بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْحَمد لله الَّذِي لَا تحصى نعمه، وَلَا يتناهى كرمه، وَصلى الله على مُحَمَّد نبيه، الَّذِي أنارت آيَاته، ووضحت بيناته، وعَلى آله الَّذين اهتدوا بمناره، وَاقْتَدوا بآثاره، وَسلم عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم أَجْمَعِينَ، وعَلى التَّابِعين لَهُم بِإِحْسَان إِلَى يَوْم الدّين، تَسْلِيمًا دَائِما أَبَد الآبدين.
أما بعد:
فَإِن الله تَعَالَى يَقُول فِي كِتَابه الْمنزل على نبيه الْمُرْسل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {كَانَ النَّاس أمة وَاحِدَة فَبعث الله النَّبِيين مبشرين ومنذرين وَأنزل مَعَهم الْكتاب بِالْحَقِّ ليحكم بَين النَّاس فِيمَا اخْتلفُوا فِيهِ وَمَا اخْتلف فِيهِ إِلَّا الَّذين أوتوه من بعد مَا جَاءَتْهُم الْبَينَات بغياً بَينهم فهدى الله الَّذين آمنُوا لما اخْتلفُوا فِيهِ من الْحق بِإِذْنِهِ وَالله يهدي من يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم (213) } [سُورَة الْبَقَرَة] فَكَانَ كل من الْأَنْبِيَاء قبل نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يبْعَث إِلَى قومه، أَو إِلَى طَائِفَة من النَّاس خَاصَّة، والنصوص شاهدةٌ بذلك، وَخص الله عز وَجل نَبينَا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعُمُوم الرسَالَة إِلَى النَّاس كَافَّة، قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا كَافَّة للنَّاس بشيرا وَنَذِيرا} [سُورَة سبأ: 28] ، وَأوجب عَلَيْهِ التَّبْلِيغ إِلَيْهِم، وَإِقَامَة الْحجَّة عَلَيْهِم، وأكرمه بالعصمة مِنْهُم. فَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيهَا الرَّسُول بلغ مَا أنزل إِلَيْك من رَبك وَإِن لم تفعل فَمَا بلغت رسَالَته وَالله يَعْصِمك من النَّاس (67) } [سُورَة الْمَائِدَة] ، وَأوجب عَلَيْهِم طَاعَته فِي غير مَوضِع من كِتَابه، وَقَالَ تَعَالَى: {من يطع الرَّسُول فقد أطَاع الله (80) } [سُورَة النِّسَاء] وَقَالَ تَعَالَى: {فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شجر بَينهم ثمَّ لَا يَجدوا فِي أنفسهم حرجاً مِمَّا قضيت ويسلموا تَسْلِيمًا (65) } [سُورَة النِّسَاء] ثمَّ قَالَ تَعَالَى - وَقَوله الْحق، ووعده الصدْق: {إِنَّا نَحن نزلنَا الذّكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون} [سُورَة(1/71)
الْحجر: 9] وَقَالَ تَعَالَى فِي وصف نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {وَمَا ينْطق عَن الْهوى إِن هُوَ إِلَّا وَحي يُوحى} [سُورَة النَّجْم: 3 - 4] فأمننا بذلك من وُقُوع التبديل فِي التَّبْلِيغ، وَزَاد ذَلِك توكيداً بقوله: {وَإنَّك لتهدي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم صِرَاط الله} [سُورَة الشورى: 52، 53] ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْض إِنَّه لحق مثل مَا أَنكُمْ تنطقون} [سُورَة الذاريات 23] وَسَائِر النُّصُوص فِي هَذَا الْمَعْنى، وَقَالَ تَعَالَى: {اتبعُوا مَا أنزل إِلَيْكُم من ربكُم} [سُورَة الْأَعْرَاف: 3] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وأنزلنا إِلَيْك الذّكر لتبين للنَّاس مَا نزل إِلَيْهِم} [سُورَة النَّحْل: 44] ، وَقَالَ تَعَالَى فِي مثله: {وَمَا أنزلنَا عَلَيْك الْكتاب إِلَّا لتبين لَهُم الَّذِي اخْتلفُوا فِيهِ} [سُورَة النَّحْل: 64] .
فامتثل عَلَيْهِ السَّلَام مَا أَمر بِهِ، وَبلغ إِلَيْهِم مَا أوحى إِلَيْهِ، وَبَين لكل مِنْهُم مَا أشكل عَلَيْهِ، ثمَّ امتن تَعَالَى على الْمُؤمنِينَ بِهِ حِين عرف أَدَاء رَسُوله إِلَيْهِم مَا أوجبه عَلَيْهِم، فَقَالَ عز وَجل: {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نعمتي ورضيت لكم الْإِسْلَام دينا} [سُورَة الْمَائِدَة: 3] .
ثمَّ قرر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحَاضِرين لَدَيْهِ على تبليغه إِلَيْهِم مَا أُوحِي إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُم فِي مشَاهد الْعُمُوم: " أَلا هَل بلغت " فَقَالُوا: اللَّهُمَّ نعم. فَلَمَّا أقرُّوا بذلك أَمرهم بالتبليغ عَنهُ، فَقَالَ: " ليبلغ الشَّاهِد الْغَائِب " تَنْبِيها على أَنه لَا تقوم الْحجَّة إِلَّا بالبلاغ، وَلذَلِك أَمر أَن يَقُول: {لأنذركم بِهِ وَمن بلغ (19) } [سُورَة الْأَنْعَام] ، فَتعين عَلَيْهِم النَّقْل والتبيلغ، والتزموه، وَتعين على من بعدهمْ السّمع وَالطَّاعَة للصحيح الَّذِي نقلوه.
وَلم يزل الصَّحَابَة والتابعون وأئمة الْأَعْصَار المقدمون دائبين فِي نشر مَا علمُوا من شرائع الْإِسْلَام، وَتَعْلِيم مَا علمُوا من وَاجِبَات الْعِبَادَات وَالْأَحْكَام، حرصاً على إِيصَال ذَلِك إِلَى الْغَائِب وَالشَّاهِد، وتسوية فِيمَا بَين الْقَرِيب والمتباعد، وَهَكَذَا جيلاً بعد جيل.
وَلما امْتَدَّ الزَّمَان، وَخيف اخْتِلَاط الصَّحِيح بالسقيم، واشتباه المرتاب بالسليم(1/72)
انتدب جماعةٌ من الْأَئِمَّة السالفين رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ إِلَى تَقْيِيد ذَلِك بالتأليف، وَحفظه بِالْجمعِ والتصنيف، كمالك بن أنس، وَابْن جريج، وسُفْيَان، وَمن بعدهمْ، فَبلغ كل من ذَلِك إِلَى حَيْثُ انْتهى وَسعه، وَأمكنهُ اسْتِيفَاؤهُ وَجمعه، واتصل ذَلِك إِلَى زمَان الْإِمَامَيْنِ أبي عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ، وَأبي الْحُسَيْن مُسلم بن الْحجَّاج النَّيْسَابُورِي رَضِي الله عَنْهُمَا وعنهم، فخصا من الِاجْتِهَاد فِي ذَلِك، وإنفاد الوسع فِيهِ، واعتباره فِي الْأَمْصَار والرحلة عَنهُ إِلَى متباعدات الأقطار، من وَرَاء النَّهر إِلَى فسطاط مصر، وانتقاده حرفا حرفا، واختياره سنداً سنداً، بِمَا وَقع اتِّفَاق النقاد من جهابذة الْإِسْنَاد عَلَيْهِ، وَالتَّسْلِيم مِنْهُم لَهُ، وَذَلِكَ نتيجة مَا رزقا من نِهَايَة الدِّرَايَة، وإحكام الْمعرفَة بالصناعة، وجودة التَّمْيِيز لانتقاد الرِّوَايَة، وَالْبُلُوغ إِلَى أَعلَى الْمَرَاتِب فِي الِاجْتِهَاد وَالْأَمَانَة فِي وقتهما، والتجرد لحفظ دين الله الَّذِي ضمن حفظه، وقيض لَهُ الحافظين لَهُ بالإخلاص لله فِيهِ. وَشَاهد ذَلِك مَا وضع الله لَهما وَلَهُم من الْقبُول فِي الأَرْض، على مَا ورد بِهِ النَّص فِيمَن أحبه الله تَعَالَى، وَأمر أهل السَّمَوَات العلى بحبه.
وَلما انتهيا من ذَلِك إِلَى مَا قصداه، وقررا مِنْهُ مَا انتقداه، على تنائيهما فِي الِاسْتِقْرَار حِين الْجمع وَالِاعْتِبَار، أخرجَا ذَلِك فِي هذَيْن الْكِتَابَيْنِ المنسوبين إِلَيْهِمَا، ووسم كل واحدٍ مِنْهُمَا كِتَابه بِالصَّحِيحِ، وَلم يتقدمهما إِلَى ذَلِك أحدٌ قبلهمَا، وَلَا(1/73)
أفْصح بِهَذِهِ التَّسْمِيَة فِي جَمِيع مَا جمعه أحدٌ سواهُمَا فِيمَا علمناه، إِذْ لم يسْتَمر لغَيْرِهِمَا فِي كل مَا أوردهُ، فتبادرت النيات الموفقة على تباعدها من الطوائف المحققة على اختلافها إِلَى الاستفادة مِنْهُمَا، وَالتَّسْلِيم لَهما فِي علمهما، وتمييزهما، وَقبُول مَا شَهدا بِتَصْحِيحِهِ فيهمَا، يَقِينا بصدقهما فِي النِّيَّة، وبراءتهما من الإقبال على جِهَة بحمية، أَو الِالْتِفَات إِلَى فِئَة بعصبية، سوى مَا صَحَّ عَمَّن أمرنَا بِالرُّجُوعِ إِلَيْهِ، والتعويل فِي كل مَا أخبرنَا بِهِ عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَحين اسْتَقر ذَلِك وانتشر، وَسَار مسير الشَّمْس وَالْقَمَر، أردْت تَعْجِيل الْفَائِدَة لنَفْسي، وتسهيل سرعَة الْمَطْلُوب ذخيرة لمطالعتي وحفظي، وَالْأَخْذ بحظ من التَّقْرِيب فِي التَّبْلِيغ، ينْتَفع بِهِ من سواي، وأحظى بِهِ عِنْد مولَايَ، فاستخرته تَعَالَى وَجل، وَسَأَلته العون والتأييد على تَجْرِيد مَا فِي هذَيْن الْكِتَابَيْنِ من متون الْأَخْبَار ونصوص الْآثَار، إِذْ قد صَحَّ الانقياد للإسناد من جُمْهُور الْأَئِمَّة النقاد، وتلخيص ذَلِك فِي كتاب وَاحِد، مَعَ جمع مفترقها، وَحفظ تراجمها.
وَلم أذكر من الْإِسْنَاد فِي الْأَكْثَر إِلَّا التَّابِع عَن الصاحب، أَو من روى عَنهُ مِمَّا يتَعَلَّق بالتراجم للمعرفة بِهِ، وَلَا من الْمعَاد إِلَّا مَا تَدْعُو الضَّرُورَة إِلَيْهِ لزِيَادَة بَيَان، أَو لِمَعْنى يتَّصل بِمَا لَا يَقع الْفَهم إِلَّا بإيراده، وَرُبمَا أضفنا إِلَى ذَلِك نبذاً مِمَّا تنبهنا عَلَيْهِ من كتب أبي الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ، وَأبي بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ، وَأبي بكر الْخَوَارِزْمِيّ وَأبي مَسْعُود الدِّمَشْقِي، وَغَيرهم من الْحفاظ الَّذين عنوا بِالصَّحِيحِ مِمَّا يتَعَلَّق بالكتابين، من تَنْبِيه على غرضٍ، أَو تتميم لمَحْذُوف، أَو زيادةٍ فِي شرحٍ، أَو بَيَان لاسمٍ أَو نسبٍ، أَو كلامٍ على إِسْنَاد، أَو تتبعٍ لوهم بعض(1/74)
أَصْحَاب التَّعَالِيق فِي الْحِكَايَة عَنْهُمَا، وَنَحْو ذَلِك من الغوامض الَّتِي يقف عَلَيْهَا من يَنْفَعهُ الله بمعرفتها إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وجمعنا حَدِيث كل صَاحب على حِدة، ورتبناهم على خمس مَرَاتِب:
فبدأنا بِمُسْنَد الْعشْرَة، ثمَّ بالمقدمين بعد الْعشْرَة، ثمَّ بالمكثرين، ثمَّ بالمقلين، ثمَّ بِالنسَاء.
وميزنا الْمُتَّفق من كل مُسْند على حِدة، وَمَا انْفَرد بِهِ كل وَاحِد مِنْهُمَا على حدةٍ، وَلم نراع الِانْفِرَاد بالرواة، وَإِنَّمَا قصدنا إِلَى الِانْفِرَاد بالمتون، وَإِن كَانَ الحَدِيث من رواةٍ مُخْتَلفين عَن ذَلِك الصاحب، أَو عَن الروَاة عَنهُ، لِأَن الْغَرَض معرفَة اتِّفَاق هذَيْن الْإِمَامَيْنِ على إِخْرَاج الْمَتْن الْمَقْصُود إِلَيْهِ فِي الصَّحِيح، أَو معرفَة من أخرجه مِنْهُمَا وَشهد بِتَصْحِيحِهِ، لتقوم الْحجَّة بِهِ.
وتتبعنا مَعَ ذَلِك زِيَادَة كل راوٍ فِي كل متنٍ، وَلم نخل بِكَلِمَة فَمَا فَوْقهَا، تَقْتَضِي حكما أَو تفِيد فَائِدَة، ونسبناها إِلَى من رَوَاهَا، إِلَّا أَن يكون فِيمَا أوردنا مَعْنَاهَا أَو دلَالَة عَلَيْهَا، وجمعنا كل معني مَقْصُود من ذَلِك وَمن التراجم فِيهِ فِي مَكَان وَاحِد فِي كل مُسْند، وَرُبمَا أوردنا الْمَتْن من ذَلِك بِلَفْظ أَحدهمَا، فَإِن اخْتلفَا فِي اللَّفْظ واتفقا فِي المعني أوردناه بِاللَّفْظِ الأتم، وَإِن كَانَت عِنْد أَحدهمَا فِيهِ زِيَادَة
وَإِن قلت - نبهنا عَلَيْهَا، وتوخينا الِاجْتِهَاد فِي ذَلِك، والمعصوم من عصم الله عز وَجل.
وَهَذَا الَّذِي أحكمناه فِي الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ لَهما، والترجمة عَنْهُمَا يستبين للنَّاظِر المتيقظ، والعارف الْمنصف الَّذِي نور الله بالمعرفة قلبه، وهدي إِلَى الْإِقْرَار بهَا لِسَانه، تقدمهما فِي الِاحْتِيَاط وَالِاجْتِهَاد، واحتفالهما فِي الْجمع والإيراد، واقتصارهما على المهم الْمُسْتَفَاد. وَإِن جَمِيع مَا جمعاه من ذَلِك وانتقداه دَلِيل على أَن أَكْثَره عَن جمَاعَة لَا عَن وَاحِد.(1/75)
وَهَذَانِ الكتابان يشتملان على فصولٍ من أصُول الدّين، لاغنى لمن أَرَادَ الِاخْتِصَاص بِعلم الشَّرِيعَة عَن مَعْرفَتهَا، وَهِي مَا فيهمَا من الِاعْتِبَار بأخبار الِابْتِدَاء، والأنبياء، وَمَا كَانَ فِي بني إِسْرَائِيل من الأنباء، وَأَيَّام الْجَاهِلِيَّة الجهلاء، وَأَيَّام النُّبُوَّة وَمَا تَلَاهَا من السّير والمعجزات، وجمل الاعتقادات، ولوازم الطَّاعَات، وَالنَّهْي عَن الْمُنْكَرَات، وَذكر الْغَزَوَات، ونزول الْآيَات وثوابها، وأبواب الْفِقْه وَالتَّفْسِير وَالتَّعْبِير وبيانها، وفضائل الصَّحَابَة وخصائصها، ورغائب الزّهْد فِي الدُّنْيَا وَالْعَمَل لِلْأُخْرَى ومراتبها، وَمَا فِي ملكوت السَّمَوَات وَالْأَرْض من قدرَة الله تَعَالَى وشواهدها، وَمَا يتَّصل بذلك من المواعظ ورقائقها، وَمَا يكون من الْفِتَن والأشراط إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وأنواعها، ثمَّ مَا يكون من الْبَعْث والنشور، وَبعد الْحساب من الثَّوَاب وَالْعِقَاب، والاستقرار فِي الْجنَّة أَو النَّار وصفاتهما، وحظوظ أهليهما مِنْهُمَا، وَمَا يتَعَلَّق بذلك.
وتتمة ذَلِك تعديلهما لرواة هَذِه الْأُصُول المخرجة فِي الْكِتَابَيْنِ، وحكمهما بذلك فِيمَا أفصحا بِهِ فِي الترجمتين، لِأَن الصِّحَّة لَا يَسْتَحِقهَا الْمَتْن إِلَّا بعدالة الرَّاوِي، وَشَهَادَة هذَيْن الْإِمَامَيْنِ أَو أَحدهمَا بذلك، وتصحيحهما إِيَّاه حكمٌ يلْزم قبُوله، وتبليغٌ يتَعَيَّن الانقياد لَهُ، ونذارةٌ يخَاف عَاقِبَة عصيانها، قَالَ تَعَالَى: {فلولا نفر من كل فرقة مِنْهُم طَائِفَة ليتفقهوا فِي الدّين ولينذروا قَومهمْ إِذا رجعُوا إِلَيْهِم لَعَلَّهُم يحذرون} [سُورَة التَّوْبَة: 122] .
وَهَذِه مناهج الباحث المتدين قد قربناها لَهُ، وسهلناها عَلَيْهِ، ونقلنا نصوصها مُقَيّدَة إِلَيْهِ، ووضعنا مَجْمُوع أشتاتها وتراجمها منتظمة بَين يَدَيْهِ، وزدنا عَلَيْهَا مَعَ جمع المتفرق وَحذف مَا يصعب حفظه من الطّرق تَمْيِيز مَا اتفقَا عَلَيْهِ، أَو انْفَرد بِهِ أَحدهمَا، والاقتصار من التّكْرَار على مَا لابد من الِاقْتِصَار عَلَيْهِ، وَعدد مَا لكل صَاحب من الْأَحَادِيث المخرجة فيهمَا، وقمنا لَهُ مقَام التَّرْجَمَة عَنْهُمَا فِي ذَلِك كُله.(1/76)
واقتفينا فِي تَرْتِيب هذَيْن الْكِتَابَيْنِ على أَسمَاء الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم آثَار من تقدم قبلنَا من الْأَئِمَّة المخرجين على الصَّحِيح، وَأَصْحَاب التَّعَالِيق، كَأبي بكر البرقاني وَأبي مَسْعُود الدِّمَشْقِي، وَخلف الوَاسِطِيّ، وَغَيرهم من الْأَئِمَّة، وَإِنَّمَا فعلوا ذَلِك ليتعجل النَّاظر فِي الْأَحَادِيث معرفَة من رَوَاهَا من الصَّحَابَة، وَمن رَوَاهَا عَنْهُم، وَمَعْرِفَة مَا يلْحق بهَا مِمَّا هُوَ على شَرط إسنادها، أَو مَا يَقع إِلَى الباحث عَنْهَا مِمَّا يُرِيد اعْتِبَاره من الصَّحِيح، فيقصد بِمَا يَقع لَهُ إِلَى الْمَجْمُوع من حَدِيث ذَلِك الصاحب، فَيقرب عَلَيْهِ الْمطلب الَّذِي قَصده، وَالْمذهب الَّذِي ذهب إِلَيْهِ، وَيكون أخف عَلَيْهِ من طلبه لذَلِك فِي أبوابٍ، رُبمَا أخرجه أَحدهمَا فِي غَيره.
وَبِمَا صدرنا بِهِ أَولا من النُّصُوص وبأمثالها، أيقنا أَن الْعلم الْمُقْتَدِي بِهِ فِي الدّين، والظهير المحتج بِهِ بَين المختصمين، هُوَ مَا صَحَّ عَمَّن صحت قَوَاعِد أَعْلَامه، وأنارت شَوَاهِد صدقه فِي إِعْلَامه، مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَلم نجد من الْأَئِمَّة الماضين - رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ - من أفْصح لنا فِي جَمِيع مَا جمعه بِالصِّحَّةِ إِلَّا هذَيْن الْإِمَامَيْنِ، وَإِن كَانَ من سواهُمَا من الْأَئِمَّة قد أفْصح بالتصحيح فِي بعض، فقد علل فِي بعض، فَوَجَبَ البدار إِلَى الِاشْتِغَال بالمجموع الْمَشْهُور على صِحَة جَمِيعه. فَإِن اتَّسع لباحث محسنٍ زمانٌ، تتبع مَا لم يخرجَاهُ من الْمُتُون اللاحقة بِشَرْط الصَّحِيح فِي سَائِر المجموعات والمنثورات، وميز ذَلِك إِن وجده فِيهَا، وَكَانَت لَهُ منةٌ فِي انتقاد ذَلِك مِنْهَا.
وَنَرْجُو أَن يكون مَا أتعبنا الخاطر فِيهِ، وأنفقنا الْعُمر عَلَيْهِ، وجمعنا أشتاته، وقربنا متباعده من ذَلِك، أخصر فِي المطالعة، وَأعجل للْحِفْظ وأسرع للتبيلغ،(1/77)
وَأمكن للفهم والاستنباط، وأزيد فِي الاستبصار، وأنفع فِي الْعلم وَالْعَمَل، وأدعي إِلَى دعوةٍ نستفيدها من مستفيدٍ حصل على غنيمةٍ قصرت عَلَيْهِ الْمسَافَة فيهمَا، وَلم يتعب فِي تَحْصِيلهَا وتأتيها.
وَبِاللَّهِ تَعَالَى نعتصم، وإياه نسْأَل نفعنا وَالِانْتِفَاع بِنَا، والزلفي لَدَيْهِ بِكُل مَا نتقرب بِهِ إِلَيْهِ، جعلنَا الله وَإِيَّاكُم من المعتصمين بكتابه، وَسنة نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، الداعين إِلَيْهِمَا، الموفقين لفهمهما واستعمالهما، ورزقنا وَإِيَّاكُم الْإِخْلَاص وَالْيَقِين، وَصَلَاح الدُّنْيَا وَالدّين، وَالْقَبُول المعلي إِلَى عليين، بمنه، آمين. وَغفر لنا وللأئمة السالفين، ولآبائنا أَجْمَعِينَ، وَلِجَمِيعِ الْمُسلمين، وَالْحَمْد لله أَولا وآخراً، وعوداً وبدءاً، حمداً يَدُوم وَلَا يبيد، وَصلى الله على الْمُصْطَفى محمدٍ، وعَلى آله المقتدين بِهِ، وَسلم تَسْلِيمًا دَائِما أبدا، يتَكَرَّر وَيزِيد، وحسبنا الله وَحده وَنعم الْوَكِيل.
وَهَذَا حِين نبدأ فِيمَا قصدنا لَهُ من الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ، على الرتب الْمَذْكُورَة فَأول ذَلِك مَا فيهمَا من مُسْند أبي بكر الصّديق رضوَان الله عَلَيْهِ.(1/78)
الْقسم الأول
مسانيد الْعشْرَة(1/79)
صفحة فارغة(1/80)
مُسْند أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ الْمخْرج فِي الصَّحِيحَيْنِ البُخَارِيّ وَمُسلم أَو فِي أَحدهمَا
الْمُتَّفق عَلَيْهِ من ذَلِك سِتَّة أَحَادِيث:
1 - الأول: عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ عَنهُ أَنه قَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " عَلمنِي دُعَاء أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتي ". قَالَ: " قل: اللَّهُمَّ إِنِّي ظلمت نَفسِي ظلما كثيرا، وَلَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت، فَاغْفِر لي مغْفرَة من عنْدك، وارحمني، إِنَّك أَنْت الغفور الرَّحِيم ".
جعله بعض الروَاة من مُسْند عبد الله بن عَمْرو، لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ عَنهُ: إِن أَبَا بكر قَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقد أَخْرجَاهُ أَيْضا كَذَلِك من طَرِيق عَمْرو بن الْحَارِث، عَن يزِيد بن أبي حبيب، وَهُوَ مَذْكُور فِي مُسْند ابْن عَمْرو.
2 - الثَّانِي: عَن أنس بن مَالك الْأنْصَارِيّ، عَنهُ، قَالَ: " نظرت إِلَى أَقْدَام الْمُشْركين وَنحن فِي الْغَار وهم على رؤوسنا، فَقلت: يَا رَسُول الله لَو أَن أحدهم نظر إِلَى قَدَمَيْهِ أبصرنا تَحت قَدَمَيْهِ. فَقَالَ: " يَا أَبَا بكر، مَا ظَنك بِاثْنَيْنِ الله ثالثهما ".(1/81)
3 - الثَّالِث: حَدِيث الرحل: عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ: جَاءَ أَبُو بكر إِلَى أبي فِي منزله فَاشْترى مِنْهُ رحلاً، فَقَالَ لعازبٍ: ابْعَثْ معي ابْنك يحملهُ معي إِلَى منزلي، فَقَالَ لي أبي: احمله، فَحَملته، وَخرج أبي مَعَه ينْتَقد ثمنه، فَقَالَ لَهُ أبي: يَا أَبَا بكر، كَيفَ صنعتما لَيْلَة سريت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: نعم، أسرينا ليلتنا كلهَا حَتَّى قَامَ قَائِم الظهيرة، وخلا الطَّرِيق فَلَا يمر فِيهِ أحد، حَتَّى رفعت لنا صخرةٌ طويلةٌ لَهَا ظلٌّ لم تأت عَلَيْهِ الشَّمْس بعد، فنزلنا عِنْدهَا، فَأتيت الصَّخْرَة، فسويت بيَدي مَكَانا ينَام فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ظلها، ثمَّ بسطت عَلَيْهِ فَرْوَة، ثمَّ قلت: نم يَا رَسُول الله وَأَنا أنفض لَك مَا حولك، فَنَامَ، وَخرجت أنفض مَا حوله، فَإِذا أَنا براعٍ مقبلٍ بغنمه إِلَى الصَّخْرَة يُرِيد مِنْهَا الَّذِي أردنَا، فَلَقِيته فَقلت: لمن أَنْت يَا غُلَام؟ فَقَالَ: لرجل من أهل الْمَدِينَة. فَقلت: أَفِي غنمك لبن؟ قَالَ: نعم. قلت: أفتحلب لي؟ قَالَ: نعم، فَأخذ شَاة، فَقلت: انفض الضَّرع من الشّعْر وَالتُّرَاب والقذى - قَالَ: فَرَأَيْت الْبَراء يضْرب بِيَدِهِ على الْأُخْرَى ينفض - فَحلبَ لي فِي قعبٍ مَعَه كثبةً من لبن، قَالَ: وَمَعِي إداوةٌ أرتوي فِيهَا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليشْرب مِنْهَا وَيتَوَضَّأ. قَالَ: فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكرهت أَن أوقظه من نَومه، فوقفت حَتَّى اسْتَيْقَظَ، وَفِي أُخْرَى: فوافقته حِين اسْتَيْقَظَ، فَصَبَبْت على اللَّبن من المَاء حَتَّى برد أَسْفَله، فَقلت: يَا رَسُول الله، اشرب من هَذَا اللَّبن، قَالَ: فَشرب حَتَّى رضيت، ثمَّ قَالَ: " ألم يَأن للرحيل؟ " قلت: بلَى. قَالَ: فارتحلنا بعد مَا زَالَت الشَّمْس، وَاتَّبَعنَا سراقَة بن مَالك وَنحن فِي جلدٍ من الأَرْض، فَقلت: يَا رَسُول الله أَتَيْنَا، فَقَالَ: " لَا تحزن، إِن الله مَعنا ". فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فارتطمت فرسه إِلَى بَطنهَا - أرى - فَقَالَ: إِنِّي قد علمت أنكما قد دعوتما عَليّ، فَادعوا(1/82)
لي، فَالله لَكمَا أَن أرد عنكما الطّلب. فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فنجا، لَا يلقى أحدا إِلَّا قَالَ: كفيتم مَا هَا هُنَا، وَلَا يلقى أحدا إِلَّا رده، ووفى لنا.
زَاد فِي رِوَايَة إِسْرَائِيل: أَن سراقَة قَالَ: وَهَذِه كِنَانَتِي، فَخذ سَهْما مِنْهَا، فَإنَّك ستمر على إبلي وغلماني بمَكَان كَذَا وَكَذَا، فَخذ مِنْهَا حَاجَتك. قَالَ: " لَا حَاجَة لي فِي إبلك ". فقدمنا الْمَدِينَة لَيْلًا، فتنازعوا أَيهمْ ينزل عَلَيْهِ، فَقَالَ: " أنزل على بني النجار أخوال عبد الْمطلب، أكْرمهم بذلك " فَصَعدَ الرِّجَال وَالنِّسَاء فَوق الْبيُوت، وتفرق الغلمان والخدم فِي الطّرق ينادون: يَا مُحَمَّد، يَا رَسُول الله، يَا مُحَمَّد، يَا رَسُول الله.
وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: جَاءَ مُحَمَّد، جَاءَ رَسُول الله.
زَاد فِي أُخْرَى من رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن يُوسُف: وَقَالَ الْبَراء: فَدخلت مَعَ أبي بكر على أَهله، فَإِذا عَائِشَة ابْنَته مُضْطَجِعَة قد أصابتها حمى، فَرَأَيْت أَبَاهَا يقبل خدها، وَقَالَ: كَيفَ أَنْت يَا بنية.
فِي حَدِيث شُعْبَة زِيَادَة لَفْظَة: أَن الْبَراء قَالَ: قَالَ أَبُو بكر - يَعْنِي لما خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة -: مَرَرْنَا براعٍ وَقد عَطش رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ أَبُو بكر الصّديق: فَأخذت قدحاً، فحلبت فِيهِ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كثبة من لبنٍ، فَأَتَيْته بهَا، فَشرب حَتَّى رضيت. وَقع مَفْصُولًا من حَدِيث الرحل، وَكَذَا أَخْرجَاهُ.
4 - الرَّابِع: عَن أبي هُرَيْرَة من رِوَايَة حميد بن عبد الرَّحْمَن عَنهُ: أَن أَبَا بكر الصّديق بَعثه فِي الْحجَّة الَّتِي أمره عَلَيْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل(1/83)
حجَّة الْوَدَاع فِي رهطٍ يُؤذن فِي النَّاس يَوْم النَّحْر: أَلا يحجّ بعد الْعَام مُشْرك، وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان.
وَفِي رِوَايَة عقيل: قَالَ حميد: ثمَّ أرْدف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعلي بن أبي طَالب، فَأمره أَن يُؤذن ب " بَرَاءَة " قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: فَأذن مَعنا فِي أهل منى ب " بَرَاءَة ": أَلا يحجّ بعد الْعَام مشركٌ وَلَا يطوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان.
وَفِي رِوَايَة أبي الْيَمَان: وَيَوْم الْحَج الْأَكْبَر: يَوْم النَّحْر. وَالْحج الْأَكْبَر: الْحَج، وَإِنَّمَا قيل الْحَج الْأَكْبَر من أجل قَول النَّاس: الْحَج الْأَصْغَر. قَالَ: فنبذ أَبُو بكر إِلَى النَّاس فِي ذَلِك الْعَام، فَلم يحجّ فِي الْعَام الْقَابِل الَّذِي حج فِيهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجَّة الْوَدَاع - مشركٌ، وَأنزل الله تَعَالَى فِي الْعَام الَّذِي نبذ فِيهِ أَبُو بكر إِلَى الْمُشْركين: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس فَلَا يقربُوا الْمَسْجِد الْحَرَام بعد عَامهمْ هَذَا وَإِن خِفْتُمْ عيلة فَسَوف يغنيكم الله من فَضله} [سُورَة التَّوْبَة: 28] وَكَانَ الْمُشْركُونَ يوافون بِالتِّجَارَة، فينتفع بهَا الْمُسلمُونَ، فَلَمَّا حرم الله على الْمُشْركين أَن يقربُوا الْمَسْجِد الْحَرَام وجد الْمُسلمُونَ فِي أنفسهم مِمَّا قطع عَلَيْهِم من التِّجَارَة الَّتِي كَانَ الْمُشْركُونَ يوافون بهَا، فَقَالَ الله عز وَجل: {وَإِن خِفْتُمْ عيلة فَسَوف يغنيكم الله من فَضله إِن شَاءَ} ثمَّ أحل فِي الْآيَة الَّتِي فِيهَا تتبعها الْجِزْيَة، وَلم تُؤْخَذ قبل ذَلِك، فَجَعلهَا عوضا مِمَّا مَنعهم من موافاة الْمُشْركين بتجاراتهم، فَقَالَ عز وَجل: {قَاتلُوا الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه وَلَا بِالْيَوْمِ الآخر} [سُورَة التَّوْبَة: 29] ، فَلَمَّا أحل الله عز وَجل(1/84)
ذَلِك للْمُسلمين عرفُوا أَنه قد عاضهم بِأَفْضَل مِمَّا خافوه ووجدوا عَلَيْهِ مِمَّا كَانَ الْمُشْركُونَ يوافون بِهِ فِي التِّجَارَة.
وَفِي رِوَايَة ابْن وهب: وَكَانَ حميد يَقُول: يَوْم النَّحْر: يَوْم الْحَج الْأَكْبَر، من أجل حَدِيث أبي هُرَيْرَة.
5 - الْخَامِس: عَن أبي هُرَيْرَة أَيْضا قَالَ: لما توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، واستخلف أَبُو بكر بعده، وَكفر من كفر من الْعَرَب. قَالَ عمر بن الْخطاب لأبي بكر: كَيفَ تقَاتل النَّاس وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله، فَمن قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله عصم مني مَاله وَنَفسه إِلَّا بِحقِّهِ، وحسابه على الله " فَقَالَ أَبُو بكر: وَالله لأقاتلن من فرق بَين الصَّلَاة وَالزَّكَاة، فَإِن الزَّكَاة حق المَال، وَالله لَو مَنَعُونِي عنَاقًا كَانُوا يؤدونها إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقاتلتهم على منعهَا، فَقَالَ عمر: فوَاللَّه مَا هُوَ إِلَّا أَن رَأَيْت أَن الله شرح صدر أبي بكر لِلْقِتَالِ، فَعرفت أَنه الْحق.
وَفِي رِوَايَة: عقَالًا كَانُوا يؤدونه.
وَيدخل أَيْضا هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند عمر، بقوله فِيهِ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " أمرت أَن أقَاتل النَّاس. . ".
6 - السَّادِس عَن عمر عَن أبي بكر، الْمسند مِنْهُ فَقَط وَهُوَ: " لَا نورث، مَا تركنَا صَدَقَة ".(1/85)
لمُسلم من رِوَايَة جوَيْرِية بن أَسمَاء، عَن مَالك، وَعَن عَائِشَة بِطُولِهِ: أَن فَاطِمَة سَأَلت أَبَا بكر أَن يقسم لَهَا مِيرَاثهَا.
وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: أَن فَاطِمَة وَالْعَبَّاس أَتَيَا أَبَا بكر يلتمسان ميراثهما من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم حينئذٍ يطلبان أرضه من فدك، وسهمه من خَيْبَر، فَقَالَ أَبُو بكر إِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَا نورث، مَا تركنَا صدقةٌ، إِنَّمَا يَأْكُل آل مُحَمَّد فِي هَذَا المَال " وَإِنِّي وَالله لَا أدع أمرا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصنعه فِيهِ إِلَّا صَنعته. زَاد فِي رِوَايَة صَالح بن كيسَان: إِنِّي أخْشَى إِن تركت شَيْئا من أمره أَن أزيغ. قَالَ: وَأما صدقته بِالْمَدِينَةِ فَدَفعهَا عمر إِلَى عَليّ وعباس، فغلبه عَلَيْهَا عَليّ.
وَأما خَيْبَر وفدك فَأَمْسَكَهُمَا عمر وَقَالَ: هما صَدَقَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَتَا لحقوقه الَّتِي تعروه ونوائبه، وَأَمرهمَا إِلَى من ولي الْأَمر. قَالَ: فهما على ذَلِك إِلَى الْيَوْم.
قَالَ غير صَالح فِي رِوَايَته فِي حَدِيث أبي بكر: فَهجرَته فَاطِمَة، فَلم تكَلمه فِي ذَلِك حَتَّى مَاتَت، فدفنها عَليّ لَيْلًا، وَلم يُؤذن بهَا أَبَا بكر، قَالَ: فَكَانَ لعَلي وجهٌ من النَّاس حَيَاة فَاطِمَة، فَلَمَّا توفيت فَاطِمَة انصرفت وُجُوه النَّاس عَن عَليّ، وَمَكَثت فَاطِمَة بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِتَّة أشهر ثمَّ توفيت. فَقَالَ رجلٌ لِلزهْرِيِّ: فَلم يبايعه على سِتَّة أشهر. فَقَالَ: لَا وَالله، وَلَا أحدٌ من بني هَاشم حَتَّى بَايعه عَليّ وَفِي حَدِيث عُرْوَة: فَلَمَّا رأى عَليّ انصراف وُجُوه النَّاس عَنهُ فزع إِلَى مصالحة أبي بكر، فَأرْسل إِلَى أبي بكر: ائتنا، وَلَا يأتنا مَعَك أحدٌ، وَكره أَن يَأْتِيهِ عمر، لما علم من شدَّة عمر، فَقَالَ عمر: لَا تأتهم وَحدك. فَقَالَ أَبُو بكر: وَالله لآتينهم وحدي، مَا عَسى أَن يصنعوا بِي. فَانْطَلق أَبُو بكر، فَدخل على عَليّ وَقد جمع بني هَاشم عِنْده، وَقَامَ عَليّ، فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهله، ثمَّ قَالَ: أما بعد، فَلم يمنعنا أَن نُبَايِعك يَا أَبَا بكر إنكاراً لفضلك، وَلَا نفاسة عَلَيْك لخيرٍ سَاقه(1/86)
الله إِلَيْك، وَلَكنَّا كُنَّا نرى أَنه لنا فِي هَذَا الْأَمر حَقًا فاستبددتم علينا، ثمَّ ذكر قرابتهم من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحقهم، فَلم يزل عَليّ يذكر حَتَّى بَكَى أَبُو بكر، وَصمت عَليّ. فَتشهد أَبُو بكر، فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهله، ثمَّ قَالَ: فوَاللَّه لقرابة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحب إِلَيّ أَن أصل من قَرَابَتي، وَالله مَا ألوت فِي هَذِه الْأَمْوَال الَّتِي كَانَت بيني وَبَيْنكُم عَن الْخَيْر، وَلَكِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " لَا نورث، مَا تركنَا صَدَقَة، إِنَّمَا يَأْكُل آل محمدٍ فِي هَذَا المَال " وَإِنِّي وَالله لَا أدع أمرا صنعه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا صَنعته إِن شَاءَ الله. وَقَالَ عَليّ: موعدك العشية لِلْبيعَةِ.
فَلَمَّا صلى أَبُو بكر الظّهْر، أقبل على النَّاس يعْذر عليا بِبَعْض مَا اعتذر بِهِ، ثمَّ قَامَ عليٌّ فَعظم من حق أبي بكر وَذكر فضيلته وسابقته، ثمَّ قَامَ إِلَى أبي بكر فَبَايعهُ، فَأقبل النَّاس على عَليّ، فَقَالُوا: أصبت وأحسنت، وَكَانَ الْمُسلمُونَ إِلَى عَليّ قَرِيبا حِين رَاجع الْأَمر الْمَعْرُوف - رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ.(1/87)
مَا انْفَرد البُخَارِيّ بِإِخْرَاجِهِ من ذَلِك
7 - الأول: عَن عمر، من رِوَايَة عبد الله بن عمر: أَن عمر حِين تأيمت حَفْصَة بنت عمر من خُنَيْس بن حذافة السَّهْمِي - وَكَانَ من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قد شهد بَدْرًا وَتُوفِّي بِالْمَدِينَةِ - قَالَ عمر: فَلَقِيت عُثْمَان بن عَفَّان فعرضت عَلَيْهِ حَفْصَة فَقلت: إِن شِئْت أنكحتك حَفْصَة ابْنة عمر، فَقَالَ: سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي. فَلَبثت ليَالِي، ثمَّ لَقِيَنِي فَقَالَ: قد بدا لي أَلا أَتزوّج يومي هَذَا. قَالَ عمر: فَلَقِيت أَبَا بكر الصّديق فَقلت: إِن شِئْت أنكحتك حَفْصَة ابْنة عمر، فَصمت أَبُو بكر فَلم يرجع إِلَيّ شَيْئا، فَكنت مِنْهُ أوجد مني على عُثْمَان، فَلَبثت ليَالِي، ثمَّ خطبهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأنكحتها إِيَّاه، فلقيني أَبُو بكر فَقَالَ: لَعَلَّك وجدت عَليّ حِين عرضت عَليّ حَفْصَة فَلم أرجع إِلَيْك شَيْئا؟ فَقلت: نعم.
قَالَ: فَإِنَّهُ لم يَمْنعنِي أَن أرجع إِلَيْك فِيمَا عرضت عَليّ إِلَّا أَنِّي قد كنت علمت أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد ذكرهَا، فَلم أكن لأفشي سر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَو تَركهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقبلتها.
يُقَال: انْفَرد معمر بقوله فِيهِ: إِلَّا أَنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يذكرهَا، وَسَائِر الروَاة يَقُولُونَ: علمت.
قَالَ فِيهِ الرَّاوِي عَن معمر: حُبَيْش بِالْحَاء الْمُهْملَة والشين الْمُعْجَمَة وَالْبَاء، وَهُوَ تَصْحِيف، لِأَنَّهُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَالنُّون وَالسِّين الْمُهْملَة.(1/88)
اختصر البُخَارِيّ حَدِيث معمر احْتِرَازًا مِمَّا وَقع للراوي فِيهِ، فَقَالَ: إِن عمر حِين تأيمت حَفْصَة من ابْن حذافة السَّهْمِي، وَلم يسمه، وقطعه عِنْد قَوْله: قَالَ عمر: فَلَقِيت أَبَا بكر فَقلت: إِن شِئْت أنكحتك حَفْصَة، لم يزدْ.
وَهَذَا الحَدِيث أَيْضا يذكر فِي مُسْند عمر لقَوْله فِيهِ: ثمَّ خطبهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فأنكحتها إِيَّاه.
8 - الثَّانِي: عَن عبد الله بن عمر. عَن أبي بكر مَوْقُوفا أَنه قَالَ: ارقبوا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي أهل بَيته.
9 - الثَّالِث: فِي جمع الْقُرْآن:
عَن زيد بن ثَابت قَالَ: أرسل إِلَيّ أَبُو بكر مقتل أهل الْيَمَامَة، فَإِذا عمر جالسٌ عِنْده، فَقَالَ أَبُو بكر: إِن عمر جَاءَنِي فَقَالَ: إِن الْقَتْل قد استحر يَوْم الْيَمَامَة بقراء الْقُرْآن، وَإِنِّي أخْشَى أَن يستحر الْقَتْل بالقراء فِي كل المواطن، فَيذْهب من الْقُرْآن كثير، وَإِنِّي أرى أَن تَأمر بِجمع الْقُرْآن. قَالَ: قلت لعمر: وَكَيف أفعل شَيْئا لم يَفْعَله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالَ عمر: هُوَ وَالله خيرٌ. فَلم يزل يراجعني فِي ذَلِك حَتَّى شرح الله صَدْرِي للَّذي شرح لَهُ صدر عمر، وَرَأَيْت فِي ذَلِك الَّذِي رأى عمر.
قَالَ زيد - وَفِي رِوَايَة فَقَالَ لي أَبُو بكر:
إِنَّك رجلٌ شابٌّ عاقلٌ لَا نتهمك، قد كنت تكْتب الْوَحْي لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فتتبع الْقُرْآن فاجمعه. قَالَ زيدٌ: فوَاللَّه لَو كلفني نقل جبلٍ من الْجبَال مَا كَانَ أثقل عَليّ مِمَّا أَمرنِي بِهِ من جمع الْقُرْآن. قَالَ:(1/89)
كَيفَ تفعلان شَيْئا لم يَفْعَله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالَ أَبُو بكر: هُوَ - وَالله - خيرٌ، قَالَ: فَلم يزل أَبُو بكر يراجعني. وَفِي أُخْرَى: فَلم يزل عمر يراجعني حَتَّى شرح الله صَدْرِي للَّذي شرح لَهُ صدر أبي بكر وَعمر.
قَالَ: فتتبعت الْقُرْآن أجمعه من الرّقاع والعسب واللخاف وصدور الرِّجَال، حَتَّى وجدت آخر سُورَة التَّوْبَة مَعَ خُزَيْمَة، أَو مَعَ أبي خُزَيْمَة الْأنْصَارِيّ، لم أَجدهَا مَعَ أحد غَيره. {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم (128) } [سُورَة التَّوْبَة] خَاتِمَة " بَرَاءَة ".
قَالَ: فَكَانَت الصُّحُف عِنْد أبي بكر حَتَّى توفاه الله، ثمَّ عِنْد عمر حَتَّى توفاه الله، ثمَّ عِنْد حَفْصَة بنت عمر.
قَالَ بعض الروَاة فِيهِ: اللخاف يَعْنِي الخزف.
زَاد ابْن شهَاب عَن أنس: أَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان قدم على عُثْمَان وَكَانَ يغازي أهل الشَّام فِي فتح أرمينية وأذربيجان مَعَ أهل الْعرَاق، فأفزع حُذَيْفَة اخْتلَافهمْ فِي الْقِرَاءَة، فَقَالَ حُذَيْفَة لعُثْمَان: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أدْرك هَذِه الْأمة قبل أَن يَخْتَلِفُوا فِي الْكتاب اخْتِلَاف الْيَهُود وَالنَّصَارَى، فَأرْسل عُثْمَان إِلَى حَفْصَة: أَن أرسلي إِلَيْنَا بالصحف ننسخها فِي الْمَصَاحِف ثمَّ نردها إِلَيْك، فَأرْسلت بهَا إِلَيْهِ، فَأمر زيد بن ثَابت وَعبد الله بن الزبير وَسَعِيد بن الْعَاصِ وَعبد الله بن الْحَارِث بن هِشَام، فنسخوها فِي الْمَصَاحِف، وَقَالَ عُثْمَان للرهط القرشيين: إِذا اختلفتم أَنْتُم وَزيد بن ثَابت فِي شَيْء من الْقُرْآن فاكتبوه بِلِسَان قُرَيْش، فَإِنَّمَا نزل بلسانهم، فَفَعَلُوا، حَتَّى إِذا نسخوا الصُّحُف فِي الْمَصَاحِف رد عُثْمَان الصُّحُف إِلَى حَفْصَة، فَأرْسل إِلَى كل أفق بمصحف مِمَّا نسخوا، وامر بِمَا سوى ذَلِك من الْقُرْآن فِي كل صحيفَة أَو مصحفٍ أَن يحرق.(1/90)
قَالَ ابْن شهَاب: وَأَخْبرنِي خَارِجَة بن زيد بن ثَابت أَنه سمع زيد بن ثَابت يَقُول: فقدت آيَة من سُورَة الْأَحْزَاب - حَتَّى نسخت الصُّحُف - قد كنت أسمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقْرَأها، فالتمسناها، فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَة بن ثَابت الْأنْصَارِيّ: {من الْمُؤمنِينَ رجال صدقُوا مَا عَاهَدُوا الله (23) } [سُورَة الْأَحْزَاب] فألحقناها فِي سورتها من الْمُصحف.
قَالَ: وَفِي رِوَايَة أبي الْيَمَان: مَعَ خُزَيْمَة بن ثَابت الَّذِي جعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَهَادَته شَهَادَة رجلَيْنِ.
زَاد فِي رِوَايَة أُخْرَى: قَالَ ابْن شهَاب: اخْتلفُوا يومئذٍ فِي " التابوت " فَقَالَ زيدٌ: " التابوه "، وَقَالَ ابْن الزبير وَسَعِيد بن الْعَاصِ " التابوت "، فَرفع اخْتلَافهمْ إِلَى عُثْمَان فَقَالَ: أكتبوه " التابوت " فَإِنَّهُ بِلِسَان قُرَيْش.
الْمسند من هَذَا الحَدِيث قَول أبي بكر لزيد بن ثَابت: قد كنت تكْتب الْوَحْي لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَول عُثْمَان: فَإِنَّمَا نزل بِلِسَان قُرَيْش. وَقَول زيد: قد كنت أسمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ بهَا. وَقَوله عَن خُزَيْمَة: الَّذِي جعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَهَادَته شَهَادَة رجلَيْنِ.
10 - الرَّابِع: حَدِيث الصَّدقَات: ذكره البُخَارِيّ فِي عشرَة مَوَاضِع من كِتَابه بِإِسْنَاد وَاحِد مقطعاً من رِوَايَة ثُمَامَة بن عبد الله بن أنس، عَن أنس بن مَالك: أَن أَبَا بكر الصّديق لما اسْتخْلف كتب لَهُ حِين وَجهه إِلَى الْبَحْرين هَذَا الْكتاب، وَكَانَ نقش الْخَاتم ثَلَاثَة أسطر: مُحَمَّد سطر، وَرَسُول سطر، وَالله سطر.(1/91)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
هَذِه فَرِيضَة الصَّدَقَة الَّتِي فَرضهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمُسلمين، وَالَّتِي أَمر الله بهَا رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمن سئلها من الْمُسلمين على وَجههَا فليعطها، وَمن سُئِلَ فَوْقهَا فَلَا يُعْط.
فِي أَربع وَعشْرين من الْإِبِل فَمَا دونهَا، من الْغنم فِي كل خمس شَاة، فَإِذا بلغت خمْسا وَعشْرين إِلَى خمس وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بنت مَخَاض أُنْثَى، فَإِن لم تكن ابْنة مَخَاض فَابْن لبونٍ ذكر. فَإِذا بلغت سِتا وَثَلَاثِينَ إِلَى خمس وَأَرْبَعين فَفِيهَا بنت لبون أُنْثَى، فَإِذا بلغت سِتا وَأَرْبَعين إِلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حقةٌ طروقة الْجمل. فَإِذا بلغت وَاحِدَة وَسِتِّينَ إِلَى خمسٍ وَسبعين فَفِيهَا جَذَعَة، فَإِذا بلغت سِتا وَسبعين إِلَى تسعين فَفِيهَا بِنْتا لبونٍ. فَإِذا بلغت إِحْدَى وَتِسْعين إِلَى عشْرين وَمِائَة فَفِيهَا حقتان طروقتا الْجمل. فَإِذا زَادَت على عشْرين وَمِائَة فَفِي كل أَرْبَعِينَ ابْنة لبون، وَفِي كل خمسين حقة. وَمن لم يكن مَعَه إِلَّا أَربع من الْإِبِل فَلَيْسَتْ فِيهَا صدقةٌ إِلَّا أَن يَشَاء رَبهَا، فَإِذا بلغت خمْسا من الْإِبِل فَفِيهَا شَاة.
وَصدقَة الْغنم فِي سائمتها إِذا كَانَت أَرْبَعِينَ إِلَى عشْرين وَمِائَة شاةٍ شاةٌ، فَإِذا زَادَت على عشْرين وَمِائَة إِلَى مِائَتَيْنِ فَفِيهَا شَاتَان. فَإِذا زَادَت على مِائَتَيْنِ إِلَى ثَلَاثمِائَة فَفِيهَا ثَلَاث شِيَاه. فَإِذا زَادَت على ثَلَاثمِائَة فَفِي كل مائةٍ شاةٌ. فَإِذا كَانَت سَائِمَة الرجل نَاقِصَة من أَرْبَعِينَ شاةٍ شَاة وَاحِدَة فَلَيْسَ فِيهَا صدقةٌ إِلَّا أَن يَشَاء رَبهَا.(1/92)
وَلَا يجمع بَين متفرقٍ، وَلَا يفرق بَين مُجْتَمع خشيَة الصَّدَقَة. وَمَا كَانَ من خليطين فَإِنَّهُمَا يتراجعان بَينهمَا بِالسَّوِيَّةِ. وَلَا يخرج فِي الصَّدَقَة هرمةٌ وَلَا ذَات عوار وَلَا تَيْس إِلَّا أَن يَشَاء الْمُصدق. وَفِي الرقة ربع الْعشْر. فَإِن لم يكن إِلَّا تسعين وَمِائَة فَلَيْسَ فِيهَا صدقةٌ إِلَّا أَن يَشَاء رَبهَا.
وَمن بلغت عِنْده من الْإِبِل صَدَقَة الْجَذعَة وَلَيْسَت عِنْده جذعةٌ وَعِنْده حقةٌ فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ الحقة وَيجْعَل مَعهَا شَاتين إِن استيسرتا لَهُ أَو عشْرين درهما. وَمن بلغت عِنْده صَدَقَة الحقة وَلَيْسَت عِنْده الحقة وَعِنْده الْجَذعَة فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ الْجَذعَة وَيُعْطِيه الْمُصدق عشْرين درهما أَو شَاتين. وَمن بلغت عِنْده صَدَقَة الحقة وَلَيْسَت عِنْده إِلَّا بنت لبون فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ بنت لبون وَيُعْطِي شَاتين أَو عشْرين درهما. وَمن بلغت صدقته بنت لبون وَعِنْده حقة فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ الحقة وَيُعْطِيه الْمُصدق عشْرين درهما أَو شَاتين. وَمن بلغت صدقته بنت لبون وَلَيْسَت عِنْده بنت لبونٍ وَعِنْده بنت مخاضٍ فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ بنت مخاضٍ وَيُعْطِي مَعهَا عشْرين درهما أَو شَاتين. وَمن بلغت صدقته بنت مخاضٍ وَلَيْسَت عِنْده وَعِنْده بنت لبون فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ، وَيُعْطِيه الْمُصدق عشْرين درهما أَو شَاتين. فَمن لم يكن عِنْده بنت مَخَاض على وَجههَا وَعِنْده ابْن لبون فَإِنَّهُ يقبل مِنْهُ وَلَيْسَ مَعَه شَيْء.
قَالَ البُخَارِيّ: وزادتا أَحْمد - يَعْنِي ابْن حَنْبَل - عَن الْأنْصَارِيّ، وَذكر الْإِسْنَاد عَن أنس، قَالَ: كَانَ خَاتم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي يَده وَفِي يَد أبي بكر، وَفِي يَد عمر بعد أبي بكر، قَالَ: فَلَمَّا كَانَ عُثْمَان، جلس على بِئْر أريس، وَأخرج الْخَاتم فَجعل(1/93)
يعبث بِهِ، فَسقط. قَالَ: فاختلفنا ثَلَاثَة أَيَّام مَعَ عُثْمَان ننزح الْبِئْر، فَلم نجده.
وَهَذِه الزِّيَادَة الَّتِي زَادهَا أَحْمد يَنْبَغِي أَن تكون فِي مُسْند أنس.
11 - الْخَامِس: عَن عقبَة بن الْحَارِث بن عَامر بن نَوْفَل بن عبد منَاف، يكنى أَبَا سروعة، لَهُ صُحْبَة، قَالَ: صلى أَبُو بكر الْعَصْر ثمَّ خرج يمشي - يَعْنِي وَمَعَهُ عليٌّ - فَرَأى الْحسن يلْعَب مَعَ الصّبيان، فَحَمله على عَاتِقه وَقَالَ: بِأبي، شَبيه بِالنَّبِيِّ، لَيْسَ شَبِيها بعلي، وَعلي يضْحك.
12 - السَّادِس: عَن عَائِشَة قَالَت: لما اسْتخْلف أَبُو بكر قَالَ: لقد علم قومِي أَن حرفتي لم تكن تعجز عَن مُؤنَة أَهلِي، وشغلت بِأَمْر الْمُسلمين، فسيأكل آل أبي بكر من هَذَا المَال، ويحترف للْمُسلمين فِيهِ.
13 - السَّابِع: عَن عَائِشَة - مَوْقُوف - قَالَت: كَانَ لأبي بكر الصّديق غلامٌ يخرج لَهُ الْخراج، وَكَانَ أَبُو بكر يَأْكُل من خراجه، فجَاء يَوْمًا بِشَيْء فَأكل مِنْهُ أَبُو بكر، فَقَالَ لَهُ الْغُلَام: أَتَدْرِي مَا هَذَا؟ فَقَالَ أَبُو بكر: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: كنت تكهنت لإِنْسَان فِي الْجَاهِلِيَّة، وَمَا أحسن الكهانة، إِلَّا أَنِّي خدعته، فلقيني فَأَعْطَانِي بذلك، فَهَذَا الَّذِي أكلت مِنْهُ. فَأدْخل أَبُو بكرٍ يَده، فقاء كل شَيْء فِي بَطْنه.
14 - الثَّامِن: فِي ذكر وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عَن عَائِشَة، وَعَن ابْن عَبَّاس من رِوَايَة أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَنْهُمَا، قَالَت عَائِشَة فِي حَدِيثهَا: أقبل أَبُو بكر على فرسٍ من مَسْكَنه بالسنح حَتَّى نزل، فَدخل الْمَسْجِد، فَلم يكلم النَّاس حَتَّى دخل(1/94)
على عَائِشَة، فَبَصر برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مسجى بِبُرْدَةٍ، فكشف عَن وَجهه وأكب عَلَيْهِ، فَقبله ثمَّ بَكَى فَقَالَ: بِأبي أَنْت وَأمي يَا نَبِي الله، لَا يجمع الله عَلَيْك موتتين، أما الموتة الَّتِي كتبت عَلَيْك فقد متها. قَالَ أَبُو سَلمَة: فَأَخْبرنِي ابْن عَبَّاس أَن أَبَا بكر خرج وَعمر يكلم النَّاس، فَقَالَ: اجْلِسْ، فَأبى، فَقَالَ: اجْلِسْ، فَأبى. فَتشهد أَبُو بكر، فَمَال إِلَيْهِ النَّاس وَتركُوا عمر، فَقَالَ: أما بعد، فَمن كَانَ مِنْكُم يعبد مُحَمَّدًا فَإِن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد مَاتَ، وَمن كَانَ يعبد الله فَإِن الله حَيّ لَا يَمُوت، قَالَ الله: {وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قد خلت من قبله الرُّسُل} إِلَى ... {الشَّاكِرِينَ (154) } [سُورَة آل عمرَان] قَالَ: وَالله لكأن النَّاس لم يَكُونُوا يعلمُونَ أَن الله أنزل هَذِه الْآيَة حَتَّى تَلَاهَا أَبُو بكر، فتلقاها مِنْهُ النَّاس، فَمَا يسمع بشرٌ إِلَّا يتلوها.
15 - التَّاسِع: أوردهُ أَبُو بكر البرقاني هَا هُنَا، وَأخرجه غَيره فِي مُسْند عَائِشَة من رِوَايَة هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَنْهَا: أَن أَبَا بكر لم يكن يَحْنَث قطّ فِي يَمِين حَتَّى أنزل الله عز وَجل كَفَّارَة الْيَمين، فَقَالَ: لَا أَحْلف على يَمِين فَرَأَيْت غَيرهَا خيرا مِنْهَا إِلَّا أتيت الَّذِي هُوَ خيرٌ وكفرت عَن يَمِيني.
16 - الْعَاشِر: عَن قيس بن أبي حَازِم قَالَ: دخل أَبُو بكر الصّديق على امْرَأَة من أحمس يُقَال لَهَا زَيْنَب، فرآها لَا تَتَكَلَّم، فَقَالَ: مَا لَهَا لَا تكلم، قَالُوا: حجت مصمتةً فَقَالَ لَهَا: تكلمي، فَإِن هَذَا لَا يحل، هَذَا من عمل الْجَاهِلِيَّة، فتكلمت، فَقَالَت: من أَنْت؟ قَالَ: امْرُؤ من الْمُهَاجِرين. قَالَت: أَي الْمُهَاجِرين؟ قَالَ: من قُرَيْش. قَالَت: من أَي قُرَيْش؟ قَالَ: إِنَّك لسؤول، أَنا أَبُو بكر. قَالَت: مَا بقاؤنا على هَذَا الْأَمر الصَّالح الَّذِي جَاءَ الله بِهِ بعد الْجَاهِلِيَّة؟ قَالَ: بقاؤكم عَلَيْهِ(1/95)
مَا استقامت بِهِ أئمتكم. قَالَت: وَمَا الْأَئِمَّة؟ قَالَ: أما كَانَ لقَوْمك رؤوسٌ وأشرافٌ يأمرونهم فيطيعونهم؟ قَالَت: بلَى، قَالَ: فهم أُولَئِكَ على النَّاس.
17 - الْحَادِي عشر: عَن طَارق بن شهَاب قَالَ: جَاءَ وَفد بزاخة من أسدٍ وغَطَفَان إِلَى أبي بكر يسألونه الصُّلْح، فَخَيرهمْ بَين الْحَرْب المجلية وَالسّلم المخزية، فَقَالُوا هَذِه المجلية قد عرفناها، فَمَا المخزية؟ قَالَ: ننزع مِنْكُم الْحلقَة والكراع، ونغنم مَا أصبْنَا مِنْكُم، وتردون علينا مَا أصبْتُم منا، وتدون لنا قَتْلَانَا، وَتَكون قَتْلَاكُمْ فِي النَّار، وتتركون أَقْوَامًا يتبعُون أَذْنَاب الْإِبِل حَتَّى يري الله خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمهاجرين أمرا يعذرونكم بِهِ. فَعرض أَبُو بكرٍ مَا قَالَ على الْقَوْم. فَقَامَ عمر بن الْخطاب فَقَالَ: قد رَأَيْت رَأيا وسنشير عَلَيْك. فَأَما مَا ذكرت من الْحَرْب المجلية وَالسّلم المخزية فَنعم مَا ذكرت، وَمَا ذكرت أَن نغنم مَا أصبْنَا مِنْكُم وتردون مَا أصبْتُم منا فَنعم مَا ذكرت. وَأما مَا ذكرت: تدون قَتْلَانَا وَتَكون قَتْلَاكُمْ فِي النَّار، فَإِن قَتْلَانَا قَاتَلت فقتلت على أَمر الله، أجورها على الله، لَيْسَ لَهَا دياتٌ، فتتابع الْقَوْم على مَا قَالَ عمر.
اخْتَصَرَهُ البُخَارِيّ، وَأخرج طرفا مِنْهُ، وَهُوَ قَوْله لَهُم: تتبعون أَذْنَاب الْإِبِل حَتَّى يري الله خَليفَة نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمهاجرين أمرا يعذرونكم بِهِ. وَأخرجه بِطُولِهِ أَبُو بكر البرقاني فِي كِتَابه الْمخْرج على الصَّحِيحَيْنِ بِالْإِسْنَادِ الَّذِي أخرج البُخَارِيّ ذَلِك الْقدر الَّذِي اخْتَصَرَهُ مِنْهُ كَمَا أوردناه، وَالله أعلم.(1/96)
18 - وَلمُسلم وَحده حَدِيث وَاحِد: عَن أنس قَالَ: قَالَ أَبُو بكر لعمر رَضِي الله عَنْهُمَا بعد وَفَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: انْطلق بِنَا إِلَى أم أَيمن نزورها كَمَا كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يزورها. فَلَمَّا انتهينا إِلَيْهَا بَكت، فَقَالَا: مَا يبكيك؟ أما تعلمين أَن مَا عِنْد الله خير لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَت: إِنِّي لَا أبْكِي، إِنِّي لأعْلم أَن مَا عِنْد الله خير لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَكِن أبْكِي لِأَن الْوَحْي قد انْقَطع من السَّمَاء. فهيجتهما على الْبكاء، فَجعلَا يَبْكِيَانِ مَعهَا.(1/97)
(2) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ
19 - الأول: عَن عبد الله بن عَمْرو، وَعَن أبي هُرَيْرَة بِمَعْنَاهُ أَن عمر بَيْنَمَا هُوَ يخْطب النَّاس يَوْم الْجُمُعَة، إِذْ دخل رجلٌ من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين. وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة من رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ: إِذْ دخل عُثْمَان بن عَفَّان، فناداه عمر: أَيَّة ساعةٍ هَذِه؟ قَالَ: إِنِّي شغلت الْيَوْم فَلم أنقلب إِلَى أَهلِي حَتَّى سَمِعت التأذين، فَلم أَزْد على أَن تَوَضَّأت. فَقَالَ عمر: وَالْوُضُوء أَيْضا؟ وَقد علمت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَأْمر بِالْغسْلِ.
وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَنهُ أَنه قَالَ: ألم تسمعوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول:
إِذا جَاءَ أحدكُم إِلَى الْجُمُعَة فليغتسل ".
20 - الثَّانِي: عَن عبد الله بن عمر - لمُسلم: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُعْطي عمر الْعَطاء. وَعَن عبد الله بن السَّعْدِيّ لَهما: أَن عمر قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعطيني الْعَطاء فَأَقُول: أعْطه من هُوَ أفقر إِلَيْهِ مني: فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " خُذْهُ، وَمَا جَاءَك من هَذَا المَال وَأَنت غير مشرفٍ وَلَا سائلٍ فَخذه، وَمَا لَا، فَلَا تتبعه نَفسك ".(1/98)
وَفِي رِوَايَة شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَن السَّائِب: " خُذْهُ فتموله وَتصدق بِهِ ".
وَفِي رِوَايَة عَمْرو، عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم: " أَو تصدق بِهِ "، زَاد فِي رِوَايَة عَمْرو: من أجل ذَلِك كَانَ ابْن عمر لَا يسْأَل أحدا شَيْئا، وَلَا يرد شَيْئا أعْطِيه.
وَفِي حَدِيث بكير عَن بسر بن سعيد أَن ابْن السَّاعِدِيّ الْمَالِكِي قَالَ:
استعملني عمر على الصَّدَقَة، فَلَمَّا فرغت مِنْهَا وأديتها إِلَيْهِ، أَمر لي بعمالة، فَقلت: إِنَّمَا عملت لله وَأجْرِي على الله. فَقَالَ: خُذ مَا أَعْطَيْت، فَإِنِّي عملت على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فعملني، فَقلت مثل قَوْلك، فَقَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِذا أَعْطَيْت شَيْئا من غير أَن تسْأَل فَكل وَتصدق ".
21 - الثَّالِث: عَن عبد الله بن عمر، من رِوَايَة سَالم عَنهُ، قَالَ: سَمِعت عمر يَقُول: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن الله يَنْهَاكُم أَن تحلفُوا بِآبَائِكُمْ ".
وَهُوَ فِي أَفْرَاد مُسلم عَن ابْن عمر من رِوَايَة نَافِع عَنهُ.
وَفِي رِوَايَة سَالم عَنهُ زِيَادَة، قَالَ: قَالَ عمر: فوَاللَّه مَا حَلَفت بهَا مُنْذُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينْهَى عَنْهَا، ذَاكِرًا وَلَا آثراً.
22 - الرَّابِع: عَن ابْن عمر، من رِوَايَة سَالم عَنهُ: دخلت على حَفْصَة ونوساتها تنطف فَقَالَت: أعلمت أَن أَبَاك غير مستخلفٍ؟ قلت: مَا كَانَ ليفعل. قَالَت: إِنَّه فَاعل. قَالَ: فَحَلَفت أَن ُأكَلِّمهُ فِي ذَلِك، فَسكت حَتَّى غَدَوْت، وَلم(1/99)
ُأكَلِّمهُ، فَكنت كَأَنَّمَا احْمِلْ بيميني جبلا، حَتَّى رجعت، فَدخلت عَلَيْهِ، فَسَأَلَنِي عَن حَال النَّاس وَأَنا أخبرهُ، قَالَ: ثمَّ قلت: إِنِّي سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ مقَالَة، فآليت أَن أقولها لَك: زَعَمُوا أَنَّك غير مستخلف، وَإنَّهُ لَو كَانَ لَك راعي إبلٍ أَو راعي غنمٍ ثمَّ جَاءَك وَتركهَا لرأيت أَن قد ضيع، فرعاية النَّاس أَشد. قَالَ: فوافقه قولي، فَوضع رَأسه سَاعَة ثمَّ رَفعه إِلَيّ فَقَالَ: إِن الله عز وَجل يحفظ دينه، وَإِنِّي لَا أستخلف فَإِن رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] لم يسْتَخْلف، فَإِن أستخلف فَإِن أَبَا بكر قد اسْتخْلف. قَالَ: فوَاللَّه مَا هُوَ إِلَّا ذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبا بكر، فَعلمت أَنه لم يكن ليعدل برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحدا، وَأَنه غير مستخلف.
وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا من رِوَايَة عُرْوَة بن الزبير عَن ابْن عمر بِمَعْنَاهُ فِي " الِاسْتِخْلَاف ". وَأَنه لما طعن عمر قيل لَهُ: لَو اسْتخْلفت. قَالَ: أتحمل أَمركُم حَيا وَمَيتًا، إِن أستخلف فقد اسْتخْلف من هُوَ خيرٌ مني: أَبُو بكر، وَإِن أترك فقد ترك من هُوَ خيرٌ مني: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وددت أَن حظي مِنْهَا الكفاف، لَا عَليّ وَلَا لي. قَالَ عبد الله: فَعلمت أَنه غير مستخلفٍ. فَقَالُوا: جَزَاك الله خيرا. فَقَالَ: راغبٌ، وراهب.
23 - الْخَامِس: عَن ابْن عمر من رِوَايَة نَافِع عَنهُ، عَن عمر قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله، إِنِّي كنت نذرت فِي الْجَاهِلِيَّة أَن أعتكف لَيْلَة. وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: يَوْمًا فِي الْمَسْجِد الْحَرَام. قَالَ: " فأوف بِنَذْرِك " وَلم يذكر بعض الروَاة يَوْمًا وَلَا لَيْلَة وَجعله فِي مُسْند ابْن عمر. قَالُوا فِيهِ إِن عمر قَالَ: يَا رَسُول الله ... .
24 - السَّادِس: عَن ابْن عمر من رِوَايَة سعيد بن الْمسيب عَنهُ عَن عمر قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " يعذب الْمَيِّت بِمَا نيح عَلَيْهِ "، وَفِي رِوَايَة: " مَا نيح عَلَيْهِ " قَالَ آدم عَن شُعْبَة فِيهِ: " يعذب الْمَيِّت ببكاء الْحَيّ عَلَيْهِ ".(1/100)
وَرَوَاهُ عَن عمر أَيْضا ابْن عَبَّاس وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَأنس بِأَلْفَاظ مُتَقَارِبَة الْمَعْنى. وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن عَائِشَة قَالَت: لَا وَالله، مَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
إِن الْمَيِّت يعذب ببكاء أحدٍ، وَلكنه قَالَ: " إِن الْكَافِر يزِيدهُ الله ببكاء أَهله عذَابا، وَإِن الله (هُوَ أضْحك وأبكى) {وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} . وَلَكِن السّمع يُخطئ.
وَفِي أَفْرَاد مُسلم عَن اابن عمر من رِوَايَة نَافِع عَنهُ: أَن حَفْصَة بَكت على عمر فَقَالَ - تَعْنِي مَا تقدم.
وَفِي رِوَايَة ثَابت عَن أنس - من أَفْرَاد مُسلم أَيْضا - أَن عمر قَالَ نَحْو ذَلِك لما عولت حَفْصَة وصهيب عَلَيْهِ.
فِي رِوَايَة ثَابت أبي صَالح ذكْوَان عَن ابْن عمر - من أَفْرَاد مُسلم -: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
إِن الْمَيِّت ليعذب ببكاء الْحَيّ ".
25 - السَّابِع: عَن ابْن عمر من رِوَايَة الشّعبِيّ أَن عمر قَالَ على مِنْبَر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما بعد، أَيهَا النَّاس، إِنَّه نزل تَحْرِيم الْخمر، وَهِي من خَمْسَة: من الْعِنَب، وَالتَّمْر، وَالْعَسَل، وَالْحِنْطَة، وَالشعِير. وَالْخمر مَا خامر الْعقل. ثلاثٌ وددت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ عهد إِلَيْنَا عهدا انْتهى إِلَيْهِ: الْجد والكلالة وأبواب من أَبْوَاب الرِّبَا.
26 - الثَّامِن: حَدِيث السَّقِيفَة: عَن ابْن عَبَّاس من رِوَايَة عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود قَالَ: كنت أَقْْرِئ رجَالًا من الْمُهَاجِرين، مِنْهُم عبد الرَّحْمَن بن(1/101)
عَوْف، فَبينا أَنا فِي منزلي بمنى، وَهُوَ عِنْد عمر بن الْخطاب فِي آخر حجَّة حَجهَا، إِذْ رَجَعَ إِلَيّ عبد الرَّحْمَن فَقَالَ:
لَو رَأَيْت رجلا أَتَى أَمِير الْمُؤمنِينَ الْيَوْم فَقَالَ: هَل لَك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي فلَان، يَقُول: لَو قد مَاتَ عمر لقد بَايَعت فلَانا، فوَاللَّه مَا كَانَت بيعَة أبي بكر إِلَّا فلتة، فَغَضب عمر ثمَّ قَالَ: إِنِّي إِن شَاءَ الله لقائم العشية فِي النَّاس فمحذرهم هَؤُلَاءِ الَّذين يُرِيدُونَ أَن يغصبوهم أَمرهم، قَالَ عبد الرَّحْمَن: فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، لَا تفعل؛ فَإِن الْمَوْسِم يجمع رعاع النَّاس وغوغائهم، وَإِنَّهُم هم الَّذين يغلبُونَ على قربك حِين تقوم فِي النَّاس، وَأَنا أخْشَى أَن تقوم فَتَقول مقَالَة يطيرها أُولَئِكَ عِنْد كل مطير، وَألا يعوها، وَألا يضعوها موَاضعهَا، فأمهل حَتَّى تقدم الْمَدِينَة، فَإِنَّهَا دَار الْهِجْرَة وَالسّنة، فتخلص بِأَهْل الْفِقْه وأشراف النَّاس فَتَقول مَا قلت مُتَمَكنًا، فيعي أهل الْعلم مَقَالَتك، ويضعوها على موَاضعهَا. قَالَ: فَقَالَ عمر: أما وَالله إِن شَاءَ الله لأقومن بذلك أول مقَام أقومه بِالْمَدِينَةِ.
قَالَ ابْن عَبَّاس: فقدمنا الْمَدِينَة فِي عقب ذِي الْحجَّة، فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة عجلت بالرواح حَتَّى زاغت الشَّمْس، حَتَّى أجد سعيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل جَالِسا إِلَى ركن الْمِنْبَر، فَجَلَست حذوه تمس ركبتي رُكْبَتَيْهِ، فَلم أنشب أَن خرج عمر بن الْخطاب، فَلَمَّا رَأَيْته مُقبلا قلت لسَعِيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل: ليَقُولن العشية على هَذَا الْمِنْبَر مقَالَة لم يقلها مُنْذُ اسْتخْلف. فَأنْكر عَليّ وَقَالَ: مَا عَسى أَن يَقُول مَا لم يقل قبله {
فَجَلَسَ عمر على الْمِنْبَر، فَلَمَّا سكت الْمُؤَذّن قَامَ، فَأثْنى على الله بِمَا هُوَ أَهله، ثمَّ قَالَ: أما بعد، إِنِّي قَائِل لكم مقَالَة قد قدر أَن أقولها، لَا أَدْرِي لَعَلَّهَا بَين يَدي أَجلي، فَمن عقلهَا ووعاها فليحدث بهَا حَيْثُ انْتَهَت بِهِ رَاحِلَته، وَمن خشِي أَلا يَعْقِلهَا فَلَا أحل لأحدٍ أَن يكذب عَليّ}(1/102)
إِن الله عز وَجل بعث مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ، وَأنزل عَلَيْهِ الْكتاب، فَكَانَ مِمَّا أنزل الله آيَة الرَّجْم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، ورجم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ورجمنا بعده، فأخشى إِن طَال بِالنَّاسِ زمانٌ أَن يَقُول قائلٌ: وَالله مَا نجد آيَة الرَّجْم فِي كتاب الله فيضلوا بترك فَرِيضَة أنزلهَا الله، فَالرَّجْم فِي كتاب الله حق على من زنى إِذا أحصن من الرِّجَال وَالنِّسَاء، إِذا قَامَت الْبَيِّنَة أَو كَانَ الْحَبل أَو الِاعْتِرَاف.
ثمَّ إِنَّا كُنَّا نَقْرَأ فِيمَا نَقْرَأ فِي كتاب الله أَن لَا ترغبوا عَن آبائكم، فَإِنَّهُ كفر بكم أَن ترغبوا عَن آبائكم، أَلا وَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
" لَا تطروني كَمَا أطري عِيسَى ابْن مَرْيَم، وَقُولُوا: عبد الله وَرَسُوله ".
ثمَّ إِنَّه بَلغنِي أَن قَائِلا مِنْكُم يَقُول: وَالله لَو مَاتَ عمر بَايَعت فلَانا، فَلَا يغتر امْرُؤ أَن يَقُول: إِنَّمَا كَانَت بيعَة أبي بكر فلتةً وتمت، أَلا وَإِنَّهَا قد كَانَت كَذَلِك وَلَكِن الله وقى شَرها، وَلَيْسَ فِيكُم من تقطع فِيهِ الْأَعْنَاق مثل أبي بكر، وَإنَّهُ كَانَ من خيرنا حِين توفّي نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. إِن الْأَنْصَار خالفونا واجتمعوا بأسرهم فِي سَقِيفَة بني سَاعِدَة، وَخَالف عَنَّا عليٌّ وَالزُّبَيْر وَمن مَعَهُمَا، وَاجْتمعَ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى أبي بكر، فَقلت لأبي بكر: يَا أَبَا بكر، انْطلق بِنَا إِلَى إِخْوَاننَا هَؤُلَاءِ من الْأَنْصَار، فَانْطَلَقْنَا نريدهم، فَلَمَّا دنونا مِنْهُم لَقينَا مِنْهُم رجلَانِ صالحان، فذكرا مَا تمالأ عَلَيْهِ الْقَوْم، فَقَالَا: أَيْن تُرِيدُونَ يَا معشر الْمُهَاجِرين؟ فَقُلْنَا: نُرِيد إِخْوَاننَا هَؤُلَاءِ من الْأَنْصَار، فَقَالَا: لَا عَلَيْكُم، لَا تقربوهم اقضوا أَمركُم. فَقلت: وَالله لنأتينهم، وانطلقنا حَتَّى أتيناهم فِي سَقِيفَة بني سَاعِدَة، فَإِذا رجلٌ مزملٌ بَين ظهرانيهم،(1/103)
فَقلت: من هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا سعد بن عبَادَة. فَقلت: مَا لَهُ؟ قَالُوا: يوعك. فَلَمَّا جلسنا قَلِيلا، تشهد خطيبهم، فَأثْنى على الله بِمَا هُوَ أَهله، ثمَّ قَالَ: أما بعد، فَنحْن أنصار الله، وكتيبة الْإِسْلَام، وَأَنْتُم معشر الْمُهَاجِرين، رهطٌ منا، وَقد دفت دافة من قومكم، فَإِذا هم أَرَادوا أَن يختزلونا من أهلنا، وَأَن يحضنونا من الْأَمر.
فَلَمَّا سكت، أردْت أَن أَتكَلّم، وَكنت زورت مقَالَة أعجبتني أُرِيد أَن أقدمها بَين يَدي أبي بكر، وَكنت أواري مِنْهُ بعض الْجد، فَلَمَّا أردْت أَن أَتكَلّم قَالَ أَبُو بكر: على رسلك، فَكرِهت أَن أغضبهُ، فَتكلم أَبُو بكر، وَكَانَ أحلم مني وأوقر، وَالله مَا ترك من كلمةٍ أعجبتني فِي تزويري إِلَّا قَالَ فِي بديهته مثلهَا أَو أفضل مِنْهَا، حَتَّى سكت، فَقَالَ: مَا ذكرْتُمْ فِيكُم من خير فَأنْتم لَهُ أهل، وَلنْ تعرف الْعَرَب هَذَا الْأَمر إِلَّا لهَذَا الْحَيّ من قُرَيْش، هم أَوسط الْعَرَب نسبا وداراً، وَقد رضيت لكم أحد هذَيْن الرجلَيْن، فَبَايعُوا أَيهمَا شِئْتُم - فَأخذ بيَدي وبيد أبي عُبَيْدَة بن الْجراح - وَهُوَ جَالس بَيْننَا، فَلم أكره مِمَّا قَالَ غَيرهَا. كَانَ - وَالله - أَن أقدم فَتضْرب عنقِي، لَا يقربنِي ذَلِك من إِثْم أحب إِلَيّ من أَن أتأمر على قوم فيهم أَبُو بكر، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن تسول لي نَفسِي عِنْد الْمَوْت شَيْئا لَا أَجِدهُ الْآن. فَقَالَ قَائِل من الْأَنْصَار: أَنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب، منا أميرٌ ومنكم أَمِير يَا معشر قُرَيْش. فَكثر اللَّغط، وَارْتَفَعت الْأَصْوَات، حَتَّى فرقت من الِاخْتِلَاف، فَقلت: أبسط يدك يَا أَبَا بكر، فَبَايَعته، وَبَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ، ثمَّ بايعته الْأَنْصَار.(1/104)
ونزونا على سعد بن عبَادَة، فَقَالَ قائلٌ مِنْهُم: قتلتم سعد بن عبَادَة. فَقلت: قتل الله سعد بن عبَادَة. قَالَ عمر: وَإِنَّا وَالله مَا وجدنَا فِيمَا حَضَرنَا من أمرنَا أقوى من مبايعة أبي بكر، خشينا إِن فارقنا الْقَوْم وَلم تكن بيعةٌ أَن يبايعوا رجلا مِنْهُم بَعدنَا، فإمَّا تابعناهم على مَا لَا نرضى، وَإِمَّا أَن نخالفهم فَيكون فسادٌ، فَمن بَايع رجلا على غير مشورةٍ من الْمُسلمين فَلَا يُتَابع هُوَ وَلَا الَّذِي بَايعه تغرة أَن يقتلا.
وَزَاد فِي رِوَايَة البرقاني بِالْإِسْنَادِ الَّذِي أخرجه بِهِ البُخَارِيّ: قَالَ ابْن شهَاب: فَأَخْبرنِي عُرْوَة بن الزبير أَن الرجلَيْن اللَّذين لقوهما عويم بن سَاعِدَة، ومعن بن عدي، فَأَما عويم بن سَاعِدَة. فَهُوَ الَّذِي بلغنَا أَنه قيل لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من الَّذين قَالَ الله فيهم: {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَالله يحب المطهرين} [سُورَة التَّوْبَة] فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " نعم الْمَرْء عويم بن سَاعِدَة "، وَلم يبلغنَا أَنه ذكر غير عويم بن سَاعِدَة. واما معن بن عدي فَبَلغنَا أَن النَّاس بكوا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين توفاه الله، وَقَالُوا: لَوَدِدْنَا أَنا متْنا قبله، نخشى أَن نفتن بعده، فَقَالَ معن بن عدي: لكني وَالله مَا أحب أَنِّي مت قبله حَتَّى أصدقه مَيتا كَمَا صدقته حياًّ، فَقتل معن بن عدي بِالْيَمَامَةِ يَوْم مُسَيْلمَة الْكذَّاب.
هُوَ عِنْد مُسلم مُخْتَصر حَدِيث الرَّجْم.(1/105)
وأفرد البُخَارِيّ مِنْهُ فِي مَوضِع آخر من كِتَابه قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: "
وَلَا تطروني كَمَا أطرت النَّصَارَى عِيسَى ابْن مَرْيَم ".
27 - التَّاسِع: فِي اعتزال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نِسَاءَهُ، عَن ابْن عَبَّاس من رِوَايَة عبيد الله بن عبيد الله بن أبي ثَوْر، وَعبيد بن حنين عَنهُ، وَهُوَ فِي مُسلم من رِوَايَة سماك الْحَنَفِيّ عَن ابْن عَبَّاس، وَفِي ألفاظهم اخْتِلَاف مُتَقَارب الْمَعْنى، وَزِيَادَة.
فَفِي رِوَايَة عبيد الله عَنهُ أَنه قَالَ: لم أزل حَرِيصًا على أَن أسأَل عمر بن الْخطاب عَن الْمَرْأَتَيْنِ من أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّتَيْنِ قَالَ الله عز وَجل: {إِن تَتُوبَا إِلَى الله فقد صغت قُلُوبكُمَا} [سُورَة التَّحْرِيم] حَتَّى حج عمر وَحَجَجْت مَعَه، فَلَمَّا كَانَ بِبَعْض الطَّرِيق عدل عمر وَعدلت مَعَه بِالْإِدَاوَةِ فَتبرز، ثمَّ أَتَانِي فَسَكَبت على يَدَيْهِ فَتَوَضَّأ فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، من الْمَرْأَتَانِ من أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّتَان قَالَ الله عز وَجل: {إِن تَتُوبَا إِلَى الله فقد صغت قُلُوبكُمَا} فَقَالَ عمر: وَاعجَبا لَك يَا ابْن عَبَّاس، قَالَ الزُّهْرِيّ: كره - وَالله - مَا سَأَلَهُ عَنهُ، وَلم يَكْتُمهُ. قَالَ: هما عَائِشَة وَحَفْصَة، ثمَّ أَخذ يَسُوق الحَدِيث، قَالَ:
كُنَّا - معشر قُرَيْش - قوما نغلب النِّسَاء، فَلَمَّا قدمنَا الْمَدِينَة وجدنَا قوما تغلبهم نِسَاؤُهُم، فَطَفِقَ نساؤنا يتعلمن من نِسَائِهِم، قَالَ: وَكَانَ منزلي فِي بني أُميَّة من زيدٍ بالعوالي، فَغضِبت يَوْمًا على امْرَأَتي، فَإِذا هِيَ تراجعني، فأنكرت أَن تراجعني، فَقَالَت: مَا تنكر أَن أراجعك؟ فوَاللَّه إِن أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليراجعنه، وتهجره إِحْدَاهُنَّ الْيَوْم إِلَى اللَّيْل. فَانْطَلَقت فَدخلت على حَفْصَة، فَقلت: أتراجعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَت: نعم. فَقلت: أتهجره إحداكن الْيَوْم إِلَى اللَّيْل؟ قَالَت: نعم. قلت: قد خَابَ من فعل ذَلِك مِنْكُن وخسرت، أفتأمن إحداكن أَن يغْضب الله عَلَيْهَا لغضب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِذا هِيَ قد هَلَكت، لَا تراجعي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا تسأليه شَيْئا، وسليني مَا بدا لَك، وَلَا يغرنك أَن كَانَت جارتك هِيَ أوسم وَأحب إِلَى رَسُول الله مِنْك - يُرِيد عَائِشَة -.(1/106)
وَكَانَ لي جَار من الْأَنْصَار، فَكُنَّا نتناوب النُّزُول إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَينزل يَوْمًا، وَأنزل يَوْمًا، ويأتيني بِخَبَر الْوَحْي وَغَيره، وآتيه بِمثل ذَلِك. وَكُنَّا نتحدث أَن غَسَّان تنعل الْخَيل لتغزونا، فَنزل صَاحِبي ثمَّ أَتَانِي عشَاء، فَضرب بَابي ثمَّ ناداني، فَخرجت إِلَيْهِ، فَقَالَ: حدث أمرٌ عَظِيم، فَقلت: مَاذَا، أجاءت غَسَّان؟ قَالَ: لَا، بل أعظم من ذَلِك وأهول، طلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نِسَاءَهُ. قلت: قد خابت حَفْصَة وخسرت، قد كنت أَظن هَذَا يُوشك أَن يكون.
حَتَّى إِذا صليت الصُّبْح، شددت عَليّ ثِيَابِي، ثمَّ نزلت، فَدخلت على حَفْصَة وَهِي تبْكي، فَقلت: أطلقكن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَت: لَا أَدْرِي، هُوَ هَذَا معتزلٌ فِي هَذِه الْمشْربَة فَأتيت غُلَاما لَهُ أسود فَقلت: أتستأذن لعمر؟ فَدخل. ثمَّ خرج إِلَيّ، قَالَ: قد ذكرتك لَهُ فَصمت. فَانْطَلَقت حَتَّى إِذا أتيت الْمِنْبَر، فَإِذا عِنْده رهطٌ جلوسٌ يبكي بَعضهم، فَجَلَست قَلِيلا، ثمَّ غلبني مَا أجد، فَأتيت الْغُلَام فَقلت: اسْتَأْذن لعمر، فَدخل ثمَّ خرج إِلَيّ فَقَالَ: قد ذكرتك لَهُ فَصمت، فَخرجت فَجَلَست إِلَى الْمِنْبَر ثمَّ غلبني مَا أجد، فَأتيت الْغُلَام فَقلت: اسْتَأْذن لعمر، فَدخل ثمَّ خرج فَقَالَ: قد ذكرتك لَهُ فَصمت، فوليت مُدبرا، فَإِذا الْغُلَام قَالَ: ادخل، قد أذن لَك. فَدخلت، فَسلمت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا هُوَ متكئٌ على رمال حَصِير قد أثر فِي جنبه، فَقلت: أطلقت نِسَاءَك؟ فَرفع رَأسه إِلَيّ فَقَالَ: " لَا ". فَقلت: الله أكبر، لَو رَأَيْتنَا يَا رَسُول الله، وَكُنَّا - معشر قُرَيْش - نغلب النِّسَاء، فَلَمَّا قدمنَا الْمَدِينَة وجدنَا قوما تغلبهم نِسَاؤُهُم، فَطَفِقَ نساؤنا يتعلمن من نِسَائِهِم، فَغضِبت على امْرَأَتي يَوْمًا، فَإِذا هِيَ تراجعني، فأنكرت أَن تراجعني، فَقَالَت: مَا تنكر أَن أراجعك؟ فوَاللَّه إِن أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليراجعنه، وتهجره إِحْدَاهُنَّ الْيَوْم إِلَى اللَّيْل، فَقلت: قد خَابَ من فعل ذَلِك مِنْهُنَّ وخسر، أفتأمن إِحْدَاهُنَّ أَن يغْضب الله عَلَيْهَا لغضب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِذا هِيَ قد هَلَكت، فَتَبَسَّمَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقلت: يَا رَسُول الله، قد دخلت على حَفْصَة فَقلت: لَا يغرنك أَن كَانَت جارتك هِيَ(1/107)
أوسم وَأحب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْك، فَتَبَسَّمَ أُخْرَى. فَقلت: أستأنس يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: " نعم ". فَجَلَست، فَرفعت رَأْسِي فِي الْبَيْت، فوَاللَّه مَا رَأَيْت فِيهِ شَيْئا يرد الْبَصَر إِلَّا أهباً ثَلَاثَة، فَقلت: ادْع الله أَن يُوسع على أمتك، فقد وسع على فَارس وَالروم وهم لَا يعْبدُونَ الله، فَاسْتَوَى جَالِسا ثمَّ قَالَ: " أَفِي شكّ أَنْت يَا ابْن الْخطاب؟ أُولَئِكَ قومٌ عجلت لَهُم طَيِّبَاتهمْ هم فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا "، فَقلت: اسْتغْفر لي يَا رَسُول الله.
قَالَ: وَكَانَ أقسم أَلا يدْخل عَلَيْهِنَّ شهرا من أجل ذَلِك الحَدِيث حِين أفشته حَفْصَة إِلَى عَائِشَة، من شدَّة موجدته عَلَيْهِنَّ، حَتَّى عاتبه الله تَعَالَى.
قَالَ الزُّهْرِيّ:
فَأَخْبرنِي عُرْوَة عَن عَائِشَة قَالَت: لما مَضَت تسع وَعِشْرُونَ لَيْلَة دخل عَليّ رَسُول الله بداري فَقلت: يَا رَسُول الله، إِنَّك أَقْسَمت أَلا تدخل علينا شهرا، وَإنَّك دخلت من تسعٍ وَعشْرين أعدهن. فَقَالَ: " إِن الشَّهْر تسعٌ وَعِشْرُونَ ". زَاد فِي رِوَايَة: وَكَانَ ذَلِك الشَّهْر تسعا وَعشْرين لَيْلَة، ثمَّ قَالَ: " يَا عَائِشَة، إِنِّي ذاكرٌ لَك أمراٌ، فَلَا عَلَيْك أَلا تعجلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْك، ثمَّ قَرَأَ: {يَا أَيهَا النَّبِي قل لِأَزْوَاجِك إِن كنتن تردن الحيا ة الدُّنْيَا وَزينتهَا} حَتَّى بلغ إِلَى قَوْله: {عَظِيما} [سُورَة الْأَحْزَاب] قَالَت عَائِشَة: قد علمت وَالله أَن أَبَوي لم يَكُونَا ليأمراني بِفِرَاقِهِ، فَقلت: أَو فِي هَذَا أَستَأْمر أَبَوي؟ فَإِنِّي أُرِيد الله وَرَسُوله وَالدَّار الْآخِرَة.
وَفِيه. عَن معمر أَن أَيُّوب قَالَ لَهُ:
إِن عَائِشَة قَالَت: لَا تخبر نِسَاءَك أنني اخْتَرْتُك، فَقَالَ لَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن الله أَرْسلنِي مبلغا وَلم يُرْسِلنِي مُتَعَنتًا ".
قَالَ قَتَادَة: صغت قُلُوبكُمَا: مَالَتْ قُلُوبكُمَا.(1/108)
وَفِي رِوَايَة سماك. وَذَلِكَ قبل أَن يؤمرن بالحجاب. وَفِيه دُخُول عمر على عَائِشَة وَحَفْصَة ولومه لَهما، وَقَوله لحفصة: وَالله لقد علمت أَن رَسُول الله لَا يحبك وَلَوْلَا أَنا لطلقك، وَفِيه قَول عمر عِنْد الاسْتِئْذَان فِي إِحْدَى المرات: يَا رَبَاح، اسْتَأْذن لي، فَإِنِّي أَظن أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ظن أَنِّي جِئْت من أجل حَفْصَة، وَالله لَئِن أَمرنِي أَن أضْرب عُنُقهَا لَأَضرِبَن عُنُقهَا. قَالَ: وَرفعت صوتي، وَأَنه أذن لَهُ عِنْد ذَلِك، وَأَنه اسْتَأْذن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَن يخبر النَّاس أَنه لم يُطلق نِسَاءَهُ، فَأذن لَهُ، وَأَنه قَامَ على بَاب الْمَسْجِد فَنَادَى بِأَعْلَى صَوته: لم يُطلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نِسَاءَهُ، وَإنَّهُ قَالَ وَهُوَ يرى الْغَضَب فِي وَجهه: يَا رَسُول الله، مَا يشق عَلَيْك فِي شَأْن النِّسَاء، فَإِن كنت طلقتهن فَإِن الله مَعَك وَمَلَائِكَته وَجِبْرِيل وَمِيكَائِيل، وَأَنا، وَأَبُو بكر، والمؤمنون مَعَك. قَالَ: وقلما تَكَلَّمت - وَأحمد الله - إِلَّا رَجَوْت أَن يكون الله يصدق قولي الَّذِي أَقُول، وَنزلت هَذِه الْآيَة: آيَة التَّخْيِير: {عَسى ربه إِن طَلَّقَكُن أَن يُبدلهُ أَزْوَاجًا خيرا} [سُورَة التَّحْرِيم] ، وَفِيه أَنه قَالَ: فَلم أزل أحدث حَتَّى تحسر الْغَضَب عَن وَجهه وَحَتَّى كشر فَضَحِك، وَكَانَ من أحسن النَّاس ثغراً وَقَالَ: وَنزلت أتشبث بالجذع، وَهُوَ جذع يرقى عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَنزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَأَنَّمَا يمشي على الأَرْض مَا يمسهُ بِيَدِهِ فَقلت: يَا رَسُول الله، إِنَّمَا كنت فِي الغرفة تسعا وَعشْرين، فَقَالَ: " إِن الشَّهْر يكون تسعا وَعشْرين ". قَالَ: وَنزلت هَذِه الْآيَة: {وَإِذا جَاءَهُم أَمر من الْأَمْن أَو الْخَوْف أذاعوا بِهِ وَلَو ردُّوهُ إِلَى الرَّسُول وَإِلَى أولي الْأَمر مِنْهُم لعلمه الَّذين يستنبطونه مِنْهُم} [سُورَة النِّسَاء الْآيَة] قَالَ: فَكنت أَنا الَّذِي استنبطت ذَلِك الْأَمر، فَأنْزل الله آيَة التَّخْيِير.(1/109)
وَفِي حَدِيث ابْن حنين أَن عمر دخل على أم سَلمَة لِقَرَابَتِهِ مِنْهَا، فكلمها، وَأَنَّهَا قَالَت لَهُ: عجبا لَك يَا ابْن الْخطاب، قد دخلت فِي كل شَيْء حَتَّى تبتغي أَن تدخل بَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأزواجه، وَأَن ذَلِك كَسره عَن بعض مَا كَانَ يجد، وَأَنه لما قصّ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيث أم سَلمَة تَبَسم.
28 - الْعَاشِر: عَن ابْن عَبَّاس من رِوَايَة أبي الْعَالِيَة الريَاحي عَنهُ: شهد عِنْدِي رجالٌ مرضيون أرضاهم عمر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الصَّلَاة بعد الصُّبْح حَتَّى تشرق الشَّمْس، وَبعد الْعَصْر حَتَّى تغرب.
29 - الْحَادِي عشر: عَن ابْن عَبَّاس من رِوَايَة طَاوس عَنهُ: بلغ عمر أَن فلَانا بَاعَ خمرًا، فَقَالَ: قَاتل الله فلَانا، ألم يعلم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لعن الله الْيَهُود، حرمت عَلَيْهِم الشحوم فجملوها فَبَاعُوهَا ".
30 - الثَّانِي عشر: عَن عبد الله بن الزبير من رِوَايَة أبي ذبيان خَليفَة بن كَعْب عَنهُ: أَنه سَمعه يخْطب وَيَقُول: لَا تلبسوا نساءكم الْحَرِير، فَإِنِّي سَمِعت عمر بن الْخطاب يَقُول: " لَا تلبسوا الْحَرِير، فَإِنَّهُ من لبسه فِي الدُّنْيَا لم يلْبسهُ فِي الْآخِرَة " وَهُوَ عِنْد البُخَارِيّ وَحده من رِوَايَة معَاذَة العدوية، عَن أم عَمْرو بنت عبد الله بن الزبير عَن أَبِيهَا، قَالَ فِيهِ: وَقَالَ أَبُو معمر(1/110)
وَهُوَ فِي أَفْرَاد البُخَارِيّ بِمَعْنَاهُ من رِوَايَة عمرَان بن حطَّان عَن ابْن عمر عَن عمر مُسْندًا:
إِنَّمَا يلبس الْحَرِير فِي الدُّنْيَا من لَا خلاق لَهُ فِي الْآخِرَة ".
وَهُوَ من أَفْرَاد مُسلم من رِوَايَة عبد الله مولى أَسمَاء، عَن ابْن عمر، قَالَ: سَمِعت عمر يَقُول: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول:
إِنَّمَا يلبس الْحَرِير من لَا خلاق لَهُ ".
31 - الثَّالِث عشر: عَن الْمسور بن مخرمَة، وَعَن الرَّحْمَن بن عبد الْقَارِي أَن عمر قَالَ: سَمِعت هِشَام بن حَكِيم بن حزَام يقْرَأ سُورَة " الْفرْقَان " فِي حَيَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَاسْتَمَعْت لقرَاءَته، فَإِذا هُوَ يقْرَأ على حُرُوف كَثِيرَة لم يقرئنيها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فكدت أساوره فِي الصَّلَاة، فتربصت حَتَّى سلم، فلببته بردائه فَقلت: من أَقْرَأَك هَذِه السُّورَة الَّتِي سَمِعتك تقرأها؟ قَالَ: أَقْرَأَنيهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَقلت: كذبت؛ فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أَقْرَأَنيهَا على غير مَا قَرَأت. فَانْطَلَقت بِهِ أقوده إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقلت: يَا رَسُول الله،. إِنِّي سَمِعت هَذَا يقْرَأ سُورَة " الْفرْقَان " على حروفٍ كَثِيرَة لم تقرئنيها. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أرْسلهُ، اقْرَأ يَا هِشَام ".
فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقِرَاءَة الَّتِي سمعته يَقْرَأها، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " هَكَذَا أنزلت " ثمَّ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " اقْرَأ يَا عمر " فَقَرَأت الْقِرَاءَة الَّتِي أَقْرَأَنِي، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " هَكَذَا أنزلت؛ إِن هَذَا الْقُرْآن أنزل على سَبْعَة أحرف، فاقرءوا مَا تيَسّر مِنْهُ ".
32 - الرَّابِع عشر: فِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ من ترجمتين: أخرجه البُخَارِيّ من رِوَايَة حميد بن أنس عَن عمر، وَمُسلم من رِوَايَة نَافِع عَن ابْن عمر عَن عمر، أَنه قَالَ:(1/111)
وَافَقت رَبِّي فِي ثَلَاث: قلت: يَا رَسُول الله لَو اتخذنا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى، فَنزلت: {وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى} [سُورَة الْبَقَرَة] .
وَقلت: يَا رَسُول الله، يدْخل على نِسَائِك الْبر والفاجر، فَلَو أمرتهن يحتجبن، فَنزل.
وَاجْتمعَ نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْغيرَة، فَقلت: {عَسى ربه إِن طَلَّقَكُن أَن يُبدلهُ أَزْوَاجًا خيرا مِنْكُن} فَنزلت كَذَلِك.
فِي رِوَايَة نَافِع: فِي مقَام إِبْرَاهِيم، وَفِي الْحجاب، وَفِي أُسَارَى بدر.
33 - الْخَامِس عشر: من رِوَايَة عَاصِم بن عمر عَن عمر، قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِذا أقبل اللَّيْل، وَأدبر النَّهَار، وَغَابَتْ الشَّمْس، فقد أفطر الصَّائِم ".
34 - السَّادِس عشر: من رِوَايَة عَلْقَمَة بن وَقاص اللَّيْثِيّ عَنهُ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّةِ " - وَفِي رِوَايَة: بِالنِّيَّاتِ -، وَإِنَّمَا لكل امْرِئ مَا نوى، فَمن كَانَت هجرته إِلَى الله وَرَسُوله فَهجرَته إِلَى الله وَرَسُوله، وَمن كَانَت هجرته إِلَى دنيا يُصِيبهَا أَو امرأةٍ يَتَزَوَّجهَا فَهجرَته إِلَى مَا هَاجر إِلَيْهِ ".
35 - السَّابِع عشر: من رِوَايَة مَالك بن أَوْس بن الْحدثَان النصري، عَن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " الذَّهَب بالورق رَبًّا إِلَّا هَاء وهاء. وَالْبر بِالْبرِّ رَبًّا إِلَّا هَاء وهاء، وَالشعِير بِالشَّعِيرِ رَبًّا إِلَّا هَاء وهاء، وَالتَّمْر بِالتَّمْرِ رَبًّا إِلَّا هَاء وهاء ".(1/112)
فِي حَدِيث إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه من رِوَايَة أبي بكر البرقاني أَن عمر قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " الْوَرق بالورق رَبًّا إِلَّا هَاء وهاء، وَالذَّهَب بِالذَّهَب رَبًّا إِلَّا هَاء وهاء ".
36 - الثَّامِن عشر: من رِوَايَة مَالك بن أَوْس قَالَ: أرسل إِلَيّ عمر بن الْخطاب، فَجِئْته حِين تَعَالَى النَّهَار، قَالَ: فَوَجَدته فِي بَيته جَالِسا على سَرِير مفضياً إِلَى رماله، مُتكئا على وسَادَة من أَدَم، فَقَالَ لي: يَا مَال، إِنَّه قد دف أهل أَبْيَات من قَوْمك، وَقد أمرت فيهم برضخٍ، فَخذه فاقسمه بَينهم، قَالَ: قلت: لَو أمرت بِهَذَا غَيْرِي. قَالَ: خُذْهُ يَا مَال. قَالَ: فجَاء يرفا، فَقَالَ: هَل لَك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي عُثْمَان وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَالزُّبَيْر وَسعد؟ فَقَالَ عمر: نعم، فَأذن لَهُم، فَدَخَلُوا، ثمَّ جَاءَ فَقَالَ: هَل لَك فِي عَبَّاس وَعلي؟ قَالَ: نعم، فَأذن لَهما.
فَقَالَ الْعَبَّاس: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ اقْضِ بيني وَبَين هَذَا. فَقَالَ الْقَوْم: أجل يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، فَاقْض بَينهم وأرحهم. قَالَ مَالك بن أَوْس: يخيل إِلَيّ أَنهم قد كَانُوا قدموهم لذَلِك. فَقَالَ عمر: اتئدا، أنْشدكُمْ بِاللَّه الَّذِي بِإِذْنِهِ تقوم السَّمَاء وَالْأَرْض، أتعلمون أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَا نورث، مَا تركنَا صَدَقَة "؟ قَالُوا: نعم، ثمَّ أقبل على الْعَبَّاس وَعلي فَقَالَ: أنشدكما بِاللَّه الَّذِي بِإِذْنِهِ تقوم السَّمَاء وَالْأَرْض، أتعلمان أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَا نورث، مَا تركنَا صدقةٌ "؟ قَالَا: نعم.
قَالَ عمر: إِن الله تَعَالَى كَانَ خص نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخَاصَّة لم يخصص بهَا أحدا غَيره،(1/113)
فَقَالَ: {مَا أَفَاء الله على رَسُوله من أهل الْقرى فَللَّه وَلِلرَّسُولِ} [سُورَة الْحَشْر] ، وَفِي رِوَايَة، وَقَالَ: {وَمَا أَفَاء الله على رَسُوله مِنْهُم فَمَا أَوجَفْتُمْ عَلَيْهِ من خيل وَلَا ركاب} [سُورَة الْحَشْر] قَالَ: فقسم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنكُم أَمْوَال فَيْء النَّضِير، فوَاللَّه مَا اسْتَأْثر عَلَيْكُم، وَلَا أَخذهَا دونكم، حَتَّى بَقِي هَذَا المَال، فَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْخُذ مِنْهُ نَفَقَة سنةٍ ثمَّ يَجْعَل مَا بَقِي أُسْوَة المَال. وَفِي رِوَايَة: ثمَّ يَجْعَل مَا بَقِي مجعل مَال الله.
ثمَّ قَالَ: أنْشدكُمْ بِاللَّه الَّذِي بِإِذْنِهِ تقوم السَّمَاء وَالْأَرْض، أتعلمون ذَلِك؟ قَالُوا: نعم، ثمَّ نَشد عباساً وعلياً بِمثل مَا نَشد بِهِ الْقَوْم: أتعلمان ذَلِك؟ قَالَا: نعم. قَالَ: فَلَمَّا توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَبُو بكر: أَنا ولي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. زَاد فِي رِوَايَة جوَيْرِية بن أَسمَاء عَن مَالك: فجئتما تطلب ميراثك من ابْن أَخِيك، وَيطْلب هَذَا مِيرَاث امْرَأَته من أَبِيهَا. فَقَالَ أَبُو بكر: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لانورث، مَا تركنَا صَدَقَة " إِلَى هُنَا زَاد جوَيْرِية.
ثمَّ توفّي أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ، وَأَنا ولي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَولي أبي بكر، فَوليتهَا، ثمَّ جئتني أَنْت وَهَذَا وأنتما جميعٌ، وأمركما وَاحِد، فقلتم: ادفعها إِلَيْنَا: فَقلت: إِن شِئْتُم دفعتها إِلَيْكُم على أَن عَلَيْكُمَا عهد الله، وان تعملا فِيهَا بِالَّذِي كَانَ يعْمل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فأخذتماها بذلك، أَكَذَلِك؟ قَالَا: نعم. قَالَ: ثمَّ جئتما لأقضي بَيْنكُمَا، لَا وَالله لَا أَقْْضِي بَيْنكُمَا بِغَيْر ذَلِك حَتَّى تقوم السَّاعَة، فَإِن عجزتما عَنْهَا فرداها إِلَيّ.
وَقد تركنَا من قَول عمر فِي معاتبتهما، وَمن قَوْلهمَا ألفاظاً لَيست فِي الْمسند.(1/114)
زَاد البرقاني فِي رِوَايَته من طَرِيق معمر قَالَ: فغلب عليٌّ عَلَيْهَا، فَكَانَت بيد عَليّ، ثمَّ كَانَت بيد حسن بن عَليّ، ثمَّ كَانَت بيد حُسَيْن، ثمَّ كَانَت بيد عَليّ بن الْحُسَيْن، ثمَّ كَانَت بيد الْحسن بن الْحسن، ثمَّ وَليهَا بَنو الْعَبَّاس.
فِي حَدِيث سُفْيَان عَن عَمْرو: أَن عمر قَالَ: كَانَت أَمْوَال بني النَّضِير مِمَّا أَفَاء الله على رَسُوله مِمَّا لم يوجف عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ بخيل وَلَا ركاب، فَكَانَت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة، فَكَانَ ينْفق على أَهله نَفَقَة سنة. وَفِي رِوَايَة: وَيحبس لأَهله قوت سنتهمْ، وَمَا بَقِي جعله فِي الكراع أَو السِّلَاح عدَّة فِي سَبِيل الله.
وَيخرج مِنْهُ أَيْضا فِي مُسْند أبي بكر من رِوَايَة عمر عَنهُ قَوْله: فَقَالَ أَبُو بكر: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
: " لَا نورث، مَا تركنَا صدقةٌ " وَهُوَ من زِيَادَة جوَيْرِية عَن مَالك بِالْإِسْنَادِ.
37 - التَّاسِع عشر: من رِوَايَة أبي عُثْمَان عبد الرَّحْمَن بن مل النَّهْدِيّ، قَالَ: كتب إِلَيْنَا عمر بن الْخطاب وَنحن بِأَذربِيجَان مَعَ عتبَة بن فرقد: يَا عتبَة، إِنَّه لَيْسَ من كدك وَلَا كد أَبِيك وَلَا كد أمك، فأشبع الْمُسلمين فِي رحالهم مِمَّا تشبع مِنْهُ فِي رحلك، وَإِيَّاكُم والتنعم، وزي أهل الشّرك، ولبوس الْحَرِير، فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن لبوس الْحَرِير، قَالَ: " إِلَّا هَكَذَا " وَرفع لنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إصبعيه الْوُسْطَى والسبابة، وضمهما.
وَفِي حَدِيث سُلَيْمَان التَّيْمِيّ عَن أبي عُثْمَان: كُنَّا مَعَ عتبَة، فجاءنا كتاب عمر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
: " لَا يلبس الْحَرِير إِلَّا من لَيْسَ لَهُ شَيْء فِي الْآخِرَة، إِلَّا هَكَذَا "، قَالَ أَبُو عُثْمَان بإصبعيه اللَّتَيْنِ تليان الْإِبْهَام.(1/115)
وَفِي أَفْرَاد مُسلم من رِوَايَة سُوَيْد بن غَفلَة عَن عمر: أَن عمر خطب بالجابية فَقَالَ:
نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن لبس الْحَرِير إِلَّا مَوضِع إِصْبَعَيْنِ أَو ثَلَاث أَو أَربع.
38 - الْعشْرُونَ: من رِوَايَة أسلم مولى عمر، عَن عمر قَالَ: حملت على فرس فِي سَبِيل الله، فأضاعه الَّذِي كَانَ عِنْده، فَأَرَدْت أَن أشتريه وظننت أَنه يَبِيعهُ برخصٍ، فَسَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: " لَا تشتره، وَلَا تعد فِي صدقتك وَإِن أعطاكه بدرهمٍ، فَإِن الْعَائِد فِي صدقته كالعائد فِي قيئه ".
وَفِي حَدِيث مَالك: " فَإِن الَّذِي يعود فِي صدقته كَالْكَلْبِ يعود فِي قيئه ".
وَهُوَ فِي أَفْرَاد مُسلم عَن ابْن عمر، عَن عمر من رِوَايَة نَافِع عَنهُ بِنَحْوِهِ.
39 - الْحَادِي وَالْعشْرُونَ: من رِوَايَة أسلم أَيْضا عَن عمر قَالَ: قدم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بسبي، فَإِذا امْرَأَة من السَّبي تسْعَى، إِذا وجدت صَبيا فِي السَّبي أَخَذته فألزقته بِبَطْنِهَا فأرضعته، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أَتَرَوْنَ هَذِه الْمَرْأَة طارحةٌ وَلَدهَا فِي النَّار "؟ قُلْنَا: لَا وَالله، قَالَ: " لله أرْحم بعباده من هَذِه الْمَرْأَة بِوَلَدِهَا ".
40 - الثَّانِي وَالْعشْرُونَ: من رِوَايَة طَارق بن شهَاب قَالَ: جَاءَ رجلٌ من الْيَهُود إِلَى عمر بن الْخطاب فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، آيةٌ فِي كتابكُمْ تقرءونها، لَو علينا نزلت - معشر الْيَهُود - لاتخذنا ذَلِك الْيَوْم عيداً. قَالَ: فَأَي آيَة؟ قَالَ: {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نعمتي ورضيت لكم الْإِسْلَام دينا} [سُورَة الْمَائِدَة](1/116)
فَقَالَ عمر: إِنِّي لأعْلم الْيَوْم الَّذِي نزلت فِيهِ، وَالْمَكَان الَّذِي نزلت فِيهِ: نزلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي يَوْم جُمُعَة.
41 - الثَّالِث وَالْعشْرُونَ: من رِوَايَة أبي عبيد سعد بن عبيد، مولى ابْن أَزْهَر عَن عمر وَعلي مُسْندًا، وَعَن عُثْمَان مَوْقُوفا: أَنه شهد الْعِيد مَعَ عمر بن الْخطاب، فصلى قبل الْخطْبَة، ثمَّ خطب النَّاس فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس، إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهاكم عَن صِيَام هذَيْن الْعِيدَيْنِ، وَقَالَ بَعضهم: الْيَوْمَيْنِ: الْفطر والأضحى، أما أَحدهمَا فَيوم فطركم من صِيَامكُمْ، وَأما الآخر فَيوم تَأْكُلُونَ فِيهِ من نسككم.
قَالَ أَبُو عبيد: ثمَّ شهدته مَعَ عُثْمَان بن عَفَّان فصلى قبل أَن يخْطب، وَكَانَ ذَلِك يَوْم جُمُعَة، فَقَالَ لأهل العوالي: من أحب أَن ينْتَظر الْجُمُعَة فَلْيفْعَل، وَمن أحب أَن يرجع إِلَى أَهله فقد أذنا لَهُ.
ثمَّ شهدته مَعَ عَليّ فصلى قبل الْخطْبَة، ثمَّ خطب فَقَالَ:
إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد نهاكم أَن تَأْكُلُوا من لُحُوم نسككم فَوق ثَلَاث. لَيْسَ فِي رِوَايَة مَالك أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن أكل لُحُوم النّسك فَوق ثَلَاث.
42 - الرَّابِع وَالْعشْرُونَ: من رِوَايَة عَابس بن ربيعَة قَالَ: رَأَيْت عمر يقبل الْحجر وَيَقُول: إِنِّي أعلم أَنَّك حجرٌ مَا تَنْفَع وَلَا تضر، لَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقبلك مَا قبلتك.
وَقد أخرجه البُخَارِيّ من رِوَايَة أسلم مولى عمر عَن عمر، وَأخرجه مسلمٌ فِي أَفْرَاده من رِوَايَة سَالم عَن أَبِيه عَن عمر، وَمن رِوَايَة نَافِع عَن ابْن عمر، وَمن رِوَايَة عبد الله بن سرجس عَن عَمْرو من رِوَايَة سُوَيْد بن غَفلَة عَن عمر، وَلم يذكر بعض الروَاة فِيهِ النَّفْع والضر.(1/117)
زَاد سُوَيْد: وَلَكِن رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بك حفياً، وَلم يقل: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقبلك.
43 - الْخَامِس وَالْعشْرُونَ: عَن عدي بن حاتمٍ - للْبُخَارِيّ من رِوَايَة عَمْرو بن حُرَيْث عَن عدي، وَهُوَ عِنْد مُسلم مُخْتَصر من رِوَايَة الشّعبِيّ عَن عدي - قَالَ: أتيت عمر بن الْخطاب فِي أناسٍ من قومِي، فَجعل يفْرض للرجل من طَيئ فِي أَلفَيْنِ، ويعرض عني، قَالَ: فاستقبلته فَأَعْرض عني، ثمَّ أَتَيْته من حِيَال وَجهه، فَأَعْرض عني. قَالَ: فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أتعرفني؟ قَالَ: فَضَحِك ثمَّ قَالَ: نعم وَالله، إِنِّي لأعرفك، آمَنت إِذْ كفرُوا، وَأَقْبَلت إِذْ أدبروا، ووفيت إِذْ غدروا، وَإِن أول صَدَقَة بيضت وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ووجوه أَصْحَابه صَدَقَة طَيئ، جِئْت بهَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. ثمَّ أَخذ يعْتَذر، ثمَّ قَالَ: إِنَّمَا فرضت لقومٍ أجحفت بهم الْفَاقَة وهم سادة عَشَائِرهمْ لما ينوبهم من الْحُقُوق. فَقَالَ عدي: فَلَا أُبَالِي إِذا.
44 - السَّادِس وَالْعشْرُونَ: للْبُخَارِيّ عَن جوَيْرِية بن قدامَة عَن عمر مُخْتَصر، وَلمُسلم عَن معدان بن أبي طَلْحَة عَن عمر بِطُولِهِ: أَن عمر بن الْخطاب خطب يَوْم جُمُعَة، فَذكر نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَذكر أَبَا بكر، ثمَّ قَالَ: إِنِّي رَأَيْت كَأَن ديكاً نقرني ثَلَاث نقرات، وَإِنِّي لَا أرَاهُ إِلَّا لحضور أَجلي. وَإِن أَقْوَامًا يأمرونني أَن أستخلف، وَإِن الله لم يكن لِيُضيع دينه وَلَا خِلَافَته، وَلَا الَّذِي بعث بِهِ رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِن عجل بِي أمرٌ فالخلافة شُورَى بَين هَؤُلَاءِ السِّتَّة الَّذين توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ عَنْهُم راضٍ. وَإِنِّي قد علمت أَن أَقْوَامًا يطعنون فِي هَذَا الْأَمر، أَنا ضربتهم بيَدي هَذِه على الْإِسْلَام، فَإِن فعلوا ذَلِك فَأُولَئِك أَعدَاء الله، الْكَفَرَة الضلال.
ثمَّ إِنِّي لَا أدع بعدِي شَيْئا أهم عِنْدِي من الْكَلَالَة، مَا راجعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(1/118)
فِي شَيْء مَا راجعته فِي الْكَلَالَة، وَمَا أغْلظ لي فِي شَيْء مَا أغْلظ فِيهِ، حَتَّى طعن بإصبعه فِي صَدْرِي وَقَالَ: " يَا عمر، أَلا تكفيك آيَة الصَّيف الَّتِي فِي آخر سُورَة النِّسَاء " وَإِنِّي إِن أعش أقض فِيهَا بقضية يقْضِي بهَا من يقْرَأ الْقُرْآن وَمن لَا يقْرَأ الْقُرْآن.
ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أشهدك على أُمَرَاء الْأَمْصَار، وَإِنِّي إِنَّمَا بعثتهم عَلَيْهِم ليعدلوا، وليعلموا النَّاس دينهم وَسنة نَبِيّهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ويقسموا فيهم فيئهم، ويرفعوا إِلَيّ مَا أشكل عَلَيْهِم من أَمرهم.
ثمَّ إِنَّكُم أَيهَا النَّاس تَأْكُلُونَ شجرتين، لَا أراهما إِلَّا خبيثتين: هَذَا البصل والثوم.
وَلَقَد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا وجد ريحهما من الرجل فِي الْمَسْجِد أَمر بِهِ فَأخْرج إِلَى البقيع، فَمن أكلهما فليمتهما طبخاً.
فِي حَدِيث جوَيْرِية: فَمَا كَانَت إِلَّا الْجُمُعَة الْأُخْرَى حَتَّى طعن عمر، قَالَ: فَأذن للمهاجرين من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأذن للْأَنْصَار، ثمَّ أذن لأهل الْمَدِينَة، ثمَّ أذن لأهل الشَّام، ثمَّ أذن لأهل الْعرَاق، فَكُنَّا آخر من دخل عَلَيْهِ. قَالَ: فَإِذا هُوَ قد عصب جرحه بِبرد أسود، وَالدَّم يسيل عَلَيْهِ، قَالَ: فَقُلْنَا: أوصنا، وَلم يسْأَله الْوَصِيَّة أحدٌ غَيرنَا. فَقَالَ: أوصيكم بِكِتَاب الله؛ فَإِنَّكُم لن تضلوا مَا اتبعتموه.
قَالَ: وأوصيكم بالمهاجرين؛ فَإِن النَّاس يكثرون ويقلون. وأوصيكم بالأنصار؛ فَإِنَّهُم شعب الْإِسْلَام الَّذِي لَجأ إِلَيْهِ. وأوصيكم بالأعراب؛ فَإِنَّهُم أصلكم ومادتكم. وَفِي رِوَايَة: فَإِنَّهُم إخْوَانكُمْ وعدو عَدوكُمْ. وأوصيكم بِأَهْل الذِّمَّة؛ فَإِنَّهُم ذمَّة نَبِيكُم، ورزق عيالكم. قومُوا عني.
وَنَصّ هَذَا الْمَعْنى فِي الْوَصِيَّة، فِي حَدِيث مقتل عمر والشورى من رِوَايَة عَمْرو ابْن مَيْمُون.(1/119)
أَفْرَاد البُخَارِيّ
45 - الأول: عَن ابْن عمر من رِوَايَة سَالم عَنهُ، وَمن رِوَايَة عمر بن مُحَمَّد بن زيد عَن عَم أَبِيه سَالم عَنهُ قَالَ: مَا سَمِعت عمر يَقُول لشيءٍ قطّ: أَنِّي لأظنه كَذَا إِلَّا كَانَ كَمَا يظنّ.
بَيْنَمَا عمر جالسٌ، إِذْ مر بِهِ رجلٌ جميل، فَقَالَ: لقد أَخطَأ ظَنِّي أَو إِن هَذَا على دينه فِي الْجَاهِلِيَّة، أَو لقد كَانَ كاهنهم. عَليّ الرجل. فدعي لَهُ، فَقَالَ لَهُ عمر: لقد أَخطَأ ظَنِّي أَو إِنَّك على دينك فِي الْجَاهِلِيَّة، أَو لقد كنت كاهنهم. فَقَالَ مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ أستقبل بِهِ رجلٌ مسلمٌ. فَقَالَ: فَمَا إِنِّي أعزم عَلَيْك إِلَّا مَا أَخْبَرتنِي. قَالَ: كنت كاهنهم فِي الْجَاهِلِيَّة. قَالَ: أعجب مَا جاءتك بِهِ جنيتك؟ قَالَ: بَيْنَمَا أَنا يَوْمًا فِي السُّوق، جَاءَتْنِي أعرف مِنْهَا الْفَزع. قَالَت: ألم تَرَ الْجِنّ وإبلاسها، ويأسها بعد إيناسها، ولحوقها بالقلاص وأحلاسها.
قَالَ عمر: صدق، بَيْنَمَا أَنا قائمٌ عِنْد آلِهَتهم، إِذْ جَاءَ رجلٌ بعجلٍ فذبحه، فَصَرَخَ بِهِ صارخٌ لم أسمع صَارِخًا قطّ أَشد صَوتا مِنْهُ، يَقُول: يَا جليح، أَمر نجيح، رجلٌ فصيح، يَقُول: لَا إِلَه إِلَّا الله، فَوَثَبَ الْقَوْم، فَقلت: لَا أَبْرَح حَتَّى أعلم مَا وَرَاء هَذَا. ثمَّ نَادَى: يَا جليح، أمرٌ نجيح، رجلٌ فصيح، يَقُول: لَا إِلَه إِلَّا الله. فَقُمْت، فَمَا نشبت أَن قيل: هَذَا نَبِي.
46 - الثَّانِي: عَن ابْن عمر من رِوَايَة نَافِع عَنهُ: أَنه لما فدع أهل خَيْبَر عبد الله ابْن عمر، قَامَ عمر خَطِيبًا فَقَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ عَامل يهود خَيْبَر على أَمْوَالهم، وَقَالَ: نقركم مَا أقركم الله، وَإِن عبد الله بن عمر خرج إِلَى مَاله فعدي عَلَيْهِ من اللَّيْل، ففدعت يَدَاهُ وَرجلَاهُ، وَلَيْسَ لنا هُنَاكَ عدوٌّ غَيرهم، هم(1/120)
عدونا وتهمتنا، وَقد رَأَيْت إجلاءهم. فَلَمَّا أجمع عمر على ذَلِك أَتَاهُ أحد بني الْحقيق فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أتخرجنا وَقد أقرنا محمدٌ، وعاملنا على الْأَمْوَال، وَشرط ذَلِك لنا؟ فَقَالَ عمر: أظننت إِنِّي نسيت قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَك: " كَيفَ بك إِذا أخرجت من خَيْبَر تعدو بك قلوصك لَيْلَة بعد لَيْلَة؟ " فَقَالَ: كَانَت هَذِه هزيلة من أبي الْقَاسِم. قَالَ: كذبت يَا عَدو الله. قَالَ: فأجلاهم عمر، وَأَعْطَاهُمْ قيمَة مَا كَانَ لَهُم من الثَّمر مَالا وإبلاً وعروضاً من أقتاب وحبالٍ وَغير ذَلِك.
قَالَ البُخَارِيّ: رَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة عَن عبيد الله - هُوَ ابْن عمر - أَحْسبهُ عَن نَافِع، شكّ أَبُو سَلمَة فِي نَافِع عَن ابْن عمر. قَالَ:
أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل خَيْبَر، فَقَاتلهُمْ حَتَّى ألجأهم إِلَى قصرهم، وغلبهم على الأَرْض وَالزَّرْع وَالنَّخْل، فَصَالَحُوهُ على أَن يجلوا مِنْهَا، وَلَهُم مَا حملت رِكَابهمْ، ولرسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّفْرَاء والبيضاء وَالْحَلقَة: وَهِي السِّلَاح، وَيخرجُونَ مِنْهَا، وَاشْترط عَلَيْهِم أَلا يكتموا وَلَا يغيبوا شَيْئا، فَإِن فعلوا فَلَا ذمَّة لَهُم وَلَا عهد، فغيبوا مسكاً فِيهِ مَال وحلي لحيي بن أَخطب كَانَ احتمله مَعَه إِلَى خَيْبَر حِين أجليت النَّضِير، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعم حييّ، واسْمه سَعْيه: " مَا فعل مسك حييّ الَّذِي جَاءَ بِهِ من النَّضِير؟ " قَالَ: أذهبته النَّفَقَات والحروب. فَقَالَ: " الْعَهْد قريبٌ، وَالْمَال أَكثر من ذَلِك " وَقد كَانَ حييّ قتل قبل ذَلِك، فَدفع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَعْيه إِلَيّ الزبير، فمسه بعذابٍ، فَقَالَ: قد رَأَيْت حيياً يطوف فِي خربة هَا هُنَا، فَذَهَبُوا فطافوا فوجدوا(1/121)
الْمسك فِي الخربة، فَقتل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْني أبي الْحقيق، وَأَحَدهمَا زوج صَفِيَّة ابْنة حييّ بن أَخطب، وسبى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نِسَاءَهُمْ وذراريهم، وَقسم أَمْوَالهم بالنكث الَّذِي نكثوا، وَأَرَادَ أَن يجليهم مِنْهَا، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّد، دَعْنَا نَكُون فِي هَذِه الأَرْض نُصْلِحهَا ونقوم عَلَيْهَا، وَلم يكن لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا لأَصْحَابه غلْمَان يقومُونَ عَلَيْهَا، وَكَانُوا لَا يفرغون أَن يقومُوا عَلَيْهَا، فَأَعْطَاهُمْ خَيْبَر على أَن لَهُم الشّطْر من كل زرع وَشَيْء مَا بدا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَكَانَ عبد الله بن رَوَاحَة يَأْتِيهم فِي كل عَام فيخرصها عَلَيْهِم، ثمَّ يضمنهم الشّطْر، فشكوا إِلَى رَسُول الله شدَّة خرصه، وَأَرَادُوا أَن يرشوه، فَقَالَ عبد الله: تطعموني السُّحت! وَالله لقد جِئتُكُمْ من عِنْد أحب النَّاس إِلَيّ، وَلَأَنْتُمْ أبْغض إِلَيّ من عدتكم من القردة والخنازير، لَا يحملني بغضي إيَّاكُمْ وحبي إِيَّاه على أَلا أعدل عَلَيْكُم. فَقَالُوا: بِهَذَا قَامَت السَّمَوَات وَالْأَرْض. وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُعْطي كل امْرَأَة من نِسَائِهِ ثَمَانِينَ وسْقا من تمر فِي كل عَام، وَعشْرين وسْقا من شعير.
فَلَمَّا كَانَ زمَان عمر غشوا الْمُسلمين وألقوا ابْن عمر من فَوق بيتٍ ففدعوا يَدَيْهِ، فَقَالَ عمر بن الْخطاب: من كَانَ لَهُم سهمٌ بِخَيْبَر فليحضر حَتَّى نقسمها بَينهم، فَقَسمهَا عمر بَينهم، فَقَالَ رئيسهم: لَا تخرجنا، دَعْنَا نَكُون فِيهَا كَمَا أقرنا رَسُول الله وَأَبُو بكر، فَقَالَ عمر لرئيسهم: أتراه سقط عَليّ قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " كَيفَ بك إِذا رقصت بك راحلتك نَحْو الشَّام يَوْمًا ثمَّ يَوْمًا " وَقسمهَا عمر بَين من كَانَ شهد خَيْبَر من أهل الْحُدَيْبِيَة.
47 - الثَّالِث: عَن ابْن عمر من رِوَايَة نَافِع عَنهُ: أَن غُلَاما قتل غيلَة، فَقَالَ عمر: لَو اشْترك فِيهَا أهل صنعاء لقتلتهم. مَوْقُوف.(1/122)
وَقَالَ البُخَارِيّ: وَقَالَ مُغيرَة بن حَكِيم عَن أَبِيه: إِن أَرْبَعَة قتلوا صَبيا، فَقَالَ عمر ... مثله.
48 - الرَّابِع: من رِوَايَة نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ: لما فتح هَذَانِ المصران أَتَوا عمر بن الْخطاب فَقَالُوا: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حد لأهل نجدٍ قرنا، وَإنَّهُ جور عَن طريقنا، وَإِنَّا إِن أردنَا أَن نأتي قرنا شقّ علينا، قَالَ: فانظروا حذوها من طريقكم. قَالَ: فحد لَهُم ذَات عرق.
49 - الْخَامِس: من حَدِيث ربيعَة بن عبد الله بن الهدير: أَنه حضر عمر قَرَأَ يَوْم الْجُمُعَة على الْمِنْبَر بِسُورَة " النَّحْل " حَتَّى جَاءَ السَّجْدَة، فَنزل فَسجدَ وَسجد النَّاس، حَتَّى إِذا كَانَت الْجُمُعَة الْقَابِلَة قَرَأَ بهَا، حَتَّى إِذا جَاءَ السَّجْدَة قَالَ: يَا أَيهَا النَّاس، إِنَّمَا نمر بِالسُّجُود، فَمن سجد فقد أصَاب، وَمن لم يسْجد فَلَا إِثْم عَلَيْهِ.
وَلم يسْجد عمر.
قَالَ البُخَارِيّ: زَاد نافعٌ عَن ابْن عمر: قَالَ - يَعْنِي عمر: إِن الله لم يفْرض علينا السُّجُود إِلَّا أَن نشَاء.
50 - السَّادِس: عَن ابْن عمر من رِوَايَة زيد ابْنه عَنهُ، فِي إِسْلَام عمر قَالَ: بَيْنَمَا هُوَ - يَعْنِي أَبَاهُ عمر - فِي الدَّار خَائفًا، إِذْ جَاءَهُ الْعَاصِ بن وَائِل السَّهْمِي أَبُو عَمْرو، وَعَلِيهِ حلَّة حبرَة، وقميصٌ مكفوفٌ بحرير، وَهُوَ من بني سهم، وهم حلفاؤنا فِي الْجَاهِلِيَّة فَقَالَ: مَا بالك؟ قَالَ: زعم قَوْمك أَنهم سيقتلوني أَن أسلمت.
قَالَ: لَا سَبِيل إِلَيْك، أمنت. فَخرج الْعَاصِ، فلقي النَّاس قد سَالَ بهم الْوَادي،(1/123)
فَقَالَ: أَيْن تُرِيدُونَ؟ قَالُوا: نُرِيد هَذَا ابْن الْخطاب الَّذِي صَبأ. قَالَ: لَا سَبِيل إِلَيْهِ، فكر النَّاس.
51 - السَّابِع: من رِوَايَة أبي بردة عَامر بن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ: قَالَ لي عبد الله بن عمر: هَل تَدْرِي مَا قَالَ أبي لأَبِيك؟ قَالَ: قلت: لَا. قَالَ: فَإِن أبي قَالَ لأَبِيك: يَا أَبَا مُوسَى هَل يَسُرك إِن إسْلَامنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهجرتنا مَعَه، وجهادنا مَعَه، وعملنا كُله مَعَه برد لنا، وَأَن كل عملٍ عَملنَا بعده نجونا مِنْهُ كفافاً رَأْسا بِرَأْس؟ فَقَالَ أَبوك لأبي: لَا وَالله، قد جاهدنا بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وصلينا، وصمنا، وعملنا خيرا كثيرا، وَأسلم على أَيْدِينَا بشرٌ كثيرٌ، وَإِنَّا لنَرْجُو ذَاك. قَالَ أبي: لكني أَنا - وَالَّذِي نفس عمر بِيَدِهِ - لَوَدِدْت أَن ذَلِك برد لنا، وَأَن كل شَيْء عَمِلْنَاهُ بعده نجونا مِنْهُ كفافاً رَأْسا بِرَأْس. فَقلت: إِن أَبَاك - وَالله - كَانَ خيرا من أبي.
52 - الثَّامِن: عَن عبد الله بن عَبَّاس، من رِوَايَة عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة عَنهُ، عَن عمر أَنه قَالَ: لما مَاتَ عبد الله بن أبي بن سلول دعِي لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليُصَلِّي عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَثَبت إِلَيْهِ فَقلت: يَا رَسُول الله، أَتُصَلِّي على ابْن أبي وَقد قَالَ يَوْم كَذَا وَكَذَا: كَذَا وَكَذَا، أعدد عَلَيْهِ قَوْله. فَتَبَسَّمَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: " أخر عني يَا عمر "، فَلَمَّا أكثرت عَلَيْهِ، قَالَ: " إِنِّي خيرت فاخترت، لَو أَنِّي أعلم أَنِّي إِن زِدْت على السّبْعين يغْفر لَهُ لزدت عَلَيْهَا ". قَالَ: فصلى عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ انْصَرف فَلم يمْكث إِلَّا يَسِيرا حَتَّى نزلت الْآيَتَانِ من " بَرَاءَة ": {وَلَا تصل على أحد مِنْهُم مَاتَ أبدا وَلَا تقم على قَبره} إِلَى قَوْله: (وهم(1/124)
فَاسِقُونَ} [سُورَة التَّوْبَة] قَالَ: فعجبت بعد من جرأتي على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يومئذٍ وَالله وَرَسُوله أعلم.
53 - التَّاسِع: من رِوَايَة ابْن عتبَة أَيْضا عَنهُ، قَالَ: لما قدم عُيَيْنَة بن حصن ابْن حُذَيْفَة بن بدر نزل على ابْن أَخِيه الحربن قيس بن حصن، وَكَانَ من النَّفر الَّذين يدنيهم عمر، وَكَانَ الْقُرَّاء أَصْحَاب مجْلِس عمر ومشاورته كهولاً كَانُوا أَو شباناً. فَقَالَ عُيَيْنَة: يَا ابْن أخي، هَل لَك وجهٌ عِنْد الْأَمِير، فَاسْتَأْذن لي عَلَيْهِ، قَالَ: سأستأذن لَك عَلَيْهِ. قَالَ ابْن عَبَّاس: فَاسْتَأْذن الْحر لعيينة، فَأذن لَهُ عمر، فَلَمَّا دخل قَالَ: هِيَ يَا ابْن الْخطاب، فوَاللَّه مَا تُعْطِينَا الجزل، وَلَا تحكم بَيْننَا بِالْعَدْلِ، فَغَضب عمر حَتَّى هم أَن يُوقع بِهِ، فَقَالَ الْحر: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِن الله عز وَجل قَالَ لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. {خُذ الْعَفو وَأمر بِالْعرْفِ وَأعْرض عَن الْجَاهِلين} [سُورَة الْأَعْرَاف] ، وَإِن هَذَا من الْجَاهِلين، فوَاللَّه مَا جاوزها عمر حِين تَلَاهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ وقافاً عِنْد كتاب الله.
54 - الْعَاشِر: عَن ابْن عَبَّاس من رِوَايَة عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكَة عَنهُ، من حَدِيث أَخِيه أبي بكر بن أبي مليكَة عَن عبيد بن عُمَيْر، عَن عمر: قَالَ عمر يَوْمًا لأَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فيمَ ترَوْنَ هَذِه الْآيَة نزلت: {أيود أحدكُم أَن تكون لَهُ جنةٌ من نخيلٌ} [سُورَة الْبَقَرَة] ، قَالُوا: الله أعلم، فَغَضب عمر وَقَالَ: قُولُوا نعلم أَو لَا نعلم. قَالَ ابْن عَبَّاس: فِي نَفسِي مِنْهَا شَيْء يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. فَقَالَ عمر: يَا ابْن أخي، قل وَلَا تحقر نَفسك. قَالَ ابْن عَبَّاس: ضربت(1/125)
مثلا لعملٍ. قَالَ عمر: أَي عمل؟ قَالَ ابْن عَبَّاس: لعمل رجلٍ غنيٍّ يعْمل بِطَاعَة الله، ثمَّ بعث الله عز جلّ لَهُ الشَّيْطَان فَعمل بِالْمَعَاصِي حَتَّى أغرق أَعماله. وَقد ذكر فِي مُسْند ابْن عَبَّاس.
55 - الْحَادِي عشر: عَن ابْن عَبَّاس من رِوَايَة عِكْرِمَة مَوْلَاهُ عَنهُ: أَن عمر قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بوادي العقيق يَقُول: " أَتَانِي اللَّيْلَة آتٍ من رَبِّي فَقَالَ: صل فِي هَذَا الْوَادي الْمُبَارك، وَقل: عمرةٌ فِي حجَّة ".
وَفِي رِوَايَة سعيد بن ربيع: " وَقل: عمرةٌ وَحجَّة ".
وَفِي رِوَايَة شُعَيْب بن إِسْحَاق: " وَقَالَ عمْرَة فِي حجَّة ".
56 - الثَّانِي عشر: فِي مقتل عمر والشورى، من رِوَايَة الْمسور بن مخرمَة، مُخْتَصر فِي " الشورى " وَمن رِوَايَة عَمْرو بن مَيْمُون بِطُولِهِ، وَهَذَا حَدِيث عَمْرو، لِأَن حَدِيث الْمسور طرف مِنْهُ: قَالَ عَمْرو: رَأَيْت عمر بن الْخطاب قبل أَن يصاب بأيام بِالْمَدِينَةِ، وقف على حُذَيْفَة بن الْيَمَان، وَعُثْمَان بن حنيف، فَقَالَ: كَيفَ فعلتما؟ أتخافان أَن تَكُونَا حملتما الأَرْض مَا لَا تطِيق؟ قَالَا: حملناها أمرا هِيَ لَهُ مطيقة، وَمَا فِيهَا كَبِير فضل، فَقَالَ: انظرا أَن تَكُونَا حملتما الأَرْض مَا لَا تطِيق، فَقَالَا: لَا. فَقَالَ عمر: لَئِن سلمني الله عز وَجل لأدعن أرامل أهل الْعرَاق لَا يحتجن إِلَى أحدٍ بعدِي أبدا، فَمَا أَتَت عَلَيْهِ إِلَّا رابعةٌ حَتَّى أُصِيب رَحمَه الله(1/126)
قَالَ عَمْرو بن مَيْمُون: وَإِنِّي لقائم، مَا بيني وبنيه إِلَّا عبد الله بن عَبَّاس غَدَاة أُصِيب، وَكَانَ إِذا مر بَين الصفين قَامَ بَينهمَا، فَإِذا رأى خللاً قَالَ: اسْتَووا، حَتَّى إِذا لم ير فيهم خللاً تقدم فَكبر، قَالَ: وَرُبمَا قَرَأَ سُورَة " يُوسُف " أَو " النَّحْل " أَو نَحْو ذَلِك فِي الرَّكْعَة الأولى حَتَّى يجْتَمع النَّاس، فَمَا هُوَ إِلَّا أَن كبر فَسَمعته يَقُول: قتلني - أَو أكلني - الْكَلْب، حِين طعنه، فطار العلج بسكين ذَات طرفين، لَا يمر على أحدٍ يَمِينا وَلَا شمالاً إِلَّا طعنه، حَتَّى طعن ثَلَاثَة عشر رجلا، فَمَاتَ مِنْهُم تِسْعَة، وَفِي رِوَايَة سَبْعَة، فَلَمَّا رأى ذَلِك رجلٌ من الْمُسلمين طرح عَلَيْهِ برنساً، فَلَمَّا ظن العلج أَنه مأخوذٌ نحر نَفسه.
وَتَنَاول عمر عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فقدمه، فَأَما من كَانَ يَلِي عمر فقد رأى الَّذِي رَأَيْت، وَأما نواحي الْمَسْجِد فَإِنَّهُم لَا يَدْرُونَ مَا الْأَمر، غير أَنهم فقدوا صَوت عمر، وهم يَقُولُونَ: سُبْحَانَ الله، سُبْحَانَ الله، فصلى بهم عبد الرَّحْمَن ابْن عَوْف صَلَاة خَفِيفَة، فَلَمَّا انصرفوا قَالَ: يَا ابْن عَبَّاس: انْظُر من قتلني، قَالَ:
فجال سَاعَة ثمَّ جَاءَ فَقَالَ: غُلَام الْمُغيرَة بن شُعْبَة. فَقَالَ: الصنع؟ قَالَ: نعم. قَالَ: قَاتله الله، لقد كنت أمرت بِهِ مَعْرُوفا، ثمَّ قَالَ: الْحَمد لله الَّذِي لم يَجْعَل ميتتي بيد رجل مُسلم، قد كنت أَنْت وَأَبُوك تحبان أَن تكْثر العلوج بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ الْعَبَّاس أَكْثَرهم رَقِيقا. فَقَالَ ابْن عَبَّاس: إِن شِئْت فعلت. أَي: إِن شِئْت قتلنَا.
قَالَ: بعد مَا تكلمُوا بلسانكم، وصلوا قبلتكم، وحجوا حَجكُمْ.
فَاحْتمل إِلَى بَيته، فَانْطَلَقْنَا مَعَه، قَالَ: وَكَأن النَّاس لم تصبهم مُصِيبَة قبل يومئذٍ، قَالَ: فَقَائِل يَقُول: أَخَاف عَلَيْهِ، وَقَائِل يَقُول: لَا بَأْس، فَأتي بنبيذٍ،(1/127)
فَشرب مِنْهُ، فَخرج من جَوْفه، ثمَّ أُتِي بِلَبن شربه فَخرج من جرحه فعرفوا أَنه ميت، قَالَ: فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، وَجَاء النَّاس يثنون عَلَيْهِ، وَجَاء رجل شابٌّ فَقَالَ: أبشر يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ ببشرى الله عز وَجل، قد كَانَ لَك من صُحْبَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقدم فِي الْإِسْلَام مَا قد علمت، ثمَّ وليت فعدلت، ثمَّ شَهَادَة. فَقَالَ: وددت أَن ذَلِك كَانَ كفافاً لَا عَليّ وَلَا لي، فَلَمَّا أدبر الرجل إِذا إزَاره يمس الأَرْض، فَقَالَ: ردوا عَليّ الْغُلَام، فَقَالَ: يَا ابْن أخي، ارْفَعْ ثَوْبك، فَإِنَّهُ أنقى لثوبك، وَاتَّقَى لِرَبِّك.
يَا عبد الله، انْظُر مَا عَليّ من الدّين، فحسبوه، فوجدوه سِتَّة وَثَمَانِينَ ألفا أَو نَحوه، فَقَالَ: إِن وفى بِهِ مَال آل عمر فأده من أَمْوَالهم، وَإِلَّا فسل فِي بني عدي ابْن كَعْب، فَإِذا لم تف أَمْوَالهم فسل فِي قريشٍ، وَلَا تعدهم إِلَى غَيرهم، وأد عني هَذَا المَال. انْطلق إِلَى أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة فَقل: يقْرَأ عَلَيْك عمر السَّلَام، وَلَا تقل: أَمِير الْمُؤمنِينَ، فَإِنِّي لست الْيَوْم للْمُؤْمِنين أَمِيرا، وَقل: يسْتَأْذن عمر بن الْخطاب أَن يدْفن مَعَ صَاحِبيهِ، قَالَ: فَسلم، وَاسْتَأْذَنَ، ثمَّ دخل عَلَيْهَا فَوَجَدَهَا قَاعِدَة تبْكي، فَقَالَ: يقْرَأ عَلَيْك عمر بن الْخطاب السَّلَام ويستأذن أَن يدْفن مَعَ صَاحِبيهِ، فَقَالَت: كنت أريده لنَفْسي، ولأوثرنه الْيَوْم على نَفسِي، فَلَمَّا أقبل قيل: هَذَا عبد الله بن عمر قد جَاءَ، فَقَالَ: ارفعوني، فأسنده رجل إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا لديك؟ قَالَ: الَّذِي تحب يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أَذِنت، قَالَ: الْحَمد لله، مَا كَانَ شَيْء أهم إِلَيّ من ذَلِك، فَإِذا أَنا قبضت فاحملوني، ثمَّ سلم وَقل: يسْتَأْذن عمر، فَإِن أَذِنت لي فأدخلوني، وَإِن ردتني ردوني إِلَى مَقَابِر الْمُسلمين.
فَجَاءَت أم الْمُؤمنِينَ حَفْصَة وَالنِّسَاء يسترنها، فَلَمَّا رأيناها قمنا، فولجت عَلَيْهِ، فَبَكَتْ عِنْده سَاعَة، وَاسْتَأْذَنَ الرِّجَال فولجت دَاخِلا، فسمعنا بكاءها من الدَّاخِل، فَقَالُوا: أوص يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، اسْتخْلف، قَالَ: مَا أرى أحدا أَحَق بِهَذَا الْأَمر من هَؤُلَاءِ النَّفر - أَو الرَّهْط - الَّذين توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ عَنْهُم راضٍ، فَسمى(1/128)
عليا وَعُثْمَان وَالزُّبَيْر وَطَلْحَة وسعداً وَعبد الرَّحْمَن، وَقَالَ: يشهدكم عبد الله بن عمر، وَلَيْسَ لَهُ من الْأَمر شَيْء - كَهَيئَةِ التَّعْزِيَة لَهُ، فَإِن أَصَابَت الْإِمَارَة سَعْدا فَذَاك، وَإِلَّا فليستعن بِهِ أَيّكُم مَا أَمر، فَإِنِّي لم أعزله عَن عجزٍ وَلَا خِيَانَة.
وَقَالَ: أوصِي الْخَلِيفَة من بعدِي بالمهاجرين الْأَوَّلين أَن يعرف لَهُم حَقهم، ويحفظ لَهُم حرمتهم، وأوصيه بالأنصار خيرا، الَّذين تبوءوا الدَّار وَالْإِيمَان من قبلهم أَن يقبل من محسنهم، وَأَن يُعْفَى عَن مسيئهم، وأوصيه بِأَهْل الْأَمْصَار خيرا، فَإِنَّهُم ردء الْإِسْلَام، وجباة المَال، وغيظ الْعَدو، وَألا يُؤْخَذ مِنْهُم إِلَّا فَضلهمْ عَن رضَا مِنْهُم. وأوصيه بالأعراب خيرا، فَإِنَّهُم أصل الْعَرَب ومادة الْإِسْلَام، أَن يُؤْخَذ من حَوَاشِي أَمْوَالهم، وَيرد على فقرائهم، وأوصيه بِذِمَّة الله وَذمَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَن يُوفى لَهُم بعهدهم، وَأَن يُقَاتل من ورائهم، وَلَا يكلفوا إِلَّا طاقتهم.
قَالَ: فَلَمَّا قبض خرجنَا بِهِ، فَانْطَلَقْنَا نمشي، فَسلم عبد الله بن عمر وَقَالَ: يسْتَأْذن عمر بن الْخطاب، قَالَت: أدخلوه، فَأدْخل فَوضع هُنَالك مَعَ صَاحِبيهِ.
قَالَ: فَلَمَّا فرغ من دَفنه اجْتمع هَؤُلَاءِ الرَّهْط، فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف: اجعلوا أَمركُم إِلَى ثلاثةٍ مِنْكُم. فَقَالَ الزبير: قد جعلت أَمْرِي إِلَى عَليّ، وَقَالَ طَلْحَة: قد جعلت أَمْرِي إِلَى عُثْمَان، وَقَالَ سعد: قد جعلت أَمْرِي إِلَى عبد الرَّحْمَن. فَقَالَ عبد الرَّحْمَن أيكما يبرأ من هَذَا الْأَمر فنجعله إِلَيْهِ. وَالله عَلَيْهِ وَالْإِسْلَام، لينظرن أفضلهم فِي نَفسه، فأسكت الشَّيْخَانِ، فَقَالَ عبد الرَّحْمَن أفتجعلونه إِلَيّ؟ وَالله عَليّ أَلا آلو عَن أفضلكم. قَالَا: نعم، فَأخذ بيد أَحدهمَا، فَقَالَ: لَك من قرَابَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، والقدم فِي الْإِسْلَام، مَا قد علمت، فَالله عَلَيْك، إِن أَمرتك لتعدلن، وَلَئِن أمرت عُثْمَان لتسمعن، ثمَّ خلا بِالْآخرِ فَقَالَ لَهُ مثل ذَلِك. فَلَمَّا أَخذ الْمِيثَاق قَالَ: ارْفَعْ يدك يَا عُثْمَان، فَبَايعهُ، وَبَايع لَهُ(1/129)
عَليّ، وولج أهل الدَّار فَبَايعُوهُ.
وَفِي حَدِيث الْمسور: أَن الرَّهْط الَّذين ولاّهم عمر اجْتَمعُوا، فتشاوروا، فَقَالَ لَهُم عبد الرَّحْمَن بن عَوْف: لست بِالَّذِي أنافسكم فِي هَذَا الْأَمر، وَلَكِنَّكُمْ إِن شِئْتُم اخْتَرْت لكم مِنْكُم، فَجعلُوا ذَلِك إِلَى عبد الرَّحْمَن. فَلَمَّا ولوه انثال النَّاس على عبد الرَّحْمَن ومالوا إِلَيْهِ، حَتَّى مَا أرى أحدا من النَّاس يتبع أحدا من أُولَئِكَ الرَّهْط وَلَا يطَأ عَقِبَيْهِ، وَمَال النَّاس على عبد الرَّحْمَن يشاورونه ويناجونه تِلْكَ اللَّيَالِي، حَتَّى إِذا كَانَت اللَّيْلَة الَّتِي أَصْبَحْنَا فِيهَا، فَبَايعْنَا عُثْمَان.
قَالَ الْمسور: طرقني عبد الرَّحْمَن بعد هجعٍ من اللَّيْل، فَضرب الْبَاب حَتَّى استيقظت فَقَالَ: أَلا أَرَاك نَائِما. فوَاللَّه مَا اكتحلت هَذِه الثَّلَاث بِكَثِير نوم، فَادع لي الزبير وسعدا، فدعوتهما لَهُ، فشاورهما، ثمَّ دَعَاني، فَقَالَ: ادْع لي عليا، فدعوته، فناجاه حَتَّى ابهار اللَّيْل، ثمَّ قَامَ عليٌّ من عِنْده وَهُوَ على طمع، وَكَانَ عبد الرَّحْمَن يخْشَى من عَليّ شَيْئا. ثمَّ قَالَ: ادْع لي عُثْمَان، فناجاه، حَتَّى فرق بَينهمَا الْمُؤَذّن للصبح، فَلَمَّا صلى النَّاس الصُّبْح اجْتمع أُولَئِكَ الرَّهْط عِنْد الْمِنْبَر، فَأرْسل عبد الرَّحْمَن إِلَى من كَانَ خَارِجا من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، وَأرْسل إِلَى أُمَرَاء الأجناد، وَكَانُوا قد وافوا تِلْكَ الْحجَّة مَعَ عمر، فَلَمَّا اجْتَمعُوا تشهد عبد الرَّحْمَن وَقَالَ: أما بعد يَا عَليّ، فَإِنِّي نظرت فِي أَمر النَّاس، فَلم أرهم يعدلُونَ بعثمان، فَلَا تجعلن على نَفسك سَبِيلا، وَأخذ بيد عُثْمَان فَقَالَ: أُبَايِعك على سنة الله وَرَسُوله والخليفتين من بعده، فَبَايعهُ عبد الرَّحْمَن، وَبَايَعَهُ النَّاس والمهاجرون وَالْأَنْصَار وأفراد الأجناد والمسلمون.(1/130)
57 - الثَّالِث عشر: من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن عبد الْقَارِي، قَالَ: خرجت مَعَ عمر لَيْلَة فِي رَمَضَان إِلَى الْمَسْجِد، فَإِذا النَّاس أوزاعٌ متفرقون، يُصَلِّي الرجل لنَفسِهِ، وَيُصلي الرجل فَيصَلي بِصَلَاتِهِ الرَّهْط، فَقَالَ عمر: إِنِّي أرى لَو جمعت هَؤُلَاءِ على قَارِئ وَاحِد لَكَانَ أمثل، ثمَّ عزم، فَجَمعهُمْ على أبي بن كَعْب. قَالَ: ثمَّ خرجت مَعَه لَيْلَة أُخْرَى وَالنَّاس يصلونَ بِصَلَاة قارئهم، فَقَالَ عمر بن الْخطاب: نعمت الْبِدْعَة هَذِه، وَالَّتِي تنامون عَنْهَا أفضل من الَّتِي تقومون. يُرِيد آخر اللَّيْل، وَكَانَ النَّاس يقومُونَ أَوله.
58 - الرَّابِع عشر: عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ عمر: كَانَ أَبُو بكر سيدنَا، وَأعْتق سيدنَا - يَعْنِي بِلَالًا. قَالَ لأبي بكر: إِن كنت إِنَّمَا اشتريتني لنَفسك فأمسكني، وَإِن كنت إِنَّمَا اشتريتني لله عز وَجل فَدَعْنِي وَعمل الله.
59 - الْخَامِس عشر: عَن أنس بن مَالك الْأنْصَارِيّ، من رِوَايَة ثُمَامَة بن عبد الله عَنهُ، أَن عمر بن الْخطاب كَانَ إِذا قحطوا استسقى بِالْعَبَّاسِ بن عبد الْمطلب، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نتوسل إِلَيْك بنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتسقينا، وَإِنَّا نتوسل إِلَيْك بعم نبيك، فاسقنا، قَالَ: فيسقون.
60 - السَّادِس عشر: عَن أنس، رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَنهُ: أَنه سمع خطْبَة عمر بن الْخطاب الْآخِرَة حِين جلس على مِنْبَر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَذَلِكَ الْغَد من يَوْم توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَتشهد وَأَبُو بكر صامتٌ لَا يتَكَلَّم، ثمَّ قَالَ عمر: أما بعد، فَإِنِّي قلت لكم أمس مقَالَة، وَإِنَّهَا لم تكن كَمَا قلت، وَإِنِّي وَالله مَا وجدت الْمقَالة الَّتِي(1/131)
قلت لكم فِي كتاب أنزلهُ الله، وَلَا فِي عهد عهد إِلَيّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَكِن كنت أَرْجُو أَن يعِيش رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى يدبرنا - يُرِيد: أَن يكون آخِرهم، فَإِن يكن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد مَاتَ، فَإِن الله قد جعل بَين أظْهركُم نورا تهتدون بِهِ، بِهِ هدى الله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَاعْتَصمُوا بِهِ تهتدوا بِمَا هدى الله بِهِ مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن أَبَا بكرٍ صَاحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَثَانِي اثْنَيْنِ، وَإنَّهُ أولى النَّاس بأموركم، فَقومُوا إِلَيْهِ فَبَايعُوهُ. وَكَانَت طَائِفَة مِنْهُم قد بَايعُوهُ قبل ذَلِك فِي سَقِيفَة بني سَاعِدَة، وَكَانَت بيعَة الْعَامَّة عِنْد الْمِنْبَر.
فِي رِوَايَة أُخْرَى للْبُخَارِيّ أَيْضا، قَالَ الزُّهْرِيّ: قَالَ لي أنس بن مَالك: إِنَّه
رأى عمر يزعج أَبَا بكر إِلَيّ الْمِنْبَر إزعاجاً. قَالَ الزُّهْرِيّ: وَأَخْبرنِي سعيد بن الْمسيب: أَن عمر بن الْخطاب قَالَ: وَالله مَا هُوَ إِلَّا أَن تَلَاهَا أَبُو بكر - يَعْنِي قَوْله: {وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قد خلت من قبله الرُّسُل} [سُورَة آل عمرَان] عقرت وَأَنا قَائِم حَتَّى خَرَرْت إِلَى الأَرْض، وأيقنت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد مَاتَ.
61 - السَّابِع عشر: عَن أنس من رِوَايَة ثَابت عَنهُ قَالَ: كُنَّا عِنْد عمر فَقَالَ: نهينَا عَن التَّكَلُّف، وَفِي رِوَايَة عَن ثابتٍ عَنهُ: أَن عمر قَرَأَ: {وَفَاكِهَة وَأَبا} [سُورَة عبس] قَالَ: فَمَا الْأَب؟ ثمَّ قَالَ: مَا كلفنا، أَو قَالَ: مَا أمرنَا بِهَذَا.(1/132)
62 - الثَّامِن عشر: عَن السَّائِب بن يزِيد قَالَ: كنت نَائِما فِي الْمَسْجِد، فحصبني رجلٌ، فَنَظَرت فَإِذا عمر بن الْخطاب، فَقَالَ: اذْهَبْ فأتني بِهَذَيْنِ، فَجِئْته بهما، فَقَالَ: من من أَنْتُمَا؟ أَو: من أَيْن أَنْتُمَا؟ قَالَا: من أهل الطَّائِف. قَالَ: لَو كنتما من أهل الْبَلَد لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
63 - التَّاسِع عشر: عَن حَفْصَة بنت عمر، وَعَن أسلم مولى عمر قَالَا: قَالَ عمر: اللَّهُمَّ ارزقني شَهَادَة فِي سَبِيلك، وَاجعَل موتِي فِي بلد رَسُولك.
وَفِي رِوَايَة عَن حَفْصَة: فَقلت: أَنى يكون هَذَا؟ فَقَالَ: يأتيني بِهِ الله إِن شَاءَ.
64 - الْعشْرُونَ: عَن عبد الله بن عَامر بن ربيعَة، وَكَانَ من أكبر بني عدي، وَكَانَ أَبوهُ شهد بَدْرًا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: اسْتعْمل عمر قدامَة بن مَظْعُون على الْبَحْرين، وَكَانَ شهد بَدْرًا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ خَال ابْن عمر وَحَفْصَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. لم يزدْ. وَهُوَ طرف من حَدِيث طَوِيل فِي قصَّة لقدامة بن مَظْعُون.
اقْتصر البُخَارِيّ على هَذَا الْقدر لِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ فِيمَن شهد بَدْرًا، وَقد وَقع لنا بِتَمَامِهِ بِهَذَا الْإِسْنَاد مُتَّصِلا بقوله:
وَكَانَ خَال ابْن عمر وَحَفْصَة، قَالَ: فَقدم الْجَارُود من الْبَحْرين فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِن قدامَة بن مَظْعُون قد شرب مُسكرا، وَإِنِّي إِذا رَأَيْت حدا من حُدُود الله حق عَليّ أَن أرفعه إِلَيْك. فَقَالَ لَهُ عمر: من يشْهد على مَا تَقول؟ فَقَالَ: أَبُو هُرَيْرَة. فَدَعَا عمر أَبَا هُرَيْرَة، فَقَالَ: علام تشهد يَا أَبَا هُرَيْرَة؟ فَقَالَ: لم أره حِين شرب، وَقد رَأَيْته سَكرَان يقيء. فَقَالَ عمر: لقد تنطعت - أَبَا هُرَيْرَة - فِي(1/133)
الشَّهَادَة. ثمَّ كتب عمر إِلَى قدامَة وَهُوَ بِالْبَحْرَيْنِ يَأْمُرهُ بالقدوم عَلَيْهِ، فَلَمَّا قدم قدامَة والجارود بِالْمَدِينَةِ، كلم الْجَارُود عمر فَقَالَ: أقِم على هَذَا كتاب الله. فَقَالَ عمر للجارود: أشهيدٌ أَنْت أم خصم؟ فَقَالَ الْجَارُود: أَنا شَهِيد. فَقَالَ: قد كنت أدّيت شهادتك. فَسكت الْجَارُود ثمَّ قَالَ: لتعلمن أَنِّي أنْشدك الله. فَقَالَ عمر: أما وَالله لتملكن لسَانك أَو لأسوءنك. فَقَالَ الْجَارُود: أما وَالله، مَا ذَاك بِالْحَقِّ، أَن يشرب ابْن عمك وتسوءني، فأوعده عمر. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة وَهُوَ جالسٌ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن كنت تشك فِي شهادتنا فسل بنت الْوَلِيد امْرَأَة ابْن مَظْعُون. فَأرْسل عمر إِلَى هِنْد ينشدها بِاللَّه، فأقامت هِنْد على زَوجهَا قدامَة الشَّهَادَة، فَقَالَ عمر: إِنِّي يَا قدامَة جالدك، فَقَالَ قدامَة: وَالله لَو شربت كَمَا يَقُولُونَ مَا كَانَ لَك أَن تجلدني يَا عمر، قَالَ: وَلم يَا قدامَة؟ قَالَ: إِن الله عز وَجل قَالَ: {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا إِذا مَا اتَّقوا وآمنوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات ثمَّ اتَّقوا وآمنوا ثمَّ اتَّقوا وأحسنوا وَالله يحب الْمُحْسِنِينَ} [سُورَة الْمَائِدَة] فَقَالَ عمر: إِنَّك أَخْطَأت التَّأْوِيل يَا قدامَة، إِذا اتَّقَيْت اجْتنبت مَا حرم الله. ثمَّ أقبل عمر على الْقَوْم فَقَالَ: مَاذَا ترَوْنَ فِي جلد قدامَة؟ فَقَالَ الْقَوْم: لَا نرى أَن تجلده مَا دَامَ وجعاً. فَقَالَ عمر: إِنَّه وَالله لِأَن يلقِي الله تَحت السِّيَاط أحب إِلَيّ من أَن ألْقى الله وَهِي فِي عنقِي، إِي وَالله لأجلدنه، ايتوني بِالسَّوْطِ، فَجَاءَهُ مَوْلَاهُ أسلم بِسَوْط دقيقٍ صَغِير، فَأَخذه عمر، فمسحه بِيَدِهِ، ثمَّ قَالَ لأسلم: أخذتك دقرارة أهلك، ايتوني بِسَوْط غير هَذَا. قَالَ: فَجَاءَهُ أسلم بِسَوْط تَامّ، فَأمر عمر بِقُدَامَةَ فجلد. فغاضب قدامَة عمر وهجره، فحجا وَقُدَامَة مهَاجر لعمر، حَتَّى قَفَلُوا من حجهم، وَنزل عمر بالسقيا ونام بهَا، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ قَالَ: عجلوا عَليّ بِقُدَامَةَ، انْطَلقُوا فائتوني بِهِ، فوَاللَّه إِنِّي لأرى فِي النّوم أَنه جَاءَنِي آتٍ فَقَالَ لي: سَالم قدامَة، فَإِنَّهُ أَخُوك، فَلَمَّا جَاءُوا قدامَة أَبى أَن يَأْتِيهِ، فَأمر عمر بِقُدَامَةَ فجر إِلَيْهِ جراً، حَتَّى كَلمه عمر، فَاسْتَغْفر لَهُ، فَكَانَ أول صلحهما.(1/134)
65 - الْحَادِي وَالْعشْرُونَ: عَن ثَعْلَبَة بن أبي مَالك الْقرظِيّ: أَن عمر قسم مروطاً. بَين نسَاء أهل الْمَدِينَة، فَبَقيَ مِنْهَا مرطٌ جيد، فَقَالَ لَهُ بعض من عِنْده: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أعْط هَذَا ابْنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - الَّتِي عنْدك - يُرِيدُونَ أم كُلْثُوم بنت عَليّ -. فَقَالَ: أم سليط أَحَق بِهِ، فَإِنَّهَا مِمَّن بَايع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَت تزفر لنا الْقرب يَوْم أحد.
66 - الثَّانِي وَالْعشْرُونَ: عَن أسلم مولى عمر - من التَّابِعين، قَالَ: قَالَ عمر: أما وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، لَوْلَا أَن أترك آخر النَّاس بَيَانا لَيْسَ لَهُم من شَيْء، مَا فتحت عَليّ قريةٌ إِلَّا قسمتهَا كَمَا قسم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَيْبَر، وَلَكِن أتركها خزانَة لَهُم يقتسمونها.
67 - الثَّالِث وَالْعشْرُونَ: عَن أسلم أَيْضا: أَن عمر كَانَ يسير مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض أَسْفَاره لَيْلًا، فَسَأَلَهُ عمر عَن شيءٍ فَلم يجبهُ، ثمَّ سَأَلَهُ فَلم يجبهُ، ثمَّ سَأَلَهُ فَلم يجبهُ. فَقَالَ عمر: ثكلتك أمك عمر، نزرت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث مَرَّات، كل ذَلِك لَا يجيبك. قَالَ عمر: فحركت بَعِيري حَتَّى تقدّمت أَمَام النَّاس، وخشيت أَن ينزل فِي قرآنٌ، فَمَا نشبت أَن سَمِعت صَارِخًا يصْرخ، فَقلت: لقد خشيت أَن يكون نزل فِي قرآنٌ، فَجئْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَسلمت عَلَيْهِ فَقَالَ: " لقد أنزلت عَليّ اللَّيْلَة سورةٌ، لهي أحب إِلَيّ مِمَّا طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس "، ثمَّ قَرَأَ {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا} . [سُورَة الْفَتْح] .(1/135)
68 - الرَّابِع وَالْعشْرُونَ: عَن أسلم مَوْلَاهُ قَالَ: خرجت مَعَ عمر بن الْخطاب إِلَى السُّوق فلحقت بِهِ امرأةٌ شَابة فَقَالَت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، هلك زَوجي وَترك صبية صغَارًا، وَالله مَا ينضجون كُرَاعًا، وَلَا لَهُم زرعٌ وَلَا ضرع، وخشيت أَن تأكلهم الضبع. وَأَنا ابْنة خفاف بن إِيمَاء الْغِفَارِيّ، وَقد شهد أبي الْحُدَيْبِيَة مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَوقف مَعهَا عمر وَلم يمض، وَقَالَ مرْحَبًا بنسبٍ قريب، ثمَّ انْصَرف إِلَى بعير ظهيرٍ كَانَ مربوطاً فِي الدَّار، فَحمل عَلَيْهِ غرارتين ملأهما طَعَاما، وَجعل بَينهمَا نفقةٌ وثياباً، ثمَّ ناولها خطامه، فَقَالَ: اقتاديه، فَلَنْ يفنى هَذَا حَتَّى يأتيكم الله بِخَير. فَقَالَ رجل: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أكثرت لَهَا، فَقَالَ عمر: ثكلتك أمك، وَالله إِنِّي لأرى أَبَا هَذِه وأخاها قد حاصرا حصنا زَمَانا فافتتحاه، وأصبحنا نستفيء سهماننا فِيهِ.
69 - الْخَامِس وَالْعشْرُونَ: عَن أسلم: أَن عمر اسْتعْمل مولى لَهُ على الصَّدَقَة يدعى هنياً فَقَالَ: يَا هني، ضم جناحك عَن النَّاس، وَاتَّقِ دَعْوَة الْمَظْلُوم فَإِنَّهَا مجابةٌ، وَأدْخل رب الصريمة وَرب الْغَنِيمَة. وإياي وَنعم ابْن عَفَّان وَابْن عَوْف، فَإِنَّهُمَا إِن تهْلك مواشيهما يرجعان إِلَى زرع ونخلٍ، وَإِن رب الصريمة وَالْغنيمَة إِن تهْلك ماشيتهما يأتني ببنيه فَيَقُول: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، أفتاركه أَنا - لَا أَبَا لَك - فالماء والكلأ أيسر من الذَّهَب وَالْفِضَّة. وَايْم الله، إِنَّهُم لَيرَوْنَ أَنا ظلمناهم؛ إِنَّهَا لبلادهم ومياههم، قَاتلُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّة، وَأَسْلمُوا عَلَيْهَا فِي(1/136)
الْإِسْلَام، وَالله لَوْلَا المَال الَّذِي أحمل عَلَيْهِ فِي سَبِيل الله مَا حميت على النَّاس من بِلَادهمْ شبْرًا.
70 - السَّادِس وَالْعشْرُونَ: عَنهُ عَن عمر: أَن رجلا على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ اسْمه عبد الله وَكَانَ يلقب حمارا، وَكَانَ يضْحك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد جلده فِي الشَّرَاب، فَأتي بِهِ يَوْمًا، فجلد، فَقَالَ رجلٌ من الْقَوْم: اللَّهُمَّ العنه، مَا أَكثر مَا يُؤْتى بِهِ، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا تلعنه، فوَاللَّه مَا علمت، إِنَّه يحب الله وَرَسُوله ".
71 - السَّابِع وَالْعشْرُونَ: عَن طَارق بن شهَاب قَالَ: سَمِعت عمر يَقُول: قَامَ فِينَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مقَاما فَأخْبرنَا عَن بَدْء الْخلق، حَتَّى دخل أهل الْجنَّة مَنَازِلهمْ، وَأهل النَّار مَنَازِلهمْ، حفظ ذَلِك من حفظه، ونسيه من نَسيَه.
72 - الثَّامِن وَالْعشْرُونَ: عَن عَمْرو بن مَيْمُون الأودي قَالَ: قَالَ عمر: كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة لَا يفيضون من جمع حَتَّى تطلع الشَّمْس، وَيَقُولُونَ: أشرق ثبير، قَالَ: فخالفهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأَفَاضَ قبل طُلُوع الشَّمْس.
73 - التَّاسِع وَالْعشْرُونَ: عَن أبي الْأسود، ظَالِم بن عَمْرو الدؤَلِي قَالَ: أتيت الْمَدِينَة وَقد وَقع بهَا مرضٌ، وَالنَّاس يموتون موتا ذريعاً، فَجَلَست إِلَى عمر بن الْخطاب، فَمروا بِجنَازَة فَأَثْنوا عَلَيْهَا خيرا، فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: وَجَبت.
قَالَ: ومروا بِأُخْرَى فَأَثْنوا عَلَيْهَا خيرا فَقَالَ وَجَبت، ثمَّ مر بثالثةٍ فأثني على صَاحبهَا شرٌّ، فَقَالَ: وَجَبت. فَقَالَ أَبُو الْأسود فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، مَا وَجَبت؟ قَالَ: قلت كَمَا قَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] " أَيّمَا مُسلم شهد لَهُ أَرْبَعَة نفر بِخَير(1/137)
أدخلهُ الله الْجنَّة ". قَالَ: فَقُلْنَا: وَاثْنَانِ. قَالَ: " وَاثْنَانِ " قَالَ: ثمَّ لم نَسْأَلهُ عَن الْوَاحِد.
74 - الثَّلَاثُونَ: عَن قيس بن أبي حَازِم قَالَ: كَانَ عَطاء الْبَدْرِيِّينَ خَمْسَة آلَاف خَمْسَة آلَاف، وَقَالَ عمر: لأفضلنهم على من بعدهمْ.
75 - الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: عَن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود الْهُذلِيّ قَالَ: سَمِعت عمر بن الْخطاب يَقُول: إِن نَاسا كَانُوا يؤخذون بِالْوَحْي فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَإِن الْوَحْي قد انْقَطع، وَإِنَّمَا نأخذكم الْآن بِمَا ظهر لنا من أَعمالكُم، فَمن أظهر لنا خيرا أمناه وقربناه، وَلَيْسَ لنا من سَرِيرَته شَيْء، الله يحاسبه فِي سَرِيرَته، وَمن أظهر لنا سوءا لم نَأْمَنهُ وَلم نصدقه، وَإِن قَالَ: إِن سَرِيرَته حَسَنَة.
76 - الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: عَن نَافِع مولى ابْن عمر: أَن عمر كَانَ فرض للمهاجرين الْأَوَّلين أَرْبَعَة آلَاف، وَفرض لِابْنِ عمر ثَلَاثَة آلَاف وَخَمْسمِائة، فَقيل لَهُ: هُوَ من الْمُهَاجِرين، فَلم نقصته من أَرْبَعَة آلَاف؟ قَالَ: إِنَّمَا هَاجر بِهِ أَبوهُ يَقُول: لَيْسَ هُوَ كمن هَاجر بِنَفسِهِ.
77 - الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ: فِي كتاب البُخَارِيّ قَالَ: قَالَ لي أَحْمد بن مُحَمَّد: حَدثنَا إِبْرَاهِيم عَن أَبِيه عَن جده: أَن عمر أذن لِأَزْوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي آخر حجَّة حَجهَا - يَعْنِي فِي الْحَج -، وَبعث مَعَهُنَّ عبد الرَّحْمَن - يَعْنِي ابْن عَوْف - وَعُثْمَان(1/138)
ابْن عَفَّان.
قَالَ الشَّيْخ: قَالَ أَبُو بكر البرقاني: هُوَ إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَفِي هَذَا نظر، وَلم يذكرهُ أَبُو مَسْعُود فِي الْأَطْرَاف.
78 - الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ: عَن صَفِيَّة بنت أبي عبيد. أَن عبدا من رَقِيق الْإِمَارَة وَقع على وليدة من الْخمس، فاستكرهها حَتَّى اقتضها، فجلده عمر ونفاه، وَلم يجلد الوليدة من أجل أَنه استكرهها
أَفْرَاد مُسلم
79 - الأول: عَن ابْن عمر من رِوَايَة نَافِع عَنهُ عَن عمر: أَنه رأى حلَّة سيراء تبَاع عِنْد بَاب الْمَسْجِد. قَالَ: فَقلت: يَا رَسُول الله، لَو اشْتَرَيْتهَا ليَوْم الْجُمُعَة وللوفود إِذا قدمُوا عَلَيْك، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِنَّمَا يلبس هَذِه من لَا خلاق لَهُ فِي الْآخِرَة " قَالَ: فَأتي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد مِنْهَا حللٌ، فكساني حلةٌ، فَقلت: يَا رَسُول الله، كسوتنيها وَقد قلت فِيهِ مَا قلت؟ قَالَ: " إِنِّي لم أكسكها لتلبسها، إِنَّمَا كسوتكها لتكسوها أَو لتبيعها ".
قَالَ بعض الروَاة فِيهِ: إِن عمر ... جعله من مُسْند ابْن عمر، وَهَكَذَا أخرجه البُخَارِيّ.(1/139)
80 - الثَّانِي: عَن ابْن عمر من رِوَايَة نَافِع عَنهُ عَن عمر: أَنه سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيَنَامُ أَحَدنَا وَهُوَ جنبٌ؟ قَالَ: " نعم، إِذا تَوَضَّأ " قَالَ فِيهِ بعض الروَاة: إِن عمر ... .
81 - الثَّالِث: عَن ابْن عمر من رِوَايَة نَافِع أَيْضا عَنهُ، عَن عمر أَنه قَالَ: أصبت أَرضًا من أَرض خَيْبَر، فَأتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقلت: أصبت أَرضًا لم أصب مَالا أحب إِلَيّ وَلَا أنفس عِنْدِي مِنْهَا. فَقَالَ: " إِن شِئْت تَصَدَّقت بهَا " فَتصدق بهَا عمر على أَلا تبَاع، وَلَا توهب، فِي الْفُقَرَاء وَذَوي الْقُرْبَى وَفِي الرّقاب والضيف وَابْن السَّبِيل، وَلَا جنَاح على من وَليهَا أَن يَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ، غير مُتَمَوّل مَالا، وَيطْعم.
قَالَ فِيهِ بعض الروَاة: إِن عمر ... فَصَارَ من مُسْند ابْن عمر، وَقد أَخْرجَاهُ كَذَلِك.
82 - الرَّابِع: حَدِيث الْإِيمَان: عَن ابْن عمر من رِوَايَة يحيى بن يعمر عَنهُ: قَالَ يحيى بن يعمر: كَانَ أول من قَالَ فِي الْقدر بِالْبَصْرَةِ معبدٌ الْجُهَنِيّ، فَانْطَلَقت أَنا وَحميد بن عبد الرَّحْمَن الْحِمْيَرِي حاجين أَو معتمرين، فَقُلْنَا: لَو لَقينَا أحدا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُول هَؤُلَاءِ فِي الْقدر، فوفق لنا عبد الله بن(1/140)
عمر بن الْخطاب دَاخِلا الْمَسْجِد، فاكتنفته أَنا وصاحبي، أَحَدنَا عَن يَمِينه وَالْآخر عَن شِمَاله، فَظَنَنْت أَن صَاحِبي سيكل الْكَلَام إِلَيّ، فَقلت: أَبَا عبد الرَّحْمَن، إِنَّه قد ظهر قبلنَا أنَاس يقرءُون الْقُرْآن، ويتقفرون الْعلم - وَذكر من شَأْنهمْ - وَإِنَّهُم يَزْعمُونَ أَن لَا قدر، وَأَن الْأَمر أنفٌ. فَقَالَ: إِذا لقِيت أُولَئِكَ فَأخْبرهُم أَنِّي بريءٌ مِنْهُم، وَأَنَّهُمْ بُرَآء مني، وَالَّذِي يحلف بِهِ عبد الله بن عمر لَو أَن لأَحَدهم مثل أحدٍ ذَهَبا فأنفقه مَا قبل الله مِنْهُ حَتَّى يُؤمن بِالْقدرِ.
ثمَّ قَالَ: حَدثنِي أبي عمر بن الْخطاب، قَالَ: بَيْنَمَا نَحن جلوسٌ عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات يَوْم، إِذْ طلع علينا رجلٌ شديدٌ بَيَاض الثِّيَاب، شَدِيد سَواد الشّعْر، لَا يرى عَلَيْهِ أثر السّفر، وَلَا يعرفهُ منا أحدٌ، حَتَّى جلس إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فأسند رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوضع كفيه على فَخذيهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّد، أَخْبرنِي عَن الْإِسْلَام. قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
الْإِسْلَام أَن تشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، وتقيم الصَّلَاة، وتؤتي الزَّكَاة، وتصوم رَمَضَان، وتحج الْبَيْت إِن اسْتَطَعْت إِلَيْهِ سَبِيلا "، قَالَ: صدقت. فعجبنا لَهُ، يسْأَله ويصدقه.
قَالَ: فَأَخْبرنِي عَن الْإِيمَان. قَالَ:
أَن تؤمن بِاللَّه، وَمَلَائِكَته، وَكتبه، وَرُسُله، وَالْيَوْم الآخر، وتؤمن بِالْقدرِ خَيره وشره " قَالَ: صدقت.
قَالَ: فَأَخْبرنِي عَن الْإِحْسَان. قَالَ: " أَن تعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ، فَإِن لم تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك ".
قَالَ: فَأَخْبرنِي عَن السَّاعَة. قَالَ: " مَا الْمَسْئُول عَنْهَا بِأَعْلَم من السَّائِل ". قَالَ:(1/141)
فَأَخْبرنِي عَن أماراتها. قَالَ:
أَن تَلد الْأمة ربتها، وَأَن ترى الحفاة العراة العالة، رعاء الشَّاء يتطاولون فِي الْبُنيان ".
قَالَ: ثمَّ انْطلق فَلبث مَلِيًّا، ثمَّ قَالَ: " يَا عمر، أَتَدْرِي من السَّائِل؟ " قلت: الله وَرَسُوله أعلم. قَالَ: " فَإِنَّهُ جِبْرِيل، أَتَاكُم يعلمكم أَمر دينكُمْ ".
جمع فِيهِ مُسلم الروَاة، وَذكر مَا أوردنا من الْمَتْن، وَأَن فِي بعض الرِّوَايَات زِيَادَة ونقصاناً.
وَزَاد أَبُو بكر البرقاني فِي حَدِيث أَحْمد بن عَبدة - وَهُوَ أحد الروَاة الَّذين روى عَنْهُم مُسلم هَذَا الحَدِيث - بِإِسْنَادِهِ: أَن ابْن عمر قَالَ: حَدثنِي عمر بن الْخطاب أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " التقى آدم ومُوسَى، فَقَالَ مُوسَى: أَنْت آدم الَّذِي أشقيت النَّاس، وأخرجتهم من الْجنَّة؟ فَقَالَ لَهُ آدم: أَنْت مُوسَى الَّذِي اصطفاك برسالته وَكَلَامه، وَأنزل عَلَيْك التَّوْرَاة؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فَوَجَدته قدره لي قبل أَن يخلقني.
قَالَ: نعم. قَالَ: فحج آدم مُوسَى، فحج آدم مُوسَى ".
83 - الْخَامِس: عَن ابْن عَبَّاس، من رِوَايَة سماك بن الْوَلِيد الْحَنَفِيّ عَنهُ قَالَ: حَدثنِي عمر بن الْخطاب قَالَ: لما كَانَ يَوْم خَيْبَر، أقبل نفرٌ من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: فلَان شَهِيد، وَفُلَان شَهِيد، حَتَّى مروا على رجلٍ فَقَالُوا: فلَان شَهِيد،(1/142)
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
كلا، إِنِّي رَأَيْته فِي النَّار فِي بردة غلها. أَو عباءة " ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " اذْهَبْ فَنَادِ فِي النَّاس: أَنه لَا يدْخل الْجنَّة إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ " قَالَ: فَخرجت وناديت: أَلا إِنَّه لَا يدْخل الْجنَّة إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ.
84 - السَّادِس: عَن ابْن عَبَّاس، من رِوَايَة سماك عَنهُ، قَالَ: حَدثنِي عمر بن الْخطاب، قَالَ: لما كَانَ يَوْم بدرٍ، نظر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمُشْركين وهم ألفٌ وَأَصْحَابه ثَلَاثمِائَة وَتِسْعَة عشر رجلا، فَاسْتقْبل رَسُول الله الْقبْلَة، ثمَّ مد يَدَيْهِ، فَجعل يَهْتِف بربه، يَقُول: " اللَّهُمَّ أنْجز لي مَا وَعَدتنِي، اللَّهُمَّ آتٍ مَا وَعَدتنِي، اللَّهُمَّ إِن تهْلك هَذِه الْعِصَابَة من أهل الْإِسْلَام لَا تعبد فِي الأَرْض ". فَمَا زَالَ يَهْتِف بربه مَادًّا يَدَيْهِ حَتَّى سقط رِدَاؤُهُ عَن مَنْكِبَيْه، فَأَتَاهُ أَبُو بكر فَأخذ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ على مَنْكِبَيْه، ثمَّ الْتَزمهُ من وَرَائه، وَقَالَ: يَا نَبِي الله، كَذَاك مُنَاشَدَتك رَبك، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَك مَا وَعدك، فَأنْزل الله عز وَجل:
(إِذْ تَسْتَغِيثُونَ ربكُم فَاسْتَجَاب لكم أَنِّي مُمِدكُمْ بِأَلف من الْمَلَائِكَة مُردفِينَ} [سُورَة الْأَنْفَال] فأمده الله بِالْمَلَائِكَةِ. قَالَ سماك: فَحَدثني ابْن عَبَّاس قَالَ: بَيْنَمَا رجلٌ من الْمُسلمين يومئذٍ يشْتَد فِي أثر رجلٍ من الْمُشْركين أَمَامه، إِذْ سمع ضَرْبَة بِالسَّوْطِ فَوْقه، وَصَوت الْفَارِس يَقُول: أقدم حيزوم، إِذْ نطر إِلَى الْمُشرك أَمَامه خر مُسْتَلْقِيا، فَنظر إِلَيْهِ فَإِذا هُوَ قد خطم أَنفه، وشق وَجهه، كَضَرْبَة السَّوْط، فاخضر ذَلِك أجمع. فجَاء الْأنْصَارِيّ، فَحدث بِذَاكَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " صدقت، ذَاك من مدد السَّمَاء الثَّالِثَة " فَقتلُوا يومئذٍ سبعين، وأسروا سبعين.
قَالَ ابْن عَبَّاس: فَلَمَّا أَسرُّوا الْأُسَارَى، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي بكر وَعمر: " مَاذَا ترَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى "؟ فَقَالَ أَبُو بكر: يَا رَسُول الله، هم بَنو الْعم(1/143)
وَالْعشيرَة، أرى أَن تَأْخُذ مِنْهُم فديَة، فَتكون لنا قُوَّة على الْكفَّار، فَعَسَى الله أَن يهْدِيهم إِلَى الْإِسْلَام. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " مَا ترى يَا ابْن الْخطاب "؟ قَالَ: قلت: لَا وَالله يَا رَسُول الله، مَا أرى الَّذِي رأى أَبُو بكر، وَلَكِنِّي أرى أَن تمَكنا فَنَضْرِب أَعْنَاقهم، فَتمكن عليا من عقيلٍ، وَتُمَكِّنِّي من فلَان - نسيباً لعمر - فَأَضْرب عُنُقه؛ فَإِن هَؤُلَاءِ أَئِمَّة الْكفْر وَصَنَادِيدهَا، فَهَوِيَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا قَالَ أَبُو بكر وَلم يَهو مَا قلت.
فَلَمَّا كَانَ من الْغَد جِئْت، فَإِذا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر قَاعِدين يَبْكِيَانِ، فَقلت: يَا رَسُول الله، أَخْبرنِي من أَي شيءٍ تبْكي أَنْت وَصَاحِبك، فَإِن وجدت بكاء بَكَيْت، وَإِن لم أجد بكاء تَبَاكَيْت لِبُكَائِكُمَا. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أبْكِي للَّذي عرض عَليّ أَصْحَابك من أَخذهم الْفِدَاء، لقد عرض عَليّ عَذَابهمْ أدنى من هَذِه الشَّجَرَة - لشَجَرَة قريبَة من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَأنزل الله عز وَجل: {مَا كَانَ لنَبِيّ أَن يكون لَهُ أسرى حَتَّى يثخن فِي الأَرْض} إِلَى قَوْله {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُم} [سُورَة الْأَنْفَال] فأحل الله الْغَنِيمَة لَهُم.
85 - السَّابِع: عَن ابْن عَبَّاس، من رِوَايَة سماك عَنهُ قَالَ: قَالَ عمر: كتب حَاطِب بن أبي بلتعة إِلَى أهل مَكَّة، فَأطلع الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ذَلِك، فَبعث عليا وَالزُّبَيْر فِي أثر الْكتاب، فأدركا امْرَأَة على بعير، فاستخرجاه من قُرُونهَا، فَأتيَا بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأرْسل إِلَى حاطبٍ، فَقَالَ: " يَا حَاطِب، أَنْت كتبت هَذَا الْكتاب؟ " قَالَ: نعم يَا رَسُول الله. قَالَ: " فَمَا حملك على ذَلِك؟ " قَالَ: يَا رَسُول الله، أما وَالله إِنِّي ناصحٌ لله وَلِرَسُولِهِ، وَلَكِنِّي كنت غَرِيبا فِي أهل مَكَّة، وَكَانَ أَهلِي بَين ظهرانيهم، وخشيت عَلَيْهِم، فَكتبت كتابا لَا يضر الله وَرَسُوله شَيْئا، وَعَسَى أَن يكون مَنْفَعَة لأهلي. قَالَ عمر: فاخترطت سَيفي، ثمَّ قلت: يَا رَسُول(1/144)
الله، أمكني من حَاطِب، فَإِنَّهُ قد كفر، فَأَضْرب عُنُقه، فَقَالَ رَسُول الله: " يَا ابْن الْخطاب، مَا يدْريك لَعَلَّ الله اطلع على هَذِه الْعِصَابَة من أهل بدرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُم، فقد غفرت لكم ".
أخرجه البرقاني، وَحكى أَنه أخرج، وَلَيْسَ لَهُ عِنْد أبي مَسْعُود فِي الْأَطْرَاف ذكر، وَلَا عِنْد خلف الوَاسِطِيّ.
86 - الثَّامِن: عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الْقَارِي، قَالَ: سَمِعت عمر بن الْخطاب يَقُول: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " من نَام عَن حزبه من اللَّيْل، أَو عَن شيءٍ مِنْهُ، فقرأه مَا بَين صَلَاة الْفجْر وَصَلَاة الظّهْر كتب لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ من اللَّيْل ".
87 - التَّاسِع: عَن جَابر بن عبد الله، من رِوَايَة أبي الزبير عَنهُ، أَنه سَمعه يَقُول: أَخْبرنِي عمر بن الْخطاب أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " لأخْرجَن الْيَهُود وَالنَّصَارَى من جَزِيرَة الْعَرَب، حَتَّى لَا أدع فِيهَا إِلَّا مُسلما "،
88 - الْعَاشِر: من رِوَايَة أبي الزبير عَن جَابر قَالَ: أَخْبرنِي عمر بن الْخطاب أَن رجلا تَوَضَّأ، فَترك مَوضِع ظفرٍ على قدمه، فَأَبْصَرَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " ارْجع، فَأحْسن وضوءك " قَالَ: فَرجع، فَتَوَضَّأ ثمَّ صلى.
89 - الْحَادِي عشر: عَن أبي الزبير، عَن جَابر أَن عمر بن الْخطاب قَالَ فِي الضَّب: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يحرمه، وَإِن عمر قَالَ: إِن الله ينفع بِهِ غير وَاحِد، وَإِنَّمَا طَعَام عَامَّة الرعاء مِنْهُ، وَلَو كَانَ عِنْدِي طعمته.
وَفِي رِوَايَة أبي سعيد الْخُدْرِيّ: أَن عمر قَالَ: إِنَّمَا عافه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَهَذَا أَيْضا من أَفْرَاد مُسلم، جمعناه من رِوَايَة أبي الزبير عَن جَابر هَا هُنَا، لاتِّفَاقهمَا فِي نفي التَّحْرِيم.(1/145)
90 - الثَّانِي عشر: قَالَ أَبُو نَضرة: كَانَ ابْن عَبَّاس يَأْمر بِالْمُتْعَةِ، وَكَانَ ابْن الزبير ينْهَى عَنْهَا. قَالَ: فَذكرت ذَلِك لجَابِر بن عبد الله، فَقَالَ: على يَدي دَار الحَدِيث، تَمَتعنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَمَّا قَامَ عمر قَالَ: إِن الله كَانَ يحل لرَسُوله مَا شَاءَ بِمَا شَاءَ، وَإِن الْقُرْآن قد نزل مَنَازِله، فَأتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله كَمَا أَمركُم الله، وأبتوا نِكَاح هَذِه النِّسَاء، فَلَنْ أُوتى برجلٍ نكح امْرَأَة إِلَى أجلٍ إِلَّا رَجَمْته بِالْحِجَارَةِ.
