كتاب عبد الله بن سبأ وإمامة علي (ع)
بقلم
علي عبد الرحمن السلمان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين حمدا كثيراً طيباً مباركاً فيه، وتحياته الطيبات المباركات على رسوله وخليله وصفوته من خلقه محمد الأمين، خاتم النبيين وسيد المرسلين، وإمام الموحدين، الذي جعل الله الذل والصغار والهوان على من خالف أمره، وأولئك.. {سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين}.
والتحية والإكرام لأهل بيته الطاهرين الطيبين الكرام ورضي الله عن صحابته الغر الميامين الأبرار الصادقين السابقين في كل مضمار، وعن الذين جاؤا من بعدهم من التابعين لهم بإحسان إلى أن نلقى العزيز الغفار.
أما بعد .
فبإشراقة الأنوار تنجلي مخبآت الظلام فيهتف حادي المعرفة {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون}.
ومتى اتضح منار الإسلام قامت الحجة على من ليس له حجة وأنس المؤمنون بسلوك المحجة{ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم}.
وقد ثبت عن النبي الكريم _ أنه قال: >افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة(1).
إنّ الله تبارك وتعالى يقول في كتابه العزيز : {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} وعبادة الله هي توحيده وامتثال أمره واجتناب نهيه والتسليم إليه {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما}.
ولم يحقق الانسان العبودية لله إلا إذا تجرد لله حق التجرد وأنقاد لأمر الله حق الانقياد {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم}.
فَلِواحدٍ كن واحداً في واحد أعني طريق الحق والإيمان(1/1)
وعلى العبد المسلم أن يدعو دائما بهذا الدعاء الطيب الذي كان يدعو به سيد المرسلين وإمام الموحدين >اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء<.
وليعلم الجميع أنني ما قصدت بكتابي هذا إلا بيان الحق والعدل المتمثل في المنهج الصحيح، وقد تحريت جهد طاقتي في إبراز الحق لا غيره ورد إبطال ما يخالفه.
التعريف بالكتاب :
قسمت الكتاب إلى مباحث هي كما يلي :
المبحث الأول : أحوال البشر قبل بعثة النبي _.
المبحث الثاني : بيان مرحلة الصراع بين اليهود والمسلمين .
المبحث الثالث : أشهر فرق الشيعة .
المبحث الرابع : ابن سبأ بين المنكرين والمثبتين .
المبحث الخامس : أوجه الشبه بين عقائد اليهود وعقائد الشيعة الإثنى عشرية.
المبحث السادس : ادعاء الشيعة الاثنى عشرية تحريف القرآن .
المبحث السابع : موقف الشيعة الاثنى عشرية واليهود من أصحاب الأنبياء.
المبحث الثامن : عدالة الصحابة .
المبحث التاسع : جدول بينت فيه أوجه الشبه الكثيرة بين اليهود والشيعة الاثنى عشرية.
المبحث الأول
أحوال البشر قبل بعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم
لقد مر على البشرية حين من الدهر وهي تتخبط في دياجير الظلام وفي متاهات الضلال، وغياهب الجهالة، فانتشر الشرك بالله واتخاذ الأنداد، وعمَّت الفوضى في الأخلاق، والناس في هذه الفترة على ثلاثة أقسام:
قسم منهم : أصحاب كتاب محرف ومبدل، لم يبق منه غير جمل محرفة وعبارات مبدلة ممسوخة، اشتروا بدينهم ثمنا قليلا واستبدلوا بكتب الله تعاليم رؤسائهم وكبرائهم، وبولايةِ الله ورسوله ولايةَ الشيطان فترحل عنهم التوفيق وقارنهم الخذلان. فهذا هو حال الأمة الغضبية وعبدة الصلبان من اليهود والنصارى.(1/2)
وقسم آخر : زنادقة ملاحدة لا يؤمنون بالله ولا ملائكته ولا كتبه، ولا رسله ولا يؤمنون بمبدءٍ ولا معاد، ولا جنة ولا نار، وليس للعالم عندهم رب فعال بل يسندون أفعال الربوبية للكواكب والأفلاك وهذا هو حال زنادقة الصابئة وملاحدة الفلاسفة.
وقسم ثالث : أصحاب وثنية عمياء وجاهلية جهلاء يعيشون على النهب والسلب وقطع الطريق، وشن الحروب والاعتداء على الحقوق والحرمات، فانتشرت بينهم الرذائل والفواحش كالزنا وشرب الخمر ووأد البنات.
أما عبادتهم فكانت لأصنام نحتوها من الأحجار والأخشاب، يتقربون إليها بأنواع القربات ويخلصون لها سائر العبادات، ويلتجئون إليها عند الشدائد والملمات.
ورحمة بهذه البشرية وتخليصا لها مما هي فيه من شقاء وعناء وجهل وضلال بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وآله وسلم داعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، فدعا إلى عبادة الله وحده ونبذ الشرك واتخاذ الأنداد، وأمر بالعدل والإنصاف وحث على مكارم الأخلاق فأمر بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، ونهى عن الفواحش وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، فلم يترك طريقا من طرق الخير إلا دلَّ الناس إليه، ولا طريقا من طرق الشر إلا حذرهم منه(1).
ولما دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الله وبين المنهاج الذي أمره الله تبارك وتعالى به للناس، استجاب له أناس وصد عنه آخرون.
فكان أول من آمن بالله ورسوله من الرجال أبو بكر الصديق رضي الله عنه واسمه عبد الله بن عثمان التيمي، وكان صاحباً للنبي عليه الصلاة والسلام قبل البعثة، فلما بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودعاه لهذا الدين العزيز استجاب له ودعا معه إلى الله، وجاهد معه بماله ونفسه وهاجر معه حتى ولاه الله الخلافة من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .(1/3)
وأول من آمن من الصبية علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكان في كفالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأول من آمنت به من النساء خديجة رضي الله عنها وكانت زوجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي صديقة النساء. ثم أسلم بعد ذلك عثمان بن عفان، وسعد ابن أبي وقاص، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحه ابن عبيدالله، وزيد بن حارثة، وبلال بن رباح، وعمر بن الخطاب، وفاطمه بنت الخطاب، وهي ثاني امرأة أسلمت بعد السيدة خديجة رضي الله عنها، وغيرهم من الصحابة .
وكان هؤلاء الصحابة خير عون للنبي عليه الصلاة والسلام فقد اختارهم الله لصحبة الرسول الكريم لنشر الدين الذي رحم الله به البشرية.
وكانت دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أول الأمر مع أصحابه سراً وكانوا يعبدون الله تعالى بعيدا عن أعين كفار قريش.
وبعدما سمع كفار قريش بما يقول هؤلاء النفر من الكلام الذي يهدم معتقدهم بآلهتهم، قاموا بمحاربتهم ومطاردتهم وتعذيبهم إلى أن أذن الله تبارك وتعالى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه بالهجرة من مكة إلى المدينة.
ولما استقر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أصحابه في المدينة قام ببناء المسجد وآخا بين المهاجرين والأنصار، وألّف الله بين قلوبهم وصارت أخوة العقيدة ومحبتها أولى من محبة آبائهم وأبنائهم وإخوانهم وعشيرتهم وأزواجهم وقد أثنى الله تبارك وتعالى على الفعل الذي قام به المهاجرون من ترك ديارهم وأموالهم لأجل دين الله، وعلى فعل الأنصار عندما فتحوا بيوتهم وتقاسموا أموالهم مع المهاجرين. قال تعالى: {للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقونü والذين تبوّءو الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}(1).(1/4)
ورأى اليهود أن الدين الجديد قد أصبح منافساً يوشك أن يقضي على نفوذهم وينتزع الزعامة الدينية التي كانوا يدَّعونها، فكرهوا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم ، ونظروا إليه وإلى دينه وأتباعه نظرة الحسد والحقد والضغينة والبغضاء، وظهرت عداوتهم لدين الإسلام واضحة جلية حينما رأوا الناس يدخلون في دين الله أفواجا.
عند ذلك أخذ اليهود يكيدون للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، ويصدون عن دين الله بكل ما أوتوا من قوة وسلطان.
وقد ذكرت كتب السير كثيراً من مؤامراتهم ودسائسهم، للقضاء على الدعوة الإسلامية. فمن ذلك على سبيل المثال لا الحصر :
1- عمد اليهود في القضاء على الإسلام إلى إثارة الأحقاد والبغضاء الكمينة، التي كانت تعتلج في نفوس أهل المدينة، من الأوس والخزرج من أيام الجاهلية كما استفادوا مما كان بينهم وبين رجال من المسلمين من الحلف والجوار في الجاهلية، للاحتماء بهم وللاتقاء بهم، مما قد يلحق بهم من أذى في إثارة الفتنة .
وقد استجاب لدعوتهم نفر حديثو عهد بالإسلام، كانوا قد اطمأنوا إلى اليهود من أيام الجاهلية، دون أن يعرفوا ما وراء هذه الاستجابة من شر، ونتائج خطيرة على الدين الذي دخلوا فيه(1).(1/5)
دل على ذلك ما رواه ابن هشام قال: >مر شاس بن قيس - وكان شيخا قد عسا(2) عظيم الكفر،شديد الضغن على المسلمين، شديد الحسد على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الأوس والخزرج، في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من ألفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية، فقال: قد اجتمع ملأ بني قيلة(1) بهذه البلاد، لا والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها قرار، فأمر فتى شاباً من يهود كان معه. فقال: اعمد إليهم فاجلس معهم، ثم اذكر يوم بعاث، وما كان قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار(2) ففعل، فتكلم القوم عند ذلك، وتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب فتقاولا، ثم قال أحدهما لصاحبه >إن شئتم رددناها الآن جذعة، وغضب الفريقان جميعا، وقالوا: قد فعلنا موعدكم الظاهرة السلاح فخرجوا إليها فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه المهاجرين فقال: >يامعشر المسلمين الله الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم، بعد أن هداكم الله للإسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر وألف بين قلوبكم<، فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيد من عدوهم فبكوا، وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضا، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سامعين مطيعين، فأنزل الله في شاس بن قيس وما صنع: {قل ياأهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون قل ياأهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا وأنتم شهداء وما الله بغافل عما تعملون}(3)،(4).(1/6)
2- ومن تلك المؤامرات التي حاول اليهود بثها لتشكيك المسلمين في دينهم ما ذكره ابن هشام قال: >وقال سكين، وعدي بن زيد: يامحمد ما نعلم أن الله أنزل على بشر من شيء بعد موسى فأنزل الله تعالى من قولهما: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا}(1)،(2).
ومن مؤامراتهم أيضا ما أخبر الله تعالى به في القرآن الكريم {وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون}(3).
قال ابن كثير رحمه الله: >هذه مكيدة أرادوها، ليلبسوا على الضعفاء من الناس أمر دينهم، وهو أنهم اشتَوَروا بينهم أن يظهروا الإيمان أول النهار، ويصلُّوا مع المسلمين صلاة الصبح، فإذا جاء آخر النهار ارتدوا إلى دينهم، ليقول الجهلة من الناس إنما ردهم إلى دينهم اطلاعهم على نقيصة، وعيب في دين المسلمين(4). ففضحهم الله واطلع المسلمين على حقيقة فعلهم وقصدهم في كيد دين المسلمين.
3- ذكر أهل الأخبار أسماء جماعة من اليهود دخلت في الإسلام، لكنها كانت في حقيقة الأمر من المنافقين(5)، وكان إسلامهم للتجسس على المسلمين ولنقل أخبار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وما يريد عمله إلى اليهود، وإلى حلفائهم من المشركين، وكان جلوسهم إلى بعض المسلمين لاستراق الحديث منهم، ولإثارة الشكوك في قلوب ضعفاء الإيمان منهم، وللاتصال بمن كان على شاكلتهم من الأوس والخزرج(1).
وكان هؤلاء المنافقون يحضرون المسجد فيسمعون أحاديث المسلمين ويسخرون منهم ويستهزءون بدينهم، فاجتمع يوما في المسجد منهم ناس، فرآهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتحدثون بينهم خافضي أصواتهم قد لصق بعضهم ببعض، فأمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بهم فأخرجوا من المسجد إخراجاً عنيفا(2).(1/7)
ولإبطال أثر هذه الفتنة نزل الوحي بالنهي عن الاتصال باليهود والاطمئنان إليهم وبقطع صلة المسلمين بهم خوف الفتنة على المسلمين: -
قال تعالى : {ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ماعنتم، قد بدت البغضاء من أفواههم، وما تخفى صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون ü هأنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور}(3).
فقطعت هذه الآيات على المسلمين مباطنة اليهود، والركون إليهم، للأضرار التي لحقت بهم من هذا الاتصال(4).
4- ومن مؤامرات اليهود على الإسلام محاولتهم فتنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتأثير عليه : -
فقد روى ابن هشام عن ابن إسحاق أنه قال: >وقال: كعب بن أسد وابن صلوبا وعبدالله بن صوري وشاس بن قيس بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه، فإنما هو بشر، فأتوه، فقالوا له: يامحمد إنك قد عرفت أنا أحبار يهود وأشرافهم، وسادتهم وأنا إن اتبعناك اتبعتك يهود، ولم يخالفونا وإن بيننا وبين بعض قومنا خصومة، أفنحاكمهم إليك فتقضي لنا عليهم ونؤمن بك ونصدقك؟ فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليهم فأنزل الله فيهم: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون}(1)،(2).
وأمام يقظة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم باءت مكيدتهم هذه بالفشل وباءت جميع مكايد اليهود السابقة بالهزيمة، ورد الله كيدهم في نحورهم وزادهم هذا حنقا وغيظا على الإسلام، ولكن هذا كله لم يضر الإسلام شيئا، فالله متم نوره ولو كره الكافرون(3) .
المبحث الثاني
مرحلة الصراع المسلح بين اليهود والمسلمين في عصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم(1/8)
لم يكتف اليهود بالدس والنفاق والفتن التي يثيرونها بين المسلمين بل أخذوا يقفون إلى جانب كفار قريش معلنين عداءهم الصريح للإسلام والمسلمين.
فأمهلهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن نقضوا العهود، عند ذلك رأى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ضرورة مواجهة اليهود عسكريا فاتخذ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عدة قرارات حربية لتأديب هؤلاء اليهود الذين يقفون حجر عثرة في طريق انتشار الإسلام، فكان أهم هذه القرارات ما يلي :
1- إجلاء بني قينقاع .
2- إجلاء بني النضير .
3- غزوة بني قريظة .
4- فتح خيبر .
وفيما يلي تفصيل لهذه الأحداث على ضوء ما ذكرته كتب السير والتاريخ : -
أولا : إجلاء بني قينقاع :
سبب الجلاء :
روى ابن هشام عن أبي عون أن امرأة من العرب قدمت بجلب لها، فباعته في سوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ، فجعلوا يريدونها علي كشف وجهها، فأبت فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها - وهي غافلة - فلما قامت انكشفت سوأتها، فضحكوا بها، فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله - وكان يهوديا - فشدت اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع(1).
ولقد كانت منازل بني قينقاع في داخل المدينة، وبين أحياء المسلمين، فوقوع التصادم بينهم وبين المسلمين قبل غيرهم من اليهود، أمر متوقع وكانت شرارته، وصول الأخبار إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، بتآمر بني قينقاع عليه، وتهيئتهم لإحداث فتنة في المدينة، فتخوف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم منهم بحسب وجودهم بين ظهراني المسلمين(2).
فتوجه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إليهم ، وجمعهم في سوق بني قينقاع بعد معركة بدر، ثم قال: )يامعشر يهود احذروا من الله مثل مانزل بقريش من النقمة، وأسلموا فإنكم قد عرفتم أني مُرسَل تجدون ذلك في كتابكم، وعهد الله إليكم(.(1/9)
قالوا : ) يامحمد إنك ترى أنا قومك، لا يغرنك أنك لقيت قوماً لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة إنا والله لئن حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس((3).
فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وحاصرهم في حصنهم خمس عشرة ليلة أشد حصار، لا يطلع منهم أحد، ثم نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكتفوا وهو يريد قتلهم، فقام عبدالله بن أبيّ بن سلول، فشفع فيهم عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوهبهم له(1)، ثم فكت قيودهم وأمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بإجلائهم، وغنم اللهُ عز وجل رسولَه والمسلمين ما كان لهم من مال(2).
ثانيا : إجلاء بني النضير :
كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد بعث أربعين رجلا من أصحابه، من خيار المسلمين، يُعلِّمون قبائل نجد أمور الدين الإسلامي وهم ممن يحفظون القرآن، وعند بئر معونة(3) على مسيرة أربعة أيام من المدينة، هاجم يهود بني سليم المسلمين وقتلوهم غدرا وظلما، ونجا واحد من المسلمين هو عمرو بن أمية الضمري(4)، وفي طريق عودته قتل رجلين من بني عامر، وكان بين بني عامر ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عهد لم يعلمه عمرو بن أمية(5).
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بني النضير يستعينهم في دية ذينك القتيلين من بني عامر، اللذين قتلهما عمرو بن أمية، للعهد الذي كان صلى الله عليه وسلم أعطاهما، فلما أتاهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قالوا: نعم ياأبا القاسم، نعينك على ما أحببت، ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى جانب جدار من بيوتهم قاعد، قالوا فمن رجل يعلو على هذا البيت فيلقي عليه صخرة ويريحنا منه .
فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب ، فقال أنا لذلك، فصعد ليلقي عليه صخرة ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في نفر من أصحابه فيهم أبو بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم.(1/10)
فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخبر من السماء بما أراد القوم، فقام وخرج راجعا إلى المدينة، فلما استبطأ الصحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قاموا في طلبه، فلقوا رجلا مقبلا من المدينة فسألوه عنه فقال: رأيته داخلا المدينة، فأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى انتهوا إليه فأخبرهم الخبر بما كانت يهود أرادت من الغدر به.
وأمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالتهيؤ لحربهم والسير إليهم(1)، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم، ثم سار بالناس وذلك في شهر ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة، فتحصنوا منه في الحصون فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقطع النخيل والتحريق فيها، فقذف الله في قلوبهم الرعب وسألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يجليهم ويكف عن دمائهم، على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا السلاح ففعل، فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل فكان الرجل منهم يهدم بيته عن نجاف(2) فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به فخرجوا إلى خيبر، ومنهم من سار إلى الشام(3).
ثالثا : غزوة بني قريظة :
كان بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين بني قريظة عهد وميثاق لكنهم نقضوا العهد في غزوة الأحزاب، وذلك عندما أسهموا مع إخوانهم يهود بني النضير في تأليب أحزاب العرب من قريش وغطفان وتشجيعها على محاربة المسلمين.
ولما انتهت غزوة الأحزاب بهزيمة المشركين عندما أرسل الله علىهم جنداً من الريح جعلت تقوض خيامهم، وتكفأ قدورهم وجندا من الملائكة تزلزل بهم حتى أتم الله نصره لعباده المؤمنين، وفَرَّق الأحزاب والمشركين(1).(1/11)
عند ذلك رجع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعه المسلمون إلى المدينة ووضعوا السلاح، فلما كان الظهر أتى جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مُعْتَمّاً بعمامة من استبرق، على بغلة عليها رحالة عليها قطيفة من ديباج، فقال: أوقد وضعت السلاح يارسول الله؟ قال: نعم، فقال جبريل: فما وضعت الملائكة السلاح بعد، وما رجعت الآن إلا من طلب القوم، إن الله عز وجل يأمرك يامحمد بالمسير إلى بني قريظة فإني عامد إليهم فمزلزل بهم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مؤذنا فأذن في الناس >من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلين العصر إلا ببني قريظة< واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم<(2).
وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمساً وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب، فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن ابعث إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر(3) - وكانوا حلفاء الأوس - لنستشيره في أمرنا فأرسله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقالوا له: أترى أن ننزل على حكم محمد قال: نعم .
فلما أصبحوا نزلوا على حكم رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم، قال الأوس: يا رسول الله إنهم كانوا موالينا دون الخزرج وقد فعلت بموالي إخواننا ما قد علمت، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألا ترضون يامعشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم قالوا: بلى. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فذاك إلى سعد بن معاذ.
فحكم فيهم سعد أن تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى الذراري والنساء فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لسعد: >لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة<(1). ثم استنزلوا فحبسهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى سوق المدينة فخندق بها خنادق ثم بعث إليهم فضرب أعناقهم في تلك الخنادق(2).
رابعا : فتح خيبر :(1/12)
أصبحت خيبر بعد جلاء اليهود عن المدينة، ملجأ لكثير من اليهود الحانقين على الإسلام، وكانوا يتربصون بالمسلمين الدوائر، ويتآمرون مع غطفان لغزو المدينة فأراد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يستريح منهم، ويأمن شرهم، فما كاد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يستقر في المدينة بعد عودته من الحديبية إلا شهر أو أقل، حتى أذن للناس بالمسير إلى يهود خيبر(3). ونزل خيبرَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلا، فبات حتى أصبح ثم توجه إليهم، واستقبله عمال خيبر وقد خرجوا بمساحيهم فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قالوا: محمد والخميس(4) معه، فأدبروا هربا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الله أكبر خربت خيبرَ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين(5).
ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفتح حصونهم حصنا حصناً ويأخذ أموالهم، حتى إذا أيقنوا بالهلكة سألوه أن ينفيهم ويحقن دماءهم ففعل(1).
ولقد كانت نهاية خيبر نهاية نفوذ يهود جزيرة العرب، فلم يبق لهم في سياسة جزيرة العرب بعد هذا أثر يذكر(2) .
وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم :(1/13)
وبعد أن لحق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالرفيق الأعلى تولى زمام الأمور من بعده أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وكان أحق الصحابة بهذا الأمر وأفضلهم وأعلمهم وأحلمهم وأحكمهم وأقواهم على تحمل أمر الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وآله وسلم فها هو ذا يزيل الشبهة عن العيون والضلالة عن القلوب بعد أن اختلف الناس في موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم من عدمه، حتى إن كبار الصحابة وعلى رأسهم عمر رضي الله عنه، هالهم ذلك الحدث وثقلت عليهم وطأته، فلم يصدقوا في بداية الأمر بموت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكادت تحدث فتنة لولا عناية الله ثم تدخل الصديق الذي حسم القضية وفك النزاع، وقام خطيبا في الصحابة في موقف عصيب جدا: >أيها الناس من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت< ويذكرهم بقول الله تعالى: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين}(3).
قال أبو هريرة رضي الله عنه: (فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت حتى تلاها أبو بكر يومئذ)(1).
خلافة أبي بكر رضي الله عنه :
وتتجلى جدارة أبي بكر وأهليته في تحمل أمر الأمة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين أجمع الصحابة على بيعته بعد نبيهم - وما كان لهم أن يختلفوا فيه - فبايعوه بالخلافة وارتضوه إماما وقائدا لهم والتفوا حوله مؤازرين ومناصرين. فسلك بهم سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقارب وسدد واتبع ولم يبتدع، وكان من أشد الناس تمسكا بسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولهذا لما حدثت فتنة الردة جيّش الجيوش وأمر بقتال المرتدين وقال لعمر لما راجعه في قتال مانعي الزكاة >والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقاتلتهم على منعه<(2).(1/14)
فقضى خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على هذه الفتنة وأخمد نارها في فترة وجيزة بتأييد من الله ونصر. وهكذا سار الصدِّيق في الرعية سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعاش الناس في عهده في رغد من العيش وطيب حياة، فأحبته الرعية أيما محبة حتى قبضه الله إليه راضيا عنه.
وكان أبو بكر قد أوصى بالخلافة من بعده لعمر بن الخطاب فكتب بذلك كتاباً أوصى فيه المسلمين باستخلاف عمر من بعده.
خلافة عمر رضي الله عنه :
اجتمع الناس على عمر وبايعوه بالخلافة ، فواصل بهم مسيرة الخير والهدى مقتفياً خطى من سبقه فأمر بالدعوة إلى الله وسلط الأمة على الجهاد، فجيّش الجيوش ومصَّر الأمصار، ورفع راية الإسلام خفاقة على أنقاض دول الكفر والطغيان. فاتسعت رقعة الإسلام في عهده وازداد المسلمون عزة بما فتح الله على أيديهم من الأمصار والبلدان.
وبعد أن حطمت سيوف الإسلام عروش الكفر والطغيان لم يكن أعداء الإسلام ليقفوا موقف المتفرج بل عزموا على الثأر من الإسلام والانتصار لدولهم وأديانهم، ولكنهم أدركوا بعد تلك الحروب الطاحنة التي خاضوها ضد المسلمين أن لا طاقة لهم بمواجهة صفوف المسلمين.
وهنا تعددت مكائدهم ومؤامراتهم للقضاء على الإسلام، فكلٌّ خطط بقدر ما لديه من مكر وخبث .
فانتدبت المجوسية الحاقدة أبا لؤلؤة المجوسي لينفذ أول مؤامرة لهم ضد الإسلام كانت نتيجتها استشهاد الفاروق رضي الله عنه على أثر طعنة مسمومة من خنجر مجوسي حاقد لعين(1).(1/15)
فقد روى الإمام البخاري قصة استشهاد الفاروق عن طريق شاهد عيان (عمرو بن ميمون) قال: >إني لقائم (يعني في الصلاة) ما بيني وبين عمر إلا عبد الله ابن عباس غداة أصيب، وكان إذا مر بين الصفين قال استووا، حتى إذا لم ير فيهم خللا تقدم فكبر وربما قرأ سورة يوسف أو النحل أو نحو ذلك في الركعة الأولى حتى يجتمع الناس فما هو الا أن كبر فسمعته يقول: قتلني أو أكلني الكلب، حين طعنه فطار العلج بسكين ذات طرفين لا يمر على أحد يمينا ولا شمالا إلا طعنه حتى طعن ثلاثة عشر رجلا مات منهم تسعة، فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنسا، فلما ظن العلج أنه مأخوذ نحر نفسه، وتناول (يعني عمر) يد عبدالرحمن بن عوف فقدمه، فمن يلي عمر، فقد رأى الذي رأى، وأما نواحي المسجد فانهم لا يدرون غير أنهم فقدوا صوت عمر وهم يقولون سبحان الله، سبحان الله، فصلى بهم عبدالرحمن صلاة خفيفة فلما انصرفوا قال: ياابن عباس انظر من قتلني فجال ساعة ثم جاء فقال غلام المغيرة، قال: الصُنَّع؟ قال نعم، قال: قاتله الله لقد أمرت به معروفا الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل يدعي الاسلام...<(1).
خلافة عثمان رضي الله عنه:
فاستشهد الفاروق وتولى أمر الأمة بعده ذو النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه فكان ثالث الخلفاء الراشدين، تولى تصريف شؤون المسلمين مستنا بسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسنة الخليفتين من قبله ومضى على ذلك فترة من الزمن نَعِمَ الناس في عهده بما نعموا به في عهد الشيخين من عدل وأمن وهدوء نفسي وراحة بال.(1/16)
حتى قرر اليهود الثأر لأسلافهم من يهود بني النضير، وبني قريظة، وبني قينقاع، وأهل خيبر، وذلك بإحداث فتنة تمزق شمل المسلمين وتعمل على زعزعة العقيدة في نفوسهم، فكان عبد الله بن سبأ اليهودي الماكر هو مرشح اليهودية للقيام بهذه المهمة الخبيثة، لما علمت اليهودية من اتصافه بمكر وخبث عظيمين تؤهلانه لإحداث فتنة عظيمة في كيان الدولة الإسلامية(1).
فأخذ ينتقل هذا اليهودي بعد أن تظاهر بالإسلام، في بلاد المسلمين يحاول إفساد ذات البين فبدأ بالحجاز، ثم بالكوفة، ثم بالشام فلم يتحقق له ما أراد عند أهل هذه البلاد، فخرج إلى مصر، فوضع لهم القول بالرجعة فتكلموا فيها، ثم وضع لهم القول بالوصية فقال لهم: إنه كان ألف نبي، ولكل نبي وصي، وكان علي وصي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم قال : محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الأنبياء وعلي خاتم الأوصياء، ومن أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووثب على وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتناول أمر الأمة.
ثم قال لهم بعد ذلك : إن عثمان أخذها بغير حق وهذا وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فانهضوا في هذا الأمر، فحركوه، وابدأوا بالطعن على أمرائكم، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا الناس وادعوهم إلى هذا الأمر، فبث دعاته وكاتب من كان قد استفسده في الأمصار ودعوا في السر إلى ما عليه رأيهم، حتى أوسعوا الأرض إذاعة يريدون غير ما يظهرون ويسرون غير ما يعلنون.
حتى وصلت الأخبار عثمان بن عفان رضي الله عنه فاستشار المسلمين في أمرهم، فأشاروا عليه أن يبعث من يستطلع أخبار الأمصار، ففعل ذلك، وجاء الرسل وأخبروه أنهم لم ينكروا شيئا ولا أنكره أعلام المسلمين ولا عوامهم وأن الأمراء يقسطون بين الرعية ويقومون عليهم.(1/17)
فكتب عثمان رضي الله عنه إلى أهل الأمصار كتاباً يذكر ما بلغه من الإذاعات، والطعن على الأمراء، يقول فيه: بعد أن حمد الله وأثنى عليه: >أما بعد: فإني آخذ العمال بموافاتي في كل موسم وقد سلطت الأمة منذ وليت على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا يرفع عليّ شيء ولا على أحد من عمالي إلا أعطيته وليس لي ولعمالي حق قبل الرعية، إلا متروك لهم، وقد رفع إليّ أهل المدينة أن أقواماً يُشتمون وأُخَر يُضربون، فيا من ضُرب سرا وشُتم سرا، من ادعى شيئا من ذلك فليواف الموسم فليأخذ بحقه حيث كان مني أو من عمالي أو تصدقوا فإن الله يجزي المتصدقين<.
فلما قريء في الأمصار أبكى الناس ودعوا لعثمان وقالوا: إنّ الأمة لتمخض بشر(1). ولم يرض ابن سبأ وزعماء هذه الفتنة من هذه السياسة الحكيمة الرحيمة فابن سبأ لم يرد الإصلاح ولم يدخل الإسلام إلا لهدف في نفسه. وهذا الموقف الحكيم من الخليفة الراشد يتعارض وأهداف هذا اليهودي الخبيث، لذلك ابتدع فكرة إرسال الكتب المزورة إلى من يريد تحريضه على عثمان وولاته بأسماء طائفة من كبار الصحابة، ثم الكتب المزورة باسم الخليفة نفسه، فقد روى ابن كثير: إنهم زوروا على لسان عائشة رضي الله عنها كتاباً تأمر فيه الناس بالخروج على عثمان، ثم نفت ذلك وقالت: >لا والذي آمن به المؤمنون وكفر به الكافرون ما كتبت لهم سوداء في بيضاء حتى جلست مجلسي هذا<(2).
وعليٌّ اتهمه الثوارُ أنه كتب إليهم: أن يقدموا عليه المدينة، فينكر ذلك عليهم ويقسم: (والله ما كتبت إليكم كتاباً)(3).
مقتل عثمان رضي الله عنه:
وقد انتهت دسائس هذا اليهودي المنافق إلى ثورة مسلحة على عثمان رضي الله عنه.
ففي السنة الخامسة والثلاثين وصلت الحركة السبئية ذروتها، واستكملت الثورة المبيتة عناصرها، وذلك عندما تكاتب السبئيون من مصر والكوفة والبصرة وتواعدوا على أن تخرج كتائب ثورتهم إلى المدينة.(1/18)
فأحاط الثوار بالمدينة وذكروا لعثمان أموراً فتلطف بهم وأجاب على تساؤلاتهم، وقد أدرك المسلمون أنهم أصحاب شر فأشاروا على الخليفة بقتلهم، وأبى عثمان إلا تركهم فانصرفوا وقد تواعدوا المجىء في شهر شوال من السنة نفسها حتى يغزوه وكأنهم حجاج(1).
ولما جاء الموعد خرج الثوار قاصدين المدينة، وحاصروا عثمان رضي الله عنه في بيته، واستمر الحصار من أواخر ذي القعدة إلى يوم الجمعة الثامن عشر من ذي الحجة فلما كان قبل ذلك بيوم قال عثمان للذين عنده في الدار من المهاجرين والأنصار وكانوا قريبا من سبعمائة - أتوا لحمايته - وفيهم عبدالله بن عمر، وعبدالله بن الزبير، والحسن، والحسين، ومروان، وأبو هريرة، فقال لهم: أقسم على من لي عليه حق أن يكف يده وينطلق إلى منزله، وقال لرقيقه من أغمد سيفه فهو حر، وسبب ذلك أن عثمان أراد الحفاظ على بقية كبار الصحابة وصغارهم الباقين في المدينة، وذلك أن الخوض بهم في قتال لم تتميز فيه الصفوف، هو قتال نتائجه أليمة، ولذا أمر الصحابة جميعاً بإلقاء السلاح وألزمهم بيوتهم، وكان عثمان قد رأى في المنام رؤيا دلت على اقتراب أجله فاستسلم لأمر الله رجاء موعوده.
وشدد الثوار على عثمان رضي الله عنه الحصار، ومنعوا عنه الماء، ومنعوه من الصلاة بالناس، ثم ارتكبوا جريمتهم بأن تسوروا عليه داره وقتلوه وكان بين يديه كتاب الله صائم لم يفطر في شهر الله الحرام في أرض الله الحرام(1)،(2).
خلافة علي رضي الله عنه:(1/19)
وبعد أن انتقل أمر الأمة إلى أبي السبطين علي بن أبي طالب رضي الله عنه بمبايعة الصحابة له خليفة رابعا للمسلمين، أخذ ابن سبأ يدعو اتباعه ومن اغتر به إلى ولاية علي رضي الله عنه ، وزعم أن ولايته لا تتم إلا بالبراءة من أعدائه وهم في نظره الخلفاء الراشدون السابقون له في الخلافة، فكان ابن سبأ أول من أظهر البراءة من أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة ، كما نص على ذلك كبار علماء الشيعة المتقدمين كالأشعري القمي والكشي والنوبختي فقد نقلوا في كتبهم هذا النص:
> وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي عليه السلام أن عبدالله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ووالى عليا عليه السلام وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام بهذه المقالة فقال في إسلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمثل ذلك وهو أول من أشهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه فمن هناك قال من خالف الشيعة إن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية(3).
وهكذا استطاع عبد الله بن سبأ بما بثه بين أتباعه من عقيدة الوصية، والرجعة، والبراءة من الصحابة، ثم إظهاره الغلو في علي وأبنائه، أن يضع الجذور الأساسية لفرقة تستمد مبادئها وأفكارها من اليهود في ثوب إسلامي، نُسبت هذه الفرقة إليه فاطلق عليها (السبئية).
ثم نهلت بقية فرق الشيعة التي جاءت بعد هذه الفرقة من معين الفكر السبئي، كلٌّ على قدر ضلالته وبعده عن الإسلام . وكان أكثر هذه الفرق تأثرا بالسبئية وفكرها اليهودي (الشيعة الاثنى عشرية)(1).
المبحث الرابع
المنكرون وجود ابن سبأ
ينكر جماعة من الشيعة المعاصرين، وبعض من ينتسب إلى السنة من الكتاب المُحْدَثِين، وجود ابن سبأ .(1/20)
ويعدون ما ذكره المؤرخون وأصحاب المقالات وغيرهم من المحققين: من الروايات والأخبار عن ابن سبأ ودوره التاريخي في صدر الدولة الإسلامية وإنشائه فرقة السبئية يعدون هذا كله روايات وأخباراً مُختلقة وضعها خصوم الشيعة للنيل منهم حتى يتسنى لهم الطعن في مذهبهم بنسبته إلى اليهودية وهم يرون أن ابن سبأ شخصية وهمية لا وجود لها في التاريخ، وفيما يلي ذكر بعض من أنكر وجود ابن سبأ من هؤلاء الكتاب: -
أولا : المنكرون وجود ابن سبأ من الشيعة
1- محمد الحسين كاشف الغطاء :
يرى العالم الشيعي العراقي محمد الحسين كاشف الغطاء يرى أن عبدالله بن سبأ ليس إلا خرافة وضعها أصحاب السمر والمجون في أيام الدولتين الأموية والعباسية، والغريب أن يذكر ذلك بعد اعترافه بأن كتب الشيعة القديمة قد ترجمت لعبدالله بن سبأ وأنها كانت تلعنه.
يقول : >أما عبد الله بن سبأ الذي يلصقونه بالشيعة أو يلصقون الشيعة به، فهذه كتب الشيعة بأجمعها تعلن بلعنه والبراءة منه، وأخف كلمة تقولها كتب الشيعة في حقه ويكتفون بها عن ترجمة حاله عند ذكره في العين هكذا: عبد الله بن سبأ ألعن من أن يذكر. انظر رجال أبي علي وغيره.
على أنه ليس من البعيد رأي القائل أن عبدالله بن سبأ (وأمثاله) كلها أحاديث خرافة وضعها القصاصون وأرباب السمر والمجون، فإن الترف والنعيم قد بلغ أقصاه في أوساط الدولتين الأموية والعباسية، وكلما اتسع العيش وتوفرت دواعي اللهو، اتسع المجال للوضع وراج سوق الخيال<(1).
2- مرتضى العسكري :
وهو من أكثر الشيعة المعاصرين حماسا واهتماما بقضية عبدالله بن سبأ، وهو يرى أن عبدالله بن سبأ ليس إلا أسطورة اختلقها سيف بن عمر، وأخذها عنه ابن جرير الطبري(2).
3- محمد جواد مغنية :
ومن الذين ينكرون وجود ابن سبأ من علماء الشيعة المعاصرين محمد جواد مغنية، وقد قدم محمد جواد مغنية لكتاب العسكري (عبدالله بن سبأ وأساطير أخرى) .(1/21)
قال: > فلقد اختلق سيف لرسول الله _ أصحاباً لا وجود لهم.. كما ابتدع رجالاًً من التابعين وغير التابعين، ووضع على لسانهم الأخبار والأحاديث من هؤلاء بطل اختلق شخصيته، واختلق اسمه، واختلق قضايا ربطها به، هذا البطل الأسطوري هو (عبد الله بن سبأ) الذي اعتمد عليه كل من نسب إلى الشيعة ما ليس لهم به علم، وتكلم عنهم جهلا وخطأ ونفاقا وافتراء<(1).
4،5- الدكتور علي الوردي والدكتور كامل مصطفى الشيبي :
وممن أنكر شخصية ابن سبأ الدكتور علي الوردي صاحب كتاب (وعاظ السلاطين) وقد تأثر بالوردي وآرائه الدكتور كامل مصطفى الشيبي في كتابه (الصلة بين التصوف والتشيع).
يقول الوردي : -
> يخيل إليَّ أن حكاية ابن سبأ من أولها إلى آخرها كانت حكاية متقنة الحبك رائعة التصوير (2).
وقد حاول الوردي وتابعه في ذلك الشيبي أن يثبتا أن ابن سبأ هو عمار بن ياسر رضي الله عنه ، وتلك محاولة يائسة منهما لإيجاد تعليل لشخصية ابن سبأ التي جاء ذكرها في أكثر مصادر التاريخ والفرق، والتي ينكران وجودها.
يقول الشيبي: وللدكتور علي الوردي أدلة على أن هذين الرجلين (عمارا وابن سبأ) شخص واحد وهذا نصها: -
1- كان ابن سبأ يعرف بابن السوداء، وقد رأينا كيف كان عمار يكنى بابن السوداء أيضا
2- وكان من أب يماني ومعنى هذا أنه كان من أبناء سبأ، فكل يماني يصح أن يقال عنه (ابن سبأ).
3- وعمار فوق ذلك كان شديد الحب لعلي بن أبي طالب عليه السلام، يدعو له ويحرض الناس على بيعته في كل سبيل.
4- وقد ذهب عمار أيام عثمان إلى مصر وأخذ يحرض الناس... وهذا الخبر يشابه ما نسب إلى ابن سبأ من أنه استقر في مصر واتخذ الفسطاط مركزا لدعوته، وشرع يراسل أنصاره منها<(1).الخ ذلك الهراء الذي لا أريد أن أسود الورق بأكثر مما نقلت منه.
6- عبد الله الفياض :(1/22)
ويشارك عبد الله الفياض علماء الشيعة المنكرين وجود ابن سبأ، فهو يتساءل هل كان ابن سبأ موجودا في الواقع، أو أن شخصيته خيالية، ثم يجيب فيقول: <يبدو أن ابن سبأ كان إلى الخيال أقرب منها إلى الحقيقة، وأن دوره - إن كان له دور - قد بولغ فيه إلى درجة كبيرة، لأسباب دينية وسياسية>(2).
ثانيا : المنكرون وجود ابن سبأ من غير الشيعة من الكتاب المُحْدَثين
1- طه حسين :
يقف طه حسين على رأس الكتاب المُحْدَثين الذين شككوا في وجود ابن سبأ وأنكروه فيقول في كتابه (الفتنة الكبرى).
