، فَأَرَادَ أَن يخرج أخذت بِثَوْبِهِ، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن شِئْت زدتك وحاسبتك بِهِ. للبكر سبعٌ وللثيب ثَلَاث ".
لَيْسَ فِي هَاتين الرِّوَايَتَيْنِ: عَن أم سَلمَة، وَذَلِكَ إرْسَال من أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن فيهمَا.
3458 - الثَّالِث: عَن عمر بن أبي سَلمَة أَنه سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أيقبل الصَّائِم؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " سل هَذِه " لأم سَلمَة. فَأَخْبَرته أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يفعل ذَلِك. فَقَالَ: يَا رَسُول الله، قد غفر الله لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر.
فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أما وَالله، إِنِّي لأتقاكم لله وأخشاكم لَهُ ".(4/235)
وَلَيْسَ لعمر بن أبي سَلمَة عَن أم سَلمَة فِي الصَّحِيح غير هَذَا.
وَيخرج أَيْضا فِي مُسْند عمر بن أبي سَلمَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لما لَهُ فِيهِ عَنهُ.
3459 - الرَّابِع: عَن سعيد بن الْمسيب عَن أم سَلمَة ترفعه، قَالَ: " إِذا دخل الْعشْر وَعِنْده أضْحِية يُرِيد أَن يُضحي، فَلَا يَأْخُذن شعرًا، وَلَا يقلمن ظفراً ".
وَفِي حَدِيث عمر - أَو عَمْرو - بن مُسلم عَن سعيد بن الْمسيب عَن أم سَلمَة
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِذا رَأَيْتُمْ هِلَال ذِي الْحجَّة، وَأَرَادَ أحدكُم أَن يُضحي فليمسك عَن شعره وأظفاره ".
وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بن عَمْرو اللَّيْثِيّ عَن عمر بن مُسلم بن عمار بن أكيمَة اللَّيْثِيّ عَن سعيد عَن أم سَلمَة قَالَت:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " من كَانَ لَهُ ذبحٌ يذبحه، فَإِذا أهل هِلَال ذِي الْحجَّة فَلَا يَأْخُذن من شعره وَلَا من أَظْفَاره شَيْئا حَتَّى يُضحي.
وَلَيْسَ لسَعِيد بن الْمسيب عَن أم سَلمَة فِي الصَّحِيح غير هَذَا.
3460 - الْخَامِس عَن ابْن سفينة مولى أم سَلمَة عَن أم سَلمَة قَالَت: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " مَا من مُسلم تصيبه مصيبةٌ فَيَقُول مَا أمره الله: {إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون} اللَّهُمَّ أجرني فِي مصيبتي، واخلف لي خيرا مِنْهَا، إِلَّا أخلف الله لَهُ خيرا مِنْهَا ".
قَالَت:
فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلمَة قلت: أَي الْمُسلمين خيرٌ من أبي سَلمَة، أول بَيت هَاجر إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ إِنِّي قلتهَا، فأخلف الله لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت فَأرْسل إِلَيّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَاطِب بن أبي بلتعة يخطبني لَهُ، فَقلت: إِن لي بِنْتا،(4/236)
وَأَنا غيور، فَقَالَ: " أما ابْنَتهَا فندعو الله أَن يغنيها عَنْهَا، وأدعو الله أَن يذهب بالغيرة ".
وَفِي حَدِيث عبد الله بن نمير:
فَلَمَّا توفّي أَبُو سَلمَة قلت: من خيرٌ من أبي سَلمَة صَاحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ ثمَّ عزم الله لي فقلتها، قَالَت: فَتزوّجت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَلَيْسَ لِابْنِ سفينة فِي الصَّحِيح عَن أم سَلمَة غير هَذَا.
3461 - السَّادِس: عَن أبي سعيد قبيصَة بن ذُؤَيْب الْخُزَاعِيّ عَن أم سَلمَة قَالَت: دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أبي سَلمَة وَقد شقّ بَصَره فأغمضه، ثمَّ قَالَ: " إِن الرّوح إِذا قبض تبعه الْبَصَر " فَضَجَّ ناسٌ من أَهله. فَقَالَ: " لَا تدعوا على أَنفسكُم إِلَّا بخيرٍ، فَإِن الْمَلَائِكَة يُؤمنُونَ على مَا تَقولُونَ " ثمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ اغْفِر لأبي سَلمَة، وارفع دَرَجَته فِي المهديين، واخلفه فِي عقبَة فِي الغابرين، واغفر لنا وَله يَا رب الْعَالمين، وافسح لَهُ فِي قَبره، وَنور لَهُ فِيهِ ".
وَفِي رِوَايَة عبيد الله بن الْحسن عَن خَالِد الْحذاء:
واخلفه فِي تركته ". وَقَالَ: " اللَّهُمَّ أوسع لَهُ قَبره " ودعوة سابعة نسيتهَا.
وَلَيْسَ لقبيصة بن ذُؤَيْب عَن أم سَلمَة فِي الصَّحِيح غير هَذَا.
وَأخرج أَيْضا طرفا مِنْهُ وَزِيَادَة من حَدِيث شَقِيق بن سَلمَة أبي وَائِل عَن أم سَلمَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِذا حضرتم الْمَرِيض أَو الْمَيِّت فَقولُوا خيرا، فَإِن الْمَلَائِكَة يُؤمنُونَ على مَا تَقولُونَ ". قَالَت: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلمَة أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: يَا رَسُول الله، إِن أَبَا سَلمَة قد مَاتَ، قَالَ: " قولي، اللَّهُمَّ اغْفِر لي وَله، واعقبني مِنْهُ عُقبى حَسَنَة " قَالَت: فَقلت فأعقبني الله من هُوَ خيرٌ لي مِنْهُ،(4/237)
وَلَيْسَ لأبي وَائِل بن شَقِيق بن سَلمَة عَن أم سَلمَة فِي الصَّحِيح غير هَذَا.
3462 - السَّابِع: عَن عبيد الله بن الْقبْطِيَّة قَالَ: دخل الْحَارِث بن أبي ربيعَة وَعبد الله بن صَفْوَان وَأَنا مَعَهُمَا على أم سَلمَة، فَسَأَلَاهَا عَن الْجَيْش الَّذِي يخسف بِهِ، وَذَلِكَ فِي أَيَّام ابْن الزبير، فَقَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " يعوذ عائذٌ بِالْبَيْتِ، فيبعث إِلَيْهِ بعثٌ، فَإِذا كَانُوا ببيداء من الأَرْض خسف بهم " فَقلت: يَا رَسُول الله، فَكيف بِمن كَانَ كَارِهًا؟ قَالَ: " يخسف بِهِ مَعَهم، وَلكنه يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة على نِيَّته ".
وَفِي حَدِيث زُهَيْر بن عبد الْعَزِيز بن رفيع قَالَ:
فَلَقِيت أَبَا جَعْفَر فَقلت: إِنَّهَا قَالَت: " ببيداء من الأَرْض " فَقَالَ أَبُو جَعْفَر: كلا، وَالله إِنَّهَا لبيداء الْمَدِينَة.
وَلَيْسَ لِابْنِ الْقبْطِيَّة فِي الصَّحِيح غير هَذَا.
3463 - الثَّامِن: عَن أبي إِبْرَاهِيم - وَقيل: أَبُو عبد الرَّحْمَن - حميد بن عبد الرَّحْمَن عَن أم سَلمَة قَالَت: قيل: يَا رَسُول الله، أَيْن أَنْت عَن بنت حَمْزَة؟ أَو قيل: أَلا تخْطب بنت حَمْزَة بن عبد الْمطلب؟ قَالَ: " إِن حَمْزَة أخي من الرضَاعَة ".
وَلَيْسَ لحميد بن عبد الرَّحْمَن عَن أم سَلمَة فِي الصَّحِيح غير هَذَا.
3464 - التَّاسِع: عَن أبي عَاصِم عبيد بن عُمَيْر بن قَتَادَة اللَّيْثِيّ قَالَ: قَالَت أم سَلمَة: لما مَاتَ أَبُو سَلمَة قلت: غريبٌ فِي أَرض غربةٌ، لأبكينه بكاء يتحدث بِهِ.
فَكنت قد تهيأت للبكاء عَلَيْهِ، إِذْ أَقبلت امْرَأَة تُرِيدُ أَن تسعدني، فَاسْتَقْبلهَا رَسُول(4/238)
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " أَتُرِيدِينَ أَن تدخلي الشَّيْطَان بَيْتا أخرجه الله مِنْهُ " مرَّتَيْنِ. فكففت عَن الْبكاء، فَلم أبك.
وَلَيْسَ لِعبيد بن عُمَيْر عَن أم سَلمَة فِي الصَّحِيح غير هَذَا.
3465 - الْعَاشِر: عَن أبي رَافع عبد الله بن رَافع مولى أم سَلمَة عَن أم سَلمَة قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله، إِنِّي امْرَأَة أَشد ضفر رَأْسِي، أفأنقضه لغسل الْجَنَابَة؟ فَقَالَ: " لَا، إِنَّمَا يَكْفِيك أَن تحثي على رَأسك ثَلَاث حثيات، ثمَّ تفيضين عَلَيْك المَاء فتطهرين ".
وَفِي حَدِيث عبد الرَّزَّاق عَن الثَّوْريّ:
فأنقضه للحيضة وللجنابة؟ فَقَالَ: " لَا ".
وَفِي حَدِيث روح بن الْقَاسِم عَن أَيُّوب بن مُوسَى:
أفأحله فأغسله من الْجَنَابَة؟ وَلم يذكر الْحَيْضَة.
3466 - الْحَادِي عشر: عَن عبد الله بن رَافع عَن أم سَلمَة قَالَت: كنت أسمع النَّاس يذكرُونَ الْحَوْض، وَلم أسمع ذَلِك من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَمَّا كَانَ يَوْمًا من ذَلِك وَالْجَارِيَة تمشطني، سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " يَا أَيهَا النَّاس " فَقلت لِلْجَارِيَةِ: استأخري عني. قَالَت: إِنَّمَا دَعَا الرِّجَال وَلم يدع النِّسَاء. فَقلت: إِنِّي من النَّاس. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِنِّي لكم فرطٌ على الْحَوْض، فإياي، لَا يَأْتِين أحدكُم فيذب عني كَمَا يذب الْبَعِير الضال، فَأَقُول: فيمَ هَذَا؟ فَيُقَال: إِنَّك لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بعْدك. فَأَقُول: سحقاً ".
وَفِي حَدِيث أَفْلح بن سعيد عَن ابْن رَافع قَالَ:
كَانَت أم سَلمَة تحدث أَنَّهَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول على الْمِنْبَر وَهِي تمتشط: " أَيهَا النَّاس " فَقَالَت لماشطتها: كفي رَأْسِي. . ثمَّ ذكر نَحوه.(4/239)
3467 - الثَّانِي عشر: عَن ضبة بن مُحصن الْعَنزي عَن أم سَلمَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " إِنَّه يسْتَعْمل عَلَيْكُم أُمَرَاء، فتعرفون وتنكرون فَمن كره فقد برِئ، وَمن أنكر فقد سلم، وَلَكِن من رَضِي وتابع " قَالُوا: يَا رَسُول الله، أَلا نقاتلهم؟ قَالَ: " لَا، مَا صلوا " أَي: من كره بِقَلْبِه وَأنكر بِقَلْبِه. كَذَا فِي الحَدِيث عِنْد مُسلم.
وَلَيْسَ لضبة بن مُحصن عَن أم سَلمَة فِي الصَّحِيح غير هَذَا. 3468 - الثَّالِث عشر: عَن الْحسن وَسَعِيد ابْني أبي الْحسن الْبَصْرِيّ عَن أمهما خيرة عَن أم سَلمَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعمَّار: " تقتلك الفئة الباغية ".
وَفِي رِوَايَة ابْن عَوْف عَن الْحسن عَن أمه عَن أم سَلمَة قَالَت:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " تقتل عماراً الفئة الباغية ".(4/240)
(215) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند أم الْمُؤمنِينَ حَفْصَة بنت عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنْهُمَا
3469 - الحَدِيث الأول: عَن عبد الله بن عمر عَن حَفْصَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا أذن الْمُؤَذّن للصبح وبدا الصُّبْح، صلى رَكْعَتَيْنِ خفيفتين قبل أَن تُقَام الصَّلَاة.
وَفِي حَدِيث زيد بن مُحَمَّد عَن نَافِع:
كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا طلع الْفجْر لَا يُصَلِّي إِلَّا رَكْعَتَيْنِ خفيفتين.
3470 - الثَّانِي: عَن عبد الله بن عمر عَن حَفْصَة أم الْمُؤمنِينَ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر أَزوَاجه أَن يحللن عَام حجَّة الْوَدَاع. قَالَت حَفْصَة: فَقلت: مَا يمنعك أَن تحل؟ قَالَ: " إِنِّي لبدت رَأْسِي، وقلدت هَدْيِي، فَلَا أحل حَتَّى أنحر هَدْيِي ".
وَفِي حَدِيث يحيى بن سعيد عَن عبيد الله أَن حَفْصَة قَالَت:
قلت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا شَأْن النَّاس حلوا وَلم تحل من عمرتك؟ قَالَ: " إِنِّي قلدت هَدْيِي، ولبدت رَأْسِي، فَلَا أحل حَتَّى أحل من الْحَج ".
وَفِي حَدِيث إِسْمَاعِيل عَن مَالك، قَالَت: قلت: يَا رَسُول الله، مَا شَأْن النَّاس حلوا بِعُمْرَة وَلم تحلل أَنْت من عمرتك؟ فَقَالَ: " إِنِّي لبدت رَأْسِي، وقلدت هَدْيِي فَلَا أحل حَتَّى أنحر ".(4/241)
3471 - الثَّالِث: عَن سَالم عَن عبد الله بن عمر قَالَ: قَالَت حَفْصَة: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " خمسٌ من الدَّوَابّ لَا حرج على من قتلهن: الْغُرَاب، والحدأة، والفأرة، وَالْعَقْرَب، وَالْكَلب الْعَقُور ".
وَفِي حَدِيث حَرْمَلَة عَن ابْن وهب:
قَالَت حَفْصَة: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " خمسٌ من الدَّوَابّ كلهَا فاسقٌ، لَا حرج على من قتلهن: الْعَقْرَب، والغراب، والحدأة، والفأرة، وَالْكَلب الْعَقُور ".
وَفِي حَدِيث زُهَيْر عَن زيد بن جُبَير:
أَن رجلا سَأَلَ ابْن عمر: مَا يقتل الْمحرم من الدَّوَابّ؟ فَقَالَ: أَخْبَرتنِي إِحْدَى نسْوَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أَمر أَو أَمر أَن تقتل الْفَأْرَة، وَالْعَقْرَب، والحدأة، وَالْكَلب الْعَقُور، والغراب.
وَفِي حَدِيث مُسَدّد عَن أبي عوَانَة عَن زيد بن جُبَير أَن ابْن عمر قَالَ:
حَدَّثتنِي إِحْدَى نسْوَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " يقتل الْمحرم ... ".
وَلمُسلم فِي رِوَايَة شَيبَان بن فروخ عَن أبي عوَانَة قَالَ:
حَدَّثتنِي إِحْدَى نسْوَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يَأْمر بقتل الْكَلْب الْعَقُور، والفأرة، وَالْعَقْرَب، والحدأة، والغراب، والحية. كَذَا فِي رِوَايَة شَيبَان. قَالَ: وَفِي الصَّلَاة أَيْضا.
3472 - الرَّابِع: عَن عبد الله بن عمر قَالَ: كَانَ الرجل فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا رأى رُؤْيا قصها على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فتمنيت أَن أرى رُؤْيا أقصها على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكنت غُلَاما شَابًّا عزباً، أَنَام فِي الْمَسْجِد على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَرَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَن ملكَيْنِ أخذاني فذهبا بِي إِلَى النَّار، فَإِذا هِيَ مطوية كطي الْبِئْر، وَإِذا لَهَا قرنان(4/242)
كقرني الْبِئْر، وَإِذا فِيهَا أناسٌ قد عرفتهم، فَجعلت أَقُول: أعوذ بِاللَّه من النَّار.
وَلمُسلم فِي حَدِيث معمر:
أعوذ بِاللَّه من النَّار، أعوذ بِاللَّه من النَّار، أعوذ بِاللَّه من النَّار. ثَلَاث مَرَّات، فلقيهما ملكٌ آخر فَقَالَ لي: لن تراع. فقصصتها على حَفْصَة، فقصتها حَفْصَة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: " نعم الرجل عبد الله، لَو كَانَ يُصَلِّي من اللَّيْل " قَالَ سَالم: فَكَانَ عبد الله لَا ينَام من اللَّيْل إِلَّا قَلِيلا ".
وللبخاري فِي حَدِيث وهيب عَن أَيُّوب عَن نَافِع أَن ابْن عمر قَالَ:
رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَن فِي كفي سَرقَة من حَرِير، لَا أهوي بهَا إِلَى مكانٍ فِي الْجنَّة إِلَّا طارت بِي إِلَيْهِ، فقصصتها على حَفْصَة، فقصتها حَفْصَة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: " إِن أَخَاك رجلٌ صَالح " أَو " إِن عبد الله رجلٌ صالحٌ ".
وللبخاري فِي حَدِيث صَخْر بن جوَيْرِية عَن نَافِع أَن ابْن عمر قَالَ:
إِن رجَالًا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانُوا يرَوْنَ الرُّؤْيَا على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيقصونها على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَيَقُول فِيهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَنا غُلَام حَدِيث السن، بَيْتِي الْمَسْجِد قبل أَن أنكح، فَقلت فِي نَفسِي: لَو كَانَ فِيك خيرٌ لرأيت مثل مَا يرى هَؤُلَاءِ، فَلَمَّا اضطجعت لَيْلَة قلت: اللَّهُمَّ إِن كنت تعلم فِي خيرا فأرني رُؤْيا.
فَبَيْنَمَا أَنا كَذَلِك إِذْ جَاءَنِي ملكان فِي يَد كل واحدٍ مِنْهُمَا مقمعةٌ من حَدِيد، فحملاني إِلَى جَهَنَّم وَأَنا بَينهمَا أَدْعُو الله:
اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من جَهَنَّم. ثمَّ(4/243)
أَرَانِي لَقِيَنِي ملكٌ فِي يَده مقمعةٌ من حَدِيد فَقَالَ:
لن تراع، نعم الرجل أَنْت لَو تكْثر الصَّلَاة. فَانْطَلقُوا بِي حَتَّى وقفُوا بِي على شَفير جَهَنَّم، فَإِذا هِيَ مطويةٌ كطي الْبِئْر، لَهُ قُرُون كقرون الْبِئْر، بَين كل قرنين ملكٌ بِيَدِهِ مقمعةٌ من حَدِيد، وَأرى رجَالًا معلقين بالسلاسل، رؤوسهم أسفلهم، عرفت فِيهَا رجَالًا من قُرَيْش، فانصرفوا بِي ذَات الْيَمين. فقصصتها على حَفْصَة، فقصتها حَفْصَة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن عبد الله رجلٌ صَالح ". فَقَالَ نَافِع: لم يزل بعد ذَلِك يكثر الصَّلَاة.
وَلمُسلم من حَدِيث حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب:
رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَن فِي يَدي قِطْعَة إستبرق، وَلَيْسَ مكانٌ من الْجنَّة أُرِيد إِلَّا طارت بِي إِلَيْهِ. فقصصته على حَفْصَة، فقصته حَفْصَة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أرى عبد الله رجلا صَالحا ".
قَالَ البُخَارِيّ: فِي بَاب " التَّعْبِير:
بَاب الإستبرق وَدخُول الْجنَّة فِي الْمَنَام " وَلم يذكر فِيهِ إِلَّا حَدِيث وهيب عَن نَافِع الَّذِي فِيهِ: رَأَيْت كَأَن فِي كفي سَرقَة من حَرِير. وَقد رَوَاهُ حَمَّاد عَن أَيُّوب، فَذكر فِيهِ الإستبرق، وَأخرجه مُسلم أَيْضا، فَذكره البُخَارِيّ فِي هَذِه التَّرْجَمَة ليدل عَلَيْهِ.
وَقد أخرجه فِي مَوضِع آخر بِلَفْظ الإستبرق، وَجمع بَين الْحَدِيثين، وَزَاد شَيْئا آخر من حَدِيث أَيُّوب عَن نَافِع أَن ابْن عمر قَالَ:
رَأَيْت على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بيَدي قِطْعَة إستبرق، فَكَأَنِّي لَا أُرِيد مَكَانا فِي الْجنَّة إِلَّا طارت بِي إِلَيْهِ. وَرَأَيْت كَأَن اثْنَيْنِ أتياني أَرَادَا أَن يذهبا بِي إِلَى النَّار، فتلقاهما ملك، فَقَالَ: لم ترع، خلياً عَنهُ.
فقصت حَفْصَة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِحْدَى رُؤْيَايَ، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " نعم الرجل عبد الله لَو كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ". فَكَانَ عبد الله يُصَلِّي من اللَّيْل.
وَكَانُوا لَا يزالون يقصون على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الرُّؤْيَا أَنَّهَا فِي اللَّيْلَة السَّابِعَة من الْعشْر(4/244)
الْأَوَاخِر - يَعْنِي لَيْلَة الْقدر. فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
أرى رؤياكم قد تواطأت فِي الْعشْر الْأَوَاخِر، فَمن كَانَ متحرياً فليتحرها فِي الْعشْر الْأَوَاخِر ".
وَهَذِه الزِّيَادَة من مُسْند ابْن عمر، إِذْ لَا ذكر فِيهَا لحفصة.
أَفْرَاد مُسلم
3473 - الحَدِيث الأول: عَن نَافِع قَالَ: لَقِي ابْن عمر ابْن صياد فِي بعض طرق الْمَدِينَة، فَقَالَ لَهُ قولا أغضبهُ، فانتفخ حَتَّى مَلأ السِّكَّة، فَدخل ابْن عمر على حَفْصَة وَقد بلغَهَا، فَقَالَت لَهُ: يَرْحَمك الله، مَا أردْت من ابْن صياد، أما علمت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِنَّمَا يخرج من غضبةٍ يغضبها ".
3474 - الثَّانِي: عَن الْمطلب بن أبي ودَاعَة السَّهْمِي عَن حَفْصَة قَالَت: مَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى فِي سبحته قَاعِدا حَتَّى كَانَ قبل وَفَاته بعامٍ، فَكَانَ يُصَلِّي فِي سبحته قَاعِدا. وَكَانَ يقْرَأ بالسورة فيرتلها حَتَّى تكون أطول من أطول مِنْهَا.
وَفِي رِوَايَة معمر وَيُونُس عَن الزُّهْرِيّ نَحوه، إِلَّا أَنَّهُمَا قَالَا: بعام أَو عَاميْنِ.
وَلَيْسَ للمطلب بن أبي ودَاعَة السَّهْمِي عَن حَفْصَة فِي الصَّحِيح غير هَذَا.
3475 - الثَّالِث: عَن عبد الله بن صَفْوَان بن أُميَّة بن خلف الجُمَحِي قَالَ: أَخْبَرتنِي حَفْصَة أَنَّهَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " ليؤمن هَذَا الْبَيْت جيشٌ يغزونه، حَتَّى إِذا كَانُوا ببيداء من الأَرْض يخسف بأوسطهم، وينادي أَوَّلهمْ آخِرهم، ثمَّ يخسف بهم فَلَا يبْقى إِلَّا الشريد الَّذِي يخبر عَنْهُم " فَقَالَ رجل: أشهد عَلَيْك أَنَّك لم تكذب على حَفْصَة، وَأشْهد على حَفْصَة أَنَّهَا لم تكذب على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.(4/245)
وَفِي حَدِيث يُوسُف بن مَاهك عَن عبد الله بن صَفْوَان عَن أم الْمُؤمنِينَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
سيعوذ بِهَذَا الْبَيْت - يَعْنِي الْكَعْبَة - قومٌ لَيْسَ لَهُم منعةٌ وَلَا عددٌ وَلَا عدَّة، يبْعَث إِلَيْهِم جيشٌ، حَتَّى إِذا كَانُوا ببيداء من الأَرْض خسف بهم ". قَالَ يُوسُف بن مَاهك: وَأهل الشَّام حينئذٍ يَسِيرُونَ إِلَى مَكَّة. فَقَالَ عبد الله بن صَفْوَان: أما وَالله مَا هُوَ بِهَذَا الْجَيْش.
وَفِي حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن سابط عَن الْحَارِث بن عبد الله بن أبي ربيعَة عَن أم الْمُؤمنِينَ مثل حَدِيث يُوسُف، غير أَنه لم يذكر قَول عبد الله بن صَفْوَان، وَلَا سمياً أم الْمُؤمنِينَ.
وَلَيْسَ لعبد الله بن صَفْوَان عَن حَفْصَة، وَلَا لِلْحَارِثِ بن أبي ربيعَة عَن أم الْمُؤمنِينَ فِي الصَّحِيح غير هَذَا.
3476 - الرَّابِع: عَن شُتَيْر بن شكل عَن حَفْصَة قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقبل وَهُوَ صَائِم.
وَلَيْسَ لشيتر عَن حَفْصَة فِي الصَّحِيح غير هَذَا.
3477 - الْخَامِس: عَن صَفِيَّة بنت أبي عبيد عَن بعض أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " من أَتَى عرافاً فَسَأَلَهُ عَن شَيْء لم تقبل لَهُ صلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَة " هَكَذَا أخرجه أَبُو مَسْعُود فِي هَذَا الْمسند مُتَّصِلا بِهِ على مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّه قد عرف أَنه من حَدِيثهَا، أَو أَن بعض الروَاة قد نسب ذَلِك إِلَيْهَا. وَالله أعلم بِمَا أَرَادَ.
3478 - السَّادِس: عَن صَفِيَّة بنت أبي عبيد: أَنَّهَا سَمِعت حَفْصَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تحدث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمثل حديثٍ قبله أَنه قَالَ: " لَا يحل لامرأةٍ تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم(4/246)
الآخر - أَو تؤمن بِاللَّه وَرَسُوله - أَن تحد على ميت فَوق ثَلَاثَة أَيَّام إِلَّا على زَوجهَا " وَهَكَذَا فِي حَدِيث يحيى بن سعيد عَن نَافِع، وَزَاد: " فَإِنَّهَا تحد عَلَيْهِ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا ".
وَفِي حَدِيث اللَّيْث بن سعد عَن نَافِع:
أَن صَفِيَّة بنت أبي عبيد حدثته عَن حَفْصَة أَو عَن عَائِشَة أَو عَن كلتيهما: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ. . وَذكر مثله دون الزِّيَادَة.
