مذكرة مختصرة في
تخريج الأحاديث النبوية
كتبها
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الذي امتن علينا بحفظ سنة سيد الأنام, ووفق لذلك علماء قاموا بهذا الواجب أتم قيام, والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه على الدوام.
أما بعد:
فهذه «مذكرة مختصرة في تخريج الأحاديث النبوية»، كنت كتبتها إبان إقامة بعض الدورات العلمية في التخريج للطلاب المبتدئين, فهي رؤوس أقلام بحاجة إلى مزيد من الاستكمال والبسط، والشرح والإيضاح.
وقد طلب مني بعض الأحبة أن أخرجها على صورتها الحالية رجاء النفع بها، فأسأل الله الكريم المنان أن ينفع بها, وأن يتجاوز عن ما حصل فيها من خلل أو تقصير, وأن يوفق لكتابة مذكرة أخرى تكون متممة لهذه المذكرة المختصرة، والله ولي التوفيق.
وكتب
سامي بن محمد بن جادالله
تخريج الأحاديث النبوية
أهمية التخريج:
كان السلف في السابق قبل تدوين الأحاديث النبوية يهتمون بالرواية كثيرا، فلا يقبلون أي حديث إلا بإسناده، لينظروا في رواته واتصاله، قال عبد الله بن المبارك: الإسناد من الدين، لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء. وقال أيضا: مثل الذي يطلب أمر دينه بلا إسناد كمثل الذي يرتقي السطح بلا سلم. وقال سفيان الثوري: الإسناد سلاح المؤمن، فإذا لم يكن معه سلاح فبأي شيء يقاتل؟!. وعباراتهم في هذا المعنى كثيرة ومشهورة.
وبعد تدوين السنة النبوية بأسانيدها في الكتب المشهورة، وتداول تلك الكتب بين الناس، أصبحت هي العمدة في نقل الحديث النبوي، وصار العلماء ينقلون عن تلك الكتب مع حذف الإسناد، فأصبح طالب العلم محتاجا إلى الكشف عن تلك الأحاديث من مصادرها الأصلية، ليدرس أسانيدها ويعرف درجة تلك الأحاديث المجردة من الأسانيد، ومن هنا نشأ ما يعرف بـ «تخريج الحديث» وفق الاصطلاح الشائع في الأزمنة المتأخرة.(1/1)
وصار تخريج الحديث بعد تدوين السنة النبوية قائما مقام رواية الحديث بإسناده، ويصدق عليه ما قيل في أهمية الإسناد وفضله، وشدة الحاجة إليه، وصار هو الوسيلة لحفظ السنة النبوية من دخول الدخل عليها.
تعريف التخريج:
هو عزو الحديث إلى مصادره الأصلية أو ما ينوب عنها، مع بيان درجته.
هذا هو المعنى الذي نريده للتخريج في هذا البحث.
شرح مفردات التعريف:
(عزو الحديث): أي ذكر أسماء مصادره، فيقال: رواه فلان وفلان، أو: أخرجه فلان وفلان.
(المصادر الأصلية): هي الكتب التي تروي الحديث بالإسناد.
(ما ينوب عنها): المراد بها المصادر الفرعية التي يرجع إليها عند تعذر الرجوع إلى المصادر الأصلية، ويدخل تحتها الأنواع التالية:
الكتب المسندة التي تروي بالإسناد عن كتب مسندة، مثل «السنن الكبرى» للبيهقي، فهو يروي مثلا عن «السنن» لسعيد بن منصور بالإسناد، و«السنن» لسعيد وجد بعضه، فيقال في عزو الحديث الذي لم يوجد في القطع المطبوعة منه: رواه سعيد بن منصور في «سننه» ومن طريقه البيهقي في «السنن الكبرى»، أو: كما في «السنن الكبرى» للبيهقي.
الكتب التي تنقل الحديث كاملا مع إسناده، مثل كتاب «المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية» لابن حجر، فهو يذكر الحديث كاملا بإسناده ومتنه. ومثله أيضا «تفسير القرآن العظيم» لابن كثير.
الكتب التي تنقل الإسناد كاملا مع طرف المتن، مثل كتب الأطراف ككتاب «تحفة الأشراف» للمزي، و«إتحاف المهرة بأطراف العشرة» لابن حجر.
الكتب التي تنقل المتن كاملا مع عزو الحديث إلى أحد المصادر الأصلية، مثل كتب التخريج المختلفة، ومثل كتاب «الجامع الصغير» للسيوطي، وكذلك «الجامع الكبير» له، ومثل «مجمع الزوائد» للهيثمي.
أما الكتب التي تنقل الحديث نقلا مجرداً بدون إسناد وبدون عزو إلى مصدر أصلي، فلا تعد من المصادر المعتمدة في التخريج.(1/2)
(مع بيان درجته): أي من حيث القبول والرد، ولذلك سبيلان: الأول: سبيل أهل التقليد. والثاني: سبيل أهل الاجتهاد.
فمن كان لا يملك الأهلية لدراسة الأسانيد والحكم عليها، فليس أمامه إلا تقليد إمام متبوع في هذا الباب (باب نقد الأخبار).
وأما من كان يملك الأهلية فإنه يبذل وسعه وجهده في دراسة الحديث وفق قواعد علماء الفن، ثم يجتهد في الحكم عليه مستفيدا من كلام أهل العلم السابقين.
قال الحافظ ابن حجر في «النكت على كتاب ابن الصلاح»: (1/449) بعد كلام له: (إذا تقرر هذا فسبيل من أراد أن يحتجَّ بحديثٍ من السنن أو بأحاديث من المسانيد واحدٌ، إذ جميع ذلك لم يشترط من جمعه الصحة ولا الحُسْن خاصةً، فهذا المحتج:
إن كان متأهلاً لمعرفة الصحيح من غيره: فليس له أن يحتجَّ بحديثٍ من السنن من غير أن ينظر في اتصال إسناده وحال رواته، كما أنه ليس له أن يحتجَّ بحديثٍٍ من المسانيد حتى يحيط علما بذلك.
وإن كان غير متأهل لدرك ذلك، فسبيله: أن ينظر في الحديث إن كان خُرِّج في «الصحيحين»، أو صرَّح أحدٌ من الأئمة بصحَّته، فله أن يقلِّد في ذلك، وإن لم يجد أحدا صحَّحه ولا حسَّنه فما له أن يقدم على الاحتجاج به، فيكون كحاطب ليل، فلعله يحتج بالباطل وهو لا يشعر) اهـ.
(تنبيه): التخريج وفق التعريف السابق هو أعلى مراتب التخريج، ويختلف عمل الناس في ذلك حسب الحاجة وحسب المقام وحسب العلم والأهلية، فمن الناس من يتوسع ومنهم من يختصر، ومنهم من يتمم ومنهم من يقصر، وهكذا.
وفي ضوء ما سبق في تعريف التخريج، نخرج بأمرين:
1- أن المقصود الأصلي من التخريج هو معرفة درجة الحديث من حيث القبول والرد، والاحتجاج وعدمه.
2- أن الوسيلة التي تدرك بها تلك الغاية هي الوقوف على أسانيد الحديث، ومعرفة كلام العلماء فيها.
