بسم الله الرحمن الرحيم
نظرات فى تصحيح الأحاديث وتضعيفها 1
*** *** *** ***
الحمد لله بالعشى والإشراق ، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على من وقع على محبته الإتفاق ، وطلعت شموس أنواره في غاية الإشراق ، وتفرد فى ميدان الكمال بحسن الإستباق ، الناصح الأمين الذي اهتدى الكون كله بعلمه وعمله ، والقدوة المكين الذي اقتدي الفائزون بحاله وقوله ، ناشر ألوية العلوم والمعارف ، ومسدي الفضل للأسلاف والخوالف ، الداعي على بصيرة إلى دار السلام ، والسراج المنير والبشير النذير ، علم الأئمة الأعلام . وبعد ..
فإنى أثناء مراجعتى كتاب (( زوائد الأدب المفرد )) للشيخ أبى عبد الرحمن محمد بن مصطفى السكندرى ـ أحسن الله مثوبته ـ ، كتبت تعليقاً وجيزاً على حديث دراج أبى السمح عن عيسى بن هلال الصدفى عن عبد الله بن عمرو عن النبى صلى الله عليه وسلم : (( إن روحي المؤمنين ليلتقيان في مسيرة يوم ، وما رأى أحدهما صاحبه )) ، وقد حكم عليه الشيخ بالضعف ترجيحا لأقوال من ضعَّف دراجاً بإطلاقٍ .
غير أن الشيخ أبا عبد الرحمن آثر أن ينقل ما علقتُه بنصه بالحاشية ، إذ قلت : (( الخلاف فى دراج أبى السمح المصرى الواعظ الزاهد ، أوسع من أن يحكم معه بإطلاق الضعف عليه ، وتوهين أخباره ، سيما والإمام الجهبذ أبا حاتم بن حبان يصحح أحاديثه خاصة (( دراج عن أبى الهيثم عن أبى سعيد )) ، فقد أخرج بهذا الإسناد فى (( صحيحه )) ثمانية أحاديث ، وكان الإمام أبو زكريا يحيى بن معين يصحح هذا الإسناد ، كما أسنده أبو عبد الله الحاكم فى (( المستدرك ))(2/247:246) قال : سمعت أبو العباس محمد بن يعقوب يقول سمعت العباس بن محمد الدورى يقول : سألت يحيى بن معين عن أحاديث دراج عن أبى الهيثم عن أبى سعيد فقال : هذا إسناد صحيح .(1/1)
وأنا ، إن أذن الله لى بتوفيقه وعونه ، عازم على تسطير بحث بعنوان (( الابتهاج ببيان صحاح أحاديث دراج )) ، وذلك لأنه تصفو له جملة من الأحاديث الحسان ، وأما مناكيره فمعروفة عند أهل التحقيق )) اهـ .
قلت : هذا ما كتبته على عجل ، راجياً أن يفسح الله لى فى الأجل ، لانجاز ما وعدت ، وتحقيق ما رجوت ، خاصة وأنا انظر إلى أحكام الأئمة المتقدمين بعين الإنصاف ، وابتعد بنفسى فى حضرتهم عن أحكام التعنت والاعتساف . ولست أعنى أن من ضعَّفه لم يكن منصفاً ، إذ كثير من أحكام الجرح لها محامل خاصة ، وليس كما يعتقد المتأخرون عمومها ، سيما قول الإمام أحمد : أحاديثه مناكير أو منكر الحديث . فمثل هذا يقوله الإمام أحمد عن جماعة من الثقات أمثال : محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمى ، وعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ، والمغيرة بن زياد البجلى ، ونحوهم ممن وثقوا ، ولم يضعف الأئمة من أحاديثهم إلا ما تيقنوا نكارته ، فقد يروى الثقة المناكير .
وقد حفزنى ما قوبل به هذا التعليق ، وما وصلنى من رسائل خاصة ، لا داعى لذكر محتواها من الغمز واللمز ، والاستخفاف بما وصفتُه تحقيقاً وإنصافاً ، حفزنى ذلك على التوطئة للاحتجاج بما عزمت عليه ، بذكر هذه اللمحة الوجيزة عن صنيع الأئمة النقاد مع أحاديث من اختلفوا عليه من الرواة ، ولم يجمعوا على جرحه وتوهينه ، فوثَّقه بعضهم ، ووهَّنه بعضهم .
على أنى أقطع فى نفسى ، من خلال نظرةٍ فاحصةٍ لواقع اليوم ، أن الأغلب الأعم من طلبة هذا العلم الشريف ، بل وكثير من فضلاء علماء زماننا ، يبادرون إلى تضعيف أحاديث أمثال هؤلاء الرواة ـ أعنى المتكلم فيهم ـ عملاً بظاهر كلام أئمة الجرح وأحكامهم ، من غير إمعان النظر فى مروياتهم ، وموافقتها أو مخالفتها لروايات أهل الضبط والتيقظ ، وإن شئت فقل : من غير سبر الروايات والوقوف على ما يحتف بها من قرائن مؤثرة فى الحكم عليها .(1/2)
ولله در الحافظ العسقلانى إذ يقول فى (( النكت ))(1/4045) : (( صحة الحديث وحسنه ليس تابعاً لحال الراوي فقط ، بل لأمور تنضم إلى ذلك من المتابعات والشواهد ، وعدم الشذوذ والنكارة )) .
فما أيسره عملاً ، وأسهله منهجاً ، أن يعمد أحدهم إلى الحديث وقد اطَّلع على بعض مصادره ، فيتعرف على رجال إسناده ، ثم يقابلهم بما اختصره الحافظ المزى أو الذهبى أو العسقلانى من مراتبهم فى الجرح والتعديل ، ويحكم بمقتضى ذلك على الحديث بالضعف أو الصحة ، كنحو قوله (( هذا حديث ضعيف ، لأن راويه ضعيف )) ، و (( هذا حديث منكر ، لأن راويه يروى المناكير )) ، و (( هذا حديث موضوع ، لأن راويه كذاب أو وضاع )) .
وقد أفرزت هذه السطحية والظاهرية كماً هائلاً من الأحكام الخاطئة على الأحاديث النبوية ، والآثار المصطفوية ، حتى تطرق ذلك إلى أحاديث (( الصحيحين )) ، و (( السنن الأربعة )) ، وصحيحى ابن خزيمة وابن حبان ، والكثير من الأحاديث التى احتج بها أكثر أهل العلم من المحدثين والفقهاء والأصوليين . ومن محدثات الأمور فى ذلك أن حُملتْ أحكام أئمة الجرح والتعديل على غير محاملها ، وصُرفتْ إلى غير معانيها ، وحُرفتْ عن مواضعها ، فضلاً عن الآراء المنحرفة فى حقِّ الكثير من رفعاء الأئمة وعلماء الأمة .(1/3)
ومما يحسُن نقله هاهنا ، قول الإمام أبى الحسين مسلم بن الحجاج فى مقدمة (( الصحيح )) حيث قال : (( وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ مُنْتَحِلِي الْحَدِيثِ مِنْ أَهْلِ عَصْرِنَا فِي تَصْحِيحِ الأَسَانِيدِ وَتَسْقِيمِهَا بِقَوْلٍ ، لَوْ ضَرَبْنَا عَنْ حِكَايَتِهِ وَذِكْرِ فَسَادِهِ صَفْحًا ، لَكَانَ رَأْيًا مَتِينًا وَمَذْهَبًا صَحِيحًا ، إِذِ الإِعْرَاضُ عَنِ الْقَوْلِ الْمُطَّرَحِ أَحْرَى لإِمَاتَتِهِ ، وَإِخْمَالِ ذِكْرِ قَائِلِهِ ، وَأَجْدَرُ أَنْ لا يَكُونَ ذَلِكَ تَنْبِيهًا لِلْجُهَّالِ عَلَيْهِ ، غَيْرَ أَنَّا لَمَّا تَخَوَّفْنَا مِنْ شُرُورِ الْعَوَاقِبِ ، وَاغْتِرَارِ الْجَهَلَةِ بِمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ ، وَإِسْرَاعِهِمْ إِلَى اعْتِقَادِ خَطَإِ الْمُخْطِئِينَ ، وَالأَقْوَالِ السَّاقِطَةِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ ، رَأَيْنَا الْكَشْفَ عَنْ فَسَادِ قَوْلِهِ ، وَرَدَّ مَقَالَتِهِ بِقَدْرِ مَا يَلِيقُ بِهَا مِنَ الرَّدِّ أَجْدَى عَلَى الأَنَامِ وَأَحْمَدَ لِلْعَاقِبَةِ إِنْ شَاءَ اللهُ )) .