وَفِي حَدِيث أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ وَعبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن صَفِيَّة بنت أبي عبيد عَن بعض أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَعْنى حَدِيثهمْ.
(216) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند أم الْمُؤمنِينَ أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان صَخْر بن حَرْب ابْن أُميَّة بن عبد شمس رَضِي الله عَنْهَا
3479 - الحَدِيث الأول: عَن زَيْنَب بنت أبي سَلمَة عَن أم حَبِيبَة أَنَّهَا قَالَت: يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، انكح أُخْتِي بنت أبي سُفْيَان. فَقَالَ: " أَو تحبين ذَلِك؟ " فَقلت: نعم، لست لَك بمخليةٍ، وأحق من شاركني فِي خيرٍ أُخْتِي. فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن ذَلِك لَا يحل لي " قلت: فَإنَّا نُحدث إِنَّك تُرِيدُ أَن تنْكح بنت أبي سَلمَة. قَالَ: " بنت أبي سَلمَة؟ " قلت: نعم. قَالَ: " لَو أَنَّهَا لم تكن ربيبتي فِي حجري مَا حلت لي. إِنَّهَا لابنَة أخي من الرضَاعَة، أرضعتني وَأَبا سَلمَة ثويبة. فَلَا تعرضن عَليّ بناتكن وَلَا أخواتكن ".(4/247)
قَالَ عُرْوَة:
وثويبة مولاة أبي لَهب، كَانَ أَبُو لَهب أعْتقهَا، فأرضعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهب أريه بعض أَهله بشر حيبة. قَالَ لَهُ: مَاذَا لقِيت؟ قَالَ أَبُو لَهب: لم ألق بعدكم، غير أَنِّي سقيت فِي هَذِه، بعتاقتي ثوبية. اللَّفْظ لشعيب عَن الزُّهْرِيّ.
وَفِي حَدِيث عرَاك بن مَالك عَن زَيْنَب أَن أم حَبِيبَة قَالَت:
إِنَّا قد تحدثنا أَنَّك ناكحٌ درة بنت أبي سَلمَة. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أَعلَى أم سَلمَة؟ لَو لم أنكح أم سَلمَة مَا حلت لي، إِن أَبَاهَا أخي من الرضَاعَة ".
وَفِي حَدِيث مُحَمَّد بن رمح عَن اللَّيْث أَن أم حَبِيبَة قَالَت: لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " انكح أُخْتِي عزة قَالَ: " أتحبين ذَلِك؟ ... " وَذكر الحَدِيث بِنَحْوِهِ.
3480 - الثَّانِي: من حَدِيث مُحَمَّد بن كثير عَن سُفْيَان عَن عبد الله بن أبي بكر ابْن عَمْرو بن حزم. وَمن حَدِيث الْحميدِي عَن سُفْيَان عَن أَيُّوب بن مُوسَى. وَمن حَدِيث عَمْرو النَّاقِد وَابْن أبي عمر عَن سُفْيَان عَن أَيُّوب بن مُوسَى عَن حميد بن نَافِع عَن زَيْنَب بنت أبي سَلمَة عَن أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان قَالَت: لما جاءها نعي أَبِيهَا دعت بطيبٍ فمسحت ذراعيها، وَقَالَت: مَالِي بالطيب من حَاجَة، لَوْلَا أَنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر تحد على ميتٍ فَوق ثَلَاث، إِلَّا على زوج أَرْبَعَة أشهر وَعشرا ".
وَمن حَدِيث الْحميدِي عَن سُفْيَان:
لما جَاءَ نعي أبي سُفْيَان من الشَّام، دعت أم حَبِيبَة بصفرة فِي الْيَوْم الثَّالِث، فمسحت عارضيها وذراعيها وَقَالَت: إِنِّي كنت عَن هَذَا لغنية لَوْلَا أَنِّي سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تحد على ميتٍ(4/248)
فَوق ثَلَاث، إِلَّا على زوج، فَإِنَّهَا تحد عَلَيْهِ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا.
أَفْرَاد مُسلم
3481 - الحَدِيث الأول: عَن أبي عُثْمَان عَنْبَسَة بن أبي سُفْيَان عَن أُخْته أم حَبِيبَة قَالَت: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " من صلى اثْنَتَيْ عشرَة رَكْعَة فِي يومٍ وَلَيْلَة بني لَهُ بِهن بيتٌ فِي الْجنَّة ".
قَالَت أم حَبِيبَة: فَمَا تركتهن مُنْذُ سَمِعتهنَّ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ عَنْبَسَة:
مَا تركتهن مُنْذُ سَمِعتهنَّ من أم حَبِيبَة. وَقَالَ عَمْرو بن أَوْس: مَا تركتهن مُنْذُ سَمِعتهنَّ من عَنْبَسَة. وَقَالَ النُّعْمَان بن سَالم: مَا تركتهن مُنْذُ سَمِعتهنَّ من عَمْرو بن أَوْس.
وَفِي حَدِيث بشر بن الْمفضل عَن دَاوُد بن أبي هِنْد:
من صلى فِي يَوْم ثِنْتَيْ عشرَة سَجْدَة تَطَوّعا بني لَهُ بيتٌ فِي الْجنَّة ".
وَفِي حَدِيث شُعْبَة عَن النُّعْمَان بن سَالم:
مَا من عبد يُصَلِّي لله كل يَوْم ثِنْتَيْ عشرَة رَكْعَة تَطَوّعا غير فَرِيضَة، إِلَّا بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة " أَو: " إِلَّا بني لَهُ بَيت فِي الْجنَّة ".
وَفِي حَدِيث بهز عَن شُعْبَة:
مَا من عبد مسلمٍ تَوَضَّأ فأسبغ الْوضُوء ثمَّ صلى لله كل يَوْم ... " فَذكره.
3482 - الثَّانِي: عَن سَالم بن شَوَّال الْمَكِّيّ عَن أم حَبِيبَة أَنَّهَا أخْبرته: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث بهَا من جمعٍ بلَيْل.
وَفِي رِوَايَة عَمْرو بن دِينَار عَن سَالم عَن أم حَبِيبَة قَالَت:
كُنَّا نفعله على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نغلس من جمعٍ إِلَى منى. وَفِي رِوَايَة عَمْرو النَّاقِد: نغلس من مُزْدَلِفَة.(4/249)
(217) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند أم الْمُؤمنِينَ مَيْمُونَة بنت الْحَارِث الْهِلَالِيَّة رَضِي الله عَنْهَا
3483 - الحَدِيث الأول: عَن كريب مولى ابْن عَبَّاس عَن عبد الله ابْن عَبَّاس عَن مَيْمُونَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت: تَوَضَّأ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وضوءه للصَّلَاة غير رجلَيْهِ، وَغسل فرجه وَمَا أَصَابَهُ من الْأَذَى، ثمَّ أَفَاضَ عَلَيْهِ المَاء، ثمَّ نحى رجلَيْهِ فغسلهما، هَذَا غسله من الْجَنَابَة.
وَفِي رِوَايَة عَبْدَانِ عَن ابْن الْمُبَارك، قَالَت:
سترت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يغْتَسل من الْجَنَابَة، فَغسل يَدَيْهِ، ثمَّ صب بِيَمِينِهِ على شِمَاله فَغسل فرجه وَمَا أَصَابَهُ، ثمَّ مسح بِيَدِهِ على الْحَائِط أَو الأَرْض، ثمَّ تَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة غير رجلَيْهِ، ثمَّ أَفَاضَ على جسده المَاء، ثمَّ تنحى فَغسل قَدَمَيْهِ. قَالَ البُخَارِيّ: تَابعه أَبُو عوَانَة وَابْن فُضَيْل فِي التستر.
وَفِي رِوَايَة الْحميدِي عَن سُفْيَان:
فَغسل فرجه بِيَدِهِ، ثمَّ دلك بهَا الْحَائِط، ثمَّ غسلهَا، ثمَّ تَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة، فَلَمَّا فرغ من غسله غسل رجلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بن مَحْبُوب عَن عبد الْوَاحِد، قَالَت:
وضعت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَاء يغْتَسل بِهِ، فأفرغ على يَده فغسلها مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا، ثمَّ أفرغ بِيَمِينِهِ على شِمَاله فَغسل ذكره، ثمَّ دلك يَده بِالْأَرْضِ، ثمَّ مضمض واستنشق، ثمَّ غسل وَجهه وَيَديه، ثمَّ غسل رَأسه ثَلَاثًا، ثمَّ أفرغ على جسده، ثمَّ تنحى من مقَامه فَغسل قَدَمَيْهِ.(4/250)
وَفِي رِوَايَة مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن أبي عوَانَة نَحوه، وَفِي آخِره: قَالَت:
فناولته خرقَة فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَلم يردهَا.
وَفِي رِوَايَة يُوسُف بن عِيسَى عَن الْفضل بن مُوسَى نَحوه، وَقَالَت:
فَأَتَيْته بخرقةٍ فَلم يردهَا، وَجعل ينفض بِيَدِهِ.
وَفِي رِوَايَة عَبْدَانِ عَن أبي حَمْزَة: فناولته ثوبا، فَلم يَأْخُذهُ، وَانْطَلق وَهُوَ ينفض يَدَيْهِ.
وَفِي رِوَايَة عبد الله بن إِدْرِيس عَن الْأَعْمَش:
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُتِي بمنديل فَلم يمسهُ، وَجعل يَقُول بِالْمَاءِ هَكَذَا - يَعْنِي ينفضه.
جعل أَبُو مَسْعُود رِوَايَة ابْن إِدْرِيس عَن الْأَعْمَش من أَفْرَاد مُسلم. وَهَذَا الْمَعْنى عِنْد البُخَارِيّ من رِوَايَة يُوسُف بن عِيسَى كَمَا ذكرنَا آنِفا.
3484 - الثَّانِي: مُخْتَلف فِيهِ.
أخرجه البُخَارِيّ عَن أبي نعيم عَن ابْن عُيَيْنَة، وَقَالَ فِيهِ:
عَن جَابر بن زيد عَن ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومَيْمُونَة كَانَا يغتسلان من إِنَاء وَاحِد. جعله فِي مُسْند ابْن عَبَّاس. وَقَالَ البُخَارِيّ: كَانَ ابْن عُيَيْنَة يَقُول فِي السماع الْأَخير: عَن ابْن عَبَّاس عَن مَيْمُونَة، وَالصَّحِيح مَا روى أَبُو نعيم.
وَأخرجه مُسلم من حَدِيث ابْن عُيَيْنَة بذلك الْإِسْنَاد إِلَى ابْن عَبَّاس، قَالَ:
أَخْبَرتنِي مَيْمُونَة أَنَّهَا كَانَت تَغْتَسِل هِيَ وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من إِنَاء وَاحِد.(4/251)
وعَلى هَذَا عول مُسلم فَلم يخرج الْوَجْه الآخر، وعول البُخَارِيّ على الأول، وَقد نبه على هَذَا.
3485 - الثَّالِث: عَن عبد الله بن شَدَّاد عَن خَالَته مَيْمُونَة: أَنَّهَا كَانَت تكون حَائِضًا لَا تصلي وَهِي مفترشة بحذاء مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يُصَلِّي على خمرته، إِذا سجد أصابني بعض ثَوْبه.
3486 - الرَّابِع: عَن عبد الله بن شَدَّاد عَن مَيْمُونَة قَالَت. كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَرَادَ أَن يُبَاشر امْرَأَة من نِسَائِهِ أمرهَا فاتزرت وَهِي حَائِض.
وَفِي رِوَايَة خَالِد بن عبد الله عَن الشَّيْبَانِيّ:
كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُبَاشر نِسَاءَهُ فَوق الْإِزَار وَهن حيض.
وَأخرجه مُسلم من حَدِيث كريب مولى ابْن عَبَّاس عَن مَيْمُونَة قَالَت:
كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يضطجع معي وَأَنا حَائِض، وبيني وَبَينه ثوب.
3487 - الْخَامِس: عَن كريب مولى ابْن عَبَّاس: أَن مَيْمُونَة بنت الْحَارِث أخْبرته: أَنَّهَا أعتقت وليدةً وَلم تستأذن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَمَّا كَانَ يَوْمهَا الَّذِي يَدُور عَلَيْهَا فِيهِ قَالَت: أشعرت يَا رَسُول الله أَنِّي أعتقت وليدتي. قَالَ: " أَو فعلت؟ " قَالَت: نعم.
قَالَ: " أما إِنَّك لَو أعطيتهَا أخوالك كَانَ أعظم لأجرك ". لفظ حَدِيث البُخَارِيّ عَن يحيى بن بكير. قَالَ البُخَارِيّ: وَقَالَ بكر بن مُضر عَن عَمْرو عَن بكير عَن كريب، أَن مَيْمُونَة أعتقت. وَلم يقل: عَن مَيْمُونَة.
وَقَالَ أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي أَنَّهُمَا عِنْد البُخَارِيّ، وَلَيْسَ فِيمَا عندنَا من كتاب البُخَارِيّ إِلَّا كَمَا أوردنا فيهمَا. أما مُسلم فَأخْرجهُ من حَدِيث كريب عَن مَيْمُونَة مُسْندًا.
3488 - السَّادِس: عَن كريب عَن مَيْمُونَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكل عِنْدهَا كَتفًا، ثمَّ صلى وَلم يتَوَضَّأ(4/252)
3489 - السَّابِع: عَن كريب عَن مَيْمُونَة أَن النَّاس شكوا فِي صِيَام النَّبِي يَوْم عَرَفَة، فَأرْسلت إِلَيْهِ بحلاب وَهُوَ واقفٌ بالمشعر، فَشرب وَالنَّاس ينظرُونَ.
حَدِيث للْبُخَارِيّ وَحده:
3490 - من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن عبد الله عَن ابْن عَبَّاس عَن مَيْمُونَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن فأرةٍ وَقعت فِي سمن، فَقَالَ: " ألقوها وَمَا حولهَا، وكلوا سمنكم ".
قَالَ معن: حَدثنَا مَالك مَا لَا أحصيه بقوله عَن ابْن عَبَّاس عَن مَيْمُونَة.
وَفِي حَدِيث الْحميدِي قَالَ: قيل لِسُفْيَان:
فَإِن معمراً يحدث عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة. قَالَ: مَا سَمِعت الزُّهْرِيّ يَقُوله إِلَّا: عَن عبيد الله عَن ابْن عَبَّاس عَن مَيْمُونَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَقَد سمعته مِنْهُ مرَارًا.
وَفِي حَدِيث يُونُس عَن الزُّهْرِيّ:
سُئِلَ عَن الدَّابَّة تَمُوت فِي الزَّيْت أَو السّمن وَهُوَ جامد أَو غير جامد: الْفَأْرَة أَو غَيرهَا. قَالَ: بلغنَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بفأرةٍ مَاتَت فِي سمن، فَأمر بِمَا قرب مِنْهَا فَطرح ثمَّ أكل. عَن حَدِيث عبيد الله بن عبد الله.
وروى أَبُو بكر الْخَوَارِزْمِيّ فِي كِتَابه الْمخْرج على الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث عبد الله ابْن مسلمة القعْنبِي عَن مَالك هَذَا الحَدِيث بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْن عَبَّاس. وَلم يذكر مَيْمُونَة. وَحكي عَن أبي بكر أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الْإِسْمَاعِيلِيّ أَنه قَالَ لَهُم: وَافق القعْنبِي خَالِد بن مخلد وَإِسْحَاق بن سُلَيْمَان، وجوده مطرف عَن مَالك.(4/253)
أَفْرَاد مُسلم
3491 - الحَدِيث الأول: عَن عبيد بن السباق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أَخْبَرتنِي مَيْمُونَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أصبح يَوْمًا واجماً، فَقَالَت مَيْمُونَة: يَا رَسُول الله، لقد استنكرت هيئتك مُنْذُ الْيَوْم. قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن جِبْرِيل كَانَ وَعَدَني أَن يلقاني اللَّيْلَة فَلم يلقني، أما الله وَمَا أخلفني " قَالَت: فظل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمه ذَلِك على ذَلِك، ثمَّ وَقع فِي نَفسه جرو كلبٍ تَحت فسطاطٍ لنا، فَأمر بِهِ فَأخْرج، ثمَّ أَخذ بِيَدِهِ مَاء فنضح مَكَانَهُ. فَلَمَّا أَمْسَى لقِيه جِبْرِيل، فَقَالَ لَهُ: " قد كنت وَعَدتنِي تَلقانِي البارحة " قَالَ: أجل، وَلَكنَّا لَا ندخل بَيْتا فِيهِ كلب وَلَا صُورَة. فَأصْبح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمر بقتل الْكلاب، حَتَّى إِنَّه كَانَ يَأْمر بقتل كلب الْحَائِط الصَّغِير وَيتْرك كلب الْحَائِط الْكَبِير.
وَلَيْسَ لِعبيد بن السباق عَن ابْن عَبَّاس فِي مُسْند مَيْمُونَة من الصَّحِيح غير هَذَا.
3492 - الثَّانِي: عَن إِبْرَاهِيم بن عبد الله بن معبد بن الْعَبَّاس عَن ابْن عَبَّاس: أَن امْرَأَة شكت شكوى فَقَالَت: إِن شفاني الله لأخْرجَن فلأصلين فِي بَيت الْمُقَدّس، فبرأت، ثمَّ تجهزت تُرِيدُ الْخُرُوج، فَجَاءَت مَيْمُونَة تسلم عَلَيْهَا، فَأَخْبَرتهَا بذلك، فَقَالَت: اجلسي فكلي مَا صنعت، وَصلي فِي مَسْجِد الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؛ فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " صلاةٌ فِيهِ أفضل من ألف صَلَاة فِيمَا سواهُ من الْمَسَاجِد إِلَّا مَسْجِد الْكَعْبَة ".
وَلَيْسَ لإِبْرَاهِيم بن عبد لله بن معبد بن عَبَّاس عَن ابْن عَبَّاس فِي مُسْند مَيْمُونَة من الصَّحِيح غير هَذَا.
3493 - الثَّالِث: عَن ابْن جريج عَن عَمْرو قَالَ: أَخْبرنِي عَطاء - هُوَ ابْن أبي رَبَاح - مُنْذُ حينٍ عَن ابْن عَبَّاس أَن مَيْمُونَة أخْبرته: أَن داجنة كَانَت لبَعض نسَاء(4/254)
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَاتَتْ، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أَلا أَخَذْتُم إهابها فاستمعتم بِهِ ". هَكَذَا أخرجه مُسلم من حَدِيث ابْن جريج. وَفِيه ذكر مَيْمُونَة.
وَقد أخرجه هُوَ وَالْبُخَارِيّ من غير هَذِه الطَّرِيق، من حَدِيث ابْن عَبَّاس، لَا ذكر فِيهِ لميمونة، وَذَلِكَ مَذْكُور فِي مُسْند ابْن عَبَّاس.
وَأخرجه أَبُو بكر البرقاني من حَدِيث ابْن جريج، وَفِيه ذكر مَيْمُونَة، وَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
أَلا دبغتم إهابها فاستمتعتم بِهِ؟ ".
وَلَيْسَ لعطاء بن أبي رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس فِي مُسْند مَيْمُونَة من الصَّحِيح غير هَذَا.
3494 - الرَّابِع: عَن يزِيد بن الْأَصَم عَن مَيْمُونَة قَالَت: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا سجد لَو شَاءَت بهمةٌ أَن تمر بَين يَدَيْهِ لمرت.
3495 - الْخَامِس: عَن يزِيد بن الْأَصَم عَن مَيْمُونَة بنت الْحَارِث: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزَوجهَا وَهِي حَلَال، قَالَ: وَكَانَت خَالَتِي وَخَالَة ابْن عَبَّاس.
زَاد أَبُو بكر البرقاني من حَدِيث جرير بن حَازِم - الَّذِي أخرجه مُسلم من حَدِيث:
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزَوجهَا حَلَالا، وَبنى بهَا حَلَالا، وَمَاتَتْ بسرف فدفناها أَنا وَابْن عَبَّاس.
وَقد تقدم من حَدِيث أبي الشعْثَاء عَن ابْن عَبَّاس:
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزوج مَيْمُونَة وَهُوَ محرم. قَالَ ابْن نمير عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ:
فَحدثت بِهِ الزُّهْرِيّ فَقَالَ: أَخْبرنِي يزِيد بن الْأَصَم أَنه نَكَحَهَا وَهُوَ حَلَال.(4/255)
(218) مُسْند أم الْمُؤمنِينَ جوَيْرِية بنت الْحَارِث ابْن أبي ضرار الْخُزَاعِيَّة من بني المصطلق رَضِي الله عَنْهَا
حَدِيث وَاحِد للْبُخَارِيّ:
3496 - أخرجه من حَدِيث أبي أَيُّوب يحيى بن مَالك عَن جوَيْرِية: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل عَلَيْهَا يَوْم الْجُمُعَة وَهِي صائمةٌ، فَقَالَ لَهَا: " أصمت أمس؟ " قَالَت: لَا. قَالَ: " تريدين أَن تصومي غَدا؟ ". قَالَت: لَا. قَالَ: " فأفطرى ".
قَالَ البُخَارِيّ: وَقَالَ حَمَّاد بن الْجَعْد سمع قَتَادَة قَالَ: حَدثنِي أَبُو أَيُّوب أَن جوَيْرِية حدثته، فَأمرهَا فأفطرت.
وَلمُسلم حديثان:
3497 - أَحدهمَا: من رِوَايَة كريب عَن ابْن عَبَّاس عَن جوَيْرِية أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج من عِنْدهَا بكرَة حِين صلى الصُّبْح وَهِي فِي مَسْجِدهَا، ثمَّ رَجَعَ بعد أَن أضحى وَهِي جالسة، فَقَالَ: " مَا زلت على الْحَال الَّتِي فارقتك عَلَيْهَا؟ " قَالَت: نعم. فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لقد قلت بعْدك أَربع كَلِمَات، ثَلَاث مَرَّات، لَو وزنت بِمَا قلت مُنْذُ الْيَوْم لوزنتهن: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ عدد خلقه ورضا نَفسه وزنة عَرْشه ومداد كَلِمَاته ".
وَفِي رِوَايَة مسعر أَنَّهَا قَالَت:
مر بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين صلى الْغَدَاة - أَو بَعْدَمَا(4/256)
صلى الْغَدَاة ... فَذكر نَحوه، غير أَنه قَالَ: " سُبْحَانَ الله عدد خلقه، سُبْحَانَ الله رضَا نَفسه، سُبْحَانَ الله زنة عَرْشه، سُبْحَانَ الله مداد كَلِمَاته ".
وَلَيْسَ لكريب عَن ابْن عَبَّاس فِي مُسْند جوَيْرِية من الصَّحِيح غير هَذَا.
3498 - الثَّانِي: عَن عبيد الله بن السباق أَن جوَيْرِية زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخْبرته: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل عَلَيْهَا فَقَالَ: " هَل من طَعَام؟ " قَالَت: لَا وَالله يَا رَسُول الله، مَا عندنَا طعامٌ إِلَّا عظمٌ من شاةٍ أَعْطَيْت مولاتي من الصَّدَقَة، فَقَالَ: " قربيه، فقد بلغت محلهَا ".
(219) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث أم الْمُؤمنِينَ زَيْنَب بنت جحش بن رِئَاب بن يعمر رَضِي الله عَنْهَا
حديثان:
3499 - أَحدهمَا: من رِوَايَة أم حَبِيبَة عَن زَيْنَب بنت جحش: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل عَلَيْهَا فَزعًا، يَقُول: " لَا إِلَه إِلَّا الله، ويلٌ للْعَرَب من شرٍّ قد اقْترب. فتح الْيَوْم من ردم يَأْجُوج وَمَأْجُوج مثل هَذِه " وَحلق بإصبعه الْإِبْهَام وَالَّتِي تَلِيهَا. فَقَالَت زَيْنَب بنت جحش: فَقلت: يَا رَسُول الله، أنهلك وَفينَا الصالحون؟ قَالَ: " نعم، إِذا كثر الْخبث ".(4/257)
3500 - الثَّانِي: من حَدِيث حميد بن نَافِع عَن زَيْنَب بنت أبي سَلمَة أَنَّهَا أخْبرته هَذِه الْأَحَادِيث الثَّلَاثَة: قَالَت زَيْنَب: دخلت على أم حَبِيبَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين توفّي أَبوهَا أَبُو سُفْيَان بن حَرْب، فدعَتْ أم حَبِيبَة بِطيب فِيهِ صفرةٌ: خلوقٌ أَو غَيره، فدهنت مِنْهُ جَارِيَة، ثمَّ مست بعارضيها، ثمَّ قَالَت: وَالله مَالِي بالطيب من حَاجَة، غير أَنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول على الْمِنْبَر: " لَا يحل لامرأةٍ تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تحد على ميتٍ فَوق ثَلَاث لَيَال، إِلَّا على زوجٍ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا ".
قَالَت زَيْنَب:
ثمَّ دخلت على زَيْنَب بنت جحش حِين توفّي أَخُوهَا، فدعَتْ بِطيب فمست مِنْهُ، ثمَّ قَالَت: أما وَالله مَالِي بالطيب من حَاجَة، غير أَنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول على الْمِنْبَر: " لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تحد على ميتٍ فَوق ثَلَاث لَيَال، إِلَّا على زوج أَرْبَعَة أشهر وَعشرا ".
قَالَت زَيْنَب:
وَسمعت أُمِّي أم سَلمَة تَقول: جَاءَت امرأةٌ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِن ابْنَتي توفّي عَنْهَا زَوجهَا وَقد اشتكت عينهَا أفنكحلها؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا " مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا، كل ذَلِك يَقُول: " لَا " ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَة أشهرٍ وَعشر، وَقد كَانَت إحداكن فِي الْجَاهِلِيَّة ترمي بالبعرة على رَأس الْحول ".
قَالَ حميد: فَقلت لِزَيْنَب:
وَمَا ترمي بالبعرة على رَأس الْحول؟ " فَقَالَت زَيْنَب: كَانَت الْمَرْأَة إِذا توفّي عَنْهَا زَوجهَا دخلت حفشاً، ولبست شَرّ ثِيَابهَا، وَلم تمس طيبا حَتَّى تمر عَلَيْهَا سنة، ثمَّ تُؤْتى بِدَابَّة أَو حمارٍ أَو شاةٍ أَو طَائِر فتفتض بِهِ، فَقل مَا تفتض بشيءٍ إِلَّا مَاتَ ثمَّ تخرج فتعطى بَعرَة فترمي بهَا، ثمَّ تراجع بعد مَا شَاءَت من طيب أَو غَيره. قَالَ مَالك: تفتض: تمسح بِهِ جلدهَا(4/258)
وَفِي حَدِيث شُعْبَة عَن حميد عَن نَافِع عَن زَيْنَب بنت أبي سَلمَة قَالَت:
توفّي حميمٌ لأم حَبِيبَة، فدعَتْ بصفرة، فمسحت بذراعيها وَقَالَت: إِنَّمَا أصنع هَذَا لِأَنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تحد فَوق ثَلَاث، إِلَّا على زوج أَرْبَعَة أشهر وَعشرا ".