> ويخيل إليّ أن الذين يكبرون من أمر ابن سبأ إلى هذا الحد يسرفون على أنفسهم وعلى التاريخ إسرافا شديدا وأول ما نلاحظه أنا لا نجد لابن سبأ ذكرا في المصادر المهمة التي قصت أمر الخلاف على عثمان.(1)
ويصرح طه حسين بإنكاره لابن سبأ في كتابه (علي وبنوه) قائلا: >وأقل ما يدل عليه إعراض المؤرخين عن السبئية وعن ابن السوداء في حرب صفين أن أمر السبئية وصاحبهم ابن السوداء إنما كان متكلفا منحولا، قد اخترع بآخره حين كان الجدال بين الشيعة وغيرهم من الفرق الإسلامية، أراد خصوم الشيعة أن يدخلوا في أصول هذا المذهب عنصرا يهوديا إمعانا في الكيد لهم والنيل منهم>(2).
2- الدكتور علي النشار :
ويأتي بعد طه حسين الدكتور علي النشار في إنكار شخصية ابن سبأ واعتبارها شخصية وهمية .
يقول بعد أن جمع النقول من المصادر التاريخية، وما كتبه المحققون من السنة والشيعة: <ومن المحتمل أن تكون شخصية عبد الله بن سبأ شخصية موضوعة أو أنها رمزت إلى شخصية ابن ياسر.. ومن المحتمل أن يكون عبدالله بن سبأ هو مجرد تلفيق لاسم عمار بن ياسر>(1).
ويقول أيضا : < أو بمعنى أدق إني أقول: إنه من المرجح أن يكون عبدالله بن سبأ هو عمار بن ياسر، والمرجح أن النواصب حمَّلوا كذبا عمار بن ياسر كل تلك الآراء التي لم يعرفها قط، ولم يقل بها قطعا>(2).(1/23)
ولا عجب أن يصدر هذا الكلام من النشار، فالنشار من المتأثرين جدا بالوردي الشيعي الذي يعد أول من ادعى أن ابن سبأ هو عمار بن ياسر فها هو ذا النشار يسجل إعجابه بالوردي وأفكاره فيقول: <ولكن كاتب الشيعة الكبير المعاصر الأستاذ الدكتور على الوردي يقدم لنا في براعة نادرة تحليلا بارعا لقصة عبدالله بن سبأ>(3).
3- الدكتور حامد حفني داود :
من الذين تأثروا بكتابات الشيعة حول شخصية ابن سبأ فأنكروا وجودها الدكتور حامد حفني داود قدم للطبعة المصرية لكتاب (عبد الله ابن سبأ وأساطير أخرى) بمقدمة أبدى فيها اعجابه بهذا الكتاب وبمؤلفه فيقول: <وأخيرا يسرني - باسم العلم - أن أعلن إعجابي بهذا السفر الجليل ولصاحبه العلامة المحقق السيد مرتضى العسكري>(4).
أما رأيه في شخصية ابن سبأ فأوضحه بقوله: <ولعل أعظم هذه الأخطاء التاريخية التي أفلتت من زمام هؤلاء الباحثين،وغمّ عليهم أمرها فلم يفقهوها ويفطنوا إليها، هذه المفتريات التي افتروها على علماء الشيعة، حين لفقوا عليهم قصة (عبد الله بن سبأ) فيما لفقوه من قصص>(1)،(2).
مناقشة أدلة المنكرين وجود ابن سبأ
أولا : وأما دعواهم أن سيف بن عمر التميمي هو المصدر الوحيد لأخبار عبدالله بن سبأ فهذا غير صحيح .
1- فقد روى ابن عساكر عن عمار الدهني قال: <سمعت أبا الطفيل يقول رأيت المسيب بن نجية أتى به ملببه، يعني ابن السوداء، وعلي على المنبر. فقال علي: ما شأنه؟ فقال يكذب على الله وعلى رسوله. (1)
وروى أيضا من طريق يزيد بن وهب عن سلمة عن شعبة قال علي ابن أبي طالب: <ما لي ولهذا الحميت الأسود، يعني عبدالله بن سبأ، وكان يقع في أبي بكر وعمر>(2).
2- ترجم كثير من علماء الشيعة القدامى والمتأخرين لعبدالله بن سبأ في كتبهم ولم يكن سيف بن عمر من ضمن الأسانيد التي رويت في اثبات شخصية عبدالله بن سبأ اليهودي(3).(1/24)
3- لم ينف علماء الشيعة القدامى حقيقة وجود عبدالله بن سبأ بل أثبتوه في كتب الرجال والفرق ولكن طعنوا في غلوه في أمير المؤمنين وأثبتوا ان أمير المؤمنين أحرق فرقة (السبئية) في النار. كما أثبت هذه الحقيقة أحمد السيد الحسيني محقق (رجال الكشي) فقال: <لم يترجم أحد من علماء الشيعة القدامى عبدالله ابن سبأ إلا وأعقبها بجملة تدل على كفره وإلحاده وزندقته وانحرافه عن الإسلام، فقال الطوسي في رجاله <عبد الله بن سبأ> الذي رجع الى الكفر وأظهر الغلو، وقال في الخلاصة: <عبد الله بن سبأ> غال ملعون حرقه أمير المؤمنين بالنار، كان يزعم أن عليا إله وانه نبي لعنه الله. وأمثال هذه العبارات(1).
4- أثبت النوبختي في كتابه (فرق الشيعة) حقيقة وجود ابن سبأ عن طريق جماعة من أهل العلم ومن أقرب الناس للإمام علي عليه السلام فقال: <وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي عليه السلام أن عبدالله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ووالى عليا عليه السلام وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام بهذه المقالة فقال في إسلامه بعد وفاة النبي _ بمثل ذلك وهو أول من أشهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام وأظهر البراءة من أعداءه وكاشف مخالفيه فمن هناك قال من خالف الشيعة ان أصل الرفض مأخوذ من اليهودية(2).
ثانيا : قولهم : إن عبد الله بن سبأ إنما هو رمز لشخصية عمار بن ياسر.
فنقول : هذا باطل ، يدل على جهل صاحبه، وبطلانُه يعرف من أوجه:
الوجه الأول : إن المؤرخين الذين ذكروا أخبار ابن سبأ أثبتوا شخصية عمار بن ياسر على أنها شخصية مستقلة عن شخصية ابن سبأ.(1/25)
فهذا الطبري : وهو من أقدم المصادر التي ذكرت أخبار ابن سبأ يذكر في ضمن قصة ابن سبأ وما قام به من مؤامرات في عهد عثمان، من بث العقائد الفاسدة بين المسلمين، وتأليب الناس في الأمصار على الخليفة والأمراء، يذكر أنه لماجاءت أخبار ابن سبأ وما قام به من بث الفتن في الأمصار: أن عثمان بعث إلى الأمصار من يستطلع أخبار الناس فبعث محمد بن مسلمة إلى الكوفة، وعماراً إلى مصر، وعبدالله بن عمر إلى الشام>(1).
وبمثل ذلك قال ابن كثير(2) وابن الأثير(3).
فالطبري ، وابن كثير، وابن الأثير، أثبتوا الشخصيتين شخصية ابن سبأ وشخصية عمار بن ياسر.
وكذلك ابن خلدون يثبت ذلك فيقول: <إن عبد الله بن سبأ يعرف بابن السوداء كان يهوديا فهاجر أيام عثمان فلم يحسن إسلامه... إلى أن قال: وكان معه خالد بن ملجم، وسودان بن حمران، وكنانة بن بشر فثبطوا عمارا عن المسير إلى المدينة>(1).
فهؤلاء هم كبار المؤرخين ، يثبتون الشخصيتين، ابن سبأ الذي كان له نشاط في إفساد المسلمين، وتأليبهم على عثمان بن عفان رضي الله عنه، وشخصية عمار بن ياسر رضي الله عنه ، مبعوث عثمان إلى مصر لاستطلاع أخبار ابن سبأ ومن استفسده من الناس.
فكيف لعاقل بعد ذلك أن يقول إنهما شخص واحد.
الوجه الثاني : أن كتب الجرح والتعديل والرجال الموثقة عند الشيعة ترد هذا القول، وذلك أن كتبهم ذكرت ترجمة عمار بن ياسر في أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والرواة عنه، وتعده من الأركان الأربعة(2)، وذكرت ترجمة عبدالله بن سبأ ووصفته: بأنه زنديق ملعون، كان يكذب على أمير المؤمنين، فكيف نجمع بين هاتين الترجمتين؟(3).
الوجه الثالث : أن كل ما ذكره الوردي والشيبي وغيرهما، من أدلة للدلالة على أن ابن سبأ هو عمار بن ياسر، أدلة غير صحيحة بل باطلة.(1/26)
فقولهما إن ابن سبأ يعرف بابن السوداء، وكذلك عمار يكنى بابن السوداء: فالاتفاق في الكنية: إن صحت هذه الكنية لعمار - : لا يدل على أنهما شخص واحد، ولو رجع الوردي ومن انخدع بآرائه، إلى كتب التراجم، لوجدوا كثيرين متشابهين في الكنى، والأسماء، مما جعل بعض المؤرخين يؤلفون في المتشابه من الأسماء والكنى.
وكذلك قولهم إن عمارا كان يمانيا فكل يماني يصح أن يقال له ابن سبأ: فهذا غير صحيح، فليست سبأ إلا جزءاً من بلاد اليمن قال ياقوت: <سبأ أرض اليمن مدينتها مأرب. بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاثة أيام(1). فلا يجوز أن ينسب كل يمني إلى سبأ، والعكس صحيح.
أما قولهم : إن عمارا كان شديد الحب لعلي، ويدعو له، ويحرض الناس على بيعته، فهذا لا يختص بعمار وحده، فكل الصحابة كانوا يحبون علياًً رضي الله عنه وكانوا جميعا متحابين في الله، والصحابة هم الذين بايعوا عليا رضي الله عنه بعد مقتل الشهيد عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثم إن هناك فرقا بين حب عمار لعلي رضي الله عنهما، وغلو ابن سبأ فابن سبأ هو الذي قال لعلي: أنت أنت - يعني بذلك ألوهية علي رضي الله عنه - وهو الذي لم يصدق بموته عندما نُعي إليه وهو بالمدائن، وهو الذي اعتقد رجعة علي بعد موته فأين هذا من ذاك.
أما قولهم إن عمارا رضي الله عنه ذهب إلى مصر وحرض الناس على عثمان فهذا تحريف لما جاء في كتب التاريخ، وقلب للحقائق، سيجازيهم الله تعالى عليه، فعمار رضي الله عنه لم يذهب إلى مصر لتأليب الناس على عثمان، وإنما الذي بعثه هو عثمان لاستطلاع أخبار مصر لما جاءته الأخبار بما أفسده ابن سبأ فيها.
وقد نقلت قبل قليل ما ذكره الطبري، وابن كثير، وابن الأثير، وغيرهم من المؤرخين في ذلك.(2).(1/27)
ثالثا : وهو قولهم إن إعراض المؤرخين عن ذكر ابن سبأ في حرب صفين دليل على عدم وجود ابن سبأ، فيقال لهم : المؤرخون لم يلتزموا بذكر كل تفاصيل ما جرى في الأحداث والوقائع التي ذكروها في كتبهم. هذا على افتراض مشاركة ابن سبأ في حرب صفين.
وعلى افتراض عدم مشاركته في حرب صفين هل يُعد ذلك دليلا على عدم وجوده، فيعارض به ما أثبته المؤرخون من وجود ابن سبأ، وما كان له من دور فعال في إثارة الفتنة في عهد عثمان رضي الله عنه، في اعتقادي أن ذلك لا يصلح أن يكون دليلاً يقوى على ما أثبته المؤرخون والمحققون من سنة وشيعة من وجود ابن سبأ(1). بل هناك من ذكر أن ابن سبأ قتله علي رضي الله عنه لما قال بألوهيته(2).
رابعاً: وهو زعمهم أنه لم يكن لابن سبأ وجود في الحقيقة وإنما هو شخصية وهمية انتحلها أعداء الشيعة للطعن في مذهبهم بنسبته إلى رجل يهودي.
فيقال لهم إنّ هذه دعوى لا تقوم عليها حجة، فكما أنكم ادعيتم هذا فلغيركم أيضا أن يدعي ما شاء ولكن العبرة بالحجة والدليل.
وشخصية ابن سبأ حقيقية قد أثبتها المؤرخون والمحققون من السنة والشيعة قديما ولم ينكرها أحد من الأقدمين، ولا زال أهل السنة والمنصفون من شيعة اليوم وطائفة كبيرة من المستشرقين يثبتون وجودها.
فكيف يقال بعد ذلك إنها شخصية وهمية ألصقها أعداء الشيعة بالشيعة ليطعنوا في مذهبهم .
وسأورد فيما يلي أسماء من أثبت وجود ابن سبأ من السنة والشيعة من الأقدمين والمعاصرين لإثبات حقيقة شخصية ابن سبأ واشتهارها بين العلماء والمحققين قديما وحديثا: -
أولا : المثبتون وجود ابن سبأ من علماء السنة :
1- ابن حبيب البغدادي (542 هـ).
ذكر ابن حبيب البغدادي ابن سبأ وعده من أبناء الحبشيات(1).
2- ابن قتيبة (672هـ).
ذكر السبئية وأخبر أنها تنسب إلى ابن سبأ قال: <السبئية من الرافضة ينسبون إلى عبدالله بن سبأ وكان أول من كفر من الرافضة وقال علي رب العالمين فأحرقه علي وأصحابه بالنار>(2).(1/28)
3- الطبري (013 هـ).
ذكر قصة ابن سبأ مطولة وإثارته للفتن في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه وقد سبق أن أوردت نص الطبري في ذلك فليراجع في موضعه(3).
4- الشهرستاني (845 هـ).
ذكر السبئية وقال : <أصحاب عبدالله بن سبأ الذي قال لعلي كرم الله وجهه: أنت أنت .. يعني أنت الإله فنفاه إلى المدائن>(4).
5- ابن عساكر (175 هـ).
ذكر عدة روايات عن عبد الله بن سبأ وأخباره، بعضها من طريق سيف بن عمر، وبعضها من طرق أخرى غير طريق سيف. وقد سبق أن أوردت بعضها(5).
6- ابن الأثير (036 هـ).
نقل بعض روايات الطبري عن عبد الله بن سبأ بعد حذف أسانيدها(1).
7- ابن كثير (477 هـ).
ذكر ابن سبأ ودوره في تأليب الناس على عثمان رضي الله عنه فقال: <وذكر سيف بن عمر أن سبب تألب الأحزاب على عثمان أن رجلا يقال له: عبدالله بن سبأ، كان يهوديا فأظهر الإسلام...>(2).
8- ابن جحر (258 هـ).
نقل روايات ابن عساكر في أخبار ابن سبأ ثم قال: وأخبار عبدالله ابن سبأ شهيرة في التواريخ، وليست له رواية ولله الحمد، وله أتباع يقال لهم السبئية معتقدون إلهية علي بن أبي طالب، وقد أحرقهم علي بالنار في خلافته(3). وغيرهم كثير(4).
ثانيا : المثبتون وجود ابن سبأ من علماء الشيعة :
1- الناشيء الأكبر (392 هـ).
قال: <وفرقة زعموا أن علياً عليه السلام حي لم يمت، وأنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه، وهؤلاء هم السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ، وكان عبدالله ابن سبأ رجلا من أهل صنعاء يهوديا>(1).
2- الأشعري سعد بن عبد الله القمي (103 هـ).
قال: <هذه الفرقة تسمى السبئية أصحاب عبدالله بن سبأ وهو عبدالله بن وهب الراسبي الهمداني، وساعده على ذلك عبد الله بن حرسي وابن أسود وهما من أجلة أصحابه، وكان أول من أظهر الطعن على أبي بكر، وعمر، وعثمان، والصحابة، وتبرأ منهم>(2).
3- الحسن بن موسى النوبختي (013 هـ).(1/29)
قال : (السبئية) أصحاب عبدالله بن سبأ وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم وقال ان عليا عليه السلام أمر بذلك فأخذه علي فسأله عن قوله هذا فأقر به فأمر بقتله فصاح الناس اليه ياأمير المؤمنين أتقتل رجلا يدعو الى حبكم أهل البيت وإلى ولايتك والبراءة من أعدائك فصيره الى المدائن... الى ان قال ... ولما بلغ عبد الله بن سبأ نعي(3) علي بالمدائن قال للذي نعاه: كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة وأقمت على قتله سبعين عدلاً لعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل ولا يموت حتى يملك الأرض(4) .
4- الكشي (963) هـ .
ذكر عبد الله بن سبأ ، وأورد خمس روايات يسندها الى أئمتهم، في البراءة من عبدالله بن سبأ ولعنه وذمه أورد منها :.
حدثني محمد بن قولويه : قال: حدثني سعد بن عبدالله قال: حدثنا يعقوب بن يزيد ومحمد بن عيسي عن ابن عمير عن هشام بن سالم قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول - وهو يحدث أصحابه بحديث عبدالله بن سبأ وما ادعى من الربوبية في أمير المؤمنين عليه السلام فأبى أن يتوب فأحرقه بالنار.
حدثني محمد بن قولويه : قال: حدثني سعد بن عبدالله قال: حدثنا يعقوب بن يزيد ومحمد بن عيسى عن علي بن مهزيار عن فضالة بن أيوب الأزدي عن أبان بن عثمان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لعن الله عبدالله بن سبأ انه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين عليه السلام، وكان والله أمير المؤمنين عليه السلام عبداً لله طائعاً، الويل لمن كذب علينا، وأن قوماً يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا، نبرأ إلى الله منهم، نبرأ الى الله منهم.(1/30)
وبهذا الاسناد عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير وأحمد بن محمد بن عيسي عن أبيه والحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي حمزة الثمالى قال: قال علي بن الحسين صلوات الله عليهما: لعن الله من كذب علينا إني ذكرت عبدالله بن سبأ فقامت كل شعرة في جسدي، لقد ادعى أمراً عظيما ماله لعنه الله، كان علي عليه السلام والله عبداً لله صالحاً أخا رسول الله، مانال الكرامة من الله إلا بطاعته لله ولرسوله، وما نال رسول الله صلى الله عليه وآله الكرامة من الله إلا بطاعته لله.
وبهذا الإسناد : عن محمد بن خالد الطيالسي عن ابن أبي نجران عن عبدالله (بن سنان) قال: قال أبو عبدالله عليه السلام: إنا أهل بيت صديقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا ويسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس. كان رسول الله صلى الله عليه وآله أصدق الناس لهجة وأصدق البرية كلها وكان مسيلمة يكذب عليه، وكان أمير المؤمنين عليه السلام أصدق من برأ الله بعد رسول الله وكان الذي يكذب عليه ويعمل في تكذيب صدقه ويفترى على الله الكذب عبدالله بن سبأ.
قال الكشي : وذكر بعض أهل العلم أن عبدالله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ووالى علياً عليه السلام، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصى موسى بالغلو فقال في اسلامه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله في علي عليه السلام مثل ذلك. وكان أول من أشهر القول بفرض امامة علي وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه وكفرهم، فمن هنا قال من خالف الشيعة ان أصل التشيع والرفض مأخوذ من اليهودية(1).
5- الصدوق (183 هـ).(1/31)
أورد حديثاً في صفة الدعاء، جاء فيه ذكر ابن سبأ، قال في (باب التعقيب) من (كتاب من لا يحضره الفقيه) رواية رقم (559). وقال أمير المؤمنين عليه السلام: >إذا فرغ أحدكم من الصلاة فليرفع يديه الى السماء، وينصب في الدعاء فقال ابن سبأ: ياأمير المؤمنين أليس الله عز وجل بكل مكان(1)؟ قال: بلى، قال: فلم يرفع يديه إلى السماء؟ فقال: أو ما تقرأ {وفي السماء رزقكم وما توعدون}(2) فمن أين يطلب الرزق إلا من موضعه وموضع الرزق ما وعد الله عز وجل السماء<(3).
وأورد هذه الرواية في ضمن رواية طويلة في كتاب (الخصال)(4).
6- أبو جعفر محمد بن الحسن الملقب بشيخ الطائفة المتوفى (064هـ).
ترجم شيخ الطائفة الطوسي عن حقيقة عبد الله بن سبأ في كتابه (رجال الطوسي) في باب (اصحاب علي رضي الله عنه) وقال: عبد الله بن سبأ الذي رجع الى الكفر وأظهر الغلو.
وذُكر في حاشية كتابه: (عبد الله بن سبأ - بالسين المهملة المفتوحة والباء المنقطعة تحتها نقطة - غال ملعون حرقه أمير المؤمنين علي عليه السلام بالنار، وكان يزعم ان عليا عليه السلام إله وأنه نبي. ثم ذكر رواية للكشي في عبد الله بن سبأ فقال: وقد ألفت في ترجمة عبدالله بن سبأ مؤلفات عديدة(5).
7- ابن أبي الحديد (656 هـ) .
ذكر أن ابن سبأ أول من أظهر الغلو في زمن علي رضي الله عنه قال:> وأول من جهر بالغلو في أيامه عبدالله بن سبأ، قام إليه وهو يخطب فقال له: أنت أنت، وجعل يكررها، فقال له ويلك من أنا؟ فقال: أنت الله، فأمر بأخذه، وأخذ قوم كانوا معه على رأيه<(1).
8- الحسن بن علي الحلى (627هـ) .
ذكر الحسن بن الحلي في رجاله عبدالله بن سبأ وذكره ضمن أصناف الضعفاء(2).
9- يحيى بن حمزة الزيدي (947 هـ).(1/32)
وجاء في كتاب (طوق الحمام) ليحيى بن حمزة الزيدي عن سويد بن غفلة أنه قال: مررت بقوم ينتقصون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، فأخبرت عليا كرم الله وجهه وقلت: >لولا انهم يرون انك تضمر ما أعلنوا ما أجترأوا على ذلك، منهم عبدالله بن سبأ...<(3).
10- المرتضى أحمد بن يحيى (048 هـ).
أما ابن المرتضى (أحمد بن يحىى) وهو معتزلي ينتسب لآل البيت. ومن أئمة الشيعة الزيدية فهو لا يؤكد وجود ابن سبأ فحسب، وإنما يؤكد أن أصل التشيع منسوب إليه، فهو أول من أحدث القول بالنص، وبإمامة أثنى عشر إماما(4).
11- علي القهبائي (6101هـ).
ذكر العلامة البحّاثة الرجالي علي القهبائي عبدالله بن سبأ في كتابه مجمع الرجال فقال: عبد الله بن سبأ، الذي رجع إلي الكفر وأظهر الغلو. ثم ذكر روايات الكشي منها :
عن عبدالله بن سنان قال: حدثني (هـ) أبي عن أبي جعفر عليهما السلام إن عبد الله بن سبأ كان يدعي النبوة ويزعم أن أمير المؤمنين عليه السلام هو الله تعالى عن ذلك فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام فدعاه وسأله فأقر بذلك وقال نعم أنت هو وقد كان ألقى في روعى إنك أنت الله وأني نبي فقال له أمير المؤمنين >ويلك قد سخر منك الشيطان فارجع عن هذا ثكلتك أمك وتب< فأبى فحبسه واستتابه ثلاثة أيام فلم يتب فأحرقه بالنار وقال >إن الشيطان استهواه وكان يأتيه ويلقى في روعه ذلك>(1).
12- الأردبيلي(1011هـ ) .
ذكر الأردبيلي عبدالله بن سبأ في كتابه جامع الرواة فقال عنه غال ملعون ... وإن كان يزعم ألوهية علي ونبوته(2).
13- محمد باقر المجلسي (1111هـ) .
ذكر المجلسي في (بحاره)(3) أن السبائية ممن تقول: بأن المهدي هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأنه لم يمت.(1/33)
وذكر المجلسي في كتابه بحار الأنوار في باب (الفتن الحادثة بمصر) ما رواه عن ابراهيم (الثقفي) عن رجاله عن عبدالرحمن بن جندب عن أبيه قال: دخل عمرو بن الحمق وحجر بن عدي وحبّة العرفي والحارث الأعور وعبدالله بن سبأ على أمير المؤمنين بعدما افتتحت مصر وهو مغموم حزين فقالوا له: بين لنا ما قولك في أبي بكر وعمر؟ فقال لهم علي عليه السلام: هل فرغتم لهذا؟! وهذه مصر قد أفتتحت وشيعتي بها قد قتلت، أنا مخرج إليكم كتاباً أخبركم فيه عما سألتم وأسألكم أن تحفظوا من حقي ما ضيعتم فاقرؤه على شيعتي وكونوا على الحق أعوانا(1).
ونقل العلامة محمد باقر المجلسي أيضاً في كتابه بحار الأنوار في باب (أحوال سائر أصحابه عليه السلام) رواية نقلها عن طريق الشيخ المفيد:
عن عمار الدهني قال: سمعت أبا الطفيل يقول: جاء المسيب بن نجية إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام متلبلباً(2) بعبدالله بن سبأ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: ما شأنك؟ فقال: يكذب على الله وعلى رسوله، فقال: ما يقول؟ قال:(3) فلم أسمع مقالة المسيب وسمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول هيهات هيهات الغضب، ولكن يأتيكم راكب الدغيلة يشد حقوها بوضينها، لم يقض تفثا من حج ولا عمرة فيقتلوه. يريد بذلك الحسين بن علي عليهما السلام(4).
وروى عن زرارة أنه قال : قلت للصادق عليه السلام: إن رجلا من ولد عبدالله بن سبأ يقول بالتفويض، فقال: وما التفويض؟ قلت: ان الله تبارك وتعالى خلق محمدا وعليا صلوات الله عليهما ففوض إليهما فخلقا ورزقا وأماتا وأحييا فقال عليه السلام: كذب عدو الله إذا انصرفت اليه فاتل عليه هذه الآية التي في سورة الرعد: {أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء. وهو الواحد القهار}(1).
فانصرفت الى الرجل فأخبرته فكأني ألقمته حجرا، أو قال: فكأنما خرس(2).
14- نعمة الله الجزائري (2111 هـ) .(1/34)
يقول نعمة الله الجزائري، في كتابه الأنوار النعمانية >قال عبد الله بن سبأ لعلي عليه السلام: أنت الإله حقا. فنفاه علي عليه السلام إلى المدائن، وقيل إنه كان يهوديا فأسلم، وكان في اليهودية يقول في يوشع بن نون، وفي موسى، مثل ما قال في علي...>(3).
15- محمد باقر الخونساري (3131هـ) .
وأما محمد باقر الخونساري فقد جاء ذكر ابن سبأ عنده على لسان الصادق المصدوق الذي لعن ابن سبأ، لاتهامه بالكذب والتزوير، واذاعة الأسرار والتأويل(4).
16- ميرزا النوري الطبرسي (0231 هـ).
ذكر النوري الطبرسي في كتابه مستدرك الوسائل في باب (حكم الغلاة والقدرية) رواية عن عمار الساباطي، قال: قدم أمير المؤمنين (عليه السلام) المدائن، فنزل بايوان كسرى، وكان معه دلف بن مجير منجم كسرى فلما زال الزوال، قال لدلف: <قم معي> الى - أن قال - ثم نظر الى جمجمة نخرة، فقال لبعض أصحابه: <خذ هذه الجمجمة> وكانت مطروحة، وجاء الى الأيوان وجلس فيه، ودعا بطست وصب فيه ماء، وقال له: <دع هذه الجمجمة في الطست>، ثم قال (عليه السلام): <أقسمت عليك ياجمجمة، أخبريني من أنا؟ ومن أنت؟> فنطقت الجمجمة بلسان فصيح، وقالت: أما أنت، فأمير المؤمنين، وسيد الوصيين(1)، وأما أنا، فعبدالله وابن أمة الله كسرى أنو شيروان.
فانصرف القوم الذين كانوا معه من أهل ساباط، إلى أهاليهم، وأخبروهم بما كان وبما سمعوه من الجمجمة، فاضطربوا واختلفوا في معنى أمير المؤمنين (عليه السلام) وحضروه وقال بعضهم فيه مثل ما قال النصارى في المسيح، ومثل ما قال عبدالله بن سبأ وأصحابه. فقال له أصحابه: فإن تركتم على هذا كفر الناس، فلما سمع ذلك منهم، قال لهم: <ما تحبون ان اصنع بهم؟> قال: تحرقهم بالنار، كما أحرقت عبدالله بن سبأ وأصحابه(2).
17- المامقاني (1531هـ).(1/35)
ترجم لابن سبأ في تنقيح المقال وذكر أنه جاء ذكره في (كتاب من لا يحضره الفقيه) في (باب التعقيب) وفي (باب أصحاب أمير المؤمنين) نقل قول الصدوق: <عبد الله بن سبأ الذي رجع إلى الكفر، وأظهر الغلو> وقال: <غال ملعون، حرقه أمير المؤمنين بالنار، وكان يزعم أن عليا إله، وأنه نبي>.
ثم ذكر روايات الكشي في عبد الله بن سبأ(1).
18- محمد حسين المظفري (9631هـ).
أما محمد حسين المظفري ، وهو من الشيعة المعاصرين فإنه لا ينكر وجود ابن سبأ، وإن كان ينفي أن يكون للشيعة به أي اتصال فيقول: <وأما ما ذهب إليه بعض الكتاب، من أن أصل مذهب التشيع من بدعة عبدالله بن سبأ، المعروف بابن السوداء فهو وهم، وقلة معرفة بحقيقة مذهبهم، ومن علم منزلة هذا الرجل عند الشيعة، وبراءتهم منه، ومن أقواله وأعماله، وكلام علمائهم في الطعن فيه بلا خلاف بينهم، علم مبلغ هذا القول من الصواب>(2)،(3) .
19- شريف يحيى الأمين .
ترجم لابن سبأ في كتابه معجم الفرق الاسلامية وقال:
السَّبائِيَّة : أصحاب عبدالله بن سبأ الذي غلا في علي عليه السلام، وزعم أنه كان نبيا، ثم غلا فيه حتى زعم أنه إله، قائلا له: >أنت الاله حقا< فنفاه علي الى المدائن.
فلما قتل علي عليه السلام . قال ابن سبأ: لم يمت ولم يقتل وإنما قتل ابن ملجم شيطاناً تصور بصورة علي، وعلي في السحاب، والرعد صوته والبرق سوطه، وأنه ينزل بعد هذا الى الارض ويملؤها عدلا، وهؤلاء يقولون عند سماع الرعد: <وعليك السلام ياأمير المؤمنين>.
وقال ابن سبأ ان عليا صعد الى السماء كما صعد عيسى بن مريم عليه السلام وقال: كما كذبت اليهود والنصارى في دعواها قتل عيسى عليه السلام كذلك كذبت النواصب والخوارج، في دعواها قتل علي وإنما رأت اليهود والنصارى شخصا مصلوبا شبهوه بعيسى عليه السلام كذلك القائلون بقتل علي رضي الله عنه رأوا قتيلا يشبه عليا فظنوا أنه علي.(1/36)
وقالوا: هدينا لوحي ضل عنه الناس، وعلم خفي عليهم وزعموا ان رسول الله _ كتم تسعة أعشار الوحي، وهي أول من قالت بالتوقف والغيبة والرجعة وهي من الفرق البائدة (انظر الغلاة)(1).
20- الدكتور محمد جواد مشكور .
ذكر الدكتور محمد جواد مشكور السبائية في كتابه (موسوعة الفرق الإسلامية) وقال :
السّبائية :
وهم من غلاة الشيعة. أصحاب عبدالله بن سبأ المسمى بابن سبأ أباً، وابن السوداء أما. وينحدر من أصل يمني، من يهود صنعاء، وكان يتظاهر بالإسلام. سافر إلى الحجاز والبصرة والكوفة، وفي عصر عثمان سافر إلى دمشق، ولكن أهلها طردوه فتوجه إلى مصر. وكان من رؤوس المعارضة في الثورة التي قامت ضد عثمان. مات بعد سنة 04هـ.
كان أصحاب ابن سبأ أول من قالوا بغيبة علي - عليه السلام - ورجعته إلى الدنيا، وزعموا أنه لم يقتل ولم يمت حتى يسوق العرب بعصاه، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً(2).
21- صائب عبد الحميد :
قال : (أما الشيعة فقد رووا بالأسانيد الصحاح عن ثلاثة من الأئمة: زين العابدين والباقر والصادق (ع) انهم لعنوا عبدالله بن سبأ وأصحابه).
وقال أيضا ... فإن أراد (ابن تيمية) أن يعرف حقيقة هذا اليهودي المحترق (ابن سبأ) فعليه أن يرجع إلى كتب الشيعة وحدهم(1).
المبحث الخامس
تشابه عقائد اليهود والشيعة
من خلال الموازنة والتحقيق يتبين أن السبئية أصل تفرعت عنه فرق أخرى من فرق الضلال التي نبتت في مجتمع المسلمين، كما أن عبدالله ابن سبأ لم ينته شأنه بموته وإنما استمرت آثاره - في مجتمع المسلمين - بفعل من جاء بعده متأثراً بأفكاره، ومتشبعاً بمعتقداته(1)..(1/37)
يقول عبد الله القصيمي بعد أن تحدث عن ظاهرة الغلو في علي بن أبي طالب: <تطايرت دعاوى هذا الرجل(2) ومبتدعاته في كل جانب، ورن صداها في أركان المملكة الإسلامية رنينا مراً مزعجاً واهتزت لها قلوب، ومسامع، طربت لها قلوب ومسامع، ورددت صداها أفواه أخرى، وطال الترديد والترجيع حتى نفذت إلى قلوب رخوة لا تتماسك، فحلتها حلول العقيدة، ثم تفاعلت حتى صارت عقيدة ثابتة تراق الدماء في سبيلها ويعادى الأهل والأصحاب غضبا لها، وصارت فيما بعد معروفة بالمذهب الشيعي والعقيدة الشيعية>(3).
فها هو الكشي - أحد كبار علماء التراجم عندهم في القرن الرابع - ينقل هذا النص عن بعض علمائهم فيقول: <ذكر بعض أهل العلم أن عبدالله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ووالى عليا عليه السلام وكان يقول على يهوديته في يوشع بن نون وصي موسى بالغلو فقال في إسلامه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في علي عليه السلام مثل ذلك، وكان أول من أشهر القول بفرض إمامة علي وأظهر البراءة من أعدائه، وكاشف مخالفيه وأكفرهم فمن ههنا قال من خالف الشيعة أصل التشيع والرفض مأخوذ من اليهودية>(1).
فقد تأثرت الشيعة بدعوة عبدالله بن سبأ اليهودي وأصبح عندهم من أصول دينهم إثبات الإمامة والوصية والولاية لعلي بن أبي طالب بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم والتبرأ من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتكفيرهم والحكم بضلالهم لما فعلوه في علي بن أبي طالب وأخذوا الخلافة منه كما يزعمون.
الجانب الأول
أوجه التشابه بين عقيدتي اليهود والشيعة في الوصية
التشابه في تسمية (الوصي) :(1/38)
إن إطلاق لقب (وصي) على من يخلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تصريف شؤون المسلمين لم يعرف عند المسلمين، فمن المعلوم ان أبا بكر الصديق رضي الله عنه هو الذي تولى أمور المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولم ينقل عن أحد منهم أنه أطلق عليه لقب (وصي رسول الله) حتى من الذين قالوا بالنص على خلافته، ثم أتى بعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد كان أوصى إليه أبوبكر بالخلافة قبل وفاته، ومع هذا لم يطلق عليه لقب (وصي) بل كان يطلق عليه (خليفة خليفة رسول الله) ثم أطلق عليه فيما بعد لقب (أمير المؤمنين) وذلك للاختصار، ثم أطلق هذا اللقب على عثمان رضي الله عنه، ولم يوجد أحد من المسلمين أطلق لقب (وصي) على أحد من الخلفاء الأربعة، إلا ما كان من ابن سبأ وممن غرر بهم من عوام الناس، عندما أحدث القول بالوصية، وزعم أن عليا وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وكان ذلك في زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه فبهذا يتضح أن أصل لقب (وصي) يهودي صرف، انتقل إلى الشيعة عن طريق ابن سبأ(1).
الجانب الثاني
اتفاق اليهود والشيعة على وجوب تنصيب وصي
- عند اليهود :
جاء في سفر العدد : <فكلم الرب موسى قائلا: ليوكل الرب إله أرواح جميع البشر رجلا على الجماعة، يخرج أمامهم، ويدخل أمامهم ويخرجهم ويدخلهم لكيلا تكون جماعة الرب كالغنم التي لا راعي لها، فقال الرب لموسى: خذ يوشع بن نون رجلا فيه روح، وضع يدك عليه، وأوقفه قدام العازار الكاهن، وقدام كل الجماعة، وأوصه أمام أعينهم... ففعل موسى كما أمره الرب، أخذ يوشع وأوقفه قدام العازار الكاهن وقدام كل الجماعة، ووضع يده عليه وأوصاه كما تكلم الرب عن يد موسى>(1).
- عند الشيعة :(1/39)
فقد أورد الصفار في كتابه (بصائر الدرجات) بابا كاملا في هذا المعنى، عنون له بقوله (باب إن الأرض لا تبقى بغير إمام ولو بقيت لساخت) ومما أورد تحته من الروايات، ما رواه عن أبي جعفر قال: (لو أن الإمام رفع من الأرض ساعة، لساخت بأهلها كما يموج البحر بأهله)(2).
الجانب الثالث
اتفاق اليهود والشيعة
على أن الله تعالى هو الذي يتولى تعيين الوصي وليس للنبي اختيار وصيه من بعده
- عند اليهود:
>قال الرب لموسى هو ذا أيامك قد قربت لكي تموت ادع يشوع وقِفَا في خيمة الاجتماع لكي أوصيه، فانطلق موسى ويشوع ووقفا في الخيمة، فتراءى الرب في الخيمة في عمود السحاب، ووقف عمود السحاب على باب الخيمة: وقال الرب لموسى: ها أنت ترقد مع آبائك.. وأوصِ يشوع ابن نون، وأنا أكون معك>(1).
- عند الشيعة:
جاء في كتاب بصائر الدرجات: عن أبي عبدالله عليه السلام قال: <عرج بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء مائة وعشرين مرة، ما من مرة إلا وقد أوصى الله النبي صلى الله عليه وآله وسلم بولاية علي والأئمة من بعده، أكثر مما أوصاه بالفرائض>(2).
وعن أبي عبد الله الصادق (ع) قال ليلة أسري بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وانتهى إلى حيث أراد الله تبارك وتعالى ناجاه ربه جل جلاله فلما أن هبط النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء الرابعة ناداه ربه يامحمد. فقال: لبيك ربي(3)، قال: من اخترت من أمتك يكون من بعدك لك خليفة؟ قال: اختر لي ذلك فتكون أنت المختار لي، فقال: اخترت لك خيرتك علي بن أبي طالب(4).
الجانب الرابع
اتفاقهم على أن الله يكلم الأوصياء ويوحي إليهم
- عند اليهود:
جاء في سفر يشوع ما يؤيد هذا، وأن الله خاطب يشوع بعد موت موسى: <وكان بعد موت موسى عبدالرب، إن الرب كلم يشوع بن نون خادم موسى قائلا: موسى عبدي قد مات، فالآن قم اعبر هذا الأردن>(1).
- عند الشيعة:(1/40)
روى المفيد عن حمران بن أعين قال: <قلت لأبي عبدالله عليه السلام: بلغني أن الرب تبارك وتعالى قد ناجى عليا عليه السلام، فقال أجل قد كانت بينهما مناجاة بالطائف نزل بينهما جبريل>(2).
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: <إن الله ناجى عليا يوم الطائف ويوم عقبة تبوك، ويوم خيبر>(3).
الجانب الخامس
الوصي بمنزلة النبي عند اليهود والشيعة
- عند اليهود :
جاء في سفر يشوع : إن الله أعطى ليشوع هبة عظيمة في نفوس بني إسرائيل مثلما كان لموسى <فقال الرب ليشوع اليوم ابتدىء، أعظمك في أعين جميع إسرائيل، لكي يعلموا أني كما كنت مع موسى أكون معك>(1).
وفي نص آخر : <وفي ذلك اليوم عظم الرب يشوع في أعين جميع إسرائيل فهابوه كما هابوا موسى كل أيام حياته>(2).
- عند الشيعة :
جاء في الكافي عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: <الأئمة بمنزلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أنهم ليسوا بأنبياء، ولا يحل لهم من النساء ما يحل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فأما ما خلا ذلك فهم فيه بمنزلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم >(3).
بل زاد غلوهم في علي رضي الله عنه <حتى جعلوا طلاق نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيده، فمن طلقها في الدنيا بانت منه في الآخرة> .
عن الباقر (ع) أنه قال : لما كان يوم الجمل وقد رشق هودج عائشة بالنبل قال أمير المؤمنين (ع) : والله ما أراني إلا مطلقها فأنشد الله رجلاً سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: <ياعلي أمر نسائي بيدك من بعدي> لما قام فشهد؟ فقال: فقام ثلاث عشر رجلاً فيهم بدريان فشهدوا: أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لعلي بن أبي طالب (ع): <ياعلي أمر نسائي بيدك من بعدي>(1).(1/41)
وذكر أبي الفضل بن شاذان في كتابه الفضائل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: <أنت ياعلي خليفتي على نسائي وأهلي وطلاقهن بيدك>(2).