وعليه فلا يصح أن نجعل الوسيلة هي الغاية ونغفل عن المقصود الأصلي، سواء في الدراسة النظرية أو في العمل التطبيقي.
* * *(1/3)
صفات مهمة لمن يمارس التخريج
(1)
الصبر والجلد على البحث
علم الحديث من العلوم التي تحتاج إلى صبر وجلد, وقد كان العلماء الأوائل لا يتمكنون من جمع أسانيد الأحاديث إلا بعد عناء شديد, وبعد رحلات علمية شاقة, وأما الآن فبحمد الله قد تيسرت لنا الكتب, ولكن بقي علينا جرد هذه المطولات، وكثرة المطالعة فيها، والصبر على البحث فيها.
وأخبار العلماء في ذلك كثيرة, لكن أذكر مثالين على ذلك لإمامين من أئمة الحديث السابقين, ومثالين آخرين لاثنين من علمائنا المعاصرين.
فأما المثال الأول: قال نصر بن حماد الوراق: كنا قعودا على باب شعبة نتذاكر، فقلت: ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن عطاء عن عقبة بن عامر قال: كنا نتناوب رعية الإبل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجئت ذات يوم والنبي حوله أصحابه، فسمعته يقول: «من توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى ركعتين فاستغفر الله، إلا غفر له» فما ملكت نفسي أن قلت: بخ بخ. قال: فجذبني رجل من خلفي فالتفت فإذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا ابن عامر, الذي قال قبل أن تجيء أحسن! قلت: ما قال فداك أبي وأمي؟! قال: قال: «من شهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فتحت له ثمانية أبواب الجنة من أيها شاء يدخل».(1/4)
قال: فخرج شعبة فلطمني، ثم رجع فدخل، فتنحيت من ناحية، قال: ثم خرج، فقال: ماله يبكي بعد؟ فقال له عبد الله بن إدريس: إنك أسأت إليه. فقال شعبة: انظر ما تحدث، إن أبا إسحاق حدثني بهذا الحديث عن عبد الله بن عطاء عن عقبة بن عامر، قال: فقلت لأبي إسحاق: من عبد الله بن عطاء؟ قال: فغضب، ومسعر بن كدام حاضر، قال: فقلت له: لتصححن لي هذا، أو لأخرقن ما كتبت عنك. فقال لي مسعر: عبد الله بن عطاء بمكة. قال شعبة: فرحلت إلى مكة لم أرد الحج، أردت الحديث، فلقيت عبد الله بن عطاء فسألته، فقال: سعد بن إبراهيم حدثني، فقال لي مالك بن أنس: سعد بالمدينة، لم يحج العام، قال شعبة: فرحلت إلى المدينة، فلقيت سعد بن إبراهيم فسألته، فقال: الحديث من عندكم، زياد بن مخراق حدثني، قال شعبة: فلما ذكر زيادا قلت: أي شيء هذا الحديث؟! بينما هو كوفي إذ صار مدنيا، إذ صار بصريا! قال: فرحلت إلى البصرة، فلقيت زياد بن مخراق فسألته، فقال: ليس هو من بابتك، قلت: حدثني به، قال: لا ترده، قلت: حدثني به، قال: حدثني شهر بن حوشب عن أبي ريحانة عن عقبة بن عامر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال شعبة: فلما ذكر شهر بن حوشب قلت: دمر علي هذا الحديث، لو صح لي مثل هذا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أحب إلي من أهلي ومالي، والناس أجمعين(1).
__________
(1) «الرحلة في طلب الحديث» للخطيب (148- 153), وقال الحافظ ابن عبدالبر في «التمهيد» (1/50) - بعد أن روى هذه القصة من طريق نصر بن حماد -: (وقد روي هذا المعنى من وجوه عن شعبة، ولذلك ذكرته عن نصر بن حماد؛ لأن نصر بن حماد الوراق يروى عن شعبة مناكير، تركوه) اهـ.
(تنبيه) قد صح هذا الحديث من غير هذه الطريق، وقدر رواه الإمام مسلم في «صحيحه».(1/5)
فانظر كيف رحل هذا الإمام من أجل هذا الحديث الواحد كل هذه الرحلة فرحل من البصرة إلى مكة ثم إلى المدينة ثم إلى البصرة, وقد ألف الخطيب البغدادي كتابا سماه (الرحلة في طلب الحديث) ذكر فيه جملة من أخبار العلماء الذين رحلوا من أجل حديث واحد.
وأما المثال الثاني: فقد روى الإمام مسلم في كتاب مواقيت الصلاة من «صحيحه» (1/428) بإسناده عن يحيى بن أبي كثير أنه قال: لا يستطاع العلم براحة الجسم.
قال النووي في «شرحه» (5/113): (جرت عادة الفضلاء بالسؤال عن إدخال مسلم هذه الحكاية عن يحيى مع أنه لا يذكر في كتابه إلا أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - محضة، مع أن هذه الحكاية لا تتعلق بأحاديث مواقيت الصلاة، فكيف أدخلها بينها؟ وحكى القاضي عياض -رحمه الله تعالى- عن بعض الأئمة أنه قال: سببه أن مسلما - رحمه الله تعالى - أعجبه حسن سياق هذه الطرق التي ذكرها لحديث عبد الله بن عمرو، وكثرة فوائدها، وتلخيص مقاصدها، وما اشتملت عليه من الفوائد في الأحكام وغيرها، ولا نعلم أحدا شاركه فيها، فلما رأى ذلك أراد أن ينبه من رغب في تحصيل الرتبة التي ينال بها معرفة مثل هذا فقال: طريقه أن يكثر اشتغاله وإتعابه جسمه في الاعتناء بتحصيل العلم، هذا شرح ما حكاه القاضي) اهـ. بلغ بلغ.(1/6)
وأما المثال الثالث: فقد تكلم الشيخ العلامة عبدالرحمن بن يحيى المعلمي على تحرير نسبة رجل في حاشيته على «الإكمال» لابن ماكولا (6/331), وتوسع في الكلام حتى وقع كلامه في عشر صفحات تقريبا, ثم قال – رحمه الله تعالى -: (قد أمللت القارئ ولم أمل, وحسبي أن يكون ما أثبته نموذجا لما يقاسيه المعنيون بتحقيق الكتب, وإن أحدهم ليتعب نحو هذا التعب في مواضع كثيرة جدا, ولكنه في الغالب ينتهي إلى أحد أمرين إما عدم الظفر بشيء, فيكتفي بالسكوت أو بأن يقول: (كذا) أو نحوها, ولا يرى موجبا لذكر ما عاناه في البحث والتنقيب, وإما الظفر بنتيجة حاسمة فيقدمها للقراء لقمة سائغة ولا يهمه أن يشرح ما قاساه حتى حصل عليها, والله المستعان) اهـ.
قلت: وهذه نفثة مصدور، فرحمه الله تعالى وجزاه عنا خير الجزاء.
