قال محمد بن الحنفية : كنت مع أبي حين قتل عثمان رضي الله عنه فقام فدخل منزله ، فأتاه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : إن هذا الرجل قد قتل و لا بد للناس من إمام و لا نجد اليوم أحد أحق بهذا الأمر منك ، لا أقدم سابقة و لا أقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لا تفعلوا ، فإني أكون وزيراً خير من أن أكون أميراً ، فقالوا : لا والله ! ما نحن بفاعلين حتى نبايعك ، قال : ففي المسجد فإنَّ بيعتي لا تكون خفياً و لا تكون إلا عن رضا المسلمين ، قال سالم بن أبي الجعد :فقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فلقد كرهت أن يأتي المسجد مخافة أن يُشغب عليه ، و أبى هو إلا المسجد ، فلما دخل المهاجرون و الأنصار فبايعوه ثم بايعه الناس . و هناك رواية عن أبي بشير العابدي يقول فيها : إن المهاجرين و الأنصار و فيهم طلحة و الزبير أتوا علياً فقالوا له : إنه لا يصلح الناس إلا بإمرة ، و قد طال الأمر . فقال لهم : إنكم اختلفتم إليَّ و أتيتم و إني قائل لكم قولاً إن قبلتموه قبلت أمركم ، و إلا فلا حاجة لي فيه ، فقالوا : ما قلت من شيء قبلناه إن شاء الله . فبايعوه في المسجد .
و هناك رواية أخرى تفيد أن طلحة و الزبير قالا : يا علي ابسط يدك ، فبايعه طلحة و الزبير و هذا بعد مقتل عثمان لثماني عشرة ليلة خلت من ذي الحجة . و هناك رواية أخرى عن عوف بن أبي جميلة العبدي قال : أمّا أنا فأشهد أني سمعت محمد بن سيرين يقول : إن علياً جاء فقال لطلحة : ابسط يدك يا طلحة لأبايعك فقال طلحة : أنت أحق و أنت أمير المؤمنين فابسط يدك فبسط عليّ يده فبايعه . كلها عند الطبري في تاريخه ( 4/427-428) و (4/434) . و كذلك في فضائل الصحابة للإمام أحمد (2/573) .(8/78)
و قد ذكر ابن سعد في الطبقات ( 3/31 ) بيعة علي رضي الله عنه يوم الجمعة بالخلافة سنة خمس و ثلاثين و ذكر من جملة الصحابة الذين بايعوا طلحة و الزبير و جمع من الصحابة ممن كان في المدينة .
ذكر المسعودي في مروج الذهب (ص358) : أن علياً بويع في اليوم الذي قتل فيه عثمان بن عفان رضي الله عنه يعني البيعة الخاصة ، ثم قال إنه بويع البيعة العامة بعد مقتل عثمان بأربعة أيام .
و ذكر اليعقوبي في تاريخه (1/178) : أن طلحة و الزبير بايعا علياً وكان أول من بايعه و صفق على يده يد طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه .
يقول الحافظ الذهبي دول الإسلام (1/28 ) في شأن البيعة : لما قتل عثمان سعى الناس إلى علي و قالوا : لابد للناس من إمام فحضر طلحة و الزبير و سعد بن أبي وقاص و الأعيان ، و كان أول من بايعه طلحة ثم سائر الناس .
و أما الروايات المخالفة التي نقلها الإمام الطبري في تاريخه (4/429) و (4/431) و (4/435) : منها من يقول بأن طلحة و الزبير بايعا كرها ، حيث روى من طريق الزهري قال : بايع الناس علي ابن أبي طالب فأرسل إلى الزبير و طلحة فدعاهما إلى البيعة فتلكّأ طلحة فقام الأشتر و سل سيفه و قال : والله لتبايعن أو لأضربن بهما بين عينيك فقال طلحة : و أين المهرب عنه ! فبايعه و بايعه الزبير و الناس . و هناك روايات أخرى تبين أنهما بايعا و السيف فوق عنقيهما . هذه كلها لا تصح لأنها من روايات الواقدي و أبي مخنف الكذاب .
يقول ابن العربي في العواصم من القواصم (ص148) عنها : فإن قال طلحة : بايعته و اللج على عنقي ، قلنا اخترع هذا الحديث من أراد أن يجعل في القفا لغة قفي ، كما يجعل في الهوى هوي ، و تلك لغة هذيل لا قريش فكانت كذبة لم تدبر .(8/79)
و قول من قال : بايع علياً يد شلاّء – أي يد طلحة - والله لا يتم هذا الأمر . قال ابن العربي في العواصم (ص148-149) عن ذلك : و أما من قال يد شلاء و أمر لا يتم ، فإن يداً شلت في وقاية رسول الله صلى الله عليه وسلم يتم لها كل أمر و يتوقى بها من كل مكروه . و قد تم الأمر على وجهه ، و نفذ القدر بعد ذلك على حكمه و جهلَ المبتدع ذلك فاخترع ما هو حجة عليه .
و في رواية ابن شبة كما رواها الطبري في تاريخه (4/429) عن محمد بن الحنفية قال : بايعت الأنصار علياً إلا نفير يسير .
و ذكر منهم : سعد بن أبي وقاص و ابن عمر و أسامة بن زيد و محمد بن مسلمة و غيرهم ، قلت : هذا غير صحيح فإن حضورهم لعلي و اعتذارهم عن الوقوف معه في حرب أهل الشام أو فيما يدور بينه وبين المسلمين من القتال في العراق ، لدليل واضح على أن في أعناقهم بيعة تلزمهم بطاعته حين اعتذروا ، و لو كان الأمر خلاف ذلك لتركوه يخرج دون أن يذهبوا إليه و يعتذروا له ، فهم حينئذ غير ملزمين بطاعته .
و يبرر الباقلاني في التمهيد في الرد على الملحدة (ص233-234) موقف الصحابة الذين تأخروا عن نصرة علي فيقول في هذا الصدد : فإن قال قائل : فإن كانت إمامة علي من الصحة و الثبوت بحيث وصفتم ، فما تقولون في تأخر سعد و ابن عمر و ابن مسلمة و أسامة و غيرهم عن نصرته و الدخول في طاعته ؟ قيل له : ليس في جميع القاعدين ممن أسمينا أو ضربنا عن ذكره من طعن في إمامته و اعتقد فسادها ، و إنما قعدوا عن نصرته على حرب المسلمين لتخوفهم من ذلك و تجنب الإثم فيه .
و يذكر ابن العربي في العواصم (ص 150) : أن قوماً قالوا تخلف عنه من الصحابة جماعة منهم سعد و ابن مسلمة و ابن عمر و أسامة ، فيرد عليهم بقوله : قلنا أما بيعته فلم يتخلف عنها ، و أما نصرته فتخلف عنها قوم ؛ منهم من ذكرتم ؛ لأنها كانت مسألة اجتهادية فاجتهد كل واحد و أعمل نظره و أصاب قدره .(8/80)
و خلاصة القول لئن كانت بعض الروايات تستثني من البيعة بعض الصحابة فإن ذلك لا يقدح في خلافة علي رضي الله عنه .
و إن ثبت امتناع معاوية عن مبايعته فإن ذلك لا يقدح في إجماع أهل الحل و العقد على خلافته ، كما لا يقدح في الإجماع على خلافة الصديق امتناع سعد بن عبادة عن مبايعته ، على أن معاوية معترف بأن علي أحق بالإمامة منه و إنما حجّته في الامتناع هو طلبه تسليم الموجودين من قتلة عثمان فيقتص منم .
و يخلص الماوردي في الأحكام السلطانية (ص30) إلى القول : بأن فرض الإمامة أو البيعة يكون فرض كفاية كالجهاد و طلب العلم ، حيث إذا قام بها من هو أهلها سقط فرضها عن كافة الناس .
بعد أن تولى علي الخلافة قام بعزل بعض الولاة و تعيين آخرين بدلاً عنهم ، فعزل والي مكة خالد بن العاص ، و عين بدله أبا قتادة الأنصاري مدة شهرين ، ثم عزله و عين قثم بن العباس ، و يبدو أن الرأي العام بمكة كان غاضباً لعثمان و تصاعد الغضب لكثرة النازحين من المدينة إلى مكة على إثر سيطرة الثوار على المدينة . تاريخ خليفة (ص178،201) و عصر الخلافة الراشدة لأكرم العمري ( ص139-146)
و أرسل عثمان بن حنيف الأنصاري إلى البصرة والياً عليها بدلاً من عبد الله بن عامر واليها لعثمان ، و كان قد ترك البصرة متجهاً إلى مكة . و قد انقسمت البصرة على الوالي الجديد ، فمنهم من بايع و منهم من اعتزل و منهم من رفض البيعة حتى يقتل قتلة عثمان . سير أعلام النبلاء ( 2/322) .
و أما مصر فكان واليها عبد الله بن سعد بن أبي السرح قد تركها متجهاً إلى عسقلان ، فاستولى عليها محمد بن أبي حذيفة مدة عام كامل و واجه معارضة تطالب بالقصاص من قتلة عثمان ، فلما قتل ولي عليها قيس بن سعد بن عبادة فتمكن من أخذ البيعة لعلي و هادن أهلها . مصنف عبد الرزاق (5/458) بسند صحيح إلى الزهري .(8/81)
و أرسل علي إلى معاوية يطلب منه البيعة فرد عليه قائلاً : فإن كنت صادقاً فأمكنا من قتلة عثمان نقتلهم به ونحن أسرع الناس إليك . الأخبار الطوال للدينوري (ص162-163) .
فإن قال قائل : إن علياً قد أخطأ في عزل جميع ولاة عثمان قبل أن تأتيه بيعة أهل الأمصار . فالجواب : إن علياً رضي الله عنه إمام مجتهد له أن يعزل عمال عثمان إذا رأى المصلحة في ذلك ، و قد ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم و هو المعصوم خالد بن سعيد بن أبي العاص على صنعاء و عمرو بن العاص على عمان ، فعزلهما الصديق من بعده ، و ولى الصديق خالد بن الوليد و المثنى بن حارثة ، فعزلهما الفاروق من بعده ،
و ولى الفاروق عمرو بن العاص و المغيرة بن شعبة فعزلهما عثمان من بعده . تاريخ خليفة (ص97،102،122-123،155،178) و تاريخ الطبري (3/343) (4/241) .
و هكذا فعل علي لما رأى المصلحة في ذلك ؛ فهل ينتقد عاقل الصديق و الفاروق و ذا النورين في عزلهم هؤلاء العمال الأكفاء ! .
أما القول بأنه عزل جميع عمال عثمان ، هذا غير صحيح فالعزل لم يتحقق إلا في معاوية في الشام و خالد بن أبي العاص في مكة ، و أبي موسى الأشعري في الكوفة ، على أنه أقره بعد ذلك . تاريخ الطبري (4/442) و تاريخ خليفة (ص201) .
و أما البصرة فإن واليها خرج من نفسه ، و في اليمن أخذ أميرها يعلي بن مُنية مال جباية اليمن و قدم مكة بعد مقتل عثمان و انضم إلى طلحة و الزبير و حضر معهم موقعة الجمل ، و ابن أبي السرح خرج إلى فلسطين و مكث هناك حتى مات بعد أن تغلب ابن أبي حذيفة على مصر . تاريخ الطبري (4/421) و (4/450) .(8/82)
و هكذا فإن أميري اليمن و البصرة عزلا أنفسهما و أمير مصر عزله المتغلب عليها و أمير الكوفة أقره على منصبه فلم يرد العزل إلا في حق معاوية والي الشام و خالد والي مكة . و أما القول بأنه عزلهم قبل أن تأتيه بيعة أهل الأمصار ، قلت : إن تولية الإمام للعمال على الأمصار غير مشروط بوصول بيعة أهلها له ، فمتى بايع أهل الحل و العقد ، لزمت بيعته جميع البلدان النائية عن مركز الخلافة . و لو كانت تولية الخليفة العمال على الأمصار متوقفة على وصول بيعة أهلها له ما تمت بيعة أبي بكر رضي الله عنه ، لأنه تصرف بإرسال جيش أسامة و محاربة المرتدين قبل وصول بيعة أهل مكة و الطائف و غيرها من البلاد ، و كذلك فعل الفاروق و ذي النورين فإنهما تصرفا في أمور المسلمين أيضاً قبل وصول بيعة الأمصار إليهما .
مقدمات معركة الجمل و ما سبقها من أحداث .
لما مضت أربعة أشهر على بيعة علي رضي الله عنه ، خرج كل من طلحة و الزبير من المدينة بقصد العمرة ، و كذلك خرج عبد الله بن عامر من البصرة و يعلي بن مُنْية من اليمن إلى مكة في أوقات مختلفة ، و أما عن طلب الزبير و طلحة من علي السماح لهما بالذهاب إلى البصرة و الكوفة لإحضار جند يقاتلون بهم قتلة عثمان رضي الله عنه ، فهذا خبر لا يصح منه شيء ؛ لأن طلحة و الزبير رضي الله عنهما كانا حريصين على إصلاح ذات البين و إطفاء نار الفتنة و منع إراقة المزيد من دماء المسلمين ، كما سيأتي .(8/83)
اجتمع طلحة والزبير و يعلي و عبد الله بن عامر و عائشة رضي الله عنهم أجمعين بعد نظر طويل على الشخوص إلى البصرة من أجل الإصلاح بين الناس حين اضطرب أمرهم بعد مقتل عثمان رضي الله عنه ، و ليس من أجل المطالبة بدم عثمان ، و دليل ذلك حديث الحوأب ، - هو موضع قريب من البصرة ، و هو من مياه العرب في الجاهلية و يقع على طريق القادم من مكة إلى البصرة ، و سمي بالحوأب ؛ نسبة لأبي بكر بن كلاب الحوأب ، أو نسبة للحوأب بنت كلب بن وبرة القضاعية ، انظر : معجم البلدان (2/314) – ففي أثناء الطريق إلى البصرة مر الجيش على منطقة يقال لها الحوأب ، فنبحت كلابها فلما سمعت عائشة هذا النباح ، طرأ عليها حديثاً فقالت ما هذه المنطقة ؟ قالوا هذه الحوأب ، فتذكرت حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، حيث روى أحمد و ابن حبان و الحاكم عن قيس بن حازم أن عائشة لما أتت على الحوأب سمعت نباح الكلاب ، فقالت : ما أظنني إلا راجعة ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا : أيتكن تنبح عليها كلاب الحواب . فقال لها الزبير : ترجعين ؟! - أي لا ترجعي لأنهم يحترمونك - عسى الله أن يصلح بك بين الناس . هذا لفظ شعبة ، أما لفظ يحيى فقال : لما أقبلت عائشة بلغت مياه بني عامر ليلاً ، فنبحت الكلاب فقالت : أي ماء هذا ؟ قالوا : ماء الحوأب ، قالت : ما أظنني إلا راجعة فقال بعض من كان معها : بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله ذات بينهم . قالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها ذات يوم : كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب . السلسلة الصحيحة (1/846) .(8/84)
و قد أشكل حديث الحوأب على بعض الناس فردوه - منهم الإمام ابن العربي في كتابه العواصم من القواصم ( ص162) ، و تابعه الشيخ محب الدين الخطيب في حاشيته على هذا الكتاب القيم ( ص152) - ، و هو حديث صحيح و لسان حالهم يقول : كان على عائشة رضي الله عنها لما علمت بالحوأب أن ترجع ، و الحديث يدل على أنها لم ترجع و هذا مما لا يليق أن ينسب لأم المؤمنين .
و قد أجاب الشيخ الألباني رحمه الله على هذا الإشكال فقال : ليس كل ما يقع من الكمّل يكون لائقاً بهم ، إذ المعصوم من عصم الله و السنّي لا ينبغي له أن يغالي فيمن يحترمه ، حتى يرفعه إلى مصاف الأئمة الشيعة المعصومين ، و لا شك أن خروج أم المؤمنين كان خطأ من أصله و لذا همّت بالرجوع حين علمت بتحقيق نبوة النبي صلى الله عليه وسلم عند الحوأب ، و لكن الزبير رضي الله عنه ، قد أقنعها بترك الرجوع بقوله : عسى الله أن يصلح بك بين الناس ، و لاشك انه كان مخطئاً في ذلك أيضاً . السلسلة الصحيحة (1/854-855 ) ، و قال ابن حجر عن الحديث : سنده على شرط الشيخين ، انظر فتح الباري (13/59-60) و قال الهيثمي : رواه أحمد و أبو يعلى و البزار و رجال أحمد رجال الصحيح ، مجمع الزوائد (7/234) و صححه الألباني في الصحيحة ورد على من طعن في صحته و بين من أخرجه من الأئمة ، انظر : الصحيحة (1/846-855) .
هنا أدرك علي رضي الله عنه خطورة الموقف ، و ما يمكن أن يجر إليه الخلاف من تمزيق الدولة الإسلامية ،
فاستنفر أهل المدينة للخروج معه فاجتمع معه حوالي سبعمائة رجل ، و اعتزل الكثير من الصحابة هذه الفتنة ، فخرج علي من المدينة متجهاً إلى العراق و قد عسكر في الربذة حيث أضيف إلى جنده مائتا رجل فبلغوا تسعمائة رجل . تاريخ دمشق لابن عساكر ( 42/456) .(8/85)
و قد حاول الحسن بن علي ثني أبيه عن الذهاب إلى العراق و هو يبكي لما أصاب المسلمين من الفرقة و الاختلاف ، لكن علياً رفض ذلك و أصر على الخروج . مصنف ابن أبي شيبة (15/99-100) بإسناد حسن ، و ابن عساكر في تاريخ دمشق ( 42/456-457) .
و قد جاءت روايات لتبين أن علي رضي الله عنه خرج من المدينة في إثر أصحاب الجمل ، و هذا الأمر لم يحدث ، بل الصحيح أنه خرج من المدينة عاقداً العزم على التوجه إلى الكوفة ليكون قريباً من أهل الشام ، و لم يخرج في أعقاب أصحاب الجمل .
و في ما يلي بيان هذا الأمر :-
أ- ذكرت بعض الروايات أن علياً رضي الله عنه حين خرج من المدينة أقام في - الربذة - عدة أيام ، و هذا الصنيع من علي رضي الله عنه لا يشبه صنيع من خرج يطلب قوماً . هذا فضلاً عن أن - الربذة - تقع على طريق الكوفة بينما أصحاب الجمل كانوا يسلكون طريق البصرة .
ب- كذلك ذكرت بعض الروايات أن علياً رضي الله عنه حين خرج من - الربذة - توجه إلى – فَيْد ، انظر : معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية لعاتق البلادي (ص239) . - ثم - الثعلبية ، انظر : معجم البلدان لياقوت الحموي (2/78) - و هذه الأماكن من منازل طريق الكوفة ، و هذا يعني أن علياً لم يكن يتعقب أصحاب الجمل ، وإلا لترك طريق الكوفة و قصد طريق البصرة . خاصة أن من أراد البصرة و كان خارجاً من المدينة فإنه يتجه إلى – النَّقِرَة ، انظر : معجم البلدان (5/298) - التي تقع على طريق الكوفة ، و منها يتيامن حتى يصل – النِّباج ، انظر : معجم البلدان (5/255) - التي تقع على طريق البصرة . انظر : كتاب المناسك للحربي (322،587) .
لكن علياً رضي الله عنه لم يفعل ذلك بل تعدى النقرة و واصل سيره إلى فيد ثم الثعلبية . أنظر حول هذا الموضوع مع نقد الروايات في ذلك كتاب استشهاد عثمان و وقعة الجمل لخالد الغيث (ص183-184) .(8/86)
هنا و بعد أن عسكر علي رضي الله عنه في الربذة ، أرسل رسولين لاستنفار الكوفيين ، و هما محمد بن أبي بكر و محمد بن جعفر ، فأخفقا في مهمتهما لأن أباموسى الأشعري والي الكوفة لعلي التزم موقف اعتزال الفتنة و حذر الناس من المشاركة فيها . سنن أبي داود (4/459-460) بإسناد حسن .
و هذا الخبر يؤيده ما أخرجه البخاري في صحيحه (13/58) من طريق أبي وائل قال : دخل أبو موسى و أبو مسعود على عمار حيث بعثه علي إلى أهل الكوفة يستنفرهم ، فقالا: ما رأيناك أتيت أمراً أكره عندنا من إسراعك في هذا الأمر منذ أسلمت ، فقال عمار : ما رأيت منكما منذ أسلمت أمراً أكره عندي من إبطائكما عن هذا الأمر ، و كساهما حلة ثم راحوا إلى المسجد .
فاتجه علي إلى - ذي قار : ماء لبكر بن وائل قريب من الكوفة . معجم البلدان لياقوت الحموي (4/293-294) - قرب الكوفة و عسكر بها ، و منها أرسل عبد الله بن عباس و أتبعه ابنه الحسن و عمار بن ياسر لاستنفار الكوفيين . تاريخ الطبري ( 4/482) بسند صحيح إلى الزهري مرسلاً ، و الفتح (13/63) . و كان السبب في تغير وجهة السير ، هو أن علي رضي الله عنه سمع بأنباء القلاقل التي حدثت في البصرة و أدت إلى خروج عامله عنها .(8/87)
روى البخاري في صحيحه عن أبي وائل قال : لما بعث علي عماراً و الحسن إلى الكوفة ليستنفرهم خطب عمار فقال : إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا و الآخرة ، ولكن الله ابتلاكم لتتبعوه أو إياها . و روى كذلك عن أبي مريم قال : لما سار طلحة و الزبير و عائشة إلى البصرة بعث علي عمار بن ياسر و الحسن بن علي ، فقدما علينا الكوفة فصعدا المنبر فكان الحسن بن علي فوق المنبر في أعلاه و قام عمار أسفل الحسن . فاجتمعنا إليه فسمعت عماراً يقول : إن عائشة قد سارت إلى البصرة ، والله إنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا و الآخرة ، و لكن الله تبارك و تعالى ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي . قال الحافظ في الفتح : و مراد عمار بذلك أن الصواب في تلك القصة كان مع علي ، و أن عائشة مع ذلك لم تخرج عن الإسلام و لا أن تكون زوجة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة ، فكان ذلك يعد من إنصاف عمار و شدة تحريه قول الحق . و قال أيضاً : قال ابن هبيرة : في هذا الحديث أن عماراً كان صادق اللهجة و كان لا تستخفه الخصوصية إلى أن ينتقص خصمه ، فإنه شهد لعائشة بالفضل التام مع ما بينهما من حرب . انظر : الفتح (13/63) .
و هنا يجدر التنبيه إلى أن كلام عمار رضي الله عنه عن عائشة رضي الله عنها مبني على عدم معرفة عمار بحقيقة خروج أصحاب الجمل ، و هو أنهم قد خرجوا للإصلاح بين الناس . أنظر : استشهاد عثمان و وقعة الجمل لخالد الغيث (ص185) .
فقدم على علي وفد الكوفه بذي قار فقال لهم : يا أهل الكوفة أنتم لقيتم ملوك العجم فعضضتم جموعهم ،
و قد دعوتكم لتشهدوا معنا إخواننا من أهل البصرة فإن رجعوا فذاك الذي نريده ، و إن أبو داويناهم بالرفق حتى يبدأونا بالظلم ، و لن ندع أمراً فيه الإصلاح إلا آثرناه على ما فيه الفساد إن شاء الله تعالى . البداية و النهاية لابن كثير (7/237) .(8/88)
و تذكر بعض الروايات أن أصحاب الجمل بعد أن خرجوا من مكة و اقتربوا من أوطاس : و هو سهل يقع على طريق الحاج العراقي إذا أقبل من نجد ، و تبعد عن مكة ( 143كم ) باتجاه الشمال الشرقي ، انظر : معجم البلدان (1/281) ، تيامنوا عنها و تركوا طريق البصرة و ساروا بمحاذاته حتى وصلوا البصرة .
و هذا الخبر لا يصح بحق أولئك الصحب الكرام ، حيث إنه يصور أصحاب الجمل الذين خرجوا للإصلاح
بأنهم مجموعة من الخارجين على الخلافة ، و أن خوفهم من علي رضي الله عنه قد دفعهم إلى الابتعاد عن سلوك طريق البصرة لكي لا يلحق بهم . و بدراسة خط سير أصحاب الجمل من مكة إلى البصرة ، اتضح أنهم سلكوا طريق البصرة و لم يحيدوا عنه كما زعمت الروايات .
و بيان ذلك كما يلي :-
أ- ذكرت الروايات أن أصحاب الجمل حين وصلوا - أوطاس - تيامنوا عنها و تركوا طريق البصرة و ساروا بمحاذاته .
و هذا الخبر فيه تلبيس يوهم أن أصحاب الجمل قد تركوا طريق البصرة ، بينما حقيقة الأمر أن من أراد البصرة و كان خارجاً من مكة تيامن من عند - أوطاس - كما فعل أصحاب الجمل ، و من أراد الكوفة تياسر عنها ، حيث إن طريقي البصرة و الكوفة يأخذان بالتفرع يميناً و يساراً من بعد - أوطاس - .
ب- ورد في الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام أحمد أن كلاب الحوأب نبحت على عائشة رضي الله عنها حين بلغت ديار بني عامر .(8/89)
و بنو عامر هؤلاء بنو عامر بن صعصعة ، و الحوأب ماء من مياه العرب يقع على طريق البصرة و هو من مياه بني بكر بن كلاب ، و بنو كلاب هؤلاء بطن من عامر بن صعصعة ، انظر : معجم البلدان (1/314) . و حيث إن بني كلاب كانوا يسكنون – ضَرِيَّة ، انظر : كتاب المناسك للحربي (ص612) ، و معجم البلدان (3/457) - ، فإن هذا يعني أن الحوأب تقع في - ضرية - ، و حيث إن - ضرية - تقع على طريق الحاج البصري ، انظر : كتاب المناسك للحربي (ص594) ، فإن ذلك يعني أن أصحاب الجمل قد سلكوا الطريق المعتاد بين مكة و البصرة و لم يحيدوا عنه كما زعمت الروايات . أنظر حول هذا الموضوع مع نقد الروايات في ذلك : كتاب استشهاد عثمان و وقعة الجمل لخالد الغيث (ص166-168) .
معركة الجمل ، و دور السبئية في إشعالها .
كان جيش مكة قد وصل خلال تلك الفترة إلى البصرة فأرسل عثمان بن حنيف رضي الله عنه و هو والي البصرة من قبل علي إليهم يستفسر عن سبب خروجهم فكان الجواب : إن الغوغاء من أهل الأمصار و نزاع القبائل غزوا حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم و أحدثوا فيه الأحداث و آووا فيه المحدِثين و استوجبوا فيه لعنة الله و لعنة رسوله ، مع ما نالوا من قتل أمير المسلمين بلا ترة و لا عذر فاستحلوا الدم الحرام فسفكوه و انتهبوا المال الحرام و أحلوا البلد الحرام و الشهر الحرام ، فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتى هؤلاء القوم و ما فيه الناس وراءنا ، و ما ينبغي لهم أن يأتوا في إصلاح هذا ، و قرأت { لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس }[ النساء /114] ، ننهج في الإصلاح ممن أمر الله عز وجل و أمر رسوله صلى الله عليه وسلم الصغير و الكبير و الذكر و الأنثى فهذا شأننا إلى معروف نأمركم به و نحضكم عليه ، و منكر ننهاكم عنه و نحثكم على تغييره . تاريخ الطبري (4/462) ، من طريق سيف بن عمر .(8/90)
اتجه بعدها جيش مكة نحو بيت المال و دار الرزق فاعترضهم حكيم بن جبلة أحد الثوار المشاركين في حصار الدار بالمدينة و معه سبعمائة من قومه و جرت معركة قتل فيها حكيم بن جبلة ، و خرج عثمان بن حنيف من البصرة و لحق بعلي رضي الله عنه . تاريخ الطبري (4/468،471) .
ولم يثبت من طريق صحيح يمكن أن يعول عليه ، أنهم ضربوه و نتفوا شعر وجهه رضي الله عنه ، و الصحابة الكرام رضي الله عنهم يتنزهون عن مثل هذه المثلة القبيحة . و هذه من روايات أبي مخنف الكذاب . انظر : مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري (ص258) .
و حين عسكر جيش على بذي قار أرسل عبد الله بن عباس إلى طلحة و الزبير يسألهما : هل أحدث ما يوجد السخط على خلافته ، كحيف في حكم أو استئثار بفيء ؟ أو في كذا ؟ فقال الزبير : ولا في واحدة منها . فضائل الصحابة للإمام أحمد (2/596) بسند صحيح و ابن أبي شيبة : المصنف (15/267) بتصرف يسير .
و بالجملة فعائشة و طلحة و الزبير رضي الله عنهم إنما خرجوا قاصدين الإصلاح ، و جمع كلمة المسلمين
و ما رافق ذلك من قتال و حروب فلم يكن بمحض إرادتهم و لا قصداً منهم ، و إنما أثير من قبل السبئية
و أعوانهم من الغوغاء ، و لم يكن الإصلاح هدف طلحة و الزبير و عائشة وحدهم ، بل إن علياً أيضاً لم ير في مسيره إليهم إلا الإصلاح و جمع الكلمة ، و على العموم لم ير علي و طلحة و الزبير و عائشة رضوان الله عليهم أمراً أمثل من الصلح و ترك الحرب ، فافترقوا على ذلك ، و إنه لموقف رائع من طلحة و الزبير رضي الله عنهما ، و هو لا يقل روعة عن موقف أمير المؤمنين علي رضي الله عنه فكل منهم قبل الصلح و وافق عليه ، و كل منهم كان يتورع أن يسفك دماً أو يقتل مسلماً .(8/91)
و لا يمكن أن يفهم عاقل يقف على النصوص السابقة أن زعماء الفريقين هم الذين حركوا المعركة و أوقدوا نارها ، و كيف يتأتى ذلك و كلا الطرفين كانت كلمة الصلح قد نزلت من نفوسهم و قلوبهم منزلاً حسناً ، و لكنهم قتلة عثمان أصحاب ابن سبأ عليهم من الله ما يستحقون هم الذين أشعلوا فتيلها و أججوا نيرانها حتى يفلتوا من حد القصاص .
و قد يسأل سائل لماذا سمح علي رضي الله عنه لأهل الفتنة بالبقاء معه في جيشه و لم يعاقبهم على فعلتهم الشنيعة ؟!
كان سبب إبقاء علي على أهل الفتنة في جيشه أنهم كانوا سادات في أقوامهم ، فكان علي يرى أن يصبر عليهم إلى أن تستقر الأمور .
وقد أجاب عن ذلك الإمام الطحاوي في شرح العقيدة شرح الطحاوية (ص483) بقوله : و كان في عسكر علي رضي الله عنه من أولئك الطغاة الخوارج الذين قتلوا عثمان ، من لم يُعرف بعينه و من تنتصر له قبيلته ، و من لم تقم عليه حجة بما فعله ، و من في قلبه نفاق لم يتمكن من إظهاره كله .
و على كل حال كان موقف علي رضي الله عنه ، موقف المحتاط منهم ، المتبرئ من فعلهم ، و هو و إن كان لم يخرجهم من عسكره فقد كان يعاملهم بحذر و ينظر إليهم بشزر ، حتى قال الإمام الطبري في تاريخه (4/445) : بأنه لم يول أحد منهم أثناء استعداده للمسير إلى الشام – يقصد مسيره لحرب صفين - ، حيث دعا ولده محمد بن الحنفية و سلمه اللواء و جعل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قائد الميمنة و عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه على الميسرة و جعل على مقدمة الجيش أبا ليلى بن عمر بن الجراح و استخلف على المدينة قثم بن العباس رضي الله عنهم .(8/92)
و هذه بادرة منه رضي الله عنه ليعلن تبرؤه من أولئك المارقين ، و يثبت قدرته على السيطرة على أمر المسلمين من غير عون منهم ، فقد كان له في المسلمين الموالين له و المؤيدين لخلافته ما يغنيه عن الاستعانة بهم و التودد إليهم ؛ و هذا أقصى ما يمكنه فعله بتلك الطائفة إذ ذاك ، و هو كافٍ في عذره لأنهم مئات و لهم قرابة و عشائر في جيشه ، فما يأمن لو عاملهم بأكثر من هذا من الشدة أن يمتد حبل الفتنة في الأمة ، كما حصل ذلك لطلحة و الزبير و عائشة بالبصرة حين قتلوا بعضاً منهم ، فغضب لهم قبائلهم و اعتزلوهم . إفادة الأخيار ببراءة الأبرار للتباني (2/52) .
فلما نزل الناس منازلهم و اطمأنوا خرج علي و خرج طلحة و الزبير فتوافقوا و تكلموا فيما اختلفوا فيه ، فلم يجدوا أمراً هو أمثل من الصلح ، فافترقوا على ذلك ، رجع علي إلى عسكره و رجع طلحة و الزبير إلى عسكرهما و أرسل طلحة و الزبير إلى رؤساء أصحابهما ، و أرسل علي إلى رؤساء أصحابه ما عدا أولئك الذين حاصروا عثمان رضي الله عنه فبات الناس على نية الصلح و العافية ، و هم لا يشكون في الصلح فكان بعضهم بحيال بعض ، و بعضهم يخرج إلى بعض لا يذكرون و لا ينوون إلا الصلح فباتوا بخير ليلة باتوها منذ مقتل عثمان ، و بات الذين أثاروا الفتنة بشرّ ليلة باتوها قط ، إذ أشرفوا على الهلاك و جعلوا يتشاورون ليلتهم كلها . انظر : تاريخ الطبري (4/506-507 ) من طريق سيف بن عمر .
فاجتمعوا على إنشاب الحرب في السر ، فغدوا في الغلس و عليهم ظلمة و ما يشعر بهم جيرانهم ، فوضعوا فيهم السيوف ، فثار أهل البصرة و ثار كل قوم في وجوه الذين باغتوهم ، فقام طلحة ينادي و هو على دابته - وقد غشيه الناس - فيقول : يا أيها الناس أتنصتون ؟ فجعلوا يركبونه و لا ينصتونه ، فما زاد أن قال : أف ، أف ، فراش نار و ذبان طمع . تاريخ خليفة (ص 182) . وهل يكون فراش النار و ذبان الطمع غير أولئك السبئية ؟!(8/93)
التحم القتال من الغوغاء و خرج الأمر عن علي و طلحة و الزبير . و كان طلحة يقول – و السهام تناوشه - : اللهم خذ لعثمان مني اليوم حتى ترضى . تاريخ خليفة (ص 185) ، دول الإسلام للذهبي (1/28) .
و يصور لنا الحسن بن علي حال والده فيقول : لقد رأيته حين اشتد القتال يلوذ بي و يقول : يا حسن لوددت أني مت قبل هذا بعشرين حجة - أو سنة - ، فقال له الحسن : يا أبت قد كنت أنهاك عن هذا ، قال : يا بني لم أر الأمر يبلغ هذا . مصنف ابن أبي شيبة (15/288) بإسناد صحيح ، و السنة لعبد الله بن أحمد (2/566 ، 589 ) .
و روى ابن أبي شيبة في مصنفه (15/275) . بإسناده إلى حبيب بن أبي ثابت أن علياً قال يوم الجمل : اللهم ليس هذا أردت ، اللهم ليس هذا أردت .
أما الروايات التي جاءت تفيد بأن طلحة رضي الله عنه قام بتحريض الناس على القتال ثم إصابته و موته ، هي روايات مردودة بما ثبت من عدالة الصحابة رضوان الله عليهم ، وقام طلحة و رجع خلف الجيش ، فجاءه سهم غرب لا يعرف من أين أتى فنزل في المفصل من ركبته فصادف جرحاً في ساقه كان أصابه يوم أحد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدأ ينزف فحمله غلامه إلى البصرة و ألجأه إلى دار خربة لا أحد فيها و مات هناك رضي الله عنه . تاريخ الطبري (4/512 ، 514 ) من طريق سيف بن عمر .
و قيل أن الذي ضربه بالسهم مروان بن الحكم ، لكن ليس هناك دليل على هذا ، و بدراسة تلك الروايات ، اتضح براءة مروان بن الحكم من تلك التهمة ، و ذلك للأسباب التالية :-
أ- وجود رواية لمروان بن الحكم في صحيح البخاري ، مع ما عرف من البخاري رحمه الله من الدقة و شدة التحري في أمر من تقبل روايته ، فلو صح قيام مروان بقتل طلحة رضي الله عنه لكان هذا سبباً كافياً لرد روايته و القدح في عدالته . و الرواية في صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري (3/493) .(8/94)
ب- استبعاد ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية (7/248) لهذا الأمر و تشكيكه فيه بقوله : و يقال إن الذي رماه بهذا السهم مروان بن الحكم . و قد قيل : إن الذي رماه بهذا السهم غيره ، و هذا عندي أقرب ، و إن كان الأول مشهوراً ، والله أعلم .
جـ- ثناء الأئمة عليه كالإمام أحمد ، و الحافظ ابن حجر . سير أعلام النبلاء للذهبي (3/477) و الإصابة لابن حجر (6/257-259) .
د- بطلان السبب الذي قيل إن مروان قتل طلحة رضي الله عنه من أجله ، و هو اتهام مروان لطلحة بأنه أعان على قتل عثمان رضي الله عنه . و هذا السبب المزعوم غير صحيح حيث إنه لم يثبت من طريق صحيح أن أحداً من الصحابة قد أعان على قتل عثمان رضي الله عنه .
هـ - كون مروان و طلحة رضي الله عنهما ، في صف واحد يوم الجمل ، و هو صف المنادين بالإصلاح بين الناس .
و - أن معاوية رضي الله عنه قد ولى مروان على المدينة و مكة ، انظر خبر توليته في : تاريخ الطبري (5/293) ، فلو صح ما بدر من مروان لما ولاه معاوية رضي الله عنه على رقاب المسلمين و في أقدس البقاع عند الله . لمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع راجع كتاب : استشهاد عثمان و وقعة الجمل لخالد الغيث (ص202-203) .
و في أثناء المعركة قال علي للزبير : أتذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : يا زبير أما والله لتقاتلنه و أنت ظالم له . تاريخ دمشق لابن عساكر (18/408-410) .
روى الحاكم في المستدرك (3/365-366) من طرق متعددة أن علياً ذكرّ الزبير بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له لتقاتلن علياً و أنت ظالم له ، فلذلك رجع .(8/95)
و أخرج إسحاق من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن عبد السلام - رجل من حيه - قال : خلا علي بالزبير يوم الجمل فقال : أنشدك الله هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول و أنت لاوي يدي : لتقاتلنه و أنت ظالم له ثم لينتصرن عليك . قال : قد سمعت ، لا جرم لا أقاتلك . ذكره الحافظ في الفتح (13/60) و انظر المطالب العالية (4/301) .
و روى ابن عساكر في تاريخه (18/410) وابن كثير في البداية (7/242) أن الزبير رضي الله عنه لما عزم عل الرجوع إلى المدينة عرض له ابنه عبد الله فقال : مالك ؟ قال : ذكرّني علي حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم و إني راجع ، فقال له ابنه : و هل جئت للقتال ؟ إنما جئت تصلح بين الناس ، و يصلح الله هذا الأمر .
و بالفعل فإن موقف الزبير رضي الله عنه كان السعي في الإصلاح حتى آخر لحظة ، و هذا ما أخرجه الحاكم في المستدرك (3/366) من طريق أبي حرب بن أبي الأسود الديلي ، و فيه أن الزبير رضي الله عنه سعى في الصلح بين الناس و لكن لما قامت المعركة واختلف أمر الناس مضى الزبير و ترك القتال .
و هذا الفعل من الزبير رضي الله عنه هو الذي ينسجم مع مقصده الذي قدم البصرة من أجله ، لا كما تصوره بعض الروايات من أنه كان من المحرضين على القتال .
و أثناء انسحابه رضي الله عنه رآه ابن جرموز فتبعه فأدركه و هو نائم في القائلة ، بوادي السباع ، فهجم عليه فقتله رضي الله عنه ، ثم سلب سيفه و درعه . الفصل في الملل و النحل لابن حزم (4/239) . و قال ابن كثير أن هذا القول هو الأشهر . أنظر : البداية و النهاية (7/250) .(8/96)
ذكر الحافظ في الفتح (6/264-265) و (7/102) : أن ابن جرموز جاء إلى علي متقرباً إليه بذلك ، فأمسك علي السيف بيده و قال : طالما جلى به الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم و قال : بشر قاتل ابن صفية بالنار . أنظر : المسند (1/89 ، 102) و صححه الحاكم في المستدرك (4/367) و و ذكره أحمد في كتاب فضائل الصحابة بإسناد حسن (2/736-737) بلفظ قريب و فيه : جاء قاتل الزبير يستأذن ، فجاء الغلام فقال : هذا قاتل الزبير فقال : ليدخل قاتل الزبير النار ، و جاء قاتل طلحة يستأذن فقال الغلام : هذا قاتل طلحة يستأذن ، فقال : ليدخل قاتل طلحة النار .
و هذا الخبر يؤيده ما أخرجه الإمام أحمد في فضائل الصحابة (2/737) بإسناده حسن ، و فيه أن ابن جرموز استأذن على علي رضي الله عنه فقال : من هذا ؟ فقال : ابن جرموز يستأذن . فقال : ائذنوا له ليدخل قاتل الزبير النار ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لكل نبي حواريّ و إن حوارييّ الزبير .
و في تعليل هذه الجرأة من ابن جرموز على قتل الزبير رضي الله عنه يقول الحافظ أبو نعيم الأصفهاني في كتاب الإمامة (ص322) : و كثر في أيامه - أيام عثمان رضي الله عنه - من لم يصحب الرسول ، و فُقد من عَرَفَ فضل الصحابة رضي الله عنهم أجمعين .(8/97)
هنا ذهب كعب بن سَور بالخبر إلى أم المؤمنين فقال لها : أدركي الناس قد تقاتلوا . و كانت المعركة قريبة من البصرة ، فوضع لها الهودج فوق البعير – ورد أن اسم البعير عسكر - فجلست فيه و غطي بالدروع ، و ذهبت إلى أرض المعركة لعل أن يوقف الناس القتال عندما يشاهدونها ، فلما وصلت ، أعطت عائشة المصحف لكعب و قالت له : خلِّ البعير و تقدم و ارفع كتاب الله و ادعهم إليه ، فشعر أهل الفتنة بأن القتال سيتوقف إذا تركوا كعباً يفعل ما طُلب منه ، فلما قام كعب و رفع المصحف و أخذ ينادي تناولته النبال فقتلوه ، كما جاء في رواية الطبري (4/513) من طريق سيف بن عمر ، و ابن عساكر في تاريخ دمشق (7/88) .
ثم أخذوا بالضرب نحو الجمل ، بغية قتل عائشة لكن الله نجاها ، فأخذت تنادي : أوقفوا القتال ، و أخذ علي ينادي و هو من خلف الجيش : أن أو قفوا القتال ، و قادة الفتنة مستمرين ، فقامت أم المؤمنين بالدعاء على قتلة عثمان قائلة : اللهم العن قتلة عثمان ، فبدأ الجيش ينادي معها ، و حين سمع علي رضي الله عنه أثناء المعركة أهل البصرة يضجون بالدعاء ، قال : ما هذه الضجة ؟ فقالوا : عائشة تدعو و يدعون معاً على قتلة عثمان و أشياعهم ، فأقبل علي يدعو و يقول : اللهم العن قتلة عثمان و أشياعهم . الطبري (4/513) .
و روى ابن أبي شيبة في المصنف (15/277) و البيهقي في السنن الكبرى (8/181) أن علياً سمع يوم الجمل صوتاً تلقاء أم المؤمنين فقال : انظروا ما يقولون ، فرجعوا فقالوا : يهتفون بقتلة عثمان ، فقال : اللهم أحلل بقتلة عثمان خزياً .
و يؤيد هذا الخبر ما أخرجه الإمام أحمد في فضائل الصحابة (1/455) بإسناد صحيح ، من طريق محمد بن الحنفية قال : بلغ علياً أن عائشة تلعن قتلة عثمان في المربد ، قال : فرفع يديه حتى بلغ بهما وجهه فقال : و أنا ألعن قتلة عثمان ، لعنهم الله في السهل والجبل ، قال مرتين أو ثلاثاً . و ارتفعت أصوات الدعاء في المعسكرين ..(8/98)
يقول الحارث بن سويد الكوفي - شاهد عيان ثقة ثبت - لقد رأيتُنا يوم الجمل ، و إن رماحنا و رماحهم لمتشاجرة و لو شاءت الرجال لمشت عليه ، يقولون الله أكبر ، سبحان الله ، الله أكبر . تاريخ خليفة (ص 198) بإسناد صحيح .
ثم إن أهل الفتنة أخذوا يرشقون جمل أم المؤمنين بالنبال و علي يصرخ فيهم أن كفوا عن الجمل ، لكنهم لا يطيعونه فصار الجمل كالقنفذ من كثرة النبال التي علقت به . تاريخ الطبري (4/513 ، 533 ) من طريق سيف بن عمر .
و يقدم الأشتر نحو الجمل فوقف له ابن الزبير فتقاتلا ، و لهذا شاهد من حديث أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ( 11/108) و ( 15/257) بإسناد رجاله ثقاة : أن الأشتر و ابن الزبير التقيا فقال ابن الزبير : فما ضربته ضربة حتى ضربني خمساً أو ستاً ، ثم قال : فألقاني برجلي ثم قال : والله لولا قرابتك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما تركت منك عضواً مع صاحبه ، قال : و قالت عائشة : واثكل أسماء ، قال : فلما كان بعد أعطت الذي بشرها به أنه حي عشرة آلاف .
أما قصة صراع ابن الزبير مع الأشتر و قول ابن الزبير اقتلوني و مالكاً ، تعارضها الروايات الصحيحة ، فقد أخرج الطبري (4/520) بسند صحيح عن علقمة أن الأشتر لقي ابن الزبير في الجمل فقال : فما رضيت بشدة ساعدي أن قمت في الركاب فضربته على رأسه فصرعته . قلنا فهو القائل اقتلوني و مالكاً ؟ قال : لا ، ما تركته و في نفسي منه شيء ، ذاك عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد ، لقيني فاختلفنا ضربتين ، فصرعني و صرعته ، فجعل يقول اقتلوني و مالكاً ، و لا يعلمون من مالك فلو يعلمون لقتلوني . و أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (15/228) .
هنا وصل القعقاع إلى الجمل فخاف على أم المؤمنين أن تصاب فبدأ ينادي بالانسحاب فأخذ الجمل محمد بن طلحة بن عبيد الله فقتل رضي الله عنه فأخذ القعقاع الجمل و سحبه خارج المعركة .(8/99)
أخرج ابن أبي شيبة في المصنف (15/285) بسند صحيح أن عبد الله بن بديل قال لعائشة : يا أم المؤمنين أتعلمين أني أتيتك عندما قتل عثمان فقلتُ ما تأمريني ، فقلتِ الزم علياً ؟ فسكتت فقال : اعقروا الجمل فعقروه قال : فنزلت أنا و أخوها محمد و احتملنا الهودج حتى وضعناه بين يدي علي ، فأمر به علي فأدخل في بيت عبد الله بن بديل . و أورده الحافظ في الفتح (13/62) .
هنا علي رضي الله عنه أصدر الأوامر بأن لا تلحقوا هارباً و لا تأخذوا سبياً فثار أهل الفتنة و قالوا : تحل لنا دمائهم و لا تحل لنا نسائهم و أموالهم ؟ فقال علي : أيكم يريد عائشة في سهمه ، فسكتوا ، فنادى لا تقتلوا جريحاً و لا تقتلوا مدبراً ، و من أغلق بابه و ألقى سلاحه فهو آمن .البيهقي في السنن الكبرى (8/182) و ابن أبي شيبة في المصنف (15/257) و (15/286) بإسناد صحيح .
و أخرج الشافعي في الأم (4/308) من رواية علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب قال : دخلت على مروان بن الحكم ، فقال : ما رأيت أحداً أكرم من أبيك ، ما هو إلا أن ولينا يوم الجمل فنادى مناديه لا يقتل مدبراً و لا يذفف على جريح . و أورده الحافظ في الفتح (13/62) .
و كان علي رضي الله عنه يطوف على القتلى و هم يدفنون ، ثم سار حتى دخل البصرة فمر على طلحة
و رآه مقتولاً فجعل يمسح التراب عن وجهه و يقول : عزيز عليّ أبا محمد أن أراك مجندلاً تحت نجوم السماء ، ثم قال : إلى الله أشكو عجري و بجري - أي همومي وأحزاني - و بكى عليه و على أصحابه . تاريخ دمشق (25/115) و أسد الغابة لابن الأثير (3/88-89) .(8/100)
بعدها ذهب إلى بيت عبد الله بن بديل الخزاعي لزيارة عائشة و الاطمئنان عليها فقال لها : غفر الله لكِ ، قالت : ولك ما أردت إلا الإصلاح بين الناس . شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي (1/206) . و نقل الزهري في المغازي (ص154) قولها : إنما أريد أن يحجز بين الناس مكاني ، و لم أحسب أن يكون بين الناس قتال ، و لو علمت ذلك لم أقف ذلك الموقف أبداً . و هذا هو الصحيح بخلاف من قال بأن عائشة نزلت في بيت عبد الله بن خلف الخزاعي .
ثم قام علي بتجهيز عائشة و إرسالها إلى مكة معززة مكرمة ، و هذا الفعل من علي رضي الله عنه يعد امتثالاً لما أوصاه به النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث أخرج الإمام أحمد في المسند (6/393) بسند حسن من حديث أبي رافع رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : إنه سيكون بينك و بين عائشة أمر ، قال : فأنا أشقاهم يا رسول الله ؟ قال : لا ، ولكن إذا كان ذلك فارددها إلى مأمنها .
و أخرج الحاكم في المستدرك (3/119) عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم خروج بعض أمهات المؤمنين ، فضحكت عائشة رضي الله عنها فقال : انظري يا حميراء أن لا تكوني أنت ، ثم التفت إلى علي فقال : إن وليت من أمرها شيئاً فارفق بها .
و كان خروج عائشة رضي الله عنها يوم الجمل يعتبر زلة عن قصد حسن و هو الإصلاح ، و قد ندمت على ذلك ، و قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها زوجته في الجنة كما في المستدرك و قال عمار : والله إنها لزوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا و الآخرة ، كما في الصحيح بهذا المعنى . و بهذين الدليلين و بوصف الله لها في القرآن بأنها طيبة ، تنقطع ألسنة الروافض الطاعنين في صحابة رسول الله و منهم أم المؤمنين رضي الله عنها . الصحيح المسند من دلائل النبوة للشيخ مقبل الوادعي (ص417) في الهامش .(8/101)
و كانت رضي الله عنها إذا قرأت { و قرن في بيوتكن }[ الأحزاب/33] بكت حتى يبتل خمارها ، و كانت حينما تذكر الجمل تقول : وددت أني كنت جلست كما جلس أصحابي ، و في رواية ابن أبي شيبة : وددت أني كنت غصناً رطباً و لم أسر مسيري هذا . سير أعلام النبلاء للذهبي (2/177) و مجمع الزوائد للهيثمي (7/238) و ابن أبي شيبة في المصنف (15/281) .
و العقل يقطع بأنه لامناص من القول بتخطئة إحدى الطائفتين المتقاتلتين اللتين وقع فيهما مئات القتلى ،
و لاشك أن عائشة رضي الله عنها هي المخطئة ؛ لأسباب كثيرة و أدلة واضحة ، منها ندمها على خروجها ، و ذلك هو اللائق بفضلها و كمالها ، و ذلك مما يدل على أن خطأها من الخطأ المغفور ، بل المأجور .
قال الإمام الزيلعي في نصب الراية : و قد أظهرت عائشة الندم كما أخرجه ابن عبد البر في الاستيعاب عن ابن أبي عتيق - عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق - قال : قالت عائشة لابن عمر : يا أبا عبد الرحمن ما منعك أن تنهاني عن مسيري ؟ قال : رأيت رجلاً غلب عليك – يعني ابن الزبير – فقالت : أما والله لو نهيتني ما خرجت . قال الشيخ الألباني رحمه الله في الصحيحة : و لهذا الأثر طرق أخرى ، فقال الذهبي في السير : عن قيس قال : قالت عائشة ، و كانت تحدث نفسها أن تدفن في بيتها فقالت : إني قد أحدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثاً ، ادفنوني مع أزواجه ، فدفنت بالبقيع رضي الله عنها . قلت – أي الذهبي - : تعني بالحدث مسيرها يوم الجمل ، فإنها ندمت ندامة كلية و تابت من ذلك ، على أنها ما فعلت ذلك إلا متأولة ، قاصدة للخير ، كما اجتهد طلحة و الزبير و جماعة من كبار الصحابة رضي الله عن الجميع . انظر : السلسلة الصحيحة (1/854-855) .(8/102)
يقول شيخ الإسلام في منهاج السنة ( 4/316-317 ، 321-322 ) و (6/208 ، 363 ) : إن عائشة لم تخرج للقتال ، و إنما خرجت بقصد الإصلاح بين الناس و ظنت أن في خروجها مصلحة للمسلمين ، ثم تبين لها فيما بعد أن ترك الخروج كان أولى ، فكانت إذا ذكرت خروجها تبكي حتى تبل خمارها ، و هكذا عامة السابقين ندموا على ما دخلوا فيه من القتال فندم طلحة و الزبير رضي الله عنهم أجمعين .
و يقول الإمام القرطبي في تفسيره (8/321-322) في تفسير سورة الحجرات ما نصه : لا يجوز أن ينسب إلى أحد من الصحابة خطأ مقطوع به ، إذ كانوا كلهم اجتهدوا فيما فعلوه و أرادوا الله عز وجل .. هذا مع ما قد ورد من الأخبار من طرق مختلفة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن طلحة شهيد يمشي على وجه الأرض - يشير إلى حديث أبي هريرة عند مسلم (4/1880) و نصه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء هو و أبو بكر و عمر و عثمان و علي و طلحة والزبير ، فتحركت الصخرة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد . والترمذي (5/644) و انظر : كتاب فضائل الصحابة للنسائي (ص113) بتحقيق فاروق حمادة ، و ابن ماجة في فضائل طلحة ( 1/46) و الأصفهاني في الإمامة ( ص371-372) - ، فلو كان ما خرج إليه من الحرب عصياناً لم يكن بالقتل فيه شهيداً .. و مما يدل على ذلك ما قد صح و انتشر من إخبار عليّ بأن قاتل الزبير في النار ، و قوله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : بشر قاتل ابن صفية بالنار – تقدم تخريجه - ، و إذا كان كذلك فقد ثبت أن طلحة و الزبير غير عاصيين و لا آثمين بالقتال - أي أنهما معذوران باجتهادهما - لأن ذلك لو كان كذلك ، لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم في طلحة شهيد ، و لم يخبر أن قاتل الزبير في النار، و إذا كان كذلك لم يوجب ذلك لعنهم ، و البراءة منهم ، و تفسيقهم و إبطال فضائلهم و جهادهم ، رضي الله تعالى عنهم .(8/103)
و على ذلك إذا كان الصحابة رضوان الله عليهم يجوز عليهم الخطأ كما يجوز على كل بشر ، فحينئذ نستطيع أن نقبل ما يحدث في تصرفاتهم من أخطاء غير مقصودة ، و إنما وقعت نتيجة اجتهاد لم يوفقوا فيه إلى الصواب ، لكنهم مثابون على الإخلاص في اجتهادهم إن شاء الله .
و لقد أخطأ من قال بأن الباعث لخروج طلحة والزبير هو ما كانا عليه من الطمع في الخلافة والتآمر على الناس بذلك .
فينفي ابن شبّة في كتابه أخبار البصرة هذا الزعم بقوله : إن أحداً لم ينقل أن عائشة و من معها نازعوا علياً في الخلافة ، و لا دعوا إلى أحد منهم ليولوه الخلافة ، و إنما أنكروا على علي منعه - أي تأخيره - من قتل قتلة عثمان و ترك الاقتصاص منهم . أورده الحافظ في الفتح (13/60-61) .
و يقول ابن حزم في الفصل في الملل (4/238-239) : فقد صح صحة ضرورية لا إشكال فيها ، أنهم لم يمضوا إلى البصرة لحرب علي و لا خلافاً عليه ، و لا نقضاً لبيعته و لو أرادوا ذلك لأحدثوا بيعة غير بيعته ، و هذا ما لا يشك فيه أحد و لا ينكره أحد ، فصح أنهم إنما نهضوا إلى البصرة لسد الفتق الحادث في الإسلام من قتل أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه ظلماً .
وقد كان التقاء الفريقين في الجمل يوم الخميس في النصف من جمادى الآخرة سنة ست و ثلاثين ، تاريخ خليفة (ص184-185) - و هي أصح الروايات في تحديد تاريخ وقعة الجمل - و كان القتال بعد صلاة الظهر فما غربت الشمس و حول الجمل أحد ممن كان يذب عنه . أورده الحافظ في الفتح (13/62) .
و أما عن عدد قتلى معركة الجمل فقد بالغ المؤرخون في ذكرهم فمن مقلل و من مكثر على حسب ميل الناس و أهوائهم ؛ لكن العدد الحقيقي لقتلى معركة الجمل فقد كان ضئيلاً جداً للأسباب التالية :-
1 - قصر مدة القتال ، حيث أخرج ابن أبي شيبة بإسناد صحيح أن القتال نشب بعد الظهر ، فما غربت
الشمس و حول الجمل أحد ممن كان يذب عنه .(8/104)
2 - الطبيعة الدفاعية للقتال ، حيث كان كل فريق يدافع عن نفسه ليس إلا .
3 - تحرج كل فريق من القتال لما يعلمون من عظم حرمة دم المسلم .
4 - قياساً بعدد شهداء المسلمين في معركة اليرموك - ثلاثة آلاف شهيد ، تاريخ الطبري (3/402) - و معركة القادسية - ثمانية آلاف و خمسمائة شهيد ، تاريخ الطبري (3/564) - و هي التي استمرت عدة أيام ، فإن العدد الحقيقي لقتلى معركة الجمل يعد ضئيلاً جداً . هذا مع الأخذ بالاعتبار شراسة تلك المعارك و حدتها لكونها من المعارك الفاصلة في تاريخ الأمم .
5 - أورد خليفة بن خياط في تاريخه (ص187-190) بياناً بأسماء من حفظ من قتلى يوم الجمل ، فكانوا قريباً من المائة . فلو فرضنا أن عددهم كان مائتين و ليس مائة ، فإن هذا يعني أن قتلى معركة الجمل لا يتجاوز المائتين . و هذا هو الراجح للأسباب و الحيثيات السابقة و الله أعلم بالصواب . أنظر حول هذا الموضوع كتاب : استشهاد عثمان و وقعة الجمل لخالد الغيث (ص214-215) .
و هذا العدد مصداق لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البزار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنسائه : ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبب تخرج فتنبحها كلاب الحوأب ، يقتل عن يمينها و عن يسارها قتلى كثير ، ثم تنجو بعد ما كادت . السلسلة الصحيحة (1/853 ) .
حال ابن سبأ و مصيره بعد هذه الأحداث .
تعددت الروايات في ذكر مصير عبد الله بن سبأ ، هل أحرق مع أصحابه ؟
أم أنه نفي مع من نفي إلى سباط في المدائن ؟
أقول : الراجح والله أعلم و هو الذي أعتقده ، أنه نفي إلى سباط ، و مات هناك ؛ و الأدلة على ذلك كثيرة جداً ، و هاك مختصرها :-
أولاً : الأدلة على كون علي أحرق جماعته ، دون ذكر لحرق ابن سبأ معهم :-(8/105)
إن خبر إحراق علي بن أبي طالب رضي الله عنه لطائفة السبئية ، تكشف عنه الروايات الصحيحة في كتب الصحاح و السنن و المساند . أنظر خبره معهم عند البخاري في صحيحه (4/21) ، (8/50) ، و أبو داود في سننه (4/520) ، و النسائي (7/104) ، و الترمذي (4/59 ) و الحاكم في المستدرك (3/538-539) و صححه الألباني في صحيح أبي داود (3/822) .
فقد ذكر الإمام البخاري عن عكرمة مولى ابن عباس قال أتي علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم فبلغ ذلك ابن عباس فقال : لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي النبي صلى الله عليه وسلم لا تعذبوا بعذاب الله ) و لقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه ) . البخاري مع الفتح (12/279) .
ذكر الجُوزَجَاني في أحوال الرجال ( ص37-38 ) ، و ابن حجر في الفتح ( 12/270) بإسناد حسن : أن السبئية غلت في الكفر ، فزعمت أن علياً إلهاً ، حتى حرّقهم بالنار إنكاراً عليهم ، و استبصاراً في أمرهم حين يقول :
لما رأيت الأمر أمراً منكراً أججت ناري و دعوت قنبرا .
يقول ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث (ص78-79) ، و في المعارف (ص 267) : إن عبد الله بن سبأ ادّعى الربوبية لعلي ، فأحرق علي أصحابه بالنار .
قال ابن حجر في لسان الميزان (3/389-390) : عبد الله بن سبأ من غلاة الزنادقة ... ، و يقول عن طائفته : وله أتباع يقال لهم السبئية ، معتقدون الألوهية في علي بن أبي طالب ، و قد أحرقهم علي بالنار في خلافته .
يقول ابن حزم في الفصل في الملل والنحل (4/186) : و القسم الثاني من الفرق الغالية الذين يقولون بالإلهية لغير الله عز وجل فأولهم قوم من أصحاب عبد الله بن سبأ ... إلى أن قال : فقالوا مشافهة أنت هو ، فقال لهم و من هو ؟ قال : أنت الله ، فاستعظم الأمر و أمر بنار فأججت و أحرقهم بالنار .(8/106)
و يؤكد الفخر الرازي كغيره من أصحاب المقالات والفرق خبر إحراق علي لطائفة من السبئية . انظر : اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ( ص 57 ) .
ثانياً : الأدلة على كون علي أحرق جماعته ، و أحرق ابن سبأ معهم :-
ذكر المامقاني في تنقيح المقال (2/184) : أن علياً حرّق عبد الله بن سبأ في جملة سبعين رجلاً ادعوا فيه الإلهية والنبوة .
وقال الذهبي في ميزان الاعتدال (2/426) : أحسب أن علياً حرّقه – يقصد عبد الله بن سبأ – بالنار . و هو هنا لا يجزم بذلك بل وضعه موضع الشك .
أما الكشي فقد جزم بأن علياً رضي الله عنه قد أحرق عبد الله بن سبأ مع جملة أصحابه ، و قد نقل أكثر من رواية تنص على أن علياً حينما بلغه غلو ابن سبأ و دعواه الألوهية فيه ، دعاه و سأله فأقر بذلك ، و طلب إليه أن يرجع عن ذلك ، فأبى فحبسه واستتابه ثلاثة أيام فلم يتب فأحرقه بالنار . انظر هذا النص عند الناشئ الأكبر في مسائل الإمامة (ص 22 ) .
ثالثاً : الأدلة على كون علي أحرق جماعته ، ومن ثم نفى ابن سبأ إلى سباط .
ذكر ابن تيمية في منهاج السنة ( 1/23 ، 30 ) و (3/459) و ابن عساكر في تاريخ دمشق (29/10) و الملطي في التنبيه والرد على أهل الأهواء و البدع للملطي ( ص 29- 30 ) : أن علياً حرّق جماعة من غلاة الشيعة و نفى بعضهم ، و من المنفيين عبد الله بن سبأ .
و ذكر البغدادي في الفرق بين الفرق ( ص223 ) : أن السبئية أظهروا بدعتهم في زمان علي رضي الله عنه فأحرق قوماً منهم و نفى ابن سبأ إلى سباط المدائن إذ نهاه ابن عباس رضي الله عنه عن قتله حينما بلغه غلوه فيه و أشار عليه بنفيه إلى المدائن حتى لا تختلف عليه أصحابه ، لاسيما و هو عازم على العودة إلى قتال أهل الشام .
و قال الشهرستاني في الملل والنحل (1/155) : السبائية أصحاب عبد الله بن سبأ الذي قال لعلي كرم الله وجهه : أنت أنت ، يعني الإله ، فنفاه إلى المدائن .(8/107)
و قال الجوزجاني في أحوال الرجال ( ص 38 ) : أن من مزاعم عبد الله بن سبأ ادعاءه أن القرآن جزء من تسعة أجزاء ، و علمه عند علي ، و أن علياً نفاه بعدما كان هم به .
والراجح في هذه المسألة أن ابن سبأ لم يحرق بل نفي إلى سباط في المدائن ، كما قال بذلك الكثير من أهل العلم ، والأدلة على كونه نفي ولم يحرق ، ما ذكرته قبل قليل من كونه لم يحرق بل نفي إلى سباط ، و ما سيأتي من كون ابن سبأ له ظهور بعد مقتل علي رضي الله عنه ، و يكفي الباحث أن يقف على هذه العبارات التي تجدها في كثير من المصادر ليتبين له أن ابن سبأ لم يحرق مع طائفته :-
قال ابن سبأ لمن جاءه بنعي علي رضي الله عنه : ( لو أتيتنا بدماغه في سبعين صرة ما صدقناك ، و لعلمنا أنه لم يمت ، و إنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه . مسائل الإمامة للناشئ الأكبر (ص 22 ) و كذلك أنظر إلى دلالة العبارة في الفرق بين الفرق للبغدادي (ص 234) ، و البدء والتاريخ لابن طاهر المقدسي (5/129) ، والمقالات والفرق للقمي (ص20-21) والبيان والتبيين للجاحظ (3/81) و المجروحين لابن حبان (1/298) و تثبيت دلائل النبوة للهمذاني (2/549) و فرق الشيعة للنوبختي (ص 43) .
ذكر الصفدي في ترجمة ابن سبأ : ابن سبأ رأس الطائفة السبئية ... ، قال لعلي رضي الله عنه أنت الإله ، فنفاه إلى المدائن ، فلما قُتل علي ، زعم ابن سبأ أنه لم يمت لأن فيه جزءاً إلهياً و أنّ ابن ملجم قتل شيطاناً تصوّر بصورة علي ، و أن علياً في السحاب ، و الرعد صوته و البرق سوطه ، و أنه سينزل إلى الأرض . الوافي بالوفيات (17/190 ) .
و جاء في الفرق الإسلامية للكرماني (ص 34 ) : أن علياً رضي الله عنه لما قتل زعم عبد الله بن سبأ أنه لم يمت وأن فيه الجزء الإلهي .(8/108)
و يذكر أبو الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميين (1/85) ، عبد الله بن سبأ و طائفته من ضمن أصناف الغلاة ، إذ يزعمون أنّ علياً لم يمت و أنه سيرجع إلى الدنيا فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً .
و هذا الذي ذكرت لا يعني أنه لم يقتل بيد غيره ، لكن و حسب علمي القاصر واطلاعي على الكثير من الكتب التي تحدثت عن هذا الموضوع ، فإنه لم يرد فيها ذكر شيء من هذا القبيل .
و لكن : هذا لا يمنع بأن جميع من شارك أو أعان في قتل عثمان رضي الله عنه قد قتل أو أصابه الله بعقاب من عنده ، و إن الله عز وجل لم يهمل الظالمين بل أذلهم و أخزاهم و انتقم منهم فلم ينج منهم أحد ، و هاكم بعض الأمثلة على ذلك :-
روى خليفة في تاريخه (ص175) . بإسناد صحيح : أن أول قطرة قطرت من دمه - أي عثمان - على المصحف ، ما حكت .
و أخرج أحمد بإسناد صحيح عن عَمْرة بنت أرطأة العدوية قالت :خرجت مع عائشة سنة قتل عثمان إلى مكة ، فمررنا بالمدينة و رأينا المصحف الذي قتل و هو في حجره ، فكانت أول قطرة من دمه على هذه الآية { فسيكفيكهم الله و هو السميع العليم } قالت عمرة : فما مات منهم رجل سوياً . انظر : فضائل الصحابة (1/501) بإسناد صحيح . و أخرجه أيضاً في الزهد (ص127-128) .
روى ابن عساكر في تاريخه (39/446-447) عن ابن سيرين قال : كنت أطوف بالكعبة فإذا رجل يقول : اللهم اغفر لي و ما أظن أن تغفر لي ! قلت : يا عبد الله ! ما سمعت أحداً يقول ما تقول ! قال : كنت أعطيت الله عهداً إن قدرت أن ألطم وجه عثمان إلا لطمته ، فلما قتل و وضع على سريره في البيت ، و الناس يجيئون فيصلون عليه فدخلت كأني أصلي عليه ، فوجدت خلوة فرفعت الثوب عن وجهه فلطمت وجهه و سجيته و قد يبست يميني ، قال محمد بن سيرين : رأيتها يابسة كأنها عود .(8/109)
و عن قتادة أن رجلاً من بني سدوس قال : كنت فيمن قتل عثمان فما منهم رجل إلا أصابته عقوبة غيري ، قال قتادة : فما مات حتى عمي . أنساب الأشراف للبلاذري (5/102) .
و روى مبارك بن فضالة قال : سمعت الحسن البصري يقول : ما علمت أحداً أشرِك في دم عثمان رضي الله
عنه و لا أعان عليه إلا قُتل . و في رواية أخرى : لم يدع الله الفسقة - قتلة عثمان - حتى قتلهم بكل أرض . تاريخ المدينة المنورة لابن شبّة (4/1252) .
دور هذا اليهودي في نشأة الرافضة ، وسيكون الحديث فيها عن الجانب الديني الذي قام به عبد الله بن سبأ في تلك الفتنة لإبعاد المسلمين عن دينهم .
قام هذا اليهودي الخبيث بدعوة من اغتر به من عوام المسلمين إلى بعض المبادئ اليهودية وغلف دعوته هذه بالتظاهر بحب آل البيت والدعوة إلى ولايتهم والبراءة من أعدائهم ، فاغتر به جماعة ممن لم يتمكن الإسلام في قلوبهم من الأعراب و حديثي العهد بالإسلام ، حتى غدوا يكونون فرقة دينية تخالف في عقيدتها العقيدة الإسلامية وتستمد أفكارها ومبادئها من الديانة اليهودية .
فانتسبت هذه الفرقة إلى مؤسسها ومبتدعها ابن سبأ ، فأطلق عليها السبأية ومن السبأية استمدت الرافضة عقيدتها وأصولها فتأثرت بتلك المبادئ اليهودية المغلفة التي دعا إليها ابن سبأ .
ولهذا اشتهر بن العلماء أن عبد الله بن سبأ هو أول من ابتدع الرفض وأن الرفض مأخوذ من اليهودية .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (28/483) : و قد ذكر أهل العلم أن مبدأ الرفض إنما كان من الزنديق عبد الله بن سبأ ، فإنه أظهر الإسلام وأبطن اليهودية و طلب أن يفسد الإسلام ، كما فعل بولص النصراني – الذي كان يهودياً – في إفساد دين النصارى .
و قال في موضع آخر من الفتاوى (4/428) : إن الذي ابتدع الرفض كان يهودياً أظهر الإسلام نفاقاً ، و دس إلى الجهال دسائس يقدح بها في أصل الإيمان ، و لهذا كان الرفض أعظم أبواب النفاق والزندقة .(8/110)
ويقول أيضاً في موضع آخر من الفتاوى (4/435) : وأصل الرفض من المنافقين الزنادقة ، فإنه ابتدعه ابن سبأ الزنديق ، وأظهر الغلو في علي بدعوى الإمامة والنص عليه ، وادعى العصمة له و لهذا لما كان مبدأه من النفاق قال بعض السلف : حب أبي بكر وعمر إيمان و بغضهما نفاق ، و حب بني هاشم إيمان و بغضهم نفاق .
قال ابن أبي العز الحنفي في شرح الطحاوية (ص 578) : إن أصل الرفض إنما أحدثه منافق زنديق ، قصد إبطال دين الإسلام والقدح في الرسول صلى الله عليه وسلم كما ذكر العلماء ، فإن عبد الله بن سبأ لما أظهر الإسلام ، أراد أن يفسد دين الإسلام بمكره و خبثه ، كما فعل بولص بدين النصرانية ، فأظهر التنسك ثم أظهر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى سعى في الفتنة عثمان و قتله .(8/111)
و قد أكدت كذلك الدراسات الحديثة أن أصل الرفض يهودي و واضعه يهودي ماكر أراد أن يفسد على المسلمين عقيدتهم وينحرف بهم عن الدين الصحيح ، يقول عبد الله القصيمي في كتاب الصراع بين الإسلام والوثنية (1/11) بعد أن تحدث عن ظاهرة الغلو في علي بن أبي طالب : أما واضع بذور هذه الضلالة ومتولي كبرها عبد الله بن سبأ ، فطلبه علي ليوقع به أشد العذاب ولكنه كان أحذر من الغراب ، فهرب وترك البلاد و ما كان هروبه وضعاً لأوزار هذه الفتنة المدمرة وتسليماً بالهزيمة ، بل كان هروباً بهذه الآراء ضناً عليها بالقبر والقتل ليضل بها المسلمين ويفتن بها المفتونين وتبقى عاراً و ناراً إلى يوم الدين ، تطايرت دعاوى هذا الرجل ومبتدعاته في كل جانب ، و رن صداها في أركان المملكة الإسلامية رنيناً مراً مزعجاً واهتزت لها قلوب ومسامع و طربت لها قلوب و مسامع ، و رددت صداها أفواه خلقت لهذا ، و رددتها أفواه أخرى ، و طال الترديد والترجيع حتى نفذت إلى قلوب رخوة لا تتماسك فحلتها حلول العقيدة ، ثم تفاعلت حتى صارت عقيدة ثابتة تراق الدماء في سبيلها و يعادى الأهل والصحب غضباً لها و صارت فيما بعد معروفة بالمذهب الشيعي والعقيدة الشيعية .
أما إحسان إلهي ظهير رحمه الله فيؤكد بعد طول بحث في كتب القوم والذي أكسبه مزيداً من الخبرة بالرافضة وعقائدهم أن عقيدتهم قد بنيت على أسس يهودية بواسطة عبد الله بن سبأ . فيقول : وأما دين الإمامية و مذهب الاثنى عشرية ليس إلا مبني على تلك الأسس التي وضعتها اليهودية الأثيمة بواسطة عبد الله بن سبأ الصنعاني اليمني الشهير بابن السوداء . انظر : الشيعة والسنة ( ص 29) .
فتأكد بهذه النقولات التي جاءت في كتب أهل السنة أن أصل الرفض إنما أحدثه عبد الله بن سبأ اليهودي ، وأن الرافضة ليست من الإسلام في شيء .(8/112)
وقد اعترف بذلك كبار علماء الشيعة ومؤرخوهم ، فها هو الكشي - أحد كبار علماء التراجم عندهم في القرن الرابع ( ت340هـ ) – ينقل هذا النص عن بعض علمائهم فيقول : ذكر بعض أهل العلم أن عبدالله بن سبأ كان يهودياً فأسلم و والى علياً عليه السلام وكان يقول و هو على يهوديته في يوشع بن نون وضي موسى بالغلو ، فقال في إسلامه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في علي عليه السلام مثل ذلك ، و كان أول من أشهر القول بفرض إمامة علي وأظهر البراءة من أعدائه ، و كاشف مخالفيه وأكفرهم ، فمن ههنا قال من خالف الشيعة أصل التشيع والرفض مأخوذ من اليهودية . انظر : رجال الكشي (ص 71 ) .
و هذا النص مشهور عند علماء الرافضة و قد تناقله علماؤهم و جاء ذكره في أكثر من كتاب من كتبهم المعتمدة والموثقة .
فقد ذكره الأشعري القمي ( ت301هـ ) في المقالات والفرق (ص 20 ) ، حين يقول : فمن هاهنا قال من خالف الشيعة : إن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية .
و ذكره النوبختي ( ت 310هـ ) في فرق الشيعة ( ص 44 ) ، حين يقول : فمن هنا قال من خالف الشيعة : إن أصل الرفض مأخوذ من اليهود .
و ذكره المامقاني ( ت 1351هـ ) في تنقيح المقال (2 /184) .
فهؤلاء كبار مؤرخي الرافضة و محققيهم يعترفون بيهودية ابن سبأ وأنه كان يقول بوصية موسى بيوشع في يهوديته فقال بهذه العقيدة في إسلامه في علي بن أبي طالب وأنه وصي النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه أول من نادى بإمامة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وتبرأ من مخالفيه ، ثم يقرون بأنه إنما نسبت الرافضة لليهودية لذلك .
ففي هذا الاعتراف الذي نسجله على كبار علماء الرافضة أعظم دليل على أن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية وهو ملزم لكل من يشكك في هذه الحقيقة من علماء الرافضة المعاصرين ومن تأثر بأقوالهم من الكتاب المحدثين .(8/113)
وكما دلت كتب السنة والشيعة على أن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية بواسطة عبد الله بن سبأ ، فكذلك كتب المستشرقين تشهد بذلك .
يقول المستشرق الألماني يوليوس فلهاوزن : ومنشأ السبأية يرجع إلى زمان علي والحسن وتنسب إلى عبد الله بن سبأ وكما يتضح من اسمه الغريب فإنه كان أيضاً يمنياً ، والواقع أنه من العاصمة صنعاء ، و يقال أيضاً إنه كان يهودياً ، و هذا يقود إلى القول بأصل يهودي لفرقة السبأية ، و المسلمون يطلقون اليهودي على ما ليس في الواقع ، بيد أن يلوح أن مذهب الشيعة الذي ينسب إلى عبد الله بن سبأ أنه مؤسسه إنما يرجع إلى اليهود أقرب من أن يرجع إلى الإيرانيين . الخوارج والشيعة (ص 170-171) .
أما المستشرق المجري أجناس جولد تسيهر ، فهو يرى أن فكرة المهدي و عقيدة الرجعة عند الرافضة قد تأثرت بالديانة اليهودية والنصرانية ، و أن الغلو في علي إنما صاغه عبد الله بن سبأ اليهودي ، فيقول : إن الفكرة المهدية التي أدت إلى نظرية الإمامة والتي تجلت معالمها في الاعتقاد بالرجعة ينبغي أن نرجعها كلها – كما رأينا – إلى المؤثرات اليهودية والمسيحية ، كما أن الإغراق في تأليه علي الذي صاغه في مبدأ الأمر عبد الله بن سبأ ، حدث ذلك في بيئة سامية عذراء لم تكن قد تسربت إليها بعد الأفكار الآرية . انظر : العقيدة والشريعة في الإسلام ( ص 205 ) .
فهذه أقوال العلماء من سنة وشيعة و مستشرقين ، كلها تؤكد أن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية ، وأن واضعه و مبتدعه في الإسلام هو عبد الله بن سبأ اليهودي ، و قد دل أيضاً على أن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية ، و لهذا عدد من الأدلة :-(8/114)
الأول : أن عقائد الرافضة التي انفردوا بها عن سائر الفرق الإسلامية كعقيدة الوصية والرجعة والبداءة والتقية و ما يدعونه في أئمتهم من الغلو ليس لها أصل في الإسلام ، و لا يوجد نص واحد لا من كتاب ولا من سنة يدل على هذه العقائد ، بل إن الكتاب والسنة وإجماع الأمة تشهد ببطلان هذه العقائد وبراءة الإسلام منها .
أما ما يستدل به الرافضة لصحة هذه العقائد من أدلة لا يخلو من حالين ؛ إما أن يكون هذا الدليل الذي يستدلون به صحيحاً و لكن لا حاجة لهم فيه ، وإما أن يكون موضوعاً لا يصح الاستدلال به ، و هذه حال غالب أدلتهم ، فإنهم لما لم يجدوا ما يستدلون به من الشرع لعقائدهم أخذوا يضعون الروايات على لسان النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى لسان علي بن أبي طالب وبنيه ليحتجوا بها على ما ذهبوا إليه من عقائد فاسدة ، و لهذا اشتهر بين أهل العلم أن الرافضة أكذب الفرق المنتسبة للإسلام ، فهم لا يروون عنهم و حذوا الناس من كذبهم .
الثاني : أن عقائد الرافضة التي انفردوا بها عن سائر الطوائف الإسلامية قد انتقلت إليهم من اليهودية ، و قد تتبعت هذه العقائد فوجدتها لا تخلوا من : إما أن تكون عقيدة يهودية خالصة ، وإما أن يكون لها أصل عند اليهود .
الثالث : تصريح العلماء من سنة و شيعة بأن أول من أحدث الغلو في علي رضي الله عنه وأحدث عقيدتي الوصية والرجعة هو عبد الله بن سبأ اليهودي ، و قد نقلنا سابقاً النص الذي ذكره الأشعري القمي والكشي والنوبختي والمامقاني و فيه اعترافهم بأن عبد الله بن سبأ أول من أحدث القول بالوصية لعلي بن أبي طالب والقول بفرض إمامته ، وأظهر فيه البراءة من مخالفيه .(8/115)
يذكر الشهرستاني في الملل والنحل (1/174) ، أن ابن سبأ أول من أظهر القول بالنص بإمامة علي رضي الله عنه ، و منه انشعبت أصناف الغلاة ، و يتحدث عن السبأية فيقول : و هم أول من قال بالتوقف والغيبة والرجعة و قالت بتناسخ الجزء الإلهي في الأئمة بعد علي رضي الله عنه .
و يذكر المقريزي في الخطط (2/356-357) : أن ابن سبأ أحدث في زمن علي رضي الله عنه القول بوصية الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي ، وأحدث القول برجعته بعد موته إلى الحياة الدنيا .
ونحن إذا عرفنا ما لهذه العقائد – التي أكد العلماء أن أول من أحدثها في الإسلام ابن سبأ اليهودي – من ثقل في ميزان عقيدة الرافضة بل إنها تعد الأساس الذي أنبتت عليه عقائد الرافضة الأخرى ، ندرك دور اليهود الكبير في نشأة الرافضة .
رابعاً : تصريح عبد الله بن سبأ نفسه بأنه أخذ عقيدة الوصية من التوراة ، فقد نقل البغدادي في الفرق بين الفرق (ص 235) عن الشعبي ، أن ابن السوداء ذكر لأهل الكوفة : أنه وجد في التوراة أن لكل نبي وصياً وأن علياً رضي الله عنه وصي محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنه خير الأوصياء و كما أن محمداً خير الأنبياء .
وإذا أجرينا مقارنة سريعة بين بعض معتقدات الشيعة ، نرى أنها توافق بعض معتقدات السبئية ، كما توضحها المقارنة التالية :-
المعتقدات السبئية ( اليهودية ) ..
1 – الرجعة : أي رجعة علي رضي الله عنه إلى الدنيا قبل يوم القيامة ، و هي فكرة مأخوذة من العهد القديم – المحرّف - . انظر : إصحاح (4) فقرة : 5 .
المعتقدات الشيعية ( الرافضية ) ..
1 – جاء في (أوائل المقالات في المذاهب المختارات) لشيخهم المفيد (ص 51) : واتفقت الإمامية على وجوب رجعة كثير من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة ، وإن كان بينهم في معنى الرجعة خلاف .
المعتقدات السبئية ( اليهودية ) ..(8/116)
2 – الوصية : أي وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه بالخلافة من بعده ، و هي فكرة مأخوذة من العهد القديم – المحرّف -. انظر : إصحاح (34) فقرة : 9 .
المعتقدات الشيعية ( الرافضية ) ..
2 – جاء في الأصول من الكافي للكليني (1/294) : فكان علي عليه السلام و كان حقه الوصية التي جعلت له ، والاسم الأكبر ، و ميراث العلم ، وآثار علم النبوة .
المعتقدات السبئية ( اليهودية ) ..
3 – الألوهية : ومن لوازمها علم علي رضي الله عنه للغيب . راجع الضعفاء والمتروكين لابن حبان (3/8) و ميزان الاعتدال للذهبي (4/161) و المقالات والفرق للقمي (ص 21) . حيث ذكروا جميعاً ما تعمه السبئية من أن علياً رضي الله عنه قادر على إحياء الموتى وأنه كان راضياً عن ألوهيته و لكنه حرقهم بالنار لأنهم أفشوا السر ، ثم أحياهم بعد ذلك ، و أنه يعلم الغيب .
المعتقدات الشيعية ( الرافضية ) ..
3 – من لوازم الألوهية كما جاء في الأصول من الكافي للكليني (1/258) : إن الإمام إذا شاء أن يعلم علم . و قد عقد بعد ذلك باباً عنوانه : ( أن الأئمة عليهم السلام يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم ) . كما يقول زعيمهم الخميني في الحكومة الإسلامية (ص 47) : إن للإمام مقاماً محموداً ودرجة سامية ، وخلافة تكوينية ، تخضع لولايتها و سيطرتها جميع ذرات هذا الكون .
المعتقدات السبئية ( اليهودية ) ..
4 – علم علي رضي الله عنه لتسعة أعشار القرآن الكريم ، والتي كتمها الرسول صلى الله عليه وسلم ! راجع : عبد الله بن سبأ وأثره في أحداث الفتنة في صدر الإسلام للدكتور سليمان العودة (ص 207) .
المعتقدات الشيعية ( الرافضية ) ..(8/117)
4 – جاء في الأصول من الكافي (1/239) رواية منسوبة إلى جعفر الصادق يقول فيها : وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام ، قال – أي الراوي - : قلت : وما مصحف فاطمة عليها السلام ؟ قال : مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات ، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد .
المعتقدات السبئية ( اليهودية ) ..
5 – سب الصحابة ، ولاسيما الخلفاء الثلاثة الذين تولوا الخلافة قبل علي رضي الله عنه ، و هم أبو بكر و عمر و عثمان رضي الله عنهم . راجع فرق الشيعة للنوبختي (ص 43-44 ) و المقالات والفرق للقمي ( ص 20 ) .
المعتقدات الشيعية ( الرافضية ) ..
5 – جاء في الأصول من الكافي (1/32) : عندما يزعمونه من قول الله تعالى {إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم} – لاحظ أن هذا النص دمج بين آيتين مختلفتين من القرآن الكريم من سورة[النساء /137] و [آل عمران/90] - : إنها نزلت في فلان وفلان و فلان ، آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر ، و كفروا حيث عرضت عليهم الولاية . – و المقصود من فلان وفلان وفلان : أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم كما أبان ذلك شارح الكافي ! نقلاً عن الشيعة والسنة لإحسان إلهي ظهير ( ص 42) . وجاء عن المفيد في أوائل المقالات في المذاهب والمختارات (ص 48 ) : واتفقت الإمامية والزيدية والخوارج على أن الناكثين والقاسطين من أهل البصرة والشام أجمعين كفار ضلال ملعونون بحربهم أمير المؤمنين عليه السلام ، وأنهم بذلك في النار مخلدون ! – و بعد هذا يظهر من يقول أن الزيدية هم أقرب فرق الشيعة لأهل السنة !! - .
المعتقدات السبئية ( اليهودية ) ..
6 – البداء : و هو نشأة رأي جديد لم يك موجوداً من قبل ، وهو من معتقدان السبئية ، الذي يلزم منه ظهور ما كان خافياً على الله . راجع : التنبيه والرد للملطي (ص19) والفرق بين الفرق ( ص 36 ) .
المعتقدات الشيعية ( الرافضية ) ..(8/118)
6 – جاء في الأصول من الكافي للكليني (1/146-148) بعد أن عقد فيه كتاب التوحيد باب البداء : لو يعلم الناس ما في القول بالبدأ من الأجر ما فتروا عن الكلام فيه .
و بعد : فقد دلت هذه الأدلة مضافاً إلى ما أوردناه من النقولات السابقة عن بعض العلماء من سنة وشيعة ، و شهادة بعض المستشرقين من إثبات دور عبد الله بن سبأ في نشأة الرافضة وإثبات أن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية .
و في ختام هذه المقالة نكون قد وصلنا إلى نهاية سلسلة حلقات عبد الله بن سبأ ، و إلى أن نلتقي أستودعكم الله والسلام عليكم و رحمة الله و بركاته ، و الحمد لله على فضلة و توفيقه .
وتقبلوا تحيات : أخوكم : أبو عبد الله الذهبي ..(8/119)
من ملتقى أهل الحديث :
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=24124
عبد الله بن سبأ في ميزان البحث العلمي(1-2)
عبد الله بن خميس
abnkamees@hotmail.com
---------------------------------
دراسات تاريخية
عبد الله بن سبأ في ميزان البحث العلمي
-1-
د . محمد أمحزون
تمهيد :
موضوع « عبد الله بن سبأ والسبئية » أحد الأبحاث التي تطرق إليها بالدراسة الكثير من الباحثين من المسلمين والمستشرقين ، ومن أهم الدراسات في هذا الباب بحث الدكتور سليمان بن حمد العودة بعنوان « عبد الله بن سبأ وأثره في إحداث الفتنة في صدر الإسلام » وبحث « عبد الله بن سبأ بين الحقيقة والخيال » د . سعدي الهاشمي ، وبحث الأستاذ أحمد عرفات القاضي بعنوان « إنكار ابن سبأ نقش على الماء » [1] .
وهذه الدراسة للدكتور (محمد أمحزون) مناقشة بحث جديد حول الموضوع نفسه لباحث لم يأت بجديد وإنما هو نقل عن الباحثين حول تلك الشخصية ، والناقد (الكاتب) أحد المتخصصين في دراسة التاريخ ، وعضو هيئة التدريس في جامعة « مكناس » بالمغرب (قسم التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية.
- البيان -(9/1)
هذه الدراسة نقد للبحث الذي نشره د . عبد العزيز الهلابي أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة الملك سعود ، في حوليات كلية الآداب الكويتية[*] عن عبد الله بن سبأ ، تدخل في مجال اهتمامات التاريخ الإسلامي ، وقد قام فيه المؤلف بتحليل روايات الإخباري سيف بن عمر التميمي عن دور عبد الله بن سبأ في أحداث الفتنة الواقعة في خلافة عثمان وعلي رضي الله عنهما حيث انتهى بحثه إلى أن تلك الروايات مختلقة ولا أساس لها من الصحة ! ! ثم أورد النصوص عن « السبئية » في بعض المصادر المتقدمة فأوضح أنه من خلال استخدامها في تلك المصادر لا تعني جماعة لها عقيدة دينية أو مذهب سياسي محدد ، وأنها أطلقت على أناس مختلفين ، وكان يقصد بها في كل الأحوال الذم والتعيير ، وبعد أن ناقش أقوال الباحثين المعاصرين وآراءهم من عرب ومستشرقين خلص في بحثه إلى أن ابن سبأ شخصية وهمية ، وأن الدور المنسوب إليه في إثارة الأحداث وتسييرها دور مزعوم .