ولا يكفي هذا الغلو في الأوصياء بل جعلوا الأئمة أعلم وأفضل من الأنبياء وأولي العزم لما أثبته محمد باقر المجلسي في أبواب كتابه بحار الأنوار:
-باب : إنهم أعلم من الأنبياء عليهم السلام(3).
- باب : تفضيلهم عليهم السلام على الأنبياء، وعلى جميع الخلق، وأخذ ميثاقهم عنهم وعن الملائكة وعن سائر الخلق، وأَنَّ أولي العزم إنما صاروا أولي العزم بحبهم صلوات الله عليهم(4).
الجانب السادس
حصر اليهود الملك في آل داود
وحصر الشيعة الإمامة في ولد الحسين
- عند اليهود :
يحصر اليهود الملك في آل داود، ويرون أنه لا يجوز أن يخرج الملك منهم إلى غيرهم إلى يوم القيامة.
جاء في سفر أرميا <لأنه هكذا قال الرب لا ينقطع لداود إنسان يجلس على عرش بيت إسرائيل>(1).
وفي سفر الملوك الأول : < ويكون لداود ونسله وبيته وكرسيه سلام إلى الأبد من عند الرب>(2).
وفي الملوك الأول أيضا : <والملك سليمان يبارك وكرسي داود يكون ثابتا أمام الرب إلى الأبد>(3).
- عند الشيعة :
يحصر الشيعة الإمامة في ولد الحسين ويرون أنها لا تخرج عنهم إلى يوم القيامة.
فقد جاء في كتاب علل الشرائع وغيره: عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: <إن الله خص عليا بوصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم وصية الحسن وتسليم الحسين ذلك، حتى أفضى الأمر إلى الحسين لا ينازعه فيه أحد من السابقة مثل ماله، واستحقها علي بن الحسين< لقول الله عز وجل {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله}(1) فلا تكون بعد علي ابن الحسين إلا في الأعقاب، وفي أعقاب الأعقاب>(2).(1/42)
وقد نقل إجماع علماء الشيعة على ذلك شيخهم المفيد فقال: <اتفقت الإمامية على أن الإمامة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بني هاشم خاصة، ثم في علي والحسن والحسين، ومن بعد في ولد الحسين دون الحسن عليه السلام إلى آخر العالم>(3).
الجانب السابع
جعل اليهود الملك في ولد هارون دون ولد موسى
وجعل الشيعة الإمامة في ولد الحسين دون ولد الحسن
- عند اليهود :
جاء في سفر الخروج إن الله خاطب موسى قائلا: <وقرب إليك هارون أخاك وبنيه معه من بين بني إسرائيل ليكهن لي>(1).
- عند الشيعة :
روى الصدوق عن هشام بن سالم قال: <قلت للصادق جعفر بن محمد عليهما السلام: الحسن أفضل أم الحسين؟ فقال: الحسن أفضل من الحسين. قلت: فكيف صارت الإمامة من بعد الحسين في عقبه دون ولد الحسن؟
فقال : إن الله تبارك وتعالى أحب أن يجعل سنة موسى وهارون جارية في الحسن والحسين عليهما السلام، ألا ترى أنهما كانا شريكين في النبوة، كما كان الحسن والحسين شريكين في الإمامة، وإن الله عز وجل جعل النبوة في ولد هارون ولم يجعلها في ولد موسى، وإن كان موسى أفضل من هارون عليهما السلام>(2).
الجانب الثامن
بناء هيكل سليمان عند اليهود
وحمل سلاح الرسول عند الشيعة
- عند اليهود :
جاء في سفر صموئيل الثاني أن الله تعالى خاطب داود بقوله: <متى كملت أيامك واضطجعت مع آبائك، أقيم بعدك نسلك الذي يخرج من أحشائك وأثبت مملكته هو يبني بيتا لاسمى وأنا أثبت كرسي مملكته إلى الأبد>(1).
- عند الشيعة :
ويشترط الشيعة لصحة إمامة أئمتهم أن يحملوا سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهم يشبهون السلاح فيهم بالتابوت في بني اسرائيل.
فقد روى الكليني في كافيه عن أبي عبدالله أنه قال: <إنما مثل السلاح فينا مثل التابوت في بني إسرائيل، كانت بنو إسرائيل أي أهل بيت وُجِدَ التابوت على بابهم أوتوا النبوة فمن صار إليه السلاح منا أوتي الإمامة>(2).
الجانب التاسع(1/43)
انقطاع الملك والإمامة عند اليهود والشيعة
انقطاع ملك آل داود من بني إسرائيل والذي زعم اليهود أنه لا ينقطع إلى يوم القيامة منذ زمن بعيد جدا.
وكذلك انقطاع إمامة ولد الحسين، بل إنه لا الحسين ولا أبناؤه تولوا إمارة المسلمين في يوم من الأيام.
وهذا مما يدل على كذب اليهود والشيعة وافترائهم على الله تعالى، الذين نسبوا إليه بأنه وعدهم باستمرار الملك والإمامة فيمن زعموا، إذ لو وعد الله بذلك لوفى بوعده، فالله لا يخلف وعده، قال تعالى {وعد الله لا يخلف الله وعده، ولكن أكثر الناس لا يعلمون}(1).
الجانب العاشر
حصر اليهود والشيعة لأسباطهم وأئمتهم
يستدل الشيعة الإمامية لحصرهم الأئمة في اثني عشر إماما بمشابهتهم لعدد أسباط بني إسرائيل يقول الأربلي: <إن الله عز وجل قال في كتابه: {ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثنى عشر نقيباً}(1). فجعل عدة القائمين بذلك الأمر اثني عشر، فتكون عدة الأئمة القائمين بهذا كذلك>.
فهذه بعض أوجه التشابه بين اليهود والشيعة في هذه العقيدة بعضها استنبطته عن طريق المقارنة بين نصوص الفريقين، وبعضها صرح الشيعة بتشبههم واقتدائهم باليهود فيها.
وهم إذ يصرحون بهذا يعلنون انتسابهم إلى اليهود لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : <من تشبه بقوم فهو منهم>(2).
وإلا فأي معنى لتشبثهم بنصوص أسفار اليهود، والتي يعلم اليهود قبل غيرهم بتحريفها وتبديلها، وإعراضهم عن نصوص القرآن الكريم الذي وعد الله بحفظه من التبديل والتحريف، وعلم العدو والصديق أنه من الله تعالى فأي معنى لفعلهم هذا غير انتسابهم لدين اليهود وبراءتهم من دين المسلمين(3).
غلو اليهود والشيعة في الأنبياء والأوصياء
ومن أبرز أوجه المشابه بين اليهود والشيعة الغلو في الأنبياء والأوصياء والصالحين.(1/44)
فأما موقف اليهود فإنهم يغلون في بعض الأنبياء وفي بعض الأحبار ويتخذونهم آلهة وأربابا، ويعبدونهم بأنواع العبادات، ويذلون لهم أعظم الذل.
وكذلك الشيعة فإنهم غلوا في أئمتهم وجعلوا لهم منزلة تضاهي منزلة رب العالمين.
إعطاء الأنبياء والأوصياء مقام العبودية
- غلو اليهود :
جاءت شواهد عديدة في كتاب التلمود من أسفار اليهود المقدسة أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي :
جاء في سفر الخروج : <فقال الرب لموسى انظر أنا جعلتك إلها لفرعون وهارون أخوك يكون نبيك>(1).
واليهود في هذا النص جاوزوا بموسى قدره وهو مقام العبودية إلى مقام الألوهية.
- غلو الشيعة :
غلت الشيعة في علي بن أبي طالب رضي الله عنه حتى ادعوا فيه الربوبية كما ذكر ذلك العلامة محمد باقر المجلسي في كتابه بحار الأنوار فقال: <وجاء في تفسير باطن أهل البيت في تأويل قوله تعالى: {قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد الى ربه فيعذبه عذابا نكراً} (1). قال: >هو يرد إلى أمير المؤمنين عليه السلام فيعذبه عذابا نكراً حتى يقول: {ياليتني كنت ترابا}(2) أي من شيعة أبي تراب.
وقال معلقا على هذه الرواية: <يمكن أن يكون الرد إلى الرب أريد به الرد إلى من قرره الله لحساب الخلائق يوم القيامة وهذا مجاز شايع، أو المراد بالرب أمير المؤمنين عليه السلام لأنه الذي جعل الله تربية الخلق في العلم والكمالات إليه، وهو صاحبهم والحاكم عليهم في الدنيا والآخرة>(3).
وجاء في أخبارهم أن علياً - كما يفترون عليه - قال: أنا رب الأرض الذي تسكن الأرض به(4).
فانظر إلى هذا التطاول والغلو .. فهل رب الأرض إلا الواحد القهار وهل يمسك السموات والأرض إلا خالقهما سبحانه ومبدعهما.
{ إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده}(5).
عن المفضل بن عمر أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول في قوله: {وأشرق الأرض بنور ربها} قال: رب الأرض يعني إمام الأرض(1).(1/45)
وفي قوله سبحانه : {ولا يشرك بعبادة ربه أحدا}(2) جاء في تفسير العياشي: يعني التسليم لعلي رضي الله عنه ولا يشرك معه في الخلافة من ليس له ذلك ولا هو من أهله(3)، وبنحو ذلك جاء تأويلها عند القمي في تفسيره(4).
ولا تظن أن هذا التأويل من باب أن رب تأتي في اللغة بمعنى صاحب، أو سيد، إذ إن هذه الآيات نص في الرب سبحانه لا يحتمل سواه، فالإضافة عرفته وخصصته خاصة مع ذكر العبادة.
وقد قال أئمة اللغة : إن الرب إذا دخلت عليه أل لا يطلق إلا على الله سبحانه(5)،(6).
جعل أسماء الأنبياء والأوصياء
كأسماء الله تبارك وتعالى
- غلو اليهود :
غلت اليهود في النبي دانيال حتى إنهم زعموا أن الله قد حل فيه، كما جاء في كلام بختنصر الذي خاطب به شعوب الأرض <أخيرا دخل قدامي دانيال الذي اسمه (بلطشاصر) كاسم إلهي والذي فيه رؤى الألهة القدسيين، فقصصت الحلم قدامه: يابلطشاصر كبير المجوس من حيث إني أعلم أن فيك روح الألهة القدوسيين، ولا يعسر عليك سر فأخبرني برؤى حلمي الذي رأيته وتبصيره>(1).
- غلو الشيعة :
غلت الشيعة في أئمتهم حتى جعلوا أسماءهم كأسماء الله تبارك وتعالى.
فقد روى محسن الكاشاني في كتابه علم اليقين روايات تثبت الغلو في أوصيائهم عن طريق إمامهم أبي جعفر من حديث خويلد وفيه :
> نحن والله الأوصياء الخلفاء من بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ونحن المثاني الذي أعطاه الله عز وجل نبينا. ونحن شجرة النبوة، ومنبت الرحمة ومعدن الحكمة، ومصابيح العلم، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، وموضع سر الله ووديعة الله جل اسمه في عباده، وحرم الله الأكبر، وعهده المسئول عنه، فمن وفى عهدنا فقد وفى عهد الله، ومن خفر فقد خفر ذمة الله وعهده، عرفنا من عرفنا وجهلنا من جهلنا، نحن الأسماء الحسنى الذي لا يقبل الله من العباد عملا إلا بمعرفتنا، ونحن والله الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه>(1).(1/46)
وروى الكليني في أصول الكافي عن أبي عبدالله عليه السلام عن قول الله عز وجل {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}(2). قال : نحن والله الأسماء الحسنى التي لا يقبل الله من العباد عملا إلا بمعرفتنا(3).
وفي بصائر الدرجات عن هشام بن أبي عمار قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: <أنا عين الله وأنا يد الله، وأنا جنب الله، وأنا باب الله>(4).
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: <أنا علم الله وأنا قلب الله الواعي، ولسان الله الناطق، وعين الله الناظر، وأنا جنب الله، وأنا يد الله>(5).
ادعاء اليهود لأنبيائهم وأوصيائهم علم الغيب وكذا الشيعة
- غلو اليهود :
غلت اليهود في بعض أنبيائهم عندما زعموا أنهم يعلمون بعض الأمور الغيبية كزعمهم أن إيليا كان يعلم متى ينزل المطر.
جاء في سفر الملوك الأول : <وقال إيليا لأخآب اصعد كل واشرب لأنه حس دوي مطر، فصعد أخآب ليأكل ويشرب، وأما إيليا فصعد إلى رأس الكرمل وخر إلى الأرض وجعل وجهه بين ركبتيه، وقال لغلامه اصعد تطلع نحو البحر، فصعد وتطلع وقال ليس شيء. وقال: ارجع سبع مرات وفي المرة السابعة قال: هو ذا غيمة صغيرة قدر كف إنسان صاعدة من البحر، فقال: اصعد قل لأخآب اشدد وانزل لئلا يمنعن المطر وكان من هنا إلى هنا أن السماء أسودت من الغيم والريح وكان مطر عظيم>(1).
وهذا النص يفيد أن إيليا علم نزول المطر قبل أن تظهر علاماته بل إن السماء كانت صافية، كما أخبر بذلك خادمه الذي ذهب ليتطلع المطر، ومعلوم أن نزول المطر من الأمور الغيبية التي اختص الله بعلمها، ودعوى اليهود هذه في إيليا إنما كانت لاعتقادهم أن أنبياءهم يعلمون بعض الأمور الغيبية(2).
- غلو الشيعة :(1/47)
غلت الشيعة في أئمتهم حتى رفعوهم فوق البشر وأطلقوا عليهم من الصفات ما لم تثبت لأحد، بل هي مما اختص به رب العالمين دون سائر المخلوقين، ومن هذه الصفات التي يطلقونها على أئمتهم: ادعاؤهم أنهم يعلمون الغيب وأنهم لا يخفى عليهم شيء في السموات ولا في الأرض، وأنهم يعلمون ما كان وما سيكون إلى قيام الساعة.
جاء في بحار الأنوار عن الصادق عليه السلام أنه قال: <والله لقد أعطينا علم الأولين والآخرين فقال له رجل من أصحابه: جعلت فداك أعندكم علم الغيب؟ فقال له: ويحك إني لأعلم ما في أصلاب الرجال وأرحام النساء، ويحكم وسعوا صدوركم، ولتبصر أعينكم، ولتع قلوبكم، فنحن حجة الله تعالى في خلقه ولن يسع ذلك إلا صدر كل مؤمن قوي قوته كقوة جبال تهامة إلا بإذن الله، والله لو أردت أن أحصي لكم كل حصاة عليها لأخبرتكم، وما من يوم وليلة إلا والحصى تلد إيلادا، كما يلد هذا الخلق، والله لتتباغضون بعدي حتى يأكل بعضكم بعضا>(1).
وعن سيف التمار قال: كنا مع أبي عبدالله عليه السلام فقال: <ورب الكعبة ورب البنية(2) - ثلاث مرات - لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما أني أعلم منهما لأنبأتهما بما ليس في أيديهما، لأن موسى والخضر أعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتى تقوم الساعة، وقد ورثناه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وراثة>(3).
أولياء اليهود والشيعة أفضل من الأنبياء
- غلو اليهود :
غلت اليهود في الحاخامات حتى روي في كتبهم أن أقوال الحاخامات أفضل من أقوال الأنبياء.
فقد جاء في التلمود : <اعلم أن أقوال الحاخامات أفضل من أقوال الأنبياء وزيادة على ذلك يلزمك اعتبار أقوال الحاخامات مثل الشريعة لأن أقوالهم هي قول الله الحي>(1).
وجاء في التلمود : <التفت يابني إلى أقوال الحاخامات أكثر من التفاتك إلى شريعة موسى>(2).(1/48)
وفيه : < إن من درس التوراة فعل فضيلة لا يستحق المكافأة عليها، ومن درس (المشنا) فعل فضيلة استحق عليها أن يكافأ عليها، ومن درس الغامارا(3) فعل أعظم فضيلة>(4).
وفيه أيضا : < من احتقر أقوال الحاخامات استحق الموت دون من احتقر أقوال التوراة، ولا خلاص لمن ترك تعاليم التلمود واشتغل بالتوراة فقط، لأن أقوال علماء التلمود أفضل مما جاء في شريعة موسى>(5)،(6).
- غلو الشيعة :
غلت الشيعة في أئمتهم حتى جعلوا منزلتهم أفضل من منزلة الأنبياء اتفاقا مع عقيدة اليهود.
فقد قال إمامهم المعاصر وآيتهم العظمى الخميني: <فإن للإمام مقاماً محمودا، ودرجة سامية، وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون. وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل>(1). ومعلوم دخول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا العموم .
ولم يكتف الشيعة بهذا بل تمادوا أكثر من ذلك عندما زعموا أن علي بن أبي طالب كان له من الفضائل ما لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
روى المجلسي في بحاره فيما نسبه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: <أعطيت ثلاثا وعلي مشاركي فيها، وأعطي علي ثلاثة ولم أشاركه فيها فقيل يارسول الله: وما الثلاثة التي شاركك فيها علي؟ قال: لواء الحمد لي وعلي حامله، والكوثر لي وعلي ساقيه، والجنة والنار لي وعلى قسيمهما. وأما الثلاث التي أعطي علي ولم أشاركه فيها فإنه أعطي شجاعة ولم أعط مثلها، وأعطى فاطمة الزهراء زوجة ولم أعط مثلها(2)، وأعطى الحسن والحسين ولم أعط مثلهما>(3).(1/49)
فهذه الرواية ظاهرة في تفضيلهم عليا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل إنهم تحقيقا لهذا الهدف وهو إظهار أفضلية علي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يتورعوا عن وصفهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجبن - حاشاه ذلك - عندما زعموا أنه قال (وأعطي شجاعة ولم أُعط مثلها) جازاهم الله على كل ما قالوا وافتروا على رسوله إنه سميع مجيب.
ومما يؤكد اعتقادهم أفضلية علي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم مارواه الصدوق في أماليه ونسبه ظلما وبهتانا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: <علي بن أبي طالب خير البشر ومن أبى فقد كفر>(1) فهذا دليل آخر على تفضيلهم عليا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم . فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم بشر وأنه تحت عموم البشر الذي حكموا بأفضلية علي رضي الله عنه عليهم.
ويقول نعمة الله الجزائري في الأنوار النعمانية مبينا رأي الإمامية في المفاضلة بين الأنبياء والأئمة: <اعلم أنه لا خلاف بين أصحابنا رضوان الله عليهم في أشرفية نبينا صلى الله عليه وآله وسلم على سائر الأنبياء عليهم السلام للأخبار المتواترة وإنما الخلاف بينهم في أفضلية أمير المؤمنين والأئمة الطاهرين عليهم السلام، على الأنبياء ماعدا جدهم. فذهب جماعة: إلى أنهم أفضل من باقي الأنبياء ما خلا أولي العزم فإنهم أفضل من الأئمة عليهم السلام، وبعضهم إلى المساواة، وأكثر المتأخرين الى أفضلية الأئمة عليهم السلام على أولى العزم وغيرهم، وهو الصواب>(2).
وقول الجزائري <ماعدا جدهم> ليس إلا خداعا ونفاقا وإلا فهم يرون أن الأئمة مساوون للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في الفضل.
وقد دل على ذلك ما ذكره المجلسي في كتابه بحار الأنوار باب (إنه جرى لهم من الفضل والطاعة ما جرى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإنهم في الفضل سواء)(1).
إحياء الموتى عند اليهود والشيعة
- غلو اليهود :(1/50)
يعتقد اليهود في حاخاماتهم أنهم يستطيعون ارجاع الحياة للأموات من الإنسان والحيوان.
جاء في التلمود : <إن أحد الحاخامات قتل حاخاما آخر في حالة سكر ثم أتى بمعجزة فأعاد الحاخام القتيل إلى الحياة>(1).
وجاء في التلمود أيضا : <إن أحد مؤسسي المذهب التلمودي اليهودي بمقدوره أن يحيي الإنسان بالسحر بعد قتله، وقد كان في كل ليلة يخلق عجلا ابن ثلاث سنوات بمساعدة أحد الربانيين ويأكلانه معا>(2).
وجاء < أن بعض الربانيين المنتمين للمذهب التلمودي يملكون حجراً يستطيعون بقوته إعادة الحياة إلى الذين ماتوا>(3) .
وقد بالغ مؤلفو التلمود أكثر من هذا عندما زعموا أن الربانيين يستطيعون أن يخلقوا من المياه عقارب، وأن بمقدرتهم أن يحولوا بني الإنسان إلى حيوان فقد جاء في التلمود: <إن أحد الربانيين ويدعى (جاني) عرف أنه يقلب المياه إلى عقارب، بل إنه في أحد الأيام حول امرأة الى حمار يركبه في نزهاته>(4)،(5) .
- غلو الشيعة :
يزعم الشيعة أن لأئمتهم المقدرة على إعادة الحياة لمن شاءوا من الأموات سواء كان من الإنسان أو الحيوان .
جاء في كتاب بصائر الدرجات في باب (إن الأئمة عليهم السلام أحيوا الموتى بإذن الله تعالى): عدة روايات تؤيد هذا المعنى أختار منها:
ما نسب إلى أبي عبد الله أنه قال: <إن أمير المؤمنين عليا عليه السلام كانت له خؤلة في بني مخزوم وإن شابا منهم أتاه فقال: ياخالي إن أخي وابن أبي مات وقد حزنت عليه حزنا شديدا، قال تشتهي أن تراه؟ قال: نعم. قال: فأرني قبره فخرج ومعه برد(1) رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المستجاب فلما انتهى إلى القبر تلملمت شفتاه ثم ركضه برجله فخرج من قبره وهو يقول (رميكا) بلسان الفرس فقال له علي عليه السلام ألم تمت وأنت رجل من العرب؟ قال: بلى ولكنا متنا على سنة فلان(2) فانقلبت ألسنتنا>(3).(1/51)
ويروي المجلسي في البحار عن سعد القمي قال: قال أبو الفضل بن دكين حدثني محمد بن راشد عن أبيه عن جده قال: <سألت جعفر بن محمد عليهما السلام علامة، فقال: سلني ما شئت أخبرك إن شاء الله فقلت: أخاً لي بات في هذه المقابر فتأمره أن يجيئني قال: فما كان اسمه؟ قلت: أحمد، قال: ياأحمد قم بإذن الله وبإذن جعفر بن محمد فقام والله وهو يقول: أتيته<(4).
أما إحياء الأئمة للحيوانات :
فيروي المجلسي في البحار أيضا عن المفضل بن عمر قال: <كنت أمشي مع أبي عبدالله جعفر بن محمد عليهما السلام بمكة أو بمنى إذ مررنا بامرأة بين يديها بقرة ميتة وهي مع صبية لها تبكيان فقال عليه السلام : ما شأنك؟ قالت: كنت وصباياي نعيش من هذه البقرة، وقد ماتت، لقد تحيرت في أمري، قال: أفتحبين أن يحييها الله لك؟ قالت: أو تسخر مني مع مصيبتي. قال: كلا ما أردت ذلك، ثم دعا بدعاء، ثم ركضها برجله وصاح بها فقامت البقرة مسرعة سوية، قالت: عيسى ابن مريم ورب الكعبة، فدخل الصادق عليه السلام بين الناس، فلم تعرفه المرأة>(1).
وعن يونس بن ظبيان قال : < كنت عند الصادق عليه السلام مع جماعة فقلت قول الله لإبراهيم {فخذ أربعة من الطير فصرهن}(2) أكانت أربعة من أجناس مختلفة، أو من جنس؟ قال أتحبون أن أريكم مثله؟ قلنا: بلى قال: ياطاووس فإذا طاووس طار إلى حضرته، ثم قال: ياغراب فإذا غراب بين يديه، ثم قال: يابازي فإذا بازي بين يديه، ثم قال: ياحمامة فإذا حمامة بين يديه، ثم أمر بذبحها كلها وتقطيعها ونتف ريشها، وأن يخلط ذلك كله بعضه ببعض ثم أخذ برأس الطاووس فرأينا لحمه وعظامه وريشه يتميز من غيرها حتى ألصق ذلك كله برأسه وقام الطاووس بين يديه حيا، ثم صاح بالغراب كذلك، وبالبازي والحمامة كذلك، فقامت كلها أحياء بين يديه>(3).
أقوال أئمة اليهود وأئمة الشيعة كقول الله
- غلو اليهود :(1/52)
جاء في كتاب أحد الحاخامات : <إن من يقرأ التوراة بدون المشنا والغامارا فليس له إله>(1).
وقد بلغ الغلو في طاعة حاخاماتهم طاعة عمياء.
فقد جاء في التلمود: <إن أقوالهم هي قول الله الحي، فإذا قال لك الحاخام ان يدك اليمني هي اليسرى وبالعكس فصدق قوله ولا تجادل، فما بالك إذا قال لك إن اليمنى هي اليمنى واليسرى هي اليسرى>(2).
وفي نص آخر من نصوص التلمود: < إن كل كلمات الربانيين في كل عصر ومصر هي كلمات الله ، ولذلك تكون أعظم من كلمات الأنبياء ولو كانت متناقضة ومتنافرة ومن يسخر منها، ويقارع صاحبها ويتأفف منها يرتكب إثما عظيما، كما لو سخر من الله وقارعه وتأفف منه>(3).
- غلو الشيعة :
قال آيتهم الخميني عن تعاليم الأئمة: <إن تعاليم الأئمة كتعاليم القرآن لا تخص جيلا خاصا، وإنما هي تعاليم للجميع في كل عصر ومصر، وإلى يوم القيامة يجب تنفيذها واتباعها>(1).
ويقول محمد رضا المظفر أيضا: < بل نعتقد أن أمرهم أمر الله تعالى، ونهيهم نهيه، وطاعتهم طاعته، ومعصيتهم معصيته، ووليهم وليه، وعدوهم عدوه، ولا يجوز الرد عليهم، والراد عليهم كالراد على رسول الله، والراد على الرسول كالراد على الله تعالى>(2).
ادعاء اليهود والشيعة العصمة في أنبيائهم وأوصيائهم
- غلو اليهود :
غلت اليهود في حاخاماتهم حتى ادعو فيهم العصمة من السهو والنسيان.
يقول الحاخام (روسكي) - أحد كتبة التلمود معلقا على خلاف وقع بين الحاخامين - <إن الحاخامين المذكورين قالا الحق لأن الله جعل الحاخامات معصومين من الخطأ>(1).
وليس هذا فقط ، بل حتى الحيوانات التي يستخدمها الحاخامات تكون معصومة.
كما جاء في التلمود <إن حمار الحاخام لا يمكن أن يأكل شيئا محرماًً>(2).
- غلو الشيعة :(1/53)
قال شيخهم المفيد : <إن الأئمة القائمين مقام الأنبياء في تنفيذ الأحكام، وإقامة الحدود، وحفظ الشرائع، وتأديب الأنام، معصومون كعصمة الأنبياء، وأنهم لا يجوز منهم صغيرة إلا ما قدمت ذكر جوازه على الأنبياء، وأنه لا يجوز منهم سهو في شيء في الدين ولا ينسون شيئا من الأحكام، وعلى هذا مذهب سائر الإمامية إلا من شذ منهم وتعلق بظواهر روايات لها تأويلات على خلاف ظنه الفاسد من هذا الباب>(3).
وقال محمد رضا المظفر : <ونعتقد أن الإمام كالنبي، يجب أن يكون معصوما من جميع الرذائل والفواحش، ما ظهر منها وما بطن، من سن الطفولة إلى الموت عمدا وسهوا، كما يجب أن يكون معصوما من السهو والخطأ والنسيان>(1).
أولياء اليهود وأولياء الشيعة
يحكمون بين الخلق في الدنيا والآخرة
- غلو اليهود :
وقد بلغ غلو اليهود في الحاخامات حتى زعموا أن الله تعالى يستشيرهم في حل بعض المشاكل، وأن الحاخامات يُعَلِّمون الملائكة في السماء .
كما جاء في التلمود <إن الله يستشير الحاخامات على الأرض عندما توجد مسألة معضلة لا يمكن حلها في السماء(1).
وفيه أيضا < إن الله في الليل يدرس التلمود>(2). تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
وفي نص آخر : <إن الربانيين المائتين يعلمون أهل السماء الأبرار>(3).
- غلو الشيعة :
من الاعتقادات التي غلت فيها الشيعة في أئمتهم أن الأئمة يُعِّلمون الملائكة التوحيد وذكر الله.(1/54)
فقد روى الصدوق في كتابه (علل الشرائع) فيما افتراه على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعلي: <إن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين، وفُضِّلتُ على جميع النبيين والمرسلين، والفضل بعدي لك ياعلي وللأئمة من بعدك، وإن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا.. ياعلي لولا نحن ما خلق الله آدم ولا حواء ولا الجنة ولا النار ولا السماء ولا الأرض، وكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى التوحيد ومعرفة ربنا عز وجل، وتسبيحه، وتقديسه، وتهليله، لأن أول ما خلق الله تعالى أرواحنا فأنطقنا بتوحيده وتمجيده، ثم خلق الملائكة فلما شاهدوا أرواحنا نورا واحدا استعظموا أمورنا فسبحنا لتعلم الملائكة أنا مخلوقون، وأنه منزه عن صفاتنا، فسبحت الملائكة لتسبيحنا ونزهته عن صفاتنا.. فبنا اهتدوا إلى معرفة الله وتوحيد الله وتسبيحه وتهليله وتحميده وتمجيده>(1).
وزعم سليم بن قيس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي: <ياعلي أنت علم الله بعدي الأكبر في الأرض، وأنت الركن الأكبر في القيادة فمن استظل بفيئك كان فائزا، لأن حساب الخلائق إليك، ومآبهم إليك، والميزان ميزانك والصراط صراطك، والموقف موقفك، والحساب حسابك فمن ركن إليك نجا ومن خالفك هوى وهلك، اللهم اشهد، اللهم اشهد>(2).
وفي كتاب سليم بن قيس أيضا :
إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: <علي ديان هذه الأمة والشاهد عليها والمتولي حسابها>(1).
وقد افترى شيخهم المفيد على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: <أتيت فاطمة صلوات الله عليها فقلت لها: أين بعلك؟ فقالت: عرج به جبريل عليه السلام إلى السماء، فقلت: فيماذا؟ فقالت: إن نفراً من الملائكة تشاجروا في شيء، فسألوا حكماً من الآدميين فأوحى الله تعالى أن تخيروا، فاختاروا علي بن أبي طالب>(2) .
تشابه عقيدة اليهود والشيعة بدابة الأرض(1/55)
ومن أغرب ما جاء في كتب الشيعة من غلوهم في علي رضي الله عنه زعمهم أنه دابة الأرض ولهم في ذلك روايات كثيرة ، أورد منها :
ما رواه حسن بن سليمان <عن أبي جعفر أنه قال في هذه الآية {وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم}(1) قال: هو أمير المؤمنين(2).
وهذا من ضعف عقولهم وقلة فهمهم، وإلا فأي فضيلة لعلي في وصفه بأنه دابة الأرض بل إن وصفه بأنه دابة فيه أعظم امتهان وانتقاص لمقامه رضي الله عنه، وهذا أمر يعلمه كل العقلاء، ولكنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
وهذه العقيدة إنما أخذوها عن اليهود كما صرحوا بذلك في رواية يرويها حسن بن سليمان الحلي في كتاب (مختصر بصائر الدرجات) عن سماعة بن مهران عن الفضل بن الزبير عن الأصبغ بن نباتة قال: <قال لي معاوية يامعشر الشيعة تزعمون أن عليا دابة الأرض؟ فقلت: نحن نقول اليهود تقوله. فأرسل إلى رأس الجالوت فقال ويحك تجدون دابة الأرض عندكم؟ فقال: نعم فقال ماهي؟ فقال رجل. فقال: أتدري ما اسمه؟ قال: نعم اسمه إليا قال: فالتفت إليّ فقال: ويحك ياأصبغ ماأقرب إليا من علي>(3).
إن هذه الروايات المبثوثة في كتب الشيعة ليست إلا ثمارا لتلك العقيدة الفاسدة التي غرسها الضال المضل عبدالله بن سبأ في نفوس هذه الطائفة، عندما ادعى الألوهية في علي رضي الله عنه بقصد إضلالهم وصرفهم عن عبادة الله إلى عبادة المخلوقين(1).
خذلان اليهود والشيعة رؤساءهم وأئمتهم
- خذلان اليهود :
مع غلو اليهود في أنبيائهم وحاخاماتهم، إلا أنهم خذلوهم وتركوا نصرتهم في أصعب المواقف، وفي وقت كانوا في أمس الحاجة لمؤازرتهم.
فقد خذل اليهود موسى عليه السلام عندما أمرهم بالقتال، ودخول الأرض المقدسة، بعد أن أخرجهم من مصر وحررهم من ذل العبودية لفرعون، فكان جوابهم له كما أخبر الله تعالى عنهم {قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ماداموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون}(1).(1/56)
- خذلان الشيعة :
وكذلك الشيعة خذلوا أئمتهم في مواطن عديدة وتركوا مناصرتهم في أصعب الظروف، فقد خذلوا علياً رضي الله عنه مرات كثيرة وتقاعسوا عن القتال معه في أحرج المواقف التي واجهها، حتى اشتهر سبه لهم وذمهم في خطب كثيرة منها ما جاء في نهج البلاغة أنه خطب فيهم مرة بعد خذلهم إياه فقال: <أيها الناس المجتمعة أبدانهم المختلفة أهواؤهم، كلامكم يوهي الصم الصلاب وفعلكم يطمع فيكم الأعداء ، تقولون في المجالس كيت وكيت فإذا جاء القتال قلتم: حيدي حياد(1) ما عزت دعوة من دعاكم ولا استراح قلب من قاساكم. أعاليل بأضاليل دفاع ذي الدين المطول، لا يمنع الضيم الذليل، ولا يدرك الحق إلا بالجد، أي دار بعد داركم تمنعون ومع أي إمام بعدي تقاتلون. المغرور والله من غررتموه، ومن فاز بكم فقد فاز والله بالسهم الأخيب، ومن رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل(2) أصبحت والله لا أصدق قولكم ولا أطمع في نصركم ولا أوعد العدو بكم>(3).
فها هو ذا علي رضي الله عنه الذي يغالون فيه ذلك الغلو المفرط يشتكي من خذلانهم له وتفرقهم عنه عند القتال.
وخذلوا أيضا أبناءه من بعده، فقد خذلوا الحسين رضي الله عنه أعظم خذلان حيث كتبوا له كتبا عديدة في توجهه إليهم، فلما قدم عليهم ومعه الأهل والأقارب والأصحاب، تركوه وتقاعدوا عن نصرته وإعانته بل انضم أكثرهم إلى أعدائه خوفا وطمعا، وصاروا سببا في شهادته وشهادة كثير من أهل بيته من بينهم الأطفال والنساء(4).
وخذلوا أيضا زيد بن علي بن الحسين فقد تعهدوا بنصرته وإعانته فلما جد الأمر وحان القتال أنكروا إمامته لعدم براءته من الخلفاء الثلاثة فتركوه في أيدي الأعداء، ودخلوا به الكوفة فقتل(5).
طعن اليهود والشيعة في الله تبارك وتعالى
لا يوجد اختلاف بين ما ينسبه اليهود من الندم والحزن لله تعالى، وبين ما ينسبه الشيعة من البداء إلى الله تعالى.(1/57)
بل إني لا أشك في أنّ عقيدة البداء عند الشيعة، قد أخذت من أسفار اليهود بالنص، مع تغيير يسير في بعض الألفاظ والعبارات، والتشابه بين هاتين العقيدتين يتضح من خلال ما يلي:
ما ينسبه اليهود من الندم والحزن والأسف إلى الله تعالى وما ينسبه الشيعة إليه تعالى من البداء يفضي في النهاية إلى نتيجة واحدة وهي نسبة الجهل لله تعالى وأن الله لا يعلم المصالح إلا بعد حدوث الحوادث وأن الأمور المستقبلة لا تدخل تحت علم الله وقدرته تعالى الله عن ذلك(1).
- نسبة اليهود الندم والحزن إلى الله تعالى :
لا يتورع اليهود كما هي عادتهم، عن وصف الله تعالى بصفات النقص كالندم، والحزن، والأسف. وقد جاءت في أسفار اليهود نصوص كثيرة ورد فيها إطلاقهم هذه الصفات على الله تعالى.
ومن النصوص التي نسبوا فيها الندم إلى الله تعالى : ما جاء في سفر الخروج أن الله أراد أن يهلك بني إسرائيل الذين خرجوا مع موسى من مصر فطلب موسى من الله أن يرجع عن رأيه في إهلاك شعبه قائلا له: <ارجع عن حمو غضبك، واندم على الشر بشعبك. اذكر ابراهيم وإسحاق وإسرائيل عبيدك، الذين حلفت لهم بنفسك، وقلت لهم: أكثر نسلكم. كل هذه الأرض التي تكلمت عنها فيملكونها إلى الأبد. فندم الرب على الشر الذي قال إنه يفعله بشعبه>(1).
وجاء في التلمود : < ويندم الله على تركه اليهود في حالة التعاسة، حتى إنه يلطم ويبكي كل يوم، فتسقط من عينيه دمعتان في البحر، فيسمع دويهما من بدء العالم إلى أقصاه. وتضطرب المياه، وترتجف الأرض في أغلب الأحيان، فتحصل الزلازل>(2).
هذا ما جاء في كتب اليهود من إطلاقهم صفة الندم على الله تعالى. ولا يخفى ما في هذه الصفة من نسبة الجهل إلى الله تعالى - تقدس الله عن ذلك - وذلك أن الندم على فعل معين لا يكون إلا بحدوث علم جديد، يظهر منه مخالفة المصلحة لذلك الفعل.
أما النصوص التي دلت على وصفهم الله تعالى بالحزن والأسف(1) على بعض أفعاله.(1/58)
فقد جاء في سفر التكوين <ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم، فحزن أنه عمل الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه. فقال الرب: أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته. الإنسان مع بهائم ودبّابات وطيور السماء، لأني حزنت أني عملتهم>(2).
فمفهوم هذا النص أن الله تعالى خلق الإنسان ولم يكن يعلم أنه سيصدر منه الشر مستقبلا، فلما صدر منه ذلك حزن وتأسف على خلقه له، تعالى الله عن ذلك.
نسبة الشيعة البداء لله تعالى:
يطلق البداء في اللغة على معنين :
المعنى الأول : (الظهور بعد الخفاء) :
يقال بَدَا: بدْوَا بدْوا وبُدُوّاً وبداءً وبداءَةً وبُدُواً: ظهر وأبديته، وبداءة الشيء: أول ما يبدو منه: وبادي الرأى ظاهره(1).
وقد دل على هذا المعنى قوله تعالى : {وبدا لهم من الله مالم يكونوا يحتسبون}(2). قال ابن كثير في تفسير هذه الآية، <أي وظهر لهم من الله، من العذاب، والنكال بهم، ما لم يكن في بالهم ولا في حسابهم>(3).
ودل عليه أيضا قوله تعالى: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله}(4).
المعنى الثاني : ( نشأة رأي جديد) .
قال الجوهري : بدا له في الأمر بداء أي نشأ له فيه رأي(5).
وقال صاحب القاموس المحيط : بدا له في الأمر بْدواً وبداءً وبداة نشأ له فيه رأي(6).
قال : محمد التونسوي : وقد دل على هذا المعني قوله تعالى: {ثم بدا لهم من بعدما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين}(7).
> والبداء بمعنييه يستلزم سبق الجهل وحدوث العلم، وكلاهما محال على الله تعالى>(1).
والشيعة يجيزون إطلاق لفظ البداء على الله تعالى: بل بالغوا في ذلك حتى أصبح اطلاق لفظ البداء على الله عقيدة لها مكانها في دين الشيعة، وقد جاءت روايات كثيرة في كتبهم في تعظيم هذه العقيدة، والحث على التمسك بها.
جاء في أصول الكافي في (كتاب التوحيد) تحت باب البداء عدة روايات في بيان فضل البداء أختار منها: -(1/59)
عن زرارة بن أعين عن أحدهما عليهما السلام قال:(2) < ماعبد الله بشيء مثل البداء>.
وعن أبي عبد الله عليه السلام : <ماعظم الله بمثل البداء>.
وعن أبي عبد الله عليه السلام : <ما بعث الله نبيا حتى يأخذ عليه ثلاث خصال: الإقرار له بالعبودية، وخلع الأنداد، وأن الله يقدم ما يشاء ويؤخر ما شاء>.
وعن مالك الجهني قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: <لو علم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ما فتروا عن الكلام فيه>.
وعن الريان بن الصلت قال : سمعت الرضا عليه السلام يقول: <ما بعث الله نبيا قط إلا بتحريم الخمر، وأن يقر لله بالبداء>(3).
ويقول الخوئي في بيان فضل البداء <والقول بالبداء: يوجب انقطاع العبد إلى الله، وطلبه اجابة دعائه منه، وكفاية مهماته، وتوفيقه للطاعة، وإبعاده عن المعصية>(1).