وحدثته زَيْنَب عَن أمهَا عَن زَيْنَب زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو عَن امْرَأَة من بعض أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
(220) مُسْند أم الْمُؤمنِينَ صَفِيَّة بنت حييّ بن أَخطب رَضِي الله عَنْهَا
// حَدِيث وَاحِد مُتَّفق عَلَيْهِ //
3501 - من رِوَايَة عَليّ بن حُسَيْن عَن صَفِيَّة بنت حييّ، قَالَت: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم معتكفاً، فَأَتَيْته أَزورهُ لَيْلًا، فَحَدَّثته ثمَّ قُمْت لأنقلب، فَقَامَ معي لِيقلبنِي، وَكَانَ مَسْكَنهَا فِي دَار أُسَامَة بن زيد، فَمر رجلَانِ من الْأَنْصَار، فَلَمَّا رَأيا الني صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَسْرعَا، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " على رِسْلكُمَا، إِنَّهَا صَفِيَّة بنت حييّ " فَقَالَا: سُبْحَانَ الله يَا رَسُول الله. فَقَالَ: " إِن الشَّيْطَان يجْرِي من ابْن آدم مجْرى الدَّم، وَإِنِّي خشيت أَن يقذف فِي قُلُوبكُمَا أمرا " أَو قَالَ: " شَيْئا ".(4/259)
وَفِي حَدِيث شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ:
أَنَّهَا جَاءَت تزوره فِي اعْتِكَافه فِي الْمَسْجِد، فِي الْعشْر الْأَوَاخِر من رَمَضَان، فتحدثت عِنْده سَاعَة، ثمَّ قَامَت تنْقَلب، وَقَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعهَا يقلبها، حَتَّى إِذا بلغت بَاب الْمَسْجِد عِنْد بَاب أم سَلمَة. . ثمَّ ذكر بِمَعْنَاهُ، غير أَنه قَالَ: فَقَالَ: " إِن الشَّيْطَان يبلغ من الْإِنْسَان مبلغ الدَّم " وَلم يقل: " يجْرِي ".
وَمن الروَاة من قَالَ:
عَن عَليّ بن حُسَيْن أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَتْهُ صَفِيَّة، قَالَ البُخَارِيّ رَوَاهُ شُعَيْب، وَابْن مُسَافر، وَابْن أبي عَتيق، وَإِسْحَاق بن يحيى عَن الزُّهْرِيّ عَن عَليّ بن حُسَيْن عَن صَفِيَّة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
(221) مُسْند أم الْمُؤمنِينَ سَوْدَة بنت زَمعَة ابْن قيس بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مَالك ابْن حسل بن عَامر بن لؤَي بن عَامر بن فهر رَضِي الله عَنْهَا
حَدِيث وَاحِد للْبُخَارِيّ وَحده:
3502 - من رِوَايَة عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَن سَوْدَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت: مَاتَت لنا شَاة، فدبغنا مسكها، ثمَّ مَا زلنا ننبذ فِيهِ حَتَّى صَار شناً.(4/260)
(222) مُسْند أم هَانِئ بنت أبي طَالب بن عبد الْمطلب رَضِي الله عَنْهَا
حَدِيث وَاحِد فِي صَلَاة الضُّحَى:
3503 - من رِوَايَة ابْن مرّة مولى عقيل - وَقيل: مولى أم هَانِئ بنت أبي طَالب قَالَت: ذهبت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام الْفَتْح، فَوَجَدته يغْتَسل وَفَاطِمَة ابْنَته تستره بِثَوْب، فَسلمت عَلَيْهِ، فَقَالَ: " من هَذِه؟ " فَقلت: أَنا أم هَانِئ بنت أبي طَالب.
فَقَالَ: " مرْحَبًا بِأم هَانِئ ". فَلَمَّا فرغ من غسله قَامَ فصلى ثَمَانِي رَكْعَات ملتحفاً فِي ثوب وَاحِد. فَلَمَّا انْصَرف قلت: يَا رَسُول الله، زعم ابْن أُمِّي عَليّ بن أبي طَالب أَنه قاتلٌ رجلا أجرته، فلَان بن هُبَيْرَة. فَقَالَ رَسُول الله؟ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " قد أجرنا من أجرت يَا أم هَانِئ ". قَالَت أم هَانِئ: وَذَلِكَ ضحى.
وَلمُسلم من حَدِيث جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه
ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى فِي بَيتهَا عَام الْفَتْح ثَمَان رَكْعَات فِي ثوبٍ وَاحِد قد خَالف بَين طَرفَيْهِ.
وَلَهُمَا فِي حَدِيث شُعْبَة عَن عَمْرو بن مرّة عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى قَالَ:
مَا حَدثنَا أحدٌ أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي ضحى غير أم هَانِئ، فَإِنَّهَا قَالَت: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل بَيتهَا يَوْم فتح مَكَّة فاغتسل وَصلى ثَمَان رَكْعَات، فَلم أر صَلَاة قطّ أخف مِنْهَا، غير أَنه يتم الرُّكُوع وَالسُّجُود.
وَأخرجه مُسلم من حَدِيث عبد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل الْهَاشِمِي قَالَ:
سَأَلت وحرصت على أَن أجد أحدا من النَّاس يُخْبِرنِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسبح سبْحَة الضُّحَى، فَلم أجد أحدا يحدثني ذَلِك، غير أَن أم هَانِئ بنت أبي طَالب أَخْبَرتنِي أَن(4/261)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَى بَعْدَمَا ارْتَفع النَّهَار يَوْم الْفَتْح، فَأتي بثوبٍ فَستر عَلَيْهِ، فاغتسل ثمَّ قَامَ فَرَكَعَ ثَمَان رَكْعَات، لَا أَدْرِي أقيامه فِيهَا أطول أم رُكُوعه أم سُجُوده، كل ذَلِك مُتَقَارب. قَالَت: فَلم أره سبحها قبل وَلَا بعد.
(223) مُسْند أم الْفضل لبَابَة بنت الْحَارِث أم عبد الله بن الْعَبَّاس رَضِي الله عَنْهُم
3504 - الحَدِيث الأول: // مُتَّفق عَلَيْهِ // من رِوَايَة عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة عَن ابْن عَبَّاس: أَن أم الْفضل سمعته يقْرَأ: {والمراسلات عرفا} ، فَقَالَت: يَا بني، لقد ذَكرتني بِقِرَاءَتِك هَذِه السُّورَة، إِنَّهَا لآخر مَا سَمِعت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ بهَا فِي الْمغرب.
وَفِي رِوَايَة اللَّيْث عَن عقيل قَالَت:
سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الْمغرب ب (المراسلات عرفا) ثمَّ مَا صلى لنا بعْدهَا حَتَّى قَبضه الله.
وَفِي حَدِيث صَالح بن كيسَان عَن الزُّهْرِيّ:
ثمَّ مَا صلى بعد حَتَّى قَبضه الله عز وَجل.
3505 - الثَّانِي: للْبُخَارِيّ وَحده، من حَدِيث عُمَيْر مولى عبد الله بن عَبَّاس - وَقيل: مولى عبيد الله بن عَبَّاس، وَقيل: مولى أم الْفضل - عَن أم الْفضل بنت الْحَارِث: أَن نَاسا اخْتلفُوا عِنْدهَا يَوْم عَرَفَة فِي صَوْم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ بَعضهم: هُوَ(4/262)
صَائِم. وَقَالَ بَعضهم: لَيْسَ بصائم، فَأرْسلت إِلَيْهِ بقدحٍ وَهُوَ واقفٌ على بعيرٍ فشربه.
وَفِي حَدِيث عَليّ بن الْمَدِينِيّ عَن سُفْيَان أَن أم الْفضل قَالَت:
شكّ النَّاس يَوْم عَرَفَة فِي صَوْم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبعثت إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بشرابٍ فشربه.
وَقد تقدم لميمونة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا فعلت ذَلِك.
3506 - الثَّالِث: لمُسلم وَحده، من رِوَايَة عبد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل عَن أم الْفضل قَالَت: دخل أعرابيٌّ على نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي بَيْتِي، فَقَالَ: يَا نَبِي الله، إِنِّي كَانَت لي امرأةٌ، فَتزوّجت عَلَيْهَا أُخْرَى، فَزَعَمت امْرَأَتي الأولى أَنَّهَا أرضعت امْرَأَتي الحدثى رضعةً أَو رضعتين. فَقَالَ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا تحرم الإملاجة والإملاجتان ".
وَفِي حَدِيث هِشَام الدستوَائي عَن قَتَادَة:
أَن رجلا من بني عَامر بن صعصعة قَالَ: يَا نَبِي الله، هَل تحرم الرضعة الْوَاحِدَة؟ قَالَ: " لَا ".
وَفِي حَدِيث همام عَن قَتَادَة:
سَأَلَ رجل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أتحرم المصة؟ قَالَ: " لَا ".
وَفِي رِوَايَة سعيد بن أبي عرُوبَة:
لَا تحرم الرضعة والرضعتان، والمصة والمصتان ".(4/263)
(224) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند أَسمَاء بنت أبي بكر رَضِي الله عَنْهُمَا
3507 - الحَدِيث الأول: عَن أبي عبد الله عُرْوَة بن الزبير عَن أمه أَسمَاء أَنَّهَا سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " لَا شَيْء أغير من الله ".
3508 - الثَّانِي: عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن أَسمَاء قَالَت قدمت عَليّ أُمِّي وَهِي مشركةٌ فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فاستفتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قلت: قدمت عَليّ أُمِّي وَهِي راغبةٌ، أفأصل أُمِّي؟ قَالَ: " نعم صلي أمك ".
زَاد فِي حَدِيث الْحميدِي: قَالَ ابْن عُيَيْنَة:
فَأنْزل الله فِيهَا: {لَا يَنْهَاكُم الله عَن الَّذين لم يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدّين} [سُورَة الممتحنة] .
وَفِي حَدِيث قُتَيْبَة عَن حَاتِم بن إِسْمَاعِيل:
قدمت عَليّ أُمِّي وَهِي مشركةٌ فِي عهد قُرَيْش إِذْ عَاهَدُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومدتهم ... .
حكى أَبُو بكر البرقاني بعد أَن ذكر رِوَايَة عُرْوَة عَن أَسمَاء:
أَن أَبَا مُعَاوِيَة قَالَ فِيهِ: عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة. وَأَن عَبدة بن سُلَيْمَان رَوَاهُ عَن هِشَام عَن أَبِيه مُرْسلا. وَأَن يحيى بن آدم قَالَ فِيهِ: عَن سُفْيَان عَن هِشَام عَن فَاطِمَة بنت الْمُنْذر عَن أَسمَاء. ثمَّ قَالَ البرقاني: وَالْأول أثبت، وَهُوَ الَّذِي عولا جَمِيعًا عَلَيْهِ.
2509 - الثَّالِث: عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن أَسمَاء بنت أبي بكر قَالَت: تزَوجنِي الزبير وَمَاله فِي الأَرْض من مالٍ وَلَا مَمْلُوك وَلَا شَيْء غير فرسه. قَالَت(4/264)
فِي رِوَايَة مَحْمُود بن غيلَان: غير نَاضِح وَغير فرسه. قَالَت: فَكنت أعلف فرسه وأكفيه مُؤْنَته، وأسوسه، وأدق النَّوَى لناضحه فأعلفه، وأستقي المَاء، وأخرز غربه، وأعجن، وَلم أكن أحسن أخبز، فَكَانَ يخبز لي جاراتٌ لي من الْأَنْصَار، وَكن نسْوَة صدق. قَالَت: وَكنت أنقل النَّوَى من أَرض الزبير الَّتِي أقطعه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على رَأْسِي، وَهِي على ثُلثي فَرسَخ. قَالَت: فَجئْت يَوْمًا والنوى على رَأْسِي، فَلَقِيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ نفرٌ من أَصْحَابه - وَفِي رِوَايَة مَحْمُود: من الْأَنْصَار فدعاني فَقَالَ: إخ إخ " ليحملني خَلفه. قَالَت: فَاسْتَحْيَيْت وَعرفت غيرتك. وَفِي رِوَايَة مَحْمُود فَاسْتَحْيَيْت أَن أَسِير مَعَ الرِّجَال. وَذكرت الزبير وغيرته - وَكَانَ أغير النَّاس - فَعرف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنِّي قد استحييت، فَمضى، فَجئْت الزبير فَقلت: لَقِيَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى رَأْسِي النَّوَى وَمَعَهُ نفرٌ من أَصْحَابه، فَأَنَاخَ لأركب فَاسْتَحْيَيْت وَعرفت غيرتك. فَقَالَ: وَالله، لحملك النَّوَى على رَأسك أَشد عَليّ من ركوبك مَعَه. قَالَت: حَتَّى أرسل إِلَيّ أَبُو بكر بعد ذَلِك بخادم، فكفتنى سياسة الْفرس، فَكَأَنَّمَا أعتقتني. وَفِي رِوَايَة مَحْمُود: فَكَأَنَّمَا أعتقني.
وَأخرجه مُسلم من حَدِيث أبي مُحَمَّد عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكَة عَن أَسمَاء قَالَت:
كنت أخدم الزبير خدمَة الْبَيْت، وَكَانَ لَهُ فرسٌ، وَكنت أسوسه، فَلم يكن من الْخدمَة شَيْء أَشد عَليّ من سياسة الْفرس، كنت أحتش لَهُ، وأقوم عَلَيْهِ، وأسوسه. قَالَت: ثمَّ إِنَّهَا أَصَابَت خَادِمًا، جَاءَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سبيٌ فَأَعْطَاهَا خَادِمًا. قَالَت: كفتني سياسة الْفرس، فَأَلْقَت عني مُؤْنَته.
فَجَاءَنِي رجل فَقَالَ:
يَا أم عبد الله، إِنِّي رجل فقيرٌ أردْت أَن أبيع فِي ظلّ دَارك.
قَالَت: إِنِّي إِن رخصت لَك أَبى ذَلِك الزبير، فتعال فاطلب إِلَيّ وَالزُّبَيْر شَاهد.
فجَاء فَقَالَ: يَا أم عبد الله، إِنِّي رجل فقيرٌ أُرِيد أَن ابيع فِي ظلّ دَارك. فَقَالَت: مَالك بِالْمَدِينَةِ إِلَّا دَاري؟ فَقَالَ لَهَا الزبير: مَالك أَن تمنعي رجلا فَقِيرا. فَكَانَ يَبِيع(4/265)
إِلَى أَن كسب، فَبِعْته الْجَارِيَة، فَدخل عَليّ الزبير وَثمنهَا فِي حجري، فَقَالَ: هبيها لي. قَالَت: إِنِّي قد تَصَدَّقت بهَا.
قَالَ البُخَارِيّ: وَقَالَ أَبُو ضَمرَة عَن هِشَام عَن أَبِيه:
إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقطع الزبير أَرضًا من أَمْوَال بني النَّضِير.
وَحكى أَبُو مَسْعُود حَدِيث ابْن أبي مليكَة، وَأَن فِيهِ: حملهَا النَّوَى. وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " ارْكَبِي ". وَلَيْسَ فِيمَا عندنَا من كتاب مُسلم فِي حَدِيث ابْن أبي مليكَة هَذَا، وَإِنَّمَا هَذَا الْمَعْنى من حَدِيث عُرْوَة.
3510 - الرَّابِع: عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن أَسمَاء أَنَّهَا حملت بِعَبْد الله بن الزبير بِمَكَّة. قَالَت: فَخرجت وَأَنا متم، فَقدمت الْمَدِينَة، فَنزلت بقباء، فولدته بقباء، ثمَّ أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَوَضعه فِي حجره، ثمَّ دَعَا بتمرة فمضغها ثمَّ تفل فِي فِيهِ، فَكَانَ أول شَيْء دخل جَوْفه ريق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ حنكه بالتمرة، ثمَّ دَعَا لَهُ وبرك عَلَيْهِ، وَكَانَ أول مَوْلُود ولد فِي الْإِسْلَام.
زَاد فِي رِوَايَة إِسْحَاق بن مَنْصُور عَن أبي أُسَامَة:
فَفَرِحُوا بِهِ فَرحا شَدِيدا، لأَنهم قيل لَهُم: إِن الْيَهُود قد سحروكم فَلَا يُولد لكم.
3511 - الْخَامِس: عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن امْرَأَته فَاطِمَة بنت الْمُنْذر عَن جدَّتهَا أَسمَاء قَالَت: أتيت عَائِشَة وَهِي تصلي، فَقلت: مَا شَأْن النَّاس؟ فَأَشَارَتْ إِلَى السَّمَاء، فَإِذا النَّاس قيام. قَالَت: سُبْحَانَ الله. قلت: آيَة؟ فَأَشَارَتْ برأسها: أَي نعم، فَقُمْت حَتَّى تجلاني الغشي، فَجعلت أصب على رَأْسِي المَاء، فَحَمدَ الله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأثْنى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: " مَا من شَيْء كنت لم أره إِلَّا رَأَيْته فِي مقَامي هَذَا،(4/266)
حَتَّى الْجنَّة وَالنَّار، وأوحي إِلَيّ أَنكُمْ تفتنون فِي قبوركم مثل - أَو قَرِيبا، لَا أَدْرِي أَي ذَلِك قَالَت أَسمَاء - من فتْنَة الْمَسِيح الدَّجَّال. فَقَالَ: مَا علمك بِهَذَا الرجل؟ فَأَما الْمُؤمن أَو الموقن - لَا أَدْرِي أَيهمَا قَالَت أَسمَاء، فَيَقُول: هُوَ مُحَمَّد، وَهُوَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، جَاءَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهدى، فأجبنا وَاتَّبَعنَا، هُوَ مُحَمَّد - ثَلَاثًا. فَيُقَال: نم صَالحا، قد علمنَا إِن كنت لموقناً بِهِ. وَأما الْمُنَافِق أَو المرتاب - لَا أَدْرِي أَي ذَلِك قَالَت أَسمَاء - فَيَقُول: لَا أَدْرِي، سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ شَيْئا فقلته ".
وَفِي حَدِيث زَائِدَة:
لقد أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالعتاقة فِي كسوف الشَّمْس.
قَالَ البُخَارِيّ: وَقَالَ أَبُو أُسَامَة حَدثنَا هِشَام قَالَ:
أَخْبَرتنِي فَاطِمَة بنت الْمُنْذر عَن أَسمَاء قَالَت: فَانْصَرف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد تجلت الشَّمْس، فَحَمدَ الله بِمَا هُوَ أَهله، ثمَّ قَالَ: " أما بعد ".
قَالَ البُخَارِيّ: وَقَالَ مَحْمُود - هُوَ ابْن غيلَان - حَدثنَا أَبُو أُسَامَة. . وَذكر نَحْو مَا قدمنَا، وَفِيه قَالَت:
فَأطَال رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جدا حَتَّى تجلاني الغشي، وَإِلَى جَنْبي قربةٌ فِيهَا مَاء، ففتحتها فَجعلت أصب مِنْهَا على رَأْسِي، فَانْصَرف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد تجلت الشَّمْس، فَخَطب النَّاس، فَحَمدَ الله بِمَا هُوَ أَهله ثمَّ قَالَ: " أما بعد ". ولغط نسوةٌ من الْأَنْصَار، فَانْكَفَأت إلَيْهِنَّ لأسكتهن، فَقلت لعَائِشَة: مَا قَالَ؟ قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " مَا من شيءٍ لم أكن رَأَيْته إِلَّا رَأَيْته فِي مقَامي هَذَا حَتَّى الْجنَّة وَالنَّار، وَإنَّهُ قد أُوحِي إِلَيّ أَنكُمْ تفتنون فِي الْقُبُور مثل - أَو قَرِيبا - من فتْنَة الْمَسِيح الدَّجَّال. " ثمَّ ذكر نَحْو مَا تقدم إِلَى قَوْله: " سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ شَيْئا فقلته " قَالَ هِشَام: فَلَقَد قَالَت لي فَاطِمَة فَمَا وعيته، غير أَنه ذكرت مَا يغلظ عَلَيْهِ.
وللبخاري من رِوَايَة عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكَة عَن أَسمَاء:
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى صَلَاة الْكُسُوف، فَقَامَ فَأطَال الْقيام، ثمَّ ركع فَأطَال الرُّكُوع، ثمَّ قَامَ(4/267)
فَأطَال الْقيام، ثمَّ ركع فَأطَال الرُّكُوع، ثمَّ رفع، ثمَّ سجد فَأطَال السُّجُود، ثمَّ رفع، ثمَّ سجد فَأطَال السُّجُود، ثمَّ قَامَ فَأطَال الْقيام، ثمَّ ركع فَأطَال الرُّكُوع، ثمَّ رفع فَأطَال الْقيام، ثمَّ ركع فَأطَال الرُّكُوع، ثمَّ رفع، فَسجدَ فَأطَال السُّجُود، ثمَّ رفع، ثمَّ سجد فَأطَال السُّجُود، ثمَّ انْصَرف فَقَالَ: " قد دنت مني الْجنَّة حَتَّى لَو اجترأت عَلَيْهَا لجئتكم بقطافٍ من قطافها، وَدنت مني النَّار حَتَّى قلت: أَي رب، وَأَنا مَعَهم؟ وَإِذا امْرَأَة - حسبت أَنه قَالَ - تخدشها هرةٌ، قلت: مَا شَأْن هَذِه؟ قَالُوا: حبستها حَتَّى مَاتَت جوعا، لَا أطعمتها وَلَا أرسلتها تَأْكُل. قَالَ: حسبت أَنه قَالَ: من خشيش الأَرْض أَو خشَاش الأَرْض ".
قَالَ أَبُو بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ: وَالصَّحِيح:
أَو أَنا مَعَهم؟ " قَالَ: وَقد يستخف إِسْقَاط ألف الِاسْتِفْهَام فِي مَوَاضِع.
وَلمُسلم من رِوَايَة صَفِيَّة بنت شيبَة عَن أَسمَاء قَالَت:
كسفت الشَّمْس على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَفَزعَ فَأَخْطَأَ بدرع. وَفِي رِوَايَة ابْن جريج: فَأخذ درعاً، حَتَّى أدْرك بردائه بعد ذَلِك، قَالَت: فَقضيت حَاجَتي، ثمَّ جِئْت وَدخلت الْمَسْجِد، فَرَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِما، فَقُمْت مَعَه، فَأطَال الْقيام حَتَّى رَأَيْتنِي أُرِيد أَن أَجْلِس، ثمَّ ألتفت إِلَى الْمَرْأَة الضعيفة فَأَقُول: هَذِه أَضْعَف مني فأقوم، فَرَكَعَ فَأطَال الرُّكُوع، ثمَّ رفع رَأسه فَأطَال الْقيام، حَتَّى لَو أَن رجلا جَاءَ خيل إِلَيْهِ أَنه لم يرْكَع.
وَمن رِوَايَة سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة قَالَ:
لَا تقل كسفت، وَلَكِن قل خسفت الشَّمْس.(4/268)
3512 - السَّادِس: عَن هِشَام عَن فَاطِمَة بنت الْمُنْذر عَن أَسمَاء بنت أبي بكر قَالَت: نحرنا على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرسا فأكلناه. كَذَا فِي رِوَايَة سُفْيَان وَجَرِير وَعبد الله بن نمير وَحَفْص بن غياث ووكيع بن الْجراح عَن هِشَام: نحرنا.
وَفِي رِوَايَة عَبدة عَن هِشَام:
ذبحنا على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرسا وَنحن بِالْمَدِينَةِ فأكلناه. قَالَ البُخَارِيّ: تَابعه وَكِيع وَابْن عُيَيْنَة عَن هِشَام فِي النَّحْر.
3513 - السَّابِع: عَن هِشَام عَن فَاطِمَة عَن أَسمَاء أَن امْرَأَة قَالَت: يَا رَسُول الله، إِن لي ضرَّة، فَهَل عَليّ من جنَاح إِن تشبعت من زَوجي غير الَّذِي يعطيني؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " المتشبع بِمَا لم يُعْط كلابس ثوبي زور ".
وَفِي حَدِيث وَكِيع وَعَبدَة بن هِشَام:
أَن امراة قَالَت: يَا رَسُول الله، أَقُول: إِن زَوجي أَعْطَانِي مَا لم يُعْطِنِي. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ... . وَذكر مثله.
3514 - الثَّامِن: عَن هِشَام عَن امْرَأَته فَاطِمَة عَن أَسمَاء: أَن امْرَأَة سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: إِن ابْنَتي أصابتها الحصبة فامرق شعرهَا، وَإِنِّي زوجتها، أفأصل فِيهِ؟ فَقَالَ: " لعن الله الْوَاصِلَة والموصولة ".
وَفِي رِوَايَة آدم عَن شُعْبَة أَن أَسمَاء قَالَت:
لعن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْوَاصِلَة وَالْمسْتَوْصِلَة ".
وَفِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة عَن هِشَام أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
لعن الله الْوَاصِلَة وَالْمسْتَوْصِلَة ".(4/269)
وَأَخْرَجَاهُ من حَدِيث صَفِيَّة بنت شيبَة عَن أَسمَاء، وَفِيه:
فسب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْوَاصِلَة وَالْمسْتَوْصِلَة وَفِي حَدِيث وهيب: فَنَهَاهَا.
3515 - التَّاسِع: عَن هِشَام عَن فَاطِمَة: أَن أَسمَاء كَانَت إِذا أتيت بِالْمَرْأَةِ قد حمت تَدْعُو لَهَا، أخذت المَاء فصبته بَينهَا وَبَين جيبها وَقَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمُرنَا أَن نبردها بِالْمَاءِ.
وَفِي حَدِيث عَبدة بن سُلَيْمَان عَن هِشَام
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " أبردوها بِالْمَاءِ " وَقَالَ: " إِنَّهَا من فيح جَهَنَّم ".
3516 - الْعَاشِر: عَن هِشَام عَن فَاطِمَة عَن أَسمَاء قَالَت: جَاءَت امرأةٌ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: إحدانا يُصِيب ثوبها من دم الْحَيْضَة، كَيفَ تصنع بِهِ؟ قَالَ: " تَحْتَهُ، ثمَّ تقرصه بِالْمَاءِ، ثمَّ تنضحه، ثمَّ تصلي فِيهِ ".
3517 - الْحَادِي عشر: عَن هِشَام عَن فَاطِمَة عَن أَسمَاء قَالَت: قَالَ لي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " لَا توكي فيوكي عَلَيْك ".