وأما المثال الرابع: فقد حدثني الشيخ المحدث العلامة إسماعيل بن محمد الأنصاري – رحمه الله تعالى – أنه عندما كان يحقق أحد كتب الشيخ محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله – مر به حديثا ذكره الشيخ, وهو حديث أبي هريرة: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فإذا شهد أمرا فليتكلم بخير أو ليسكت«، وعزاه إلى صحيح مسلم، فعلق عليه محقق الطبعة السابقة لذلك الكتاب بما معناه أن هذا الحديث لا وجود له في «صحيح مسلم» بهذا اللفظ, وإنما هو في صحيح مسلم بلفظ: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت»، يقول الشيخ إسماعيل: فعندما أطلعت على ذلك الكلام عقد العزم على مطالعة صحيح مسلم من أوله إلى آخره حتى أجد ذلك الحديث, فبدأت القراءة فيه من بعد صلاة الفجر, فلما كان قبل العصر(1) وجدت الحديث باللفظ الذي ذكره الشيخ محمد بن عبدالوهاب في كتاب الرضاع.
وسيأتي في الفقرة التالية أمثلة أخرى على صبر العلماء وجلدهم في دراسة الأحاديث النبوية.
سعة الإطلاع على الكتب ومعرفة مظامينها وطرائق مؤلفيها، ولذلك وسيلتان:
__________
(1) أظنه قال لي قبل العصر ولست متأكداً.(1/7)
1- الإطلاع على الكتب المعرِّفة بكتب الحديث، ومن ذلك "الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة" للكتاني، و"مقدمة تحفة الأحوذي" للمباركفوري، و"دليل مؤلفات الحديث الشريف المطبوعة" لمحمد خير رمضان وآخرين.
2- قراءة مقدمات الكتب وفهارسها، مع التطبيق العملي لاستخراج الأحاديث منها.
قال الحافظ الذهبي (ت:748) في "السير" (13/380): (الذي يحتاج إليه الحافظ: أن يكون تقيا ذكيا نحويا لغويا حييا سلفيا، يكفيه أن يكتب بيده مائتي مجلد، ويحصل من الدواوين المعتبرة خمس مائة مجلد، وأن لا يفتر من طلب العلم إلى الممات بنية خالصة وتواضع وإلا فلا يتعن) اهـ.
قال ابن الملقن (ت:804) في مقدمة «خلاصة البدر المنير»: (كان الكتاب المذكور - أي: البدر المنير، وهو من أوسع كتب تخريج أحاديث الأحكام - قد اشتمل على زبد التآليف الحديثية أصولها وفروعها، قديمها وحديثها، زائدة على مائة تأليف نظرتها كما عددتها فيه) اهـ.
وقال الصالحي (ت:942) في مقدمة «سبيل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد» - وهو من أوسع كتب أحاديث السيرة النبوية -: (فهذا كتاب اقتضبته من أكثر من ثلاثمائة كتاب) اهـ.
وقال الشيخ الألباني (ت:1420) في مقدمة «المنتخب من مخطوطات الحديث»: (... واستأنفت الدراسة للمرة الثالثة، لا أدع صحيفة إلا تصفحتها، ولا ورقة شاردة إلا قرأتها، واستخرجت منها ما أعثر عليه من فائدة علمية وحديث نبوي شريف، فتجمع عندي بها نحو أربعين مجلدا، في كل مجلد نحو أربعمائة ورقة، في كل ورقة حديث واحد، معزوا إلى جميع المصادر التي وجدتها فيها، مع أسانيده وطرقه، ورتبت الأحاديث فيها على حروف المعجم، ومن هذه المجلدات أغذي كل مؤلفاتي ومشاريعي العلمية) اهـ.
الدقة والتحري.(1/8)
علم الحديث يحتاج إلى دقة متناهية وطول تحر ونظر, وسبب ذلك سعته وتشعبه وكثرة فنونه, وأنه من العلوم التي لا يدخلها القياس, فكل حديث وكل رجل لا بد أن ينظر فيه باعتبارات خاصة، وإن كان هناك قواعد وأسس عامة يسير عليها العلماء في نقدهم للرجال والأخبار, ولكن هناك قرائن تجعل الناقد يقدم قاعدة على أخرى, أو يستثنى تلك الحالة من القاعدة العامة التي يسير عليها.
قال الخطيب البغدادي في كتابه «الجامع» (2/257): (من الأحاديث ما تخفى علته، فلا يوقف عليها إلا بعد النظر الشديد، ومضي الزمن البعيد... ثم ساق بإسناده عن علي بن المديني أنه قال: ربما أدركت علة حديث بعد أربعين سنة) اهـ.
إجلال أهل العلم السابقين:
وهذا الأدب من سنن العلماء بعامة، وأهل الحديث بخاصة, والأمثلة على ذلك كثيرة, أذكر منها الآن ما يلي:
1- قول البخاري: رأيت أحمد بن حنبل وعلي بن المديني وإسحاق بن راهويه وأبا عبيد وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ما تركه أحد من المسلمين، من الناس بعدهم؟!
2- قول النسائي: كان يحيى بن معين يضعف المغيرة بن عبد الرحمن، وقد نظرنا في حديثه فلم نجد شيئا يدل على ضعفه، ويحيى كان أعلم منا، والله أعلم.
3- قال الدارقطني: ومن أحب أن ينظر ويعرف قصور علمه عن علم السلف، فلينظر في «علل حديث الزهري» لمحمد بن يحيى.
4- قال الذهبي في «تذكرة الحفاظ» (3/948) - تحت ترجمة الإسماعيلي-: (وله معجم مروي وصنف الصحيح وأشياء كثيرة، من جملتها «مسند عمر رضي الله عنه»، هذبه في مجلدين، طالعته وعلقت منه، وابتهرت بحفظ هذا الإمام، وجزمت بأن المتأخرين على إياس من أن يلحقوا المتقدمين في الحفظ والمعرفة) اهـ.(1/9)
5- وذكر الذهبي في موضع آخر (3/993) قصة تدل على سعة حفظ الدارقطني وعلمه, ثم علق عليها بقوله: (هنا يخضع للدارقطني ولسعة حفظه، الجامع لقوة الحافظة، ولقوة الفهم والمعرفة، وإذا شئت أن تبين براعة هذا الإمام الفرد فطالع «العلل» له، فإنك تندهش ويطول تعجبك) اهـ.
بل اقرأ مقدمة الخطيب لـ: «موضح أوهام الجمع والتفريق» وكتاب «السنن الأبين» لابن رشيد الفهري، ثم وازن ذلك بما نقرأه في هذا الزمان في تعاليق الكتب وتخاريج الأحاديث من التجرء وسوء الأدب مع أساطين هذا الفن فضلا عن علمائه، والرد لأقوالهم بسوء الفهم والعجلة:
وكم من عائب قولا صحيحا ... وآفته من الفهم السقيم
ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأسأل الله أن يعصمني وإخواني من الوقوع في مثل ذلك.