وعقيدة البداء محل إجماع علماء الشيعة : وقد نقل إجماعهم على هذه العقيدة شيخهم الكبير: المفيد في كتابه (أوائل المقالات) وصرح بمخالفة الشيعة في هذه العقيدة لسائر الفرق الإسلامية.
فقال: > اتفقت الإمامية على وجوب رجعة كثير من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة وإن كان بينهم في معنى الرجعة اختلاف، واتفقوا على إطلاق لفظ البداء في وصف الله تعالى وإن كان ذلك من جهة السمع دون القياس(2).
وقال في كتاب تصحيح الاعتقاد: <قول الإمامية في البداء طريقه السمع دون العقل وقد جاءت الأخبار به عن الأئمة عليهم السلام>(3).
وهذه العقيدة لم ينكرها أحد من علماء الشيعة، وذلك لكثرة الروايات التي دلت عليها واستفاضتها في كتبهم، وإنما حاول بعضهم أن يؤول معنى (البداء) على غير معناه المعروف في اللغة لما رأوا تشنيع المسلمين عليهم في هذه العقيدة الفاسدة، فقالوا إن إطلاق لفظ البداء على الله لا يستلزم الجهل وأن البداء في التكوين كالنسخ في التشريع(4) وغيرها من الأعذار الواهية التي حاولوا أن يدفعوا بها عن أنفسهم فضيحة تلك العقيدة الفاسدة.(1/60)
وسأثبت في هذا المبحث أن معنى البداء الذي يطلقونه في كتبهم على الله تعالى، لا يخرج عن معناه اللغوي الذي ذكرته سابقا والذي يستلزم نسبة الجهل لله، تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
ولإثبات هذا سأورد جملة من الروايات التي صرحوا فيها بجواز تغير الرأي على الله تعالى، وحدوث العلم وتجدده عليه، تعالى الله عن ذلك.
روى العياشي في تفسيره: عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: {وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة}(1) قال: <كان في العلم والتقدير ثلاثين ليلة ثم بدا لله فزاد عشرا فتم ميقات ربه الأول والآخر، أربعين ليلة>(2).
فهذه الرواية صريحة في نسبة حدوث العلم لله تعالى فقوله: (كان في العلم والتقدير ثلاثين ليلة) يلزم منه أن الله تعالى لم يكن يعلم من ميقات موسى إلا الثلاثين ليلة. وهي التي في علمه وتقديره، أما العشر الأخرى فإن هذه الزيادة لم تكن معلومة له بل هي خارجة عن العلم والتقدير، وإنما بدا له فيها بعد ذلك.
ومن الروايات الصريحة في نسبتهم تغير الرأى وتجدده إلى الله تعالى. مارواه الكليني بسنده إلى أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام أنهما قالا: <إن الناس لما كذبوا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هَمَّ الله تبارك وتعالى بهلاك أهل الأرض إلا عليا فما سواه بقوله: {فتول عنهم فما أنت بملوم}(3) ثم بدا له فرحم المؤمنين، ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين}(4)،(5).
ولا يخفى ما في هذه الرواية من الافتراء والكذب على رب العالمين وذلك بنسبتهم البداء الذي هو تغير الرأى وتجدده إلى الحكيم العليم .
ومن الروايات الصريحة الدالة على نسبتهم الجهل إلى الله تعالى.
ما رووه عن جعفر الصادق أنه قال: ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني(1).(1/61)
وهذه الرواية لها مناسبة وهي : ما نسبوه إلى جعفر الصادق أنه نص على إمامة ابنه إسماعيل ثم مات إسماعيل، في حياة أبيه(2). فكان المخرج من هذه الفضيحة نسبه البداء إلى الله تعالى.
وقد فسر هذه الرواية الصدوق قال: أما قوله <ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني> فإنه يقول : <ما ظهر لله أمر كما ظهر له في إسماعيل ابني إذ أخترمه في حياتي>(3) والذي يفهم من هذا أن موت إسماعيل ظهر لله بعد أن كان خافيا عليه، وأنه لم يكن معلوما له قبل حدوثه تنزه الله عن ذلك.
وفي رواية أخرى يروونها عن جعفر في موت ابنه إسماعيل أيضا أنه قال: <كان القتل قد كتب على إسماعيل مرتين فسألت الله في دفعه فدفعه>(4).
ومن الروايات التي ينسبون إلى الله فيها البداء: ما رواه الكليني عن علي بن محمد عن إسحاق بن محمد عن أبي هاشم الجعفري قال:
> كنت عند أبي الحسن عليه السلام بعد ما مضى ابنه أبو جعفر وإني لأفكر في نفسي، أريد أن أقول كأنهما أعني: أبا جعفر، وأبا محمد، في هذا الوقت كأبي الحسن موسى وإسماعيل ابني جعفر بن محمد عليهم السلام، وأن قصتهما كقصتهما، إذ كان أبو محمد المرجى بعد أبي جعفر عليه السلام. فأقبل علي أبو الحسن قبل أن أنطق فقال: نعم ياأبا هاشم بدا لله في أبي محمد بعد أبي جعفر عليه السلام، ما لم يكن يعرف له، كما بدا له في موسى بعد مضي إسماعيل ما كشف به عن حاله، وهو كما حدثتك نفسك، وإن كره المبطلون وأبو محمد ابني الخلف من بعدي، عنده علم ما يحتاج إليه، ومعه آلة الإمامة>(1).
وفي رواية أخرى يرويها الكليني عن علي بن جعفر قال: <كنت حاضرا أبا الحسن عليه السلام، لما توفي ابنه محمد، فقال للحسن: يابني أحدث لله شكرا فقد أحدث فيك أمرا>(2).
وهاتان الروايتان تدلان صراحة على نسبتهم تجدد الرأي إلى الله تعالى عن ذلك.(1/62)
وهم يزعمون أن الله تعالى قد حدد وقت خروج قائمهم المنتظر، فلما قتل الحسين غضب الله غضبا شديدا فأخره، ثم حدده مرة أخرى فحدّث به الشيعة فأخَّره الله مرة ثانية.
روى النعماني والطوسي عن أبي حمزة الثمالي قال : <سمعت أبا جعفر الباقر عليه السلام يقول: ياثابت إن الله كان قد وقّت هذا الأمر في سنة السبعين، فلما قتل الحسين عليه السلام اشتد غضب الله فأخره إلى أربعين ومائة، فلما حدثناكم بذلك أذعتم وكشفتم قناع الستر، فلم يجعل الله لهذا الأمر بعد ذلك عندنا وقتا يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب. قال أبو حمزة فحدثت بذلك أبا عبد الله الصادق عليه السلام فقال قد كان ذلك>(1).
تلك أوجه الاتفاق بين اليهود والشيعة في هذه العقيدة، وليس غريبا ان يحدث ذلك التوافق الكبير بينهما، فعبدالله بن سبأ هو الذي أسس مذهب الشيعة ودعا إليه، وقام بنشر العقائد الفاسدة بين من اغتر به من ضعفاء الناس، وكان أول ما نادى به ابن سبأ من هذه العقائد زعمه أن علي بن أبي طالب هو وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد صرح ابن سبأ نفسه، أنه لم يأخذ هذه العقيدة من مصدر اسلامي، بل أخذها من التوراة(2).
المبحث السادس
دعوى الشيعة أن الصحابة حرفوا القرآن
روى محمد بن يعقوب الكليني عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إن القرآن الذي جاء به جبريل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم سبعة عشر ألف آية(1).
مع أن القرآن الموجود بين أيدينا ستة آلاف وستمائة وست وستون آية فسقط منه الثلثان تقريبا وما بقي إلا الثلث فقط.
ويقول صاحب (مرآة العقول) في التعليق على هذا الحديث : فالخبر صحيح ولا يخفى أن هذا الخبر وكثيرا من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره، وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة معنى وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد عن الأخبار رأساً ، بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا تقصر عن أخبار الإمامة فكيف يثبتونها بالخبر(2).(1/63)
وليس هذا فقط بل يروي الكليني أن عندهم قرآناً آخر يعدل القرآن الموجود عند المسلمين ثلاث مرات، ولا يوجد فيه حرف واحد مما يوجد في القرآن الكريم .
جاء في كتاب الحجة من الكافي عن أبي بصير عن أبي عبدالله أنه قال > وإن عندنا لمصحف فاطمة، وما يدريك ما مصحف فاطمة عليها السلام. قال: قلت وما مصحف فاطمة عليها السلام؟ قال مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد>(3).
ويقول الملا خليل القزويني شارح الكافي بالفارسية ما ترجم بالعربية:
إن المراد منه أن آيات كثيرة طرحت من القرآن وليست في المصاحف المشهورة والأحاديث الصحيحة بالطرق الخاصة والعامة دالة على سقوط كثير من القرآن وهذه الأحاديث بلغت في الكثرة حداً يعتبر تكذيب جميعها جرأة ... ودعوى (أن القرآن هو هذا الموجود في المصاحف) لا يخلو عن إشكال والاستدلال باهتمام الصحابة وأهل الإسلام في ضبط القرآن استدلال ضعيف بعد الاطلاع على عمل أبي بكر وعمر وعثمان. وهكذا الاستدلال بآية {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} استدلال ضعيف، لأن الآية هنا بصيغة الماضي وفي سورة مكية وقد نزلت سور عديدة بمكة بعد هذه السورة وهذا ما عدا السور التي نزلت بالمدينة بعدها بكثير فلا دلالة فيها على أن جميع القرآن محفوظ.... وأيضا حفظ القرآن لا يدل على أن يكون محفوظاً عند عامة الناس فإنه يمكن أن يراد منه أنه محفوظ عند إمام الزمان وأتباعه الذين هم أصحاب أسراره(1).
وقال شارح نهج البلاغة ميرزا الخوئي عن قوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}. إن أصل القرآن الكريم محفوظ عند الأئمة عليهم السلام(2).
وقد ذكر القمي في كتابه الخصال رواية تدل على التحريف والنقصان.(1/64)
عن أبي الزبير عن جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون: المصحف، والمسجد، والعترة، يقول المصحف: يارب حرفوني ومزقوني ويقول المسجد: يارب عطلوني وضيعوني. وتقول العترة: يارب قتلونا وطردونا وشردونا فأجثوا للركبتين للخصومة، فيقول الله جل جلاله لي: أنا أولى بذلك(1).
وعن جابر قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما أنزله الله إلا كذاب وما جمعه وحفظه كما أنزله الله إلا علي بن أبي طالب والأئمة من بعده(2).
وروى العياشي : عن أبي عبدالله >لو قُرِءَ القرآن كما أنزل لألفيتنا فيه مُسَّمين>.
وروى عن أبي جعفر >لولا أنه زيد في كتاب الله ونقص منه، ماخفي حقنا على ذي حجى، ولو قد قام قائمنا فنطق صدَّقه القرآن>.
وذكر العياشي أيضا عن أبي جعفر : >إن القرآن قد طرح منه آي كثيرة، ولم يزد فيه إلا حروف أخطأت بها الكتبة وتوهمها الرجال>(3).
ما الذي أخفاه الصحابة من القرآن
قال نعمة الله الجزائري متهما أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتحريفهم لكتاب الله: >ولا تعجب من كثرة الأخبار الموضوعة، فإنهم بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد غيروا وبدلوا في الدين ما هو أعظم من هذا، كتغييرهم القرآن وتحريف كلماته، وحذف ما فيه من مدائح آل الرسول والأئمة الطاهرين، وفضائح المنافقين وإظهار مساويهم>(1).(1/65)
وقال عدنان البحراني بعد ما ذكر روايات استدل بها على تحريف الصحابة للقرآن : >والمستفاد من هذه الأخبار وغيرها من الروايات من طريق أهل البيت عليهم السلام أن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم بل منه ما هو خلاف ما أنزل الله، ومنه ما هو مغير محرف، وأنه قد حذف منه أشياء كثيرة منها اسم (علي) عليه السلام في كثير من المواضع، ومنها لفظة (آل محمد) صلى الله عليه وآله وسلم غيرمرة، ومنها (أسماء المنافقين) في مواضعها، ومنها غير ذلك، وأنه ليس أيضا على الترتيب المرضي عند الله، وعند الرسول صلى الله عليه وآله وسلم > (2).
وروى العياشي في مقدمة تفسيره: عن أبي جعفر أنه قال: >نزل القرآن على أربعة أرباع، ربع فينا، وربع في عدونا، وربع فرائض وأحكام، وربع سنن وأمثال، ولنا كرائم القرآن(3).
ويزعم الطبرسي أن الله تعالى عندما ذكر الجرائم في القرآن صرح بأسماء مرتكبيها، لكن الصحابة حذفوا هذه الأسماء، فبقيت القصص مكناة: يقول: >إن الكناية عن أسماء أصحاب الجرائم العظيمة من المنافقين في القرآن، ليست من فعله تعالى، وإنها من فعل المغيرين والمبدلين الذين جعلوا القرآن عضين، واعتاضوا الدنيا من الدين>(1).
ولم يكتف الطبرسي بتحريف ألفاظ القرآن، بل أخذ يؤول معانيه تبعا لهوى النفس، فزعم أن في القرآن الكريم رموزا فيها فضائح المنافقين، وهذه الرموز لا يعلم معانيها إلا الأئمة من آل البيت، ولو علمها الصحابة لأسقطوها مع ما أسقطوا منه(2).
وقال الملا محمد تقي الكاشاني في كتابه (هداية الطالبين) :
>إن عثمان أمر زيد بن ثابت الذي كان من أصدقائه هو وعدواً لعلي، أن يجمع القرآن ويحذف منه مناقب آل البيت وذم أعدائهم، والقرآن الموجود حالياً في أيدي الناس والمعروف بمصحف عثمان هو نفس القرآن الذي جمعه بأمر عثمان>(3).
دعوى أن فضائح الصحابة في القرآن(1/66)
روى الفيض الكاشاني في تفسيره الصافي عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمع عليّ رضي الله عنه القرآن وجاء به الى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم لما قد أوصاه بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم فوثب عمر فقال: ياعلي أردده فلا حاجة لنا فيه فأخذه علي عليه السلام وانصرف ثم أحضر زيد بن ثابت وكان قارئا للقرآن فقال له عمر: إن علياً جاءنا بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار، وقد أردنا أن تؤلف لنا القرآن وتسقط منه ما كان فيه فضيحة وهتك للمهاجرين والأنصار. فأجابه زيد إلى ذلك ثم قال: فإن أنا فرغت من القرآن على ما سألتم وأظهر علي القرآن الذي ألَّفه أليس قد بطل كل ما قد عملتم. ثم قال عمر: فما الحيلة؟ قال زيد: أنتم أعلم بالحيلة. فقال عمر: ما الحيلة دون أن نقتله ونستريح منه. فدبر في قتله على يد خالد بن الوليد فلم يقدر على ذلك وقد مضى شرح ذلك، فلما استخلف عمر سأل عليا أن يدفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم. قال: يا أبا الحسن إن كنت جئت به إلى أبي بكر فأت به إلينا حتى نجتمع عليه. فقال عليّ عليه السلام: هيهات ليس إلى ذلك سبيل إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم ولا تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا ما جئتنا به، إن القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي فقال عمر فهل وقت لإظهاره معلوم؟ قال علي عليه السلام: نعم إذا قام القائم من ولدي يظهره ويحمل الناس عليه فتجري السنة به(1).
لذا فقد بوب الكليني باباً بعنوان (إنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة وأنهم يعلمون علمه كله)(1).
1- عن أبي عبدالله عليه السلام قال: >أنزل الله في القرآن سبعة بأسمائهم، فمحت قريش ستة وتركوا أبا لهب (2)(1/67)
2- وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: دفع إليَّ أبو الحسن عليه السلام مصحفا، فقال: لا تنظر فيه، ففتحته وقرأت فيه، { لم يكن الذين كفروا }(3) فوجدت فيها سبعين رجلا من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم، قال فبعث إليّ ابعث إليّ بالمصحف(4).
3- وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من كان كثير القراءة لسورة الأحزاب كان يوم القيامة في جوار محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأزواجه ثمَّ قال: سورة الأحزاب فيها فضائح الرجال والنساء من قريش وغيرهم، ياابن سنان: إنَّ سورة الأحزاب فضحت نساء قريش من العرب، وكانت أطول من سورة البقرة، ولكن نقصوها وحرفوها(5).
فضائل آل البيت وإمامة علي في القرآن
بوب ثقة الإسلام الشيعي محمد بن يعقوب الكليني في كتابه الكافي باب (نكت ونتف من التنزيل في الولاية) وذكر في هذا الباب أحاديث كثيرة تدعي التحريف في القرآن أختصِرُ منها:
1- ما رواه أبو بصير عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عز وجل {ومن يطع الله ورسوله (في ولاية علي وولاية الأئمة من بعده) فقد فاز فوزا عظيما} هكذا نزلت(1).
2- وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله تعالى: {سأل سائل بعذاب واقع للكافرين (بولاية علي) ليس له دافع} ثم قال: هكذا والله نزل بها جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله وسلم(2).
3- عن أبي جعفر عليه السلام قال: نزل جبرائيل عليه السلام بهذه الآية على محمد صلى الله عليه وآله وسلم هكذا: {فبدل الذين ظلموا (آل محمد حقهم) قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا (آل محمد حقهم) رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون}(3).(1/68)
4- عن أبي جعفر عليه السلام قال نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية هكذا {إن الذين ظلموا (آل محمد حقهم) لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا}. ثم قال: {يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم (في ولاية علي) فآمنوا خيرا لكم وإن تكفروا (بولاية علي) فإن لله ما في السموات وما في الأرض}(1).
5- عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال هكذا نزلت هذه الآية: {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به (في علي) لكان خيرا لهم}(2).
6- قرأ رجل عند أبي عبد الله {قل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} فقال: ليس هكذا هي، إنما هي والمأمونون، فنحن المأمونون(3).
7- عن أبي جعفر عليه السلام قال: نزل جبريل بهذه الآية هكذا: {فأبى أكثر الناس (بولاية علي) إلا كفوراً}. قال: ونزل جبريل عليه السلام بهذه الآية هكذا: {وقل الحق من ربكم (في ولاية علي) فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. إنا أعتدنا للظالمين (آل محمد) نارا}(4).
وقال القمي في تفسيره : وأما ما هو محرف منه فهو قوله {لكن الله يشهد بما أنزل إليك (في علي) أنزله بعلمه والملائكة يشهدون}(5). وقوله {ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك (في علي) وإن لم تفعل فما بلغت رسالته}(6). وقوله: {إن الذين كفروا وظلموا (آل محمد حقهم) لم يكن الله ليغفر لهم}(7). وقوله {وسيعلم الذين ظلموا (آل محمد حقهم) أي منقلب ينقلبون}(8). وقوله {ولو ترى الذين ظلموا (1) (آل محمد حقهم) في غمرات الموت}(2). ثم قال ومثله كثير نذكره في مواضعه(3).
وقد ذكر العلامة الشيعي ميرزا الخوئي في كتاب منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة روايات كثيرة تدل على التحريف والنقصان في القرآن. ووضع هذه الروايات تحت عنوان: الأدلة الدالة على وجود النقصان.(1/69)
وقد استخرج هذه الأحاديث من كتاب تذكرة الأئمة عن تفسير الكازر، والمولى فتح الله عن مصحف ابن مسعود، وهي آيات كثيرة في سور متعددة.
ففي المائدة {ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك (في شأن علي) وإن لم تفعل فما بلغت رسالته}.
وفي الرعد {إنما أنت منذر (وعلي) لكل قوم هاد}.
وفي الشعراء {وسيعلم الذين ظلموا (آل محمد حقهم) أي منقلب ينقلبون} .
وفي الصافات : {وقفوهم إنهم مسئولون (في ولاية علي) ما لكم لا تناصرون}.
وفي النساء : {أم يحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله فقد آتينا آل ابراهيم (وآل محمد) الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما}.
وفي الزمر{فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون (بعلي بن أبي طالب) } .
وفي طه {ولقد عهدنا إلى آدم من قبل (كلمات في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والتسعة من ذرية الحسين فنسي) ولم نجد له عزما} ورواه أيضا في الكافي عن الصادق عليه السلام إلا أن في آخره والأئمة من ذريتهم بدل قوله والتسعة، ثم قال هكذا والله نزلت على محمد صلى الله عليه وآله وسلم(1).
وفي النجم {فأوحى إلى عبده (في علي ليلة المعراج) ما أوحى}.
وفي آية الكرسي {الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض (وما تحت الثرى، عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم) من ذا الذي يشفع عنده}(2).
وفي الأحزاب قوله {وكفى الله المؤمنين القتال (بعلي بن أبي طالب) وكان الله قويا عزيزا}.(1/70)
ومنها سورة الولاية {بسم الله الرحمن الرحيم ياأيها الذين آمنوا بالنبي والولي الذين بعثناهما يهديانكم إلى صراط مستقيم نبي وولي بعضهما من بعض، وأنا العليم الخبير، إن الذين يوفون بعهد الله لهم جنات النعيم، فالذين إذا تليت عليهم آياتنا كانوا بآياتنا مكذبين، إن لهم في جهنم مقام عظيم، نودي لهم يوم القيامة أين الضالون المكذبون للمرسلين، ما خلفهم المرسلين إلا بالحق، وما كان الله لينظرهم إلى أجل قريب فسبح بحمد ربك وعلي من الشاهدين}(1).
وقال العلامة الشيعي ميرزا الخوئي أيضاً : ومنها سورة النورين(2)، تركت ذكرها لكونها مع طولها مغلوطة لعدم وجود نسخة مصححة عندي يصح الركون إليها(3).
دعوى علماء الشيعة تحريف القرآن
قال فيلسوف الفقهاء الشيعي الفيض الكاشاني <وأما اعتقاد مشايخنا <ره> في ذلك فالظاهر من ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني طاب ثراه أنه كان يعتقد التحريف والنقصان في القرآن لأنه كان روى روايات في هذا المعنى في كتابه الكافي ولم يتعرض لقدح فيها مع أنه ذكر في أول الكتاب أنه كان يثق بما رواه فيه، وكذلك استاذه علي ابن ابراهيم القمي (ره) فإن تفسيره مملوء منه وله غلو فيه، وكذلك الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي فإنه أيضاً نسج على منوالهما في كتاب الاحتجاج، وأما الشيخ أبو علي الطبرسي فإنه قال في مجمع البيان: أما الزيادة فيه فمجمع على بطلانه وأما النقصان فيه فقد روى جماعة من أصاحبنا وقوم من حشوية العامة أن في القرآن تغييراً ونقصانا>(1).
وقال السيد طيب الموسوي الجزائري صاحب مقدمة تفسير القمي : -(1/71)
> أما الخاصة فقد تسالموا على عدم الزيادة في القرآن بل ادعى الإجماع عليه، أما النقيصة فإنه ذهب جماعة من العلماء الإمامية إلى عدمها أيضاً وأنكروها غاية الأنكار كالصدوق والسيد المرتضى وأبي علي الطبرسي في <مجمع البيان> والشيخ الطوسي في التبيان(2)، ولكن الظاهر من كلمات غيرهم من العلماء والمحدثين المتقدمين منهم والمتأخرين القول بالنقيصة كالكليني، والبرقي، والعياشي، والنعماني، وفرات بن ابراهيم، وأحمد بن أبي طالب الطبرسي صاحب كتاب الاحتجاج، والمجلسي، والجزائري، والحر العاملي، والعلامة الفتوني، وعدنان البحراني، وقد تمسكوا في إثبات مذهبهم بالآيات والروايات التي لا يمكن الأغماض عنها(1).
وقد سئل آية الله علي الأصفهاني في كتابه (آراء حول القرآن) عن من يقول بتحريف القرآن من علماء الشيعة مع ذكر أدلتهم؟
فأجابهم قائلا : إن جماعة من المحدثين وحفظة الأخبار استظهروا التحريف بالنقيصة من الأخبار، ولذلك ذهبوا إلى التحريف بالنقصان .
وأولهم فيما أعلم علي بن ابراهيم في تفسيره، ويظهر ذلك من الكليني حيث روى الأحاديث الظاهرة في ذلك ولم يعلق شيئا عليها، وذهب السيد الجزائري الى التحريف في شرحيه على التهذيبين وأطال البحث في ذلك في رسالة سماها <منبع الحياة>.(1/72)
وقال الشيخ محمد حسين الأصفهاني النجفي والد شيخنا في الرواية أبي المجد الشيخ آغا رضا النجفي (قدهما) في تفسيره: والأحاديث الظاهرة في تغيير القرآن وتبديله والتقديم والتأخير والزيادة والنقيصة وغير ذلك كثيرة، حتى نقل بعض العارفين المحدثين عن السيد نعمة الله الجزائري أنه ذكر في الرسالة الصلاتية - أن الأخبار الدالة على ذلك تزيد على ألفي حديث، وذكر أنه لم يقف على حديث واحد يشعر بخلاف ذلك، وقال: القرآن الموجود الآن ستة آلاف آية وستمائة وست وستون آية تقريبا، والمروي في صحيحة هشام الجواليقي: <أن القرآن الذي نزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم سبعة عشر ألف آية وفي رواية ثمانية عشر ألف آية>(1) ، ونقل عن سعد بن ابراهيم الأردبيلي من علماء العامة في كتاب <الأربعين> أنه روى بإسناده إلى المقداد بن الأسود الكندي قال: كنت مع رسول الله متعلقا بأستار الكعبة ويقول: <اللهم أعني واشدد أزري واشرح صدري وارفع ذكري> فنزل جبريل (ع) وقال له اقرأ : {ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي انقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك بعلي صهرك}، فقرأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ابن مسعود فألحقها في تأليفه وأسقطها عثمان(2)، انتهى المقصود من كلامه، ولعل المراد من ألفي حديث، الطرق المتعددة من الشيعة وأهل السنة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة رضي الله عنهم . ورأينا من بعض السادة الأجلة من الجامعين للأخبار رسالة فيها مباحث روائية وبالغ في ذكر الأخبار التي يظهر منها وقوع التحريف ولاسيما بالنقيصة، وقال السيد صدر الدين في شرحه على قول المولى في الوافية: وقد وقع الخلاف في تغييره(3).(1/73)
وأقول إن السيد نعمة الله (قده) قد استوفى الكلام في هذا المطلب في مؤلفاته كشرح التهذيب والاستبصار ورسالته (منبع الحياة) وأنا أنقل ما في الرسالة لأن فيه كفاية، قال (ره): <إن الأخبار المستفيضة بل المتواترة قد دلت على وقوع الزيادة والنقصان والتحريف في القرآن>، منها ما روي عن أمير المؤمنين رضي الله عنه لما سئل عن التناسب بين الجملتين في قوله تعالى: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع}(1)، فقال: <لقد سقط من بينهما أكثر من ثلث القرآن>.
ومنها ما روي عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى: {كنتم خير أمة}(2)، قال: <كيف تكون هذه الأمة خير أمة وقد قتلوا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس هكذا أنزلت وإنما نزلت خير أئمة>(3)، أي الأئمة من أهل البيت.
ومنها الأخبار المستفيضة في أن آية الغدير هكذا نزلت: {ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} في علي(4) {وأن لم تفعل فما بلغت رسالته}(5)، إلى غير ذلك مما لو جمع لصار كتاباً كبير الحجم، وأما الأزمان التي ورد على القرآن فيها التحريف والزيادة والنقصان فهما عصران : العصر الأول عصره صلى الله عليه وآله وسلم وأعصار الصحابة وذلك من وجوه(6). ا.هـ .
وقال ميرزا الخوئي في كتابه منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: <إنه لابد أن يعلم أن القرآن الذي نزل به الروح الأمين على سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم وآله أجمعين هل هو ما بين الدفتين وما وصل إلينا وتناولته أيدينا أم لا؟ بل الواصل إلينا بعض القرآن وأن القرآن الأصيل الذي نزل به جبريل قد حرف وبدل وزيد عليه ونقص منه، واختلف فيه الأصحاب.
فالذي ذهب إليه أكثر الأخباريين على ما حكى عنهم السيد الجزائري في رسالة منبع الحياة وكتاب الأنوار هو وقوع التحريف والزيادة والنقصان.(1/74)
وإليه ذهب علي بن ابراهيم القمي وتلميذه محمد بن يعقوب الكليني، والشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي، والمحدث العلامة المجلسي قدس الله روحهم(1).
يقول إمامهم المقدس الذي لا يكادون يخالفون له أمرا في هذا العصر (ونائب إمامهم المعصوم) الخميني في كتابه الفارسي (كشف الأسرار) والذي أعلن فيه الخميني عن عقيدته في القرآن وفي الصحابة صراحة دون اللجوء إلى التقية: ما نصه <لو كانت مسألة الإمامة قد تم تثبيتها في القرآن، فإن أولئك الذين لا يعنون بالإسلام والقرآن إلا لأغراض الدنيا والرئاسة، كانوا يتخذون من القرآن وسيلة لتنفيذ أغراضهم المشبوهة، ويحذفون تلك الآيات من صفحاته ويسقطون القرآن من أنظار العالمين إلى الأبد، ويلصقون العار - وإلى الأبد - بالمسلمين وبالقرآن ويثبتون على القرآن ذلك العيب الذي يأخذه المسلمون على كتب اليهود والنصارى(2).
وجاء في كتاب تحرير الوسيلة للخميني هذا النص: <يكره تعطيل المسجد، وقد ورد أنه أحد الثلاثة الذين يشكون إلى الله عز وجل>(3).
وبالرجوع إلى مصادرهم المعتمدة نتعرف على الثلاثة الذين يشكون إلى الله تعالى الذين أشار إليهم الخميني جاء في كتاب الخصال <يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون إلى الله عز وجل: المصحف والمسجد والعترة يقول المصحف يارب حرفوني ومزقوني>(1).
وأما عامة الشيعة فإنهم يعملون بتحريف القرآن وهم لا يشعرون في وضوئهم للصلاة. فإنهم يبدأون غسل أيديهم أثناء الوضوء من المرافق مخالفين فيها قول الله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق}(2).
وقد بوب النوري الطبرسي في كتابه مستدرك الوسائل بابا بعنوان: (وجوب الابتداء في غسل الوجه باعلاه، وفي غسل اليدين بالمرفقين).(1/75)
عن جعفر بن محمد الباقر، عن آبائه (صلوات الله عليهم): أن التنزيل في مصحف أمير المؤمنين (عليه السلام): {ياأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم من المرافق}(3).
وقد روى عن الصادق عليه السلام أن الآية نزلت هكذا {وأيديكم من المرافق}(4).
ومما يدل على إجماع علماء الشيعة المعاصرين على عقيدة التحريف ما جاء في كتاب (تحفة عوام مقبول) المطبوع باللغة الأردية، والموثق من عدد من آياتهم المعاصرين والمشهورين عندهم، جاء ذكر أسمائهم على الصفحات الأولى من الكتاب بالخط العريض وهم:
1- العلامة الفقيه آية الله العظمى الحاج السيد محمود الحسيني (نجف أشرف).
2- العلامة الفقيه آية الله العظمى الحاج السيد أبو القاسم الخوئي (نجف أشرف).
3- العلامة الفقيه آية الله العظمى الحاج السيد محمد كاظم شريعتمداري (قم).
4- العلامة الفقيه آية الله العظمى الحاج السيد محسن حكيم الطبطبائي (نجف أشرف).
5- العلامة الفقيه آية الله العظمى الحاج السيد روح الله الخميني.
6- العلامة الفقيه سيد علي نقي النقوي(1).
كما جاء تقريظ هذا الكتاب ممن أطلقوا عليه لقب (ثقة الإسلام) الحاج محمد بشير أنصاري(2).
وقد تضمن هذا الكتاب نصا بالعربية في حدود صفحتين، وهو دعاء يسمى عندهم دعاء (صنمي قريش) - يعنون بهما أبا بكر وعمر رضي الله عنهما - وفي هذا الدعاء من اللعن والسب والشتم للشيخين ما لا يمكن وصفه(3).
وسأكتفي من هذا النص بموضع الشاهد للحديث هنا <بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم العن صنمي قريش، وجبتيهما، وطاغوتيهما، وإفكيهما، وابنتيهما، اللذين خالفا أمرك، وأنكرا وحيك، وعصيا رسولك، وقلبا دينك، وحرفا كتابك ... اللهم العنهما بكل آية حرفوها<(1).
استفاضة روايات التحريف عند علماء الشيعة(1/76)
ذكر النوري الطبرسي في كتابه (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) في الفصل الحادي عشر من الباب الأول الذي عنون له بقوله (الأخبار الكثيرة المعتبرة الصريحة في وقوع السقط ودخول النقصان في الموجود من القرآن).
وفي الفصل الثاني عشر من الباب نفسه الذي كان عنوانه (الأخبار الواردة في الموارد المخصوصة من القرآن الدالة على تغيير بعض الكلمات والآيات والسور).
ذكر تحت هذين الفصلين فقط حشدا كبيرا من الروايات الدالة على وقوع التحريف في القرآن بلغ عددها (2061) رواية - هذا غير ما ذكره في الفصول العشرة الأولى وفي المقدمة - وقال معتذرا عن قلة ما جمعه < ونحن نذكر منها ما يصدق به دعواهم مع قلة البضاعة >(1). وقال موثقا هذه الروايات < واعلم أن تلك الأخبار منقولة من الكتب المعتبرة التي عليها معول أصحابنا في إثبات الأحكام الشرعية والآثار النبوية>(2).
هذا ما ذكره النوري الطبرسي في كتابه من روايات التحريف، مع قلة بضاعته!! وليكن في المعلوم أن تلك الروايات موثقة عند علمائهم كما ذكر الطبرسي وقد ادعى استفاضتها بل تواترها غير واحد من علماء الشيعة المشهورين.
قال عدنان البحراني : القول بالتحريف والتغيير من المسلمات ، وهو إجماع الفرقة المحقة ، وكونه من ضروريات مذهبهم(1).
قال علي الكوفي أبو القاسم : أجمع أهل النقل والآثار من الخاص والعام، أن هذا الذي في أيدي الناس من القرآن ليس هذا القرآن كله(2).
قال المفيد : إن الأخبار جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى، من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم باختلاف القرآن، وما أحدثه بعض الظالمين فيه من الحذف والنقصان(3)،(4).(1/77)
وقال أبو الحسن العاملي الشيعي الكبير في مقدمة تفسير البرهان <اعلم أن الحق الذي لا محيص عنه بحسب الأخبار المتواترة الآتية وغيرها: أن هذا القرآن الذي في أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيء من التغييرات، وأسقط الذين جمعوه بعده كثيرا من الكلمات والآيات>(5).
وقال أيضاً < وعندي في وضوح صحة هذا القول ( تحريف القرآن وتغييره) بعد تتبع الأخبار وتفحص الآثار، بحيث يمكن الحكم بكونه من ضروريات مذهب التشيع وأنه من أكبر مقاصد غصب الخلافة(1).
ويقول محمد باقر المجلسي في شرحه لبعض الروايات الدالة على التحريف: <والأخبار من طريق الخاصة والعامة في النقص والتغيير متواترة، والعقل يحكم بأنه إذا كان القرآن منتشرا عند الناس، وتصدى غير المعصوم لجمعه يمتنع عادة أن يكون جمعه كاملا موافقا للواقع>(2).
وقال نعمة الله الجزائري : <إن الأخبار الدالة على هذا (التحريف) تزيد على ألفي حديث. وادعى استفاضتها جماعة كالمفيد، والمحقق الداماد، والعلامة المجلسي، وغيره بل الشيخ الطوسي أيضاً صرح في (التبيان) بكثرتها بل ادعى تواترها جماعة>(3).
وقال أيضاً < إن تسليم تواتره عن الوحي الإلهي (يريد القراءات السبع)، وكون الكل قد نزل به الروح الأمين، يفضي إلى طرح الأخبار المستفيضة، بل المتواترة، الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن، كلاما، ومادة، وإعرابا، مع أن أصحابنا قد أطبقوا على صحتها والتصديق بها>(4).
ومما يدل على استفاضة هذه الروايات وتواترها عندهم: أن هناك كثيراً من علماء الشيعة قد صنفوا كتبا مستقلة لإثبات التحريف، مما يدل على كثرة الروايات عندهم واشتهار هذه العقيدة بينهم:
قال النوري الطبرسي في (فصل الخطاب) <ويظهر من تراجم الرواة أيضاً شيوع هذا المذهب حتى أفرد له بالتصنيف جماعة فمنهم : -(1/78)
1- الشيخ الثقة أحمد بن محمد بن خالد البرقي، صاحب كتاب المحاسن، المشتمل على كتب كثيرة، وعد الشيخ الطوسي في الفهرست والنجاشي من كتبه (كتاب التحريف).
2- والده الثقة محمد بن خالد عدّ النجاشي من كتبه (كتاب التنزيل والتغيير).
3- الشيخ الثقة الذي لم يعثر له على زلة في الحديث، كما ذكروا علي بن الحسن بن فضال، عد من كتبه: (كتاب التنزيل من القرآن والتحريف).
4- محمد بن الحسن الصيرفي، في الفهرست له (كتاب التحريف والتبديل).
5- أحمد بن محمد بن سيار، عدّ الشيخ والنجاشي من كتبه (كتاب القراءات) وقد نقل عنه ابن ماهيار الثقة في تفسيره كثيرا، وكذا الشيخ حسن بن سليمان الحلي تلميذ الشهيد في مختصر البصاير، وسماء (التنزيل والتحريف).
6- الثقة الجليل محمد بن العباس بن علي بن مروان الماهيار، المعروف بابن الحجام. وفي الفهرست له: (كتاب قراءة أمير المؤمنين عليه السلام) وكتاب (قراءة أهل البيت عليهم السلام).
وقد أكثر من نقل أخبار التحريف في كتابه .
7- أبو طاهر عبدالواحد بن عمر القمي، ذكر ابن شهر أشوب في معالم العلماء أن له كتابا في (قراءة أمير المؤمنين عليه السلام وحروفه).
8- صاحب كتاب (تفسير القرآن وتأويله، وتنزيله، وناسخه، ومنسوخه، ومحكمه، ومتشابهه، وزيادات حروفه، وفضائله، وثوابه، روايات الثقات عن الصادقين من آل رسول الله صلوات الله عليهم أجمعين) كذا في (سعد السعود) للسيد الجليل علي بن طاؤس.
9- صاحب كتاب (مقرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلي بن أبي طالب والحسن، والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد وزيد ابني علي بن الحسين وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر صلوات الله عليهم).
10- صاحب كتاب (الرد على أهل التبديل) ذكره ابن شهر أشوب في مناقبه، كما في البحار، ونقل عنه بعض الأخبار الدالة على أن مراده من أهل التبديل: هو العامة، وغرضه من الرد هو الطعن عليهم به، لأن السبب فيه إعراض أسلافهم عن حفّاظه وواعيه>(1)،(2).(1/79)
أين القرآن المحفوظ عند الشيعة ؟
إن معتقد الشيعة في القرآن هو أنه محفوظ عند المهدي المنتظر وقد أخذه علي بن أبي طالب رضي الله عنه من الصحابة بعد أن عرضه عليهم ورفضوه وأعطاه الحسن ثم إلى الحسين إلى أن أصبح القرآن عند المهدي المنتظر وبعد ذلك يخرج القرآن مع خروج المهدي.
فقد روى المجلسي رواية استخرجها من كتاب الغيبة للنعماني: عن أبي بصير قال: قال أبو جعفر عليه السلام: <يقوم القائم بأمر جديد وكتاب جديد وقضاء جديد على العرب شديد، ليس شأنه إلا بالسيف لا يستتيب أحدا ولا تأخذه في الله لومة لائم>(1).
وقد روى الكليني في كافيه عن أبي الحسن عليه السلام أنه قال له رجل: قلت له: جعلت فداك إنا نسمع الآيات في القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها ولا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم فهل نأثم فقال لا اقرأوا كما تعلمتم فسيجيئكم من يعلمكم>(2).
قال الكاشاني معلقا على الحديث: أقول يعني به صاحب الأمر عليه السلام(3).
وذكر الكليني في كافيه عن سالم بن سلمة قال: قرأ رجل على أبي عبدالله عليه السلام وأنا أستمع حروفا من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس. فقال أبو عبدالله عليه السلام: كف عن هذه القراءة واقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم عليه السلام فإذا قام قرأ كتاب الله تعالى على حده وأخرج المصحف الذي كتبه علي عليه السلام، وقال: أخرجه علي عليه السلام إلى الناس حين فرغ منه وكتبه، فقال لهم هذا كتاب الله كما أنزله الله على محمد صلى الله عليه وآله وسلم وقد جمعته بين اللوحين فقالوا هوذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه فقال: أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبدا إنما كان علي أن أخبركم حين جمعته لتقرؤوه(1).(1/80)
وقال آية الله الأصفهاني في كتابه (آراء حول القرآن) وهذا القرآن كان عند الأئمة يتلونه في خلواتهم وربما أطلعوا عليه بعض خواصهم كما رواه ثقة الإسلام الكليني عطر الله مرقده بإسناده إلى سالم بن سلمه وذكر الحديث(2).