وهذا حين الشروع فى ذكر الأمثلة على ما تختلف فيه الأحكام ، باختلاف القرائن المحيطة بأحاديث الرواة المتكلم فيهم .
ولنبدأ من ذلك بـ (( قرَّة بن عبد الرحمن بن حيوئيل أبو محمد المعافرى )) . فنقول والله المستعان :
أخرج الترمذى (700) قال : حدثنا إسحق بن موسى الأنصاري ثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن قرة بن عبد الرحمن عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : أَحَبُّ عِبَادِي إِلَيَّ أَعْجَلُهُمْ فِطْرًاً )) .
وحدثنا عبد الله بن عبد الرحمن أخبرنا أبو عاصم وأبو المغيرة عن الأوزاعي بهذا الإسناد نحوه .(1/4)
وأخرجه كذلك أحمد (2/237،329) ، والعقيلى (( الضعفاء الكبير ))(3/485) ، وأبو يعلى (10/378/5974) ، وابن حبان (3498) وصحَّحه ، والبيهقى (( السنن الكبرى ))(4/237) ، وابن عبد البر (( التمهيد ))(20/23) ، وابن عبد الغنى البغدادى (( التقييد ))( ص208) من طرق عن الأوزاعى عن قرَّة بن عبد الرحمن عن الزهرى عن أبى سلمة عن أبى هريرة مرفوعاً به .
قال أبو عيسى الترمذى : (( هذا حديث حسن غريب )) .
وقال أبو جعفر العقيلى : (( لا يتابع قرَّة عليه ، وهو يروى من غير هذا الوجه بإسناد أصلح من هذا )) .
قلت : أما أبو عيسى ، فقد أراد بالحسن تعدد مخارج الحديث ، وبالغرابة تفرد قرة بن عبد الرحمن بهذا الوجه عن الزهرى . وكلام أبى جعفر العقيلى من أوضح الأدلة على إرادته هذا المعنى . فهذا الحديث عند أبى عيسى حديث يُروى من غير وجهٍ نحوه ، ولكنه بهذا الإسناد عن الزهرى عن أبى سلمة عن أبى هريرة ، لم يروه عنه غير قرَّة بن عبد الرحمن المعافرى .
وأما أبو جعفر ، فلعلَّه أراد إسناداً ليس للزهرى ولا لقرَّة فيه ذكر ، ولم أقف عليه مع شدَّة التحرى لطلبه .
فإن قيل : فقد أخرجه الطبرانى فى (( الأوسط ))(1/54/149) ، وابن عدى (( الكامل ))(6/314) كلاهما من طريق مسلمة بن على الخشنى عن محمد بن الوليد الزبيدى عن الزهرى عن أبى سلمة عن أبى هريرة مرفوعاً بمثله .
وقال أبو القاسم الطبرانى : (( لم يرو هذا الحديث عن الزبيدى إلا مسلمة بن على )) .
فهذا معارض لكلام أبى عيسى وأبى جعفر ، ومنافٍ لمرادهما من تفرد قرَّة عن الزهرى به ! .
قلت جواباً على هذا الاعتراض : لستُ أعلم أحداً أثنى على الخشنى أو رضيه ، وذلك أنه يروى الأباطيل والمناكير ويركِّبها على أسانيد الثقات المشاهير من أهل الشام كالأوزاعى والزبيدى . قال أبو حاتم بن حبان : (( كان ممن يروى عن الثقات ما ليس من أحاديثهم توهماً ، فلما كثر ذلك منه بطل الاحتجاج به )) .(1/5)
وقال الحافظ الذهبى فى (( الميزان ))(6/423/8533) : (( مسلمة بن على الخشنى ؛ شامى واهٍ تركوه . قال دحيم : ليس بشئٍ . وقال أبو حاتم : لا يشتغل به . وقال البخارى : منكر الحديث . وقال النسائى : متروك . وقال ابن عدى : عامة أحاديثه غير محفوظة )) .
فلا يبعد أن يكون الخشنى سرق حديث قرَّة بن عبد الرحمن ، وركَّبه على هذا الإسناد عن الزبيدى عن الزهرى عن أبى سلمة عن أبى هريرة . وعليه فالحديث باقٍ على غرابته لتفرد قرَّة عن الزهرى به .
وأما قرَّة بن عبد الرحمن بن حيوئيل المصرى . فقد ضعَّفه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبو حاتم وأبو زرعة الرازيان وأبو داود والنسائى . وقوَّى أمرَه عند مصححى حديثه هذا وغيرِه :
(1) ثناء الأوزاعى عليه ، وهو من أعرف الناس به وأرواهم لحديثه .
(2) تخريج مسلم حديثاً له فى المتابعات مقروناً بعمرو بن الحارث المصرى . فقد قال الإمام مسلم فى (( كتاب المساقاة )) (1591) : حدثني أبو الطاهر أخبرنا ابن وهب عن قرة بن عبد الرحمن المعافري وعمرو بن الحارث وغيرهما أن عامر بن يحيى المعافري أخبرهم عن حنش أنه قال : كنا مع فضالة بن عبيد في غزوة فطارت لي ولأصحابي قلادة فيها ذهب وورق وجوهر فأردت أن أشتريها ، فسألت فضالة بن عبيد فقال : انزع ذهبها فاجعله في كفة ، واجعل ذهبك في كفة ، ثم لا تأخذن إلا مثلاً بمثل ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ، فَلا يَأْخُذَنَّ إِلا مِثْلاً بِمِثْلٍ )) .
(3) تصحيح ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والضياء المقدسى جملةً من أحاديثه .
وأما كلام من ضعَّفه ولم يقبله بمرة ، فقال أحمد بن حنبل : (( منكر الحديث جداً )) . وقال يحيى بن معين : (( ضعيف الحديث )) وقال أبو حاتم الرازى والنسائى : (( ليس بقوى )) . وقال أبو زرعة : (( أحاديثه مناكير )) . وقال أبو داود : فى حديثه نكارة .(1/6)
ففى (( الجرح والتعديل ))(7/131/751) لابن أبى حاتم : (( قرة بن عبد الرحمن بن حيوئيل بن ناشرة المعافري المزني المصري . روى عن الزهرى . روى عنه الأوزاعي ، وحيوة بن شريح ، وسويد بن عبد العزيز ، وعبد الله بن وهب . وأخبرنا أبى نا إبراهيم بن الوليد بن سلمة الطبراني نا أبو مسهر نا يزيد بن السمط قال : كان الأوزاعي يقول ما أحد أعلم بالزهرى من قرة بن عبد الرحمن بن حيوئيل . وأخبرنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني فيما كتب إلىَّ قال : سمعت أحمد بن حنبل يقول : قرة بن عبد الرحمن صاحب الزهرى منكر الحديث جداً . وأخبرنا أبو بكر بن أبى خيثمة فيما كتب إلىَّ قال : سئل يحيى بن معين عن قرة بن عبد الرحمن فقال : ضعيف الحديث . وسألت أبى عن قرة بن عبد الرحمن بن حيوئيل فقال : ليس بقوي . وسئل أبو زرعة عن قرة بن حيوئيل فقال : الأحاديث التي يرويها مناكير )) .