وَفِي رِوَايَة عُثْمَان بن أبي شيبَة:
لَا تحصي فيحصي الله عَلَيْك ".
وَفِي رِوَايَة حَفْص بن غياث عَن هِشَام:
أنفقي - أَو انضحي، أَو انفحي - وَلَا تحصي فيحصي الله عَلَيْك، وَلَا توعي فيوعي الله عَلَيْك ".
وَفِي رِوَايَة عبد الله بن نمير عَن هِشَام:
أنفقي وَلَا تحصي فيحصي الله عَلَيْك، وَلَا توعي فيوعي الله عَلَيْك ".(4/270)
وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بن حَازِم عَن هِشَام عَن عباد بن حَمْزَة وَعَن فَاطِمَة جَمِيعًا عَن أَسمَاء قَالَت:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " انفحي أَو انضحي أَو أنفقي وَلَا تحصي فيحصي الله عَلَيْك، وَلَا توعي فيوعي الله عَلَيْك ".
وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بن بشر عَن هِشَام عَن عباد بن حَمْزَة وَحده عَن أَسمَاء أَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهَا نَحوه.
وَلَهُمَا من رِوَايَة عباد بن عبد الله بن الزبير عَن أَسمَاء قَالَت:
قلت: يَا رَسُول الله، مَالِي مالٌ إِلَّا مَا أَدخل عَليّ الزبير، أفأتصدق؟ قَالَ: " تصدقي، وَلَا توعي فيوعي عَلَيْك ".
وَفِيه من رِوَايَة حجاج بن مُحَمَّد عَن ابْن جريج:
أَنَّهَا جَاءَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: " يَا نَبِي الله، لَيْسَ لي شَيْء إِلَّا مَا أَدخل عَليّ الزبير، فَهَل عَليّ جناحٌ أَن أرضخ مِمَّا يدْخل عَليّ؟ فَقَالَ: " ارضخي مَا اسْتَطَعْت وَلَا توعي فيوعي الله عَلَيْك ".
قَالَ أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي: وَقيل:
هُوَ عباد بن حَمْزَة بن عبد الله بن الزبير.
3518 - الثَّانِي عشر: عَن أبي مُحَمَّد عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكَة عَن أَسمَاء قَالَت: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِنِّي على الْحَوْض حَتَّى أنظر من يرد عَليّ مِنْكُم، وسيؤخذ ناسٌ دوني فَأَقُول: يَا رب، مني وَمن أمتِي، فَيُقَال: هَل شَعرت مَا عمِلُوا بعْدك؟ وَالله مَا برحوا يرجعُونَ على أَعْقَابهم " فَكَانَ ابْن أبي مليكَة يَقُول: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذ بك أَن نرْجِع على أعقابنا، أَو أَن نفتن عَن ديننَا.
3519 - الثَّالِث عشر: عَن عبد الله مُوسَى أَسمَاء: أَنه كَانَ يسمع أَسمَاء تَقول(4/271)
كلما مرت بالحجون: صلى الله على رَسُوله، لقد نزلنَا مَعَه هَا هُنَا وَنحن خفاف الحقائب، قليلٌ ظهرنا، قليلةٌ أزوادنا، فاعتمرت أَنا وأختي عَائِشَة وَالزُّبَيْر وَفُلَان، فَلَمَّا مسحنا أَحللنَا ثمَّ أَهْلَلْنَا من الْعشي بِالْحَجِّ.
3520 - الرَّابِع عشر: عَن عبد الله مولى أَسمَاء عَن أَسمَاء: أَنَّهَا نزلت لَيْلَة جمع عِنْد الْمزْدَلِفَة، فَقَامَتْ تصلي، فصلت سَاعَة ثمَّ قَالَت: يَا بني، هَل غَابَ الْقَمَر؟ قلت: لَا ثمَّ صلت سَاعَة ثمَّ قَالَت: هَل غَابَ الْقَمَر؟ قلت: نعم. قَالَت: فارتحلوا، فارتحلنا، فمضينا حَتَّى رمت الْجَمْرَة، ثمَّ رجعت فصلت الصُّبْح فِي منزلهَا، فَقلت: يَا هنتاه، مَا أرانا إِلَّا قد غلسنا. قَالَت: يَا بني، إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اذن للظعن.
وَفِي رِوَايَة عِيسَى بن يُونُس عَن ابْن جريج:
أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أذن لظعنه.
أَفْرَاد البُخَارِيّ
3521 - عَن هِشَام عَن أَبِيه، وَعَن فَاطِمَة عَن أَسمَاء قلت: صنعت سفرة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَيت أبي بكر حِين أَرَادَ أَن يُهَاجر إِلَى الْمَدِينَة. قَالَت: فَلم نجد لسفرته وَلَا لسقائه مَا نربطهما بِهِ. فَقلت لأبي بكر: وَالله مَا أجد شَيْئا أربط بِهِ إِلَّا نطاقي. قَالَ: فشقيه بِاثْنَيْنِ، فاربطي بواحدٍ السقاء، وبواحد السفرة، فَفعلت، فَلذَلِك سميت ذَات النطاقين.
وَعَن هِشَام عَن أَبِيه ووهب بن كيسَان قَالَ:
كَانَ أهل الشَّام يعيرون ابْن الزبير، يَقُولُونَ: يَا ابْن ذَات النطاقين. فَقَالَت أَسمَاء: يَا بني، يعيرونك بالنطاقين، هَل تَدْرِي مَا النطاقان؟ إِنَّمَا كَانَ نطاقي شققته نِصْفَيْنِ، فأوكيت قربَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(4/272)
بِأَحَدِهِمَا، وَجعلت فِي سفرته آخر. قَالَ: وَكَانَ أهل الشَّام إِذا عيروه بالنطاقين يَقُول: إيها وَالله، " تِلْكَ شكاةٌ ظَاهر عَنْك عارها ".
3522 - الثَّانِي: أخرجه البُخَارِيّ تَعْلِيقا فَقَالَ: وَقَالَ اللَّيْث: كتب إِلَيّ هِشَام عَن أَبِيه عَن أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: رَأَيْت زيد بن عَمْرو بن نفَيْل قَائِما مُسْندًا ظَهره إِلَى الْكَعْبَة، يَقُول: يَا معشر قُرَيْش، وَالله مَا مِنْكُم على دين إِبْرَاهِيم غَيْرِي، وَكَانَ يحيي المؤودة، يَقُول للرجل إِذا أَرَادَ أَن يقتل ابْنَته: لَا تقتلها، أَنا أكفيك مؤنتها، فيأخذها، فَإِذا ترعرعت قَالَ لأَبِيهَا: إِن شِئْت دفعتها إِلَيْك، وَإِن شِئْت كفيتك مؤنتها.
3523 - الثَّالِث: عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة أَسمَاء قَالَت: قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَطِيبًا، فَذكر فتْنَة الْقَبْر، يفتتن فِيهَا الْمَرْء، فَلَمَّا ذكر ذَلِك ضج الْمُسلمُونَ ضجةً.
لم يزدْ البُخَارِيّ فِيمَا عندنَا من كِتَابه على هَذَا.
وَتَمَامه عِنْد أبي بكر أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأبي بكر البرقاني، من حَدِيث ابْن وهب عَن يُونُس:
ضج الْمُسلمُونَ ضجةً حَالَتْ بيني وَبَين أَن أفهم آخر كَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَمَّا سكنت ضجتهم قلت لرجلٍ قريب مني: أَي، بَارك الله فِيك، مَاذَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي آخر قَوْله؟ قَالَ: قَالَ: " قد أُوحِي إِلَيّ أَنكُمْ تفتنون فِي الْقُبُور قَرِيبا من فتْنَة الدَّجَّال ".
3524 - الرَّابِع: عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن فَاطِمَة عَن أَسمَاء قَالَت: أفطرنا على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم غيم، ثمَّ طلعت الشَّمْس. قيل لهشام: فَأمروا بِالْقضَاءِ؟ قَالَ: بدٌّ من قَضَاء. وَقَالَ معمر: سَمِعت هشاماً يَقُول: لَا أَدْرِي: أقضوا أم لَا؟ ".(4/273)
أَفْرَاد مُسلم
3525 - الحَدِيث الأول: عَن مُسلم القري قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس عَن مُتْعَة الْحَج، فَرخص فِيهَا، وَكَانَ ابْن الزبير ينْهَى عَنْهَا، فَقَالَ: هَذِه أم ابْن الزبير تحدث أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رخص فِيهَا، فادخلوا عَلَيْهَا فاسألوها. قَالَ: فَدَخَلْنَا عَلَيْهَا فَإِذا هِيَ امْرَأَة ضخمة عمياء، فَقَالَت: قد رخص رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا.
وَأما عبد الرَّحْمَن بن مهْدي فَفِي حَدِيثه:
الْمُتْعَة، وَلم يقل: مُتْعَة الْحَج. وَفِي حَدِيث مُحَمَّد بن جَعْفَر غنْدر قَالَ شُعْبَة: قَالَ مُسلم - يَعْنِي القري: لَا أَدْرِي مُتْعَة الْحَج أَو مُتْعَة النِّسَاء.
وَهَذَا أَيْضا يذكر فِي تَرْجَمَة ابْن عَبَّاس عَن أَسمَاء.
وَلَيْسَ لعبد الله بن عَبَّاس عَن أَسمَاء، وَلَا لمُسلم القري عَنْهَا فِي الصَّحِيح غَيره.
3526 - الثَّانِي: عَن عبد الله مولى أَسمَاء - وَكَانَ خَال ولد عَطاء قَالَ: أرسلتني أَسمَاء إِلَى عبد الله بن عمر فَقَالَت: بَلغنِي أَنَّك تحرم أَشْيَاء ثَلَاثَة: الْعلم فِي الثَّوْب، وميثرة الأرجوان، وَصَوْم رَجَب كُله. فَقَالَ لي عبد الله: اما مَا ذكرت من رَجَب، فَكيف بِمن يَصُوم الْأَبَد؟ وَأما مَا ذكرت من الْعلم فِي الثَّوْب، فَإِنِّي سَمِعت عمر بن الْخطاب يَقُول: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " إِنَّمَا يلبس الْحَرِير من لَا خلاق لَهُ " فَخفت أَن يكون الْعلم مِنْهُ. وَأما ميثرة الأرجوان فَهَذِهِ ميثرة عبد الله، فَإِذا هِيَ أرجوان، فَرَجَعت إِلَى أَسمَاء فخبرتها، فَقَالَت: هَذِه جُبَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فأخرجت إِلَيّ جُبَّة طيالسةٍ كسروانية لَهَا لبنة ديباج، وفرجيها(4/274)
مكفوفين بالديباج، فَقَالَت: هَذِه كَانَت عِنْد عَائِشَة حَتَّى قبضت، فَلَمَّا قبضت قبضتها، وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يلبسهَا، فَنحْن نغسلهَا للمرضى، يستشفى بهَا.
وَهَذَا أَيْضا يدْخل فِي مُسْند عمر.
3527 - الثَّالِث: عَن صَفِيَّة بنت شيبَة عَن أَسمَاء قَالَت: خرجنَا محرمين، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " من كَانَ مَعَه هديٌ فَليقمْ على إِحْرَامه، وَمن لم يكن مَعَه هديٌ فليحلل " فَلم يكن معي هديٌ، فحللت، وَكَانَ مَعَ الزبير هديٌ فَلم يحلل. قَالَت: فَلبِست ثِيَابِي ثمَّ خرجت إِلَى الزبير، فَقَالَ: قومِي عني، فَقلت: أتخشى أَن أثب عَلَيْك.
وَأول حَدِيث وهيب بن خَالِد:
قدمنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مهلين بِالْحَجِّ. . ثمَّ ذكر نَحوه غير أَنه قَالَ: استرخى عني، استرخي عني.
3528 - الرَّابِع: عَن أبي نَوْفَل مُعَاوِيَة بن مُسلم بن أبي عقرب قَالَ: رَأَيْت عبد الله بن الزبير على عقبَة الْمَدِينَة. قَالَ: فَجعلت قُرَيْش تمر عَلَيْهِ وَالنَّاس، حَتَّى مر عَلَيْهِ عبد الله بن عمر، فَوقف عَلَيْهِ فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْك أَبَا خبيبٍ، السَّلَام عَلَيْك أَبَا خبيب، السَّلَام عَلَيْك أَبَا خبيب. أما وَالله لقد كنت أَنهَاك عَن هَذَا، أما وَالله لقد كنت أَنهَاك عَن هَذَا، أما وَالله لقد كنت أَنهَاك عَن هَذَا. أما وَالله إِن كنت مَا علمت صواماً، قواماً، وصُولا للحرم، أما وَالله لأمةٌ أَنْت شَرها لأمه سوء. ثمَّ نفذ عبد الله بن عمر. فَبلغ الْحجَّاج موقف عبد الله وَقَوله، فَأرْسل إِلَيْهِ، فَأنْزل عَن جذعه، فألقي فِي قُبُور الْيَهُود، ثمَّ أرسل إِلَى أمه أَسمَاء بنت ابي بكر فَأَبت أَن تَأتيه، فَأَعَادَ عَلَيْهَا الرَّسُول: لتَأْتِيني أَو لَأَبْعَثَن إِلَيْك من يسحبك بقرونك.(4/275)
قَالَ: فَأَبت، وَقَالَت: وَالله لَا آتِيك حَتَّى تبْعَث إِلَيّ من يسحبني بقروني قَالَ: فَقَالَ: أروني سبتي. فَأخذ نَعْلَيْه ثمَّ انْطلق يتوذف حَتَّى دخل عَلَيْهَا فَقَالَ: كَيفَ رَأَيْتنِي صنعت بعدو الله؟ قَالَت: رَأَيْتُك أفسدت عَلَيْهِ دُنْيَاهُ وأفسد عَلَيْك آخرتك.
بَلغنِي أَنَّك تَقول: يَا ابْن ذَات النطاقين، أَنا وَالله ذَات النطاقين، أما أَحدهمَا فَكنت أرفع بِهِ طَعَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَطَعَام أبي بكر رَضِي الله عَنهُ من الدَّوَابّ، وَأما الاخر فنطاق الْمَرْأَة الَّتِي لَا تَسْتَغْنِي عَنهُ. أما إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدثنَا: " أَن فِي ثَقِيف كذابا ومبيراً ". وَأما الْكذَّاب فرأيناه، وَأما المبير فَلَا إخالك إِلَّا إِيَّاه. قَالَ: فَقَامَ عَنْهَا وَلم يُرَاجِعهَا.
(225) أم كُلْثُوم بنت عقبَة بن أبي معيط
وَكَانَت من الْمُهَاجِرَات الأول اللَّاتِي بايعن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رَضِي الله عَنْهَا.
// حَدِيث وَاحِد مُتَّفق عَلَيْهِ //:
3529 - من رِوَايَة حميد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف ابْنهَا عَنْهَا: أَنَّهَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " لَيْسَ الْكذَّاب الَّذِي يصلح بَين النَّاس فينمي خيرا أَو يَقُول خيرا ". إِلَى هُنَا عِنْد البُخَارِيّ من حَدِيث عبد الْعَزِيز بن عبد الله عَن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن صَالح عَن الزُّهْرِيّ. وَكَذَا عِنْد مُسلم من رِوَايَة معمر عَن الزُّهْرِيّ.(4/276)
زَاد عِنْد مُسلم من رِوَايَة يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم بن سعد عَن أَبِيه عَن صَالح عَن الزُّهْرِيّ عَن حميد، قَالَت:
وَلم أسمعهُ يرخص فِي شَيْء مِمَّا يَقُول النَّاس إِلَّا فِي ثَلَاث: تَعْنِي الْحَرْب، والإصلاح بَين النَّاس، وَحَدِيث الرجل امْرَأَته وَحَدِيث المراة زَوجهَا. ادرجه على مَا قبله.
وَفِي حَدِيث يُونُس بن يزِيد عَن الزُّهْرِيّ: قَالَ ابْن شهَاب:
وَلم أسمع يرخص فِي شَيْء مِمَّا يَقُول النَّاس كذبٌ إِلَّا فِي ثَلَاث، وَذكر الثَّلَاث. جعل يُونُس هَذِه الزِّيَادَة من قَول ابْن شهَاب.
(226) أم قيس بنت مُحصن الأَسدِية
أَسد خُزَيْمَة، رَضِي الله عَنْهَا وَكَانَت من الأول اللَّاتِي بايعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهِي أُخْت عكاشة بن مُحصن.
// حديثان مُتَّفق عَلَيْهِمَا //:
3530 - أَحدهمَا: من رِوَايَة عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة عَنْهَا: أَنَّهَا أَتَت بابنٍ لَهَا صَغِير - لم يَأْكُل الطَّعَام - إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فأجلسه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجره، فَبَال على ثَوْبه، فَدَعَا بماءٍ فنضحه وَلم يغسلهُ. لفظ حَدِيث البُخَارِيّ من طَرِيق مَالك.
وَفِي حَدِيث يُونُس بن يزِيد نَحوه.
وَقَالَ فِي حَدِيث اللَّيْث عَن الزُّهْرِيّ: فَلم يزدْ على أَن نضح بِالْمَاءِ.
وَفِي حَدِيث ابْن عُيَيْنَة: فَدَعَا بِمَاء فرشه.(4/277)
3531 - الثَّانِي: من حَدِيث عبيد الله بن عبد الله أَيْضا عَن أم قيس أَنَّهَا قَالَت: دخلت بابنٍ لي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد أعلقت عَلَيْهِ من الْعذرَة.، فَقَالَ: " علام تدغرن أَوْلَادكُنَّ بِهَذَا العلاق؟ عليكن بِهَذَا الْعود الْهِنْدِيّ، فَإِن فِيهِ سَبْعَة أشفيةٍ، مِنْهَا ذَات الْجنب، يستعط من الْعذرَة، ويلد من ذَات الْجنب ".
قَالَ سُفْيَان: فَسمِعت الزُّهْرِيّ يَقُول:
بَين لنا اثْنَتَيْنِ وَلم يبين لنا خمْسا. قَالَ البُخَارِيّ: وَقَالَ يُونُس وَإِسْحَاق بن رَاشد عَن الزُّهْرِيّ: علقت عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَة عَليّ بن الْمَدِينِيّ عَن سُفْيَان:
وَقد أعلقت من الْعذرَة، وَلم يذكر: عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَة عتاب بن بشير: فَقَالَ:
اتَّقوا الله، علام تدغرن أَوْلَادكُنَّ بِهَذَا الإعلاق ". قَالَ عَليّ: فَقلت لِسُفْيَان: فَإِن معمراً يَقُول: أعلقت عَلَيْهِ. قَالَ: لم يحفظ، إِنَّمَا قَالَ: أعلقت عَنهُ، حفظته من فِي الزُّهْرِيّ. وَوصف سُفْيَان الْغُلَام يحنك بالإصبع، وَأدْخل سُفْيَان إصبعه فِي حنكه وَقَالَ: إِنَّمَا يَعْنِي رفع حنكه بإصبعه.
وَفِي حَدِيث حَرْمَلَة عَن ابْن وهب: قَالَ يُونُس: أعلقت:
غمزت، فَهِيَ تخَاف أَن يكون بِهِ عذرة. وَفِيه: " عَلَيْكُم بِهَذَا الْعود الْهِنْدِيّ " يَعْنِي بِهِ الكست.
قَالَ البُخَارِيّ:
والقسط الْهِنْدِيّ البحري والكسط، مثل الكافور والقافور، وَمثل {كشطت} [التكوير] نزعت. وَقَرَأَ عبد الله (قشطت) .(4/278)
(227) زَيْنَب بنت أبي سَلمَة ربيبة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَضي الله عَنْهَا
حَدِيث للْبُخَارِيّ جمع حديثين:
3532 - من رِوَايَة كُلَيْب بن وائلٍ قَالَ: حَدَّثتنِي ربيبة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَيْنَب بنت أبي سَلمَة، قَالَ: قلت لَهَا: أَرَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَكَانَ من مُضر؟ قَالَت: فَمِمَّنْ كَانَ إِلَّا من مُضر، من بني النَّضر بن كنَانَة.
وَفِي رِوَايَة مُوسَى عَن عبد الْوَاحِد بن زِيَاد عَن كُلَيْب قَالَ:
حَدَّثتنِي ربيبة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وأظنها زَيْنَب - قَالَت: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الدُّبَّاء والحنتم والمقير والمزفت. وَقلت لَهَا: أَخْبِرِينِي، النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِمَّن كَانَ، من مُضر كَانَ؟ قَالَت: فَمِمَّنْ كَانَ إِلَّا من مُضر، كَانَ من ولد النَّضر بن كنَانَة.
حَدِيث لمُسلم:
3533 - من رِوَايَة مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَطاء قَالَ: سميت ابْنَتي برة، فَقَالَت لي زَيْنَب بنت أبي سَلمَة: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن هَذَا الِاسْم، وَسميت برة، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا تزكوا أَنفسكُم، الله أعلم بِأَهْل الْبر مِنْكُم " فَقَالُوا: بِمَ نسميها؟ قَالَ: " سَموهَا زَيْنَب ".
وَفِي حَدِيث الْوَلِيد بن كثير عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَطاء قَالَ:
حَدَّثتنِي زَيْنَب بنت أبي سَلمَة قَالَت: كَانَ اسْمِي برة، فسماني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَيْنَب.
قَالَ: وَدخلت عَلَيْهِ زَيْنَب بنت جحش وَاسْمهَا برة، فسماها زَيْنَب.(4/279)
(228) فَاطِمَة بنت قيس رَضِي الله عَنْهَا
قد تقدم لَهَا فِي مُسْند عَائِشَة حَدِيث الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَسليمَان بن يسَار، فِي قَول فَاطِمَة: لَا سُكْنى وَلَا نَفَقَة، وانتقالها، وإنكار عَائِشَة لذَلِك.
وَلمُسلم ثَلَاثَة أَحَادِيث:
3534 - الأول مِنْهَا: عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن فَاطِمَة بنت قيس قَالَت: قلت: يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، زَوجي طَلقنِي ثَلَاثًا، وأخاف أَن يقتحم عَليّ، فَأمرهَا فتحولت.
3535 - الثَّانِي: عَن أبي سَلمَة عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن فَاطِمَة بنت قيس: أَن أَبَا عَمْرو بن حَفْص طَلقهَا الْبَتَّةَ وَهُوَ غَائِب، فَأرْسل إِلَيْهَا وَكيله بشعير فسخطته، فَقَالَ: وَالله مَا لَك علينا من شَيْء. فَجَاءَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت ذَلِك لَهُ، فَقَالَ: " لَيْسَ لَك عَلَيْهِ نَفَقَة " فَأمرهَا أَن تَعْتَد فِي بَيت أم شريك، ثمَّ قَالَ: " تِلْكَ امرأةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي، اعْتدي عِنْد ابْن أم مَكْتُوم، فَإِنَّهُ رجل أعمى، تَضَعِينَ ثِيَابك، فَإِذا حللت فآذنيني " قَالَت: فَلَمَّا حللت ذكرت لَهُ أَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان وَأَبا جهم خطباني، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أما أَبُو الجهم فَلَا يضع عَصَاهُ عَن عَاتِقه، وَأما مُعَاوِيَة فصعلوك لَا مَال لَهُ. انكحى أُسَامَة بن زيد " فَكَرِهته، ثمَّ قَالَ: " انكحي أُسَامَة " فنكحته، فَجعل الله فِيهِ خيرا، واغتبطت.
وَفِي حَدِيث أبي حَازِم عَن أبي سَلمَة عَن فَاطِمَة:
أَنه طَلقهَا زَوجهَا فِي عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ أنْفق عَلَيْهَا نَفَقَة دوناً. فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِك قَالَت: وَالله لأعلمن(4/280)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِن كَانَت لي نَفَقَة أخذت الَّذِي يصلحني، وَإِن لم تكن لي نَفَقَة لم آخذ مِنْهُ شَيْئا. قَالَت: فَذكرت ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: " لَا نَفَقَة لَك وَلَا سُكْنى ".
وَفِي رِوَايَة يحيى بن أبي كثير عَن أبي سَلمَة:
أَن فَاطِمَة بنت قيس أُخْت الضَّحَّاك بن قيس أخْبرته: ان أَبَا حَفْص بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي طَلقهَا ثَلَاثًا، ثمَّ انْطلق إِلَى الْيمن، فَقَالَ لَهَا أَهله: لَيْسَ لَك علينا نَفَقَة، فَانْطَلق خَالِد بن الْوَلِيد فِي نفرٍ فَأتوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَيت مَيْمُونَة، فَقَالُوا:: إِن أَبَا حَفْص طلق امْرَأَته ثَلَاثًا، فَهَل لَهَا من نَفَقَة؟ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَيْسَ لَهَا نَفَقَة، وَعَلَيْهَا الْعدة ". وَأرْسل إِلَيْهَا: " أَن لَا تسبقيني بِنَفْسِك وَفِيه: فَلَمَّا مَضَت عدتهَا أنْكحهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُسَامَة بن زيد بن حَارِثَة.
وَفِي حَدِيث صَالح وَعقيل عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة:
أَن فَاطِمَة أخْبرته: أَنَّهَا كَانَت تَحت أبي عَمْرو بن حَفْص بن الْمُغيرَة، فَطلقهَا آخر ثَلَاث تَطْلِيقَات، فَزَعَمت أَنَّهَا جَاءَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تستفتيه فِي خُرُوجهَا من بَيتهَا، فَأمرهَا أَن تنْتَقل إِلَى ابْن أم مَكْتُوم الْأَعْمَى، فَأبى مَرْوَان أَن يصدقهُ فِي خُرُوج الْمُطلقَة من بَيتهَا، وَقَالَ عُرْوَة: إِن عَائِشَة أنْكرت ذَلِك على فَاطِمَة بنت قيس.