وقال الحافظ ابن رجب في «فضل علم السلف على علم الخلف» (ص:55): (وأما من علمه غير نافع فليس له شغل سوى التكبر بعلمه على الناس وإظهار فضل علمه عليهم , ونسبتهم إلى الجهل وتنقصهم ليرتفع بذلك عليهم , وهذا من أقبح الخصال وأرداها , وربما نسب من كان قبله من العلماء إلى الجهل والغفلة والسهو , فيوجب له حب نفسه وحب ظهورها وإحسان ظنه بها وإساءة ظنه بمن سلف , وأهل العلم النافع على ضد هذا يسيئون الظن بأنفسهم ويحسنون الظن بمن سلف من العلماء ويقرون بقلوبهم وأنفسهم بفضل من سلف عليهم , وبعجزهم عن بلوغ مراتبهم والوصول إليها أو مقاربتها , وما أحسن قول أبي حنيفة وقد سئل عن علقمة والأسود أيهما أفضل؟ فقال: والله ما نحن بأهل أن نذكرهم فكيف نفضل بينهم. وكان ابن المبارك إذا ذكر أخلاق من سلف ينشد:
لا تعرضن لذكرنا في ذكرهم ... ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد(1/10)
ومن علمه غير نافع إذا رأى لنفسه فضلا على من تقدمه في المقال وتشقق الكلام ظن لنفسه عليهم فضلا في العلم أو الدرجة عند الله لفضل خص به عن من سبق , فاحتقر من تقدمه وازدرى عليه بقلة العلم , ولا يعلم المسكين أن قلة كلام من سلف إنما كان ورعا وخشية لله , ولو أراد الكلام وإطالته لما عجز عن ذلك) اهـ
ولا يعني ذلك عدم بيان الخطأ إذا ما وقع من أحدهم, ولكن لابد أن تكون تلك التخطئة مبنية على فهم لكلام ذلك العالم، ومستندة إلى دليل صحيح.
…ومما تحسن الإشارة إليه هنا أن العلماء الأوائل لا سيما في علم الحديث لهم خصائص ومزايا علمية لا يشركهم فيها غيرهم, ولذا استحقوا هذه المنزلة والمكانة, وليس الأمر مجرد عاطفة كما قد يتوهم البعض، ولعل الله أن ييسر بكتابة في ذلك تجلي هذا الأمر.
(5) الورع:
من الآداب المهمة التي ينبغي لطالب العلم أن يتصف بها الورع ومراقبة الله في ما يأتي وما يذر، ولا يكن هم الواحد أن يصل إلى الحكم على الأحاديث بأسرع وقت, بل عليه أن يتريث ويمعن النظر, ويحرص على التحصيل والدراسة والاجتهاد في وقت الطلب, ثم بعد ذلك عليه أيضا أن يحتاط كثيرا في كلامه على كل حديث من الأحاديث التي يدرسها، وليعلم أن الحكم على الأحاديث صحة وضعفا ليس بالأمر الهين، فهذا المولج مولج خطر جدا، وهو مزلة أقدام، فمن حكم على حديث بالصحة لزم من ذلك وجوب العمل بما دل عليه بجميع وجوه الدلالة، وإذا كان في ظاهره معارضة لحديث آخر صحيح وجب الجمع بينهما بما قد يلغي بعض الحكم الذي يدل عليه ظاهر الحديث الآخر.
وفي المقابل من حكم على حديث بالضعف لزم من ذلك ترك العمل به استقلالا.(1/11)
وقد أدرك علماؤنا الأوائل خطورة هذا الباب فلذا لم يلجه في الغالب إلا من كان أهلا لذلك، ولعل هذا مما يفسر لنا كثرة رواة الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، مع قلة من يتكلم في الأحاديث تصحيحا وتضعيفا، وفي الرواة تجريحا وتعديلا، أما اليوم فانعكس الأمر، فقل أن تجد من يحفظ ألف حديث من أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - حفظا متقنا، بينما تجد ألوفا يصححون ويضعفون، ويجرحون ويعدلون، ولو كانوا عن علم يفعلون ذلك لكانوا قرة عين لأهل الحديث، ولكن مع الأسف أكثرهم أدخل نفسه فيما لا يحسن، وتجسم الكلام في مواضيع كان يهبها الأئمة الأوائل، وأخذ يرد أقوال العلماء المحققين بالجهل وسوء الفهم.
وقال أبو بكر محمد بن مهرويه الرازي: سمعت علي بن الحسين بن الجنيد سمعت يحيى بن معين يقول: إنا لنطعن على أقوام لعلهم قد حطوا رحالهم في الجنة من أكثر من مائتين سنة(1).
قال ابن مهرويه: فدخلت على عبد الرحمن بن أبي حاتم وهو يقرأ على الناس كتاب «الجرح والتعديل» فحدثته بهذا، فبكى وارتعدت يداه حتى سقط الكتاب، وجعل يبكي ويستعيدني الحكاية.
علق الحافظ الذهبي على هذا الخبر بقوله: (قلت: أصابه على طريق الوجل وخوف العاقبة، وإلا فكلام الناقد الورع في الضعفاء من النصح لدين الله والذب عن السنة)(2) اهـ.
__________
(1) علق الذهبي على هذه العبارة بقوله: (قلت: لعلها من مئة سنة، فإن ذلك لا يبلغ في أيام يحيى هذا القدر) ا.هـ.
(2) «سير أعلام النبلاء» (13/268).(1/12)
(تنبيه) قد يفهم البعض من مثل هذا الكلام أن الأولى بالإنسان أن لا يشتغل بعلم صناعة الحديث، بسبب صعوبته ودقته، ويقتصر على التقليد في هذا الباب, وليس هذا المراد بل الذي ينبغي لطالب العلم أن يستعين بالله ويشمر عن ساعد الجد والاجتهاد في تحصيل هذا العلم العظيم, لينال بذلك الشرف في الدنيا والآخرة, ولكن عليه أن لا يستعجل قطف الثمرة, فعليه أن يثابر على التحصيل ويكثر من القراءة في كتب علوم السنة, ويكثر من التطبيق العملي, ويعطي أقوال العلماء الأوائل حقها من الجمع والدراسة والنظر والتفهم, ثم بعد ذلك إذا تأهل في هذا العلم, فله أن يناقش أقوال العلماء الأوائل بكل هدوء وأدب, ويرجح ما يسنده الدليل العلمي الصحيح.
والمقصود أن هذا العلم ليس بالهين ولكنه ليس بالمستحيل, ويصور لنا العلامة المعلمي هذه الحقيقة بقوله - في مقدمة كتابه «الاستبصار في نقد الأخبار» (ص:8) -: (وأرجو إذا يسر الله - تبارك وتعالى – إتمام هذه الرسالة كما أحب أن يتضح لقارئها سبيل القوم في نقد الحديث, ويتبين أن سلوكها ليس من الصعوبة بالدرجة التي يقطع بامتنعها, وعسى أن يكون ذلك داعيا لأولي الهمم إلى الاستعداد لسلوكها, فيكون منهم أئمة مجتهدون في ذلك إن شاء الله تعالى) اهـ.
فبين رحمه الله أن سبيل القوم في نقد الأخبار فيها صعوبة, ولكنها لا تصل إلى درجة أن يقطع بأنها ممتنعة, ولا يمكن الوصول إليها.
ثم ينبغي أن يعلم أن الناس تجاه هذا العلم درجات:
الأولى: من هو جاهل بهذا العلم, وليس له عناية بتعلمه.