وأما من وثَّقه ، فقد قال أبو عمرو الأوزاعى : ما أحد أعلم بالزهرى من قرة بن عبد الرحمن بن حيوئيل . وقال أبو حاتم بن حبان : (( من ثقات أهل مصر )) . وقال أبو أحمد بن عدى : (( ولقرَّة أحاديث صالحة ، وأرجو أنه لا بأس به )) .(1/7)
وربما يحمل كلام الأوزاعى على علمه بحال الزهرى لا بأحاديثه ، فإن أعلم الناس بحديث الزهرى : مالك بن أنس ، وابن عيينة ، ومعمر ، ليس قرَّة ولا غيره . قال أبو حاتم بن حبان (( الثقات ))(7/342) : (( سمعت عمر بن حفص البزار بجنديسابور يقول سمعت إسحاق بن ضيف يقول سمعت أبا مسهر يقول سمعت يزيد بن السمط يقول : أعلم الناس بالزهرى قرة بن عبد الرحمن بن حيوئيل . قال أبو حاتم : هذا الذي قاله يزيد بن السمط ليس بشيء يحكم به على الإطلاق ، وكيف يكون قرة بن عبد الرحمن أعلم الناس بالزهرى ، وكل شيء روى عنه لا يكون ستين حديثا ، بل أتقن الناس في الزهرى : مالك ، ومعمر ، والزبيدى ، ويونس ، وعقيل ، وابن عيينة ، هؤلاء الستة أهل الحفظ والإتقان والضبط والمذاكرة ، وبهم يعتبر حديث الزهرى ، إذا خالف بعض أصحاب الزهرى بعضا في شيء يرويه )) .
قلت : وهذا الذى ذكره أبو حاتم هو الغاية فى الإجادة والإفادة ، ولكن لا يسقط به الاحتجاج بأحاديث قرَّة عن الزهرى ، سيما إذا توبع ولم يتفرد .
ومما يقتضيه النظر الممعن فيما حُكى من الاختلاف على جرح أو توثيق قرَّة بن عبد الرحمن ، ألا يطرح حديثُه بمرَّة ، بل يُحتج بما وافق فيه الثقات ، كنحو صنيع الإمام مسلم فى احتجاجه بحديثه عن عامر بن يحيى المعافرى عن حنشٍ الصنعانى عن فضالة بن عبيد أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ، فَلا يَأْخُذَنَّ إِلا مِثْلاً بِمِثْلٍ )) .
وسبيل هذا الإيضاح كما فى الحديث التالى :(1/8)
فقد أخرج الدارمى (1958) قال : حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي ثنا ابن وهب عن قرَّة بن عبد الرحمن عن الزهري عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر : أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا أُتِيَتْ بِثَرِيدٍ أَمَرَتْ بِهِ ، فَغُطِّيَ حَتَّى يَذْهَبَ فَوْرَةُ دُخَانِهِ ، وَتَقُولُ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( هُوَ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ )) .
وأخرجه كذلك ابن أبى الدنيا (( الجوع )) ، وابن أبى عاصم (( الآحاد والمثانى ))(5/453/3140) ، وابن حبان وصححه ، والطبرانى (( الكبير ))(24/84/226) ، والحاكم (4/118) ، والبيهقى (( الكبرى ))(7/280) و (( شعب الإيمان )) (5/93/5909) من طرق عن عبد الله بن وهبٍ به بنحوه .
وقال أبو عبد الله الحاكم : (( هذا حديث صحيح على شرط مسلم في الشواهد ، ولم يخرجاه )) .
قلت : هو كما قال ، وذلك أنه لم يتفرد به عن الزهرى ، فقد تابعه : عقيل بن خالد الأيلى .
أخرجه أحمد (6/350) قال : حدثنا حسن ثنا ابن لهيعة ثنا عقيل بن خالد عن ابن شهاب عن أسماء بنت أبي بكر : أنها كانت إذا ثردت غطته شيئا ، حَتَّى يَذْهَبَ فَوْرُهُ ، ثم تقول إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (( إنَّه أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ )) .
حدثنا قتيبة بن سعيد ثنا ابن لهيعة عن عقيل ح وحدثنا عتَّاب ثنا عبد الله ـ يعنى ابن المبارك ـ أنبأنا ابن لهيعة حدثني عقيل بن خالد عن ابن شهاب عن عروة عن أسماء بنت أبي بكر : أنها كانت إذا ثردت غطته فذكر مثله .(1/9)
قلت : وهذا من صحاح أحاديث ابن لهيعة ، فإنه من رواية عبد الله بن المبارك ، وهو من قدماء أصحابه الذين رووا عنه قبل اختلاطه ، وعتَّاب هو ابن زياد الخراسانى أبو عمرو المروزى . قال ابن أبى حاتم (( الجرح والتعديل ))(7/13/58) : (( عتاب بن زياد المروزي . سمع ابن المبارك ، وأبا حمزة السكري . كتب عنه أبى بالري ، وروى عنه . وسئل أبى عنه ، فقال : ثقة )) . وذكره ابن حبان فى (( الثقات ))(8/522) .
ومن شواهد الحديث الصحيحة : حديث أبى هريرة موقوفاً .
أخرجه البيهقى (( الكبرى ))(7/280) قال : أخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق المزكي نا أبو العباس محمد بن يعقوب نا بحر بن نصر نا ابن وهب حدثني الليث عن جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة أنه كان يقول : لا يُؤْكَلُ طَعَامٌ حتَّى يذهبَ بُخَارُهُ .
قلت : وهذا إسناد صحيح غاية ، رجاله ثقات كلهم ، المزكى فما فوقه ، وهو على رسم البخارى من راويه عبد الله بن وهبٍ إلى أبى هريرة . وقد روى نحوه عن أبى هريرة مرفوعاً بإسناد ليس بالقائم .
فقد أخرجه الطبرانى (( الصغير ))(934) ، ومن طريقه ابن عساكر (( تاريخ دمشق ))(10/522) من طريق عبد الله بن يزيد البكري ثنا يعقوب بن محمد بن طحلاء المديني ثنا بلال بن أبي هريرة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بصفحة تفور ، فرفع يده منها ، فقال : (( اللهم لا تطعمنا نارا )) .
وقال أبو القاسم : (( لم يروه عن بلال بن أبي هريرة إلا يعقوب بن محمد ، ولا عنه إلا عبد الله بن يزيد . وبلال قليل الرواية عن أبيه )) .
قال ابن أبى حاتم (( الجرح والتعديل ))(5/201/940) : (( عبد الله بن يزيد البكري . روى عن : عكرمة بن عمار ، وشعيب بن أبى حمزة ، وسليمان بن راشد البصري . روى عنه : هشام بن عمار . سألت أبى عنه ، فقال : ضعيف الحديث ذاهب الحديث )) .(1/10)
والخلاصة ، فحديث قرَّة (( هُوَ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ )) صحيح فى المتابعات ، وأمثل شواهده حديث أبى هريرة موقوفاً .
ولأحاديث قرَّة بقية إن شاء الله تعالى .
&&&&&&&&&&&
نظرات فى تصحيح الأحاديث وتضعيفها 2
*** *** *** ***
الحمد لله الهادى إلى سبل الرشاد . نستعينُه ونستهديه ونسترفدُه العونَ والسداد . والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على المبعوث بالهدى والخير والرحمة إلى كلِّ العباد . وبعد ..
فلا يذهبنَّ عنك ما قررته آنفاَ بقولى : (( ما أيسره عملاً ، وأسهله منهجاً ، أن يعمدَ أحدُهم إلى الحديث ، وقد اطَّلع على بعض مصادره ، فيتعرف على رجال إسناده ، ثم يقابلهم بما اختصره الحافظ المزى أو الذهبى أو العسقلانى من مراتبهم فى الجرح والتعديل ، ويحكم بمقتضى ذلك على الحديث بالضعف أو الصحة .