فِي رِوَايَة ابْن عمر قَالَ فِيهِ: فَافْصِلُوا حَجكُمْ عَن عُمْرَتكُمْ، فَإِنَّهُ أتم لحجكم وَأتم لعمرتكم.
91 - الثَّالِث عشر: عَن أنس من رِوَايَة ثَابت الْبنانِيّ عَنهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ عمر رَضِي الله عَنهُ بَين مَكَّة وَالْمَدينَة، فتراءينا الْهلَال، وَكنت رجلا حَدِيد الْبَصَر، فرأيته وَلَيْسَ أحدٌ يزْعم أَنه رَآهُ غَيْرِي، فَجعلت أَقُول لعمر: أما ترَاهُ، فَجعل لَا يرَاهُ، قَالَ: يَقُول عمر: سأراه وَأَنا مستلقٍ على فِرَاشِي.
قَالَ: ثمَّ أنشأ يحدثنا عَن أهل بدرٍ، فَقَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يرينا، مصَارِع أهل بدر بالْأَمْس، يَقُول: هَذَا مصرع فلَان غَدا إِن شَاءَ الله، وَهَذَا مصرع فلَان إِن شَاءَ الله. قَالَ عمر: فوالذي بَعثه بِالْحَقِّ مَا أَخطَأ الْحُدُود الَّتِي حَدهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ: فَجعلُوا فِي بِئْر بَعضهم على بعض، فَانْطَلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى انْتهى إِلَيْهِم، فَقَالَ: " يَا فلَان بن فلَان، وَيَا فلَان بن فلَان، هَل وجدْتُم مَا وَعدكُم الله وَرَسُوله حَقًا؟ فَإِنِّي قد وجدت مَا وَعَدَني الله حَقًا " فَقَالَ عمر: يَا رَسُول الله، كَيفَ تكلم أجساداً لَا أَرْوَاح فِيهَا؟ قَالَ: (مَا أَنْتُم بأسمع لما أَقُول مِنْهُم، غير أَنهم لَا يَسْتَطِيعُونَ أَن يردوا عَليّ شَيْئا ".(1/146)
92 - الرَّابِع عشر: من رِوَايَة النُّعْمَان بن بشير قَالَ: ذكر عمر مَا أصَاب النَّاس من الدُّنْيَا، فَقَالَ: لقد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يظل الْيَوْم يلتوي مَا يجد دقلاً يمْلَأ بِهِ بَطْنه.
قَالَ فِيهِ بعض الروَاة: عَن النُّعْمَان بن بشير، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
93 - الْخَامِس عشر: عَن أبي الطُّفَيْل، عَامر بن وَاثِلَة: أَن نَافِع بن الْحَارِث لَقِي عمر بن الْخطاب بعسفان، وَكَانَ عمر بن الْخطاب يَسْتَعْمِلهُ على مَكَّة، فَقَالَ: من اسْتعْملت على أهل هَذَا الْوَادي؟ فَقَالَ: ابْن أَبْزَى. قَالَ: وَمن ابْن أَبْزَى؟ فَقَالَ: مولى من موالينا. فَقَالَ: اسْتخْلفت عَلَيْهِم مولى؟ قَالَ: إِنَّه قارئٌ لكتاب الله، عالمٌ بالفرائض. فَقَالَ عمر: أما إِن نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد قَالَ: " إِن الله يرفع بِهَذَا الْكتاب أَقْوَامًا، وَيَضَع بِهِ آخَرين ".
94 - السَّادِس عشر: عَن عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ قَالَ: كَانَت علينا رِعَايَة الْإِبِل، فَجَاءَت نوبتي أرعاها، فروحتها بعشيٍ، فأدركت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِما يحدث النَّاس، وَأدْركت من قَوْله: " مَا من مسلمٍ يتَوَضَّأ فَيحسن وضوءه، ثمَّ يقوم فَيصَلي رَكْعَتَيْنِ يقبل عَلَيْهِمَا بِقَلْبِه وَوَجهه، إِلَّا وَجَبت لَهُ الْجنَّة " فَقلت: مَا أَجود هَذَا! فَإِذا قائلٌ بَين يَدي يَقُول: الَّتِي قبلهَا أَجود، فَنَظَرت فَإِذا عمر بن الْخطاب، فَقَالَ: إِنِّي قد رَأَيْتُك جِئْت آنِفا، قَالَ: " مَا مِنْكُم من أحدٍ يتَوَضَّأ فَيبلغ الْوضُوء، أَو فيسبغ الْوضُوء، ثمَّ يَقُول: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، إِلَّا فتحت لَهُ أَبْوَاب الْجنَّة الثَّمَانِية، يدْخل من أَيهَا شَاءَ "
95 - السَّابِع عشر: عَن يعلى بن أُميَّة قَالَ: قلت لعمر بن الْخطاب: (فَلَيْسَ(1/147)
عَلَيْكُم جناحٌ أَن تقصرُوا من الصَّلَاة إِن خِفْتُمْ أَن يَفْتِنكُم الَّذين كفرُوا} [سُورَة النِّسَاء] فقد أَمن النَّاس. فَقَالَ: عجبت مِمَّا عجبت مِنْهُ، فَسَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك فَقَالَ: " صدقةٌ تصدق الله بهَا عَلَيْكُم، فاقبلوا صدقته ".
96 - الثَّامِن عشر: عَن شُرَحْبِيل بن السمط، من رِوَايَة جُبَير بن نفير قَالَ: خرجت مَعَ شُرَحْبِيل إِلَى قَرْيَة على رَأس سَبْعَة عشر أَو ثَمَانِيَة عشر ميلًا، فصلى رَكْعَتَيْنِ، فَقلت لَهُ، فَقَالَ: رَأَيْت عمر بن الْخطاب صلى بِذِي الحليفة رَكْعَتَيْنِ، فَقلت لَهُ، فَقَالَ: إِنَّمَا أفعل كَمَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يفعل.
97 - التَّاسِع عشر: عَن حَفْص بن عَاصِم بن عمر، عَن أَبِيه، عَن جده عمر بن الْخطاب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِذا قَالَ الْمُؤَذّن: الله أكبر، الله أكبر، فَقَالَ أحدكُم: الله أكبر، الله أكبر. ثمَّ قَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، قَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله. ثمَّ قَالَ: أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، قَالَ: أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله. ثمَّ قَالَ: حَيّ على الصَّلَاة، قَالَ: لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا الله. ثمَّ قَالَ: حَيّ على الْفَلاح، قَالَ: لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه. ثمَّ قَالَ: الله أكبر، الله أكبر، قَالَ الله أكبر، الله أكبر. ثمَّ قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله، قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله، من قلبه دخل الْجنَّة ".
98 - الْعشْرُونَ: عَن سلمَان بن ربيعَة قَالَ: قَالَ عمر: قسم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قسما، فَقلت: يَا رَسُول الله، وَالله لغير هَؤُلَاءِ أَحَق بِهِ مِنْهُم. قَالَ: " إِنَّهُم خيروني بَين أَن يَسْأَلُونِي بالفحش أَو يبخلوني، وَلست بباخل ".
99 - الْحَادِي وَالْعشْرُونَ: حَدِيث أويس الْقَرنِي، عَن أَسِير بن جَابر قَالَ: كَانَ عمر بن الْخطاب إِذا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدَاد أهل الْيمن سَأَلَهُمْ: أفيكم أويس بن(1/148)
عَامر؟ حَتَّى أَتَى عَليّ أويس فَقَالَ: أَنْت أويس بن عَامر؟ قَالَ نعم، قَالَ: من مُرَاد، ثمَّ من قرن؟ قَالَ: نعم، قَالَ: فَكَانَ بك برصٌ فبرأت مِنْهُ إِلَّا مَوضِع دِرْهَم؟ قَالَ: نعم. قَالَ: لَك وَالِدَة؟ قَالَ: نعم. قَالَ:
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " يَأْتِي عَلَيْكُم أويس بن عَامر مَعَ أَمْدَاد أهل الْيمن من مُرَاد ثمَّ من قرن، كَانَ بِهِ برصٌ فبرأ مِنْهُ إِلَّا مَوضِع دِرْهَم، لَهُ والدةٌ هُوَ بهَا برٌّ، لَو أقسم على الله لَأَبَره، قَالَ: فَإِن اسْتَطَعْت أَن يسْتَغْفر لَك فافعل " فَاسْتَغْفر لي، فَاسْتَغْفر لَهُ. فَقَالَ لَهُ عمر: أَيْن تُرِيدُ؟ قَالَ: الْكُوفَة. قَالَ: أَلا أكتب لَك إِلَى عاملها؟ قَالَ: أكون فِي غبراء النَّاس أحب إِلَيّ.
قَالَ: فَلَمَّا كَانَ من الْعَام الْمقبل حج رجلٌ من أَشْرَافهم، فَوَافَقَ عمر، فَسَأَلَهُ عَن أويس قَالَ: تركته رث الْبَيْت، قَلِيل الْمَتَاع. قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " يَأْتِي عَلَيْكُم أويس بن عَامر مَعَ أَمْدَاد من أهل الْيمن من مُرَاد ثمَّ من قرن، كَانَ بِهِ برص فبرأ مِنْهُ إِلَّا مَوضِع دِرْهَم، لَهُ والدةٌ هُوَ بهَا برٌّ، لَو أقسم على الله لَأَبَره، فَإِن اسْتَطَعْت أَن يسْتَغْفر لَك فافعل "، فَأتى أويساً فَقَالَ: اسْتغْفر لي. قَالَ: أَنْت أحدث عهدا بسفر صالحٍ، فَاسْتَغْفر لي. قَالَ: اسْتغْفر لي. قَالَ: أَنْت أحدث عهدا بسفرٍ صَالح فَاسْتَغْفر لي. قَالَ: لقِيت عمر؟ قَالَ: نعم، فَاسْتَغْفر لَهُ. فَفطن لَهُ النَّاس، فَانْطَلق على وَجهه. قَالَ أَسِير: وَكسوته بردة، فَكَانَ كلما رَآهُ إنسانٌ قَالَ: من أَيْن لأويس هَذِه الْبردَة؟
الْأَلْفَاظ مُخْتَلفَة فِي متون طرقه بِزِيَادَة ونقصان، وَالْمَقْصُود مِنْهُ وَمن غَيره الْمسند. وَقد أوردناه مَعَ تقَارب الْمعَانِي فِيمَا سوى ذَلِك.
آخر مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا وَعَن جَمِيع الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ(1/149)
(3) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ
100 - الأول: عَن زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ: أَنه سَأَلَ عُثْمَان بن عَفَّان فَقَالَ: أَرَأَيْت إِذا جَامع الرجل امْرَأَته وَلم يمن؟ فَقَالَ عُثْمَان: يتَوَضَّأ كَمَا يتَوَضَّأ للصَّلَاة، وَيغسل ذكره. وَقَالَ عُثْمَان: سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
زَاد فِي رِوَايَة البُخَارِيّ. فَسَأَلت عَن ذَلِك عَليّ بن أبي طَالب وَالزُّبَيْر بن الْعَوام وَطَلْحَة بن عبيد الله وَأبي بن كَعْب، فأمروه بذلك.
وَفِي الْكِتَابَيْنِ من رِوَايَة عُرْوَة بن الزبير عَن أبي أَيُّوب: أَنه سمع ذَلِك من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَهُوَ فِي كتاب البُخَارِيّ أَيْضا عَن أبي أَيُّوب عَن أبي بن كَعْب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَعْنَاهُ.
101 - الثَّانِي: عَن حمْرَان بن أبان مولى عُثْمَان - حَدِيث الْوضُوء: رَوَاهُ عَن حمْرَان عَطاء بن يزِيد اللَّيْثِيّ، وَعُرْوَة بن الزبير، ومعاذ بن عبد الرَّحْمَن، مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، وَزيد بن أسلم، وَبُكَيْر بن عبد الله بن الْأَشَج، وجامع بن شَدَّاد - بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة:
انْفَرد مُسلم من هَؤُلَاءِ الروَاة عَن حمْرَان بِمُحَمد بن الْمُنْكَدر وَزيد بن أسلم وَبُكَيْر وجامع، واتفقا فِي سَائِرهمْ.
فَفِي رِوَايَة عَطاء: أَن عُثْمَان دَعَا بإناءٍ، فأفرغ على كفيه ثَلَاث مرار، فغسلهما، ثمَّ أَدخل يَمِينه فِي الْإِنَاء فَمَضْمض واستنثر، ثمَّ غسل وَجهه ثَلَاثًا، وَيَديه إِلَى(1/150)
الْمرْفقين ثَلَاث مرار، ثمَّ مسح بِرَأْسِهِ، ثمَّ غسل رجلَيْهِ ثَلَاث مرار إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثمَّ قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ نَحْو وضوئي هَذَا ثمَّ قَالَ: " من تَوَضَّأ نَحْو وضوئي هَذَا، ثمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ لَا يحدث فيهمَا نَفسه غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه ".
وَعند مُسلم فِي هَذِه الرِّوَايَة: أَن عُثْمَان قَالَ:
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " من تَوَضَّأ للصَّلَاة، فأسبغ الْوضُوء، ثمَّ مَشى إِلَى الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة فَصلاهَا مَعَ النَّاس، أَو مَعَ الْجَمَاعَة أَو فِي الْمَسْجِد، غفر الله لَهُ ذنُوبه ".
وَفِي رِوَايَة ابْن الْمُنْكَدر: أَن عُثْمَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
" من تَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء خرجت خطاياه من جسده، حَتَّى تخرج من تَحت أَظْفَاره ".
وَفِي رِوَايَة زيد بن أسلم: أَن عُثْمَان تَوَضَّأ ثمَّ قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَوَضَّأ مثل وضوئي هَذَا، ثمَّ قَالَ: " من تَوَضَّأ هَكَذَا غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه، وَكَانَت صلَاته ومشيه إِلَى الْمَسْجِد نَافِلَة ".
وَفِي رِوَايَة بكير: أَن عُثْمَان تَوَضَّأ وضُوءًا حسنا ثمَّ قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء، ثمَّ قَالَ: " من تَوَضَّأ هَكَذَا ثمَّ خرج إِلَى الْمَسْجِد، لَا تنهزه إِلَّا الصَّلَاة، غفر لَهُ مَا خلا من ذَنبه ".
وَفِي رِوَايَة أبي صَخْرَة جَامع بن شَدَّاد عَن حمْرَان قَالَ:
كنت أصنع لعُثْمَان طهوره، فَمَا أَتَى عَلَيْهِ يومٌ إِلَّا وَهُوَ يفِيض عَلَيْهِ فِيهِ نطفةٍ - يَعْنِي مَاء - وَقَالَ: قَالَ عُثْمَان: حَدثنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد انصرافنا من صَلَاتنَا - أرَاهُ قَالَ: الْعَصْر - فَقَالَ: " مَا أَدْرِي أحدثكُم أَو أسكت "؟ فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله، إِن كَانَ خيرا فحدثنا، وَإِن كَانَ غير ذَلِك فَالله وَرَسُوله أعلم. قَالَ: " مَا من مسلمٍ يتَطَهَّر فَيتم(1/151)
الطَّهَارَة الَّتِي كتب الله عَلَيْهِ، فَيصَلي هَذِه الصَّلَوَات الْخمس، إِلَّا كَانَت كفاراتٍ لما بَينهَا ".
وَفِي أَفْرَاد مُسلم عَن أبي أنس مَالك بن أبي عَامر الأصبحي عَن عُثْمَان أَنه قَالَ:
أَلا أريكم وضوء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَتَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا. زَاد قُتَيْبَة عَن سُفْيَان فِيهِ: وَعِنْده رجال من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، زَاد أَبُو بكر البرقاني فِيهِ، فِي رِوَايَته من طَرِيق سُفْيَان أَن عُثْمَان قَالَ: أَلَيْسَ هَكَذَا رَأَيْتُمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَوَضَّأ؟ فَقَالُوا: نعم.
وَفِي أَفْرَاد مُسلم عَن عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ: أَن عُثْمَان دَعَا بِطهُور فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول:
" مَا من امرئٍ مسلمٍ يحضرهُ صلاةٌ مَكْتُوبَة، فَيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها، إِلَّا كَانَت كفارةَ لما قبلهَا من الذُّنُوب، مَا لم يُؤْت كَبِيرَة، وَذَلِكَ الدَّهْر كُله ".
102 - الثَّالِث: عَن عبيد الله بن الْأسود عَنهُ أَنه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " من بنى لله مَسْجِدا - قَالَ بكير: حسبت أَنه قَالَ - يَبْتَغِي بِهِ وَجه الله، بنى الله لَهُ مثله فِي الْجنَّة ".
وَفِي أَفْرَاد مُسلم عَن مَحْمُود بن لبيد عَنهُ:
أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " من بنى لله مَسْجِدا بنى الله لَهُ فِي الْجنَّة مثله ".(1/152)
أَفْرَاد البُخَارِيّ
103 - الحَدِيث الأول: عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: قلت لعُثْمَان: هَذِه الْآيَة الَّتِي فِي " الْبَقَرَة ": {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا} إِلَى قَوْله: {غير إِخْرَاج} [سُورَة الْبَقَرَة] ، قد نسختها الْأُخْرَى، فَلم نكتبها؟ فَقَالَ: تدعها يَا ابْن أخي، لَا أغير شَيْئا مِنْهُ من مَكَانَهُ.
104 - الثَّانِي: عَن أنس بن مَالك فِي " جمع الْقُرْآن ": أَن حُذَيْفَة قدم على عُثْمَان. . وَقد تقدم فِي مُسْند أبي بكر مُتَّصِلا بِحَدِيث زيد بن ثَابت.
105 - الثَّالِث: عَن السَّائِب بن يزِيد: أَنه سمع عُثْمَان بن عَفَّان على مِنْبَر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لم يزدْ، أخرجه فِي كتاب " الِاعْتِصَام " فِي ذكر الْمِنْبَر.
106 - الرَّابِع: عَن عبيد الله بن عدي بن الْخِيَار: أَن الْمسور بن مخرمَة وَعبد الرَّحْمَن بن الْأسود قَالَا لَهُ: مَا يمنعك أَن تكلم أَمِير الْمُؤمنِينَ عُثْمَان فِي شَأْن أَخِيه الْوَلِيد بن عقبَة، فقد أَكثر النَّاس فِيهِ؟ فقصدت لعُثْمَان حِين خرج إِلَى الصَّلَاة، وَقلت: إِن لي حَاجَة وَهِي نصيحة. قَالَ: يَا أَيهَا الْمَرْء، أعوذ بِاللَّه مِنْك، فَانْصَرَفت، إِذْ جَاءَ رَسُول عُثْمَان فَأَتَيْته فَقَالَ: مَا نصيحتك؟ فَقلت: إِن الله عز وَجل بعث مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحَقِّ، وَأنزل عَلَيْهِ الْكتاب، وَكنت مِمَّن اسْتَجَابَ لله وَرَسُوله، فهاجرت الهجرتين، وصحبت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَرَأَيْت هَدْيه، وَقد أَكثر النَّاس فِي شَأْن الْوَلِيد. قَالَ: أدْركْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: فَقلت: لَا، وَلَكِن خلص إِلَيّ من علمه مَا يخلص إِلَى الْعَذْرَاء فِي سترهَا. قَالَ: فَقَالَ: أما بعد، فَإِن الله تبَارك وَتَعَالَى بعث مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحَقِّ، فَكنت مِمَّن اسْتَجَابَ لله وَرَسُوله، وَآمَنت بِمَا بعث بِهِ، ثمَّ هَاجَرت الهجرتين - كَمَا قلت - وصحبت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.(1/153)
وَفِي رِوَايَة: ونلت صهر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبايعته، فوَاللَّه مَا عصيته وَلَا غششته حَتَّى توفاه الله عز وَجل، ثمَّ أَبُو بكر مثله، ثمَّ عمر مثله، ثمَّ اسْتخْلفت، أفليس لي من الْحق مثل الَّذِي لَهُم؟ قلت: بلَى. قَالَ: فَمَا هَذِه الْأَحَادِيث الَّتِي تبلغني عَنْكُم؟ أما مَا ذكرت فِي شَأْن الْوَلِيد فسنأخذ فِيهِ بِالْحَقِّ إِن شَاءَ الله. ثمَّ دَعَا عليا، فَأمره أَن يجلده. فجلده ثَمَانِينَ.
وَفِي أَفْرَاد مُسلم فِي مُسْند عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام، من رِوَايَة حضين بن الْمُنْذر: أَن الْوَلِيد لما جلد أَرْبَعِينَ قَالَ عَليّ: أمسك، جلد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعِينَ، وَأَبُو بكر أَرْبَعِينَ، وَعمر ثَمَانِينَ، وكلٌّ سنةٌ، وَهَذَا أحب إِلَيّ.
107 - الْخَامِس: عَن عبيد الله بن عدي أَيْضا أَنه دخل على عُثْمَان بن عَفَّان وَهُوَ مَحْصُور، فَقَالَ لَهُ: إِنَّك إِمَام الْعَامَّة، وَقد نزل بك مَا ترى، وَهُوَ يُصَلِّي لنا إِمَام فتْنَة، وَأَنا أتحرج من الصَّلَاة مَعَه. فَقَالَ لَهُ عُثْمَان: إِن الصَّلَاة أحسن مَا يعْمل النَّاس، فَإِذا أحسن النَّاس فَأحْسن مَعَهم، وَإِذا أساءوا فاجتنب إساءتهم.
108 - السَّادِس: عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ، عَن عُثْمَان: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " خَيركُمْ من تعلم الْقُرْآن وَعلمه ".
109 - السَّابِع: عَن أبي عبد الرَّحْمَن أَيْضا: أَن عُثْمَان حِين حوصر أشرف عَلَيْهِم فَقَالَ: أنْشدكُمْ الله، وَلَا أنْشد إِلَّا أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ألستم تعلمُونَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " من جهز جَيش الْعسرَة فَلهُ الْجنَّة " فجهزتهم؟ ألستم تعلمُونَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " من حفر بِئْر رومة فَلهُ الْجنَّة " فحفرتها؟ قَالَ فصدقوه بِمَا قَالَ.
110 - الثَّامِن: عَن مَرْوَان بن الحكم قَالَ: أصَاب عُثْمَان بن عَفَّان رعافٌ شَدِيد سنة الرعاف، حَتَّى حَبسه عَن الْحَج، وَأوصى، فَدخل عَلَيْهِ رجلٌ من قُرَيْش(1/154)
فَقَالَ: اسْتخْلف يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. قَالَ: نعم. وَقَالَ: وَمن؟ فَسكت، قَالَ: ثمَّ دخل عَلَيْهِ رجلٌ آخر فَقَالَ: اسْتخْلف يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ. فَقَالَ عُثْمَان: أَو قَالُوهُ؟ قَالَ: نعم. قَالَ: وَمن هُوَ؟ فَسكت. قَالَ: فلعلهم قَالُوا الزبير؟ قَالَ: نعم.
قَالَ: أما وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّه لخيرهم مَا علمت، وَإِن كَانَ أحبهم إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
أَفْرَاد مُسلم سوى مَا تقدم مِنْهَا
111 - الأول: عَن أبان بن عُثْمَان عَنهُ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَا ينْكح الْمحرم، وَلَا ينْكح، وَلَا يخْطب ".
112 - الثَّانِي: أَن عمر بن عبيد الله بن معمر اشْتَكَى عينه وَهُوَ محرم، فَأَرَادَ أَن يكحلها، فَنَهَاهُ أبان بن عُثْمَان، وَأمره أَن يضمدها بِالصبرِ، وحدثه عَن عُثْمَان، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنه كَانَ يَفْعَله.
113 - الثَّالِث: عَن مَالك بن أبي مَالك الأصبحي، عَن عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا تَبِيعُوا الدِّينَار بِالدِّينَارَيْنِ، وَلَا الدِّرْهَم بِالدِّرْهَمَيْنِ ".
114 - الرَّابِع: عَن سعيد بن الْعَاصِ: أَن عُثْمَان وَعَائِشَة حَدَّثَاهُ أَن أَبَا بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ اسْتَأْذن على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مضطجعٌ على فرَاشه، لابسٌ مرط عَائِشَة، فَأذن لأبي بكرٍ وَهُوَ كَذَلِك، فَقضى إِلَيْهِ حَاجته ثمَّ انْصَرف،(1/155)
ثمَّ اسْتَأْذن عمر، فَأذن لَهُ وَهُوَ على تِلْكَ الْحَال، فَقضى إِلَيْهِ حَاجته ثمَّ انْصَرف.
قَالَ عُثْمَان: ثمَّ اسْتَأْذَنت عَلَيْهِ، فَجَلَسَ وَقَالَ لعَائِشَة: اجمعي عَلَيْك ثِيَابك. قَالَ فَقضيت إِلَيْهِ حَاجَتي، ثمَّ انصرفت.
قَالَ:
فَقَالَت عَائِشَة: يَا رَسُول الله، مَالِي لم أرك فزعت لأبي بكر وَعمر كَمَا فزعت لعُثْمَان؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن عُثْمَان رجلٌ حييّ، وَإِنِّي خشيت إِن أَذِنت لَهُ على تِلْكَ الْحَال أَلا يبلغ إِلَيّ فِي حَاجته ".
115 - الْخَامِس: عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي عمْرَة: أَن عُثْمَان بن عَفَّان قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " من صلى الْعشَاء فِي جمَاعَة فَكَأَنَّمَا قَامَ نصف اللَّيْل، وَمن صلى الصُّبْح فِي جمَاعَة فَكَأَنَّمَا صلى اللَّيْل كُله ".(1/156)
) 4) الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ
116 - الأول: عَن الْحُسَيْن بن عَليّ أَن عليا أخبرهُ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طرقه وَفَاطِمَة لَيْلًا، فَقَالَ: " أَلا تصليان؟ " قَالَ عَليّ: فَقلت: يَا رَسُول الله، إِنَّمَا أَنْفُسنَا بيد الله، فَإِذا شَاءَ أَن يبعثنا بعثنَا. فَانْصَرف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين قلت لَهُ ذَلِك، وَلم يرجع إِلَيّ شَيْئا، ثمَّ سمعته وَهُوَ منصرفٌ يضْرب فَخذه وَيَقُول: (وَكَانَ الْإِنْسَان أَكثر شيءٍ جدلاً) .
117 - الثَّانِي: عَن الْحُسَيْن بن عَليّ أَيْضا أَن عليا رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَت لي شارفٌ من نَصِيبي من الْمغنم يَوْم بدر، وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَعْطَانِي شارفاً من الْخمس يومئذٍ، فَلَمَّا أردْت أَن أبتني بفاطمة بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاعَدت رجلا صواغاً من بني قينقاع يرتحل معي فَيَأْتِي بإذخر، أردْت أَن أبيعه من الصواغين فأستعين بِهِ فِي وَلِيمَة عرسي. فَبينا أَنا أجمع لشارفي مَتَاعا من الأقتاب والغرائر والحبال، وشارفاي مناخان إِلَى جنب حجرَة رجلٍ من الْأَنْصَار، أَقبلت حِين جمعت، فَإِذا شارفاي قد جبت أسنمتهما، وبقرت خواصرهما، وَأخذ من أكبادهما. فَلم أملك عَيْني حِين رَأَيْت ذَلِك المنظر. فَقلت: من فعل هَذَا؟ قَالُوا: فعله حَمْزَة، وَهُوَ فِي هَذَا الْبَيْت فِي شرب من الْأَنْصَار، غنته قينةٌ وَأَصْحَابه، فَقَالَت فِي غنائها: أَلا يَا حمز للشرف النواء. فَوَثَبَ حَمْزَة إِلَى السَّيْف، فاجتب أسنمتهما، وبقر خواصرهما، وَأخذ من أكبادهما.(1/157)
قَالَ عليٌّ: فَانْطَلَقت حَتَّى أَدخل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعِنْده زيد بن حَارِثَة.
قَالَ: فَعرف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وَجْهي الَّذِي لقِيت، فَقَالَ: " مَا لَك؟ " قلت: يَا رَسُول الله، عدا حَمْزَة على نَاقَتي، فاجتب أسنمتهما، وبقر خواصرهما، وَهَا هُوَ ذَا فِي بَيت مَعَه شربٌ. قَالَ: فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بردائه، فارتدى ثمَّ انْطلق يمشي، واتبعته أَنا وَزيد بن حَارِثَة حَتَّى جَاءَ الْبَيْت الَّذِي فِيهِ حَمْزَة، فَاسْتَأْذن فَأذن لَهُ، فَإِذا هم شربٌ، فَطَفِقَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يلوم حَمْزَة فِيمَا فعل، فَإِذا حَمْزَة ثمل،
محمرةٌ عَيناهُ، فَنظر إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَصَعدَ النّظر إِلَى ركبته، ثمَّ صعد النّظر إِلَى سرته، ثمَّ صعد النّظر إِلَى وَجهه، ثمَّ قَالَ حَمْزَة: وَهل أَنْتُم إِلَّا عبيدٌ لأبي؟ فَعرف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه ثملٌ، فنكص رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على عَقِبَيْهِ الْقَهْقَرَى، وَخرج وَخَرجْنَا مَعَه. فِي رِوَايَة: وَذَلِكَ قبل تَحْرِيم الْخمر.
118 - الثَّالِث: عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: وضع عمر على سَرِيره، فتكنفه النَّاس يدعونَ وَيصلونَ قبل أَن يرفع وَأَنا فيهم، فَلم يرعني إِلَّا رجلٌ قد أَخذ بمنكبي، فَالْتَفت فَإِذا هُوَ عَليّ بن أبي طَالب، فترحم عَليّ عمر وَقَالَ: مَا ظَنَنْت أحدا أحب إِلَيّ أَن ألْقى الله بِمثل عمله مِنْك، وَايْم الله إِن كنت لأَظُن ليجعلنك الله مَعَ صاحبيك، ذَلِك أَنِّي كنت كثيرا أسمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " ذهبت أَنا وَأَبُو بكر وَعمر، وَدخلت أَنا وَأَبُو بكر وَعمر، وَخرجت أَنا وَأَبُو بكر وَعمر ". فَإِن كنت لأرجو أَو أَظن أَن يجعلك الله مَعَهُمَا ".
119 - الرَّابِع: عَن عبد الله بن جَعْفَر بن أبي طَالب قَالَ: سَمِعت عليا يَقُول: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " خير نسائها مَرْيَم بنت عمرَان، وَخير نسائها خَدِيجَة بنت خويلد ".(1/158)
120 - الْخَامِس: عَن مُحَمَّد بن عَليّ ابْن الْحَنَفِيَّة: أَن عليا رَضِي الله عَنهُ قَالَ لِابْنِ عَبَّاس: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن مُتْعَة النِّسَاء يَوْم خَيْبَر، وَعَن أكل لُحُوم الْحمر الإنسية.
121 - السَّادِس: عَن ابْن الْحَنَفِيَّة، عَن أَبِيه قَالَ: كنت رجلا مذاء، فَاسْتَحْيَيْت أَن أسأَل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمَكَان ابْنَته، فَأمرت الْمِقْدَاد بن الْأسود، فَسَأَلَهُ فَقَالَ: " يغسل ذكره وَيتَوَضَّأ ".
وَهُوَ فِي أَفْرَاد البُخَارِيّ عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ، إِلَّا أَنه قَالَ: فَأمرت رجلا يسْأَل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِيه قَالَ: " اغسل ذكرك وَتَوَضَّأ " كَذَا فِي الْأَطْرَاف.
وَهُوَ فِي أَفْرَاد مُسلم عَن عبد الله بن عَبَّاس قَالَ:
قَالَ عَليّ بن أبي طَالب: أرسلنَا الْمِقْدَاد إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَسَأَلَهُ عَن الْمَذْي يخرج من الْإِنْسَان: كَيفَ يفعل؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " تَوَضَّأ وانضح فرجك ".
122 - السَّابِع: عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: اجْتمع عَليّ وَعُثْمَان بعسفان، فَكَانَ عُثْمَان ينْهَى عَن الْمُتْعَة أَو الْعمرَة، فَقَالَ عليٌّ: مَا تُرِيدُ إِلَى أمرٍ فعله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تنْهى النَّاس عَنهُ؟ فَقَالَ لَهُ عُثْمَان: دَعْنَا عَنْك. قَالَ: إِنِّي لَا أَسْتَطِيع أَن أدعك، فَلَمَّا رأى ذَلِك عليٌّ أهل بهما جَمِيعًا.
وَهَذَا بِمَعْنَاهُ فِي أَفْرَاد البُخَارِيّ، عَن مَرْوَان بن الحكم من رِوَايَة عَليّ بن الْحُسَيْن عَنهُ: أَنه شهد عُثْمَان وعلياًّ بَين مَكَّة وَالْمَدينَة، وَعُثْمَان ينْهَى عَن الْمُتْعَة، وَأَن يجمع بَينهمَا، فَلَمَّا رأى ذَلِك عليٌّ أهل بهما: لبيْك بِعُمْرَة وَحجَّة، فَقَالَ عُثْمَان: تراني أنهى النَّاس وَأَنت تَفْعَلهُ. فَقَالَ: مَا كنت لأدع سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقَوْل أحد.(1/159)
وَهَذَا الْمَعْنى فِي أَفْرَاد مُسلم أَيْضا عَن عبد الله بن حقيق: أَن علياًّ كَانَ يَأْمر بِالْمُتْعَةِ، وَعُثْمَان ينْهَى عَنْهَا. فَقَالَ عُثْمَان كلمةٌ، فَقَالَ عَليّ: لقد علمت أَنا تَمَتعنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَقَالَ عُثْمَان: أجل، وَلَكِن كُنَّا خَائِفين.
123 - الثَّامِن: عَن عبيد الله بن أبي رَافع - وَكَانَ كَاتبا لعَلي - وَعَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ عَن عَليّ: قَالَ عبيد الله: سَمِعت علياًّ رَضِي الله عَنهُ يَقُول: بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا وَالزُّبَيْر والمقداد فَقَالَ: انْطَلقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَة خاخٍ فَإِن بهَا ظَعِينَة مَعهَا كتاب، فَخُذُوهُ مِنْهَا. فَانْطَلَقْنَا تَتَعَادَى بِنَا خَيْلنَا، حَتَّى أَتَيْنَا إِلَى الرَّوْضَة، فَإِذا نَحن بِالظَّعِينَةِ. فَقُلْنَا: أَخْرِجِي الْكتاب أَو لنلقين الثِّيَاب، فَأَخْرَجته من عقاصها، فأتينا بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِذا فِيهِ: من حَاطِب بن أبي بلتعة إِلَى ناسٍ من الْمُشْركين من أهل مَكَّة، يُخْبِرهُمْ بِبَعْض أَمر رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " يَا حَاطِب، مَا هَذَا؟ " فَقَالَ: يَا رَسُول الله، لَا تعجل عَليّ، إِنِّي كنت امْرأ مُلْصقًا فِي قُرَيْش، وَلم أكن من أنفسهم، وَكَانَ من مَعَك من الْمُهَاجِرين لَهُم قرابةٌ يحْمُونَ بهَا أَمْوَالهم وأهليهم بِمَكَّة، فَأَحْبَبْت إِذْ فَاتَنِي ذَلِك من النّسَب فيهم أَن أَتَّخِذ فيهم يدا يحْمُونَ بهَا قَرَابَتي، وَمَا فعلت كفرا وَلَا ارْتِدَادًا عَن ديني، وَلَا رضَا بالْكفْر بعد الْإِسْلَام. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِنَّه قد صدقكُم ". فَقَالَ عمر: دَعْنِي يَا رَسُول الله أضْرب عنق هَذَا الْمُنَافِق. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِنَّه قد شهد بَدْرًا، وَمَا يدْريك لَعَلَّ الله اطلع على أهل بدر، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُم، فقد غفرت لكم ". قَالَ: فَأنْزل الله عز وَجل: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا عدوي وَعَدُوكُمْ أَوْلِيَاء} [سُورَة الممتحنة] .
وَفِي رِوَايَة أبي عبد الرَّحْمَن عَن عَليّ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالزُّبَيْر بن الْعَوام، وَأَبا مرْثَد، وكلنَا فارسٌ، ثمَّ سَاقه بِمَعْنَاهُ، وَلم يذكر نزُول الْآيَة، وَلَا ذكرهَا(1/160)
فِي حَدِيث عبيد الله بعض الروَاة، وَجعلهَا بَعضهم من تِلَاوَة سُفْيَان. وَقَالَ سُفْيَان: لَا أَدْرِي الْآيَة فِي الحَدِيث، أَو من قَول عَمْرو - يَعْنِي ابْن دِينَار.
124 - التَّاسِع: عَن عُبَيْدَة بن عَمْرو السَّلمَانِي، عَن عَليّ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْم الْأَحْزَاب وَفِي رِوَايَة: يَوْم الخَنْدَق: " مَلأ الله قُبُورهم وَبُيُوتهمْ نَارا كَمَا شغلونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتْ الشَّمْس ".
وَفِي أَفْرَاد مُسلم عَن يحيى بن الجزار، وَعَن شُتَيْر بن شكل جَمِيعًا، عَن عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: " شغلونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى: صَلَاة الْعَصْر " فَذكر نَحْو ذَلِك، وَزَاد شُتَيْر: ثمَّ صلاهَا بَين الْمغرب وَالْعشَاء.
وَفِي مُسْند ابْن مَسْعُود نَحوه.
125 - الْعَاشِر: عَن زيد بن وهب، عَن عَليّ قَالَ: كساني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حلَّة سيراء، فَخرجت فِيهَا، فَرَأَيْت الْغَضَب فِي وَجهه، فشققتها بَين نسَائِي.
وَفِي أَفْرَاد مُسلم عَن أبي صَالح ماهان - واسْمه عبد الرَّحْمَن بن قيس، عَن عَليّ: أَن أكيدر دومة أهْدى إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثوب حَرِير، فَأعْطَاهُ علياًّ، وَقَالَ " شقَّه خمرًا بَين الفواطم ".
وَفِي رِوَايَة عَن أبي صَالح أَنه قَالَ: أهديت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حلةٌ سيراء، فَبعث(1/161)
بهَا إِلَيّ، فلبستها، فَعرفت الْغَضَب فِي وَجهه، فَقَالَ: " إِنِّي لم أبْعث بهَا إِلَيْك لتلبسها، إِنَّمَا بعثت بهَا إِلَيْك لتشققها خمرًا بَين النِّسَاء ".
126 - الْحَادِي عشر: عَن عبد الله بن شَدَّاد بن الْهَاد عَنهُ قَالَ: مَا سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمع أَبَوَيْهِ لأحد إِلَّا لسعد بن مَالك، فَإِنِّي سمعته يَقُول يَوْم أحد: " يَا سعد، ارْمِ، فدَاك أبي وَأمي ".
127 - الثَّانِي عشر: عَن ربعي بن خرَاش عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا تكذبوا عَليّ، فَإِنَّهُ من يكذب عَليّ يلج النَّار ".
128 - الثَّالِث عشر: عَن الْحَارِث بن سُوَيْد عَن عَليّ: قَالَ: " نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ينتبذ فِي الدُّبَّاء والمزفت ".
129 - الرَّابِع عشر: عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَمرنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أقوم على بدنه، وَأَن أَتصدق بلحمها وجلودها وأجلتها، وَألا أعطي الجزار مِنْهَا، وَقَالَ: " وَنحن نُعْطِيه من عندنَا ".
130 - الْخَامِس عشر: عَن ابْن أبي ليلى عَنهُ: أَن فَاطِمَة أَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تسأله خَادِمًا، وَأَنه قَالَ: " أَلا أخْبرك مَا هُوَ خيرٌ لكم: تسبحين الله ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وتحمدين الله ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وتكبرين الله أَرْبعا وَثَلَاثِينَ ".
وَفِي رِوَايَة أَن علياًّ قَالَ: فجَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْنَا، وَقد أَخذنَا مضاجعنا، فَقعدَ بَيْننَا حَتَّى وجدت برد قدمه على صَدْرِي، وَقَالَ: " أعلمكما خيرا مِمَّا سألتما: إِذا أخذتما مضاجعكما أَن تكبرا أَرْبعا وَثَلَاثِينَ. . " فَذكره، وَقَالَ: " فَهُوَ خيرٌ لَكمَا(1/162)
من خَادِم " قَالَ سُفْيَان: إِحْدَاهُنَّ أَرْبعا وَثَلَاثِينَ. وَفِي رِوَايَة ابْن سِيرِين: التَّسْبِيح أَربع وَثَلَاثُونَ ".
قَالَ عَليّ: فَمَا تركته مُنْذُ سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قيل لَهُ: وَلَا لَيْلَة صفّين؟ قَالَ: وَلَا لَيْلَة صفّين.
131 - السَّادِس عشر: عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ، عَن عَليّ قَالَ: كُنَّا فِي جَنَازَة فِي بَقِيع الْغَرْقَد، فَأَتَانَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقعدَ وقعدنا حوله، وَمَعَهُ مخصرة، فَنَكس وَجعل ينكت بمخصرته، ثمَّ قَالَ: " مَا مِنْكُم من أحد إِلَّا قد كتب مَقْعَده من النَّار، ومقعده من الْجنَّة " فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، أَفلا نَتَّكِل على كتَابنَا؟ فَقَالَ: " اعْمَلُوا، فكلٌّ ميسرٌ لما خلق لَهُ، أما من كَانَ من أهل السَّعَادَة فسيصير لعمل السَّعَادَة،، وَأما من كَانَ من أهل الشَّقَاء فسيصير لعمل الشَّقَاء ". ثمَّ قَرَأَ: {فَأَما من أعْطى وَاتَّقَى وَصدق بِالْحُسْنَى فسنيسره لليسرى} [سُورَة اللَّيْل] .
132 - السَّابِع عشر: عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ أَيْضا، عَن عَليّ قَالَ: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَرِيَّة، فَاسْتعْمل عَلَيْهِم رجلا من الْأَنْصَار، وَأمرهمْ أَن يسمعوا لَهُ ويطيعوا، فأغضبوه فِي شَيْء، فَقَالَ: اجْمَعُوا لي حطباً، فَجمعُوا لَهُ، ثمَّ قَالَ: أوقدوا نَارا، فأوقدوا، ثمَّ قَالَ: ألم يَأْمُركُمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تسمعوا وتطيعوا؟ قَالُوا: بلَى. قَالَ: فادخلوها. فَنظر بَعضهم إِلَى بعض، وَقَالُوا: إِنَّمَا فَرَرْنَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من النَّار، فَكَانُوا كَذَلِك حَتَّى سكن غَضَبه وطفئت النَّار، فَلَمَّا رجعُوا ذكرُوا ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: " لَو دخلوها مَا خَرجُوا مِنْهَا أبدا " وَقَالَ: " لَا طَاعَة لمخلوقٍ فِي مَعْصِيّة الله، إِنَّمَا الطَّاعَة فِي الْمَعْرُوف ".(1/163)
133 - الثَّامِن عشر: عَن يزِيد بن شريك بن طَارق التَّيْمِيّ قَالَ: رَأَيْت علياًّ على الْمِنْبَر يخْطب فَسَمعته يَقُول: لَا وَالله، مَا عندنَا من كتاب نقرأه إِلَّا كتاب الله، وَمَا فِي هَذِه الصَّحِيفَة، فنشرها فَإِذا فِيهَا أَسْنَان الْإِبِل وَأَشْيَاء من الْجِرَاحَات، وفيهَا: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " الْمَدِينَة حرمٌ مَا بَين عيرٍ إِلَى ثورٍ، فَمن أحدث فِيهَا حَدثا، أَو آوى مُحدثا، فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ، لَا يقبل الله مِنْهُ يَوْم الْقِيَامَة عدلا وَلَا صرفا. ذمَّة الْمُسلمين وَاحِدَة يسْعَى بهَا أَدْنَاهُم، فَمن أَخْفَر مُسلما فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ، لَا يقبل الله مِنْهُ يَوْم الْقِيَامَة عدلا وَلَا صرفا. وَمن والى قوما بِغَيْر إِذن موَالِيه - وَفِي رِوَايَة: وَمن ادّعى إِلَى غير أَبِيه أَو انْتَمَى إِلَى غير موَالِيه فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ، لَا يقبل الله مِنْهُ يَوْم الْقِيَامَة صرفا وَلَا عدلا ".
وَهُوَ فِي أَفْرَاد البُخَارِيّ مُخْتَصر عَن أبي جُحَيْفَة، وهب بن عبد الله السوَائِي قَالَ: قلت لعَلي: هَل عنْدكُمْ شَيْء من الْوَحْي مِمَّا لَيْسَ فِي الْقُرْآن؟ فَقَالَ: لَا وَالَّذِي فلق الْحبَّة وبرأ النَّسمَة، إِلَّا فهمٌ يُعْطِيهِ الله رجلا فِي الْقُرْآن، وَمَا فِي هَذِه الصَّحِيفَة. قلت: وَمَا فِي هَذِه الصَّحِيفَة قَالَ: الْعقل، وفكاك الْأَسير وَألا يعقل مسلمٌ بِكَافِر.
134 - التَّاسِع عشر: عَن سُوَيْد بن غَفلَة قَالَ: قَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ: إِذا حدثتكم عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيثا فوَاللَّه لِأَن أخر من السَّمَاء أحب إِلَيّ من أَن أكذب عَلَيْهِ. وَفِي رِوَايَة: من أَن أَقُول عَلَيْهِ مَا لم يقل، وَإِذا حدثتكم فِيمَا بيني(1/164)
وَبَيْنكُم فَإِن الْحَرْب خدعة، وَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " سيخرج قومٌ فِي آخر الزَّمَان، حدثاء الْأَسْنَان، سُفَهَاء الأحلام، يَقُولُونَ من قَول خير الْبَريَّة، يقرءُون الْقُرْآن، لَا يُجَاوز إِيمَانهم حَنَاجِرهمْ، يَمْرُقُونَ من الدّين كَمَا يَمْرُق السهْم من الرَّمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فَإِن فِي قَتلهمْ أجرا لمن قَتلهمْ عِنْد الله يَوْم الْقِيَامَة ".
135 - الْعشْرُونَ: عَن عُمَيْر بن سعد النَّخعِيّ، عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا كنت لأقيم حدا على أحدٍ فَيَمُوت فأجد فِي نَفسِي مِنْهُ شَيْئا إِلَّا صَاحب الْخمر، فَإِنَّهُ لَو مَاتَ وديته، وَذَلِكَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يسنه.
أَفْرَاد البُخَارِيّ
136 - الأول: عَن عبد الله بن عَبَّاس، من رِوَايَة عبد الله بن كَعْب بن مَالك عَنهُ، أَن علياًّ خرج من عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وَجَعه الَّذِي توفّي فِيهِ، فَقَالَ النَّاس: يَا أَبَا حسن، كَيفَ أصبح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالَ: أصبح بِحَمْد الله بارئاً.
فَأخذ بِيَدِهِ الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب فَقَالَ: أَنْت وَالله بعد ثلاثٍ عبد الْعَصَا. وَإِنِّي وَالله لأرى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سيتوفى فِي وَجَعه هَذَا، إِنِّي لأعرف وُجُوه بني عبد الْمطلب عِنْد الْمَوْت، فَاذْهَبْ بِنَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فنسأله فِيمَن هَذَا الْأَمر، فَإِن كَانَ فِينَا علمنَا ذَلِك، وَإِن كَانَ فِي غَيرنَا كلمناه فأوصى بِنَا. فَقَالَ عَليّ: أما وَالله لَئِن سألناها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فمنعناها لَا يعطيناها النَّاس بعده، وَإِنِّي وَالله لَا أسألها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.(1/165)
137 - الثَّانِي: عَن النزال بن سُبْرَة قَالَ: أَتَى عليٌّ بَاب الرحبة. فَشرب قَائِما، وَقَالَ: إِنِّي رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعل كَمَا رَأَيْتُمُونِي فعلت.
138 - الثَّالِث: عَن أبي الطُّفَيْل عَامر بن وَاثِلَة قَالَ: سَمِعت علياًّ يَقُول: حدثوا النَّاس بِمَا يعْرفُونَ، أتحبون أَن يكذب الله وَرَسُوله.
139 - الرَّابِع: عَن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحَنَفِيَّة قَالَ: لَو كَانَ عليٌّ ذَاكِرًا عُثْمَان بسوءٍ ذكره يَوْم جَاءَهُ ناسٌ يَشكونَ إِلَيْهِ سعاة عُثْمَان، فَقَالَ لي عليٍّ: اذْهَبْ بِهَذَا الْكتاب إِلَى عُثْمَان، وَأخْبرهُ أَن فِيهِ صَدَقَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَمر سعاتك يعْملُونَ بهَا، فَأَتَيْته بهَا فَقَالَ: أغنها عَنَّا، فَأتيت بهَا علياًّ فَقَالَ: لَا عَلَيْك، ضعها حَيْثُ وَجدتهَا.
قَالَ بعض الروَاة عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة: لم يجد عليٌّ بداًّ حِين كَانَ عِنْده علمٌ مِنْهُ أَن ينهيه إِلَيْهِ. قَالَ: ونرى أَن عُثْمَان إِنَّمَا رده لِأَن عِنْده علما من ذَلِك، فاستغنى عَنهُ. حَكَاهُ أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي فِي الْأَطْرَاف.
140 - الْخَامِس عَن ابْن الْحَنَفِيَّة قَالَ: قلت لأبي: أَي النَّاس خيرٌ بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: أَبُو بكر. قلت: ثمَّ من؟ قَالَ: عمر. قَالَ: وخشيت أَن أَقُول: ثمَّ من؟ فَيَقُول عُثْمَان. قلت: ثمَّ أَنْت. قَالَ: مَا أَنا إِلَّا رجلٌ من الْمُسلمين.
141 - السَّادِس - عَن عُبَيْدَة بن عَمْرو السَّلمَانِي قَالَ: قَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ: اقضوا كَمَا كُنْتُم تقضون، فَإِنِّي أكره الْخلاف حَتَّى يكون النَّاس جمَاعَة، أَو أَمُوت كَمَا مَاتَ أَصْحَابِي. فَكَانَ ابْن سِيرِين يرى عَامَّة مَا يروون عَن عَليّ كذبا.(1/166)
142 - السَّابِع: عَن الشّعبِيّ - واسْمه عَامر بن شرَاحِيل - أَن علياًّ حِين رجم الْمَرْأَة ضربهَا يَوْم الْخَمِيس، ورجمها يَوْم الْجُمُعَة، وَقَالَ: جلدتها بِكِتَاب الله، ورجمتها بِسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
143 - الثَّامِن: عَن قيس بن عباد عَن عَليّ قَالَ: أَنا أول من يجثو للخصومة بَين يَدي الرَّحْمَن يَوْم الْقِيَامَة. قَالَ قيس: فيهم نزلت: {هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا فِي رَبهم} [سُورَة الْحَج] ، قَالَ: هم الَّذين تبارزوا يَوْم بدر: عَليّ وَحَمْزَة وَعبيدَة ابْن الْحَارِث، وَشَيْبَة بن ربيعَة وَعتبَة بن ربيعَة والوليد بن عتبَة.
وَفِي رِوَايَة: أَن علياًّ قَالَ: فِينَا نزلت هَذِه الْآيَة فِي مبارزتنا يَوْم بدر: {هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا فِي رَبهم} .
وَفِي الصَّحِيح أَيْضا نزُول هَذِه الْآيَة فيهم، عَن قيس بن عباد، عَن أبي ذَر.
144 - التَّاسِع: عَن عبد الله بن معقل بن مقرن الْمُزنِيّ أَن علياًّ صلى على سهل ابْن حنيف فَكبر وَقَالَ: إِنَّه شهد بَدْرًا. قَالَ أَبُو بكر البرقاني: لم يبين البُخَارِيّ عدد التَّكْبِير، وَهُوَ عِنْد ابْن عُيَيْنَة بِإِسْنَادِهِ، وَفِيه: أَنه كبر ستاًّ.
أَفْرَاد مُسلم
145 - الأول: عَن عبد الله بن الْعَبَّاس عَن عَليّ، وَعَن عبد الله بن حنين عَن(1/167)
عَليّ - وَهُوَ أتم - قَالَ: نهاني النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن التَّخَتُّم بِالذَّهَب، وَعَن لِبَاس القسي، وَعَن الْقِرَاءَة فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود.
وَفِي رِوَايَة عَن عبد الله بن حنين عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: نهيت أَن أَقرَأ وَأَنا رَاكِع. دون ذكر عَليّ فِي الْإِسْنَاد.
وَفِي الْأَطْرَاف أَن فِي رِوَايَة ابْن عَبَّاس عَن عَليّ: النَّهْي عَن خَاتم الذَّهَب، وَعَن لبس القسي وَعَن المعصفر المفدم، وَعَن الْقِرَاءَة فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود. وَلَيْسَ ذَلِك عندنَا فِي أصل كتاب مُسلم، وَلَعَلَّه قد وجد فِي نُسْخَة أُخْرَى من الْكتاب، وَالله أعلم.
146 - الثَّانِي: عَن أبي الطُّفَيْل عَامر بن وَاثِلَة قَالَ: كنت عِنْد عَليّ بن أبي طَالب عَلَيْهِ السَّلَام، فَأَتَاهُ رجلٌ فَقَالَ: مَا كَانَ النَّبِي يسر إِلَيْك؟ قَالَ: فَغَضب ثمَّ قَالَ: مَا كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسر إِلَيّ شَيْئا يَكْتُمهُ من النَّاس، غير أَنه قد حَدثنِي بكلماتٍ أَربع، قَالَ: مَا هن يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ؟ قَالَ: قَالَ: لعن الله من لعن وَالِديهِ، وَلعن الله من ذبح لغير الله، وَلعن الله من آوى مُحدثا، وَلعن الله من غير منار الأَرْض.
147 - الثَّالِث: عَن عبيد الله بن أبي رَافع عَن عَليّ قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة قَالَ: " وجهت وَجْهي للَّذي فطر السَّمَوَات وَالْأَرْض حَنِيفا وَمَا أَنا من الْمُشْركين، إِن صَلَاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب الْعَالمين، لَا شريك لَهُ، وَبِذَلِك أمرت وَأَنا أول الْمُسلمين. اللَّهُمَّ أَنْت الْملك، لَا إِلَه إِلَّا أَنْت، أَنْت رَبِّي(1/168)
وَأَنا عَبدك، ظلمت نَفسِي، وَاعْتَرَفت بذنبي، فَاغْفِر لي ذُنُوبِي جَمِيعًا، لَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت، واهدني لأحسن الْأَخْلَاق، لَا يهدي لأحسنها إِلَّا أَنْت، واصرف عني سيئها، لَا يصرف عني سيئها إِلَّا أَنْت، لبيْك وَسَعْديك، وَالْخَيْر كُله فِي يَديك، وَالشَّر لَيْسَ إِلَيْك، أَنا بك وَإِلَيْك، تَبَارَكت وَتَعَالَيْت، أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك ".
وَإِذا ركع قَالَ:
اللَّهُمَّ لَك ركعت، وَبِك آمَنت، وَلَك أسلمت. خشع لَك سَمْعِي وبصري ومخي وعظمي وعصبي ".
وَإِذا رفع رَأسه قَالَ:
اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد ملْء السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا، وملء مَا شِئْت من شيءٍ بعد ".
وَإِذا سجد قَالَ:
اللَّهُمَّ لَك سجدت، وَبِك آمَنت، وَلَك أسلمت، سجد وَجْهي للَّذي خلقه وصوره وشق سَمعه وبصره، تبَارك الله أحسن الْخَالِقِينَ ".
ثمَّ يكون من آخر مَا يَقُول بَين التَّشَهُّد وَالتَّسْلِيم: " اللَّهُمَّ اغْفِر لي مَا قدمت وَمَا أخرت، وَمَا أسررت وَمَا أعلنت، وَمَا أَنْت أعلم بِهِ مني، أَنْت الْمُقدم وَأَنت الْمُؤخر، لَا إِلَه إِلَّا أَنْت ".
148 - الرَّابِع: عَن عبيد الله بن أبي رَافع: أَن الحرورية لما خرجت على عَليّ بن أبي طَالب وَهُوَ مَعَه، فَقَالُوا لَا حكم إِلَّا لله، قَالَ عَليّ: كلمة حق أُرِيد بهَا باطلٌ، إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصف لنا نَاسا، إِنِّي لأعرف صفتهمْ فِي هَؤُلَاءِ، يَقُولُونَ الْحق بألسنتهم، لَا يُجَاوز هَذَا مِنْهُم، وَأَشَارَ إِلَى حلقه. من أبْغض خلق الله إِلَيْهِ، مِنْهُم أسود، إِحْدَى يَدَيْهِ طبي شَاة أَو حلمة ثدي، فَلَمَّا قَتلهمْ عَليّ بن(1/169)
أبي طَالب قَالَ: انْظُرُوا، فنظروا فَلم يَجدوا شَيْئا، فَقَالَ: ارْجعُوا، فوَاللَّه مَا كذبت وَلَا كذبت، مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا، ثمَّ وجدوه فِي خربةٍ، فَأتوا بِهِ حَتَّى وضعوه بَين يَدَيْهِ. قَالَ عبيد الله: وَأَنا حاضرٌ ذَلِك من أَمرهم، وَقَول عليٍّ فيهم.
149 - الْخَامِس: عَن عُبَيْدَة بن عَمْرو عَن عَليّ: أَنه ذكر الْخَوَارِج فَقَالَ: فيهم رجلٌ مُخْدج الْيَد، أَو مثدون الْيَد، أَو مودن الْيَد، لَوْلَا أَن تبطروا لحدثتكم بِمَا وعد الله الَّذين يَقْتُلُونَهُمْ على لِسَان مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ: فَقلت: أَنْت سَمِعت هَذَا من مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: إِي وَرب الْكَعْبَة، قَالَهَا ثَلَاثًا.
150 - السَّادِس: عَن زيد بن وهب: أَنه كَانَ فِي الْجَيْش الَّذين كَانُوا مَعَ عَليّ، الَّذين سَارُوا إِلَى الْخَوَارِج، فَقَالَ عَليّ: أَيهَا النَّاس. إِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: يخرج قومٌ من أمتِي يقرءُون الْقُرْآن لَيْسَ قراءتكم إِلَى قراءتهم بِشَيْء، وَلَا صَلَاتكُمْ إِلَى صلَاتهم بِشَيْء، وَلَا صِيَامكُمْ إِلَى صِيَامهمْ بِشَيْء، يقرءُون الْقُرْآن، يحسبون أَنه لَهُم وَهُوَ عَلَيْهِم، لَا تجَاوز صلَاتهم تراقيهم، يَمْرُقُونَ من الْإِسْلَام كَمَا يَمْرُق السهْم من الرَّمية، لَو يعلم الْجَيْش الَّذِي يصيبونهم مَا قضي لَهُم على لِسَان نَبِيّهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لنكلوا عَن الْعَمَل، وَآيَة ذَلِك أَن فيهم رجلا لَهُ عضدٌ لَيْسَ لَهُ ذِرَاع، على عضده مثل حلمة الثدي، عَلَيْهِ شَعرَات بيضٌ، فتذهبون إِلَى مُعَاوِيَة وَأهل الشَّام وتتركون هَؤُلَاءِ يخلفونكم فِي ذَرَارِيكُمْ وَأَمْوَالكُمْ، وَالله إِنِّي لأرجو أَن يَكُونُوا هَؤُلَاءِ الْقَوْم، فَإِنَّهُم قد سَفَكُوا الدَّم الْحَرَام، وأغاروا فِي سرحٍ النَّاس، فسيروا على اسْم الله.(1/170)
قَالَ سَلمَة بن كهيل فنزلني زيد بن وهب منزلا منزلا، حَتَّى قَالَ: مَرَرْنَا على قنطرة، فَلَمَّا الْتَقَيْنَا، وعَلى الْخَوَارِج يومئذٍ عبد الله بن وهب الرَّاسِبِي، فَقَالَ لَهُم: ألقوا الرماح، وسلوا سُيُوفكُمْ من جفونها، فَإِنِّي أَخَاف أَن يناشدوكم كَمَا ناشدوكم يَوْم حروراء، فَرَجَعُوا فوحشوا برماحهم. وسلوا السيوف، وشجرهم النَّاس برماحهم، قَالَ: وَقتل بَعضهم على بعض، وَمَا أُصِيب من النَّاس يَوْمئِذٍ إِلَّا رجلَانِ.
فَقَالَ عَليّ: التمسوا فيهم المخدج، فالتمسوه فَلم يجدوه، فَقَامَ عَليّ بِنَفسِهِ، حَتَّى أَتَى نَاسا قد قتل بَعضهم على بعض، قَالَ: أخروهم، فوجدوه مِمَّا يَلِي الأَرْض، فَكبر، ثمَّ قَالَ: صدق الله، وَبلغ رَسُوله. قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ عُبَيْدَة السَّلمَانِي فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، الله الَّذِي لَا إِلَه هُوَ، أسمعت هَذَا الحَدِيث من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالَ: إِي وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ، حَتَّى استحلفه ثَلَاثًا وَهُوَ يحلف لَهُ.
151 - السَّابِع: عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ قَالَ: قَالَ عَليّ: قلت: يَا رَسُول الله، مَا لَك تنوق فِي قُرَيْش وَتَدعنَا؟ قَالَ: " وعندكم شَيْء؟ " قلت: نعم، بنت حَمْزَة. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِنَّهَا لَا تحل لي، إِنَّهَا ابْنة أخي من الرضَاعَة ".
152 - الثَّامِن: عَن أبي عبد الرَّحْمَن: أَن علياًّ خطب فَقَالَ: أَيهَا النَّاس، أقِيمُوا الْحُدُود على أرقائكم، من أحصن مِنْهُم وَمن لم يحصن، فَإِن أمة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زنت، فَأمرنِي أَن أجلدها، فأتيتها فَإِذا هِيَ حَدِيثَة عهد بنفاس، فَخَشِيت إِن أَنا(1/171)
جلدتها أَن أقتلها، فَذكرت ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: " أَحْسَنت، اتركها حَتَّى تماثل ".
153 - التَّاسِع: عَن زر بن حُبَيْش قَالَ: قَالَ عَليّ: وَالَّذِي فلق الْحبَّة، وبرأ النَّسمَة، إِنَّه لعهد النَّبِي الْأُمِّي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أَن لَا يحبني إِلَّا مؤمنٌ، وَلَا يبغضني إِلَّا منافقٌ.
154 - الْعَاشِر: عَن شُرَيْح بن هَانِئ قَالَ: أتيت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أسألها عَن الْمسْح على الْخُفَّيْنِ، فَقَالَت: عَلَيْك بِابْن أبي طَالب فَاسْأَلْهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يُسَافر مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ: جعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثَة أيامٍ ولياليهن للْمُسَافِر، وَيَوْما وَلَيْلَة للمقيم.
155 - الْحَادِي عشر: عَن أبي بردة عَامر بن أبي مُوسَى، عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ، أَن عليا رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نهاني - يَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن أجعَل خَاتمِي فِي هَذِه أَو الَّتِي تَلِيهَا. قَالَ بعض الروَاة: نهاني أَن أتختم فِي إصبعي هَذِه أَو هَذِه.
قَالَ: وَأَوْمَأَ إِلَى الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِيهَا. ونهاني عَن لبس القسي وَعَن جُلُوس على المياثر. قَالَ: فَأَما القسي فثياب مضلعة يُؤْتى بهَا من مصر أَو الشَّام، وَأما المياثر فشيء كَانَت تَجْعَلهُ النِّسَاء لبعولتهن على الرحل كالقطائف الأرجوان.
أخرج البُخَارِيّ مِنْهُ تَفْسِير القسية والميثرة فَقَط بِغَيْر إِسْنَاد. فَقَالَ: وَقَالَ عَاصِم عَن أبي بردة: قُلْنَا لعَلي: مَا القسية؟ قَالَ: ثِيَاب أتتنا من الشَّام أَو من مصر، مضلعة فِيهَا حريرٌ فِيهَا أَمْثَال الأترج. والميثرة: كَانَت النِّسَاء تَصنعهُ لبعولتهن مثل القطائف.
قَالَ البُخَارِيّ: وَقَالَ جرير فِي حَدِيثه: القسية: ثِيَاب مضلعة يجاء بهَا من مصر.(1/172)
والميثرة: جُلُود السبَاع.
156 - الثَّانِي عشر: عَن أبي بردة أَيْضا: أَن عليا قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " قل اللَّهُمَّ اهدني وسددني ". وَفِي رِوَايَة: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الْهدى والسداد.
وَاذْكُر بِالْهدى هدايتك الطَّرِيق، وبالسداد سداد السهْم ".
157 - الثَّالِث عشر: عَن مَسْعُود بن الحكم الزرقي: أَن عليا رَضِي الله عَنهُ قَالَ: رَأينَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَامَ فقمنا، وَقعد فَقَعَدْنَا. يَعْنِي فِي الْجِنَازَة. @ 158 - الرَّابِع عشر: عَن أبي الْهياج، حَيَّان بن حُصَيْن الْأَسدي قَالَ: قَالَ عَليّ: أَلا أَبْعَثك على مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أَلا تدع تمثالاً إِلَّا طمسته، وَلَا قبراً مشرفا إِلَّا سويته. وَفِي رِوَايَة: وَلَا صُورَة إِلَّا طمستها.
159 - الْخَامِس عشر: عَن أبي ساسان، حضين بن الْمُنْذر قَالَ: شهِدت عُثْمَان ابْن عَفَّان أَتَى بالوليد وَقد صلى الصُّبْح رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ قَالَ: أَزِيدكُم؟ فَشهد عَلَيْهِ رجلَانِ أَحدهمَا حمْرَان أَنه شرب الْخمر وَشهد آخر أَنه رَآهُ يتقيأ. فَقَالَ عُثْمَان: إِنَّه لم يتقيأ حَتَّى شربهَا. فَقَالَ: يَا عَليّ، قُم فاجلده. فَقَالَ عَليّ: قُم يَا حسن فاجلده. فَقَالَ الْحسن: ول حارها من تولى قارها فَكَأَنَّهُ وجد عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا عبد الله بن جَعْفَر، قُم فاجلده، فجلده، وَعلي يعد حَتَّى بلغ أَرْبَعِينَ، فَقَالَ: أمسك، ثمَّ قَالَ: جلد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعِينَ، وَأَبُو بكر أَرْبَعِينَ، وَعمر ثَمَانِينَ، وكلٌّ سنة، وَهَذَا أحب إِلَيّ.
وَقد تقدم فِي أَفْرَاد البُخَارِيّ من مُسْند عُثْمَان، من رِوَايَة عبيد الله بن الْخِيَار، فِي قصَّة الْوَلِيد أَنه جلد ثَمَانِينَ.(1/173)
(5) الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَضِي الله عَنهُ
160 - الأول: عَن عبد الله بن عَبَّاس بِطُولِهِ، وَعَن عبد الله بن عَامر بن ربيعَة مُخْتَصر، وَهَذَا حَدِيث ابْن عَبَّاس: أَن عمر بن الْخطاب خرج إِلَى الشَّام حَتَّى إِذا بسرغ. لقِيه أُمَرَاء الأجناد: أَبُو عُبَيْدَة بن الْجراح وَأَصْحَابه، فأخبروه أَن الوباء قد وَقع بِالشَّام، قَالَ ابْن عَبَّاس: فَقَالَ عمر: ادْع لي الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين، فدعوتهم فاستشارهم، وَأخْبرهمْ أَن الوباء قد وَقع بِالشَّام، فَاخْتَلَفُوا: فَقَالَ بَعضهم: خرجت لأمر لَا نرى أَن ترجع عَنهُ. وَقَالَ بَعضهم: مَعَك بَقِيَّة النَّاس وَأَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا نرى أَن تقدمهم على هَذَا الوباء. فَقَالَ: ارتفعوا عني، ثمَّ قَالَ: ادْع الْأَنْصَار، فدعوتهم فاستشارهم، فسلكوا سَبِيل الْمُهَاجِرين، وَاخْتلفُوا كاختلافهم، فَقَالَ: ارتفعوا عني، ثمَّ قَالَ: ادْع لي من كَانَ هُنَا من مشيخة قُرَيْش من مهاجرة الْفَتْح. فدعوتهم، فَلم يخْتَلف عَلَيْهِ مِنْهُم رجلَانِ، فَقَالُوا: نرى أَن ترجع بِالنَّاسِ وَلَا تقدمهم على هَذَا الوباء.
فَنَادَى عمر فِي النَّاس: إِنِّي مصبحٌ على ظهرٍ فَأَصْبحُوا عَلَيْهِ. فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة ابْن الْجراح: أفراراً من قدر الله؟ فَقَالَ عمر: لَو غَيْرك قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَة، وَكَانَ عمر يكره خِلَافه، نعم، نفر من قدر الله إِلَى قدر الله، أَرَأَيْت لَو كَانَت لَك إبلٌ، فَهَبَطت وَاديا لَهُ عدوتان إِحْدَاهمَا خصبة وَالْأُخْرَى جدبة، أَلَيْسَ إِن رعيت الخصبة رعيتها بِقدر الله، وَإِن رعيت الجدبة رعيتها بِقدر الله؟(1/174)
قَالَ: فجَاء عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَكَانَ متغيباً فِي بعض حَاجته، فَقَالَ: إِن عِنْدِي من هَذَا علما:
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " إِذا سَمِعْتُمْ بِهِ بأرضٍ فَلَا تقدمُوا عَلَيْهِ، وَإِذا وَقع بأرضٍ وَأَنْتُم بهَا فَلَا تخْرجُوا فِرَارًا مِنْهُ ".
قَالَ: فَحَمدَ الله عمر بن الْخطاب، ثمَّ انْصَرف.
وَفِي حَدِيث معمر: فَسَار حَتَّى أَتَى الْمَدِينَة فَقَالَ: هَذَا الْمحل، أَو قَالَ: هَذَا الْمنزل إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
وَأما حَدِيث عبد الله بن عامرٍ فَإِنَّهُ اقْتصر على الْمسند: أَن عمر خرج إِلَى الشَّام، فَلَمَّا جَاءَ سرغ بلغه أَن الوباء قد وَقع بهَا، فَأخْبرهُ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ... فَذكر نَحوه.
وَفِي كتاب مُسلم عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم: أَن عمر إِنَّمَا انْصَرف بِالنَّاسِ عَن حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
161 - الثَّانِي: عَن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن أَبِيه قَالَ: إِنِّي لواقفٌ فِي الصَّفّ يَوْم بدر، فَنَظَرت عَن يَمِيني وَعَن شمَالي، فَإِذا أَنا بغلامين من الْأَنْصَار، حديثةٍ أسنانهما، فتمنيت أَن أكون بَين أضلع مِنْهُمَا، فغمزني أَحدهمَا فَقَالَ: أَي عَم، هَل تعر ف أَبَا جهل؟ قلت: نعم، فَمَا حَاجَتك إِلَيْهِ يَا ابْن أخي؟ قَالَ: أخْبرت أَنه يسب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، لَئِن رَأَيْته لَا يُفَارق سوَادِي حَتَّى يَمُوت الأعجل منا، قَالَ: فتعجبت لذَلِك. قَالَ: وغمزني الآخر فَقَالَ لي مثلهَا.(1/175)
فَلم أنشب أَن نظرت إِلَى أبي جهل فِي النَّاس، فَقلت: أَلا تريان؟ هَذَا صاحبكما الَّذِي تسألاني عَنهُ. قَالَ: فابتدراه بسيفيهما، فضرباه حَتَّى قتلاه، ثمَّ انصرفا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرَاهُ، فَقَالَ: " أيكما قَتله "؟ فَقَالَ كل واحدٍ مِنْهُمَا: أَنا قتلته. فَقَالَ: " هَل مسحتما سيفيكما "؟ فَقَالَا: لَا. فَنظر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى السيفين، فَقَالَ: " كلاكما قَتله " وَقضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بسلبه لِمعَاذ بن عَمْرو بن الجموح.
وَالرجلَانِ: معَاذ بن عَمْرو بن الجموح، ومعاذ بن عفراء.
أَفْرَاد البُخَارِيّ
162 - الأول: عَن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن أَبِيه قَالَ: كاتبت أُميَّة ابْن خلف كتابا أَن يحفظني فِي صاغيتي بِمَكَّة، وأحفظه فِي صاغيته بِالْمَدِينَةِ، فَلَمَّا ذكرت " الرَّحْمَن " قَالَ: لَا أعرف الرَّحْمَن، كابتني بني بِاسْمِك الَّذِي كَانَ لَك فِي الْجَاهِلِيَّة، فكاتبته: عبد عَمْرو.
فَلَمَّا كَانَ يَوْم بدرٍ، خرجت لأحرزه، فَأَبْصَرَهُ بِلَال، فَخرج حَتَّى وقف على مجلسٍ من مجَالِس الْأَنْصَار، فَقَالَ: يَا معشر الْأَنْصَار، أُميَّة بن خلف، لَا نجوت إِن نجا أُميَّة، فَخرج مَعَه فريقٌ من الْأَنْصَار فِي آثارنا، فَلَمَّا خشيت أَن يلحقونا خلفت لَهُم ابْنه لأشغلهم بِهِ، فَقَتَلُوهُ ثمَّ أتونا حَتَّى لحقونا، وَكَانَ أُميَّة رجلا ثقيلاً، فَقلت: انْزِلْ، فَنزل، فألقيت عَلَيْهِ نَفسِي لأمنعه، فتخللوه بِالسُّيُوفِ من تحتي حَتَّى قَتَلُوهُ، وَأصَاب أحدهم رجْلي بِسَيْفِهِ. وَكَانَ عبد الرَّحْمَن يرينا ذَلِك الْأَثر فِي ظهر قدمه.(1/176)
163 - الثَّانِي: عَن إِبْرَاهِيم أَيْضا عَن أَبِيه قَالَ: لما قدمنَا الْمَدِينَة آخى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بيني وَبَين سعد بن الرّبيع، فَقَالَ سعد بن الرّبيع: إِنِّي أَكثر الْأَنْصَار مَالا، فأقسم لَك نصف مَالِي، وَانْظُر أَي زَوْجَتي هويت نزلت لَك عَنْهَا، فَإِذا حلت تَزَوَّجتهَا. فَقَالَ لَهُ عبد الرَّحْمَن: لَا حَاجَة لي فِي ذَلِك، هَل من سوق فِيهِ تِجَارَة؟ قَالَ: سوق بني قينقاع. قَالَ: فغدا إِلَيْهِ عبد الرَّحْمَن، فَأتى بأقطٍ وَسمن، قَالَ: ثمَّ تَابع الغدو.
فَمَا لبث إِن جَاءَ عبد الرَّحْمَن عَلَيْهِ أثر صفرةٍ، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " تزوجت؟ " قَالَ: نعم. قَالَ: " وَمن؟ " قَالَ: امْرَأَة من الْأَنْصَار قَالَ: " فكم سقت؟ " قَالَ: زنة نواة من ذهب، أَو: نواة من ذهب. فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أولم وَلَو بِشَاة ".
164 - الثَّالِث: عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: أُتِي عبد الرَّحْمَن بِطَعَام وَكَانَ صَائِما، فَقَالَ: قتل مُصعب بن عُمَيْر وَهُوَ خير مني، فَكفن فِي بردةٍ إِن غطي رَأسه بَدَت رِجْلَاهُ، وَإِن غطي رِجْلَاهُ بدا رَأسه. وَقتل حَمْزَة - أَو رجل آخر، شكّ إِبْرَاهِيم - وَفِي بعض الرِّوَايَات عَنهُ: وَقتل حَمْزَة وَلم يشك، قَالَ: وَهُوَ خيرٌ مني، فَلم يُوجد مَا يُكفن فِيهِ إِلَّا بردة، ثمَّ بسط لنا من الدُّنْيَا مَا بسط، أَو قَالَ: أعطينا من الدُّنْيَا مَا أعطينا، وَقد خشيت أَن تكون قد عجلت لنا طيباتنا فِي حياتنا الدُّنْيَا، ثمَّ جعل يبكي حَتَّى ترك الطَّعَام.
165 - الرَّابِع: عَن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَنه قَالَ لِصُهَيْب: اتَّقِ الله، وَلَا تدع إِلَى غير أَبِيك. فَقَالَ صُهَيْب: مَا يسرني أَن لي كَذَا وَكَذَا وَأَنِّي فعلت ذَلِك، وَلَكِنِّي سرقت وَأَنا صبي.(1/177)
166 - الْخَامِس: عَن بجالة بن عبد، وَيُقَال ابْن عَبدة قَالَ: كنت كَاتبا لجزء بن مُعَاوِيَة عَم الْأَحْنَف، فجَاء كتاب عمر قبل مَوته بسنةٍ: أَن أقتلوا كل ساحرٍ وساحرةٍ، وَفرقُوا بَين كل ذِي محرم من الْمَجُوس، وانههم عَن الزمزمة.
فَقَتَلْنَا ثَلَاث سواحر، وَجَعَلنَا نفرق بَين الْمَرْء وحريمه فِي كتاب الله وصنع لَهُم طَعَاما كثيرا، وَجعل السَّيْف على فَخذه، وَجعل يَدعُوهُم إِلَى الطَّعَام، فَألْقوا وقر بغلٍ أَو بغلين، وأكلوا بِغَيْر زمزمة. وَلم يكن عمر أَخذ الْجِزْيَة من الْمَجُوس حَتَّى شهد عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذهَا من مجوس هجر.
اخْتَصَرَهُ البُخَارِيّ فَأخْرج الْمسند مِنْهُ: والتفريق بَين كل ذِي محرم من الْمَجُوس فَقَط. وَأخرجه أَبُو بكر البرقاني بِطُولِهِ كَمَا أوردناه، وَهُوَ مَشْهُور من حَدِيث ابْن عُيَيْنَة كَذَلِك.(1/178)
(6) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند طَلْحَة بن عبيد الله التَّيْمِيّ رَضِي الله عَنهُ
167 - الأول: عَن مَالك بن أبي عَامر من رِوَايَة ابْنه أبي سُهَيْل بن مَالك، عَن أَبِيه: أَنه سمع طَلْحَة بن عبيد الله يَقُول: جَاءَ رجلٌ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أهل نجد ثَائِر الرَّأْس، يسمع دوِي صَوته وَلَا يفقه مَا يَقُول، حَتَّى دنا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِذا هُوَ يسْأَل عَن الْإِسْلَام، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " خمس صلوَات فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة " فَقَالَ: هَل عَليّ غَيْرهنَّ؟ قَالَ " لَا، إِلَّا أَن تطوع ".
وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " وَصِيَام شهر رَمَضَان " قَالَ: هَل عَليّ غَيره؟ قَالَ: " لَا، إِلَّا أَن تطوع " قَالَ: وَذكر لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الزَّكَاة، فَقَالَ: وَهل عَليّ غَيرهَا؟ قَالَ: " لَا، إِلَّا أَن تطوع ".
قَالَ: فَأَدْبَرَ الرجل وَهُوَ يَقُول: وَالله لَا أَزِيد على هَذَا وَلَا أنقص مِنْهُ. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أَفْلح إِن صدق ".
168 - الثَّانِي: عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ - واسْمه عبد الرَّحْمَن بن مل، قَالَ: لم يبْق مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض تِلْكَ الْأَيَّام الَّتِي قَاتل فِيهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غير طَلْحَة وسعدٍ عَن حَدِيثهمَا. وَفِي رِوَايَة: فَقلت لأبي عُثْمَان: وَمَا علمك بذلك؟ فَقَالَ: عَن حَدِيثهمَا.(1/179)
أَفْرَاد البُخَارِيّ
169 - الأول: عَن السَّائِب بن يزِيد - وَهُوَ من الصَّحَابَة - قَالَ: صَحِبت طَلْحَة ابْن عبيد الله وسعداً والمقداد وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف، فَمَا سَمِعت أحدا مِنْهُم يحدث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَّا أَنِّي سَمِعت طَلْحَة يحدث عَن يَوْم أحدٍ.
170 - الثَّانِي: عَن قيس بن أبي خازم قَالَ: رَأَيْت يَد طَلْحَة بن عبيد الله شلاء، وقى بهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد. وَالله أعلم.
أَفْرَاد مُسلم
171 - الأول: عَن عبد الرَّحْمَن بن عُثْمَان بن عبيد الله التَّيْمِيّ - صَحَابِيّ، وَهُوَ ابْن أخي طَلْحَة، قَالَ: كُنَّا مَعَ طَلْحَة وَنحن حرمٌ، فأهدي لنا. طيرٌ، وَطَلْحَة راقدٌ، فمنا من أكل وَمنا من تورع فَلم يَأْكُل. فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ طَلْحَة وفْق من أكله وَقَالَ: أكلناه مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
172 - الثَّانِي: عَن مُوسَى بن طَلْحَة عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِذا وضع أحدكُم بَين يَدَيْهِ مثل مؤخرة الرحل. فَليصل وَلَا يبال من مر وَرَاء ذَلِك ".(1/180)
173 - الثَّالِث: عَن مُوسَى بن طَلْحَة عَن أَبِيه قَالَ: مَرَرْت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِقوم على رُؤُوس النّخل، فَقَالَ: " مَا يصنع هَؤُلَاءِ "؟ فَقَالُوا: يلقحونه، يجْعَلُونَ الذّكر فِي الْأُنْثَى فيلقح، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " مَا أَظن يُغني ذَلِك شَيْئا " فَأخْبرُوا بذلك فَتَرَكُوهُ، فَأخْبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك، فَقَالَ: " إِن كَانَ يَنْفَعهُمْ ذَلِك فليصنعوه، فَإِنِّي إِنَّمَا ظَنَنْت ظناًّ، فَلَا تؤاخذوني بِالظَّنِّ، وَلَكِن إِذا حدثتكم عَن الله بِشَيْء فَخُذُوا بِهِ، فَإِنِّي لن أكذب على الله تَعَالَى ".
(7) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند الزبير بن الْعَوام رَضِي الله عَنهُ
174 - الأول: عَن عبد الله بن الزبير عَن أَبِيه من رِوَايَة عُرْوَة عَنهُ: أَن رجلا من الْأَنْصَار خَاصم الزبير عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شراج الْحرَّة الَّتِي يسقون بهَا النّخل، فَقَالَ الْأنْصَارِيّ: سرح المَاء يمر، فَأبى عَلَيْهِ، فاختصما عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للزبير: " اسْقِ يَا زبير ثمَّ أرسل إِلَى جَارك ". فَغَضب الْأنْصَارِيّ ثمَّ قَالَ: يَا رَسُول الله، أَن كَانَ ابْن عَمَّتك! فَتَلَوَّنَ وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ قَالَ للزبير: " اسْقِ يَا زبير، ثمَّ احْبِسْ المَاء حَتَّى يرجع إِلَى الْجدر ". فَقَالَ الزبير: وَالله إِنِّي لأحسب هَذِه الْآيَة نزلت فِي ذَلِك: {فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شجر بَينهم} [سُورَة النِّسَاء] .
وَهَذَا الحَدِيث أَيْضا فِي أَفْرَاد البُخَارِيّ من رِوَايَة عُرْوَة دون ذكر عبد الله بن(1/181)
الزبير، قَالَ عُرْوَة: خَاصم الزبير رجلا ... وَذكر نَحوه. وَزَاد: فاستوعى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حينئذٍ للزبير حَقه. وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل ذَلِك أَشَارَ على الزبير بِرَأْي أَرَادَ فِيهِ سَعَة لَهُ وللأنصاري، فَلَمَّا أحفظ الْأنْصَارِيّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استوعى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للزبير حَقه فِي صَرِيح الحكم. قَالَ عُرْوَة: قَالَ الزبير: وَالله مَا أَحسب هَذِه الْآيَة نزلت إِلَّا فِي ذَلِك: {فَلَا وَرَبك} الْآيَة.
175 - الثَّانِي: عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: كنت يَوْم الْأَحْزَاب جعلت أَنا وَعمر ابْن أبي سَلمَة مَعَ النِّسَاء - يَعْنِي نسْوَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي أَطَم حسان بن ثَابت، فَنَظَرت فَإِذا أَنا بالزبير على فرسه يخْتَلف إِلَى بني قُرَيْظَة، فَلَمَّا رَجَعَ قلت: يَا أَبَت، رَأَيْتُك تخْتَلف. فَقَالَ: وَهل رَأَيْتنِي يَا بني؟ قلت: نعم. قَالَ: أما وَالله لقد جمع لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَوَيْهِ فَقَالَ: " فدَاك أبي وَأمي " قَالَ بعض الروَاة فِيهِ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " من يَأْتِ بني قُرَيْظَة فيأتيني بخبرهم "؟ فَانْطَلَقت، فَلَمَّا رجعت جمع لي أَبَوَيْهِ.
أَفْرَاد البُخَارِيّ
176 - الأول: وَصِيَّة الزبير: عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: لما وقف الزبير يَوْم الْجمل دَعَاني فَقُمْت إِلَى جنبه فَقَالَ: يَا بني، إِنَّه لَا يقتل الْيَوْم إِلَّا ظالمٌ أَو مظلوم، وَإِنِّي لَا أَرَانِي إِلَّا سأقتل الْيَوْم مَظْلُوما، وَإِن من أكبر همي لديني، أفترى ديننَا يبقي من مالنا شَيْئا؟ ثمَّ قَالَ: يَا بني، بِعْ مالنا واقض ديني. وَأوصى بِالثُّلثِ(1/182)
وَثلثه لِبَنِيهِ - يَعْنِي لبني عبد الله - قَالَ: فَإِن فضل من مالنا بعد قَضَاء الدّين شيءٌ فثلثٌ لولدك.
قَالَ عبد الله بن الزبير: فَجعل يوصيني بِدِينِهِ وَيَقُول: يَا بني، إِن عجزت عَن شَيْء مِنْهُ فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ بمولاي. قَالَ: فوَاللَّه مَا دَريت مَا أَرَادَ حَتَّى قلت: يَا أَبَت، من مَوْلَاك؟ قَالَ: الله تَعَالَى. فوَاللَّه مَا وَقعت فِي كربةٍ من دينه إِلَّا قلت: يَا مولى الزبير، اقْضِ عَنهُ دينه، فيقضيه.
قَالَ: فَقتل الزبير، فَلم يدع دِينَارا وَلَا درهما إِلَّا أَرضين، مِنْهَا الغابة وَإِحْدَى عشرَة دَارا بِالْمَدِينَةِ، ودارين بِالْبَصْرَةِ، وداراً بِالْكُوفَةِ، وداراً بِمصْر.
قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ دينه الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ أَن الرجل كَانَ يَأْتِيهِ بِالْمَالِ فيستودعه إِيَّاه، فَيَقُول الزبير: لَا، وَلَكِن هُوَ سلفٌ، إِنِّي أخْشَى عَلَيْهِ الضَّيْعَة. وَمَا ولي إِمَارَة قطّ وَلَا جبايةً وَلَا خراجاً وَلَا شَيْئا إِلَّا أَن يكون فِي غزوٍ مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو مَعَ أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان.
قَالَ عبد الله بن الزبير: فحسبت مَا كَانَ عَلَيْهِ من الدّين فَوَجَدته ألفي ألفٍ ومائتي ألف، قَالَ: فلقي حَكِيم بن حزَام عبد الله بن الزبير، فَقَالَ: يَا ابْن أخي، كم على أخي من الدّين؟ قَالَ: فكتمته وَقلت: مائَة ألف. فَقَالَ حَكِيم: وَالله مَا أَدْرِي، أَمْوَالكُم تسع هَذِه؟ فَقَالَ عبد الله: أرأيتك إِن كَانَت ألفي ألف ومائتي ألف. قَالَ: مَا أَرَاكُم تطيقون هَذَا، فَإِن عجزتم عَن شيءٍ مِنْهُ فاستعينوا بِي.
قَالَ: وَكَانَ الزبير قد اشْترى الغابة بسبعين وَمِائَة ألف، فَبَاعَهَا عبد الله بِأَلف ألف وسِتمِائَة ألف، ثمَّ قَامَ فَقَالَ: من كَانَ لَهُ على الزبير شَيْء فليوافنا بِالْغَابَةِ. قَالَ: فَأَتَاهُ عبد الله بن جَعْفَر، وَكَانَ لَهُ على الزبير أَرْبَعمِائَة ألف، فَقَالَ لعبد الله: إِن شِئْتُم تركتهَا لكم، قَالَ عبد الله: لَا. قَالَ: فَإِن شِئْتُم جعلتموها فِيمَا تؤخرون إِن أخرتم،(1/183)
فَقَالَ عبد الله: لَا. قَالَ: فَاقْطَعُوا لي قِطْعَة، قَالَ: فَقَالَ عبد الله: لَك من هَا هُنَا إِلَى هَا هُنَا. قَالَ: فَبَاعَ عبد الله مِنْهَا، فَقضى دينة، فأوفاه، وَبَقِي مِنْهَا أَرْبَعَة أسْهم وَنصف.
قَالَ: فَقدم على مُعَاوِيَة وَعِنْده عَمْرو بن عُثْمَان، وَالْمُنْذر بن الزبير، وَابْن زَمعَة، قَالَ: فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: كم قومت الغابة؟ قَالَ: كل سهمٍ مائةٍ ألف. قَالَ: كم بَقِي مِنْهَا؟ قَالَ: أَرْبَعَة أسْهم وَنصف. فَقَالَ الْمُنْذر بن الزبير: قد أخذت مِنْهَا سَهْما بِمِائَة ألف، وَقَالَ عَمْرو بن عُثْمَان: قد أخذت مِنْهَا سَهْما بِمِائَة ألف، وَقَالَ ابْن زَمعَة: قد أخذت مِنْهَا سَهْما بِمِائَة ألف. قَالَ: فَقَالَ مُعَاوِيَة: كم بَقِي؟ قَالَ: سهم وَنصف. قَالَ: أَخَذته بِخَمْسِينَ وَمِائَة ألف. قَالَ: فَبَاعَ عبد الله بن جَعْفَر نصِيبه من مُعَاوِيَة بستمائة ألف.
قَالَ: فَلَمَّا فرغ ابْن الزبير من قَضَاء دينه قَالَ بَنو الزبير: اقْسمْ بَيْننَا ميراثنا. قَالَ: وَالله لَا أقسم بَيْنكُم حَتَّى أنادي بِالْمَوْسِمِ أَربع سِنِين: أَلا من كَانَ لَهُ على الزبير دينٌ فليأتنا فلنقضه. قَالَ: فَجعل كل سنة يُنَادي فِي الْمَوْسِم، فَلَمَّا مضى أَربع سِنِين قسم بَينهم، وَدفع الثُّلُث، قَالَ: وَكَانَ للزبير أَربع نسْوَة، فَأصَاب كل امرأةٍ ألف ألف ومائتي ألف. قَالَ: فَجَمِيع مَاله خَمْسُونَ ألف ألف وَمِائَتَا ألف.
177 - الثَّانِي: عَن عبد الله بن الزبير أَيْضا قَالَ: قلت للزبير: مَا لي لَا أسمعك تحدث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا يحدث فلانٌ وفلانٌ. قَالَ: أما إِنِّي لم أفارقه مُنْذُ أسلمت، وَلَكِن سمعته يَقُول: " من كذب عَليّ فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار ".(1/184)
178 - الثَّالِث: عَن عُرْوَة بن الزبير عَن الزبير قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لِأَن يَأْخُذ أحدكُم أحبله ثمَّ يَأْتِي الْجَبَل فَيَأْتِي بحزمة من حطب على ظَهره فيبيعها، فيكف الله بهَا وَجهه - وَفِي رِوَايَة: فيستعين بِثمنِهَا - خيرٌ من أَن يسْأَل النَّاس، أَعْطوهُ أَو منعُوهُ ".
179 - الرَّابِع: عَن عُرْوَة أَيْضا قَالَ: قَالَ الزبير بن الْعَوام: لقِيت يَوْم بدر عُبَيْدَة - وَيُقَال عَبدة بن سعيد بن الْعَاصِ وَهُوَ مدجج لَا يرى مِنْهُ إِلَّا عَيناهُ، وَكَانَ يكنى أَبَا ذَات الكرش، فَقَالَ: أَنا أَبُو ذَات الكرش، فَحملت عَلَيْهِ بالعنزة فطعنته فِي عينه فَمَاتَ.
قَالَ هِشَام بن عُرْوَة: فَأخْبرت أَن الزبير قَالَ: لقد وضعت رجْلي عَلَيْهِ، ثمَّ تمطيت فَكَانَ الْجهد أَن نزعتها وَقد انثنى طرفها، قَالَ عُرْوَة: فَسَأَلَهُ إِيَّاهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأعْطَاهُ إِيَّاهَا، فَلَمَّا قبض أَخذهَا، ثمَّ طلبَهَا أَبُو بكرٍ فَأعْطَاهُ، فَلَمَّا قبض أَبُو بكر سَأَلَهَا عمر فَأعْطَاهُ إِيَّاهَا، فَلَمَّا قبض عمر أَخذهَا، ثمَّ طلبَهَا عُثْمَان مِنْهُ فَأعْطَاهُ إِيَّاهَا، فَلَمَّا قتل وَقعت إِلَى آل عَليّ، وطلبها عبد الله بن الزبير، فَكَانَت عِنْده حَتَّى قتل.
180 - الْخَامِس: عَن عُرْوَة: أَن أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا للزبير بن الْعَوام يَوْم اليرموك: أَلا تشد فنشد مَعَك؟ قَالَ: إِنِّي إِن شددت كَذبْتُمْ، قَالُوا: لَا نَفْعل.(1/185)
فَحمل عَلَيْهِم حَتَّى شقّ صفوفهم، فجاوزهم وَمَا مَعَه أحد، ثمَّ رَجَعَ مُقبلا، فَأخذُوا بلجامه وضربوه ضربتين على عَاتِقه، بَينهمَا ضَرْبَة ضربهَا يَوْم بدر.
قَالَ عُرْوَة: فَكنت أَدخل أصابعي فِي تِلْكَ الضربات أَلعَب بهَا وَأَنا صَغِير. قَالَ عُرْوَة: وَكَانَ مَعَه عبد الله وَهُوَ ابْن عشر سِنِين، فَحَمله على فرسٍ ووكل بِهِ.
181 - السَّادِس: عَن عُرْوَة بن الزبير عَن أَبِيه، قَالَ: ضربت للمهاجرين يَوْم بدر بِمِائَة سهم.
182 - السَّابِع: عَن هِشَام بن عُرْوَة قَالَ: قَالَ عُرْوَة: كَانَ سيف الزبير محلى بِفِضَّة، قَالَ هِشَام: وَكَانَ سيف عُرْوَة محلى بِفِضَّة.
(8) الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله عَنهُ
183 - الأول: عَن جَابر بن سَمُرَة السوَائِي عَنهُ - أَخْرجَاهُ مُخْتَصرا فِي ذكر الصَّلَاة مِنْهُ، وَأخرجه البُخَارِيّ وَحده بِطُولِهِ من حَدِيث جَابر بن سَمُرَة أَيْضا،(1/186)
قَالَ: شكا أهل الْكُوفَة سَعْدا إِلَى عمر - فَعَزله وَاسْتعْمل عَلَيْهِم عماراً - فشكوا حَتَّى ذكرُوا أَنه لَا يحسن يُصَلِّي، فَأرْسل إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاق، إِن هَؤُلَاءِ يَزْعمُونَ أَنَّك لَا تحسن تصلي. فَقَالَ: أما أَنا وَالله فَإِنِّي كنت أُصَلِّي بهم صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا أخرم عَنْهَا، أُصَلِّي صَلَاتي الْعشي فأركد فِي الْأَوليين وأخف فِي الْأُخْرَيَيْنِ. قَالَ: ذَلِك الظَّن بك يَا أَبَا إِسْحَاق.
فَأرْسل مَعَه رجلا - أَو رجَالًا إِلَى الْكُوفَة - فَسَأَلَ عَنهُ أهل الْكُوفَة، فَلم يدع مَسْجِدا إِلَّا سَأَلَ عَنهُ، ويثنون مَعْرُوفا، حَتَّى دخل مَسْجِدا لبني عبسٍ، فَقَامَ رجلٌ مِنْهُم يُقَال لَهُ أُسَامَة بن قَتَادَة - يكنى أَبَا سعدة - فَقَالَ: أما إِذا نَشَدتنَا فَإِن سَعْدا كَانَ لَا يسير بالسرية. وَلَا يقسم بِالسَّوِيَّةِ، وَلَا يعدل فِي الْقَضِيَّة. فَقَالَ سعد: أما وَالله لأدعون بِثَلَاث: اللَّهُمَّ إِن كَانَ عَبدك هَذَا كَاذِبًا، قَامَ رِيَاء وَسُمْعَة فأطل عمره، وأطل فقره، وَعرضه للفتن. فَكَانَ بعد ذَلِك إِذا سُئِلَ يَقُول: شيخٌ كبيرٌ مفتونٌ، أصابتني دَعْوَة سعد. قَالَ عبد الْملك بن عُمَيْر، الرَّاوِي عَن جَابر بن سَمُرَة: فَأَنا رَأَيْته بعد قد سقط حاجباه على عَيْنَيْهِ من الْكبر، وَإنَّهُ ليتعرض للجواري فِي الطّرق فيغمزهن.
وَفِي رِوَايَة شُعْبَة، عَن أبي عونٍ مُحَمَّد بن عبيد الله الثَّقَفِيّ من كَلَام سعد، قَالَ: أما أَنا فأمد فِي الْأَوليين وأحذف فِي الْأُخْرَيَيْنِ. وَلَا آلو مَا اقتديت بِهِ من صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ: صدقت، ذَلِك الظَّن بك، أَو ظَنِّي بك.(1/187)
وَأخرجه أَبُو بكر البرقاني فِي كِتَابه الْمخْرج على الصَّحِيحَيْنِ بِطُولِهِ بِنَحْوِ مَا أخرجه البُخَارِيّ، وَفِي آخِره قَالَ: قَالَ عبد الْملك بن عُمَيْر: فَأَنا رَأَيْته يتَعَرَّض للإماء فِي السكَك، فَإِذا قيل لَهُ: كَيفَ أَنْت يَا أَبَا سعدة؟ قَالَ: كبيرٌ مفتونٌ، أصابتني دَعْوَة سعد.
184 - الثَّانِي: عَن الزُّهْرِيّ، عَن عَامر بن سعد بن أبي وَقاص عَن أَبِيه قَالَ: أعْطى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رهطاً وَأَنا جالسٌ، فَترك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم رجلا هُوَ أعجبهم إِلَيّ، فَقُمْت فَقلت: مَا لَك عَن فلَان؟ وَالله إِنِّي لأراه مُؤمنا. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أَو مُسلما ". ذكر ذَلِك سعد ثَلَاثًا وأجابه بِمثل ذَلِك، ثمَّ قَالَ: " إِنِّي لأعطي الرجل وَغَيره أحب إِلَيّ مِنْهُ، خشيَة أَن يكب فِي النَّار على وَجهه ".
فِي رِوَايَة: قَالَ الزُّهْرِيّ: فنرى أَن الْإِسْلَام: الْكَلِمَة، وَالْإِيمَان: الْعَمَل الصَّالح.
وَهُوَ فِي أَفْرَاد مُسلم عَن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن سعد عَن أَبِيه عَن جده: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قسم قسما وَترك رجلا ... وَذكر نَحْو حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن عَامر ابْن سعد.
185 - الثَّالِث: عَن عَامر بن سعد عَن أَبِيه من رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَن عَامر، وَمن(1/188)
رِوَايَة سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن عَامر عَن أَبِيه. قَالَ: قَالَ سعد: جَاءَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعودنِي عَام حجَّة الْوَدَاع من وجع اشْتَدَّ بِي، فَقلت: يَا رَسُول الله، إِنِّي قد بلغ بِي من الوجع مَا ترى، وَأَنا ذُو مالٍ، وَلَا يَرِثنِي إِلَّا ابنةٌ لي، أفأتصدق بِثُلثي مَالِي؟ قَالَ: " لَا ". قَالَ: قلت: فَالشَّطْر يَا رَسُول الله؟ قَالَ: " لَا ". قلت: فَالثُّلُث، قَالَ: " الثُّلُث، وَالثلث كثير أَو كَبِير، إِنَّك إِن تذر وَرثتك أَغْنِيَاء خيرٌ من أَن تَدعهُمْ عَالَة يَتَكَفَّفُونَ النَّاس، وَإنَّك لن تنْفق نَفَقَة تبتغي بهَا وَجه الله إِلَّا أجرت بهَا، حَتَّى مَا تجْعَل فِي فِي امْرَأَتك " قَالَ: فَقلت: يَا رَسُول الله، أخلف بعد أَصْحَابِي؟ قَالَ: " إِنَّك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي بِهِ وَجه الله إِلَّا ازددت بِهِ دَرَجَة ورفعةً، ولعلك تخلف حَتَّى ينْتَفع بك أقوامٌ ويضر بك آخَرُونَ. اللَّهُمَّ أمض لِأَصْحَابِي هجرتهم وَلَا تردهم على أَعْقَابهم، وَلَكِن البائس سعد بن خَوْلَة " يرثي لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن مَاتَ بِمَكَّة.
وَرِوَايَة سعد بن إِبْرَاهِيم بِمَعْنَاهُ، وَلم يذكر قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام فِي سعد بن خَوْلَة، غير أَنه قَالَ: وَكَانَ يكره أَن يَمُوت بِالْأَرْضِ الَّتِي هَاجر مِنْهَا.
وَهُوَ فِي أَفْرَاد البُخَارِيّ عَن هَاشم بن هَاشم عَن عَامر بن سعد عَن أَبِيه قَالَ: مَرضت، فعادني ... مُخْتَصر. وَفِيه " الثُّلُث، وَالثلث كثير ".(1/189)
وَفِي أَفْرَاده أَيْضا عَن عَائِشَة بنت سعد عَن أَبِيهَا بِنَحْوِ ذَلِك.
وَفِي أَفْرَاد مُسلم من رِوَايَة عبد الْملك بن عُمَيْر، عَن مُصعب بن سعد نَحوه.
فِي أَفْرَاده من رِوَايَة سماك بن حَرْب عَن مُصعب بن سعد عَن أَبِيه نَحوه.
وَهُوَ فِي أَفْرَاده عَن ثَلَاثَة عَن ولد سعد عَنهُ نَحْو ذَلِك، وَأَن سَعْدا قَالَ: إِنِّي قد خفت أَن أَمُوت بِالْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرت مِنْهَا. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
اللَّهُمَّ اشف سَعْدا، اللَّهُمَّ اشف سَعْدا " وَفِيه ذكر الْوَصِيَّة، و " الثُّلُث وَالثلث كثير ". وَفِيه: " إِن صدقتك من مَالك صَدَقَة، وَإِن نَفَقَتك على عِيَالك صَدَقَة، وَإِن مَا تَأْكُل امْرَأَتك من مَالك صَدَقَة ".
186 - الرَّابِع: من رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَن عَامر عَنهُ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِن أعظم الْمُسلمين فِي الْمُسلمين جرما من سَأَلَ عَن شيءٍ لم يحرم على النَّاس فَحرم من أجل مَسْأَلته ".
187 - الْخَامِس: عَن سَالم أبي النَّضر مولى عمر بن عبيد الله بن عَامر بن سعد عَن أَبِيه قَالَ: مَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأحدٍ يمشي على الأَرْض إِنَّه من أهل الْجنَّة إِلَّا لعبد الله بن سَلام. وَفِيه نزلت هَذِه الْآيَة: {وَشهد شَاهد من بني إِسْرَائِيل} [سُورَة الْأَحْقَاف] ، قَالَ الرَّاوِي: لَا أَدْرِي قَالَ مَالك الْآيَة أَو فِي الحَدِيث.(1/190)
188 - السَّادِس: عَن هَاشم بن هَاشم بن عتبَة بن أبي وَقاص عَن عَامر قَالَ: سَمِعت سَعْدا يَقُول: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " من تصبح بسبعٍ تمراتٍ عَجْوَة لم يضرّهُ ذَلِك الْيَوْم سمٌّ وَلَا سحرٌ ".
قَالَ أَبُو بكر البرقاني: فِي رِوَايَة مكي بن إِبْرَاهِيم: قَالَ هَاشم: لَا أعلم إِلَّا أَن عَامِرًا ذكر من عَجْوَة الْعَالِيَة.
وَهُوَ فِي أَفْرَاد مُسلم عَن أبي طوالة عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن معمر عَن عَامر ابْن سعد عَن أَبِيه: أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " من أكل سبع تمرات مِمَّا بَين لابتيها حِين يصبح لم يضرّهُ سمٌّ حَتَّى يُمْسِي ".
189 - السَّابِع: عَن مُحَمَّد بن سعد بن أبي وَقاص من رِوَايَة عبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن بن زيد بن الْخطاب عَنهُ عَن أَبِيه قَالَ: اسْتَأْذن عمر على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعِنْده نسوةٌ من قُرَيْش، يكلمنه - وَفِي رِوَايَة يسألنه - ويستكثرنه، عاليةً أصواتهن على صَوته، فَلَمَّا اسْتَأْذن عمر قمن يبتدرن الْحجاب، فَأذن لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَدخل عمر وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يضْحك، فَقَالَ: أضْحك الله سنك يَا رَسُول الله، بِأبي وَأمي. زَاد عَن البرقاني: مَا أضْحكك؟ قَالَ: " عجبت من هَؤُلَاءِ اللَّاتِي كن عِنْدِي، فَلَمَّا سمعن صَوْتك ابتدرن الْحجاب " قَالَ عمر: فَأَنت يَا رَسُول الله أَحَق أَن يهبن. ثمَّ قَالَ عمر: أَي عدوات أَنْفسهنَّ، أتهبنني وَلَا تهبن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم! قُلْنَ: نعم، أَنْت أفظ وَأَغْلظ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إيه يَا ابْن الْخطاب، وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، مَا لقيك الشَّيْطَان سالكاً فجاً قطّ إِلَّا سلك فجاً غير فجك ".(1/191)
190 - الثَّامِن: عَن مُصعب بن سعد بن أبي وَقاص من رِوَايَة الحكم بن عُيَيْنَة عَنهُ عَن أَبِيه قَالَ: خلف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَليّ بن أبي طَالب فِي غَزْوَة تَبُوك، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أتخلفني فِي النِّسَاء وَالصبيان؟ فَقَالَ: " أما ترْضى أَن تكون مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى، غير أَنه لَا نَبِي بعدِي ".
وَهُوَ فِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ مِنْهُمَا من رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن سعد بن أبي وَقاص عَن أَبِيه، وَلَيْسَ فِي حَدِيثه: " غير أَنه لَا نَبِي بعدِي ".
وَهُوَ فِي أَفْرَاد مُسلم من رِوَايَة سعيد بن الْمسيب عَن عَامر بن سعد عَن سعد أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعَلي: " أَنْت مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى، إِلَّا أَنه لَا نَبِي بعدِي ". فِيهِ أَنه سَمعه سعيد بن الْمسيب أَيْضا من سعد.
191 - التَّاسِع: عَن مُصعب أَيْضا من رِوَايَة أبي يَعْفُور وقدان الْعَبْدي عَنهُ، عَن أَبِيه قَالَ: صليت إِلَى جنب أبي، فطبقت بَين كفي ثمَّ وضعتهما بَين فَخذي، فنهاني عَن ذَلِك وَقَالَ: كُنَّا نَفْعل هَذَا فنهينا عَنهُ، وأمرنا أَن نضع أَيْدِينَا على الركب.
وَهُوَ فِي أَفْرَاد مُسلم عَن الزبير بن عدي عَن مُصعب بن سعد عَن أَبِيه نَحوه.
192 - الْعَاشِر: عَن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن سعد قَالَ: رَأَيْت عَن يَمِين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَن شِمَاله يَوْم أحدٍ رجلَيْنِ عَلَيْهِمَا ثِيَاب بيضٌ، يقاتلان عَنهُ كأشد الْقِتَال، مَا رأيتهما قبل وَلَا بعد. يَعْنِي جِبْرِيل وَمِيكَائِيل عَلَيْهِمَا السَّلَام.
193 - الْحَادِي عشر: عَن الزُّهْرِيّ، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن سعد قَالَ: رد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على عُثْمَان بن مظعونٍ التبتل، وَلَو أذن لَهُ لاختصينا.(1/192)
194 - الثَّانِي عشر: من رِوَايَة يحيى بن سعيد عَن ابْن الْمسيب، عَن سعد قَالَ: جمع لي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَوَيْهِ يَوْم أحد.
وَهُوَ فِي أَفْرَاد البُخَارِيّ من رِوَايَة هَاشم بن هَاشم السَّعْدِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن سعد، وَقَالَ فِيهِ: نثل لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كِنَانَته يَوْم أحد وَقَالَ: " ارْمِ، فدَاك أبي وَأمي ".
وَهُوَ أَيْضا فِي أَفْرَاد مُسلم، عَن عَامر بن سعد بن أبي وَقاص من رِوَايَة بكير بن مِسْمَار عَنهُ عَن أَبِيه أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمع لَهُ أَبَوَيْهِ يَوْم أحد، وَزَاد فِيهِ قَالَ: كَانَ رجلٌ من الْمُشْركين قد أحرق الْمُسلمين، فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " ارْمِ، فدَاك أبي وَأمي " قَالَ: فنزعت لَهُ بِسَهْم لَيْسَ فِيهِ نصلٌ، فَأَصَبْت جنبه فَسقط وانكشفت عَوْرَته، فَضَحِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى نظرت إِلَى نَوَاجِذه.
195 - الثَّالِث عشر: عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ عَن سعد وَأبي بكرَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " من ادّعى إِلَى غير أَبِيه وَهُوَ يعلم أَنه غير أَبِيه فالجنة عَلَيْهِ حرامٌ ".
196 - الرَّابِع عشر: عَن قيس بن أبي حَازِم عَن سعد قَالَ: وَالله إِنِّي لأوّل رجلٍ من الْعَرَب رمى بسهمٍ فِي سَبِيل الله، وَلَقَد كُنَّا نغزو مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا لنا طعامٌ إِلَّا ورقٌ الحبلة وَهَذَا السمر، حَتَّى إِن كَانَ أَحَدنَا ليضع كَمَا تضع الشَّاة،(1/193)
مَاله خلط، ثمَّ أَصبَحت بَنو أسدٍ تعزرني على الْإِسْلَام، لقد خبت إِذا وضل عَمَلي، وَكَانُوا وشوا بِهِ إِلَى عمر وَقَالُوا: لَا يحسن يُصَلِّي.
197 - الْخَامِس عشر: فِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ من ترجمتين: فَهُوَ فِي أَفْرَاد البُخَارِيّ من رِوَايَة عَائِشَة بنت سعد عَن أَبِيهَا، قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " لَا يكيد أهل الْمَدِينَة أحدٌ إِلَّا انماع كَمَا ينماع الْملح فِي المَاء ".
وَفِي أَفْرَاد مُسلم عَن عُثْمَان بن حَكِيم من رِوَايَة مَرْوَان عَن مُعَاوِيَة عَنهُ، عَن عَامر بن سعد عَن أَبِيه، فِي آخر حَدِيث تَحْرِيم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا بَين لابتي الْمَدِينَة، قَالَ: " وَلَا يُرِيد أحدٌ أهل الْمَدِينَة بِسوء إِلَّا أذابه الله فِي النَّار ذوب الرصاص، أَو ذوب الْملح فِي المَاء ".
وَهُوَ فِي أَفْرَاد مُسلم أَيْضا عَن أبي عبد الله الْقَرَّاظ عَن سعد وَأبي هُرَيْرَة: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: " اللَّهُمَّ بَارك لأهل الْمَدِينَة فِي مدهم " وَفِيه: " من أَرَادَ أَهلهَا بسوءٍ أذابه الله عز وَجل كَمَا يذوب الْملح فِي المَاء ".
أَفْرَاد البُخَارِيّ
198 - الأول: عَن عبد الله بن عمر: أَن سَعْدا حَدثهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنه مسح على الْخُفَّيْنِ، وَأَن ابْن عمر سَأَلَ عَن ذَلِك عمر فَقَالَ: نعم، إِذا حَدثَك سعدٌ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا فَلَا تسْأَل عَنهُ غَيره.(1/194)
199 - الثَّانِي: عَن هَاشم بن هَاشم، عَن عَامر بن سعد عَن سعدٍ قَالَ: لقد رَأَيْتنِي وَأَنا ثلث الْإِسْلَام.
وَهُوَ فِي أَفْرَاده أَيْضا عَن هَاشم بن هَاشم عَن سعيد بن الْمسيب عَن سعدٍ قَالَ: مَا أسلم أحدٌ إِلَّا فِي الْيَوْم الَّذِي أسلمت فِيهِ. كَذَا فِي أصل البُخَارِيّ فِي موضِعين. قَالَ: وَلَقَد مكثت سَبْعَة أَيَّام وَإِنِّي لثلث الْإِسْلَام.
200 - الثَّالِث: عَن عبد الْملك بن عُمَيْر عَن مُصعب بن سعد: أَن أَبَاهُ سَعْدا كَانَ يَأْمر بهؤلاء الْخمس ويحدثهن عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْبُخْل، وَأَعُوذ بك من الْجُبْن، وَأَعُوذ بك أَن أرد إِلَى أرذل الْعُمر، وَأَعُوذ بك من فتْنَة الدَّجَّال، وَأَعُوذ بك من عَذَاب الْقَبْر ".
وَهُوَ فِي أَفْرَاده أَيْضا عَن عَمْرو بن مَيْمُون الأودي، من رِوَايَة عبد الْملك بن عُمَيْر عَنهُ عَن سعد:
أَنه كَانَ يعلم بنيه هَؤُلَاءِ الْكَلِمَات، كَمَا يعلم الْمعلم الغلمان الْكِتَابَة، وَيَقُول: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتَعَوَّذ بِهن دبر كل صَلَاة. وَذكر الْخمس، إِلَّا أَنه قَالَ: " أعوذ بك من فتْنَة الدُّنْيَا " بدل " الدَّجَّال ". قَالَ عبد الْملك: فَحدثت بِهِ مصعباً فَصدقهُ.
201 - الرَّابِع: عَن عَمْرو بن مرّة، عَن مُصعب بن سعد قَالَ: سَأَلت أبي - يَعْنِي عَن قَوْله: {قل هَل ننبئكم بالأخسرين أعمالا} [سُورَة الْكَهْف] ، أهم الحرورية؟ قَالَ: لَا، هم الْيَهُود وَالنَّصَارَى. أما الْيَهُود فكذبوا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالنَّصَارَى كذبُوا(1/195)
بِالْجنَّةِ، قَالُوا: لَا طَعَام فِيهَا وَلَا شراب. والحرورية: الَّذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، وَكَانَ سعدٌ يسميهم الْفَاسِقين.
202 - الْخَامِس: عَن طَلْحَة بن مصرف عَن مُصعب بن سعد قَالَ: رأى سعدٌ أَن لَهُ فضلا على من دونه، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " هَل تنْصرُونَ وترزقون إِلَّا بضعفائكم ".
هَكَذَا أخرجه البُخَارِيّ مُنْقَطِعًا ومرسلاً من رِوَايَة سُلَيْمَان بن حَرْب، وجوده مسعر عَن مُحَمَّد بن طَلْحَة عَن أَبِيه فَقَالَ فِيهِ: عَن مُصعب بن سعد عَن أَبِيه، وَأخرجه أَيْضا أَبُو بكر البرقاني عَن مسعر وَعَن غَيره مُسْندًا.
أَفْرَاد مُسلم
203 - الأول: عَن الزُّهْرِيّ عَن عَامر بن سعد عَن أَبِيه: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بقتل الوزغ، وَسَماهُ فويسقاً.
204 - الثَّانِي: عَن عَامر بن سعد من رِوَايَة ابْن أَخِيه إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد بن سعد عَنهُ عَن أَبِيه، قَالَ: كنت أرى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسلم عَن يَمِينه وَعَن يسَاره، حَتَّى أرى بَيَاض خَدّه.
205 - الثَّالِث: عَن عَامر من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد عَنهُ قَالَ: قَالَ سعد: الحدوا لي لحداً، وانصبوا عَليّ اللَّبن نصبا كَمَا صنع برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.(1/196)
206 - الرَّابِع: عَن إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد عَن عَمه عَامر بن سعد: أَن سَعْدا ركب إِلَى قصره بالعقيق، فَوجدَ عبدا يقطع شَجرا أَو يخبطه، فسلبه، فَلَمَّا رَجَعَ سعدٌ جَاءَ أهل العَبْد، وكلموه أَن يرد على غلامهم أَو عَلَيْهِم مَا أَخذ من غلامهم، فَقَالَ: معَاذ الله أَن أرد شَيْئا نفلنيه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وأبى أَن يرد عَلَيْهِم.
207 - الْخَامِس: عَن عَامر بن سعد من رِوَايَة حَكِيم بن عبد الله بن قيس بن مخرمَة المَخْزُومِي عَنهُ عَن سعد: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " من قَالَ حِين يسمع الْمُؤَذّن: وَأَنا أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، رضيت بِاللَّه رَبًّا، وبمحمدٍ رَسُولا، وَبِالْإِسْلَامِ دينا، غفر لَهُ ذَنبه ".
208 - السَّادِس: عَن عَامر بن سعد من رِوَايَة بكير بن مِسْمَار عَنهُ قَالَ: أَمر مُعَاوِيَة ابْن أبي سُفْيَان سعد بن أبي وَقاص فَقَالَ: مَا مَنعك أَن تسب أَبَا تُرَاب؟ .
فَقَالَ: أما مَا ذكرت ثَلَاثًا قالهن لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَنْ أسبه، لِأَن تكون لي واحدةٌ مِنْهُنَّ أحب إِلَيّ من حمر النعم:
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَهُ - وَخَلفه فِي بعض مغازيه، فَقَالَ لَهُ عَليّ: يَا رَسُول الله، خلفتني مَعَ النِّسَاء وَالصبيان؟ فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أما ترْضى أَن تكون مني بِمَنْزِلَة هَارُون من مُوسَى، إِلَّا أَنه لَا نبوة بعدِي ".
وسمعته يَقُول لَهُ يَوْم خَيْبَر: " لَأُعْطيَن الرَّايَة رجلا يحب الله وَرَسُوله، وَيُحِبهُ الله وَرَسُوله ". قَالَ: فتطاولنا، فَقَالَ: " ادعوا لي علياًّ " فَأتي بِهِ أرمد، فبصق فِي عينه، وَدفع إِلَيْهِ الرَّايَة، فَفتح الله عَلَيْهِ.(1/197)
وَلما نزلت هَذِه الْآيَة: {نَدع أبناءنا وأبناءكم} [سُورَة آل عمرَان] ، دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علياًّ وَفَاطِمَة وحسناً وَحسَيْنا فَقَالَ: " اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهلِي ".
209 - السَّابِع: عَن عَامر بن سعد من رِوَايَة بكير أَيْضا قَالَ: كَانَ سعد بن أبي وَقاص فِي إبِله، فجَاء ابْنه عمر، فَلَمَّا رَآهُ سعد قَالَ: أعوذ بِاللَّه من شَرّ هَذَا الرَّاكِب، فَنزل، فَقَالَ لَهُ: أنزلت فِي إبلك وغنمك وَتركت النَّاس يتنازعون الْملك بَينهم؟ فَضرب سعدٌ فِي صَدره وَقَالَ: اسْكُتْ، سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " إِن الله يحب العَبْد التقي الْغَنِيّ الْخَفي ".
210 - الثَّامِن: عَن عُثْمَان بن حَكِيم من رِوَايَة عبد الله بن نمير ومروان ابْن مُعَاوِيَة عَنهُ، عَن عَامر بن سعد عَن أَبِيه: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِنِّي أحرم مَا بَين لابتي الْمَدِينَة أَن يقطع عضاهها، أَو يقتل صيدها " وَقَالَ: " الْمَدِينَة خيرٌ لَهُم لَو كَانُوا يعلمُونَ، لَا يَدعهَا أحدٌ رَغْبَة عَنْهَا إِلَّا أبدل الله فِيهَا من هُوَ خيرٌ مِنْهُ، وَلَا يثبت أحدٌ على لأوائها وجهدها إِلَّا كنت لَهُ شَفِيعًا أَو شَهِيدا يَوْم الْقِيَامَة ".
211 - التَّاسِع: عَن عُثْمَان أَيْضا عَن عَامر بن سعد عَن أَبِيه: أَنه أقبل مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي طَائِفَة من أَصْحَابه من الْعَالِيَة، حَتَّى إِذا مر بِمَسْجِد بني مُعَاوِيَة دخل فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، وصلينا مَعَه، ودعا ربه طَويلا ثمَّ انْصَرف إِلَيْنَا فَقَالَ: " سَأَلت رَبِّي ثَلَاثًا، فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَة: سَأَلت رَبِّي أَلا يهْلك أمتِي بِالسنةِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلته أَلا يهْلك أمتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلته أَلا يَجْعَل بأسهم بَينهم فَمَنَعَنِيهَا ".(1/198)
212 - الْعَاشِر: عَن يُونُس بن جبيرٍ عَن مُحَمَّد بن سعد عَن أَبِيه: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لِأَن يمتلئ جَوف أحدكُم قَيْحا حَتَّى يرِيه خيرٌ لَهُ من أَن يمتلئ شعرًا ".
213 - الْحَادِي عشر: عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن مُحَمَّد بن سعد أَن سَعْدا قَالَ: ضرب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدِهِ على الْأُخْرَى ثمَّ قَالَ: " الشَّهْر هَكَذَا وَهَكَذَا: ثمَّ نقص فِي الثَّالِثَة إصبعاً ".
214 - الثَّانِي عشر: عَن مُوسَى الْجُهَنِيّ، عَن مُصعب بن سعد عَن سعد قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا نَبِي الله، عَلمنِي كلَاما أقوله، قَالَ: " قل: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، الله أكبر كَبِيرا، وَالْحَمْد لله كثيرا، وَسُبْحَان الله رب الْعَالمين، لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعَزِيز الْحَكِيم ". قَالَ: فَهَؤُلَاءِ لرَبي، فَمَا لي؟ قَالَ: " قل اللَّهُمَّ اغْفِر لي، وارحمني، واهدني، وارزقني، وَعَافنِي "، شكّ الرَّاوِي فِي " عَافنِي ".
215 - الثَّالِث عشر: عَن مُوسَى الْجُهَنِيّ أَيْضا عَن مُصعب بن سعد عَن سعد قَالَ: كُنَّا عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " أَيعْجزُ أحدكُم أَن يكْسب فِي كل يَوْم ألف حَسَنَة؟ " فَسَأَلَهُ سَائل من جُلَسَائِهِ: كَيفَ يكْسب أَحَدنَا ألف حَسَنَة؟ قَالَ: " يسبح مائَة تَسْبِيحَة فَيكْتب لَهُ ألف حَسَنَة، أَو يحط عَنهُ ألف خَطِيئَة ".
هَكَذَا هُوَ فِي كتاب مُسلم فِي جَمِيع الرِّوَايَات عَن مُوسَى: " أَو يحط عَنهُ ألف خَطِيئَة " قَالَ أَبُو بكر البرقاني: وَرَوَاهُ شُعْبَة وَأَبُو عوَانَة وَيحيى بن سعيد الْقطَّان، عَن مُوسَى فَقَالُوا " ويحط " بِغَيْر ألف.(1/199)
216 - الرَّابِع عشر: عَن مُصعب بن سعد عَن أَبِيه - من رِوَايَة سماك بن حَرْب، عَن مُصعب: أَن سَعْدا قَالَ: أنزلت فِي أَربع آيَات من الْقُرْآن.
قَالَ: حَلَفت أم سعدٍ أَلا تكَلمه أبدا حَتَّى يكفر بِدِينِهِ، وَلَا تَأْكُل وَلَا تشرب، قَالَت: زعمت أَن الله وصاك بِوَالِدَيْك، فَأَنا أمك، وَأَنا آمُرك بِهَذَا. قَالَ: مكثت ثَلَاثًا حَتَّى غشي عَلَيْهَا من الْجهد، فَقَامَ ابْن لَهَا يُقَال لَهَا عمَارَة، فَسَقَاهَا، فَجعلت تَدْعُو على سعد، فَأنْزل الله عز وَجل فِي الْقُرْآن هَذِه الْآيَة: {وَوَصينَا الْإِنْسَان بِوَالِديهِ حسنا} ، {وَإِن جَاهَدَاك على أَن تشرك بِي مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم فَلَا تطعهما وصاحبهما فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفا} .
قَالَ: وَأصَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غنيمَة عَظِيمَة، فَإِذا فِيهَا سيفٌ، فَأَخَذته، فَأتيت بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: نفلني هَذَا السَّيْف، فَأَنا من قد علمت حَاله. فَقَالَ: " رده حَيْثُ أَخَذته " فَانْطَلَقت حَتَّى أردْت أَن ألقيه فِي الْقَبْض لامتني نَفسِي، فَرَجَعت إِلَيْهِ فَقلت: أعطنيه. قَالَ: فَشد لي صَوته: " رده من حَيْثُ أَخَذته " قَالَ: فَأنْزل الله عز وَجل: {يَسْأَلُونَك عَن الْأَنْفَال} [سُورَة الْأَنْفَال] .
ومرضت، فَأرْسلت إِلَيّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأَتَانِي، فَقلت: دَعْنِي أقسم مَالِي حَيْثُ شِئْت. قَالَ: فَأبى. قلت: فالنصف. قَالَ فَأبى. قلت: فَالثُّلُث. فَسكت وَكَانَ بعد الثُّلُث جَائِزا.
قَالَ: وأتيت على نفرٍ من الْأَنْصَار والمهاجرين، فَقَالُوا: تعال نُطْعِمك ونسقيك خمرًا، وَذَلِكَ قبل أَن تحرم الْخمر. قَالَ: فأتيتهم فِي حشٍّ - والحش: الْبُسْتَان - فَإِذا رَأس جزور مشويٌّ عِنْدهم، وزق من خمر، فَأكلت وشربت مَعَهم، قَالَ: فَذكرت الْأَنْصَار والمهاجرين عِنْدهم، فَقلت: الْمُهَاجِرُونَ خيرٌ من الْأَنْصَار. قَالَ: فَأخذ(1/200)
رجلٌ أحد لحيي الرَّأْس فضربني بِهِ، فجرح أنفي، فَأتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته، فَأنْزل الله عز وَجل فِي - يَعْنِي نَفسه -: {إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشَّيْطَان}
[سُورَة الْمَائِدَة] .
فِي حَدِيث شُعْبَة - فِي قصَّة أم سعد، قَالَ: فَكَانُوا إِذا أَرَادوا أَن يطعموها شجروا فاها بعصاً، ثمَّ أوجروها. وَقَالَ فِي آخِره: فَضرب بِهِ أنف سعدٍ ففزره، فَكَانَ أنف سعدٍ مفزوراً.
217 - الْخَامِس عشر: عَن إِبْرَاهِيم بن سعد بن مَالك من رِوَايَة حبيب بن ثَابت عَنهُ عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِنَحْوِ حَدِيث أُسَامَة بن زيد فِي الطَّاعُون: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِن هَذَا الوجع رجزٌ وَعَذَاب، أَو بَقِيَّة عَذَاب عذب بِهِ أناسٌ من قبلكُمْ، فَإِذا كَانَ بأرضٍ وَأَنْتُم بهَا فَلَا تخْرجُوا مِنْهَا، وَإِذا بَلغَكُمْ أَنه بأرضٍ فَلَا تدخلوها ".
وَفِي رِوَايَة الْأَعْمَش عَن حبيب، عَن إِبْرَاهِيم بن سعد أَنه قَالَ: كَانَ أُسَامَة وَسعد جالسين يتحدثان، فَقَالَا: قَالَ رَسُول الله. . بِنَحْوِ ذَلِك.
218 - السَّادِس عشر: عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا يزَال أهل الغرب ظَاهِرين على الْحق حَتَّى تقوم السَّاعَة ".
219 - السَّابِع عشر: عَن غنيم بن قيس الْمَازِني قَالَ: سَأَلت سعد بن أبي وَقاص عَن الْمُتْعَة فِي الْحَج، قَالَ: فعلناها وَهَذَا يومئذٍ كافرٌ بالعرش. يَعْنِي بيُوت مَكَّة.
وَفِي رِوَايَة يحيى بن سعيد عَن التَّيْمِيّ: يَعْنِي مُعَاوِيَة.
220 - الثَّامِن عشر: عَن شُرَيْح بن هَانِئ عَن سعد قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِتَّة نفرٍ، فَقَالَ الْمُشْركُونَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اطرد هَؤُلَاءِ لَا يجترئون علينا. قَالَ: وَكنت أَنا،(1/201)
وَابْن مَسْعُود، وَرجل من هُذَيْل، وبلال، ورجلان لست أسميهما، فَوَقع فِي نفس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا شَاءَ الله أَن يَقع، فَحدث نَفسه، فَأنْزل الله عز وَجل: {وَلَا تطرد الَّذين يدعونَ رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي يُرِيدُونَ وَجهه} [سُورَة الْأَنْعَام] . وَالله أعلم.
(9) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند سعيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل الْقرشِي رَضِي الله عَنهُ
221 - الأول: عَن عَمْرو بن حُرَيْث قَالَ: سَمِعت سعيد بن زيد يَقُول: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " الكمأة من الْمَنّ، وماؤها شفاءٌ للعين ".
222 - الثَّانِي: عَن عُرْوَة بن الزبير: أَن سعيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل خاصمته أروى بنت أَوْس - وَقيل أويس - إِلَى مَرْوَان بن الحكم، وَادعت أَنه أَخذ شَيْئا من أرْضهَا، فَقَالَ سعيد: أَنا آخذ من أرْضهَا شَيْئا بعد الَّذِي سَمِعت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم! قَالَ: مَاذَا سَمِعت؟ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " من أَخذ شبْرًا من الأَرْض ظلما طوقه إِلَى سبع أَرضين " فَقَالَ لَهُ مَرْوَان: لَا أَسأَلك بَيِّنَة بعد هَذَا.(1/202)
فَقَالَ سعيد: اللَّهُمَّ إِن كَانَت كَاذِبَة فأعم بصرها، واقتلها فِي أرْضهَا. قَالَ: فَمَا مَاتَت حَتَّى ذهب بصرها. وبينما هِيَ تمشي فِي أرْضهَا إِذْ وَقعت فِي حُفْرَة فَمَاتَتْ.
وَهُوَ فِي أَفْرَاد البُخَارِيّ، عَن عبد الرَّحْمَن بن سهل عَن سعيد بن زيد، الْمسند مِنْهُ:
من ظلم من الأَرْض شبْرًا طوقه من سبع أَرضين ".
وَكَذَلِكَ فِي أَفْرَاد مُسلم من رِوَايَة سهل بن سعد السَّاعِدِيّ عَن سعيد بن زيد، الْمسند مِنْهُ أَيْضا: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
من اقتطع شبْرًا من الأَرْض ظلما طوقه الله إِيَّاه يَوْم الْقِيَامَة من سبع أَرضين ".
وَهُوَ فِي أَفْرَاد مُسلم أَيْضا من رِوَايَة مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر عَن سعيد بن زيد نَحْو حَدِيث عُرْوَة بِمَعْنَاهُ، إِلَّا أَنه قَالَ: إِن الْخُصُومَة كَانَت فِي دَار، وَذكر دُعَاء سعيد عَلَيْهَا، وَأَنه رَآهَا عمياء تلتمس الْجدر، تَقول: أصابتني دَعْوَة سعيد، وَأَنَّهَا مرت على بِئْر فِي الدَّار فَوَقَعت فِيهَا، وَكَانَت قبرها.
223 - وللبخاري وَحده: عَن قيس بن أبي حَازِم عَن سعيد بن زيد قَالَ: لقد رَأَيْتنِي موثقي عمر على الْإِسْلَام أَنا وَأُخْته وَمَا أسلم، وَلَو أَن أحدا انقض وَقيل: أرفض - للَّذي صَنَعْتُم بعثمان لَكَانَ محقوقاً أَن ينْقض.(1/203)
(10) حَدِيث وَاحِد عَن أبي عُبَيْدَة بن الْجراح رَضِي الله عَنهُ
224 - من أَفْرَاد مُسلم: عَن أبي الزبير عَن جَابر قَالَ: بعثنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأمر علينا أَبَا عُبَيْدَة نتلقى عيرًا لقريش، وزودنا جراباً من تمر لم يجد لنا غَيره، فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَة يُعْطِينَا تَمْرَة تَمْرَة. قَالَ: فَقلت: كَيفَ كُنْتُم تَصْنَعُونَ بهَا؟ قَالَ: نمصها كَمَا يمص الصَّبِي، ثمَّ نشرب عَلَيْهَا من المَاء، فتكفينا يَوْمنَا إِلَى اللَّيْل. وَكُنَّا نضرب بعصينا الْخبط ثمَّ نبله بِالْمَاءِ فنأكله.
قَالَ: فَانْطَلَقْنَا على سَاحل الْبَحْر، فَرفع لنا على سَاحل الْبَحْر كَهَيئَةِ الْكَثِيب الضخم، فأتيناه فَإِذا هِيَ دابةٌ تدعى العنبر. قَالَ: فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: ميتةٌ، ثمَّ قَالَ: لَا، بل نَحن رسل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي سَبِيل الله، وَقد اضطررتم، فَكُلُوا. قَالَ: فَأَقَمْنَا عَلَيْهِ شهرا وَنحن ثَلَاثمِائَة حَتَّى سمنا، قَالَ: وَلَقَد رَأَيْتنَا نغترف من وَقب عَيْنَيْهِ بالقلال الدّهن، ونقتطع مِنْهُ الفدر كالثور أَو كَقدْر الثور، فَلَقَد أَخذ منا أَبُو عُبَيْدَة ثَلَاثَة عشر رجلا فَأَقْعَدَهُمْ فِي وَقب عينه، وَأخذ ضلعاً من أضلاعه فأقامها، ثمَّ رَحل أعظم بعيرٍ منا فَمر من تحتهَا، وتزودنا من لَحْمه وشائق، فَلَمَّا قدمنَا الْمَدِينَة أَتَيْنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذَكرنَا لَهُ ذَلِك فَقَالَ: " هُوَ رزقٌ أخرجه الله لكم، فَهَل مَعكُمْ من لحْمَة شيءٌ فتطعمونا؟ " قَالَ: فَأَرْسَلنَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُ فَأَكله.(1/204)
قَوْله: نَحن رسل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هُوَ مُسْند أبي عُبَيْدَة من هَذَا الحَدِيث، وَإِلَّا فَهُوَ من مُسْند جَابر. وَيُقَال: انْفَرد بِهَذِهِ الزِّيَادَة من قَول أبي عُبَيْدَة أَبُو الزبير، وَسَائِر الروَاة عَن جَابر لَا يذكرونها، وَلَيْسَ لأبي عُبَيْدَة بن الْجراح فِي الصَّحِيحَيْنِ غير هَذَا الْفَصْل من هَذَا الحَدِيث.
آخر مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن الْعشْرَة رضوَان الله عَلَيْهِم.(1/205)
صفحة فارغة(1/206)
الْقسم الثَّانِي مسانيد المقدمين بعد الْعشْرَة(1/207)
صفحة فارغة(1/208)
(11) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ
225 - الأول: عَن عَلْقَمَة بن قيس النَّخعِيّ عَنهُ قَالَ: لما نزلت: {الَّذين ءامنوا وَلم يلبسوا إيمنهم بظُلْم} [سُورَة الْأَنْعَام] شقّ ذَلِك على أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالُوا: يَا رَسُول الله، أَيّنَا لم يظلم نَفسه؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَيْسَ ذَاك، وَإِنَّمَا هُوَ الشّرك، ألم تسمعوا قَول لُقْمَان لِابْنِهِ: {يَا بني لَا تشرك بِاللَّه إِن الشّرك لظلم عَظِيم} [سُورَة لُقْمَان
وَفِي رِوَايَة: " لَيْسَ هُوَ كَمَا تظنون، إِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ لُقْمَان لِابْنِهِ ... "
وَفِي رِوَايَة: " ألم تسمعوا قَول العَبْد الصَّالح. . ".
226 - الثَّانِي: عَن عَلْقَمَة عَنهُ قَالَ: بَينا أَنا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يتَوَكَّأ على عسيب، مر بنفرٍ من الْيَهُود، فَقَالَ بَعضهم: سلوه عَن الرّوح، وَقَالَ بَعضهم: لَا تسألوه، لَا يسمعكم مَا تَكْرَهُونَ. فَقَامُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِم، حَدثنَا عَن الرّوح، فَقَامَ سَاعَة ينظر، فَعرفت أَنه يُوحى إِلَيْهِ، فتأخرت عَنهُ حَتَّى صعد الْوَحْي، ثمَّ قَالَ: {ويسألونك عَن الرّوح قل الرّوح من أَمر رَبِّي} [سُورَة الْإِسْرَاء] .
وَهُوَ فِي أَفْرَاد مُسلم عَن مَسْرُوق، عَن عبد الله قَالَ: وَعرض لَهُ يَهُودِيّ، فَسَأَلَهُ فَذكر نَحوه ... وَقَالَ: {ويسألونك عَن الرّوح} الْآيَة.(1/209)
227 - الثَّالِث: عَنهُ أَيْضا قَالَ: قَالَ عبد الله: كُنَّا نسلم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي الصَّلَاة، فَيرد علينا، فَلَمَّا رَجعْنَا من عِنْد النَّجَاشِيّ سلمنَا عَلَيْهِ فَلم يرد علينا، فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله، كُنَّا نسلم عَلَيْك فِي الصَّلَاة فَترد علينا. قَالَ: " إِن فِي الصَّلَاة شغلاً ".
228 - الرَّابِع: عَن عَلْقَمَة قَالَ: كنت أَمْشِي مَعَ عبد الله بمنى، فَلَقِيَهُ عُثْمَان، فَقَامَ مَعَه يحدثه، فَقَالَ لَهُ عُثْمَان: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن، أَلا أزَوجك جَارِيَة شَابة لَعَلَّهَا تذكرك بعض مَا مضى من زَمَانك. قَالَ: فَقَالَ عبد الله: لَئِن قلت ذَاك، لقد قَالَ لنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " يَا معشر الشَّبَاب، من اسْتَطَاعَ مِنْكُم الْبَاءَة فليتزوج؛ فَإِنَّهُ أَغضّ لِلْبَصَرِ وَأحْصن لِلْفَرجِ، وَمن لم يسْتَطع فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وَجَاء ".
وَلَهُمَا، عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد عَن ابْن مَسْعُود عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام نَحوه، وأوله: " يَا معشر الشَّبَاب ... ".
229 - الْخَامِس: عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله قَالَ: جَاءَ حبرٌ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، إِن الله يضع السَّمَاء على إِصْبَع، وَالْأَرْض على إِصْبَع، وَالْجِبَال على إِصْبَع، وَالشَّجر والأنهار على إِصْبَع، وَسَائِر الْخلق على إِصْبَع، ثمَّ يَقُول: أَنا الْملك. فَضَحِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: {وَمَا قدرُوا الله حق قدره} [سُورَة الزمر] .
وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا عَن عُبَيْدَة السَّلمَانِي بِنَحْوِهِ، قَالَ: وَالْمَاء وَالثَّرَى على إِصْبَع،(1/210)
وَسَائِر الْخَلَائق على إِصْبَع، ثمَّ يَهُزهُنَّ. وَفِيه: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضحك حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه تَعَجبا وَتَصْدِيقًا. ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {وَمَا قدرُوا الله حق قدره} الْآيَة.
وَفِي الرِّوَايَات تَقْدِيم وَتَأْخِير، وتقاربٌ فِي الْمَعْنى.
230 - السَّادِس: عَن عَلْقَمَة قَالَ: كُنَّا بحمصٍ، فَقَرَأَ ابْن مَسْعُود سُورَة يُوسُف، فَقَالَ رجلٌ: مَا هَكَذَا أنزلت؟ فَقَالَ عبد الله: وَالله لقرأتها على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " أَحْسَنت ". فَبينا هُوَ يكلمهُ إِذْ وجد مِنْهُ ريح الْخمر، فَقَالَ: أتشرب الْخمر وَتكذب بِالْكتاب، فَضَربهُ الْحَد.
231 - السَّابِع: عَنهُ عَن عبد الله قَالَ: صلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَزَاد أَو نقص - شكّ بعض الروَاة، وَالصَّحِيح أَنه زَاد. فَلَمَّا سلم قيل لَهُ: يَا رَسُول الله، أحدث فِي الصَّلَاة شَيْء؟ قَالَ: " وَمَا ذَاك؟ " قَالُوا: صليت كَذَا وَكَذَا. قَالَ: فَثنى رجلَيْهِ، واستقبل الْقبْلَة، فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ، ثمَّ سلم، وَأَقْبل علينا بِوَجْهِهِ. فَقَالَ: " إِنَّه لَو حدث فِي الصَّلَاة شيءٌ أنبأتكم بِهِ، وَلَكِنِّي إِنَّمَا أَنا بشرٌ أنسى كَمَا تنسون، فَإِذا نسيت فذكروني، وَإِذا شكّ أحدكُم فِي صلَاته فليتحر الصَّوَاب فليبن عَلَيْهِ، ثمَّ يسْجد سَجْدَتَيْنِ.
وَفِي رِوَايَة: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سجد سَجْدَتي السَّهْو بعد السَّلَام وَالْكَلَام.
وَفِي رِوَايَة: قَالُوا: فَإنَّك صليت خمْسا، فَانْفَتَلَ ثمَّ سجد سَجْدَتَيْنِ ثمَّ سلم.(1/211)
وَفِي أَفْرَاد مُسلم نَحوه مُخْتَصرا عَن الْأسود عَن عبد الله، قَالَ: صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خمْسا، فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله، أَزِيد فِي الصَّلَاة؟ قَالَ: " وَمَا ذَاك؟ " قَالُوا: صليت خمْسا. فَقَالَ: " إِنَّمَا أَنا بشرٌ مثلكُمْ، أذكر كَمَا تذكرُونَ وأنسى كَمَا تنسون " ثمَّ سجد سَجْدَتي السَّهْو.
232 - الثَّامِن: عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله: أَنه لعن الْوَاشِمَات. وَفِي رِوَايَة قَالَ: " لعن الله الْوَاشِمَات وَالْمُسْتَوْشِمَات، وَالْمُتَنَمِّصَات وَالْمُتَفَلِّجَات لِلْحسنِ، الْمُغيرَات خلق الله ". فَبلغ ذَلِك امْرَأَة من بني أَسد يُقَال لَهَا أم يَعْقُوب، وَكَانَت تقْرَأ الْقُرْآن، فَأَتَتْهُ فَقَالَت: مَا حديثٌ بَلغنِي عَنْك أَنَّك قلت كَذَا وَكَذَا؟ وذكرته فَقَالَ عبد الله.
وَمَا لي لَا ألعن من لعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ فِي كتاب الله؟ فَقَالَت الْمَرْأَة: لقد قَرَأت مَا بَين لوحي الْمُصحف فَمَا وجدته. فَقَالَ: إِن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، قَالَ الله عز وَجل: {وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنهُ فَانْتَهوا} [سُورَة الْحَشْر] ، قَالَت: إِنِّي أرى شَيْئا من هَذَا على امْرَأَتك الْآن. قَالَ: اذهبي فانظري، فَذَهَبت فَلم تَرَ شَيْئا، فَجَاءَت فَقَالَت: مَا رَأَيْت شَيْئا. فَقَالَ: أما لَو كَانَ ذَلِك لم نجامعها.
وَقد رُوِيَ عَن أم يَعْقُوب عَن عبد الله نَحوه، ذكره البُخَارِيّ وَحده.
233 - التَّاسِع: عَنهُ أَن الْأَشْعَث بن قيس دخل على عبد الله وَهُوَ يطعم يَوْم(1/212)
عَاشُورَاء فَقَالَ: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن، إِن الْيَوْم يَوْم عَاشُورَاء. فَقَالَ: قد كَانَ يصام قبل أَن ينزل رَمَضَان، فَلَمَّا نزل رَمَضَان ترك، فَإِن كنت مُفطرا فاطعم.
وَهُوَ فِي أَفْرَاد مُسلم عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد عَن عبد الله نَحوه، إِلَّا أَنه قَالَ:
كَانَ يَوْمًا يَصُومهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل أَن ينزل رَمَضَان، فَلَمَّا نزل رَمَضَان تَركه.
وَهُوَ فِي أَفْرَاده أَيْضا عَن قيس بن السكن مُخْتَصر:
دخل الْأَشْعَث على عبد الله يَوْم عَاشُورَاء، فَقَالَ أدن فَكل، قَالَ: إِنِّي صَائِم، قَالَ: كُنَّا نصومه ثمَّ ترك.
234 - الْعَاشِر: عَن الْأسود بن يزِيد النَّخعِيّ عَن عبد الله قَالَ: بَينا نَحن مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَار بمنى، إِذْ نزلت عَلَيْهِ: {والمرسلات عرفا} [سُورَة المرسلات] ، وَإِنِّي لأتلقاها من فِيهِ، وَإِن فَاه لرطبٌ بهَا، إِذْ وَثَبت علينا حيةٌ، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " اقتلوها " فابتدرناها لنقتلها فسبقتنا، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " وقيت شركم كَمَا وقيتم شَرها ".
قَوْله " بمنى " للْبُخَارِيّ دون مُسلم فِي رِوَايَة الْأسود. قَالَ البُخَارِيّ: وَإِنَّمَا أردنَا بِهَذَا أَن منى من الْحرم، وَلم يرَوا بقتل الْحَيَّة بَأْسا.
وَهُوَ فِي أَفْرَاد البُخَارِيّ عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله قَالَ، كُنَّا فِي غارٍ، فَنزلت: {والمرسلات عرفا} ، بِمَعْنَاهُ.
235 - الْحَادِي عشر: عَن الْأسود عَن عبد الله: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ: (والنجم إِذا(1/213)
هوى} فَسجدَ فِيهَا وَسجد من كَانَ مَعَه، غير أَن شَيخا من قُرَيْش أَخذ كفاًّ من حَصى أَو ترابٍ فرفعه إِلَى جَبهته وَقَالَ: يَكْفِينِي هَذَا. قَالَ عبد الله: فَلَقَد رَأَيْته بعد قتل كَافِرًا.
236 - الثَّانِي عشر: عَنهُ عَن عبد الله قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول {مدكر} دَالا [سُورَة الْقَمَر] .
237 - الثَّالِث عشر: عَن الْأسود قَالَ: قَالَ عبد الله: لَا يجعلن أحدكُم للشَّيْطَان شَيْئا من صلَاته، يرى أَن حقاًّ عَلَيْهِ أَلا ينْصَرف إِلَّا عَن يَمِينه، لقد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كثيرا ينْصَرف عَن يسَاره.
238 - الرَّابِع عشر: عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد - وَهُوَ أَخُو الْأسود - قَالَ: صلى بِنَا عُثْمَان بن عَفَّان بمنى أَربع رَكْعَات، فَقيل ذَلِك لعبد الله بن مَسْعُود، فَقَالَ: صليت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمنى رَكْعَتَيْنِ، وَصليت مَعَ أبي بكر الصّديق بمنى رَكْعَتَيْنِ، وَصليت مَعَ عمر بن الْخطاب بمنى رَكْعَتَيْنِ. وليت حظي من أَربع ركعاتٍ رَكْعَتَانِ متقبلتان.
239 - الْخَامِس عشر: عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد من رِوَايَة عمَارَة بن عُمَيْر عَنهُ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: مَا رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى صَلَاة لغير ميقاتها إِلَّا صَلَاتَيْنِ: جمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء بجمعٍ، وَصلى الْفجْر يومئذٍ قبل ميقاتها.(1/214)
وَفِي أَفْرَاد البُخَارِيّ هَذَا الْمَعْنى بِزِيَادَة شرح، أخرجه من رِوَايَة زُهَيْر وَإِسْرَائِيل: فَفِي رِوَايَة زُهَيْر عَن أبي إِسْحَاق، عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد قَالَ: حج عبد الله بن مَسْعُود، فأتينا الْمزْدَلِفَة حِين الْأَذَان بالعتمة أَو قَرِيبا من ذَلِك، فَأمر رجلا فَأذن وَأقَام، ثمَّ صلى الْمغرب، وَصلى بعْدهَا رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ دَعَا بعشاء فتعشى، ثمَّ أمره فَأذن وَأقَام ثمَّ صلى الْعشَاء رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا كَانَ حِين طلع الْفجْر قَالَ:
إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَا يُصَلِّي هَذِه السَّاعَة إِلَّا هَذِه الصَّلَاة فِي هَذَا الْمَكَان فِي هَذَا الْيَوْم. قَالَ عبد الله: هما صلاتان تحولان عَن وقتهما: صَلَاة الْمغرب بعد مَا يَأْتِي النَّاس، وَالْفَجْر حِين يبزغ الْفجْر. قَالَ: رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَفْعَله.
وَفِي رِوَايَة إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق عَنهُ قَالَ: خرجت مَعَ عبد الله، ثمَّ قدمنَا جمعا، فصلى الصَّلَاتَيْنِ كل صَلَاة وَحدهَا بِأَذَان وَإِقَامَة، وتعشى بَينهمَا، ثمَّ صلى الْفجْر حِين طلع الْفجْر، قائلٌ يَقُول: طلع الْفجْر، وقائلٌ يَقُول: لم يطلع.
ثمَّ قَالَ:
إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِن هَاتين الصَّلَاتَيْنِ حولتا عَن وقتهما فِي هَذَا الْمَكَان: الْمغرب وَالْعشَاء، وَلَا يقدم النَّاس جمعا حَتَّى يعتموا، وَصَلَاة الْفجْر هَذِه السَّاعَة ". ثمَّ وقف حَتَّى أَسْفر، ثمَّ قَالَ: لَو أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ - يَعْنِي عُثْمَان - أَفَاضَ الْآن أصَاب السّنة. فَمَا أَدْرِي أقوله كَانَ أسْرع أم دفع عُثْمَان، فَلم يزل يُلَبِّي حَتَّى رمى جَمْرَة الْعقبَة.
240 - السَّادِس عشر: عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد قَالَ: رمى عبد الله بن مَسْعُود جَمْرَة الْعقبَة من بطن الْوَادي بِسبع حصياتٍ، يكبر مَعَ كل حَصَاة.
وَفِي رِوَايَة: فَجعل الْبَيْت عَن يسَاره، وَمنى عَن يَمِينه. قَالَ: فَقيل لَهُ: إِن أُنَاسًا(1/215)
يَرْمُونَهَا من فَوْقهَا. فَقَالَ: هَذَا - وَالَّذِي لَا إِلَه غَيره - مقَام الَّذِي أنزلت عَلَيْهِ سُورَة الْبَقَرَة.
241 - السَّابِع عشر: عَن مَسْرُوق بن الأجدع قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْد عبد الله وَهُوَ مُضْطَجع بَيْننَا، فَأَتَاهُ رجل فَقَالَ: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن، إِن قَاصا عِنْد أَبْوَاب كِنْدَة يقص وَيَزْعُم أَن آيَة الدُّخان تَجِيء فتأخذ بِأَنْفَاسِ الْكفَّار، وَيَأْخُذ الْمُؤمنِينَ مِنْهُ كَهَيئَةِ الزُّكَام. فَقَالَ عبد الله - وَجلسَ وَهُوَ غَضْبَان: يَا أَيهَا النَّاس، اتَّقوا الله، وَمن علم شَيْئا فَلْيقل بِمَا يعلم، وَمن لَا يعلم فَلْيقل: الله أعلم، فَإِنَّهُ أعلم لأحدكم أَن يَقُول لما لَا يعلم: الله أعلم، فَإِن الله تَعَالَى قَالَ لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {قل مَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ من أجر وَمَا أَنا من المتكلفين} [سُورَة ص] إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما رأى من النَّاس إدباراً قَالَ: " اللَّهُمَّ سبعٌ كسبع يُوسُف " وَفِي رِوَايَة:
إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما دَعَا قُريْشًا كذبوه واستعصوا عَلَيْهِ، فَقَالَ: " اللَّهُمَّ أَعنِي عَلَيْهِم بِسبع كسبع يُوسُف "، فَأَخَذتهم سنةٌ حصت كل شَيْء، حَتَّى أكلُوا الْجُلُود وَالْميتَة من الْجُوع، وَينظر إِلَى السَّمَاء أحدهم فَيرى كَهَيئَةِ الدُّخان. فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَان فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، إِنَّك جِئْت تَأمر بِطَاعَة الله وَبِصِلَة الرَّحِم، وَإِن قَوْمك قد هَلَكُوا، فَادع الله عز وَجل لَهُم، قَالَ الله تَعَالَى: {فَارْتَقِبْ يَوْم تَأتي السَّمَاء بِدُخَان مُبين} إِلَى قَوْله {إِنَّكُم عائدون} [سُورَة الدُّخان] قَالَ عبد الله: أفيكشف عَذَاب الْآخِرَة: {يَوْم نبطش البطشة الْكُبْرَى إِنَّا منتقمون} [سُورَة الدُّخان] ، فالبطشة: يَوْم بدر. فِي رِوَايَة عِنْد البرقاني: {فَسَوف يكون لزاما} [سُورَة الْفرْقَان] ، يَوْم بدر.(1/216)
فِي الْكِتَابَيْنِ عَن عبد الله، أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " خمسٌ قد مضين: الدُّخان، وَاللزَام، وَالروم، وَالْبَطْشَة، وَالْقَمَر ".
242 - الثَّامِن عشر: عَن مَسْرُوق عَن عبد الله: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَيْسَ منا من ضرب الخدود، وشق الْجُيُوب، ودعا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّة ". وَفِي رِوَايَة يحيى بن يحيى: " أَو، أَو ".
243 - التَّاسِع عشر: عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: سَأَلت مسروقاً: من آذن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالجن لَيْلَة اسْتَمعُوا الْقُرْآن؟ قَالَ: حَدثنِي أَبوك - يَعْنِي ابْن مَسْعُود: أَنه آذنته بهم شَجَرَة.
244 - الْعشْرُونَ: عَن مَسْرُوق عَنهُ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَيْسَ من نفس تقتل ظلما إِلَّا كَانَ على ابْن آدم الأول كفل مِنْهَا، لِأَنَّهُ سنّ الْقَتْل أَولا ". وَفِي رِوَايَة: " لِأَنَّهُ كَانَ أول من سنّ الْقَتْل ".
245 - الْحَادِي وَالْعشْرُونَ: عَن مَسْرُوق قَالَ: قَالَ عبد الله: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة المصورون ".
وَفِي رِوَايَة لمسلمٍ:
إِن من أَشد أهل النَّار يَوْم الْقِيَامَة عذَابا المصورون ".(1/217)
وَعند البرقاني فِي حَدِيث ابْن أبي عُمَيْر عَن سُفْيَان:
إِن أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة رجلٌ قَتله نَبِي، أَو مصورٌ يصور هَذِه التماثيل ".
246 - الثَّانِي وَالْعشْرُونَ: عَن مَسْرُوق عَن عبد الله قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا يحل دم امرئٍ مُسلم يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأَنِّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث: الثّيّب الزَّانِي، وَالنَّفس بِالنَّفسِ، والتارك لدينِهِ المفارق للْجَمَاعَة ".
247 - الثَّالِث وَالْعشْرُونَ: عَن عَمْرو بن مَيْمُون عَن عبد الله قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قبةٍ نَحوا من أَرْبَعِينَ فَقَالَ: أَتَرْضَوْنَ أَن تَكُونُوا ربع أهل الْجنَّة؟ قُلْنَا: نعم. قَالَ: " أَتَرْضَوْنَ أَن تَكُونُوا ثلث أهل الْجنَّة؟ " قُلْنَا: نعم. قَالَ: " وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ إِنِّي لأرجو أَن تَكُونُوا نصف أهل الْجنَّة، وَذَلِكَ أَن الْجنَّة لَا يدخلهَا إِلَّا نفسٌ مسلمة، وَمَا أَنْتُم فِي أهل الشّرك إِلَّا كالشعرة الْبَيْضَاء فِي جلد الثور الْأسود، أَو كالشعرة السَّوْدَاء فِي جلد الثور الْأَحْمَر ".
248 - الرَّابِع وَالْعشْرُونَ: عَن عَمْرو بن مَيْمُون عَنهُ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي عِنْد الْبَيْت، وَأَبُو جهل وأصحابٌ لَهُ جلوسٌ، وَقد نحرت جزورٌ بالْأَمْس، فَقَالَ أَبُو جهل: أَيّكُم يقوم إِلَى سلى جزور بني فلَان فَيَأْخذهُ فيضعه فِي كَتِفي مُحَمَّد إِذا سجد، فانبعث أَشْقَى الْقَوْم فَأَخذه، فَلَمَّا سجد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَضعه بَين كَتفيهِ، فاستضحكوا، وَجعل بَعضهم يمِيل على بعض، وَأَنا قائمٌ أنظر، لَو كَانَت(1/218)
لي منعةٌ طرحته عَن ظهر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ساجدٌ مَا يرفع رَأسه، حَتَّى انْطلق إِنْسَان فَأخْبر فَاطِمَة، فَجَاءَت وَهِي جويريةٌ، فَطَرَحته عَنهُ، ثمَّ أَقبلت عَلَيْهِم تسبهم. فَلَمَّا قضى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلَاته رفع صَوته ثمَّ دَعَا عَلَيْهِم، وَكَانَ إِذا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا، وَإِذا سَأَلَ سَأَلَ ثَلَاثًا، ثمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ عَلَيْك بِقُرَيْش " ثَلَاث مَرَّات، فَلَمَّا سمعُوا صَوته ذهب عَنْهُم الضحك، وخافوا دَعوته، ثمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ عَلَيْك بِأبي جهل بن هِشَام، وَعقبَة بن ربيعَة، وَشَيْبَة بن ربيعَة، والوليد بن عتبَة، وَأُميَّة بن خلف، وَعقبَة بن أبي معيط " وَذكر السَّابِع وَلم أحفظه، قَالَ: فوالذي بعث مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ لقد رَأَيْت الَّذين سمى صرعى، ثمَّ سحبوا إِلَى القليب - قليب بدر. وَفِي رِوَايَة: فَأشْهد بِاللَّه لقد رَأَيْتهمْ صرعى، قد غيرتهم الشَّمْس، وَكَانَ يَوْمًا حاراً.
وَفِي رِوَايَة أخرجهَا البرقاني ذكر السَّابِع وَهُوَ عمَارَة بن الْوَلِيد. وَقَالَ بعض الروَاة: الْوَلِيد بن عتبَة غلطٌ فِي هَذَا الحَدِيث.
249 - الْخَامِس وَالْعشْرُونَ: عَن أبي معمر عبد الله بن سَخْبَرَة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: دخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة يَوْم الْفَتْح، وحول الْكَعْبَة ثَلَاثمِائَة وَسِتُّونَ نصبا، فَجعل يطعنها بعودٍ كَانَ فِي يَده يَقُول: " جَاءَ الْحق وزهق الْبَاطِل إِن الْبَاطِل كَانَ زهوقاً، جَاءَ الْحق، وَمَا يبدئ الْبَاطِل وَمَا يُعِيد ".
250 - السَّادِس وَالْعشْرُونَ: عَن أبي معمر عَنهُ: قَوْله عز وَجل: (أُولَئِكَ الَّذين(1/219)
يدعونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبهم الْوَسِيلَة} [سُورَة الْإِسْرَاء] ، قَالَ: كَانَ نفرٌ من الْإِنْس يعْبدُونَ نَفرا من الْجِنّ، فَأسلم النَّفر من الْجِنّ، واستمسك الْآخرُونَ بعبادتهم، فَنزلت: {أُولَئِكَ الَّذين يدعونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبهم الْوَسِيلَة} .
وَفِي أَفْرَاد مُسلم عَن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود عَن عَمه عبد الله نَحوه.
251 - السَّابِع وَالْعشْرُونَ: عَن أبي معمر عَن عبد الله قَالَ: عَلمنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم التَّشَهُّد، كفي بَين كفيه، كَمَا يعلمني السُّورَة من الْقُرْآن: " التَّحِيَّات لله، والصلوات والطيبات، السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته. السَّلَام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين. أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله ".
وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا من رِوَايَة شَقِيق بن سَلمَة عَن عبد الله:
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِذا قعد أحدكُم فِي الصَّلَاة فَلْيقل: التَّحِيَّات لله ... " وَذكره، وَزَاد عِنْد ذكر " عباد الله الصَّالِحين " " فَإِنَّكُم إِذا فَعلْتُمْ ذَلِك فقد سلمتم على كل عبدٍ لله صالحٍ فِي السَّمَاء وَالْأَرْض " وَفِي آخِره: " ثمَّ يتَخَيَّر من الْمَسْأَلَة مَا شَاءَ ".
252 - الثَّامِن وَالْعشْرُونَ: عَن أبي معمر عَن ابْن مَسْعُود، حَدِيث انْشِقَاق الْقَمَر، بِأَلْفَاظ مُتَقَارِبَة الْمعَانِي، وَمِنْهَا أَنه قَالَ:
انْشَقَّ الْقَمَر على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بشقتين، فَقَالَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : " اشْهَدُوا " وَفِي أُخْرَى: وَنحن مَعَه فَقَالَ: " اشْهَدُوا، اشْهَدُوا ". وَمِنْهَا أَنه قَالَ: بَيْنَمَا نَحن مَعَ رَسُول الله [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بمنى، إِذْ انْفَلق الْقَمَر فلقَتَيْنِ، فلقَة وَرَاء الْجَبَل، وَفلقَة دونه، فَقَالَ لنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " اشْهَدُوا ".(1/220)
وَفِي أَفْرَاد البُخَارِيّ، قَالَ: وَقَالَ أَبُو الضُّحَى عَن مَسْرُوق عَن عبد الله: بِمَكَّة وَفِي الصَّحِيح أَيْضا الرِّوَايَات بانشقاق الْقَمَر عَن ابْن عمر، وَعَن ابْن عَبَّاس، وَعَن أنس بن مَالك.
253 - التَّاسِع وَالْعشْرُونَ: عَن أبي معمر عَن عبد الله قَالَ: اجْتمع عِنْد الْبَيْت ثَلَاثَة نفرٍ: ثقفيان وقرشي، أَو قرشيان، وثقفي، كثيرٌ شَحم بطونهم، قليلٌ فقه قُلُوبهم، فَقَالَ أحدهم: أَتَرَوْنَ أَن الله يسمع مَا نقُول؟ فَقَالَ الآخر: يسمع إِن جهرنا وَلَا يسمع إِن أخفينا. وَقَالَ الآخر: إِن كَانَ يسمع إِذا جهرنا فَهُوَ يسمع إِذا أخفينا. فَأنْزل الله عز وَجل: {وَمَا كُنْتُم تستترون أَن يشْهد عَلَيْكُم سمعكم وَلَا أبصاركم} [سُورَة فصلت] .
وَفِي أَفْرَاد مُسلم من رِوَايَة وهب بن ربيعَة عَن عبد الله نَحوه.
254 - الثَّلَاثُونَ: عَن الْحَارِث بن سُوَيْد عَن عبد الله قَالَ: دخلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يوعك، فمسسته بيَدي فَقلت: إِنَّك لتوعك وعكا شَدِيدا. قَالَ: " أجل، أوعك كَمَا يوعك رجلَانِ مِنْكُم ". فَقلت: ذَلِك أَن لَك أَجْرَيْنِ. قَالَ: " أجل، مَا من مُسلم يُصِيبهُ أَذَى من مرضٍ فَمَا سواهُ إِلَّا حط الله بِهِ سيئاته كَمَا تحط الشَّجَرَة وَرقهَا ".
255 - الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: عَن الْحَارِث بن سُوَيْد قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن مَسْعُود حديثين: أَحدهمَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْآخر عَن نَفسه: قَالَ: إِن الْمُؤمن يرى ذنُوبه كَأَنَّهُ قاعدٌ تَحت جبلٍ يخَاف أَن يَقع عَلَيْهِ، وَإِن الْفَاجِر يرى ذنُوبه كذبابٍ مر على أَنفه، فَقَالَ بِهِ هَكَذَا - أَي بِيَدِهِ - فذبه عَنهُ.(1/221)
ثمَّ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول:
لله أفرح بتوبة عَبده الْمُؤمن من رجلٍ نزل فِي أرضٍ دوية مهلكة، مَعَه رَاحِلَته عَلَيْهَا طَعَامه وَشَرَابه، فَوضع رَأسه فَنَامَ نومَة، فَاسْتَيْقَظَ وَقد ذهبت رَاحِلَته، فطلبها حَتَّى اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْحر والعطش أَو مَا شَاءَ الله، قَالَ: أرجع إِلَى مَكَاني الَّذِي كنت فِيهِ فأنام حَتَّى أَمُوت، فَوضع رَأسه على ساعده ليَمُوت، فَاسْتَيْقَظَ فَإِذا رَاحِلَته عِنْده عَلَيْهَا زَاده وَشَرَابه، فَالله أَشد فَرحا بتوبة العَبْد الْمُؤمن من هَذَا براحلته وزاده ".
وَأخرج مُسلم مِنْهُ الْمسند فَقَط
256 - الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: عَن قيس بن أبي حَازِم عَن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا حسد إِلَّا فِي اثْنَيْنِ: رجل آتَاهُ الله مَالا فَسَلَّطَهُ على هَلَكته فِي الْحق، وَرجل آتَاهُ الله حِكْمَة، فَهُوَ يقْضِي بهَا وَيعلمهَا ".
257 - الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ: عَن قيس عَنهُ قَالَ: كُنَّا نغزو مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ مَعنا نساءٌ، فَقُلْنَا: أَلا نستخصي؟ فنهانا عَن ذَلِك، ثمَّ رخص لنا أَن ننكح الْمَرْأَة بِالثَّوْبِ إِلَى أجلٍ، ثمَّ قَرَأَ عبد الله: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم} الْآيَة [سُورَة الْمَائِدَة] .
258 - الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ: عَن زر بن حُبَيْش فِي قَوْله عز وَجل: {فَكَانَ قاب قوسين أَو أدنى} [سُورَة النَّجْم] ، وَفِي قَوْله: {مَا كذب الفؤا د مَا رأى} [سُورَة النَّجْم] ، وَفِي قَوْله: {لقد رأى من آيَات ربه الْكُبْرَى} [سُورَة النَّجْم] ، قَالَ عَنْهَا كلهَا: إِن ابْن مَسْعُود قَالَ: رأى جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام، لَهُ سِتّمائَة جناحٍ. زَاد فِي قَوْله تَعَالَى: {لقد رأى من آيَات ربه الْكُبْرَى} رأى جِبْرِيل فِي صورته. كَذَا عِنْد مُسلم.(1/222)
وَعند البُخَارِيّ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَكَانَ قاب قوسين أَو أدنى فَأوحى إِلَى عَبده مَا أوحى} [سُورَة النَّجْم] ، أَن ابْن مَسْعُود قَالَ: رأى جِبْرِيل لَهُ سِتّمائَة جنَاح.
وَلم يذكر فِي سَائِر الْآيَات هَذَا، وَلَا ذكر فِيهَا غير مَا أوردنا.
قَالَ أَبُو مَسْعُود فِي الْأَطْرَاف فِي حَدِيث عبد الْوَاحِد: {وَلَقَد رَآهُ نزلة أُخْرَى} [سُورَة النَّجْم] ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " رَأَيْت جِبْرِيل فِي صورته، لَهُ سِتّمائَة جناحٍ ". وَلَيْسَ ذَلِك فِيمَا رَأَيْنَاهُ من النّسخ، وَلَا ذكره البرقاني فِيمَا أخرجه على الْكِتَابَيْنِ. وَالله أعلم.
وَإِنَّمَا فِي حَدِيث عبد الْوَاحِد عِنْد البُخَارِيّ فِي قَوْله: {فَكَانَ قاب قوسين أَو أدنى فَأوحى إِلَى عَبده مَا أوحى} قَالَ: حَدثنَا ابْن مَسْعُود أَنه رأى جِبْرِيل لَهُ سِتّمائَة جنَاح.
259 - الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ: عَن زيد بن وهب الْجُهَنِيّ عَن ابْن مَسْعُود: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِنَّهَا سَتَكُون بعدِي أَثَرَة وأمورٌ تنكرونها " قَالُوا: يَا رَسُول الله، فَمَا تَأْمُرنَا؟ قَالَ: " تؤدون الْحق الَّذِي عَلَيْكُم، وتسألون الله الَّذِي لكم ".
260 - السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ: عَنهُ عَن عبد الله قَالَ: حَدثنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ الصَّادِق المصدوق -: " إِن خلق أحدكُم يجمع فِي بطن أمه أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثمَّ يكون علقَة مثل ذَلِك، ثمَّ يكون مُضْغَة مثل ذَلِك، ثمَّ يبْعَث الله إِلَيْهِ ملكا بِأَرْبَع كَلِمَات: يكْتب رزقه وأجله وَعَمله وشقيٌّ أَو سعيد، ثمَّ تنفخ فِيهِ الرّوح، فوالذي لَا إِلَه غَيره، إِن أحدكُم ليعْمَل بِعَمَل أهل الْجنَّة حَتَّى مَا يكون بَينه وَبَينهَا إِلَّا ذراعٌ،(1/223)
فَيَسْبق عَلَيْهِ الْكتاب فَيعْمل بِعَمَل أهل النَّار فيدخلها، وَإِن أحدكُم ليعْمَل بِعَمَل أهل النا ر حَتَّى مَا يكون بَينه وَبَينهَا إِلَّا ذراعٌ، فَيَسْبق عَلَيْهِ الْكتاب، فَيعْمل بِعَمَل أهل الْجنَّة فيدخلها ".
261 - السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ: عَن عُبَيْدَة السَّلمَانِي عَن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " خير النَّاس قَرْني، ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ، ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ، ثمَّ يَجِيء قومٌ تسبق شَهَادَة أحدهم يَمِينه، وَيَمِينه شَهَادَته ".
262 - الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ: عَن عُبَيْدَة عَنهُ قَالَ: قَالَ لي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " اقْرَأ عَليّ الْقُرْآن " فَقلت: يَا رَسُول الله، أَقرَأ عَلَيْك وَعَلَيْك أنزل؟ قَالَ: " إِنِّي أحب أَن أسمعهُ من غَيْرِي ". قَالَ: فَقَرَأت عَلَيْهِ سُورَة النِّسَاء حَتَّى جِئْت إِلَى هَذِه الْآيَة: {فَكيف إِذا جِئْنَا من كل أمة بِشَهِيد وَجِئْنَا بك على هَؤُلَاءِ شَهِيدا} [سُورَة النِّسَاء] قَالَ: " حَسبك الْآن "، فَالْتَفت إِلَيْهِ، فَإِذا عَيناهُ تَذْرِفَانِ.
زَاد فِي أَفْرَاد مُسلم عَن عَمْرو بن حُرَيْث عَن ابْن مَسْعُود:
قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " شهيدٌ مَا دمت فيهم - أَو مَا كنت فيهم " شكّ مسعر.
263 - التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ: عَن عُبَيْدَة عَن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِنِّي لأعْلم آخر أهل النَّار خُرُوجًا مِنْهَا، وَآخر أهل الْجنَّة دُخُولا الْجنَّة: رجلٌ يخرج من النَّار حبواً، فَيَقُول الله عز وَجل لَهُ: اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجنَّة، فيأتيها فيخيل إِلَيْهِ(1/224)
أَنَّهَا ملأى، فَيرجع فَيَقُول: يَا رب، وَجدتهَا ملأى، فَيَقُول الله عز وَجل لَهُ: اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجنَّة، قَالَ: فيأتيها فيخيل إِلَيْهِ أَنَّهَا ملأى، فَيرجع فَيَقُول: يَا رب، وَجدتهَا ملأى، فَيَقُول الله عز وَجل: اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجنَّة، فَإِن لَك مثل الدُّنْيَا وَعشرَة أَمْثَالهَا، أَو إِن لَك عشرَة أَمْثَال الدُّنْيَا، فَيَقُول: أَتسخر بِي؟ أَو: أتضحك بِي، وَأَنت الْملك؟ " قَالَ: فَلَقَد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضحك حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه. وَكَانَ يُقَال: " ذَلِك أدنى أهل الْجنَّة منزلَة ".
وَفِي أَفْرَاد مُسلم حَدِيث طَوِيل عَن أنس بن مَالك عَن ابْن مَسْعُود فِي آخر من يدْخل الْجنَّة، بِأَلْفَاظ متباعدة من أَلْفَاظ هَذَا الحَدِيث، أوردناه لذَلِك هُنَالك بِطُولِهِ.
264 - الْأَرْبَعُونَ: عَن عَمْرو بن شُرَحْبِيل عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَي الذَّنب أعظم؟ قَالَ: " أَن تجْعَل لله ندا وَهُوَ خلقك " قَالَ: قلت: إِن ذَلِك لعَظيم. قلت: ثمَّ أَي؟ قَالَ: " أَن تقتل ولدك مَخَافَة أَن يطعم مَعَك ".
قلت: ثمَّ أَي؟ قَالَ: " ثمَّ أَن تُزَانِي حَلِيلَة جَارك ".
265 - الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ: عَن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ - واسْمه سعد بن إِيَاس - قَالَ: حَدثنِي صَاحب هَذَا الدَّار - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى دَار عبد الله - قَالَ: سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَي الْعَمَل أحب إِلَى الله؟ قَالَ: " الصَّلَاة على وَقتهَا " قلت: ثمَّ أَي؟ قَالَ: " بر الْوَالِدين ". قلت: ثمَّ أَي؟ قَالَ: " الْجِهَاد فِي سَبِيل الله ". قَالَ: حَدثنِي بِهن، وَلَو استزدته لزادني.(1/225)
266 - الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ: عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ عَنهُ: أَن رجلا أصَاب من امرأةٍ قبْلَة، فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر لَهُ، فَنزلت: {وأقم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار وَزلفًا من اللَّيْل} [سُورَة هود] ، فَقَالَ الرجل: يَا رَسُول الله، أَلِي هَذِه؟ قَالَ: " لمن عمل بهَا من أمتِي ".
وَفِي أَفْرَاد مُسلم نَحوه، وَفِيه زِيَادَة أَلْفَاظ لَهَا معنى: وَهُوَ عَن عَلْقَمَة وَالْأسود عَن عبد االله قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي عَالَجت امْرَأَة فِي أقْصَى الْمَدِينَة، وَإِنِّي أصبت مِنْهَا مَا دون أَن أَمسهَا، فَأَنا هَذَا فَاقْض فِي مَا شِئْت. فَقَالَ لَهُ عمر: لقد سترك الله لَو سترت على نَفسك. قَالَ: وَلم يرد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا، فَقَامَ الرجل فَانْطَلق، فَأتبعهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا فَدَعَاهُ، وتلا عَلَيْهِ هَذِه الْآيَة: {وأقم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار وَزلفًا من اللَّيْل إِن الْحَسَنَات يذْهبن السَّيِّئَات ذَلِك ذكرى لِلذَّاكِرِينَ} فَقَالَ رجل من الْقَوْم: يَا نَبِي الله، هَذَا لَهُ خَاصَّة؟ قَالَ: " بل للنَّاس كَافَّة ".
267 - الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ: عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ، عَن ابْن مَسْعُود: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَا يمنعن أحدكُم أَذَان بلالٍ من سحوره، فَإِنَّهُ يُؤذن - أَو قَالَ يُنَادي - بلَيْل، ليرْجع قائمكم، ويوقظ نائمكم، وَلَيْسَ الْفجْر أَن يَقُول هَكَذَا " وَجمع بعض الروَاة كفيه - حَتَّى يَقُول هَكَذَا - وَمد إصبعيه السبابتين. وَفِي رِوَايَة جرير: هُوَ الْمُعْتَرض وَلَيْسَ بالمستطيل.
268 - الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ: عَن أبي عُثْمَان قَالَ: قَالَ عبد الله: من اشْترى(1/226)
محفلة فَردهَا فليرد مَعهَا صَاعا. فِي بعض الرِّوَايَات عِنْد البرقاني: من تمر. وَلم يذكرهُ البُخَارِيّ. قَالَ: وَنهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن تلقي الْبيُوع.
اجْتمع فِي هَذَا الحَدِيث حكمان: فَحكم المحفلة من قَول عبد الله، والتلقي مُسْند، وَلم يخرج مِنْهُ مسلمٌ إِلَّا الْمسند فِي التلقي فَقَط.
269 - الْخَامِس وَالْأَرْبَعُونَ: عَن أبي وَائِل، شَقِيق بن سَلمَة عَن عبد الله، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِذا كُنْتُم ثَلَاثَة فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَان دون الآخر حَتَّى تختلطوا بِالنَّاسِ، من أجل أَن يحزنهُ. وَلَا تباشر الْمَرْأَة الْمَرْأَة فتصفها لزَوجهَا كَأَنَّهُ ينظر إِلَيْهَا ".
270 - السَّادِس وَالْأَرْبَعُونَ: عَن شَقِيق عَن عبد الله قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " سباب الْمُسلم فسوق، وقتاله كفر ".
271 - السَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ: عَن شَقِيق عَنهُ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَا أحدٌ أغير من الله، وَلذَلِك حرم الْفَوَاحِش مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن، وَلَا أحدٌ أحب إِلَيْهِ الْمَدْح من الله، وَلذَلِك مدح نَفسه ".
وَفِي أَفْرَاد مُسلم عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد نَحوه عَن ابْن مَسْعُود، وَلم يذكر:(1/227)
مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن " وَزَاد: " وَلَيْسَ أحدٌ أحب إِلَيْهِ الْعذر من الله، من أجل ذَلِك أنزل الْكتاب وَأرْسل الرُّسُل ".
272 - الثَّامِن وَالْأَرْبَعُونَ: عَن شَقِيق بن سَلمَة قَالَ: جَاءَ رجلٌ يُقَال لَهُ نهيك ابْن سِنَان إِلَى عبد الله فَقَالَ: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن، كَيفَ تقْرَأ هَذَا الْحَرْف: ألفا تَجدهُ أم يَاء؟ {من مَاء غير آسن} [سُورَة مُحَمَّد] ، أَو (من مَاء غير ياسنٍ) فَقَالَ لَهُ عبد الله: أَو كل الْقُرْآن قد أحصيت غير هَذَا؟ قَالَ: إِنِّي لأقرأ الْمفصل فِي رَكْعَة.
فَقَالَ عبد الله: هَذَا كهذ الشّعْر، إِن أَقْوَامًا يقرءُون الْقُرْآن لَا يُجَاوز تراقيهم، وَلَكِن إِذا وَقع فِي الْقلب فَرسَخ فِيهِ نفع. إِن أفضل الصَّلَاة الرُّكُوع وَالسُّجُود. إِنِّي لأعْلم النَّظَائِر الَّتِي كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقرن بَينهُنَّ، سورتين فِي كل رَكْعَة. ثمَّ قَامَ عبد الله، فَدخل عَلْقَمَة فِي إثره، فَقُلْنَا لَهُ: سَله عَن النَّظَائِر الَّتِي كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ بهَا فِي كل رَكْعَة، فَدخل عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ، ثمَّ خرج علينا فَقَالَ: عشرُون سُورَة من أول الْمفصل على تأليف عبد الله، آخِرهنَّ من الحواميم (حم الدُّخان) و (عَم يتساءلون) .
273 - التَّاسِع وَالْأَرْبَعُونَ: عَن شَقِيق قَالَ: خَطَبنَا عبد الله فَقَالَ: على قِرَاءَة من تأمروني أَن أَقرَأ؟ وَالله لقد أخذت من فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَعند مُسلم فِيهِ: فَلَقَد قَرَأت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بضعاً وَسبعين سُورَة. وَلَقَد علم أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنِّي من أعلمهم بِكِتَاب الله، وَمَا أَنا بخيرهم، وَلَو أعلم أَن أحدا أعلم مني لرحلت إِلَيْهِ.(1/228)
قَالَ شَقِيق: فَجَلَست فِي حلق أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَمَا سَمِعت أحدا يرد ذَلِك عَلَيْهِ وَلَا يعِيبهُ.
وَفِي أول حَدِيث عَبدة: {وَمن يغلل يَأْتِ بِمَا غل يَوْم الْقِيَامَة} [سُورَة آل عمرَان] .
274 - الْخَمْسُونَ: عَن شَقِيق عَن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " بئْسَمَا لأَحَدهم أَن يَقُول: نسيت آيَة كَيْت وَكَيْت، بل هُوَ نسي، واستذكروا الْقُرْآن؛ فَإِنَّهُ أَشد تفصياً من صُدُور الرِّجَال من النعم من عقله ".
وَفِي رِوَايَة يحيى بن يحيى قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
لَا يقل أحدكُم نسيت آيَة كَذَا وَكَذَا بل هُوَ نسي ".
275 - الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ: عَن أبي وَائِل عَن عبد الله قَالَ: ذكر عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلٌ نَام لَيْلَة حَتَّى أصبح، وَفِي رِوَايَة: مَا زَالَ نَائِما حَتَّى أصبح، فَقَالَ: " ذَاك رجلٌ بَال الشَّيْطَان فِي أُذُنَيْهِ ". أَو قَالَ: " فِي أُذُنه ".
276 - الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ: عَن شَقِيق عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ": أَنا فَرَطكُمْ على الْحَوْض، وليرفعن إِلَيّ رجالٌ مِنْكُم حَتَّى إِذا أهويت إِلَيْهِم لأناولهم اختلجوا دوني، فَأَقُول: أَي رب، أَصْحَابِي، فَيُقَال: إِنَّك لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بعْدك ".(1/229)
277 - الثَّالِث وَالْخَمْسُونَ: عَن شَقِيق عَنهُ قَالَ: قَالَ رجل: يَا رَسُول الله، أنؤاخذ بِمَا عَملنَا فِي الْجَاهِلِيَّة؟ فَقَالَ: " أما من أحسن فِي الْإِسْلَام فَلَا يُؤَاخذ بِمَا عمل فِي الْجَاهِلِيَّة، وَمن أَسَاءَ فِي الْإِسْلَام أَخذ بِالْأولِ وَالْآخر ".
278 - الرَّابِع وَالْخَمْسُونَ: عَن شَقِيق قَالَ: كَانَ عبد الله يذكر النَّاس فِي كل خَمِيس، فَقَالَ لَهُ رجل: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن لَوَدِدْت أَنَّك ذكرتنا كل يَوْم. قَالَ: أما إِنَّه ليمنعني من ذَلِك أَنِّي أكره أَن أَملكُم، وَإِنِّي أتخولكم بِالْمَوْعِظَةِ كَمَا كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَتَخَوَّلنَا بهَا مَخَافَة السَّآمَة علينا.
279 - الْخَامِس وَالْخَمْسُونَ: عَن شَقِيق عَن عبد الله قَالَ: " لما كَانَ يَوْم حنينٍ آثر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَاسا فِي الْقِسْمَة، فَأعْطى الْأَقْرَع بن حَابِس مائَة من الْإِبِل، وَأعْطى عُيَيْنَة بن حصن مثل ذَلِك، وَأعْطى نَاسا من أَشْرَاف الْعَرَب وآثرهم يومئذٍ فِي الْقِسْمَة، فَقَالَ رجل: وَالله، إِن هَذِه لقسمةٌ مَا عدل فِيهَا، وَمَا أُرِيد فِيهَا وَجه الله.
قَالَ: فَقلت: وَالله لأخبرن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ: فَأَتَيْته فَأَخْبَرته بِمَا قَالَ، فَتغير وَجهه حَتَّى كَانَ كالصرف، ثمَّ قَالَ: " فَمن يعدل إِذا لم يعدل الله وَرَسُوله؟ " ثمَّ قَالَ: " يرحم الله مُوسَى، قد أوذي بِأَكْثَرَ من هَذَا فَصَبر " قَالَ: فَقلت: لَا جرم، لَا أرفع إِلَيْهِ بعْدهَا حَدِيثا.
280 - السَّادِس وَالْخَمْسُونَ: عَن شَقِيق عَن عبد الله قَالَ: صليت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة فَأطَال حَتَّى هَمَمْت بِأَمْر سوءٍ. قيل: وَمَا هَمَمْت؟ قَالَ: هَمَمْت أَن أَجْلِس وأدعه.(1/230)
281 - السَّابِع وَالْخَمْسُونَ: عَنهُ عَن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " من مَاتَ يُشْرك بِاللَّه دخل النَّار " وَقلت: وَمن مَاتَ لَا يُشْرك بِاللَّه دخل الْجنَّة.
وَفِي رِوَايَة وَكِيع وَابْن نمير لمُسلم بِالْعَكْسِ: أَن رَسُول الله قَالَ: " من مَاتَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة " قَالَ: وَقلت أَنا: من مَاتَ يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل النَّار.
وَفِي حَدِيث عبد الْوَاحِد للْبُخَارِيّ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلمة وَقلت أُخْرَى، قَالَ: " من مَاتَ يَجْعَل لله ندا دخل النَّار " وَقلت: من مَاتَ لَا يَجْعَل لله ندا دخل الْجنَّة.
282 - الثَّامِن وَالْخَمْسُونَ: عَن شَقِيق عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: كَأَنِّي أنظر إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَحْكِي نَبيا من الْأَنْبِيَاء ضربه قومه فأدموه وَهُوَ يمسح الدَّم عَن وَجهه وَيَقُول: " اللَّهُمَّ اغْفِر لقومي، فَإِنَّهُم لَا يعلمُونَ ".
283 - التَّاسِع وَالْخَمْسُونَ: عَنهُ عَن عبد الله قَالَ: جَاءَ رجلٌ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَقَالَ: كَيفَ ترى فِي رجل أحب قوما وَلما يلْحق بهم؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " الْمَرْء مَعَ من أحب ".
284 - السِّتُّونَ: عَن شَقِيق عَن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أول مَا يقْضى بَين النَّاس يَوْم الْقِيَامَة فِي الدِّمَاء ".(1/231)
285 - الْحَادِي وَالسِّتُّونَ: عَن أبي وَائِل عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لكل غادرٍ لواءٌ يَوْم الْقِيَامَة، يُقَال: هَذِه غدرة فلَان ".
وَعَن ثَابت عَن أنس نَحوه مُسْندًا.
286 - الثَّانِي وَالسِّتُّونَ: عَن أبي وَائِل قَالَ: كنت جَالِسا مَعَ ابْن مَسْعُود وَأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، فَقَالَا: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن بَين يَدي السَّاعَة أَيَّامًا ينزل فِيهَا الْجَهْل، وَيرْفَع فِيهَا الْعلم، وَيكثر فِيهَا الْهَرج، والهرج: الْقَتْل ".
وَفِي أَفْرَاد البُخَارِيّ بِمَعْنَاهُ عَن أبي وَائِل عَن الْأَشْعَرِيّ: أَنه قَالَ لعبد الله: أتعلم الْأَيَّام الَّتِي ذكر فِيهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيَّام الْهَرج؟ . فَذكر نَحوه.
وَقَالَ ابْن مَسْعُود:
سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " من شرار النَّاس من تُدْرِكهُمْ السَّاعَة وهم أَحيَاء ".
وَفِي أَفْرَاد مُسلم معنى هَذَا عَن أبي الْأَحْوَص عَن عبد الله، قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا تقوم السَّاعَة إِلَّا على شرار النَّاس ".
287 - الثَّالِث وَالسِّتُّونَ: عَن أبي وَائِل عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن الصدْق يهدي إِلَى الْبر، وَإِن الْبر يهدي إِلَى الْجنَّة، وَإِن الرجل ليصدق حَتَّى يكْتب صديقا. وَإِن الْبر يهدي إِلَى الْفُجُور، وَإِن الْفُجُور يهدي إِلَى النَّار، وَإِن الرجل ليكذب حَتَّى يكْتب عِنْد الله كذابا ".(1/232)
وَفِي أَفْرَاد مُسلم نَحوه عَن أبي الْأَحْوَص عَن عبد الله، فِي آخر حَدِيث أَوله: " أَلا أنبئكم مَا العضه؟ " ثمَّ قَالَ: وَإِن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِن الرجل يصدق حَتَّى يكْتب صديقا، ويكذب حَتَّى يكْتب كذابا ".
288 - الرَّابِع وَالسِّتُّونَ: عَن أبي وَائِل عَنهُ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " من حلف على مَال امرئٍ مسلمٍ بِغَيْر حَقه لَقِي الله وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان. قَالَ عبد الله: ثمَّ قَرَأَ علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مصداقه من كتاب الله: {إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله وَأَيْمَانهمْ ثمنا قَلِيلا} إِلَى آخر الْآيَة [سُورَة آل عمرَان] .
وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا من رِوَايَة أبي وَائِل عَن ابْن مَسْعُود بِمَعْنَاهُ، وَزَاد فِيهِ: فَدخل الْأَشْعَث بن قيس الْكِنْدِيّ فَقَالَ: مَا يُحَدثكُمْ أَبُو عبد الرَّحْمَن؟ قُلْنَا: كَذَا وَكَذَا.
قَالَ: صدق أَبُو عبد الرَّحْمَن، كَانَ بيني وَبَين رجلٍ خُصُومَة فِي بئرٍ، فَاخْتَصَمْنَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " شَاهِدَاك أَو يَمِينه " قلت: إِنَّه إِذا يحلف وَلَا يُبَالِي. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " من حلف على يَمِين صَبر يقتطع بهَا مَال امْرِئ مُسلم هُوَ فِيهَا فاجرٌ لَقِي الله وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان " وَنزلت: {إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله وَأَيْمَانهمْ ثمنا قَلِيلا} إِلَى آخر الْآيَة.
وَلَيْسَت للأشعث بن قيس فِي الصَّحِيحَيْنِ غير هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد.
أَفْرَاد البُخَارِيّ
289 - الأول: من رِوَايَة النزال بن سُبْرَة الْهِلَالِي - وَهُوَ صَحَابِيّ - عَن عبد الله(1/233)
قَالَ: سَمِعت رجلا قَرَأَ آيَة سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ خلَافهَا، فَأخذت بِيَدِهِ. فَانْطَلَقت بِهِ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت ذَلِك لَهُ، فَعرفت فِي وَجهه الْكَرَاهِيَة وَقَالَ: " كلاكما محسنٌ، وَلَا تختلفوا؛ فَإِن من كَانَ قبلكُمْ اخْتلفُوا فهلكوا ".
290 - الثَّانِي: عَن طَارق بن شهابٍ عَن عبد الله، قَالَ: شهِدت من الْمِقْدَاد بن الْأسود مشهداً، لِأَن أكون أَنا صَاحبه أحب إِلَيّ مِمَّا عدل بِهِ: أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يَدْعُو على الْمُشْركين يَوْم بدرٍ، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنَّا لَا نقُول كَمَا قَالَت بَنو إِسْرَائِيل لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: (اذْهَبْ أَنْت وَرَبك فَقَاتلا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ) وَلَكِن امْضِ وَنحن مَعَك. فَكَأَنَّهُ سري عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
291 - الثَّالِث: عَن طَارق وَعَن مرّة بن شرَاحِيل جَمِيعًا عَن عبد الله أَنه قَالَ: إِن أحسن الحَدِيث كتاب الله، وَأحسن الْهَدْي هدي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَشر الْأُمُور محدثاتها، وَإِن مَا توعدون لآتٍ وَمَا أَنْتُم بمعجزين.