إن هذا البحث الذي كتبه د . الهلابي يعتبر أحدث دراسة مستقلة أفردت عن عبد الله بن سبأ ولذلك أحببت إبداء بعض الملحوظات حول الآراء التي تبناها حيث نفى في بحثه وجود تلك الشخصية ، وأن ابن سبأ في رأيه لا يعدو أن يكون مجرد خرافة سطرتها كتب التاريخ والفرق ! !
ومن الملحوظات على هذه الدراسة ما يلي :
أولاً سيف بن عمر لم ينفرد بالرواية :
يقول د . الهلابي في ص (13) من بحثه : « ينفرد الإخباري سيف بن عمر التميمي من بين قدامى الإخباريين والمؤرخين بذكر تلك الشخصية في رواياته ، ويجعل له دوراً رئيساً في التحريض على الفتنة ، وقتل الخليفة عثمان وإنشاب القتال في معركة الجمل في البصرة » [2] .
في الواقع أن سيف بن عمر لم يكن المصدر الوحيد الذي استأثر بأخبار عبد الله بن سبأ ، بل ورد ذكر أخبار ابن سبأ وطائفته منقولة عن علماء متقدمين ورواةغير سيف بن عمر مثل :(9/2)
* سويد بن غفلة أبو أمينة الجعفي الكوفي المتوفى عام (80 هـ/ 699م) ، مخضرم ثقة ، من أصحاب علي رضي الله عنه [3] جاء في « طوق الحمامة » لحيي بن حمزة الزيدي وفي « اللفظ » للبرقاني أنه دخل على علي في إمارته فقال : « إني مررت بنفر يذكرون أبا بكر وعمر ، يرون أنك تضمر لهما مثل ذلك ، منهم عبد الله بن سبأ ، فقال علي : مالي ولهذا الخبيث الأسود ، ثم قال : معاذ الله أن أضمر لهما إلا الحسن الجميل ، ثم أرسل إلى ابن سبأ فسيّره إلى المدائن ، ونهض إلى المنبر حتى إذا اجتمع الناس أثنى عليهما خيراً ، ثم قال : أو لا يبلغني عن أحد يفضلني عليهما إلا جلدته حد المفتري [4] .
* زيد بن وهب الجهني أبو سليمان الكوفي المتوفى قبل عام (90هـ/709م) ، روى عن علي بن أبي طالب ، وهو من جلة التابعين ، متفق على الاحتجاج به ، أخرج ابن عساكر في « تاريخ دمشق » عنه قال : « قال علي بن أبي طالب : مالي ولهذا الخبيث الأسود ، يعني عبد الله بن سبأ ، وكان يقع في أبي بكر وعمر » [5] .
* إبراهيم بن يزيد النخعي أبو عمران الكوفي الفقيه الثقة المتوفى عام (96هـ / 714 م) [6] . روى ابن سعد في « طبقاته » أن رجلاً كان يأتيه فيتعلم منه،فيسمع قوماً يذكرون أمر علي وعثمان ، فقال : أنا أتعلم من هذا الرجل وأرى الناس مختلفين في أمر علي وعثمان ، فسأل إبراهيم النخعي عن ذلك فقال : « ما أنا بسبأي ولا مرجئ » [7] .
* الشعبي عمر بن شراحيل الحميري اليمني المتوفى عام (103هـ/721م) ، من رواة الأنساب والأخبار الثقات [8] . أخرج عنه ابن عساكر في « تاريخ دمشق» قال : « أول من كذب عبد الله بن سبأ » [9] .(9/3)
*سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي المدني المتوفى عام (106هـ/721م) ، كان أحد فقهاء التابعين ، ثبتاً فاضلاً [10] ، روى يعقوب بن سفيان الفسوي في كتابه « المعرفة والتاريخ » قال : « قال أبو الوليد : سألني سالم بن عبد الله بن عمر : ممن أنت ؟ فقلت : من أهل الكوفة ، فقال : بئس القوم بين سبأي وحروري » [11] .
* أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي الصحابي المعمر المتوفى عام (110هـ/ 728م) ، روى عن علي بن أبي طالب ، قال فيه الحافظ الذهبي : وبه ختم الصحابة في الدنيا [12] . أخرج ابن عساكر عنه قال : « رأيت المسيب ابن نجبة أتى به ملببه ، يعني ابن السوداء ، وعلي على المنبر ، فقال علي : ما شأنه ؟ فقال : يكذب على الله ورسوله [13].
* حُجيّة بن عدي الكندي أبو الزعراء الكوفي ، روى عن علي وجابر وهو من الطبقة الثالثة [14] . ذكر ابن عساكر عنه أنه رأى علياً على المنبر ، وهو يقول : من يعذرني من هذا الحميت الأسود الذي يكذب على الله ورسوله يعني ابن السوداء [15] .
* أبو الجلاس الكوفي ، روى عن علي بن أبي طالب ، من الطبقة الثالثة [16] . نقل ابن عساكر عنه قال : « سمعت علياً يقول لعبد الله بن سبأ : ويلك ! والله ما أفضي إليّ بشيء كتمته أحداً من الناس ، ولقد سمعته يقول : إن بين يدي الساعة ثلاثين كذاباً وإنك لأحدهم [17] .
* قتادة بن دعامة السدوسي المتوفى عام (117هـ/735م) ، من ثقات التابعين وحفاظهم ، روى عن أبي الطفيل وأنس بن مالك ، كان آية في الحفظ والرواية [18] . نقل الإمام الطبري في تفسير قوله : « وكان قتادة إذا قرأ هذه الآية ] فأما الذين في قلوبهم زيغ ... [ قال : إن لم يكونوا الحرورية والسبئية فلا أدري » [19] .
* أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي المتوفى عام (157هـ/773م) [20] . نقل الإمام الطبري عنه في « تاريخه » رواية يصف فيها أشراف أهل الكوفة لخصومهم من أصحاب المختار بالسبئية [21] .(9/4)
ثانياً الموهوم لا يدفع المعلوم :
يقول المؤلف : « لا أعلم فيما اطلعت عليه من المصادر المتقدمة أي ذكر لعبد الله بن سبأ عند غير سيف بن عمر سوى رواية عند البلاذري » [22] .
إن المصادر المتقدمة التي اطلع عليها د . الهلابي إذا كانت أغفلت موضوع ابن سبأ والسبئية ، فلا يعني ذلك بالضرورة أنه شخصية خرافية ، إذ إن عدم ذكرها له لا يقوم دليلاً على الإنكار أو التشكيك ، فهل استوعَبَت تلك المصادر كل أحداث التاريخ الإسلامي حتى نقف وقفة المنكر أو المتشكك إذا لم تذكر شيئاً عن ابن سبأ ؟! وهل من شروط صحة الرواية التاريخية تضافر كل كتب التاريخ على ذكرها ؟ !
ثم هل نسي د . الهلابي أن المصادر القديمة ضاع كثير منها فأصبحت مفقودة أو في حكم المفقود ، حيث ضاع كثير من مؤلفات الزهري وابن إسحاق والواقدي والمدائني وابن شبّه والأصمعي والهيثم بن عدي وعروة بن الزبير وغيرهم ، إلا ما استوعبته بعض المصنفات الموسوعية كتاريخ الطبري مثلاً ؟
ومن هنا ينبغي الرجوع إلى الأمر المعلوم المحقق للخروج من الشبهات والتوهمات ، إذ إن الموهوم لا يدفع المعلوم ، و المجهول لا يعارض المحقق فشخصية ابن سبأ وجماعته حقيقة تاريخية يتفق عليها كثير من المصادر المتقدمة غير البلاذري .
جاء ذكر السبئية على لسان أعشى همذان المتوفى عام (83هـ/702م) وقد هجى المختار وأنصاره من أهل الكوفة بقوله : شهدت عليكم أنكم سبئية وأني بكم يا شرطة الكفر عارف [23]
وجاء ذكر السبئية في كتاب « الإرجاء » للحسن بن محمد بن الحنفية المتوفى عام (95هـ/713م) ، الذي أمر بقراءته على الناس وفيه : « ... ومن خصومة هذه السبئية التي أدركنا ، إذ يقولون هدينا لوحي ضل عنه الناس » [24] .(9/5)
وفي الطبقات لابن سعد المتوفى عام (230هـ/844م) ورد ذكر معتقدات السبئية وأفكار زعيمها ، فعن عمرو بن الأصم قال : قيل للحسن بن علي : إن أناساً من شيعة أبي الحسن علي عليه السلام يزعمون أنه دابة الأرض ، وأنه سيبعث قبل يوم القيامة ، فقال كذبوا ، ليس أولئك شيعته أولئك أعداؤه ، لو علمنا ذلك ما قسمنا ميراثه ولا أنكحنا نساءه ... » [25] . علماً بأن ما ذكر في هذا النص لا يخرج عما جاء به ابن سبأ من آراء ، وأكده علماء الفرق والنحل والمؤرخون في كتبهم [26] .
وتحدث ابن حبيب المتوفى عام (245هـ/860م) عن ابن سبأ حينما اعتبره أحد أبناء الحبشيات [27] ، كما روى أبو عاصم خُشيش بن أصرم المتوفى عام (253هـ/ 859م) خبر إحراق علي رضي الله عنه لجماعة من أصحاب ابن سبأ في كتابه « الاستقامة » [28] .
وفي « البيان والتبيين » للجاحظ المتوفى عام (255هـ/868م) رواية تشير إلى عبد الله بن سبأ [29] ، كما ذكر الجوزجاني المتوفى عام (259هـ/873م) وهو من علماء الجرح والتعديل ، أن من مزاعم عبد الله ادعاءه أن القرآن جزء من تسعة أجزاء ، وعلمه عند علي ، وأن علياً نفاه بعد ما كان هم به » [30] .
ويقول ابن قتيبة المتوفى عام (276هـ/889م) في « المعارف » : « السبئية من الرافضة ينسبون إلى عبد الله بن سبأ » [31] .
ويذكر البلاذري المتوفى عام (279هـ/892م) ابن سبأ في جملة من أتوا إلى علي رضي الله عنه يسألونه عن رأيه في أبي بكر وعمر ، فقال لهم : أوتفرغتم لهذا؟ وحينما كتب علي الكتاب الذي أمر بقراءته على أنصاره كان منه عند عبد الله ابن سبأ نسخة عنه فحّرفها » [32] .
وأورد الناشيء الأكبر المتوفى عام (293هـ/905م) عن ابن سبأ وطائفته ما يلي : « وفرقة زعموا أن علياً عليه السلام حي لم يمت ، وأنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ، وهؤلاء هم السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ ، وكان عبد الله بن سبأ رجلاً من أهل صنعاء ، يهودياً ... وسكن المدائن » [33] .(9/6)
ثالثاً السبئية في المصادر وليست للذم والتعيير فقط :
بعد أن ذكر المؤلف نصوصاً نثرية وشعرية ورد فيها ذكر السبئية ، قال : « وبناءً على هذا فلا يمكن الاستنتاج من النصوص السابقة أن السبئية تعني فئة لها هوية سياسية معينة ، أو مذهب عقائدي محدد ، ولكن المؤكد أنها عندما تطلق على قوم يقصد بها الذم والتعيير » [34] .
إن هذا الاستنتاج للباحث لا يخلو من المغالطة والتمويه ، فهو يحاول جاهداً التشكيك في السبئية إلى حد جعله يتأولها مجرد كلمة تستعمل للسب والذم ! !
إني لأكاد أدهش حين يقول ذلك ، وهو نفسه يذكر نصاً شعرياً للفرزدق [35] فيه إشارة واضحة إلى ابن سبأ اليهودي الأصل ، الهمداني اليمني المنشأة .
تعرف همدانية سبئية وتكره عينيها على ما تنكرا
ولو أنهم إذا نافقوا كان منهم يهوديهم كانوا بذلك أعذرا
على أن وجود عبد الله بن سبأ وارتباط السبئية به مما أطبقت عليه المصادر ، فذكرته كتب التاريخ والحديث والطبقات والرجال والأنساب والأدب واللغة ، وجزم بذلك علماء الفرق والمقالات .
فقد نقل القمي المتوفى عام (301هـ/913م) أن عبد الله بن سبأ أول من أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة ، وتبرأ منهم وادعى أن علياً أمره بذلك [36] .
وأما الإمام الطبري المتوفى عام (310هـ/922م) فقد أفاض في تاريخه في ذكر أخبار ابن سبأ ومكائده معتمداً على روايات الإخباري سيف بن عمر التميمي عن شيوخه [37] .
ويتحدث النوبختي المتوفى عام (310هـ/922م) عن أخبار ابن سبأ فيذكر أنه لما بلغ نعي علي بالمدائن قال للذي فعله : كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة ، وأقمت على قتله سبعين عدلاً لعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل ، ولا يموت حتى يملك الأرض [38] .
ويقول أبو حاتم الرازي المتوفى عام (322هـ/933م) أن عبد الله بن سبأ ومن قال بقوله من السبئية كانوا يزعمون أن علياً هو الإله ، وأنه يحيى الموتى وادعوا غيبته بعد موته [39] .(9/7)
وأكد ابن عبد ربه المتوفى عام (328هـ/939م) أن ابن سبأ وطائفته السبئية قد سلكوا مسلك الغلو في علي حينما قالوا هو الله خالقنا ، كما غلت النصارى في المسيح بن مريم [40] .
ويذكر أبو الحسن الأشعري المتوفى عام (330هـ/941م) عبد الله بن سبأ وطائفته من ضمن أصناف الغلاة ، إذ يزعمون أن علياً لم يمت ، وأنه سيرجع إلى الدنيا فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً [41] .
وروى الكشي المتوفى عام 340هـ/951م) بسنده إلى أبي جعفر محمد الباقر قوله : إن عبد الله بن سبأ كان يدعي النبوة ، ويزعم أن أمير المؤمنين عليه السلام هو الله تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ، كما روى بسنده إلى علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب : « لعن الله من كذب عليناً ، إني ذكرت عبد الله بن سبأ فقامت كل شعرة في جسدي ، لقد ادعى أمراً عظيماً ، ماله لعنه الله » [42] .
ويقول ابن حبان المتوفى عام (354هـ/965م) : « وكان الكلبي محمد ابن السائب الإخباري سبئياً من أصحاب عبد الله بن سبأ ، من أولئك الذين يقولون : إن علياً لم يمت ، وإنه راجع إلى الدنيا قبل قيام الساعة ، وإن رأوا سحابة قالوا : أمير المؤمنين فيها » [43] .
ويقول المقدسي المتوفى عام (355هـ/965م) في كتابه « البدء والتاريخ » : إن عبد الله بن سبأ قال عندما بلغه موت علي بن أبي طالب : لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه [44] .
ويكشف الملطي المتوفى عام (377هـ/989م) عن عقيدة السبئية فيقول : « ففي عهد علي رضي الله عنه جاءت السبئية إليه وقالوا : أنت أنت ! قال : من أنا ؟ قالوا : الخالق الباريء ، فاستتابهم فلم يرجعوا فأوقد لهم ناراً عظيمة فأحرقهم [45].
ويذكر كبير محدثي الشيعة ابن بابويه القمي المتوفى عام (381هـ/991م) موقف ابن سبأ وهو يعترض على علي رضي الله عنه في رفع اليدين إلى السماء أثناء الدعاء [46] .
وفي « مفتاح العلوم » للخوارزمي المتوفى عام (387هـ/997م) : « السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ » [47] .(9/8)
وذكر البغدادي المتوفى عام (499هـ/1037م) أن فرقة السبئية أظهروا دعوتهم في زمان علي رضي الله عنه فأحرق قوماً منهم ، ونفى ابن سبأ إلى سباط المدائن ، إذ نهاه ابن عباس رضي الله عنهما عن قتله حينما بلغه غلوه فيه ، وأشار عليه بنفيه إلى المدائن حتى لا يختلف عليه أصحابه ، لاسيما وهو عازم على العود إلى قتال أهل الشام [48] .
وقال أبو جعفر الطوسي المتوفى عام (460هـ/1067م) إن ابن سبأ رجع إلى الكفر وأظهر الغلو [49] .
ويقول الاسفراييني المتوفى عام (471هـ/1078م) إن ابن سبأ قال بنبوة علي في أول أمره ، ثم دعا إلى ألوهيته ، ودعا الخلق إلى ذلك ، فأجابته جماعة إلى ذلك في وقت علي [50] .
ويتحدث الشهرستاني المتوفى عام (548هـ/1153م) عن ابن سبأ فيقول : « ومنه انشعبت أصناف الغلاة » [51] . ويقول أيضاً : إن ابن سبأ أول من أظهر القول بالنص بإمامة علي » [52] .
كما أن كتب الأنساب هي الأخرى تؤكد نسبة السبئية إلى عبد الله بن سبأ ، ومنها كتاب الأنساب للسمعاني المتوفى عام (562هـ/1167م) [53] .
وعرّف ابن عساكر المتوفى عام (571هـ/1176م) ابن سبأ بقوله : « عبد الله ابن سبأ الذي تنسب إليه السبئية ، وهم الغلاة من الرافضة ، أصله من اليمن ، كان يهودياً وأظهر الإسلام » [54] .
وفي اللباب في تهذيب الأنساب « يذكر ابن الأثير المتوفى عام (630هـ/ 1232م) ارتباط السبئية من حيث النسبة بعبد الله بن سبأ » [55] .
وذكر ابن أبي الحديد المتوفى عام (655هـ/1257م) في « شرح نهج البلاغة ما نصه : « فلما قتل أمير المؤمنين عليه السلام أظهر ابن سبأ مقالته وصارت له طائفة وفرقة يصدقونه ويتبعونه » [56] .
وذكر السكسكي المتوفى عام (683هـ/1284م) أن ابن سبأ وجماعته أول من قالوا بالرجعة إلى الدنيا بعد الموت [57] .(9/9)
ويذكر شيخ الإسلام ابن تيمية المتوفى عام (728هـ/1327م) أن أصل الرفض من المنافقين الزنادقة ، فإنه ابتدعه ابن سبأ الزنديق ، وأظهر الغلو في علي بدعوى الإمامة والنص عليه ، وادعى العصمة له » [58] .
وأشار الحسن الحلبي المتوفى عام (740هـ/1339م) إلى أن ابن سبأ ضمن أصناف الضعفاء [59] .
وعند الحافظ الذهبي المتوفى عام (748هـ/1347م) : « عبد الله بن سبأ من غلاة الشيعة ، ضال مضل » [60] .
أما الصفدي المتوفى عام (764هـ/1363م) فقد قال في ترجمته : « عبد الله ابن سبأ رأس الطائفة السبئية ... فلما قتل علي زعم ابن سبأ أنه لم يمت لأن فيه جزءاً إلهياً ، وابن ملجم إنما قتل شيطاناً تصور بصورة علي ، وأن علياً في السحاب ، والرعد صوته ، والبرق صوته ، وأنه سينزل إلى الأرض » [61] .
ويشير الشاطبي المتوفى عام (790هـ/1388م) إلى أن بدعة السبئية من البدع الاعتقادية المتعلقة بوجود إله مع الله تعالى الله وهي بدعة تختلف عن غيرها من المقالات [62] .
ويعرف الجرجاني المتوفى عام (816هـ/1413م) عبد الله بن سبأ بأنه رأس الطائفة السبئية ... وأن أصحابه عندما يستمعون الرعد يقولون : عليك السلام يا أمير المؤمنين » [63] .
وفي خطط المقريزي المتوفى عام (845هـ/1441م) أن عبد الله بن سبأ قام في زمن علي رضي الله عنه مُحدثاً القول بالوصية والرجعة والتناسخ [64] .
وسرد الحافظ ابن حجر المتوفى عام (852هـ/1448م) في كتابه : « لسان الميزان » عن ابن سبأ أخباراً غير روايات سيف بن عمر ، ثم قال في النهاية : « وأخبار عبد الله بن سبأ شهيرة في التواريخ ، وليس له رواية والحمد لله » [65] .
وفي عقد الجمان للعيني المتوفى عام (855هـ/1451م) أن ابن سبأ دخل مصر وطاف في كورها ، وأظهر الأمر بالمعروف ، وتكلم في الرجعة ، وقررها في قلوب المصريين [66] .(9/10)
وأكد السيوطي المتوفى عام (911هـ/1505م) في كتاب « لب الألباب في تحرير الأنساب » نسبة السبئية إلى عبد الله بن سبأ [67] .
وتحسن الإشارة إلى أنه لا ينبغي الغض من قيمة المصادر المتأخرة التي ذكرت السبئية ، ذلك أن أصحابها كابن كثير والذهبي وابن حجر والسيوطي وغيرهم من الأئمة الحفاظ ، كانوا يستقون معلوماتهم من مصادر قديمة وقيمة بعضها الآن في عداد المفقود ، كما عرفوا بسعة اطلاعهم ، وغزارة معارفهم وتقصيهم الدقيق للأخبار ، حتى إن الباحث يندهش مثلاً عندما يطلع على كثرة الطرق وتنوعها في رواية ابن حجر لأحداث تاريخية ، ومن مصادر متقدمة كأخبار البصرة لابن شبه ، وكتاب صفين لحيي بن سليمان الجعفي ، والمعرفة والتاريخ للفسوي ، وتاريخ أبي زُرعة الدمشقي ، وغيرها من كتب التاريخ .
وللحوار بقية . في العدد القادم بإذن الله .
________________________
(*) دورية علمية تصدر عن جامعة الكويت .
(1) المنشور في مجلة الأزهر بدءاً من العدد (5 السنة 63) الصادر في جمادى الأولى عام 1411 هـ .
(2) الهلابي : عبد الله بن سبأ : دراسة للروايات التاريخية عن دوره في الفتنة ، ص 13 .
(3) انظر : العجلي : الثقات ، ص 212 ، وابن حجر : تقريب التهذيب ، ج1 ، ص341 .
(4) يحيى بن حمزة الزيدي : طوق الحمامة (نقلاً عن إحسان إلهي ظهير : السنة والشيعة ، ص 8) ، وابن حجر : لسان الميزان ، ج3 ، ص 280 ، وتهذيب التهذيب ، ج2 ، ص 214 ، قال : (رواه البرقاني في اللفظ) .
(5) ابن عساكر : تاريخ دمشق (المخطوط) ج9 ، ص 331 .
(6) الذهبي : الكاشف ، ج1 ، ص51 ، وابن حجر : التهذيب ، ج1 ، ص 177 .
(7) ابن سعد : الطبقات ، ج6 ، ص 192 .
(8) انظر : الفسوي : المعرفة والتاريخ ، ج2 ص 592 ، والخطيب : تاريخ بغداد ج12 ، ص 227.
(9) ابن عساكر : المصدر السابق (المخطوط) ، ج9 ص 331 .
(10) انظر : ابن سعد : المصدر السابق ، ج5 ص195 ، وخليفة : الطبقات ، ص 246 .(9/11)
(11) الفسوي : المصدر السابق ، ج2 ص7658 .
(12) انظر : الذهبي : الكاشف ، ج2 ، ص52 وابن حجر : التقريب ، ج 1 ، ص389 .
(13) ابن عساكر : المصدر السابق (المخطوط) ج9 ، ص331 .
(14) انظر : العجلي : المصدر السابق ص110 وابن حبان : الثقات ، ج4 ص92 .
(15) ابن عساكر : المصدر السابق (المخطوط) ج9 ، ص 331 .
(16) انظر : ابن حجر : لسان الميزان ، ج3 ص289 .
(17) ابن عساكر : المصدر السابق (المخطوط) ج9 ، ص331 .
(18) انظر : العجلي : المصدر السابق ص389 ، وابن معين : التاريخ ، ج 2 .
(19) الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآن 3/3/119 .
(20) انظر : ابن قيتبة : المعارف ، ص234 وابن النديم : الفهرست ، ص 105 .
(21) الطبري : تاريخ الرسل ، ج6 ، ص 25 .
(22) الهلابي : المرجع السابق ، ص16 .
(23) أعشى همدان : ديوان ، ص148 .
(24) أبو عمر العدني : كتاب الإيمان ، ص249 .
(25) ابن سعد : المصدر السابق ، ج4 ، ص39 .
(26) انظر : الأشعري : مقالات الإسلاميين ج1 ، ص86 ، والقمي : المقالات والفرق ص119 ، وابن حبان : المجروحين ، ج4 ص253 ، والمقدسي : البدء والتاريخ ج3 ، ص129 .
(27) ابن حبيب : المحبر ، ص308 .
(28) ابن تيمية : منهاج السنة ، ج1 ، ص7 .
(29) الجاحظ : البيان والتبيين ، ج3 ، ص81 .
(30) الجوزجاني : أحوال الرجال ، ص38 .
(31) ابن قتيبة : المعارف ، ص267 .
(32) البلاذري : أنساب الأشراف ، ج3 ص382 .
(33) الناشيء الأكبر : مسائل الإمامة ، ص22 .
(34) الهلابي : المرجع السابق ، ص48 .
(35) المرجع نفسه ، ص 47 .
(36) الفرزدق ، ديوان ، ص242 .
(37) القمي : المصدر السابق ، ص20 .
(38) الطبري : تاريخ الرسل ، ج4 ، ص283 ، 326 ، 331 ، 340 .
(39) التوبختي : فرق الشيعة ، ص 23 .
(40) أبو حاتم الرازي (أحمد بن حمدان) : الزينة في الكلمات الإسلامية ، ص 305 .
(41) ابن عبد ربه : العقد الفريد ، ج2 ص405 .(9/12)
(42) أبو الحسن الأشعري : المصدر السابق ج1 ، ص85 .
(43) أبو عمر الكشي : الرجال ، ص98 .
(44) المصدر نفسه ، ص 100 .
(45) ابن حبان : المجروحين ، ج2 ، ص253 .
(46) المقعسي : المصدر السابق ، ج5 ، ص129 .
(47) الملطي : التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع ، ص18 .
(48) ابن بابويه القمي : من لا يحضره الفقيه ج1 ، ص213 .
(49) الخوارزمي : مفاتيح العلوم ، ص22 .
(50) البغدادي : الفرق بين الفرق ص15 ، 225 .
(51) أبو جعفر الطوسي : تهذيب الأحكام ج2 ، ص322 .
(52) الاسفراييني : التبصير في الدين ، ص108 .
(53) الشهرستاني : الملل والنحل ، ج2 ص116 .
(54) المصدر نفسه ، ج1 ، ص 155 .
(55) السمعاني : الأنساب ، ج7 ، ص24 .
(56) ابن عساكر : المصدر السابق ، ج9 ص328 .
(57) ابن الأثير : اللباب في تهذيب الأنساب ج2 ، ص98 .
(58) ابن أبي الحديد : شرح نهج البلاغة ، ج2 ص99 .
(59) السكسكي : البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان ، ص50 .
(60) ابن تيمية : مجموع الفتاوى ، ج4 ص435 .
(61) المجلسي : الرجال ، ج2 ، ص71 .
(62) الذهبي : المغني في الضعفاء ، ج1 ص339 .
(63) الصفدي : الوافي بالوفيات ، ج17 ص20 .
(64) الشاطبي : الاعتصام ، ج2 ، ص197 .
(65) الجرجاني : التعريفات ، ص79 .
(66) المقريزي : المواعظ والاعتبار ، ج 2ص356 .
(67) ابن حجر : لسان الميزان ، ج3 ، ص290 .
(68) العيني : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان ، 9/1/168 .
(69) السيوطي : لب الألباب في تحرير الأنساب ج1 ، ص132 .
ملحوظة: الهامش (68) و(69) غير مشار إليهما في المقال. (ماس)
(( مجلة البيان ـ العدد [ 80 ] صـ 32 ربيع الآخر 1415 ـ سبتمبر 1994 ))
__________________
عبد الله بن سبأ في ميزان البحث العلمي
- 2 -
د . محمد آمحزون
تمهيد :(9/13)
سبق الحديث عن أصل هذه الدراسة وبيان خطأ بعض المنطلقات التي بنى عليها د/عبدالعزيز الهلابي دراسته تلك ، وهي أن ( سيف بن عمر لم ينفرد بالروايات الواردة في ابن سبأ ، إنما سبقه الكثير من المؤرخين والعلماء في مصادر معروفة وأن السبئية ليست للذم والتعيير فقط) ويواصل الأخ الكاتب المزيد من الكشف عن تهافت تلك الدراسة .
- البيان -
للسبئية منطلقات خطيرة :
أما قول الأستاذ الهلابي : إن السبئية لا تعني جماعة معينة لها عقيدة محددة ، بل هي مجرد كلمة تعني الذم والتعيير ، فهذا ينافي الواقع التاريخي لهذه الطائفة التي تزعم أنها هديت لوحي ضل عنه الناس [1] ، ويزعم رئيسها أن القرآن جزء من تسعة أجزاء وعلمه عند علي [2] ، كما أن السبئية يقولون برجعة الإمام وأن الأموات يرجعون إلى الدنيا [3] ، ويقولون بالوصية [4] ، ويسبون الصحابة [5] ، ويزعمون أن علياً دابة الأرض [6] ، وأنه شريك النبي في النبوة بل منهم من يقول بأن محمد -صلى الله عليه وسلم-رسول علي ، يقول ابن حزم عنهم : وهذه الفرقة السبئية باقية إلى اليوم فاشية عظيمة العدد ، منهم كان إسحاق بن محمد النخعي الأحمر الكوفي ، ويقولون : إن محمد -صلى الله عليه وسلم-رسول علي [8] .
وتقول السبئية كذلك بالحلول والتناسخ [9] ، ويعللون اختفاء علي بالغيبة [10] .
ويجزم قتادة بن دعامة السدوسي بأن السبئية كغيرها من الفرق الضالة مثل النصرانية واليهودية ، لها أفكارها ومعتقداتها الخاصة بها ، التي تعد بدعة تتناقض مع جوهر الدين المنزل من عند الله ، يقول : والله إن اليهودية لبدعة وإن النصرانية لبدعة ، وإن الحرورية لبدعة ، وإن السبئية لبدعة مانزل بهن كتاب ولا سنهن نبي [11] .
ومن السبئية المغيرة بن سعيد البجلي الذي قال عنه ابن قتيبة : وأما المغيرة فكان مولى لبجيلة وكان سبئياً [12] .(9/14)
وقال فيه ابن عدي : لم يكن بالكوفة ألعن من المغيرة بن سعد فيما يروى عنه من الزور عن علي ، هو دائم الكذب على أهل البيت ، ولا أعرف له حديثاً مسنداً [13] .
وجابر بن يزيد الجعفي الذي ذكره ابن حبان في عداد السبئية حيث قال : كان جابر سبئياً من أصحاب عبد الله بن سبأ ، وكان يقول : إن علياً يرجع إلى الدنيا [14] ، وروي عن سفيان بن عيينة أنه يعني جابر كان يقول : علي دابة الأرض [15] .
ومنهم أبو النصر محمد بن السائب الكلبي الكوفي الذي قال فيه ابن حبان : وكان الكلبي سبئياً من أصحاب عبد الله بن سبأ [16] . ويقول عنه الحافظ ابن زريع البصري : رأيت الكلبي يضرب صدره ويقول : أنا سبئي ، أنا سبئي [17] .
وأبعد في الخطأ من الزعم السابق بأن السبئية ليست طائفة لها عقيدة محددة قول الدكتور الهلابي بأن السبئية مجرد كلمة تطلق للتعيير والذم [18] .
وإذا كانت كذلك ، فلابد أن يكون لها أصل في اللغة ، وعند الرجوع إلى معاجم اللغة وجدنا أن سبأ تعني : من حلف على يمين كاذبة غير مكترث بها والخمر اشتراها ليشربها ، والجلد سبأه أي أحرقه [19] .
ولم يقل أحد من علماء اللغة أن السبئية تعني الذم والتعيير ، بل قال صاحب " لسان العرب " : وسبأ اسم رجل يجمع عامة قبائل اليمن ، وهو اسم مدينة بلقيس باليمن ، والسبأية أو السبئية من الغلاة ، وينسبون إلى عبد الله بن سبأ [20] .
وقال الزبيدي : وسبأ والد عبد الله المنسوبة إليه الطائفة السبئية بالمد كذا في نسختنا ، وصحح شيخنا السبئية بالقصر كالعربية وكلاهما صحيح ، من الغلاة ، جمع غال وهو المتعصب الخارج عن الحد في الغلو من المبتدعة ، وهذه الطائفة من غلاة الشيعة [21] .
رابعاً - موقف الإمام علي من السبئية :(9/15)
يقول الدكتور الهلابي : وهذه الروايات التي تروي بأن السبئية قالت لعلي : أنت خالقنا ورازقنا لا يمكن أن يقبلها المنطق السليم ، إذ لا نعرف أحداً من العرب عبد إنساناً واعتقد أنه هو الخالق الرزاق ، لا في الجاهلية ولا في الإسلام ، بل لا نعرف أن أحداً من المسلمين ارتد عن دين الله ارتداداً صريحاً بعد الردة التي حدثت بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم-مباشرة ... لماذا يعاقبهم علي بالإحراق في النار وهي عقوبة غير مألوفة لا في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم-ولا في عهد الخلفاء الراشدين قبله ؟ ألا يمكن أن يضربهم بالسياط ليستتيبهم فإن لم يتوبوا قتلهم بالسيف ؟ [22] .
إن خبر إحراق علي رضي الله عنه لطائفة من الزنادقة المرتدين تكشف عنه الروايات الصحيحة في كتب الصحاح والسنن والمعاجم ، فقد ذكر الإمام البخاري في كتاب استتابة المرتدين في صحيحه عن عكرمة قال : أتي علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم ، فبلغ ذلك ابن عباس فقال : لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم- : (لا تعذبوا بعذاب الله ، ولقتلتهم لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (من بدل دينه فاقتلوه) [23] .
ولفظ الزندقة ليس غريباً عن عبد الله بن سبأ وطائفته ، يقول ابن تيمية : إن مبدأ الرفض إنما كان من الزنديق عبد الله بن سبأ [24] . ويقول الذهبي : عبد الله ابن سبأ من غلاة الزنادقة ، ضال مضل [25] ، ويقول ابن حجر : عبد الله بن سبأ من غلاة الزنادقة ... وله أتباع يقال لهم السبئية معتقدون الإلهية في علي بن أبي طالب ، وقد أحرقهم علي بالنار في خلافته [26] ، ويقول في موطن آخر بأن أحد معاني الزندقة الادعاء بأن مع الله إلهاً آخر [27] ، وهذا المعنى قال به ابن سبأ وأتباعه ، وجزم بذلك أصحاب المقالات والفرق والمحدثون والمؤرخون .(9/16)
وروى خبر الإحراق أيضاً أبو داود في سننه : في كتاب الحدود باب الحكم فيمن ارتد [28] ، والنسائي في سننه : في كتاب الحدود [29] ، والحاكم في المستدرك ، في كتاب معرفة الصحابة [30] ، والطبراني في المعجم الأوسط من طريق سويد بن عقلة أن علياً بلغه أن قوماً ارتدوا عن الإسلام ، فبعث إليهم فأطمعهم ، ثم دعاهم إلى الإسلام فأبوا ، فحفر حفيرة ثم أتى بهم فضرب أعناقهم ورماهم فيها ، ثم ألقى عليهم الحطب فأحرقهم ثم قال : صدق الله ورسوله [31] .
وروي من طريق عبد الله بن ثريد العامري عن أبيه قال : قيل لعلي إن هنا قوماً على باب المسجد يدعون أنك ربهم ، فدعاهم فقال لهم : ويلكم ما تقولون ؟ قالوا : أنت ربنا وخالقنا ورازقنا ، فقال : ويلكم إنما أنا عبد مثلكم ، آكل الطعام كما تأكلون ، وأشرب كما تشربون ، إن أطعت الله أثابني إن شاء وإن عصيته خشيت أن يعذبني ، فاتقوا الله وارجعوا ، فأبوا : فلما كان الغد غدوا عليه فجاء قنبر فقال : قد والله رجعوا يقولون ذلك الكلام ، فقال أدخلهم ، فقالوا كذلك فلما كان اليوم الثالث قال : لئن قلتم ذلك لأقتلنكم بأخبث قتلة ، فأبوا إلا ذلك فخد لهم أخدوداً بين باب المسجد والقصر وقال : احفروا فأبعدوا في الأرض وجاء بالحطب فطرحه بالنار في الأخدود وقال : إني طارحكم فيها أو ترجعوا فأبوا أن يرجعوا فقذفهم فيها حتى إذا احترقوا قال :
إني إذا رأيت الأمر منكرا أوقدت ناري ودعوت قنبرا
قال الحافظ ابن حجر : وهذا سند حسن [32] .
خامساً - سيف بن عمر في الميزان :
يتحامل الدكتور الهلابي على الإخباري سيف بن عمر التميمي تحاملاً شديداً ، ويقول بأن سمعته باعتباره محدثاً سيئة للغاية ، فقد حكم أصحاب الجرح والتعديل عليه بالضعف واتهموه بوضع الأحاديث على الثقات وبالزندقة ، كما يتهمه بالتحيز والتعصب ، وأنه عبث بروايات التاريخ الإسلامي ، خصوصا ما له صلة بالفتنة وما تلاها [33] .(9/17)
والحقيقة أن هذا الكلام مبالغ فيه ، إذ يجب أن نفرق بين سيف بن عمر باعتباره محدثاً من جهة وباعتباره إخبارياً من جهة أخرى ، فالطعن فيه من جهة الحديث وهو أمر صحيح لا ينسحب بالضرورة على الأخبار التي يرويها .
أثنى الحفاظ على سيف بالخبرة والمعرفة في التاريخ ، فقال الحافظ الذهبي : كان إخبارياً عارفاً [34] ، وقال الحافظ ابن حجر : ضعيف في الحديث عمدة في التاريخ [35] .
على أن الحافظ ابن حجر لم يرض باتهامه بالزندقة وقال : أفحش ابن حبان القول فيه [36] .
ولسنا ندري كيف يصح اتهامه بذلك وروايته في الفتنة وحديثه جرى بين الصحابة رضوان الله عليهم أبعد ما يكون عن أسلوب الزنادقة ، وكيف يستقيم اتهامه بالزندقة وهو الذي فضح وهتك سر الزنادقة !
ويمكن القول : إن رواية سيف بعيدة كل البعد أن تضعه موضع هذه التهمة ، بل هي تستبعد ذلك ، إذ إن موقفه فيها هو موقف رجال السلف في احترامه للصحابة وتنزيهه لهم عن فعل القبيح ، فقد انتحى جانباً عن أبي مخنف والواقدي فعرض تسلسلاً تاريخياً ليس فيه تهمة للصحابة ، بل يُظْهِر منه حرصهم على الإصلاح وجمع الكلمة ، وهو الحق الذي تطمئن إليه النفوس ، إذ يسير في اتجاه الروايات الصحيحة عند المحدثين .
وإذا كان المحدثون يتساهلون في الرواية عن الضعفاء إن كانت روايتهم تؤيد أحاديث صحيحة موثقة ، فلا بأس إذن من الأخذ بهذا الجانب في التاريخ وجعله معياراً ومقياساً إلى تحري الحقائق التاريخية ومعرفتها ، ومن هذا المنطلق تتخذ الأخبار الصحيحة قاعدة يقاس عليها ما ورد عند الإخباريين مثل سيف والواقدي وأبي مخنف ، فما اتفق معها مما أورده هؤلاء تلقيناه بالقبول ، وما خالفها تركناه ونبذناه .
ومما لا شك فيه أن روايات سيف في أغلبها مرشحة لهذه المعاني ، إذ تتفق وتنسجم مع الروايات الصحيحة المروية عن الثقات فيما يتعلق بوجود ابن سبأ علاوة على أنها صادرة ومأخوذة عمن شاهد تلك الحوادث أو كان قريباً منها .(9/18)
أما وصف سيف بالتحيز فأمر غير صحيح ، إذ أن تعصب سيف المزعوم ترده أحوال قبيلته بني تميم وموقفها من الفتنة ، فمن المعروف أنهم ممن اعتزل الفتنة مع سيدهم الأحنف بن قيس يوم الجمل [37] ، وبالتالي فإن روايته للفتنة تشكل من خلال مضمونها على العموم مصدراً حيادياً ومطلعاً في آن واحد .
سادساً - تحميل روايات سيف ما لا تحتمل :
يقول الدكتور الهلابي : وما يهمنا هنا هو الرواية الأولى ، إذ أن سيفاً أراد أن يقول بطريق غير مباشر : إن الخليفة علياً لم ينضم إليه أحد من المهاجرين والأنصار ، وإنما فقط سبعمائة من الكوفيين والبصريين ، ومن يكونون هؤلاء الكوفيين والبصريين في المدينة ؟ لابد أنه يريد أن يقول بطريق غير مباشر أيضاً : إن أنصار الخليفة علي هم قتلة عثمان ، مع العلم أنه ذكر في مكان آخر أن قتلة عثمان من أهل البصرة قتلوا مع حكيم بن جبلة العبدي قبل أن يقدم علي وجيشه البصرة ، فسيف يهدف ضمنياً إلى النيل من الخليفة علي ، وفي الوقت نفسه يريد أن يعارض تلك الروايات التي تبالغ في عدد المشاركين في جيش علي من أهل بدر خاصة والصحابة من المهاجرين والأنصار عامة [38] .
من الملحوظ هنا أن الدكتور الهلابي يحاول جاهداً أن يحمل روايات سيف ما لا تحتمل من المعاني ، ويتجاهل روايات أخرى لا تتفق مع خطه الذي رسمه مسبقاً تجاه سيف ، فيَحْكُم بلا دليل ظاهر على أجزاء من رواياته ويسكت عمداً عن ذكر أجزاء أخرى لأنها تؤدي الغرض من فهم الروايات بالشكل المطلوب ، وهو مع هذا يستعمل عبارات غير علمية وغير دقيقة مثل : أراد أن يقول بطريق غير مباشر ، يهدف ضمنياً .
فمن المآخذ على الدكتور الهلابي أنه نسب إلى سيف ما لم يرو بقوله : ... إن الخليفة علياً لم ينضم إليه أحد من المهاجرين .(9/19)
فالشطر الأخير من هذه العبارة مأخوذ من رواية سيف : وخرج معه أي مع علي من نشط من الكوفيين والبصريين متخففين في سبعمائة رجل [39] ، أما الشطر الأول من العبارة : " إن الخليفة علياً لم ينضم إليه أحد من المهاجرين والأنصار" فهو من استنتاج الدكتور الهلابي .
وهذا الاستنتاج ليس في محله ، إذ يتناقض مع ما رواه سيف حول هذا الموضوع ، فقد ذكر أسماء الصحابة من المهاجرين والأنصار الذين انضموا إلى علي ، ومن ذلك قوله فأجابه رجلان من أعلام الأنصار : أبو الهيثم بن التيهان وهو بدري وخزيمة بن ثابت [40] ، وقوله : وأرسل علي الحسن وعماراً بعد ابن عباس ... [41] ، فلما نزلوا ذي قار دعا علي القعقاع بن عمرو فأرسله إلى البصرة [ 42] .
وهؤلاء من المهاجرين ، وقوله : قال الشعبي : بالله الذي لا إله إلا هو ، ما نهض في تلك الفتنة إلا ستة بدريين ما لهم سابع أو سبعة ما لهم ثامن [43] .
والحق أن الصحابة الذين انضموا إلى علي رضي الله عنه أو إلى مخالفيه (طلحة والزبير وعائشة ومعاوية رضي الله عنهم ) لم يكونوا كثرة كما توحي بذلك بعض الروايات التي تبالغ في عدد المشاركين من الصحابة في الفتنة ، وإنما كانوا قلة كما جاءت بذلك الأخبار الصحيحة في كتب الحديث .
روى عبدالرزاق في المصنف والإمام أحمد في المسند بسند صحيح عن محمد بن سيرين قال : هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-عشرات الألوف ، فلم يحضرها منهم مائة ، بل لم يبلغوا ثلاثين [44] .
وروى ابن بطة بإسناده إلى بكير بن الأشج أنه قال : أما إن رجالاً من أهل بدر لزموا بيوتهم بعد قتل عثمان ، فلم يخرجوا إلا إلى قبورهم [45] .(9/20)
وروى الحافظ ابن عساكر بسنده إلى الحسن البصري أن رجلاً قال لسعد بن أبي وقاص : هذا علي يدعو الناس ، وهذا معاوية يدعو الناس ، وقد جلس عنهم عامة أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فقال سعد : أما وإني لا أحدثك ما سمعت من وراء وراء ، ما أحدثك إلا ما سمعته أذناي ووعاه قلبي ، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-يقول : إن استطعت أن تكون عبد الله المقتول ولا تقتل أحداً من أهل القبلة فافعل [46] .
هذا وإن رواية سيف عن الصحابة الذين شاركوا في الفتنة تسير في هذا الاتجاه ولا تحيد عنه .
أما قول الدكتور الهلابي في تساؤلاته : ومن يكونون هؤلاء الكوفيين والبصريين في المدينة ؟ لابد أنه يريد أن يقول سيف بطريق غير مباشر أيضاً إن أنصار الخليفة علي هم قتلة عثمان ، مع العلم أنه ذكر في مكان آخر أن قتلة عثمان من أهل البصرة قتلوا مع حكيم بن جبلة قبل أن يقدم علي وجيشه البصرة [47] .
فصحيحة نسبة القول الأخيرإلى سيف [48] ، لكن العبارة الأولى التي فيها أنه اتهم علياً بأن أنصاره هم قتلة عثمان ، فلم يقل بها سيف إطلاقاً ، ولا ذكرها الإمام الطبري في تاريخه ، وإنما هي من استنتاج الدكتور الهلابي الذي يتقن علم ما وراء السطور ! ولهذا نقول للأستاذ الهلابي : متى كان المنهج العلمي ضرباً من ضروب الاستنتاج العقلي المحض في غياب النصوص والروايات ؟ !
وللإشارة ، فإن أسلوب سيف في روايته لأحداث الفتنة ليس فيه أي نيل أو تجريح لعلي رضي الله عنه بل أثنى عليه بما هو أهله ، إذ نقل عن سعيد بن زيد أنه قال : ما اجتمع أربعة من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-ففازوا على الناس بخير يحوزونه إلا وعلي بن أبي طالب أحدهم [49] .(9/21)
وذكر أن علياً حين انطلق إلى البصرة في إثر طلحة والزبير وعائشة كان ينوي الإصلاح وجمع الكلمة [50] ، كما أثنى على دور القعقاع بن عمرو رسول علي في تثبيطه أهل الكوفة عن الاشتراك في الفتنة أولاً [51] ، ثم في مساعيه الإصلاحية بين علي ومخالفيه في البصرة ثانياً [52] .
سابعاً - منهج عجيب إزاء الأحاديث النبوية :
يقول المؤلف : ومع أني أرجح أن (حديث الحوأب حديث موضوع ... [53] .
فمن الملاحظ هنا أن الدكتور الهلابي يتعامل مع الأحاديث النبوية كما يتعامل مع الروايات التاريخية ، فيقبل ويرفض ، ويعلل ويجرح حسب اجتهاده الشخصي ، مع العلم أن مصطلح الحديث فن جليل وخطير بلغ من الدقة والإحكام أرقى ما يمكن أن تصل إليه الطاقة البشرية ، فأحكامه ومصطلحاته ذات دلالة واضحة ومحددة لا تقبل التلاعب فيها ، ولذلك يكون الحديث إما صحيحاً وإما ضعيفاً وإما موضوعاً ، وفق الموازين النقدية للرواية .
وبما أن الأحاديث هي غير الروايات التاريخية ، فينبغي للتثبت من صحتها أن يتم الرجوع إلى العلماء المختصين في علم الحديث النبوي .
وحديث الحوأب حديث صحيح قال عنه الحافظ ابن كثير : إسناده على شرط الصحيحين [54] ، وقال الحافظ الذهبي : هذا حديث صحيح الإسناد [55] وقال الحافظ ابن حجر في الفتح : أخرجه أحمد وأبو يعلى والبزار وصححه ابن حبان والحاكم ، وسنده على شرط الصحيح [56] .
ورواية الحديث كما نقلها الإمام أحمد : (حدثنا عبد الله ، حدثني أبي حدثنا يحيى عن إسماعيل ، حدثنا قيس قال : لما أقبلت عائشة بلغت مياه بني عامر ليلاً ، نبحت الكلاب ، قالت : أي ماء هذا ؟ قالوا : ماء الحوأب ، قالت : ما أظنني إلا راجعة ، فقال بعض من كان معها : بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله عز وجل ذات بينهم ، قالت : إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-قال لها ذات يوم : كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب ! [57] .
ثامناً - الطبري سمى السبئية :(9/22)
يقول الدكتور الهلابي : إن الإمام الطبري لم يسم طائفة عبد الله بن سبأ سبئية، وإنما وضع هذه التسمية سيف بن عمر لتنسجم مع رواياته حول ابن سبأ ودوره في الفتنة [58] .
لقد فات المؤلف بأن الإمام الطبري ذكر السبئية في تفسيره " جامع البيان " عند شرحه لقوله تعالى : ] فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله [ [ال عمران : 7] ، يقول : وهذه الآية وإن كانت نزلت فيمن ذكرنا أنها نزلت فيه من أهل الشرك ، فإنه معني بها كل مبتدع في دين الله ... كان من أهل النصرانية أو اليهودية أو المجوسية ، أو كان سبئياً أو حروريا أو قدرياً أو جهمياً ، كالذي قال ص : فإذا رأيتم الذين يجادلون فهم الذين عنى الله فاحذروهم [59] .
تاسعاً - منهج المستشرقين غير مسلم له على الإطلاق :
يبدو جلياً أن الدكتور الهلابي تأثر بأفكار بعض المستشرقين الذين لا يقرون بوجود ابن سبأ ، إذ نحا منحاهم في إثارة الشكوك حول شخصيته ويقول : بأن هؤلاء نالوا قصب السبق في إثارة قضية عبد الله بن سبأ [60] .
لكن يا ترى إذا كان المستشرقون قد سبقوا الباحثين العرب إلى دراسة شخصية ابن سبأ ، فهل نحن ملزمون بالتسليم بكل ما كتبوه في هذا الصدد ؟
إن المستشرقين كغيرهم من البشر معرضون لعوامل السهو والخطأ ، ومنهم من يشتط في نظرته ، ويحمل في نفسه من الأهواء والرغبات ما يجعله يفرض آراءه المسبقة على النصوص ، ويتعسف في تأويلها نظراً للعداء التاريخي في نفسه للإسلام والمسلمين .(9/23)
ثم لا يخفى أن المستشرقين الذين أنكروا وجود السبئية كان هدفهم من ذلك التشكيك والإنكار هو إدعاء أن الفتن إنما هي من عمل الصحابة والمسلمين أنفسهم ، وأن نسبتها إلى اليهود أو الزنادقة هو نوع من الدفاع لجأ إليه الإخباريون والرواة المسلمون ليعلقوا أخطاء هؤلاء الصحابة على عناصر أخرى ، فيقول أحد هؤلاء المستشرقين : بأن ابن سبأ ليس إلا شيئاً في نفس سيف أراد أن يبعد به شبح الفتنة عن الصحابة وإنها إنما أتت من يهودي تستر بالإسلام [61] .
عاشراً - ثبوت أخبار ابن سبأ :
إذا افترضنا جدلاً أن الروايات والأخبار المتعلقة بابن سبأ غير صحيحة ومن نسج الخيال ، فكيف يعقل أن يسكت عنها العلماء الأقدمون ولا ينتقدوها ، وهم الذين أصّلوا منهجاً علمياً دقيقاً في نقد الرجال وتتبع أحوالهم !
هذا وقد أثبت كثير من العلماء والرواة في كتبهم خبر ابن سبأ ، ولم يُستدرك عليهم في هذا الشأن إلا ما كان من بعض الباحثين المعاصرين الذين أطلقوا لأنفسهم العنان للخوض في هذا الموضوع بغير سند أو أثرة من علم فأساؤوا بذلك إلى أسس البحث العلمي التي يدعون أنهم أهلها بغير دليل .
حادي عشر - رأي بلا مصدر أو دليل :
الغريب في الأمر أن الدكتور الهلابي رغم تأكيده على أن شخصية ابن سبأ شخصية وهمية ، فإنه لم يدعم رأيه ولو بمصدر واحد متقدم ينفي وجود عبد الله بن سبأ ، فكيف يكون إذاً صاحب منهج علمي ودراسته قائمة على الآراء والفرضيات ، بينما هي تفتقر أساساً إلى الأدلة العلمية ودعم من المصادر المتقدمة القريبة من هذه الأحداث ؟ !
وفي الختام نقول : إن تشكيك بعض الباحثين المعاصرين في عبد الله بن سبأ، وأنه شخصية وهمية ، وإنكارهم وجوده ، لا يستند إلى الدليل العلمي ولا يعتمد على المصادر المتقدمة ، بل هو مجرد استنتاج يقوم على فرضيات وتخمينات شخصية تختلف بواعثها حسب ميول مُتبنيها واتجاهاتهم .
________________________(9/24)
(1) أبو عمر المقدسي : كتاب الإيمان ، ص 249 .
(2) الجوزجاني : المصدر نفسه ، ص 38 .
(3) أبو الحسن الأشعري : المصدر نفسه ، ج1 ص 86 .
(4) القمي : المصدر السابق ، ص 20 .
(5) النونحتى : المصدر السابق ، ص 44 .
(6) الذهبي : ميزان الاعتدال ، ج1 ، ص 384 .
(7) الملطي : المصدر السابق ، ص 15 . (هامش 7 غير مشار إليه في النص / ماس) .
(8) ابن حزم : الفصل في الملل والنحل ، ج4 ص 186 .
(9) البغدادي : المصدر السابق ، ص 241 .
(10) الكرماني : الفرق الإسلامية ، ص 34 .
(11) الطبري : جامع البيان ، ج6 ، ص 189 .
(12) ابن قتيبة : عيون الأخبار ، ج2 ، ص 149 .
(13) الذهبي : الميزان ، ج4 ، ص 162 .
(14) ابن حبان : المجروحين ، ج1 ، ص 208 .
(15) الذهبي : الميزان ، ج1 ، ص 384 .
(16) ابن حبان : المجروحين ، ج2 ، ص 253 .
(17) ابن حجر : التهذيب ، ج9 ، ص 179 .
(18) الهلابي : المرجع السابق ، ص 46 .
(19) العكبري : المشوف المعلم ؛ وابن منظور : لسان العرب ، ج2 ، ص 77 ؛ والزبيدي : تاج العروس ، ج1 ، ص 75 .
(20) ابن منظور : المصدر السابق ، ج2 ، ص 77 .
(21) الزبيدي : المصدر السابق ، ج1 ، ص 75 .
(22) الهلابي : المرجع السابق ، ص 52 .
(23) أخرجه البخاري ، كتاب استتابة المرتدين ، ج8 ، ص 50 .
(24) ابن تيمية : مجموع الفتاوى ، ج28 ، ص 483 .
(25) الذهبي : الميزان ، ج2 ، ص 426 .
(26) ابن حجر : لسان الميزان ، ج3 ، ص ص 290 ، 289 .
(27) ابن حجر : الفتح ، ج12 ، ص 270 .
(28) أبو داود : السنن ، كتاب الحدود ، ج4 ، ص 126 .
(29) النسائي : السنن ، كتاب الحدود ، ج7 ، ص 104 .
(30) الحاكم : المستدرك ، كتاب معرفة الصحابة ، ج3 ، ص 538 .
(31) ابن حجر : الفتح ، ج12 ، ص 170 .
(32) ابن حجر : الفتح ، ج12 ، ص 270 .
(33) الهلابي : المرجع السابق ، ص ص 39 ، 40 ، 67 .
(34) الذهبي : الميزان ، ج2 ، ص 255 .
(35) ابن حجر : التقريب ، ج1 ، ص 344 .(9/25)
(36) المصدر نفسه ، ج1 ، ص 344 .
(37) الطبري : تاريخ الرسل ، ج4 ، ص 498 ، 500 ، 501 .
(38) الهلابي : المرجع السابق ، ص 43 .
(39) الطبري : تاريخ الرسل ، ج4 ، ص 455 .
(40) المصدر نفسه ، ج4 ، ص 447 .
(41) المصدر نفسه ، ج4 ، ص 487 .
(42) المصدر نفسه : ج4 ، ص 488 .
(43) المصدر نفسه ، ج4 ، ص 447 .
(44) رواه عبدالرزاق في المصنف ، ج11 ص357 ؛ وابن كثير عن أحمد في البداية والنهاية ، ج7 ، ص 253 .
(45) ابن شبة : تاريخ المدينة ، ج4 ، ص 1242 .
(46) ابن عساكر : المصدر السابق (المطبوع) ، ص 485 ، 486 .
(47) الهلابي : المرجع السابق ، ص 43 .
(48) الطبري : تاريخ الرسل ، ج4 ، ص ص 470 ، 472 .
(49) المصدر نفسه ، ج4 ، ص ص 447 ، 448 .
(50) المصدر نفسه ، ج4 ، ص 471 .
(51) المصدر نفسه ، ج4 ، ص 484 .
(52) المصدر نفسه ، ج4 ، ص ص 487 ، 489 .
(53) الهلابي : المرجع السابق ، ص 43 .
(54) ابن كثير : المصدر السابق ، ج6 ، ص 241 (56) الذهبي : سير أعلام النبلاء ، ج2 ، ص125 .
(57) ابن حجر : الفتح ، ج13 ، ص 55 .
(58) أحمد : المسند ، ج23 ، ص 137 .
(59) الهلابي : المرجع السابق ، ص 61 .
(60) الطبري : جامع البيان ، 3/3/121 .
(61) الهلابي : المرجع السابق ، ص 58 .
(62) عبد الرحمن بدوي : مذاهب الإسلاميين ج2 ، ص 22 .
(( مجلة البيان ـ العدد [ 81 ] صـ 43 جمادى الأولى 1415 ـ أكتوبر 1994 ))(9/26)
http://www.al-shia.com/html/ara/books/araa/araa0001.htm#link3
آراء و أصداء حول عبد اللّه بن سبأ و روايات سيف في الصحف السعودية
تقديم : الأستاذ سليم الحسني
المقدمة
خضعت مؤلفات العلامة السيد مرتضى العسكري , للكثير من البحث والدراسة , و اثارت آراؤه التي بدا بنشرها منذ اكثر من اربعة عقود من الزمن ,ضجة واسعة في الاوساط العلمية والثقافية , وذلك عندما اصدر الطبعة الاولى من كتابه (عبداللّه بن سبا - المدخل ) عام 1375 هـ ثم اعاد طبعه ثانية تحت عنوان (عبداللّه بن سبا و اساطير اخرى ), في مجلدين كبيرين .
وفيما كان الكتاب لا يزال موضوع نقاش و حوار في الاوساط العلمية , قدم العلامة العسكري كتابه الثاني (خمسون و مائة صحابي مختلق ) ولاقى هذاالكتاب من الاهتمام والانتشار ما لاقاه سابقه .
و تكرر الامر نفسه عندما اصدر العلامة العسكري الجزء الاول من كتابه (احاديث ام المؤمنين عائشة ).
و رغم ان مؤلفات الاستاذ العسكري عميد كلية اصول الدين , تواصلت بشكل مستمر, وابتعد الزمن عن كتابيه الاولين , الا ان الاهتمام بهما ظل متواصلا, وبقي النقاش والحوار يدور حول الاراء التي طرحها فيهما وكانهما قد صدرا حديثا,فتكررت طبعات الكتابين في عدة دول اسلامية منها العراق ومصر ولبنان وايران , والسبب في ذلك يعود الى خطورة المواضيع التي بحثها, واهمية النتائج التي تفرد في التوصل اليها.
لقد واجه الكثير من الباحثين والعلماء صدمة عنيفة عندما قراوا ما كتبه السيدالعسكري , لانه برهن من خلال البحث العلمي ان الكثير من ثوابت كتب التاريخ الاسلامي لا حقيقة لها اصلا, وان الاحكام التي ترتبت عليها, بحاجة الى اعادة نظر من جديد ((1)) , وهذه هي نقطة الخطورة التي صدمت الكثير من المهتمين والمتخصصين في مجال التراث الاسلامي وعلومه المختلفة .(10/1)
ومن الطبيعي ان تتوزع المواقف تجاه آراء العلامة العسكري بين مؤيدومعارض , ولا تزال هذه المواقف ممتدة طوال العقود الاربعة الماضية , لان آراؤه ظلت مطروحة للنقاش ومتداولة في الاوساط العلمية .
والملفت للنظر ان قسما من المؤيدين وكثيرا من المعارضين لم يستوعبوا حقيقة المشروع الفكري للعلامة العسكري , ولم يدركوا ما رام اليه من خدمة للتراث الاسلامي ولوحدة الصف , بحيث يمكن القول انهم لم يقراوا مؤلفاته قراءة تامة ,انما كانت قراءتهم تجزيئية ناقصة , وكانت هذه القراءة الناقصة هي واحدة من اسباب اتخاذ الموقف المعارض , و ربما كانت هناك اسباب اخرى منطلقة من دوافع خاصة لا علاقة لها بالبحث العلمي والحوار الفكري الموضوعي ,كالتعصب الطائفي وتقديس التاريخ المدون , وهي من المشاكل .
ملاحظات عامة حول مؤلفات العلامة العسكري
اولا: ان السيد العسكري لم ينشر كل مؤلفاته كاملة , فهناك مجلدات لاتزال قيدالانجاز والطبع , ومنها المجلد الثالث من كتابه القرآن الكريم وروايات المدرستين ,وبقية اجزاء كتابه قيام الائمة باحياء السنة .
ثانيا: ان الاراء التي نشرها العلامة العسكري حول عبداللّه بن سبا والاسطورة السبئية , والتي صدرت في مجلدين , ليست هي النتائج كلها التي توصل اليها,فهناك مجلد ثالث مخطوط, حدد السيد العلامة اسمه بالعنوان التالي : (عبداللّه بن سبا والاسطورة السبئية ), كما ورد ذلك في قائمة مؤلفاته المدرجة في نهاية الجزءالاول من الكتاب . ويتناول العلامة في المجلد الثالث حقيقة الاسطورة السبئية بتفصيل واسع . اما المقدمة الموجودة في بداية المجلد الاول , فهي لاتعدو ان تكون اشارة مختصرة , ومدخلا للكتاب اثبتها العلامة المؤلف جريا على المنهج العلمي الاكاديمي في تسجيل النتائج باختصار في مقدمة الكتاب .(10/2)
وعلى هذا فان الذين يعتقدون ان السيد العسكري قد نشر كل افكاره ونتائج دراساته حول هذا الموضوع , لم يصيبوا الحقيقة , فدراساته حول عبداللّه بن سباوالاسطورة السبئية , تنتظر النشر, ولو نشرت بعونه تعالى , فانها ستزيد النقاش والجدل سخونة حول هذا الموضوع .
ثالثا: ان مؤلفات العلامة العسكري ليست مختصة بالجانب التاريخي فحسب , كماراى الكثير من المثقفين والباحثين , بل انها تتوزع على ثلاثة اقسام ضمن مشروع واحد: ا - مؤلفات في سبيل تمحيص سنة الرسول (ص ): وتشمل كتب : عبداللّه بن سبا, خمسون و مائة صحابي مختلق , احاديث ام المؤمنين عائشة , وكتب مخطوطة اخرى سندرجها في نهاية هذه الملاحظات .
ب - المؤلفات العقائدية : وتشمل كتب : عقائد الاسلام من القرآن الكريم ,معالم المدرستين , سلسلة على مائدة الكتاب والسنة , وبحوث متفرقة اخرى .
ج - المؤلفات القرآنية : صدر منها الى الان المجلدان الاول والثاني من كتاب القرآن الكريم وروايات المدرستين , و دراسات متفرقة في بعض كتبه ومحاضراته وندواته .
ان هذه الاقسام الثلاثة تندرج كلها ضمن مشروعه الاساس الذي يهدف الى تنقية السنة والتراث الاسلامي مما لحق به من تحريف , نتيجة الظروف المعقدة التي شهدتها الحياة الاسلامية بعد وفاة الرسول (ص ), ومحاولة العودة به الى اصالته الحقيقية كما كانت على عهد الرسول (ص ).
ومن اجل ان تتضح الصورة اكثر, ندرج هنا ثبتا بمؤلفات السيد العلامة ,المخطوطة , اما المطبوعة فهي اشهر من ان نذكرها:
1 - عبداللّه بن سبا والاسطورة السباية (الجزء الثالث ).
2 - خمسون و مائة صحابي مختلق (الجزء الثالث ).
3 - رواة مختلقون .
4 - انواع الاختلاق و اصناف المختلقين .
5 - الروايات الاسرائيلية و روايات الزنادقة والغلاة .
6 - من سيرة الرسول (ص ) و اهل بيته (ع ).
7 - تراجم الصحابة (من راى الرسول (ص ) و روى عنه ).
8 - تراجم الصحابة (من راى الرسول (ص ) ولم يرو عنه ).(10/3)
9 - تراجم الصحابة (من عد من الصحابة ولم ير الرسول (ص ) ولم يرو عنه ).
10 - القرآن الكريم و روايات المدرستين - الجزء الثالث (تحت الطبع ).
11 - بحوث و دراسات متفرقة , في المجالات العقائدية والقرآنية والحديثية ,تفضل سماحة السيد العلامة واطلعني على مخطوطاتها.
ومن هنا يمكن القول ان المخطوط من مؤلفات السيد العسكري لاتقل اهمية عن المطبوع منها, بل ان النتائج والاراء الموجودة في مؤلفاته المخطوطة تفوق اهمية وحساسية مما هو منشور في مؤلفاته المطبوعة .
وعلى هذا فان دراسة آراء العسكري , وفهم مشروعه الفكري بصورة صحيحة ,لايمكن ان تكتمل الا بدراسة منظومة مؤلفاته الكثيرة التي صدرت خلال فترة طويلة تقرب من نصف قرن . مع ملاحظة ان ما اصدره السيد العسكري كان يخضع لمنهجية دقيقة في النشر, حرص على الالتزام بها في كل مؤلف من مؤلفاته .
وذكرنا آنفا ان مؤلفات السيد العسكري خضعت لاهتمام الاوساط الفكرية في العالم الاسلامي , بل انها شملت حتى دائرة المستشرقين المهتمين بتراث الاسلام .و نذكر هنا ما كتبه استاذ الفقهاء والمجتهدين السيد الخوئي في موسوعته الكبيرة (معجم رجال الحديث ) حول كتابا عبداللّه بن سبا و خمسون و مائة صحابي مختلق : ان اسطورة عبداللّه بن سبا وقصص مشاغباته الهائلة موضوعة مختلقة اختلقهاسيف بن عمر الوضاع الكذاب , ولا يسعنا المقام الاطالة في ذلك والتدليل عليه ,وقد اغنانا العلامة الجليل والباحث المحقق السيد مرتضى العسكري في ما قدم من دراسات عميقة دقيقة عن هذه القصص الخرافية وعن سيف و موضوعاته في مجلدين ضخمين طبعا باسم (عبداللّه بن سبا) وفي كتابه الاخر (خمسون ومائة صحابي مختلق ) ((2)) .(10/4)
ثم نعرض في ما ياتي المعركة الصحفية الساخنة التي دارت بين العديد من علماءواساتذة الجامعات السعودية حول الموضوعات التي اثارها العلامة العسكري .وفيها توزع الحوار بين طرفين متقابلين : الاول يتبنى افكار السيد العسكري حول بعض الشخصيات المختلقة ابرزها عبداللّه بن سبا والقعقاع بن عمروالتميمي . والثاني يقف في الاتجاه المعاكس , محاولا اسدال الستار باي وسيلة عن هذا الماضي وعن الخوض فيه , لانه يرى فيه التهديد الحقيقي للكثير من المرتكزات والثوابت التي حوتها امهات المصادر التاريخية والحديثية والرجالية .
مقتطفات مصورة عن الصحف السعودية
- الدكتور الهويمل : في صحيفة الرياض - الدكتور العودة : في صحيفتي الرياض والمسلمون - الدكتور العزام : في صحيفة الرياض - الدكتور المالكي : في صحيفة الرياض قال الدكتور فهد الهويمل في : صحيفة الرياض 4 / ع 1 / 1418 ه لان في نسف هذه الشخصية نسفا لاشياء كثيرة وتفريغا لكتب تراثية لكبارالعلماء من امثال شيخ الاسلام ابن تيمية وابن حجر والذهبي وغيرهما, فابن سبااو ابن السوداء يشكل مذهبا عقديا ويشكل مواقف اخرى لو تداعت لكناامام زلزلة تمس بنايات كثيرة .(10/5)
انظر صفحة 55 قال د. العودة : ففي هذا الراي نسف لكتب باكملها تعد من مفردات كتب التراث , ويعتمدعليها في النقل والتوثيق من قرون متطاولة , فكتاب منهاج السنة - مثلا -لشيخ الاسلام ابن تيمية ينطلق من اعتبار عبد اللّه بن سبا اصل الرافضة , فهواول من قال بالوصية والرجعة وغيرها من معتقدات وانكار هذه الشخصية اوالتشكيك فيها تشكيك في الكتاب كله , ونسف له من اصوله , بل ربماتجاوز الامر ذلك الى التشكيك في اصول الرافضة وتاريخ نشاتهم .انظرصفحة 277 وقال د. العودة ايضا: لقد كان سيف بن عمر التميمي - يرحمه اللّه - مشجبا, علق عليه السابقون واللاحقون مسالة انكار ابن سبا, بل زاد بعضهم , وحمله اختلاق عدد من الصحابة , ليس (القعقاع بن عمرو رضي اللّه عنه ) الا واحدا من هؤلاء, فقد الف (السيد مرتضى العسكري ) - وهو رافضي المذهب والهوى - كتابابعنوان (خمسون ومائه صحابي مختلق ) والكتاب مؤلف قبل ما يزيد على (عقدين ) من الزمن ويعتمد مؤلفه اتهام (سيف ) باختلاق هذه الشخصيات احداثها, ليس في هذا الكتاب فحسب , بل وفي كتابين قبله احدهما بعنوان (عبداللّه بن سبا بحث حول ما كتبه المؤرخون والمستشرقون ابتداء من القرن الثاني الهجري , طالنجف 1375 ه /1956 م ).
والاخر بعنوان : (عبداللّه بن سبا واساطير اخرى , ط دار الغدير, بيروت , طهران1392 ه/1972م )انظر صفحة كتاب المالكي : الكتاب مجموعة مقالات نشرها المؤلف في صحيفة الرياض الاعداد من الخميس 25شوال 1416 ه الموافق 14 مارس 1996 م حتى الاحد 28 شوال 1416ه الموافق17 مارس 1996م وآخرها السبت 26/7/1416 ه 7 ديسمبر 1996م .
نصوص من كتاب المالكي(10/6)
اما بين الخاصة : فلم تنتشر روايات سيف على مدى قرن ونصف القرن من موته (180 ه) فكان اول من اشهرها - كما اشهر غيرها - هو الطبري (ت : 310 ه)وكانت روايات سيف قبل ذلك خاملة جدا فاحتاجها الناس بعد الطبري للرد على الشيعة وتدافع عنهم سيف كنزا مخفيا في الدفاع عن العنصر الاموي ضدالشيعة الانتشار لروايات سيف واعتمد عليها المعاصرون للسبب نفسه تقريبا المعاصرون عامة احتاجوا للرد على هجمات الشيعة والمستشرقين على التاريخ الاسلامي خصوصا عهد عثمان وبني امية فلذلك اتجه المدافعون يتلمسون الدفاع سواء كان الدفاع بحق او بباطل فاتجهوا للطبري فوجدوا في روايات سيف منهلا فائضا للدفاع عن بني امية وولاتهم اكثروامن النقل عنه ثم وثقوه المحدثين (توثيق سيف ) وللّه في خلقه شؤون ثم ان توثيق المؤرخين في هذه الايام لسيف بن عمر لاجل الدفاع عن بني امية ضدالشيعة والمستشرقين واحيانا ضد عمار وابي ذر وهذا يعني بكل بساطة ان مقياس التوثيق والتضعيف لم يعد الصدق والكذب وانما (المصالح ) و(الظروف الراهنة )و(الحاجة الملحة ) للاسف - منهج انهزامي , ولو علم هؤلاء اننانستفيد من اخطاء سلفنا مثلما نستفيد من صوابهم لما فعلوا هذا الفعل ص 77 - 78 وقد ياخذ علي الدكتور انني نقلت بعض النتائج التي توصل اليها بعض الباحثين كالهلابي والعسكري وهذا غير صحيح لانني رجعت للمصادر نفسها وتاكدت من تلك النتائج بنفسي وخالفتهما في بعض النتائج التي لم اعلن عنها واضفت مما لم اجده عندهما مع امتناني لصاحب السبق في سبقه الى تلك النتائج او بعضها لكن لنتاكد من المعلومات بانفسنا ونضيف غير مقلدين لياتي بعدنا من يضيف ويبني على نتائجناوهكذا.
ص 81 - 82
اجوبة السيد العسكري على اقوال الاساتذة الجامعيين
تمهيد
بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطاهرين والسلام على ازواجه امهات المؤمنين واصحابه المنتجبين .(10/7)
وبعد, منذ اواخر محرم سنة 1418 ه الى 25 / ج 1 / 1418 ه وجدت ضجة كبرى في صحيفتي الرياض والمسلمون السعوديتين اثارها اساتذة جامعيون حول ثلاثة مواضيع :
ا - الراوية الكذوب سيف بن عمر.
ب - عبداللّه بن سبا و اسطورته .
ج - كتابي عبداللّه بن سبا و خمسون و مائة صحابي مختلق وخاصة حول القعقاع بن عمرو اشهر من اختلقهم سيف في الصحابة .
وجرى الكلام فيهما عني وعن الدكتور حسن المالكى , غير ان الدكتور المالكي دافع عن رايه في الصحيفتين باستمرار, ولم يتسن لي ان ابين وجهة نظري في ماكتب و دوافعي لما كتبت . واليوم استعين اللّه تبارك وتعالى لاشرح في ما ياتي دوافعي لهذه البحوث وكيفية توصلي الى تلكم النتائج بداية العمل .
عندما كنت ادرس الفقه الاستدلالي بمسقط راسي سامراء بلد الامامين العسكريين (ع ) لاحظت ان الادلة في بحوثنا الفقهية روايات الاحاديث ولايستدل بسيرة الرسول (ص ) في استنباط المسائل الفقهية ودفعني ذلك الى القيام بتاليف في سيرة الرسول الاكرم (ص ) يستدل بها في استنباط الاحكام الى جنب روايات الحديث , وفي هذا الصدد عزمت على جمع روايات السيرة من كتب عامة المسلمين لان الخلاف وقع بعد عصر الرسول الاكرم (ص ) و نويت ان اءسمي بحوثي لواء الوحدة الاسلامية ثم بدا لي اءن اءتوسع في البحث واءكتب عصور الاسلام , كالاتي : ا - الاسلام في مكة (من البعثة الى الهجرة ).
ب - الاسلام في المدينة (من هجرة الرسول (ص ) اليها الى هجرة الامام علي (ع )منها).
ج - الاسلام في العراق مدة حكم الامام علي (ع ) في الكوفة وهكذا الى عصرالعباسيين .(10/8)
وبدات بالتفتيش وكان اسلوبي في الرجوع الى المصادر اخذ الرواية من الاقدم زمانا فالاقدم . وكنت ارى ان الرواية - مثلا - في مسند الطيالسي (ت :204 ه)اقرب الى الصحة من الرواية في مسند احمد (ت : 241 ه) والرواية فيهما - ان اختلفت الالفاظ - وما في مسند احمد اصح مما في سنن الدارمي (ت :255ه)وكذلك الامر في غيرها.
وكان في ما جمعت من سيرة الرسول (ص ) من رواية ان جبرائيل (ع ) لما نزل عليه (ص ) اول وحي قال له : اقرا قال الرسول (ص ) ما انا بقارئ فغطه ((3)) حتى بلغ به الجهد - الى ثلاث مرات - ثم ارسله فقال (اقرا باسم ربك الذي خلق ...). فجاء الرسول (ص ) الى خديجة (ع ) يرجف فؤاده وخشي على نفسه فاخذته الى ورقة بن نوفل النصراني فطمانه واخبره انه رسول والذي اتاه جبرائيل .
وفي روايات اخرى قال (ص ) لخديجة : اخشى ان يكون في جنن .
و لاخشى ان اكون كاهنا.
وفي بعض روايات كتب السيرة انه (ص ) قال لنفسه ان الابعد - يعني نفسه لشاعر او مجنون ..
لاطرحن نفسي من حالق جبل .
وفي رواية اخرى ان خديجة (ع ) اجلسته عندما نزل عليه جبرائيل على فخذهااليمنى واليسرى وهي مقتنعة بخمارها ولما تحسرت والقت خمارها لم ير جبرائيل فطمانته خديجة بان الذي يراه ملك وليس بشيطان ((4)) .
تروى امثال هذه الروايات عن ام المؤمنين عاشة وعبداللّه بن عباس في حين ان اهل الكتاب كانوا ينتظرون بعثته , نظير خبر بحيرى الراهب في سفره (ص ) مع عمه الى الشام مما ذكرنا قسما منها في كتابنا احاديث ام المؤمنين عائشة (ج 2)وفيها: عن علي بن ابي طالب (ع ) خرجنا بعض نواحيها - مكة - فما استقبله جبل ولاشجر الا وهو يقول : السلام عليك يا رسول اللّه ((5)) .(10/9)
وايضا وجدت في الروايات في تفسير آية (وما ارسلنا من قبلك من رسول ولانبي الا اذا تمنى القى الشيطان في امنيته ...) (الحج / 52) ان اللّه لما انزل على رسوله (ص ) (والنجم اذا هوى ...) فلما انتهى الى قوله (وما ينطق عن الهوى )القى الشيطان على لسانه (تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى ) فلما سمع المشركون ذلك فرحوا وسجد المشركون لذكر الهتهم والمسلمون .
فبلغ الخبر المهاجرين الى الحبشة فرجع بعضهم الى مكة ولما عرفوا حقيقة الخبربقي بعضهم مستخفيا وعاد بعضهم الى مهجره .
ونزل جبرئيل (ع ) واخبر النبي (ص ) بانها ليست وحيا فحزن الرسول (ص )فنزلت عليه : (وما ارسلنا من قبلك من رسولا ولا نبي الا اذا تمنى القى الشيطان في امنيته ...) ((6)) (الحج / 52).
و ايضا وجدت في روايات سيرة الرسول (ص ) بصحيح مسلم باب ان من لعنه النبي او سبه جعله اللّه له زكاة و طهورا: عن ام المؤمنين عائشة وغيرها من الصحابة : ان رسول اللّه (ص ) كان يلعن المؤمنين اذا ضويق و يبرر ذلك بقوله :شارطت ربي ايما مؤمن لعنته او سببته جعله اللّه له زكاة و طهورا. مع قوله تعالى في وصفه : (انك لعلى خلق عظيم ) و مع قوله (ص ): من لعن مؤمنا فهوكقتله ((7)) .(10/10)
فرايت اننا بحاجة الى تمحيص سنة الرسول (ص ) و ثبت عندي ان قسما من هذه الروايات افتري بها على الصحابة كما افتري بها على رسول (ص ). وبدات اجمع الروايات اللاتي نحن بحاجة الى دراستها من المكثرين في ملفات خاصة لدراستها مثل روايات ام المؤمنين عائشة وعبداللّه بن عباس كي ادرسها بعدذلك . وكنت ارى في سيرة الصحابة روايات لا يتقبلها العقل السليم وكثيرا منهاكانت من روايات اخبار الفتوح مثل رواية سيف في خبر فتح السوس التي قال فيها: ان ابا سبرة ناوش اهل السوس مرات ويصيب فيها المشركون المسلمين وذات يوم اشرف رهبان سوس على المسلمين وقالوا لهم : لايفتح السوس الاالدجال وصاحوا بالمسلمين وغاضوهم وكان مع المسلمين الدجال صاف بن صياد فاتى باب السوس ودقه برجله وقال انفتح بظار فتقطعت السلاسل وتكسرت الاغلاق وتفتحت ودخلها المسلمون واستسلم المشركون .
بينما روى البلاذري والطبري وسائر المؤرخين عن غير سيف : ان ابا موسى الاشعري قاتل اهلها وحاصرهم حتى نفذ ما عندهم من الطعام فضرعوا الى المصالحة في السنة الثامنة عشرة .
و روايته عن يوم سماه بيوم الاباقر قال : ان سعد بن ابي وقاص بعث عاصم بن عمرو - الصحابي المختلق - الى اسفل الفرات في طلب الغنم والبقر لاطعام الجيش فاتى ميسان و سال رجلا رآه هناك عن البقر والغنم فحلف له وقال : لااعلم وكان راعي الثيران في الاجمة فصاح منها ثور: كذب واللّه وهانحن اولاء.فدخل واستاق الثيران فاخصب الجيش اياما و سمي ذلك اليوم بيوم الاباقر.
وروايته عن يوم الجراثيم : قال سيف وقف سعد بن ابي وقاص بعد القادسية حائرا امام دجلة وقد فاضت فخطب جيشه وقال : اني عزمت على قطع هذا البحر فركبوا اللجة وان دجلة لترص بالزبد وان الناس ليتحدثون في عومهم لايكترثون كما يتحدثون في مسيرهم على الارض لايعي فرس الا نشزت له جرثومة ((8)) .(10/11)
وفي رواية غير سيف : ان الدهاقين ولوهم على مخاضة اسفل المدائن فاخاضوهاالخيل ((9)) .
وذكر نظيرها للعلاء بن الحضرمي وجيشه في فتح دارين وقال : ... حتى اذا اتى ساحل البحر اقتحموا.. الراكب والراجل .. فاجتازوا ذلك الخليج يمشون على مثل رملة ميثاء ((10)) فوقها ماء يغمر اخفاف الابل وان ما بين الساحل ودارين مسيرة يوم وليلة لسفن البحر ((11)) .
و خبر اطلال فرس بكير في فتح القادسية : قال سيف : وقرا المشركون و امر سعد.. ان يتبعوا اثر الفارين فاتبعوهم حتى انتهوا الى النهر الذي بثقوه ليمنعوا المسلمين من عبوره فضرب بكير بن عبداللّه فرسه - وكانت انثى - وقال لها ثبي اطلال فتجمعت وقالت (وثبا وسورة البقرة )ووثبت , فاقتحم الباقون خلفه ((12)) .
ومثل خبر الاسود العنسي المتنبئ الكذاب الذي روى سيف في خبره : انه كان له شيطان ينبئه عن الغيب وكان الاسود يسميه الملك . والذي نشك ان سيفا كان يحاول في فريته هذه ان ياتي بمشابه للوحي الذي كان ينزل به جبرائيل (ع ) على رسول (ص ) بدافع ما رمي به من الزندقة ((13)) .
و مثل خبر ما رآه يزدجر ملك الفرس في نومه في ما رواه سيف : انه كان نائما في محمله ليلا والبعير يسير به فانبهوه ليعبروا مخاضة فقال : بئسماصنعتم لو تركتموني لعلمت ما مدة هذه الامة اني رايت : اني ومحمدا تناجينا عنداللّه فقال له : - اي قال اللّه - املكهم مائة سنة , فقال : زدني , فقال : عشرا ومائة سنة , فقال : زدني , فقال : عشرين ومائة سنة , فقال : لك , وانبهتموني فلوتركتموني لعلمت ما مدة هذه الامة ((14)) .
و اني ارى ان سيف بن عمر كان يرمي من وراء هذا النوع من التهوين في امرالوحي الذي كان ينزل على خاتم الانبياء (ص ) تشويش اذهان المسلمين .
كنت اجمع هذه الاخبار في ملف خاص ولا اعرف الى من انسب هذه الروايات بينما كنت اجمع روايات المكثرين من الصحابة كل في ملف باسم من رويت عنه .(10/12)
وكان ضمن ملف الراوي المجهول اخبار عبداللّه بن سبا وانه كان يهوديا من اليمن اسلم على عهد الخليفة عثمان , وجاء بعقيدة الوصاية والرجعة وآمن بقوله صحابة و تابعين ابرار مثل ابي ذر وعمار بن ياسر ومحمد بن حذيفة وصعصعة بن صوحان العبدي و... وانهم استطاعوا ان يثيروا اهل الشام على معاوية ,واهل الكوفة على الوليد وسعيد واهل مصر والبصرة وغيرها على ولاتهم وجاؤا الى المدينة وقتلوا الخليفة عثمان ونصبوا عليا للخلافة واقاموا حرب الجمل ولم يدرك كل ذلك الخليفتان علي وعثمان وعائشة وطلحة والزبير الى غيرهم وجهاء ذلك العصر - على عقل من يقبل ذلك العفاء -.(10/13)
وكنت قد جمعت تلكم الروايات التي لم اعرف راويها في ملف خاص بينما كنت قد جمعت الروايات المنسوبة الى المكثرين من الصحابة كل في ملف خاص وباسمه وذات ليلة بينما كنت اراجع روايات ملف الراوي المجهول انتهيت الى تكرار اسم سيف في روايات ذلك الملف فصرخت (وجدته , وجدته , وجدته )وراجعت ما حضرني من كتب الرجال واذا بهم يقولون عنه متهم بالوضع وبعدكل ذلك التفتيش والبحث رايت من الواجب علي ان اقوم اولا بتمحيص سنة الرسول (ص ) وابدا بدراسة روايات المكثرين واسمي روايات كل منهم باسم من روى عنه وكان من اهمها الاحاديث المروية عن ام المؤمنين عائشة والاحاديث المروية عن الصحابي ابي هريرة واحاديث سيف وفي ما انا ادرس احاديث سيف شككت بانه اختلق في ما اختلق صحابة للرسول (ص ) وبقيت شهرين ادرس تراجم الصحابة في مصادرها فثبت عندي اختلاق سيف اكثرمن خمسين صحابيا للرسول وسميت الكتاب احاديث سيف ولما رآه العلامة الشيخ راضي آل ياسين سماه بعبداللّه بن سبا واساطير اخرى ثم تابعت الدراسة وبلغ عدد الصحابة في بحوثي نيفا وستين ومائة صحابي مختلق وسميته (خمسون ومائة صحابي مختلق ) تخفيفا للاسم ونشرت تراجم ثلاث وتسعين صحابيامنهم حتى اليوم في مجلدين وبقي المجلد الثالث لبقية المختلقين اما (عبداللّه بن سباواساطير اخرى ) فقد نشرت منها حتى اليوم مجلدين وبقي المجلد الثالث (الاسطورة السبائية ) وهي اصل الاسطورة رجحت نشر بحوث اخرى لي على نشرهما.(10/14)
وفي بادئ الامر ظننت ان سيفا يروم في ما يضع و يختلق الدفاع عن ذوي الجاه من الصحابة والح ط من مناوئيهم وانه بسبب ذلك راجت رواياته وشاعت , ولماتابعت دراساتي في احاديث سيف ادركت ان دافع سيف في ما وضع واختلق امران : الف - التعصب القبلي ولذلك يمجد في ما يختلق العدنانيين وخاصة قبائل تميم منهم و يحط من قدر القحطانيين ويختلق لهم المعايب والمثالب ولما كانت السلطة للعدنانيين اختلق عبداللّه بن سبا وجاء به من اليمن والقى تبعة وقوع الخلاف بين سادة مضر على عاتقه وحده واختلق في ما اختلق ثلاثا وعشرين صحابيا من تميم جاءت تراجمهم في الجزء الاول من خمسون ومائة صحابي مختلق وجاءت تراجم بعضا آخر منهم في الجزء الثاني المطبوع وتاتي تراجم من بقي منهم في الجزء الثالث الذي لم يطبع حتى الان ((15)) .
ب - دفعه ما رمي به من الزندقة الى تشويش معالم التاريخ الاسلامي واشاعة ان الاسلام انتشر بحد السيف ونشر اساطير وخرافات في المجتمع الاسلامي وفي ما ياتي بيان كلا الامرين .
وياتي في مقدمة ما روي بدافع التعصب القبلي ما اختلقه من امجاد لقبيلته تميم الصحابة الاسطوريون من بني عمرو بن مالك : مالك من بني عمرو وفي مقدمتهم بروايات سيف : القعقاع بن عمرو, بما رواه عن الخليفة ابي بكرعندما ارسل القعقاع مددا للقائد خالد في حروب العراق بعد ان ارفض ((16)) عنه جنوده انه قيل له اتمد من ارفض عنه جنوده برجل فقال : لايهزم جيش فيهم مثل هذا اي : القعقاع .(10/15)
بروايته هذه هيا سيف ذهن القارئ لسماع ما يختلقه من بطولات للقعقاع و اولهاما رواه في فتح الابله ((17)) بان قائد الفرس هرمز واطئ اصحابه على الغدربخالد فلما تبارزا حملت حامية هرمز على خالد للغدر وكان القعقاع منتبها لهم فحمل عليهم وازاحهم وروى عن قول القعقاع ستة ابيات منها: فنحن وطانا بالكواظم هرمزا ----- وبالثني قرني قارن بالجوارف ((18)) بينما روى الطبري ان فتحها كان بيد عتبة بن غزوان سنة 14 ه وعلى عهدالخليفة عمر.
و لم يكن لمن تخيلهما سيف قائدي الفرس وللمكانين الثني والولجة ولاللمعارك التي ذكرها ولا لكتاب صلح خالد لهم والذي شهد فيه القعقاع ولالاربعة من رواة اخبارها وجود خارج روايات سيف ((19)) .
وكذلك شان معركة الفراض والتي ذكر فيها ان خالدا قتل فيها مائة الف .
وذكر صرف عمر خالد وجيشه وفيهم القعقاع الى الشام وانهم قتلوا في اليرموك عشرون و مائة الف .
وروى في فتح دمشق ان خالدا كان قد هيا حبالا فالقاه مع القعقاع فتعلقت بالشرف فتسلقوها وقتلوا في فحل ثمانين الفا.
بينما روى غيره ان خالدا اخذ من دير خالد سلما صعد عليه .
و روى ان الخليفة امر بصرف جيش العراق الى العراق وفي مقدمتهم القعقاع ثم روى له ولاخيه عاصم بطولات الايام التي سماها: ارماث و اغواث وعماس وانهما فقئا عين الفيل الابيض الذي كانت تتبعه الفيلة وبتدبيره في الايام الثلاثة قوى الجيش الاسلامي .
وفي عبور دجلة سبق عاصم الجيش وحماه للعبور.