وقد أفرزت هذه السطحية والظاهرية كماً هائلاً من الأحكام الخاطئة على الأحاديث النبوية ، والآثار المصطفوية ، حتى تطرق ذلك إلى أحاديث (( الصحيحين )) ، و (( السنن الأربعة )) ، وصحيحى ابن خزيمة وابن حبان ، والكثير من الأحاديث التى احتج بها أكثر أهل العلم من المحدثين والفقهاء والأصوليين .
ومن محدثات الأمور فى ذلك أن حُملتْ أحكام أئمة الجرح والتعديل على غير محاملها ، وصُرفتْ إلى غير معانيها ، وحُرفتْ عن مواضعها ، فضلاً عن الآراء المنحرفة فى حقِّ الكثير من رفعاء الأئمة وعلماء الأمة )) .(1/11)
وكذلك لا يغيبنّ عنك ما أثبتُه فى حق قرَّة بن عبد الرحمن المعافرى بقولى : (( ومما يقتضيه النظر الممعن فيما حُكى من الاختلاف على جرح أو توثيق قرَّة بن عبد الرحمن ، ألا يطرح حديثُه بمرَّة ، بل يُحتج بما وافق فيه الثقات ، كنحو صنيع الإمام مسلم فى احتجاجه بحديثه عن عامر بن يحيى المعافرى عن حنشٍ الصنعانى عن فضالة بن عبيد أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ، فَلا يَأْخُذَنَّ إِلا مِثْلاً بِمِثْلٍ )) .
وتتمةً لما سبق بيانه ، أقول والله المستعان وعيه التكلان :
وأما الحديث الثانى من أحاديث قرَّة بن عبد الرحمن المعافرى :
قال أبو داود (3722) : حدثنا أحمد بن صالح ثنا عبد الله بن وهب أخبرني قرة بن عبد الرحمن عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي سعيد الخدري أنه قال : نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشُّرْبِ مِنْ ثُلْمَةِ الْقَدَحِ ، وَأَنْ يُنْفَخَ فِي الشَّرَابِ .
وأخرجه كذلك أحمد (3/80) ، وعبد الله بن أحمد (( زوائد المسند ))(3/80) ، وابن حبان (5315) وصحَّحه ، والبيهقى (( شعب الإيمان ))(5/117/6019) من طرق عن عبد الله بن وهبٍ أخبرنى قرَّة به مثله .
قلت : هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال البخارى ، خلا قرَّة بن عبد الرحمن المعافرى ، وقد وثق ، ولم يتفرد بهذا المتن ، بل توبع عليه .
فمما يشهد للشطر الأول منه : حديث أبى هريرة .
أخرجه عبد الرزاق (( جامع معمر ))(10/427) ، ومن طريقه الخطيب (( موضح الأوهام ))(1/534) عن معمر ، والطبرانى (( الأوسط ))(7/55/6833) عن عبد الله بن المبارك عن معمر ، عن جعفر بن برقان الجزرى عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة قال : (( نهي أنْ نَشْرَبَ مِنْ كَسْرِ الْقَدَحِ )) .(1/12)
ولفظ عبد الرزاق (( كره أنْ يَشْرَبَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْرِ الْقَدَحِ ، أو يتوضأ منه )) .
قلت : وهذا إسناد صحيح على رسم مسلم ، وحكمه الرفع . ولهذا قال الحافظ الهيثمى (( مجمع الزوائد ))(5/78) : (( رواه الطبراني في (( الأوسط )) ، ورجاله ثقات رجال الصحيح )) .
ومما يشهد للشطر الثانى منه : حديث أبى سعيد الخدرى .
أخرجه يحيى بن يحيى (( موطأ مالك ))(1718) : عن مالك عن أيوب بن حبيب مولى سعد بن أبي وقاص عن أبي المثنى الجهني أنه قال : كنت عند مروان بن الحكم ، فدخل عليه أبو سعيد الخدري ، فقال له مروان بن الحكم : أَسَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنِ النَّفْخِ فِي الشَّرَابِ ؟ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو سَعِيدٍ : نَعَمْ ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنِّي لا أَرْوَى مِنْ نَفَسٍ وَاحِدٍ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( فَأَبِنِ الْقَدَحَ عَنْ فِيكَ ، ثُمَّ تَنَفَّسْ )) ، قَالَ : فَإِنِّي أَرَى الْقَذَاةَ فِيهِ ، قَالَ : (( فَأَهْرِقْهَا )) .
وأخرجه كذلك ابن أبى شيبة (5/107/24178) ، وأحمد ( 3/26،32،57 ) ، والدارمى (2040،2029) ، وعبد بن حميد (980) ، والترمذى (1887) ، وأبو يعلى (1301) ، وابن حبان (5327) ، والحاكم (4/155) ، والبيهقى (( شعب الإيمان ))(5/114/6005) من طرق عن مالك بإسناده نحوه ، وأكثرهم يرويه مختصراً .
قال أبو عبد الله الحاكم : (( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه )) .(1/13)
قلت : وهو كما قال ، ويكفى تخريج إمام دار الهجرة إيَّاه فى (( موطئه )) . وأبو المثنى الجهنى ممن يذكر فى الوحدان ، ليس له فى (( الكتب الستة )) إلا هذا الحديث . وهو ثقة لذكر الإمام مالك إيَّاه فى (( الموطأ )) ، إذ لا يذكر فيه إلا الثقات . قال ابن أبى حاتم (( الجرح والتعديل ))(9/444/2241) : (( أبو المثنى الجهني مدينى . سمع سعد بن أبى وقاص ، وأبا سعيد الخدري . روى عنه : أيوب بن حبيب ، ومحمد بن أبى يحيى سمعت أبى يقول ذلك . وذكره أبى عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين قال : أبو المثنى الذي يروى عنه أيوب بن حبيب ثقة )) . وذكره كذلك ابن حبان فى (( الثقات ))(5/565) وصحَّح حديثه .
وفى النهى عن النفخ فى الشراب والإناء أحاديث عن : ابن عباس ، وابن عمر ، وأبى قتادة ، وليس ذا موضع بسطها .
فإن قيل : قد أخرج الحديث بتمامه الطبرانى (( الكبير ))(6/125/5722) قال : حدثنا عبدان بن أحمد ثنا أبو مصعب ثنا عبد المهيمن عن أبيه عن جده ـ يعنى سهل بن سعد ـ : أنَّ النَّبيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أَنْ يُنْفَخَ فِي الشَّرَابِ ، وَأَنْ يُشْرَبُ مِنْ ثُلْمَةِ الْقَدَحِ .
قلنا : هذا إسناد ليس بالقائم ، والحديث منكر بهذا الإسناد . وإن كان كلُّ رجاله موثقين : عبدان المروزى فما فوقه ، إلا أن عبد المهيمن بن العباس بن سهل بن سعد الساعدى واهٍ بمرَّة ، لا أعلم أحداً رضيه أو حمده ، له نسخة عن أبيه عن جده فيها مناكير ، قاله أبو زكريا الساجى . وقال البخارى وأبو حاتم الرازى : منكر الحديث . وقال الحافظ ابن الجوزى (( الضعفاء والمتروكين ))(2/154/2193) : (( عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي منكر الحديث . قال علي بن الحسين بن الجنيد : ضعيف الحديث . وقال النسائي : متروك الحديث . وقال ابن حبان : لما فحش الوهم في روايته بطل الاحتجاج به . وقال الدارقطني : ليس بالقوي )) .(1/14)
قلت : عبارة ابن حبان فى (( المجروحين ))(2/148) : (( ينفرد عن أبيه بأشياء مناكير لا يتابع عليها من كثرة وهمه ، فلما فحش ذلك في روايته بطل الاحتجاج به )) .
وأما الحديث الثالث من أحاديث قرَّة بن عبد الرحمن المعافرى :
قال أبو بكر بن خزيمة (1595) : أخبرنا عيسى بن إبراهيم الغافقي ثنا ابن وهب عن يحيى بن حميد عن قرة بن عبد الرحمن عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها ، قبل أن يقيم الإمام صلبه )) .