292 - الرَّابِع: عَن عَلْقَمَة بن قيس عَن عبد الله: (لقد رأى من آيَات ربه الْكُبْرَى [سُورَة النَّجْم] ، قَالَ: رأى رفرفاً أَخْضَر سد أفق السَّمَاء
293 - الْخَامِس: عَن عَلْقَمَة قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ ابْن مَسْعُود، فجَاء خبابٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن، أيستطيع هَؤُلَاءِ أَن يقرءوا كَمَا تقْرَأ؟ فَقَالَ: أما إِنَّك إِن شِئْت أمرت بَعضهم فَقَرَأَ عَلَيْك. قَالَ: أجل. قَالَ: اقْرَأ يَا عَلْقَمَة. فَقَالَ زيد بن حدير - أَخُو زِيَاد بن حدير: أتأمر عَلْقَمَة أَن يقْرَأ وَلَيْسَ بأقرأنا؟ قَالَ: أما إِنَّك(1/234)
إِن شِئْت أَخْبَرتك بِمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْمك وَقَومه. فَقَرَأت خمسين آيَة من سُورَة مَرْيَم، فَقَالَ عبد الله: كَيفَ ترى؟ قَالَ: قد أحسن. قَالَ عبد الله: مَا أَقرَأ شَيْئا إِلَّا وَهُوَ يقرأه، ثمَّ الْتفت إِلَى خباب وَعَلِيهِ خاتمٌ من ذهب فَقَالَ: ألم يَأن لهَذَا الْخَاتم أَن يلقى؟ قَالَ: أما إِنَّك لن ترَاهُ عَليّ بعد الْيَوْم، فَأَلْقَاهُ.
294 - السَّادِس: عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله قَالَ: كُنَّا نعد الْآيَات بركَة وَأَنْتُم تعدونها تخويفاً، كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر، فَقل المَاء، فَقَالَ: اطْلُبُوا لي فضلَة مَاء، فَجَاءُوا بِإِنَاء فِيهِ مَاء فَأدْخل يَده فِي الْإِنَاء ثمَّ قَالَ: " حَيّ على الطّهُور الْمُبَارك، وَالْبركَة من الله تَعَالَى "، فَلَقَد رَأَيْت المَاء يَنْبع من بَين أَصَابِع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَقَد كُنَّا نسْمع تَسْبِيح الطَّعَام وَهُوَ يُؤْكَل.
فِي رِوَايَة البرقاني من حَدِيث أبي أَحْمد الزبيرِي:
لقد كُنَّا نَأْكُل مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنحن نسْمع تَسْبِيح الطَّعَام. وَزَاد فِي فضل المَاء: حَتَّى توضأنا كلنا.
295 - السَّابِع: عَن عَلْقَمَة قَالَ: شَهِدنَا عِنْده - يَعْنِي عبد الله - وَعرض الْمَصَاحِف، فَأتى على هَذِه الْآيَة: {وَمن يُؤمن بِاللَّه يهد قلبه} [سُورَة التغابن] ، قَالَ: هِيَ المصيبات تصيب الرجل فَيعلم أَنَّهَا من عِنْد الله، فَيسلم لَهَا ويرضى.
ذكر هَذَا الحَدِيث البرقاني، وَقَالَ: إِن البُخَارِيّ أخرجه فَقَالَ: وَقَالَ عَلْقَمَة، وأغفله صَاحب الْأَطْرَاف.
296 - الثَّامِن: عَن الْأسود بن يزِيد، سمع ابْن مَسْعُود يَقُول: أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(1/235)
الْغَائِط فَأمرنِي أَن آتيه بِثَلَاثَة أحجارٍ، قَالَ: فَوجدت حجرين، والتمست الثَّالِث فَلم أَجِدهُ، فَأخذت رَوْثَة، فَأَتَيْته بهَا، فَأخذ الحجرين، وَألقى الروثة، وَقَالَ: " هَذِه ركس ".
297 - التَّاسِع: عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد قَالَ: سَمِعت ابْن مَسْعُود يَقُول فِي بني إِسْرَائِيل والكهف وَمَرْيَم وطه والأنبياء: إنَّهُنَّ من الْعتاق الأول، وَهن من تلادي.
298 - الْعَاشِر: عَن الْحَارِث بن سُوَيْد عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أَيّكُم مَال وَارثه أحب إِلَيْهِ من مَاله؟ " قَالُوا: يَا رَسُول الله، مَا منا أحدٌ إِلَّا مَاله أحب إِلَيْهِ. قَالَ: " فَإِن مَاله مَا قدم، وَمَال وَارثه مَا أخر ".
299 - الْحَادِي عشر: عَن قيس بن أبي حَازِم عَن عبد الله قَالَ: مَا زلنا أعزةً مُنْذُ أسلم عمر.
300 - الثَّانِي عشر: عَنهُ عَن عبد الله أَنه أَتَى أَبَا جهلٍ يَوْم بدرٍ وَبِه رمقٌ، فَقَالَ: هَل أعمد من رجل قَتَلْتُمُوهُ.
فِي رِوَايَة البرقاني فِي أَوله: فَقَالَ: هَل أخزاك الله يَا عَدو الله؟ فَقَالَ: هَل أعمد.
301 - الثَّالِث عشر: عَن أبي وَائِل عَن عبد الله قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " الْجنَّة أقرب إِلَى أحدكُم من شِرَاك نَعله، وَالنَّار مثل ذَلِك ".(1/236)
302 - الرَّابِع عشر: عَنهُ عَن عبد الله قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا يَقُولَن أحدكُم: إِنِّي خيرٌ من يُونُس بن مَتى ".
وَفِي رِوَايَة جرير عَن الْأَعْمَش: " مَا يَنْبَغِي لأحدٍ أَن يكون خيرا من يُونُس بن مَتى ".
303 - الْخَامِس عشر: عَن أبي وَائِل عَن عبد الله: {هيت لَك} [سُورَة يُوسُف] ، وَقَالَ: إِنَّمَا كُنَّا نقرأها كَمَا علمنَا.
وَعَن عبد الله: {بل عجبت ويسخرون} [سُورَة الصافات] ، يَعْنِي بِالنّصب.
304 - السَّادِس عشر: عَن أبي وَائِل عَن عبد الله قَالَ: لقد أَتَانِي الْيَوْم رجلٌ فَسَأَلَنِي عَن أَمر، مَا دَريت مَا أرد عَلَيْهِ، قَالَ: أَرَأَيْت رجلا مُؤديا نشيطاً يخرج مَعَ أمرائنا فِي الْمَغَازِي، فيعزمون علينا فِي أَشْيَاء لَا نحصيها. فَقلت: وَالله مَا أَدْرِي مَا أَقُول لَك، إِلَّا أَنا كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَعَسَى أَلا يعزم علينا فِي الْأَمر إِلَّا مرّة حَتَّى نفعله، وَإِن أحدكُم لن يزَال بخيرٍ مَا اتَّقى الله، وَإِذا شكّ فِي شَيْء سَأَلَ رجلا فشفاه وأوشك أَلا تَجِدُوهُ، وَالَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ مَا أذكر مَا غبر من الدُّنْيَا إِلَّا كالثغب شرب صَفوه وَبَقِي كدره.(1/237)
305 - السَّابِع عشر: عَن أبي وَائِل عَن عبد الله قَالَ: كُنَّا نقُول للحي فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا كَثُرُوا: قد أَمر بَنو فلَان.
306 - الثَّامِن عشر: عَن الرّبيع بن خثيم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: خطّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطاًّ مربعًا، وَخط خطاًّ فِي الْوسط خَارِجا مِنْهُ، وَخط خططاً صغَارًا إِلَى هَذَا الَّذِي فِي الْوسط من جَانِبه الَّذِي فِي الْوسط، فَقَالَ: " هَذَا الْإِنْسَان، وَهَذَا أَجله محيطٌ بِهِ، أَو قد أحَاط بِهِ، وَهَذَا الَّذِي هُوَ خارجٌ أمله، وَهَذِه الخطط الصغار الْأَعْرَاض، فَإِن أخطأه هَذَا نهشه هَذَا، وَإِن أخطأه هَذَا نهشه هَذَا ".
307 - التَّاسِع عشر: عَن هزيل بن شُرَحْبِيل قَالَ: سُئِلَ أَبُو مُوسَى عَن ابْنة وَابْنَة ابْن وَأُخْت، فَقَالَ: للابنة النّصْف، وَللْأُخْت النّصْف، وائت ابْن مَسْعُود. فَسئلَ ابْن مَسْعُود وَأخْبر بقول أبي مُوسَى، فَقَالَ: لقد ضللت إِذا وَمَا أَنا من المهتدين، ثمَّ قَالَ: أَقْْضِي فِيهَا بِمَا قضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: للابنة النّصْف، ولابنة الابْن السُّدس تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ، وَمَا بَقِي فللأخت، فأتينا أَبَا مُوسَى، فَأَخْبَرنَاهُ بقول ابْن مَسْعُود، فَقَالَ: لَا تَسْأَلُونِي مَا دَامَ هَذَا الحبر فِيكُم.
308 - الْعشْرُونَ: عَن هزيل عَن عبد الله قَالَ: " إِن أهل الْإِسْلَام لَا يسيبون، وَإِن أهل الْجَاهِلِيَّة كَانُوا يسيبون.
اخْتَصَرَهُ البُخَارِيّ وَلم يزدْ على هَذَا، وَأخرجه البرقاني بِطُولِهِ من تِلْكَ الطَّرِيق عَن هزيل قَالَ:
جَاءَ رجلٌ إِلَى عبد الله فَقَالَ: إِنِّي أعتقت عبدا لي وَجَعَلته سائبة، فَمَاتَ وَترك مَالا وَلم يدع وَارِثا. فَقَالَ عبد الله: إِن أهل الْإِسْلَام لَا يسيبون، وَإِنَّمَا(1/238)
كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يسيبون، وَأَنت ولي نعْمَته، فلك مِيرَاثه، فَإِن تَأَثَّمت أَو تحرجت فِي شَيْء فَنحْن نقبله ونجعله فِي بَيت المَال.
309 - الْحَادِي وَالْعشْرُونَ: عَن أبي عَطِيَّة مَالك بن عَامر عَن ابْن مَسْعُود - من رِوَايَة ابْن سِيرِين عَن أبي عَطِيَّة: قَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين: جَلَست إِلَى مجْلِس فِيهِ عظم من الْأَنْصَار، وَفِيه عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، وَكَانَ أَصْحَابه يعظمونه، فَذكرت حَدِيث عبد الله بن عتبَة فِي شَأْن سبيعة بنت الْحَارِث فَقَالَ عبد الرَّحْمَن: لَكِن عَمه كَانَ لَا يَقُول ذَلِك، فَقلت: إِنِّي لجريء إِن كذبت على رجل فِي جَانب الْكُوفَة - يَعْنِي عبد الله بن عتبَة - وَرفع صَوته، قَالَ: ثمَّ خرجت فَلَقِيت مَالك بن عَامر، فَقلت: كَيفَ كَانَ قَول عبد الله بن مَسْعُود فِي الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا وَهِي حَامِل؟ فَقَالَ: قَالَ ابْن مَسْعُود: أَتَجْعَلُونَ عَلَيْهَا التَّغْلِيظ وَلَا تَجْعَلُونَ لَهَا الرُّخْصَة؟ لنزلت سُورَة النِّسَاء الْقصرى بعد الطُّولى: {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} [سُورَة الطَّلَاق] .
أَفْرَاد مُسلم
310 - الأول: عَن أنس بن مَالك عَن ابْن مَسْعُود: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:(1/239)
" آخر من يدْخل الْجنَّة رجلٌ، فَهُوَ يمشي مرّة ويكبو مرّة، وتسفعه النَّار مرّة، فَإِذا مَا جاوزها الْتفت إِلَيْهَا فَقَالَ: تبَارك الَّذِي نجاني مِنْك، لقد أَعْطَانِي الله شَيْئا مَا أعطَاهُ أحدا من الْأَوَّلين والآخرين، فَترفع لَهُ شجرةٌ فَيَقُول: يَا رب، أدنني من هَذِه الشَّجَرَة فلأستظل بظلها، وأشرب من مَائِهَا، فَيَقُول الله عز وَجل لَهُ: يَا ابْن آدم، لعَلي إِن أعطيتكها سَأَلتنِي غَيرهَا، فَيَقُول: لَا يَا رب، ويعاهده أَلا يسْأَله غَيرهَا قَالَ: وربه عز وَجل يعذرهُ، لإنه يرى مَا لَا صَبر لَهُ عَلَيْهِ، فيدنيه مِنْهَا، فيستظل بظلها، وَيشْرب من مَائِهَا، ثمَّ ترفع لَهُ شجرةٌ هِيَ أحسن من الأولى فَيَقُول: أَي رب، أدنني من هَذِه الشَّجَرَة لأشرب من مَائِهَا وأستظل بظلها، لَا أَسأَلك غَيرهَا، فَيَقُول: يَا ابْن آدم، ألم تعاهدني أَلا تَسْأَلنِي غَيرهَا؟ فَيَقُول: لعَلي إِن أدنيتك مِنْهَا تَسْأَلنِي غَيرهَا، فيعاهده أَلا يس \ أَله غَيرهَا، وربه تَعَالَى يعذرهُ؛ لِأَنَّهُ يرى مَا لَا صَبر لَهُ عَلَيْهِ، فيدنيه مِنْهَا، فيستظل بظلها، وَيشْرب من مَائِهَا، ثمَّ ترفع لَهُ شجرةٌ عِنْد بَاب الْجنَّة هِيَ أحسن من الْأَوليين، فَيَقُول: أَي رب، أدنني من هَذِه لأستظل بظلها وأشرب من مَائِهَا، لَا أَسأَلك غَيرهَا. فَيَقُول: يَا ابْن آدم، ألم تعاهدني أَلا تَسْأَلنِي غَيرهَا؟ قَالَ: بلَى يَا رب، لَا أَسأَلك غَيرهَا، وربه عز وَجل يعذرهُ، لِأَنَّهُ يرى مَا لَا صَبر لَهُ عَلَيْهِ، فيدنيه مِنْهَا، فَإِذا أدناه مِنْهَا سمع أصوات الْجنَّة فَيَقُول: أَي رب، أدخلنيها، فَيَقُول: يَا ابْن آدم، مَا يصريني مِنْك؟ أيرضيك أَن أُعْطِيك الدُّنْيَا وَمثلهَا مَعهَا؟ قَالَ: يَا رب، أتستهزئ مني وَأَنت رب الْعَالمين؟ " فَضَحِك ابْن مَسْعُود فَقَالَ: أَلا تَسْأَلُونِي مِم أضْحك؟ فَقَالُوا: مِم تضحك؟ فَقَالَ: هَكَذَا ضحك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالُوا: مِم تضحك يَا رَسُول الله؟ قَالَ: " من ضحك رب الْعَالمين(1/240)
حِين قَالَ: أتستهزئ مني وَأَنت رب الْعَالمين؟ فَيَقُول: إِنِّي لَا أستهزئ مِنْك، وَلَكِنِّي على مَا أَشَاء قادرٌ ".
311 - الثَّانِي: عَن أبي رَافع مولى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ابْن مَسْعُود: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " مَا من نَبِي بَعثه الله فِي أمةٍ قبلي إِلَّا كَانَ لَهُ من أمته حواريون وأصحابٌ يَأْخُذُونَ بسنته ويقتدون بأَمْره، ثمَّ إِنَّهَا تخلف من بعدهمْ خلوف يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، ويفعلون مَا لَا يؤمرون، فَمن جاهدهم بِيَدِهِ فَهُوَ مؤمنٌ، وَمن جاهدهم بِلِسَانِهِ فَهُوَ مؤمنٌ، وَمن جاهدهم بِقَلْبِه فَهُوَ مؤمنٌ، لَيْسَ من وَرَاء ذَلِك من الْإِيمَان حَبَّة خَرْدَل ".
قَالَ أَبُو رَافع: فَحدثت عبد الله بن عمر فَأنكرهُ عَليّ، فَقدم ابْن مَسْعُود، فَنزل بقناة فاستتبعني إِلَيْهِ ابْن عمر يعودهُ، فَانْطَلَقت مَعَه، فَلَمَّا جلسنا سَأَلت ابْن مَسْعُود عَن الحَدِيث فَحَدَّثَنِيهِ كَمَا حدثته ابْن عمر.
312 - الثَّالِث: عَن الْأَحْنَف بن قيس عَن ابْن مَسْعُود: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " هلك المتنطعون " قَالَهَا ثَلَاثًا.
313 - الرَّابِع: عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَا يدْخل الْجنَّة من كَانَ فِي قلبه مِثْقَال ذرةٍ من كبر ". فَقَالَ رجل: إِن الرجل يحب أَن يكون ثَوْبه حسنا، وَنَعله حَسَنَة. قَالَ: " إِ ن الله جميلٌ يحب الْجمال، الْكبر بطر الْحق، وغمط النَّاس "(1/241)
فِي رِوَايَة الْأَعْمَش:
لَا يدْخل النَّار أحدٌ فِي قلبه مِثْقَال حبةٍ من خردلٍ من إيمانٍ، وَلَا يدْخل الْجنَّة أحدٌ فِي قلبه مِثْقَال حبةٍ من خردلٍ من كبرياء ".
314 - الْخَامِس: عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله قَالَ: إِنَّا لليلة جمعةٍ فِي الْمَسْجِد، إِذْ جَاءَ رجلٌ من الْأَنْصَار فَقَالَ: لَو أَن رجلا وجد مَعَ امْرَأَته رجلا فَتكلم جلدتموه، أَو قتل قَتَلْتُمُوهُ، وَإِن سكت سكت على غيظٍ، وَالله لأسألن عَنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَلَمَّا كَانَ من الْغَد أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: لَو أَن رجلا وجد مَعَ امْرَأَته رجلا فَتكلم جلدتموه، أَو قتل قَتَلْتُمُوهُ، أَو سكت سكت على غيظ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ افْتَحْ، وَجعل يَدْعُو، فَنزلت آيَة اللّعان: {وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم وَلم يكن لَهُم شُهَدَاء إِلَّا أنفسهم} [سُورَة النُّور] ، فابتلي بِهِ ذَلِك الرجل بَين النَّاس، فجَاء هُوَ وَامْرَأَته إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَلَاعَنا، فَشهد الرجل أَربع شهاداتٍ بِاللَّه إِنَّه لمن الصَّادِقين، ثمَّ لعن الْخَامِسَة: أَن لعنة الله عَلَيْهِ إِن كَانَ من الْكَاذِبين. فَذَهَبت لتلتعن، فَقَالَ لَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " مَه " فَأَبت، فلعنت. فَلَمَّا أدبر قَالَ: " لَعَلَّهَا أَن تَجِيء بِهِ أسود جَعدًا "، فَجَاءَت بِهِ أسود جَعدًا.
315 - السَّادِس: عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله قَالَ: لما نزلت: {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا} [سُورَة الْمَائِدَة] ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " قيل لي: أَنْت مِنْهُم ".(1/242)
316 - السَّابِع: عَن عَلْقَمَة بن قيس عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، آكل الرِّبَا، ومؤكله قَالَ: قلت - يَعْنِي مُغيرَة لإِبْرَاهِيم: وشاهديه وكاتبه. فَقَالَ: إِنَّمَا نُحدث بِمَا سمعنَا.
317 - الثَّامِن: عَن عَلْقَمَة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لم أكن لَيْلَة الْجِنّ مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ووددت أَنِّي كنت مَعَه. كَذَا فِي رِوَايَة أبي معشر عَن إِبْرَاهِيم، لم يزدْ.
وَفِي حَدِيث الشّعبِيّ أَن عَلْقَمَة قَالَ:
أَنا سَأَلت ابْن مَسْعُود فَقلت: هَل شهد أحدٌ مِنْكُم مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْجِنّ؟ قَالَ: لَا، وَلَكنَّا كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات لَيْلَة، ففقدناه، فالتمسناه فِي الأودية والشعاب، فَقُلْنَا: استطير أَو اغتيل، فبتنا بشر لَيْلَة بَات بهَا قومٌ. فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذا هُوَ جاءٍ من قبل حراء، قَالَ فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله، فقدناك فطلبناك فَلم نجدك، فبتنا بشر ليلةٍ بَات بهَا قومٌ. فَقَالَ: " أَتَانِي دَاعِي الْجِنّ فَذَهَبت مَعَه، فَقَرَأت عَلَيْهِ الْقُرْآن، قَالَ: فَانْطَلق بِنَا، فأرانا أثارهم وآثار نيرانهم، وسألوه الزَّاد، فَقَالَ: لَك كل عظمٍ ذكر اسْم الله عَلَيْهِ يَقع فِي أَيْدِيكُم، أوفر مَا يكون لَحْمًا، وكل بعرةٍ علفٌ لدوابكم. فَقَالَ رَسُول الله: " فَلَا تستنجوا بهَا، فَإِنَّهَا طَعَام إخْوَانكُمْ ".
فِي حَدِيث إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بعد قَوْله: " وآثار نيرانهم " قَالَ الشّعبِيّ وسألوه الزَّاد، وَكَانُوا من جن الجزيرة ... إِلَى آخر الحَدِيث، من قَول الشّعبِيّ مفصلا من حَدِيث عبد الله.
318 - التَّاسِع: عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله قَالَ: سُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الوسوسة، قَالَ: " تِلْكَ مَحْض الْإِيمَان ".(1/243)
319 - الْعَاشِر: عَن عَلْقَمَة عَن ابْن مَسْعُود أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " ليلني مِنْكُم أولو الأحلام والنهى، ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ - ثَلَاثًا -، وَإِيَّاكُم وهيشات الْأَسْوَاق " ذكر أَبُو مَسْعُود هَذَا الحَدِيث فِي أَفْرَاد مُسلم، فَحكى فِيهِ: " ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ - مرَّتَيْنِ - وَلَا تختلفوا فتختلف قُلُوبكُمْ ". وَلَيْسَ ذَلِك فِي كتاب مُسلم، وَهَذِه الزِّيَادَة من حَدِيث لأبي مَسْعُود قبله، فَلَعَلَّهُ اشْتبهَ عِنْد النَّقْل. وَالله أعلم.
320 - الْحَادِي عشر: عَن عَلْقَمَة وَالْأسود قَالَا: أَتَيْنَا ابْن مَسْعُود فِي دَاره فَقَالَ أصلى هَؤُلَاءِ خلفكم؟ فَقُلْنَا: لَا، فَقَالَ: فَقومُوا فصلوا. فَلم يَأْمُرنَا بأذانٍ وَلَا إِقَامَة. قَالَ: وذهبنا لنقوم خَلفه، فَأخذ بِأَيْدِينَا، فَجعل أَحَدنَا عَن يَمِينه، وَالْآخر عَن شِمَاله. قَالَ: فَلَمَّا ركع وَضعنَا أَيْدِينَا على ركبنَا. قَالَ: فَضرب أَيْدِينَا وطبق بَين كفيه ثمَّ أدخلهما بَين فَخذيهِ. قَالَ: فَلَمَّا صلى قَالَ: إِنَّه سَيكون عَلَيْكُم أُمَرَاء يؤخرون الصَّلَاة عَن ميقاتها، ويخنقونها إِلَى شَرق الْمَوْتَى، فَإِذا رأيتموهم قد فعلوا ذَلِك فصلوا الصَّلَاة لميقاتها، وَاجْعَلُوا صَلَاتكُمْ مَعَهم سبْحَة، وَإِذا كُنْتُم ثَلَاثَة فصلوا جَمِيعًا، وَإِذا كُنْتُم أَكثر من ذَلِك فليؤمكم أحدكُم، وَإِذا ركع أحدكُم فليفرش ذِرَاعَيْهِ على فَخذيهِ، وليجنأ، وليطبق بَين كفيه، فَكَأَنِّي أنظر إِلَى اخْتِلَاف أَصَابِع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَرَاهُم.
321 - الثَّانِي عشر: عَن الْأسود عَن عبد الله: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر محرما بقتل حَيَّة بمنى: وَيُقَال إِنَّه طرف من حَدِيثه: كُنَّا فِي غارٍ فَخرجت حَيَّة، فابتدرناها(1/244)
322 - الثَّالِث عشر: عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد عَن عبد الله قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَمْسَى قَالَ: " أمسينا وَأمسى الْملك لله، وَالْحَمْد لله، لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شيءٍ قدير، رب أَسأَلك خير مَا فِي هَذِه اللَّيْلَة وَخير مَا بعْدهَا، وَأَعُوذ بك من شَرّ مَا فِي هَذِه اللَّيْلَة وَشر مَا بعْدهَا. رب أعوذ بك من الكسل وَسُوء الْكبر، رب أعوذ بك من عذابٍ فِي النَّار وعذابٍ فِي الْقَبْر ". وَإِذا أصبح قَالَ ذَلِك أَيْضا: " أَصْبَحْنَا وَأصْبح الْملك لله ... ".
وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: " من الكسل والهرم، وَسُوء الْكبر، وفتنة الدُّنْيَا، وَعَذَاب الْقَبْر ".
323 - الرَّابِع عشر: عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إذنك عَليّ أَن يرفع الْحجاب، وَأَن تستمع سوَادِي حَتَّى أَنهَاك ".
324 - الْخَامِس عشر: عَنهُ قَالَ: قَالَ عبد الله وَنحن بجمعٍ: سَمِعت الَّذِي أنزلت عَلَيْهِ سُورَة الْبَقَرَة يَقُول فِي هَذَا الْمقَام: " لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك ".
325 - السَّادِس عشر: عَن مَسْرُوق عَن عبد الله قَالَ: وَالَّذِي لَا إِلَه غَيره، مَا من كتاب الله سورةٌ إِلَّا أَنا أعلم حَيْثُ نزلت، وَمَا من آيَة إِلَّا أَنا أعلم فِيمَا أنزلت، وَلَو أعلم أحدا هُوَ أعلم بِكِتَاب الله مني تبلغه الْإِبِل لركبت إِلَيْهِ.
326 - السَّابِع عشر: عَن مَسْرُوق قَالَ: سَأَلنَا عبد الله عَن هَذِه الْآيَة: {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا بل أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ} [سُورَة آل عمرَان] ، فَقَالَ:(1/245)
أما إِنَّا قد سَأَلنَا عَن ذَلِك. فَقَالَ: " أَرْوَاحهم فِي جَوف طيرٍ خضرٍ، لَهَا قناديل معلقةٌ بالعرش، تسرح من الْجنَّة حَيْثُ شَاءَت، ثمَّ تأوي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيل، فَاطلع إِلَيْهِم رَبهم اطلاعة فَقَالَ: هَل تشتهون شَيْئا؟ قَالُوا: أَي شَيْء نشتهي وَنحن نَسْرَح فِي الْجنَّة حَيْثُ شِئْنَا؟ فَفعل ذَلِك بهم ثَلَاث مَرَّات، فَلَمَّا رَأَوْا أَنهم لن يتْركُوا من أَن يسْأَلُوا، قَالُوا: يَا رب، نُرِيد أَن ترد أَرْوَاحنَا فِي أَجْسَادنَا حَتَّى نقْتل فِي سَبِيلك مرّة أُخْرَى، فَلَمَّا رأى أَن لَيْسَ لَهُم حاجةٌ تركُوا ".
327 - الثَّامِن عشر: عَن أبي معمر عبد الله بن أبي سَخْبَرَة: أَن أَمِيرا كَانَ بِمَكَّة يسلم تسليمتين، فَقَالَ عبد الله: انى علقها؟ إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَفْعَله.
328 - التَّاسِع عشر: عَن الْحَارِث بن سُوَيْد عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ. قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " مَا تَعدونَ الرقوب فِيكُم؟ " قَالَ: قُلْنَا: الَّذِي لَا يُولد لَهُ. قَالَ: " لَيْسَ ذَاك بالرقوب، وَلكنه الرجل الَّذِي لم يقدم من وَلَده شَيْئا ".
قَالَ: " فَمَا تَعدونَ الصرعة فِيكُم؟ " قُلْنَا: الَّذِي لَا يصرعه الرِّجَال. قَالَ: " لَيْسَ كَذَلِك، وَلكنه الَّذِي يملك نَفسه عِنْد الْغَضَب ".
329 - الْعشْرُونَ: عَن مرّة بن شرَاحِيل عَن عبد الله قَالَ: حبس الْمُشْركُونَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن صَلَاة الْعَصْر حَتَّى احْمَرَّتْ الشَّمْس أَو اصْفَرَّتْ، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " شغلونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر، مَلأ الله أَجْوَافهم وقبورهم نَارا ". أَو: " حَشا الله أَجْوَافهم وقبورهم نَارا ".(1/246)
وَفِي مُسْند عَليّ بن أبي طَالب نَحوه.
330 - الْحَادِي وَالْعشْرُونَ: عَن مرّة قَالَ: قَالَ عبد الله: لما أسرِي برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انتهي بِهِ إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهى، وَهِي فِي السَّمَاء السَّادِسَة، وإليها يَنْتَهِي مَا يعرج بِهِ من الأَرْض، فَيقبض مِنْهَا، وإليها يَنْتَهِي مَا يهْبط بِهِ من فَوْقهَا، فَيقبض مِنْهَا. قَالَ: {إِذْ يغشى السِّدْرَة مَا يغشى} [سُورَة النَّجْم] ، قَالَ: فراشٌ من ذهب. قَالَ: فَأعْطِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثًا: أعطي الصَّلَوَات الْخمس، وخواتيم سُورَة الْبَقَرَة، وَغفر لمن لَا يُشْرك بِاللَّه من أمته شَيْئا، الْمُقْحمَات.
331 - الثَّانِي وَالْعشْرُونَ: عَن شَقِيق عَن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " يُؤْتى بجهنم يومئذٍ لَهَا سَبْعُونَ ألف زِمَام، مَعَ كل زمامٍ سَبْعُونَ ألف ملك يجرونها ".
332 - الثَّالِث وَالْعشْرُونَ: عَن أبي وَائِل عَن عبد الله قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فمررنا بصبيان فيهم ابْن صياد، ففر الصّبيان وَجلسَ ابْن صياد، وَكَأن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كره ذَلِك، فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " تربت يداك، أَتَشهد أَنِّي رَسُول الله؟ " فَقَالَ: لَا، بل تشهد أَنِّي رَسُول الله. فَقَالَ عمر بن الْخطاب: ذَرْنِي يَا رَسُول الله حَتَّى أَقتلهُ. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن يكن الَّذِي ترى فَلَنْ تَسْتَطِيع قَتله ".
وَفِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة: فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " قد خبأت لَك خبيئاً " فَقَالَ: دخٌّ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " اخْسَأْ، فَلَنْ تعدو قدرك ".(1/247)
333 - الرَّابِع وَالْعشْرُونَ: عَن سَالم بن أبي الْجَعْد عَن أَبِيه - واسْمه رَافع - عَن عبد الله، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " مَا مِنْكُم من أحدٍ إِلَّا وَقد وكل بِهِ قرينه من الْجِنّ وقرينه من الْمَلَائِكَة " قَالُوا: وَإِيَّاك يَا رَسُول الله. قَالَ: " وإياي، وَلَكِن الله أعانني عَلَيْهِ، فَأسلم، فَلَا يَأْمُرنِي، إِلَّا بِخَير ".
334 - الْخَامِس وَالْعشْرُونَ: عَن الْمَعْرُور بن سويدٍ عَن عبد الله قَالَ: قَالَت أم حَبِيبَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ أمتعني بزوجي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وبأبي أبي سُفْيَان، وبأخي مُعَاوِيَة. قَالَ: فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " قد سَأَلت الله لآجالٍ مَضْرُوبَة، وأيامٍ معدودةٍ، وأرزاق مقسومة، لن يعجل شَيْئا قبل حلّه، أَو يُؤَخر شَيْئا عَن حلّه، وَلَو كنت سَأَلت الله أَن يعيذك من عذابٍ فِي النَّار، أَو عَذَاب فِي الْقَبْر كَانَ خيرا وَأفضل ".
قَالَ: وَذكرت عِنْده القردة - قَالَ مسعر: وَأرَاهُ قَالَ: والخنازير من مسخٍ؟ فَقَالَ: " إِن الله لم يَجْعَل لمسخٍ نَسْلًا وَلَا عقباً، وَقد كَانَت القردة والخنازير قبل ذَلِك ".
وَفِي رِوَايَة:
فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله: القردة والخنازير هِيَ مِمَّا مسخ؟ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن الله لم يهْلك قوما، أَو يعذب قوما، فَيجْعَل لَهُم نَسْلًا ".
335 - السَّادِس وَالْعشْرُونَ: عَن أبي الْأَحْوَص - واسْمه عَوْف بن مَالك بن نَضْلَة - عَن عبد الله أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لقوم يتخلفون عَن الْجُمُعَة: " لقد هَمَمْت أَن آمُر رجلا يُصَلِّي بِالنَّاسِ، ثمَّ أحرق على رجالٍ يتخلفون عَن الْجُمُعَة بُيُوتهم ".
336 - السَّابِع وَالْعشْرُونَ: عَن أبي الْأَحْوَص قَالَ: قَالَ عبد الله: لقد رَأَيْتنَا وَمَا يتَخَلَّف عَن الصَّلَاة إِلَّا منافقٌ قد علم نفَاقه، أَو مريضٌ. إِن كَانَ الْمَرِيض ليمشي بَين رجلَيْنِ حَتَّى يَأْتِي الصَّلَاة.(1/248)
وَقَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علمنَا سنَن الْهدى، وَإِن من سنَن الْهدى الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد الَّذِي يُؤذن فِيهِ.
337 - الثَّامِن وَالْعشْرُونَ: عَن أبي الْأَحْوَص عَن عبد الله قَالَ: من سره أَن يلقى الله غَدا مُسلما فليحافظ على هَذِه الصَّلَوَات حَيْثُ يُنَادى بِهن، فَإِن الله شرع لنبيكم سنَن الْهدى، وإنهن من سنَن الْهدى، وَلَو أَنكُمْ صليتم فِي بُيُوتكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا المتخلف فِي بَيته لتركتم سنة نَبِيكُم، وَلَو تركْتُم سنة نَبِيكُم لَضَلَلْتُمْ، وَمَا من رجلٍ يتَطَهَّر فَيحسن الطّهُور، ثمَّ يعمد إِلَى مَسْجِد من هَذِه الْمَسَاجِد إِلَّا كتب الله لَهُ بِكُل خطوةٍ يخطوها حسنه، وَيَرْفَعهُ بهَا دَرَجَة، ويحط عَنهُ بهَا سَيِّئَة. وَلَقَد رَأَيْتنَا وَمَا يتَخَلَّف عَنْهَا إِلَّا منافقٌ مَعْلُوم النِّفَاق، وَلَقَد كَانَ الرجل يُؤْتى بِهِ يهادى بَين رجلَيْنِ حَتَّى يُقَام فِي الصَّفّ. وَهَذَا فِي معنى الَّذِي قبله، إِلَّا أَن فِيهِ زِيَادَة أوجبت إِيرَاده.
338 - التَّاسِع وَالْعشْرُونَ: عَن أبي الْأَحْوَص عَن عبد الله عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " لَو كنت متخذاً خَلِيلًا لاتخذت أَبَا بكرٍ خَلِيلًا، وَلكنه أخي وصاحبي، وَقد اتخذ الله صَاحبكُم خَلِيلًا.
زَاد بَعضهم فِي أَوله:
أَلا إِنِّي أَبْرَأ إِلَى كل خلٍّ من خله ".
وَفِي رِوَايَة:
وَلَو كنت متخذاً من أهل الأَرْض خَلِيلًا لاتخذت ابْن أبي قُحَافَة خَلِيلًا، وَلَكِن صَاحبكُم خَلِيل الله عز وَجل ".
339 - الثَّلَاثُونَ: عَن أبي الْأَحْوَص عَن عبد الله: أَن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " أَلا أنبئكم مَا العضه؟ هِيَ النميمة القالة بَين النَّاس ".(1/249)
زَاد البرقاني فِي رِوَايَته:
وَإِن شَرّ القالة الْكَذِب، وَإِن الْكَذِب لَا يصلح مِنْهُ جدٌّ وَلَا هزلٌ، وَلَا يعد الرجل صَبِيه ثمَّ لَا يُنجزهُ ". وَكَذَا قَالَ أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي: إِن مُسلما أخرج هَذِه الزِّيَادَة فِي هَذَا الحَدِيث، وَلَيْسَ ذَلِك عندنَا فِي كتاب مُسلم، بل قد زَاد فِيهِ مُسلم فصلا قد قدمْنَاهُ إِلَى مَا فِي مَعْنَاهُ من حَدِيث أبي وَائِل عَن ابْن مَسْعُود، وَهُوَ فِي الثَّالِث وَالسِّتِّينَ من الْمُتَّفق عَلَيْهِ.
340 - الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: عَن أبي الْأَحْوَص عَن عبد الله: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الْهدى، والتقى، والعفاف، والغنى ".
341 - الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: عَن أبي الْأَحْوَص عَن عبد الله قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا تقوم السَّاعَة إِلَّا على شرار النَّاس ".
342 - الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ: عَن أبي الْأَحْوَص، عَن عبد الله قَالَ: " بِحَسب الْمَرْء من الْكَذِب أَن يحدث بِمَا سمع ".
343 - الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ: عَن يسير بن جَابر - وَقيل: أَسِير - قَالَ: هَاجَتْ ريحٌ حَمْرَاء بِالْكُوفَةِ، فجَاء رجلٌ لَيْسَ لَهُ هجيرى إِلَّا: يَا عبد الله بن مَسْعُود، جَاءَت السَّاعَة، قَالَ: فَقعدَ وَكَانَ مُتكئا فَقَالَ: إِن السَّاعَة لَا تقوم حَتَّى لَا يقسم ميراثٌ وَلَا يفرح بغنيمةٍ، ثمَّ قَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا، ونحا نَحْو الشَّام فَقَالَ: عدوٌّ يجمعُونَ لأهل الْإِسْلَام وَيجمع لَهُم أهل الْإِسْلَام. قلت: الرّوم؟ قَالَ: نعم. وَيكون عِنْد ذاكم الْقِتَال ردةٌ شديدةٌ، فَيشْتَرط الْمُسلمُونَ شرطة للْمَوْت لَا ترجع إِلَّا غالبةً،(1/250)
فيقتتلون حَتَّى يحجز بَينهم اللَّيْل، فيفيء هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء كلٌّ غير غَالب، وتفنى الشرطة، ثمَّ يشْتَرط الْمُسلمُونَ شرطةً للْمَوْت لَا ترجع إِلَّا غالبةً، فيقتتلون حَتَّى يحجز بَينهم اللَّيْل، فيفيء هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء كلٌّ غير غَالب، وتفنى الشرطة، ثمَّ يشْتَرط الْمُسلمُونَ شرطة للْمَوْت لَا ترجع إِلَّا غالبة، فيقتتلون حَتَّى يمسوا، فيفيء هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء كل غير غَالب، وتفنى الشرطة، فَإِذا كَانَ الْيَوْم الرَّابِع نهد إِلَيْهِم بَقِيَّة أهل الْإِسْلَام، فَيجْعَل الله الدبرة عَلَيْهِم، فيقتتلون مقتلةً - إِمَّا قَالَ: لَا يرى مثلهَا - وَإِمَّا قَالَ: لم ير مثلهَا، حَتَّى إِن الطَّائِر ليمر بجنباتهم فَمَا يخلفهم حَتَّى يخر مَيتا، فيتعاد بَنو الْأُم كَانُوا مائَة فَلَا يجدونه بَقِي مِنْهُم إِلَّا الرجل الْوَاحِد، فَبِأَي غنيمةٍ يفرح، أَو أَي مِيرَاث يقاسم؟ .
فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك، إِذْ سمعُوا ببأسٍ هُوَ أكبر من ذَلِك، فَجَاءَهُمْ الصَّرِيخ: إِن الدَّجَّال قد خَلفهم فِي ذَرَارِيهمْ، فيرفضون مَا فِي أَيْديهم، ويقبلون فيبعثون عشرَة فوارس طَلِيعَة، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِنِّي لأعرف أَسْمَاءَهُم وَأَسْمَاء آبَائِهِم، وألوان خيولهم، هم خير فوارس على ظهر الأَرْض يومئذٍ.
344 - الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ: عَن عون بن عبد الله بن عتبَة عَن أَبِيه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: مَا كَانَ بَين إسْلَامنَا وَبَين أَن عَاتَبَنَا الله بِهَذِهِ الْآيَة: {ألم يَئِن للَّذين آمنُوا أَن تخشع قُلُوبهم لذكر الله} [سُورَة الْحَدِيد] ، إِلَّا أَربع سِنِين.
آخر مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ(1/251)
(12) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند عمار بن يَاسر رَضِي الله عَنهُ
حديثان فِي التَّيَمُّم متقاربان:
345 - أَحدهمَا: عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَنهُ، قَالَ شَقِيق: كنت جَالِسا مَعَ عبد الله بن مَسْعُود وَأبي مُوسَى، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن، أَرَأَيْت لَو أَن رجلا أجنب فَلم يجد المَاء شهرا، كَيفَ يصنع بِالصَّلَاةِ؟ فَقَالَ عبد الله: لَا يتَيَمَّم وَإِن لم يجد المَاء شهرا. فَقَالَ أَبُو مُوسَى: وَكَيف بِهَذِهِ الْآيَة فِي سُورَة الْمَائِدَة: {فَلم تَجدوا مَاء فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا} ، فَقَالَ عبد الله: لَو رخص لَهُم فِي هَذِه الْآيَة لَأَوْشَكَ إِذا برد عَلَيْهِم المَاء أَن يتيمموا بالصعيد. فَقَالَ أَبُو مُوسَى لعبد الله: ألم تسمع قَول عمار لعمر: بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَاجَة، فأجنبت، فَلم أجد المَاء، فتمرغت فِي الصَّعِيد كَمَا تمرغ الدَّابَّة، ثمَّ أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَذكرت لَهُ ذَلِك، فَقَالَ: " إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيك أَن تَقول بيديك هَكَذَا " - ثمَّ ضرب بيدَيْهِ الأَرْض ضَرْبَة وَاحِدَة، ثمَّ مسح الشمَال على الْيَمين، وَظَاهر كفيه وَوَجهه - فَقَالَ عبد الله: أَو لم يقنع عمر بقول عمار؟ .
فِي رِوَايَة: فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: فَدَعْنَا من قَول عمار، كَيفَ تصنع بِهَذِهِ الْآيَة؟ فَمَا درى عبد الله مَا يَقُول.
وَفِي رِوَايَة:
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيك أَن تَقول هَكَذَا " وَضرب بيدَيْهِ الأَرْض، فنفض يَدَيْهِ، فَمسح وَجهه وكفيه.(1/252)
وَالْآخر فِي الْمَعْنى، عَن عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى عَن عمار، وأوله: أَن رجلا أَتَى عمر فَقَالَ: إِنِّي أجنبت فَلم أجد مَاء، فَقَالَ لَا تصلِّ. فَقَالَ عمار: أَلا تذكر يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِذْ أَنا وَأَنت فِي سَرِيَّة، فأجنبنا فَلم نجد مَاء، فَأَما أَنْت فَلم تصل، وَأما أَنا فتمعكت فِي التُّرَاب وَصليت، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِنَّمَا يَكْفِيك أَن تضرب بيديك الأَرْض، ثمَّ تنفخ، ثمَّ تمسح بهما وَجهك وكفيك " فَقَالَ عمر: اتَّقِ الله يَا عمار، فَقَالَ: إِن شِئْت لم أحدث بِهِ. فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: نوليك مَا توليت.
وَمن أَفْرَاد البُخَارِيّ
346 - الأول: عَن أبي وَائِل شَقِيق بن سَلمَة قَالَ: لما بعث عليٌّ عماراً وَالْحسن ابْن عَليّ إِلَى الْكُوفَة ليستنفرهم، خطب عمارٌ فَقَالَ: إِنِّي لأعْلم أَنَّهَا زَوْجَة نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، وَلَكِن الله ابتلاكم بهَا لينْظر إِيَّاه تتبعون أَو إِيَّاهَا.
وَفِي أَفْرَاده أَيْضا نَحْو هَذَا عَن أبي مَرْيَم عبد الله بن زِيَاد الْأَسدي عَن عمار.
347 - الثَّانِي: عَن أبي وَائِل قَالَ: دخل أَبُو مُوسَى وَأَبُو مَسْعُود على عمار حَيْثُ أَتَى الْكُوفَة ليستنفر النَّاس، فَقَالَ: مَا رَأينَا مِنْك أمرا مُنْذُ أسلمت أكره عندنَا من إسراعك فِي هَذَا الْأَمر، فَقَالَ: مَا رَأَيْت مِنْكُمَا مُنْذُ أسلمتما أكره عِنْدِي من إبطائكما عَن هَذَا الْأَمر. قَالَ: ثمَّ كساهما حلَّة - قَالَ أَبُو مَسْعُود فِي الْأَطْرَاف: يَعْنِي أَبَا مُوسَى وَأَبا مَسْعُود حلَّة حلَّة - ثمَّ راحوا إِلَى الْمَسْجِد. وَلم يذكر(1/253)
البُخَارِيّ: يَعْنِي أَبَا مُوسَى وَأَبا مَسْعُود. بلَى فِي رِوَايَته عَن عَبْدَانِ: فَقَالَ أَبُو مَسْعُود - وَكَانَ مُوسِرًا: يَا غُلَام، هَات حلتين، فَأعْطى إِحْدَاهمَا أَبَا مُوسَى وَالْأُخْرَى عماراً. وَقَالَ: روحا فيهمَا إِلَى الْجُمُعَة.
348 - الثَّالِث: عَن همام بن الْحَارِث النَّخعِيّ عَن عمار قَالَ: رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا مَعَه إِلَّا خَمْسَة أعبدٍ وَامْرَأَتَانِ.
349 - حَدِيث لمُسلم: عَن أبي وَائِل قَالَ: خَطَبنَا عمار فأوجز وأبلغ، فَلَمَّا نزل قُلْنَا: يَا أَبَا الْيَقظَان، لقد أبلغت وأوجزت، فَلَو كنت تنفست. فَقَالَ: إِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " إِن طول صَلَاة الرجل وَقصر خطبَته مئنةٌ من فقهه، فأطيلوا الصَّلَاة وأقصروا الْخطْبَة، وَإِن من الْبَيَان سحرًا ".
وَمن أَفْرَاد مُسلم فِي مُسْند حُذَيْفَة كَلَام لعمَّار قَالَ: مَا عهد إِلَيْنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا لم يعْهَد إِلَى النَّاس كَافَّة. رَوَاهُ عَن عمار قيس بن عباد.(1/254)
(13) مُسْند حَارِثَة بن وهب الْخُزَاعِيّ [رَضِي الله عَنهُ]
وَكله مُتَّفق عَلَيْهِ:
350 - الأول: عَن إِسْحَاق بن حَارِثَة قَالَ: صلى بِنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَنحن أَكثر مَا كُنَّا قطّ وآمنه - بمنى رَكْعَتَيْنِ.
351 - الثَّانِي: عَن معبد بن خَالِد عَنهُ: أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " حَوْضه مَا بَين صنعاء وَالْمَدينَة ". فَقَالَ الْمُسْتَوْرد: ألم تسمعه قَالَ: الْأَوَانِي؟ قَالَ: لَا. فَقَالَ الْمُسْتَوْرد: " ترى فِيهِ الْآنِية مثل الْكَوَاكِب ". 352 - الثَّالِث: عَن معبدٍ عَن حَارِثَة بن وهب - وَهُوَ أَخُو عبيد الله بن عمر بن الْخطاب لأمه - قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " تصدقوا، فيوشك الرجل يمشي بِصَدَقَتِهِ فَيَقُول الَّذِي أعطيها: لَو جئتنا بهَا بالْأَمْس قبلتها، وَأما الْآن فَلَا حَاجَة لي بهَا، فَلَا تَجِد من يقبلهَا ".
353 - الرَّابِع - عَن معبد عَن حَارِثَة قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " أَلا(1/255)
أخْبركُم بِأَهْل الْجنَّة "؟ كل ضَعِيف متضعف، لَو يقسم على الله لَأَبَره، أَلا أخْبركُم بِأَهْل النَّار، كل عتل جواظ متكبرٍ ".
آخر مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث حَارِثَة.(1/256)
(14) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند أبي ذَر جُنْدُب بن جُنَادَة الْغِفَارِيّ رَضِي الله عَنهُ
354 - الأول: فِي إِسْلَام أبي ذَر بِطُولِهِ عَن عبد الله بن عَبَّاس فِي رِوَايَة سلم بن قُتَيْبَة قَالَ: أَلا أخْبركُم بِإِسْلَام أبي ذَر؟ قُلْنَا: بلَى. قَالَ: قَالَ أَبُو ذَر: كنت رجلا من غفار، فَبَلغنَا أَن رجلا خرج بِمَكَّة يزْعم أَنه نَبِي. فَقلت لأخي: انْطلق إِلَى هَذَا الرجل فَكَلمهُ وائتني بِخَبَرِهِ ... وَذكر الحَدِيث.
وَفِي حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن مهْدي بِمَعْنَاهُ، وأوله:
أَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما بلغ أَبَا ذَر مبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة قَالَ لِأَخِيهِ: اركب إِلَى هَذَا الْوَادي فَاعْلَم لي علم هَذَا الرجل الَّذِي يزْعم أَنه نبيٌّ يَأْتِيهِ الْخَبَر من السَّمَاء، واسمع من قَوْله، ثمَّ ائْتِنِي.
فَانْطَلق حَتَّى قدم مَكَّة وَسمع من قَوْله، ثمَّ رَجَعَ إِلَى أبي ذَر فَقَالَ: رَأَيْته يَأْمر بمكارم الْأَخْلَاق، وكلاماً مَا هُوَ بالشعر، فَقَالَ: مَا شفيتني فِيمَا أردْت. فتزود وَحمل شنةً لَهُ فِيهَا ماءٌ، حَتَّى قدم مَكَّة، فَأتى الْمَسْجِد، فالتمس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا يعرفهُ، وَكره أَن يسْأَل عَنهُ حَتَّى إِذا أدْركهُ اللَّيْل، فاضطجع، فَرَآهُ عليٌّ، فَعرف أَنه غريبٌ. فَلَمَّا رَآهُ تبعه، فَلم يسْأَل واحدٌ مِنْهُمَا صَاحبه عَن شَيْء حَتَّى أصبح، ثمَّ احْتمل قربته وزاده إِلَى الْمَسْجِد، فظل ذَلِك الْيَوْم وَلَا يرى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أَمْسَى فَعَاد إِلَى مضجعه، فَمر بِهِ عليٌّ فَقَالَ: مَا آن للرجل أَن يعلم منزله؟ فأقامه، فَذهب مَعَه وَلَا يسْأَل واحدٌ مِنْهُمَا صَاحبه عَن شَيْء، حَتَّى إِذا كَانَ يَوْم الثَّالِثَة فعل مثل ذَلِك، فأقامه عليٌّ مَعَه، ثمَّ قَالَ لَهُ: أتحدثني مَا الَّذِي أقدمك إِلَى هَذَا الْبَلَد؟(1/257)
قَالَ: إِن أَعْطَيْتنِي عهدا وميثاقاً لترشدني فعلت. فَفعل، فَقَالَ: فَإِنَّهُ حقٌّ، وَهُوَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِذا أَصبَحت فاتبعني، فَإِنِّي إِن رَأَيْت شَيْئا أخافه عَلَيْك قُمْت كَأَنِّي أريق المَاء، فَإِن مضيت فاتبعني حَتَّى تدخل مدخلي فَفعل، فَانْطَلق يقفوه حَتَّى دخل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَدخل مَعَه، فَسمع من قَوْله وَأسلم مَكَانَهُ، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " ارْجع إِلَى قَوْمك، فَأخْبرهُم حَتَّى يَأْتِيك أَمْرِي " فَقَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لأصرخن بهَا بَين ظهرانيهم، فَخرج حَتَّى أَتَى الْمَسْجِد فَنَادَى بِأَعْلَى صَوته، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وثار الْقَوْم فضربوه حَتَّى أضجعوه، وأتى الْعَبَّاس فأكب عَلَيْهِ، قَالَ: وَيْلكُمْ، ألستم تعلمُونَ أَنه من غفار، وَأَن طَرِيق تجاركم إِلَى الشَّام عَلَيْهِم، فأنقذه مِنْهُم. ثمَّ عَاد من الْغَد بِمِثْلِهَا، وثاروا إِلَيْهِ فضربوه، فأكب عَلَيْهِ الْعَبَّاس فأنقذه.
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ لما أسلم: " يَا أَبَا ذَر، اكتم هَذَا وارجع إِلَى بلدك، فَإِذا بلغك ظُهُورنَا فَأقبل ". قَالَ: فَقلت: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ، لأصرخن بهَا بَين أظهرهم ... وَذكر نَحوه. وَقَالَ: وَكَانَ هَذَا أول إِسْلَام أبي ذَر.
وَهُوَ فِي أَفْرَاد مُسلم على مساقٍ آخر يُوجب إِيرَاده: عَن عبد الله بن الصَّامِت قَالَ: قَالَ أَبُو ذَر: خرجنَا من قَومنَا غفار، وَكَانُوا يحلونَ الشَّهْر الْحَرَام، فَخرجت أَنا وَأخي أنيس وَأمنا، فنزلنا على خَال لنا، فَأَكْرَمَنَا خَالنَا وَأحسن إِلَيْنَا، فَحَسَدنَا قومه، فَقَالُوا: إِنَّك إِذا خرجت عَن أهلك خَالف إِلَيْهِم أنيس، فجَاء خَالنَا فَنَثَا علينا الَّذِي قيل لَهُ، فَقلت: أما مَا مضى من مَعْرُوفك فقد كدرته، وَلَا جماع لَك فِيمَا بعد، فَقَرَّبْنَا صِرْمَتنَا فَاحْتَمَلْنَا عَلَيْهَا، وتغطى خَالنَا بِثَوْبِهِ، فَجعل يبكي.(1/258)
فَانْطَلَقْنَا حَتَّى نزلنَا بِحَضْرَة مَكَّة، فنافر أنيسٌ عَن صِرْمَتنَا وَعَن مثلهَا، فَأتيَا الكاهن، فَخير أنيساً، فَأَتَانَا أنيس بصرمتنا وَمثلهَا مَعهَا قَالَ: وَقد صليت يَا ابْن أخي قبل أَن ألْقى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِثَلَاث سِنِين. قلت: لمن؟ قَالَ: لله؟ قلت: فَأَيْنَ توجه؟ قَالَ: أتوجه حَيْثُ يوجهني رَبِّي، أُصَلِّي عشَاء حَتَّى إِذا كَانَ من آخر اللَّيْل ألقيت كَأَنِّي خَفَاء حَتَّى تعلوني الشَّمْس. فَقَالَ أنيس: إِن لي حَاجَة بِمَكَّة فَاكْفِنِي. فَانْطَلق أنيس حَتَّى أَتَى مَكَّة، فَرَاثَ عَليّ، ثمَّ جَاءَ، فَقلت: مَا صنعت؟ قَالَ: لقِيت رجلا بِمَكَّة على دينك يزْعم أَن الله أرْسلهُ. قلت: فَمَا يَقُول النَّاس؟ قَالَ: يَقُولُونَ: شَاعِر، كَاهِن، سَاحر. وَكَانَ أنيسٌ أحد الشُّعَرَاء، قَالَ أنيس: لقد سَمِعت قَول الكهنة فَمَا هُوَ بقَوْلهمْ، وَلَقَد وضعت قَوْله على أَقراء الشّعْر فَمَا يلتئم على لِسَان أحدٍ بعدِي أَنه شعر، وَالله إِنَّه لصادقٌ، وَإِنَّهُم لَكَاذِبُونَ.
قَالَ: قلت: فَاكْفِنِي حَتَّى أذهب فَأنْظر. قَالَ: فَأتيت مَكَّة، فَتَضَعَّفْت رجلا مِنْهُم، فَقلت: أَيْن هَذَا الَّذِي تَدعُونَهُ الصَّابِئ. فَأَشَارَ إِلَيّ فَقَالَ: الصابيء الصابيء، فَمَال عَليّ أهل الْوَادي بِكُل مدرةٍ وَعظم حَتَّى خَرَرْت مغشياً عَليّ.
قَالَ: فارتفعت حِين ارْتَفَعت كَأَنِّي نصب أَحْمَر، قَالَ: فَأتيت زَمْزَم، فغسلت عني الدِّمَاء، وشربت من مَائِهَا، وَلَقَد لَبِثت يَا ابْن أخي ثَلَاثِينَ بَين لَيْلَة وَيَوْم، وَمَا كَانَ لي طَعَام إِلَّا مَاء زَمْزَم، فَسَمنت حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَن بَطْني، وَمَا وجدت على كَبِدِي سخْفَة جوع.(1/259)
قَالَ: فَبَيْنَمَا أهل مَكَّة فِي لَيْلَة قَمْرَاء إِضْحِيَان، إِذْ ضرب على أصمختهم، فَمَا يطوف بِالْبَيْتِ أحد، وَامْرَأَتَانِ مِنْهُم تدعوان أسافاً ونائلة. قَالَ: فَأَتَتَا عَليّ فِي طوافهما، فَقلت: أنكحا أَحدهمَا الْأُخْرَى. قَالَ: فَمَا تناهتا عَن قَوْلهمَا. قَالَ: فَأَتَتَا عَليّ فَقلت: هنٌ مثل الْخَشَبَة غير أَنِّي لَا أكني. فانطلقتا تُوَلْوِلَانِ وَتَقُولَانِ: لَو كَانَ هَا هُنَا أحدٌ من أَنْفَارنَا. قَالَ: فَاسْتَقْبَلَهُمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر وهما هَابِطَانِ، قَالَتَا: الصَّابِئ بَين الْكَعْبَة وَأَسْتَارهَا. قَالَ: " مَا قَالَ لَكمَا؟ " قَالَتَا: إِنَّه قَالَ كلمة تملا الْفَم.
وَجَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى اسْتَلم الْحجر، وَطَاف بِالْبَيْتِ هُوَ وَصَاحبه، ثمَّ صلى، فَلَمَّا قضى صلَاته قَالَ أَبُو ذَر: فَكنت أول من حَيَّاهُ بِتَحِيَّة الْإِسْلَام: قَالَ: " وَعَلَيْك وَرَحْمَة الله ". ثمَّ قَالَ: " من أَنْت "؟ قلت: من غفار. قَالَ: فَأَهوى بِيَدِهِ فَوضع أَصَابِعه على جَبهته، فَقلت فِي نَفسِي: كره أَن انتميت إِلَى غفار، فَذَهَبت آخذ بِيَدِهِ، فقدعني صَاحبه، وَكَانَ أعلم بِهِ مني، ثمَّ رفع رَأسه فَقَالَ: " مَتى كنت هَا هُنَا؟ " قَالَ: قلت: قد كنت هَا هُنَا من ثَلَاثِينَ بَين لَيْلَة وَيَوْم. قَالَ: " فَمن كَانَ يطعمك؟ " قَالَ: قلت: مَا كَانَ لي طعامٌ إِلَّا مَاء زَمْزَم، فَسَمنت حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَن بَطْني، وَمَا أجد على كَبِدِي سخْفَة جوع. قَالَ: " إِنَّهَا مباركةٌ، إِنَّهَا طَعَام طعمٍ. فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: يَا رَسُول الله، ائْذَنْ لي فِي طَعَامه اللَّيْلَة. فَانْطَلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر، وَانْطَلَقت مَعَهُمَا، فَفتح أَبُو بكر بَابا، فَجعل يقبض لنا من زبيب الطَّائِف، فَكَانَ ذَلِك أول طَعَام أَكلته بهَا.(1/260)
ثمَّ غبرت مَا غبرت، ثمَّ أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ:
إِنَّه قد وجهت لي أرضٌ ذَات نخلٍ، لَا أَرَاهَا إِلَّا يثرب، فَهَل أَنْت مبلغٌ عني قَوْمك، عَسى الله أَن يَنْفَعهُمْ بك ويأجرك فيهم ".
فَأتيت أنيساً فَقَالَ: مَا صنعت؟ قلت: صنعت أَنِّي قد أسلمت وصدقت. قَالَ: مَا بِي رغبةٌ عَن دينك. فَاحْتَمَلْنَا حَتَّى أَتَيْنَا قَومنَا غفارًا، فَأسلم نصفهم، وَكَانَ يؤمهم إِيمَاء بن رحضة الْغِفَارِيّ - وَكَانَ سيدهم، وَقَالَ نصفهم: إِذا قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة أسلمنَا. فَقدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأسلم نصفهم الْبَاقِي. وَجَاءَت أسلم فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، إخوتنا، نسلم على الَّذِي أَسْلمُوا عَلَيْهِ، فأسلموا، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " غفارٌ غفر الله لَهَا، وَأسلم سَالَمَهَا الله ".
زَاد بعض الروَاة بعد قَول أبي ذَر لِأَخِيهِ: فَاكْفِنِي حَتَّى أذهب فَأنْظر: فَقَالَ: نعم، وَكن على حذرٍ من أهل مَكَّة، فَإِنَّهُم قد شنفوا لَهُ وتجهموا.
وَفِي رِوَايَة قَالَ:
فتنافرا إِلَى رجل من الْكُهَّان، فَلم يزل أخي يمدحه حَتَّى غَلبه، فأخذنا صرمته.
أعَاد مُسلم فِي أَفْرَاده عَن عبد الله بن الصَّامِت عَن أبي ذَر طرفا من هَذَا الحَدِيث، وَهُوَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
أسلم سَالَمَهَا الله، وغفارٌ غفر الله لَهَا ".
جَمعنَا الْحَدِيثين على اخْتِلَافهمَا لاتِّفَاقهمَا فِي ذكر إِسْلَام أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ.(1/261)
355 - الثَّانِي: فِي ذكر الْمِعْرَاج:
عَن أنس بن مَالك قَالَ: كَانَ أَبُو ذَر يحدث أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " فرج سقف بَيْتِي وَأَنا بِمَكَّة، فَنزل جِبْرِيل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَفرج صَدْرِي، ثمَّ غسله من مَاء زَمْزَم، ثمَّ جَاءَ بطست من ذهبٍ ممتلئٍ حِكْمَة وإيماناً، فأفرغها فِي صَدْرِي ثمَّ أطبقه، ثمَّ أَخذ بيَدي فعرج بِي إِلَى السَّمَاء، فَلَمَّا جِئْنَا السَّمَاء الدُّنْيَا قَالَ جِبْرِيل لخازن السَّمَاء الدُّنْيَا: افْتَحْ. قَالَ: من هَذَا؟ قَالَ: هَذَا جِبْرِيل. قَالَ: هَل مَعَك أحدٌ؟ قَالَ: نعم، معي مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ: فَأرْسل إِلَيْهِ؟ قَالَ: نعم، فافتح. قَالَ: فَلَمَّا علونا السَّمَاء الدُّنْيَا، فَإِذا رجلٌ عَن يَمِينه أَسْوِدَة، وَعَن يسَاره أسودةٌ. قَالَ: فَإِذا نظر قبل يَمِينه ضحك، وَإِذا نظر قبل شِمَاله بَكَى. قَالَ: فَقَالَ: مرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالح وَالِابْن الصَّالح. قَالَ: قلت: يَا جِبْرِيل، من هَذَا؟ قَالَ: هَذَا آدم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهَذِه الأسودة عَن يَمِينه وَعَن شِمَاله نسم بنيه، فَأهل الْيَمين أهل الْجنَّة، والأسودة الَّتِي عَن شِمَاله أهل النَّار. فَإِذا نظر قبل يَمِينه ضحك، وَإِذا نظر قبل شِمَاله بَكَى.
قَالَ: ثمَّ عرج بِي جِبْرِيل حَتَّى أَتَى السَّمَاء الثَّانِيَة، فَقَالَ لخازنها: افْتَحْ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ خازنها مثل مَا قَالَ لخازن السَّمَاء الدُّنْيَا، فَفتح ".
فَقَالَ أنس بن مَالك: فَذكر أَنه وجد فِي السَّمَوَات آدم وَإِدْرِيس وَعِيسَى ومُوسَى وَإِبْرَاهِيم صلوَات الله عَلَيْهِ وَعَلَيْهِم، وَلم يثبت كَيفَ مَنَازِلهمْ، غير أَنه ذكر أَنه وجد آدم عَلَيْهِ السَّلَام فِي السَّمَاء الدُّنْيَا، وَإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فِي السَّمَاء السَّادِسَة.
قَالَ: فَلَمَّا مر جِبْرِيل وَرَسُول الله بِإِدْرِيس صلوَات الله عَلَيْهِم قَالَ: مرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالح وَالْأَخ الصَّالح. قَالَ: ثمَّ مر، فَقلت: من هَذَا؟ قَالَ: هَذَا إِدْرِيس. قَالَ: ثمَّ مَرَرْت بمُوسَى فَقَالَ: مرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالح وَالْأَخ الصَّالح. قَالَ: قلت: من(1/262)
هَذَا؟ قَالَ: هَذَا مُوسَى. قَالَ: ثمَّ مَرَرْت بِعِيسَى. فَقَالَ: مرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالح وَالْأَخ الصَّالح. قَالَ: قلت: من هَذَا؟ قَالَ: هَذَا عِيسَى ابْن مَرْيَم. قَالَ: ثمَّ مَرَرْت بإبراهيم عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: مرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالح وَالِابْن الصَّالح. قَالَ: قلت من هَذَا؟ قَالَ: هَذَا إِبْرَاهِيم ".
قَالَ ابْن شهَاب: وَأَخْبرنِي ابْن حزمٍ أَن ابْن عَبَّاس وَأَبا حَيَّة الْأنْصَارِيّ يَقُولَانِ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " ثمَّ عرج بِي حَتَّى ظَهرت لمستوى أسمع فِيهِ صريف الأقلام " قَالَ ابْن حزم وَأنس بن مَالك: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " فَفرض الله على أمتِي خمسين صَلَاة. قَالَ: فَرَجَعت بذلك حَتَّى أَمر بمُوسَى، فَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: مَاذَا فرض رَبك على أمتك؟ قَالَ: قلت: فرض عَلَيْهِم خمسين صَلَاة.
قَالَ لي مُوسَى: فراجع رَبك، فَإِن أمتك لَا تطِيق ذَلِك. قَالَ: فراجعت رَبِّي، فَوضع شطرها، قَالَ: فَرَجَعت إِلَى مُوسَى فَأَخْبَرته، قَالَ: رَاجع رَبك؛ فَإِن أمتك لَا تطِيق ذَلِك. قَالَ: فراجعت رَبِّي فَقَالَ: هِيَ خمسٌ، وَهِي خَمْسُونَ، لَا يُبدل القَوْل لدي. قَالَ: فَرَجَعت إِلَى مُوسَى فَقَالَ: رَاجع رَبك. فَقلت: قد استحييت من رَبِّي. قَالَ: ثمَّ انْطلق بِي جِبْرِيل حَتَّى نأتي سِدْرَة الْمُنْتَهى، فغشيها ألوانٌ لَا أَدْرِي مَا هِيَ. قَالَ: ثمَّ أدخلت الْجنَّة، فَإذْ فِيهَا جنابذ اللُّؤْلُؤ، وَإِذا ترابها الْمسك ".
356 - الثَّالِث: عَن زيد بن وهب الْجُهَنِيّ عَن أبي ذَر من رِوَايَة عبد الْعَزِيز بن رفيع عَن زيد قَالَ: خرجت لَيْلَة من اللَّيَالِي، فَإِذا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمشي وَحده، لَيْسَ مَعَه إِنْسَان، فَظَنَنْت أَنه يكره أَن يمشي مَعَه أحد. قَالَ: فَجعلت أَمْشِي فِي ظلّ الْقَمَر، فَالْتَفت فرآني، فَقَالَ: " من هَذَا؟ " فَقلت: أَبُو ذَر، جعلني الله فدَاك.(1/263)
قَالَ: " يَا أَبَا ذَر تعاله " قَالَ: فمشيت مَعَه سَاعَة، فَقَالَ: " إِن المكثرين هم المقلون يَوْم الْقِيَامَة، إِلَّا من أعطَاهُ الله خيرا، فنفح فِيهِ يَمِينه وشماله، وَبَين يَدَيْهِ ووراءه، وَعمل فِيهِ خيرا ".
قَالَ: فمشيت مَعَه سَاعَة فَقَالَ:
اجْلِسْ هَا هُنَا " قَالَ: فأجلسني فِي قاع حوله حجارةٌ، فَقَالَ لي: " اجْلِسْ هَا هُنَا حَتَّى أرجع إِلَيْك " قَالَ: فَانْطَلق فِي الْحرَّة حَتَّى لَا أرَاهُ، فَلبث عني، فَأطَال اللّّبْث، ثمَّ إِنِّي سمعته وَهُوَ مقبلٌ وَهُوَ يَقُول: " وَإِن سرق وَإِن زنى ". قَالَ: فَلَمَّا جَاءَ لم أَصْبِر، فَقلت: يَا نَبِي الله، جعلني الله فدَاك، من تكلم فِي جَانب الْحرَّة، مَا سَمِعت أحدا يرجع إِلَيْك شَيْئا؟ قَالَ: " ذَلِك جِبْرِيل، عرض لي فِي جَانب الْحرَّة، فَقَالَ: بشر أمتك أَنه من مَاتَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة. فَقلت: يَا جِبْرِيل، وَإِن سرق وغن زنى؟ قَالَ: نعم ". فَقلت: يَا رَسُول الله، وَإِن سرق وَإِن زنى؟ قَالَ: " نعم " قلت: وَإِن زنى؟ قَالَ: " نعم، وَإِن شرب الْخمر ".
لَيْسَ عندنَا فِي رِوَايَة مُسلم " يَا رَسُول الله " وَصَحَّ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ، وبإسقاطه يحْتَمل أَن يكون ذَلِك من مُخَاطبَة جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام.
وَفِي رِوَايَة الْأَعْمَش وَعبد الْعَزِيز بن رفيع وحبِيب بن أبي ثَابت نَحوه عَن أبي ذَر.
وَفِي الْكِتَابَيْنِ من رِوَايَة الْمَعْرُور بن سُوَيْد عَن أبي ذَر عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ:
أَتَانِي جِبْرِيل فبشرني أَنه من مَاتَ من أمتك لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة. قلت: وَإِن زنى وَإِن سرق؟ قَالَ: وَإِن زنى وَإِن سرق ".(1/264)
وَمن رِوَايَة أبي الْأسود الدؤَلِي عَن أبي ذَر نَحْو هَذَا الْفَصْل:
أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " مَا من عبدٍ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله ثمَّ مَاتَ على ذَلِك إِلَّا دخل الْجنَّة " قلت: وَإِن زنى وَإِن سرق؟ قَالَ: " وَإِن زنى وَإِن سرق " ثَلَاثًا. ثمَّ فِي الرَّابِعَة: " على رغم أنف أبي ذَر ". وَفِيه: أَتَيْته وَعَلِيهِ ثوب أَبيض.
وَفِي أَفْرَاد البُخَارِيّ عَن حبيب وَحده عَن زيد بن وهب عَنهُ:
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " قَالَ لي جِبْرِيل: من مَاتَ من أمتك لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة، وَلم يدْخل النَّار. قلت: وَإِن زنى إِن سرق؟ قَالَ: نعم ".
357 - الرَّابِع: عَن زيد بن وهب عَنهُ - من رِوَايَة مهَاجر أبي الْحسن الصَّائِغ - عَن زيد قَالَ: أذن مُؤذن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالظّهْرِ، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أبرد، أبرد " أَو قَالَ: " انْتظر، انْتظر " وَقَالَ: إِن شدَّة الْحر من فيح جَهَنَّم، فَإِذا اشْتَدَّ الْحر فأبردوا عَن الصَّلَاة "، قَالَ أَبُو ذَر: حَتَّى رَأينَا فَيْء التلول.
358 - الْخَامِس: عَن قيس بن عبَادَة قَالَ: سَمِعت أَبَا ذَر يقسم قسما أَن: {هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا فِي رَبهم} [سُورَة الْحَج] ، أَنَّهَا نزلت فِي الَّذين برزوا يَوْم بدرٍ: حَمْزَة وَعلي وَعبيدَة بن الْحَارِث، وَعتبَة وَشَيْبَة ابْنا ربيعَة والوليد بن عتبَة.
وَهَذَا آخر حَدِيث فِي كتاب مُسلم بن الْحجَّاج رَحْمَة الله عَلَيْهِ. وَفِي مُسْند عَليّ نَحوه من رِوَايَة قيس بن عباد عَنهُ أَيْضا. @ 359 - السَّادِس: عَن يزِيد بن شريك بن طَارق التَّمِيمِي عَن أبي ذَر قَالَ: كنت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَسْجِد عِنْد غرُوب الشَّمْس، فَقَالَ: " يَا أَبَا ذَر، أَتَدْرِي أَيْن(1/265)
تذْهب الشَّمْس؟ " فَقلت: الله وَرَسُوله أعلم. فَقَالَ: " تذْهب تسْجد تَحت الْعَرْش، فَتَسْتَأْذِن فَيُؤذن لَهَا، ويوشك أَن تسْجد فَلَا يقبل مِنْهَا، وتستأذن فَلَا يُؤذن لَهَا، فَيُقَال لَهَا: ارجعي من حَيْثُ جِئْت، فَتَطلع من مغْرِبهَا، فَذَلِك قَوْله عز وَجل: {وَالشَّمْس تجْرِي لمستقر لَهَا ذَلِك تَقْدِير الْعَزِيز الْعَلِيم} [سُورَة يس] .
فِي رِوَايَة: ثمَّ قَرَأَ (ذَلِك مستقرٌّ لَهَا) فِي قِرَاءَة عبد الله.
وَفِي رِوَايَة: فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
تَدْرُونَ مَتى ذاكم؟ ذَاك حِين لَا ينفع نفسا إيمَانهَا لم تكن آمَنت من قبل أَو كسبت فِي إيمَانهَا خيرا.
وَفِي رِوَايَة وَكِيع مختصرة:
سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَوْله: {وَالشَّمْس تجْرِي لمستقر لَهَا} قَالَ: " مستقرها تَحت الْعَرْش ".
360 - السَّابِع: فِي أول مسجدٍ وضع فِي الأَرْض:
عَن إِبْرَاهِيم بن يزِيد بن شريك التَّيْمِيّ قَالَ: كنت أَقرَأ على أبي الْقُرْآن فِي السدة، فَإِذا قَرَأت السَّجْدَة سجد، فَقلت: يَا أَبَت، أتسجد فِي الطَّرِيق؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعت أَبَا ذَر يَقُول: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أول مسجدٍ وضع فِي الأَرْض. قَالَ: " الْمَسْجِد الْحَرَام ". قلت: ثمَّ إِي: قَالَ: " الْمَسْجِد الْأَقْصَى " قلت: كم بَينهمَا؟ قَالَ: " أَرْبَعُونَ عَاما، ثمَّ الأَرْض لَك مَسْجِد، فَحَيْثُمَا أَدْرَكتك الصَّلَاة فصل ".
زَاد فِي رِوَايَة البُخَارِيّ: " فَإِن الْفضل فِيهِ "، وَأول حَدِيثه: قلت: يَا رَسُول الله، أَي مسجدٍ وضع فِي الأَرْض أول؟ ... .(1/266)
361 - الثَّامِن: عَن الْأَحْنَف بن قيس قَالَ: قدمت الْمَدِينَة، فَبينا أَنا فِي حَلقَة فِيهَا ملأٌ من قُرَيْش، إِذْ جَاءَ رجلٌ اخشن الثِّيَاب، أخشن الْجَسَد، خشن الْوَجْه، فَقَامَ عَلَيْهِم فَقَالَ: بشر الكانزين برضف يحمى عَلَيْهِ فِي نَار جَهَنَّم، فَيُوضَع على حلمة أحدهم حَتَّى يخرج من نغض كَتفيهِ، وَيُوضَع على نغض كَتفيهِ حَتَّى يخرج من حلمة ثدييه، يتزلزل. قَالَ: فَوضع الْقَوْم رؤوسهم، فَمَا رَأَيْت أحدا مِنْهُم رَجَعَ إِلَيْهِ شَيْئا.
قَالَ: فَأَدْبَرَ، فاتبعته حَتَّى جلس إِلَى سَارِيَة فَقلت: مَا رَأَيْت هَؤُلَاءِ إِلَّا كَرهُوا مَا قلت لَهُم. فَقَالَ: إِن هَؤُلَاءِ لَا يعْقلُونَ شَيْئا، إِن خليلي أَبَا الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَاني فأجبته، فَقَالَ: " أَتَرَى أحدا؟ " فَنَظَرت مَا عَليّ من الشَّمْس، وَأَنا أَظن أَنه يَبْعَثنِي فِي حَاجَة، فَقلت: أرَاهُ. فَقَالَ: " مَا يسرني أَن لي مثله ذَهَبا أنفقهُ كُله إِلَّا ثَلَاثَة دَنَانِير، ثمَّ هَؤُلَاءِ يجمعُونَ الدُّنْيَا لَا يعْقلُونَ شَيْئا " قَالَ: قلت: مَا لَك ولإخوانك من قُرَيْش لَا تعتريهم وتصيب مِنْهُم؟ قَالَ: لَا وَرَبك لَا أسألهم عَن دنيا وَلَا أستفتيهم عَن دينٍ حَتَّى ألحق بِاللَّه وَرَسُوله.
هَذَا لفظ حَدِيث مُسلم، وَهُوَ عِنْد البُخَارِيّ بِمَعْنَاهُ. وَعند بعض الروَاة فِيهِ: أَن الْأَحْنَف قَالَ: كنت فِي نفرٍ من قُرَيْش، فَمر أَبُو ذرٍّ وَهُوَ يَقُول: بشر الكانزين بكي فِي ظُهُورهمْ يخرج من جنُوبهم، وبكي من قبل أقفائهم يخرج من جباههم.
ثمَّ تنحى فَقعدَ، فَقلت: من هَذَا؟ قَالُوا: أَبُو ذَر. قَالَ: فَقُمْت إِلَيْهِ فَقلت: مَا(1/267)
شيءٌ سَمِعتك تَقول قبيل؟ قَالَ: مَا قلت إِلَّا شَيْئا سمعته من نَبِيّهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ: قلت: مَا تَقول فِي هَذَا الْعَطاء؟ قَالَ: خُذْهُ، فَإِن فِيهِ الْيَوْم معونةٌ، فَإِذا كَانَ ثمنا لدينك فَدَعْهُ.
وَبَعض هَذَا الْمَعْنى فِي رِوَايَة الْأَعْمَش وَعبد الْعَزِيز بن رفيع وحبِيب بن أبي ثَابت عَن زيد بن وهب عَن أبي ذَر قَالَ:
كنت أَمْشِي مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ينظر إِلَى أحدٍ فَقَالَ: " مَا أحب أَن يكون لي ذَهَبا يُمْسِي عَلَيْهِ ثالثةٌ وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْء " وَفِي رِوَايَة: " وَعِنْدِي مِنْهُ دينارٌ إِلَّا دينارٌ أرصده لدينٍ، إِلَّا أَن أَقُول بِهِ فِي عباد الله هَكَذَا " حثا بَين يَدَيْهِ - وَهَكَذَا عَن يَمِينه، وَهَكَذَا عَن شِمَاله -. وَهَذَا طرف من حَدِيث قد تقدم طرفٌ مِنْهُ.
362 - التَّاسِع: عَن الْمَعْرُور بن سُوَيْد قَالَ: رَأَيْت أَبَا ذَر وَعَلِيهِ حلةٌ، وعَلى غلامة حلةٌ مثلهَا، فَسَأَلته عَن ذَلِك، فَذكر أَنه سَاب رجلا على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَعَيَّرَهُ بِأُمِّهِ، فَأتى الرجل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَذكر ذَلِك لَهُ، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِنَّك امرؤٌ فِيك جَاهِلِيَّة ".
فِي رِوَايَة قلت: على سَاعَتِي هَذِه من كبر السن؟ قَالَ: " نعم، هم إخْوَانكُمْ وخولكم، جعلهم الله تَحت أَيْدِيكُم، فَمن كَانَ أَخُوهُ تَحت يَدَيْهِ فليطعمه مِمَّا يَأْكُل، وليلبسه مِمَّا يلبس وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبهُمْ، فَإِن كلفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ عَلَيْهِ ".
فِي حَدِيث عِيسَى بن يُونُس: " فَإِن كلفه مَا يغلبه فليبعه " وَفِي حَدِيث زُهَيْر: " فليعنه عَلَيْهِ ".
363 - الْعَاشِر: عَن الْمَعْرُور بن سُوَيْد عَن أبي ذَر قَالَ: انْتَهَيْت إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ جالسٌ فِي ظلّ الْكَعْبَة، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: " هم الأخسرون وَرب الْكَعْبَة ". قَالَ:(1/268)
فَجئْت حَتَّى جَلَست، فَلم أتقار أَن قُمْت فَقلت: يَا رَسُول الله، فدَاك أبي وَأمي، من هم؟ قَالَ: " هم الْأَكْثَرُونَ أَمْوَالًا، إِلَّا من قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا، من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه وَعَن يَمِينه وَعَن شِمَاله، وَقَلِيل مَا هم.
مَا من صَاحب إبلٍ وَلَا بقرٍ وَلَا غنمٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتهَا إِلَّا جَاءَت يَوْم الْقِيَامَة أعظم مَا كَانَت وأسمنه، تنطحه بقرونها، وتطؤه بأظلافها، كلما نفدت أخراها عَادَتْ إِلَيْهَا أولاها، حَتَّى يقْضى بَين النَّاس ".
فرقه البُخَارِيّ بِمَعْنَاهُ فِي موضِعين. والفصل الأول مِنْهُ قد تقدم مَعْنَاهُ فِي حَدِيث زيد بن وهب، إِلَّا أَنه قَالَ هَا هُنَا: فِي ظلّ الْكَعْبَة، وَقَالَ هُنَاكَ: فَانْطَلق فِي الْحرَّة.
364 - الْحَادِي عشر: عَن أبي الْأسود الدؤَلِي عَن أبي ذَر: أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " لَيْسَ من رجل ادّعى لغير أَبِيه وَهُوَ يُعلمهُ إِلَّا كفر، وَمن ادّعى مَا لَيْسَ لَهُ فَلَيْسَ منا، وليتبوأ مَقْعَده من النَّار. وَمن دَعَا رجلا بالْكفْر، أَو قَالَ: عَدو الله، وَلَيْسَ كَذَلِك، إِلَّا حَار عَلَيْهِ " كَذَا فِي مُسلم.
وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ:
لَا يَرْمِي رجلٌ رجلا بالفسوق، وَلَا يرميه بالْكفْر إِلَّا ارْتَدَّت عَلَيْهِ إِن لم يكن صَاحبه كَذَلِك ".
365 - الثَّانِي عشر: عَن أبي مراوحٍ اللَّيْثِيّ عَن أبي ذَر قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله، أَي الْأَعْمَال أفضل؟ قَالَ: " الْإِيمَان بِاللَّه، وَالْجهَاد فِي سَبيله " قَالَ: قلت: فَأَي الرّقاب أفضل؟ قَالَ: " أَنْفسهَا عِنْد أَهلهَا، وأكثرها ثمنا ". قَالَ: قلت: فَإِن لم أفعل(1/269)
قَالَ: " تعين ضائعاً، أَو تصنع لأخرق " قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله، أَرَأَيْت إِن ضعفت عَن بعض الْعَمَل؟ قَالَ: " تكف شرك عَن النَّاس؛ فَإِنَّهَا صدقةٌ مِنْك على نَفسك ".
أَفْرَاد البُخَارِيّ
366 - الأول: عَن حُصَيْن، عَن زيد بن وهب قَالَ: مَرَرْت بالربذة، فَإِذا بِأبي ذَر، فَقلت لَهُ: مَا أنزلك مَنْزِلك هَذَا؟ قَالَ: كنت بِالشَّام، فاختلفت أَنا وَمُعَاوِيَة فِي هَذِه الْآيَة: {وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل الله} [سُورَة التَّوْبَة] ، فَقَالَ مُعَاوِيَة: نزلت فِي أهل الْكتاب. فَقلت: نزلت فِينَا وَفِيهِمْ فَكَانَ بيني وَبَينه فِي ذَلِك كلامٌ، فَكتب إِلَى عُثْمَان يشكوني، فَكتب إِلَيّ عُثْمَان: أَن اقدم الْمَدِينَة، فقدمتها، فَكثر عَليّ النَّاس كَأَنَّهُمْ لم يروني قبل ذَلِك. فَذكرت ذَلِك لعُثْمَان، فَقَالَ لي: إِن شِئْت تنحيت فَكنت قَرِيبا. فَذَاك الَّذِي أنزلني هَذَا الْمنزل، لَو أمروا عَليّ حبشياًّ لسمعت وأطعت.
367 - الثَّانِي: عَن خَرشَة بن الْحر الْفَزارِيّ عَن أبي ذَر قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَخذ مضجعه من اللَّيْل قَالَ: " بِاسْمِك اللَّهُمَّ أَمُوت وَأَحْيَا " وَإِذا اسْتَيْقَظَ قَالَ: " الْحَمد لله الَّذِي أَحْيَانًا بعد مَا أماتنا وَإِلَيْهِ النشور ".
وَهُوَ فِي مُسْند حُذَيْفَة بن الْيَمَان أَيْضا.(1/270)
أَفْرَاد مُسلم
368 - الأول: عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَن أَبِيه عَن أبي ذَر قَالَ: كَانَت لنا رخصَة - يَعْنِي الْمُتْعَة فِي الْحَج.
وَفِي رِوَايَة الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن أَبِيه عَن أبي ذَر قَالَ: كَانَت الْمُتْعَة فِي الْحَج لأَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة.
وَفِي رِوَايَة زبيد عَن إِبْرَاهِيم عَن أَبِيه قَالَ:
قَالَ أَبُو ذَر: لَا تصلح المتعتان إِلَّا لنا خَاصَّة - يَعْنِي مُتْعَة النِّسَاء ومتعة الْحَج.
وَعَن عبد الرَّحْمَن بن أبي الشعْثَاء قَالَ: أتيت إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فَقلت: إِنِّي أهم أَن أجمع الْعمرَة وَالْحج الْعَام. فَقَالَ: لَكِن أَبوك لم يكن ليهم بذلك.
وَفِي رِوَايَة بَيَان عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَن أبي ذَر نَحْو الأول، قَالَ: إِنَّمَا كَانَت لنا رخصَة دونكم.
369 - الثَّانِي: عَن خَرشَة بن الْحر عَن أبي ذَر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " ثلاثةٌ لَا يكلمهم الله يَوْم الْقِيَامَة وَلَا ينظر إِلَيْهِم وَلَا يزكيهم وَلَهُم عذابٌ أَلِيم " قَالَ: فقرأها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث مرار. قَالَ أَبُو ذَر: خابوا وخسروا، من هم يَا رَسُول الله؟ قَالَ: " المسبل، والمنان، والمنفق سلْعَته بِالْحلف الْكَاذِب ".
370 - الثَّالِث: عَن الْمَعْرُور بن سُوَيْد عَن أبي ذَر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِنِّي لأعْلم آخر أهل الْجنَّة دُخُولا الْجنَّة، وَآخر أهل النَّار خُرُوجًا مِنْهَا، رجلٌ يُؤْتى بِهِ يَوْم الْقِيَامَة فَيُقَال: اعرضوا عَلَيْهِ صغَار ذنُوبه وَارْفَعُوا عَنهُ كِبَارهَا، فَيعرض عَلَيْهِ صغَار ذنُوبه، فَيُقَال: عملت يَوْم كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا، وعملت يَوْم كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا. فَيَقُول: نعم، لَا يَسْتَطِيع أَن يُنكر، وَهُوَ مشفقٌ من كبار ذنُوبه أَن تعرض(1/271)
عَلَيْهِ. فَيُقَال لَهُ: فَإِن لَك مَكَان كل سيئةٍ حَسَنَة. فَيَقُول: رب قد عملت أَشْيَاء لَا أَرَاهَا هَا هُنَا ". فَلَقَد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضحك حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه.
371 - الرَّابِع: عَن الْمَعْرُور بن سُوَيْد عَن أبي ذَر قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " يَقُول الله عز وَجل: من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ عشرٌ أَمْثَالهَا أَو أَزِيد، وَمن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فجزاء سيئةٍ مثلهَا أَو أَغفر لَهُ. وَمن تقرب مني شبْرًا تقربت مِنْهُ ذِرَاعا، وَمن تقرب مني ذِرَاعا تقربت مِنْهُ باعاً، وَمن أَتَانِي يمشي أَتَيْته هرولة، وَمن لَقِيَنِي بقراب الأَرْض خَطِيئَة لَا يُشْرك بِي شَيْئا لَقيته بِمِثْلِهَا مغْفرَة ". @ 372 - الْخَامِس: عَن أبي الْأسود الدؤَلِي، عَن أبي ذَر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " يصبح على كل سلامى من أحدكُم صدقةٌ، فَكل تسبيحةٍ صدقةٌ، وكل تحميدةٍ صدقةٌ، وكل تهليلةٍ صدقةٌ، وكل تَكْبِيرَة صدقةٌ، وأمرٌ بِالْمَعْرُوفِ صدقةٌ، وَنهي عَن الْمُنكر صدقةٌ، وَيُجزئ من ذَلِك رَكْعَتَانِ يركعهما من الضُّحَى ".
373 - السَّادِس: عَن أبي الْأسود الدؤَلِي عَن أبي ذَر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " عرضت عَليّ أَعمال أمتِي حسنها وسيئها، فَوجدت من محَاسِن أَعمالهَا الْأَذَى يماط عَن الطَّرِيق، وَوجدت من مساوئ أَعمالهَا النخاعة تكون فِي الْمَسْجِد لَا تدفن ".(1/272)
374 - السَّابِع: عَن أبي الْأسود عَنهُ: أَن نَاسا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ذهب أهل الدُّثُور بِالْأُجُورِ، يصلونَ كَمَا نصلي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُوم، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُول أَمْوَالهم. قَالَ: " أوليس قد جعل الله لكم مَا تصدقُونَ؟ إِن بِكُل تَسْبِيحَة صَدَقَة، وكل تكبيرةٍ صدقةٌ، وكل تَحْمِيدَة صدقةٌ، وكل تَهْلِيلَة صدقةٌ، وأمرٌ بِالْمَعْرُوفِ صدقةٌ، ونهيٌ عَن الْمُنكر صدقةٌ، وَفِي بضع أحدكُم صَدَقَة ". قَالُوا: يَا رَسُول الله، أَيَأتِي أَحَدنَا شَهْوَته وَيكون لَهُ فِيهَا أجرٌ؟ قَالَ: " أَرَأَيْتُم لَو وَضعهَا فِي حرامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ وزرٌ، فَكَذَلِك إِذا وَضعهَا فِي الْحَلَال كَانَ لَهُ أجرٌ ".
375 - الثَّامِن: عَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ عَن أبي ذَر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا روى عَن الله عز وَجل أَنه قَالَ: " يَا عبَادي، إِنِّي حرمت الظُّلم على نَفسِي وَجَعَلته بَيْنكُم محرما، فَلَا تظالموا. يَا عبَادي، كلكُمْ جائعٌ إِلَّا من أطعمته، فاستطعموني أطْعمكُم. كلكُمْ عارٍ إِلَّا من كسوته، فاستكسوني أكسكم. يَا عبَادي، إِنَّكُم تخطئون بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار، وَأَنا أَغفر الذُّنُوب جَمِيعًا، فاستغفروني أَغفر لكم. يَا عبَادي، إِنَّكُم لن تبلغوا ضري فتضروني، وَلنْ تبلغوا نفعي فتنفعوني. يَا عبَادي، لَو أَن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم كَانُوا على أتقى قلب رجلٍ واحدٍ مِنْكُم مَا زَاد ذَلِك فِي ملكي شَيْئا. يَا عبَادي، لَو أَن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم كَانُوا على أفجر قلب رجلٍ واحدٍ مَا نقص ذَلِك من ملكي شَيْئا. يَا عبَادي، لَو أَن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم قَامُوا فِي صعيدٍ واحدٍ، وسألوني فَأعْطيت كل إنسانٍ مَسْأَلته مَا نقص ذَلِك مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا ينقص الْمخيط إِذا أَدخل الْبَحْر. يَا عبَادي، إِنَّمَا هِيَ أَعمالكُم أحصيها لكم، ثمَّ أوفيكم إِيَّاهَا، فَمن وجد خيرا فليحمد الله، وَمن وجد غير ذَلِك فَلَا يَلُومن إِلَّا نَفسه ".(1/273)
وَهُوَ فِي أَفْرَاد مُسلم أَيْضا من رِوَايَة أبي أَسمَاء عَمْرو بن مرْثَد عَن أبي ذَر نَحوه، وَحَدِيث أبي إِدْرِيس أتم.
376 - التَّاسِع: عَن عبد الله بن الصَّامِت عَن أبي ذَر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن بعدِي من أمتِي، أَو: سَيكون بعدِي من أمتِي قومٌ يقرأون الْقُرْآن لَا يُجَاوز حلاقيمهم، يخرجُون من الدّين كَمَا يخرج السهْم من الرَّمية، ثمَّ لَا يعودون فِيهِ.
هم شَرّ الْخلق والخليقة ".
قَالَ ابْن الصَّامِت: فَلَقِيت رَافع بن عَمْرو الْغِفَارِيّ، فَذكرت لَهُ هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: وَأَنا سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَلَيْسَ لرافع بن عَمْرو الْغِفَارِيّ فِي الصَّحِيح غير هَذَا الحَدِيث الْمُشْتَرك، وَلَيْسَ فِي صَحِيح البُخَارِيّ لرافع شَيْء.
377 - الْعَاشِر: عَن عبد الله بن الصَّامِت عَن أبي ذَر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِذا قَامَ أحدكُم يُصَلِّي فَإِنَّهُ يستره إِذا كَانَ بَين يَدَيْهِ مثل آخِرَة الرحل، فَإِذا لم يكن بَين يَدَيْهِ مثل آخِرَة الرحل، فَإِنَّهُ يقطع صلَاته الْحمار وَالْمَرْأَة وَالْكَلب الْأسود ".
قلت: مَا بَال الْكَلْب الْأسود من الْكَلْب الْأَحْمَر من الْكَلْب الْأَصْفَر؟ قَالَ: يَا ابْن أخي، سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا سَأَلتنِي. فَقَالَ: " الْكَلْب الْأسود شَيْطَان ".
378 - الْحَادِي عشر: عَن عبد الله بن الصَّامِت عَن أبي ذَر: قَالَ لي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " كَيفَ أَنْت إِذا كَانَت عَلَيْك أُمَرَاء يميتون الصَّلَاة، أَو قَالَ: يؤخرون الصَّلَاة عَن وَقتهَا؟ ". قلت: فَمَا تَأْمُرنِي؟ قَالَ: " صل الصَّلَاة لوَقْتهَا، فَإِن أدركتها مَعَهم فصل، فَإِنَّهَا لَك نَافِلَة ".(1/274)
فِي رِوَايَة: " فَإِن أُقِيمَت الصَّلَاة وَأَنت فِي الْمَسْجِد فصلٌ ".
وَفِي أُخْرَى: " فَإِن أَدْرَكتك - يَعْنِي الصَّلَاة - فصلٌ، وَلَا تقل: إِنِّي قد صليت فَلَا أُصَلِّي ".
وَفِي رِوَايَة عَن شُعْبَة فِيهِ مُتَّصِلا بِهِ أَن أَبَا ذَر قَالَ: إِن خليلي أَوْصَانِي أَن أسمع وَأطِيع وَإِن كَانَ عبدا مجدع الْأَطْرَاف، وَأَن أُصَلِّي الصَّلَاة لوَقْتهَا. وَذكر الحَدِيث بِمَعْنَاهُ. فصل مسلمٌ فصل السّمع وَالطَّاعَة مِنْهُ. وَأخرجه فِي " الْمَغَازِي ".
379 - الثَّانِي عشر: عَن عبد الله بن الصَّامِت عَن أبي ذَر قَالَ قلت: يَا رَسُول الله، مَا آنِية الْحَوْض؟ قَالَ: " وَالَّذِي نفس محمدٍ بِيَدِهِ لآنيته أَكثر من عدد نُجُوم السَّمَاء وكواكبها فِي اللَّيْلَة الْمظْلمَة المصحية، آنِية الْجنَّة من شرب مِنْهَا لم يظمأ آخر مَا عَلَيْهِ، يشخب فِيهِ مِيزَابَانِ من الْجنَّة. من شرب مِنْهُ لم يظمأ. عرضه مثل طوله، مَا بَين عمان إِلَى أَيْلَة، مَاؤُهُ أَشد بَيَاضًا من اللَّبن، وَأحلى من الْعَسَل ".
380 - الثَّالِث عشر: عَن عبد الله بن الصَّامِت عَن أبي ذَر قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَي الْكَلَام أفضل قَالَ: " مَا اصْطفى الله لملائكته أَو لِعِبَادِهِ: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ ".
وَفِي رِوَايَة شُعْبَة: قَالَ لي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
أَلا أخْبرك بِأحب الْكَلَام إِلَى الله؟ إِن أحب الْكَلَام إِلَى الله سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ ".(1/275)
381 - الرَّابِع عشر: عَن ابْن الصَّامِت عَنهُ قَالَ: قيل لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أَرَأَيْت الرجل يعْمل الْعَمَل من الْخَيْر وَيَحْمَدهُ النَّاس عَلَيْهِ. قَالَ: " تِلْكَ عَاجل بشرى الْمُؤمن ".
382 - الخامش عشر: عَن ابْن الصَّامِت عَنهُ قَالَ: إِن خليلي أَوْصَانِي: " إِذا طبخت مرقاً فَأكْثر مَاءَهُ، ثمَّ انْظُر أهل بيتٍ من جيرتك فأصبهم مِنْهَا بِمَعْرُوف ".
383 - السَّادِس عشر: عَن عبد الله بن الصَّامِت عَن أبي ذَر قَالَ: " قَالَ لي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا تحقرن من الْمَعْرُوف شَيْئا، وَلَو أَن تلقى أَخَاك بوجهٍ طليق ".
384 - السَّابِع عشر: عَن عبد الله بن شَقِيق الْعقيلِيّ عَن أبي ذَر قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل رَأَيْت رَبك؟ قَالَ: " نورٌ إِنِّي أرَاهُ ".
385 - الثَّامِن عشر: عَن عبد الرَّحْمَن بن حجيرة الْأَكْبَر عَن أبي ذَر قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله، أَلا تَسْتَعْمِلنِي؟ قَالَ: فَضرب بِيَدِهِ على مَنْكِبي، ثمَّ قَالَ: " يَا أَبَا ذَر، إِنَّك ضَعِيف، وَإِنَّهَا أَمَانَة، وَإِنَّهَا يَوْم الْقِيَامَة خزيٌ وندامةٌ، إِلَّا من أَخذهَا بِحَقِّهَا وَأدّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا ".
وَفِي تَرْجَمَة أبي سَالم سُفْيَان بن هَانِئ الجيشاني عَن أبي ذَر من أَفْرَاد مُسلم نَحوه: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " يَا أَبَا ذَر، إِنِّي أَرَاك ضَعِيفا، وَإِنِّي أحب لَك مَا أحب لنَفْسي، لَا تأمرن على اثْنَيْنِ، وَلَا تولين مَال يَتِيم ".
386 - التَّاسِع عشر: عَن أبي بصرة وَعبد الرَّحْمَن بن شماسَة عَن أبي ذَر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِنَّكُم ستفتحون أَرضًا يذكر فِيهَا القيراط " وَفِي الرِّوَايَة(1/276)
الْأُخْرَى: " ستفتحون مصر، وَهِي أَرض يُسمى فِيهَا القيراط، فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خيرا، فَإِن لَهُم ذمَّة ورحماً ". وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: " فَإِذا فتحتموها فَأحْسنُوا إِلَى أَهلهَا، فَإِن لَهُم ذمَّة ورحماً " أَو قَالَ ": " ذمَّة وصهراً، فَإِذا رَأَيْت رجلَيْنِ يختصمان فِيهَا فِي مَوضِع لبنةٍ فَأخْرج مِنْهَا ". قَالَ: فَمر بربيعة وَعبد الرَّحْمَن بن شُرَحْبِيل بن حَسَنَة يتنازعان فِي مَوضِع لبنة، فَخرج مِنْهَا.
وَفِي الْأُخْرَى: فَرَأَيْت ... فَخرجت ...
آخر مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ من مُسْند أبي ذَر الْغِفَارِيّ رَضِي الله عَنهُ.(1/277)
(15) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند حُذَيْفَة بن الْيَمَان الْعَبْسِي رَضِي الله عَنهُ
387 - الأول: عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى: أَنهم كَانُوا عِنْد حُذَيْفَة بِالْمَدَائِنِ، فَاسْتَسْقَى فَسَقَاهُ مجوسيٌّ فِي إناءٍ من فضَّة - فِي رِوَايَة: فَرَمَاهُ بِهِ وَقَالَ: إِنِّي أَمرته أَلا يسقيني فِيهِ؛ إِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " لَا تلبسوا الْحَرِير وَلَا الديباج، وَلَا تشْربُوا فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة، وَلَا تَأْكُلُوا فِي صحافها، فَإِنَّهَا لَهُم فِي الدُّنْيَا " زَاد فِي رِوَايَة: " وَلكم فِي الْآخِرَة ".
وَهُوَ فِي أَفْرَاد مُسلم عَن عبد الله بن عكيم الْجُهَنِيّ بِنَحْوِهِ. وَلَيْسَ فِي رِوَايَة ابْن عكيم: " وَلَا تَأْكُلُوا فِي صحافها ".
388 - الثَّانِي: عَن أبي وَائِل شَقِيق بن سَلمَة عَن حُذَيْفَة قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مقَاما مَا ترك شَيْئا يكون من مقَامه ذَلِك إِلَى قيام السَّاعَة إِلَّا حدث بِهِ، حفظه من حفظه، ونسيه من نَسيَه، قد علمه أَصْحَابِي هَؤُلَاءِ، وَإنَّهُ ليَكُون مِنْهُ الشَّيْء قد نَسِيته، فَأرَاهُ فأذكره كَمَا يذكر الرجل وَجه الرجل إِذا غَابَ عَنهُ ثمَّ إِذا رَآهُ عرفه.
389 - الثَّالِث: عَن شَقِيق عَن حُذَيْفَة قَالَ: كُنَّا عِنْد عمر، فَقَالَ: أَيّكُم يحفظ حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْفِتْنَة كَمَا قَالَ؟ فَقلت: أَنا أحفظ كَمَا قَالَ. قَالَ:(1/278)
هَات، إِنَّك لجريءٌ، كَيفَ قَالَ؟ قلت: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " فتْنَة الرجل فِي أَهله وَمَاله وَنَفسه وَولده وجاره يكفرهَا الصّيام، وَالصَّلَاة، وَالصَّدَََقَة، وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْي عَن الْمُنكر ".
فَقَالَ عمر: لَيْسَ هَذَا أُرِيد، وَإِنَّمَا أُرِيد " الَّتِي تموج كموج الْبَحْر ". فَقلت: مَالك وَلها يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، إِن بَيْنك وَبَينهَا بَابا مغلقاً. قَالَ: فيكسر الْبَاب أَو يفتح؟ قَالَ: قلت: لَا بل يكسر. قَالَ: ذَلِك أَحْرَى أَلا يغلق أبدا. قَالَ: فَقلت لِحُذَيْفَة: هَل كَانَ عمر يعلم من الْبَاب؟ قَالَ: نعم، كَمَا يعلم أَن دون غدٍ لَيْلَة. إِنِّي حدثته حَدِيثا لَيْسَ بالأغاليط. قَالَ: فهبنا أَن نسْأَل حُذَيْفَة: من الْبَاب؟ فَقُلْنَا لمسروقٍ: سَله، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: عمر.
390 - الرَّابِع: عَن شَقِيق عَن حُذَيْفَة قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " أحصوا لي كم يلفظ الْإِسْلَام " قَالَ: فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله، أتخاف علينا وَنحن بَين الستمائة إِلَى السبعمائة؟ قَالَ: " إِنَّكُم لَا تَدْرُونَ، لَعَلَّكُمْ أَن تبتلوا " قَالَ: فابتلينا حَتَّى جعل الرجل منا لَا يُصَلِّي إِلَّا سرا ".
391 - الْخَامِس: عَنهُ عَن حُذَيْفَة قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ قَامَ من اللَّيْل يشوص فَاه بِالسِّوَاكِ.
392 - السَّادِس: عَن شَقِيق عَن حُذَيْفَة قَالَ: كنت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَانْتهى إِلَى سباطة قوم، فَبَال قَائِما، فتنحيت فَقَالَ: " ادنه " فدنوت حَتَّى قُمْت عِنْد عَقِبَيْهِ، فَتَوَضَّأ وَمسح على خفيه.(1/279)
وَفِي حَدِيث جرير وَشعْبَة عَن مَنْصُور عَن أبي وَائِل قَالَ: كَانَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ يشدد فِي الْبَوْل، ويبول فِي قارورةٍ وَيَقُول: إِن بني إِسْرَائِيل كَانَ إِذا أصَاب جلد أحدهم بولٌ قرضه بِالْمَقَارِيضِ. فَقَالَ حُذَيْفَة: لَوَدِدْت أَن صَاحبكُم لَا يشدد هَذَا التَّشْدِيد، فَلَقَد رَأَيْتنِي أَنا وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نتماشى، فَأتى سباطة قومٍ خلف حَائِط، فَقَامَ كَمَا يقوم أحدكُم، فَبَال، فانتبذت مِنْهُ، فَأَشَارَ إِلَيّ، فَجئْت، فَقُمْت عِنْد عَقِبَيْهِ حَتَّى فرغ.
393 - السَّابِع: عَن شَقِيق عَن حُذَيْفَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " ليردن على حَوْضِي أقوامٌ، ثمَّ يختلجون من دوني، فَأَقُول: أَصْحَابِي، فَيُقَال: إِنَّك لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بعْدك ".
وَقد تقدم لِابْنِ مسعودٍ نَحوه.
394 - الثَّامِن: عَن زيد بن وهب عَن حُذَيْفَة قَالَ: حَدثنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حديثين، قد رَأَيْت أَحدهمَا وَأَنا أنْتَظر الآخر:
حَدثنَا أَن الْأَمَانَة نزلت فِي جذر قُلُوب الرِّجَال، ثمَّ نزل الْقُرْآن، فَعَلمُوا من الْقُرْآن، وَعَلمُوا من السّنة.
ثمَّ حَدثنَا عَن رفع الْأَمَانَة فَقَالَ: " ينَام الرجل النومة، فتقبض الْأَمَانَة من قلبه، فيظل أَثَرهَا مثل أثر الوكت، ثمَّ ينَام النومة فتقبض الْأَمَانَة من قلبه، فيظل أَثَرهَا مثل أثر المجل، كجمر دحرجته على رجلك فنفط، فتراه منتبراً وَلَيْسَ فِيهِ(1/280)
شَيْء - ثمَّ أَخذ حَصَاة فدحرجه على رجله - فَيُصْبِح النَّاس يتبايعون، فَلَا يكَاد أحدٌ يُؤَدِّي الْأَمَانَة، حَتَّى يُقَال: إِن فِي بني فلَان رجلا أَمينا، حَتَّى يُقَال للرجل: مَا أجلده، مَا أظرفه، مَا أعقله، وَمَا فِي قلبه مِثْقَال حَبَّة من خردلٍ من إِيمَان ".
وَلَقَد أَتَى عَليّ زمَان وَمَا أُبَالِي أَيّكُم بَايَعت، إِن كَانَ مُسلما ليردنه عَليّ دينه، وَإِن كَانَ نَصْرَانِيّا أَو يَهُودِيّا ليردنه عَليّ ساعيه، وَأما الْيَوْم فَمَا كنت أبايع مِنْكُم إِلَّا فلَانا وَفُلَانًا.
395 - التَّاسِع: عَن همام بن الْحَارِث عَن حُذَيْفَة قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " لَا يدْخل الْجنَّة قَتَّات ".
وَفِي أَفْرَاد مُسلم عَن أبي وَائِل عَن حُذَيْفَة مثله، إِلَّا أَنه قَالَ: " نمام ".
396 - الْعَاشِر: عَن صلَة بن زفر الْعَبْسِي عَن حُذَيْفَة قَالَ: جَاءَ أهل نَجْرَان إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، أبْعث إِلَيْنَا رجلا أَمينا. قَالَ: " لَأَبْعَثَن إِلَيْكُم رجلا أَمينا حق أمينٍ ". قَالَ: فاستشرف النَّاس، قَالَ: فَبعث أَبَا عُبَيْدَة بن الْجراح.
397 - الْحَادِي عشر: يجمع أَحَادِيث قد فرقاها: عَن ربعي بن حِرَاش قَالَ: انْطَلَقت أَنا وَعقبَة بن عَمْرو إِلَى حُذَيْفَة فَقَالَ: حَدثنِي بِمَا سَمِعت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الدَّجَّال. فَقَالَ: سمعته يَقُول: " إِن مَعَ الدَّجَّال إِذا خرج مَاء وَنَارًا، فَأَما الَّذِي يرى النَّاس أَنه ماءٌ فنارٌ تحرق. فَمن أدْرك ذَلِك مِنْكُم فليقع فِي الَّذِي يرى أَنه نارٌ، فَإِنَّهُ ماءٌ عذبٌ بَارِد ".(1/281)
قَالَ حُذَيْفَة: وسمعته يَقُول: " إِن رجلا مِمَّن كَانَ قبلكُمْ أَتَاهُ الْملك ليقْبض روحه، فَقَالَ: هَل عملت من خير؟ قَالَ: مَا أعلم. قيل لَهُ: انْظُر. قَالَ: مَا أعلم شَيْئا، غير أَنِّي كنت أبايع النَّاس فِي الدُّنْيَا، فَأنْظر الْمُوسر، وأتجاوز عَن الْمُعسر.
فَأدْخلهُ الْجنَّة ".
وسمعته يَقُول:
إِن رجلا حَضَره الْمَوْت، فَلَمَّا يئس من الْحَيَاة أوصى أَهله: إِذا أَنا مت فاجمعوا إِلَيّ حطباً كثيرا جزلاً، ثمَّ أوقدوا فِيهِ نَارا، حَتَّى إِذا أكلت لحمي وخلصت إِلَى عظمي وامتحشت، فخذوها فاطحنوها، ثمَّ انْظُرُوا يَوْمًا رَاحا فاذروه فِي اليم، فَفَعَلُوا، فَجَمعه الله إِلَيْهِ، فَقَالَ: لم فعلت ذَلِك؟ قَالَ: من خشيتك. قَالَ: فغفر الله لَهُ ". فَقَالَ عتبَة: وَأَنا سمعته يَقُول ذَلِك، وَكَانَ نباشاً.
فِي حَدِيث شُعْبَة - حَدِيث الدَّجَّال - مُخْتَصر عَن ربعي عَن حُذَيْفَة:
أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي الدَّجَّال: " إِن مَعَه مَاء وَنَارًا، فناره ماءٌ بَارِد، وماؤه نارٌ، فَلَا تهلكوا ". قَالَ أَبُو مَسْعُود: وَأَنا سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَفِي رِوَايَة شُعَيْب بن صَفْوَان عبد الْملك بن عُمَيْر نَحوه، وَفِي حَدِيث نعيم بن أبي هِنْد عَن ربعي مثله.
وَفِي حَدِيث أبي مَالك الْأَشْجَعِيّ عَن ربعي بن حِرَاش عَن حُذَيْفَة لمُسلم: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
لأَنا أعلم بِمَا مَعَ الدَّجَّال مِنْهُ: مَعَه نهران يجريان: أَحدهمَا رَأْي الْعين ماءٌ أَبيض، وَالْآخر رَأْي الْعين نارٌ تأجج، فإمَّا أدركن أحدٌ فليأت النَّهر الَّذِي يرَاهُ نَارا، وليغمض، ثمَّ ليطأطئ رَأسه فيشرب، فَإِنَّهُ مَاء بَارِد، وَإِن الدَّجَّال(1/282)
مَمْسُوح الْعين، عَلَيْهَا ظفرة غَلِيظَة، مَكْتُوب بَين عَيْنَيْهِ كَافِر، يقرأه كل مُؤمن كَاتب وَغير كَاتب.
398 - الثَّانِي عشر: عَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ أَنه سمع حُذَيْفَة قَالَ: كَانَ النَّاس يسْأَلُون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْخَيْر، وَكنت أسأله عَن الشَّرّ مَخَافَة أَن يدركني.
فَقلت يَا رَسُول الله، إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّة وشرٍّ، فجاءنا الله بِهَذَا الْخَيْر، فَهَل بعد هَذَا الْخَيْر من شَرّ؟ قَالَ: " نعم ". قلت: وَهل بعد ذَلِك الشَّرّ من خير؟ قَالَ: " نعم، وَفِيه دخنٌ " قلت: وَمَا دخنه؟ قَالَ: " قومٌ يستنون بِغَيْر سنتي، ويهتدون بِغَيْر هَدْيِي، تعرف مِنْهُم وتنكر " فَقلت: فَهَل بعد ذَلِك الْخَيْر من شَرّ؟ قَالَ: " نعم، دعاةٌ على أَبْوَاب جَهَنَّم، من أجابهم إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا ". فَقلت: يَا رَسُول الله، صفهم لنا. قَالَ: " نعم، هم قومٌ من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا " فَقلت: يَا رَسُول الله، فَمَا ترى؟ وَفِي رِوَايَة: فَمَا تَأْمُرنِي إِن أدركني ذَلِك؟ قَالَ: " تلْزم جمَاعَة الْمُسلمين وإمامهم ". قلت: فَإِن لم يكن لَهُم جماعةٌ وَلَا إِمَام؟ قَالَ: فاعتزل تِلْكَ الْفرق كلهَا، وَلَو أَن تعض بِأَصْل شَجَرَة حَتَّى يدركك الْمَوْت وَأَنت على ذَلِك ".
وَهُوَ فِي أَفْرَاد البُخَارِيّ مُخْتَصر عَن قيس بن أبي حَازِم عَن حُذَيْفَة قَالَ: تعلم أَصْحَابِي الْخَيْر وتعلمت الشَّرّ.
وَفِي أَفْرَاد مُسلم عَن أبي سَلام عَن حُذَيْفَة نَحْو حَدِيث أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ عَنهُ، وَزَاد فِيهِ: " وسيقوم مِنْهُم رجالٌ، قُلُوبهم قُلُوب الشَّيَاطِين فِي جثمان إنس ".
قَالَ: فَقلت: كَيفَ أصنع يَا رَسُول الله إِن أدْركْت ذَلِك؟ قَالَ: " تسمع وتطيع وَإِن ضرب ظهرك وَأخذ مَالك، فاسمع وأطع ".(1/283)
أَفْرَاد البُخَارِيّ
399 - الأول: عَن أبي وَائِل عَن حُذَيْفَة: {وأنفقوا فِي سَبِيل الله وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} [سُورَة الْبَقَرَة] ، قَالَ: نزلت فِي النَّفَقَة.
400 - الثَّانِي: عَن أبي وَائِل عَنهُ قَالَ: المُنَافِقُونَ الْيَوْم أَشد مِنْهُم على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ: وَكَيف ذَلِك؟ قَالَ: إِنَّهُم كَانُوا يومئذٍ يسرون، وَالْيَوْم يجهرون.
وَفِي أَفْرَاده أَيْضا بِمَعْنَاهُ عَن أبي الشعْثَاء سليم بن أسود عَن حُذَيْفَة قَالَ: إِنَّمَا النِّفَاق كَانَ على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأَما الْيَوْم فَإِنَّمَا هُوَ الْكفْر أَو الْإِيمَان. وَفِي رِوَايَة: بعد الْإِيمَان.
401 - الثَّالِث: عَن أبي وَائِل وَعَن زيد بن وهب نَحوه: أَن حُذَيْفَة رأى رجلا لَا يتم رُكُوعه وَلَا سُجُوده، فَلَمَّا قضى صلَاته دَعَاهُ، فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَة: مَا صليت، وَأَحْسبهُ قَالَ: وَلَو مت مت على غير سنة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَفِي رِوَايَة زيد بن وهب: مَا صليت، وَلَو مت مت على غير الْفطْرَة الَّتِي فطر الله عَلَيْهَا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
402 - الرَّابِع: عَن زيد بن وهب قَالَ: كُنَّا عِنْد حُذَيْفَة فَقَالَ: مَا بَقِي من أَصْحَاب هَذِه الْآيَة إِلَّا ثلاثةٌ، وَلَا من الْمُنَافِقين إِلَّا أَرْبَعَة - يَعْنِي بِالْآيَةِ قَوْله تَعَالَى: {فَقَاتلُوا أَئِمَّة الْكفْر} [سُورَة التَّوْبَة] ، فَقَالَ أَعْرَابِي: إِنَّكُم - أَصْحَاب محمدٍ - تخبروننا أَخْبَارًا مَا نَدْرِي مَا هِيَ، تَزْعُمُونَ أَن لَا مُنَافِق إِلَّا أَرْبَعَة، فَمَا بَال(1/284)
هَؤُلَاءِ الَّذين يبقرون بُيُوتنَا وَيَسْرِقُونَ أعلاقنا؟ قَالَ: أُولَئِكَ الْفُسَّاق، أجل لم يبْق مِنْهُم إِلَّا أَرْبَعَة، أحدهم شيخ كَبِير، لَو شرب المَاء الْبَارِد مَا وجد برده.
403 - الْخَامِس: عَن همام بن الْحَارِث عَن حُذَيْفَة قَالَ: يَا معشر الْقُرَّاء، اسْتَقِيمُوا، فقد سبقتم سبقاً بَعيدا، وَإِن أَخَذْتُم يَمِينا وَشمَالًا لقد ضللتم ضلالا بَعيدا.
404 - السَّادِس: عَن ربعي بن حِرَاش قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَوَى إِلَى فرَاشه قَالَ: " بِاسْمِك اللَّهُمَّ أَحْيَا وأموت ". وَإِذا أصبح. وَفِي رِوَايَة: وَإِذا اسْتَيْقَظَ قَالَ: " الْحَمد لله الَّذِي أَحْيَانًا بعد مَا أماتنا، وَإِلَيْهِ النشور ".
وَفِي أَفْرَاد البُخَارِيّ من مُسْند أبي ذَر نَحوه.
405 - السَّابِع: عَن الْأسود بن يزِيد بن قيس النَّخعِيّ قَالَ: كُنَّا فِي حَلقَة عبد الله، فجَاء حُذَيْفَة حَتَّى قَامَ علينا، فَسلم ثمَّ قَالَ: لقد أنزل النِّفَاق على قوم خير مِنْكُم، فَقُلْنَا: سُبْحَانَ الله، فَإِن الله عز وَجل يَقُول: {إِن الْمُنَافِقين فِي الدَّرك الْأَسْفَل} [سُورَة النِّسَاء] فَتَبَسَّمَ عبد الله، وَجلسَ حُذَيْفَة فِي نَاحيَة الْمَسْجِد، فَقَامَ عبد الله، فَتفرق أَصْحَابه، فَرَمَانِي بالحصا، فَأَتَيْته، فَقَالَ حُذَيْفَة: عجبت من ضحكه، وَقد عرف مَا قلت، لقد أنزل النِّفَاق على قومٍ كَانُوا خيرا مِنْكُم، ثمَّ تَابُوا فَتَابَ الله عَلَيْهِم. وَفِي رِوَايَة: فَقَالَ: إِنَّهُم لما تَابُوا كَانُوا خيرا مِنْكُم.(1/285)
406 - الثَّامِن: عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد النَّخعِيّ: قُلْنَا لِحُذَيْفَة: أخبرنَا برجلٍ قريب السمت والدل وَالْهَدْي من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَأْخُذ عَنهُ. قَالَ: مَا نعلم أقرب سمتاً ودلاً وهدياً برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ابْن أم عبد، حَتَّى يتَوَارَى بجدار بَيته، وَلَقَد علم المحفوظون من أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن إِبْنِ أم عبدٍ أقربهم إِلَى الله وَسِيلَة.
أَفْرَاد مُسلم
407 - الأول: عَن قيس بن عباد: قلت لعمَّار بن يَاسر: أَرَأَيْتُم صنيعكم هَذَا الَّذِي صَنَعْتُم فِي أَمر عَليّ، أرأياً رَأَيْتُمُوهُ أَو شيءٌ عَهده إِلَيْكُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالَ: مَا عهد إِلَيْنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا لم يعهده إِلَى النَّاس كَافَّة، وَلَكِن حُذَيْفَة أَخْبرنِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " فِي أَصْحَابِي اثْنَا عشر منافقاً، فيهم ثمانيةٌ لَا يدْخلُونَ الْجنَّة حَتَّى يلج الْجمل فِي سم الْخياط ". وَأَرْبَعَة لم أحفظ مَا قَالَ شُعْبَة فيهم. وَفِي رِوَايَة: " ثَمَانِيَة مِنْهُم تكفيهم الدُّبَيْلَة: سراجٌ من النَّار يظْهر فِي أكتافهم حَتَّى ينجم فِي صُدُورهمْ ".
408 - الثَّانِي: عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن جُنْدُب قَالَ: جِئْت يَوْم الجرعة فَإِذا رجلٌ جالسٌ، فَقلت: ليهراقن الْيَوْم هَا هُنَا دماءٌ. فَقَالَ ذَاك الرجل: كلا وَالله.(1/286)
قلت: بلَى وَالله. قَالَ: كلا وَالله. قلت: بلَى وَالله. قَالَ: كلا وَالله، إِنَّه لحَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدَّثَنِيهِ. قلت: بئس الجليس لي أَنْت مُنْذُ الْيَوْم، تسمعني أخالفك وَقد سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا تنهاني. ثمَّ قلت: مَا هَذَا الْغَضَب؟ فَأَقْبَلت عَلَيْهِ وأسأله، فَإِذا الرجل حُذَيْفَة.
409 - الثَّالِث: عَن عبد الله بن يزِيد عَن حُذَيْفَة أَنه قَالَ: أَخْبرنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا هُوَ كائنٌ إِلَى أَن تقوم السَّاعَة، فَمَا مِنْهُ شَيْء إِلَّا قد سَأَلته، إِلَّا أَنِّي لم أسأله: مَا يخرج أهل الْمَدِينَة من الْمَدِينَة.
410 - الرَّابِع: من حَدِيث أبي الطُّفَيْل عَامر بن وَاثِلَة قَالَ: حَدثنَا حُذَيْفَة بن الْيَمَان قَالَ: مَا مَنَعَنِي أَن أشهد بَدْرًا إِلَّا أَنِّي خرجت أَنا وَأبي الحسيل، قَالَ: فأخذنا كفار قُرَيْش فَقَالُوا: إِنَّكُم تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقُلْنَا: مَا نريده، وَمَا نُرِيد إِلَّا الْمَدِينَة. قَالَ: فَأخذُوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إِلَى الْمَدِينَة، وَلَا نُقَاتِل مَعَه. فأتينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأَخْبَرنَاهُ الْخَبَر فَقَالَ: " انصرفا، نفي لَهُم بعهدهم، ونستعين الله عَلَيْهِم ".
411 - الْخَامِس: عَن أبي الطُّفَيْل قَالَ: كَانَ بَين رجلٍ من أهل الْعقبَة وَبَين حُذَيْفَة بعض مَا يكون بَين النَّاس، فَقَالَ: أنْشدكُمْ الله، كم كَانَ أَصْحَاب الْعقبَة؟ قَالَ: فَقَالَ لَهُ الْقَوْم: أخبرهُ إِذْ سَأَلَك، فَقَالَ: كُنَّا نخبر أَنهم أَرْبَعَة عشر، فَإِن كنت مِنْهُم فقد كَانَ الْقَوْم خَمْسَة عشر، وَأشْهد أَن اثْنَي عشر مِنْهُم حربٌ لله وَلِرَسُولِهِ(1/287)
فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَيَوْم يقوم الأشهاد، وَعذر ثَلَاثَة قَالُوا: مَا سمعنَا مُنَادِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا علمنَا بِمَا أَرَادَ الْقَوْم. وَقد كَانَ فِي حرةٍ فَمشى فَقَالَ: " إِن المَاء قَلِيل، فَلَا يسبقني إِلَيْهِ أحدٌ " فَوجدَ قوما قد سَبَقُوهُ، فلعنهم يومئذٍ.
412 - السَّادِس: عَن أبي وَائِل عَن حُذَيْفَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقِيه وَهُوَ جنبٌ، فحاد عَنهُ، فاغتسل، ثمَّ جَاءَ فَقَالَ: كنت جنبا. فَقَالَ: " إِن الْمُسلم لَا ينجس ".
413 - السَّابِع: عَن أبي وَائِل عَن حُذَيْفَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " الدَّجَّال أَعور الْعين الْيُسْرَى، جفال الشّعْر، مَعَه جنَّة ونار، فناره جنَّة، وجنته نَار ".
414 - الثَّامِن: عَن جبلة بن زفر الْعَبْسِي عَن حُذَيْفَة قَالَ: صليت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات ليلةٍ، فَافْتتحَ " الْبَقَرَة ". فَقلت: يرْكَع عِنْد الْمِائَة، ثمَّ مضى فَقلت: يُصَلِّي بهَا فِي رَكْعَة، فَمضى، فَقلت: يرْكَع بهَا. ثمَّ افْتتح " النِّسَاء " فقرأها، ثمَّ افْتتح " آل عمرَان " فقرأها، يقْرَأ مترسلاً، إِذا مر بِآيَة فِيهَا تسبيحٌ سبح، وَإِذا مر بسؤالٍ سَأَلَ، وَإِذا مر بتعوذٍ تعوذ. ثمَّ ركع فَجعل يَقُول: " سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم "، فَكَانَ رُكُوعه نَحوا من قِيَامه. ثمَّ قَالَ: " سمع الله لمن حَمده " زَاد جرير: " رَبنَا لَك الْحَمد " ثمَّ قَامَ قيَاما طَويلا قَرِيبا مِمَّا ركع، ثمَّ سجد فَقَالَ: " سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى " فَكَانَ سُجُوده قَرِيبا من قِيَامه.
415 - التَّاسِع: عَن ربعي بن حِرَاش عَن حُذَيْفَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " كل معروفٍ صَدَقَة ".(1/288)
416 - الْعَاشِر: عَن أبي مَالك سعد بن طارقٍ عَن ربعي عَن حُذَيْفَة قَالَ: كُنَّا عِنْد عمر فَقَالَ: أَيّكُم سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يذكر الْفِتَن؟ فَقَالَ قومٌ: نَحن سمعناه. فَقَالَ لَعَلَّكُمْ تعنون فتْنَة الرجل فِي أَهله وجاره؟ قَالُوا: أجل. قَالَ: تِلْكَ تكفرها الصَّلَاة وَالصِّيَام وَالصَّدَََقَة. وَلَكِن أَيّكُم سمع النَّبِي يذكر الَّتِي تموج موج الْبَحْر؟ قَالَ حُذَيْفَة: فأسكت الْقَوْم، فَقلت: أَنا. قَالَ: أَنْت لله أَبوك {
قَالَ حُذَيْفَة: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " تعرض الْفِتَن على الْقُلُوب كالحصير عوداً عوداً، فَأَي قلبٍ أشربها نكت فِيهِ نكتةٌ سَوْدَاء، وَأي قلب أنكرها نكت فِيهِ نُكْتَة بَيْضَاء، حَتَّى تصير على قلبين: على أَبيض مثل الصَّفَا، فَلَا تضره فتنةٌ مَا دَامَت السَّمَاوَات وَالْأَرْض، وَالْآخر أسود مرباداً كالكوز مجخياً، لَا يعرف مَعْرُوفا، وَلَا يُنكر مُنْكرا، إِلَّا مَا أشْرب من هَوَاهُ ". ذ
قَالَ: وحدثته أَن بَيْنك وَبَينهَا بَابا مغلقاً يُوشك أَن يكسر. قَالَ عمر: أكسراً لَا أبالك} فَلَو أَنه فتح لَعَلَّه يُعَاد. قَالَ: لَا، بل يكسر. وحدثته أَن ذَلِك الْبَاب رجلٌ يقتل أَو يَمُوت، حَدِيثا لَيْسَ بالأغاليط.
قَالَ: فَقلت: يَا أَبَا مَالك، مَا أسود مرباداً؟ قَالَ: شدَّة الْبيَاض فِي سَواد. قلت: فَمَا الْكوز مجخياً؟ قَالَ: منكوساً.
قد تقدم فِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ سُؤال عمر عَن الْفِتْنَة بِأَلْفَاظ أخر، لَا تتفق مَعَ هَذَا إِلَّا فِي يسير، فَلذَلِك أوردنا هَذَا(1/289)
417 - الْحَادِي عشر: عَن ربعي بن حِرَاش عَن حُذَيْفَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن حَوْضِي لأبعد من أَيْلَة من عدن، وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، إِنِّي لأذود عَنهُ الرِّجَال كَمَا يذود الرجل الْإِبِل الغريبة عَن حَوْضه ". قَالُوا: يَا رَسُول الله، وتعرفنا؟ قَالَ: " نعم، تردون عَليّ غراًّ محجلين من آثَار الْوضُوء، لَيْسَ لأحد غَيْركُمْ ".
أوردهُ أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي على غلط فِي الْمَتْن والإسناد. فَأَخْرَجته على مَا فِي نَص مُسلم عَن حُذَيْفَة.
418 - الثَّانِي عشر: عَن ربعي عَن حُذَيْفَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " فضلنَا على النَّاس بِثَلَاث: جعلت صُفُوفنَا كَصُفُوف الْمَلَائِكَة، وَجعلت لنا الأَرْض كلهَا مَسْجِدا، وَجعلت تربَتهَا لنا طهُورا إِذا لم نجد المَاء " وَذكر خصْلَة أُخْرَى، كَذَا فِي الْكتاب.
419 - الثَّالِث عشر: عَن ربعي عَن حُذَيْفَة، وَعَن أبي حَازِم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أضلّ الله عَن الْجُمُعَة من كَانَ قبلنَا، فَكَانَ للْيَهُود يَوْم السبت، وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْم الْأَحَد، فجَاء الله بِنَا، فهدانا الله ليَوْم الْجُمُعَة، فَجعل الْجُمُعَة والسبت والأحد، وَكَذَلِكَ هم تبعٌ لنا يَوْم الْقِيَامَة، نَحن الْآخرُونَ من أهل الدُّنْيَا، والأولون يَوْم الْقِيَامَة، الْمقْضِي لَهُم يَوْم الْقِيَامَة قبل الْخَلَائق " وَفِي رِوَايَة وَاصل بن عبد الْأَعْلَى: " الْمقْضِي بَينهم ".
420 - الرَّابِع عشر: فِي الشَّفَاعَة: عَن ربعي عَن حُذَيْفَة، وَعَن أبي حَازِم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَا: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " يجمع الله تبَارك وَتَعَالَى النَّاس، فَيقوم الْمُؤْمِنُونَ حَتَّى تزلف لَهُم الْجنَّة،(1/290)
فَيَأْتُونَ آدم فَيَقُولُونَ: يَا أَبَانَا، استفتح لنا الْجنَّة، فَيَقُول وَهل أخرجكم من الْجنَّة إِلَّا خَطِيئَة أبيكم؟ لست بِصَاحِب ذَلِك. اذْهَبُوا إِلَى ابْني إِبْرَاهِيم خَلِيل الله، قَالَ: فَيَقُول إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام: لست بِصَاحِب ذَلِك، إِنَّمَا كنت خَلِيلًا من وَرَاء وَرَاء، اعمدوا إِلَى مُوسَى الَّذِي كَلمه الله تكليماً، فَيَأْتُونَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُول: لست بِصَاحِب ذَلِك، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى كلمة الله وروحه. فَيَقُول عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام: لست بِصَاحِب ذَلِك. فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَيقوم، فَيُؤذن لَهُ، وَترسل الْأَمَانَة وَالرحم، فتقومان جنبتي الصِّرَاط يَمِينا وَشمَالًا، فيمر أولكم كالبرق ". قَالَ: قلت: بِأبي أَنْت وَأمي، أَي شَيْء كمر الْبَرْق؟ قَالَ: " ألم تروا إِلَى الْبَرْق كَيفَ يمر وَيرجع فِي طرفَة عين؟ ثمَّ كمر الرّيح، ثمَّ كمر الطير وَشد الرِّجَال، تجْرِي بهم أَعْمَالهم، ونبيكم قائمٌ على الصِّرَاط يَقُول: رب سلم سلم، حَتَّى تعجز أَعمال الْعباد، حَتَّى يَجِيء الرجل فَلَا يَسْتَطِيع السّير إِلَّا زحفاً، وَفِي حافتي الصِّرَاط كلاليب معلقَة مأمورة، تَأْخُذ من أمرت بِهِ، فمخدوش ناجٍ، ومكدوسٌ فِي النَّار " وَالَّذِي نفس أبي هُرَيْرَة بِيَدِهِ، إِن قَعْر جَهَنَّم لسَبْعين خَرِيفًا.
421 - الْخَامِس عشر: عَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ عَن حُذَيْفَة قَالَ: وَالله إِنِّي لأعْلم النَّاس بِكُل فتنةٍ كائنةٍ فِيمَا بيني وَبَين السَّاعَة، وَمَا بِي أَن يكون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أسر إِلَيّ فِي ذَلِك شَيْئا لم يحدثه غَيْرِي، وَلَكِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَهُوَ يحدث مَجْلِسا أَنا فِيهِ عَن الْفِتَن، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يعد الْفِتَن: " مِنْهُنَّ ثَلَاث لَا يكدن يذرن شَيْئا، ومنهن فتنٌ كرياح الصَّيف، مِنْهَا صغَار وَمِنْهَا كبار ".
قَالَ حُذَيْفَة: فَذهب أُولَئِكَ الرَّهْط كلهم غَيْرِي.(1/291)
422 - السَّادِس عشر: عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَن أَبِيه يزِيد بن شريك قَالَ: كُنَّا عِنْد حُذَيْفَة فَقَالَ رجلٌ لَو أدْركْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَاتَلت مَعَه فأبليت. فَقَالَ حُذَيْفَة: أَنْت كنت تفعل ذَلِك؟ لقد رَأَيْتنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْأَحْزَاب، وأخذتنا ريحٌ شديدةٌ وقرٌّ، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أَلا رجلٌ يأتيني بِخَبَر الْقَوْم، جعله الله معي يَوْم الْقِيَامَة " فسكتنا فَلم يجبهُ منا أحد. ثمَّ قَالَ: " أَلا رجلٌ يأتينا بِخَبَر الْقَوْم، جعله الله معي يَوْم الْقِيَامَة " فسكتنا فَلم يجبهُ منا أحد. ثمَّ قَالَ: " أَلا رجلٌ يأتينا بِخَبَر الْقَوْم، جعله الله معي يَوْم الْقِيَامَة " فَلم يجبهُ منا أحد. فَقَالَ: " قُم يَا حُذَيْفَة " قَالَ: فَلم أجد بدا إِذْ دَعَاني باسمي إِلَّا أَن أقوم. قَالَ: " اذْهَبْ فأتني بِخَبَر الْقَوْم، وَلَا تذعرهم عَليّ " فَلَمَّا وليت من عِنْده جعلت كَأَنِّي أَمْشِي فِي حمام، حَتَّى أتيتهم، فَرَأَيْت أَبَا سُفْيَان يُصَلِّي ظَهره بالنَّار، فَوضعت سَهْما فِي كبد الْقوس، فَأَرَدْت أَن أرميه، فَذكرت قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا تذعرهم عَليّ " وَلَو رميته لأصبته. وَرجعت وَأَنا أَمْشِي فِي مثل الْحمام، فَلَمَّا أَتَيْته فَأَخْبَرته خبر الْقَوْم وفرغت قررت، فألبسني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من فضل عباءة كَانَت عَلَيْهِ يُصَلِّي فِيهَا، فَلم أزل نَائِما حَتَّى أَصبَحت، فَلَمَّا أَصبَحت قَالَ: " قُم يَا نومان ".
423 - السَّابِع عشر: عَن أبي حُذَيْفَة، سَلمَة بن صهيبة أَو صهبة الأرحبي، عَن حُذَيْفَة قَالَ: كُنَّا إِذا حَضَرنَا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَعَاما لم نضع أَيْدِينَا حَتَّى يبْدَأ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيَضَع يَده، وَإِنَّا حَضَرنَا مَعَه مرةًّ طَعَاما، فَجَاءَت جَارِيَة كَأَنَّهَا تدفع، فَذَهَبت لتَضَع يَدهَا فِي الطَّعَام، فَأخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدِهَا. ثمَّ جَاءَ أَعْرَابِي كَأَنَّمَا(1/292)
يدْفع، فَأخذ بِيَدِهِ. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن الشَّيْطَان يسْتَحل الطَّعَام أَلا يذكر اسْم الله عَلَيْهِ، وَإنَّهُ جَاءَ بِهَذِهِ الْجَارِيَة ليستحل بهَا، فَأخذت بِيَدِهَا، فجَاء بِهَذَا الْأَعرَابِي ليستحل بِهِ فَأخذت بِيَدِهِ، وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، إِن يَده فِي يَدي مَعَ يَدهَا ".
زَاد عِيسَى بن يُونُس: ثمَّ ذكر اسْم الله وَأكل.(1/293)
(16) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند أبي مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ
424 - الأول: عَن أنس بن مَالك عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " مثل الْمُؤمن الَّذِي يقْرَأ الْقُرْآن مثل الأترجة، رِيحهَا طيب وطعمها طيب. وَمثل الْمُؤمن الَّذِي لَا يقْرَأ الْقُرْآن مثل التمرة لَا ريح لَهَا وطعمها حلوٌ. وَمثل الْمُنَافِق الَّذِي يقْرَأ الْقُرْآن مثل الريحانة، رِيحهَا طيبٌ وطعمها مر. وَمثل الْمُنَافِق الَّذِي لَا يقْرَأ الْقُرْآن كَمثل الحنظلة، لَيْسَ لَهَا ريح وطعمها مر ". وَفِي رِوَايَة " وَمثل الْفَاجِر " فِي الْمَوْضِعَيْنِ بدل " الْمُنَافِق ".
425 - الثَّانِي: عَن أبي بكر بن أبي مُوسَى عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " من صلى البردين دخل الْجنَّة ".
426 - الثَّالِث: عَن أبي بكر بن أبي مُوسَى عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " جنتان من فضَّة، آنيتهما وَمَا فيهمَا، وجنتان من ذهب، آنيتهما وَمَا فيهمَا، وَمَا بَين الْقَوْم وَبَين أَن ينْظرُوا إِلَى رَبهم إِلَّا رِدَاء الْكِبْرِيَاء على وَجهه، فِي جنَّة عدنٍ ".(1/294)
427 - الرَّابِع: عَن أبي بكر بن أبي مُوسَى عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِن لِلْمُؤمنِ فِي الْجنَّة لخيمة من لؤلؤةٍ وَاحِدَة مجوفةٍ، طولهَا فِي السَّمَاء -. وَفِي رِوَايَة: عرضهَا - سِتُّونَ ميلًا، لِلْمُؤمنِ فِيهَا أهلون، يطوف عَلَيْهِم الْمُؤمن، فَلَا يرى بَعضهم بَعْضًا ".
428 - الْخَامِس: من رِوَايَة الشّعبِيّ عَن أبي بردة بن أبي مُوسَى عَن أَبِيه قَالَ: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " ثلاثةٌ لَهُم أَجْرَانِ: رجلٌ من أهل الْكتاب آمن بِنَبِيِّهِ وآمن بِمُحَمد.
وَالْعَبْد الْمَمْلُوك إِذا أدّى حق الله وَحقّ موَالِيه. ورجلٌ كَانَت عِنْده أمةٌ يَطَؤُهَا، فأدبها فَأحْسن تأديبها، وَعلمهَا فَأحْسن تعليمها، ثمَّ أعْتقهَا فَتَزَوجهَا، فَلهُ أَجْرَانِ ".
ثمَّ قَالَ عَامر - يَعْنِي الشّعبِيّ -: أعطيناكها بِغَيْر شيءٍ، وَقد كَانَ يركب فِيمَا دونهَا إِلَى الْمَدِينَة.
وَفِي رِوَايَة أخرجهَا البُخَارِيّ تَعْلِيقا من حَدِيث عُثْمَان بن عَاصِم عَن أبي بردة عَن أَبِيه:
أعْتقهَا ثمَّ أصدقهَا ". يَعْنِي تزَوجهَا بِمهْر جَدِيد.
429 - السَّادِس: عَن سعيد بن أبي بردة عَن أَبِيه عَن جده أبي مُوسَى قَالَ: بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمعَاذًا إِلَى الْيمن، فَقَالَ: " ادعوا النَّاس، وبشرا وَلَا تنفرا، ويسرا وَلَا تعسرا، وتطاوعاً وَلَا تختلفا ". قَالَ: فَقلت: يَا رَسُول الله أَفْتِنَا فِي شرابين كُنَّا نصنعهما بِالْيمن: البتع: وَهُوَ من الْعَسَل، ينْبذ حَتَّى يشْتَد، والمزر: وَهُوَ من الذّرة وَالشعِير، ينْبذ حَتَّى يشْتَد. قَالَ: وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أعطي جَوَامِع الْكَلم بخواتمه، فَقَالَ:
أنهى عَن عَن كل مسكرٍ أسكر عَن الصَّلَاة " وَفِي حَدِيث شُعْبَة: فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " كل مسكرٍ حرامٌ ".
قَالَ: فقدمنا الْيمن، فَكَانَ لكل واحدٍ منا قبةٌ نزلها على حِدة، فَأتى معاذٌ أَبَا مُوسَى، وَكَانَا يتزاوران، فَإِذا هُوَ جالسٌ فِي فنَاء قُبَّته، وَإِذا يَهُودِيّ قَائِما عِنْده يُرِيد(1/295)
قَتله. فَقَالَ: يَا أَبَا مُوسَى، مَا هَذَا؟ قَالَ: كَانَ يَهُودِيّا فَأسلم، ثمَّ رَجَعَ إِلَى يَهُودِيَّته، فَقَالَ: مَا أَنا بجالس حَتَّى تقتله، فَقتله.
ثمَّ جلسا يتحدثان، فَقَالَ معَاذ: يَا أَبَا مُوسَى، كَيفَ تقْرَأ الْقُرْآن؟ قَالَ: أتفوقه تفوقاً على فِرَاشِي وَفِي صَلَاتي وعَلى رَاحِلَتي. ثمَّ قَالَ لِمعَاذ: كَيفَ تقْرَأ أَنْت؟ قَالَ: سأنبئك بذلك. أما أَنا فأنام ثمَّ أقوم فأقرأ، فأحتسب فِي نومتي مَا أحتسب فِي قومتي.
وَأَخْرَجَاهُ من رِوَايَة حميد بن هِلَال عَن أبي بردة عَن أَبِيه، وَفِي أَوله: قَالَ أَبُو مُوسَى: أَقبلت إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعِي رجلَانِ من الْأَشْعَرِيين، أَحدهمَا عَن يَمِيني وَالْآخر عَن شمَالي، فكلاهما سَأَلَ الْعَمَل، وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يستاك، فَقَالَ: " مَا تَقول يَا أَبَا مُوسَى، أَو يَا عبد الله بن قيس؟ " قَالَ: فَقلت: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ، مَا أطلعاني على مَا فِي أَنفسهمَا، وَمَا شَعرت أَنَّهُمَا يطلبان الْعَمَل. قَالَ: فَكَأَنِّي أنظر إِلَى سواكه تَحت شفته وَقد قلصت، فَقَالَ: " لن - أَو لَا - نستعمل على عَملنَا من أَرَادَهُ، وَلَكِن اذْهَبْ أَنْت يَا أَبَا مُوسَى - أَو يَا عبد الله بن قيس " - فَبَعثه على الْيمن، ثمَّ أتبعه معَاذ بن جبل، ثمَّ ذكر قصَّة الْيَهُودِيّ الَّذِي أسلم ثمَّ ارْتَدَّ. وَزَاد فِيهِ، قَالَ: لَا أَجْلِس حَتَّى يقتل، قَضَاء الله وَرَسُوله. ثمَّ ذكر قَوْلهمَا فِي قيام اللَّيْل، وَلَيْسَ فِيهِ ذكر الْأَشْرِبَة.
وَأَخْرَجَاهُ مُخْتَصرا من رِوَايَة بريد عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى قَالَ:
دخلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا ورجلان من بني عمي، فَقَالَ أَحدهمَا: يَا رَسُول الله، أمرنَا على بعض مَا ولآك الله عز وَجل، وَقَالَ الآخر مثل ذَلِك، فَقَالَ: " إِنَّا - وَالله - لَا نولي هَذَا الْعَمَل أحدا سَأَلَهُ، أَو أحدا حرص عَلَيْهِ " لم يزدْ.(1/296)
وَأخرجه البُخَارِيّ وَحده من رِوَايَة عبد الْملك بن عُمَيْر عَن أبي بردة مُرْسلا، لم يذكر أَبَا مُوسَى، قَالَ:
إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث أَبَا مُوسَى وَمعَاذًا إِلَى الْيمن، وَبعث كل وَاحِد مِنْهُمَا على مخلاف - واليمن مخلافان. وَفِيه قصَّة الَّذِي ارْتَدَّ، وَذكر قيام اللَّيْل.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا وَحده تَعْلِيقا من رِوَايَة سُلَيْمَان بن فَيْرُوز الشَّيْبَانِيّ عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى قَالَ:
لما بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْيمن، قلت: إِن لنا بهَا أشربة.
وَفِي أَفْرَاد مُسلم عَن بريد عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى قَالَ:
كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا بعث أحدا من أَصْحَابه فِي بعض أمره قَالَ:
بشروا وَلَا تنفرُوا، ويسروا وَلَا تُعَسِّرُوا ". وَهَذَا طرف من حَدِيث سعيد بن أبي بردة، وَقد مر فِي أَوله بِمَعْنَاهُ.
430 - السَّابِع: عَن سعيد بن أبي بردة عَن أَبِيه عَن جده عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
" على كل مسلمٍ صدقةٌ " قيل: أَرَأَيْت إِن لم يجد؟ قَالَ: " يعتمل بيدَيْهِ فينفع نَفسه وَيتَصَدَّق ". قَالَ: أَرَأَيْت إِن لم يسْتَطع؟ قَالَ: " يعين ذَا الْحَاجة الملهوف " قَالَ: قيل لَهُ: أَرَأَيْت إِن لم يسْتَطع؟ قَالَ: " يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ أَو الْخَيْر " قَالَ: أَرَأَيْت إِن لم يفعل؟ قَالَ: " يمسك عَن الشَّرّ، فَإِنَّهَا صَدَقَة ".
431 - الثَّامِن: عَن أبي إِسْحَاق السبيعِي - وَهُوَ عَمْرو بن عبد الله - عَن أبي بردة ابْن أبي مُوسَى عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنه كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاء: " اللَّهُمَّ اغْفِر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي فِي أَمْرِي، وَمَا أَنْت أعلم بِهِ مني: اللَّهُمَّ اغْفِر لي جدي وهزلي، وخطأي وعمدي، وكل ذَلِك عِنْدِي. اللَّهُمَّ اغْفِر لي مَا قدمت وَمَا أخرت، وَمَا أسررت وَمَا أعلنت، وَمَا أَنْت أعلم بِهِ مني، أَنْت الْمُقدم وَأَنت الْمُؤخر، وَأَنت على كل شيءٍ قدير ".(1/297)
432 - التَّاسِع: عَن عبد الْملك بن عُمَيْر بن أبي بردة عَن أَبِيه قَالَ: مرض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَاشْتَدَّ مَرضه، فَقَالَ: " مروا أَبَا بكر فَليصل بِالنَّاسِ " فَقَالَت عَائِشَة: يَا رَسُول الله إِنَّه رجلٌ رقيقٌ، إِذا قَامَ مقامك لم يسْتَطع أَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ. فَقَالَ: " مري أَبَا بكر فَليصل بِالنَّاسِ " فَعَادَت. فَقَالَ: " مري أَبَا بكر فَليصل بِالنَّاسِ، فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِب يُوسُف " فَأَتَاهُ الرَّسُول، فصلى بِالنَّاسِ فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
433 - الْعَاشِر: عَن الْقَاسِم بن مخيمرة عَن أبي بردة قَالَ: وجع أَبُو مُوسَى وجعاً، فَغشيَ عَلَيْهِ وَرَأسه فِي حجر امرأةٍ من أَهله، فصاحت امرأةٌ من أَهله، فَلم يسْتَطع أَن يرد عَلَيْهَا شَيْئا، فَلَمَّا أَفَاق قَالَ: أَنا بَرِيء مِمَّن برِئ مِنْهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم برِئ من الصالقة والحالقة والشاقة.
وَهُوَ فِي رِوَايَة مُسلم من حَدِيث أبي صَخْرَة عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد وَأبي بردة قَالَ: أُغمي على أبي مُوسَى، فَأَقْبَلت امْرَأَته أم عبد الله تصيح برنة، ثمَّ أَفَاق فَقَالَ: ألم تعلمي - وَكَانَ يحدثها - أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " أَنا بريءٌ مِمَّن حلق وصلق وخرق ".
وَفِي رِوَايَة مُسلم نَحوه أَيْضا عَن عِيَاض الْأَشْعَرِيّ عَن أم عبد الله امْرَأَة أبي مُوسَى عَن أبي مُوسَى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعَن صَفْوَان بن مُحرز عَن أبي مُوسَى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعَن ربعي بن حراشٍ عَن أبي مُوسَى عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ مُسلم بن حجاج: غير أَن فِي حَدِيث عياضٍ الْأَشْعَرِيّ، قَالَ: " لَيْسَ منا " وَلم يقل: " برِئ ".
434 - الْحَادِي عشر: عَن غيلَان بن جرير عَن أبي بردة عَن أَبِيه قَالَ: أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رهطٍ من الْأَشْعَرِيين نستحمله، فَقَالَ:
وَالله لَا أحملكم، وَمَا(1/298)
عِنْدِي مَا أحملكم عَلَيْهِ ". قَالَ: فلبثنا مَا شَاءَ الله، ثمَّ أُتِي بإبلٍ، فَأمر لنا بِثَلَاث ذودٍ، غر الذرى، فَلَمَّا انطلقنا قُلْنَا، أَو قَالَ بَعْضنَا لبعضٍ: لَا يُبَارك الله لنا، أَتَيْنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نستحمله، فَحلف أَلا يحملنا، ثمَّ حملنَا. فَأتوهُ فأخبروه، فَقَالَ: " مَا أَنا حملتكم، وَلَكِن الله حملكم، إِنِّي وَالله - إِن شَاءَ الله - لَا أَحْلف على يَمِين ثمَّ أرى خيرا مِنْهَا إِلَّا كفرت وأتيت الَّذِي هُوَ خيرٌ " زَاد فِي رِوَايَة مُحَمَّد بن الْفضل مُتَّصِلا بِهِ: " أَو أتيت الَّذِي هُوَ خيرٌ وكفرت عَن يَمِيني ".
وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا من رِوَايَة بريد بن عبد الله بن أبي بردة عَن جده أبي بردة عَن أبي مُوسَى قَالَ: أَرْسلنِي أَصْحَابِي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أسأله لَهُم الحملان، إِذْ هم مَعَه فِي جَيش الْعسرَة: وَهِي غَزْوَة تَبُوك، فَقلت: يَا نَبِي الله، إِن أَصْحَابِي أرسلوني إِلَيْك لتحملهم، فَقَالَ: " وَالله لَا أحملكم على شَيْء " ووافقته وَهُوَ غضبانٌ وَلَا أشعر، فَرَجَعت حَزينًا من منع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمن مَخَافَة أَن يكون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد وجد فِي نَفسه عَليّ، فَرَجَعت إِلَى أَصْحَابِي، فَأَخْبَرتهمْ الَّذِي قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلم ألبث إِلَّا سويعةً إِذْ سَمِعت بِلَالًا يُنَادي: أَيْن عبد الله بن قيس؟ فأجبته، فَقَالَ: أجب، رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُوك، فَلَمَّا أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " خُذ هذَيْن القرينتين وهذين القرينتين، وهذين القرينتين - لسِتَّة أبعرةٍ ابتاعهن حينئذٍ من سعد - فَانْطَلق بِهن إِلَى أَصْحَابك فَقل: إِن الله - أَو قَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - يحملكم على هَؤُلَاءِ فاركبوهن ".
قَالَ أَبُو مُوسَى: فَانْطَلَقت إِلَى أَصْحَابِي بِهن، فَقلت:
إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحملكم على هَؤُلَاءِ، وَلَكِن وَالله لَا أدعكم حَتَّى ينْطَلق معي بَعْضكُم إِلَى من(1/299)
سمع مقَالَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حِين سَأَلته لكم، وَمنعه فِي أول مرّة، ثمَّ إعطاءه إيَّايَ بعد ذَلِك، لَا تظنوا أَنِّي حدثتكم شَيْئا لم يقلهُ. فَقَالُوا لي: وَالله إِنَّك عندنَا لمصدق، ولنفعلن مَا أَحْبَبْت. فَانْطَلق أَبُو مُوسَى بنفرٍ مِنْهُم حَتَّى أَتَوا الَّذين سمعُوا قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمنعه إيَّاهُم، ثمَّ إعطاءهم بعد، فحدثوهم بِمَا حَدثهمْ أَبُو مُوسَى سَوَاء.
وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا من رِوَايَة زَهْدَم بن مضرب الْجرْمِي، قَالَ: كُنَّا عِنْد أبي مُوسَى فَدَعَا بِمَائِدَتِهِ وَعَلَيْهَا لحم دَجَاج، فَدخل رجلٌ من بني تيم الله أَحْمَر شيبهٌ بِالْمَوَالِي، فَقَالَ لَهُ: هَلُمَّ، فَتَلَكَّأَ، فَقَالَ لَهُ: هَلُمَّ، فَإِنِّي قد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْكُل مِنْهُ.
فَقَالَ الرجل: إِنِّي رَأَيْته يَأْكُل شَيْئا فقذرته، فَحَلَفت أَلا أطْعمهُ. فَقَالَ: هَلُمَّ أحَدثك عَن ذَلِك: إِنِّي أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رهطٍ من الْأَشْعَرِيين نستحمله فَقَالَ: " وَالله مَا أحملكم، وَمَا عِنْدِي مَا أحملكم عَلَيْهِ " فلبثنا مَا شَاءَ الله، فَأتي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنَهْب إبلٍ، فَدَعَا بِنَا، فَأمر لنا بِخمْس ذودٍ غر الذرى، قَالَ: فَلَمَّا انطلقنا قَالَ بَعْضنَا لبعضٍ " أَغْفَلنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَمِينه، لَا يُبَارك الله لنا، فرجعنا إِلَيْهِ فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله، إِنَّا أَتَيْنَاك نستحملك، وَإنَّك حَلَفت الا تحملنا ثمَّ حملتنا، أفنسيت يَا رَسُول الله؟ قَالَ: " إِنِّي وَالله - أَن شَاءَ الله - لَا أَحْلف على يمينٍ فَأرى غَيرهَا خيرا مِنْهَا إِلَّا أتيت الَّذِي هُوَ خيرٌ وتحللتها، فَانْطَلقُوا، فَإِنَّمَا حملكم الله عز وَجل ".
435 - الثَّانِي عشر: عَن غيلَان بن جرير عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى قَالَ: أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَعْنِي وَهُوَ يستاك بسواك - قَالَ: وطرف السِّوَاك على لِسَانه. زَاد فِي رِوَايَة البُخَارِيّ: يَقُول: " أع. أع " والسواك فِي فِيهِ كَأَنَّهُ يتهوع.(1/300)
436 - الثَّالِث عشر: عَن أبي بردة بريد بن عبد الله عَن جده أبي بردة عَن أبي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن الله عز وَجل ليملي للظالم، فَإِذا أَخذه لم يفلته " ثمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخذ رَبك إِذا أَخذ الْقرى وَهِي ظالمةٌ إِن أَخذه أَلِيم شَدِيد} [سُورَة هود] .
437 - الرَّابِع عشر: عَن بريد عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَتَاهُ طَالب حَاجَة أقبل على جُلَسَائِهِ فَقَالَ: " اشفعوا تؤجروا، وَيَقْضِي الله على لِسَان نبيه مَا أحب " صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَسْلِيمًا.
438 - الْخَامِس عشر: عَن بريد عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى قَالَ: قلت يَا رَسُول الله، أَي الْمُسلمين أفضل؟ قَالَ: " من سلم الْمُسلمُونَ من لِسَانه وَيَده ".
439 - السَّادِس عشر: عَن بريد عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " من مر فِي شَيْء من مَسَاجِدنَا أَو أسواقنا وَمَعَهُ نبلٌ فليمسك، أَو ليقْبض على نصالها بكفه أَن يُصِيب أحدا من الْمُسلمين مِنْهَا بِشَيْء ".
وَهُوَ فِي رِوَايَة مُسلم عَن ثَابت الْبنانِيّ عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِذا مر أحدكُم فِي مجلسٍ أَو سوقٍ وَبِيَدِهِ نبلٌ فليأخذ بنصالها، ثمَّ ليَأْخُذ بنصالها، ثمَّ ليَأْخُذ بنصالها " قَالَ: فَقَالَ أَبُو مُوسَى: وَالله مَا متْنا حَتَّى سددنا بَعْضهَا فِي وُجُوه بعض.
440 - السَّابِع عشر: عَن بريد عَن جده أبي بردة عَن أبي مُوسَى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " من حمل علينا السِّلَاح فَلَيْسَ منا ".
441 - الثَّامِن عشر: عَن بريد بن عبد الله بن أبي بردة عَن أبي بردة عَن أبي(1/301)
مُوسَى قَالَ: احْتَرَقَ بَيت بِالْمَدِينَةِ على أَهله من اللَّيْل، فَلَمَّا حدث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بشأنهم قَالَ:
إِن هَذِه النَّار عدوٌّ لكم، فَإِذا نمتم فأطفئوها عَنْكُم ".
442 - التَّاسِع عشر: عَن بريد عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " الْمُؤمن لِلْمُؤمنِ كالبنيان يشد بعضه بَعْضًا " وَشَبك بَين أَصَابِعه.
443 - الْعشْرُونَ: عَن بريد عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " رَأَيْت فِي الْمَنَام أَنِّي أُهَاجِر من مَكَّة إِلَى أرضٍ بهَا نخلٌ، فَذهب وهلي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَة، أَو هجر، فَإِذا هِيَ الْمَدِينَة يثرب. وَرَأَيْت فِي رُؤْيَايَ هَذِه أَنِّي هززت سَيْفا فَانْقَطع صَدره، فَإِذا هُوَ مَا أُصِيب بِهِ الْمُؤْمِنُونَ يَوْم أحد. ثمَّ هززته أُخْرَى فَعَاد أحسن مَا كَانَ، فَإِذا هُوَ مَا جَاءَ الله بِهِ من الْفَتْح واجتماع الْمُؤمنِينَ. وَرَأَيْت أَيْضا بقرًا، وَالله خيرٌ، فَإِذا هم النَّفر من الْمُؤمنِينَ يَوْم أحدٍ، وَإِذا الْخَيْر مَا جَاءَ الله بِهِ من الْخَيْر بعد، وثواب الصدْق الَّذِي أَتَانَا الله يَوْم بدر ".
كَذَا عِنْد مُسلم عَن أبي مُوسَى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَفِي كتاب البُخَارِيّ عَن أبي مُوسَى - أرى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِالشَّكِّ.
444 - الْحَادِي وَالْعشْرُونَ: عَن بريدٍ أَيْضا كَذَلِك: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " ليَأْتِيَن على النَّاس زمانٌ، يطوف الرجل فِيهِ بِالصَّدَقَةِ من الذَّهَب ثمَّ لَا يجد أحدا يَأْخُذهَا مِنْهُ، وَيرى الرجل الْوَاحِد تتبعه أَرْبَعُونَ امْرَأَة يلذن بِهِ، من قلَّة الرِّجَال وَكَثْرَة النِّسَاء ".(1/302)
445 - الثَّانِي وَالْعشْرُونَ: عَن بريد عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى قَالَ: كنت أَنا وأصحابي الَّذين قدمُوا معي فِي السَّفِينَة نزولاً فِي بَقِيع بطحان، وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ، فَكَانَ يتناوب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد صَلَاة الْعشَاء كل لَيْلَة نفرٌ مِنْهُم.
قَالَ أَبُو مُوسَى: فَوَافَقنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا وأصحابي وَله بعض الشّغل فِي أمره، حَتَّى أعتم بِالصَّلَاةِ حَتَّى ابهار اللَّيْل، ثمَّ خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فصلى بهم، فَلَمَّا قضى صلَاته قَالَ لمن حضر: " على رسلكُمْ، أعلمكُم وَأَبْشِرُوا، إِن من نعْمَة الله عَلَيْكُم أَنه لَيْسَ من النَّاس أحدٌ يُصَلِّي هَذِه السَّاعَة غَيْركُمْ " أَو قَالَ: " مَا صلى هَذِه السَّاعَة أحدٌ غَيْركُمْ " لَا نَدْرِي أَي الْكَلِمَتَيْنِ قَالَ. قَالَ أَبُو مُوسَى: فرجعنا فرحين بِمَا سمعنَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
446 - الثَّالِث وَالْعشْرُونَ: عَن بريد عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " من أحب لِقَاء الله أحب الله لقاءه، وَمن كره لِقَاء الله كره الله لقاءه ".
447 - الرَّابِع وَالْعشْرُونَ: بِهَذَا الْإِسْنَاد عَن أبي مُوسَى قَالَ: خسفت الشَّمْس فِي زمَان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَامَ فَزعًا يخْشَى أَن تكون السَّاعَة، حَتَّى أَتَى الْمَسْجِد، فَقَامَ يُصَلِّي بأطول قيامٍ وركوعٍ وسجودٍ، مَا رَأَيْته يَفْعَله فِي صلاةٍ قطّ. ثمَّ قَالَ: " إِن هَذِه الْآيَات الَّتِي يرسلها الله لَا تكون لمَوْت أحدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِن الله عز وَجل يرسلها يخوف بهَا عباده، فَإِذا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئا فافزعوا إِلَى ذكره ودعائه واستغفاره ".(1/303)
448 - الْخَامِس وَالْعشْرُونَ: بِهَذَا الْإِسْنَاد عَن أبي مُوسَى قَالَ: سُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَشْيَاء كرهها، فَلَمَّا أَكثر عَلَيْهِ غضب، ثمَّ قَالَ للنَّاس: " سلوني عَمَّا شِئْتُم " فَقَالَ رجلٌ: من أبي؟ قَالَ: " أَبوك حذافة " فَقَامَ آخر فَقَالَ: يَا رَسُول الله، من أبي؟ فَقَالَ: " أَبوك سالمٌ مولى شيبَة " فَلَمَّا رأى عمر بن الْخطاب مَا فِي وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْغَضَب قَالَ: يَا رَسُول الله، إِنَّا نتوب إِلَى الله عز وَجل.
449 - السَّادِس وَالْعشْرُونَ: بِهَذَا الْإِسْنَاد عَن أبي مُوسَى قَالَ: خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غزَاة وَنحن سِتَّة نفرٍ، بَيْننَا بعيرٌ نعتقبه. قَالَ: فنقبت أقدامنا، ونقبت قدمي، وَسَقَطت أظفاري، فَكُنَّا نلف على أَرْجُلنَا الْخرق، فسميت غَزْوَة " ذَات الرّقاع "، لما كُنَّا نعصب على أَرْجُلنَا من الْخرق.
قَالَ أَبُو بردة: فَحدث أَبُو مُوسَى بِهَذَا الحَدِيث، ثمَّ كره ذَاك وَقَالَ: مَا كنت أصنع بِأَن أذكرهُ. قَالَ: كَأَنَّهُ كره أَن يكون شَيْئا من عمله أفشاه فِيهِ. فِي كتاب مُسلم: قَالَ أَبُو أُسَامَة: وَزَادَنِي غير بريد: وَالله يَجْزِي بِهِ.
450 - السَّابِع وَالْعشْرُونَ: بِهَذَا الْإِسْنَاد عَن أبي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْآن، فوالذي نفس محمدٍ بِيَدِهِ لَهو أَشد تفلتاً من الْإِبِل فِي عقلهَا ".
451 - الثَّامِن وَالْعشْرُونَ: عَن بريد عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " مثل الْبَيْت الَّذِي يذكر الله فِيهِ وَالْبَيْت الَّذِي لَا يذكر الله فِيهِ مثل الْحَيّ وَالْمَيِّت ". كَذَا عِنْد مُسلم.(1/304)
وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ: " مثل الَّذِي يذكر ربه وَالَّذِي لَا يذكر مثل الْحَيّ وَالْمَيِّت ".
452 - التَّاسِع وَالْعشْرُونَ: بِهَذَا الْإِسْنَاد عَن أبي مُوسَى: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِنَّمَا مثل الجليس الصَّالح وجليس السوء كحامل الْمسك ونافخ الْكِير، فحامل الْمسك إِمَّا أَن يحذيك، وَإِمَّا أَن تبْتَاع مِنْهُ، وَإِمَّا أَن تَجِد مِنْهُ ريحًا طيبَة. ونافخ الْكِير إِمَّا أَن يحرق ثِيَابك، وَإِمَّا أَن تَجِد ريحًا خبيثة ".
453 - الثَّلَاثُونَ: عَن بريد عَن جده أبي مُوسَى: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِن مثلي وَمثل مَا بَعَثَنِي الله عز وَجل بِهِ كَمثل رجلٍ أَتَى قومه فَقَالَ: يَا قوم، إِنِّي رَأَيْت الْجَيْش بعيني وَأَنا النذير الْعُرْيَان، فالنجاء. فأطاعه طائفةٌ من قومه فأدلجوا وَانْطَلَقُوا على مهلهم، فنجوا. وكذبت طَائِفَة مِنْهُم فَأَصْبحُوا مكانهم، فصبحهم الْجَيْش، فأهلكهم واجتاحهم. فَذَلِك مثل من أَطَاعَنِي وَاتبع مَا جِئْت بِهِ، وَمثل من عَصَانِي وَكذب مَا جِئْت بِهِ من الْحق ".
454 - الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: بِهَذَا الْإِسْنَاد عَن أبي مُوسَى قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " إِن مثل مَا بَعَثَنِي الله بِهِ من الْهدى وَالْعلم كَمثل غيثٍ أصَاب أَرضًا، فَكَانَت مِنْهَا طائفةٌ طيبةٌ قبلت المَاء، فأنبتت الْكلأ والعشب الْكثير، وَكَانَ مِنْهَا أجادب أَمْسَكت المَاء فنفع الله بهَا النَّاس، فَشَرِبُوا مِنْهَا وَسقوا ورعوا، وَأصَاب طَائِفَة مِنْهَا أُخْرَى، إِنَّمَا هِيَ قيعانٌ، لَا تمسك مَاء وَلَا تنْبت كلأ. فَذَلِك مثل من فقه فِي دين الله عز(1/305)
وَجل، ونفعه بِمَا بَعَثَنِي الله بِهِ، فَعلم وَعلم، وَمثل من لم يرفع بذلك رَأْسا وَلم يقبل هدى الله الَّذِي أرْسلت بِهِ ".
455 - الثَّانِي الثَّلَاثُونَ: بِهَذَا الْإِسْنَاد عَن أبي مُوسَى قَالَ: لما فرغ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حنين بعث أَبَا عَامر على جيشٍ إِلَى أَوْطَاس، فلقي دُرَيْد بن الصمَّة، فَقتل دريدٌ، وَهزمَ الله أَصْحَابه.
قَالَ أَبُو مُوسَى: وبعثني مَعَ أبي عَامر. قَالَ: فَرمي أَبُو عامرٍ فِي ركبته، رَمَاه رجلٌ من جشمٍ بسهمٍ فأثبته فِي ركبته، فانتهيت إِلَيْهِ فَقلت: يَا عَم، من رماك؟ فَأَشَارَ أَبُو عَامر إِلَى أبي مُوسَى فَقَالَ: إِن ذَاك قاتلي، ترَاهُ، ذَاك الَّذِي رماني. قَالَ أَبُو مُوسَى: فقصدت لَهُ فاعتمدته فلحقته، فَلَمَّا رَآنِي ولى عني ذَاهِبًا، فاتبعته، فَجعلت أَقُول لَهُ: أَلا تستحيي؟ أَلَسْت عَرَبيا؟ أَلا تثبت؟ فَكف، فالتقيت أَنا وَهُوَ، فاختلفنا ضربتين أَنا وَهُوَ، فضربته بِالسَّيْفِ فَقتلته. ثمَّ رجعت إِلَى أبي عَامر فَقلت: قد قتل الله صَاحبك. قَالَ: فانزع هَذَا السهْم، فنزا مِنْهُ المَاء، فَقَالَ: يَا ابْن أخي، انْطلق إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فأقره مني السَّلَام، وَقل لَهُ: يَقُول لَك أَبُو عَامر: اسْتغْفر لي: قَالَ: واستخلفني أَبُو عَامر على النَّاس، فَمَكثَ يَسِيرا ثمَّ مَاتَ.
فَلَمَّا رجعت إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخلت عَلَيْهِ وَهُوَ فِي بَيت على سريرٍ مرمل، وَعَلِيهِ فرَاش، وَقد أثر رمال السرير بِظهْر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وجنبتيه، فَأَخْبَرته خبرنَا وَخبر أبي عَامر، وَقلت لَهُ: قَالَ لي: قل لَهُ يسْتَغْفر لي. فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَاء،(1/306)
فَتَوَضَّأ مِنْهُ، ثمَّ رفع يَدَيْهِ فَقَالَ: " اللَّهُمَّ اغْفِر لِعبيد أبي عَامر " حَتَّى رَأَيْت بَيَاض إبطَيْهِ. ثمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْم الْقِيَامَة فَوق كثيرٍ من خلقك، أَو من النَّاس ".
فَقلت: ولي يَا رَسُول الله فَاسْتَغْفر. فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " اللَّهُمَّ اغْفِر لعبد الله بن قيسٍ ذَنبه، وَأدْخلهُ يَوْم الْقِيَامَة مدخلًا كَرِيمًا ".
قَالَ أَبُو بردة: إِحْدَاهمَا لأبي عَامر، وَالْأُخْرَى لأبي مُوسَى.
456 - الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ: عَن بريد، عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى قَالَ: كنت عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ نازلٌ بالجعرانة - بَين مَكَّة وَالْمَدينَة - وَمَعَهُ بِلَال، فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلٌ أعرابيٌّ فَقَالَ: أَلا تنجز لي يَا مُحَمَّد مَا وَعَدتنِي. فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أبشر " فَقَالَ الْأَعرَابِي: أكثرت عَليّ من " أبشر " فَأقبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أبي مُوسَى وبلال كَهَيئَةِ الغضبان فَقَالَ: " إِن هَذَا قد رد الْبُشْرَى، فاقبلا أَنْتُمَا " فَقُلْنَا: قبلنَا يَا رَسُول الله.
ثمَّ دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقدحٍ فِيهِ مَاء، فَغسل يَدَيْهِ وَوَجهه فِيهِ، وَمَج فِيهِ، ثمَّ قَالَ: " اشربا مِنْهُ وأفرغا على وجوهكما ونحوركما ". فأخذا الْقدح، ففعلا مَا أَمرهمَا بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فنادتهما أم سَلمَة من وَرَاء السّتْر: أفضلا لأمكما فِي إنائكما. فأفضلا لَهَا مِنْهُ طَائِفَة.
457 - الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ: عَن بريد عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى قَالَ: ولد لي غلامٌ فَأتيت بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَسَماهُ إِبْرَاهِيم، وحنكه بتمرة، ودعا لَهُ بِالْبركَةِ، وَدفعه إِلَيّ. وَكَانَ أكبر ولد أبي مُوسَى.(1/307)
عِنْد مُسلم إِلَى قَوْله وحنكه بتمرة، وللبخاري إِلَى آخِره.
458 - الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ: بِهَذَا الْإِسْنَاد عَن أبي مُوسَى قَالَ: بلغنَا مخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنحن بِالْيمن، فخرجنا مُهَاجِرين إِلَيْهِ أَنا وَأَخَوَانِ لي، وَأَنا أَصْغَرهم، أَحدهمَا أَبُو بردة وَالْآخر أَبُو رهم، إِمَّا قَالَ: فِي بضعَة، وَإِمَّا قَالَ فِي ثَلَاثَة وَخمسين، أَو اثْنَيْنِ وَخمسين رجلا من قومِي. قَالَ: فَرَكبْنَا سفينة، فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتنَا إِلَى النَّجَاشِيّ بِالْحَبَشَةِ، فَوَافَقنَا جَعْفَر بن أبي طالبٍ وَأَصْحَابه عِنْده، فَقَالَ جَعْفَر: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعثنَا هَا هُنَا، وأمرنا بِالْإِقَامَةِ. قَالَ: فَأَقَمْنَا مَعَه حَتَّى قدمنَا جَمِيعًا. قَالَ: فَوَافَقنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين افْتتح خَيْبَر، فَأَسْهم لنا - أَو قَالَ: فأعطانا مِنْهَا - وَمَا قسم لأحدٍ غَابَ عَن فتح خَيْبَر مِنْهَا شَيْئا إِلَّا لمن شهد مَعَه، إِلَّا لأَصْحَاب سَفِينَتنَا مَعَ جعفرٍ وَأَصْحَابه، قسم لَهُم مَعَهم. قَالَ: وَكَانَ ناسٌ من النَّاس يَقُولُونَ لنا - يَعْنِي لأهل السَّفِينَة - سبقناكم بِالْهِجْرَةِ.
وَقَالَ: فَدخلت أَسمَاء بنت عُمَيْس، وَهِي مِمَّن قدم مَعنا، على حَفْصَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زائرةً، وَقد كَانَت هَاجَرت إِلَى النَّجَاشِيّ فِيمَن هَاجر إِلَيْهِ، فَدخل عمر على حَفْصَة وَأَسْمَاء عِنْدهَا، فَقَالَ عمر حِين رأى أَسمَاء: من هَذِه؟ قَالَت: أَسمَاء بنت عُمَيْس. فَقَالَ عمر: آلحبشية هَذِه؟ آلبحرية هَذِه؟ فَقَالَت أَسمَاء: نعم: فَقَالَ عمر: سبقناكم بِالْهِجْرَةِ، فَنحْن أَحَق برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْكُم. فَغضِبت وَقَالَت كلمة: يَا عمر، كلا وَالله، كُنْتُم مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم. وَكُنَّا فِي دَار - أَو فِي أَرض الْبعدَاء الْبغضَاء فِي الْحَبَشَة، وَذَلِكَ فِي الله وَفِي رَسُوله. وَايْم الله لَا أطْعم طَعَاما، وَلَا أشْرب شرابًا حَتَّى أذكر مَا قلت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَنحن كُنَّا نؤذى ونخاف، وسأذكر ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأسأله، وَوَاللَّه لَا أكذب وَلَا أزيغ وَلَا أَزِيد على ذَلِك.(1/308)
قَالَ: فَلَمَّا جَاءَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت: يَا نَبِي الله، إِن عمر قَالَ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
" لَيْسَ بِأَحَق فِي مِنْكُم، وَله ولأصحابه هجرةٌ وَاحِدَة، وَلكم أَنْتُم أهل السَّفِينَة هجرتان ".
قَالَت: فَلَقَد رَأَيْت أَبَا مُوسَى وَأَصْحَاب السَّفِينَة يأتوني أَرْسَالًا يَسْأَلُونِي عَن هَذَا الحَدِيث، مَا من الدُّنْيَا شيءٌّ هم أفرح وَلَا أعظم فِي أنفسهم مِمَّا قَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَالَ أَبُو بردة: فَقَالَت أَسمَاء: فَلَقَد رَأَيْت أَبَا مُوسَى، وَإنَّهُ ليستعيد مني هَذَا الحَدِيث.
459 - السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ: عَن بريد عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " الخازن الْمُسلم الْأمين، الَّذِي ينفذ - وَرُبمَا قَالَ: يُعْطي مَا أَمر بِهِ، فيعطيه كَامِلا موفراً طيبَة بِهِ نَفسه، فيدفعه إِلَى الَّذِي أَمر لَهُ بِهِ - أحد المتصدقين ".
460 - السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ: بِهَذَا الْإِسْنَاد عَن أبي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِنِّي لأعْلم أصوات رفْقَة الْأَشْعَرِيين بِالْقُرْآنِ حِين يدْخلُونَ بِاللَّيْلِ، وَأعرف مَنَازِلهمْ من أَصْوَاتهم بِالْقُرْآنِ بِاللَّيْلِ، وَإِن كنت لم أر مَنَازِلهمْ حِين نزلُوا بِالنَّهَارِ. وَمِنْهُم حكيمٌ إِذا لَقِي الْخَيل - أَو قَالَ: الْعَدو - قَالَ لَهُم: إِن أَصْحَابِي يأمرونكم أَن تنظروهم ".
461 - الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ: عَن بريدٍ عَن أبي بردة عَن جده أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ(1/309)
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
إِن الْأَشْعَرِيين إِذا أرملوا فِي الْغَزْو، أَو قل طَعَام عِيَالهمْ بِالْمَدِينَةِ، جمعُوا مَا كَانَ عِنْدهم فِي ثوبٍ واحدٍ ثمَّ اقتسموه بَينهم فِي إِنَاء واحدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فهم مني، وَأَنا مِنْهُم ".
462 - التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ: بِهَذَا الْإِسْنَاد عَن أبي مُوسَى قَالَ: سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا يثني على رجلٍ ويطريه فِي المدحة فَقَالَ: " أهلكتم أَو قطعْتُمْ ظهر الرجل ".
463 - الْأَرْبَعُونَ: عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَنه أخبرهُ أَنه تَوَضَّأ فِي بَيته، ثمَّ خرج فَقَالَ: لألزمن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ولأكونن مَعَه يومي هَذَا.
قَالَ: فجَاء الْمَسْجِد، فَسَأَلَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالُوا: خرج، وَجه هَا هُنَا. قَالَ: فَخرجت على إثره أسأَل عَنهُ حَتَّى دخل بِئْر أريسٍ. قَالَ: فَجَلَست عِنْد الْبَاب وبابها من جريد حَتَّى قضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَاجته، وَتَوَضَّأ، فَقُمْت إِلَيْهِ، فَإِذا هُوَ قد جلس على بِئْر أريس، وتوسط قفها، وكشف عَن سَاقيه ودلاهما فِي الْبِئْر.
قَالَ: فَسلمت عَلَيْهِ، ثمَّ انصرفت، فَجَلَست عِنْد الْبَاب فَقلت: لأكونن بواب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْيَوْم، فجَاء أَبُو بكرٍ فَدفع الْبَاب، فَقلت: من هَذَا؟ فَقَالَ: أَبُو بكر. فَقلت: على رسلك. قَالَ: ثمَّ ذهبت فَقلت: يَا رَسُول الله، هَذَا أَبُو بكر يسْتَأْذن. فَقَالَ: " ائْذَنْ لَهُ وبشره بِالْجنَّةِ ". قَالَ: فَأَقْبَلت حَتَّى قلت لأبي بكر: ادخل، وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يبشرك بِالْجنَّةِ. قَالَ: فَدخل أَبُو بكر فَجَلَسَ عَن يَمِين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَه فِي القف، ودلى رجلَيْهِ فِي الْبِئْر كَمَا صنع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وكشف عَن سَاقيه.
ثمَّ رجعت فَجَلَست، وَقد تركت أخي يتَوَضَّأ ويلحقني. فَقلت: إِن يرد الله(1/310)
بفلان - يُرِيد أَخَاهُ - خيرا يَأْتِ بِهِ. فَإِذا إنسانٌ يُحَرك الْبَاب، فَقلت: من هَذَا؟ فَقَالَ: عمر بن الْخطاب. فَقلت: على رسلك، ثمَّ جِئْت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَسلمت عَلَيْهِ وَقلت: هَذَا عمر يسْتَأْذن، فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُ وبشره بِالْجنَّةِ. فَقلت: ائْذَنْ، أَدخل، ويبشرك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْجنَّةِ، قَالَ: فَدخل فَجَلَسَ مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي القف عَن يسَاره، ودلى رجلَيْهِ فِي الْبِئْر.
ثمَّ رجعت فَجَلَست فَقلت: إِن يرد الله بفلان خيرا - يَعْنِي أَخَاهُ - يَأْتِ بِهِ. فجَاء إنسانٌ فحرك الْبَاب، فَقلت: من هَذَا؟ فَقَالَ: عُثْمَان بن عَفَّان. فَقلت: على رسلك. قَالَ: وَجئْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته، فَقَالَ: " ائْذَنْ لَهُ، وبشره بِالْجنَّةِ مَعَ بلوى تصيبه " قَالَ: فَجئْت فَقلت: أَدخل ويبشرك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْجنَّةِ مَعَ بلوى تصيبك. قَالَ: فَدخل فَوجدَ القف قد ملئ، فَجَلَسَ وجاههم فِي الشق الآخر.
قَالَ سعيد بن الْمسيب: فأولت ذَلِك قُبُورهم، اجْتمعت، وَانْفَرَدَ عُثْمَان - رَضِي الله عَنْهُم.
وَأَخْرَجَاهُ جَمِيعًا من رِوَايَة أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ عَن أبي مُوسَى بِمَعْنَاهُ مُخْتَصرا: كنت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حائطٍ من حيطان الْمَدِينَة، فجَاء رجلٌ فَاسْتَفْتَحَ. وَفِي بعض طرقه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل حَائِطا وَأَمرَنِي بِحِفْظ الْبَاب، فجَاء رجل ... الحَدِيث، وَفِيه أَن عُثْمَان حِين بشره قَالَ: اللَّهُمَّ صبرا، وَالله الْمُسْتَعَان. وَفِي رِوَايَة يُوسُف بن مُوسَى، فَحَمدَ الله ثمَّ قَالَ: الله الْمُسْتَعَان.
464 - الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ: عَن الْأسود بن يزِيد النَّخعِيّ عَن أبي مُوسَى قَالَ: قدمت أَنا وَأخي من الْيمن، فَكُنَّا حينا - وَفِي رِوَايَة: فَمَكثْنَا حينا - وَمَا نرى ابْن(1/311)
مَسْعُود وَأمه إِلَّا من أهل بَيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما نرى من كَثْرَة دُخُوله وَدخُول أمه على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ولزومه لَهُ.
465 - الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ: عَن شَقِيق بن سَلمَة عَن أبي مُوسَى: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " الْمَرْء مَعَ من أحب ".
466 - الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ: عَن شَقِيق عَن أبي مُوسَى قَالَ: سُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الرجل يُقَاتل شجاعةً، وَيُقَاتل حميةً، وَيُقَاتل رِيَاء، أَي ذَلِك فِي سَبِيل الله؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " من قَاتل لتَكون كلمة الله هِيَ الْعليا " فِي حَدِيث ابْن الْمثنى: " لتَكون كلمة الله أَعلَى فَهُوَ فِي سَبِيل الله ".
467 - الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ: عَن شَقِيق عَن عبد الله وَأبي مُوسَى قَالَا: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن بَين يَدي السَّاعَة أَيَّامًا ينزل فِيهَا الْجَهْل، وَيرْفَع فِيهَا الْعلم، وَيكثر فِيهَا الْهَرج ". والهرج: الْقَتْل.
وَقد تقدم فِي مُسْند ابْن مَسْعُود.
468 - الْخَامِس وَالْأَرْبَعُونَ: عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ عَن أبي مُوسَى قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر، فَجعل النَّاس يجهرون بِالتَّكْبِيرِ، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " اربعوا على أَنفسكُم، إِنَّكُم لَيْسَ تدعون أَصمّ وَلَا غَائِبا، إِنَّكُم تدعون سمعياً قَرِيبا، وَهُوَ مَعكُمْ " قَالَ: وَأَنا خَلفه، وَأَنا أَقُول: لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه. فَقَالَ: " يَا عبد الله بن قيس، أَلا أدلك على كنزٍ من كنوز الْجنَّة "؟ فَقلت: بلَى يَا رَسُول الله.
قَالَ: " لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ".(1/312)
وَفِي رِوَايَة: " الَّذِي تَدعُونَهُ أقرب إِلَى أحدكُم من عنق رَاحِلَة أحدكُم ".
469 - السَّادِس وَالْأَرْبَعُونَ: عَن طَارق بن شهَاب عَن أبي مُوسَى قَالَ: قدمت على ر سَوَّلَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ منيخٌ بالبطحاء، فَقَالَ: " بِمَ أَهلَلْت؟ " قَالَ: قلت: أَهلَلْت بإهلال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ: " هَل سقت من هدي؟ " قلت: لَا. قَالَ: " فَطُفْ بِالْبَيْتِ وبالصفا والمروة، ثمَّ حل " فطفت بِالْبَيْتِ، وبالصفا والمروة، ثمَّ أتيت امْرَأَة من قومِي، فمشطتني وغسلت رَأْسِي، فَكنت أُفْتِي النَّاس بِذَاكَ فِي إِمَارَة أبي بكر وإمارة عمر.
فَإِنِّي لقائم بِالْمَوْسِمِ، إِذْ جَاءَنِي رجلٌ قَالَ: إِنَّك لَا تَدْرِي مَا أحدث أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي شَأْن النّسك. فَقلت: أَيهَا النَّاس، من كُنَّا أفتيناه بشيءٍ فليتئد، فَهَذَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قادمٌ عَلَيْكُم، فبه فائتموا. فَلَمَّا قدم قلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، مَا هَذَا الَّذِي أحدثت فِي شَأْن النّسك؟ قَالَ: إِن نَأْخُذ بِكِتَاب الله، فَإِن الله عز وَجل قَالَ: {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} [سُورَة الْبَقَرَة] ، وَإِن نَأْخُذ بِسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يحل حَتَّى نحر الْهَدْي.
وَهُوَ فِي رِوَايَة مُسلم عَن إِبْرَاهِيم بن أبي مُوسَى عَن أَبِيه: أَنه كَانَ يُفْتِي بِالْمُتْعَةِ، فَقَالَ لَهُ رجلٌ: رويدك بعض فتياك، فَإنَّك لَا تَدْرِي مَا أحدث أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي النّسك. فَلَقِيَهُ بعد، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ عمر: قد علمت أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد فعله وَأَصْحَابه، وَلَكِن كرهت أَن يظلوا معرسين بِهن فِي الْأَرَاك. ثمَّ يروحون فِي الْحَج تقطر رؤوسهم.(1/313)
470 - السَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ: عَن طَارق بن شهَاب عَن أبي مُوسَى قَالَ: كَانَ يَوْم عَاشُورَاء يَوْمًا تعظمه الْيَهُود وتتخذه عيداً، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " صوموه أَنْتُم ".
وَعند مُسلم عَن أَحْمد بن الْمُنْذر فِي حَدِيث طَارق عَن أبي مُوسَى قَالَ: كَانَ أهل خَيْبَر يَصُومُونَ يَوْم عَاشُورَاء، ويتخذونه عيداً، وَيلبسُونَ نِسَاءَهُمْ فِيهِ حليهم وشارتهم، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " فصوموه أَنْتُم ".
471 - الثَّامِن وَالْأَرْبَعُونَ: عَن مرّة الْهَمدَانِي عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " كمل من الرِّجَال كثير، وَلم يكمل من النِّسَاء إِلَّا مَرْيَم بنت عمرَان، وآسية امْرَأَة فِرْعَوْن. وَفضل عَائِشَة على النِّسَاء كفضل الثَّرِيد على سَائِر الطَّعَام ".
472 - التَّاسِع وَالْأَرْبَعُونَ: عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ عَن أبي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا أحد أَصْبِر على أَذَى " سَمعه من الله عز وَجل، إِنَّه يُشْرك بِهِ وَيجْعَل لَهُ الْوَلَد، ثمَّ هُوَ يعافيهم ويرزقهم ".
473 - الْخَمْسُونَ: // حَدِيث مُتَّفق على مَتنه //:
أخرجه البُخَارِيّ من رِوَايَة بريد بن عبد الله عَن أبي بردة عَن جده أبي بردة.
وَأخرجه مُسلم من رِوَايَة طَلْحَة بن يحيى بن طَلْحَة بن عبيد الله عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَو رَأَيْتنِي وَأَنا أستمع قراءتك البارحة، لقد أُوتيت مِزْمَارًا من مَزَامِير آل دَاوُد ".
لَيْسَ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ: " لَو رَأَيْتنِي وَأَنا أستمع قراءتك ".(1/314)
زَاد أَبُو بكر البرقاني فِي حَدِيث يحيى بن سعيد، وَذكره أَبُو مَسْعُود فِي " الْأَطْرَاف " مُتَّصِلا بِهِ قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله، لَو علمت أَنَّك تسمع قراءتي لحبرته لَك تحبيراً. وَحكى أَن مُسلما أخرجه. وَلم أجد هَذِه الزِّيَادَة فِيمَا عندنَا من كتاب مُسلم.
أَفْرَاد البُخَارِيّ
474 - الأول: عَن بريد بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَن جده أبي بردة عَن أبي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " للمملوك الَّذِي يحسن عبَادَة ربه، وَيُؤَدِّي إِلَى سَيّده الَّذِي عَلَيْهِ من الْحق والنصيحة وَالطَّاعَة، لَهُ أَجْرَانِ ".
475 - الثَّانِي: عَن بريد عَن جده عَن أبي مُوسَى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " مثل الْمُسلمين وَالْيَهُود وَالنَّصَارَى كَمثل رجلٍ اسْتَأْجر قوما يعْملُونَ لَهُ عملا إِلَى اللَّيْل على أجرٍ مَعْلُوم، فعملوا لَهُ إِلَى نصف النَّهَار، فَقَالُوا: لَا حَاجَة لنا إِلَى أجرك الَّذِي شرطت لنا، وَمَا عَملنَا بَاطِل. فَقَالَ: لَا تَفعلُوا، أكملوا بَقِيَّة عَمَلكُمْ وخذوا أجركُم كَامِلا. فَأَبَوا، وَتركُوا، واستأجر آخَرين بعدهمْ، فَقَالَ: أكملوا بَقِيَّة يومكم هَذَا وَلكم الَّذِي شرطت لَهُم من الْأجر، فعملوا حَتَّى إِذا كَانَ حِين صَلَاة الْعَصْر قَالُوا: لَك مَا عَملنَا باطلٌ وَلَك الْأجر الَّذِي جعلت لنا، فَقَالَ: أكملوا بَقِيَّة عَمَلكُمْ، فَإِنَّمَا بَقِي من النَّهَار شيءٌ يسير، فَأَبَوا. فاستأجر قوما أَن يعملوا لَهُ بَقِيَّة(1/315)
يومهم، فعملوا بَقِيَّة يومهم حَتَّى غَابَتْ الشَّمْس، فاستكملوا أجر الْفَرِيقَيْنِ كليهمَا.
فَذَلِك مثلهم وَمثل مَا قبلوا من هَذَا النُّور ".
476 - الثَّالِث: عَن إِبْرَاهِيم السكْسكِي قَالَ: سَمِعت أَبَا بردة - واصطحب هُوَ وَيزِيد بن أبي كَبْشَة فِي سفرٍ، فَكَانَ يزِيد يَصُوم فِي السّفر - فَقَالَ لَهُ أَبُو بردة: سَمِعت أَبَا مُوسَى مرَارًا يَقُول: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِذا مرض العَبْد أَو سَافر كتب لَهُ مثل مَا كَانَ يعْمل مُقيما صَحِيحا ".