وَلمُسلم من حَدِيث معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة:
أَن أَبَا عَمْرو بن حَفْص بن الْمُغيرَة خرج مَعَ عَليّ بن أبي طَالب إِلَى الْيمن، فَأرْسل إِلَى امْرَأَته فَاطِمَة بنت قيس بتطليقه بقيت من طَلاقهَا، فَأمرهَا الْحَارِث بن هِشَام وَعَيَّاش ابْن أبي ربيعَة بِنَفَقَة، فَقَالَا لَهَا: وَالله مَا لَك نَفَقَة إِلَّا أَن تَكُونِي حَامِلا، فَأَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت لَهُ قَوْلهمَا، فَقَالَ: " لَا نَفَقَة لَك " فاستأذنته فِي الِانْتِقَال فَأذن(4/281)
لَهَا، فَقَالَت: أَيْن يَا رَسُول الله؟ قَالَ: " إِلَى ابْن أم مَكْتُوم " وَكَانَ أعمى، تضع ثِيَابهَا عِنْده وَلَا يرهَا، فَلَمَّا مَضَت عدتهَا أنْكحهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُسَامَة بن زيد، فَأرْسل لَهَا مَرْوَان قبيصَة بن ذُؤَيْب يسْأَلهَا عَن الحَدِيث، فَحَدَّثته بِهِ، فَقَالَ مَرْوَان: لم نسْمع هَذَا الحَدِيث إِلَّا من امْرَأَة، سنأخذ بالعصمة الَّتِي وجدنَا النَّاس عَلَيْهَا. فَقَالَت فَاطِمَة حِين بلغَهَا قَول مَرْوَان: بيني وَبَيْنكُم الْقُرْآن، قَالَ الله عز وَجل: {لَا تخرجوهن من بُيُوتهنَّ} [الطَّلَاق] قَالَت: هَذِه لمن كَانَت لَهُ مُرَاجعَة، فَأَي أمرٍ يحدث بعد الثَّلَاث؟ فَكيف تَقولُونَ: لَا نَفَقَة لَهَا إِذا لم تكن حَامِلا؟ فعلام تحبسونها.
قَالَ أَبُو مَسْعُود إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الدِّمَشْقِي: حَدِيث عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بِقصَّة طَلَاق فَاطِمَة مُرْسل.
وَفِي حَدِيث أبي عَمْرو عَامر بن شرَاحِيل الشّعبِيّ قَالَ:
دخلت على فَاطِمَة بنت قيس فسألتها عَن قَضَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهَا، فَقَالَت: طَلقهَا زَوجهَا الْبَتَّةَ، فَقَالَت: فَخَاصَمته إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السكن وَالنَّفقَة، قَالَت: فَلم يَجْعَل لي سُكْنى وَلَا نَفَقَة، وَأَمرَنِي أَن أَعْتَد فِي بَيت ابْن أم مَكْتُوم.
وَفِي حَدِيث سيار أبي الحكم عَن الشّعبِيّ قَالَ:
دَخَلنَا على فَاطِمَة بنت قيس، فأتحفتنا برطب ابْن طَابَ، وسقتنا سويقٍ سلت، فسألتها عَن الْمُطلقَة ثَلَاثًا، أَيْن تَعْتَد؟ قَالَت: طَلقنِي بعلي ثَلَاثًا، فَأذن لي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أَعْتَد فِي أَهلِي.
وَفِي رِوَايَة سَلمَة بن كهيل عَن الشّعبِيّ عَن فَاطِمَة بنت قيس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فِي الْمُطلقَة ثَلَاثًا قَالَ: " لَيْسَ لَهَا سُكْنى وَلَا نَفَقَة ".
وَفِي رِوَايَة عمار بن زُرَيْق عَن أبي إِسْحَاق عَن الشّعبِيّ:
أَن فَاطِمَة بنت قيس قَالَت: طَلقنِي زَوجي ثَلَاثًا، فَأَرَدْت النقلَة، فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " انْتَقِلِي إِلَى بَيت ابْن عمك عَمْرو ابْن أم مَكْتُوم ".(4/282)
وَمن رِوَايَة عمَارَة بن زُرَيْق أَيْضا عَن أبي إِسْحَاق قَالَ:
كنت مَعَ الْأسود بن يزِيد جَالِسا فِي الْمَسْجِد الْأَعْظَم ومعنا الشّعبِيّ، فَحدث الشّعبِيّ بِحَدِيث فَاطِمَة بنت قيس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يَجْعَل لَهَا سُكْنى وَلَا نَفَقَة، فَأخذ الْأسود كفا من حَصى فَحَصَبه بِهِ وَقَالَ: وَيلك، أتحدث بِمثل هَذَا؟ قَالَ عمر: لَا نَتْرُك كتاب الله وَسنة نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقَوْل امْرَأَة لَا نَدْرِي لَعَلَّهَا حفظت أَو نسيت، لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفقَة، قَالَ الله عز وَجل: {لَا تخرجوهن من بُيُوتهنَّ وَلَا يخْرجن إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة} [سُورَة الطَّلَاق] .
وَفِي حَدِيث أبي بكر بن عبد الله بن أبي الجهم بن صخير الْعَدوي عَن فَاطِمَة بنت قيس:
أَن زَوجهَا طَلقهَا ثَلَاثًا، فَلم يَجْعَل لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُكْنى وَلَا نَفَقَة، وَقَالَت: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِذا حللت فآذنيني " فآذنته، فَخَطَبَهَا مُعَاوِيَة وَأَبُو جهم وَأُسَامَة بن زيد، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أما مُعَاوِيَة فَرجل تربٌ لَا مَال لَهُ، وَأما أَبُو جهم فَرجل ضراب للنِّسَاء، وَلَكِن أُسَامَة ". فَقَالَت بِيَدِهَا هَكَذَا: أُسَامَة، أُسَامَة. فَقَالَ لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " طَاعَة الله وَطَاعَة رَسُوله خيرٌ لَك " فتزوجته، فاغتبطت.
وَفِي رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن مهْدي عَن سُفْيَان أَنَّهَا قَالَت:
أرسل إِلَيّ زَوجي أَبُو عَمْرو بن حَفْص بن الْمُغيرَة عَيَّاش بن أبي ربيعَة بطلاقي، وَأرْسل مَعَه بِخَمْسَة آصَع تمرٍ، وَخَمْسَة آصَع شعيرٍ، فَقلت: أما لي نَفَقَة إِلَّا هَذَا، وَلَا أَعْتَد فِي منزلكم؟ قَالَ: لَا، فشددت عَليّ ثِيَابِي، وأتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " كم طَلَّقَك؟ " فَقلت: ثَلَاثًا. قَالَ: " صدق، لَيْسَ لَك نَفَقَة، اعْتدي فِي بَيت ابْن عمك ابْن أم مَكْتُوم " ثمَّ ذكر بَاقِي الحَدِيث فِيمَن خطبهَا، وَفِيه: " وَلَكِن عَلَيْك بأسامة بن زيد ".
وَفِي رِوَايَة أبي عَاصِم عَن الثَّوْريّ عَن ابْن صخير قَالَ:
دخلت أَنا وَأَبُو سَلمَة(4/283)
ابْن عبد الرَّحْمَن على فَاطِمَة بنت قيس فسألناها فَقَالَت:
كنت عِنْد أبي عَمْرو بن حَفْص بن الْمُغيرَة، فَخرج فِي غَزْوَة نَجْرَان ... . . وسَاق الحَدِيث، وَفِي آخِره فِي ذكر أُسَامَة: قَالَت: فتزوجته، فشرفني الله بِأبي زيد، وكرمني بِأبي زيد.
وَفِي رِوَايَة شُعْبَة عَن أبي بكر بن أبي الجهم قَالَ:
دخلت أَنا وَأَبُو سَلمَة على فَاطِمَة بنت قيس زمن ابْن الزبير، فحدثتنا أَن زَوجهَا طَلقهَا طَلَاقا باتاً، وَذكر الحَدِيث بِنَحْوِ حَدِيث سُفْيَان الثَّوْريّ.
وَفِي رِوَايَة عبد الله الْبَهِي عَن فَاطِمَة بنت قيس قَالَت:
طَلقنِي زَوجي ثَلَاثًا، فَلم يَجْعَل لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُكْنى وَلَا نَفَقَة.
3536 - الثَّالِث: حَدِيث الْجَسَّاسَة.
عَن عَامر بن شرَاحِيل الشّعبِيّ - شعب هَمدَان - أَنه سَأَلَ فَاطِمَة بنت قيس، أُخْت الضَّحَّاك بن قيس - وَكَانَت من الْمُهَاجِرَات الأول، فَقَالَ: حدثيني حَدِيثا سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تسنديه إِلَى أحد غَيره. فَقَالَت: لَئِن شِئْت لَأَفْعَلَنَّ.
فَقَالَ لَهَا: أجل، حدثيني، فَقَالَت:
نكحت ابْن الْمُغيرَة وَهُوَ من خِيَار شباب قُرَيْش يومئذٍ، فأصيب فِي أول الْجِهَاد مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَلَمَّا تأيمت خطبني عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فِي نفر من أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وخطبني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على مَوْلَاهُ أُسَامَة بن زيد، وَكنت قد حدثت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " من أَحبَّنِي فليحب أُسَامَة " فَلَمَّا كلمني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلت: أَمْرِي بِيَدِك، فأنكحني من شِئْت. فَقَالَ: " انْتَقِلِي إِلَى أم شريك " وَأم شريك امْرَأَة غنية من الْأَنْصَار، عَظِيمَة النَّفَقَة فِي سَبِيل الله، ينزل عَلَيْهَا الضيفان، فَقلت: سأفعل. قَالَ: " لَا تفعلي، إِن أم شريك كَثِيرَة الضيفان، فَإِنِّي أكره أَن يسْقط عَنْك خِمَارك أَو أَن ينْكَشف الثَّوْب عَن ساقيك، فَيرى الْقَوْم مِنْك بعض مَا تكرهين، وَلَكِن انْتَقِلِي إِلَى ابْن عمك عبد الله بن عَمْرو بن أم(4/284)
مَكْتُوم " وَهُوَ رجل من بني فهر، فهر قُرَيْش، وَهُوَ الْبَطن الَّذِي هِيَ مِنْهُ - فانتقلت إِلَيْهِ، فَلَمَّا انْقَضتْ عدتي سَمِعت نِدَاء الْمُنَادِي - مُنَادِي رَسُول الله يُنَادي: " الصَّلَاة جَامِعَة " فَخرجت إِلَى الْمَسْجِد، فَصليت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَكنت فِي النِّسَاء اللَّاتِي تلِي ظُهُور الْقَوْم، فَلَمَّا قضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلَاته جلس على الْمِنْبَر يضْحك، فَقَالَ " ليلزم كل إِنْسَان مُصَلَّاهُ " ثمَّ قَالَ: " تَدْرُونَ لم جمعتكم؟ " قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم. قَالَ: " إِنِّي وَالله مَا جمعتكم لرغبةٍ وَلَا لرهبة، وَلَكِن جمعتكم لِأَن تميماً الدَّارِيّ كَانَ رجلا نَصْرَانِيّا فَبَايع وَأسلم، وحَدثني حَدِيثا وَافق الَّذِي كنت أحدثكُم عَن الْمَسِيح الدَّجَّال: حَدثنِي أَنه ركب فِي سفينة بحريّة مَعَ ثَلَاثِينَ رجلا من لخمٍ وجذام، فلعب بهم الموج شهرا فِي الْبَحْر، ثمَّ أرفأوا إِلَى جَزِيرَة فِي الْبَحْر حَتَّى مغرب الشَّمْس، فجلسوا فِي أقرب السَّفِينَة، فَدَخَلُوا الجزيرة، فلقيتهم دابةٌ أهلب كَثِيرَة الشّعْر، لَا يَدْرُونَ مَا قبله من دبره، فَقَالُوا: وَيلك {مَا أَنْت؟ فَقَالَت: أَنا الْجَسَّاسَة. قَالُوا: وَمَا الْجَسَّاسَة؟ قَالَت: أَيهَا الْقَوْم، انْطَلقُوا إِلَى هَذَا الرجل فِي الدَّيْر، فَإِنَّهُ إِلَى خبركم بالأشواق. قَالَ: لما سمت لنا رجلا، فرقنا مِنْهُ أَنه تكون شَيْطَانَة، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا سرَاعًا حَتَّى دَخَلنَا الدَّيْر، فَإِذا فِيهِ أعظم إنسانٍ رَأَيْنَاهُ قطّ خلقا، وأشده وثاقةً، مجموعةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقه، مَا بَين رُكْبَتَيْهِ إِلَى كَعبه بالحديد، قُلْنَا: وَيلك} مَا أَنْت؟ قَالَ: قد قدرتم على خبري، فَأَخْبرُونِي مَا أَنْتُم؟ قَالُوا: نَحن أنَاس من الْعَرَب، ركبنَا فِي سفينة بحريّة، فصادفنا الْبَحْر حِين اغتلم، فلعب بِنَا الموج شهرا، ثمَّ أرفأنا إِلَى جزيرتك هَذِه، فَجَلَسْنَا فِي أقربها، فَدَخَلْنَا الجزيرة فلقيتنا دَابَّة أهلب كَثِيرَة الشّعْر، لَا نَدْرِي قبله من دبره من كَثْرَة الشّعْر، فَقُلْنَا: وَيلك! مَا أَنْت؟ فَقَالَت: أَنا الْجَسَّاسَة. قُلْنَا: وَمَا الْجَسَّاسَة؟ قَالَت: اعمدوا إِلَى هَذَا الرجل فِي الدَّيْر، فَإِنَّهُ إِلَى خبركم بالأشواق، فأقبلنا إِلَيْك سرَاعًا، وفزعنا مِنْهَا، وَلم نَأْمَن أَن تكون شَيْطَانَة. فَقَالَ: أخبروني عَن نخل بيسان. قُلْنَا: عَن أَي شَأْنهَا تستخبر؟ قَالَ:(4/285)
أَسأَلكُم عَن نخلها، هَل يُثمر؟ قُلْنَا لَهُ: نعم، قَالَ: يُوشك أَلا يُثمر. قَالَ: أخبروني عَن بحيرة الطبرية. قُلْنَا عَن أَي شَأْنهَا تستخبر؟ قَالَ: هَل فِيهَا مَاء؟ قَالُوا: هِيَ كَثِيرَة المَاء. قَالَ: إِن ماءها يُوشك أَن يذهب. قَالَ: أَخْبرنِي عَن عين زغر. قَالُوا: عَن أَي شَأْنهَا تستخبر؟ قَالَ: هَل فِي الْعين مَاء؟ وَهل يزرع أَهلهَا بِمَاء الْعين؟ قُلْنَا: نعم، هِيَ كَثِيرَة المَاء، وَأَهْلهَا يزرعون من مَائِهَا. قَالَ أَخْبرنِي عَن نَبِي الْأُمِّيين مَا فعل؟ قَالُوا: قد خرج من مَكَّة وَنزل بِيَثْرِب. قَالَ: أقاتلته الْعَرَب؟ قُلْنَا: نعم. قَالَ: كَيفَ صنع بهم؟ فَأَخْبَرنَاهُ أَنه قد ظهر على من يَلِيهِ من الْعَرَب فأطاعوه. قَالَ لَهُم: قد كَانَ ذَلِك؟ قُلْنَا: نعم. قَالَ: أما إِن ذَلِك خير لَهُم أَن يطيعوه، وَإِنِّي مخبركم عني. أَنا الْمَسِيح، وَإِنِّي أوشك أَن يُؤذن لي بِالْخرُوجِ فَأخْرج فأسير فِي الأَرْض، فَلَا أدع قَرْيَة إِلَّا هبطتها فِي الْأَرْبَعين لَيْلَة غير مَكَّة وطيبة، هما محرمتان عَليّ كلتاهما، كلما أردْت أَن أَدخل وَاحِدَة أَو وَاحِدًا مِنْهُمَا استقبلني ملكٌ بِيَدِهِ السَّيْف صَلتا، يصدني عَنْهَا، وَإِن على كل نقبٍ مِنْهَا مَلَائِكَة يحرسونها. قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَطعن بمخصرته فِي الْمِنْبَر: " هَذِه طيبَة، هَذِه طيبَة - يَعْنِي الْمَدِينَة أَلا هَل كنت حدثتكم ذَلِك؟ " فَقَالَ النَّاس: نعم. قَالَ: " فَإِنَّهُ أعجبني حَدِيث تميمٍ، إِنَّه وَافق الَّذِي كنت أحدثكُم عَنهُ، وَعَن الْمَدِينَة وَمَكَّة، أَلا إِنَّه فِي بَحر الشَّام أَو بَحر الْيمن، لَا بل من قبل الْمشرق، مَا هُوَ من قبل الْمشرق، مَا هُوَ من قبل الْمشرق، مَا هُوَ " - وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْمشرق. قَالَت: فَحفِظت هَذَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَفِي حَدِيث سيار عَن الشّعبِيّ طرفٌ من ذكر الطَّلَاق. ثمَّ قَالَت:
فَنُوديَ فِي النَّاس: إِن الصَّلَاة جَامِعَة. قَالَت: فَانْطَلَقت فِيمَن انْطلق من النَّاس. قَالَت: فَكنت فِي الصَّفّ الْمُقدم من النِّسَاء، وَهُوَ يَلِي الْمُؤخر من الرِّجَال. قَالَت: فَسمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ على الْمِنْبَر يخْطب، فَقَالَ: " إِن بني عَم لتميم الدَّارِيّ ركبُوا فِي الْبَحْر. . " وسَاق الحَدِيث، وَفِيه: قَالَت: فَكَأَنَّمَا أنظر إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأهوى بمخصرته إِلَى الأَرْض وَقَالَ: " هَذِه طيبَة " يَعْنِي الْمَدِينَة.(4/286)
وَفِي رِوَايَة غيلَان بن جرير عَن الشّعبِيّ عَن فَاطِمَة قَالَت:
قدم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تميمٌ الدَّارِيّ، فَأخْبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه ركب الْبَحْر، فتاهت بِهِ سفينته، فَسقط إِلَى جَزِيرَة، فَخرج إِلَيْهَا يلْتَمس المَاء، فلقي إنْسَانا يجر شعره ... واقتص الحَدِيث، وَفِيه: ثمَّ قَالَ: اما إِنَّه لَو قد أذن لي فِي الْخُرُوج قد وطِئت الْبِلَاد كلهَا غير طيبَة.
فَأخْرجهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى النَّاس، فَحَدثهُمْ، قَالَ: " هَذِه طيبَة، وَذَاكَ الدَّجَّال ".
وَفِي رِوَايَة أبي الزِّنَاد عَن الشّعبِيّ:
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قعد على الْمِنْبَر فَقَالَ: " أَيهَا النَّاس، حَدثنِي تميمٌ الدَّارِيّ أَن أُنَاسًا من قومه كَانُوا فِي الْبَحْر فِي سفينة لَهُم، فَانْكَسَرت بهم، فَركب بَعضهم على لوحٍ من أَلْوَاح السَّفِينَة، فَخَرجُوا إِلَى جَزِيرَة فِي الْبَحْر ... . " وسَاق الحَدِيث.
(229) سبيعة الأسْلَمِيَّة رَضِي الله عَنْهَا
// حَدِيث وَاحِد مُتَّفق عَلَيْهِ //.
3537 - أخرجه البُخَارِيّ رَحمَه الله بِالْإِسْنَادِ مُخْتَصرا من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة عَن أَبِيه: أَنه كتب إِلَى ابْن أَرقم أَن يسْأَل سبيعة الأسْلَمِيَّة: كَيفَ أفتاها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالَت: أفتاني إِذا وضعت أَن أنكح.
وَأخرجه تَعْلِيقا من حَدِيث عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة:
أَن أَبَاهُ كتب إِلَى عمر بن عبد الله بن الأرقم الزُّهْرِيّ يَأْمُرهُ أَن يدْخل على سبيعة بنت الْحَارِث الأسْلَمِيَّة، فيسألها عَن حَدِيثهَا وَعَما قَالَ لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين استفتته. فَكتب عمر بن عبد الله بن الأرقم إِلَى عبد الله بن عتبَة يُخبرهُ أَن سبيعة بنت الْحَارِث أخْبرته: أَنَّهَا كَانَت تَحت سعد بن خَوْلَة، وَهُوَ من بني عَامر من لؤَي، وَكَانَ مِمَّن(4/287)
شهد بَدْرًا، فَتوفي عَنْهَا فِي حجَّة الوادع وَهِي حَامِل، فَلم تنشب أَن وضعت حملهَا، بعد وَفَاته، فَلَمَّا تعلت من نفَاسهَا تجملت للخطاب، فَدخل عَلَيْهَا أَبُو السنابل بن بعكك رجلٌ من بني عبد الدَّار، فَقَالَ لَهَا: مَا لي أَرَاك تجملت للخطاب، ترجين النِّكَاح، وَإنَّك - وَالله - مَا أَنْت بناكحٍ حَتَّى تمر عَلَيْك أَرْبَعَة أشهر وَعشر. قَالَت سبيعة: فَلَمَّا قَالَ لي ذَلِك جمعت عَليّ ثِيَابِي حِين أمسيت، وأتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَسَأَلته عَن ذَلِك، فأفتاني بِأَنِّي قد حللت حِين وضعت حملي، وَأَمرَنِي بالتزوج إِن بدا لي.
قَالَ البُخَارِيّ: فِي أَوله: وَقَالَ اللَّيْث:
حَدثنِي يُونُس عَن الزُّهْرِيّ. وَقَالَ فِي آخِره: تَابعه أصبغ عَن ابْن وهب عَن يُونُس.
وَأخرجه مُسلم من حَدِيث ابْن وهب عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله وَذكر مثله وَزَاد: قَالَ ابْن شهَاب:
وَلَا أرى بَأْسا أَن تتَزَوَّج حِين وضعت وَإِن كَانَت فِي دَمهَا، غير أَنه لَا يقربهَا زَوجهَا حَتَّى تطهر.
(230) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند أم حرَام بنت ملْحَان بن خَالِد الخزرجية
وَاسْمهَا الغميصاء، وَهِي خَالَة أنس بن مَالك [رَضِي الله عَنْهُمَا]
حَدِيث وَاحِد:
3538 - عَن إِسْحَق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة عَن أنس قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا ذهب إِلَى قبَاء يدْخل على أم حرَام بنت ملْحَان فتطعمه، وَكَانَت تَحت عبَادَة بن الصَّامِت، فَدخل عَلَيْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا فأطعمته، ثمَّ جعلت تفلي رَأسه، فَنَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يضْحك، قَالَت: فَقلت: مَا(4/288)
يضحكك يَا رَسُول الله؟ قَالَ: " ناسٌ من أمتِي عرضوا عَليّ غزَاة فِي سَبِيل الله، يركبون ثبج هَذَا الْبَحْر ملوكاً على الأسرة أَو قَالَ: مثل الْمُلُوك على الأسرة " شكّ إِسْحَق. قَالَت: قلت يَا رَسُول الله، ادْع الله أَن يَجْعَلنِي مِنْهُم. فَدَعَا لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ وضع رَأسه ثمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يضْحك، قَالَت: فَقلت: مَا يضحكك يَا رَسُول الله؟ قَالَ: " ناسٌ من أمتِي عرضوا عَليّ غزَاة فِي سَبِيل الله " كَمَا قَالَ فِي الأولى. قَالَت: فَقلت: يَا رَسُول الله، ادْع الله أَن يَجْعَلنِي مِنْهُم.
قَالَ: " أَنْت من الْأَوَّلين ".
فركبت أم حرَام بنت ملْحَان الْبَحْر
فِي زمن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان، فصرعت عَن دابتها حِين خرجت من الْبَحْر فَهَلَكت.
وَأَخْرَجَاهُ من حَدِيث مُحَمَّد بن يحيي بن حبَان عَن أنس عَن خَالَته أم حرَام بنت ملْحَان قَالَت:
نَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا قَرِيبا مني، ثمَّ اسْتَيْقَظَ يتبسم، فَقلت: مَا أضْحكك؟ قَالَ: " ناسٌ من أمتِي عرضوا عَليّ يركبون الْبَحْر الْأَخْضَر كالملوك على الأسرة ". قَالَت: فَقلت: فَادع الله أَن يَجْعَلنِي مِنْهُم. فَدَعَا لَهَا - ثمَّ ذكر نَحوه بِمَعْنَاهُ. وَفِيه: فَخرجت مَعَ زَوجهَا عبَادَة بن الصَّامِت أول مَا ركب الْمُسلمُونَ الْبَحْر مَعَ مُعَاوِيَة، فَلَمَّا انصرفوا من غزوتهم قافلين فنزلوا الشَّام قدمت إِلَيْهَا دَابَّة لتركبها فصرعتها فَمَاتَتْ.
وَفِي حَدِيث حَمَّاد بن زيد عَن يحيى الْأنْصَارِيّ:
مَا يضحكك - بِأبي أَنْت وَأمي؟ وَفِيه:
يركبون ظهر هَذَا الْبَحْر الْأَخْضَر " وفيهَا " فَإنَّك مِنْهُم ". وَفِيه: فَتَزَوجهَا عبَادَة بن الصَّامِت بعد، فغزا فِي الْبَحْر فحملها مَعَه، فَلَمَّا أَن جَاءَت قربت لَهَا بغلةٌ فركبتها، فصرعتها، فاندقت عُنُقهَا.(4/289)
وَأَخْرَجَاهُ من حَدِيث أبي طوالة عبد الله بن عبد الرَّحْمَن عَن أنس قَالَ:
أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْنة ملْحَان، خَالَة لأنس، فَوضع رَأسه عِنْدهَا. وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ: فاتكأ عِنْدهَا، ثمَّ ضحك فَقَالَت: لم تضحك يَا رَسُول الله؟ فَقَالَ: " ناسٌ من أمتِي يركبون الْبَحْر الْأَخْضَر فِي سَبِيل الله، مثلهم مثل الْمُلُوك على الأسرة. قلت: يَا رَسُول الله، ادْع الله أَن يَجْعَلنِي مِنْهُم. قَالَ: " اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مِنْهُم " ثمَّ عَاد فَضَحِك، فَقَالَت لَهُ مثل ذَلِك، فَقَالَت: ادْع الله أَن يَجْعَلنِي مِنْهُم. قَالَ: " أَنْت من الْأَوَّلين، وَلست من الآخرين ". قَالَ أنسٌ. فَتزوّجت عبَادَة ابْن الصَّامِت، فركبت الْبَحْر مَعَ بنت قرظة، فَلَمَّا قفلت ركبت دابتها، فَوَقَعت بهَا فَسَقَطت عَنْهَا فَمَاتَتْ، اللَّفْظ لحَدِيث البُخَارِيّ، وأدرجه مُسلم على مَا قبله.
أخرج أَبُو مَسْعُود حَدِيث أبي طوالة هَذَا فِي مُسْند أم حرَام، وَأخرجه أَبُو بكر البرقاني فِي مُسْند أنس. وَفِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث عَن البُخَارِيّ فِيمَا رَأَيْنَاهُ من النّسخ أَبُو إِسْحَق - هُوَ الْفَزارِيّ - عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن - هُوَ أَبُو طوالة - عَن أنس. قَالَ أَبُو مَسْعُود: هَكَذَا عِنْد البُخَارِيّ: أَبُو إِسْحَق عَن أبي طوالة، سقط عَلَيْهِ بَينهمَا زَائِدَة بن قدامَة.