الثانية: من له إلمام بمصطلحات هذا الفن وفق المقرر في كتب المصطلح المتأخرة.(1/13)
الثالثة: من له معرفة وفهم لمنهج العلماء المتقدمين, فإذا قرأ كلامهم فهمه وعرف وجهه ولم يشكل عليه, بخلاف من كان من الطبقة الثانية فإنه يستشكل الكثير والكثير من أحكام العلماء المتقدمين, لأنه لم يعن بدراسة منهجهم, وإنما درس بعض كتب المصطلح ثم أخذ يحاكم أقوال العلماء الأوائل إلى ما هو مقرر في هذه الكتب! فأصبح الفرع أصلا!!
وهذه المرتبة يستطيع أن يصل إليها الإنسان بعد توفيق الله في فترة ليست بالطويلة إذا جد واجتهد في القراءة والتحصيل, ووفق لشيخ يساعده ويأخذ بيده في هذا الطريق.
الرابعة: من كان له ملكة وعلم يمكنانه من دراسة أحوال الرواة، ودراسة الأحاديث، وفق منهج العلماء المتقدمين, وهذه الدرجة لا يصل إليها الإنسان إلا بعد زمن طويل وطول بحث ودراسة, وسعة إطلاع, وقليل من يصل إلى هذه المرتبة، ولكن الوصول إليها ليس بممتنع.
فعلى طالب العلم المبتدئ أن يحرص إلى الوصول إلى الدرجة الثالثة أولا ثم يرتقي بعدها إلى الرابعة.
وقديما قيل:
وما رأيت في عيوب الناس عيبا ... كنقص القادرين على التمام
(6) الاستعانة بالله عز وجل:
يجب على طالب العلم أن يكون دائم اللجوء إلى الله عز وجل والاستعانة به في جميع شؤونه وكافة أموره, مع جده واجتهاده في الطلب، ولكن لا يتكل على اجتهاده، وإنما يكون اتكاله واعتماده على الله عز وجل وحده, وقديما قيل:
إذا لم يكن عون من الله للفتى ... فأول ما يجني عليه اجتهاده
ومما يعجبني في هذا الباب عبارة نقلت لنا عن عدد من أهل العلم, وهي قولهم: (هذا الأمر مما استخير الله فيه).
روى الزهري عن ابن المسيب أن عمر بن الخطاب كتب في الجد والكلالة كتابا، فمكث يستخير الله يقول: اللهم إن علمت فيه خيرا فأمضه، حتى إذا طعن دعا بالكتاب فمحي، فلم يدر أحد ما كان فيه، فقال: إني كتبت في الجد والكلالة كتابا، وكنت أستخير الله فيه، فرأيت أن أترككم على ما كنتم عليه(1).
__________
(1) «مصنف عبدالرزاق» (10/301).(1/14)
واستخدم هذه العبارة الإمام الشافعي في عدد من المسائل في كتابه «الأم» (انظر مثلا: 1/44؛ 2/41, 158؛ 4/254).
وقال عبدالرحمن بن مهدي: ما رأيت شاميا أثبت من فرج بن فضالة وما حدثت عنه، وأنا أستخير في الحديث عنه (1).
وكان ابن حبان يستخدمها في الحكم على بعض الرجال كما في كتابيه «الثقات» و«المجروحين».
وغيرهم من أهل العلم.
وقال الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح (ص:7): (وقال الحافظ أبو ذر الهروي: سمعت أبا الهيثم محمد بن مكي الكشميهني يقول: سمعت محمد بن يوسف الفربري يقول: قال البخاري: ما كتبت في كتاب «الصحيح» حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين) اهـ.
قلت: ولعل هاتين الركعتين ركعتي الاستخارة، والله أعلم.
وقال العلامة ابن القيم في «إعلام الموقعين» (4/172-173): (العلم نور الله يقذفه في قلب عبده، والهوى والمعصية رياح عاصفة تطفئ ذلك النور أو تكاد، ولا بد أن تضعفه، وشهدت شيخ الإسلام(2) قدس الله روحه إذا أعيته المسائل، واستصعبت عليه، فر منها إلى التوبة والاستغفار، والاستغاثة بالله، واللجأ إليه، واستنزال الصواب من عنده، والاستفتاح من خزائن رحمته، فقلما يلبث المدد الإلهي أن يتتابع عليه مدا، وتزدلف الفتوحات الإلهية إليه بأيتهن يبدأ، ولا ريب أن من وفق لهذا الافتقار علما وحالا، وسار قلبه في ميادينه بحقيقة وقصد، فقد أعطي حظه من التوفيق، ومن حرمه فقد منع الطريق والرفيق، فمتى أعين مع هذا الافتقار ببذل الجهد في درك الحق، فقد سلك به الصراط المستقيم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم) اهـ
__________
(1) «مسند ابن الجعد» (492).
(2) يريد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.(1/15)
وقال العلامة ابن القيم أيضا في «إعلام الموقعين» (4/257): (حقيق بالمفتي أن يكثر الدعاء بالحديث الصحيح: «اللهم رب جبرائيل، وميكائيل، وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم».
وكان شيخنا(1) كثير الدعاء بذلك، وكان إذا أشكلت عليه المسائل يقول: يا معلم إبراهيم علمني، ويكثر الاستعانة بذلك، اقتداء بمعاذ بن جبل رضى الله عنه حيث قال لمالك بن يخامر السكسكي عند موته -وقد رآه يبكي- فقال: والله ما أبكي على دنيا كنت أصيبها منك، ولكن أبكي على العلم والإيمان اللذين كنت أتعلمهما منك. فقال معاذ بن جبل رضى الله عنه: إن العلم والإيمان مكانهما، من ابتغاهما وجدهما، اطلب العلم عند أربعة: عند عويمر أبي الدرداء، وعند عبد الله بن مسعود، وأبي موسى الأشعري، وذكر الرابع، فإن عجز عنه هؤلاء فسائر أهل الأرض عنه أعجز، فعليك بمعلم إبراهيم صلوات الله عليه.
وكان بعض السلف يقول عند الافتاء: سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم.
وكان مكحول يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.
وكان مالك يقول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وكان بعضهم يقول: رب اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي.
__________
(1) أي: شيخ الإسلام ابن تيمية.(1/16)
وكان بعضهم يقول: اللهم وفقني واهدني وسددني، واجمع لي بين الصواب والثواب، وأعذني من الخطأ) اهـ(1).
* * *
خطوات التخريج
تنقسم خطوات التخريج إلى قسمين: الأول: جمع المادة العلمية، والثاني: دراسة المادة المجموعة، وسوف نتحدث عنهما بشيء من التفصيل إن شاء الله تعالى.…
الأولى: جمع المادة العلمية، وتشمل:
جمع طرق وألفاظ الحديث المختلفة، وذلك عن طريق الكشف عن الحديث في المصادر، ولذلك طرقتان رئيستان:
1- الكشف عنه من خلال متنه، وهذا يدخل تحته عدة وسائل:
من خلال طرف المتن، وذلك بالرجوع إلى الكتب المرتبة على أوائل الحديث، ومنها:
1- "المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة" للسخاوي.