477 - الرَّابِع: عَن أبي وَائِل شَقِيق بن سَلمَة عَن أبي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أطعموا الجائع، وعودوا الْمَرِيض، وفكوا العاني ".
أَفْرَاد مُسلم
478 - الأول: عَن أبي بكر بن أبي مُوسَى قَالَ: سَمِعت أبي وَهُوَ بِحَضْرَة الْعَدو يَقُول: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن أَبْوَاب الْجنَّة تَحت ظلال السيوف ". قَالَ: فَقَامَ رجلٌ رث الْهَيْئَة فَقَالَ: يَا أَبَا مُوسَى، أَنْت سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول هَذَا؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فَرجع إِلَى أَصْحَابه فَقَالَ: أَقرَأ عَلَيْكُم السَّلَام، ثمَّ كسر جفن سَيْفه فَأَلْقَاهُ، ثمَّ مَشى بِسَيْفِهِ إِلَى الْعَدو، فَضرب بِهِ حَتَّى قتل.
479 - الثَّانِي: فِي الْأَوْقَات: عَن أبي بكر بن أبي مُوسَى عَن أَبِيه: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَاهُ سائلٌ يسْأَله عَن مَوَاقِيت الصَّلَاة، فَلم يرد عَلَيْهِ شَيْئا، قَالَ: وَأمر بِلَالًا فَأَقَامَ الْفجْر حِين انْشَقَّ(1/316)
الْفجْر وَالنَّاس لَا يكَاد يعرف بَعضهم بَعْضًا، ثمَّ أمره فَأَقَامَ بِالظّهْرِ حِين زَالَت الشَّمْس، وَالْقَائِل يَقُول: قد انتصف النَّهَار وَهُوَ كَانَ أعلم مِنْهُم، ثمَّ أمره فَأَقَامَ بالعصر وَالشَّمْس مُرْتَفعَة. ثمَّ أمره فَأَقَامَ بالمغرب حِين وَقعت الشَّمْس. ثمَّ أمره فَأَقَامَ الْعشَاء حِين غَابَ الشَّفق. ثمَّ أخر الْفجْر من الْغَد حَتَّى انْصَرف مِنْهَا وَالْقَاتِل يَقُول: قد طلعت الشَّمْس أَو كَادَت. ثمَّ أخر الظّهْر حَتَّى كَانَ قَرِيبا من وَقت الْعَصْر بالْأَمْس. ثمَّ أخر الْعَصْر حَتَّى انْصَرف النَّاس مِنْهَا وَالْقَائِل يَقُول: قد احْمَرَّتْ. ثمَّ أخر الْمغرب حَتَّى كَانَ عِنْد سُقُوط الشَّفق. وَفِي رِوَايَة وَكِيع: فصلى الْمغرب قبل أَن يغيب الشَّفق فِي الْيَوْم الثَّانِي. ثمَّ أخر الْعشَاء حَتَّى كَانَ ثلث اللَّيْل الأول. ثمَّ أصبح فَدَعَا السَّائِل فَقَالَ: " الْوَقْت بَين هذَيْن ".
480 - الثَّالِث: عَن سعيد بن أبي بردة عَن أَبِيه عَن أبي مُوسَى قَالَ: صلينَا الْمغرب مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ قُلْنَا: لَو جلسنا حَتَّى نصلي مَعَه الْعشَاء. قَالَ: فَجَلَسْنَا، فَخرج علينا فَقَالَ: " مَا زلتم هَا هُنَا؟ " قُلْنَا: يَا رَسُول الله، صلينَا مَعَك الْمغرب ثمَّ قُلْنَا: نجلس حَتَّى نصلي مَعَك الْعشَاء. قَالَ: " أَحْسَنْتُم أَو أصبْتُم " قَالَ: فَرفع رَأسه إِلَى السَّمَاء وَكَانَ كثيرا مِمَّا يرفع رَأسه إِلَى السَّمَاء، فَقَالَ: " النُّجُوم أمنةٌ للسماء، فَإِذا ذهبت النُّجُوم أَتَى السَّمَاء مَا توعد، وَأَنا أمنةٌ لِأَصْحَابِي، فَإِذا ذهبت أَتَى أَصْحَابِي مَا يوعدون، وأصحابي أمنةٌ، فَإِذا ذهب أَصْحَابِي أَتَى لأمتي مَا يوعدون ".
481 - الرَّابِع: عَن عون بن عتبَة وَسَعِيد بن أبي بردة: أَنَّهُمَا شَهدا أَبَا بردة يحدث عمر بن عبد الْعَزِيز عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَا يَمُوت رجلٌ مسلمٌ إِلَّا(1/317)
أَدخل الله مَكَانَهُ النَّار يَهُودِيّا أَو نَصْرَانِيّا ". قَالَ: فاستحلفه عمر بن عبد الْعَزِيز بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ ثَلَاث مَرَّات: أَن أَبَاهُ حَدثهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ: فَحلف لَهُ. فَلم يحدثني سعيد أَنه استحلفه وَلم يُنكر على عونٍ قَوْله.
وَأخرجه مسلمٌ أَيْضا من رِوَايَة طَلْحَة بن يحيى عَن أبي بردة بن أبي مُوسَى عَن أبي مُوسَى وَفِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة دفع الله إِلَى كل مسلمٍ يَهُودِيّا أَو نَصْرَانِيّا فَيَقُول: هَذَا فكاكك من النَّار ".
وَرَوَاهُ مُسلم أَيْضا من حَدِيث غيلَان بن جرير عَن أبي بردة عَن مُوسَى قَالَ:
يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة ناسٌ من الْمُسلمين بذنوب أَمْثَال الْجبَال يغفرها الله لَهُم ويضعها على الْيَهُود وَالنَّصَارَى " فِيمَا أَحسب. قَالَ أَبُو روح: لَا أَدْرِي مِمَّن الشَّك؟ قَالَ أَبُو بردة: فَحدثت بِهِ عمر بن عبد الْعَزِيز فَقَالَ: أَبوك حَدثَك بِهَذَا الحَدِيث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قلت: نعم.
482 - الْخَامِس: عَن بريد عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " الْمُؤمن يَأْكُل فِي معى واحدٍ، وَالْكَافِر يَأْكُل فِي سَبْعَة أمعاء ".
483 - السَّادِس: عَن بريد عَن جده عَن أبي مُوسَى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِذا أَرَادَ الله رَحْمَة أمةٍ قبض نبيها قبلهَا، فَجعله لَهَا فرطا وسلفاً بَين يَديهَا. وَإِذا أَرَادَ الله هلكة أمةٍ عذبها ونبيها حيٌّ، فأهلكها وَهُوَ ينظر، فَأقر عينه بهلاكها حِين كذبوه وعصوا أمره ".
484 - السَّابِع: عَن عَاصِم بن كُلَيْب عَن أبي بردة قَالَ: دخلت على أبي مُوسَى وَهُوَ فِي بَيت بنت الْفضل بن عَبَّاس، فعطست وَلم يشمتني، وعطست فشمتها،(1/318)
فَرَجَعت إِلَى أُمِّي فَأَخْبَرتهَا. فَلَمَّا جاءها قَالَت: عطس عنْدك ابْني فَلم تشمته، وعطست فشمتها. فَقَالَ: إِن ابْنك عطس فَلم يحمد الله فَلم أشمته، وعطست فحمدت الله فشمتها، سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " إِذا عطس أحدكُم فَحَمدَ الله فشمتوه، فَإِن لم يحمد الله فَلَا تشمتوه ".
485 - الثَّامِن: عَن طَلْحَة بن يحيى عَن أبي بردة عَنهُ قَالَ: جَاءَ أَبُو مُوسَى إِلَى عمر فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم، هَذَا عبد الله بن قيس، فَلم يَأْذَن لَهُ، فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم، هَذَا أَبُو مُوسَى، السَّلَام عَلَيْكُم، هَذَا الْأَشْعَرِيّ، ثمَّ انْصَرف. فَقَالَ: ردوا عَليّ، ردوا عَليّ، فجَاء، قَالَ: يَا أَبَا مُوسَى، مَا ردك؟ كُنَّا فِي شغل. قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " الاسْتِئْذَان ثَلَاث، فَإِن أذن لَك، وَإِلَّا فَارْجِع ".
قَالَ: لتَأْتِيني على هَذَا بِبَيِّنَة وَإِلَّا فعلت وَفعلت. فَذهب أَبُو مُوسَى، فَقَالَ عمر: إِن وجد بَيِّنَة تَجِدُوهُ عِنْد الْمِنْبَر عَشِيَّة، وَإِن لم يجد بَيِّنَة فَلَنْ تَجِدُوهُ. فَلَمَّا أَن جَاءَ بالْعَشي وجده، قَالَ: يَا أَبَا مُوسَى، مَا تَقول، أقد وجدت؟ قَالَ: نعم، أبي بن كَعْب، قَالَ: عدلٌ، قَالَ: يَا أَبَا الطُّفَيْل، مَا يَقُول هَذَا؟ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول ذَلِك يَا ابْن الْخطاب، فَلَا تكونن عذَابا على أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَالَ: سُبْحَانَ الله، إِنَّمَا سَمِعت شَيْئا فَأَحْبَبْت أَن أتثبت. وَفِي رِوَايَة عَليّ بن هَاشم: يَا أَبَا الْمُنْذر.
486 - التَّاسِع: عَن بكير بن عبد الله عَن أبي بردة بن أبي مُوسَى قَالَ: قَالَ لي عبد الله بن عمر: أسمعت أَبَاك يحدث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شَأْن سَاعَة الْجُمُعَة؟ قَالَ: قلت: نعم، سمعته يَقُول: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " هِيَ مَا بَين أَن يجلس الإِمَام إِلَى أَن تقضى الصَّلَاة ".(1/319)
487 - الْعَاشِر: عَن أبي عُبَيْدَة عَامر بن عبد الله بن مَسْعُود عَن أبي مُوسَى قَالَ: كَانَ رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُسَمِّي لنا نَفسه أَسمَاء فَقَالَ: " أَنا محمدٌ، وَأحمد، والمقفي، وَنَبِي التَّوْبَة، وَنَبِي المرحمة " كَذَا فِي كتاب مُسلم: وَفِي أَطْرَاف أبي مَسْعُود: " وَنَبِي الرَّحْمَة، وَنَبِي الملحمة " وَلم يذكر " وَنَبِي التَّوْبَة ".
488 - الْحَادِي عشر: عَن أبي عُبَيْدَة أَيْضا عَن أبي مُوسَى قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخمْس كَلِمَات، فَقَالَ: " إِن الله لَا ينَام، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَن ينَام، يخْفض الْقسْط وَيَرْفَعهُ، يرفع إِلَيْهِ عمل اللَّيْل قبل عمل النَّهَار، وَعمل النَّهَار قبل عمل اللَّيْل، حجابه النُّور - وَفِي رِوَايَة: النَّار، لَو كشفه لأحرقت سبحات وَجهه مَا انْتهى إِلَيْهِ بَصَره من خلقه ".
489 - الثَّانِي عشر: عَن أبي بعيدَة عَن أبي مُوسَى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِن الله عز وَجل يبسط يَده بِاللَّيْلِ ليتوب مسيء النَّهَار، ويبسط يَده بِالنَّهَارِ ليتوب مسيء اللَّيْل، حَتَّى تطلع الشَّمْس من مغْرِبهَا ".
490 - الثَّالِث عشر: عَن أبي الْأسود ظَالِم بن عَمْرو قَالَ: بعث أَبُو مُوسَى إِلَى قراء أهل الْبَصْرَة، فَدخل عَلَيْهِ ثَلَاثمِائَة رجلٍ قد قرءوا الْقُرْآن، فَقَالَ: أَنْتُم خِيَار أهل الْبَصْرَة وقراؤهم، فاتلوه، وَلَا يطولن عَلَيْكُم الأمد فتقسو قُلُوبكُمْ كَمَا قست قُلُوب من كَانَ قبلكُمْ، وَإِنَّا كُنَّا نَقْرَأ سُورَة كُنَّا نشبهها فِي الطول والشدة ب " بَرَاءَة "، فأنسيتها، غير أَنِّي حفظت مِنْهَا: لَو كَانَ لِابْنِ آدم واديان من مَال لابتغى وَاديا ثَالِثا، وَلَا يمْلَأ جَوف ابْن آدم إِلَّا التُّرَاب. وَكُنَّا نَقْرَأ سُورَة كُنَّا نشبهها(1/320)
بِإِحْدَى المسبحات، فأنسيتها، غير أَنِّي حفظت مِنْهَا: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لم تَقولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [سُورَة الصَّفّ] ، فَكتبت شَهَادَة فِي أَعْنَاقكُم، فتسألون عَنْهَا يَوْم الْقِيَامَة.
491 - الرَّابِع عشر: عَن أبي الْأَحْوَص عَوْف بن مَالك قَالَ: شهِدت أَبَا مُوسَى وَأَبا مَسْعُود حِين مَاتَ ابْن مَسْعُود، فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه: أتراه ترك بعده مثله؟ فَقَالَ: إِن قلت ذَاك، إِن كَانَ يُؤذن لَهُ إِذا حجبنا، وَيشْهد إِذا غبنا.
وَفِي حَدِيث مَالك بن الْحَارِث، عَن أبي الْأَحْوَص قَالَ:
كُنَّا فِي دَار أبي مُوسَى مَعَ نفرٍ من أَصْحَاب عبد الله وهم ينظرُونَ فِي مصحف، فَقَامَ عبد الله، فَقَالَ أَبُو مَسْعُود: مَا أعلم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ترك بعده أعلم بِمَا أنزل الله من هَذَا الْقَائِم. فَقَالَ أَبُو مُوسَى: لَئِن قلت ذَاك، لقد كَانَ يشْهد إِذا غبنا، وَيُؤذن لَهُ إِذا حجبنا.
وَفِي حَدِيث زيد بن وهب الْجُهَنِيّ قَالَ: كنت جَالِسا مَعَ حُذَيْفَة وَأبي مُوسَى ... وسَاق الحَدِيث نَحْو حَدِيث مَالك بن الْحَارِث، وَحَدِيث مالكٍ أتم.
492 - الْخَامِس عشر: عَن حطَّان بن عبد الله الرقاشِي قَالَ: صليت مَعَ أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ صَلَاة، فَلَمَّا كَانَ عِنْد الْقعدَة قَالَ رجل من الْقَوْم: أقرَّت الصَّلَاة بِالْبرِّ وَالزَّكَاة. قَالَ: فَلَمَّا قضى أَبُو مُوسَى الصَّلَاة وَسلم، انْصَرف فَقَالَ: أَيّكُم الْقَائِل كلمة كَذَا وَكَذَا؟ فأرم الْقَوْم. فَقَالَ: لَعَلَّك يَا حطَّان قلتهَا؟ قَالَ: قلت: مَا قلتهَا، وَلَقَد رهبت أَن تبكعني بهَا. فَقَالَ رجل من الْقَوْم: أَنا قلتهَا، وَلم أرد بهَا إِلَّا الْخَيْر. فَقَالَ أَبُو مُوسَى: أتعلمون كَيفَ تَقولُونَ فِي صَلَاتكُمْ؟ إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَطَبنَا فَبين لنا سنتنا، وَعلمنَا صَلَاتنَا، فَقَالَ: " إِذا صليتم فأقيموا صفوفكم، ثمَّ ليؤمكم أحدكُم، فَإِذا كبر فكبروا "، وَفِي حَدِيث سُلَيْمَان التَّيْمِيّ: " وَإِذا قَرَأَ(1/321)
فأنصتوا وَإِذا قَالَ: {غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين} فَقولُوا: آمين، يجبكم الله. فَإِذا كبر وَركع فكبروا واركعوا، فَإِن الإِمَام يرْكَع قبلكُمْ وَيرْفَع قبلكُمْ ". فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " فَتلك بِتِلْكَ. وَإِذا قَالَ: سمع الله لمن حَمده، فَقولُوا: اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد، يسمع الله لكم. قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى على لِسَان نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سمع الله لمن حَمده. وَإِذا كبر وَسجد فكبروا واسجدوا، فَإِن الإِمَام يسْجد قبلكُمْ وَيرْفَع قبلكُمْ " فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " فَتلك بِتِلْكَ. وَإِذا كَانَ عِنْد الْقعدَة فَلْيَكُن من أول قَول أحدكُم: التَّحِيَّات الطَّيِّبَات والصلوات لله، السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، السَّلَام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين. أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله ".
آخر مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ من مُسْند أبي مُوسَى رَضِي الله عَنهُ.(1/322)
(17) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند جرير بن عبد الله البَجلِيّ رَضِي الله عَنهُ
493 - الأول: عَن أنس بن مَالك قَالَ: خرجت مَعَ جرير بن عبد الله البَجلِيّ فِي سفرٍ، فَكَانَ يخدمني فَقلت لَهُ: لَا تفعل. فَقَالَ: إِنِّي قد رَأَيْت الْأَنْصَار تصنع لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا، آلَيْت أَلا أصحب أحدا مِنْهُم إِلَّا خدمته. زَاد ابْن الْمثنى فِي حَدِيثه: وَكَانَ جريرٌ أكبر من أنس.
494 - الثَّانِي: عَن قيس بن أبي حَازِم عَن جرير قَالَ: بَايَعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على إِقَامَة الصَّلَاة، وإيتاء الزَّكَاة، والنصح لكل مُسلم.
وَأَخْرَجَا فصل النصح لكل مُسلم عَن زِيَاد بن علاقَة قَالَ:
سَمِعت جرير بن عبد الله يَقُول يَوْم مَاتَ الْمُغيرَة بن شُعْبَة: قَامَ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ، وَقَالَ: عَلَيْكُم باتقاء الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَالْوَقار والسكينة حَتَّى يأتيكم أميرٌ، فَإِنَّمَا يأتيكم الْآن، ثمَّ قَالَ: استعفوا لأميركم، فَإِنَّهُ كَانَ يحب الْعَفو. ثمَّ قَالَ: أما بعد، فَإِنِّي أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: أُبَايِعك على الْإِسْلَام. فَشرط عَليّ النصح لكل مُسلم، فَبَايَعته على هَذَا، وَرب هَذَا الْمَسْجِد إِنِّي لكم لناصحٌ، ثمَّ اسْتغْفر وَنزل.
وَلمُسلم مِنْهُ الْمسند فَقَط.
وَقد أخرجَا نَحوه عَن عَامر الشّعبِيّ عَن جرير قَالَ:
بَايَعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على السّمع وَالطَّاعَة، فلقنني: " فِيمَا اسْتَطَعْت، والنصح لكل مُسلم ".(1/323)
495 - الثَّالِث: عَن قيس بن أبي حَازِم عَن جرير بن عبد الله قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا لَيْلًا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَنظر إِلَى الْقَمَر لَيْلَة أَربع عشرَة فَقَالَ: " إِنَّكُم سَتَرَوْنَ ربكُم كَمَا ترَوْنَ هَذَا، لَا تضَامون فِي رُؤْيَته. فَإِن اسْتَطَعْتُم أَلا تغلبُوا على صَلَاة قبل طُلُوع الشَّمْس وَقبل غُرُوبهَا فافعلوا. ثمَّ قَرَأَ: {فاصبر على مَا يَقُولُونَ وَسبح بِحَمْد رَبك قبل طُلُوع الشَّمْس وَقبل الْغُرُوب} [سُورَة: ق] . وَفِي رِوَايَة: " إِنَّكُم سَتَرَوْنَ ربكُم عيَانًا ".
496 - الرَّابِع: عَن قيس بن جرير قَالَ: مَا حجبني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُنْذُ أسلمت، وَلَا رَآنِي إِلَّا تَبَسم فِي وَجْهي.
وَفِي حَدِيث ابْن إِدْرِيس:
وَلَقَد شَكَوْت إِلَيْهِ أَنِّي لَا أثبت على الْخَيل، فَضرب بِيَدِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ: " اللَّهُمَّ ثبته، واجعله هادياً مهدياً " وَهُوَ أَيْضا مَذْكُور فِي رِوَايَة إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بِمَعْنَاهُ.
497 - الْخَامِس: عَن زيد بن وهب وَأبي ظبْيَان عَن جرير قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " من لَا يرحم النَّاس لَا يرحمه الله ". وَهُوَ فِي رِوَايَة مُسلم عَن قيس عَن جرير كَذَلِك. وَفِي رِوَايَته أَيْضا عَن نَافِع بن
جُبَير عَن جرير قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ...
498 - السَّادِس: عَن همام بن الْحَارِث قَالَ: بَال جرير، ثمَّ تَوَضَّأ، وَمسح على خفيه، فَقيل: تفعل هَذَا؟ فَقَالَ: نعم، رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَال، ثمَّ تَوَضَّأ وَمسح(1/324)
على خفيه. قَالَ الْأَعْمَش: قَالَ إِبْرَاهِيم: وَكَانَ أَصْحَاب عبد الله يعجبهم هَذَا الحَدِيث، لِأَن إِسْلَام جرير بعد نزُول الْمَائِدَة.
499 - السَّابِع: عَن أبي زرْعَة هرم بن عَمْرو بن جرير عَن جده جرير قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّة الْوَدَاع: " استنصت لي النَّاس "، ثمَّ قَالَ: " لَا ترجعوا بعدِي كفَّارًا يضْرب بَعْضكُم رِقَاب بعض ".
500 - الثَّامِن: عَن قيس عَن جرير قَالَ: كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة بَيت لخثعم يُقَال لَهُ ذُو الخلصة، وَكَانَ يُقَال لَهُ الْكَعْبَة اليمانية، والكعبة الشامية. فَقَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " هَل أَنْت مريحي من ذِي الخلصة، والكعبة اليمانية، والكعبة الشامية " فَنَظَرت إِلَيْهِ فِي مائَة وَخمسين فارساٌ من أحمس، فكسرناه وقتلنا من وجدنَا عِنْده، فأتيناه فَأَخْبَرنَاهُ فَدَعَا لنا ولأحمس.
وَفِي رِوَايَة قَالَ:
انْطلق فحرقها بالنَّار ". ثمَّ بعث جرير إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا يبشره يكنى أَبَا أَرْطَأَة، منا، فَأتى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ: مَا جئْتُك حَتَّى تركناها كَأَنَّهَا جملٌ أجرب، فبرك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على خيل أحمس ورجالها خمس مَرَّات.
وللبخاري وَحده حَدِيث وَاحِد:
501 - فِي ذهَاب جرير إِلَى الْيمن: عَن قيس عَن جرير قَالَ: كنت بِالْيمن، فَلَقِيت رجلَيْنِ من أهل الْيمن ذاكلاعٍ وَذَا عمروٍ، فَجعلت أحدثهم عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ ذُو عَمْرو: لَئِن كَانَ الَّذِي تذكر من أَمر صَاحبك، لقد مر على أَجله مُنْذُ ثَلَاث، فَأَقْبَلت وأقبلا معي، حَتَّى إِذا كُنَّا فِي بعض الطَّرِيق، رفع لنا ركبٌ من(1/325)
قبل الْمَدِينَة، فسألتهم فَقَالُوا: قبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واستخلف أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ، وَالنَّاس صَالِحُونَ. فَقَالَ: أخبر صَاحبك أَنا قد جِئْنَا، ولعلنا سنعود إِن شَاءَ الله.
ورجعا إِلَى الْيمن، فَأخْبرت أَبَا بكرٍ بِحَدِيثِهِمْ. قَالَ: أَفلا جِئْت بهم.
فَلَمَّا كَانَ بعد قَالَ لي ذُو عَمْرو: يَا جرير، إِن بك عَليّ كَرَامَة، وَإِنِّي مخبرك خَبرا، إِنَّكُم معشر الْعَرَب لن تزالوا بخيرٍ مَا كُنْتُم إِذا هلك أميرٌ تأمرتم آخر، فَإِذا كَانَت بِالسَّيْفِ كَانُوا ملوكاً، يغضبون غضب الْمُلُوك، ويرضون رضى الْمُلُوك.
أَفْرَاد مُسلم
502 - الأول: عَن أبي زرْعَة بن عَمْرو عَن جرير بن عبد الله قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يلوي نَاصِيَة فرس بإصبعه وَهُوَ يَقُول: " الْخَيل معقودٌ بنواصيها الْخَيْر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة: الْأجر وَالْغنيمَة وَهُوَ فِي مُسْند عُرْوَة الْبَارِقي.
503 - الثَّانِي: عَن أبي زرْعَة عَن جرير بن عبد الله قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن نظرة الْفجأَة فَأمرنِي أَن أصرف بَصرِي.
504 - الثَّالِث: عَن الشّعبِيّ عَن جرير بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِذا أَتَاكُم الْمُصدق فليصدر عَنْكُم وَهُوَ عَنْكُم راضٍ.
وَفِي رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن هِلَال الْعَبْسِي عَن جرير قَالَ: جَاءَ ناسٌ من الْأَعْرَاب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالُوا: إِن أُنَاسًا من المصدقين يأتوننا فيظلموننا. قَالَ: فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أرضوا مصدقيكم " قَالَ جرير: مَا صدر عني مصدقٌ مُنْذُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا وَهُوَ عني راضٍ.(1/326)
505 - الرَّابِع: عَن الشّعبِيّ عَن جرير عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي العَبْد الْآبِق، فِي رِوَايَة دَاوُد بن أبي هِنْد عَن الشّعبِيّ عَن جرير: أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ: " أَيّمَا عبدٍ أبق فقد بَرِئت مِنْهُ الذِّمَّة ".
وَفِي رِوَايَة مُغيرَة عَن الشّعبِيّ عَن جرير أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ:
إِذا أبق لم تقبل لَهُ صَلَاة "
وَفِي رِوَايَة مَنْصُور بن عبد الرَّحْمَن عَن الشّعبِيّ عَن جرير أَنه سَمعه يَقُول: " أَيّمَا عبد أبق من موَالِيه فقد كفر حَتَّى يرجع إِلَيْهِم " لم يسْندهُ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. ثمَّ قَالَ مَنْصُور: قد - وَالله - رَوَاهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ولكنني أكره أَن يرْوى عني هَا هُنَا بِالْبَصْرَةِ.
506 - الْخَامِس: عَن الْمُنْذر بن جرير عَن أَبِيه قَالَ: كُنَّا فِي صدر النَّهَار عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَجَاءَهُ قوم عُرَاة مجتابي النمار أَو العباء، متقلدي السيوف، عامتهم من مُضر، بل كلهم من مُضر، فتمعر وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما رأى بهم من الْفَاقَة، فَدخل ثمَّ خرج، فَأمر بِلَالًا فَأذن، وَأقَام فصلى. ثمَّ خطب فَقَالَ: {يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم الَّذِي خَلقكُم من نفس وَاحِدَة وَخلق مِنْهَا زَوجهَا وَبث مِنْهُمَا رجَالًا كثيرا وَنسَاء وَاتَّقوا الله الَّذِي تساءلون بِهِ والأرحام إِن الله كَانَ عَلَيْكُم رقيبا} [سُورَة النِّسَاء] وَالْآيَة الَّتِي فِي الْحَشْر: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله ولتنظر نفس مَا قدمت لغد وَاتَّقوا الله إِن الله خَبِير بِمَا تَعْمَلُونَ} تصدق رجلٌ من ديناره، من درهمه، من ثَوْبه، من صَاع بره، من صَاع تمره ... " حَتَّى قَالَ: " وَلَو بشق تَمْرَة " قَالَ فَجَاءَهُ رجلٌ من الْأَنْصَار بصرةٍ كَادَت كَفه تعجز عَنْهَا، بل قد عجزت، قَالَ: ثمَّ(1/327)
تتَابع النَّاس حَتَّى رَأَيْت كومين من طعامٍ وَثيَاب حَتَّى رَأَيْت وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَتَهَلَّل كَأَنَّهُ مدهنة. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " من سنّ فِي الْإِسْلَام سنةٍ حَسَنَة فَلهُ أجرهَا وَأجر من عمل بهَا بعده، من غير أَن ينقص من أُجُورهم شيءٌ، وَمن سنّ سنة سَيِّئَة كَانَ عَلَيْهِ وزرها ووزر من عمل بهَا بعده، من غير أَن ينقص من أوزارهم شيءٌ ".
وَهُوَ أَيْضا فِي أَفْرَاده عَن عبد الرَّحْمَن بن هِلَال الْعَبْسِي عَن جرير قَالَ:
جَاءَ نَاس من الْأَعْرَاب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِم الصُّوف، فَرَأى سوء حَالهم، فَذكر بِمَعْنَاهُ.
507 - السَّادِس: عَن عبد الرَّحْمَن بن هِلَال عَن جرير قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " من يحرم الرِّفْق يحرم الْخَيْر ".(1/328)
(18) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند أبي جُحَيْفَة وهب بن عبد الله السوَائِي رَضِي الله عَنهُ
508 - الأول: عَن أبي إِسْحَاق عَن أبي جُحَيْفَة قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَرَأَيْت بَيَاضًا تَحت شفته السُّفْلى العنفقة.
فِي رِوَايَة زُهَيْر بن مُعَاوِيَة عَن أبي إِسْحَاق عَنهُ قَالَ:
رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هَذِه بَيْضَاء مِنْهُ. وَوضع بعض أَصَابِعه على عنفقته. قيل لَهُ: من أَنْت يومئذٍ؟ قَالَ: أبري النبل وأريشها.
509 - الثَّانِي: عَن عون بن أبي جُحَيْفَة عَن أَبِيه قَالَ: أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة وَهُوَ بِالْأَبْطح، فِي قبَّة لَهُ حَمْرَاء من أَدَم، قَالَ: فَخرج بِلَال بوضوئه، فَمن نَاضِح ونائل فَخرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِ حلَّة حَمْرَاء كَأَنِّي أنظر إِلَى بَيَاض سَاقيه، فَتَوَضَّأ.
وَأذن بِلَال، قَالَ: فَجعلت أتتبع فَاه هَا هُنَا وَهَا هُنَا - يَقُول يَمِينا وَشمَالًا - يَقُول: حَيّ على الصَّلَاة، حَيّ على الْفَلاح. قَالَ: ثمَّ ركزت لَهُ عنزة، فَتقدم فصلى الظّهْر رَكْعَتَيْنِ، يمر بَين يَدَيْهِ الْحمار وَالْكَلب لَا يمْنَع، ثمَّ صلى الْعَصْر رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ لم يزل يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة.
وَفِي حَدِيث ابْن أبي زَائِدَة: رَأَيْت بِلَالًا أخرج وضُوءًا، فَرَأَيْت النَّاس يبتدرون ذَلِك الْوضُوء، فَمن أصَاب مِنْهُ شَيْئا تمسح بِهِ، وَمن لم يصب مِنْهُ أَخذ من بَلل يَد(1/329)
صَاحبه، ثمَّ رَأَيْت بِلَالًا أخرج عنزةً فركزها، وَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حلَّة حَمْرَاء مشمراً، فصلى إِلَى العنزة بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ، وَرَأَيْت النَّاس وَالدَّوَاب يَمرونَ من بَين يَدي العنزة.
وَفِي حَدِيث مَالك بن مغول:
فَلَمَّا كَانَ بالهاجرة، خرج بِلَال فَنَادَى بِالصَّلَاةِ، وَقَالَ الحكم بن عقبَة عَن أبي جُحَيْفَة: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالهاجرة إِلَى الْبَطْحَاء، فَتَوَضَّأ، وَصلى الظّهْر رَكْعَتَيْنِ، وَالْعصر رَكْعَتَيْنِ، وَبَين يدية عنزة، قَالَ شُعْبَة: زَاد فِيهِ عون عَن أَبِيه: يمر من وَرَائِهَا الْمَرْأَة وَالْحمار.
وَفِي حَدِيث الحكم:
فَجعل النَّاس يَأْخُذُونَ من فضل وضوئِهِ فيتمسحون بِهِ.
وَفِي حَدِيث حجاج عَن شُعْبَة فِيهِ:
وَقَامَ النَّاس فَجعلُوا يَأْخُذُونَ يَدَيْهِ، يمسحون بهَا وُجُوههم. قَالَ: فَأخذت بِيَدِهِ، فَوَضَعتهَا على وَجْهي، فَإِذا هِيَ أبرد من الثَّلج، وَأطيب رَائِحَة من الْمسك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَسْلِيمًا دَائِما أبدا.
أفرد البُخَارِيّ من حَدِيث عون بن أبي جُحَيْفَة عَن أَبِيه فِي هَذَا طرفا مِنْهُ فِي كتاب " الصَّلَاة ": أَنه رأى بِلَالًا يُؤذن، فَجعل يتتبع فَاه هَا هُنَا وَهَا هُنَا بِالْأَذَانِ فَجعل أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي فِي كِتَابه، فِي " الْأَطْرَاف " هَذَا الْفَصْل من أَفْرَاد البُخَارِيّ، ظنا مِنْهُ أَن مُسلما لم يُخرجهُ. وَقد أخرجه مسلمٌ فِي كتاب " الصَّلَاة " فِي أَحَادِيث ستْرَة الْمُصَلِّي فِي جملَة الحَدِيث الطَّوِيل، عَن عون بن أبي جُحَيْفَة عَن أَبِيه، الَّذِي أَوله:
أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بِالْأَبْطح فِي قبَّة لَهُ حَمْرَاء من(1/330)
أَدَم، فَخرج بلالٌ بوضوئه، وَفِيه: وَأذن بلالٌ، فَجعلت أتتبع فَاه هَا هُنَا وَهَا هُنَا، يَقُول يَمِينا وَشمَالًا، يَقُول: حَيّ على الصَّلَاة، حَيّ على الْفَلاح. فصح أَنه مِمَّا اتفقَا عَلَيْهِ، لَا مِمَّا انْفَرد بِهِ البُخَارِيّ.
510 - الثَّالِث: عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن أبي جُحَيْفَة قَالَ: رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ الْحسن بن عَليّ يُشبههُ.
وَفِي حَدِيث ابْن فُضَيْل للْبُخَارِيّ وَحده:
وَأمر لنا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِثَلَاثَة عشر قلوصاً، فَقبض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل أَن نقبضها. زَاد البرقاني: وَذكره أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي فِي حَدِيث ابْن فُضَيْل قَالَ: فَأَبَوا أَن يعطونا شَيْئا، فأتينا أَبَا بكر، فأعطاناها. وَلم أجد ذَلِك فِيمَا عندنَا من أصل كتاب البُخَارِيّ.
وَعند البُخَارِيّ فِيهِ: فَقلت لأبي جُحَيْفَة: صفه لي. قَالَ: كَانَ أَبيض قد شمط. وَعند مُسلم فِيهِ: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبيض قد شَاب.
أَفْرَاد البُخَارِيّ
511 - الأول: عَن عون بن أبي جُحَيْفَة عَن أَبِيه قَالَ: آخى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين سلمَان وَأبي الدَّرْدَاء فزار سلمَان أَبَا الدَّرْدَاء، فَرَأى أم الدَّرْدَاء متبذلة، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنك؟ قَالَت: أَخُوك أَبُو الدَّرْدَاء، لَيْسَ لَهُ حَاجَة فِي الدُّنْيَا. فجَاء أَبُو الدَّرْدَاء، فَصنعَ لَهُ طَعَاما، فَقَالَ لَهُ: كل، فَإِنِّي صَائِم. قَالَ: مَا أَنا بآكلٍ حَتَّى تَأْكُل، فَأكل.(1/331)
فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل ذهب أَبُو الدَّرْدَاء يقوم، فَقَالَ: نم، فَنَامَ. ثمَّ ذهب يقوم فَقَالَ: نم. فَلَمَّا كَانَ من آخر اللَّيْل قَالَ سلمَان: الْآن، فَصَليَا. فَقَالَ لَهُ سلمَان: أَن لِرَبِّك عَلَيْك حَقًا، وَإِن لنَفسك عَلَيْك حَقًا، ولأهلك عَلَيْك حَقًا، فأعط كل ذِي حقٍّ حَقه. فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر ذَلِك لَهُ، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " صدق سلمَان ".
512 - الثَّانِي: عَن عون بن أبي جُحَيْفَة عَن أَبِيه: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن ثمن الدَّم، وَثمن الْكَلْب، وَكسب الْبَغي، وَلعن الواشمة والمستوشمة، وآكل الرِّبَا وموكله، وَلعن المصورين.
513 - الثَّالِث: عَن عَليّ بن الْأَقْمَر عَن أبي جُحَيْفَة قَالَ: كنت عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ لرجل عِنْده: " لَا آكل وَأَنا متكئٌ ".(1/332)
(19) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث عدي بن حَاتِم الطَّائِي رَضِي الله عَنهُ
514 - الأول: عَن همام بن الْحَارِث عَن عدي بن حَاتِم قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله، إِنِّي أرسل الْكلاب المعلمة فيمسكن عَليّ، وأذكر اسْم الله. فَقَالَ: " إِذا أرْسلت كلبك الْمعلم وَذكرت اسْم الله فَكل مَا أمسك عَلَيْك " قلت: وَإِن قتلن؟ قَالَ: " وَإِن قتلن، مَا لم يشركها كلبٌ لَيْسَ مَعهَا ". قلت لَهُ: فَإِنِّي أرمي بالمعراض الصَّيْد، فأصيب. فَقَالَ: " إِذا رميت بالمعراض فخزق فكله، وَإِن أَصَابَهُ بعرضٍ فَلَا تَأْكُله ".
وَفِي حَدِيث الشّعبِيّ عَن عدي نَحوه، وَفِيه: " إِلَّا أَن يَأْكُل الْكَلْب، فَإِن أكل فَلَا تَأْكُل، فَإِنِّي أَخَاف أَن يكون إِنَّمَا أمسك على نَفسه. وَإِن خالطها كلابٌ من غَيرهَا فَلَا تَأْكُل، فَإِنَّمَا سميت على كلبك وَلم تسم على غَيره. وَفِيه: " إِذا أرْسلت كلبك فاذكر اسْم الله، فَإِن أَمْسَكت عَلَيْك فَأَدْرَكته حَيا فاذبحه، وَإِن أَدْرَكته قد قتل وَلم يَأْكُل مِنْهُ فكله، فَإِن أَخذ الْكَلْب ذَكَاة ". وَفِيه أَيْضا: " إِذا رميت سهمك فاذكر اسْم الله " وَفِيه: " فَإِن غَابَ عَنْك يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ " وَفِي رِوَايَة: " الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَة فَلم تَجِد فِيهِ إِلَّا أثر سهمك فَكل إِن شِئْت. وَإِن وجدته غريقاً فِي المَاء فَلَا تَأْكُل؛ فَإنَّك لَا تَدْرِي: المَاء قَتله أَو سهمك ".
515 - الثَّانِي: عَن عبد الله بن معقل عَن عدي بن حَاتِم قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " اتَّقوا النَّار وَلَو بشق تمرةٍ "، وَفِي رِوَايَة زُهَيْر بن مُعَاوِيَة: " من اسْتَطَاعَ مِنْكُم أَن يسْتَتر من النَّار وَلَو بشق تَمْرَة فَلْيفْعَل ".(1/333)
وَأَخْرَجَاهُ من رِوَايَة خَيْثَمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن عدي بن حَاتِم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " مَا مِنْكُم من أحدٍ إِلَّا سيكلمه ربه، لَيْسَ بَينه وَبَينه ترجمان، فَينْظر ايمن مِنْهُ فَلَا يرى إِلَّا مَا قدم، وَينظر أشأم مِنْهُ فَلَا يرى إِلَّا مَا قدم، وَينظر بَين يَدَيْهِ فَلَا يرى إِلَّا النَّار تِلْقَاء وَجهه، فَاتَّقُوا النَّار وَلَو بشق تَمْرَة ". وَفِي رِوَايَة: " فَمن لم يجد فبكلمة طيبَة ".
وَفِي رِوَايَة:
أَنه ذكر النَّار، فتعوذ مِنْهَا، وأشاح بِوَجْهِهِ ثَلَاث مَرَّات، ثمَّ قَالَ: " اتَّقوا النَّار وَلَو بشق تَمْرَة، فَإِن لم تَجدوا فبكلمةٍ طيبَة ".
وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ من حَدِيث مَحل بن خَليفَة عَن عدي بن حَاتِم قَالَ: بَينا أَنا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ أَتَاهُ رجلٌ، فَشَكا إِلَيْهِ الْفَاقَة، ثمَّ أَتَاهُ آخر فَشَكا إِلَيْهِ قطع السَّبِيل.
فَقَالَ: " يَا عدي هَل رَأَيْت الْحيرَة؟ " قلت: لم أرها، وَقد أنبئت عَنْهَا. قَالَ: " فَإِن طَالَتْ بك حياةٌ لترين الظعينة ترتحل من الْحيرَة حَتَّى تَطوف بِالْكَعْبَةِ لَا تخَاف أحدا إِلَّا الله ". قلت فِيمَا بيني وَبَين نَفسِي: فَأَيْنَ دعار طييء الَّذين سعروا الْبِلَاد. " وَلَئِن طَالَتْ بك حياةٌ لتفتحن كنوز كسْرَى " قلت: كسْرَى بن هُرْمُز؟ قَالَ: " كسْرَى بن هُرْمُز. وَلَئِن طَالَتْ بك حياةٌ لترين الرجل يخرج ملْء كَفه من ذهبٍ أَو فضَّة يطْلب من يقبله مِنْهُ فَلَا يجد أحدا يقبله مِنْهُ. وليلقين الله أحدكُم يَوْم يلقاه وَلَيْسَ بَينه وَبَينه حجابٌ وَلَا ترجمانٌ يترجم لَهُ، فليقولن: ألم أبْعث إِلَيْك رَسُولا فيبلغك؟ فَيَقُول: بلَى يَا رب. فَيَقُول: ألم أعطك مَالا، وَأفضل عَلَيْك؟ فَيَقُول: بلَى. فَينْظر عَن يَمِينه فَلَا يرى إِلَّا جَهَنَّم، وَينظر عَن يسَاره فَلَا يرى إِلَّا(1/334)
جَهَنَّم " قَالَ عدي:
فَسمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " اتَّقوا النَّار وَلَو بشق تَمْرَة، فَمن لم يجد شقّ تَمْرَة فبكلمة طيبَة ".
قَالَ عدي:
فَرَأَيْت الظعينة ترتحل من الْحيرَة حَتَّى تَطوف بِالْكَعْبَةِ لَا تخَاف إِلَّا الله. وَكنت فِيمَن افْتتح كنوز كسْرَى بن هُرْمُز. وَلَئِن طَالَتْ بكم حياةٌ لترون مَا قَالَ النَّبِي أَبُو الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخرج ملْء كَفه.
516 - الثَّالِث: عَن الشّعبِيّ عَن عدي بن حَاتِم قَالَ: لما نزلت: {حَتَّى يتَبَيَّن لكم الْخَيط الْأَبْيَض من الْخَيط الْأسود} [سُورَة الْبَقَرَة] ، عَمَدت إِلَى عقال أسود وَإِلَى عقال أَبيض، فَجَعَلتهمَا تَحت وِسَادَتِي، وَجعلت أنظر من اللَّيْل فَلَا يستبين لي.
فَغَدَوْت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت ذَلِك لَهُ فَقَالَ: " إِنَّمَا ذَلِك سَواد اللَّيْل وَبَيَاض النَّهَار ".
وَمن أَفْرَاد مُسلم
517 - الأول: عَن تَمِيم بن طرفَة الطَّائِي قَالَ: جَاءَ سائلٌ إِلَى عدي بن حاتمٍ يسْأَله نَفَقَة، أَو فِي ثمن خَادِم، أَو فِي بعض ثمن خَادِم فَقَالَ: لَيْسَ عِنْدِي مَا أُعْطِيك إِلَّا دِرْعِي ومغفري، فَاكْتُبْ إِلَى أَهلِي أَن يعطوكها. قَالَ: فَلم يرض.
فَغَضب عديٌّ فَقَالَ: وَالله لَا أُعْطِيك شَيْئا. ثمَّ إِن الرجل رَضِي، فَقَالَ: أما وَالله لَوْلَا أَنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " من حلف على يمينٍ ثمَّ رأى أتقى لله مِنْهَا، فليأت التَّقْوَى " مَا حنثت فِي يَمِيني.
وَفِي رِوَايَة عَنهُ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام قَالَ:
لَا إِذا حلف أحدكُم على الْيَمين فَرَأى خيرا مِنْهَا فليكفرها وليأت الَّذِي هُوَ خير ".(1/335)
518 - الثَّانِي: عَن تَمِيم بن طرفَة عَن عدي بن حَاتِم: أَن رجلا خطب عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: من يطع الله وَرَسُوله فقد رشد، وَمن يعصهما فقد غوى. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " بئس الْخَطِيب أَنْت. قل: وَمن يعْص الله وَرَسُوله ".(1/336)
(20) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من جَابر بن سَمُرَة رَضِي الله عَنهُ
519 - الأول: عَن عبد الْملك بن عُمَيْر عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِذا هلك كسْرَى فَلَا كسْرَى بعده، وَإِذا هلك قَيْصر فَلَا قَيْصر بعده. وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لتنفقن كنوزهما فِي سَبِيل الله ".
520 - الثَّانِي: عَن عبد الْملك بن عُمَيْر عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " يكون بعدِي اثْنَا عشر أَمِيرا " فَقَالَ كلمة لم أسمعها. فَقَالَ أبي: قَالَ: " كلهم من قُرَيْش " كَذَا فِي حَدِيث شُعْبَة. وَفِي حَدِيث ابْن عُيَيْنَة قَالَ: " لَا يزَال أَمر النَّاس مَاضِيا مَا وليهم اثْنَا عشر رجلا " ثمَّ تكلم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بكلمةٍ خفيت عَليّ، فَسَأَلت أبي: مَاذَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالَ: قَالَ: " كلهم من قُرَيْش ".
وَفِي رِوَايَة مُسلم من حَدِيث عَامر بن سعد بن أبي وَقاص قَالَ:
كتبت إِلَى جَابر ابْن سَمُرَة مَعَ غلامي نَافِع: أَن أَخْبرنِي بشيءٍ سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَكتب إِلَيّ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم جمعةٍ عَشِيَّة رجم الْأَسْلَمِيّ قَالَ: " لَا يزَال الدّين قَائِما حَتَّى تقوم السَّاعَة أَو يكون عَلَيْكُم اثْنَا عشر خَليفَة، كلهم من قُرَيْش ".
وسمعته يَقُول: " عصبَة " من الْمُسلمين يفتتحون الْبَيْت الْأَبْيَض، بَيت كسْرَى وَآل كسْرَى ".(1/337)
وسمعته يَقُول:
إِن بَين يَدي السَّاعَة كَذَّابين فاحذروهم ".
وسمعته يَقُول:
إِذا أعْطى الله أحدكُم خيرا فليبدأ بِنَفسِهِ وَأهل بَيته ".
وسمعته يَقُول:
أَنا الفرط على الْحَوْض ".
وَفِي رِوَايَة مُسلم أَيْضا من حَدِيث سماك بن حربٍ عَن جَابر بن سَمُرَة، أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ:
لتفتحن عصابةٌ من الْمُسلمين كنز آل كسْرَى الَّذِي فِي الْأَبْيَض ". وَنَحْو هَذَا الْمَعْنى فِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ فِي مُسْند عدي بن حَاتِم.
وَفِي رِوَايَة مُسلم أَيْضا عَن سماك عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ:
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " إِن بَين يَدي السَّاعَة كَذَّابين ".
وَفِي رِوَايَته أَيْضا عَن عَامر الشّعبِيّ عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: انْطَلَقت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعِي أبي، فَسَمعته يَقُول: " لَا يزَال هَذَا الدّين عَزِيزًا منيعاً إِلَى اثْنَي عشر خَليفَة " فَقَالَ كلمة، فَقلت لأبي: مَا قَالَ؟ قَالَ: " كلهم من قُرَيْش ".
وَفِي رِوَايَة أَيْضا عَن حُصَيْن بن عبد الرَّحْمَن عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: دخلت مَعَ أبي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَسَمعته يَقُول:
إِن هَذَا الْأَمر لَا يَنْقَضِي حَتَّى يمْضِي فيهم اثْنَا عشر خَليفَة "، قَالَ: ثمَّ تكلم بكلامٍ خَفِي عَليّ، فَقلت لأبي: مَا قَالَ؟ قَالَ: " كلهم من قُرَيْش ".
وَفِي حَدِيث سماك عَن جَابر بن سَمُرَة عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام:
لَا يزَال الْإِسْلَام عَزِيزًا إِلَى اثْنَي عشر خَليفَة " ثمَّ ذكر مثله.(1/338)
عَن سماك بن حَرْب عَن جَابر بن سَمُرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
لن يبرح هَذَا الدّين قَائِما، يُقَاتل عَلَيْهِ عصابةٌ من الْمُسلمين حَتَّى تقوم السَّاعَة ".
وَمن أَفْرَاد مُسلم
521 - الأول: عَن تَمِيم بن طرفَة عَن جَابر بن سَمُرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لينتهين أقوامٌ يرفعون أَبْصَارهم إِلَى السَّمَاء فِي الصَّلَاة، أَو لَا يرجع إِلَيْهِم ".
522 - الثَّانِي: عَن تَمِيم بن طرفَة عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: خرج علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي رِوَايَة البرقاني: وَنحن فِي الصَّلَاة - يَعْنِي نَدْعُو، فَقَالَ: " مَا لي أَرَاكُم رافعي أَيْدِيكُم كَأَنَّهَا أَذْنَاب خيلٍ شمس، اسكنوا فِي الصَّلَاة " قَالَ: ثمَّ خرج علينا فرآنا حلقا، فَقَالَ: " مَا لي أَرَاكُم عزين؟ " قَالَ: ثمَّ خرج علينا فَقَالَ: " أَلا تصفون كَمَا تصف الْمَلَائِكَة عِنْد رَبهَا؟ " فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله، وَكَيف تصف الْمَلَائِكَة عِنْد رَبهَا؟ قَالَ: " يتمون الصُّفُوف الأول، ويتراصون فِي الصَّفّ ".
523 - الثَّالِث: عَن جَعْفَر بن أبي ثَوْر عَن جده جَابر بن سَمُرَة: أَن رجلا سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أتوضأ من لُحُوم الْغنم؟ قَالَ: " إِن شِئْت فَتَوَضَّأ " قَالَ: أتوضأ من لُحُوم الْإِبِل؟ قَالَ: " نعم، فَتَوَضَّأ من لُحُوم الْإِبِل " قَالَ: أُصَلِّي فِي مرابض الْغنم؟ قَالَ: " نعم " قَالَ: أُصَلِّي فِي مبارك الْإِبِل؟ قَالَ: " لَا ".
524 - الرَّابِع: عَن جَعْفَر بن أبي ثَوْر عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمُرنَا بصيام يَوْم عَاشُورَاء، ويحثنا عَلَيْهِ، ويتعاهدنا عِنْده. فَلَمَّا فرض(1/339)
رَمَضَان لم يَأْمُرنَا وَلم ينهنا عَنهُ، وَلم يتعاهدنا عِنْده.
525 - الْخَامِس: عَن عبيد الله ابْن الْقبْطِيَّة عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: صلينَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَكُنَّا إِذا سلمنَا قُلْنَا بِأَيْدِينَا: السَّلَام عَلَيْكُم، السَّلَام عَلَيْكُم. فَنظر إِلَيْنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: مَا شَأْنكُمْ تشيرون بِأَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَاب خيل شمسٍ، إِذا سلم احدكم فليلتفت إِلَى صَاحبه، وَلَا يُومِئ بِيَدِهِ ".
وَفِي حَدِيث مسعر:
إِنَّمَا كَانَ يَكْفِي أحدكُم أَن يضع يَده على فَخذه، ثمَّ يسلم على أَخِيه من على يَمِينه وشماله ".
526 - السَّادِس: عَن سماك بن حَرْب عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " إِن الله سمى الْمَدِينَة طابة ".
527 - السَّابِع: عَن سماك عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: رَأَيْت مَاعِز بن مَالك حِين جِيءَ بِهِ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ رجلٌ قصيرٌ أعضل، لَيْسَ عَلَيْهِ رِدَاء، فَشهد على نَفسه أَربع مَرَّات أَنه زنى. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " فلعلك "؟ قَالَ: لَا وَالله، إِنَّه قد زنى الْأُخَر. قَالَ: فرجمه. ثمَّ خطب فَقَالَ: " أَلا كلما نفرنا سَبِيل الله خلف أحدهم، لَهُ نبيبٌ كنبيب التيس، يمنح أحدهم الكثبة، أما وَالله إِن يمكني من أحدهم لأنكلنه عَنْهُن ".
وَفِي حَدِيث شُعْبَة:
فَرده مرَّتَيْنِ، ثمَّ أَمر بِهِ فرجم، قَالَ: فَحَدَّثته سعيد بن جُبَير فَقَالَ: إِنَّه رده أَربع مَرَّات. وَفِي رِوَايَة أبي عَامر الْعَقدي عَن شُعْبَة: فَرده مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا.(1/340)
528 - الثَّامِن: عَن سماك بن حَرْب عَن جَابر بن سَمُرَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يمت حَتَّى صلى قَاعِدا.
529 - التَّاسِع: عَن سماك عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: كَانَت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطبتان، يجلس بَينهمَا، يقْرَأ الْقُرْآن، وَيذكر النَّاس.
وَفِي حَدِيث أبي خَيْثَمَة عَن سماك:
كَانَ يخْطب قَائِما، ثمَّ يجلس، ثمَّ يقوم فيخطب قَائِما، فَمن نبأك أَنه يخْطب جَالِسا فقد كذب، فقد وَالله صليت مَعَه أَكثر من ألفي صَلَاة.
530 - الْعَاشِر: عَن سماك عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: كنت أُصَلِّي مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّلَوَات، فَكَانَت صلَاته قصدا، وخطبته قصدا.
531 - الْحَادِي عشر: عَن زَائِدَة عَن سماك عَن جَابر بن سَمُرَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ فِي الْفجْر ب {ق وَالْقُرْآن الْمجِيد} وَنَحْوهَا. وَكَانَ صلَاته بعد إِلَى التَّخْفِيف. وَفِي حَدِيث زُهَيْر عَن سماك نَحوه.
532 - الثَّانِي عشر: عَن سماك عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الظّهْر ب {وَاللَّيْل إِذا يغشى} وَفِي الْعَصْر نَحْو ذَلِك، وَفِي الصُّبْح أطول من ذَلِك.
وَفِي حَدِيث شُعْبَة: كَانَ يقْرَأ فِي الظّهْر ب {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} وَفِي الصُّبْح بأطول من ذَلِك.(1/341)
533 - الثَّالِث عشر: عَن سماك عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: كَانَ بلالٌ يُؤذن إِذا دحضت الشَّمْس، فَلَا يُقيم حَتَّى يخرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا خرج أَقَامَ الصَّلَاة حِين يرَاهُ.
وَفِي رِوَايَة شُعْبَة عَن سماك عَنهُ قَالَ:
كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي الظّهْر إِذا دحضت الشَّمْس. لم يزدْ.
534 - الرَّابِع عشر: عَن سماك عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي الصَّلَوَات نَحوا من صَلَاتكُمْ، وَكَانَ يُؤَخر الْعَتَمَة بعد صَلَاتكُمْ شَيْئا، وَكَانَ يُخَفف الصَّلَاة.
وَفِي حَدِيث أبي الْأَحْوَص:
كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُؤَخر الْعشَاء الْآخِرَة. لم يزدْ.
535 - الْخَامِس عشر: عَن سماك قَالَ: قلت لجَابِر بن سَمُرَة: أَكنت تجَالس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: نعم، كثيرا. كَانَ لَا يقوم من مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْح أَو الْغَدَاة حَتَّى تطلع الشَّمْس، فَإِذا طلعت الشَّمْس قَامَ. وَكَانُوا يتحدثون فَيَأْخُذُونَ فِي أَمر الْجَاهِلِيَّة فيضحكون، ويبتسم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَفِي حَدِيث سُفْيَان وَغَيره عَن سماك عَنهُ:
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا صلى الْفجْر جلس فِي مُصَلَّاهُ حَتَّى تطلع الشَّمْس حسنا.
536 - السَّادِس عشر: عَن سماك عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: صليت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعِيدَيْنِ غير مرةٍ وَلَا مرَّتَيْنِ بِغَيْر أَذَان وَلَا إِقَامَة.(1/342)
537 - السَّابِع عشر: عَن سماك عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ابْن الدحداح، ثمَّ أُتِي بفرسٍ عريٍ فعقله رجلٌ، فَرَكبهُ، فَجعل يتوقص بِهِ، وَنحن نسعى خَلفه. فَقَالَ رجل من الْقَوْم:
إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كم من عذقٍ معلقٍ أَو مدلى فِي الْجنَّة لأبي الدحداح ". ويروا " مذلل " أَو قَالَ شُعْبَة لأبي الدحداح.
وَفِي رِوَايَة مَالك بن مغول عَن سماك عَنهُ قَالَ: أُتِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بفرس معرورى، فَرَكبهُ حِين انْصَرف من جَنَازَة أبي الدحداح وَنحن نمشي حوله.
538 - الثَّامِن عشر: عَن سماك عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: أُتِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجل قتل نَفسه بمشاقص، فَلم يصل عَلَيْهِ.
539 - التَّاسِع عشر: عَن سماك عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِنِّي لأعرف حجرا بِمَكَّة كَانَ يسلم عَليّ قبل أبْعث، إِنِّي لأعرفه الْآن ".
540 - الْعشْرُونَ: عَن سماك أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " أَلا إِنِّي فرطٌ على الْحَوْض، وَإِن بعد مَا بَين طَرفَيْهِ كَمَا بَين صنعاء وأيلة، كَأَن الأباريق فِيهِ النُّجُوم ".(1/343)
541 - الْحَادِي وَالْعشْرُونَ: عَن سماك عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: صليت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الأولى، ثمَّ خرج إِلَى أَهله وَخرجت مَعَه، فَاسْتَقْبلهُ ولدانٌ، فَجعل يمسح خدي أحدهم وَاحِدًا وَاحِدًا. قَالَ: فَأَما أَنا فَمسح خدي، فَوجدت ليده بردا أَو ريحًا، كَأَنَّهَا أخرجهَا من جونة عطار.
542 - الثَّانِي وَالْعشْرُونَ: عَن سماك عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضليع الْفَم، أشكل الْعين، منهوس العقبين قَالَ: قلت لسماك: مَا ضليع الْفَم؟ قَالَ: عَظِيم الْفَم. قلت: مَا أشكل الْعين؟ قَالَ: طَوِيل شقّ الْعين. قَالَ: قلت: مَا منهوس الْعقب؟ قَالَ: قَلِيل لحم الْعقب.
543 - الثَّالِث وَالْعشْرُونَ: عَن سماك أَنه سمع جَابر بن سَمُرَة يَقُول: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد شمط مقدم رَأسه ولحيته. فَكَانَ إِذا ادهن لم يتَبَيَّن، وَإِذا شعث رَأسه تبين، وَكَانَ كثير شعر اللِّحْيَة. فَقَالَ رجل: وَجهه مثل السَّيْف؟ قَالَ: لَا، كَانَ مثل الشَّمْس وَالْقَمَر، وَكَانَ مستديراً، وَرَأَيْت الْخَاتم من عِنْد كتفه مثل بَيْضَة الْحَمَامَة يشبه جسده.(1/344)
(21) الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن سُلَيْمَان بن صردٍ رَضِي الله عَنهُ
544 - حَدِيث وَاحِد: عَن عدي بن ثَابت عَن سُلَيْمَان بن صرد قَالَ: كنت جَالِسا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ورجلان يستبان، وَأَحَدهمَا قد احمر وَجهه وَانْتَفَخَتْ أوداجه.
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
إِنِّي لأعْلم كلمة لَو قَالَهَا لذهب عَنهُ مَا يجد. لَو قَالَ: أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم ذهب عَنهُ مَا يجد ". فَقَالُوا لَهُ: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: تعوذ من الشَّيْطَان الرَّجِيم. فَقَالَ: وَهل بِي من جُنُون.
545 - الثَّانِي للْبُخَارِيّ وَحده: من رِوَايَة أبي إِسْحَاق السبيعِي عَن سُلَيْمَان بن صرد، قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول حِين أجلى الْأَحْزَاب عَنهُ: " الْآن نغزوهم وَلَا يغزوننا، نَحن نسير إِلَيْهِم ".(1/345)
(22) عُرْوَة بن الْجَعْد، وَقيل: ابْن أبي الْجَعْد الْبَارِقي رَضِي الله عَنهُ
546 - عِنْدهمَا لَهُ فِي الْكِتَابَيْنِ متن وَاحِد، أَخْرجَاهُ من رِوَايَة الشّعبِيّ عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " الْخَيل مَعْقُود بنواصيها الْخَيْر: الْأجر والمغنم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ".
وَأَخْرَجَاهُ من رِوَايَة شبيب بن غرقدة عَن عُرْوَة الْبَارِقي نَحوه. وَلَيْسَ فِيهِ " الْأجر والمغنم ".
وَأخرجه مُسلم وَحده من رِوَايَة الْعيزَار بن حُرَيْث عَنهُ مثله، وَلم يذكر " الْأجر والمغنم ".
زَاد البرقاني فِي حَدِيث الشّعبِيّ رِوَايَة عبد الله بن إِدْرِيس عَن حُصَيْن عَنهُ عَن عُرْوَة يرفعهُ فَقَالَ فِيهِ:
الْإِبِل عزٌّ لأَهْلهَا، وَالْغنم بركَة، وَالْخَيْر مَعْقُود فِي نواصي الْخَيل " وَلَيْسَ ذكر الْإِبِل وَالْغنم عِنْد مُسلم فِي حَدِيث ابْن إِدْرِيس.(1/346)
(23) الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن عمرَان بن حُصَيْن رَضِي الله عَنهُ
547 - الأول: عَن أبي رَجَاء العطاردي عَن عمرَان قَالَ: كُنَّا فِي سفرٍ مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِنَّا أسرينا حَتَّى إِذا كُنَّا فِي آخر اللَّيْل وقعنا وقْعَة، وَلَا وقْعَة عِنْد الْمُسَافِر أحلى مِنْهَا، فَمَا أيقظنا إِلَّا حر الشَّمْس، فَكَانَ أول من اسْتَيْقَظَ فلانٌ ثمَّ فلانٌ، يسميهم أَبُو رَجَاء. فنسي عوفٌ، ثمَّ عمر بن الْخطاب الرَّابِع. وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا نَام لم نوقظه حَتَّى يكون هُوَ يَسْتَيْقِظ، لأَنا لَا نَدْرِي مَا يحدث لَهُ فِي نَومه.
فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ عمر وَرَأى مَا أصَاب النَّاس - وَكَانَ رجلا جليداً - كبر وَرفع صَوته بِالتَّكْبِيرِ، فَمَا زَالَ يكبر وَيرْفَع صَوته بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى اسْتَيْقَظَ لصوته النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ شكوا إِلَيْهِ الَّذِي أَصَابَهُم، فَقَالَ: " لَا ضير، أَو لَا يضير، ارتحلوا ".
فارتحل فَسَار غير بعيدٍ، ثمَّ نزل فَدَعَا بِالْوضُوءِ فَتَوَضَّأ، وَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ فصلى بِالنَّاسِ، فَلَمَّا انْفَتَلَ من صلَاته إِذا هُوَ برجلٍ منعزلٍ لم يصل مَعَ الْقَوْم. فَقَالَ: " مَا مَنعك يَا فلَان أَن تصلي مَعَ الْقَوْم؟ " قَالَ: أصابتني جنابةٌ وَلَا مَاء. قَالَ: " عَلَيْك بالصعيد، فَإِنَّهُ يَكْفِيك ".
ثمَّ سَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاشتكى إِلَيْهِ النَّاس من الْعَطش، فَنزل، فَدَعَا فلَانا - كَانَ يُسَمِّيه أَبُو رَجَاء ونسيه عَوْف -، ودعا عليا فَقَالَ: اذْهَبَا فابغيا المَاء. فَانْطَلقَا، فلقيا(1/347)
امْرَأَة بَين مزادتين أَو سطيحتين من مَاء على بعيرٍ لَهَا. فَقَالَا لَهَا: أَيْن المَاء؟ فَقَالَت: عهدي بِالْمَاءِ أمس هَذِه السَّاعَة ونفرنا خلوف. قَالَا لَهَا: انطلقي إِذن.
قَالَت: إِلَى أَيْن؟ قَالَا: إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَت: الَّذِي يُقَال لَهُ: الصَّابِئ؟ قَالَا: هُوَ الَّذِي تعنين، فانطلقي.
فجاءا بهَا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وحدثاه الحَدِيث. قَالَ: " فاستنزلوها عَن بَعِيرهَا " ودعا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِإِنَاء فأفرغ فِيهِ من أَفْوَاه المزادتين أَو السطيحتين، وأوكأ أفواههما وَأطلق العزالى. وَنُودِيَ فِي النَّاس: اسقوا واستقوا. فسقى من شَاءَ، واستقى من شَاءَ. وَكَانَ آخر ذَلِك أَن أعْطى الَّذِي أَصَابَته الْجَنَابَة إِنَاء من مَاء فَقَالَ: " اذْهَبْ فأفرغه عَلَيْك؟ " وَهِي قَائِمَة تنظر إِلَى مَا يفعل بِمَائِهَا. وأيم الله، لقد أقلع مِنْهَا وَإنَّهُ ليُخَيل إِلَيْنَا أَنَّهَا أَشد ملأةً مِنْهَا حِين ابتدئ مِنْهَا. فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " اجْمَعُوا لَهَا " فَجمعُوا لَهَا من بَين عَجْوَة ودقيقةٍ وسويقة، حَتَّى جمعُوا لَهَا طَعَاما، فجعلوه فِي ثوبٍ، وَحملُوهَا على بَعِيرهَا، وَوضع الثَّوْب بَين يَديهَا. وَقَالَ لَهَا: " تعلمين مَا رزئنا من مائك شَيْئا، وَلَكِن الله هُوَ الَّذِي أسقانا ".
فَأَتَت أَهلهَا، وَقد احْتبست عَنْهُم. قَالُوا: مَا حَبسك يَا فُلَانَة؟ قَالَت: الْعجب، لَقِيَنِي رجلَانِ، فذهبا بِي إِلَى هَذَا الصابىء، فَفعل كَذَا وَكَذَا، فوَاللَّه إِنَّه لأسحر النَّاس من بَين هَذِه وَهَذِه، وَقَالَت بإصبعها الْوُسْطَى والسبابة، فرفعتهما إِلَى السَّمَاء، تَعْنِي السَّمَاء وَالْأَرْض، أَو إِنَّه لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَقًا. فَكَانَ الْمُسلمُونَ بعد يغيرون على من حولهَا من الْمُشْركين وَلَا يصيبون الصرم الَّذِي هِيَ مِنْهُ. فَقَالَت يَوْمًا لقومها: مَا أرى إِلَّا أَن هَؤُلَاءِ الْقَوْم يدعونكم عمدا. فَهَل لكم فِي الْإِسْلَام، فأطاعوها، فَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَام.(1/348)
فِي حَدِيث سلم بن زريرٍ: أَن أول من اسْتَيْقَظَ أَبُو بكر، ثمَّ اسْتَيْقَظَ عمر، وَإنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ: " ارتحلوا " فَسَار حَتَّى إِذا ابْيَضَّتْ الشَّمْس نزل، فصلى الْغَدَاة. قَالَ عمرَان: ثمَّ عجلني فِي ركب بَين يَدَيْهِ، فَطلب المَاء. وَذكره إِلَى أَن قَالَ: فشربنا وَنحن أَرْبَعُونَ رجلا عطاشاً حَتَّى روينَا، وملأنا كل قربةٍ مَعنا وإداوةٍ، وغسلنا صاحبنا، غير أَنا لم نسق بَعِيرًا، وَهِي تكَاد تتضرج بِالْمَاءِ، يَعْنِي المزادتين.
548 - الثَّانِي: عَن أبي رَجَاء العطاردي عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ: أنزلت آيَة الْمُتْعَة فِي كتاب الله، ففعلناها مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم ينزل قرآنٌ يحرمه، وَلم ينْه عَنْهَا حَتَّى مَاتَ. قَالَ رجلٌ بِرَأْيهِ مَا شَاءَ. قَالَ البُخَارِيّ: يُقَال: إِنَّه عمر.
وَفِي رِوَايَة عَنهُ لمُسلم: نزلت آيَة الْمُتْعَة فِي كتاب الله - يَعْنِي مُتْعَة الْحَج - وَلم ينْه عَنْهَا حَتَّى مَاتَ.
وَفِي رِوَايَة مطرف بن عبد الله بن الشخير عَن عمرَان بِمَعْنَاهُ لَهما، وَفِيه: تَمَتعنَا على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَلمُسلم: مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَمِنْهُم من قَالَ فِي رِوَايَة مُسلم: جمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين حج وَعمرَة، وتمتع نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتمتعنا مَعَه، وَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أعمر طَائِفَة من أَهله فِي الْعشْر، فَلم تنزل آيةٌ تنسخ ذَلِك، وَلم ينْه عَنْهَا حَتَّى مضى لوجهه. وفيهَا: وَقد كَانَ يسلم عَليّ حَتَّى اكتويت، فَتركت، ثمَّ تركت الكي فَعَاد.(1/349)
549 - الثَّالِث: عَن مطرف بن عبد الله قَالَ: صليت خلف عَليّ بن أبي طَالب أَنا وَعمْرَان بن حُصَيْن، فَكَانَ إِذا سجد كبر، وَإِذا رفع رَأسه كبر، وَإِذا نَهَضَ من الرَّكْعَتَيْنِ كبر، فَلَمَّا قضى الصَّلَاة أَخذ بيَدي عمرَان بن حُصَيْن فَقَالَ: قد ذَكرنِي هَذَا صَلَاة مُحَمَّد. أَو قَالَ: لقد صلى بِنَا صَلَاة محمدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
550 - الرَّابِع: عَن مطرف عَن عمرَان أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ أَو قَالَ لرجلٍ وَهُوَ يسمع: " أصمت من سرة هَذَا الشَّهْر؟ قَالَ: لَا. قَالَ: " فَإِذا أفطرت فَصم يَوْمَيْنِ ".
وَفِي رِوَايَة أبي النُّعْمَان عِنْد البخاي: " أما صمت سرر هَذَا الشَّهْر "؟ قَالَ: أَظُنهُ يَعْنِي رَمَضَان قَالَ: وَفِي رِوَايَة ثَابت: من سرر شعْبَان. قَالَ البُخَارِيّ: وَشَعْبَان أصح.
وَفِي رِوَايَة عبد الله بن هَانِئ ابْن أخي مطرف عَنهُ - عِنْد مُسلم -: " هَل صمت من سرر هَذَا الشَّهْر شَيْئا؟ " يَعْنِي شعْبَان. قَالَ: لَا. قَالَ: " فَإِذا أفطرت رَمَضَان فَصم يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ " -. شكّ شُعْبَة - قَالَ: أَظُنهُ قَالَ يَوْمَيْنِ.
وَفِي رِوَايَة أبي الْعَلَاء عَن مطرف: " فَإِذا أفطرت من رَمَضَان فَصم يَوْمَيْنِ مَكَانَهُ " وَلم يشك.
551 - الْخَامِس: عَن مطرف عَن عمرَان قَالَ: قَالَ رجل: يَا رَسُول الله، أيعرف أهل الْجنَّة من أهل النَّار؟ قَالَ: " نعم ". قَالَ: فَلم يعْمل الْعَامِلُونَ؟ قَالَ: " كل(1/350)
يعْمل لما خلق لَهُ - أَو لما يسر لَهُ " وَفِي حَدِيث مُسلم قَالَ: " كلٌّ ميسرٌّ لما خلق لَهُ ".
وَفِي رِوَايَة أبي الْأسود الدؤَلِي لمُسلم قَالَ: قَالَ لي عمرَان بن الْحصين:
أَرَأَيْت مَا يعْمل النَّاس الْيَوْم ويكدحون فِيهِ، أَشَيْء قضي عَلَيْهِم وَمضى عَلَيْهِم من قدر قد سبق، أَو فِيمَا يستقبلون بِهِ مِمَّا أَتَاهُم بِهِ نَبِيّهم، وَثبتت الْحجَّة عَلَيْهِم؟ فَقلت: بل شَيْء قضي عَلَيْهِم وَمضى عَلَيْهِم. قَالَ: فَقَالَ: فَلَا يكون ظلما؟ قَالَ: فَفَزِعت من ذَلِك فَزعًا شَدِيدا، وَقلت: كل شيءٍ خلق الله وَملك يَده، فَلَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون. قَالَ لي: يَرْحَمك الله، إِنِّي لم أرد بِمَا سَأَلتك إِلَّا لأحرز عقلك، وَإِن رجلَيْنِ من مزينة أَتَيَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَا: يَا رَسُول الله، أَرَأَيْت مَا يفعل النَّاس الْيَوْم ويكدحون فِيهِ، أشيءٌ قضي عَلَيْهِم وَمضى فيهم من قدر قد سبق أَو فِيمَا يستقبلون بِهِ مِمَّا أَتَاهُم بِهِ نَبِيّهم وَثبتت الْحجَّة عَلَيْهِم؟ فَقَالَ: " لَا، بل شيءٌ قضي عَلَيْهِم وَمضى فيهم، وتصديق ذَلِك فِي كتاب الله: {وَنَفس وَمَا سواهَا فألهمها فجورها وتقواها} [سُورَة الشَّمْس] .
552 - السَّادِس: عَن زَهْدَم بن مضرب عَن عمرَان بن حُصَيْن: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " خير أمتِي قَرْني، ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ، ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ". قَالَ عمرَان: فَلَا أَدْرِي أذكر بعد قرنه قرنين أَو ثَلَاثَة " ثمَّ إِن بعدهمْ قوما يشْهدُونَ وَلَا يستشهدون، ويخونون وَلَا يؤتمنون، وينذرون وَلَا يفون، وَيظْهر فيهم السّمن ".
وَعند مُسلم عَن زُرَارَة بن أوفى عَن عمرَان بن حُصَيْن نَحوه، زَاد فِي حَدِيث هِشَام عَن قَتَادَة: " ويحلفون وَلَا يستحلفون ".(1/351)
553 - السَّابِع: عَن زُرَارَة بن أوفى عَن عمرَان بن حُصَيْن أَن رجلا عض يَد رجلٍ، فَنزع يَده من فِيهِ، فَوَقَعت ثنيتاه، فاختصموا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " يعَض أحدكُم يَد أَخِيه كَمَا يعَض الْفَحْل، لَا دِيَة لَك ".
وَفِي رِوَايَة هِشَام عَن قَتَادَة: فأبطله، وَقَالَ: " أردْت أَن تَأْكُل لَحْمه ".
وَهُوَ عِنْد مُسلم أَيْضا من حَدِيث ابْن سِيرِين عَن عمرَان نَحوه، وَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
مَا تَأْمُرنِي؟ تَأْمُرنِي أَن آمره أَن يدع يَده فِي فِيك تقضمها كَمَا يقضم الْفَحْل؟ ارْفَعْ يدك حَتَّى يعضها ثمَّ انتزعها ".
وَفِي مُسْند يعلى بن أُميَّة نَحوه.
554 - الثَّامِن: عَن أبي السوار حسان بن حُرَيْث الْعَدوي عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " الْحيَاء لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَير ". فَقَالَ بشير بن كَعْب: إِنَّه مَكْتُوب فِي الْحِكْمَة: إِن مِنْهُ وقاراً، وَمِنْه سكينَة. وَفِي رِوَايَة: وَمِنْه ضعف.
فَقَالَ عمرَان: أحَدثك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتحدثني عَن صحفك.
وَهُوَ عِنْد مُسلم أَيْضا من رِوَايَة أبي قَتَادَة تَمِيم بن نَذِير الْعَدوي عَن عمرَان.
وَمن رِوَايَة حُجَيْر بن الرّبيع عَن عمرَان بِنَحْوِهِ، وَفِيه:
إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " الْحيَاء خيرٌ كُله " أَو قَالَ: " الْحيَاء كُله خير " شكّ الرَّاوِي.(1/352)
أَفْرَاد البُخَارِيّ
555 - الأول: عَن أبي رَجَاء العطاردي عَن عمرَان عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: اطَّلَعت فِي الْجنَّة، فَرَأَيْت أَكثر أَهلهَا الْفُقَرَاء، واطلعت فِي النَّار فَرَأَيْت أَكثر أَهلهَا النِّسَاء ".
556 - الثَّانِي: عَن أبي رَجَاء العطاردي عَن عمرَان بن حُصَيْن عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " يخرج من النَّار قومٌ بشفاعة محمدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَيدْخلُونَ الْجنَّة ويسمون الجهنميين ".
557 - الثَّالِث: عَن عبد الله بن بُرَيْدَة عَن عمرَان أَنه سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن صَلَاة الرجل قَاعِدا، قَالَ: " إِن صلى قَائِما فَهُوَ أفضل، وَمن صلى قَاعِدا. فَلهُ نصف أجر الْقَائِم، وَمن صلى نَائِما فَلهُ نصف أجر الْقَاعِد ".
وَفِي حَدِيث إِبْرَاهِيم بن طهْمَان أَن عمرَان قَالَ:
كَانَت بِي بواسير، فَسَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الصَّلَاة، فَقَالَ: " صل قَائِما، فَإِن لم تستطع فقاعداً فَإِن لم تستطع فعلى جنب ".
558 - الرَّابِع: عَن صَفْوَان بن مُحرز عَن عمرَان قَالَ: دخلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وعقلت نَاقَتي بِالْبَابِ فَأتى ناسٌ من بني تَمِيم، فَقَالَ: " اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بني تَمِيم "، قَالُوا: بشرتنا فَأَعْطِنَا - مرَّتَيْنِ، فَتغير وَجهه، ثمَّ دخل عَلَيْهِ ناسٌ من أهل الْيمن فَقَالَ: " اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا أهل الْيمن إِذْ لم يقبلهَا بَنو تَمِيم " قَالُوا: قبلنَا يَا رَسُول الله. ثمَّ قَالُوا: جِئْنَا لنتفقه فِي الدّين، ولنسألك عَن أول هَذَا الْأَمر مَا كَانَ.
قَالَ: " كَانَ الله وَلم يكن شَيْء قبله، وَكَانَ عَرْشه على المَاء، ثمَّ خلق السَّمَوَات(1/353)
وَالْأَرْض، وَكتب فِي الذّكر كل شَيْء " ثمَّ أَتَانِي رجلٌ فَقَالَ: يَا عمرَان، أدْرك نَاقَتك، فقد ذهبت، فَانْطَلَقت أطلبها، فَإِذا السراب دونهَا، وَايْم الله لَوَدِدْت أَنَّهَا قد ذهبت وَلم أقِم.
أَفْرَاد مُسلم
559 - الأول: عَن مطرف بن عبد الله: أَنه كَانَت لَهُ امْرَأَتَانِ، فجَاء من عِنْد إِحْدَاهمَا، فَقَالَت الْأُخْرَى: جِئْت من عِنْد فُلَانَة؟ فَقَالَ: جِئْت من عِنْد عمرَان بن حُصَيْن، فحدثنا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِن أقل سَاكِني الْجنَّة النِّسَاء ".
560 - الثَّانِي: عَن زُرَارَة بن أوفى عَن عمرَان بن حُصَيْن: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الظّهْر، فَجعل رجلٌ يقْرَأ خَلفه: {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} [سُورَة الْأَعْلَى] ، فَلَمَّا انْصَرف قَالَ: " أَيّكُم قَرَأَ؟ أَو: أَيّكُم الْقَارئ؟ " قَالَ رجل: أَنا.
قَالَ: " قد ظَنَنْت أَن بَعْضكُم خالجنيها ". وَفِي رِوَايَة أبي عوَانَة: صَلَاة الظّهْر أَو الْعَصْر، بِالشَّكِّ.
561 - الثَّالِث: عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن عمرَان قَالَ: قَالَ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " يدْخل الْجنَّة من أمتِي سَبْعُونَ ألفا بِغَيْر حِسَاب " قَالُوا: وَمن هم يَا رَسُول الله؟ قَالَ: " هم الَّذين لَا يَكْتَوُونَ، وَلَا يسْتَرقونَ، وعَلى رَبهم يَتَوَكَّلُونَ ". فَقَامَ عكاشة فَقَالَ: ادْع الله أَن يَجْعَلنِي مِنْهُم. فَقَالَ: " أَنْت مِنْهُم " فَقَامَ رجلٌ فَقَالَ:(1/354)
يَا نَبِي الله، ادْع الله أَن يَجْعَلنِي مِنْهُم. فَقَالَ " سَبَقَك بهَا عكاشة ".
وَهُوَ عِنْد مُسلم أَيْضا من حَدِيث الحكم بن الْأَعْرَج عَن عمرَان نَحوه، فَزَاد: " وَلَا يَتَطَيَّرُونَ " وَلم يذكر فِي هَذِه الرِّوَايَة قَول عكاشة إِلَى آخِره.
562 - الرَّابِع: عَن مُحَمَّد بن سِيرِين وَأبي الْمُهلب عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو عَن عمرَان: أَن رجلا أعتق سِتَّة مملوكين لَهُ عِنْد مَوته، لم يكن لَهُ مالٌ غَيرهم، فَدَعَا بهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجزأهم أَثلَاثًا، ثمَّ أَقرع بَينهم، وَأعْتق اثْنَيْنِ وأرق أَرْبَعَة، وَقَالَ لَهُ قولا شَدِيدا ".
وَفِي حَدِيث عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ أَن رجلا من الْأَنْصَار أوصى عِنْد مَوته، فَأعتق سِتَّة مملوكين، وَذكره.
563 - الْخَامِس: عَن أبي الْمُهلب عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو - وَهُوَ عَم أبي قلَابَة - عَن عمرَان: أَن امْرَأَة من جُهَيْنَة أَتَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي حُبْلَى من الزِّنَا، فَقَالَت: يَا نَبِي الله، أصبت حدا فاقمه عَليّ. فَدَعَا نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَليهَا فَقَالَ: " أحسن إِلَيْهَا، فَإِذا وضعت فأتني بهَا "، فَفعل، فَأمر بهَا نَبِي الله فشدت عَلَيْهَا ثِيَابهَا، ثمَّ أَمر بهَا فرجمت، ثمَّ صلى عَلَيْهَا. فَقَالَ لَهُ عمر: تصلي عَلَيْهَا يَا رَسُول الله وَقد زنت! قَالَ: " لقد تابت تَوْبَة لَو قسمت بَين سبعين من أهل الْمَدِينَة لوسعتهم. وَهل وجدت أفضل من أَن جَادَتْ بِنَفسِهَا لله عز وَجل ".
564 - السَّادِس: عَن أبي الْمُهلب عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ: كَانَت ثَقِيف حلفاء لبني عقيل، فأسرت ثَقِيف رجلَيْنِ من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأسر(1/355)
أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا من بني عقيل، وَأَصَابُوا مَعَه العضباء. فَأتى عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي الوثاق فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، فَأَتَاهُ فَقَالَ: " مَا شَأْنك؟ " فَقَالَ: بِمَ أخذتني وَأخذت سَابِقَة الْحَاج - يعْنى العضباء -؟ فَقَالَ: " أخذتك بجريرة حلفائك ثَقِيف ". ثمَّ انْصَرف عَنهُ، فناداه: يَا مُحَمَّد، يَا مُحَمَّد، وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رحِيما رَفِيقًا، فَرجع إِلَيْهِ فَقَالَ: " مَا شَأْنك؟ " قَالَ: إِنِّي مُسلم، قَالَ: " لَو قلتهَا وَأَنت تملك أَمرك أفلحت كل الْفَلاح " ثمَّ انْصَرف، فناداه: يَا مُحَمَّد، يَا مُحَمَّد، فَأَتَاهُ فَقَالَ: " مَا شَأْنك؟ " قَالَ: إِنِّي جائعٌ فأطعمني، وظمآن فاسقني.
قل: " هَذِه حَاجَتك ". ففدي بِالرجلَيْنِ.
قَالَ وأسرت امْرَأَة من الْأَنْصَار، وَأُصِيبَتْ العضباء، فَكَانَت الْمَرْأَة فِي الوثاق، وَكَانَ الْقَوْم يريحون نعمهم بَين يَدي بُيُوتهم، فانفلتت ذَات ليلةٍ من الوثاق، فَأَتَت الْإِبِل، فَجعلت إِذا دنت من الْبَعِير رغا فتتركه، حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى العضباء فَلم ترغ، قَالَ: وَهِي نَاقَة منوقة وَفِي حَدِيث الثَّقَفِيّ: وَهِي نَاقَة مدربة.
فَقَعَدت فِي عجزها ثمَّ زجرتها فَانْطَلَقت، ونذروا بهَا فطلبوها فأعجزتهم. قَالَ: ونذرت لله إِن نجاها الله عَلَيْهَا لتنحرنها. فَلَمَّا قدمت الْمَدِينَة رَآهَا النَّاس فَقَالُوا: العضباء، نَاقَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَقَالَت: إِنَّهَا نذرت إِن نجاها الله عَلَيْهَا لتنحرنها، فَأتوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرُوا ذَلِك لَهُ، فَقَالَ: " سُبْحَانَ الله، بئْسَمَا جزتها، نذرت لله إِن نجاها الله عَلَيْهَا لتنحرنها، لَا وَفَاء لنذرٍ فِي معصيةٍ، وَلَا فِيمَا لَا يملك العَبْد ".
565 - السَّابِع: عَن أبي الْمُهلب عَن عمرَان بن الْحصين: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الْعَصْر فَسلم فِي ثَلَاث رَكْعَات، ثمَّ دخل منزله، فَقَامَ إِلَيْهِ رجل يُقَال لَهُ(1/356)
الْخِرْبَاق، وَكَانَ فِي يَده طول فَقَالَ: يَا رَسُول الله، فَذكر لَهُ صَنِيعه، وَخرج غَضْبَان يجر رِدَاءَهُ حَتَّى انْتهى إِلَى النَّاس فَقَالَ: " أصدق هَذَا؟ " قَالُوا: نعم، فصلى رَكْعَة، ثمَّ سجد سَجْدَتَيْنِ، ثمَّ سلم.
566 - الثَّامِن: عَن أبي الْمُهلب عَن عمرَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أَخا لكم قد مَاتَ، فصلوا عَلَيْهِ " يَعْنِي النَّجَاشِيّ.
567 - التَّاسِع: عَن أبي الْمُهلب عَن عمرَان قَالَ: بَيْنَمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض أَسْفَاره، وامرأةٌ من الْأَنْصَار على ناقةٍ، فضجرت فلعنتها، فَسمع ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " خُذُوا مَا عَلَيْهَا ودعوها؛ فَإِنَّهَا ملعونة " قَالَ عمرَان: فَكَأَنِّي أَرَاهَا الْآن تمشي فِي النَّاس مَا يعرض لَهَا أحد.(1/357)
(24) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة رَضِي الله عَنهُ
568 - حَدِيث وَاحِد: عَن الْحسن بن أبي الْحسن الْبَصْرِيّ عَن عبد الرَّحْمَن ابْن سَمُرَة قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " يَا عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة، لَا تسْأَل الْإِمَارَة، فَإنَّك إِن أعطيتهَا من غير مَسْأَلَة أعنت عَلَيْهَا، وَإِن أعطيتهَا عَن مَسْأَلَة وكلت إِلَيْهَا. وَإِذا حَلَفت على يمينٍ فَرَأَيْت غَيرهَا خيرا مِنْهَا فأت الَّذِي هُوَ خيرٌ وَكفر عَن يَمِينك ".
وَفِي رِوَايَة أبي النُّعْمَان وشيبان بن فروخٍ عَن جرير بن حَازِم:
فَكفر عَن يَمِينك وأت الَّذِي هُوَ خير ".
569 - وَلمُسلم حديثان:
أَحدهمَا: عَن الْحسن الْبَصْرِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
لَا تحلفُوا بالطواغي وَلَا بِآبَائِكُمْ ".
570 - الثَّانِي: عَن حَيَّان بن عُمَيْر أبي الْعَلَاء عَن عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة قَالَ: كنت أرتمي بأسهم لي بِالْمَدِينَةِ فِي حَيَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذْ كسفت الشَّمْس، فنبذتها، وَقلت: وَالله لأنظرن إِلَى مَا حدث لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كسوف الشَّمْس. قَالَ: فَأَتَيْته وَهُوَ قائمٌ فِي الصَّلَاة، رافعٌ يَدَيْهِ، فَجعل يسبح ويحمد ويهلل وَيكبر وَيَدْعُو حَتَّى حسر عَنْهَا، فَلَمَّا حسر عَنْهَا قَرَأَ سورتين، وَصلى رَكْعَتَيْنِ.(1/358)
(25) الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن عبد الله بن مُغفل الْمُزنِيّ رَضِي الله عَنهُ
571 - الأول: عَن عبد الله بن بُرَيْدَة عَنهُ. قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " بَين كل أذانين صلاةٌ " ثمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَة: " لمن شَاءَ ".
وَفِي حَدِيث عبد الْوَارِث بن سعيد عَن حُسَيْن الْمعلم: أَنه صلى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " صلوا قبل صَلَاة الْمغرب ". قَالَ فِي الثَّالِثَة: " لمن شَاءَ " كَرَاهِيَة أَن يتخذها النَّاس سنة.
572 - الثَّانِي: عَن حميد بن هِلَال عَن عبد الله بن مُغفل قَالَ: " كُنَّا محاصري قصر خَيْبَر، فَرمى إِنْسَان بجراب فِيهِ شَحم، فنزوت لآخذه، فَالْتَفت فَإِذا النَّبِي، فَاسْتَحْيَيْت مِنْهُ.
وَعند مُسلم من رِوَايَة سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة: أَن عبد الله بن مُغفل قَالَ:
أصبت جراباً من شَحم يَوْم خَيْبَر، قَالَ: فالتزمته وَقلت: لَا أعطي الْيَوْم أحدا من هَذَا شَيْئا. فَالْتَفت فَإِذا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُبْتَسِمًا.
573 - الثَّالِث: عَن عقبَة بن صهْبَان الْأَزْدِيّ عَن عبد الله بن مُغفل قَالَ: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْخذف، وَقَالَ: " إِنَّه لَا يقتل الصَّيْد، وَلَا ينْكَأ الْعَدو، وَإنَّهُ يفقأ الْعين، وَيكسر السن ".(1/359)
وَفِي حَدِيث شَبابَة أَن عقبَة قَالَ عَن عبد الله بن مُغفل - وَكَانَ مِمَّن بَايع تَحت الشَّجَرَة - وَأَنه سمع ابْن مُغفل يَقُول فِي الْبَوْل فِي المغتسل.
وَهُوَ عِنْد البُخَارِيّ من حَدِيث عبد الله بن بُرَيْدَة عَن عبد الله بن مُغفل: أَنه رأى رجلا يخذف، فَقَالَ: لَا تخذف، فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الْخذف، أَو كَانَ يكره الْخذف، وَقَالَ:
إِنَّه لَا يصاد بِهِ صيد، وَلَا ينْكَأ بِهِ عدوٌّ، وَلكنهَا قد تكسر السن، وتفقأ الْعين ". ثمَّ رَآهُ بعد ذَلِك يخذف، فَقَالَ لَهُ: أحَدثك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه نهى عَن الْخذف أَو كره الْخذف وَأَنت تخذف، لَا أُكَلِّمك كَذَا وَكَذَا.
وَهَذَا أَيْضا عِنْد مُسلم من حَدِيث سعيد بن جُبَير، وَفِيه عَنهُ: أَن قَرِيبا لعبد الله ابْن مُغفل خذف، فَنَهَاهُ وَقَالَ:
إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الْخذف وَقَالَ: " إِنَّهَا لَا تصيد صيدا وَلَا تنكأ عدوا، وَلكنهَا قد تكسر السن وتفقأ الْعين ". قَالَ: ثمَّ عَاد، فَقَالَ: أحَدثك أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَنهُ، ثمَّ عدت تخذف، لَا أُكَلِّمك أبدا.
574 - الرَّابِع: عَن أبي إِيَاس مُعَاوِيَة بن قُرَّة عَن عبد الله بن مُغفل قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم فتح مَكَّة على نَاقَته يقْرَأ سُورَة الْفَتْح، فَرجع فِي قِرَاءَته قَالَ: فَقَرَأَ ابْن مُغفل وَرجع: وَقَالَ مُعَاوِيَة: لَوْلَا النَّاس لأخذت لكم بذلك الَّذِي ذكره ابْن مُغفل عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
575 - وللبخاري وَحده: عَن عبد الله بن بُرَيْدَة عَن عبد الله بن مُغفل: أَن(1/360)
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَا تغلبنكم الْأَعْرَاب على اسْم صَلَاتكُمْ الْمغرب ". قَالَ: " والأعراب تَقول: هِيَ الْعشَاء ".
576 - وَلمُسلم وَحده: عَن مطرف بن عبد الله بن الشخير عَن ابْن الْمُغَفَّل قَالَ: أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقتل الْكلاب، ثمَّ قَالَ: " مَا بالهم وبال الْكلاب " ثمَّ رخص فِي كلب الصَّيْد، وكلب الْغنم. وَقَالَ: " إِذا ولغَ الْكَلْب فِي الْإِنَاء فاغسلوه سبع مَرَّات، وعفروه الثَّامِنَة فِي التُّرَاب ".(1/361)
(26) الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن أبي بكرَة نفيع بن الْحَارِث رَضِي الله عَنهُ
577 - الأول: عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرَة عَن أبي بكرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِن الزَّمَان قد اسْتَدَارَ كَهَيْئَته يَوْم خلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض. السّنة اثْنَا عشر شهرا، مِنْهَا أربعةٌ حرمٌ، ثَلَاث مُتَوَالِيَات: ذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة وَالْمحرم، وَرَجَب مُضر الَّذِي بَين جُمَادَى وَشَعْبَان ".
" أَي شهر هَذَا؟ " قُلْنَا: الله وَرَسُوله أعلم. فَسكت حَتَّى ظننا أَنه سيسميه بِغَيْر اسْمه. قَالَ: " أَلَيْسَ ذَا الْحجَّة؟ " قُلْنَا: بلَى. قَالَ: " أَي بلد هَذَا؟ " قُلْنَا: الله وَرَسُوله أعلم. قَالَ: فَسكت حَتَّى ظننا أَنه سيسميه بِغَيْر اسْمه. قَالَ: " أَلَيْسَ الْبَلدة؟ " قُلْنَا: بلَى. قَالَ: " فَأَي يومٍ هَذَا؟ " قُلْنَا: الله وَرَسُوله أعلم. فَسكت حَتَّى ظننا أَنه سيسميه بِغَيْر اسْمه. قَالَ: " أَلَيْسَ يَوْم النَّحْر؟ " قُلْنَا: بلَى. قَالَ: " فَإِن دماءكم وَأَمْوَالكُمْ وَأَعْرَاضكُمْ عَلَيْكُم حرامٌ كَحُرْمَةِ يومكم هَذَا فِي بلدكم هَذَا فِي شهركم هَذَا، وستلقون ربكُم، فيسألكم عَن أَعمالكُم. أَلا فَلَا ترجعوا بعدِي كفَّارًا يضْرب بَعْضكُم رِقَاب بعضٍ. أَلا ليبلغ الشَّاهِد الْغَائِب، لَعَلَّ بعض من يبلغهُ أَن يكون أوعى لَهُ من بعض من سَمعه ". ثمَّ قَالَ: " أَلا هَل بلغت؟ أَلا هَل بلغت؟ " قُلْنَا: نعم. قَالَ: " اللَّهُمَّ اشْهَدْ ".
وَفِي أول حَدِيث بشر بن الْمفضل عَن ابْن عون أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قعد على بعيره وَأمْسك إنسانٌ بخطامه أَو بزمامه، فَقَالَ: " أَي شهرٍ هَذَا " فَذكر نَحوه مُخْتَصرا.(1/362)
زَاد مُسلم فِي آخِره من رِوَايَة يزِيد بن زريعٍ وَحَمَّاد بن مسْعدَة عَن ابْن عون عَن ابْن سِيرِين. ثمَّ انكفأ إِلَى كبشين أملحين فذبحهما، وَإِلَى جزيعة من الْغنم فَقَسمهَا بَيْننَا. قَالَ أَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ: وَهَذَا الْكَلَام - يَعْنِي هَذِه الزِّيَادَة - وهمٌ من ابْن عون فِيمَا يُقَال، وَإِنَّمَا رَوَاهُ ابْن سِيرِين عَن أنس، قَالَه أَيُّوب عَنهُ، وَلم يخرج البُخَارِيّ هَذِه الزِّيَادَة لذَلِك. وَالله أعلم.
وَفِي حَدِيث مُسَدّد عَن يحيى الْقطَّان فِيهِ قَالَ:
فَلَمَّا كَانَ يَوْم حرق ابْن الْحَضْرَمِيّ، حِين حرقه جَارِيَة بن قدامَة، أشرفوا على أبي بكرَة فَقَالُوا: هَذَا أَبُو بكرَة يراك. قَالَ عبد الرَّحْمَن: فحدثتني أُمِّي عَن أبي بكرَة أَنه قَالَ: لَو دخلُوا عَليّ مَا بهشت لَهُم بقصبة.
578 - الثَّانِي: عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرَة عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " شهرا عيدٍ لَا ينقصان: رَمَضَان وَذُو الْحجَّة ".
579 - الثَّالِث: عَن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه قَالَ: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْفضة بِالْفِضَّةِ، وَالذَّهَب بِالذَّهَب إِلَّا سَوَاء بِسَوَاء. وأمرنا أَن نشتري الْفضة بِالذَّهَب كَيفَ شِئْنَا، ونشتري الذَّهَب بِالْفِضَّةِ كَيفَ شِئْنَا. قَالَ: فَسَأَلَهُ رجل فَقَالَ: يدا بيد؟ فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعت.(1/363)
580 - الرَّابِع: عَن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. أَلا أنبئكم بأكبر الْكَبَائِر؟ " ثَلَاثًا. قُلْنَا: بلَى يَا رَسُول الله. قَالَ: " الْإِشْرَاك بِاللَّه، وعقوق الْوَالِدين " وَكَانَ مُتكئا فَجَلَسَ فَقَالَ: " أَلا وَقَول الزُّور، وَشَهَادَة الزُّور "، فَمَا زَالَ يكررها حَتَّى قُلْنَا: ليته سكت.
581 - الْخَامِس: عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرَة عَن أَبِيه قَالَ: أثني رجلٌ على رجلٍ عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: " وَيلك، قطعت عنق صَاحبك، قطعت عنق صَاحبك " ثَلَاثًا. ثمَّ قَالَ: " من كَانَ مِنْكُم مادحاً أَخَاهُ فَلْيقل: أَحسب فلَانا وَالله حسيبه، وَلَا أزكي على الله أحدا، أَحسب كَذَا وَكَذَا، إِن كَانَ يعلم ذَاك مِنْهُ ".
وَعند مُسلم من حَدِيث شُعْبَة شرح ذَلِك الثَّنَاء الَّذِي أثنى بِهِ الرجل، فَقَالَ رجلٌ: يَا رَسُول الله، مَا من رجلٍ بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل مِنْهُ فِي كَذَا. فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
" وَيحك، قطعت عنق صَاحبك " مرَارًا يَقُول ذَلِك، ثمَّ ذكر بَاقِي الحَدِيث نَحوه.
582 - السَّادِس: عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرَة قَالَ: كتب أبي وكتبت لَهُ إِلَى ابْنه عبيد الله بن أبي بكرَة وَهُوَ قاضٍ بسجستان: أَن لَا تحكم بَين اثْنَيْنِ وَأَنت غَضْبَان، فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " لَا يحكم أحدٌ بَين اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَان ". وَفِي روايةٍ: " لَا يقضين حكمٌ بَين اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَان ".
583 - السَّابِع: عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرَة من رِوَايَة عبد الْملك بن عُمَيْر عَنهُ عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أَرَأَيْتُم إِن كَانَ جُهَيْنَة وَمُزَيْنَة وَأسلم وغفار خيرا من بني تميمٍ وَبني أسدٍ وَبني عبد الله بن غطفان وَمن بني عَامر بن صعصعة ".(1/364)
فَقَالَ رجلٌ: خابوا وخسروا. فَقَالَ: " هم خيرٌ من بني تميمٍ وَمن بني أسدٍ وَمن بني غطفان وَمن بني عَامر بن صعصعة ".
وَأول حَدِيث مُحَمَّد بن أبي يَعْقُوب: أَن الْأَقْرَع بن حابسٍ قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّمَا بَايَعَك سراق الحجيج من أسلم وغفار وَمُزَيْنَة - وَأَحْسبهُ: وجهينة - ابْن أبي يَعْقُوب شكّ - قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
أَرَأَيْت إِن كَانَ أسلم وغفار وَمُزَيْنَة - وَأَحْسبهُ: وجهينة - خيرا من بني تميمٍ وَبني عامرٍ وأسدٍ وغَطَفَان، خابوا وخسروا؟ " قَالَ: نعم. قَالَ: " وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّهُم لأخير مِنْهُم ".
وَفِي حَدِيث عبد الصَّمد عَن شُعْبَة: حَدثنِي سيد بني تميمٍ مُحَمَّد بن عبد الله بن أبي يَعْقُوب الضَّبِّيّ، وَذكره ... .
وَهُوَ عِنْد مُسلم من حَدِيث عَليّ الْجَهْضَمِي مُخْتَصر عَن أبي بشر عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرَة عَن أَبِيه أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ:
أسلم وغفار وَمُزَيْنَة وجهينة خيرٌ من بني تميمٍ وَمن بني عامرٍ والحليفين بني أَسد وغَطَفَان " بِغَيْر شكّ فِي " جُهَيْنَة ".
584 - الثَّامِن: عَن ربعي بن حِرَاش، وَعَن الْأَحْنَف بن قيس واسْمه الضَّحَّاك، وكنيته ابو بَحر بِمَعْنَاهُ عَن أبي بكرَة.
فَفِي حَدِيث الْأَحْنَف عَنهُ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِذا تواجه المسلمان " وَفِي رِوَايَة: " إِذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول فِي النَّار " قلت: يَا رَسُول الله، هَذَا الْقَاتِل، فَمَا بَال الْمَقْتُول؟ قَالَ: " إِنَّه كَانَ حَرِيصًا على قتل صَاحبه ".(1/365)
وَفِي حَدِيث ربعي عَن أبي بكرَة عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنه قَالَ: " إِذا المسلمان حمل أَحدهمَا على أَخِيه السِّلَاح فهما فِي جرف جَهَنَّم، فَإِذا قتل أَحدهمَا صَاحبه دخلاها جَمِيعًا ".
وَحَدِيث ربعي عِنْد البُخَارِيّ بِغَيْر إِسْنَاد إِلَيْهِ، وَكَذَلِكَ رِوَايَة بكار بن عبد الْعَزِيز عَن أَبِيه عَن أبي بكرَة نَحوه.
أَفْرَاد البُخَارِيّ
585 - الأول: عَن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن أبي بكرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يدْخل الْمَدِينَة رعب الْمَسِيح الدَّجَّال، لَهَا يومئذٍ سَبْعَة أَبْوَاب، على كل بابٍ ملكان ".
586 - الثَّانِي: عَن الْحسن الْبَصْرِيّ عَن أبي بكرَة: أَنه انْتهى إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ راكعٌ، فَرَكَعَ قبل أَن يصل إِلَى الصَّفّ، فَذكر ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " زادك الله حرصاً، وَلَا تعد ".
587 - الثَّالِث: عَن الْحسن عَن أبي بكرَة قَالَ: خسفت الشَّمْس على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخرج يجر رِدَاءَهُ حَتَّى انْتهى إِلَى الْمَسْجِد، وثاب النَّاس إِلَيْهِ، فصلى بهم رَكْعَتَيْنِ، فانجلت الشَّمْس، فَقَالَ: " إِن الشَّمْس وَالْقَمَر آيتان من آيَات الله، وإنهما لَا تخسفان لمَوْت أحدٍ، فَإِذا كَانَ ذَلِك فصلوا وَادعوا حَتَّى يكْشف مَا بكم " وَذَاكَ أَن ابْنا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَاتَ - يُقَال لَهُ إِبْرَاهِيم، فَقَالَ النَّاس فِي ذَلِك.
وَحَدِيث شُعْبَة مُخْتَصر: انكسفت الشَّمْس على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فصلى رَكْعَتَيْنِ.(1/366)
588 - الرَّابِع: عَن الْحسن عَن أبي بكرَة قَالَ: لقد نَفَعَنِي الله بكلمةٍ سَمعتهَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيَّام الْجمل، بعد مَا كدت أَن ألحق بأصحاب الْجمل فأقاتل مَعَهم، قَالَ: لما بلغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أهل فَارس ملكوا عَلَيْهِم بنت كسْرَى قَالَ: " لن يفلح قومٌ ولوا أَمرهم امْرَأَة ".
589 - الْخَامِس: عَن الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ: اسْتقْبل - وَالله - الْحسن بن عَليّ مُعَاوِيَة بكتائب أَمْثَال الْجبَال، فَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ: إِنِّي لأرى كتائب لَا تولي حَتَّى تقتل أقرانها. فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَة - وَكَانَ وَالله خير الرجلَيْن: أَي عَمْرو، إِن قتل هَؤُلَاءِ هَؤُلَاءِ، وَهَؤُلَاء هَؤُلَاءِ، من لي بِأُمُور النَّاس، من لي بنسائهم، من لي بضيعهم. فَبعث الله رجلَيْنِ من قُرَيْش من بني عبد شمس: عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة وَعبد الله بن عَامر، فَقَالَ: اذْهَبَا إِلَى هَذَا الرجل، فاعرضا عَلَيْهِ، وقولا لَهُ، واطلبا إِلَيْهِ، فَأتيَاهُ، فدخلا عَلَيْهِ، وتكلما، وَقَالا لَهُ، وطلبا إِلَيْهِ. فَقَالَ لَهُم الْحسن بن عَليّ: إِنَّا بَنو عبد الْمطلب قد أصبْنَا من هَذَا المَال، وَإِن هَذِه الْأمة قد عاثت فِي دمائها. قَالَا: قَالَا: فَإِنَّهُ يعرض عَلَيْك كَذَا وَكَذَا، وَيطْلب إِلَيْك، ويسألك. قَالَ: فَمن لي بِهَذَا؟ نَحن لَك بِهِ. فَمَا سَأَلَهُمَا شَيْئا إِلَّا قَالَا: نَحن لَك بِهِ. فَصَالحه.
قَالَ الْحسن: وَلَقَد سَمِعت أَبَا بكرَة يَقُول:
رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمِنْبَر وَالْحسن ابْن عَليّ إِلَى جنبه، وَهُوَ يقبل على النَّاس مرّة وَعَلِيهِ أُخْرَى وَيَقُول: " إِن ابْني هَذَا سيدٌ، وَلَعَلَّ الله أَن يصلح بِهِ بَين فئتين عظيمتين من الْمُسلمين " قَالَ أَبُو عبد الله البُخَارِيّ: قَالَ لي عبد الله بن مُحَمَّد: إِنَّمَا ثَبت لنا سَماع الْحسن من أبي بكرَة هَذَا الحَدِيث.(1/367)
590 - حَدِيث لمُسلم: من رِوَايَة عُثْمَان الشحام: قَالَ: انْطَلَقت انا وفرقدٌ السبخي إِلَى مُسلم بن أبي بكرَة وَهُوَ فِي أَرض، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَقُلْنَا: هَل سَمِعت أَبَاك يحدث فِي الْفِتَن حَدِيثا " فَقَالَ: نعم، سَمِعت أَبَا بكرَة يحدث قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِنَّهَا سَتَكُون فتنٌ، أَلا ثمَّ تكون فتنةٌ، الْقَاعِد خيرٌ من الْمَاشِي فِيهَا، والماشي فِيهَا خيرٌ من السَّاعِي إِلَيْهَا. إِلَّا فَإِذا نزلت أَو وَقعت فَمن كَانَ لَهُ إبلٌ فليلحق بإبله، وَمن كَانَ لَهُ غنمٌ فليلحق بغنمه، وَمن كَانَت لَهُ أرضٌ فليلحق بأرضه " قَالَ: فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله: أَرَأَيْت من لم يكن لَهُ إبلٌ وَلَا غنمٌ وَلَا أرضٌ. قَالَ: " يعمد إِلَى سَيْفه، فَيدق على حَده بحجرٍ، ثمَّ لينج إِن اسْتَطَاعَ النَّجَاء.
اللَّهُمَّ هَل بلغت، اللَّهُمَّ هَل بلغت ".
قَالَ: فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله، أَرَأَيْت إِن أكرهت حَتَّى ينْطَلق بِي إِلَى أحد الصفين أَو إِحْدَى الفئتين، فضربني رجلٌ بِسَيْفِهِ، أَو يَجِيء سهمٌ فَيَقْتُلنِي؟ قَالَ:
يبوء بإثمه وإثمك، وَيكون من أَصْحَاب النَّار ".(1/368)
(27) مُسْند بُرَيْدَة بن الْحصيب رَضِي الله عَنهُ
الْمُتَّفق عَلَيْهِ مِنْهُ حَدِيث وَاحِد:
591 - عَن عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه قَالَ: غزا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِتّ عشرَة غَزْوَة.
وَفِي رِوَايَة مُسلم: " أَنه غزا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِتّ عشرَة غَزْوَة.
وَله فِي حَدِيث حُسَيْن بن وَاقد:
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غزا تسع عشرَة غَزْوَة، قَاتل فِي ثَمَان مِنْهُنَّ. قَالَ أَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ: لم يخرج مُسلم من حَدِيث الْحُسَيْن ابْن وَاقد عَن ابْن بُرَيْدَة عَن أَبِيه غير هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد. وَعِنْده بِهَذَا الْإِسْنَاد نُسْخَة يلْزمه إخْرَاجهَا.
وللبخاري حديثان:
592 - أَحدهمَا: عَن عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه قَالَ: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علياًّ إِلَى خَالِد - يَعْنِي إِلَى الْيمن - ليقْبض الْخمس، فاصطفى عليٌّ مِنْهَا سبية، فَأصْبح وَقد اغْتسل، فَقلت لخالدٍ: أَلا ترى إِلَى هَذَا؟ .
وَفِي رِوَايَة أبي بكر البرقاني: فَقَالَ خَالِد لبريدة: أَلا ترى مَا صنع هَذَا؟ وَهَكَذَا حكى أَبُو مَسْعُود عَن الْكتاب كَمَا روى البرقاني، وَلم أَجِدهُ فِيهِ.
قَالَ بُرَيْدَة: وَكنت أبْغض علياًّ، فَلَمَّا قدمنَا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ذكرت ذَلِك لَهُ، فَقَالَ: " يَا بُرَيْدَة، أتبغض علياًّ؟ " فَقلت: نعم. فَقَالَ: " لَا تبْغضهُ، فَإِن لَهُ فِي الْخمس أَكثر من ذَلِك ".(1/369)
593 - الثَّانِي: عَن أبي الْمليح عَامر بن أُسَامَة بن عُمَيْر قَالَ: كُنَّا مَعَ بُرَيْدَة فِي غَزْوَة، فِي يومٍ ذِي غيمٍ، فَقَالَ: بَكرُوا بِصَلَاة الْعَصْر، فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " من ترك صَلَاة الْعَصْر حَبط عمله ".
أَفْرَاد مُسلم
594 - الأول: عَن عبد الله بن بُرَيْدَة من رِوَايَة محَارب بن دثار عَنهُ عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور فزوروها، ونهيتكم عَن لُحُوم الْأَضَاحِي فَوق ثلاثٍ فأمسكوا مَا بدا لكم، ونهيتكم عَن النَّبِيذ إِلَّا فِي سقاءٍ فَاشْرَبُوا فِي الأسقية كلهَا، وَلَا تشْربُوا مُسكرا ".
وَفِي حَدِيث وَكِيع: " كنت نَهَيْتُكُمْ عَن الْأَشْرِبَة فِي ظروف الْأدم فَاشْرَبُوا فِي كل وعَاء، غير أَن لَا تشْربُوا مُسكرا ".
وَفِي رِوَايَة سُلَيْمَان بن بُرَيْدَة من رِوَايَة عَلْقَمَة بن مرْثَد عَنهُ عَن أَبِيه:
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " نَهَيْتُكُمْ عَن الظروف، وَإِن الظروف - أَو ظرفا - لَا يحل شَيْئا وَلَا يحرمه، وكل مسكرٍ حرامٌ ".
595 - الثَّانِي: عَن عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن عبد الله بن قيس - أَو الْأَشْعَرِيّ - أعطي مِزْمَارًا من مَزَامِير آل دَاوُد ". وَقد تقدم فِي مُسْند أبي مُوسَى.(1/370)
596 - الثَّالِث: فِي قصَّة ماعزٍ والغامدية، من رِوَايَة عبد الله وَسليمَان ابْني بُرَيْدَة عَن أَبِيهِمَا:
فَفِي حَدِيث عبد الله بن بُرَيْدَة أَن مَاعِز بن مَالك الْأَسْلَمِيّ
أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنِّي قد ظلمت نَفسِي وزنيت، وَإِنِّي أُرِيد أَن تطهرني، فَرده. فَلَمَّا كَانَ من الْغَد أَتَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي قد زَنَيْت، فَرده الثَّانِيَة. فَأرْسل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى قومه فَقَالَ: " تعلمُونَ بعقله بَأْسا؟ تنكرون مِنْهُ شَيْئا؟ " فَقَالُوا: مَا نعلمهُ إِلَّا وَفِي الْعقل، من صالحينا - فِيمَا نرى - فَأَتَاهُ الثَّالِثَة، فَأرْسل إِلَيْهِم أَيْضا، فَسَأَلَ عَنهُ، فأخبروه أَنه لَا بَأْس بِهِ وَلَا بعقله، فَلَمَّا كَانَ الرَّابِعَة حفر لَهُ حفرةٌ ثمَّ أَمر بِهِ فرجم.
قَالَ: فَجَاءَت الغامدية فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِنِّي قد زَنَيْت فطهرني، وَإنَّهُ ردهَا، فَلَمَّا كَانَ الْغَد قَالَت: يَا رَسُول الله، لم تردني؟ لَعَلَّك أَن تردني كَمَا رددت ماعزاً، فوَاللَّه إِنِّي لحبلى. قَالَ: " إِمَّا لَا، فاذهبي حَتَّى تلدي " فَلَمَّا ولدت أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي خرقةٍ، قَالَت: هَذَا قد وَلدته. قَالَ: " اذهبي فأرضعيه حَتَّى تفطميه " فَلَمَّا فَطَمته أَتَتْهُ بِالصَّبِيِّ فِي يَده كسرة خبز، فَقَالَت: هَذَا يَا نَبِي الله قد فَطَمته، وَقد أكل الطَّعَام. فَدفع الصَّبِي إِلَى رجلٍ من الْمُسلمين، ثمَّ أَمر بهَا، فحفر لَهَا إِلَى صدرها، وَأمر النَّاس فرجموها. فَيقبل خَالِد بن الْوَلِيد بحجرٍ فَرمى رَأسهَا، فتنضح الدَّم على وَجه خَالِد، فسبها، فَسمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سبه إِيَّاهَا، فَقَالَ: " مهلا يَا خَالِد، فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ، لقد تابت تَوْبَة لَو تابها صَاحب مكس لغفر لَهُ ". ثمَّ أَمر بهَا فصلى عَلَيْهَا، ودفنت.(1/371)
وَفِي حَدِيث سُلَيْمَان عَن أَبِيه قَالَ:
جَاءَ مَاعِز بن مَالك إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله طهرني. فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " وَيحك، ارْجع فَاسْتَغْفر الله وَتب إِلَيْهِ ".
قَالَ: فَرجع غير بعيد ثمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُول الله، طهرني. فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل ذَلِك، حَتَّى إِذا كَانَت الرَّابِعَة، قَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " فيمَ أطهرك؟ " قَالَ: من الزِّنَا. فَسَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أبه جنونٌ؟ " فَأخْبر أَنه لَيْسَ بمجنون. فَقَالَ: " أشْرب خمرًا؟ " فَقَامَ رجلٌ فاستنكهه، فَلم يجد مِنْهُ ريح خمر. قَالَ: فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أزنيت؟ " قَالَ: نعم. فَأمر بِهِ فرجم، فَكَانَ النَّاس فِيهِ فرْقَتَيْن: قَائِل يَقُول: لقد هلك، لقد أحاطت بِهِ خطيئته. وَقَائِل يَقُول: مَا توبةٌ أفضل من تَوْبَة مَاعِز: إِنَّه جَاءَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوضع يَده فِي يَده، ثمَّ قَالَ: اقتلني بِالْحِجَارَةِ. قَالَ: فلبثوا بذلك يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة، ثمَّ جَاءَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم جلوسٌ، فَسلم ثمَّ جلس فَقَالَ: " اسْتَغْفرُوا لماعز بن مَالك " قَالَ: فَقَالُوا: غفر الله لماعز بن مَالك. قَالَ: فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لقد تَابَ تَوْبَة لَو قسمت بَين أمةٍ لوسعتهم ".
قَالَ: ثمَّ جَاءَتْهُ امْرَأَة من غامدٍ بن الأزد فَقَالَت: يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، طهرني، فَقَالَ: وَيحك، ارجعي فاستغفري الله، وتوبي إِلَيْهِ، فَقَالَت: أَرَاك تُرِيدُ أَن تردني كَمَا رددت مَاعِز بن مَالك. قَالَ: " وَمَا ذَاك؟ " قَالَت: إِنَّهَا حُبْلَى من الزِّنَا. قَالَ: " آنت؟ " قَالَت: نعم. قَالَ لَهَا: " حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطْنك "، قَالَ: فكفلها رجلٌ من الْأَنْصَار حَتَّى وضعت. قَالَ: فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: قد وضعت الغامدية. فَقَالَ: " إِذا لَا نرجمها وَنَدع وَلَدهَا صَغِيرا لَيْسَ لَهُ من يرضعه " فَقَامَ رجلٌ من الْأَنْصَار فَقَالَ: إِلَيّ رضاعه يَا نَبِي الله. قَالَ: فرجمها.(1/372)
597 - الرَّابِع: عَن عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه قَالَ: بَينا أَنا جالسٌ عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذْ أَتَتْهُ امرأةٌ فَقَالَت: إِنِّي تَصَدَّقت على أُمِّي بجاريةٍ، وَإِنَّهَا مَاتَت. قَالَ: فَقَالَ لَهَا: " وَجب أجرك، وردهَا عَلَيْك الْمِيرَاث " قَالَت: يَا رَسُول الله، إِنَّه كَانَ عَلَيْهَا صَوْم شهرٍ، أفأصوم عَنْهَا؟ قَالَ: " صومي عَنْهَا ". قَالَت: إِنَّهَا لم تحج قطّ، أفأحج عَنْهَا؟ قَالَ: " حجي عَنْهَا " وَفِي رِوَايَة " صَوْم شَهْرَيْن ".
598 - الْخَامِس: عَن سُلَيْمَان بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى يَوْم الْفَتْح بِوضُوء واحدٍ وَمسح على خفيه. فَقَالَ لَهُ عمر: لقد صنعت الْيَوْم شَيْئا لم تكن تَصنعهُ. قَالَ: " عمدا صَنعته يَا عمر ".
599 - السَّادِس: عَن سُلَيْمَان بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه: أَن رجلا نَشد فِي الْمَسْجِد فَقَالَ: من دَعَا إِلَى الْجمل الْأَحْمَر؟ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا وجدت، إِنَّمَا بنيت الْمَسَاجِد لما بنيت لَهُ ".
600 - السَّابِع: فِي الْأَوْقَات: عَن سُلَيْمَان بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنه جَاءَهُ رجل سَأَلَهُ عَن وَقت الصَّلَاة. فَقَالَ لَهُ: " صل مَعنا هذَيْن " يَعْنِي الْيَوْمَيْنِ. فَلَمَّا زَالَت الشَّمْس أَمر بِلَالًا فَأذن، ثمَّ أمره فَأَقَامَ الظّهْر، ثمَّ أمره فَأَقَامَ الْعَصْر وَالشَّمْس مرتفعةٌ بَيْضَاء نقية. ثمَّ أمره فَأَقَامَ الْمغرب حِين غَابَتْ الشَّمْس، ثمَّ أمره فَأَقَامَ الْعشَاء حِين غَابَ الشَّفق، ثمَّ أمره فَأَقَامَ الْفجْر حِين طلع الْفجْر. فَلَمَّا أَن كَانَ الْيَوْم الثَّانِي أمره فأبرد بِالظّهْرِ، فأبرد بهَا، فأنعم أَن يبرد بهَا، وَصلى الْعَصْر وَالشَّمْس مرتفعةٌ، أَخّرهَا فَوق الَّذِي كَانَ، وَصلى الْمغرب قبل أَن يغيب الشَّفق، وَصلى(1/373)
الْعشَاء بعد مَا ذهب ثلث اللَّيْل، وَصلى الْفجْر فأسفر بهَا. ثمَّ قَالَ: أَيْن السَّائِل عَن وَقت الصَّلَاة؟ " فَقَالَ الرجل: أَنا يَا رَسُول الله. قَالَ: " وَقت صَلَاتكُمْ بَين مَا رَأَيْتُمْ ".
وَفِي حَدِيث شُعْبَة أَنه بَدَأَ بالصبح، ثمَّ ذكر نَحوه.
601 - الثَّامِن: عَن سُلَيْمَان بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعلمهُمْ إِذا خَرجُوا إِلَى الْمَقَابِر أَن يَقُول قَائِلهمْ: " السَّلَام عَلَيْكُم أهل الديار من الْمُؤمنِينَ وَالْمُسْلِمين، إِنَّا إِن شَاءَ الله بكم للاحقون، أسأَل الله لنا وَلكم الْعَافِيَة ".
602 - التَّاسِع: عَن سُلَيْمَان بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَمر أَمِيرا على جيشٍ أَو سريةٍ أوصاه فِي خاصته بتقوى الله، وَمن مَعَه من الْمُسلمين خيرا، ثمَّ قَالَ: " اغزوا باسم الله فِي سَبِيل الله، قَاتلُوا من كفر بِاللَّه، اغزوا فَلَا تغلوا وَلَا تغدروا وَلَا تمثلوا، وَلَا تقتلُوا وليداً، وَإِذا لقِيت عَدوك من الْمُشْركين فادعهم إِلَى ثَلَاث خِصَال - أَو خلال - فأيتهن مَا أجابوك فَأقبل مِنْهُم وكف عَنْهُم، ثمَّ ادعهم إِلَى التَّحَوُّل عَن دَارهم إِلَى دَار الْمُهَاجِرين، وَأخْبرهمْ أَنهم إِن فعلوا ذَلِك، فَلهم مَا للمهاجرين وَعَلَيْهِم مَا على الْمُهَاجِرين، فَإِن أَبَوا أَن يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا، فَأخْبرهُم أَنهم يكونُونَ كأعراب الْمُسلمين، يجْرِي عَلَيْهِم حكم الله الَّذِي يجْرِي على الْمُؤمنِينَ، وَلَا يكون لَهُم فِي الْغَنِيمَة والفيء شَيْء، إِلَّا أَن يجاهدوا مَعَ الْمُسلمين، فَإِن هم أَبَوا فسلهم الْجِزْيَة، فَإِن هم أجابوك فاقبل مِنْهُم، وكف عَنْهُم، فَإِن هم أَبَوا فَاسْتَعِنْ بِاللَّه عَلَيْهِم وَقَاتلهمْ. وَإِذا حاصرت أهل حصنٍ فأرادوك أَن تجْعَل لَهُم ذمَّة الله وَذمَّة نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَا تجْعَل لَهُم ذمَّة الله وَلَا ذمَّة نبيه، وَلَكِن اجْعَل لَهُم ذِمَّتك وَذمَّة أَصْحَابك، فَإِنَّكُم إِن تخفروا ذممكم وَذمَّة أصحابكم أَهْون من أَن(1/374)
تخفروا ذمَّة الله وَذمَّة رَسُوله. وَإِذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أَن تنزلهم على حكم الله فَلَا تنزلهم على حكم الله، وَلَكِن أنزلهم على حكمك، فَإنَّك لَا تَدْرِي أتصيب حكم الله فيهم أَو لَا ".
603 - الْعَاشِر: عَن سُلَيْمَان بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " حُرْمَة نسَاء الْمُجَاهدين على القاعدين كَحُرْمَةِ أمهاتهم، وَمَا من رجلٍ من القاعدين يخلف رجلا من الْمُجَاهدين فِي أَهله فيخونه فيهم، إِلَّا وقف لَهُ يَوْم الْقِيَامَة فَيَأْخُذ من عمله مَا شَاءَ " ثمَّ الْتفت إِلَيْنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " فَمَا ظنكم؟ ".
604 - الْحَادِي عشر: عَن سُلَيْمَان بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " من لعب بالنردشير فَكَأَنَّمَا صبغ يَده فِي لحم خِنْزِير وَدَمه ".(1/375)
(28) مُسْند عَائِذ بن عَمْرو [رَضِي الله عَنهُ]
605 - للْبُخَارِيّ: حَدِيث وَاحِد مَوْقُوف: عَن أبي جَمْرَة نصر بن عمرَان الضبعِي قَالَ: سَأَلت عَائِذ بن عَمْرو وَكَانَ من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، من أَصْحَاب الشَّجَرَة: هَل ينْقض الْوتر؟ قَالَ: إِذا أوترت من أَوله فَلَا توتر من آخِره.
وَلمُسلم حديثان:
606 - أَحدهمَا: عَن الْحسن الْبَصْرِيّ: أَن عَائِذ بن عَمْرو - وَكَانَ من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل على عبيد الله بن زِيَاد فَقَالَ: أَي بني، إِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " إِن شَرّ الرعاء الحطمة " فإياك أَن تكون مِنْهُم. فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ، فَإِنَّمَا أَنْت من نخالة أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَقَالَ: وَهل كَانَت لَهُم نخالة؟ إِنَّمَا كَانَت النخالة بعدهمْ وَفِي غَيرهم.
607 - الثَّانِي: عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة عَن عَائِذ بن عَمْرو: أَن أَبَا سُفْيَان أَتَى على سلمَان وصهيب وبلال فِي نفرٍ، فَقَالُوا: مَا أخذت سيوف الله من عنق عَدو الله مأخذها. فَقَالَ أَبُو بكر: أتقولون هَذَا لشيخ قريشٍ وسيدهم؟ فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ، فَقَالَ: " يَا أَبَا بكر لَعَلَّك أغضبتهم، لَئِن كنت أغضبتهم لقد أغضبت رَبك " فَأَتَاهُم فَقَالَ: يَا إخوتاه، أغضبتكم؟ قَالُوا: لَا، يغْفر الله لَك يَا أخي.(1/376)
(29) مُسْند سَمُرَة بن جُنْدُب [رَضِي الله عَنهُ]
// الْمُتَّفق عَلَيْهِ حديثان //:
608 - أَحدهمَا: عَن عبد الله بن بُرَيْدَة قَالَ: قَالَ سَمُرَة بن جُنْدُب: لقد كنت على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غُلَاما، فَكنت أحفظ عَنهُ، فَمَا يَمْنعنِي من القَوْل إِلَّا أَن هَا هُنَا رجَالًا هم أسن مني، وَقد صليت وَرَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على امرأةٍ مَاتَت فِي نفَاسهَا، فَقَامَ عَلَيْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الصَّلَاة وَسطهَا.
609 - الثَّانِي: عَن أبي رَجَاء العطاردي عَن سَمُرَة بن جُنْدُب من رِوَايَة جرير بن حَازِم عَن أبي رَجَاء عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صلى الصُّبْح أقبل عَلَيْهِم بِوَجْهِهِ فَقَالَ: " هَل رأى أحدٌ مِنْكُم البارحة رُؤْيا؟ ".
هَذَا الَّذِي أخرجه مُسلم فِي هَذَا الحَدِيث، لم يزدْ. وَأخرجه البُخَارِيّ بِطُولِهِ ومقطعاً فِي مَوَاضِع عدَّة، وَهَذَا نَصه بِطُولِهِ:
من حَدِيث عَوْف الْأَعرَابِي عَن أبي رَجَاء عَنهُ قَالَ:
كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِمَّا يكثر أَن يَقُول لأَصْحَابه: " هَل رأى أحدٌ مِنْكُم رُؤْيا؟ " فيقص عَلَيْهِ من شَاءَ الله أَن يقص، وَإنَّهُ قَالَ لنا ذَات غداةٍ: " إِنَّه أَتَانِي اللَّيْلَة آتيان، وإنهما ابتعثاني، وإنهما قَالَا لي: انْطلق، وَإِنِّي انْطَلَقت مَعَهُمَا، وَإِنَّا أَتَيْنَا على رجلٍ مُضْطَجع، وَإِذا آخر قائمٌ عَلَيْهِ بصخرةٍ، وَإِذا هُوَ يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رَأسه، فيتدهدأ الْحجر هَا(1/377)
هُنَا، فَيتبع الْحجر فَيَأْخذهُ، فَلَا يرجع إِلَيْهِ حَتَّى يَصح رَأسه كَمَا كَانَ، ثمَّ يعود عَلَيْهِ فيفعل بِهِ مثل مَا فعل الْمرة الأولى " قَالَ: " قلت لَهما: سُبْحَانَ الله، مَا هَذَا؟ قَالَ: قَالَا لي: انْطلق انْطلق.
فَانْطَلَقْنَا فأتينا على رجلٍ مستلقٍ لقفاه، وَإِذا آخر قَائِم عَلَيْهِ بكلوب من حَدِيد، وَإِذا هُوَ يَأْتِي أحد شقي وَجهه فيشرشر شدقه إِلَى قَفاهُ ومنخره إِلَى قَفاهُ، وعينه إِلَى قَفاهُ " قَالَ: وَرُبمَا قَالَ: أَبُو رَجَاء: " فَيشق " قَالَ: " ثمَّ يتَحَوَّل إِلَى الْجَانِب الآخر فيفعل بِهِ مثل مَا فعل بالجانب الأول: قَالَ: فَمَا يفرغ من ذَلِك الْجَانِب حَتَّى يَصح ذَلِك الْجَانِب كَمَا كَانَ، ثمَّ يعود عَلَيْهِ فيفعل مثل مَا فعل فِي الْمرة الأولى ".
قَالَ: " قلت: سُبْحَانَ الله، مَا هَذَانِ؟ قَالَ: قَالَا لي: انْطلق انْطلق.
فَانْطَلَقْنَا، فأتينا على مثل التَّنور ". قَالَ: فأحسب أَنه كَأَنَّهُ يَقُول: " فَإِذا فِيهِ لغطٌ وأصواتٌ ". قَالَ: " فاطلعنا فِيهِ، فَإِذا فِيهِ رجالٌ ونساءٌ عراةٌ، وَإِذا هم يَأْتِيهم لهبٌ من أَسْفَل مِنْهُم، فَإِذا أَتَاهُم ذَلِك اللهب ضوضوا ".
قَالَ: " قلت: مَا هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: قَالَ لي: انْطلق انْطلق.
فَانْطَلَقْنَا، فأتينا على نهرٍ حسبت أَنه كَانَ يَقُول - " أَحْمَر مثل الدَّم، وَإِذا فِي النَّهر رجلٌ سابحٌ يسبح، وَإِذا على شط النَّهر رجلٌ قد جمع عِنْده حِجَارَة كَثِيرَة، وَإِذا ذَلِك السابح يسبح مَا سبح ثمَّ يَأْتِي ذَلِك الَّذِي قد جمع عِنْده الْحِجَارَة فيفغر فَاه، فيلقمه حجرا، فَينْطَلق فيسبح ثمَّ يرجع إِلَيْهِ، كلما رَجَعَ إِلَيْهِ فغر لَهُ فَاه فألقمه حجرا.
قلت لَهما: مَا هَذَانِ؟ قَالَ: قَالَا لي: انْطلق انْطلق.(1/378)
فأتينا على رجلٍ كريه الْمرْآة، أَو كأكره مَا أَنْت راءٍ رجلا مرأى، وَإِذا عِنْده نارٌ يحشها وَيسْعَى حولهَا ". قَالَ: " قلت لَهما: مَا هَذَا؟ " قَالَ: قَالَا لي: انْطلق انْطلق. فَانْطَلَقْنَا على رَوْضَة معتمة، فِيهَا من كل نور الرّبيع، وَإِذا بَين ظَهْري الرَّوْضَة رجلٌ طَوِيل لَا أكاد أرى رَأسه طولا فِي السَّمَاء، وَإِذا حول الرجل من أَكثر ولدانٍ رَأَيْتهمْ قطّ ". قَالَ: " قلت: مَا هَذَا؟ مَا هَؤُلَاءِ؟ " قَالَ: " قَالَا لي: انْطلق انْطلق.
فَانْطَلَقْنَا فأتينا إِلَى دوحة عَظِيمَة، لم أر دوحة قطّ أعظم مِنْهَا وَلَا أحسن ". قَالَ: " قَالَا لي: ارق فِيهَا "، قَالَ: " فارتقينا فِيهَا إِلَى مَدِينَة مَبْنِيَّة بِلَبن ذهب، ولبنٍ فضَّة ". قَالَ: فأتينا بَاب الْمَدِينَة فاستفتحنا، فَفتح لنا فدخلناها، فتلقانا رجال: شطرٌ من خلقهمْ كأحسن مَا أَنْت راءٍ، وشطرٌ مِنْهُم كأقبح مَا أَنْت راءٍ. قَالَ لَهُم: اذْهَبُوا فقعوا فِي ذَلِك النَّهر ". قَالَ: " وَإِذا نهر معترض يجْرِي، كَأَن مَاءَهُ الْمَحْض فِي الْبيَاض، فَذَهَبُوا فوقعوا فِيهِ، ثمَّ رجعُوا إِلَيْنَا قد ذهب ذَلِك السوء عَنْهُم فصاروا فِي أحسن صُورَة ". قَالَ: " قَالَا لي: هَذِه جنَّة عدنٍ، وهذاك مَنْزِلك ". قَالَ: " فسما بَصرِي صعداً، فَإِذا قصرٌ مثل الربابة الْبَيْضَاء " قَالَ: " قَالَا لي: هذاك مَنْزِلك " قَالَ: " قلت لَهما: بَارك الله فيكما ذراني فَأدْخلهُ، قَالَا: أما الْآن فَلَا.
وَأَنت دَاخله " قَالَ: " قلت لَهما: فَإِنِّي رَأَيْت مُنْذُ اللَّيْلَة عجبا، فَمَا هَذَا الَّذِي رَأَيْت؟ " قَالَ: قَالَا لي: أما إِنَّا سنخبرك.
أما الرجل الأول الَّذِي أتيت عَلَيْهِ يثلغ رَأسه بِالْحجرِ، فَإِنَّهُ الرجل يَأْخُذ الْقُرْآن، فيرفضه، وينام عَن الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة.(1/379)
وَأما الرجل الَّذِي أتيت عَلَيْهِ يشرشر شدقه إِلَى قَفاهُ، ومنخره إِلَى قَفاهُ، وعينه إِلَى قَفاهُ، فَإِنَّهُ الرجل يَغْدُو من بَيته فيكذب الكذبة تبلغ الْآفَاق.
واما الرِّجَال وَالنِّسَاء العراة الَّذين هم فِي مثل بِنَاء التَّنور فَإِنَّهُم الزناة والزواني.
وَأما الرجل الَّذِي أتيت عَلَيْهِ يسبح فِي النَّهر ويلقم الْحِجَارَة، فَإِنَّهُ آكل الرِّبَا.
وَأما الرجل الكريه الْمرْآة الَّذِي عِنْد النَّار يحشها وَيسْعَى حولهَا، فَإِنَّهُ مالكٌ، خَازِن النَّار.
وَأما الرجل الطَّوِيل الَّذِي فِي الرَّوْضَة فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيم، وَأما الْولدَان الَّذين حوله، فَكل مَوْلُود مَاتَ على الْفطْرَة ". وَفِي رِوَايَة البرقاني: " ولد على الْفطْرَة " قَالَ: فَقَالَ بعض الْمُسلمين يَا رَسُول الله، وَأَوْلَاد الْمُشْركين فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " وَأَوْلَاد الْمُشْركين ".
" وَأما الْقَوْم الَّذِي كَانُوا شطرٌ مِنْهُم حسنٌ، وشطرٌ مِنْهُم قبيحٌ، فَإِنَّهُم قومٌ خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا، تجَاوز الله عَنْهُم ".
وَعند البُخَارِيّ فِي حَدِيث جرير بن حَازِم نَحْو مِنْهُ، وَفِيه:
رَأَيْت اللَّيْلَة رجلَيْنِ أتياني فأخرجاني إِلَى أَرض مقدسةٍ ... " ثمَّ ذكره، وَقَالَ: " فَانْطَلَقْنَا إِلَى ثقبٍ مثل التَّنور، أَعْلَاهُ ضيقٌ وأسفله واسعٌ، تتوقد تَحْتَهُ نارٌ، فَإِذا ارْتَفَعت ارتفعوا، حَتَّى كَاد أَن يخرجُوا، وَإِذا خمدت رجعُوا فِيهَا، وفيهَا رجالٌ ونساءٌ عُرَاة ".
وَفِيه: " حَتَّى أَتَيْنَا على نهرٍ من دمٍ - وَلم يشك - فِيهِ رجلٌ قائمٌ على وسط النَّهر، وعَلى شط النَّهر رجلٌ، وَبَين يَدَيْهِ حجارةٌ، فَأقبل الرجل الَّذِي فِي النَّهر، فَإِذا أَرَادَ أَن يخرج رمى الرجل بحجرٍ فِي فِيهِ فَرده حَيْثُ كَانَ، فَجعل كلما جَاءَ ليخرج رمى فِي فِيهِ بحجرٍ فَرجع كَمَا كَانَ ".(1/380)
وَفِيه: " فصعدا بِي الشَّجَرَة، فادخلاني دَارا لم أر قطّ أحسن مِنْهَا، فِيهَا رجالٌ شُيُوخ وشباب ".
وَفِيه: " الَّذِي رَأَيْته يشق شدقه فكذاب، يحدث بالكذبة فَتحمل عَنهُ حَتَّى تبلغ الْآفَاق، فيصنع بِهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. وَالَّذِي رَأَيْته يشدخ رَأسه فَرجل علمه الله الْقُرْآن فَنَامَ عَنهُ بِاللَّيْلِ، وَلم يعْمل فِيهِ بِالنَّهَارِ، يفعل بِهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة. وَالدَّار الأولى الَّتِي دخلت دَار عَامَّة الْمُؤمنِينَ، وَأما هَذِه الدَّار فدار الشُّهَدَاء، وَأَنا جِبْرِيل وَهَذَا مِيكَائِيل، فارفع رَأسك، فَرفعت رَأْسِي، فَإِذا فَوقِي مثل السَّحَاب، قَالَا: ذَلِك مَنْزِلك. قلت: دَعَاني أَدخل منزلي. قَالَا: " إِنَّه بَقِي لَك عمر لم تستكمله، فَلَو استكملته أتيت مَنْزِلك ".
610 - وللبخاري: حَدِيث وَاحِد: عَن حبيب بن الشَّهِيد قَالَ: أَمرنِي ابْن سِيرِين أَن أسأَل الْحسن: مِمَّن سمع حَدِيث الْعَقِيقَة؟ فَسَأَلته فَقَالَ: بن سَمُرَة من جُنْدُب.
أَفْرَاد مُسلم
611 - الأول: عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن سَمُرَة قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " من روى عني حَدِيثا يرى أَنه كذب، فَهُوَ أحد الْكَاذِبين ".
612 - الثَّانِي: عَن سوَادَة بن حَنْظَلَة الْقشيرِي عَن سَمُرَة بن جُنْدُب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا يَغُرنكُمْ من سحوركم أَذَان بلالٍ وَلَا بَيَاض الْأُفق المستطيل هَكَذَا، حَتَّى يستطير هَكَذَا " وَحَكَاهُ حَمَّاد بن زيد بيدَيْهِ، قَالَ: يَعْنِي مُعْتَرضًا.(1/381)
613 - الثَّالِث: عَن الرّبيع بن عميلة عَن سَمُرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أحب الْكَلَام إِلَى الله أَربع: سُبْحَانَ الله، وَالْحَمْد لله، وَلَا إِلَه إِلَّا الله، وَالله أكبر. لَا يَضرك بأيهن بدأت وَلَا تسمين غلامك يساراً وَلَا رباحاً وَلَا نجيحاً وَلَا أَفْلح، فَإنَّك تَقول: أَثم هُوَ؟ فَلَا يكون،، فَيَقُول: لَا إِنَّمَا هن أربعٌ، فَلَا تزيدن عَليّ ".
614 - الرَّابِع: عَن أبي نَضرة الْمُنْذر بن مَالك بن قِطْعَة عَن سَمُرَة: أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " مِنْهُم من تَأْخُذهُ النَّار إِلَى كعبيه، وَمِنْهُم من تاخذه إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُم من تَأْخُذهُ إِلَى حجزته، وَمِنْهُم من تَأْخُذهُ النَّار إِلَى ترقوته ".(1/382)
(30) مُسْند معقل بن يسارٍ رَضِي الله عَنهُ
الْمُتَّفق عَلَيْهِ حَدِيث وَاحِد:
615 - عَن الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ: عَاد عبيد الله بن زِيَاد معقل بن يسَار الْمُزنِيّ فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ معقل: إِنِّي محدثك حَدِيثا سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَو علمت أَن لي حَيَاة مَا حدثتك: إِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " مَا من عبدٍ يسترعيه الله رعيةً، يَمُوت وَهُوَ غاش لرعيته إِلَّا حرم الله عَلَيْهِ الْجنَّة " وَفِي رِوَايَة أبي نعيم: " فَلم يحطهَا بنصحه، لم يجد رَائِحَة الْجنَّة ".
وَعند مُسلم من حَدِيث أبي الْمليح عَامر بن أُسَامَة عَن معقل:
أَن عبيد الله بن زِيَاد زار معقل بن يسَار فِي مَرضه، فَقَالَ معقلٌ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " مَا من أميرٍ يَلِي أُمُور الْمُسلمين ثمَّ لَا يجْهد لَهُم، وَينْصَح لَهُم إِلَّا لم يدْخل مَعَهم الْجنَّة ".
وَقد رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث أبي الْأسود مُسلم بن مِخْرَاق:
أَن معقلاً مرض فَأَتَاهُ عبيد الله بن زِيَاد يعودهُ، بِنَحْوِ حَدِيث الْحسن بن معقل.
للْبُخَارِيّ حَدِيث وَاحِد:
616 - عَن الْحسن عَن معقل بن يسَار قَالَ: كَانَت لي أُخْت تخْطب إِلَيّ وأمنعها من النَّاس، فَأَتَانِي ابْن عَم لي فأنكحتها إِيَّاه، فاصطحبا مَا شَاءَ الله، ثمَّ طَلقهَا طَلَاقا لَهُ رَجْعَة، ثمَّ تَركهَا حَتَّى انْقَضتْ عدتهَا، فَلَمَّا خطبت إِلَيّ أَتَانِي يخطبها مَعَ الْخطاب، فَقلت لَهُ: خطبت إِلَيّ، فمنعتها النَّاس وآثرتك بهَا، فزوجتك، ثمَّ(1/383)
طَلقتهَا طَلَاقا لَك رَجْعَة، ثمَّ تركتهَا حَتَّى انْقَضتْ عدتهَا، فَلَمَّا خطبت إِلَيّ أتيتني تخطبها مَعَ الْخطاب، وَالله لَا أنكحتكها أبدا. قَالَ: فَفِي نزلت هَذِه الْآيَة: {وَإِذا طلّقْتُم النِّسَاء فبلغن أَجلهنَّ فَلَا تعضلوهن أَن ينكحن أَزوَاجهنَّ} [سُورَة الْبَقَرَة] ، فكفرت عَن يَمِين وأنكحتها إِيَّاه.
وَلمُسلم حديثان:
617 - أَحدهمَا: عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة عَن معقل بن يسَار قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " الْعِبَادَة فِي الْهَرج كهجرة إِلَيّ ".
618 - الثَّانِي: عَن الحكم بن عبد الله الْأَعْرَج عَن معقل قَالَ: لقد رَأَيْتنِي يَوْم الشَّجَرَة وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُبَايع النَّاس، وانا رافعٌ غصناً من أَغْصَانهَا عَن رَأسه، وَنحن أَربع عشرَة مائَة. قَالَ: لم نُبَايِعهُ على الْمَوْت، وَلَكِن بَايعنَا على أَلا نفر.(1/384)
(31) مُسْند مَالك بن الْحُوَيْرِث رَضِي الله عَنهُ
الْمُتَّفق عَلَيْهِ مِنْهُ حديثان:
619 - أَحدهمَا: عَن أبي قلَابَة: أَنه رأى مَالك بن الْحُوَيْرِث إِذا صلى كبر وَرفع يَدَيْهِ، وَإِذا أَرَادَ أَن يرْكَع رفع يَدَيْهِ، وَحدث أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يفعل هَكَذَا.
وَعند مُسلم من حَدِيث نصر بن عَاصِم عَن مَالك بن الْحُوَيْرِث:
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا كبر رفع يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِي بهما أُذُنَيْهِ، فَإِذا ركع رفع يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِي بهما أُذُنَيْهِ، وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع، فَقَالَ: " سمع الله لمن حَمده " فعل مثل ذَلِك. وَفِي رِوَايَة سعيد عَن قَتَادَة: حَتَّى يُحَاذِي بهما فروع أُذُنَيْهِ.
620 - الثَّانِي: عَن أبي قلَابَة عَن مَالك بن الْحُوَيْرِث قَالَ: أَتَيْنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنحن شببةٌ متقاربون، فَأَقَمْنَا عِنْده عشْرين لَيْلَة، وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رحِيما رَفِيقًا، فَظن أَنا قد اشتقنا أهلنا، فسألنا عَمَّن تركنَا من أهلنا، فَأَخْبَرنَاهُ، فَقَالَ: " ارْجعُوا إِلَى أهليكم فأقيموا فيهم، وعلموهم، ومروهم فليصلوا صَلَاة كَذَا فِي حِين كَذَا وَصَلَاة كَذَا فِي حِين كَذَا. وَإِذا حضرت الصَّلَاة فليؤذن أحدكُم، وليؤمكم أكبركم ".
وَعند البُخَارِيّ فِي حَدِيث عبد الْوَهَّاب عَن أَيُّوب عَن أبي قلَابَة: " وصلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي ".(1/385)
وَحَدِيث عبد الْوَهَّاب عَن خالدٍ الْحذاء عِنْد مُسلم مُخْتَصر قَالَ: أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا وصاحبٌ لي، فَقَالَ لنا: " إِذا حضرت الصَّلَاة فأذنا، ثمَّ أقيما، وليؤمكما أكبركما ".
وَفِي حَدِيث سُفْيَان عَن خَالِد نَحوه، وَقَالَ:
أَتَاهُ رجلَانِ يُريدَان السّفر. زَاد فِي حَدِيث حَفْص بن غياث عَن خَالِد قَالَ: وَكَانَا متقاربين فِي الْقِرَاءَة.
621 - وللبخاري وَحده: من حَدِيث أبي قلَابَة عَن مَالك بن الْحُوَيْرِث أَنه قَالَ لأَصْحَابه: أَلا أنبئكم بِصَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَذَلِكَ فِي غير حِين صَلَاة؟ فَقَامَ ثمَّ ركع فَكبر، ثمَّ رفع رَأسه، فَقَامَ هنيَّة، ثمَّ سجد، ثمَّ رفع رَأسه هنيَّة فصلى صَلَاة عَمْرو ابْن سَلمَة شَيخنَا هَذَا. قَالَ أَيُّوب كَانَ يفعل شَيْئا لم أركم تفعلونه، كَانَ يقْعد فِي الثَّالِثَة أَو الرَّابِعَة كَذَا فِي الْكتاب.
فِي حَدِيث حَمَّاد من رِوَايَة أبي النُّعْمَان عَنهُ عَن أَيُّوب، وَفِي رِوَايَة وهيب بن أَيُّوب عَن أبي قلَابَة نَحوه، وَفِيه: فَقلت لأبي قلَابَة: كَيفَ كَانَت صلَاته؟ قَالَ: مثل صَلَاة شَيخنَا هَذَا - يَعْنِي عَمْرو بن سَلمَة. وَكَانَ ذَلِك الشَّيْخ يتم التَّكْبِير، وَإِذا رفع رَأسه فِي السَّجْدَة الثَّانِيَة جلس وَاعْتمد على الأَرْض ثمَّ قَامَ.
وَفِي حَدِيث حَمَّاد بن زيد من رِوَايَة سُلَيْمَان بن حَرْب نَحْوهَا وَفِيه: قَامَ فَأمكن الْقيام، ثمَّ ركع فَأمكن الرُّكُوع، ثمَّ رفع رَأسه وانتصب قَائِما هنيَّة. قَالَ أَبُو قلَابَة:(1/386)
صلى بِنَا صَلَاة شَيخنَا هَذَا أبي بريد، وَكَانَ أَبُو بريد إِذا رفع رَأسه من السَّجْدَة الْآخِرَة من الرَّكْعَة الأولى وَالثَّالِثَة اسْتَوَى قَاعِدا ثمَّ نَهَضَ.
وَفِي رِوَايَة خَالِد الْحذاء عَن أبي قلَابَة قَالَ: أخبرنَا مَالك بن الْحُوَيْرِث اللَّيْثِيّ أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي، فَإِذا كَانَ فِي وترٍ من صلَاته لم ينْهض حَتَّى يَسْتَوِي قَائِما ".(1/387)
(32) الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن جُنْدُب بن عبد الله البَجلِيّ رَضِي الله عَنهُ
622 - الأول: عَن الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ: حَدثنَا جندبٌ بن عبد الله فِي هَذَا الْمَسْجِد، وَمَا نَسِينَا مُنْذُ حَدثنَا، وَمَا نخشى أَن يكون جندبٌ كذب على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " كَانَ فِيمَن قبلكُمْ رجلٌ بِهِ جرحٌ، فجزع، وَأخذ سكيناً فحز بهَا يَده، فَمَا رقأ الدَّم حَتَّى مَاتَ. قَالَ. الله عز وَجل: بادرني عَبدِي بِنَفسِهِ، فَحرمت عَلَيْهِ الْجنَّة ".
623 - الثَّانِي: عَن سَلمَة بن كهيل قَالَ: سَمِعت جندباً يَقُول: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم أسمع أحدا يَقُول: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَيره، فدنوت مِنْهُ، فَسَمعته يَقُول: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " من سمع سمع الله بِهِ، وَمن يرائي يرائي الله بِهِ ".
وَفِيه عِنْد البُخَارِيّ من حَدِيث أبي تَمِيمَة طريف بن مجالدٍ قَالَ:
شهِدت صَفْوَان وَأَصْحَابه وجندبٌ يوصيهم، فَقَالُوا: هَل سَمِعت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالَ: سمعته يَقُول: " من سمع سمع الله بِهِ يَوْم الْقِيَامَة، وَمن شاق شقّ الله عَلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة. " فَقَالُوا: أوصنا فَقَالَ: إِن أول مَا ينتن من الْإِنْسَان بَطْنه، فَمن اسْتَطَاعَ أَلا يَأْكُل إِلَّا طيبا فَلْيفْعَل، وَمن اسْتَطَاعَ أَلا يحول بَينه وَبَين الْجنَّة ملْء كفٍّ من دمٍ أهراقه فَلْيفْعَل ".(1/388)
624 - الثَّالِث: عَن أبي عمرَان الْجونِي - واسْمه عبد الْملك بن حبيب - عَن جُنْدُب قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " اقْرَءُوا الْقُرْآن مَا ائتلفت عَلَيْهِ قُلُوبكُمْ، فَإِذا اختلفتم فَقومُوا ".
625 - الرَّابِع: عَن عبد الْملك بن عُمَيْر قَالَ: سَمِعت جندباً قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " أَنا فَرَطكُمْ على الْحَوْض ".
626 - الْخَامِس: عَن الْأسود بن قيس عَن جُنْدُب بن سُفْيَان. أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَانَ فِي بعض الْمشَاهد وَقد دميت إصبعه، فَقَالَ: " هَل أَنْت إِلَّا إصبعٌ دميت، وَفِي سَبِيل الله مَا لقِيت ".
627 - السَّادِس: عَن الْأسود عَنهُ قَالَ: اشْتَكَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلم يقم لَيْلَة أَو لَيْلَتَيْنِ. وَفِي رِوَايَة زُهَيْر: لَيْلَتَيْنِ وَلَا ثَلَاثًا، فَجَاءَتْهُ امرأةٌ فَقَالَت: يَا مُحَمَّد: أَرْجُو أَن يكون شَيْطَانك قد تَركك، لم أره قربك مُنْذُ لَيْلَتَيْنِ أَو ثَلَاث، فَأنْزل الله عز وَجل: {وَالضُّحَى وَاللَّيْل إِذا سجى مَا وَدعك رَبك وَمَا قلى} [سُورَة الضُّحَى] .
وَفِي حَدِيث ابْن عُيَيْنَة: أَبْطَأَ جِبْرِيل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ الْمُشْركُونَ: قد ودع محمدٌ، فَأنْزل الله عز وَجل: {وَالضُّحَى وَاللَّيْل إِذا سجى مَا وَدعك رَبك وَمَا قلى} .
628 - السَّابِع: عَن الْأسود عَنهُ قَالَ: صلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم النَّحْر، ثمَّ خطب، ثمَّ ذبح، وَقَالَ: " من ذبح قبل أَن يُصَلِّي فليذبح أُخْرَى مَكَانهَا، وَمن لم يذبح فليذبح باسم الله ".(1/389)
وَفِي رِوَايَة زُهَيْر بن مُعَاوِيَة عَن الْأسود عَن جُنْدُب قَالَ: شهِدت الْأَضْحَى مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَلم يعد أَن صلى وَفرغ من صلَاته وَسلم، فَإِذا هُوَ يرى لحم أضاح قد ذبحت قبل أَن يفزع من صلَاته، فَقَالَ:
من كَانَ ذبح قبل أَن يُصَلِّي - أَو نصلي - فليذبح مَكَانهَا أُخْرَى ".
أَفْرَاد مُسلم
629 - الأول: عَن الْحسن الْبَصْرِيّ، وَعَن أنس ابْن سِيرِين عَن جُنْدُب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " من صلى الصُّبْح فَهُوَ فِي ذمَّة الله، فَلَا يطلبنكم الله من ذمَّته بشيءٍ، فَإِنَّهُ من يَطْلُبهُ من ذمَّته بِشَيْء يُدْرِكهُ، ثمَّ يكبه على وَجهه فِي نَار جَهَنَّم ".
قَالَ مُسلم بعد أَن ذكر حَدِيث أنس بن سِيرِين: فِي حَدِيث الْحسن عَن جُنْدُب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهَذَا، وَلم يذكر: " يكبه فِي نَار جَهَنَّم ".
وَقَالَ أَبُو مَسْعُود:
فِي حَدِيث الْحسن عَن جُنْدُب: " فَانْظُر يَا ابْن آدم، لَا يطلبنك الله من ذمَّته بِشَيْء " وَلَيْسَ هَذَا فِيمَا عندنَا من كتاب مُسلم مَذْكُورا، وَقد ذكره البرقاني فِي رِوَايَته من طَرِيق الْحسن عَن جُنْدُب.
630 - الثَّانِي عَن أبي عمرَان الْجونِي عَن جُنْدُب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " قَالَ رجلٌ: وَالله لَا يغْفر الله لفُلَان. فَقَالَ الله عز وَجل: {من ذَا الَّذِي يتألى عَليّ أَلا أَغفر لفُلَان؟ إِنِّي غفرت لَهُ، وأحبطت عَمَلك} .
631 - الثَّالِث: عَن عبد الله بن الْحَارِث النجراني قَالَ: حَدثنِي جندبٌ قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل أَن يَمُوت بخمسٍ وَهُوَ يَقُول: " إِنِّي أَبْرَأ إِلَى الله أَن يكون لي(1/390)
مِنْكُم خَلِيل فَإِن الله قد اتَّخَذَنِي خَلِيلًا، كَمَا اتخذ إِبْرَاهِيم خَلِيلًا، وَلَو كنت متخذاً من أمتى خَلِيلًا لاتخذت أَبَا بكر خَلِيلًا. أَلا وَإِن من كَانَ قبلكُمْ كَانُوا يتخذون قُبُور أَنْبِيَائهمْ وصالحيهم مَسَاجِد، أَلا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُور مَسَاجِد، إِنِّي أنهاكم عَن ذَلِك ".
632 - الرَّابِع: عَن أبي مجلزٍ لَاحق بن حميد عَن جُنْدُب بن عبد الله البَجلِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " من قتل تَحت راية عميةٍ يَدْعُو عصبية أَو ينصر عصبيةً فقتلةٌ جَاهِلِيَّة ".
632 - الْخَامِس: عَن صَفْوَان بن مُحرز أَن جُنْدُب بن عبد الله بعث إِلَى عسعس ابْن سَلامَة زمن فتْنَة ابْن الزبير فَقَالَ: اجْمَعْ لي نَفرا من إخوانك حَتَّى أحدثهم.
فَبعث رَسُولا إِلَيْهِم، فَلَمَّا اجْتَمعُوا جَاءَ جندبٌ عَلَيْهِ برنسٌ أصفر، فَقَالَ: تحدثُوا بِمَا كُنْتُم تتحدثون بِهِ، حَتَّى دَار الحَدِيث، فَلَمَّا دَار الحَدِيث إِلَيْهِ حسر الْبُرْنُس عَن رَأسه فَقَالَ: إِنِّي أتيتكم وَلَا أُرِيد أَن أحدثكُم عَن نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِن نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث بعثاً من الْمُسلمين إِلَى قوم من الْمُشْركين، وَإِنَّهُم الْتَقَوْا، فَكَانَ رجلٌ من الْمُشْركين إِذا شَاءَ أَن يقْصد إِلَى رجل من الْمُسلمين قصد لَهُ فَقتله، وَإِن رجلا من الْمُسلمين قصد غفلته. قَالَ: وَكُنَّا نُحدث أَنه أُسَامَة بن زيد، فَلَمَّا رفع عَلَيْهِ السَّيْف قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله، فَقتله، فجَاء البشير إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ وَأخْبرهُ، حَتَّى أخبرهُ خبر الرجل كَيفَ صنع، فَدَعَاهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: " لم قتلته؟ " قَالَ: يَا رَسُول الله، أوجع فِي الْمُسلمين، وَقتل فلَانا وَفُلَانًا - وسمى لَهُ نَفرا، وَإِنِّي حملت عَلَيْهِ، فَلَمَّا رأى السَّيْف قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أقتلته؟ " " قَالَ: نعم. قَالَ: " فَكيف تصنع بِلَا إِلَه إِلَّا الله. إِذا جَاءَت يَوْم الْقِيَامَة؟ " قَالَ: يَا رَسُول الله، اسْتغْفر لي.
قَالَ: " وَكَيف تصنع بِلَا إِلَه إِلَّا الله إِذا جَاءَت يَوْم الْقِيَامَة؟ " قَالَ: فَجعل لَا(1/391)
يزِيد على أَن يَقُول: " فَكيف تصنع بِلَا إِلَه إِلَّا الله إِذا جَاءَت يَوْم الْقِيَامَة ".
فِي مُسْند أُسَامَة نَحْو من هَذَا، وَأَنه هُوَ الَّذِي قَتله، وَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " أقتلته بعد مَا قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله ".(1/392)
(33) الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن معيقيب بن أبي فَاطِمَة رَضِي الله عَنهُ
حَدِيث وَاحِد وَلَيْسَ لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ غَيره.
634 - عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن معيقيب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الرجل يُسَوِّي التُّرَاب حَيْثُ يسْجد، قَالَ: " إِن كنت فَاعِلا فَوَاحِدَة ".
وَلمُسلم فِي حَدِيث وَكِيع عَن هِشَام قَالَ: ذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمسْح فِي الْمَسْجِد - يَعْنِي الْحَصَى - قَالَ: " إِن كنت لابد فَاعِلا فَوَاحِدَة ".
وَفِي حَدِيث يحيى بن سعيد:
أَنهم سألو النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْمسْح فِي الصَّلَاة فَقَالَ: " واحدةٌ ".(1/393)
(34) الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن مجاشع ومجالد ابْني مَسْعُود السّلمِيّ رَضِي الله عَنْهُمَا
حَدِيث وَاحِد وَلَيْسَ لَهما الصَّحِيحَيْنِ غَيره.
635 - عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ عَن مجاشع: جَاءَ مجاشع بن مَسْعُود بأَخيه مجالدٍ بن مَسْعُود إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: هَذَا مجَالد يُبَايِعك على الْهِجْرَة، فَقَالَ: " لَا هِجْرَة بعد فتح مَكَّة وَلَكِن أُبَايِعهُ على الْإِسْلَام ".
وَفِي حَدِيث زُهَيْر نَحوه، وَفِيه أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ: " أُبَايِعهُ على الْإِسْلَام وَالْإِيمَان وَالْجهَاد " قَالَ: فَلَقِيت معبدًا - وَكَانَ أكبرهما - فَقَالَ: صدق مجاشع.
وللبخاري فِي حَدِيث عَاصِم عَن أبي عُثْمَان عَن مجاشع قَالَ: أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا وَأخي فَقلت: بَايعنَا على الْهِجْرَة. فَقَالَ: " مَضَت الْهِجْرَة لأَهْلهَا " قلت: علام تبايعنا؟ قَالَ: " على الْإِسْلَام وَالْجهَاد ". وَفِي رِوَايَة فُضَيْل بن سُلَيْمَان عَن عَاصِم: فَلَقِيت أَبَا معبد فَسَأَلته، فَقَالَ: صدق.
وَعند مُسلم من حَدِيث عَاصِم الْأَحول من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن زَكَرِيَّا عَنهُ عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ قَالَ: حَدثنِي مجاشع، قَالَ:
أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُبَايِعهُ على الْهِجْرَة فَقَالَ: " إِن الْهِجْرَة قد مَضَت لأَهْلهَا، وَلَكِن على الْإِسْلَام وَالْجهَاد وَالْخَيْر ".(1/394)
(35) مُسْند يعلى بن أُميَّة رَضِي الله عَنهُ
ثَلَاثَة أَحَادِيث مُتَّفق عَلَيْهَا، من رِوَايَة صَفْوَان ابْنه عَنهُ
636 - الأول: أَنه قَالَ غزوت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، جَيش الْعسرَة، وَكَانَ من أوثق أعمالي فِي نَفسِي، فَكَانَ لي أجيرٌ، فقاتل إنْسَانا، فعض أَحدهمَا صَاحبه، فَانْتزع إصبعه فأندر ثنيته فَسَقَطت، فَانْطَلق إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأهدر ثنيته، وَقَالَ: " أيدع إصبعه فِي فِيك تقضمها كَمَا يقضم الْفَحْل " وَفِي رِوَايَة: فعض أَحدهمَا يَد الآخر.
وَفِي رِوَايَة بديل عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن صَفْوَان: أَن أَجِيرا ليعلى عض رجلٌ ذراعه ... الحَدِيث بِمَعْنَاهُ.
637 - الثَّانِي: عَن صَفْوَان عَنهُ: أَنه كَانَ يَقُول لعمر رَضِي الله عَنهُ: لَيْتَني أرى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين ينزل عَلَيْهِ الْوَحْي. فَلَمَّا كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالجعرانة وَعَلِيهِ ثوبٌ قد أظل عَلَيْهِ، وَمَعَهُ ناسٌ من أَصْحَابه فيهم، إِذْ جَاءَهُ رجلٌ متضمخٌ بطيبٍ. فَقَالَ: يَا رَسُول الله، كَيفَ ترى فِي رجلٍ أحرم فِي جبةٍ بَعْدَمَا تضمخ بِطيب؟ فَنظر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَاعَة، فَجَاءَهُ الْوَحْي فَأَشَارَ عمر إِلَى يعلى: أَن تعال، فَجَاءَهُ يعلى، فَأدْخل رَأسه، فَإِذا هُوَ محمر الْوَجْه يغط كَذَلِك سَاعَة، ثمَّ سري عَنهُ فَقَالَ: " أَيْن الَّذِي سَأَلَني عَن الْعمرَة آنِفا؟ " فالتمس الرجل، فجيء بِهِ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " أما(1/395)
الطّيب الَّذِي بك فاغسله ثَلَاث مراتٍ: وَأما الْجُبَّة فانزعها، ثمَّ اصْنَع فِي عمرتك كَمَا تصنع فِي حجك ".
وَفِي حَدِيث أبي الْوَلِيد:
كنت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأَتَاهُ رجلٌ عَلَيْهِ أثر صفرةٍ ... بِنَحْوِهِ.
وَفِي حَدِيث جرير بن حَازِم:
أَن رجلا أَتَى النَّبِي وَهُوَ بالجعرانة قد أهل بِعُمْرَة وَهُوَ مصفرٌ لحيته وَرَأسه، وَعَلِيهِ جبةٌ. فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أَحرمت بِعُمْرَة وَأَنا كَمَا ترى، فَقَالَ: " انْزعْ عَنْك الْجُبَّة، واغسل عَنْك الصُّفْرَة ".
وَفِي حَدِيث رَبَاح أبي مَعْرُوف:
فَأَتَاهُ رجل عَلَيْهِ جبةٌ بهَا أثر خلوق، ثمَّ ذكر نَحوه.
638 - الثَّالِث: أَنه قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ على الْمِنْبَر: {وَنَادَوْا يَا مَالك ليَقْضِ علينا رَبك قَالَ إِنَّكُم مَاكِثُونَ} [سُورَة الزخرف] ، قَالَ سُفْيَان: فِي قِرَاءَة عبد الله (وَنَادَوْا يَا مَال) .(1/396)
(36) الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن معَاذ بن جبلٍ رَضِي الله عَنهُ
639 - الأول: عَن أنس بن مَالك عَن معَاذ قَالَ: كنت ردف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لَيْسَ بيني وَبَينه إِلَّا مؤخرة الرحل، فَقَالَ: " يَا معَاذ بن جبل ". قلت: لبيْك يَا رَسُول الله وَسَعْديك. ثمَّ سَار سَاعَة ثمَّ قَالَ: " يَا معَاذ بن جبل " قلت: لبيْك يَا رَسُول الله وَسَعْديك. ثمَّ قَالَ: " هَل تَدْرِي مَا حق الله على الْعباد؟ " قَالَ: قلت: الله وَرَسُوله أعلم. قَالَ: " فَإِن حق الله على الْعباد أَن يعبدوه وَلَا يشركوا بِهِ شَيْئا " ثمَّ سَار سَاعَة ثمَّ قَالَ: " يَا معَاذ بن جبل " قلت لبيْك يَا رَسُول الله وَسَعْديك. قَالَ: " هَل تَدْرِي مَا حق الْعباد على الله إِذا فعلوا ذَلِك؟ " قلت: الله وَرَسُوله أعلم.
قَالَ: " حق الْعباد على الله أَلا يعذبهم ".
وَقد أَخْرجَاهُ من حَدِيث عَمْرو بن مَيْمُون عَن معَاذ قَالَ:
كنت ردف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على حمارٍ يُقَال لَهُ عفير، فَقَالَ: " يَا معَاذ، هَل تَدْرِي مَا حق الله على عباده، وَمَا حق الْعباد على الله؟ " قلت: الله وَرَسُوله أعلم. قَالَ: " فَإِن حق الله على الْعباد أَن يعبدوه وَلَا يشركوا بِهِ شَيْئا. وَحقّ الْعباد على الله أَلا يعذب من لَا يُشْرك بِهِ شَيْئا " فَقلت: يَا رَسُول الله، أَفلا أبشر بِهِ النَّاس؟ قَالَ: " لَا تبشرهم فيتكلوا ".
وَمن حَدِيث الْأسود بن هِلَال قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أَتَدْرِي مَا حق الله على الْعباد؟ " نَحْو حَدِيث أنس عَن معَاذ.
وَفِي حَدِيث هِشَام الدستوَائي عَن قَتَادَة عَن أنس:
أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومعاذ بن جبل رديفه على الرحل قَالَ: " يَا معَاذ " قَالَ: لبيْك يَا رَسُول الله وَسَعْديك - ثَلَاثًا،(1/397)
ثمَّ قَالَ:
مَا من عبد يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله إِلَّا حرمه الله على النَّار ". قَالَ: يَا رَسُول الله، أَفلا أخبر بهَا النَّاس فيستبشروا؟ قَالَ: " إِذن يتكلوا " فَأخْبر بهَا معاذٌ عِنْد مَوته تأثماً. جعله فِي مُسْند أنس.
640 - الثَّانِي: عَن أبي معبد مولى ابْن عَبَّاس عَن ابْن عَبَّاس عَن معَاذ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " إِنَّك تَأتي قوما من أهل الْكتاب، فادعهم إِلَى شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله، فَإِن هم أطاعوا لذَلِك فأعلمهم أَن الله افْترض عَلَيْهِم صدقةٌ تُؤْخَذ من أغنيائهم فَترد على فقرائهم. فَإِن هم أطاعوا لذَلِك فإياك وكرائم أَمْوَالهم، وَاتَّقِ دَعْوَة الْمَظْلُوم، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَينهَا وَبَين الله حجابٌ ".
وَفِي حَدِيث أبي عَاصِم عَن زَكَرِيَّا بن إِسْحَاق عَن ابْن صَيْفِي. وَفِي حَدِيث إِسْمَاعِيل بن أُميَّة عَن ابْن صَيْفِي، عَن أبي معبد عَن ابْن عَبَّاس:
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث معَاذًا إِلَى الْيمن - الحَدِيث بِنَحْوِهِ. وَلم يذكر البُخَارِيّ من رِوَايَته من طَرِيق أبي عَاصِم وَإِسْمَاعِيل بن أُميَّة: " وَاتَّقِ دَعْوَة الْمَظْلُوم ... " إِلَى آخِره. وَهُوَ عِنْده فِي رِوَايَة حبَان عَن ابْن الْمُبَارك، وَفِي رِوَايَة يحيى بن مُوسَى عَن وَكِيع.
أَفْرَاد البُخَارِيّ
641 - الحَدِيث الأول: عَن عَمْرو بن مَيْمُون: أَن معَاذًا لما قدم الْيمن صلى بهم الصُّبْح فَقَرَأَ: {وَاتخذ الله إِبْرَاهِيم خَلِيلًا} [سُورَة النِّسَاء] ، فَقَالَ رجل من الْقَوْم: لقد قرت عين إِبْرَاهِيم.
قَالَ معَاذ عَن شُعْبَة:
إِن عمرا قَالَ: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث معَاذًا إِلَى الْيمن، فَقَرَأَ فِي صَلَاة الصُّبْح سُورَة النِّسَاء، فَلَمَّا قَالَ: {وَاتخذ الله إِبْرَاهِيم خَلِيلًا} قَالَ رجلٌ من خَلفه: لقد قرت عين أم إِبْرَاهِيم.(1/398)
642 - الثَّانِي: عَن الْأسود بن يزِيد قَالَ: أَتَانَا معاذٌ بِالْيمن معلما وأميراً، فَسَأَلْنَاهُ عَن رجل توفّي وَترك ابْنَته وَأُخْته. فَأعْطى الِابْنَة النّصْف وَالْأُخْت النّصْف.
وَفِي رِوَايَة سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن الْأسود قَالَ:
قضى فِينَا معَاذ بن جبل على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النّصْف للابنة وَالنّصف للْأُخْت. ثمَّ قَالَ سُلَيْمَان بعد: قضى فِينَا، وَلم يذكر: على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَعند البرقاني فِي حَدِيث الْأَشْعَث بن الْأسود أَنه قَالَ: أخْبرت ابْن الزبير فَقلت:
إِن معَاذ بن جبل قضى فِينَا بِالْيمن فِي ابنةٍ وأختٍ بِالنِّصْفِ وَالنّصف، فَقَالَ لي ابْن الزبير: أَنْت رَسُولي إِلَى عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود، فمره فليقض بِهِ. قَالَ: وَكَانَ قَاضِي ابْن الزبير على الْكُوفَة.
643 - الثَّالِث: عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعثه وَمعَاذًا إِلَى الْيمن ... وَفِيه: إِن معَاذًا زَارَهُ فَرَأى رجلا أسلم ثمَّ تهود، فَقَالَ: مَا لهَذَا؟ فَأخْبر، فَقَالَ: لَا أَجْلِس حَتَّى تقتله، قَضَاء الله وَرَسُوله. وَقد تقدم فِي مُسْند أبي مُوسَى بِطُولِهِ.
وَلمُسلم حَدِيث وَاحِد:
644 - عَن أبي الطُّفَيْل عَامر بن وَاثِلَة عَن معَاذ قَالَ: خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تَبُوك، فَكَانَ يُصَلِّي الظّهْر وَالْعصر جَمِيعًا، وَالْمغْرب وَالْعشَاء جَمِيعًا.
وَفِي حَدِيث قُرَّة بن خَالِد قَالَ: فَقلت: مَا حمله على ذَلِك؟ فَقَالَ: أَرَادَ أَلا يحرج أمته.(1/399)
(37) الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن أبي بن كَعْب الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنهُ
645 - الأول: حَدِيث الْخضر ومُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام.
عَن ابْن عَبَّاس - من رِوَايَة عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود عَنهُ مُخْتَصرا: أَنه تمارى هُوَ وَالْحر بن قيس بن حصنٍ الْفَزارِيّ فِي صَاحب مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: هُوَ الْخضر، فَمر بهما أبي بن كَعْب، فَدَعَاهُ ابْن عَبَّاس فَقَالَ: يَا أَبَا الطُّفَيْل، هَلُمَّ إِلَيْنَا، فَإِنِّي قد تماريت أَنا وصاحبي هَذَا فِي صَاحب مُوسَى الَّذِي سَأَلَ مُوسَى السَّبِيل إِلَى لقِيه، فَهَل سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يذكر شَأْنه؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " بَينا مُوسَى فِي مَلأ من بني إِسْرَائِيل، إِذْ جَاءَهُ رجلٌ فَقَالَ لَهُ: هَل تعلم أحدا أعلم مِنْك؟ قَالَ مُوسَى: لَا، فَأوحى الله إِلَى مُوسَى: بل ". وَفِي رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ وَغَيره: " بلَى، عَبدنَا الْخضر.
فَسَأَلَ مُوسَى السَّبِيل إِلَى لقيَاهُ، فَجعل الله لَهُ الْحُوت آيَة " وَقَالَ - وَفِي رِوَايَة صَالح: " وَقيل لَهُ: إِذا افتقدت الْحُوت فَارْجِع، فَإنَّك ستلقاه. فَسَار مُوسَى مَا شَاءَ الله أَن يسير، ثمَّ قَالَ لفتاه: آتنا غداءنا. فَقَالَ فَتى مُوسَى حِين سَأَلَهُ الْغَدَاء: أَرَأَيْت إِذْ أوينا إِلَى الصَّخْرَة، فَإِنِّي نسيت الْحُوت، وَمَا أنسانيه إِلَّا الشَّيْطَان أَن أذكرهُ. فَقَالَ مُوسَى لفتاه: ذَلِك مَا كُنَّا نبغي، فارتدا على آثارها قصصاً، فوجدا خضرًا، فَكَانَ من شَأْنهمَا مَا قصّ الله عز وَجل فِي كِتَابه ".
فِي رِوَايَة يُونُس وَصَالح وَالْأَوْزَاعِيّ:
فَكَانَ مُوسَى يتبع أثر الْحُوت فِي الْبَحْر ".
وَفِي رِوَايَة يُونُس: قَوْله:
يَا أَبَا الطُّفَيْل، وَلَيْسَ ذَلِك عِنْد غَيره فِيهِ والألفاظ فِيمَا سوى ذَلِك مُتَقَارِبَة.(1/400)
وَهُوَ بِطُولِهِ لَهما فِي رِوَايَة سعيد بن جُبَير أَنه قَالَ: قلت لِابْنِ عَبَّاس: إِن نَوْفًا الْبكالِي يزْعم أَن مُوسَى صَاحب بني إِسْرَائِيل لَيْسَ هُوَ مُوسَى صَاحب الْخضر، فَقَالَ: كذب عَدو الله. سَمِعت أبي بن كَعْب يَقُول:
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " قَامَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام خَطِيبًا فِي بني إِسْرَائِيل فَسئلَ: أَي النَّاس أعلم؟ فَقَالَ: أَنا أعلم - قَالَ: فعتب الله عَلَيْهِ إِذْ لم يرد الْعلم إِلَيْهِ، فَأوحى الله إِلَيْهِ أَن عبدا من عبَادي بمجمع الْبَحْرين هُوَ أعلم مِنْك. قَالَ مُوسَى: أَي رب، كَيفَ لي بِهِ؟ فَقيل لَهُ: احْمِلْ حوتاً فِي مكتلٍ، فَحَيْثُ يفقد الْحُوت فَهُوَ ثمَّ. فَانْطَلق، وَانْطَلق مَعَه فتاه وَهُوَ يُوشَع بن نون، فَحمل مُوسَى حوتاً فِي مكتلٍ وَانْطَلق هُوَ وفتاه يمشيان، حَتَّى أَتَيَا الصَّخْرَة، فرقد مُوسَى وفتاه، فاضطرب الْحُوت فِي المكتل حَتَّى خرج من المكتل، فَسقط فِي الْبَحْر. قَالَ: وَأمْسك الله عَنهُ جرية المَاء، حَتَّى كَانَ مثل الطاق، فَكَانَ للحوت سرباً، وَكَانَ لمُوسَى وفتاه عجبا. فَانْطَلقَا بَقِيَّة يومهما وليلتهما، وَنسي صَاحب مُوسَى أَن يُخبرهُ، فَلَمَّا أصبح مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لفتاه: آتنا غداءنا، لقد لَقينَا من سفرنا هَذَا نصبا. قَالَ: وَلم ينصب حَتَّى جَاوز الْمَكَان الَّذِي أَمر بِهِ. قَالَ: أَرَأَيْت إِذْ أوينا إِلَى الصَّخْرَة؛ فَإِنِّي نسيت الْحُوت، وَمَا أنسانيه إِلَّا الشَّيْطَان أَن أذكرهُ، وَاتخذ سَبيله فِي الْبَحْر عجبا. قَالَ مُوسَى: ذَلِك مَا كُنَّا نبغي، فارتدا على آثارهما قصصاً. قَالَ: يقصان آثارهما، حَتَّى أَتَيَا الصَّخْرَة فَرَأى رجلا مسجى عَلَيْهِ بِثَوْب، فَسلم عَلَيْهِ مُوسَى، فَقَالَ لَهُ الْخضر: أَنى بأرضك السَّلَام؟ قَالَ: أَنا مُوسَى. قَالَ مُوسَى بني إِسْرَائِيل؟ قَالَ: نعم. قَالَ: إِنَّك على علمٍ من علم الله علمكه الله لَا أعلمهُ، وَأَنا على علمٍ من(1/401)
علم الله علمنيه لَا تعلمه. قَالَ لَهُ مُوسَى: هَل أتبعك على أَن تعلمني مِمَّا علمت رشدا. قَالَ: إِنَّك لن تَسْتَطِيع معي صبرا، وَكَيف تصبر على مَا لم تحط بِهِ خَبرا؟ قَالَ: ستجدني إِن شَاءَ الله صَابِرًا وَلَا أعصي لَك أمرا. قَالَ لَهُ الْخضر: فَإِن اتبعتني فَلَا تَسْأَلنِي عَن شيءٍ حَتَّى أحدث لَك مِنْهُ ذكرا. قَالَ: نعم.
فَانْطَلق الْخضر ومُوسَى يمشيان على سَاحل الْبَحْر، فمرت بهما سفينة، فكلماهم أَن يحملوهما، فعرفوا الْخضر، فحملوهما بِغَيْر نول، فَعمد الْخضر إِلَى لوحٍ من أَلْوَاح السَّفِينَة فَنَزَعَهُ، فَقَالَ لَهُ مُوسَى:
قومٌ حملونا بِغَيْر نولٍ، عَمَدت إِلَى سفينتهم فخرقتها لتغرق أَهلهَا، لقد جِئْت شَيْئا إمراً. قَالَ: ألم أقل: إِنَّك لن تَسْتَطِيع معي صبرا. قَالَ: لَا تؤاخذني بِمَا نسيت وَلَا ترهقني من أَمْرِي عسراً.
ثمَّ خرجا من السَّفِينَة، فَبَيْنَمَا هما يمشيان على السَّاحِل إِذا غُلَام يلْعَب مَعَ الغلمان فَأخذ الْخضر بِرَأْسِهِ، بِغَيْر نفس، لقد. فاقتلعه بِيَدِهِ فَقتله، فَقَالَ مُوسَى: أقتلت نفسا زاكيةً بِغَيْر نفس، لقد جِئْت شَيْئا نكراً. قَالَ: ألم أقل لَك: إِنَّك لن تَسْتَطِيع معي صبرا، قَالَ: وَهَذِه أَشد من الأولى. قَالَ: إِن سَأَلتك عَن شيءٍ بعْدهَا فَلَا تُصَاحِبنِي، قد بلغت من لدني عذرا.
فَانْطَلقَا، حَتَّى إِذا أَتَيَا أهل قَرْيَة استطعما أَهلهَا، فَأَبَوا أَن يُضَيِّفُوهُمَا، فوجدا فِيهَا جداراً يُرِيد أَن ينْقض - يَقُول: مائلٌ. قَالَ الْخضر بِيَدِهِ هَكَذَا، فأقامه. قَالَ لَهُ مُوسَى: قومٌ أتيناهم فَلم يضيفونا وَلم يطعمونا، لَو شِئْت لاتخذت عَلَيْهِ أجرا.
قَالَ: هَذَا فِرَاق بيني وَبَيْنك، سأنبئك بِتَأْوِيل مَا لم تسطع عَلَيْهِ صبرا ".
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
يرحم الله مُوسَى، لَوَدِدْت أَنه كَانَ صَبر حَتَّى يقص علينا من أخبارهما ". قَالَ: وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " كَانَت الأولى من مُوسَى نِسْيَانا.
قَالَ: وَجَاء عصفورٌ حَتَّى وَقع على حرف السَّفِينَة، ثمَّ نقر فِي الْبَحْر، فَقَالَ لَهُ(1/402)
الْخضر: مَا نقص علمي وعلمك من علم الله إِلَّا مثل مَا نقص هَذَا العصفور من الْبَحْر ". زَاد فِي حَدِيث قُتَيْبَة " وَعلم الْخَلَائق " ثمَّ ذكر نَحوه.
قَالَ سعيد بن جُبَير - وَكَانَ (وَكَانَ أمامهم ملكٌ يَأْخُذ كل سفينةٍ صالحةٍ غصبا) وَكَانَ يقْرَأ: (وَأما الْغُلَام فَكَانَ كَافِرًا) .
وَفِي حَدِيث سُلَيْمَان التَّيْمِيّ:
" أَنه بَيْنَمَا كَانَ مُوسَى فِي قومه يذكرهم بأيام الله، وَأَيَّام الله نعماؤه وبلاؤه، إِذْ قَالَ: مَا أعلم فِي الأَرْض رجلا خيرا أَو أعلم مني.
قَالَ: فَأوحى الله إِلَيْهِ: إِنِّي أعلم بِالْخَيرِ مِنْهُ، إِن فِي الأَرْض رجلا هُوَ أعلم مِنْك.
قَالَ: يَا رب، فدلني عَلَيْهِ. قَالَ: فَقيل لَهُ: تزَود حوتاً مالحاً، فَإِنَّهُ حَيْثُ تفقد الْحُوت. قَالَ: فَانْطَلق هُوَ وفتاه حَتَّى انتهيا إِلَى الصَّخْرَة، فَعميَ عَلَيْهِ، فَانْطَلق وَترك فتاه، فاضطرب الْحُوت فِي المَاء، فَجعل لَا يلتئم عَلَيْهِ، صَار مثل الكوة.
فَقَالَ فتاه: أَلا ألحق نَبِي الله فَأخْبرهُ؟ فنسي، فَلَمَّا تجَاوز قَالَ لفتاه: آتنا غداءنا، لقد لَقينَا من سفرنا هَذَا نصبا. قَالَ: وَلم يصبهم نصبٌ حَتَّى تجاوزا. قَالَ: فَتذكر.
قَالَ: أَرَأَيْت إِذْ أوينا إِلَى الصَّخْرَة، فَإِنِّي نسيت الْحُوت، وَمَا أنسانيه إِلَّا الشَّيْطَان أَن أذكرهُ ... إِلَى قَوْله: فارتدا على آثارهما قصصاً. فَأرَاهُ مَكَان الْحُوت، قَالَ: هَا هُنَا وصف لي، قَالَ: فَذهب يلْتَمس، فَإِذا هُوَ الْخضر مسجى ثوبا، مُسْتَلْقِيا على الْقَفَا أَو على حلاوة الْقَفَا قَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم. فكشف الثَّوْب عَن وَجهه، فَقَالَ: وَعَلَيْكُم السَّلَام، من أَنْت؟ قَالَ: أَنا مُوسَى. قَالَ: من مُوسَى؟ قَالَ: مُوسَى بني إِسْرَائِيل. قَالَ مجيءٌ مَا جَاءَ بك؟ قَالَ: جِئْت لتعلمتني مِمَّا علمت رشدا. قَالَ: إِنَّك لن تَسْتَطِيع معي صبرا، وَكَيف تصبر على مَا لم تحط بِهِ خَبرا؟(1/403)
شَيْء أمرت بِهِ أَن أَفعلهُ، إِذا رَأَيْته لم تصبر. قَالَ: ستجدني إِن شَاءَ الله صَابِرًا " ثمَّ ذكر نَحوه فِي ركُوب السَّفِينَة، وَقتل الْغُلَام. ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد هَذَا الْمَكَان: " رَحْمَة الله علينا وعَلى مُوسَى، لَوْلَا أَنه عجل لرَأى الْعجب، وَلكنه أَخَذته من صَاحبه ذمَامَة. قَالَ: إِن سَأَلتك عَن شيءٍ بعْدهَا فَلَا تُصَاحِبنِي، قد بلغت من لدني عذرا، وَلَو صَبر لرَأى الْعجب " قَالَ: وَكَانَ إِذا ذكر أحدا من الْأَنْبِيَاء بَدَأَ بِنَفسِهِ. ثمَّ قَالَ: " فَانْطَلقَا حَتَّى أَتَيَا أهل قَرْيَة لئام، فَطَافَا فِي الْمجَالِس فَاسْتَطْعَمَا أَهلهَا، فَأَبَوا أَن يُضَيِّفُوهُمَا، إِلَى قَوْله: هَذَا فِرَاق بيني وَبَيْنك "، وَأخذ بِثَوْبِهِ ثمَّ تَلا إِلَى قَوْله: {أما السَّفِينَة فَكَانَت لمساكين يعْملُونَ فِي الْبَحْر} إِلَى آخر الْآيَة [سُورَة الْكَهْف] ، " فَإِذا جَاءَ الَّذِي يسخرها وجدهَا منخرقةً، فتجاوزها وأصلحوها بخشبة.
وَأما الْغُلَام فطبع يَوْم طبع كَافِرًا، وَكَانَ أَبَوَاهُ قد عطفا عَلَيْهِ، فَلَو أَنه أدْرك أرهقهما طغياناً وَكفرا، فأردنا أَن يبدلهما ربهما خيرا مِنْهُ زَكَاة وَأقرب رحما ".
وَفِي حَدِيث عبد الله بن مُحَمَّد قَالَ: " قَامَ مُوسَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَطِيبًا فِي بني إِسْرَائِيل، فَسئلَ: أَي النَّاس أعلم؟ قَالَ: أَنا أعلم، فعتب الله عَلَيْهِ إِذْ لم يرد الْعلم إِلَيْهِ، فَأوحى الله إِلَيْهِ أَن عبدا من عبَادي بمجمعٍ الْبَحْرين هُوَ أعلم مِنْك. قَالَ: يَا رب، وَكَيف بِهِ؟ فَقيل لَهُ: احْمِلْ حوتاً فِي مكتل، فَإِذا فقدته فَهُوَ ثمَّ. فَانْطَلق وَانْطَلق مَعَه بفتاه يُوشَع بن نون، وحملاً حوتاً فِي مكتلٍ، حَتَّى كَانَا عِنْد الصَّخْرَة وضعا رؤوسهما فَنَامَا، فانسل الْحُوت من المكتل، فَاتخذ سَبيله فِي الْبَحْر سرباً، وَكَانَ لمُوسَى وفتاه عجبا " ثمَّ ذكر نَحْو ذَلِك.(1/404)
وَفِي حَدِيث عَليّ بن الْمَدِينِيّ، والْحميدِي عَن سُفْيَان بِمَعْنَاهُ، قَالَ: " واضطرب الْحُوت فِي المكتل، فَخرج مِنْهُ، فَسقط فِي الْبَحْر، فَاتخذ سَبيله فِي الْبَحْر سرباً، وَأمْسك الله عَن الْحُوت جرية المَاء، فَصَارَ عَلَيْهِ مثل الطاق. قَالَ أَحدهمَا: هَكَذَا مثل الطاق. فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ نسي صَاحبه أَن يُخبرهُ بالحوت. فَانْطَلقَا بَقِيَّة يومهما وليلتهما، حَتَّى إِذا كَانَ من الْغَد قَالَ مُوسَى لفتاه آتنا غداءنا ... . . ثمَّ ذكر نَحوه.
زَاد فِي حَدِيث قُتَيْبَة: قَالَ سُفْيَان: وَفِي حَدِيث غير عَمْرو قَالَ: " وَفِي أصل الصَّخْرَة عينٌ يُقَال لَهَا الْحَيَاة، لَا يُصِيب من مَائِهَا شَيْء إِلَّا حييّ، فَأصَاب الْحُوت من مَاء تِلْكَ الْعين، قَالَ: فَتحَرك وانسل من المكتل، فَدخل الْبَحْر. فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ مُوسَى قَالَ لفتاه: آتنا غداءنا. . الْآيَة، وَلم يجد النصب حَتَّى جَاوز مَا أَمر بِهِ. قَالَ لَهُ فتاه: أَرَأَيْت إِذْ أوينا إِلَى الصَّخْرَة؛ فَإِنِّي نسيت الْحُوت، فَرَجَعَا يقصان فِي آثارهما، فوجدا فِي الْبَحْر كالطاق ممر الْحُوت، وَكَانَ لفتاه عجبا وللحوت سرباً " ثمَّ ذكر نَحوه ... . وَفِي آخِره: قَالَ: وَكَانَ ابْن عَبَّاس يقْرَأ: (أمامهم ملك يَأْخُذ كل سفينةٍ صالحةٍ غصبا) (وَأما الْغُلَام فَكَانَ كَافِرًا) .