وقال نعمة الله الجزائري : < روي في الأخبار أنهم عليهم السلام أمروا شيعتهم بقراءة هذا الموجود من القرآن في الصلاة وغيرها والعمل بأحكامه حتي يظهر مولانا صاحب الزمان فيرتفع هذا القرآن من أيدي الناس إلي السماء ويخرج القرآن الذي ألفه أمير المؤمنين (ع) فيقرأ ويعمل بأحكامه>(3).
وقال أبو الحسن العاملي : < إن القرآن المحفوظ عما ذكر الموافق لما أنزله الله تعالى، ما جمعه علي (ع) وحفظه إلى أن وصل إلى ابنه الحسن (ع) وهكذا إلى أن وصل إلى القائم (ع) <المهدي> وهو اليوم عنده صلوات الله عليه>(1).
وقال الحاج كريم خان الكرماني الملقب <بمرشد الأنام>: <إن الإمام المهدي بعد ظهوره يتلو القرآن، فيقول أيها المسلمون هذا والله هو القرآن الحقيقي الذي أنزله الله على محمد والذي حرف وبدل>(2).
وقال علي أصغر البرجردي : <الواجب أن نعتقد أن القرآن الأصلي لم يقع فيه تغيير وتبديل مع أنه وقع التحريف والحذف في القرآن الذي ألفه بعض المنافقين، والقرآن الأصلي الحقيقي موجود عند إمام العصر عجل الله فرجه>(3).
وقال محمد بن النعمان الملقب بالمفيد: <إن الخبر قد صح عن أئمتنا عليهم السلام بقراءة هذا القرآن إلى أن يقوم القائم (ع) فيقرىء الناس على ما أنزل الله تعالى وجمعه أمير المؤمنين (ع)>(4).
انكار القول بتحريف القرآن تقية
وبعد هذه النصوص التي تم إيرادها من كتب علمائهم المعاصرين نخرج بالنتيجة التالية :(1/81)
إن علماء الشيعة جميعهم يقولون بتحريف القرآن الكريم، وأن الصحابة قد حذفوا منه كثيرا من الآيات الدالة على فضائل آل البيت بهدف توليهم للسلطة بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأما ما يصرح به بعض علمائهم اليوم من القول بعدم التحريف إنما هو (تقية) يتقون بها النتائج الخطيرة التي قد تلحق بهم فيما لو صرحوا بهذه العقيدة الخبيثة .
وقد صرح بهذا أحد كبار علمائهم في الهند أحمد سلطان أحمد عندما قال: <إن علماء الشيعة الذين أنكروا التحريف في القرآن لا يحمل إنكارهم إلا على التقية>(1).
وقال نعمة الله الجزائري : <والظاهر أن هذا القول(2) إنما صدر منهم لأجل مصالح كثيرة منها سد باب الطعن عليها بأنه إذا جاز هذا في القرآن فكيف جاز العمل بقواعده وأحكامه مع جواز لحوق التحريف لها>(3).
وقال النوري الطبرسي : < لا يخفى على المتأمل في كتاب التبيان للطوسي أن طريقته فيه على نهاية المداراة والمماشاة مع المخالفين>.
ثم أتى ببرهان ليثبت كلامه إذ قال : < وما قاله السيد الجليل علي ابن طاووس في كتابه <سعد السعود> إذ قال ونحن نذكر ما حكاه جدي أبو جعفر الطوسي في كتابه <التبيان> وحملته التقيه على الاقتصار عليه(1).
وقال السيد عدنان البحراني: < فما عن المرتضى والصدوق والطوسي من إنكار ذلك(2) فاسد>(3).
وقال ميرزا الخوئي في كتابه منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة <إن الأئمة عليهم السلام إنما أمرونا بالرجوع إلى هذا الكتاب الموجود بأيدينا مع ما هو عليه من التحريف والنقصان لأجل التقية والخوف على أنفسهم وشيعتهم، فيكون ما استفدناه حكما ظاهريا بالنسبة إلينا فافهم>(4).
وهذا أبو منصور أحمد الطبرسي في كتابه الاحتجاج: ينقل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: <ولو شرحت لك كلما أسقط وحرف وبدل، مما يجري هذا المجري لطال، وظهر ما تحظر التقية إظهاره من مناقب الأولياء، ومثالب الأعداء>(5).
نسخ التلاوة(1/82)
لقد كان الأجدر بالشيعة الاثنى عشرية عندما ثبت عندهم أن علماءهم يقولون بتحريف القرآن أن يتبرؤا منهم ويكفروهم كما فعل ابراهيم عليه السلام وأصحابه قال تعالى{قد كانت لكم أسوة حسنة في ابراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا ربكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده}(1) ولكن هل فعل الشيعة ما فعله نبي الله ابراهيم؟ كلا.
إنهم ذهبوا يبحثون لهم الأعذار، وأحيانا ينكرون أنهم قالوا ذلك الكفر الصراح مع أن أولئك يثبتونه في كتبهم.
ولما لم يجد الشيعة مخرجا من هذا الخزي رأوا أن السبيل إلى الخروج منه هو اتهام أهل السنة بهذا الكفر عن طريق نسخ التلاوة الذي يقول به أهل السنة.
قال الخوئي : إن القول بنسخ التلاوة هو بعينه القول بالتحريف والإسقاط.
وقال : إن القول بالتحريف هو مذهب أكثر(2) علماء أهل السنة لأنهم يقولون بجواز نسخ التلاوة(3). وصار الآن كثير من الشيعة يلهجون بهذا الكلام، وهذا كلام باطل من وجوه :
أولاً: نسخ التلاوة ثابت بالقرآن الكريم.
- قال تعالى } ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها}(1).
- قال تعالى } وإذا بدلنا آية وكان آية}(2).
- قال تعالى }يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب}(3).
- قال تعالى }ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك}(4).
والنسخ أما أن يكون للفظ أو الحكم أو هما معاً.
ثانياً: إن نسخ التلاوة ثابت في الكتب السماوية السابقة وإلا كانت الشرائع السابقة باقية إلى الآن.
ثالثاً: أكثر علماء الشيعة الذين أنكروا التحريف والذين يتظاهر الشيعة الاثنى عشرية بالتمسك بأقوالهم كالمرتضى وأبى علي الطبرسي صاحب التفسير وشيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي كلهم وغيرهم قالوا بنسح التلاوة .
- قال المرتضى : فصل في جواز نسخ الحكم دون التلاوة ونسخ التلاوة دون الحكم(5).(1/83)
- قال أبو علي الطبرسي: النسخ في القرآن على ضروب ومنها ما يرتفع اللفظ ويثبت الحكم كآية الرجم(6).
- قال أبو جعفر الطوسي : النسخ في القرآن من أقسام ثلاثة: منها ما نسخ لفظه دون حكمه كآية الرجم وهي قوله: <والشيخ والشيخة إذا زنيا (1).
وقال : فصل في ذكر جواز نسخ الحكم دون التلاوة ونسخ التلاوة دون الحكم. جميع ما ذكرناه جائز دخول النسخ فيه(2).
- قال النوري الطبرسي : أعلم أنهم اختلفوا في نسخ التلاوة، فالمنقول عن جمهور الأصوليين هو الجواز بل في نهاية العلامة ذهب إليه أكثر العلماء ونسب الخلاف إلى شاذ من المعتزلة(3).
- وقال محمد باقر المجلسي عندما صحح آية الرجم التي رواها الكليني في كافيه(4) قال: وعدت هذه الآية مما نسخت تلاوتها دون حكمه(5). وغيرهم كثير(6).
رابعا : قد شهد كثير من علماء الشيعة لأهل السنة بأنهم بريئون من القول بتحريف القرآن.
- قال المفيد : واتفقوا (يعني الإمامية) علي أن أئمة الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنة النبي.
وأجمعت المعتزلة والخوارج والزيدية والمرجئة وأصحاب الحديث على خلاف الإمامية(1).
وقد نقل التيجاني عن الخوئي أنه قال: فالمسلمون أخوة سواء كانوا شيعة أم سنة فهم يعبدون الله وحده لا يشركون به شيئا، وقرآنهم واحد ونبيهم واحد(2).
فهنا برأ الخوئي أهل السنة من القول بالتحريف مع أنهم جميعاً يقولون بنسخ التلاوة وهذا لا يخفى على الخوئي.
فهل قال هذا تقية أو كذب عليه التيجاني؟!(3) .
القراءات
وقد لبّس بعض علماء الشيعة على عوامهم بأن أهل السنة يقولون بالتحريف لأنهم يقولون بتعدد القراءات. وهذا يدل على جهلهم وعنادهم فالقراءات السبع ثابتة متواترة وإنكارها كفر صريح. ثم ان علماء الشيعة أنفسهم أثبتوا هذه القراءات.(1/84)
فقد بوب الحر العاملي في موسوعته وسائل الشيعة بابا بعنوان (وجوب القراءة في الصلاة وغيرهما بالقراءات السبعة المتواترة دون الشواذ والمروية)(1).
وقد بوب أيضا أبو جعفر ابن بابويه القمي في كتابه الخصال بابا بعنوان (القرآن نزل على سبعة أحرف) وكتب فيه أحاديث منها:
1- عن حماد بن عثمان قال : قلت لأبي عبدالله عليه السلام: إن الأحاديث تختلف عنكم قال: فقال: إن القرآن نزل على سبعة أحرف وأدنى ما للإمام أن يفتى على سبعة وجوه. ثم قال: {هذا عطاؤنا فأمنن أو أمسك بغير حساب}(2).
2-عن عبدالله الهاشمي عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاني آت من الله فقال: إن الله عز وجل يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت يارب وسع على أمتي... فقال: إن الله عز وجل يأمرك أن تقرأ القرآن على سبعة أحرف(3).
3- وقد نقل صاحب البحار محمد المجلسي عن حفيد المهدي المنتظر ونائبه الخاص أنه قال: إنما القرآن نزل على سبعة أحرف قبل الهجرة من مكة إلى المدينة(1).
4- عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه قال: أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف، كاف، أمر، وزجر، وترغيب، وترهيب، وجدل، وقصص، ومثل(2).
5- قال الخميني : الأحوط عدم التخلف عن إحدى القراءات السبع، كما أن الأحوط عدم التخلف عما في المصاحف الكريمة الموجودة بين أيدي المسلمين، وإن كان التخلف في بعض الكلمات مثل <مَلِكِ يوم الدين> و<كُفُواً أحد> غير مضر، بل لا يبعد جواز القراءة بإحدى القراءات(3).
6- قال الخوئي : تجوز قراءة مالك يوم الدين، وملك يوم الدين ويجوز في الصراط بالصاد، والسين، ويجوز في كفواً، أن يقرأ بضم الفاء وبسكونها مع الهمزة، أو الواو.
وقال : الأحوط القراءة بإحدى القراءات السبع، وإن كان الأقوى جواز القراءة بجميع القراءات التي كانت متداولة في زمان الأئمة عليهم السلام(4).
مسألة البسملة(1/85)
وكذا من تلبيسهم أنهم قالوا إن أهل السنة لا يقرأوا البسملة في الفاتحة في صلاتهم فهم قد حرفوا القرآن وهذا باطل لأن أهل السنة لم يختلفوا في اثباتها في المصحف ولكن في قراءتها في الصلاة ثم إن الشيعة أنفسهم أثبتوها في كتبهم.
1- عن مسمع البصري قال : صليت مع أبي عبد الله عليه السلام فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ثم قرأ السورة التي بعد الحمد ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قام في الثانية فقرأ الحمد ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم(1).
2- عن محمد بن علي الحلبي أن أبا عبدالله سئل عمن يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم حين يريد أن يقرأ فاتحة الكتاب.
قال : نعم ، إن شاء سراً ، وإن شاء جهراً فقيل: أفيقرأها مع السور الأخرى؟ قال : لا(2).
وقال الحر العاملي : ذكر الشيخ (يعني الطوسي) وغيره أن هذه الأحاديث محمولة على التقية، وذكر محامل أخرى.
قلت : ولا يسلم لهم ذلك لأن التقية تحرم في البسملة.
- فعن جعفر بن محمد قال : التقية ديني ودين آبائي إلا في ثلاث: في شرب المسكر، والمسح على الخفين، وترك الجهر بسم الله الرحمن الرحيم(3).
المبحث السابع
طعن اليهود والشيعة في الأنبياء وأصحابهم
- طعن اليهود في بعض الأنبياء والحاخامات :
الطعن على أنبياء الله وانتقاصهم سمة بارزة من سمات اليهود، ومن قرأ كتب اليهود وجدها تعج بكثير من المطاعن على أنبياء الله والقدح فيهم ورميهم بأبشع الجرائم مما هم منه براء .
لهذا سأقتصر على ذكر بعض الأمثلة لما جاء في أسفارهم من هذه المطاعن:
فمن التهم الباطلة التي يلصقها اليهود بنبي الله لوط عليه السلام تلك التهمة الجائرة التي زعموا فيها أن لوطاً عليه السلام زنا بابنتيه.
وفيما يلي نص هذه الفرية التي سيجازيهم الله عليها، كما جاءت في الإصحاح التاسع عشر من سفر التكوين .(1/86)
> وصعد لوط من صوغر وسكن في الجبل وابنتاه معه، لأنه خاف أن يسكن في صوغر، فسكن في المغارة هو وابنتاه، وقالت البكر للصغيرة، هلم نسقي أبانا خمرا ونضطجع معه، فنحيي من أبينا نسلا، فسقتا أباهما خمرا في تلك الليلة ودخلت البكر واضطجعت مع أبيها، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها، وحدث في الغد أن البكر قالت للصغيرة إني قد اضطجعت البارحة مع أبي، نسقيه خمرا الليلة أيضا فادخلي اضطجعي معه، فنحيي من أبينا نسلا، فسقتا أباهما خمرا في تلك الليلة أيضا وقامت الصغيرة واضطجعت معه ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها، فحبلت ابنتا لوط من أبيهما>(1). سبحانك هذا بهتان عظيم.
أما رسول الله هارون عليه السلام، فقد افتروا عليه أعظم فرية، حيث زعموا أنه صنع لبني إسرائيل عجلا من الذهب ليعبدوه، عندما تأخر عليهم موسى عليه السلام في الجبل :
جاء في سفر الخروج: <ولما رأى الشعب أن موسى قد أبطأ في النزول من الجبل اجتمع الشعب على هارون وقالوا له: قم اصنع لنا آلهة تسير أمامنا، لأن هذا موسى الرجل الذي أصعدنا من أرض مصر لا نعلم ماذا أصابه. فقال لهم هارون انزعوا أقراط الذهب التي في آذان نسائكم وبنيكم وبناتكم وأتوني بها، فنزع كل الشعب أقراط الذهب التي في آذانهم وأتوا بها إلى هارون، فأخذ ذلك من أيديهم وصوره بالإزميل وصنعه عجلا مسبوكا، فقالوا هذه آلهتك ياإسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر>(2).
أما داود عليه السلام فيرمونه بالزنا بامرأة أحد ضباط جيشه، ثم تدبيره بعد ذلك مقتل زوج هذه المرأة بعد علمه بأن هذه المرأة قد حملت منه.(1/87)
جاء في سفر صموئيل الثاني : <وكان وقت المساء أن داود قام من سريره وتمشى على سطح بيت الملك، فرأى من على السطح امرأة تستحم، وكانت المرأة جميلة المنظر جدا، فأرسل داود وسأل عن المرأة فقال واحد: أليست هذه (بتشبع) بنت أليعام امرأة (أوريا) الحثي فأرسل داود رسلا وأخذها، فدخلت إليه فاضطجع معها وهي مطهرة من طمثها، ثم رجعت إلى بيتها وحبلت المرأة، فأرسلت وأخبرت داود وقالت إني حبلى... وفي الصباح كتب داود مكتوبا إلى يوآب(1) وأرسله بيد أوريا وكتب في المكتوب يقول: اجعلوا أوريا في وجه الحرب الشديدة، وارجعوا من ورائه فيضرب ويموت.. فلما سمعت امرأة أوريا أنه قد مات أوريا رجلها، ندبت بعلها، ولما مضت المناحة أرسل داود وضمها إلى بيته وصارت له امرأة وولدت له ابنا>(2).
ففي هذا النص قد نسبوا إلى نبي الله داود عليه السلام الزنا، بامرأة رجل كان يجاهد في جيشه، ثم تآمره على قتل هذا الرجل غدرا، جريمتان كبيرتان لا يستحي اليهود من إلصاقهما بنبي الله داود في الكتاب الذي يدعون قداسته وأنه وحي من الله.
أما سليمان عليه السلام فتصوره أسفار اليهود ملكا مرفها، كان همه إشباع رغباته النفسية، بكثرة المآكل والمشارب، وبكثرة النساء اللاتي صرفنه في آخر حياته عن عبادة الله إلى عبادة الأوثان كما زعموا.
ففي سفر الملوك الأول: <وأحب الملك سليمان نساء غربية كثيرة مع بنت فرعون: موآبيات، وعمونيات، وأدوميات، وصيدونيات، وحِثّيَّات من الأمم الذين قال عنهم الرب لبني إسرائيل: لا تدخلوا إليهم وهم لا يدخلون إليكم لأنهم يميلون قلوبكم وراء آلهتهم، فالتصق سليمان بهؤلاء بالمحبة، وكانت له سبعمائة من النساء السيدات وثلاثمائة من السراري فأمالت نساؤه قلبه، وكان في زمان شيخوخة سليمان أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى، ولم يكن قلبه كاملا مع الرب إلهه، كقلب داود أبيه>(3)،(4).
أما عيسى وأمه عليهما السلام، فلم يترك اليهود جريمة إلا ألصقوها بهما.(1/88)
فقد كذبوا المسيح عيسى ابن مريم وعدّوه كافرا مرتداً ووصفوه وأمه بأقبح الأوصاف وأشنعها.
وفيما يلي نماذج مما جاء في كتب اليهود من الطعن في المسيح وأمه عليهما السلام:
جاء في التلمود : < إن المسيح كان ساحرا ووثنيا>(1).
وجاء في موضع آخر منه <إن المسيح كان مجنونا>(2).
ولم يكتف اليهود بتكفير عيسى عليه السلام، ووصفهم له بأنه مرتد ساحر مجنون، بل طعنوا في نسبه وزعموا ظلما وبهتانا أن أمه أتت به عن طريق الزنا، فهو عندهم ابن غير شرعي.
جاء في التلمود : <إن يسوع الناصري موجود في لجات الجحيم بين القار والنار، وقد أتت به أمه من العسكري (باندار) عن طريق الخطيئة>(3).
- طعن اليهود في أصحاب الأنبياء:
وقد جاء في أسفار اليهود أيضا ذم الأنبياء والكهنة، ووصفهم بالكذب وشرب الخمر.
في سفر إشعيا < الكاهن والنبي ترنحا بالمسكر، ابتلعتهما الخمر، تاها من المسكر، ضلا في الرؤيا وفي القضاء>(1).
وفي سفر إرميا < لأن الأنبياء والكهنة تنجسوا جميعاً، بل في بيتي وجدت شرهم يقول الرب>(2).
- طعن الشيعة الاثنى عشرية في الأنبياء :
سأل المأمونُ الرضا عليه السلام عن قول الله : {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه}(3) .
قال الرضا: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قصد دار زيد بن حارثة في أمر أراده فرأى' امرأته تغتسل فقال لها: <سبحان الذي خلقك>(4).
وفي تفسير علي بن إبراهيم القمي عن أبي جعفر: أن زينب مكثت عند زيد ما شاء الله ثم إنهما تشاجرا في شيء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنظر إليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأعجبته(5)
فانظر أخي القارئ كيف يطعنون برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. إذ كيف ينظر إلى زوجة رجل مسلم وهي تستحم ثم يعجب بها؟!
وقريباً من هذه الحكاية ذكر الكليني في الكافي :(1/89)
عن إسماعيل بن إبراهيم صلى الله عليهما وسلم أنه نظر إلى امرأةٍ من حِمْيَر أعجبه جمالُها فسأل الله عز وجل أن يزوجها إيَّاه ! وكان لها بَعْل فقضى الله على بعلها بالموت! وأقامت بمكة حزنا على بعلها فأسلى الله ذلك عنها وزوجها إسماعيل(1).
عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال: كان رسول الله لا ينام حتى يضع وجهه بين ثديي فاطمة(2). وفاطمة امرأة كبيرة فكيف يضع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجهه بين ثدييها رضي الله عنها.
ذكر الكليني في كافيه رواية عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: <إن ذلك الحمار(3) كلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : بأبي أنت وأمي إن أبي حدثني(4) عن أبيه عن جدِّه عن أبيه أنه كان مع نوح في السفينة فقام إليه نوح فمسح على كفله ثم قال: يخرج من صلب هذا الحمار حمار يركبه سيد النبيين وخاتمهم، فالحمد لله الذي جعلني ذلك الحمار(5).
روى النعماني عن الإمام محمد الباقر عليه السلام أنه قال: لما يظهر الإمام المهدي يؤيده الله بالملائكة وأول من يبايعه محمد عليه الصلاة والسلام ثم علي عليه السلام، وروى الشيخ الطوسي والنعماني عن الإمام الرضا عليه السلام أن من علامات ظهور المهدي أنه سيظهر عاريا أمام قرص الشمس>(1).
فانظر ياأخي رحمك الله كيف يهينون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويدعون كذبا وزوراً أنه سيبايع المهدي، ثم يفترون على المهدي أيضا أنه سيظهر عريانا هكذا بدون ثياب. أي دين هذا؟
ثم نسبت الشيعة كذبا وزوراً إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:
> من تمتع مرة كانت درجته كدرجة الحسين، ومن تمتع مرتين فدرجته كدرجة الحسن، ومن تمتع ثلاث مرات كانت درجته كدرجة علي ابن أبي طالب، ومن تمتع أربع مرات فدرجته كدرجتي>(2).(1/90)
أفدرجة الحسين رضي الله عنه هينة إلى هذا الحد - إننا أهل السنة والجماعة نعتقد أن الرجل مهما عَبَدَ الله بشتى أنواع العبادات العظيمة فإنه لا يستطيع بحال أن يبلغ درجة أدنى فرد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكيف بسيد شباب أهل الجنة وسبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم كيف بدرجة أخيه الأكبر الحسن ودرجة والده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رابع الخلفاء الراشدين المهديين رضي الله عنهم.
وأما سيد الأولين والآخرين وأفضل الرسل أجمعين، فاللهم إنا نبرأ إليك مما يدعي هؤلاء ونكل أمرهم إليك، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وذكر الكليني عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: <لما مات عبدالله ابن أبي بن سلول حضر النبي صلى الله عليه وآله وسلم جنازته فقال عمر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألم ينهك الله أن تقوم على قبره فسكت، فقال: يارسول الله، ألم ينهك الله أن تقوم على قبره فقال له: ويلك ما يدريك ما قلت؟ إني قلت: اللهم احش جوفه نارا واملأ قبره ناراَ وأصله ناراً>(1).
كيف تفتري الشيعة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث يدعون كذباً وزورا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى على المنافق ولكنه في صلاته لم يدع له إنما دعى عليه - وهذا كما لا يخفى أنه من أعمال النفاق ونسبة النفاق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إهانة عظمى في حقه صلى الله عليه وآله وسلم(2) .
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أنه كان ينام مع عائشة زوجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في فراش واحد ولحاف واحد(3).
عن الرضا عليه السلام قال: قال الله لآدم هؤلاء من ذريتك (محمد وعلي وفاطمة، والحسن والحسين) وهم خير منك ومن جميع خلقي ، ولولاهم ماخلقتك، ولا خلقت الجنة والنار، ولا السماء والأرض ، فإيّاك أن تنظر إليهم بعين الحسد فأُخرجك عن جواري.(1/91)
فنظر إليهم بعين الحسد! وتمنى منزلتهم ، فتسلَّط عليه الشيطان حتى أكل من الشجرة التي نُهِى عنها ، وتسلط على حواء لنظرها إلى فاطمة بعين الحسد! حتى أكلت من الشجرة(4).
قلت: لِمَ إذاً عاقبهما الله على الأكل من الشجرة كما ذكر في القرآن إذا كان أصل العقوبة لنظرهما إلى الأئمة بعين الحسد؟ .
عن الرضا عن آبائه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن موسى سأل ربه فقال: يارب اجعلني من أمة محمد فأوحى الله إليه يا موسى إنك لا تصل إلى ذلك(1).
موسى لا يستحق أن يكون فرداً من أمة محمد. وأمة محمد هم الشيعة طبعاً ، والشيعة كلهم أفضل من موسى !! .
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: وكذَّب الأنبياء والمرسلين (أي إن الله كذبهم) كذَّب إخوةَ يوسف حيث قالوا: <أكله الذئب> وهم أنبياء مرسلون إلى الصحراء(2)
ورووا أن الله أوحى' إلى داود عليه السلام إني قد غفرت ذنبك وجعلت عار ذنبك على بني إسرائيل.
فقال: كيف يارب وأنت لا تظلم؟ قال: إنهم لم يعاجلوك بالنكرة(3).
عن أبي عبدالله قال: إن يوسف عليه السلام لما قدم عليه الشيخ يعقوب دخله عِزُّ الملك فلم ينزل إليه. فهبط جبريل فقال: يايوسف ابسط راحتك فخرج منها نور ساطع فصار في جو السماء.
فقال يوسف: ياجبريل ماهذا النور الذي خرج من راحتي؟
قال: نزعت النبوة من عقبك عقوبة لَمّا لَمْ تنزل إلى الشيخ يعقوب فلا يكون من عقبك نبي(4).
عن أبي جعفر عليه السلام قال: وقد كان في الرسل ذكرى للعابدين إنَّ نبياً من الأنبياء كان يستكمل الطاعة ثم يعصي الله تبارك وتعالى في الباب الواحد فخرج به من الجنة وينبذ به في بطن الحوت ثم لا ينجيه إلا الاعتراف والتوبة(1).
عن أبي عبدالله قال: إن نَبياً أراد أن يراجع الله في عذاب قومه فقال الله له: لترجعن عما تصنع أن تراجعني في أمر قد قضيته أو لأَرُدّنَّ وجهك على دُبرك(2).(1/92)
عن أبي جعفر عليه السلام: ودخل حزقيلَ النبيَّ العُجْب فقال في نفسه: ما فضل سليمان النبيَّ عليَّ وقد أعطيت مثل هذا؟ قال: فخرجت على كبده قرحه فآذته(3).
إن بعض أنبياء بني إسرائيل شكا إلى الله قسوة القلب وقلة الدمع(4).
وعن علي بن الحسين قال: يا أيتها الحوت. فأطلع الحوتُ رأسَه من البحر مثل الجبل العظيم وهو يقول: لبيك لبيك ياوليَّ الله... فقال: مَن أنت؟ قال: أنا حوت يونس ياسيدي. قال: أنبئنا بالخبر. قال: ياسيدي إن الله لم يبعث نبيا إلا وقد عرض عليه وِلايتكم أهل البيت فمن قَبِلها من الأنبياء سَلَمَ وتَخَّلص، ومن تَوقَّف عنها وتَمَنَّع في حملها لقي ما لقي آدم من المعصية! ومالقي نوح من الغرق! وما لقي إبراهيم من النار! وما لقي يوسف من الجب! وما لقي أيوب من البلاء! وما لقي داود من الخطيئة ! إلى أن بَعَثَ يونس فأوحى' إليه أن يا يونس تَولَّ أمير المؤمنين علياً والأئمة الراشدين من صُلبه.
قال: كيف أتولَّى' من لَم أَره ولَم أعرفه؟ وذهب مغتاظا ً ! فأوحى الله إليَّ: أن التقمي يونس ولا توهني له عظماً ، فمكث في بطني أَربعين صباحاً يطوف معي البحار في ظلماتٍ ثلاث ينادي <لا إله إلا أنت سبحانك إنِّي كنت من الظالمين> قد قبلت ولاية أمير المؤمنين والأئمة الراشدين.(1)
عن أبي جعفر الباقر قال: لما صعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء..... ثم قال محمد صلى الله عليه وآله وسلم: أين أبي إبراهيم؟ فقالوا له: هو مع أطفال الشيعة فدخل الجنة فإذا هو تحت الشجرة لها ضروع كضروع البقر فإذا انفلت الضرعُ من فم الصبي قام إبراهيم فردَّ عليه. قال فسلم عليه وسأله عن عليِّ. فقال: خلَّفته في أُمَّتي. قال: نِعْم الخليفة خَلَّفْت. أما إن الله فرض على الملائكة طاعته وهؤلاء أطفال شيعته سألت الله عز وجل أن يجعلني القائم عليهم ففعل.(2)
الله أكبر: كَبُرت كلمة تخرج من أفواهكم إن تقولون إلا كذبا.(1/93)
آإبراهيم يعمل مُربِّية لأطفال الشيعة؟! قَبَّح الله من يُصدق هذا . عن الصادق عليه السلام قال: وكان داود عليه السلام قد بعث أوريا في بعث فصعد داود الحائط ليأخذ الطير وإذا امرأة أوريا تغتسل فلما رأت ظِلَّ داود نشرت شعرها وغطت به بدنها فنظر إليها داود وافتتن بها (فكتب داود إلى قائد جيشه) ضَع التابوت بينك وبين عدوك وقَدِّم أوريا بن حنان بين يدي التابوت فَقَدَّمَه وقتل . ثم تزوج داود أوريا وأنجبت له سليمان عليه السلام(3)،(4). وهذه القصة نفسها التي ذكرها اليهود كما مر ولكنهم زادوا على اليهود لأن اليهود قالوا وَلَدَت له ابنا أي من الزنا ولم تعينه، أما الشيعة فعينوا ولد الزنا وأنه سليمان عليه السلام.
إهانة الشيعة الاثنى عشرية أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم
أولاً: طعن الشيعة الاثنى عشرية في بنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
اتفق سائر أهل السنة والجماعة على أن عدد بنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم أربع: السيدة زينب والسيدة رقية والسيدة أم كلثوم والسيدة فاطمة رضي الله عنهن وكذا ذهب إليه عامة الشيعة أيضا، إلا أن بعضهم(1) أنكر البنات الثلاث وأثبتوا لرسول الله بنتاً واحدة فقط وهي السيدة فاطمة الزهراء وأما الثلاث الباقيات فأنكروا بنوتهن لرسول الله وخالفوا صريح القرآن {ادعوهم لآبائهم}(2) لعداوتهم لبني أمية وذلك أن هؤلاء البنات كن عند بني أمية فرقية وأم كلثوم تزوجهما عثمان وزينب تزوجها العاص بن الربيع.
قال تعالى{يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين}(3) فالله ذكر البنات بصيغة الجمع التي تدل على تعدد بناته صلى الله عليه وآله وسلم وفي كتب علماء الشيعة: تزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم خديجة وهو ابن بضع وعشرين سنة فولد له منها قبل مبعثه القاسم ورقية وزينب وأم كلثوم وولد له منها بعد مبعثه الطيب والطاهر وفاطمة عليها السلام(4).(1/94)
وكذا أقوال الأئمة المعصومين عند الشيعة وعلمائهم صريحة في تعدد بنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي مسجلة في الكتب الآتية وهي كلها للشيعة:
- مجالس المؤمنين ص 38 .
- التهذيب الجزء الأول ص 451 .
- تفسير مجمع البيان الجزء الثاني ص 332 .
- الكافي الجزء الأول ص 934 .
- فيض الإسلام ص 915 .
- نهج البلاغة الجزء الثاني ص 58 .
- قرب الأسناد ص 6 .
- تحفة العوام للسيد أحمد علي ص 311 .
- حيات القلوب الجزء الثاني ص28: 955، 322، 065.
- منتهى الآمال الجزء الأول ص 98 .
- مرآة العقول الجزء الأول ص 253(1) .
وذكر أحمد بن أبي طالب الطبرسي أيضا في الاحتجاج: فقال سلمان: فلما كان الليل حمل علي فاطمة على حمار وأخذ بيد ابنيه الحسن والحسين فلم يدع أحداً من أهل بدر من المهاجرين ولا من الأنصار إلا أتى منزله وذكر حقه ودعا إلى نصرته... فأصبح لم يوافه منهم أحد غير أربعة، قلت لسلمان: من الأربعة؟ قال: أنا وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوام، أتاهم من الليلة الثانية... ثم الثالثة فما وفى أحد غيرنا(2).
أفليس تجوال علي بن أبي طالب ببضعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة الزهراء عليهما السلام وأخذها إلى باب كل فرد من المسلمين فيه إهانة للزهراء ولزوجها رضي الله عنهما أيضاً.
ثانيا : إهانة أمهات المؤمنين أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم
أما موقف الشيعة من أمهات المومنين فإنهم يعادونهن ويناصبونهن العداء ، خاصة عائشة وحفصه رضي الله عنهما وقد نسبوا لعلي بن أبي طالب دعاء زورا وبهتانا ويسمى الدعاء بدعاء (صنمى قريش) يعنون بهما: أبا بكر وعمر وابنتيهما رضي الله عنهم أجمعين.
وهذا الدعاء موجود في أكثر من كتاب من كتبهم ولكن المرجع الأصلي له على ما يذكرون كتاب يقال له (مفتاح الجنان) - وهذا الكتاب موجود لدي - وهذا هو نص الدعاء كما جاء في هذا الكتاب:
( هذا دعاء صنمي قريش من كلام أمير المؤمنين)(1/95)
> اللهم صل على محمد وآل محمد والعن صنمي قريش وجبتيهما وطاغوتيها وأفكيها وابنتيهما اللذين خالفا أمرك وأنكرا وحيك وجحدا إنعامك وعصيا رسولك وقلبا دينك وحرفا كتابك وأحبا أعداءك وجحدا آلاءك وعطلا أحكامك وأبطلا فرائضك وألحدا في آياتك وعاديا أولياءك وواليا أعداءك وخربا بلادك وأفسدا عبادك. اللهم العنهما وأتباعهما وأولياءهما وأشياعهما ومحبيهما وأنصارهما، اللهم ألعنهما في مكنون السر وظاهر العلانية لعنا كثيرا أبدا دائما سرمداً لا انقطاع لأمده ولا نفاذ لعدده لعنا يعود أوله ولا يروح آخره لهم ولأعوانهم وأنصارهم ومحبيهم ومواليهم والمسلمين لهم والمائلين إليهم والناهضين باحتجاجهم والمقتدين بكلامهم والمصدقين بأحكامهم (قل أربع مرات اللهم عذبهم عذابا يستغيث منه أهل النار آمين رب العالمين)(1).
وهذا الدعاء قد جاء أيضا في كتاب (تحفة عوام مقبول).
وهذا الكتاب موثق من جماعة من كبار علماء الشيعة جاء ذكر أسمائهم على أول صفحة منه(2).
أما فضل هذا الدعاء عندهم فيوضحه محسن الكاشاني في الرواية التي ينسبها - ظلما وجوراًً - إلى ابن عباس <أنّ علياًً عليه السلام كان يقنت بهذا الدعاء في صلواته وقال: إن الداعي به كالرامي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بدر وأحد وحنين بألف ألف سهم>(3).
وزيادة على هذا فإنهم زعموا أن قائمهم المزعوم عندما يأتي يجلد عائشة رضي الله عنها الحد وينتقم لفاطمة رضي الله عنها.
روى المجلسي عن عبدالرحيم القصير عن أبي جعفر أنه قال - وهو برىء من ذلك - <أما لو قام قائمنا لقد ردت إليه الحميراء حتى يجلدها الحد، وحتى ينتقم لابنة محمد فاطمة عليها السلام منها، قلت: ولم يجلدها الحد؟ قال لفريتها على أم ابراهيم رضي الله عنها قلت فكيف أخره الله للقائم عليه السلام، فقال له: إن الله تبارك وتعالى بعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم رحمة وبعث القائم نقمة>(4)،(5).(1/96)
وقد أفرد صاحب الصراط المستقيم - قبحه الله - فصلين خاصين في الطعن على عائشة وحفصة رضي الله عنهما وأرضاهما، سمى الفصل الأول (فصل أم الشرور) يعني بها عائشة رضي الله عنها.
وقد أورد تحت هذا الفصل كثيراً من المطاعن والقدح في الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها وعن أبيها.
وأما الفصل الثاني فقد خصصه للطعن في حفصة رضي الله عنها وعن أبيها وجعل عنوانه (فصل في اختها حفصة)(1)، وقد أسند العياشي إلى جعفر الصادق - زوراً وبهتاناً - القول في تفسير قوله تعالى: {ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا}(2).
قال: التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا: عائشة، وهي نكثت إيمانها(3).
وزعم الشيعة أيضا أن لعائشة رضي الله عنها باباً من أبواب النار تدخل منه:
فقد أسند العياشي إلى جعفر الصادق - رحمه الله - وحاشاه مما نسب الشيعة إليه - أنه قال في تفسير قوله تعالى حكاية عن النار: {لها سبعة أبواب}(4) <يؤتي بجهنم لها سبعة أبواب... والباب السادس لعسكر... الخ>(5). وعسكر كناية عن عائشة رضي الله عنها كما زعم ذلك المجلسي(1). ووجه الكناية عن اسمها بعسكر؛ كونها كانت تركب جملا - في موقعة الجمل - يقال له عسكر. كما ذكر ذلك المجلسي أيضا.
ولم يكتف الشيعة بذلك، بل لقبوا عائشة في كتبهم بـ <أم الشرور>(2)، وبـ<الشيطانة>(3).
وزعموا أنها كانت تكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(4)، وأن لقبها <حميراء> من الألقاب التي يبغضها الله تعالى(5).
فعائشة رضي الله عنها إذاً كافرة عند الشيعة، وليست من أهل الإيمان، وهي عندهم من أهل النار.
وقد زعم الشيعة أن قوله تعالى {ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين}(6) مَثَلٌ ضربه الله لعائشة وحفصة رضي الله عنهما.
وقد فسر بعضهم الخيانة بارتكاب الفاحشة - والعياذ بالله تعالى: -(1/97)
قال القمي في تفسير هذه الاية: <والله ما عنى بقوله: {فخانتاهما} إلا الفاحشة(7)، وليقيمن الحد على (عائشة)(8) فيما أتت في طريق (البصرة)(1) وكان طلحة(2) يحبها، فلما أرادت أن تخرج إلى البصرة(3) قال لها فلان: <لا يحل لك أن تخرجي من غير محرم، فزوجت نفسها من (طلحة)(4)،(5).
ووجه إقامة الحد عليها - على حد زعم الشيعة - كونها زوجت نفسها من آخر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، مع حرمة ذلك؛ فالله تعالى قد حرم نكاح أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بعده أبداً .
فمن هي التي ارتكبت الفاحشة ، وتزوجت طلحة من بين زوجات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي في طريقها الى البصرة - كما زعم الشيعة - ؟! .
المثل مضروب لعائشة وحفصة معا - على حد قول الشيعة المتقدم -
وحفصة لم تخرج إلى البصرة، والتي خرجت هي عائشة رضي الله عنها بإجماع الشيعة، فهي إذاً التي يقام عليها الحد - كما زعم الشيعة - لتزويجها نفسها من طلحة، مع حرمة ذلك عليها(6)؟!(1/98)
وذكر أحمد بن أبي طالب الطبرسي في الاحتجاج أن الإمام علياً عليه السلام قال عن عائشة أم المؤمنين: والله ما أراني إلا مطلقها. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: (ياعلي أمر نسائي بيدك من بعدي)(7) أي لعلي الحق بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (والعياذ بالله) أن يطلق من يشاء من زوجاته صلى الله عليه وآله وسلم الطاهرات المطهرات - لقد اخترعت الشيعة كذباً وإفكاً مثل هذه الروايات تنقيصا لمكانة الصديقة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها خاصة ولمكانة أمهات المؤمنين زوجاته صلى الله عليه وآله وسلم مع أن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم اللاتي أثنى عليهن الله في القرآن الكريم. فقال مخاطبا نبيه صلى الله عليه وآله وسلم في شأن أزواجه هؤلاء {لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيبا}(1) وقال تعالى:{النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} (2) وقال تعالى : {يانساء النبي لستن كأحد من النساء}(3) الاية.
ونزلت في حقهن رضي الله عنهن {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا}(4) وخاصة السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها حيث أنزل الله عز وجل آيات سورة النور في طهارتها وعفتها وكمالها، وهي صريحة في أن من يطعن فيها بالإفك ويخترع الروايات الكاذبة للطعن فيها فإنه من عصبة المنافقين يقول الله تعالى في آخرها: {يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين}(5).
كيف يتجرأ هؤلاء الشيعة ولا يستحيون من الله ولا من عباده فيهينون أزواجه صلى الله عليه وآله وسلم فإنه لا يرضى زوج أبدا أن يتعرض أحد لزوجته أو يطعن فيها ويذلها بأي صورة كانت بل إن الرجل الشهم ربما يتحمل ذل نفسه لسبب ما ولكن لا يمكن أن يتحمل الذل والإهانة والطعن في زوجته وأهله(6).(1/99)
ولم يكتف الشيعة بهذا ، بل نسبوا إليها أقوالا في غاية الخسة والبذاءة، وقد ترددت في ذكرها، وهممت ألا أكتبها، لولا ما ألزمت به نفسي من إعطاء صورة واضحة مختصرة عن نظرة الشيعة إلى الصحابة رضي الله عنهم، لذا فإني اذكر بعضها، وأعرض عن بعضها الآخر.