وَأخرج البُخَارِيّ من حَدِيث عُمَيْر بن الْأسود الْعَنسِي:
أَنه أَتَى عبَادَة بن الصَّامِت وَهُوَ نَازل فِي سَاحل حمص وَهُوَ فِي بِنَاء لَهُ وَمَعَهُ أم حرَام. قَالَ عُمَيْر: فحدثتنا أم حرَام أَنَّهَا سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " أول جَيش من أمتِي يغزون الْبَحْر قد أوجبوا " قَالَت أم حرَام: قلت: يَا رَسُول الله، أَنا فيهم؟ قَالَ: " أَنْت فيهم ".
قَالَت: ثمَّ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أول جَيش من أمتِي يغزون مَدِينَة قَيْصر مغفورٌ لَهُم. "
فَقلت: أَنا فيهم يَا رَسُول الله؟ قَالَ: " لَا ".(4/290)
هَكَذَا قَالَ البُخَارِيّ فِي كتاب " التَّارِيخ الْكَبِير " فِي هَذَا الرَّاوِي عَن أم حرَام فِي بَاب " عُمَيْر ": عُمَيْر بن الْأسود الْعَنسِي، سمع عبَادَة بن الصَّامِت وابا الدردار وَأم حرَام، سمع مِنْهُ خَالِد بن معدان. وَقَالَ فِي بَاب " عَمْرو ": عَمْرو بن الْأسود الْعَنسِي، سمع مُعَاوِيَة. وَفِي رِوَايَة نعيم بن حَمَّاد أَنه سمع عمر، روى عَنهُ خَالِد ابْن معدان، يعد فِي الشاميين.
وَقَالَ فِيهِ أَبُو مُحَمَّد عبد الْغَنِيّ فِي كِتَابه فِي " المؤتلف والمختلف ": أَبُو عِيَاض، عَمْرو بن الْأسود الْعَنسِي، سمع مُعَاوِيَة، رُوِيَ عَنهُ خَالِد بن معدان. وَقيل: سمع عمر، وَلم يذكر عُمَيْرًا.
وَقد كشف الْغُمَّة عَن هَذَا أَبُو زرْعَة الدِّمَشْقِي وَغَيره، فَقَالَ فِيمَا روينَا مِنْهُ: عَمْرو بن الْأسود، يكني أَبَا عِيَاض. وَهُوَ عُمَيْر بن الْأسود. وَقَالَ مُحَمَّد بن عَوْف: عَمْرو وَعُمَيْر وَاحِد، يكنى أَبَا عِيَاض. وَقَالَ أَبُو الْحسن مَحْمُود بن إِبْرَاهِيم ابْن سميع فِي " طَبَقَات الشاميين ": عَمْرو بن الْأسود الْعَنسِي، حمصي. وَقَالَ ابْن معِين: عَمْرو، يكني أَبَا عِيَاض.
وَحكى أَبُو بكر البرقاني عَن أبي الْعَبَّاس بن حمدَان قَالَ:
لم يصنع يحيى بن حَمْزَة شَيْئا فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث، يَعْنِي حَيْثُ قَالَ: عُمَيْر بن الْأسود. وَذكر الحَدِيث من طَرِيق أَيُّوب بن حسان عَن ثَوْر بن يزِيد وَفِيه: عَمْرو بن الْأسود. قَالَ مُحَمَّد بن يحيى: الصَّوَاب عَمْرو بن الْأسود كَمَا قَالَ أَيُّوب بن حسان.(4/291)
(231) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند أم سليم بنت ملْحَان أم أنس ابْن مَالك، رَضِي الله عَنْهُمَا
حَدِيث وَاحِد:
3539 - من رِوَايَة قَتَادَة بن دعامة السدُوسِي عَن أنس عَن أم سليم أَنَّهَا قَالَت: يَا رَسُول الله، خادمك أنس، ادْع الله لَهُ. فَقَالَ: " اللَّهُمَّ أَكثر مَاله وَولده، وَبَارك لَهُ فِيمَا أَعْطيته ".
هَكَذَا أَخْرجَاهُ من رِوَايَة مُحَمَّد بن جَعْفَر غنْدر عَن شُعْبَة.
وَمن الروَاة من قَالَ فِيهِ:
عَن شُعْبَة عَن قَتَادَة عَن أنس: أَن أم سليم قَالَت: يَا رَسُول الله، خادمك أنس، ادْع الله لَهُ. جعله فِي مُسْند أنس، وَذَلِكَ مَذْكُور هُنَالك.
وللبخاري حَدِيث وَاحِد:
3540 - من رِوَايَة أَيُّوب عَن عِكْرِمَة: أَن أهل الْمَدِينَة سَأَلُوا ابْن عَبَّاس عَن امرأةٍ طافت ثمَّ حَاضَت، فَقَالَ لَهُم: تنفر. قَالُوا: لَا نَأْخُذ بِقَوْلِك وَنَدع قَول زيد.
قَالَ: إِذا قدمتم الْمَدِينَة فاسألوا: فسألوا، فَكَانَ فِيمَن سَأَلُوا أم سليم، فَذكرت حَدِيث صَفِيَّة.
قَالَ البُخَارِيّ: رَوَاهُ خَالِد وقتاده عَن عِكْرِمَة.
فَأَما حَدِيث صَفِيَّة الَّذِي احتجت بِهِ أم سليم فمذكور فِي مُسْند عَائِشَة:
أَن صَفِيَّة حَاضَت، فَذكر ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: " أحابستنا هِيَ؟ " قَالُوا: إِنَّهَا قد أفاضت. قَالَ: " فَلَا إِذن ".(4/292)
وَلمُسلم حديثان:
3541 - أَحدهمَا: من رِوَايَة قَتَادَة عَن أنس: أَن أم سليم حدثت أَنَّهَا سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْمَرْأَة ترى فِي منامها مَا يرى الرجل. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِذا رَأَتْ الْمَرْأَة فلتغتسل " فَقَالَت أم سليم: وَاسْتَحْيَيْت من ذَلِك. قَالَت: وَهل يكون هَذَا؟ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " نعم. فَمن أَيْن يكون الشّبَه؟ إِن مَاء الرجل غليظٌ أَبيض، وَمَاء الْمَرْأَة رقيقٌ أصفر، فَمن أَيهمَا علا أَو سبق يكون مِنْهُ الشّبَه ".
وَفِي رِوَايَة إِسْحَق بن أبي طَلْحَة عَن أنس قَالَ:
جَاءَت أم سليم - وَهِي جدة إِسْحَق - إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَت لَهُ وَعَائِشَة عِنْده: يَا رَسُول الله، الْمَرْأَة ترى مَا يرى الرجل فِي الْمَنَام ... . . فَذكره بِمَعْنَاهُ، جعله فِي مُسْند أنس، وَذَلِكَ مَذْكُور هُنَالك.
وَقد اتفقَا جَمِيعًا على إِخْرَاجه من حَدِيث أم سَلمَة وَفِيه أَن أم سَلمَة هِيَ الَّتِي قَالَت: وتحتلم الْمَرْأَة؟ .
وَفِي أَفْرَاد مُسلم من مُسْند انس أَن عَائِشَة قَالَت: يَا أم سليم، فضحت النِّسَاء.
3542 - الثَّانِي: من حَدِيث أبي قلَابَة عَن أنس عَن أم سليم: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَأْتِيهَا فيقيل عِنْدهَا. فتبسط لَهُ نطعاً فيقيل عَلَيْهِ، وَكَانَ كثير الْعرق، فَكَانَت تجمع عرقة فتجعله فِي الطّيب والقوارير، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " يَا أم سليم، مَا هَذَا؟ " قَالَت: عرقك، أدوف بِهِ طيبي. كَذَا فِي رِوَايَة عَفَّان بن مُسلم عَن وهيب.
قَالَ أَبُو مَسْعُود: وَرَوَاهُ غير عَفَّان عَن وهيب، فَلم يقل فِيهِ عَن أم سليم.
أخرجه أَبُو بكر البرقاني فِي كِتَابه من حَدِيث عَفَّان عَن وهيب كَمَا أخرجه، وَزَاد فِي آخِره: قَالَت: وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي على الْخمْرَة.(4/293)
(232) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند زَيْنَب الثقفية
امْرَأَة عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنْهُمَا.
3543 - من رِوَايَة وَائِل بن شَقِيق بن سَلمَة عَن عَمْرو بن الْحَارِث عَن زَيْنَب امْرَأَة عبد الله قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " تصدقن يَا معشر النِّسَاء وَلَو من حليكن " قَالَت: فَرَجَعت إِلَى عبد الله فَقلت: إِنَّك رجلٌ خَفِيف ذَات الْيَد، وَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أمرنَا بِالصَّدَقَةِ، فأته فَاسْأَلْهُ، فَإِن كَانَ يَجْزِي عني وَإِلَّا صرفتها إِلَيّ غَيْركُمْ. قَالَت: قَالَ لي عبد الله: بل ائتيه أَنْت. قَالَت: فَانْطَلَقت، فَإِذا امرأةٌ من الْأَنْصَار بِبَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَاجَتي حَاجَتهَا، قَالَت: وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألقيت عَلَيْهِ المهابة. قَالَت: فَخرج علينا بلالٌ فَقُلْنَا لَهُ: ائْتِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ أَن امْرَأتَيْنِ بِالْبَابِ تسألانك: أتجزي الصَّدَقَة عَنْهُمَا على أزواجهما وعَلى أيتامٍ فِي حجورهما، وَلَا تخبره من نَحن. قَالَت: فَدخل بِلَال على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: [" من هما؟ " فَقَالَ: امرأةٌ من الْأَنْصَار وَزَيْنَب. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " أَي الزيانب؟ " قَالَ: امْرَأَة عبد الله. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَهما أَجْرَانِ: أجر الْقَرَابَة، وَأجر الصَّدَقَة " اللَّفْظ لراوية مُسلم.
وَلمُسلم حَدِيث وَاحِد:
3544 - من رِوَايَة بسر بن سعيد عَن زَيْنَب امْرَأَة عبد الله بن مَسْعُود قَالَت: قَالَ لنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِذا شهِدت إحداكن الْمَسْجِد فَلَا تمس طيبا ".
وَفِي رِوَايَة مخرمَة بن بكير بن عبد الله الْأَشَج عَن أَبِيه:
إِذا شهِدت إحداكن الْعشَاء فَلَا تطيب تِلْكَ اللَّيْلَة ".(4/294)
(233) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند أم شريك
إِحْدَى نسَاء بني عَامر بن لؤَي، رَضِي الله عَنْهَا. قَالَ أَبُو بكر البرقاني: وَاسْمهَا غزيَّة بنت الْأَعْجَم. وَيُقَال فِي نَسَبهَا غير ذَلِك. وَيُقَال: بنت دودان. قَالَ عبد الْغَنِيّ بن سعيد: غزيَّة بِضَم الْغَيْن. قَالَ: وَيُقَال: غزيلة بِاللَّامِ.
حَدِيث وَاحِد:
3545 - من رِوَايَة سعيد بن الْمسيب: أَن أم شريك أخْبرته أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمرهَا بقتل الأوزاغ.
وَفِي رِوَايَة أبي بكر بن أبي شيبَة عَن ابْن عمر: أَمر.
وللبخاري من حَدِيث ابْن جريج عَن عبد الحميد بن جُبَير عَن سعيد بن الْمسيب عَنْهَا:
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بقتل الأوزاغ. قَالَ: وَكَانَت تنفخ على إِبْرَاهِيم.
وَفِي مُسْند سعد بن أبي وَقاص وَأبي هُرَيْرَة الْأَمر بقتلها، وثواب من فعل ذَلِك.
وَلمُسلم حَدِيث وَاحِد:
3546 - وَمن رِوَايَة أبي الزبير عَن جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ قَالَ: أَخْبَرتنِي أم شريك أَنَّهَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " ليفرن النَّاس من الدَّجَّال فِي الْجبَال.
قَالَت أم شريك: يَا رَسُول الله، فَأَيْنَ الْعَرَب يومئذٍ؟ قَالَ: " هم قَلِيل ".(4/295)
(234) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند الرّبيع بنت معوذ بن عفراء الْأَنْصَارِيَّة رَضِي الله عَنْهَا
حَدِيث وَاحِد:
3547 - من رِوَايَة خَالِد بن ذكْوَان عَنْهَا قَالَت: أرسل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَدَاة عَاشُورَاء إِلَى قرى الْأَنْصَار الَّتِي حول الْمَدِينَة: " من كَانَ أصبح صَائِما فليتم صَوْمه، وَمن كَانَ أصبح مُفطرا فليتم بَقِيَّة يَوْمه " فَكُنَّا بعد ذَلِك نصومه، ونصومه صبياننا الصغار مِنْهُم، وَنَذْهَب إِلَى الْمَسْجِد فَنَجْعَل لَهُم اللعبة من العهن، فَإِذا بَكَى أحدهم على الطَّعَام أعطيناها إِيَّاه حَتَّى يكون عِنْد الْإِفْطَار.
وَفِي حَدِيث أبي معشر الْعَطَّار عَن خَالِد بن ذكْوَان نَحوه، وَقَالَ:
ونصنع لَهُم اللعبة من العهن، فنذهب بِهِ مَعنا، فَإِذا سألونا الطَّعَام أعطيناهم اللعبة تُلْهِيهِمْ حَتَّى يتموا صومهم.
وللبخاري حديثان:
3548 - أَحدهمَا من رِوَايَة خَالِد بن ذكْوَان عَن الرّبيع بنت معوذ قَالَت: كُنَّا نغزو مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نسقي الْقَوْم ونخدمهم، ونرد الْقَتْلَى والجرحى إِلَى الْمَدِينَة.
3549 - الثَّانِي: من حَدِيث خَالِد بن ذكْوَان أَيْضا عَنْهَا قَالَت: دخل عَليّ النَّبِي(4/296)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَدَاة بني عَليّ، فَجَلَسَ على فِرَاشِي كمجلسك مني وجويرياتٌ يضربن بالدف، يندبن من قتل من آبائهن يَوْم بدر، حَتَّى قَالَت إِحْدَاهُنَّ: وَفينَا نبيٌّ يعلم مَا فِي غدٍ. فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا تقولي هَكَذَا، وَقَوْلِي مَا كنت تَقُولِينَ ".
وَفِي رِوَايَة عَليّ بن الْمَدِينِيّ عَن بشر بن الْمفضل:
دعِي هَذِه، وَقَوْلِي الَّذِي كنت تَقُولِينَ ".(4/297)
(235) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند أم عَطِيَّة وَاسْمهَا نسيبة بنت كَعْب الْأَنْصَارِيَّة رَضِي الله عَنْهَا
3550 - الحَدِيث الأول: عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أم عَطِيَّة الْأَنْصَارِيَّة قَالَت: دخل علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين توفيت ابْنَته فَقَالَ: " اغسلنها ثَلَاثًا، أَو خمْسا، أَو أَكثر من ذَلِك إِن رأيتن ذَلِك، بِمَاء وَسدر، واجعلن فِي الْآخِرَة كافوراً أَو شَيْئا من كافور، فَإِذا فرغتن فآذنني، فَلَمَّا فَرغْنَا آذناه، فأعطانا حقوه فَقَالَ: " أشعرنها إِيَّاه " يَعْنِي إزَاره.
زَاد فِي حَدِيث عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ عَن أَيُّوب قَالَ:
وحدثتني حَفْصَة - يَعْنِي بنت سِيرِين - مثل حَدِيث مُحَمَّد، وَكَانَ فِي حَدِيث حَفْصَة: " اغسلنها وترا " وَكَانَ فِيهِ: " ثَلَاثًا أَو خمْسا أَو سبعا اَوْ أَكثر من ذَلِك إِن رأيتن " وَكَانَ فِيهِ أَنه قَالَ: " ابدءوا بميامنها ومواضع الْوضُوء " وَكَانَ فِيهِ: أَن أم عَطِيَّة قَالَت: ومشطناها ثَلَاثَة قُرُون.
وَفِي حَدِيث ابْن جريج عَن أَيُّوب عَن حَفْصَة أَن أم عَطِيَّة قَالَت:
إنَّهُنَّ جعلن رَأس بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثَة قُرُون، نقضنه، ثمَّ غسلنه، ثمَّ جعلنه ثَلَاثَة قُرُون.
وَقَالَ ابْن سِيرِين:
جَاءَت أم عَطِيَّة - امرأةٌ من الْأَنْصَار، من اللَّاتِي بايعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قدمت الْبَصْرَة تبادر ابْنا لَهَا فَلم تُدْرِكهُ فحدثتنا، وَذكر الحَدِيث إِلَى قَوْله:(4/298)
" وأشعرنها إِيَّاه " وَزعم أَن الْإِشْعَار: الففنها فِيهِ: وَكَذَلِكَ كَانَ ابْن سِيرِين يَأْمر الْمَرْأَة أَن تشعر وَلَا تؤزر.
وَفِي رِوَايَة ابْن عون عَن مُحَمَّد:
فَنزع من حقوه إزَاره فَقَالَ: " أشعرنها إِيَّاه ".
وَفِي حَدِيث أم الْهُذيْل - وَهِي حَفْصَة - عَن أم عَطِيَّة قَالَت:
ضفرنا شعر بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - تَعْنِي ثَلَاثَة قُرُون. قَالَ وَكِيع: قَالَ سُفْيَان: ناصيتها وقرنيها.
قَالَ فِي حَدِيث هِشَام بن حسان عَن حَفْصَة عَنْهَا:
فضفرنا شعرهَا ثَلَاثَة قُرُون، فألقيناها خلفهَا.
وَفِي رِوَايَة عَاصِم الْأَحول عَن حَفْصَة بنت سِيرِين عَن أم عَطِيَّة قَالَت:
لما مَاتَت زَيْنَب بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " اغسلنها وترا: ثَلَاثًا أَو خمْسا، واجعلن فِي الْخَامِسَة كافوراً " وَذكره إِلَى قَوْله: " أشعرنها إِيَّاه ".
3551 - الثَّانِي: عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أم عَطِيَّة قَالَت: أَخذ علينا رَسُول الله مَعَ الْبيعَة أَلا ننوح، فَمَا وفت منا امرأةٌ إِلَّا خمس: أم سليم، وَأم الْعَلَاء، وَابْنَة أبي سُبْرَة امْرَأَة معَاذ، أَو ابْنة أبي سُبْرَة، وَامْرَأَة معَاذ.
وَفِي رِوَايَة عبد الله بن عبد الْوَهَّاب الحَجبي:
وَابْنه أبي سُبْرَة وَامْرَأَة معَاذ، وَامْرَأَة أُخْرَى.(4/299)
وَأخرجه مُسلم من حَدِيث حَفْصَة بنت سِيرِين عَن أم عَطِيَّة:
أَخذ علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْبيعَة أَلا ننوح، فَمَا وفت منا غير خمسٍ، مِنْهُنَّ أم سليم.
وَأخرج من حَدِيث حَفْصَة عَن أم عَطِيَّة قَالَت:
لما نزلت هَذِه الآيه: {يبايعنك على أَن لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف} [سُورَة الممتحنة] قَالَت: كَانَ مِنْهُ النِّيَاحَة. قَالَت: فَقلت: يَا رَسُول الله، إِلَّا آل فلَان، فَإِنَّهُم كَانُوا أسعدوني فِي الْجَاهِلِيَّة، فلابد لي أَن أسعدهم. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِلَّا آل فلَان ".
وَفِي رِوَايَة أَيُّوب عَن حَفْصَة عَن أم عَطِيَّة قَالَت:
بَايعنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَرَأَ علينا: {لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا} ونهانا عَن النِّيَاحَة. فقبضت امْرَأَة منا يَدهَا فَقَالَت: فُلَانَة أسعدتني، فَأَنا أُرِيد أَن أجزيها. فَمَا قَالَ لَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا. فَانْطَلَقت ثمَّ رجعت، فبايعها.
زَاد فِي رِوَايَة مُسَدّد:
فَمَا وفت امرأةٌ إِلَّا أم سليم، وَأم الْعَلَاء، وَبنت أبي سُبْرَة امْرَأَة معَاذ، أَو بنت أبي سُبْرَة وَامْرَأَة معَاذ.
3552 - الثَّالِث: عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أم عَطِيَّة قَالَت: أمرنَا أَن نخرج - وَفِي حَدِيث أبي الرّبيع الزهْرَانِي عَن حَمَّاد قَالَت: أمرنَا - تَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نخرج - فِي الْعِيدَيْنِ الْعَوَاتِق وَذَوَات الْخُدُور، وَأمر الْحيض أَن يعتزلن مصلى الْمُسلمين.(4/300)
وَفِي حَدِيث ابْن عون عَن مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ: قَالَت أم عَطِيَّة:
أمرنَا ان نخرج وَنخرج الْحيض والعواتق وَذَوَات الخدر. قَالَ ابْن عون: أَو: الْعَوَاتِق ذَوَات الْخُدُور. فَأَما الْحيض فيشهدن جمَاعَة الْمُسلمين ودعوتهم، ويعتزلن مصلاهم.
قَالَ البُخَارِيّ:
وَقَالَ عبد الله بن رَجَاء عَن عمرَان الْقطَّان عَن ابْن سِيرِين عَن أم عَطِيَّة قَالَت: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... .
وَأَخْرَجَاهُ من حَدِيث حَفْصَة بنت سِيرِين عَن أم عَطِيَّة قَالَت:
كُنَّا نؤمر أَن نخرج يَوْم الْعِيد حَتَّى نخرج الْبكر من خدرها، حَتَّى نخرج الْحيض، فيكبرن بتكبيرهم، وَيدعونَ بدعائهم، ويرجون بركَة ذَلِك الْيَوْم وطهرته.
وَفِي حَدِيث أبي خَيْثَمَة عَن عَاصِم:
كُنَّا نؤمر بِالْخرُوجِ فِي الْعِيدَيْنِ، والمخبأة وَالْبكْر. فَقَالَت: وَالْحيض يخْرجن فيكُن خلف النَّاس، يكبرن مَعَ النَّاس.
وَفِي حَدِيث أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن حَفْصَة قَالَت:
كُنَّا نمْنَع جوارينا، وَفِي رِوَايَة عبد الْوَارِث: عواتقنا - أَن يخْرجن يَوْم الْعِيد. فَجَاءَت امْرَأَة فَنزلت قصر بني خلف، فأتيتها، فَحدثت أَن زوج أُخْتهَا غزا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اثْنَتَيْ عشرَة غَزْوَة، فَكَانَت أُخْتهَا مَعَه فِي سِتّ غزوات، قَالَت: فَكُنَّا نقوم على المرضى، ونداوي الكلمى. فَقلت: يَا رَسُول الله، على إحدانا بَأْس إِذا لم يكن لَهَا جلبابٌ الا تخرج - تَعْنِي فِي الْعِيد؟ قَالَ: " لتلبسها صاحبتها من جلبابها ويشهدن الْخَيْر ودعوة الْمُؤمنِينَ ".
قَالَت حَفْصَة:
فَلَمَّا قدمت أم عَطِيَّة أتيتها فسألتها: أسمعت فِي كَذَا؟ قَالَت: نعم بِأبي، وَقل مَا ذكرت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا قَالَت: بِأبي. قَالَ: " لتخرج الْعَوَاتِق(4/301)
وَذَوَات الْخُدُور - أَو قَالَ: الْعَوَاتِق ذَوَات الْخُدُور - شكّ أَيُّوب - وَالْحيض، فيعتزل الْحيض الْمصلى وَيشْهد الْخَيْر ودعوة الْمُؤمنِينَ " قَالَت: فَقلت لَهَا: الْحيض؟ قلت: نعم، أَلَيْسَ الْحَائِض تشهد عَرَفَات، وَتشهد كَذَا، وَتشهد كَذَا؟ .
وَفِي حَدِيث هِشَام بن حسان عَن حَفْصَة عَن أم عَطِيَّة قَالَت:
أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نخرجهن فِي الْفطر والأضحى: الْعَوَاتِق وَالْحيض وَذَوَات الْخُدُور.
فَأَما الْحيض فيعتزلن الصَّلَاة ويشهدن الْخَيْر ودعوة الْمُسلمين. قلت: يَا رَسُول الله، إحدانا لَا يكون لَهَا جلبابٌ. قَالَت: " لتلبسها أُخْتهَا من جلبابها ".
3553 - الرَّابِع: عَن حَفْصَة بنت سِيرِين عَن أم عَطِيَّة قَالَت: بعث إِلَى نسيبة الْأَنْصَارِيَّة بشاةٍ فَأرْسلت إِلَى عَائِشَة مِنْهَا، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " عنْدكُمْ شيءٌ؟ " فَقلت: لَا، إِلَّا مَا أرْسلت بِهِ نسيبة من تِلْكَ الشَّاة. فَقَالَ: " هَات، فقد بلغت محلهَا ".
وَفِي رِوَايَة يزِيد بن زُرَيْع وخَالِد بن عبد الله قَالَت:
دخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على عَائِشَة فَقَالَ: " هَل عنْدكُمْ شَيْء؟ " فَقَالَت: لَا، إِلَّا شيءٌ بعثت بِهِ إِلَيْنَا نسيبة من الشَّاة الَّتِي بعثت إِلَيْهَا من الصَّدَقَة. فَقَالَ: " إِنَّهَا بلغت محلهَا ".
وَفِي حَدِيث إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن علية، قَالَت:
بعث إِلَيّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بشاةٍ من الصَّدَقَة، فَبعثت إِلَى عَائِشَة مِنْهَا بِشَيْء، فَلَمَّا جَاءَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى عَائِشَة قَالَ: " هَل عنْدكُمْ شَيْء؟ " قَالَت: لَا، إِلَّا أَن نسيبة بعثت إِلَيْنَا من الشَّاة الَّتِي بعثتم بهَا إِلَيْهَا. فَقَالَ: " إِنَّهَا قد بلغت محلهَا ".(4/302)
3554 - الْخَامِس: عَن حَفْصَة - وَهِي أم الْهُذيْل - عَن أم عَطِيَّة قَالَت: نهينَا عَن اتِّبَاع الْجَنَائِز، وَلم يعزم علينا.
وَأخرجه مُسلم من حَدِيث مُحَمَّد ابْن سِيرِين عَن أم عَطِيَّة قَالَت:
كُنَّا ننهى عَن اتِّبَاع الْجَنَائِز، وَلم يعزم علينا.
3555 - السَّادِس: عَن أَيُّوب عَن حَفْصَة عَن أم عَطِيَّة قَالَت: كُنَّا ننهى أَن نحد على ميت فَوق ثَلَاث، إِلَّا على زوجٍ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا، وَلَا نكتحل، وَلَا نتطيب، وَلَا نلبس ثوبا مصبوغاً إِلَّا ثوب عصب، وَقد رخص لنا عِنْد الطُّهْر إِذا اغْتَسَلت إحدانا من محيضها فِي نبذة من كست أظفار.