وَفِي حَدِيث ابْن جريج عَن يعلى بن مُسلم أَنه قيل لَهُ:
خُذ نوناً مَيتا حَتَّى ينْفخ فِيهِ الرّوح، فَأخذ حوتاً، فَجعله فِي مكتل، وَقَالَ لفتاه: لَا أكلفك إِلَّا أَن تُخبرنِي بِحَيْثُ يفارقك الْحُوت، فَقَالَ: مَا كلفت كثيرا. وَفِيه أَن الْحُوت تضرب حَتَّى دخل الْبَحْر، فَأمْسك الله جرية المَاء، هَكَذَا كَانَ أَثَره فِي حجرٍ وأنهما رجعا فوجدا خضرًا - قَالَ عُثْمَان بن أبي سُلَيْمَان: عَن طنفسةٍ خضراء على كبد(1/405)
الْبَحْر، وَأَن الْخضر قَالَ لمُوسَى: أما يَكْفِيك أَن التَّوْرَاة بيديك، وَأَن الْوَحْي يَأْتِيك يَا مُوسَى، إِن لي علما لَا يَنْبَغِي لَك أَن تعلمه، وَإِن لَك علما لَا يَنْبَغِي لي أَن أعلمهُ ".
وَفِيه فِي صفة قتل الْغُلَام: " فأضجعه فذبحه بالسكين " وَفِيه: " كَانَ أَبَوَاهُ مُؤمنين وَكَانَ كَافِرًا، فَخَشِينَا أَن يرهقهما طغياناً وَكفرا:
أَن يحملهما حبه على أَن يتابعاه على دينه. فأردنا أَن يبدلهما ربهما خيرا مِنْهُ زَكَاة، لقَوْله: قتلت نفسا زكية - وَأقرب رحما: أرْحم بهما من الأول الَّذِي قتل خضرٌ. وَزعم غير سعيد أَنَّهُمَا أبدلا جَارِيَة.
وَعند البُخَارِيّ أَيْضا فِيهِ أَلْفَاظ غير مُسندَة، مِنْهَا: يَزْعمُونَ أَن الْملك كَانَ اسْمه هدد بن بدد. وَأَن الْغُلَام الْمَقْتُول كَانَ اسْمه - يَزْعمُونَ - حيسون.
وَفِي حَدِيث إِبْرَاهِيم بن مُوسَى فِي قَوْله: {قَالَ ألم أقل إِنَّك لن تَسْتَطِيع معي صبرا قَالَ لَا تؤاخذني بِمَا نسيت وَلَا ترهقني من أَمْرِي عسرا فَانْطَلقَا حَتَّى إِذا لقيا غُلَاما فَقتله قَالَ أقتلت نفسا زكية بِغَيْر نفس لقد جِئْت شَيْئا نكرا قَالَ ألم أقل لَك إِنَّك لن تَسْتَطِيع معي صبرا} [سُورَة الْكَهْف] ، قَالَ: كَانَت الأولى نِسْيَانا، وَالْوُسْطَى شرطا، وَالثَّالِثَة عمدا.
وَعند مُسلم فِي حَدِيث عَمْرو النَّاقِد:
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ: {لاتخذت عَلَيْهِ أجرا} [سُورَة الْكَهْف] .
وَعِنْده فِي حَدِيث سُلَيْمَان التَّيْمِيّ عَن رَقَبَة قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
الْغُلَام الَّذِي قَتله الْخضر طبع كَافِرًا، وَلَو عَاشَ لأرهق أَبَوَيْهِ طغياناً وَكفرا ".
646 - الثَّانِي: عَن أبي أَيُّوب عَن أبي بن كَعْب أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله، إِذا(1/406)
جَامع الرجل الْمَرْأَة، فَلم ينزل؟ قَالَ: " يغسل مَا مس الْمَرْأَة مِنْهُ ثمَّ يتَوَضَّأ وَيُصلي ".
647 - الثَّالِث: عَن سُوَيْد بن غَفلَة قَالَ: خرجت أَنا وَزيد بن صوحان وسلمان ابْن ربيعَة غازين، فَوجدت سَوْطًا فَأَخَذته، فَقَالَا لي: دَعه. فَقلت: لَا، وَلَكِنِّي أعرفهُ، فَإِن جَاءَ صَاحبه وَإِلَّا استمتعت بِهِ. فَلَمَّا رَجعْنَا من غزاتنا قضي لي أَنِّي حججْت، فَأتيت الْمَدِينَة، فَلَقِيت أبي بن كَعْب، فَأَخْبَرته بشأن السَّوْط وبقولهما، فَقَالَ: إِنِّي وجدت صرةً فِيهَا مائَة دِينَار على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأتيت بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: " عرفهَا حولا " قَالَ: فعرفتها فَلم أجد من يعرفهَا، ثمَّ أَتَيْته فَقَالَ: " عرفهَا حولا " وَلم أجد من يعرفهَا. ثمَّ أَتَيْته فَقَالَ: " عرفهَا حولا " فَلم أجد من يعرفهَا. فَقَالَ " احفظ عَددهَا ووعاءها ووكاءها، فَإِن جَاءَ صَاحبهَا وَإِلَّا فاستمتع بهَا " فاستمتعت بهَا، فَلَقِيته بعد ذَلِك بِمَكَّة، فَقَالَ: لَا أَدْرِي بِثَلَاثَة أَحْوَال أَو حول وَاحِد.
وَفِي رِوَايَة بهزٍ قَالَ شُعْبَة: فَسَمعته - يَعْنِي سَلمَة بن كهيل - بعد عشر سِنِين يَقُول: عرفهَا عَاما وَاحِدًا.
وَعند مُسلم من حَدِيث الْأَعْمَش، وسُفْيَان، وَزيد بن أبي أنيسَة، وَحَمَّاد بن سَلمَة، عَن سَلمَة بن كهيل عَن سُوَيْد: ثَلَاثَة أَحْوَال، إِلَّا حَمَّاد بن سَلمَة فَإِنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثه: عَاميْنِ أَو ثَلَاثَة. وَفِي حَدِيث [سُفْيَان] وَابْن أبي أنيسَة وَحَمَّاد:
فَإِن جَاءَ أحدٌ يُخْبِرك بعددها ووعائها ووكائها، فأعطها إِيَّاه. فِي رِوَايَة وَكِيع: وَإِلَّا فَهُوَ كسبيل مَالك. وَفِي رِوَايَة ابْن نمير: وَإِلَّا فاستمتع بهَا.(1/407)
أَفْرَاد البُخَارِيّ
648 - الأول: عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: أقرؤنا أبيٌّ، وأقضانا عليٌّ، وَإِنَّا لندع من قَول أبي، وَذَلِكَ أَن أبياًّ يَقُول: لَا أدع شَيْئا سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقد قَالَ الله تَعَالَى: {مَا ننسخ من آيَة أَو ننسها} [سُورَة الْبَقَرَة] .
وَفِي حَدِيث صَدَقَة بن الْفضل: وَأبي يَقُول:
أَخَذته من فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَا نتركه لشَيْء.
649 - الثَّانِي: من حَدِيث ابْن شهَاب عَن أنسٍ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَو أَن لِابْنِ آدم وَاديا من ذهب، أحب أَن يكون لَهُ واديان، وَلنْ يمْلَأ فَاه إِلَّا التُّرَاب، وَيَتُوب الله على من تَابَ ". قَالَ أنس عَن أبي: قَالَ: كُنَّا نرى هَذَا من الْقُرْآن حَتَّى نزلت: {أَلْهَاكُم} [سُورَة التكاثر] .
650 - الثَّالِث: عَن أبي مَرْيَم زر بن حُبَيْش الْأَسدي قَالَ: سَأَلت أبي بن كعبٍ عَن المعوذتين قلت: أَبَا الْمُنْذر، إِن أَخَاك ابْن مَسْعُود يَقُول كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ:
سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: قيل لي، فَقلت، فَنحْن نقُول كَمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
651 - الرَّابِع: عَن عبد الرَّحْمَن بن الْأسود بن عبد يَغُوث: أَن أبي بن كَعْب أخبرهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
إِن من الشّعْر حِكْمَة ".(1/408)
أَفْرَاد مُسلم
652 - الأول: عَن زر بن حُبَيْش قَالَ: سَمِعت أبي بن كَعْب يَقُول - وَقيل لَهُ: إِن عبد الله بن مَسْعُود يَقُول: من قَامَ السّنة أصَاب لَيْلَة الْقدر. فَقَالَ أبي: وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ إِنَّهَا لفي رَمَضَان، يحلف مَا يَسْتَثْنِي. وَالله إِنِّي لأعْلم أَي ليلةٍ هِيَ، هِيَ اللَّيْلَة الَّتِي أمرنَا بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقيامها، هِيَ لَيْلَة سبع وَعشْرين، وأمارتها أَن تطلع الشَّمْس فِي صَبِيحَة يَوْمهَا بَيْضَاء، لَا شُعَاع لَهَا.
وَفِي حَدِيث سُفْيَان قَالَ: سَأَلت أبي بن كَعْب، فَقلت: إِن أَخَاك ابْن مسعودٍ يَقُول:
من يقم الْحول يصب لَيْلَة الْقدر. فَقَالَ: رَحمَه الله أَرَادَ أَلا يتكل النَّاس، أما إِنَّه قد علم أَنَّهَا فِي رَمَضَان، وَأَنَّهَا فِي الْعشْر الْأَوَاخِر. ثمَّ حلف لَا يَسْتَثْنِي أَنَّهَا لَيْلَة سبعٍ وَعشْرين. فَقلت: بِأَيّ شَيْء تَقول ذَلِك يَا أَبَا الْمُنْذر؟ قَالَ: بالعلامة، أَو بِالْآيَةِ الَّتِي أخبرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنَّهَا تطلع يومئذٍ لَا شُعَاع لَهَا.
653 - الثَّانِي: عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن أبي بن كَعْب فِي قَوْله عز وَجل: {ولنذيقنهم من الْعَذَاب الْأَدْنَى دون الْعَذَاب الْأَكْبَر} [سُورَة السَّجْدَة] ، قَالَ: مصائب الدُّنْيَا، وَالروم، وَالْبَطْشَة أَو الدُّخان. شُعْبَة الشاك فِي البطشة أَو الدُّخان.
654 - الثَّالِث: عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن أبي بن كَعْب قَالَ: كنت فِي الْمَسْجِد، فَدخل رجلٌ يُصَلِّي، فَقَرَأَ قِرَاءَة أنكرتها، ثمَّ دخل آخر فَقَرَأَ قِرَاءَة سوى قِرَاءَة صَاحبه. فَلَمَّا قضينا الصَّلَاة دَخَلنَا جَمِيعًا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: إِن هَذَا قَرَأَ قِرَاءَة أنكرتها عَلَيْهِ، وَدخل آخر فَقَرَأَ سوى قِرَاءَة صَاحبه، فَأَمرهمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فقرآ، فَحسن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَأْنهمَا، فَسقط فِي نَفسِي من التَّكْذِيب وَلَا إِذْ كنت فِي الْجَاهِلِيَّة، فَلَمَّا رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا قد غشيني ضرب فِي صَدْرِي،(1/409)
ففضت عرقاً، وكأنما أنظر إِلَى الله عز وَجل فرقا، فَقَالَ لي: " يَا أبي، أرسل إِلَيّ: أَن اقْرَأ الْقُرْآن على حرفٍ، فَرددت إِلَيْهِ: أَن هون على أمتِي، فَرد إِلَيّ الثَّانِيَة: اقرأه على حرفين، فَرددت إِلَيْهِ: أَن هونٍ على أمتِي، فَرد إِلَيّ الثَّالِثَة: اقرأه على سَبْعَة أحرف، وَلَك بِكُل ردة رددتكها مَسْأَلَة تسألنيها. فَقلت: اللَّهُمَّ اغْفِر لأمتي، اللَّهُمَّ اغْفِر لأمتي. وأخرت الثَّالِثَة ليومٍ يرغب إِلَيّ الْخلق كلهم، حَتَّى إِبْرَاهِيم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ".
وَفِي حَدِيث مُجَاهِد عَن ابْن أبي ليلى عَن أبي قَالَ:
إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ عِنْد أضاة بني غفار، قَالَ: فَأَتَاهُ جِبْرِيل فَقَالَ: إِن الله يَأْمُرك أَن تقْرَأ أمتك الْقُرْآن على حرفٍ. فَقَالَ: " أسأَل الله معافاته ومغفرته، وَإِن أمتِي لَا تطِيق ذَلِك " ثمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَة فَقَالَ: إِن الله يَأْمُرك أَن تقْرَأ أمتك الْقُرْآن على حرفين، فَقَالَ: " أسأَل الله معافاته ومغفرته، وَإِن أمتِي لَا تطِيق ذَلِك " ثمَّ جَاءَهُ الثَّالِثَة فَقَالَ: إِن الله يَأْمُرك أَن تقْرَأ أمتك الْقُرْآن على ثَلَاثَة أحرف فَقَالَ: " أسأَل الله معافاته ومغفرته، وَإِن أمتِي لَا تطِيق ذَلِك " ثمَّ جَاءَهُ الرَّابِعَة؟ فَقَالَ: إِن الله يَأْمُرك أَن تقْرَأ أمتك الْقُرْآن على سَبْعَة أحرفٍ، فأيما حرفٍ قرءوا عَلَيْهِ فقد أَصَابُوا ".
655 - الرَّابِع: عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ عَن أبي بن كَعْب قَالَ: كَانَ رجلٌ لَا أعلم رجلا أبعد من الْمَسْجِد مِنْهُ، وَكَانَ لَا تخطئه صَلَاة، فَقيل لَهُ، أَو قلت لَهُ: لَو اشْتريت حمارا تركبه فِي الظلماء، وَفِي الرمضاء. قَالَ: مَا يسرني أَن منزلي إِلَى جنب الْمَسْجِد، إِنِّي أُرِيد أَن يكْتب لي ممشاي إِلَى الْمَسْجِد، ورجوعي إِذا رجعت إِلَى أَهلِي. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " قد جمع الله لَك ذَلِك كُله ".(1/410)
وَفِي رِوَايَة عَاصِم عَن أبي عُثْمَان نَحوه، وَفِيه:
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ: " إِن لَك مَا احتسبت ".
656 - الْخَامِس: عَن عبد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل قَالَ: كنت وَاقِفًا مَعَ أبي بن كَعْب فَقَالَ: لَا يزَال النَّاس أَعْنَاقهم مختلفةٌ فِي طلب الدُّنْيَا. قلت: أجل. فَقَالَ لي: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " يُوشك الْفُرَات يحسر عَن جبلٍ من ذهب، وَإِذا سمع بِهِ النَّاس سَارُوا إِلَيْهِ، فَيَقُول من عِنْده: لَئِن تركنَا النَّاس يَأْخُذُونَ مِنْهُ ليذهبن بِهِ كُله. قَالَ: فيقتتلون عَلَيْهِ، فَيقْتل من كل مائَة تِسْعَة وَتسْعُونَ ".
657 - السَّادِس: عَن عبد الله بن رَبَاح الْأنْصَارِيّ عَن أبي بن كَعْب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " يَا أَبَا الْمُنْذر، أَتَدْرِي أَي آيةٍ فِي كتاب الله مَعَك أعظم؟ " قَالَ: قلت: {الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم} [سُورَة الْبَقَرَة] ، وَهِي آيَة الْكُرْسِيّ، فَضرب فِي صَدْرِي وَقَالَ: " لِيَهنك الْعلم يَا أَبَا الْمُنْذر ". .
زَاد أَبُو مَسْعُود:
" وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، إِن لهَذِهِ الْآيَة للساناً وشفتين، تقدس الْملك عِنْد سَاق الْعَرْش " وَلم أجد ذَلِك فِيمَا عندنَا من كتاب مُسلم.
658 - السَّابِع: حَدِيث الاسْتِئْذَان، من رِوَايَة طَلْحَة بن يحيى عَن أبي بردة بن أبي مُوسَى عَنهُ. تقدم فِي مُسْند أبي مُوسَى.(1/411)
(38) الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن أبي طَلْحَة زيد بن سهل الْأنْصَارِيّ [رَضِي الله عَنهُ]
حديثان:
659 - أَحدهمَا: عَن ابْن عَبَّاس عَنهُ أَنه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " لَا تدخل الْمَلَائِكَة بَيْتا فِيهِ كلبٌ وَلَا صورةٌ ". وَفِي رِوَايَة: " وَلَا تماثيل ". وَفِي رِوَايَة: " وَلَا تصاوير ". زَاد بعض الروَاة بعد قَوْله: " وَلَا صُورَة " يُرِيد صور التماثيل الَّتِي فِيهَا الْأَرْوَاح.
وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا من حَدِيث زيد بن خَالِد عَن أبي طَلْحَة:
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَا تدخل الْمَلَائِكَة بَيْتا فِيهِ صورةٌ ". قَالَ بسر بن سعيد: ثمَّ اشْتَكَى زيدٌ فعدناه، فَإِذا على بَابه سترٌ فِيهِ صُورَة، قَالَ: فَقلت لِعبيد الله الْخَولَانِيّ، ربيب مَيْمُونَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ألم يخبرنا زيدٌ عَن الصُّور يَوْم الأول؟ فَقَالَ عبيد الله: ألم تسمعه حِين قَالَ: " إِلَّا رقماً فِي ثوب ".
وَعند مُسلم فِي حَدِيث زيد بن خَالِد من رِوَايَة سُهَيْل بن سعيد بن يسَار عَنهُ عَن أبي طَلْحَة:
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَا تدخل الْمَلَائِكَة بَيْتا فِيهِ كلبٌ وَلَا تماثيل ".
660 - الثَّانِي: عَن أنس بن مَالك عَن أبي طَلْحَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ إِذا ظهر على قومٍ أَقَامَ بالعرصة ثَلَاث ليالٍ.(1/412)
وَعَن أبي طَلْحَة قَالَ:
لما كَانَ يَوْم بدر وَظهر عَلَيْهِم نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر ببضعةٍ وَعشْرين رجلا. وَفِي حَدِيث روح: بأَرْبعَة وَعشْرين رجلا من صَنَادِيد قريشٍ، فَألْقوا فِي طوي من أطواء بدر. بِمَعْنى حَدِيث ثَابت عَن أنس، وَفِيه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ناداهم: يَا أَبَا جهل بن هِشَام، يَا أُميَّة بن خلف، يَا عتبَة بن ربيعَة، يَا شيبَة ابْن ربيعَة، أَلَيْسَ قد وجدْتُم مَا وعد ربكُم حَقًا، فَإِنِّي وجدت مَا وَعَدَني رَبِّي حقاًّ ". وَفِيه أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: " وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، مَا أَنْتُم بأسمع لما أَقُول مِنْهُم " زَاد البرقاني فِي الحَدِيث قَالَ: قَالَ قَتَادَة أحياهم الله حَتَّى أسمعهم توبيخاً وتصغيراً ونقمة وحسرةً وتندماً.
وللبخاري حَدِيث وَاحِد:
661 - عَن أنس عَن أبي طَلْحَة قَالَ: كنت فِيمَن تغشاه النعاس يَوْم أحدٍ، حَتَّى سقط سَيفي من يَدي مرَارًا، يسْقط وَآخذه، وَيسْقط وَآخذه.
وَلمُسلم حَدِيث وَاحِد:
662 - عَن عبد الله بن أبي طَلْحَة عَن أَبِيه قَالَ: كُنَّا قعُودا بالأفنية نتحدث، فجَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَامَ علينا، فَقَالَ: " مَا لكم ولمجالس الصعدات. اجتنبوا مجَالِس الصعدات " فَقُلْنَا. إِنَّمَا فعلنَا لغير مَا بَأْس، قعدنا نتذاكر ونتحدث. قَالَ: " إِمَّا لَا، فأدوا حَقّهَا: غض الْبَصَر، ورد السَّلَام، وَحسن الْكَلَام ".(1/413)
(39) الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن عبَادَة بن الصَّامِت بن قيس الْأنْصَارِيّ شهد بَدْرًا، وَبَايع لَيْلَة الْعقبَة، رَضِي الله عَنهُ
663 - الحَدِيث الأول: عَن أنس عَن عبَادَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " من أحب لِقَاء الله أحب الله لقاءه، وَمن كره لِقَاء الله كره الله لقاءه ". زَاد البُخَارِيّ فِي رِوَايَته من طَرِيق همام، عَن قَتَادَة: فَقَالَت عَائِشَة أَو بعض أَزوَاجه: إِنَّا لنكره الْمَوْت. قَالَ: " لَيْسَ ذَلِك، وَلَكِن الْمُؤمن إِذا حَضَره الْمَوْت بشر برضوان الله وكرامته، فَلَيْسَ شيءٌ أحب إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامه، فَأحب لِقَاء الله وَأحب الله لقاءه. وَإِن الْكَافِر إِذا حضر بشر بِعَذَاب الله وعقوبته، فَلَيْسَ شيءٌ أكره إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامه، كره لِقَاء الله، وَكره الله لقاءه ".
664 - الثَّانِي: عَن قَتَادَة عَن أنس بن مَالك عَن عبَادَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " رُؤْيا الْمُؤمن جُزْء من ستةٍ وَأَرْبَعين جُزْءا من النُّبُوَّة ". وَهُوَ عِنْد مُسلم من حَدِيث ثَابت عَن أنس عَن عبَادَة مثل حَدِيث قَتَادَة.
665 - الثَّالِث: عَن مَحْمُود بن الرّبيع عَن عبَادَة بن الصَّامِت: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب ".
666 - الرَّابِع: عَن الْوَلِيد بن عبَادَة بن الصَّامِت عَن أَبِيه قَالَ: بَايعنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على السّمع وَالطَّاعَة فِي الْعسر واليسر، والمنشط وَالْمكْره، وعَلى أثرةٍ علينا، وعَلى أَلا ننازع الْأَمر أَهله. وعَلى أَن نقُول بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا، لَا نَخَاف فِي الله لومة لائم.(1/414)
وَقد أخرجَا هَذَا الْمَعْنى من حَدِيث جُنَادَة عَن عبَادَة، وَزَاد مُتَّصِلا بقوله: وَلَا ننازع الْأَمر أَهله. قَالَ: " إِلَّا أَن تروا كفرا بواحاً عنْدكُمْ فِيهِ من الله برهَان ".
667 - الْخَامِس: عَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ، عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مجلسٍ فَقَالَ: " تُبَايِعُونِي على أَلا تُشْرِكُوا بِاللَّه شَيْئا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تقتلُوا النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ ". فِي رِوَايَة: " وَلَا تقتلُوا أَوْلَادكُم، وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَان تفترونه بَين أَيْدِيكُم وأرجلكم، وَلَا تعصوني فِي مَعْرُوف، فَمن وفى مِنْكُم فَأَجره على الله، وَمن أصَاب شَيْئا من ذَلِك فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ وطهورٌ، وَمن أصَاب شَيْئا من ذَلِك فستره الله عَلَيْهِ، فَأمره إِلَى الله، إِن شَاءَ عَفا عَنهُ وَإِن شَاءَ عذبه ".
قَالَ: فَبَايَعْنَاهُ على ذَلِك. فِي حَدِيث معمر: فَتلا علينا آيَة النِّسَاء: {لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا} الْآيَة [سُورَة الممتحنة] .
وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عسيلة الصنَابحِي عَن عبَادَة أَنه قَالَ: إِنِّي لمن النُّقَبَاء الَّذين بَايعُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بَايَعْنَاهُ على أَلا نشْرك بِاللَّه شَيْئا، وَذكر نَحوه. وَزَاد: وَلَا ننتهب، وَلَا نعصي، فالجنة إِن فعلنَا ذَلِك، فَإِن غشينا من ذَلِك شَيْئا كَانَ قَضَاء ذَلِك إِلَى الله عز وَجل.
وَهُوَ عِنْد مُسلم من حَدِيث أبي الْأَشْعَث الصَّنْعَانِيّ عَن عبَادَة: وَفِيه: أَخذ علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا أَخذ على النِّسَاء أَلا نشْرك بِاللَّه شَيْئا، وَلَا نَسْرِق، وَلَا نزني، وَلَا نقْتل أَوْلَادنَا، وَلَا يعضه بَعْضنَا بَعْضًا. ثمَّ ذكر نَحوه.(1/415)
668 - السَّادِس: عَن جُنَادَة بن أبي أُميَّة عَن عبَادَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " من شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، وَأَن عِيسَى عبد الله وَرَسُوله وكلمةٌ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وروحٌ مِنْهُ، وَالْجنَّة وَالنَّار حق، أدخلهُ الله الْجنَّة على مَا كَانَ من الْعَمَل ".
فِي رِوَايَة ابْن جَابر:
أدخلهُ الله من أَبْوَاب الْجنَّة الثَّمَانِية أَيهَا شَاءَ ".
وَهُوَ عِنْد مُسلم من حَدِيث الصنَابحِي عَن عبَادَة قَالَ:
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " من شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، حرم الله عَلَيْهِ النَّار " لم يزدْ.
وللبخاري حديثان:
669 - أَحدهمَا: عَن أنس قَالَ: حَدثنِي عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليخبر بليلة الْقدر، فتلاحى رجلَانِ من الْمُسلمين، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِنِّي خرجت لأخبركم بليلة الْقدر، فتلاحى فلَان وَفُلَان، فَرفعت، وَعَسَى أَن يكون خيرا لكم، فالتمسوها فِي التَّاسِعَة وَالسَّابِعَة وَالْخَامِسَة ".
670 - الثَّانِي: عَن جُنَادَة بن أبي أُميَّة قَالَ: حَدثنِي عبَادَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " من تعار من اللَّيْل، فَقَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شيءٍ قديرٌ، الْحَمد لله، وَسُبْحَان الله، وَالله أكبر، وَلَا حول(1/416)
وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه، ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِر لي، أَو دَعَا، اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِن تَوَضَّأ قبلت صلَاته ".
وَلمُسلم حديثان:
671 - أَحدهمَا: عَن الْحسن الْبَصْرِيّ عَن حطَّان عَن عبد الله الرقاشِي عَن عبَادَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " خُذُوا عني، خُذُوا عني، قد جعل الله لَهُنَّ سَبِيلا ".
الْبكر بالبكر جلد مائةٍ وَنفي سنةٍ، وَالثَّيِّب بِالثَّيِّبِ جلد مائةٍ وَالرَّجم ".
672 - الثَّانِي: عَن أبي الْأَشْعَث الصَّنْعَانِيّ - من صنعاء دمشق، واسْمه شرَاحِيل بن آدة، عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " الذَّهَب بِالذَّهَب، وَالْفِضَّة بِالْفِضَّةِ، وَالْبر بِالْبرِّ، وَالشعِير بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْر بِالتَّمْرِ، وَالْملح بالملح، مثلا بِمثل، سَوَاء بسواءٍ، يدا بيدٍ. فَإِذا اخْتلفت هَذِه الْأَصْنَاف فبيعوا كَيفَ شِئْتُم إِذا كَانَ يدا بيدٍ ".
وَهُوَ عِنْد مُسلم أَيْضا بِطُولِهِ، وَفِيه قصَّة مُعَاوِيَة مَعَ عبَادَة، من حَدِيث أَيُّوب عَن أبي قلَابَة قَالَ: كنت بِالشَّام فِي حَلقَة فِيهَا مُسلم بن يسَار، فجَاء أَبُو الْأَشْعَث قَالَ: فَقَالُوا: أَبُو الْأَشْعَث، أَبُو الْأَشْعَث، فَجَلَسَ فَقلت: حدث أخانا حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت. قَالَ: نعم، غزونا غزَاة وعَلى النَّاس مُعَاوِيَة، فغنمنا غَنَائِم كَثِيرَة، فَكَانَ فِيمَا غنمنا آنيةٌ من فضَّة، فَأمر مُعَاوِيَة رجلا أَن يَبِيعهَا فِي أعطيات النَّاس، فَتسَارع النَّاس فِي ذَلِك، فَبلغ عبَادَة بن الصَّامِت، فَقَالَ:
إِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينْهَى عَن بيع الذَّهَب بِالذَّهَب، وَالْفِضَّة بِالْفِضَّةِ، وَالْبر بِالْبرِّ،(1/417)
وَالشعِير بِالشَّعِيرِ، وَالْملح بالملح إِلَّا سَوَاء بِسَوَاء عينا بعينٍ، فَمن زَاد أَو ازْدَادَ فقد أربى. فَرد النَّاس مَا أخذُوا.
فَبلغ ذَلِك مُعَاوِيَة، فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: مَا بَال رجالٍ يتحدثون عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَحَادِيث قد كُنَّا نشهده ونصحبه فَلم نسمعها مِنْهُ. فَقَامَ عبَادَة فَأَعَادَ الْقِصَّة وَقَالَ: لنحدثن بِمَا سمعنَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن كره مُعَاوِيَة. أَو قَالَ: وَإِن رغم، مَا أُبَالِي أَلا أَصْحَبهُ فِي جنده لَيْلَة سَوْدَاء. قَالَ حَمَّاد هَذَا أَو نَحوه.(1/418)
(40) الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنهُ واسْمه خَالِد بن زيد.
673 - الأول: عَن الْبَراء بن عَازِب عَن أبي أَيُّوب قَالَ: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد مَا غربت الشَّمْس، فَسمع صَوتا فَقَالَ: " يهود تعذب فِي قبورها ".
674 - الثَّانِي: عَن عبد الله بن يزِيد الخطمي - وَكَانَ أَمِيرا على الْكُوفَة على عهد ابْن الزبير، قَالَ: حَدثنِي أَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمع فِي حجَّة الْوَدَاع الْمغرب وَالْعشَاء بِالْمُزْدَلِفَةِ.
675 - الثَّالِث: عَن عَطاء بن يزِيد اللَّيْثِيّ عَن أبي أَيُّوب: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَا يحل لمسلمٍ أَن يهجر أَخَاهُ فَوق ثَلَاث ليالٍ، يَلْتَقِيَانِ، فَيعرض هَذَا ويعرض هَذَا، وخيرهما الَّذِي يبْدَأ بِالسَّلَامِ ".
676 - الرَّابِع: عَن عَطاء بن يزِيد عَن أبي أَيُّوب أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِذا أتيتم الْغَائِط فَلَا تستقبلوا الْقبْلَة وَلَا تستدبروها، وَلَكِن شرقوا أَو غربوا ".
قَالَ أَبُو أَيُّوب: فقدمنا الشَّام، فَوَجَدنَا مراحيض بنيت قبل الْقبْلَة، فننحرف عَنْهَا ونستغفر الله عز وَجل.
677 - الْخَامِس: عَن مُوسَى بن طَلْحَة عَن أبي أَيُّوب أَن رجلا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَخْبرنِي بِعَمَل يدخلني الْجنَّة، وَيُبَاعِدنِي من النَّار. فَقَالَ الْقَوْم: مَاله مَاله.(1/419)
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أربٌ مَاله. تعبد الله وَلَا تشرك بِهِ شَيْئا، وتقيم الصَّلَاة، وتؤتي الزَّكَاة، وَتصل الرَّحِم، ذرها " كَأَنَّهُ كَانَ على رَاحِلَته.
زَاد أَبُو الْأَحْوَص: فَلَمَّا أدبر قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
" إِن تمسك بِمَا أَمر بِهِ دخل الْجنَّة ".
وَفِي رِوَايَة ابْن نمير:
أَن أَعْرَابِيًا عرض لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي سفرٍ، فَأخذ بِخِطَام نَاقَته أَو بزمامها، ثمَّ قَالَ: يَا رَسُول الله، أَو: يَا مُحَمَّد، أَخْبرنِي بِمَا يقربنِي من الْجنَّة، وَمَا يباعدني من النَّار. قَالَ: فَكف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ نظر فِي أَصْحَابه، ثمَّ قَالَ: " لقد وفْق، أَو: لقد هدي ". قَالَ: " كَيفَ قلت؟ " قَالَ: فَأَعَادَ. فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " تعبد الله ... " وَذكره. وَقَالَ فِي آخِره: " دع النَّاقة ".
678 - السَّادِس: عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن أبي أَيُّوب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير، عشر مرار، كَانَ كمن أعتق أَرْبَعَة أنفسٍ من ولد إِسْمَاعِيل ".
679 - السَّابِع: عَن عبد الله بن حنين: أَن عبد الله بن عَبَّاس والمسور بن مخرمَة اخْتلفَا بالأبواء، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: يغسل الْمحرم رَأسه، وَقَالَ الْمسور: لَا يغسل الْمحرم رَأسه. قَالَ: فأرسلني ابْن عَبَّاس إِلَى أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ، فَوَجَدته يغْتَسل بَين القرنين وَهُوَ يستر بِثَوْب، فَسلمت عَلَيْهِ، فَقَالَ: من هَذَا؟ فَقلت: عبد الله بن حنين، أَرْسلنِي إِلَيْك ابْن عَبَّاس يَسْأَلك: كَيفَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يغسل رَأسه وَهُوَ محرمٌ؟ فَوضع أَبُو أَيُّوب يَده على الثَّوْب، فطأطأه حَتَّى بدا لي رَأسه، ثمَّ(1/420)
قَالَ لإِنْسَان يصب عَلَيْهِ: اصبب، فصب على رَأسه، ثمَّ حرك رَأسه بيدَيْهِ، فَأقبل بهما وَأدبر، فَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يفعل. وَفِي رِوَايَة ابْن جريج: فَقَالَ الْمسور لِابْنِ عَبَّاس: لَا أماريك أبدا.
وللبخاري حَدِيث وَاحِد:
680 - من حَدِيث أبي سَلمَة عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن أبي أَيُّوب قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " مَا بعث الله من نَبِي وَلَا كَانَ بعده من خَليفَة إِلَّا لَهُ بطانتان: بطانةٌ تَأمره بِالْمَعْرُوفِ وتنهاه عَن الْمُنكر، وبطانةٌ لَا تألوه خبالاً، فَمن وقِي بطانة السوء فقد وقِي ". أخرجه بِغَيْر إسنادٍ فَقَالَ: وَقَالَ عبيد الله بن أبي جَعْفَر بعد أَن أخرج مَعْنَاهُ بِإِسْنَاد من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ. والمتن هَكَذَا فِي " الْأَطْرَاف "، وَفِي كتاب البرقاني.
أَفْرَاد مُسلم
681 - الأول: عَن جَابر بن سَمُرَة عَن أبي أَيُّوب قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أُتِي بطعامٍ اكل مِنْهُ، وَبعث بفضله إِلَيّ، وَإنَّهُ بعث إِلَيّ يَوْمًا بفضلةٍ لم يَأْكُلُوا مِنْهَا لِأَن فِيهَا ثوماً، فَسَأَلته: أحرامٌ هُوَ؟ قَالَ: " لَا، وَلَكِنِّي أكرهه من أجل رِيحه ".
قَالَ: فَإِنِّي أكره مَا كرهت ".
وَرَوَاهُ مسلمٌ أَيْضا وَفِيه زيادةٌ من حَدِيث أَفْلح مولى أبي أَيُّوب عَن أبي أَيُّوب: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نزل عَلَيْهِ، فَنزل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السّفل، وَأَبُو أَيُّوب فِي الْعُلُوّ، فانتبه(1/421)
أَبُو أَيُّوب لَيْلَة، فَقَالَ: نمشي فَوق رَأس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فتنحوا فَبَاتُوا فِي جَانب.
ثمَّ قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " السّفل أرْفق " فَقَالَ: لَا أعلو سَقِيفَة أَنْت تحتهَا. فتحول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْعُلُوّ، وَأَبُو أَيُّوب فِي السّفل، فَكَانَ يصنع للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَعَاما، فَإِذا جِيءَ بِهِ إِلَيْهِ سَأَلَ عَن مَوضِع أَصَابِعه فتتبع أَصَابِعه، فَصنعَ لَهُ طَعَاما فِيهِ ثومٌ فَلَمَّا رد إِلَيْهِ سَأَلَ عَن مَوضِع أَصَابِع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقيل لَهُ: لم يَأْكُل، فَفَزعَ وَصعد إِلَيْهِ، فَقَالَ: أحرامٌ؟ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا، وَلَكِنِّي أكرهه " فَقَالَ: فَإِنِّي أكره مَا تكره، أَو مَا كرهت. قَالَ: وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُؤْتى إِلَيْهِ. يَعْنِي: مَجِيء الْملك.
682 - الثَّانِي: عَن مُوسَى بن طَلْحَة عَن أبي أَيُّوب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " الْأَنْصَار، وَمُزَيْنَة، وجهينة. وغفار، وَأَشْجَع، وَمن كَانَ من بني عبد الله، موَالِي دون النَّاس، وَالله وَرَسُوله مَوْلَاهُم ".
وَهَكَذَا هَذَا الْمَتْن فِي كتاب مُسلم، وَقد ذكره أَبُو مَسْعُود بِخِلَاف ذَلِك، وَلم أَجِدهُ على ذَلِك فِيمَا عندنَا من كتاب مُسلم.
683 - الثَّالِث: عَن أبي صرمة عَن أبي أَيُّوب أَنه قَالَ حِين حَضرته الْوَفَاة: كنت كتمت عَنْكُم شَيْئا سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " لَوْلَا أَنكُمْ تذنبون لخلق الله خلقا يذنبون، يغْفر لَهُم ".
684 - الرَّابِع: عَن عمر بن ثَابت الخزرجي عَن أبي أَيُّوب أَنه حَدثهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " من صَامَ رَمَضَان وَأتبعهُ ستاًّ من شَوَّال كَانَ كصيام الدَّهْر ".(1/422)
685 - الْخَامِس: عَن أبي عبد الرَّحْمَن الحبلي - واسْمه عبد الله بن يزِيد - قَالَ: سَمِعت أَبَا أَيُّوب يَقُول: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " غدْوَة فِي سَبِيل الله أَو روحةٌ خيرٌ مِمَّا طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس وغربت ".(1/423)
(41) الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن أبي بردة، هَانِئ بن نيار البلوي رَضِي الله عَنهُ
حَدِيث وَاحِد، وَلَيْسَ لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ غَيره:
686 - عَن جَابر بن عبد الله عَن أبي بردة. وَفِي حَدِيث يزِيد بن أبي حبيب، عَن عبد الرَّحْمَن بن جَابر عَن أبي بردة: أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " لَا يجلد فَوق عشرَة أسواطٍ إِلَّا فِي حدٍّ من حُدُود الله عز وَجل ".(1/424)
(42) الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن زيد بن ثَابت الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنهُ
687 - الأول: عَن عبد الله بن عمر من رِوَايَة سَالم عَنهُ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَا تَبِيعُوا الثَّمر حَتَّى يَبْدُو صَلَاحه، وَلَا تَبِيعُوا الثَّمر بالثمر ". قَالَ سَالم: وَأَخْبرنِي عبد الله عَن زيد بن ثَابت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رخص بعد ذَلِك فِي بيع الْعرية بالرطب أَبُو بِالتَّمْرِ، وَلم يرخص فِي غير ذَلِك.
وَفِي رِوَايَة مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن زيد:
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رخص لصَاحب الْعرية أَن يَبِيعهَا بِخرْصِهَا من التَّمْر.
وَفِي رِوَايَة يحيى بن سعيد عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن زيد: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رخص فِي الْعرية، يَأْخُذهَا أهل الْبَيْت بِخرْصِهَا تَمرا، يأكلونها رطبا.
وَفِي رِوَايَة هشيم عَن يحيى بن سعيد: والعرية: النَّخْلَة تجْعَل للْقَوْم، فيبيعونها بِخرْصِهَا تَمرا.
وَفِي رِوَايَة اللَّيْث عَن يحيى بِهَذَا الْإِسْنَاد:
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رخص فِي بيع الْعرية بِخرْصِهَا تَمرا. قَالَ يحيى: الْعرية: أَن يَشْتَرِي الرجل ثَمَر النخلات لطعام اهله رطبا، بِخرْصِهَا تَمرا.(1/425)
688 - الثَّانِي: عَن أنس بن مَالك عَن زيد بن ثَابت قَالَ: تسحرنا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قمنا إِلَى الصَّلَاة. قلت: كم كَانَ قدر مَا بَينهمَا؟ قَالَ: قدر خمسين آيَة.
وَفِي حَدِيث سعيد عَن قَتَادَة:
أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَزيد بن ثَابت تسحرا. جعله فِي مُسْند أنس.
689 - الثَّالِث: عَن عبد الله بن يزِيد عَن زيد بن ثابتٍ قَالَ: لما خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أحدٍ، رَجَعَ ناسٌ مِمَّن خرج مَعَه، فَكَانَ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيهم فرْقَتَيْن، قَالَت فرقةٌ: نقتلهم، وَقَالَت فرقةٌ: لَا نقتلهم. فَنزلت: {فَمَا لكم فِي الْمُنَافِقين فئتين} [سُورَة النِّسَاء] ، وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِنَّهَا طيبَة، تَنْفِي الرِّجَال كَمَا يَنْفِي الْكِير خبث الْحَدِيد ".
690 - الرَّابِع: عَن عَطاء بن يسارٍ عَن زيد عَن ثابتٍ قَالَ: قَرَأت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (والنجم) فَلم يسْجد فِيهَا.
691 - الْخَامِس: عَن بسر بن سعيدٍ عَن زيد بن ثَابت قَالَ: احتجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حجيرة بخصفةٍ أَو حصيرٍ، قَالَ عَفَّان: فِي الْمَسْجِد، وَقَالَ عبد الْأَعْلَى: فِي رَمَضَان، فَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي فِيهَا: قَالَ: فتتبع إِلَيْهِ رجالٌ، وَجَاءُوا يصلونَ بِصَلَاتِهِ. قَالَ: ثمَّ جَاءُوا إِلَيْهِ فَحَضَرُوا، وَأَبْطَأ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنْهُم، قَالَ: فَلم يخرج إِلَيْهِم، فَرفعُوا أَصْوَاتهم وحصبوا الْبَاب، فَخرج إِلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مغضباً فَقَالَ لَهُم: " مَا زَالَ بكم صنيعكم حَتَّى ظَنَنْت أَنه سيكتب عَلَيْكُم، فَعَلَيْكُم بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتكُمْ، فَإِن خير صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته إِلَّا الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة ".(1/426)
وَفِي حَدِيث عَفَّان:
وَلَو كتب عَلَيْكُم مَا قُمْتُم بِهِ ". وَفِيه: " فَإِن أفضل الصَّلَاة صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته إِلَّا الْمَكْتُوبَة ".
أَفْرَاد البُخَارِيّ
692 - الأول: عَن سهل بن أبي حثْمَة الْأنْصَارِيّ عَن زيد بن ثَابت قَالَ: كَانَ النَّاس فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتبايعون الثِّمَار، فَإِذا جذ النَّاس، وَحضر تقاضيهم قَالَ الْمُبْتَاع: إِنَّه أصَاب الثَّمر الدمَان، أَصَابَهُ مراضٌ، أَصَابَهُ قشامٌ، عاهات يحتجون بهَا. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما كثرت عِنْده الْخُصُومَة فِي ذَلِك: " إِمَّا لَا، فَلَا تتبايعوا حَتَّى يَبْدُو صَلَاح الثَّمر " كالمشورة يُشِير بهَا لِكَثْرَة خصومتهم.
وَأخرجه بِغَيْر إِسْنَاد فَقَالَ: وروى عَليّ بن بَحر. وَقَالَ اللَّيْث: هَكَذَا حكى زيد. ثمَّ قد جَاءَ حَدِيث ابْن عمر وَأنس وَجَابِر بِالنَّهْي عَن بيع الثَّمَرَة حَتَّى يَبْدُو صَلَاحهَا.
693 - الثَّانِي: قَالَ البُخَارِيّ: وَقَالَ خَارِجَة بن زيد عَن زيد بن ثَابت: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم امْرَهْ أَن يتَعَلَّم كتاب الْيَهُود. قَالَ: حَتَّى كتبت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وأمرأته كتبهمْ.
زَاد أَبُو مَسْعُود: فَلم يمر لي نصف شهرٍ حَتَّى حذقته. قَالَ: وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِنِّي وَالله مَا آمن يهود على كتابي ".(1/427)
694 - الثَّالِث: عَن مَرْوَان بن الحكم قَالَ: قَالَ لي زيد بن ثَابت: مَالك تقْرَأ فِي الْمغرب بقصار الْمفصل، وَقد سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ بطولى الطوليين.
695 - الرَّابِع: عَن مَرْوَان بن الحكم: أَن زيد بن ثَابت أخبرهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمْلى عَلَيْهِ: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ غير أولي الضَّرَر وَالْمُجَاهِدُونَ} [سُورَة النِّسَاء] ، فَجَاءَهُ ابْن أم مَكْتُوم وَهُوَ يملها عَليّ، فَقَالَ: وَالله يَا رَسُول الله، لَو أَسْتَطِيع الْجِهَاد لَجَاهَدْت، وَكَانَ أعمى. فَأنْزل الله عز وَجل على رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفَخذه على فَخذي، فَثقلَتْ عَليّ حَتَّى خفت أَن ترض فَخذي. ثمَّ سري عَنهُ، فَأنْزل الله عز وَجل: {غير أولي الضَّرَر} .
وَقد تقدم لَهُ فِي مُسْند أبي بكر حَدِيث جمع الْقُرْآن، وَقَوله: " فقدت آيَة من سُورَة الْأَحْزَاب، وَجدتهَا مَعَ خُزَيْمَة بن ثَابت ".
696 - وَلمُسلم حَدِيث وَاحِد: عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن زيد بن ثَابت، قَالَ أَبُو سعيد: وَلم أشهده من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَكِن حَدَّثَنِيهِ زيد بن ثَابت، قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حائطٍ لبني النجار على بغلة وَنحن مَعَه، إِذْ حادت بِهِ فَكَادَتْ تلقيه، وَإِذا أقبرٌ سِتَّة أَو خَمْسَة أَو أَرْبَعَة - كَذَا كَانَ يَقُول الْجريرِي - فَقَالَ: " من يعرف أَصْحَاب هَذِه الأقبر؟ " فَقَالَ رجل: أَنا. فَقَالَ: " فَمَتَى مَاتَ هَؤُلَاءِ؟ " قَالَ: مَاتُوا فِي الْإِشْرَاك. فَقَالَ: " إِن هَذِه الْأمة تبتلى فِي قبورها، فلولا أَلا تدافنوا، لَدَعَوْت الله أَن يسمعكم من عَذَاب الْقَبْر الَّذِي أسمع مِنْهُ "، ثمَّ أقبل علينا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: " تعوذوا بِاللَّه من عَذَاب النَّار "(1/428)
فَقَالُوا: نَعُوذ بِاللَّه من عَذَاب النَّار. قَالَ: " تعوذوا بِاللَّه من عَذَاب الْقَبْر ". قَالُوا: نَعُوذ بِاللَّه من عَذَاب الْقَبْر. قَالَ: " تعوذوا بِاللَّه من الْفِتَن، مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن ".
قَالُوا: نَعُوذ بِاللَّه من الْفِتَن، مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن. قَالَ: " تعوذوا من فتْنَة الْمَسِيح الدَّجَّال ". قَالُوا: نَعُوذ بِاللَّه من فتْنَة الدَّجَّال.(1/429)
(43) الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن عَمْرو بن عَوْف، حَلِيف بني عَامر بن لؤَي [رَضِي الله عَنهُ]
شهد بَدْرًا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
حَدِيث وَاحِد: وَلَيْسَ لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ غير هَذَا الحَدِيث:
697 - عَن الْمسور بن مخرمَة أَن عَمْرو بن عَوْف أخبرهُ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث أَبَا عُبَيْدَة بن الْجراح إِلَى الْبَحْرين يَأْتِي بجزيتها، وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ صَالح أهل الْبَحْرين، وَأمر عَلَيْهِم الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ. فَقدم أَبُو عُبَيْدَة بِمَال من الْبَحْرين فَسمِعت الْأَنْصَار بقدوم أبي عُبَيْدَة، فوافوا صَلَاة الْفجْر مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَلَمَّا صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْصَرف، فتعرضوا لَهُ. فَتَبَسَّمَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين رَآهُمْ، ثمَّ قَالَ: " أظنكم سَمِعْتُمْ أَن أَبَا عُبَيْدَة قدم بشيءٍ من الْبَحْرين؟ " فَقَالُوا: أجل يَا رَسُول الله. فَقَالَ: " أَبْشِرُوا وأملوا مَا يسركم. فوَاللَّه مَا الْفقر أخْشَى عَلَيْكُم، وَلَكِنِّي أخْشَى عَلَيْكُم أَن تبسط الدُّنْيَا عَلَيْكُم كَمَا بسطت على من كَانَ قبلكُمْ، فتنافسوها كَمَا تنافسوها، وتهلككم كَمَا أهلكتهم ".(1/430)
(44) الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن أبي لبَابَة، عَامر بن الْمُنْذر، وَقيل: بشير بن الْمُنْذر [رَضِي الله عَنهُ]
بَدْرِي.
حَدِيث وَاحِد، لَيْسَ لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ غَيره.
698 - عَن نَافِع عَنهُ، وَعَن سَالم وَنَافِع عَن ابْن عمر عَنهُ، وَفِي بعض الرِّوَايَات عَنهُ وَعَن زيد بن الْخطاب، وَفِي بَعْضهَا عَنهُ أَو عَن زيد بن الْخطاب. بِالشَّكِّ:
فَفِي رِوَايَة هِشَام بن يُوسُف عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن ابْن عمر:
أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب على الْمِنْبَر، يَقُول: " اقْتُلُوا الْحَيَّات، واقتلوا ذَا الطفيتين والأبتر؛ فَإِنَّهُمَا يطمسان الْبَصَر، ويسقطان الْحَبل ". قَالَ عبد الله: فَبينا أَنا أطارد حَيَّة لأقتلها، ناداني أَبُو لبَابَة: لَا تقتلها، فَقلت: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بقتل الْحَيَّات، فَقَالَ: إِنَّه نهى بعد ذَلِك عَن ذَوَات الْبيُوت، وَهِي العوامر.
وَفِي رِوَايَة عمر بن نَافِع عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ أَبُو لبَابَة الْأنْصَارِيّ:
إِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن قتل الْحَيَّات الَّتِي تكون فِي الْبيُوت، إِلَّا الأبتر وَذَا الطفيتين، فَإِنَّهُمَا اللَّذَان يخطفان الْبَصَر، ويتتبعان مَا فِي بطُون النِّسَاء.
وَسَائِر الرِّوَايَات على مَا تقدم من اختلافها فِي الْإِسْنَاد مُتَقَارِبَة الْمَعْنى فِي الْمَتْن متفقة فِي النهى عَن ذَوَات الْبيُوت.(1/431)
(45) الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن عتْبَان بن مَالك [رَضِي الله عَنهُ]
حَدِيث وَاحِد: لَيْسَ لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ غَيره:
699 - عَن ابْن شهَاب قَالَ: أَخْبرنِي مَحْمُود بن الرّبيع: أَنه عقل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وعقل مجةً مجها فِي وَجهه من بِئْر كَانَت فِي دَارهم، وَزعم أَنه سمع عتْبَان ابْن مَالك الْأنْصَارِيّ - وَكَانَ مِمَّن شهد بَدْرًا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: كنت أُصَلِّي لقومي بني سَالم، وَكَانَ يحول بيني وَبينهمْ وادٍ، إِذا جَاءَت الأمطار يشق عَليّ اجتيازه قبل مَسْجِدهمْ، فَجئْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت لَهُ: إِنِّي أنْكرت بَصرِي، وَإِن الْوَادي الَّذِي بيني وَبَين قومِي يسيل إِذا جَاءَت الأمطار فَيشق عَليّ اجتيازه، فوددت أَنَّك تَأتي فَتُصَلِّي فِي بَيْتِي مَكَانا أتخذه مصلى. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " سأفعل ".
فغدا عَليّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر بَعْدَمَا اشْتَدَّ النَّهَار، وَاسْتَأْذَنَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَذنت لَهُ، فَلم يجلس حَتَّى قَالَ: " أَيْن تحب أَن أُصَلِّي فِي بَيْتك؟ " فأشرت إِلَيْهِ إِلَى الْمَكَان الَّذِي أحب أَن يُصَلِّي فِيهِ، فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكبر، وصففنا وَرَاءه، فصلى رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ سلم وَسلمنَا حِين سلم. فحبسته على خزير يصنع لَهُ، فَسمع أهل الدَّار أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَيْتِي، فَثَابَ رجالٌ مِنْهُم حَتَّى كثر الرِّجَال فِي الْبَيْت، فَقَالَ رجلٌ: مَا فعل مالكٌ؟ لَا أرَاهُ. فَقَالَ رجلٌ مِنْهُم: ذَلِك منافقٌ لَا يحب الله وَرَسُوله. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا تقل ذَلِك، أَلا ترَاهُ قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله يَبْتَغِي بذلك وَجه الله عز وَجل؟ " فَقَالَ: الله وَرَسُوله أعلم، أما نَحن، فوَاللَّه لَا نرى وده وَلَا حَدِيثه إِلَّا إِلَى الْمُنَافِقين. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " فَإِن الله قد حرم على النَّار من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله يَبْتَغِي بذلك وَجه الله ".(1/432)
قَالَ مَحْمُود: فحدثتها قوما فيهم أَبُو أَيُّوب صَاحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غزوته الَّتِي توفّي فِيهَا - وَيزِيد بن مُعَاوِيَة عَلَيْهِم - بِأَرْض الرّوم، فأنكرها عَليّ أَبُو أَيُّوب وَقَالَ: وَالله مَا أَظن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا قلت قطّ. فَكبر ذَلِك عَليّ، فَجعلت الله عَليّ إِن سلمني الله حَتَّى أقفل من غزوتي، أَن أسَال عَن عتْبَان بن مَالك، إِن وجدته حياًّ فِي مَسْجِد قومه. فَفعلت، فَأَهْلَلْت بِحجَّة أَو عمْرَة، ثمَّ سرت حَتَّى قدمت من الْمَدِينَة، فَأتيت بني سَالم، فَإِذا عتْبَان شيخٌ أعمى يُصَلِّي لِقَوْمِهِ، فَلَمَّا سلم سلمت عَلَيْهِ، وأخبرته من أَنا، ثمَّ سَأَلته عَن ذَلِك الحَدِيث، فَحَدَّثَنِيهِ كَمَا حَدَّثَنِيهِ أول مرّة.
وَفِي حَدِيث يُونُس وَعقيل: قَالَ ابْن شهَاب: ثمَّ سَأَلت الْحصين بن مُحَمَّد الْأنْصَارِيّ - وَهُوَ أحد بني سَالم، وَهُوَ من سراتهم - عَن حَدِيث مَحْمُود بن الرّبيع فَصدقهُ بذلك.
وَفِي حَدِيث معمر: فَقَالَ رجل: أَيْن مَالك بن الدخشن أَو الدخيشن؟ قَالَ الزُّهْرِيّ: ثمَّ نزلت بعد ذَلِك فَرَائض وأمورٌ، نرى أَن الْأَمر انْتهى إِلَيْهَا، فَمن اسْتَطَاعَ أَن لَا يغتر فَلَا يغتر.
وَرَوَاهُ مُسلم من حَدِيث ثَابت الْبنانِيّ عَن أنس بن مَالك عَن مَحْمُود بن الرّبيع قَالَ: قدمت الْمَدِينَة، فَلَقِيت عتْبَان بن مَالك، حديثٌ بَلغنِي عَنْك. فَقَالَ: أصابني فِي بَصرِي بعض الشَّيْء، فَبعثت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
إِنِّي أحب أَن تَأتِينِي فَتُصَلِّي فِي منزلي فأتخذه مصلى. قَالَ: فَأَتَانِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن شَاءَ الله من أَصْحَابه، فَدخل، فَهُوَ يُصَلِّي فِي منزلي وَأَصْحَابه يتحدثون بَينهم. ثمَّ أسندوا عظم(1/433)
ذَلِك وَكبره إِلَى مَالك بن دخشم. قَالَ: ودوا أَنه دَعَا عَلَيْهِ فَهَلَك، ودوا أَنه أَصَابَهُ شرٌّ. فَقضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: " أَلَيْسَ يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله؟ " قَالُوا: إِنَّه يَقُول ذَاك وَمَا هُوَ فِي قلبه. قَالَ: " لَا يشْهد أحدٌ أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأَنِّي رَسُول الله، فَيدْخل النَّار أَو تطعمه ". قَالَ أنسٌ: فَأَعْجَبَنِي هَذَا الحَدِيث، فَقلت لِابْني: اكتبه، فَكَتبهُ.(1/434)
(46) الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن سهل بن حنيف [رَضِي الله عَنهُ]
700 - الأول: عَن أبي أُمَامَة أسعد بن سهل بن حنيف عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا يَقُولَن أحدكُم: خبثت نَفسِي، وَلَكِن ليقل: لقست نَفسِي ".
701 - الثَّانِي: عَن أبي وَائِل، شَقِيق بن سَلمَة قَالَ: قَامَ سهل بن حنيف يَوْم صفّين فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس، اتهموا أَنفسكُم، لقد كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْحُدَيْبِيَة، وَلَو نرى قتالاً لقاتلنا، وَذَلِكَ فِي الصُّلْح الَّذِي كَانَ بَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين الْمُشْركين، فجَاء عمر بن الْخطاب فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أَلسنا على حق وهم على بَاطِل؟ قَالَ: " بلَى " قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجنَّة وقتلاهم فِي النَّار؟ قَالَ: " بلَى " قَالَ: فَفِيمَ نعطي الدنية فِي ديننَا، وَنَرْجِع وَلما يحكم الله بَيْننَا وَبينهمْ؟ فَقَالَ: " يَا ابْن الْخطاب إِنِّي رَسُول الله، وَلنْ يضيعني الله أبدا " فَانْطَلق عمر: فَلم يصبر متغيظا، فَأتى أَبَا بكر فَقَالَ: يَا أَبَا بكر، أَلسنا على حق " وهم على بَاطِل؟ قَالَ: بلَى، قَالَ: أَلَيْسَ قَتْلَانَا فِي الْجنَّة وقتلاهم فِي النَّار؟ قَالَ: بلَى. قَالَ: فعلام نعطي الدنية فِي ديننَا، وَنَرْجِع وَلما يحكم الله بَيْننَا وَبينهمْ؟ فَقَالَ: يَا ابْن الْخطاب، إِنَّه رَسُول الله، وَلنْ يضيعه الله أبدا.
قَالَ: فَنزل الْقُرْآن على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْفَتْح، فَأرْسل إِلَى عمر فَأَقْرَأهُ إِيَّاه، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أَو فتحٌ هُوَ؟ قَالَ: " نعم ". فطابت نَفسه وَرجع. وَفِي حَدِيث يحيى بن آدم: فَنزلت سُورَة الْفَتْح، فقرأها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على عمر.
وَفِي حَدِيث الْأَعْمَش وحصين عَن أبي وَائِل:
أَنه سمع سهل بن حنيف بصفين(1/435)
يَقُول: يَا أَيهَا النَّاس، اتهموا رَأْيكُمْ على دينكُمْ، لقد رَأَيْتنِي يَوْم أبي جندل لَو أَسْتَطِيع رد أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لرددته، وَمَا وَضعنَا سُيُوفنَا على عواتقنا إِلَى أمرٍ يفظعنا إِلَّا أسهلن بِنَا إِلَى أمرٍ نعرفه غير هَذَا الْأَمر.
زَاد أَبُو حُصَيْن: مَا نسد مِنْهُ خصما إِلَّا تفجر علينا مِنْهُ خصمٌ، مَا نَدْرِي كَيفَ نأتي لَهُ.
وَفِي حَدِيث مُحَمَّد بن سَابق: لما قدم سهل بن حنيف من صفّين أتيناه نستخبره، فَقَالَ: اتهموا الرَّأْي، وَذكر نَحوه.
702 - الثَّالِث: عَن يسير بن عمر قَالَ: قلت لسهل بن حنيف: هَل سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِي الْخَوَارِج شَيْئا؟ قَالَ: سمعته يَقُول - وأهوى بِيَدِهِ قبل الْعرَاق: " يخرج مِنْهُ قومٌ يقرأون الْقُرْآن لَا يُجَاوز تراقيهم، يَمْرُقُونَ من الْإِسْلَام مروق السهْم من الرَّمية ".
وَفِي حَدِيث الْعَوام بن حَوْشَب: " يتيه قومٌ قبل الْمشرق، محلقةٌ رؤوسهم ".
703 - الرَّابِع: عَنهُ وَعَن قيس بن سعد من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ سهل بن حنيف، وَقيس بن سعد قَاعِدين بالقادسية، فَمروا عَلَيْهِم بِجنَازَة، فقاما، فَقيل لَهما: إِنَّهَا من أهل الأَرْض، من أهل الذِّمَّة، فَقَالَا: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرت بِهِ جنازةٌ فَقَامَ، فَقيل لَهُ: إِنَّهَا جَنَازَة يَهُودِيّ، فَقَالَ: " أليست نفسا؟ ".(1/436)
وَلمُسلم من مُسْند سهل بن حنيف حديثان:
704 - أَحدهمَا: عَن أبي أُمَامَة بن سهل عَن أَبِيه: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " من سَأَلَ الله الشَّهَادَة بصدقٍ بلغه الله منَازِل الشُّهَدَاء وَإِن مَاتَ على فرَاشه ".
705 - الثَّانِي: عَن يسير بن عَمْرو عَن سهل بن حنيف قَالَ: أَهْوى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدِهِ إِلَى الْمَدِينَة فَقَالَ: " إِنَّهَا حرمٌ آمنٌ ".(1/437)
(47) وَعَن قيس بن سعد الْأنْصَارِيّ [رَضِي الله عَنهُ]
صَاحب لِوَاء لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
حديثان:
706 - أَحدهمَا: قد تقدم آنِفا فِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَنهُ وَعَن سهل بن حنيف، فِي الْقيام للجنازة.
707 - الثَّانِي: أخرج البُخَارِيّ طرفا مِنْهُ عَن ثَعْلَبَة بن أبي مَالك الْقرظِيّ: أَن قيس بن سعد الْأنْصَارِيّ - وَكَانَ صَاحب لِوَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَرَادَ الْحَج، فَرجل.
لم يزدْ على هَذَا.
وَهُوَ بِتَمَامِهِ عِنْد البرقاني من حَدِيث اللَّيْث بن سعد بِالْإِسْنَادِ الَّذِي أخرج البُخَارِيّ هَذَا الطّرف مِنْهُ: أَن قيسا أَرَادَ الْحَج، فَرجل أحد شقي رَأسه، فَقَامَ غلامٌ لَهُ، فقلد هَدْيه، فَنظر قيس وَقد رجل أحد شقي رَأسه، فَإِذا هَدْيه قد قلد، فَأهل بِالْحَجِّ وَلم يرجل شقّ رَأسه الآخر.(1/438)
(48) الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن أسيد بن حضير [رَضِي الله عَنهُ]
حَدِيث وَاحِد:
708 - من رِوَايَة أنس عَنهُ: أَن رجلا من الْأَنْصَار قَالَ: يَا رَسُول الله، أَلا تَسْتَعْمِلنِي كَمَا اسْتعْملت فلَانا. فَقَالَ: " إِنَّكُم سَتَلْقَوْنَ بعدِي أَثَرَة، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَليّ الْحَوْض ".
709 - وللبخاري حَدِيث وَاحِد، أخرجه تَعْلِيقا فَقَالَ: قَالَ ابْن الْهَاد: حَدثنِي هَذَا الحَدِيث عبد الله بن خباب عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن أسيد بن الْحضير قَالَ: بَيْنَمَا هُوَ يقْرَأ من اللَّيْل سُورَة الْبَقَرَة وفرسه مربوطةٌ عِنْده، إِذْ جالت الْفرس، فَسكت فسكنت، فَقَرَأَ فجالت، فَسكت فسكنت الْفرس، ثمَّ قَرَأَ فجالت الْفرس، فَانْصَرف. وَكَانَ ابْنه يحيى قَرِيبا مِنْهَا، فَلَمَّا أَخّرهُ رفع رَأسه إِلَى السَّمَاء، فَإِذا مثل الظلة، فِيهَا أَمْثَال المصابيح. فَلَمَّا أصبح حدث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: " اقْرَأ يَا حضير. أَو: اقْرَأ يَا ابْن حضير " قَالَ: أشفقت يَا رَسُول الله أَن تطَأ يحيى، وَكَانَ مِنْهَا قَرِيبا فَانْصَرَفت إِلَيْهِ، وَرفعت رَأْسِي إِلَى السَّمَاء فَإِذا مثل الظلة فِيهَا أَمْثَال(1/439)
المصابيح، فَخرجت حَتَّى لَا أَرَاهَا. قَالَ: " وَتَدْرِي مَا ذَاك؟ " قَالَ: لَا. قَالَ: " تِلْكَ الْمَلَائِكَة دنت لصوتك، وَلَو قَرَأت لأصبحت ينظر النَّاس إِلَيْهَا، لَا تتوارى مِنْهُم ".(1/440)
(49) الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن كَعْب بن مَالك [رَضِي الله عَنهُ]
710 - الأول: عَن عبد الله بن كَعْب بن مَالك عَن كَعْب: أَنه تقاضى ابْن حدردٍ دينا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ - فِي الْمَسْجِد، فارتفعت أصواتهما حَتَّى سمعهما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي بَيته فَخرج إِلَيْهِمَا حَتَّى كشف سجف حجرته فَنَادَى: " يَا كَعْب " قَالَ: لبيْك يَا رَسُول الله. قَالَ: " ضع من دينك هَذَا " وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ - أَي الشّطْر. قَالَ: قد فعلت يَا رَسُول الله. قَالَ: " قُم فاقضه ".
711 - الثَّانِي: عَن ابْن كَعْب سَمَّاهُ بعض الروَاة عبد الله، وَبَعْضهمْ عبد الرَّحْمَن، عَن أَبِيه كَعْب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " مثل الْمُؤمن كَمثل الخامة من الزَّرْع، تفيئها الرّيح، تصرعها مرّة وتعدلها أُخْرَى حَتَّى تهيج. وَفِي رِوَايَة: حَتَّى يَأْتِيهِ أَجله. وَمثل الْمُنَافِق كالأرزة المجذية على أَصْلهَا، لَا يفيئها شَيْء حَتَّى يكون انجعافها مرّة وَاحِدَة ".
712 - الثَّالِث: فِي تَوْبَة كَعْب بن مَالك.
عَن ابْن كَعْب - وَقد اخْتلف فِي اسْمه - عَن كَعْب بن مَالك - وَفِي حَدِيث عقيل عَن ابْن شهَاب أَن اسْمه عبد الله، وَكَذَلِكَ فِي حَدِيث يُونُس عَن الزُّهْرِيّ، قَالَ: ثمَّ(1/441)
غزا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَزْوَة تَبُوك وَهُوَ يُرِيد الرّوم ونصارى الْعَرَب بِالشَّام. قَالَ ابْن شهَاب: فَأَخْبرنِي عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن كَعْب بن مَالك أَن عبد الله بن كَعْب كَانَ قَائِد كعبٍ - من بنيه - حِين عمي. قَالَ فِي حَدِيث معقل بن عبيد الله: وَكَانَ أعلم قومه وأوعاهم لأحاديث أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ:
سَمِعت كَعْب بن مَالك يحدث حَدِيثه حِين تخلف عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تَبُوك، قَالَ كَعْب: لم أَتَخَلَّف عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة غَزَاهَا قطّ إِلَّا فِي غَزْوَة تَبُوك، غير أَنِّي قد تخلفت فِي غَزْوَة بدرٍ، وَلم يُعَاتب أحدا تخلف عَنهُ، إِنَّمَا خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمسلمون يُرِيدُونَ عير قريشٍ، حَتَّى جمع الله بَينهم وَبَين عدوهم على غير ميعاد.
وَلَقَد شهِدت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْعقبَة حِين تواثقنا على الْإِسْلَام، وَمَا أحب أَن لي بهَا مشْهد بدرٍ، وَإِن كَانَت بدرٌ أذكر فِي النَّاس مِنْهَا.
فَكَانَ من خبري حِين تخلفت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تبوكٍ أَنِّي لم أكن قطّ أقوى وَلَا أيسر مني حِين تخلفت عَنهُ فِي تِلْكَ الْغَزْوَة. وَالله مَا جمعت قبلهَا راحلتين قطّ حَتَّى جمعتهما فِي تِلْكَ الْغَزْوَة. زَاد فِي حَدِيث عقيل وَابْن أخي الزُّهْرِيّ، وَعند البُخَارِيّ فِي حَدِيث يُونُس: وَلم يكن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُرِيد غَزْوَة إِلَّا ورى بغَيْرهَا، حَتَّى كَانَت تِلْكَ الْغَزْوَة، فَغَزَاهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حر شديدٍ، واستقبل سفرا بَعيدا وَمَفَازًا، واستقبل عدوا كثيرا، فجلا للْمُسلمين أَمرهم لِيَتَأَهَّبُوا أهبة غزوهم، فَأخْبرهُم بوجههم الَّذِي يُرِيد، والمسلمون مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كثير، وَلَا يجمعهُمْ كتابٌ حَافظ، يُرِيد بذلك الدِّيوَان. قَالَ كعبٌ: فَقل رجل يُرِيد أَن يتغيب إِلَّا ظن أَن ذَلِك سيخفى مَا لم ينزل فِيهِ وَحي من الله عز وَجل.
وغزا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِلْكَ الْغَزْوَة حِين طابت الثِّمَار والظلال، فَأَنا إِلَيْهَا أصعر فتجهز رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمسلمون مَعَه، وطفقت أغدو لكَي أتجهز مَعَهم، فأرجع وَلم أقض شَيْئا، وَأَقُول فِي نَفسِي: أَنا قادرٌ على ذَلِك إِذا أردْت، فَلم يزل ذَلِك(1/442)
يتمادى بِي حَتَّى اسْتمرّ بِالنَّاسِ الْجد، فَأصْبح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غادياً والمسلمون مَعَه، وَلم أقض من جهازي شَيْئا. ثمَّ غَدَوْت وَرجعت وَلم أقض شَيْئا. فَلم يزل ذَلِك يتمادى بى حَتَّى أَسْرعُوا، وتفارط الْغَزْو، فهممت أَن أرتحل فأدركهم - فيا لَيْتَني فعلت - ثمَّ لم يقدر ذَلِك لي. فطفقت إِذا خرجت فِي النَّاس بعد خُرُوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحزنني ذَلِك، إِنِّي لَا أرى لي أُسْوَة إِلَّا رجلا مغموصاً عَلَيْهِ فِي النِّفَاق، أَو رجلا مِمَّن عذر الله من الضُّعَفَاء.
وَلم يذكرنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى بلغ تَبُوك، فَقَالَ وَهُوَ جالسٌ فِي الْقَوْم بتبوك " مَا فعل كَعْب بن مَالك؟ " فَقَالَ رجلٌ من بني سَلمَة: يَا رَسُول الله، حَبسه برْدَاهُ وَالنَّظَر فِي عطفيه. فَقَالَ لَهُ معَاذ بن جبل: بئس مَا قلت، وَالله - يَا رَسُول الله - مَا علمنَا عَلَيْهِ إِلَّا خيرا. فَسكت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَبينا هُوَ على ذَلِك رأى رجلا مبيضاً يَزُول بِهِ السراب، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " كن أَبَا خَيْثَمَة " فَإِذا هُوَ أَبُو خَيْثَمَة الْأنْصَارِيّ، الَّذِي تصدق بصاعٍ التَّمْر حِين لمزه المُنَافِقُونَ.
قَالَ كَعْب: فَلَمَّا بَلغنِي
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد توجه قَافِلًا من تَبُوك، حضرني بثي فطفقت أَتَذكر الْكَذِب وَأَقُول: بِمَ أخرج من سخطه غَدا؟ وأستعين على ذَلِك بِكُل ذِي رَأْي من أَهلِي: فَلَمَّا قيل: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أظل قادماً، زاح عني الْبَاطِل، حَتَّى عرفت أَنِّي لن أنجو مِنْهُ بشيءٍ أبدا، فأجمعت صدقه.
وصبح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قادماً، وَكَانَ إِذا قدم من سفرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثمَّ جلس للنَّاس، فَلَمَّا فعل ذَلِك جَاءَهُ الْمُخَلفُونَ، فطفقوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ، ويحلفون لَهُ، وَكَانُوا بضعَة وَثَمَانِينَ رجلا، فَقبل مِنْهُم علانيتهم، وبايعهم واستغفر لَهُم،(1/443)
ووكل سرائرهم إِلَى الله حَتَّى جِئْت، فَلَمَّا سلمت تَبَسم تَبَسم الْمُغْضب. ثمَّ قَالَ: " تعال " فَجئْت أَمْشِي حَتَّى جَلَست بَين يَدَيْهِ، فَقَالَ: مَا خَلفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟ " قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله، إِنِّي وَالله لَو جَلَست عِنْد غَيْرك من أهل الدُّنْيَا لرأيت أَنِّي سأخرج من سخطه بِعُذْر، لقد أَعْطَيْت جدلاً، وَلَكِنِّي - وَالله - لقد علمت، لَئِن حدثتك الْيَوْم حَدِيث كذبٍ ترْضى بِهِ عني ليوشكن الله أَن يسخطك عَليّ، وَلَئِن حدثتك حَدِيث صدق تَجِد عَليّ فِيهِ - إِنِّي لأرجو فِيهِ عُقبى الله عز وَجل - وَفِي رِوَايَة عقيل - عَفْو الله. وَالله مَا كَانَ لي من عذرٍ، وَالله مَا كنت قطٌّ أقوى وَلَا أيسر مني حِين تخلفت عَنْك، قَالَ: فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أما هَذَا فقد صدق، فَقُمْ حَتَّى يقْضِي الله فِيك فَقُمْت.
وثار رجالٌ من بن سلمى فَاتبعُوني، فَقَالُوا لي: وَالله مَا علمناك أذنبت ذَنبا قبل هَذَا، لقد عجزت فِي أَلا تكون اعتذرت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا أعْتَذر إِلَيْهِ الْمُخَلفُونَ، فقد كَانَ كافيك ذَنْبك اسْتِغْفَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَك. قَالَ: فوَاللَّه مَا زَالُوا يؤنبونني حَتَّى أردْت أَن أرجع إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأكذب نَفسِي. قَالَ: ثمَّ قلت لَهُم: هَل لَقِي هَذَا معي من أحد؟ قالو: نعم، لقِيه رجلَانِ قَالَا مثل مَا قلت، وَقيل لَهما مثل مَا قيل لَك. قَالَ: قلت: من هما؟ قَالُوا: مرَارَة بن ربيعَة العامري وهلال بن أُميَّة الوَاقِفِي. قَالَ: فَذكرُوا لي رجلَيْنِ صالحين قد شَهدا بَدْرًا، فيهمَا أُسْوَة، قَالَ: فمضيت حِين ذكروهما لي. قَالَ: وَنهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُسلمين عَن كلامنا - أَيهَا الثَّلَاثَة - من بَين من تخلف عَنهُ.
قَالَ: فَاجْتَنَبَنَا النَّاس - أَو قَالَ: تغيرُوا لنا حَتَّى تنكرت لي فِي نَفسِي الأَرْض، فَمَا هِيَ بِالْأَرْضِ الَّتِي أعرف، فلبثنا على ذَلِك خمسين لَيْلَة. فَأَما صَاحِبَايَ فاستكانا وقعدا فِي بيوتهما يَبْكِيَانِ، واما أَنا فَكنت أشب الْقَوْم وأجلدهم. فَكنت أخرج،(1/444)
وَأشْهد الصَّلَاة، وأطوف فِي الْأَسْوَاق، فَلَا يكلمني أحدٌ، وَآتِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأسلم عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَجْلِسه بعد الصَّلَاة، فَأَقُول فِي نَفسِي: هَل حرك شَفَتَيْه برد السَّلَام أم لَا؟ ثمَّ أُصَلِّي قَرِيبا مِنْهُ، وأسارقه النّظر، فَإِذا أَقبلت على صَلَاتي نظر إِلَيّ، وَإِذا الْتفت نَحوه أعرض عني، حَتَّى إِذا طَال عَليّ ذَلِك من جفوة الْمُسلمين، مشيت حَتَّى تسورت جِدَار حَائِط أبي قَتَادَة، وَهُوَ ابْن عمي واحب النَّاس إِلَيّ، فَسلمت عَلَيْهِ، فوَاللَّه مَا رد عَليّ السَّلَام، فَقلت لَهُ: يَا أَبَا قَتَادَة، أنْشدك بِاللَّه، هَل تعلمني أَنِّي أحب الله وَرَسُوله؟ قَالَ: فَسكت. فعدت فناشدته، فَقَالَ: الله وَرَسُوله أعلم. فَفَاضَتْ عيناني، وتوليت حَتَّى تسورت الْجِدَار.
فَبينا أَنا أَمْشِي فِي سوق الْمَدِينَة، إِذا نبطي من نبط أهل الشَّام مِمَّن قدم بِالطَّعَامِ يَبِيعهُ بِالْمَدِينَةِ يَقُول: من يدل على كَعْب بن مَالك؟ قَالَ: فَطَفِقَ النَّاس يشيرون لَهُ إِلَيّ، حَتَّى جَاءَ فَدفع إِلَيّ كتابا من ملك غَسَّان، وَكنت كَاتبا، فَقَرَأته فَإِذا فِيهِ: أما بعد، فَإِنَّهُ قد بلغنَا أَن صَاحبك قد جفاك، وَلم يجعلك الله بدار هوانٍ وَلَا مضيعة، فَالْحق بِنَا نواسيك. قَالَ: فَقلت حِين قرأتها: وَهَذَا أَيْضا من الْبلَاء.
فَتَيَمَّمت بهَا التَّنور فسجرتها.
حَتَّى إِذا مَضَت أَرْبَعُونَ من الْخمسين، واستلبث الْوَحْي، إِذا رَسُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يأتيني فَقَالَ:
إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمُرك أَن تَعْتَزِل امْرَأَتك. قَالَ: قلت: أطلقها أم مَاذَا أفعل؟ قَالَ: لَا بل اعتزلها فَلَا تقربنها. قَالَ: وَأرْسل إِلَى صَاحِبي بِمثل ذَلِك. قَالَ: فَقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عِنْدهم حَتَّى يقْضِي الله فِي هَذَا الْأَمر. قَالَ: فَجَاءَت امرأةٍ هِلَال بن أُميَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت لَهُ: يَا رَسُول الله، إِن هِلَال بن أُميَّة شيخٌ ضائعٌ لَيْسَ لَهُ خادمٌ، فَهَل تكره أَن أخدمه؟ قَالَ: " لَا، وَلَكِن لَا يقربنك ". فَقَالَت: إِنَّه - وَالله - مَا بِهِ حَرَكَة إِلَى شَيْء، وَوَاللَّه مَا زَالَ يبكي مُنْذُ كَانَ من أمره مَا كَانَ إِلَى يَوْمه هَذَا. قَالَ: فَقَالَ لي بعض أَهلِي:(1/445)
لَو اسْتَأْذَنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي امْرَأَتك، فقد أذن لامْرَأَة هِلَال بن أُميَّة أَن تخدمه.
قَالَ: فَقلت: اسْتَأْذن فِيهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمَا يدريني مَاذَا يَقُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا استأذنته فِيهَا، وَأَنا رجلٌ شابٌّ.
قَالَ: فَلَبثت بذلك عشر ليالٍ، فكمل لنا خَمْسُونَ لَيْلَة من حِين نهي عَن كلامنا.
قَالَ: ثمَّ صليت صَلَاة الْفجْر صباح خمسين لَيْلَة على ظهر بيتٍ من بُيُوتنَا. فَبينا أَنا جالسٌ على الْحَال الَّتِي ذكر الله منا، قد ضَاقَتْ عَليّ نَفسِي، وَضَاقَتْ عَليّ الأَرْض بِمَا رَحبَتْ، سَمِعت صَوت صارخ أَو فى على سلعٍ يَقُول بِأَعْلَى صَوته: يَا كَعْب ابْن مَالك، أبشر. قَالَ: فَخَرَرْت سَاجِدا، وَعلمت أَن قد جَاءَ فرج. قَالَ: وآذن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّاس بتوبة الله عز وَجل علينا حِين صلى صَلَاة الْفجْر، فَذهب النَّاس يبشروننا، فَذهب قبل صَاحِبي مبشرون، وركض رجلٌ إِلَيّ فرسا، وسعى ساعٍ من أسلم قبلي، وأوفى على الْجَبَل فَكَانَ الصَّوْت أسْرع من الْفرس، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعت صَوته يبشرني نزعت لَهُ ثوبي فكسوتهما إِيَّاه ببشارته، وَوَاللَّه مَا أملك غَيرهمَا يومئذٍ، واستعرت ثَوْبَيْنِ فلبستهما، وَانْطَلَقت أتأمم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فتلقاني النَّاس فوجاً فوجاً يهنئوني بِالتَّوْبَةِ وَيَقُولُونَ: لتهنك تَوْبَة الله عَلَيْك، حَتَّى دخلت الْمَسْجِد، فَإِذا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حوله النَّاس، فَقَامَ طَلْحَة بن عبيد الله يُهَرْوِل حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنأَنِي، وَالله مَا قَامَ رجلٌ من الْمُهَاجِرين غَيره. قَالَ: فَكَانَ كعبٌ لَا ينساها لطلْحَة.
قَالَ كَعْب: فَلَمَّا سلمت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَهُوَ يَبْرق وَجهه من السرُور:
أبشر بِخَير يومٍ مر عَلَيْك مُنْذُ وَلدتك أمك " قَالَ: فَقلت: أَمن عنْدك يَا رَسُول الله أم من عِنْد الله؟ فَقَالَ: " لَا، بل من عِنْد الله " وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا سر استنار وَجهه، كَأَن وَجهه قِطْعَة قمر. قَالَ: وَكُنَّا نَعْرِف ذَلِك، قَالَ: فَلَمَّا جَلَست بَين يَدَيْهِ قلت: يَا رَسُول الله، إِن من تَوْبَتِي أَن أَنْخَلِع من مَالِي صَدَقَة إِلَى الله وَإِلَى رَسُوله. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أمسك بعض مَالك، فَهُوَ خيرٌ لَك "(1/446)
قَالَ: فَقلت: فَإِنِّي أمسك سهمي الَّذِي بِخَيْبَر. قَالَ: وَقلت: يَا رَسُول الله، إِن الله إِنَّمَا أنجاني بِالصّدقِ، وَإِن من تَوْبَتِي أَن لَا أحدث إِلَّا صدقا مَا حييت. قَالَ: فوَاللَّه مَا علمت أحدا من الْمُسلمين أبلاه الله فِي صدق الحَدِيث مُنْذُ ذكرت ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحسن مِمَّا أبلاني الله. وَالله مَا تَعَمّدت كذبةً مُنْذُ قلت ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى يومي هَذَا، وَإِنِّي لأرجو أَن يحفظني الله فِيمَا بَقِي.
يُقَال: فَأنْزل الله عز وَجل: {لقد تَابَ الله على النَّبِي والمهاجرين وَالْأَنْصَار الَّذين اتَّبعُوهُ فِي سَاعَة الْعسرَة} حَتَّى بلغ: {إِنَّه بهم رءوفٌ رَحِيم وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا حَتَّى إِذا ضَاقَتْ عَلَيْهِم ارْض بِمَا رَحبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِم أنفسهم وظنوا أَن لَا ملْجأ من الله إِلَّا إِلَيْهِ ثمَّ تَابَ عَلَيْهِم ليتوبوا إِن الله هُوَ التواب الرَّحِيم} حَتَّى بلغ: {اتَّقوا الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين} [سُورَة التَّوْبَة] ، قَالَ كَعْب: وَالله مَا أنعم الله عَليّ من نعْمَة قطّ بعد إِذْ هَدَانِي الله لِلْإِسْلَامِ أعظم فِي نَفسِي من صدقي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن لَا أكون كَذبته فَأهْلك كَمَا هلك الَّذين كذبُوا. إِن الله قَالَ للَّذين كذبُوا حِين أنزل الْوَحْي شَرّ مَا قَالَ لأحد، فَقَالَ الله: {سيحلفون بِاللَّه لكم إِذا انقلبتم إِلَيْهِم لتعرضوا عَنْهُم فأعرضوا عَنْهُم إِنَّهُم رجسٌ ومأواهم جَهَنَّم جَزَاء بِمَا كَانَ يَكْسِبُونَ يحلفُونَ لكم لترضوا عَنْهُم فَإِن ترضوا عَنْهُم فَإِن الله لَا يرضى عَن الْقَوْم الْفَاسِقين} [سُورَة التَّوْبَة] .
قَالَ كَعْب: كُنَّا خلفنا - أَيهَا الثَّلَاثَة - عَن أَمر أُولَئِكَ الَّذين قبل مِنْهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين حلفوا لَهُ، فبايعهم واستغفر لَهُم، وأرجأ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمرنَا حَتَّى قضى الله فِيهِ. فبذلك قَالَ الله عز وَجل: {وعَلى الثلثة الَّذين خلفوا} وَلَيْسَ الَّذِي ذكر مِمَّا خلفنا تخلفنا عَن الْغَزْو، وَإِنَّمَا هُوَ تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنَا عَمَّن حلف لَهُ وَاعْتذر إِلَيْهِ، فَقبل مِنْهُ.(1/447)
وَفِي حَدِيث إِسْحَاق بن رَاشد:
وَنهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن كَلَامي وَكَلَام صَاحِبي، وَلم ينْه عَن كَلَام أحدٍ من المتخلفين غَيرنَا. فاجتنب النَّاس كلامنا، فَلَبثت كَذَلِك حَتَّى طَال عَليّ الْأَمر، وَمَا من شَيْء أهم إِلَيّ من أَن أَمُوت فَلَا يُصَلِّي عَليّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو يَمُوت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأَكُون من النَّاس بِتِلْكَ الْمنزلَة، فَلَا يكلمني أحدٌ مِنْهُم، وَلَا يسلم عَليّ، وَلَا يُصَلِّي عَليّ. قَالَ: وَأنزل الله تَعَالَى على نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين بَقِي الثُّلُث الآخر من اللَّيْل، وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد أم سَلمَة، وَكَانَت أم سَلمَة محسنةً فِي شأني، معنيةً بأَمْري. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " يَا أم سَلمَة، تيب على كَعْب " قَالَت: أَفلا أرسل إِلَيْهِ فأبشره؟ قَالَ:
إِذا يحطمكم النَّاس فيمنعونكم النّوم سَائِر اللَّيْل " حَتَّى إِذا صلى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الْفجْر، آذن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بتوبة الله علينا.
وَفِي حَدِيث هِشَام بن يُوسُف عَن معمر:
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج يَوْم الْخَمِيس فِي غَزْوَة تَبُوك وَكَانَ يحب أَن يخرج يَوْم الْخَمِيس.
وَأَخْرَجَا موضعا مِنْهُ فِي مَوضِع آخر من حَدِيث عبد الله وَعبيد الله ابْني كَعْب عَن كَعْب بن مَالك وَفِيه زِيَادَة معنى:
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَا يقدم من سفرٍ إِلَّا نَهَارا فِي الضُّحَى، فَإِذا قدم بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ، فصلى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ جلس فِيهِ.
وللبخاري حَدِيث وَاحِد:
713 - عَن نَافِع أَنه سمع ابْن كَعْب بن مَالك يحدث عَن أَبِيه: أَنه كَانَت لَهُ غنمٌ ترعى بسلع فَأَبْصَرت جاريةٌ لنا بشاةٍ من غنمنا موتا، فَكسرت حجرا فذبحتها بِهِ، فَقَالَ لَهُم: لَا تَأْكُلُوا حَتَّى أسأَل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو أرسل من يسْأَله. وَأَنه سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(1/448)
عَن ذَلِك، أَو أرسل إِلَيْهِ، فَأمره بأكلها. قَالَ عبيد الله: فَيُعْجِبنِي أَنَّهَا أمةٌ، وَأَنَّهَا ذبحت.
وَفِي الْإِسْنَاد اخْتِلَاف على نَافِع قيل:
عَن رجل من الْأَنْصَار، وَقيل: عَن معَاذ بن سعد، أَو سعد بن معَاذ: أَن جَارِيَة لكعب ...
وَلمُسلم حديثان:
714 - أَحدهمَا: عَن ابْن كَعْب عَن كَعْب: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَأْكُل بِثَلَاث أَصَابِع، وَإِذا فرغ لعقها.
715 - الثَّانِي: عَن ابْن كَعْب عَن أَبِيه كَعْب بن مَالك أَنه حَدثهُ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعثه وَأَوْس بن الْحدثَان أَيَّام التَّشْرِيق، فناديا: أَنه لَا يدْخل الْجنَّة إِلَّا مُؤمن، وَأَيَّام منى أَيَّام أكل وَشرب.(1/449)
(50) الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن أبي أسيد السَّاعِدِيّ، مَالك بن ربيعَة الْأنْصَارِيّ [رَضِي الله عَنهُ]
شهد بَدْرًا. حَدِيث وَاحِد:
716 - عَن أنس عَن أبي أسيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " خير دور الْأَنْصَار بَنو النجار، ثمَّ بَنو عبد الْأَشْهَل، ثمَّ بَنو عبد الْحَارِث بن الْخَزْرَج، ثمَّ بَنو سَاعِدَة.
وَفِي كل دور الْأَنْصَار خيرٌ " فَقَالَ سعدٌ - هُوَ ابْن عبَادَة: مَا أرى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا وَقد فضل علينا. فَقيل: قد فَضلكُمْ على كثير.
وَقد أَخْرجَاهُ أَيْضا من حَدِيث أبي سَلمَة عبد الرَّحْمَن عَن أبي أسيد. وَفِي رِوَايَة الْمُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن: " خير الْأَنْصَار بَنو النجار، ثمَّ بَنو عبد الْأَشْهَل، ثمَّ بَنو الْحَارِث بن الْخَزْرَج، ثمَّ بَنو سَاعِدَة، وَفِي كل دور الْأَنْصَار خيرٌ " قَالَ أَبُو سَلمَة: قَالَ أَبُو أسيد: أتهم أَنا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ لَو كنت كَاذِبًا لبدأت بقومي بني سَاعِدَة. وَبلغ ذَلِك سعد بن عبَادَة، فَوجدَ فِي نَفسه وَقَالَ: خلفنا فَكُنَّا آخر الْأَرْبَع، أسرجوا لي حماري آتِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَكَلمهُ ابْن أَخِيه سهل بن سعد فَقَالَ: أتذهب لِترد على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعلم، أَو لَيْسَ حَسبك أَن تكون رَابِع أَربع، فَرجع وَقَالَ: الله وَرَسُوله أعلم. وَأمر بحماره فَحل عَنهُ.
وَأخرجه مُسلم من رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن طَلْحَة قَالَ:
سَمِعت أَبَا أسيدٍ(1/450)
خَطَبنَا عِنْد ابْن عتبَة فَقَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " خير دور الْأَنْصَار دَار بني النجار، وَدَار بني عبد الْأَشْهَل، وَدَار بني الْحَارِث بن الْخَزْرَج "، وَلَو كنت مؤثراً بهَا أحدا لآثرت بهَا عشيرتي.
وللبخاري حديثان:
717 - أَحدهمَا: عَن حَمْزَة وَالْمُنْذر ابْني أبي أسيد، وَقيل: الزبير بن الْمُنْذر عَن أبي أسيد قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم بدرٍ حِين صففنا لقريش: " إِذا أكثبوكم فارموهم واستبقوا نبلكم ".
718 - الثَّانِي: عَن حَمْزَة بن أبي أسيد عَن أَبِيه قَالَ: خرجنَا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى انطلقنا إِلَى حَائِط يُقَال لَهُ الشوط، حَتَّى انتهينا إِلَى حائطين جلسنا بَينهمَا، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " اجلسوا هَا هُنَا "، وَقد أُتِي بالجونية. فأنزلت فِي نخلٍ فِي بيتٍ وَمَعَهَا دايتها حاضنةٌ لَهَا. فَلَمَّا دخل عَلَيْهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " هبي نَفسك لي ". قَالَت: وَهل تهب الملكة نَفسهَا لسوقةٍ؟ . فَأَهوى بِيَدِهِ - يضع يَده عَلَيْهَا لتسكن، فَقَالَت: أعوذ بِاللَّه مِنْك. فَقَالَ: " قد عذت بمعاذٍ " ثمَّ خرج علينا فَقَالَ: " يَا أَبَا أسيدٍ، اكسها رازقيين، وألحقها بِأَهْلِهَا ".
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا من حَدِيث عَبَّاس بن سهل عَن أَبِيه وَعَن أبي أسيد(1/451)
قَالَا: تزوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُمَيْمَة بنت شرَاحِيل، فَلَمَّا دخلت عَلَيْهِ بسط يَده إِلَيْهَا، فَكَأَنَّهَا كرهت ذَلِك، فَأمر أَبَا أسيد أَن يجهزها ويكسوها ثَوْبَيْنِ رازقيين.
وَلمُسلم حَدِيث وَاحِد:
719 - عَن أبي حميد، أَو أبي أسيد - بِالشَّكِّ - من رِوَايَة عبد الْملك بن سعيد ابْن سُوَيْد الْأنْصَارِيّ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِذا دخل أحدكُم الْمَسْجِد فَلْيقل: اللَّهُمَّ افْتَحْ لي أَبْوَاب رحمتك، وَإِذا خرج فَلْيقل: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك من فضلك ".(1/452)
(51) الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن مُسْند أبي قَتَادَة الْحَارِث بن ربعي الْأنْصَارِيّ [رَضِي الله عَنهُ]
720 - الأول: عَن عبد الله بن أبي قَتَادَة عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِذا شرب أحدكُم فَلَا يتنفس فِي الْإِنَاء، وَإِذا أَتَى الْخَلَاء فَلَا يمس ذكره بِيَمِينِهِ، وَلَا يتمسح بِيَمِينِهِ ".
وَفِي حَدِيث أَيُّوب ذكر النَّهْي عَن ذَلِك، وَعَن أَن يَسْتَطِيب بِيَمِينِهِ. وَمن الروَاة من قَالَ فِيهِ:
إِذا بَال أحدكُم فَلَا يَأْخُذ ذكره بِيَمِينِهِ، وَلَا يسْتَنْج بِيَمِينِهِ ".
721 - الثَّانِي: فِي حمَار الْوَحْش: عَن عبد الله بن أبي قَتَادَة قَالَ: كنت يَوْمًا جَالِسا مَعَ رجال من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي منزلٍ فِي طَرِيق مَكَّة، وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمامنا، وَالْقَوْم محرمون، وَأَنا غير محرمٍ عَام الْحُدَيْبِيَة، فَأَبْصرُوا حمارا وحشياًّ وَأَنا مشغولٌ أخصف نَعْلي، فَلم يؤذنوني، وأحبوا لَو أَنِّي أبصرته، فأبصرته، فَقُمْت إِلَى الْفرس فأسرجته، ثمَّ ركبت ونسيت السَّوْط وَالرمْح. فَقلت لَهُم: ناولوني السَّوْط وَالرمْح. قَالُوا: لَا، وَالله لانعينك عَلَيْهِ، فَغضِبت، فَنزلت وأخذتهما، ثمَّ ركبت فشدت على الْحمار فعقرته، ثمَّ جِئْت بِهِ وَقد مَاتَ، فوقعوا فِيهِ يَأْكُلُونَهُ، ثمَّ إِنَّهُم شكوا فِي أكلهم إِيَّاه وهم حرم، فرحنا، وخبأت الْعَضُد معي، فَأَدْرَكنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَسَأَلْنَاهُ عَن ذَلِك، فَقَالَ: " هَل مَعكُمْ مِنْهُ شَيْء؟ " فَقلت: نعم. فناولته الْعَضُد فَأكلهَا وَهُوَ محرم.(1/453)
وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا من حَدِيث نَافِع مولى أبي قَتَادَة، وَعَن عَطاء بن يسَار عَن أبي قَتَادَة.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا من حَدِيث أبي صَالح مولى التَّوْأَمَة عَن أبي قَتَادَة مَقْرُونا بِنَافِع وَكلهمْ ذكر نَحوه، وَفِي حَدِيث أبي النَّضر:
إِنَّمَا هِيَ طعمة أطعمكموها الله ". وَفِي حَدِيث صَالح بن كيسَان: " هُوَ حَلَال فكلوه ".
722 - الثَّالِث: عَن عبد الله بن أبي قَتَادَة قَالَ: بَيْنَمَا نَحن نصلي مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ سمع جلبة رجال، فَلَمَّا صلى قَالَ: " مَا شَأْنكُمْ؟ " قَالُوا: استعجلنا إِلَى الصَّلَاة. قَالَ: " فَلَا تَفعلُوا، إِذا أتيتم الصَّلَاة فَعَلَيْكُم السكينَة، فَمَا أدركتم فصلوا، وَمَا فاتكم فَأتمُّوا ".
723 - الرَّابِع: عَن عبد الله بن أبي قَتَادَة عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة فَلَا تقوموا حَتَّى تروني ".
وَأخرجه مُسلم أَيْضا من حَدِيث أبي سَلمَة عَن أبي قَتَادَة بِمثلِهِ.
وَفِي رِوَايَة إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم:
حَتَّى تروني قد خرجت ".
وَهُوَ عِنْد البُخَارِيّ فِي حَدِيث شَيبَان وَعلي بن الْمُبَارك: " وَعَلَيْكُم السكينَة ".
جعل أَبُو مَسْعُود هَذَا الحَدِيث وَالَّذِي قبله حَدِيثا وَاحِدًا، وَلم يذكر هَذَا الثَّانِي أصلا، وَجعل أسانيدهما جَمِيعًا - على اخْتِلَافهمَا - فِي الأول، وَلَوْلَا أَنه قد ذكر أَسَانِيد الثَّانِي فِي الأول لقلنا: قد أغفله، وَمن وقف عَلَيْهِمَا علم أَنَّهُمَا حديثان فِي مَعْنيين مُخْتَلفين.(1/454)
724 - الْخَامِس: عَن عبد الله بن أبي قَتَادَة عَن أَبِيه: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ فِي الظّهْر فِي الْأَوليين بِأم الْكتاب وسورتين، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِأم الْكتاب، ويسمعنا الْآيَة أَحْيَانًا، وَيطول فِي الرَّكْعَة الأولى مَا لَا يُطِيل فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة، وَهَكَذَا فِي الْعَصْر، وَهَكَذَا فِي الصُّبْح. قَالَ فِي حَدِيث حجاج الصَّواف: وَعَن أبي سَلمَة عَن أبي قَتَادَة كَذَلِك.
725 - السَّادِس: عَن أبي سَلمَة عَن أبي قَتَادَة - وَكَانَ من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وفرسانه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " الرُّؤْيَا من الله، والحلم من الشَّيْطَان. فَإِذا حلم أحدكُم الْحلم يكرههُ فليبصق عَن يسَاره وليستعذ بِاللَّه مِنْهُ، فَلَنْ يضرّهُ ".
وَفِي حَدِيث عبد ربه بن سعيد:
الرُّؤْيَا الصَّالِحَة من الله، والرؤيا السوء من الشَّيْطَان، وَإِذا رأى أحدكُم مَا يحب فَلَا يحدث بهَا إِلَّا من يحب، وَإِذا رأى مَا يكره فليتفل عَن يسَاره ثَلَاثًا، ويتعوذ بِاللَّه من شَرّ الشَّيْطَان وشرها، وَلَا يحدث بهَا أحدا ".
وَفِي أَوله عَن أبي سَلمَة قَالَ: إِن كنت لأرى الرُّؤْيَا تمرضني، قَالَ: فَلَقِيت أَبَا قَتَادَة فَقَالَ: وَأَنا كنت أرى الرُّؤْيَا فتمرضني حَتَّى سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... وَذكره.
وَعند البُخَارِيّ فِي حَدِيث الْأَوْزَاعِيّ عَن يحيى بن أبي كثير، وَفِي رِوَايَة مُسَدّد عَن عبد الله بن يحيى بن أبي كثير عَن أَبِيه عَن عبد الله بن أبي قَتَادَة عَن أَبِيه مَرْفُوعا نَحوه، زَاد فِي حَدِيث عبد الله بن أبي جَعْفَر عَن أبي سَلمَة عَن أبي قَتَادَة: " وَإِن الشَّيْطَان لَا يتَرَاءَى بِي ".(1/455)
726 - السَّابِع: عَن أبي سَلمَة عَن أبي قَتَادَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " من رَآنِي فقد رأى الْحق ".
727 - الثَّامِن: عَن معبد بن كَعْب بن مَالك عَن أبي قَتَادَة بن ربعي أَنه كَانَ يحدث: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر عَلَيْهِ بِجنَازَة، فَقَالَ: " مستريحٌ ومستراحٌ مِنْهُ " قَالُوا: يَا رَسُول الله، مَا المستريح والمستراح مِنْهُ؟ فَقَالَ: " العَبْد الْمُؤمن يستريح من نصب الدُّنْيَا، وَالْعَبْد الْفَاجِر يستريح مِنْهُ الْعباد والبلاد وَالشَّجر وَالدَّوَاب ".
728 - التَّاسِع: عَن عَمْرو بن سليم بن خلدَة الزرقي الْأنْصَارِيّ عَن أبي قَتَادَة قَالَ: دخلت الْمَسْجِد وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالس بَين ظهراني النَّاس، قَالَ: فَجَلَست، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " مَا مَنعك أَن تصلي رَكْعَتَيْنِ قبل أَن تجْلِس ". قَالَ: فَقلت: يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، " رَأَيْتُك جَالِسا وَالنَّاس جلوسٌ. قَالَ: " فَإِذا دخل أحدكُم الْمَسْجِد فَلَا يجلس حَتَّى يرْكَع رَكْعَتَيْنِ " فِي حَدِيث مَالك: " فليركع رَكْعَتَيْنِ قبل أَن يجلس ".
729 - الْعَاشِر: عَن عَمْرو بن سليم عَنهُ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حاملٌ أُمَامَة بنت زَيْنَب بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلأبي الْعَاصِ بن ربيعَة بن عبد شمس، فَإِذا سجد وَضعهَا، وَإِذا قَامَ حملهَا.
وَفِي حَدِيث ابْن عجلَان وَعُثْمَان بن أبي سُلَيْمَان وَبُكَيْر:
رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يؤم النَّاس وأمامة بنت أبي الْعَاصِ على عَاتِقه، فَإِذا ركع وَضعهَا، وَإِذا رفع من السَّجْدَة أَعَادَهَا. الْمَعْنى وَاحِد.
730 - الْحَادِي عشر: عَن أبي مُحَمَّد مولى أبي قَتَادَة - واسْمه نَافِع - عَن أبي قَتَادَة، قَالَ: خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام حنينٍ، فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَت للْمُسلمين(1/456)
جولةٌ، قَالَ: فَرَأَيْت رجلا من الْمُشْركين قد علا رجلا من الْمُسلمين، فاستدرت إِلَيْهِ حَتَّى أَتَيْته من وَرَائه، فضربته على حَبل عَاتِقه، وَأَقْبل عَليّ فضمني ضمةً وجدت مِنْهَا ريح الْمَوْت، ثمَّ أدْركهُ الْمَوْت فأرسلني، فَلَقِيت عمر بن الْخطاب فَقَالَ: مَا للنَّاس؟ فَقلت: أَمر الله. ثمَّ إِن النَّاس رجعُوا، وَجلسَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " من قتل قَتِيلا لَهُ عَلَيْهِ بينةٌ فَلهُ سلبه ". فَقُمْت فَقلت: من يشْهد لي؟ ثمَّ جَلَست، ثمَّ قَالَ بِمثل ذَلِك، فَقُمْت فَقلت: من يشْهد لي؟ ثمَّ جَلَست، ثمَّ قَالَ بِمثل ذَلِك الثَّالِثَة، فَقُمْت، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " مَا لَك يَا أَبَا قَتَادَة؟ " فقصصت عَلَيْهِ الْقِصَّة، فَقَالَ رجلٌ من الْقَوْم: صدق يَا رَسُول الله، سلب ذَلِك الْقَتِيل عِنْدِي، فأرضه من حَقه. فَقَالَ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ. لَاها الله، إِذا لَا يعمد إِلَى أَسد الله يُقَاتل عَن الله وَعَن رَسُوله فيعطيك سلبه، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " صدق، فأعطه إِيَّاه " فَأَعْطَانِي. قَالَ فَبِعْت الدرْع، فابتعت مخرفاً فِي بني سَلمَة، فَإِنَّهُ لأوّل مالٍ تأثلته فِي الْإِسْلَام.
سَمِعت بعض أهل الْعلم فِيمَا مضى من الزَّمَان وَقد أجري ذكر هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: لَو لم يكن من فَضِيلَة لأبي بكر الصّديق إِلَّا هَذَا، فَإِنَّهُ بثاقب علمه، وَشدَّة صرامته، وَقُوَّة إنصافه، وَصِحَّة توفيقه، وَصدق تَحْقِيقه بَادر إِلَى القَوْل بِالْحَقِّ، فزجر، وَأفْتى وَحكم وأمضى، وَأخْبر فِي الشَّرِيعَة عَن الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِحَضْرَتِهِ وَبَين يَدَيْهِ بِمَا صدقه فِيهِ، وأجراه على قَوْله. وَهَذَا من خَصَائِصه الْكُبْرَى إِلَى مَا لَا يُحْصى من فضائله الْأُخْرَى.(1/457)
وللبخاري حديثان:
731 - أَحدهمَا: عَن عبد الله بن أبي قَتَادَة عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِنِّي لأَقوم إِلَى الصَّلَاة وَأَنا أُرِيد أَن أطول فِيهَا، فَأَسْمع بكاء الصَّبِي، فأتجوز فِي صَلَاتي كَرَاهِيَة أَن أشق على أمه ".
732 - الثَّانِي: عَن عبد الله بن أبي قَتَادَة عَن أَبِيه قَالَ: سرنا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة، فَقَالَ بعض الْقَوْم: لَو عرست بِنَا يَا رَسُول الله. قَالَ: " إِنِّي أَخَاف أَن تناموا عَن الصَّلَاة " فَقَالَ بلالٌ: أَنا أوقظكم، فاضطجعوا. وَأسْندَ بلالٌ ظَهره إِلَيّ رَاحِلَته فغلبته عَيناهُ، فَنَامَ، فَاسْتَيْقَظَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد طلع حَاجِب الشَّمْس، قَالَ: " يَا بِلَال، أَيْن مَا قلت؟ " فَقَالَ: مَا ألقيت عَليّ نومةٌ مثلهَا قطّ. قَالَ: " إِن الله قبض أرواحكم حِين شَاءَ، وردهَا عَلَيْكُم حِين شَاءَ. يَا بِلَال، قُم فآذن النَّاس بِالصَّلَاةِ " فَتَوَضَّأ، فَلَمَّا ارْتَفَعت الشَّمْس وابياضت قَامَ فصلى بِالنَّاسِ جمَاعَة.
أَفْرَاد مُسلم
733 - الأول: عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: أَخْبرنِي من هُوَ خيرٌ مني - أَبُو قَتَادَة - أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعمَّار حِين جعل يحْفر الخَنْدَق، جعل يمسح رَأسه وَيَقُول: " بؤس ابْن سميَّة، تقتلك فئةٌ باغية ".
734 - الثَّانِي: عَن عبد الله بن أبي قَتَادَة عَن أَبِيه - سَمعه يحدث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَامَ فيهم، فَذكر لَهُم أَن الْجِهَاد فِي سَبِيل الله وَالْإِيمَان بِاللَّه أفضل الْأَعْمَال. فَقَامَ رجلٌ فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أَرَأَيْت إِن قتلت فِي سَبِيل الله تكفر(1/458)
عني خطاياي؟ فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " نعم، إِن قتلت فِي سَبِيل الله وَأَنت صابرٌ محتسبٌ مقبلٌ غير مُدبر ". ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " كَيفَ قلت؟ " قَالَ: أَرَأَيْت إِن قتلت فِي سَبِيل الله، أتكفر عني خطاياي؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " نعم، وَأَنت صابرٌ محتسبٌ، مقبلٌ غير مُدبر، إِلَّا الدّين، فَإِن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لي ذَلِك ".
735 - الثَّالِث: عَن عبد الله بن أبي قَتَادَة أَن أَبَا قَتَادَة طلب غريماً لَهُ، فتوارى عَنهُ، ثمَّ وجده فَقَالَ: إِنِّي معسرٌ. قَالَ: آللَّهُ؟ قَالَ: الله: قَالَ: فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " من سره أَن ينجيه الله من كرب يَوْم الْقِيَامَة فلينفس عَن معسرٍ أَو يضع عَنهُ ".
736 - الرَّابِع: عَن أبي سَلمَة وَعبد الله بن أبي قَتَادَة، وَمِنْهُم من أَتَى بِهِ عَن أَحدهمَا، عَن أبي قَتَادَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَا تنتبذوا الزهو وَالرّطب جَمِيعًا، وَلَا تنتبذوا الرطب وَالزَّبِيب جَمِيعًا، وَلَكِن انتبذوا كل واحدٍ على حِدته ".
وَفِي حَدِيث هِشَام الدستوَائي:
وَلَا تنتبذوا الزَّبِيب وَالتَّمْر جَمِيعًا " وَفِي حَدِيث أبان الْعَطَّار: نهى عَن خليط الزهو والبسر. وَالْبَاقِي بِمَعْنَاهُ.
737 - الْخَامِس: عَن معبد بن كَعْب بن مَالك عَن أبي قَتَادَة: أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " إيَّاكُمْ وَكَثْرَة الْحلف فِي البيع، فَإِنَّهُ ينْفق ثمَّ يمحق ".(1/459)
738 - السَّادِس: فِي الميضأة. عَن عبد الله بن رَبَاح عَن أبي قَتَادَة قَالَ: خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " إِنَّكُم تسيرون عشيتكم وليلتكم وتأتون المَاء إِن شَاءَ الله غَدا ". فَانْطَلق النَّاس لَا يلوي أحدٌ على أحد. قَالَ أَبُو قَتَادَة: فَبَيْنَمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسير حَتَّى ابهار اللَّيْل وَأَنا إِلَى جنبه. قَالَ: فنعس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَال عَن رَاحِلَته، فَأَتَيْته فدعمته من غير أَن أوقظه حَتَّى اعتدل رَاحِلَته. قَالَ: ثمَّ سَار حَتَّى تهور اللَّيْل مَال عَن رَاحِلَته، قَالَ: فدعمته من غير أَن أوقظه حَتَّى اعتدل على رَاحِلَته. قَالَ: ثمَّ سَار حَتَّى إِذا كَانَ من آخر السحر مَال مَيْلَة هِيَ أَشد من الميلتين الْأَوليين حَتَّى كَاد ينجفل، فَأَتَيْته فدعمته، فَقَالَ: " من هَذَا؟ " قَالَ: أَبُو قَتَادَة. قَالَ: " مَتى كَانَ هَذَا مسيرك مني؟ " قَالَ: مَا زَالَ هَذَا مسيري مُنْذُ اللَّيْلَة. قَالَ: " حفظك الله بِمَا حفظت بِهِ نبيه ". ثمَّ قَالَ: " هَل تَرَانَا نخفى على النَّاس؟ " ثمَّ قَالَ: " هَل ترى من أحدٍ؟ " قلت: هَذَا راكبٌ، ثمَّ قلت: هَذَا راكبٌ، حَتَّى اجْتَمَعنَا فَكُنَّا سَبْعَة ركبٍ. قَالَ: فَمَال رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الطَّرِيق، فَوضع رَأسه ثمَّ قَالَ: " احْفَظُوا علينا صَلَاتنَا ".
وَكَانَ أول من اسْتَيْقَظَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالشَّمْس فِي ظَهره. قَالَ: فقمنا فزعين، ثمَّ قَالَ: " اركبوا "، فَرَكبْنَا فسرنا، حَتَّى إِذا ارْتَفَعت الشَّمْس نزل، ثمَّ دَعَا بميضأةٍ كَانَت معي فِيهَا شَيْء من مَاء، قَالَ: فَتَوَضَّأ مِنْهَا وضُوءًا دون وضوءٍ، قَالَ: وَبَقِي فِيهَا شَيْء من مَاء، ثمَّ قَالَ لأبي قَتَادَة: " احفظ علينا ميضأتك، فسيكون لَهَا نبأ " ثمَّ أذن بِلَال بِالصَّلَاةِ، فصلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ صلى الْغَدَاة، فَصنعَ كَمَا يصنع كل يومٍ. قَالَ: وَركب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وركبنا مَعَه، فَجعل بَعْضنَا(1/460)
يهمس إِلَيّ بعض: " مَا كَفَّارَة مَا صنعنَا بتفريطنا فِي صَلَاتنَا؟ ثمَّ قَالَ: " أما لكم فِي أُسْوَة؟ " ثمَّ قَالَ: " أما إِنَّه لَيْسَ فِي النّوم تفريطٌ، إِنَّمَا التَّفْرِيط على من لم يصل الصَّلَاة حَتَّى يَجِيء وَقت الْأُخْرَى، فَمن فعل ذَلِك فليصلها حِين ينتبه لَهَا. فَإِذا كَانَ الْغَد فليصلها عِنْد وَقتهَا ". ثمَّ قَالَ: " مَا ترَوْنَ النَّاس صَنَعُوا؟ ". قَالَ: ثمَّ قَالَ: " أصبح النَّاس فقدوا نَبِيّهم. فَقَالَ أَبُو بكر وَعمر: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعدكم لم يكن ليخلفكم. وَقَالَ النَّاس: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين أَيْدِيكُم، فَإِن يطيعوا أَبَا بكر وَعمر يرشدوا ".
قَالَ: وانتهينا إِلَى النَّاس حِين امْتَدَّ النَّهَار وحمي كل شيءٍ، وهم يَقُولُونَ: يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هلكنا عطشاً، فَقَالَ: " لَا هلك عَلَيْكُم " ثمَّ قَالَ: " أطْلقُوا لي غمري " قَالَ: ودعا بالميضأة، فَجعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصب، وَأَبُو قَتَادَة يسقيهم، فَلم يعد أَن رأى النَّاس مَاء فِي الميضأة تكابوا عَلَيْهَا، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أَحْسنُوا الْمَلأ، كلكُمْ سيروى ". قَالَ: فَفَعَلُوا، فَجعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصب وأسقيهم حَتَّى مَا بَقِي غَيْرِي وَغير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ صب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " اشرب " فَقلت: لَا أشْرب حَتَّى يشرب رَسُول الله. قَالَ: " إِن ساقي الْقَوْم آخِرهم ". قَالَ: فَشَرِبت وَشرب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ: فَأتى النَّاس المَاء جامين رواءً.
قَالَ: فَقَالَ عبد الله بن رَبَاح: إِنِّي لأحدث النَّاس هَذَا الحَدِيث فِي مَسْجِد الْجَامِع، إِذْ قَالَ عمرَان بن حُصَيْن: انْظُر ايها الْفَتى كَيفَ تحدث، فَإِنِّي أحد الركب تِلْكَ اللَّيْلَة. قَالَ: قلت: فَأَنت أعلم بِالْحَدِيثِ. قَالَ: مِمَّن أَنْت؟ قلت: من(1/461)
الْأَنْصَار. قَالَ: فَحدث، فَأنْتم أعلم بحديثكم. قَالَ: فَحدثت الْقَوْم. فَقَالَ عمرَان: لقد شهِدت تِلْكَ اللَّيْلَة وَمَا شَعرت بِأَن أحدا حفظه كَمَا حفظته.
739 - السَّابِع: عَن عبد الله بن رَبَاح عَن أبي قَتَادَة قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كَانَ فِي سفر فعرس بلَيْل اضْطجع على يَمِينه، وَإِذا عرس قبيل الصُّبْح نصب ذراعه وَوضع رَأسه على كَفه.
740 - الثَّامِن: عَن عبد الله بن معبد الزماني عَن أبي قَتَادَة: أَن رجلا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: كَيفَ تَصُوم، فَغَضب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَوْله، فَلَمَّا رأى عمر غَضَبه قَالَ: رَضِينَا بِاللَّه ر باً، وَبِالْإِسْلَامِ دينا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبيا - فِي حَدِيث شُعْبَة: وببيعتنا بيعَة. نَعُوذ بِاللَّه من غضب الله وَغَضب رَسُوله. فَجعل عمر رَضِي الله عَنهُ يردد هَذَا الكلا م حَتَّى سكن غَضَبه. فَقَالَ عمر: يَا رَسُول الله: كَيفَ بِمن يَصُوم الدَّهْر كُله؟ قَالَ: " لَا صَامَ وَلَا أفطر " أَو قَالَ: " لم يصم وَلم يفْطر " قَالَ: كَيفَ من يَصُوم يَوْمَيْنِ وَيفْطر يَوْمًا؟ قَالَ: " ويطيق ذَلِك أحد؟ " قَالَ: كَيفَ من يَصُوم يَوْمًا وَيفْطر يَوْمًا؟ قَالَ: " ذَلِك صَوْم دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام ". قَالَ: كَيفَ من يَصُوم يَوْمًا وَيفْطر يَوْمَيْنِ؟ . قَالَ: " وددت أَنِّي طوقت ذَلِك " ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " ثلاثٌ من كل شهرٍ، ورمضان إِلَى رَمضًا ن فَهَذَا صِيَام الدَّهْر كُله. صِيَام يَوْم عَرَفَة أحتسب على الله أَن يكفر السّنة الَّتِي قبله وَالسّنة الَّتِي بعده. وَصِيَام يَوْم عَاشُورَاء أحتسب على الله أَن يكفر السّنة الَّتِي قبله وَهَذَا حَدِيث حَمَّاد بن زيد عَن غيلَان، إِلَّا مَا زَاده شُعْبَة.
وَفِي حَدِيث مهْدي بن مَيْمُون أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن صَوْم يَوْم الْإِثْنَيْنِ، فَقَالَ: " فِيهِ ولدت، وَفِيه أنزل عَليّ ". وَفِي حَدِيث شُعْبَة: وَالْخَمِيس. وَقَالَ مُسلم: أرَاهُ وهما.(1/462)
(52) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث أبي جهيم عبد الله بن الْحَارِث بن الصمَّة الخزرجي [رَضِي الله عَنهُ]
حديثان، لَيْسَ لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ غَيرهمَا:
741 - أَحدهمَا: عَن بسر بن سعيد: أَن زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ أرْسلهُ إِلَى أبي جهيم يسْأَله: مَاذَا سمع من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَار بَين يدى الْمُصَلِّي؟ قَالَ أَبُو جهيم: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَو يعلم الْمَار بَين يَدي الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَن يقف أَرْبَعِينَ خيرٌ لَهُ من أَن يمر بَين يَدَيْهِ ".
قَالَ أَبُو النَّضر الْأَزْدِيّ: لَا أَدْرِي قَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، أَو شهرا أَو سنة.
742 - الثَّانِي: عَن عُمَيْر مولى ابْن عَبَّاس قَالَ: دَخَلنَا على أبي جهيم بن الْحَارِث فَقَالَ أَبُو الْجُهَيْم: أقبل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من نَحْو بِئْر جملٍ، فَلَقِيَهُ رجلٌ فَسلم عَلَيْهِ، فَلم يرد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أقبل على الْجِدَار، فَمسح بِوَجْهِهِ وَيَديه، ثمَّ رد السَّلَام.(1/463)
(53) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند أبي الدَّرْدَاء الْأنْصَارِيّ [رَضِي الله عَنهُ]
وَهُوَ ابْن أُخْت عبد الله بن رَوَاحَة. حديثان:
743 - الحَدِيث الأول: عَن أم الدَّرْدَاء عَنهُ قَالَت: خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شهر رَمَضَان فِي حر شَدِيد، حَتَّى إِن كَانَ أَحَدنَا ليضع يَده على رَأسه من شدَّة الْحر، وَمَا فِينَا صائمٌ إِلَّا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعبد الله بن رَوَاحَة.
744 - الثَّانِي: عَن عَلْقَمَة قَالَ: قدمت الشَّام فَصليت رَكْعَتَيْنِ ثمَّ قلت: اللَّهُمَّ يسر لي جَلِيسا صَالحا. فَأتيت قوما فَجَلَست إِلَيْهِم، فَإِذا شيخٌ قد جَاءَ حَتَّى جلس إِلَى جَنْبي، قلت: من هَذَا؟ قَالُوا: أَبُو الدَّرْدَاء، فَقلت إِنِّي دَعَوْت الله أَن ييسر لي جَلِيسا صَالحا فيسرك لي. قَالَ: مِمَّن أَنْت؟ قلت: من أهل الْكُوفَة. لي جَلِيسا صَالحا فيسرك لي. قَالَ: مِمَّن أَنْت؟ قلت: من أهل الْكُوفَة. قَالَ: أَو لَيْسَ فِيكُم ابْن أم عبد صَاحب النَّعْلَيْنِ والوسادة والمطهرة - يَعْنِي ابْن مَسْعُود؟ وَفِيكُمْ الَّذِي أجاره الله من الشَّيْطَان على لِسَان نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَعْنِي عماراً؟ أوليس فِيكُم صَاحب سر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي لَا يُعلمهُ أحدٌ غَيره - يَعْنِي حُذَيْفَة؟ .
ثمَّ قَالَ: كَيفَ يقْرَأ عبد الله: {وَاللَّيْل إِذا يغشى} [فَاتِحَة اللَّيْل] ، فَقَرَأت: {وَاللَّيْل إِذا يغشى وَالنَّهَار إِذا تجلى وَمَا خلق الذّكر وَالْأُنْثَى} قَالَ: وَالله لقد أَقْرَأَنيهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من فِيهِ إِلَى فِي.
وَفِي حَدِيث حَفْص بن غياث: قدم أَصْحَاب عبد الله على أبي الدَّرْدَاء، فطلبهم(1/464)
فَوَجَدَهُمْ، فَقَالَ: أَيّكُم أَقرَأ على قِرَاءَة عبد الله؟ قَالُوا: كلنا. قَالَ: فَأَيكُمْ أحفظ؟ فأشاروا إِلَى عَلْقَمَة. قَالَ: كَيفَ سمعته يقْرَأ: {وَاللَّيْل إِذا يغشى} فَذكر نَحوه.
وللبخاري ثَلَاثَة أَحَادِيث:
745 - أَحدهمَا: عَن أم الدَّرْدَاء قَالَت: دخل عَليّ أَبُو الدَّرْدَاء وَهُوَ مغضب فَقلت: مَا أغضبك؟ قَالَ: وَالله مَا أعرف من أَمر محمدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا إِلَّا أَنهم يصلونَ جَمِيعًا.
746 - الثَّانِي: عَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: كنت جَالِسا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذْ أقبل أَبُو بكر آخِذا بِطرف ثَوْبه حَتَّى أبدى عَن ركبته، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، " أما صَاحبكُم فقد غامر " فَسلم فَقَالَ: إِنِّي كَانَ بيني وَبَين ابْن الْخطاب شَيْء، فأسرعت إِلَيْهِ، ثمَّ نَدِمت، فَسَأَلته أَن يغْفر لي، فَأبى عَليّ، فَأَقْبَلت إِلَيْك. فَقَالَ: " يغْفر الله لَك يَا أَبَا بكر " ثَلَاثًا.
ثمَّ إِن عمر نَدم، فَأتى منزل أبي بكر، قَالَ: أَثم أَبُو بكر؟ قَالُوا: لَا، فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعل وَجه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتمعر، حَتَّى أشْفق أَبُو بكر، فَجَثَا على رُكْبَتَيْهِ، وَقَالَ: يَا رَسُول الله، وَالله أَنا كنت أظلم - مرَّتَيْنِ. فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن الله بَعَثَنِي إِلَيْكُم فقلتم: كذبت، وَقَالَ أَبُو بكر: صدق، وواساني بِنَفسِهِ وَمَاله، فَهَل أَنْتُم تاركون لي صَاحِبي؟ " فَمَا أوذي بعْدهَا.(1/465)
747 - الثَّالِث: ذكر أَبُو مَسْعُود أَن البُخَارِيّ أخرجه فِي " الدَّعْوَات " تَعْلِيقا من حَدِيث أبي صَالح عَن أبي الدَّرْدَاء - يَعْنِي حَدِيث: " ذهب أهل الدُّثُور بِالْأَجْرِ " كَذَا قَالَ: والمتن مَذْكُور بِكَمَالِهِ فِي مُسْند أبي هُرَيْرَة.
أَفْرَاد مُسلم
748 - الأول: عَن أم الدَّرْدَاء قَالَت: سَمِعت أَبَا الدَّرْدَاء، يَقُول: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا يكون اللعانون شُفَعَاء وَلَا شُهَدَاء يَوْم الْقِيَامَة ".
749 - الثَّانِي: من رِوَايَة صَفْوَان بن عبد الله بن صَفْوَان - وَكَانَ تَحْتَهُ الدَّرْدَاء. قَالَ: قدمت فَأتيت أَبَا الدَّرْدَاء فِي منزله فَلم أَجِدهُ، وجدت أم الدَّرْدَاء، فَقَالَت: أَتُرِيدُ الْحَج الْعَام؟ فَقلت: نعم. قَالَت: فَادع لنا بِخَير، فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول: " دَعْوَة الْمَرْء الْمُسلم لِأَخِيهِ بِظهْر الْغَيْب مستجابةٌ، عِنْد رَأسه ملكٌ موكلٌ، كلما دَعَا لِأَخِيهِ بخيرٍ قَالَ الْملك: آمين، وَلَك بمثلٍ ".
قَالَ: فَخرجت إِلَى السُّوق، فَلَقِيت أَبَا الدَّرْدَاء، فَقَالَ لي مثل ذَلِك، يرويهِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَفِي حَدِيث طَلْحَة بن عبد الله بن كريز عَن أم الدَّرْدَاء عَن أبي الدَّرْدَاء: أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " مَا من عبدٍ مسلمٍ يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظهْر الْغَيْب إِلَّا قَالَ الْملك: وَلَك بمثلٍ ".
750 - الثَّالِث: عَن أبي إِدْرِيس الخو لاني عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي، فسمعناه يَقُول: " أعوذ بِاللَّه مِنْك " ثمَّ قَالَ: " ألعنك بلعنة الله "(1/466)
ثَلَاثًا. وَبسط يَده كَأَنَّهُ يتَنَاوَل شَيْئا، فَلَمَّا فرغ من الصَّلَاة قُلْنَا: يَا رَسُول الله، قد سمعناك تَقول فِي الصَّلَاة شَيْئا لم نسمعك تَقوله قبل ذَلِك، ورأيناك بسطت يدك.
فَقَالَ: " إِن عَدو الله إِبْلِيس جَاءَ بشهاب من نَار ليجعله فِي وَجْهي، فَقلت: أعوذ بِاللَّه مِنْك - ثَلَاث مَرَّات. ثمَّ قلت: ألعنك بلعنة الله التَّامَّة، فَلم يسْتَأْخر - ثَلَاث مَرَّات. ثمَّ أردْت أَن آخذه، وَالله لَوْلَا دَعْوَة أخينا سُلَيْمَان لأصبح موثقًا يلْعَب بِهِ ولدان أهل الْمَدِينَة ". 751 - الرَّابِع: عَن أبي مرّة مولى أم هَانِئ عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: أَوْصَانِي حَبِيبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بثلاثٍ لن أدعهن مَا عِشْت: بصيام ثَلَاثَة أيامٍ من كل شهر، وَصَلَاة الضُّحَى، وَألا أَنَام إِلَّا على وتر.
أغفل أَبُو مَسْعُود هَذَا الحَدِيث، وَلم يذكرهُ فِي كِتَابه.
752 - الْخَامِس: عَن جُبَير بن نفير عَن أبي الدَّرْدَاء عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أَنه أَتَى على امْرَأَة مجح على بَاب فسطاطٍ، فَقَالَ:: لَعَلَّه يُرِيد أَن يلم بهَا؟ ". فَقَالُوا: نعم. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لقد هَمَمْت أَن ألعنه لعناً يدْخل مَعَه قَبره.
كَيفَ يورثه وَهُوَ لَا يحل لَهُ؟ كَيفَ يستخدمه وَهُوَ لَا يحل لَهُ "
753 - السَّادِس: عَن معدان بن أبي طَلْحَة الْيَعْمرِي عَن أبي الدَّرْدَاء، أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " من حفظ عشر آيَات من أول سُورَة الْكَهْف عصم من الدَّجَّال " وَفِي حَدِيث شُعْبَة: " من آخر الْكَهْف ".(1/467)
754 - السَّابِع: عَن معدان بن أبي طَلْحَة عَن أبي الدَّرْدَاء عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " أَيعْجزُ أحدكُم أَن يقْرَأ فِي لَيْلَة ثلث الْقُرْآن؟ " قَالُوا: وَكَيف يقْرَأ ثلث الْقُرْآن؟ قَالَ: " (قل هُوَ الله أحد) تعدل ثلث الْقُرْآن ".
وَفِي حَدِيث ابْن أبي عرُوبَة وَأَبَان الْعَطَّار عَن قَتَادَة:
أَن النَّبِي قَالَ: " إِن الله جزأ الْقُرْآن ثَلَاثَة أَجزَاء، فَجعل (قل هُوَ الله أحد) جُزْءا من أَجزَاء الْقُرْآن ".
755 - الثَّامِن: عَنهُ وَعَن ثَوْبَان من رِوَايَة معدان بن أبي طَلْحَة قَالَ: لقِيت ثَوْبَان مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقلت: أَخْبرنِي بعملٍ أعمله يدخلني الْجنَّة، أَو قَالَ: قلت: بِأحب الْأَعْمَال إِلَى الله. فَسكت، ثمَّ سَأَلته فَسكت، ثمَّ سَأَلته الثَّالِثَة فَقَالَ: سَأَلت عَن ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " عَلَيْك بِكَثْرَة السُّجُود لله، فَإنَّك لن تسْجد لله سَجْدَة إِلَّا رفعك الله بهَا دَرَجَة، وَحط عَنْك بهَا خَطِيئَة ". قَالَ معدان: ثمَّ لقِيت أَبَا الدَّرْدَاء فَسَأَلته، فَقَالَ مثل مَا قَالَ لي ثَوْبَان.(1/468)
(54) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من حَدِيث أبي حميد عبد الرَّحْمَن بن سعد بن الْمُنْذر السَّاعِدِيّ [رَضِي الله عَنهُ]
756 - الأول: عَن عُرْوَة بن الزبير عَن أبي حميد السَّاعِدِيّ قَالَ: اسْتعْمل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا من الأزد - يُقَال لَهُ ابْن اللتبية - على الصَّدَقَة، فَلَمَّا قدم قَالَ: هَذَا لكم وَهَذَا أهدي إِلَيّ. قَالَ: فَقَامَ رَسُول الله على الْمِنْبَر، فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: " أما بعد، فَإِنِّي اسْتعْمل الرجل مِنْكُم على الْعَمَل مِمَّا ولآني الله، فَيَأْتِي فَيَقُول: هَذَا مالكم وَهَذَا هديةٌ أهديت لي. أَفلا جلس فِي بَيت أَبِيه وَأمه حَتَّى تَأتيه هديته إِن كَانَ صَادِقا. وَالله لَا يَأْخُذ أحدٌ مِنْكُم شَيْئا بِغَيْر حَقه إِلَّا لَقِي الله يحملهُ يَوْم الْقِيَامَة. فلأعرفن أحدا مِنْكُم لَقِي الله يحمل بَعِيرًا لَهُ رغاءٌ، أَو بقرة لَهَا خوار، أَو شَاة تَيْعر ". ثمَّ رفع يَدَيْهِ حَتَّى رئي بَيَاض إبطَيْهِ، يَقُول: " اللَّهُمَّ هَل بلغت؟ ".
وَفِي حَدِيث سُفْيَان: وسلوا زيد بن ثَابت، فَإِنَّهُ كَانَ حَاضرا معي. وَفِيه: فَلَمَّا جَاءَ حَاسبه. وَمِنْهُم من قَالَ: ابْن الأتبية. وَقيل: على صدقَات بني سليم.
757 - الثَّانِي: عَن عَبَّاس بن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ عَن أبي حميد قَالَ: خرجت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَزْوَة تَبُوك، فأتينا وَادي الْقرى على حديقة لامرأةٍ، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " اخرصوها " فخرصناها، وخرصها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عشرَة أوسق، وَقَالَ: " أحصيها حَتَّى نرْجِع إِلَيْك إِن شَاءَ الله ". وانطلقنا حَتَّى قدمنَا(1/469)
تَبُوك، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " ستهب عَلَيْكُم اللَّيْلَة ريحٌ شديدةٌ، فَلَا يقم فِيهَا أحدٌ، فَمن كَانَ لَهُ بعيرٌ فليشد عقاله " فَهبت ريحٌ شديدةٌ، فَقَامَ رجل، فَحَملته الرّيح حَتَّى ألقته بجبلي طَيئ وَجَاء رَسُول الله ابْن الْعلمَاء صَاحب أَيْلَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأهْدى لَهُ بغلة بَيْضَاء، فَكتب إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأهْدى لَهُ بردا. ثمَّ أَقبلنَا حَتَّى قدمنَا وَادي الْقرى، فَسَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَرْأَة عَن حديقتها: كم بلغ ثَمَرهَا؟ فَقَالَت: عشرَة أوسق.
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِنِّي مسرعٌ، فَمن شَاءَ مِنْكُم فليسرع معي، وَمن شَاءَ فليمكث " فخرجنا حَتَّى أَشْرَفنَا على الْمَدِينَة، فَقَالَ: " هَذِه طابة، وَهَذَا أحدٌ وَهُوَ جبلٌ يحبنا ونحبه ". ثمَّ قَالَ: " إِن خير دور الْأَنْصَار دَار بني النجار، ثمَّ دَار بني عبد الْأَشْهَل، ثمَّ دَار بني الْحَارِث بن الْخَزْرَج، ثمَّ دَار بني سَاعِدَة، وَفِي كل دور الْأَنْصَار خيرٌ " فلحقنا سعد بن عبَادَة، فَقَالَ أَبُو أسيد: ألم تَرَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " خير دور الْأَنْصَار ... " فَجعلنَا آخرا. فَأدْرك سعد رَسُول الله فَقَالَ: يَا رَسُول الله خيرت دور الْأَنْصَار فجعلتنا آخرا. فَقَالَ: " أَو لَيْسَ بحسبكم أَن تَكُونُوا من الْخِيَار ".
858 - الثَّالِث: عَن عَمْرو بن سليم الزرقي قَالَ: أَخْبرنِي أَبُو حميد السَّاعِدِيّ أَنهم قَالُوا: يَا رَسُول الله، كَيفَ نصلي عَلَيْك؟ قَالَ: " قُولُوا: اللَّهُمَّ صل على محمدٍ وعَلى أَزوَاجه وَذريته، كَمَا صليت على آل إِبْرَاهِيم، وَبَارك على مُحَمَّد وعَلى أَزوَاجه وَذريته كَمَا باركت على إِبْرَاهِيم، إِنَّك حميد مجيد ".
759 - وللبخاري حَدِيث وَاحِد: عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن عَطاء: أَنه كَانَ جَالِسا مَعَ نفرٍ من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(1/470)
قَالَ: فَذَكرنَا صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ أَبُو حميد: أَنا كنت أحفظكم لصَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رَأَيْته إِذا كبر جعل يَدَيْهِ حذاء مَنْكِبَيْه، وَإِذا ركع أمكن يَدَيْهِ من رُكْبَتَيْهِ ثمَّ هصر ظَهره، فَإِذا رفع رَأسه اسْتَوَى حَتَّى يعود كل فقارٍ مَكَانَهُ، فَإِذا سجد وضع يَدَيْهِ غير مفترشٍ وَلَا قابضهما، واستقبل بأطراف أَصَابِع رجلَيْهِ الْقبْلَة، فَإِذا جلس فِي الرَّكْعَتَيْنِ جلس على رجله الْيُسْرَى وَنصب الْيُمْنَى، فَإِذا جلس فِي الرَّكْعَة الْآخِرَة قدم رجله الْيُسْرَى وَنصب الْأُخْرَى، وَقعد على مقعدته.
760 - وَلمُسلم حَدِيث وَاحِد: عَن جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ قَالَ: أَخْبرنِي أَبُو حميد السَّاعِدِيّ قَالَ: أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقدح لبنٍ من النقيع لَيْسَ مخمراً، فَقَالَ: " أَلا خمرته وَلَو تعرض عَلَيْهِ عوداً ". قَالَ أَبُو حميد: إِنَّمَا أَمر بالأسقية أَن توكأ لَيْلًا، وبالأبواب أَن تغلق لَيْلًا.(1/471)
(55) الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن عبد الله بن سَلام بن الْحَارِث [رَضِي الله عَنهُ]
761 - حَدِيث وَاحِد: عَن قيس بن عباد قَالَ: كنت جَالِسا فِي مَسْجِد الْمَدِينَة فِي نَاس فيهم بعض أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجَاء رجلٌ فِي وَجهه أثرٌ من خشوعٍ، فَقَالَ بعض الْقَوْم: هَذَا رجلٌ من أهل الْجنَّة، هَذَا رجلٌ من أهل الْجنَّة، فصلى رَكْعَتَيْنِ تجوز فيهمَا، ثمَّ خرج فاتبعته، فَدخل منزله. وَدخلت، فتحدثنا، فَلَمَّا استأنس قلت: إِنَّك لما دخلت قبل قَالَ رجلٌ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: سُبْحَانَ الله! مَا يَنْبَغِي لأحدٍ أَن يَقُول مَا لَا يعلم، وسأحدثك لم ذَاك.
رَأَيْت رُؤْيا على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فقصصتها عَلَيْهِ، رَأَيْتنِي فِي رَوْضَة، ذكر سعتها وعشبها وخضرتها، ووسط الرَّوْضَة عمودٌ من حَدِيد، أَسْفَله فِي الأَرْض وَأَعلاهُ فِي السَّمَاء، فِي أَعْلَاهُ عُرْوَة، فَقيل لي: ارقه. فَقلت: لَا أَسْتَطِيع.
فَجَاءَنِي منصفٌ - قَالَ ابْن عون الْمنصف: الْخَادِم - فَقَالَ بثيابي من خَلْفي - وصف أَنه رَفعه من خَلفه بِيَدِهِ، فرقيت حَتَّى كنت فِي أَعلَى العمود، فَأخذت بالعروة، فَقيل لي: استمسك. فَلَقَد استيقظت وَإِنَّهَا لفي يَدي، فقصصتها على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: " تِلْكَ الرَّوْضَة الْإِسْلَام، وَذَاكَ العمود عَمُود الْإِسْلَام، وَتلك العروة عُرْوَة الوثقى، وَأَنت على الْإِسْلَام حَتَّى تَمُوت "، وَالرجل عبد الله بن سَلام.
وَفِي حَدِيث قُرَّة بن خَالِد: كنت فِي حلقةٍ فِيهَا سعد بن مَالك وَابْن عمر، فَمر عبد الله بن سَلام فَقَالُوا:
هَذَا رجلٌ من أهل الْجنَّة. . فَذكر نَحوه. وَفِيه: وَالْمنصف: الوصيف.(1/472)
وَرَوَاهُ مسلمٌ أَيْضا من حَدِيث خَرشَة بن الْحر على مساقٍ آخر، وَفِيه زِيَادَة أَلْفَاظ، قَالَ: كنت جَالِسا فِي حلقةٍ فِي مَسْجِد الْمَدِينَة، قَالَ: وفيهَا شيخٌ حسن الْهَيْئَة، وَهُوَ عبد الله بن سَلام، فَجعل يُحَدِّثهُمْ حَدِيثا حسنا. قَالَ: فَلَمَّا قَامَ قَالَ الْقَوْم: من سره أَن ينظر إِلَى رجلٍ من أهل الْجنَّة فَلْينْظر إِلَى هَذَا. قَالَ: فَقلت: وَالله لأتبعنه، فلأعلمن مَكَان بَيته. قَالَ: فتبعته، فَانْطَلق حَتَّى كَاد أَن يخرج من الْمَدِينَة، ثمَّ دخل منزله. قَالَ: فاستأذنت عَلَيْهِ فَأذن لي، قَالَ: مَا حَاجَتك يَا ابْن أخي؟ قَالَ: فَقلت لَهُ: سَمِعت الْقَوْم يَقُولُونَ لَك لما قُمْت: من سره أَن ينظر إِلَى رجلٍ من أهل الْجنَّة فَلْينْظر إِلَى هَذَا، فَأَعْجَبَنِي أَن أكون مَعَك. قَالَ: الله أعلم بِأَهْل الْجنَّة، وسأحدثك مِم قَالُوا ذَاك.
إِنِّي بَيْنَمَا أَنا نَائِم إِذْ أَتَانِي رجلٌ فَقَالَ: قُم، فَأخذ بيَدي، فَانْطَلَقت مَعَه، قَالَ: فَإِذا أَنا بجواد عَن شمَالي. قَالَ: فَأخذت لآخذ فِيهَا فَقَالَ لَا تَأْخُذ فِيهَا، فَإِنَّهَا طرق أَصْحَاب الشمَال. قَالَ: وَإِذا جواد منهجٌ على يَمِيني، فَقَالَ: خُذ هَا هُنَا.
قَالَ: فَأتى بِهِ جبلا فَقَالَ لي: اصْعَدْ. قَالَ: فَجعلت إِذا أردْت أَن أصعد خَرَرْت. قَالَ: حَتَّى فعلت ذَلِك مرَارًا، قَالَ: ثمَّ انْطلق بِي حَتَّى أَتَى عموداً رَأسه فِي السَّمَاء وأسفله فِي الأَرْض، فِي أَعْلَاهُ حلقةٌ. فَقَالَ لي: اصْعَدْ فَوق هَذَا، قَالَ: قلت: كَيفَ أصعد هَذَا وَرَأسه فِي السَّمَاء؟ قَالَ: فَأخذ بيَدي فزجل بِي قَالَ: فَإِذا أَنا مُتَعَلق بالحلقة. قَالَ: ثمَّ ضرب العمود فَخر. قَالَ وَبقيت مُتَعَلقا بالحلقة حَتَّى أَصبَحت. قَالَ: فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقصصتها عَلَيْهِ، فَقَالَ: " أما الطّرق الَّتِي رَأَيْت عَن يسارك فَهِيَ طرق أَصْحَاب الشمَال " قَالَ: " وَأما الطَّرِيق الَّذِي رَأَيْت عَن يَمِينك فَهِيَ طَرِيق أَصْحَاب الْيَمين. وَأما الْجَبَل فَهُوَ جبل(1/473)
الشُّهَدَاء، وَلنْ تناله. وَأما العمود فَهُوَ عَمُود الْإِسْلَام، وَأما العروة فَهِيَ عُرْوَة الْإِسْلَام، وَلنْ تزَال متمسكاً بِهِ حَتَّى تَمُوت ".
وللبخاري حَدِيث وَاحِد فرقه فِي موضِعين:
762 - عَن أبي بردة بن أبي مُوسَى. قَالَ: قدمت الْمَدِينَة فَلَقِيت عبد الله بن سَلام فَقَالَ: أَلا تَجِيء فأطعمك سويقاً وَتَمْرًا، وَتدْخل فِي بيتٍ - وَفِي رِوَايَة أُسَامَة: انْطلق إِلَى الْمنزل - فأسقيك فِي قدحٍ شرب فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَتصلي فِي مَسْجِد صلى فِيهِ النَّبِي. صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَانْطَلَقت مَعَه، فسقاني سويقاً وأطعمني تَمرا، وَصليت فِي مَسْجده.
وَفِي حَدِيث شُعْبَة: ثمَّ قَالَ لي: إِنَّك بأرضٍ الرِّبَا فِيهَا فاشٍ، فَإِذا كَانَ لَك على رجل حقٌّ فأهدى إِلَيْك حمل تبنٍ أَو حمل شعيرٍ أَو حمل قتٍّ فَلَا تَأْخُذهُ، فَإِنَّهُ رَبًّا.(1/474)
(56) الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن سهل بن أبي حثْمَة [رَضِي الله عَنهُ]
763 - الحَدِيث الأول: عَن بشير بن يسَار عَن سهل بن أبي حثْمَة قَالَ: انْطلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مَسْعُود إِلَى خَيْبَر وَهِي يومئذٍ صلحٌ، فتفرقا، فَأتى محيصة إِلَى عبد الله بن سهل وَهُوَ يَتَشَحَّط فِي دَمه قَتِيلا، فدفنه، ثمَّ قدم الْمَدِينَة، فَانْطَلق عبد الرَّحْمَن بن سهل ومحيصة وحويصة ابْنا مَسْعُود إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَذهب عبد الرَّحْمَن يتَكَلَّم فَقَالَ: " كبر كبر ". وَهُوَ أحدث الْقَوْم، فَسكت.
فتكلما. فَقَالَ " أتحلفون وتستحقون قاتلكم أَو صَاحبكُم؟ " قَالُوا: وَكَيف نحلف وَلم نشْهد وَلم نر؟ . قَالَ: " فتبرئكم يهود بِخَمْسِينَ يَمِينا " فَقَالُوا: كَيفَ نَأْخُذ أَيْمَان قومٍ كفار؟ فعقله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عِنْده.
وَفِي حَدِيث حَمَّاد بن زيد: فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " يقسم خَمْسُونَ مِنْكُم على رجلٍ مِنْهُم، فَيدْفَع برمتِهِ " قَالُوا: أمرٌ لم نشْهد، كَيفَ نحلف؟ قَالَ: " فتبرئكم يهود بأيمان خمسين مِنْهُم. " قَالُوا: يَا رَسُول الله، قوم كفار ... الحَدِيث نَحوه.
وَفِي حَدِيث سعيد بن عبيد: فَقَالَ لَهُم: " تأتون بِالْبَيِّنَةِ على من قَتله ". قَالُوا: مَا لنا بَيِّنَة، قَالَ: فَيحلفُونَ. قَالُوا: لَا نرضى بأيمان الْيَهُود، فكره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يبطل دَمه، فوداه بِمِائَة من إبل الصَّدَقَة.(1/475)
وَفِي حَدِيث ابْن عُيَيْنَة فجَاء عبد الرَّحْمَن بن سهل وحويصة ومحيصة ابْنا مَسْعُود وهما عماه.
وَفِي حَدِيث هشيم:
أَن رجلا من الْأَنْصَار من بني حَارِثَة يُقَال لَهُ عبد الله بن سهل بن زيد انْطلق هُوَ وَابْن عمٍّ لَهُ يُقَال لَهُ محيصة بن مَسْعُود بن زيد.
وَفِي حَدِيث حَمَّاد بِإِسْنَادِهِ عَن سهل بن أبي حثْمَة وَرَافِع بن خديج الحَدِيث.
وَفِيه قَالَ سهل فَدخلت مربداً لَهُم يَوْمًا، فركضتني ناقةٌ من تِلْكَ الْإِبِل ركضةٌ برجلها.
وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا من حَدِيث مَالك بن أنس عَن أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن سهل عَن سهل بن أبي حثْمَة عَن رجال من كبراء قومه:
أَن عبد الله ابْن سهل ومحيصة خرجا إِلَى خَيْبَر، ثمَّ ذكر نَحوه وَقتل عبد الله، وأتى رَسُول الله قَالَ: " إِمَّا أَن يدوا صَاحبكُم وَإِمَّا أَن يؤذنوا بحربٍ " فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب فِي ذَلِك، فَكَتَبُوا: إِنَّا وَالله مَا قَتَلْنَاهُ. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أتحلفون وتستحقون دم صَاحبكُم؟ " قَالُوا: لَا. قَالَ: " فتحلف لكم يهود؟ " قَالُوا: لَيْسُوا بمسلمين، فوداه من عِنْده، فَبعث إِلَيْهِم مائَة نَاقَة. قَالَ سهل: فَلَقَد ركضتني مِنْهَا ناقةٌ حَمْرَاء.
764 - الثَّانِي: عَن بشير بن يسَار عَن سهل بن أبي حثْمَة:
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن بيع الثَّمر بِالتَّمْرِ، وَرخّص فِي الْعرية إِن تبَاع بِخرْصِهَا، يأكلها أَهلهَا رطبا.(1/476)
وَفِي حَدِيث الْوَلِيد بن كثير عَن بشير عَن رَافع وَسَهل:
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الْمُزَابَنَة: بيع الثَّمر بِالتَّمْرِ إِلَّا أَصْحَاب الْعَرَايَا، فَإِنَّهُ أذن لَهُم.
وَفِي حَدِيث سُلَيْمَان بن بِلَال عَن بشير عَن بعض أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أهل دَارهم، مِنْهُم ابْن أبي حثْمَة:
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن بيع الثَّمر بِالتَّمْرِ، وَقَالَ: " ذَلِك الرِّبَا، تِلْكَ الْمُزَابَنَة " إِلَّا أَنه رخص فِي بيع الْعرية: النَّخْلَة والنخلتين يَأْخُذهَا أهل الْبَيْت بِخرْصِهَا تَمرا، يأكلونها رطبا.
وَفِي حَدِيث اللَّيْث عَن بشير عَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنهم قَالُوا:
أرخص رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بيع الْعرية بِخرْصِهَا تَمرا.
765 - الثَّالِث: عَن صَالح بن خَوات بن جُبَير عَن سهل بن أبي حثْمَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى بِأَصْحَابِهِ فِي الْخَوْف، فصفهم خَلفه صفّين، فصلى بالذين يلونه رَكْعَة ثمَّ قَامَ، فَلم يزل قَائِما حَتَّى صلى الَّذين خَلفه رَكْعَة، ثمَّ تقدمُوا وَتَأَخر الَّذين كَانُوا قدامهم فصلى بهم رَكْعَة، ثمَّ قعد حَتَّى صلى الَّذين تخلفوا رَكْعَة ثمَّ سلم. هَكَذَا فِي حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن أَبِيه عَن صَالح مَرْفُوعا.
وَهُوَ عِنْد البُخَارِيّ وَحده من رِوَايَة يحيى الْأنْصَارِيّ عَن الْقَاسِم عَن صَالح عَن سهل من قَوْله نَحوه.
وَعِنْدَهُمَا من حَدِيث مَالك عَن يزِيد بن رُومَان عَن صَالح عَمَّن صلى مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم ذَات الرّقاع صَلَاة الْخَوْف:
أَن طَائِفَة صفت مَعَه، وَطَائِفَة وجاه الْعَدو، فصلى بِالَّتِي مَعَه رَكْعَة ثمَّ ثَبت قَائِما، وَأَتمُّوا لأَنْفُسِهِمْ، ثمَّ انصرفوا وجاه(1/477)
الْعَدو، وَجَاءَت الطَّائِفَة الْأُخْرَى فصلى بهم الرَّكْعَة الَّتِي بقيت من صلَاته، ثمَّ ثَبت جَالِسا فَأتمُّوا لأَنْفُسِهِمْ، ثمَّ سلم بهم.
ذكر أَبُو مَسْعُود الْمَتْن بِخِلَاف مَا ذكرنَا، فَقَالَ:
إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى بهم، فَصف صفاًّ خَلفه وصفاًّ مصَاف الْعَدو، فصلى بهم رَكْعَة، ثمَّ ذهب هَؤُلَاءِ وَجَاء أُولَئِكَ، فصلى بهم رَكْعَة، ثمَّ قَامُوا فصلوا رَكْعَة رَكْعَة. قَالَ أَبُو مَسْعُود: هَذَا لفظ حَدِيث الْقَاسِم. وَمن نظر فِي الْكِتَابَيْنِ علم أَن لفظ حَدِيث الْقَاسِم على غير مَا حكى.(1/478)
(57) الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن ظهير بن رَافع، عَم رَافع بن خديج [رَضِي الله عَنهُ]
766 - حَدِيث وَاحِد، لَيْسَ لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ غَيره: عَن رَافع بن خديج عَنهُ قَالَ: أَتَانِي ظهير فَقَالَ:
لقد نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أمرٍ كَانَ بِنَا رافقاً. فَقلت: وَمَا ذَاك؟ مَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ حق. قَالَ: سَأَلَني: " كَيفَ تَصْنَعُونَ بمحاقلكم؟ " قلت: نؤاجرها يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الرّبيع أَو الأوسق من التَّمْر أَو الشّعير. قَالَ: " فَلَا تَفعلُوا، ازرعوها، أَو أزرعوها، أَو أمسكوها ".
وَفِي حَدِيث عبد الله بن الْمُبَارك عَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ رَافع:
قلت: سمعا وَطَاعَة.
وَقد أَخْرجَاهُ من حَدِيث رَافع عَن عميه - وَكَانَا قد شَهدا بَدْرًا، أخبراه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن كِرَاء الْمزَارِع. قَالَ الزُّهْرِيّ: قلت لسالم: فتكرهها أَنْت؟ قَالَ: إِن نَافِعًا أَكثر على نَفسه.
وَفِي حَدِيث عقيل عَن الزُّهْرِيّ قَالَ:
أَخْبرنِي سَالم أَن عبد الله بن عمر كَانَ يكْرِي أرضه حَتَّى بلغه أَن رَافع بن خديج كَانَ ينْهَى عَن كِرَاء الأَرْض، فَلَقِيَهُ عبد الله فَقَالَ: يَا ابْن خديج، مَاذَا تحدث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كِرَاء الأَرْض؟ فَقَالَ رَافع لعبد الله: سَمِعت عمي - وَكَانَا قد شَهدا بَدْرًا - يحدثان أهل الدَّار: أَن(1/479)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن كِرَاء الأَرْض. قَالَ عبد الله: لقد كنت أعلم فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الأَرْض تكرى، ثمَّ خشِي عبد الله أَن يكون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحدث فِي ذَلِك شَيْئا لم يكن علمه، فَترك كِرَاء الأَرْض.
وَرَوَاهُ البُخَارِيّ من حَدِيث حَنْظَلَة بن قيس عَن رَافع قَالَ:
حَدثنِي عماي أَنَّهُمَا كَانَا يكريان الأَرْض على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا ينْبت على الْأَرْبَعَاء أَو بشيءٍ يستثنيه صَاحب الأَرْض. قَالَا: فنهانا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك. قَالَ: فَقلت لرافع: كَيفَ هِيَ بالدينار وَالدِّرْهَم؟ فَقَالَ رَافع: لَيْسَ بهَا بَأْس بالدينار وَالدِّرْهَم. وَكَانَ الَّذِي نهي عَنهُ من ذَلِك مَا لَو نظر فِيهِ ذُو الْفَهم بالحلال وَالْحرَام لم يجزه لما فِيهِ من المخاطرة.(1/480)
(58) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من رَافع بن خديج [رَضِي الله عَنهُ]
767 - الأول: عَن حَنْظَلَة بن قيس عَن رَافع قَالَ: كُنَّا أَكثر الْأَنْصَار حقلاً، فَكُنَّا نكرِي الأَرْض على أَن لنا هَذِه وَلَهُم هَذِه، فَرُبمَا أخرجت هَذِه وَلم تخرج هَذِه، فنهانا عَن ذَلِك، فَأَما الْوَرق فَلم ينهنا.
وَفِي حَدِيث ابْن الْمُبَارك عَن يحيى نَحوه، وَفِي آخِره، فَأَما الذَّهَب وَالْوَرق فَلم يكن يَوْمئِذٍ.
وَفِي حَدِيث الْأَوْزَاعِيّ لمُسلم أَن حَنْظَلَة قَالَ:
سَأَلت رَافع بن خديج عَن كِرَاء الأَرْض بِالذَّهَب وَالْوَرق. فَقَالَ: لَا بَأْس بِهِ، إِنَّمَا كَانَ النَّاس يؤاجرون على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا على الماذيانات وأقبال الجداول وَأَشْيَاء من الزَّرْع، فَيهْلك هَذَا وَيسلم هَذَا، وَيسلم هَذَا، وَيهْلك هَذَا، وَلم يكن للنَّاس كراءٌ إِلَّا هَذَا، فَلذَلِك زجر عَنهُ، فَأَما شيءٌ مَعْلُوم مَضْمُون فَلَا بَأْس بِهِ.
وَقد أخرجَا النهى من كِرَاء الْمزَارِع عَن نَافِع عَن رَافع مَرْفُوعا.
وَفِي رِوَايَة أَيُّوب عَن نَافِع:
أَن ابْن عمر كَانَ يكْرِي مزارعه على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي إِمَارَة أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وصدراً من خلَافَة مُعَاوِيَة، حَتَّى بلغه فِي آخر(1/481)
خلَافَة مُعَاوِيَة أَن رَافع بن خديج يحدث فِيهَا بنهي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَدخل عَلَيْهِ وَأَنا مَعَه فَسَأَلَهُ، فَقَالَ:
كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينْهَى عَن كِرَاء الْمزَارِع، فَتَركهَا ابْن عمر، فَكَانَ إِذا سُئِلَ عَنْهَا بعد قَالَ: زعم ابْن خديج أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَنْهَا.
وَأخرجه مُسلم من حَدِيث عبد الله بن عمر عَن رَافع من رِوَايَة مُجَاهِد وَعَمْرو ابْن دِينَار:
فَفِي الرِّوَايَة عَن عَمْرو قَالَ:
سَمِعت ابْن عمر يَقُول: كُنَّا لَا نرى بالْخبر بَأْسا حَتَّى كَانَ عَام أول، فَزعم رافعٌ أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَنهُ، فتركناه من أَجله.
وَفِي حَدِيث مُجَاهِد: لقد منعنَا رَافع نفع أرضينا.
وَأخرجه مُسلم أَيْضا من حَدِيث أبي النَّجَاشِيّ عَن رَافع عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنَحْوِ حَدِيث ظهير بن رَافع، وَلم يذكر أَبُو النَّجَاشِيّ فِي رِوَايَته عَن رَافع ظهيراً.
وَقد رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث سُلَيْمَان بن يسَار عَن رَافع عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يقل: عَن بعض عمومته. وَقد قَالَ بعض الروَاة: عَن سُلَيْمَان عَن رَافع عَن بعض عمومته. وَفِيه قَالَ نَهَانَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أمرٍ كَانَ لنا نَافِعًا، وطواعية الله وَرَسُوله أَنْفَع لنا: نَهَانَا أَن نحاقل الأَرْض فنكريها على الثُّلُث وَالرّبع وَالطَّعَام الْمُسَمّى، وَأمر رب الأَرْض أَن يَزْرَعهَا أَو يَزْرَعهَا، وَكره كراءها وَمَا سوى ذَلِك.
768 - الثَّانِي: عَن عَبَايَة بن رِفَاعَة بن رَافع عَن جده، وَمِنْهُم من قَالَ: عَن أَبِيه عَن جده رَافع بن خديج قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِذِي الحليفة من تهَامَة، فَأصَاب النَّاس جوعٌ، فَأَصَابُوا إبِلا وَغنما، وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أخريات الْقَوْم،(1/482)
فعجلوا وذبحوا، ونصبوا الْقُدُور. فَأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالقدور فأكفئت. ثمَّ قسم فَعدل عشرَة من الْغنم بِبَعِير. فند. مِنْهَا بعيرٌ، فطلبوه فأعياهم، وَكَانَ فِي الْقَوْم خيل يسيرةٌ، فَأَهوى رجلٌ مِنْهُم بسهمٍ فحبسه الله، فَقَالَ: " إِن لهَذِهِ الْبَهَائِم أوابد كأوابد الْوَحْش، فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا ". قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله، إِنَّا لاقو الغدو غَدا، وَلَيْسَت مَعنا مدى، أفنذبح بالقصب؟ قَالَ: " مَا أنهر الدَّم. وَذكر اسْم الله عَلَيْهِ فكلوه، لَيْسَ السن وَالظفر، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَن ذَلِك: أما السن فَعظم، وَأما الظفر فمدى الْحَبَشَة ".
769 - الثَّالِث: عَن عَبَايَة بن رِفَاعَة عَن جده أبي رَافع قَالَ:
سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " الْحمى من فَور جَهَنَّم، فَأَبْرِدُوهَا عَنْكُم بِالْمَاءِ. وَفِي رِوَايَة: " من فيح جَهَنَّم فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ ".
770 - الرَّابِع: عَن أبي النَّجَاشِيّ عَطاء بن صُهَيْب مولى رَافع بن خديج قَالَ: سَمِعت رَافع بن خديج يَقُول: كُنَّا نصلي الْمغرب مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَيَنْصَرِف أَحَدنَا وَإنَّهُ ليبصر مواقع نبله.
771 - الْخَامِس: عَن أبي النَّجَاشِيّ عَن رَافع بن خديج قَالَ: كُنَّا نصلي الْعَصْر مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ تنحر الْجَزُور، فتقسم عشر قسمٍ، ثمَّ تطبخ، فنأكل لَحْمًا نضيجاً، قبل مغيب الشَّمْس.(1/483)
أَفْرَاد مُسلم
772 - الأول: عَن عَبَايَة بن رِفَاعَة عَن رَافع قَالَ: أعْطى رَسُول الله أَبَا سُفْيَان ابْن حَرْب، وَصَفوَان بن أُميَّة، وعيينة بن حصن، والأقرع بن حابسٍ، كل إنسانٍ، مائَة من الْإِبِل، وَأعْطى عَبَّاس بن مرداس دون ذَلِك، فَقَالَ:
(أَتجْعَلُ نَهْبي وَنهب العبيد ... بَين عُيَيْنَة والأقرع؟) .
(وَمَا كَانَ حصنٌ وَلَا حابسٌ ... يَفُوقَانِ مرداس فِي الْمجمع)
(وَمَا كنت دون امْرِئ مِنْهُمَا ... وَمن تخْفض الْيَوْم لَا يرفع)
قَالَ: فَأَتمَّ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مائَة.
وَفِي حَدِيث أَحْمد بن عَبدة:
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قسم غَنَائِم حنين، فَأعْطى أَبَا سُفْيَان ابْن حَرْب مائَة من الْإِبِل. . وَذكر نَحوه. وَزَاد: وَأعْطى عَلْقَمَة بن علاثة مائَة.
773 - الثَّانِي: عَن أبي النَّجَاشِيّ قَالَ: حَدثنِي رافعٌ قَالَ: قدم نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة، وهم يأبرون النّخل، فَقَالَ: " مَا تَصْنَعُونَ؟ " قَالُوا: كُنَّا نصنعه. قَالَ: " لَعَلَّكُمْ لَو لم تَفعلُوا كَانَ خيرا " فَتَرَكُوهُ. فنفضت أَو فنقصت. قَالَ: فَذكرُوا ذَلِك لَهُ فَقَالَ: " إِنَّمَا أَنا بشرٌ، إِذا أَمرتكُم بشيءٍ من دينكُمْ فَخُذُوا بِهِ، وَإِذا أَمرتكُم بشيءٍ من رَأْي فَإِنَّمَا أَنا بشر ". قَالَ عِكْرِمَة بن عمار: أَو نَحْو هَذَا. وَقَالَ أَحْمد بن المعقري: فنفضت، وَلم يشك.
774 - الثَّالِث: عَن نَافِع بن جبر: أَن مَرْوَان بن الحكم خطب النَّاس، فَذكر مَكَّة وَأَهْلهَا وحرمتها، فناداه رَافع بن خديج فَقَالَ: مَا لي أسمعك ذكرت مَكَّة(1/484)
وَأَهْلهَا وحرمتها، وَلم تذكر الْمَدِينَة وَأَهْلهَا وحرمتها، وَقد حرم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا بَين لابتيها، وَذَلِكَ عندنَا فِي أَدِيم خولانيٍّ، إِن شِئْت أقرأتكه. قَالَ: فَسكت مَرْوَان ثمَّ قَالَ: قد سَمِعت بعض ذَلِك.
فِي حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن عُثْمَان عَن رَافع قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن إِبْرَاهِيم حرم مَكَّة، وَإِنِّي أحرم. مَا بَين لابتيها " يُرِيد الْمَدِينَة.(1/485)
(59) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند عبد الله بن زيد بن عَاصِم الْأنْصَارِيّ [رَضِي الله عَنهُ] .
775 - الأول: عَن عباد بن تَمِيم عَن عَمه أَنه رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُسْتَلْقِيا فِي الْمَسْجِد، وَاضِعا إِحْدَى رجلَيْهِ على الْأُخْرَى.
وَعند البُخَارِيّ من حَدِيث القعْنبِي عَن مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ:
كَانَ عمر وَعُثْمَان يفْعَلَانِ ذَلِك. قَالَ أَبُو مَسْعُود: وَإِن أَبَا بكر وَعمر وَعُثْمَان كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِك. وَلم يخرج البُخَارِيّ قَول سعيد الْمَوْقُوف عَلَيْهِ إِلَّا من حَدِيث مَالك، وَلَيْسَ فِيهِ ذكر أبي بكر، وَلَيْسَ هُوَ إِلَّا فِي كتاب " الصَّلَاة " للْبُخَارِيّ. وَقد أخرج البرقاني هَذَا الْفَصْل من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن سعد عَن الزُّهْرِيّ مُتَّصِلا بِالْحَدِيثِ، وَلم يذكر سعيد بن الْمسيب.
776 - الثَّانِي: عَن عباد عَن عَمه قَالَ: شكي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرجل يخيل إِلَيْهِ أَنه يجد الشَّيْء فِي الصَّلَاة. قَالَ: " لَا ينْصَرف حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا ".
777 - الثَّالِث: عَن عباد بن تَمِيم عَن عبد الله بن زيد بن عَاصِم قَالَ: لما أَفَاء الله على رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم حنين، قسم فِي النَّاس وَفِي الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم وَلم يُعْط الْأَنْصَار(1/486)
شَيْئا، فكأنهم - وجدوا إِذْ لم يصبهم مَا أصَاب النَّاس، فخطبهم قَالَ: " يَا معشر الْأَنْصَار، ألم أَجِدكُم ضلالا فَهدَاكُم الله بِي، وكنتم مُتَفَرّقين فألفكم الله بِي، وَعَالَة فَأَغْنَاكُمْ الله بِي؟ " كلما قَالَ شَيْئا قَالُوا: الله وَرَسُوله أَمن. قَالَ: " مَا يمنعكم أَن تجيبوا رَسُول الله؟ " قَالُوا: الله وَرَسُوله أَمن. قَالَ: " لَو شِئْتُم قُلْتُمْ: جئتنا كَذَا، وَكَذَا. أَلا ترْضونَ أَن يذهب النَّاس بِالشَّاة وَالْبَعِير، وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى رحالكُمْ، لَوْلَا الْهِجْرَة لَكُنْت امْرأ من الْأَنْصَار، وَلَو سلك النَّاس وَاديا وشعباً لَسَلَكْت وَادي الْأَنْصَار وشعبها. الْأَنْصَار شعارٌ وَالنَّاس دثار. إِنَّكُم سَتَلْقَوْنَ بعدِي أَثَرَة، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي على الْحَوْض ".
778 - الرَّابِع: عَن عباد بن تَمِيم عَن عبد الله بن زيد قَالَ: خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى هَذَا الْمصلى يَسْتَسْقِي، فَدَعَا واستسقى، ثمَّ اسْتقْبل الْقبْلَة، وقلب رِدَاءَهُ. زَاد فِي رِوَايَة يُونُس: ثمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ.
قَالَ البُخَارِيّ: كَانَ ابْن عُيَيْنَة يَقُول:
هُوَ صَاحب الْأَذَان، وَوهم، لِأَن هَذَا عبد الله بن زيد بن عَاصِم الْمَازِني - مَازِن الْأَنْصَار.
779 - الْخَامِس: عَن عباد بن تَمِيم عَن عَمه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " مَا بَين بَيْتِي ومنبري رَوْضَة من رياض الْجنَّة ".(1/487)
780 - السَّادِس: عَنهُ عَن عَمه قَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِن إِبْرَاهِيم حرم مَكَّة ودعا لَهَا " وَفِي حَدِيث الدَّرَاورْدِي: " ودعا لأَهْلهَا، وَإِنِّي حرمت الْمَدِينَة كَمَا حرم إِبْرَاهِيم مَكَّة، وَإِنِّي دَعَوْت فِي صاعها ومدها بِمثل مَا دَعَا بِهِ إِبْرَاهِيم لأهل مَكَّة ".
781 - السَّابِع: عَن عباد عَن عبد الله بن زيد قَالَ: لما كَانَ زمن الْحرَّة. أَتَاهُ آتٍ فَقَالَ لَهُ: إِن ابْن حَنْظَلَة يُبَايع النَّاس على الْمَوْت، فَقَالَ: لَا أبايع على هَذَا بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحدا.
782 - الثَّامِن: عَن يحيى بن عمَارَة بن أبي حُسَيْن عَن عبد الله بن زيد بن عَاصِم الْأنْصَارِيّ - وَكَانَت لَهُ صُحْبَة - قَالَ: قيل لَهُ: تَوَضَّأ لنا وضوء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَدَعَا بِإِنَاء فأكفأ مِنْهُ على يَدَيْهِ فغسلهما ثَلَاثًا، ثمَّ أَدخل يَده فاستخرجها، فَغسل وَجهه ثَلَاثًا ثمَّ أَدخل يَده فاستخرجها فَغسل يَدَيْهِ إِلَى الْمرْفقين مرَّتَيْنِ، ثمَّ أَدخل يَده فاستخرجها فَمسح بِرَأْسِهِ، فَأقبل بيدَيْهِ وَأدبر، ثمَّ غسل رجلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثمَّ قَالَ: هَكَذَا كَانَ وضوء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَفِي حَدِيث مَالك:
فَأقبل بهما وَأدبر بدءاً بِمقدم رَأسه، ثمَّ ذهب بهما إِلَى قَفاهُ، ثمَّ ردهما حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْمَكَان الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ.
وَفِي حَدِيث عبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة عَن عَمْرو بن يحيى عَن أَبِيه عَن عبد الله ابْن زيد قَالَ:
أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فأخرجنا لَهُ مَاء فِي تورٍ من صفر، فَتَوَضَّأ(1/488)
فَغسل وَجهه ثَلَاثًا وَيَديه مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ، وَمسح بِرَأْسِهِ، فَأقبل بِهِ وَأدبر، وَغسل رجلَيْهِ.
وَأخرج البُخَارِيّ من حَدِيث عبد الله بن أبي بكر بن عَمْرو بن حزم عَن عباد بن تَمِيم عَن عَمه:
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ.
وَعند مُسلم من حَدِيث وَاسع بن حبَان عَن عبد الله بن زيد:
أَنه رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ فَمَضْمض، ثمَّ استنثر، ثمَّ غسل وَجهه ثَلَاثًا وَيَده الْيُمْنَى وَالْأُخْرَى ثَلَاثًا، وَمسح بماءٍ غير فضل يَده.، وَغسل رجلَيْهِ حَتَّى أنقاهما.(1/489)
(60) حديثان عَن عبد الله بن يزِيد الخطمي [رَضِي الله عَنهُ] .
وَقد رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حديثان أخرجهُمَا البُخَارِيّ، وَلم يخرج لَهُ مُسلم شَيْئا.
783 - أَحدهمَا: عَن أبي إِسْحَاق قَالَ: خرج عبد الله بن يزِيد الْأنْصَارِيّ، وَخرج مَعَه الْبَراء بن عَازِب وَزيد بن أَرقم. زَاد أَبُو مَسْعُود: وَأَنا بَينهم يومئذٍ. فَاسْتَسْقَى فَقَامَ لَهُم على رجلَيْهِ على غير مِنْبَر، فَاسْتَغْفر ثمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ يجْهر بِالْقِرَاءَةِ، وَلم يُؤذن وَلم يقم.
784 - الثَّانِي: عَن عدي بن ثَابت عَن عبد الله بن يزِيد الْأنْصَارِيّ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الْمثلَة والنهبى.
وَقد رَوَاهُ عدي عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.(1/490)
(61) الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن أبي مَسْعُود عقبَة بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ [رَضِي الله عَنهُ] .
785 - الأول: عَن عبد الله بن يزِيد عَن أبي مَسْعُود البدري عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِن الْمُسلم إِذا أنْفق على أَهله نَفَقَة وَهُوَ يحتسبها كَانَت لَهُ صَدَقَة ".
786 - الثَّانِي: عَن عَلْقَمَة بن قيس وَعبد الرَّحْمَن بن يزِيد عَن أبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " الْآيَتَانِ من آخر سُورَة الْبَقَرَة - من قرأهما فِي لَيْلَة كفتاه ".
787 - الثَّالِث: فِي مَوَاقِيت الصَّلَاة: من رِوَايَة الزُّهْرِيّ أَن عمر بن عبد الْعَزِيز أخر الصَّلَاة يَوْمًا، فَدخل عَلَيْهِ عُرْوَة ابْن الزبير فَأخْبرهُ أَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة أخر الصَّلَاة يَوْمًا وَهُوَ بِالْكُوفَةِ، فَدخل عَلَيْهِ أَبُو مَسْعُود الْأنْصَارِيّ فَقَالَ: مَا هَذَا يَا مُغيرَة؟ أَلَيْسَ قد علمت أَن جِبْرِيل نزل فصلى فصلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ صلى فصلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ صلى فصلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ صلى فصلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ صلى فصلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ قَالَ: " بِهَذَا أمرت " فَقَالَ عمر لعروة: انْظُر مَاذَا تحدث يَا عُرْوَة، أَو إِن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام هُوَ الَّذِي أَقَامَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقت الصَّلَاة؟ فَقَالَ عُرْوَة: كَذَلِك كَانَ بشير بن أبي مَسْعُود يحدث عَن أَبِيه.
قَالَ: وَقَالَ عُرْوَة: وَلَقَد حَدَّثتنِي عَائِشَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي الْعَصْر وَالشَّمْس فِي حُجْرَتهَا قبل أَن تظهر.(1/491)
وَفِي حَدِيث اللَّيْث عَنهُ:
أَن عمر بن عبد الْعَزِيز أخر الْعَصْر شَيْئا، فَقَالَ لَهُ عُرْوَة: أما إِن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام قد نزل فصلى إِمَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ لَهُ عمر: أعلم. مَا تَقول يَا عُرْوَة: قَالَ: سَمِعت بشير بن أبي مَسْعُود يَقُول: سَمِعت أَبَا مَسْعُود يَقُول: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " نزل جِبْرِيل فأمني، فَصليت مَعَه، ثمَّ صليت مَعَه، ثمَّ صليت مَعَه، ثمَّ صليت مَعَه، ثمَّ صليت مَعَه " يحْسب بأصابعه خمس صلوَات. جود السماع مِنْهُ فأوردناه لذَلِك.
788 - الرَّابِع: عَن أبي وَائِل شَقِيق بن سَلمَة عَن أبي مَسْعُود قَالَ: لما أنزلت آيَة الصَّدَقَة كُنَّا نحامل على ظُهُورنَا، فجَاء رجلٌ فَتصدق بِشَيْء كثير، فَقَالُوا: مراءٍ، وَجَاء رجل فَتصدق بصاعٍ، فَقَالُوا: إِن الله لغنيٌّ عَن صَاع هَذَا، فَنزلت: {الَّذين يَلْمِزُونَ الْمُطوِّعين من الْمُؤمنِينَ فِي الصَّدقَات وَالَّذين لَا يَجدونَ إِلَّا جهدهمْ} .
[سُورَة التَّوْبَة] .
وَفِي حَدِيث يحيى عَن الْأَعْمَش:
كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أمرنَا بِالصَّدَقَةِ انْطلق أَحَدنَا إِلَى السُّوق، فيحامل فَيُصِيب الْمَدّ، وَإِن لبَعْضهِم الْيَوْم لمِائَة ألف، فِي حَدِيث زَائِدَة: كَأَنَّهُ يعرض بِنَفسِهِ.
789 - الْخَامِس: عَن شَقِيق عَن أبي مسعودٍ الْأنْصَارِيّ قَالَ: كَانَ رجلٌ من الْأَنْصَار يُقَال لَهُ أَبُو شُعَيْب، وَكَانَ لَهُ غلامٌ لحامٌ، فَرَأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَعرف(1/492)
فِي وَجهه الْجُوع، فَقَالَ لغلامه: وَيحك، اصْنَع لنا طَعَاما لخمسة نفرٍ، فَإِنِّي أُرِيد أَن أَدْعُو النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَامِس خمسةٍ. قَالَ: فَصنعَ، ثمَّ أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدَعَاهُ خَامِس خمسةٍ. واتبعهم رجلٌ، فَلَمَّا بلغ الْبَاب قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن هَذَا اتَّبعنَا، فَإِن شِئْت أَن تَأذن لَهُ، وَإِن شِئْت رَجَعَ ". قَالَ: بل آذن لَهُ يَا رَسُول الله.
790 - السَّادِس: عَن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي مَسْعُود: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن ثمن الْكَلْب، وَمهر الْبَغي، وحلوان الكاهن.
وَلَيْسَ لأبي بكر عَن أبي مَسْعُود فِي الصَّحِيحَيْنِ غير هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد.
791 - السَّابِع: عَن قيس بن أبي حَازِم عَن أبي مَسْعُود قَالَ: جَاءَ رجلٌ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: إِنِّي لأتأخر عَن صَلَاة الصُّبْح من أجل فلَان مِمَّا يُطِيل بِنَا، فَمَا رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غضب فِي موعظةٍ قطّ أَشد مِمَّا غضب يومئذٍ، فَقَالَ: " يَا أَيهَا النَّاس، إِن مِنْكُم منفرين، فَأَيكُمْ أم النَّاس فليوجز، فَإِن من وَرَائه الْكَبِير وَالصَّغِير وَذَا الْحَاجة ".
وَفِي حَدِيث زُهَيْر قَالَ:
فَإِن فيهم الضَّعِيف وَالْكَبِير وَذَا الْحَاجة ".
وَفِي حَدِيث سُفْيَان:
فليخفف، فَإِن فيهم الْمَرِيض والضعيف وَذَا الْحَاجة ".
792 - الثَّامِن: عَن قيس عَن أبي مَسْعُود قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن الشَّمْس وَالْقَمَر لَا ينكسفان لمَوْت أحدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، ولكنهما آيتان من آيَات الله عز وَجل، فَإِذا رأيتموهما فَقومُوا فصلوا ".(1/493)
793 - التَّاسِع: عَن قيس عَن أبي مَسْعُود قَالَ: أَشَارَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحْو الْيمن فَقَالَ: " أَلا إِن الْإِيمَان هَا هُنَا، وَإِن الْقَسْوَة وَغلظ الْقلب فِي الْفَدادِين عِنْد أصُول أَذْنَاب الْإِبِل حَيْثُ يطلع قرنا الشَّيْطَان، فِي ربيعَة وَمُضر ".
وللبخاري حَدِيث وَاحِد:
794 - عَن ربعي بن حِرَاش عَن أبي مَسْعُود قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن مِمَّا أدْرك النَّاس من كَلَام النُّبُوَّة الأولى: إِذا لم تَسْتَحي فَاصْنَعْ مَا شِئْت ".
أَفْرَاد مُسلم
795 - الأول: عَن أبي وَائِل عَن أبي مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " حُوسِبَ رجلٌ مِمَّن كَانَ قبلكُمْ، فَلم يُوجد لَهُ من الْخَيْر شيءٌ إِلَّا أَنه كَانَ يخالط النَّاس، وَكَانَ مُوسِرًا، فَكَانَ يَأْمر غلمانه أَن يتجاوزوا عَن الْمُعسر. قَالَ: قَالَ الله عز وَجل: نَحن أَحَق بذلك مِنْهُ، تجاوزوا عَنهُ ".
وَقد روى هَذَا الْمَعْنى عَن حُذَيْفَة مَوْقُوفا. وَعَن عقبَة بن عَامر مَرْفُوعا.
وَأخرجه مُسلم من حَدِيث ربعي بن حِرَاش عَن حُذَيْفَة قَالَ:
أُتِي الله عز وَجل بِعَبْد من عباده آتَاهُ الله مَالا، فَقَالَ لَهُ: مَا عملت فِي الدُّنْيَا؟ - قَالَ: وَلَا يكتمون الله حَدِيثا -. قَالَ: يَا رب آتيتني مَالك، فَكنت أبايع النَّاس، وَكَانَ من خلقي الْجَوَاز، فَكنت أتيسر على الْمُوسر، وَأنْظر الْمُعسر. فَقَالَ الله: أَنا أَحَق بذا مِنْك، تجاوزوا(1/494)
عَن عَبدِي ". فَقَالَ عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ وَأَبُو مَسْعُود الْأنْصَارِيّ: هَكَذَا سمعناه من فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
796 - الثَّانِي: عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن زيد الْأنْصَارِيّ - ووالده عبد الله بن زيد الْأنْصَارِيّ هُوَ الَّذِي كَانَ أرِي النداء بِالصَّلَاةِ. عَن أبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ قَالَ: أَتَانَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنحن فِي مجْلِس سعد بن عبَادَة، فَقَالَ لَهُ بشير بن سعد: أمرنَا الله أَن نصلي عَلَيْك يَا رَسُول الله، فَكيف نصلي عَلَيْك؟ فَسكت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى تمنينا أَنه لم يسْأَله، ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " قُولُوا: اللَّهُمَّ صل على محمدٍ وعَلى آل محمدٍ، كَمَا صليت على آل إِبْرَاهِيم، وَبَارك على مُحَمَّد وعَلى آل محمدٍ، كَمَا باركت على آل إِبْرَاهِيم، إِنَّك حميدٌ مجيد. وَالسَّلَام كَمَا قد علمْتُم ".
797 - الثَّالِث: عَن أبي معمر عبد الله بن سَخْبَرَة عَن أبي مَسْعُود قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمسح مناكبنا فِي الصَّلَاة وَيَقُول: " اسْتَووا، وَلَا تختلفوا فتختلف قُلُوبكُمْ، ليلني مِنْكُم أولو الأحلام والنهى، ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ " قَالَ ابْن مَسْعُود: فَأنْتم الْيَوْم أَشد اخْتِلَافا.
798 - الرَّابِع: عَن يزِيد بن شريك التَّيْمِيّ عَن أبي مَسْعُود البدري قَالَ: كنت أضْرب غُلَاما لي بِالسَّوْطِ، فَسمِعت صَوتا من خَلْفي: " اعْلَم أَبَا مَسْعُود " فَلم أفهم الصَّوْت من الْغَضَب. قَالَ: فَلَمَّا دنا مني إِذا هُوَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِذا هُوَ يَقُول: " اعْلَم أَبَا مَسْعُود، اعْلَم أَبَا مَسْعُود " فألقيت السَّوْط من يَدي، فَقَالَ: " اعْلَم أَبَا مسعودٍ أَن الله أقدر عَلَيْك مِنْك على هَذَا الْغُلَام؟ " قَالَ: فَقلت: لَا أضْرب مَمْلُوكا بعده أبدا.(1/495)
وَفِي حَدِيث جرير:
فَسقط من يَدي السَّوْط من هيبته.
وَفِي حَدِيث أبي مُعَاوِيَة:
فَقلت: يَا رَسُول الله، هُوَ حرٌّ لوجه الله. فَقَالَ: " أما لَو لم تفعل لَلَفَحَتْك النَّار، أَو لمستك النَّار ".
وَفِي حَدِيث شُعْبَة:
أَنه كَانَ يضْرب غُلَاما، فَجعل يَقُول: أعوذ بِاللَّه، فَجعل يضْربهُ فَقَالَ: أعوذ برَسُول الله، فَتَركه، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " وَالله لله أقدر عَلَيْك مِنْك عَلَيْهِ ". قَالَ: فَأعْتقهُ.
799 - الْخَامِس: عَن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ - واسْمه سعد بن إِيَاس - عَن أبي مَسْعُود قَالَ: جَاءَ رجلٌ بِنَاقَة مخطومة، فَقَالَ: هَذِه فِي سَبِيل الله. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَك بهَا يَوْم الْقِيَامَة سَبْعمِائة نَاقَة، كلهَا مخطومة ".
800 - السَّادِس: عَن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ عَن أبي مَسْعُود قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنَّه أبدع بِي فَاحْمِلْنِي. فَقَالَ: " مَا عِنْدِي " فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله، أَنا أدله على من يحملهُ. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " من دلّ على خيرٍ فَلهُ مثل أجر فَاعله ".
801 - السَّابِع: عَن أَوْس بن ضمعج عَن أبي مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " يؤم الْقَوْم أقرؤهم لكتاب الله، فَإِن كَانُوا فِي الْقِرَاءَة سَوَاء فأعلمهم بِالسنةِ، فَإِن كَانُوا فِي السّنة سَوَاء فأقدمهم هِجْرَة، فَإِن كَانُوا فِي الْهِجْرَة سَوَاء فأقدمهم سناًّ.
وَلَا يُؤمن الرجل الرجل فِي أَهله وَلَا فِي سُلْطَانه.، وَلَا تقعد فِي بَيته على تكرمته. إِلَّا بِإِذْنِهِ ".(1/496)
وَفِي حَدِيث شُعْبَة:
" يؤم الْقَوْم اقرؤهم لكتاب الله، وأقدمهم قِرَاءَة، وَلَا يُؤمن الرجل الرجل فِي أَهله وَلَا فِي سُلْطَانه ". وَالْبَاقِي بِمَعْنَاهُ.(1/497)
(62) مُسْند شَدَّاد بن أَوْس [رَضِي الله عَنهُ]
الْمخْرج لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ حديثان:
802 - أَحدهمَا: للْبُخَارِيّ: عَن بشير بن كَعْب الْعَدوي عَن شَدَّاد بن أَوْس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " سيد الاسْتِغْفَار أَن يَقُول العَبْد: اللَّهُمَّ أَنْت رَبِّي لَا إِلَه إِلَّا أَنْت، خلقتني وَأَنا عَبدك، وَأَنا على عَهْدك وَوَعدك مَا اسْتَطَعْت. أعوذ بك من شَرّ مَا صنعت، أَبُوء لَك بنعمتك عَليّ، وأبوء بذنبي، فَاغْفِر لي، فَإِنَّهُ لَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت. من قَالَهَا من النَّهَار موقناً بهَا فَمَاتَ من يَوْمه قبل أَن يُمْسِي فَهُوَ من أهل الْجنَّة، وَمن قَالَهَا من اللَّيْل وَهُوَ موقنٌ بهَا فَمَاتَ قبل أَن يصبح فَهُوَ من أهل الْجنَّة ".
803 - الثَّانِي: لمُسلم: عَن أبي الْأَشْعَث الصَّنْعَانِيّ - واسْمه شرَاحِيل بن آدة، من صنعاء دمشق عَن شَدَّاد بن أَوْس قَالَ: ثِنْتَانِ حفظتهما عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ: " إِن الله كتب الْإِحْسَان على كل شيءٍ، فَإِذا قتلتم فَأحْسنُوا القتلة، وَإِذا ذبحتم فَأحْسنُوا الذّبْح، وليحد أحدكُم شفرته، وليرح ذَبِيحَته ".(1/498)
(63) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند النُّعْمَان بن بشير [رَضِي الله عَنهُ] .
804 - الأول: عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن وَعَن مُحَمَّد بن النُّعْمَان بن بشير عَن النُّعْمَان بن بشير أَنه قَالَ: " إِن أَبَاهُ أَتَى بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنِّي نحلت ابْني هَذَا غُلَاما كَانَ لي. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أكل ولدك نحلته مثل هَذَا؟ " فَقَالَ: لَا. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " فارجعه ".
وَأَخْرَجَاهُ من حَدِيث أبي عَمْرو عَامر بن شرَاحِيل الشّعبِيّ عَن النُّعْمَان بن بشير، قَالَ: تصدق عَليّ أبي بِبَعْض مَاله، فَقَالَت أُمِّي عمْرَة بنت رَوَاحَة: لَا أرْضى حَتَّى يشْهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَانْطَلق أبي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليشهده على صدقتي، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أفعلت هَذَا بولدك كلهم؟ " قَالَ: لَا، قَالَ: " اتَّقوا الله واعدلوا فِي أَوْلَادكُم " فَرجع أبي فَرد تِلْكَ الصَّدَقَة.
وَفِي حَدِيث مُحَمَّد بن بشير: فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " يَا بشير، أَلَك ولدٌ سوى هَذَا؟ " قَالَ: نعم. قَالَ: " أكلهم وهبت لَهُ مثل هَذَا؟ " قَالَ: لَا. قَالَ: " فَلَا تشهدني إِذن، فَإِنِّي لَا أشهد على جور ". وَفِي حَدِيث عَاصِم الْأَحول: " لَا تشهدني على جور " وَفِي حَدِيث دَاوُد بن أبي هِنْد: " أشهد على هَذَا غَيْرِي ". ثمَّ قَالَ: " أَلَيْسَ يَسُرك أَن يَكُونُوا إِلَيْك فِي الْبر سَوَاء؟ " قَالَ: بلَى. قَالَ: " فَلَا، إِذا ".(1/499)
وَأخرجه مُسلم من حَدِيث عُرْوَة بن الزبير عَن النُّعْمَان:
أَن أَبَاهُ أعطَاهُ غُلَاما فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " مَا هَذَا؟ " قَالَ: أعطانيه أبي. قَالَ: " فَكل إخْوَتك أعطَاهُ كَمَا أَعْطَاك؟ " قَالَ: لَا. قَالَ: " فاردده ".
805 - الثَّانِي: عَن الشّعبِيّ عَن النُّعْمَان بن بشير قَالَ: سمعته يَقُول: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول - وأهوى النُّعْمَان بإصبعيه إِلَى أُذُنَيْهِ: " إِن الْحَلَال بينٌ، وَإِن الْحَرَام بينٌ، وَبَينهمَا مشتبهاتٌ لَا يعلمهُنَّ كثيرٌ من النَّاس. فَمن اتَّقى الشُّبُهَات اسْتَبْرَأَ لدينِهِ وَعرضه، وَمن وَقع فِي الشُّبُهَات وَقع فِي الْحَرَام، كَالرَّاعِي حول الْحمى يُوشك إِن يرتع فِيهِ، أَلا وَلكُل ملك حمى، أَلا وَإِن حمى الله مَحَارمه، أَلا وَإِن فِي الْجَسَد مُضْغَة إِذا صلحت صلح الْجَسَد كُله، وَإِذا فَسدتْ فسد الْجَسَد كُله، أَلا وَهِي الْقلب ".
806 - الثَّالِث: عَن الشّعبِيّ عَن النُّعْمَان بن بشير قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " مثل الْمُؤمنِينَ فِي توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الْجَسَد إِذا اشْتَكَى مِنْهُ عضوٌ تداعى لَهُ سَائِر الْجَسَد بالسهر والحمى ".
وَفِي حَدِيث وَكِيع:
الْمُؤْمِنُونَ كرجلٍ واحدٍ، إِن اشْتَكَى رَأسه تداعى لَهُ سَائِر الْجَسَد بالحمى والسهر ".
وَفِي حَدِيث خَيْثَمَة عَن النُّعْمَان - لمُسلم:
الْمُسلمُونَ كرجلٍ واحدٍ، إِن اشْتَكَى عينه اشْتَكَى كُله، وَإِن اشْتَكَى رَأسه اشْتَكَى كُله ".(1/500)
807 - الرَّابِع: عَن أبي إِسْحَاق السبيعِي - واسْمه عَمْرو بن عبد الله - عَن النُّعْمَان قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " إِن أَهْون أهل النَّار عذَابا يَوْم الْقِيَامَة لرجلٌ يوضع فِي أَخْمص قَدَمَيْهِ جمرتان، يغلي مِنْهُمَا دماغه ".
وَفِي حَدِيث الْأَعْمَش: " ... من لَهُ نَعْلَانِ وشراكان من نَار، يغلي مِنْهُمَا دماغه كَمَا يغلي الْمرجل، مَا يرى أَن أحدا أَشد مِنْهُ عذَابا، وَإنَّهُ لأهونهم عذَابا ".
808 - الْخَامِس: عَن سَالم بن أبي الْجَعْد عَن النُّعْمَان قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " لتسون صفوفكم، أَو ليخالفن الله بَين وُجُوهكُم ".