فلقد ذكر رجب البرسي - وهو من علمائهم - أن <عائشة جمعت أربعين ديناراً من خيانة وفرقتها على مبغضي علي>(1).
وذكر أحمد بن علي الطبرسي - وهو من علمائهم أيضا - أن عائشة <زينت يوما جارية كانت عندها، وقالت: لعلنا نصطاد بها شابا من شباب قريش بأن يكون مشغوفا بها>(2).
فقاتلهم الله كيف حفظوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في زوجته وأحب الناس إليه، لقد رموها بأشد مما رماها به رأس المنافقين وأتباعه في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ثالثاً : إهانة علي بن أبي طالب رضي الله عنه
1- عن علي بن أبي طالب قال سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس له خادم غيري ، وكان له لحاف ليس له لحاف غيره ، ومعه عائشة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينام بيني وبين عائشة ليس علينا ثلاثتنا لحاف غيره ، فإذا قام إلى صلاة الليل يحط بيده اللحاف من وسطه بيني وبين عائشة حتى يمس اللحاف الفراش الذي تحتنا(1).
أقرأتم هذه الرواية الخبيثة التي تطعن برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وعائشة وجعلوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يغار على عرضه.
والأدهى من ذلك ، أنهم يروون في الكافي عن أبي عبدالله قال في الرجل والمرأة يوجدان في لحاف واحد: يجلدان مائة جلدة(2).
2- عن علي بن أبي طالب قال : أنا جَنْبُ الله وكلمته وقَلْبُ الله وبابه الذي يؤتى منه <ادخلوا الباب سجدا أغفر لكم خطاياكم وأزيد المحسنين، وبي وعلى يدي تقوم الساعة وفي يرتاب المبطلون وأنا الأول والآخر والظاهر والباطن وبكل شيء علي (3).(1/100)
3- عن أبي عبد الله قال : أُتي عمر بن الخطاب بامرأة قد تعلقت برجل من الأنصار كانت تهواه فأخذت بيضة وصبت البياض على ثيابها وبين فخذيها فقام علي فنظر بين فخذيها فاتهمها(4).
قلت : هذا كذب إذ كيف ينظر علي رضي الله عنه وكرم وجهه بين فخذي امرأة غريبة عنه.
وهل يطبق الشيعة اليوم هذا الفقه؟! ومن الذي يسيء لعلي الشيعة أم السنة؟
رابعا : الطعن في باقي أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم
1- الحسين بن علي 2- العباس بن أبي طالب 3- عقيل بن أبي طالب 4- عبد الله بن عباس 5- محمد بن علي بن أبي طالب 6- أولاد الحسن بن علي 7- علي بن الحسين (زين العابدين) 8- محمد بن علي (الباقر) 9- زيد بن علي بن الحسين 10- جعفر بن محمد (الصادق) 11- موسى بن محمد الجواد 12- جعفر بن علي العسكري.
روى الكليني عن أبي عبدالله عليه السلام أن رجلا من المنافقين مات فخرج الحسين بن علي صلوات الله عليهما يمشي معه فلقيه مولى له فقال له الحسين عليه السلام: أين تذهب يافلان؟ فقال: أفر من جنازة هذا المنافق أن أصلي عليها، فقال له الحسين عليه السلام: انظر أن تقوم على يميني فما تسمعني أقول فقل مثله، فلما أن كبر عليه وليه قال الحسين: الله أكبر، اللهم العن فلاناً عبدك ألف لعنة مؤتلفة غير مختلفة اللهم اخز عبدك في عبادك وبلادك وأصله نارك وأذقه أشد عذابك فإنه كان يتولى أعداءك ويعادي أولياءك ويبغض أهل بيت نبيك(1).
انظر وفقك الله للخير كيف تجترىء الشيعة فيفترون على الحسين رضي الله عنه مع ادعائهم محبته بأنه صلى على رجل فدعا عليه ولعنه مع أن الصلاة لا تكون إلا للدعاء وطلب المغفرة والرحمة.. فينسبون بذلك النفاق إلى الحسين كذبا وزوراً ونعوذ بالله أن يكون الحسين على هذا الشأن من النفاق والمداهنة. أفتبنى الأديان على النفاق؟ إذن لما احتاج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى تحمل الأذى والمصائب من المشركين واليهود وغيرهم .(1/101)
وروى الكليني أن سديراً قال : كنا عند أبي جعفر عليه السلام فذكرنا ما أحدث الناس بعد نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم، واستذلالهم أمير المؤمنين عليه السلام فقال رجل من القوم: أصلحك الله فأين كان عز بني هاشم وما كانوا فيه من العدد؟ فقال أبوجعفر عليه السلام: ومن كان بقي من بني هاشم إنما كان جعفر وحمزة فمضيا وبقي معه رجلان ضعيفان ذليلان حديثا عهد بالإسلام عباس وعقيل(1).
وروى الكليني عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: بينا أبي جالس وعنده نفرٌ إذ استضحك حتى أغرورقت عيناه دموعاً ثم قال: هل تدرون ما أضحكني؟ قال: فقالوا: لا قال: زعم ابن عباس أنه من الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا. فقلت له: هل رأيت الملائكة ياابن عباس تخبرك بولايتها لك في الدنيا والآخرة مع الأمن من الخوف والحزن، قال فقال إن الله تبارك وتعالى يقول:{إنما المؤمنون إخوة}(2) وقد دخل في هذا جميع الأمة.. قال: فاستضحكت ثم تركته يومه ذلك لسخافة عقل ثم لقيته فقلت ياابن عباس ما تكلمت بصدق مثل أمس قال لك علي بن أبي طالب (ع) أن ليلة القدر في كل سنة وأنه ينزل في تلك الليلة أمر السنة وأن لذلك الأمر ولاة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله فقلت من هم فقال: أنا وأحد عشر من صلبي أئمة محدثون فقلت: لا أراها كانت إلا مع رسول الله فتبدأ لك الملك الذي يحدثه فقال: كذبت ياعبدالله رأت عيناي الذي حدثك به علي ولم تره عيناه ولكن دعا قلبه وقر في سمعه ثم صفقك بجناحه فعميت قال: فقال: ابن عباس ما أختلفنا في شيء فحكمه إلى الله فقلت: له فهل حكم الله في حكم من حكمه بأمرين قال: لا فقلت هنا هلكت وأهلكت(1).
وعن زين العابدين عليه السلام بسند معتمد أن هذه الآية {من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا} نزلت في حق عبدالله بن عباس وأبيه(2).(1/102)
عن عمران بن هيثم عن أبيه قال: أتت إمرأة مجح(3) إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقالت: ياأمير المؤمنين: أني زنيت فطهرني... فأمر أن يحفر لها حفرة ثم دفنها فيها ثم ركب بغلته وأثبت رجليه في غرز الركاب ثم وضع إصبعيه السبابتين في أذنيه ثم نادى بأعلى صوته ياأيها الناس إن الله تبارك وتعالى عهد إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم عهدا عهده محمد صلى الله عليه وآله وسلم إليَّ بأنه لا يقيم الحد من لله عليه حدٌ فمن كان عليه حدٌ مثل ماعليها فلا يقيم عليها الحد، قال: فانصرف الناس يومئذ كلهم ما خلا أمير المؤمنين عليه السلام والحسن والحسين عليهما السلام فأقام هؤلاء الثلاثة عليها الحد يؤمئذ ما معهم غيرهم قال: وانصرف فيمن انصرف يومئذ محمد ابن أمير المؤمنين عليه السلام(4).
وهنا محمد بن علي بن أبي طالب أيضا لم يسلم من الطعن، ورموه بتجهم بأبشع ما يرمى به مسلم ألا وهو العرض، حيث اتهموه أنه لم يكن من المشاركين في رمي الزاني لأنه عليه حد مثله.
وعن الحسين بن أبي العلا، قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: وعندي الجفر الأحمر، قال: قلت: وأي شيء في الجفر الأحمر، قال: السلاح وذلك إنما يفتح للدم يفتحه صاحب السيف للقتل، فقال له عبدالله ابن أبي يعفور: أصلحك الله أيعرف هذا بنو الحسن؟ فقال: إى والله كما يعرفون الليل أنه ليلٌ والنهار أنه نهار ولكنهم يحملهم الحسد وطلب الدنيا على الجحود والإنكار، ولو طلبوا الحق بالحق لكان خيراً لهم(1).
وعن بريد بن معاوية قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ان يزيد بن معاوية دخل المدينة وهو يريد الحج... ثم ارسل إلى علي بن الحسين عليه السلام فقال له مثل ما قال للقريشي فقال له علي بن الحسين عليه السلام أرأيت أن لم أقر لك أليس تقتلني كما قتلت الرجل بالأمس فقال له يزيد: بلى، فقال له علي بن الحسين عليه السلام: قد أقررت لك بما سألت أنا عبد مكره فإن شئت فأمسك وإن شئت فبع(2).(1/103)
كيف يعترف الإمام المعصوم عند الشيعة بعبوديته ليزيد وهو من هو؟ وأين هو من أبيه لم لم يفعل كفعله؟
وعن عبيد الله الدابقي قال : دخلت حماما بالمدينة فإذا شيخ كبير وهو قيّم الحمام فقلت: ياشيخ لمن هذا الحمام؟ فقال: لأبي جعفر محمد ابن علي بن الحسين عليه السلام فقلت: كان يدخله؟ قال: نعم، فقلت كيف كان يصنع؟ قال: كان يدخل فيبدأ فيطلي عانته وما يليها ثم يلف على طرف إحليله ويدعوني فأطلي سائر بدنه، فقلت له يوما من الأيام: الذي تكره أن أراه قد رأيته(3)، فقال: كلا إن النورة(4) سترته(5).
ويرد هذا كله قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم <من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر>(1). وحاشا محمد بن علي أن يكشف عورته.
عن عبد الرحمن بن الحجاج عن زرارة قال قلت لأبي جعفرعليه السلام: يدخل النار مؤمن؟ قال لا والله، قلت فما يدخلها إلا كافر؟ قال لا إلا ما شاء الله، فلما رددت عليه مراراً قال لي: أي زرارة إني أقول لا وأقول إلا من شاء الله وأنت تقول لا ولا تقول إلا من شاء الله، قال: فحدثني هشام بن الحكم وحماد عن زرارة قال قلت في نفسي شيخ لا علم له بالخصومة (والمراد إمامه) (يريد إبا جعفر)(2).
وكتب في شرح هذا الحديث ملا خليل القزويني في الفارسية ما معناه بالعربية (إن هذا الشيخ عجوز لا عقل له ولا يحسن الكلام مع الخصم).
عن حنان بن سدير قال : كنت جالساً عند الحسن بن الحسن فجاء سعيد بن منصور وكان من رؤساء الزيدية فقال: ما ترى في النبيذ فإن زيداً كان يشربه عندنا؟ قال: ما أصدق على زيد أنه شرب مسكراً. قال: بلى قد يشربه. قال : فإن كان فعل فإن زيدا ليس بنبي ولا وصي نبي إنما هو رجل من آل محمد يخطىء ويصيب(3).
وزيد هذا هو عم جعفر الصادق وأخو محمد الباقر وهو عند أهل السنة إمام ثقة، وأما عند من يدعون أنهم يوالون أهل البيت فسكير فهل هؤلاء يعظمون أهل البيت؟!(1/104)
وأما زواج عمر رضي الله عنه من أم كلثوم بنت علي رضي الله تعالى عنها فقد روى الكليني في الكافي عن زرارة أن أبا عبدالله (جعفر الصادق) قال في تزويج أم كلثوم: (إن ذلك فرج غصبناه)(1).
نعوذ بالله من هذه الوقاحة في حق السيدة ووالدها والحسنين رضي الله عنهم .
ولاحظ عبارة محمد باقر المجلسي أحد أعلام الشيعة في تعليقه على هذه الرواية حيث يقول <تدل على تزويج أم كلثوم من الملعون المنافق (عمر بن الخطاب) ضرورة وتقية< ألا من سائل يسأل هذا أين كانت حينئذ شجاعة أسد الله الغالب سيدنا علي بن أبي طالب وغيرته وشهامته وكذا بنيه الحسن والحسين رضي الله عنهم؟!.
وعن أبان بن تغلب قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: <كان أبي يفتي في زمن بني أمية أن ما قتل البازي والصقر فهو حلال وكان يتقيهم وأنا لا أتقيهم فهو حرام ما قتل>(2).
ونقل الكليني أيضا : <عن سلمة بن محرز قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: إنّ رجلاً أرمانيا مات وأوصى إليّ فقال لي: ما الأرماني؟ قلت نبطي من أنباط الجبال مات وأوصى إليّ بتركة وترك ابنته فقال لي أعطها النصف قال: فأخبرت زرارة بذلك فقال لي: اتقاك(3) إنما المال لها، قال: فدخلت عليه بعد فقلت: أصلحك الله إن أصحابنا زعموا أنك اتقيتني فقال: لا والله ما اتقيتك لكني اتقيت عليك أن تعمل فهل علم بذلك أحد؟ قلت لا، قال فأعطها ما بقي>(1).
يفهم من هذه الروايات أن الأئمة كانوا يكتمون المسائل مرة ويحرفونها أخرى ويغيرون أجوبتهم من شخص إلى آخر وأن الكتمان في المسائل معظم دينهم بل رووا عنهم كذباً وزوراً أن الذي يكتم الدين يعزّه الله وأن الذي يظهره يذله الله إذا كان هذا شأن الأئمة المعصومين عندهم فبالله كيف الاعتماد على هؤلاء الأئمة أفليسوا هم أشبه بعلماء اليهود في تحريف الدين وكتمانه، وهذا كله طعن وإهانة شنيعة في حق أئمة أهل البيت وحاشاهم من هذه الأقوال الزائغة.(1/105)
ونقل الكشي عن زرارة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التشهد.. قلت التحيات والصلوات... فسألته عن التشهد فقال كمثله قال التحيات والصلوات، فلما خرجت ضرطت في لحيته وقلت لا يفلح أبداً(2).
أبو عبد الله هذا هو الإمام جعفر الصادق الذي تنسب إليه طائفة الشيعة فيقولون عن أنفسهم إنهم جعفريون، وزرارة هذا من كبار رواة الشيعة وأكثر روايات الأئمة تتناقلها الشيعة عن طريقه - وهذا حاله مع إمامه المعصوم عنده ما أشدها من إهانة عظمى ارتكبها زرارة، ومن يرضى من عامة الناس أن يضرط أحد في وجهه أو لحيته فكيف بإمام جليل كجعفر الصادق رحمه الله ؟!
وذكر العلامة محمد الباقر المجلسي في جلاء العيون بالفارسية ما معناه بالعربية:
(عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إذا ولد جعفر بن محمد بن علي بن حسين فسموه صادقا لأنه إذا ولد من أولاده الخامس والذي يسمى بجعفر ويدعي الإمامة كذباً ويفتري على الله وهو عند الله جعفر الكذاب)(1). وهذا الذي ينقلون عنه أنه جعفر الكذاب هو ابن الإمام النقي وهو أحد الأئمة المعصومين عند الشيعة وشقيق الإمام حسن العسكري وهذا أيضا أحد الأئمة الاثنى عشر المعصومين عند الشيعة - وجعفر هذا من آل علي وفاطمة ومن سلالة الحسين وزين العابدين فكيف دعواهم الباطلة بحبهم لآل البيت إن هذا سلسلة نسبه هي السلسة الذهبية ولكنه عند الشيعة < محبي آل البيت > يلقب بجعفر الكذاب.
وعن يعقوب بن ياسر قال : كان المتوكل يقول: وَيْحَكم قد أعياني أمر ابن الرضا(2)، أبى أن يشرب معي أو يناد مني أو أجد منه فرصة في هذا، فقالوا له: فإن لم تجد منه فهذا أخوه موسى قصاف عزاف يأكل ويشرب ويتعشق(3).(1/106)
نقل الكليني في الكافي عن أحمد بن عبد الله بن خاقان أنه سأل رجل أباه عن جعفر بن علي أخى الحسن العسكري فقال: ومن جعفر فتسأل عن خبره أيقرن بالحسن جعفر معلن الفسق فاجر ماجن شريب للخمور أقل من رأيته من الرجال وأهتكهم لنفسه، خفيف، قليل في نفسه(4).
موقف الشيعة الاثنى عشرية من عموم الصحابة
لا يرتاب مسلم صادق في إسلامه في سمو منزلة الصحابة وفضلهم، ورفعة شأنهم، قوم اختصهم الله تبارك وتعالى لصحبة أفضل رسله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فصدقوه، وآزروه، ونصروه، واتبعوا النور الذي جاء به، فتلقوه عذباً زلالاًً، وسائغا فراتا من مشكاة النبوة، واخلصوا دينهم لله، وبذلوا في سبيله المهج والأرواح، والغالي والنفيس، والأموال والأولاد، فشادوا بنيانه، وأكملوا صرحه، وفتحوا البلاد وهَدَوا العباد، فكانوا بذلك أهلا لرضوان الله ومحبته، ورحمته وجنته، وكانوا خير أمة أخرجت للناس وخير القرون.
ثم الشيعة الاثنى عشرية بعد ما تبين لهم فضل أولئك الصحب الأبرار، والخيرة الأطهار، يزعمون أن هؤلاء الكرام البررة رضي الله تعالى عنهم قد ارتدوا جميعا على أدبارهم القهقرى إلا نفراً يسيراً منهم رجّحوا أنهم ثلاثة: وهم سلمان الفارسي وأبو ذر والمقداد استثنوهم من عداد من ارتد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
قال التستري - من كبار علمائهم - <كما جاء موسى للهداية وهدى خلقا كثيرا من بني إسرائيل وغيرهم فارتدوا في أيام حياته ولم يبق فيهم أحد على إيمانه سوى هارون صلى الله عليه وآله وسلم ، كذلك جاء محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهدى خلقاً كثيرا، لكنهم بعد وفاته ارتدوا على أعقابهم(1).
ولئن سألت الشيعة أدلة جلية ألجأتهم إلى هذا القول، لرأيتهم قد افتروا أقوالا نسبوها - زوراً وبهتاناً - إلى من يدعون أنهم أئمة لهم، أمثال علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وغيرهم.(1/107)
فمن الأقوال التي نسبوها إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه : <إن الناس كلهم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير أربعة>(1) - زادوا عمار بن ياسر رضي الله عنهما على الثلاثة السابقين - .
ومن الأقوال التي نسبوها إلى محمد بن علي الباقر رحمه الله <كان الناس أهل ردة بعد النبي إلا ثلاثة>(2) و>ارتد الناس إلا ثلاثة نفر>(3).
وقد وصف الشيعة أسانيد هذه الروايات بأنها معتبرة(4)،(5).
أما سبب ارتداد الصحابة بزعمهم فهو لتركهم مبايعة علي رضي الله عنه.
روى الكليني> عن عبد الرحمن بن كثير عن أبى عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: {إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى}(6). فلان وفلان وفلان(7) ارتدوا عن الإيمان في ترك ولاية أمير المؤمنين عليه السلام. قلت : قوله تعالى { ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر}(8) قال: <نزلت والله فيهما وفي أتباعهما>(9).
وهناك روايات أخرى كثيرة مكذوبة ملأ الشيعة بها كتبهم، ونسبوها - كذبا وبهتانا - إلى عدد من أئمتهم.
ولا ريب أن أولئك الأئمة بريئون من ذلك، وما نسبه إليهم الشيعة هو محض إفك مفترى، والحق أنه قد كُذب على أئمة أهل بيت نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أكثر مما كُذب على غيرهم، حتى شكا الأئمة - وعلى رأسهم جعفر الصادق - من ذلك.
وقد بين الإمام جعفر بن محمد الصادق رحمه الله - إمام الشيعة السادس - ذلك بقوله: <إنا أهل بيت صادقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا، ويسقط صدقنا - بكذبه علينا - عند الناس>(1).(1/108)
أضف إلى ذلك ما أخبر به الله تبارك وتعالى من أنه رضي عن الصحابة في غير ما موضع من كتابه الكريم، وأمر بالاستغفار لهم. والمؤمن المطيع المتبع لا يصنع كصنيع الشيعة مع الصحابة؛ أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم. بل يستغفر لهم، ويترضى عنهم، ويعتقد أن ما نحن فيه من نعمة فهو من جهودهم رضي الله عنهم وجهادهم، ونتائج أعمالهم الطيبة المباركة، وثمرة لما قدموه من مال وولد في سبيل نصر دين الله ونشره، وإعلاء كلمة الله حتى لا يعبد أحد سواه.
والله تبارك وتعالى أخبر أنه رضي عن الصحابة الذين بايعوا
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحت الشجرة بقوله: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريبا}(2).
وكانت عدّتهم - رضي الله عنهم - ألفا وثلاثمائة باعتراف الشيعة أنفسهم(1)، ولم يرتد منهم أحد، فكيف يُجِّوز الشيعة أن يرضى الله عز وجل عن أقوام ويحمدهم وهو يعلم أنهم سيرتدون على أعقابهم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ بل وكيف يزعمون بعد هذا الإخبار أن الصحابة ارتدوا إلا نفرا يسيراً؟ إلا أن يقولوا: إن الله لم يعلم ذلك حتى وقع، فإن قالوها فقد عرضوا أنفسهم للعنة أحد الأئمة - المعصومين عندهم - جعفر الصادق الذي لعن من قال: إن الله لا يعلم الشيء حتى يكون(2)، ودعا عليه بالخزي، فقال: <من قال هذا أخزاه الله>(3).
والآية عامة في الرضا عن المبايعين تحت الشجرة كلهم فـ<إذ> في قوله تعالى: {إذ يبايعونك} ظرف، وسواء أكانت ظرفاً محضاً، أم كانت ظرفاً فيها معنى التعليل، فإنها تدل على تعلق الرضا بجميع المبايعين، فعلم أنهم جميعاً من المرضي عنهم.
وخلاصة القول : إن دعوى الشيعة ارتداد الصحابة أمر قائم على الهوى، وليس لديهم دليل نقلي صحيح، ولا عقلي صريح يسوغ لهم الإقدام على مثل هذا الادعاء الخطير.(1/109)
اللهم اعصمنا بالتقوى، واحفظ علينا حبنا لصحابة نبيك صلى الله عليه وآله وسلم كما تحب وترضى يارب العالمين(4).
موقف الشيعة الإثنى عشرية من الخليفة الراشد
أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه
يطعن الشيعة في صدق إيمان الصديق رضي الله عنه ، ويصفونه بأنه رجل سوء(1). أمضى أكثر عمره مقيما على الكفر، خادما للأوثان(2). عابدا للأصنام(3)، حتى شاب قرنه وأبيض فُوده(4).
ولم يكتفوا بهذا ، بل زعموا أن إيمانه كان كإيمان اليهود والنصارى، لأنه لم يتابع محمدا صلى الله عليه وآله وسلم لاعتقاده أنه نبي، بل لاعتقاده أَنَّه مَلِك(5)، لهذا لم يكن إسلامه صادقا، فقد استمر على عبادة الأصنام، حتى إنه - على حد قولهم - <كان يصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والصنم معلق في عنقه يسجد له>(6)، وكان يفطر متعمدا في نهار رمضان، ويشرب الخمر، ويهجو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(7) :
قال الطوسي : <إن من الناس من شك في إيمانه، لأن في الأمة من قال: إنه لم يكن عارفا بالله تعالى قط>(8).
وأما ابن طاوس فقد جزم بأن أبا بكر مشكوك في هدايته(9).
وجزم المجلسي بعدم إيمانه(1).
أما باطنه رضي الله عنه ، فقد زعموا أنهم اطلعوا عليه، وتبين لهم من خلال هذا الاطلاع أنه كافر(2)، حتى إنهم حرّفوا قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: <إن أبا بكر لم يسؤني قط>، بما يوافق مزاعمهم الباطلة، فقالوا: <هذه صيغة ماض، وهي تستلزم أن كفر أبي بكر لم يسؤه عليه السلام>(3).
وهذه المزاعم التي قالها الشيعة كلها كاذبة، ولا تمت إلى الحقيقة بصلة، وليس لديهم دليل عليها، إلا ما يعتمل في صدورهم من حقد على الصديق رضي الله عنه، وإخوانه الصحابة، فالصديق رضي الله عنه صحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مؤمنا به من مبعثه إلى أن مات.(1/110)
وقد أجمع المسلمون على أن الصديق رضي الله عنه أول من صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآمن به من الرجال(4)، وعليا أول من آمن من الصبيان، وخديجة أول من آمنت من النساء، وزيد بن حارثة أول من آمن من الموالي(5).
وقد سئل الحبر ابن عباس رضي الله عنهما: <من أول من آمن؟ فقال: أبو بكر الصديق: أما سمعت قول حسان:
إذا تذكّرت شَجْوًا من أخي ثقةٍ فاذكر أخاك أبا بكر بما فَعَلا
خَيرُ البِرَيَّة أوفاها وأعدلها بعد النَّبِيّ وأولاها بما حَمَلا
والتالي الثاني المحمود مشهده وأول الناس منهم صدَّق الرُّسُلا(6).
وحين عَرَض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الاسلام عليه لم يتردد في قبوله، ولم يتلعثم، بل أقبل عليه بكل جوارحه، وقد أخبر عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بقوله: <وما عرضت الإسلام على أحد إلا كانت له كبوة، إلا أبا بكر فإنه لم يتلعثم>(1).
بينما يروي الشيعة في قصة إسلام علي رضي الله عنه أنه تلعثم وتردد، وطلب من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يمهله، وقال له: <إن هذا دين مخالف دين أبي، وأنا أنظر فيه>(2).
أما ادعاء الشيعة أن أبا بكر رضي الله عنه لم يكن مؤمنا حقيقة، وأنه مشكوك في هدايته، فكذب بإجماع المسلمين، ولا يوجد دليل واحد في أي كتاب من كتبهم يؤيد هذه المزاعم الباطلة، ولو كانت التهم تلقى جزافا لأمكن لمبغضي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنَ يدَّعوا فيه ما أدَّعى الشيعة في الصديق رضي الله عنه ، ولكن حاشاه وحاشا الصديق من أن ينسب إليه ذلك، بل هما والصحابة الكرام من سادات أولياء الله، وأفضل الناس بعد أنبياء الله ورسله(3).
موقف الشيعة الاثنى عشرية
من الفاروق أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه
يزعم الشيعة أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه كان مصابا بداء في دبره لا يهدأ إلا بماء الرجال(1).(1/111)
ولم يكتف الشيعة بهذا التلميح، بل تعدّوه الى التصريح، إذ صرحت بعض رواياتهم أن عمر رضي الله عنه كان ممن ينكح في دبره .
فقد روى العياشي أن من تسمَّى بـ <أمير المؤمنين> فهو ممن يؤتي في دبره(2).
ومعلوم أن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو أول من تسمى بـ <أمير المؤمنين>(3).
وهذا الإفك وجهه الشيعة إلى من أحب الإمام الأول - المعصوم عندهم - علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يلقي الله بمثل عمله(4)، وزوجه ابنته أم كلثوم(5). فهل يحب الإمام المعصوم عندهم أن يلقى الله بمثل عمل من يؤتى في دبره؟ وكيف زوج الإمام المعصوم عندهم ابنته لمن يؤتي في دبره - على حد زعمهم - ؟ سؤال أترك الإجابة عليه للشيعة أنفسهم.
ويزعم الشيعة أيضا أن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يبطن الكفر ويظهر الإسلام(1).
ويزعمون أن كفره مساوٍ لكفر إبليس إن لم يكن أشد منه.
عن أبى عبد الله عليه السلام أنه إذا كان يوم القيامة يؤتى بابليس في سبعين غلاِ وسبعين كبلاً(2) فينظر الأول إلى زفر(3) في عشرين ومائة كبل وعشرين ومائة غل فينظر إبليس فيقول: من هذا الذي أضعفه الله له العذاب وأنا أغويت هذا الخلق أجمعين؟
فيقال : هذا زفر، فيقول: بما حُدِّدَ لَهُ هذا العذاب؟ فيقال: ببغيه على علي عليه السلام(4).
ولا يكتفي الشيعة بمجرد القول بكفر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بل يلعنون كل من يشك في كفره، ويزعمون أنه لا يشك في كفره عاقل.
قال المجلسي - شيخ الدولة الصفوية ، ومرجع الشيعة المعاصرين:- <لا مجال لعاقل أن يشك في كفر عمر. فلعنة الله ورسوله عليه، وعلى كل من اعتبره مسلماً، وعلى كل من يكف عن لعنه>(1)،(2).(1/112)
وروى القمي في تفسيره عن أبي عبد الله عليه السلام قال: <ما بعث الله نبيا إلا وفي أمته شيطانان يؤذيانه، ويضلان الناس بعده، فأما صاحبا نوح فقنطيفوس وخرام، وأما صاحبا ابراهيم فعكثل ورزام، وأما صاحبا موسى، فالسامري ومرعقيبا، وأما صاحبا عيسى: فبولس، ومريتون، وأما صاحبا محمد فحبتر وزريق>(3).
ويعنون بحتر عمر رضي الله عنه، وزريق أبا بكر رضي الله عنه(4) وهذه من الرموز التي يستعلمونها في كتبهم للطعن على الشيخين.
وفي تفسير العياشي عن بريد بن معاوية <أنه سأل أبا جعفر عليه السلام) عن قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت}(5). فكان جوابه فلان وفلان(6).
ويعنون بفلان وفلان أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كما بين ذلك شارح الكافي(7).
وفي كتاب سليم بن قيس: عن علي بن أبي طالب أنه قال: <إن الناس كلهم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير أربعة، إن الناس صاروا بعد رسول الله بمنزلة هارون ومن تبعه، ومنزلة العجل ومن تبعه، فعلي في شبه هارون وعتيق(1) في شبه العجل، وعمر في شبه السامري(2).
وفي بصائر الدرجات : عن الثمالي عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: <قلت أسألك جعلت فداك عن ثلاث خصال انف عني فيها التقية قال: فقال ذلك لك، قلت: أسألك عن فلان وفلان، قال فعليهما لعنة الله بلعناته كلها ماتا والله وهما كافران مشركان بالله العظيم>(3)،(4).
ومن الأعياد التي يفرح ويبتهج بها الشيعة الاثنا عشرية هو يوم مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويعتبرون يوم مقتله عيدا من أكابر الأعياد، ويعتبرون قاتله أبا لؤلؤة المجوسي الخبيث مسلما من أفاضل المسلمين، ويذكرون أنه إنما قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه انتقاما لظلم أصابه منه وإهانة ألحقها به.
ويصف الشيعة قاتل عمر بالشجاع، ويلقبونه بـ <شجاع الدين>(2).(1/113)
ويظهر الشيعة الاثنى عشرية فرحتهم وابتهاجهم باستشهاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه: فإضافةً لاعتبارهم يوم مقتله من أكبر الأعياد نجدهم ينشدون الأناشيد فرحاً وابتهاجا بما جرى له على يد قاتله المجوسي(3).
كما يعظمون يوم النيروز كفعل المجوس(4). وقد اعترف علماء الشيعة بأن يوم النيروز من أعياد الفرس(5).
فمما لا شك فيه أن أبا لؤلؤة المجوسي كان كافرا، وأنَّ قتله لأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه إنما كان ثأرا لدينه ووطنه، فعمر بن الخطاب رضي الله عنه كان سببا في إطفاء نار المجوس وإزالة ملكهم فاندفع أبو لؤلؤة بحقده فقتل عمر، وقتل معه بضعة عشر صحابياً، وعلى هذا فانتصار الشيعة له إنما يعد انتصارا للكفار.
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله <ولهذا تجد الشيعة ينتصرون لأبي لؤلؤة الكافر المجوسي، ومنهم من يقول: اللهم أرض عن أبي لؤلؤة واحشرني معه، ومنهم من يقول في بعض ما يفعله من محاربتهم: واثارات أبي لؤلؤة، كما يفعلون في الصورة التي يُقدّرون فيها صورة عمر من الجبس وغيره. وأبو لؤلؤة كافرٌ باتّفاق أهل الاسلام، كان مجوسيا من عباد النيران... فقتل عمر بغضا في الإسلام وأهله، وحبا للمجوس، وانتقاما للكفار لما فعل بهم عمر حين فتح بلادهم، وقتل رؤساءهم، وقسم أموالهم>(1).
وليست تقتصر مطاعن الشيعة على ما ذكر، بل ما ذكرتُهُ يُعَدّ غيضاً من فيض مما في كتب الشيعة من المطاعن المفتراة والموجّهة الى أحب الناس الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد أبي بكر(2)،(3).
موقف الشيعة الاثنى عشرية من الخليفة الشهيد
ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه
أولا : طعنهم في أخلاقه رضي الله عنه
حسن خلق عثمان رضي الله عنه من الأمور التي تظافرت الأدلة على إثباته، فبلغت بمجموعها حد التواتر المعنوي، حتى إنه لو أنكر إنسان حسن خلقه، وسيرته الحميدة، ومآثره النبيلة لقام الناس كلهم عليه، وأشاروا بسباباتهم إليه إن هذا القائل من الكاذبين .(1/114)
ولست أدري كيف يستحل الشيعة الكذب، ويأتون بما ينقض ما تواتر لفظا أو معنى، مما يجعل من يقرأ ما كتبوه يصمهم بالكذب، إلا أن يقولوا إن ذلك من التقية، فلا أظن أن التقية تسوغ لهم معارضة الأمور المتواترة.
لذلك نجدهم قد وجهوا العديد من المطاعن إلى أخلاق الحيي الكريم عثمان بن عفان رضي الله عنه ، ووصفوه بأنه زان، مخنث، يلعب به، همه بطنه وفرجه.. الخ.
قالوا : إنه <أُتي بامرأة لتحد، فقاربها - جامعها - ثم أمر برجمها> على حد زعم الشيعة(1).
وليس الأمر قاصرا عند الشيعة على اتهام عثمان رضي الله عنه بالزنا، بل تعدوه إلى زعمهم أنه كان ممن يلعب به، وأنه كان مخنثا(2).
وقد نسبوا إلى علي رضي الله عنه - زورا وبهتانا - أنه قال عن عثمان: همه بطنه وفرجه.
فقد روى الكليني بسنده عن علي بن أبي طالب أنه قال في إحدى خطبه: <سبق الرجلان، وقام الثالث كالغراب همته بطنه وفرجه، ياويحه لو قص جناحاه وقطع رأسه لكان خيرا له>(1).
وذكر المجلسي في شرحها أن المراد بالثالث : عثمان بن عفان، وأن اللذين سبقاه هما أبوبكر وعمر(2).
وزعم الشيعة أيضا أن عثمان بن عفان رضي الله عنه لم يكن يبالي أحلالا أكل أم حراماَ.
فقد أسند الكليني أيضا - كذبا - إلى جعفر الصادق أنه قال: <إنَّ وليَّ عثمان لا يبالي أحلالا أكل أو حراما، لأن صاحبه كان كذلك>(3).
ومرادهم بـ <صاحبه> : عثمان رضي الله عنه .
وهذه المطاعن التي وجهها الشيعة إلى أخلاق عثمان رضي الله عنه إنما وجهها الشيعة إلى من أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنه أن الملائكة تستحي منه(4)، وإلى من أخبر عن نفسه أمام جمع كبير من الناس - كان يمكنهم أن يردوا عليه لو كان كاذبا - بأنه ما زنى قط في جاهلية ولا إسلام(5).
ثم الشيعة بعد هذا يزعمون أنه كان زانيا، ومخنثا، ويلعب به، و...، و...، ..الخ ما أوردوه من الأكاذيب(6).(1/115)
ثانياً : زعم الشيعة الاثنى عشرية أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان منافقا كافراً، وقولهم بوجوب لعنه والبراءة منه
يزعم الشيعة أن عثمان رضي الله عنه كان منافقا يُظهر الإسلام ويبطن النفاق(1).
قال الكركي : <إن من لم يجد في قلبه عداوة لعثمان، ولم يستحل عرضه، ولم يعتقد كفره، فهو عدو الله ورسوله، كافر بما أنزل الله>(2).
إذاً : ليس الأمر قاصراً على تكفير عثمان رضي الله عنه، بل تكفير كل من لم يبغضه، ويكفره، ويشتمه، ويخوض في عرضه، ويعنونكم أنتم أيها المسلمون.
ولم يكتف الشيعة بالحكم على عثمان رضي الله عنه بالكفر، بل أوجبوا لعنه والبراءة منه(3)، ومن يتصفح كتبهم يجد العجب العجاب.
ولا ريب أن هذا الصنيع يعد مخالفة صريحة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد توعد الله من يخالف أمره بالفتنة في الدنيا والعذاب الشديد في الآخرة، قال تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}(4).
فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم بَشَّر عثمان رضي الله تعالى عنه بالجنة(5)، وزوجه ابنته رقية، فلما توفيت زوجه ابنته الأخرى أم كلثوم(1)، فلما ماتت أم كلثوم وحزن عليها عثمان، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " <لو كانت عندي ثالثة زوجتها عثمان>(2).
ومعلوم أن المنافق والكافر لا يدخل الجنة، بل هي محرمة عليه، فكيف يتفق حكم الشيعة على عثمان بالكفر والنفاق مع بشارة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له بالجنة؟!.
ثم كيف يزوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عثمان ابنتيه الواحدة تلو الأخرى وهو كافر منافق - كما زعم الشيعة - ؟!
فدل هذا على أن دعوى الشيعة كفر عثمان قائمة على الهوى، ولا تمت إلى الحقيقة بصلة، وأن الشيعة قد خالفوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي بشر عثمان بالجنة، وزوجه ابنتيه الواحدة تلو الأخرى لما عرف عنه من دين وخلق وفضل، ومات عليه السلام وهو عنه راض(3)،(4).(1/116)
ثالثا : زعم الشيعة الاثنى عشرية أن عثمان رضي الله عنه قتل زوجته ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
يزعم الشيعة الاثنا عشرية أن عثمان رضي الله عنه قتل رقية ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويستدلون على هذه الفرية بآيات زعموا كذبا أنها نزلت فيه، والآيات هي: قوله تعالى: {أيحسب أن لن يقدر عليه أحد - يقول أهلكت مالا لبدا - أيحسب أن لم يره أحد - ألم نجعل له عينين - ولساناً وشفتين - وهديناه النجدين}(1).
فقد روى القمي بسنده عن أبي جعفر الباقر - رحمه الله - وحاشاه أن يكون صدر عنه شيء من هذا البهتان المبين - في تفسير هذه الآيات أنه قال: <قوله تعالى: {أيحسب أن لن يقدر عليه أحد} قال: يعني عثمان في قتله ابنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. {يقول أهلكت مالا لبدا}: يعني الذي جهز به النبي من جيش العسرة {أيحسب أن لم يره أحد} قال: فساد كان في نفسه {ألم نجعل له عينين} يعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم {ولسانا} يعني أمير المؤمنين (ع) {وشفتين} يعني الحسن والحسين عليهما السلام {وهديناه النجدين} إلى ولايتهما>(2).
روى الكليني عن أبي بصير أنه قال: <قلت لأبي عبد الله (ع) أيفلت من ضغطة القبر أحد؟ قال: نعوذ بالله منها، ما أقل من يفلت من ضغطة القبر، إن رقية لما قتلها عثمان وقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على قبرها فرفع رأسه إلى السماء فدمعت عيناه، وقال للناس: إني ذكرت هذه وما لقيت، فرققت لها، واستوهبتها من ضغطة القبر فوهبها الله لي>(1).
أما كيف قتلها - على حد كذبهم وافترائهم - فقد زعم البياضي الشيعي أنه ضربها حتى ماتت(2).
ويزعم الشيعة أن رقية كانت خائفة من عثمان، وكانت تدعو الله أن ينجيها منه ومن عمله.(1/117)
فقد روى شرف الدين النجفي بسنده أن أبا عبدالله جعفر ابن محمد بن علي الصادق قال في تفسير قول الله تعالى: {وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين}(3). أنه قال: <هذا مثل ضربه الله لرقية بنت رسول الله التي تزوجها عثمان بن عفان. قال: {ونجني من فرعون وعمله} يعني من الثالث، عثمان>(4).
وقال هاشم معروف الحسيني - وهو من الشيعة المعاصرين - : <وتشير المرويات الكثيرة(5) أن عثمان بن عفان لم يحسن صحبتها، ولم يُراع رسول الله فيها، فتزوج عليها أكثر من امرأة، وماتت على أثر ضربات قاسية منه أدت إلى كسر أضلاعها....!>(1)،(2).
روى القمي في تفسير قوله تعالى : {قل أعوذ برب الفلق}(3).