2- "الجامع الصغير" للسيوطي، فقد رتب السيوطي كتابه هذا على حسب حروف المعجم، ولكنه جعل تحت كل حرف فصلين:
الأول: في المجرد من (أل)، والثاني: في المحلى بـ (أل).
وفي حرف الكاف أضاف فصلا ثالثا: في الشمائل النبوية الشريفة، وذكر فيه الأحاديث التي تبدأ بقول الراوي: كان.
__________
(1) لقد طال الكلام في هذا الموضوع لشدة الحاجة إليه, ونحن معاشر طلبة العلم بحاجة إلى الإكثار من القراءة في كتب آداب طلب العلم, وأخبار أسلافنا في ذلك, وقد كان سلفنا الأوائل يعتنون بذلك غاية الاعتناء, ففضلا عن إفراد هذا الموضوع بمصنفات مستقلة يعنون أيضا بإدراجه ضمن مؤلفاتهم, وفي تضاعيف كلامهم عن المسائل العلمية عند وجود أدنى مناسبة, ومن الأمثلة الجميلة التي تحضرني الآن في ذلك ما ذكره الشيخ/ عبدالعزيز القارئ في مقدمة تحقيقه لقصيدة أبي مزاحم الخاقاني في التجويد, حيث قال: (تجد في مصنفات الأوائل ومنظوماتهم مع عدم شمولها واستيفائها لمسائل العلم, تجد عليها نورا, وتلمس لأسلوبها تأثيرا, إذ كان الأوائل يعتنون بالتأديب والتربية, ومخاطبة القلب مع العقل, فقصيدة أبي مزاحم - مثلا - واحدٌ وخمسون بيتا, منها عشرون بيتا هي من باب التوجيه والوعظ!) اهـ.(1/17)
وفي حرف النون أيضا أضاف فصلا ثالثا في المناهي، وذكر فيه الأحاديث التي تبدأ بقول الراوي: نهى.
ويعد هذا الكتاب هو أهم فهرس للأحاديث القولية وأحاديث الشمائل وأحاديث المناهي.
وأما الأحاديث الفعلية فقد أوردها السيوطي في كتابه "الجامع الكبير" في قسم مستقل عقده لها بعد أن أورد الأحاديث القولية، ولكنه رتب الأحاديث الفعلية على مسانيد الصحابة، وعليه فلا يندرج القسم الثاني من "الجامع الكبير" تحت هذا المبحث وإنما يندرج تحت مبحث: الكشف عن الحديث من خلال الإسناد(1).
3- الفهارس المطبوعة لمعظم كتب السنة، حتى أصبحت بعض المكتبات تخصص قسما لكتب الفهارس، وفي الغالب أنها تفهرس للأحاديث القولية والفعلية في مكان واحد، وبعضها تجد فيها الأحاديث القولية في قسم والأحاديث الفعلية في قسم آخر.
من خلال لفظة غريبة في الحديث، ويستفاد في هذا من كتاب "المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي"، وكتب غريب الحديث.
من خلال موضوع الحديث، ويستفاد في هذا من الكتب التالية:
1- الكتب المرتبة على الأبواب ككتب الصحاح والسنن والجوامع والموطآت والمصنفات.
2- الكتب المؤلفة في أبواب معينة ككتب التفسير وكتب فضائل القرآن وكتب العقيدة وكتب الأدب وكتب الزهد وكتب الترغيب والترهيب وكتب الأذكار وعمل اليوم والليلة وكتب السيرة.
__________
(1) اعتنى العلماء بكتاب "الجامع الصغير"، ومن أهم الأعمال التي كتبت عليه:
1- "فيض القدير شرح الجامع الصغير" للمُنَاوي، ويعتني فيه بتخريج الحديث، ونقل كلام العلماء فيه.
2- "صحيح الجامع الصغير وزيادته" و"ضعيف الجامع الصغير وزيادته" للألباني، فقسم الشيخ الأحاديث إلى هذين القسمين بحسب اجتهاده، ولكن ثَمَّ ميزة أخرى وهي أن الشيخ نبه على الأحاديث التي توسع في تخريجها في مؤلفاته الأخرى عقب كل حديث منها.(1/18)
3- الكتب والأجزاء الحديثية المؤلفة في موضوع معين، ككتاب الطهور لأبي عبيد القاسم بن سلام، وكتاب الصلاة لأبي نعيم الفضل بن دكين، وكتاب الجهاد لابن أبي عاصم، وكتاب قيام الليل لابن نصر المروزي، وسائر أجزاء ابن أبي الدنيا.
4- الكتب التي خرجت أحاديث كتاب من كتب أهل العلم، وهي كثيرة، يمكن ترتيبها حسب التخصصات التالية:
1- التفسير: "تفسير ابن كثير"(1)، و"تخريج الكشاف" للزيعلي.
2- الفقه: هناك خمسة كتب يمكننا أن نقول عنها: أنها حوت معظم أحاديث الأحكام التي يحتج بها الفقهاء، وهي:
- "تنقيح التحقيق" لابن عبد الهادي.
- "نصب الراية" للزيلعي.
- "البدر المنير" لابن الملقن.
- "إراواء الغليل" للألباني.
-"الإتحاف بتخريج أحاديث الإشراف" لبدوي عبد الصمد.
3- الأحاديث الجوامع: "جامع العلوم والحكم" لابن رجب.
4- أحاديث أصول الفقه: "تحفة الطالب بتخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب" لابن كثير.
5- كتب الأذكار: "نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار" لابن حجر، و"الفتوحات الربانية على الأذكار النبوية" لابن علان.
(2) من خلال إسناده، وتشمل عدة وسائل، نقتصر على واحدة، وهي:
…عن طريق معرفة الصحابي، ويستفاد في هذا من الكتب التالية:
-كتب المسانيد، وعلى رأسها "مسند الإمام أحمد" و"مسند الطيالسي" و"مسند أبي يعلى" و"مسند البزار".
2- كتب المعاجم، ومنها "المعجم الكبير" للطبراني، و"معجم الصحابة " لأبي نعيم، و"معجم الصحابة" لابن قانع.
__________
(1) ومما تحسن الإشارة إليه أن الحافظ ابن كثير عندما يمر بآية فيها موضع وردت فيه جملة من الأحاديث يقوم بجمع جملة من الأحاديث الواردة في ذلك الموضوع وإن لم يكن لها علاقة بالتفسير، ومن تلك المواضيع: الإسراء والمعراج، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، والتواضع - بل قد لخص كتاب ابن أبي الدنيا في التواضع والخمول -، والقدر وغير ذلك.(1/19)
3- الكتب المفردة في أحاديث بعض الصحابة، كـ "مسند أبي بكر الصديق " للمروزي، و"مسند سعد بن أبي وقاص" للدورقي، و"مسند ابن عمر" للطرسوسي.
4- فهارس الكتب المشتملة على ترتيب الأحاديث على مسانيد الصحابة.