زَاد فِي رِوَايَة عبد الله بن عبد الْوَهَّاب الحَجبي:
وَكُنَّا ننهى عَن اتِّبَاع الْجَنَائِز.
قَالَ البُخَارِيّ: وَرَوَاهُ هِشَام بن حسان عَن حَفْصَة عَن أم عَطِيَّة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَفِي حَدِيث عبد السَّلَام بن حَرْب عَن هِشَام عَن حَفْصَة عَن أم عَطِيَّة قَالَت:
قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تحد فَوق ثَلَاث إِلَّا على زوج، فَإِنَّهَا لَا تكتحل وَلَا تلبس ثوبا مصبوغاً إِلَّا ثوب عصب ".
وَفِي رِوَايَة ابْن إِدْرِيس عَن هِشَام عَن حَفْصَة عَن أم عَطِيَّة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
لَا تحد امرأةٌ على ميت فَوق ثلاثٍ، إِلَّا على زوج. . " وَذكره، زَاد: " وَلَا تمس طيبا إِلَّا إِذا طهرت، نبذةً من قسط أَو أظفار ".(4/303)
وَأخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث سَلمَة بن عَلْقَمَة عَن مُحَمَّد بن سِيرِين: قَالُوا:
توفّي ابنٌ لأم عَطِيَّة، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم الثَّالِث دعت بصفرةٍ فتمسحت وَقَالَت: نهينَا أَن نحد أَكثر من ثلاثٍ إِلَّا لزوج.
وللبخاري وَحده حَدِيث وَاحِد:
3556 - من رِوَايَة مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أم عَطِيَّة قَالَت: كُنَّا لَا نعد الكدرة والصفرة شَيْئا.
وَلمُسلم حَدِيث وَاحِد:
3557 - من رِوَايَة حَفْصَة بنت سِيرِين عَن أم عَطِيَّة الْأَنْصَارِيَّة قَالَت: غزوت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سبع غزوات، أخلفهم فِي رحالهم، فأصنع لَهُم الطَّعَام، وأداوي الْجَرْحى، وأقوم على المرضى.(4/304)
أَفْرَاد البُخَارِيّ من الصحابيات رضوَان الله عَلَيْهِنَّ
(236) أم خَالِد بنت سعيد بن الْعَاصِ [رَضِي الله عَنْهَا]
وَفِي بعض الْأَسَانِيد: أم خَالِد بنت خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ.
حديثان:
3558 - أَحدهمَا: من رِوَايَة سعيد بن عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ عَن أم خَالِد قَالَت: أُتِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بثيابٍ فِيهَا خميصةٌ سَوْدَاء، قَالَ: " من ترَوْنَ نكسو هَذِه الخميصة؟ " فأسكت الْقَوْم. فَقَالَ: " ائْتُونِي بِأم خَالِد " فَأتي بِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فألبسنيها بِيَدِهِ، وَقَالَ: " أبلي وأخلقي " مرَّتَيْنِ. فَجعل ينظر إِلَى علم الخميصة، وَيُشِير بِيَدِهِ إِلَيّ وَيَقُول: " يَا أم خَالِد، هَذَا سنا " والسنا بِلِسَان الْحَبَشَة: الْحسن.
قَالَ إِسْحَاق بن سعيد:
حَدَّثتنِي امْرَأَة من أَهلِي أَنَّهَا رَأَتْهُ على أم خَالِد.
وَفِي حَدِيث أبي نعيم:
أُتِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِثِيَاب، مِنْهَا خميصة سَوْدَاء صَغِيرَة، فَقَالَ: " من ترَوْنَ نكسو هَذِه؟ " فَسكت الْقَوْم، فَقَالَ: " ائْتُونِي بِأم خَالِد " فَأتي بهَا تحمل، فَأخذ الخميصة بِيَدِهِ فألبسنيها، وَقَالَ: " أبلي وأخلقي ". وَكَانَ فِيهَا علمٌ أَخْضَر أَو أصفر، فَقَالَ: " يَا أم خَالِد، هَذَا سناه ".
وَفِي حَدِيث الْحميدِي عَن سُفْيَان قَالَت:
قدمت من أَرض الْحَبَشَة وَأَنا جوَيْرِية، فكساني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خميصة لَهَا أَعْلَام، فَجعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمسح الْأَعْلَام(4/305)
بِيَدِهِ وَيَقُول: " سناه، سناه " قَالَ الْحميدِي وَهُوَ عبد الله بن الزبير: يَعْنِي حسن حسن.
وَفِي حَدِيث حبَان بن مُوسَى قَالَت:
أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ أبي وَعلي قميصٌ أصفر، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " سنه سنه " قَالَ عبد الله ابْن الْمُبَارك: وَهِي بالحبشية: حَسَنَة. قَالَت: فَذَهَبت أَلعَب بِخَاتم النُّبُوَّة، فزبرني أبي، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " دعها " ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أبلي وأخلقي، ثمَّ أبلي وأخلقي، ثمَّ أبلي وأخلقي " قَالَ ابْن الْمُبَارك: فَبَقيت حَتَّى دكن.
3559 - الثَّانِي: من حَدِيث مُوسَى بن عقبَة قَالَ: حَدَّثتنِي ابْنة خَالِد بن سعيد ابْن الْعَاصِ: أَنَّهَا سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يتَعَوَّذ من عَذَاب الْقَبْر.
وَفِي حَدِيث سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن مُوسَى بن عقبَة قَالَ:
سَمِعت أم خَالِد بنت خَالِد، قَالَ: وَلم أسمع أحدا سمع من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَيرهَا، قَالَت: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَعَوَّذ من عَذَاب الْقَبْر.(4/306)
(237) أم رُومَان، أم عَائِشَة بنت أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنْهُم
حَدِيث وَاحِد:
3560 - رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن مُحَمَّد بن كثير عَن أَخِيه سُلَيْمَان من حَدِيث مَسْرُوق عَن أم رُومَان أم عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: لما رميت عَائِشَة خرت مغشياً عَلَيْهَا.
وَعَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل من حَدِيث أبي وَائِل قَالَ:
حَدثنِي مَسْرُوق بن الأجدع قَالَ: حَدَّثتنِي أم رُومَان - وَهِي أم عَائِشَة قَالَت: بَينا أَنا قاعدةٌ أَنا وَعَائِشَة، إِذْ ولجت امرأةٌ من الْأَنْصَار فَقَالَت: فعل الله بفلانٍ وَفعل. فَقَالَت أم رُومَان: وَمَا ذَاك؟ قَالَت: ابْني فِيمَن حدث الحَدِيث. قَالَت: وَمَا ذَاك؟ قَالَت: كَذَا وَكَذَا.
قَالَت عَائِشَة:
سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَت: نعم. قَالَت: وَأَبُو بكر؟ قَالَت: نعم، فخرت مغشياً عَلَيْهَا، فَمَا أفاقت إِلَّا وَعَلَيْهَا حمى بنافضٍ، فطرحت عَلَيْهَا ثِيَابهَا، فغطيتها، فجَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " مَا شَأْن هَذِه؟ " فَقلت: يَا رَسُول الله، أَخَذتهَا الْحمى بنافض. قَالَ: " فَلَعَلَّ فِي حَدِيث تحدث بِهِ؟ " قلت: نعم، فَقَعَدت عَائِشَة فَقَالَت: وَالله لَئِن حَلَفت لَا تصدقوني، وَلَئِن قلت لَا تعذروني، مثلي ومثلكم كيعقوب وبنيه: {وَالله الْمُسْتَعَان على مَا تصفون} [يُوسُف] قَالَت: فَانْصَرف وَلم يقل شَيْئا، فَأنْزل الله عذرها. قَالَت: بِحَمْد الله، لَا بِحَمْد أحدٍ وَلَا بحَمْدك.(4/307)
وَعَن مُحَمَّد - غير مَنْسُوب - عَن مُحَمَّد بن فُضَيْل عَن سُفْيَان عَن مَسْرُوق قَالَ:
سَأَلت أم رُومَان - وَهِي أم عَائِشَة - عَمَّا قيل فِيهَا مَا قيل. قَالَت: بَينا أَنا مَعَ عَائِشَة جالستان، إِذْ ولجت علينا امرأةٌ من الْأَنْصَار وَهِي تَقول: فعل الله بفلان وَفعل ... ثمَّ ذكر نَحْو حَدِيث مُوسَى بن إِسْمَاعِيل.
كَانَ بعض من لَقينَا من الْحفاظ البغداديين يَقُول:
إِن الْإِرْسَال فِي هَذَا الحَدِيث أبين، وَاسْتدلَّ على ذَلِك بِأَن أم رُومَان توفيت فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ومسروقٌ لم يُشَاهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلَا خلاف.(4/308)
(238) خنساء بنت خدام رَضِي الله عَنْهَا.
حَدِيث وَاحِد:
3561 - من رِوَايَة الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن عبد الرَّحْمَن وَمجمع ابْني يزِيد بن جَارِيَة الْأنْصَارِيّ عَن خنساء بنت خدام الْأَنْصَارِيَّة: أَن أَبَاهَا زَوجهَا وَهِي ثيبٌ، فَكرِهت ذَلِك، فَأَتَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَرد نِكَاحه.
وَفِي حَدِيث يحيى بن سعيد عَن الْقَاسِم:
أَن امْرَأَة من ولد جَعْفَر تخوفت أَن يُزَوّجهَا وَليهَا وَهِي كارهة، فَأرْسلت إِلَى شيخين من الْأَنْصَار: عبد الرَّحْمَن وَمجمع ابْني جَارِيَة، فَقَالَا: فَلَا تخشين؛ فَإِن خنساء بنت خدام أنْكحهَا أَبوهَا وَهِي كارهة، فَرد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك. قَالَ سُفْيَان: وَأما عبد الرَّحْمَن - يَعْنِي ابْن الْقَاسِم - فَسَمعته يَقُول عَن أَبِيه: أَن خنساء.(4/309)
(239) أم الْعَلَاء الْأَنْصَارِيَّة رَضِي الله عَنْهَا
حَدِيث وَاحِد:
3562 - من رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَن خَارِجَة بن زيد بن ثَابت: أَن أم الْعَلَاء - امْرَأَة من الْأَنْصَار، بَايَعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - أخْبرته: أَنه اقتسم الْمُهَاجِرُونَ قرعَة. قَالَت: فطار لنا عُثْمَان بن مَظْعُون فأنزلناه فِي أَبْيَاتنَا، فوجع وَجَعه الَّذِي توفّي فِيهِ، فَلَمَّا توفّي وَغسل وكفن فِي أثوابه دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقلت: رَحْمَة الله عَلَيْك أَبَا السَّائِب، فشهادتي عَلَيْك، لقد أكرمك الله. فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " وَمَا يدْريك أَن الله أكْرمه؟ " فَقلت: بِأبي أَنْت يَا رَسُول الله، فَمن يُكرمهُ الله؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أما هُوَ فقد جَاءَهُ الْيَقِين، وَالله إِنِّي لأرجو لَهُ الْخَيْر، وَالله مَا أَدْرِي وَأَنا رَسُول الله، مَا يفعل بِي " قَالَت: فوَاللَّه لَا أزكي بعده أحدا يَا رَسُول الله.
قَالَ البُخَارِيّ:
وَقَالَ نَافِع بن يزِيد عَن عقيل: " مَا يفعل بِهِ ". قَالَ: وَتَابعه شُعَيْب وَعَمْرو بن دِينَار وَمعمر.
وَفِي حَدِيث اللَّيْث وَمعمر نَحوه، وَزَاد: قَالَت:
وأريت لعُثْمَان فِي النّوم عينا تجْرِي، فَجئْت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَذكرت ذَلِك لَهُ، فَقَالَ: " ذَاك عمله ".
وَفِي حَدِيث إِبْرَاهِيم بن سعد وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة:
فأحزنني ذَلِك، فَنمت، فَرَأَيْت لعُثْمَان عينا تجْرِي.(4/310)
(240) خَوْلَة بنت ثامر الْأَنْصَارِيَّة رَضِي الله عَنْهَا
وَهِي امْرَأَة حَمْزَة بن عبد الْمطلب رَضِي الله عَنهُ.
حَدِيث وَاحِد:
3563 - من رِوَايَة النُّعْمَان بن أبي عَيَّاش عَن خَوْلَة الْأَنْصَارِيَّة قَالَت: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " إِن رجَالًا يتخوضون فِي مَال الله بِغَيْر حق، فَلهم النَّار يَوْم الْقِيَامَة ".(4/311)
(241) حَدِيث لصفية بنت شيبَة بن عُثْمَان الْقرشِي [رَضِي الله عَنْهَا]
3564 - من رِوَايَة ابْنهَا مَنْصُور بن عبد الرَّحْمَن عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت: أولم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على بعض نِسَائِهِ بمدين من شعير.
أغفله أَبُو مَسْعُود فَلم يذكرهُ، وَقد ذكره البُخَارِيّ فِي كتاب " النِّكَاح " فِي بَاب " من أولم بِأَقَلّ من شَاة ".
قَالَ أَبُو بكر أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن غَالب الْخَوَارِزْمِيّ البرقاني الْحَافِظ - فِيمَا أخبرنَا بِهِ غير وَاحِد عَنهُ: وَهَذَا حديثٌ اخْتلف فِيهِ على الثَّوْريّ، فَقَالَ أَبُو أَحْمد الزبيرِي، ومؤمل بن إِسْمَاعِيل، وَيحيى بن يمَان عَن الثَّوْريّ عَن مَنْصُور بن صَفِيَّة عَن أمه عَن عَائِشَة. وَقَالَ ابْن مهْدي، ووكيع، وَالْفِرْيَابِي، وروح بن عبَادَة: عَن الثَّوْريّ عَن مَنْصُور عَن أمه:
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. . لَيْسَ فِيهِ: عَن عَائِشَة.
قَالَ أَبُو بكر البرقاني:
وَهَذَا القَوْل أصح؛ لِأَن البُخَارِيّ أخرجه من حَدِيث الْفرْيَابِيّ عَن الثَّوْريّ عَن مَنْصُور عَن أمه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يخرج خِلَافه. قَالَ: وَمن الروَاة أَيْضا من غلط فِيهِ فَقَالَ:
عَن مَنْصُور بن صَفِيَّة بنت حييّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِنَّمَا هِيَ صَفِيَّة بنت شيبَة.
قَالَ أَبُو بكر البرقاني:
وَصفِيَّة بنت شيبَة لَيست بصحابية، وحديثها مُرْسل، وَإِن كَانَ البُخَارِيّ أخرجه. وَقد رَأَيْت فِي كتاب أبي عبد الرَّحْمَن أَحْمد بن شُعَيْب(4/312)
النَّسَائِيّ قد نصر قَول من لم يقل عَن عَائِشَة، وَأوردهُ من حَدِيث بنْدَار عَن ابْن مهْدي، وَقَالَ: // إِنَّه مُرْسل //.
وَلَعَلَّ أَبَا مَسْعُود لم يُخرجهُ فِي كِتَابه لإرساله، وَذَلِكَ لَازم لَهُ؛ لِأَنَّهُ قد أخرج الْمَرَاسِيل وَنبهَ عَلَيْهَا فِي غير مَوضِع من كِتَابه.(4/313)
أَفْرَاد مُسلم من الصحابيات رَضِي الله عَنْهُن
(242) خَوْلَة بنت حَكِيم السلمِيَّة رَضِي الله عَنْهَا
حَدِيث وَاحِد:
3565 - من رِوَايَة سعد بن أبي وَقاص عَن خَوْلَة بنت حَكِيم قَالَت: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " من نزل منزلا ثمَّ قَالَ: أعوذ بِكَلِمَات الله التامات من شَرّ مَا خلق، لم يضرّهُ شيءٌ حَتَّى يرتحل من منزله ذَلِك ".
قَالَ يَعْقُوب بن عبد الله بن الْأَشَج:
وَقَالَ الْقَعْقَاع عَن ذكْوَان عَن أبي هُرَيْرَة: جَاءَ رجلٌ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، مَا لقِيت من عقربٍ لدغتني البارحة؟ قَالَ: " أما لَو قلت حِين أمسيت: أعوذ بِكَلِمَات الله التامات من شَرّ مَا خلق، لم يَضرك " كَذَا ذكره مُتَّصِلا بِحَدِيث خَوْلَة، لِأَن يَعْقُوب رَوَاهُمَا كَذَلِك متصلين.(4/314)
(243) جدامة بنت وهب الأَسدِية رَضِي الله عَنْهَا
أُخْت عكاشة.
حَدِيث وَاحِد:
3566 - من رِوَايَة عُرْوَة. عَن عَائِشَة عَن جدامة أَنَّهَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " لقد هَمَمْت أَن أنهى عَن الغيلة، حَتَّى ذكرت أَن الرّوم وَفَارِس يصنعون ذَلِك فَلَا يضر أَوْلَادهم ".
وَفِي حَدِيث أبي الْأسود عَن عُرْوَة قَالَ:
حضرت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أنَاس وَهُوَ يَقُول: " لقد هَمَمْت أَن أنهى عَن الغيلة، فَنَظَرت فِي الرّوم وَفَارِس، فَإِذا هم يغيلون أَوْلَادهم، فَلَا يضر أَوْلَادهم ذَلِك شَيْئا ".
ثمَّ سَأَلُوهُ عَن الْعَزْل، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
ذَلِك الوأد الْخَفي، وَهِي: {وَإِذا الموءودة سُئِلت} [التكوير] .
قَالَ يحيى بن يحيى النَّيْسَابُورِي فِي رِوَايَة عَن مَالك:
جدامة بِالدَّال الْمُهْملَة.
وَأما خلف بِهِ هِشَام فَقَالَ:
جذامة بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة. قَالَ مُسلم بن الْحجَّاج: وَالصَّحِيح مَا قَالَه يحيى بِالدَّال من حَدِيث مَالك. وَأما سعيد بن أبي أَيُّوب ويحيي بن أَيُّوب فَقَالَا بِالذَّالِ.(4/315)
(244) أم مُبشر الْأَنْصَارِيَّة [رَضِي الله عَنْهَا]
وَهِي امْرَأَة زيد بن حَارِثَة.
حديثان:
3567 - أَحدهمَا: من رِوَايَة أبي الزبير عَن جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ عَن أم مُبشر أَنَّهَا سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول عِنْد حَفْصَة: " لَا يدْخل النَّار - إِن شَاءَ الله - من أَصْحَاب الشَّجَرَة أحدٌ، الَّذين بَايعُوا تحتهَا ". قَالَت: بلَى يَا رَسُول الله، فانتهرها، فَقَالَت حَفْصَة: {وَإِن مِنْكُم إِلَّا واردها} [مَرْيَم] فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " قد قَالَ الله تَعَالَى: {ثمَّ ننجي الَّذين اتَّقوا وَنذر الظَّالِمين فِيهَا جثيا} . [مَرْيَم] .
3568 - الثَّانِي: من رِوَايَة أبي سُفْيَان عَن جَابر عَن أم مُبشر أدرجه مُسلم على مَا قبله وَقَالَ: بِنَحْوِ حَدِيث عَطاء وَأبي الزبير وَعَمْرو بن دِينَار، وَهَذَا حَدِيث عَطاء:
قَالَت:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " مَا من مُسلم يغْرس غرساً إِلَّا كَانَ مَا أكل مِنْهُ لَهُ صدقةٌ، وَمَا سرق مِنْهُ لَهُ صدقةٌ، وَمَا أكل السَّبع لَهُ صدقةٌ، وَمَا أكلت الطير فَهُوَ لَهُ صدقةٌ، وَلَا يرزؤه أحدٌ إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَة ".
وَفِي رِوَايَة اللَّيْث عَن ابْن الزبير عَن جَابر:
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل على أم معبد أَو أم مُبشر الْأَنْصَارِيَّة فِي نخلٍ لَهَا، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " من غرس هَذَا النّخل؟ أمسلمٌ أم كَافِر؟ " فَقَالَت: مُسلم. فَقَالَ: " لَا يغْرس مسلمٌ غرساً، وَلَا يزرع زرعا فيأكل مِنْهُ إنسانٌ وَلَا دابةٌ وَلَا شيءٌ إِلَّا كَانَت لَهُ صَدَقَة ".
جعله فِي مُسْند جَابر، وَهُوَ مَذْكُور هُنَالك مَعَ سَائِر الرِّوَايَات فِي ذَلِك.(4/316)
(245) أم هِشَام بنت حَارِثَة بن النُّعْمَان [رَضِي الله عَنْهَا]
وَهِي أُخْت عمْرَة بنت حَارِثَة.
حَدِيث وَاحِد:
3569 - من رِوَايَة عمْرَة أُخْتهَا عَنْهَا قَالَت: أخذت: {ق وَالْقُرْآن الْمجِيد} من فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ بهَا على الْمِنْبَر فِي كل جُمُعَة.
وَفِي رِوَايَة يحيى بن أَيُّوب عَن يحيى بن سعيد عَن عمْرَة عَن أُخْت لعمرة، قَالَت:
وَكَانَت أكبر مِنْهَا. وَفِي رِوَايَة عبد الله بن مُحَمَّد بن معن عَن ابْنه حَارِثَة بن النُّعْمَان نَحوه، وَزَاد: قَالَت: وَكَانَ تنورنا وتنور رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاحِدًا.
وَفِي رِوَايَة يحيى بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن سعد بن زُرَارَة عَن أم هِشَام بنت حَارِثَة بن النُّعْمَان قَالَت:
لقد كَانَ تنورنا وتنور رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاحِدًا سنتَيْن، أَو سنة وَبَعض سنة، مَا أخذت {ق وَالْقُرْآن الْمجِيد} إِلَّا عَن لِسَان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقْرَأها كل جُمُعَة على الْمِنْبَر إِذا خطب النَّاس.
وَقع فِي بعض أَسَانِيد هَذَا الحَدِيث عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن، وَذَلِكَ وهم. وَلم يذكر أَبُو مَسْعُود، وَلَا أَبُو بكر البرقاني فِي كِتَابَيْهِمَا فِي شَيْء من أَسَانِيد هَذَا الحَدِيث عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن. وَقد أخبرنَا غير وَاحِد من مَشَايِخنَا عَن أبي بكر البرقاني أَنه أنكر هَذَا، وَقَالَ: من زعم أَن أم هِشَام هِيَ أُخْت عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن الراوية الَّتِي كَانَت زَوْجَة هِشَام بن عُرْوَة، فقد وهم وهما بَعيدا.(4/317)
(246) أم الْحصين الأحمسية [رَضِي الله عَنْهَا]
حديثان.
3570 - فرق مُسلم أَحدهمَا فِي موضِعين - وَهَذَا الأول - من رِوَايَة يحيى بن حُصَيْن عَن جدته أم الْحصين قَالَ: سَمعتهَا تَقول: حججْت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجَّة الْوَدَاع، فرأيته حِين رمى جَمْرَة الْعقبَة وَانْصَرف وَهُوَ على رَاحِلَته وَمَعَهُ بِلَال وَأُسَامَة، أَحدهمَا يَقُود بِهِ رَاحِلَته، وَالْآخر رافعٌ ثَوْبه على رَأس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يظله من الشَّمْس. قَالَت: فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قولا كثيرا، ثمَّ سمعته يَقُول: " إِن أَمر عَلَيْكُم عبدٌ مجدعٌ - حسبتها قَالَت: أسود، يقودكم بِكِتَاب الله فَاسْمَعُوا وَأَطيعُوا ".
وَفِي حَدِيث وَكِيع بن الْجراح عَن شُعْبَة نَحوه فِي " الْإِمَارَة " فَقَط، وَقَالَ: " عبدا حَبَشِيًّا مجدعاً ". وَلم يذكر بهزٌ عَن شُعْبَة " حَبَشِيًّا مجدعاً " وَقَالَ: إِنَّهَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمنى أَو بِعَرَفَات.
3571 - الثَّانِي: من رِوَايَة يحيي بن الْحصين أَيْضا عَن جدته: أَنَّهَا سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّة الْوَدَاع دَعَا للمحلقين ثَلَاثًا، وللمقصرين مرّة وَاحِدَة.(4/318)
(247) حَدِيث صَفِيَّة بنت أبي عبيد [رَضِي الله عَنْهَا] عَن بعض أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
3572 - " من أَتَى عرافاً فَصدقهُ لم تقبل لَهُ صلاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا " مَذْكُور فِي مُسْند حَفْصَة أم الْمُؤمنِينَ - رَضِي الله عَنْهَا - لِأَن بَعضهم ذكر أَنَّهَا حَفْصَة.
3573 - من حَدِيث صَفِيَّة بنت أبي عبيد أَيْضا عَن بعض أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا يحل لامْرَأَة تحد على ميتٍ فَوق ثَلَاث " مَذْكُور فِي مُسْند حَفْصَة أَيْضا، للِاخْتِلَاف الْمَذْكُور هُنَالك فِيهَا.(4/319)
(248) حَدِيث لأم الدَّرْدَاء [رَضِي الله عَنْهَا]
3574 - من رِوَايَة صَفْوَان بن عبد الرَّحْمَن بن صَفْوَان قَالَ: قدمت الشَّام، فَأتيت أَبَا الدَّرْدَاء فِي منزله فَلم أَجِدهُ، وَوجدت أم الدَّرْدَاء، فَقَالَت: أَتُرِيدُ الْحَج الْعَام؟ فَقلت: نعم. قَالَت: فَادع لنا بِخَير، فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول: " دَعْوَة الْمَرْء الْمُسلم لِأَخِيهِ بِظهْر الْغَيْب مستجابةٌ، عِنْد رَأسه ملكٌ موكلٌ، كلما دَعَا لِأَخِيهِ بخيرٍ قَالَ الْملك الْمُوكل بِهِ: آمين، وَلَك بِمثل ".
قَالَ:
فَخرجت إِلَى السُّوق فَلَقِيت أَبَا الدَّرْدَاء، فَقَالَ لي مثل ذَلِك، يرويهِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
ذكره خلف الوَاسِطِيّ فِي كِتَابه، وَجعله فِي مُسْند أم الدَّرْدَاء.
وَقد أخرجه مُسلم كَمَا ذكر من حَدِيث صَفْوَان فِي كتاب " الدُّعَاء " وَلَكِن فِي الحَدِيث نَفسه أَن أَبَا الدَّرْدَاء أخبرهُ بذلك عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَأخرج مُسلم مُتَّصِلا بِهِ ليدل على أَن الحَدِيث من رِوَايَتهَا عَنهُ من حَدِيث طَلْحَة ابْن عبد الله بن كريز قَالَ:
حَدَّثتنِي أم الدَّرْدَاء قَالَت: حَدثنِي سَيِّدي - تَعْنِي أَبَا الدَّرْدَاء أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " من دَعَا لِأَخِيهِ بِظهْر الْغَيْب قَالَ الْملك الْمُوكل بِهِ: وَلَك بِمثل ".