وبعد الفتح سلب القعقاع من فارس يقود دابتين عليهما سيف كسرى وهرمزوقياذ و فيروز وهرقل و حاقان ملك الترك و داهر ملك الهند و بهرام وسياوخش والنعمان اعظم به من فخر تميم التي غنمت سيوف الملوك بفضل روايات سيف وروى انهم قتلوا في المعركة مائة الف .
وفي جلولاء - ايضا - فتحها الجيش الاسلامي بتدبير القعقاع بعد ان كانوايزاحفونهم ثمانين يوما دونما اية نتيجة و قتل منهم فيها مائة الف .(10/16)
وروى ان ابا عبيدة في الشام استمد من الخليفة عمر فكتب الى سعد في العراق ان اندب الناس مع القعقاع يوم ياتيك كتابي فمضى القعقاع الى الشام في اربعة آلاف وانشد القعقاع في ذلك وقال : يدعون قعقاعا لكل كريهة ----- فيجيب قعقاع دعاء الهاتف الابيات وروى سيف ان فتح نهاوند - ايضا - كان بتدبير القعقاع وانهم قتلوا من المشركين في المعركة مائة الف .
كان ذلكم فهرست ما رواه سيف عن القعقاع في الفتوح على عهد الخليفة عمر.
وعلى عهد الخليفة عثمان روى ان عثمان ولاه سنة 34 و 35 الحرب على الكوفة وكانت الكوفة يومذاك عاصمة للقسم الشرقي من البلاد الاسلامية وانه لماحوصر الخليفة عثمان كتب الى اهل الامصار يستمدهم فخرج القعقاع من الكوفة لنصرة عثمان ومعاوية من الشام وبلغه في الطريق خبر قتل عثمان فرجع هو ومن معه الى الكوفة .
وروي في حرب الجمل ان الامام علي بن ابي طالب لما استمد من الكوفة لحرب الجمل وثبطهم امير الكوفة ابو موسى الاشعري قال القعقاع لابد من امارة تنظم الناس وهذا علي ولي ويدعو الى الاصلاح فانفروا وكان هو من رؤساء اهل الكوفة الذين التحقوا في حرب الجمل بالبصرة فارسله الامام علي الى طلحة والزبير يدعوهما الى الالفة والجماعة فذهب اليهم وكلمهم فضلت ام المؤمنين عائشة و وافق طلحة والزبير على الصلح وقالوا له احسنت واصبت واشرف القوم على الصلح فاجتمع السبايون وتشاورا ليلا فاشار عليهم ابن سبا ان ينشبوا القتال ليلا دون علم غيرهم وثاروا فى الغلس وانشبوا القتال بين الجيشين دون علم غيرهم ووقع القتال بين الجيشين واخيرا امر القعقاع بعقرجمل ام المؤمنين عائشة وقال لمن يليه انتم آمنون ووضعت الحرب اوزارهابفضل ما فعله القعقاع .(10/17)
و روي ان معاوية بعد صلح الامام الحسن معه كان يخرج من الكوفة المستغرب في امر علي - شيعة علي - وينزل مكانه المستغرب في امر نفسه من اهل الشام والبصرة ونقل القعقاع وبني ابيه من الكوفة الى فلسطين ونقل بني تغلب الى الكوفة واسكنهم منازل القعقاع وبني امية ولذلك عده الشيخ الطوسي (ت :460 هـ) في رجاله من اصحاب امير المؤمنين والاردبيلي (ت : 1101) في جامع الرواة والقهبائي (كان حيا 1016 ه) في مجمع الرجال والمامقاني (ت :1351ه)في تنقيحه .
روى سيف اخبار القعقاع عن تسع وعشرين راويا من مختلقاته من الرواة لم نجد لهم ذكرا في غير روايات سيف وكذلك لم نجد ذكر لاكثر من خمسين ومائة صحابي مختلق في غير روايات سيف .(10/18)
وكذلك لم نجد اسماء لاثنتين وسبعين راويا الاتية اسماؤهم في غير روايات سيف : اسم الراوي عدد رواياته 1) محمد بن عبداللّه بن سواد بن نويرة 216 2) سهل بن يوسف 126 3) مهلب بن عقبة67 او 76 4) زياد بن سرجس الاحمري 53 5) نصر بن السري29 او 24 6) رفيل و ابنه 20 7) مستنير بن يزيد 18 8) ابن رفيل عن ابيه 18 9) سعيد بن ثابت بن جذع الانصاري 16 10) عبداللّه بن سعيد بن ثابت 16 11) مبشر بن فضيل 15 12) خالد مجهول 16 13) عبادة مجهول 16 14) رفيل 14 اسم الراوي عدد رواياته 15) غصن بن قاسم 13 16) ابو عثمان مجهول 10 17) صعب بن عطية 9 18) ابو عثمان يزيد بن اسيد العساني 9 19) عبد بن رحمان بن سياه الاحمري 7 20) عبيداللّه بن محفز 6 21) عروة بن غزية الدثيني 6 22) عمرو بن الريان 6 23) ابو سفيان طلحة بن عبدالرحمن 5 24) ابو زهراء القشيري 5 25) رجل من بني كنانة 5 26) طاهر بن ابي هالة 5 27) ضحاك بن قيس 4 28) حلحال بن الذري 4 29) انس بن حليس 4 30) مخلد بن قيس 4 31) سماك بن فلان الهجيمي 3 32) قيس بن زيد النخعي 3 33) قيس بن يزيد 3 34) ظفر بن دهي 3 اسم الراوي عدد رواياته 35) مقطع بن هيثم بن فحيع 3 36) ابن محراق 3 37) بحر بن فرات العجلي 2 38) رجل من كنانة 2 39) عثمان بن سويد 2 40) حنظلة بن زياد 2 41) حماد بن فلاح البرجمي 2 42) جرير ابن اشرس 2 43) رجل عن بكر بن وائل 2 44) عامر 2 45) خزيمة بن شجرة العقفاني 2 46) عبد بن صخر بن لوذان 2 47) ورقاء بن عبدالرحمن الحنظلي 2 48) حبيب بن ربيعة الاسدي 1 49) عمار بن فلان الاسدي 1 50) ابن شهيد 1 51) عمرو بن تمام 1 52) رجل من طي 1 53) عبداللّه بن مسلم العكلي 1 54) كرب بن ابو كليب العكلي 1 اسم الراوي عدد رواياته 55) ابن ابو مكنف 1 56) بكر بن وائل 1 57) حميد بن ابو شجار 1 58) عصمت الوائلي 1 59) عصمت بن الحارث 1 60) رجل 1 61) رجل من بني الحارث 1 62) بطان بن بشر 1 63) عروة بن وليد 1(10/19)
64) ابو معبد العبسي 1 65) ابن صعصعة او صعصعة المزني 1 66) مخلد بن كثير 1 67) فلان الهجيمي 1 68) كليب بن حلحال 1 69) جرير بن يزيد الجعفي 1 70) حريث بن معلى 1 71) بنت كيسان الضبيه 1 اضف اليهم اسماء ثلاثة من التابعين الاتية اسماؤهم : 1) معن الشيباني اخو مثنى قائد الجيش الاسلامي 2) ابو ليلى الفدكي .
3) اط بن سويد.
و شاعران عربيان اسمهما: 1) خطيل .
2) عمرو بن قاسم بلغ عدد اسماء من اختلقهم سيف وترجمناهم في مجلدي ابن سبا وخمسون ومائة صحابي كالاتي : 3 9 صحابي 3 0 تابعي 2 0 شاعر 1 7 راوي حديث --------- 169 عربيا لم يرد ذكرهم في غير حديث سيف ولم يذكر اسم احدهم في كتب الانساب ودونكم جمهرة انساب العدنانيين والقحطانيين لابن الكلبي لاتجدون عربيا محققا وجوده الى القرن الثاني الهجري الا وتجدون اسمه وتسلسل نسبه الى احد القبيلتين ثم ابحثوا عن تسعة وستون و مائة اسما من العرب درسناهم في كتابي ابن سبا وخمسون ومائة صحابي مختلق .
ان وجدتم اسم احد هؤلاء الذين اختلقهم سيف بن عمر وكذلك شان عبداللّه بن سبا والمكنى بابن السوداء الذي جول البلاد واخضع العباد واثار الفتن على بني امية حتى قتل الخليفة عثمان بدون رضا جماهير الصحابة والمسلمين في المدينة واقام حرب الجمل بدون رضا علي وطلحة والزبير وعائشة . هذه الشخصية اليمانية الشهيرة الضخمة هل سقط من السماء ام نبع من الارض كي لايعرف نسبه وسلالة ابيه واين ذكر اسمه ونسبه في كتب الانساب وخاصة جمهرة نسب قحطان لابن الكلبي والمطبوع بسورية .
اما ما قاله الدكتور الهويمل : لان في نسف هذه الشخصية نسفا لاشياء كثيرة وتفريغا لكتب تراثية لكبارالعلماء من امثال شيخ الاسلام ابن تيمية وابن حجر والذهبي وغيرهما, فابن سبا او ابن السوداء يشكل مذهبا عقديا ويشكل مواقف اخرى لو تداعت لكناامام زلزلة تمس بنايات كثيرة ((20)) .(10/20)
وما قاله الدكتور سليمان بن حمد العودة : ففي هذا الراي نسف لكتب باكملها تعد من مفردات كتب التراث ,ويعتمد عليهافي النقل والتوثيق من قرون متطاولة , فكتاب منهاج السنة - مثلا - لشيخ الاسلام ابن تيمية ينطلق من اعتبار عبد اللّه بن سبا اصل الرافضة , فهو اول من قال بالوصية والرجعة وغيرها من معتقدات وانكار هذه الشخصية او التشكيك فيها تشكيك في الكتاب كله , ونسف له من اصوله , بل ربما تجاوز الامر ذلك الى التشكيك في اصول الرافضة وتاريخ نشاتهم ((21)) وما قال الدكتور العودة ايضا: لقد كان سيف بن عمر التميمي - يرحمه اللّه - مشجبا, علق عليه السابقون واللاحقون مسالة انكار ابن سبا, بل زاد بعضهم , وحمله اختلاق عدد من الصحابة , ليس (القعقاع بن عمرو رضي اللّه عنه ) الا واحدا من هؤلاء, فقد الف (السيد مرتضى العسكري ) - وهو رافضي المذهب والهوى - كتابا بعنوان (خمسون ومائه صحابي مختلق ) والكتاب مؤلف قبل ما يزيد على (عقدين ) من الزمن مؤلفه اتهام (سيف ) باختلاق هذه الشخصيات احداثها, ليس في هذا الكتاب فحسب , بل وفي كتابين قبله احدهما بعنوان (عبداللّه بن سبا بحث حول ما كتبه المؤرخون والمستشرقون ابتداء من القرن الثاني الهجري , طالنجف 1375 ه /1956 م ).
والاخر بعنوان : (عبداللّه بن سبا واساطير اخرى , ط دار الغدير, بيروت ,طهران 1392ه/1972م ).
واقول في جوابهما:
اولا - ان اللّه لم يعصم من الخطا كتابا عدا كتابه العزيز الحكيم .
ثانيا - الحق احق ان يتبع .
ثالثا - كان ينبغي للاساتذة ان يرتاوا بانفسهم عن السب والشتم (رافضي المذهب والهوى ).
مرتضى العسكري
****************
2
آراء و اصداء حول عبداللّه بن سبا وروايات سيف في الصحف السعودية
القعقاع بن عمرو حقيقة ام اسطورة (3)
د. حسن بن فرحان المالكي(10/21)
صحيفة الرياض - 11 صفر 1418 هـ ذكرت في الحلقة الماضية بعض الاقوال والحجج التي ذكرها الاخ عبدالباسط مدخلي مدللا بها على حقيقة (وجود) القعقاع بن عمرو (المصدر الوحيد لاخبار القعقاع يشير الى انها ناقلة امعانا في الاخفاء على القراء وقبلهم المشرف والمناقشين ان مصدر الرسالة الوحيد كان سيف بن عمر التميمي فلو سقط لسقطت الرسالة المدخلي كثيرا في خديعة المناقشين بنسبة اخبار القعقاع الى تلك المصادر الناقلة وكذلك بنسبة اخبار القعقاع الى كتب مختلفة ومنسوبة ظلماالى مؤرخين متقدمين كالواقدي الواقدي قد روى اخبارالقعقاع ايضا وقد حاولت في الحلقة الماضية ان اذكر بعض الادلة (الاسنادية ) فقط على بطلان نسبة كتاب (فتوح الشام ) للواقدي فكيف بالادلة (المتينة ) الكثيرة التي تكلم عن بعضها الدكتور محمد صامل السلمي ولو استطرد فيها لاخرجتنا من موضوع (القعقاع بن عمرو) الى موضوع آخر عن (بطلان نسبة كتاب فتوح الشام ) للواقدي بسهولة ان الكتاب منسوب ظلما الى الواقدي وقد صرح مؤلفه بانه ينقل عن ابن خلكان والطبري وامثالهما ممن لم يولدوا الا بعد وفاة الواقدي فكان اثبات المدخلي لهذا الكتاب واصراره على نسبته الى الواقدي حيلة من الحيل الكثيرة المستخدمة في كثيرمن الدراسات الجامعية للاسف , فالمدخلي ليس الا واحدا من كثيرين يعتمدون على التحايل والضحك على القراء والمؤسسات العلمية معا.(10/22)
ولو كان غير ذلك لما وجدنا مثل هذه الاخطاء الثقيلة الوزن التي يندى لها جبين العلم والبحث والدراسة (97, 105,112,191) من المجلد الثاني ..مع ان مؤلف ذلك الكتاب كثيرا ما يذكر روايات سيف ولا يشير اليه الانادرا المزيدمن النقد لانه مجموعة من الاساطير والاكاذيب والاهوال والمبالغات والقصص التي لم يفلح صاحبها في التلبيس الا على امثال المدخلي الذي يريد اثبات وجودالقعقاع بشتى الوسائل والاساليب والمراجع ولو كان ذلك بالنقل عن كتاب (فتوح الشام ) وساستكمل موضوع المدخلي في الاسبوع القادم رد الماجد اسعدني جدا ما كتبه الاستاذ حسام بن عبد الرحمن الماجد في صحيفة الرياض يوم السبت 9 صفر 1418 هـ وكان الاخ حسام قد رد علي بمقال عنوانه (الامرليس كما تصور المالكي حول شخصية القعقاع ) ذكر نقاط مهمة ينبغي النظر فيها وانني قبل ان ادخل في الحوار مع الاخ حسام احب ان اشكره على لغته العلمية ولعل مقاله اول مقال في الرد علي لم اجد فيه طعنا في النيات ولاتشويها لاقوال ولا بترا للنصوص فمقاله رغم صغر الحجم الا انه كان فيه تعقل الى درجة كبيرة رغم انني اختلف معه في كل الحجج التي اوردها واليكم البيان : الملاحظة الاولى حجة الاخ حسام (وهي الحجة الاولى ) قوله : (ان دراسة التاريخ بهذا المنهج يؤدي الى رفض اغلب التاريخ الاسلامي ) اسحاق - الواقدي - المسعودي - ابي مخنف )..(10/23)
اقول : اولا: ليس صحيحا ان دراسة التاريخ دراسة جادة اسانيدا ومتونا انهاستؤدي الى رفض اغلب التاريخ الاسلامي فهذا التخوف الذي يبديه الاخ حسام - رغم انه تخوف مشهور - ناتج عن عدم دراسة لاحداث التاريخ الاسلامي خاصة عصوره الاولى فهناك اسانيد كثيرة وصحيحة عن الفتوح والمعارك والفتنة والاحداث التي حدثت في الصدر الاول فهذا التخوف والتهويل مبني على الجهل بالشي ء لا العلم به ثم انني لم اشترط في اثبات اخبارالقعقاع ان تصلني باسانيد صحيحة قلت ان وجدتم صادقا او كذابا ذكرالقعقاع غير سيف بن عمر فانا راجع الى اثباته وتوثيق سيف بشرط الايكون ذلك (الذاكر للقعقاع ) قد نقل عن سيف بن عمر واظن هذا في غاية الانصاف وليس من الانصاف ان تلزمني باثبات القعقاع بناء على روايات مؤرخ كذاب مثل سيف بن عمر ثم ان هذا التنزل الذي ذكرته في الحلقتين الماضيتين كان خلاف المنهج العلمي وقد عاتبني عليه بعض الاخوة وقالوا ليس من حقك ان تثبت القعقاع وتوثق بسيف برواية كذاب آخر على يقين ان الكذابين لن يجرؤوا على مثل اكاذيب سيف والواقدي والمسعودي فهذا غريب لان هؤلاء يتفاوتون فابن اسحاق ثقة عند اكثرالمحدثين ولم يطعن فيه الا القليل النادر بحجج واهية . نعم ابن اسحاق اتهم بالتدليس فيبقى ثقة فيما صرح فيه بالسماع , اما الواقدي فقد وثقه بعضهم لكن اكثرهم على تضعيفه , اما ابو مخنف والمسعودي فدون الواقدي لكن هؤلاء كلهم فوق سيف بن عمر فلا يجوز ان نعمم ونزعم ان المؤرخين مطعون فيهم هكذا بلاتفصيل فهذا تعميم غير علمي لا يقره المحدثون ولا المؤرخون ..(10/24)
الملاحظة الثانية الحجة الثانية التي اوردها الاخ حسام قوله بان (اجيالا من المؤرخين المحققين مثل ابن كثير وابن الاثير وابن حجر.. جاءت بعد سيف بن عمر وقبلوا روايته وخصوصا اخبار يوم القادسية ولم ينكر ذلك احد من معاصريه ولا ممن جاءبعده ) اقول : لم يخف علي ساعة كتابة المقال الاول ان من المؤرخين بعد القرن الثالث بداوا ينقلون روايات سيف بن عمر لان الطبري ضمن كثيرا منها في كتابه (تاريخ الامم والملوك ) وكان تاريخ سيف بن عمر مهملا في القرن الثاني والثالث واول من اشهره كان الطبري رحمه اللّه ..
لكن لعل الاخ حسام يتفق معي ان البحث التاريخي بل والحديثي لايعترف بالتقليد فالدراسة والبحث عن الحقيقة المجردة لاينتهيان بزمن معين دون غيره وقد استدرك ابن كثير وابن حجر على من قبلهما ولم ياخذا ببعض ما اثبته السابقون فما المانع ان نترك بعض ما نقله ابن كثير او ابن حجر اذا تبين لنا بالدليل والبرهان ان الصواب في ترك ذلك .. وقد ذكرت في الحلقة الماضية ان ابن حجرنفسه استدرك اكثر من الف من الصحابة على من سبقه ونفى صحبتهم وكم من حديث نقله بعض السابقين لكن لنا الحق في الحكم عليه بالصحة او الضعف وكذلك الاحداث والتراجم , ليس هناك نص شرعي ولا دليل عقلي يمنعنا من مخالفة ما ذهب اليه بعض المتقدمين .(10/25)
اما قول الاخ حسام بان احدا من معاصري سيف لم ينكر وجود القعقاع فاقول : بل لم يقره احد من معاصري سيف بن عمر الاولى اشبه ما يكون بالقصاص الذين لايتلفتون الى مؤلفاتهم واخبارهم . ولذلك لم يذكره علماء الجرح والتعديل المتقدمون بجرح ولا تعديل فلم يذكره يحيى بن سعيد القطان ولا عبد الرحمن بن مهدي ولا وكيع بن الجراح وامثالهم , بل ولا نقل عنه البخاري في تواريخه حرفا واحدا كما لم ينقل عنه يحيى بن معين في تاريخه حرفا واحدا ولاابو زرعة ولاغيرهم من المتقدمين ولما ذكر سيف بن عمر عند يحيى بن معين قال : (فلس خير منه ) ثم تتابع الائمة على تضعيفه وعدم الالتفات الى رواياته التاريخية فضلا عن الحديثية اسحاق وموسى بن عقبة وعروة بن الزبير وامثالهم . ولذلك لم تجد المؤرخين ولا المحدثين في القرون الثلاثة الاولى ينقلون حرفا من روايات سيف بن عمر لاعن القعقاع ولاغيره مما اورده سيف من احداث . ثم جاء الطبري نهاية القرن الثالث ونقل عن سيف وكان للطبري منهجه الخاص افصح عنه في المقدمة , ثم بدا الناس ينقلون عن الطبري بلا تدقيق في الاسانيد ولذلك نجد ابن كثير يقول (قال ابن جرير الطبري :) ثم يسرد رواية لسيف او غيره ناسبا اياها للطبري مع ان الطبري مجرد ناقل لهذه الرواية الملاحظة الثالثة الحجة الثالثة التي ذكرها الاخ حسام قوله بان (القول ان جميع اخبار القعقاع لم يذكرها الا سيف بن عمر يحتاج الى بحث واستقصاء) اقول : انا اطمئن الاخ حسام - من جهتي - انني لم اكتب الا بعد ان استقصيت واستخرجت روايات سيف بن عمر (الثمانمائة ) من تاريخ الطبري ودرستهارواية رواية وقرات كتاب سيف المكتشف حديثا الذي حققه الدكتور قاسم السامرائي وتتبعت اخبار القعقاع قدر طاقتي وازعم انني استقصيت في الموضوع فيبقى على الاخ حسام ان يستقصي ويتاكد بنفسه فان وجد خبرا اوذكرا للقعقاع عند غير سيف فانا راجع الى قوله حتى ولو وجد ذلك الخبر عندراو كذاب فانا اقبل(10/26)
ذلك بشرط الا يكون ذلك الكذاب قد روى عن سيف اونقل الخبر من سيف واظن ان هذا دليل على قوة الاستقصاء.
والاخ حسام مطالب بابطال هذا الاستقصاء او التسليم بما سبق من تفرد سيف باخبارالقعقاع ..
ثم ان سيف بن عمر لم يتفرد باخبار القعقاع فقط بل ان قرات رواياته وقارنتهامع روايات الاخرين وجدت تاريخين مختلفين المشهور حتى يخفي اكاذيبه على العوام ..
الملاحظة الرابعة اما ما ذكره الاخ حسام من ان دمار بغداد قد اضاع كثيرا من المصادر في اثبات القعقاع فهذه الحجة التي ذكرها الاخ حسام حجة مطاطة في ظني وينقصها البرهان والدليل لانه على هذا القول يتوجب ان نتوقف في تضعيف الاحاديث الموضوعة مصادرضاعت في دمار بغداد كانت تحمل متابعات وشواهد وربما اسانيد صحيحة لهذه الاحاديث الموضوعة نسخ لهذه المحرمات , وهكذا يمكن ان نتشكك في كل حقيقة ونتوقف في رد كل باطل بهذا التعليل المطاط ثم ان دمار بغداد بولغ فيه كثيرا ولم يشك العلماء بعد الدمار من ضياع مصادرمهمة ولم يذكروا مصدرا واحدا مهما ضاع في ذلك الدمار بل ان مصادر التراجم الموضوعة قبل دمار بغداد قد وصلتنا كاملة مثل تاريخ البخاري الكبير والصغيروتاريخ يحيى بن معين وكتاب الجرح والتعديل لابن ابي حاتم وغيرها فهؤلاءاتفقوا على اثبات التراجم المشهورة فلماذا لم نجد واحدا منهم يذكر ترجمة للقعقاع ولو اسما فقط عن طريق غير سيف بن عمر اين ترجمة القعقاع في طبقات ابن سعد وكتب البخاري وطبقات خليفة بن خياط وطبقات مسلم وتاريخ خليفة وكتب الانساب وغيرها لماذا تتفق هذه الكتب على ذ كر من هو اقل شانا وشهرة من القعقاع (تدمير)ترجمة القعقاع فقط طلبة العلم في العراق والشام والحجاز واليمن ومصر والاندلس .. الخ فلا يجوز ان نبالغ في الامر فوق حقيقته ونعطل البحث والدراسة لاحتمال ان دماربغداد قد اتى على مايمنعنا من ذلك الملاحظة الخامسة ما ذكره الاخ حسام بانه يصعب اختلاق شخصية مشهورة مثل القعقاع(10/27)
باخبارها واشعارها وقيادتها و امارتها.. الخ ..
اقول : هذه حجتي في انه لا يعقل ان مثل هذه الشخصية تبقى مجهولة ثلاثة قرون مؤرخ كذاب اما كون العهد و المدة بين سيف و القعقاع قريبة لا تبلغ قرنا فلا تدفع الحجة الاقوى السابقة و قرن من الزمان ليس بالمدة اليسيرة كما ان بقاء القعقاع مجهولاثلاثة قرون ليس بالامر المعقول ابدا..
الملاحظة السادسة ما ذكره الاخ حسام بان (الاخبار المختلقة يكون وراءها هوى او تعصب لمذهب او نزاع ) فهذا صحيح وسبب اختلاق سيف للقعقاع وغيره ان سيفا كان معروفابالتعصب لقبيلته بني تميم كما كان بعض المؤرخين الضعفاء مشهورين بالتعصب لقبائلهم . ولذلك نجد في روايات سيف عشرات الابطال من بني تميم لم يذكرهم غيره ..
اما ما ذكره الاخ حسام من ان (الاخبار التاريخية لا تحتاج كل هذا التوثيق )فاقول : ايضا الاخبار التاريخية لا يعني ان نقبل الاكاذيب التي تخالف مااتفق عليه المؤرخون والمحدثون على حد سواء. اما قوله (ان الثابت مقدم على النافي )فهذا صحيح اذا كان المثبت والنافي في مستوى واحد من القوة اما ان يكون الثابت من طريق كذاب يعارضه مئات من الثقات والضعفاء على حد سواء فهذاغير مقبول ولا يقره عاقل ..
واخيرا اشكر الاخ حسام الماجد على اهتمامه ومشاركته ..
القعقاع بن عمرو حقيقة ام اسطورة (4)
د. حسن بن فرحان المالكي(10/28)
صحيفة الرياض - 18 صفر - 1418 ه نكمل اليوم ابرز الملاحظات على رسالة الاخ الاستاذ عبدالباسط مدخلي التي كان عنوانها (القعقاع بن عمرو...) وكنا قد ذكرنا في الحلقات الماضية ستا من الملاحظات والان الى بقيتها فنقول : الملاحظة السابعة قال الاخ المدخلي : (كما اعتمدت على عدة مصادر منها كتاب الطبقات لابن سعد) انني استطيع بكل ثقة ان اقول ان هذا غير صحيح البتة فالقعقاع لم يترجم له ابن سعد ولم يذكره بحرف واحد, والطبقات موجودة بين ايدينا وليست غريبة فان جاءني الاخ المدخلي او غيره بترجمة للقعقاع في طبقات ابن سعد باسناد ليس فيه سيف فانا راجع الى قوله وقد بحثت في الطبقات ولم اجد للقعقاع ذكرا ولا خبرا ولا ترجمة ولا اسما بنحو ستين سنة فان ذكر القعقاع فلن يكون عن غيرسيف اقول هذا على افتراض اننا لو وجدناه مترجما بلا اسناد.
الملاحظه الثامنة ثم ذكر الاخ المدخلي مصادر اخرى اعتمد عليها و اثبتت القعقاع فقال (وكتاب تاريخ الامم والملوك للطبري ) اقول لا اشك ان هذه زلة علمية اخرى من اخي المدخلي وفيها استغفال للمشرف والمناقشين والقراء لانه من المعلوم عند المدخلي ان كل اخبار القعقاع الموجودة في تاريخ الطبري انما رواها سيف بن عمر وقد صرح بذلك الطبري في بداية كل اسانيد الروايات التي فيها القعقاع .
الملاحظة التاسعة ثم اثنى على تاريخ الطبري بقوله (وهو المصدر الوحيد الذي تحدث باسهاب عن القعقاع بن عمرو حيث فصل احداث المعارك الاسلامية تفصيلا دقيقا...) لتلك الاحداث هو سيف وليس الطبري فالطبري مجرد ناقل فقط ولا ذنب له في اثبات الشخصيات المختلقة والروايات المكذوبة التي اوردها سيف بن عمر.(10/29)
الملاحظة العاشرة ثم ذكر الاخ المدخلي عدة مصادر اخرى كتاريخ دمشق لابن عساكر وتاريخ ابن الاثير و البداية والنهاية لابن كثير و معجم البلدان للحموي وكتب التراجم واوهم القارئ بان هؤلاء نقلوا اخبار القعقاع استقلالا الملاحظة الحادية عشرة قول المدخلي : (اشرت الى دور القعقاع في معركة فحل وان كان المؤرخون قداغفلوا الحديث عن هذا الدور اقول : كيف عرفت ذلك الدور وقد اهمله المؤرخون استقلالا فلا يجوز ان ننسب للمؤرخين ما انفرد به سيف الكذاب .
الملاحظة الثانية عشرة تكلم المؤلف من ص 3 الى ص 25 عن نسب بني تميم ولم يظفر بنسب القعقاع بن عمرو كما لم يجد احدا من النسابين المتقدمين او المتاخرين ذكره بحرف واحد القعقاع لانه لو كان موجودا على هذه الشهرة التي يزعمها سيف فستتسابق القبائل والافخاذ والبيوت على اثبات نسبته لهاوتدوين ذلك وسيعرفه النسابون الذين ذكروا من هم اقل شانا من القعقاع بكثير والكلبي وابن سلام والقلقشندي والبلاذري وابن دريد وابن حزم والسمعاني ومؤرج السدوسي والمدائني ومصعب الزبيري وابن حبيب والزبير بن بكار والهمداني وغيرهم من علماء النسب مع ان بعض هؤلاءبعد سيف بن عمر الملاحظة الثالثه عشرة تكلم الاخ المدخلي عن (منازل بني تميم ) من ص 26 الى ص 45 ولم يجد منزل القعقاع ايضا مقر سكنه او تنقله وما ذ كره الاخ المدخلي عن منازل بني تميم لا يفيد اثبات القعقاع ان لم نجدموضعه ومسكنه من غير طريق سيف بن عمر لكن الظاهر ان سيفا نفسه نسي ان يذكر للقعقاع منزلا فكان ذكر المنازل هنا خارج الموضوع .(10/30)
الملاحظه الرابعة عشرة تكلم المدخلي من ص 46 الى ص 56 عن مكانة بني تميم في الجاهلية وليس هناك احد ينكر مكانة بني تميم ورجالاتهم واثرهم الكبير في الجاهلية والاسلام لكن هذه المكانة ليست دليلا على اثبات وجود القعقاع بن عمرو الذي انفردبكل اخباره راو كذاب متهم بالزندقة ثم لم يذكر المدخلي اي دور للقعقاع في الجاهلية لان سيفا لم يفعل ذلك الملاحظة الخامسة عشرة تكلم المدخلي من ص 57 الى ص 67 عن (مكانة بني تميم في الاسلام ) وهذاايضا مما يتفق الناس فيه مع المؤلف ولا ينكر مكانة بني تميم في الاسلام الامكابراو متعصب او جاهل لكن هذا كله لا علاقة له باثبات وجود القعقاع ولو ان سيفا ضخم دور بعض المشهورين من بني تميم لانطلى هذا على كثير منا لكنه اختلق شخصية وهمية بهذه الدرجة من الشهرة فاكتشف الناس كذب سيف في التاريخ والاحاديث ايضا.(10/31)
الملاحظة السادسة عشرة ذكر الاخ المدخلي ص 57: ان القعقاع بن عمرو كان من الوافدين على النبي صلى اللّه عليه وسلم في السنة التاسعة من الهجرة هذا ثم وجدت المدخلي ينسب هذا في الهامش لكتاب (الطريق الى المدائن ) للاستاذاحمد كمال فلما رجعت لهذا المصدر (المعاصر) لعلي اجد ما يدعم قول المدخلي وجدت العكس وان كمال لم يذكر هذا وانما ذكر ان القعقاع اسلم في تلك السنة ولم يذكر وفادته على النبي صلى اللّه عليه وسلم . ثم ان الاستاذ كمال نفسه لم يحل على مصدر ويظهر انما ذكر ذلك توقعا فقط حقيقة عندالمدخلي وسياتي بعد المدخلي من ينسب هذه المعلومة للمدخلي نفسه مثلمانسب الان اخبار القعقاع للطبري وابن كثير مع انهما انما نقلا تخيلات سيف بن عمر مثلما نقل المدخلي توقعات كمال الملاحظة السابعة عشرة تكلم الاخ المدخلي ص 67 الى ص 73 عن فرسان بني تميم وكرمائهم ومكانتهم الشعرية ومكانة المراة عندهم ... وهذا كله ليس له صلة باثبات وجود القعقاع بن عمرو اذن فالصفحات الثلاث والسبعين من بداية الرسالة ليس لها علاقة اساسية بموضوع الرسالة فكان اختصارها او حذفها اولى .(10/32)
الملاحظة الثامنة عشرة عقد المدخلي فصلا ص 74 بعنوان (نسب القعقاع ونشاته ) ولم يذكر عن نشاته شيئا لانه سيفا لم يذكر ذلك اما نسبه فقد ذكر المدخلي ان اسمه هو (القعقاع بن عمرو بن مالك ) من (بني عقفان ) وهذا كله من كلام سيف ذكر المدخلي انه لم يجد ذكر) لعقفان في بني تميم الا (عقفان بن سويد) وهذا ينتهي نسبه الى (مناة بن تميم ) المدخلي ذكرنسبا جديدا لم يذكره سيف ولا غيره وسياتي من الباحثين من ينقل عن المدخلي مثلما نقل المدخلي عن سيف وكمال الملاحظة التاسعة عشرة ثم ذكر المدخلي قولا آخر في جد القعقاع بان اسمه (معبد) ثم ذكر انه من فرسان العرب المشهورين ونسب ذلك لابن عساكر وابن عساكر روى كل اخبارالقعقاع عن سيف بن عمر, طالع المطبوع من تاريخ دمشق (49/352) تحقيق الاستاذ عمر العمروي . فثناء ابن عساكرعلى القعقاع انما هو تلخيص لما رآه في روايات سيف بن عمر التي ساقها في تاريخه وعلى هذا فلا يجوز ان نقول ان ابن عساكر اثبت وجود القعقاع او اثنى عليه بعيدا عن سيف الملاحظة العشرون قول الاخ المدخلي ص 74 (ولم يذكر المؤرخون شيئا عن مولد القعقاع ونشاته قبل اسلامه ..) اقول : يقصد لم يذكر ذلك سيف اثبات القعقاع نجده يقول (ذكر المؤرخون (لم يذكر المؤرخون - المطلب الاول : اهمالا لذكر سيف لانه المصدر الوحيد الذي بنى عليه المدخلي رسالته .(10/33)
- المطلب الثاني : لما في التعميم من ايحاء بان المدخلي استقصى وانه لايعتمد على سيف فقط بل كل (المؤرخين الملاحظة الحادية والعشرون نقل الاخ المدخلي ص 75 قول ابي بكر في مدح القعقاع عندما قال (لصوت القعقاع في الجيش خير من الف رجل ) وقول ابي بكر (لا يهزم جيش فيهم مثل هذا ونسب المدخلي الرواية الاولى للحافظ في الاصابة (3/239) والثانية للطبري (3/347) مع ان الحافظ والطبري انما نقلا ذلك عن سيف ثم هل يعقل ان يقول ابو بكر مثل هذا الكلام في القعقاع اذا كان لا يهزم جيش فيه مثل القعقاع القعقاع بهذه النصرة التي لم تتحقق حتى للانبياء صلى اللّه عليه و سلم وسائر الابطال كحمزة وعلي وعمر وغيرهم فهل القعقاع افضل من هؤلاء هذاما اراد سيف اثباته بنسبة هذه الرواية المكذوبة على ابي بكر رضي اللّه عنه .
الملاحظة الثانية والعشرون قال المدخلي ص 75 (هل وصفه ابوبكر الصديق رضي اللّه عنه بهذه الاوصاف المجيدة بدون سابق معرفة به وببطولاته اقول : بل هل يعقل ان رجلا كهذا لا يكون معروفا على مدى ثلاثة قرون من الزمان التي الصقها سيف بالقعقاع والتي لا تتوفر في الانبياء سيف بن عمر الملاحظة الثالثة والعشرون قول المدخلي ص 77 (وقد تقصيت اكثر المصادر التي وقعت تحت يدي فلم اجدذكرا او ترجمة لحياة القعقاع ) اقول : هذا القول غريب لا ادري كيف قاله المدخلي تنقل من سيف بن عمر الملاحظة الرابعة والعشرون ذكر المدخلي ص 78 انه (شد الرحال ) بالفعل قبرا ومسجدا باسم القعقاع بن عمرو التميمي والقبر اقول : هذا كله ليس دليلا على صحة نسبة هذا القبر للقعقاع فكم من قبرمنسوب كذبا الى مشهور او مغمور او معدوم .(10/34)
ولعل قصة (قبر الحسين ) ووجوده في اكثر من ارض دليل على هذا, وكذلك قبرزينب وكذلك العوام تجدهم ينسبون كثيرا من القبور الى ابي زيد الهلالي وعزيزبن خاله ومن الطرائف ان قبر (عزيز بن خاله ) تجده في اكثر من مكان في الجنوب (عندنا)وفي بلاد بني الحارث بالطائف وفي نجد ومصر وتونس وهكذا وهذا الاخير يزعمون انه ابن لابي زيدالهلالي وقصصه على السنة العوام في كثير من الاماكن فاستدلال المدخلي بالقبرالمنسوب للقعقاع ليس دليلا صحيحا ولا مقنعا, بسبب ما انتشر بين الناس من نسبة قبور لغير اصحابها.
الملاحظة الخامسة والعشرون قول المدخلي ص 78: (ولم اجد مصدرا واحدا يتحدث عن جهاد القعقاع في مصر او انه سكن مصر ما عدا الواقدي في كتابه فتوح الشام ) اقول : الكتاب مكذوب على الواقدي والسلام فتوحه في العراق واستقراره بها الملاحظة السادسة والعشرون قوله (كما انه لم يذكر لنا المؤرخون ان القعقاع اشترك في معركة او نشاط حربي بعد معركة صفين ) اقول : بل ليس له ذكر في صفين ايضا لسبب بسيط وهو ان سيف بن عمر لم يكتب عن وقعة صفين وانما انتهى كتابه الى موقعة الجمل فقط والخلاصة في هذا الفصل الذي خصصه المطالب عن (نسب القعقاع ونشاته ) لم يثبت فيه نسب القعقاع ولا نشاته ولا وجوده اصلا وكل ما احال عليه الطالب - باحتيال - تم اكتشافه وانه كله عن سيف بن عمر او عن كتب منسوبة كذباوزورا لغير اصحابها.
القعقاع بن عمرو حقيقة ام اسطورة (5)(10/35)
د. حسن بن فرحان المالكي صحيفة الرياض - 25 صفر - 1418 ه ينسب الى احد الفلاسفة انه قال (اذا شرحت فكرتك عشرين مرة ثم ظننت انه قد فهمك الاخرون فانت متفائل اكثر من اللازم وفي ظني ان ذلك الفيلسوف كان متفائلا (اكثر من اللازم ) لان المصيبة اليوم ليس في (عدم فهم الاخرين ) بقدر ما تكون المصيبة في تعمدهم (اساءة الفهم ) ومحاربتهم للحقائق بطرق ملتوية و بتر لكلام الخصوم و تحميل الكلام مالايحتمل , فمثل هولاء لن يفيد ان نشرح لهم عشرين مرة ولا مئة مرة ..
اقول هذا حتى لا يمل بعض الاخوة القراء ان كررنا بعض الايضاحات والاقوال وشرحناها بطريقة تمكن من وصول الحقيقة مجردة الى اكبر قدر ممكن من الناس ثم بعد هذا من اراد ان يسي ء القراءة والفهم فانه يستطيع ذلك بسهولة ولذة ايضا..
وقبل ان استطرد في سرد بعض الملاحظات على رسالة الاخ المدخلي عن (القعقاع بن عمرو) اود هنا ان اشكر كل الاخوة الذين شاركوا في الحوار سواءمن وافقني منهم او خالفني , فاشكر الاخ حسام الماجد والاخ خالد البكر وهذاالشكر لا اقوله منة او مجاملة وانما واجب , لان القارئ (الايجابي ) الذي يقراالموضوع ثم يتفضل ويكتب عنه نقدا او تاييدا او اضافة ثم يرسل للصحيفة ويتابع موضوعه فهذا افضل (ايجابية ) من القارئ الذي يقرا الموضوع بلاايجابية , مع ان القارئ للموضوع افضل (ايجابية ) من الذي لا يقرا اصلا.
فالاخوة الذين شاركوا باثراء الموضوع لهم فضل يجب ان يذكر ويشاد به بغض النظر عن الصواب والخطا فكلنا خطاؤون والخطا بداية التصحيح , ومن لايعمل لا يخطى ء وكذلك من لا يبحث ولا يكتب فلن ياخذ عليه الناس خطاء ولاصوابا..(10/36)
(منهج امثل في الردود) لكن الاخوة الذين يكتبون الردود والتعقيبات (مؤيدة او معارضة ) هم بحاجة الى معرفة المنهج الامثل والالية الصحيحة قبل كتابة المقال وبعثه الى الصحيفة ولعل من ابرز ملامح هذا المنهج التركيز على ثلاثة امور هي : (1) القراءة قبل النقد فمن العيب العلمي ان يحكم القارئ على الكاتب او على رايه في المسالة قبل ان يقرا المقال نفسه ..
وللاسف ان كثيرا من الناس ما ان يسمعوا نقدا لاحد الكتاب حتى يسارعوا في الموافقة وتبني ذلك النقد بما فيه قبل ان يقرا الفرد منهم ثم يتخذ القرار عن قناعة تامة . فنحن مصابون بالعقل (الجمعي ) والتفكير (الجماهيري )..
فاذا وجدنا المجلس يذم الكاتب الفلاني ذممناه ..
الحالتين لم نقرا و لم نتبين ..
كبير وذكر بانه سيشن حربا على دولة اخرى ..
الحرب لاتعطي نتيجة سنحاربهم بالسلام والمفاوضات )..
مع اول من تكلم ولا نعارض الاخير...
ونحن في مجالسنا قريبون الى حد كبير من (المصفقين ) لذلك الرئيس , فاذا (حش )احد الحاضرين في كاتب (تتبعناه ) و ان مدح (تبعناه ) فنحن بحاجة قبل (موافقة الاخرين ) او مخالفتهم ان نستاذنهم ونقول لهم اننا لا نستطيع الان (اتخاذ موقف )لسبب بسيط وهو (اننا لم نقرا ما قراتموه ) فاذا قرانا ذلك المقال سنخبركم بموقفنا..
و... الخ .
قولوا له : اذا كان بعض كبار المحدثين قد اخطاوا ونقلوا بعض الاحاديث مبتورة وفهموا بعض الاحاديث على غير وجهها فمن باب اولى ان - تفهموا خطا اوتنقلوا خطا.. بالاسلوب السهل المتعقل ان نقنع من في المجلس بصحة موقفنا مع الاصرار عليه بل ندعوهم الى هذا وننقد طريقتهم في اتخاذالمواقف .
(2) الفهم بعد القراءة اذا استطعنا ان نقرا المقال لكاتب من الكتاب فمن العيب العلمي ايضا الا نفهم ما كتبه الكاتب ..(10/37)
- لا يحسن فهم المقال ثم يعمم هذاالسوء - سوء الفهم - وينقله للناس او ينقد و هو لم يفهم الموضوع فلذلك نجده يكرر بعض الشبهة والاعتراضات التي سبق للمقال ان ناقشها..
قبل ان يحكم للكاتب او عليه مطالب بان يقرا ما كتبه الكاتب ثم يفهمه .
(3) العدل بعد الفهم والقراءة : بعض القراء قد يقرا المقال - وهذا جيد - ويفهمه - وهذا اجود - لكنه لا يستطيع ان يعدل لان المقال او الافكار لا تتفق مع ماقد كان يراه مسبقا..
فهو يحاكم حقائق المقال الى مقياس خاص به وهذا المقياس قد يكون ظالما اوغير منضبط ولا تحكمه المعايير فلذلك نجد القارئ - احيانا - يظلم الكاتب ويتعمد تحريف اقواله وتفتيحها وبتر الاستدرا كات والتوضيحات وربط افكارالكاتب بامور لم تخطر له على بال ..
الظلم وهو يفوق - في نظري - ظلم الذي يحكم ولا يفهم او ظلم الذي يحكم قبل ان يقرا.
اذا فنحن بحاجة الى تذكير انفسنا بانه قبل النقد والاعتراض يجب ان نقرا ثم نفهم ثم نعدل في الحكم . اما ما هو سائد من ظلم قبل القراءة وقبل الفهم فهذامحرم شرعا ومذموم عقلا وفطرة .
ثم لا يستطيع احد ان يجبر القارئ على حسن القراءة وحسن الفهم والعدل ولذلك يستطيع القارئ ان يعبث كما يشاء ويرسله للصحيفة او ينشره في مجلس من المجالس ..
يجب التنبيه عليها انه يفهم احيانا(بفهم الاخرين ) ويقرا (بعيونهم )..
(بالسنتهم )..
على باطل لان هذه المتابعة توفر له جوا (اجتماعيا) جيدا او خدمة مؤقتة ..
تفيده عند اللزوم ..
الاثام عنه .
اذا فالقارى ء مطالب باتخاذ الموقف عن قناعة ولن يستطيع اتخاذ هذا الموقف الابمعرفة (الالية الصحيحة ) التي توصله لهذا (الموقف ) وقد سبق شرح ابرز جوانب هذه الالية وهي (القراءة + الفهم + العدل ).(10/38)
ولو طبق القراء هذه الالية بدقة لاتفقنا في كثير من الامور التي يجب ان نتفق فيهاولاصبحنا من المجتمعات المثالية في (فهم الحوار) و (فهم الاخرين ) هذا الفهم الذي لن ننهض بدونه لانه (اي الفهم ) مفتاح كل حسنة وعنوان كل ايجابية من ايجابيات العلم والفكر والمواقف ايضا.
(رسالة المدخلي ايضا) بعد هذا الايضاح الذي شجعنا عليه مقولة الفيلسوف التي سقناها في بداية المقال .. نعود للاخ عبد الباسط المدخلي واحب ان اوضح ايضا بان المدخلي صاحب الرسالة المنتقدة يبقى اخا في اللّه لا اكن لشخصه الكريم الا كل خيرودعاء. اقول هذا لان بعض الناس - بغير هذا التوضيح - قد يظن ان بيني وبين من اتحاور معهم عداوات شخصية ..
ثم ارد عليه ..
بعض الخاصة .
اذن فكوني اكن لاخي عبد الباسط المدخلي او غيره التقدير لا يعني هذا (تعطيل النقد الذاتي ) ولا يعني اقراره على ما ذهب اليه كما ان الاخ عبد الباسط اوغيره لا اطلب منه الموافقة مطلقا على كل ما اقول فله الحق ان يرد ويبدي وجهة نظرمدعمة بالادلة والبراهين . ولعل اخشى ما اخشاه على الاخ المدخلي التاثربالوسط الذي هو فيه فكثير من الزملاء والاصدقاء يشجعون المنقود على الاصرار على الخطا وتبرئة الساحة وارجاع الكيل كيلين ..
الردود والمجادلات , ويساعد في ضياع الحقائق ان اكثر القراء عندنااو كثيرا منهم عندهم ضعف ظاهر ولا يستطيعون اتخاذ قرار ولا معرفة الصواب والخطا فيقعون لقمة سائغة (لاخر صيحة ..
ارجو ان يفهم القراء انني لم اعمم وانما قلت (اكثر او كثير).
على اية حال : نحن نجد في تاريخنا الاسلامي اروع الامثلة للرجوع الى الحق رغم مخالفة الاتباع والرعاع وغوغاء المؤيدين فان لم يتنبه العاقل لهذا فسيجدنفسه متبنيا لموقف خاطى ء لا يرتضيه لنفسه .
نحن نرفع شعار (كل يؤخذ من قوله ويرد) لكن عند التطبيق لا ناخذ الاقوال الاممن نحب ولا نرد اقوال الا من نكره ..(10/39)
على المصالح والاراء الجماهيرية ومجاراة السائد بما فيه من تقليد وركود وتلقين .
نعم ان النظريات الجميلة موجودة لكن نظريات وقد حل مكانها نظريات اخرى جاهلة لها واقعها التطبيقي مثل من انت .. وكان لهذه النظريات الجاهلة اثرهاالمدمر على النظريات القرآنية والحديثية التي تنهى عن التقليد وتامرنا بالتدبروالتفكر والتعقل والتفقه .. فاصبح التقليد علامة التسنن والاتباع واصبح البحث الجاد علامة المخالفة والابتداع ..
وقد عانى كثير من نوابغ السلف الصالح من هذه النظريات المستحدثة وتستطيعون استعراض ائمة الاسلام الكبار الذين كان لهم اثرهم الطيب على العلم والمعرفة هل تجدون واحد منهم لم يتهم في نيته او عقيدته او دينه .. كلكم تذكرون ماذا حدث لسعيد بن المسيب والشافعي و احمد و ابي حنيفة ومالك وابن تيمية وابن القيم والمزي وغيرهم .. هكذا تجد المحاولات (الماكرة ) لاسكات العلم النافع الذي لا يدرك منفعته الا اجيال من العصور التالية .
ايضا هذه ايضاحات التي اقولها الان دفعنا اليها كلمة الفيلسوف فلا تساموا من التكرار فالكاتب او المؤلف او صاحب الراي في امس الحاجة الى التوضيح ثم التوضيح ثم التوضيح .
(عودة الى الرسالة ومصادرها) راينا في الحلقة الماضية ان الاخ المدخلي عقد اول فصول كتابه بعنوان (القعقاع بن عمرو و مكانته في بني تميم ) ثم تكلم عن نسب القعقاع و نشاته واحال في هذا الفصل على احد عشر مصدرا كلها نقلت من سيف بن عمر.. ونشاته ومكانته .. الخ .
****************
3
والغريب ان الاخ المدخلي لم يذكر (سيفا) في المصادر البتة .. ! وهذا - كما قلت سابقا - يظهر انه هدف اساسي من اهداف الاخ المدخلي حتى لا يتهم بانه اعتمد على مصدر واحد غير موثوق ..
(مصادر المدخلي 116 مصدرا..
واغرب من هذا كله ان المدخلي في رسالته قد احال على مائة وستة عشرمصدرا ومرجعا..سردها في نهاية الرسالة في ثلاث وعشرين صفحة ..(10/40)
وليس هناك مصدر من تلك المصادرذكرت القعقاع استقلالا..
بذكر مصدر واحدفقط وهو سيف لكان افضل واصدق واقل تكلفة وجهدا من كتابة ذلك (الثبت )الطويل الذي بدا بالقرآن الكريم وانتهى بمحمد عمارة ..
(سيف بن عمر) في هذه المصادر والمراجع البتة ..
يسجل نادرة من نوادر الرسائل الجامعية في هذاالعصر.
كل هذه المصادر - سوى القرآن الكريم - نقلت اخبار القعقاع عن سيف بن عمر الكذاب .. الذي يعترف المدخلي بانه (متروك الرواية ) لكن (لم يترك )رواياته ..
اما عن سبب ورود القرآن الكريم هنا فقد ذكره المدخلي لانه زعم - تبعا لسيف - ان القعقاع صحابي ..
والغريب في القعقاع انه يزحف بقوة فهو لم يكن موجودا اصلا فزعم سيف انه شهد وفاة النبي (ص ) ثم توقع احمد كمال انه (اسلم في السنة التاسعة ) وزادالفقيهي بان القعقاع (وفد على النبي (ص ) في السنة التاسعة ) وتوقع عبد اللّه صقر (انه شهد الخندق )..
(التوقعات ) على انهاحقائق مثلما نقلنا تخيلات سيف بن عمر (القصصية ) على انها حقائق والفنا في ذلك المؤلفات والرسائل الجامعية ..
الخلفاء الراشدين وهكذا نجد ان اكاذيب سيف بن عمر قد سرت في دمائنا من حيث لا نشعر واصبح لها فعل المخدر..
بمنهج علمي ولااصول تحقيق ولا اثم الكذب لاننا نشعر اننا اصحاب (نيات حسنة ) وهذا الشعور نجعله مبررا لنا لمخالفة المعايير والضوابط البحثية , اضافة الى مخالفة مانعد الناس به من التزام بهذا المنهج وتلك الضوابط.
واخيرا فقد حاولت ان اخصص هذه الحلقة لهذه الايضاحات لاننا بحاجة من وقت لاخر لتذكير الناس بما ننادي به وما نتبناه من آراء نزعم ان لها ادلتهاالعلمية , وما دام ان هذه الايضاحات متعلقة بموضوع (القعقاع ) فقد جعلناه في السلسلة نفسها لهذا السبب ولسبب آخر ذكرناه وهو مصادر ترجمة القعقاع التي نقلها لنا المدخلي .(10/41)
في النور: الاستاذ شاكر محمود عبدالمنعم , ان دراستكم عن (ابن حجر العسقلاني مصنفاته ودراسة في منهجه وموارده في كتابه الاصابة ) دراسة تستحق الاشادة ولعل ممايهمنا في هذا الموضوع ما كتبه الاستاذ شاكر في الباب الثالث عن (منهج الحافظ
في الاصابة ..
حجر وهو لايعرف منهجه ..
المالكي و التاريخ
د. حسن بن فهد الهويمل صحيفة الرياض - 4 ربيع الاول - 1418 ه كنت منهمكا في تصحيح طبعة محاضرتي عن وعي الانا ووعي الاخر طريق الفاعلية في مكتبي بنادي القصيم الادبي فاذا بي افاجا بشاب يقدم نفسه اخوك حسن فرحان المالكي وسعدت برؤيته بين يدي دون سابق وعد. وتلك كانت اول مرة اراه فيها وجها لوجه , وماكنت احسب هذا الكاتب المثير الى حدالازعاج بهذا السن , وتذكرت نرجسية ابن ابي ربيعة : (اهذا المغيري الذي كان يذكر) ونبذت ما في يدي , واقبلت على الشاب , اجادله في بعض ما يشغلني حول اطروحاته , واثير معه بعض القضايا, واستعرض اطراف المحاذير حول تناولاته التي شغلت البعض .
ولما لم يكن اللقاء المتاح كافيا لاستكمال الحوار, رتبنا لقاء آخر, مساء اليوم نفسه , وفيه كانت مطارحات شيقة , ومفيدة , وتساؤلات كثيرة , اكدت لي ان المالكي تنحصر رسالته في فترة تاريخية وازاء قضية او قضايا متجانسة . ولكن - وبسبب حداثة السن - تنقصه اشياء, ما كنت سعيدا بفقدها عند من يشتغل في مناطق حساسة , فانا حريص على ان يستكمل مثلها مثله .(10/42)
واذا كنت اختلف معه في بعض ما يذهب اليه , اتمنى ان تكون تناولاته مثيرة ,وحافزة لاخواننا, وزملائنا في اقسام التاريخ في جامعاتنا التي تتوفر فيها مثل هذه الاقسام , ليعيدوا النظر في امور كثيرة ثم ليخوضوا مع الرجل , ومع غيره ,معترك الجدل حول القضايا التي اختار لنفسه الخوض فيها, والح في طرحها,وخرج فيها على السائد, وعلى النمط فاما ان يقلموا اظفاره , ويضعوه في حجمه الطبيعي , واما ان يتشايلوا معه المهمة وليس من اللائق ان يصول , ويجول وحده في تلك الفجاج , اذ من واجب المتخصصين ايقاف هدمياته , لاحقاق الحق ,والدخول في واحد من ثلا ثة مستويات فاما ان يكونوا معه واما ان يكونوا ضده في كل ما ذهب اليه واما ان يكونوا وسطا يقبلون الحق ويردون ماسواه ان كان يخلط واما ان يتوقفوا فيما لا يعرفون وجه الحق فيه وهو قليل . واذا كان الرجل الذي يكتب من خلال آليات ثقافية لا تخصيصة يمتلك كل هذا الجلد, فاين من يملكون العلم التخصصي , والاليات التخصصية اين هم من هذا الطرح المثيرالذي سيكون له اثر في الموقف من التاريخ الاسلامي , اين هم من قبل ان ياتي ومن بعد ما جاء اقول ابتداء: ان اندهاشي من مغامراته الجريئة لايعني موافقتي ,ولا مخالفتي له على الاطلاق , ولا يعني ارتياحي من بعض تناولاته , كما لا يعني رغبتي في احترام التاريخ , وعدم المساس به ومع كل هذه التحفظات اجد بعض الرغبة في التناولات المثيرة , والمحركة للركود, فالساحة الفكرية , والثقافية بحاجة الى تحريك ما ينتابها من الركود. واختلافي معه , وترددي في قبول كل رؤاه لايضيره بشي ء, ان كان ما يطرحه , ويثيره عن علم , وحسن نية . فالبشر عرضة للخطا, وعرضة للجهل , واذا كان التاريخ الاسلامي مظنة للمساءلة , والمحاكمة ,والاقرار, والنفي فان له حرمته , ومكانته في نفوس المسلمين , ولا يليق المساس به الا بقدر ما يخدم النص والحدث من اسقاط, او تصحيح , او تاييد, او دفاع ,ووفق منهج(10/43)
, وآليات معتبرة , وفي ظل نتائج لاتؤدي الى سحب الثقة به كتراث نعتز به والتاريخ الاسلامي يرتب ط قوة وضعفا بالمؤرخ و بمنهجه , ومصادره ,فالبعض يتسع للاساطير, و اللامعقول , وآخرون يرونه للمتعة والتسلية ,وطائفة منهم يرونه للاعتبار, و قليل منهم من يمحص الروايات ويحاكم الاخبار, ولا يدون الا ما وافق العقل و الواقع وايدته الرواية المستفيضة ولايعول على كل المصادر. وفي ظل الفعل , ورد الفعل , لم اجد الحوار الموضوعي الذي يدع شخص الكاتب جانبا, ويمسك بكلامه موضوعا, حتى يتبين الحق ,ومن ثم يحكم القراء على الكاتب كل الذي اقرؤه - مع الاسف - تلاسن واتهام ,والقضايا مازالت بعيدة عن الحوار.(10/44)
والمالكي الذي طبق منهج المحدثين على الرواية التاريخية تاسيا بسلف صالح ,وطالح , سيجد نفسه يوما ما امام ركام مخيف من المبالغات , والاكاذيب , قديخدم بعضها التاريخ نفسه . ولكن التسرع في اصدار الاحكام على ضوء تلك الاليات سيؤثر في النهاية على المسلمات . ومنهج المحدثين واحد من المناهج التي طبقت في قراءة التاريخ , كمنهج الشك مثلا عند اسد رستم الذي يرى ان شك المؤرخ رائع حكمته , وهو ما يذهب اليه انجلو وسينويوس من ان نقطة الابتداءللباحث هي (الشك المنهجي ) بحيث يرتاب المؤرخ في كل الاقوال , وهومايذهب اليه ايضا حسن عثمان , وقد علل عبد الرحمن بدوي اسباب الكذب في التاريخ من خلال رؤية عقلية او حدسية , وفقاعة المالكي واحتدام مشاعره في سياق الفعل الكتابي ادى اليه دابه , وتقصيه للقضايا القابلة للتداول وغيرالقابلة , وهو ما لا نجده عند كثير من لداته , وشي ء آخر ارجو ان يتقبله المؤرخون المعاصرون , وهو تخوفهم وترددهم , وضعف آلياتهم ونمطيتهم في تناول الاشياء والاحداث , وقلة بضاعة البعض منهم ولو ان احدا منهم كشف عن ساقه ودعى بقلمه و محبرته و نازل الرجل من خلال علمية متفوقة ومنهجية منضبطة , لكان بالامكان حفظ التوازن بين داخل بليات صارمة ,ومدافع من خلال آليات متسامحة .
وانا اتحفظ على جراة المالكي , ومحدودية تناوله والتي ياتي في ذروتها البيعة وابن سبا و سيف بن عمر واتمنى لو انه حد من اندفاعه , وخفف من حدته ,وعدل من احكامه , وبحث في قضايا غير مطروقة , وغير مثيرة للتساؤل والشك , ثم - بعد تناوله - ارجا اصدار الاحكام , وترفع عن التحدي , وطلب المبارزة ,فالامر ليس من السهولة بحيث تتلاحق فيه الاحكام بهذه الحدة , وبتلك الجراة .ولناخذ على سبيل المثال موقفه من ظاهرة عبد اللّه بن سبا بعد اتفاقنا معه فيمايتعلق بالبيعة لعلي , وضعف ابن عمر في الحديث وهشاشة بعض الرسائل العلمية في منهجها, ومادتها, ونتائجها.(10/45)
لقد تساوق مع غيره من مذهبيين ومستشرقين , وعقلانيين , في انكار هذه الشخصية , واعتبارها مختلقة , وحمل سيف بن عمر مسؤولية ذلك . وهذه الشخصية دار حولها جدل طويل قبل ان يثيرها المالكي , بل قبل ان يثيرهاقدوته الهلابي ولعل اكثر الاطروحات اثارة , وازعاجا على المستوى الخليجي ,وعلى مستوى جامعة الرياض , ما قام به زميلنا وصديقنا الصامت الى حدالسكون الاستاذ الدكتور عبدالعزيز الهلابي . وذلك عندما نشر بحثه المحكم في حوليات كلية الاداب بجامعة الكويت (الحولية الثامنة , الرسالة الخامسة والاربعون عام 1407/1408 ه بعنوان عبداللّه بن سبا دراسة للمرويات التاريخية عن دوره في الفتنة . وهذا البحث المثير هو الذي حفز المالكي , وفتق حلقه , وحمله على اهداء كتابه (نحو انقاذ التاريخ الاسلامي - قراءة نقدية لنماذج من الاعمال والدراسات الجامعية ) الذي قامت مؤسسة اليمامة الصحفية مشكورة بطباعته ضمن سلسلة (كتاب الرياض ) لاستاذه ومعلمه الذي لم يتلق على يده الدراسة , ولكنه تلقى على بحوثه وكتبه الثقافية .
والدكتور الهلابي توخى واسطة العقد في منظومة اشكاليات التاريخ الاسلامي ,ومارس فيها حفرياته المعرفية . وما اعده الا كاتبا يتلقط في كتاباته الاشياءالحساسة والمثيرة , ولا يعنيه بعد ذلك , ما اذا كان ارضى الناس , او اسخطهم واذكر انه اهداني قبل سنوات مستلة من بحثه عن القراء, ودورهم في معركة (صفين ) وكان بحثه هذا, وآخر لا اذكره الان , مثار اعجابي به , وتساؤلي عن مصداقية النتائج التي توصل اليها. ولما لم اكن اذ ذاك مهتما بالتاريخ وقضاياه المثارة على كل المستويات , فقد صرفت النظر عن مساءلة الباحث القدير عن تلك الاراء المخالفة للسائد واحسب انها مرت بسلام فالاجواء يوم ذاك طبيعية ,والحالة هادئة لا توتر فيها.(10/46)
ومن قبل ومن بعد اخذت الاقلام المشبوهة تتجه صوب التاريخ الاسلامي ,وتراثه , تنقب عن هفواته , وتنفخ في هناته لاغراض دنيئة , هذه القنافذ الهداجة حفزتني على الاهتمام بالتاريخ , وبما يدور حوله من دراسات باقلام عربية وغريبة منصفة او متحاملة مريبة او مستريبة في هذه الاجواء الملوثة ,والمشبوهة استكملت الدراسات حول تفسير التاريخ كالتفسير الاشتراكي كمايصفه انجلز مردريك , ومناهجه عند الغرب وعند العرب كما يجليه الدوري وعبد الغني حسين وعثمان حسن واسد رستم وشوقي الجمل , وحسين نصارومن ثم عرفت شيئا عن مدارسه وخصائصها وصلة التاريخ بالعلوم الاخرى ومصادره المشروعة وغير المشروعة , والموثوقة وغير الموثوقة ومستويات نقدالتاريخ لقد سعدت حين عدت الى مكتبتي فوجدت فيها العشرات من هذه الانواع .
وزاد اهتمامي بالتاريخ الاسلامي بعد ان اوغل فيه العلمانيون , والحداثيون ,وقرؤوا بعض الاحداث واتخذوها سلما للطعن في التجربة الاسلامية في الحكم .ومازلت انحي باللا ئمة على اخواننا المؤرخين , الاكاديميين , الذين يمرون بهذه الاشياء وكانها لا تعنيهم وانحي باللائمة - ايضا - على اقسامنا العلمية المتخصصة , التي لم تتخلص من نمطيتها, واسلوب تناولها المعتق واتحسر على ضحالة الاكثرية منهم , وارتجالهم الاشياء, او التسطح عليها واعجب كل العجب من ضعف التقي وجلد المنافق .(10/47)
ومما زاد استيائي وصعدمن حرصي على قراءة التاريخ الاسلامي ما تتابع من مناهج غربية تسابق المؤرخون على تطبيقها في دراسة التاريخ الاسلامي وتعمدالبعض محاكمة الاسلام فيما كتبه بعض الاسلاميين كفعل المستشرقين مع الاسرائيليات في التفسير, ومحاكمة الاسلام فيما يفعله الاسلاميون كالذي كتبه العلماني الهالك فرج فودة في كتابه (الحقيقة الغائبة ) وما تلفظه المطابع , ودورالنشر المشبوهة والمرتزقة من كتب تسي ء الى رموز الاسلام , ومقدساته ,ولاتعف عن النيل من شخص الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - واصحابه الكرام , واحداث التاريخ . ومن قبل هذا قرات باستياء روايات جرجي زيدان التي وظف فيها آليات فرويد الجنسية وكتابات الدكتور طه حسين عن الفتنة الكبرى و المعذبون في الارض , و الادب الجاهلي ومن بعد اولئك جمع غفيرمن الماركسيين القذرين الذين لم يتورعوا عن النيل من الرسول ومن المجتمع المدني وعندي من ذلك ما يغثي النفوس .(10/48)
ثم ما نراه ونسمعه من كتابات المتطرفين في فكرهم كال (العروى ) وغيره , ممن حكموا العقل المطلق , او حكموا المناهج الغربية في قراءة التاريخ ومع انني لااترددفي ادانة كثير من المؤرخين , ومع انني - ايضا- اومن ايمانا لايزعزعه الشك ,ان تاريخنا بحاجة الى غربلة , ومساءلة , وتصفية , وتنقية , الاان هذا لا يجعلني اتفق مع المفكرين , والعقلانيين , والماديين , في قراءة التاريخ على هذه الشاكلة , ولمثل هذه الاهداف الدنيئة . ويقال مثل ذلك عن التفسير الملي ء بالاسرائيليات , ممافتح ثنيات على فكر الامة , وتراثها. ثم يجب ان نعرف ان مدار الاعمال على النية وعلى العلم واستكمال آليات البحث , فمن آخذ التا ريخ , ولام المؤرخين وآخذالمفسرين لغرض شريف ومقصد سليم , وبعد اهلية الاجتهاد لا يرمى في مؤاخذته الى تقرير نتائج مناهضة للاسلام , فاولئك مع الذين انعم اللّه عليهم واستعملهم في خدمته , وطاعته ومن مارس الفعل نفسه وله نوايا دنيئة ,ومقاصد سيئة , ثم هو دون القدرة المطلوبة لمثل هذا العمل فاولئك مع الذين لايستطيعون توصية ولا الى اهلهم يرجعون .
والمالكي واحد ممن نتحفظ على بعض قراءاته .(10/49)
ولا اشك انه يمثل عنصر الاثارة لزملائنا في الاقسام التاريخية فهل هم معه , اوضده والى اي حد يمضون معه او ضده ولماذا هذا الصمت الطويل هل ما يقوله لايستحق الرد, والمساءلة , ام انهم يرون انفسهم اكبر من الرجل , ومن المجال الصحفي الذي يشتغل من خلاله . وامنيتي ان يمد المالكي عينه لاارادة لزينة الحياة الدنيا, ولكن اتقاء كالذئب الذي ينام باحدى مقلتيه , ويتقي باخرى الاعادي , يمدها ليقرا لاولئك الذين اسالوا دم التاريخ من عقلانيين , وعلمانيين ,ومستشرقين , ثم ينازلهم , ان كان ثمة فضلة من جهد وعلم . اذ كلما رايتهم يخبون ,ويضعون في تراثنا, دون منازع , تذكرت قول الشاعر: لو كنت من مازن لم تستبح ابلي ----- بنو اللقيطة من ذهل ابن شيبان ان كتابات المالكي الفاقعة اللون , تهز المسلمات , وتحفز القارئ الى اعادة النظر في مصداقية التاريخ , وليست باقل اثارة مما يكتبه الاخرون . فمتى يهب الاخوة في الجامعات , لاعادة الثقة بهم , وبالتاريخ المستباح , لايقاف هذه الهدميات التي تمارس بين الحين والاخر من مغرضين حاقدين اليس فيهم رجل علم واثق ,ينازل باقتدار, ويسائل بحكمة , ويوقف هذه الجراة التي نحترمها عند البعض ,وقد لانتفق مع طائفة من مفرداتها .
ومن المؤكد ان (التاريخ الاسلامي ) الذي ارى ان يسمى (تاريخ المسلمين ) يهتم باحداث السلاطين , ولا يتسع للفكر, ورجلاته , والعلم واساطينه , كما يمتلى ءبالمبالغات , والخرافات والاساطير, واللا معقول , واللالائق وسبق ان قيل : (لايكتب التاريخ الا المنتصر). ومع شديد الاستياء, فالتاريخ في مفهومنا لايمتد الى تراجم الرجال من علماء, وفلاسفة , ومفكرين , والى منجزهم , بل يقف حيث تكون الاحداث السياسية , والعسكرية , واخبا ر السلا طين . هذا التاريخ بلياته , ومرجعياته واهتمامته , ومناهجه , بحاجة الى اقلام مخلصة واعية , تمسه بلطف ,وتنقيه باقتدار, لكي توقف طوفان التساؤلات المحرجة .(10/50)
لقد كانت الضربات الموجعة للتاريخ , تاتي من علماء الملل والنحل الاسلامية ,التي تعمدت انكار بعض الاحداث , وبعض الشخصيات المؤثرة , كبعض الصحابة , والتابعين المشبوهين وتاتي هذه الاثارات من المستشرقين الذين دخلوا على التاريخ الاسلامي بليات غير ملائمة ونوايا مشبوهة , ووجدوا فيه مايريدون . وكنت اود لو عمد علماؤنا ومفكرونا ونفوا من التاريخ ما لا يتسع له نص ولا يحتمله عقل ولا تقبله اوضاع , فنحن احق بالمعالجة منهم , وهذه مسؤوليتنا. واذ يكون ابن سبا محور كتابات المالكي فان ممن كتب عن شخصية ابن سبا في سياق انكار هذه الشخصية مرتضى العسكري في عملين هامين ومشبوهين في آن هما: (عبداللّه بن سبا بحث وتحقيق فيما كتبه المؤرخون والمستشرقون عن ابن سبا)المطبعة العلمية في النجف 1375ه - 1956م ) وعبد اللّه بن سبا واساطيراخرى ) دار الغدير بيروت طهران 1392ه/ 1972م .
والجدل حول ابن سبا ياخذ ثلاثة مستويات - المستوى السائد عند المؤرخين الاسلاميين . وهو ثبوت وجوده , وثبوت دوره في الفتنة , بكل حجمها المبالغ فيه .
- المستوى الاستشراقي والشيعي المتاخر. وهو انكار وجود ابن سبا, ومن ثم انكار دوره . وعندما اقول الشيعي المتاخر فانما اشير الى ان المتقدمين من الشيعة لم ينكروا وجود ابن سبا وان نفوا بعض اثره .
- المستوى المتوسط, وهو اثبات وجود ابن سبا, والتقليل من دوره في الفتنة وهذا ما اميل اليه , ان كنت لم اجدا الوقت والجهد الكافيين للقراءة النقدية الجادة حول هذه الشخصية , لاعلان رايي بصراحة , وبدون تردد, فموقفي متابع لمن اثق به من العلماء والمؤرخين والدارسين , ومن ثم فهو راي استئناسي تقليدي ,وليس نتيجة بحث وتقصي , وحكم شخصي , ولو فرغت للتقصي لاتخذت موقفالا محاباة فيه , ولا تردد.(10/51)
وياتي الدكتور الهلابي , ومن بعده حسن المالكي مع تيار المتشددين , المنكرين لوجود هذه الشخصية . ومع قراءتي لما كتبا ووقوفي على الجهد المبذول في التقصي الا انني لا اطمئن لما ذهبا اليه , ولا ارتاح له لان في نسف هذه الشخصية نسفا لاشياء كثيرة وتفريغا لكتب تراثية لكبار العلماء من امثال شيخ الاسلام ابن تيمية وابن حجر والذهبي وغيرهما, فابن سبا او ابن السوداء يشكل مذهباعقديا ويشكل مواقف اخرى لو تداعت لكنا امام زلزلة تمس بنايات كثيرة .
ومع هذا مازلت محتاجا الى مزيد من القول لكي اعدل عن رايي التبعي الاستئناسي .
وفي سياق مغاير ياتي الاستاذ الدكتور سليمان بن حمد العودة الاستاذ المشارك في قسم التاريخ بفرع جامعة الامام بالقصيم متساوقا مع المستوى السائد الذي يؤكد وجود هذه الشخصية واثرها ومثله الاستاذ الدكتور سعدي الهاشمي .
والدكتور العودة خبير كبني لهب في هذا المجال , فقد قدم رسالة ماجستير عن (ابن سبا) وهو باحث متمكن , فيه اناة , وبعد نظر, ويملك آليات الحوار الجاد,وهو المؤهل للمنازلة , ولكنه بعد لم يقطع .
واذكر ان لدي بحثا صغيرا عن ابن سبا للدكتور سعدي , تناول فيه هذه الشخصية . وقرر انها حقيقة لا خيال وقد حاولت الحصول عليه مع بحوث الدكتور الهلابي في مكتبتي المركومة بشكل فوضوي فلم اجدها ووجدت كتاب (الرواة الذين تاثروا بابن سبا) للهاشمي .(10/52)
والدكتور العودة كرمني حين عرض علي اخيرا بحثا قيما تحت عنوان ابن سباوالسبئية كتبه عام 1411 هـ في اطار بحوث الترقية وفيه رد, على منكري وجودابن سبا. وبالذات الدكتور الهلابي وعجبت كثيرا من تردده في نشر هذا البحث القيم الذي اتوقع ان يثير قضايا جديدة , قد تحمل المالكي على اعادة النظر فيماتوصل اليه من نتائج ساير فيها استاذه الدكتور الهلابي , وسايرا معا من لايبحث عن الحق . واملي ان يجد الدكتور العودة الشجاعة في نشره , او ارسال نسخة منه الى الاستاذ الدكتور الهلابي , وحسن المالكي , لقراءته املا في تعديل بعض آرائهما, ان كان في البحث ما يحملهما على ذلك او اسقاطه في سياق مايمارسانه من هدميات موسعة , في بنية التاريخ فنحن مع الحق متى بدا لنا,وليس بيننا وبين احد نسب , ولا عهد, في قضايا العقيدة , والفكر, فكل نفس بماكسبت رهينة , تاتي يوم القيامة تجادل عن نفسها. والذي اعرفه ان المالكي يشير دائما في بحوثه المثيرة الى انه طالب حق , رجاع اليه , متى تبين له وجه الصواب , وهذا البحث هو المحك عن المصداقية .
بحث كهذا سيضع الاثنين امام مساءلة لن يجدا مناصا من الاجابة عليها, ورد مايمكن رده , وقبول ما يمكن قبوله والمالكي تناول من قبل اطروحة العودة عن ابن سبا ص 175 من كتابه (نحو انقاذ التاريخ الاسلامي ) بحيث اشار الى اربع ملاحظات هامة , ما كان يسع العودة السكوت عليها, ولاسيما انه يدعي امتلاك الوثائق التي تحمل المالكي على التراجع عن شي ء من رايه وعن بعض ملاحظاته .
والبحث الذي بين يدي للدكتور العودة يعول فيه على روايات لم تكن عن طريق سيف بن عمر في سبيل اثبات شخصية ابن سبا.(10/53)
والهلابي ومن بعده المالكي , ومن قبلهما العسكري , يقتصرون في انكار وجودشخصية ابن سبا على رواية سيف بن عمر المجروح عند المحدثين , وربما اخذا هذاالموقف التحفظي من منهج اسد رستم حول المصدر الواحد للقضية وكم كنت اتمنى لو ان (الهلابي والمالكي ) لم يجعلا ضعف سيف بن عمر سبيلا لنسف حقيقة ابن سبا, ذلك ان الضعف في الراوي قد لا يحمله على اختلاق الشخصية من العدم , واختلاق احداث لها, وانما قد يحمله على نسبة اشياء لاتصح نسبتها اليه .وشخصية ابن سبا مستفيضة في كتب التاريخ , والعقائد, وعند علماء التاريخ ,وعلماء الكلام , وليس احد من السلف - فيما اعلم - اثار هذه الاشكالية كاثارة الاخوين , ولا ارى مبررا لنسف هذه الشخصية من اساسها.
وسيف بن عمر(عمدة في التاريخ ) كما يقول ابن حجر, مع ان هناك روايات لم تات عن طريق سيف بن عمر اشار اليها الدكتور العودة , ويقال عن (القعقاع ) ما يقال عن (ابن سبا), ولا سيما ان القعقاع من عشيرة سيف بن عمر, وهو ادرى به وباخباره والماخذ على سيف ربما يقتصر على تضخيم الدور, والتركيز على الشخصية لدافع قبلي او عقدي لكنني لا اتصور اختلاق شخصيات من الوهم والخيال للتشيع , اذ ليست الامة وعلماؤها من الغفلة والسذاجة , بحيث تصنع لهاشخصيات وهمية , وتمرر عليها. احسب ان ذاكرة الامة اوعى من هذاالاستغفال وعلماء الحديث الذين كتبوا في الطبقات , وفي تاريخ الرجال , ذكرواالقعقاع , ولم يشكوا في ثبوت وجوده , كشخصية فاعلة في الفتوح والغزوات .وقد نبهني بعض الزملاء الى اطروحة دكتوراه كتبها طالب عراقي عن القعقاع بين الحقيقة والخيال , وكم اتمنى الحصول عليها. وعلى ضوء ذلك فان ما يكتبه المالكي تحصيل حاصل , وتسخين طبيخ . فلا احسبه يضيف شيئا اكثر من تاكيدما قيل . يقال هذا فيما سبق اليه , ولامساس فيما بادر اليه من دراسات قيمة لايهمنا الحديث عنها الان .(10/54)
وبصرف النظر عن كل ما سبق , فانه يجب علينا في حالة الدخول في مثل هذه المضائق الحساسة ان نتجرد من الهوى , وان نتوفر على المعلومات , وان نمتلك آليات الاجتهاد, وان نتحرى الدقة , وان نستخدم كل مانملك من امكانات , وان نكون واثقين من انفسنا, مستقبلين لكل اعتراض بصدر رحب , فيما يتعلق بقضايا مثل هذه القضايا, ولاسيما اذا كانت تلك القضايا قد سبق الى التشكيك فيها مستشرقون مشبوهون , واصحاب ملل مستفيدون من هذا التشكيك .وعلى الذين يهزون الثوابت ويحملوننا على اعادة ترتيب معلوماتنا, ان يستمعوا لنا بادب جم , وان يحاورونا باحترام , وان يتلطفوا بازالة الشك ,والارتياب , بعلمية مهذبة , وان لم يفعلوا فما بلغوا رسالتهم , وفق اصول البحث العلمي وفي المقابل علينا ان نحسن الظن بمن لم يبد عواره , ولم يثبت ارتيابه , وان نتحامى الحكم على النوايا فلا يحصل ما في الصدور الا اللّه , ولا يبلو السرائرالاخالقها, ولا ينجو الا من اتى اللّه بقلب سليم .(10/55)
وثقتي بالاستاذ الدكتور الهلابي ومن بعده الاستاذ حسن المالكي قوية , وارجوالا يحملاني على زعزعة الثقة بالنفار او بالاستهتار. ومع ذلك لا يمكن ان ارفعهمافوق المساءلة , والنقد, والشك في امكاناتهما. وعتبي الشديد على اخواننا اساتذة التاريخ في جامعة الامام وفي الجامعات المماثلة , وبخاصة المتخصصين منهم في التاريخ الاسلامي القديم فهم الاجدر بالمواجهة . وليس من اللائق ان ننازل عنهم , فقد يخرج علينا من يقول : (ليس هذا العش عشك فادرجي ), ولو وجدنافسحة من الوقت وفضلة من الجهد لكنا اندى صوتا, واصلب عودا. ولكنناكخراش وضبائه , فالى اللّه المشتكى وما افعله الان على الاقل من باب الغيرة ,وفك الاشتباك , وارجو الا يقال لي زادك اللّه حرصا ولا تعد وارجو ممن يجدالاهلية من نفسه , مع توفر الوقت , والقدرة , ان يدخل دخولا علميا لا تسفيه فيه , ولا سخرية , ولا لجاجة , ولا هجاء مخلا بحشمة العلماء ووقارهم , ومسيئالمكانة القضايا مجال النقاش , فكم من مقتدر يمنعه من الدخول في الحوار ما يؤول اليه من مهاترات , وتراشق بكلمات السباب , والاتهام , وما يخشاه من دخول ادعياء اذا ريع احدهم اهتاج اعزلا على حد: (ينيلك منه عرضا لم يصنه ----- ويرتع منك في عرض مصون ) لقد كان صمت المتخصصين مريبا, واحجامهم مخلا في الثقة بهم . فالصحافة الان وقبل الان تشتغل في تخصصهم , وتدك حصونهم , وهم صامتون ان عليهم ان يوظفوا قدراتهم ليحقوا الحق ويبطلوا الباطل , ولا يعجب الانسان ان يقول اخطات , ويعود الى الصواب ونصف العلم لا ادري ومن قال لا ادري فقد افتى اذا كان سيف بن عمر متكا المنكرين (عمدة في التاريخ ) عند ابن حجر (ويروي عنه البخاري في التاريخ ) فالامر فيه متسع , (فابن حبان ) و(الذهبي ), و(ابن حجر), و (المزي ), وغيرهم قالوا بضعفه , وكذبه ووضعه , وزندقته . على اختلاف فيما بينهم , وتحفظ منهم على بعض التهم وكثير غير ابن عمر اختلف العلماء(10/56)
حولهم فمن موثق ومن مضعف ولكن لم يقل احد منهم - فيما اعلم - بردرواياته التاريخية , ويكفيه تزكية في مجال التاريخ على الاقل , شهادة ابن حجر,ورواية البخاري له , واحسب ان الرجلين شاهدا عدل , ولا يمكن استبدال الادنى بالذي هو خير, وفي تعليق القلعجي على العقيلي قال كان اخباريا عارفاالا انه في الحديث ضعيفا) ولم يقل في التاريخ , وقضية الزندقة اتهام تحفظ عليهاالكثيرون . وعلى ضوء ذلك يحسن ب (الهلابي والمالكي ) مراجعة الموضوع .
واشكالية المالكي الاولى : انه يعيش عقدة سيف بن عمر وما وصم به من جرح قادح في روايته في الحديث , دون التاريخ , ومن ثم يشكل المنفذ الوحيدلمرافعته ضد بعض احداث التاريخ وشخصياته .
واشكاليته الثانية : اصراره على تطبيق منهج المحدثين على الاطلاع , في تمحيص المروي من طريق تتبع طرق الرواية , ومعرفة الرجال .
واشكاليته الثالثة : انه ما يزال في اطار المثار, ولم ينفرد بشي ء بعد.
واشكاليته الرابعة : انه يقف حيث تكون احداث الفتنة الكبرى وهي شائكة وحساسة وللسلف في ذلك موقف اسلم واحكم وتطبيق منهج المحدثين على الروايات التاريخية دون قيد, فيه مافيه من المحاذير, وللسلف الصالح موقف عدل في هذا الامر ولعل مشروع الدكتور ضياء العمري الذي وظف له وظائفه من الدارسين كان مغريا لكثيرمن اللاحقين , اذ من اليسير على ضوء هذا المنهج نسف التاريخ بكامله , فهذا الطبري وهو من هو يعتمد على وضاعين , وطائفيين كابن مخنف مثلا, ولو قراناه بتلك العيون لما ابقينا على متنه نصا صحيحا,ومشروع ضياء العمري يقف عند تاريخ الصدر الاول المؤثرة احداثه بامورالشريعة , والعقيدة , والعبادة , كسيرة الرسول (ص ).(10/57)
واذا كانت الروايات الاتية من طريق سيف بن عمر, ضعيفة عند المحدثين , حجة عند المؤرخين , والاخباريين , فلا يمكن معها ان ننسف الظاهرة كلها. فابن عمرليس من اهل البدع , والاهواء, وان اتهم بالزندقة تحاملا من ابن حبان حيث قال وكان قد اتهم بالزندقة , وليست كل رواياته مخالفة لنص قطعي الدلالة والثبوت , وانما هي روايات تاتي في سياق معهودات مستفيضة , فابن سبا,والقعقاع , مثلا شخصيات تداولها, وقبل بوجودها علماء التاريخ , وعلماءالحديث , وعلماء الجرح والتعديل , وعلماء الكلام , والمؤرخون للملل والنحل وبخاصة ابن سبا فهم يذكرونها في سياق ما يكتبون , ولم يكن اعترافهم بهذه الشخصيات الا لانها مستفيضة على الالسن يتداولها الناس , وعلماء الجرح والتعديل انصفوا سيف بن عمر حتى لقد قال ابن حجر العسقلاني عنه : ضعيف في الحديث عمدة في التاريخ واردف : افحش ابن حبان القول فيه وقال العقيلي : يحدث عنه البخاري اي : في التاريخ , ولو اننا طبقنا منهج المحدثين على بقية العلوم على اطلاقه مثلما يفعل البعض مع الروايات التاريخية , ولتكن مثلاعلى روايات الجاحظ في البيان والتبيين وفي الحيوان , او على روايات ابي الفرج الاصفهاني في الاغاني , او على روايات علماء النحو والصرف واللغة ,والبلاغة , كما لا نقبل ان يكون هذا الشعر لذلك الرجل المنسوب اليه لوصوله عن طريق مجهول الحال او الذات , او يكون مجروحا, وهذا يمتد بنا الى انكارالشخصيات , كما انكرها الهلابي , والمالكي , ومن قبلهم المستشرقون والمذهبيون .(10/58)
واحتياجنا الى منهج المحدثين في الجرح والتعديل قائم , ولكنه ليس على اطلاقه ,وانما يقوم متى قامت الحاجة , وذلك اذا تعارضت الروايات بين المؤرخين , بحيث جاءت الواقعة عند مؤرخ مناقضة لواقعة اخرى عند مؤرخ آخر, ولزم التوفيق بينهما, او عندما ياتي مقتضى الرواية التاريخية مخالفا لنص ثابت , قطعي الثبوت ,او عندما يرتبط بالرواية التاريخة حكم شرعي , او عقدي , او تعبدي , او عقلي ,ففي اختلاف المؤرخين نحاول الجمع , فان امكن صرنا اليه , وان لم يمكن الجمع نظرنا الى رجال السند, فاثبتنا ما كان رجاله ثقات , واسقطنا ما كان في رجاله قول . ومعارضة الرواية التاريخية للنص الثابت , او القطعي تسقط الرواية ولاكرامة , وخروج الرواية على المعقول يسقطها عقلا والذين درسوا مناهج التاريخ وضعوا ضوابط للنقد وحصروا مخذ كل ضابط وفرقوا بين النقد السلبي والايجابي , ونقد النص , وا لاشخاص والوثائق , وما يعرف بالنقد الظاهري ,والباطني , ومع ذلك فما احد منهم افاض في منهج النقد على طريقة المحدثين ,وبخاصة عندما لاتقوم الحاجة لهذا المنهج كما اشرت .(10/59)
و اذا جاء الناقد التاريخي الى واقعة متعارف عليها, متداولة بين المورخين ,مقبولة عند علماء الجرح والتعديل , ممن ضعفوا راوي الواقعة التاريخية وقبلوهامنه , مثلما يفعل ابن حجر, ومن قبله البخاري في التاريخ الكبير, وهي ايضامستفيضة لدى كافة العلماء, ثم تعمد نسفها من اساسها, لمجرد ان في سندهامجروحين , فذلك امر لايمكن القبول به , ولا سيما اذا كان الحدث , او الظاهرة ,مستفيضة , ولم يكن لاحد من العلماء المتقدمين والمتاخرين من امثال ابن حجروالذهبي وغيرهما, ومن جاء بعدهم ممن عرفوا ان ابن سبا, - مثلا - لم يات الامن طريق سيف بن عمر, ومن الذين درسوا الملل والنحل , وعرضوا للسبئية ولم ينكروا وجود ابن سبا واشكالية ابن سبا انه لم يعد شخصية تاريخية وحسب كالقعقاع مثلا, فكل متحدث عن الفتنة وعن العقائد وعن التاريخ عرض لهذه الشخصية .(10/60)
لقد مرت بهؤلاء على مختلف تخصصاتهم , في الحديث , والتاريخ والملل , والنحل ,وعلى مختلف العصور, شخصيات كابن سبا والقعقاع , وقضايا, واحداث , ومااحد منهم نظر في حقيقة وجودها, لمجرد انه لا يوجد طريق الاطريق سيف بن عمر المجروح عند المحدثين . وما احد من علماء السلف المعتبرين من شكك بوجود هذه الشخصيات , هذا فيما اعلم وفوق كل ذي علم عليم وكما اشرت فان ضعف الراوي في مجال التاريخ يحملنا على استخدام العقل ورد المبالغات التي لاتعقل اذا لم يترتب على ردها تعطيل لسلطة النص القطعي الدلالة والثبوت ,ورد الاحداث التي لا يتوقع صدورها من شخص , او جيل توفرت لديناالمعلومات الكافية لتزكية , لا رد الحدث او الظاهرة المعقولة والمبررة والمستفيضة , فالرواية الضعيفة في بعض احاديث الصلاة لا تنفي الصلاة نفسها,وثبوت شخصية ابن سبا والقعقاع لايلزم منه ثبوت كل مانسب اليهما. ثم ان ثبوت شخصيتيهما مستفيضة , ومعروفة , ولم يشك احد من المعتبرين بوجودهما.وما اثار مثل ذلك الا المستفيدون من انكار مثل هذه الشخصيات . والسلفيون ليس لهم فائدة من انكار شخصية كابن سبا فلماذا نتواصل مع غيرنا لصالح الغير. واي اجحاف بحق المصداقية التاريخية يحصل لوصرفنا النظر عن مثل هذه الامور.(10/61)
وظاهرة الانتحال في الشعر العربي التي التقطها مرجليوث حين حقق كتاب الحموي , تعيد نفسها بشكل آخر مع حسن المالكي , ومع سلفه الذين امدوه بالمادة وبالمنهج , فهو حين نظر الى شخصيات مثيرة كابن سبا, والقعقاع , وليس لها طريق غير طريق سيف بن عمر المجروح راح يتقصى الروايات المنسوفة من قبل ليعيد نسفها من جديد رواية رواية من خلال آليات المحدثين , متناسياتباين القيمة الروائية بين المؤرخين والمحدثين , وفاته , او ربما فوت على نفسه ماتعارف عليه العلماء, والمؤرخون من التفريق بين شروط الرواية في الحديث والتاريخ وتفاوت الخطورة في الرواية الضعيفة بين العلمين , فالرواية في الحديث تثبت حكما شرعيا او تعبديا, او عقديا يمس احوال الناس , وقد يقدح في معقولية الحكم اما الرواية في التاريخ فامر مختلف جدا ما لم يترتب على ذلك ضرر من اي وجه . كما انه لم يفرق بين الاستفاضة في الظاهرة , وارتباطهابالرواية دون استفاضة , وفاته او فوت على نفسه - ما توصل اليه العلماء من تقرير قواعد, واصول , لكل علم . وما اتخذه الفقهاء دليل على تغير الحكم بتغيرسياقاته , ولهذا قال الفقهاء تقبل شهادة الصبيان فيما بينهم والرجوع الى اهل الخبرة ومراعاة الاحوال في بعض الاحكام رؤية اصولية فالقاضي محتاج الى الصانع والمزارع والطبيب في القضايا المتعلقة بمهنهم . ومن ثم يرتكب بعض الباحثين اخطاء فاحشة عندما يعزلون القضية - اي قضية - من سياقها الزمني ,او من سياقها المعرفي , متجاهلين - لحاجة في النفس - الضوابط والسياقات المعرفية . واذكر انني وانا اتقصى مذهب عبد اللّه القصيمي الالحادي الهالك تبين لي انه يهدم قضية بحجة عقلية , ثم يهدم تلك الحجة باخرى , فحاجته هي التي تمنح الاشياء مشروعية الوجود, او المعقولية ثم تنزعها, ولهذا عد من الهدامين ولم يصنف من المذهبين .