(تنبيه) من الوسائل المفيدة في استخراج الحديث من الكتب = البرامج التي تعمل على جهاز "الحاسوب"، ولكن هذه البرامج لا تزال بحاجة إلى تطوير وعناية من حيث الدقة في إدخال البيانات وانتقاء الكتب المهمة.
(2) جمع كلام أهل العلم على الحديث:
كما قسمنا مصادر الحديث إلى قسمين، فكذلك يمكن تقسيم مصادر كلام أهل العلم إلى قسمين أيضا، هما:
- المصادر الأصلية، وهي: التي تكون من تأليف العالم نفسه، أو تروي عنه بالإسناد.
- المصادر الفرعية، وهي: التي تنقل عن العالم بدون إسناد، وهذه إنما يلجأ إليها عند تعذر الوصول إلى المصادر الأصلية.
وكلام أهل العلم على الحديث ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
1- الحكم على الحديث نصا، بالتصريح بصحته أو ضعفه، وهذا يوجد في أنواع من الكتب، وهي:
كتب السنة المتفرقة، مثل "سنن أبي داود" و"جامع الترمذي" و"سنن النسائي" و"سنن الدارقطني" و"سنن البيهقي".
كتب العلل، كـ "العلل" لأحمد برواياته، و"العلل الكبير" للترمذي، و"العلل" لابن أبي حاتم، و"العلل" للدارقطني.
كتب المسائل والسؤالات، كـ "مسائل الإمام أحمد " برواياته، و"سؤالات أبي داود لأحمد"، و"سؤالات البرقاني للدارقطني" وغيرها.
كتب التراجم، كـ "التاريخ الكبير" للبخاري، و"التاريخ" لابن معين برواياته، و"التاريخ" لأبي زرعة الدمشقي، و"تاريخ بغداد" للخطيب، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (1).
2- الحكم الضمني على الحديث، وهذا يشمل عدة صور:
__________
(1) ومن ذلك قول الذهبي في "ميزان الاعتدال": (2/329) في ترجمة ضمام بن إسماعيل: (وقد أورده ابن عدي في كامله وسرد له أحاديث حسنة) ا.هـ ومن جملة الأحاديث التي أوردها ابن عدي حديث: "تهادوا تحابوا".(1/20)
إيراده في كتاب من الكتب التي اشترط فيها مؤلفوها الصحة، مثل: "الصحيحين"، و"صحيحي ابن خزيمة وابن حبان"، و"المستدرك" للحاكم، و"المنتقى" لابن الجارود، و"المختارة" للضياء (1).
إيراده على وجهٍ شَرَطَ المؤلف في أول كتابه أن لا يورده عليه إلا إذا كان الحديث صحيحا، كما فعل الطحاوي في "مشكل الآثار"، والبيهقي في مصنفاته، وابن حزم في "المحلى"، فقال الأول في مقدمة كتابه: (1/6): (إني نظرت في الآثار المروية عنه - صلى الله عليه وسلم - بالأسانيد المقبولة، التي نقلها ذوو التثبت فيها، والأمانة عليها، وحسن الأداء لها؛ فوجدت فيها أشياء مما يسقط معرفتها والعلم بما فيها عن أكثر الناس، فمال قلبي إلى تأملها وتبيان ما قدرت عليه من مشكلها).
وقال الثاني في مقدمة "دلائل النبوة": (1/69) بعد أن ذكر جملة من عناوين الكتاب: (على نحو ما شرطته في مصنفاتي من الاكتفاء بالصحيح من السقيم، والاجتزاء بالمعروف من الغريب).
وقال الثالث في مقدمة "محلاه": (1/21): (وليعلم من قرأ كتابنا هذا أننا لم نحتج إلا بخبر صحيح من رواية الثقات مسند).
إيراده في كتاب من الكتب الخاصة بالأحاديث الموضوعة أو الواهية أو المعلولة، أو كتب الضعفاء، ككتاب "الموضوعات" لابن الجوزي (2) وكتاب "العلل المتناهية في الأحاديث الواهية" له أيضا، و"الضعفاء" لابن عدي والعقيلي وابن حبان.
__________
(1) ينتبه إلى أن أصحاب هذه الكتب قد يوردون بعض الأحاديث الضعيفة، ولكن لا يسكتون عليها، بل يشيرون إلى ضعفها تصريحا أو تلميحا.
(2) ومن الطرائف ما ذكره الحافظ السخاوي في «فتح المغيث» (1/294) قال: (وقد بلغنا أن بعض علماء العجم أنكر على الناظم – أي الحافظ العراقي - قوله في حديث سئل عنه: أنه كذب، محتجا بأنه في كتاب من كتب الحديث! ثم جاء به من «الموضوعات» لابن الجوزي! فتعجبوا من كونه لا يعرف موضوع الموضوع!) اهـ.(1/21)
3- وصف الحديث بوصف يؤثر في الحكم عليه، كذكر تفرد أحد الرواة به، أو مخالفته لغيره، أو غرابته ونحو ذلك، ومن الكتب التي تهتم ببيان ذلك إضافة إلى الكتب التي سبقت في القسم الثاني، ما يلي:
كتاب "المعجم الأوسط" للطبراني.
كتاب "الأفراد" للدارقطني.
كتب الفوائد، كـ "فوائد تمام" و"فوائد أبي الشيخ".
(تنبيه) جميع الكتب السابقة تعد من المصادر الأصلية، وأما المصادر الفرعية فيمكن التمثيل لها بكتب التخريج التي سبقت الإشارة إليها عند الحديث عن استخراج الحديث عن طريق موضوع المتن، فهذه الكتب تعنى بنقل كلام العلماء على الأحاديث.
* * *
الثاني: دراسة المادة المجموعة وتحليلها للحكم على الحديث:
ترتيب الأسانيد المجموعة، وتحديد مدار الإسناد والمتابعات والشواهد.
تعيين الرواة الوارد ذكرهم في الإسناد, ولذلك طرق متعددة من أهمها:
من خلال الشيوخ والتلاميذ.
من خلال طرق الحديث الأخرى.
من خلال البلدان.
دراسة أحوال الرواة من خلال علم الجرح والتعديل.
وعلم الجرح والتعديل هو: علم يبحث في أحوال الرواة من حيث العدالة والضبط.
التحقق من اتصال السند.
أسانيد الأخبار لا تخرج عن ثلاثة أحوال:
الأول: أن يكون الإسناد مسلسلا بالصيغ التي تفيد السماع كصيغة (سمعت, وحدثنا, وأخبرنا), فهذا كاف في إثبات اتصال السند إذا تحقق من صحة تلك الصيغ وأنه لم يدخل فيها الخطأ.
الثاني: أن يكون الإسناد ظاهر الانقطاع, كأن يرد بصيغة صريحة في عدم السماع كصيغة (حدثت عن فلان, أو بلغني عن فلان), فهذا يجزم بانقطاعه دون توقف.
الثالث: أن تكون في الإسناد صيغة أو أكثر تحتمل السماع وعدمه كصيغة (عن) , فهنا لا بد من التحقق من ثبوت لقيا الراوي لشيخه الذي يروي عنه.