وَهُوَ عِنْد مُسلم أَيْضا من رِوَايَة سماك بن حَرْب عَن النُّعْمَان بِطُولِهِ، قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُسَوِّي صُفُوفنَا حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بهَا القداح، حَتَّى رأى أَنا قد عقلنا عَنهُ. ثمَّ خرج يَوْمًا فَقَامَ حَتَّى كَاد أَن يكبر، فَرَأى رجلا باديا صَدره فَقَالَ: " عباد الله، لتسون صفوفكم، أَو ليخالفن الله بَين وُجُوهكُم ".
وللبخاري وَحده حَدِيث وَاحِد:
809 - عَن عَامر الشّعبِيّ عَن النُّعْمَان عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " مثل الْقَائِم فِي حُدُود الله وَالْوَاقِع فِيهَا كَمثل قدمٍ استهموا على سفينةٍ، فَأصَاب بَعضهم أَعْلَاهَا وَبَعْضهمْ أَسْفَلهَا، فَكَانَ الَّذين فِي أَسْفَلهَا إِذا استقوا من المَاء مروا على من(1/501)
فَوْقهم، فَقَالُوا: لَو أَنا خرقنا فِي نصيبنا خرقاً وَلم نؤذ من فَوْقنَا. فَإِن تركوهم وَمَا أَرَادوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِن أخذُوا على أَيْديهم نَجوا ونجوا جَمِيعًا ".
أَفْرَاد مُسلم
810 - الأول: عَن سماك قَالَ: خطب النُّعْمَان بن بشير فَقَالَ: لله أَشد فَرحا بتوبة عَبده من رجلٍ حمل زَاده ومزاده على بعيرٍ، ثمَّ سَار حَتَّى كَانَ بفلاةٍ من الأَرْض، فَأَدْرَكته القائلة، فَنزل، فَقَالَ تَحت شجرةٍ، فغلبته عينه، وانسل بعيره، فَاسْتَيْقَظَ فسعى شرفاً فَلم ير شَيْئا، ثمَّ سعى شرفاً ثَانِيًا فَلم ير شَيْئا، ثمَّ سعى شرفاً ثَالِثا فَلم ير شَيْئا. فَأقبل حَتَّى أَتَى مَكَانَهُ الَّذِي قَالَ فِيهِ. فَبَيْنَمَا هُوَ قاعدٌ إِذْ جَاءَهُ بعيره يمشي حَتَّى وضع خطامه فِي يَده. فَللَّه أَشد فَرحا بتوبة العَبْد من هَذَا حِين وجد بعيره على حَاله.
قَالَ سماك:
فَزعم أَن النُّعْمَان رفع الحَدِيث إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، واما أَنا فَلم أسمعهُ.
وَهُوَ فِي مُسْند ابْن مَسْعُود، والبراء بن عَازِب، وَأبي هُرَيْرَة، وَأنس بن مَالك بِمَعْنَاهُ.
811 - الثَّانِي: عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة قَالَ: كتب الضَّحَّاك بن قيس إِلَى النُّعْمَان بن بشير يسْأَله: أَي شيءٍ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْجُمُعَة سوى سُورَة الْجُمُعَة؟ فَقَالَ: كَانَ يقْرَأ: {هَل أَتَاك} [سُورَة الغاشية] .(1/502)
وَأخرج مُسلم أَيْضا من حَدِيث حبيب بن سَالم عَن النُّعْمَان بن بشير قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الْعِيدَيْنِ وَفِي الْجُمُعَة ب {سبح اسْم رَبك} [سُورَة الْأَعْلَى] ، و {هَل أَتَاك حَدِيث الغاشية} [سُورَة الغاشية] ، قَالَ: وَإِذا اجْتمع الْعِيد وَالْجُمُعَة فِي يومٍ وَاحِد يقْرَأ بهما فِي الصَّلَاتَيْنِ.
812 - الثَّالِث: عَن مَمْطُور الحبشي أبي سَلام قَالَ: حَدثنِي النُّعْمَان بن بشير قَالَ: كنت عِنْد مِنْبَر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رجل: مَا أُبَالِي أَلا أعمل عملا بعد الْإِسْلَام إِلَّا أَن أَسْقِي الْحَاج. وَقَالَ آخر: مَا أُبَالِي أَلا أعمل عملا بعد الْإِسْلَام إِلَّا أَن أعمر الْمَسْجِد الْحَرَام. وَقَالَ آخر: الْجِهَاد فِي سَبِيل الله أفضل مِمَّا قُلْتُمْ. فزجرهم عمر وَقَالَ: لَا تَرفعُوا أَصْوَاتكُم عِنْد مِنْبَر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يَوْم الْجُمُعَة، وَلَكِن إِذا صليت الْجُمُعَة دخلت فاستفتيته فِيمَا اختلفتم فِيهِ، فَأنْزل الله عز وَجل عَلَيْهِ: {أجعلتم سِقَايَة الْحَاج وَعمارَة الْمَسْجِد الْحَرَام كمن آمن بِاللَّه} الْآيَة إِلَى آخرهَا [سُورَة التَّوْبَة] .
813 - الرَّابِع: عَن سماك قَالَ: سَمِعت النُّعْمَان بن بشير يَقُول: ألستم فِي طعامٍ وشراب مَا شِئْتُم؟ لقد رَأَيْت نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا يجد من الدقل مَا يمْلَأ بِهِ بَطْنه.(1/503)
(64) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند عبد الله بن أبي أوفى رَضِي الله عَنهُ
814 - الأول: عَن أبي إِسْحَاق سُلَيْمَان بن فَيْرُوز الشَّيْبَانِيّ عَن عبد الله بن أبي أوفى قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفرٍ فِي شهر رَمَضَان، فَلَمَّا غَابَتْ الشَّمْس قَالَ: " يَا فلَان، انْزِلْ فاجدح لنا " قَالَ: يَا رَسُول الله، إِن عَلَيْك نَهَارا. قَالَ: " انْزِلْ فاجدح ". قَالَ: فَنزل فجدح، فَأَتَاهُ بِهِ، فَشرب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ قَالَ بِيَدِهِ: " إِذا غَابَتْ الشَّمْس من هَا هُنَا، وَجَاء اللَّيْل من هَا هُنَا فقد أفطر الصَّائِم ".
815 - الثَّانِي: عَن سُلَيْمَان الشَّيْبَانِيّ قَالَ: سَمِعت عبد الله بن أبي أوفى يَقُول: أصابتنا مجاعةٌ ليَالِي خَيْبَر، فَلَمَّا كَانَ يَوْم خَيْبَر وقعنا فِي الْحمر الْأَهْلِيَّة فانتحرناها، فَلَمَّا غلت بهَا الْقُدُور نَادَى مُنَادِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن اكفئوا الْقُدُور، وَلَا تَأْكُلُوا من لُحُوم الْحمر شَيْئا. قَالَ: فَقَالَ ناسٌ: إِنَّمَا نهى عَنْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهَا لم تخمس. وَقَالَ آخَرُونَ: نهى عَنْهَا الْبَتَّةَ.
816 - الثَّالِث: عَن أبي إِسْحَاق الشَّيْبَانِيّ قَالَ: سَأَلت عبد الله بن أبي أوفى: هَل رجم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: نعم. قلت: بَعْدَمَا أنزلت سُورَة " النُّور " أم قبلهَا؟ قَالَ: لَا أَدْرِي.
817 - الرَّابِع: عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خالدٍ قَالَ: قلت لعبد الله بن أبي أوفى:(1/504)
أَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بشر خَدِيجَة ببيتٍ فِي الْجنَّة؟ قَالَ: نعم، بشرها ببيتٍ فِي الْجنَّة من قصبٍ، لَا صخب فِيهِ وَلَا نصب.
818 - الْخَامِس: عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد عَن عبد الله بن أبي أوفى قَالَ: دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْأَحْزَاب، فَقَالَ: " اللَّهُمَّ منزل الْكتاب، سريع الْحساب، اهزم الْأَحْزَاب، اللَّهُمَّ اهزمهم وزلزلهم ". زَاد فِي رِوَايَة ابْن أبي عمر: " مجري السَّحَاب ".
وَقد أَخْرجَاهُ أَيْضا بأطول من هَذَا من رِوَايَة أبي النَّضر سَالم مولى عمر بن عبيد الله - وَكَانَ كَاتبا لَهُ، قَالَ: كتب إِلَيْهِ عبد الله بن أبي أوفى، فَقَرَأته لَهُ. هَكَذَا عِنْد البُخَارِيّ. وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن أبي النَّضر عَن كتاب رجلٍ من أسلم من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُقَال لَهُ عبد الله بن أبي أوفى، كتب إِلَى عمر بن عبيد الله حِين سَار إِلَى الحرورية، يُخبرهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض أَيَّامه الَّتِي لَقِي فِيهَا الْعَدو انْتظر حَتَّى إِذا مَالَتْ الشَّمْس قَامَ فيهم فَقَالَ: " يأيها النَّاس، لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاء الْعَدو، وسلوا الله الْعَافِيَة فَإِذا لقيتموهم فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَن الْجنَّة تَحت ظلال السيوف ". ثمَّ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " اللَّهُمَّ منزل الْكتاب، ومجري السَّحَاب، وهازم الْأَحْزَاب، اهزمهم وَانْصُرْنَا عَلَيْهِم ".
819 - السَّادِس: عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خالدٍ عَن عبد الله بن أبي أوفى قَالَ: اعْتَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، واعتمرنا مَعَه، فَلَمَّا دخل مَكَّة طَاف فطفنا مَعَه، وأتى الصَّفَا والمروة فأتيناهما مَعَه، وَكُنَّا نستره من أهل مَكَّة أَن يرميه أحد. فَقَالَ لَهُ صاحبٌ لي: أَكَانَ دخل الْكَعْبَة؟ قَالَ: لَا. هَذَا لفظ حَدِيث البُخَارِيّ وَأخرج(1/505)
مُسلم طرفا مِنْهُ - وَهُوَ السُّؤَال عَن دُخُول الْكَعْبَة فَقَط. وَبَاقِيه للْبُخَارِيّ. وَفِيه عِنْده من رِوَايَته عَن مُسَدّد: اعْتَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَطَافَ بِالْبَيْتِ، وَصلى خلف الْمقَام رَكْعَتَيْنِ، وَمَعَهُ من يستره من النَّاس.
820 - السَّابِع: عَن عَمْرو بن مرّة قَالَ: سَمِعت عبد الله بن أبي أوفى - وَكَانَ من أَصْحَاب الشَّجَرَة - قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَتَاهُ قومٌ بصدقةٍ قَالَ: " اللَّهُمَّ صل عَلَيْهِم " فَأَتَاهُ أبي - أَبُو أوفى - بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ: " اللَّهُمَّ صل على آل أبي أوفى ".
821 - الثَّامِن: عَن عَمْرو بن مرّة قَالَ: حَدثنِي عبد الله بن أبي أوفى قَالَ: كَانَ أَصْحَاب الشَّجَرَة ألفا وثلاثمائة، وَكَانَت أسلم ثمن الْمُهَاجِرين " أَخْرجَاهُ جَمِيعًا فِي " الْمَغَازِي ". وأغفله أَبُو مَسْعُود فَلم يذكرهُ فِي تَرْجَمَة عَمْرو بن مرّة فِيمَا عندنَا من كِتَابه.
822 - التَّاسِع: عَن طَلْحَة بن مصرف قَالَ: سَأَلت عبد الله بن أبي أوفى: هَل كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوصى؟ . فَقَالَ: لَا. فَقلت: كَيفَ كتب على النَّاس الْوَصِيَّة، أَو أمروا بِالْوَصِيَّةِ؟ فَقَالَ: أوصى بِكِتَاب الله.
فِي حَدِيث ابْن مهْدي زِيَادَة ذكرهَا أَبُو مَسْعُود وَأَبُو بكر البرقاني، وَلم يُخرجهَا البُخَارِيّ وَلَا مُسلم فِيمَا عندنَا من كِتَابَيْهِمَا، وَهِي: قَالَ: وَقَالَ هزيل بن شُرَحْبِيل: أَبُو بكر كَانَ يتأمر على وَصِيّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ود أَبُو بكر لَو وجد عهدا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فخزم أَنفه بخزامة.(1/506)
وَفِي حَدِيث وَكِيع:
قلت: فَكيف أَمر النَّاس بِالْوَصِيَّةِ؟
وَفِي حَدِيث ابْن نمير:
كَيفَ كتب على الْمُسلمين الْوَصِيَّة؟
وَلَيْسَ لطلْحَة بن مصرف عَن ابْن أبي أوفى فِي الصَّحِيحَيْنِ غير هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد؟ .
823 - الْعَاشِر: عَن وقدان أبي يَعْفُور عَن ابْن أبي أوفى قَالَ: غزونا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سبع غزوات، نَأْكُل الْجَرَاد. وَفِي حَدِيث شُعْبَة: نَأْكُل مَعَه الْجَرَاد. وَقَالَ: ابْن أبي عمر: سِتّ أَو سبع.
وَلَيْسَ لأبي يَعْفُور عَن ابْن أبي أوفى فِي الصَّحِيحَيْنِ غير هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد.
أَفْرَاد البُخَارِيّ
824 - الأول: عَن أبي إِسْحَاق الشَّيْبَانِيّ قَالَ: سَمِعت عبد الله بن أبي أوفى قَالَ: نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن نَبِيذ الْجَرّ الْأَخْضَر. قلت: أنشرب فِي الْأَبْيَض؟ قَالَ: لَا.
825 - الثَّانِي: عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد قَالَ: رَأَيْت بيد ابْن أبي أوفى ضَرْبَة، قَالَ: ضربتها مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم حنين. قلت: شهِدت حنيناً؟ قَالَ: قبل ذَلِك.
826 - الثَّالِث: عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد قَالَ: قلت لِابْنِ أبي أوفى: رَأَيْت(1/507)
إِبْرَاهِيم ابْن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: نعم، مَاتَ صَغِيرا، وَلَو قضي أَن يكون بعد محمدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نبيٌّ عَاشَ ابْنه، وَلَكِن لَا نَبِي بعده.
وَلَيْسَ لَهُ عِنْد البُخَارِيّ غير إِسْنَاد وَاحِد، وَلم يُخرجهُ إِلَّا فِي مَوضِع وَاحِد.
827 - الرَّابِع: عَن إِبْرَاهِيم بن عبد الله السكْسكِي عَن ابْن أبي أوفى: أَن رجلا أَقَامَ سلْعَة فِي السُّوق فَحلف بِاللَّه لقد أعطي بهَا مَا لم يُعْط، ليوقع فِيهَا رجلا من الْمُسلمين. فَنزلت: {إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله وَأَيْمَانهمْ ثمنا قَلِيلا} إِلَى آخر الْآيَة [سُورَة آل عمرَان] .
وَلَيْسَ لإِبْرَاهِيم السكْسكِي عَن عبد الله بن أبي أوفى فِي الصَّحِيح غير هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد.
828 - الْخَامِس: عَن مُحَمَّد بن أبي المجالد قَالَ: اخْتلف عبد الله بن شَدَّاد بن الْهَاد وَأَبُو بردة فِي السّلف، فبعثوني إِلَى ابْن أبي أوفى، فَسَأَلته، فَقَالَ: إِنَّا كُنَّا نُسلف على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأبي بكر، وَعمر، فِي الْحِنْطَة وَالشعِير وَالزَّبِيب وَالتَّمْر، وَسَأَلت ابْن أَبْزَى فَقَالَ مثل ذَلِك.
وَفِي حَدِيث أبي إِسْحَاق الشَّيْبَانِيّ عَن ابْن أبي المجالد: فَقَالَ عبد الله بن أبي أوفى: كُنَّا نُسلف نبيط أهل الشَّام فِي الْحِنْطَة وَالشعِير وَالزَّبِيب فِي كيلٍ مَعْلُوم إِلَى أجلٍ معلومٍ. قلت: إِلَى من كَانَ أَصله عِنْده؟ فَقَالَ: مَا كُنَّا نسألهم عَن ذَلِك.
قَالَ: ثمَّ بعثاني إِلَى عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى فَسَأَلته فَقَالَ: كَانَ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسلفون على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا نسألهم: ألهم حرثٌ أم لَا.(1/508)
وَلَيْسَ لمُحَمد بن أبي المجالد عَن عبد الله بن أبي أوفى فِي الصَّحِيح غير هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد.
وَلمُسلم حَدِيث وَاحِد:
829 - عَن مجزأَة بن زَاهِر وَعبيد بن الْحسن - ويكنى أَبَا الْحسن - عَن ابْن أبي أوفى، عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي حَدِيث عبيد قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا رفع ظَهره من الرُّكُوع قَالَ: " سمع الله لمن حَمده، اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد ملْء السَّمَوَات وملء الأَرْض، وملء مَا شِئْت من شيءٍ بعد ". لم يزدْ.
وَزَاد فِي حَدِيث مجزأَة بن زَاهِر: أَنه كَانَ يَقُول:
" اللَّهُمَّ طهرني بالثلج وَالْبرد وَالْمَاء الْبَارِد، اللَّهُمَّ طهرني من الذُّنُوب والخطايا كَمَا ينقى الثَّوْب الْأَبْيَض من الدنس ".
وَلَيْسَ لمجزأة، وَلَا لِعبيد بن الْحسن عَن ابْن أبي أوفى فِي الصَّحِيح غير هَذَا ".(1/509)
(65) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند زيد بن أَرقم، ويكنى أَبَا عَمْرو [رَضِي الله عَنهُ]
830 - الحَدِيث الأول: عَن أبي عَمْرو بن إِيَاس الشَّيْبَانِيّ عَن زيد بن أَرقم قَالَ: كُنَّا نتكلم فِي الصَّلَاة، يكلم الرجل صَاحبه وَهُوَ إِلَى جنبه فِي الصَّلَاة، حَتَّى نزلت: {وَقومُوا لله قَانِتِينَ} [الْبَقَرَة] فَأمرنَا بِالسُّكُوتِ، ونهينا عَن الْكَلَام.
وَلَيْسَ لأبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ عَن زيد بن أَرقم فِي الصَّحِيحَيْنِ غير هَذَا الحَدِيث.
831 - الثَّانِي: عَن أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي أَن عبد الله بن يزِيد خرج يَسْتَسْقِي بِالنَّاسِ فصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ استسقى. قَالَ: فَلَقِيت يومئذٍ زيد بن أَرقم. قَالَ: وَلَيْسَ بيني وَبَينه غير رجل، أَو بيني وَبَينه رجلٌ. فَقلت لَهُ: كم غزا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: تسع عشرَة. فَقلت: كم غزوت أَنْت مَعَه؟ قَالَ: سبع عشرَة غَزْوَة. قَالَ: قلت: فَمَا أول غزَاة غَزَاهَا؟ قَالَ: ذَات العشير أَو العسيرة.
وَفِي حَدِيث وهب عَن شُعْبَة: فَذكرت ذَلِك لِقَتَادَة فَقَالَ: الْعَشِيرَة.
وَفِي حَدِيث الْحسن بن مُوسَى:
وَأَنه حج بَعْدَمَا هَاجر حجَّة وَاحِدَة: حجَّة الْوَدَاع. قَالَ أَبُو إِسْحَاق: وبمكة أُخْرَى.
832 - الثَّالِث: عَن أبي إِسْحَق أَنه سمع زيد بن أَرقم يَقُول: خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر أصَاب النَّاس فِيهِ شدةٌ، فَقَالَ عبد الله بن أبي: لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله حَتَّى يَنْفضوا من حوله. وَقَالَ: لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن(1/510)
الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل قَالَ: فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته بذلك، فَأرْسل إِلَى عبد الله بن أبي فَسَأَلَهُ، فاجتهد يَمِينه مَا فعل. فَقَالُوا: كذب زيدٌ رَسُول الله. قَالَ: فَوَقع فِي نَفسِي مِمَّا قَالُوهُ شدَّة، حَتَّى أنزل الله تصديقي: {إِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ} [فَاتِحَة المُنَافِقُونَ] قَالَ: ثمَّ دعاهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليَسْتَغْفِر لَهُم. قَالَ: فلووا رؤوسهم.
وَقَوله: {كَأَنَّهُمْ خشب مُسندَة} [المُنَافِقُونَ 4] قَالَ: كَانُوا رجَالًا أجمل شَيْء.
وَفِي حَدِيث إِسْرَائِيل: أَن زيدا قَالَ: كنت فِي غزَاة، فَسمِعت عبد الله يَقُول ... فَذكر قَوْله، قَالَ: فَذكرت ذَلِك لِعَمِّي أَو لعمر، فَذكر ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فدعانى فَحَدَّثته، فَأرْسل إِلَى عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه، فَحَلَفُوا مَا قَالُوا، فَصَدَّقَهُمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَذبَنِي، فَأَصَابَنِي غمٌّ لم يُصِبْنِي مثله قطّ، فَجَلَست فِي بَيْتِي، فَقَالَ عمي: مَا أردْت إِلَى أَن كَذبك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومقتك. فَأنْزل الله عز وَجل {إِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ} إِلَى قَوْله {ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل} [المُنَافِقُونَ 8] فَأرْسل إِلَيّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فقرأها عَليّ ثمَّ قَالَ: " إِن الله قد صدقك ".
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا من حَدِيث مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ، وَعبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى قَالَ:
سَمِعت زيد بن أَرقم قَالَ: لما قَالَ عبد الله بن أبي: لَا تنفقوا على من عِنْد رَسُول الله. وَقَالَ أَيْضا لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة. . أخْبرت بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فلامني الْأَنْصَار، وَحلف عبد الله بن أبي مَا قَالَ ذَلِك، فَرَجَعت إِلَى الْمنزل فَنمت، فَأَتَانِي رَسُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأَتَيْته فَقَالَ: " إِن الله قد صدقك "، وَنزلت: {هم الَّذين يَقُولُونَ لَا تنفقوا} الْآيَة [المُنَافِقُونَ] .
833 - الرَّابِع: عَن أبي الْمنْهَال عبد الرَّحْمَن بن مطعم قَالَ: سَأَلت زيد بن أَرقم(1/511)
والبراء بن عَازِب عَن الصّرْف، فَكل وَاحِد مِنْهُمَا يَقُول: هَذَا خيرٌ مني، وَكِلَاهُمَا يَقُول: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع الذَّهَب بالورق دينا.
وَفِي حَدِيث سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو عَن أبي الْمنْهَال قَالَ: بَاعَ شريك لي وَرقا بنسيئة إِلَى الْمَوْسِم أَو إِلَى الْحَج، فجَاء إِلَيّ فَأَخْبرنِي، فَقلت: هَذَا أمرٌ لَا يصلح.
قَالَ: قد بِعته فِي السُّوق، فَلم يُنكر ذَلِك عَليّ أحدٌ. فَأتيت الْبَراء بن عَازِب فَسَأَلته، فَقَالَ: قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنحن نبيع هَذَا البيع فَقَالَ: " مَا كَانَ يدا بيدٍ فَلَا بَأْس بِهِ، وَمَا كَانَ نَسِيئَة فَهُوَ رَبًّا. " وأت زيد بن أَرقم، فَهُوَ أعظم تِجَارَة مني. فَأَتَيْته فَسَأَلته، فَقَالَ مثل ذَلِك.
وللبخاري حديثان:
834 - أَحدهمَا: عَن عبد الله بن الْفضل أَنه سمع أنس بن مَالك يَقُول: حزنت على من أُصِيب من أَهلِي بِالْحرَّةِ، فَكتب إِلَيّ زيد بن أَرقم - وبلغه شدَّة حزني - يذكر أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " اللَّهُمَّ اغْفِر للْأَنْصَار، ولأبناء الْأَنْصَار. " وَشك ابْن الْفضل فِي " أَبنَاء أَبنَاء الْأَنْصَار " فَسَأَلَ أنسا بعض من كَانَ عِنْده - عَن زيد - فَقَالَ: هُوَ الَّذِي يَقُول لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " هَذَا الَّذِي أوفى الله لَهُ بأذنه ".
زَاد البرقاني مُتَّصِلا بِالْحَدِيثِ: وَقَالَ ابْن شهَاب: سمع زيد بن أَرقم رجلا من الْمُنَافِقين - وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: لَئِن كَانَ هَذَا حقاًّ فلنحن شرٌّ من الْحمير.
فَقَالَ زيدٌ: قد، وَالله صدق، ولأنت شرٌّ من الْحمار. فَرفع ذَلِك إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَجحد الْقَائِل، فَأنْزل الله عز وَجل على رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {يحلفُونَ بِاللَّه مَا قَالُوا وَلَقَد قَالُوا كلمة الْكفْر وَكَفرُوا بعد إسْلَامهمْ} [التَّوْبَة] فَكَانَ مِمَّا أنزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة تَصْدِيقًا لزيد.(1/512)
وَقد أخرج مسلمٌ الطّرف الَّذِي فِي أَوله فِي " فضل الْأَنْصَار " من حَدِيث النَّضر عَن أنس عَن زيد بن أَرقم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
اللَّهُمَّ اغْفِر للْأَنْصَار، ولأبناء الْأَنْصَار، ولأبناء أَبنَاء الْأَنْصَار ". هَكَذَا قَالَ وَلم يشك. فَهَذَا الطّرف مُتَّفق عَلَيْهِ من ترجمتين. وَبَاقِي الْخَبَر فِي أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَلم يُنَبه عَلَيْهِ أَبُو مَسْعُود، وَلَا ذكره لمُسلم فِي تَرْجَمَة النَّضر عَن أنس عَن زيد بن أَرقم فِيمَا عندنَا من نسخ كِتَابه.
835 - الثَّانِي: عَن أبي حَمْزَة طَلْحَة بن يزِيد مولى قرظة بن كَعْب عَن زيد بن أَرقم قَالَ: قَالَت الْأَنْصَار: يَا رَسُول الله، لكل نبيٍّ أتباعٌ، وَإِنَّا قد اتَّبَعْنَاك، فَادع الله أَن يَجْعَل أتباعنا منا. فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " اللَّهُمَّ اجْعَل أتباعهم مِنْهُم " قَالَ عَمْرو بن مرّة: فَذَكرته لِابْنِ أبي ليلى، قَالَ: قد زعم ذَلِك زيد.
أَفْرَاد مُسلم
836 - الحَدِيث الأول: عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى قَالَ: كَانَ زيدٌ يكبر على جنائزنا أَرْبعا، وَإنَّهُ كبر على جَنَازَة خمْسا، فَسَأَلته، فَقَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكبرها.
837 - الثَّانِي: عَن طَاوس قَالَ: قدم زيد بن أَرقم فَقَالَ لَهُ عبد الله بن عَبَّاس يستذكره: كَيفَ أَخْبَرتنِي عَن لحم صيد أهدي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ حرَام؟ قَالَ: أهدي لَهُ عضوٌ من لحم صيدٍ، فَرده وَقَالَ: " إِنَّا لَا نأكله، إِنَّا حرم " وَفِي رِوَايَة البرقاني قَالَ طَاوس: سَمِعت ابْن عَبَّاس يسْأَل زيد بن أَرقم ...
وَلَيْسَ فِي الصَّحِيح لطاوسٍ عَن زيد بن أَرقم غير هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد، وَلَا لمُسلم فِيهِ غير إِسْنَاد وَاحِد.(1/513)
838 - الثَّالِث: عَن الْقَاسِم بن عَوْف الشَّيْبَانِيّ: أَن زيد بن أَرقم رأى قوما يصلونَ من الضُّحَى فَقَالَ: لقد علمُوا أَن الصَّلَاة فِي غير هَذِه السَّاعَة أفضل، إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِن صَلَاة الْأَوَّابِينَ حِين ترمض الفصال ".
وَفِي حَدِيث هِشَام بن أبي عبد الله:
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج على أهل قباءٍ وهم يصلونَ فَقَالَ: " صَلَاة الْأَوَّابِينَ إِذا رمضت الفصال "، وَقَالَ أَبُو مَسْعُود فِيهِ: إِن زيدا رأى قوما يصلونَ فِي مَسْجِد قبَاء الضُّحَى، فَقَالَ: لقد علمُوا. . وَهَذَا خلاف مَا فِي كتاب مُسلم.
وَلَيْسَ للقاسم بن عَوْف عَن زيد فِي الصَّحِيح غير هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد.
839 - الرَّابِع: عَن نضر بن أنس عَن زيد بن أَرقم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " اللَّهُمَّ اغْفِر للْأَنْصَار، ولأبناء أَبنَاء الْأَنْصَار، ولأبناء الْأَنْصَار ".
ذكره مُسلم فِي " الْفَضَائِل " وأغفله أَبُو مَسْعُود، فَلم يذكرهُ فِيمَا عندنَا من كِتَابه.
840 - الْخَامِس: عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ وَعبد الله بن الْحَارِث عَن زيد بن أَرقم قَالَ: لَا أَقُول لكم كَمَا كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول. قَالَ: كَانَ يَقُول: " اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْعَجز والكسل، والجبن، وَالْبخل، والهرم، وَعَذَاب الْقَبْر. اللَّهُمَّ آتٍ نَفسِي تقواها، وزكها أَنْت خير من زكاها، أَنْت وَليهَا ومولاها. اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من علمٍ لَا ينفع، وَمن قلبٍ لَا يخشع، وَمن نفسٍ لَا تشبع، وَمن دَعْوَة لَا يُسْتَجَاب لَهَا ".
وَلَيْسَ لَهما فِي الصَّحِيح عَن زيد غير هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد.(1/514)
841 - السَّادِس: عَن يزِيد بن حَيَّان قَالَ: انْطَلَقت أَنا وحصين بن سُبْرَة وَعمر ابْن مُسلم إِلَى زيد بن أَرقم. فَلَمَّا جلسنا إِلَيْهِ قَالَ لَهُ حُصَيْن: لقد لقِيت يَا زيد خيرا كثيرا: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَسمعت حَدِيثه، وغزوت مَعَه، وَصليت خَلفه، لقد لقِيت يَا زيد خيرا كثيرا. حَدثنَا يَا زيد مَا سَمِعت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَالَ: يَا ابْن أخي، وَالله لقد كَبرت سني، وَقدم عهدي، ونسيت بعض الَّذِي كنت أعي من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَمَا حدثتكم فاقبلوا، ومالا فَلَا تكلفونيه. ثمَّ قَالَ:
قَامَ رَسُول الله فِينَا خَطِيبًا بِمَاء يدعى فَمَا بَين مَكَّة وَالْمَدينَة، فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَوعظ وَذكر، ثمَّ قَالَ: " أما بعد، أَلا أَيهَا النَّاس، فَإِنَّمَا أَنا بشرٌ، يُوشك أَن يأتى رَسُول رَبِّي فَأُجِيب، وَأَنا تاركٌ فِيكُم ثقلين: أولهماكتاب الله، فِيهِ الْهدى والنور، فَخُذُوا بِكِتَاب الله واستمسكوا بِهِ. " فَحَث على كتاب الله وَرغب فِيهِ، ثمَّ قَالَ: " وَأهل بَيْتِي، أذكركم الله فِي أهل بَيْتِي، أذكركم الله فِي أهل بَيْتِي. " فَقَالَ لَهُ حُصَيْن: وَمن أهل بَيته يَا زيد؟ أَلَيْسَ نساؤه من أهل بَيته؟ قَالَ: نساؤه من أهل بَيته، وَلَكِن أهل بَيته من حرم الصَّدَقَة بعده. قَالَ: وَمن هم؟ قَالَ: هم آل عَليّ، وَآل عقيل، وَآل جَعْفَر، وَآل عَبَّاس. قَالَ: كل هَؤُلَاءِ حرم الصَّدَقَة؟ قَالَ: نعم.
زَاد فِي حَدِيث جرير: " كتاب الله، فِيهِ الْهدى والنور، من استمسك بِهِ وَأخذ بِهِ كَانَ على الْهدى، وَمن أخطأه ضل ".
وَفِي حَدِيث سعيد بن مَسْرُوق عَن يزِيد بن حَيَّان نَحوه، غير أَنه قَالَ:
أَلا وَإِنِّي تَارِك فِيكُم ثقلين، أَحدهمَا كتاب الله، هُوَ حبلٌ من اتبعهُ كَانَ على الْهدى، وَمن تَركه كَانَ على ضَلَالَة " وَفِيه: فَقُلْنَا: من أهل بَيته، نساؤه؟ قَالَ: لَا وَايْم الله إِن الْمَرْأَة تكون مَعَ الرجل الْعَصْر من الدَّهْر ثمَّ يطلقهَا فترجع إِلَى أَبِيهَا وقومها. أهل بَيته أَصله وعصبته، الَّذين حرمُوا الصَّدَقَة بعده.(1/515)
(66) مُسْند ثَابت بن الضَّحَّاك الْأنْصَارِيّ يكنى أَبَا زيد [رَضِي الله عَنهُ] .
لَهُ حديثان:
842 - أَحدهمَا مُتَّفق عَلَيْهِ: عَن أبي قلَابَة أَن ثَابت بن الضَّحَّاك أخبرهُ: أَنه بَايع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَحت الشَّجَرَة، وَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " من حلف على يَمِين بملةٍ غير الْإِسْلَام كَاذِبًا مُتَعَمدا فَهُوَ كَمَا قَالَ. وَمن قتل نَفسه بِشَيْء عذب بِهِ يَوْم الْقِيَامَة، وَلَيْسَ على رجل نذرٌ فِيمَا لَا يملكهُ ".
وَفِي حَدِيث أَيُّوب عَن أبي قلَابَة:
وَلعن الْمُؤمن كقتله، وَمن رمى مُؤمنا بكفرٍ فَهُوَ كقتله ".
وَفِي حَدِيث شُعْبَة:
وَمن ذبح نَفسه بِشَيْء ذبح بِهِ يَوْم الْقِيَامَة ".
وَفِي حَدِيث يحيى بن كثير عَن أبي قلَابَة:
وَمن ادّعى دَعْوَى كَاذِبَة ليتكثر بهَا لم يزده الله إِلَّا قلَّة ".
843 - وَالثَّانِي لمُسلم: من رِوَايَة عبد الله بن معقل عَن ثَابت بن الضَّحَّاك: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الْمُزَارعَة، وَأمر بالمؤاجرة، وَقَالَ: " لَا بَأْس بهَا ".(1/516)
(67) مُسْند أبي بشير الْأنْصَارِيّ [رَضِي الله عَنهُ]
لَهُ حَدِيث وَاحِد مُتَّفق عَلَيْهِ:
844 - من رِوَايَة عباد بن تَمِيم عَنهُ: أَنه كَانَ مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض أَسْفَاره - قَالَ الرَّاوِي حسبت أَنه قَالَ: وَالنَّاس فِي مبيتهم، فَأرْسل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَسُولا: " لَا تبقين فِي رَقَبَة بعيرٍ قلادةٌ من وترٍ، أَو قلادةٌ إِلَّا قطعت ".
(68) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله عَنهُ
845 - الحَدِيث الأول: عَن أبي جُحَيْفَة عَن الْبَراء قَالَ: ذبح أَبُو بردة بن نيار قبل الصَّلَاة، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، " أبدلها " فَقَالَ: يَا رَسُول الله، لَيْسَ عِنْدِي إِلَّا جَذَعَة. قَالَ شُعْبَة: وَأَظنهُ قَالَ: وَهِي خيرٌ من مُسِنَّة. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اجْعَلْهَا مَكَانهَا، وَلنْ تجزي عَن أحد بعْدك ". وَمِنْهُم من لم يذكر الشَّك فِي قَوْله: هِيَ خير من مُسِنَّة.
وَقد أَخْرجَاهُ من حَدِيث عَامر الشّعبِيّ عَن الْبَراء، وَأول حَدِيثه:
إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِن أول مَا نبدأ بِهِ يَوْمنَا هَذَا نصلي، ثمَّ نرْجِع فننحر، فَمن فعل ذَلِك فقد أصَاب سنتنا، وَمن ذبح قبل فَإِنَّمَا هُوَ لحم قدمه لأَهله، لَيْسَ من النّسك فِي(1/517)
شيءٌ ". وَكَانَ أَبُو بردة بن نيار قد ذبح، فَقَالَ: عِنْدِي جذعةٌ خيرٌ من مُسِنَّة. فَقَالَ: " اذْبَحْهَا وَلنْ تجزي عَن أحدٍ بعْدك ".
وَفِي حَدِيث مُسَدّد: أَن الْبَراء قَالَ: ضحى خالٌ لي يُقَال لَهُ أَبُو بردة قبل الصَّلَاة، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " شَاتك شَاة لحمٍ " فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِن عِنْدِي داجناً جَذَعَة من الْمعز. قَالَ " اذْبَحْهَا، وَلَا تصلح لغيرك " ثمَّ قَالَ: " من ذبح قبل الصَّلَاة فَإِنَّمَا ذبح لنَفسِهِ، وَمن ذبح بعد الصَّلَاة فقد تمّ نُسكه، وَأصَاب سنة الْمُسلمين ".
وَقَالَ عَاصِم وَدَاوُد عَن الشّعبِيّ: عنَاق لبن. وَقَالَ أَبُو الْأَحْوَص: حَدثنَا مَنْصُور: عنَاق جَذَعَة.
وَفِي حَدِيث ابْن نمير أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ:
" من صلى صَلَاتنَا، ونسك نسكنا، فَلَا يذبح حَتَّى يُصَلِّي " فَقَالَ خَالِي: وَقد نسكت عَن ابْن لي.
فَقَالَ: " ذَاك شيءٌ عجلته لأهْلك " قَالَ: إِن عِنْدِي شَاة خيرٌ من شَاتين. قَالَ: ضح بهَا، فَإِنَّهَا خير نسيكتيك ".
وَفِي حَدِيث جُنْدُب بن سُفْيَان نَحوه.
846 - الثَّانِي: عَن عبد الله بن يزِيد قَالَ: حَدثنَا الْبَراء - وَهُوَ غير كذوب - قَالَ " كُنَّا نصلي خلف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا قَالَ: " سمع الله لمن حَمده " لم يحن أحدٌ منا ظَهره حَتَّى يضع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَبهته على الأَرْض.(1/518)
وَأخرجه مُسلم من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن الْبَراء قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يحني أحدٌ منا ظَهره حَتَّى نرَاهُ قد سجد. زَاد زُهَيْر: ثمَّ يخر من وَرَاءه سجدا. وسُفْيَان بِمَعْنَاهُ.
847 - الثَّالِث: عَن الشّعبِيّ عَن الْبَراء قَالَ: أمرنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة خَيْبَر أَن نلقي لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة نيئةً ونضيجة، ثمَّ لم يَأْمُرنَا بِأَكْلِهِ.
وَقد أَخْرجَاهُ من حَدِيث عدي بن ثَابت الْأنْصَارِيّ عَن الْبَراء قَالَ:
غزونا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَصَابُوا حمراً، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أكفئوا الْقُدُور ".
وَأخرجه مُسلم من حَدِيث ثَابت بن عبيد قَالَ:
سَمِعت الْبَراء قَالَ: نهينَا عَن لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة. وَمن حَدِيث أبي إِسْحَق عَن الْبَراء قَالَ: أصبْنَا يَوْم خَيْبَر حمراً، فَنَادَى مُنَادِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن أكفئوا الْقُدُور.
848 - الرَّابِع: عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن الْبَراء قَالَ: كَانَ رُكُوع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَسُجُوده بَين السَّجْدَتَيْنِ، وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع - مَا خلا الْقيام وَالْقعُود - قَرِيبا من السوَاء. كَذَا فِي حَدِيث بدل بن المحبر عَن شُعْبَة.
وَفِي حَدِيث هِلَال بن أبي حميد عَن ابْن أبي ليلى عَن الْبَراء قَالَ:
رمقت الصَّلَاة مَعَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَوجدت قِيَامه، فركعته، فاعتداله بعد رُكُوعه، فسجدته، فجلسته بَين السَّجْدَتَيْنِ، فسجدته، فجلسته مَا بَين التَّسْلِيم والانصراف - قَرِيبا من السوَاء.
وَفِي حَدِيث معَاذ الْعَنْبَري عَن شُعْبَة عَن الحكم قَالَ:
غلب على الْكُوفَة رجل - قد سَمَّاهُ - زمن ابْن الْأَشْعَث وَسَماهُ غنْدر فِي رِوَايَته: مطر بن نَاجِية، فَأمر أَبَا(1/519)
عُبَيْدَة بن عبد الله أَن يُصَلِّي بِالنَّاسِ، وَكَانَ يُصَلِّي، فَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع قَامَ قدر مَا أَقُول: اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد وملء السَّمَوَات وملء الأَرْض وملء مَا شِئْت من شَيْء بعد، أهل الثَّنَاء وَالْمجد، لَا مَانع لما أَعْطَيْت، وَلَا معطي لما منعت، وَلَا ينفع ذَا الْجد مِنْك الْجد. قَالَ الحكم: فَذكرت ذَلِك لعبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى فَقَالَ:
سَمِعت الْبَراء بن عَازِب يَقُول: كَانَت صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قِيَامه، وركوعه، وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع، وَسُجُوده، وَمَا بَين السَّجْدَتَيْنِ قَرِيبا من السوَاء. قَالَ شُعْبَة: فَذَكرته لعَمْرو بن مرّة فَقَالَ: قد رَأَيْت ابْن أبي ليلى، فَلم تكن صلَاته هَكَذَا.
849 - الْخَامِس: عَن مُعَاوِيَة بن سُوَيْد بن مقرن قَالَ: دخلت على الْبَراء بن عَازِب، فَسَمعته يَقُول: أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بسبعٍ، ونهانا عَن سبع
أمرنَا بعيادة الْمَرِيض، وَاتِّبَاع الْجَنَائِز، وتشميت الْعَاطِس، وإبرار الْقسم أَو الْمقسم، وَنصر الْمَظْلُوم، وَإجَابَة الدَّاعِي، وإفشاء السَّلَام.
ونهانا عَن خَوَاتِيم أَو عَن تختمٍ بِالذَّهَب، وَعَن شربٍ بِالْفِضَّةِ، وَعَن المياثر، وَعَن القسي، وَعَن لبس الْحَرِير والإستبرق والديباج.
وَفِي حَدِيث أبي عوَانَة عَن الْأَشْعَث: وإنشاد الضال: زَاد فِي حَدِيث الشَّيْبَانِيّ عَن الْأَشْعَث: وَعَن الشّرْب فِي الْفضة، فَإِنَّهُ من شرب فِيهَا فِي الدُّنْيَا لم يشرب فِيهَا فِي الْآخِرَة. وَقَالَ: إبرار الْقسم، من غير شكّ.
وَفِي حَدِيث بهز وَغَيره عَن شُعْبَة:
ورد السَّلَام. بدل: وإفشاء السَّلَام. وَقَالَ: نَهَانَا عَن خَاتم الذَّهَب أَو حَلقَة الذَّهَب. وَفِيه من حَدِيث سُلَيْمَان بن حَرْب عَن شُعْبَة: وإبرار الْقسم.(1/520)
وَفِي حَدِيث أبي الْأَحْوَص عَن الْأَشْعَث: ونهانا عَن خَاتم الذَّهَب، وَعَن آنِية الْفضة. وَفِي حَدِيث سُفْيَان عَن الْأَشْعَث: وَعَن المياثر الْحمر ...
850 - السَّادِس: عَن أبي إِسْحَق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي قَالَ: سَمِعت الْبَراء ابْن عَازِب يَقُول: نزلت هَذِه الْآيَة فِينَا: كَانَت الْأَنْصَار إِذا حجُّوا فَجَاءُوا لم يدخلُوا من قبل أَبْوَاب الْبيُوت، فجَاء رجلٌ من الْأَنْصَار فَدخل من قبل بَابه، فَكَأَنَّهُ عير بذلك، فَنزلت: {وَلَيْسَ الْبر بِأَن تَأْتُوا الْبيُوت من ظُهُورهَا وَلَكِن الْبر من اتَّقى وَأتوا الْبيُوت من أَبْوَابهَا} [الْبَقَرَة] .
851 - السَّابِع: عَن أبي إِسْحَاق السبيعِي عَن الْبَراء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " يَا فلَان، إِذا أويت إِلَى فراشك فَقل: اللَّهُمَّ إِنِّي أسلمت نَفسِي إِلَيْك، ووجهت وَجْهي إِلَيْك، وفوضت أَمْرِي إِلَيْك، وألجأت ظَهْري إِلَيْك، رَغْبَة وَرَهْبَة إِلَيْك، لَا ملْجأ وَلَا منجى مِنْك إِلَّا إِلَيْك، آمَنت بكتابك الَّذِي أنزلت، وبنبيك الَّذِي أرْسلت فَإنَّك إِن مت فِي ليلتك مت على الْفطْرَة، وَإِن أصبت أصبت خيرا ".
وَأَخْرَجَاهُ من حَدِيث سعد بن عُبَيْدَة عَن الْبَراء قَالَ:
قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِذا أتيت مضجعك فَتَوَضَّأ وضوءك للصَّلَاة، ثمَّ اضْطجع على شقك الْأَيْمن، وَقل. . " وَذكر نَحوه. وَفِيه " واجعلهن آخر مَا تَقول " فَقلت استذكرهن: وبرسولك الَّذِي أرْسلت. فَقَالَ: " لَا، وبنبيك الَّذِي أرْسلت ".
وَأخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث الْمسيب بن رَافع عَن الْبَراء، وَفِي آخِره: وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " من قَالَهَا ثمَّ مَاتَ مَاتَ على الْفطْرَة ".(1/521)
وَقد أخرج مُسلم عَن أبي بكر بن أبي مُوسَى عَن الْبَراء:
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا أَخذ مضجعه قَالَ " اللَّهُمَّ بِاسْمِك أَحْيَا وباسمك أَمُوت " وَإِذا اسْتَيْقَظَ قَالَ: " الْحَمد لله الَّذِي أَحْيَانًا بعد مَا أماتنا وَإِلَيْهِ النشور " وَهَذَا عِنْد البُخَارِيّ من حَدِيث ربعي عَن حُذَيْفَة.
852 - الثَّامِن: عَن أبي إِسْحَاق عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ: رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينْقل مَعنا التُّرَاب وَهُوَ يَقُول: " وَالله لَوْلَا الله مَا اهتدينا. وَلَا صمنا وَلَا صلينَا. " وَمِنْهُم من قَالَ: " وَلَا تصدقنا وَلَا صلينَا. فأنزلن سكينَة علينا. وَثَبت الْأَقْدَام إِن لاقينا.
وَالْمُشْرِكُونَ قد بغوا علينا. إِذا أَرَادوا فتْنَة أَبينَا ".
وَفِي حَدِيث شُعْبَة: وَيرْفَع بهَا صَوته. وَفِيه:
وَلَقَد وارى التُّرَاب بَيَاض إبطَيْهِ
853 - التَّاسِع: عَن أبي إِسْحَاق قَالَ: سَمِعت الْبَراء يَقُول: لما نزلت {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ} [النِّسَاء] دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زيدا، فجَاء بكتف فكتبها.
وشكا ابْن أم مَكْتُوم ضرارته فَنزلت: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ غير أولي الضَّرَر} .
854 - الْعَاشِر: عَن أبي إِسْحَق عَن الْبَراء: أَن آخر سُورَة أنزلت تَامَّة سُورَة التَّوْبَة، وَأَن آخر آيَة نزلت آيَة الْكَلَالَة. وَفِي حَدِيث عمار بن زُرَيْق: آخر آيَة أنزلت كَامِلَة.(1/522)
وَقد أخرجه مُسلم من حَدِيث أبي السّفر سعيد بن مُحَمَّد - وَقيل - أَحْمد - عَن الْبَراء قَالَ: آخر آيَة أنزلت {يستفتونك} [النِّسَاء] .
855 - الْحَادِي عشر: عَن أبي إِسْحَاق قَالَ: جَاءَ رجلٌ إِلَى الْبَراء فَقَالَ: أَكُنْتُم وليتم يَوْم حنين يَا أَبَا عمَارَة؟ فَقَالَ: أشهد على نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه مَا ولى، وَلكنه انْطلق أخفاء من النَّاس وحسر إِلَى هَذَا الْحَيّ من هوَازن وهم قومٌ رماةٌ، فَرَمَوْهُمْ برشقٍ من نبل كَأَنَّهَا رجلٌ من جرادٍ فانكشفوا، فَأقبل الْقَوْم إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو سُفْيَان بن حَرْب يَقُود بِهِ بغلته، فَنزل ودعا واستنصر، وَهُوَ يَقُول: " أَنا النَّبِي لَا كذب. أَنا ابْن عبد الْمطلب. اللَّهُمَّ نزل نصرك " زَاد أَبُو خَيْثَمَة: ثمَّ صفهم.
قَالَ الْبَراء:
كُنَّا - وَالله - إِذا احمر الْبَأْس نتقي بِهِ، وَإِن الشجاع منا للَّذي يُحَاذِي بِهِ - يَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
856 - الثَّانِي عشر: عَن أبي إِسْحَاق عَن الْبَراء: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ أول مَا قدم الْمَدِينَة نزل على أجداده، أَو قَالَ: أَخْوَاله من الْأَنْصَار، وَأَنه صلى - قبل بَيت الْمُقَدّس سِتَّة عشر شهرا أَو سَبْعَة عشر شهرا، وَكَانَ يُعجبهُ أَن تكون قبلته قبل الْبَيْت، وَأَنه صلى أول صَلَاة صلاهَا الْعَصْر، وَصلى مَعَه قومٌ. فَخرج رجلٌ مِمَّن صلى مَعَه فَمر على أهل مَسْجِد وهم رَاكِعُونَ، فَقَالَ: أشهد بِاللَّه، لقد صليت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل الْكَعْبَة، فَدَارُوا كَمَا هم قبل الْبَيْت. وَكَانَت الْيَهُود قد أعجبهم إِذْ كَانَ يُصَلِّي - قبل بَيت الْمُقَدّس - وَأهل الْكتاب، فَلَمَّا ولى وَجهه قبل الْبَيْت أَنْكَرُوا ذَلِك.(1/523)
قَالَ زُهَيْر فِي حَدِيثه عَن أبي إِسْحَق عَن الْبَراء:
إِنَّه مَاتَ على الْقبْلَة - قبل أَن تحول - رجالٌ، وَقتلُوا، فَلم ندر مَا نقُول فيهم، فَأنْزل الله عز وَجل: {وَمَا كَانَ الله لِيُضيع إيمَانكُمْ} [الْبَقَرَة] .
وَفِي حَدِيث إِسْرَائِيل:
وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحب أَن يُوَجه إِلَى الْكَعْبَة، فَأنْزل الله عز وَجل: {قد نرى تقلب وَجهك فِي السَّمَاء} [الْبَقَرَة] فَتوجه نَحْو الْكَعْبَة.
فَقَالَ السُّفَهَاء من النَّاس - وهم الْيَهُود: {مَا ولاهم عَن قبلتهم الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قل لله الْمشرق وَالْمغْرب يهدي من يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم} [الْبَقَرَة] .
857 - الثَّالِث عشر: عَن أبي إِسْحَاق عَن الْبَراء قَالَ: أهدي للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثوب حَرِير، فَجعلنَا نلمسه ونتعجب مِنْهُ، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أتعجبون من هَذَا؟ " قُلْنَا: نعم. قَالَ: " مناديل سعد بن معاذٍ فِي الْجنَّة خيرٌ من هَذَا ".
وَفِي حَدِيث شُعْبَة: " أتعجبون من لين هَذِه؟ لمناديل سعد بن معاذٍ فِي الْجنَّة خيرٌ مِنْهَا وألين ".
وَفِي حَدِيث أبي الْأَحْوَص عَن أبي إِسْحَاق:
وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لمناديل سعد فِي الْجنَّة خيرٌ من هَذَا ".
858 - الرَّابِع عشر: فِي صلح أهل مَكَّة عَام الْحُدَيْبِيَة.
عَن أبي إِسْحَاق عَن الْبَراء قَالَ:
اعْتَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذِي الْقعدَة، فَأبى أهل مَكَّة أَن يَدعُوهُ يدْخل مَكَّة، حَتَّى قاضاهم على أَن يدْخل - يَعْنِي من الْعَام الْمقبل، يُقيم بهَا ثَلَاثَة أَيَّام. فَلَمَّا كتبُوا الْكتاب كتبُوا: هَذَا مَا قاضى عَلَيْهِ محمدٌ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالُوا: لَا نقر بهَا، فَلَو نعلم أَنَّك رَسُول الله مَا منعناك، وَلَكِن أَنْت مُحَمَّد بن عبد الله. ثمَّ قَالَ لعَلي: " امح: رَسُول الله. " قَالَ: لَا وَالله، لَا(1/524)
أمحوك أبدا. فَأخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْكتاب فَكتب: هَذَا مَا قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّد بن عبد الله، لَا يدْخل مَكَّة بسلاح إِلَّا فِي القراب، وَألا يخرج من أَهلهَا بإحدٍ إِن أَرَادَ: أَن يتبعهُ، وَألا يمْنَع أحدا من أَصْحَابه أَرَادَ أَن يُقيم بهَا.
فَلَمَّا دَخلهَا وَمضى الْأَجَل أَتَوا علياًّ فَقَالُوا: قل لصاحبك: أخرج عَنَّا، فقد مضى الْأَجَل. فَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتبعتهم بنت حَمْزَة تنادي: يَا عَم يَا عَم، فَتَنَاولهَا عليٌّ فَأخذ بِيَدِهَا وَقَالَ لفاطمة: دُونك ابْنة عمك، فاحتمليها. فاختصم فِيهَا عليٌّ وَزيد وجعفر، فَقَالَ عَليّ: أَنا أَحَق بهَا، وَهِي ابْنة عمي. وَقَالَ جَعْفَر: بنت عمي، وخالتها تحتي. وَقَالَ زيدٌ: بنت أخي. فَقضى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لخالتها، وَقَالَ: " الْخَالَة بِمَنْزِلَة الْأُم " وَقَالَ لعَلي: " أَنْت مني وَأَنا مِنْك " وَقَالَ لجَعْفَر: " أشبهت خلقي وَخلقِي ". وَقَالَ لزيد: " أَنْت أخونا ومولانا ".
وَفِي حَدِيث شُعْبَة: لما صَالح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل الْحُدَيْبِيَة، كتب عليٌّ بَينهم كتابا، كتب:
مُحَمَّد رَسُول الله. فَقَالَ الْمُشْركُونَ: لَا تكْتب: مُحَمَّد رَسُول الله، لَو كنت رَسُول الله لم نقاتلك. ثمَّ قَالَ لعَلي " امحه " فَقَالَ عليٌّ: مَا أَنا بِالَّذِي أمحوه، فمحاه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدِهِ. وصالحهم على أَن يدْخل هُوَ وَأَصْحَابه ثَلَاثَة أَيَّام، وَلَا يدخلوها إِلَّا بجلبان السِّلَاح. فَسَأَلُوهُ: مَا جلبان السِّلَاح؟ قَالَ: " القراب بِمَا فِيهِ ".
والمسئول عَن جلبان السِّلَاح هُوَ أَبُو إِسْحَق - بَين ذَلِك معَاذ الْعَنْبَري فِي حَدِيثه، قَالَ: قَالَ شُعْبَة: قلت لأبي إِسْحَق: مَا جلبان السِّلَاح؟ قَالَ: القراب بِمَا فِيهِ.(1/525)
وَقَالَ مُوسَى بن مَسْعُود فِي حَدِيثه:
صَالح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُشْركين يَوْم الْحُدَيْبِيَة على ثَلَاثَة أَشْيَاء: على أَن من أَتَاهُ من الْمُشْركين رده إِلَيْهِم، وَمن أَتَاهُم من الْمُسلمين لم يردوه، وعَلى أَن يدخلهَا من قابلٍ، وَيُقِيم بهَا ثَلَاثَة أَيَّام. وَلَا يدخلهَا إِلَّا بجلبان السِّلَاح: السَّيْف والقوس وَنَحْوه. فجَاء أَبُو جندلٍ يحجل فِي قيوده، فَرده إِلَيْهِم.
وَفِي حَدِيث يُوسُف بن أبي إِسْحَاق:
ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أَرَادَ أَن يعْتَمر أرسل إِلَى أهل مَكَّة يستأذنهم ليدْخل مَكَّة، فَاشْتَرَطُوا عَلَيْهِ أَلا يُقيم بهَا إِلَّا ثَلَاث لَيَال، وَلَا يدخلهَا إِلَّا بجلبان السِّلَاح، وَلَا يَدْعُو مِنْهُم أحدا. قَالَ: فَأخذ يكْتب الشَّرْط بَينهم عَليّ بن أبي طَالب فَكتب: هَذَا مَا قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّد رَسُول الله. فَقَالُوا: لَو علمنَا أَنَّك رَسُول الله لم نَمْنَعك وبايعناك، وَلَكِن اكْتُبْ: مُحَمَّد بن عبد الله. فَقَالَ: " أَنا وَالله - مُحَمَّد بن عبد الله، وَأَنا رَسُول الله. " قَالَ: وَكَانَ لَا يكْتب، فَقَالَ لعَلي: " امح: رَسُول الله ". فَقَالَ: وَالله لَا أمحوه أبدا. قَالَ " فأرنيه " فَأرَاهُ إِيَّاه فمحاه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدِهِ. فَلَمَّا دخل وَقضى الْأَجَل أَتَوا علياًّ فَقَالُوا: مر صَاحبك فليرتحل. فَذكر ذَلِك عليٌّ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " نعم " ثمَّ ارتحل.
وَفِي رِوَايَة إِسْرَائِيل عَن أبي إِسْحَاق: ثمَّ قَالَ لعَلي: " امح: رَسُول الله " قَالَ: لَا، وَالله لَا أمحوك أبدا. فَأخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْكتاب - وَلَيْسَ يحسن يكْتب - فَكتب: هَذَا مَا قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّد بن عبد الله. . الحَدِيث نَحوه. وَفِيه ذكر بنت حَمْزَة، وَالْأَخْذ لَهَا، وَالْخُصُومَة فِيهَا.
قَالَ أَبُو مَسْعُود فِي " الْأَطْرَاف ":
فَأخذ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْكتاب، وَلَيْسَ يحسن أَن يكْتب فَكتب مَكَان رَسُول الله: مُحَمَّد. وَكتب: هَذَا مَا قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّد. . فَذكره. . وَلَيْسَ هَذَا هَكَذَا فِيمَا عندنَا من الصَّحِيحَيْنِ.(1/526)
859 - الْخَامِس عشر: عَن أبي إِسْحَاق عَن الْبَراء قَالَ:
كَانَ رجل يقْرَأ سُورَة الْكَهْف، وَعِنْده فرس مربوطٌ بشطنين، فتغشته سحابةٌ، فَجعلت تَدْنُو، وَجعل فرسٌ ينفر مِنْهَا. فَلَمَّا أصبح أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَذكر ذَلِك لَهُ. فَقَالَ: " تِلْكَ السكينَة تنزلت لِلْقُرْآنِ ".
فِي حَدِيث شُعْبَة: " اقْرَأ، فلَان، فَإِنَّهَا السكينَة نزلت عِنْد الْقُرْآن أَو لِلْقُرْآنِ ".
860 - السَّادِس عشر: عَن أبي إِسْحَاق قَالَ: سَمِعت الْبَراء يَقُول: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحسن النَّاس وَجها، وَأحسنه خلقا، لَيْسَ بالطويل الْبَائِن، وَلَا بالقصير.
وَقد أخرجَا من رِوَايَة أبي إِسْحَاق أَيْضا عَن الْبَراء أَنه قَالَ:
كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مربوعاً، بعيد مَا بَين الْمَنْكِبَيْنِ، لَهُ شعرٌ يبلغ شحمة أُذُنَيْهِ، رَأَيْته فِي حلَّة حَمْرَاء لم أر شَيْئا قطّ أحسن مِنْهُ ".
وَفِي حَدِيث مَالك بن إِسْمَاعِيل: مَا رَأَيْت أحدا أحسن فِي حلَّة حَمْرَاء من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ البُخَارِيّ: وَقَالَ بعض أَصْحَابِي عَن مَالك بن إِسْمَاعِيل: إِن جمته لتضرب قَرِيبا من مَنْكِبَيْه. قَالَ أَبُو إِسْحَاق: سمعته يحدثه غير مرةٍ، مَا حَدثهُ بِهِ قطّ إِلَّا ضحك.
وَفِي حَدِيث شُعْبَة:
عَظِيم الجمة إِلَى شحمة أُذُنَيْهِ.(1/527)
861 - السَّابِع عشر: عَن أبي إِسْحَاق عَن الْبَراء قَالَ: أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلٌ مقنع بالحديد فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أقَاتل أَو أسلم؟ قَالَ: " أسلم ثمَّ قَاتل " " ثمَّ قَاتل فَقتل، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " عمل قَلِيلا، وَأجر كثيرا ".
وَلَفظ حَدِيث مُسلم:
جَاءَ رجلٌ من بني النبيت - قَبيلَة من الْأَنْصَار - إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأَنَّك عَبده وَرَسُوله، ثمَّ تقدم فقاتل حَتَّى قتل. فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " عمل هَذَا يَسِيرا، وَأجر كثيرا ".
862 - الثَّامِن عشر: عَن عدي بن ثَابت الْأنْصَارِيّ عَن الْبَراء عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ فِي الْأَنْصَار: " لَا يُحِبهُمْ إِلَّا مؤمنٌ، وَلَا يبغضهم إِلَّا منافقٌ. من أحبهم أحبه الله، وَمن أبْغضهُم أبغضه الله ".
فِي كتاب مُسلم بن الْحجَّاج، قَالَ شُعْبَة: قلت لعدي: أَنْت سمعته من الْبَراء؟ قَالَ: إيَّايَ حدث.
863 - التَّاسِع عشر: عَن عدي بن ثَابت قَالَ: حَدثنَا الْبَراء قَالَ: رَأَيْت الْحسن ابْن عَليّ على عاتق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يَقُول: " اللَّهُمَّ إِنِّي أحبه فَأَحبهُ ".
864 - الْعشْرُونَ: عَن عدي بن ثَابت عَن الْبَراء: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِي سفر، فصلى الْعشَاء الْآخِرَة، فَقَرَأَ فِي إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ (والتين وَالزَّيْتُون) . وَفِي حَدِيث مسعر: فَمَا سَمِعت أحدا أحسن صَوتا أَو قِرَاءَة مِنْهُ.
865 - الْحَادِي وَالْعشْرُونَ: عَن عدي بن ثَابت عَن الْبَراء بن عَازِب: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لحسان: " أهجهم - أَو هاجهم - وَجِبْرِيل مَعَك ". قَالَ البُخَارِيّ: وَزَاد إِبْرَاهِيم بن طهْمَان عَن أبي إِسْحَاق الشَّيْبَانِيّ: " أهج الْمُشْركين ".(1/528)
866 - الثَّانِي وَالْعشْرُونَ: عَن سعد بن عُبَيْدَة عَن الْبَراء بن عَازِب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " الْمُسلم إِذا سُئِلَ فِي الْقَبْر يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، فَذَلِك قَوْله: {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت} [إِبْرَاهِيم] .
فِي حَدِيث غنْدر عَن شُعْبَة: {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت} نزلت فِي عَذَاب الْقَبْر، يُقَال لَهُ: من رَبك؟ فَيَقُول: رَبِّي الله. ونبيي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَأخرجه مُسلم أَيْضا من حَدِيث خَيْثَمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن الْبَراء، فِي قَوْله: {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت} الْآيَة، نزلت فِي عَذَاب الْقَبْر.
حكى أَبُو مَسْعُود حَدِيث سعد بن عُبَيْدَة بِلَفْظ آخر، وَلم أجد ذَلِك كَذَلِك فِي الْكِتَابَيْنِ.
أَفْرَاد البُخَارِيّ
867 - الحَدِيث الأول: عَن أبي إِسْحَاق السبيعِي عَن الْبَراء قَالَ: كَانَ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كَانَ الرجل صَائِما، فَحَضَرَ الْإِفْطَار، فَنَامَ قبل ان يفْطر، لم يَأْكُل ليلته وَلَا يَوْمه حَتَّى يُمْسِي. وَأَن قيس بن صرمة الْأنْصَارِيّ كَانَ صَائِما، فَلَمَّا حضر الْإِفْطَار أَتَى امْرَأَته فَقَالَ: أعندك طعامٌ؟ قَالَت: لَا، وَلَكِن أَنطلق فأطلب لَك، وَكَانَ يَوْمه يعْمل، فغلبته عينه، فَجَاءَت امْرَأَته، فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَت: خيبة لَك، فَلَمَّا انتصف النَّهَار غشي عَلَيْهِ، فَذكر ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَنزلت هَذِه الْآيَة: {أحل لكم لَيْلَة الصّيام الرَّفَث إِلَى نِسَائِكُم} [الْبَقَرَة] ففرجوا بهَا فَرحا شَدِيدا. وَنزلت: {وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يتَبَيَّن لكم الْخَيط الْأَبْيَض من الْخَيط الْأسود} [الْبَقَرَة] .(1/529)
868 - الثَّانِي: عَن أبي إِسْحَاق قَالَ: سَمِعت الْبَراء يَقُول: لما نزل صَوْم رَمَضَان كَانُوا لَا يقربون النِّسَاء رَمَضَان كُله، وَكَانَ رجال يخونون أنفسهم، فَأنْزل الله تَعَالَى: {علم الله أَنكُمْ كُنْتُم تختانون أَنفسكُم فَتَابَ عَلَيْكُم وَعَفا عَنْكُم} الْآيَة [الْبَقَرَة] .
869 - الثَّالِث: فِي قتل أبي رَافع عبد الله - وَقيل سَلام - بن أبي الْحقيق: عَن أبي إِسْحَق عَن الْبَراء قَالَ: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أبي رَافع الْيَهُودِيّ رجَالًا من الْأَنْصَار، وَأمر عَلَيْهِم عبد الله بن عتِيك. وَكَانَ أَبُو رَافع يُؤْذِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويعين عَلَيْهِ، وَكَانَ فِي حصن لَهُ بِأَرْض الْحجاز، فَلَمَّا دنوا مِنْهُ - وَقد غربت الشَّمْس، وَرَاح النَّاس بسرحهم قَالَ عبد الله لأَصْحَابه: اجلسوا مَكَانكُمْ، فَإِنِّي منطلقٌ ومتلطف للبواب، لعَلي أَدخل، فَأقبل حَتَّى دنا من الْبَاب، ثمَّ تقنع بِثَوْبِهِ كَأَنَّهُ يقْضِي حَاجَة، وَقد دخل النَّاس، فَهَتَفَ بِهِ البواب: يَا عبد الله، إِن كنت تُرِيدُ أَن تدخل فَادْخُلْ، فَإِنِّي أُرِيد أَن أغلق الْبَاب. قَالَ: فَدخلت فَكَمَنْت، فَلَمَّا دخل النَّاس أغلق الْبَاب، ثمَّ علق الأغاليق على ود، قَالَ: فَقُمْت إِلَى الأغاليق فأخدتها، ففتحت الْبَاب، وَكَانَ أَبُو رَافع يسمر عِنْده، وَكَانَ فِي علالي لَهُ، فَلَمَّا ذهب عَنهُ أهل سمره صعدت إِلَيْهِ، فَجعلت كلما فتحت بَابا أغلقت عَليّ من دَاخل. قلت: إِن الْقَوْم نذروا بِي، لم يخلصوا إِلَيّ حَتَّى أَقتلهُ. فانتهيت إِلَيْهِ، فَإِذا هُوَ فِي بَيت مظلم وسط عِيَاله، لَا ادري أَيْن هُوَ من الْبَيْت فَقلت: أَبَا رَافع.
قَالَ: من هَذَا؟ فَأَهْوَيْت نَحْو الصَّوْت فأضربه ضَرْبَة بِالسَّيْفِ وَأَنا دهشٌ، فَمَا أغنت شَيْئا، وَصَاح، فَخرجت من الْبَيْت، فأمكث غير بعيد، ثمَّ دخلت إِلَيْهِ(1/530)
فَقلت: مَا هَذَا الصَّوْت يَا أَبَا رَافع؟ قَالَ: لأمك الويل، إِن رجلا فِي الْبَيْت ضَرَبَنِي قبل بِالسَّيْفِ. فأضربه ضَرْبَة أثخنته وَلم تقتله، ثمَّ وضعت ظبة السَّيْف فِي بَطْنه، حَتَّى أَخذ فِي ظَهره، فَعرفت أَنِّي قتلته، فَجعلت أفتح الْأَبْوَاب بَابا بَابا، حَتَّى انْتَهَيْت إِلَى دَرَجَة لَهُ، فَوضعت رجْلي وَأَنا أرى أَنِّي قد انْتَهَيْت إِلَى الأَرْض، فَوَقَعت فِي لَيْلَة مُقْمِرَة، وانكسرت ساقي، فعصبتها بعصابة، ثمَّ انْطَلَقت حَتَّى جَلَست على الْبَاب فَقلت: لَا أخرج اللَّيْلَة حَتَّى أعلم أقتلته. فَلَمَّا صَاح الديك قَامَ الناعي على السُّور فَقَالَ: أنعى أَبَا رَافع تَاجر أهل الْحجاز. فَانْطَلَقت إِلَى أَصْحَابِي فَقلت: النَّجَاء، قد قتل الله أَبَا رَافع. فانتهيت إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَحَدَّثته، فَقَالَ: " ابْسُطْ رجلك " فبسطت رجْلي فمسحها، فَكَأَنَّمَا لم أشتكها قطّ.
وَفِي رِوَايَة يُوسُف بن أبي إِسْحَق نَحوه. إِلَّا أَنه قَالَ:
فَدخلت، ثمَّ اخْتَبَأْت فِي مربط حمارٍ عِنْد بَاب الْحصن، فَتَعَشَّوْا عِنْد أبي رَافع، وتحدثوا حَتَّى ذهب ساعةٌ من اللَّيْل، ثمَّ رجعُوا إِلَى بُيُوتهم، فَلَمَّا هدأت الْأَصْوَات وَلَا أسمع حَرَكَة خرجت، قَالَ: وَرَأَيْت صَاحب الْبَاب حَيْثُ وضع مِفْتَاح الْحصن فِي كوَّة، فَأَخَذته، ففتحت بِهِ بَاب الْحصن، ثمَّ عَمَدت إِلَى أَبْوَاب بُيُوتهم فغلقتها عَلَيْهِم من ظَاهر. قَالَ: قلت: إِن نذر بِي الْقَوْم انْطَلَقت على مهلٍ. قَالَ: ثمَّ عَمَدت إِلَى أبي رَافع، وَذكره نَحوه.
وَفِي حَدِيث عَليّ بن مُسلم:
بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رهطاً من الْأَنْصَار إِلَى أبي رَافع ليقتلوه، فَانْطَلق رجل مِنْهُم فَدخل حصنهمْ، قَالَ: فَدخلت فِي مربط دَوَاب لَهُم، وَأَغْلقُوا الْحصن، ثمَّ إِنَّهُم فقدوا حمارا لَهُم، فَخَرجُوا يطلبونه، فَخرجت فِيمَن خرج أريهم أَنِّي أطلبه مَعَهم، فوجدوا الْحمار، فَدَخَلُوا، فَدخلت، فأغلقوا بَاب الْحصن لَيْلًا، وَوَضَعُوا المفاتيح فِي كوةٍ حَيْثُ أَرَاهَا، فَلَمَّا نَامُوا أخذت المفاتيح(1/531)
وَفتحت بَاب الْحصن، ثمَّ دخلت عَلَيْهِ. ثمَّ ذكر نَحوه فِي قتل أبي رَافع، ووقوعه من السّلم، قَالَ فوثئت رجْلي، فَخرجت إِلَى أَصْحَابِي فَقلت: مَا أَنا ببارح حَتَّى أسمع الواعية. فَمَا بَرحت حَتَّى سَمِعت نعايا أبي رَافع تَاجر أهل الْحجاز، فَقُمْت وَمَا بِي قلبة، حَتَّى أَتَيْنَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرنَاهُ.
وَرِوَايَة يحيى بن آدم مختصرة:
أَن الْبَراء قَالَ: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رهطاً من الْأَنْصَار إِلَى أبي رَافع فَدخل عَلَيْهِ عبد الله بن عتِيك بَيته لَيْلًا، فَقتله وَهُوَ نَائِم، لم يزدْ.
870 - الرَّابِع: فِي الرُّمَاة يَوْم أحد:
عَن أبي إِسْحَق عَن الْبَراء قَالَ:
جعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الرجالة يَوْم أحد - وَكَانُوا خمسين رجلا وهم الرُّمَاة - عبد الله بن جُبَير، فَقَالَ: " إِن رَأَيْتُمُونَا تخطفنا الطير فَلَا تَبْرَحُوا حَتَّى أرسل إِلَيْكُم " فَهَزَمَهُمْ الله، فَأَنا وَالله - رَأَيْت النِّسَاء يشتددن وَقد بَدَت خلاخيلهن وأسوقهن رافعات ثيابهن، فَقَالَ أَصْحَاب عبد الله بن جُبَير: الْغَنِيمَة أَي قوم، الْغَنِيمَة، ظهر أصحابكم، فَمَا تنتظرون؟ فَقَالَ عبد الله بن جُبَير: أنسيتم مَا قَالَ لكم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالُوا: وَالله لنأتين النَّاس فلنصيبن من الْغَنِيمَة.
فَلَمَّا أتوهم صرفت وُجُوههم، فَأَقْبَلُوا منهزمين، فَذَلِك قَوْله. {وَالرَّسُول يدعوكم فِي أخراكم} [آل عمرَان] فَلم يبْق مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غير اثْنَي عشر رجلا. فَأَصَابُوا منا سبعين، وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أصَاب من الْمُشْركين يَوْم بدر أَرْبَعِينَ وَمِائَة: سبعين أَسِيرًا، وَسبعين قَتِيلا. فَقَالَ أَبُو سُفْيَان: أَفِي الْقَوْم مُحَمَّد؟(1/532)
ثَلَاث مَرَّات. فنهاهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُجِيبُوهُ ثمَّ قَالَ: أَفِي الْقَوْم ابْن أبي قُحَافَة ثَلَاث مَرَّات ثمَّ قَالَ: أَفِي الْقَوْم ابْن الْخطاب؟ ثَلَاث مَرَّات، ثمَّ رَجَعَ إِلَى أَصْحَابه فَقَالَ: أما هَؤُلَاءِ فقد قتلوا، فَمَا ملك عمر نَفسه، فَقَالَ: كذبت يَا عَدو الله، إِن الَّذين عددت لأحياء كلهم، وَقد بَقِي لَك مَا يسوءك، قَالَ: يومٌ بِيَوْم بدر، وَالْحَرب سِجَال، إِنَّكُم سَتَجِدُونَ فِي الْقَوْم مثلَة لم آمُر بهَا، وَلم تسؤني، ثمَّ أَخذ يرتجز: أعل هُبل، أعل هُبل. فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ": أَلا تجيبونه؟ ". قَالُوا: يَا رَسُول الله، مَا نقُول؟ قَالَ: " قُولُوا: الله أَعلَى وَأجل " قَالَ: إِن لنا الْعُزَّى وَلَا عزى لكم. قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أَلا تجيبونه؟ " قَالُوا: يَا رَسُول الله، مَا نقُول؟ قَالَ: " قُولُوا: الله مَوْلَانَا وَلَا مولى لكم ".
871 - الْخَامِس: عَن أبي إِسْحَق قَالَ: سُئِلَ الْبَراء: أَكَانَ وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل السَّيْف؟ قَالَ: لَا، بل مثل الْقَمَر.
872 - السَّادِس: عَن أبي إِسْحَق عَن الْبَراء قَالَ: تَعدونَ أَنْتُم الْفَتْح فتح مَكَّة، وَقد كَانَ فتح مَكَّة فتحا، وَنحن نعد الْفَتْح بيعَة الرضْوَان يَوْم الْحُدَيْبِيَة: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَربع عشر مائَة، وَالْحُدَيْبِيَة بِئْر، فنزحناها فَلم نَتْرُك فِيهَا قَطْرَة، فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَجَلَسَ على شفيرها، ثمَّ دَعَا بِإِنَاء من مَاء، فَتَوَضَّأ ثمَّ مضمض، ودعا، ثمَّ صبه فِيهَا، فتركناها غير بعيد، ثمَّ إِنَّهَا أصدرتنا مَا شِئْنَا نَحن وركابنا
وَفِي حَدِيث زُهَيْر نَحوه، إِلَّا أَنه قَالَ: " ائْتُونِي بِدَلْو من مَائِهَا " فَأتي بِهِ، فبصق ودعا، ثمَّ قَالَ: " دَعُوهَا سَاعَة " قَالَ: فأرووا أنفسهم ورحالهم حَتَّى ارتحلوا.(1/533)
873 - السَّابِع: عَن أبي إِسْحَق عَن الْبَراء قَالَ: إِن أول من قدم علينا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُصعب بن عُمَيْر، وَابْن أم مَكْتُوم، فَجعلَا يقرآننا الْقُرْآن، ثمَّ جَاءَ عمار وبلال وَسعد، ثمَّ جَاءَ عمر بن الْخطاب فِي عشْرين من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ جَاءَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَمَا رَأَيْت أهل الْمَدِينَة فرحوا بِشَيْء فَرَحهمْ برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَتَّى رَأَيْت الولائد وَالصبيان يَقُولُونَ: هَذَا رَسُول الله قد جَاءَ. فَمَا جَاءَ حَتَّى قَرَأت {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} [سُورَة الْأَعْلَى] فِي سورٍ مثلهَا من الْمفصل.
874 - الثَّامِن: عَن أبي إِسْحَق عَن الْبَراء قَالَ: غزوت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خمس عشرَة غَزْوَة
875 - التَّاسِع: عَن أبي إِسْحَق عَن الْبَراء قَالَ: استصغرت أَنا وَابْن عمر يَوْم بدر، وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَوْم بدر نيفاً على السِّتين، وَالْأَنْصَار نيفاً وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ.
876 - الْعَاشِر: عَن أبي إِسْحَق عَن الْبَراء قَالَ: كُنَّا أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نتحدث أَن عدَّة أَصْحَاب بدر على عدَّة أَصْحَاب طالوت الَّذين جاوزوا مَعَه النَّهر، وَلم يُجَاوز مَعَه إِلَّا مُؤمن، بضعَة عشر وثلاثمائة.
وَفِي حَدِيث زُهَيْر عَن أبي إِسْحَق قَالَ الْبَراء: لَا وَالله، مَا جَاوز مَعَه النَّهر إِلَّا مُؤمن.
877 - الْحَادِي عشر: عَن أبي إِسْحَق قَالَ: سَأَلَ رجلٌ الْبَراء: أشهد عليٌّ بَدْرًا؟ قَالَ: بارز وَظَاهر.(1/534)
878 - الثَّانِي عشر: عَن أبي إِسْحَق قَالَ: سَمِعت الْبَراء يَقُول: بعثنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ خَالِد بن الْوَلِيد إِلَى الْيمن، ثمَّ بعث عليا بعد ذَلِك مَكَانَهُ، وَقَالَ: مر أَصْحَاب خالدٍ من شَاءَ مِنْهُم أَن يعقب مَعَك فليعقب. وَمن شَاءَ فليقبل، فَكنت فِيمَن عقب مَعَه. قَالَ: فَغنِمت أواقي ذَوَات عددٍ.
879 - الثَّالِث عشر: عَن عدي بن ثَابت عَن الْبَراء: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما مَاتَ إِبْرَاهِيم قَالَ: " إِن لَهُ مُرْضعًا فِي الْجنَّة ".
880 - الرَّابِع عشر: عَن سُلَيْمَان بن أبي مُسلم قَالَ: سَأَلت أَبَا الْمنْهَال عَن الصّرْف يدا بيد، فَقَالَ: اشْتريت أَنا وَشريك لي شَيْئا يدا بيد ونسيئة، فجاءنا الْبَراء ابْن عَازِب، فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ: فعلته أَنا وشريكي زيد بن أَرقم، فَسَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك فَقَالَ: " أما مَا كَانَ يدا بيد فَخُذُوهُ، وَمَا كَانَ نَسِيئَة فَردُّوهُ ".
881 - الْخَامِس عشر: عَن الْمسيب بن رَافع قَالَ: لقِيت الْبَراء فَقلت: طُوبَى لَك، صَحِبت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بايعته تَحت الشَّجَرَة. قَالَ: يَا ابْن أخي، إِنَّك لَا تَدْرِي مَا أحدثنا بعده.
أَفْرَاد مُسلم
882 - الحَدِيث الأول: عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن الْبَراء: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقنت فِي الصُّبْح وَفِي الْمغرب.(1/535)
883 - الثَّانِي: عَن الرّبيع بن الْبَراء عَن الْبَراء قَالَ: كُنَّا إِذا صلينَا خلف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحببنا أَن نَكُون عَن يَمِينه يقبل علينا بِوَجْهِهِ، قَالَ: فَسَمعته يَقُول: " رب قني عذابك يَوْم تبْعَث - أَو تجمع - عِبَادك ".
وَلَيْسَ للربيع بن الْبَراء عَن أَبِيه فِي الصَّحِيح غير هَذَا الحَدِيث.
884 - الثَّالِث: عَن شَقِيق بن عقبَة عَن الْبَراء: نزلت هَذِه الْآيَة: {حَافظُوا على الصَّلَوَات وَصَلَاة الْعَصْر} فقرأنا مَا شَاءَ الله ثمَّ نسخهَا الله، فَنزلت: {حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى} [الْبَقَرَة] فَقَالَ رجل كَانَ جَالِسا عِنْد شَقِيق لَهُ: فَهِيَ إِذا صَلَاة الْعَصْر. فَقَالَ الْبَراء: فقد أَخْبَرتك كَيفَ نزلت وَكَيف نسخهَا الله تَعَالَى، وَالله أعلم.
وَقَالَ مُسلم بن الْحجَّاج: وَرَوَاهُ الْأَشْجَعِيّ عَن سُفْيَان الثَّوْريّ:
وَلَيْسَ لشقيق بن عقبَة عَن الْبَراء فِي الصَّحِيح غير هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد.
885 - الرَّابِع: عَن عبد الله بن مرّة عَن الْبَراء قَالَ: مر على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَهُودِيٍّ محممٍ مجلودٍ، فَدَعَاهُمْ فَقَالَ: " هَكَذَا تَجِدُونَ حد الزَّانِي فِي كتابكُمْ؟ " قَالُوا: نعم. فَدَعَا رجلا من عُلَمَائهمْ فَقَالَ: " أنْشدك بِاللَّه الَّذِي أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى، أهكذا تَجِدُونَ حد الزَّانِي فِي كتابكُمْ؟ " قَالَ: لَا، وَلَوْلَا أَنَّك نشدتني بِهَذَا لم أخْبرك. نجده الرَّجْم، وَلكنه كثر فِي أشرافنا، فَكُنَّا إِذا أَخذنَا الشريف تَرَكْنَاهُ، وَإِذا أَخذنَا الضَّعِيف أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَد. فَقُلْنَا: تَعَالَوْا فلنجتمع على شيءٍ نقيمه على الشريف والوضيع، فَجعلنَا التحميم وَالْجَلد مَكَان الرَّجْم. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " اللَّهُمَّ إِنِّي أول من أَحْيَا امرك إِذْ أماتوه ". فَأمر بِهِ فرجم. فَأنْزل الله عز وَجل:(1/536)
{يَا أَيهَا الرَّسُول لَا يحزنك الَّذين يُسَارِعُونَ فِي الْكفْر} إِلَى قَوْله: {إِن أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ} [الْمَائِدَة] يَقُول: ائْتُوا مُحَمَّدًا، فَإِن أقركم بالتحميم وَالْجَلد فَخُذُوهُ، وَإِن أفتاكم بِالرَّجمِ فاحذروا. وَأنزل الله تبَارك وَتَعَالَى: {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ} [الْمَائِدَة] {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ} [الْمَائِدَة] {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْفَاسِقُونَ} [الْمَائِدَة] فِي الْكفَّار كلهَا.
وَلَيْسَ لعبد الله بن مرّة عَن الْبَراء فِي الصَّحِيح غير هَذَا الحَدِيث.
886 - الْخَامِس: عَن إياد بن لَقِيط عَن الْبَراء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك.
887 - السَّادِس: عَن إياد بن لَقِيط عَن الْبَراء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " كَيفَ تَقولُونَ بفرح رجلٍ انفلتت مِنْهُ رَاحِلَته تجر زمامها بأرضٍ قفر لَيْسَ بهَا طعامٌ وَلَا شرابٌ، وَعَلَيْهَا لَهُ طعامٌ وشراب، فطلبها حَتَّى شقّ عَلَيْهِ، ثمَّ مرت بجذل شَجَرَة فَتعلق زمامها، فَوَجَدَهَا مُتَعَلقَة بِهِ؟ " قُلْنَا: شَدِيدا يَا رَسُول الله. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أما وَالله، لله أَشد فَرحا بتوبة عَبده من الرجل براحلته ".
وَلَيْسَ لإياد بن لَقِيط عَن الْبَراء فِي الصَّحِيح غير هذَيْن الْحَدِيثين(1/537)
851 - م - وَقد ذكرنَا آنِفا فِي الحَدِيث السَّابِع من الْمُتَّفق عَلَيْهِ: أَن مُسلما أخرج عَن أبي بكر بن أبي مُوسَى عَن الْبَراء: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا أَخذ مضجعه قَالَ: " اللَّهُمَّ بِاسْمِك أَحْيَا وباسمك أَمُوت. . " الحَدِيث. فَهُوَ من أَفْرَاد مُسلم فِي هَذَا الْمسند، وَإِن كَانَ هُوَ عِنْد البُخَارِيّ من غير حَدِيث الْبَراء على مَا قدمنَا.(1/538)
(69) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند زيد بن خَالِد بن جُهَيْنَة الْجُهَنِيّ [رَضِي الله عَنهُ]
888 - الحَدِيث الأول: عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود عَن أبي هُرَيْرَة وَزيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ أَنَّهُمَا قَالَا: إِن رجلا من الْأَعْرَاب أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أنْشدك إِلَّا قضيت لي بِكِتَاب الله. فَقَالَ الْخصم الآخر - وَهُوَ أفقه مِنْهُ: نعم، فَاقْض بِكِتَاب الله، وائذن لي. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " قل " قَالَ: إِن ابْني كَانَ عسيفاً على هَذَا، فزنى بامرأته، وَإِنِّي أخْبرت أَن على ابْني الرَّجْم، فَافْتَدَيْت مِنْهُ بِمِائَة شاةٍ ووليدة، فَسَأَلت أهل الْعلم، فَأَخْبرُونِي أَن مَا على ابْني إِلَّا جلد مائَة وتغريب عَام، وَأَن على امْرَأَة هَذَا الرَّجْم. فَقَالَ رَسُول الله الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لأقضين بَيْنكُمَا بِكِتَاب الله: الوليدة وَالْغنم ردٌّ، وعَلى ابْنك جلد مائَة وتغريب عَام. اعمد يَا أنيس - لرجل من أسلم - إِلَى امْرَأَة هَذَا، فَإِن اعْترفت فارجمها ". فغدا عَلَيْهَا، فَاعْترفت، فَأمر بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرجمت.
وَفِي حَدِيث مَالك: والعسيف: الْأَجِير.
فِي رِوَايَة ابْن عُيَيْنَة زِيَادَة شبْل بن معبد مَعَ زيد وَأبي هُرَيْرَة، وَلم يذكرهُ البُخَارِيّ فِي كِتَابه - أسْقطه على عمد، لِأَن ذكره وهم. وَكَذَلِكَ فِي حَدِيث الْأمة بعده.(1/539)
889 - الثَّانِي: عَن عبيد الله بن عبد الله عَن أبي هُرَيْرَة وَزيد قَالَا: سُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْأمة إِذا زنت وَلم تحصن. قَالَ: " إِن زنت فاجلدوها، ثمَّ إِن زنت فاجلدوها، ثمَّ إِن زنت فاجلدوها، ثمَّ بيعوها وَلَو بضفيرٍ. " قَالَ ابْن شهَاب: لَا أَدْرِي: أبعد الثَّالِثَة أَو الرَّابِعَة.
لم يذكر القعْنبِي وَيحيى بن يحيى فِي روايتهما عَن مَالك زيدا، وَذكره ابْن وهب وَعبد الله بن يُوسُف وَغَيرهمَا عَن مَالك.
وَفِي حَدِيث القعْنبِي عَن مَالك: قَالَ ابْن شهَاب:
والضفير: الْحَبل.
حكى أَبُو مَسْعُود أَن البُخَارِيّ أخرج هَذَا الحَدِيث فِي " الْوكَالَة " وَهَذَا وهم مِنْهُ، وَإِنَّمَا أخرج فِي " الْوكَالَة " الحَدِيث الأول الَّذِي قبله، لَا هَذَا.
890 - الثَّالِث: عَن عبيد الله بن عبد الله عَن زيد بن خَالِد قَالَ: صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الصُّبْح بِالْحُدَيْبِية فِي إِثْر سَمَاء كَانَت من اللَّيْل، فَلَمَّا انْصَرف أقبل على النَّاس فَقَالَ: " هَل تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ ربكُم؟ " قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم، قَالَ: " قَالَ: أصبح من عبَادي مؤمنٌ بِي وكافرٌ، فَأَما من قَالَ: مُطِرْنَا بِفضل الله وَرَحمته، فَذَلِك مؤمنٌ بِي كافرٌ بالكوكب، وَأما من قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْء كَذَا وَكَذَا، فَذَلِك كافرٌ بِي مُؤمن بالكوكب ".
891 - الرَّابِع: عَن بسر بن سعيد عَن زيد بن خَالِد قَالَ: قَالَ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " من جهز غازياً فِي سَبِيل الله فقد غزا، وَمن خلف غازياً فِي أَهله بخيرٍ فقد غزا ".(1/540)
892 - الْخَامِس: عَن يزِيد مولى المنبعث أَنه سمع زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ يَقُول: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن اللّقطَة: الذَّهَب أَو الْوَرق. فَقَالَ: " أعرف وكاءها وعفاصها ثمَّ عرفهَا سنة، فَإِن لم تعرف فاستنفقها، ولتكن وَدِيعَة عنْدك، فَإِن جَاءَ طالبها يَوْمًا من الدَّهْر فأدها إِلَيْهِ ".
وَسَأَلَهُ عَن ضَالَّة الْإِبِل، فَقَالَ:
" مَالك وَلها، دعها، فَإِن مَعهَا حذاءها وسقاءها، ترد المَاء، وتأكل الشّجر، حَتَّى يجدهَا رَبهَا ".
وَسَأَلَهُ عَن الشَّاة، فَقَالَ: " خُذْهَا، فَإِنَّمَا هِيَ لَك، أَو لأخيك، أَو للذئب ".
وَفِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن عبد الله عَن سُلَيْمَان بن بِلَال بعد قَوْله فِي اللّقطَة، وَكَانَت وَدِيعَة عِنْده، قَالَ يحيى بن سعيد: فَهَذَا الَّذِي لَا أَدْرِي أَفِي حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم شَيْء عِنْده. وَفِيه بعد قَوْله فِي الْغنم: " لَك، أَو لأخيك، أَو للذئب " قَالَ يزِيد: وَهِي تعرف أَيْضا.
وَفِي حَدِيث مَالك عَن ربيعَة فِي اللّقطَة:
" فَإِن جَاءَ صَاحبهَا وَإِلَّا فشأنك بهَا " وَفِي حَدِيث سُفْيَان عَنهُ: " وَإِلَّا فاستنفقها ".
وَفِي حَدِيث إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر عَن ربيعَة قَالَ:
فضَالة الْإِبِل؟ فَغَضب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى احْمَرَّتْ وجنتاه، أَو احمر وَجهه، ثمَّ قَالَ: " مَالك وَلها "
وَفِي حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة عَن يحيى وَرَبِيعَة:
فَإِن جَاءَ صَاحبهَا، فَعرف عفاصها وعددها ووكاءها، فأعطها إِيَّاه وَإِلَّا فَهِيَ لَك " لم يذكر سُفْيَان عَن ربيعَة " الْعدَد ".(1/541)
وروى مُسلم عَن بسر بن سعيد عَن زيد بن خَالِد طرفا مِنْهُ، قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن اللّقطَة، فَقَالَ: " عرفهَا سنة، فَإِن لم تعرف فاعرف عفاصها ووكاءها، ثمَّ كلهَا، فَإِن جَاءَ صَاحبهَا فأدها إِلَيْهِ. "
وَفِي رِوَايَة أبي بكر الْحَنَفِيّ:
" فَإِن اعْترفت فأدها، وَإِلَّا فاعرف عفاصها ووكاءها وعددها ".
أَفْرَاد مُسلم
893 - الحَدِيث الأول: عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي عمْرَة الْأنْصَارِيّ عَن زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " أَلا أخْبركُم بِخَير الشُّهَدَاء؟ الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قبل أَن يسْأَلهَا ".
894 - الثَّانِي: عَن عبد الله بن قيس بن مخرمَة عَن زيد بن خَالِد أَنه قَالَ: قلت: لأرمقن صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّيْلَة، فصلى رَكْعَتَيْنِ خفيفتين، ثمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ طويلتين، ثمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ وهما دون اللَّتَيْنِ قبلهمَا، ثمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ وهما دون اللَّتَيْنِ قبلهمَا، ثمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ وهما دون اللَّتَيْنِ قبلهمَا، ثمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ وهما دون اللَّتَيْنِ قبلهمَا ثمَّ أوتر، فَذَلِك ثَلَاث عشرَة رَكْعَة.
وَلَيْسَ لعبد الله بن قيس عَن زيد بن خَالِد فِي الصَّحِيح غير هَذَا الحَدِيث.
895 - الثَّالِث: عَن أبي سَالم سُفْيَان بن هَانِئ الجيشاني عَن زيد بن خَالِد عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " من آوى ضَالَّة فَهُوَ ضالٌّ مَا لم يعرفهَا ".(1/542)
(70) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند سهل بن سعد السَّاعِدِيّ [رَضِي الله عَنهُ] .
896 - الحَدِيث الأول: عَن مُحَمَّد بن شهَاب الزُّهْرِيّ عَن سهل بن سعد الْأنْصَارِيّ أَنه أخبرهُ: أَن رجلا اطلع من جُحر فِي بَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مدرى يرجل بِهِ رَأسه، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَو أعلم أَنَّك تنظر طعنت بِهِ عَيْنك، إِنَّمَا جعل الله الْإِذْن من أجل النّظر ". وَهَذَا حَدِيث يُونُس ابْن يزِيد.
وَفِي حَدِيث اللَّيْث وَابْن أبي ذِئْب: مدرى يحك بِهِ رَأسه. وَفِي حَدِيث سُفْيَان مثله، وَفِيه: " إِنَّمَا جعل الاسْتِئْذَان. . "
897 - الثَّانِي: فِي المتلاعنين:
عَن ابْن شهَاب: أَن سهل بن سعدٍ أخبرهُ أَن عويمراً الْعجْلَاني جَاءَ إِلَى عَاصِم بن عدي الْأنْصَارِيّ، فَقَالَ:
أَرَأَيْت يَا عَاصِم لَو أَن رجلا وجد مَعَ امْرَأَته رجلا، أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ، أم كَيفَ يفعل؟ فسل لي عَن ذَلِك يَا عَاصِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فكره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمسَائِل وعابها، حَتَّى كبر على عَاصِم مَا سمع من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَلَمَّا رَجَعَ عاصمٌ إِلَى أَهله جَاءَهُ عُوَيْمِر فَقَالَ: يَا عَاصِم،، مَاذَا قَالَ لَك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ عَاصِم لعويمر: لم تأتني بخيرٍ، قد كره رَسُول الله الْمَسْأَلَة الَّتِي سَأَلته عَنْهَا. قَالَ عُوَيْمِر: وَالله لَا أَنْتَهِي حَتَّى أسأله عَنْهَا. فَأقبل عويمرٌ حَتَّى أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسط(1/543)
النَّاس، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، أَرَأَيْت رجلا وجد مَعَ امْرَأَته رجلا، أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ. أم كَيفَ يفعل؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " قد نزل الله فِيك وَفِي صَاحبَتك. فَاذْهَبْ فأت بهَا. " قَالَ سهل: فَتَلَاعَنا - وَأَنا مَعَ النَّاس عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَلَمَّا فرغا قَالَ عُوَيْمِر: كذبت عَلَيْهَا يَا رَسُول الله إِن أَمْسَكتهَا، فَطلقهَا ثَلَاثًا قبل أَن يَأْمُرهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ ابْن شهَاب: فَكَانَت سنة المتلاعنين.
وَفِي رِوَايَة يُونُس نَحوه، وأدرج فِي الحَدِيث قَوْله: وَكَانَ فِرَاقه إِيَّاهَا بعد سنة فِي المتلاعنين. وَلم يقل إِنَّه قَول الزُّهْرِيّ. وَزَاد: قَالَ سهل: وَكَانَت حَامِلا، وَكَانَ ابْنهَا ينْسب إِلَى أمه، ثمَّ جرت السّنة أَن يَرِثهَا وترث مِنْهُ مَا فرض الله لَهَا. وَفِي حَدِيث فليحٍ نَحْو هَذِه الزِّيَادَة.
وَفِي رِوَايَة ابْن جريج نَحوه، وَقَالَ:
فَتَلَاعَنا فِي الْمَسْجِد وَأَنا شاهدٌ، وَقَالَ بعد قَوْله: فَطلقهَا ثَلَاثًا قبل أَن يَأْمُرهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ذاكم التَّفْرِيق بَين كل متلاعنين ".
وَفِيه من رِوَايَة ابْن ذئبٍ وَالْأَوْزَاعِيّ نَحوه، وَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: " إِن جَاءَت بِهِ أَحْمَر قَصِيرا، كَأَنَّهُ وحرة فَلَا أَرَاهَا إِلَّا قد صدقت وَكذب عَلَيْهَا، وَإِن جَاءَت بِهِ أسود أعين ذَا أليتين، فَلَا أرَاهُ إِلَّا صدق عَلَيْهَا ". فَجَاءَت بِهِ على الْمَكْرُوه من ذَلِك.
وَفِي رِوَايَة سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ أَن سهل بن سعد قَالَ:
شهِدت المتلاعنين وَأَنا ابْن خمس عشرَة سنة، فرق بَينهمَا.(1/544)
898 - الثَّالِث: عَن أبي حَازِم سَلمَة بن دِينَار عَن سعد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِذا كَانَ فِي شَيْء، فَفِي الْفرس وَالْمَرْأَة والمسكن " يَعْنِي الشؤم.
899 - الرَّابِع: عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بلغه أَن بني عَمْرو بن عَوْف كَانَ بَينهم شرٌّ، فَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصلح بَينهم فِي أناسٍ مَعَه، فَجَلَسَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وحانت الصَّلَاة، فجَاء بلالٌ إِلَى أبي بكر فَقَالَ: يَا أَبَا بكر، إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد حبس وحانت الصَّلَاة، فَهَل لَك أَن تؤم النَّاس؟ قَالَ: نعم إِن شِئْت. فَأَقَامَ بِلَال، وَتقدم أَبُو بكر، فَكبر وَكبر النَّاس. وَجَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمشي فِي الصُّفُوف حَتَّى قَامَ فِي الصَّفّ، فَأخذ النَّاس فِي التصفيق وَكَانَ أَبُو بكر لَا يلْتَفت فِي صلَاته، فَلَمَّا أَكثر النَّاس الْتفت، فَإِذا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأَشَارَ إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَرفع أَبُو بكر يَده، فَحَمدَ الله، وَرجع الْقَهْقَرَى وَرَاءه حَتَّى قَامَ فِي الصَّفّ، فَتقدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فصلى للنَّاس، فَلَمَّا فرغ أقبل على النَّاس فَقَالَ: " أَيهَا النَّاس، مالكم حِين نابكم شيءٌ فِي الصَّلَاة أَخَذْتُم فِي التصفيق، إِنَّمَا التصفيق للنِّسَاء. من نابه شيءٌ فِي صلَاته فَلْيقل: سُبْحَانَ الله، فَإِنَّهُ لَا يسمعهُ أحدٌ حِين يَقُول: سُبْحَانَ الله إِلَّا الْتفت. يَا أَبَا بكر، مَا مَنعك أَن تصلي بِالنَّاسِ حِين أَشرت إِلَيْك؟ " فَقَالَ أَبُو بكر: مَا كَانَ يَنْبَغِي لِابْنِ أبي قُحَافَة أَن يُصَلِّي بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَفِي حَدِيث حَمَّاد بن زيد
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الظّهْر، ثمَّ أَتَاهُم يصلح بَينهم، وَأَن الصَّلَاة الَّتِي احْتبسَ عَنْهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتقدم فِيهَا أَبُو بكر هِيَ صَلَاة الْعَصْر. وَفِيه أَنه قَالَ للْقَوْم: " إِذا نابكم أمرٌ فليسبح الرِّجَال، وليصفح النِّسَاء ".(1/545)
وَحَدِيث سُفْيَان الثَّوْريّ مُخْتَصر، قَالَ:
قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " التَّسْبِيح للرِّجَال، والتصفيق للنِّسَاء ".
وَحَدِيث مُحَمَّد بن جَعْفَر بن أبي كثير مُخْتَصر:
أَن أهل قبَاء اقْتَتَلُوا حَتَّى تراموا بِالْحِجَارَةِ، فَأخْبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " اذْهَبُوا بِنَا نصلح بَينهم " هَكَذَا هُوَ عِنْد البُخَارِيّ. لم يزدْ.
وَلَيْسَ عِنْد مُسلم هَذَا القَوْل من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد ظَنّه أَبُو مَسْعُود طرفا من حَدِيث الْإِصْلَاح بَين عَمْرو بن عَوْف فَذكره فِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ، وَقد أفرده غَيره مِنْهُ وَجعله من أَفْرَاد البُخَارِيّ.
900 - الْخَامِس: عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد قَالَ: جَاءَت امرأةٌ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: يَا رَسُول الله، جِئْت أهب لَك نَفسِي، فَنظر إِلَيْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَصَعدَ النّظر فِيهَا وَصَوَّبَهُ، ثمَّ طأطأ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأسه. فَلَمَّا رَأَتْ الْمَرْأَة أَنه لم يقْض فِيهَا شَيْئا جَلَست، فَقَامَ رجلٌ من أَصْحَابه فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِن لم يكن لَك بهَا حاجةٌ فزوجنيها. فَقَالَ: " هَل عنْدك من شَيْء؟ " فَقَالَ: لَا وَالله يَا رَسُول الله.
فَقَالَ: " اذْهَبْ إِلَى أهلك فَانْظُر هَل تَجِد شَيْئا " فَذهب ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا وَالله مَا وجدت شَيْئا. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " انْظُر وَلَو خَاتمًا من حَدِيد " فَذهب ثمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا وَالله يَا رَسُول الله، وَلَا خاتمٌ من حَدِيد، وَلَكِن هَذَا إزَارِي - قَالَ سهل: مَاله رِدَاء - فلهَا نصفه. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " مَا تصنع بإزارك؟ إِن لبسته لم يكن عَلَيْهَا مِنْهُ شيءٌ، وَإِن لبسته لم يكن عَلَيْك مِنْهُ شيءٌ. " فَجَلَسَ الرجل حَتَّى إِذا طَال مَجْلِسه قَامَ، فَرَآهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مولياًّ، فَأمر بِهِ، فدعي، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: مَاذَا مَعَك من الْقُرْآن؟ " قَالَ: معي سُورَة كَذَا، وَسورَة كَذَا. عَددهَا. قَالَ: " تقرأهن عَن ظهر قَلْبك؟ " قَالَ: نعم. قَالَ: " اذْهَبْ، فقد ملكتكها بِمَا مَعَك من الْقُرْآن ".(1/546)
هَكَذَا حَدِيث عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم عَن أَبِيه من رِوَايَة قُتَيْبَة عَنهُ. ويقاربه فِي اللَّفْظ حَدِيث يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن الْقَارِي. وَفِي حَدِيث زَائِدَة: " انْطلق فقد زوجتكها، فعلمها من الْقُرْآن " وَفِي حَدِيث أبي غَسَّان: " فقد أنكحناكها بِمَا مَعَك من الْقُرْآن ".
وَفِي حَدِيث فُضَيْل بن سُلَيْمَان:
فخفض فِيهَا الْبَصَر وَرَفعه، فَلم يردهَا، فَقَالَ رجلٌ من أَصْحَابه زوجنيها. وَفِيه: وَلَكِن أشقق بردتي هَذِه فأعطيها النّصْف وآخذ النّصْف. قَالَ: " هَل مَعَك من الْقُرْآن من شَيْء؟ قَالَ: نعم. قَالَ: " اذْهَبْ فقد زوجتكها بِمَا مَعَك من الْقُرْآن ".
وَفِي حَدِيث ابْن الْمَدِينِيّ عَن سُفْيَان عَن أبي حَازِم عَن سهل قَالَ:
إِنِّي لفي الْقَوْم عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذا أَقبلت امرأةٌ فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِنَّهَا قد وهبت نَفسهَا لَك فرأ فِيهَا رَأْيك، فَلم يجبها شَيْئا. ثمَّ قَامَت الثَّانِيَة فَقَالَت: إِنَّهَا قد وهبت نَفسهَا لَك فرأ فِيهَا رَأْيك. فَقَامَ رجلٌ فَقَالَ: أنكحنيها.
وَفِي حَدِيث وَكِيع عَن سُفْيَان مُخْتَصر:
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لرجل: " تزوج وَلَو بِخَاتم من حَدِيد ".
901 - السَّادِس: عَن أبي حَازِم بن دِينَار عَن سهل بن سعد: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُتِي بشرابٍ فَشرب مِنْهُ وَعَن يَمِينه غلامٌ - فِي رِوَايَة أبي غَسَّان: أَصْغَر الْقَوْم وَعَن يسَاره الْأَشْيَاخ. فَقَالَ للغلام: " أتأذن لي أَن أعطي هَؤُلَاءِ؟ " فَقَالَ الْغُلَام: وَالله يَا رَسُول الله لَا أوثر بنصيبي مِنْك أحدا. قَالَ: فتله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي يَده.(1/547)
902 - السَّابِع: عَن أبي حَازِم عَن سهل أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَا يزَال النَّاس بِخَير مَا عجلوا الْفطر ".
903 - الثَّامِن: عَن أبي حَازِم: أَن نَفرا جَاءُوا إِلَى سهل بن سعد قد تماروا فِي الْمِنْبَر، من أَي عود هُوَ؟ فَقَالَ: أما وَالله إِنِّي لأعرف من أَي عود هُوَ، وَمن عمله، وَرَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم جلس عَلَيْهِ قَالَ: فَقلت لَهُ: يَا أَبَا عَبَّاس فحدثنا فَقَالَ: أرسل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى امراةٍ، قَالَ أَبُو حَازِم إِنَّه ليسميها يومئذٍ: " انظري غلامك النجار يعْمل لي أعواداً أكلم النَّاس عَلَيْهَا " فَعمل هَذِه الثَّلَاث دَرَجَات، ثمَّ أَمر بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوضعت هَذَا الْموضع، فَهِيَ من طرفاء الغابة. وَلَقَد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَامَ عَلَيْهِ فَكبر، وَكبر النَّاس وَرَاءه وَهُوَ على الْمِنْبَر، ثمَّ رفع فَنزل الْقَهْقَرَى حَتَّى سجد فِي أصل الْمِنْبَر، ثمَّ عَاد حَتَّى فرغ من آخر صلَاته، ثمَّ أقبل على النَّاس فَقَالَ: " يَا أَيهَا النَّاس، إِنَّمَا صنعت هَذَا لتأتموا بِي، ولتعلموا صَلَاتي ".
وَفِي حَدِيث يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن:
وَلَقَد رَأَيْته أول يَوْم وضع وَأول يَوْم جلس عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَذكر نَحوه فِي أَعْوَاد الْمِنْبَر. قَالَ: ثمَّ رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى عَلَيْهَا وَكبر وَهُوَ عَلَيْهَا، ثمَّ ركع وَهُوَ عَلَيْهَا، ثمَّ نزل الْقَهْقَرَى، وَسجد فِي أصل الْمِنْبَر، ثمَّ عَاد، فَلَمَّا فرغ أقبل على النَّاس فَقَالَ. . وَذكر مثله.
وَفِي حَدِيث سُفْيَان نَحوه، وَفِي آخِره: قَالَ أَبُو عبد الله البُخَارِيّ: قَالَ عَليّ بن عبد الله: سَأَلَني أَحْمد بن حَنْبَل عَن هَذَا الحَدِيث، وَقَالَ: إِنَّمَا أردْت أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ أَعلَى من النَّاس، فَلَا بَأْس أَن يكون الإِمَام أَعلَى من النَّاس بِهَذَا الحَدِيث. قَالَ: فَقلت لَهُ: إِن سُفْيَان بن عُيَيْنَة كَانَ يسْأَل عَن هَذَا كثيرا، فَلم تسمعه مِنْهُ؟ قَالَ: لَا. فَفِي هَذَا استفادة أَحْمد من ابْن الْمَدِينِيّ، وَرِوَايَة البُخَارِيّ عَن رجلٍ عَن أَحْمد.(1/548)
904 - التَّاسِع: عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم التقى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ فَاقْتَتلُوا، فَلَمَّا مَال رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى عسكره، وَمَال الْآخرُونَ إِلَى عَسْكَرهمْ، وَفِي أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلٌ لَا يدع لَهُ شَاذَّة وَلَا فاذة إِلَّا اتبعها يضْربهَا بِسَيْفِهِ، فَقَالُوا: مَا أَجْزَأَ منا الْيَوْم أحدٌ كَمَا أَجْزَأَ فلَان. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أما إِنَّه من أهل النَّار ".
فِي حَدِيث ابْن أبي حَازِم:
فَقَالُوا: أَيّنَا من أهل الْجنَّة إِن كَانَ هَذَا من أهل النَّار؟ فَقَالَ رجلٌ من الْقَوْم: أَنا صَاحبه أبدا. قَالَ: فَخرج مَعَه، كلما وقف وقف مَعَه، وَإِذا أسْرع أسْرع مَعَه، قَالَ: فجرح الرجل جرحا شَدِيدا، فاستعجل الْمَوْت فَوضع سَيْفه بِالْأَرْضِ وذبابه بَين ثدييه، ثمَّ تحامل على سَيْفه فَقتل نَفسه - فَخرج الرجل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أشهد أَنَّك رَسُول الله. قَالَ: " وَمَا ذَاك؟ " قَالَ: الرجل الَّذِي ذكرت آنِفا أَنه من أهل النَّار، فأعظم النَّاس ذَلِك، فَقلت: أَنا لكم بِهِ، فَخرجت فِي طلبه، حَتَّى جرح جرحا شَدِيدا، فاستعجل الْمَوْت فَوضع نصل سَيْفه بِالْأَرْضِ وذبابه بَين ثدييه، ثمَّ تحامل عَلَيْهِ فَقتل نَفسه. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد ذَلِك: " إِن الرجل ليعْمَل عمل أهل الْجنَّة فِيمَا يَبْدُو للنَّاس وَهُوَ من أهل النَّار، وَإِن الرجل ليعْمَل عمل أهل النَّار فِيمَا يَبْدُو للنَّاس وَهُوَ من أهل الْجنَّة ".
وَفِي حَدِيث أبي غَسَّان مُحَمَّد بن مطرف نَحوه بِمَعْنَاهُ. وَفِي آخِره من قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام:
وَإِنَّمَا الْأَعْمَال بالخواتيم، أَو بخواتيمها "
905 - الْعَاشِر: عَن أبي حَازِم أَنه سمع سهل بن سعدٍ يسْأَل عَن جرح رَسُول(1/549)
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم أحد، فَقَالَ: جرح وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكسرت رباعيته، وهشمت الْبَيْضَة على رَأسه، فَكَانَت فَاطِمَة بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تغسل الدَّم، وَكَانَ عليٌّ يسْكب عَلَيْهَا بالمجن. فَلَمَّا رَأَتْ فَاطِمَة أَن المَاء لَا يزِيد الدَّم إِلَّا كَثْرَة أخذت قِطْعَة حصيرٍ، فَأَحْرَقتهُ حَتَّى صَار رَمَادا، فَأَلْصَقته بِالْجرْحِ، فَاسْتَمْسك الدَّم.
906 - الْحَادِي عشر: عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْم خَيْبَر: " لَأُعْطيَن الرَّايَة غَدا رجلا يفتح الله على يَدَيْهِ، يحب الله وَرَسُوله، وَيُحِبهُ الله وَرَسُوله. قَالَ: فَبَاتَ النَّاس يدوكون ليلتهم أَيهمْ يعطاها، فَلَمَّا أصبح النَّاس غدوا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كلهم يَرْجُو أَن يعطاها، فَقَالَ: " أَيْن عَليّ بن أبي طَالب؟ " فَقيل: هُوَ يَا رَسُول الله يشتكي عينه. قَالَ: " فأرسلوا إِلَيْهِ " فَأتي بِهِ، فبصق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عينه ودعا لَهُ، فبرأ كَأَن لم يكن بِهِ وجع. فَأعْطَاهُ الرَّايَة. فَقَالَ عليٌّ: يَا رَسُول الله، أقاتلهم حَتَّى يَكُونُوا مثلنَا؟ . قَالَ: انفذ على رسلك حَتَّى تنزل بِسَاحَتِهِمْ، ثمَّ ادعهم إِلَى الْإِسْلَام، وَأخْبرهمْ بِمَا يجب عَلَيْهِم من حق الله فِيهِ، فوَاللَّه لِأَن يهدي الله بك رجلا وَاحِدًا خير لَك من حمر النعم. "
907 - الثَّانِي عشر: عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد قَالَ: دَعَا أَبُو أسيد السَّاعِدِيّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عرسه، فَكَانَت امْرَأَته يَوْمئِذٍ خادمتهم، وَهِي الْعَرُوس، قَالَ سهل: تَدْرُونَ مَا سقت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،؟ أنقعت لَهُ تمراتٍ من اللَّيْل فِي تور، فَلَمَّا أكل سقته إِيَّاه.(1/550)
وَفِي حَدِيث أبي غَسَّان مُحَمَّد بن مطرف: فِي تورٍ من حجارةٍ. وَفِيه: فَلَمَّا فرغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الطَّعَام أماثته فسقته تخصه بذلك
908 - الثَّالِث عشر: عَن أبي حَازِم عَن سهل قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " بعثت أَنا والساعة كهاتين " وَيُشِير بإصبعيه يمدهما.
وَفِي حَدِيث يَعْقُوب عَن عبد الرَّحْمَن بإصبعه الَّتِي تلِي الْإِبْهَام وَالْوُسْطَى.
909 - الرَّابِع عشر: عَن أبي حَازِم عَن سهل قَالَ: أُتِي بالمنذر بن أبي أسيد إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين ولد، فَوَضعه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على فَخذه وَأَبُو أسيد جالسٌ، فلهي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِشَيْء بَين يَدَيْهِ، فَأمر أَبُو أسيد بِابْنِهِ فَاحْتمل من على فَخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فأقلبوه، فاستفاق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " أَيْن الصَّبِي؟ " فَقَالَ أَبُو أسيد: أقلبناه يَا رَسُول الله قَالَ: " مَا اسْمه؟ " قَالَ: فلَان. قَالَ: " لَا، وَلَكِن اسْمه الْمُنْذر ".
910 - الْخَامِس عشر: عَن أبي حَازِم مسلمة بن دِينَار عَن سهل بن سعد قَالَ: ذكر لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، امرأةٌ من الْعَرَب، فَأمر أَبَا أسيد أَن يُرْسل إِلَيْهَا، فَأرْسل إِلَيْهَا، فَقدمت، فَنزلت فِي أجم بني سَاعِدَة، فَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى جاءها، فَدخل عَلَيْهَا فَإِذا امْرَأَة منكسة رَأسهَا، فَلَمَّا كلمها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت: أعوذ بِاللَّه مِنْك. قَالَ: " قد أعذتك مني " فَقَالُوا: أَتَدْرِينَ من هَذَا؟ فَقَالَت: لَا. فَقَالُوا: هَذَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَاءَك ليخطبك. قَالَت: أَنا كنت أَشْقَى من ذَلِك قَالَ سهلٌ: فَأقبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يومئذٍ حَتَّى جلس فِي سَقِيفَة بني سَاعِدَة هُوَ وَأَصْحَابه، ثمَّ قَالَ: " اسقنا " لسهل. قَالَ: فأخرجت لَهُم هَذَا الْقدح فأسقيتهم فِيهِ. قَالَ أَبُو حَازِم: فَأخْرج لنا سهل ذَلِك الْقدح، فشربنا فِيهِ، ثمَّ استوهبه بعد ذَلِك عمر بن عبد الْعَزِيز فوهبه لَهُ.(1/551)
911 - السَّادِس عشر: عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يحْشر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة على أَرض بَيْضَاء عفراء كقرصة النقي، لَيْسَ فِيهَا علم لأحد ". هَكَذَا فِي رِوَايَة خَالِد بن مخلد عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن أبي كثير.
وَفِي رِوَايَة سعيد بن أبي مَرْيَم مثله إِلَى قَول:
كقرصة النقي، ثمَّ قَالَ: قَالَ سعد " لَيْسَ فِيهَا معلمٌ لأحد ".
912 - السَّابِع عشر: عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد قَالَ: جَاءَنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنحن نحفر الخَنْدَق وننقل التُّرَاب على أكتادنا، وَفِي رِوَايَة القعْنبِي على أكتافنا. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " اللَّهُمَّ لَا عَيْش إِلَّا عَيْش الْآخِرَة فَاغْفِر للمهاجرين وَالْأَنْصَار ".
913 - الثَّامِن عشر: عَن أبي حَازِم عَن سهلٍ بن سعد قَالَ: كُنَّا نفرح بِيَوْم الْجُمُعَة. قلت: وَلم؟ قَالَ: كَانَت لنا عَجُوز ترسل إِلَى بضَاعَة - قَالَ ابْن مسلمة: نخل بِالْمَدِينَةِ - فتأخذ من أصُول السلق فتطرحه فِي الْقدر، وتكركر عَلَيْهِ حباتٍ من شعير. فِي حَدِيث ابْن بكير: وَالله مَا فِيهِ شَحم وَلَا ودك. فِي حَدِيث قُتَيْبَة: لَا أعلم إِلَّا أَنه قَالَ: لَيْسَ فِيهِ شَحم وَلَا ودك، فَإِذا صلينَا الْجُمُعَة انصرفنا نسلم عَلَيْهَا، فتقدمه إِلَيْنَا، فنفرح بِيَوْم الْجُمُعَة من أَجله.
فِي حَدِيث يَعْقُوب بِمَعْنَاهُ، وَفِيه:
كَانَت لنا عجوزٌ تَأْخُذ من أصُول سلق كُنَّا نغرسه على أربعائنا.(1/552)
فِي حَدِيث أبي غَسَّان: كَانَت فِينَا امْرَأَة تجْعَل على أربعاء مزرعتها سلقاً ... الحَدِيث بِمَعْنَاهُ.
فِي حَدِيث القعْنبِي:
وَمَا كُنَّا نقِيل وَلَا نتغدى إِلَّا بعد الْجُمُعَة. وَفِي حَدِيث أبي غَسَّان: قَالَ: كُنَّا نصلي مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ تكون القائلة.
وَرَوَاهُ مُسلم عَن القعْنبِي، وَيحيى بن يحيى، وَعلي بن حجر: جمع حَدِيثهمْ، وَفِيه:
أَن سهلاً قَالَ: ماكنا نقِيل وَلَا نتغدى إِلَّا بعد الْجُمُعَة. زَاد ابْن حجر: فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَلم يذكر سوى هَذَا.
وَفِي حَدِيث مُحَمَّد بن كثير سُفْيَان:
كُنَّا نقِيل ونتغدى بعد الْجُمُعَة. لم يزدْ.
914 - التَّاسِع عشر: عَن أبي حَازِم بن دِينَار عَن سهل بن سعد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " رِبَاط يومٍ فِي سَبِيل الله خيرٌ من الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا. وَمَوْضِع سَوط أحدكُم من الْجنَّة خيرٌ من الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا. والروحة يروحها العَبْد فِي سَبِيل الله أَو الغدوة خيرٌ من الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا. ". وَفِي رِوَايَة سُفْيَان والقعنبي: " أَو مَا فِيهَا ".
وَعند مُسلم من حَدِيث وَكِيع " غدوةٌ أَو روحةٌ فِي سَبِيل الله خيرٌ من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا " وَلَيْسَ عِنْده الفصلان فِي الرِّبَاط، وَمَوْضِع السَّوْط. 915 - الْعشْرُونَ: عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد أَنه قَالَ: مر رجلٌ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لرجل عِنْده جَالس: " مَا رَأْيك فِي هَذَا؟ " فَقَالَ: رجلٌ من أَشْرَاف النَّاس، هَذَا وَالله حري إِن خطب أَن ينْكح، وَإِن شفع أَن يشفع. قَالَ: فَسكت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. ثمَّ مر رجل، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " مَا رَأْيك فِي هَذَا؟ " فَقَالَ: يَا رَسُول الله، هَذَا رجلٌ من فُقَرَاء الْمُسلمين، هَذَا حريٌّ إِنَّه خطب أَلا(1/553)
ينْكح، وَإِن شفع أَلا يشفع، وَإِن قَالَ أَلا يسمع لقَوْله. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " هَذَا خيرٌ من ملْء الأَرْض مثل هَذَا " ذكره أَبُو مَسْعُود فِي الْمُتَّفق عَلَيْهِ.
916 - الْحَادِي وَالْعشْرُونَ: عَن أبي حَازِم أَن رجلا جَاءَ إِلَى سهل بن سعد فَقَالَ: هَذَا فلَان - لأمير الْمَدِينَة - يذكر علياًّ عِنْد الْمِنْبَر. قَالَ: فَيَقُول مَاذَا؟ قَالَ: يَقُول لَهُ أَبُو تُرَاب. فَضَحِك وَقَالَ: وَالله مَا سَمَّاهُ بِهِ إِلَّا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمَا كَانَ لَهُ اسمٌ أحب إِلَيْهِ مِنْهُ. فاستطعمت الحَدِيث سهلاً وَقلت: يَا أَبَا عَبَّاس، كَيفَ؟ قَالَ: دخل عليٌّ على فَاطِمَة ثمَّ خرج فاضطجع فِي الْمَسْجِد؟ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أَيْن ابْن عمك؟ " قَالَت: فِي الْمَسْجِد. فَخرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوجدَ رِدَاءَهُ قد سقط عَن ظَهره وخلص التُّرَاب إِلَى ظَهره، فَجعل يمسح عَن ظَهره وَيَقُول: " اجْلِسْ أَبَا تُرَاب " مرَّتَيْنِ.
فِي حَدِيث قُتَيْبَة:
جَاءَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيت فَاطِمَة فَلم يجد عليا فِي الْبَيْت، فَقَالَ: " أَيْن ابْن عمك؟ " فَقَالَت: كَانَ بيني وَبَينه شَيْء، فغاضبني فَخرج، فل ميقل عِنْدِي. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لإِنْسَان: " انْظُر أَيْن هُوَ " فَقَالَ: يَا رَسُول الله، هُوَ فِي الْمَسْجِد راقدٌ. فَجَاءَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مُضْطَجع قد سقط رِدَاؤُهُ عَن شقَّه فَأَصَابَهُ ترابٌ، فَجعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " قُم أَبَا تُرَاب، قُم ابا تُرَاب ".
917 - الثَّانِي وَالْعشْرُونَ: عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد قَالَ: كَانَ بَين مصلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين الْجِدَار ممر الشَّاة.
918 - الثَّالِث وَالْعشْرُونَ: عَن أبي حَازِم عَنهُ قَالَ: أنزلت: {وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يتَبَيَّن لكم الْخَيط الْأَبْيَض من الْخَيط الْأسود} [الْبَقَرَة] وَلم تنزل (من الْفجْر) فَكَانَ(1/554)
رجالٌ إِذا أَرَادوا الصَّوْم ربط أحدهم فِي رجلَيْهِ الْخَيط الْأَبْيَض وَالْخَيْط الْأسود وَلَا يزَال يَأْكُل حَتَّى يتَبَيَّن لَهُ رُؤْيَتهمَا، فَأنْزل الله بعد (من الْفجْر) فَعَلمُوا أَنه إِنَّمَا يَعْنِي اللَّيْل وَالنَّهَار.
919 - الرَّابِع وَالْعشْرُونَ: عَن أبي حَازِم عَن سهل عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِن فِي الْجنَّة بَابا يُقَال لَهُ الريان، يدْخل مِنْهُ الصائمون يَوْم الْقِيَامَة، لَا يدْخل مِنْهُ أحدٌ غَيرهم، يُقَال: أَيْن الصائمون؟ فَيقومُونَ، لَا يدْخل مِنْهُ أحدٌ غَيرهم فَإِذا دخلُوا أغلق فَلم يدْخل مِنْهُ أحدٌ. "
وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بن مطرف:
فِي الْجنَّة ثَمَانِيَة أَبْوَاب، مِنْهَا بَاب يُسمى الريان، لَا يدْخلهُ إِلَّا الصائمون "
920 - الْخَامِس وَالْعشْرُونَ: عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد قَالَ: كَانَ رجالٌ يصلونَ مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عاقدي أزرهم على أَعْنَاقهم كَهَيئَةِ الصّبيان. وَيُقَال للنِّسَاء: لَا ترفعن رؤوسكن حَتَّى يَسْتَوِي الرِّجَال جُلُوسًا.
921 - السَّادِس وَالْعشْرُونَ: عَن أبي حَازِم عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " إِن أهل الْجنَّة ليتراءون الغرفة فِي الْجنَّة كَمَا تتراءون الْكَوْكَب فِي السَّمَاء ". " قَالَ: فَحدثت بذلك النُّعْمَان بن أبي عَيَّاش فَقَالَ: سَمِعت أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ يَقُول: " كَمَا تراءون الْكَوْكَب الدُّرِّي فِي الْأُفق الشَّرْقِي أَو الغربي ".
وَفِي حَدِيث عبد الْعَزِيز عَن أَبِيه قَالَ:
فَحدثت بِهِ النُّعْمَان بن أبي عَيَّاش فَقَالَ. أشهد لسمعت أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ يحدث بِهِ، وَيزِيد فِيهِ: " كَمَا تراءون الْكَوْكَب الغارب فِي الْأُفق الشَّرْقِي والغربي ".(1/555)
922 - السَّابِع وَالْعشْرُونَ: عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن فِي الْجنَّة شَجَرَة يسير الرَّاكِب فِي ظلها مائَة عامٍ لَا يقطعهَا. " قَالَ أَبُو حَازِم: فَحدثت بِهِ النُّعْمَان بن أبي عَيَّاش الزرقي فَقَالَ. حَدثنِي أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِن فِي الْجنَّة شَجَرَة يسير الرَّاكِب الْجواد الْمُضمر السَّرِيع مائَة عامٍ لَا يقطعهَا. "
923 - الثَّامِن وَالْعشْرُونَ: عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد قَالَ سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " أَنا فَرَطكُمْ على الْحَوْض، من ورد شرب، وَمن شرب لم يظمأ أبدا.
وليردن عَليّ أقوامٌ أعرفهم ويعرفونني، ثمَّ يُحَال بيني وَبينهمْ " قَالَ أَبُو حَازِم: فَسمع النُّعْمَان بن أبي عَيَّاش وانا أحدثهم هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: هَكَذَا سَمِعت سهلاً يَقُول؟ قَالَ: فَقلت: نعم. وَقَالَ: وَأَنا أشهد على أبي سعيد الْخُدْرِيّ لسمعته يزِيد فَيَقُول: " إِنَّهُم مني، فَيُقَال: إِنَّك لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بعْدك، فَأَقُول سحقاً سحقاً لمن بدل بعدِي ".
أَفْرَاد البُخَارِيّ
924 - الحَدِيث الأول: عَن أبي حَازِم أَنه سمع سهل بن سعد يَقُول: كنت أتسحر، ثمَّ تكون بِي سرعةٌ أَن أدْرك صَلَاة الْفجْر مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
925 - الثَّانِي: عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد: أَن امْرَأَة جَاءَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِبُرْدَةٍ منسوجة، فِيهَا حاشيتها. أَتَدْرُونَ مَا الْبردَة؟ قَالُوا: الشملة. قَالَ: نعم. قَالَت: نسجتها بيَدي، فَجئْت لأكسوكها. فَأَخذهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُحْتَاجا إِلَيْهَا، فَخرج إِلَيْنَا وَإِنَّهَا إزَاره، فحسنها فلَان فَقَالَ: أكسنيها، مَا أحْسنهَا! فِي رِوَايَة يَعْقُوب وَغَيره: قَالَ: " نعم " فَجَلَسَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمجْلس ثمَّ رَجَعَ فطواها ثمَّ أرسل بهَا إِلَيْهِ - ثمَّ اتَّفقُوا(1/556)
فِي الْمَعْنى: فَقَالَ لَهُ الْقَوْم:
مَا أَحْسَنت، لبسهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُحْتَاجا إِلَيْهَا، ثمَّ سَأَلته وَقد علمت أَنه لَا يرد سَائِلًا. قَالَ: إِنِّي وَالله مَا سَأَلته لألبسها، إِنَّمَا سَأَلته لتَكون كفني.
قَالَ سهل: فَكَانَت كَفنه.
وَفِي رِوَايَة أبي غَسَّان:
إِن الرجل قَالَ حِين لاموه: رَجَوْت بركتها حِين لبسهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لعَلي أكفن بهَا
926 - الثَّالِث: عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. " ليدخلن الْجنَّة من أمتِي سَبْعُونَ ألفا - أَو سَبْعمِائة ألف - سماطين، آخذٌ بَعضهم الْبَعْض، حَتَّى يدْخل أَوَّلهمْ وَآخرهمْ الْجنَّة، وُجُوههم على صُورَة الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر. "
927 - الرَّابِع: عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أَنا وكافل الْيَتِيم فِي الْجنَّة هَكَذَا " وَأَشَارَ بالسبابة وَالْوُسْطَى، وَفرج بَينهمَا شَيْئا.
928 - الْخَامِس: عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " من يضمن لي مَا بَين لحييْهِ وَمَا بَين رجلَيْهِ أضمن لَهُ الْجنَّة ".
929 - السَّادِس: عَن أبي حَازِم قَالَ: سَأَلت سهل بن سعد فَقلت: هَل أكل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النقي؟ قَالَ: مَا رأى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النقي من حِين ابتعثه الله حَتَّى قَبضه الله. فَقلت: هَل كَانَ لكم فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مناخل؟ قَالَ: مَا رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم منخلاً من حِين ابتعثه الله حَتَّى قَبضه الله. قلت: كَيفَ كُنْتُم تَأْكُلُونَ الشّعير غير منخول؟ قَالَ: كُنَّا نطحنه وننفخه فيطير مَا طَار، وَمَا بقى ثريناه
وَحَدِيث أبي غَسَّان مُخْتَصر:
هَل رَأَيْتُمْ فِي زمَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النقي؟ قَالَ: لَا قلت: كُنْتُم تنخلون الشّعير؟ قَالَ: لَا، وَلَكِن كُنَّا ننفخه.(1/557)
930 - السَّابِع: عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد قَالَ: كَانَ النَّاس يؤمرون أَن يضع الرجل الْيَد الْيُمْنَى على ذراعه الْيُسْرَى فِي الصَّلَاة. قَالَ أَبُو حَازِم لَا أعلمهُ إِلَّا ينمي ذَلِك إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَفِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن أبي أويس عَن مَالك: ينمى ذَلِك، وَلم يقل ينمي.
931 - الثَّامِن: عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد قَالَ: مَا عدوا من مبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا من وَفَاته، مَا عدوا إِلَّا من مقدمه الْمَدِينَة.
932 - التَّاسِع: عَن أبي حَازِم عَن سهل بن سعد قَالَ: شهِدت من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَجْلِسا وصف فِيهِ الْجنَّة حَتَّى انْتهى، ثمَّ قَالَ فِي آخر حَدِيثه: " فِيهَا مَا لَا عينٌ رَأَتْ، وَلَا أذنٌ سَمِعت، وَلَا خطر على قلب بشر. " ثمَّ قَرَأَ: {تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع} {فَلَا تعلم نفس مَا أُخْفِي لَهُم من قُرَّة أعين} [السَّجْدَة] قَالَ أَبُو صَخْر حميد بن زِيَاد: فَأخْبرت بهَا مُحَمَّد كَعْب الْقرظِيّ، فَقَالَ: أَبُو حَازِم حَدثَك بِهَذَا؟ قلت: نعم. قَالَ: إِن ثمَّ لكيساً كثيرا، إِنَّهُم يَا هَذَا أخفوا لله عملا، فأخفى لَهُم ثَوابًا، فَلَو قدمُوا عَلَيْهِ أقرّ تِلْكَ الْأَعْين.
933 - الْعَاشِر: عَن عَبَّاس بن سهل عَن أَبِيه قَالَ: كَانَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حائطنا فرسٌ يُقَال لَهُ اللحيف. قَالَ البُخَارِيّ: قَالَ بَعضهم: اللخيف بِالْخَاءِ.
934 - الْحَادِي عشر: عَن عَبَّاس بن سهل عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " أحدٌ جبلٌ يحبنا ونحبه.(1/558)
(71) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند مَالك بن صعصعة [رَضِي الله عَنهُ]
حَدِيث وَاحِد، وَهُوَ حَدِيث الْمِعْرَاج بِطُولِهِ:
935 - عَن قَتَادَة عَن أنس بن مَالك بن صعصعة أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدثهمْ عَن لَيْلَة أسرى بِهِ قَالَ: بَيْنَمَا أَنا فِي الْحطيم - وَرُبمَا قَالَ فِي الْحجر - مضطجعٌ، وَمِنْهُم من قَالَ: بَين النَّائِم وَالْيَقظَان، إِذا أَتَانِي آتٍ، قَالَ: فَسَمعهُ يَقُول: فشق مَا بَين هَذِه إِلَى هَذِه، فَقلت للجارود وَهُوَ إِلَى جَنْبي: مَا يَعْنِي بِهِ؟ قَالَ: من ثغرة نَحره إِلَى شعرته، وسمعته يَقُول: من قصه إِلَى شعرته " فاستخرج قلبِي، ثمَّ أتيت بطست من ذهب مَمْلُوءَة إِيمَانًا، فَغسل قلبِي، ثمَّ حشي، ثمَّ أُعِيد، ثمَّ أتيت بِدَابَّة دون الْبَغْل وَفَوق الْحمار، أَبيض. فَقَالَ لَهُ الْجَارُود: وَهُوَ الْبراق يَا أَبَا حَمْزَة، فَقَالَ أنس: نعم " يضع خطوه عِنْد أقْصَى طرفه، فَحملت عَلَيْهِ، فَانْطَلق بِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى أَتَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ فَقيل: من هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيل. قيل: وَمن مَعَك؟ قَالَ: مُحَمَّد. قيل: وَقد ارسل إِلَيْهِ؟ قَالَ: نعم. قيل: مرْحَبًا، فَنعم الْمَجِيء جَاءَ. فَلَمَّا خلصت فَإِذا فِيهَا آدم، فَقَالَ: هَذَا أَبوك آدم فَسلم عَلَيْهِ. وسلمت عَلَيْهِ، فَرد السَّلَام وَقَالَ: مرْحَبًا بالابن الصَّالح وَالنَّبِيّ الصَّالح. ثمَّ صعد حَتَّى أَتَى السَّمَاء الثَّانِيَة فَاسْتَفْتَحَ، قيل: من هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيل. قَالَ. وَمن مَعَك؟ قَالَ: مُحَمَّد. قيل. وَقد أرسل إِلَيْهِ؟ قَالَ: نعم. قيل: مرْحَبًا بِهِ، وَنعم الْمَجِيء جَاءَ.
فَفتح، فَلَمَّا خلصت فَإِذا يحيى وَعِيسَى - وهما ابْنا خَالَة. قَالَ: هَذَا يحيى وَعِيسَى، فَسلم عَلَيْهِمَا، فَسلمت، فَردا ثمَّ قَالَا: مرْحَبًا بالأخ الصَّالح وَالنَّبِيّ الصَّالح. ثمَّ صعد بِي إِلَى السَّمَاء الثَّالِثَة، فَاسْتَفْتَحَ، قيل: من هَذَا؟ قَالَ جِبْرِيل قيل: وَمن مَعَك؟ قَالَ: مُحَمَّد. قيل: وَقد أرسل إِلَيْهِ. قَالَ نعم قيل: مرْحَبًا بِهِ، فَنعم الْمَجِيء(1/559)
جَاءَ. فَفتح، فَلَمَّا خلصت فَإِذا يُوسُف، قَالَ: هَذَا يُوسُف، فَسلم عَلَيْهِ، فَسلمت عَلَيْهِ، فَرد ثمَّ قَالَ: مرْحَبًا بالأخ الصَّالح وَالنَّبِيّ الصَّالح، ثمَّ صعد بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاء الرَّابِعَة فَاسْتَفْتَحَ، قيل: من هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيل. قَالَ: وَمن مَعَك؟ قَالَ: مُحَمَّد. قَالَ: وَقد أرسل إِلَيْهِ؟ قَالَ: نعم. قيل: مرْحَبًا بِهِ، فَنعم الْمَجِيء جَاءَ.
فَلَمَّا خلصت فَإِذا إِدْرِيس، قَالَ: هَذَا إِدْرِيس فَسلم عَلَيْهِ، فَسلمت عَلَيْهِ فَرد ثمَّ قَالَ: مرْحَبًا بالأخ الصَّالح وَالنَّبِيّ الصَّالح. ثمَّ صعد بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاء الْخَامِسَة، فَاسْتَفْتَحَ، قيل: من هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيل. قيل: وَمن مَعَك؟ قَالَ: مُحَمَّد. قيل: وَقد أرسل إِلَيْهِ؟ قَالَ: نعم. قيل: مرْحَبًا بِهِ، فَنعم الْمَجِيء جَاءَ. فَلَمَّا خلصت فَإِذا هَارُون، قَالَ: هَذَا هَارُون فَسلم عَلَيْهِ، فَسلمت عَلَيْهِ، فَرد ثمَّ قَالَ: مرْحَبًا بالأخ الصَّالح وَالنَّبِيّ الصَّالح. ثمَّ صعد بِي حَتَّى أَتَى السَّمَاء السَّادِسَة فَاسْتَفْتَحَ. قيل: من هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيل. قيل: وَمن مَعَك؟ قَالَ: مُحَمَّد، قيل: وَقد أرسل إِلَيْهِ قَالَ: نعم، قَالَ: مرْحَبًا بِهِ، فَنعم الْمَجِيء جَاءَ. فَلَمَّا خلصت فَإِذا مُوسَى، قَالَ: هَذَا مُوسَى فَسلم عَلَيْهِ، فَسلمت عَلَيْهِ، فَرد ثمَّ قَالَ: مرْحَبًا بالأخ الصَّالح وَالنَّبِيّ الصَّالح. فَلَمَّا جاوزته بَكَى، فَقيل: مَا يبكيك؟ قَالَ: أبْكِي لِأَن غُلَاما بعث بعدِي يدْخل الْجنَّة من أمته أَكثر مِمَّا يدخلهَا من أمتِي. ثمَّ صعد بِي إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل. قيل: من هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيل. قيل: وَمن مَعَك؟ قَالَ: مُحَمَّد قيل: وَقد بعث إِلَيْهِ؟ قَالَ: نعم. قَالَ: مرْحَبًا بِهِ، فَنعم الْمَجِيء جَاءَ. فَلَمَّا خلصت فَإِذا إِبْرَاهِيم، قَالَ: هَذَا أَبوك إِبْرَاهِيم فَسلم عَلَيْهِ، فَسلمت عَلَيْهِ، فَرد السَّلَام ثمَّ قَالَ: مرْحَبًا بالابن الصَّالح وَالنَّبِيّ الصَّالح. ثمَّ رفعت إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهى، فَإِذا نبقها مثل قلال هجر، وَإِذا وَرقهَا مثل آذان الفيلة. قَالَ هَذِه سِدْرَة الْمُنْتَهى، فَإِذا أَرْبَعَة أَنهَار: نهران باطنان ونهران ظاهران. فَقلت: مَا هَذَانِ يَا جِبْرِيل؟ قَالَ: أما الباطنان فنهران فِي الْجنَّة، وَأما الظاهرون فالنيل والفرات. ثمَّ رفع لي الْبَيْت الْمَعْمُور، ثمَّ أتيت بإناءٍ من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل، فَأخذت اللَّبن،(1/560)
فَقَالَ: هِيَ الْفطْرَة الَّتِي أَنْت عَلَيْهَا وَأمتك، ثمَّ فرضت عَليّ الصَّلَاة خمسين صَلَاة كل يَوْم، فَرَجَعت فمررت على مُوسَى، فَقَالَ: بِمَ أمرت؟ قلت: أمرت بِخَمْسِينَ صَلَاة كل يَوْم. قَالَ إِن أمتك لَا تَسْتَطِيع خمسين صَلَاة كل يَوْم، وَإِنِّي وَالله قد جربت النَّاس قبلك، وعالجت بني إِسْرَائِيل أَشد المعالجة، فَارْجِع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف لأمتك، فَرَجَعت، فَوضع عني عشرا، فَرَجَعت فَقَالَ مثله، فَرَجَعت فَوضع عني عشرا، فَرَجَعت إِلَى مُوسَى فَقَالَ مثله، فَوضع عني عشرا، فَرَجَعت إِلَى مُوسَى فَقَالَ مثله، فَرَجَعت فَأمرت بِعشر صلوَات كل يَوْم، فَقَالَ مثله، فَرَجَعت فَأمرت بِخمْس صلوَات يَوْم، فَرَجَعت إِلَى مُوسَى فَقَالَ: بِمَ أمرت؟ قلت: أمرت بِخمْس صلوَات كل يَوْم، قَالَ: إِن أمتك لَا تَسْتَطِيع خمس صلوَات كل يَوْم، وَإِنِّي قد جربت النَّاس قبلك، وعالجت بني إِسْرَائِيل أَشد المعالجة، فَارْجِع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف لأمتك. قَالَ: سَأَلت رَبِّي حَتَّى استحييت، وَلَكِن أرْضى وَأسلم. فَلَمَّا جَاوَزت نَادَى منادٍ: أمضيت فريضتي، وخففت عَن عبَادي ".
وَفِي الرِّوَايَة المقروءة بِرِوَايَة خَليفَة بن خياط:
بَينا أَنا عِنْد الْبَيْت بَين النَّائِم وَالْيَقظَان. . وَفِيه: ثمَّ غسل الْبَطن بِمَاء زَمْزَم، ثمَّ ملئ حِكْمَة وإيماناً. وَفِيه فَرفع إِلَيّ الْبَيْت الْمَعْمُور، فَسَأَلت جِبْرِيل فَقَالَ: هَذَا الْبَيْت الْمَعْمُور يُصَلِّي فِيهِ كل يَوْم سَبْعُونَ ألف ملك، إِذا خَرجُوا لم يعودوا آخر مَا عَلَيْهِم. وَفِي آخِره: وخففت عَن عبَادي، وأجزي بِالْحَسَنَة عشرا ".
وَفِي حَدِيث ابْن عدي عَن سعيد:
بَيْنَمَا أَنا عِنْد الْبَيْت بَين النَّائِم وَالْيَقظَان، إِذْ سَمِعت قَائِلا يَقُول: أحد الثَّلَاثَة بَين الرجلَيْن، فَأتيت فَانْطَلق بِي، فَأتيت بطست(1/561)
من ذهب فِيهَا من مَاء زَمْزَم، فشرح صَدْرِي إِلَى كَذَا وَكَذَا. يَعْنِي إِلَى أَسْفَل بَطْنه.
وَفِي حَدِيث هِشَام نَحوه. فَأتيت بطشت من ذهب ممتلئ حِكْمَة وإيماناً، فشق من النَّحْر إِلَى مراق الْبَطن، فَغسل بِمَاء زَمْزَم.
(72) الْمُتَّفق عَلَيْهِ عَن كَعْب بن عجْرَة [رَضِي الله عَنهُ]
936 - الحَدِيث الأول: عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن كَعْب بن عجْرَة قَالَ: أَتَى عَليّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زمن الْحُدَيْبِيَة وَأَنا أوقد تَحت قدر لي، وَالْقمل يَتَنَاثَر على وَجْهي، فَقَالَ: " أتؤذيك هوَام رَأسك؟ " قَالَ: قلت: نعم. قَالَ: " فَاحْلِقْ وصم ثَلَاثَة أَيَّام، أَو أطْعم سِتَّة مَسَاكِين، أَو انسك نسيكةً " لَا أَدْرِي بِأَيّ ذَلِك بَدَأَ.
وَفِي حَدِيث ابْن عون عَن مُجَاهِد قَالَ: فِي أنزلت هَذِه الْآيَة {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو بِهِ أَذَى من رَأسه ففدية من صِيَام أَو صَدَقَة أَو نسك} [الْبَقَرَة] قَالَ: فَأَتَيْته، فَقَالَ: " ادنه " فدنوت. فَقَالَ: " ادنه " فدنوت، فَقَالَ: " أَيُؤْذِيك هوامك؟ " قَالَ ابْن عون: وَأَظنهُ قَالَ: نعم. قَالَ: فَأمرنِي بفدية من صِيَام أَو صَدَقَة أَو نسك، مَا تيَسّر.
وَفِي حَدِيث سيف بن سُلَيْمَان عَن مُجَاهِد:
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقف عَلَيْهِ وَرَأسه يتهافت قملاً، فَقَالَ: " أَيُؤْذِيك هوامك "؟ قلت: نعم: قَالَ: فَاحْلِقْ رَأسك.
قَالَ: فَفِي نزلت هَذِه الْآيَة {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا} وَذكر الْآيَة. فَقَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
صم ثَلَاثَة أَيَّام أَو تصدق بفرقٍ بَين سِتَّة، أَو انسك مَا تيَسّر. "(1/562)
وَفِي حَدِيث ابْن أبي نجيح وَأَيوب وَغَيرهمَا:
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بِهِ وَهُوَ بِالْحُدَيْبِية قبل أَن يدْخل مَكَّة وَهُوَ محرم، وَهُوَ يُوقد تَحت قدرٍ، وَالْقمل يتهافت على وَجهه ...
فِي رِوَايَة شبْل وَغَيره عَن ابْن أبي نجيح:
وَلم يتَبَيَّن لَهُم أَنهم يحلونَ بهَا وهم على طمع أَن يدخلُوا مَكَّة، فَأنْزل الله الْفِدْيَة، وَذكر نَحوه.
وَفِي حَدِيث أَيُّوب وَمن مَعَه:
وَالْفرق ثَلَاثَة آصَع. وَفِيه: أَو انسك نسيكة.
وَقَالَ ابْن أبي نجيح: أَو اذْبَحْ شَاة: وَمِنْهُم من قَالَ: فَدَعَا الحلاق، ثمَّ ذكر الْفِدَاء.
وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا من حَدِيث عبد الله بن معقل عَن كَعْب بِنَحْوِهِ، وَفِيه أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ: " مَا كنت أرى الوجع بلغ بك مَا أرى، وَمَا كنت أرى الْجهد بلغ بك مَا أرى.
أتجد شَاة؟ " قلت: لَا. قَالَ " فَصم ثَلَاثَة أَيَّام، أَو أطْعم سِتَّة مَسَاكِين، كل مِسْكين نصف صَاع. " قَالَ: كَعْب: فَنزلت فِي خَاصَّة، وَهِي لكم عَامَّة.
937 - الثَّانِي: عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى قَالَ: لَقِيَنِي كَعْب بن عجْرَة فَقَالَ: أَلا أهدي لَك هَدِيَّة؟ إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج علينا فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله، علمنَا كَيفَ نسلم عَلَيْك، فَكيف نصلي عَلَيْك؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد، كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم، إِنَّك حميدٌ مجيد. اللَّهُمَّ بَارك على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا باركت على إِبْرَاهِيم، إِنَّك حميد مجيد ".(1/563)
وَلمُسلم حديثان:
938 - أَحدهمَا: عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن كَعْب بن عجْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " معقباتٌ لَا يخيب قائلهن أَو فاعلهن دبرٌ كل صَلَاة، ثَلَاث وَثَلَاثُونَ تَسْبِيحَة، وَثَلَاث وَثَلَاثُونَ تَحْمِيدَة، وَأَرْبع وَثَلَاثُونَ تَكْبِيرَة.
939 - وَالثَّانِي: عَن أبي عُبَيْدَة عَامر بن عبد الله بن مَسْعُود عَن كَعْب عَن عجْرَة أَنه دخل الْمَسْجِد، وَعبد الرَّحْمَن بن أم الحكم يخْطب قَاعِدا، فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْخَبيث يخْطب قَاعِدا وَقَالَ الله عز وَجل: {وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة أَو لهوا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوك قَائِما} [سُورَة الْجُمُعَة] .
(73) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند أبي بَرزَة نَضْلَة بن عبيد [رَضِي الله عَنهُ]
حَدِيث وَاحِد
940 - عَن أبي الْمنْهَال سيار بن سَلامَة قَالَ: دخلت أَنا وَأبي على أبي بَرزَة الْأَسْلَمِيّ، فَقَالَ لَهُ أبي: كَيفَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي الْمَكْتُوبَة؟ فَقَالَ: كَانَ يُصَلِّي الهجير الَّتِي تدعونها الأولى حِين تدحض الشَّمْس، وَيُصلي الْعَصْر ثمَّ يرجع أَحَدنَا إِلَى رَحْله فِي أقْصَى الْمَدِينَة وَالشَّمْس حَيَّة، ونسيت مَا قَالَ فِي الْمغرب. وَكَانَ يسْتَحبّ أَن يوخر الْعشَاء الَّتِي تدعونها الْعَتَمَة وَكَانَ يكره النّوم قبلهَا والْحَدِيث بعْدهَا، وَكَانَ يَنْفَتِل من صَلَاة الْغَدَاة حِين يعرف الرجل جليسه وَيقْرَأ بالستين إِلَى الْمِائَة.(1/564)
وَفِي حَدِيث حَفْص بن عمر:
وَلَا يُبَالِي بِتَأْخِير الْعشَاء إِلَى ثلث اللَّيْل. ثمَّ قَالَ: إِلَى شطر اللَّيْل. قَالَ معَاذ عَن شُعْبَة: ثمَّ لَقيته مرّة أُخْرَى فَقَالَ: أَو ثلث اللَّيْل.
وَقد أخرج البُخَارِيّ طرفا مِنْهُ فِي بَاب آخر بِإِسْنَاد آخر عَن أبي الْمنْهَال عَن أبي بَرزَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَانَ يكره النّوم قبل الْعشَاء، والْحَدِيث بعْدهَا. وَقد جعله أَبُو مَسْعُود من أَفْرَاد البُخَارِيّ، وَهُوَ مُتَّفق عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ عِنْد مُسلم أَيْضا بِهَذَا اللَّفْظ فِي الحَدِيث الْمَذْكُور.
وللبخاري حديثان:
941 - أَحدهمَا طرف من حَدِيث طَوِيل عَن أبي الْمنْهَال قَالَ: لما كَانَ ابْن زِيَاد بِالْبَصْرَةِ، ومروان بِالشَّام، وثب ابْن الزبير بِمَكَّة، ووثب الْقُرَّاء بِالْبَصْرَةِ، فَانْطَلَقت مَعَ أبي إِلَى أبي بَرزَة الْأَسْلَمِيّ حَتَّى دخلت عَلَيْهِ فِي دَاره وَهُوَ جَالس فِي ظلّ علية لَهُ من قصب، فَجَلَست إِلَيْهِ فَأَنْشَأَ أبي يستطعمه الحَدِيث، فَقَالَ: يَا أَبَا بَرزَة، أَلا ترى مَا وَقع فِيهِ النَّاس؟ فَأول شَيْء سمعته يتَكَلَّم بِهِ أَن قَالَ: إِنِّي أحتسب عِنْد الله أَنِّي أَصبَحت ساخطاً على أَحيَاء قُرَيْش، إِنَّكُم - يَا معشر الْعَرَب كُنْتُم على الْحَال الَّتِي علمْتُم من الْقلَّة والذلة والضلالة. إِن الله أنقذكم بِالْإِسْلَامِ، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. حَتَّى بلغ لكم مَا ترَوْنَ، وَهَذِه الدُّنْيَا الَّتِي أفسدت بَيْنكُم، إِن ذَاك الَّذِي بِالشَّام - وَالله - أَن يُقَاتل إِلَّا على الدُّنْيَا. لم يزدْ على هَذَا.(1/565)
وَتَمَامه فِي رِوَايَة البرقاني من حَدِيث عَوْف بن أبي جميلَة عَن أبي الْمنْهَال: وَإِن ذَاك الَّذِي بِمَكَّة يَعْنِي ابْن الزبير - إِن يُقَاتل إِلَّا على الدُّنْيَا، وَإِن الَّذين حَوْلكُمْ تدعونهم قراءكم إِن يُقَاتلُون إِلَّا على الدُّنْيَا. فَلَمَّا لم يتْرك أحدا قَالَ لَهُ أبي: فَمَاذَا تَأْمُرنِي؟ فَمَا أَرَاك تركت أحدا. قَالَ: مَا أرى أحدا الْيَوْم خيرا من هَذِه الْعِصَابَة الملبدة - وَقَالَ بِيَدِهِ - خماص الْبُطُون من أَمْوَال النَّاس، خفاف الظُّهُور من دِمَائِهِمْ. ثمَّ ذكر سُؤَاله إِيَّاه عَن الْأَوْقَات الْمَذْكُورَة آنِفا، الَّذِي اتفقَا عَلَيْهِ.
وَانْفَرَدَ البُخَارِيّ بِإِخْرَاج أَوله هَذَا لما فِيهِ من ذكر الْفِتَن، وكراهية أبي بَرزَة لَهَا.
وَقَوله: إِن الله أنقذكم بِالْإِسْلَامِ، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وأضرب عَمَّا بعد ذَلِك لما فِيهِ من ذكر ابْن الزبير وَمن مَعَه.
942 - الثَّانِي: عَن الْأَزْرَق بن قيس قَالَ: كُنَّا على شاطئ النَّهر بالأهواز وَقد نضب عَنهُ المَاء، فجَاء أَبُو بَرزَة على فرس، فصلى وخلى فرسه، فَانْطَلَقت الْفرس، فَترك صلَاته وتبعها حَتَّى أدْركهَا، فَأَخذهَا، ثمَّ جَاءَ فَقضى صلَاته، وَفينَا رجل لَهُ رأيٌ فَأقبل يَقُول: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخ، ترك صلَاته من أجل فرس.
فَأقبل فَقَالَ: مَا عنفني أحدٌ مُنْذُ فَارَقت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ: إِن منزلي متراخٍ، فَلَو صليت وَتركته لم آتٍ أَهلِي إِلَى اللَّيْل، وَذكر أَنه صحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
فَرَأى من تيسيره.
وَفِي حَدِيث شُعْبَة عَن الْأَزْرَق قَالَ:
كُنَّا بالأهوار نُقَاتِل الحرورية. فَبينا على أَنا جرف نهر، إِذا رجل يُصَلِّي، وَإِذا لجام دَابَّته بِيَدِهِ. فَجعلت تنازعه وَجعل يتبعهَا.
قَالَ شُعْبَة: هُوَ أَبُو بَرزَة الْأَسْلَمِيّ. فَجعل رجلٌ من الْخَوَارِج يَقُول: اللَّهُمَّ افْعَل(1/566)
بِهَذَا الشَّيْخ. فَلَمَّا انْصَرف الشَّيْخ قَالَ:
إِنِّي سَمِعت قَوْلكُم، وَإِنِّي غزوت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سِتّ غزوات أَو سبع غزوات أَو ثَمَان، وَشهِدت تيسيره، وَإِنِّي إِن كنت أراجع مَعَ دَابَّتي أحب إِلَيّ من أَن أدعها ترجع إِلَى مألفها فَيشق عَليّ.
وَعند البرقاني فِي حَدِيث شُعْبَة عَن الْأَزْرَق قَالَ:
كُنَّا نُقَاتِل الْأزَارِقَة مَعَ الْمُهلب ابْن أبي صفرَة. قَالَ: فجَاء أَبُو بَرزَة، فَأخذ بمقود برذونه أَو دَابَّته. قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي إِذْ أفلت المقود من يَده. قَالَ: فمضت الدَّابَّة فِي قبلته، قَالَ: وَانْطَلق أَبُو بَرزَة حَتَّى أَخذهَا، ثمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى. فَقَالَ رجل - وَكَانَ يرى رَأْي الْخَوَارِج: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الشَّيْخ - ونال مِنْهُ - ترك صلَاته وَانْطَلق إِلَى دَابَّته ... وَذكر الحَدِيث نَحوه. وَفِي آخِره: فَقُلْنَا للرجل: مَا نرى الله إِلَّا مخزيك، سببت رجلا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَعِنْده فِي حَدِيث حَمَّاد بن زيد قَالَ:
فجَاء أَبُو بَرزَة الْأَسْلَمِيّ، فَدخل فِي صَلَاة الْعَصْر ومقود الْفرس بِيَدِهِ، فانفلت الْفرس، فَذهب فاتبعها حَتَّى أدْركهَا، فَأخذ المقود، وَمضى فِي صلَاته. ثمَّ ذكر مَعْنَاهُ.
أَفْرَاد مُسلم
943 - الحَدِيث الأول: عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ عَن أبي بَرزَة قَالَ: بَيْنَمَا جَارِيَة على نَاقَة، عَلَيْهَا بعض متاعٍ الْقَوْم، إِذْ بصرت بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وتضايق الْجَبَل، فَقَالَت: حل. اللَّهُمَّ ألعنها. فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " لَا تصاحبنا ناقةٌ عَلَيْهَا لعنة ".
وَفِي حَدِيث الْمُعْتَمِر:
لَا ايم الله، لَا تصاحبنا راحلةٌ عَلَيْهَا لعنةٌ من الله " أَو كَمَا قَالَ.
وَلَيْسَ لأبي عُثْمَان النَّهْدِيّ عَن أبي بَرزَة فِي الصَّحِيح غير هَذَا الحَدِيث.(1/567)
944 - الثَّانِي: عَن كنَانَة بن نعيم عَن أبي بَرزَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِي مغزى لَهُ، فأفاء الله عَلَيْهِ، فَقَالَ لأَصْحَابه: " هَل تَفْقِدُونَ من أحدٍ؟ " قَالُوا: نعم، فلَانا، وَفُلَانًا، وَفُلَانًا. ثمَّ قَالَ: " هَل تَفْقِدُونَ من أحد؟ " قَالُوا: نعم، فلَانا، وَفُلَانًا. قَالَ: " هَل تَفْقِدُونَ أحدا؟ " قَالُوا: لَا. قَالَ: " لكني أفقد جليبيبا فاطلبوه ". فَطلب فِي الْقَتْلَى فوجدوه إِلَى جنب سَبْعَة قد قَتلهمْ ثمَّ قَتَلُوهُ. فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَوقف عَلَيْهِ فَقَالَ: " قتل سَبْعَة ثمَّ قَتَلُوهُ، هَذَا مني وَأَنا مِنْهُ، هَذَا مني وَأَنا مِنْهُ. " قَالَ: فَوَضعه على ساعديه، لَيْسَ لَهُ سَرِير إِلَّا ساعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يذكر غسلا.
وَهَذَا طرف من حَدِيث طَوِيل فِيهِ تَزْوِيج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِيَّاه امْرَأَة من الْأَنْصَار، وَفِي آخِره هَذَا الَّذِي أخرجه مُسلم مِنْهُ. أخرجه البرقاني بِطُولِهِ من حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة بِإِسْنَادِهِ كَمَا أخرجه مُسلم، وأوله: عَن حَمَّاد عَن ثَابت عَن كنَانَة عَن أبي بَرزَة: أَن جليبيباً كَانَ امْرأ من الْأَنْصَار، وَكَانَ يدْخل إِلَى النِّسَاء ويتحدث إلَيْهِنَّ، قَالَ أَبُو بَرزَة: فَقلت لامرأتي: لَا يدْخل عليكن جليبيب. وَكَانَ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كَانَ لأَحَدهم أيمٌ لم يُزَوّجهَا حَتَّى يعلم ألرسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا حَاجَة أم لَا؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات يَوْم لرجل من الْأَنْصَار: " يَا فلَان، زَوجنِي ابْنَتك " قَالَ: نعم، وَنعم عين. قَالَ: " إِنِّي لست لنَفْسي أُرِيد ". قَالَ فَلِمَنْ؟ قَالَ: " لجليبيب " قَالَ: يَا رَسُول الله، حَتَّى أَستَأْمر أمهَا. فَأَتَاهَا فَقَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب ابْنَتك، قَالَت: نعم، ونعمة عين، يُزَوّج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِنَّه لَيْسَ لنَفسِهِ يريدها. قَالَت: فَلِمَنْ يريدها؟ قَالَ: لجليبيب. قَالَت حلقى، ألجليبيب الأبنة: لَا لعمر الله، لَا أزوج جليبيباً. فَلَمَّا قَامَ أَبوهَا ليَأْتِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت الفتاة من(1/568)
خدرها لأبويها: من خطبني إلَيْكُمَا؟ قَالَا:
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَت: أفتردون على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمره، ادفعوني إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ لن يضيعني. فَذهب أَبوهَا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: شَأْنك بهَا، فَزَوجهَا جليبيبا. قَالَ حَمَّاد: قَالَ إِسْحَق ابْن عبد الله بن أبي طَلْحَة لِثَابِت: هَل تَدْرِي مَا دَعَا لَهما بِهِ؟ قَالَ: " اللَّهُمَّ صب الْخَيْر عَلَيْهِمَا صباًّ، وَلَا تجْعَل عيشهما كداً " قَالَ ثَابت " فَزَوجهَا إِيَّاه، فَبَيْنَمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مغزى لَهُ، فأفاء الله عَلَيْهِ فَقَالَ: " هَل تَفْقِدُونَ من أحد؟ " ثمَّ ذكر نَحْو مَا فِي كتاب مُسلم. وَقَالَ فِي آخِره: قَالَ ثَابت: فَمَا كَانَ فِي الْأَنْصَار أيم أنْفق مِنْهَا.
وَلَيْسَ لكنانة بن نعيم عَن أبي بَرزَة فِي كتاب مُسلم غير مَا أخرجه من هَذَا الحَدِيث.
945 - الثَّالِث: عَن أبي الْوَازِع جَابر بن عَمْرو الرَّاسِبِي عَن أبي بَرزَة قَالَ: قلت: يَا نَبِي الله، عَلمنِي شَيْئا أنتفع بِهِ. قَالَ: " اعزل الْأَذَى عَن طَرِيق الْمُسلمين ".
وَفِي حَدِيث أبي بكر بن شُعَيْب بن الحبحاب عَن أبي الْوَازِع أَن أَبَا بَرزَة قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله، إِنِّي لَا أَدْرِي لعسى أَن تمْضِي وَأبقى بعْدك، فزودني شَيْئا يَنْفَعنِي الله بِهِ. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: افْعَل كَذَا. افْعَل كَذَا. نَسيَه أَبُو بكر، وَأمر الْأَذَى عَن الطَّرِيق.
946 - الرَّابِع: عَن أبي الْوَازِع عَن أبي بَرزَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث رجلا إِلَى حيٍّ من أَحيَاء الْعَرَب فسبوه وضربوه، فَأتى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأخْبرهُ، فَقَالَ لَهُ: " لَو أَن أهل عمان أتيت ماسبوك وَلَا ضربوك ".(1/569)
(74) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند سَلمَة بن الْأَكْوَع [رَضِي الله عَنهُ]
وَيُقَال: سَلمَة بن عَمْرو بن الْأَكْوَع، ويكنى أَبَا مُسلم، عَاشَ إِلَى زمن الْحجَّاج، وَمَات سنة أَربع وَسبعين.
947 - الحَدِيث الأول: عَن إِيَاس بن سَلمَة بن الْأَكْوَع عَن أَبِيه - وَكَانَ من أَصْحَاب الشَّجَرَة قَالَ: كُنَّا نصلي مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْجُمُعَة، ثمَّ ننصرف وَلَيْسَ للحيطان ظلٌّ نستظل بِهِ. .
وَفِي حَدِيث وَكِيع: كُنَّا نجمع مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا زَالَت الشَّمْس، ثمَّ نرْجِع نتتبع الْفَيْء.
948 - الثَّانِي: عَن إِيَاس بن سَلمَة بن الْأَكْوَع عَن أَبِيه قَالَ: أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عينٌ من الْمُشْركين وَهُوَ فِي سفر، فَجَلَسَ عِنْد أَصْحَابه يتحدث ثمَّ انْفَتَلَ، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " اطلبوه واقتلوه " فَقتلته، فنفلني سلبه. هَذَا لفظ حَدِيث أبي العميس.
وَفِي حَدِيث عِكْرِمَة بن عمار:
أَن سَلمَة قَالَ: غزونا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هوَازن فَبينا نَحن نتضحى مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ جَاءَ رجلٌ على جملٍ أَحْمَر، فأناخه، ثمَّ انتزع طلقاً من جعبته فقيد بِهِ الْجمل، ثمَّ تقدم فتغدى مَعَ الْقَوْم، وَجعل(1/570)
ينظر، وَفينَا ضعفةٌ ورقةٌ فِي الظّهْر، وبعضنا مشَاة، إِذْ خرج يشْتَد فَأتى جمله فَأطلق قَيده، ثمَّ أناخه، ثمَّ قعد عَلَيْهِ فأثاره، وَاشْتَدَّ بِهِ الْجمل، فَاتبعهُ رجل على نَاقَة وَرْقَاء.
قَالَ سَلمَة: وَخرجت أَشْتَدّ، فَكنت عِنْد ورك النَّاقة، ثمَّ تقدّمت حَتَّى كنت عِنْد ورك الْجمل، ثمَّ تقدّمت حَتَّى أخذت بِخِطَام الْجمل فأنخته، فَلَمَّا وضع رُكْبَتَيْهِ فِي الأَرْض، اخترطت سَيفي، فَضربت رَأس الرجل، فندر، ثمَّ جِئْت بالجمل أقوده، عَلَيْهِ رَحْله وسلاحه، واستقبلني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالنَّاس مَعَه، فَقَالَ: " من قتل الرجل؟ " قَالُوا: ابْن الْأَكْوَع. قَالَ: " لَهُ سلبه أجمع ".
949 - الثَّالِث: عَن إِيَاس بن سَلمَة عَن أَبِيه قَالَ: رخص رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام أَوْطَاس فِي الْمُتْعَة ثَلَاثًا، ثمَّ نهى عَنْهَا. هَذَا لفظ حَدِيث مُسلم.
وَأخرج البُخَارِيّ مَعْنَاهُ تَعْلِيقا، فَقَالَ:
وَقَالَ ابْن أبي ذِئْب: حَدثنِي إِيَاس بن سَلمَة عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " أَيّمَا رجل وأمرأة توافقاً فعشرة مَا بَينهمَا ثَلَاث لَيَال، فَإِن أحبا أَن يتزايدا أَو يتتاركا " فَمَا أَدْرِي أَشَيْء كَانَ لنا خَاصَّة أَو للنَّاس عَامَّة.
قَالَ أَبُو عبد الله: وَقد بَينه عَليّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه مَنْسُوخ.
950 - الرَّابِع: عَن يزِيد بن أبي عبيد مولى سَلمَة بن الْأَكْوَع قَالَ: كَانَ جِدَار الْمَسْجِد عِنْد الْمِنْبَر، مَا كَادَت الشَّاة تجوزها.(1/571)
وَلمُسلم من حَدِيث حَمَّاد بن مسْعدَة عَن يزِيد عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع:
أَنه كَانَ يتحَرَّى مَوضِع الْمُصحف ويسبح فِيهِ، وَذكر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتحَرَّى ذَلِك الْمَكَان، وَكَانَ بَين الْمِنْبَر والقبلة قدر ممر الشَّاة.
951 - الْخَامِس: عَن يزِيد بن أبي عبيد قَالَ: كَانَ سَلمَة يتحَرَّى الصَّلَاة عِنْد الأسطوانة الَّتِي عِنْد الْمُصحف، فَقلت: يَا أَبَا مُسلم، أَرَاك تتحرى الصَّلَاة عِنْد هَذِه الأسطوانة، قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتحَرَّى الصَّلَاة عِنْدهَا. هَكَذَا جعل أَبُو مَسْعُود هَذَا وَالَّذِي قبله حديثين.
952 - السَّادِس: عَن يزِيد بن أبي عبيد عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي الْمغرب إِذا غربت الشَّمْس وتوارت بالحجاب.
953 - السَّابِع: عَن يزِيد عَن سَلمَة قَالَ: أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا من أسلم: أَن أذن فِي النَّاس: من كَانَ أكل فليصم بَقِيَّة يَوْمه، وَمن لم يكن أكل فليصم، فَإِن الْيَوْم يَوْم عَاشُورَاء.
وَفِي حَدِيث مُسَدّد عَن يحيى:
قَالَ لرجلٍ من أسلم: أذن فِي قَوْمك، أَو فِي النَّاس - بِالشَّكِّ.
954 - الثَّامِن: عَن يزِيد بن أبي عبيد عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع قَالَ: خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى خَيْبَر، فسرنا لَيْلًا، فَقَالَ رجلٌ من الْقَوْم لعامر بن الْأَكْوَع: أَلا تسمعنا من هنياتك. وَكَانَ عَامر رجلا شَاعِرًا، فَنزل يَحْدُو بالقوم، يَقُول:(1/572)
(اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْت مَا اهتدينا ... وَلَا تصدقنا وَلَا صلينَا)
(فَاغْفِر فداءٌ لَك مَا اقتفينا ... وَثَبت الْأَقْدَام إِن لاقينا)
(وألقين سكينَة علينا ... إِنَّا إِذا صِيحَ بِنَا أَتَيْنَا)
(وبالصياح عولوا علينا ... )
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
من هَذَا السَّائِق؟ " فَقَالُوا: عَامر بن الْأَكْوَع. فَقَالَ: " يرحمه الله "، فَقَالَ رجل من الْقَوْم: وَجَبت يَا نَبِي الله، لَوْلَا أمتعتنا بِهِ.
قَالَ: فأتينا خَيْبَر فحاصرناهم، فأصابتنا مَخْمَصَة شَدِيدَة. ثمَّ إِن الله فتحهَا عَلَيْهِم، فَلَمَّا أَمْسَى النَّاس الْيَوْم الَّذِي فتحت عَلَيْهِم أوقدوا نيراناً كَثِيرَة، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " مَا هَذِه النيرَان؟ على أَي شَيْء توقدون؟ " قَالُوا على لحم.
قَالَ: " أَي لحم؟ " قَالُوا: على لحم الْحمر الإنسية. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أهريقوها واكسروها " فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله، أَو نهريقها ونغلسها؟ فَقَالَ " أَو ذَاك ".
فَلَمَّا تصاف الْقَوْم كَانَ سيف عامرٍ فِيهِ قصر، فَتَنَاول بِهِ يَهُودِيّا ليضربه، وَيرجع ذُبَاب سَيْفه، فَأصَاب ركبته فَمَاتَ مِنْهَا. فَلَمَّا قَفَلُوا قَالَ سَلمَة: رَآنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شاحباً سَاكِنا. قَالَ: " سَلمَة "، وَهُوَ آخذ بيَدي: فَقلت: فدى لَك أبي وَأمي، زَعَمُوا أَن عَامِرًا حَبط عمله. قَالَ: " من قَالَه؟ " قلت: فلَان وَفُلَان وَأسيد بن الْحضير. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " كذب من قَالَه، إِن لَهُ لأجرين - وَجمع بَين أصبعيه - أَنه لجاهدٌ مُجَاهِد، قل عربيٌّ مَشى بهَا مثله.
وَأخرجه مُسلم من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن - لم ينْسبهُ ابْن وهب، وَنسبه غَيره،(1/573)
فَقَالَ: ابْن عبد الله بن كَعْب بن مَالك أَن سَلمَة بن الْأَكْوَع قَالَ:
لما كَانَ يَوْم خَيْبَر قَاتل أخي قتالاً شَدِيدا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَارْتَد عَلَيْهِ سَيْفه فَقتله، فَقَالَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذَلِك، وَشَكوا فِيهِ: رجلٌ مَاتَ فِي سلاحه. قَالَ سَلمَة. فقفل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من خَيْبَر فَقلت: يَا رَسُول الله، ائْذَنْ لي أَن أرجز لَك. فَأذن لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ عمر: اعْلَم مَا تَقول قَالَ: فَقلت:
(لَوْلَا الله مَا اهتدينا ... وَلَا تصدقنا وَلَا صلينَا)
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " صدقت "
(فأنزلن سكينَة علينا ... وَثَبت الْأَقْدَام إِن لاقينا)
(وَالْمُشْرِكُونَ قد بغوا علينا ... )
فَلَمَّا قضيت رجزي قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " من قَالَ هَذَا؟ " قلت: قَالَه أخي.
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " يرحمه الله " قَالَ: فَقلت: يَا رَسُول الله، وَالله إِن نَاسا ليهابون الصَّلَاة عَلَيْهِ، يَقُولُونَ: رجل مَاتَ بسلاحه. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " كذبُوا، مَاتَ جاهداً مُجَاهدًا ".
قَالَ ابْن شهَاب: ثمَّ سَأَلت ابْنا لسَلمَة بن الْأَكْوَع، فَحَدثني عَن أَبِيه مثل ذَلِك، غير أَنه قَالَ حِين قلت:
إِن نَاسا يهابون الصَّلَاة عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " كذبُوا، مَاتَ جاهداً مُجَاهدًا، فَلهُ أجره مرَّتَيْنِ. ".
955 - التَّاسِع: عَن يزِيد بن أبي عبيد عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع: كَانَ عليٌّ قد تخلف عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خَيْبَر، وَكَانَ رمداً فَقَالَ: أَنا أَتَخَلَّف عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(1/574)
فَخرج عليٌّ فلحق بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَمَّا كَانَ مسَاء اللَّيْلَة الَّتِي فتحهَا الله فِي صباحها، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَأُعْطيَن الرَّايَة - أَو ليأخذن الرَّايَة - غَدا رجلٌ يُحِبهُ الله وَرَسُوله أَو قَالَ يحب الله وَرَسُوله - يفتح الله عَلَيْهِ " فَإِذا نَحن بعليٍّ وَمَا نرجوه فَقَالُوا: هَذَا عَليّ، فَأعْطَاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرَّايَة، فَفتح الله عَلَيْهِ.
956 - الْعَاشِر: عَن يزِيد بن أبي عبيد قَالَ: سَمِعت سَلمَة بن الْأَكْوَع يَقُول: خرجت قبل أَن يُؤذن بِالْأولَى، وَكَانَت لقاح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ترعى بِذِي قرد، قَالَ: فلقيني غلامٌ لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَقَالَ: أخذت لقاح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
فَقلت: من أَخذهَا؟ قَالَ: غطفان. قَالَ: فصرخت ثَلَاث صرخات: يَا صَبَاحَاه، قَالَ: فأسمعت مَا بَين لابتي الْمَدِينَة، ثمَّ اندفعت على وَجْهي حَتَّى أدركهم، وَقد أخذُوا يسقون من المَاء، فَجعلت أرميهم بنبلي، وَكنت رامياً، وَأَقُول:
(انا ابْن الْأَكْوَع ... الْيَوْم يَوْم الرضع)
وأرتجز، حَتَّى استنقذت اللقَاح مِنْهُم، واستبتب مِنْهُم ثَلَاثِينَ بردة. قَالَ: وَجَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالنَّاس، فَقلت: يَا نَبِي الله، إِنِّي قد حميت الْقَوْم المَاء وهم عطاش فَابْعَثْ إِلَيْهِم السَّاعَة. فَقَالَ: " يَا ابْن الْأَكْوَع، ملكت فَأَسْجِحْ " قَالَ: ثمَّ رَجعْنَا ويردفني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على نَاقَته حَتَّى دَخَلنَا الْمَدِينَة.
وَفِي حَدِيث مكي أَن سَلمَة قَالَ:
خرجت من الْمَدِينَة أُرِيد الغابة، حَتَّى إِذا كنت بثنية الغابة، لَقِيَنِي غُلَام لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف، فَقلت: وَيحك، مَا بك؟ قَالَ: أخذت لقاح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَقلت: من أَخذهَا؟ قَالَ: غطفان وفزارة. فصرخت ثَلَاث صرخات. . ثمَّ ذكر نَحوه. وَفِي آخر هـ: " ملكت فَأَسْجِحْ، إِن الْقَوْم يقرونَ فِي قَومهمْ. "(1/575)
957 - الْحَادِي عشر: عَن يزِيد بن أبي عبيد قَالَ: قلت لسَلمَة: على أَي شَيْء بايعتم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْحُدَيْبِيَة؟ قَالَ: على الْمَوْت.
وَفِي حَدِيث أبي عَاصِم عَن يزِيد عَن سَلمَة قَالَ:
بَايعنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَحت الشَّجَرَة، فَقَالَ لي: " يَا سَلمَة، إِلَّا تبَايع " قلت: يَا رَسُول الله، قد بَايَعت فِي الأول. قَالَ: " وَفِي الثَّانِي ".
وَفِي حَدِيث مكي: بَايَعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ عدلت إِلَى ظلّ شَجَرَة، فَلَمَّا خف النَّاس قَالَ: " يَا ابْن الْأَكْوَع، أَلا تبَايع؟ " قَالَ: قلت: قد بَايَعت. قَالَ: " وَأَيْضًا " قَالَ فَبَايَعته الثَّانِيَة، فَقلت: يَا أَبَا مُسلم، على أَي شَيْء كُنْتُم تُبَايِعُونَ يَوْمئِذٍ؟ قَالَ: على الْمَوْت.
958 - الثَّانِي عشر: عَن يزِيد عَن سَلمَة قَالَ: سمعته يَقُول: غزوت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سبع غزوات، وَخرجت فِيمَا يبْعَث من الْبعُوث تسع غزوات، مرّة علينا أَبُو بكر، وَمرَّة علينا أُسَامَة.
وَفِي حَدِيث حَمَّاد بن مسْعدَة عَن يزِيد عَن سَلمَة قَالَ:
غزوت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سبع غزوات، فَذكر خَيْبَر، وَالْحُدَيْبِيَة، وَيَوْم حنين، وَيَوْم القرد. قَالَ يزِيد: ونيست بقيتها.
959 - الثَّالِث عشر: عَن بكير بن عبد الله بن الْأَشَج عَن يزِيد عَن سَلمَة قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة: {وعَلى الَّذين يطيقُونَهُ فديَة طَعَام مِسْكين} [الْبَقَرَة] كَانَ من أَرَادَ أَن يفْطر ويفتدي حَتَّى نزلت الَّتِي بعْدهَا فنسختها.(1/576)
وَفِي حَدِيث عَمْرو بن الْحَارِث عَن بكير:
حَتَّى أنزلت هَذِه الْآيَة: {فَمن شهد مِنْكُم الشَّهْر فليصمه} [الْبَقَرَة] قَالَ البُخَارِيّ: مَاتَ بكير قبل يزِيد.
960 - الرَّابِع عشر: عَن يزِيد بن أبي عبيد عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " من ضحى مِنْكُم فَلَا يصبحن بعد ثَالِثَة وَفِي بَيته مِنْهُ شَيْء. فَلَمَّا كَانَ الْعَام الْمقبل قَالُوا: نَفْعل يَا رَسُول الله كَمَا فعلنَا فِي الْعَام الْمَاضِي؟ قَالَ: " كلوا، وأطعموا، وَادخرُوا، فَإِن ذَلِك الْعَام كَانَ بِالنَّاسِ جهد، فَأَرَدْت أَن تعينُوا فيهم ".
961 - الْخَامِس عشر: عَن يزِيد عَن سَلمَة: أَنه دخل على الْحجَّاج فَقَالَ: يَا ابْن الْأَكْوَع، ارتددت على عقبيك، تعربت؟ قَالَ: لَا، وَلَكِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أذن لي فِي البدو.
زَاد البُخَارِيّ فِي رِوَايَته عَن قُتَيْبَة من حَدِيث يزِيد بن أبي عبيد قَالَ: لما قتل عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ، خرج سَلمَة بن الْأَكْوَع إِلَى الربذَة، وَتزَوج هُنَاكَ امْرَأَة وَولدت لَهُ أَوْلَادًا، فَلم يزل بهَا حَتَّى قبل أَن يَمُوت بليالٍ فَنزل الْمَدِينَة.
962 - السَّادِس عشر: عَن الْحسن بن مُحَمَّد بن عَليّ عَن سَلمَة وَجَابِر قَالَا: كُنَّا فِي جَيش، فَأَتَانَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " إِنَّه قد أذن لكم أَن تستمتعوا فاستمتعوا " يَعْنِي مُتْعَة النِّسَاء.
وَفِي حَدِيث عَمْرو بن دِينَار:
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَانَا، فَأذن لنا فِي الْمُتْعَة.(1/577)
أَفْرَاد البُخَارِيّ
963 - الحَدِيث الأول: عَن يزِيد بن أبي عبيد عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " من تَقول عَليّ مَا لم أقل فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار ".
964 - الثَّانِي عَن يزِيد عَن سَلمَة قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذْ أُتِي بِجنَازَة، فَقَالُوا: صل عَلَيْهَا. فَقَالَ: " هَل عَلَيْهِ دين؟ " قَالُوا: لَا. قَالَ: " فَهَل ترك شَيْئا؟ " قَالُوا: لَا. فصلى عَلَيْهِ.
ثمَّ أُتِي بِجنَازَة أُخْرَى، فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، صل عَلَيْهَا، قَالَ. " هَل ترك شَيْئا؟ " قَالُوا: لَا. قَالَ: " فَهَل عَلَيْهِ دين؟ " قَالُوا: ثَلَاثَة دَنَانِير. قَالَ: " صلوا على صَاحبكُم " فَقَالَ أَبُو قَتَادَة: صل عَلَيْهِ يَا رَسُول الله وَعلي دينه. فصلى عَلَيْهِ.
965 - الثَّالِث: عَن يزِيد بن أبي عبيد عَن سَلمَة قَالَ: خفت أزواد الْقَوْم وأملقوا فَأتوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نحر إبلهم، فَأذن لَهُم، فَلَقِيَهُمْ عمر فأخبروه فَقَالَ: فَمَا بقاؤكم بعد إبلكم؟ فَدخل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، مَا بقاؤهم بعد إبلهم؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " نَاد فِي النَّاس يَأْتُوا بِفضل أَزْوَادهم " فَبسط لذَلِك نطع وجعلوه عَليّ النطع، فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدَعَا وبرك عَلَيْهِ، ثمَّ دعاهم بِأَوْعِيَتِهِمْ، فاحتثى النَّاس حَتَّى فرغوا، ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأَنِّي رَسُول الله ".
966 - الرَّابِع: عَن يزِيد بن أبي عبيد قَالَ: سَمِعت سَلمَة بن الْأَكْوَع قَالَ: مر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على نفرٍ من أسلم ينتضلون بِالسوقِ، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " ارموا بني(1/578)
إِسْمَاعِيل، فَإِن أَبَاكُم كَانَ رامياً " أَو " ارموا وَأَنا مَعَ بني فلَان " فَأمْسك أحد الْفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِم، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " مَا لكم لَا ترمون؟ " فَقَالُوا: كَيفَ نرمي وَأَنت مَعَهم؟ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " ارموا وَأَنا مَعكُمْ كلكُمْ ".
967 - الْخَامِس: عَن يزِيد بن أبي عبيد قَالَ: رَأَيْت أثر ضربةٍ فِي سَاق سَلمَة، فَقلت: يَا أَبَا مُسلم، مَا هَذِه الضَّرْبَة؟ فَقَالَ: هَذِه ضَرْبَة أصابتني يَوْم خَيْبَر. فَقَالَ: النَّاس: أُصِيب سَلمَة، وَأتي بِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فنفث فِيهِ ثَلَاث نفثات، فَمَا اشتكيتها حَتَّى السَّاعَة.
أَفْرَاد مُسلم
968 - الحَدِيث الأول: عَن إِيَاس بن أبي سَلمَة عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " من سل علينا السَّيْف فَلَيْسَ منا ".
969 - الثَّانِي: عَن إِيَاس عَن أَبِيه قَالَ: خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة فأصابنا جهدٌ حَتَّى هممنا أَن نَنْحَر بعض ظهرنا، فَأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجمعنا تزوادنا، وبسطنا لَهُ نطعاً، فَاجْتمع زَاد الْقَوْم على النطع، قَالَ: فتطاولت لأحزر كم هُوَ، قَالَ: حزرته فَإِذا هُوَ كربضة العنز، وَنحن أَربع عشرَة مائَة، قَالَ: فأكلنا حَتَّى شبعنا جَمِيعًا، ثمَّ حشونا جربنَا. فَقَالَ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " فَهَل من وضوء؟ " قَالَ: فجَاء رجل بإداوة فِيهَا نُطْفَة، فأفرغها فِي قدح، فتوضأنا كلنا ندغفقه دغفقة، أَربع عشر مائَة. قَالَ: ثمَّ جَاءَ بعد ثَمَانِيَة فَقَالُوا: هَل من طهُور؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " فرغ الْوضُوء "(1/579)
ذكر أَبُو مَسْعُود فِي أَفْرَاد مُسلم، وَفِيه زِيَادَة توجب لَهُ ذَلِك، وَإِن كَانَ مَا فِيهِ من ذكر الْأَفْرَاد بِمَعْنى الحَدِيث الثَّالِث من أَفْرَاد البُخَارِيّ.
970 - الثَّالِث: عَن إِيَاس بن سَلمَة قَالَ: غزونا فَزَارَة وعلينا أَبُو بكر، أمره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علينا، فَلَمَّا كَانَ بَيْننَا وَبَين المَاء سَاعَة، أمرنَا أَبُو بكر فعرسنا، ثمَّ شن الْغَارة، فورد المَاء فَقتل من قتل عَلَيْهِ، وسبى، وَأنْظر إِلَى عنقٍ من النَّاس فيهم الذَّرَارِي، فَخَشِيت أَن يسبقوني إِلَى الْجَبَل، فرميت بِسَهْم بَينهم وَبَين الْجَبَل، فَلَمَّا رَأَوْا السهْم وقفُوا، فَجئْت بهم أسوقهم وَفِيهِمْ امْرَأَة من بني فَزَارَة عَلَيْهَا قشعٌ من أَدَم - قَالَ: القشع: النطع - مَعهَا ابْنة لَهَا من أحسن الْعَرَب، فسقتهم حَتَّى أتيت بهم أَبَا بكر، فنفلني أَبُو بكر ابْنَتهَا، فقدمنا الْمَدِينَة وَمَا كشفت لَهَا ثوبا، فلقيني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السُّوق فَقَالَ: " يَا سَلمَة، هَب لي الْمَرْأَة " فَقلت: يَا رَسُول الله، لقد أعجبتني، وَمَا كشفت لَهَا ثوبا. ثمَّ لَقِيَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْغَد فِي السُّوق فَقَالَ: " يَا سَلمَة، هَب لي الْمَرْأَة، لله أَبوك ". فَقلت: هِيَ لَك يَا رَسُول الله، فوَاللَّه مَا كشفت لَهَا ثوبا. فَبعث بهَا نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أهل مَكَّة، ففدى بهَا أُنَاسًا من الْمُسلمين كَانُوا أَسرُّوا بِمَكَّة.
971 - الرَّابِع: عَن إِيَاس بن سَلمَة قَالَ: حَدثنِي أبي قَالَ: غزونا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حنيناً، فَلَمَّا وَاجَهنَا الْعَدو تقدّمت فأعلو ثنية، فاستقبلني رجل من الْعَدو، فأرميه بِسَهْم، فتوارى عني، فَمَا دَريت مَا صنع، وَنظرت إِلَى الْقَوْم فَإِذا هم قد طلعوا من ثنية أُخْرَى فَالْتَقوا هم وَأَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فولى أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأرجع مُنْهَزِمًا، وَعلي بردتان متزرٌ بِإِحْدَاهُمَا مرتدٍ بِالْأُخْرَى، فاستطلق إزَارِي، فجمعتهما جَمِيعًا، ومررت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُنْهَزِمًا وَهُوَ على بغلته الشَّهْبَاء،(1/580)
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "
لقد رأى ابْن الْأَكْوَع فَزعًا ". فَلَمَّا غشوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نزل عَن البغلة، ثمَّ قبض قَبْضَة من تُرَاب الأَرْض، ثمَّ اسْتقْبل بِهِ وُجُوههم، فَقَالَ " شَاهَت الْوُجُوه " فَمَا خلق الله مِنْهُم إنْسَانا إِلَّا مَلأ عَيْنَيْهِ تُرَابا بِتِلْكَ القبضة، فَوَلوا مُدبرين، فَهَزَمَهُمْ الله، وَقسم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غنائمهم بَين الْمُسلمين.