*********************
4(10/62)
وما يجب في هذا السياق ان يعرفه مرجليوث ومن بعده طه حسين والمالكي ان هناك اصولا لصناعة الادب واخرى لصناعة التاريخ وثالثة لصناعة الفقه ولايجوز تجاهل شي ء من ذلك اثناء محاكمة الظواهر ولو اننا طبقنا اصول علم على آخر لالحقنا الضرر بانفسنا, وبالفن الذي نعمل به . وقدوتنا في ذلك الامام البخاري رحمه اللّه , لقد كان لصحيحه شرطه المعروف ولتاريخه الكبير والادب المفرد منهجهما وشرطهما ومن ثم روى في التاريخ الكبير لسيف بن عمر, وهويعرف انه ضعيف لا يحتج به في الحديث , واعود لاقول ما الذي يترتب على الاعتراف بوجود ابن سبا, او القعقاع امن الخلل المعرفي او النقص في الدين اوالقدح في الفكر او في العقل العربي اذ ليس احد منهم اسطورة لايقبلها العقل ,وليس احد منهم ينطوي على فعل يعارض الثبوت والدلالة القطعيين وليس احد منهم ينطوي على مغمز حضاري لا يتسع له الفعل الاسلامي المعتبر,وليس ثبوت احدهم قادحا في المقتضى الشرعي او التعبدي او العقدي , فماالمحذور اذا عند السلفي , وما النتائج التي يسعى باحث كالدكتور الهلابي ومن بعده المالكي حين انفقوا مزيدا من الجهد والوقت لمصادمة السائد والمتعارف عليه والمتلقى بالقبول لدى عامة علماء المسلمين الثقات من مؤرخين ومحدثين واصوليين ومتكلمين . ثم لماذا يعيدان ما قاله غيرهما من انكار لهذه الشخصيات , اما كان يكفيهما الاشارة الى هذه النتائج والاشتغال بما هو اهدى واجدى .(10/63)
اقول هذا وانا على رصيف الانتظار والترقب لاجابات كافية شافية , من الهلابي , او من المالكي , او منهما معا او من غيرهما فانا طالب علم , ولا اريد لاحد ان يخلط اوراقي , واذا كان المستشرقون واصحاب الملل المنحرفة يرمون الى اهداف وغايات بعيدة ويحاولون بطرق ماكرة ان يخلطوا الامور ويحوسوا الفكرويغرسوا الشك والارتياب , فان باحثا ليست له الغايات نفسها, ولاالاهداف عينها يوظف نفسه من حيث يدري , او لا يدري لمؤازرة اولئك وخدمتهم , لقدبشمنا من تقليب الحطب على نار الفتنة الكبرى وما احد منا شفى نفسه وابراسقمها, ومن من السلفيين من يجرؤ على وضع نفسه بين علي وعائشة رضى اللّه عنهما.
والتاريخ الاسلامي الذي انطوى على فتن بدرت بين الصحابة رضوان اللّه عليهم اوجب السلف الكف عنها, ولغ في معينة الصافي علماء متضلعون وفلاسفة عميقون ومفكرون جهابذة , من اصحاب ملل , ونحل واهواء, وديانات مختلفة ,وما زالت فيه بقايا لمن اراد الولوغ وكان يجب على كل من يجد في نفسه مزيدعلم وفضلة قوة ووفرة وقت التصدي لاؤلئك وبخاصة من دخل منهم سدة التاريخ للافساد والتشكيك فاين المتخصصون والمثقفون والمؤرخون من فيليب حتى او بروكلمان و جرجي زيدان وعشرات بل مئات المستشرقين الذين كتبوا عن القرآن والرسول والحديث والفقه والتاريخ الاسلامي واوغلوا في الهدم والذم والتشكيك والاتهام .(10/64)
لقد كانت زيارة حسن المالكي لنادي القصيم الادبي وحديثي معه الذي حملني على قراءة ما كتبه عن القعقاع بتمعن وكان لكتابه الذي اصدرته مؤسسة اليمامة وقام باهدائي نسخة منه حافز لقراءة مقالاته مجموعة في كتاب بعد قراءتهامفرقة في جريدة , وحين فرغت من قراءة ما كتب عن الاطروحات وعن البيعة في كتابين على الرغم من المشاغل التي تنتابني من كل جانب , عدت الى نفسي اتساءل عما تحققه هذه المبادرات وبخاصة ما يوافق فيها هوى الاخرين وتصورت المالكي بعد هذا الجهد الجهيد يلتقط انفاسه ويمسح جبينه وينتبذ من اهله مكانا قصيا, ينظر الى هذه الهدميات في التاريخ الاسلامي ويحصي ما ظفربه من الغنائم على المستوى العام , او على المستوى الشخصي ومن حقنا ان نتساءل ما الذي كسبه لنفسه وما الذي كسبه لامته وما الذي حققه لتراثه وماالشوكة التي غرسها في حلق اعداء الامة , حين فرغ من هذا العمل الشاق المضني ومحى من الوجود شخصية ابن سبا, وشخصية القعقاع لقد وضع نفسه من حيث لا يعلم في خندق المشبوهين وما كان جهده المبذول ازاء قضايا ابتدرها ولاقضايا قلقة وملحة انفرد بها, والامر لا يعدو تحصيل حاصل وتذكيرا بمعلوم ,وفي هذا السياق اذكر ان عالما من علماء الشيعة تناول في كتاب متداول مئة وخمسين شخصية في التاريخ الاسلامي حيث اعتبرها وهمية وليس لها وجودحقيقي واذكر انني قرات عن هذا العمل المشبوه ما لا اذكره , ومازلت اتمنى الحصول عليه فانا كحذيفة بن اليمان رضي اللّه عنه الذي يحرص على معرفة الشر لاتقائه , ولان ظروفي لا تسمح بالمنازلة المكافئة , فانني ارجو ان ينهض المالكي او الهلابي لقراءة هذا الكتاب وما شاكله من عشرات بل مئات الكتب المغروسة كالخناجر المسمومة في خاصرة التاريخ الاسلامي ونقدها واقرار مايمكن اقراره , ونفي ما يمكن نفيه فذلك هو العمل المفيد والجاد والماجور, وعليهماان يقرءا ما يكتبه الماديون , والعلمانيون والماسونيون ومعتزلة(10/65)
العصروالتنويريون والحداثيون والسذج من مغفلي المثقفين والتبعيين والادعياءوالماجورين النفعيين الذين يؤجرون قدراتهم لخدمة الايديولوجيات من امثال جارودي الذي اعلن للملا توظيف امكانياته لخدمة المذاهب التي تدفع اكثر,والتطوع للتصدي , لكل هذه الطوائف , وانقاذ ما يمكن انقاذه من تحت حوافرهافاذا فرغوا من كل ذلك , ولااحسبهم فارغين , امكن الدخول على التاريخ بليات الناقد الممحص المصفي النافي لما لا يليق عقلا, او علما, او اخلاقا,وهوكثير. والقعقاع وابن سبا لايندرجان تحت اي محذور من تلك المحاذير, واذاكان لاحدهما رغبة في نفي المبالغات , والتهويلات , فما في ذلك من باس , ولكن يجب ان يكون وفق الاصول المعتبرة ومحاولات المالكي لقراءة التاريخ وفق آليات مغايرة لم تكن جديدة , ولكنها كانت مبكرة على شاب بسنه , وتجربته ,وخبرته .
لقد تبدى لي وانا استعرض كتابات المالكي في قراءته الجريئة للتاريخ , انه لايملك براعة العالم المتخصص , ولا دقة ملاحظته . فنحن ذلك الرجل , فيمالاتخصص لنا به . والمثقف في العرف المعاصر (من يعرف كل شي ء عن شي ءوشيئا عن كل شي ء). ولكي اضرب مثلا حيا على الفرق بين المتخصص والمثقف اضع ثقافة المالكي في مجال الفقه , الى جانب فقه الشيخ بكر عبداللّه ابوزيد - مثلا - نجد ان بينهما فرقا حتى في لغة الفن فضلا عن دقائقه . واضرب له مثلا آخر بنفسي , لقد كان لي ولع في علم الحديث , وكتابات صحفية في الضعيف والصحيح , حتى لقد تواصل معي بعض المتخصصين لمراجعة بعض مخطوطاتهم في الحديث ظنا منه انني متخصص , وما انا بمتخصص , ضع هذه الامكانيات الضئيلة الى جانب امكانيات (الالباني ) يتضح لك الفرق بين المثقف والمتخصص , وبحوث المالكي المثيرة لم تكن في مجال تخصصه , وانما هي في مجال اهتماماته .(10/66)
والخطورة تكمن في مثل هذا العمل , فهو- وكثير من المشتغلين - لم يكن متخصصا في التاريخ , ولم يكن متخصصا في الحديث , وعلم الجرح والتعديل ومن ثم فان ثغرات كثيرة ستبين لو ان احدا من المتخصصين المتعمقين في علمي الحديث , والتاريخ تعقب اطروحاته .
والشي ء الذي اود تحاميه من كل المتداخلين معه , وكل المفكرين في الدخول معه او مع غيره القول في السرائر, والنوايا, او الشك في المعتقد, او التجهيل المطلق ان في مثل ذلك قمعا وتسلطا لا يليقيان , والناس لا يملكون شق الصدور .
وحين اشير الى اهمية التخصص , فليس معنى هذا ان الثقافة غير مؤهلة للدخول في بعض القضايا, وليست مانعة من الدخول فهذا العقاد - رحمه اللّه -لم يكن متخصصا في شي ء من المعارف التي طرقها, ومع ذلك كان مجليا في كل تناولاته , كتب في التاريخ , وفي الادب , وفي الفلسفة , وفي سائر المعارف , وهوحجة فيما كتب , ومع كل هذا الاقتدار يؤخذ من قوله ويترك . وتبدو له هفوات لاتحتمل , وتجاوزات لا تليق , ومن تجاوزاته التي لا تليق بحق معاوية في كتابه (معاوية في الميزان ), ويقال مثل ذلك عن كثير من العلماء. من امثال احمد امين في مشروعه عن حضارة الاسلام .
ومن اقرب الشواهد ابو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري لقد خاض في قضايا كثيرة , اخطا واصاب , وابدع واخفق , وهو لم يكن متخصصا في كثير من المعارف التي تطرق لها.
ولكن يجب على الدارس الذي يبحث في غير تخصصه , ويحس في نفسه القدرة ,ان يتجنب القطع في الامور, وسد طرق المعالجة والاستبعاد او الاضافة من الاخرين . والمالكي تبلغ به الثقة , والزهو حدا لا يطاق من القطع في الامور,والتحدي وتلك سمة لا تليق .(10/67)
ولي ان اضرب مثلا بالمحدث محمد بن ناصر الدين الالباني . لقد رجع عن كثيرمن احكامه بمحض ارادته واخذ عليه من هو دونه , ومازال فيما قال , وقرر مجالا للاخذ والرد وهو من هو في مجال الحديث ومعرفة الرجال والدقة والعمق والشمولية , ثم انه حين يدخل في غير مجال تخصصه يقع في المحذور, وقد بدر منه شي ء من ذلك , وكل انسان يؤخذ من رايه ويترك الا الرسل المعصومون الذين لاينطقون عن الهوى , وانما يتلقون ما يقولون عن طريق الوحي , ولعل اقرب مثل على تفاوت العلم وتفاضله ما اجراه اللّه بين موسى عليه السلام , والخضرالذي مكنه اللّه من بعض العلم اللدني , وهومن اولي العزم من الرسل . والمالكي لا تلين عريكته , ولا يذعن للمساءلة .
لقد ادت كتابات المالكي الي اشكاليات مثيرة , لما فيها من حدة اسلوبية وتناوله للرسائل العلمية كشفت عن هشاشة بعضها, وظهورها بمظهر لا يليق بانتمائهاالاكاديمي , وكم قلت , واوصيت بوضع مشرفين لكل رسالة علمية : احدهماللمنهج , والاخر للمادة العلمية ومتى تداخل العمل مع معارف اخرى , كان يجب استشارة متخصص في مجال التداخل , واشراكه في المنافسة . ومما يحمد لكلية اصول الدين بجامعة الامام اخذها بهذا المبدا الاخير بحيث لا تجد غضاضة من الاستعانة بمتخصص في مجال التناول وقد شرفت بتكليف من هذا النوع . وماساءني اطلاعي على بعض مخطوطات رسائل جامعية لطباعتها ضمن اصدارات النادي او لغرض التحكيم , وتبين لي ضعف لايطاق واخطاء لاتحتمل , ونتائج لاتقبل , ولا احسب كلياتنا يشرفها نسبة هذه الاعمال اليها, لما فيها من تسطح ,وخلل .(10/68)
وكلمة اخيرة للمالكي نقولها ناصحين : (السكينة السكينة ) و(التروي التروي )و(الاناة الاناة ) و(التبصر التبصر) فالامر اخطر من ان تتلاحق فيه الاحكام ,وتستمر الهدميات , والقفز من قضية الى اخرى , والتشايل مع الطرح المشبوه واحسب ان استخدام منهج المحدثين في محاكمة الروا ية التاريخية على الاطلاق ,ودون قيد معتبر, فيه ما فيه من القسوة , والظلم , والنتائج السلبية .
ولعلمائناالاجلاء راي صائب في الموقف من الروايات المتعلقة بالعقيدة , والروايات المتعلقة بالعبادة , والروايات المتعلقة باحداث التاريخ وكل الذي اتمناه ان يستحضر المالكي هذه الوسطية الفذة , والا يخضع كل الاحداث لهذه المحاكمة الشديدة الجائرة وغير المنطقية .
ثم ان في التاريخ احداثا مهمة , تحتاج الى تمحيص ومساءلة , وبخاصة مايتعلق منها بالنيل من خلفاء الدولة الاموية والعباسية , مما لا يليق بهم , ولايتوقع من مثلهم بوصفهم قادة كبارا, حققوا للامة الاسلامية امجادا لا تنازع من فتوحات ,وانظمة , واشاعة علم , وعدل , وغير ذلك ولنضرب مثلا بهارون الرشيد وفي التاريخ قصص وحكايات تعقبها البعض لنكارتها, لالضعف سندها ولكن السندالضعيف آنس الناقد وعضده ولعلنا نذكر في هذا السبيل ما يشاع عن ظاهرة الغناء والترف في الحجاز, في العهد الاموي , عن طريق تمر الامويين , وتعاقب العلماء على قبول ذلك , والتاليف فيه من امثال , شوقي ضيف , وشكري فيصل على ما اذكر وبعد تمحيص دقيق اكد الزميل الدكتور عبداللّه الخلف برسالة علمية مخطوطة كذب هذا الادعاء, ونفى عن مجتمع الحجاز هذه الفرية .(10/69)
على ان مبدا الشك في الروايات , وا لاخبار, اتخذها كتاب مشهورون استخدموافي سبيل ذلك المنهج العقلي من امثال الباحث العراقي عبدالعزيز الدوري , يقول وليد نويهض عنه (اعتمد منطق الشك في العديد من القصص والاخبار) واشارالى ان الدوري لم يكن الوحيد في منهج التفسير المؤامراتي للحوادث فقد سبقه (طه حسين ) و(نبيل ياسين ) و(نصر حامد ابو زيد). ومنهج الشك الذي المحت اليه في صدر هذا الحديث ليس على اطلاقه , فهو كمنهج المحدثين لا يستدعى حتى تقوم الحاجة اليه .
ان هناك مناهج عدة لتفسير التاريخ , اورده , وتكذيبه واللاحقون ركبوا متون تلك المناهج والكثير منهم لم يع المكائد التي ينطوي عليها سلفهم . على ان هناك قراءات نقدية فيها شي ء من المعقولية , وكثير من المبالغات , والفرضيات , كنقدالشيخ عبداللّه العلايلي , غير انه مع هذا اوغل في الخطا حين ارجع حروب الردة الى قتال قبلي بين العدنانية والقحطانية .
وهناك قراءات تحت ظلال النص التاريخي , ومن اخطرها القراءات الاستشراقية الني تستبعد الوحي , والقراءات المارقة من مثل قراءة ادونيس في الثابت والمتحول , ومن قبله قراءة جرجي زيدان الذي خادع بكتابه تاريخ التمدن الاسلامي حيث ركز على بؤر الترف , والمجون , والجواري , والقيان ,ليجعل من هذه المخازي مؤشرا للتمدن الاسلامي ولدي نسخة مطبوعة عام1330 ه في الرد عليه , وهي مجموعة مقالات كتبها (شبلي النعماني ) ونشرها في مجلة المنار ثم جمعها في كتاب , ومن بعد زيدان , جاء محمد الخضري في محاضراته المثيرة في قراءة التاريخ الاسلامي , قراءة عقلية , وقد تصدى له الاستاذ المؤرخ محمد التباني فكشف عن زلاته . والتفسير الماركسي . والقومي للتاريخ من هذه الموجات العاتية التي زعزعت الثقة في مضامين التاريخ وغاياته .(10/70)
وهناك قراءات متفاوتة في مستوى الجودة , وتعدد المناهج , وفي دركات التمر,لا تعد ولا تحصى , تقرض التاريخ ذات اليمين وذات الشمال , وتفلسف الدوافع والنتائج فعلى المستوى الاستشراقي وفي السيرة العطرة فقط نجد المستشرقين (رينان ت 1892 م وجرونيه ت 1936 م وحريمه ت 1942 م وهوتنجرت 1667 م وبيلادمين ت 1621 م وريلاند ت 1718 م وبولانفلييه ) ومئات غيرهم ولك ان تراجع (سيرة الرسول في تصورات الغربيين ) للمستشرق الالماني جوستاف بفانموللر ترجمة محمود زقزوق لترى البواقع ومن ابرز من تناول التاريخ بهذه الروح حسين مروة الماركسي المتعصب , وعبد اللّه العروي في كتابه (العرب والفكر التا ريخي ) وكتابه (مفهوم التاريخ ) بجزايه المشتملين على الحديث عن الالفاظ والمذاهب , والمناهج , والاصول , وقسطنطين زريق في كتابه (نحن والتاريخ ) ومن اوسع الدراسات الوصفية التحليلية الحكمية الحصرية لمناهج التاريخ كتاب فرانز روزنتال (علم التاريخ عند المسلمين ) ترجمة الدكتور صالح احمد العلي . وفي اسلوب التعامل معه , كتب فهمي جدعان , ومحمدعابد الجابري , وحسين مروة , وغير اولئك كثير, ولكل مفكر مدرسته , ومنهجه , ونواياه , منهم المسي ء, وقليل منهم المحسن وواجبنا ان نكون في مستوى هذاالطرح , وفي مستوى اولئك المفكرين . فليس الاسلام وحماته باقل من غيرهم لنواجه بندية . وعلى العموم فان التاريخ الاسلامي يواجه هجمات شرسة ,وتطبق بحقه مناهج غير ملائمة , ويقرا من خلا ل ايديولوجيات متعددة , ويفسرتفسيرات مخلة , ومحرفة لاهدافه واذ يكون الاسلا م عقيدة وشريعة . حضارة ,وتاريخا فان رصد احداثه , وشخصياته , يعني التاريخ للعقيدة , والشريعة ,وللحضا رة .
والمستشرقون الذين يمتلكون قدرة فائقة , وصبرا), وتحملا لا نظير لهما, وظفواكل هذه الامكانيات لمحاربة الامة الاسلامية من عدة ثنيات , ومنها ثنية التاريخ .(10/71)
واذ لا نعدم الماكرين , يجب ان نرمي في نحورهم بمن نثق بعلمه , وعقيدته , من ناشئة الامة المسلمة الذين تربوا على منهج السلف , ورضعوا لبان العلم الصحيح , و ارجوا ان يكون اخونا حسن المالكي واستاذه عبدالعزيز الهلابي من اولئك النفر.
القعقاع بن عمرو حقيقة ام اسطورة (6)
د. حسن بن فرحان المالكي صحيفة الرياض - 10 ربيع الاول - 1418 ه وقفة مع الردود والتعقيبات كما راى كثير من الاخوة القراء فقد كثرت ردود الافعال حول قضية القعقاع بن عمرو مؤيدة ومعارضة وقد علقت سابقا على بعض الردود ثم شارك الاخوة منصور الفيفي وعبد الاله الفنتوخ وعادل الماجد وعبد اللّه الناصري وعبدالرحمن الفريح وعلي رضا, ثم كان آخر هؤلاء الدكتور حسن الهويمل فهذه ست من المقالات حول الموضوع بين مؤيد ومعارض ولذلك اعذروني في تناول هذه الردود باختصار شديد في عدة نقاط فاقول : اولا: في ظني ان كثرة ردود الافعال امر سار وجيد وينبغي الا نغضب من السلبيات المصاحبة لهذه الكثرة فمن الطبيعي جدا ان تزمجر بعض الردود في اودية بعيدة عن الموضوع . فلذلك لن ارد على كثير من الافكار التي طرحهابعضهم لانهم خارج الموضوع .
ثانيا: التحدي العلمي امر مشروع خاصة في الامور الواضحة جدا وهذاالتحدي كان من الاسباب التي حفزت الاخوة على التعقيبات المؤيدة والمعارضة وليس في التحدي الا الثقة العلمية وليس زهوا ولا تكبرا فتحديات السلف في المسائل العلمية لا تكاد تحصر.(10/72)
ثالثا: لا يزال التحدي قائما وما ذكره الدكتور الفريح من سقوط التحدي كان مجرد (تهويشة ) على القراء الذين لا يستطيعون البحث وسترون في هذا الردانه لم يستطع ان يجد ترجمة للقعقاع ولا خبرا لا من طريق سيف بن عمر كما ان قاتل ابي لؤلؤة لم يذكره احد تميميا وان المصادر وفي مقدمتها صحيح البخاري مجمعة على ان ابالؤلؤة قتل نفسه وساذكر ذلك بالتوثيق ليرجع اليها من شاء مع ان الموضوع الثاني لا يمثل عندي اهمية وان كان له دلالة على ميول سيف .
رابعا: تمتاز الردود (المؤيدة ) بالتقيد العلمي والبحث وترك التقليد كما راينا في رد الاستاذ عبد الاله الفنتوخ مثلا بينما كانت الردود المعارضة تخرج عن الموضوع كثيرا وتتشبث بالتقليد ولا اقول هذا مجاملة للردود المؤيدة (لانهاايدت طول المقال فليس مقياسا خامسا: القارئ الباحث هو الذي سيعرف المحق من المبطل , وسيعرف من يستغفله ممن لا يفعل ذلك اما القارئ الذي لا يرجع ولا يبحث فسيكون عرضة لاخر الردود لذا نود من القارئ ان يحاكم كل من كتب في الموضوع ويكتشف بنفسه وسيجد مفاجت كبرى والان ليسمح لي القراء في التعليقات المختصرة على الردود المعارضة فاقول : رد علي رضا رد الاستاذ علي رضا في صحيفة المسلمون الجمعة 29/صفر/1418 ه والاستاذ علي رضا مثلما لا يحسن المعارضة فهو لا يحسن التائيد فقد ايدني ان القعقاع مختلق وان سيف بن عمر كذاب لكنه ذكر ان الواقدي ذكر القعقاع بن عمرو و هذا يعني ان (محقق التراث الشام للواقدي وللاسف ان جل ما طرحه علي رضا كان بعيدا عن الصواب مثل رده لعنعنة ابي اسحاق السبيعي وحميد الطويل ومغيرة بن مقسم مع انه محتج بهذه (العنعنات )في الصحيحين فضالة في مقاله مع انه قد صححه في تحقيقه لسند علي (انظر الاحاديث رقم 2394 - 2396) وغير هذا كثير.(10/73)
ولكن لان الموضوع عن (سيف والقعقاع ) لذلك فساترك التعقيب على علي رضا الى مناسبة قادمة ليعرف القراء حقيقة الامر المبتدئين في علم الحديث تصحيحاوتضعيفا, تجد الواحد منهم مقلدا للتقريب معرضا عن منهج الشيخين ليست منه وهذا للاسف ما فعله علي رضا فقد زاد في متن حديث نبوي الرحمن بن عديس البلوي (الوضع في الحديث ) رد الدكتور عبدالرحمن الفريح اطلعت على مقال الدكتور عبد الرحمن الفريح يوم الجمعة 29/2/1418ه المنشور بصحيفة , الرياض وكان ردا علي حول سيف بن عمر والقعقاع مع ان اكثر مقال الاخ الفريح لم يكن عن سيف ولا القعقاع وسائر ما يمكن توقعه من اتهامات كالعادة فهم المكتوب فيه الاخ الفريح ولذلك فساتجنب الرد على معظم المقال لانه خارج موضوعنا ولان بعضه قد تم الاجابة عليه سابقا اما الملاحظات فكالتالي : الملاحظة الاولى : اثنى الفريح كثيرا على علي رضا لان الاخير رد علي المقال الاخير لعلي رضا الذي ايدني فيه بان سيفا كذاب والقعقاع مختلق لا اصل له الاخ الفريح قد (تورط) في الثناء على علي رضا وتقليده شخصية القعقاع او توثيق سيف (ولولا دفع اللّه الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض ).
الملاحظة الثانية : زعم الاخ الفريح انه وجد ان قاتل ابي لؤلؤة المجوسي تميمي كالمدائني وابن حجر ذكرا ان رجلا تميميا القى على ابي لؤلؤة كساء وقيل برنسا فلما راى ابي لؤلؤة الخطر قتل نفسه انظروا قول المدائني في العقد الفريد(5/25) وقول ابن حجر في الفتح (7/63) فانتم ترون انه رغم اسناد القصة الضعيف الا ان ذلك التميمي انما ساعد في القبض على ابي لؤلؤة مثله مثل غيره من الذين احاطوا بابي لؤلؤة وقد ثبت في صحيح البخاري ان ابالؤلؤة نحر نفسه انظر صحيح البخاري مع الفتح (7/60).(10/74)
اما سيف بن عمر فزعم ان ابالؤلؤة هرب من المسجد بعد قتله عمر فلحقه رجل من بني تميم وضايقه حتى قتله ثم رجع اليهم بعد قتله له القارئ يعرف ان هناك فرقا كبيرا بين ما اورده المدائني وابن حجر وبين ما قاله سيف بن عمر تاملوا الروايتين فالمدائني وابن حجر يثبتان ان ابالؤلؤة قتل نفسه ومثلهماالبخاري في صحيحه اما سيف فانه انفرد بان المباشر لقتل ابي لؤلؤة كان تميميا بنفسه من الذي سقط في تحديه الملاحظة الثالثة : زعم الفريح ان تحدياتي (هشة ) او اثبات حقيقة القعقاع الملاحظة الرابعة : ذكر الاخ الفريح ان سيف بن عمر ثقة عند المتقدمين والمتاخرين واقول :وعليكم السلام ورحمة اللّه وبركاته الملاحظة الخامسة : ذكر الاخ الفريح ان القعقاع بن عمرو وردت اخباره من طريق غير سيف ابوعمرو الشيباني في معجم البلدان لياقوت الحموي اقول : وهذه ضحكة كبرى فان ياقوت الحموي كان يسرد الاشعار والاقوال عن يوم بزاخة فذكر منها قول الاصمعي ثم قول ابي عمرو الشيباني ثم شعرالقعقاع ثم شعر ربيعة الضبي ثم شعر لجحدر بن معاوية وشعر القعقاع لن يجده ياقوت الحموي (ت 626 ه) الا في كتب سيف بن عمر او من نقل عنه (ياقوت الحموي ) ويجعله لابي عمرو الشيباني المقالات السابقة .(10/75)
ثم لم يذكر لنا من هو (الاشعري ) صاحب الانساب الذي زعم بانه ذكر القعقاع الاشعري بعد سيف ام قبله واذا كان كذلك فلماذا لم يذكره لنا الفريح حتى نرجع الى اثبات القعقاع بن عمرو كتاب (فتوح الشام )المنسوب للواقدي فقد سبق الكلام عليه في حلقات مضت , وانه لاتصح نسبته الى الواقدي بل هو مكذوب عليه مؤلف بعده بمئات السنين الفريح انه في واد وكلامنا في واد آخر القعقاع مذكور في البداية والنهاية وكتاب عرموش ودار النفائس الملاحظة السادسة : ذكر اني وثقت الوضاعين و الضعفاء الجرهمي و امثالهم اقول : وهذه دعوى من النوع الثقيل توثيقي لهؤلاء بالنص وليس بالادعاءات التي كنت اربا بمثله ان ينشرها ويكررها اما قولي بانهم لم يذكروا القعقاع فهذا صحيح لكن هذا لا يعد توثيقا لهم وانماقصدي انهم مع ضعفهم وكذب بعضهم الا انهم لم يتجرءوا على ما تجرا عليه سيف بن عمر الملاحظة السابعة : كل ما ذكره الدكتور في اكثر العمود الاول ثم كامل العمود الثاني والثالث والرابع والخامس ليس له دخل في موضوعنا الملاحظة الثامنة : ذكر انني اتباهى بذ كر نشوان الحميري البتة الملاحظة التاسعة : ذكر ان وهب بن منبه من الاسماء التي طرحتها انا وزكيتها ثم زعم ان (وهب بن منبه من اوائل الملفقين الوضاعين وانه راس مدرسة الدس والتدليس ) اقول : الا يعلم الدكتور ان وهب بن منبه احتج به البخاري ومسلم في صحيحيهما والغريب في الاخ الفريح انه يطلق اقواله بلا منهج ولا ضوابط.(10/76)
الملاحظة العاشرة : ذكر انني بذلت جهدي في جعل ابن عديس من الصحابة اقول : على اهل الحديث ان يتبينوا من منا المصيب الملاحظة الحادية عشرة : ذكر انني فضلت الهمداني اليمني على الطبري وابن كثير وابن حجر اقول وعليك السلام ورحمة اللّه الملاحظة الثانية عشرة : خلط الدكتور بين امرين في شان ابن عديس فظن انني قلت انه لم يخرج على عثمان ما قلته (انظر بيعة علي ص 284) فانا اعرف ان ابن عديس خرج على عثمان واخطا لكنني انفي وبشدة ان يكون هذا الصحابي وامثاله من تلاميذ عبد اللّه بن سبا كما اراد سيف بن عمر موثقوه ومحبوه و اما ما ذكره الفريح من ان المؤرخين الاخرين ذكروا خروج ابن عديس فهذاصحيح وليس هذا موطن نزاع لكنهم لم يذكروا انه من اتباع عبد اللّه بن سبا عندنا - بحمد اللّه - تستحي من ذكره وتهمل اقوال سيف فيه ولا يذكرون ابن سبا في الفتنة تبعا للمحققين من العلماءالمتقدمين والمتاخرين .
اذن فما ذكره من انني لم اذكر مؤرخا آخر تكلم عن دور ابن عديس في الفتنة من اخف دعاواه التي شحن به مقاله التاسع ليرى الحقيقة التي كتبتها بعيدا عن تخرصات الفريح في هذه القضية التي ملا بها ثلاثة اعمدة التي كانت (نصف المقال ) الملاحظة الثالثة عشرة : ذكر ان المؤرخين تابعوا سيفا (وعدوا ابن عديس من السبئية ) وليته يذكر لنا مؤرخا واحدا من هؤلاء الذين ذكروا ان ابن عديس من السبئية وفي ظني لو قال احد ان (معاوية من السبئية ) لغضبنا فما بالنا لا نغضب لاحداصحاب بيعة الرضوان علما بان السبئية لا تعني مجرد الخروج على عثمان كما ان الخارجية لا تعني كل خروج على علي ابن سبا (اسطورة الاخوان الكريمان الهلابي والعودة ويتحاوران للتوصل الى حقيقة (عبد اللّه بن سبا) لكان افضل مع انني - حتى الان - اميل الى نتيجة الدكتور الهلابي لكن لم اجزم الا ببطلان دور ابن سبا في الفتنة لانني بحثت الموضوع اما وجوده مطلقا فانا الى الان لااجزم بذلك .(10/77)
الملاحظة الرابعة عشرة : استطرد الفريح في الكلام عن عبد اللّه بن سبا والسبئية معظم العمود الخامس يريد تشتيت الموضوع وانا اريد الابقاء عليه . وما ذ كره ايضا لا دخل له بموضوع القعقاع بن عمرو وقد سبق الكلام في هذا الموضوع في كتاب الرياض ,لكنني انصح القارئ باقتناء كتابي العودة والهلابي ثم ليقارن القارئ ولينظر هل ابن سبا حقيقة ام اسطورة الملاحظة الخامسة عشرة : ما زعمه الفريح بانني اعتمدت على كتب مطبوعة وانني لم آت بجديد زعم باطل عريض صحيح ان الباحث يطلع على ما كتب في الموضوع ولاانكر انني قبل الكتابة عن سيف او القعقاع قد اطلعت على ما كتبه الهلابي والعودة والمعلمي والتباني والعسكري وطه حسين وغيرهم من العلماء والباحثين لكنني لم اقلد احدا منهم واستخرجت روايات سيف بنفسي وبحثتها رواية رواية سندا ومتنا واستدركت عليهم اشياء كثيرة فاتتهم مع تقديري لمن سبق وعدم هضم حقه لكن اول من دفعني للجراة في هذا الموضوع هو المعلمي وليس الهلابي كما ظن الهويمل الهلابي ثم ان كل ما كتبته عن سيف او القعقاع كان بحمداللّه نتيجة بحث ذاتي ولا يعني هذا عدم الالتفات الى الدراسات السابقة كمالايعني ان اوجب على نفسي ان اخالفهم في كل النتائج فالبحث العلمي لا يعادي احدا ولا يقلد احدا والحكمة ضالة المؤمن ياخذها حيث وجدها.
الملاحظة السادسة عشرة : ما ذكره الفريح بتزوير في توثيق سيف بن عمر واعتماده على نقل الطبري وابن الاثير وغيرهم عنه اضافة الى تفسيره لبعض الاقوال - كاقوال ابن حجروالذهبي ثم اعتماده على توثيق صاحب دار النفائس لسيف بن عمر فما بعدها).(10/78)
الملاحظة السابعة عشرة : ذكر انني رميت اصحاب المصادر التاريخية الاصلية بالغباء والغفلة اقول : اي مصادر يقصد هل يقصد مصادر المتقدمين كاصحاب الكتب الستة ومن في طبقتهم ومن قبلهم ام يقصد الذين نقلوا عن سيف بن عمر فالاخذ باقوال المتاخرين اولى ان يتهم باستخفافه بالمتقدمين الذين لم يهملوا تراجم اقل شانا مما يقوله سيف عن القعقاع ثم انا ليس لي اية مصلحة في نفي وجود القعقاع الا محبة معرفة الحقائق بعينهابعيدا عن الاختلافات والتهويلات .
رد الدكتور الهويمل : اسعدني رد الدكتور حسن الهويمل الذي حث فيه المتخصصين على المشاركة في (تقليم اظافر هذا الشاب لمعرفة الحق , لكن المشكلة الكبرى في مقالة الدكتور الهويمل - واخشى الا تكون كل مقالاته هكذا - انه مقال بلا موقف ,قراته ثلاث مرات ولم اخرج بنتيجة وتذكرت المثل الكرد ي القائل : (الفاسقون الخمسة اربعة الفار والثعبان والوزغ ) سطرواحد لذا ارجو ان تكون كتاباته المستقبلية اكثر وضوحا, واسمى هدفا وابعد عن الضبابية ..
دروس من معركة القعقاع
د. حسن بن فرحان المالكي صحيفة الرياض - 17 ربيع الاول - 1418 ه كل الحياة مليئة بالدروس والعبر, ومن محاسن هذه العبر وخصائصها الحسنة انها لا تقتصر على الخير او الشر, بل لا يكاد العاقل يرى حدثا او يسمع خبرااو يقرا فكرة الا وجد في ذلك من الدروس ما يضيفه الى ما يماثله مما سجله خاطر او سطره قلم او سنح به فكر.
وعلى هذا يجب ان نعلم ان الشر لا يخلو من فائدة ولو للعبرة . كما لايجوز ان نظن ان الخير لن يصاحبه شر ولا ان الحق لن ينازعه باطل , فهذه من سنن اللّه في الحياة مزجها لتتكامل منظومة الحياة (وبضدها تتميز الاشياء).(10/79)
لهذا كله فانا ارغب الا تنجلي (معركة الحوار حول القعقاع بن عمرو) التي دارت عبر الاسابيع الماضية الا ونسجل منها بعض الفوائد والدروس والعبر, هذه العبر التي نريد من القارئ ان يتذكرها عندما تتشابه (المعارك ) وانا لا ازعم انني ستي على جل الفوائد فضلا عن كلها اضافة الى ان غيري قديدرك اشياء اعمق وفوائد اقوى مما اذكره هنا, لكن هذا تذكير مني لنفسي ولاخواني القراء بان نستفيد من هذه (المعارك الناس من الناحية العلمية ونعرف طريقتهم في عرض الافكار, وطريقتهم في اخفاء الحقائق ,ومحاربتها ايضا الا من نسياننا لهذه الدروس والعبر التي تساعدنا في تفسير بعض الماضي وفهم اكثر المستقبل اما الان فساحاول ان اسجل ما اراه من ابرز الفوائد والوقفات والنصائح ايضا يعشق الحقيقة فقط ولعل من ابرز الوقفات التي يجب ان يعلمها محبو الحقيقة ما يلي : اولا: الحقيقة والوضع السائد يجب ان نعلم ان هناك فرقا كبيرا بين من يكتب للحقيقة وحدها ومن يكتب لارضاء الناس من الزملاء والاصدقاء والاساتذة والتلاميذ للنصوص والعقول في كثير من الامور العلمية وانمايراعي البراهين والادلة العلمية . او التي يراها علمية وقد يخطئ ايضا لكنه واضح الموقف لا يغش ولا يدلس ولا يتلون , ولا يستغفل القارئ , ولا يطلي الباطل بطلاء الحق , ولا ينتظر الثناء من احد او عتابه , كما لا ينتظر موافقة احداو معارضته وينشرها بين الناس ويتعب في محاولة ايصالها مفهومة واضحة الى اكبر عدد ممكن من المهتمين .(10/80)
هذا الناشد للحقيقة كان بامكانه ان يكتب ما لا يثير راكدا, ولا يخالف سائدا,ولا يجلب ضررا, لكنه يرى ان نشر الحقيقة مع ما يصاحبها من اذى , خير من كتمان العلم ذلك الكتمان الذي يساهم في (تشكيل ) عقل القارئ ليكون (امعة ) ان احسن الناس القول احسنه , وان اساؤوا القول اساءه , وبالتالي يساهم ايضا في (تاسيس الجهل العلمي العلم والتحقيق تجعل القارئ يظن ان الجهل علم عظيم التي تمشي على اربع فتسبق الحي الذي يمشي على رجلين ثانيا: الاكثرية ليست مقياسا يردد بعض الناس (اكثر الناس على هذا...) او (اكثر الناس يعارضون هذا الامر...) ومع ان هذا الحكم يحتاج لدراسة الا انه ليس من معايير الحق ان تتبناه الاكثرية الصحة , وليس هناك دليل شرعي ولاعقلي على هذا.
بل ان اللّه عزوجل اخبرنا في كتابه بان (اكثر الناس لا يعلمون ) و(اكثرهم لايعقلون ) و (اكثرهم يجهلون ) و (اكثرهم للحق كارهون ) التوالي كالتالي الروم (30), المائدة (5),الانعا م (6), المؤمنون (23), يونس (10).
اذن فالاكثرية ليست مقياسا صحيحا للحق , ولذلك نجد اكثر الناس كفارا,واكثر المسلمين مقلدين او جهلة , واكثر المقلدين متعصبين , وهكذا تنتقل الاكثرية المخطئة بارتياح - من وسط الى وسط ومن زمن الى زمن اخرى ,فلا تخلو الاكثرية من رفض لحق , ولا تمسك بباطل , وواجبنا ان نقلص هذاالباطل , ونوسع هذا الحق . اما الذي لا يعترف الا بشرعية آراء الاكثرية فهومخالف لنصوص القرآن الكريم كما ان الذي لا يشعر بتعصب الاكثرية او ظلمهافقد يكون من الاكثرية نفسها يشعر بالسحر فلذلك لن يشعر الفرد من الاكثرية باخطائها ولا امراضها العلمية ولو نظرتم للتاريخ لوجدتم ان (الاكثرية ) هي التي حاربت الرسل والمصلحين .
********************
5
والخلاصة هنا: ان العبرة في النواحي العلمية ليست بالاغلبية ولابالاقلية , وانمابالدليل والبرهان .(10/81)
واذا نظرنا لموضوع القعقاع مثلا فلا يجوز لمن يحتج بالاكثرية على (وجود القعقاع ) ويزعم ان (اكثر) اصحاب التراجم ذكروه في كتبهم تكونت عندكم هذه الاكثرية بن عمربقرون اذا كان ولا بد من الاحتجاج بالاكثرية , فهل الافضل ان نحتج باكثرية (القرون الفاضلة ), ام نحتج باكثرية (القرون المتاخرة والمعاصرة ) انه لم يذكره احد منهم بحرف , سوى سيف بن عمر بذاته لانه سبق البحث فيه .
ثالثا - الدليل وحده لا يكفي من الخطا ما كنا نظنه ايام الدراسة قبول الناس للحق بلا معونة احد لايتقبلها اكثرالناس اذا تصادمت مع ظنونهم واحكامهم المسبقة بالانصياع والخضوع للادلة التاويل او دعوى المعارضة لادلة اخرى الهجوم على صاحب الدليل , والطعن في علمه او تخصصه او عقيدته او نيته ... الخ وهذه (المعاول ) في هدم الاراء الصحيحة ليست حديثة العهد بل هي اساليب متبعة في محاربة الحق على مر التاريخ الحقيقة مفروش بالورود مادام انه يمتلك الدليل فهذا كلام نظري يحسن بنا ان نحفظه كثقافة فقط لكن عند التطبيق انت بحاجة الى اشياء كثيرة غير الادلة والبراهين ولعل من ذلك حاجتك لمعرفة الناس بك بسيل من الاتهامات والطعون لسبب واحد فقط وهو انه (لا يعرفك كلامك او ينظر في الادلة او يحاول فهمك اذن على الباحث عن الحقيقة ان يعلم ان التعصب بامكانه ان يقود العلم للخضوع امام الجهل اليقين سيخضع للظن ايضا, الا اذا وفق اللّه وفتح من عنده . لكن مع هذا كله يجب الا نياس فكم من مستقبل وجد في بعض الماضي ضالته , وكم من لاحق استفاد من سابق عن الحقيقة ويجدها عندك او عند غيرك .(10/82)
الخلاصة هنا: انه يجب الا يظن صاحب الحق او الباحث عنه ان الطريق ميسرلادلته , كلا فهذا كان حلما جميلا شوهته حقائق اليقظة واوجعته دروس التاريخ رابعا: اصلاح الجليس من واجب المسلم ان يصلح جليسه , وان يرد عليه الباطل برفق وياخذ منه الحق متى وجده . ولو اصلحنا جلساءنا واصلحونا لحصلنا على الاجر والعلم ,مع ما في هذا (الاصلاح ) من بحث عن المعرفة , وتطبيق للحوار, وتلمس للضوابط والمعايير الصحيحة في اصدار الاحكام على افكار الاخرين .
فاذا سمعت احد جلسائك يزعم ان فلانا من الناس (سيى ء النية , جاهل .. الخ )فالواجب عليك من باب العلم بالشي ء ومن باب التحري والتثبت ان تساله عن ادلته على ما ذ كر فان قال لك : دليلي الكتاب الفلاني او المقالات التي ينشرها فلاتستعجل واساله : هل قرا تلك الكتب اوتلك المقالات فسيجيبك بجواب من ثلاثة : اما ان يقول : لم اقراها ولكن سمعت الناس يقول : قرئت علي نماذج منها و اذا كان بعض الصحابة و هو الوليد بن عقبة قد نقل للرسول صلى اللّه عليه وسلم خبرا باطلا مشوها حتى نزل في ذلك القران الكريم فمن باب اولى ان بعضنا - على ضعفنا واهوائنا - قد ينقل اخباراباطلة وتشويهات متعمدة او غير متعمدة .
فان اقتنع بهذه (النظريات ) فيمكنك بعد هذا ان تطلب منه ان يطلب من اولئك الناقلين - (تجار الغيبة والنميمة ) - ان يزودوه بالاصول التي زعموا ان فيها (سوءنية وجهلا وخبثا وابتداعا..
اطلب منه ان يقراها بتجرد, ثم ليحكم بعدذلك يسال ويبحث عنهافان استفرغ الجهد والعلم وتجردت نيته للحق فسيؤجر على حكمه - ان شاءاللّه - ولو كان مخطئا.(10/83)
اما ان اجابك بقوله : نعم انا قرات ذلك المقال وذلك الكتاب فوجدت ما يدل على اتهامي له عندئذ اطلب منه وبكثير من الرجاء والخبث و... الخ ثم تناقش معه في شروط الفهم ومعايير العدل في الحكم ان كان يعرفها منه ان يقرا مرة اخرى وثالثة ليتاكد من ادلته . ثم اساله (هل يدين اللّه بحكمه ذلك ام لا نعم -وقد يقولها عزة بالاثم بسبب اجتهاده وقد يكون آثما لانه لم يستفرغ جهده في معرفة (الادوات ) المعينة على اصدار الحكم الصحيح المتطابق مع الواقع .
اما الحالة الثالثة - وهو ان يقول ان بعض الناس قرا عليه (نماذج لان الذي يختار له (نماذج مفصولة ) عما قبلها وما بعدها اذن اطلب منه القراءة للكلام كله ثم اتبع معه الطريقة التي اتبعها مع الحالة الثانية , وبهذاتستطيع ان تصلح جليسك ولو كان افضل منك واعلم وبهذا تكسب الاجروتتعلم كيف تصل الى الحقيقة بعينها كما تستطيع ان تعلم جليسك الشي ءنفسه .
خامسا: الناس والقعقاع بعد المعركة ظهر لنا ان الناس في القعقاع على ثلاثة اصناف : - منهم من ينفي وجود القعقاع مطلقا - ومنهم من يثبت وجوده ودوره كاملا بكل التضخيمات والتهويلات - ومنهم من يتوسط فيرى ان سيف بن عمر بالغ في دور القعقاع بن عمرو ذلك الدور الذي لم يذكره غيره وفي ظني ان الصنف الاول والثالث متقاربان جدا ويمكن ان يتفقا اذا عرفا منهج سيف بن عمر بالتفصيل اما الصنف الثاني ........... روايات سيف سيرونها في اعداد قادمة , ليعرفوا حقيقة روايات سيف بن عمر يرى نماذج من روايات سيف بعينه فسيختار لنفسه صحيحة ام انهاكانت منصبة على (احاديثه ) فقط دون رواياته ولا ريب ان الاخ عبد الباسط المدخلي كان محظوظا من كثرة التعقيبات التي كفته المؤونة تاكيدي المتكرر بان الاخ عبد الباسط او الاخ الفقيهي او كل من اختلفت معهم هم اخوة فضلاء لا اكن لهم الا كل خير لكنه يؤرقني ان ارى الحقائق محرفة باجتهاد وحسن نية ام بجهل الحقائق .
مراجعات(10/84)
د. حسن بن فرحان المالكي صحيفة الرياض - ربيع الاول - 1418 ه يحسن بالباحث او من يتشبه بالباحثين ان يراجع نفسه من وقت لاخر, ينظرماذا قال اقواله , ويتهم بحوثه وجهوده السابقة , ويعيد التاكد من المعلومات والدراسات والادلة الجديدة التي لم تكن متوفرة يومئذ, يفعل كل هذا من اجل الحقيقة ليحميها ويطورها ويهذبها ويزيل عنها عوالق الهوى , وشطحات الخصومة (ولوازم التعصب ) وفقر الادلة , كل هذا- واكثر - يجب ان يتوفر في طالب العلم وفي الباحث بوجه ادق .
نظرة على مراجعات السلف وقد كان علماء السلف الصالح رحمهم اللّه يرجعون الى الحق وقد يتعصب بعضهم ايضا, لكن يهمنا رؤوس السلف امثال الشافعي والامام احمد, فالامام احمد مثلا تجد له في المسالة الواحدة ثلاثة اقوال او اربعة او نحو ذلك فما سبب تعدد اقواله اظن القارئ يعرف ان الامام رحمه اللّه يقول في المسالة بقول بناءعلى دليل وصله او فهم لدليل ثم تبين له دليل اقوى او عرف ان فهمه السابق غير صحيح او علم ناسخا لدليله الصحيح او مخصصا لدليله العام او نحوه هذا,فلذلك يرجع بسهولة الى الحق ولا يبالي بكثرة الاتباع الذين قد يوجد فيهم من يمتعض ويستنكر هذا الفعل الامام احمد انما يتهمه خصومه بالتناقض او الجهل بخصومه الذين يتخذون تعدد الاقوال دليلا على تناقض الرجل تعدد الاقوال كان نتيجة لتبين الادلة القوية واتباعها وهذا ليس دليلا على العلم فقط بل هو العلم نفسه في بعض اتباعه ويمتعضوا من ذلك ويفرح به بعض خصومه ليس فرحا بالحق بالشافعي واصحابه او رفض دليل ظهر.(10/85)
نظرة الى الواقع اليوم وكنت اتامل هذين المثالين واشباههما واقارن هذا مع احوال طلبة العلم اليوم فرايت عجبا احمد لا تكاد تجد له مسالة ليس له فيها اكثر من قول نتيجة لما ذكرناه سابقا لكن اصغر طالب علم في يومنا هذا لا يمكن ان يرجع الى الحق ولو وجد الادلة القوية على بطلان ما ذهب اليه اولا وكان العودة الى الحق عار و جريمة تستحق الهجران والاطراح فتشوا بانفسكم وحاولوا ان تعدوا طلبة العلم الذين رجعوا الى الحق في مسالة او اكثر على كثرتهم عشرة خذوا على سبيل المثال : (اصحاب الرسائل الجامعيه ) اعلن رجوعه عن خطا وقع فيه صححها او قبول آراء مرجوحة ... الخ .(10/86)
كما ارجو الا يفهم القارئ من كلامي هذا ان جميع الرسائل الجامعية ضعيفة فهذالم اقله ولن استطيع ان اقوله لكن لو اخذنا نموذجا على تلك الرسائل ولتكن (الرسائل الجامعية ) المتخصصة في (التاريخ الاسلامي ) نجد انها على اقسام ايضامنها القوي والضعيف فهذا الضعيف من الرسائل لن تستطيع اقناع اصحابهابالتخلي عن اخطائها خفية فكيف تقنعهم بنشر هذه الاخطاء والرجوع الى ضدها عبر وسائل الاعلام من المسؤول وهذا الاصرار على التشبث بالاخطاء له اسباب عديدة ومتنوعة ومتداخلة وعميقة , تتعلق بطريقة تكويننا الثقافي , والنمط الفكري المتبع , وفي ظني ان هؤلاء الاخوة الذين لا يرجعون عن اخطائهم ليسوا وحدهم المذنبين , بل لعل الذنب الاكبر يقع على طريقة التعليم التي اتبعناها التي لم تعلمناولم تحبب الينا الرجوع عن الباطل التعصب للاقوال والموا قف , ولا يجد الطالب خلال دراسته الطويلة درسايحبب اليه الرجوع الى الحق , ولعل الطالب لم يجد كذلك استاذا يزرع فيه هذه الفضيلة ولن يستطيع الاستاذ ان يزرع الفضيلة الا اذا طبقها على نفسه تجد الطالب مقتنعابالنظرية اذن فالاخوة الذين لم يؤثر عنهم رجوع عن باطل , ليسوا وحدهم المسؤلين عن هذا المرض العلمي , كما انهم ايضا محاسبون على تقليدهم الاعمى للنمطالفكري المتبع مع ترك الادلة والبراهين مع علمهم على ان الصواب هو في اتباع الدليل .
ثم ان الواحد منهم لو اراد الرجوع الى الحق فسيجد صعوبة كبيرة اذا اكتشف خطاه في مسالة او عرف انه قد بالغ في اخرى او وجد زيادة علم وتاتي هذه الصعوبة من جهتين : اسباب التعصب للاخطاء الجهة الاولى : النفس فالنفس صعبة الانقياد للحق وتتبع الهوى , والباحث سيجد نفسه تحبب له المسير في هذا الخطا وتحذره من عواقب الرجوع الى الحق وتزين له قبح الباطل بثياب حق زاهية الالوان نفسه على اتباع الدليل فلن يجد عندهاسيرا نحوه .(10/87)
الجهة الثانية : الناس الناس لا يرحمون الراجع الى الحق سواء كان هؤلاء الناس من المؤيدين اوالمعارضين الرجل عن خطا وقع فيه ثم بين رجوعه الى الحق تجد(المؤيدين ) و(المعارضين ) على حد سواء يعتبرون هذا التراجع بمثابة (احتراق )لهذا الرجل وبعضهم يعده (انتحارا) لا حياة بعده وكان اللّه عزوجل قد خلقنا معصومين لا نخطى ء برجوعه الى الحق لان هؤلاء (المؤيدين ) من جنس المجتمع الذي لا يشجع الراجع الى الحق ولا يشكره بل يعتبر رجوعه الى الحق منقصة وعيبا وجهلا ذريعا فضيلة العودة الى الحق وانما تعلموا الاصرار على الباطل ومواصلة المسير في اودية الجهالة كما ان (المعارضين ) يفرحون باعتراف خصمهم وفرحهم هذا ليس فرحا بالحق نفسه بما يظنونه من سقوط للخصم وانتحارا و... الخ لكن الباحث الذي نذر نفسه لهذه الحقيقة لا يهمه امتعاض المؤيدين ولاتشفي المعارضين الحقيقة فقط ولابد ان يجد في سبيلها الفتك والاذى سواءعند اكتشاف الجديد او الرجوع عن قديم هذه اخطائي قد يقول لي بعض القراء انت تضرب امثله نظرية جميلة من الرجوع الى الحق بينما لم نرك يوما ترجع الى حق ولا تتبرا من باطل فهل انت استثناء من هذه القواعد والنظريات التي توصي بها اقول : اذا كانت هذه هي وجهة نظر بعض القراء فانني اريد تصحيحها اولا ثم الاعتراف , ببعض الاخطاء التي وقعت فيها.(10/88)
اما تصحيحها: فانني سبق وان اعترفت ببعض الاخطاء ورجعت عنها واعلنتهافي المقالات نفسها ولو يرجع الاخ القارئ الى المقالات لوجد بدايات بعضهااعترافات صريحة بالاخطاء التي وقعت فيها في مقالات سابقة بينما الاخوة الذين اختلفت معهم لم يعترف احد منهم بخطا الى الان الاخوة الذين تحاورت معهم (منذ بداية كتاباتي قبل نحو سبع سنوات ) اكثر من خمسة وعشرين لم اجد احدا منهم الى الان اعترف بخطا واحد ملاحظة القارئ بانني لا ابرى ء نفسي من تاثيرالنمط الفكري السائد علي وعلى المواقف التي اتخذها, فالنمط السائد قد يؤثر في الشخص من حيث لا يدري فيجد نفسه حاملا التعصب والتحامل وهو يظن انه قد نجا منها الاخطاء ولا تعلمنا كيف نتخلص منها ثانيا: ساحاول في هذه الحلقة ان اطبق النظريات السابقة على نفسي فاعترف ببعض الاخطاء التي وقعت فيها ولم يعرفها الاخوة الذين ردوا علي ينتظر ردا فلم يجد من الاخطاء التي احب الاعتراف بها هنا مايلي : 1 - المقالات التي كان عنوانها (كيف يضحك علينا هؤلاء الاولى : خطا لغوي فلا تستخدم عبارة (يضحك عليه ..) بمعنى الخداع وصواب العبارة لغويا هو (كيف يخدعنا هؤلاء الثانية : ان هذا العنوان فيه قسوة لا تليق ولو اكتفيت بقولي (نقد الدراسات التاريخية ) لكان افضل .
الثالثة : ان بعض هذه الرسائل التي انتقدتها في موضوع (بيعة علي ) كانت جيدة من حيث الجملة حتى وان اصابها بعض القصور في موضوع (البيعة ) ولعل من تلك الرسائل القوية رسالة الدكتور يحيى اليحيى عن (ابي مخنف ) وكذلك رسالة الدميجي عن (الامامة العظمى ).(10/89)
2 - ومن الاخطاء ايضا انني قلت بانني ان وجدت احدا ترجم للقعقاع بن عمرو غير سيف بن عمر فانا راجع ليس الى اثبات القعقاع فقط وانما الى توثيق سيف بن عمر وجعله في مرتبة البخاري اقول : وقولي السابق كان في استحثاث الهمم لكنه قول غيرعلمي البتة غيري - ان اوثق سيف بن عمر على افتراض وجودترجمة للقعقاع او خبر من غير طريقه بل ليس من حقي اثبات القعقاع بن عمروان اخبر به كذاب غير سيف اللهم الا اذا كان هذا الكذاب قبل سيف بن عمرفلهذا انا راجع عن قولي السابق وسيف يبقى عندي كذابا حتى لو وجدناللقعقاع ترجمة مطولة عن غير طريق سيف 3 - ايضا كنت قد ذ كرت ان شخصيات اخرى قد اختلقها سيف بن عمروسميت منها بعض الاسماء لكن عن غير بحث موسع فهذه ارجى ء الحكم عليهاللبحث في المستقبل بعكس القعقاع بن عمرو فانا جازم بما قلت عنه خاصة بعدورود الردود التي لم تزدني , الا يقينا به . اذن فقولي ان زياد بن حنظلة التميمي وعاصم بن عمرو التميمي من مختلقات سيف انا راجع عنه لابحث الرجلين بحثاموسعا مثلما بحثت القعقاع ثم اعطيكم النتيجة فيما بعد, وكذلك عبد اللّه بن سباهو تحت البحث والدراسة ولا اجزم بنفي وجوده وان كنت اجزم ببطلان دوره في الفتنة لانني وجدت الادلة على الامر الثاني بعكس الاول فانني لم ابحثه بحثاموسعا مقنعا.
4 - كنت قد ذكرت في الحلقة الماضية ان الناس في القعقاع اليوم ثلاثة اصناف صنف ينفيه مطلقا وصنف يثبته مطلقا بما فيه من تضخيمات سيف وصنف ثالث يراه مضخما فيه من قبل سيف وان لم ينكر وجوده وذكرت ان الصنف الثالث متقارب مع الاول والصواب ان هذا القسم (الثالث ) وسط بين الحالتين يقترب ويبتعد حسب المساحة التي تكون لسيف بن عمر عنده . فهناك من ينكر 90%من التضخيمات وهناك من ينكر 10% فقط فالاول قريب من الاول والثاني قريب من الثاني .(10/90)
5 - ذكر لي بعض الاخوة ان قولي بان القعقاع شخصية مختلقة ثم احتمالي الضعيف بانه ربما يكون رجلا عاديا ضخمه سيف ان هذا تناقض او شبيه بالتناقض رجوعي الى تراجمه وروايات سيف عنه رايت , نفي وجوده بالكلية دون ادنى احتمال .
لان النسبة القليلة من الاحتمال لو (حشرناها) في مثل هذه المسائل العلمية لقيدت كثيرا من الامور واكثر هذه الاحتمالات الضعيفة (وساوس ) لااساس لها, وهذه الاحتمالات تدخل مع تصحيح الاحاديث وتضعيفها. فكل حديث صحيح قد تدخل في النفس احتمالات ضعفه وكل حديث موضوع قد يدخل في النفس احتمال صحته وبهذا لا نستطيع التمسك بالمنهج ويسبب لنا (ازدواجية ) في التطبيق فلذلك انا اجزم باختلاق سيف بن عمر للقعقاع دون النظر في (وساس )الاحتمالات واشكر الاخ الاستاذ عبد اللّه القفاري على هذه الملحوظة .
6 - ذكر لي فضيلة الشيخ عبد اللطيف بن عمر آل الشيخ انني اخطات في (تحميل اصحاب الرسائل الجامعية ) تلك الاخطاء التي نشرتها وقال ان الخطاالاكبر على المشرفين والمناقشين والاقسام التي اجازت هذه الرسالة واعطت الامتيازات مع ان تلك الرسائل فيها القوي كما اشرنا سابقا.
وانا معترف للشيخ عبد اللطيف بان النقد كان اكثره منصبا على الطلاب مع ان المقالات التي نشرتها لم تسكت عن الاقسام والمشرفين والمناقشين لكن - كما ذكر الشيخ - بان الخطا الاكبر ليس على الطالب وانما على المشرف والمناقشين ولعل فضيلة الشيخ عبد اللطيف يشارك في نقد الطريقة او (الالية ) التي تسيرعليها الاقسام والجهات المتخصصة تلك الالية التي تسبب في وجود مثل هذاالضعف في الرسائل الجامعية .
وقد ذكر لي الدكتور عدنان الشريف - استاذ تاريخ بجامعة ام القرى - قريبا من هذا فذكر ان الطالب يجبر- احيانا - على موضوع معين لا يتفق مع اهتماماته العلمية عن الطالب بقدر ما تعبر عن القسم الذي اجبره على اختيار موضوعها.(10/91)
وكنت ارجو من الطلاب ان ينشروا تجاربهم مع الاقسام وينتقدوا هذه (الاليات ) التي لا نعرف عنها الا القليل وكلامي هنا منصب على (الرسائل التاريخية ) وقد تكون للرسائل الاخرى متاعب مشابهة .
واخيرا: هذه ابرز الاخطاء التي وقعت فيها وقد اكتشف اخطاء اخرى بنفسي عن طريق بعض الاخوة بل انني اكتب المقال اليوم واظنه خاليا من الاخطاء ثم اقرؤه غدا واكتشف بعضها وهذه سمة غالبة على كل الاعمال العلمية وطلبة العلم بحمد اللّه لا يدعون العصمة ولا يستطيعون لكن تنقصهم الشجاعة في الاعتراف بالخطا نتيجة لعدم ادراكهم للمعنى الحقيقي لكلمة (العلم ) واذا كنت اعترف باخطائي التي وقعت فيها فمن باب اولى الا اتبع الاخرين في اخطائهم وان لمح بعضهم الى انني قلدت هؤلاء الابحاث السابقة وانقدها ايضا.
ولي , تعقيبات قد انشرها قريبا على الدكتور طه حسين والسيد مرتضى العسكري كما ان لي ملاحظات على بحث استاذنا الدكتور عبدالعزيز الهلابي (عن عبداللّه بن سبا) لكن تلك الملاحظات لا تقدح في النتيجة التي توصل اليهالكنها تجعلني اتوقف في متابعة تلك النتائج بكل تفاصيلها.
ارجو ان نكون جميعا على استعداد للتعرف على المنهج الصحيح ثم العودة اليه وعدم الالتفات الى الناس ما دام الحق هو الهدف النظري الذي يعلنه الجميع .
الانقاذ من دعاوى الانقاذ من التاريخ الاسلامي ردا على المالكي (1/4)
د. سليمان بن حمد العودة صحيفة الرياض - 27 ربيع الاول - 1418 ه اهدى الي الاخ الكريم (حسن بن فرحان المالكي ) كتابه (نحو انقاذ للتاريخ الاسلامي ) وطلب مني ابداء الملحوظات عليه , مؤرخا ذلك في3 /2/1418ه.(10/92)
واستجابة لمطلب الاخ من جانب , واحقاقا للحق الذي اراه من جانب آخركتبت هذه الملحوظات , التي فكرت في بعثها اليه شخصيا- لقناعتي باهمية النصح (سرا) ولكني عدت الى نفسي , فرايت ان (الكتاب ) وافكار (الكاتب )منشورة على الملا, وان النصح (لعامة ) المسلمين لا يقل اهمية عن النصح (لخاصتهم ).
ولن اتوقف - طويلا - عند عبارات الاخ (حسن ) (الجارحة ) بمناهج جامعاتنا,وهزال رسائلنا, وضعف ثلة من المختصين في التاريخ عندنا.. الثقة بمناهجنا ومختصينا لا تهتز بمثل هذه المقولات الجائرة والاحكام المتعجلة من جانب آخر.
و ان كنت (اعجب ) كغيري , من بعض العبارات التي سطرها (المالكي ) في كتابه ,كيف استساغها, وكيف تم نشرها في كتاب (حليته ) العلم وشعاره (الانقاذ) وقبل البدء بتدوين الملحوظات اشير الى عدة امور منها: 1 - ساقتصر في ملحوظاتي على الكتاب على (فصوله الاولى ) رايت انها اقرب الى تخصصي من جانب , ولا ادع لاصحاب الشان فرصة الحديث عن تخصصهم من جانب آخر وحين (اتحاشى ) الحديث عن ملحوظاته على كتابي (عبداللّه بن سبا..) فلا يعني ذلك موافقتي على ملحوظاته , قدر ما يعني البعد عن الانتصارللذات .
2 - و اشفق على الاخ (حسن ) و هو (يتعاظم ) في نفسه , و (يزكي ) عمله حين يقول : وها آنذا طالب لم يحصل على شهادة في التاريخ , و لكنني لما تمسكت بمنهج اهل الحديث فندت اقاويل من سبقوني بعقود في كتابة التاريخ الاسلامي وفي مقابل ذلك (يزري ) بالاخرين (ويستهجن ) عملهم , ولا (يتورع ) في الحاق التهم بهم .
3 - ولا اظنك يا اخ حسن ممن يهوى (الصعود) على (اكتاف الاخرين ) ولاارغب لك (عالم الشهرة ) على حساب (الحقيقة العلمية ), ومن بوابة (الاثارة الاعلامية ) .(10/93)
4 - ولست ادري كيف تحول التاريخ في ذهنك وانحسر (الانقاذ) في منهجك في (بيعة على ) رضي اللّه عنه وارضاه فحسب , فمعظم دراساتك (النقدية ) تتمحورحول هذه القضية , - ومع اهميتها-, فالانقاذ (الحق ) ينبغي ان يكون اشمل , وثمة احداث في (تاريخ الخلفاء الراشدين ) رضي اللّه عنهم لاتقل عنها اهمية .
5 - يا اخانا الكريم , ولئن كنا - معاشر المؤرخين - (نانف ) من اقامة التاريخ على شفا جرف هار تخونه الروايا ت الضعيفة , ويشتط بتاويل احداثه الرواة المتهمون فاننا (نرفض ) الجنوح نحو (انكار) الصحيح , وابطال الحق , وتسفيه الاحلام .
6 - وحين اقدم لك هذه (النصائح الاولية ) فلا يسبق الى (ظنك ) انها مجرد(عواطف ) بل ساتبعها بما فتح اللّه من (حقائق ) لا ادعي العصمة فيها, لكنها على الاقل (تخالف ) ما قطعت به , وادع لك الفرصة لتاملها بعين (الانصاف )و(التجرد) للحق فقد (شجعني ) في الكتابة اليك , رغبتك في قبول الحق ,واستعدادك للتنازل عن اي راي يثبت لك خلافه - كما ذكرت في الكتاب - اكثرمن مرة وارجو الا يكون الهدف (التجهز) لمعركة طويلة الاجل كما ذكرت في ردك على الاخ (عبداللّه العسكر) ص 89, اذ ليس مما (يتفاخر به ) المرء (تعوده على الردود على بعض الفقهاء او مشاغبي التاريخ ) كما قلت في الصفحة نفسها.
وسيكون الحديث اليك والى غيرك عبر المحاور التالية : 1 - ابن سبا من غيرطريق سيف بن عمر 2 - التحقيق في المرويات .
3 - سيف بن عمر مشجب .
4 - رواة آخرون في الميزان .
5 - ملحوظات اخرى في الكتاب .(10/94)
اولا: ابن سبا من غير طريق سيف بن عمر تابع الاخ (المالكي ) من سبقوه في اعتبار سيف بن عمر (المصدر الوحيد الذي روى اخبار عبد اللّه بن سبا في الفتنة ) (ص 58) فهو يثني على دراسة الدكتور(الهلابي ) ويعتبرها من اروع الدراسات عن سيف بن عمر, ثم يتبعها بدراسة اخرى للسيد مرتضى العسكري , الذي توصل للنتائج نفسها التي توصل اليهاالدكتور الهلابي - على حد تعبير المالكي (ص 58) ولي وقفة منهجية حول هذاالتعبير - فيما بعد - ان شاء اللّه .
وانقل للقارى ء هنا (نص ) نتيجة هاتين الدراستين - محل اعجاب المالكي -يقول د.عبدالعزيز الهلابي : ينفرد الاخباري سيف بن عمر التميمي (ت :180ه) من بين قدامى الاخباريين والمؤرخين المسلمين بذكر عبد اللّه بن سبا في رواياته , ويجعل له دورا رئيسيا في التحريض على الفتنة ...
(الحولية الثامنة لكلية اداب جامعة الكويت , الرسالة الخامسة والاربعون , عبداللّه بن سبا دراسة للمرويات التاريخية عن دوره في الفتنة ص 13).
ويقول في موضع آخر - من الحولية -: لا اعلم فيما اطلعت عليه من المصادرالمتقدمة اي ذكر لعبد اللّه بن سبا عند غير سيف بن عمر سوى رواية واحدة عند البلاذري , وهذه يكتنفها الغموض ص 46.
وفي نهاية بحث الدكتور عبدالعزيز الهلابي يخلص الى النتيجة الاتية حين يقول : والذي نخلص اليه في بحثنا هذا ان - ابن سبا- شخصية وهمية لم يكن لها وجودفان وجد شخص بهذا الاسم فمن المؤكد انه لم يقم بالدور الذي اسنده اليه سيف واصحاب كتب الفرق لا من الناحية السياسية ولا من ناحية العقيدة (ص 73من الحولية ).
اما مرتضى العسكري فعنوان كتابه (عبد اللّه بن سبا واساطير اخرى ) يكفي لمعرفة رايه , و مع ذلك فهو يركز على (سيف ) متهما اياه بالتزوير والكذب (ص 6).
ويؤكد (العسكري ) انه لم يكن لعبد اللّه بن سبا وجود. في عصري (عثمان ) و(علي ) البتة .. ولكن سيفا صحف و اخترع هذه الشخصية الجديدة (ص 279,281).(10/95)
تلك مقتطفات سريعة لابرز (افكار) و(نتائج ) هاتين الدراستين , اللتين يعجب بهما (المالكى ) ويعتبرهما - او احداهما - من اروع الدراسات وحتى (لا نظلم ) المالكي , ننقل شيئا من كلامه (هو) عن ابن سبا. فهو يعتبره (اليهودي النكرة (ص 71).
وهو يفكر افكار ابن سبا ومعتقداته حين يتحدث عن (الوصية ) ويقول : ان (سيفا) يروي ان عبد اللّه بن سبا نشر فكرة الوصية لعلي بن ابي طالب .. الى ان يقول وهذا يتناقض مع فكرة (الوصية ) لان عبد اللّه بن سبا لو بث فكرة الوصية لعلي وتاثر الناس بها فلماذ اختار اتباعه بالبصرة والكوفة وغيره مع ان ابن سبا لم يدع بالوصية للزبير ولا لطلحة فهذا تناقض (ص 79 نحو انقاذالتاريخ الاسلامي ).
والخلاصة ان (المالكي ) يشارك غيره الافكار والتشكيك لشخصية (ابن سبا)وافكاره , وان (سيفا) وراء ذلك كله , اذ هو المصدر الوحيد لاخبار عبد اللّه بن سبا فهل - تصح . هذه الفرضية الخاطئة , التي انتهت الى هذه النتائج الخاطئة لقد ثبت لدي بالبحث العلمي وجود (ثماني ) روايات , لا ينتهي سندها الى (سيف ) بل , ولا وجود لسيف فيها اصلا, وكلها تتضافر على اثبات عبداللّه بن سبا والروايات (مثبتة ) في تاريخ دمشق لابن عساكر, وقد صحح العلامة (ناصرالدين الالباني ) اسناد عدد منها, وقمت بتحقيق في اسانيدها - رواية رواية -فثبت لي صحة اسناد معظمها, في بحث لم انشره بعد بعنوان (ابن سبا والسبئية قراءة جديدة وتحقيق في النصوص القديمة ).
والروايات الثماني مسندة كما يلي : 1 - اخبرنا ابو البركات الانماطي , انا ابو طاهر احمد بن الحسن وابو الفضل احمدبن الحسن , قالا. انا عبد الملك بن محمد بن عبد اللّه انا ابو علي بن الصواف , انامحمد بن عثمان بن ابي شيبة , نا محمد بن العلاء, نا ابوبكر بن عياش , عن مجالد,عن الشعبي قال : اول من كذب عبداللّه بن سبا.(10/96)
2 - قرانا على ابي عبد اللّه يحيى بن الحسن , عن ابي الحسين ابن الابنوسي , انااحمد بن عبيد بن الفضل , وعن ابي نعيم محمد بن عبد الواحد بن عبد العزيز, اناعلي بن محمد بن خزفة قالا. نا محمد بن الحسين , نا ابن ابي خيثمة , نا محمد بن عباد, نا سفيان , عن عمار الدهني قال . سمعت ابا الطفيل يقول : رايت المسيب بن نجبة اتى به طببه يعني ابن السوداء وعلي على المنبر فقال علي : ما شانه فقال :يكذب على اللّه وعلى رسوله .
3 - اخبرنا ابو القاسم يحيى بن بطريق بن بشرى وابو محمد عبد الكريم بن حمزة قالا: انا ابو الحسين بن مكي , انا ابوالقاسم المؤمل بن احمد بن محمد الشيباني , نايحيى بن محمد بن صاعد, نا بندار, نا محمد بن جعفر, نا شعبة , عن سلمة , عن زيد بن وهب عن علي قال : مالي وما لهذا الحميت الاسود قال : ونا يحيى بن محمد, نا بندار, نا محمد بن جعفر, نا شعبة عن سلمة قال : سمعت اباالزعراء يحدث عن علي عليه السلام قال : ما لي وما لهذا الحميت الاسود.
4 - اخبرنا ابو محمد بن طاوس وابو يعلي حمزة بن الحسن بن المفرج , قالا: انا ابوالقاسم بن ابي العلاء, نا ابو محمد بن ابي نصر, انا خيثمة بن سليمان , نا احمد بن زهير بن رحرب , نا عمرو بن مرزوق نا شعبة , عن سلمة بن كهيل عن زيد قال قال علي بن ابي طالب :ما لي ولهذا الحميت الاسود يعني عبد اللّه بن سبا وكان يقع في ابي بكر وعمر.(10/97)
5 - انبانا ابو عبد اللّه محمد بن احمد بن ابراهيم بن الخطاب , انا ابو القاسم علي بن محمد بن علي الفارسي , واخبرنا ابو محمد عبد الرحمن بن ابي الحسين بن ابراهيم الدراراني , انا سهل بن بشر, انا ابو الحسن علي بن منير بن احمد بن منيرالخلال قالا: انا القاضي ابو الطاهر محمد بن احمد بن عبد اللّه الذهلي , نا ابو احمدابن عبدوس نا محمد بن عباد, نا سفيان , نا عبد الجبار بن العباس الهمداني , عن سلمة بن كهيل عن حجية بن عدي الكندي قال : رايت عليا كرم اللّه وجهه وهو على المنبر وهو يقول : من يعذرني من هذاالحميت الاسود الذي يكذب على اللّه وعلى رسوله - يعني ابن السوداء - لولاان لا يزال يخرج علي عصابة تنعي علي دمه كما ادعيت علي دماء اهل النهرلجعلت منهم ركاما.
6 - اخبرنا ابو المظفر بن القشيري , انا ابو سعد الجنزروذي , انا ابو عمرو ابن حمدان , واخبرنا ابو سهل محمد بن ابراهيم بن سعدويه , انا ابراهيم بن منصورسبط بحرويه , انا ابوبكر بن المقري , قالا: انا ابو يعلي الموصلي , نا ابو كريب محمدابن العلاء الهمداني , نا محمد بن الحسن الاسدي , نا هارون بن صالح الهمداني ,عن الحارث بن عبد الرحمن عن ابي الجلاس , قال : سمعت عليا يقول لعبد اللّه السبئي : ويلك واللّه ما افضى الي بشي ء كتمه احدا من الناس , ولقد سمعته يقول : ان بين يدي الساعة ثلاثين كذابا وانك لاحدهم .
قالا: وانا ابو يعلي , نا ابوبكر بن ابي شيبة , نا محمد بن الحسن زاد ابن المقري الاسدي باسناده مثله .(10/98)
7 - اخبرنا ابوبكر احمد بن المظفر بن الحسين بن سوسن التمار في كتابه ,واخبرني ابو الطاهر محمد بن محمد بن عبد اللّه السبخي بمرو, عنه , انا ابو علي بن شاذان , نا ابوبكر محمد بن جعفر بن محمد الادمي , نا احمد بن موسى الشطوي , نااحمد بن عبداللّه بن يونس ابو الاحوص عن مغيرة عن سماك قال : بلغ عليا ان ابن السوداء ينتقص ابا بكر وعمر, فدعا ربه ودعا بالسيف او قال فهم بقتله فكلم فيه فقال لا يساكني ببلد انا فيه , قال فسير الى المدائن .
8 - انبانا ابوبكر محمد بن طرخان بن بلتكين بن يحكم , انا ابو الفضائل محمد بن احمد بن عبد الباقي بن طوق , قال : قرى ء على ابي القاسم عبيد اللّه بن علي بن عبيد اللّه الرقي . نا ابو احمد عبيد اللّه بن محمد بن ابي مسلم , انا ابو عمر محمد بن عبد الواحد, اخبرني الغطافي , عن رجاله , عن الصادق عن ابائه الطاهرين عن جابر قال : لما بويع علي خطب الناس فقام اليه عبداللّه بن سبا فقال له : انت دابة الارض قال فقال له : اتق اللّه , فقال له : انت الملك , فقال له : اتق اللّه , فقال له :انت خلقت الخلق , وبسطت الرزق , فامر بقتله , فاجتمعت الرافضة فقالت . دعه وانفه الى ساباط المدائن فانك ان قتلته بالمدينة خرجت اصحابه علينا وشيعته ,فنفاه الى ساباط المدائن فثم القرامطة والرافضة , قال : ثم قامت اليه طائفة وهم السبئية وكانوا احد عشر رجلا فقال ارجعوا فاني علي بن ابي طالب ابي مشهوروامي مشهورة , وانا ابن عم محمد صلى اللّه عليه وسلم فقالوا لانرجع , دع داعيك فاحرقهم بالنار, وقبورهم في صحراء احد عشر مشهورة فقال من بقي ممن لم يكشف راسهم منهم علينا. انه اله , واحتجوا بقول ابن عباس لا يعذب بالنار الا خالقها.(10/99)
قال ثعلب : وقد عذب بالنار قبل علي ابو بكر الصديق شيخ الاسلام -رض -وذاك انه رفع اليه رجل يقال له الفجاة وقالوا انه شتم النبي -صلى اللّه عليه وسلم - بعد وفاته , فاخرجه الى الصحراء فاحرقه بالنار.
قال فقال ابن عباس , قد عذب ابوبكر بالنار فاعبدوه ايضا ((22)) .
الانقاذ من دعاوى الانقاذ من التاريخ الاسلامي (2/4)
د. سليمان بن حمد العودة صحيفة الرياض - 28 ربيع الاول - 1418 ه ثانيا: التحقيق في المرويات تبين في الحلقة الماضية ان (القطع ) بكون (سيف ) هو الراوي الوحيد لاخبار عبداللّه بن سبا, وان من جاء بعده اخذ عنه (دعوى ) عارية عن الصحة , والروايات (الثماني ) التي سبق عرضها في الحلقة الماضية تنتصب دليلا على ذكر (عدد) من الرواة لعبداللّه بن سبا.
وفي هذه الحلقة - والتي تليها - اعرض للمرويات (الثماني ) محققة الاسنادلاكتمال الصورة وايضاح الحقيقة .
وارجو ان يكون في ذلك (رد) عملي , على (تهمة ) الاخ حسن - سامحه اللّه حين قال : بل اكاد اجزم ان (اكثر) المؤرخين الاسلاميين - دعك من غيرهم - (اجهل )من ان يتجرؤوا على تحقيق اسناد واحد من اسانيد الطبري او خليفة بن خياطمثلا (ص 34 من انقاذه ).
والى تحقيق اسناد المرويات الثمان ...
التحقيق في المرويات : قبل ان اعلق على اسناد هذه الرواية صحة او ضعفا, اؤكد ان هذه الروايات الثماني ليس في احد من اسنادها ذكر لسيف بن عمر, وهي تنتصب دليلا على ان اخبار ابن سبا من الذيوع والانتشار بحيث لم تكن قصرا على سيف وحده ,وبالتالي يسقط ادعاء التشكيك او الانكار اعتمادا على هذا الاساس الواهي ,الذي تخالفه الحقائق العلمية .
اما اسانيد هذه المرويات فهي تتفاوت في الضعف او القوة حسب روايتها,واليك البيان :
****************
6(10/100)
ا- يبدو ضعف الرواية الاولى لوجود محمد بن عثمان ابن ابي شيبة , فقد ذكره الذهبي في الميزان ونقل اقوال من ضعفه من العلماء, واشار الى طائفة وثقته واكتفى هو بالقول , كان بصيرا بالحديث والرجال له تواليف مفيدة (1).
وقبله افاض الخطيب في ترجمته وجمع اقوال من اتهموه بالكذب , وان كان الخطيب قد قال عنه : كان كثير الحديث واسع الرواية ذا معرفة وفهم , وله تاريخ كبير (2).
ولوجود مجالد - وهو ابن سعيد - جاء ذكره في الميزان , ونقل الذهبي قول ابن معين فيه : لا يحتج به وقول احمد: يرفع كثيرا مما لا يرفعه الناس , ليس بشي ءكما نقل تضعيف الدارقطني , ويحيى ابن سعيد له , وقال هو عنه مشهور صاحب حديث على لين فيه (3).
ب - اما الرواية الثانية فتظهر علائم الصحة على اسنادها, فابوعبد اللّه يحيى بن الحسن هو البناء الحنبلي البغدادي شيخ ابن عساكر وصفه الذهبي بالشيخ الامام , الصادق , العابد, الخير المتبع الفقيه , بقية المشايخ , ثم نقل عن السمعانى قوله سمعت الحافظ عبد اللّه الاندلسي يثني عليه ويمدحه ويطريه ويصفه بالعلم والتمييز والفضل وحسن الاخلاق وترك الفضول وعمارة المسجد وملازمته مارايت مثله في حنابلة بغداد, ثم اعقب ذلك السمعاني بقوله وكذا كل من سمعه كان يثني عليه ويمدحه , توفي سنة احدى وثلاثين وخمسمائة (4).
- وابو الحسين الابنوسي هو محمد بن احمد البغدادي , قال الخطيب البغدادي :كتبت عنه وكان سماعه صحيحا, ووثقه الذهبي , وفاته سنة سبع وخمسين واربعمائة (5).
- واحمد بن عبيد بن الفضل هو ابن بيري الواسطي , قال عنه خميس الحوزي :كان ثقة , صدوقا, وقال الذهبي : المحدث المعمر الصدوق شيخ واسط, وفي انساب السمعاني : ثقة صدوق من اهل واسط. وكانت وفاته قبل الاربعمائة في حدودسنة تسعين وثلاثمائة (6).(10/101)
- وابو نعيم هو بن خصية محمد بن عبد الواحد بن عبد العزيز كان عدلا مستقيما,كما في سؤالات الحافظ السلفي لخميس الحوزي عن جماعة من اهل واسط (7).
- وابن خزفة هو ابو الحسن علي بن محمد بن حسن بن خزفة الصيدلاني , كان مكثرا صدوقا, كما في سؤالات السلفي , وهو مسند واسط كما قال الذهبي ,وراوي التاريخ الكبير لاحمد بن ابي خيثمة عن محمد بن الحسين الزعفراني عنه (8).
- ومحمد بن الحسين هو ابوعبد اللّه الزعفراني الواسطي , وقد وثقه الخطيب البغدادي , وقال . كان عنده عن ابي خيثمة كتاب التاريخ (9).
- وابن ابى خيثمة هو ابو بكر احمد بن ابي خيثمة زهير بن حرب بن شدادنسائي الاصل كان ثقة عالما متقنا حافظا بصيرا بايام الناس , كذا قال عنه الخطيب , وذكره الدارقطني فقال ثقة مامون , واثنى الخطيب على كتابه في التاريخ فقال : وله كتاب التاريخ الذي احسن تصنيفه واكثر فائدته , وقال ايضا: ولااعرف اغزر فوائد من كتاب التاريخ الذي صنفه ابن ابي خيثمة (10) قلت ومن المحتمل ان يكون هذا الخبر المروي من هذا الكتاب النفيس .
- ومحمد بن عباد هو ابن الزبرقان ابوعبد اللّه المكي , سكن بغداد وحدث بها,وقد روى عنه البخاري ومسلم في الصحيحين (11). وبهذا يكون قد جاوزالقنطرة كما يقال .
- وسفيان هو ابن عيينة الراوية المشهور, قال ابن سعد: كان ثقة ثبتا كثيرالحديث حجة , وقال الشافعي : لولا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز, وقال ابن المديني : سفيان امام في الحديث , وقال العجلي : كوفي ثقة ثبت يعد من حكماءاصحاب الحديث (12).
- وعمار الدهني هو ابن معاوية ويقال ابن ابي معاوية ويقال ابن صالح ويقال ابن حبان , ابو معاوية البجلي الكوفي , وثقه احمد وابن معين وابوحاتم والنسائي (13).(10/102)
- اما ابو الطفيل فهو عامر بن واثلة الليثي , ولد عام واحد, وروى عن النبي (ص ) وابي بكر وعمر وعلي ومعاذ بن جبل وحذيفة وابن مسعود وابن عباس وغيرهم , قال ابن عدي : له صحبة وقال مسلم : مات ابو الطفيل سنة مائة وهوآخر من مات من الصحابة , قال ابن سعد: كان ثقة في الحديث وكان متشيعا(14).
- والمسبب بن نجبة الكوفي ترجم له ابن حجر في الاصابة ضمن من كان في عهدالنبي (ص ) ويمكنه ان يسمع منه ولم ينقل انه سمع منه سواء كان رجلا او مراهقااو مميزا, ثم قال ابن حجر: له ادراك وله رواية عن حذيفة وعلي , ونقل عن العسكري قوله : روى عن النبي (ص ) مرسلا وليست له صحبة (15) وقال ابن سعد: كان مع علي في مشاهدة , وقتل مع التوابين في عين الوردة عام خمسة وستين (16).
ج - وكذا الرواية الثالثة تبدو صحيحة الاسناد, فابو القاسم يحيى بن بطريق الطرسوسي ثم الدمشقي شيخ ابن عساكر قال عنه : مستور حافظ للقرآن سمع اباالحسين محمد بن مكي وابا بكر الخطيب , توفي في رمضان سنة اربع وثلاثين وخمسمائة , وقال عنه الذهبي : المسند المقرى ء(17).
- وابو محمد عبدالكريم بن حمزة السلمي الدمشقي - الحداد من مشيخة ابن عساكر قال عنه : كان شيخا ثقة مستورا سهلا, قرات عليه الكثير وتوفي في ذي القعدة سنة ست وعشرين وخمسمائة وقال عنه الذهبي : الشيخ الثقة المسندواشار الى توثيقه ابن العماد الحنبلي (18).
- وابو الحسين ابن مكي هو محمد بن مكي بن عثمان الازدي المصري , مسندمصر كما يقول الذهبي , روى عنه ابو بكر الخطيب , وابن ماكولا, والفقيه نصرالمقدسي , وهبة اللّه بن الاكفاني , وعبد الكريم بن حمزة وابوالقاسم بن بطريق وغيرهم , وقد وثقه الكتاني وغيره وتوفي في سنة 461 ه (19).
- والمؤمل بن احمد الشيباني , بغدادي , سكن مصر وحدث بها وبها مات سنة احدى وتسعين وثلاثمائة , وقد وثقه الخطيب البغدادي (20).(10/103)
- ويحيى بن محمد بن صاعد البغدادي , احد الثقات المشهورين قال الدارقطني :ثقة ثبت حافظ, وقال الخطيب : كان ابن صاعد ذا محل من العلم وله تصانيف في السنن والاحكام , وعده الذهبي مع الحفاظ الثقات , وقال عنه له كلام متين في الرجال والعلل يدل على تبحره , مات في ذي القعدة سنة ثماني عشرة وثلاثمائة (21).