قال <الفلق جب في نار جهنم يتعوذ أهل النار من شدة حره، فسأل الله من شدة حره أن يتنفس فأذن له فتنفس فأحرق جهنم. قال: وفي ذلك الجب صندوق من نار يتعوذ أهل الجب من حر ذلك الصندوق، وهو التابوت وفي ذلك التابوت ستة من الأولين وستة من الآخرين، فأما الستة من الأولين فابن آدم الذي قتل أخاه ، ونمرود ابراهيم الذي ألقى ابراهيم في النار ، وفرعون موسى ، والسامري الذي اتخذ العجل، والذي هودّ اليهود والذي نصر النصارى، وأما الستة الذين من الآخرين فهو الأول والثاني والثالث والرابع(4) وصاحب الخوارج(5) وابن ملجم لعنهم الله(6).
أما العياشي فيعبر عن حقده على هؤلاء الخلفاء برواية أخرى مصطنعة يرويها عن جعفر بن محمد أنه قال: <يؤتي بجهنم لها سبعة أبواب بابها الأول: للظالم وهو زريق، وبابها الثاني: لحبتر، والباب الثالث: للثالث، والرابع: لمعاوية، والباب الخامس: لعبدالملك، والباب السادس: لعسكر بن هوسر، والباب السابع: لأبي سلامه(1). فهم أبواب لمن اتبعهم>(2)،(3).
طعن الشيعة الاثنى عشرية
في باقي الصحابة رضي الله عنهم(1/118)
يزعم الشيعة أن طلحة رضي الله عنه كان ولد زنا وقد نسبوا إلى هشام بن محمد الكلبي قوله عن أم طلحة الصعبة بنت الحضرمي <أنها كانت لها راية(1) بمكة، وأنها استبضعت بأبي سفيان، فوقع عليها أبو سفيان، وتزوجها عبيدالله بن عثمان - والد طلحة - فجاءت بطلحة بن عبيدالله لستة أشهر، فاختصم أبو سفيان وعبيد الله في طلحة، فجعلا أمره إلى صعبة فألحقته بعبيدالله، فقيل لها: كيف تركت أبا سفيان؟ فقالت : يد عبيدالله طلقة، ويد أبي سفيان تربة(2).
ولا ريب أن هذه المزاعم الكلبية فرية بلا مرية، وإفك بلا شك، والشيعة لم يفتروا هذه الفرية على طلحة وحده، بل جعلوا جميع أمة محمد عليه الصلاة والسلام أولاد زنا ماعدا شيعتهم(3).
ونسب المرتضى أيضا كذباً إلى علي رضي الله عنه أنه قال: <ألا إن أئمة الكفر في الإسلام خمسة طلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري>(4).
روي المجلسي في البحار أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أخبر سعد بن أبي الوقاص رضي الله عنه أن على كل شعرة في لحيته شيطاناً جالساً(1).
وروى الصدوق كذباً إلى جعفر الصادق أنه قال: <إن للنار سبعة أبواب، باب يدخل منه فرعون وهامان وقارون>(2) .
ومرادهم بفرعون وهامان: أبو بكر وعمر رضي الله عنه(3) وأما المراد بـ<قارون> فقد ذكر الكاشاني أن <عبدالرحمن بن عوف قارون هذه الأمة>(4).
المبحث الثامن
عدالة الصحابة
لقد طعن الشيعة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأشرعوا سهامهم في ظهورهم لأنهم لا يجرؤن على المواجهة، فعمدوا إلى تشويه سيرتهم المرضية، وتسويد صحائفهم البيضاء النقية، واتهامهم بالنفاق والخيانة، وتكفيرهم صراحة بما فيهم أبوبكر وعمر وعثمان وبقية العشرة الذين بشرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجنة ومات وهو راض عنهم، وغيرهم من سادات الصحابة وخيارهم رضي الله عنهم أجمعين.(1/119)
وقد صدق عليهم قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله(1) : <فضلت اليهود والنصارى على الشيعة بخصلتين: سئلت اليهود: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى، وسئلت النصارى: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: حواريو عيسى، وسئلت الشيعة: من شر أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم>(2).
فالشيعة لم يَتّبِعوا في صنيعهم هذا كتاب الله تعالى، ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما كان قدوتهم في ذلك ابن السوداء عبدالله بن سبأ اليهودي الذي يعد أول من أحدث الطعن في الصحابة رضوان الله عليهم، وكَفَّرهم، وأول من أظهر البراءة منهم باعتراف الشيعة أنفسهم(3).
فابن سبأ اليهودي هو أول من وضع نواة الرفض - المشتمل على تكفير الصحابة وسبهم - وأرسى قواعده، وعنه أخذ الشيعة هذا المعتقد الباطل، وغيره من المعتقدات الفاسدة التي خالفت كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
ولم يكتف الشيعة باعتناق مذهب الرفض - المشتمل على سب الصحابة - فحسب، بل عملوا على نشره والدعوة إليه سالكين في سبيل ذلك مختلف الطرق، آخذين بشتى الوسائل والسبل في محاولة منهم لاستدراج الكثير من المسلمين الغافلين إلى هذا المذهب الفاسد تحت أغطية كثيرة، منها ادعاؤهم حب أهل البيت، وزعمهم أن الصحابة دفعوهم عن حقهم، وغصبوهم إياه، وتواطأوا على ظلمهم، وغير تلك من المزاعم التي تعد عند أرباب العقول إفكا غير مقبول.
ولا ريب أن أهل بيت نبينا الطيبين الطاهرين بريئون كل البراءة من كل ما ألصقه بهم الشيعة، وما نسبوه إليهم من معتقدات - وبخاصة معتقد الرفض - فهم يحبون الصحابة ويجلونهم ويحترمونهم وينزلونهم المنزلة التي يستحقونها(1).
الموقف الصحيح تجاه أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم
لقد شهدت نصوص القرآن وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأقوال أهل العلم والفضل، وكذا العقل الصريح على عدالتهم والرضا عنهم.(1/120)
أولا : القرآن الكريم :
أثنى الله تعالى عليهم في آيات كثيرة جلية واضحة، لا نحتاج لمعرفة معناها إلى تأويل باطني كحال الشيعة في تأويل آيات القرآن .
- قال جل شأنه }كنتم خير أمة أخرجت للناس}(1).
> وكفى فخراً لهم أن الله تبارك وتعالى شهد لهم بأنهم خير الناس فإنهم أول داخل في هذا الخطاب ولا مقام أعظم من مقام قوم ارتضاهم الله عز وجل لصحبة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ونصرته(2).
- وقال سبحانه}والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم}(3).
- وقال سبحانه }لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا}(4).
قال ابن حزم: فمن أخبرنا الله سبحانه أنه علم ما في قلوبهم، ورضي عنهم، وأنزل السكينة عليهم فلا يحل لأحد التوقف في أمرهم ولا الشك فيهم البتة(1).
> والذين بايعوا تحت الشجرة بالحديبية عند جبل التنعيم(2) كانوا أكثر من ألف وأربعمائة، بايعوه لما صده المشركون عن العمرة(3).
- وقال تعالى }محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما}(4).
فانظر إلى عظيم مقام الصحابة، حيث أثنى الله عليهم بهذه الأوصاف، وأخبر أن صفتهم مذكورة في التوراة والإنجيل، حتى ذكر بعض أهل العلم أن ظاهر هذه الآية يوجب أن الروافض كفار، لأن في قلوبهم غيظاً من الصحابة وعداوة لهم والله يقول {ليغيظ بهم الكفار} فبين أن من كان في قلبه غيظ منهم فهو من الكفار(5).(1/121)
- وقال تعالى }لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى}(1).
وقد حكم الله لمن وعد بالحسنى بقوله: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدونü لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدونü لا يحزنهم الفزع الأكبر}(2).
- وقال سبحانه }للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقونü والذين تبوّءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحونü والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم}(3).
وهذه الآيات تتضمن الثناء على المهاجرين والأنصار، وتتضمن أن هؤلاء الأصناف هم المستحقون للفيء، ولا ريب أن هؤلاء الرافضة خارجون من الأصناف الثلاثة، فهم لم يستغفروا للسابقين، وفي قلوبهم غل عليهم. ففي الآيات الثناء على الصحابة وعلى أهل السنة الذين يتولونهم وإخراج الشيعة من ذلك، وهذا ينقض مذهب الشيعة(4).
والآيات في هذا الباب كثيرة. وهناك من حاول أن يحرف معاني الآيات الواردة في فضل الصحابة بتعسف ظاهر وانظر مثالاً لذلك التيجاني في كتابه ثم اهتديت والرد عليه في كتاب كشف الجاني محمد التيجاني في كتبه الأربعة ص53(1).
ثانيا : السنة النبوية :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال . قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مدَّ أحدهم ولا نصيفه(2).
وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)(3).(1/122)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : سأل رجل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أي الناس خير قال: القرن الذي أنا فيه ثم الثاني ثم الثالث(4).
وعن أبي بردة عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون(5)، (6).
ثالثا : موقف آل البيت من الصحابة :
فهذا أمير المؤمنين علي رضي الله تعالى عنه ينهى بعض من كان في جيشه عن سب معاوية مع كونه دون الشيخين في الفضل ويقول: <كرهت لكم أن تكونوا شتامين لعانين>.(1)
ولقد سأل جابر الجعفي الإمام محمد بن علي أبا جعفر الباقر عليه السلام عن الشيخين رضي الله عنهما: <أكان منكم أهل البيت أحد يسب أبا بكر وعمر؟ قال: لا، وأنا أحبهما وأتولاهما وأستغفر لهما>(2).
أما الإمام الصادق رحمه الله - إمام القوم السادس - فلم يكن يتولاهما فحسب، بل كان يأمر أتباعه بتوليهما أيضا، فقد روى الكليني - في كتاب الكافي الذي هو عند الشيعة بمنزلة صحيح البخاري عند أهل السنة - بسنده عن الصادق أنه قال لامرأة من الشيعة سألته عن أبي بكر وعمر، أأتولاهما وأحبهما؟ فقال لها : <توليهما>. قالت: فأقول لربي إذا لقيته إنك أمرتني بولايتهما؟ قال: <نعم>(3).
وقد ورد المدح للصديق أبي بكر عن محمد الباقر أيضا كما رواه علي بن عيسى الأربلي الشيعي المشهور في كتابه: كشف الغمة في معرفة الأئمة: أنه سئل الإمام أبوجعفر عن حلية السيف هل تجوز؟ فقال نعم قد حلى أبو بكر الصديق سيفه بالفضة، فقال (السائل): أتقول هذا؟ فوثب الإمام عن مكانه، فقال: نعم، الصديق، نعم الصديق، فمن لم يقل له الصديق، فلا صدق الله قوله في الدنيا والآخرة>(4).(1/123)
وأخبر زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أصحابه أنه لم يسمع أحدا من آبائه يتبرأ من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، كما نقل ذلك عنه الشيعة(1).
وآباؤه هم علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وأبوه وجده .
أفلا يسع الشيعة ما وسع أئمتهم من تولي الشيخين والترضي عنهما، وعدم التبرىء منهما، فضلا عن لعنهما؟!.
ولم يكتف زيد بن علي رضي الله عنهما بقوله هذا، بل وافقه بفعله، وذلك حين جاءه قوم ممن ينتحلون التشيع ومودة آل البيت، وطلبوا منه أن يتبرأ من الشيخين، أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، حتى يبايعوه - وذلك حينما خرج على الأمويين - فقال لهم كلمته الرائعة التي ألجمت أفواههم، وبينت لهم معنى التشيع الحق: <أنا أتبرأ ممن يتبرأ منهما>(2)، <البراءة من أبي بكر وعمر براءة من علي>(3)، فقالوا له: <إذن نرفضك>(4).
فهذه أقوال من يزعم الشيعة أنهم أئمة لهم، وهذه حالهم، يتولون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، بل وسائر الصحابة، ويترحمون عليهم، ولا يتبرؤون منهم، بل ويأمرون الناس بتوليهم ومحبتهم، ويحذرونهم من بغضهم وسبهم. فكيف يدعي من يزعم الانتساب إليهم أن البراءة من الشيخين والصحابة واجبة؟!. فضلاً عن كونها شرطاً للإيمان .
سؤال أترك الإجابة عليه للشيعة أنفسهم؟ (5) .
ثناء الأئمة على الصحابة رضوان الله عليهم عامة :
فقد ذكر ابن بابويه القمي في كتابه <الخصال> <عن أبي عبدالله قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اثنى عشر ألفا(1)، ثمانية آلاف من المدينة وألفان من أهل مكة، وألفان من الطلقاء لم ير فيهم قدري، ولا مرجي، ولا حروري، ولا معتزلي ولا صاحب رأي كانوا يبكون الليل والنهار>(2).
وذكر المجلسي في كتابه بحار الأنوار عن الصادق عن آبائه عن علي عليه السلام قال: <أوصيكم بأصحاب نبيكم لا تسبوهم الذين لم يحدثوا بعده حدثاً ولم يؤوا محدثا، فإن رسول الله أوصى بهم الخير>(3).(1/124)
وفي البحار أيضا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم <طوبى لمن رآني، وطوبى لمن رأى من رآني، وطوبى لمن رأى من رأى من رآني>(4)،(5).
وعن موسى بن جعفر (إمامهم السابع) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: <أنا أمنة لأصحابي، فإذا قبضت دنا من أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا قبض أصحابي دنا من أمتي ما يوعدون ولا يزال هذا الدين ظاهراً على الأديان كلها مادام فيكم من قد رآني>(1).
وبالأسانيد الثلاثة عن الرضا عن آبائه رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : اللهم أرحم خلفائي ثلاث مرات قيل له يارسول الله ومن خلفاؤك قال: الذين يأتون من بعدي ويروون أحاديثي وسنتي فيسلمونها الناس من بعدي(2).
وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين وخليفة المسلمين الراشد الرابع، والإمام الأول عندهم يمدح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم فما أرى أحدا يشبههم منكم، لقد كانوا يصبحون شعثا غبرا، وقد باتوا سجدا وقياما، يراوحون بين جباههم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم، إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم، ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفا من العقاب ورجاء للثواب(3).
وقال رضي الله تعالى عنه في الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما: وكان أفضلهم في الإسلام كما زعمت وأنصحهم لله ولرسوله الخليفة الصديق، والخليفة الفاروق، ولعمري إن مكانهما في الإسلام لعظيم وإن المصاب بهما لجرح في الاسلام شديد. رحمهما الله وجزاهما بأحسن ما عملا>(1).(1/125)
وعن منصور بن حازم قال قلت لأبي عبدالله عليه السلام ما بالي أسألك عن المسألة فتجيبني فيها بالجواب ثم يجيئك غيري فتجيبه فيها بجواب آخر فقال: إنا نجيب الناس على الزيادة والنقصان قال قلت: فأخبرني عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صدقوا على محمد صلى الله عليه وآله وسلم أم كذبوا؟ قال بل صدقوا. قال قلت: فما بالهم اختلفوا؟ فقال: أما تعلم أن الرجل كان يأتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيسأله عن المسألة فيجيبه فيها بالجواب ثم يجيبه بعد ذلك ما ينسخ ذلك الجواب فنسخت الأحاديث بعضها بعضا(2).
الاعتراف بخلافة الخلفاء الراشدين الثلاثة :
واعترف علي رضي الله تعالى عنه وأولاده بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين وأقروها لهم، وكان علي وزيرا ومشيرا لهم، كما ثبت عنه وعن أولاده مدح لهؤلاء الأعاظم، فقد قال: <لله بلاء فلان (أبي بكر)(1) فلقد قوم الأود، وداوى العمد، وأقام السنة، وخلف الفتنة، ذهب نقي الثوب، قليل العيب، أصاب خيرها، وسبق شرها، أدى إلى الله طاعته، واتقاه بحقه>(2).
وقال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين شاوره في الخروج إلى غزو الروم: إنك متى تسر إلى هذا العدو بنفسك فتلقهم فتنكب، لا تكن للمسلمين كانفة(3) دون أقصى بلادهم، ليس بعدك مرجع يرجعون إليه، فأبعث إليهم رجلا مجربا واحفز معه أهل البلاء والنصيحة، فإن أظهر الله فذاك ما تحب، وإن تكن الأخرى كنت ردءاً للناس ومثابة للمسلمين(4).
وقال مثنيا على خلافة الثلاثة: إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماما كان ذلك لله رضى، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتِّباع سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى(5).
ذم علي بن أبي طالب شيعته وبيان نقائصهم :(1/126)
> إن عليا وأولاده الأئمة المعصومين < - عندهم - كانوا يبغضون الشيعة المنتسبين إليهم، المدَّعين حبهم وأتباعهم، وكانوا يذمونهم على رؤس الأشهاد، فهذا علي رضي الله عنه الإمام المعصوم الأول - كما يزعمون - يذم شيعته ورفاقه ويدعو عليهم فيقول: وإني والله لأظن أن هؤلاء القوم سيدالون منكم باجتماعهم على باطلهم، وتفرقكم عن حقكم، وبمعصيتكم إمامكم في الحق، وطاعتهم إمامهم في الباطل، وبأدائهم الأمانة الى صاحبهم وخيانتكم، وبصلاحهم في بلادهم وفسادكم، فلو ائتمن أحدكم على قعب لخشيت أن يذهب بعلاقته، اللهم إني قد مللتهم وملوني، وسئمتهم وسئموني، فأبدلني بهم خيرا منهم، وأبدلهم بي شراً مني، اللهم مِثْ قلوبهم كما يماث الملح في الماء(1).
ويقول: ياأشباه الرجال ولا رجال! حلوم الأطفال، وعقول ربات الحجال لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم معرفة - والله - جرت ندما، وأعقبت سدما. قاتلكم الله! لقد ملأتم قلبي قيحاً، وشحنتم صدري غيظاً، وجرعتموني نغب التهمام أنفاسا، وأفسدتم على رأيي بالعصيان والخذلان، حتى لقد قالت قريش: إن ابن أبي طالب رجل شجاع، ولكن لا علم له بالحرب.
لله أبوهم! وهل أحد منهم أشد مراسا، وأقدم فيها مقاما مني! لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، وهأنذا قد ذرفت على الستين! ولكن لا رأي لمن لا يطاع(2).(1/127)
ويقول : ياأيها الناس المجتمعة أبدانهم، المختلفة أهواؤهم، كلامكم يوهى الصم الصلاب، وفعلكم يطمع فيكم الأعداء! تقولون في المجالس: كيت وكيت، فإذا جاء القتال قلتم حيدي حياد! ما عزت دعوة من دعاكم، ولا استراح قلب من قاساكم، أعاليل بأضاليل، وسألتموني التطويل، دفاع ذي الدين الممطول لا يمنع الضيم الذليل! ولا يدرك الحق إلا بالجد! أي دار بعد داركم تمنعون، ومع أي إمام بعدي تقاتلون؟ المغرور والله من غررتموه، ومن فاز بكم فقد فاز - والله - بالسهم الأخيب، ومن رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل، أصبحت والله لا أصدق قولكم، ولا أطمع في نصركم، ولا أوعد العدو بكم. ما بالكم؟ ما دواؤكم؟ ماطبكم؟ القوم رجال أمثالكم أقوالا بغير علم! وغفلة من غير ورع! وطمعا في غير حق؟!(1).
وجاء عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: <ياأهل الكوفة ، منيت منكم بثلاث واثنتين: صم ذوو أسماع، وبكم ذوو كلام، وعمى ذوو أبصار، لا أحرار صدق عند اللقاء، ولا إخوان ثقة عند البلاء! تربت أيديكم! ياأشباه الإبل غاب عنها رعاتها! كلما جمعت من جانب تفرقت من آخر، والله لكأني بكم فيما إخالكم أن لو حمس الوغى وحمى الضراب قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج المرأة عن قبلها(2).
ذم باقي الأئمة شيعتهم :
وعن الحسن بن علي رضي الله عنه أنه قال : <عرفت أهل الكوفة (أي شيعته وشيعة أبيه) وبلوتهم ولا يصلح لي منهم من كان فاسدا إنهم لا وفاء لهم ولا ذمة في قول ولا فعل، وإنهم لمختلفون ويقولون لنا إن قلوبهم معنا وإن سيوفهم لمشهورة علينا>(1).(1/128)
وقال أخوه الحسين لشيعته حينما اجتمعوا عليه بدل أن يساعدوه ويمدوه بعد ما دعوه إلى الكوفة وبايعوا مسلم بن عقيل نيابة عنه فقال لهم: <تبا لكم أيتها الجماعة! وترحا وبؤسا لكم وتعساً حين استصرختمونا ولهين فأصرخناكم موجفين، فشحذتم علينا سيفا كان في أيدينا وحششتم علينا نارا أضرمناها على عدوكم وعدونا، فأصبحتم ألباً على أوليائكم ويداً على أعدائكم من غير عدل أفشوه فيكم ولا أمل أصبح لكم فيهم ولا ذنب كان منا فيكم، فهلا لكم الويلات إذ أكرهتمونا والسيف مشيم والجأش طامن والرأي لم تستخصف ولكنكم استسرعتم الى بيعتنا كطيرة الدبا، وتهافتم إليها تهافت الفراش ثم نقضتموها سفها>(2).
وعن جعفر الصادق - عليه السلام - أنه قال: إني والله ما وجدت أحدا يطيعني ويأخذ بقولي إلا رجلا واحدا - عبد الله بن يعفور(3).
وروى الكليني عن أبي الحسن موسى أنه قال: لو ميزت شيعتي ما وجدتم إلا واصفة ولو امتحنتهم لما وجدهم إلا مرتدين(4).
ومثل هذا كثير وهذه هي الأسباب التي جعلتهم يلجأون إلى القول بالتقية، لأنه لا يمكن الجمع بين مدح الصحابة وعلى رأسهم أبي بكر وعمر وعثمان، وبين ذمهم والطعن فيهم كما لا يمكن الجمع بين ذم الشيعة والطعن فيهم وبين مدحهم.
فكيف الجمع بين هذا وذاك؟
فقالوا : إن الأئمة ما قالوا ذلك إلا تقية فكان هذا هو المخلص الوحيد لهم من المآزق .
رابعا : دلالة العقل والتاريخ وما علم بالتواتر وأجمع الناس عليه من عدالتهم(1/129)
أولا : قد عرف بالتواتر الذي لا يخفى على العامة والخاصة أن أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم كان لهم بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم اختصاص عظيم وكانوا من أعظم الناس اختصاصا به، وصُحبة له وقربا إليه، وقد صاهرهم كلهم، وكان يحبهم ويثني عليهم وحينئذ فإما أن يكونوا على الاستقامة ظاهراً وباطنا في حياته وبعد موته، وإما أن يكونوا خلاف ذلك في حياته أو بعد موته، فإن كانوا على غير الاستقامة مع هذا القرب فأحد الأمرين لازم، إما عدم علمه بأحوالهم، أو مداهنته لهم، وأيهما كان فهو من أعظم القدح في الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كما قيل:
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة
وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
وإن كانوا انحرفوا بعد الاستقامة فهذا خذلان من الله للرسول في خواص أمته، وأكابر أصحابه، ومن وعد أن يظهر دينه على الدين كله، فكيف يكون أكابر خواصه مرتدين؟ فهذا ونحوه من أعظم ما يقدح به الرافضة في الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كما قال مالك وغيره. إنما أراد هؤلاء الرافضة الطعن في الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ليقول القائل: رجل سوء كان له أصحاب سوء، ولو كان رجلا صالحا لكان أصحابه صالحين(1).
ثانيا : إن المرتد إنما يرتد لشبهة أو شهوة، ومعلوم أن الشبهات والشهوات في اوائل الاسلام كانت أقوى، حيث كان الإسلام إذ ذاك قليلا، والكفار مستولين على عامة الأرض، وكان المسلمون يؤذون بمكة ويلقون من أقاربهم وغيرهم من المشركين من الأذى ما لا يعلمه إلا الله، وهم صابرون على الأذى متجرعون لمرارة البلوى، وقد اتبعوه صلى الله عليه وآله وسلم وهو وحيد فقير، ذليل خائف، مقهور مغلوب، وأهل الأرض يد واحدة في عداوته، وقد خرجوا من ديارهم وأموالهم وتركوا ما كانوا عليه من الشرف والعزة حبا لله ورسوله.(1/130)
وهذا كله فعلوه طوعاً واختيارا، فمن كان إيمانهم مثل الجبال في حال ضعف الإسلام، كيف يكون إيمانهم بعد ظهور آياته وانتشار أعلامه(1) لاسيما والسبب الذي تكفرهم الرافضة من أجله وهو بيعة أبي بكر من دون علي، لا يوجد فيه ما يدفعهم إلى التضحية بإيمانهم، وخسارة سابقتهم وجهادهم وبيع آخرتهم من أجل أبي بكر، فما الذي حملهم على ذلك وهم يعلمون أنه كُفر بربهم، ورجوع عن دينهم، وتركوا اتباع قول رسول الله في بيعة علي بن أبي طالب، وقد علموا أنها طاعة لنبيهم، والثبات على دينهم، هل يعقل أن يطيع المهاجرون والأنصار أبا بكر في الكفر بالله، ويتركوا اتباع قول رسول الله في علي؟ وهم الذين خرجوا من ديارهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا، وينصرون الله ورسوله، أولئك هم الصادقون.
ثالثا : إن مذهب الرافضة في تكفير الصحابة يترتب عليه تكفير أمير المؤمنين لتخليه عن القيام بأمر الله(2)، ويلزم عليه إسقاط تواتر الشريعة، بل بطلانها مادام نقلتها مرتدين، ويؤدي إلى القدح في القرآن العظيم، لأنه وصلنا عن طريق أبي بكر وعمر وعثمان وإخوانهم، وهذا هو هدف واضع هذه المقالة ولذلك قال أبو زرعة: <إذا رأيت الرجل ينتقص أحداًً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حق والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة(1).
ولذلك اعترفت كتب الشيعة أن الذي وضع هذه المقالة هو ابن سبأ فقالت <إنه أول من أظهر الطعن في أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة، وتبرأ منهم، وادعى أن عليا عليه السلام أمره بذلك>(2).(1/131)
رابعا : إن عليا رضي الله عنه لم يكفر أحدا ممن قاتله حتى ولا الخوارج، ولا سبى ذرية أحد منهم، ولا غنم ماله، ولا حكم في أحد ممن قاتله بحكم المرتدين كما حكم أبو بكر وسائر الصحابة في بني حنيفة وأمثالهم من المرتدين، بل كان يترضى عن طلحة والزبير وغيرهما ممن قاتله، ويحكم فيهم وفي أصحاب معاوية ممن قاتله بحكم المسلمين، وقد ثبت بالنقل الصحيح أن مناديه نادى يوم الجمل لا يتبع مدبر، ولا يجهز على جريح، ولا يغنم مال(3). واستفاضت الآثار أنه كان يقول عن قتلى عسكر معاوية: إنهم جميعا مسلمون ليسوا كفارا ولا منافقين(1).
وهذا ثبت بنقل الشيعة نفسها، فقد جاء في كتبهم المعتمدة عندهم <عن جعفر عن أبيه أن عليا - عليه السلام - لم يكن ينسب أحدا من أهل حربه إلى الشرك، ولا إلى النفاق، ولكنه يقول: هم بغوا علينا(2).
ولكن عقيدة التقية عندهم تجعل دينهم دين الشيوخ لا دين الأئمة، فقد قال الحر العاملي في التعليق على النص السابق <أقول: هذا محمول على التقية>(3).
وجاء في كتاب علي إلى أهل الأمصار يذكر فيه ما جرى بينه وبين أهل صفين: <وكان بدء أمرنا التقينا والقوم من أهل الشام، والظاهر أن ربنا واحد، ودعوتنا في الإسلام واحدة، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله، والتصديق برسوله، ولا يستزيدوننا، الأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء>(4).
وقد أنكر على من يسب معاوية ومن معه فقال: <إني أكره لكم أن تكونوا سبابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبكم إياهم، اللهم احقن دماءنا ودماءهم وأصلح ذات بيننا وبينهم(5).
فهذا السب والتكفير لم يكن من هدي علي رضي الله عنه .(1/132)
خامسا : إن الذين تستثنيهم الرافضة من حكمها بالردة كسلمان وعمار والمقداد، إنما استثنتهم لأنهم بزعمها على مذهب الرفض من تكفير أبي بكر وعمر، وإنكار بيعتهما، وهذا من جملة نصب الرافضة وتلبيسهم، لأنه لم يعهد لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما منازع في إمامتهما لا هؤلاء ولا غيرهم. وهذا سلمان كان أميرا من قبل عثمان رضي الله عنه على الكوفة، وهذا المقداد وغيره كانوا في عساكر الصحابة وغزواتهم فكيف يمشي تلبيس الرافضة(1).
سادسا : من المعلوم المقطوع به من وقائع التاريخ وأحداثه المعلومة المستفيضة حال الصحابة رضوان الله عليهم، وأنهم لم يؤثروا على الله شيئا، وبلغ المكروه بهم كل مبلغ، وبذلوا النفوس في الله حتى أيد الله تعالى بهم نبيه، وأظهر بهم دينه، فكيف يجسر على الطعن عليهم من عرف الله ساعة في عمره؟ أم كيف يجتريء على سبهم وانتقاصهم من يزعم أنه مسلم(2)؟!
ولهذا قال الخطيب البغدادي: <على أنه لو لم يرد من الله عز وجل فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد والنصرة، وبذل المهج والأموال، وقتل الآباء والأولاد، والمناصحة في الدين، وقوة الإيمان واليقين القطع على عدالتهم والاعتقاد بنزاهتهم>(3).
ومن يراجع أحداث السيرة وما لقي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصحبه من أذى واضطهاد، حتى رمتهم العرب عن قوس واحدة، وتحملوا اضطهاد قريش في بطحاء مكة، وقاسوا مرارة المقاطعة وشدة الحصار في الشعب، وعانوا من فراق الوطن والأهل والعشيرة فهاجروا إلى الحبشة، والمدينة، وقاموا بأعباء الجهاد وتضحياته، وحاربوا الأهل والعشيرة إلى آخر ما هو مشهور ومعلوم من حالهم.
من يتأمل شيئا من هذه الأحوال، يعرف عظمة ذلك الجيل، وقوة إيمانه، وصدق بلائه.(1/133)
سابعا : قامت القرائن العملية، والأدلة الواقعية من سيرة أمير المؤمنين علي في علاقته مع إخوانه أبي بكر وعمر وعثمان مما اشتهر وذاع ونقله حتى الروافض ما يثبت المحبة الصادقة، والإخاء الحميم بين هذه الطليعة المختارة، والصفوة من جيل الصحابة رضوان الله عليهم. وتأتي في مقدمة هذه الأدلة والقرائن تزويج أمير المؤمنين علي ابنته أم كلثوم لأمير المؤمنين عمر(1). فإذا كان عمر فاروق هذه الأمة قد صار عند الاثنى عشرية أشد كفرا من إبليس، أفلا يرجعون إلى عقولهم ويتدبرون فساد ما ينتهي إليه مذهبهم، إذ لو كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما كافرين لكان علي بتزويجه ابنته أم كلثوم الكبرى من عمر رضي الله عنه كافرا أو فاسقا معرضا بنته للزنا، لأن وطء الكافر للمسلمة زنا محض(2).
والعاقل المنصف البرىء من الغرض، الصادق في تشيعه لا يملك إلا الإذعان لهذه الحقيقة، حقيقة الولاء والحب بين الخلفاء الأربعة رضوان الله عليهم، ولذلك لما قيل لمعز الدولة أحمد بن بويه - وكان رافضيا يشتم صحابة رسول الله - <إن عليا - عليه السلام - زوج ابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب استعظم ذلك وقال: ما علمت بهذا وتاب وتصدق بأكثر ماله وأعتق مماليكه ورد كثيرا من المظالم وبكى حتى غشي عليه>(1) لشعوره بعظيم جرمه في ما سلف من عمره، الذي أمضاه ينهش في أعراض هؤلاء الأطهار .
وقد حاول شيوخ الشيعة إبطال مفعول هذا الدليل فوضعوا روايات عن الأئمة تقول: <ذلك فرج غصبناه>(2) فزادوا الطين بلة، حيث صوروا أمير المؤمنين في صورة <الديوث> الذي لا ينافح عن عرضه، ويقر الفاحشة في أهله، وهل يتصور مثل هذا في حق أمير المؤمنين علي؟!. <إن أدنى العرب يبذل نفسه دون عرضه، ويقتل دون حرمه، فضلا عن بني هاشم الذين هم سادات العرب وأعلاها نسبا وأعظمها مروءة وحمية، فكيف يثبتون لأمير المؤمنين مثل هذه المنقصة الشنيعة، وهو الشجاع الصنديد ليث بني غالب أسد الله في المشارق والمغارب>(3).(1/134)
ويبدو أن بعضهم لم يعجبه هذا التوجيه، فرام التخلص من هذا الدليل بمنطق أغرب وأعجب، حيث زعم أن أم كلثوم التي تزوجها عمر لم تكن بنت علي ولكنها جنية تصورت بصورتها(4).
ومن القرائن أيضا علاقات القربى القائمة بينهم، ووشائج الصلة، وكذلك مظاهر المحبة حتى إن عليا والحسن والحسين يسمون بعض أولادهم باسم أبي بكر وعمر، وهل يطيق أحد أن يسمي أولاده بأسماء أشد أعدائه كفراً وكرها له؟ وهل يطيق أن يسمع أسماء أعدائه تتردد في أرجاء بيته، يرددها مع أهله في يومه مرات وكرات؟(1)،(2).
المصادر والمراجع
أولا : المصادر والمراجع السنية
- القرآن الكريم :
حرف الألف (أ)
1- ابن سبأ حقيقة لا خيال : د. سعدي الهاشمي - الطبعة الأولى - نشر مكتبة الدار بالمدينة بالمنورة.
2- الأحاديث الصحيحة : محمد ناصر الدين الألباني - منشورات المكتب الإسلامي .
3- إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل : تأليف محمد ناصر الدين الألباني - إشراف محمد زهير الشاويش - المكتب الإسلامي.
4- الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين : لأبن عساكر الشافعي. دار الفكر، دمشق ، سوريا ، ط. الأولى 6041هـ - 6891م.
5- إسرائيل والتلمود : إبراهيم خليل أحمد - مكتبة الوعي العربي - الفجالة .
6- أسد الغابة في معرفة الصحابة : أبو الحسن علي بن مكرم المعروف بابن الأثير، دار إحياء التراث العربي - بيروت.
7- الاستيعاب في معرفة الأصحاب : لابن عبد البر - ط. دار الفكر، بيروت، لبنان .
8- الإصابة في تمييز الصحابة : أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني - دار الكتاب العربي - بيروت.
9- أصول مذهب الشيعة : د. ناصر الغفاري - الطبعة الأولى 4141هـ - 3991م.
10- الاعتصام : أبو اسحاق ابراهيم بن موسى بن محمد الشاطبي - دار المعرفة، بيروت، لبنان.
11- اعتقادات فرق المسلمين والمشركين - فخر الدين الرازي - راجعه علي سامي النشار - ط 2041 دار الكتب العلمية.(1/135)
12- الأعلام : خير الدين الزركلي - الطبعة السابعة - 6891م - دار العلم للملايين - بيروت - لبنان.
13- اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم شيخ الإسلام ابن تيمية - مطابع المجد التجارية.
14- الأنساب : للإمام أبي سعد عبد الكريم بن محمد السمعاني (265هـ) الطبعة الأولى- مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - حيدر آباد - الهند.
15- أنساب الأشراف : أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري - مكتبة المثنى - بغداد .
16- أوجز الخطاب في بيان موقف الشيعة من الأصحاب : أبو محمد الحسيني - الطبعة الأولى 3141هـ - 3991م
حرف الباء (ب)
17- البدء والتاريخ : مطهر طاهر المقدسي (705هـ) طبعة سنة 2691م نشر مكتبة الأسدي - طهران.
18- البداية والنهاية : أبو الفداء اسماعيل بن كثير - الطبعة الثانية 4791م 4931هـ - مكتبة المعارف - شارع الأمير أمين - بيروت.
19- بطلان عقائد الشيعة : محمد عبد الستار التونسوي - دار العلوم للطباعة - القاهرة.
حرف التاء (ت)
20- تاريخ ابن خلدون : عبد الرحمن بن محمد بن خلدون - منشورات دار الكتاب اللبناني للطباعة والنشر 6591م.
21- تاريخ الإسلام وطبقات المشاهير : للحافظ شمس الدين الذهبي - نسخة مصورة عن دار الكتب المصرية، ونسخة كمبريدج - عنيت بنشره مكتبة القدسي سنة 7631هـ.
22- تاريخ خليفة بن خياط : تحقيق د. أكرم ضياء العمري - الطبعة الثانية - مؤسسة الرسالة - بيروت - دار القلم - بيروت - دمشق.
23- تاريخ الطبري : محمد بن جرير الطبري (013 هـ) الطبعة الأولى - دار الكتب العلمية - بيروت.
24- تاريخ العرب قبل الإسلام : د. جواد علي - مطبعة المجمع العلمي العراقي 5731هـ - 6591م.
25- تاريخ مدينة دمشق : لأبي قاسم علي بن الحسين بن هبة الله المعروف (بابن عساكر).
أ - مخطوط :
ب - مطبوع : تحقيق صلاح الدين المنجد - مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق.(1/136)
26- تاج العروس : للسيد محمد مرتضى الحسيني الزبيدي - منشورات مكتبة الحياة - بيروت - لبنان.
27- تاريخ المدينة المنورة : لابن شبه . ط. دار الأصفهاني للطباعة ، جدة، السعودية - ط. الثانية: 3931هـ تحقيق فهيم شلتوت.
28- التبصير في الدين : لأبي مظفر الأسفرايني - تحقيق كمال يوسف الحوت - الطبعة الأولى - عالم الكتب.
29- تجريد أسماء الصحابة : أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبي ، شرف الدين الكتبي 9831هـ.
30- تدريب الراوي في شرح تقريب النووي : جلال الدين عبد الرحمن ابن أبي بكر السيوطي،تحقيق عبد الوهاب عبداللطيف، دار إحياء التراث السنة النبوية ، ط الثانية: 9931هـ.
31- التعريفات : للسيد علي بن محمد بن علي السيد الزين أبي الحسن الجرجاني - شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر.
32- تفسير ابن كثير : للحافظ أبي الفداء اسماعيل بن كثير - مكتبة دار الفيحاء للطباعة والنشر - دمشق 4141هـ - 4991م.
33- تقريب التهذيب : لابن حجر العسقلاني - قدم له وقابله بالأصل محمد عوامة - الطبعة الأولى 6041هـ - دار الرشيد - سوريا - حلب.
34- التلمود - تاريخه وتعاليمه : ظفر الإسلام خان - الطبعة السادسة - دار النفائس - بيروت .
35- التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع : محمد بن أحمد بن عبدالرحمن الملطي (773هـ) قدم له وعلق عليه محمد زاهد الكوثري - 8831هـ - 8691م - مكتبة المثني، بغداد - مكتبة المعارف - بيروت.
حرف الحاء (ح)
36- حقيقة الشيعة : عبد الله عبد الله الموصلي - مكتبة ابن تيمية - القاهرة.
37- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء : لأبي نعيم الأصفهاني - الكتاب العربي ، بيروت. ط. الثانية 7831هـ - 7891م
38- الحور العين : مشوان الحميري - مكتبة الخانجي بمصر 8491م
حرف الخاء (خ)
39- الخطوط العريضة : لمحب الدين الخطيب - الطبعة العاشرة. القاهرة، مصر.
40- خطر اليهودية العالمية على الإسلام والمسيحية :(1/137)
عبد الله التل - الطبعة الثالثة 9931هـ - المكتب الإسلامي.
حرف الدال (د)
41- در السحابة في مناقب القرابة والصحابة: للشوكاني - ط. دار الفكر، دمشق، ط الأولى 4041هـ.
حرف الذال (ذ)
42- الذريعة الطاهرة النبوية : للدولابي. ط، السلفية - الكويت، ط. الأولى 7041هـ - تحقيق سعد المبارك الحسن.
حرف الراء (ر)
43- الرحيق المختوم : صفي الرحمن المباركفوري - الجامعة السلفية - مكتبة دار السلام - الرياض 4141هـ - 4991م.
44- الرد على الدكتور علي عبد الواحد في كتابه بين الشيعة وأهل السنة - إحسان إلهي ظهير - الطبعة الأولى 5041هـ - 5891م إدارة ترجمان السنة - لاهور - باكستان.
45- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني : للعلامة الألوسي البغدادي - دار إحياء التراث العربي - بيروت.
46- الروض الأنيق في إثبات إمامة أبي بكر الصديق : مخطوط مصور عن المكتبة البلدية الاسكندرية.
حرف السين (س)
47- سراب في ايران : للدكتور أحمد الأفغاني .
48- السمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين : للمحب الطبري - مطبعة عيسى البابي الحلبي - القاهرة.
49- سنن أبي داود : للإمام الحافظ أبي داود بن الأشعث السجتاني - تعليق عزت عبيد الدعاس - الطبعة الأولى 8831هـ - 9691م - نشر وتوزيع محمد علي السيد - حمص.
50- سنن ابن ماجة : طبعة عيسى البابي الحلبي - القاهرة - تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي.