وأخرجه كذلك العقيلى (( الضعفاء الكبير ))(4/398) ، وابن عدى (( الكامل ))(7/228) ، والدارقطنى (1/346/1) ، والبيهقى (( الكبرى ))(2/89) من طرق عن ابن وهب عن يحيى بن حميد عن قرَّة به مثله .
قلت : وهذا الحديث مستفيض مشهور من حديث الزهرى بدون هذه الزيادة (( قبل أن يقيم الامام صلبه )) ، والحمل فيه على يحيى بن حميد شيخ ابن وهب ، فإنه غير معروف بحمل العلم ، وليس له من المسندات غير هذا الحديث ، ولم يتابع عليه .
وذكره ابن حبان فى (( الثقات ))(9/251) . وقال أبو عبد الرحمن بن يونس المصرى كما فى (( لسان الميزان ))(6/250) : (( يحيى بن حميد بن أبي سفيان المعافري . أسند حديثاً واحداً ، وله مقطعات )) .
وقال أبو أحمد بن عدى : (( وهذه الزيادة : (( قبل أن يقيم الامام صلبه )) يقولها يحيى بن حميد ، وهو مصري ، ولا أعرف له إلا هذا الحديث )) اهـ .
وبيَّن ذلك أبو جعفر العقيلى غاية البيان ، فقال : (( رواه معمر ومالك ويونس وعقيل وابن جريج وابن عيينة والأوزاعي وشعيب عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة )) ، ولم يذكر أحد منهم هذا اللفظ (( قبل أن يقيم الإمام صلبه )) ، ولعل هذا من كلام الزهري ، فأدخله يحيى بن حميد في الحديث ، ولم يبينه )) .(1/15)
قلت : وهذا من أوضح وأبين ما عُلل به هذا الحديث ، وسبيل إيضاحه أن نقول :
أخرج يحيى بن يحيى (( موطأ مالك ))(15) : عَنْ مَالِك عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاةِ ، فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاةَ )) .
وأخرجه كذلك البخارى (580) ، ومسلم (607) ، وأبو داود (1121) ، والنسائى (( الكبرى ))(1/481/1537) و (( المجتبى ))(1/274) ، وأبو عوانة (( المسند ))(1530،1529) ، والطحاوى (( السنن المأثورة عن الشافعى ))(110) ، وابن حبان (1483) ، وأبو نعيم (( المسند المستخرج ))(2/203/1349) ، والبيهقى (( الكبرى ))(1/386) من طرق عن مالك عن الزهرى أخبرنى أبو سلمة عن أبى هريرة به .
وتابع مالكاً عن الزهرى جماعة كثيرون : عبيد الله بن عمر ، وابن عيينة ، ومعمر ، والأوزاعى ، وابن جريج ، ويونس بن يزيد ، وشعيب بن أبى حمزة ، وعقيل بن خالد ، ويزيد بن عبد الله بن الهاد ، وإبراهيم بن أبى عبلة ، وثابت بن ثوبان ، ومعاوية بن يحيى الصدفى ، وكلهم يقول (( مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاةِ ، فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاةَ )) . وسبيل تخريج أحاديثهم يطول .
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى .
&&&&&&&&&&&&&&
نظرات فى تصحيح الأحاديث وتضعيفها 3
*** *** *** ***
الحمد لله بالعشى والإشراق ، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على من وقع على محبته الإتفاق ، وطلعت شموس أنواره في غاية الإشراق ، وتفرد فى ميدان الكمال بحسن الإستباق ، الناصح الأمين الذي اهتدى الكون كله بعلمه وعمله ، والقدوة المكين الذي اقتدي الفائزون بحاله وقوله ، ناشر ألوية العلوم والمعارف ، ومسدي الفضل للأسلاف والخوالف ، الداعي على بصيرة إلى دار السلام ، والسراج المنير والبشير النذير ، علم الأئمة الأعلام . وبعد ..(1/16)
حُيي بن عبد الله بن شريح المعافري أبو عبد الله المصرى
قال أبو داود (3107) : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدٍ الرَّمْلِيُّ ثنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ حُيَيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِذَا جَاءَ الرَّجُلُ يَعُودُ مَرِيضًا ، فَلْيَقُلِ : اللَّهُمَّ اشْفِ عَبْدَكَ ، يَنْكَأُ لَكَ عَدُوًّا ، أَوْ يَمْشِي لَكَ إِلَى جَنَازَةٍ )) . قَالَ أَبو داود : وَقَالَ ابْنُ السَّرْحِ (( إِلَى صَلاةٍ )) .
وأخرجه كذلك ابن أبى الدنيا (( كتاب المرض والكفارات ))(174) ، والعقيلى (( الضعفاء ))(1/319) ، وابن حبان (2974) ، والحاكم (1/734،495) من طرق عن ابن وهبٍ عَنْ حُيَيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو بمثله .
وأخرجه أحمد (2/172) عن ابن لهيعة ، وعبد بن حميد (344) عن رشدين بن سعد ، كلاهما عن حُيَيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ به نحوه .
وقال أبو جعفر العقيلى : (( حيي بن عبد الله المعافري المصري . حدثنا عبد الله بن أحمد سمعت أبي يقول : حيي ودراج وزبان هؤلاء الثلاثة أحاديثهم مناكير . ومن حديثه ... فذكر الحديث )) .
قلت : والحديث بإسناد ابن وهبٍ حديثٌ مصرىٌّ رجاله ثقات كلهم خلا حُيَيَّ بْنَ عَبْدِ اللهِ المعافرى ، وقد وثق . قال عثمان بن سعيد قال يحيى بن معين : ليس به بأس . وذكره ابن حبان فى (( الثقات ))(6/235/7515) ، وقال فى (( مشاهير علماء الأمصار ))( ص288) : حيي بن عبد الله المعافري من خيار أهل مصر ومتقنيهم ، وكان شيخا جليلا فاضلاً . وقال ابن عدى : أرجو أنه لا بأس به إذا روى عنه ثقة .(1/17)
وقد سبرت روايات عبد الله بن وهبٍ عنه ، فلم أر فيها حديثاً منكراً ، وإنما تقع النكارة فى حديثه من بعض الرواة عنه : كابن لهيعة ، ورشدين بن سعد ، سيما إذا تفردا عنه ، ولم يتابعا ، وأما روايات ابن وهب عنه فعامتها مستقيمة ليس فيها ما ينكر ، وقد صحَّح أبو حاتم بن حبان منها سبعة أحاديث ، وأودعها (( صحيحه )) .
وأما من لم يعتبر بروايته ، فلقول الإمام أحمد بن حنبل : أحاديثه مناكير . وقول البخارى : فيه نظر . وقول النسائى : ليس بالقوى .
ولا يغيبنَّ عنك ما سبق أن ذكرناه من تأويل قول الإمام أحمد عن راوٍ : أحاديثه مناكير ، أنه يقول مثل هذا (( عن جماعة من الثقات أمثال : محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمى ، وعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ، والمغيرة بن زياد البجلى ، ونحوهم ممن وثقوا ، ولم يضعف الأئمة من أحاديثهم إلا ما تيقنوا نكارته ، فقد يروى الثقة المناكير )) .
فكلام الإمام أحمد محمول على إنكار تفرده بأحاديثٍ عن أهل مصر لا يُتابع عليها . وليس فى هذا ما يوجب ضعف حديثه ولا رده ، فكم من الأحاديث التى تفرد بها ثقات المصريين ولم يُتابعوا عليها ، وقد صححها الأئمة ، وتلقوها بالقبول .