- وبندار- بضم الباء وفتحها وسكون النون - هو محمد بن بشار بن عثمان العبدي البصري , ابوبكر, ثقة حافظ, روى عنه الجماعة , وقال البخاري في صحيحه : كتب الي بندار فذكر حديثا مسند.
قال ابن حجر ولولا شدة وثوقه ما حدث عنه بالمكاتبة مع انه في الطبقة الرابعة من شيوخه , وقد روى عنه البخاري مائتي حديث وخمسة احاديث , ومسلم اربعمائة وستين , توفي سنة اثنتين وخمسين ومائتين (22).
- ومحمد بن جعفر هو الهذلي ابوعبد اللّه البصري المعروف ب غندر ثقة صحيح الكتاب , قال ابن المبارك : اذا اختلف الناس في حديث شعبة فكتاب غندر حكم بينهم , وقال العجلي : بصري ثقه وكان من اثبت الناس في حديث شعبة , مات في ذي القعدة سنة ثلاث وتسعين ومائة , وقيل اربع وتسعين (23).
- شعبة هو ابن الحجاج بن الورد العتكي الازدي مولاهم ابوبسطام الواسطي ثم البصري , الثقة الحافظ المتقن , قال الثوري شعبة امير المؤمنين في الحديث , وقال احمد: كان شعبة امة وحده في الرجال والحديث , وقال ابن ادريس : ما جعلت بينك وبين الرجال مثل شعبة وسفيان , وقال ابن سعد: كان ثقة مامونا ثبتا حجة صاحب حديث توفي سنة 160ه (24).
- وسلمة هو ابن كهيل بن حصين الحضرمي ابويحيى الكوفي , قال احمد: سلمة متقن للحديث وقيس بن مسلم كذلك ما نبالي اذا اخذت عنهما حديثهما, وقال ابن المبارك : كان ركنا من اركان وشد قبضته , وقال ابو زرعة : ثقة مامون زكي ,وقال العجلي : كوفي تابعي ثقة ثبت في الحديث , وكان فيه تشيع قليل وهو من ثقات الكوفيين , مات سنه 121 ه (25).(10/104)
- زيد بن وهب هو ابو سليمان الجهني الكوفي , رحل الى النبي (ص ) فقبض وهوفي الطريق , وقال ابن عبد البر في الاستيعاب وابن منده اسلم في حياة النبي (ص ) وهاجر اليه فلم يدركه , ثقة جليل , مات بعد الثمانين , وقيل سنة ست وتسعين , وقد روى عن عمر وعثمان وعلي وابي ذر وابن مسعود وحذيفة وابي الدرداء وابي موسى وغيرهم وثقه ابن معين , وابن سعد وابن خراش , والعجلي ,وعن الاعمش : اذا حدثك زيد بن وهب عن احد فكانك سمعته من الذي حدثك عنه (26).
- اما الرواية الواردة من طريق ابي الزعراء فهي بنفس سند ومتن الرواية قبلها,عدا ابا الزعراء وهو خالد سلمة بن كهيل , واسمه عبد اللّه بن هاني الكندي وقيل الازدي , قال ابن الاثير: له صحبة عداده في اهل مصر(27). وله ذكر في الاستيعاب (28), وذكره ابن سعد في طبقة من روى عن علي - رضي اللّه عنه - من اهل الكوفة - فقال : روى عن علي وعبد اللّه بن مسعود وكان ثقة وله احاديث (29), وقال العجلي : ثقة من كبار التابعين , كما ذكره ابن حبان في الثقات (30).
د - اما سند الرواية الرابعة فرواتها ثقات بدءا من خيثمة بن سليمان ومن فوقه فخيثمة وهو ابو الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة , الامام الثقة المعمر, محدث الشام , وصاحب مصنف فضائل الصحابة , قال ابو بكر الخطيب : خيثمة ثقة ,مات خيثمة سنة ثلاث واربعين وثلاثمائة (31).
- واحمد بن زهير بن حرب هو ابن ابي خيثمة الثقة الحافظ العالم المتقن , وقدسبق الحديث عنه في سند الرواية الثانية فليراجع هناك .
- عمرو بن مرزوق ابوعثمان الباهلي مولاهم البصري , حدث عنه البخاري في صحيحه مقرونا بخر, قال عنه يحيى بن معين : ثقة مامون , وقال ابو حاتم : كان ثقة من العباد لم نجد احدا من اصحاب شعبة كان احسن حديثا منه , وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث عن شعبة , مات سنة اربع وعشرين ومائتين (32).(10/105)
اما الرواة الثلاثة - شعبة , سلمة بن كهيل , زيد بن وهب , فقد سبق الحديث عنهم وتوثيقهم في الرواية الثالثة بما يغني عن اعادته هنا.
- وكذا من دونهم لم يجرحوا, بل وثق اكثرهم , واقلهم من هو مستور الحال , فابومحمد بن ابي نصر اسمه عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن معروف بن حبيب التميمي الدمشقي الملقب بالشيخ العفيف قال ابوالوليد الدربندي : اخبرنا عبدالرحمن بن عثمان بدمشق وكان خيرا من الف مثله اسنادا واتقانا وزهدا مع تقدمه , وقال رشا بن نظيف : قد شاهدت سادات فما رايت مثل ابي محمد بن ابي نصر كان قرة عين .
وقال الكتاني : توفي شيخنا ابن ابي نصر في جمادى الاخرة سنة عشرين واربعمائه فلم ار جنازة كانت اعظم من جنازته كان بين يديه جماعة من اصحاب الحديث يهللون ويكبرون ويظهرون السنة ..
قال : وكان ثقة ماموناعدلا رضى (33).
- وابو القاسم بن ابي العلاء علي بن محمد المصيصي , الامام الفقيه المفتي مسنددمشق . قال عنه الحافظ ابن عساكر: كان فقيها فرضيا من اصحاب القاضي ابي الطيب , مات بدمشق سنة سبع وثمانين واربعمائة , وقال الذهبي : كان فقيها ثقة (34).
- وابو يعلى حمزة بن الحسن بن المفرج , ترجم له ابن عساكر في تاريخ دمشق وقال : كان شيخا مستورا, مات سنة اربع وثلا ثين وخمسمائة (35).
- وابو محمد بن طاوس هو هبة اللّه بن احمد البغدادي ثم الدمشقي , شيخ السمعاني , روى عنه ومدحه فقال : كان مقرئا فاضلا ثقة صدوقا مكثرا من الحديث , ومن مشيخة ابن عساكر, وروى عنه السلفي ووثقه , وقال الذهبي : كان ثقة متصوفا مات سنة ست وثلاثين وخمسمائة (36).
هـ - اما سند الرواية الخامسة فيظهر انه لا يصل الى درجة الصحة لكنه لايقل عن رتبة الحسن , والحسن - كما هو معلوم - احد مراتب الصحيح .(10/106)
فابو محمد الدارني شيخ لابن عساكر, وقد قال عنه : لم يكن الحديث صنعته , وقدروى كثيرا من سنن النسائي الكبير عن الاسفراييني , كانت وفاته سنة ثمان وخمسين وخمسمائة (37).
- وسهل بن بشر هو الاسفراييني الشيخ الامام المحدث المتقن الرحال - كماوصفه الذهبي , وكان قد تتبع السنن الكبير للنسائي وحصله وسمعه بمصر, قال عنه ابو بكر الحافظ: كيس صدوق , توفي سنة احدى وتسعين واربعمائة (38).
- وابو الحسن علي بن منير الخلال , شيخ صدوق , لم ياخذ من الغرباء, وكان ثقة فقيرا, توفي سنة تسع وثلاثين واربعمائة (39).
- والقاضي ابو الطاهر الذهلي ترجم له الخطيب في تاريخ بغداد وقال كان ثقة فاضلا ذكيا متقنا لما حدث به , توفي سنة سبع وستين وثلاثمائة (40).
- وابو احمد بن عبدوس اسمه محمد بن عبدوس بن كامل السلمي , وصفه الذهبي بالحافظ الثبت المامون , ونقل عن ابي الحسين ابن المنادي قوله : كان ابن عبدوس من المعدودين في الحفظ وحسن المعرفة بالحديث , اكثر الناس عنه لثقته وضبطه , وكان كالاخ لعبد اللّه بن احمد ابن حنبل , مات سنة ثلاث وتسعين ومائتين (41).
- ومحمد بن عباد, وسفيان - وهو ابن عيينة - سبق الحديث عنهم وتوثيقهم في الرواية الثانية , وكذا سلمة بن كهيل سبق الحديث عن توثيقه في الرواية الثالثة -وكلهم من رجال التهذيب - وعبدالجبار الهمداني هو الشبامي , صدوق يتشيع (42).
وحجية بن عدي الكندي صدوق يخطى ء كما في (التقريب 1/155)(#) و - اما الرواية السادسة ففي بعض رجال اسنادها مقال : محمد بن الحسن بن الزبير الاسدي هو الكوفي الملقب ب التل صدوق فيه لين كمافي التقريب , وفي الميزان نقل الذهبي تضعيف يحيى بن معين والفسوي له ,وتعديل طائفة اخرى كابي داود وابن عدي الذي قال : حدث عن محمد الملقب بالتل , الثقات ولم ار بحديثه باسا (43).(10/107)
- وهارون بن صالح الهمداني عن ابي هند الحارث بن عبدالرحمن الهمدانى ,وعنه محمد بن الحسن بن الزبير الاسدي ذكره ابن حبان من الثقات , وفي الميزان تفرد عنه محمد بن الحسن بن الزبير الاسدي (44).
- وابو الجلاس الكوفي غير منسوب , عن علي بن ابي طالب عن النبي (ص ) قال ان بين يدي الساعة ثلاثا الحديث , وعنه ابو هند الحارث بن عبد الرحمن الهمداني - كما جاء في التهذيب - وفي التقريب قال ابن حجر ابو الجلاس الكوفي مجهول من الثالثة (45).
- ومع ذلك فالرواية بسندها ساقها ابو يعلى الموصلي في مسنده , عن ابي كريب محمد بن العلاء عن محمد بن الحسن الاسدي , عن هارون بن صالح , عن الحارث , عن ابي الجلاس (46).
ثم ساق اسنادا اخر عن ابي بكر بن ابي شيبة , عن محمد بن الحسن باسناد مثله (47).
ولعل هذا هو السند الاخر الذي اوما اليه ابن عساكر في الرواية نفسها.
وهذا السند الاخر - عن ابن ابى شيبة - ذكره - قبل ابي يعلى - ابن ابي عاصم في كتابه السنة فقال : حدثنا ابو بكر بن ابي شيبة , حدثنا محمد بن الحسن الاسدي حدثنا هارون بن صالح عن الحارث بن عبد الرحمن , عن ابي الجلاس قال سمعت عليا يقول لعبد اللّه السبائي : ويلك ما افضى الي رسول اللّه (ص )بشي ء كتمته احدا من الناس , ولقد سمعته يقول ان بين يدي الساعة ثلاثين كذاباوانك احدهم (48).
مع ان الالباني -محقق كتاب السنة هذا- ضعف هذه الرواية لجهالة في ابي الجلاس وهارون بن صالح , فقد ذكر ان ابا يعلى اخرجه من طريقين آخرين عن الاسدي به .
وفوق ذلك كله فقد نقل الهيثمي الرواية في مجمعه عن ابي الجلاس ثم قال رواه ابو يعلى ورجاله ثقات (49).
الهوامش : (1) ميزان الاعتدال 3/642.
(2) تاريخ بغداد 3/42.
(3) الميزان 3/438.
(4) سير اعلام النبلاء 20 / 6.
(5) تاريخ بغداد 1/356, سير اعلام النبلاء 18/85.
(6) سؤالات السلفى /56, الانساب 1/430, سير اعلام النبلاء 17/197.
(7) ص 65.(10/108)
(8) سؤالات السلفى /60, تذكرة الحفاظ 3/1049, وسير اعلام النبلاء17/198.
(9) تاريخ بغداد 2/240.
(10) المصدر السابق 4/162, وتذكرة الحفاظ 2/596.
(11) المصدر نفسه 2/374.
(12) تهذيب التهذيب 4/117.
(13) المصدر السابق 7/406.
(14) المصدر نفسه 5/82.
(15) الاصابة 10/30, وانظر الكاشف للذهبي 3/146.
(16) الطبقات 6/216.
(17) سيراعلام النبلاء 20/53.
(18) سير اعلام النبلاء 19/600, شذرات الذهب 4/78.
(19) انظر سير اعلام النبلاء 18/253, وتذكرة الحفاظ 3/1158 وشذرات الذهب 3/309.
(20) تاريخ بغداد 13/183.
(21) تذكرة الحفاظ 2/776.
(22) التهذيب 9/70.
(23) تهذيب 4/338.
(24) التهذيب 4/155.
(25) التهذيب 4/155.
(26) انظر الاستيعاب - بهامش الاصابة 4/73, والاصابة 4/90, والتهذيب 3/427.
(27) اسد الغابة 6/321.
(28) 11/262 هامش الاصابة , والاصابة 11/145.
(29) الطبقات 6/171.
(30) تهذيب التهذيب 6/61.
(31) سير اعلام النبلاء 15/413, تذكرة الحفاظ 3/858.
(32) الجرح و التعديل 6/263, سير اعلام النبلاء 10/471, تهذيب التهذيب 8/99.
(33) تاريخ دمشق لابن عساكر - النسخة المصورة 10/46, وسيراعلام النبلاء 17/366.
(34) العبر 3/319, سير اعلام النبلاء 19/12.
(35) تاريخ دمشق 5/302, ومختصره لابن منظور 7/260.
(36) الانساب 2/143, سير اعلام النبلاء 20/98.
(37) سيراعلام النبلاء 20/348.
(38) سير اعلام النبلاء 19/162.
(39) السير 17/619.
(40) تاريخ بغداد 1/313.
(41) تذكرة الحفاظ 2/683.
(42) تقريب التهذيب 1/465.
(#) وقد وقع في بعض نسخ التقريب بن علي بدل عدي وهو تصحيف . انظرالتهذيب 2/216.
(43) انظر: تقريب التهذيب 2/154, ميزان الاعتدال 3/521.
(44) التقريب 2/312, التهذ يب 11/8, الميزان 4/284.
(45) تهذيب التهذيب 12/63, تقريب التهذيب 2/408.
(46) مسند ابى يعلى 1/349.
(47) (1/350).
(48) كتاب السنة 2/476.
(49) مجمع الزوائد 7/333.(10/109)
الانقاذ من دعاوى الانقاذ من التاريخ الاسلامي (3/4)
د. سليمان بن حمد العودة صحيفة الرياض - 29 ربيع الاول - 1418 ه ز - وحين ناتي الى الرواية السابعة نجد رجال اسنادها كالتالي : ابو بكر احمد بن المظفر بن سوسن شيخ مقارب (#)(1) ابو طاهر محمد بن محمد بن عبد اللّه السبخي الشيخ الامام الحافظ محدث مرووخطيبها وعالمها, شيخ السمعاني وابن عساكر, قال عنه السمعاني : فقيه صالح ,عمر حتى سمعنا منه الكثير(2).
- ابوعلي بن شاذان الحسن بن ابي بكر البغدادي , قال عنه الخطيب : كتبنا عنه وكان صدوقا صحيح الكتاب , ثم قال سمعت الازهري يقول : ابوعلي بن شاذ ان من اوثق من برا اللّه في الحديث , وهو مسند العراق الامام الفاضل الصدوق كمايقول الذهبي (3).
- ابوبكر محمد بن جعفر بن محمد بن فضالة الادمي - نسبة الى بيع الادم -القارئ الشاهد صاحب الالحان , كان من احسن الناس صوتا بالقرآن واجهرهم , ترجم له الخطيب ونقل روايته عن ابي علي بن شاذان وخلق , وذكرالشطوي فيمن روى عنه , وروى له حكايات ثم قال : قال محمد بن ابي الفوارس سنة ثمان واربعين وثلاثمائة فيها مات محمد ابن جعفر الادمي , وكان قد خلط فيماحدث (4).
- احمد بن موسى الشطوي ابوجعفر البزار, قال ابن ابي حاتم : كتبت عنه مع ابي وهو صدوق , ونقل الخطيب توثيق الدارقطني له , وقال ابن المنادى : كان صالحامقبولا عند الحكام ومن اهل القرآن والحديث ومات سنة سبع وسبعين ومائتين (5).
- احمد بن عبد اللّه بن يونس اليربوعي الكوفي , ثقة حافظ روى عنه البخاري ومسلم وغيرهما, ومات سنة - سبع وعشرين ومائتين (6).
- ابو الاحوص سلام بن سليم الحنفي الكوفي ثقة متقن , مات سنة تسع وسبعين ومائة (7).
- المغيرة بن مقسم الضبي مولاهم ابوهشام الكوفي ثقة متقن , مات سنة ست وثلاثين ومائة (8).(10/110)
- سماك ابن حرب بن اوس بن خالد الذهلي البكري الكوفي ابوالمغيرة , صدوق ,وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة , وقد تغير بخره فكان ربما يلقن , مات سنة ثلاث وعشرين ومائة , وقال عنه ابن عدي : ولسماك حديث كثير مستقيم ان شاء اللّه وهو من كبار تابعي اهل الكوفة واحاديثه حسان وهو صدوق لاباس به (9).
قلت : ومع ما قيل في سماك ومعرفته بايام الناس , الا انه لم يذكر له سماع من علي ,بل لعله لا يمكنه ذلك وبين وفاتيهما ما يزيد على ثمانين سنة .
ولهذا يبقى في الرواية انقطاع بين سماك وعلي رضي اللّه عنه .
ح - اما اسناد الرواية الاخيرة : - ابو بكر محمد بن طرخان بن بلتكين بن بجكم , امام فاضل ومحدث متقن , كماقال الذهبي , وثقه ابن ناصر وقال الصفدي وكان صالحا زاهدا عابدا اميناصدوقا, توفي سنة ثلاث عشرة وخمسمائة (10).
- وابوالقاسم عبيد اللّه بن علي بن عبيد اللّه الرقي , سكن بغداد, وكان احدالعلماء بالنحو والادب واللغة عارفا بالفرائض وقسمة المواريث كتب عنه الخطيب البغدادي وقال عنه : كان صدوقا, مات سنة خمسين واربعمائة (11).
- ابو احمد عبيد اللّه بن محمد بن ابي مسلم الفرضي المقرى ء, ترجمه الخطيب في تاريخه وقال : كان ثقة صادقا دينا ورعا, ويقول : سمعت الازهري ذكره فقال :كان اماما من الائمة مات سنة ست واربعمائة , ونقل صاحب الشذرات عن الذهبي انه عاش (82) سنة (12).
- ابو عمر محمد بن عبد الواحد لعله البغوي الزاهد, المعروف ب غلام ثعلب قال الخطيب : كان جماعة من اهل الادب يطعنون عليه ولا يوثقونه في علم اللغة ,فاما الحديث فراينا جميع شيوخنا يوثقونه فيه ويصدقونه , وقال الذهبي وهو في عداد الشيوخ في الحديث لا الحفاظ, وانما ذكرته لسعة حفظه للسان العرب وصدقه وعلو اسناده , مات سنة خمس واربعين وثلاثمائة (13).
والغطافي لم اعثر له على ترجمة , ولعل الاسم تصحف في الاصول المخطوطة فحال دون ضبطه ومعرفته بدقة .(10/111)
ثالثا - سيف بن عمر مشجب لقد كان سيف بن عمر التميمي - يرحمه اللّه - مشجبا, علق عليه السابقون واللاحقون مسالة انكار ابن سبا, بل زاد بعضهم , وحمله اختلاق عدد من الصحابة , ليس (القعقاع بن عمرو رضي اللّه عنه ) الا واحدا من هؤلاء, فقد الف (السيد مرتضى العسكري ) - وهو رافضي المذهب والهوى - كتابا بعنوان (خمسون ومائه صحابي مختلق ) والكتاب مؤلف قبل ما يزيد على (عقدين ) من الزمن مؤلفه اتهام (سيف ) باختلاق هذه الشخصيات احداثها, ليس في هذا الكتاب فحسب , بل وفي كتابين قبله احدهما بعنوان (عبداللّه بن سبا بحث حول ما كتبه المؤرخون والمستشرقون ابتداء من القرن الثاني الهجري , طالنجف 1375 ه /1956 م ).
والاخر بعنوان : (عبداللّه بن سبا واساطير اخرى , ط دار الغدير, بيروت ,طهران 1392هـ/1972م ) ثم جاء الاخ (حسن المالكي ) يجدد ما اندثر من هذه الافكار, ولا يخرج عن اطارها ويحمل حملة شعواء ظالمة على سيف بن عمر,وهذه شواهدها وما يناقضها.
ا- يقول المالكي : ورغم ان الطبري لم يورد في تاريخه اقوالا في الجرح والتعديل (الا في النادر, ولم يجرح الضعفاء الذين يروي عنهم الا انه صرح بضعف سيف بن عمر, فذكر مخالفة سيف للاجماع في اكثر من موضع , مع ان الطبري لم يذكرهذا عن رواة اخر من ضعفاء كابي مخنف , والواقدي , فيعد الطبري من مضعفي سيف بن عمر (ص 53 نحو انقاذ التاريخ الاسلامي ).
فهل يصح هذا القول ؟ اولا: لم يبين لنا (المالكي ) مواطن تضعيف الطبري سيف حتى نشاركه الحكم اوعدمه .
ثانيا: ليس صحيحا ان الطبري لم يصرح بضعف (ابي مخنف ) بل تجاوز بعض مروياته ولم يستسغها وقال فذكر - ابو مخنف - مكاتبات جرت بينهما كرهت ذكرها لما فيه مما لا يحتمل سماعه العامة (تاريخ الطبري 4/557).(10/112)
ثالثا: وليس صحيحا كذلك ان الطبري لم يصرح بضعف (الواقدي ) بل قال عنه ما نصه : واما الواقدي فانه ذكر في سبب مسير المصريين الى عثمان ونزولهم ذاخشب امورا كثيرة , منها ما تقدم ذكره , ومنها ما اعرضت عن ذكره كراهة مني لبشاعته (تاريخ الطبري 4/356).
فهل فاتت هذه النصوص على (المالكي ) وهو الذي ذكر انه قرا المجلدين الثالث والرابع لتاريخ الطبري (ص 45) ام تناساها, ام يفهمها بغير فهمنا اياها ؟ ب - وحين يقرن (المالكي ) بين (سيف ) و(ابي مخنف ) يقول عن الاول الوضاع المتهم بالزندقة ج - يطلق (المالكي ) عبارات مرجفة يستبعد فيها توثيق (سيف ) ولو بحث الباحثون عشرات السنين , فاذا احس ان عبارة , (ابن حجر) رحمه اللّه في سيف (عمدة في التاريخ ) ستحرجه خرجها تخريجا يتفق وهواه وفهمه (وسياتي البيان ).
اما عبارة (الذهبي ) في سيف (كان اخباريا عارفا) فهي تزيد من حمالته , ولذاتراه احيانا يتغافلها, واحيانا اخرى يفسرها كما فسر عبارة ابن حجر, وبكل حال فهو يعتبر هاتين التزكيتين من هذين العلمين في الجرح والتعديل (متوهمة وليست صريحة ) (انظر ص 55, 60, 84).
د - يجزم (المالكي ) بالقول : و يعد الحافظ (ابن حجر) المتساهل الوحيد في الاكثار من روايات سيف مع حكمه عليه بالضعف (ص 55) (وساءبين مايناقض ).
هـ - ويتهم (المالكي ) (سيفا باختلاق الرواة , بل واختلاق الشخصيات الكبيرة المشهورة , على الرغم من اعترافه بصحة سند بعض المرويات التي رواها سيف (ص 62, 63).
و - وتظل تهم (المالكي ) تلاحق (سيفا) دون ان يجد له فيها عذرا, اما الرواة الاخرون فان وجد في رواياتهم (مجهولون ) فهي قلة نادرة بينما الجهالة في اسانيدسيف سمة ظاهرة (ص 68) وسيتضح لك بعد الفرق بين (سيف ) و(ابي مخنف )على سبيل المثال في الرواية عن المجهولين .(10/113)
ز - واعظم من ذلك ان يوهم (المالكي ) قارى ء كتابه ان مرويات (ابي مخنف )تسير في اطار الروايات - الصحيحة التي تخالفها روايات سيف (ص 69).
ح - ويتناقض (المالكي ) حين يعقد ل (سيف ) عنوانا: (طعنة في كبار الصحابة والتابعين ) (ص 70) ثم تراه يعترف بدفاعه عن الصحابة , وان كان يسوقهامساقا خاصا, فاهل الحديث لم يغتروا به , لعلمهم انها كذب (ص 73) اهكذاتكون المنهجية ام بهذا التلاعب ينقذ التاريخ الاسلامي ط - واخيرا ف (المالكي ) في حلقته الثالثة عن (القعقاع بن عمرو حقيقة ام اسطورة ) المنشورة في جريدة الرياض , يفصح عما في نفسه صراحة حين يفضل (ابا مخنف ) على (سيف ) ويقول صراحة وهو يتحدث عن (ابي مخنف والمسعودي ): لكن هؤلاء كلهم فوق سيف بن عمر فهل الامر كما صوره المالكي .
تعالوا بنا لنوازن بين الرجلين (سيف ) و(ابي مخنف ) ونقرا بتمعن كلام علماءالجرح والتعديل , وننظر ما قاله المؤرخون المعتمدون في (الاخباريين ) وبين هذاوذاك نقف على تعليلات (المالكي ) وتوهيمه (للعلماء) حين يخالفون مساره في (سيف ).
1 - سيف بن عمر لا يستطيع منصف ان ينكر الضعف المنسوب الى سيف عند علماء الجرح والتعديل , ولكن من الانصاف لسيف - كراوية في التاريخ - ان يقال : ا- تهمة الزندقة التي اتهم بها دافع عنه ابن حجر حين قال : افحش ابن حبان القول فيه (تقريب التهذيب 1/344) ومن الامانة العلمية ان تذكر هذه المدافعة بازاء التهمة عندها ب - فرق العلماء قديما وحديثا بين الشروط المطلوبة لراو يروي في الحلال والحرام , وآخر يروي في الاخبار والسير وفضائل الاعمال , وقال الخطيب البغدادي باب التشدد في احاديث الاحكام والتجوز في فضائل الاعمال ثم روى بسنده الى الامام احمد بن حنبل - يرحمه اللّه - ان قال : اذا روينا عن رسول اللّه واذاروينا عن النبي (ص ) في فضال الاعمال وما لا يضع حكما ولايرفعه تساهلنا في الاسانيد (الكفاية في علم الرواية ص 212 - 223).(10/114)
وتحدث المعاصرون عن ضرورة المرونة في تطبيق قواعد المحدثين في نطاق التاريخ الاسلامي (د.اكرم العمري السيرة النبوية الصحيحة1 /45).
ومعرفة شروط المؤرخ المقبول (د.محمد بن صامل السلمي : منهج كتابة التاريخ الاسلامي ص 245 - 247).
ج - ومع الاجماع على ضعف (سيف ) في (الحديث ), فهو محل تزكية في (التاريخ )فالذهبي رحمه اللّه قال عنه : كان اخباريا عارفا (ميزان الاعتدال 2/255).
وقال فيه ابن حجر رحمه اللّه عمدة في التاريخ (تقريب التهذ يب 1/344).
وهذه الفاظ صريحة , وان ظن المالكي انها موهمة , كما صنع في محاولته المستميتة دفع هذه العبارات المهمة من هذين العلمين العالمين , كما استمات في تفسير كثرة الرواية عنه عند ابن حجر خاصة , وجازف بالقول : ويعد الحافظ (ابن حجر)المتساهل الوحيد في الاكثار من روايات سيف مع حكمه عليه بالضعف (نحوانقاذ التاريخ الاسلامي ص 55, 60).
وفات على الاخ حسن المالكي ان الامام الذهبي اعتمده احد المصادر المهمة في كتابة تاريخ الاسلام حين قال وقد طالعت على هذا التاليف من الكتب مصنفاتي كثيرة , ومادته من دلائل النبوة للبيهقي , وسيرة النبي لابن اسحق ,والفتوح لسيف بن عمر (تاريخ الاسلام 1/14,15).
وعني بكتابه (الفتوح ) واعتمد عليه , وغيره في مادة الفتوح كما ذكر ذلك الدكتور بشار عواد (الذهبي ومنهجه في كتابة تاريخ الاسلام ص 418).(10/115)
كما فات على المالكي ان ابن كثير يرحمه اللّه اكثر من الرواية عنه , واعتمد عليه وزكاه في مرويات الفتنة بالذات , ووصفه بانه من ائمة هذا الشان , ودونكم هذه الكلمات المنصفة ل سيف وامثاله , والكاشفة لرواة آخرين , انقلها بحروفها كماسطرها ابن كثير بقوله : هذا ملخص ما ذكره ابو جعفر بن جرير رحمه اللّه عن ائمة هذا الشان , وليس فيماذكره اهل الاهواء من الشيعة وغيرهم من الاحاديث المختلفة على الصحابة ,والاخبار الموضوعة التي ينقلونها بما فيها, واذا دعوا الى الحق الواضح اعرضواعنه وقالوا: لنا اخبارنا ولكم اخباركم , فنحن حينئذ نقول لهم سلام عليكم لانبتغي الجاهلين (البداية والنهاية 7/269).
ولئن كان ابن كثير لم ينص على سيف او غيره , فظاهر لمن تامل كثرة نقله عنه وعن شيوخه انه يقصدهم , فان قيل انه اكثر النقل عن ابي مخنف فقد اخرجه من الدائرة حين قال عن اهل الاهواء من الشيعة ما قال وعلى كل حال فقدجزم الدكتور آمحزون في كتابه القيم : (تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة ) بسيف وشيوخه تفسيرا لنص ابن كثير الانف (د. محمد آل محزون تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة 1/132).(10/116)
وباختصار, فالامام الطبري , والحافظ ابن كثير, والحافظ الذهبي , والحافظ ابن حجر - رحمهم اللّه وغيرهم كثير, اكثروا الرواية عن سيف بن عمر التميمي يرحمه اللّه , وهم , وكتبهم من اعدل , واهم مدوناتنا التاريخية , ومن رام التشكيك فيها بعبارة (صريحة ) او (ملفوفة ) فلا بد ان يتبين امره , وسيتحمل وزره , وفرق كبير بين (تحقيق ) المرويات , و(نسف ) المسلمات د - واذا دافع العلماء المتقدمون عن تهمة (الزندقة ) الموجهة لسيف بن عمر - كماسلف - والمتامل في مروياته ودفاعه عن الصحابة يدرك قيمة هذه المدافعة -فقد دافع المعاصرون عن تهمة (التعصب ) القبلي من (سيف ) لقبيلته بني تميم امثال جواد علي - وهو يرد على (بروكلمان ) هذه التهمة وقال د.آل محزون :والواقع ان تعصب (سيف ) المزعوم لقبيلته ترده احوال بني تميم ومواقفهم من الفتنة , فمن المعروف انهم ممن اعتزل الفتنة مع سيدهم الاحنف بن قيس يوم الجمل .. (انظر: جواد علي موارد تاريخ الطبري , مجلة المجمع العلمي العراقي المجلدالثالث 1374 ه/1954 م ص 49, وانظر د. محمد آل محزون تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة 1/236).
ثقات يحدثون عن سيف قبل الطبري : وقبل (الطبري ) روى عن سيف وحدث : عنه (المحاربي ), كما نقل ذلك يحيى بن معين في التاريخ 3/460 حين قال : سيف بن عمر يحدث عنه المحاربي , وهوضعيف ونقل ذلك العقيلي في الضعفاء الكبير 2/175 ويبدو ان (المحاربي )تصحفت الى (البخاري ).
فمن يكون المحاربي هذا الذي حدث عن سيف .
هو عبد الرحمن بن محمد بن زياد المحاربي ابو محمد الكوفي (ت 195ه) روى عنه الامام احمد بن حنبل وغيره واخرج له الستة في كتبهم (تهذيب التهذيب 6/265) ووثقه يحيى بن معين كما في التاريخ 2/357) كما وثقه النسائي , وذكره ابن حبان في الثقات , وقال ابن حجر: كان ثقة كثير الغلط (تهذيب التهذيب 6/265,266).
وقال عنه الذهبي : ثقة صاحب حديث (الميزان 2/585).(10/117)
واذا ثبت حديث هذا الثقة (المحاربي ) والمتقدم على (الطبري ) بما يزيد على (قرن )من الزمن , فهل تصبح (دعوى ) المالكي حين يقول : ان الطبري اول من اشهر روايات سيف بن عمر وكانت روايات سيف قبل ذلك خاملة جدا فاحتاجها الناس بعد الطبري للرد على الشيعة (ص 77 نحو انقاذالتاريخ الاسلامي ). او ليست تلك (مجازفة يا اخ حسن , واثبت الواقع لك خلافها ولو رجعت الى كتب الطبقات والتراجم لوجدت غيرها, افتراك تعدل عن رايك ذلك الظن بك , ام تراك (تترفق ) في احكامك ذلك ما نرغبه لك .
رابعا: رواة آخرون في الميزان وهنا يرد سؤال مهم : هل الذين حاولوا اسقاط سيف واتهموه اعتمدوا من هواصح منه سندا واسلم معتقدا ؟ ام ان الميزان النقدي عندهم يختل اذا تجاوزواحدود (سيف بن عمر) ؟ سنرى ذلك في راو فضله (المالكي ) على (سيف ) واوهم بمسير مروياته مع الروايات الصحيحة 2 - ابو مخنف (لوط بن يحيى ) ت 157 ه لقد اجمع نقاد الحديث على تضعيف (ابي مخنف ) وتركه , ليس في الحديث فقط بل و في التاريخ واخبار السلف .
قال ابو حاتم : ابو مخنف متروك الحديث (الجرح والتعديل 7/182) وقال ابوعبد اللّه الاجري : سالت ابا حاتم عنه فنفض يده وقال : احد يسال عن هذا(لسان الميزان 4/492) وقال ابن معين : ليس بشي ء (تاريخ يحيى بن معين2 /500) وعلق ابن عدي على عبارة يحيى هذه بقوله : وهذا الذي قاله ابن معين يوافقه عليه الائمة .. (الكامل في ضعفاء الرجال 6/2110).(10/118)
بل وزاد ابن عدي حين قال عن ابي مخنف : (حدث باخبار من تقدم من السلف الصالحين ولا يبعد منه ان يتناولهم , وهو شيعي محترق صاحب اخبارهم , وانماوصفته للاستغناء عن ذ كر حديثه الى ان قال : وله من الاخبار المكررة الذي لااستحب ذ كره (الكامل 6/2110) وقال عنه الذهبي : اخباري تالف لا يوثق به (ميزان الاعتدال , 3/2992) والمظنون بالذهبي انه يفرق بين كلمة (اخباري عارف ) لسيف بن عمر, واخباري تالف لابي مخنف , بل يفرق بينهما كل من انصف من نفسه وانصف الاخرين (لسان الميزان 4/292).
ولا اشك ولا اخال منصفا لابن حجر يشك انه يفرق بين هذه العبارات لابي مخنف وقوله في سيف (عمدة في التاريخ ) وان العبارتين كلتيهما صريحتان في الرجلين كل بحسبه , واذا قلتم فاعدلوا (الانعام /152).
اما رواية ابي مخنف عن المجهولين فقد ذكر ذلك الذهبي (سير اعلام النبلاء7/301) والكتبي (فوات الوفيات 3/225) ونسبه ابن تيمة للكذب (منهاج السنة 1/16), وعلى الرغم من الضعف المنسوب للواقدي فقد قال ابن تيمية وهو يتحدث عن الرواة امثال ابي مخنف وهشام الكلبي , واسحق بن بشروامثالهم من الكذابين . بل الواقدي ,خير من مل ء الارض مثل هؤلاء. وقد علم ما قيل فيه ...
(الرد على البكري من 17 - 18).
اما الطامة الكبرى فوق ما تقدم , فهو سب (ابي مخنف ) للصحابة رضوان اللّه عليهم , وروايته الموضوعات عن الثقات , وفي هذا يقول ابن حبان : رافضي يشتم الصحابة ويروي الموضوعات عن الثقات وقال السليماني : كان يضع للروافض (لسان الميزان 4/366).
ترى هل فاتت هذه المعلومات على المالكي وهو يفضله على سيف , فتلك مصيبة ان يذهب من عمره (اربع سنوات ) في دراسة هذه الموضوعات ثم تندعنه هذه المعلومات ام ان لديه علما بها واطلاعا عليها, ولكنه - لحاجة في نفسه -اخفاها فالمصيبة اعظم وهل هذا (منهج يعلمنا كيف نصل الى الحقيقة ) كماينشده المالكي (ص 11) .(10/119)
لا اظن قارئا يوافق على ان هذا (النهج ) هو ذلك (المنهج ) المنشود وبكل حال فارجو ان يملك (المالكي ) من الشجاعة ما يعلن به (قبوله ) للحق ويعيد نظرته الى (سيف ) و (ابي مخنف ) وفق هذه النصوص الصريحة , والاراءالواضحة التي لا تحتمل التاويل , وليس فيها (ايهام ) ولا غموض
******************
7
وللمزيد اقول ان المؤرخين المعتبرين امثال (ابن كثير) يرحمه اللّه , لم يفت عليه ما في مرويات (ابي مخنف ) من تزيد, وسب للصحابة حين قال وهو يعلق على رواية فيها (ابو مخنف ) والمظنون بالصحابة خلاف ما يتوهم كثير من الرافضة واغبياء القصاص الذين لا تمييز عندهم بين صحيح الاخبار وضعيفها,ومستقيمها وسقيمها, وميادها وقويمها, واللّه الموفق للصواب .
(البداية والنهاية 7/161) الهوامش : (#) قال السخاوي معناه ان حديثه وسط لا ينتهي الى درجة السقوطولاالجلالة وهو نوع مدح , وقال ابن رشيد: اي ليس حديثه بشاذ ولامنكر(انظر شرح الالفية ص 158,163).
(1) سير اعلام النبلاء 19/241.
(2) الانساب للسمعاني 3/318. سير اعلام النبلاء 20/284.
(3) تاريخ بغداد 7/279, سير اعلام النبلاء 7 1/415, تذكرة الحفاظ3/175.
(4) تاريخ بغداد 2/147, الانساب للسمعاني 1/101.
(5) الجرح والتعديل 2/75, تاريخ بغداد 5/141.
(6) التهذيب 1/50, التقريب 1/19.
(7) التقريب 1/342.
(8) التقريب 2/270.
(9) تهذيب التهذيب 4/232, 233, تقريب التهذيب 1/332.
(10) سير اعلام النبلاء 9 1/423, الوافي بالوفيات 3/169.
(11) تاريخ بغداد 10/387, 388, الانساب للسمعاني 3/84, 85.
(12) تاريخ بغداد 10/380, شذرات الذهب 3/181.
(13) تاريخ بغداد 2/356, سير اعلام النبلاء 15/508.
الانقاذ من دعاوى الانقاذ من التاريخ الاسلامي (4/4)(10/120)
د. سليمان بن حمد العودة صحيفة الرياض - 30 ربيع الاول - 1418 ه خامسا - ملحوظات اخرى في الكتاب وفوق ما سبق عرضه من آراء وملحوظات , وتحقيق , فثمة ملحوظات اخرى اسجل ما (تيسر) منها, وفي جزء يسير من الكتاب : ا- يحذر المالكي من كتابات من يحملون هم (التاريخ الاسلامي ) ويعتبرها اخطرمن كتابات (المستغربين ) و(اهل الاهواء) لان هذه الاخيرة - كما يقول لاتخفى على القارئ اللبيب المالكي (في الهامش ) قوله : الغريب انني وجدت في كتب (طه حسين ) من (الانصاف ) اكثر مما وجدته في كتب بعض من يدعون انهم يحملون هم (التاريخ الاسلامي ). (ص 36 من الانقاذ).
وانا هنا اتساءل لماذا طه حسين بالذات غيره , وكتاباته في (السيرة ) و(تاريخ الخلفاء) وغيرهالا تخفى وهل يعلم (المالكي ) تشكيك طه حسين (المنصف في نظره ) في تاريخ الشيخين (ابي بكر وعمر) رضي اللّه عنهما حين يقول : وانا بعد ذلك اشك اعظم الشك فيما روي عن هذه الاحداث , واكاد اقطع بان ماكتب القدماء من تاريخ هذين الامامين العظيمين , ومن تاريخ العصر القصيرالذي وليا فيه امور المسلمين اشبه ب (القصص ) منه بتسجيل (حقائق )الاحداث التي كانت في ايامهما.. هذا ما سطره (طه حسين ) في مقدمة كتاب (الشيخان ) فهل يروق ذلك للمالكي ؟ ام تراه يروق له قوله عن معاوية رضي اللّه عنه : وقد ضاق معاوية برجل عظيم الخطر من اصحاب النبي (ص ) هو ابوذر ولم يستطع ان (يبطش به لمكانه من رضى رسول اللّه (ص ), وايثاره اياه لسابقته في الاسلام , ولم يستطع ان يفتنه عن دينه بالمال (الفتنه الكبرى2 /57).
واين الانصاف عند (طه حسين ) وهو يقول عن (عمرو بن العاص ) رضي اللّه عنه : كان يكره بيعة علي لانه لا ينتظر من هذه البيعة منفعة او ولاية او مشاركة في الحكم , ولهذا انضم الى معاوية , وكان ابنه عبد اللّه يرى ان اباه قد باع دينه بثمن قليل ..(10/121)
ام يرى المالكي (انصاف ) طه حسين في شدته على بني امية سواء من الصحابة اومن التابعين وماذا هو قائل عن منهجه في احداث الفتنة حين يقول : وانا اريد ان انظر الى هذه القضية نظرة خاصة مجردة , لا تصدر عن عاطفة ولاهوى , و لا تتاثر بالايمان ولا بالدين , وانما هي نظرة المؤرخ الذي يجرد نفسه تجريدا كاملا من النزعات والعواطف والاهواء مهما تختلف مظاهرهاومصادرها وغاياتها (الفتنة الكبرى 1/5).
ام يراه منصفا حين يقول عن عبد اللّه بن سبا: ان امر السبئية وصاحبهم ابن السوداء.. انما كان متكلفا منحولا, قد اخترع بخرة .. اراد خصوم الشيعة ان يدخلوا في اصول هذا المذهب عنصرايهوديا امعانا في الكيد لهم والنيل منهم .. (الفتنة الكبرى 2/90 - 91).
اللهم انا نبرا اليك من هذا الهراء, وان اعتبر المالكي (صاحبه ) منصفا واذا تسللت مثل هذه الافكار (لطه حسين ) واعتبر بهااو بمثلها (اكثر انصافا) من المؤرخين الاسلاميين عند طبقة (المنقذين 2 - يقلل (المالكي ) من كتاب (العواصم من القواصم ) لابن العربي من وراءوراء, فهو يبدا بالتشهير بتعليقات (محب الدين الخطيب ) على الكتاب ,ويقول : ان الجهلة من المؤرخين قلدوها واصبحوا بها يعارضون الاحاديث الصحيحة والروايات الثابتة ثم لا يتمالك نفسه حتى يصل الى (ابن العربي ) نفسه , وكتابه , الذي يعده من الكتب المفتقدة للتحقيق العلمي المتشدقة بمنهج اهل الحديث , وانها تجمع بين نقيضين وفيها تحريف للحقائق او الاستدلال بالصحيح او الكذب الصراح المجرد احيانا (ص 35,36).
3 - ولم يسلم ابن تيمية من (لمز) المالكي , وان جاءت بعبارات ومقدمات (ذكية ) حين يقول : فكيف تقنع المتعصب ضده بما في مؤلفاته من خير كثير,وكيف تقنع المتعصب له بالاخطاء الظاهرة الموجودة في كتبه .. (ص 36,الهامش ).(10/122)
اما كتبه فيختار منها (منهاج السنة في نقض كلام الشيعة والقدرية ) ليضعه (قبل )ضمن قائمة الكتب المفتقدة للتحقيق العلمي المتشدقة بمنهج اهل الحديث ,والتي يقلدها المؤرخون بلا محاكمة للنصوص ثم يحذف ذكره في الكتاب مؤجلا الحكم النهائي بعد دراسة الكتاب دراسة مستفيضة ..
(ص 35,الهامش ).
ومع اعتقادنا بعدم العصمة لاحد (سوى الانبياء عليهم السلام ) فمن حقنا ان نسال (المالكي ) وهو الذي اصدر هذه الاراء بعد دراسة استمرت اربع سنوات - كما ذكر حين اصدر حكمه - من قبل على منهاج السنة - مثلا -الم يكن بعد الدراسة فلماذا حذفه في الكتاب ؟ وان كان لم يستوف البحث فكيف اعلن رايه قبل استكمال بحثه ؟ لا يخفى ؟ المالكي بتصنيف من يدافع عن ابن تيمية بالتعصب له اما كتاب ابن العربي (العواصم من القواصم ) فعلى الرغم مما فيه من ملحوظات ,لا يسلم منها عمل البشر, فيكفيه فخرا مدافعته عن صحابة رسول اللّه (ص ) وهذه لا ترضي (العوام ) كما يفهم الاخرون , بل هي ضمن معتقد اهل السنة والجماعة وقد اعتبر العلماء قديما وحديثا سب صحابة رسول اللّه زندقة , كما قال ابو زرعة الرازي يرحمه اللّه : اذا رايت الرجل ينتقص احدامن اصحاب رسول اللّه (ص ) فاعلم انه زنديق , وذلك ان الرسول (ص )عندنا حق , والقرآن حق , وانما ادى الينا هذا القرآن والسنن اصحاب رسول اللّه (ص ), وانما ارادوا ان يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة , والجرح بهم اولى وهم زنادقة .
(الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي ص 97).(10/123)
ويقول امام السنة الامام احمد بن حنبل يرحمه اللّه : ومن الحجة الواضحة البينة المعروفة ذكر محاسن اصحاب رسول اللّه (ص ) كلهم اجمعين , والكف عن ذكر مساويهم , والخلاف الذي شجر بينهم , فمن سب اصحاب رسول اللّه (ص ) او احدا منهم او تنقصه او طعن عليهم او عرض بعيبهم او عاب احدامنهم فهو مبتدع رافضي خبيث مخالف , لا يقبل اللّه منه صرفا ولاعدلا, بل حبهم سنة , والدعاء لهم قربة والاقتداء بهم وسيلة , والاخذ بثارهم فضيلة .. (رسالة السنة للامام احمد ص 78).
وانا هنا لا اتهم (المالكي ,) بسب احد من اصحاب رسول اللّه (ص ), ولكني اذكره ان التعريض بالكتب المدافعة عنهم (العواصم ), والكاشفة لقدح القادحين فيهم (منهاج السنة ) هو طريق الى النيل منهم , ولو جاء بحسن نية ,وباسم البحث العلمي و التحقيق ولو قدم له بالاستفادة من اخطاء سلفناالسابقين (ص 78).
4 - و ابن سبا شخصية تاريخية وحقيقة ثابتة , يتضافر على ذكرها الرواة والمرويات , ويتفق على وجودها (السنة ) و(الشيعة ) و لكنها محل (شك ) او(انكار) عند المالكي , فهو معجب بالدراسات التي انتهت الى اعتبار (ابن سبا) اسطورة (ص 58).
ويصف (ابن سبا) باليهودي النكرة بل يذهب (المالكي ) ابعد من هذا وهو يحاول - دون دليل - انكار صلة عقائدالشيعة , بابن سبا, من خلال انكاره واستبعاده نشر (ابن سبا) فكرة الوصية (ص 79).
وهذه مغالطة علمية , وانكار لما لم ينكره (الشيعة ) انفسهم . فضلا عن كلام اهل السنة , وهاك البرهان : فالشيعي سعد بن عبد اللّه القمي (ت 229 او 301)يعتبر (ابن سبا) اول من قال بفرض امامة علي ورجعته .. (المقالات والفرق ص 10 - 21) ويوافقه على ذلك (النوبختي ) (ت 310) (فرق الشيعة ص 19, 20) واقدم كتاب عند الشيعة معتمد في علم الرجال هو: رجال الكشي , للكشي (من اهل القرن الرابع الهجري ).(10/124)
وقد جاء في الكتاب ما نصه : ان عبد اللّه بن سبا كان يهوديا فاسلم ووالى علياعليه السلام وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصي موسى (بالغلو) فقال في اسلامه بعد وفاة الرسول (ص ) في علي مثل ذلك , وكان اول من اشهر القول بفرض امامة علي واظهر البراءة من اعدائه وكاشف مخالفيه وكفرهم , من هنا قال من خالف الشيعة ان اصل التشيع والرفض ماخوذ من اليهودية (الكشي ص 108, 109) وللمزيد حول هذه النقطة يمكن الرجوع لماكتب الدكتور ناصر القفاري في كتابيه (القيمين ): 1 - اصول مذهب الشيعة الامامية الاثني عشرية 2/654 وما بعدها) .
2 - مسالة التقريب بين اهل السنة والشيعة (1/136 - 138).
افيكون (المالكي ) اكثر (دفاعا) عن اصول ومعتقدات الشيعة من الشيعة انفسهم ذلك امر خطير, وكذلك ينقذ التاريخ عند غير اهل الاختصاص 5 - ورد في كتاب (المالكي ) (نحو انقاذ التاريخ الاسلامي ) اكثر من مرة , الحديث عن (الشيعة ) بمثل هذه العبارات فنحن في هذا العصر خاصة مغرمون بالردعلى المذهب الشيعي وبالتالي قبول كل ما يخالفه وان كان باطلا, ورد كل مايوافقه وان كان حقا (ص 72).
ويقول في ص 77: اما بين الخاصة فلم تنتشر روايات سيف على مدى قرن ونصف القرن من موته (180) فكان اول من اشهرها - كما اشهر غيرها -هو الطبري (310 ه) وكانت روايات سيف قبل ذلك خاملة جدافاحتاجها الناس بعد الطبري للرد على الشيعة ولبروز هذه الظاهرة في الكتاب - لمن تامل - فتراه يعرضها على استحياءوتخوف ولربما خشي (التهمة ) بسببها (انظر ص 42, 267). فلماذا هذه المدافعة - واكثر من مرة في الكتاب ؟ ادع الاجابة للمالكي 6 - وحين يشن (المالكي ) حملته , على (بعض المؤرخين الاسلاميين ) ويعيب مناهجهم , ويستنكر نتائج ابحاثهم , تراه (يقبل ) و(يثني ) على كتب ودراسات معينة , ويعتبرها من اروع الدراسات وهما: 1 - دراسة الدكتور عبد العزيز الهلابي عن : عبد اللّه بن سبا.(10/125)
2 - دراسة للسيد مرتضى العسكري (عن ابن سبا كذلك ). (انظر ص 57 ,58).
وهاتان الدراستان ابرز نتائجهما: انكار عبد اللّه بن سبا واعتباره شخصية (وهمية ) (اسطورية ) - وقد سبق مناقشة هذه الاراء وتفنيدها بما يغني عن اعادته هنا.
ولكن الملاحظة اللافتة للنظر في كتاب المالكي (نحو انقاذ التاريخ الاسلامي ) هو(توهيم ) القارئ . (اسبقية ) كتابة (الهلابي ) على كتابة (العسكري ), فهو بعدان يقدم الحديث عن دراسة الهلابي يقول , ما نصه : هناك دراسة اخرى للسيد مرتضى العسكري ورغم ميوله العقدية فانه قد توصل للنتائج نفسها التي توصل اليها الدكتور الهلابي .. (ص 58).
اما الهلابي فحين ابتدا الحديث عنه قال : وقد توصل الى نتائح تتفق مع احكام اهل الحديث المضعفة لسيف بن عمر.. (ص 57).
ترى (ايجهل ) المالكي , ان دراسة (العسكري ) سابقة لدراسة الهلابي بما لا يقل عن خمسة عشر عاما, اذ طبع كتاب العسكري (عبد اللّه بن سبا واساطيراخرى ) طبعته الاولى عام 1392 ه/1972 م , بينما نشر الهلابي دراسته في حولية آداب الكويت عام 1407 - 1408ه - 1986 - 1987م فتلك معلومة ينبغي ان يصحح (انقاذه ) منها ولا ينبغي له ان يجهل الاخرين ويزدري نتائجهم .
ام انه (عالم ) بذلك , ولحاجة في نفسه (اوهم ) بتقديم رسالة الدكتور الهلابي (السني ) على دراسة العسكري (الشيعي ) وعلى ايه حال فمن (حق ) المالكي علينا ان (نحتاط) له بعض الشي ء, في نتائج هاتين الدراستين , فمع اعترافه انه تاكد من نتائج هاتين الدراستين برجوعه للمصادر- في سبيل دفاعه عن مجرد نقل بعض نتائجهما.
الا انه يقول : وخالفتهما في بعض النتائج التي لم اعلن عنها (ص 81, 82) فهل (يتحفنا) عاجلا بهذه المخالفات , وهل يكون من بينها - وهي اهمها - عدم موافقتهما لانكار ابن سبا والقول باسطوريته ؟ نرجو ذلك .(10/126)
6 - وبشكل عام يلفت النظر في كتاب المالكي اختياره ل (نوعية ) من الكتب لتكون محلا للدراسة , وتركيزه بالنقد على رسائل تجمع مواصفات لاتكادتخرج عن منهج اهل السنة والجماعة , واظن ان مطالعة (عنوانها في فهرس الكتاب ) كافية للكشف عن هويتها ومنها على سبيل المثال : 1 - خلافة علي بن ابي طالب / عبدالحميد فقيهي .
2 - الامامة العظمى / عبد اللّه الدميجي .
3 - صحابة رسول اللّه (ص ) / عيادة الكبيسي .
4 - عقيدة اهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام / حسن الشيخ .
5 - اثر التشيع على الرواية التاريخية / عبدالعزيز نور ولي .
6 - تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة / محمد آل محزون .
ولا يعني ذلك - بكل حال - تزكيتها من كل خطا, ولا عصمة مؤلفيها ولكن (النقد البناء) و(ادب الحوار والخلاف ) شي ء, ونسف البنيان من اساسه ,وتجهيل من بناه واتهام من شارك فيه بالضحك على الاخربن تارة ,والكذب اخرى , وتلفيق الروايات ثالثة , واعتبار هذه الكتب مجمعات هزيلة للروايات الضعيفة المتناقضة والتخيلات العقلية المتضاربة (ص 38)كل ذلك وامثاله من التهم والجراة في اصدار الاحكام شي ء آخر يخالف الامانة العلمية والمنهج الحق الذي طالما دعا, اليه المالكي , غفر اللّه لنا وله .ويحق للقارى ء (المتمعن ) ان يسال عن (سر) التركيز (بالنقد) على هذه الرسائل بالذات , (وقواسمها المشتركة : ا- الدفاع عن الصحابة بشكل عام والتحقيق في مواقفهم في الفتنة , ب - الكشف عن مرويات الشيعة واثرهافي التاريخ ) واملي ان يطلع القارئ الكريم على هذه (الكتب المطبوعة ) محل نقد (المالكي ) ليعلم ما فيها من خير. وليطلع على الحقيقة بنفسه , وليهدي لاصحابها ما يراه من ملحوظات عليها.(10/127)
7 - كما يلفت النظر- في كتابة المالكي - ان عين القارئ لا تكاد تخطى ء في كتابته (الشحن النفسي ) و (التوتر العصبي ) و (الحدة في النقد) و (التهجم )حينا, و (السخرية ) حينا آخر, ولم تسلم مناهج الجامعات , ولا تقديرولااحترام (للمتخصصين , والتخصصات ) وكل ذلك مقابل تزكية الذات اتقى ) (النجم /32), ويقول : (يا ايها الذين آمنوا لايسخر قوم من قوم عسى ان يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى ان يكن خيرا منهن ولاتلمزوا انفسكم ولا تنابزوا بالالقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان ومن لم يتب فاولئك هم الظالمون ) (الحجرات /11)وهذه نماذج من (تهم ) و(حدة ) و(تجهيل ) الاخرين عند (المالكي ).
يقول في (ص 19 من كتابه ) .. بينما الحق والواقع يقرران ان هذه المؤلفات (للمؤرخين الاسلاميين ) يتمشى الذود في مناكبها, والباطل في جوانبها, لاترفع حجابا من باطل , ولا تملك اقناعا لسائل ....
ويقول في (ص 34): بل اكاد اجزم ان اكثر المؤرخين الاسلاميين - دعك من غيرهم - اجهل من ان يتجراوا على تحقيق اسناد واحد من اسانيدالطبري , او خليفة بن خياط مثلا... الى ان يقول : الا يدل هذا على غبش في الرؤية , وتلوث في الفكر, واختلال في الموازين , وجهل مركب مزدوج ؟ ويقول في ص 38: ان اعادة كتابة التاريخ الاسلامي ليس معناها ان نضع كذبامحبوبا مكان الحقائق المكروهة .. وانما الواجب هو تسجيل ما صح من التاريخ ونبذ الضعيف والموضوع , وما ابعد اكثر المؤرخين عن هذا الواجب في التطبيق , فهم لا يقتربون من التحقيق العلمي ولا يكادون , وما مؤلفاتهم الا مجمعات هزيلة للروايات الضعيفة المتناقضة والتخيلات العقلية المتضاربة ...(10/128)
ويقول في الصفحة نفسها: اوجه ندائي الى المحدثين ان ينقذوا منهجهم من تحقيقات , بل (تلفيقات ) المؤرخين الاسلاميين خاصة لانهم اكثر الناس تشدقا بمنهج المحدثين ادع هذه (التهم ) و (المجازفات ) دون تعليق , فهي معبرة عن المستوى المتقدم في الكتابة العلمية المنقذة وهي نموذج لادب الحوار, واسس النقد, ارتضاه (المالكي ) لنفسه , وعبر به عن الاخرين , وشمل به اكثرية المؤرخين لكنني اتساءل لماذا كل هذا وانا اعلم انه ليس بيني وبين الاخ (حسن ) شي ءشخصي و اتوقع بقية اصحاب الكتب كذلك .
واذا لم يكن شي ء من هذا, فما الدافع لهذا الاسلوب . ايريد مزيدا من الاقناع ,فالحجة وحدها كافية , واذا خدمت بالاسلوب المناسب والكلمة الطيبة كانت , الاستجابة اليها اسرع ام هي نوع من (الاسقاط) و (توجيه ) آراء الاخرين , فليس ذلك سبيل العلماء,في بيان الحق وكشف الباطل .
ام تراه (يغيظه ) شي ء معين (تجمع عليه هذه الرسائل , وتكشفه ) فينبغي ان يكون صريحا في آرائه , شجاعا في وجهة نظره 8 - واراك - يا اخ حسن - (تدندن ) كثيرا حول (علي ) رضي اللّه عنه و(بيعته )افتراك (المحب ) الاوحد, ام يخيل اليك انك (المدافع ) الامثل لعلي رضي اللّه عنه وارضاه .
ان (ابا الحسن ) رضي اللّه عنه وعن ابنيه (سبطي ) رسول اللّه (ص ), في قلوبناجميعا معاشر المسلمين - الا من في قلبه مرض - ولا نرتاب في (فضله )ولافي (بيعته ) ولكن هل تعلم ان (محنة ) علي رضي اللّه عنه ببعض من يزعمون حبه (ويغالون ) فيه (عظيمة ) واول من يتبرا منهم (علي ) نفسه وهو القائل : لا اوتي باحد يفضلني على ابي بكر وعمر الا جلدته حد المفتري قال ابن تيمية يرحمه اللّه وقد روي ذ لك عن علي باسانيد جيدة (الفتاوى 28/475).(10/129)
وهل يصح القول منك ولكن عليا لا بواكي له وهذا الحافظ ابن حجر رحمه اللّه يقول : قد روينا عن الامام احمد قال : ما بلغناعن احد من الصحابة ما بلغنا عن علي بن ابي طالب رضي اللّه عنه (الفتح7 /74).
وعن احمد واسماعيل القاضي والنسائي والنيسابوري : لم يرد في حق احد من الصحابة بالاسانيد الجياد اكثر مما جاء في علي (الفتح 7/71).
ومع ذلك فلا ينبغي ان يغيب عن بالك كثرة الكذب على (علي ) رضي اللّه عنه من قبل طائفة (غلت ) فيه , وهم الذين عناهم ابن سيرين بقوله : ان عامة مايروى عن علي الكذب (صحيح البخاري مع الفتح 7/71, وانظر الفتح7 /73).
9 - واراك - يا اخ حسن - تعرض بسياسة عثمان رضي اللّه عنه ومعارضة الصحابة له , مشيرا الى ان الصحابة الذين كانوا يعارضون سياسة عثمان قدندموا ولم يكونوا يرون قتله .. ص 198.
وفي سبيل (دفاعك ) عن (الاشتر النخعي ) احد مناصري علي بن ابي طالب رضي اللّه عنه - كما تقول - (ص 197) قطعت بان عددا من الصحابة (خرجوا) مع الثائرين فقلت : وقد خرج مع الثائرين من هو افضل من الاشتر, كعبد الرحمن بن عديس البلوي , وعمرو بن الحمق الخزاعي وهمامن الصحابة (المهاجرين ), بل كان معهم بعض (البدريين ) كجبلة بن عمروالساعدي (ص 198).
وليتك انصفت , واخرجت (القارئ ) المبتدى ء, من هذه الفتنة فقلت : كما قال ابن عساكر- يرحمه اللّه - ونقله عنه ابن كثير يرحمه اللّه ان عثمان لماعزم على اهل الدار في الانصراف ولم يبق عنده سوى اهله , تسوروا عليه الدار واحرقوا الباب ودخلوا عليه , وليس فيهم احد من الصحابة ولاابنائهم الا محمد بن ابي بكر...
(تاريخ دمشق : ترجمة عثمان رضي اللّه عنه , ص 503 - 505, البداية والنهاية7 /202, 203).(10/130)
وكما قال ابن تيمية يرحمه اللّه - وهو يدفع مزاعم الرافضي - ومعلوم بالتواتران الامصار لم يشهدوا قتله ... ولا احد من السابقين الاولين دخل في قتله (منهاج السنة 8/213) وقبلهما قال الحسن البصري - يرحمه اللّه - وقدسئل : اكان فيمن قتل عثمان احد من المهاجرين والانصار.
قال كانوا اعلاجا من اهل مصر (تاريخ خليفة بن خياط ص 176).
وفي طبقات (ابن سعد) كان - قتلة عثمان - رضي اللّه عنه حثالة الناس ,ومتفقين على الشر (3/71).
افلا ترى ان هذه النصوص تدفع (ظنا) قد يتسرب الى ذهن قارى ء باشتراك الصحابة في دم عثمان , افلا يستحق الخليفة الثالث منك مدافعة كتلك التي استحقها الخليفة الرابع رضي اللّه عنهما.
10 - ويؤخذ على المالكي تعامله مع المصادر التي رجع اليها بنوع من (الاختيار) لما يريد, والاسقاط او (التغافل ) لما لا يريد, وان سبق نموذج (الطبري ) ورصده لتضعيف (سيف ) واهماله لتضعيف (ابي مخنف ,والواقدي ).
فثمة نموذج آخر في كتاب (السنة ) لابن ابي عاصم ت 287 ه فقد اطلع عليه المالكي , ونقل منه نصوصا في اثبات تهمة بني امية في سب علي رضي اللّه عنه ص 25.(10/131)
ولكن هل فات عليه ان يذكر نصا فيه اثبات ل (عبد اللّه بن سبا) من غير طريق سيف بن عمر (982) وهو في نفس الجزء الذي نقل عنه المعلومة السابقة ام ان النص لا يخدم غرضه , بل يسق ط جزءا من كتابه ولئن ضعف (الالباني ) سند الرواية , فقد اشار الى اخراج (ابي يعلي ت 307 ه) له من طريقين آخرين عن الاسدي به , فهل فاتت هذه المعلومة ايضا على المالكي ام انها ضمن الحقائق المكروهة فاين دعوى المالكي ان اعادة كتابة التاريخ الاسلامي ليس معناها ان نضع كذبا محبوبا مكان الحقائق المكروهة من القسط في النقول كلمة اخيرة وبعد - يا اخ حسن - فاني اعيذك ونفسي من الهوى , وارجو الا تاخذك العزة بالاثم , فتظل تتشبث بالردود اكثر من تاملك في الحق المقصود وليس سرا ان يقال لك ان كتابك (الانقاذ) فرح به (الموتورون ) لانك به تجرات على ما لم يستطيعوا الجراة عليه , وحققت لهم (حلما) طالما فكروا في الوصول اليه , وكلنا ينبغي ان نحذر ان نكون (مطية ) للاخرين ونحن لا نشعر او نكون هدفا لسهام الاخرين وثمة (اشباح ) خلف الستار تقبع ان في (تاريخنا) من ظلم الظالمين , وتزوير الافاكين , والتشويه , وقلب الحقائق ,وطمس معالم الحق , ما يتفق العقلاء فضلا عن (العالمين ) واهل الاختصاص , على تجليته وصرف الجهود له , وبذل الاوقات في سبيله وفرق كبير بين (هدم ) ما بني , والمساهمة في (اقامة ) ما تهدم من البناء اللهم رب جبريل و ميكائيل و اسرافيل فاطر السماوات والارض , عالم الغيب والشهادة انت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون , اللهم اهدنا لمااختلف فيه من الحق باذنك انك تهدي من تشاء الى صراط مستقيم .
عبد اللّه بن سبا و كاسحات الحقائق(10/132)
ب : د. حسن بن فرحان المالكي صحيفة الرياض - 9 ربيع الاخر - 1418 هـ اطلعت على رد اخي الدكتور سليمان بن حمد العودة المنشور في صحيفة الرياض ايام (الخميس والجمعة والسبت والاحد) في الاسبوع الماضي والذي قبله وكان بعنوان (الانقاذ من دعاوى الانقاذ للتاريخ الاسلامي )وحقيقة لو لم اكن مؤلف كتاب الرياض ولو لم اكن كاتب المقالات المنتقدة لشككت في هذا المنتقد لان الدكتور سامحه اللّه اجاد في استخدام (كاسحات الحقائق ) كبتر النصوص وتحريف الاقوال او تضخيمها او تحميل الكلام مالا يحتمل والزام ما لايلزم مع ما لمح اليه من اتهامات في النيات وغير ذلك من (الكاسحات ) المستخدمة قديما وحديثا.
وعلى اية حال انا لا استغرب صدور مثل هذه الاساليب , فنحن لم نتعلم -الى الان - كيف نفهم كلام الاخرين وكيف نحكم على اقوالهم ونياتهم بمعنى اننا لم ندرس في حياتنا الدراسية منهجا يعلمنا ضوابط المعرفة لكلام الاخرين . فعلى هذا يجب على القارئ الا يستغرب ابدا ان يجد في كتابات بعض الناس اتهامات بالتلميح او التصريح لان هذا هو الاصل في طريقة تفكير كثير منا وطريقة تناوله لموضوعات المختلفين معه في الراي فالتهمة هي الاصل حتى تثبت البراءة بينما العكس هو الصحيح او هو المفترض .
والدكتور سليمان العودة بنى كل مقالاته الاربع على فهم خاطى ء لاقوالي وبناءعلى هذا الفهم الخاطى ء رد رده ثم اتهمني باشياء واللّه ما خطرت لي على بال وفي ظني ان الدكتور سليمان راى ان اسهل طريق في الدفاع عن رسالته من نقدي لها هو هذا الاسلوب لان الناس عندهم قابلية لاتهام الاخرين فاشبع هذه الرغبة عندهم بما حشره في مقاله من هذا بل كان نقدا تاريخيا بحتا.(10/133)
على اية حال لن ارد على التهم الخارجة عن موضوع التاريخ واتركها للّه عزوجل ليحكم بيني وبين الدكتور فيها فان كان اللّه يعلم انها باطلة فسياخذلي من الدكتور و ان كان يعلم انها حق فسيعاقبني على هذا وهذه المسالة لاتهم الباحثين .
اما المعلومة فيجب عليكم ان تردوها بالحجة والبرهان لان العالم سينفتح ولابدان نتعود على التعامل مع المعلومة وننقدها وليس مع مصدر المعلومة .
على اية حال نعود للمسائل التاريخية البحتة ونتحاور مع الدكتور سليمان العودة محاولين الاقتصار على نماذج فقط مما اورده , فاقول ردا على الد كتورالعودة : الملاحظة الاولى : سوء الفهم اول الكاسحات كل مقالات الدكتور سليمان العودة كانت نتيجة لسوء فهم او اساءته او تعمدالتحريف وليختر منها الدكتور اصحها فهو قد ظن انني انفي وجود عبد اللّه بن سبا مطلقا وهذا ما لم اقله البتة بل قد صرحت في كتاب الرياض وفي مقالات سابقة بانني متوقف في عبد اللّه بن سبا من حيث مطلق وجوده وان كنت انفي وبشدة دوره في الفتنة ايام عثمان وعلي رضي اللّه عنهما.
وهناك فرق كبير بين رايي الذي اعلنت عنه وبين ما حملني اياه الدكتور سليمان العودة ولولا ان الدكتور اخبرنا انه قرا الكتاب لعذرته اذ كيف فاته ماقلته ص 260 من الكتاب نفسه عندما قلت (والفقيهي نفسه يعترف بان سيف بن عمر ضخم دور عبد اللّه بن سبا ولم يجرؤ الفقيهي ان يقول ان سيفااختلق دور عبداللّه ابن سبا في الفتنة ).
اقول : هذا كلامي مقيد ب (الفتنة ) وقلت تعليقا على قول الفقيهي .. وتسقط بعض الروايات (روايات سيف ) مثل تضخيمه لدور ابن سبا.
هذا قول الفقيهي فقلت معلقا (ولكن اكثر زملائك في الجامعات لايزالون يثبتون روايات سيف في تضخيمه ابن سبا ولا يسقطونها مثلما تسقطها انت هنافانتم متناقضون في حدث كبير مثل عبد اللّه بن سبا بل ان رسالة الدكتورسليمان العودة هي في اثبات دور ابن سبا..).(10/134)
اقول : فانتم تلاحظون تقييدي للنفي ب (الفتنة ) وليس مطلقا.. وقلت ص 261 نحوهذا, ولعل من آخر ما ذ كرته كان يوم الاثنين 17/3/1418ه قبل الماضي عندما قلت - بكل وضوح - (وكذلك عبد اللّه بن سبا هو تحت البحث والدراسة ولا اجزم بنفي وجوده و ان كنت اجزم ببطلان دوره في الفتنة )وكذلك ذكرت نحو هذا في المقال الذي سبقه يوم الاثنين 10 / 3 / 1418ه.
اقول : فهذه الاقوال المتكررة الصريحة والتقييدات الواضحة لا ادري لماذا اهملهاالدكتور العودة وقبله الهويمل آراء لم يقل بها.(10/135)
وللاسف ان الدكتور سليمان بنى كل مقالات على هذا (التحريف المتعمد) و(بترالنصوص ) وما الى ذلك ربما لانه وجد هذا اسهل من الكلام في مسالة القعقاع (الذي انفي وجوده مطلقا) واسهل من الدفاع عن رسالته اذن فالخلاصة في ابن سبا هنا اننى اجزم ببطلان دوره في الفتنة ذلك الدور الذي رسمه ووصفه سيف بن عمر ومعظم رسالة الدكتور سليمان كانت قائمة علي سيف بن عمر فلو سقط سيف سقطت الرسالة فلذلك لا نستغرب دفاعه المستميت عن سيف بن عمر الملاحظة الثانية الدكتور سليمان العودة للاسف لم يفهم عنوان الكتاب (نحو انقاذ التاريخ الاسلامي ) فقد ظن انني ارى نفسي (منقذا) وارى الكتاب (الانقاذ) نفسه كان عنوان الكتاب (نحو انقاذالتاريخ الاسلامي ) اسمي الكتاب (انقاذ التاريخ الاسلامي ) بحذف كلمة (نحو) ماافعله لم يحن بعد ان اسميه (انقاذا) ولكن انا اسعى (نحو)الانقاذ فعنوان الكتاب يدل على (الهدف )وكلام الدكتور سليمان يدل على انه فهم من العنوان انه يدل على (النتيجة ) العالم الثالث فاذا كان عنوان الكتاب لم يفهمه الدكتور فكيف ببقية اقوالي في الكتاب الملاحظة الثالثة ذكر انني (اتعاظم ) تمسكت بمنهج اهل الحديث فندت اقاويل من سبقوني ..) اقول :ايضا الدكتور سليمان لو تامل الكلام لوجده ثناء على (منهج اهل الحديث )وليس على الذات بعض الصحابة اعمالهم عند حاجتهم الى ذلك بل الدكتور سليمان زكى نفسه كثيرا في كتابه (عبد اللّه بن سبا) ورده الاخير فيه مواضع كثيرة زكى فيها نفسه وليس هذا محل بيانها ولا اهميتها.(10/136)
الملاحظة الرابعة ذكر الدكتور سليمان ان (التاريخ ) تحول في ذهني وانحسر (الانقاذ) فيه في (بيعة علي ) فقط وان معظم دراساتي النقدية تتمحور حول هذا اقول اولا: لم ينحسر عندي (السعي نحو الانقاذ) في بيعة علي فقط ولو كان كذلك لما كتب الدكتور ردا علي في (عبد اللّه بن سبا) ثانيا: لابد للمشاريع العلمية من بدايات فلا استطيع ان اطبع كل ما اسعى اليه من (انقاذ) بين عشية وضحاها فالبداية بموضوع معين لا تعني عدم الشمولية في الاهداف .
ثالثا: ليس هناك مانع شرعي ولا عقلي من الاهتمام بموضوع معين في التاريخ والدكتور نفسه مهتم بعبد اللّه بن سبا ومعظم دراساته وكتاباته تدور حول ابن سبا فما المانع ان يكون اهتمامي بفترة خلافة علي بن ابي طالب (البيعة وتبعه في ذلك كثير من اصحاب الرسائل الجامعية ومنهم العودة كما سيرى القارئ في نقدنا لما كتبه حول البيعة (كتاب الرياض ص 175 او بيعة علي ص 315).
وملاحظة الدكتور السابقة ليست مطروحة علميا فلا يقال لباحث لماذا تهتم بهذا الموضوع فقط لان من حق ذلك الباحث ان يبحث فيما يراه مهماويذكر الاسباب وقد ذكرنا الاسباب في حينها.
الملاحظة الخامسة ظن الدكتور العودة ان ثنائي على دراسة الدكتور الهلابي ودراسة العسكري حول (عبد اللّه بن سبا) يحمل موافقة لهما في كل ما ذهبا اليه اخالفهما في بعض النتائج وان سياق الثناء على الدراستين لم يكن في عبد اللّه بن سبا.
وانما كان في سيف بن عمر في الوصول لاتهام النيات اولا: لم اثن على دراسة الهلابي والعسكري بسبب نفيهما لعبد اللّه بن سبا وانمالتوصلهما لتضعيف سيف بن عمر (تاريخيا) بعيدا عن (منهج المحدثين )فاتفاقهما مع (منهج المحدثين ) بالمنهج التاريخي فيه دلالة على قوة منهج المحدثين وهذا ما ابنته بكل وضوح (في كتاب الرياض ص 75) فليرجع اليها من شاء. وان كان نفيهما لابن سبا فيه مباحث علمية قوية .(10/137)
ثانيا: انا بينت انني اخالفهما في بعض النتانج وان لي ملاحظات على الدراستين (انظر كتاب الرياض ص 81) لكن الدكتور العودة تعمد اخفاء هذاالاستثناء لاسباب معروفة للمتامل .
الملاحظة السادسة قوله : (والخلاصة ان المالكي يشارك غيره الافكار والتشكيك لشخصية ابن سباوافكاره وان سيفا وراء ذلك كله ) اقول : والخلاصة ان الدكتور سليمان يريد تحميلي ما لم اقل وانه يعمم في موضوع ينبغي فيه التفصيل وان لم تصدقوا فارجعوا للنصوص (كلام الخصمين )وتاملوها ان اردتم الانصاف وتجنب الظلم .
الملاحظة السابعة ثم قام الدكتور سليمان العودة باستعراض سبع روايات (جعلها ثمانيا) عثر عليهامثلما عثر عليها غيره (في تاريخ دمشق ) وسمى هذا (بحثا علميا) مع انه (عثور فقط الاشياء باسمائها الحقيقية والصحيحة فقال : (لقد ثبت لدي بالبحث العلمي (وجود) روايات لاينتهي بن سبا اقول اولا: اذا كان الدكتور سليمان لا يعرف الا ثماني روايات فيها ذكر لابن سبامن غير طريق سيف فغيره قد يعرفها وزيادة ثانيا: عندي روايات زائدة غير ما ذكره الدكتور سليمان (وقد عثرت عليها في مصادر متقدمة عن ابن عساكر من الناس الذين يضعونها في غير موضعها.
ثالثا: قول الدكتور السابق يدل على الضعف في (حصر المادة العلمية ) فاذا كانت رسالته في عبد اللّه بن سبا واهتمامه باثبات هذه الشخصية من غير طريق سيف فانه من القصور الا يجد الا ثماني روايات فقط اقول ان ابن سبا عندي تحت الدراسة الى الان رابعا: تلك الروايات التي نقلها د.سليمان العودة من تاريخ دمشق وجدت الدكتور يخلط بينها ويجعلها كلها في (عبد اللّه بن سبا الى عدة اقسام : - روايات ذكرت (عبد اللّه بن سبا) صريحا.
- روايات ذكرت (الحميت الاسود).
- روايات ذكرت (عبد اللّه بن وهب السبئي ).
- روايات تذ كر (ابن السوداء).
- روا يا ت ذكرت (عبد اللّه السبئى ).
- روايات ذكرت (ابن حرب ).
- روايات لم يوردها فيها ذكر (السبئية ).(10/138)
اقول : فهذا هو التصنيف الصحيح من حيث المتن ويجب التفريق بينها في البداية ثم النظر والبحث بعد ذلك هل (الحميت الاسود) المراد به (عبد اللّه بن سبا)او لا ؟ هل السبئية المقصود بها التابعون لعبد اللّه بن سبا في العقائد ؟ ام انهالفظة تحقيرية للمعارضة كما يقول د.الهلابي ؟ وهكذا.. بمعنى انه يجب على الباحث الذي يزعم انه بحث المسالة (بحثا علميا) ان يثبت للقراء ان المتون تتحدث عن شخصية واحدة وليس عن شخصيات مختلفة او الفاظ غيردالة , وانا هنا لا اقول ان تلك المتون تتحدث عن شخصية واحدة ولا اقول انها تتحدث عن شخصيات مختلفة وارجئ هذا للبحث والدراسة لكن الدكتور كان من واجبه اثبات ان تلك الروايات يقصد بها (عبداللّه بن سبا)ومتى جاء هذا التفسير خامسا: قوله بان تلك الروايات لا ينتهي سندها الى سيف قول غريب سندها الى سيف وانما الى شيوخه او شيوخ شيوخه (الانتهاء) في السند
*******************
8
سادسا: زعمه بان الالباني قد صحح اسانيد عدد من تلك الروايات !! وليت الدكتور العودة بين لنا تلك الاسانيد التي صححها الالباني نفسه يقول ان سيف بن عمر (كذاب ) الدكتور العودة قائمة على (كذاب ) عمر مثلما اضطر للتخلي عن احكام اهل الحديث عليه في الرسالة ثم ان الالباني حكم على سيف ب (الكذب ) في مسالة تاريخية بحتة يعتبر الالباني حجة ويقلده ويدعونا لتقليده واما ان يقول الالباني مثله مثل غيره من العلماء لا نلزمكم بتقليده , وكلا الامرين ليس في صالح الدكتور ورسالته .
نظرة على متون الروايات الدكتور سليمان (مثل اكثر المؤرخين الاسلاميين ) يفتقد الالية التي تعينه على الحكم الصحيح على الروايات اسانيدا ومتونا وبما انه اعترف بضعف بعض الاسانيد التي اوردها ورغم ان اعترافه كان خفيفا الا انه بنظرة على متون الروايات التي فيها ذكر ل (عبد اللّه بن سبا) صريحا نجد تلك المتون في غاية النكارة .(10/139)
خذوا على سبيل المثال : الرواية الاولى التي فيها قول الشعبي (اول من كذب عبداللّه بن سبا متن باطل يعرف بطلانه من عنده ادنى من علم ولو سالنااحد العوام الذين لا يقراون ولا يكتبون من هو اول من كذب بني آدم كل هؤلاء كذبوا قبل عبد اللّه بن سبا الامر لا يحتاج منهج محدثين وانما يحتاج رجلا عاقلا فقط سبا اين قول ابليس (ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة الا ان تكونا ملكين اين قول فرعون (انا ربكم الاعلى ) هل الدكتور سليمان يرى ان عبد اللّه بن سبا قبل هؤلاء وقبل الخليقة على اية حال : الاسناد اضعف من ان يبين لكن ضعف ونكارة المتن يغنينا عن البحث في الاسانيد نقد الرواية الثانية اما الرواية الثانية التي اوردها الدكتور سليمان (رواية ابي الطفيل ) فليس فيهاذكر لعبد اللّه بن سبا وانما فيها ذكر (ابن السوداء) فالهلابي وغيره من الباحثين لايسلمون ان المراد به عبد اللّه بن سبا هنا عن (الانتصار للذات نقد الرواية الثالثة اما الرواية الثالثة التي اوردها العودة فليس فيها ذكر لعبد اللّه بن سبا البتة , انمافيها ذكر (الحميت الاسود) وهذه الرواية من طريق غندر عن شعبة عن سلمة بن كميل عن زيد بن وهب عن علي وهذا سند صحيح لكن يبقى الكلام في معنى (المتن نقد الروايه الرابعة هذه الرواية هي نفسها الرواية الثالثة لكن العودة جعلها روايتين بسبب تفسيرعمرو بن مرزوق (الراوي عن شعبة ) لكلمة الحميت الاسود فقال (يعني عبد اللّه بن سبا وكان يقع في ابي بكر وعمر اقول : وعمرو بن مرزوق معروف بانه كثير الاوهام وان كان ثقة في نفسه فالرواية هي رواية شعبة رواها عنه اثنان (غندر وعمرو بن مرزوق ) فغندررواها بلفظ (مالي وهذا الحميت الاسود اوثق بكثيرولم يتهم بالوهم والخطا مثل عمرو بن مرزوق وعلى هذا فتفسير عمرو بن مرزوق ليس حجة لانه جاء بعد سيف بن عمر على اية حال تفسير عمرو بن مرزوق ليس حجة لان بينه وبين الحادثة نحومئتي سنة لا يعتبر رواية مسندة(10/140)
(كما اوهمنا العودة بل هذا (مدرج ) ولو كان د. العودة متمكنا في علم الحديث لعرف هذا جيداولعرف ان (الزيادات الشاذة المدرجة ) لا تعتبر (روايات مسندة ) الاسلاميين بل لا يدركه كثير من طلبة علم الحديث ومن طالع كتاب العلل للدارقطني عرف شرف هذا العلم .
الرواية الخامسة اورد الد كتور العودة رواية حجية الكندي وفيها ان عليا قال وهو على المنبر(من يعذرني من هذا الحميت الاسود الذي يكذب على اللّه وعلى رسوله -يعني ابن السوداء - لولا ان لايزال يخرج علي لصابة تنعى علي دمه كماادعيت علي دماء اهل النهر لجعلت منهم ركاما اقول : الاسناد حسنه العودة اما تفسير بعض الرواة لقوله (يعني ابن السوداء) فهذا التفسير لا يعرف مصدره مصدره متقدم فهذا يحتاج لبحث - كما قلنا - لاثبات ان ابن السوداء هو عبد اللّه بن سبا نفسه فالذين ينفون ابن سبا مطلقالايسلمون بان ابن السوداء هو عبد اللّه بن سبا هذه الروايات الموجودة في مصدر من اشهر دواوين الاسلام كتاريخ دمشق نكارة لانه يفيد ان عليا متخوف من قتل ابن سبا تخالف ما صح عن علي في الصحيحين من فرحه بقتال الخوارج وذكره فضل من قاتلهم لاحظوا انني (ادردش ) مع الدكتور سليمان رغم انني الى الان لم استوف البحث لكن حجج الدكتور ورواياته ضعيفة بحيث لا يحتاج ردها الا ان تعلم ان ابليس خلق قبل عبد اللّه بن سبا وان المدرج ليس حجة وان عليا فرح بقتال الخوارج وان الرافضة لم تكن موجودة في عهد علي وهكذا فلو لم يكن عندي روايات اخرى غير ما اورده الدكتور لجزمت بنفي ابن سبا مطلقالكن عندي روايات اخرى ساذكرها وهي التي تجعلني اتوقف في مسالة نفيه مطلقا..(10/141)
الروايه السادسة هذه الرواية اعترف الدكتور بضعف اسنادها ففيها ثلاثة مجاهيل في نسق وهي رواية ابي الجلاس عن علي في قوله لعبد اللّه السبائي (ويلك واللّه ما افضى الي بشي ء كتمه احدا من الناس ولقد سمعته يقول : ان بين يدي الساعة ثلاثين كذابا وانك لاحدهم اقول : وعبد اللّه السبائي هذا هل هو عبد اللّه بن الكواء او عبد اللّه بن وهب الراسبي او عبد اللّه بن سبا وكل هؤلاء سبئيون من قبيلة سبا وكلهم يصح ان يطلق عليه عبد اللّه السبائي ولابن الكواء قصة مماثلة مع علي يساله (هل عنده شي ء غير القرآن ) مما اسره النبي (ص ) فكان علي ينفي هذا وهذه القصة في البخاري وعلى هذا يمكن ان يكون عبد اللّه السبائي هو عبد اللّه بن الكواء لكن الدكتور العودة يريد اثبات عبد اللّه بن سبا ولو كانت الروايات في غيره ثم لماذا يعرف علي ان عبد اللّه السباي هو من الكذابين الثلاثين ثم لايعاقبه ولايحبسه حتى لا يضلل الناس بكذبه سيف بن عمر تحت البحث ..
الرواية السابعة ثم اورد الدكتور سليمان رواية سماك بن حرب عن علي لانه بلغه ان ابن السوداءيتنقص ابابكر وعمر اقول : اولا: سماك بن حرب لم يسمع من علي ولا ادركه ولم يولد الا بعده على مايظهر لان وفاته كانت (123 ه) بينما وفاة علي كانت (40 ه) ثانيا: لا نسلم بان ابن السوداء المراد به عبد اللّه بن سبا الا ببرهان ودليل وقداتوصل انا الى انهما واحد لكن كما قلت هذا قيد الدراسة .(10/142)
ثالثا: هل عقوبة متنقصي ابي بكر او عمر او عثمان او علي هي القتل فالمشهور ان هذا خاص بالنبي (ص ) فقط بمعنى ان عقوبة القتل خاصة بمن يشتم النبي (ص ) ويسبه اما غيره من الصحابة فالواجب هو التعزير فقط ساب ابي بكر منعه ابو بكر رضي اللّه عنه وقال (ليست هذه الا لرسول اللّه (ص ) هذا مما يخفى على علي يقاتلهم حتى سفكوا الدم الحرام بين النصوص وعدم محاكمتها ولذلك لاتستغربوا ان يظن ان ابن سبا اول من كذب رابعا: من هم الذين كلموا عليا في ابن سبا المخالف لما يراه من الحكم الشرعي علي لابن سبا هو غلوابن سبا في علي واعتباره الها خالقا رازقا..
على اية حال هذا النقد لن يفيد من عنده الاحكام المسبقة لكنه سيفيد من يريدالبحث عن الحقيقة .
الرواية الثامنة ثم اورد الدكتور رواية جابر بن عبد اللّه وفيها انه (لما بويع علي خطب الناس فقام اليه عبد اللّه بن سبا فقال له انت دابة الارض .. انت الملك .. انت خلقت الخلق وبسطت الرزق مرة : اتق اللّه من كذب على جابر بن عبد اللّه ويزعم ان جابرا قال (فاجتمعت الرافضة فقالت :دعه وانفه الى ساباط المدائن والرافضة .. الرواية ).(10/143)
اقول : اولا: هذه لا ادري كيف عقلها الدكتور العودة وكيف نشرها ولم ينقدمتنها ثانيا: متى مات جابر بن عبد اللّه ومتى كانت بيعة علي ومتى خرجت الرافضة والقرامطة فالرافضة لم تعرف بهذا الاسم الا عام 122 ه. اما موت جابر بن عبد اللّه راوي الحادثة فكان قبل ذلك بخمسين عاما (وفاة جابر كانت نحو70 ه), وكذلك بيعة علي كانت قبل نشوء مصطلح الرافضة بخمسة وثمانين عاما اما القرامطة فلم يظهروا بهذا المصطلح الا بعد موت جابر بن عبد اللّه بنحومائتي عام راس القرامطة الذي سمي به القرامطة توفي عام293 ه عاما لكن الدكتور العودة لا يمتلك المنهج النقدي للمتون ولو كان يمتلك هذا المنهج النقدي لما راينا مثل هذه الروايات التي يستشهد بها في اثبات عبد اللّه بن سبا هذا يتضح ان القصة هذه مختلقة واذا لم تكن مكذوبة بهذا السياق فليس في الدنيا حديث موضوع ولا رواية مكذوبة وجوده ) بعشرات السنين وكيف تحذر الرافضة عليا من اصحاب ابن سبا هل لهم هذه القوة التي تفوق قوة الخليفة هذه اسئلة لن يجد العودة اجابات عليها الا وتصب تلك الاجابات في ضعف الرواية عند كل ذي عقل وانصاف . ومن هذه الرواية وطريقة استشهادالعودة بما تبدو لنا ملامح (الالية النقدية ) المتبعة عند بعض الاكاديميين والخلاصة : ان الروايات التي اوردها الدكتور العودة وذكر بانها تقطع بوجودعبد اللّه بن سبا على اصناف , فاما الروايات التي فيها اسمه صريحا فهي باطلة اوضعيفة ضعفا ظاهرا واما الروايات التي ليس فيها ذكر لاسمه فهى بحاجة الى دراسة هل المراد بها ابن سبا ام لا.. وعلى هذا فليس فيما اورده الدكتور سليمان ما يدل على وجود ابن سبا فضلا عن دوره الكبير في الفتنة سيف بن عمر الروايات التي لم يوردها العودة ومن تلك الروايات التي فاتت على الدكتور (رغم انه يبحث القضية من ثمانية عشر عاما وفيها اخذ الماجستير عام 1402 ه وفيها بحث الترقية ايضا)مايلي : روى ابو نعيم في الحلية عن شيخه(10/144)
ابراهيم بن محمد عن عبد اللّه بن خبيق عن يوسف بن اسباط عن محمد بن عبد العزيز التيمي عن مغيرة بن مقسم عن ام موسى (سرية علي بن ابي طالب ): قالت : بلغ عليا ان ابن سبا يفضله على ابي بكر وعمر فهم بقتله ... الرواية .