972 - الْخَامِس: عَن إِيَاس بن سَلمَة قَالَ: حَدثنِي أبي قَالَ: قدمنَا الْحُدَيْبِيَة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنحن أَربع عشرَة مائَة، عَلَيْهَا خَمْسُونَ شَاة لَا ترْوِيهَا. قَالَ: فَقعدَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على جبا الرَّكية فإمَّا دَعَا وَإِمَّا بَصق فِيهَا، قَالَ: فَجَاشَتْ، فسقينا وَاسْتَقَيْنَا. قَالَ: ثمَّ إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَانَا لِلْبيعَةِ فِي أصل الشَّجَرَة. قَالَ: فَبَايَعته أول النَّاس، ثمَّ بَايع وَبَايع، حَتَّى إِذا كَانَ فِي وسطٍ من النَّاس قَالَ: " بَايع يَا سَلمَة " قَالَ: قلت: قد بَايَعْتُك يَا رَسُول الله فِي أول النَّاس. قَالَ: " وَأَيْضًا ". قَالَ: ورآني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعزل يَعْنِي لَيْسَ مَعَه سلاحٌ، قَالَ: فَأَعْطَانِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجفة أَو درقة ثمَّ بَايع حَتَّى إِذا كَانَ فِي آخر النَّاس قَالَ: " أَلا تبايعني يَا سَلمَة؟ " قَالَ: قلت: قد بَايَعْتُك يَا رَسُول الله فِي أول النَّاس وَفِي أَوسط النَّاس. قَالَ: " وَأَيْضًا " فَبَايَعته الثَّالِثَة ثمَّ قَالَ لي: " يَا سَلمَة، أَيْن حجفتك أَو درقتك الَّتِي أَعطيتك إِيَّاهَا؟ " قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله، لَقِيَنِي عمي عَامر أعزل فأعطيته إِيَّاهَا. فَضَحِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: " إِنَّك كَالَّذي قَالَ الأول: اللَّهُمَّ أبغني حبيباً هُوَ أحب إِلَيّ من نَفسِي " ثمَّ إِن الْمُشْركين واسونا الصُّلْح، حَتَّى مَشى بَعْضنَا فِي بعض واصطلحنا. قَالَ: وَكنت تبيعاً لطلْحَة بن عبيد الله، أَسْقِي فرسه وأحسه، وأخدمه، وآكل من طَعَامه. وَتركت أَهلِي وَمَالِي مُهَاجرا إِلَى الله وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(1/581)
فَلَمَّا اصطلحنا نَحن وَأهل مَكَّة، وَاخْتَلَطَ بَعْضنَا بِبَعْض أتيت شَجَرَة فكسحت شَوْكهَا، فاضطجعت فِي أَصْلهَا. قَالَ: فَأَتَانِي أَرْبَعَة من الْمُشْركين من أهل مَكَّة، فَجعلُوا يقعون فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فأبغضتهم فتحولت إِلَى شَجَرَة أُخْرَى، وعلقوا سِلَاحهمْ واضطجعوا، فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ نَادَى منادٍ من أَسْفَل الْوَادي: يَا للمهاجرين، قتل ابْن زنيم. قَالَ: فاخترطت سَيفي، ثمَّ شددت على أُولَئِكَ الْأَرْبَعَة وهم رقود، فَأخذت سِلَاحهمْ، فَجَعَلته ضغثاً فِي يَدي، قَالَ: ثمَّ قلت: وَالَّذِي كرم وَجه محمدٍ، لَا يرفع أحدٌ مِنْكُم رَأسه إِلَّا ضربت الَّذِي فِيهِ عَيناهُ. قَالَ ثمَّ جِئْت بهم أسوقهم إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: وَجَاء عمي عَامر بِرَجُل من العبلات يُقَال لَهُ مكرز يَقُودهُ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على فرس مجفف فِي سبعين من الْمُشْركين، فَنظر إِلَيْهِم رَسُول الله فَقَالَ: " دعوهم يكن لَهُم بَدْء الْفُجُور وثناه " فَعَفَا عَنْهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأنزل عز وَجل: {وَهُوَ الَّذِي كف أَيْديهم عَنْكُم وَأَيْدِيكُمْ عَنْهُم بِبَطن مَكَّة من بعد أَن أَظْفَرَكُم عَلَيْهِم} [الْفَتْح]
قَالَ: ثمَّ خرجنَا رَاجِعين إِلَى الْمَدِينَة، فنزلنا منزلا، بَيْننَا وَبَين بني لحيان جبلٌ، وهم الْمُشْركُونَ، فَاسْتَغْفر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمن رقي هَذَا الْجَبَل اللَّيْلَة كَأَنَّهُ طليعةٌ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه. قَالَ سَلمَة: فرقيت تِلْكَ اللَّيْلَة مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا، ثمَّ قدمنَا الْمَدِينَة، فَبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بظهره مَعَ رباحٍ غُلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا مَعَه، وَخرجت مَعَه بفرس طَلْحَة أنديه مَعَ الظّهْر، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إِذا عبد الرَّحْمَن الْفَزارِيّ قد أغار على ظهر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاستاقه أجمع، وَقتل راعيه، فَقلت: يَا(1/582)
رَبَاح، خُذ هَذَا الْفرس فأبلغه طَلْحَة بن عبيد الله، وَأخْبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الْمُشْركين قد أَغَارُوا على سرحه. ثمَّ قُمْت على أكمة، فاستقبلت الْمَدِينَة فناديت ثَلَاثًا: يَا صَبَاحَاه، ثمَّ خرجت فِي آثَار الْقَوْم أرميهم بِالنَّبلِ وأرتجز، أَقُول:
(أَنا ابْن الْأَكْوَع ... وَالْيَوْم يَوْم الرضع)
فَألْحق رجلا مِنْهُم، فأصك سَهْما فِي رَحْله حَتَّى خلص نصل السهْم إِلَى كتفه. قَالَ: قلت: خُذْهَا وَأَنا ابْن الْأَكْوَع، وَالْيَوْم يَوْم الرضع. قَالَ: فوَاللَّه مَا زلت أرميهم وأعقر بهم فَإِذا رَجَعَ إِلَيّ فارسٌ أتيت شَجَرَة، فَجَلَست فِي أَصْلهَا ثمَّ رميته فعقرته، حَتَّى إِذا تضايق الْجَبَل، فَدَخَلُوا فِي تضايقه، عَلَوْت الْجَبَل، فَجعلت أرميهم بِالْحِجَارَةِ. قَالَ: فَمَا زلت كَذَلِك اتبعهم حَتَّى مَا خلق الله من بعير من ظهر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا خلفته وَرَاء ظَهْري، وخلوا بيني وَبَينه، ثمَّ اتبعتهم أرميهم حَتَّى ألقوا أَكثر من ثَلَاثِينَ بردة وَثَلَاثِينَ رمحاً، يستخفون، وَلَا يطرحون شَيْئا إِلَّا جعلت عَلَيْهِ آراماً من الْحِجَارَة يعرفهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه، حَتَّى أَتَوا متضايقاً من ثنية، فَإِذا هم قد أَتَاهُم فلَان بن بدر الْفَزارِيّ فَأخذُوا يتضحون، يَعْنِي يتغدون، وَجَلَست على رَأس قرن، قَالَ الْفَزارِيّ: مَا هَذَا الَّذِي أرى؟ قَالُوا: لَقينَا من هَذَا البرح، وَالله مَا فارقنا مُنْذُ غلس يرمينا، حَتَّى انتزع كل شَيْء فِي أَيْدِينَا. قَالَ: فَليقمْ إِلَيْهِ نفرٌ مِنْكُم أَرْبَعَة، قَالَ: فَصَعدَ إِلَيّ مِنْهُم أَرْبَعَة فِي الْجَبَل، فَلَمَّا أمكنوني من الْكَلَام قلت: هَل تعرفوني؟ قَالُوا: لَا، وَمن أَنْت؟ قَالَ: قلت: أَنا سَلمَة بن الْأَكْوَع، وَالَّذِي كرم وَجه مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا أطلب رجلا مِنْكُم إِلَّا أَدْرَكته، وَلَا يطلبني رجلٌ مِنْكُم فيدركني. قَالَ أحدهم: أَنا أَظن: قَالَ: فَرَجَعُوا(1/583)
قَالَ: فَمَا بَرحت مَكَاني حَتَّى رَأَيْت فوارس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتخللون الشّجر. قَالَ: فَإِذا أَوَّلهمْ الأخرم الْأَسدي، على إثره أَبُو قَتَادَة الْأنْصَارِيّ، وعَلى إثره الْمِقْدَاد بن الْأسود الْكِنْدِيّ. قَالَ: وَأخذت بعنان الأخرم، قَالَ: فَوَلوا مُدبرين: قلت يَا أخرم، احذرهم لَا يقتطعوك حَتَّى يلْحق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه. قَالَ: يَا سَلمَة إِن كنت تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر، وَتعلم أَن الْجنَّة حقٌّ وَالنَّار حقٍّ، فَلَا تحل بيني وَبَين الشَّهَادَة، قَالَ: فخليته، فَالتقى هُوَ وَعبد الرَّحْمَن، قَالَ: فعقر بِعَبْد الرَّحْمَن فرسه، وطعنه عبد الرَّحْمَن فَقتله، وتحول على فرسه، وَلحق أَبُو قَتَادَة فَارس رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعَبْد الرَّحْمَن فطعنه فَقتله، فوالذي كرم وَجه مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لتبعتهم أعدو على رجْلي حَتَّى مَا أرى ورائي من أَصْحَاب محمدٍ وَلَا غبارهم شَيْئا، حَتَّى يعدلُوا قبل غرُوب الشَّمْس إِلَى شعب فِيهِ مَاء، يُقَال لَهُ ذَا قردٍ ليشربوا مِنْهُ وهم عطاش، قَالَ: فنظروا إِلَيّ أعدو وَرَاءَهُمْ، فخليتهم عَنهُ - يَعْنِي أجليتهم مِنْهُ، فَمَا ذاقوا مِنْهُ قَطْرَة. قَالَ: وَيخرجُونَ فيشتدون فِي ثنية. قَالَ: فأعدو فَألْحق رجلا مِنْهُم فأصكه بِسَهْم فِي بعض كتفه. قَالَ: قلت: خُذْهَا وَأَنا ابْن الْأَكْوَع وَالْيَوْم يَوْم الرضع.
قَالَ: يَا ثكلته أمه، أكوعه بكرَة؟ قَالَ: قلت: نعم يَا عَدو نَفسه، أكوعك بكرَة.
قَالَ: وأردوا فرسين على ثنية، فَجئْت بهما أسوقهما إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ: ولحقني عَامر بسطيحة فِيهَا مذقة من لبن، وسطيحة فِيهَا مَاء، فَتَوَضَّأت وشربت، ثمَّ أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ على المَاء الَّذِي خليتهم عَنهُ، فَإِذا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أَخذ تِلْكَ الْإِبِل وكل شَيْء استنقذته من الْمُشْركين، وكل رمح وبردة، وَإِذا بلالٌ نحر نَاقَة من الْإِبِل الَّتِي استنقذت من الْقَوْم، وَإِذا هُوَ يشوي لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَالَ: قلت يَا رَسُول الله، خَلِّنِي فأنتخب من الْقَوْم مائَة رجل، فأتبع الْقَوْم فَلَا يبْقى مِنْهُم مخبر إِلَّا قتلته. قَالَ: فَضَحِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه فِي ظلّ النَّار، فَقَالَ: " يَا سَلمَة، أتراك كنت فَاعِلا؟ " قلت: نعم، وَالَّذِي أكرمك.
فَقَالَ: " إِنَّهُم الْآن ليفرون فِي أَرض غطفان ".(1/584)
قَالَ: فجَاء رجل من غطفان فَقَالَ: نحر لَهُم فلانٌ جزوراً، فَلَمَّا كشفوا جلدهَا رَأَوْا غباراً، فَقَالُوا: أَتَاكُم الْقَوْم، فَخَرجُوا هاربين، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
كَانَ خير فرساننا الْيَوْم أَبُو قَتَادَة، وَخير رجالتنا سَلمَة ". قَالَ: ثمَّ أَعْطَانِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَهْمَيْنِ: سهم الْفَارِس وَسَهْم الراجل، فجمعهما إِلَيّ جَمِيعًا، ثمَّ أردفني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على العضباء رَاجِعين إِلَى الْمَدِينَة. قَالَ: فَبَيْنَمَا نَحن نسير، قَالَ: وَكَانَ رجلٌ الْأَنْصَار لَا يسْبق شداًّ، قَالَ: فَجعل يَقُول: أَلا مسابقٌ إِلَى الْمَدِينَة، هَل من مسابق؟ فَجعل يُعِيد ذَلِك قَالَ:، فَلَمَّا سَمِعت كَلَامه قلت: أما تكرم كَرِيمًا، وَلَا تهاب شريفاً، إِلَّا أَن يكون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله، بِأبي وَأمي، ذَرْنِي فلأسبق الرجل. قَالَ: " إِن شِئْت ". . قَالَ: قلت: اذْهَبْ إِلَيْك. قَالَ: وثنيت رجْلي، فطفرت فعدوت وربطت عَلَيْهِ شرفاً أَو شرفين أستبقي نَفسِي، ثمَّ عدوت فِي أَثَره، فَربطت عَلَيْهِ شرفاً أَو شرفين، ثمَّ إِنِّي رفعت حَتَّى ألحقهُ، قَالَ: فأصكه بَين كَتفيهِ. قَالَ: قلت قد سبقت وَالله.
قَالَ: أَنا أَظن. قَالَ: فسبقته إِلَى الْمَدِينَة.
قَالَ: فوَاللَّه مَا لبثنا إِلَّا ثَلَاث ليالٍ حَتَّى خرجنَا إِلَى خَيْبَر مَعَ رَسُول الله، فَجعل عمي عامرٌ يرتجز بالقوم:
(تالله لَوْلَا الله مَا اهتدينا ... وَلَا تصدقنا وَلَا صلينَا)
(وَنحن عَن فضلك مَا استغنينا ... فَثَبت الْأَقْدَام إِن لاقينا)
(وأنزلن سكينَة علينا ... )
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " من هَذَا؟ " قَالَ: أَنا عَامر. قَالَ: " غفر لَك رَبك " قَالَ: وَمَا اسْتغْفر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لإِنْسَان يَخُصُّهُ إِلَّا اسْتشْهد. قَالَ: فَنَادَى عمر بن(1/585)
الْخطاب وَهُوَ على جمل لَهُ: يَا نَبِي الله، لَوْلَا متعنَا بعامر. قَالَ: فَلَمَّا قدمنَا خَيْبَر قَالَ: خرج ملكهم مرحبٌ يخْطر بِسَيْفِهِ، يَقُول:
(قد علمت خَيْبَر أَنِّي مرحب ... شاكي السِّلَاح بطلٌ مجرب)
(إِذا الحروب أَقبلت تلهب ... )
قَالَ: وبرز لَهُ عمي عَامر فَقَالَ:
(قد علمت خَيْبَر أَنى عَامر ... شاكي السِّلَاح بطلٌ مغامر)
قَالَ: فاختلفا ضربتين، فَوَقع سيف مرحبٍ فِي ترس عامرٍ، وَذهب عَامر يسفل لَهُ، فَرجع سَيْفه على نَفسه، فَقطع أكحله وَكَانَت فِيهَا نَفسه.
قَالَ سَلمَة: فَخرجت فَإِذا نفرٌ من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُونَ: بَطل عمل عَامر، قتل نَفسه قَالَ:
فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا أبْكِي، فَقلت: يَا رَسُول الله، بَطل عمل عَامر. قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَالَ ذَلِك؟ " " قَالَ: قلت: ناسٌ من أَصْحَابك. قَالَ: " كذب من قَالَ ذَلِك، بل لَهُ أجره مرَّتَيْنِ " ثمَّ أَرْسلنِي إِلَى عليٍّ وَهُوَ أرمد، فَقَالَ: " لَأُعْطيَن الرَّايَة رجلا يحب الله وَرَسُوله، وَيُحِبهُ الله وَرَسُوله ".
قَالَ: فَأتيت علياًّ، فَجئْت بِهِ أقوده وَهُوَ أرمد، حَتَّى أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فبصق فِي عَيْنَيْهِ فبرأ، وَخرج مرحب فَقَالَ:
(قد علمت خَيْبَر أَنى مرحب ... شاكي السِّلَاح بطلٌ مجرب)
(إِذا الحروب أَقبلت تلهب ... )
فَقَالَ عليٌّ رَضِي الله عَنهُ:
(أَنا الَّذِي سمتني أُمِّي حيدره ... كليث غابات كريه المنظره)
(أَو فيهم بالقاع كيل السندره ... )
قَالَ: فَضرب رَأس مرحب فَقتله، ثمَّ كَانَ الْفَتْح على يَده.(1/586)
فِي هَذَا الحَدِيث من ذكر الإغارة على السَّرْح، وقصة عَامر وارتجازه، وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَأُعْطيَن الرَّايَة ... " مَا قد اتّفق البُخَارِيّ مَعَه على مَعْنَاهُ وَلَكِن فِيهِ الزِّيَادَة وَالشَّرْح مَا يُوجب كَونه من أَفْرَاد مُسلم، كَمَا ذكره أَبُو مَسْعُود.
973 - السَّادِس: عَن إِيَاس بن سَلمَة عَن أَبِيه: أَن رجلا أكل عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِشمَالِهِ، فَقَالَ: " كل بيمينك " قَالَ: لَا أَسْتَطِيع: فَقَالَ: " لَا اسْتَطَعْت " مَا مَنعه إِلَّا الْكبر، فَمَا رَفعهَا إِلَى فِيهِ.
974 - السَّابِع: عَن إِيَاس بن سَلمَة عَن أَبِيه قَالَ: لقد قدت بِنَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْحسن وَالْحُسَيْن بغلته الشَّهْبَاء حَتَّى أدخلتهم حجرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، هَذَا قدامه، وَهَذَا خَلفه.
975 - الثَّامِن: عَن إِيَاس بن سَلمَة بن الْأَكْوَع عَن أَبِيه قَالَ: عدنا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا موعوكاً قَالَ: فَوضعت يَدي عَلَيْهِ، فَقلت: وَالله مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ رجلا أَشد حرا. فَقَالَ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أَلا أخْبركُم بأشد حراًّ مِنْهُ يَوْم الْقِيَامَة؟ هاذينك الرجلَيْن المقفيين " لِرجلَيْنِ حِينَئِذٍ من أَصْحَابه؟
976 - التَّاسِع: عَن إِيَاس بن سَلمَة عَن أَبِيه: أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وعطس عِنْده رجل فَقَالَ: " يَرْحَمك الله " ثمَّ عطس أُخْرَى فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الرجل مزكوم ".
آخر مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ من مُسْند سَلمَة بن الْأَكْوَع وَهُوَ آخر مسانيد المقدمين بعد الْعشْرَة رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ، وَعَن التَّابِعين لَهُم بِإِحْسَان إِلَى يَوْم الدّين.(1/587)
(75) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند أبي الْعَبَّاس عبد الله بن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب رَضِي الله عَنْهُمَا
977 - الأول: عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود عَن ابْن عَبَّاس من رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَجود النَّاس، وَكَانَ أَجود مَا يكون فِي رَمَضَان حِين يلقاه جِبْرِيل، وَكَانَ جِبْرِيل يلقاه فِي كل ليلةٍ من رَمَضَان فيدارسه الْقُرْآن، فلرسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين يلقاه جِبْرِيل أَجود بِالْخَيرِ من الرّيح الْمُرْسلَة.
وَفِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن مَسْعُود نَحوه، قَالَ:
وَكَانَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام يلقاه كل ليلةٍ فِي رَمَضَان حَتَّى يَنْسَلِخ، يعرض عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقُرْآن.
978 - الثَّانِي: عَن عبيد الله من رِوَايَة الزُّهْرِيّ عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج من الْمَدِينَة وَمَعَهُ عشرَة آلَاف، وَذَلِكَ على رَأس ثَمَان سِنِين وَنصف من مقدمه الْمَدِينَة، فَسَار بِمن مَعَه من الْمُسلمين إِلَى مَكَّة، يَصُوم وَيَصُومُونَ، حَتَّى بلغ الكديد - وَهُوَ مَاء بَين عسفان وقديد - أفطر وأفطروا. قَالَ الزُّهْرِيّ: وَإِنَّمَا يُؤْخَذ من أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الآخر فالآخر. هَذَا لفظ معمر عَن الزُّهْرِيّ عِنْد البُخَارِيّ، وَهُوَ أطول الْأَحَادِيث.
وَحَدِيث اللَّيْث عَن عقيل عَن الزُّهْرِيّ عِنْد البُخَارِيّ مُخْتَصر:
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غزا غَزْوَة الْفَتْح فِي رَمَضَان. لم يزدْ: قَالَ: وَسمعت سعيد بن الْمسيب يَقُول مثل(2/5)
ذَلِك. وَقَالَ مُتَّصِلا بِهِ: وَعَن عبيد الله بن عبد الله بن عَبَّاس قَالَ:
صَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى إِذا بلغ الكديد - المَاء الَّذِي بَين قديد وَعُسْفَان - أفطر، فَلم يزل مُفطرا حَتَّى انْسَلَخَ الشَّهْر.
وَهُوَ عِنْد مُسلم من حَدِيث اللَّيْث عَن ابْن شهَاب:
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج عَام الْفَتْح، فَصَارَ حَتَّى بلغ الكديد أفطر. قَالَ: وَكَانَ أَصْحَابه يتبعُون الأحدث فالأحدث من أمره.
وَعِنْده عَن يحيى بن يحيى وَغَيره عَن سُفْيَان مثله. قَالَ يحيى: قَالَ سُفْيَان: لَا أَدْرِي من قَول من هُوَ؟ يَعْنِي: كَانَ يُؤْخَذ بِالْآخرِ من قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَهُوَ عِنْده من حَدِيث عبد الرَّزَّاق عَن معمر مثله. قَالَ الزُّهْرِيّ: فَكَانَ الْفطر آخر الْأَمريْنِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذ من أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْآخرِ فالآخر. قَالَ الزُّهْرِيّ:
فَصبح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة لثلاث عشرَة من رَمَضَان. وَكَذَا عِنْده من حَدِيث يُونُس عَن الزُّهْرِيّ: قَالَ ابْن شهَاب: فَكَانُوا يتبعُون الأحدث فالأحدث من أمره، ويرونه النَّاسِخ الْمُحكم.
وَقد أَخْرجَاهُ من حَدِيث طَاوس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
سَافر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رَمَضَان فصَام حَتَّى بلغ عسفان، ثمَّ دَعَا بِإِنَاء من ماءٍ فَشرب نَهَارا ليراه النَّاس، وَأفْطر حَتَّى قدم مَكَّة. قَالَ: وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول: صَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السّفر وَأفْطر، فَمن شَاءَ صَامَ وَمن شَاءَ أفطر.
وَلمُسلم من حَدِيث عبد الْكَرِيم بن مَالك الْجَزرِي عَن طَاوس أَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
لَا تَعب على من صَامَ وَلَا على من أفطر، قد صَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السّفر، وَأفْطر.(2/6)
وللبخاري من حَدِيث خَالِد بن مهْرَان الْحذاء عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رَمَضَان إِلَى حنين، وَالنَّاس مُخْتَلفُونَ، فصائمٌ ومفطر، فَلَمَّا اسْتَوَى على رَاحِلَته دَعَا بِإِنَاء من لبن أَو مَاء فَوَضعه على رَاحِلَته أَو رَاحَته، ثمَّ نظر النَّاس فَقَالَ المفطرون للصوام: أفطروا. قَالَ البُخَارِيّ: وَقَالَ عبد الرَّزَّاق: أخبرنَا معمر عَن أَيُّوب عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام الْفَتْح - لم يزدْ.
زَاد أَبُو مَسْعُود وَأَبُو بكر البرقاني، والمتن عِنْده بِتَمَامِهِ من حَدِيث أَيُّوب عَن عِكْرِمَة عَنهُ قَالَ: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام الْفَتْح فِي شهر رَمَضَان، فصَام حَتَّى مر بغدير فِي الطَّرِيق، وَذَلِكَ فِي نحر الظهيرة، قَالَ: فعطش النَّاس، وَجعلُوا يهزون أَعْنَاقهم، وتتوق إِلَيْهِ أنفسهم، قَالَ: فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقدحٍ فِيهِ ماءٌ فأمسكه على يَده حَتَّى رَآهُ النَّاس، ثمَّ شرب وَشرب النَّاس فِي رَمَضَان.
979 - الثَّالِث: عَن عبيد الله بن عبد الله من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: استفتى سعد بن عبَادَة الْأنْصَارِيّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نذرٍ كَانَ على أمه توفيت قبل أَن تقضيه. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " اقضه عَنْهَا " فِي رِوَايَة شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ: فَكَانَت سنة بعد.
وَقد رَوَاهُ مُحَمَّد بن أبي عبد الرَّحْمَن الْمُقْرِئ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة بِالْإِسْنَادِ الَّذِي أخرجه بِهِ مُسلم فَقَالَ فِيهِ:
عَن ابْن عَبَّاس عَن سعد بن عبَادَة، جعله فِي مُسْند سعد. ذكره أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ فِي " المعجم ".(2/7)
وَقد أخرجَا من حَدِيث الحكم بن عتيبة عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
جَاءَت امْرَأَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِن أُمِّي مَاتَت وَعَلَيْهَا صَوْم نذر، أفأصوم عَنْهَا؟ قَالَ: " أَرَأَيْت لَو أَن على أمك دينٌ فقضيته، أَكَانَ يُؤَدِّي ذَلِك عَنْهَا؟ " قَالَت: نعم: قَالَ: " فصومي عَن أمك ".
وَفِي حَدِيث مُسلم البطين من رِوَايَة زَائِدَة عَن الْأَعْمَش عَنهُ عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
جَاءَ رجلٌ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِن أُمِّي مَاتَت وَعَلَيْهَا صَوْم شهرٍ، أفأقضيه عَنْهَا؟ فَقَالَ: " لَو كَانَ على أمك دينٌ أَكنت قاضيه عَنْهَا؟ " قَالَ: نعم. قَالَ: " فدين الله أَحَق أَن يقْضى ". قَالَ سُلَيْمَان الْأَعْمَش: فَقَالَ الحكم وَسَلَمَة بن كهيل: وَنحن جَمِيعًا جُلُوس حِين حدث مُسلم بِهَذَا الحَدِيث.
سمعنَا مُجَاهدًا يذكر هَذَا الحَدِيث عَن ابْن عَبَّاس. وَمِنْهُم من قَالَ: عَنهُ: إِن امْرَأَة قَالَت: إِن أُخْتِي مَاتَت. .
وللبخاري من حَدِيث أبي بشر عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
أَتَى رجلٌ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن أُخْتِي نذرت أَن تحج، وَإِنَّهَا مَاتَت، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو كَانَ عَلَيْهَا دينٌ أَكنت قاضيه؟ " قَالَ: نعم. قَالَ: " فَاقْض الله، فَهُوَ أَحَق بِالْقضَاءِ ".
وَفِي حَدِيث أبي عوَانَة عَن أبي بشر:
أَن امْرَأَة من جُهَيْنَة جَاءَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَت: إِن أُمِّي نذرت أَن تحج فَلم تحج حَتَّى مَاتَت، أفأحج عَنْهَا؟ قَالَ " حجي عَنْهَا، أَرَأَيْت لَو كَانَ على أمك دين، أَكنت قاضيته؟ " قَالَت: نعم. قَالَ: " اقضوا الله، فَالله أَحَق بِالْوَفَاءِ "(2/8)
وَعند البُخَارِيّ من حَدِيث عَمْرو بن دِينَار عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس:
أَن رجلا قَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن أُمِّي توفيت، أينفعها إِن تَصَدَّقت عَنْهَا؟ قَالَ: " نعم " قَالَ: فَإِن لي مخرفاً، فَأَنا أشهدك أَنِّي قد تَصَدَّقت بِهِ عَنْهَا.
وَفِي حَدِيث يعلى بن مُسلم عَن عِكْرِمَة نَحوه. وَفِي أَوله:
أَن سعد بن عبَادَة أَخا بني سعد توفيت أمه وَهُوَ غَائِب عَنْهَا، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِن أُمِّي توفيت وَأَنا غَائِب،، أفينفعها إِن تَصَدَّقت عَنْهَا؟ " قَالَ: " نعم " الحَدِيث. .
980 - الرَّابِع: بِهَذَا الْإِسْنَاد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما حضر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي الْبَيْت رجالٌ فيهم عمر بن الْخطاب، قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " هلموا أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده " فَقَالَ عمر - وَفِي رِوَايَة: فَقَالَ بَعضهم: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد غلب عَلَيْهَا الوجع وعندكم الْقُرْآن حسبكم كتاب الله. فَاخْتلف أهل الْبَيْت واختصموا: فَمنهمْ من يَقُول: قربوا يكْتب لكم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمِنْهُم من يَقُول مَا قَالَ عمر.
وَفِي رِوَايَة: وَمِنْهُم من يَقُول غير ذَلِك. فَلَمَّا أَكْثرُوا اللَّغط وَالِاخْتِلَاف، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " قومُوا عني " قَالَ عبيد الله: فَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول: إِن الرزية مَا حَال بَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين أَن يكْتب لَهُم ذَلِك الْكتاب، لاختلافهم ولغطهم.
وَفِي حَدِيث يُونُس عَن الزُّهْرِيّ قَالَ:
قومُوا عني، وَلَا يَنْبَغِي عِنْدِي التَّنَازُع " فَخرج ابْن عَبَّاس وَهُوَ يَقُول: إِن الرزية كل الرزية مَا حَال بَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين كِتَابه.
وَأَخْرَجَاهُ من حَدِيث سُلَيْمَان بن أبي مُسلم الْأَحول، وَفِيه زِيَادَة. قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس: يَوْم الْخَمِيس وَمَا يَوْم الْخَمِيس: وَفِي رِوَايَة: ثمَّ بكا حَتَّى بل دمعه(2/9)
الْحَصَا. قلت: يَا ابْن عَبَّاس، وَمَا يَوْم الْخَمِيس قَالَ: اشْتَدَّ برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجَعه فَقَالَ: " ائْتُونِي بكتف أكتب لكم كتابا لَا تضلوا بعده أبدا " فتنازعوا، وَلَا يَنْبَغِي عِنْد نَبِي تنَازع. فَقَالُوا. مَا شَأْنه، هجر؟ استفهموه، فَذَهَبُوا يردون عَلَيْهِ فَقَالَ: ذروني، دَعونِي، فَالَّذِي أَنا فِيهِ خير مِمَّا تدعونني إِلَيْهِ. فَأَمرهمْ - وَفِي رِوَايَة: فأوصاهم بِثَلَاث، فَقَالَ: " أخرجُوا الْمُشْركين من جَزِيرَة الْعَرَب، وأجيزوا الْوَفْد بِنَحْوِ مَا كنت أجيزهم بِهِ " وَسكت عَن الثَّالِثَة، أَو قَالَهَا فنسيتها. قَالَ سُفْيَان هَذَا من قَول سُلَيْمَان. وَفِي حَدِيث قبيصَة. ونسيت الثَّالِثَة.
وَأخرجه مُسلم مُخْتَصرا من حَدِيث طَلْحَة بن مصرف عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس.
981 - الْخَامِس: بِهَذَا الْإِسْنَاد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " أَقْرَأَنِي جِبْرِيل على حرف، فراجعته، فَلم أزل أستزيده ويزيدني حَتَّى انْتهى إِلَى سَبْعَة أحرف. زَاد فِي رِوَايَة حَرْمَلَة بن يحيى: قَالَ ابْن شهَاب: بَلغنِي أَن تِلْكَ السَّبْعَة الأحرف إِنَّمَا هِيَ فِي الْأَمر الَّذِي يكون وَاحِدًا لَا يخْتَلف فِي حَلَال وَلَا حرَام.
982 - السَّادِس: بِهَذَا الْإِسْنَاد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أَقبلت رَاكِبًا على أتانٍ وَأَنا يومئذٍ قد ناهزت الِاحْتِلَام، وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي بِالنَّاسِ بمنى إِلَى غير جدارٍ، فمررت بَين يَدي بعض الصَّفّ، فَنزلت وَأرْسلت الأتان ترتع، وَدخلت فِي(2/10)
الصَّفّ، فَلم يُنكر عَليّ ذَلِك أحد.
وَفِي حَدِيث يُونُس نَحوه، وَزَاد: بمنى فِي حجَّة الْوَدَاع
983 - السَّابِع: بِهَذَا الْإِسْنَاد عَن ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بِشَاة ميتَة فَقَالَ: " هلا انتفعتم بإهابها؟ " قَالُوا. إِنَّهَا ميتَة. قَالَ: " إِنَّمَا حرم أكلهَا ".
وَفِي حَدِيث يحيى بن يحيى وَعَمْرو النَّاقِد عَن سُفْيَان أَن ابْن عَبَّاس قَالَ: تصدق على مولاة لميمونة بشاةٍ فَمَاتَتْ، فَمر بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " هلا أَخَذْتُم إهابها فدبغتموه فانتفعتم بِهِ؟ " فَقَالُوا: إِنَّهَا ميتَة. قَالَ: " إِنَّمَا حرم أكلهَا ".
وَلمُسلم من حَدِيث أبي بكر بن أبي شيبَة وَابْن أبي عمر عَن ابْن عَبَّاس عَن مَيْمُونَة، جعلاه فِي مُسْند مَيْمُونَة.
وَأخرجه مُسلم من حَدِيث سُفْيَان عَن عَمْرو عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس نَحْو مَا تقدم من حَدِيث ابْن جريج عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ: أَخْبرنِي عَطاء مُنْذُ حِين قَالَ: أَخْبرنِي ابْن عَبَّاس: أَن مَيْمُونَة أخْبرته أَن داجنةً كَانَت لبَعض نسَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَاتَتْ، فَقَالَ: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أَلا أَخَذْتُم إهابها فاستمتعتم بِهِ ".
وَأخرجه البُخَارِيّ مُخْتَصرا من حَدِيث ثَابت بن عجلَان عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
مر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعنزٍ ميتةٍ، فَقَالَ: " مَا على أَهلهَا لَو انتفعوا بإهابها ".(2/11)
984 - الثَّامِن: بِهَذَا الْإِسْنَاد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ أهل الْكتاب يسدلون أشعارهم، وَكَانَ الْمُشْركُونَ يفرقون رؤوسهم، وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحب مُوَافقَة أهل الْكتاب فِيمَا لم يُؤمر بِهِ، فسدل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ فرق بعد.
985 - التَّاسِع: بِهَذَا الْإِسْنَاد عَن ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شرب لَبَنًا ثمَّ دَعَا بماءٍ فَمَضْمض، وَقَالَ: " إِن لَهُ دسماً ".
986 - الْعَاشِر: بِهَذَا الْإِسْنَاد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: طَاف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّة الْوَدَاع على بعيرٍ، يسْتَلم الرُّكْن بالمحجن.
987 - الْحَادِي عشر: بِإِسْنَادِهِ أَن ابْن عَبَّاس كَانَ يحدث: أَن رجلا أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي رَأَيْت اللَّيْلَة فِي الْمَنَام ظلةً تنطف السّمن وَالْعَسَل، وَأرى النَّاس يَتَكَفَّفُونَ مِنْهَا بِأَيْدِيهِم، فالمستكثر والمستقل، وَإِذا بِسَبَب وَاصل من الأَرْض إِلَى السَّمَاء، فَأَرَاك أخذت بِهِ فعلوت، ثمَّ أَخذ بِهِ رجلٌ آخر فعلا بِهِ، ثمَّ أَخذ بِهِ رجلٌ آخر فعلا بِهِ، ثمَّ أَخذ بِهِ رجلٌ آخر فَانْقَطع بِهِ، ثمَّ وصل لَهُ فعلا. فَقَالَ أَبُو بكر: يَا رَسُول الله، بِأبي أَنْت، وَالله، لتدعني فأعبرها، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " اعبر " قَالَ أَبُو بكر: أما الظلة فظلة الْإِسْلَام. وَأما الَّذِي ينطف من الْعَسَل وَالسمن فالقرآن: حلاوته وَلينه. وَأما مَا يَتَكَفَّف النَّاس من ذَلِك فالمستكثر من الْقُرْآن والمستقل. وَأما السَّبَب الْوَاصِل من السَّمَاء إِلَى الأَرْض فَالْحق(2/12)
الَّذِي أَنْت عَلَيْهِ، تَأْخُذ بِهِ فيعليك الله، ثمَّ يَأْخُذ بِهِ رجلٌ آخر بعْدك فيعلو بِهِ، ثمَّ يَأْخُذ رجلٌ فيعلو بِهِ، ثمَّ يَأْخُذ بِهِ رجلٌ آخر فَيَنْقَطِع بِهِ، ثمَّ يُوصل لَهُ فيعلو بِهِ.
فَأَخْبرنِي يَا رَسُول الله - بِأبي أَنْت، أصبت أم أَخْطَأت؟ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أصبت بَعْضًا وأخطأت بَعْضًا " قَالَ: وَالله لتحدثني بالذى أَخْطَأت بِهِ. قَالَ: " لَا تقسم ".
وَأول حَدِيث سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ:
جَاءَ رجلٌ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُنْصَرفه من أحد، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِنِّي رَأَيْت اللَّيْلَة ... الحَدِيث بِمَعْنَاهُ.
وَفِي حَدِيث معمر عَن ابْن عَبَّاس أَو أبي هُرَيْرَة، وَكَانَ معمرٌ أَحْيَانًا يَقُول: عَن ابْن عَبَّاس، وَأَحْيَانا يَقُول: عَن أبي هُرَيْرَة. قَالَ البُخَارِيّ:
قَالَ شُعَيْب وَإِسْحَاق بن يحيى عَن الزُّهْرِيّ: كَانَ أَبُو هُرَيْرَة يحدثه عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ معمرٌ لَا يسْندهُ حَتَّى كَانَ بعد.
وَفِي أول حَدِيث سُلَيْمَان بن كثير عَن الزُّهْرِيّ:
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ مِمَّا يَقُول لأَصْحَابه: " من رأى مِنْكُم فليقصها أعبرها " قَالَ: فجَاء رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله: رَأَيْت ظلة ... بِنَحْوِهِ.
988 - الثَّانِي عشر: عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود - من رِوَايَة عرَاك بن مَالك عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَر فِي زمَان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَلَيْسَ لعراك بن مَالك عَن ابْن عَبَّاس فِي الصَّحِيحَيْنِ غير هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد.(2/13)
989 - الثَّالِث عشر: عَن سعيد بن الْمسيب عَن ابْن عَبَّاس من رِوَايَة مُسلم بن إِبْرَاهِيم عَن هِشَام وَشعْبَة عَن قَتَادَة عَنهُ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَيْسَ لنا مثل السوء. الَّذِي يعود فِي هِبته كَالْكَلْبِ يعود فِي قيئه ".
قَالَ:
" مثل الَّذِي يرجع فِي صدقته كَمثل الْكَلْب يقيء، ثمَّ يعود فِي قيئه فيأكله ".
وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بن جَعْفَر غنْدر عَن شُعْبَة عَن قَتَادَة. وَفِي رِوَايَة سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة أَن النَّبِي، قَالَ: " الْعَائِد فِي هِبته كالعائد فِي قيئه ".
وَلَيْسَ لسَعِيد بن الْمسيب عَن ابْن عَبَّاس فِي الصَّحِيحَيْنِ غير هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد.
وَأَخْرَجَاهُ بِمَعْنى حَدِيث أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ من رِوَايَة عبد الله بن طَاوس عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس بِنَحْوِ حَدِيث ابْن أبي عرُوبَة:
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " الْعَائِد فِي هِبته كَالْكَلْبِ يعود فِي قيئه، لَيْسَ لنا مثل السوء ".
990 - الرَّابِع عشر: عَن الْقَاسِم بن أبي بكر الصّديق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُم قَالَ: ذكر التلاعن عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ عَاصِم بن عدي فِي ذَلِك قولا ثمَّ انْصَرف، فَأَتَاهُ رجلٌ من قومه يشكو إِلَيْهِ أَنه وجد مَعَ أَهله رجلا، فَقَالَ عاصمٌ: مَا ابْتليت بِهَذَا إِلَّا لقولي، فَذهب بِهِ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ بِالَّذِي وجد عَلَيْهِ امْرَأَته، وَكَانَ ذَلِك الرجل مصفراً قَلِيل اللَّحْم، سبط الشّعْر، وَكَانَ الَّذِي ادّعى عَلَيْهِ أَنه وجده عِنْد أَهله خدلاً، آدم، كثير اللَّحْم، فَقَالَ رَسُول(2/14)
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " اللَّهُمَّ بَين " فَوضعت شَبِيها بِالرجلِ الَّذِي ذكر زَوجهَا انه وجده عِنْدهَا.
فلاعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَينهمَا، فَقَالَ رجلٌ لِابْنِ عَبَّاس فِي الْمجْلس: أَهِي الَّتِي قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَو رجمت أحدا بِغَيْر بينةٍ رجمت هَذِه "؟ فَقَالَ ابْن عَبَّاس: لَا، تِلْكَ امْرَأَة كَانَت تظهر فِي الْإِسْلَام السوء.
وَحَدِيث سُفْيَان مُخْتَصر، قَالَ:
ذكر ابْن عَبَّاس المتلاعنين، فَقَالَ عبد الله بن شَدَّاد: هِيَ الَّتِي قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا: " لَو كنت راجماً أحدا بِغَيْر بينةٍ لرجمتها " فَقَالَ: لَا، تِلْكَ امرأةٌ أعلنت. لم يزدْ.
991 - الْخَامِس عشر: عَن عُرْوَة بن الزبير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَو أَن النَّاس غضوا من الثُّلُث إِلَى الرّبع، فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " الثُّلُث وَالثلث كثير " كَذَا فِي حَدِيث ابْن نمير، وَفِي حَدِيث سُفْيَان ووكيع " كثير أَو كَبِير ".
992 - السَّادِس عشر: عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن أَن مَرْوَان قَالَ: اذْهَبْ يَا رَافع - لِبَوَّابِهِ - إِلَى ابْن عَبَّاس فَقل لَهُ: لَئِن كَانَ كل امرئٍ منا فَرح بِمَا أَتَى، وَأحب أَن يحمد بِمَا لم يفعل معذباً، لَنُعَذَّبَنَّ أَجْمَعُونَ. فَقَالَ ابْن عَبَّاس: مَا لكم ولهذه الْآيَة؟ إِنَّمَا أنزلت هَذِه فِي أهل الْكتاب، ثمَّ تَلا ابْن عَبَّاس: {وَإِذ أَخذ الله مِيثَاق الَّذين أُوتُوا الْكتاب لتبيننه للنَّاس} [سُورَة آل عمرَان] وتلا ابْن عَبَّاس: {لَا تحسبن الَّذين يفرحون بِمَا أَتَوا وَيُحِبُّونَ أَن يحْمَدُوا بِمَا لم يَفْعَلُوا} [سُورَة آل عمرَان] وَقَالَ ابْن عَبَّاس: سَأَلَهُمْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن شيءٍ فَكَتَمُوهُ إِيَّاه، وَأَخْبرُوهُ بِغَيْرِهِ، فَخَرجُوا قد أروه أَن قد أَخْبرُوهُ بِمَا سَأَلَهُمْ عَنهُ، وَاسْتحْمدُوا بذلك إِلَيْهِ، وفرحوا بِمَا أَتَوا من كتمانهم إِيَّاه مَا سَأَلَهُمْ عَنهُ.(2/15)
وَقد أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا من حَدِيث عَلْقَمَة بن وَقاص: أَن مَرْوَان قَالَ لِبَوَّابِهِ هَذَا.
993 - السَّابِع عشر: عَن عَطاء بن يسَار مولى مَيْمُونَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: انخسفت الشَّمْس على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فصلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَامَ قيَاما طَويلا نَحوا من قِرَاءَة سُورَة الْبَقَرَة، ثمَّ ركع رُكُوعًا طَويلا، ثمَّ رفع فَقَامَ قيَاما طَويلا، وَهُوَ دون الْقيام الأول، ثمَّ ركع رُكُوعًا طَويلا وَهُوَ دون الرُّكُوع الأول، ثمَّ سجد، ثمَّ قَامَ قيَاما طَويلا، وَهُوَ دون الْقيام الأول، ثمَّ ركع رُكُوعًا طَويلا، وَهُوَ دون الرُّكُوع الأول، ثمَّ رفع فَقَامَ قيَاما طَويلا، وَهُوَ دون الْقيام الأول، ثمَّ ركع رُكُوعًا طَويلا، وَهُوَ دون الرُّكُوع الأول، ثمَّ سجد، ثمَّ انْصَرف وَقد تجلت الشَّمْس، فَقَالَ: " إِن الشَّمْس وَالْقَمَر آيتان من آيَات الله، لَا يخسفان لمَوْت أحدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِك فاذكروا الله " قَالُوا: يَا رَسُول الله، رَأَيْتُك تناولت شَيْئا فِي مقامك، ثمَّ رَأَيْنَاك تكعكعت. قَالَ: " إِنِّي رَأَيْت الْجنَّة فتناولت عنقوداً، وَلَو أصبته لأكلتم مِنْهُ مَا بقيت الدُّنْيَا، وأريت النَّار، فَلم أر منْظرًا كَالْيَوْمِ قطّ أفظع، وَرَأَيْت أَكثر أَهلهَا النِّسَاء " قَالُوا: بِمَ يَا رَسُول الله؟ قَالَ: " بكفرهن " قيل: أيكفرن بِاللَّه؟ قَالَ: " يكفرن العشير، ويكفرن الْإِحْسَان. لَو أَحْسَنت إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْر كُله ثمَّ رَأَتْ مِنْك شَيْئا قَالَت: مَا رَأَيْت مِنْك خيرا قطّ ".
وَقد رَوَاهُ مُسلم مُخْتَصرا فِي " الصَّلَاة " فَقَط من حَدِيث كثير بن عَبَّاس عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
أَنه صلى أَربع رَكْعَات فِي رَكْعَتَيْنِ، وَأَرْبع سَجدَات. يَعْنِي فِي كسوف الشَّمْس.(2/16)
وَعَن عُرْوَة عَن عَائِشَة مثله
وَلَيْسَ لكثير بن الْعَبَّاس عَن أَخِيه عبد الله فِي الصَّحِيح غير هَذَا الحَدِيث.
وَعند مُسلم من حَدِيث ابْن أبي ثَابت عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين كسفت الشَّمْس ثَمَان رَكْعَات فِي أَربع سَجدَات.
وَعَن عَليّ مثل ذَلِك.
وَفِي حَدِيث يحيى بن سعيد الْقطَّان:
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كسوف الشَّمْس قَرَأَ، ثمَّ ركع، ثمَّ قَرَأَ، ثمَّ ركع، ثمَّ قَرَأَ، ثمَّ ركع، ثمَّ قَرَأَ، ثمَّ ركع، ثمَّ سجد. وَالْأُخْرَى مثلهَا.
994 - الثَّامِن عشر: عَن عَطاء بن يسَار عَن عبد الله بن عَبَّاس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكل كتف شَاة، ثمَّ صلى وَلم يتَوَضَّأ.
وَقد أخرجه مُسلم من حَدِيث عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس، وَمُحَمّد بن عمر بن عَطاء جَمِيعًا عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكل عرقاً أَو لَحْمًا، ثمَّ صلى وَلم يتَوَضَّأ، أَو: لم يمس مَاء.
995 - التَّاسِع عشر: عَن سُلَيْمَان بن يسَار عَن عبد الله بن عَبَّاس أَنه قَالَ: كَانَ الْفضل بن الْعَبَّاس رَدِيف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَجَاءَتْهُ امْرَأَة من خثعم تستفتيه، فَجعل الْفضل ينظر إِلَيْهَا وَتنظر إِلَيْهِ، فَجعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصرف وَجه الْفضل إِلَى الشق الآخر. قَالَت: يَا رَسُول الله، إِن فَرِيضَة الله على عباده فِي الْحَج أدْركْت أبي شَيخا كَبِيرا لَا يَسْتَطِيع أَن يثبت على الرَّاحِلَة، أفأحج عَنهُ؟ قَالَ " نعم " وَذَلِكَ فِي حجَّة الْوَدَاع.(2/17)
وَفِي رِوَايَة ابْن جريج عَن ابْن عَبَّاس عَن الْفضل، جعله من مُسْند الْفضل.
996 - الْعشْرُونَ: عَن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكَة من رِوَايَة نَافِع بن عمر عَنهُ قَالَ: كتب ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى بِالْيَمِينِ على الْمُدعى عَلَيْهِ.
كَذَا عِنْد البُخَارِيّ.
وَقد أخرجه عَن ابْن جريج عَن ابْن أبي مليكَة بِطُولِهِ: أَن امْرَأتَيْنِ كَانَتَا تخرزان فِي بَيت أَو فِي الْحُجْرَة، فَخرجت إِحْدَاهمَا وَقد أنفذ بإشفى فِي كفها، فادعت على الْأُخْرَى، فَرفع ذَلِك إِلَى ابْن عَبَّاس، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَو يعْطى النَّاس بدعواهم لذهبت دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالهمْ، ذكروها بِاللَّه، واقرءوا عَلَيْهَا {إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله} [آل عمرَان] ، فذكروها فَاعْترفت. فَقَالَ ابْن عَبَّاس: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " الْيَمين على الْمُدعى عَلَيْهِ ".
وَعند مُسلم الْمسند مِنْهُ فَقَط من حَدِيث ابْن وهب عَن ابْن جريج بِهَذَا الْإِسْنَاد:
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَو يعْطى النَّاس بدعواهم لادعى ناسٌ دِمَاء رجالٍ وَأَمْوَالهمْ، وَلَكِن الْيَمين على الْمُدعى عَلَيْهِ ".
وَعِنْده من رِوَايَة مُحَمَّد بن بشر عَن نَافِع بن عمر:
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى بِالْيَمِينِ على الْمُدعى عَلَيْهِ.
997 - الْحَادِي وَالْعشْرُونَ: عَن طَاوس بن كيسَان من رِوَايَة مُجَاهِد عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم فتح مَكَّة: " لَا هِجْرَة، وَلَكِن جهادٌ ونيةٌ، وَإِذا استنفرتم فانفروا " وَقَالَ يَوْم فتح مَكَّة: " إِن هَذَا الْبَلَد حرمه الله يَوْم خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض، فَهُوَ حرامٌ بِحرْمَة الله إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، إِنَّه لم يحل الْقِتَال فِيهِ(2/18)
لأحد قبلي، وَلم يحل لي إِلَّا سَاعَة من نَهَار، فَهُوَ حرامٍ بِحرْمَة الله إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، لَا يعضد شوكه، وَلَا ينفر صَيْده، وَلَا تلْتَقط لقطته إِلَّا من عرفهَا، وَلَا يخْتَلى خلاه " فَقَالَ الْعَبَّاس: يَا رَسُول الله، إِلَّا الْإِذْخر، فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِم وَبُيُوتهمْ. قَالَ: " إِلَّا الْإِذْخر ".
قَالَ أَبُو مَسْعُود: قَالَ فِيهِ الْأَعْمَش عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس، وَلم يخرجَاهُ من حَدِيث الْأَعْمَش.
وَقد أخرجه البُخَارِيّ تَعْلِيقا من حَدِيث عَمْرو بن دِينَار عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس:
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَا يعضد عضاهها، وَلَا ينفر صيدها، وَلَا تحل لقطتهَا إِلَّا لمنشدٍ، وَلَا يخْتَلى خَلاهَا ". قَالَ الْعَبَّاس: يَا رَسُول الله، إِلَّا الْإِذْخر، قَالَ: " إِلَّا الْإِذْخر " لم يزدْ. وَهَكَذَا فِي كتاب البُخَارِيّ على خلاف مَا ذكره أَبُو مَسْعُود.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا من حَدِيث خَالِد بن مهْرَان الْحذاء عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " حرم الله مَكَّة، فَلم تحل لأحدٍ قبلي، وَلَا تحل لأحد بعدِي، أحلّت لي سَاعَة من نَهَار، لَا يخْتَلى خَلاهَا، وَلَا يعضد شَجَرهَا، وَلَا ينفر صيدها وَلَا تحل لقطتهَا إِلَّا لمعرفٍ " فَقَالَ الْعَبَّاس: إِلَّا الْإِذْخر، لصاغتنا وَقُبُورنَا.
وَفِي رِوَايَة خَالِد بن عبد الله عَن خَالِد الْحذاء: ولسقف بُيُوتنَا. فَقَالَ: " إِلَّا(2/19)
الْإِذْخر " فَقَالَ عِكْرِمَة: هَل تَدْرِي مَا ينفر صيدها؟ هُوَ أَن ينحيه من الظل وَينزل مَكَانَهُ.
وَقد أخرجه من حَدِيث الْحسن بن مُسلم عَن مُجَاهِد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ... مُرْسلا، وَمن آخِره عَن ابْن جريج عَن عبد الْكَرِيم عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس بِنَحْوِهِ، أَو مثله.
998 - الثَّانِي وَالْعشْرُونَ: عَن طَاوس من رِوَايَة مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على قبرين فَقَالَ: " أما إنَّهُمَا ليعذبان، وَمَا يعذبان فِي كَبِير ".
فِي حَدِيث جرير عَن الْأَعْمَش:
ثمَّ قَالَ: " بلَى، أما أَحدهمَا فَكَانَ يمشي بالنميمة، وَأما الآخر فَكَانَ لَا يسْتَتر من بَوْله ". قَالَ: فَدَعَا بعسيبٍ رطب فشقه بِاثْنَتَيْنِ، ثمَّ غرس على هَذَا وَاحِدًا وعَلى هَذَا وَاحِدًا، ثمَّ قَالَ: " لَعَلَّه أَن يُخَفف عَنْهُمَا مَا لم ييبسا ".
وَفِي حَدِيث أبي مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش:
" أما أَحدهمَا فَكَانَ لَا يسْتَتر من الْبَوْل ".
وَفِي رِوَايَة عبد الْوَاحِد عَن الْأَعْمَش نَحوه، إِلَّا أَنه قَالَ: " وَكَانَ الآخر لَا يستنزه عَن الْبَوْل. أَو من الْبَوْل ".
وَقد أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا وَحده من حَدِيث مَنْصُور عَن مُجَاهِد بِنَحْوِهِ عَن ابْن عَبَّاس وَفِيه: " وَالْآخر لَا يسْتَتر من بَوْله ".(2/20)
999 - الثَّالِث وَالْعشْرُونَ: عَن طَاوس من رِوَايَة عَمْرو بن دِينَار عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أمرنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نسجد على سَبْعَة أَعْضَاء، وَلَا نكف شعرًا وَلَا ثوبا: الْجَبْهَة وَالْيَدَيْنِ والركبتين وَالرّجلَيْنِ.
وَفِي حَدِيث شُعْبَة وَأبي عوَانَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
أمرنَا أَن نسجد. كَذَا قَالَ أَحدهمَا فِي رِوَايَته. وَقَالَ الآخر: إِنَّه قَالَ: أمرت أَن أَسجد. . وَذكره.
وَمِنْهُم من قَالَ: على سَبْعَة أعظم.
وَأَخْرَجَاهُ من حَدِيث عبد الله بن طَاوس عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
" أمرت أَن أَسجد على سَبْعَة أعظمٍ: على الْجَبْهَة - وَأَشَارَ بِيَدِهِ على أَنفه - وَالْيَدَيْنِ والركبتين وأطراف الْقَدَمَيْنِ، وَلَا نكفت الثِّيَاب وَلَا الشّعْر.
وَفِي حَدِيث ابْن عُيَيْنَة عَن ابْن طَاوس:
أَمر النَّبِي أَن يسْجد مِنْهُ على سَبْعَة، وَنهي أَن يكفت الشّعْر وَالثيَاب.
وَقد روى مسلمٌ نَحوه أَيْضا من حَدِيث حَمَّاد بن زِيَاد عَن عَمْرو بن دِينَار.
وروى أَيْضا من حَدِيث بكير بن عبد الله بن الْأَشَج عَن كريب عَن ابْن عَبَّاس:
أَنه رأى عبد الله بن الْحَارِث يُصَلِّي وَرَأسه معقوص من وَرَائه، فَقَامَ فَجعل يحله، فَلَمَّا انْصَرف أقبل إِلَى ابْن عَبَّاس فَقَالَ: مَالك ولرأسي؟ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " إِنَّمَا مثل هَذَا مثل الَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مكتوفٌ ".(2/21)
1000 - الرَّابِع وَالْعشْرُونَ: عَن طَاوس من رِوَايَة عَمْرو بن دِينَار عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أما الَّذِي نهى عَنهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ الطَّعَام أَن يُبَاع حَتَّى يقبض. قَالَ ابْن عَبَّاس: وَلَا أَحسب كل شَيْء إِلَّا مثله.
وَلَفظ حَدِيث حَمَّاد بن زيد: أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ:
" من ابْتَاعَ طَعَاما فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيه ".
وَقد أَخْرجَاهُ من حَدِيث ابْن طَاوس عَن أَبِيه بِنَحْوِهِ:
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى أَن يَبِيع الرجل طَعَاما حَتَّى يَسْتَوْفِيه. قلت لِابْنِ عَبَّاس: كَيفَ ذَاك؟ قَالَ: ذَاك دَرَاهِم بِدَرَاهِم، وَالطَّعَام مرجئاً.
وَفِي حَدِيث معمر وَغَيره:
" من ابْتَاعَ طَعَاما فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يقبضهُ ". وَمِنْهُم من قَالَ: " حَتَّى يكتاله ".
1001 - الْخَامِس وَالْعشْرُونَ: عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج إِلَى أَرض تهتز زرعا، فَقَالَ: " لمن هَذِه؟ " فَقَالُوا: اكتراها فلَان فَقَالَ: " أما إِنَّه لَو منحها إِيَّاه كَانَ خيرا لَهُ من أَن يَأْخُذ عَلَيْهَا أجرا مَعْلُوما ".
وَفِي حَدِيث حَمَّاد بن زيد عَن عَمْرو:
أَن مُجَاهدًا قَالَ لطاوس: انْطلق بِنَا إِلَى ابْن رَافع بن خديج فاستمع مِنْهُ الحَدِيث عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ: فانتهره وَقَالَ:
إِنِّي وَالله لَو أعلم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَنهُ مَا فعلته، وَلَكِن حَدثنِي من هُوَ أعلم بِهِ مِنْهُم - يَعْنِي ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لِأَن يمنح الرجل(2/22)
أَخَاهُ أرضه خيرٌ لَهُ من أَن يَأْخُذ عَلَيْهَا خرجا مَعْلُوما ".
وَقد أخرجه مُسلم أَيْضا من حَدِيث ابْن طَاوس عَن أَبِيه بِنَحْوِهِ، قَالَ: وَقَالَ ابْن عَبَّاس: هُوَ الحقل، وَهُوَ بِلِسَان الْأَنْصَار: المحاقلة.
وَفِي حَدِيث عبد الله بن ميسرَة عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " من كَانَت لَهُ أرضٌ فَإِنَّهُ إِن يمنحها أَخَاهُ خيرٌ لَهُ ". لم يزدْ.
1002 - السَّادِس وَالْعشْرُونَ: فِي الْمَوَاقِيت: عَن عَمْرو عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " وَقت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأهل الْمَدِينَة ذَا الحليفة، وَلأَهل الشَّام الْجحْفَة، وَلأَهل نجد قرن الْمنَازل، وَلأَهل الْيمن يَلَمْلَم، قَالَ: " فهن لَهُنَّ وَلمن أَتَى عَلَيْهِنَّ من غير أهلهن لمن كَانَ يُرِيد الْحَج وَالْعمْرَة. فَمن كَانَ دونهن فمهله من أَهله، وكذاك حَتَّى أهل مَكَّة يهلون مِنْهَا. " وَفِي رِوَايَة: " وَمن كَانَ دون ذَاك فَمن حَيْثُ أنشأ، حَتَّى أهل مَكَّة من مَكَّة ".
وَأَخْرَجَاهُ من رِوَايَة عبد الله بن طَاوس عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس:
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقت ... وَذكره بِمَعْنَاهُ.
1003 - السَّابِع وَالْعشْرُونَ: عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس من رِوَايَة عَمْرو عَنْهُمَا عَنهُ قَالَ: احْتجم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ محرمٌ.(2/23)
وَفِي رِوَايَة عَليّ بن الْمَدِينِيّ عَن سُفْيَان عَن عَمْرو قَالَ:
أول مَا سمعته عَن عَطاء يَقُول: سَمِعت ابْن عَبَّاس، ثمَّ سمعته يَقُول: حَدثنِي طَاوس عَن ابْن عَبَّاس. فَقلت: لَعَلَّه سَمعه مِنْهُمَا.
وَقد أخرج البُخَارِيّ من حَدِيث أَيُّوب عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس:
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احْتجم وَهُوَ محرمٌ. وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صائمٌ.
وَمن حَدِيث هِشَام بن حسان القردوسي عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: احْتجم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رَأسه وَهُوَ محرمٌ، من وجعٍ كَانَ بِهِ - بماءٍ يُقَال لَهُ لحي جمل. وَقَالَ مُحَمَّد بن سَوَاء عَن هِشَام: من شَقِيقَة كَانَت بِهِ. @ 1004 - الثَّامِن وَالْعشْرُونَ: عَن طَاوس من رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن ميسرَة عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس: أَنه ذكر قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْغسْل يَوْم الْجُمُعَة. قَالَ: فَقلت لِابْنِ عَبَّاس: أيمس طيبا أَو دهناً إِن كَانَ عِنْد أَهله؟ قَالَ: لَا أعلمهُ.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا من حَدِيث الزُّهْرِيّ، قَالَ طَاوس: قلت لِابْنِ عَبَّاس: ذكرُوا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
اغتسلوا يَوْم الْجُمُعَة واغسلوا رؤوسكم، وَإِن لم تَكُونُوا جنبا، وأصيبوا من الطّيب " قَالَ ابْن عَبَّاس: أما الْغسْل فَنعم، وَأما الطّيب فَلَا أَدْرِي. @ 1005 - التَّاسِع وَالْعشْرُونَ: عَن الْحسن بن مُسلم بن يناقٍ عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: شهِدت الصَّلَاة يَوْم الْفطر مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان.
فكلهم يُصليهَا قبل الْخطْبَة ثمَّ يخْطب بعد، فَنزل نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَأَنِّي أنظر إِلَيْهِ حِين يجلس الرِّجَال بِيَدِهِ، ثمَّ أقبل يشقهم حَتَّى أَتَى النِّسَاء مَعَ بِلَال، فَقَرَأَ: (يَا أَيهَا النَّبِي(2/24)
إِذا جَاءَك الْمُؤْمِنَات يبايعنك على أَن لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا وَلَا يَسْرِقن وَلَا يَزْنِين وَلَا يقتلن أَوْلَادهنَّ} حَتَّى فرغ من الْآيَة كلهَا [الممتحنة] ، ثمَّ قَالَ حِين فرغ: " أنتن على ذَلِك؟ " فَقَالَت امرأةٌ واحدةٌ، لم يجبهُ غَيرهَا: نعم يَا رَسُول الله. لَا يدْرِي الْحسن من هِيَ. قَالَ: فتصدقن، وَبسط بلالٌ ثَوْبه، فَجعلْنَ يلقين الفتخ وَالْخَوَاتِيم فِي ثوب بِلَال.
وَفِي حَدِيث أبي عَاصِم:
شهِدت الْعِيد مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... .
وَفِي حَدِيث عبد الرَّزَّاق عِنْد قَوْله:
فَبسط بلالٌ ثَوْبه، وَقَالَ: هَلُمَّ، فدَاء لَكِن أبي وَأمي. فيلقين الفتخ وَالْخَوَاتِيم. قَالَ عبد الرَّزَّاق: الفتخ: الخواتيم الْعِظَام كَانَت فِي الْجَاهِلِيَّة.
وَأَخْرَجَا من حَدِيث عَطاء بن أبي رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ:
أشهد على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقَالَ عَطاء: أشهد على ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج وَمَعَهُ بلالٌ، فَظن أَنه لم يسمع النِّسَاء، فوعظهن وأمرهن بِالصَّدَقَةِ، فَجعلت الْمَرْأَة تلقي القرط والخاتم وَالشَّيْء، وبلالٌ يَأْخُذ فِي طرف ثَوْبه.
وَأَخْرَجَا من حَدِيث عدي بن ثَابت عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم عيدٍ فصلى رَكْعَتَيْنِ، لم يصل قبلهَا وَلَا بعْدهَا، ثمَّ أَتَى النِّسَاء وبلالٌ مَعَه، فأمرهن بِالصَّدَقَةِ، فَجعلت الْمَرْأَة تصدق بِخرْصِهَا وسخابها. وَفِي رِوَايَة معَاذ بن معَاذ عَن شُعْبَة: خرج فِي يَوْم أضحى أَو فطر. وَفِي رِوَايَة سُلَيْمَان ابْن حَرْب عَنهُ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى يَوْم الْفطر رَكْعَتَيْنِ. . الحَدِيث.(2/25)
وَأَخْرَجَا عَن عَطاء بن أبي رَبَاح أَن ابْن عَبَّاس أرسل إِلَى ابْن الزبير أول مَا بُويِعَ لَهُ: أَنه لم يكن يُؤذن للصَّلَاة يَوْم الْفطر، فَلَا تؤذن لَهَا. قَالَ: فَلم يُؤذن لَهَا ابْن الزبير يَوْمه. وَأرْسل إِلَيْهِ مَعَ ذَلِك: إِنَّمَا الْخطْبَة بعد الصَّلَاة، وَأَن ذَلِك قد كَانَ يفعل. قَالَ: فصلى ابْن الزبير قبل الْخطْبَة.
وَعَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس، وَعَن جَابر بن عبد الله قَالَا: لم يكن يُؤذن يَوْم الْفطر وَلَا يَوْم الْأَضْحَى.
جعل ابْن مَسْعُود هَذَا وَالَّذِي قبله فِي الْأَذَان طرفا من حَدِيث عَطاء فِي وعظ النِّسَاء، وَجمع أَسَانِيد ذَلِك فِي الأول، وَلم يذكر متن الْأَذَان، وَيحْتَمل أَن يفرد ذَلِك من حَدِيث الْأَذَان؛ لِأَنَّهُمَا مَعْنيانِ مُخْتَلِفَانِ، وَلِأَنَّهُمَا أفرداه عَن الأول فِي الْكِتَابَيْنِ.
1006 - الثَّلَاثُونَ: عَن سُلَيْمَان بن أبي مُسلم الْأَحول عَن طَاوس: أَنه سمع ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَامَ من اللَّيْل يتهجد قَالَ: " اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد، أَنْت قيم السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمن فِيهِنَّ، وَلَك الْحَمد، أَنْت نور السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمن فِيهِنَّ، وَلَك الْحَمد، أَنْت ملك السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمن فِيهِنَّ، وَلَك الْحَمد، أَنْت الْحق، وَوَعدك الْحق، ولقاؤك حقٌّ، وقولك حقٌّ، وَالْجنَّة حقٌّ، وَالنَّار حقٌّ، والنبيون حقٌّ، ومحمدٌ حقٌّ، والساعة حقٌّ. اللَّهُمَّ لَك أسلمت، وَبِك آمَنت، وَعَلَيْك توكلت، وَإِلَيْك أنبت، وَبِك خَاصَمت، وَإِلَيْك حاكمت، فَاغْفِر لي مَا قدمت وَمَا أخرت، وَمَا أسررت وَمَا أعلنت.
وَفِي حَدِيث ثَابت بن مُحَمَّد:
" وَمَا أَنْت أعلم بِهِ مني. أَنْت الْمُقدم وَأَنت الْمُؤخر، لَا إِلَه إِلَّا أَنْت، أَو: لَا إِلَه غَيْرك ".(2/26)
وَفِي حَدِيث قبيصَة:
" اللَّهُمَّ لَك الْحَمد، أَنْت رب السَّمَوَات وَالْأَرْض " وَفِي رِوَايَة ثَابت بن مُحَمَّد، ومحمودٍ بن غيلَان: " وَلَك الْحَمد، أَنْت رب السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمن فِيهِنَّ ".
وَأخرجه مُسلم من رِوَايَة أبي الزبير عَن طَاوس، وَعَن قيس بن سعد عَنهُ بقريب مِمَّا تقدم.
قَالَ أَبُو مَسْعُود: فِي حَدِيث قيس بن سعد:
إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا قَامَ من اللَّيْل كبر، ثمَّ قَالَ: " اللَّهُمَّ لَك الْحَمد، أَنْت قيام السَّمَوَات وَالْأَرْض " قَالَ: ثمَّ ذكره.
1007 - الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: عَن عبد الله بن طَاوس عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " ألْحقُوا الْفَرَائِض بِأَهْلِهَا، فَمَا بَقِي فَهُوَ لأولى رجل ذكر ".
وَفِي حَدِيث عبد الرَّزَّاق عَن معمر:
" اقسموا المَال بَين أهل الْفَرَائِض على كتاب الله، فَمَا تركت الْفَرَائِض فَلأولى رجلٍ ذكر ".
1008 - الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: عَن ابْن طَاوس عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا تلقوا الركْبَان، وَلَا يبع حاضرٌ لبادٍ " فَقلت لِابْنِ عَبَّاس: مَا قَوْله: " لَا يبع حاضرٌ لبادٍ "؟ قَالَ: لَا يكون لَهُ سمساراً.
1009 - الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ: عَن ابْن طَاوس عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احْتجم وَأعْطى الْحجام أجره، واستعط.
وَأخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث خَالِد عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: احْتجم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم [وَأعْطى الْحجام أجره] وَلَو علم كَرَاهِيَة لم يُعْطه.(2/27)
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا من رِوَايَة عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: احْتجم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأعْطى الَّذِي حجمه، وَلَو كَانَ حَرَامًا لم يُعْطه.
وَلمُسلم من رِوَايَة الشّعبِيّ عَامر بن شرَاحِيل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: حجم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبدٌ لبني بياضة، فَأعْطَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أجره، وكلم سَيّده فَخفف عَنهُ من ضريبته، وَلَو كَانَ سحتاً لم يُعْطه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
1010 - الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ: عَن عبد الله بن طَاوس عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيل لَهُ فِي الذّبْح وَالْحلق وَالرَّمْي والتقديم وَالتَّأْخِير، فَقَالَ: " لَا حرج ".
وَأخرجه البُخَارِيّ من رِوَايَة خَالِد بن مهْرَان الْحذاء عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْأَل يَوْم النَّحْر بمنى فَيَقُول " لَا حرج ". فَسَأَلَهُ رجلٌ فَقَالَ: حلقت قبل أَن أذبح. قَالَ: " اذْبَحْ وَلَا حرج " قَالَ: رميت بَعْدَمَا أمسيت. فَقَالَ: " لَا حرج ".
وَعند البُخَارِيّ من رِوَايَة عَطاء بن أبي رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَمَّن حلق قبل أَن يذبح، وَنَحْوه، فَقَالَ: " لَا حرج، لَا حرج ".
وَفِي رِوَايَة عبد الْعَزِيز بن رفيع عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
قَالَ رجلٌ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: زرت قبل أَن أرمي. قَالَ: " لَا حرج ". قَالَ: حلقت قبل أَن أذبح.
قَالَ: " لَا حرج " قَالَ: " ذبحت قبل أَن أرمي " قَالَ: " لَا حرج ".(2/28)
وَعِنْده من حَدِيث أَيُّوب عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ فِي حجَّته عَن الذّبْح قبل الرَّمْي، وَعَن الْحلق قبل الذّبْح، فَأَوْمأ بِيَدِهِ، قَالَ: " لَا حرج ".
وَأخرج البُخَارِيّ تَعْلِيقا من حَدِيث عبد الله بن خثيم عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه سُئِلَ عَن التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير فِي الْحلق وَالرَّمْي، فَقَالَ: " لَا حرج ".
1011 - الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ: عَن عبد الله بن طَاوس عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: رخص للحائض أَن تنفر إِذا حَاضَت. وَكَانَ ابْن عمر يَقُول فِي أول أمره: إِنَّهَا لَا تنفر، ثمَّ سمعته يَقُول: تنفر؛ إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رخص لَهُنَّ.
وَلَفظ حَدِيث سعيد بن مَنْصُور أَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
أَمر النَّاس أَن يكون آخر عَهدهم بِالْبَيْتِ إِلَّا أَنه خفف عَن الْمَرْأَة الْحَائِض.
وَعند مُسلم من رِوَايَة الْحسن بن مُسلم عَن طَاوس قَالَ:
كنت مَعَ ابْن عَبَّاس وَقَالَ لَهُ زيد بن ثَابت: تُفْتِي أَن تصدر الْحَائِض قبل أَن يكون آخر عهدها بِالْبَيْتِ؟ فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس: إِمَّا لَا، فسل فُلَانَة الْأَنْصَارِيَّة، هَل أمرهَا بذلك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَرجع زيد إِلَى ابْن عَبَّاس يضْحك وَهُوَ يَقُول: مَا أَرَاك إِلَّا قد صدقت.
وَعند البُخَارِيّ من حَدِيث قَتَادَة وَأَيوب وخَالِد الْحذاء عَن عِكْرِمَة:
أَن أهل الْمَدِينَة سَأَلُوا ابْن عَبَّاس عَن امْرَأَة طافت ثمَّ حَاضَت. قَالَ لَهُم: تنفر. قَالُوا: لَا نَأْخُذ بِقَوْلِك وَنَدع قَول زيد. قَالَ: إِذا قدمتم الْمَدِينَة فَسَلُوا. فقدموا الْمَدِينَة فسألوا،(2/29)
فَكَانَ فِيمَن سَأَلُوا أم سليم، فَذكرت حَدِيث صَفِيَّة. يَعْنِي فِي الْإِذْن لَهَا بِأَن تنفر. @ 1012 - السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ: عَن عبد الله بن طَاوس عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانُوا يرَوْنَ أَن الْعمرَة فِي أشهر الْحَج من أفجر الْفُجُور فِي الأَرْض، وَكَانُوا يسمون الْمحرم صفر. وَيَقُولُونَ: إِذا برأَ الدبر، وَعَفا الْأَثر، وانسلخ صفر، حلت الْعمرَة لمن اعْتَمر. قَالَ: فَقدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه صَبِيحَة رابعةٍ مهلين بِالْحَجِّ، فَأَمرهمْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يجعلوها عمْرَة، فتعاظم ذَلِك عِنْدهم، فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، أَي الْحل؟ قَالَ: " الْحل كُله ".
قَالَ البُخَارِيّ: قَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: قَالَ لنا سُفْيَان: كَانَ عَمْرو يَقُول: إِن هَذَا الحَدِيث لَهُ شَأْن.
وَأَخْرَجَا هَذَا الْمَعْنى من حَدِيث أبي الْعَالِيَة الْبَراء، قيل: اسْمه زِيَاد، وَقيل: كُلْثُوم بن فَيْرُوز، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه لصبح رابعةٍ يلبون بِالْحَجِّ، فَأَمرهمْ أَن يجعلوها عمْرَة، إِلَّا من مَعَه هدي.
وَفِي حَدِيث نصر بن عَليّ:
أهل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحَجِّ فَقدم لأَرْبَع مضين من ذِي الْحجَّة، فصلى الصُّبْح، وَقَالَ حِين صلى الصُّبْح: " من شَاءَ أَن يَجْعَلهَا عمْرَة(2/30)
فليجعلها عمْرَة "، وَمِنْهُم من قَالَ: فصلى الصُّبْح بالبطحاء. . وَمِنْهُم من قَالَ: بِذِي طوى.
وَعند مُسلم من حَدِيث مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " هَذِه عمرةٌ استمتعنا بهَا، فَمن لم يكن مَعَه الْهَدْي فليحل الْحل كُله، فَإِن الْعمرَة قد دخلت فِي الْحَج إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ".
1013 - السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ: عَن عبيد الله بن أبي يزِيد الْمَكِّيّ عَن ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَى الْخَلَاء، فَوضعت لَهُ وضُوءًا، فَلَمَّا خرج قَالَ: " من وضع هَذَا؟ " فَأخْبر. فِي كتاب مُسلم قَالَ: " اللَّهُمَّ فقهه " وَفِي كتاب البُخَارِيّ قَالَ: " اللَّهُمَّ فقهه فِي الدّين ".
وَحكى أَبُو مَسْعُود قَالَ:
اللَّهُمَّ فقهه فِي الدّين، وَعلمه التَّأْوِيل "، وَلم أَجِدهُ فِي الْكِتَابَيْنِ.
وروى البُخَارِيّ من حَدِيث الْحذاء عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
ضمني النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى صَدره وَقَالَ:
اللَّهُمَّ علمه الْحِكْمَة " وَفِي رِوَايَة وهيب: " علمه الْكتاب ".
1014 - الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ: عَن عبد الله بن أبي يزِيد أَنه سمع ابْن عَبَّاس وَسُئِلَ عَن صِيَام عَاشُورَاء، فَقَالَ مَا علمت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَامَ يَوْمًا يطْلب فَضله على الْأَيَّام إِلَّا هَذَا الْيَوْم، وَلَا شهرا إِلَّا هَذَا الشَّهْر، يَعْنِي رَمَضَان.(2/31)
وَفِي حَدِيث عبيد الله بن مُوسَى:
مَا رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتحَرَّى صِيَام يَوْم فَضله على غَيره إِلَّا هَذَا الْيَوْم - يَوْم عَاشُورَاء، وَهَذَا الشَّهْر يَعْنِي شهر رَمَضَان.
1015 - التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ: عَن عبيد الله بن أبي يزِيد أَنه سمع ابْن عَبَّاس يَقُول: أَنا مِمَّن قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْمزْدَلِفَة فِي ضعفة أَهله.
قَالَ أَبُو مَسْعُود فِي هَذِه التَّرْجَمَة: وَفِي حَدِيث حَمَّاد بن زيد: بعثنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الثّقل من جمع بليلٍ، ورمينا قبل أَن يأتينا النَّاس. وَقَالَ أَبُو مَسْعُود: وَفِي حَدِيث عبد الله بن مُحَمَّد بن سُفْيَان: كنت أَنا وَأمي من الْمُسْتَضْعَفِينَ. ذكره مَعَ هَذَا الحَدِيث فِيمَن قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْمزْدَلِفَة. وَقَوله: كنت أَنا وَأمي من الْمُسْتَضْعَفِينَ. إِنَّمَا هُوَ فِي أَمر الْهِجْرَة، وكونهم بِمَكَّة ممنوعين من الْخُرُوج. وَإِنَّمَا ذكره البُخَارِيّ فِي تَفْسِير سُورَة النِّسَاء لذَلِك، وَقرن مَعَه مَا أخرجه من حَدِيث أبي مليكَة عَن ابْن عَبَّاس: تَلا ابْن عَبَّاس: {وَالْمُسْتَضْعَفِينَ من الرِّجَال وَالنِّسَاء} [النِّسَاء] ، فَقَالَ: كنت أَنا وَأمي مِمَّن عذر الله. وَهُوَ فِي أَفْرَاده.
وَقد رُوِيَ من حَدِيث سُفْيَان عَن عبيد الله عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
كنت أَنا وَأمي من الْمُسْتَضْعَفِينَ، أَنا من الْولدَان، وَأمي من النِّسَاء، وَلم يذكر البُخَارِيّ هَذَا اللَّفْظ فِي كتاب " الْحَج " أصلا. وَأما مُسلم فَلَيْسَ هَذَا اللَّفْظ فِيمَا أخرجه. والمستضعف غير الضَّعِيف.(2/32)
1016 - الْأَرْبَعُونَ: عَن أبي معبد مولى ابْن عَبَّاس - واسْمه نَافِذ - عَن ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما بعث معَاذًا إِلَى الْيمن قَالَ: " إِنَّك تقدم على قومٍ أهل كتاب، فَلْيَكُن أول مَا تدعوهم إِلَيْهِ عبَادَة الله عز وَجل، فَإِذا عرفُوا الله فَأخْبرهُم أَن الله قد فرض عَلَيْهِم خمس صلواتٍ فِي يومهم وليلتهم، فَإِذا فعلوا فَأخْبرهُم أَن الله قد فرض عَلَيْهِم زَكَاة تُؤْخَذ من أَمْوَالهم وَترد على فقرائهم، فَإِذا أطاعوا بهَا فَخذ مِنْهُم، وتوق كرائم أَمْوَالهم ". زَاد فِي رِوَايَة ابْن الْمُبَارك ووكيع: " وَاتَّقِ دَعْوَة الْمَظْلُوم، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَينه وَبَين الله حجابٌ ".
رِوَايَات البُخَارِيّ كلهَا هَكَذَا على أَنه من مُسْند ابْن عَبَّاس، وَكَذَلِكَ عِنْد مُسلم فِي رِوَايَته عَن ابْن أبي عمر وَعبد بن حميد. وَأما فِي رِوَايَته عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَأبي كريب وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن وَكِيع، فَإِن هَؤُلَاءِ قَالُوا فِيهِ: عَن أبي معبد عَن ابْن عَبَّاس عَن معَاذ بن جبل قَالَ:
بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " إِنَّك تَأتي قوما من أهل الْكتاب، فادعهم إِلَى شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله ... . " وَذكر الحَدِيث بِنَحْوِهِ. وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يخرج فِي أَفْرَاد مُسلم لذكره إِيَّاه وَحده عَن ابْن عَبَّاس عَن معَاذ، وَلَكِن أوردناه كَمَا أوردهُ أَبُو مَسْعُود، وَنَبَّهنَا عَلَيْهِ.
1017 - الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ: عَن أبي معبدٍ عَن ابْن عَبَّاس: أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب، يَقُول: " لَا يخلون رجلٌ بامرأةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو محرمٍ، وَلَا تُسَافِر الْمَرْأَة إِلَّا مَعَ ذِي محرم " فَقَامَ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله، إِن امْرَأَتي خرجت حَاجَة، وَإِنِّي اكتتبت فِي غَزْوَة كَذَا وَكَذَا، قَالَ: " انْطلق فحج مَعَ امْرَأَتك ".
1018 - الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ: عَن أبي معبدٍ عَن ابْن عَبَّاس: أَن رفع الصَّوْت بِالذكر حِين ينْصَرف النَّاس من الْمَكْتُوبَة كَانَ على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ ابْن عَبَّاس: كنت أعلم إِذا انصرفوا بذلك إِذا سمعته.(2/33)
وَفِي حَدِيث ابْن عُيَيْنَة:
مَا كُنَّا نَعْرِف انْقِضَاء صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا بِالتَّكْبِيرِ. قَالَ عَمْرو: وَأَخْبرنِي بِهِ أَبُو معبد، ثمَّ أنكرهُ بعد.
1019 - الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ: فِي قيام اللَّيْل: عَن عَمْرو بن دِينَار عَن كريب عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بت عِنْد خَالَتِي مَيْمُونَة لَيْلَة، فَقَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من اللَّيْل فَتَوَضَّأ من شن مُعَلّق وضُوءًا خَفِيفا، يخففه عَمْرو ويقلله - وَقَامَ يُصَلِّي، قَالَ: فَقُمْت فَتَوَضَّأت نَحوا مِمَّا تَوَضَّأ، ثمَّ جِئْت فَقُمْت عَن يسَاره، وَرُبمَا قَالَ سُفْيَان: عَن شِمَاله، فحولني فجعلني عَن يَمِينه، ثمَّ صلى مَا شَاءَ الله، ثمَّ اضْطجع فَنَامَ حَتَّى نفخ، ثمَّ أَتَاهُ الْمُنَادِي فآذنه بِالصَّلَاةِ، فَقَامَ مَعَه إِلَى الصَّلَاة فصلى الصُّبْح وَلم يتَوَضَّأ.
قَالَ سُفْيَان، وَهَذَا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة؛ لِأَنَّهُ بلغنَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تنام عَيناهُ وَلَا ينَام قلبه. وَفِي رِوَايَة ابْن الْمَدِينِيّ عَن سُفْيَان قَالَ:
قُلْنَا لعَمْرو: إِن نَاسا يَقُولُونَ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تنام عينه وَلَا ينَام قلبه. فَقَالَ عَمْرو: سَمِعت عبيد بن عُمَيْر يَقُول: رُؤْيا الْأَنْبِيَاء وَحي، ثمَّ قَرَأَ: {إِنِّي أرى فِي الْمَنَام أَنِّي أذبحك} [سُورَة الصافات] .
وَأَخْرَجَاهُ من رِوَايَة شريك بن عبد الله بن أبي نمر الْقرشِي عَن كريب عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
بت فِي بَيت مَيْمُونَة، فَتحدث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ أَهله سَاعَة ثمَّ رقد، فَلَمَّا كَانَ ثلث اللَّيْل الآخر قعد، فَنظر إِلَى السَّمَاء فَقَالَ: {إِن فِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار لآيَات لأولي الْأَلْبَاب} [سُورَة آل عمرَان] ، ثمَّ قَامَ فَتَوَضَّأ، واستن، فصلى إِحْدَى عشرَة رَكْعَة، ثمَّ أذن فصلى رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ خرج.(2/34)
وَفِي رِوَايَة أبي بكر مُحَمَّد بن إِسْحَاق أَنه قَالَ:
رقدت فِي بَيت مَيْمُونَة لَيْلَة كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْدهَا، لأنظر كَيفَ صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ: فَتحدث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ أَهله سَاعَة، ثمَّ رقد ... الحَدِيث.
وَأَخْرَجَاهُ من رِوَايَة مخرمَة بن سُلَيْمَان الْأَسدي عَن كريب مولى ابْن عَبَّاس أَنه أخبرهُ عَن ابْن عَبَّاس:
أَنه بَات عِنْد مَيْمُونَة أم الْمُؤمنِينَ - وَهِي خَالَته - فِي رِوَايَة ابْن مهْدي عَن مَالك قَالَ: فَقلت: لأنظرن إِلَى صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فطرحت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسَادَة - وَفِي حَدِيث عبد الله بن يُوسُف قَالَ: فاضطجعت على عرض الوسادة. واضطجع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَهله فِي طولهَا فَنَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى انتصف اللَّيْل أَو قبله بِقَلِيل أَو بعده بِقَلِيل، ثمَّ اسْتَيْقَظَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجَلَسَ يمسح النّوم عَن وَجهه بيدَيْهِ، ثمَّ قَرَأَ الْعشْر الْآيَات الْخَوَاتِم من سُورَة آل عمرَان، ثمَّ قَامَ إِلَى شن معلقةٍ، فَتَوَضَّأ مِنْهَا وَأحسن وضوءه، ثمَّ قَامَ يُصَلِّي، فَقَالَ عبد الله بن عَبَّاس: فَقُمْت فصنعت مثل مَا صنع، ثمَّ ذهب، فَقُمْت إِلَى جنبه، فَوضع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَده الْيُمْنَى على رَأْسِي، وَأخذ بأذني الْيُمْنَى يفتلها، فصلى رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ أوتر، ثمَّ اضْطجع حَتَّى جَاءَ الْمُؤَذّن، فَقَامَ فصلى رَكْعَتَيْنِ خفيفتين، ثمَّ خرج فصلى الصُّبْح.
وَفِي حَدِيث عبد ربه بن سعيد عَن مخرمَة عَن كريب عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: نمت عِنْد مَيْمُونَة وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْدهَا تِلْكَ اللَّيْلَة، فَتَوَضَّأ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ قَامَ فصلى، فَقُمْت عَن يسَاره، فأخذني فجعلني عَن يَمِينه، فصلى فِي تِلْكَ اللَّيْلَة ثَلَاث عشرَة رَكْعَة، ثمَّ نَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى نفخ، وَكَانَ إِذا نَام نفخ، ثمَّ أَتَاهُ الْمُؤَذّن،(2/35)
فَخرج فصلى وَلم يتَوَضَّأ قَالَ عَمْرو بن الْحَارِث: فَحدثت بِهِ بكير بن الْأَشَج فَقَالَ: حَدثنِي كريبٌ بذلك.
وَفِي حَدِيث الضَّحَّاك بن عُثْمَان عَن مخرمَة قَالَ: بت لَيْلَة عِنْد خَالَتِي مَيْمُونَة بنت الْحَارِث، فَقلت لَهَا:
إِذا قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأيقظيني، فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقُمْت إِلَى جنبه الْأَيْسَر، فَأخذ بيَدي فجعلني من شقَّه الْأَيْمن، فَجعلت إِذا أغفيت يَأْخُذ بشحمة أُذُنِي، قَالَ: فصلى إِحْدَى عشرَة رَكْعَة، ثمَّ احتبى حَتَّى إِنِّي لأسْمع نَفسه رَاقِدًا، فَلَمَّا تبين لَهُ الْفجْر صلى رَكْعَتَيْنِ خفيفتين.
وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا من رِوَايَة سَلمَة بن كهيل عَن كريب عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بت عِنْد مَيْمُونَة، فَقَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأتى حَاجته، ثمَّ غسل وَجهه وَيَديه، ثمَّ نَام، ثمَّ قَامَ فَأتى الْقرْبَة فَأطلق شناقها، ثمَّ تَوَضَّأ وضُوءًا بَين الوضوءين، لم يكثر، وَقد أبلغ، ثمَّ قَامَ فصلى، فَقُمْت كَرَاهِيَة أَن يرى أَنِّي كنت أتقيه، فَتَوَضَّأت، وَقَامَ يُصَلِّي فَقُمْت عَن يسَاره، فَأخذ بيَدي، فأدارني عَن يَمِينه، فتتامت صلَاته ثَلَاث عشرَة رَكْعَة، ثمَّ اضْطجع، فَنَامَ حَتَّى نفخ، وَكَانَ إِذا نَام نفخ، فَأَتَاهُ بلالٌ فآذنه بِالصَّلَاةِ، فَقَامَ فصلى وَلم يتَوَضَّأ، وَكَانَ يَقُول فِي دُعَائِهِ: " اللَّهُمَّ اجْعَل فِي قلبِي نورا، وَفِي بَصرِي نورا، وَفِي سَمْعِي نورا، وَعَن يَمِيني نورا، وَعَن يساري نورا، وفوقي نورا، وتحتي نورا، وأمامي نورا، وَخَلْفِي نورا، وَاجعَل لي نورا ". قَالَ كريب: وَسبع فِي التابوت، فَلَقِيت رجلا من ولد الْعَبَّاس، فَحَدثني بِهن، فَذكر عصبي، ولحمي، وَدمِي، وشعري، وبشري، وَذكر خَصْلَتَيْنِ. هَذَا لفظ حَدِيث الثَّوْريّ.(2/36)
وَفِي حَدِيث عبد الله بن هَاشم فِي آخِره: " وَعظم لي نورا " بدل قَوْله: " وَاجعَل لي نورا " وَفِيه: كَرَاهِيَة أَن يرى أَنِّي كنت أنتبه لَهُ. وَفِي رِوَايَة ابْن الْمَدِينِيّ: كَرَاهِيَة أَن يرى أَنِّي كنت أتقيه. وَقيل: مَعْنَاهُ أنتظره. وَعند البرقاني: كَرَاهِيَة أَن يرى أَنِّي كنت أرتقبه. وأظن أَن هَذَا هُوَ الصَّحِيح، وَالله أعلم. وَقد صَحَّ أَيْضا الأول فِي حَيْثُ اللُّغَة.
وَأول حَدِيث شُعْبَة: بت عِنْد خَالَتِي مَيْمُونَة، فَبَقيت - وَفِي رِوَايَة: فرقبت، وَفِي حَاشِيَة كتاب البرقاني بِخَطِّهِ: فرمقت كَيفَ يُصَلِّي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَذكر نَحوه إِلَى أَن قَالَ: ثمَّ نَام حَتَّى نفخ، وَكُنَّا نعرفه إِذا نَام بنفخه، ثمَّ خرج إِلَى الصَّلَاة فصلى، فَجعل يَقُول فِي صلَاته، أَو فِي سُجُوده:
" اللَّهُمَّ اجْعَل فِي قلبِي نورا، وَفِي سَمْعِي نورا، وَفِي بَصرِي نورا، وَعَن يَمِيني نورا، وَعَن شمَالي نورا، وأمامي نورا، وَخَلْفِي نورا، وفوقي نورا، وتحتي نورا، وَاجعَل لي نورا - أَو قَالَ: واجعلني نورا ". وَلم يذكر: فَلَقِيت بعض ولد الْعَبَّاس.
وَفِي حَدِيث النَّضر بن شُمَيْل نَحوه، وَقَالَ: " اجْعَلنِي نورا " وَلم يشك.
وَفِي حَدِيث عقيل:
فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليلتئذٍ تسع عشرَة كلمة، قَالَ سَلمَة حدثنيها كريب، فَحفِظت مِنْهَا اثْنَتَيْ عشرَة ونسيت مَا بَقِي، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " اللَّهُمَّ اجْعَل لي فِي قلبِي نورا، وَفِي لساني نورا، وَفِي سَمْعِي نورا، وَفِي بَصرِي نورا، وَمن فَوقِي نورا، وَمن تحتي نورا، وَعَن يَمِيني نورا، وَعَن شمَالي نورا، وَمن بَين يَدي نورا، وَمن خَلْفي نورا، وَاجعَل لي فِي نَفسِي نورا، وَأعظم لي نورا ".(2/37)
وَفِي رِوَايَة سعيد بن مَسْرُوق عَن سَلمَة قَالَ: " بت عِنْد خَالَتِي مَيْمُونَة ... " فاقتص الحَدِيث وَلم يذكر غسل الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ، غير أَنه قَالَ:
أَتَى الْقرْبَة فَحل شناقها فَتَوَضَّأ وضُوءًا بَين الوضوءين، ثمَّ أَتَى فرَاشه فَنَامَ، ثمَّ قَامَ قومة أُخْرَى، فَأتى الْقرْبَة، فَحل شناقها، ثمَّ تَوَضَّأ وضُوءًا هُوَ الْوضُوء، وَقَالَ " ... أعظم لي نورا " وَلم يذ كرّ " واجعلني نورا ".
وَأخرجه البُخَارِيّ مُخْتَصرا من حَدِيث عبد الله بن سعيد بن جُبَير عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
بت عِنْد خَالَتِي، فَقَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي من اللَّيْل، فَقُمْت أُصَلِّي مَعَه، فَقُمْت عَن يسَاره، فَأخذ برأسي فأقامني عَن يَمِينه. لم يزدْ.
وَأخرجه من حَدِيث الحكم عَن سعيد بن جُبَير أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: بت فِي بَيت خَالَتِي مَيْمُونَة بنت الْحَارِث زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي لَيْلَتهَا، فصلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعشَاء، ثمَّ جَاءَ إِلَى منزله فصلى أَربع رَكْعَات ثمَّ نَام، ثمَّ قَامَ، ثمَّ قَالَ: " نَام الغليم " أَو كلمة تشبهها، ثمَّ قَامَ فَقُمْت عَن يسَاره، فجعلني عَن يَمِينه، فصلى خمس رَكْعَات، ثمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ نَام حَتَّى سَمِعت غَطِيطه أَو خطيطه، ثمَّ خرج إِلَى الصَّلَاة. لم يزدْ.
وَأخرجه أَيْضا من حَدِيث أبي بشر عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
بت عِنْد مَيْمُونَة بنت الْحَارِث خَالَتِي، وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْدهَا فِي لَيْلَتهَا، قَالَ: فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي من اللَّيْل، فَقُمْت عَن يسَاره، قَالَ: فَأخذ بذؤابتي فجعلني من يَمِينه، وَفِي حَدِيث النَّاقِد: أَو برأسي.(2/38)
وَأخرجه من حَدِيث عَامر الشّعبِيّ قَالَ:
قُمْت لَيْلَة أُصَلِّي مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقُمْت عَن يسَاره، فَقَامَ بِيَدِهِ من وَرَائه فَأخذ بيَدي أَو بعضدي حَتَّى أقامني عَن يَمِينه.
وَأخرجه مُسلم مُخْتَصرا من حَدِيث عَطاء بن أبي رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
بت ذَات لَيْلَة عِنْد خَالَتِي مَيْمُونَة، فَقَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي مُتَطَوعا من اللَّيْل، فَقَامَ إِلَى الْقرْبَة فَتَوَضَّأ، وَقَامَ يُصَلِّي، فَقُمْت، فَلَمَّا رَأَيْته صنع ذَلِك، فَتَوَضَّأت من الْقرْبَة، ثمَّ قُمْت إِلَى شقَّه الْأَيْسَر، فَأخذ بيَدي من وَرَاء ظَهره يعدلني كَذَلِك من وَرَاء ظَهره إِلَى الشق الْأَيْمن. قلت: أَفِي تطوع كَانَ ذَلِك؟ قَالَ: نعم.
وَفِي حَدِيث قيس بن سعد عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
بَعَثَنِي الْعَبَّاس إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي بَيت خَالَتِي مَيْمُونَة، فَبت مَعَه فِي تِلْكَ اللَّيْلَة، فَقَامَ يُصَلِّي من اللَّيْل، فَقُمْت فِي يسَاره، فتناولني من خلف ظَهره فجعلني عَن يَمِينه. لم يزدْ.
وَأخرجه مُسلم أَيْضا من حَدِيث عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس عَن أَبِيه: أَنه رقد عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فَاسْتَيْقَظَ فَتَسَوَّكَ وَتَوَضَّأ وَهُوَ يَقُول: {إِن فِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار لآيَات لأولي الْأَلْبَاب} فَقَرَأَ هَؤُلَاءِ الْآيَات حَتَّى ختم السُّورَة، ثمَّ قَامَ فصلى رَكْعَتَيْنِ أَطَالَ فيهمَا الْقيام وَالرُّكُوع وَالسُّجُود، ثمَّ انْصَرف فَنَامَ حَتَّى نفخ، ثمَّ فعل ذَلِك ثَلَاث مَرَّات: سِتّ رَكْعَات، كل ذَلِك يستاك وَيتَوَضَّأ وَيقْرَأ هَؤُلَاءِ الْآيَات، ثمَّ أوتر بِثَلَاث. فَأذن الْمُؤَذّن، فَخرج إِلَى الصَّلَاة وَهُوَ يَقُول: " اللَّهُمَّ اجْعَل فِي قلبِي نورا، وَفِي لساني نورا، وَاجعَل فِي سَمْعِي نورا، وَاجعَل فِي بَصرِي نورا، وَاجعَل من خَلْفي نورا، وَمن أَمَامِي نورا، وَاجعَل من فَوقِي نورا، وَمن تحتي نورا، اللَّهُمَّ أَعْطِنِي نورا ".(2/39)
وَأخرجه مُسلم أَيْضا من حَدِيث أبي المتَوَكل عَليّ بن دَاوُد النَّاجِي:
أَن ابْن عَبَّاس حَدثهُ أَنه بَات عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات لَيْلَة، فَقَامَ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من آخر اللَّيْل فَنظر إِلَى السَّمَاء، ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة فِي آل عمرَان: {إِن فِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار لآيَات لأولي الْأَلْبَاب} حَتَّى بلغ: {فقنا عَذَاب النَّار} ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَيْت فَتَسَوَّكَ وَتَوَضَّأ، ثمَّ قَامَ فصلى، ثمَّ اضْطجع، ثمَّ قَامَ فَخرج ينظر إِلَى السَّمَاء، ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة، ثمَّ رَجَعَ فَتَسَوَّكَ، فَتَوَضَّأ، ثمَّ قَامَ فصلى.
1020 - الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ: عَن سَالم بن أبي الْجَعْد - وَاسم أبي الْجَعْد رَافع، عَن كريب عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَو أَن أحدهم إِذا أَرَادَ أَن يَأْتِي أَهله قَالَ: بِسم الله، اللَّهُمَّ جنبنا الشَّيْطَان، وجنب الشَّيْطَان مَا رزقتنا، فَإِنَّهُ إِن يقدر بَينهمَا ولدٌ فِي ذَلِك، لم يضرّهُ الشَّيْطَان أبدا ".
وَمن الروَاة من قَالَ:
لَو أَن أحدكُم إِذا أَتَى أَهله قَالَ: بِسم الله " وَمِنْهُم من قَالَ: " لَو أَن أحدهم يَقُول حِين يَأْتِي أَهله: بِسم الله ... " ثمَّ ذكر نَحوه.
1021 - الْخَامِس وَالْأَرْبَعُونَ: عَن مُجَاهِد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: نصرت بالصبا وأهلكت عادٌ بالدبور ".
وَأخرجه مُسلم أَيْضا من حَدِيث مَسْعُود بن مَالك عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس مُسْندًا. @ 1022 - السَّادِس وَالْأَرْبَعُونَ: عَن مُجَاهِد أَنه سمع ابْن عَبَّاس وَذكروا لَهُ(2/40)
الدَّجَّال، بَين عَيْنَيْهِ كَافِر، أَو: ك ف ر - قَالَ: لم أسمعهُ قَالَ ذَلِك، وَلكنه قَالَ: " أما إِبْرَاهِيم فانظروا إِلَى صَاحبكُم، وَأما مُوسَى فجعد آدم، على جمل أَحْمَر مَخْطُوم بخلبة، كَأَنِّي أنظر إِلَيْهِ انحدر فِي الْوَادي " هَكَذَا فِي رِوَايَة ابْن عون عَن مُجَاهِد لَهما.
قَالَ أَبُو مَسْعُود: وَرَوَاهُ البُخَارِيّ فِي " أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء " عَن مُحَمَّد بن كثير عَن إِسْرَائِيل عَن عُثْمَان بن الْمُغيرَة عَن مُجَاهِد عَن ابْن عمر. وَمتْن هَذَا الحَدِيث فِي كتاب البُخَارِيّ:
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " رَأَيْت عِيسَى ومُوسَى وَإِبْرَاهِيم، فَأَما عِيسَى فأحمر جعدٌ عريض الصَّدْر، وَأما مُوسَى فآدم جسيم سبط، كَأَنَّهُ من رجال الزط " زَاد البرقاني فِي رِوَايَته من حَدِيث إِسْرَائِيل: فَقيل لَهُ: وَإِبْرَاهِيم؟ قَالَ: " شَبيه صَاحبكُم " وَلَيْسَ ذَلِك عِنْد البُخَارِيّ فِيهِ. ثمَّ قَالَ أَبُو مَسْعُود: هَكَذَا قَالَ البُخَارِيّ فِي جَمِيع الرِّوَايَات عَن ابْن عمر. وَخَالف أَصْحَاب مُحَمَّد بن كثير وَأَصْحَاب إِسْرَائِيل لأَنهم قَالُوا كلهم: عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس.
وَقد أَخْرجَاهُ جَمِيعًا من رِوَايَة أبي الْعَالِيَة الريَاحي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: ذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة أسرِي بِهِ فَقَالَ:
" مُوسَى آدم طوال كَأَنَّهُ من رجال شنُوءَة ". وَقَالَ: " عِيسَى جعدٌ مَرْبُوع " وَذكر مَالِكًا خَازِن النَّار، وَذكر الدَّجَّال. زَاد فِي رِوَايَة شُعْبَة وَسَعِيد وشيبان عَن قَتَادَة: " وَرَأَيْت عِيسَى ابْن مَرْيَم مَرْبُوع الْخلق، إِلَى الْحمرَة(2/41)
وَالْبَيَاض، سبط الرَّأْس، وَرَأَيْت مَالِكًا خَازِن النَّار، والدجال فِي آياتٍ أراهن الله إِيَّاه {فَلَا تكن فِي مرية من لِقَائِه} [سُورَة السَّجْدَة] .
وَفِي حَدِيث شَيبَان:
وَكَانَ قَتَادَة يُفَسِّرهَا: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد لَقِي مُوسَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَفِي حَدِيث دَاوُد بن أبي هِنْد من رِوَايَة هشيم عَنهُ:
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بوادي الْأَزْرَق فَقَالَ: " أَي وادٍ هَذَا؟ " قَالُوا: هَذَا وَادي الْأَزْرَق. قَالَ: " كَأَنِّي أنظر إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام هابطاً من الثَّنية وَله جؤار إِلَى الله بِالتَّلْبِيَةِ " ثمَّ أَتَى على ثنية هرشى فَقَالَ: " أَي ثنيةٍ هَذِه؟ " قَالُوا: ثنية هرشى، فِي حَدِيث ابْن أبي عدي: قَالَ: " كَأَنِّي أنظر إِلَى يُونُس بن مَتى عَلَيْهِ السَّلَام على ناقةٍ حَمْرَاء جعدةٍ، عَلَيْهِ جبةٌ من صوف، خطام نَاقَته خلبةٌ، وَهُوَ يُلَبِّي ". قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل فِي حَدِيثه: قَالَ هشيم: يَعْنِي لِيف.
وَفِي حَدِيث ابْن أبي عدي عَن دَاوُد فِي ذكر مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: " وَاضِعا إصبعيه فِي أُذُنَيْهِ "، وَفِي ذكر يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام: " خطام نَاقَته لِيف خلبةٍ، ماراً بِهَذَا الْوَادي ملبياً ".
1023 - السَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ: عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَقِي ناسٌ من الْمُسلمين رجلا فِي غنيمَة لَهُ، فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم، فَأَخَذُوهُ فَقَتَلُوهُ، وَأخذُوا تِلْكَ الْغَنِيمَة، فَنزلت: {وَلَا تَقولُوا لمن ألْقى إِلَيْكُم السّلم لست مُؤمنا} [سُورَة النِّسَاء] ، وَقرأَهَا ابْن عَبَّاس {السَّلَام} .(2/42)
1024 - الثَّامِن وَالْأَرْبَعُونَ: عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِذا أكل احدكم طَعَاما فَلَا يمسح يَده حَتَّى يلعقها أَو يلعقها ". @ 1025 - التَّاسِع وَالْأَرْبَعُونَ: عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا سعى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْبَيْتِ وَبَين الصَّفَا والمروة ليري الْمُشْركين قوته.
وَقد أخرجَا هَذَا الْمَعْنى من حَدِيث سعيد بن جُبَير من رِوَايَة أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
قدم الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه مَكَّة وَقد وهنتهم حمى يثرب، فَقَالَ الْمُشْركُونَ: إِنَّه يقدم عَلَيْكُم غَدا قومٌ قد وهنتهم الْحمى، ولقوا مِنْهَا شدَّة، فجلسوا مِمَّا يَلِي الْحجر، وَأمرهمْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يرملوا ثَلَاثَة أَشْوَاط، ويمشوا مَا بَين الرُّكْنَيْنِ ليرى الْمُشْركُونَ جلدهمْ. فَقَالَ الْمُشْركُونَ: هَؤُلَاءِ الَّذين زعمتم أَن الْحمى قد وهنتهم، هَؤُلَاءِ أجلد من كَذَا وَكَذَا. قَالَ ابْن عَبَّاس: وَلم يمنعهُ أَن يَأْمُرهُم أَن يرملوا الأشواط كلهَا إِلَّا للإبقاء عَلَيْهِم.
قَالَ البُخَارِيّ:
وَزَاد حَمَّاد بن سَلمَة عَن أَيُّوب عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعامه الَّذِي استأمن فِيهِ قَالَ: " ارملوا " ليرى الْمُشْركُونَ قوتهم. وَالْمُشْرِكُونَ من قبل قعيقعان.
وَأخرجه مُسلم من حَدِيث أبي الطُّفَيْل عَن ابْن عَبَّاس مَعَ حكمٍ آخر فِي الرّكُوب، يَجِيء فِي أَفْرَاد مُسلم.
1026 - الْخَمْسُونَ: عَن عَمْرو عَن عَطاء قَالَ: أعتم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالعشاء، فَخرج عمر فَقَالَ: الصَّلَاة يَا رَسُول الله، رقد النِّسَاء وَالصبيان. فَخرج وَرَأسه يقطر،(2/43)
يَقُول:
" لَوْلَا أَن أشق على أمتِي أَو على النَّاس - وَقَالَ سُفْيَان مرّة: على النَّاس - لأمرتهم بِالصَّلَاةِ هَذِه السَّاعَة " كَذَا فِي حَدِيث ابْن عُيَيْنَة.
وَقَالَ: قَالَ ابْن جريج عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
أخر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الصَّلَاة، وَذكره. . وَفِيه: فَخرج وَهُوَ يمسح المَاء عَن شقَّه يَقُول: " إِنَّه للْوَقْت لَوْلَا أَن أشق على أمتِي ".
قَالَ البُخَارِيّ: وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر: قَالَ: حَدثنَا معنٌ عَن مُحَمَّد بن مُسلم عَن عَمْرو عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَعند البُخَارِيّ من حَدِيث عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج قَالَ: حَدثنِي نَافِع عَن ابْن عمر: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شغل عَنْهَا لَيْلَة فأخرها حَتَّى رقدنا فِي الْمَسْجِد، ثمَّ استيقظنا، ثمَّ رقدنا، ثمَّ استيقظنا، ثمَّ خرج علينا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ قَالَ: " لَيْسَ أحدٌ من أهل الأَرْض ينْتَظر الصَّلَاة غَيْركُمْ ". وَكَانَ ابْن عمر لَا يُبَالِي أقدمها أم أَخّرهَا إِذا كَانَ لَا يخْشَى أَن يغلبه النّوم عَن وَقتهَا، وَقل مَا كَانَ يرقد قبلهَا قَالَ ابْن جريج: قلت لعطاء.
وَقَالَ:
سَمِعت ابْن عَبَّاس يَقُول: أعتم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة بالعشاء حَتَّى رقد النَّاس واستيقظوا، ورقدوا واستيقظوا. فَقَامَ عمر فَقَالَ: الصَّلَاة. قَالَ عَطاء: قَالَ ابْن عَبَّاس: فَخرج نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَأَنِّي أنظر إِلَيْهِ الْآن - يقطر رَأسه مَاء، وَاضِعا يَده على رَأسه، فَقَالَ " لَوْلَا أَن أشق على أمتِي لأمرتهم أَن يصلوها هَكَذَا ". قَالَ: فاستثبت عَطاء: كَيفَ وضع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على رَأسه يَده كَمَا أنبأه ابْن عَبَّاس؟ فبدد لي عطاءٌ بَين أَصَابِعه شَيْئا من تبديدٍ، ثمَّ وضع أَطْرَاف أَصَابِعه على قرن الرَّأْس،(2/44)
ثمَّ ضمهَا يمرها كَذَلِك على الرَّأْس، حَتَّى مست إبهامه طرف الْأذن مِمَّا يَلِي الْوَجْه على الصدغ وناحية اللِّحْيَة، لَا يقصر وَلَا يبطش إِلَّا كَذَلِك.
وَهُوَ عِنْد مُسلم أَيْضا من حَدِيث عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس، وَلم يصله بِحَدِيث نَافِع عَن ابْن عمر، بل ذكره مُفردا مَفْصُولًا مِنْهُ.
وَأول حَدِيث ابْن جريج عَن عَطاء عِنْد مُسلم:
قَالَ: قلت لعطاء: أَي حِين أحب إِلَيْك أَن أُصَلِّي الْعشَاء الَّتِي يَقُول لَهَا النَّاس الْعَتَمَة إِمَامًا وخلواً؟ فَقَالَ: سَمِعت ابْن عَبَّاس يَقُول: أعتم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات لَيْلَة الْعشَاء، ثمَّ ذكر نَحوا مِمَّا أوردناه من حَدِيث البُخَارِيّ، إِلَى قَوْله: لَا يقصر وَلَا يبطش بشيءٍ إِلَّا كَذَلِك. ثمَّ قَالَ: قلت لعطاء: كم ذكر لَك أَخّرهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليلتئذٍ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي. قَالَ عَطاء: فَأحب إِلَيّ أَن أصليها إِمَامًا وخلواً مؤخرةً كَمَا صلاهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليلتئذٍ، قَالَ: فَإِن شقّ عَلَيْك ذَلِك خلوا أَو على النَّاس فِي الْجَمَاعَة وَأَنت إمَامهمْ، فصلها وسطا لَا مُعجلَة وَلَا مؤخرة، وَلَيْسَت هَذِه الزِّيَادَة من قَول عَطاء عِنْد البُخَارِيّ فِيمَا أخرجه.
وَلَفظ حَدِيث ابْن جريج عَن نَافِع عَن ابْن عمر الَّذِي أفرده مُسلم بِهَذَا الْإِسْنَاد فِي مَوضِع قبله:
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شغل عَنْهَا لَيْلَة، فأخرها حَتَّى رقدنا فِي الْمَسْجِد ثمَّ استيقظنا، ثمَّ رقدنا ثمَّ استيقظنا، ثمَّ خرج علينا، ثمَّ قَالَ: " لَيْسَ أحدٌ من أهل الأَرْض اللَّيْلَة ينْتَظر الصَّلَاة غَيْركُمْ ". لم يزدْ.
وَلَوْلَا أَن البُخَارِيّ قرن حَدِيث أَن عمر بِحَدِيث ابْن عَبَّاس مَا احتجنا إِلَى ذكره هَا هُنَا.(2/45)
1027 - الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ: عَن عَطاء بن أبي رَبَاح قَالَ: قَالَ لي ابْن عَبَّاس: أَلا أريك امْرَأَة من أهل الْجنَّة؟ قلت: بلَى. قَالَ: هَذِه الْمَرْأَة السَّوْدَاء، أَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: إِنِّي أصرع، وَإِنِّي أتكشف، فَادع الله لي. قَالَ: " إِن شِئْت صبرت وَلَك الْجنَّة، وَإِن شِئْت دَعَوْت الله أَن يعافيك ". قَالَت: أَصْبِر. فَقَالَت: فَإِنِّي أتكشف، فَادع الله أَلا أتكشف. فَدَعَا لَهَا.
وَعند البُخَارِيّ من حَدِيث ابْن جريج عَن عَطاء أَنه رأى أم زفرٍ تِلْكَ الْمَرْأَة الطَّوِيلَة سَوْدَاء على ستر الْكَعْبَة.
1028 - الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ: عَن عَطاء قَالَ: كَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول: لَا يطوف بِالْبَيْتِ حاجٌّ وَلَا غير حاجٍّ إِلَّا حل. قلت لعطاء: من أَيْن يَقُول ذَلِك: قَالَ: من قَول الله تَعَالَى: {ثمَّ محلهَا إِلَى الْبَيْت الْعَتِيق} [سُورَة الْحَج] قلت: فَإِن ذَلِك بعد الْمُعَرّف. فَقَالَ: كَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول: هُوَ بعد الْمُعَرّف وَقَبله، كَانَ يَأْخُذ ذَلِك من أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين أَمرهم أَن يحلوا فِي حجَّة الْوَدَاع.
وَعند مُسلم أَيْضا من حَدِيث أبي حسان الْأَعْرَج، وَيُقَال لَهُ الأجرد قَالَ: قَالَ رجلٌ من بني الهجيم لِابْنِ عَبَّاس: مَا هَذِه الْفتيا الَّتِي قد تشغفت أَو تشغبت بِالنَّاسِ: أَن من طَاف بِالْبَيْتِ فقد حل؟ فَقَالَ: سنة نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن رغمتم.
وَفِي حَدِيث همام بن يحيى:
قيل لِابْنِ عَبَّاس: إِن هَذَا الْأَمر قد تفشع بِالنَّاسِ، من طَاف بِالْبَيْتِ فقد حل الطّواف عمْرَة، فَقَالَ: سنة نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن رغمتم.
1029 - الثَّالِث وَالْخَمْسُونَ: عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(2/46)
قَالَ لامْرَأَة من الْأَنْصَار يُقَال لَهَا أم سِنَان: " مَا مَنعك أَن تَكُونِي حججْت مَعنا؟ " قَالَت: ناضحان كَانَا لأبي فلَان، زَوجهَا، حج وَابْنه على أَحدهمَا، وَكَانَ الآخر يسْقِي أَرضًا لنا. قَالَ: " فعمرةٌ فِي رَمَضَان تقضي حجَّة - أَو حجَّة معي ".
وَفِي حَدِيث يحيى بن سعيد الْقطَّان:
" فَإِذا جَاءَ رَمَضَان فاعتمري، فَإِن عمْرَة فِيهِ تعدل حجَّة ". 1030 - الرَّابِع وَالْخَمْسُونَ: عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " لَو أَن لِابْنِ آدم مثل وادٍ مَالا لأحب أَن لَهُ إِلَيْهِ مثله، وَلَا يمْلَأ عين ابْن آدم إِلَّا التُّرَاب، وَيَتُوب الله على من تَابَ ". قَالَ ابْن عَبَّاس: فَلَا أَدْرِي من الْقُرْآن هُوَ أم لَا، قَالَ: وَسمعت ابْن الزبير يَقُول ذَلِك على الْمِنْبَر.
وَفِي رِوَايَة أبي عَاصِم
" لَو كَانَ لِابْنِ آدم واديان من مالٍ لَا بتغى ثَالِثا، وَلَا يمْلَأ جَوف ابْن آدم إِلَّا التُّرَاب، وَيَتُوب الله على من تَابَ ".
1031 - الْخَامِس وَالْخَمْسُونَ: عَن عَطاء قَالَ: خرجنَا مَعَ ابْن عَبَّاس فِي جَنَازَة مَيْمُونَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بسرف، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: هَذِه زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِذا رفعتم نعشها فَلَا تزعزعوا وَلَا تزلزلوا وارفقوا، فَإِنَّهُ كَانَ عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تسع نسْوَة، فَكَانَ يقسم لثمانٍ وَلَا يقسم لوَاحِدَة. قَالَ عَطاء: وَالَّتِي لَا يقسم لَهَا - بلغنَا - أَنَّهَا صَفِيَّة بنت حييّ بن أَخطب. قَالَ عَطاء: كَانَت آخِرهنَّ موتا، مَاتَت بِالْمَدِينَةِ.(2/47)
1032 - السَّادِس وَالْخَمْسُونَ: عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَيْسَ التحصيب بِشَيْء، إِنَّمَا هُوَ منزلٌ نزله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
1033 - السَّابِع وَالْخَمْسُونَ: عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل الْكَعْبَة وفيهَا سِتّ سوارٍ، فَقَامَ عِنْد كل سَارِيَة، فَدَعَا وَلم يصل.
وَفِي حَدِيث إِسْحَاق بن نصر عَن عبد الرَّزَّاق:
لما دخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْبَيْت دَعَا فِي نواحيه كلهَا، وَلم يصل حَتَّى خرج مِنْهُ، فَلَمَّا خرج ركع رَكْعَتَيْنِ فِي قبل الْكَعْبَة وَقَالَ: " هَذِه الْقبْلَة ".
وَقد رَوَاهُ مُسلم بِنَحْوِهِ من حَدِيث إِسْحَاق بن رَاهْوَيْةِ وَعبد بن حميد عَن مُحَمَّد ابْن بكر، وَقَالَ فِيهِ: عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس عَن أُسَامَة.
1034 - الثَّامِن وَالْخَمْسُونَ: عَن عَمْرو بن دِينَار الْمَكِّيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مكث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة ثَلَاث عشرَة، وَتُوفِّي وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا من حَدِيث هِشَام بن حسان عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أنزل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ابْن أَرْبَعِينَ، فَمَكثَ ثَلَاث عشرَة، ثمَّ أَمر بِالْهِجْرَةِ فَهَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَة، فَمَكثَ بهَا عشر سِنِين، ثمَّ توفّي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا من حَدِيث أبي سَلمَة عَن ابْن عَبَّاس وَعَائِشَة:
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لبث بِمَكَّة عشر سِنِين ينزل عَلَيْهِ الْقُرْآن، وبالمدينة عشرا.
وَأخرج مُسلم من حَدِيث عمار بن أبي عمار مولى بني هَاشم قَالَ:
سَأَلت ابْن(2/48)
عَبَّاس: كم أَتَى لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم مَاتَ؟ قَالَ: مَا كنت أَحسب مثلك من قومه يخفى عَلَيْهِ ذَلِك. قَالَ: قلت: إِنِّي قد سَأَلت النَّاس فَاخْتَلَفُوا عَليّ، فَأَحْبَبْت أَن أعلم قَوْلك فِيهِ. قَالَ: أتحسب؟ قلت: نعم. قَالَ: أمسك أَرْبَعِينَ، بعث لَهَا خمس عشرَة بِمَكَّة يَأْمَن وَيخَاف، وَعشرا مهاجره إِلَى الْمَدِينَة.
وَحَدِيث خَالِد الْحذاء مُخْتَصر:
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم توفّي وَهُوَ ابْن خمس وَسِتِّينَ. لم يزدْ.
وَفِي حَدِيث حَمَّاد بن سَلمَة:
أَقَامَ رَسُول الله بِمَكَّة خمس عشرَة سنة، يسمع الصَّوْت وَيرى الضَّوْء سبع سِنِين، وَلَا يرى شَيْئا، وثمان سِنِين يُوحى إِلَيْهِ. وَأقَام بِالْمَدِينَةِ عشرا.
وَلَيْسَ لعمَّار بن أبي عمار فِي مُسْند ابْن عَبَّاس من الصَّحِيح غير هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد.
وَلمُسلم أَيْضا من حَدِيث عَمْرو بن دِينَار، قَالَ: قلت لعروة:
كم لبث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة؟ قَالَ: عشرا. قَالَ: قلت: فَابْن عَبَّاس يَقُول: بضع عشرَة. قَالَ: فغفره وَقَالَ: إِنَّمَا أَخذه من قَول الشَّاعِر يعْنى قَوْله:
(ثوى فِي قُرَيْش بضع عشرَة حجَّة ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... . ... )
وَلمُسلم من حَدِيث أبي جَمْرَة نصر بن عمرَان الضبعِي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
أَقَامَ رَسُول الله بِمَكَّة ثَلَاث عشرَة سنة يُوحى إِلَيْهِ، وبالمدينة عشرا، وَمَات وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة.(2/49)
1035 - التَّاسِع وَالْخَمْسُونَ: عَن سعيد بن جُبَير من رِوَايَة ابْنه عبد الله عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة، فَرَأى الْيَهُود تَصُوم عَاشُورَاء، فَقَالَ: " مَا هَذَا؟ " قَالُوا: يومٌ صالحٌ، نجى الله فِيهِ مُوسَى وَبني إِسْرَائِيل من عدوهم، فصامه مُوسَى. فَقَالَ: " أَنا أَحَق بمُوسَى مِنْكُم " فصامه وَأمر بصيامه.
وَفِي حَدِيث سُفْيَان عَن أَيُّوب: فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " مَا هَذَا الْيَوْم الَّذِي تصومونه " قَالُوا: هَذَا يومٌ عظيمٌ، أنجى الله فِيهِ مُوسَى وَقَومه، وغرق فِرْعَوْن وَقَومه، فصامه مُوسَى شكرا لله، فَنحْن نصومه. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " فَنحْن أَحَق وَأولى بمُوسَى مِنْكُم " فصامه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمر بصيامه.
وَأَخْرَجَاهُ من حَدِيث أبي بشر جَعْفَر بن أبي إِيَاس بن أبي وحشية عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس مُسْندًا بِنَحْوِ ذَلِك، وَفِيه: " فَنحْن نصومه تَعْظِيمًا لَهُ ".
1036 - السِّتُّونَ: عَن عَمْرو بن دِينَار عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب على الْمِنْبَر يَقُول: " إِنَّكُم ملاقو الله حُفَاة عُرَاة غرلًا " زَاد فِي حَدِيث أبي بكر بن أبي شيبَة وَغَيره عَن سُفْيَان " مشَاة " فِي أَوله.
وَأَخْرَجَا من حَدِيث الْمُغيرَة بن النُّعْمَان عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بموعظة فَقَالَ: " يَا أَيهَا النَّاس، إِنَّكُم مَحْشُورُونَ إِلَى الله حُفَاة عُرَاة غرلًا {كَمَا بدأنا أول خلق نعيده وَعدا علينا إِنَّا كُنَّا فاعلين} [سُورَة الْأَنْبِيَاء] ، أَلا إِن أول الْخَلَائق يكسى يَوْم الْقِيَامَة إِبْرَاهِيم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَلا وَإنَّهُ سيجاء برجالٍ من أمتِي، فَيُؤْخَذ بهم ذَات الشمَال، فَأَقُول: يَا رب، أَصْحَابِي فَيُقَال: إِنَّك(2/50)
لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بعْدك، فَأَقُول كَمَا قَالَ العَبْد الصَّالح: {وَكنت عَلَيْهِم شَهِيدا مَا دمت فيهم} إِلَى قَوْله: {الْعَزِيز الْحَكِيم} [سُورَة الْمَائِدَة: 117، 118] ، قَالَ: فَيُقَال لي: إِنَّهُم لم يزَالُوا مرتدين على أَعْقَابهم مُنْذُ فَارَقْتهمْ.
1037 - الْحَادِي وَالسِّتُّونَ: عَن عَمْرو بن دِينَار وَأَيوب عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بَيْنَمَا رجلٌ وَاقِف مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعَرَفَة، إِذْ وَقع من رَاحِلَته. قَالَ أَيُّوب: فأوقصته، أَو قَالَ: فأقعصته. وَقَالَ عمر: فوقصته. فَذكر ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: " اغسلوه بِمَاء وسدرٍ، وكفنوه فِي ثَوْبَيْنِ، وَلَا تحنطوه، وَلَا تخمروا رَأسه "، قَالَ أَيُّوب: " فَإِن الله يَبْعَثهُ يَوْم الْقِيَامَة ملبياً " وَقَالَ عَمْرو: " يُلَبِّي ". وَمن الروَاة من قَالَ: " فِي ثوبيه ".
وَفِي حَدِيث إِسْمَاعِيل بن علية عَن أَيُّوب: نبئت عَن سعيد بن جُبَير ...
وَقد روياه بِمَعْنَاهُ من حَدِيث مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر، فَقَالَ: جرير عَن الْمَنْصُور عَن الحكم عَن سعيد، وَقَالَ إِسْرَائِيل عَن مَنْصُور عَن سعيد عَن ابْن عَبَّاس مُسْندًا، وَفِيه: " وَلَا تغطوا وَجهه، وَلَا تقربوه طيبا؛ فَإِنَّهُ يبْعَث يُلَبِّي " وَفِي حَدِيث جرير: " يهل "
وَأَخْرَجَاهُ من حَدِيث أبي بشر جَعْفَر بن أبي وحشيه الْيَشْكُرِي عَن سعيد بن جُبَير بِنَحْوِهِ وَفِي حَدِيث شُعْبَة عَن أبي بشر:
خارجٌ رَأسه وَوَجهه، فَإِنَّهُ يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة ملبياً.
وَأخرجه مُسلم أَيْضا من حَدِيث أبي الزبير عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: قَالَ ابْن(2/51)
عَبَّاس:
وقصت رجلا نَاقَته وَهُوَ محرم مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأَمرهمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يغسلوه بِمَاء وَسدر، ويكشفوا وَجهه. حسبته قَالَ: وَرَأسه، فَإِنَّهُ يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة وَهُوَ يُلَبِّي.
1038 - الثَّانِي وَالسِّتُّونَ: عَن الْقَاسِم بن أبي بزَّة، واسْمه أبي بزَّة نَافِع عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: قلت لِابْنِ عَبَّاس: أَلِمَنْ قتل مُؤمنا مُتَعَمدا من تَوْبَة؟ قَالَ: لَا. فتلوت عَلَيْهِ هَذِه الْآيَة الَّتِي فِي " الْفرْقَان " {وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله} إِلَى آخر الْآيَة. قَالَ: هَذِه آيَة مَكِّيَّة. نسختها آيَة مَدَنِيَّة: {وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم} [النِّسَاء] .
وَفِي حَدِيث هِشَام بن يُوسُف أَن سعيد بن جُبَير قَالَ:
اخْتلف أهل الْكُوفَة فِي قتل الْمُؤمن، فرحلت فِيهِ إِلَى ابْن عَبَّاس فَقَالَ: نزلت فِي آخر مَا نزل وَلم ينسخها شيءٌ
وَأَخْرَجَاهُ من حَدِيث مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة بِمَكَّة: {وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر} إِلَى وَقَوله {مهانا} فَقَالَ الْمُشْركُونَ: وَمَا يُغني عَنَّا الْإِسْلَام وَقد عدلنا بِاللَّه، وَقد قتلنَا النَّفس الَّتِي حرم الله، وأتينا الْفَوَاحِش، فَأنْزل الله تبَارك وَتَعَالَى: {إِلَّا من تَابَ وآمن وَعمل عملا صَالحا} إِلَى آخر الْآيَة [الْفرْقَان] . زَاد فِي حَدِيث أبي النَّصْر: فَأَما من دخل فِي الْإِسْلَام وعقله ثمَّ قتل فَلَا تَوْبَة لَهُ. وَفِي حَدِيث جرير عَن مَنْصُور نَحوه.
وَفِي حَدِيث شُعْبَة من رِوَايَة غنْدر عَنهُ، وَمن رِوَايَة عَبْدَانِ بن عُثْمَان عَن أَبِيه عَنهُ عَن مَنْصُور عَن سعيد قَالَ:
أَمرنِي عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى أَن أسأَل ابْن عَبَّاس عَن هَاتين الْآيَتَيْنِ: {وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم} فَسَأَلته فَقَالَ: لم ينسخها شَيْء.(2/52)
وَعَن هَذِه الْآيَة: {وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر وَلَا يقتلُون النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ} قَالَ: نزلت فِي أهل الشّرك.
وَفِي رِوَايَة آدم ابْن سعيد قَالَ:
سَأَلت ابْن عَبَّاس عَن قَوْله: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم} قَالَ: لَا تَوْبَة لَهُ. وَعَن قَوْله: {لَا يدعونَ مَعَ الله إِلَهًا آخر} قَالَ: كَانَت هَذِه فِي الْجَاهِلِيَّة.
وَفِي حَدِيث جرير عَن مَنْصُور:
حَدثنِي سعيد بن جُبَير - أَو قَالَ: حَدثنِي الحكم عَن سعيد.
وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا من حَدِيث الْمُغيرَة بن النُّعْمَان عَن سعيد بن جُبَير بِنَحْوِ حَدِيث هِشَام بن يُوسُف عَن سعيد بن جُبَير.
وَأَخْرَجَاهُ من حَدِيث يعلى بن مُسلم عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس بِنَحْوِهِ.
1039 - الثَّالِث وَالسِّتُّونَ: عَن عَمْرو بن مرّة عَن سعيد بن جُبَير أَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما نزلت {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} [الشُّعَرَاء] صعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الصَّفَا، فَجعل يُنَادي: " يَا بني فهر، يَا بني عدي " لبطون قُرَيْش، حَتَّى اجْتَمعُوا، فَجعل الرجل إِذا لم يسْتَطع أَن يخرج أرسل رَسُولا لينْظر مَا هُوَ، فجَاء أَبُو لَهب وقريش، فَقَالَ: " أَرَأَيْتكُم لَو أَخْبَرتكُم أَن خيلاً بالوادي تُرِيدُ أَن تغير عَلَيْكُم، كُنْتُم مصدقي؟ " قَالُوا: نعم، مَا جربنَا عَلَيْك إِلَّا صدقا. قَالَ: " فَإِنِّي نذيرٌ لكم بَين يَدي عَذَاب شَدِيد " فَقَالَ أَبُو لَهب: تَبًّا لَك سَائِر الْيَوْم، أَلِهَذَا جمعتنَا؟ ! فَنزلت(2/53)
{تبت يدا أبي لَهب وَتب مَا أغْنى عَنهُ مَاله وَمَا كسب} [سُورَة المسد] وَفِي بعض الرِّوَايَات عَن الْأَعْمَش: (وَقد تب) كَذَا قَرَأَ الْأَعْمَش.
وَفِي حَدِيث مُحَمَّد بن سَلام
عَن أبي مُعَاوِيَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج إِلَى الْبَطْحَاء، فَصَعدَ الْجَبَل فَنَادَى: " يَا صَبَاحَاه " فاجتمعت إِلَيْهِ قُرَيْش فَقَالَ: " أَرَأَيْتُم إِن حدثتكم أَن الْعَدو مصبحكم أَو ممسيكم، أَكُنْتُم تصدقوني؟ " قَالُوا: نعم. قَالَ: " فَإِنِّي نَذِير لكم ... " وَذكر نَحوه.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا مُخْتَصرا من حَدِيث حبيب بن أبي ثَابت عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما نزلت: {وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين} جعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدعُوهُم قبائل قبائل. لم يزدْ.
وَقد أخرج البُخَارِيّ من حَدِيث عُثْمَان بن عَاصِم عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس: {وجعلناكم شعوبا وقبائل} [سُورَة الحجرات] قَالَ: الشعوب: الْقَبَائِل الْعِظَام. والقبائل: الْبُطُون.
1040 - الرَّابِع وَالسِّتُّونَ: عَن حُصَيْن بن عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ قَالَ: كنت عِنْد سعيد بن جُبَير فَقَالَ: أَيّكُم رأى الْكَوْكَب الَّذِي انقض البارحة؟ قلت: أَنا. ثمَّ قلت: أما إِنِّي لم أكن فِي صَلَاة، وَلَكِن لدغت. قَالَ: فَمَاذَا صنعت؟ قلت: استرقيت. قَالَ: مَا حملك على ذَلِك؟ قلت: حَدِيث حَدَّثَنِيهِ الشّعبِيّ. فَقَالَ: وَمَا حَدثكُمْ الشّعبِيّ؟ قلت: حَدثنَا عَن بُرَيْدَة بن الْحصيب الْأَسْلَمِيّ أَنه قَالَ: لَا رقية إِلَّا من عينٍ أَو حمةٍ. فَقَالَ: قد أحسن من انْتهى إِلَى مَا سمع، وَلَكِن حَدثنَا ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " عرضت عَليّ الْأُمَم، فَرَأَيْت النَّبِي(2/54)
وَمَعَهُ الرهيط، وَالنَّبِيّ وَمَعَهُ الرجل وَالرجلَانِ، وَالنَّبِيّ وَلَيْسَ مَعَه أحدٌ، إِذْ رفع لي سوادٌ عَظِيم، فَظَنَنْت أَنهم أمتِي، فَقيل لي: هَذَا مُوسَى وَقَومه، وَلَكِن انْظُر إِلَى الْأُفق. فَنَظَرت فَإِذا سَواد عَظِيم، فَقيل لي: انْظُر إِلَى الْأُفق الآخر. فَإِذا سوادٌ عَظِيم. فَقيل لي: هَذِه أمتك وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ ألفا يدْخلُونَ الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب وَلَا عَذَاب ". ثمَّ نَهَضَ فَدخل منزله، فَخَاضَ النَّاس فِي أُولَئِكَ الَّذين يدْخلُونَ الْجنَّة بِغَيْر حسابٍ وَلَا عذابٍ، فَقَالَ بَعضهم: فلعلهم الَّذين صحبوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ بَعضهم: فلعلهم الَّذين ولدُوا فِي الْإِسْلَام فَلم يشركوا بِاللَّه، وَذكروا أَشْيَاء. فَخرج عَلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ:
" مَا الَّذِي تخوضون فِيهِ؟ " فأخبروه فَقَالَ: " هم الَّذِي لَا يرقون، وَلَا يسْتَرقونَ، وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وعَلى رَبهم يَتَوَكَّلُونَ " فَقَامَ عكاشة بن مُحصن فَقَالَ: أدع الله لي أَن يَجْعَلنِي مِنْهُم. فَقَالَ: " أَنْت مِنْهُم " ثمَّ قَامَ رجل آخر فَقَالَ: ادْع الله أَن يَجْعَلنِي مِنْهُم. فَقَالَ: " سَبَقَك بهَا عكاشة " هَذَا حَدِيث سعيد بن مَنْصُور عَن هشيم.
وَأول حَدِيث أبي بكر بن أبي شيبَة:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " عرضت عَليّ الْأُمَم " وَلم يذكر مَا قبله هُوَ وَلَا غَيره مِمَّن سمينا. وَذكروا مَا سوى ذَلِك بِنَحْوِهِ، أَو طرفا مِنْهُ.
1041 - الْخَامِس وَالسِّتُّونَ: عَن مُوسَى بن أبي عَائِشَة عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله عز وَجل: {لَا تحرّك بِهِ لسَانك لتعجل بِهِ} [سُورَة الْقِيَامَة] ، قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعالج من التَّنْزِيل شدَّة، وَكَانَ مِمَّا يُحَرك شَفَتَيْه، فَقَالَ لي ابْن عَبَّاس: أَنا أحركهما كَمَا كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحركهما، وَقَالَ سعيد: أَنا أحركهما كَمَا كَانَ ابْن عَبَّاس يحركهما، فحرك شَفَتَيْه، فَأنْزل الله: {لَا تحرّك بِهِ لسَانك لتعجل بِهِ إِن علينا جمعه وقرآنه} [سُورَة الْقِيَامَة] قَالَ: جمعه فِي صدرك، ثمَّ تَقْرَأهُ: {فَإِذا قرأناه فَاتبع قرآنه} [سُورَة الْقِيَامَة] قَالَ: فاستمع وأنصت، ثمَّ إِن(2/55)
علينا أَن نقرأه. قَالَ:
فَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَتَاهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بعد ذَلِك اسْتمع، فَإِذا انْطلق جِبْرِيل قَرَأَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا أقرأه. وَفِي رِوَايَة حَرِير: كَمَا وعده الله عز وَجل.
1042 - السَّادِس وَالسِّتُّونَ: عَن أبي بشر جَعْفَر بن إِيَاس - وَهُوَ ابْن أبي وحشية الْيَشْكُرِي عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أَهْدَت خَالَتِي أم حفيد إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سمناً وَأَقِطًا وأضباً، فَأكل من السّمن والأقط، وَترك الضَّب تقذراً. وَأكل على مائدة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَو كَانَ حَرَامًا مَا أكل على مائدة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَفِي حَدِيث أبي النُّعْمَان وَغَيره:
أَن أم حفيدٍ بنت الْحَارِث بن حزن خَالَة ابْن عَبَّاس أَهْدَت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سمنا وَأَقِطًا وأضباً، فَدَعَا بِهن، فأكلن على مائدته وتركهن كالمتقذر لَهُنَّ، وَلَو كَانَ حَرَامًا مَا أكلن على مائدة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا أَمر بأكلهن.
وَأَخْرَجَاهُ مَعْنَاهُ من حَدِيث أبي أُمَامَة بن سهل بن حنيف، وَاخْتلف فِيهِ عَنهُ، فَقيل: عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
دخلت أَنا وخَالِد بن الْوَلِيد مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيت مَيْمُونَة، فَأتي بضب محنوذٍ، فَأَهوى إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدِهِ، فَقَالَ بعض النسْوَة اللَّاتِي فِي بَيت مَيْمُونَة: أخبروا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا يُرِيد أَن يَأْكُل، فَرفع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَده، قلت: أحرامٌ هُوَ يَا رَسُول الله؟ قَالَ: " لَا "، وَلكنه لم يكن بِأَرْض قومِي، فأجدني أعافه " قَالَ خَالِد: فاجتررته فأكلته وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينظر.(2/56)
هَكَذَا فِي رِوَايَة يحيى عَن مَالك. وَفِي رِوَايَة عبد الرَّزَّاق عَن معمرٍ، كِلَاهُمَا عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي أُمَامَة.
وَفِي حَدِيث مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن أبي أُمَامَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي بَيت مَيْمُونَة - وَعِنْده خَالِد بن الْوَلِيد - بِلَحْم ضبٍّ، ثمَّ ذكر مَعْنَاهُ.
وَمِنْهُم من قَالَ فِيهِ:
عَن ابْن عَبَّاس عَن خَالِد بن الْوَلِيد: أَنه أخبرهُ أَنه دخل مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على مَيْمُونَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي خَالَته وَخَالَة ابْن عَبَّاس، فَوجدَ عِنْدهَا ضباًّ محنوذاً قدمت بِهِ أُخْتهَا حفيدة بنت الْحَارِث من نجد. قَالَ بعض الروَاة: وَكَانَت تَحت رجل من بني جَعْفَر، فَقدمت الضَّب لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ قَلما يقدم يَدَيْهِ لطعام حَتَّى يحدث بِهِ وَيُسمى لَهُ، فَأَهوى رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدِهِ إِلَى الضَّب، فَقَالَت امْرَأَة من النسْوَة الْحُضُور: أخبرن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا قدمتن لَهُ، قُلْنَ: هُوَ الضَّب يَا رَسُول الله، فَوضع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَده، فَقَالَ خَالِد بن الْوَلِيد: أحرامٌ الضَّب يَا رَسُول الله؟ قَالَ: " لَا، وَلَكِن لم يكن بِأَرْض قومِي، فأجدني أعافه ". قَالَ خالدٌ: فاجتررته فأكلته وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينظر، فَلم ينهني. وَهَكَذَا فِي رِوَايَة ابْن الْمُبَارك عَن يُونُس. وَفِي رِوَايَة هِشَام بن يُوسُف عَن معمر وَفِي رِوَايَة القعْنبِي عَن مَالك.
وعَلى هَذِه الرِّوَايَات عول البُخَارِيّ فِي أَنه من مُسْند خَالِد بن الْوَلِيد. وَقد أخرج مُسلم الرِّوَايَات بِالْوَجْهَيْنِ فِي كِتَابه.
وَقد أخرجه مُسلم أَيْضا حَدِيث يزِيد بن الْأَصَم قَالَ:
دَعَانَا عروسٌ بِالْمَدِينَةِ، فَقرب إِلَيْنَا ثَلَاثَة عشر ضباًّ، فآكلٌ وتاركٌ، فَلَقِيت ابْن عَبَّاس من الْغَد فَأَخْبَرته، فَأكْثر الْقَوْم حوله، حَتَّى قَالَ بَعضهم: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا آكله، وَلَا أنهى(2/57)
عَنهُ، وَلَا أحرمهُ " فَقَالَ ابْن عَبَّاس: بئس مَا قُلْتُمْ: مَا بعث نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا محلا ومحرماً، إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَمَا هُوَ عِنْد مَيْمُونَة وَعِنْده الْفضل بن الْعَبَّاس وخَالِد ابْن الْوَلِيد وَامْرَأَة أُخْرَى إِذْ قرب إِلَيْهِم خوان عَلَيْهِ لحمٌ، فَلَمَّا أَرَادَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَأْكُل قَالَت لَهُ مَيْمُونَة: إِنَّه لحم ضبٍّ، فَكف يَده وَقَالَ: " هَذَا لحمٌ لم آكله قطّ " وَقَالَ لَهُم: " كلوه "، فَأكل مِنْهُ الْفضل وخَالِد بن الْوَلِيد وَالْمَرْأَة. وَقَالَت مَيْمُونَة: لَا آكل من شيءٍ إِلَّا شَيْئا يَأْكُل مِنْهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. 1043 - السَّابِع وَالسِّتُّونَ: عَن جَعْفَر بن أبي إِيَاس عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَوْلَاد الْمُشْركين. فَقَالَ: " الله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين إِذْ خلقهمْ ".
1044 - الثَّامِن وَالسِّتُّونَ: عَن أبي بشر عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا صَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شهرا كَامِلا قطّ غير رَمَضَان، وَكَانَ يَصُوم إِذا صَامَ حَتَّى يَقُول الْقَائِل: لَا وَالله، لَا يفْطر، وَيفْطر إِذا أفطر حَتَّى يَقُول الْقَائِل: لَا وَالله، لَا يَصُوم.
وَفِي رِوَايَة غنْدر عَن شُعْبَة نَحوه، وَقَالَ:
شهرا مُتَتَابِعًا حَتَّى قدم الْمَدِينَة.
وَأخرج مُسلم أَيْضا طرفا مِنْهُ عَن عُثْمَان بن حَكِيم عَن عباد بن حنيف الْأنْصَارِيّ قَالَ: سَأَلت سعيد بن جُبَير عَن صَوْم رجبٍ وَنحن يومئذٍ فِي رَجَب، فَقَالَ: سَمِعت ابْن عَبَّاس يَقُول: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَصُوم حَتَّى نقُول: لَا يفْطر، وَيفْطر حَتَّى نقُول: لَا يَصُوم. لم يزدْ.
1045 - التَّاسِع وَالسِّتُّونَ: عَن أبي بشر جَعْفَر بن إِيَاس بن أبي وحشية عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْجِنّ، وَمَا رَآهُمْ.(2/58)
انْطلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي طائفةٍ من أَصْحَابه، عَامِدين إِلَى سوق عكاظ، وَقد حيل بَين الشَّيَاطِين وَبَين خبر السَّمَاء، وَأرْسل عَلَيْهِم الشهب، فَرَجَعت الشَّيَاطِين إِلَى قَومهمْ فَقَالُوا: مَا لكم؟ قَالُوا: حيل بَيْننَا وَبَين خبر السَّمَاء، وَأرْسلت علينا الشهب. قَالُوا: مَا ذَاك إِلَّا من شيءٍ حدث، فاضربوا مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا، فَمر النَّفر الَّذِي أخذُوا نَحْو تهَامَة بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بنخلٍ عَامِدين إِلَى سوق عكاظٍ، وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاة الْفجْر، فَلَمَّا سمعُوا الْقُرْآن اسْتَمعُوا لَهُ وَقَالُوا: هَذَا الَّذِي حَال بَيْننَا وَبَين خبر السَّمَاء، فَرَجَعُوا إِلَى قَومهمْ، فَقَالُوا: {يَا قَومنَا إِنَّا سمعنَا قُرْآنًا عجبا يهدي إِلَى الرشد فَآمَنا بِهِ وَلنْ نشْرك بربنا أحدا} فَأنْزل الله عز وَجل على نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: {أُوحِي إِلَيّ أَنه اسْتمع نفر من الْجِنّ} [سُورَة الْجِنّ] .
فِي آخر حَدِيث مُوسَى بن إِسْمَاعِيل: وَإِنَّمَا أُوحِي إِلَيْهِ قَول الْجِنّ.
1046 - السبعون: عَن أبي بشر عَن سعيد عَن ابْن عَبَّاس: {وَلَا تجْهر بصلاتك وَلَا تخَافت بهَا وابتغ بَين ذَلِك سَبِيلا} [سُورَة الْإِسْرَاء] ، قَالَ: أنزلت وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم متوارٍ بِمَكَّة، وَكَانَ إِذا رفع صَوته سَمعه الْمُشْركُونَ، فَسبوا الْقُرْآن وَمن أنزلهُ وَمن جَاءَ بِهِ، فَقَالَ الله تَعَالَى: {وَلَا تجْهر بصلاتك} ، أَي بِقِرَاءَتِك حَتَّى يسمع الْمُشْركُونَ، {وَلَا تخَافت بهَا} عَن أَصْحَابك فَلَا تسمعهم، {وابتغ بَين ذَلِك سَبِيلا} أسمعهم وَلَا تجْهر حَتَّى يَأْخُذُوا عَنْك الْقُرْآن.
وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بن الصَّباح وَعَمْرو الواقد: {وابتغ بَين ذَلِك سَبِيلا} [سُورَة الْإِسْرَاء] ، يَقُول: بَين الْجَهْر والمخافتة.
1047 - الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ: عَن أبي بشر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: قلت لِابْنِ عَبَّاس: سُورَة التَّوْبَة. فَقَالَ: هِيَ الفاضحة، مَا زَالَت تَقول: (وَمِنْهُم ... وَمِنْهُم) حَتَّى ظنُّوا أَن لن تبقي أحدا إِلَّا ذكر فِيهَا.(2/59)
قَالَ: قلت: سُورَة الْأَنْفَال. قَالَ: نزلت فِي بدر.
قَالَ: قلت: سُورَة الْحَشْر. قَالَ: نزلت فِي بني النَّضِير.
وَفِي حَدِيث أبي عوَانَة، قلت لِابْنِ عَبَّاس: سُورَة الْحَشْر، قَالَ: قل: سُورَة بني النَّضِير.
1048 - الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ: عَن يعلى بن حَكِيم: أَن سعيد بن جُبَير أخبرهُ أَنه سمع ابْن عَبَّاس قَالَ: إِذا حرم الرجل امْرَأَته فَهُوَ يمينٌ يكفرهَا وَقَالَ: {لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة} [سُورَة الْأَحْزَاب] .
وَفِي حَدِيث الرّبيع بن نَافِع:
إِذا حرم الرجل امْرَأَته لَيْسَ بشيءٍ، وَقَالَ: {لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أسوةٌ حَسَنَة} .
1049 - الثَّالِث وَالسَّبْعُونَ: عَن يعلى بن مُسلم عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس: {أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول وأولي الْأَمر مِنْكُم} [سُورَة النِّسَاء] ، نزلت فِي عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي السَّهْمِي، إِذْ بَعثه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَرِيَّة.
1050 - الرَّابِع وَالسَّبْعُونَ: عَن أبي عَمْرو عَامر بن شرَاحِيل الشّعبِيّ من رِوَايَة عَاصِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سقيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من زَمْزَم، فَشرب وَهُوَ قَائِم.
وَفِي حَدِيث شُعْبَة:
واستسقى وَهُوَ عِنْد الْبَيْت، فَأَتَيْته بِدَلْو. زَاد فِي رِوَايَة الْفَزارِيّ، قَالَ عَاصِم: فَحلف عِكْرِمَة: مَا كَانَ يومئذٍ إِلَّا على بعير.(2/60)
1051 - الْخَامِس وَالسَّبْعُونَ: عَن الشّعبِيّ قَالَ: أَخْبرنِي من مر مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على قبر منبوذ، فَأمهمْ وَصفهم خَلفه. قَالَ الشَّيْبَانِيّ: قلت: من حَدثَك بِهَذَا يَا أَبَا عَمْرو؟ قَالَ: ابْن عَبَّاس.
وَفِي حَدِيث يحيى بن أبي بكير عَن زَائِدَة:
أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبراً فَقَالُوا: هَذَا دفن أَو دفنت البارحة. قَالَ ابْن عَبَّاس: فصفنا خَلفه، ثمَّ صلى عَلَيْهَا.
وَمِنْهُم من قَالَ:
إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " أَفلا آذنتموني " قَالُوا: دفناه فِي ظلمَة اللَّيْل وكرهنا أَن نوقظك. فَقَامَ فصففنا خَلفه. قَالَ ابْن عَبَّاس: وَأَنا فيهم، فصلى عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَة ابْن نمير قَالَ:
انْتهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى قبرٍ رطبٍ فصلى عَلَيْهِ، وصفوا خَلفه، وَكبر أَرْبعا. 1052 - السَّادِس وَالسَّبْعُونَ: عَن عَامر الشّعبِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَا أَدْرِي، أنهى عَنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أجل أَنه كَانَ حمولة النَّاس، فكره أَن تذْهب حمولتهم، أَو حرمه فِي يَوْم خَيْبَر. لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة.
1053 - السَّابِع وَالسَّبْعُونَ: عَن أبي رَجَاء العطاردي - واسْمه عمرَان بن ملْحَان - عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا روى عَن ربه عز وَجل: " إِن الله عز وَجل كتب الْحَسَنَات والسيئات، ثمَّ بَين ذَلِك، فَمن هم بحسنةٍ: فَلم يعملها كتبهَا الله عِنْده حَسَنَة كَامِلَة، وَإِن هم بهَا وعملها كتبهَا الله عِنْده عشر حسناتٍ إِلَى سَبْعمِائة ضعف، إِلَى أَضْعَاف كَثِيرَة. وَمن هم بسيئة فَلم يعملها كتبهَا الله عِنْده حَسَنَة كَامِلَة، فَإِن هُوَ هم بهَا فعملها كتبهَا الله لَهُ سَيِّئَة وَاحِدَة ".(2/61)
زَاد أَبُو جَعْفَر بن سُلَيْمَان: " أَو محاها. وَلَا يهْلك على الله إِلَّا هَالك ".
1054 - الثَّامِن وَالسَّبْعُونَ: عَن أبي رَجَاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " اطَّلَعت فِي الْجنَّة، فَرَأَيْت أَكثر أَهلهَا الْفُقَرَاء، واطلعت فِي النَّار، فَرَأَيْت أَكثر أَهلهَا النِّسَاء ".
وَقد أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا من حَدِيث أبي رَجَاء عَن عمرَان بن حُصَيْن. وَهُوَ مَذْكُور فِي مُسْند عمرَان. 1055 - التَّاسِع وَالسَّبْعُونَ: عَن أبي رَجَاء عَن ابْن عَبَّاس يرويهِ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " من رأى من أميره شَيْئا يكرههُ فليصبر عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ من فَارق الْجَمَاعَة شبْرًا فَمَاتَ فميتةٌ جَاهِلِيَّة ".
1056 - الثَّمَانُونَ: عَن يحيى بن يعمر عَن ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول: " اللَّهُمَّ لَك أسلمت، وَبِك آمَنت، وَعَلَيْك توكلت، وَإِلَيْك أنبت، وَبِك خَاصَمت. اللَّهُمَّ أعوذ بعزتك، لَا إِلَه إِلَّا أَنْت - أَن تضلني، أَنْت الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت، وَالْجِنّ وَالْإِنْس يموتون ".
وَهُوَ عِنْد البُخَارِيّ مُخْتَصر:
" أعوذ بعزتك لَا إِلَه إِلَّا أَنْت الَّذِي لَا يَمُوت، وَالْجِنّ وَالْإِنْس يموتون " لم يزدْ.
1057 - الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ: عَن أبي الْعَالِيَة الريَاحي - واسْمه رفيع - عَن ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول عِنْد الكرب: " لَا إِلَه إِلَّا الله الْعَظِيم الْحَلِيم، لَا إِلَه إِلَّا الله رب الْعَرْش الْعَظِيم، لَا إِلَه إِلَّا الله رب السَّمَوَات وَرب الأَرْض، لَا إِلَه إِلَّا الله رب الْعَرْش الْكَرِيم ".(2/62)
1058 - الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ: عَن أبي الْعَالِيَة الريَاحي عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَا يَنْبَغِي لعبد أَن يَقُول: أَنا خيرٌ من يُونُس بن مَتى " وَنسبه إِلَى أَبِيه.
1059 - الثَّالِث وَالثَّمَانُونَ: عَن جَابر بن زيد أبي الشعْثَاء عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " من لم يجد إزاراً فليلبس سَرَاوِيل، وَمن لم يجد نَعْلَيْنِ فليلبس خُفَّيْنِ ".
وَفِي حَدِيث حَفْص بن عمر عَن شُعْبَة:
سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب بِعَرَفَات.
أفرد البُخَارِيّ هَذَا الْقدر مِنْهُ فِي بَاب " الْخطْبَة فِي أَيَّام منى " وَتَمَامه هَذَا الْمَتْن الَّذِي أوردنا فِي الْإِزَار والنعلين.
1060 - الرَّابِع وَالثَّمَانُونَ: عَن جَابر بن زيد عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزوج مَيْمُونَة وَهُوَ محرم.
وَأخرج البُخَارِيّ تَعْلِيقا من حَدِيث عَطاء وَمُجاهد عَن ابْن عَبَّاس:
تزوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَيْمُونَة فِي عمْرَة الْقَضَاء.
وَأخرج أَيْضا من حَدِيث عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
تزوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَيْمُونَة وَهُوَ محرمٌ، وَبنى بهَا وَهُوَ حلالٌ، وَمَاتَتْ بسرف.
وَمن رِوَايَة عَطاء بن أبي رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس مثل رِوَايَة جَابر بن زيد عَنهُ.
1061 - الْخَامِس وَالثَّمَانُونَ: عَن جَابر بن زيد عَن ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(2/63)
صلى بِالْمَدِينَةِ سبعا وثمانياً، الظّهْر وَالْعصر، وَالْمغْرب وَالْعشَاء. قَالَ أَيُّوب: لَعَلَّه فِي ليلةٍ مطيرة. قَالَ: عَسى.
وَفِي حَدِيث سُفْيَان بن عُيَيْنَة:
صليت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمانياً جَمِيعًا، وَسبعا جَمِيعًا. قَالَ عَمْرو: قلت: يَا أَبَا الشعْثَاء: أَظُنهُ أخر الظّهْر وَعجل الْعَصْر، وَأخر الْمغرب وَعجل الْعشَاء. قَالَ: وَأَنا أَظن ذَاك.
وَأخرجه مُسلم أَيْضا من حَدِيث أبي الزبير مُحَمَّد بن مُسلم عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الظّهْر وَالْعصر جَمِيعًا، وَالْمغْرب وَالْعشَاء جَمِيعًا، من غير خوف وَلَا سفر. زَاد فِي رِوَايَة زُهَيْر: بِالْمَدِينَةِ. وَقَالَ: قَالَ أَبُو الزبير: فَسَأَلت سعيداً: لم فعل ذَلِك؟ قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس كَمَا سَأَلتنِي، فَقَالَ: أَرَادَ أَلا يحرج أمته. وَفِي حَدِيث قُرَّة عَن أبي الزبير أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمع بَين الصَّلَاة فِي سفرةٍ سافرها فِي غَزْوَة تَبُوك، فَجمع بَين الظّهْر وَالْعصر، وَالْمغْرب وَالْعشَاء.
وَأخرج البُخَارِيّ من حَدِيث يحيى بن أبي كثير الطَّائِي عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يجمع بَين صَلَاة الظّهْر وَالْعصر إِذا كَانَ على ظهر سيرٍ، وَيجمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء.
وروى مُسلم أَيْضا من حَدِيث حبيب بن أبي ثَابت عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس نَحْو حَدِيث زُهَيْر عَن أبي الزبير. وَقَالَ: فِي غير خوف وَلَا مطر. وَفِي حَدِيث وَكِيع قَالَ: كي لَا يحرج أمته. وَفِي حَدِيث أبي مُعَاوِيَة بِمَعْنَاهُ.
وَأخرج مُسلم من حَدِيث عبد الله بن شَقِيق الْعقيلِيّ قَالَ:
خَطَبنَا ابْن عَبَّاس يَوْمًا(2/64)
بعد الْعَصْر حَتَّى غربت الشَّمْس وبدت النُّجُوم، وَجعل النَّاس يَقُولُونَ: الصَّلَاة الصَّلَاة. قَالَ: فَجَاءَهُ رجلٌ من بني تَمِيم لَا يفتر وَلَا ينثني: الصَّلَاة الصَّلَاة. فَقَالَ ابْن عَبَّاس: أتعلمني بِالسنةِ - لَا أبالك. ثمَّ قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جمع بَين الظّهْر وَالْعصر، وَالْمغْرب وَالْعشَاء. قَالَ عبد الله بن شَقِيق: فحاك فِي صَدْرِي من ذَلِك شيءٌ فَأتيت أَبَا هُرَيْرَة فَسَأَلته، فَصدق مقَالَته.
وَفِي حَدِيث عمرَان بن حدير عَن عبد الله بن شَقِيق قَالَ:
قَالَ رجلا لِابْنِ عَبَّاس: الصَّلَاة، فَسكت. ثمَّ قَالَ: الصَّلَاة، فَسكت، ثمَّ قَالَ: الصَّلَاة، فَسكت.
ثمَّ قَالَ: لَا أم لَك، تعلمنا بِالصَّلَاةِ، وَكُنَّا نجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
1062 - السَّادِس وَالثَّمَانُونَ: عَن جَابر بن زيد عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُرِيد على ابْنة حَمْزَة، فَقَالَ: " إِنَّهَا لَا تحل لي، إِنَّهَا ابْنة أخي من الرضَاعَة، وَيحرم من الرضَاعَة مَا يحرم من الرَّحِم ".
وَفِي حَدِيث سعيد بن أبي عرُوبَة نَحوه، وَقَالَ: " مَا يحرم من النّسَب ".
1063 - السَّابِع وَالثَّمَانُونَ: عَن جَابر بن زيد أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومَيْمُونَة كَانَا يفتسلان من إِنَاء وَاحِد. قَالَ أَبُو عبد الله: كَانَ ابْن عُيَيْنَة أخيراً يَقُول عَن ابْن عَبَّاس عَن مَيْمُونَة. وَالصَّحِيح مَا روى أَبُو نعيم. أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومَيْمُونَة كَانَا يغتسلان من إِنَاء وَاحِد.(2/65)
وَقد أخرجه مُسلم بن الْحجَّاج على الْوَجْهَيْنِ:
فَفِي رِوَايَة إِسْحَق بن رَاهَوَيْه وَمُحَمّد بن حَاتِم عَن مُحَمَّد بن بكر: أَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ: أكبر علمي، وَالَّذِي يخْطر على بالي أَن أَبَا الشعْثَاء أَخْبرنِي أَن ابْن عَبَّاس أخبرهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يغْتَسل بِفضل مَيْمُونَة.
وَفِي رِوَايَة قُتَيْبَة وَأبي بكر بن أبي شيبَة عَن ابْن عُيَيْنَة أَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أَخْبَرتنِي مَيْمُونَة أَنَّهَا كَانَت تَغْتَسِل هِيَ وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من إِنَاء وَاحِد.
1064 - الثَّامِن وَالثَّمَانُونَ: عَن عبد الله بن الْحَارِث الْبَصْرِيّ - وَهُوَ ابْن عَم مُحَمَّد بن سِيرِين - قَالَ: خَطَبنَا ابْن عَبَّاس فِي يَوْم ذِي ردغٍ، فَأمر الْمُؤَذّن لما بلغ: حَيّ على الصَّلَاة، قَالَ: قل: الصَّلَاة فِي الرّحال. فَنظر بَعضهم إِلَى بعض كَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا. فَقَالَ: كأنكم أنكرتم هَذَا، إِن هَذَا فعله من هُوَ خيرٌ مني - يَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِنَّهَا عَزمَة وَإِنِّي كرهت أَن أحرجكم.
وَفِي رِوَايَة حَمَّاد عَن عَاصِم:
كرهت أَن أؤثمكم فتجيئون فتدوسون الطين إِلَى ركبكم.
وَفِي حَدِيث عبد الحميد صَاحب الزيَادي: أذن مُؤذن ابْن عَبَّاس يَوْم جُمُعَة فِي يَوْم مطير، فَذكر نَحوه. وَقَالَ:
إِن الْجُمُعَة عَزمَة. وَقَالَ: كرهت أَن تَمْشُوا فِي الدحض والزلل.
1065 - التَّاسِع وَالثَّمَانُونَ: حَدِيث وَفد عبد الْقَيْس: عَن أبي جَمْرَة نصر بن عمرَان الضبعِي قَالَ: كنت أترجم بَين ابْن عَبَّاس وَبَين النَّاس. وَمِنْهُم من قَالَ: وَكَانَ يقعدني مَعَه على سَرِيره، فَأَتَتْهُ امْرَأَة تسأله عَن نَبِيذ(2/66)
لجر، فَقَالَ: إِن وَفد عبد الْقَيْس أَتَوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " من الْوَفْد؟ " أَو " من الْقَوْم؟ " قَالُوا: ربيعَة. قَالَ: " مرْحَبًا بالقوم أَو بالوفد - غير خزايا وَلَا الندامى " قَالَ: فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، إِنَّا نَأْتِيك من شقةٍ بعيدَة، وَإِن بَيْننَا وَبَيْنك هَذَا الْحَيّ من كفار مُضر، وَإِنَّا لَا نستطيع أَن نَأْتِيك إِلَّا فِي الشَّهْر الْحَرَام، فمرنا بأمرٍ فصل نخبر بِهِ من وَرَاءَنَا، وندخل بِهِ الْجنَّة. قَالَ: فَأَمرهمْ بِأَرْبَع، ونهاهم عَن أَربع. قَالَ: أَمرهم بِالْإِيمَان بِاللَّه وَحده. قَالَ: " هَل تَدْرُونَ مَا الْإِيمَان بِاللَّه؟ " قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم. قَالَ: " شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، وإقام الصَّلَاة، وإيتاء الزَّكَاة، وَصَوْم رَمَضَان، وَأَن تُؤَدُّوا خمْسا من الْمغنم. " ونهاهم عَن الدُّبَّاء والحنتم والمزفت والنقير. قَالَ شُعْبَة: وَرُبمَا قَالَ: المقير. وَقَالَ: احْفَظُوا وأخبروا بِهِ من وراءكم ".
وَفِي حَدِيث نصر بن عَليّ نَحوه وَقَالَ: أنهاكم عَمَّا ينْبذ فِي الدُّبَّاء والنقير والحنتم والمزفت. وَزَاد فِي حَدِيث عبيد الله بن معَاذ عَن أَبِيه قَالَ:
وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للأشج - أشج عبد الْقَيْس. إِن فِيك خَصْلَتَيْنِ يحبهما الله: الْحلم والأناة.
قَالَ سُلَيْمَان بن حَرْب وَخلف بن هِشَام فِي روايتهما عَن حَمَّاد بن زيد: شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَعقد وَاحِدَة.
وَفِي حَدِيث النَّضر عَن شُعْبَة:
وسألوه عَن الْأَشْرِبَة، وَفِيه: شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده.(2/67)
وَحَدِيث عمرَان بن ميسرَة:
مرْحَبًا بالوفد الَّذين جاؤوا غير خزايا وَلَا ندامى ... .
وَفِي حَدِيث عَمْرو بن عَليّ:
وَأَنا لَا نصل إِلَيْك إِلَّا فِي الْأَشْهر الْحرم، فمرنا بجملٍ من الْأَمر إِن عَملنَا بِهِ دَخَلنَا الْجنَّة، وندعو إِلَيْهِ من وَرَاءَنَا.
وَفِي أول حَدِيث إِسْحَاق عَن أبي عَامر الْعَقدي أَن أَبَا جَمْرَة قَالَ: قلت لِابْنِ عَبَّاس إِن لي جرةً تنبذ لي فأشربه حلواً، فَإِذا أكثرت مِنْهُ فجالست الْقَوْم، فأطلت الْجُلُوس خشيت أَن أفتضح. فَقَالَ: قدم وَفد عبد الْقَيْس ... وَذكره.
وَأخرج مُسلم نَحوا مِمَّا فِيهِ من الْأَشْرِبَة، من رِوَايَة ابْن عمر يحيى بن عبيد البهراني النَّخعِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الدُّبَّاء والنقير والمزفت.
وَمن رِوَايَة أبي يحيى حبيب بن أبي ثَابت - وَاسم أبي ثَابت قيس بن دِينَار - عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الدُّبَّاء والحنتم والمزفت والنقير.
وَعَن أبي عبد الله حبيب بن أبي عمْرَة عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الدُّبَّاء والحنتم والمزفت والنقير، وَأَن يخلط البلح بالزهو.
وَعَن مَنْصُور بن حَيَّان عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس:
أَنَّهُمَا شَهدا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الدُّبَّاء والحنتم والمزفت والنقير.(2/68)
وَلم يذكر أَبُو مَسْعُود فِي الروَاة عَن سعيد بن جُبَير من هَذَا الْمسند مَنْصُور بن حَيَّان.
1066 - التِّسْعُونَ: عَن أبي جَمْرَة قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس عَن الْمُتْعَة فَأمرنِي بهَا، وَسَأَلته عَن الْهَدْي، فَقَالَ فِيهَا جزورٌ أَو بقرةٌ أَو شركٌ فِي دمٍ.
قَالَ:
وَكَانَ النَّاس كرهوها، فَنمت، فَرَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَن إنْسَانا يُنَادي: حجٌّ مبرورٌ ومتعةٌ متقبلة. فَأتيت ابْن عَبَّاس فَحَدَّثته، فَقَالَ: الله أكبر، سنة أبي الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ البُخَارِيّ: وَقَالَ آدم ووهب بن جرير عَن شُعْبَة: عمرةٌ متقبلةٌ، وحجٌّ مبرور.
وَهُوَ عِنْد مُسلم من حَدِيث غنْدر عَن شُعْبَة قَالَ:
سَمِعت أَبَا جَمْرَة قَالَ: تمتعت فنهاني ناسٌ عَن ذَلِك، فَأتيت ابْن عَبَّاس فَأمرنِي بهَا، قَالَ: ثمَّ انْطَلَقت إِلَى الْبَيْت فَنمت، فَأَتَانِي آتٍ فِي مَنَامِي، فَقَالَ: عمرةٌ متقبلة وحجٌّ مبرورٌ. فَأتيت ابْن عَبَّاس فَأَخْبَرته فَقَالَ: الله أكبر، الله أكبر، سنة أبي الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
1067 - الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ: عَن أبي جَمْرَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَت صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث عشرَة رَكْعَة - يَعْنِي فِي اللَّيْل.
1068 - الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ: فِي إِسْلَام أبي ذَر: عَن أبي جَمْرَة عَن ابْن عَبَّاس من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن مهْدي قَالَ: لما بلغ أَبَا ذرٍّ مبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة، قَالَ لِأَخِيهِ: اركب إِلَى هَذَا الْوَادي فَاعْلَم لي علم هَذَا الرجل الَّذِي زعم أَنه يَأْتِيهِ الْخَبَر من السَّمَاء، واسمع قَوْله، ثمَّ ائتنى. فَانْطَلق حَتَّى قدم مَكَّة، وَسمع من قَوْله، ثمَّ رَجَعَ إِلَى أبي ذرٍّ فَقَالَ: رَأَيْته يَأْمر بمكارم الْأَخْلَاق، وكلاماً مَا هُوَ بالشعر. فَقَالَ: مَا شفيتني فِيمَا أردْت. فتزود وَحمل شنةً لَهُ فِيهَا مَاء حَتَّى قدم مَكَّة، فَأتى الْمَسْجِد، فالتمس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يعرفهُ، وَكره أَن(2/69)
يسْأَل عَنهُ، حَتَّى أدْركهُ اللَّيْل، فاضطجع، فَرَآهُ عَليّ بن أبي طَالب، فَعرف أَنه غريبٌ، فَلَمَّا رَآهُ تبعه، وَلم يسْأَل واحدٌ مِنْهُمَا صَاحبه عَن شَيْء حَتَّى أصبح، ثمَّ احْتمل قربته وزاده إِلَى الْمَسْجِد، فظل ذَلِك الْيَوْم وَلَا يرى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أَمْسَى، فَعَاد إِلَى مضجعه، فَمر بِهِ عليٌّ، فَقَالَ: مَا أَنى للرجل أَن يعرف منزله؟ فأقامه فَذهب بِهِ مَعَه، وَلَا يسْأَل واحدٌ مِنْهُمَا صَاحبه عَن شَيْء، حَتَّى إِذا كَانَ يَوْم الثَّالِثَة فعل مثل ذَلِك، فأقامه عليٌّ مَعَه، ثمَّ قَالَ لَهُ: أَلا تُحَدِّثنِي مَا الَّذِي أقدمك هَذَا الْبَلَد؟ قَالَ: إِن أَعْطَيْتنِي عهدا وميثاقاً لترشدني فعلت. فَفعل، فَأخْبرهُ، فَقَالَ: فَإِنَّهُ حقٌّ، وَهُوَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِذا أَصبَحت فاتبعني، فَإِنِّي إِن رَأَيْت شَيْئا أَخَاف عَلَيْك قُمْت كَأَنِّي أريق المَاء، فَإِن مضيت فاتبعني حَتَّى تدخل مدخلي. فَفعل، فَانْطَلق يقفوه حَتَّى دخل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَدخل مَعَه، فَسمع من قَوْله، وَأسلم مَكَانَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " ارْجع إِلَى قَوْمك، فَأخْبرهُم حَتَّى يَأْتِيك أَمْرِي " فَقَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لأصرخن بهَا بَين ظهرانيهم. فَخرج حَتَّى أَتَى الْمَسْجِد، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوته: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله. وثار الْقَوْم فضربوه حَتَّى أضجعوه، وأتى الْعَبَّاس فأكب عَلَيْهِ، فَقَالَ: وَيْلكُمْ، ألستم تعلمُونَ أَنه من غفار، وَأَن طَرِيق تجارتكم إِلَى الشَّام - يَعْنِي عَلَيْهِم - فأنقذه مِنْهُم، ثمَّ عَاد من الْغَد لمثلهَا، وثاروا إِلَيْهِ، فضربوه فأكب عَلَيْهِ الْعَبَّاس فأنقذه.
1069 - الثَّالِث وَالتِّسْعُونَ: عَن سعيد بن أبي الْحسن قَالَ:
جَاءَ رجلٌ إِلَى ابْن عَبَّاس فَقَالَ: إِنِّي رجل أصور هَذِه الصُّور، فأفتني فِيهَا. فَقَالَ لَهُ: ادن مني، فَدَنَا ثمَّ قَالَ: ادن مني، فَدَنَا حَتَّى وضع يَده على رَأسه وَقَالَ: أنبئك بِمَا سَمِعت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " كل مُصَور فِي النَّار، يَجْعَل لَهُ بِكُل صُورَة صورها نفسا، فتعذبه فِي جَهَنَّم ". قَالَ: إِن كنت لابد فَاعِلا فَاصْنَعْ الشَّجَرَة وَمَا لَا نفس لَهُ ".
وَعند البُخَارِيّ فِي حَدِيث عَوْف عَن سعيد بن أبي الْحسن قَالَ: كنت عِنْد ابْن(2/70)
عَبَّاس إِذْ جَاءَ رجلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبَّاس، إِنِّي رجلٌ إِنَّمَا معيشتي من صَنْعَة يَدي، وَإِنِّي أصنع هَذِه التصاوير. فَقَالَ ابْن عَبَّاس: لَا أحَدثك إِلَّا مَا سَمِعت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سمعته يَقُول: " من صور صُورَة فَإِن الله معذبه حَتَّى ينْفخ فِيهَا الرّوح وَلَيْسَ بنافخٍ فِيهَا أبدا ". فربا الرجل ربوةً شَدِيدَة، واصفر وَجهه، فَقَالَ: وَيحك، إِن أَبيت إِلَّا أَن تصنع فَعَلَيْك بِهَذَا الشّجر، كل شَيْء لَيْسَ فِيهِ روح.
وَأَخْرَجَاهُ من حَدِيث النَّضر بن أنس بن مَالك قَالَ:
كنت جَالِسا عِنْد ابْن عَبَّاس فَجعل يُفْتِي، وَلَا يَقُول: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. حَتَّى سَأَلَهُ رجلٌ فَقَالَ: إِنِّي رجل أصور هَذِه الصُّور. فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس: ادن، فَدَنَا الرجل، فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " من صور صُورَة فِي الدُّنْيَا كلف أَن ينْفخ فِيهَا الرّوح يَوْم الْقِيَامَة وَلَيْسَ بنافخ ".
وَلَيْسَ للنضر بن أنس عَن ابْن عَبَّاس فِي الصَّحِيح غير هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد.
1070 - الرَّابِع وَالتِّسْعُونَ: عَن أبي البخْترِي سعيد بن فَيْرُوز أَنه سَأَلَ ابْن عَبَّاس عَن بيع النّخل. فَقَالَ: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بيع النّخل حَتَّى يَأْكُل مِنْهُ، أَو يُؤْكَل، وَحَتَّى يُوزن. قَالَ: فَقلت: مَا يُوزن؟ فَقَالَ رجلٌ عِنْده: حَتَّى يحرز.
1071 - الْخَامِس وَالتِّسْعُونَ: عَن أبي الْمنْهَال عبد الرَّحْمَن بن مطعم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم يسلفون فِي الثِّمَار السّنة والسنتين. فَقَالَ: من أسلف فِي تمرٍ فليسلف فِي كيلٍ مَعْلُوم، ووزنٍ مَعْلُوم، إِلَى أجلٍ مَعْلُوم ".(2/71)
أَفْرَاد البُخَارِيّ
1072 - الأول: عَن الْمسور بن مخرمَة بن نَوْفَل بن عبد منَاف قَالَ: لما طعن عمر رَضِي الله عَنهُ جعل يألم، فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس وَكَأَنَّهُ يجزعه: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَلَا كل ذَاك، لقد صَحِبت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأحسنت صحبته، ثمَّ فارقك وَهُوَ عَنْك راضٍ، ثمَّ صَحِبت أَبَا بكر فأحسنت صحبته، ثمَّ فارقك وَهُوَ عَنْك راضٍ، ثمَّ صَحِبت الْمُسلمين فأحسنت صحبتهم، وَلَئِن فَارَقْتهمْ لتفارقنهم وهم عَنْك راضون.
قَالَ: أما مَا ذكرت من صُحْبَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرضَاهُ فَإِنَّمَا ذَلِك منٌّ من الله بِهِ عَليّ. وَأما مَا ذكرت من صُحْبَة أبي بكر وَرضَاهُ عني فَإِنَّمَا ذَلِك منٌّ من الله بِهِ عَليّ. وَأما مَا ترَاهُ من جزعي فَهُوَ من أَجلك وَأجل أَصْحَابك. وَالله لَو أَن لي طلاع الأَرْض ذَهَبا لافتديت بِهِ من عَذَاب الله قبل أَن أرَاهُ.
قَالَ البُخَارِيّ: قَالَ حَمَّاد بن زيد، حَدثنَا أَيُّوب عَن أبي مليكَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: دخلت على عمر، بِهَذَا. لَيْسَ فِيهِ الْمسور.
1073 - الثَّانِي: فِي صَلَاة الْخَوْف: من حَدِيث عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَامَ النَّاس مَعَه، فَكبر وَكَبرُوا مَعَه، وَركع وَركع ناسٌ مَعَه، ثمَّ سجد وسجدوا مَعَه. ثمَّ قَامَ للثَّانِيَة، فَقَامَ الَّذين سجدوا وحرسوا إخْوَانهمْ، وَأَتَتْ الطَّائِفَة الْأُخْرَى فركعوا وسجدوا مَعَه، وَالنَّاس كلهم فِي الصَّلَاة، وَلَكِن يحرس بَعضهم بَعْضًا.
1074 - الثَّالِث: عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود عَن عبد الله بن(2/72)
عَبَّاس قَالَ: يَا معشر الْمُسلمين، كَيفَ تسْأَلُون أهل الْكتاب عَن شَيْء، وَكِتَابكُمْ الَّذِي أنزل الله على نَبِيكُم أحدث الْأَخْبَار بِاللَّه، تَقْرَءُونَهُ مَحْضا لم يشب، وَقد حَدثكُمْ الله أَن أهل الْكتاب بدلُوا مَا كتب الله وغيروه، وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِم الْكتاب، وَقَالُوا: هَذَا من عِنْد الله ليشتروا بِهِ ثمنا قَلِيلا، أَفلا يَنْهَاكُم مَا جَاءَكُم من الْعلم عَن مسألتهم. لَا وَالله، مَا رَأينَا مِنْهُم رجلا قطّ يسألكم عَن الَّذِي أنزل عَلَيْكُم.
وَأخرجه أَيْضا مُخْتَصرا من حَدِيث أَيُّوب عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
كَيفَ تسْأَلُون أهل الْكتاب عَن كتبهمْ وعندكم كتاب الله أقرب الْكتب عهدا بِاللَّه، تَقْرَءُونَهُ مَحْضا لم يشب. لم يزدْ على هَذَا.
1075 - الرَّابِع: عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة أَن ابْن عَبَّاس أخبرهُ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب إِلَى قَيْصر فَقَالَ: " فَإِن توليت فَعَلَيْك إِثْم اليريسيين. لم يزدْ.
1076 - الْخَامِس: عَن عبيد الله بن عبد الله عَن ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث بكتابه إِلَى كسْرَى، فَلَمَّا قَرَأَهُ كسْرَى مزقه، فحسبت أَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يمزقوا كل ممزق. لم يزدْ.
1077 - السَّادِس: عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق أَن عَائِشَة اشتكت، فجَاء ابْن عَبَّاس فَقَالَ: يَا أم الْمُؤمنِينَ، تقدمين على فرط صدقٍ، على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى أبي بكر. مُخْتَصر.(2/73)
وَرَوَاهُ بِطُولِهِ من حَدِيث عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكَة قَالَ: اسْتَأْذن ابْن عَبَّاس على عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا - قبل مَوتهَا - وَهِي مغلوبةٌ. قَالَت: أخْشَى أَن يثنى عَليّ. فَقيل: ابْن عَم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمن وُجُوه الْمُسلمين. قَالَت: ائذنوا لَهُ. فَقَالَ: كَيفَ تجدينك؟ قَالَت: بِخَير إِن اتَّقَيْت. قَالَ: فَأَنت بِخَير إِن شَاءَ الله، زَوْجَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم ينْكح بكراًّ غَيْرك، وَنزل عذرك من السَّمَاء. وَدخل ابْن الزبير خِلَافه فَقَالَت: دخل ابْن عَبَّاس فَأثْنى عَلَيْهِ، ولوددت أَنِّي كنت نسياً منسياً.
وَفِي رِوَايَة أبي مُوسَى من حَدِيث الْقَاسِم بن مُحَمَّد:
أَن ابْن عَبَّاس اسْتَأْذن على عَائِشَة. نَحوه، وَلم يذكر: نسياً منسياً.
1078 - السَّابِع: عَن نَافِع بن جُبَير بن مطعم عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " قَالَ الله تَعَالَى: " (كَذبَنِي ابْن آدم وَلم يكن لَهُ ذَلِك، وَشَتَمَنِي وَلم يكن لَهُ ذَلِك. فَأَما تَكْذِيبه إيَّايَ فَزعم أَنِّي لَا أقدر أَن أُعِيدهُ كَمَا كَانَ. وَأما شَتمه إيَّايَ فَقَوله: لي ولد، فسبحاني أَن أَتَّخِذ صَاحِبَة وَلَا ولدا ".
1079 - الثَّامِن: عَن نَافِع بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " أبْغض النَّاس إِلَى الله ثَلَاثَة: ملحدٌ فِي الْحرم، ومبتغ فِي الْإِسْلَام سنة جَاهِلِيَّة، ومطلب دم امْرِئ بِغَيْر حقٍّ ليهريق دَمه ".
1080 - التَّاسِع: عَن عَطاء بن يسَار عَن ابْن عَبَّاس أَنه تَوَضَّأ، فَغسل وَجهه، فَأخذ غرفَة من مَاء فَتَمَضْمَض، واستنشق، ثمَّ أَخذ غرفَة أُخْرَى فَجعل بهَا هَكَذَا - أضافها إِلَى يَده الْأُخْرَى فَغسل وَجهه، ثمَّ أَخذ غرفَة من مَاء فَغسل يَده الْيُمْنَى، ثمَّ أَخذ غرفَة من مَاء فَغسل بهَا يَده الْيُسْرَى، ثمَّ مسح بِرَأْسِهِ، ثمَّ أَخذ غرفَة من مَاء فرش على رجله الْيُمْنَى حَتَّى غسلهَا، ثمَّ أَخذ غرفَة أُخْرَى فَغسل بهَا رجله الْيُسْرَى، ثمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَوَضَّأ.(2/74)
وَفِي حَدِيث الثَّوْريّ عَن زيد بن أسلم عَن عَطاء عَنهُ:
تَوَضَّأ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرّة مرّة. لم يزدْ.
1081 - الْعَاشِر: عَن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكَة عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " كَأَنِّي بِهِ أسود أفحج، يقلعها حجرا حجرا " يَعْنِي الْكَعْبَة.
1082 - الْحَادِي عشر: عَن ابْن أبي مليكَة عَن عبد الله بن عَبَّاس: أَن نَفرا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مروا بِمَاء فيهم لديغٌ - أَو سليم فَعرض لَهُم رجلٌ من أهل المَاء فَقَالَ: هَل مِنْكُم من راقٍ؟ فَإِن فِي المَاء رجلا لديغاً أَو سليما. فَانْطَلق رجلٌ مِنْهُم فَقَرَأَ بِفَاتِحَة الْكتاب على شَاءَ، فبرأ، فجَاء بالشاء إِلَى أَصْحَابه، فكرهوا ذَلِك وَقَالُوا: أخذت على كتاب الله أجرا، حَتَّى قدمُوا الْمَدِينَة، فَقَالُوا: يَا رَسُول الله، أَخذ على كتاب الله أجرا. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن أَحَق مَا أَخَذْتُم عَلَيْهِ أجرا كتاب الله ".
1083 - الثَّانِي عشر: عَن ابْن أبي مليكَة عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ حِين وَقع بَينه وَبَين ابْن الزبير. قلت: أَبوهُ الزبير، وَأمه أَسمَاء، وخالته عَائِشَة، وجده أَبُو بكر، وجدته صَفِيَّة.
وَفِي حَدِيث عِيسَى بن يُونُس عَن عمر بن سعيد عَن ابْن أبي مليكَة قَالَ:
دَخَلنَا على ابْن عَبَّاس فَقَالَ: أَلا تعْجبُونَ لِابْنِ الزبير قَامَ فِي أمره هَذَا. فَقلت: لأحاسبن نَفسِي لَهُ حسابا مَا حاسبته لأبي بكر وَلَا عمر، وَلَهُمَا كَانَا أولى بِكُل خير مِنْهُ.
فَقلت: ابْن عمَّة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَابْن الزبير، وَابْن أبي بكر، وَابْن أخي خَدِيجَة، وَابْن أُخْت عَائِشَة، فَإِذا هُوَ يتعلى عَليّ، وَلَا يُرِيد ذَلِك، فَقلت: مَا كنت أَظن أَنِّي(2/75)
أعرض هَذَا من نَفسِي، فيدعه، وَإِنَّمَا أرَاهُ يُرِيد خيرا، وَإِن كَانَ لابد، لِأَن يربنِي بَنو عمي أحب إِلَيّ من أَن يربنِي غَيرهم.
وَفِي حَدِيث حجاج عَن ابْن جريج قَالَ: قَالَ ابْن مليكَة: وَكَانَ بَينهمَا شيءٌ فَغَدَوْت على ابْن عَبَّاس فَقلت: أَتُرِيدُ أَن تقَاتل ابْن الزبير فَتحل مَا حرم الله؟ فَقَالَ: معَاذ الله، إِن الله كتب ابْن الزبير وَبني أُميَّة محلين، وَإِنِّي لَا أحله أبدا.
قَالَ ابْن عَبَّاس: قَالَ النَّاس: بَايع لِابْنِ الزبير. فَقلت: وَأَيْنَ بِهَذَا الْأَمر عَنهُ؟ أما أَبوهُ فحواري النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُرِيد الزبير. وَأما جده فَصَاحب الْغَار - يُرِيد أَبَا بكرٍ.
وَأمه فذات النطاقين - يُرِيد أَسمَاء. وَأما خَالَته فَأم الْمُؤمنِينَ - يُرِيد عَائِشَة. وَأما عمته فزوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُرِيد خَدِيجَة. وَأما عمَّة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجدته - يُرِيد صَفِيَّة، ثمَّ عفيفٌ فِي الْإِسْلَام، قَارِئ لِلْقُرْآنِ، وَالله إِن وصلوني وصلوني من قريب، وَإِن ربوني ربني أكفاء كرام، فآثر التويتات، والأسامات، والحميدات يَعْنِي أبطناً فِي بني أسدٍ: بَنو تويت، وَبَنُو أُسَامَة وَبَنُو أَسد. إِن ابْن أبي الْعَاصِ برز يمشي القدمية - يَعْنِي عبد الْملك بن مَرْوَان، وَإنَّهُ لوى بِذَنبِهِ يَعْنِي ابْن الزبير رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ. 1084 - الثَّالِث عشر: عَن ابْن أبي مليكَة قَالَ: أوتر مُعَاوِيَة بعد الْعشَاء بِرَكْعَة، وَعِنْدهم مولى لِابْنِ عَبَّاس، فَأتى ابْن عَبَّاس فَأخْبرهُ، فَقَالَ: دَعه، فَإِنَّهُ قد صحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.(2/76)
وَفِي حَدِيث نافعٍ بن عمر عَن ابْن أبي مليكَة قَالَ: قيل لِابْنِ عَبَّاس: هَل لَك فِي أَمِير الْمُؤمنِينَ مُعَاوِيَة، مَا أوتر إِلَّا بواحدةٍ. قَالَ: أصَاب، إِنَّه فَقِيه.
1085 - الرَّابِع عشر: عَن ابْن أبي مليكَة قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس: {حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل وظنوا أَنهم قد كذبُوا} [سُورَة يُوسُف] ، خَفِيفَة.
زَاد فِي رِوَايَة البرقاني:
كَانُوا بشرا ضعفوا أَو نسوا وظنوا أَنهم قد كذبُوا، ذهب بهَا هُنَاكَ، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى السَّمَاء. وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ: ذهب بهَا هُنَاكَ، وتلا: {حَتَّى يَقُول الرَّسُول وَالَّذين آمنُوا مَعَه مَتى نصر الله أَلا إِن نصر الله قريب} [سُورَة الْبَقَرَة] .
قَالَ ابْن أبي مليكَة:
فَلَقِيت عُرْوَة بن الزبير، فَذكرت ذَلِك لَهُ، فَقَالَ: قَالَت عَائِشَة: معَاذ الله، مَا وعد الله وَرَسُوله من شيءٍ قطّ إِلَّا علم أَنه كائنٌ قبل أَن يَمُوت، وَلَكِن لم يزل الْبلَاء بالرسل حَتَّى خَافُوا أَن يكون من مَعَهم يكذبونهم.
قَالَ: وَكَانَت تقرؤها: {وظنوا أَنهم قد كذبُوا} مثقلة.
ذكرنَا هَذَا فِي مُسْند ابْن عَبَّاس على مَا ذكره أَبُو مَسْعُود، وَقد نَقله البرقاني إِلَى مُسْند عَائِشَة.
1086 - الْخَامِس عشر: عَن طَاوس من رِوَايَة مُجَاهِد عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس - وَبَعض الروَاة يَقُول فِيهِ: عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " فِي الْعَسَل والحجم الشِّفَاء ".
وَقد أخرج البُخَارِيّ من حَدِيث سَالم بن عجلَان الْأَفْطَس عَن سعيد بن جُبَير(2/77)
عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: " الشِّفَاء فِي ثَلَاثَة: شربة عسل، وشرطة محجمٍ، وكية نَار.
وَأَنا أنهى أمتِي عَن الكي ". . رفع الحَدِيث.
وَلَيْسَ لسالم بن عجلَان عَن سعيد بن جُبَير فِي مُسْند ابْن عَبَّاس من الصَّحِيح غير حديثين، هَذَا أَحدهمَا.
1087 - السَّادِس عشر: عَن طَاوس من رِوَايَة سُلَيْمَان الْأَحول عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى رجلا يطوف بِالْكَعْبَةِ بزمامٍ أَو غَيره، فَقَطعه. وَفِي حَدِيث هِشَام: يَقُود إنْسَانا بخزامة فِي أَنفه، فقطعها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدِهِ، ثمَّ أمره أَن يَقُود بِيَدِهِ.
1088 - السَّابِع عشر: عَن طَاوس من رِوَايَة عبد الْملك بن ميسرَة عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس: أَنه سُئِلَ عَن قَوْله: {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} [سُورَة الشورى] ، فَقَالَ سعيد بن جُبَير: قربى آل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَقَالَ ابْن عَبَّاس: عجلت، إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن بطنٌ من قريشٍ إِلَّا كَانَ لَهُ فيهم قرَابَة. فَقَالَ: إِلَّا أَن تصلوا بيني وَبَيْنكُم من الْقَرَابَة.
أوردهُ أَبُو مَسْعُود فِي أَفْرَاد البُخَارِيّ كَمَا أوردناه. وَقَالَ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ: إنَّهُمَا جَمِيعًا أَخْرجَاهُ من حَدِيث شُعْبَة، وَلم أَجِدهُ لمُسلم.
1089 - الثَّامِن عشر: عَن عبيد الله بن أبي يزِيد الْمَكِّيّ أَنه سمع ابْن عَبَّاس قَالَ: خلالٌ من خلال الْجَاهِلِيَّة: الطعْن فِي الْأَنْسَاب، والنياحة، وَنسي الثَّالِثَة. قَالَ سُفْيَان: وَيَقُولُونَ: إِنَّهَا الاسْتِسْقَاء بالأنواء.(2/78)
1090 - التَّاسِع عشر: عَن كريب مولى ابْن عَبَّاس من رِوَايَة بكير بن عبد الله بن الْأَشَج عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: دخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْبَيْت، فَوجدَ فِيهِ صُورَة إِبْرَاهِيم وَصُورَة مَرْيَم. فَقَالَ: " أما هم فقد سمعُوا أَن الْمَلَائِكَة لَا تدخل بَيْتا فِيهِ صُورَة هَذَا إِبْرَاهِيم مُصَور. فَمَا لَهُ يستقسم ".
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا من حَدِيث عِكْرِمَة من رِوَايَة أَيُّوب عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس:
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما رأى الصُّور فِي الْبَيْت، لم يدْخل حَتَّى أَمر بهَا فمحيت، وَرَأى إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل بأيديهما الأزلام فَقَالَ: " قَاتلهم الله، وَالله إِن استقسما بالأزلام قطّ ".
وَفِي حَدِيث أبي معمرٍ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما قدم أَبى أَن يدْخل الْبَيْت وَفِيه الْآلهَة، فَأمر بهَا فأخرجت، فأخرجوا صُورَة إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل، فِي أَيْدِيهِمَا الأزلام، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " قَاتلهم الله، أما وَالله قد علمُوا أَنَّهُمَا لم يستقسما بهما قطّ " فَدخل الْبَيْت فَكبر فِي نواحيه، وَلم يصل فِيهِ.
1091 - الْعشْرُونَ: عَن كريب من رِوَايَة عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَيْسَ السَّعْي بِبَطن الْوَادي بَين الصَّفَا والمروة سنة، إِنَّمَا كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يسعونها وَيَقُولُونَ: لَا نجيز الْبَطْحَاء إِلَّا شداًّ.