فمن أفراد وغرائب صحاح أحاديث المصريين :
[(1/18)
1 ] قال الإمام أحمد (2/167) قال : حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ ثنا لَيْثُ بنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي أَبُو قَبِيلٍ الْمَعَافِرِيُّ عَنْ شُفَيٍّ الأَصْبَحِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي يَدِهِ كِتَابَانِ ، فَقَالَ : أَتَدْرُونَ مَا هَذَانِ الْكِتَابَانِ ؟ ، قُلْنَا : لا إِلا أَنْ تُخْبِرَنَا يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ لِلَّذِي فِي يَدِهِ الْيُمْنَى : هَذَا كِتَابٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِأَسْمَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ ، ثُمَّ أُجْمِلَ عَلَى آخِرِهِمْ لا يُزَادُ فِيهِمْ ، وَلا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَدًا ، ثُمَّ قَالَ لِلَّذِي فِي يَسَارِهِ : هَذَا كِتَابُ أَهْلِ النَّارِ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ ، ثُمَّ أُجْمِلَ عَلَى آخِرِهِمْ لا يُزَادُ فِيهِمْ ، وَلا يُنْقَصُ مِنْهُمْ أَبَدًا ، فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَلأَيِّ شَيْءٍ إِذَنْ نَعْمَلُ إِنْ كَانَ هَذَا أَمْرًا قَدْ فُرِغَ مِنْهُ ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( سَدِّدُوا وَقَارِبُوا ، فَإِنَّ صَاحِبَ الْجَنَّةِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ ، وَإِنَّ صَاحِبَ النَّارِ لَيُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ ، وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ )) ، ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ فَقَبَضَهَا ، ثُمَّ قَالَ : (( فَرَغَ رَبُّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْعِبَادِ )) ، ثُمَّ قَالَ بِالْيُمْنَى ، فَنَبَذَ بِهَا ، فَقَالَ : (( فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ )) ، وَنَبَذَ بِالْيُسْرَى ، فَقَالَ : (( فَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ )) .(1/19)
وأخرجه الترمذى (2141) ، والنسائى (( الكبرى ))(6/452/11473) ، وابن أبى عاصم (( كتاب السنة ))(348) ، وابن جرير (( التفسير ))(25/9) من طرق عن أبى قبيلٍ المعافرى عَنْ شُفَيٍّ الأَصْبَحِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو به .
وقال أبو عيسى : (( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ )) .
قلت : وإنما استغربه الترمذى ، لأنه لا يعلمه من حديث ابن عمرو إلا بهذ الإسناد ، لم يروه عنه إلا شفى بن ماتع الأَصْبَحِيُّ ، تفرد به أبو قبيل المعافرى . والحديث من غرائبه وأفراده ، وهو فى عداد ثقات المصريين ، وثقه أحمد وابن معين وأبو زرعة والعجلى .
[ 2 ] قال الإمام أحمد (5/184) : حدثنا يحيى بن إسحاق أخبرنا يحيى بن أيوب ثنا يزيد بن أبي حبيب أن عبد الرحمن بن شماسة أخبره أن زيد بن ثابت قال : بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ مِنَ الرِّقَاعِ ، إِذْ قَالَ : (( طُوبَى لِلشَّامِ )) ، قِيلَ : وَلِمَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ ، قَالَ : (( إِنَّ مَلائِكَةَ الرَّحْمَنِ بَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَهَا عَلَيْهَا )) .
وأخرجه كذلك ابن أبى شيبة (6/409/32466) ، والترمذى (3954) ، والطبرانى (( الكبير ))(5/158/4933) ، والحاكم (2/249) ، والبيهقى (( شعب الإيمان ))(2/432/2311) ، وابن عساكر (( التاريخ ))(1/127:125) من طرق عن يحيى بن أيوب ثنا يزيد بن أبى حبيب به مثله ، وزاد الترمذى (( كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ مِنَ الرِّقَاعِ )) .
وأخرجه الطبرانى (( الكبير ))(5/158/4935) ، وابن عساكر (1/127) كلاهما من طريق عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبى حبيب به .
وأخرجه أحمد (5/184) عن حسن بن موسى ، الطبرانى (( الكبير ))(5/185/4934) عن عمرو بن خالد ، وابن عساكر (1/127، 128) عن حسن وعمرو والوليد بن مسلم ، ثلاثتهم عن ابن لهيعة عن يزيد به .(1/20)
قال أَبو عِيسَى : (( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ )) .
قلت : فهذا كذلك من غرائب أحاديث أهل مصر ، لا نعلمه من حديث زيد بن ثابت إلا بهذا الإسناد ، لم يروه عنه إلا عبد الرحمن بن شماسة أبو عمرو المهرى المصرى ، تفرد به يزيد بن أبى حبيب عنه . والحديث من غرائب وأفراد ابن شماسة ، وهو مصرى تابعى ثقة ، سمع جلَّة من الصحابة : عمرو بن العاص ، وعقبة بن عامر ، وزيد بن ثابت ، وعبد الله بن عمرو ، وغيرهم .
[(1/21)
3 ٍ] قال أبو عيسى الترمذى (2639) : حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ ـ يعنى ابن المبارك ـ عَنْ لَيْثِ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَعَافِرِيِّ الْحُبُلِيِّ سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِنَّ اللهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلاً مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلاً ، كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ الْبَصَرِ ، ثُمَّ يَقُولُ : أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا ؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ ؟ ، فَيَقُولُ : لا يَا رَبِّ ، فَيَقُولُ : أَفَلَكَ عُذْرٌ ؟ ، فَيَقُولُ : لا يَا رَبِّ ، فَيَقُولُ : بَلَى ! إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً ، فَإِنَّهُ لا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ ، فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، فَيَقُولُ : احْضُرْ وَزْنَكَ ، فَيَقُولُ : يَا رَبِّ مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلاتِ ، فَقَالَ : إِنَّكَ لا تُظْلَمُ ، قَالَ : فَتُوضَعُ السِّجِلاتُ فِي كَفَّةٍ ، وَالْبِطَاقَةُ فِي كَفَّةٍ ، فَطَاشَتِ السِّجِلاتُ ، وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ ، فَلا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللهِ شَيْءٌ )) .
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عَامِرِ بْنِ يَحْيَى بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ .
قَالَ أَبو عِيسَى : (( هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ )) .(1/22)
وأخرجه كذلك ابن المبارك (( الزهد ))(371) ، وأحمد (2/213) ، وابن ماجه (4300) ، وحمزة بن محمد الكنانى (( جزء البطاقة ))(2) ، وابن حبان (225) ، والحاكم (1/710،46) ، والبيهقى (( شعب الإيمان ))(1/264/283) ، والخطيب (( موضح الأوهام ))(2/204) ، والمزى (( تهذيب الكمال ))(14/84) ، والذهبى (( معجم المحدثين ))( ص48) من طرق عن الليث بن سعد به نحوه .
وهو عند أكثرهم بلفظ (( يُصَاحُ بِرَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلائِقِ )) .
ومن لطائف رواية هذا الحديث ، ما أخرجه الحافظ الجلال السيوطى (( تدريب الراوى ))(2/408) قال : قرئ على أم الفضل بنت محمد المصرية وأنا أسمع : شيخ الإسلام أبو حفص البلقيني ومحمد ومريم ولدا أحمد بن إبراهيم سماعا قالوا كلهم : أنا أبو الفتح محمد بن محمد الميدومي أنا أبو عيسى بن علاق أنا أبو القاسم هبة الله بن علي البوصيري ثنا أبو صادق مرشد بن يحيى أنا أبو الحسن علي بن عمر الصواف ثنا أبو القاسم حمزة بن محمد الكنانى أنا عمران بن موسى بن حميد الطبيب ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير حدثني الليث بن سعد عن عَامِرِ بْنِ يَحْيَى المعافري عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِوٍ يَقُولُ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يُصَاحُ بِرَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الْخَلائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فينشر له تسعة وتسعون سجلاً ..... )) الحديث .