اقول : فهذه الرواية لم (يعثر) عليها العودة وهي ضعيفة ايضا سندا ومتنا اماالسند ففيها يوسف بن اسباط وغيره فيهم كلام . كما ان المتن يخالف المتون السابقة ويضطرب معها اضافة الى ان بعض الصحابة كابي الطفيل كان يفضل عليا على الشيخين ولم يقتله علي (راجع ترجمته في الاصابة وغيرها) وليست عقوبة مثل هذا القتل , انما التعزير والجلد على ابعد تقديركما جاء عن علي من وجوه اخرى في تهديده لمن يفضله على الشيخين بان عقوبته (جلد المفترى ) وليس القتل فتامل .
رواية ثانية الرواية الاخرى التي لم يذكرها العودة هي على شرطه هي رواية الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (8/488) عن عبد الوهاب الصغير عن احمد بن ابراهيم عن احمد بن المغلس عن سعيد بن يحيى الاموي عن عبد اللّه بن سعيد الاموي عن زيد البكاني عن مجالد عن الشعبي عن زمر بن قيس ,ورواها الجاحظ عن حباب بن موسى عن مجالد عن زمر وفيها انه التقى بعبداللّه بن وهب السبائي بعد مقتل علي .(10/145)
الرواية فيها ضعف كبير سندا و متنا ومن اراد معرفة ذلك فليرجع الى بحث الدكتور الهلابي (ص 53) ثم ان عبد اللّه بن سبا لم يرد اسمه صريحا انما ورداسم عبد اللّه بن وهب وهذا قتل قبل موت علي بينما هذه الرواية تذكر هذه القصة بعد مقتل علي رواية ثالثة هذه الرواية لم يعثر عليها العودة ايضا وقد رواها ابن شاهين حسب مااورده ابن تيمية في المنهاج (1/23) ورواها ابن شاهين عن محمد بن ابي القاسم عن احمد بن الوليد عن جعفر بن نصير عن عبد الرحمن بن مالك بن مغول عن ابيه عن الشعبي وفيها (احذركم من هذه الاهواء المضلة , وشرهاالرافضة ...) ثم سرد رواية طويلة فيها قوله (منهم عبد اللّه بن سبا يهودي من يهود صنعاء نفاه الى ساباط وعبد اللّه بن يسار نفاه الى خا زر) اقول : هذه الرواية باطلة سندا ومتنا لان مصطلح الرافضة لم يوجد الا بعد وفاة الشعبي بعشرين عاما كما ان في الاسناد عبد الرحمن بن مالك بن مغول من اكذب الرواة وهو متهم بوضع الحديث وهو معاصر لسيف بن عمر ايضا المؤامرة لكن ارى ان (سيف بن عمر و عبد الرحمن هذا و مجالد) كلهم كوفيون و متعاصرون و كذابون ومتهمون ومنحرفون عن علي الكذابين وهذه الاتفاقات بين الكذابين معروفة عند اهل الحديث تماما فهناك قصص مشابهة كثيرة وهذا كما قلنا سنؤجله للبحث والدراسة لنرى روايات اخرى والغريب ان الدكتور العودة ينقل كثيرا من الشيعة والمستشرقين ثم يتهمنا بانناناخذ ببعض روايات الشيعة واننا ندافع عنهم اكثر من دفاعهم عن انفسهم وهذا من ابطل الباطل ومن الظلم والبهتان وسياتي البيان .
الملاحظة الثامنة حاول الدكتور العودة ان يربط بيني وبين السيد مرتضى العسكري في تضعيف سيف بن عمر العسكري اول من قال بتكذيب سيف بن عمر لاصحاب الحديث في تضعيف سيف ولولا ان اهل الحديث اجمعوا على ضعفه لما ضعفته .(10/146)
والمؤرخون الاسلاميون او اكثرهم ينظرون الى المعلومة من خلال المصدر المعلومة من خلال العلم نفسه والمصدر ايضا لكنني احاكم هذه المعلومة فان ثبت لدي صدقها وصحتها لا انظر لمصدرها وان ثبت لدي كذبها رددتها.
وهذا مفترق طرق بيني وبين كثير من المؤرخين الاسلاميين وغيرهم , بل انهم يتناقضون في هذه القضية تناقضا صارخا فنجد بعضهم كالدكتور سليمان لايتورع ان ينقل من الشيعة والمستشرقين اذا كانت الرواية او القول في صالحه بينما يحرم على الناس ما يبيحه لنفسه اكثرالمؤرخين الاسلاميين الذين ازعجتهم المنهجية الموجودة في (كتاب الرياض ) ومن حق الدكتور ان يعتبر هذا تزكية للعمل ومن حقي ان اذكر سبب نقدهم للكتاب الملاحظة التاسعة طلب مني الدكتور العودة ان ابين الاماكن التي ضعف فيها الطبري سيف ابن عمر هذا القول ولم يبين لنا المالكي مواطن تضعيف الطبري لسيف حتى نشاركه او عدمه ) اقول : اولا: انا لا انتظر ان يشاركني الدكتور في تضعيف سيف ويكفيني اجماع اهل الحديث والدكتور العودة لم يقتنع باجماعهم حتى نرجو منه التمسك بتضعيف الطبري لسيف ثانيا: لانه طلب مني ذلك وحتى لا يظن القارئ ان هذا التحدي من الدكتور له وزن فسانقل بعض تضعيفات الطبري لسيف بن عمر ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر ما ذكره في تاريخه (4/497) عندما قال (واما الذي يرويه المحدثون من امر الاحنف فغير ما رواه سيف عمن ذكر من شيوخه ..(10/147)
وقال (3/350) بعد ان ذكر رواية سيف في فتح الابلة قال : (وهذه القصة في امرالابلة وفتحها خلاف ما يعرفه اهل السير وخلاف ما جاءت به الاثارالصحاح .. اقول : هذه نماذج فقط لكن العودة لن يقتنع بها فهو لم يقتنع باجماع المحدثين في سيف فكيف يرضى بالطبري وحده وهذه التضعيفات من الطبري لسيف اولى مما ذكره العودة من قوله (هذالايحتمل سماعه العامة ) قالها في رواية لابي مخنف فهذا لا يعد تضعيفا لان العامة ليس ذوقهم مقياسا للصحة والضعف فهذا يختلف عن جملته السابقة في تضعيف سيف مع انني اطرح الاثنين (سيف وابي مخنف ) ولم استدل برواية واحدة لواحد منهما والحمد للّه .
الملاحظة العاشرة ذكر العودة انني لا اصف ابا مخنف الا بالشيعي فقط ولم اضعفه وقال انني اقول في سيف (الوضاع المتهم بالزندقة ).
وهذا ما لم اقله فانا اعرف ان ابا مخنف والواقدي ضعيفان وان الاول اشد ضعفالكن ليس بالضرورة ان ابين ذلك عند كل ذكر لهما وقد يفوتني ذكر هذافكان ماذا ؟ ولكن الدليل الاقوى على كلامي اني لم استدل برواية واحدة لاللواقدي ولا لابي مخنف مع انهما فوق سيف بمراتب .
الملاحظة الحادية عشرة زعم الدكتور سليمان انني اعترفت بصحة سند بعض مرويات سيف وهذا ما لم يحدث البتة لكن الدكتور اغتر بقولي (الروايات التي صح الاسناد فيها الى سيف ) وفهم من هذا انني اصحح روايات سيف والدكتور بحاجة لمراجعة جادة لمصطلحات والفاظ اهل الحديث وليفهم دلالات الالفاظ قبل ان ينقد ويظلم اخاه بغير حق .(10/148)
والغريب ان الدكتور يحرف كلامي ثم يحيل على كتاب الرياض وعلى كتاب بيعة علي حتى انني اظن انني اخطات فاذا رجعت اجد كلامي خلاف مايقرره فاين الامانة العلمية الملاحظة الثانية عشرة من امثلة التحريف المتعمد لكلامي ما ذكره الدكتور سليمان من زعمه بانني تناقضت في زعمي ان سيف بن عمر يطعن في الصحابة اقول : وهذا مثال من عشرات الامثلة التي حرف الدكتور فيها كلامي فانارجعت للصفحة التي احال عليها ص 70, 73 من كتاب الرياض فاذا بي اقول مايلي (سيف مغرم بالطعن في بعض الصحابة والتابعين الذين كانت لهم مواقف من بني امية كعمار بن ياسر وابي ذر...) الى ان قلت (فهو يطعن في هؤلاء الاخيار بينما يدافع عن معاوية وزياد بن ابيه وسعيد بن العاص والوليد بن عقبة الفاسق ...) ثم استدركت وقلت (وهؤلاء و ان كان في بعضهم فضل وخير لكنهم لا يوازون عمارا وابي ذر ولا يكادون ) اقول : فانظروا هل في كلامي تناقض ام ان الدكتور اراد ان يفهم القارئ ان هناك تناقضا الامانة العلمية يادكتور الملاحظة الثالثة عشرة قارن الدكتور العودة بين سيف بن عمر و ابي مخنف مقارنة عجيبة لم اجد اعجب منها في حياتي مع ان الاثنين عندي لا آخذ برواياتهما.
لكن الدكتور العودة وقع في تحريف عجيب متعمد وانا لم اجزم انه متعمد الا واناعلى يقين وسياتي بيان ذلك لكن المقارنة كانت ظالمة بسكوت الدكتور عن كلام اهل الجرح والتعديل في سيف واظهارها في ابي مخنف وهذا لم استغربه فهو سهل قياسا بما ذكره الدكتور عندما قال : (اما الطامة الكبرى فوق ماتقدم فهو سب ابي مخنف للصحابة وروايته الموضوعات عن الثقات .
وفي هذا يقول ابن حبان : رافضي يشتم الصحابة ويروي الموضوعات عن الثقات . وقال السليمان : كان يضع للروافض - لسان الميزان (4/366).(10/149)
اقول الدكتور سليمان يعرف ان القارئ اضعف من ان يحاكم هذه الاقوال فهذه الاقوال واللّه ليست في ابي مخنف وانما في عمرو بن شمر الكوفي فارجعوا الى اللسان (4/366) تجدوا هذه الاقوال في ذم عمر بن شمر وليس في تلك الصفحة ذكر لابي مخنف البتة لكن اتدرون لماذا فعل هذا الدكتور فعل هذا لان سيفا متهم بالانحراف عن علي فيريد الدكتور ان يثبت ان ابامخنف (يشتم الصحابة ) ثم سيف متهم بالزندقة والوضع في الحديث فارادالدكتور سليمان ان يتهم ابا مخنف بالوضع في الحديث ايضا شمر في حياتي الدكتور وحذف كلمة (عمرو) مخنف انا لا اقول هذا دفاعا عن ابي مخنف لكن لا يجوز ان نذمه بالجرح الموجود في غيره يجوز ان نتهمه بالوضع في الحديث لان سيفا يفعل ذلك على اية حال ارجو الا يستغرب القراء فهذا امر يستحله كثير من المؤرخين الاسلاميين ولو ترجعون لكتاب الرياض لرايتم العجائب لكنها -علي اية حال - اخف من عجائب الدكتور هنا يذكر الدكتور ان سيفا محل تزكية (ص )فلاتنتظر منه ان يصدق في التاريخ .
كما ذكر ان الذهبي (اعتمده ) احد المصادر المهمة في تاريخ الاسلام يقل فالذهبي لم يقل هذا البتة انما ذكر انه (اطلع ) على كتب وذكر منها كتاب سيف وهناك فرق بين (اعتمد) و(اطلع ) ثم ان الذهبي قدروى لابي مخنف و الواقدي اضعاف ما رواه لسيف بن عمر بل لم يرد لسيف بن عمر في تاريخ الاسلام كله الا سبع روايات ولم يذكر حرفا عن ابن سبا فاذا كان د. العودة مقلدا الذهبي فليقلده مطلقا او فلايلزم الناس باجتهادات الذهبي .
وقد تحدث د. الهلالي عن ازدواجية الدكتور سليمان وكنت اظن ان الدكتورالهلالي مبالغ حتى رايت مقال الدكتور سليمان فعرفت ان الازدواجية والانتقائية من اخف عيوب كتابات الدكتور عفا اللّه عنا وعنه .(10/150)
على اية حال : انا مستعد للتحاكم انا والدكتور لاية جهة علمية يرى اهليتهاللنظر في الامور التي اختلفنا فيها وليس في العلم منتصر ومهزوم اذا صحت النية وكان الهدف هو الحقيقة .
الملاحظة الرابعة عشرة ذكر الدكتور ان المحاربي قد روى عن سيف وهو قبل الطبري قولي بان (الطبري اول من اشهر روايات سيف بن عمروكانت قبل ذلك خاملة جدا) اقول سبحان اللّه عن سيف فانا اعرف خمسة عشر راويا عن سيف لكن كلامي السابق عن (اول ) من (اشهر) روايات سيف وليس اول من (روى )عن سيف لكن الدكتور كالعادة لا يعرف دلالات الالفاظ وهو بهذا يتعبنا جدا في الحوارونتعب القراء بمثل هذا التوضيح للواضع الذي يدل على ان الدكتور وجدشحا من الملاحظات حتى لجا لمثل هذه الاشياء.
الملاحظة الخامسة عشرة دافع الدكتور عن تعصب سيف لقبيلته بني تميم وذكر دفاع جواد علي عنه العودة ياخذ على انني وافقت العسكري في بعض النتائج بينما هو ينقل عن جواد علي سيف بالتعصب قاله الدكتور اكرم العمري والدكتور محمد بن صامل السلمي قبلي والدكتورالعودة يحيل عليهما عند الحاجة كنت اتمنى ان يفعلها الدكتور سامحه اللّه .
الملاحظة السادسة عشرة قول الدكتور العودة (والمظنون بالذهبي انه يفرق بين كلمة (اخباري عارف )لسيف بن عمر وكلمة (اخباري تالف ) لابي مخنف اقول : و اهمل الدكتور العودة قول الذهبي في سيف : (تركوه واتهم بالزندقة كما اهمل قول الذهبي عن سيف : (هو من بابة ابي مخنف فهذا نص من الذهبي في المساواة بين سيف بن عمر وابي مخنف واظن ان الذهبي لم يوفق للصواب فابو مخنف فوق سيف يعرف هذا من قارن روايات الرجلين وان كنت اضعف الاثنين واطرحهما.(10/151)
الملاحظة السابعة عشرة ثم زعم العودة ان ابن حجر قال مثل قول الذهبي (اخباري تالف لا يوثق به ..) ثم احال على اللسان (4/492) اقول : وكان الدكتور العودة لا يعرف منهج الحافظ في اللسان فانه نقل القول السابق عن الذهبي نفسه الحافظ في اللسان او ليقراالمقدمة وكفى ففيها الجواب هذه البدهيات لكنه يريد ان يتساوى ابو مخنف في الجرح مع سيف بن عمر ووجد الجرح في سيف اقوى واكثر لذلك لجا الى زيادة المجرحين ونسبة هذه الاقوال لغير اصحابها واللّه المستعان .(10/152)
ايضا: اين الامانة العلمية يا دكتور الملاحظة الثامنة عشرة ثم نجد العودة بعد كل التحريفات السابقة وبعد خلطه لترجمة عمرو بن شمر مع ترجمة ابي مخنف وبعد تقوله على الذهبي وابن حجر ياتي ويقول (ترى هل فاتت هذه المعلومات على المالكي اقول : نعم هذه كانت فائتة عني واعترف بجهلي الكبير فيها ثم يواصل ويقول (فتلك مصيبة تند عنه هذه المعلومات اقول : اللهم لا تعليق ثم لا يكتفي بهذا ويواصل في البناء على ما سبق ويقول (ام ان لديه علما بها واطلاعا عليها ولكنه - لحاجة في نفسه اقول : لا تعليق ثم ياتي ويدعوني لقبول هذا (الحق ) الذي جاء به وليت شعري من منا المطالب الان بالتحلي بالشجاعة والاعتراف بالخطا (اعيد النظر) لسيف التاويل اقول : ايضا لا تعليق . ومن اراد ان يعرف الحقيقة من القراء فانه يستطيع وبسهولة جدا واخيرا: انا اجد نفسي عاجزا عن تتبع تحريفات الدكتور او سوء فهمه لكلامي فكيف بالاوهام التي وقع فيها عن اجتهاد وحسن نية وانا ان ذكرت هذه كنماذج وتركت تلميحات الدكتور بالاتهامات المبطنة لقناعتي ان الدكتور لم يفعلها عن قناعة وانما اتباعا للاسلوب السائد في رد الحقائق وهي باتهام صاحب الحقيقة في نيته ومنهجيته . وانا على ثقة ان القارئ الكريم سيرجع - ان كان يريد الحق - لما كتبته وما كتبه الدكتور وسيعرف بنفسه كثيرا من الحقائق اذا امتلك المنهجية اما (قارى ء آخر صحية ) فلسنا بحاجة اليه ولاالعلم بحاجة اليه ففي الناس ابدال . واللّه الموعد وهو الحاكم بين جميع العباد.
ايماءة : اخي الدكتور محمد العزام ..
اطلعت على ردك المنشور في صحيفة الرياض الاسبوع الماضي , واشكر لك مشاركتك .. لكني اعتب عليك في ترك لب الموضوع جانبا والتركيز على كثير من الامور الشكلية مع اساءة فهم احيانا, وقد تصيب في ذكراشياءفنية .. مع اهمية التركيز على الاولويات في هذه المقالات . مع شكري لك مجددا.
عن القعقاع و سيف بن عمر (1/3)(10/153)
د. محمد بن عبد اللّه العزام صحيفة الرياض - 1 ربيع الاخر - 1418 ه مدخل : (1) لايزال الاخ الاستاذ حسن بن فرحان المالكي يواصل مفاجته , وآخرهاسلسلة مقالات (القعقاع بن عمرو التميمي حقيقة ام اسطورة ). وقد نشراولها في جريدة الرياض يوم الاثنين 27/1/ 1418 هـ. وهي اهم المقالات لانه لخص فيها جملة افكاره , اما البقية فمدارها على نقد ابحاث الاخرين ولاسيما الرسائل الجامعية , والرد على الردود ومجادلة الخصوم وما الى ذلك .
ولقد رد كثير من الاخوان المتخصصين في الحديث والتاريخ على بعض ما ورد في مقالاته من الامور التفصيلية . ولكني اعتقد ان بيان ما يتصل بالامورالكلية والمنهجية اكثر فائدة للقراء من مناقشة التفاصيل , لان الخلاف معه اقرب الى ان يكون في الاصول . فلذلك سوف اقتصر على ايضاح هذه الجوانب , وهي مهمة جدا فيما ارى , في موضوعية وانصاف من واقع كلامه ان شاء اللّه . واود الايضاح بانني لا اعرف الاخ المالكي ولم نلتق قط,ولست متضررا بشي ء من كلامه عن القعقاع او سيف او المؤرخين اواساتذة الجامعات . ولقد كان بودي - يعلم اللّه تعالى - ان اثني عليه واشدعلى يديه , ولكني نظرت في مقالاته مع قلة علمي فرايت ما يدعو الى التعقيب .
وآثرت الانتظار الى انتهاء هذه المقالات , وقد انتهت الان فيما يظهر, لان المقالة المنشورة في 17/3/1418 هـ جاءت بعنوان (دروس من معركة القعقاع ),وفيها تلخيصه - من وجهة نظره - للدروس المستفادة من الردود عليه .(10/154)
ملاحظات على الاسلوب : (2) واول ما يلاحظ على مقالاته هذه - وسائر كتاباته اجمالا - كثرة اشارات التعجب الى حد الافراط, وقد احصيتها في المقالة الاولى وحدها فبلغت سبعين علامة , وقلما يكتفي بالعلامة الواحدة وانما ياتي بها مثنى وثلاث .ولعلها تصل الى الف او الفين في كتاب الرياض . وهذا الاكثار غيرمستحسن في الكتابة العلمية , وهو من سمات الكتابات الصحفية الرديئة .ومن الافضل ان يتقدم الباحث ببراهينه وادلته ويجتهد غاية الاجتهاد في تحريرها, ويكتبها بالاسلوب العلمي الصحيح ثم يتركها تتحدث عن نفسها وتسعى لتحقيق الاثر المطلوب في عقول النا س .
وهذا الغرض واضح جدا في مضمون المقالات ايضا, فما اكثر الغمز للجامعات والاقسام والباحثين والمشرفين والمناقشين , والاتهام بالجهل والتدليس والتقليد والضحك على الناس , والتقليل من قدر الرسائل الجامعية والشهادات العليا والتقديرات والمقررات المدرسية والتخطيط التربوي واساليب التفكير السائدة . بل يساوي الاستاذ بين التصديق بالقعقاع والتصديق بوجود الحشرة والدعافيص والمعثرة ولبط بين كبار المدن السعودية , كان سائر الناس لاعقول لهم (وهذا ينطبق على الطبري وابن عبد البر وابن عساكر وابن الاثير وابن كثير وابن حجر وغيرهم من القدماء فضلا عن المعاصرين ). وربما ذكر ان العلم ليس بالالقاب والشهادات الاكاديمية واشياء من هذا القبيل , وكان الاليق به لو ترك هذاالباب كله لانه يعوق الحوار العلمي المطلوب .(10/155)
(3) وهذا الاسلوب في الكتابة لا بد ان يخون صاحبه بين الحين والحين . واليك مثالا على ذلك , وهو قوله في المقالة الاولى بحروفه واقواسه ورموزه (بل ربمالو كان الحافظ ابن حجر في عصرنا لاتهمناه بانه يريد الطعن في السابقين وانه مع المستشرقين والمبتدعة لانه نفى صحبة اكثر من الف صحابي من (الصحابة الكرام النغمة المعروفة فلا اعتقد انه من اللائق - ولاسيما من طالب العلم الغيور على التاريخ والعلوم الشرعية - ان يقول (الصحابة الكرام يكونوا من الصحابة فمن التابعين , وكون العلماء يختلفون في صحبة بعضهم لا يسوغ الاستهزاء بهم .ثم يسمي الغيرة على السنة (هذه النغمة المعروفة ولكنها تعبر مع الاسف عن طريقته في التفكير والكتابة كما سيتضح ان شاء اللّه .
وهذا مثال آخر فقد ضرب - من اجل تبسيط الموضوع - مثلا بالمدن الوهمية المشار اليها, ثم قال بالحرف الواحد (فالقعقاع مثل مدينة الحشرة تماما),ومن المفهوم ان بقية الصحابة الاسطوريين - في نظره - يشبهون اسماء المدن الاخرى . فليس هذا من كمال الادب وحسن اختيار الالفاظ واللائق به غير هذا الاسلوب .
(4) ولقد شحن المقالة الاخيرة (دروس من معركة القعقاع يفهم منها الثناء على النفس , واتهام الاخرين بكل النقائص التي يسمح بها المقام . ولا يخفى انه يرد ويرد عليه , فليس من المستحسن ان يبدا الانسان احدا بالشتم , و اذا راى في كلامهم شيئا من ذلك فاما ان ينتصر لنفسه واما ان يعفو والعفو خير. ولكن هذه العبارات جاءت عامة لجميع المخالفين له في الراي , غير موجهة الى خصم بعينه .(10/156)
وهذه نماذة حرفية منها: الغفوات العلمية الطويلة - اخفاء الحقائق ومحاربتهاايضا الدروس والعبر وتعطيل النصوص والعقول وطلاءالباطل بطلاء الحق - تاسيس الجهل العلمي لغة اهل العلم والتحقيق الحق المتعصبة المريضة علميا التي طالما حاربت الرسل والمصلحين - ترك اكثرية القرون الفاضلة والاحتجاج باكثرية القرون المتاخرة والمعاصرة تخصصه او عقيدته او نيته - المعاول التي طالما حاربت الحق على مر التاريخ - عدم القراءة والحكم على البحوث بناء على المعرفة الشخصية - مجالسة قرناء السوء الذين يزعمون ان فلاناسيى ء النية , جا هل ,.. الخ - الاستعجال وعدم التثبت واتباع الهوى - تجارالغيبة والنميمة - تاخذهم العزة بالاثم - نقص الادوات المعينة على اصدارالحكم الصحيح - تحريف الحقائق نشر الاباطيل هذا غيض من فيض , فما حاجة الاستاذ الى هذه الشتائم والاستفزازات التي يسميها دروس تربوية وطالما قرانا الابحاث الجادة العميقة في التاريخ وغيره من العلوم , فلم نجد هذا الارتباط النفسي بين الباحث والبحث , وانمايكتب الانسان رايه ويضعه امام الناس لينظروا فيه في هدوء. وهي بعدتتعارض مع الرغبة في اصلاح الاحوال , ومن السهل على اي قارى ء ان يتصور مخطئا او مصيبا ان وراءها دوافع شخصية . وليس من الانصاف ان يعطي لنفسه الحق بالدخول الى قلوب الناس ومعرفة الاهواء وخطرات النفوس - كما ترى في هذه العبارات - ويجردهم من الدوافع العلمية والاغراض الشريفة , ثم يستنكر عليهم اذا فعلوا مثل ذلك .
التعتيم على المصادر: (5) ثم انتقل الى مسالة جوهرية كنت اود انه اوضحها بنفسه وكفانا امرها, وهوالتصريح باسماء الذين سبقوه الى آرائه , وهو شي ء يعرف وجوبه واهميته وفوائده حتى المبتدئون من الطلاب .
ولكنه - مع الاسف - آثر عدم التصريح بذلك , وعدم التصريح بالسبب المانع من التصريح .
*****************
9(10/157)
ولم يكن ذلك بسبب الغفلة او السهو بالتاكيد, لانه قال في ختام المقالة الاولى (قد يقول قائل : لكن قولك هذا قد قال به بعض المستشرقين وهم كفار اوقال به بعض المبتدعة ولعلك توافقهم من حيث لا تدري ). وهذا اسلوب غير مقبول في الكتابة العلمية , فالمفروض عليه ذكر المصادر بصريح العبارة .وقد فعل ذلك مع خصومه , فذكر اسماءهم وكتبهم ورسائلهم وجامعاتهم ,فلماذا يلجا الى هذا الاسلوب الغامض , ولماذا يسلك هذا الكلام مع الشبهات في آخر المقالة على لسان شخص خيالي يريد الاعتراض وانظرالى هشاشة الاعتراض في كلمة او وفي كلمة لعلك توافقهم وفي كلمة من حيث لاتدري .
وطالما انتقد اصحاب الرسائل العلمية والمشرفين والمناقشين , فهلا ابصرالاستاذ هذا القصور المنهجي الخطير في كلامه .
(6) وكان المنتظر منه ان يعقب على عبارة من حيث لا تدري فيصرح بانه يدري , وانه اطلع فعلا على اقوالهم , ثم يذكر اسماءهم وفحوى كلامهم مع التوثيق اللازم , ويقبل منه ويترك , ليكون القارئ على بينة من هذا الامرالمهم , وياخذ كل ذي حق حقه .
ولكنه عقب على هذه الشبهة الافتراضية بكلام طويل يقوم على التعميم واللهجة الانشائية الخطابية في الثناء على بحوث المستشرقين والمبتدعة التي هي في غاية الدقة والموضوعية مما لا يتوفر مثله عندنا, وخجل البعض من الاعلان عن الاستفادة من هذه الابحاث الجيدة لئلا يتهم , الى آخر ما قال .ولم يخرج في ذلك من دائرة العموميات , ولم يعترف بان الافكار لغيره . ومن يقرا كلامه كله يجد انه ينسب الاراء الى نفسه ويتحدى عليها, فيقول مثلافي اول المقالة (وكنت قد قلت في حواري مع فلان ان سيف بن عمر التميمي هو الذي اختلق شخصية القعقاع ), وهكذا في سائر كلامه , ولا اثر لهؤلاءالمستشرقين والمبتدعة . ما هكذا تورد الابل ايها الاستاذ الفاضل , وماهكذا يساء الظن باطلاع القراء.(10/158)
الكشف عن مصدر المالكي : (7) ولقد قرات هذه الافكار قبل - بضع عشرة سنة , واضحة صريحة في كتابين لرجل اسمه السيد مرتضى العسكري , الاستاذ في احدى الجامعات المذهبية في العراق . واسم الكتاب الاول (عبداللّه بن سبا. المدخل ), الصادر في العراق سنه 1375 ه, ثم صدرت طبعته الثانية في مطبعة النجاح بالقاهرة سنة 1318 ه, واسم الكتاب الثاني (خمسون ومائة صحابي مختلق ), وقدصدرت الطبعة الثانية منه في بغداد سنة 1389 ه, فهذه - مع الاسف -البحوث التي يصفها بانها (في غاية الدقة , والموضوعية مما لا يتوفر مثله عندنا) - ولكنه لم يمكن القارئ من الحكم على صحة هذه الدعوى .
وما شككت لحظة منذ قرات اولى المقالات , ان هذه افكار العسكري , لان الدعوى هي نفس الدعوى , وهي ان سيفا كان يختلق اسماء الصحابة والبلدان والحوادث . فالتطابق في الافكار الاساسية , وادارة الكلا م على لفظ الاختلاق , والعدد الكبير من الشخصيات والاشياء المختلقة , والابتداءبالقعقاع , وهذا الكلام الغامض في الثناء على بحوث القوم , لا يترك مجالالغير هذه النتيجة .
فمن هو الذي يجد (بعض الابحاث الجيدة عند بعض الكفار والمبتدعة ثم يستحي ان يعلنها حتى لا يتهم ) الا ينطبق كلامه على نفسه قبل غيره , وقلما انتقدالاستاذ شيئا على غيره الا ووجدت عليه مثله , وستاتي امثلة اخرى على ذلك .(10/159)
(8) ثم نشر المقالة السادسة في 10/3/1418 ه وهي مخصصة للاجابة على الاعتراضا ت بعد الانتهاء من اصل الموضوع . فمما لفت النظر قوله (ما زعمه الفريح بانني اعتمدت على كتب مطبوعة وانني لم آت بجديد: (زعم باطل عريض انكر انني قبل الكتابة عن سيف اوالقعقاع قد اطلعت على ما كتبه الهلابي والعودة والمعلمي والتباني والعسكري وطه حسين وغيرهم من العلماء والباحثين ,لكنني لم اقلد احدا منهم واستخرجت روايات سيف بنفسي وبحثتها رواية رواية سندا ومتنا, واستدركت عليهم اشياء كثيرة فاتتهم , مع تقديري لمن سبق وعدم هضم حقه , الى آخر ما قال . فمن الواضح ان الاستاذ اضطر تحت الضغوط الى ذكر هذه الاسماء (وعدم انكار) معرفة ما كتبوه .
فلماذا يقول هذا الكلام الروتيني بعد الفراغ من الموضوع لماذا لم يذكر هذه الاسماء في المقالة الاولى مع الاشارة الموجزة الى اسماء الكتب والطبعات وخلاصة الاراء والفروق بينها ولماذا يكتفي بعبارة (لا انكر) المتوسطة بين الاقرار والانكار كانه مجبر عليها وكانه خشي من تهمة السطو على الافكارفسارع الى طرد هذا الحاضر بقوله (زعم باطل عريض وانه بحث واستخرج واستدرك وفعل كذا وكذا. هذا مع ان الدكتور عبد الرحمن الفريح لم يتهمه بالسطو وانما فقط بانه (اعتمد على كتاب مطبوع يعرفه اهل الاختصاص وربما غيرهم ).
والحقيقة ان هذه الافكار منشورة منذ سنة 1375 ه, وكان ينبغي ان تنسب الى صاحبها بالعبارة الصريحة والتوثيق اللازم . هذا مع ان كلامه في الثناء على ابحاث المستشرقين والمبتدعة يدل على انه وجد الافكار لديهم ناضجة متكاملة . وهذا هو الواقع , فكثير مما لديه يوجد في كتب مرتضى العسكري الذي قتل هذه القضايا بحثا وافرد لها عدة كتب , ولم اجده يخالفه في شي ء اويرد عليه فهذا تناقض واضح بين الثناء على البحوث وانكار الاعتمادعليها.(10/160)
ولقد بذل الاستاذ غاية جهده في هذا الكلام للتعمية على العسكري مرة اخرى ,فانكر الاعتماد على الكتب المطبوعة , وادرج اسمه بين باحثين اكثرهم من هذه البلاد, ولم يذكر اسمه كاملا ولا اسماء كتبه التي اطلع عليها, وجعل الامرمن باب الاطلاع المعتاد. وهو لا يخفى عليه بالطبع تواريخ صدور الكتب ولاالمقارنة بين الافكار ومعرفة صاحب النظرية من بينهم , فاذا كان مرتضى العسكري هو السابق الى اتهام سيف بن عمر باختلاق عشرات الصحابة والبلدان - وعلى راس الجميع القعقاع الذي قتله بحثا فلماذا اخفاءالاسماء والمصادر ثم يقول العبارة الروتينية المملولة (مع تقديري لمن سبق وعدم هضم حقه ), فكيف يكون هضم الحقوق اذن .
وكان الاستاذ قد قال في العام الماضي : وقد ياخذ علي الدكتور انني نقلت بعض النتائج التي توصل اليها بعض الباحثين كالهلابي والعسكري . وهذا غيرصحيح , لانني رجعت للمصادر نفسها وتاكدت من تلك النتائج بنفسي (كتاب الرياض , ص 81). فهذا خلط في مناهج البحث العلمي لا يوافقه عليه احد, فاما النصوص الموجودة في كتاب العسكري فلا باس بالاحالة على المصادر راسا بعد التاكد, واما راي العسكري في ان سيف بن عمريخترع اسماء عشرات الصحابة وعلى راسهم القعقاع فهذا لا وجود له في المصادر القديمة وانما هو راي جديد سبق اليه , فيجب على من يعيد بحث هذه المسالة - سواء بالموافقة او المخالفة - ان يعزو الراي الى صاحبه ولواطلع على الدليل بنفسه .
وهذه التفرقة من اوضح الامور لمن مارس البحث العلمي , ولا اظنها تخفى على الاخ المالكي , ومن المعلوم انه لا يجد محذورا في الاحالة على كتاب الدكتور الهلابي لانه تلميذه وقد اهدى كتابه اليه , ولكنه يتهرب من الاحالة على العسكري .(10/161)
وقد وجدت في كتابات الاستاذ كثيرا من اساليب التعتيم على العسكري , فتراه يذكر اسمه دون كتابه , او كتابه دون اسمه , ويقول توصل الى النتائج نفسهاالتي توصل اليها الدكتور الهلابي كان الابحاث متزامنة , مع انه قد توصل اليها منذ خمسين عاما ونشرها منذ ثلاثة واربعين عاما (كتاب الرياض , ص 58). وكان الاستاذ عبد الحميد فقيهي قد اوضح ان مسالة القعقاع ووجوده في كتاب العسكري , فرد المالكي قائلا (اما ربط الفقيهي بين انكارشخصية القعقاع وبين كتاب مرتضى العسكري فان هذا الربط لو صح لماضر البحث شيئا فالحكمة ضالة المؤمن ), الخ (كتاب الرياض , 270). فقوله لو صح فيه تهرب واضح لانه لا يدل على اقرار ولا انكار.(10/162)
خلاصة افكار العسكري : (9) اما كتاب العسكري الاول (عبداللّه بن سبا: المدخل ) فلم اجد ايما اشارة اليه , لا في مقالات الاستاذ ولا في الاعتراضات عليها. وقد رجعت اليه وانااكتب هذا الكلام , فوجدت ان العسكري لم يتطرق فيه الى عبداللّه بن سباكما يوهم العنوان , بل يبحث في سيف بن عمر فقط, لان الغرض منه اثبات وقوع التزوير الشامل للتاريخ على يدي سيف , تمهيدا للجزء الثاني المخصص لعبد اللّه بن سبا وهو بعنوان (عبد اللّه بن سبا واساطير اخرى ). واليك بعض كلامه في مقدمة الكتاب لاهميته : قال العسكري (في سنة 1369 ه - وبينما كنت اراجع قسما من المصادر الاسلامية - رابني ما وجدت في بعض الروايات في اشهر الكتب التاريخيه من ظواهرتدل على انها مدسوسة وموضوعه , فاخذت اجمع تلك الروايات المريبة واقارن بينها وبين غيرها, واذا بي اهتدي الى حقيقه كان التاريخ قد نسيهافانطوت في اثنائه وضاعت في تياراته .. ورايت من الواجب الادبي ان اشهرتلك الحقيقة المجهولة , فبوبت مذكراتي الى فصول , وسميتها: احاديث سيف ),الى آخر ما قال ثم ذكر ان احد علماء المذاهب اشار عليه بتغيير العنوان الى عبداللّه بن سبا فاستجاب له . وذكر انه احجم عن نشره سبع سنين خشية اثارة العواطف في الشرق المسلم المؤمن كايمان العجائز وهذا الكتاب ملى ء بالطعن في عقيدة جمهور المسلمين والدخول الى ذلك من باب الطعن في التاريخ والرواة , وهو اقرب الى التهريج منه الى البحث العلمي الصحيح . والصبغة المذهبية واضحة عليه , مع انه يتستر ويحاول اظهارالتجرد لان الغرض اقناع جمهور المسلمين بفساد تاريخهم ومصادرهم وعقيدتهم , ولم ينتقد شيئا من مصادر مذهبه ولا رجاله ولا رواية التاريخ لديهم , وتجاهل ان علماء مذهبه عبر العصور لم يتهموا سيفا باختلاق الاشخاص والحوادث والبلدان , وهذه انما هي تهمة عصرية لم يكن لهاوجود قبل دعوى تزوير الشعر الجاهلي .(10/163)
وكثير من الافكار التاريخية التي ينشرها الاخ المالكي موجود في هذا الكتاب المذهبي , مع الاقرار باختلاف طريقة العرض والاستدلال وبعض الاضافات التفصيلية التي لا اناقشه فيها, واختلاف الغرض ايضا ان شاءاللّه . واجد من المفيد سرد موضوعات الكتاب لانه ليس من الكتب المشهورة . فقال في الصفحة 26 (استخرج مترجمو الصحابة اسماء كثيرة من اساطير سيف وترجموا لهم ضمن تراجم الصحابة , واستخرج (ياقوت )الحموي ايضا من اساطيره اسماء اماكن ترجمها في معجمه ), فهذه الجملة هي خلاصة مقالات الاستاذ المالكي التي تتردد في كتابات المالكي تقريبا ومن الغريب انه ليس فيهااتهامه باختراع الاسماء مرويات سيف عن الموضوعات التالية : قصة بعث جيش اسامة (الصفحة 29).
حديث السقيفة (الصفحة 32).
قصة الردة (الصفحة 96).
قصة خالد بن الوليد ومالك بن نويرة (الصفحة 114).
قصة العلاء بن الحضرمي (الصفحة 122).
قصة نباح كلاب الحواب (الصفحة 127).
قصة الفاحشة المنسوبة للمغيرة بن شعبة (الصفحة 134).
قصة حبس ابي محجن الثقفي (الصفحة 139).
قصة استلحاق زياد (الصفحة 142).
قصة الشورى وبيعة عثمان (الصفحة 152).
تحريفات سيف بن عمر في سني الحوادث التاريخية (الصفحة 158).
ثم عقدابتداء من الصفحة 161 فصلا بعنوان (مختلقات سيف من الصحابة ),وذكر اثنين منهم بالتفصيل : القعقاع بن عمرو التميمي واخاه عاصم بن عمرو التميمي . اربع وعشرون صفحة لاثبات ان القعقاع واخاه من مخترعات سيف .
ثم ذكرفي الصفحة 185 وما بعدها انه جمع اسماء اكثر من مائة من الصحابة الاسطوريين المترجم لهم في كتب تراجم الصحابة , وسرد اربعين اسما من غير تفاصيل .(10/164)
ثم عقد في الصفحة 190 فصلا بعنوان (الحموي واحاديث سيف ), ذكر فيه الاماكن الاسطورية الموجودة في معجم البلدان لياقوت بناء على روايات سيف , ومنها: جبار, الجعرانة , شرجة صيهد, دلوث , طاووس , نعمان ,القردودة , ثنية الركاب , القديس , المقر, الولجة , وغيرها. وقد اشار المالكي الى اختراع اسماء البلدان , واتهم سيفا بهذه التهمة الغريبة , وضرب مثلاببعض هذه الاسماء وغيرها. ولكنه راى فيما يظهر ان يؤجل الكلام فيهاللتركيز على موضوع القعقاع وهذا دليل قوي على التناقل , والا كيف عرف ان هذه الاماكن العراقية المجهولة لا وجود لها هذا مع العلم بان العسكري لم يتحقق من انها اسماء وهمية ولا يظهر عليه انه من علماء الجغرافيا.
اما الكتاب الثاني (خمسون ومائة صحابي مختلق ) فقد قراته منذ بضع عشرة سنة ولم يتيسر الرجوع اليه الان . وفحوى الكتابين واحدة , وهو امتدادللكتاب السابق , وقد اعاد فيه ذكر القعقاع , واظنه الاول في التسلسل . ومن الواضح ان عدد المائة تضخم الى مائة وخمسين مع مواصلة البحث .
ومن الجائز ان يكون العسكري او تلاميذه قد اصدروا كتبا اخرى او مقالات ,فاطلع عليها المالكي بمقتضى اهتمامه وحرصه على هذه الامور. وليس من المهم استقصاء الامر الى غايته , لان الكتاب الاول كاف جدا لاثبات المطلوب وهو انها افكار العسكري , وبخاصة دعوى ان القعقاع من مخترعات سيف . فلو رآها لقال : اهلا وسهلا, بضاعتنا ردت الينا 1369 ه, ونشرها قبل ان يولدالمالكي بكثير ومفهوم كلامه انه لم يسبق اليها لانه يقول (و اذا بي اهتدي الى حقيقة كان التاريخ قد نسيها), مع ان هذه المسالة بحاجة الى تحقيق ,ولعله التقط الخيط من كتابات الدكتور طه حسين او غيره .
واقول للقارئ الكريم : لقد نظرت في كلام العسكري قبل بضع عشرة سنة ,ونظرت فيه الان , لاني لا ارضى لنفسي ان اعيش في عالم الاوهام والاساطير, والحمد للّه الذي عافانا مما ابتلى به غيرنا.(10/165)
فوجدت ثرثرة كثيرة وطبلا اجوف , تسمع بالمعيدي خير من ان تراه لا احتقارا له ولاانتقاصا من علمه , ولكن لانه راغ عن الطريق فلم يتناول دعوى الاختلاق ولم يبحثها اصلا , وانما قال (واذ ابي اهتدي الى حقيقة كان التاريخ قد نسيها) لا غير, كانه الهام نزل عليه انه يرى الحاجة الى اثبات هذا الوسواس , فما قيمة الكتب - والمقالات ايضا - اذا لم تتضمن بحث هذا الامر والعبور به من الافتراض الى الحقيقة التا ريخية المؤكدة وفي كتب العسكري كلها مغالطة عظمى , فهو يستخدم اقوال المحدثين لرد روايات سيف , فليس لهذا من معنى الا اذا كان يسلم بصحة مافي الصحيحين ولكن اخانا المالكي مر على هذا مرور الكرام .
والحقيقة ان موقف العسكري مفهوم بعض الشي ء, لان هذه النظرة للصحابة من ضروريات مذهبه , فمن الطبيعي ان يضيق ذرعا بالفضائل والبطولات المنسوبة اليهم في كتب التواريخ , ويجزم بانها مخترعة من غير حاجة للاثبات , ويبحث عن شخص لاتهامه باختراعها. ولكن , ما عذر اخيناالمالكي في متابعته على ذلك ولا سيما انه لم يتناول هذا الجانب بالصراحة اللازمة بحيث يتضح الفارق بينهما.(10/166)
(10) ولعل القارئ الكريم يسمح لي باستطراد خارج موضوع القعقاع , لانه مفيد جدا لبيان امانة العسكري وهو يتهم سيفا بهذه الفرية العظمى . قدتجاهل ان عبد اللّه بن سبا مذكور مذموم في كتب مذهبه لان علماء المذهب كانوا قديما يستنكرون آراءه المتطرفة , فكان الواجب عليه ان يبدا بنقدالذات العلامة العسكري ذلك في كتابه عبد اللّه بن سبا الجزءالثاني وقد اشار اليه الدكتور العودة في كتابه عبد ابن سبا واثره في احداث الفتنة في صدر الاسلام ), ومنها مثلا قول اعشى همدان شاعر قحطان والعراق يهجو المختار الثقفي واصحابه من غلاة الشيعة , بعد ثلاثين عاما من الفتنة الاولى : شهدت عليكم انكم سبئية ----- واني بكم يا شرطة الشرك عارف فمن هؤلاء السبئية الغلاة الا ان يكونوا اصحاب ابن سبا, وهل كان الاعشى ليقول هذا لولا ان هذه الطائفة كان لها شان كبير في الفتنة الاولى وهل كان يقوله لولا انه مفيد في تثبيط معتدلي الشيعة عن نصرة المختار وهذا نفرواحد من نصوص كثيرة تدل على وجوده ودوره في الاحداث وبقاءافكاره وانصاره الى ان صار الغلو هو القاعدة . فياتي هذا الغيور على التاريخ ويدعي زورا وبهتانا انه اسطورة افتراها سيف , ثم يجعل الكلام على سيف واختلاق الصحابة الخمسين ومائة فرعا عن الكلام على هذه الاسطورة العظمى ومدخلا للقول فيها. فاذا ثبت وجوده وصدق سيف فيه فما قيمة الكلام على بقية الاساطير .(10/167)
وانا استغرب - وقد تبين الان انه ليس من اساطير سيف - ان اخانا المالكي لايجهر بهذه الحقيقة ولا بنقض مزاعم العسكري , بل يلتمس المخارج وحيل الكلام , فيقول في المقالة السادسة (السبئية لا تعني مجرد الخروج على عثمان ,وقد انتهى الدكتور عبد العزيز الهلابي الى انه اسطورة والدكتور سليمان العودة الى عكس ذلك , ولعلهما يلتقيان ويتحاوران , وانا اميل الى انه اسطورة ولا اجزم بذلك ), انتهى مختصرا. كلام مطاط لا زمام له ولا خطام ممن تعمق في دراسة تلك الفترة : السبئية موجودة ولكن ابن سبا الاقرب انه اسطورة في الروايات الاخرى واشعار الشعراء وفي كتب الشيعة يعتبر نقطة لصالح سيف وتاييدالروايته ودافعا الى التاني في اتهامه باختراع اسماء الصحابة . ولا علاقة لاصل وجوده بموضوع دوره في الفتنة ومدى تاثيره والكلام على المؤامرة اليهودية , اذ هما شيئان مختلفان . ولقد فتحت الفتنة باب الصراع المخيف ,ومعلوم ان الدعاية والافتراء والمبالغة من ادواته المعروفة , فلا يستبعد من الحزب الاموي ان يبالغ في امره ويتهم جمهور الثائرين بالانصياع له . ولكن من المستبعد ان يختلقوا شخصا من العدم وينسبوا اليه هذا الدور, فهذا من الكذب الساقط المكشوف الذي لا فائدة لاصحابه منه . فمجرد وجود التهمة دليل على وجود الرجل , ولا نار بلا دخان . ولعل القارئ الكريم يلاحظ ان الاستاذ المالكي ههنا ايضا يصرح مرة اخرى باسم الهلابي والعودة ,ويتجاهل العسكري الذي صنف كتابين او اكثر عن عبداللّه بن سبا.(11)وههنا مسالة تتردد بين السطور في كتابات الاستاذ المالكي وكتابات خصومه , ولا بد لي من الحرص التام في التعبير عنها لان الغرض ليس الاتهام بقدر ما هو الحث على تناولها بالوضوح اللازم . وربما تصورت لهاتخريجا ما, ولكن ليس من المصلحة ان يتولى ايضاح هذا الامر ومعالجته احد غيره . وما احسن الوضوح والصراحة في مثل هذه الامور. فلقد اوضح ان اهل السنة يجب ان يكونوا(10/168)
منصفين للجميع , وانهم وسط بين الروافض والنواصب (كتاب الرياض , ص 41). ولكن هذا الكلام النظري ليس له صدى على ارض الواقع مثل اشياء كثيرة , فالكتب والمقالات تترى , وفي كل واحد منها عشرات الاراء التفصيلية , وكلها تقريبا تصب في خانة واحد من الفريقين بعينه ولا نرى لدى الاستاذ شجاعة مماثلة في نقدروايات الطرف الاخر, ولا حرصا على التعرض لها, وقد اشرت الى بعض ذلك فيما مضى , ولعله ان شاء اللّه امر غير مقصود. وهو لا يتردد في اتهام ابن حزم والخضري والخطيب وغيرهم بانهم نواصب , ويقول ان النصب سبع مراتب , اما مرتضى العسكري فيقول عنه هذه العبارة اللطيفة (رغم ميوله العقدية ), فاين العدل والتوازن والوسطية (كتاب الرياض , ص 58)فمن الطبيعى ان يقابل هذا الميل باتهامات مضادة من بعض المخالفين . ولايخفى ان هذا النوع من الحوار مضر جدا , لانه يسمم الاجواء ويفسد الهواءويحول دون الاستفادة العلمية المطلوبة ويدفع كل طرف الى الاستفزازوزيادة التطرف .
ولا اقول انه هو المسؤول عن ذلك وحده , ولكنه المسؤول الاول فيما ارى . وقداشرت الى اشياء من اسلوبه في التعبير, وادعائه ان التزوير تجاوز جميع الحدود بحيث تنفر منه العقول السليمة ومع ذلك جازعلى كثيرمن علماءالاسلام , وطريقته في التعتيم على المصادر التي حالت بينه وبين ايضاح الفروق في الاغراض والمناهج , وعدم التوازن في الموضوعات التي يختارهاوالامثلة التي يضربها, فهذه الامور لها دور كبير في سوء التفاهم . واذا كانت نظرته متوازنة كما يقول , فينبغي ان يظهر اثر التوازن عمليا في الموضوعات والكتابات والاراء والعبارات , وهذا غير موجود مع الاسف .(10/169)
كتاب التباني : (12) ومما يتصل بموضوع المصادر ان الاستاذ المالكي اثنى , بحرارة على كتاب تحذير العبقري من محاضرات الخضري للشيخ محمد العربي التباني رحمه اللّه , واثنى على المؤلف في غير مكان , وقال : اكاد اقطع قطعا انه لم يؤلف مثله في موضوعه (كتاب الرياض , 37). فاذا كان الامر كذلك فلماذا لا نرى ذكر التباني وكتابه في مقالات القعقاع وغيرها اولا باول لماذا لا يجعل كلامه تبعا لكلام التباني وامثاله في الاراء التي سبقوه اليها كما تقتضيه الامانة العلمية والاعتراف بفضل السابقين ويظهر لي ان الاخ المالكي يكتفي في الدراسات المقبولة لديه . بالاشارات العامة الواضحة و غير, الواضحة , بمعزل عن مواضع الاستفادة التفصيلية . وهذاالامر غير مقبول لانه يؤدي الى استيلائه على جهود العسكري والتباني وغيرهم ممن سبقوه بجيل او جيلين , فينسخهم ويحل محلهم بدلا من ان يكتب مؤيدا لهم . وقد وقع ههنا في اعظم مما عاب على غيره , واكتفى بتذكيره بما قاله لاخي الدكتور عبد اللّه العسكر, الذي اخذ عدد الروايات من احد المصادر, فقال الاستاذ (وهذا خلاف الامانة العلمية ) وقال لباحث آخر (وهذا خلاف الامانة العلمية في نسبة كل قول الى قائله ) (كتاب الرياض , 81 و 181). وهوعلى حق في ذ لك كله , اما هو فياخذ الاراءالاجتهادية وينشرها تحت اسمه ويقول (لو صح لما ضر البحث شيئافالحكمة ضالة المؤمن ).
عن القعقاع و سيف بن عمر (2/3)
د. محمد بن عبد اللّه العزام صحيفة الرياض - 2 ربيع الاخر - 1418 هـ(10/170)
بين العسكري والمالكي : (13) لا يخفى على القارئ الكريم ان المسالة عند مرتضى العسكري لاتقف عندالقعقاع ولا حتى عند سيف , وانما هو فتق واسع او ثقب اسود نعرف اوله ولانعرف آخره , لان هذه الدعوى تقوم على نظرة مبدئية خاصة الى التاريخ والمؤرخين , واتها م واحد منهم بالتزوير الشامل للتاريخ الاسلامي , واتهام سائر علماء الامة الى يومنا هذا بالجهل او الغفلة او التستر واشاعة الاباطيل والانتصار لها او ما وراء ذلك من اتهامهم بضعف وسائل التمحيص والنقد,حتى انهم لم يفطنوا طيلة ثلاثه عشر قرنا الى اختراع اسماء الصحابه بالجملة .
والاخ المالكي من جهته يتحدث عن انقاذ التاريخ الاسلامي لا عن تصحيح غلطة معينة , ويضرب المثل باربع مدن اسطورية لا بمدينة واحدة , ويقول :(هذه باختصار قصة سيف بن عمر مع عدد كبير من الشخصيات الذي اختلقها), ويقول : (عشرات المدن التي لم يسمع بها احد ولم ينطق بها لسان ولاسمعت بها اذن ولا خطرت على قلب بشر) وهكذا في سائر مقالاته ,وهو كلام يشبه كلام العسكري من جهات كثيرة , ولا سيما عدد الاشخاص والاشياء التي يقولان انها مخترعات سيفية .
ولقد كان العسكري صريحا بعض الشي ء, فلم يحذف شيئا من المسائل التاريخية التي يرى ان سيف بن عمر قد افسدها, ومنها حديث السقيفة وما وقع لفاطمة رضي اللّه عنها وحروب الردة والشورى .
ومعلوم ان هذه المسائل من ضروريات مذهبه , فلا يستغرب منه بحثها اما الاستاذ المالكي فاخذمن هذه المسائل وترك , ومن المكن ان ياخذ غدا ما تركه اليوم فليس في ابحاثه ما يسوغ الجزم بانه يختلف عن العسكري , ولم يخالفه في شي ء,واضح .(10/171)
نظرتهم الى التاريخ (14) وانا اتحف القارئ الكريم ببحث آخر من هذا النوع , فقد زعم احد الكتاب - من جماعة العسكري , وبحثه منشور في مجلة المورد العراقية سنة 1977 -ان ابا الفتح عثمان بن جني قد كذب على ابي الطيب المتنبي حين زعم للناس انه لازمه وقرا عليه ديوانه واستفسر عن معاني شعره , فقال ان ذلك نوع من احلام اليقظة , وملا المقالة بتحقير الرواية والطعن في الرواة وهذا الكلام ايضا فحواه ودوافعه مذهبية واضحة مع الاسف , ولا يتسع المقام للخوض فيها ولا للاتحاف بامثلة اخرى .
فاذا كان ابن جني شيخ العربية يكذب على المستوى , ثم يروي الجم الغفير من العلماء والادباء ديوان المتنبي متنا وشرحا عنه ولا يفطنون الى هذه الاكذوبة الهائلة , بل يساعدونه على تحقيقها وتخليدها, و يقع مثل ذلك , مع اكاذيب سيف كما زعم العسكري والمالكي . ومع الشعر الجاهلي كما زعم الدكتور طه حسين , واحاديث ابي هريرة رضي اللّه عنه كما زعم ابو رية ,وغيرها وغيرها وغيرها - فكل شي ء يجوز ان يكون مختلقا, وقل على العلم السلام . وما الذي يمنع ان ياتي الدور على كبار المفسرين والمحدثين والفقهاء, فيقال - وقد قيل فعلا - انهم كانوا يخترعون المتون والاسانيدفيصححها اللاحقون غفلة وبلاهة ويضعونها في كتب التفسير والقراءات والعقيدة والحديث والفقه والسيرة النبوية وغيرها.
والحق من اطلع على كتابات العسكري وجماعته لن تفاجئه طريقتهم في تكذيب الرواة والعلماء واتهامهم بشتى التهم لاغراض يعرفها الجميع , وانماالمفاجاة ان يتبنى الاخ الاستاذ حسن المالكي هذه الافكار وينشرها علينابهذه الطريقة الملتوية .(10/172)
(15) قد يقول المالكي ولكني لم اتحدث الا عن سيف بن عمر غيرك في المستقبل - وقد تمدد الطريق واستقرت القاعدة - عن غيره , وهل تستطيع ان تمنع الناس من التصرف في الفكرة اوتطبيق نفس القاعدة على مئات المسائل الاخرى ؟ ولا يخفى ان الصعوبة تكمن في تاسيس القاعدة , ثم ينفتح الباب على مصراعيه , ويصبح من ايسر الامور ادعاء ان العلماء انخدعوا بعشرات الاساطير الاخرى او مئاتهااو آلافها, وبخاصة الامام الطبري كما سياتي فمن حقنا اذن ان نلفت الانظارالى حقيقة الموضوع من جميع ابعاده . والمالكي قد كفانا المشقة لانه يتحدث عن امور لها اول وليس لها آخر مثل انقاذ التاريخ الاسلامي والمناهج والجامعات , الخ .
ان النتيجة الخطيرة المترتبة على هذه الاراء ما يلي : ان الامة تعيش منذ اربعة عشر قرنا في عالم الاوهام والاكاذيب , وليس لديها حصانة مناعية ضدالاساطير الكبرى , فكان من الممكن ان ياتي قصاص متعصب لا قيمة له في نفسه ,فيختلق من نسج الخيال اسماء عشرات الاسماء والمدن والمعارك والاحداث الخاصة بعصر الصحابة وغيره . مما لم يسمع به انسان ولم يخطرعلى قلب بشر قبله , والبلاد من حوله تمور بالعلماء الغافلين , ثم تقع هذه الاساطير موقع القبول بعد جيل او جيلين وتصبح حقائق مقررة يتناقلهاكبار العلماء والحفاظ, و لا تدرك الامة انها اكاذيب مختلقة الا بعد بضعة عشر قرنا, ربما على ايد المستشرقين والمبتدعة .(10/173)
واذا تحقق ان الخط الدفاعي لم يكن موجودا في تلك القرون الاولى فما ايسرتوجيه المطاعن الى كل شي ء حتى الى القرآن الكريم والسنة النبوية اذا كان العلماء يسكتون على اختراع اسماء الصحابة فلماذا لا يسكتون ايضا على اختراع احاديث الصحابة , ونحن نعلم مثلا ان الدكتور طه حسين ادعى في نفس الكتاب ان ذكر اسماء الانبياء في القرآن الكريم لا يكفي للجزم بوجودهم التاريخي , فالفاصل رقيق جدا بين الطعن في الشعر الجاهلي وبين الطعن في اركان العقيدة . وما لنا نذهب بعيدا, فالعسكري طبق نظريته اولاعلى قضايا خلافية ذات صبغة عقائدية اخطر بكثير من مسالة القعقاع ,واهمها بيعة ابي بكر الصديق رضي اللّه عنه في سقيفة بني ساعدة .
ولا ادري ماذا يبقى من تاريخ الطبري - والتاريخ الاسلامي كله - اذا القيناسبعمائة وثلاثين خبرا من اخباره في مهملات التاريخ ومنكراته كما طلب الاستاذ (كتاب الرياض , 62) من غير حاجة للنظرفي متونها ومن غيراشتراط وجود روايات احسن منها ولا اعني النسبة العددية لانها قليلة بالقياس الى حجم الكتاب , بل منزلة الكتاب والثقة به وبصاحبه , فسيكون كالرجل الشريف , الذي لحقه العار او الصدوق الذي جرب عليه الكذب .
ولا يلزم من قولي هذا ان المالكي يرى ذلك كله , ولا ندري ماذا سيكون موضوع الكتابات القادمة , ولكنه نتيجة حتمية لكلامه .انه كما قلت فتق واسع نعرف اوله ونجهل آخره .(10/174)
بين الحديث والتاريخ لقد لاحظ العلماء الفوارق بين الحديث والتاريخ منذ العصور الاولى , فتشددوا في رواية الحديث وتساهلوا بعض الشي ء في رواية الاخبار والوقائع , فقبلواروايات امثال سيف بن عمر في التاريخ , وهشام بن محمد الكلبي في الانساب , وابي عبيدة في ايام العرب , وكثير من الادباء واللغويين في مجال اختصاصهم ولا يعقل ان يشترط في رواية فتح الاندلس مثلا ما يشترطفي رواية غزوة بدر وليس من الصعب التفريق بين سيف المحدث وبين سيف المؤرخ او بين هشام المحدث وبين هشام الاخباري النسابة , فاذا روواالحوادث والاخبار والانساب واللغة والشعر فلا باس , واذا رووا شيئا من الحديث والاحكام الشرعية فلا.(10/175)
واليك مثالا على هذه التفرقة , فقد ترجم الحافظ ابن عبد البر للقعقاع بن عمروفي الاستيعاب فقال (القعقاع بن عمرو التميمي قال شهدت وفاة النبي (ص ),فيما رواه سيف بن عمر عن عمرو بن تميم عن ابيه عنه قال ابن ابي حاتم :سيف متروك الحديث , فبطل ما جاء من ذلك . قال ابوعمر هو اخو عاصم بن عمرو التميمي , وكان لهما البلاء الجميل والمقامات المحمودة في القادسية ,لهما ولهاشم بن عتبة وعمرو بن معديكرب ). فمن الواضح ان كلمة ذلك في قول ابن ابي حاتم تعني ما مر في اول الكلام من قول القعقاع انه شهد الوفاة ,واذن فقوله (سيف متروك الحديث , فبطل ما جاء في ذلك ) معناه انه لايؤخذ بقوله في مسالة الصحبة لان هذا الامر يتعلق بالدين والسيرة النبوية . ولم يتعرض ابن ابي حاتم لمسالة وجود القعقاع ولا حضوره لمشاهد الفتوح , ولاراى ضعف سيف سببا للتشكيك في هذه الامور. وقداوضح ابن عبدالبر هذا غاية الوضوح في تعقيبه على كلام ابن ابي حاتم ,وهو لم يخالفه في شي ء, ولكنه حاصل كلامه ان الشك في الصحبة لاعلاقة له باخباره الاخرى . ولو كان يريد التسوية بين التاريخ والحديث , او ان يردرواية سيف ردا شاملا, او ان يشكك في وجود القعقاع واخيه من الاساس , او ان سيفا يخترع الاسانيد, او ما الى ذلك من الدعاوى , فهذا هوالمقام المناسب لذلك .
ولقد استغربت قول المالكي لم يتعقبه بشي ء, فالتعقيب واضح (كتاب الرياض .ص 54). نعم , انه لم يخالفه في نفي الصحبة بناء على ضعف سيف في الحديث ,ولكنه عقب بما يفيد جزمه بوجود القعقاع واخيه . وهذا التعقيب واضح الفائدة في توثيق سيف فيما يتعلق بوجود القعقاع ورواية التاريخ اجمالا,وهو موطن النزاع بيت القصيد في مقالات الاستاذ.(10/176)
واغرب من ذلك قوله عن شهود القعقاع وفاة الرسول (ص ) مسالة تاريخية بحتة (كتاب الرياض , ص 95). والغرض منه التسوية بين التاريخ والحديث ,وادعاء ان قول ابن ابي حاتم رحمه اللّه سيف متروك الحديث معناه سيف متروك الحديث والتاريخ . فمن الواضح ان الاستاذ لم يتدبر الفرق بين الحديث والتاريخ . ومن التحامل والاندفاع وضعف الموضوعية ونقص المنهجية ان ياخذ جزءا من قول ابن ابي حاتم لانه يصلح للغرض المطلوب ,ولايشير الى اقراره الضمني بانه شخص حقيقي , ولا الى سكوته عن اتهام سيف بتزييف التاريخ بالجملة وما لنا نذهب بعيدا في الاستدلال , فمن اوضح الادلة على تفريق علمائنا بين الامرين كثرة روايات سيف وابي مخنف والهيثم وابن الكلبي في كتبهم التاريخية , وانعدامها في الصحاح والسنن وقد اوضح الاخ المالكي اكثار ابن حجر من الرواية عن سيف في الاصابة ولكنه لم ينقل عنه شيئا في فتح الباري (كتاب الرياض , 105 - 106) فالتفسير الواضح لذلك ان الاول كتاب تاريخ والثاني كتاب حديث .
ولا يخفى ان هذا المسلك في التفريق غير ممكن اذا كان الذي بين ايدينا انما هورواية هؤلاء الضعفاء في الحديث , وهذا هو الواقع ههنا لاننا لانجد في الصحيحين مثلا شيئا عن القعقاع اما اذا وجدنا في الصحيحين او غيرهمارواية اقوى من مثيلاتها عند سيف او غيره فلا شك انه يجب تقديمها عليها,ولا اعرف من يخالف في ذلك او يجادل في اعتبار الروايات الصحيحة في كتب الحديث اقوى من غيرها عند الاختلاف , وان تخلف التطبيق في كثيرمن الاحيان . وهذه النقطة - اعني تخلف التطبيق فقط - مهمة جدا يشكرالاخ المالكي عليها, لانه قد اوضحها وضرب لها امثلة جيدة عليهاويلاحظ ان كثيرا من المتخصصين في العلوم التاريخية والادبية لا يكادون يفقهون شيئا في مصطلح الحديث , ولايعرفون دراسة الاسانيد والترجيح بين الروايات على منهج السلف , وهذا من آثار مناهج التعليم الغربية من غير شك .(10/177)
فمن المغالطة اذن ان يلبس العسكري لباس التشدد, فيقول سيف ضعيف متهم بالكذب وقد قيل فيه كذا وكذا, ويسرد اقوال المحدثين ويوهم ان المقصودبها رواياته التاريخية التي لا مقابل لها اقوى منها هذا مع انه في واقع الامر لايعبا بالصحيحين وقد ذهب الاخ المالكي الى ان الحديث والتاريخ شي ء واحد لا فرق بينهما(كتاب الرياض , 97 - 101), وجعل الخلاف بينهما من باب الاولى بمعنى ان الذي يكذب في الحديث احرى به ان يكذب في التاريخ (كتاب الرياض ,92) ولم يات بدليل الا الاستنباط العقلي , وقد سبق ان انتقد هذا الامر بعينه على الاخرين (نفسه , 22) وهذا الاحتجاج العقلي غير مستقيم , وليس هذاهو التصور الصحيح للمسالة , فان رواية حديث الرسول - (ص ) لا بد فيهامن الاحتياط وزيادة الشروط والمواصفات لان الخلل فيها عظيم الاثر في حياة الامة دينا ودنيا, ومن المعلوم بالضرورة ان الانسان قد يوثق به في الامور الصغرى والمبالغ المالية القليلة ولا يوثق به فيما وراء ذ لك , فالقول بان الكذب على الرسول في (ص ) يعني بالضرورة الكذب على سائر الناس ليس بصحيح , وما كنت اظن هذا يخفى على الاستاذ فالحاصل انه يريدايضا اعتبار متون سيف كالاحاديث النبوية , ويستشهد باقوال المحدثين لردرواياته في التاريخ من غير اشتراط وجود روايات اقوى منها.
بين النقل والتوثيق من الملاحظ ان الاستاذ المالكي لا يتصور ان احدا يمكن ان يوثق سيف بن عمرسواء في رواية الحديث او في رواية التاريخ , وقد بذل غاية جهده في نقل الاقوال في تضعيفه حتى عن بعض اهل عصرنا, مع الايهام بانها تنطبق على التاريخ كما تنطبق على الحديث لانهما كالشي ء الواحد. فاذا وجد شيئالا يتفق مع المطلوب بذل غاية جهده لازاحته عن الطريق . واكتفى من ذلك باربعة امثلة : قوله : ان الطبري يعتبر ممن ضعف سيف بن عمر (كتاب الرياض , 52) .(10/178)
قوله : عن شهود القعقاع وفاة الرسول في (ص ) مسالة تاريخية بحتة , لتوجيه كلام ابن ابي حاتم بحيث يشمل التاريخ , ومضى بيانه .
قوله عن الحافظ ابن عبد البر: (لم يعقب بشي ء), ومضى بيانه .
محاولة اسقاط كلمة الحافظ الذهبي كان اخباريا عارفا باوهى الحجج (كتاب الرياض , 84)..
محاولة اسقاط كلمة الحافظ ابن حجر الصريحة ضعيف في الحديث عمدة في التاريخ بشتى الحجج (كتاب الرياض , 55 و 105 - 108).
فلما راى كثرة دوران رواياته التاريخية في كتاب الحفاظ والعلماء الاثبات , لم يجد من حيلة الا بتر الصلة بين النقل والتوثيق فهذه النقول الكثيرة لا تعني شيئا, لا تحسب له بل عليه , لانها كاقوال الشياطين والكفار والمنافقين في القرآن الكريم (كتاب الرياض , 83). وما كان له ان ينحدر في التحامل الى هذا الحد, ولا اعتقد ان انسانا لديه ذرة من عقل يوافقه على ان كلام سيف الموجود في تاريخ الطبري ككلام الشياطين الموجود في القرآن الكريم وفي تاريخ الطبري ايضا.
*********************
10
فلا باس - ما دام الامر يخفى عليه - بايضاح هذه المسالة , راجيا ممن يجد في قولي هذا غلطا ان يتفضل مشكورا ببيان الصواب فان نقل العلماء الاثبات ,او حتى اهل الصدق من عامة الناس , للروايات والاخبار وسكوتهم عن تمريضها, يدل على اقتناعهم بصحتها, بصرف النظر عن صحتها في ذاتهاوسواء اكان ذلك باسانيد او بغير اسانيد فالطبري مثلا حين يسوق اخبارالفتوح او الفتنة نقلا عن سيف , فانه انما يكتب ما اطمانت اليه نفسه على وجه الاجمال , ولقد كانت المصادر وفيرة بين يديه فاختاره لهذا السبب فهذا النقل يحمل معنى التوثيق , اي الشهادة الضمنية لهذه الاخباربالصحة .
واذا كان الطبري يطمئن الى رواياته بحيث ينقل عنه ثمانمائة رواية كما احصى الاستاذ مشكورا, فهذا دليل لا يدحض على انه يراه عمدة في التاريخ , وهذابيت القصيد.(10/179)
ولا يعقل ان يعتقد انه كذاب وضاع وان هذه الاخبار والاسماء مختلقة , وان كلامه من نوع كلام الشياطين والكفار والمنافقين , فينقله ويسكت عليه ,ولو فعل ذلك لكان مفرطا غاشا للامة , وهو ما صنف كتابه الا لتدوين التاريخ الصحيح على ما وصل اليه علمه واجتهاده وشعوره بالمسؤولية .وهو يعد من اعظم علماء الاسلام وفقهاء الامة ومؤرخيها.
ولا ينبغي الخلط بين هذا المعنى وبين صحة الاخبار في ذاتها وقاعدة ان العهدة على الراوي , فان الطبري لا يجعل نفسه مسؤولا عن صحتها, وانما اوردهالانه يغلب على ظنه انها صحيحة ومثله انك اذا استشهدت ببيت من شعراحمد شوقي مثلا و اوضحت مكانه في الديوان , فلانك تعتقد بانه من شعره ,ولكنك لا تضمن ذلك ولا تسال عنه , فان تبين انه مدسوس على الديوان فالعهدة على ناشر الديوان , ويترتب على ذلك ان كثيرا من فحول العلماء في جميع العصور - ولا سيما القريبين من عصر سيف - كانوا يعتقدون بصحة رواياته التاريخية على وجه الاجمال , كما كانوا يعتقدون ان كلام ابن الكلبي في الانساب صحيح على وجه الاجمال , لا من باب التسليم الاعمى , بل لانه لم يظهرلهم ما يدعو الى الارتياب .
الاعراض عن الطبري (16) ولا ارى البحث يتكامل الا ببحث حال الامام محمد بن جرير الطبري -رحمه اللّه - بحثا صريحا, لان روايات سيف ما كانت لتبلغ هذا المبلغ لولاتفضيله اياها على غيرها من تاريخه الذي اصبح اهم كتب التاريخ . فلا بدمن ايضاح السبب الحادي به الى الاعتماد على مصنع الاكاذيب هذا.(10/180)
ولم ار لدى الاستاذ المالكي عناية ببحث حاله وسبب غشه للامة بهذه الاباطيل الهاذلة , ولا سيما انه يراها اكاذيب مكشوفة ليس من الصعب اكتشافها حتى على المستشرقين والمبتدعة , بل وجدت لديه مراوغة عن بحث هذا الامر(كتاب الرياض , ص 53), بل انه ليعتبر الطبري ممن ضعف سيف بن عمرفي التاريخ (كتاب الرياض , ص 53), وهذا من العجائب ولكن الاشكال باق على حاله , فاذا كان سيف من اعظم الوضاعين فلا بد ان يكون الطبري من اعظم المغفلين او من اعظم الغشاشين , لا محالة , فلماذا اعرض عن تجريحه كما فعل مع اساتذة الجامعات السعودية اليس هو المسؤول , عن اغراق التاريخ وافساده , الا ينطبق عليه ما قاله عنهم تعطيل النصوص والعقول السائد, الغش والتدليس واستغفال القارئ وطلاء الباطل بطلاء الحق , تاسيس الجهل العلمي لغة اهل العلم والتحقيق الفرق بين الطبري وبينهم ؟ اختلاق الاشخاص (17) لقد كان يجب عليه - وقد صح عزمه على سلوك هذا الطريق ان يبدابتاصيل القواعد بالاسلوب العلمي الصحيح , وطرحها على اصحاب الاختصاص ليقولوا رايهم فيها, ثم يبدا بالتطبيق بعد ذلك , اما قبل ذلك فلوكتب مائة مقالة تطبيقية فلا قيمة لها,الا اذا تمكن من اقناع , القراء بصحة المبادى ء العامة فلا بد من اثبات ان سيف بن عمر كان يختلق اسماءالصحابة والتابعين والمعارك والاشعار والبلدان , وايضاح اسباب هذا الامرودوافعه والشواهد عليه من حياته وسيرته واهوائه واقوال اهل عصره فيه , وهل ثبت ثبوتا اكيدا وقوع ذلك منه ام انه ظنون مجردة واحتمالات نظرية وشيق صدر برواياته . وهذا هو زمام المسالة كلها.(10/181)
واختلاق الشخصيات امر غريب في ذاته , ويحتاج الى شرح وبيان واثبات , وهواصعب بكثير مما يوهم كلامه . فهل من اليسير مثلا على احد رواة الشعرالنبطي ان يخترع اسماء عشرات الشعراء ويزعم انهم عاشوا قبل قرن اوقرنين الجواب بطبيعة الحال انه امر غير ميسور لاسباب كثيرة , ومن ارادفليجرب اختراع شاعرا واحدا وليس من السهل على احد ان يخدع جميع الناس , فكيف اذا كان الكذب والتلفيق بهذا المقدار, فلابد رابعا من اثبات ان باب اختلاق الاشخاص بهذا المقدار المزعوم امر ممكن , وانهم تمكنوا من خديعة العلماء بذلك .
لقد كان من الواجب اعتبار التهمة من جميع جوانبها, والنظر في جميع روايات الرجل عن القعقاع وغيره , وهل تابعه احد على ذكر بعض الاشخاص الذين له مصلحة في اختلاقهم , واعتبار جميع آراء العلماء القولية والعملية فيه , الى آخر الامور التي لا بد من اعتبارها. فتكون النقاط سلبية وايجابية ,ثم يحكم له او عليه . وقد فعل القدماء ذلك بهدوء, وانتهى كثير منهم الى قبول رواياته في التاريخ دون الحديث كما هو معلوم .
ثم لا بد من اثبات ان المسالة التي يدور البحث حولها- القعقاع الان وغيره في المستقبل - من ضمن تلك المخترعات , وايضاح ان اخباره تتضمن من المبالغات غير المعقولة ما يستوجب الجزم بانه اسطورة , مع الاخذ في الاعتبار ان المبالغة قد تقع في اخبار الاشخاص الحقيقيين . اما جمهور الناس عبر القرون فلم يقراوا في اخباره شيئا يتجاوز الحدود ولقد كان من الافضل ان يفترض الاستاذ ان الاصل فيه انه شخص حقيقي , لانه مذكورفي كثير من الكتب , والاثبات مقدم على النفي , ويعترف بانه يسبح ضدالتيار, ثم يوضح بالدليل القوي والحجة القاهرة لماذا يجب ان يكون الامرعلى العكس . فهذا هو مقتضى الانصاف , وهكذا يصنع الباحثون وتبرزالجهود.(10/182)
(18) هب ان احد الرواة اورد كلمة او خبرا فيه اسم ما, وليكن القول المنسوب الى ابي بكر الصديق رضي اللّه عنه (سيف القعقاع خير من الف رجل ), ثم اتضح ان الاسناد لا يوثق به لاي سبب , فهل يعني ذلك ان ذلك الاسم مخترع لا وجود له اصلا ام انهما مسالتان مختلفتان ولا بد من اثبات مسالة الاختراع على حده الواقع انهما مسالتان مختلفتان جدا, وكون الاخبارلايوثق بها لا يعني ان الانسان اسطورة . وقد قرر الاستاذ ذلك وهو يتكلم عن الزير سالم وعنترة وحمزة البهلوان وسيف بن ذي يزن , فقال (هؤلاء لهم حقيقة , لكن بولغ فيها جدا), فهل القعقاع في اسوا الاحوال الا كذلك هل فرق بين المسالتين واثبت الثانية بمعزل عن الاولى كلا, بكل تاكيد.
واقع الامر انه لا يخلو مجتمع من شخصيات شعبية يقال انهم عاشوا منذ قرون ,وينسب اليهم الناس كثيرا من الاخبار والاشعار والبطولات والطرائف التي لا يمكن اثبات شي ء منها, ومع ذلك لا يوجد مسوغ في الغالب للشك ,في اصل وجودهم فمن المغالطة ان يخلط بين انفراد سيف برواية اخبارالقعقاع وبين كونه رجلا من نسج الخيال , ويوهم القراء بان ضعف الاسانيديعني بالضرورة انه - ومن سياتي عليه الدور من الصحابة وغيرهم -اسطورة مختلقة تماما كمدينة الحشرة .
فلو قال العسكري والمالكي عن القعقاع وامثاله انهم مجاهيل انفرد بهم سيف بن عمر لكان لهما بعض الحجة والعذر, اصابا او اخطئا ولكن كلمة مجهول المنهجية الموضوعية الهادئة لا تخدم الغرض , لان المطلوب اثبات ان الاكاذيب الكبرى موجودة في تاريخنا الفاسد الهالك الغريق .(10/183)
اسانيد سيف : (19) من المعلوم بديها - حتى لغير المتخصصين - انه ليس هناك صلة حتمية بين الاخبار الباطلة وبين الراوي الذي ذكرها في كتابه , فلو كان القعقاع اسطورة حقا فليس من الضروري ان يكون سيف - من بين الرجال المذكورين في الاسناد - هو الذي اختلقه الا ببرهان واضح . هذا محمد بن اسحاق مثلا, شحن السيرة بكثير من الاشعار المنحولة كما قال محمد بن سلام الجمحي وغيره , فهل نقول : يجب بالضرورة ان يكون هو الذي نظم تلك الاشعار وهل الغزالي هو مؤلف الاحاديث الباطلة الموجودة في احياءعلوم الدين وهذه الاكاذيب التي تقال في المجالس هل من الضروري ان يكون المتكلم هو الذي اخترعها الواقع ان اكثر رواة الاخبار الباطلة لم يختلقوها بانفسهم . وهذا لا يعفي احدا من المسئولية , ولكنه شي ء آخر غيرما نحن فيه .
وقد اسند سيف اخباره الى رواة سماهم باسمائهم , فيقول الطبري مثلا (كتب الي السري عن شعيب عن سيف عن مجالد عن الشعبي ), او (السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وزياد عن قدامة الكاهلي ) او (السري عن شعيب عن سيف عن النضر عن ابن الرفيل عن ابيه عن حميد بن ابي شجار), الى آخر هذه الاسانيد المتفرعة بعد سيف وهي كثيرة جدا. فمن الجائز في منطق العقل والانصاف - اذا افترضنا بطلان هذه الاخبار اووجود مبالغات فيها -ان يكون البلاء من الرواة السابقين عليه . وقد اوضح الاستاذ كثرة الضعف والجهالة فيهم وفي بعض الرواة عنه ايضا (كتاب الرياض , 67 - 69). فاذا كان يرى ان هذه الاسانيد اسطورية وان بعض الاسماء المذكورة فيها اسطورية , فهذان فرضان جديدان لا بد من بحثهماواثباتهما قبل البحث في مسالة القعقاع , ومن الممكن نظريا ان تكون الاسانيد حقيقية والمتون باطلة او العكس .(10/184)
ولقد قال (استخرجت روايات سيف بنفسى وبحثها رواية رواية سندا ومتنا),ولا اجادله في هذا, ولكني لم ار ما يدل على انه درسها بالتفصيل اللازم واثبت بالدليل القوي ان هذا الجمع والبحث قد اثبت ان الاسانيد مخترعة كالمتون او مركبة , ولا ان الرجال المذكورين فيها من الثقات الاثبات او انهم لاوجود لهم اصلا, بحيث يجب ان تتجه التهمة اليه . وتحتاج هذه الدراسة الى جهد كبير لاستقصاء الروايات المنسوبة اليهم في جميع الكتب عن سيف وغيره , والمقارنة بين الاسانيد والمتون لاثبات ان اسانيده اسطورية اومركبة . ولم ار اثرا لذلك في مقالاته ولا منهجا واضحا في دراسة هذا الجانب المهم . ولا ارى فائدة من جهده هذا, لانه يريد الحكم على التاريخ بمقاييس الحديث , ومعلوم سلفا انه ضعيف في الحديث , ويغني عنه قول ابن ابي حاتم متروك الحديث وقد نادى بالقاء هذه الروايات في مهملات التاريخ بعد ان استخرجها واحصاها, وبالقاء كتاب سيف المطبوع في مهملات التاريخ قبل الاستخراج والاحصاء وانما يكون ذلك مفيدا لو انه بحث المتون وقارنهابالروايات الاخرى و اوضح كم المعلول منها والمعارض بما هو اقوى منه وكم منها يمكن قبوله .
ولا ادري ماذا يقول الاستاذ في روايات سيف المقبولة متونها. هل يقول : ان المتون صحيحة والاسانيد اسطورية ؟ ام يقول : عقلي هو الفيصل والحكم ؟فان ورد في شي ء منها اسم القعقاع - او اسم اي انسان مختلق في رايى -فالسند مختلق ايضا, واذا لم يذكر فيه فالسند صحيح فهذا كله تعسف وتحامل , لانه ليس بيده دليل خارجي مستقل على ان الاسماء المذكورة في المتون اسطورية والذي اظنه انه جمع هذه الروايات وقرر ان متونها غيرمقبولة لديه . وراى ان اسم سيف موجود في جميعها, فانتهى الى اتهامه باختلاق المتون والاسانيد, ولم يعتبر شيئا من الاحتمالات الكثيرة الاخرى .(10/185)
وهذا الجانب يمكن ان يعصف بدعوى الاختلاق عصفا, لان القعقاع مذكور في اسانيد متعددة من روايات سيف عن الشعبي وغيره بحيث يشهد بعضهالبعض , ولا سبيل الى ابطالها جميعا الا باثبات ان الاسانيد اسطورية ايضا ,بمعنى انه - بعد ان اختلق اسم القعقاع وصنع الاخبار اللازمة - صنع لهااسانيد لااصل لها باستخدام اسماء حقيقية او خيالية فدعوى الاختلاق يجب ان تكون مزدوجة ذات شقين وتبحث على هذا الاساس : ان المتون وما فيها من الاسماء مخترعة , و ان الاسانيد المصاحبة لها مخترعة . والذي اراه ان اختراع الاسانيد ما كان ليخفى على جهابذة الحديث من معاصريه او من تلاميذهم كالطبري وابن ابي حاتم .(10/186)
وفي كلام الاستاذ في هذا الباب تناقض من اغرب ما يكون فقد قال : من علامات ضعف الراوي انه يروي عن كثير من المجهولين , مما قد يسبق الى الظن انه يختلق الرواة وينسب اليهم اقوالا مما عنده , فاوضح مشكورا انه خاطر وقع له وسبق الى ظنه ولكن هذا الظن سرعان ما انقلب الى يقين , اذقال بعد قليل : وقد اتهم سيف باختلاق اسماء للرواة الذين ليس لهم وجوداصلا بينما تكون الروايات من انشائه في لائحة الاتهامات عن هذاالفاعل المجهول فلم اجد احدا من القدماء ذكر انه يختلق الاسماء المذكورة في الاسانيد, فلم يبق الا ان الاستاذ يعني بذلك نفسه , وتذكرت قاضي واسطالذي تعرض للمامون في الطريق للثناء على قاضي واسط فقول الاستاذ: مما قد يسبق الى الظن انه يختلق الرواة يشبه قول العسكري واذا بي اهتدي الى حقيقة كان التاريخ قد نسيها, كلاهما ظنون لم يهتم اصحابها باخراجها الى عالم الحقائق فنقول لكل منهما: شكرا لهما على هذاالاقرار غير المقصود اشكالات اخرى لم يتعرض لها: (20) ولقد قصر المالكي - والعسكري من قبله - غاية التقصير ايضا في استيعاب الاشكالات الاخرى التي تنشا من تهمة الاختلاق , وفي الصبرعلى مايتطلبه توجيه هذه التهمة الخطيرة من اعتبار كافة جوانب القضية واشباعها بحثا. ومن ذلك ما يلي : - ما حاجة سيف الى اختراع عدد كبير من الشخصيات , ومنهم عشرات الصحابة هل بلغ به التهاون في امر دينه الى حيث يخترع ويكذب متعمداعلى الرسول (ص ) بدعوى انهم كانوا من اصحابه , الا يخشى الرجل العاقل من تعريض نفسه لضربة قاضية من علماء عصره هل بلغ به جنون التعصب القبلي الى هذه الدرجة التي لا يرضاها عاقل لنفسه ؟ - واذا افترضنا انه يخترع اسماء الناس , فما حاجته الى اختراع اسماء المعارك والبلدان هل وصل به الجنون الى هذا الحد, هب ان انسانا مشهور بالكذب ,فهل يقول للناس قضيت الاجازة الصيفية في جزر الواق واق .(10/187)
- لماذا سكت علماء الحديث عن اتهامه بهذه التهمة الخطيرة اعن جهل , ام غفلة , ام نسيان , ام مجاملة , ام تستر ام لانهم يرون ان اختراع الاسماء خيروبركة فلا ضرر منه وهل سكتوا ايضا عن امثاله لقد اوضح المالكي حرصهم على مناقشة صحبة الصحابة واحدا فواحدا, وعدم ترددهم في نفي الصحبة عند اللزوم فمن الغريب ان يختلق مئات الصحابة , ويدعي انهم من كبارهم واخيارهم , فلا يلتفتون بكلمة واضحة صريحة الى هذاالقصاص المجنون .(10/188)
- ولماذا - بعد السكوت - قبلوا رواياته في التاريخ الا يجب ان يوضع هذا في الاعتبار الا يدل على انه لم يبلغ تلك الدرجة المزعومة من الانحطاط لقداستعمل المالكي هذه الحجة في الثناء على وهب بن منبه - لانه يرضى عنه - فقال (احتج به البخاري ومسلم في صحيحيهما امااحتجاج امثال الطبري وابن عبد البر وابن عساكر وابن كثير والذهبي وابن حجر, وهم من جبال العلم الشامخة , بروايات سيف فلا يساوي قلامة ظفر,فسبحان اللّه - لقد سرد المالكي اسماء ستين مؤرخا لم يذكروا القعقاع ولكنه لم يتدبرالاشكال الاعظم , فهل يعقل ان يختلق سيف عشرات الصحابة والتابعين والفرسان والولاة والبلدان والمعارك والاشعار, فلا يوجد لهذا الكذب الهائل صدى عند هؤلاء المؤرخين الستين وعند اضعاف عددهم ممن لم يذكرهم اننا كثيرا ما نقرا ان فلانا وضع حديثا او قصيدة او بيتا من الشعر اووثيقة رسمية او كلمة او حرفا واحدا, وقصة الذي زاد عبارة او جناح على احد الاحاديث مشهورة . فهل يعقل ان يسكت الجميع عن هذا الطوفان من الاكاذيب ولو من باب العصبية المضادة ؟ - هل انفرد سيف بذكر عشرات الاسماء حقا ام ان التهمة لا تخلو من المبالغة والتهويل ؟ لقد صنف العسكري كتابين ليقول انه انفرد بذكر عبد اللّه بن سبا, وجعل ذلك حجر الزاوية في الكلام على سيف فاذا ثبت ان الاسطورة الكبرى ليست اسطورة على الاطلاق , الا يكون من الظلم العظيم والتحكم والهوى ان يقول قائل : هذا الاسم صحيح وهذا الاسم مختلق ؟ - اما كان يستطيع الصاق نفس الاكاذيب بخرين ممن لا خلاف في وجودهم التاريخي وحضورهم تلك المشاهد وهذا هو المعتاد في تمرير الاكاذيب ,بدلا من اختراع (اسماء لم تخطر على قلب بشر).(10/189)
- هل يدل التحليل الادبي على ان الاشعار الواردة في رواياته من النوع الركيك المعهود في المنحولات , وهل تشبه ان تكون من نظم رجل واحد وهل كان شاعرا مجيدا بحيث يضع على لسان كل انسان ما يلائمه فهذا جانب مهم لابدمن اعتباره لدراسة تهمة التزييف .
هذه - وكثير غيرها - اشكالات حقيقية , لا يشتغلون بالنظر فيه (لقد اجاب العلامة العسكري في كتابه (خمسون ومائة صحابي مختلق ) على هذا النوع من التساؤلات غير ان الدكتور العزام قد تجاهل ذلك .), وانما يقفزون الى النتائج النهائية المقررة سلفا, ويقولون : (انقاذ التاريخ , ابحاث في غاية الدقة والموضوعية ).