1092 - الْحَادِي وَالْعشْرُونَ: عَن كريب من رِوَايَة مُوسَى بن عقبَة عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: انْطلق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْمَدِينَة بَعْدَمَا ترجل وادهن وَلبس إزَاره ورداءه هُوَ وَأَصْحَابه، فَلم ينْه عَن شَيْء من الأردية والأزر تلبس، إِلَّا المزعفرة الَّتِي تردع(2/79)
على الْجلد، فَأصْبح بِذِي الحليفة، ركب رَاحِلَته، حَتَّى اسْتَوَى على الْبَيْدَاء أهل هُوَ وَأَصْحَابه، وقلد بدنته، وَذَلِكَ لخمس بَقينَ من ذِي الْقعدَة، فَقدم مَكَّة لأربعٍ خلون من ذِي الْحجَّة، فَطَافَ بِالْبَيْتِ، وسعى بَين الصَّفَا والمروة، وَلم يحل من أجل بدنه لِأَنَّهُ قلدها، ثمَّ نزل بِأَعْلَى مَكَّة عِنْد الْحجُون وَهُوَ مهلٌّ بِالْحَجِّ، وَلم يقرب الْكَعْبَة بعد طَوَافه بهَا حَتَّى رَجَعَ من عَرَفَة، وَأمر أَصْحَابه أَن يطوفوا بِالْبَيْتِ وَبَين الصَّفَا والمروة، ثمَّ يقصروا رؤوسهم، ثمَّ يحلوا وَذَلِكَ لمن لم يكن مَعَه بَدَنَة قلدها، وَمن كَانَت مَعَه امْرَأَته فَهِيَ لَهُ حلالٌ، وَالطّيب وَالثيَاب.
أخرجه مُخْتَصرا فِي مَوضِع آخر من الْحَج فَقَالَ فِيهِ:
قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأمر أَصْحَابه أَن يطوفوا بِالْبَيْتِ، وبالصفا والمروة، ثمَّ يحلوا ويحلقوا أَو يقصروا.
لم يزدْ.
1093 - الثَّانِي وَالْعشْرُونَ: عَن كريب من رِوَايَة مُوسَى بن عقبَة عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: يطوف الرجل بِالْبَيْتِ مَا كَانَ حَلَالا حَتَّى يهل بِالْحَجِّ، فَإِذا ركب إِلَى عَرَفَة فَمن تيَسّر لَهُ هَدْيه من الْإِبِل أَو الْبَقر أَو الْغنم، مَا تيَسّر لَهُ من ذَلِك، أَي ذَلِك شَاءَ، غير إِن لم يَتَيَسَّر لَهُ فَعَلَيهِ ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج، وَذَلِكَ قبل يَوْم عَرَفَة، فَإِن كَانَ آخر يومٍ مِنْهُ الْأَيَّام الثَّلَاثَة يَوْم عَرَفَة فَلَا جنَاح عَلَيْهِ، ثمَّ لينطلق حَتَّى يقف بِعَرَفَات إِذا أفاضوا حَتَّى يبلغُوا جمعا الَّذِي يبات فِيهِ، ثمَّ لِيذكرُوا الله كثيرا، ويكثروا من التَّكْبِير والتهليل قبل أَن يصبحوا (ثمَّ أفيضوا) فَإِن النَّاس كَانُوا يفيضون، وَقَالَ الله: {ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس وَاسْتَغْفرُوا الله إِن الله غَفُور رَحِيم} [سُورَة الْبَقَرَة] ، حَتَّى يرموا الْجَمْرَة.(2/80)
1094 - الثَّالِث وَالْعشْرُونَ: عَن مُوسَى عَن كريب عَن ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث أَبَا بكر على الْحَج يخبر النَّاس بمناسكهم، ويبلغهم عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أَتَوا عَرَفَة من قبل ذِي الْمجَاز، فَلم يقرب الْكَعْبَة، وَلَكِن شمر إِلَى ذِي الْمجَاز، وَذَلِكَ أَنهم لم يَكُونُوا اسْتَمْتعُوا بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج.
حُكيَ أَبُو الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ: أَن البُخَارِيّ أخرجه عَن الْمقدمِي.
1095 - الرَّابِع وَالْعشْرُونَ: عَن مُجَاهِد قَالَ: قلت لِابْنِ عَبَّاس: أَسجد فِي " ص "؟ فَقَرَأَ: {وَمن ذُريَّته دَاوُد وَسليمَان} حَتَّى أَتَى: {فبهداهم اقتده} [سُورَة الْأَنْعَام 84 - 91] ، فَقَالَ: نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِمَّن أَمر أَن يقْتَدى بهم.
وَلَقَد أخرج البُخَارِيّ أَيْضا من حَدِيث أَيُّوب عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَيْسَ " ص " من عزائم السُّجُود، وَقد رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْجد فِيهَا.
1096 - الْخَامِس وَالْعشْرُونَ: عَن مُجَاهِد بن جبر قَالَ: سَمِعت ابْن عَبَّاس يَقُول: كَانَ فِي بني إِسْرَائِيل الْقصاص، وَلم تكن فيهم الدِّيَة، فَقَالَ الله لهَذِهِ الْأمة: {كتب عَلَيْكُم الْقصاص فِي الْقَتْلَى الْحر بِالْحرِّ وَالْعَبْد بِالْعَبدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمن عُفيَ لَهُ من أَخِيه شَيْء} [سُورَة الْبَقَرَة] ، فالعفو: أَن يقبل الرجل الدِّيَة فِي الْعمد {فاتباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وأداءٌ إِلَيْهِ بإحسن} أَن يطْلب هَذَا بِمَعْرُوف وَيُؤَدِّي هَذَا بِإِحْسَان {فَمن اعْتدى بعد ذَلِك} قيل: بعد قبُول الدِّيَة.
1097 - السَّادِس وَالْعشْرُونَ: عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس: (فِيمَا عرضتم بِهِ من(2/81)
خطْبَة النِّسَاء} [سُورَة الْبَقَرَة] ، يَقُول إِنِّي أُرِيد التَّزْوِيج، ولوددت أَنه يسر لي امْرَأَة صَالِحَة.
1098 - السَّابِع وَالْعشْرُونَ: عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس: {عتلٍ بعد ذَلِك زنيمٍ} [سُورَة الْقَلَم] ، قَالَ: رجلٌ من قُرَيْش لَهُ زنمة مثل زنمة الشَّاة.
1099 - الثَّامِن وَالْعشْرُونَ: عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس: {لتركبن طبقًا عَن طبقٍ} [سُورَة الانشقاق] ، حَالا بعد حالٍ، قَالَ: هَذَا نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
1100 - التَّاسِع وَالْعشْرُونَ: عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس: {إِن شَرّ الدَّوَابّ عِنْد الله الصم الْبكم الَّذين لَا يعْقلُونَ} [سُورَة الْأَنْفَال] ، قَالَ: هم نفرٌ من بني عبد الدَّار.
1101 - الثَّلَاثُونَ: عَن مُجَاهِد قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس: أمره أَن يسبح فِي أدبار الصَّلَوَات كلهَا، يَعْنِي قَوْله: {وأدبار السُّجُود} [سُورَة ق] .
1102 - الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس: {الَّذين بدلُوا نعمت الله كفرا} قَالَ: هم وَالله كفار قُرَيْش. قَالَ عَمْرو: هم قُرَيْش. وَمُحَمّد نعْمَة الله؟ {وَأَحلُّوا قَومهمْ دَار الْبَوَار} [سُورَة إِبْرَاهِيم] قَالَ: النَّار يَوْم بدر.
وَعَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس: {ألم تَرَ إِلَى الَّذين بدلُوا نعمت الله كفرا} ، قَالَ: هم كفار مَكَّة.(2/82)
1103 - الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: عَن مُجَاهِد: {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا} [سُورَة الْبَقَرَة] ، قَالَ: كَانَت هَذِه الْعدة تَعْتَد عِنْد أهل زَوجهَا، وَاجِب، فَأنْزل الله عز وَجل: {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا وَصِيَّة لأزواجهم مَتَاعا إِلَى الْحول غير إِخْرَاج فَإِن خرجن فَلَا جنَاح عَلَيْكُم فِي مَا فعلن فِي أَنْفسهنَّ من مَعْرُوف} ، قَالَ: فَجعل الله لَهَا تَمام السّنة وَصِيَّة، إِن شَاءَت سكنت فِي وصيتها، وَإِن شَاءَت خرجت، وَهُوَ قَول الله: {غير إِخْرَاج فَإِن خرجن فَلَا جنَاح عَلَيْكُم} ، وَالْعدة كَمَا هِيَ وَاجِب عَلَيْهَا، زعم ذَلِك ابْن أبي نجيحٍ عَن مُجَاهِد، قَالَ ابْن أبي نجيح قَالَ عَطاء: قَالَ ابْن عَبَّاس: نسخت هَذِه الْآيَة عدتهَا عِنْد أَهلهَا، فَتعْتَد حَيْثُ شَاءَت، وَهُوَ قَول الله عز وَجل: {غير إِخْرَاج} ، قَالَ عطاءٌ: إِن شَاءَت اعْتدت عِنْد أَهلهَا وسكنت فِي وصيتها، وَإِن شَاءَت خرجت، لقَوْل الله عز وَجل: {فَلَا جنَاح عَلَيْكُم فِي مَا فعلن} ، قَالَ عَطاء: ثمَّ جَاءَ الْمِيرَاث فنسخ السُّكْنَى، فَتعْتَد حَيْثُ شَاءَت وَلَا سُكْنى لَهَا.
1104 - الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ: عَن عَطاء، سمع ابْن عَبَّاس يقْرَأ: {وعَلى الَّذين يطوقونه فديةٌ طَعَام مِسْكين} [سُورَة الْبَقَرَة] ، قَالَ ابْن عَبَّاس: لَيست بمنسوخة، فَهِيَ للشَّيْخ الْكَبِير، وَالْمَرْأَة الْكَبِيرَة لَا يستطيعان أَن يصوما، فيطعمان مَكَان كل يومٍ مِسْكينا.
1105 - الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ: عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ المَال للْوَلَد، وَكَانَت الْوَصِيَّة للْوَالِدين، فنسخ الله من ذَلِك مَا أحب، فَجعل للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَجعل لِلْأَبَوَيْنِ لكل واحدٍ مِنْهُمَا السُّدس وَالثلث، وَجعل للْمَرْأَة الثّمن وَالرّبع، وَللزَّوْج الشّطْر وَالرّبع، وَللزَّوْج الشّطْر وَالرّبع.(2/83)
1106 - الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ: عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: صَارَت الْأَوْثَان الَّتِي كَانَت فِي قوم نوح فِي الْعَرَب بعد: أما ودٌّ فَكَانَت لكَلْب بدومة الجندل.
وَأما سواعٌ فَكَانَت لهذيل. وَأما يَغُوث فَكَانَت لمراد، ثمَّ لبني غطيف بالجرف عِنْد سبأ. وَأما يعوق فَكَانَت لهمدان. وَأما نسرٌ فَكَانَت لحمير، لآل ذِي الكلاع. أَسمَاء رجالٍ صالحين من قوم نوح، فَلَمَّا هَلَكُوا أوحى الشَّيْطَان إِلَى قَومهمْ أَن انصبوا إِلَى مجَالِسهمْ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أنصاباً وسموها بِأَسْمَائِهِمْ، فَلم تعبد حَتَّى إِذا هلك أُولَئِكَ وَنسخ الْعلم عبدت.
أخرجه أَبُو مَسْعُود فِي تَرْجَمَة عَطاء بن أبي رَبَاح، ثمَّ قَالَ: إِن حجاج بن مُحَمَّد وَعبد الرَّزَّاق روياه عَن ابْن جريج فَقَالَا: عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي.
وَقد ذكر أَبُو بكر البرقاني عَن الْإِسْمَاعِيلِيّ نَحْو ذَلِك، وَحَكَاهُ عَن عَليّ بن الْمَدِينِيّ. وَالله أعلم.
1107 - السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ: عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ الْمُشْركُونَ على منزلتين من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْمُؤمنِينَ: كَانُوا مُشْركي أهل حَرْب يقاتلهم ويقاتلونه، ومشركي أهل عهد لَا يقاتلهم وَلَا يقاتلونه. وَكَانَ إِذا هَاجَرت امْرَأَة من أهل الْحَرْب لم تخْطب حَتَّى تحيض وتطهر، فَإِذا طهرت حل لَهَا النِّكَاح، فَإِن هَاجر زَوجهَا قبل أَن تنْكح ردَّتْ إِلَيْهِ، وَإِن هَاجر عبدٌ أَو أمةٌ فهما حران، وَلَهُمَا مَا للمهاجرين. ثمَّ ذكر من أهل الْعَهْد مثل حَدِيث مُجَاهِد. وَإِن هَاجر عبدٌ أَو أمةٌ للْمُشْرِكين أهل الْعَهْد لم يردوا وَردت أثمانهم.
وَقَالَ عَطاء عَن ابْن عَبَّاس: كَانَت قريبَة بنت أبي أُميَّة عِنْد عمر بن الْخطاب فَطلقهَا، فَتَزَوجهَا مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان. وَكَانَت أم الحكم بنت أبي سُفْيَان(2/84)
تَحت عِيَاض بن غنم فَطلقهَا، فَتَزَوجهَا عبد الله بن عُثْمَان الثَّقَفِيّ.
قَالَ أَبُو مَسْعُود أَيْضا عقب هَذَا الحَدِيث: وروى هَذَا حجاج عَن ابْن جريج: {إِذا جَاءَك الْمُؤْمِنَات} [الممتحنة: 10] قَالَ: كَانَ الْمُشْركُونَ ... وَذكره. وَقَالَ فِي آخِره: عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي عَن ابْن عَبَّاس.
1108 - السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ: عَن عَمْرو بن دِينَار عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ عكاظ ومجنة وَذُو الْمجَاز أسواقاً فِي الْجَاهِلِيَّة، فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَام كَأَنَّهُمْ تأثموا أَن يتجروا فِي المواسم، فَنزلت: {لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تَبْتَغُوا فضلا من ربكُم فِي مواسم الْحَج} قَرَأَهَا ابْن عَبَّاس.
1109 - الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ: عَن عَمْرو عَن ابْن عَبَّاس: لما نزلت: {إِن يكن مِنْكُم عشرُون صَابِرُونَ يغلبوا مِائَتَيْنِ} [الْأَنْفَال: 65] فَكتب عَلَيْهِم أَلا يفر واحدٌ من عشرَة. وَقَالَ سُفْيَان غير مرّة: أَلا يفر عشرُون من مِائَتَيْنِ. ثمَّ نزلت: {الْآن خفف الله عَنْكُم} الْآيَة [الْأَنْفَال: 66] فَكتب عَلَيْهِم أَلا تَفِر مائةٌ من مِائَتَيْنِ.
زَاد سُفْيَان مرّة: نزلت: {حرض الْمُؤمنِينَ على الْقِتَال إِن يكن مِنْكُم عشرُون صَابِرُونَ} قَالَ سُفْيَان: وَقَالَ ابْن شبْرمَة: وَأرى الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر مثل هَذَا.
وَرَوَاهُ البُخَارِيّ أَيْضا من حَدِيث الزبير بن الخريت عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما نزلت: {إِن يكن مِنْكُم عشرُون صَابِرُونَ يغلبوا مِائَتَيْنِ} شقّ ذَلِك على الْمُسلمين حِين فرض عَلَيْهِم أَلا يفر واحدٌ من عشرَة؛ فجَاء التَّخْفِيف فَقَالَ: (الْآن خفف الله عَنْكُم وَعلم أَن فِيكُم ضعفا فَإِن يكن مِنْكُم مائةٌ صابرةً(2/85)
يغلبوا مِائَتَيْنِ} ، فَلَمَّا خفف الله عَنْهُم من الْعدة نقص من الصَّبْر بِقدر مَا خفف عَنْهُم.
1110 - التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ: عَن عَمْرو قَالَ: قَرَأَ ابْن عَبَّاس: {أَلا إِنَّهُم يثنون صُدُورهمْ ليستخفوا مِنْهُ أَلا حِين يستغشون ثِيَابهمْ} ، قَالَ: وَقَالَ غَيره عَن ابْن عَبَّاس: يغطون رؤوسهم.
وَأخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن عباد بن جَعْفَر المَخْزُومِي:
أَنه سمع ابْن عَبَّاس يقْرَأ: {أَلا إِنَّهُم يثنون صُدُورهمْ} [سُورَة هود،] ، قَالَ: فَسَأَلته عَنْهَا، فَقَالَ: أناسٌ كَانُوا يستحيون أَن يتخلوا، فيفضوا إِلَى السَّمَاء، وَأَن يجامعوا نِسَاءَهُمْ فيفضوا إِلَى السَّمَاء، فَنزل ذَلِك فيهم.
وَلَيْسَ لمُحَمد بن عباد بن جَعْفَر فِي الصَّحِيح عَن ابْن عَبَّاس غير هَذَا.
1111 - الْأَرْبَعُونَ: حَدِيث إِبْرَاهِيم وَهَاجَر أم إِسْمَاعِيل: عَن أَيُّوب بن أبي تَمِيمَة السّخْتِيَانِيّ وَكثير بن كثير بن عبد الْمطلب بن أبي ودَاعَة، يزِيد أَحدهمَا على الآخر، عَن سعيد بن جُبَير، قَالَ ابْن عَبَّاس: أول مَا اتخذ النَّاس الْمنطق من قبل أم إِسْمَاعِيل، اتَّخذت منطقاً.
وَقَالَ الْأنْصَارِيّ عَن ابْن جريج قَالَ:
وَأما كثير بن كثير فَحَدثني قَالَ: إِنِّي وَعُثْمَان بن سُلَيْمَان جُلُوس مَعَ سعيد بن جُبَير، فَقَالَ: مَا هَكَذَا حَدثنِي ابْن عَبَّاس، وَلكنه قَالَ: أقبل إِبْرَاهِيم بِإِسْمَاعِيل وَأمه وَهِي ترْضِعه، مَعهَا شنةٌ. لم يرفعهُ، وَلم يزدْ الْأنْصَارِيّ على هَذَا.(2/86)
وَفِي أول هَذَا الحَدِيث عِنْد البرقاني من حَدِيث عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن أَيُّوب وَكثير، وَلم يذكرهُ البُخَارِيّ: أَن سعيد بن جُبَير قَالَ: سلوني - معشر الشَّبَاب - فَإِنِّي قد أوشكت أَن أذهب من بَين أظْهركُم، فَأكْثر النَّاس مَسْأَلته، فَقَالَ رجل: أصلحك الله، أَرَأَيْت هَذَا الْمقَام، أهوَ كَمَا كُنَّا نتحدث؟ قَالَ: وَمَا كنت تَتَحَدَّث؟ قَالَ: كُنَّا نقُول: إِن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام حِين جَاءَ عرضت عَلَيْهِ امْرَأَة إِسْمَاعِيل النُّزُول فَأبى أَن ينزل، فَجَاءَت بِهَذَا الْحجر. فَقَالَ: لَيْسَ كَذَلِك.
من هُنَا ذكر البُخَارِيّ بعد الْإِسْنَاد الْمُتَقَدّم فِي أول التَّرْجَمَة عَن أَيُّوب وَكثير عَن سعيد بن جُبَير، أول مَا اتَّخذت النِّسَاء الْمنطق من قبل أم إِسْمَاعِيل، اتَّخذت منطقاً لتعفي أَثَرهَا على سارة، ثمَّ جَاءَ بهَا إِبْرَاهِيم وبابنها إِسْمَاعِيل وَهِي ترْضِعه حَتَّى وَضعهَا عِنْد الْبَيْت، عِنْد دوحةٍ فَوق زَمْزَم فِي أَعلَى الْمَسْجِد، وَلَيْسَ بِمَكَّة يَوْمئِذٍ أحدٌ، وَلَيْسَ بهَا مَاء، فوضعهما هُنَاكَ، وَوضع عِنْدهَا جراباً فِيهِ تمر، وسقاءٌ فِيهِ مَاء، ثمَّ قفى إِبْرَاهِيم مُنْطَلقًا، فتبعته أم إِسْمَاعِيل، فَقَالَت: يَا إِبْرَاهِيم، أَيْن تذْهب وتتركنا بِهَذَا الْوَادي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ أنيسٌ وَلَا شَيْء؟ فَقَالَت لَهُ ذَلِك مرَارًا، وَجعل لَا يلْتَفت إِلَيْهَا، فَقَالَت لَهُ: الله أَمرك بِهَذَا؟ قَالَ: نعم، قَالَت: إِذن لَا يضيعنا، ثمَّ رجعت. فَانْطَلق إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى إِذا كَانَ عِنْد الْبَيْت حَيْثُ لَا يرونه، اسْتقْبل بِوَجْهِهِ الْبَيْت، ثمَّ دَعَا بهؤلاء الدَّعْوَات؛ فَرفع يَدَيْهِ فَقَالَ: {رب إِنِّي أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذِي زرعٍ. .} حَتَّى بلغ: {يشكرون} . وَجعلت أم إِسْمَاعِيل ترْضع إِسْمَاعِيل وتشرب من ذَلِك المَاء، حَتَّى إِذا نفد مَا فِي السقاء عطشت وعطش ابْنهَا وَجعلت تنظر إِلَيْهِ يتلوى، أَو قَالَ يتلبط، فَانْطَلَقت(2/87)
كَرَاهِيَة أَن تنظر إِلَيْهِ، فَوجدت الصَّفَا أقرب جبل فِي الأَرْض يَليهَا، فَقَامَتْ عَلَيْهِ، ثمَّ اسْتقْبلت الْوَادي تنظر: هَل ترى أحدا، فَلم تَرَ أحدا، فَهَبَطت من الصَّفَا حَتَّى إِذا بلغت الْوَادي رفعت طرف درعها، ثمَّ سعت سعي الْإِنْسَان المجهود حَتَّى جَاوَزت الْوَادي، ثمَّ أَتَت الْمَرْوَة فَقَامَتْ عَلَيْهَا فَنَظَرت: هَل ترى أحدا، فَلم تَرَ أحدا، فَفعلت ذَلِك سبع مَرَّات. قَالَ ابْن عَبَّاس:
قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " فَلذَلِك سعى النَّاس بَينهمَا " فَلَمَّا أشرفت على الْمَرْوَة سَمِعت صَوتا، فَقَالَت صه - تُرِيدُ نَفسهَا، ثمَّ تسمعت فَسمِعت أَيْضا، فَقَالَت: قد أسمعت إِن كَانَ عنْدك غواث، فَإِذا هِيَ بِالْملكِ عِنْد مَوضِع زَمْزَم، فبحث بعقبه، أَو قَالَ: بجناحه، حَتَّى ظهر المَاء، فَجعلت تحوضه، وَتقول بِيَدِهَا هَكَذَا، وَجعلت تغرف من المَاء فِي سقائها، وَهُوَ يفور بعد مَا تغرف، وَفِي رِوَايَة أُخْرَى: بِقدر مَا تغرف. قَالَ ابْن عَبَّاس: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " يرحم الله أم إِسْمَاعِيل، لَو تركت زَمْزَم - أَو قَالَ: لَو لم تغرف من المَاء - لكَانَتْ زَمْزَم مَاء معينا ".
قَالَ: فَشَرِبت وأرضعت وَلَدهَا، فَقَالَ لَهَا الْملك: لَا تخافوا الضَّيْعَة، فَإِن هَا هُنَا بَيْتا لله يبنيه هَذَا الْغُلَام وَأَبوهُ، وَإِن الله لَا يضيع أَهله. وَكَانَ الْبَيْت مرتفعاً من الأَرْض كالرابية، تَأتيه السُّيُول فتأخذ عَن يَمِينه وَعَن شِمَاله، فَكَانَت كَذَلِك حَتَّى مرت بهم رفقةٌ من جرهم، أَو من أهل بَيت من جرهم، مُقْبِلين من طَرِيق كداء. فنزلوا فِي أَسْفَل مَكَّة، فَرَأَوْا طائراً عائفاً، فَقَالُوا: إِن هَذَا الطَّائِر ليدور على مَاء، فعهدنا بِهَذَا الْوَادي وَمَا فِيهِ مَاء، فأرسلوا جرياًّ أَو جريين، فَإِذا هم بِالْمَاءِ، فَرَجَعُوا فَأَخْبرُوهُمْ، فَأَقْبَلُوا وَأم إِسْمَاعِيل عِنْد المَاء، فَقَالُوا: أَتَأْذَنِينَ لنا(2/88)
ان ننزل عنْدك؟ قَالَت: نعم، وَلَكِن لَا حق لكم فِي المَاء. قَالُوا: نعم. قَالَ ابْن عَبَّاس:
قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " فألفى ذَلِك أم إِسْمَاعِيل، وَهِي تحب الْأنس ". فأرسلوا إِلَى أَهْليهمْ، فنزلوا مَعَهم.
حَتَّى إِذا كَانُوا بهَا أهل أَبْيَات، وشب الْغُلَام، وَتعلم الْعَرَبيَّة مِنْهُم، وأنفسهم وأعجبهم حِين شب، فَلَمَّا أدْرك زوجوه امْرَأَة مِنْهُم. وَمَاتَتْ أم إِسْمَاعِيل، فجَاء إِبْرَاهِيم بَعْدَمَا تزوج إِسْمَاعِيل يطالع تركته، فَلم يجد إِسْمَاعِيل، فَسَأَلَ امْرَأَته عَنهُ، فَقَالَت: خرج يَبْتَغِي لنا. وَفِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن نَافِع: ذهب يصيد. ثمَّ سَأَلَهَا عَن عيشهم وهيئتهم، فَقَالَت: نَحن بشرٌ، نَحن فِي ضيق وَشدَّة، وَشَكتْ إِلَيْهِ. قَالَ: فَإِذا جَاءَ زَوجك اقرئي عَلَيْهِ السَّلَام، وَقَوْلِي لَهُ يُغير عتبَة بَابه، فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيل كَأَنَّهُ آنس شَيْئا، فَقَالَ: هَل جَاءَكُم من أحد؟ قَالَت: نعم، جَاءَنَا شيخٌ كَذَا وَكَذَا، فسألنا عَنْك، فَأَخْبَرته، فَسَأَلَنِي: كَيفَ عيشنا؟ فَأَخْبَرته أَنا فِي جهد وَشدَّة. قَالَ: فَهَل أَوْصَاك بِشَيْء؟ قَالَت: نعم، أَمرنِي أَن أَقرَأ عَلَيْك السَّلَام، وَيَقُول: غير عتبَة بابك. قَالَ: ذَاك أبي، وَقد أَمرنِي أَن أُفَارِقك، الحقي بأهلك، فَطلقهَا، وَتزَوج مِنْهُم أُخْرَى.
فَلبث عَنْهُم إِبْرَاهِيم مَا شَاءَ الله أَن يلبث ثمَّ أَتَاهُم بعد، فَلم يجده، فَدخل على امْرَأَته، فَسَأَلَ عَنهُ، قَالَت:
خرج يَبْتَغِي لنا. قَالَ: كَيفَ أَنْت؟ وسألها عَن عيشهم وهيئتهم. فَقَالَت: نَحن بِخَير وسعة، وأثنت على الله عز وَجل. فَقَالَ: مَا طَعَامكُمْ؟ قَالَت: اللَّحْم. قَالَ: فَمَا شرابكم؟ قَالَت: المَاء. قَالَ: اللَّهُمَّ بَارك لَهُم فِي اللَّحْم وَالْمَاء. قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " وَلم يكن لَهُم يَوْمئِذٍ حبٌّ، وَلَو كَانَ لَهُم دَعَا لَهُم فِيهِ ". قَالَ: " فهما لَا يَخْلُو عَلَيْهِمَا أحدٌ بِغَيْر مَكَّة إِلَّا لم: رافقاه ". وَفِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم بن نَافِع: فجَاء فَقَالَ: أَيْن إِسْمَاعِيل؟ فَقَالَت امْرَأَته: ذهب يصيد. فَقَالَت امْرَأَته: أَلا تنزل فتطعم وتشرب، قَالَ: وَمَا طَعَامكُمْ، وَمَا شرابكم؟ قَالَت: طعامنا(2/89)
اللَّحْم، وشرابنا المَاء. قَالَ اللَّهُمَّ بَارك لَهُم فِي طعامهم وشرابهم. قَالَ: فَقَالَ أَبُو الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " بركَة دَعْوَة إِبْرَاهِيم ".
رَجَعَ إِلَى بَاقِي الْإِسْنَاد الأول:
قَالَ: فَإِذا جَاءَ زَوجك فاقرئي عَلَيْهِ السَّلَام، ومريه يثبت عتبَة بَابه. فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيل قَالَ: هَل أَتَاكُم من أحد؟ قَالَت: نعم، أَتَانَا شيخٌ حسن الْهَيْئَة، وأثنت عَلَيْهِ، فَسَأَلَنِي عَنْك، فَأَخْبَرته، فَسَأَلَنِي: كَيفَ عيشنا؟ فَأَخْبَرته أَنا بِخَير. قَالَ: فأوصاك بِشَيْء؟ قَالَت: نعم، يقْرَأ عَلَيْك السَّلَام، ويأمرك أَن تثبت عتبَة بابك. قَالَ: ذَاك أبي، وَأَنت العتبة، أَمرنِي أَن أمسكك.
ثمَّ لبث عَنْهُم مَا شَاءَ الله، ثمَّ جَاءَ بعد ذَلِك وَإِسْمَاعِيل يبري نبْلًا لَهُ تَحت دوحةٍ قَرِيبا من زَمْزَم. فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ، فصنعا كَمَا يصنع الْوَالِد بِالْوَلَدِ، وَالْولد بالوالد، ثمَّ قَالَ: يَا إِسْمَاعِيل، إِن الله أَمرنِي بأمرٍ، قَالَ: فَاصْنَعْ مَا أَمرك رَبك، قَالَ: وتعينني؟ قَالَ: وأعينك. قَالَ: فَإِن الله أَمرنِي أَن أبني بَيْتا هَا هُنَا. وَأَشَارَ إِلَى أكمةٍ مرتفعةٍ على مَا حولهَا. فَعِنْدَ ذَلِك رفع الْقَوَاعِد من الْبَيْت، فَجعل إِسْمَاعِيل يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ وَإِبْرَاهِيم يَبْنِي، حَتَّى إِذا ارْتَفع الْبناء جَاءَ بِهَذَا الْحجر فَوَضعه لَهُ، فَقَامَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبْنِي وَإِسْمَاعِيل يناوله الْحِجَارَة، وهما يَقُولَانِ: {رَبنَا تقبل منا إِنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم} قَالَ: فَجعلَا يبنيان حَتَّى يدورا حول الْبَيْت، وهما يَقُولَانِ: {رَبنَا تقبل منا إِنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم} .
وَفِي حَدِيث أبي عَامر عبد الْملك بن عَمْرو الْعَقدي عَن إِبْرَاهِيم بن نَافِع عَن كثير بن كثير عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
لما كَانَ من أَمر إِبْرَاهِيم وَمن أَهله مَا كَانَ، خرج بِإِسْمَاعِيل وَأم إِسْمَاعِيل، مَعَهم شنةٌ فِيهَا مَاء، فَجعلت أم إِسْمَاعِيل تشرب من الشنة فيدر لَبنهَا على صبيها. حَتَّى قدم مَكَّة، فوضعها تَحت دوحةٍ، ثمَّ رَجَعَ إِبْرَاهِيم إِلَى أَهله، فاتبعته أم إِسْمَاعِيل، حَتَّى لما بلغُوا كداء نادته(2/90)
من وَرَائه: يَا إِبْرَاهِيم، إِلَى من تتركنا؟ قَالَ: إِلَى الله. قَالَت: رضيت بِاللَّه. قَالَ: فَرَجَعت، فَجعلت تشرب من الشنة، ويدر لَبنهَا على صبيها، حَتَّى لما فني المَاء قَالَت: لَو ذهبت فَنَظَرت لعَلي أحس أحدا، قَالَ: فَذَهَبت فَصَعدت الصَّفَا، فَنَظَرت وَنظرت: هَل تحس أحدا، فَلم تحس أحدا، فَلَمَّا بلغت الْوَادي سعت وَأَتَتْ الْمَرْوَة، وَفعلت ذَلِك أشواطاً، ثمَّ قَالَت: لَو ذهبت فَنَظَرت مَا فعل الصَّبِي، فَذَهَبت فَنَظَرت، فَإِذا هُوَ على حَاله، كَأَنَّهُ ينشغ للْمَوْت، فَلم تقرها نَفسهَا فَقَالَت: لَو ذهبت فَنَظَرت لعَلي أحس أحدا فَذَهَبت، فَصَعدت الصَّفَا، فَنَظَرت وَنظرت، فَلم تحس أحدا، حَتَّى أتمت سبعا، ثمَّ قَالَت: لَو ذهبت فَنَظَرت مَا فعل، فَإِذا هِيَ بصوتٍ، فَقَالَت: أغث إِن كَانَ عنْدك خيرٌ، فَإِذا جِبْرِيل، قَالَ: فَقَالَ بعقبه هَكَذَا، وغمز بعقبه على الأَرْض، فانبثق المَاء، فدهشت أم إِسْمَاعِيل، فَجعلت تحقن، وَفِي أُخْرَى تحفر ... وَذكر الحَدِيث بِطُولِهِ نَحوه أَو قَرِيبا مِنْهُ، وَالْأول أتم، إِلَى قَوْله: فَوَافى إِسْمَاعِيل من وَرَاء زَمْزَم يصلح نبْلًا لَهُ، فَقَالَ: يَا إِسْمَاعِيل، إِن رَبك أَمرنِي أَن أبني لَهُ بَيْتا. قَالَ: أطع رَبك. قَالَ: إِنَّه قد أَمرنِي أَن تعينني عَلَيْهِ. قَالَ: إِذن أفعل. أَو كَمَا قَالَ. قَالَ: فقاما، فَجعل إِبْرَاهِيم يَبْنِي، وَإِسْمَاعِيل يناوله الْحِجَارَة، ويقولان: {رَبنَا تقبل منا إِنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم} ، حَتَّى ارْتَفع الْبناء، وَضعف الشَّيْخ عَن نقل الْحِجَارَة، فَقَامَ على حجر الْمقَام، فَجعل يناوله الْحِجَارَة ويقولان: {رَبنَا تقبل منا إِنَّك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم} .
وَقد أخرج البُخَارِيّ طرفا مِنْهُ عَن عبد الله بن سعيد بن جُبَير عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: " يرحم الله أم إِسْمَاعِيل، لَوْلَا أَنَّهَا عجلت لكَانَتْ زَمْزَم عينا معينا ".(2/91)
وَفِي حَدِيث إِبْرَاهِيم بن نَافِع: فَقَالَ أَبُو الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَو تركته كَانَ المَاء ظَاهرا ".
1112 - الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ: عَن مُسلم بن عمرَان البطين عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " مَا الْعَمَل فِي أَيَّام أفضل مِنْهَا فِي هَذِه " قَالُوا: وَلَا الْجِهَاد فِي سَبِيل الله؟ قَالَ: " وَلَا الْجِهَاد، إِلَّا رجلٌ خرج يخاطر بِنَفسِهِ وَمَاله فَلم يرجع بِشَيْء ".
أخرجه البُخَارِيّ فِي " بَاب الْعَمَل فِي أَيَّام التَّشْرِيق " وَأخرجه أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي مُعَاوِيَة عَن الْأَعْمَش عَن مُسلم بِمَعْنَاهُ، وَفِيه: " هَذِه الْأَيَّام الْعشْر ".
1113 - الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ: عَن حبيب بن أبي ثَابت عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس: أَن عمر سَأَلَهُمْ عَن قَوْله: {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} [سُورَة النَّصْر] قَالُوا: فتح الْمَدَائِن والقصور. قَالَ: مَا تَقول يَا ابْن عَبَّاس؟ قَالَ: أجلٌ، ومثلٌ ضرب لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعيت لَهُ نَفسه.
وَقد أخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث أبي بشر جَعْفَر بن أبي وحشية بأطول من هَذَا عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
كَانَ عمر يدخلني مَعَ أَشْيَاخ بدرٍ، فَكَأَن بَعضهم وجد فِي نَفسه فَقَالَ: لم تدخل هَذَا مَعنا وَلنَا أَبنَاء مثله. فَقَالَ عمر: إِنَّه من علمْتُم، فَدَعَاهُ ذَات يَوْم فَأدْخلهُ مَعَهم، قَالَ: فَمَا رئيت أَنه دَعَاني يَوْمئِذٍ إِلَّا لِيُرِيَهُمْ. قَالَ: مَا تَقولُونَ فِي قَول الله عز وَجل {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} فَقَالَ بَعضهم: أَمر بِأَن نحمد الله وَنَسْتَغْفِرهُ إِذا نصرنَا وَفتح علينا. وَسكت بَعضهم فَلم(2/92)
يقل شَيْئا. فَقَالَ لي: أكداك تَقول يَا ابْن عَبَّاس؟ قلت: لَا. قَالَ: فَمَا تَقول: قلت: هُوَ أجل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعلمهُ، فَقَالَ: {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} فَذَلِك عَلامَة أَجلك، {فسبح بِحَمْد رَبك وَاسْتَغْفرهُ إِنَّه كَانَ تَوَّابًا} فَقَالَ عمر: مَا أعلم مِنْهَا إِلَّا مَا تَقول.
وَفِي حَدِيث مُحَمَّد بن عرْعرة عَن شُعْبَة:
كَانَ ابْن الْخطاب يدني ابْن عَبَّاس، فَقَالَ لَهُ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف: إِن لنا أَبنَاء مثله. فَقَالَ: إِنَّه من حَيْثُ تعلم. فَسَأَلَ عمر ابْن عَبَّاس عَن هَذِه الْآيَة: {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} قَالَ: أجل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعلمهُ إِيَّاه. قَالَ: مَا أعلم مِنْهَا إِلَّا مَا تعلم.
1114 - الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ: عَن حبيب بن أبي ثَابت عَن سعيد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: حرم من النّسَب سبع، وَمن الصهر سبعٌ. ثمَّ قَرَأَ: {حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم} [سُورَة النِّسَاء] .
1115 - الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ: عَن طَلْحَة بن مصرف اليامي عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس: {وَلكُل جعلنَا موَالِي} ، قَالَ: وَرَثَة. {وَالَّذين عاقدت أَيْمَانكُم} ، كَانَ الْمُهَاجِرُونَ لما قدمُوا الْمَدِينَة يَرث الْمُهَاجِرِي الْأنْصَارِيّ دون ذَوي رَحمَه للأخوة الَّتِي آخى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَينهم. فَلَمَّا نزلت: {وَلكُل جعلنَا موَالِي} ، نسختها. ثمَّ قَالَ: {وَالَّذين عاقدت أَيْمَانكُم} [سُورَة النِّسَاء] ، إِلَّا النَّصْر والرفادة والنصيحة، وَقد ذهب الْمِيرَاث ويوصي إِلَيْهِ.
1116 - الْخَامِس وَالْأَرْبَعُونَ: عَن طَلْحَة بن مصرف، وَعَن رَقَبَة عَن مصقلة جَمِيعًا عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: قَالَ لي ابْن عَبَّاس: هَل تزوجت؟ قلت: لَا.
قَالَ: فَتزَوج، فَإِن خير هَذِه الْأمة أَكْثَرهَا نسَاء(2/93)
1117 - السَّادِس وَالْأَرْبَعُونَ: عَن أبي بشر عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: هم أهل الْكتاب جزءوه أَجزَاء، فآمنوا بِبَعْضِه وَكَفرُوا بِبَعْضِه، لم يزدْ.
وَعَن أبي ظبْيَان عَن ابْن عَبَّاس: {كَمَا أنزلنَا على المقتسمين} [سُورَة الْحجر] قَالَ: آمنُوا بِبَعْض وَكَفرُوا ببعضٍ، الْيَهُود وَالنَّصَارَى.
وَلَيْسَ لأبي ظبْيَان حُصَيْن بن جُنْدُب عَن ابْن عَبَّاس فِي الصَّحِيح غير هَذَا.
1118 - السَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ: عَن أبي بشر عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِذا سرك أَن تعلم جهل الْعَرَب فاقرأ مَا فَوق الثَّلَاثِينَ وَمِائَة من سُورَة الْأَنْعَام: {قد خسر الَّذين قتلوا أَوْلَادهم سفها بِغَيْر علم} إِلَى قَوْله: {قد ضلوا وَمَا كَانُوا مهتدين} [سُورَة الْأَنْعَام] .
1119 - الثَّامِن وَالْأَرْبَعُونَ: عَن أبي بشر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: وَقَالَ ابْن عَبَّاس: توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد قَرَأت الْمُحكم.
وَفِي حَدِيث هشيم:
جمعت الْمُحكم فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ: فَقلت لَهُ: وَمَا الْمُحكم؟ قَالَ: الْمفصل.
1120 - التَّاسِع وَالْأَرْبَعُونَ: عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن نَاسا يَزْعمُونَ أَن هَذِه الْآيَة نسخت، لَا وَالله مَا نسخت. وَلكنهَا مِمَّا تهاون النَّاس بهَا، هما واليان: والٍ يَرث، وَذَاكَ الَّذِي يرْزق، وووالٍ لَا يَرث، وَذَاكَ الَّذِي يَقُول بِالْمَعْرُوفِ، يَقُول: لَا املك لَك أَن أُعْطِيك.(2/94)
قَالَ أَبُو مَسْعُود: وَهَذَا عِنْد النَّاس مُرْسل.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا من حَدِيث أبي إِسْحَاق الشَّيْبَانِيّ عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس: {وَإِذا حضر الْقِسْمَة أولُوا الْقُرْبَى واليتامى وَالْمَسَاكِين فارزقوهم مِنْهُ} [سُورَة النِّسَاء] ، قَالَ: هِيَ محكمَة وَلَيْسَت بمنسوخة.
1121 - الْخَمْسُونَ: عَن أبي بشر عَن سعيد بن جُبَير أَنه قَالَ فِي (الْكَوْثَر) إِنَّه الْخَيْر الْكثير الَّذِي أعطَاهُ الله إِيَّاه. قلت لسَعِيد بن جُبَير: فَإِن نَاسا يَزْعمُونَ أَنه نهرٌ فِي الْجنَّة. فَقَالَ سعيد: النَّهر الَّذِي فِي الْجنَّة من الْخَيْر الَّذِي أعطَاهُ الله إِيَّاه.
وَفِي رِوَايَة عَمْرو بن مُحَمَّد النَّاقِد، عَن هشيم عَن أبي بشر، وَعَن عَطاء بن السَّائِب عَن سعيد بن جُبَير بِنَحْوِهِ.
قَالَ أَبُو مَسْعُود: لم يخرج لعطاء بن السَّائِب غير هَذَا.
1122 - الْحَادِي وَالْخَمْسُونَ: عَن يعلى بن مُسلم عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس: {إِن كَانَ بكم أَذَى من مطر أَو كُنْتُم مرضى} [سُورَة النِّسَاء] ، قَالَ: عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَكَانَ جريحاً.
1123 - الثَّانِي وَالْخَمْسُونَ: عَن حبيب بن أبي عمْرَة عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِلْمِقْدَادِ: " إِذا كَانَ رجلٌ مُؤمن يخفي إيمَانه مَعَ قومٍ كفار فأظهر إيمَانه فَقتلته، فَكَذَلِك كنت أَنْت تخفي إيمانك بِمَكَّة قبل ".
1124 - الثَّالِث وَالْخَمْسُونَ: عَن أبي إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: سُئِلَ ابْن عَبَّاس: مثل من أَنْت حِين قبض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: أَنا يَوْمئِذٍ مختون. وَكَانُوا لَا يختنون الرجل حَتَّى يدْرك.(2/95)
قَالَ ابْن إِدْرِيس عَن أَبِيه عَن أبي إِسْحَاق قَالَ
قبض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا ختين.
1125 - الرَّابِع وَالْخَمْسُونَ: عَن عَمْرو بن أبي عَمْرو مولى الْمطلب عَن سعيد بن جُبَير مولى والبة الْكُوفِي قَالَ: حَدثنِي ابْن عَبَّاس: أَنه دفع مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم عَرَفَة، فَسمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَاءه زجرا شَدِيدا وَضَربا لِلْإِبِلِ وَرَاءه، فَأَشَارَ بِسَوْطِهِ إِلَيْهِم. وَقَالَ: " أَيهَا النَّاس، عَلَيْكُم بِالسَّكِينَةِ، فَإِن الْبر لَيْسَ بِالْإِيضَاعِ ".
1126 - الْخَامِس وَالْخَمْسُونَ: عَن الْمنْهَال بن عَمْرو الْأَسدي عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعوذ الْحسن وَالْحُسَيْن: " أُعِيذكُمَا بِكَلِمَات الله التَّامَّة من كل شَيْطَان وَهَامة، وَمن كل عينٍ لامةٍ " وَيَقُول: " إِن أَبَاكُمَا كَانَ يعوذ بهَا إِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق ".
1127 - السَّادِس وَالْخَمْسُونَ: عَن الْمنْهَال بن عَمْرو عَن سعيد. قَالَ رجل لِابْنِ عَبَّاس: إِنِّي أجد فِي الْقُرْآن أَشْيَاء تخْتَلف عَليّ، قَالَ: {فَلَا أَنْسَاب بَينهم يَوْمئِذٍ وَلَا يتساءلون} [سُورَة الْمُؤْمِنُونَ] ، {وَأَقْبل بَعضهم على بعض يتساءلون} [سُورَة الصافات] ، {وَلَا يكتمون الله حَدِيثا} [سُورَة النِّسَاء] ، {رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين} [سُورَة الْأَنْعَام] ، فقد كتموا فِي هَذِه الْآيَة.
وَقَالَ: {السَّمَاء بناها} إِلَى قَوْله: {دحاها} [سُورَة النازعات] ، فَذكر خلق السَّمَاء قبل خلق الأَرْض، ثمَّ قَالَ: {أئنكم لتكفرون بِالَّذِي خلق الأَرْض فِي يَوْمَيْنِ} إِلَى: {طائعين} [سُورَة فصلت] فَذكر فِي هَذِه خلق الأَرْض قبل خلق السَّمَاء.(2/96)
وَقَالَ: {وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما} [سُورَة النِّسَاء] {عَزِيزًا حكيما} [سُورَة النِّسَاء] {سمعياً بَصيرًا} [سُورَة النِّسَاء] . فَكَأَنَّهُ كَانَ، ثمَّ مضى. فَقَالَ: {لَا أَنْسَاب} فِي النفخة الأولى، ثمَّ نفخ فِي الصُّور، فَصعِقَ من فِي السَّمَوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله، فَلَا أَنْسَاب بَينهم عِنْد ذَلِك وَلَا يتساءلون. ثمَّ قَالَ فِي النفخة الْآخِرَة: (أقبل بَعضهم على بعض يتساءلون) .
وَأما قَوْله: {مَا كُنَّا مُشْرِكين} ، {وَلَا يكتمون الله حَدِيثا} فَإِن الله يغْفر لأهل الْإِخْلَاص ذنوبهم وَقَالَ الْمُشْركُونَ:
تَعَالَوْا نقُول لم نَكُنْ مُشْرِكين، فختم على أَفْوَاههم، وتنطق أَيْديهم، فَعِنْدَ ذَلِك عرف أَن الله لَا يكتم حَدِيثا. وَعِنْده {يود الَّذين كفرُوا} [سُورَة الْحجر: 2] .
وَخلق الأَرْض فِي يَوْمَيْنِ، ثمَّ خلق السَّمَاء، ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فسواهن فِي يَوْمَيْنِ آخَرين ثمَّ دحى الأَرْض، ودحيها أَن أخرج مِنْهَا المَاء والمرعى، وَخلق الْجبَال والآكام وَمَا بَينهمَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرين، فخلقت الأَرْض وَمَا فِيهَا من شَيْء فِي أَرْبَعَة أيامٍ، وخلقت السَّمَوَات فِي يَوْمَيْنِ.
و (كَانَ الله غَفُورًا رحِيما) سمى نَفسه ذَلِك، وَذَلِكَ قَوْله: أَي لم أزل كَذَلِك.
فَإِن الله لم يرد شَيْئا إِلَّا أصَاب بِهِ الَّذِي أَرَادَ، فَلَا يخْتَلف عَلَيْك الْقُرْآن، فَإِن كلا من عِنْد الله عز وَجل. اخْتَصَرَهُ البُخَارِيّ أَو بعض الروَاة.
وَأخرجه البرقاني من حَدِيث يُوسُف بن عدي الَّذِي أخرجه البُخَارِيّ عَنهُ بأتم ألفاظاً: أَن ابْن عَبَّاس جَاءَهُ رجلٌ فَقَالَ:
يَا أَبَا عَبَّاس، إِنِّي أجد فِي الْقُرْآن أَشْيَاء تخْتَلف عَليّ، فقد وَقع ذَلِك فِي صَدْرِي، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: أتكذيبٌ؟ فَقَالَ الرجل: مَا هُوَ بتكذيبٍ، وَلَكِن اخْتِلَاف. قَالَ: فَهَلُمَّ مَا وَقع فِي نَفسك. فَقَالَ لَهُ الرجل: أسمع الله يَقُول: {فَلَا أَنْسَاب بَينهم يَوْمئِذٍ وَلَا يتساءلون} وَقَالَ فِي آيَة(2/97)
أُخْرَى {وَأَقْبل بَعضهم على بعض يتساءلون} وَقَالَ فِي آيَة أُخْرَى: {وَلَا يكتمون الله حَدِيثا} وَقَالَ فِي آيَة أُخْرَى: {وَالله رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين} فقد كتموا فِي هَذِه الْآيَة.
وَفِي قَوْله: {أم السَّمَاء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش لَيْلهَا وَأخرج ضحاها وَالْأَرْض بعد ذَلِك دحاها} فَذكر فِي هَذِه الْآيَة خلق السَّمَاء قبل الأَرْض، وَقَالَ فِي الْآيَة الْأُخْرَى: {أئنكم لتكفرون بِالَّذِي خلق الأَرْض فِي يَوْمَيْنِ وتجعلون لَهُ أندادا ذَلِك رب الْعَالمين وَجعل فِيهَا رواسي من فَوْقهَا وَبَارك فِيهَا وَقدر فِيهَا أقواتها فِي أَرْبَعَة أَيَّام سَوَاء للسائلين ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِي دُخان فَقَالَ لَهَا وللأرض ائتيا طَوْعًا أَو كرها قَالَتَا أَتَيْنَا طائعين} .
وَقَوله: {كَانَ الله غَفُورًا رحِيما} و {كَانَ الله سميعا بَصيرًا} فَكَأَنَّهُ كَانَ، ثمَّ مضى.
فَقَالَ ابْن عَبَّاس:
هَات مَا فِي نَفسك من هَذَا. فَقَالَ السَّائِل: إِن أنبأتني بِهَذَا فحسبي.
قَالَ ابْن عَبَّاس: قَوْله: {فَلَا أَنْسَاب بَينهم يَوْمئِذٍ وَلَا يتساءلون} فَهَذَا فِي النفخة الأولى، ينْفخ فِي الصُّور، فيصعق من فِي السَّمَوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله، فَلَا أَنْسَاب بَينهم يومئذٍ وَلَا يتساءلون. ثمَّ إِن كَانَ فِي النفخة الْأُخْرَى قَامُوا، فَأقبل بَعضهم على بعض يتساءلون.
وَأما قَول الله تَعَالَى: {وَالله رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين} ، وَقَوله: {وَلَا يكتمون الله حَدِيثا} فَإِن الله تَعَالَى يغْفر يَوْم الْقِيَامَة لأهل الْإِخْلَاص ذنوبهم، لَا يتعاظم عَلَيْهِ ذَنْب أَن يغفره، وَلَا يغْفر شركا، فَلَمَّا رأى الْمُشْركُونَ ذَلِك قَالُوا:
إِن رَبنَا يغْفر الذُّنُوب وَلَا يغْفر الشّرك، تَعَالَوْا نقُول: إِنَّا كُنَّا أهل ذنوبٍ، وَلم نَكُنْ مُشْرِكين. فَقَالَ الله تَعَالَى: {أما إِذا كتموا الشّرك فاختموا على أَفْوَاههم، فيختم على أَفْوَاههم فَتَنْطِق أَيْديهم وأرجلهم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} . فَعِنْدَ ذَلِك عرف الْمُشْركُونَ أَن الله لَا يكتم(2/98)
حَدِيثا. فَذَلِك قَوْله: {يَوْمئِذٍ يود الَّذين كفرُوا وعصوا الرَّسُول لَو تسوى بهم الأَرْض وَلَا يكتمون الله حَدِيثا} .
وَأما قَوْله: {السَّمَاء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش لَيْلهَا وَأخرج ضحاها وَالْأَرْض بعد ذَلِك دحاها} ، فَإِنَّهُ خلق الأَرْض فِي يَوْمَيْنِ قبل خلق السَّمَاء، ثمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فسواهن فِي يَوْمَيْنِ آخَرين - يَعْنِي: ثمَّ دحى الأَرْض، ودحيها أَن أخرج مِنْهَا المَاء والمرعى، وشق فِيهَا الْأَنْهَار، وَجعل فِيهَا السبل، وَخلق الْجبَال والرمال والآكام وَمَا فِيهَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرين، فَذَلِك قَوْله: {وَالْأَرْض بعد ذَلِك دحاها} {وَقَوله} (أئنكم لتكفرون بِالَّذِي خلق الأَرْض فِي يَوْمَيْنِ وتجعلون لَهُ أنداداً ذَلِك رب الْعَالمين وَجعل فِيهَا رواسي من فَوْقهَا وَبَارك فِيهَا وَقدر فِيهَا أقواتها فِي أَرْبَعَة أيامٍ سَوَاء للسائلين} ، فَجعلت الأَرْض وَمَا فِيهَا من شئ فِي أَرْبَعَة أَيَّام، وَجعلت السَّمَوَات فِي يَوْمَيْنِ.
وَأما قَوْله: {وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما} و {الله كَانَ عَزِيزًا حكيماً} و {الله كَانَ سمعياً بَصيرًا} ، فَإِن الله تَعَالَى جعل نَفسه ذَلِك، وسمى نَفسه ذَلِك، وَلم ينحله أحدا غَيره. وَكَانَ الله - أَي لم يزل كَذَلِك. ثمَّ قَالَ ابْن عَبَّاس: احفظ عني مَا حدثتك، وَاعْلَم أَن مَا اخْتلف عَلَيْك من الْقُرْآن أشباه مَا حدثتك، فَإِن الله تَعَالَى لم ينزل شَيْئا إِلَّا قد أصَاب بِهِ الَّذِي أَرَادَ وَلَكِن النَّاس لَا يعلمُونَ، فَلَا يختلفن عَلَيْك الْقُرْآن؛ فَإِن كلا من عِنْد الله عز وَجل.
وَهَكَذَا رَوَاهُ يَعْقُوب بن سُفْيَان فِي " تَارِيخه " عَن يُوسُف بن عدي كَمَا رَوَاهُ البرقاني وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي يسير من الأحرف.(2/99)
1128 - السَّابِع وَالْخَمْسُونَ: عَن أبي حُصَيْن عُثْمَان بن عَاصِم عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: {وَمن النَّاس من يعبد الله على حرف} [سُورَة الْحَج] ، كَانَ الرجل يقدم الْمَدِينَة، فَإِن ولدت امْرَأَته غُلَاما ونتجت خيله قَالَ: هَذَا دينٌ صالحٌ، وَإِن لم تَلد امْرَأَته وَلم تنْتج خيله قَالَ: هَذَا دين سوء.
1129 - الثَّامِن وَالْخَمْسُونَ: عَن عبد الْملك بن سعيد بن جُبَير عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: خرج رجل من بني سهم مَعَ تَمِيم الدَّارِيّ وعدي بن بداء، فَمَاتَ السَّهْمِي بأرضٍ لَيْسَ بهَا مسلمٌ، فَلَمَّا قدمُوا بِتركَتِهِ فقدوا جَاما من فضةٍ مَخْتُومًا بِذَهَب، فَأَحْلفهُمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ وجد الْجَام بِمَكَّة، فَقَالُوا: ابتعناه من تَمِيم وعدي بن بداء، فَقَامَ رجلَانِ من أوليائه، فَحَلفا لَشَهَادَتنَا أَحَق من شَهَادَتهمَا، وَإِن الْجَام لصَاحِبِهِمْ، قَالَ: وَفِيهِمْ نزلت هَذِه الْآيَة: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا شَهَادَة بَيْنكُم} [سُورَة الْمَائِدَة] .
وَلَيْسَ لعبد الله بن سعيد عَن أَبِيه سعيد بن جُبَير، وَلَا مُحَمَّد بن أبي الْقَاسِم عَن عبد الْملك فِي هَذَا الْمسند غير هَذَا الحَدِيث.
1130 - التَّاسِع وَالْخَمْسُونَ: عَن ذَر بن عبد الله المرهبي عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لجبريل: " مَا يمنعك أَن تَزُورنَا أَكثر مِمَّا تَزُورنَا؟ " فَنزلت {وَمَا نَتَنَزَّل إِلَّا بِأَمْر رَبك لَهُ مَا بَين أَيْدِينَا وَمَا خلفنا} [سُورَة مَرْيَم] .
1131 - السِّتُّونَ: عَن سَالم الْأَفْطَس عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: سَأَلَني يَهُودِيّ من أهل الْحيرَة: أَي الْأَجَليْنِ قضى مُوسَى؟ قلت: لَا أَدْرِي حَتَّى أقدم على حبر الْعَرَب فأسأله، فَقدمت فَسَأَلت ابْن عَبَّاس فَقَالَ: قضى أكثرهما وأطيبهما، إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ قَالَ فعل. صلى الله على نَبينَا وَعَلِيهِ وعَلى آله وَسلم.(2/100)
1132 - الْحَادِي وَالسِّتُّونَ: عَن أبي عَمْرو عَامر بن شرَاحِيل الشّعبِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: آخر آيةٍ نزلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آيَة الرِّبَا.
1133 - الثَّانِي وَالسِّتُّونَ: عَن أبي رَجَاء العطاردي - واسْمه عمرَان بن ملْحَان - قَالَ: سَمِعت ابْن عَبَّاس يَقُول: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِابْنِ صياد: " قد خبأت لَهُ خبيئاً، فَمَا هُوَ؟ " قَالَ: الدخ. قَالَ: " اخْسَأْ ".
1134 - الثَّالِث وَالسِّتُّونَ: عَن أبي الشعْثَاء جَابر بن زيد أَنه قَالَ: وَمن يَتَّقِي شَيْئا من الْبَيْت؟ وَكَانَ مُعَاوِيَة يسْتَلم الْأَركان. فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس: إِنَّه لَا يسْتَلم هَذَانِ الركنان. فَقَالَ: لَيْسَ شَيْء من الْبَيْت مَهْجُورًا. وَكَانَ ابْن الزبير يستلمهن كُلهنَّ.
وَأخرج مسلمٌ من حَدِيث أبي قَتَادَة عَن أبي الطُّفَيْل عَامر بن وَاثِلَة:
أَنه سمع ابْن عَبَّاس يَقُول: لم أر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْتَلم غير الرُّكْنَيْنِ اليمانيين.
1135 - الرَّابِع وَالسِّتُّونَ: عَن عَمْرو قَالَ: قلت لجَابِر بن زيد: يَزْعمُونَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة. قَالَ: قد كَانَ يَقُول ذَاك الحكم بن عَمْرو الْغِفَارِيّ عندنَا بِالْبَصْرَةِ، وَلَكِن أَبى ذَلِك الْبَحْر ابْن عَبَّاس، وَقَرَأَ: {قل لَا أجد فِي مَا أُوحِي إِلَيّ محرما} [سُورَة الْأَنْعَام] ، وَيصْلح أَن يذكر فِي مُسْند الحكم بن عَمْرو.
1136 - الْخَامِس وَالسِّتُّونَ: عَن أبي جَمْرَة الضبعِي قَالَ: كنت أجالس ابْن(2/101)
عَبَّاس بِمَكَّة، فَأَخَذَتْنِي الْحمى، فَقَالَ: أبردها عَنْك بِمَاء زَمْزَم؛ فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
إِن الْحمى من فيح جَهَنَّم، فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ " أَو قَالَ: " بِمَاء زَمْزَم ".
1137 - السَّادِس وَالسِّتُّونَ: عَن أبي جَمْرَة نصر بن عمرَان الضبعِي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن أول جمعةٍ جمعت بعد جمعةٍ فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي مَسْجِد عبد الْقَيْس بجواثى من الْبَحْرين.
1138 - السَّابِع وَالسِّتُّونَ: عَن عبد الله بن كَعْب بن مَالك عَن ابْن عَبَّاس: أَن عليا خرج من عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وَجَعه الَّذِي توفّي فِيهِ، فَقَالَ النَّاس: يَا أَبَا حسن، كَيفَ أصبح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: أصبح بِحَمْد الله بارئاً.
وَقد تقدم الْمَتْن بِطُولِهِ فِي مُسْند عَليّ رَضِي الله عَنهُ.
1139 - الثَّامِن وَالسِّتُّونَ: عَن عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس، من رِوَايَة عَمْرو بن دِينَار عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: اشْتَدَّ غضب الله على من قَتله نبيٌّ فِي سَبِيل الله.
اشْتَدَّ غضب الله على قومٍ دموا وَجه نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
1140 - التَّاسِع وَالسِّتُّونَ: عَن عِكْرِمَة من رِوَايَة عَمْرو بن دِينَار عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ أهل الْيمن يحجون فَلَا يتزودون، وَيَقُولُونَ: نَحن المتوكلون، فَإِذا قدمُوا مَكَّة سَأَلُوا النَّاس، فَأنْزل الله عز وَجل: {وتزودوا فَإِن خير الزَّاد التَّقْوَى} [سُورَة الْبَقَرَة] ، كَذَا فِي رِوَايَة وَرْقَاء عَن عَمْرو. وَرَوَاهُ ابْن عُيَيْنَة عَن عَمْرو عَن عِكْرِمَة لم يذكر ابْن عَبَّاس.
1141 - السبعون: عَن عَمْرو بن دِينَار عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله(2/102)
تَعَالَى: {وَمَا جعلنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أريناك إِلَّا فتْنَة للنَّاس} ، قَالَ: هِيَ رُؤْيا عين أريها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة أسرِي بِهِ إِلَى بَيت الْمُقَدّس {والشجرة الملعونة فِي الْقُرْآن} [سُورَة الْإِسْرَاء] ، هِيَ شَجَرَة الزقوم.
1142 - الْحَادِي وَالسَّبْعُونَ: عَن أبي الْأسود مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن: قطع على أهل الْمَدِينَة بعثٌ فاكتتبت فِيهِ، فَلَقِيت عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس: فَأَخْبَرته فنهاني عَن ذَلِك أَشد النَّهْي، ثمَّ قَالَ: أَخْبرنِي ابْن عَبَّاس أَن نَاسا من الْمُسلمين كَانُوا مَعَ الْمُشْركين يكثرون سَواد الْمُشْركين على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَأْتِي السهْم يرْمى بِهِ فَيُصِيب أحدهم فيقتله، أَو يضْرب فَيقْتل، فَأنْزل الله: {إِن الَّذين تَوَفَّاهُم الْمَلَائِكَة ظالمي أنفسهم} [سُورَة النِّسَاء] .
1143 - الثَّانِي وَالسَّبْعُونَ: عَن عبد الرَّحْمَن بن سُلَيْمَان بن عبد الله بن حَنْظَلَة ابْن الغسيل عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ بملحفةٍ وَقد عصب رَأسه بعصابةٍ دسماء، حَتَّى جلس على الْمِنْبَر، فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: " أما بعد، فَإِن النَّاس يكثرون ويقل الْأَنْصَار، حَتَّى يَكُونُوا فِي النَّاس بِمَنْزِلَة الْملح فِي الطَّعَام. فَمن ولي مِنْكُم شَيْئا يضر فِيهِ قوما وينفع فِيهِ آخَرين فليقبل من محسنهم ويتجاوز عَن مسيئهم "، فَكَانَ آخر مجْلِس جلس فِيهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَفِي حَدِيث أَحْمد بن يَعْقُوب وَعَلِيهِ ملحفةٌ متعطفاً بهَا على مَنْكِبَيْه. وَلم يذكر: فَكَانَ آخر مجْلِس.
وَفِي حَدِيث إِسْمَاعِيل بن أبان:
فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: " أَيهَا النَّاس، إِلَيّ " فثابوا إِلَيْهِ. ثمَّ قَالَ: " أما بعد، فَإِن هَذَا الْحَيّ من الْأَنْصَار يقلون وَيكثر النَّاس " ثمَّ ذكر نَحوه.(2/103)
1144 - الثَّالِث وَالسَّبْعُونَ: عَن قَتَادَة بن دعامة السدُوسِي عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " هَذِه وَهَذِه سواءٌ " يَعْنِي الْخِنْصر والإبهام. يَعْنِي فِي الدِّيَة.
1145 - الرَّابِع وَالسَّبْعُونَ: عَن قَتَادَة عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: رَأَيْته عبدا - يَعْنِي زوج بَرِيرَة - كَأَنِّي أنظر إِلَيْهِ يتبعهَا فِي سِكَك الْمَدِينَة يبكي عَلَيْهَا.
وَرَوَاهُ البُخَارِيّ أَيْضا من حَدِيث أَيُّوب عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
كَانَ زوج بَرِيرَة عبدا أسود يُقَال لَهُ مغيثٌ، عبدا لبني فلانٍ، كَأَنِّي أنظر إِلَيْهِ يطوف وَرَاءَهَا فِي سِكَك الْمَدِينَة.
وَفِي حَدِيث خَالِد بن مهْرَان الْحذاء عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس:
أَن زوج بَرِيرَة كَانَ عبدا يُقَال لَهُ المغيث، كَأَنِّي أنظر إِلَيْهِ يطوف خلفهَا ودموعه تسيل على لحيته.
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للْعَبَّاس: " يَا عَبَّاس، أَلا تعجب من حب مغيث بَرِيرَة، وَمن بغض بَرِيرَة مغيثاً. فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَو راجعتيه ". قَالَت: يَا رَسُول الله، تَأْمُرنِي؟ قَالَ: " إِنَّمَا أشفع ". قَالَت: لَا حَاجَة لي فِيهِ.
1146 - الْخَامِس وَالسَّبْعُونَ: عَن قَتَادَة عَن عِكْرِمَة قَالَ: صليت خلف شيخ بِمَكَّة فَكبر ثِنْتَيْنِ وَعشْرين تَكْبِيرَة، فَقلت لِابْنِ عَبَّاس: إِنَّه أَحمَق. فَقَالَ: ثكلتك أمك، سنة أبي الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَفِي رِوَايَة أبي بشر عَن عِكْرِمَة قَالَ:
رَأَيْت رجلا عِنْد الْمقَام يكبر فِي كل خفضٍ ورفعٍ، وَإِذا وضع، فَأخْبرت ابْن عَبَّاس فَقَالَ: أَو لَيْسَ تِلْكَ صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَا أم لَك؟ .(2/104)
وَلَيْسَ لأبي بشر جَعْفَر بن أبي وحشية فِي تَرْجَمَة عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس غير هَذَا.
1147 - السَّادِس وَالسَّبْعُونَ: عَن قَتَادَة عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لعن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المتشبهين من الرِّجَال بِالنسَاء، والمتشبهات من النِّسَاء بِالرِّجَالِ.
وَفِي حَدِيث يحيى بن أبي كثير عَن عِكْرِمَة عَنهُ:
لعن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المخنثين من الرِّجَال والمترجلات من النِّسَاء. قَالَ: " أخرجوهم من بُيُوتكُمْ " فَأخْرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فُلَانَة، وَأخرج عمر فلَانا.
1148 - السَّابِع وَالسَّبْعُونَ: عَن يحيى بن أبي كثير عَن عِكْرِمَة قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس: قد أحْصر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فحلق، وجامع نِسَاءَهُ، وَنحر هَدْيه، حَتَّى اعْتَمر عَاما قَابلا.
1149 - الثَّامِن وَالسَّبْعُونَ: عَن عَاصِم بن سُلَيْمَان الْأَحول وحصين بن عبد الرَّحْمَن عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أَقَامَ النَّبِي تسع عشرَة يقصر الصَّلَاة، فَنحْن إِذا سافرنا فَأَقَمْنَا تسع عشرَة قَصرنَا، وَإِن زِدْنَا أتممنا.
1150 - التَّاسِع وَالسَّبْعُونَ: عَن حُصَيْن عَن عِكْرِمَة: {وكأسا دهاقا} [سُورَة النبأ] ، قَالَ: ملأى متتابعة. قَالَ: وَقَالَ ابْن عَبَّاس: سَمِعت أبي فِي الْجَاهِلِيَّة يَقُول: اسقنا كأساً دهاقاً.(2/105)
1151 - الثَّمَانُونَ: عَن عَاصِم الْأَحول عَن عِكْرِمَة وَأبي مجلزٍ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " هِيَ فِي الْعشْر، فِي سبع يمضين، أَو فِي سبع يبْقين " يَعْنِي لَيْلَة الْقدر.
وَفِي حَدِيث أَيُّوب عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس:
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " التمسوها فِي الْعشْر الْأَوَاخِر من رَمَضَان - لَيْلَة الْقدر - فِي تاسعةٍ تبقى، فِي سابعةٍ تبقى، فِي خَامِسَة تبقى ".
وَفِي حَدِيث خَالِد الْحذاء عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس:
" التمسوها فِي أَربع وَعشْرين ". مَوْقُوف.
1152 - الْحَادِي وَالثَّمَانُونَ: عَن أبي إِسْحَاق سُلَيْمَان بن فَيْرُوز الشَّيْبَانِيّ عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا يحل لكم أَن ترثوا النِّسَاء كرها وَلَا تعضلوهن لتذهبوا بِبَعْض مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} [سُورَة النِّسَاء] ، قَالَ: كَانُوا إِذا مَاتَ الرجل، كَانَ أولياؤه أَحَق بامرأته، إِن شَاءَ بَعضهم تزَوجهَا، وَإِن شاؤوا زوجوها، وَإِن شاؤوا لم يزوجوها، فهم أَحَق بهَا من أَهلهَا. فَنزلت هَذِه الْآيَة فِي ذَلِك.
1153 - الثَّانِي وَالثَّمَانُونَ: عَن أبي إِسْحَاق الشَّيْبَانِيّ عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن المحاقلة والمزابنة.
1154 - الثَّالِث وَالثَّمَانُونَ: عَن أَيُّوب بن أبي تَمِيمَة السّخْتِيَانِيّ عَن عِكْرِمَة قَالَ: أُتِي عليٌّ رَضِي الله عَنهُ بزنادقة فأحرقهم. فَبلغ ذَلِك ابْن عَبَّاس فَقَالَ: لَو كنت أَنا لم أحرقهم لنهي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: " لَا تعذبوا بِعَذَاب الله ". ولقتلتهم لقَوْل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " من بدل دينه فَاقْتُلُوهُ ".(2/106)
1155 - الرَّابِع وَالثَّمَانُونَ: عَن أَيُّوب عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَرَأَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا أَمر، وَسكت فِيمَا أَمر، {وَمَا كَانَ رَبك نسيا} [سُورَة مَرْيَم] و {لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة} [سُورَة الْأَحْزَاب] .
1156 - الْخَامِس وَالثَّمَانُونَ: عَن أَيُّوب عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَو كنت متخذاً من أمتِي خَلِيلًا لاتخذت أَبَا بكرٍ، وَلَكِن أخي وصاحبي ".
وَفِي رِوَايَة مُعلى بن أَسد عَن وهيب:
وَلَكِن أخوة الْإِسْلَام أفضل ".
وَفِي رِوَايَة يعلى بن حَكِيم عَن عِكْرِمَة قَالَ:
خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ عاصباً رَأسه بخرقةٍ، فَقعدَ على الْمِنْبَر، فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: " إِنَّه لَيْسَ من النَّاس أحدٌ أَمن عَليّ فِي نَفسه وَمَاله من أبي بكر بن أبي قُحَافَة. وَلَو كنت متخذاً من النَّاس خَلِيلًا لاتخذت أَبَا بكر خَلِيلًا، وَلَكِن خلة الْإِسْلَام أفضل، سدوا عني كل خوخةٍ فِي هَذَا الْمَسْجِد غير خوخة أبي بكر "
وَفِي رِوَايَة عبد الْوَارِث عَن أَيُّوب: أما الَّذِي قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَو كنت متخذاً من هَذِه الْأمة خَلِيلًا لاتخذته، وَلَكِن خلة الْإِسْلَام أفضل " أَو قَالَ " خيرٌ ".
فَإِنَّهُ أنزلهُ أَبَا أَو قَالَ: " قَضَاهُ أَبَا " يَعْنِي الْجد.
1157 - السَّادِس وَالثَّمَانُونَ: عَن أَيُّوب عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: جَاءَت امْرَأَة ثَابت بن قيس بن شماس إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: يَا رَسُول الله، إِنِّي مَا أَعتب عَلَيْهِ فِي خلقٍ وَلَا دينٍ، وَلَكِن أكره الْكفْر فِي الْإِسْلَام. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أَتردينَ عَلَيْهِ حديقته؟ " قَالَت: نعم. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " اقبل الحديقة وَطَلقهَا تَطْلِيقَة ".
وَفِي حَدِيث خَالِد الْحذاء عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس نَحوه بِمَعْنَاهُ.(2/107)
وَمِنْهُم من رَوَاهُ عَن عِكْرِمَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسلا.
وَفِي رِوَايَة حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب: أَن اسْمهَا جميلَة.
1158 - السَّابِع وَالثَّمَانُونَ: عَن أَيُّوب عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سجد بِالنَّجْمِ، وَسجد مَعَه الْمُسلمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنّ وَالْإِنْس.
1159 - الثَّامِن وَالثَّمَانُونَ: عَن أَيُّوب عَن عَاصِم عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: انتشل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عرقاً من قدر، فَأكل ثمَّ صلى وَلم يتَوَضَّأ.
وَعَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
تعرق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَتفًا، فصلى وَلم يتَوَضَّأ.
وَلَيْسَ لمُحَمد بن سِيرِين عَن ابْن عَبَّاس فِي الصَّحِيح غير هَذَا.
1160 - التَّاسِع وَالثَّمَانُونَ: عَن أَيُّوب عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب إِذا هُوَ بِرَجُل قَائِم، فَسَأَلَ عَنهُ فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيل، نذر أَن يقوم فِي الشَّمْس وَلَا يقْعد، وَلَا يستظل، وَلَا يتَكَلَّم، ويصوم. فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " مره، فَلْيَتَكَلَّمْ، وليستظل، وليقعد، وليتم صَوْمه ".
قَالَ: وَقَالَ فِيهِ عبد الْوَهَّاب عَن أَيُّوب عَن عِكْرِمَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مُرْسل.
1161 - التِّسْعُونَ: عَن أَيُّوب قَالَ: ذكر عِنْد عِكْرِمَة شَرّ الثَّلَاثَة فَقَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد حمل قثم بَين يَدَيْهِ وَالْفضل خَلفه، أَو قثم خَلفه وَالْفضل بَين يَدَيْهِ، فَأَيهمْ أشر أَو أَيهمْ أخير.
وَأخرج البُخَارِيّ أَيْضا من حَدِيث خَالِد بن مهْرَان الْحذاء عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
لما قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة استقبلته أغيلمة بني عبد الْمطلب، فَحمل وَاحِدًا بَين يَدَيْهِ وَآخر خَلفه.(2/108)
1162 - الْحَادِي وَالتِّسْعُونَ: عَن أَيُّوب عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " من تحلم بحلم لم يره كلف أَن يعْقد بَين شعيرتين، وَلنْ يفعل. وَمن اسْتمع إِلَى حَدِيث قوم وهم لَهُ كَارِهُون صب فِي أُذُنَيْهِ الآنك يَوْم الْقِيَامَة.
وَمن صور صُورَة عذب، وكلف أَن ينْفخ فِيهَا الرّوح، وَلَيْسَ بنافخ. " قَالَ سُفْيَان: وَصله لنا أَيُّوب.
وَأخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث خَالِد الْحذاء عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس، قَوْله نَحوه. قَالَ: وَتَابعه هِشَام - يَعْنِي ابْن حسان - عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس. . قَوْله.
1163 - الثَّانِي وَالتِّسْعُونَ: عَن هِشَام بن حسان عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس: أَن هِلَال بن أُميَّة قذف امْرَأَته عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِشريك بن سَحْمَاء. فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " الْبَيِّنَة أَو حدٌّ فِي ظهرك " قَالَ: يَا رَسُول الله، إِذا رأى أَحَدنَا على امْرَأَته رجلا ينْطَلق يلْتَمس الْبَيِّنَة؟ فَجعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " الْبَيِّنَة وَإِلَّا حدٌّ فِي ظهرك " فَقَالَ هِلَال. وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ إِنِّي لصَادِق، ولينزلن الله مَا يُبرئ ظَهْري من الْحَد.
فَنزل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَأنزل عَلَيْهِ: {وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم} فَقَرَأَ حَتَّى بلغ: {إِن كَانَ من الصَّادِقين} [النُّور] فَانْصَرف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأرْسل إِلَيْهَا، فجَاء هِلَال فَشهد، وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " إِن الله يعلم أَن أَحَدكُمَا كَاذِب، فَهَل مِنْكُمَا تائب؟ " ثمَّ قَامَت فَشَهِدت، فَلَمَّا كَانَت عِنْد الْخَامِسَة وقفوها وَقَالُوا: إِنَّهَا مُوجبَة.
قَالَ ابْن عَبَّاس: فتلكأت وَنَكَصت حَتَّى ظننا أَنَّهَا ترجع، ثمَّ قَالَت: لَا أفضح قومِي سَائِر الْيَوْم، فمضت. فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أبصروها، فَإِن جَاءَت بِهِ أكحل الْعَينَيْنِ، سابغ الأليتين، خَدلج السَّاقَيْن فَهُوَ لِشَرِيك بن سَحْمَاء ". فَجَاءَت بِهِ كَذَلِك.
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
لَوْلَا مَا مضى من كتاب الله عز وَجل لَكَانَ لي وَلها شَأْن ".(2/109)
1164 - الثَّالِث وَالتِّسْعُونَ: عَن خَالِد بن مهْرَان الْحذاء عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَاءَ إِلَى السِّقَايَة فَاسْتَسْقَى، فَقَالَ الْعَبَّاس: يَا فضل، اذْهَبْ إِلَى أمك، فأت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بشرابٍ من عِنْدهَا. فَقَالَ: " اسْقِنِي " قَالَ: يَا رَسُول الله، إِنَّهُم يجْعَلُونَ أَيْديهم فِيهِ. قَالَ: " اسْقِنِي ". فَشرب مِنْهُ، ثمَّ أَتَى زَمْزَم وهم يسقون ويعملون فِيهَا فَقَالَ: " اعْمَلُوا، فَإِنَّكُم على عمل صَالح " ثمَّ قَالَ: " لَوْلَا أَن تغلبُوا لنزلت حَتَّى أَضَع الْحَبل على هَذِه " يَعْنِي عَاتِقه.
1165 - الرَّابِع وَالتِّسْعُونَ: عَن خَالِد بن مهْرَان عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يشرب من فَم السقاء.
1166 - الْخَامِس وَالتِّسْعُونَ: عَن خَالِد بن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَهُوَ فِي قبَّة يَوْم بدرٍ: " اللَّهُمَّ أنْشدك عَهْدك وَوَعدك. اللَّهُمَّ إِن تشأ لَا تعبد بعد الْيَوْم ". فَأخذ أَبُو بكر بِيَدِهِ فَقَالَ: حَسبك يَا رَسُول الله، ألححت على رَبك، فَخرج وَهُوَ فِي الدرْع وَهُوَ يَقُول: {سَيهْزمُ الْجمع وَيُوَلُّونَ الدبر بل السَّاعَة موعدهم والساعة أدهى وَأمر} [سُورَة الْقَمَر]
1167 - السَّادِس وَالتِّسْعُونَ: عَن خَالِد عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل على أَعْرَابِي يعودهُ، فَقَالَ: " لَا بَأْس عَلَيْك، طهورٌ إِن شَاءَ الله " قَالَ الْأَعرَابِي: طهورٌ؟ بل حمى تَفُور، على شيخٍ كَبِير، تزيره الْقُبُور. قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " فَنعم إِذن ".
وَفِي حَدِيث مُعلى بن أَسد:
دخل على أَعْرَابِي يعودهُ، وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا دخل على مريضٍ يعودهُ قَالَ: " لَا بَأْس، طهورٌ إِن شَاءَ الله " فَقَالَ لَهُ: " لَا بَأْس طهورٌ إِن شَاءَ الله " فَقَالَ: قلت: طهُور؟ بل حمى تَفُور - أَو تثور، على شيخٍ كَبِير، تزيره الْقُبُور ...(2/110)
1168 - السَّابِع وَالتِّسْعُونَ: عَن خَالِد عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَاف بِالْبَيْتِ وَهُوَ على بعيرٍ، كلما أَتَى على الرُّكْن أَشَارَ إِلَيْهِ بشيءٍ فِي يَده وَكبر.
1169 - الثَّامِن وَالتِّسْعُونَ: عَن خَالِد عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْم بدر: " هَذَا جِبْرِيل آخذٌ بِرَأْس فرسه، عَلَيْهِ أَدَاة الْحَرْب ".
1170 - التَّاسِع وَالتِّسْعُونَ: عَن خَالِد عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِذا أسلمت النَّصْرَانِيَّة قبل زَوجهَا بساعةٍ حرمت عَلَيْهِ. مَوْقُوف.
1171 - الْمِائَة: عَن الزبير بن الخريت عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف} [سُورَة الممتحنة] قَالَ: إِنَّمَا هُوَ شرطٌ شَرطه الله للنِّسَاء.
1172 - الحَدِيث الأول بعد الْمِائَة: عَن الزبير بن الخريت عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: حدث النَّاس كل جمعةٍ مرّة، فَإِن أَبيت فمرتين، فَإِن أكثرت فَثَلَاث مَرَّات، وَلَا تمل النَّاس هَذَا الْقُرْآن، وَلَا ألفينك تَأتي الْقَوْم وهم فِي حَدِيث من حَدِيثهمْ فتقص عَلَيْهِم، فتقطع عَلَيْهِم حَدِيثهمْ فتملهم، وَلَكِن أنصت، فَإِذا أمروك فَحَدثهُمْ وهم يشتهونه، وَانْظُر السجع من الدُّعَاء فاجتنبه، فَإِنِّي عهِدت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه لَا يَفْعَلُونَ ذَلِك.
1173 - الثَّانِي بعد الْمِائَة: عَن عُثْمَان بن غياث الرَّاسِبِي عَن عِكْرِمَة: أَن ابْن عَبَّاس سُئِلَ عَن مُتْعَة الْحَج فَقَالَ: أهل الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار وَأَزْوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّة الْوَدَاع، وأهللنا، فَلَمَّا قدمنَا مَكَّة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " اجعلوا إهلالكم(2/111)
بِالْحَجِّ عمْرَة، إِلَّا من قلد الْهَدْي ". طفنا بِالْبَيْتِ، وبالصفا والمروة، وأتينا النِّسَاء، ولبسنا الثِّيَاب. وَقَالَ: " من قلد الْهَدْي فَإِنَّهُ لَا يحل حَتَّى يبلغ الْهَدْي مَحَله ". ثمَّ أمرنَا عَشِيَّة التَّرويَة أَن نهل بِالْحَجِّ، فَإِذا فَرغْنَا من الْمَنَاسِك جِئْنَا فطفنا بِالْبَيْتِ وبالصفا والمروة، وَقد تمّ حجنا، وعلينا الْهَدْي كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {فَمَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي} [سُورَة الْبَقَرَة] ، فَإِن لم تَجدوا فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رجعتم إِلَى أمصاركم، الشَّاة تجزي. " فَجمعُوا نسكين فِي عَام: بَين الْحَج وَالْعمْرَة، فَإِن الله أنزلهُ فِي كِتَابه وَسنة نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وأباحه للنَّاس غير أهل مَكَّة. قَالَ الله: {ذَلِك لمن لم يكن أَهله حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام} [سُورَة الْبَقَرَة] وَأشهر الْحَج الَّتِي ذكر الله: شَوَّال وَذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة، فَمن تمتّع فِي هَذِه الْأَشْهر فَعَلَيهِ دمٌ أَو صَوْم.
والرفث: الْجِمَاع. والفسوق: الْمعاصِي. والجدال: المراء. أخرجه البُخَارِيّ تَعْلِيقا. فَقَالَ: وَقَالَ أَبُو كَامِل عَن أبي معشر عَن عُثْمَان.
قَالَ أَبُو مَسْعُود: وَهَذَا حَدِيث عزيزٌ لم أره إِلَّا عِنْد مُسلم بن الْحجَّاج. وَلم يُخرجهُ مُسلم فِي صَحِيحه من أجل عِكْرِمَة. وَعِنْدِي أَن البُخَارِيّ أَخذه عَن مُسلم. وَالله أعلم قَالَ البرقاني: حدث بِهِ ابْن أبي حَاتِم عَن مُسلم.
1174 - الثَّالِث بعد الْمِائَة: عَن عبد الْكَرِيم بن مَالك الْجَزرِي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ أَبُو جهل: لَئِن رَأَيْت مُحَمَّدًا يُصَلِّي عِنْد الْكَعْبَة لَأَطَأَن على عُنُقه. فَبلغ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " لَو فعله لَأَخَذته الْمَلَائِكَة ".
زَاد أَبُو مَسْعُود:
لَأَخَذته الْمَلَائِكَة عيَانًا ". قَالَ: وَقَالَ ابْن عَبَّاس: وَلَو تمنى الْيَهُود الْمَوْت لماتوا، وَلَو خرج الَّذين يباهلون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لرجعوا لَا يَجدونَ أَهلا وَلَا مَالا.(2/112)
1175 - الرَّابِع بعد الْمِائَة: عَن يعلى بن حَكِيم عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما أَتَى ماعزٌ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَعَلَّك قبلت أَو غمزت أَو نظرت " قَالَ لَا يَا رَسُول الله قَالَ: " أنكتها؟ " لَا يكني. فَعِنْدَ ذَلِك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر برجمه.
وَقد أخرج مُسلم من حَدِيث سماك بن حَرْب عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لماعز بن مَالك:
أحقٌّ مَا بَلغنِي عَنْك؟ " قَالَ: وَمَا بلغك عني؟ قَالَ: " بَلغنِي أَنَّك وَقعت بِجَارِيَة آل فلَان " قَالَ: نعم. فَشهد أَربع شَهَادَات ثمَّ أَمر بِهِ فرجم.
1176 - الْخَامِس بعد الْمِائَة: عَن فُضَيْل بن غَزوَان قَالَ: حَدثنَا عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطب النَّاس يَوْم النَّحْر فَقَالَ: " يَا أَيهَا النَّاس، أَي يَوْم هَذَا؟ " قَالُوا: يومٌ حرامٌ. قَالَ: " فَأَي بلد هَذَا؟ " قَالُوا: بلدٌ حرامٌ. قَالَ: " فَأَي شهر هَذَا؟ " قَالُوا: شهرٌ حرامٌ. قَالَ: " فَإِن دماءكم وَأَمْوَالكُمْ وَأَعْرَاضكُمْ عَلَيْكُم حرامٌ كَحُرْمَةِ يومكم هَذَا، فِي بلدكم هَذَا فِي شهركم هَذَا ". فَأَعَادَهَا مرَارًا ثمَّ رفع رَأسه فَقَالَ: " اللَّهُمَّ هَل بلغت؟ " قَالَ ابْن عَبَّاس: فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لوصيته إِلَى أمته، " فليبلغ الْغَائِب الشَّاهِد. لَا ترجعوا بعدِي كفَّارًا يضْرب بَعْضكُم رِقَاب بعض ".
1177 - السَّادِس بعد الْمِائَة: عَن فُضَيْل بن غَزوَان عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَا يَزْنِي الزَّانِي حِين يَزْنِي وَهُوَ مؤمنٌ " وَلَا يسرق حِين يسرق وَهُوَ مؤمنٌ " زَاد إِسْحَاق بن يُوسُف: " وَلَا يشرب الْخمر حِين يشرب وَهُوَ مؤمنٌ " قَالَ عِكْرِمَة: قلت لِابْنِ عَبَّاس: كَيفَ ينْزع الْإِيمَان مِنْهُ؟ قَالَ: هَكَذَا، وَشَبك بَين أَصَابِعه ثمَّ أخرجهَا، فَإِن تَابَ عَاد إِلَيْهِ هَكَذَا، وَشَبك بَين أَصَابِعه.
1178 - السَّابِع بعد الْمِائَة: عَن سُفْيَان بن دِينَار الْعُصْفُرِي التمار عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس: {لرادك إِلَى معاد} [سُورَة الْقَصَص] ، قَالَ: إِلَى مَكَّة.(2/113)
1179 - الثَّامِن بعد الْمِائَة: عَن أبي بكر بن عَبَّاس عَن سُفْيَان التمار من قَوْله: أَنه رأى قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مسنماً.
1180 - التَّاسِع بعد الْمِائَة: عَن أبي يزِيد الْمدنِي عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن أول قسَامَة كَانَت فِي الْجَاهِلِيَّة لفينا بني هَاشم، كَانَ رجلٌ من بني هَاشم اسْتَأْجر رجلا من قُرَيْش من فَخذ أُخْرَى، فَانْطَلق مَعَه فِي إبِله، فَمر رجلٌ من بني هَاشم قد انْقَطَعت عُرْوَة جوالقه فَقَالَ: أَغِثْنِي بعقال أَشد بِهِ عُرْوَة جوالقي، لَا تنفر الْإِبِل. فَأعْطَاهُ عقَالًا فَشد بِهِ عُرْوَة جوالقه، فَلَمَّا نزلُوا عقلت الْإِبِل إِلَّا بَعِيرًا وَاحِدًا، فَقَالَ الَّذِي اسْتَأْجرهُ: مَا بَال هَذَا الْبَعِير لم يعقل من بَين الْإِبِل؟ قَالَ: لَيْسَ لَهُ عقال. قَالَ: فَأَيْنَ عقاله؟ فَحَذفهُ بعصاً كَانَ فِيهَا أَجله، فَمر بِهِ رجلٌ من أهل الْيمن، فَقَالَ: أَتَشهد الْمَوْسِم؟ قَالَ: مَا أشهد، وَرُبمَا شهدته. قَالَ: هَل أَنْت مبلغٌ عني رِسَالَة مرّة من الدَّهْر قَالَ: نعم. قَالَ: فَإِذا أَنْت شهِدت الْمَوْسِم فَنَادِ: يَا آل قُرَيْش، فَإِذا أجابوك فَنَادِ: يَا بني هَاشم، فَإِن أجابوك فسل عَن أبي طالبٍ فَأخْبرهُ أَن فلَانا قتلني فِي عقال، وَمَات الْمُسْتَأْجر.
فَلَمَّا قدم الَّذِي اسْتَأْجرهُ، أَتَاهُ أَبُو طَالب، قَالَ: مَا فعل صاحبنا؟ قَالَ: مرض فأحسنت الْقيام عَلَيْهِ، وَوليت دَفنه. قَالَ: قد كَانَ أهل ذَاك مِنْك، فَمَكثَ حينا، ثمَّ إِن الرجل الَّذِي أوصِي إِلَيْهِ أَن يبلغ عَنهُ وافى الْمَوْسِم، فَقَالَ: يَا آل قُرَيْش.
قَالُوا: هَذِه قُرَيْش. قَالَ: يَا بني هَاشم. قَالُوا: هَذِه بَنو هَاشم. قَالَ: أَيْن أَبُو طَالب؟ قَالُوا: هَذَا أَبُو طَالب. قَالَ: أَمرنِي فلانٌ أَن أبلغك رِسَالَة: أَن فلَانا قَتله فِي عقال. فَأَتَاهُ أَبُو طَالب فَقَالَ: اختر منا إِحْدَى ثَلَاث: إِن شِئْت أَن تُؤدِّي مائَة من الْإِبِل، فَإنَّك قتلت صاحبنا، وَإِن شِئْت حلف خَمْسُونَ من قَوْمك أَنَّك لم تقتله، فَإِن أَبيت قتلناك بِهِ. فَأتى قومه، فَأخْبرهُم، فَقَالُوا: نحلف. فَأَتَتْهُ امرأةٌ من بني هَاشم كَانَت تَحت رجلٍ مِنْهُم قد ولدت مِنْهُم، فَقَالَت: يَا أَبَا طَالب، أحب أَن(2/114)
تجير ابْني هَذَا برجلٍ من الْخمسين، وَلَا تصبر يَمِينه حَيْثُ تصبر الْأَيْمَان، فَفعل، فَأَتَاهُ رجلٌ مِنْهُم فَقَالَ: يَا أَبَا طَالب، أردْت خمسين رجلا أَن يحلفوا مَكَان مائَة من الْإِبِل، نصيب كل رجلٍ مِنْهُم بعيران، هَذَانِ البعيران، فأقبلهما مني، وَلَا تصبر يَمِيني حَيْثُ تصبر الْأَيْمَان، فقبلهما، وَجَاء ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ فَحَلَفُوا.
قَالَ ابْن عَبَّاس:
فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ، مَا حَال الْحول وَمن الثَّمَانِية وَأَرْبَعين عينٌ تطرف. @ 1181 - الْعَاشِر بعد الْمِائَة: عَن طَلْحَة بن عبيد الله بن عَوْف قَالَ: صليت خلف ابْن عَبَّاس على جنازةٍ، فَقَرَأَ بِفَاتِحَة الْكتاب، وَقَالَ: لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا سنة.
1182 - الْحَادِي عشر بعد الْمِائَة: عَن سعيد بن أبي هِنْد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " نعمتان مغبون فيهمَا كثيرٌ من النَّاس: الصِّحَّة والفراغ ".
وَلَيْسَ لسَعِيد بن أبي هِنْد عَن ابْن عَبَّاس فِي الصَّحِيح غير هَذَا الحَدِيث.
1183 - الثَّانِي عشر بعد الْمِائَة: عَن مقسم بن يحيى مولى عبد الله بن الْحَارِث عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ} [سُورَة النِّسَاء] عَن بدر، والخارجون إِلَى بدر.
وَلَيْسَ لمقسم بن يحيى فِي الصَّحِيح غير هَذَا ".
1184 - الثَّالِث عشر بعد الْمِائَة: عَن أبي الجوزاء أَوْس بن عبيد الله عَن عبد الله عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: (اللات والعزى) : كَانَ اللات رجلا يلت سويق الْحَاج.(2/115)
1185 - الرَّابِع عشر بعد الْمِائَة: عَن أبي الضُّحَى مُسلم بن صبيح عَن ابْن عَبَّاس {حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل} قَالَهَا إِبْرَاهِيم حِين ألقِي فِي النَّار. وَقَالَهَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين قَالُوا: {إِن النَّاس قد جمعُوا لكم فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُم إِيمَانًا وَقَالُوا حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل} [سُورَة آل عمرَان] .
1186 - الْخَامِس عشر بعد الْمِائَة: عَن أبي يَعْفُور الْعَبْدي قَالَ: تَذَاكرنَا عِنْد أبي الضُّحَى فَقَالَ: حَدثنَا ابْن عَبَّاس قَالَ: أَصْبَحْنَا يَوْمًا وَنسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يبْكين، عِنْد كل امرأةٍ مِنْهَا أَهلهَا، فَخرجت إِلَى الْمَسْجِد فَإِذا هُوَ ملآن من النَّاس، فجَاء عمر بن الْخطاب، فَصَعدَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي غرفَة لَهُ، فَسلم، فَلم يجبهُ أحد، ثمَّ سلم فَلم يجبهُ أحد، ثمَّ سلم فَلم يجبهُ أحد. فناداه، فَدخل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أطلقت نِسَاءَك؟ قَالَ: " لَا، وَلَكِن آلَيْت مِنْهُنَّ شهرا " فَمَكثَ تسعا وَعشْرين ثمَّ دخل على نِسَائِهِ.
1187 - السَّادِس عشر بعد الْمِائَة: عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع قَالَ: دخلت أَنا وَشَدَّاد بن معقل على ابْن عَبَّاس، فَقَالَ لَهُ شَدَّاد بن معقل: أترك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من شَيْء؟ قَالَ: مَا ترك إِلَّا مَا بَين الدفتين. قَالَ: ودخلنا على ابْن الْحَنَفِيَّة فَسَأَلْنَاهُ، فَقَالَ: مَا ترك إِلَّا مَا بَين الدفتين.
وَلَيْسَ لعبد الْعَزِيز بن رفيع عَن ابْن عَبَّاس فِي الصَّحِيح غير هَذَا.
1188 - السَّابِع عشر بعد الْمِائَة: عَن عبد الرَّحْمَن بن عَابس بن ربيعَة النَّخعِيّ عَن ابْن عَبَّاس: {إِنَّهَا ترمي بشرر كالقصر} [سُورَة المرسلات] ، قَالَ: كُنَّا نرفع الْخشب ثَلَاثَة أَذْرع أَو أقل للشتاء، فنسميه الْقصر. {كَأَنَّهُ جمالتٌ صفرٌ}(2/116)
[سُورَة المرسلات] حبال السفن تجمع حَتَّى تكون كأوساط الرِّجَال.
1189 - الثَّامِن عشر بعد الْمِائَة: عَن أبي الجويرية حطَّان بن خفافٍ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ أقوامٌ يسْأَلُون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استهزاءً، فَيَقُول الرجل: من أبي؟ وَيَقُول الرجل تضل نَاقَته: أَيْن نَاقَتي؟ فَأنْزل الله فيهم هَذِه الْآيَة: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن أَشْيَاء إِن تبدلكم تَسُؤْكُمْ} حَتَّى فرغ من الْآيَة كلهَا [سُورَة الْمَائِدَة] .
1190 - التَّاسِع عشر بعد الْمِائَة: عَن أبي الجويرية قَالَ: سَأَلنَا ابْن عَبَّاس عَن الباذق، فَقَالَ: سبق محمدٌ الباذق، فَمَا أسكر فَهُوَ حرامٌ. قَالَ: عَلَيْك الشَّرَاب الْحَلَال الطّيب، لَيْسَ بعد الْحَلَال الطّيب إِلَّا الْحَرَام الْخَبيث.
1191 - الْعشْرُونَ بعد الْمِائَة: عَن أبي السّفر سعيد بن محمدٍ قَالَ: سَمِعت ابْن عَبَّاس يَقُول: يَا أَيهَا النَّاس، اسمعوا مني مَا أَقُول لكم، وأسمعوني مَا تَقولُونَ، وَلَا تذْهبُوا فتقولوا: قَالَ ابْن عَبَّاس، قَالَ ابْن عَبَّاس: من طَاف بِالْبَيْتِ فليطف من وَرَاء الْحجر، وَلَا تَقولُوا: الْحطيم، فَإِن الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة كَانَ يحلف فيلقي سَوْطه أَو نَعله أَو قوسه. لم يزدْ.
زَاد البرقاني فِي الحَدِيث بِالْإِسْنَادِ الْمخْرج بِهِ: وَأَيّمَا صبيٍّ حج بِهِ أَهله فقد قَضَت حجَّته عَنهُ مَا دَامَ صَغِيرا، فَإِذا بلغ فَعَلَيهِ حجةٌ أُخْرَى. وَأَيّمَا عبدٍ حج بِهِ أَهله فقد قَضَت حجَّته عَنهُ مَا دَامَ عبدا، فَإِذا عتق فَعَلَيهِ حجةٌ أُخْرَى.(2/117)
أَفْرَاد مُسلم
1192 - الأول: عَن سعيد بن إِيَاس الْجريرِي عَن أبي الطُّفَيْل عَامر بن وَاثِلَة اللَّيْثِيّ قَالَ: قلت لِابْنِ عَبَّاس: أَرَأَيْت هَذَا الرمل بِالْبَيْتِ ثَلَاثَة أطواف، ومشي أَرْبَعَة أطواف، أسنة هُوَ؟ فَإِن قَوْمك يَزْعمُونَ أَنه سنة. قَالَ: فَقَالَ: صدقُوا وكذبوا. قَالَ: قلت: مَا قَوْلك صدقُوا وكذبوا " قَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قدم مَكَّة، فَقَالَ الْمُشْركُونَ: إِن مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه لَا يَسْتَطِيعُونَ أَن يطوفوا بِالْبَيْتِ من الْهزْل. وَكَانُوا يحسدونه. قَالَ: فَأَمرهمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يرملوا ثَلَاثًا ويمشوا أَرْبعا.
قَالَ: قلت لَهُ: أَخْبرنِي عَن الطّواف بَين الصَّفَا والمروة رَاكِبًا، أسنة هُوَ؟ فَإِنَّهُ قَوْمك يَزْعمُونَ أَنه سنة. قَالَ: صدقُوا وكذبوا. قَالَ: قلت: مَا قَوْلك: صدقُوا وكذبوا؟ قَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كثر عَلَيْهِ النَّاس يَقُولُونَ: هَذَا مُحَمَّد، هَذَا مُحَمَّد، حَتَّى خرج الْعَوَاتِق من الْبيُوت. قَالَ: وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يضْرب النَّاس بَين يَدَيْهِ. فَلَمَّا كثر عَلَيْهِ ركب، وَالْمَشْي وَالسَّعْي أفضل.
وَفِي حَدِيث ابْن أبي حُسَيْن عَن أبي الطُّفَيْل قَالَ: قلت لِابْنِ عَبَّاس: إِن قَوْمك يَزْعمُونَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رمل بِالْبَيْتِ وَبَين الصَّفَا والمروة، وَهِي سنة. قَالَ: صدقُوا وكذبوا. لم يزدْ.
وَفِي حَدِيث عبد الْملك بن سعيد بن الأبجر عَن أبي الطُّفَيْل قَالَ: قلت لِابْنِ عَبَّاس: أَرَانِي قد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ: فصفه لي. قَالَ: قلت: رَأَيْته عِنْد الْمَرْوَة على ناقةٍ وَقد كثر النَّاس عَلَيْهِ. قَالَ: فَقَالَ ابْن عَبَّاس: ذَاك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِنَّهُم كَانُوا لَا يدعونَ عَنهُ وَلَا يكْرهُونَ.(2/118)
1193 - الثَّانِي: عَن عبد الْمجِيد بن سُهَيْل عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود قَالَ: قَالَ لي ابْن عَبَّاس: تَدْرِي آخر سُورَة من الْقُرْآن نزلت جَمِيعًا؟ قلت: نعم {إِذا جَاءَ نصر الله وَالْفَتْح} [سُورَة النَّصْر] قَالَ: صدقت.
وَلَيْسَ لعبد الْمجِيد بن سُهَيْل بن عبد الله فِي مُسْند ابْن عَبَّاس من الصَّحِيح غير هَذَا.
1194 - الثَّالِث: عَن نَافِع بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الأيم. أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا، وَالْبكْر تستأذن فِي نَفسهَا، وإذنها صماتها ".
وَفِي رِوَايَة ابْن أبي عمر عَن سُفْيَان نَحوه، وَقَالَ: " وَالْبكْر يستأذنها أَبوهَا فِي نَفسهَا، وإذنها صماتها. " قَالَ: وَرُبمَا قَالَ: " وصمتها إِقْرَارهَا ".
1195 - الرَّابِع: عَن إِبْرَاهِيم بن ميسرَة عَن طَاوس أَن أَبَا الصَّهْبَاء قَالَ لِابْنِ عَبَّاس: هَات من هناتك، ألم يكن طَلَاق الثَّلَاث على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر وَاحِدَة؟ فَقَالَ: قد كَانَ ذَاك. فَلَمَّا كَانَ فِي عهد عمر تتايع النَّاس فِي الطَّلَاق، فَأَجَازَهُ عَلَيْهِم.
وَفِي حَدِيث عبد الله بن طَاوس عَن أَبِيه أَن ابْن عَبَّاس قَالَ:
كَانَ الطَّلَاق على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر وسنتين من خلَافَة عمر طَلَاق الثَّلَاث وَاحِدَة. فَقَالَ عمر بن الْخطاب: إِن النَّاس قد استعجلوا فِي أمرٍ كَانَت لَهُم فِيهِ أناةٌ، فَلَو أمضينا عَلَيْهِم، فأمضاه عَلَيْهِم.(2/119)
وَفِي حَدِيث ابْن جريج أَن أَبَا الصَّهْبَاء قَالَ لِابْنِ عَبَّاس:
أتعلم أَنما كَانَت الثَّلَاث تجْعَل وَاحِدَة على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر وَثَلَاثًا من إِمَارَة عمر؟ فَقَالَ ابْن عَبَّاس: نعم.
1196 - الْخَامِس: عَن سُلَيْمَان بن أبي مُسلم الْأَحول عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ النَّاس يَنْصَرِفُونَ فِي كل وَجه، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا ينفر أحدٌ حَتَّى يكون آخر عَهده بِالْبَيْتِ ".
1197 - السَّادِس: عَن عبد الله بن طَاوس عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " الْعين حقٌّ، وَلَو كَانَ شيءٌ سَابق الْقدر سبقته الْعين، وَإِذا استغسلتم فَاغْسِلُوا ".
1198 - السَّابِع: عَن أبي الزبير مُحَمَّد بن مُسلم بن تدرس عَن طَاوس وَسَعِيد ابْن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعلمنَا التَّشَهُّد كَمَا يعلمنَا السُّورَة من الْقُرْآن، فَكَانَ يَقُول: التَّحِيَّات المباركات، الصَّلَوَات الطَّيِّبَات لله، السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته، السَّلَام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين. أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله ".
وَفِي رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن حميد الرُّؤَاسِي عَن أبي الزبير عَن طَاوس وَحده عَنهُ مُخْتَصر: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعلمنَا التَّشَهُّد كَمَا يعلمنَا السُّورَة من الْقُرْآن.
1199 - الثَّامِن: عَن أبي الزبير عَن طَاوس وَعِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس عَن ابْن عَبَّاس: أَن ضباعة بنت الزبير بن عبد الْمطلب أَتَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: إِنِّي امرأةٌ ثَقيلَة، وَإِنِّي أُرِيد الْحَج، فَمَا تَأْمُرنِي؟ قَالَ: " أَهلِي بِالْحَجِّ، واشترطي أَن محلي حَيْثُ تحبسني " قَالَ: فأدركت.(2/120)
وَفِي رِوَايَة عَمْرو بن هرم عَن سعيد بن جُبَير وَعِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس:
أَن ضباعة أَرَادَت الْحَج، فَأمرهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تشْتَرط. فَفعلت ذَلِك عَن أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَفِي رِوَايَة عَطاء بن أبي رَبَاح أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ... بِمَعْنى حَدِيث طَاوس وَعِكْرِمَة فِي الِاشْتِرَاط.
1200 - التَّاسِع: عَن أبي الزبير عَن طَاوس قَالَ: قلت لِابْنِ عَبَّاس فِي الإقعاء على الْقَدَمَيْنِ. فَقَالَ: هُوَ سنة. قُلْنَا: فَإنَّا نرى ذَلِك من الْجفَاء إِذا فعله الرجل فَقَالَ: بل سنة نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
1201 - الْعَاشِر عَن أبي الزبير عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يعلمهُمْ هَذَا الدُّعَاء كَمَا يعلمهُمْ السُّورَة من الْقُرْآن: " قُولُوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذ بك من عَذَاب جَهَنَّم، وَأَعُوذ بك من عَذَاب الْقَبْر، وَأَعُوذ بك من فتْنَة الْمَسِيح الدَّجَّال، وَأَعُوذ بك من فتْنَة الْمحيا وَالْمَمَات ".
1202 - الْحَادِي عشر: عَن شريك بن عبد الله بن أبي نمرٍ الْقرشِي عَن كريب مولى ابْن عَبَّاس عَن عبد الله بن عَبَّاس. أَنه مَاتَ ابنٌ لَهُ بِقديد أَو بعسفان، فَقَالَ: يَا كريب، انْظُر مَا اجْتمع لَهُ من النَّاس. قَالَ: فَخرجت: فَإِذا ناسٌ قد اجْتَمعُوا لَهُ، فَأَخْبَرته. فَقَالَ: تَقول هم أَرْبَعُونَ. قَالَ: قلت: نعم: قَالَ: أَخْرجُوهُ، فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " مَا من رجلٍ مُسلم يَمُوت فَيقوم على جنَازَته أَرْبَعُونَ لَا يشركُونَ بِاللَّه شَيْئا إِلَّا شفعهم الله فِيهِ ".
1203 - الثَّانِي عشر: عَن إِبْرَاهِيم وَمُحَمّد ابْني عقبَة عَن كريب عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَقِي ركباً بِالرَّوْحَاءِ فَقَالَ: " من الْقَوْم؟ " قَالُوا: الْمُسلمُونَ. فَقَالُوا:(2/121)
من أَنْت؟ قَالَ: " رَسُول الله ". فَرفعت إِلَيْهِ امرأةٌ صَبيا فَقَالَت: أَلِهَذَا حجٌّ؟ قَالَ: " نعم، وَلَك أجرٌ ".
وَفِي حَدِيث ابْن مهْدي عَن سُفْيَان عَن كريب:
أَن امْرَأَة رفعت ... مُرْسل.
1204 - الثَّالِث عشر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى خَاتمًا من ذهب فِي يَد رجلٍ، فَنَزَعَهُ فطرحه وَقَالَ: " يعمد أحدكُم إِلَى جمرةٍ من نارٍ فيجعلها فِي يَده " فَقيل للرجل بَعْدَمَا ذهب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خُذ خاتمك انْتفع بِهِ. قَالَ: وَالله لَا آخذه أبدا وَقد طَرحه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
1205 - الرَّابِع عشر: عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن مولى آل طَلْحَة عَن كريب قَالَ: كَانَت جوَيْرِية اسْمهَا برة، فحول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْمهَا جوَيْرِية، وَكَانَ يكره أَن يُقَال: خرج من عِنْد برة.
1206 - الْخَامِس عشر: عَن مُحَمَّد بن أبي حَرْمَلَة الْمدنِي عَن كريب: أَن أم الْفضل بعثته إِلَى مُعَاوِيَة بِالشَّام: فَقَالَ: فَقدمت الشَّام، فَقضيت حَاجَتهَا، واستهل عَليّ شهر رَمَضَان وَأَنا بِالشَّام، فَرَأَيْت الْهلَال يَوْم الْجُمُعَة، ثمَّ قدمت الْمَدِينَة فِي آخر الشَّهْر، فَسَأَلَنِي عبد الله بن عَبَّاس. ثمَّ ذكر الْهلَال فَقَالَ: مَتى رَأَيْتُمْ الْهلَال؟ فَقَالَت: رَأَيْنَاهُ لَيْلَة الْجُمُعَة. فَقَالَ: أَنْت رَأَيْته؟ فَقلت: نعم، وَرَآهُ النَّاس، وصاموا وَصَامَ مُعَاوِيَة. فَقَالَ: لَكنا رَأَيْنَاهُ لَيْلَة السبت، فَلَا نزال نَصُوم حَتَّى نكمل ثَلَاثِينَ أَو نرَاهُ. فَقلت: أَولا نكتفي بِرُؤْيَة مُعَاوِيَة وصيامه؟ فَقَالَ: لَا، هَكَذَا أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. شكّ يحيى فِي نكتفي أَو تكتفي.(2/122)
1207 - السَّادِس عشر: عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: فرض الله الصَّلَاة على نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْحَضَر أَرْبعا، وَفِي السّفر رَكْعَتَيْنِ، وَفِي الْخَوْف رَكْعَة.
1208 - السَّابِع عشر: عَن عبد الْملك بن أبي سُلَيْمَان عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: رَآهُ بِقَلْبِه، يعْنى قَوْله {وَلَقَد رَآهُ نزلة أُخْرَى} [سُورَة النَّجْم] .
وَعَن أبي الجهمه زِيَاد بن الْحصين عَن أبي الْعَالِيَة الْبَراء عَن ابْن عَبَّاس: {مَا كذب الْفُؤَاد مَا رأى} [سُورَة النَّجْم] {وَلَقَد رَآهُ نزلة أُخْرَى} [سُورَة النَّجْم] رَآهُ بفؤاده مرَّتَيْنِ.
1209 - الثَّامِن عشر: عَن قيس بن سعد عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع قَالَ: " اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد ملْء السَّمَوَات وملء الأَرْض وَمَا بَينهمَا وملء مَا شِئْت من شَيْء بعد. أهل الثَّنَاء وَالْمجد. لَا مَانع لما أَعْطَيْت وَلَا معطي لما منعت، وَلَا ينفع ذَا الْجد مِنْك الْجد ".
1210 - التَّاسِع عشر: عَن عَمْرو بن دِينَار عَن ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى بِيَمِين وشاهدٍ.
1211 - الْعشْرُونَ: عَن مَنْصُور عَن الحكم عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أهْدى الصعب بن جثامة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجل حمارٍ وحشٍ. وَفِي حَدِيث شُعْبَة عَن الحكم: عجز حمَار وحشٍ يقطر دَمًا. وَفِي رِوَايَة شُعْبَة عَن حبيب بن أبي ثَابت عَن سعيد بن جُبَير: شقّ حمارٍ وحشٍ فَرده.
وَفِي رِوَايَة الْأَعْمَش عَن حبيب بن أبي ثَابت عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أهْدى الصعب بن جثامة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حمَار وحشٍ وَهُوَ محرم. قَالَ: فَرده عَلَيْهِ وَقَالَ: لَوْلَا أَنا محرمون لقبلناه مِنْك.(2/123)
وَقد جعله بَعضهم فِي مُسْند الصعب بن جثامة. وَرَوَاهُ الزُّهْرِيّ عَن عبيد الله بن عبد الله عَن ابْن عَبَّاس عَنهُ.
1212 - الْحَادِي وَالْعشْرُونَ: عَن مُسلم البطين عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ فِي صَلَاة الْفجْر يَوْم الْجُمُعَة {الم تَنْزِيل الْكتاب} [سُورَة السَّجْدَة] و {هَل أَتَى على الْإِنْسَان حِين من الدَّهْر} [سُورَة الْإِنْسَان] . وَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ فِي صَلَاة الْجُمُعَة سُورَة الْجُمُعَة وَالْمُنَافِقِينَ.
1213 - الثَّانِي وَالْعشْرُونَ: عَن مُسلم البطين عَن سعيد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " من سمع سمع الله بِهِ، وَمن راءى راءى الله بِهِ ".
1214 - الثَّالِث وَالْعشْرُونَ: عَن مُسلم البطين عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَت الْمَرْأَة تَطوف بِالْبَيْتِ وَهِي عُرْيَانَة، فَتَقول: من يعيرني - تطوافاً، تَجْعَلهُ على فرجهَا، وَهِي تَقول:
(الْيَوْم يَبْدُو بعضه أَو كُله ... وَمَا بدا مِنْهُ فَلَا أحله)
فَنزلت هَذِه الْآيَة: {خُذُوا زينتكم عِنْد كل مَسْجِد} . [سُورَة الْأَعْرَاف] .
1215 - الرَّابِع وَالْعشْرُونَ: عَن عدي بن ثَابت الْأنْصَارِيّ عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَا تَتَّخِذُوا شَيْئا من الرّوح غَرضا ".
1216 - الْخَامِس وَالْعشْرُونَ: عَن عبد الله بن عِيسَى الْأنْصَارِيّ عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بَينا جِبْرِيل قَاعِدا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سمع نقيضاً. من(2/124)
فَوْقه، فَرفع رَأسه " فَقَالَ: هَذَا بابٌ من السَّمَاء يفتح الْيَوْم لم يفتح قطّ إِلَّا الْيَوْم " فَنزل مِنْهُ ملكٌ فَقَالَ: " هَذَا ملكٌ نزل إِلَى الأَرْض، لم ينزل قطّ إِلَّا الْيَوْم "، فَسلم وَقَالَ: أبشر بنورين أُوتِيتهُمَا لم يؤتهما نبيٌّ قبلك: فَاتِحَة الْكتاب، وخواتيم سُورَة الْبَقَرَة، لن تقْرَأ بحرفٍ مِنْهَا إِلَّا أَعْطيته ".
وَلَيْسَ لعبد الله بن عِيسَى عَن سعيد عَن ابْن عَبَّاس فِي الصَّحِيح غير هَذَا الحَدِيث.
1217 - السَّادِس وَالْعشْرُونَ: عَن آدم بن سُلَيْمَان عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة: {وَإِن تبدوا مَا فِي أَنفسكُم أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبكُمْ بِهِ الله} [سُورَة الْبَقَرَة] دخل قُلُوبهم مِنْهَا شيءٌ لم يدْخل قُلُوبهم من شيءٍ.
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " قُولُوا: سمعنَا وأطعنا وَسلمنَا ". قَالَ: فَألْقى الله الْإِيمَان فِي قُلُوبهم، فَأنْزل الله عز وَجل: {لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا لَهَا مَا كسبت وَعَلَيْهَا مَا اكْتسبت رَبنَا لَا تُؤَاخِذنَا إِن نَسِينَا أَو أَخْطَأنَا} قَالَ: قد فعلت. {واغفر لنا وارحمنا أَنْت مَوْلَانَا} [سُورَة الْبَقَرَة] ، قَالَ: قد فعلت.
وَلَيْسَ لآدَم بن سُلَيْمَان عَن سعيد بن جُبَير فِي مُسْند ابْن عَبَّاس من الصَّحِيح غير هَذَا الحَدِيث.
1218 - السَّابِع وَالْعشْرُونَ: عَن عَمْرو بن سعيد الْأنْصَارِيّ عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ رجلٌ من أَزْد شنُوءَة يُقَال لَهُ ضمادٌ، وَكَانَ يرقى ويداوي من الرّيح، فَقدم مَكَّة، فَسمع السُّفَهَاء يَقُولُونَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْمَجْنُون(2/125)
الْمَجْنُون، ثمَّ قَالُوا لَهُ: لَو أتيت هَذَا الرجل فداويته، لَعَلَّ الله أَن يشفيه وينفعه على يَديك. فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّد، إِنِّي رجلٌ أداوي من الرّيح، فَإِن أَحْبَبْت داويتك. قَالَ: فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن الْحَمد لله، أَحْمَده وَأَسْتَعِينهُ، من يهده الله فَلَا مضل لَهُ، وَمن يضلل فَلَا هادي لَهُ، وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ، وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، أما بعد " فَقَالَ: أعد عَليّ، فَمَا سَمِعت بِمثل هَذَا الْكَلَام، لقد بلغ قَامُوس الْبَحْر، فهات فلأبايعنك على الْإِسْلَام. قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " وعَلى قَوْمك " قَالَ: وعَلى قومِي.
فَبعث رَسُول الله جَيْشًا بعد مقدمه الْمَدِينَة، فَمروا بِتِلْكَ الْبِلَاد، فَقَالَ أَمِيرهمْ: هَل أصبْتُم شَيْئا؟ قَالَ رجلٌ مِنْهُم: إداوة. قَالَ: ردوهَا، هَؤُلَاءِ قوم ضماد.
وَلَيْسَ لعَمْرو بن سعيد الْأنْصَارِيّ عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس فِي الصَّحِيح غير هَذَا الحَدِيث.
1219 - الثَّامِن وَالْعشْرُونَ: عَن أبي البخْترِي سعد وَقيل سعيد بن فَيْرُوز قَالَ: خرجنَا للْعُمْرَة، فَلَمَّا نزلنَا بِبَطن نَخْلَة تراءينا الْهلَال، فَقَالَ بعض الْقَوْم: هُوَ ابْن ثَلَاث، وَقَالَ بعض الْقَوْم: هُوَ ابْن لَيْلَتَيْنِ. قَالَ: فلقينا ابْن عَبَّاس فَقُلْنَا: إِنَّا رَأينَا الْهلَال، فَقَالَ بعض الْقَوْم: هُوَ ابْن ثَلَاث، وَقَالَ بعض الْقَوْم: هُوَ ابْن لَيْلَتَيْنِ.
فَقَالَ: أَي لَيْلَة رَأَيْتُمُوهُ؟ قَالَ: قُلْنَا لَيْلَة كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِن الله مده للرؤية، فَهُوَ لليلة رَأَيْتُمُوهُ ".
وَفِي حَدِيث شُعْبَة مُخْتَصر: أَهْلَلْنَا من رَمَضَان وَنحن بِذَات عرقٍ، فَأَرْسَلنَا رجلا إِلَى ابْن عَبَّاس يسْأَله، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن الله قد مده لرُؤْيَته، فَإِن أُغمي عَلَيْكُم فأكملوا الْعدة ".(2/126)
1220 - التَّاسِع وَالْعشْرُونَ: عَن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أَخْبرنِي رجلٌ من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْأَنْصَار: أَنهم بَيْنَمَا هم جلوسٌ لَيْلَة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، رمي بِنَجْم فَاسْتَنَارَ، فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " مَا كُنْتُم تَقولُونَ فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا رمي بِمثل هَذَا " قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم، كُنَّا نقُول: ولد اللَّيْلَة رجلٌ عَظِيم، وَمَات رجلٌ عَظِيم. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " فَإِنَّهَا لَا يرْمى بهَا لمَوْت أحدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِن رَبنَا تبَارك اسْمه إِذا قضى أمرا سبح حَملَة الْعَرْش، ثمَّ سبح أهل السَّمَاء الَّذِي يَلُونَهُمْ، حَتَّى يبلغ التَّسْبِيح أهل هَذِه السَّمَاء الدُّنْيَا، ثمَّ قَالَ الَّذين يلون حَملَة الْعَرْش لحملة الْعَرْش: مَاذَا قَالَ ربكُم؟ فَيُخْبِرُونَهُمْ مَا قَالَ، فيستخبر بعض أهل السَّمَوَات بَعْضًا، حَتَّى يبلغ الْخَبَر هَذِه السَّمَاء الدُّنْيَا، فتخطف الْجِنّ السّمع، فيقذفون إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ ويرمون، فَمَا جَاءُوا بِهِ على وَجهه فَهُوَ حقٌّ، وَلَكنهُمْ يقرفون فِيهِ وَيزِيدُونَ ".
وَفِي رِوَايَة يُونُس بن يزِيد: ... رجال من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَزَاد: " وَقَالَ الله: {حَتَّى إِذا فزع عَن قُلُوبهم قَالُوا مَاذَا قَالَ ربكُم قَالُوا الْحق} [سُورَة سبأ] .
وَلَيْسَ لعَلي بن الْحُسَيْن عَن ابْن عَبَّاس فِي الصَّحِيح إِلَّا هَذَا الحَدِيث.
1221 - الثَّلَاثُونَ: عَن سعيد بن يسَار عَن ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ فِي رَكْعَتي الْفجْر، فِي الأولى مِنْهُمَا: {قُولُوا آمنا بِاللَّه وَمَا أنزل إِلَيْنَا} الْآيَة الَّتِي فِي " الْبَقَرَة " وَفِي الْآخِرَة: {آمنا بِاللَّه واشهد بِأَنا مُسلمُونَ} [سُورَة آل عمرَان] .
وَفِي حَدِيث أبي خَالِد الْأَحْمَر:
كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي رَكْعَتي الْفجْر (قُولُوا(2/127)
آمنا بِاللَّه وَمَا أنزل إِلَيْنَا} وَالَّتِي فِي " آل عمرَان " {تَعَالَوْا إِلَى كلمةٍ سواءٍ بَيْننَا وَبَيْنكُم} .
1222 - الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: عَن يزِيد بن هُرْمُز أَن نجدة هُوَ ابْن عَامر الحروري. كتب إِلَى ابْن عَبَّاس يسْأَله عَن خمس خصالٍ. فَقَالَ ابْن عَبَّاس: لَوْلَا أَن أكتم علما مَا كتبت إِلَيْهِ.
كتب إِلَيْهِ نجدة: أما بعد، فَأَخْبرنِي:
هَل كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَغْزُو بِالنسَاء؟ وَهل كَانَ يضْرب لَهُنَّ بسهمٍ؟ وَهل كَانَ يقتل الصّبيان؟ وَمَتى يَنْقَضِي يتم الْيَتِيم؟ وَعَن الْخمس لمن هُوَ؟
فَكتب إِلَيْهِ ابْن عَبَّاس:
كتبت تَسْأَلنِي: هَل كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَغْزُو بِالنسَاء؟ وَقد كَانَ يَغْزُو بِهن، فيداوين الْجَرْحى، ويحذين من الْغَنِيمَة، وَأما سهمٌ فَلم يضْرب لَهُنَّ. وَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يكن يقتل الصّبيان، فَلَا تقتل الصّبيان.
وكتبت تَسْأَلنِي: مَتى يَنْقَضِي يتم الْيَتِيم؟ فلعمري إِن الرجل لتنبت لحيته، وَإنَّهُ لضعيف الْأَخْذ لنَفسِهِ، ضَعِيف الْعَطاء مِنْهَا، فَإِذا أَخذ لنَفسِهِ من صَالح مَا يَأْخُذ النَّاس فقد ذهب عَنهُ الْيُتْم.
وكتبت تَسْأَلنِي عَن الْخمس: لمن هُوَ؟ وَإِنَّا نقُول: هُوَ لنا، فَأبى علينا قَومنَا ذَاك.
وَفِي حَدِيث حَاتِم بن إِسْمَاعِيل:
فَلَا تقتل الصّبيان إِلَّا أَن تكون تعلم مَا علم الْخضر من الصَّبِي الَّذِي قتل.
زَاد إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن حَاتِم: وتميز الْمُؤمن فَتقْتل الْكَافِر وَتَدَع الْمُؤمن.
وَفِي حَدِيث سعيد المقبرى عَن يزِيد بن هُرْمُز قَالَ: كتب نجدة بن عَامر الحروري إِلَى ابْن عَبَّاس يسْأَله عَن العَبْد وَالْمَرْأَة يحْضرَانِ الْمغنم، هَل يقسم لَهما؟ وَذكر مَا فِي الْمسَائِل نَحوه. فَقَالَ ابْن عَبَّاس ليزِيد: اكْتُبْ إِلَيْهِ، فلولا أَن يَقع فِي أحموقة مَا كتبت إِلَيْهِ: وكتبت إِلَيّ تَسْأَلنِي عَن الْمَرْأَة وَالْعَبْد يحْضرَانِ الْمغنم، هَل يقسم لَهما(2/128)
شيءٌ؟ وَإنَّهُ لَيْسَ لَهما شيءٌ إِلَّا أَن يحْذيَا. . وَقَالَ فِي الْيَتِيم: إِنَّه لَا يَنْقَطِع عَنهُ اسْم الْيُتْم حَتَّى يبلغ، وَيُؤْنس مِنْهُ رشدٌ. وَالْبَاقِي نَحوه.
1223 - الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: عَن أبي بكر بن حَفْص عَن عبد الله بن حنين عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: " نهيت أَن أَقرَأ وَأَنا رَاكِع " لم يزدْ. كَذَا فِي هَذِه الرِّوَايَة.
وَفِي حَدِيث عبد الله بن معبد بن عَبَّاس عَن عَمه عبد الله بن عَبَّاس قَالَ: كشف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الستارة وَالنَّاس صفوفٌ خلف أبي بكر، فَقَالَ: " أَيهَا النَّاس، إِنَّه لم يبْق من مُبَشِّرَات النُّبُوَّة إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الْمُسلم أَو ترى لَهُ، أَلا وَإِنِّي نهيت أَن أَقرَأ الْقُرْآن رَاكِعا أَو سَاجِدا، فَأَما الرُّكُوع فَعَظمُوا فِيهِ الرب، وَأما السُّجُود فاجتهدوا فِي الدُّعَاء، فقمنٌ أَن يُسْتَجَاب لكم ".
وَفِي حَدِيث إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر: كشف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَاب السّتْر وَرَأسه معصوب فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ: " اللَّهُمَّ هَل بلغت؟ " ثَلَاث مَرَّات. " إِنَّه لم يبْق من مُبَشِّرَات النُّبُوَّة إِلَّا الرُّؤْيَا يَرَاهَا العَبْد الصَّالح أَو ترى لَهُ " ثمَّ ذكر مثله.
وَقد رُوِيَ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ، وَهُوَ مَذْكُور فِي مُسْنده.
1224 - الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ: عَن عبد الله بن عُمَيْر عَن عبد الله بن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَئِن بقيت إِلَى قابلٍ لأصومن التَّاسِع " يَعْنِي يَوْم عَاشُورَاء.
وَفِي رِوَايَة أبي غطفان بن طريف المري عَن ابْن عَبَّاس قَالَ حِين صَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم عَاشُورَاء وَأمر بصيامه. قَالُوا: يَا رَسُول الله، إِنَّه يومٌ يعظمه الْيَهُود وَالنَّصَارَى. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " فَإِذا كَانَ الْعَام الْمقبل إِن شَاءَ الله صمت الْيَوْم التَّاسِع ". قَالَ: فَلم يَأْتِ الْعَام الْمقبل حَتَّى توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.(2/129)
وَفِي حَدِيث الحكم بن الْأَعْرَج قَالَ:
انْتَهَيْت إِلَى ابْن عَبَّاس وَهُوَ مُتَوَسِّد رِدَاءَهُ فِي زَمْزَم، فَقلت لَهُ: أَخْبرنِي عَن صَوْم عَاشُورَاء. فَقَالَ: إِذا رَأَيْت هِلَال الْمحرم فاعدد وَأصْبح يَوْم التَّاسِع صَائِما. قلت: هَكَذَا كَانَ محمدٌ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَصُومهُ؟ قَالَ: نعم.
1225 - الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ: عَن ناعم بن أجيل مولى أم سَلمَة أَنه سمع ابْن عَبَّاس يَقُول: رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حمارا مَوْسُوم الْوَجْه، فَأنْكر ذَلِك، قَالَ: " فوَاللَّه لَا أُسَمِّهِ إِلَّا فِي أقْصَى شَيْء من الْوَجْه " وَأمر بحماره فكوي فِي جَاعِرَتَيْهِ.
فَهُوَ أول من كوى الْجَاعِرَتَيْنِ.
1226 - الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ: عَن أبي الْوَلِيد سماك بن الْوَلِيد الْحَنَفِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مطر النَّاس على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " أصبح من النَّاس شاكرٌ، وَمِنْهُم كافرٌ. " قَالُوا: هَذِه رَحْمَة الله. وَقَالَ بَعضهم: لقد صدق نوء كَذَا وَكَذَا. قَالَ: فَنزلت هَذِه الْآيَة: {فَلَا أقسم بمواقع النُّجُوم} حَتَّى بلغ: {وتجعلون رزقكم أَنكُمْ تكذبون} [سُورَة الْوَاقِعَة] .
1227 - السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ: عَن أبي زميل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ الْمُسلمُونَ لَا ينظرُونَ إِلَى أبي سُفْيَان وَلَا يُقَاعِدُونَهُ، فَقَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا نَبِي الله، ثَلَاث أعطنيهن. قَالَ: " نعم " قَالَ: عِنْدِي أحسن الْعَرَب وأجمله: أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان، أزَوّجكَهَا. قَالَ: " نعم ". قَالَ: وَمُعَاوِيَة تَجْعَلهُ كَاتبا بَين يَديك. قَالَ: " نعم ". قَالَ: وَتُؤَمِّرنِي حَتَّى أقَاتل الْكفَّار كَمَا كنت أقَاتل الْمُسلمين. قَالَ: " نعم ".(2/130)
قَالَ أَبُو زميل: لَوْلَا أَنه طلب ذَلِك من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أعطَاهُ ذَلِك، لِأَنَّهُ لم يكن يسْأَل شَيْئا إِلَّا قَالَ: " نعم ".
قَالَ لنا بعض الْحفاظ: هَذَا الحَدِيث وهم فِيهِ بعض الروَاة، لِأَنَّهُ لَا خلاف بَين اثْنَيْنِ من أهل الْمعرفَة بالأخبار أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزوج أم حَبِيبَة قبل الْفَتْح بدهرٍ وَهِي بِأَرْض الْحَبَشَة، وأبوها كافرٌ يومئذٍ، وَفِي هَذَا نظر.
1228 - السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ: عَن أبي زميل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ الْمُشْركُونَ يَقُولُونَ: لبيْك لَا شريك لَك، فَيَقُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " وَيْلكُمْ قد قد " إِلَّا شَرِيكا هُوَ لَك، تملكه وَمَا ملك. يَقُولُونَ هَذَا وهم يطوفون بِالْبَيْتِ.
1229 - الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ: عَن سعيد بن الْحُوَيْرِث عَن ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج من الْخَلَاء فَأتي بِطَعَام، فَذكر لَهُ الْوضُوء، فَقَالَ: " أُرِيد أَن أُصَلِّي فأتوضأ؟ ".
وَفِي حَدِيث سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لم؟ أأصلي فأتوضأ؟ ".
وَفِي حَدِيث مُحَمَّد بن مُسلم الطَّائِفِي عَن عَمْرو بن دِينَار بِمَعْنَاهُ.
وَفِي حَدِيث ابْن جريج عَن سعيد بن الْحُوَيْرِث:
أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى حَاجته من الْخَلَاء، فَقرب إِلَيْهِ طَعَام فَأكل وَلم يمس مَاء. قَالَ: وَزَادَنِي عَمْرو عَن سعيد بن الْحُوَيْرِث، أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيل لَهُ: إِنَّك لم تتوضأ. قَالَ: " مَا أردْت صَلَاة فأتوضأ ".
1230 - التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ: عَن عبد الرَّحْمَن بن وَعلة الْمصْرِيّ عَن عبد الله بن عَبَّاس قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " إِذا دبغ الإهاب فقد طهر ".
وَفِي حَدِيث أبي الْخَيْر مرْثَد بن عبد الله الْيَزنِي أَنه قَالَ:
رَأَيْت على ابْن وَعلة(2/131)
السبئي فرواً، فمسسته، فَقَالَ: مَا لَك تسمه؟ قَالَ سَأَلت عبد الله بن عَبَّاس، قلت لَهُ: إِنَّا نَكُون بالمغرب ومعنا البربر وَالْمَجُوس، نؤتى بالكبش قد ذبحوه وَنحن لَا نَأْكُل ذَبَائِحهم، ويأتون بالسقاء يجْعَلُونَ فِيهِ الودك. فَقَالَ ابْن عَبَّاس: قد سَأَلنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك، فَقَالَ: " دباغه طهوره ".
1231 - الْأَرْبَعُونَ: عَن عبد الرَّحْمَن بن وَعلة الْمصْرِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن رجلا أهْدى لرَسُول الله راوية خمر، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " هَل علمت أَن الله قد حرمهَا "؟ قَالَ: لَا. فَسَار إنْسَانا، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " بِمَ ساررته "؟ فَقَالَ: أَمرته بِبَيْعِهَا، فَقَالَ: " إِن الَّذِي حرم شربهَا حرم بيعهَا " فَفتح المزادة حَتَّى ذهب مَا فِيهَا. 1232 - الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ: عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " أَهْون أهل النَّار عذَابا أَبُو طَالب، وَهُوَ منتعلٌ بنعلين يغلي مِنْهُمَا دماغه ".
وَلَيْسَ لأبي عُثْمَان النَّهْدِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي الصَّحِيح غير هَذَا.
1233 - الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ: عَن مُوسَى بن سَلمَة بن المحبق الْهُذلِيّ قَالَ: انْطَلَقت أَنا وَسنَان بن سَلمَة معتمرين، قَالَ: وَانْطَلق سِنَان مَعَه ببدنة يَسُوقهَا، فأزحفت عَلَيْهِ فِي الطَّرِيق، فعي بشأنها إِن هِيَ أبدعت كَيفَ يَأْتِي بهَا. فَقَالَ: لَئِن قدمت الْبَلَد لأستحفين عَن ذَاك. قَالَ: فَأَصْبَحت، فَلَمَّا نزلنَا الْبَطْحَاء(2/132)
قَالَ: انْطلق إِلَى ابْن عَبَّاس نتحدث إِلَيْهِ. قَالَ: فَذكر لَهُ شَأْن بدنته. فَقَالَ: على الْخَبِير سَقَطت: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِتّ عشرَة بَدَنَة مَعَ رجل وَأمره فِيهَا، قَالَ: فَمضى ثمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، كَيفَ أصنع بِمَا أبدع عَليّ مِنْهَا؟ قَالَ: " انحرها، ثمَّ اصبغ نعليها فِي دَمهَا، ثمَّ اجْعَلْهُ على صفحتها، وَلَا تَأْكُل مِنْهَا أَنْت وَلَا أحدٌ من أهل رفقتك ".
1234 - الثَّالِث وَالْأَرْبَعُونَ: عَن مُوسَى بن سَلمَة قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس كَيفَ أُصَلِّي إِذا كنت بِمَكَّة إِذا لم أصل مَعَ الإِمَام؟ قَالَ: رَكْعَتَيْنِ، سنة أبي الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
1235 - الرَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ: عَن أبي حسان الْأَعْرَج عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: صلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الظّهْر بِذِي الحليفة، ثمَّ دَعَا بناقته فأشعرها فِي صفحة سنامها الْأَيْمن، وسلت الدَّم عَنْهَا وقلدها نَعْلَيْنِ، ثمَّ ركب رَاحِلَته، فَلَمَّا اسْتَوَت بِهِ على الْبَيْدَاء أهل بِالْحَجِّ.
1236 - الْخَامِس وَالْأَرْبَعُونَ: عَن بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ قَالَ: كنت جَالِسا مَعَ ابْن عَبَّاس عِنْد الْكَعْبَة، فَأَتَاهُ أَعْرَابِي فَقَالَ: مَا لي أرى بني عمكم يسقون الْعَسَل وَاللَّبن وَأَنْتُم تسقون النَّبِيذ، أَمن حَاجَة بكم، أم من بخلٍ؟ قَالَ ابْن عَبَّاس: الْحَمد لله، مَا بِنَا حاجةٌ وَلَا بخلٌ، قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على رَاحِلَته، وَخَلفه أُسَامَة، فَاسْتَسْقَى، فأتيناه بإناءٍ من نبيدٍ فَشرب وَسَقَى فَضله أُسَامَة، وَقَالَ: " أَحْسَنْتُم وَأَجْمَلْتُمْ، كَذَا فَاصْنَعُوا " فَلَا نُرِيد نغير مَا أَمر بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.(2/133)
1237 - السَّادِس وَالْأَرْبَعُونَ: عَن مَيْمُون بن مهْرَان عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن كل ذِي نابٍ من السبَاع، وَعَن كل ذِي مخلبٍ من الطير.
وَلَيْسَ لميمون بن مهْرَان عَن ابْن عَبَّاس فِي الصَّحِيح غَيره.
1238 - السَّابِع وَالْأَرْبَعُونَ: عَن مُسلم القري - وقر بطن من عبد الْقَيْس - عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أهل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعُمْرَة، وَأهل أَصْحَابه بِحَجّ، فَم يحل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا من سَاق الْهَدْي من أَصْحَابه، وَحل بَقِيَّتهمْ. وَكَانَ طَلْحَة بن عبيد الله فِيمَن سَاق الْهَدْي، فَلم يحل. وَفِي رِوَايَة مُحَمَّد بن جَعْفَر غنْدر عَن شُعْبَة: فَكَانَ مِمَّن لم يكن مَعَه الْهَدْي طَلْحَة بن عبيد الله، ورجلٌ آخر، فأحلا.
1239 - الثَّامِن وَالْأَرْبَعُونَ: عَن يحيى بن عبيد البهراني النَّخعِيّ قَالَ: سَأَلَ قومٌ ابْن عَبَّاس عَن بيع الْخمر وشرائها وَالتِّجَارَة فِيهَا فَقَالَ: أمسلمون أَنْتُم؟ قَالُوا: نعم.
قَالَ: فَإِنَّهُ لَا يصلح بيعهَا وَلَا شراؤها وَلَا التِّجَارَة فِيهَا.
قَالَ: فَسَأَلُوهُ عَن النَّبِيذ فَقَالَ: خرج رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفرٍ، ثمَّ رَجَعَ وَقد نبذ ناسٌ من أَصْحَابه فِي حناتم ونقير ودباء، فَأمر بِهِ فأهريق، ثمَّ أَمر بسقاء فَجعل فِيهِ زبيبٌ وماءٌ، فَجعل من اللَّيْل، فَأصْبح فَشرب من يَوْمه ذَلِك وَلَيْلَته الْمُسْتَقْبلَة وَمن الْغَد حَتَّى أَمْسَى، فَشرب وَسَقَى، فَلَمَّا أصبح أمرنَا بِمَا بَقِي مِنْهُ فأهريق.
وَفِي حَدِيث معَاذ الْعَنْبَري عَن شُعْبَة:
كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينتبذ لَهُ أول اللَّيْل فيشربه إِذا أصبح يَوْمه ذَلِك، وَاللَّيْلَة الَّتِي تَجِيء، والغد، وَاللَّيْلَة الْأُخْرَى، والغد إِلَى الْعَصْر، فَإِن بَقِي شيءٌ سقَاهُ الْخَادِم أَو أَمر بِهِ فصب.
وَفِي حَدِيث غنْدر عَنهُ:
كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينتبذ لَهُ فِي سقاءٍ، قَالَ شُعْبَة: من(2/134)
لَيْلَة الْإِثْنَيْنِ، فيشربه يَوْم الْإِثْنَيْنِ، وَالثُّلَاثَاء إِلَى الْعَصْر، فَإِن فضل مِنْهُ شيءٌ سقَاهُ الْخَادِم أَو صبه.
وَفِي حَدِيث الْأَعْمَش عَن يحيى بن عبيد:
كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينقع لَهُ الزَّبِيب، فيشربه الْيَوْم والغد وَبعد الْغَد إِلَى مسَاء الثَّالِثَة، ثمَّ يَأْمر بِهِ فيسقى أَو يهراق.
1240 - التَّاسِع وَالْأَرْبَعُونَ: عَن أبي حَمْزَة عمرَان بن أبي عَطاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كنت أَلعَب مَعَ الصّبيان، فجَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتواريت خلف بَاب، قَالَ: فجَاء فحطأني حطأةً، وَقَالَ: " اذْهَبْ وادع لي مُعَاوِيَة ". قَالَ: فَجئْت: هُوَ يَأْكُل. قَالَ: ثمَّ قَالَ لي: " اذْهَبْ فَادع لي مُعَاوِيَة " قَالَ: فَجئْت فَقلت: هُوَ يَأْكُل. فَقَالَ: " لَا أشْبع الله بَطْنه " قَالَ مُحَمَّد بن الْمثنى: قلت لأمية بن خَالِد: مَا حطأني. قَالَ: قفدني قفدة.
جعل مُسلم بن الْحجَّاج رَحْمَة الله عَلَيْهِ هَذَا الحَدِيث فِي مُعَاوِيَة رَحْمَة الله عَلَيْهِ من فضائله، لِأَنَّهُ أخرج مُتَّصِلا بِهِ الْأَحَادِيث فِي دُعَائِهِ عَلَيْهِ السَّلَام عَن سبه، من رِوَايَة أبي هُرَيْرَة وَجَابِر وَأنس، وَهَذَا لفظ حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَسَائِر الْأَحَادِيث مُتَقَارِبَة الْمَعْنى:
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " اللَّهُمَّ إِنَّمَا محمدٌ بشرٌ يغْضب كَمَا يغْضب الْبشر، وَإِنِّي قد اتَّخذت عهدا لن تخلفنيه، فأيما مُؤمن آذيته أَو سببته أَو جلدته، فاجعلها لَهُ كَفَّارَة وقربةً تقربه بهَا إِلَيْك يَوْم الْقِيَامَة ".
آخر مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ من الْمُتُون المأثورة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ.(2/135)
(76) الْمُتَّفق عَلَيْهِ من مُسْند عبد الله بن عمر بن الْخطاب [رَضِي الله عَنْهُمَا]
1241 - الحَدِيث الأول: عَن سَالم وَحَمْزَة ابْني عبد الله بن عمر، من رِوَايَة يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَنْهُمَا عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا عدوى وَلَا طيرة، وَإِنَّمَا الشؤم فِي ثَلَاث: فِي الْفرس وَالْمَرْأَة وَالدَّار ".
وَغير يُونُس بن يزِيد لَا يذكر عَن الزُّهْرِيّ فِيهِ:
الْعَدْوى والطيرة، مِنْهُم مَالك ابْن أنس، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَإِبْرَاهِيم بن سعد، وَعقيل بن خَالِد، وَعبد الرَّحْمَن ابْن إِسْحَاق، وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة.
وَأَخْرَجَا من حَدِيث مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر عَن جده قَالَ:
ذكر الشؤم عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: " إِن كَانَ الشؤم فَفِي الدَّار وَالْمَرْأَة وَالْفرس ".
وَأخرجه مُسلم من حَدِيث عتبَة بن مُسلم عَن حَمْزَة وَحده عَن أَبِيه: " فِي الْمَرْأَة وَالْفرس والمسكن ".
وَأخرج البُخَارِيّ من حَدِيث عَمْرو بن دِينَار الْمَكِّيّ قَالَ: كَانَ هَا هُنَا رجل اسْمه نواس، وَكَانَ عِنْده إبلٌ هيمٌ، فَذهب ابْن عمر فَاشْترى تِلْكَ الْإِبِل من شريكٍ لَهُ، فجَاء إِلَيْهِ شَرِيكه فَقَالَ: بعنا تِلْكَ الْإِبِل. قَالَ: مِمَّن؟ قَالَ: من شيخٍ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: وَيحك، ذَاك وَالله ابْن عمر، فَجَاءَهُ فَقَالَ: إِن شَرِيكي باعك إبِلا(2/136)
هيماً وَلم يعرفك، قَالَ: فاستقها. فَلَمَّا ذهب ليستاقها قَالَ: دعها؛ رَضِينَا بِقَضَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا عدوى ".
1242 - الثَّانِي: عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن ابْن عمر، وَهُوَ عِنْد مُسلم عَن سَالم وَعبد الله عَن أَبِيهِمَا عبد الله بن عمر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " من جَاءَ مِنْكُم الْجُمُعَة فليغتسل ".
وَأخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر:
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِذا جَاءَ أحدكُم الْجُمُعَة فليغتسل ".
وَأخرجه مُسلم من حَدِيث اللَّيْث عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " إِذا أَرَادَ أحدكُم أَن يَأْتِي الْجُمُعَة فليغتسل ".
1243 - الثَّالِث: عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم وَأبي بكر بن سُلَيْمَان بن أبي حثْمَة عَن ابْن عمر: قَالَ: صلى لنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعشَاء فِي آخر حَيَاته، فَلَمَّا سلم قَامَ فَقَالَ: " أَرَأَيْتكُم هَذِه، فَإِن رَأس مائَة سنة مِنْهَا لَا يبْقى مِمَّن هُوَ على ظهر الأَرْض أحد ".
1244 - الرَّابِع: عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم، وَعند مُسلم عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم وَعَن حميد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَعَن عَمْرو عَن طَاوس بِمَعْنَاهُ، جَمِيعًا عَن ابْن عمر، قَالَ: قَامَ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله، كَيفَ صَلَاة اللَّيْل؟ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " صَلَاة اللَّيْل مثنى مثنى، فَإِذا خفت الصُّبْح فأوتر بِوَاحِدَة ".(2/137)
وَهُوَ عِنْد البُخَارِيّ من حَدِيث عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر بِمَعْنى هَذَا.
وَعند البُخَارِيّ وَمُسلم من حَدِيث أنس بن سِيرِين قَالَ: قلت لِابْنِ عمر:
أَرَأَيْت الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْغَدَاة، أطيل فيهمَا الْقِرَاءَة؟ قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي من اللَّيْل مثنى مثنى، ويوتر بركعةٍ من آخر اللَّيْل، وَيُصلي الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْغَدَاة، وَكَانَ الْأَذَان بأذنيه. قَالَ حَمَّاد: أَي بِسُرْعَة
وَعِنْدَهُمَا من حَدِيث عبد الله بن عبد الله بن عمر عَن أَبِيه بِمَعْنَاهُ.
وَلَهُمَا من حَدِيث مَالك عَن نَافِع وَعبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر نَحوه بِمَعْنَاهُ. زَاد البُخَارِيّ فِيهِ عَن نَافِع: أَن عبد الله بن عمر كَانَ يسلم بَين الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْوتر حَتَّى يَأْمر بِبَعْض حَاجته.
وَلَهُمَا من حَدِيث عبد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
اجعلوا آخر صَلَاتكُمْ بِاللَّيْلِ وترا ".
وَمن حَدِيث الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن عبد الله بن عمر،
كَذَلِك، وَفِيه: " فَإِذا أردْت أَن تَنْصَرِف فاركع رَكْعَة توتر لَك مَا صليت ". قَالَ الْقَاسِم: ورأينا أُنَاسًا مُنْذُ أدركنا يوترون بِثَلَاث، وَإِن كلا لواسعٌ، أَرْجُو إِلَّا يكون بِشَيْء مِنْهُ بَأْس.
وَفِي حَدِيث أَيُّوب عَن نَافِع نَحْو حَدِيث مَالك عَنهُ.(2/138)
وَلمُسلم من حَدِيث ابْن جريج عَن نَافِع عَن ابْن عمر مُسْندًا:
من صلى من اللَّيْل فليجعل آخر صلَاته وترا قبل الصُّبْح ".
وأغفله ابْن مَسْعُود، فَلم يذكرهُ فِي تَرْجَمَة ابْن جريج فِيمَا عندنَا من كِتَابه.
وَفِي حَدِيث اللَّيْث عَن نَافِع نَحوه.
وَمن حَدِيث أبي مجلز لَاحق بن حميد قَالَ:
سَأَلت ابْن عمر عَن الْوتر فَقَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " ركعةٌ من آخر اللَّيْل ". قَالَ: وَسَأَلت ابْن عَبَّاس فَقَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " ركعةٌ من آخر اللَّيْل ".
وَمن حَدِيث عبد الله بن شَقِيق عَن ابْن عمر:
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " بَادرُوا الصُّبْح بالوتر ".
وَمن حَدِيث عقبَة بن حُرَيْث عَن ابْن عمر قَالَ:
قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " صَلَاة اللَّيْل مثنى مثنى، فَإِذا رَأَيْت الصُّبْح مدركك فأوتر بواحدةٍ " قيل لِابْنِ عمر: مَا مثنى مثنى؟ قَالَ: يسلم فِي كل رَكْعَتَيْنِ ".
1245 - الْخَامِس: عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه عَن رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " إِن بِلَالًا يُؤذن بليلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تسمعوا أَذَان ابْن أم مَكْتُوم ". زَاد فِي رِوَايَة عبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة عَن ابْن شهَاب عَن سَالم عَنهُ: وَكَانَ ابْن أم مَكْتُوم رجلا أعمى، لَا يُؤذن حَتَّى يَقُول لَهُ النَّاس: أَصبَحت.
وَفِي حَدِيث مَالك عَن الزُّهْرِيّ نَحوه، وَفِيه: لَا يُنَادي حَتَّى يُقَال لَهُ: أَصبَحت، أَصبَحت.(2/139)
وَأَخْرَجَاهُ من حَدِيث عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَنهُ قَالَ:
كَانَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مؤذنان. وَأَنه قَالَ: " إِن بِلَالًا يُؤذن بليلٍ "، وَذكر نَحوه.
وَأخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث عبد الْعَزِيز بن مُسلم الْقَسْمَلِي عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " إِن بِلَالًا يُؤذن بليلٍ ... " نَحوه.
وَمن حَدِيث مَالك عَن عبد الله بن دِينَار بِنَحْوِ ذَلِك.
1246 - السَّادِس: عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة رفع يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا بحذو مَنْكِبَيْه، ثمَّ يكبر، فَإِذا أَرَادَ أَن يرْكَع فعل مثل ذَلِك، وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع فعل مثل ذَلِك، وَلَا يَفْعَله حِين يرفع رَأسه من السُّجُود.
وَفِي حَدِيث مَالك عَن الزُّهْرِيّ:
وَإِذا رفع رَأسه من الرُّكُوع رَفعهَا كَذَلِك أَيْضا، وَقَالَ: " سمع الله لمن حَمده، رَبنَا وَلَك الْحَمد ".
وَفِي حَدِيث شُعَيْب نَحوه، وَقَالَ: وَلَا يفعل ذَلِك حِين يسْجد، وَلَا حِين يرفع من السُّجُود.
وَأخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث عبيد الله بن عمر بن حَفْص بن عَاصِم عَن نَافِع:
أَن ابْن عمر كَانَ إِذا دخل الصَّلَاة كبر وَرفع يَدَيْهِ، وَإِذا ركع رفع يَدَيْهِ، وَإِذا قَالَ: سمع الله لمن حَمده رفع يَدَيْهِ، وَإِذا قَامَ إِلَى الرَّكْعَتَيْنِ رفع يَدَيْهِ. وَرفع ذَلِك ابْن عمر إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.(2/140)
قَالَ البُخَارِيّ: وَرَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة عَن أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَرَوَاهُ ابْن طهْمَان عَن أَيُّوب ومُوسَى بن عقبَة، مُخْتَصرا.
1247 - السَّابِع: عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " كلكُمْ راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عَن رَعيته، فالإمام راعٍ ومسؤولٌ عَن رَعيته، وَالرجل فِي أَهله راعٍ وَهُوَ مسؤولٌ عَن رَعيته، وَالْمَرْأَة فِي بَيت زَوجهَا راعيةٌ وَهِي مسؤولةٌ عَن رعيتها، وَالْخَادِم فِي مَال سَيّده راعٍ وَهُوَ مسؤولٌ عَن رَعيته " قَالَ: فَسمِعت هَؤُلَاءِ من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وأحسب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " وَالرجل فِي مَال أَبِيه راعٍ ومسؤول عَن رَعيته، فكلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عَن رَعيته ".
وَأَخْرَجَاهُ من حَدِيث عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر بِنَحْوِهِ، إِلَّا قَوْله:
الرجل راعٍ فِي مَال أَبِيه ومسؤولٌ عَن رَعيته " فَلَيْسَ إِلَّا عِنْد الزُّهْرِيّ.
وَأَخْرَجَاهُ من حَدِيث أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن نَافِع بِنَحْوِهِ.
وَفِي رِوَايَة أبي النُّعْمَان عَن حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب:
" وَالْعَبْد راعٍ على مَال سَيّده، وَهُوَ مسؤول. . ".
وَأخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث مُوسَى بن عقبَة عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
" كلكُمْ راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عَن رَعيته، فالأمير راعٍ، وَالرجل راعٍ على أهل بَيته، وَالْمَرْأَة راعيةٌ على بَيت زَوجهَا وَولده، فكلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عَن رَعيته " وَلَيْسَ فِيهِ " العَبْد على مَال سَيّده " وَقد ذكره أَبُو مَسْعُود.(2/141)
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا من حَدِيث مَالك عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر:
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " أَلا كلكُمْ راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عَن رَعيته، الْأَمِير الَّذِي على النَّاس، وَالرجل على أهل بَيته، وَهُوَ مسؤول عَن رَعيته، الْمَرْأَة راعيةٌ على أهل بَيت زَوجهَا وَولده وَهِي مسؤولةٌ عَنْهُم، وَعبد الرجل راعٍ على مَال سَيّده وَهُوَ مسؤولٌ عَنهُ، أَلا كلكُمْ راعٍ وكلكم مسؤولٌ عَن رَعيته ".
وَأخرجه مُسلم من حَدِيث اللَّيْث عَن نَافِع، وَمن حَدِيث الضَّحَّاك بن عُثْمَان عَن نَافِع، وَمن حَدِيث أُسَامَة بن زيد عَن نَافِع بِنَحْوِ حَدِيث عبيد الله عَن نَافِع.
وَمِنْهُم من قَالَ:
" الْأَمِير على النَّاس راعٍ " وَمن حَدِيث بسر بن سعيد عَن ابْن عمر بِهَذَا الْمَعْنى، كَذَا قَالَ مُسلم.
وَبَين أَبُو مَسْعُود لفظ حَدِيث بسر عَن ابْن عمر:
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " كل مسترعى مسؤولٌ عَمَّن استرعي، حَتَّى إِن الرجل ليسأل عَن زَوجته وَولده وَعَبده "
1248 - الثَّامِن: عَن ابْن شهَاب عَن سَالم عَن ابْن عمر قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يهل ملبداً يَقُول: " لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك، لَا شريك لَك لبيْك، إِن الْحَمد وَالنعْمَة لَك وَالْملك، لَا شريك لَك " لَا يزِيد على هَذِه الْكَلِمَات.
زَاد فِي حَدِيث حَرْمَلَة:
وَإِن عبد الله بن عمر كَانَ يَقُول: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرْكَع بِذِي الحليفة رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ إِذا اسْتَوَت بِهِ النَّاقة قَائِمَة عِنْد مَسْجِد ذِي الحليفة أهل بهؤلاء الْكَلِمَات، وَكَانَ عبد الله بن عمر يَقُول: كَانَ عمر بن الْخطاب يهل(2/142)
بإهلال رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من هَؤُلَاءِ الْكَلِمَات، وَيَقُول:
لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك، لبيْك وَسَعْديك، وَالْخَيْر فِي يَديك، لبيْك والرغبى إِلَيْك وَالْعَمَل.
وَأَخْرَجَاهُ من حَدِيث مالكٍ عَن نَافِع عَن ابْن عمر مُسْندًا بِنَحْوِهِ مَعَ الزِّيَادَة.
وَأخرجه مسلمٌ من حَدِيث عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ:
تلقفت التَّلْبِيَة من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَذكر نَحوه مَعَ الزِّيَادَة.
وَمن حَدِيث مُوسَى بن عقبَة عَن سَالم وَنَافِع وَحَمْزَة بن عبد الله بن عمر عَن عبد الله بن عمر:
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا اسْتَوَت بِهِ رَاحِلَته قَائِمَة عِنْد مَسْجِد ذِي الحليفة أهل فَقَالَ: " لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك، لَا شريك لَك لبيْك، إِن الْحَمد وَالنعْمَة لَك وَالْملك، لَا شريك لَك " قَالُوا: وَكَانَ عبد الله يَقُول: تَلْبِيَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ نَافِع: كَانَ عبد الله يزِيد مَعَ هَذَا لبيْك لبيْك، لبيْك وَسَعْديك، وَالْخَيْر بيديك لبيْك، والرغبى إِلَيْك وَالْعَمَل.
وَلم أجد فِيمَا عندنَا من كتاب أبي مَسْعُود حَدِيث مُوسَى بن عقبَة هَذَا عَن وَاحِد من الثَّلَاثَة أصلا، وَهُوَ فِي كتاب مُسلم، فِي أول " الْمَنَاسِك ".
وَعند البُخَارِيّ من حَدِيث يُونُس عَن ابْن شهَاب عَن سَالم من رِوَايَة أَحْمد بن عِيسَى عَن ابْن وهب أَن ابْن عمر قَالَ:
رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يركب رَاحِلَته بِذِي الحليفة، ثمَّ يهل حَتَّى تستوي بِهِ قَائِمَة، لم يزدْ. وَهُوَ طرف من الأول.
1249 - التَّاسِع: عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن ابْن عمر قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين يقدم مَكَّة إِذا اسْتَلم الرُّكْن الْأسود، أول مَا يطوف يخب ثَلَاثَة أطوافٍ من السَّبع.(2/143)
وَقد أَخْرجَاهُ من حَدِيث عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر:
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا طَاف بِالْبَيْتِ الطّواف الأول خب ثَلَاثًا، وَمَشى أَرْبعا. وَكَانَ يسْعَى بِبَطن المسيل إِذا طَاف بَين الصَّفَا والمروة. وَكَانَ ابْن عمر يفعل ذَلِك.
وَفِي حَدِيث ابْن الْمُبَارك عَن عبيد الله:
رمل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْحجر إِلَى الْحجر ثَلَاثًا، وَمَشى أَرْبعا. وَفِي حَدِيث سليم بن أَخْضَر عَن عبيد الله نَحوه.
وَأَخْرَجَاهُ من حَدِيث مُوسَى بن عقبَة عَن نَافِع عَن ابْن عمر بِنَحْوِهِ. وَزَاد: ثمَّ يُصَلِّي سَجْدَتَيْنِ - يَعْنِي بعد الطّواف بِالْبَيْتِ، ثمَّ يطوف بَين الصَّفَا والمروة.
وَأخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث فليح بن سُلَيْمَان عَن نَافِع عَن ابْن عمر:
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سعى ثَلَاثَة أَشْوَاط وَمَشى أَرْبَعَة، فِي الْحَج وَالْعمْرَة. قَالَ: وَتَابعه اللَّيْث عَن كثير - يَعْنِي ابْن فرقد.
1250 - الْعَاشِر: عَن ابْن شهَاب عَن سَالم عَن أَبِيه قَالَ:
لم أر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْتَلم من الْبَيْت إِلَّا الرُّكْنَيْنِ اليمانيين. وَفِي رِوَايَة قُتَيْبَة: يمسح من الْبَيْت - مَكَان يسْتَلم.
وَعند مُسلم من حَدِيث يُونُس بن يزِيد:
لم يكن يسْتَلم من أَرْكَان الْبَيْت إِلَّا الرُّكْن الْأسود وَالَّذِي يَلِيهِ من نَحْو دور الجمحيين.
وَأَخْرَجَاهُ من حَدِيث عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ:
مَا تركت استلام هذَيْن الرُّكْنَيْنِ - الْيَمَانِيّ وَالْحجر - فِي شدةٍ وَلَا رخاء مُنْذُ رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يستلمهما.(2/144)
وَفِي حَدِيث أبي خَالِد الْأَحْمَر عَن عبيد الله عَن نَافِع قَالَ:
رَأَيْت ابْن عمر يسْتَلم الْحجر بِيَدِهِ، ثمَّ قبل يَده وَقَالَ: مَا تركته مُنْذُ رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَفْعَله.
وَفِي رِوَايَة مُسَدّد عَن يحيى عَن عبيد الله قَالَ: قلت لنافع: أَكَانَ ابْن عمر يمشي بَين الرُّكْنَيْنِ؟ قَالَ: إِنَّمَا كَانَ يمشي ليَكُون أيسر لاستلامه.
1251 - الْحَادِي عشر: عَن ابْن شهَاب عَن سَالم أَن عبد الله بن عمر كَانَ يقدم ضعفة أَهله، فيقفون عِنْد الْمشعر الْحَرَام بِالْمُزْدَلِفَةِ بِاللَّيْلِ، فَيذكرُونَ الله مَا بدا لَهُم، ثمَّ يدْفَعُونَ قبل أَن يقف الإِمَام، وَقبل أَن يدْفع، فَمنهمْ من يقدم منى لصَلَاة الْفجْر، وَمِنْهُم من يقدم بعد ذَلِك، فَإِذا قدمُوا رموا الْجَمْرَة. وَكَانَ ابْن عمر يَقُول: أرخص فِي أُولَئِكَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
1252 - الثَّانِي عشر: عَن ابْن شهَاب عَن سَالم عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قَالَ: " يهل أهل الْمَدِينَة من ذِي الحليفة، ويهل أهل الشَّام من الْجحْفَة، ويهل أهل نجد من قرنٍ "، قَالَ ابْن عمر: وَذكر لي - وَلم أسمع - أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " ومهل أهل الْيمن من يَلَمْلَم ".
وَأَخْرَجَاهُ من حَدِيث مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي بِنَحْوِهِ.
وَأخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث اللَّيْث بن سعد عَن نَافِع عَن ابْن عمر:
أَن رجلا قَامَ فِي الْمَسْجِد فَقَالَ: يَا رَسُول الله، من أَيْن تَأْمُرنَا أَن نهل؟ فَقَالَ: " يهل أهل الْمَدِينَة من ذِي الحليفة ". . ثمَّ ذكر نَحوه، وَمن حَدِيث سُفْيَان الثَّوْريّ عِنْد عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر.(2/145)
وَمن حَدِيث زيد بن جُبَير بن حرملٍ الْجُشَمِي عَن ابْن عمر:
أَنه سَأَلَهُ: من أَيْن يجوز لي أَن أعتمر؟ قَالَ: فَرضهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأهل نجد قرنا، وَلأَهل الْمَدِينَة ذَا الحليفة، وَلأَهل الشَّام الْجحْفَة، لم يزدْ.
وَأخرجه مُسلم من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر
قَالَ أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل الْمَدِينَة أَن يهلوا من ذِي الحليفة، وَأهل الشَّام من الْجحْفَة، وَأهل نجد من قرن. قَالَ ابْن عمر: وأخبرت أَنه قَالَ: " ويهل أهل الْيمن من يَلَمْلَم ".
1253 - الثَّالِث عشر: عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه قَالَ: سُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا يلبس الْمحرم؟ قَالَ: " لَا يلبس الْمحرم الْقَمِيص، وَلَا الْعِمَامَة، وَلَا الْبُرْنُس، وَلَا السَّرَاوِيل، وَلَا ثوبا مَسّه ورسٌ وَلَا زعفرانٌ، وَلَا الْخُفَّيْنِ، إِلَّا أَن لَا يجد نَعْلَيْنِ فليقطعهما حَتَّى يَكُونَا أَسْفَل من الْكَعْبَيْنِ ".
وَأَخْرَجَاهُ من حَدِيث مَالك عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر قَالَ:
نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يلبس الْمحرم ثوبا مصبوغاً بزعفرانٍ أَو ورسٍ. وَقَالَ: " من لم يجد فليلبس خُفَّيْنِ، وليقطعهما أَسْفَل من الْكَعْبَيْنِ ".
وَأخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث اللَّيْث عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ:
قَامَ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله، مَاذَا تَأْمُرنَا أَن نلبس من الثِّيَاب فِي الْإِحْرَام؟ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا تلبسوا القمص، وَلَا السراويلات، وَلَا العمائم، وَلَا البرانس، وَلَا الْخفاف، إِلَّا أَن يكون أحدٌ لَيست لَهُ نَعْلَانِ فليلبس الْخُفَّيْنِ، وليقطعهما أَسْفَل من الْكَعْبَيْنِ، وَلَا تلبسوا شَيْئا مَسّه الزَّعْفَرَان أَو الورس، وَلَا تنتقب الْمَرْأَة الْمُحرمَة، وَلَا تلبس(2/146)
القفازين ". قَالَ البُخَارِيّ:
نابعه مُوسَى بن عقبَة، وَإِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن عقبَة، وَجُوَيْرِية، وَابْن إِسْحَاق فِي النقاب والقفازين، وَقَالَ عبيد الله: " وَلَا ورس ".
وَكَانَ يَقُول: لَا تنتقب الْمُحرمَة، وَلَا تلبس القفازين. وَقَالَ مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر: لَا تنتقب الْمُحرمَة. تَابعه لَيْث بن أبي سليم.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا من حَدِيث أَيُّوب عَن نَافِع عَن ابْن عمر بِنَحْوِ حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن سَالم، وَفِي أَوله: نَادَى رجلٌ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يخْطب: مَاذَا يلبس الْمحرم من الثِّيَاب؟ ثمَّ ذكر الْجَواب بِمَعْنَاهُ.
وَأخرج البُخَارِيّ أَيْضا طرفا مِنْهُ من حَدِيث سُفْيَان الثَّوْريّ عَن ابْن دِينَار عَن ابْن عمر:
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى أَن يلبس الْمحرم ثوبا مصبوغاً بورسٍ أَو زعفران. لم يزدْ.
وَأخرجه أَيْضا من حَدِيث جوَيْرِية بن أَسمَاء عَن نَافِع عَن ابْن عمر بِنَحْوِ حَدِيث سَالم عَنهُ، وَزَاد فِيهِ: " وَلَا تنتقب الْمَرْأَة الْمُحرمَة ".
1254 - الرَّابِع عشر: عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه أَن ابْن عمر قَالَ: تمتّع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّة الْوَدَاع بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج، وَأهْدى فساق مَعَه الْهَدْي من ذِي الحليفة، وَبَدَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأهل بِالْعُمْرَةِ، ثمَّ أهل بِالْحَجِّ، وتمتع النَّاس مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج، فَكَانَ من النَّاس من أهْدى فساق الْهَدْي، وَمِنْهُم من لم يهد، فَلَمَّا قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة قَالَ للنَّاس: " من كَانَ مِنْكُم أهْدى فَإِنَّهُ لَا يحل من شَيْء حرم مِنْهُ حَتَّى يقْضِي حجه، وَمن لم يكن مِنْكُم أهْدى فليطف بِالْبَيْتِ وبالصفا والمروة، وليقصر وليحلل، ثمَّ ليهل بِالْحَجِّ، وليهد.
فَمن لم يجد هَديا فليصم ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رَجَعَ إِلَى أَهله " وَطَاف(2/147)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين قدم مَكَّة، فاستلم الرُّكْن أول شَيْء، ثمَّ خب ثَلَاثَة أطواف من السَّبع وَمَشى أَرْبَعَة أطواف، ثمَّ ركع حِين قضى طَوَافه بِالْبَيْتِ عِنْد الْمقَام رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ سلم فَانْصَرف، فَأتى الصَّفَا فَطَافَ بالصفا والمروة سَبْعَة أطواف، ثمَّ لم يحلل من شَيْء حرم مِنْهُ حَتَّى قضى حجه وَنحر هَدْيه يَوْم النَّحْر، وأفاض فَطَافَ بِالْبَيْتِ، ثمَّ حل من كل شَيْء حرم مِنْهُ، وَفعل مثل مَا فعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أهْدى فساق الْهَدْي من النَّاس.
وَعَن عُرْوَة عَائِشَة بِمثل حَدِيث سَالم عَن أَبِيه.
وَأَخْرَجَاهُ من حَدِيث بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ عَن أنس قَالَ:
سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَالْعمْرَة جَمِيعًا. قَالَ بكر: فَحدثت بذلك ابْن عمر فَقَالَ: لبّى بِالْحَجِّ وَحده، فَلَقِيت أنسا فَحَدَّثته، فَقَالَ أنس: مَا تعدوننا إِلَّا صبياناً، سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " لبيْك عمْرَة وحجاً ".
وَأخرج مُسلم من حَدِيث عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ:
أَهْلَلْنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحَجِّ مُفردا. وَفِي رِوَايَة عبد الله بن عون عَن عباد بن عباد عَن عبيد الله: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل بِالْحَجِّ مُفردا.
1255 - الْخَامِس عشر: عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن ابْن عمر قَالَ: صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الْخَوْف بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَة، والطائفة الْأُخْرَى مُوَاجهَة الْعَدو، ثمَّ انصرفوا وَقَامُوا فِي مقَام أَصْحَابهم مُقْبِلين على الْعَدو، وَجَاء أُولَئِكَ، ثمَّ صلى بهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَة، ثمَّ قضى هَؤُلَاءِ رَكْعَة وَهَؤُلَاء رَكْعَة.
وَأَخْرَجَاهُ من حَدِيث مُوسَى:
بن عقبَة عَن نَافِع - وَهُوَ عِنْد مُسلم أتم - عَن ابْن(2/148)
عمر قَالَ: صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الْخَوْف فِي بعض أَيَّامه، فَقَامَتْ طائفةٌ مَعَه وطائفةٌ بِإِزَاءِ الْعَدو، فصلى بالذين مَعَه رَكْعَة، وَجَاء الْآخرُونَ فصلى بهم رَكْعَة، ثمَّ قَضَت الطائفتان رَكْعَة رَكْعَة، قَالَ: وَقَالَ ابْن عمر: إِذا كَانَ خوفٌ أَكثر من ذَلِك صلى رَاكِبًا أَو قَائِما، يُومِئ إِيمَاء.
وللبخاري طرف مِنْهُ من رِوَايَة ابْن جريج عَن مُوسَى بن عقبَة عَن نَافِع عَن ابْن عمر نَحوا من قَول مُجَاهِد إِذا اختلطوا قيَاما، كَذَا قَالَ، وَزَاد ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَإِن كَانُوا أَكثر من ذَلِك صلوا قيَاما وركباناً.
وَقد أخرجه البُخَارِيّ بِطُولِهِ من حَدِيث مَالك عَن نَافِع أَن ابْن عمر كَانَ إِذا سُئِلَ عَن صَلَاة الْخَوْف قَالَ:
يتَقَدَّم الإِمَام وطائفةٌ من النَّاس، فَيصَلي بهم الإِمَام رَكْعَة، وَتَكون طَائِفَة مِنْهُم بَينه وَبَين الْعَدو، وَلم يصلوا، فَإِذا صلى الَّذين مَعَه رَكْعَة استأخروا مَكَان الَّذين لم يصلوا، وَلَا يسلمُونَ، ويتقدم الَّذين لم يصلوا فيصلون مَعَه رَكْعَة، ثمَّ ينْصَرف الإِمَام وَمن صلى رَكْعَتَيْنِ، فَيقوم كل واحدٍ من الطَّائِفَتَيْنِ، فيصلون لأَنْفُسِهِمْ رَكْعَة بعد أَن ينْصَرف الإِمَام، فَيكون كل واحدٍ من الطَّائِفَتَيْنِ قد صلوا رَكْعَتَيْنِ، فَإِن كَانَ خوفٌ هُوَ أَشد من ذَلِك، صلوا رجَالًا قيَاما على أَقْدَامهم، وركباناً، مستقبلي الْقبْلَة، أَو غير مستقبليها. قَالَ مالكٌ: قَالَ نافعٌ: وَلَا أرى ابْن عمر ذكر ذَلِك إِلَّا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
1256 - السَّادِس عشر: عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن ابْن عمر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يسبح على ظهر رَاحِلَته حَيْثُ كَانَ وَجهه، يُومِئ بِرَأْسِهِ، وَكَانَ ابْن عمر يَفْعَله.(2/149)
وَلمُسلم فِيهِ عَن حَرْمَلَة:
يسبح على الرَّاحِلَة قبل أَي وجهٍ توجه، ويوتر عَلَيْهَا، ويوتر غير أَنه لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَة.
وَأَخْرَجَاهُ من حَدِيث سعيد بن يسارٍ قَالَ:
كنت أَسِير مَعَ عبد الله بن عمر بطرِيق مَكَّة، فَلَمَّا خشيت الصُّبْح نزلت فأوترت، ثمَّ لحقته، فَقَالَ عبد الله بن عمر: أَيْن كنت؟ فَقلت: خشيت الصُّبْح، فَنزلت فأوترت. فَقَالَ: أَلَيْسَ لَك فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أسوةٌ حَسَنَة؟ فَقلت: بلَى وَالله. فَقَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُوتر على الْبَعِير.
وَأخرجه البُخَارِيّ تَعْلِيقا فَقَالَ:
وَقَالَ اللَّيْث: حَدثنِي يُونُس عَن ابْن شهَاب: قَالَ سَالم: كَانَ عبد الله يُصَلِّي على دَابَّته من اللَّيْل وَهُوَ مسافرٌ، مَا يُبَالِي حَيْثُ كَانَ وَجهه. قَالَ ابْن عمر: وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسبح على الرَّاحِلَة. وَذكر مثل حَدِيث حَرْمَلَة إِلَى آخِره.
وَأخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث مُوسَى بن عقبَة عَن نَافِع عَن ابْن عمر:
أَنه كَانَ يُصَلِّي على رَاحِلَته ويوتر عَلَيْهَا، ويخبر أَن النَّبِي كَانَ يَفْعَله.
وَمن حَدِيث عبد الْعَزِيز بن مُسلم الْقَسْمَلِي عَن عبد الله بن دِينَار قَالَ:
كَانَ ابْن عمر يُصَلِّي فِي السّفر على رَاحِلَته أَيْنَمَا تَوَجَّهت يُومِئ. وَذكر عبد الله أَن النَّبِي كَانَ يَفْعَله.
وَأخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث جوَيْرِية بن أَسمَاء عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي فِي السّفر على رَاحِلَته حَيْثُ تَوَجَّهت بِهِ، يُومِئ إِيمَاء، صَلَاة اللَّيْل إِلَّا الْفَرَائِض، ويوتر على رَاحِلَته.(2/150)
وَأخرجه مُسلم من حَدِيث سعيد بن يسارٍ عَن ابْن عمر قَالَ:
رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي على حمارٍ وَهُوَ مُتَوَجّه إِلَى خَيْبَر. لم يزدْ.
وَأخرجه مُسلم أَيْضا من حَدِيث عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي على رَاحِلَته حَيْثُمَا تَوَجَّهت بِهِ.
وَفِي حَدِيث ابْن نمير كَانَ يُصَلِّي سبحته حَيْثُمَا تَوَجَّهت بِهِ نَاقَته.
وَأخرجه أَيْضا من حَدِيث سعيد بن جُبَير عَن ابْن عمر قَالَ:
كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي على دَابَّته وَهُوَ مقبلٌ من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة حَيْثُمَا تَوَجَّهت بِهِ، وَفِيه نزلت: {فأينما توَلّوا} . [سُورَة الْبَقَرَة] .
وَمن حَدِيث مَالك عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر قَالَ:
كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي على رَاحِلَته حَيْثُ تَوَجَّهت بِهِ. قَالَ عبد الله بن دِينَار، وَكَانَ ابْن عمر يفعل ذَلِك.
وَمن حَدِيث يزِيد بن عبد الله بن أُسَامَة بن الْهَاد عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر قَالَ:
كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُوتر على رَاحِلَته.
1257 - السَّابِع عشر: عَن ابْن شهَاب عَن سَالم عَن أَبِيه قَالَ: صليت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَتَيْنِ قبل الظّهْر، وَرَكْعَتَيْنِ بعد الظّهْر، وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْجُمُعَة، وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْمغرب، وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْعشَاء.
وَفِي حَدِيث عَمْرو بن دِينَار عَن الزُّهْرِيّ:
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي بعد الْجُمُعَة رَكْعَتَيْنِ. لم يزدْ.(2/151)
وَأَخْرَجَاهُ من حَدِيث عبيد الله بن عمر عَن نَافِع بِمَعْنَاهُ، وَزَاد:
فَأَما الْمغرب وَالْعشَاء وَالْجُمُعَة فَفِي بَيته. وَعند البُخَارِيّ: فَأَما الْمغرب وَالْعشَاء فَفِي بَيته، وَلم يذكر الْجُمُعَة. زَاد البُخَارِيّ عَن مُسَدّد لهَذَا الحَدِيث: أَن ابْن عمر قَالَ: وحدثتني حَفْصَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي سَجْدَتَيْنِ خفيفتين بَعْدَمَا يطلع الْفجْر. وَكَانَت سَاعَة لَا أَدخل على النَّبِي فِيهَا. قَالَ البُخَارِيّ: تَابعه كثير بن فرقد، وَأَيوب عَن نَافِع، وَقَالَ ابْن أبي الزِّنَاد: عَن مُوسَى عَن عقبَة عَن نَافِع: بعد الْعشَاء فِي أَهله.
وَأَخْرَجَاهُ من حَدِيث مَالك عَن نَافِع، وَفِيه:
وَكَانَ لَا يُصَلِّي الْجُمُعَة حَتَّى ينْصَرف فَيصَلي رَكْعَتَيْنِ فِي بَيته.
أخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ:
حفظت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَتَيْنِ قبل الظّهْر، وَرَكْعَتَيْنِ بعد الظّهْر، وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْمغرب، وَرَكْعَتَيْنِ بعد الْعشَاء، وَرَكْعَتَيْنِ قبل الْغَدَاة. وَكَانَت سَاعَة لَا أَدخل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا، فحدثتني حَفْصَة: أَنه كَانَ إِذا طلع الْفجْر وَأذن الْمُؤَذّن صلى رَكْعَتَيْنِ.
وَأخرج مُسلم من حَدِيث اللَّيْث عَن نَافِع:
أَن عبد الله كَانَ إِذا صلى الْجُمُعَة انْصَرف فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ فِي بَيته، ثمَّ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصنع ذَلِك.
1258 - الثَّامِن عشر: عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " إِذا اسْتَأْذَنت أحدكُم امْرَأَته إِلَى الْمَسْجِد فَلَا يمْنَعهَا ".
وَفِي حَدِيث حَرْمَلَة عَن ابْن وهب قَالَ:
فَقَالَ بِلَال بن عبد الله: وَالله لنمنعهن.(2/152)
قَالَ: فَأقبل عَلَيْهِ عبد الله فَسَبهُ سباً سَيِّئًا، مَا سمعته سبه مثله قطّ، وَقَالَ: أخْبرك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَتقول: وَالله لنمنعهن.
وَأَخْرَجَاهُ من حَدِيث حَنْظَلَة بن أبي سُفْيَان الجُمَحِي عَن سَالم عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
إِذا استأذنكم نِسَاؤُكُمْ بِاللَّيْلِ إِلَى الْمَسْجِد فأذنوا لَهُنَّ ". كَذَا قَالَ أَبُو مَسْعُود. وَقَالَ: أَخْرجَاهُ من حَدِيث عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " لَا تمنعوا إِمَاء الله مَسَاجِد الله ".
وَفِي حَدِيث أبي أُسَامَة عَن عبيد الله: كَانَت امرأةٌ لعمر تشهد صَلَاة الصُّبْح وَالْعشَاء فِي الْجَمَاعَة فِي الْمَسْجِد، فَقيل لَهَا: لم تخرجين وَقد تعلمين أَنه يكره ذَلِك ويغار؟ قَالَ: فَمَا يمنعهُ أَن ينهاني؟ قَالُوا يمنعهُ قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا تمنعوا إِمَاء الله مَسَاجِد الله ".
قَالَ: وَأَخْرَجَاهُ من حَدِيث مُجَاهِد بن جبر عَن ابْن عمر قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " لَا تمنعوا النِّسَاء من الْخُرُوج إِلَى الْمَسَاجِد بِاللَّيْلِ ".
وَفِي حَدِيث شَبابَة عَن وَرْقَاء:
ائذنوا للنِّسَاء بِاللَّيْلِ إِلَى الْمَسَاجِد " فَقَالَ ابنٌ لَهُ يُقَال لَهُ وَاقد: إِذا يتخذنه دغلاً. قَالَ: فَضرب فِي صَدره وَقَالَ: أحَدثك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَتقول: لَا.
وَأخرجه مُسلم من حَدِيث بِلَال بن عبد الله بن عمر عَن أَبِيه:
أَن رَسُول الله(2/153)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
لَا تمنعوا النِّسَاء حظوظهن من الْمَسَاجِد إِذا استأذنكم " فَقَالَ بِلَال: وَالله لنمنعهن. فَقَالَ لَهُ عبد الله: أَقُول: قَالَ رَسُول الله: وَتقول أَنْت: نمنعهن.
1259 - التَّاسِع عشر: عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن ابْن عمر قَالَ: لما مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحجرِ. قَالَ: " لَا تدْخلُوا مسَاكِن الَّذين ظلمُوا أنفسهم، أَن يُصِيبكُم مَا أَصَابَهُم، إِلَّا أَن تَكُونُوا بَاكِينَ " ثمَّ قنع رَأسه وأسرع السّير حَتَّى أجَاز الْوَادي ".
وَأخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث مَالك عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر:
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأَصْحَاب الْحجر: " لَا تدْخلُوا على هَؤُلَاءِ الْقَوْم إِلَّا أَن تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِن لم تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تدْخلُوا عَلَيْهِم، أَن يُصِيبكُم مثل مَا أَصَابَهُم ".
وَأخرجه مُسلم من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر عَن عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر قَالَ:
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَصْحَاب الْحجر: " لَا تدْخلُوا على هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبين " ثمَّ ذكر مثل حَدِيث مَالك.
1260 - الْعشْرُونَ: عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " الْمُسلم أَخُو الْمُسلم، لَا يَظْلمه، وَلَا يُسلمهُ، من كَانَ فِي حَاجَة أَخِيه كَانَ الله فِي حَاجته، وَمن فرج عَن مُسلم كربَة فرج الله عَنهُ كربَة من كرب يَوْم الْقِيَامَة، وَمن ستر مُسلما ستره الله يَوْم الْقِيَامَة ".(2/154)
1261 - الْحَادِي وَالْعشْرُونَ: حَدِيث الْغَار:
عَن ابْن شهَاب عَن سَالم عَن ابْن عمر قَالَ:
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: " انْطلق ثَلَاثَة نفرٍ مِمَّن كَانَ قبلكُمْ حَتَّى أواهم الْمبيت إِلَى غارٍ فدخلوه، فانحدرت صخرةٌ من الْجَبَل فَسدتْ عَلَيْهِم الْغَار، فَقَالُوا: إِنَّه لَا ينجيكم من هَذِه الصَّخْرَة إِلَّا أَن تدعوا الله بِصَالح أَعمالكُم.
قَالَ رجلٌ مِنْهُم:
اللَّهُمَّ كَانَ لي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كبيران، وَكنت لَا أغبق قبلهمَا أَهلا وَلَا مَالا، فنأى بِي طلب شجرٍ يَوْمًا، فَلم أرح عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا، فحلبت لَهما غبوقهما فوجدتهما نائمين، فَكرِهت أَن أغبق قبلهمَا أَهلا أَو مَالا، فَلَبثت والقدح على يَدي أنْتَظر استيقاظهما حَتَّى برق الْفجْر " زَاد بعض الروَاة: " والصبية يتضاغون عِنْد قدمي: فَاسْتَيْقَظَا، فشربا غبوقهما. اللَّهُمَّ إِن كنت فعلت ذَلِك ابْتِغَاء وَجهك، فَفرج عَنَّا مَا نَحن فِيهِ من هَذِه الصَّخْرَة، فانفرجت شَيْئا لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوج ".
قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " قَالَ الآخر:
اللَّهُمَّ كَانَت لي ابْنة عَم، كَانَت أحب النَّاس إِلَيّ، فأردتها عَن نَفسهَا فامتنعت مني، حَتَّى ألمت بهَا سنةٌ من السنين، فجاءتني، فأعطيتها عشْرين وَمِائَة دِينَار على أَن تخلي بيني وَبَين نَفسهَا، فَفعلت، حَتَّى إِذا قدرت عَلَيْهَا قَالَت: لَا أحل لَك أَن تفض الْخَاتم إِلَّا بِحقِّهِ، فتحرجت من الْوُقُوع عَلَيْهَا، فَانْصَرَفت عَنْهَا وَهِي أحب النَّاس إِلَيّ، وَتركت الذَّهَب الَّذِي أعطيتهَا.
اللَّهُمَّ إِن كنت فعلت ذَلِك ابْتِغَاء وَجهك فافرج عَنَّا مَا نَحن فِيهِ، فانفرجت الصَّخْرَة غير أَنهم لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوج مِنْهَا ".
قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " وَقَالَ الثَّالِث:
اللَّهُمَّ اسْتَأْجَرت أجراء وأعطيتهم أجرهم، غير رجل وَاحِد ترك الَّذِي لَهُ وَذهب، فثمرت أجره حَتَّى كثرت مِنْهُ الْأَمْوَال، فَجَاءَنِي(2/155)
بعد حِين فَقَالَ: يَا عبد الله، أد لي أجري. فَقلت: كل مَا ترى من أجرك، من الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم وَالرَّقِيق. فَقَالَ: يَا عبد الله، لَا تستهزئ بِي. فَقلت: إِنِّي لَا أستهزئ بك، فَأَخذه كُله فاستاقه، فَلم يتْرك مِنْهُ شَيْئا. اللَّهُمَّ فَإِن كنت فعلت ذَلِك ابْتِغَاء وَجهك فافرج عَنَّا مَا نَحن فِيهِ، فانفرجت الصَّخْرَة، فَخَرجُوا يَمْشُونَ ".
وَأَخْرَجَاهُ من حَدِيث عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر:
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " بَيْنَمَا ثَلَاثَة نفرٍ من قبلكُمْ يَمْشُونَ، إِذا أَصَابَهُم مطرٌ فأووا إِلَى غارٍ فانطبق عَلَيْهِم. فَقَالَ بَعضهم لبَعض: إِنَّه وَالله يَا هَؤُلَاءِ، لَا ينجيكم إِلَّا الصدْق، فَليدع كل رجلٍ مِنْكُم بِمَا يعلم أَنه قد صدق فِيهِ.
فَقَالَ أحدهم: اللَّهُمَّ إِن كنت تعلم أَنه كَانَ لي أجيرٌ عمل لي على فرق من أرز، فَذهب وَتَركه، وَإِنِّي عَمَدت إِلَى ذَلِك الْفرق فزرعته، فَصَارَ من أمره اني اشْتريت مِنْهُ بقرًا، وَأَنه أَتَانِي يطْلب أجره، فَقلت لَهُ: اعمد إِلَى تِلْكَ الْبَقر فسقها، فَقَالَ: إِنَّمَا لي عنْدك فرقٌ من أرز. فَقلت لَهُ: اعمد إِلَى تِلْكَ الْبَقر، فَإِنَّهَا من ذَلِك الْفرق، فساقها. فَإِن كنت تعلم أَنِّي فعلت ذَلِك من خشيتك فَفرج عَنَّا. فانساخت عَنْهُم الصَّخْرَة ... " وَذكر بَاقِي الحَدِيث بقريبٍ من معنى حَدِيث سَالم.
وَأَخْرَجَاهُ أَيْضا من حَدِيث مُوسَى بن عقبَة عَن نَافِع بِنَحْوِ ذَلِك.
وَأخرجه البُخَارِيّ من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن عقبَة، ابْن أخي مُوسَى ابْن عقبَة عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنَحْوِهِ.
وَلَيْسَ لإسماعيل بن إِبْرَاهِيم بن عقبَة عَن نَافِع عَن ابْن عمر فِي الصَّحِيح غير هَذَا.(2/156)
وَأخرجه مُسلم من حَدِيث صَالح بن كيسَان عَن نَافِع عَن ابْن عمر بِنَحْوِ من ذَلِك، وَمن حَدِيث فُضَيْل بن غَزوَان، ورقبة بن مصقلة عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وأحاديثهم وَإِن اخْتلفت فالمعاني مُتَقَارِبَة.
1262 - الثَّانِي وَالْعشْرُونَ: عَن ابْن شهَاب عَن سَالم عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم " كلوا من الْأَضَاحِي ثَلَاثًا ". فَكَانَ عبد الله يَأْكُل بالزيت حِين ينفر من منى من أجل لُحُوم الْهَدْي.
وَفِي حَدِيث معمر:
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى أَن تُؤْكَل لُحُوم الْأَضَاحِي بعد ثَلَاث، قَالَ سَالم: فَكَانَ ابْن عمر لَا يَأْكُل لُحُوم الْأَضَاحِي فَوق ثَلَاث.
وَأخرجه مُسلم من حَدِيث اللَّيْث عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:
لَا يَأْكُل أحدٌ من أضحيته فَوق ثَلَاثَة أَيَّام " وَمن حَدِيث ابْن جريج وَالضَّحَّاك بن عُثْمَان الْحزَامِي جَمِيعًا عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمثلِهِ.
زَاد أَبُو مَسْعُود فِي حَدِيث الضَّحَّاك عَن نَافِع:
أَن ابْن عمر كَانَ إِذا كَانَ بمنى فأمسى من الْيَوْم الثَّالِث من أَيَّام منى يسْأَل الَّذِي يصنع طَعَامه: من أَيْن لَحْمه الَّذِي قدمه؟ فَإِن أخبرهُ أَنه من هَدْيه لم يَأْكُلهُ. قَالَ أَبُو مَسْعُود: والْحَدِيث فِي " الْأَضَاحِي ". وَلم أجد أَنا هَذِه الزِّيَادَة هُنَاكَ، ولعلها كَانَت فِي الحَدِيث، فحذفها مُسلم حِين قصد الْمسند.
1263 - الثَّالِث وَالْعشْرُونَ: عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " تَجِدُونَ النَّاس كإبلٍ مائةٍ، لَا يجد الرجل فِيهَا رَاحِلَة ".(2/157)