ولذلك طرق من أهمها:
1- البحث عن إسناد آخر للحديث ورد فيه تصريح الراوي بالسماع من شيخه.(1/22)
2- الرجوع إلى كتب التراجم التي تعنى بسماع الرواة من بعضهم البعض، كـ «التاريخ الكبير» للبخاري، و«المراسيل» لابن أبي حاتم، و«جامع التحصيل» للعلائي.
3- الرجوع إلى المسانيد وكتب الأطراف التي ترتب أحاديث الرواة عن الصحابي، كـ «تحفة الأشراف» للمزي، ويبحث فيها عن حديث لذلك الراوي صرح فيه بالسماع من ذلك الصحابي.
التحقق من سلامته من العلل:
وعلم العلل: هو علم يبحث في بيان أخطأ الرواة.
واكتشاف العلة يكون من خلال: جمع طرق الحديث والموازنة بينها مع التحقق من استقامة المتن، قال ابن معين: لو لم نكتب الحديث من ثلاثين وجها ما عقلناه. وقال علي بن المديني: الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه. وقال الربيع بن خثيم: إن من الحديث حديثا له ضوء كضوء النهار تعرفه, وإن من الحديث حديثا له ظلمة كظلمة الليل تنكره.
دلائل وجود العلة:
1- التفرد: قال الحافظ الذهبي في «الموقظة»: (77) بعد أن ذكر عددا من الحفاظ مرتبين على حسب الطبقات: (فهؤلاء الحفاظ الثقات إذا انفرد الرجل منهم من التابعين فحديثه صحيح، وإن كان من الأتباع قيل: صحيح غريب. وإن كان من أصحاب الأتباع قيل: غريب فرد. ويندر تفردهم، فتجد الإمام منهم عنده مئتا ألف حديث لا يكاد ينفرد بحديثين ثلاثة، ومن كان بعدهم فأين ما ينفرد به؟! ما علمته وقد يوجد.
ثم ننتقل إلى اليقظ الثقة المتوسط المعرفة والطلب، فهو الذي يطلق عليه أنه ثقة، وهم جمهور رجال «الصحيحين» فتابعيهم إذا انفرد بالمتن خرج حديثه ذلك في الصحاح ؛ وقد يتوقف كثير من النقاد في إطلاق الغرابة مع الصحة في حديث أتباع الثقات، وقد يوجد بعض ذلك في الصحاح دون بعض ؛ وقد يسمي جماعة من الحفاظ الحديث الذي ينفرد به مثل هشيم وحفص بن غياث: منكرا) اهـ، وهو في غاية التحرير.
2- المخالفة: قال الإمام مسلم في «التمييز»: (فاعلم أرشدك الله أن الذي يدور به معرفة الخطأ في رواية ناقل الحديث - إذا هم اختلفوا فيه - من جهتين:(1/23)
أحدهما:... والجهة الأخرى: أن يروي نفر من حفاظ الناس حديثا عن مثل الزهري أو غيره من الأئمة، بإسناد واحد، ومتن واحد، مجتمعون على روايته في الإسناد والمتن، لا يختلفون فيه في معنى، فيرويه آخر سواهم عمن حدث عنه النفر الذين وصفناهم بعينه، فيخالفهم في الإسناد، أو يقلب المتن فيجعله بخلاف ما حكى من وصفنا من الحفاظ، فيعلم حينئذ أن الصحيح من الروايتين ما حدَّث الجماعة من الحفاظ دون الواحد المنفرد، وإن كان حافظا) اهـ.
3- نقد المتون:
سبق ذكر عبارة الربيع بن خثيم في هذا ومن عباراتهم في ذلك أيضا ما يلي:
قال أبو حاتم: ويعلم صحة الحديث بعدالة ناقليه, وأن يكون كلاما يصلح مثله أن يكون كلام النبوة, ويعرف سقمه وإنكاره بتفرد من لم تصح عدالته بروايته.
وقال ابن الجوزي: (الحديث المنكر يقشعر منه جلد طالب العلم وينفر منه قلبه في الغالب) اهـ.
قال السخاوي في «فتح المغيث» (1/351): (عنى بذلك الممارس لألفاظ الشارع الخبير بها وبرونقها وبهجتها، ولذا قال ابن دقيق العيد: وكثيرا ما يحكمون بذلك -أي بالوضع- باعتبار أمور ترجع إلى المروي وألفاظ الحديث، وحاصله يرجع إلى أنه حصلت لهم لكثرة محاولة ألفاظ النبي لهيئة نفسانية، ولمكة قوية يعرفون بها ما يجوز أن يكون من ألفاظ النبوة وما لا يجوز) اهـ.
قال العلامة المعلمي في مقدمة تحقيق «الفوائد المجموعة» (ص 8): (إذا استنكر الأئمة المحققون المتن, وكان ظاهر الإسناد الصحة, فإنهم يتطلبون له علة, فإذا لم يجدوا علة قادحة مطلقا, حيث وقعت, أعلوه بعلة ليست بقادحة مطلقا, ولكنهم يرونها كافية للقدح في ذاك المنكر.
فمن ذلك: إعلاله بأن راويه لم يصرح بالسماع, هذا مع أن الراوي غير مدلس, أعل البخاري بذلك خبرا رواه عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب عن عكرمة تراه في ترجمة عمرو من التهذيب.
ونحو ذلك: كلامه في حديث عمرو بن دينار في القضاء بالشاهد واليمين.(1/24)
ونحوه أيضا: كلام شيخه علي بن المديني في حديث: «خلق الله التربة يوم السبت..الخ» كما تراه في الأسماء والصفات للبيهقي.
وكذلك أعل أبو حاتم خبرا رواه الليث بن سعد عن سعيد المقبري كما تراه في علل ابن أبي حاتم 2/353.
ومن ذلك: إشارة البخاري إلى إعلال حديث الجمع بين الصلاتين بأن قتيبة لما كتبه عن الليث كان معه خالد المدائني, وكان خالد يدخل على الشيوخ, يراجع معرفة علوم الحديث للحاكم ص 120.
ومن ذلك: الإعلال بالحمل على الخطأ, وإن لم يتبين وجهه, كإعلالهم حديث عبدالملك بن أبي سليمان في الشفعة.
ومن ذلك: إعلالهم بظن أن الحديث أدخل على الشيخ, كما ترى في لسان الميزان في ترجمة الفضل بن الحباب وغيرها.
وحجتهم في هذا: أن عدم القدح بتلك العلة مطلقا, إنما بني على أن دخول الخلل من جهتها نادر, فإذا اتفق أن يكون ا لمتن منكرا يغلب على ظن الناقد بطلانه فقد يحقق وجود الخلل, وإذا لم يوجد سبب له إلا تلك العلة, فالظاهر أنها هي السبب, وأن هذا من ذاك النادر الذي يجيء الخلل فيه من جهتها.
وبهذا يتبين أن ما يقع ممن دونهم من التعقب بأن تلك العلة غير قادحة, وأنهم قد صححوا ما لا يحصى من الأحاديث مع وجودها فيها إنما هو غفلة عما تقدم من الفرق, اللهم إلا أن يثبت المتعقب أن الخبر غير منكر) اهـ
الحكم عليه في ضوء الدراسة الشخصية وأحكام العلماء السابقين.
* * *(1/25)