(21) لا اريد التعنت وتكليف المالكي ما لا يطاق , ولكن المطالبة باستيعاب جميع الجوانب ليست كثيرة على من ينصب نفسه لانقاذ التاريخ وايقاظالعلماء من غفلة الا موات , وتصحيح المسار والتجديد في الاصول والمناهج واساليب التفكير لان اثبات فساد القواعد الحالية واختراع قواعدجديدة , وتطبيقها تطبيقا صحيحا على احدى القضايا, عمل عظيم يستحق ان ينفق عليه بضع سنوات في البحث والتحقيق . اذ هو اصعب بكثير من كتابة تاريخ دولة او سيرة رجل بالطريقة المعتادة والمسئولية الاخلاقية تقتضي ممن يتهم احدا باختلاق اسماء الصحابة ان يبذل جهداعظيما زائدا على المعتاد لاثبات التهمة وابراء ذمته .(10/190)
ولكنه تجنب - كالعسكري من قبل - تاصيل هذه الاصول لان هذه الاراء في واقع الامر مجرد اوهام وظنون غير قابلة للتاصيل . فعمد الى ارسال الدعاوى والقفز الى النتائج , وشيد البناء قبل حفر القواعد, وصور تهمة الاختلاق تصويرا سريعا في اول المقالة الاولى كانها قضية مسلمة كمدينة الحشرة . وانطلق في الكلام المعاد المكرر على كذب سيف بدليل انه اختلق شخصية القعقاع , وعلى اختلاق شخصية القعقاع بدليل انها من اكاذيب سيف القعقاع من مخترعات سيف الذي اخترع كثيرا من الشخصيات كالقعقاع كاننا والماء من حولنا قوم جلوس حولهم ماء ومما يدلك على ارسال الدعاوى والقفز الى النتائج جزمه تقليدا للعسكري -بان الاماكن العراقية المذكورة في روايات سيف اساطير, فليتفضل مشكورا بشرح براهينه الجغرافيه على هذه الدعوى . وطالما راينا في كتابات اثبات العلماء - كالاستاذ حمد الجاسر حفظه اللّه - قولهم هذاالموضوع المذكور في التاريخ غير معروف في عصرنا, وقد كثرت الابحاث عن مكان سوق عكاظ مع انه اشهر من نار على علم . فاين بحثه لهذه الاماكن واحدا فواحدا, وما معرفته بجغرافية العراق وكيف وصل الى اليقين بانها اساطير ؟
عن القعقاع و سيف بن عمر (3/3)
د. محمد بن عبد اللّه العزام صحيفة الرياض - 3 ربيع الاخر - 1418 هـ
تصنيف القراء(10/191)
(22) ولقد استغربت كثيرا تصنيفه للناس في المقالة الاخيرة (دروس من معركة القعقاع ثلاثة اصناف : فالصنف الاول : (ينفي وجود القعقاع مطلقا والاحداث و الصنف الثاني : (يثبت وجوده و دوره كاملا بكل التضخيمات والتهويلات و الصنف الثالث : (يتوسط فيرى ان سيف بن عمر قد بالغ في دور القعقاع ابن عمرو, ذلك الدور الذي لم يذكره غيره ثم قال : (وفي ظني ان الصنف الاول والثالث متقاربان جدا, ويمكن ان يتفقا اذاعرفا منهج سيف بن عمر بالتفصيل - على فرض وجوداحدهما- ممن عاش قبل عصر سيف , والفارق الكبير بين الاختلاق الذي يعني ان الشخص اسطورة والمبالغة التي تعني انه حقيقة تاريخية .
فهذا الكلام يلخص نظرته الى الاشياء, ويدل بوضوح على انه لا يدرك النواقص المشار اليها. فلعله يرى في ذلك مضيعة للوقت والجهد, ويكفي سرد اقوال المحدثين في تضعيفه للوصول الى النتيجة الكبرى وهي انه (معروف باختلاق الشخصيات والمعارك والاحداث برهان , فهي راسخة في ذهنه ويجب ان تكون راسخة في اذهان الناس واذا وجد احدا من القدماء او المعاصرين ينتقد سيف بن عمر في اي شي ءفهو في نظره شبه مؤيد للتهمة , (والصنفان متقاربان جدا, والخلاف بينهمايسير). ولم يبق الا صنف المغفلين كالطبري واساتذة الجامعات السعودية .فكان القدماء والمعاصرين يوافقونه من حيث لا يدرون على خراب التاريخ الاسلا مي نماذج من المغالطات (23) فمن مغالطاته : الخلط بين اتهام الاسانيد واتهام المتون , وهما امران مختلفان جدا. فلو قال لك انسان : قال لي فلان انه رءاك تصلي الجمعة في مسجد كذا,فسوف تدرك حالا ان الخبر غير صحيح لانك كنت في مسجد آخر, وتظن ان احدهما وقع في خطا غير مقصود. فاذا تكررت الاوهام والاكاذيب فسوف تتراجع الثقة في الاشخاص , ولعلك ستجد ان الكاذب هو الشخص الذي لم يحدثك .(10/192)
ومن الواضح ان الثقة توجد او تنعدم في الاخبار اولا ثم في الرواة ثانيا. وهذا في القضايا الحاضرة التي لا مجال للراي فيها مثل صلاتك في ذلك المسجد, فاذا كانت تتعلق بقضايا تاريخية تضاربت فيها الاراءوالمصالح والاهواء فالامر اعسر من ذلك وغاية المؤرخ ان يبحث عن احسن الروايات واجدرها بالقبول بصرف النظر عن اشخاص الرواة , واذاامكن معرفة مصدر ضعف الخبر فحسن ولكنه ليس ضروريا لا بد منه .
اما المالكي - تبعا للعسكري من قبله - فالامر لديه على العكس فقد نظر في اخبار القعقاع فلم يجد اكاذيب تجزم العقول والفطر السليمة بانها باطلة ,وانما هي اخبار في حدود المعتاد والمعقول , ثم نظر في الاسانيد فراى انهاوردت عن طريق سيف بن عمر, فقرر اربعة امور: - ان انفراده بها يكفي للجزم بان اخبار القعقاع اكاذيب .
- ان انفراده بها يكفي للجزم بان القعقاع نفسه اسطورة ..
- ان انفراده باي شي ء آخر يكفي للجزم بانه اسطورة .
- انه لا غيره مؤلف هذه الاكاذيب والاساطير.
وجميع كلامه لاحق لهذه الامور الاربعة ومرتب عليها, وقد مضت الاشارة الى انه لم يبحث شيئا منها ويثبته بالدليل الكافي . فقد رد الاخبار لمجرد انها من رواية فلان , ثم حكم على فلان نفسه بانه كذاب لانه روى تلك الاخبار..بينما كان الواجب عليه ان يثبت اولا ان الاخبار اكاذيب وان الاسماءاساطير, ثم اذا شاء يتخذ ذلك دليلا على انعدام الثقة بالرواية .(10/193)
هل القعقاع كمدينة الحشرة تماما (24) وتتضح المغالطة والقفز الى الاحكام المقررة من المدن الاربع التي ابتداالكلام بها. فالمقالات منشورة تحت عنوان (القعقاع حقيقة ام اسطورة بمدينة الحشرة التي هي مثل القعقاع تماما, وهذه مغالطة واضحة وقياس شي ء على شي ء مع الفارق العظيم , لانه صرح مقدما بان المدينة اسطورة , والقراء يعلمون من الواقع انها اسطورة , بمعنى ان عنصر الاسطورة فيها مقرر مفروغ منه , فكيف تكون مثالا للقعقاع الذي يدور التساؤل اهو حقيقة ام اسطورة لقد كان الواجب عليه ان يستشهد بمثال واقعي من التاريخ او الجغرافيا, فيذكر مثلااربع مدن كبرى زعم احد الجغرافيين - عن سوء نية ورغبة في التزييف من باب التعصب الاقليمي مثلا - انها موجودة , فتواتر العلماء المحققون جيلابعد جيل على التصديق بها, وذكروا حدودها ومواقعها واسماء امرائهاوعدد سكانها واشهر معالمها ورجالها, ثم ثبت بالدليل القاطع انها من نسج الخيال , فهذا هو المثال الذي يشبه حالة القعقاع .
التقول على القدماء (25) تقتضي الامانة والموضوعية من الباحث الا يدعي ان الاخرين , وبخاصة العلماء القدامى , يوافقونه على آرائه او انهم سبقوا اليها, الا ببرهان صحيح .واذا كان الراي اجتهادا منه فيجب التعبير عن ذلك بوضوح , لتتضح الحدودوالفواصل ولا يختلط الحابل بالنابل , وليكون له الغنم وعليه الغرم .(10/194)
فمما يدل على ضعف حجة المالكي واندفاعه للبحث عن الشبهات والادلة انه يدعي , بالتلميح القريب من التصريح , ان القدماء سبقوه الى اتهام سيف باختلاق الاشخاص والوقائع , فيقول مثلا (تلك الشخصيات والمعارك والاشعار والبلدان التي انفرد بها سيف لم يعرفها احد غيره , لا في عصره ولاعرفها من سبقه . ولذلك لم يعول احد على كتابه الا بعد موته بنحو مائة سنة ) ومعنى كلمة ولذلك ترتيب آخر الكلام على اوله , فاهل تلك المائة سنة - في زعمه - اعرضوا عن كتاب سيف لهذا السبب , اي انهم ادركوا انهامخترعات فتركوها لذلك . وهذه الدعوى لا دليل عليها, وليس بين يديه نص يدل على ان القدماء اعرضوا عنه بسبب تهمة الاختراع , ولا انهم كانوايتهمونه بهذه التهمة , فكيف يقول لذلك والقارئ غير المتخصص يدرك كثرة الاسباب الممكنة , فلا بد من دليل مقنع على تخصيص ذلك السبب بعينه . فهذا من ارسال الكلام على عواهنه .
ثم قال مؤكدا ومكررا نفس الدعوى بعبارة اقوى (انا هنا اقرر ما اجمع المؤرخون قبل سيف على اهماله وعدم ذكره , مما يعد اجماعا على ان الامر مختلق من سيف ) فلم يقف عند دعوى الاجماع على اهمال القعقاع , بل زعم انهم اجمعوا على انه اسطورة , وانه فقط يقرر ما قالوه واجمعوا عليه وهذا فهم غريب لمعنى الاجماع , وتقول على العلماء بغير برهان . ومن الغريب في باب الاستدلال المنطقي ان يكون المؤرخون الذين عاشوا قبل عصر سيف قداجمعوا على ان الاسماء والوقائع التي سيرويها عندما يولد في المستقبل هي امور مختلقة منه . ويكرر نفس المعنى مرة ثالثة فيقول (ومترجمو الصحابة المتقدمين لم يذكروا القعقاع , لا في الصحابة ولا في التابعين , مما يعني انه عندهم مختلق ).(10/195)
واعاد نفس الدعوى تلميحا في قوله عن ابن ابي حاتم (فقد نفى ابن ابي حاتم صحبته ورد على سيف زعمه بان القعقاع شهد وفاة النبي صلى اللّه عليه وسلم القعقاع واعادها مرة خامسة في قوله الذي مضت الاشارة اليه عن الحافظ بن حجر, وحاصله انه سبق الى مبدا التشكيك في صحبة كثير من الصحابة , وانه لو عاش في عصرنا لوقف ضده نفس الخصوم يتهمونه بالطعن في السابقين والوقوف مع المستشرقين والمبتدعة فهذه خمسة مواضع في المقالة الاولى وحدها تتضمن الادعاء شبه الصريح بان القدماء كانوا يتفقون معه على هذه الامور, وسمى هذه الدعوى اكثرية القرون الفاضلة . والرغبة ههنا واضحة في توفيرالغطاء المناسب لهذه الاراء ونحن لانتهم المالكي - ولا العسكرى من قبله -بضعف الاطلاع , ولا شك انهما قد بذلا غاية الجهد لاثبات التهمة . فلما راى المالكي انه قد رجع بخفي حنين لم يجد امامه الا هذه العبارات الغامضة التي قد لا يدرك حقيقتها كثير من القراء ولو عثر على دليل لوجدناه يكرره بضع مرات في كل مقالة , ولو عثر عليه لشددنا على يديه وشكرناه على ايقاظنا من الغفلة التي كنا فيها.
ولقد قال مرارا عن اساتذة التاريخ في جامعاتنا انهم يضحكون على انفسهم وعلى زملائهم وعلى الناس , فماذا يكون قوله عن القدماء (مما يعني انه عندهم مختلق ) اذا لم يكن تلاعبا بالالفاظ واستغفالا للقراء والغريب ان العسكري كان اصدق منه اذ قال : (و اذا بي اهتدي الى حقيقة كان التاريخ قد نسيها فانطوت في اثنائه وضاعت في تياراته ), فلم يزعم انها كانت موضع اجماع القدماء, ربما لانه ليس بحاجة الى هذا الاجماع .(10/196)
اما التاريخ الصحيح فيدل على انه لا احد من القدماء فيما اعلم - لامن السنة ولامن الشيعة - قد اتهمه بهذه التهمة المحددة , وان قبولهم رواياته في التاريخ تدل على ان ضعفه لم يبلغ الغاية التي يجعلها الباحثان حقيقة مقررة , وان ذكر اللاحقين منهم للقعقاع وغيره تدل على اطمئنانهم اجمالا الى رواياته .ان كلام المالكي يدل بوضوح - كما قلت اعلاه - على انهم قد وقفوا عنداسماء الصحابة واحدا فواحدا, ومنهم القعقاع . فهل يعقل عاقل ان ابن ابي حاتم مثلا ينفي صحبته فقط اذا كان يعتقد انه اسطورة مختلقة افلا قال عنه شخص خيالي لا وجود له وفي الكلام على سيف يختلق اسماء العشرات من الصحابة والتابعين والمعارك وا لبلدان ؟ فلو قال قائل : ان جميع العلماء, على اختلاف مذاهبهم , منذ عصر الصحابة الى سنة 1369 قد اجمعوا على عدم ادعاء ان القعقاع اسطورة , فكيف يجيب المالكي على هذا الاعتراض هل يقول كما قال : سكوت بعضهم يدل على انه اسطورة .
اما تفريقه بين المتقدمين والمتاخرين فغير واضح المعالم , والذي فهمته انه يقسم اهل القرن الثالث الى قسمين : فالذين عاشوا في اوله متقدمون لم ينخدعوا باكاذيب سيف , والذين عاشوا في آخره من امثال الطبري وابن ابي حاتم - الى عصرنا - متاخرون مخدوعون . فان كان هذا هو المقصود فيجب التصريح به واقامة الدليل على وجود هذا التغير السريع وبيان اسبابه .(10/197)
على ان الامور ليست بهذه البساطة , فالذي يفصل بينه وبين الطبري ورجال طبقته جيلان فقط, فهما قريبان من عصر سيف , ولا يخفى عليهما راي جيل المشايخ والجيل الذي قبله فيه , والجميع انما يعتمدون في الجرح والتعديل على راي المعاصرين للشخص المقصود. ولا يعقل ان يتحول سيف في نحوخمسين عاما من قصاص وضاع الى مصدر تاريخي مهم , ولا ان يتحول الصحابة من اساطير الى حقائق بهذه السهولة . ولو افترضنا ان المتقدمين قداجمعوا على اتهام سيف بتزييف التاريخ - كما يدعي المالكي من غير دليل -فلايعقل ان ياتي تلاميذهم بعكس ذلك من غير ايضاح ولا بيان .
(26) وههنا مغالطة اشار اليها الدكتور عبد الرحمن الفريح وتدعو الحاجة للتاكيدعليها فان الطبري رحمه اللّه لم يذهب الى سوق الوراقين بحثا عن كتاب مهملا لقصاص تافه متروك يدعى سيف بن عمر, وانما حصل كتابه او كتبه من المشايخ بالطرق المعروفة في تحصيل العلم , ونقل منه في تاريخه بالاسنادهكذا (كتب الي السري عن شعيب عن سيف ).(10/198)
وقد اوضح الاستاذ المالكي مشكورا اسماء ثلاثة من الرواة عن سيف , وان احدهم ثقة والاخرين - شعيب بن ابراهيم ونصر بن مزاحم - ضعيفان (كتاب الرياض ,62), وبالطبع لا يمكن ان يكون الرواة عنه ثلاثة فقطسواء اعرفناهم ام جهلناهم . فاذا كان العلماء في القرن الثاني والثالث يتناقلون رواياته بالاسناد المتصل - وما في ذلك من معنى التلمذة عليه -فكيف يندفع الاستاذ المالكي قائلا: (لم تكن لروايات سيف عند معاصريه اية منزلة , لدرجة انهم لايلتفتون اليهامضعفين ولا مصححين , ولم يكونوا يعدونه في المؤرخين ولاالادباء وانماكان اشبه ما يكون بالقصاص ) فهل كاتب المقالة هو كاتب الكتاب ؟ ومعلوم ان نصر بن مزاحم من مؤرخي الشيعة البارزين , وكتابه في وقعة صفين متداول بايدي الناس , ومع ذلك ياخذ عن سيف وياخذ عن الناس روايات سيف , فهل لم يدرك انه ناصبي كذاب على آل البيت , وانه يخترع الاساطير والاسانيد والاسماء والوقائع والبلدان لنصرة بني امية كما قال اخونا المالكي : ايهما نصدق اولئك المعاصرين ومن بعدهم , الذين اخذوابرواياته في التاريخ , ام الوسواس الذي خطر.
شهرة القعقاع (27) لا ينبغي ان ننسى ان جميع كتب التاريخ الاولى قد ضاعت الا اقل القليل ,ومن يقرا اسماءها في فهرست ابن النديم يدرك ذلك فليس من الممكن ان نجزم بان اسم القعقاع لم يوجد الا في كتاب سيف .(10/199)
ومع ذلك ليس من الصعب تفسير هذا الامر فلقد كانت تلك الكتب ذات نطاق محدود باخبار رجل او قبيلة او ناحية , وكان الرواة في عصر بني امية يروون عن قومهم ورجال قبائلهم ما شهدوه من احداث وما يدور في مجتمعهم من حكايات , الى جانب الرغبة المعتادة عند البعض في ابراز امجادالقبيلة او الاقليم . فدخلت هذه الروايات في الكتب الاولى من غيراستيعاب بقية الاقوال , وصار يوجد في الكتاب الواحد الاسماء والاخباروالاشعار التي تقل او تنعدم في الكتب الاخرى . ثم ظهرت التواريخ الشاملة في القرن الثالث , وهي تقوم في الغالب على اختيار رواية واحدة او بضع روايات جديرة بالقبول وترك ماعداها.
ولقد غفل الاستاذ عن مسالة كان ينبغي ان لا تخفى عليه , وليس من الصعب ان يتصورها القارئ الكريم . فلقد تطاحنت الاحزاب منذ الفتنة الاولى الى سقوط الدولة الاموية , لا يكاد المسلمون يخرجون من فتنة الا ويدخلون في فتنة اعظم منها, ومن لم يصدق فليقرا تاريخ الطبري وليتحسر على تعطل الفتوح وضياع الفرصة التاريخية بسبب الانكفاء على الذات والصراعات القبلية والاقليمية . فالذي تقتضيه الاحوال والطبيعة البشرية ان يمتد الصراع الى ساحة الفكر ولا يقف عند ساحة القتال , وان تتضارب الروايات وتكثر الحكايات والشائعات عن الواقعة الواحدة , ويختلطالحابل بالنابل والصدق بالكذب , في اثناء تلك الفتن وبعد خمودها. فماحاجة سيف مثلا, كائنة ما كانت دوافعه واهواؤه , الى اختلاق الحكايات والحوادث , مع انه يكفيه ان يدلي بدلوه في احد الابار الكثيرة ليجد ما يريدوما حاجته الى اختراع الرواة اذا كان يكفيه ان يصغي باذنيه الى جيرانه ؟ والتاريخ الحاضر خير شاهد على صحة هذا التفسير الذي تقبله النفوس والعقول , فلا يكاد يخلو كتاب من التحيز الشخصي والاسري والحزبي والقبلي والفكري والبلداني , المقصود وغير المقصود.(10/200)
وهذا الامر اكثر وضوحا في المصادر الاولية - مثل مذكرات السياسيين واقاربهم وما يكتبه بعض المبتدئين عن تاريخ الاسرة او الاقليم او القبيلة -منه في كتب التاريخ المحررة . ومع ذلك فهو موجود في هذه ايضا, واذا شئت فاقرا كتابا لمؤرخ بريطاني عن الحرب العالمية الثانية , ثم انظر ما يقوله نظيره الامريكي والفرنسي والروسي , او اقرا ما كتب عن هزيمة حزيران او حرب رمضان او حرب الخليج , فسوف تجد التحيز القومي والبلداني والعقائدي واضحا جدا.
ولو محصنا كتب التاريخ لما خلا كتاب منها من شي ء ينفرد به , واذا كان فيهامبالغات او اخبار ضعيفة او باطلة او رجال لا يوثق بروايتهم فلا باس بالرد عليه وبيان حاله بالاسلوب العلمي الملائم , من غير حاجة للتهويل والمبالغة وتصوير التاريخ الاسلامي بهذه الصورة البائسة .
ليس هناك ما يمنع من النظر في الحوادث المنسوبة الى القعقاع وغيره , فقد تكون المبالغة قد تسربت اليها, واذا كان بعضها او اكثرها باطلا فليكن .
ولكن ذلك لا يعني الشك في اصل وجود الرجال , كما ان المبالغات والاكاذيب في سيرة عنترة لا تعني الشك في اصل وجوده . ولا يصح ابدا الخلط بين الامرين .
فان اراد المالكي او غيره بحث آحاد الاخبار بالاسلوب العلمي , واثبات ان القعقاع لم يكن من الصحابة ولم يحضر موقعة كذا ولم يكن اميرا على قرية كذا ولم يتزوج فلانة - فالميدان يا حميدان
*******************
11(10/201)
(28) سيقول ما قاله فعلا وهو ان القعقاع لم يكن شخصا عاديا بحيث يجوز ان ينفرد بذكره مؤرخ واحد, و انما هو رجل جعله سيف مشهورا جدا بحيث يستحيل اغفال الاخرين له . لقد ضرب للقعقاع مثالا فقال (لو وجد احدناكتابا عن المملكة ذكر فيه مؤلفه ان اكبر ثلاث مدن بالمملكة هي الرياض وجدة والحشرة ... فالقعقاع مثل مدينة الحشرة تماما). فيجب على ذلك ان يكون سيف جعله ثالث الصحابة في الشهرة , واذا تجاوزنا عن المبالغة قلناانه كان من مشاهير الصحابة . ودرجة شهرة القعقاع مهمة جدا لديه , لانه بدونها لا ينفع ولا يفي بالغرض . وقد اوضح هذا المعنى بقوله (بعض المؤرخين والجغرافيين قد ينفرد بذكر قرية او هجرة من الهجر, لكن لا يمكن ان توجد مدينة اسمها الحشرة مثل مدينة الرياض لا يشيرون اليها عندمايؤلفون عن مدن المملكة . فاحفظوا هذا المثال جيدا فبه يزول الاشكال ).
ومقالاته حافلة بالمبالغة في تصوير القعقاع بهذه الصورة , وقد- حكم على نفسه بانه لا يوجد اشكال ولا اختلاق الا اذا كان الامر كذلك , مع انه قدهتك هذه القاعدة حين زعم انه اخترع عشرات الاشخاص والبلدان والمعارك , ومعلوم بالضرورة انها ليست مشهورة كلها فلننظر في انها ليست مشهورة كلها . فلننظر في شهرة القعقاع وحقيقة علاقتها بدعوى الاختلاق , وسوف ينتهي القارئ الكريم ان شاء اللّه الى مزيد من القناعة ببطلان كلامه من اساسه .
فلقد قصر عن تحرير المقصود, وترك القارئ يتصور ان سيفا مسؤول عن شهرة القعقاع عبر العصور. اما من حيث الواقع فليس للمسالة اية علاقة بشهرته بعد وفاة سيف , لان شهرة الانسان الواحد ترتفع وتنخفض عبر الزمان والمكان لاسباب كثيرة لا سيطرة للاموات عليها.(10/202)
واعتقد انها في عصرنا اعظم مما كانت عليه في جميع العصور بسبب الكتب المدرسية والطباعة ووسائل الاعلام وتسمية المدارس والشوارع والمحلات التجارية ودور النشر وغيرها باسماء الصحابة . وفرق عظيم جدا بين وجوداسمه في بطون الكتب وبين رسوخه في اذهان جمهور الناس من العامة والخاصة ابتداء من سن الطفولة .
وكذلك لا علاقة للمسالة من قريب ولا بعيد بصورة القعقاع في كتاب سيف فيها مبالغة شديدة , فلا يلزم من ذلك انه لاوجود له .وما ذنب القعقاع - وعنترة وجحا والزير سالم وغيرهم - اذا كان الرواة قدزادوا في اخبارهم وبالغوا فيهم والواقع ان سيف لم يقل ان القعقاع كان مشهورا جدا ولا انه كان من ابرز رجال عصره , ولا (اوصله الى مستوى من الشهرة والبطولة والحكمة والفقه ), ولا قال (البطل المشهور الفصيح الذي تولى امارتين في الصدر الاول آخر التهاويل , و انما ساق اخبارافقط من نوع فعل كذا وقال كذا, وليس من الانصاف ان يحاسبه المالكي -وهو خصم متحامل - على صورة يرسمها هو.
وهذه الصورة لا تخلو من التهويل , فما وجه الغرابة مثلا في شجاعته وفصاحته وتاميره على قريتين في العراق وجهل المؤرخين بذلك وباسماء زوجاته وكثير من اخباره ؟ فلم يبق اذن الا شهرة القعقاع في القرن الاول وبعض الثاني , واظن ان هذا هومقصود المالكي . ولست ارى ههنا الا ثلاثة احتمالات : (1) فاما ان يكون في واقع الامر من اشهر المشاهير انذاك .
(2) واما ان يكون رجلا محدود الشهرة .
(3) واما ان يكون انسانا لا وجود له فان كان الاحتمال الاول فلا اشكال وينبغي محاسبة غير سيف من المؤرخين .
وان كان الاحتمال الثاني فلا اشكال لانه حقيقة لا اسطورة .
وان كان الاحتمال الثالث - وهو الاحتمال الصحيح في ذهنه - فليست المبالغات في كتاب سيف هي الدليل على انه اسطورة , لانه كما قلنا انما يتهمه باختلاق القعقاع لا بالمبالغة فيه .(10/203)
فلننصرف الى تامل مغزى شهرته في كتب جمهور المؤرخين : لقد سرد المالكي اسماء ستين مؤرخا - من ابان بن عثمان الى الخطيب البغدادي463 - واشار الى (بقية علماء الحديث وعلماء الجرح والتعديل والادباءواللغويين والنسابين وغيرهم ) وسال (اين هؤلاء عن هذا البطل المشهورالفصيح الذي تولى امارتين في الصدر الاول فاقول ما خطر لي في ذلك ولا الزم به احدا فاذا كانت الحال كذلك فهي اقرب الى الدلالة على الاحتمال الثاني المشار اليه , وهو ان شهرته في الصدر الاول لم تكن كبيرة , فلذلك لم يتواتر المؤرخون على ذكره , ولا يمتنع ان تكون روايات سيف قد اعترتها المبالغة للاسباب المشار اليها او غيرها. والظاهران ولايته على قرية بعد قرية في العراق اقرب الى الدلالة على انه لم يكن من اهل الشهرة الشامخة و انما رجلا من اشراف الناس . ولا اشكال في انفرادسيف بذكر رجل هذه حاله .
خاتمة : (29) وانني في الختام لادعو اخانا حسن بن فرحان المالكي للتخفيف من هذه الاثار العلمية الفكرية , وتشكيك الناس في تراثهم وتاريخهم , وترك اجتلاب افكار الاخرين وتلميعها, وتصوير تاريخ الامة - وبخاصة عصرصدر الاسلام - بهذه الصورة القاتمة . وفقه اللّه وايانا الى كل خير, والحمدللّه رب العالمين .
ينبغي ان لا نتسرع في اطلاق الاحكام على تراثنا قبل استيعابه (1/2)
د. سليمان العودة
يرد على المشككين في شخصية ابن سبا
صحيفة المسلمون - 5 ربيع الاخر - 1418 هـ(10/204)
اثيرت مؤخرا قضية تاريخية هامة تدور حول شخصية عبد اللّه ابن سبا التي تنسب السبئية اليه , ظهر خلالها طروحات وكتابات خلصت الى نتيجة مفادها ان عبد اللّه بن سبا شخصية وهمية لم يكن لها وجود, وحتى نقف على حقيقة الامر واستطلاع دقائقه اجرت المسلمون حوارا مع الدكتورسليمان بن حمد العودة استاذ التاريخ في جامعة الامام محمد بن سعودالاسلامية بالقصيم وتنشر هنا الجزء الاول من الحوار: اجرى الحوار: خالد الحسين - القصيم حقيقة ابن السوداء لقد سبق لكم ان قمتم بدراسة لعبد اللّه بن سبا والسبئية , وكان ذلك موضوع رسالتكم ت للماجستير, وكانت تحت عنوان عبد اللّه بن سبا واثره في احداث الفتنة في صدرالاسلام في عام 1402 هـ, وقد قمتم برصد العديد من النصوص التي تكلمت عن هذا الموضوع بشكل جيد.(10/205)
فهلاحدثتمونا عن سبب العودة الى الموضوع مرة اخرى من خلال ورقة البحث التي تقدمتم بها لنيل الترقية العلمية ,والذي كان بعنوان ابن سبا والسبئية من غير طريق سيف بن عمر ؟ الذي حدا بي الى العودة الى الموضوع ثلاثة امور الاول : ما توفر لي من نصوص لم تتوفر لي في ت الماضي , واعتبرها اضافة جديدة في الموضوع , فقدتمكنت خلال هذه الفترة من الاطلاع على بحوث لم تتيسر لي من قبل , والثاني :انه بدات تطل علينا كتابات معاصرة تنكر وجود ابن سبا اصلا فضلا عن انكارها لدوره في الفتنة , وكتابة د.عبد العزيز الهلابي نموذج لها, وجاء حسن المالكي بعد موافقا له ومثنيا على دراسته في كتابه نحو انقاذ التاريخ الاسلامي وهذه الكتابات وان كانت امتدادا لكتابات قبلها وتكرارا لاراء السابقين قبلهم الا ان الابانة عنها وبيان اصولها في الانكار وتدعيم البحث بنصوص جيدة مماتدعو اليه الحاجة ويحتاج الى معرفته الباحثون , والامر الثالث : انني في بحثي السابق نقلت طرفا من روايات ساقها ابن عساكر تثبت وجود ابن سبا وسندهالا ينتهي الى سيف بن عمر ولم ترد في تاريخ الطبري , ورايت من المناسب ان اسوق البقية الباقية منها وابرازها مسندة محققة وافصل القول فيما سبق ان نقلته منها, وذلك لانها اساسية في الرد على المنكرين لابن سبا, حيث ان عمادانكارهم ان جميع الروايات المثبتة لابن سبا تنتهي الى سيف وهو المتهم في كتب الجرح والتعديل ونشر هذه المرويات و دراسة اسانيدها يجلي الحقيقة و يكشف الغموض واللبس .(10/206)
تضافر الروايات جل من انكر او شكك في وجود ابن سبا اعتمد في انكاره او تشكيكه على ان اخبار ابن سبا ت وردت عن طريق سيف بن عمر التميمي وهو راوية مجروح كما قلتم اذن فما هي الروايات التي تضافرت على ذكر ابن سبا ولم ينتهي سندهاالى سيف ؟ لقد اورد ابن عساكر عددا من الروايات لا ينتهي سندها الى سيف , وكلهاتتضافر على ذكر ابن ت سبا, و الروايات كما ساقها ابن عساكر مسندة كالتالي : 1 - اخبرنا ابو البركات الانماطي , انا ابو طاهر احمد بن الحسن وابوالفضل احمد بن الحسن , قالا: انا عبد الملك بن محمد بن عبد اللّه انا ابو علي بن الصواف , انا محمد بن عثمان بن ابي شيبة , انا محمد ابن العلاء, انا ابو بكر بن عياش , عن مجالد, عن الشعبي قال : اول من كذب عبد اللّه بن سبا..
2 - قرانا على ابي عبد اللّه يحيى بن الحسن , عن ابي الحسين بن الابنوسي , انا احمد بن عبيد بن الفضل , وعن ابي نعيم محمد بن عبد الواحد بن عبد العزيز, انا علي بن محمد بن خزفة قالا: انا محمد بن الحسين , نا ابن ابي خيثمة , نا محمد بن عباد, نا سفيان , عن عمار الدهني قال : سمعت ابا الطفيل يقول : رايت المسيب بن نجبة اتى به طببه يعني ابن السوداء وعلي على المنبرفقال علي : ما شانه ؟ فقال : يكذب على اللّه وعلى رسوله .(10/207)
3 - اخبرنا ابو القاسم يحيى بن بطريق بن بشرى وابو محمد عبد الكريم بن حمزة قالا: انا ابو الحسين بن مكي , انا ابو القاسم المؤمل بن احمد بن محمدالشيباني نا يحيى بن محمد بن صاعد, نا بندار, نا محمد بن جعفر,نا شعبة , عن سلمة , عن زيد بن وهب - عن علي قال : مالي وما لهذا الحميت الاسود ؟ قال : ونا يحيى بن محمد, نا بندار, نا محمد بن جعفر, نا شعبة عن سلمة قال : سمعت ابا الزعراء يحدث عن علي عليه السلام قال : ما لي وما لهذا الحميت الاسود ؟ 4 - انبانا ابو عبد اللّه محمد بن احمد بن ابراهيم بن الخطاب , انا ابو القاسم علي بن محمد بن علي الفارسي , واخبرنا ابو محمد عبد الرحمن ابن ابي الحسين بن ابراهيم الداراني , انا سهل بن بشر, انا ابو الحسن علي بن منير بن احمد بن منيرالخلال قالا: انا القاضي ابو الطاهر محمد بن احمد بن عبد اللّه الذهلي , نا ابو احمدابن عبدوس نا محمد بن عباد, نا سفيان , نا عبد الجبار بن العباس الهمداني , عن سلمة عن كهيل عن حجية بن عدي الكندي قال : رايت عليا كرم اللّه وجهه وهو على المنبر وهو يقول : من يعذرني من هذا الحميت الاسود الذي يكذب على اللّه وعلى رسوله - يعني ابن السوداء -لولا ان لا يزال يخرج علي عصابة تنعى علي دمه كما ادعيت علي دماء اهل النهرلجعلت منهم ركاما.
5 - اخبرنا ابو المظفر بن القشيري , انا ابو سعد الجنزروذي , انا ابو عمروابن حمدان , واخبرنا ابو سهل محمد بن ابراهيم بن سعدويه , انا ابراهيم بن منصور سبط بحرويه , انا ابو بكر بن المقري , قالا: انا ابو يعلى الموصلي , نا ابوكريب محمد بن العلاء الهمداني , نا محمد بن الحسن الاسدي , نا هارون بن صالح الهمداني , عن الحارث بن عبد الرحمن عن ابي الجلاس , قال : سمعت عليا يقول لعبد اللّه السبئي : ويلك واللّه ما افضى الي بشي ء كتمه احدا من الناس , ولقدسمعته يقول : ان بين يدي الساعة ثلاثين كذابا وانك لاحدهم .(10/208)
قالا: وانا ابو يعلى , نا ابو بكر بن ابي شيبة , نا محمد بن الحسن , زاد ابن المقري الاسدي باسناده مثله .
حقيقة ابن سبا هل نفهم من هذا ان جميع هذه الروايات ليس في احد من اسنادها ذكر لسيف بن عمر وبالتالي ت يسقط ادعاء التشكيك او الانكار في شخصية عبد اللّه بن سبا وما صحة اسانيدهذه المرويات ؟ نعم ... فجميع هذه الروايات تنتصب دليلا على ان اخبار ابن سبا ظفرت بنصيب من الذيوع ت والانتشار بحيث لم تكن قصرا على سيف وحده ويتاكد لنامن خلالها ان ابن سبا يعد حقيقة وليس اسطورة او من رسم الخيال كما يظن بعض الذين خاضوا في هذا المجال .
اما اسانيد هذه المرويات فهي تتفاوت في الضعف او القوة حسب رواتهاولعلي هنا اسرد لكم بيانا بهذا: يبدو ضعف الرواية الاولى لوجود محمد بن عثمان بن ابي شيبة , فقد ذكره الذهبي في الميزان ونقل اقوال من ضعفه من العلماء, واشار الى طائفة وثقته واكتفى هو بالقول : كان بصيرا بالحديث والرجال , له تواليف مفيدة .
وقبله افاض الخطيب في ترجمته جمع اقوال من اتهموه بالكذب , وان كان الخطيب قد قال عنه : كان كثير الحديث واسع الرواية ذا معرفة وفهم , وله تاريخ كبير.
ولوجود مجالد - وهو ابن سعيد - جاء ذكره في الميزان , ونقل الذهبي قول ابن معين فيه : لا يحتج به وقول احمد: يرفع كثيرا مما لا يرفعه الناس , ليس بشي ء, كما نقل تضعيف الدارقطني , و يحيى ابن سعيد له , وقال هو عنه : مشهورصاحب حديث على لين فيه .(10/209)
اما الرواية الثانية فتظهر علائم الصحة على اسنادها, فابو عبد اللّه يحيى بن الحسن هو البناء الحنبلي البغدادي شيخ ابن عساكر, وصفه الذهبي بالشيخ الامام , الصادق , العابد, الخير المتبع الفقيه , بقية المشايخ , ثم نقل عن السمعاني قوله : سمعت الحافظ عبد اللّه الاندلسي يثني عليه ويمدحه ويطريه ويصفه بالعلم والتميز والفضل وحسن الاخلاق وترك الفضول وعمارة المسجد وملازمته مارايت مثله في حنابلة بغداد, ثم اعقب ذلك السمعاني بقوله : وكذا كل من سمعه كان يثني عليه ويمدحه , توفي سنة احدى وثلاثين وخمس مائة .
- ابو الحسين الابنوسي هو محمد بن احمد البغدادي , قال الخطيب البغدادي : كتب عنه وكان سماعه صحيحا, ووثقه الذهبي , وفاته سنة سبع وخمسين واربع مائة .
- واحمد بن عبيد بن الفضل هو ابن بيري الواسطي , قال عنه خميس الحوزي : كان ثقة , صدوقا, وقال الذهبي : المحدث المعمر الصدوق شيخ واسط,وفي انساب السمعاني : ثقة صدوق من اهل واسط. وكانت وفاته قبل الاربعمائة في حدود سنة تسعين وثلاثمائة .
- وابو نعيم هو ابن خصية محمد بن عبدالواحد بن عبد العزيز كان عدلامستقيما, كما في سؤالات الحافظ السلفي لخميس الحوزي عن جماعة من اهل واسط.
- وابن خزفة هو ابو الحسن علي بن محمد بن حسن بن خزفة الصيدلاني , كان مكثرا صدوقا, كما في سؤالات السلفي , وهو مسند واسط كماقال الذهبي , وراوي التاريخ الكبير لاحمد بن ابي خيثمة عن محمد بن الحسين الزعفراني عنه .
- ومحمد بن الحسين هو ابو عبد اللّه الزعفراني الواسطي , وقد وثقه الخطيب البغدادي , وقال : كان عنده عن ابي خيثمة كتاب التاريخ .(10/210)
- وابن ابي خيثمة هو ابو بكر احمد بن ابي خيثمة زهير بن حرب بن شداد نسائي الاصل , كان ثقة عالما متقنا حافظا بصيرا بايام الناس , كذا قال عنه الخطيب , وذكره الدارقطني فقال : ثقة مامون , واثنى الخطيب على كتابه في التاريخ فقال : وله كتاب التاريخ الذي احسن تصنيفه واكثر فائدته , وقال ايضا: ولااعرف اغزر فوائد من كتاب التاريخ الذي صنفه ابن ابي خيثمة .
قلت : ومن المحتمل ان يكون هذا الخبر المروي من هذا الكتاب النفيس .
- ومحمد بن عباد هو ابن الزبرقان ابو عبداللّه المكي , سكن بغدادوحدث بها, وقد روى عنه البخاري ومسلم في الصحيحين . وبهذا يكون قدجاوز القنطرة كما يقال .
- وسفيان هو ابن عيينة الراوية المشهور, قال ابن سعد: كان ثقة ثبتاكثير الحديث حجة , وقال الشافعي : لولا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز,وقال ابن المديني : سفيان امام في الحديث , وقال العجلي : كوفي ثقة ثبت يعد من حكماء اصحاب الحديث .
- وعمار الدهني هو ابن معاوية ويقال ابن ابي معاوية ويقال ابن صالح ويقال ابن حبان , ابو معاوية البجلي الكوفي , وثقه احمد وابن معين وابو حاتم والنسائي .
- اما ابو الطفيل فهو عامر بن واثلة الليثي , ولد عام واحد, وروى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم وابي بكر وعمر وعلي ومعاذ بن جبل وحذيفة وابن مسعود وابن عباس وغيرهم , قال ابن عدي : له صحبة وقال مسلم : مات ابوالطفيل سنة مائة وهو آخر من مات من الصحابة , قال ابن سعد: كان ثقة في الحديث وكان متشيعا.(10/211)
- والمسيب بن نجبة الكوفي ترجم له ابن حجر في الاصابة ضمن من كان في عهد النبي صلى اللّه عليه وسلم ويمكنه ان يسمع منه ولم ينقل انه سمع منه سواء كان رجلا اومراهقا او مميزا ثم قال ابن حجر: له ادراك , وله رواية عن حذيفة وعلي , ونقل عن العسكري قوله : روى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم مرسلا وليست له صحبة . وقال ابن سعد كان مع علي في مشاهده , وقتل مع التوابين في عين الوردة عام خمسة وستين .
صحة الاسناد - وكذا الرواية الثالثة تبدو صحيحة الاسناد, فابو القاسم يحيى بن بطريق الطرسوسي ثم الدمشقي شيخ ابن عساكر قال عنه : مستور حافظ للقرآن سمع ابا الحسين محمد بن مكي و ابا بكر الخطيب , توفي في رمضان سنة اربع وثلاثين وخمس مائة , وقال عنه الذهبي : المسند المقرئ .
- وابو محمد عبد الكريم بن حمزة السلمي الدمشقي الحداد من مشيخة ابن عساكر قال عنه : كان شيخا ثقة مستورا سهلا, قرات عليه الكثير وتوفي في ذي القعدة سنة ست وعشرين وخمس مائة .
وقال عنه الذهبي : الشيخ الثقة المسند, و اشار الى توثيقه ابن العماد الحنبلي .
- وابو الحسين بن مكي هو محمد بن مكي , بن عثمان الازدي المصري ,مسند مصر كما يقول الذهبي , روى عنه ابو بكر الخطيب , وابن ماكولا, والفقيه نصر المقدسي , وهبة اللّه بن الاكفاني , وعبد الكريم بن حمزة وابو القاسم بن بطريق وغيرهم , وقد وثقه الكتاني وغيره , وتوفي سنة 461 ه.
- والمؤمل بن احمد الشيباني , بغدادي , سكن مصر وحدث بها وبهامات سنة احدى وتسعين وثلاثمائة , وقد وثقه الخطيب البغدادي .
- ويحيى بن محمد بن صاعد البغدادى , احد الثقات المشهورين قال الدارقطني : ثقة ثبت حافظ, وقال الخطيب : كان ابن صاعد ذا محل من العلم وله تصانيف في السنن والاحكام , وعده الذهبي مع الحفاظ الثقات , وقال عنه : له كلام متين في الرجال والعلل يدل على تبحره , مات في ذي القعدة سنة ثمان عشرة وثلاثمائة .(10/212)
- وبندار- بضم الباء وفتحها و سكون النون - هو محمد بن بشاربن عثمان العبدي البصري , ابو بكر, ثقة حافظ روى عنه الجماعة , وقال البخاري في صحيحه : كتب الى بندار فذكر حديثا مسندا.
قال ابن حجر: ولولا شدة وثوقه ما حدث عنه بالمكاتبة مع انه في الطبقة الرابعة من شيوخه , وقد روى عنه البخاري مائتي حديث وخمسة , ومسلم اربعمائة وستين حديثا, توفي سنة اثنتين وخمسين ومائتين .
- ومحمد بن جعفر هو الهذلي ابو عبد اللّه البصري المعروف بغندر, ثقة صحيح الكتاب , قال ابن المبارك : اذا اختلف الناس في حديث شعبة فكتاب غندر حكم بينهم , وقال العجلي : بصري ثقة وكان من اثبت الناس في حديث شعبة , مات في ذي القعدة سنة ثلاث وتسعين ومائة , وقيل اربع وتسعين .
- شعبة هو ابن الحجاج بن الورد العتكي الازدي مولاهم ابو بسطام الواسطي ثم البصري , الثقة الحافظ المتقن , قال الثوري : شعبة امير المؤمنين في الحديث , وقال احمد: كان شعبة امة وحده في الرجال والحديث , وقال ابن ادريس : ما جعلت بينك وبين الرجال مثل شعبة وسفيان , وقال ابن سعد: كان ثقة مامونا ثبتا حجة صاحب حديث . توفي سنة 160 ه.
- وسلمة هو ابن كهيل بن حصين الحضرمي ابو يحيى الكوفي , قال احمد:سلمة متقن للحديث وقيس بن مسلم كذلك ما نبالي اذا اخذت عنهما حديثهما,وقال ابن المبارك : كان ركنا من الاركان وشد قبضته , وقال ابو زرعة : ثقة مامون زكي , وقال العجلي : كوفي تابعي ثقة ثبت في الحديث , وكان فيه تشيع قليل وهومن ثقات الكوفيين , مات سنة 121ه.(10/213)
- زيد بن وهب هو ابو سليمان الجهني الكوفي , رحل الى النبي صلى اللّه عليه وسلم فقبض وهو في الطريق , وقال ابن عبد البر في الاستيعاب وابن مندة اسلم في حياة النبي صلى اللّه عليه وسلم وهاجر اليه فلم يدركه , ثقة جليل ,مات بعد الثمانين , وقيل سنة ست وتسعين , وقد روى عن عمر وعثمان وعلي وابي ذر وابن مسعود وحذيفة وابي الدرداء وابي موسى وغيرهم . وثقه ابن معين , وابن سعد وابن خراش , والعجلي , وعن الاعمش : اذا حدثك زيد بن وهب عن احد فكانك سمعته من الذي حدثك عنه .
- اما الرواية الواردة من طريق ابي الزعراء فهى بنفس سند ومتن الروايه التي قبلها, عدا ابا الزعراء وهو خال سلمة بن كهيل , واسمه عبد اللّه بن هاني الكندي وقيل الازدي , قال ابن الاثير: له صحبة عداده في اهل مصر. وله ذكر في الاستيعاب , وذكره ابن سعد في طبقة من روى عن علي رضي اللّه عنه من اهل الكوفة فقال : روى عن علي وعبد اللّه بن مسعود وكان ثقة وله احاديث , وقال العجلي : ثقة من كبار التابعين , كما ذكره ابن حبان في الثقات .
الحسن احد مراتب الصحيح اما سند الرواية الخامسة فيظهر انه لا يصل الى درجة الصحة لكنه لايقل عن رتبة الحسن , والحسن - كما هو معلوم - احد مراتب الصحيح .
فابو محمد الدارني شيخ لابن عساكر, وقد قال عنه : لم يكن الحديث صنعته , وقد روى كثيرا من سنن النسائي الكبير عن الاسفراييني , كانت وفاته سنة ثمان وخمسين وخمس مائة .
- و سهل بن بشر هو الاسفراييني الشيخ الامام المحدث المتقن الرحال -كما وصفه الذهبي , وكان قد تتبع السنن الكبير للنسائي و حصله و سمعه بمصر,قال عنه ابو بكر الحافظ كيس صدوق , توفي سنة احدى وتسعين واربع مائة .
- وابو الحسن على بن منير الخلال , شيخ صدوق , لم ياخذ من الغرباء,وكان ثقة فقيرا, توفي سنة تسع وثلاثين واربع مائة .(10/214)
- والقاضي ابو الطاهر الذهلي ترجم له الخطيب في تاريخ بغداد وقال :كان ثقة فاضلا ذكيا متقنا لما حدث به , توفي سنة سبع وستين وثلاثمائة .
- وابو احمد بن عبدوس اسمه محمد بن عبدوس بن كامل السلمي ,وصفه الذهبي بالحافظ الثبت المامون , ونقل عن ابي الحسين بن المنادى قوله :كان ابن عبدوس من المعدودين في الحفظ وحسن المعرفة بالحديث اكثر الناس عنه لثقته وضبطه , وكان كالاخ لعبد اللّه بن احمد بن حنبل , مات سنة ثلاث وتسعين ومائتين .
- و محمد بن عباد, وسفيان - وهو ابن عيينة - سبق الحديث عنهماوتوثيقهما في الرواية الثانية , وكذا سلمة بن كهيل سبق الحديث عن توثيقه في الرواية الثالثة - وكلهم من رجال التهذيب - وعبد الجبار الهمدانى هو الشامي ,صدوق يتشيع .
وحجية بن عدي الكندي صدوق يخطئ كما في (التقريب 1/155).
و اما الرواية السادسة ففي بعض رجال اسنادها مقال : محمد بن الحسن بن الزبير الاسدي هو الكوفي الملقب ب التل صدوق فيه لين كما في التقريب , وفي الميزان نقل الذهبي تضعيف يحيي بن معين والفسوي له ,وتعديل طائفة اخرى . كابي داود وابن عدي الذي قال : حدث عن محمد الملقب بالتل الثقات ولم ار بحديثه باسا.
- وهارون بن صالح الهمداني عن ابي هند الحارث بن عبد الرحمن الهمداني , وعنه محمد بن الحسن بن الزبير الاسدي ذكره ابن حبان في الثقات ,وفي الميزان : تفرد عنه محمد بن الحسن بن الزبير الاسدي .
- وابو الجلاس الكوفي غير منسوب , عن علي بن ابي طالب عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال : ان بين يدي الساعة ثلاثا الحديث , وعنه ابو هندالحارث بن عبد الرحمن الهمداني - كما جاء في التهذيب - وفي التقريب قال ابن حجر: ابو الجلاس الكوفي مجهول من الثالثة .
- ومع ذلك فالرواية بسندها ساقها ابو يعلى الموصلي في مسنده , عن ابي كريب محمد بن العلاء عن محمد بن الحسن الاسدي , عن هارون بن صالح , عن الحارث , عن ابي الجلاس .(10/215)
ثم ساق اسنادا اءخر عن اءبي بكر بن اءبي شيبة , عن محمد بن الحسن باسناد مثله .
ولعل هذا هو السند الاخر الذي اوما اليه ابن عساكر في الرواية نفسها.
وهذا السند الاخر - عن ابن ابي شيبة - ذكره - قبل ابي يعلى - ابن ابي عاصم في كتابه السنة فقال : حدثنا ابو بكر بن ابي شيبة , حدثنا محمد بن الحسن الاسدي حدثنا هارون بن صالح عن الحارث بن عبد الرحمن , عن ابي الجلاس قال : سمعت عليا يقول لعبد اللّه السبائي : ويلك ما افضى الي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بشي ء كتمته احدا من الناس , ولقد سمعته يقول : ان بين يدي الساعة ثلاثين كذابا وانك احدهم .
ومع ان الالباني - محقق كتاب السنة هذا - ضعف هذه الرواية لجهالة في ابي الجلاس وهارون بن صالح , فقد ذكر ان ابا يعلى اخرجه من طريقين آخرين عن الاسدي به .
وفوق ذلك كله فقد نقل الهيثمي الرواية في مجمعه عن ابي الجلاس ثم قال : رواه ابو يعلى ورجاله ثقات .
ادعوهم لتحري الامانة العلمية بعد ان تحدثتم لنا عن الروايات التي جاءت متضافرة على ذكر ابن سبا واكدت لنا وبجلاء حقيقة ت هذا الرجل وانه اسهم في احداث العديد من الفتن المثيرة في صدر الاسلام هلا اشرتم الى ما ابتدره د.عبدالعزيز الهلابي من اطروحات حول هذه القضية , والتي كان لها اكبر السبب في ذيوعهاوانتشارها بالشكل الذي جعل البعض يتصدى لها عبرالاطروحات المتعددة والتي جاء بعضها -وللاسف - دون مستوى التطلع حيث ركاكة الاسلوب وفجاجة المعاني ونايها عن مبادئ الحوارات الرفيعة ؟ اول ما ابتدر الدكتور عبد العزيز الهلابي طرحه لهذه القضية عندما كتب في الحولية الثامنة , ت الرسالة الخامسة من حوليات كلية الاداب بجامعة الكويت بحثه الذي سماه : عبد اللّه بن سبا دراسة للمرويات التاريخية عن دوره في الفتنة وكان ذلك عام 1986/1987 م .(10/216)
وقد بذل الدكتور في بحثه جهدا كبيرا فجمع كل ما استطاع جمعه من روايات - وان كان لم يستوفها - وعلق واستنتج , ودرس وقارن , واهم من ذلك كله انه اقترب او مارس في جوانب من بحثه منهج النقد العلمي الاصيل الذي يستخدم الاسناد ودرس احوال الرواة ومن خلال هذا وذاك يستطيع الحكم على الرواية - وهو منهج يغيب مع اهميته عن كثير من الباحثين في التاريخ الاسلامي - وخاصة في الفترات الاولى من تاريخنا, ولذا جاء اعتمادكثير من الدارسين على مرويات ساقطة لو كلفوا انفسهم الرجوع الى اسنادهاومعرفة احوال رواتها لاعفاهم ذلك من جهود كبيرة , ولم يضطروا ازاء كثير منهاالى الانكار او الاعتذار عنها عن الدراسات التاريخية فقدت نوعا من المصادر المهمة لكتابة احداث التاريخ الاسلامي الاوهي (كتب الرجال ) وهذا النوع من المصادر وان كان وضع اصلالخدمة السنة النبوية الا ان بالامكان الاستفادة منه في جانب التاريخ , وخاصة اذا علم ان هناك طائفة من المحدثين كان لهم اسهام في الروايات التاريخية بل الف بعضهم في التاريخ كتبا خاصة , وهناك طائفة من الرواة المكثرين في التاريخ كان لهم اسهام في المرويات الحديثية - وهي مع قلتها - مكنتهم من دخول كتب الرجال , واهتمام اصحاب الجرح والتعديل باحوالهم .
ومن المعلوم ان كتب الرجال تلك لا تمثل كتب تراجم عن هؤلاءالمترجم لهم , بقدر ما تعني باحوال الرواة جرحا او تعديلا, وربما ساقت بعض الروايات التاريخية اثناء حديثها عن الراوي مشيرة الى صحتها او ضعفهاكنماذج لتعديل هذا الراوي او جرحه , ومن هنا تاتي اهمية هذا النوع من المصادرفي الكتابة التاريخية .(10/217)
واشار الى ان من ميزات كتابة د. الهلابي انه اقترب من هذا المنهج وان لم يوفه حقه ولذا جاء بحثه على الرغم من الجهد المبذول فيه تتخلله ثغرات كبيرة ,وتنقصه مرويات مهمة , - في نظري - لو توصل اليها, واستعمل فيها منهجه الذي استعمله مع مرويات سيف بن عمر التميمي , لاختلفت نتائج بحثه التي انتهى اليها.
والحق ان الدكتور انتهى الى نتيجة مؤسفة , وقطع - دون ان يستكمل البحث - بكون عبد اللّه بن سبا لا يعدو ان يكون شخصية وهمية لم يكن لهاوجود كما قال ذلك في الاسطر الاخيرة في بحثه .
وليت الدكتور حين اعلن هذه النتيجة احترز قائلا - هذا فيما وصلت اليه من نصوص , او طالعته من مدونات توفرت لى حين البحث - لكان الامراخف وان كان فيه ما فيه من الاستعجال والتسرع في الاحكام .(10/218)
وليت الدكتور - ايضا - عرض آراءه وتحليلاته , وترك للقارئ فرصة الحكم من خلال الدراسة - في مسالة تعتبر محل اجماع من لدن سلف الامة ,والحكم بخلافها نوع من تسفيه احلام السابقين , وهي على الاقل تحتاج الى مزيدمن التروي قبل الحكم , بل ربما ادى الى التشكيك في هذا التراث الضخم الذي خلفوه , واظن الدكتور يعلم ان هناك طائفة من ابناء جلدتنا يتكلمون بالسنتناولهم ولع بالجديد المحدث - ايا كان ويرمون هجر القديم مهما كان , وهي محاولة لبتر الامة , وقطع صلة الاجيال بتراثها.. فهل تنبه الدكتور الى هذه النتيجة التي انتهى اليها, وعلم مكمن الخطر فيها بالنسبة لتراثنا ؟ واكد ان ذلك لا يعني الاستماتة في الدفاع عن هذا التراث بحقه وباطله ,فالباحثون المنصفون يعلمون ان هذا التراث يحوي الصحيح والسقيم , واذا كانت مهمة المتقدمين في جمع المرويات من افواه الرواة لم تمكنهم احيانا من غربلتهاوتمحيصها - كما اشار الطبري , فان مهمة اللاحقين بعدهم دراسة هذه المرويات واستخراج الصحيح .منها و طرح الضعيف , وقال : لكن ذلك ينبغي الا يدفعنا الى التسرع في الاحكام ونحن بعد لم نستوعب هذا التراث الضخم وبالتالي نتسبب في اتهام هؤلاء السابقين بالبلادة والتقليد حين يؤكد اللاحق منهم ما رواه السابق , ونهز ثقة الناشئة بهذا التراث الذي تتظافر مروياته وتتفق مدوناته على ذكر الحادثة وبين ان البحث والوصول الى نتائج جديدة هو لب الدراسات الحديثة ,وهو المنتظر من الباحثين المحدثين , لكن - ذلك ينبغي الا يجرنا الى تجريد هذاالهدف من اهداف اخرى تستلزمها الدراسة وتتطلبها النتائج التي ننتهي اليها,والا اصبحت نتائجنا عاطفية وغير مقنعة واذا كان يجب علينا ان نقدر- فيما نصل اليه من نتائج - حديث الاجيال اللاحقة لنا, ربما قدر لها الاطلاع على ما لم نتمكن من الاطلاع عليه من مصادرالبحث , فمن باب اولى ان نقدر ما قد يصل اليه غيرنا من معاصرينا من نصوص لم نتمكن(10/219)
نحن من الوقوف عليها.. وهذا وذاك لا شك سيدفعنا الى التروي اكثر,وعلى عدم اصدار الاحكام جزافا وقد جاء من بعد الهلابي تلميذه المخلص الاخ حسن فرحان المالكي الذي الف كتابا تحت عنوان نحو انقاذ التاريخ الاسلامي توسع من خلاله في بسط فكر استاذه متناولا للقضية من زوايا متعددة . وقد اهدى لي نسخة منه وطلب منى ابداء ملحوظاتي عليه فاستجبت لمطلب الاخ وكتبت مقالة مطولة بعنوان الانقاذ من دعاوي الانقاذ للتاريخ الاسلامي وبعثت الى جريدة الرياض .
د. سليمان العودة في سطور ت سليمان بن حمد بن عبد اللّه العودة . ت من مواليد مدينة بريدة بالقصيم بالسعوية عام 1375 ه. ت ليسانس تاريخ من جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية بتقدير ممتاز. ت ماجستير بتقدير ممتاز, من نفس الجامعة , وعنوان البحث : عبد اللّه ابن سباو اثره في احداث ت الفتنة في صدر الاسلام .
دكتوراه بتقدير ممتاز, من نفس الجامعة , وعنوان البحث : السيرة النبوية في الصحيحين عن ابن ت اسحاق ودراسة مقارنة في العهد المكي .
استاذا مشاركا مع مرتبة الشرف الاولى , وعنوان البحث : ابن سبا والسبئية من غير طريق سيف ت بن عمر.
يعمل حاليا استاذا مشاركا بقسم التاريخ بكلية العلوم العربية والاجتماعية بالقصيم . ت
اخبار ابن سبا والسبئية ليست قصرا على سيف بن عمر (2/2)
د. سليمان العودة يرد على المشككين في شخصية ابن سبا
صحيفة المسلمون - 12 ربيع الاخر - 1418 هـ
في العدد الماضي كان الموضوع الاساسي للحوار شخصية عبد اللّه بن سبا الذي توصل بعض الكتاب والمؤرخين المتاخرين الى انه اسطورة من صنع الخيال ,مدركين صعوبة الحديث عن شخصية تعد من نسج الخيال لدى بعض الباحثين واسطورة في عداد الاساطير عند آخرين , وان كان ذلك صعب فاصعب منه البحث والتنقيب عن آثار تلك الشخصية التي لابد ان يكون الغموض فيها احد العوامل التي ساقت الى انكارها او التشكيك فيها على الاقل .(10/220)
وقد كانت احدى المرجعيات التي استند اليها الذين انكروا شخصية ابن سبا ان خبره انما اتى عن طريق سيف بن عمر التميمي وهو راوية مجروح . لذا فان هذاالخبر لا يعمل به و يعد مكذوبا و منكرا في رايهم .
ومن خلال الحوار الذي اجريناه في العدد الماضي مع د. سليمان بن حمد العودة -استاذ التاريخ الاسلامي بجامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية بالقصيم -اتضح لنا ان هناك العديد من الروايات التي توكد على وجود شخصية عبداللّه ابن سبا وان هذه الروايات لا ينتهي سندها الى سيف بن عمر.
وقد قام د. العودة بذكر هذه الروايات موضحا لنا تدرجها ومعلقا على اسانيدها.
وفي هذا العدد نكمل بقية الحوار معه لنقف على بعض القضايا التي تدور حول هذا الموضوع من خلال بعض التساؤلات المطروحة .(10/221)
جراة عجيبة بعد ان افصحتم عن الروايات التى اوردت لنا خبر ابن سبا وبينتم لنا النقد السندي للروايات التي ت تكفي واحدة منها لتاكيد حقيقة وجود ابن سبا من طرق لا وجود لسيف بن عمر فيها فكيف وهي تتضافر ومن طرق مختلفة على تاكيد هذه الحقيقة , الا ترون ان اصرار د. عبدالعزيز الهلابي وتلميذه حسن المالكي على اثبات ان اخبار ابن سبا انماوردت عن طريق سيف بن عمر فق ط ولم ترد من طرق اخرى فيه اعراض عن الحق وتجاهل للحقيقة التي هي انصع من الشمس , ثم هل يصح القول بان سيف بن عمر هوالراوية المنفرد بذكر اخبار عبد اللّه بن سبا ؟ هذا السؤال سبق لي ان تعرضت له في كتابي عن ابن سبا ودوره في احداث الفتنة واجبت عليه ت قائلا: والذي يتبين لنا من خلال البحث ان سيفا ليس هوالمصدر الوحيد لاخبار ابن سبا ثم سقت ثلاث روايات مختصرة من تاريخ ابن عساكر لا ينتهي سندها عند سيف ولم اقف عند اسنادها طويلا اكثر من احالتي الى راي المحقق الالباني فيها ظنا مني ان الموضوع لا يعدو ان يكون مجرد آراء عفاعليها الزمن , لكنني حين طالعت الرسالة الاخيرة للدكتور عبدالعزيز الهلابي بعنوان : عبد اللّه بن سبا دراسة للمرويات التاريخية عن دوره في الفتنة والتي اشرت اليها في حديثي آنفا, وجدت فيها تاكيدا على هذه الاراء بل وجراة عجيبة على احياء آراء مرتضى العسكري والذي قال وقتها: انني توقفت عن نشرها زهاء سبع سنين تهيبا لاثارة العواطف في الشرق المسلم و د. الهلابي لم يتردد او يتهيب بل قال في مقاله المنشور عام 1986 م في حولية كلية الاداب ما نصه : ينفرد الاخباري سيف بن عمر التميمي من بين قدامى الاخباريين والمؤرخين المسلمين بذكر عبد اللّه بن سبا في روايته .
ويقول في موضع آخر: لا اعلم فيما اطلعت عليه من المصادر المتقدمة اي ذكر لعبداللّه بن سبا عند غير سيف بن عمر سوى رواية واحدة عند البلاذري وهذه الرواية يكتنفها الكثير من الغموض .(10/222)
والغريب في الامر ان الهلابي حينما اشار الى الرواية الوحيدة - حسب ماانتهى اليه - عند البلاذري , والتي تذكر ابن سبا من غير طريق سيف , شكك فيها قائلا: ومما يلاحظ على هذا النص ان احدا من الذين ذكروا ابن سبا لم يذكران اسمه عبد اللّه بن وهب الهمداني , وهذا القطع منه مجازفة تفتقر الى الدليل , بل النصوص تؤكد خلافه , فابو خلف الاشعري القمي المتوفي سنة 301 سمى ابن سبا ب عبد اللّه بن وهب الراسبي الهمداني .
و اغرب من ذلك ان يقبل الدكتور بنص كتاب الامامة و السياسة وفيه - بدل ابن سبا - عبد اللّه بن وهب الراسبي - زعيم الخوارج - واحد اصحاب علي الذين تم اللقاء معهم بعد صفين وقبل خروج الخوارج في النهروان على اثرفشل التحكيم - كما يقول الدكتور - وهو الذي انكر في مقالة اخرى الدورالمنسوب للقراء في الحرب والتحكيم .
مغالطة : اذن ماذا بقى لاصحاب الراي القائل بان سيفا وحده قدتفرد بمرويات عبداللّه بن سبا ؟ ت للاجابة على هذا السؤال احب ان اورد في هذا الصدد رايا لاحد الباحثين في شخصية ابن سبا ت خلص منه الى القول : ان المتعلق برواية سيف بن عمر ليس الا مغالطة يتحمل وزرها كل من يقول بها ذكرتم لنا الروايات التي ساقت اخبار ابن سبا ونجد ان جميعها انما جاء عن طريق اصحاب ت التاريخ , فهل نعتبرمسالة ذكر ابن سبا قصرا على اصحاب التاريخ وحدهم ؟ هذه المسالة ليست قصرا على اصحاب التاريخ فحسب , انما ذكرها غيرهم وهم كالتالي : ت ابن ابي عاصم المتوفي سنة 287 ه في كتاب السنة .
ابو يعلى الموصلي المتوفي سنة 307 هـ.
*******************
12
والعقيلي المتوفي سنة 322 ه فقد نقل في ترجمة محمد بن السائب الكلبي انه كان يضرب صدره ويقول : سبئي انا سبئي , ثم يعلق العقيلي على ذلك بقوله : قال ابو جعفر: هم صنف من الرافضة اصحاب عبد اللّه بن سبا.(10/223)
واذا كان هؤلاء العلماء قد ذكروا عبد اللّه بن سبا صراحة فهناك غيرهم ممن اوما اليه تلميحا لا تصريحا.
على ان هناك من الباحثين من يرى تواتر قصه ابن سبا لانها وردت في المصادر المشهورة كالحافظ وابن قتيبة , والناشى ء الاكبر, والقمي , والنوبختي والبغدادي , والشهرستاني - وغيرهم بنصوص يختلف بعضها عن بعض , ممايؤكد عدم تفرد سيف او الطبري بذكرها.
نلاحظ ان الهلابي يحاول ان يفصل بين شخصية ابن سباوالسبئية , فما موقفكم من هذا التوجه ؟ ت الهلابي يحاول ان يفصل بينهما و يقطع الصلة بين السبئية وابن سبا, فيقول : اماالسبئية فقد ت وردت مرارا في المصادر المتقدمة عند غير سيف بن عمر, ويبدو انه كان يقصد بها السب والتعيير.
ثم يعرض عددا من النصوص لتدعيم وجهة نظره و ينتهي الى السؤال التالي : اذن من اين جاءت كلمة السبئية وماذا تعني ثم يجيب : ان ايسرالاجوبة على هذا السؤال هو ان نفهمها على انها منسوبة الى عبد اللّه بن سباالذي ذكره سيف بن عمر ومؤلفو كتب الفرق وبعض كتب الادب , وهذا فيه تدعيم للدارسين الذين بنوا دراساتهم عن ابن سبا والسبئية على رواية سيف بن عمر ومؤلفي كتب الفرق وبعض كتب الادب , ولكن في الحقيقة - كما يقول الدكتور - لايمكن الاخذ بهذا التفسير بحيث انه لا يمكن وصف اي جماعة ممن اطلقت عليهم السبئية في المصادر التي استخدمناها آنفا بان لها صلة بابن سباالمزعوم او معتقداته .. ونتوقف عند هذه النقطة معلقين بما يلى : وقفت على عدة نصوص عن السبئية اقدم واوثق مما ذكره الهلابي فوق ما سبق تدوينه في كتاب عبد اللّه بن سبا ص 205, 206, ومن هذه النصوص :نص عن ابن عباس - رضي اللّه عنهما - قال ابن عدي في ترجمة محمد بن السائب الكلبي : حدثنا الساجي , ثنا ابن المثنى , ثنا عثمان بن الهيثم , ثنا عبدالوهاب بن مجاهد عن ابيه عن ابن عباس قال : اذا كثرت القدرية بالبصرة استكفت اهلها, واذا كثرت السبئية بالكوفة استكفت اهلها.(10/224)
نص عن الشعبي : وقال ابن عدي : اخبرنا الساجي , قال ثنا ابن المثنى , ثناابو معاوية , ثنا سعيد الهمداني , قال سمعت الشعبي يقول : دست هذه الاهواء كلهابقدمي فلم ار قوما احمق من هذه السبئية .
نص عن الاعمش : ونقل ابن عدي بسنده قال : اخبرنا الساجي , ثنا ابي المثنى , ثنا ابو معاوية قال الاعمش : اتق هذه السبئية فاني ادركت الناس وانمايسمونهم الكذابين .
وبالاسناد الى محمد بن هارون بن حميد, عن ابراهيم بن سعيد الجوهري ,عن ابي معاوية الضرير عن الاعمش قال : ادركت الناس يسمونهم الكذابين .
وفي ميزان الذهبي : وقال يزيد بن زريع حدثنا الكلبي - وكان سبئيا -قال ابو معاوية : قال الاعمش : اتق هذه السبئية ... الخ .
نص العقيلي : وفي الضعفاء للعقيلي حدثنا محمد بن عيسى , حدثنا عمر بن شيبة , حدثنا عبد الواحد ابن غياث , حدثنا ابن مهدي قال : جلس الينا ابوجرى على باب ابي عمر بن العلاء فقال اشهد ان الكلبي كافر الى قوله : ولكن رايته - يعني الكلبي - يضرب على صدره ويقول لنا: سبئي انا سبئي قال ابوجعفر (العقيلي ) هم صنف من الرافضة اصحاب عبد اللّه بن سبا.
هذه النصوص - كما اسلفت - اقدم واوثق مما ساقه د.الهلابي - اماقدمها فمشهود لانها مروية عن صحابي او تابعي , اما توثيقها فكونها مسندة ينتهي اسنادها الى ثقات , وايا ما كان درجة اسنادها من الصحة فالفرق كبيربينها وبين نصوص ابي مخنف على سبيل المثال - وهو من استشهد له الهلابي بنصين في هذا الموطن , فهو راو متهم , بل ساقط محترق كما يقول علماءالجرح والتعديل .
ودلالتها على ابن سبا لم تكن محل خلاف عندهم , وقد صرح بعضهم بنسبة السبئية الى ابن سبا كما صنع العقيلي .(10/225)
والتمحل واضح في محاولة الفصل بين المصطلح وابن سبا, والا فالكتب المختصة بالانساب والمختصة بالفرق - وهي الفيصل عند الاختلاف لا تتردد في نسبة السبئية لابن سبا, ولئن كان قد اتسع مصطلح السبئية فيما بعد ودخل فيه طوائف واجناس فلا مرية ان اصل التسمية يعود الى ابن سبا.
2 - وكتب الفرق هي الاخرى مرجع عند الاختلاف في نسبة السبئية ,والغريب في الامر ان الهلابي سفه احلام بعض اصحابها واتهمهم بالبلادة ,وتجاوز في نقده لهم الموضوع الاساسي الى موضوعات اخرى , امام هذا الرصيدمن النصوص الموثقة والمراجع والمصادر الثمينة التي بلا شك ان الهلابي قد اطلع على كثير منها ولم يفته الوقوف عليها والالمام بما في اطوائها.
بماذا تعلقون على موقف الهلابي منها ؟ ت الغريب في الامر ان الهلابي لا يرى الاعتماد عليها ابدا اذ يقول : ونحن نرى بالمقابل انه لا يصح ت ابدا الاعتماد على كتب الفرق والمقالات في دراسة القضاياالتاريخية ثم يعلل ذلك قائلا: اذ ان معظمها ان لم تكن كلها كتبت بروح التحامل والتعصب , وتعوزها الامانة والتدقيق في صحة ما تنقل بالاضافة الى الكثير ممافيها من المبالغات والتناقضات .(10/226)
وهكذا يتجشم د.الهلابي الصعاب مرة اخرى , بل ثالثة ورابعة , وهويجازف بعبارات كان خليقا به ان يرفع قلمه عنها, ونحن لاندعي العصمة لهولاءولا لغيرهم ولا نبرئ ساحة كتبهم من الاخطاء, لكن الرفق بالعلماء من سمات العلماء, وكيف اباح الدكتور لنفسه ان يتهم معظم كتب المقالات او كلهابالتحامل والتعصب , ثم هو يحكم عليها كذلك بضعف الامانة والتدقيق , وانهاتحوي الكثير من المبالغات والتناقضات اذن اي شي ء بقى للدكتور يثق به من تراثنا ؟ وهو الذي لم يثق بما كتبه المؤرخون حين اعتبر المتاخرين منهم نقلة مقلدين عن اسلافهم , وشنع على الاخباريين الذين رووا قصة ابن سبا واتهمهم بقلة الامانة وتلفيق القول واختلاف الروايات وحكم بتفردهم بذكر الخبرولم يرض بالروايات الواردة في الكتب الاخرى فلم يستبعد ان يكون اصل كتاب البلاذري قد تعرض للتحريف من قبل النساخ , لانه ذكر ابن سبا, اما نص الجاحظ فهو يسقطه معللاضعف مصدر الشعبي - راوي الخبر - وهو زحر بن قيس , بل هو يميل فوق تلك الى ان القصة وضعت في مرحلة متاخرة نسبيا و اسندت الى الشعبي (ت 104)والشعبي من الثقات الاثبات , (هكذا يجازف دون دليل ), وهو لايرى اعتماداحكام اصحاب الجرح والتعديل على الاخباريين , ويرى ان القضايا التاريخية لا تعالج حسب حكم اصحاب الحديث على روايتها ايجابا او سلبا, بل ان الروايات نفسها تعرض على محك النقد والتمحيص والمقارنة فان ثبتت فذلك مايبحث عنه المؤرخ , و ان هي انهارت فلا قيمة لها بصرف النظر عن مكانة راويهاالعلمية وسمعته فقد يكون نقلها بحسن نية .. الخ , ونحن بدورنا نقول : اي منهج هذاوماذا بقى للدكتور يرتضيه من تراثنا ومناهج اسلافنا منهج الهلابي هل ترون ان د.الهلابي يعتمد منهجا محددا لما يقبله اويرفضه من الروايات , بحيث استند عليه ت في بحثه لهذه القضية ؟ الذي بدا لي حقيقة ان د. الهلابي يعتمد على منهج محدد متمثل في ان لديه مقررات سابقة يحتفظ ت بها(10/227)
ويحاكم النصوص اليها فيقبل منها ما ينسجم معهاويطرح جانبا ما يعارضها وقد يقبل من مؤلف واحد نصا في موطن استشهاده ويرفض منه او يتجاهل نصا آخر في موطن استنكاره الصورة اسوق النموذج التالي : فيما نحن بصدده قبل الدكتور بنص عند ابي الحسن الاشعري ينسب السبئية فيه الى عبد الرحمن بن سبابة , واعتبر ذلك جاليالغموض هذه التسمية التي تسميها بها بعض كتب الفرق , وان ذلك لا علاقة له بمصطلح السبئية والتي تسمى احيانا ب السبا, لكنه تجاهل تماما نصا آخر عندالاشعري نفسه ينسب فيه السبئية الى عبد اللّه بن سبا فيقول : السبئية اصحاب عبد اللّه بن سبا يزعمون ... الخ (1/86), فهل يقال ان الدكتور لم يطلع عليه , ام لانه لا يخدمه لا جديد ذكرتم لنا ان د.عبد العزيز الهلابي كتب في الحولية الثامنة الرسالة الخامسة من حوليات كلية ت الاداب بجامعة الكويت بحثه الذي هو بعنوان : عبد اللّه بن سبا دراسة للمرويات التاريخية عن دوره في الفتنة هل لكم ان توضحوا لنا ماذايريد الهلابي في هذة الرسالة وما الجديد فيما طرحه وما هي اصول آرائه التي اعلنها ؟ الحق اننا حين نعود الى الكتابات السابقة لا نجد في الموضوع جديدا في طرح د.الهلابي ولا من ت تابعه امثال تلميذه حسن المالكي في كتاباته المتاخرة .
يقول المستشرق اسرئيل فريد لندر: ان ابن سبا ليس الا شي ء في نفس سيف اراد ان يبعد به شبح الفتنة عن الصحابة وانها انما اتت من يهودي تستربالاسلام .
ومن الملاحظ ان هذا المستشرق مع محاولته لتقليل شان ابن سبا في الفتنة واتهامه لسيف وهو نفس ما حاوله د.الهلابي , الذي لم يجرؤ على انكارشخصية ابن سبا مطلقا فهو يقول : ليس بامكاننا ان ننكر الاشياء الايجابية التي جاء بها سيف عن ابن سبا مثل : اصله وحياته وظهوره بين المسلمين ويقول ان هذا جاء من الهوى .(10/228)
اما المستشرق كايتاني فهو اشد مهاجمة لرواية سيف , وقد خلص منهاالى القول بان مؤامرة كهذه انما يصح تفسيرها على انها حادثة في العصر العباسي فهي تعكس احوال ذلك العصر..
وهذا التعليل كفانا في الرد على د.عبد الرحمن بدوي وهو يناقش آراءالمستشرقين في هذه المسائلة .
اما مرتضى العسكري فيقول : ان جميع من نقل قصه ابن سبا انما اخذ من معين الطبري واستقى اخباره من كتابه .
وفي كتاب آخر له اعتبر (ابن سبا) شخصيه اسطورية نقل الطبري اخباره عن راو كذاب يدعى سيف بن عمر التميمي ويتهكم العسكري على كتاب المقالات والفرق ويصفهم باوصاف مشينة حين يقول : كانت تلك اقوال اهل الملل والنحل ونسج على منوالهم في الهذر آخرون ويقول عنهم : انهم تنافسوا في تكثير عدد الفرق في الاسلام .. ويبدو انهم كتبوا من عند انفسهم شروحا عن اولئك الفرق توضح عقائدهم ويقترب من هؤلاء د. طه حسين فيما طرحه - فهو اقرب الى الشك منه الى اليقين فهو يستغرب مثلا اغفال بعض المصادر لذكره كابن سعد والبلاذري ,ثم يعود اخرى ويجعل من اغفال المؤرخين له وباتباعه السبئية في احداث صفين دليلا على ان امر ابن سبا والسبئية انما كان متكلفا منحولا.
ويقول في موطن ثالث : فلندع اذن ابن السوداء هذا واصحابه سواء كان امرهم وهما خالصا ام امرا غير ذي خطر بولغ فيه .(10/229)
اذا كانت آراء د. الهلابي لا تخرج عن هذه الاطر في رؤيته لشخصية عبداللّه بن سبا والسبئية تاكد لنا ان ليس ثمة جديد يسبق اليه الهلابي , وبالتالي وقفنا على الاصول التي انطلق منها في هذه الرؤية الجديدة تشنيع في حق المؤرخين الاسلاميين يثير الهلابي مقولة يرددها في بعض اطروحاته استند اليهافي كثير من وقفاته وكذلك بالنسبة ت لمن يرى برايه امثال المالكي وغيره .. وهذه المقولة مفادها ان الطبري هوالاساس في نقل روايات سيف لابن سبا ومعظمها عنده واقلها عند ابن عساكر وكل من جاء بعد الطبري نقل منه .بل يزيد على ذلك ويقطع بانه لم يرد عند مؤرخي القرن الثالث والرابع الهجريين اي ذكر عن ابن سبا ودوره في الاحداث لا في مروياتهم ولا في كتب المؤرخين منهم , فماتعليقكم على هذه المقولة ؟ هذه المقولة للهلابي اعدها نموذجا للجراة غير المتزنة والتي يمارس فيها بشكل واضح الانقاص ت من جهود المؤرخين الاسلاميين الذين سبقوه في هذا المجال والذين وصلوا الى ما لم يصل اليه هو.
وهي بلا شك يعتريها الخلل الكبير وتحتاج الى المزيد من الايضاح من خلال الوقفات التالية : 1 - هناك تمويه وتعمية من الهلابي على تاريخ ابن عساكر حيث اشار الى قلة مروياته لعبد اللّه بن سبا من طريق سيف وهذا حق بالمقارنة بالطبري لكن لا ادري لماذا تجاهل اي ذكر للمرويات الاخرى التي ساقها ابن عساكر من طريق لا تنتهي الى سيف . الان الدكتور لم يطلع عليها ؟ ام لانها تهدم اساسيات بحثه , الذي اعتمد عليه ؟ على اية حال سواء كان هذا او ذاك فهو خلاف المنهج العلمي .(10/230)
ثم يكرر التمويه والتعمية مرة اخرى , بل يناقض نفسه حين يقول ان ذكرابن عساكر كمصدر مهم لمرويات ابن سبا من باب الايهام و الا فهو كغيره ينقل عن الطبري رواية سيف بن عمر, او ينقلها مباشرة من سيف كيف اباح الدكتور لنفسه ان يقول انه لم يرد اي ذكر لابن سبا عندمؤرخي القرنين الثالث والرابع الهجري لا في مروياتهم ولا في كتبهم - وقد وقفنافي احدى الروايات السابقة على رواية ابن ابي خيثمة احمد بن زهير, الذي عاش في القرن الثالث , بل وادرك نهاية القرن الثاني (279 - 185 ه) وهوصاحب كتاب التاريخ الكبير الذي امتدحه الخطيب البغدادي فقال : وله كتاب التاريخ الذي احسن تصنيفه واكثر فائدته . ولا اعرف اغزر فوائد من كتاب التاريخ الذي صنفه ابن ابي خيثمة .
وامتدحه ابن كثير, واثنى على كتابه فقال : كان ثقة حافظا ضابطامشهورا, وفي تاريخه فوائد كثيرة وفرائد غزيرة .
كما جاء على ذكر ابن سبا من مؤرخي القرن الثالث ابن حبيب , المتوفي سنة 245 ه وابن قتيبة المتوفي سنة 276 ه, والجوزجاني المتوفي سنة 256 -259 وغيرهم .
اطروحات خطيرة في ختام هذا الحوار, وبعد ان كشفتم لنا حقيقة ابن سباواثره في الفتنة العظيمة في صدر ت الاسلام .. هلا بينتم لنا ماوراء الانكار او التشكيك في هذه الشخصية ؟ ان ما وراء انكار وجود ابن سبا والتشكيك في حقيقته انما يدركه الذين سبقواالهلابي في ت طرحهم لهذه القضية اذ انهم اصحاب آراء ومذاهب جانحة ويعرفون جيدا ماذا يترتب على هذا الانكار.(10/231)
اما د.عبد العزيز الهلابي فانني اجدها فرصة سانحة عبر جريدة المسلمون التي تعهدت بايصال كلمة الحق الى ارجاء الامة .. لكي اذكره اكثرمن غيره , كما اذكر تلميذه الذي يسير على مذهبه حسن المالكي اذكرهم جميعابخطورة هذه الطروحات , لما تفرزه من خلفيات قد تغيب عن اذهان البعض , وفوق ان هذه الاراء فيها تسفيه لاراء السابقين واتهام لهم بالسطحية والغفلة عن تحقيق ما ينقلون من نصوص وتعميق ما يطرحون من آراء, ففي هذا الراي نسف لكتب باكملها تعد من مفردات كتب التراث , ويعتمد عليها في النقل والتوثيق من قرون متطاولة , فكتاب منهاج السنة - مثلا - لشيخ الاسلام ابن تيمية ينطلق من اعتبار عبد اللّه بن سبا اصل الرافضة , فهو اول من قال بالوصية والرجعة وغيرها من معتقدات وانكار هذه الشخصية او التشكيك فيها تشكيك في الكتاب كله , ونسف له من اصوله , بل ربما تجاوز الامر ذلك الى التشكيك في اصول الرافضة وتاريخ نشاتهم .
انا على استعداد للمحاورة حول الامور الجوهرية للرجوع الى الحق
حسن المالكي يرد على العودة وعلي رضا
صحيفة المسلمون - 4 جمادى الاولى - 1418 هـ(10/232)
نشرت صحيفة المسلمون في اعداد مضت عدة تعقيبات و ردود علي من عدد من الاخوة حول موضوعات مختلفة منها ما يتعلق بالمقالات المنشورة في صحيفة الرياض ومنها ما يتعلق بكتابي (نحو انقاذ التاريخ الاسلامي ) ومنهاما يتعلق بكتاب بيعة علي بن ابي طالب في ضوء الروايات الصحيحة وبما ان كل الردود التي نشرت كان فيها تشويه لوجهة نظري - و سواء كان التشويه بتعمد او سوء فهم - فانه يلزم مني ان ادافع عن نفسي من باب (على رسلكماانها صفية ) فالشرع دلنا على ابراء الذمة وساحاول الاختصار ما امكن مع انه سبق ان رددت على بعضهم كالدكتور سليمان العودة في صحيفة الرياض لكن نشره لاراء جديدة في المسلمون ولان لصحيفة المسلمون جمهورها وقراءهافانه يهمني ان ارد على الافكار الجديدة فقط مع تلخيص مختصر جدا لوجهة نظري التي سبق نشرها في الموضوع .
وانا قبل ان ادخل في الردود التفصيلية على هؤلاء الاخوة اتمنى من القارئ الكريم ان يمتلك ت المنهجية وان يعود لاقوال المردود عليه لان الناس يشوهون افكار الاخرين و يحملونهم ما لم يقولوا فانا اطلب من القارئ ان يكون حكم عدل و ليعلم ان الذى سيحكم بمدى تحقيقه للعدالة هو اللّه المطلع على نيته وعلى استفراغه لجهد في الوصول الى الحقيقة .
و الان الى الردود على تلك التعقيبات و سالتزم بترتيب الرد عليهاحسب تاريخ نشرها ما امكن .(10/233)
الرد على الاستاذ علي رضا فالاخ الاستاذ علي رضا نشر مقالا في المسلمون يوم الجمعة 29 صفر1418ه وكنت قد رددت على بعض ما اورده و نشرت ذلك في صحيفة الرياض واقتصرت على نقد (تاييده ) لي في مسالة القعقاع بن عمرو لان تاييده لي كان غير علمي وذكرت يومها ان بقية الملحوظات على مقاله تحتاج لمناسبة اخرى لانني كنت يومها مشغولا بقضية القعقاع و الردود بيني و بين بعض الاخوة ولم اكن احب ان ادخل اكثر من قضية في الموضوع و هذه الملحوظات التي اذكرها هناساتجنب فيها ما ذكرته في ردي على علي رضا في صحيفة الرياض كما ساتجنب القضايا المشتركة التي ردت عليها ام مالك الخالدي في هذه الصحيفة وفي صحيفة البلاد وساحاول ان اذكر البقية من هذا مما يخصني فقط وكان مما بقى من الملاحظات المهمة سبع وهي كما يلي : الملاحظة الاولى : ذكر الاخ علي رضا انه التقى بي في مجلس من مجالس طلبة العلم وهوصادق في هذا وتحدث اننا تحاورنا في معاوية بن ابي سفيان وهو صادق ايضااننا تحاورنا فيه ضمن اشياء كثيرة تناولناها في ذلك المجلس وكان من تلك الموضوعات التي تناولناها مسالة ابن عديس و معاوية وانكر علي تفضيلي ابن عديس على معاوية في كتاب (بيعة علي ).
وكنت قد قلت ان ابن عديس من اصحاب الشجرة وعلى هذا فهوافضل من معاوية لانه من مسلمة الفتح وهناك احاديث صححها بعض اهل العلم تبشر اصحاب الشجرة بالجنة بينما معاوية لم يكن منهم و لا عمرو بن العاص لان اسلامهما كان متاخرا وعلى هذا فابن عديس الخارج على عثمان افضل من معاوية الخارج على علي وهذا كله منهج سلفي بحت في تفضيل اهل الرضوان على من سواهم ولا زلت مصرا عليه لانني ارى انه الحق و تدل عليه الاية الكريمة (لا يستوي منكم من انفق قبل الفتح وقاتل اولئك اعظم درجة ..) اما ما ذكره علي رضا من انه سالني هل يقال ان معاوية في النار وانني سكت .(10/234)
فهذه اما ان يكون علي رضا صادقا او كاذبا وانا لا اذكر الموقف البتة لكن ان كان صادقا فسكوتي اما ان يكون استغرابا من طريقة حواره او انشغالابشي ء آخر لم انتبه لكلمته او تاييدا و اقرار بان معاوية في النار و قد يقول احدهم كلمة لا ينتبه محاوره لها او لا يسمعها جيدا او يستغرب صدورهافيسكت والتجارب كثيرة و مشاهدة وماساوية واما ان اراد الثالثة وهي انني احكم على معاوية بالنار - وهذا هو الظاهرمن كلام علي رضا - فهذا مما ابرا الى اللّه منه و اذا كان علي رضا يقصد هذا فاناادعوه للمباهلة لنجعل لعنة اللّه على الكاذبين ليس عندي الا هذا او ياتي بشهودعلى كلامه و الاخ علي رضا مثلما حرف الكلام المكتوب الواضح فتحريف (سواليف المجالس ) من باب اولى و رحم اللّه منهج اهل الحديث تلك الكلمة البتة لكن التفصيل السابق كان احتياطا مني لان الانسان قد ينسى هل تكلم او سكت لكنه لن ينسى عقيدته .
وانا بحمد اللّه لا احكم بالنار على من هو دون معاوية فلا احكم بالنارعلى الحجاج ولا يزيد ولاكل من قال لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه فكيف احكم على معاوية بالنار ؟ ولابالنار على من هو افضل من معاوية كخالد بن الوليد مثلا لكنني ارجو لهم الجنة و اخشى عليهم من النارويزداد الرجاء كلما كان الرجل صالحا و تزداد الخشية كلما زادت مظالم الرجل لنفسه ايا كان ذلك الرجل اللهم الا ان يكون مبشرا بالجنة وهذه عقيدة اهل السنة الصحيحة ومن شاء ان يتاكد فليراجع كتب العقيدة وانا على استعدادللمناظرة والمباهلة في هذه المسالة والقضية بحمد اللّه واضحة و ميسورة لاتحتاج لكثير ايضاح .