قَالَ الإِمَام أَبُو بكر البرقاني:
وَهَذِه أم الدَّرْدَاء الصُّغْرَى الَّتِي رَوَت هَذَا الحَدِيث، وَلَيْسَ لَهَا صحبةٌ وَلَا سماعٌ من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِنَّمَا هُوَ من مُسْند أبي الدَّرْدَاء. وَأما أم الدَّرْدَاء الْكُبْرَى فلهَا صُحْبَة، وَلَيْسَ لَهَا فِي الْكِتَابَيْنِ حديثٌ، وَالله أعلم.
أخر الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ(4/320)
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْحَافِظ أَبُو عبد الله. مُحَمَّد بن أبي نصر بن عبد الله الْحميدِي:
هَذَا آخر مَا قصدنا إِلَيْهِ من الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ، وتمييز مَا اتفقَا عَلَيْهِ من الْمُتُون المخرجة فيهمَا، وَمَا انْفَرد بِهِ أَحدهمَا مِنْهَا، مستقصى على مَا شرطناه، مُرَتبا على مَا بدأنا بِهِ وبيناه، مَعَ الِاخْتِصَار الْمعِين على سرعَة الْحِفْظ والتذكار. وَلم يبْق للباحث الْمُجْتَهد إِلَّا النّظر فِيهَا، والتفقه فِي مَعَانِيهَا، ومراعاة حفظهَا، وَإِقَامَة الْحجَّة بهَا. وَإِلَى هَذَا قصد المتقدمون من أَئِمَّة الدّين فِي حفظ إسنادها للمتأخرين، لتَكون حاكمة بَين الْمُخْتَلِفين، وشواهد صدقٍ للمتناظرين، رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ، ووفق البَاقِينَ من التَّابِعين لَهُم بإحسانٍ إِلَى يَوْم الدّين.
فَأَما إسنادنا فِي هذَيْن الْكِتَابَيْنِ:
فقد روينَا كتاب الإِمَام أبي عبد الله البُخَارِيّ بالمغرب عَن غير وَاحِد من شُيُوخنَا بأسانيد مُخْتَلفَة تتصل بِأبي عبد الله مُحَمَّد بن يُوسُف بن مطر الْفربرِي، عَن البُخَارِيّ. ثمَّ قرأته بِمَكَّة على الْمَرْأَة الصَّالِحَة كَرِيمَة بنت أَحْمد بن مُحَمَّد بن حَاتِم الْمروزِي غير مرّة، لعلو إسنادها مِنْهُ. كأنا قرأناه عَليّ أبي عبد الله أَحْمد الْهَرَوِيّ، عَن أبي الْهَيْثَم مُحَمَّد بن الْمَكِّيّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن زراع الْكشميهني، عَن أبي عبد الله مُحَمَّد بن يُوسُف بن مطر بن صَالح بن بشر بن(4/321)
إِبْرَاهِيم الْفربرِي، عَن أبي عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ، رَحْمَة الله عَلَيْهِ.
وَأما كتاب الإِمَام أبي الْحُسَيْن مُسلم بن الْحجَّاج النَّيْسَابُورِي فسمعناه بالفسطاط قِرَاءَة على الشَّيْخ الصَّالح أبي عبد الله مُحَمَّد بن الْفرج بن عبد الْوَلِيّ الْأنْصَارِيّ وَهِي رِوَايَته عَن أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن الْحسن الْحَافِظ الرَّازِيّ، سَمعه مِنْهُ بِمَكَّة سنة سِتّ وَأَرْبَعمِائَة. قَالَ: حَدثنَا أَبُو أَحْمد مُحَمَّد بن عِيسَى بن عمرويه بن مَنْصُور الجلودي، قَالَ: أخبرنَا الْفَقِيه أَبُو إِسْحَق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد ابْن سُفْيَان النَّيْسَابُورِي، قَالَ: سمعته من الإِمَام أبي الْحُسَيْن مُسلم بن الْحجَّاج النَّيْسَابُورِي رَضِي الله عَنهُ.
على أننا لم نغفل النّظر فِي كتاب كَرِيمَة، لروايتنا ذَلِك عَنْهَا، وَلَا فِي كتاب أبي ذَر الْهَرَوِيّ لسماعنا ذَلِك عَنهُ من أبي مَرْوَان عبد الْملك بن سُلَيْمَان الْخَولَانِيّ، وَأبي الْقَاسِم أصبغ بن رَاشد بن أصبغ اللَّخْمِيّ مِنْهُ، وَفِيمَا أخبرونا بِهِ عَن البرقاني، وَفِي نُسْخَة مُسلم المقروءة على شَيخنَا أبي عبد الله بن الْفرج الْأنْصَارِيّ، وأمعنا النّظر فِي كل نُسْخَة وجدناها من النّسخ فِي ذَلِك كُله، وأثبتنا مِنْهَا مَا رَأينَا أَنه ينْتَفع بِهِ النَّاظر فِيهِ، وَلَا توفيق إِلَّا بِاللَّه عز وَجل.(4/322)
فصل
وَقد استشرف بعض الطالبين إِلَى معرفَة الْأَسْبَاب الْمُوجبَة للِاخْتِلَاف بَين الْأَئِمَّة الماضين رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ، مَعَ إِجْمَاعهم على الأَصْل الْمُتَّفق عَلَيْهِ المستبين، حَتَّى احْتِيجَ إِلَى تكلّف التَّصْحِيح فِي طلب الصَّحِيح، وَقربت على هَذَا الطَّالِب معرفَة الْعذر فِي اخْتِلَاف الْمُتَأَخِّرين لبعدهم عَن الْمُشَاهدَة، وَإِنَّمَا تعذر عَلَيْهِ معرفَة الْوَجْه فِي اخْتِلَاف الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم مَعَ مشاهدتهم نزُول التَّنْزِيل، وَأَحْكَام الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وحرصهم على الْحُضُور لَدَيْهِ، والكون بَين يَدَيْهِ، وَالْأَخْذ عَنهُ، والاقتباس مِنْهُ، وَهَذَا الَّذِي وَقع لهَذَا الطَّالِب الباحث قد وَقع لبَعض من قبله الْخَوْض فِيهِ، والبحث عَنهُ.
وَخرج فِي هَذَا الْمَعْنى بعض الْأَئِمَّة من عُلَمَاء الْأَمْصَار فصلا رَأينَا إثْبَاته هَا هُنَا لإِزَالَة هَذِه الشُّبْهَة عَن هَذَا الطَّالِب الباحث وَعَن غَيره مِمَّن يخفى ذَلِك عَنهُ، ويتطلع إِلَى معرفَة الْوَجْه فِيهِ. وَبِهَذَا الْفَصْل يتَصَوَّر للْكُلّ صُورَة وُقُوع ذَلِك مِنْهُم، وَكَيْفِيَّة اتفاقه لَهُم، حَتَّى كَأَنَّهُ شَاهده مَعَهم. وَهَذَا أول الْفَصْل الْمخْرج فِي ذَلِك، أوردناه بِلَفْظ مُصَنفه رَحْمَة الله عَلَيْهِ:
قَالَ لنا الْفَقِيه الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد عَليّ بن أَحْمد بن سعيد اليزيدي الْفَارِسِي رَضِي الله عَنهُ فِي بَيَان أصل الِاخْتِلَاف الشَّرْعِيّ وأسبابه.
تطلعت النَّفس بعد تيقنها أَن الأَصْل الْمُتَّفق عَلَيْهِ المرجوع إِلَيْهِ، أصلٌ وَاحِد لَا يخْتَلف، وَهُوَ مَا جَاءَ عَن صَاحب الشَّرْع صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِمَّا فِي الْقُرْآن، وَإِمَّا من فعله أَو قَوْله الَّذِي لَا ينْطق عَن الْهوى فِيهِ، لما رَأَتْ وشاهدت من اخْتِلَاف عُلَمَاء الْأمة فِيمَا سَبيله وَاحِدَة، وَأَصله غير مُخْتَلف، فبحثت عَن السَّبَب الْمُوجب للِاخْتِلَاف، ولترك من ترك كثيرا مِمَّا صَحَّ من السّنة، فوضح لَهَا بعد التفتيش والبحث أَن كل(4/323)
وَاحِد من الْعلمَاء بشرٌ يسنى كَمَا ينسى الْبشر. وَقد يحفظ الرجل الحَدِيث وَلَا يحضرهُ ذكره حَتَّى يُفْتِي بِخِلَافِهِ، وَقد يعرض هَذَا فِي آي الْقُرْآن، أَلا ترى أَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَمر على الْمِنْبَر أَلا يُزَاد فِي مُهُور النِّسَاء على عدد ذكره، ميلًا إِلَى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يزدْ على ذَلِك الْعدَد فِي مُهُور نِسَائِهِ، حَتَّى ذكرته امرأةٌ من جَانب الْمَسْجِد بقول الله تَعَالَى {وَآتَيْتُم إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} [النِّسَاء] فَترك قَوْله وَقَالَ: كل أحدٍ أعلم مِنْك حَتَّى النِّسَاء. وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: امرأةٌ أَصَابَت وَرجل أَخطَأ. علما مِنْهُ رَضِي الله عَنهُ بِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن كَانَ لم يزدْ فِي مُهُور النِّسَاء على عددٍ مَا، فَإِنَّهُ لم يمْنَع مَا سواهُ، وَالْآيَة أَعم.
وَكَذَلِكَ أَمر رَضِي الله عَنهُ برجم امرأةٍ ولدت لسِتَّة أشهر، فَذكره عليٌّ رَضِي الله عَنهُ قَول الله تَعَالَى {وَحمله وفصاله ثَلَاثُونَ شهرا} [الْأَحْقَاف] مَعَ قَوْله تَعَالَى: {والوالدات يرضعن أَوْلَادهنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلين} [الْبَقَرَة] فَرجع عَن الْأَمر برجمها.
وهم أَن يَسْطُو بعيينة بن حصن إِذْ جَفا عَلَيْهِ، حتي ذكره الْحر بن قيس بقول الله عز وَجل {وَأعْرض عَن الْجَاهِلين} [الْأَعْرَاف] فَأمْسك عمر.
وَقَالَ رَضِي الله عَنهُ يَوْم مَاتَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
مَا مَاتَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يَمُوت حَتَّى يكون آخِرنَا، حَتَّى قُرِئت عَلَيْهِ {إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون} [الزمر] فَرجع عَن ذَلِك. وَقد كَانَ علم الْآيَة، وَلكنه نَسِيَهَا لعَظيم الْخطب الْوَارِد عَلَيْهِ فَهَذَا وجهٌ عمدته الْخلاف لِلْآيَةِ أَو للسّنة بنسيان لَا بِقصد. وَقد يذكر الْعَالم الْآيَة أَو السّنة، لَكِن يتَأَوَّل فِيهَا تَأْوِيلا من خُصُوص أَو نسخ أَو معنى مَا، وَإِن كَانَ ذَلِك يحْتَاج إِلَى دَلِيل.
وَلَا شكّ أَن الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم كَانُوا بِالْمَدِينَةِ حوله عَلَيْهِ السَّلَام مُجْتَمعين، وَكَانُوا ذَوي معايش يطلبونها، وَفِي ضنكٍ من الْقُوت، وَمن متحرفٍ فِي الْأَسْوَاق، وَمن قَائِم على نخله، ويحضره عَلَيْهِ السَّلَام فِي كل وقتٍ مِنْهُم طَائِفَة إِذا وجدوا أدنى فراغٍ مِمَّا هم بسبيله. وَقد نَص على ذَلِك أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: إِن إخْوَانِي من الْمُهَاجِرين كَانَ يشغلهم الصفق بالأسواق، وَإِن(4/324)
إخْوَانِي من الْأَنْصَار كَانَ يشغلهم الْقيام على نَخْلهمْ، وَكنت أمرا مِسْكينا أصحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ملْء بَطْني. وَقد قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: ألهاني الصفق بالأسواق فِي حَدِيث اسْتِئْذَان أبي مُوسَى.
فَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْأَل عَن الْمَسْأَلَة، وَيحكم بالحكم، وَيَأْمُر بالشَّيْء، وَيفْعل الشَّيْء، فيحفظه من حَضَره، ويغيب عَمَّن غَابَ عَنهُ.
فَلَمَّا مَاتَ عَلَيْهِ السَّلَام وَولي أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ كَانَ إِذا جَاءَت الْقَضِيَّة لَيْسَ عِنْده فِيهَا نصٌّ سَأَلَ من بِحَضْرَتِهِ من الصَّحَابَة فِيهَا، فَإِن وجد عِنْدهم نصا رَجَعَ إِلَيْهِ، وَإِلَّا اجْتهد فِي الحكم فِيهَا. وَوجه اجْتِهَاده غَيره مِنْهُم رضوَان الله عَلَيْهِم رجوعٌ وَإِلَى نصٍّ عَام، أَو إِلَى أصل إِبَاحَة مُتَقَدّمَة، أَو إِلَى نوع من هَذَا يرجع إِلَى أصل. وَلَا يجوز أَن يظنّ أحدٌ أَن اجْتِهَاد أحدٍ مِنْهُم هُوَ أَن يشرع شَرِيعَة باجتهادٍ مَا، أَو يخترع حكما لَا أصل لَهُ - حاشاً لَهُم من ذَلِك.
فَلَمَّا ولي عمر رَضِي الله عَنهُ فتحت الْأَمْصَار، وتفرق الصَّحَابَة فِي الأقطار، فَكَانَت الْحُكُومَة تنزل بِمَكَّة أَو بغَيْرهَا من الْبِلَاد، فَإِن كَانَ عِنْد الصَّحَابَة الْحَاضِرين لَهَا نصٌّ حكم بِهِ، وَإِلَّا اجتهدوا فِي ذَلِك. وَقد يكون فِي تِلْكَ الْقَضِيَّة نصٌّ مَوْجُود عَن صَاحب آخر فِي بلد آخر، وَقد حضر الْمدنِي مَا لم يحضر الْمصْرِيّ، وَحضر الْمصْرِيّ مَا لم يحضر الشَّامي وَحضر الشَّامي مَا لم يحضر الْبَصْرِيّ، وَحضر الْبَصْرِيّ مَا لم يحضر الْكُوفِي، وَحضر الْكُوفِي مَا لم يحضر الْمدنِي. كل هَذَا مَوْجُود فِي الْآثَار، وتقتضيه الْحَالة الَّتِي ذكرنَا من مغيب بَعضهم عَن مَجْلِسه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض الْأَوْقَات وَحُضُور غَيره، ثمَّ مغيب الَّذِي حضر وَحُضُور الَّذِي غَابَ، فيدري كل وَاحِد مِنْهُم مَا حَضَره، ويفوته مَا غَابَ عَنهُ. هَذَا أمرٌ مشَاهد.(4/325)
وَقد كَانَ علم التَّيَمُّم عِنْد عمارٍ وَغَيره، وَغَابَ عَن عمر وَابْن مَسْعُود حَتَّى قَالَا:
لَا يتَيَمَّم الْجنب وَلَو لم يجد المَاء شَهْرَيْن. وَكَانَ حكم الْمسْح على الْخُفَّيْنِ عِنْد عَليّ وَحُذَيْفَة وَلم تعلمه عَائِشَة وَلَا ابْن عمر وَلَا أَبُو هُرَيْرَة، على أَنهم مدنيون. وَكَانَ تَوْرِيث بنت الابْن مَعَ الْبِنْت عِنْد ابْن مَسْعُود وَغَابَ عَن أبي مُوسَى. وَكَانَ حكم الاسْتِئْذَان عِنْد أبي مُوسَى وَأبي سعيد وَأبي، وَغَابَ عَن عمر. وَكَانَ حكم الْإِذْن للحائض فِي أَن تنفر قبل أَن تَطوف عِنْد ابْن عَبَّاس وَأم سليم وَلم يُعلمهُ عمر وَزيد ابْن ثَابت. وَكَانَ حكم تَحْرِيم الْمُتْعَة والحمر الْأَهْلِيَّة عِنْد عليٍّ وَغَيره وَلم يُعلمهُ ابْن عَبَّاس. وَكَانَ حكم الصّرْف عِنْد عمر وَأبي سعيد وَغَيرهمَا، وَغَابَ ذَلِك عَن طَلْحَة وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر. وَكَذَلِكَ حكم إجلاء أهل الذِّمَّة من بِلَاد الْعَرَب، كَانَ عِنْد ابْن عَبَّاس وَعمر، فنسيه عمر سِنِين، فتركهم حَتَّى ذكر بذلك فَذكره، فأجلاهم.
وَمثل هَذَا كثير.
فَمضى الصَّحَابَة على هَذَا، ثمَّ خلف بعدهمْ التابعون الآخذون عَنْهُم، وكل طبقَة من التَّابِعين فِي الْبِلَاد الَّتِي ذكرنَا فَإِنَّمَا تفقهوا مَعَ من كَانَ عِنْدهم من الصَّحَابَة، فَكَانُوا لَا يتعدون فتاويهم، لَا تقليداً لَهُم، وَلَكِن لأَنهم أخذُوا وَرووا عَنْهُم الْيَسِير مِمَّا بَلغهُمْ عَن غير من كَانَ فِي بِلَادهمْ من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم، كاتباع أهل الْمَدِينَة - فِي الْأَكْثَر - فَتَاوَى ابْن عمر، وَاتِّبَاع أهل مَكَّة - فِي الْأَكْثَر - فَتَاوَى ابْن عَبَّاس، وَاتِّبَاع أهل الْكُوفَة - فِي الْأَكْثَر - فَتَاوَى ابْن مَسْعُود.
ثمَّ أَتَى من بعد التَّابِعين فُقَهَاء الْأَمْصَار، كَأبي حنيفَة وسُفْيَان وَابْن أبي ليلى بِالْكُوفَةِ، وَابْن جريج بِمَكَّة، وَمَالك وَابْن الْمَاجشون بِالْمَدِينَةِ، وَعُثْمَان البتي وسوار بِالْبَصْرَةِ وَالْأَوْزَاعِيّ بِالشَّام، وَاللَّيْث بِمصْر، فجروا على تِلْكَ الطَّرِيقَة من أَخذ كل واحدٍ مِنْهُم عَن التَّابِعين من أهل بَلَده وتابعيهم عَن الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم.
وَرُبمَا كَانَ عِنْدهم وَفِي اجتهادهم فِيمَا لَيْسَ عِنْدهم وَهُوَ مَوْجُود عِنْد غَيرهم، وَلَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا، وكل من ذكرنَا مأجورٌ على مَا أصَاب فِيهِ أَجْرَيْنِ،(4/326)
ومأجورٌ فِيمَا خَفِي عَنهُ وَلم يبلغهُ أجرا وَاحِدًا. قَالَ الله تَعَالَى: {لأنذركم بِهِ وَمن بلغ} [الْأَنْعَام] .
وَقد يبلغ الرجل مِمَّن ذكرنَا نصان ظاهرهما التَّعَارُض، فيميل إِلَى أَحدهمَا بضربٍ من الترجيحات، ويميل غَيره إِلَى النَّص الَّذِي ترك الآخر بِضَرْب من الترجيحات أَيْضا، كَمَا رُوِيَ عَن عُثْمَان فِي الْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ: أَحَلَّتْهُمَا آيةٌ وحرمتهما آيةٌ.
وكما مَال ابْن عمر إِلَى تَحْرِيم نسَاء أهل الْكتاب جملَة بقوله تَعَالَى: {وَلَا تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يُؤمن} [الْبَقَرَة] وَقَالَ: لَا أعلم شركا أَكثر من قَول الْمَرْأَة: إِن عِيسَى رَبهَا، وَغلب ذَلِك على الْإِبَاحَة المنصوصة فِي الْآيَة الْأُخْرَى. وَمثل هَذَا كثير.
فعلى هَذِه الْوُجُوه ترك بعض الْعلمَاء مَا تركُوا من الحَدِيث وَمن الْآيَات، وعَلى هَذِه الْوُجُوه خالفهم نظراؤهم، فَأخذ هَؤُلَاءِ مَا ترك أُولَئِكَ. وَأخذ أُولَئِكَ مَا ترك هَؤُلَاءِ، لَا قصدا إِلَى خلاف النُّصُوص، وَلَا تركا لطاعتها، وَلَكِن لأحد الْأَعْذَار الَّتِي ذَكرنَاهَا، إِمَّا من نِسْيَان وَإِمَّا أَنَّهَا لم تبلغهم، وَإِمَّا لتأويل مَا، وَإِمَّا لأخذ بِخَبَر ضَعِيف لم يعلم الْآخِذ بِهِ ضعف رُوَاته وَعلمه غَيره، فَأخذ بِخَبَر آخر أصح مِنْهُ، أَو بِظَاهِر آيَة. وَقد يتَنَبَّه بَعضهم فِي النُّصُوص الْوَارِدَة إِلَى معنى، ويلوح لَهُ مِنْهُ حكم بدليلٍ مَا، ويغيب عَن غَيره.
ثمَّ كثرت الرحل إِلَى الْآفَاق، وتداخل النَّاس، وانتدب أَقوام لجمع حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وضمه وتقييده، وَوصل من الْبِلَاد الْبَعِيدَة إِلَى من لم يكن عِنْده، وَقَامَت الْحجَّة على من بلغه شيءٌ مِنْهُ، وجمعت الْأَحَادِيث المبينة لصِحَّة أحد التأويلات المتأولة فِي الحَدِيث. وَعرف الصَّحِيح من السقيم، وزلف الِاجْتِهَاد الْمُؤَدِّي إِلَى خلاف كَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِلَى ترك عمله، وَسقط الْعذر عَمَّن خَالف مَا بلغه من السّنَن ببلوغها إِلَيْهِ، وَقيام الْحجَّة بهَا عَلَيْهِ، فَلم يبْق إِلَّا العناد والتقليد.
وعَلى هَذِه الطَّرِيقَة كَانَ الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وكثيرٌ من التَّابِعين يرحلون فِي طلب الحَدِيث الْأَيَّام الْكَثِيرَة، طلبا للسنن، والتزاماً لَهَا، وَقد رَحل أَبُو أَيُّوب من الْمَدِينَة إِلَى مصر فِي حَدِيث وَاحِد إِلَى عقبَة بن عَامر، ورحل عَلْقَمَة وَالْأسود إِلَى(4/327)
عَائِشَة وَعمر، ورحل عَلْقَمَة إِلَى أبي الدَّرْدَاء بِالشَّام، وَكتب مُعَاوِيَة إِلَى الْمُغيرَة: أكتب إِلَيّ بِمَا سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمثل هَذَا كثير.
قَالَ أَبُو مُحَمَّد: فقد بَينا - وَالْحَمْد لله - وَجه ترك بعض الحَدِيث، وَالسَّبَب الْمُوجب للِاخْتِلَاف، وشفينا النَّفس مِمَّا اعْترض فِيهَا، ورفعنا الْإِشْكَال عَنْهَا، وَالله عز وَجل الْمعِين على الْبَحْث، وَالْهَادِي والمرشد بمنه.
وَبِهَذَا الْبَيَان الَّذِي كشف بِهِ هَذَا الإِمَام فِي هَذَا الْفَصْل صُورَة الْحَال فِي أَسبَاب الِاخْتِلَاف الْوَاقِع بَين الصَّحَابَة فَمن دونهم، صَحَّ للأئمة الْمُتَقَدِّمين رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ - وجوب طلب التَّصْحِيح للنصوص الْوَارِدَة فِي شرائع الدّين، لتقوم الْحجَّة مِمَّا يَصح مِنْهَا على الْمُخْتَلِفين. وَقد قَامَ الْكل مِنْهُم فِي ذَلِك بِمَا قدر عَلَيْهِ، وانتهت استطاعته إِلَيْهِ، إِلَى أَن انْفَرد بالمزيد فِي الِاجْتِهَاد والرحلة إِلَى الْبِلَاد فِي جمع هَذَا النَّوْع من الْإِسْنَاد، بعد التتبع والانتقاد، الإمامان أَبُو عبد الله مُحَمَّد ابْن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ، وَأَبُو الْحُسَيْن مُسلم بن الْحجَّاج النَّيْسَابُورِي رَضِي الله عَنْهُمَا، فحازا قصب السَّبق فِيهِ فِي وقتهما. ولفرط عنايتهما بِهِ، وبلوغها غَايَة السَّعْي والتشمير فِيهِ، قويت هممها فِي الْإِقْدَام على تَسْمِيَة كِتَابَيْهِمَا بِالصَّحِيحِ. وَعلم الله عز وَجل صدق نيتهما فِيهِ، ومشقة قيامهما بِهِ، وَحسن انتقادهما لَهُ، فَبَارك لَهما فِيهِ، ورزقهما الْقبُول شرقاً وغرباً، وَصرف الْقُلُوب إِلَى التعويل عَلَيْهِمَا، والتفضيل لَهما، والاقتداء فِي شُرُوط الصَّحِيح بهما. وَتلك عَادَة الله فِيمَن أحب: أَن يضع لَهُ الْقبُول فِي الأَرْض، كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَر الصَّادِق عَن الْمَبْعُوث بِالْحَقِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فهنيئاً لَهما، وَلمن اهْتَدَى فِي ذَلِك بهداهما.
وَالْوَاجِب علينا وعَلى جَمِيع من فهم الْإِسْلَام، وَعرف قدر مَا حفظا من الشَّرَائِع وَالْأَحْكَام، أَن يخلص الدُّعَاء لَهما ولسائر الْأَئِمَّة الناقلين إِلَيْهِمَا وإلينا قَوَاعِد هَذَا الدّين، وشواهد أَحْكَام الْمُسلمين.(4/328)
وَنحن نبتهل إِلَى الله تَعَالَى فِي تَعْجِيل الغفران لَهما وَلَهُم، وتجديد الرَّحْمَة والرضوان عَلَيْهِمَا، وَأَن يبوئ الْكل مِنْهُم فِي أَعلَى دَرَجَات الكرامات، من غرفات الجنات، وَأَن يوفقنا أَجْمَعِينَ للاقتداء بهم، والسلوك فِي سبيلهم من الدُّعَاء إِلَيْهِ وَإِلَى رَسُوله، والانقياد لمحكمات تَنْزِيله، والتفقه فِي دينه، وَالْإِخْلَاص فِي عِبَادَته، والانقطاع إِلَيْهِ، وَصدق التَّوَكُّل عَلَيْهِ، حَتَّى يتوفانا مُسلمين مُسلمين، غير مبدلين وَلَا مغيرين، وان يغْفر لنا ولآبائنا أَجْمَعِينَ، وَلِجَمِيعِ الْمُسلمين.
وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين
وَصلى الله على رَسُوله مُحَمَّد النَّبِي وَآله الأكرمين، وَسلم.(4/329)