ثم قال الجلال السيوطى : (( ورجال هذا الإسناد الذي سقناه مني إلى عبد الله بن عمرو كلهم مصريون )) .(1/23)
قلت : فهذا كذلك من غرائب أحاديث أهل مصر ، لا نعلمه من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً موصولاً إلا بهذا الإسناد ، لم يروه عنه إلا أبو عبد الرحمن الحبلى ، تفرد به عامر بن يحيى بن جشيب أبو خنيس المعافرى المصرى . والحديث من غرائبه وأفراده ، وهو ثقة مأمون قليل الحديث ، روى عنه رفعاء المصريين : خالد بن أبي عمران ، وسعيد بن يزيد الإسكندراني ، والضحاك بن شرحبيل ، وعمرو بن الحارث ، وقرة بن عبد الرحمن بن حيوئيل ، والليث بن سعد ، ويزيد بن أبي حبيب وغيرهم .
وهذه أمثلة لمئاتٍ غيرها من أفراد وغرائب رواة أهل مصر ، وكلها صحاح محتج بها ، ومتلقاة بالقبول لا يُرد منها شئ البتة .
والخلاصة ، فإن حيي بن عبد الله المعافري ، وإن تفرد عن تابعى المصريين بأحاديث غرائب ، فسبيله كسبيل هؤلاء ممن تلقى الأئمة أحاديثهم بالقبول ، وهو من خيار أهل مصر ومتقنيهم ، كما قاله أبو حاتم بن حبان البستى .
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى بتوفيقه وعونه .
... ... &&&&&&&&&&&&&&&
نظرات فى تصحيح الأحاديث وتضعيفها 4
*** *** *** ***
الحمد لله الهادى إلى سبل الرشاد . نستعينُه ونستهديه ونسترفدُه العونَ والسداد . والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على المبعوث بالهدى والخير والرحمة إلى كلِّ العباد . وبعد ..
فلا يذهبنَّ عنك ما قررته آنفاَ أنَّ : حُيَيَّ بْنَ عَبْدِ اللهِ المعافري صدوق لا بأس به ، من خيار أهل مصر ومتقنيهم ، وأن روايات عبد الله بن وهب عنه عامتها مستقيمة ليس فيها ما ينكر ، وقد صحَّح أبو حاتم بن حبان منها سبعة أحاديث ، وأودعها (( صحيحه )) . وإنما تقع النكارة فى حديثه من بعض الرواة عنه : كابن لهيعة ، ورشدين بن سعد المهرى ، سيما إذا تفردا عنه ، ولم يتابعا . ولعبد الله بن لهيعة عنه نسخة كبيرة ، أخرج أكثرها الإمام أحمد فى (( المسند ))(2/178:171) ، وأحاديث هذه النسخة تعرف وتنكر .
فمن مناكير ابن لهيعة عنه :
[(1/24)
1 ] ما أخرجه ابن حبان (( المجروحين ))(2/14) وابن عدى (( الكامل ))(2/450) قالا : حدثنا أبو يعلى ثنا كامل بن طلحة ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ حَدَّثَنِي حُيَيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو : أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ في مرضه : ادعُو لي أخي ، فدُعِي له أبو بكر ، فأعرض عنه ، ثم قال : ادعوا لي أخي ، فدعي له عثمان ، فأعرض عنه ، ثم دعي له علي ، فستره بثوبه ، وأكبَّ عليه ، فلما خرج من عنده ، قيل له : ما قال ؟ ، قال : عَلَّمَني ألفَ بابٍ ، كلُّ بابٍ يفتحُ ألفَ بابٍ .
قال أبو أحمد بن عدى : (( هذا حديث منكر ، ولعل البلاء فيه من ابن لهيعة ، فإنه شديد الإفراط في التشيع ، وقد تكلم فيه الأئمة ونسبوه إلى الضعف )) .
وقال الحافظ الذهبى : (( هذا حديث منكر ، كأنه موضوع )) .
قلت : وإنما أوتى ابن لهيعة من قِبَل اختلاطه لما احترقت أصوله ، فساء حفظه ، وأما التشيع والغلو فيه ، فلا !! .
[ 2 ] ما أخرجه الإمام أحمد (2/173) قال : حَدَّثَنَا حَسَنٌ ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ حَدَّثَنِي حُيَيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ائْذَنْ لِي أَنْ أَخْتَصِيَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( خِصَاءُ أُمَّتِي الصِّيَامُ وَالْقِيَامُ )) .
[ 3 ] وبهذا الإسناد (2/175) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( لا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي إِلا اللَّبَنَ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ بَيْنَ الرَّغْوَةِ وَالصَّرِيحِ )) .(1/25)
وأما صحاح أحاديث حُيَيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، فهذه عشارية من صحاح أحاديث ابن وهب عنه عن الْحُبُلِيِّ عن ابْنِ عَمْرٍو :
[ الحديث الأول ] قال أبو داود (524) : حَدَّثَنَا ابْنُ السَّرْحِ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ قَالا حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ حُيَيٍّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيَّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو : أَنَّ رَجُلاً قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ الْمُؤَذِّنِينَ يَفْضُلُونَنَا ! ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( قُلْ كَمَا يَقُولُونَ فَإِذَا انْتَهَيْتَ فَسَلْ تُعْطَهْ )) .
وأخرجه كذلك النسائى (( الكبرى ))(6/16/9872) و (( عمل اليوم والليلة ))(44) ، وأبو العباس السرَّاج (( مسنده )) (65) ، وابن حبان (1695) ، والبيهقى (( الكبرى ))(1/410) من طرق عن ابن وهبٍ به مثله .
وتابعه ابن لهيعة . فقد أخرجه أحمد (2/172) قال : حَدَّثَنَا حَسَنٌ ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ حَدَّثَنِي حُيَيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ به نحوه .
[ الحديث الثانى ] قال أبو داود (2747) : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ ثَنَا حُيَيٌّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمَ بَدْرٍ فِي ثَلاثِ مِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ حُفَاةٌ فَاحْمِلْهُمُ ، اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ عُرَاةٌ فَاكْسُهُمُ ، اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ جِيَاعٌ فَأَشْبِعْهُمْ )) ، فَفَتَحَ اللهُ لَهُ يَوْمَ بَدْرٍ ، فَانْقَلَبُوا حِينَ انْقَلَبُوا ، وَمَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلا وَقَدْ رَجَعَ بِجَمَلٍ أَوْ جَمَلَيْنِ ، وَاكْتَسَوْا ، وَشَبِعُوا .(1/26)
وأخرجه كذلك ابن سعد (( الطبقات ))(2/20) ، والحاكم (2/157،144) ، والبيهقى (( الكبرى ))(6/305 و9/57) ، وابن عساكر (( تاريخ دمشق ))(24/443) من طرق عن ابن وهبٍ به نحوه .
وتابعه ابن لهيعة .
فقد أخرجه ابن عساكر (( التاريخ ))(24/443) من طريق حسن بن موسى ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ حَدَّثَنِي حُيَيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ به نحوه .
[ الحديث الثالث ] قال أبو عبد الرحمن النسائى (( المجتبى ))(4/7) و (( الكبرى ))(1/602) : أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي حُيَيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : مَاتَ رَجُلٌ بِالْمَدِينَةِ مِمَّنْ وُلِدَ بِهَا ، فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ قَالَ : (( يَا لَيْتَهُ مَاتَ بِغَيْرِ مَوْلِدِهِ )) ، قَالُوا : وَلِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ ، قَالَ : (( إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا مَاتَ بِغَيْرِ مَوْلِدِهِ ، قِيسَ لَهُ مِنْ مَوْلِدِهِ إِلَى مُنْقَطَعِ أَثَرِهِ فِي الْجَنَّةِ )) .
وأخرجه كذلك ابن ماجه (1614) ، وابن حبان (2934) ، والبيهقى (( شعب الإيمان ))(7/172/9887) من طرق عن ابن وهبٍ به نحوه .
وتابعه ابن لهيعة . فقد أخرجه أحمد (2/177) قال : حَدَّثَنَا حَسَنٌ ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ حَدَّثَنِي حُيَيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ به نحوه .