الملاحظة الثانية : ضعف علي رضا رواية خزيمة بن ثابت في بيعة علي بحجة ان ابا اسحاق السبيعي مدلس وقد عنعن ولم يبين انه (ثقة ثبت ) ولو رجع الاخ علي رضالصحيح البخاري و مسلم لوجدهما يحتجان بعنعنات ابي اسحاق السبيعي في الصحيحين 158...)من صحيح البخاري فقط.(10/235)
الملاحظة الثالثة : ذكر علي رضا ان رواية الحسن البصري عن وثاب (في الحوار الذي جرى بين عثمان والاشتر) ضعيفة بسبب جهالة وثاب شيخ الحسن البصري .
اقول : اولا انا قلت (بسند صحيح الى الحسن البصري ) وهذه فيها الماحة الى انني متوقف في امر وثاب وكان الراجح هو توثيقه .
ثانيا: الفقيهي هو الذي اورد الرواية محرفة فاعدتها على الصواب وذكرت انها صحيحة الى الحسن البصري ثم استخدمت كلمة (الرواية صحيحة ) واقصد الى الحسن البصري وليس الى وثاب على ذلك سياق الكلام .
ثالثا: الاخ علي رضا غفل عن مسالة مهمة وهي ان الحسن البصري اذاروى عن رجل و سماه فهو (ثقة يحتج به ) هذا ما ذكره يحيى بن معين (انظرالتهذيب 1 / 347) وعلى هذا فوثاب عند يحيى بن معين (ثقة يحتج بحديثه )لان الحسن روى عنه و سماه وعلى هذا تكون الرواية صحيحة عند يحيى بن معين على الاقل وهو من المتشددين وعلى هذا فقول علي رضا ان مدار الرواية على (مجهول ) كان نتيجة جهل بمقولة يحيى بن معين الماضية ثم ياتي بعد هذا كله يتعالى بانه من (المتمرسين في علم الحديث الملاحظة الرابعة : ذكر انني دلست ( طلحة والزبير بايعا عليا طائعين غير مكرهين ثم نكثواعليه ) وانا اطلب من القارئ الكريم ان يرجع للفتح (13/57) لينظر من منادلس على الاخر.
اما الاختلاف في يسير الالفاظ فمعظم الاحاديث الصحيحة فضلا عن المرويات لابد ان يكون بينها يسير اختلاف وكم من حديث في البخاري تختلف الفاظه من موقع لاخر اختلافا يسيرا والاستاذ علي رضا يؤمن بان يسير الالفاظ لا تؤثر في فصل الحديث الى حديثين و ان اراد ان اذكر عشرات النماذج من (تحقيقاته الملاحظة الخامسة : ذكر ان مغيرة بن مقسم كان ثقة متقنا ثم استدرك بانه يدلس روايته عن ابراهيم النخعي ولو رجع لصحيح البخاري فقط لوجد ان البخاري يحتج بعنعنات مغيرة بن مقسم عن ابراهيم النخعي انظر الاحاديث (3460, 3070, 3459, 3477, 3045) وغيرهاكثير.(10/236)
فالاخ علي يظهر ان عنده من النظريات (المتاخرة ) اشياء كثيرة لكنه تفوته النظريات الصحيحة وتطبيقات الائمة المتقدمين ولاسيما الشيخين ومعرفة التطبيقات والنظريات المتقدمة اولى من معرفة النظريات المتاخرة ومحاسبة الناس عليها لان واضعي هذه النظريات المتاخرة لا يلتزمون بها عند التطبيق ايضا والامثلة اكثر من ان تحصر.
الملاحظة السادسة : اما ما ذكره الاخ علي رضا مرارا بانني اقلد ام مالك الخالدي فهذا لااسميه تقليدا و انما اسميه ابحاثا مشتركة ولا غرابة ان نلتقي في كثير من الابحاث و الرؤى فنحن في بيت واحد الملاحظة السابعة : ذكر انني تناقضت فذكرت ان رواية ابي سعيد مولى ابي اسيد الانصاري حسنة ثم ذكرت انها صحيحة الاسناد فالخطب في هذا يسير فالصحيح والحسن كلاهما حجة و اسناد هذه الرواية قال عنه الحافظ ابن حجر: رجاله ثقات سمع بعضهم من بعض انظر المطالب العالية (5/24) طبعة دار الوطن المسندة .(10/237)
وقول الحافظ في الطبعة الاصلية ايضا (4 / 286) وهذا التناقض لو صح تسميته تناقضا فهو اخف من تناقض الاستاذ علي رضا عندما حكم على عشرات الاحاديث احكاما في غاية التناقض ولعل من امثلة ذلك حكمه على حديث (امرت بقتال الناكثين ...) بانه موضوع ثم حكم عليه بانه حسن (3 / 865) ثم حكم عليه بانه صحيح (3 / 1060) فهذاالتناقض من (الموضوع الى الصحيح ) مرورا بالحسن والضعيف صح تسميته تناقضا المحدثة و اول من قال بالحسن ولا يريد به الصحيح كان علي بن المديني ثم توسع فيه الترمذي .ويستخدم الحسن عند المقارنة غالبا اما عند الاطلاق فيجوز استخدام اللفظين وكلاهما (الحسن والصحيح ) حجة والحمد للّه اما (الموضوع و الصحيح )فلايلتقيان الا عند محقق التراث الرد على د. سليمان العودة تهريب عبد اللّه بن سبا اما د. سليمان بن حمد العودة فقد اطلعت على اللقاء الذي اجرته معه صحيفة المسلمون يومي الجمعة 5, 12 ربيع الاول من هذا العام 1418 ه وكان اللقاء ردا علي وعلى د. عبدالعزيز الهلابي الذي ينكر شخصية عبداللّه بن سبابينما انا انكر دوره في الفتنة فقط اما وجوده فهو الى الان تحت البحث والدراسة مع ان د. سليمان خلط بين المسالتين .
و د. سليمان - هدانا اللّه و اياه الى الحق - يدعونا لتحري الامانة العلمية وانا ادعوه للامر نفسه ولو قامت جهة علمية للنظر بحيادية لما كتبه الثلاثة اناوالهلابي والعودة للنظر في من يتجافى عن (التحري العلمي ) لكان مما يسرني لانني ازعم ان د. سليمان لم يتحر الامانة العلمية انه يحرف الحقائق بتعمد وليس باساءة فهم وعندي الادلة الكثيرة على ذلك وهو يدعوني لتحري الامانة العلمية براءتهما جميعا اما ان نتراشق التهم فهذا لا يخدم الحقيقة وانا ارضى باية جهة علمية يرتضيها د.(10/238)
سليمان و حتى احدد اكثر فانا ارضى قسم التاريخ بالكلية التي يتولى عمادتها د. سليمان تخرج حكمهاوتنشره بين الناس و اظن فعلي هذا فيه غاية الانصاف فهل يوافق د. سليمان على هذا او على المناظرة ام يستمر في رمي اخيه المسلم بالاتهامات في المجالس وعلى المنابر.
تبسيط القضية احب في البداية ان انبه الاخوة القراء الى امر سيسهل علينا اختصاركثير من الامور وهو كما قلت سابقا: ان د. سليمان العودة قد حملني نفي (وجودعبداللّه ابن سبا) مطلقا الفتنة ) فقط بمعنى انني امتلك عن احداث الفتنة اسانيد صحيحة تفسر لي كيف حدثت الفتنة و لست بحاجة لاسانيد سيف وامثاله من الضعفاء و الكذابين الذين يفسرون لي احداث الفتنة تفسيرا مختلفا فهذا هو لب ما نفيته في مسالة عبداللّه بن سبا.(10/239)
اما مسالة وجوده فهي تحت البحث و الدراسة ولا ريب ان نفيي لدورعبداللّه بن سبا في الفتنة هو نفي ل 95 % من اخبار عبداللّه بن سبا لان بقية الاسانيد - من غير سيف - انما تتحدث عن رجل يغلو في علي بن ابي طالب فقط رسالة د.سليمان العودة التي كان الهدف منها (اثبات دور عبداللّه بن سبا في احداث الفتنة في صدر الاسلام ) لان سقوط سيف يعده العودة سقوطا كاملالرسالته له و للتاريخ من التمادي في الباطل ولو رجع الى نفي اساطير ابن سبا في الفتنة فانه يسجل بهذا سابقة انصاف لم نعهد صدورها من كثير من الاكاديميين . ثم ان رجوعه الى نفي اخبار ابن سبا في الفتنة لا يعني انتقاصا لرسالته او انه لا يستحقها وله في الشافعي اسوة حسنة فقد كان له مذهب قديم و مذهب جديد و انا على سبيل المثال كنت اثبت دورابن سبا كاملا حتى بحثته وكنت اثبت القعقاع بن عمرو و صحبته حتى تبين لي ان المصدر الوحيد في هذا هو سيف , فرجعت الى نفي دور ابن سبا في الفتنة و الى نفي وجود القعقاع لان المنهج يوجب علينا الا نبقي مجالا للشكوك والعواطف والاحاسيس فالمنهج مثلا يلزمنا بالحكم بالوضع على حديث معين اذا انفرد به كذاب ويلزمنا ان نحكم على الحديث بالضعف الشديد اذا تفرد به متروك ويلزمناالمنهج بالحكم على الحديث بالضعف اذا تفرد به ضعيف وهكذا. وقد نحس في انفسنا ان هذا الحديث الموضوع صحيح لكن هذا الاحساس ليس مقياسا في ثبوت الحديث و كذلك (الحرص على التراث ) ليس مقياسا في الحفاظ على روايات الكذابين اذن فانا اجد خلطا كبيرا عند د. سليمان و عند كثير من المؤرخين الاسلاميين هذا الخلط بين تطبيق المنهج و بين (الاحساس ) او (حديث القلب )او (المصالح ) او (حب مخالفة ما توصل اليه بعض الكفار والمبتدعة ) او (حب اثبات ما ذكره بعض علماء المسلمين ) وهكذا نجد كثيرا من المعايير ليست علمية البتة ولادخل لها بالنواحي العلمية ولو اننا لا نحكم على الحديث او الرواية بالكذب(10/240)
لمجرد احساسنا بصحتها لاثبتنا كثيرا من الاحاديث الموضوعة والاخبار المكذوبة يحابي احساسا ولا عاطفة ثم ان الاحساس غير منهج المحدثين و انما قيل انه يتبعه بعض غلاة الصوفية و يطلقون عليه (التذوق ) كان د.سليمان يرى ان توثيق سيف واثبات اكاذيبه عن ابن سبا وغيره من باب المحافظة على المصلحة (مصلحة التراث ) بل المصلحة هنا متحققة ولو كان د.سليمان يعلم - و اظنه يعلم - خطورة اثبات روايات سيف عن ابن سبا لماتمسك بها البتة لان روايات سيف عن ابن سبا تثبت ان بعض كبار الصحابة من بدريين و غيرهم كانوا ينفذون خطط عبداللّه بن سبا سبا بكامل دوره اخطر من نفيه و ان اكثر علماءالمسلمين على نفي دور عبداللّه بن سبا من القرون الاولى الى اليوم ).
اعود و اقول : انني عندما ابحث الرواية او الحديث لا احاول ان ارسم النتيجة قبل البحث ولا ادخل باحكام مسبقة او احاول الا افعل هذا على الاقل ولذلك فانا متفق مع د. سليمان في امور و مختلف معه في اخرى و متفق مع الهلابي في امور و مختلف في اخرى مع التفاوت الكبير بين الاثنين وهكذا ولو كنت ادخل باحكام مسبقة و تقليد للهلابي - كم زعم د. سليمان - فلن اختلف معه في نتيجة من النتائج التي توصل اليها.(10/241)
الوقفة الثانية ان الحوار مع د. سليمان العودة فيه صعوبة بالغة لان د. سليمان لا يثبت على منهج محدد فنجده احيانا يحتج بمنهج اهل الحديث اذا كان يخدم فكرته فقطواحيانا اخرى يهاجم منهج اهل الحديث و يزعم انه غير صالح لتطبيقه على الرواية التاريخية و مرة ثالثة نجد الدكتور محتجا بكتب الفرق والمقالات ومرة رابعة مع كتب الشيعة بينما ينقد نقل بعضنا لانه اتفق في نتيجة ما مع بعض ما اورده بعض الشيعة و مرة خامسة نجد الدكتور مع منهج المؤرخين و سادسة مع كتب الادب والانساب وهكذا ان وجد شحا في منهج انتقل منه الى منهج آخر وذم المنهج السابق يهربون البضائع و الاسلحة من بلد لاخر فانهم لا يسلكون طريقا واحداو انما ان شعروا بالخوف من هذا الطريق انتقلوا الى غيره لانه ينتقل ويتجول بين مناهج مختلفة ومتباينة يرفضها اذا شاء و ياخذ بها اذا شاء ويهاجم من يتمسك بها في مسالة لايراها و يهاجم من تركها في مسالة يراها وهكذا.. فاذا كانت تناقضاته في المنهج نفسه فكيف يريد منا ان نتفق معه و انا اريد ان اسال د. سليمان سؤالا محددا وهو: هل ترى تطبيق منهج المحدثين على الرواية التاريخية ام لا ؟ فاذا كنت ترى هذا فهل ترى تطبيقه على كل المؤرخين ؟ ام ترى تطبيقه على سائر المؤرخين ما عدا سيف بن عمر ؟ ولماذا يكون سيف فوق مستوى منهج المحدثين . وما ذنب الواقدي و ابي مخنف الذين تضربهم بهذا المنهج بينما لاتطبقه على سيف هل سيف بهذه القدسية المنهج اشد الاختلاف فانا احترم د. الهلابي واثني عليه لانه واضح لا يتلون وهو يتعامل مع المتون بعيدا عن منهج اهل الحديث وانا اختلف معه في هذه المسالة اختلافا جذريا لكنه بعيد عن ازدواجية د.سليمان و امثاله الذين يتشدقون بمنهج المحدثين و يتخذونه مطية لرد الروايات التي لا يحبونها بينما لا يطبقون المنهج على رواياتهم المحبوبة وفي مقدمتها اكاذيب سيف بن عمر التي ملات بطون الرسائل الجامعية ضحايا سيف الابرياء(10/242)
والذي اعرفه ان منهج المحدثين يمكن تطبيقه على كل المحدثين فضلا عن المؤرخين .
اما د. سليمان فهو يطبقه على المحدثين والمؤرخين الا سيف بن عمر فهولايرضى ان يطبق عليه هذا المنهج الصارم لن يخدم سيفا ولا رسالة العودة فهذا و ان كان فيه حماية لرسالة الدكتور لكن ليس فيه حماية للحقيقة التاريخية ولا ريب ان التضحية برسالة اسهل من التضحية بالحقائق التاريخية نماذج من ذلك وحتى لا يكون اتهامي للدكتور انشائيا غير موثق فاليكم نماذج من تناقضاته التي كنت اربا به عنها: النموذج الاول : انتقد د. العودة على د. الهلابي عدم اعتماده على منهج اهل الحديث فقال في لقائه في المسلمون : (والهلابي لا يرى اعتماد احكام اصحاب الجرح والتعديل على الاخباريين التاريخية لا تعالج حسب حكم اصحاب الحديث تعرض على محك النقد والتمحيص والمقارنة ..) ثم يتساءل و يقول : (ونحن بدورنا نقول : اي منهج هذا ؟ اقول : انتم هنا تلاحظون ان د. العودة يرى تطبيق احكام الجرح والتعديل على الاخباريين و يرى ان القضايا التاريخية يجب ان تعالج سلباوايجابا وفق منهج المحدثين اليس كذلك ؟ بعرض المتن فقط على المحك والدراسة والمقارنة بعيدا عن الاسناد ؟ في هذه النقطة مع د. سليمان ضد د. الهلابي لكن تعالوا الى تطبيقات د. سليمان فماذا كان نصيب هذه النظرية الجميلة ؟ اولا: د. سليمان العودة لم يطبق هذا المنهج البتة على اكثر من 460 رواية احتج بها في رسالته (عبد اللّه بن سبا) لم يدرس اسانيدها البتة وفي تلك الروايات من الاكاذيب و الطعون في الصحابة و مخالفة الصحيح ما لا يكاد يقع تحت الحصر الاسواق ستجدون انه ينسب هذه الاخبار للمصادر التاريخية والادبية ولم اجد انه طبق هذا المنهج الا على سبع روايات فقط
******************
13(10/243)
وكان د. العودة لا يعرف ان قوله : (رواه الطبري ) مثلا لا يعني توثيقاولاتضعيفا لان الطبري روى اخبارا صحيحة و ضعيفة و موضوعة ومنكرة ..الخ فاين منهج المحدثين الذي ينادي به الدكتور العودة ويطالب الهلابي بتطبيقه هلا طبقه على روايات رسالته ؟ (يا ايها الذين آمنوا لم تقولون ما لاتفعلون ).
(اتامرون الناس بالبر و تنسون انفسكم ).
اذن فالدكتور سليمان بحاجة الى ان يتذكر نفسه من الناحية التطبيقية .
ثانيا: ايضا قارن د. سليمان سيف بن عمر بغيره من المؤرخين في كتابه ص 105 الى ص 108 فجلدهم بمنهج المحدثين فلما جاء سيف و وجد ان احكام اهل الحديث عليه بالكذب والترك والزندقة واضحة اضطر للتخلي عن منهج المحدثين - الذي طبقه على آخرين - فقال في الهامش ص 304: (لابد من التفريق بين رواية الحديث و رواية الاخبار الاخرى ... فلابد من مراعاة هذاالمقياس و تطبيقه على سيف محدثا و اخباريا فالدكتور سليمان هنا استل سيف بن عمر من احكام اهل الحديث كماتستل الشعرة من العجين وهذا للاسف ديدن معظم المؤرخين الاسلاميين واناهنا انقد المؤرخين الاسلاميين اكثر من غيرهم لانهم شوهوا منهج المحدثين بالازدواجية التطبيقية والانتقائية المؤسفة اما غيرهم من سائر المؤرخين من شتى المذاهب فلم يدعوا تطبيق المنهج ولم يدعوا اليه وعلى هذا فلن يستطيعواتشويهه حتى و ان خالفونا مخالفة جذرية لكنني ارى ان من اسباب عدم اقتناع بعضهم بمنهج المحدثين هو سوء التطبيقات التي يرونها عند بعض المؤرخين الاسلاميين التي تظهر منها الازدواجية والانتقاء وغيرها من العيوب التي تبدوظاهرة في كتابات د. سليمان العودة ولذلك ارى ان بعض المؤرخين من الاسلاميين اكثر ضررا على منهج المحدثين من المستشرقين والمبتدعة حتى و ان كانت كتاباتهم بحسن نية وحبا في الرد على المخالفين .(10/244)
فسيف بن عمر مثلا لو تقرا ما كتبه عنه بعض المستشرقين وبعض المبتدعة لوجدت ان احكامهم على سيف اقرب لمنهج المحدثين مما كتبه عنه د.سليمان العودة مع ان د. سليمان يظهر انه حسن النية لكن حسن النية لا يكفي ولابد لها من منهج وهذا ما يغفل عنه كثير من الاخوة الافاضل فهم يظنون ان الاعتراف بما عند الكفار او المبتدعة من بحث وجهد يعتبر ميلا لهم و ان هذايخالف عقيدة الولاء والبراء ؟ وهذا خلط بين امور متباينة فانا ابغض الكافر لكن ان وجدت له بحثاجيدا في التاريخ او غيره فلماذا لااستفيد منه مع براءتي من عقيدته وفي المقابل لووجدت رسالة هزيلة لاحد الاخوة الدعاة الخطباء اذن ارجو ان يفرق الاخوة بين المسالتين فاذا فرقوا بينهما تبين لنا كثير من الحقائق .
وللاسف ان اكثر المؤرخين الاسلاميين بل كثير من طلبة العلم يخلط بين هذه الامور المتباينة متناسين صواب الاثر القائل : الحكمة ضالة المؤمن فاين وجدها فهو احق بها وهذا معناه صحيح و ان لم يصح رفعه الى النبي صلى اللّه عليه وسلم وتدل عليه تطبيقات النبي صلى اللّه عليه وسلم و صحابته والتابعين وسلفنا الصالح .
استثارة العواطف د. سليمان ان افتقد الدليل والبرهان لجا للعاطفة واستثارتها عند الجماهير عند كثير من الناس فتجدهم يتهمون اخوانهم في الدين ان اتفق احدهم في مسالة معينة مع احد المستشرقين مثلا فانهم يحاولون ان يربطوا بينهما في الفكر العلمي .(10/245)
وعلى سبيل المثال نجد د. سليمان في لقاء المسلمون يتهم د. الهلابي بانه يريد احياء آراء مرتضى العسكري سبا انه لم يطلع على دراسة العسكري هذا ان هناك ارتباطافكريا بين الرجلين ؟ هل نفي ابن سبا حكر على الشيعة ام انه مشاع للبحث العلمي ؟ الانصاف ) في كتب طه حسين بتر الدكتور عبارتي و زعم انني قلت انه (منصف ) ثم حاول الدكتور ان يربط فكريا بيني وبين د. طه حسين الذي اعنيه اتق اللّه يا د. سليمان و اللّه انك لتعلم ان الزامك هذا باطل وانت مسؤول امام اللّه عن هذا الكلام والغريب ان الدكتور نسى انني حذرت من كتابات د.طه حسين في المتن بانني احيانا اجد انصافا في كتاباته وهذا حق لا اتبرا منه و د. سليمان نفسه استشهد في رسالته بكثير من اقوال المستشرقين و المبتدعة فهل يريد منا ان نلزمه بانه يعتقد عقائد هؤلاء ؟ اذاكانت المسالة مسالة تنابز بالاتهامات والالزامات الباطلة فهذا يسير وكل منايستطيع التحريف والبتر والربط بين المؤلف وعقائد آخرين و افكارهم العلمي ؟ محاربته للاخرين فيجب ان تكون المحاربة شريفة و ان تستخدم فيها اسلحة الادلة والبراهين للاخرين وليس اسلحة العواطف واستثارة الجماهير تلك الاستثارة التي لا تقوم على العدل و على الانصاف و انما على بتر النصوص و الزام الاباطيل . وهذه الاساليب يمكن للطرف الاخر استخدامها بكفاءة ايضا الخلط في الروايات بين مسالتين مختلفتين د. سليمان العودة خلط بين مسالتين مختلفتين تماما مسالة وجود عبداللّه بن سبا وهذه وجدها الدكتور في روايات غير رواية سيف بن عمر و تبقى بحاجة الى دراسة هل هي كافية مع ضعفها لاثبات وجوده ام لا, لكن هذه المسالة الخلاف فيها يسير.(10/246)
اما المسالة الكبرى فهي دور عبد اللّه بن سبا في الفتنة فهذه لم يجد د.سليمان فيها سوى روايات سيف بن عمر عمر توجد اخبارلخالد بن الوليد لا تصح ؟ اذا كان خالد بن الوليد موجودا هل يعتبر هذا مبررالاثبات كل الاخبار التي نسبت اليه سواء كانت صحيحة ام مكذوبة ام انه لايجوز ان تنسب اليه الا الاخبار المقبولة ؟ لا ريب انكم تتفقون معي انه لا يجوز ان تنسب الى خالد بن الوليد اوغيره الا الاخبار المقبولة لاالمكذوبة او المنكرة ..
اذن قضية عبداللّه بن سبا مثل هذه تماما بمعنى انه ان كان عبداللّه بن سباموجودا فلا يجوز ان ننسب اليه اخبارا مكذوبة كان نقول ان من تلاميذه عماربن ياسر وابا ذر و انه احد قواد علي بن ابي طالب اما د. العودة فانه يعتبر انه ما دام ابن سبا موجودا اذن فكل الاخبار التي نسبت اليه صحيحة حتى و ان انفرد بها كذاب المنهج اولا ثم الانطلاقة منه لدراسة التاريخ اما ان ندرس التاريخ والمنهج غير متضح عندنا فهذا خلل كبير يسبب اختلافا اكبر. ولذلك تكلم المحدثون والمؤرخون المتقدمون عن الفتنة ولم يذكرواعبداللّه بن سبا بحرف واحد حتى الذهبي و ابن حجر الذين ينسب اليهما العودة توثيق سيف بن عمر في التاريخ لم يذكرا دور عبداللّه بن سبا في الفتنة بحرف واحد وقبل الذهبى وابن حجر نجد كل علماء المحدثين وكل المؤرخين خاصة المتقدمين منهم لم يذكروا عبداللّه بن سبا في الفتنة .(10/247)
انظروا ان شئتم تاريخ خليفة بن خياط و طبقات ابن سعد و كتب الصحاح والسنن و المسانيد والاجزاء والفوائد والمستدركات والمستخرجات والطبقات والتراجم و كتب الادب وكتب الانساب لم تذكر هذه المصادر حرفاواحدا عن دور عبداللّه بن سبا في الفتنة اللهم الا من نقل عن سيف بن عمر مثل الطبري وغيره وهذا قد ادركه د. العودة جيدا لكنه حرص على خل ط المسالتين وجعلهما مسالة واحدة لان جل رسالته قائمة على الامر الاخير (دور ابن سبا)لا الاول (وجود ابن سبا) ذكروا (دوره في الفتنة ) كما فعل الدكتور في رسالته ام ذكروا (غلوه في علي ) فقط فالامر الاول لم يذكره احد غير سيف وهو معظم ماقيل عن ابن سبا ام الثاني فهو جزء يسير جدا لا يتعدى 5 % من اخبار عبداللّه بن سبا فكيف يكون ال 5 % حجة في اثبات 95 % بلا دليل ولا برهان ؟
اردت نشر الحقائق العلمية مع بيان مغالطات من شكك فيها (1/2)(10/248)
د. العودة يعقب على طروحات المالكي صحيفة المسلمون - 18 جمادى الاولى - 1418 ه طالعت ما كتبه المالكي في جريدة الرياض الثلاثاء 9 / 4 / 1418ه بعنوان عبداللّه بن سبا و كاسحات الحقائق وكان - في زعمه - ردا على الحلقات الاربع التي كتبتها للجريدة نفسها بعنوان الانقاذ من دعاوى الانقاذللتاريخ الاسلامي ايام الخميس والجمعة والسبت والاحد 27, 28, 29,30/3/1418هـ. وقبل ان استكمل قراءة مقال المالكي - علم اللّه - هاتفني عدد من المهتمين والعارفين , يشكرون على المقالات السابقة , ولكنهم متفاوتون في وجهة نظرهم حول الرد على (مغالطاته , وكاسحاته ) اذ يؤكد الكثير منهم على طبيعة المالكي الشخصية , وتخصصه في (الجدل ) و رغبته في (المراء) وانه لايرغب الحقيقة قدر ما يهوى النقاش و اثبات الذات , و تسفيه احلام الاخرين , والوصول الى هدف معين الوقت معه , واقصر الطرق لسقوطه اغفاله و تناسيه ويضرب هؤلاء امثلة لمن ردوا على المالكي و نصحوه ولكن دون جدوى ,ويرى هؤلاء ان الناس لم يبلغوا درجة من البساطة بحيث تتاثر قناعاتهم الراسخة بمثل هذه الطروحات الفجة .
اما الفئة الاخرى فيرون ضرورة التصدي له , وفضح افكاره , و بيان عور منهجه ولو كان ذلك على حساب الوقت المبذول - فيما هو انفع - وحجة هؤلاء ان ثمة طائفة من القراء قد تنخدع به , وقد يتطاول هو اذا لم يجد من يقلم اظفاره بيان تناقضاته , وخلل منهجه و اعطاء القارئ بعض (الحصانة ) لما يمكن ان يكتبه مستقبلا, وبيان سهولة الكذب عنده , و التزوير و تشويه الحقائق باساليب ملتوية , و عسى ان يكون ذلك اسهاما في حماية الامة من الافكار المتسللة ,وكشفا للتدليس المتلبس بعباءة النقد التاريخي , والمتدثر بمنهج المحدثين والتحقيق العلمي ؟ غموض في الشخصية واستطيع القول - وبكل ثقة , ودون مجازفة - ان من ابرز سمات منهج المالكي في كتاباته التاريخية ما يلي : - النيل من الصحابة و التعريض بهم .(10/249)
- والتقول على العلماء بغير حق , و تجريحهم .
- والهوى مع المبتدعة والدفاع عنهم .
- وتشويه الحقائق التاريخية والتشكيك فيها.
- والتشابك مع الطرح المشبوه و تلميع المشبوهين .
- والكذب و المراوغة .
- والغموض في الشخصية والاهداف .
وامتلك الدليل ومن كلام المالكي نفسه , وانصف المالكي من اقام البينة عليه من كتبه و مقالاته , و يعلم اللّه انني اجد في كل مقال يكتبه , او رد يعقب به مستمسكا جديدا, وتتضح لي - وربما لغيري - ملامح شخصيته اكثر فاكثر,ويبادلني الشعور بها اساتذة فضلاء, و اخوة اعزاء, وللّه الحمد والمنة .
ومهما تكن عند امرئ من خليقة ----- وان خالها تخفى على الناس تعلم ويبدو لي ان المالكي يدافع قلقا مزمنا, و يعيش تناقضا مؤلما, فلا هوبالسوي الذي يستطيع السير مع الصحاح و يسعه ما وسع جمهور الامة ولا هوبقادر على ان يبوح بما لديه جهارا, ولذا تراه (يتسلل ) في طرح افكاره تسللا,فاذا كشف في جانب احتمى بجانب آخر, و اوهم بسوء فهم الاخرين له , وكال لهم (التهم ) جزافا حتى لا ينكشف امره وحين طالعت ما كتبه (المالكي ) ردا على مقالتي المنشورتين في المسلمون بعنوان ابن سبا والسبئية من غير طريق سيف بن عمر ايام الجمعة الموافق 5, 12 / 4 / 1418 ه, ولم يكن ردا عليه قدر ما كان نشرا لحقائق علمية , مع بيان مغالطات من شكك فيها.
حينها تذكرت قول المصطفى صلى اللّه عليه وسلم في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره بسند حسن عن ابي امامة رضى اللّه عنه : ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه , الا اوتوا الجدل .
ثم تلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذه الاية : (ما ضربوه لك الا جدلا بل هم قوم خصمون ) (انظر صحيح سنن الترمذي 3/103, والاية 58 من سورة الزخرف ).(10/250)
ولقد لفت نظري هذه المقدمة التي ابتدا المالكي بها مقاله في جريدتي الرياض , و المسلمون من الحصار باساليب لا اظنها تمر على اللبيب و ان لم يكن من اهل الاختصاص وانضر اليه مثلا وهو يقول في جريدة الرياض : لو لم اكن مؤلف كتاب الرياض ولو لم اكن كاتب المقالات المنتقدة لشككت في هذاالمنتقد...
ولا غرابة فمن المخارج التي اعتادها المالكي , تسفيه احلام الاخرين ,وعدم فهمهم , و رميه لهم بالتهم .. الى غير ذلك - مما يحاول معه استعطاف راي القراء من جانب , والخروج من المازق من جانب آخر.
ولقد قال عني والدكتور سليمان العودة بنى كل مقالاته الاربع على فهم خاطئ لاقوالي وبناء على هذا الفهم الخاطئ رد رده , ثم اتهمني ... فقد قال مثل ذلك او قريبا منه لغيري .
ففي رده على (الفقيهي ) قال المالكي : ومن الاسباب ان الاخ الفقيهي -سامحه اللّه - قد حملني اشياء لم اقلها, وافهم القراء من مقالاتي اشياء لم تخطر لي على بال , فاجاد - سامحه اللّه - التحوير و اساء التفسير لكثير مما كتبته ولم ينس ان يتهمني بالبدعة والاستشراق كما هو ديدن اكثر المؤرخين الاسلاميين ايضافي هذا العصر (نحو انقاذ التاريخ الاسلامي ص 224).
وفي رده على د. الفريح ردد نفس النغمة فقال : وحقيقة قلت اكثر من مرة ان البلاء ياتي في عدم فهم المكتوب , او عدم قراءته , او تعمد الظلم والتزوير,وللاسف ان كل هذا و زيادة قد وقع فيه الاخ الفريح .. (الحلقة السادسة من الحديث عن القعقاع : وقفة مع الردود والتعقيبات ).
ولم يسلم د. العسكر من هذ التهمة , رغم ثناء المالكي عليه و ان رده اكتسى بحلل الخلق الرفيع والادب الجم .. لكن المالكي عاد ليقول عن العسكر:اشعر بان الدكتور استعجل في قراءة مقالاتي الاربع , و حملني اشياء لم اقل بها..(كتاب الرياض ص 89, 91).(10/251)
اما د. الهويمل فرغم ما في مقاله من وقفات و اشارات معبرة فقد اعتبره المالكي (انه مقال بلا موقف ), واختزل الرد على مقال الدكتور الذي جاء في صفحة كاملة بعدد من الاسطر, و وصف كتاباته ب (الضبابية ), وانها لاتخدم هدفااسمى ؟ واتهمه بسوء الفهم الى درجة انه يجعل الخمسة اربعة , ثم ثلاثة في سطرواحد ؟ ولقد نصح د. الهويمل المالكي , وحدد موقفه حين قال : وكلمة اخيرة للمالكي نقولها ناصحين السكينة السكينة , و التروي التروي ... فالامر اخطر من ان تتلاحق فيه الاحكام , وتستمر الهدميات والقفز من قضية الى اخرى ,والتشابك مع الطرح المشبوه ...
وهذه العبارة الاخيرة - في نظري - كافية لتحديد الموقف من طروحات المالكي .., ومن قرا المقال مرة واحدة خرج منه بعدد من النتائج والمواقف , وان استعصت على المالكي اثر (ثلاث ) قراءات ؟ شنشنة قديمة انظر مقال د. حسن الهويلم (المالكي والتاريخ ) الرياض 4/3/1418ه وقارنه مع رد المالكي , في وقفة مع الردود والتعقيبات , الحلقة السادسة من حلقات القعقاع .
وهذه شنشة قديمة تتجدد عند المالكي (اتهام المخالف له بسوء الفهم والتعدي عليه بالقول , وتسفيه احلام الاخرين ... وهذه و ان كانت اقصر الطرق للخروج من المازق , فهي اسواها واضعفها ولئن وعى الناس هذا الخلل في كتابة المالكي (حديثا) فلا يزال (المتابعون ) يتذكرون مواقفه مع الشيخ صالح الفوزان من قبل وهذه هي الملاحظة الاولى في مقالة عبداللّه بن سبا وكاسحات الحقائق .(10/252)
المالكي يرد على نفسه ولا اقول ذلك تزيدا, ولا اتهاما, و دونكم الحقيقة واحكموا عليها ومن كلام المالكي نفسه , فقد قال في ملاحظتي الاولى : كل مقالات د. سليمان العودة كانت نتيجة لسوء فهم او اساءته او تعمد التحريف وليختر منها الدكتوراصحها, فهو قد ظن - وهنا موطن الاستشهاد - انني انفي وجود عبداللّه بن سبامطلقا, وهذا ما لم اقله البتة ... وفي المقال نفسه واثناء تعليقه على الرواية (الثامنة ) قال ما نصه : .. ثم كيف قامت الرافضة تشنيع في ابن سبا ولم توجد الابعده , (على افتراض وجوده ) بعشرات السنين وفي آخر مقال كتبه في المسلمون بتاريخ 4 / 5 / 1418 ه لا يزال شكه في اصل وجود ابن سبا فهويقول : ان كان عبداللّه بن سبا موجودا فلا يجوز ان ننسب اليه اخبارا مكذوبة .
ويبقى السؤال : وهل ثبت لديه وجود ابن سبا من خلال مروياته هو ؟ ام انه لا يزال شاكا ولكنه عاجز عن الافصاح ؟ المقال ينتهي والشك هو الاصل عنده .
وانا هنا اسال كل قارئ وقف على هذه العبارات هل تعني التشكيك في دور ابن سبا في الفتنة , ام تعني التشكيك في اصل وجوده ؟ وهبوا انني اسات الفهم , فليصحح لي غيري هذا الفهم لا اظن العبارة تحتمل التاويل وقد اختار المالكي بنفسه لفظتي (وجوده ,موجودا) لتحسم النزاع , وتؤكد (تناقضا صارخا) ربما يشعر به المالكي اولايشعر و انه لا يزال يشكك في وجود ابن سبا اصلا, وليس فقط فضلا عن دوره الكبير فى الفتنة , ويقول : ولولا انني امتلك روايات اخرى غير ما اورده الدكتور لنفيت ابن سبا مطلقا, في دوره فى الفتنة , واعظم من هذا ان يصرح انه خلص من دراسته للمرويات الثمان انه ليس فيها ما يدل على وجود ابن سبا..
واذا اراد ان (يلبس ) على القارئ حتى لا يخرج منه براي واضح قال :وقد صرحت في مقالات سابقة وفي كتاب الرياض انني (متوقف ) في عبداللّه بن سبا من حيث مطلق وجوده , وان كنت انفي و بشدة دور ه في الفتنة ..(10/253)
ولست ادري الى متى سيستمر هذا التوقف عند المالكي , وهو الذي قراكثيرا و كتب كثيرا ؟ اوليست مسالة عبداللّه بن سبا من القضايا التي يبني عليهاغيرها, اثباتا او عدما؟ هل تنقصه الادلة المثبتة ؟ ام لديه ادلة اخرى تنفي وجوده لم يطلع الاخرين عليها؟ هل يتشكك في اجماع الامة قديما وحديثا في اثبات وجوده , ام هو اميل الى طروحات من اسماهم الهويمل الطرح المشبوه ؟ كل ذلك اوقع المالكي في تناقضات مشينة , وعبارات قلقة لا تغيب عن فطنة القارئ اللبيب .
سواء في هذا المقال او ما سبقه من مقالات و كتابات , و اليكم نموذجايؤكد ما اقول في حلقته السادسة عن القعقاع (وقفة مع الردود والتعقيبات ) ففي حديثه عن ابن سبا يتشكك في وجوده لا في دوره في الفتنة حين يقول : .. هذاعلى افتراض وجود عبداللّه بن سبا.. (الملاحظة الثالثة عشرة ) ثم يخشى ان ينكشف امره , فيشير الى دراستين في الموضوع , و تابى عليه عاطفته و ميوله الاان يبدا بالدراسة المنكرة , واضعا اسطورة ابن سبا بين قوسين , و الى جانبهاعلامات التعجيب ( المالكي ان يذكر لفظة (مثبتة ) الى جانبها, وهذه في نظره لا تستحق الفرح وعلامات التعجب .(10/254)
واهم من ذلك ان المالكي لا يتمالك نفسه من الافصاح عن ميوله , ويقول بكل صراحة مع انني - حتى الان - اميل الى نتيجة د. الهلابي لكن لم اجزم الاببطلان دور ابن سبا في الفتنة لانني بحثت الموضوع لكن هل يجزم بوجوده ؟ افكار مترددة ويكشف المالكي نفسه - وفي هذه الملاحظة نفسها - مؤكدا ان وجودابن سبا لم يجزم به , فيقول : اما وجوده مطلقا فانا الى الان لا اجزم بذلك ولم يقل اما نفي وجوده فلم اجزم بذلك , وفرق بين الامرين لمن تامل وانظروا سقم التعليل فهو قد بحث دور ابن سبا في الفتنة ولم يبحث اصل وجوده فهل يمكن ان يبحث دوره دون ان يمر على اصل وجوده , ولماذا لم يبحث اصل وجوده و يعلن رايه بكل صراحة ؟ انها عبارات قلقة , وافكار مترددة ,تنبئ عن غموض في الشخصية , ورغبة في الضحك على السذج , لكنها مكشوفة لمن تامل .
ونتيجة دراسة الهلابي - التي يميل اليها المالكي - يصرح بها و يفهمهاالمالكي كما نفهمها حين يقول في مقاله في المسلمون .. د. عبدالعزيز الهلابي الذي ينكر شخصية عبداللّه بن سبا.. فاين تتجه ميول المالكي ؟ وهل السبئية (الطائفة ) محل شك ؟ لا ينتهي المالكي عند التشكيك في اصل وجود ابن سبا, بل يشكك في (السبئية ) حين يقول في الملاحظة السابعة : هل السبئية المقصود بها التابعون لعبداللّه بن سبا في العقائد ام انها لفظة تحقيرية للمعارضة , كما يقول د. الهلابي .
ولي على هذا التساؤل اكثر من وقفة : 1 - فالمالكي و ان احتمى بالدكتور الهلابي فهو لا يعارض , بل سبق القول انه معجب بدارسته .(10/255)
2 - تتضافر المدونات التاريخية وكتب العقائد والمقالات والفرق ,وغيرها على تاكيد نسبة (السبئية لابن سبا, و ان كان يعوزك الدليل فهاك شيئامن هذه النصوص المثبتة : فابن حبيب البغدادي (ت 245) يقول : عبداللّه بن سبا صاحب السبائية (المحبر ص 308), ويقول ابن قتيبة (ت 276 هـ) السبائية من الرافضة ينسبون الى عبداللّه بن سبا (المعارف ط المحققة ص 621) ويقول العقيلي (ت 322 ه) وهو يعلق على لفظة (سباي ) هم صنف من الرافضة اصحاب عبداللّه بن سبا (الضعفاء الكبير 4 / 77) وجاء في الابانة لابن بطة (ت 387 ه) ومنهم السبائية تسموا بعبداللّه بن سبا (الابانة عن شريعة الفرق الناجية 1 / 384) هذا فضلا عن ذكر اهل التاريخ لذلك , وكتب المقالات والفرق والجرح والتعديل وقد فصلت القول في ذلك في كتاب عبداللّه بن سباواثره في احداث الفتنة في صدر الاسلام , وفي البحث المنشور في المسلمون ابن سبا والسبئية من غير طريق سيف بن عمر.
بل نص على ذلك ولم ينكره متقدموا الشيعة امثال القمرة (229 -301ه) والنوبختي (310 ه) وغيرهم (انظر: المقالات والفرق للقمي ص 20,وفرق الشيعة للنوبختي ص 22, 23, وللمزيد انظر ما كتبه د. ناصر القفاري في كتابه اصول مذهب الشيعة الامامية الاثنى عشرية 1 / 73 - 76).
ليس امام المالكي امام هذه النصوص الا الاذعان والتسليم ان كان صاحب حق او يسلك مسلك استاذيه مرتضى العسكري , د. عبدالعزيزالهلابي , في رفض ما ورد في هذه المصادر, واتهام مؤلفيها بما لا يليق .
بل هل لنا ان نفهم ان التشكيك في نسبة السبئية لان سبا وسيلة للتشكيك في ابن سبا نفسه ؟ سياتي مزيد بيان لهذه المسالة .(10/256)
ابن سبا و مغالطة المالكي يحاول المالكي ابعاد الرافضة عن ابن سبا ويقول : ثم كيف قامت الرافضة تشفع في ابن سبا ولم توجد الا بعده - على افتراض وجوده بعشرات السنين ؟ وفي كتاب الرياض ص 79 يحاول المالكي انكار بث ابن سبا لعقيدة (الوصية ) وهنا.. مسالة خطيرة , فكثير من المنكرين او المشككين في شخصية (ابن سبا) يرمون من وراء ذلك قطع صلة الرافضة بابن سبا, وهذه اعترف بهاعلماء الشيعة المتقدمون , كما سبق البيان في الحلقات الماضية , في النقل عن (الكشي ) في اعتبار ابن سبا اصل الرافضة واكد على هذا شيخ الاسلام ابن تيمية يرحمه اللّه - اكثر من مرة - فهو يعتبر (ابن سبا) اصل الرافضة ومن مناقبهم (الفتاوى 4 / 435, 28 / 234) ونقل ان (عليا) رضي اللّه عنه طلب ابن سبااول الرافضة ليقتله فهرب منه (الفتاوى 28 / 500) وقال : ثبت عن علي انه احرق غالية الرافضة الذين اعتقدوا فيه الالهية (الفتاوى 28 / 475).
روايات من طرق اخرى ويقول ابن حجر: عن ابن سبا و طائفته واحراق علي لهم بالنار: وله -ابن سبا - اتباع يقال لهم السبئية معتقدون الالهية في علي بن ابي طالب وقداحرقهم علي بالنار في خلافته (لسان الميزان 3 / 290).
ويبقى بعد ذلك راي المختصين المحدثين مهما في تاكيد صلة الرافضة بعبداللّه بن سبا.
الروايات الاحدى عشر من السفه والحمق ان ترد على شخص - لبطلان دعواه - بثمان روايات فيصر على ان يكون الرد عليه باحدى عشرة رواية لا وجود لنص فيها, وهذه عليه لا له , و ان اوهم القراء بخلاف ذلك , فان قيل وكيف ذلك ؟ قلت : الاصل في سياق هذه المرويات لتاكيد بطلان القول بان اخبار عبداللّه بن سبا لم ترد الا من طريق سيف بن عمر, فان قيل : وهل قال المالكي بذلك و اين ؟ اجيب : نعم هوممن قطع بذلك , كما جاء في كتاب الرياض ص 260 وهذا نص قوله : .. مع ان سيفا قد انفرد برواية اخبار ابن سبا, وانظر كذلك ص 58 من الكتاب نفسه .(10/257)
ولكن المالكي حين احس بالالزام والمحاصرة , خرج لتحقيق المرويات والتعقيب على التحقيق السابق فرفض ما رفض وقبل ما قبل , وكل ذلك اشغال عن الهدف من سياق هذه المرويات و خروج عن دائرة الحصار, ونقول للمالكي ومع اتساع صدورنا لوجهة النظر في التحقيق , ومع قبولنا لمزيد من المرويات المؤكدة لعبداللّه بن سبا من غير طريق سيف , فتظل هذه المرويات حججادامغة لمن زعم انفراد (سيف ) كاخبار عبداللّه بن سبا و ان قال ما قال و زعم مازعم .
وان كان المالكي طالب حق , ولا يمنعه من الاعتراف بوجود ابن سبا الاكون مروياته جاءت من طريق سيف (المجروح ) فها هي المرويات جاءت من طرق اخرى , وبعضها عثر عليها بنفسه او نقلها عن الاخرين ؟ فهل يعترف بوجود ابن سبا ام ان في الامر شيئا لا تكفي الحجج والبراهين لازالته .
اليس ذلك خللا في المنهج , وقد صدق مع نفسه حين حدد الخلاف معه (في اصل المنهج ) كما في مقاله في المسلمون وانصح من يريد النقاش مع المالكي ان يستحضر هذه القضية جيدا.
جوهر القضية : يشكك المالكي في وجود ابن سبا - كما مر - فاذا احس بالمحاصرة وتكاثرت عليه الادلة فر الى القول بانكار دوره في الفتنة - كما قال ذلك في رده في جريدة (الرياض ), وحاول في رده في جريدة المسلمون تركيز هذا المفهوم والتلبيس فيه , فلماذا؟ وقبل الاجابة يمكن تصوير القضية بما يلي : وعلى فرض اثباته لوجود ابن سبا شكلا فهو ينكره حقيقة و مضمونا. كيف ذلك ؟ لان جوهر القضية في ابن سبا دوره في الفتنة , اما اثبات شخص يدعى ب (عبداللّه بن سبا) مقطوع الصلة عن الاحداث والفتن التي وقعت في زمنه وتلاحقت من بعده فهذا لا قيمة له من الناحية الفعلية , سواء اثبت او انكر, فغيرابن سبا من اليهود وجد في هذه الفترة ولم يحتفل بذكره العلماء كما احتفلوا بذكرابن سبا.(10/258)
وهنا مكمن الخطر, فالامر الذي يريد ان ينتهي اليه المالكي في طروحاته ويفرضه وكانه امر مسلم هو انكار دور ابن سبا في الفتنة , ولذا تراه يشكك في نسبة (السبئية ) اليه كما مر, و اذا شكك في نسبة هذه الطائفة اليه قل وزنه وضعف اثره .
وتراه من جانب آخر يحاول عزل ابن سبا عن (الرافضة ) والتشكيك في بعض عقائده التي بثها وكانت بعد اصولا عند الرافضة , كالوصية , وهكذا تسلخ الشخصية من مكوناتها الاساسية .
ان الامر الذي ينبغي ان يستقر في الاذهان هو ادراك ان عناية العلماءباخبار ابن سبا, و رصد كتب التراث بمختلف فنونها لدوره في الفتنة - برغم من انكر او شكك - كل ذلك مرتبط بدوره في الفتنة , و بذر بذور الشقاق والفتنة في الامة , وليس على انه شخص موجود لا اثر له ولا اعتبار, كما يريد المالكي ومن سبقه - ان يقرر, و هيهات , ما بقى الاتصال بمدوناتنا العظيمة , والثقة بعلمائناالافذاذ, وسياتي الحديث عن دوره في الفتنة كاشفا لمجازفات المالكي وافترائه وتقوله على الائمة .
لماذا يدافع عنه وفرح المالكي - و ان تحول بعد الى مكروه - بخطا غير مقصود, ولبس وقع في الحديث عن (ابي مخنف , وعمرو بن شمر) و انما وقع اللبس لان سياق الكلام ورد فيه : (ابو مخنف , وعمرو بن شمر, وابو مريم ) كما جاء في تاريخ يحيى بن معين 2/500. ولكن فرحته (تتهاوى ) على اصداء الحقيقة العلمية التي جهلها,او اجتزا لبعضها عمدا لانها لا تخدمه , ولو كان مريدا للحق لذكرها.(10/259)
لقد فات على المالكي ان (ابا مخنف ) شر من (عمرو بن شمر) وهاك نص يحيى بن معين : سئل يحيى : ابو مخنف , وابو مريم , و عمرو بن شمر ليسوا هم بشي ء, قلت ليحيى : هم مثل عمرو بن شمر (الذي يشتم الصحابة و يروي الموضوعات عن الثقات ). قال (ابن معين ): هم شر من عمرو بن شمر فاذا كان ابو مخنف شرا من عمرو بن شمر, والاخير يشتم الصحابة ويروي الموضوعات عن الثقات , فماذا يكون حال ابي مخنف ؟ وفضلا عن ذلك فان عدي (ينص ) على تناول (ابي مخنف ) للسلف ,ويقول بصريح العبارة حدث باخبار من تقدم من السلف الصالحين , ولا يبعدمنه ان يتناولهم , و انما وصفته لاستغني عن ذكر حديثه .. و انما له من الاخبارالمكروه الذي لا استحب ذكره ؟ (الكامل 6 / 2110).
ولست ادري لماذا يتشبث المالكي بابي مخنف هذا, و يدافع عنه , او ادفع تهمة قد يتشبث بها المالكي ؟ ولست ادري اقناعة ام تغفيلا للاخرين حين يقول عن الرجلين لكنه - يعنيني - يريد ان يتساوى ابو مخنف في الجرح مع سيف بن عمر, ووجد الجرح في سيف اقوى واكثر.. (الملاحظة السابعة عشر في مقال الرياض ) ولم اقل ذلك بل قلت ولا ازال ان اشترك الاثنان في الضعف في الحديث , فابو مخنف اخباري تالف وسيف اخباري عارف وعمدة في التاريخ ,وانا في ذلك تابع غير مبتدع , والفيصل كتب الجرح والتعديل .
الجراة على الائمة كل انسان يؤخذ من كلامه ويرد الا صاحب هذا القبر, وليس عنداهل السنة عصمة لائمتهم كما يعتقد غيرهم ؟ انما العصمة للانبياء والمرسلين -عليهم السلام - المبلغين عن اللّه , ولكن الجراة في (تخطئة ) هذا العالم , و (لمز) العالم الاخر, و (النيل ) من ثالث دون مسوغ مشروع , هذا هو مكمن الخطر, وهوطريق لانتهاك اعراض العلماء, ولحومهم مسمومة , بل ولتجرئة الاخرين على التخطئة واللمز وان لم يكونوا اهلا لذلك .(10/260)
وقد سبق لي القول بجراة المالكي على الائمة الاعلام , فقد لمز ابن تيمية وحاول النيل من كتابه منهاج السنة كما عرض بكتاب ابن العربي العواصم من القواصم وعرض بقول الحافظ ابن حجر في اعتماد سيف في التاريخ وقال : اظن انه من الظلم للعلم ان نتعلق بقول موهم مشتبه للحافظ ابن حجر ونترك قول عشرات المحدثين الاخرين في تضعيف سيف بن عمر... (كتاب الرياض ص 85) مع ان كلام ابن حجر غير موهم ولا مشتبه في سيف , لكنه لا يروق للمالكي فاضطر لهذا القول . ويستمر المالكي في التخطئة للاعلام اذا خالفوا مايريد, ولم يسلم (الذهبي ) يرحمه اللّه من ذلك فقد قال عنه في هذا المقال الجديد (عبداللّه بن سبا وكاسحات الحقائق ) ما نصه : فهذا نص من الذهبي في المساواة بين سيف بن عمر وابي مخنف , واظن ان الذهبي لم يوفق للصواب فابو مخنف فوق سيف ..؟ ومع هذه الجراة على الذهبي , ففيها ظلم له , فقد فرق الذهبي بين الرجلين ولم يسو بينهما حين قال عن سيف (اخباري عارف ) وقال عن ابي مخنف (اخباري تالف لا يوثق به ) وقد سبق البيان وبالفعل فمن يقارن بين مرويات الرجلين يجد الفرق واضحا, وانا هناادعو القارئ الكريم لقراءة كتاب مرويات ابي مخنف في تاريخ الطبري للدكتوريحيى بن ابراهيم اليحيى , ليرى بنفسه نماذج التحريف والتشويه لتاريخناوبالذات تاريخ الصحابة من قبل هذا الراوي المحترق (ابي مخنف ) وقفوا بانفسكم على الحقيقة , ودعوكم من التهويش والهراء.
ولم يسلم الامام البخاري رحمه اللّه من جراة و لمز المالكي , فقد قال في كتاب الرياض ص 21 واخرج البخاري روايات يفهم منها التقليل من بني هاشم من طريق بعض المتهمين (بالنصب ) كقيس بن ابي حازم , و مروان بن الحكم قال ذلك في سياق تقريره لقبول رواية المبتدع الداعي لبدعته ؟ وستاتي مناقشة المالكي في هذه القضية .(10/261)
فهل يوافق المالكي على هذه التهمة ؟ وعلى العموم فالتعريض باعلام الامة مسلك خطر من الكبار, فكيف اذاوقع من الصغار, وهو خطوة جريئة لها ما بعدها فلينتبه لهذا المسلك .
واخطر من ذلك النيل من الصحابة .
وهذه ليست تهمة يتهم بها المالكي , يجدها المطالع لكتبه ومقالاته بين السطور و ان جاءت بعبارات ملفوفة احيانا لكنها لا تخفى , وهذه نماذج لها: 1 - عثمان بن عفان (رض ) عنه (سبق الحديث عنه في حلقات (الانقاذمن دعاوى الانقاذ) وانظر كتاب الرياض ص 198.
2 - معاوية بن ابي سفيان (رض ), يعرض به ولسياسته , ويصور الامربينه وبين بعض الصحابة على انه امر عداء ؟ 3 - ابو بكر و عمر (رض ) ولم يسلم الشيخان من قلم المالكي فقدعرض ببيعتيهما وشمل بذلك عثمان وعليا(رض ), كما في ص 262 من كتاب الرياض .
بيعة ابي بكر ودعونا نكتفي بحديثه عن ابي بكر, فهو يوهم القارئ بالاستدلال باحاديث في صحيح البخاري في كره بعض الصحابة لبيعته , ويحمل النصوص اكثر مما تحتمل (ص 263 من كتاب الرياض ).
و يتزيد في القول عن (علي , والزبير) (رض ) حين يقول ولا ريب انهمالن يتخلفا عن بيعة ابي بكر الا عن عدم رضى (الصفحة نفسها من الكتاب ) ولاوجود لهذا التفسير في الرواية التي ساقها و انما هذا فهمه وتعليقه ؟ بل ويعظم امر الكراهية لبيعة ابي بكر - في ذهن القارئ - حين يقول : اذن فعلى سيد بني هاشم , والزبير بن العوام كبير بني اسد, وسعد بن عبادة سيد الخزرج , وابو سفيان كبير بني امية , وغيرهم من المتبوعين لم يرضواببيعة ابي بكر, ولابد ان يكون معهم بعض قومهم على الاقل في كراهية بيعة ابي بكر.. (كتاب الرياض ص 263).
فهل يصح هذا الزعم من المالكي حول بيعة ابي بكر, حتى و ان اعتذربعد ذلك وحتى لاينكشف بان هذه الكراهية لاتضر بيعة ابي بكر فقد انعقدت ,وبايع بعض الكارهين كالانصار و تريث بعضهم كعلي والزبير, وامتنع بعضهم كسعد بن عبادة .., كما يقول في ص 263, 264).(10/262)
ساكتفي بنقل بعض كلام الامام الاجري المتوفى سنة 360 ه رحمه اللّه وفي كتابه العظيم الشريعة وعن بيعة علي (رض ) وعن ابي بكر (رض ), وبيعة المهاجرين والانصار.
بيعة المهاجرين والانصار فقد اورد محمد بن الحسين الاجري في كتابه الانف عددا من النصوص والاثار في بيعة علي وابي بكر (رض ) بل وفي فضله وخيرته وتقدم فضله على الصحابة , ثم قال : من يقول على علي بن ابي طالب (رض ) في خلافة ابي بكرغير ما ذكرناه من بيعته له , و رضاه بذلك , ومعونته له , وذكر فضله , فقد افترى على علي (رض ) ونحله الى ما قد براه اللّه عز وجل من مذهب الرافضة الذين قدخطى بهم عن سبيل الرشاد.
ثم يقول (الاجري ) فان قال قائل بانه قد روي ان علي بن ابي طالب (رض ) لم يبايع ابا بكر الا بعد اشهر ثم بايع قيل له ان علي بن ابي طالب عند من عقل عن اللّه عز وجل اعلى قدرا واصوب رايا مما ينحله اليه الرافضة ,وذلك ان الذي ينحل هذا الى امير المؤمنين علي بن ابي طالب (رض ) عليه فيه اشياء لو عقل ما يقول , كان سكوته اولى به من الاحتجاج به , بل ما يعرف عن علي (رض ) غير ما تقدم ذكرنا له من الرضى والتسليم لخلافة ابي بكرالصديق (رض ) وكذا اهل بيت رسول اللّه (ص ) يشهدون لابي بكر بالخلافة والفضل (الشريعة 4/1730, 1731 تحقيق د. عبداللّه الدميجي ).
**********************
14
اما عن بيعة المهاجرين والانصار لابي بكر الصديق فيقول (الاجري )عنها كان كما قال النبي (ص ) ما اختلف على ابي بكر بل تتابع المهاجرون والانصار وعلي بن ابي طالب , وبنو هاشم على بيعته والحمد للّه , على رغم انف كل رافضي مقموع ذليل قد برا اللّه عز وجل علي بن ابي طالب اميرالمؤمنين (رض ) عن مذهب السوء (الشريعة 4 / 1734).
ادعوه للمحاكمة امام لجنة علمية (2/2)
د. العودة يعقب على طروحات المالكي صحيفة المسلمون - 25 جمادى الاولى - 1418 هـ(10/263)
استعرضت في الحلقة الماضية عددا من المحاور المؤلفة لشخصية المالكي وابنت عن ملامح من منهجه وافكاره , معتمدا في ذلك على نصوص نقلتها من كتابه (نحو انقاذ التاريخ الاسلامي ), او من مقالاته و ردوده في الصحف ,واستكمل في هذه الحلقة ملامح اخرى من منهجه وافكاره وبنفس الطريقة العلمية السابقة .
ولكنني قبل ذلك اقف عند ملاحظة تلفت النظر في ادبيات الحوار عندالمالكي , فهو يستخدم اسلوب الهجوم , ويسي ء الادب مع من يحاور, ويتهم غيره بالتغفيل والسذاجة وعدم تحري الامانة العلمية ..
الخ مسلسل التهم .
ولربما خرج المالكي عن طوره , واستخدم عبارات سوقية ساقطة ,ليست من حلية العلماء ولا المتشبثين بمنهج المحدثين , ولا من سيما المنقذين ,فمصطلح (التهريب ) يزل به قلمه , وليته سال نفسه : وماذا يستفيد (المهربون لشخصية ابن سبا) تلك الشخصية اليهودية المفسدة وهل ادرك المالكي انه بهذه التهمة لا يتهم (العودة ) وحده وانما يتهم العلماء قديما وحديثا بتهريب هذه الشخصية فلم آت بجديد, وانما اعتمدت في كل ما سجلت نصوص العلماءوآراءهم .
وهذا الهجوم وتلك التهم لا يمكن تفسيرها برغبة التفوق وحب الشهرة وحدها, فهذه وان وردت تفسيرا جزئيا, فعندي ان هناك امرا آخر يدعوه لمثل هذه الاساليب , الا وهو ابعاد شبح التهمة عنه بتهمة الاخرين والدفاع عن اخطائه وانحرافاته بالاسقاط على الاخرين , على طريقة (الهجوم خير وسيلة للدفاع ) ولكن هذه لن تجدي فتيلا, فالحق ابلج و ان اثير حوله من الغبار ما اثيرفترة من الزمن , والباطل سينكشف ولو زخرفه اصحابه بغرور القول .(10/264)
اما الشحن النفسي , والتوتر العصبي , والحدة في النقد, فتلك مكونات لايكاد, ينفك عنها قلمه , وكنت قد نصحت له من قبل بان الحق المدعوم بالدليل لايحتاج لمثل هذه الاسقاطات والاتهامات , بل يفهم الناس من حدة النقد, وتجاوز الناقد ضعف الحجة , وغياب الدليل المقنع , مما يضطر معه الناقدالى التهويش والتهم وحين تاكد لي ان رسالتي (الاولى ) بلغته , بل واحفظته , فمااردت منها - علم اللّه - الا النصح له ولغيره , وكان اولى به ان يقبل الحق ويرعوى اليه لا ان يظل يماري ويحاول بالباطل .
ولي او لغيري ان يفهم ان هذه الخصومة تخفي ما تخفي وراءها, فليست القضية اختلافا في تحقيق هذه المسالة او تلك , اوضعف هذه الراوية او صحتهافتلك قضايا تتسع لها دائرة الخلاف , وما فتئ العلماء قديما وطلاب العلم حديثايختلفون ثم يتفقون , او يظل كل احد منهم مقتنعا بادلته دون ان يتهم المخالف له .
منهج المالكي ومن خلال التامل في مقالاته الاخيرة او كتاباته الاخرى امكنني رصدعدد من محاور الخلل وسمات المنهج , وحيث اثبت عن بعضها في الحلقة الماضية استكمل بعضها الاخر في هذه الحلقة وهذا بحدود ما قرات له حتى الان .
1 - المجازفة باصدار الاحكام , و دعوى عدم ذكر العلماء لدور ابن سبا في الفتنة .
لا يتورع المالكي من المجازفة بالاحكام , والتقول بغير حق على الائمة الاعلام , وان اتهم غيره بذلك حين قال : التاريخ الاسلامي مبتلى ببعض العلماءالذين يجازفون باصدار الاحكام المستعجلة حول الاحدات والمواقف والاشخاص ... (كتاب الرياض ص 7).(10/265)
وحتى تقفوا على الحقيقة , اسوق لكم نموذجا واحدا, وانقل لكم كلماته بحروفها ثم اعرض ما يبين زيفها, وادع لكم الحكم على اصحاب المجازفة ومثيلاتها يقول المالكي في رده في المسلمون : ولذلك تكلم المحدثون والمؤرخون المتقدمون عن الفتنة ولم يذكروا عبداللّه ابن سبا بحرف واحد, حتى الذهبي وابن حجر.. لم يذكروا دور عبد اللّه بن سبا في الفتنة بحرف واحد... .
وهذه فرية يتحمل المالكي مسؤوليتها, واسوق لكم ما ينقضها, واكتفي بنموذج للمحدثين يمثله (الاجري , ت 360) وهو من حفاظ المحدثين - كما قال ابن الاثير (الكامل في التاريخ 7 / 44) والمحدث القدوة و شيخ الحرم الشريف كما قال الذهبي (سير اعلام النبلاء 16 / 133), ومما قاله الاجرى عن دور ابن سبا في باب : سبب قتل عثمان رضى اللّه عنه : فان قال (قائل ), فمن الذي قتله قيل له : طوائف اشقاهم اللّه عز وجل بقتله حسدا منهم له , وبغيا, وارادواالفتنة ...
فان قال : فمن اين اجتمعوا على قتله قيل له : اول ذلك وبدو شانه ان بعض اليهود يقال له ابن السوداء ويعرف بعبد اللّه بن سبا لعنه اللّه زعم انه اسلم ...(10/266)
الى قوله : فهكذا عبد اللّه بن سبا اظهر الاسلام , واظهر الامر بالمعروف والنهي عن المنكر, وصار له اصحاب ثم ورد الى البصرة فصار له بها اصحاب ,ثم ورد الى مصر فصار له بها اصحاب كلهم اهل ضلالة ثم تواعدوا الوقت وتكاتبوا... ثم ساروا الى المدينة فقتلوا عثمان رضى اللّه عنه (الشريعة4 /1987, 1979) ومن رجع الى بقية كتب اهل العلم وجد مثل ذلك او قريبامنه , فهل رايتم مثل هذه الفرية واين الامانة العلمية التي يدعيها المالكي ويتهم الاخرين بفقدانها ؟ اما الذهبي , وابن حجر اللذين خصهما المالكي وحكم عليهما ظلماوعدوانا بانهما لم يذكرا دور ابن سبا في الفتنة بحرف واحد فدونكم زيفهاونقضها ففي تاريخ الاسلام 2 / 122, 123 ذكر الذهبي ان ابن سبا هو المهيج للفتنة بمصر, وباذر بذور الشقاق والنقمة على الولاة .. هذا فقط في كتاب تاريخ الاسلام .
اما ابن حجر: فيكفينا منه القول عن ابن سبا ودوره في الفتنة : واخبارعبد اللّه بن سبا شهيرة في التواريخ .. (لسان الميزان 3 / 345 ط دار الكتب العلمية ).
و اذا كان يجهل المالكي او يتجاهل بما اشتهر ابن سبا في كتب التاريخ فغيره لا يجهل ذلك ونقل في الفتح عن الاسفراييني خبر احراق علي لطائفة السبئية وكبيرهم عبد اللّه بن سبا اليهودي الذي اظهر الاسلام وابتدع ما ابتدع ,ثم نقل اصلا له في الجزء الثالث من حديث ابي طاهر المخلص بسند قال عنه :وهذا سند حسن (الفتح 12 / 270).
و اذا بطلت دعوى المالكي على الذهبي وابن حجر, تهاوت دعاواه الاخرى على العلماء والائمة الاخرين , وكانت تلك واحدة من ادلة جراة المالكي على العلماء وعلى كتب التراث , واوجب ذلك كله الاحتياط لما ينقله مستقبلا.(10/267)
الا فينتبه لذلك انصاف المثقفين الذين ربما غرهم طرح المالكى ,واعتمدوا على جزمه ولم يتبينوا كذبه على العلماء, ومن رام فريد البيان فاليرجع الى كتب التراث وسيجد فيها ما يشفيه وسيتبين له كذبه على مؤلفيها بعدم ذكردور ابن سبا في الفتنة , وقد اكتفيت بذكر نموذج كذبه ولئن كنا غير محتاجين لراي المالكي , انكر ام اثبت دور ابن سبا, ام ظل حائرا قلقا بين اثبات الوجود وانكارالدور, فذلك لتشخيص موقفه لا اكثر.
2 - النيل من الصحابة سبق في الحلقة الماضية الاشارة الى نماذج من نيل المالكي من الصحابة واضيف هنا وحين يتحدث المالكي عن فترة القتال على الملك يحشر عبد اللّه بن الزبير رضى اللّه عنهما فيها, ويشير الى قتاله مع بنى امية كنموذج من نماذجها(انظر كتاب الرياض ص 184).
وهذه تهمة لابن الزبير رضى اللّه عنهما, والرد عليها بامرين : ا- فان شاء بمنهجه الذي يردده كثيرا بعدم اتهام النوايا, قلنا له : ان ابن الزبير نفسه ابان عن هدفه من القتال في حديثه مع امه اسماء بنت ابي بكر رضى اللّه عنهم حين سالته عن هدفه من القتال فاجاب بقوله : واللّه ما ركنت الى الدنيا ولا احببت الحياة فيها, وما دعاني الى الخروج الا لغضب للّه ان تستحل حرمته .. (ابن كثير: البداية والنهاية 8 / 354, 355) فهل يسوغ لك ان تتهم نية صحابي كبير في العلم والشرف والجهاد والعبادة وان كان من صغار الصحابة كما قال الذهبي (السير 3 / 164).
ب - وان شاء بمنهج اهل الحق الذين قدروا ابن الزبير حق قدره ,وذكروا من مناقبه وفضائله ما يصعب معه حشره مع المقاتلين على الدنيا, وهذه نماذج منها: - اخرج البخاري في صحيحه بسنده عن ابن ابي مليكة عن ابن عباس رضى اللّه عنهما انه قال حين وقع بينه وبين الزبير قلت (ابن عابس ) ابوه الزبير,وامه اسماء وخالته عائشة , وجده ابو بكر, وجدته صفية .. (انظر: الفتح8 /326).(10/268)
فماذا تفهم من كلام ابن عباس في ابن الزبير رضى اللّه عنهما, وان لم يوافقه في بعض امره فقد ذكر ابن حجر في الفتح 8 / 327) عن ابن عباس رواية تفيد استحقاقه للبيعة , ولماذا لم يبايعه ابن عباس .
- وفي صحيح مسلم ان عبد اللّه بن عمر رضى اللّه عنهما, وقف على ابن الزبير وهو مصلوب - مسلم عليه وكرر, السلام عليكم يا ابا خبيب , اما واللّه لقد كنت انهاك عن هذا (ثلاثا) ما علمت : صواما, قواما, وصولا للرحم اما واللّه لامة انت شرها لامة خير منهم وان لم يوافقوه على القتال فلم يتهموه بفتنة ولم يرموه بالقتال من اجل الملك . فمامستند المالكي على هذه التهمة .
ج - واكد ابن كثير ان قيام ابن الزبير بالامارة انما كان للّه , وذلك في سياق رده لحديث منكر جدا في اسناده (القمي ) وقد تشيع , ومثله كما قال ابن كثير لايقبل اذا تفرد به . الى ان قال ابن كثير: وبتقدير صحته , فليس هو بعبد اللّه بن الزبير, فانه كان على صفات حميدة وقيامه بالامارة انما كان للّه عز وجل , ثم هو كان الامام بعد موت معاوية بن يزيد لا محالة .. (البداية والنهاية 8 / 339).
اذا ثبت هذا فاين كلامك في ابن الزبير هذا واتهامك اياه بالقتال على الملك , وكلامك الاخر قبل ذلك وفي الكتاب نفسه ص 41, حين قلت : بينما لم نجد من يدافع عن الخليفة الرابع او ابن الزبير فهل هذا هو الدفاع عندك عن ابن الزبير.. اليس هذا تناقضا 3 - الهوى مع المبتدعة يتناقض المالكي مع نفسه , ولا يلتزم منهجا محددا, فتراه حينا يتشدد في الرواية , ويلوذ بالثقات , وينعى على المتساهلين , ويلوم على المتشبثين برواية الضعفاء, ولو لم يكونوا اصحاب دعة مذهبية ثم تراه يدافع عن الرواة الضعفاء, وان كانوا اصحاب بدع مذهبية كماصنع في دفاعه عن ابن مخنف .(10/269)
وكما نص على اعجابه بدراسة مرتضى العسكرى من الرافضة المعاصرين وفوق ذلك يرد على د.عبد العزيز نور ولى في رسالته (اثر التشيع على الروايات التاريخية في القرن الاول الهجرى ).
ثم يقرر المالكي ان الذي عليه اهل الحق من اهل الجرح والتعديل ان البدعة لا تؤثر في رواية الثقة حتى وان كانت هذه الرواية يفهم منها تاييدلبدعته .. (كتاب الرياض ص 210).
وهذه المسالة - قبول رواية المتبدع الداعى الى بدعته - وان كانت خلافية بين العلماء, فالاكثر على رفضها كما قرر اهل العلم , وهذه بعض اقوالهم : 1 - ذكر ابو حاتم محمد بن حبان بسنده ان احمد سئل : عن القدرى والمرجئ وغيرهما من اهل الاهواء فكتب عنه قال : نعم اذا لم يكن يدعو اليه ,ويكثر الكلام فيه , فاما اذا كان داعيا فلا (المجروحين 1 / 82).
2 - وادعى ابن حبان الاتفاق على رد الداعية وقبول غيره (الثقات 6/140) وان لم يوافقه العراقي , وابن حجر على هذا الاتفاق (انظر: تدريب الراوي 2/549).
3 - وحكى بعض اصحاب الشافعي رحمه اللّه خلافا بين اصحابه في قبول رواية المبتدع اذا لم يدع الى بدعته وقال : اما اذا كان داعية فلا خلاف بينهم في عدم قبول روايته (مقدمة ابن الصلاح ص 54).
4 - وقال الحافظ ابن رجب في شرح علل الترمذي في الرواية عن اهل الاهواء والبدع اختلاف ..
حتى قال : وفرقت طائفة بين الداعية , وغيره فمنعواالرواية عن الداعية منهم : ابن المبارك , وابن مهدي , ويحيى بن معين , واحمد,وروى ايضا عن مالك (انظر تدريب الراوي 2 / 550).
و قال ابن الصلاح : والمذهب الثالث (عدم الرواية عن المبتدع الداعي الى بدعته ) اعدلها واولاها وقال ايضا: وهذا مذهب الكثير او الاكثر من العلماء (مقدمة ابن الصلاح ص 54, 55).(10/270)
6 - ويفرق الذهبي بين البدعة الصغرى والكبرى , ثم يقول : وبدعة كبرى كالرفض الكامل , والحط على ابي بكر وعمر رضى اللّه عنهما, والدعاء الى ذلك , فهذا النوع لا يحتج به ولا كرامة (الميزان 1 / 6).
وقال في السير: .. وترددوا في الداعية هل يؤخذ عنه , فذهب كثير من الحفاظ الى تجنب حديثه وهجرانه .. (سير اعلام النبلاء 7 / 153, 154).
وفي (الموقظة ) قال الذهبي : قال شيخنا: وهل تقبل رواية المبتدع فيما يؤيدمذهبه فمن راى رد الشهادة بالتهمة لم يقبل , ومن كان داعية متجاهرا ببدعته فليترك اهانة له واخمادا لمذهبه , اللهم الا ان يكون عنده اثر تفرد به فتقدم سماعه , (الموقظة ص 87).
7 - وللحافظ ابن حجر كلام عن اهل البدع عموما, وخاصة اهل التشيع , فقد فرق بين مفهوم المتقدمين والمتاخرين للتشيع , وقال بقبول رواية المتشيع في عرف المتقدمين (تفضيل علي على عثمان ) ان كان غير داعية , اماالتشيع في عرف المتاخرين فهو الرفض المحض فلا تقبل رواية الرافضي الغالي ولا كرامة , (تهذيب التهذيب (1 / 94).
اكتفي بهذه النقول واقول : وهل تتفق هذه مع قولة المالكي الذي عليه الحق من اهل الجرح والتعديل ان البدعة لا تؤثر في رواية الثقة حتى وان كانت هذه الرواية يفهم منها تاييد بدعته وادع الحكم لاهل الاختصاص .
اما الامر الذي ينبغي ان يعلم فهو تشدد العلماء في الرواية عن الرافضة بالذات حتى قال الشافعي رحمه اللّه : لم ار اشهد بالزور من الرافضة (الام 6/206).
وقال يزيد بن هارن : يكتب عن كل صاحب بدعة اذا لم يكن داعية الاالرافضة .
وقال شريك : احمل العلم عن كل من لقيت الا الرافضة .
وقال ابن المبارك : لا تحدثوا عن عمرو بن ثابت فانه كان يسب السلف (تدريب الراوي 2 / 553).(10/271)
الخروج من المازق لا يتورع المالكي عن الكذب على الاخرين واتهامهم , فهذا لم يفهم قصده : وهذا يتهم نيته , وثالث اساء له .. وهو في كل ذلك يعلم الحقيقة لكنه اسلوب للخروج من المازق , وربما كان وسيلة لاستعطاف مشاعر الاخرين معه , وكيف يتهمه الناس في نيته - كما يقول - والنقل (حرفيا) من كتبه اومقالاته ولو قدر ان (شخصا) اساء فهم ما كتبه , فهل يعقل ان يجتمع الناس كلهم على سوء الفهم ضده .
والمتامل في (ردوده ) يرى هذه (الشنشنة ) مقدمة يبدا بها حديثه وتكادتتفق في عباراتها, وقد استجمعت (نماذج ) لذلك كما في الملاحظة الاولى وعباراته (المترددة ) و (الغامضة ) في ابن سبا (وجودا او نفيا) نموذج للكذب ,وان شئت فقل نموذج للتناقض والريب , وتلك واحدة من ثمار الكذب .
وثمة نموذج آخر فقد قال في مقاله الاخير في الرياض (وفي الملاحظة الحادية عشرة ) والغريب ان الدكتور - يعنيني - يحرف كلامي ثم يحيل على كتاب الرياض وعلى كتاب بيعة علي حتى انني اظن انني اخطات فاذا رجعت اجد كلامي خلاف ما يقرره فاين الامانة العلمية ولماذا هذه الاساليب واقول وحتى تكتشفوا كذبه عودوا الى مقالاتي في (الانقاذ من دعاوى الانقاذ) ولن تجدوا فيها (اي ) احالة على كتابه بيعة علي فلم انقل منه نصه , بل ولم اقتن الكتاب بعد فضلا عن اطلاعي عليه , فضلا عن احالتي عليه - فاي الفريقين احق بالامن واين اتهام الاخرين بضعف الامانة العلمية ويعود السؤال لمن سال : ولماذا هذه الاساليب وهل تدخل هذه في اطار الصدق ام هي ضمن مجموعة للكذب ؟ - وثالثة في كذبه على الامامين (الذهبي وابن حجر) بانهما لم يذكرا دورابن سبا في الفتنة لا بحرف واحد يضاف اليه كذبه في ايراد الروايات عن ابن سبامن غير طريق سيف بن عمر وقد سبق بيان ذلك .(10/272)
المراوغة والمراوغة والحيل الباطلة عيب في سلوك المرء بشكل عام , وهى في قضايا العلم وطرائق الانقاذ اشد خطرا, وهذا الخلل لا يقل عن سابقه سوءا,فالمالكي حين تضطره الى طريق مسدود ليس امامه الا الاعتراف بالحق اورفضه , يلجا الى اسلوب ثالث هو: تناسي القضية الكبرى المطروحة للنقاش والهروب من النقطة الجوهرية في الخلاف , والتشبث بامور جانبية يشغل بهاالقارئ ولا يخرج منها براي محدد, ومن ابرز الامثلة على ذلك - وفي مقاله الاخير فقط - اطال الكلام على المرويات الثمان وفقدها و انكر اسناد البعض منها واعترف بصحة اسناد بعضها, وطرح فيها قضايا للنقاش لاول مرة واضاف اليه مرويات جديدة - وكل هذه القضايا قابلة للنقاش - ولكن المراوغة تكمن في هروبه من اصل القضية , فلم تستوقفه قضية كونها جاءت من غير طريق سيف وهذا ما قطع بخلافه وهي محور الخلاف كما سبق البيان .
وحين يقول في الملاحظة السابعة - من هذا المقال - ما نصه اذا كان د.سليمان لا يعرف الا ثماني روايات فيها ذكر لابن سبا من غير طريق سيف فغيره قد يعرفها وزيادة , وليست موطن النزاع كما سياتى .. ويقول في كتاب الرياض ص 260 ما نصه : مع ان سيفا قد انفرد برواية اخبار ابن سبا امكن رصد المراوغة بما يلى : 1 - اليس موطن النزاع عدم ورود اي مرويات من غير طريق سيف -حسب زعمه - فكيف يتنكر لموطن النزاع ؟ 2 - واذا كان لديه علم مسبق بهذه المرويات التي لا تنتهي الى سيف فكيف قطع بخلافها ولماذ ا لم يذكرها من قبل ؟ 3 - هل تجدونه عرج على مقولته السابقة في كتاب الرياض واعترف بخطئه فيها ولا يمنع بعد ذلك ان يبدا النقاش في هذه المرويات .
و اذا كان هذا نموذجا, فثمة نموذج آخر, قد يكون فات على كثير من القراء لكنه لايفوت على المالكي بكل تاكيد, وهو يؤكد المراوغة , والحيدة عن الاجابة على الاسئلة المطروحة .(10/273)
ففي مقالاتي السابقة طرحت عددا من الاسئلة المهمة لم يعرج عليهاالمالكي البتة , ولم تستوقفه في مقاله الطويل , وانا الان اعيد طرحها ولا زلت انتظر اجابته (الصريحة عليها).
لماذا (لمز) ابن تيمية وكتابه منهاج السنة بالذات ؟ ولماذا النيل من كتاب (العواصم من القواصم ) لابى بكر بن العربي ؟ وكيف اعتبر المالكي طه حسين منصفا في بعض القضايا اكثر من المؤرخين الاسلاميين وطه حسين صاحب الشعر الجاهلي , وصاحب الشك في اعظم مصادرنا وهو القرآن الكريم وهو القائل للتوارة ان تحدثنا عن ابراهيم واسماعيل , وللقرآن ان يحدثنا عنهما ايضا, ولكن ورود هذين الاسمين في التوارة والقران لا يكفي لاثبات وجودهما التاريخي فضلا عن اثبات هذه القصة التي تحدثنا بهجرة اسماعيل وابراهيم الى مكة (الشعر الجاهلي 26).
لماذا التشبث والدفاع عن (ابي مخنف ) هذه وامثالها قضايا اثارها المالكي بطوعه واختياره - وليست تهما -تنسب اليه فهو ملزم بالاجابة عنها, والاعتذار عن ما كتبه فيها, اما المراوغة فليست من شيم الرجال , وهي مكشوفة للاجيال النيل من المشاهير لا تكاد تخطئ عين القارئ المتامل لكتابات المالكي تلميعه وثناءه على اشخاص مشبوهين , ونيله باسلوب مباشر او غير مباشر من مشاهير العلماء,بل ربما عرض ببعض الصحابة الكرام من وراء وراء ؟ وفوق ما مضى في الفقرة (السابقة ), بل وفي حلقات الانقاذ من دعاوى الانقاذ (الماضية ) من ذكر نماذج لهؤلاء واولئك , فيابى المالكي في مقاله الاخير(عبداللّه بن سبا وكاسحات الحقائق ) الا ان ينال من الامام (الذهبي ) ويجعل من نفسه حكما على تخطئته اذا خالف هواه في (ابي مخنف ) الشيعي المحترق , ونص كلامه عن الذهبى هو: فهذا نص من الذهبي في المساواة بين سيف بن عمر وابي مخنف , واظن ان الذهبي لم يوفق للصواب .. (الملاحظة السادسة عشرة ).(10/274)
كما سبق في الملاحظة (السابعة ) انتقاده لكلام الحافظ ابن حجر حين خالف منهجه في اعتماد سيف بن عمر في التاريخ .
وليس يخفى موقفه من ابن تيمية وابن العربي ,وغيرهما مما سبق بيانه واذاجاء التاكيد اكثر من مرة ان احدا ليس معصوما من الخطا, فاللافت للنظر في منهجية المالكي تسارع نقده لهؤلاء العلماء, فما ان ينتهي من عالم حتى تبداسهامه تتناوش الاخر, ولا ندري ماذا في جعبته مستقبلا وهل (حمى ) العلماء مستباح لكل ناقد ان بحق او بباطل , وهل يترك صغار الطلبة يجرحون او يعدلون مشاهير العلماء كما يشاءون ولست محتاجا الى اعادة القول في تهوين المالكي من شان المستشرقين ,والثناء على اذنابهم من المستغربين , ولا العناية والتمجيد لابحاث الشيعة المحدثين ,فضلا عن الدفاع عن رواتهم المستقدمين اليس ذلك خللا في المنهج واحرى بالرصد والمتابعة ؟ التراجع شكلا لا مضمونا من يتامل (مراجعات ) المالكي لا يجد فيها - حتى الان - شيئا ذا بال , اذلم يعلن تراجعه عن قضية كبرى من القضايا التي طرحها, ولم يوافقه الاخرون عليها والمختصون وسواهم منذ بدا طرحه يفندون وجهة نظره بالادلة العلمية ويكشفون خلل منهجه من خلال طروحاته الغريبة الفجة , ولم نسمع حتى الان انه تراجع عن شي ء اثبت له خلافه اكثر من سماعنا عن غرامه بالرد وعشقه الجدل والمراء.
ولئن كتب مقالا خاصا عن (مراجعاته ) واعلن فيه عن مراجعات شكلية كانت بالفعل محل استغراب عند بداية طرحه , ثم انستها القضايا الكبرى التي طرحها, فلم يعلن في هذا المقال تراجعه عن قضايا مهمة خالف فيها غيره ,وسبق له من الادلة ما يكفي للاقناع .(10/275)
ويحلو للمالكي ان يجعل اخطاءه في الثناء على طه حسين , واعجابه ببحث مرتضى العسكري , والدكتور الهلابي خاتمة لمقالي المراجعات , ولا يضعهافي مقدمة القضايا والمراجعات , وتاتي صياغته لهما على شكل تعقيبات وملاحظات على هؤلاء, ولست ادري هل ستاتي هذه التعقيبات قريبا ام سيتاخر صدورها, واهم من ذلك هل ستاتي ملاحظات وتعقيبات ذات بال ام هي ارضاء خواطر, واتقاء للصدمة المستنكرة لا نستطيع الجزم بشي ء قبل ان نتبين , ولكن الذي يظهر لنا حتى الان ان مراجعاته (شكلية ) وخذوا نموذجا على سبيل المثال : يقول المالكي في مراجعاته كما ان لي ملاحظات على بحث استاذناد.عبد العزيز الهلابي عن عبد اللّه بن سبا, لكن تلك الملاحظات لاتقدح في النتيجة التي توصل اليها لكنها تجعلني اتوقف في متابعة تلك النتائج بكل تفاصيلها.
واذا كان ابرز نتائج دراسة د. الهلابي القول بان شخصية ابن سبا وهمية لم يكن لها وجود, فان وجد شخص بهذا الاسم فمن المؤكد انه لم يقم بالدور الذي اسند اليه سيف واصحاب كتب الفرق (ص 73 من حولية كلية آداب الكويت ).
فالمالكي يقرر سلفا مشاركته الافكار او التشكيك الفعلي لابن سبا,سواء كان ذلك التشكيك في وجوده او انكار دوره في الفتنة , وبالتالي يسقطالرهان الذي راهن عليه في التفريق بين امرين متلازمين , وتبقى بعد ذلك مراجعاته وحسب ما قطع به من عدم القدح بالنتيجة التي توصل اليها استاذه الهلابي - في امور شكلية او في تفاصيل تتسع لها دائرة النقاش والخلاف .
وعلى كل حال فنحن اولا: نرحب بالرجوع للحق , ولكن الذي ننشده ان يشمل القضايا الكلية , والا يكون حجم العنوان اكبر من وا قعه ..
ثانيا: ان يسارع المالكي لما وعد به , فتصحيح الاخطاء اولى من المضى قدما في استحدات قضايا جديدة قد تحمل في ثناياها ما يدعو الى مراجعة لهامستقبلا, فتضخم الاخطاء, وربما شكل الاعتذار عنها ثقلا على النفس اخربيانها.(10/276)
ثالثا: وتعني المراجعات استصلاح الاخطاء - بعد اعلانها على الناس -في الكتب المطبوعة وتصحيح ما بنى عليها من مفاهيم ونتائج متعلقة بها.
رابعا: وان يكون التصحيح بلغة ومفهوم يرضى به العالمون واهل الاختصاص , والا يكون مما يرضى به الدهماء وعوام الناس .
وحين يتحقق ذلك كله تعتبر المراجعات , ويقدر للمراجع تراجعه , وكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون .
المالكي بين المباهلة والمحاكمة : يسارع المالكي , ويكرر دعوته لاكثر من شخص من الاشخاص الذين ردوا عليه بالدعوة للمباهلة , او المحاكمة .
اما المباهلة التي طلبها من الاخ علي رضا فقد احسن علي رضا حين دعاالمالكي الى ان يبتهلوا الى اللّه تعالى بما يلى : 1- من كان في قلبه خبئته على احد من اصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فاهلكه اللّه .
2 - من كان في قلبه دخن على شيخ الاسلام ابن تيمية فاهلكه اللّه .
3 - من كان في قلبه غل على العقيدة السلفية فاهلكه اللّه .
4 - من كان في قلبه غش على منهج السلف الصالح فاهلكه اللّه ونحن نقول : اللهم آمين , وندعو المالكي للدعاء بمثله لنؤمن على دعائه ,ونسال اللّه ان يجعل لعنته على الكاذبين .
اما المحاكمة فهي من عجائب طروحات المالكي , والا فكيف يرضى بالتحاكم الى قسم من الاقسام وفي احدى الكليات , وهو الذي رفض الحكم من عدد من الاقسام , ممثلة لعدد من الجامعات او ليس الذين ردوا عليه - مختصين او غير مختصين - ينتمون لعدد من الاقسام العلمية , و يمثلون عدة جامعات , فاذا رفض ردود هؤلاء وتنكرلارائهم فهل سيقبل غيرهم , ام يظن ان طروحاته المشككة تجاوزت دهماءالناس الى اساتذة الجامعات كلا فقد بلغني ان سيلا من الردود كتبت ضده وان لم تر النور بعد.
اما اهل الاختصاص فظني ان عددا منهم لو اتيحت له الفرصة فسيكشف الخلل اكثر ويعرى المنقذ.(10/277)
الدعوة لتشكيل لجنة للنظر في كتابات المالكي : واهم من ذلك كله ,وطالما ان المالكي دعا بنفسه الى المحاكمة فانني ادعو الى تشكيل لجنة من اهل الاختصاص والعلم الشرعي للنظر في كتابات المالكي .
فان وجدت فيها تشويها للحقائق او اعتداء على كتب التراث او اتهامالعلماء السنة ولمزا لهم او لكتبهم او تجاوزات في العقيدة او ميلا في المذهبية ... اونحوا من ذلك فينبغي ان يوقف عند حده وترفع للجهات المختصة ما يكفل قطع دابر الفتنة وانهاء سبل الاثارة والتشكيك في تاريخنا وفي تراثنا, وفي ذلك حماية للامة والزام بمنهج اهل السنة والجماعة , المنهج الذي ندعو اليه جميعا.
*********************(10/278)