[(1/27)
الحديث الرابع ] قال أبو عبد الرحمن النسائى (( المجتبى ))(8/268،265) و (( الكبرى ))(4/456،453) : أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ أَنْبَأَنَا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي حُيَيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو بِهَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ (( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ ، وَغَلَبَةِ الْعَدُوِّ ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ )) .
وأخرجه كذلك ابن حبان (1027) ، والحاكم (1/713) من طريق ابن وهبٍ به نحوه ، وزاد ابن حبان (( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا ، وَظُلْمَنَا ، وَهَزْلَنَا ، وَجِدَّنَا ، وَعَمْدَنَا )) .
وتابعه ابن لهيعة . فقد أخرجه أحمد (2/173) قال : حَدَّثَنَا حَسَنٌ ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ حَدَّثَنِي حُيَيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ به نحوه .
[ الحديث الخامس ] قال أبو حاتم بن حبان (3115) : أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى ثنا أحمد بن عيسى المصري ثنا ابن وهب حدثني حُيَيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ فَتَّانى الْقبُرِ ، فَقَالَ عُمَرُ بنُ الخطَابِ : أَتُرَدُّ عَلَيْنَا عُقُولُنَا يَا رَسُولَ اللهِ ؟ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( نَعَمْ كَهَيْئَتِكُمُ الْيَوْمَ )) ، فَقَالَ عُمَرُ : بِفِيهِ الْحَجَرُ .
وأخرجه كذلك ابن عدى (( الكامل ))(2/450) من طريق أحمد بن صالح ثنا ابن وهب به مثله .
وتابعه ابن لهيعة . فقد أخرجه أحمد (2/172) قال : حَدَّثَنَا حَسَنٌ ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ حَدَّثَنِي حُيَيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ به مثله .
[(1/28)
الحديث السادس ] قال أبو حاتم بن حبان (2039) : أخبرنا ابن قتيبة ثنا حرملة بن يحيى ثنا ابن وهب حَدَّثَنَا حُيَيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( مَنْ رَاحَ إِلَى مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ ، فَخَطْوَةٌ تَمْحُو سَيِّئَةً ، وَخَطْوَةٌ تُكْتَبُ لَهُ حَسَنَةٌ ، ذَاهِبًا وَرَاجِعًا )) .
وتابعه ابن لهيعة . فقد أخرجه أحمد (2/172) قال : حَدَّثَنَا حَسَنٌ ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ حَدَّثَنِي حُيَيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ به مثله .
[ الحديث السابع ] قال أبو حاتم بن حبان (1722) : أخبرنا عمر بن محمد بن بجير الهمداني ثنا أبو الظاهر بن السرح ثنا ابن وهب أخبرني حُيَيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ : إِنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَأَلَهُ عَنْ أَفْضَلِ الأَعْمَالِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الصَّلاةُ ، ثُمَّ قَالَ : مَهْ ؟ ، قَالَ : الصَّلاةُ ، ثُمَّ قَالَ : مَهْ ؟ ، قَالَ : الصَّلاةُ ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ ، قَالَ : فَلَمَّا غَلَبَ عَلَيْهِ ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ قَالَ الرَّجُلُ : فَإِنَّ لِي وَالِدَيْنِ ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : آمُرُكَ بِالْوَالِدَيْنِ خَيْرًا ، قَالَ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيًّا لأُجَاهِدَنَّ وَلأَتْرُكَنَّهُمَا ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( أَنْتَ أَعْلَمُ )) .
وتابعه ابن لهيعة . فقد أخرجه أحمد (2/172) قال : حَدَّثَنَا حَسَنٌ ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ حَدَّثَنِي حُيَيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ به مثله .
[(1/29)
الحديث الثامن ] قال الإمام أحمد (2/175) : حَدَّثَنَا حَسَنٌ ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ حَدَّثَنِي حُيَيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ أَنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي قَالَ : بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً ، فَغَنِمُوا ، وَأَسْرَعُوا الرَّجْعَةَ ، فَتَحَدَّثَ النَّاسُ بِقُرْبِ مَغْزَاهُمْ ، وَكَثْرَةِ غَنِيمَتِهِمْ ، وَسُرْعَةِ رَجْعَتِهِمْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( أَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى أَقْرَبَ مِنْهُ مَغْزًى ، وَأَكْثَرَ غَنِيمَةً ، وَأَوْشَكَ رَجْعَةً : مَنْ تَوَضَّأَ ، ثُمَّ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ لِسُبْحَةِ الضُّحَى ، فَهُوَ أَقْرَبُ مَغْزًى ، وَأَكْثَرُ غَنِيمَةً ، وَأَوْشَكُ رَجْعَةً )) .
قال الحافظ الهيثمى (( مجمع الزوائد ))(2/235) : (( ورواه الطبراني في (( الكبير )) ، ورجال إسناده ثقات ، لأنه جعل بدل ابن لهيعة : ابن وهبٍ )) .
وله شاهد بإسنادٍ صالحٍ من حديث أبى هريرة .
أخرجه أبو يعلى (6559) ، ومن طريقه ابن حبان (2535) عن ابن أبي شيبة ثنا حاتم بن إسماعيل عن حميد بن صخر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا ، فأعظموا الغنيمة ، وَأَسْرَعُوا الكرَّةَ ، فقال رجل : يا رسول الله ما رأينا بعثَ قومٍ أسرعَ كرَّةً ، ولا أعظمَ غَنِيمَةً من هذا البعث ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( ألا أخبركم بأسرعَ كرَّة ، وأعظمَ غَنِيمَةً من هذا البعث : رجلٌ توضأ في بيته ، فأحسنَ الوضوء ، ثم تحمل إلى المسجد ، فصلى فيه الغداة ، ثم الضحى ، فقد أسرعَ الكرَّة ، وأعظمَ الغنيمةَ )) .(1/30)
قلت : هذا حديث صحيح غريب ، لم يروه عن أبى هريرة إلا المقبرى ، تفرد به حميد بن صخر أبو صخر المدنى . وهو صدوق صالح الحديث يخطئ أحياناً . وقد توبع على حديثه هذا ، فصحَّ حديثه مع غرابته .
[ الحديث التاسع ] قال الإمام أحمد (2/174) : حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ حُيَيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، يَقُولُ الصِّيَامُ : أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ : مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ ، فَشَفِّعْنِي فِيهِ ، قَالَ : فَيُشَفَّعَانِ )) .
وتابعه ابن وهب ، وبهذه المتابعة صحَّ الحديث . فقد أخرجه الحاكم (1/740) ، والبيهقى (( شعب الإيمان )) (2/346/1994) كلاهما من طريق هارون بن سعيد الأيلى ثنا ابن وهبٍ حدثني حُيَيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ به مثله .
وأخرجه نعيم بن حماد (( زوائد زهد ابن المبارك ))(385) ، وأبو نعيم (( حلية الأولياء ))(8/161) ، والجوزقانى (( الأباطيل )) (2/280) من طريق رشدين بن سعد عن حُيَيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ به .
[(1/31)
الحديث العاشر ] أخرج الحاكم (1/466) ، ومن طريقه البيهقى (( شعب الإيمان ))(3/128/3090) عن أَحْمَدَ بْنِ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ ثنا ابْنُ وَهْبٍ أخبرنى حُيَيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرْفَةً يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا ، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا )) ، فَقَالَ أَبُو مَالكٍ الأَشْعَرِيُّ : لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ ، قَالَ : (( لِمَنْ أَطَابَ الْكَلامَ ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ ، وَبَاتَ قَائِمًا ، وَالنَّاسُ نِيَامٌ )) .
وتابعه ابن لهيعة . فقد أخرجه أحمد (2/172) قال : حَدَّثَنَا حَسَنٌ ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ حَدَّثَنِي حُيَيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ به مثله .
&&&&&&&&&&&&&(1/32)