51- سنن الترمذي (الجامع الصحيح) - لأبي عيسى محمد بن عيسى ابن سورة الترمذي - تحقيق ابراهيم عطوه عوض - الطبعة الثانية 5931هـ - مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي.
52- السيرة النبوية : لأبي الفداء إسماعيل بن كثير - تحقيق مصطفى عبدالواحد 3931هـ - 6791م - دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان.
53- السيرة النبوية : لأبي محمد عبد الملك بن هشام - دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - القاهرة.(1/138)
54- السيرة النبوية : للسيد أبي الحسن علي الحسيني الندوي - عني بطبعه ومراجعته: عبدالله ابراهيم الأنصاري - المطبعة العصرية للطباعة والنشر - صيدا - لبنان.
55- السير والمغازي (سيرة ابن إسحاق).
لمحمد بن إسحاق - تحقيق د. سهيل زكار - الطبعة الأولى 8931هـ - 8791م - نشر دار الفكر.
حرف الشين (ش)
56- شرح العقيدة الطحاوية : للقاضي علي بن علي محمد بن أبي العز الدمشقي - حققه وخرج أحاديثه بشير محمد عيون - نشر مكتبة دار البيان الطبعة الأولى 5041هـ.
57- شفاء الغليل في بيان ما وقع في التوراة والإنجيل من التبديل: لأبي المعالي إمام الحرمين عبدالملك بن عبد الله بن يوسف الجويني تحقيق د.أحمد حجازي السقا - نشر مكتبة الكليات الأزهرية.
58- الشيعة وأهل البيت : إحسان إلهي ظهير - الطبعة السابعة 4041هـ - الناشر إدارة ترجمان السنة - لاهور - باكستان.
59- الشيعة الأثنا عشرية وتحريف القرآن : محمد عبد الرحمن السيف
60- الشيعة والسنة : إحسان إلهي ظهير - الطبعة الثلاثون - الناشر إدارة ترجمان السنة، لاهور - باكستان.
حرف الصاد (ص)
61- صحيح البخاري : للإمام أبي عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري مع شرحه فتح الباري لابن حجر العسقلاني - ترقيم محمد فؤاد عبدالباقي - الريان للتراث - القاهرة .
62- صحيح الجامع الصغير : للسيوطي - تحقيق محمد ناصر الدين الألباني - الطبعة الأولى 8831هـ - منشورات المكتب الإسلامي .
63- صحيح مسلم : للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج - تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي - ط. دار إحياء التراث العربي.
64- الصراع بين الإسلام والوثنية : عبد الله القصيمي - الطبعة الثانية - القاهرة - 2041هـ - 2891م.
65- الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة : لأحمد بن حجر الهيثمي خرج أحاديثه وعلق عليه : عبدالوهاب عبداللطيف - نشر مكتبة القاهرة 0 شركة الطباعة الفنية المتحدة.
حرف الضاد (ض)(1/139)
66- الضعفاء والمتروكين : للإمام أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي - ط. المكتبة الأثرية سانكه هِل.
حرف الطاء (ط)
67- طبقات ابن سعد : دار صادر ، بيروت ، لبنان - 6731هـ - 7591م - نشر دار بيروت.
حرف العين (ع)
68- عبد الله بن سبأ وأثره في إحداث الفتنة في صدر الإسلام: سليمان بن حمد عودة - الطبعة الأولى 5041هـ - 5891م الناشر - دار طيبة للنشر والتوزيع.
69- العقد الفريد : أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي - تحقيق د.مفيد محمد قميحه - دار الكتب العلمية - بيروت لبنان.
حرف الفاء (ف)
70- فتح القدير الجامع : لفني الرواية والدراية من علم التفسير - محمد ابن علي الشوكاني - دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
71- الفتنة الكبرى (علي وبنوه) : طه حسين: الطبعة الثامنة - دار المعارف بمصر .
72- فتح المغيث شرح الفية الحديث : محمد بن عبد الرحمن السخاوي، تحقيق عبدالرحمن محمد عثمان - مطبعة العاصمة 8831هـ.
73- الفرق بين الفرق : عبد القاهر بن طاهر البغدادي - تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد - نشر دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت - لبنان.
74- الفصل في الملل والأهواء والنحل : للإمام أبي محمد علي بن أحمد المعروف (بابن حزم) تحقيق: د. محمد ابراهيم نصر - د.عبدالرحمن عميرة - نشر دار الجيل - بريوت - لبنان.
75- فضائل الصحابة : أحمد بن حنبل : ط. مؤسسة الرسالة، بيروت ، لبنان، ط. الأولى 3041هـ - 3891م - تحقيق: وصي الله بن محمد عباس.
حرف القاف (ق)
76- القاموس المحيط : للشيخ محمد بن يعقوب الفيروز آبادي - منشورات عالم الكتب.
حرف الكاف (ك)
77- الكامل في التاريخ : لأبي الحسن علي بن أبي أكرم الشيباني المعروف (بابن الأثير) عنيت بنشره دار الطباعة المنيرية 6531هـ.(1/140)
78- كشف النقاب عن الأسماء والألقاب : تصنيف الإمام أبي الفرج عبدالرحمن بن علي بن الجوزي - تحقيق الدكتور عبدالعزيز بن راجي الصاعدي - دار السلام - الرياض - الطبعة الأولى 3141هـ.
79- كشف الجاني محمد التيجاني في كتبه الأربعة : عثمان محمد الخميس التميمي - الطبعة الثانية.
80- الكفاية في علم الرواية : أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت - المكتبة العلمية.
حرف اللام (ل)
81- لسان العرب : لابن منظور - دار صادر - بيروت - لبنان .
82- لسان الميزان : للإمام الحافظ شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني - منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت لبنان.
83- لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية للعلامة الشيخ محمد ابن أحمد السفاريني - الطبعة الثانية 5041هـ - 5891م - المكتب الإسلامي.
حرف الميم (م)
84- المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين : للإمام الحافظ محمد ابن حبان - تحقيق محمود ابراهيم زايد - دار الوعي بحلب.
85- مجموع الفتاوى : شيخ الإسلام ابن تيمية - جمع وترتيب عبدالرحمن بن محمد بن قاسم وابنه محمد - الطبعة الأولى 8931هـ.
86- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي : نشر دار الكتاب - بيروت - لبنان - مصور عن ط الثانية 7691م
87- المحلى : أبو محمد علي بن أحمد بن حزم ، تصحيح محمد خليل هراس، مطبعة الإمام بمصر.
88- المحبر : للعلامة الأخباري أبي جعفر محمد بن حبيب بن أمية بن عمرو الهاشمي البغدادي المتوفي (542هـ) المكتب التجاري - بيروت.
89- مختار الصحاح : محمد بن أبي بكر الرازي - نشر مكتبة لبنان 6891م
90- مختصر التحفة الإثنا عشرية : تأليف شاه عبدالعزيز غلام حكيم الدهلوي - اختصره السيد محمود شاكر الألوسي - حققه محب الدين الخطيب - المطبعة السلفية 3791م.
91- مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم : الشيخ محمد بن عبدالوهاب - تحقيق محمد حامد الفقي - مكتبة السنة المحمدية 5731هـ.(1/141)
92- مذاهب الإسلاميين : عبدالرحمن بدوي - الطبعة الأولى 3791م - نشر دار العلم للملايين.
93- مرآة الجنان وعبر اليقضان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان: لليافعي ، تصوير مؤسسة الأعلمي للمطبوعات الإسلامية ، حلب ، سوريا.
94- المستدرك على الصحيحين : أبو عبد الله محمد بن عبدالله النيسابوري (الحاكم) نشر مكتب المطبوعات الإسلامية - حلب - سوريا.
95- مسند الإمام أحمد بن حنبل ، ط الحلبي ، القاهرة 3131هـ نشر دار صادر بيروت، لبنان - ط المعارف، القاهرة - تحقيق أحمد شاكر 5631هـ - 4731هـ/ 6491م - 5591م.
96- المعارف : لأبي عبدالله بن مسلم (ابن قتيبة) حققه: ثروت عكاشة الطبعة الثانية - دار المعارف بمصر.
97- معجم البلدان : ياقوت الحموي - دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان 9931 - 9791م
98- المغني في الضعفاء : تحقيق نور الدين - الناشر دار إحياء التراث العربي، بيروت - الطبعة الأولى 1931هـ - 1791م.
99- مقالات الإسلاميين واختلاف المصليين : لأبي الحسن علي بن اسماعيل الأشعري - تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد - الطبعة الثانية 9831هـ - نشر مكتبة النهضة.
100- الملل والنحل : لأبي الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني - الطبعة الثانية - دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان.
101- منهاج السنة النبوية : لشيخ الإسلام ابن تيمية : تحقيق محمد رشاد سالم - الطبعة الأولى 6041هـ - مؤسسة قرطبة للطباعة والنشر والتوزيع.
102- المنتظم في تاريخ الملوك والأمم : أبو الفرج عبدالرحمن بن الجوزي، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، الهند 7531هـ.
103- المناظرة بين أهل السنة والرافضة : أبو العباس يوسف الواسطي - مكتبة الجامعة الإسلامية.
104- المواقف في علم الكلام : عبد الرحمن بن أحمد الأيجي عالم الكتب، بيروت.(1/142)
105- ميزان الاعتدال في نقد الرجال : لأبي عبدالله محمد بن أحمد الذهبي - تحقيق علي محمد البجاوي - دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت - لبنان.
حرف النون (ن)
106- نشأة التشيع وتطوره والأسس التي يقوم عليها: محب الدين الخطيب - المطبعة السلفية.
107- نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام : علي سامي النشار - الطبعة السابعة 7791م - دار المعرفة بمصر.
108- النهاية في غريب الحديث والأثر : للإمام مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري (ابن الأثير) تحقيق: ظاهر أحمد الزاوي - محمود محمد الطناحي - المكتبة العلمية - بيروت.
حرف الواو (و)
109- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان : لأبي العباس شمس الدين أحمد ابن محمد بن أبي بن خلكان - تحقيق: إحسان عباس - دار صادر بيروت.
110- الوافي بالوفيات ج71 : خليل بن أيبك الصفدي (مخطوط) نسخة مصورة في المجمع العلمي بدمشق.
حرف الياء (ي)
111- اليهود المغضوب عليهم : محمد بن عبد العزيز منصور.
112- اليهود في القرآن : عفيف عبدالفتاح طبارة - الطبعة التاسعة 2891م نشر دار العلم للملايين
113- اليهود ، نشأتهم وعقيدتهم ومجتمعهم : الطبعة الأولى 4791م - نشر مكتبة النهضة المصرية.
114- اليهودية (المجلد الأول من مقارنة الأديان) : تأليف الدكتور أحمد شلبي - الطبعة السابعة 4891م - مكتبة النهضة المصرية - شارع عدلي - القاهرة.
115- اليهودية والصهيونية : تأليف أحمد عبدالغفور عطار - دار الأندلس.
116- يوم الغفران : محمد مال الله .
ثانيا : المصادر والمراجع الشيعية
حرف الألف (أ)
1- الاحتجاج : لأبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي. منشورات الأعلمي للمطبوعات بيروت - لبنان - الطبعة الثانية 0141هـ - 9891م.
2- أحقاق الحق : لنور الله التستري - المطبعة المرتضوية في النجف، العراق، 37 - 1هـ - طبعة حجرية، منسوخة بخط أبي القاسم الخوانساري .(1/143)
3- الاختصاص : محمد بن محمد بن النعمان الملقب (بالمفيد) تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري - منشورات: جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم .
4- الأخبار الطوال : للدينوري .
5- اختيار معرفة الرجال : لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي. وانشكا - مشهد ، ايران.
6- الإرشاد : الشيخ المفيد / طبعة طهران .
7- آراء حول القرآن : السيد الفاني الأصفاني - دار الهادي - بيروت.
8- الاستبصار - أبي جعفر الطوسي - دار الكتب الإسلامية - طهران - 3631هـ.
9- الاستغاثة في بدع الثلاثة : لأبي القاسم على بن أحمد الكوفي خال من تاريخ الطبع ومكانه .
10- الأشعثيات : لأبي علي محمد بن محمد الأشعث الكوفي - اصدار مكتبة بينوى الحديث ، طهران ، ايران.
11- أصل الشيعة وأصولها : محمد الحسين آل كاشف الغطاء - الطبعة الرابعة 2041هـ منصورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان.
12- أعيان الشيعة : تأليف محسن الأمين العاملي - طبعة دار التعارف - بيروت.
13- أمالي الصدق : لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف (بالصدوق) الطبعة الخامسة - منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات.
14- أمالي الطوسي : تأليف شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي - الطبعة الثانية 1041هـ- 1891م نشر مؤسسة الوفاء - بيروت لبنان.
15- الأنوار النعمانية : تأليف نعمة الله الموسوي الجزائري - مطبعة شركة جاب تبريز - ايران.
16- الانتفاضات الشيعية : لهاشم معروف الحسيني .
17- أوائل المقالات في المذهب المختارات : تأليف الشيخ المفيد بن محمد بن محمد النعمان - نشر دار الكتاب الإسلامي - بيروت - لبنان 3041 هـ - 3891م.
18- الإيضاح : الشيخ أبي محمد الفضل بن شاذان الأزدي النيسابوري - الطبعة الأولى 2041هـ - 2891م - منشورات - مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان .(1/144)
19- الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة : تأليف محمد بن الحسن الحر العاملي - المطبعة العلمية قم ، انتشارات نويد .
حرف الباء (ب)
20- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار : تأليف الشيخ محمد باقر المجلسي - الطبعة الثانية 3041هـ مؤسسة الوفاء - بيروت - لبنان.
21- البرهان في تفسير القرآن : لهاشم بن سليمان الحسيني البحراني - مؤسسة مطبوعاتي اسماعيلياتي ، قم ، ايران.
22- بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمد صلى الله عليه وسلم : لأبي جعفر محمد بن الحسن بن فروخ (الصفار) منشورات الأعلمي - طهران - تاريخ الطبعة 2631هـ.
23- بين التصوف والتشيع : هاشم معروف الحسيني - دار القلم ، بيروت ، ط الأولى 9791م.
24- البيان في تفسير القرآن : لأبي القاسم الموسوي الخوئي - الطبعة السادسة 1041هـ دار الزهراء للطباعة والنشر - بيروت - لبنان.
حرف التاء (ت)
25- تاريخ الإمامية وإسلافهم من الشيعة - عبد الله فياض - ط. الثانية - مؤسسة الأعلمي - بيروت.
26- تاريخ الشيعة : تأليف الشيخ محمد حسين المظفري - منشورات مكتبة بصيرتي - قم ايران.
27- التبيان في تفسير القرآن - أبي جعفر الطوسي - مكتب الاعلام الإسلامي - إيران.
28- تحرير الوسيلة : آية الله روح الله الخميني - طبعة سفارة الجمهورية الإسلامية الايرانية - بيروت - 7041هـ - 7891م.
29- تحفة عوام مقبول : (مجهول المؤلف) مطبعة حيدر بريس - لاهور.
30- تصحيح الاعتقاد بصواب الانتقاد : الشيخ المفيد محمد بن محمد النعمان - ط 3041هـ - دار الكتاب الإسلامي - بيروت - لبنان.
31- تفسير بيان السعادة - سلطان محمد الجانبذي - منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان - 8041هـ.
32- تفسير الصافي : المولي محسن الفيض الكاشاني - مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت - لبنان - الطبعة الأولى 9931هـ.(1/145)
33- تفسير العياشي : للشيخ محمد بن مسعود بن عياشي المعروف (بالعياشي) نشر المكتبة العلمية الإسلامية - طهران.
34- تفسيرات فرات الكوفي : فرات بن ابراهيم بن فرات الكوفي - طبع في المطبعة الحيدرية النجف الأشرف.
35- تفسير القمي : لأبي الحسن علي بن ابراهيم القمي - مكتبة الهدى ، النجف ، مؤسسة دار الكتاب للطباعة.
36- تفسير القرآن الكريم : عبد الله شبر ، دار إحياء التراث العربي 7931هـ، ط الثالثة.
37- تفسير كنز الدقائق : الميرزا محمد المشهدي القمي - 7041هـ - مؤسسة النشر المكتبي - قم - إيران.
38- تفسير منهاج السالكين : محمد الملا الكاشاني .
39- تفسير نور الثقلين : الشيخ عبد علي بن جمعة الحويزي : مؤسسة مطبوعاتي اسماعيلياتي، قم، ايران.
40- تلخيص الشافي : محمد بن الحسن الطوسي - طبعة حجرية مكتوبة بخط اليد - نسخها مير أبو القاسم بن مير محمد صادق الخوانساري - فرغ من نسخها في شهر رجب، سنة 1031هـ - طهران - ايران.
41- التنبيه والإشراف : علي بن الحسن المسعودي ، دار صعب - بيروت.
42- تنقيح المقال في علم الرجال : عبدالله المامقاني - طبع في المطبعة المرتضوية في النجف سنة 2531هـ.
43- تهذيب الأحكام - أبي جعفر محمد عبد الحسن الطوسي .
حرف الثاء (ث)
44- ثم اهتديت : محمد التيجاني - مؤسسة الفجر - لندن
45- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابوية القمي، تعليق علي أكبر الغفاري - مكتبة الصدوق طهران.
حرف الجيم (ج)
46- جلاء العيون : محمد باقر المجلسي - اللغة الفارسية.
47- الجمل - النصرة في حرب البصرة : المفيد - منشورات مكتبة الداوري، قم، ايران - ط. الثالثة.
حرف الحاء (ح)
48- حق اليقين في معرفة أصول الدين : عبد الله شبر - دار الكتاب الإسلامي.
49- الحكومة الإسلامية - آية الله الخميني - في منشورات المكتبة الإسلامية الكبرى.
50- حياة القلوب : محمد باقر المجلسي.(1/146)
51- حق اليقين (فارسي) : تأليف محمد باقر المجلسي - مدير انتشارات علمية إسلامية بازار شيرازي.
حرف الخاء (خ)
52- الخصال : لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابوية القمي (الصدوق) تصحيح علي أكبر الغفاري - نشر مكتبة الصدوق دار التعارف.
حرف الدال (د)
53- دائرة المعارف الإسلامية الشيعية : حسن الأمين - دار التعارف للمطبوعات - الطبعة الخامسة 2141هـ - 2991م.
54- الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة: صدر الدين علي خان الشيرازي الحسيني - منشورات مكتبة بصيرتي، قم، ايران سنة 7931هـ - قدم له محمد صادق بحر العلوم.
55- دلائل الإمامة : أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري - منشورات المطبعة الحيدرية في النجف 9631هـ - 9491م.
حرف الذال (ذ)
56- الذريعة الى تصانيف الشيعة : لآغا بزرد الطهراني - دار الأضواء - بيروت، لبنان - ط. الثالثة - 3041هـ - 3891م
حرف الراء (ر)
57- رجال العلامة الحلي : الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي المعروف (بالعلامة) - ط قم - إيران .
58- رجال الكشي (معرفة أخبار الرجال) : تأليف محمد بن عمر بن عبدالعزيز الكشي- تقديم وتعليق: أحمد السيد الحسيني.
59- الرجعة : أحمد بن زين الدين الأحسائي - الطبعة الثانية منشورات مكتبة العلامة الحائري العامة - كربلاء.
60- رجال الطوسي : ابي جعفر عمر بن حسين الطوسي - منشورات الرحمن - قم، ايران.
61- روضات الجنات : للخوانساري - دار الإسلامية - بيروت - لبنان.
حرف السين (س)
62- سعد السعود : لأبي القاسم علي بن موسى المعروف بابن طاوس، مطبعة أمير، قم، ايران، الناشر مكتبة الرحمن 3631هـ.
63- سيرة الأئمة الأثنى عشرية : لهاشم معروف الحسيني - دار العلم، بيروت، لبنان، ط. الثالثة 1891م
حرف الشين (ش)
64- الشافي في الإمامة : لأبي القاسم علي بن الحسن بن موسى، المعروف بالشريف المرتضى، طبعة حجرية بخط اليد، كتبت في طهران سنة 4531هـ كتبها عباس الحائري.(1/147)
65- شرح نهج البلاغة : لابن أبي الحديد - تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم - دار الجيل، بيروت - لبنان.
66- الشعائر الحسينية : حسن الشيرازي - دار صادر - بيروت.
حرف الصاد (ص)
67- الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم : تأليف الشيخ زين الدين محمد علي بن يونس العاملي النباطي - عنيت بنشره المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية مطبعة الحيدري.
68- صفات الشيعة وفضائل الشيعة : لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابوية المشهور (بالصدوق) كانون انتشارات عابدي - طهران.
69- الصلة بين التصرف والتشيع : د. كامل مصطفى الشيبي - الناشر - دار المعارف بمصر الطبعة الثانية.
حرف الطاء (ط)
70- الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف : لابن طاوس - مطبعة الخيام، قم، ايران 0041هـ.
حرف العين (ع)
71- عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى : مرتضى العسكري - الطبعة الخامسة 3041هـ - نشر دار الزهراء للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان.
72- عقائد الإمامية - محمد رضا المظفر - الطبعة الثالثة 1931هـ - مطبوعات النجاح بالقاهرة.
73- عقائد الإمامية الإثنى عشرية : تأليف الموسوي الزنجاني النجفي - مؤسسة الوفاء - بيروت لبنان.
74- عقد الدرر في شرح بقر بطن عمر : (د.م) مخطوط يوجد في مكتبة (رضا) رامبور، الهند يحمل رقم (3002).
75- عقد أم كلثوم (أردو) محمد عبدالشكور - ط. باكستان.
76- علل الشرائع : أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابوية القمي - منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها في النجف 5831هـ - 6691م.
77- علم اليقين في أصول الدين : تأليف محمد بن المرتضى المدعو : بالمولى محسن الكاشاني (لا يوجد مكان الطبع وتاريخه).
78- عيون أخبار الرضا : لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين (الصدوق) الطبعة الأولى 4041هـ - 4891م - منشورات : مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت - لبنان.
حرف الغين (غ)(1/148)
79- الغيبة : لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي - الطبعة الثانية طبع في مطابع النعمان.
80- الغيبة : للشيخ محمد بن ابراهيم النعماني - الطبعة الأولى 3041هـ 3891م مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان.
حرف الفاء (ف)
81- فرق الشيعة : للشيخ الحسن بن موسى النوبختي - الطبعة الثانية 4041هـ - 4891م - منشورات دار الأضواء - بيروت - لبنان.
82- فصل الخطاب في اثبات تحريف كتاب رب الأرباب : حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي - طبعة حجرية.
83- الفصول في أصول الأئمة : للحر العاملي - منشورات مكتبة بصرتي ، قم ، ايران، ط. الثالثة.
84- الفهرست : لابن النديم - الناشر دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت ، لبنان.
85- الفهرست : لأبي جعفر الطوسي - الطبعة الثالثة - 3041هـ - 3891م مؤسسة - بيروت - لبنان.
حرف القاف (ق)
86- قرب الإسناد - طبعة ايران - 0731هـ.
87- قرة العيون في المعارف والحكم : للفيض الكاشاني - الناشر: مكتبة الألفين - الكويت - ط الثانية 9931هـ.
حرف الكاف (ك)
88- الكافي : لأبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني - تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري - الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران.
89- كتاب سليم بن قيس الكوفي : منشورات مؤسسة الأعلمي - بيروت - لبنان.
90- كشف الأسرار : روح الله الخميني ، بالفارسية - ط طهران 3631هـ.
91- الكشكول فيما جرى على آل الرسول : لحيدر بن علي العبيدي الحسيني العاملي - مطبعة أمير، قم، ايران منشورات بيدار، ط الأولى - حققه عبداللطيف بن علي أكبر الحسيني.
92- كشف الغمة في معرفة الأئمة : لأبي الحسن علي بن عيسى الأربلي - دار الأضواء ، بيروت، لبنان- 5041هـ - 5891 الطبعة الثانية.
93- كمال الدين وتمام النعمة : لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين (الصدوق) الطبعة الثانية - نشر دار الكتب الإسلامية - طهران.
94- الكني والألقاب : لعباس القمي - المطبعة الحيدرية، النجف، العراق، ط الثانية 9831هـ - 9691م.(1/149)
حرف اللام (ل)
95- لمحات من تاريخ القرآن - محمد علي - منشورات الأعلمي .
حرف الميم (م)
96- مجالس المؤمنين : للتستري .
97- المحاسن النفسانية في أجوبة المسائل الخراسانية : تأليف الشيخ حسين ابن الشيخ محمد آل عصفور الدارزي البحراني - الطبعة الأولى 9931هـ - 9791م منشورات دار المشرق العربي الكبير - بيروت - البحرين.
98- مجمع الرجال : علي القهبائي - مؤسسة مطبوعاتي اسماعيلاتي.
99- مختصر بصائر الدرجات : تأليف حسن بن سليمان الحلي - انتشارات الرسول المصطفى - قم، إيران - ط. الأولى 0731هـ - 0591م.
100- مدينة المعاجز : العلم العلامة السيد هاشم البحراني - مؤسسة المعارف الإسلامية ، قم المقدسة.
101- مرآة العقول في شرح أخبار الرسول : محمد باقر المجلسي - الطبعة الثانية 4041هـ - دار الكتب الإسلامية - طهران، طبعة حجرية مكتوبة بخط اليد سنة 4531هـ طهران، ايران.
102- مروج الذهب : المسعودي - شرح وتقديم د. مفيد محمد قميحه - دار الكتب العلمية.
103- مستدرك الوسائل : حسين النوري الطبرسي - مؤسسة آل البيت لأحياء التراث.
104- المسائل السرورية للمفيد - المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد.
105- مشارف الشموس الدرية - عدنان البحراني - المكتبة العدنانية - البحرين .
106- مشارق أنوار اليقين في أسرار المؤمنين : تأليف الحافظ رجب البرسي منشورات: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان.
107- مصباح الكفعمي : (جنة الأمان الواقية وجنة الأمان الباقية) : ابراهيم ابن علي بن الحسن العاملي الكفعمي - مطبعة أمير، قم، ايران، منشورات الرحمن ومنشورات زاهدي ط. الثانية، 5041هـ.
108- مصابيح الجنان : تأليف محسن العصفور - الطبعة الأولى 5041هـ - 5891م دار مكتبة وليد الكعبة.
109- معجم رجال الحديث : لأبي القاسم الموسوي الخوئي - منشورات مدينة العلم ، آية الله العظمى الخوئي، قم، ايران، ط الثالثة.(1/150)
110- معجم الفرق الإسلامية : شريف يحيى الأمين - دار الأضواء - الطبعة الأولى - بيروت ، لبنان 6041هـ - 6891م
111- مفاتيح الجنان : عباس القمي ، منشورات دار التربية.
112- مفتاح الجنان (مجهول المؤلف) : نشر مكتبة الماحوزي - البحرين.
113- المقالات والفرق : سعد عبدالله الأشعري - نشر مؤسسة مطبوعاتي عطاني طهران 3691م
114- مناقب آل أبي طالب : تأليف أبي جعفر محمد بن علي بن شهر أشوب - نشر دار الأضواء.
115- من لا يحضره الفقيه : لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابوية.
116- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة : العلامة ميرزا حبيب الله الخوئي - مؤسسة دار الوفاء ، بيروت.
117- منهاج الصالحين : السيد أبو القاسم الخوئي - دار الزهراء - بيروت - لبنان.
118- موسوعة الفرق الإسلامية : الدكتور محمد جواد مشكور - مجمع البحوث الإسلامية - الطبعة الأولى 5141هـ - 5991م - بيروت - لبنان.
حرف النون (ن)
119- نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت : لعلي بن عبد العالي العاملي الكركي - مخطوط يوجد في مكتبة (الرضا) برامبور، الهند تحمل الرقم (8991).
120- الناسخ والمنسوخ - كمال الدين العتائقي الحلى - مؤسسة آل البيت - بيروت.
حرف الهاء (هـ)
121- الهداية : الصدوق - مخطوط يوجد في مكتبة الجمعية الآسيوية، كلتكا، الهند، ويحمل رقم (22).
حرف الواو (و)
122- الوافي : الفيض الكاشاني ، المكتبة الإسلامية - طهران .
123- وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة : محمد بن الحسن الحر العاملي ، تحقيق: عبدالرحيم الشيرازي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط. الخامسة 3041هـ.
124- وقعة صفين : لنصر بن مزاحم المنقري .
125- وعاظ السلاطين : الدكتور علي الوردي - بغداد سنة 4591م.(1/151)
بسم الله الرحمن الرحيم
الشيعة وابن سبأ
الحمد لله رب العالمين حمدا كثيراً طيباً مباركاً فيه، وتحياته الطيبات المباركات على رسوله وخليله وصفوته من خلقه محمد الأمين، خاتم النبيين وسيد المرسلين، وإمام الموحدين، الذي جعل الله الذل والصغار والهوان على من خالف أمره، وأولئك.. {سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين}.
والتحية والإكرام لأهل بيته الطاهرين الطيبين الكرام ورضي الله عن صحابته الغر الميامين الأبرار الصادقين السابقين في كل مضمار، وعن الذين جاؤا من بعدهم من التابعين لهم بإحسان إلى أن نلقى العزيز الغفار.
أما بعد .
فبإشراقة الأنوار تنجلي مخبآت الظلام فيهتف حادي المعرفة {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون}.
ومتى اتضح منار الإسلام قامت الحجة على من ليس له حجة وأنس المؤمنون بسلوك المحجة{ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم}.
وقد ثبت عن النبي الكريم _ أنه قال: >افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة(1).
إنّ الله تبارك وتعالى يقول في كتابه العزيز : {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} وعبادة الله هي توحيده وامتثال أمره واجتناب نهيه والتسليم إليه {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما}.
ولم يحقق الانسان العبودية لله إلا إذا تجرد لله حق التجرد وأنقاد لأمر الله حق الانقياد {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم}.
فَلِواحدٍ كن واحداً في واحد أعني طريق الحق والإيمان(2/1)
وعلى العبد المسلم أن يدعو دائما بهذا الدعاء الطيب الذي كان يدعو به سيد المرسلين وإمام الموحدين >اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء<.
وليعلم الجميع أنني ما قصدت بكتابي هذا إلا بيان الحق والعدل المتمثل في المنهج الصحيح، وقد تحريت جهد طاقتي في إبراز الحق لا غيره ورد إبطال ما يخالفه.
التعريف بالكتاب :
قسمت الكتاب إلى مباحث هي كما يلي :
المبحث الأول : أحوال البشر قبل بعثة النبي _.
المبحث الثاني : بيان مرحلة الصراع بين اليهود والمسلمين .
المبحث الثالث : أشهر فرق الشيعة .
المبحث الرابع : ابن سبأ بين المنكرين والمثبتين .
المبحث الخامس : أوجه الشبه بين عقائد اليهود وعقائد الشيعة الإثنى عشرية.
المبحث السادس : ادعاء الشيعة الاثنى عشرية تحريف القرآن .
المبحث السابع : موقف الشيعة الاثنى عشرية واليهود من أصحاب الأنبياء.
المبحث الثامن : عدالة الصحابة .
المبحث التاسع : جدول بينت فيه أوجه الشبه الكثيرة بين اليهود والشيعة الاثنى عشرية.
المبحث الأول
أحوال البشر قبل بعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم
لقد مر على البشرية حين من الدهر وهي تتخبط في دياجير الظلام وفي متاهات الضلال، وغياهب الجهالة، فانتشر الشرك بالله واتخاذ الأنداد، وعمَّت الفوضى في الأخلاق، والناس في هذه الفترة على ثلاثة أقسام:
قسم منهم : أصحاب كتاب محرف ومبدل، لم يبق منه غير جمل محرفة وعبارات مبدلة ممسوخة، اشتروا بدينهم ثمنا قليلا واستبدلوا بكتب الله تعاليم رؤسائهم وكبرائهم، وبولايةِ الله ورسوله ولايةَ الشيطان فترحل عنهم التوفيق وقارنهم الخذلان. فهذا هو حال الأمة الغضبية وعبدة الصلبان من اليهود والنصارى.(2/2)
وقسم آخر : زنادقة ملاحدة لا يؤمنون بالله ولا ملائكته ولا كتبه، ولا رسله ولا يؤمنون بمبدءٍ ولا معاد، ولا جنة ولا نار، وليس للعالم عندهم رب فعال بل يسندون أفعال الربوبية للكواكب والأفلاك وهذا هو حال زنادقة الصابئة وملاحدة الفلاسفة.
وقسم ثالث : أصحاب وثنية عمياء وجاهلية جهلاء يعيشون على النهب والسلب وقطع الطريق، وشن الحروب والاعتداء على الحقوق والحرمات، فانتشرت بينهم الرذائل والفواحش كالزنا وشرب الخمر ووأد البنات.
أما عبادتهم فكانت لأصنام نحتوها من الأحجار والأخشاب، يتقربون إليها بأنواع القربات ويخلصون لها سائر العبادات، ويلتجئون إليها عند الشدائد والملمات.
ورحمة بهذه البشرية وتخليصا لها مما هي فيه من شقاء وعناء وجهل وضلال بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وآله وسلم داعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، فدعا إلى عبادة الله وحده ونبذ الشرك واتخاذ الأنداد، وأمر بالعدل والإنصاف وحث على مكارم الأخلاق فأمر بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، ونهى عن الفواحش وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، فلم يترك طريقا من طرق الخير إلا دلَّ الناس إليه، ولا طريقا من طرق الشر إلا حذرهم منه(1).
ولما دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الله وبين المنهاج الذي أمره الله تبارك وتعالى به للناس، استجاب له أناس وصد عنه آخرون.
فكان أول من آمن بالله ورسوله من الرجال أبو بكر الصديق رضي الله عنه واسمه عبد الله بن عثمان التيمي، وكان صاحباً للنبي عليه الصلاة والسلام قبل البعثة، فلما بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودعاه لهذا الدين العزيز استجاب له ودعا معه إلى الله، وجاهد معه بماله ونفسه وهاجر معه حتى ولاه الله الخلافة من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .(2/3)
وأول من آمن من الصبية علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكان في كفالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأول من آمنت به من النساء خديجة رضي الله عنها وكانت زوجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي صديقة النساء. ثم أسلم بعد ذلك عثمان بن عفان، وسعد ابن أبي وقاص، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحه ابن عبيدالله، وزيد بن حارثة، وبلال بن رباح، وعمر بن الخطاب، وفاطمه بنت الخطاب، وهي ثاني امرأة أسلمت بعد السيدة خديجة رضي الله عنها، وغيرهم من الصحابة .
وكان هؤلاء الصحابة خير عون للنبي عليه الصلاة والسلام فقد اختارهم الله لصحبة الرسول الكريم لنشر الدين الذي رحم الله به البشرية.
وكانت دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أول الأمر مع أصحابه سراً وكانوا يعبدون الله تعالى بعيدا عن أعين كفار قريش.
وبعدما سمع كفار قريش بما يقول هؤلاء النفر من الكلام الذي يهدم معتقدهم بآلهتهم، قاموا بمحاربتهم ومطاردتهم وتعذيبهم إلى أن أذن الله تبارك وتعالى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه بالهجرة من مكة إلى المدينة.
ولما استقر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أصحابه في المدينة قام ببناء المسجد وآخا بين المهاجرين والأنصار، وألّف الله بين قلوبهم وصارت أخوة العقيدة ومحبتها أولى من محبة آبائهم وأبنائهم وإخوانهم وعشيرتهم وأزواجهم وقد أثنى الله تبارك وتعالى على الفعل الذي قام به المهاجرون من ترك ديارهم وأموالهم لأجل دين الله، وعلى فعل الأنصار عندما فتحوا بيوتهم وتقاسموا أموالهم مع المهاجرين. قال تعالى: {للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقونü والذين تبوّءو الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}(1).(2/4)
ورأى اليهود أن الدين الجديد قد أصبح منافساً يوشك أن يقضي على نفوذهم وينتزع الزعامة الدينية التي كانوا يدَّعونها، فكرهوا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم ، ونظروا إليه وإلى دينه وأتباعه نظرة الحسد والحقد والضغينة والبغضاء، وظهرت عداوتهم لدين الإسلام واضحة جلية حينما رأوا الناس يدخلون في دين الله أفواجا.
عند ذلك أخذ اليهود يكيدون للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، ويصدون عن دين الله بكل ما أوتوا من قوة وسلطان.
وقد ذكرت كتب السير كثيراً من مؤامراتهم ودسائسهم، للقضاء على الدعوة الإسلامية. فمن ذلك على سبيل المثال لا الحصر :
1- عمد اليهود في القضاء على الإسلام إلى إثارة الأحقاد والبغضاء الكمينة، التي كانت تعتلج في نفوس أهل المدينة، من الأوس والخزرج من أيام الجاهلية كما استفادوا مما كان بينهم وبين رجال من المسلمين من الحلف والجوار في الجاهلية، للاحتماء بهم وللاتقاء بهم، مما قد يلحق بهم من أذى في إثارة الفتنة .
وقد استجاب لدعوتهم نفر حديثو عهد بالإسلام، كانوا قد اطمأنوا إلى اليهود من أيام الجاهلية، دون أن يعرفوا ما وراء هذه الاستجابة من شر، ونتائج خطيرة على الدين الذي دخلوا فيه(1).(2/5)
دل على ذلك ما رواه ابن هشام قال: >مر شاس بن قيس - وكان شيخا قد عسا(2) عظيم الكفر،شديد الضغن على المسلمين، شديد الحسد على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الأوس والخزرج، في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه، فغاظه ما رأى من ألفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية، فقال: قد اجتمع ملأ بني قيلة(1) بهذه البلاد، لا والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها قرار، فأمر فتى شاباً من يهود كان معه. فقال: اعمد إليهم فاجلس معهم، ثم اذكر يوم بعاث، وما كان قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار(2) ففعل، فتكلم القوم عند ذلك، وتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب فتقاولا، ثم قال أحدهما لصاحبه >إن شئتم رددناها الآن جذعة، وغضب الفريقان جميعا، وقالوا: قد فعلنا موعدكم الظاهرة السلاح فخرجوا إليها فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه المهاجرين فقال: >يامعشر المسلمين الله الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم، بعد أن هداكم الله للإسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر وألف بين قلوبكم<، فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيد من عدوهم فبكوا، وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضا، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سامعين مطيعين، فأنزل الله في شاس بن قيس وما صنع: {قل ياأهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون قل ياأهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا وأنتم شهداء وما الله بغافل عما تعملون}(3)،(4).(2/6)
2- ومن تلك المؤامرات التي حاول اليهود بثها لتشكيك المسلمين في دينهم ما ذكره ابن هشام قال: >وقال سكين، وعدي بن زيد: يامحمد ما نعلم أن الله أنزل على بشر من شيء بعد موسى فأنزل الله تعالى من قولهما: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا}(1)،(2).
ومن مؤامراتهم أيضا ما أخبر الله تعالى به في القرآن الكريم {وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون}(3).
قال ابن كثير رحمه الله: >هذه مكيدة أرادوها، ليلبسوا على الضعفاء من الناس أمر دينهم، وهو أنهم اشتَوَروا بينهم أن يظهروا الإيمان أول النهار، ويصلُّوا مع المسلمين صلاة الصبح، فإذا جاء آخر النهار ارتدوا إلى دينهم، ليقول الجهلة من الناس إنما ردهم إلى دينهم اطلاعهم على نقيصة، وعيب في دين المسلمين(4). ففضحهم الله واطلع المسلمين على حقيقة فعلهم وقصدهم في كيد دين المسلمين.
3- ذكر أهل الأخبار أسماء جماعة من اليهود دخلت في الإسلام، لكنها كانت في حقيقة الأمر من المنافقين(5)، وكان إسلامهم للتجسس على المسلمين ولنقل أخبار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وما يريد عمله إلى اليهود، وإلى حلفائهم من المشركين، وكان جلوسهم إلى بعض المسلمين لاستراق الحديث منهم، ولإثارة الشكوك في قلوب ضعفاء الإيمان منهم، وللاتصال بمن كان على شاكلتهم من الأوس والخزرج(1).
وكان هؤلاء المنافقون يحضرون المسجد فيسمعون أحاديث المسلمين ويسخرون منهم ويستهزءون بدينهم، فاجتمع يوما في المسجد منهم ناس، فرآهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتحدثون بينهم خافضي أصواتهم قد لصق بعضهم ببعض، فأمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بهم فأخرجوا من المسجد إخراجاً عنيفا(2).(2/7)
ولإبطال أثر هذه الفتنة نزل الوحي بالنهي عن الاتصال باليهود والاطمئنان إليهم وبقطع صلة المسلمين بهم خوف الفتنة على المسلمين: -
قال تعالى : {ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ماعنتم، قد بدت البغضاء من أفواههم، وما تخفى صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون ü هأنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور}(3).
فقطعت هذه الآيات على المسلمين مباطنة اليهود، والركون إليهم، للأضرار التي لحقت بهم من هذا الاتصال(4).
4- ومن مؤامرات اليهود على الإسلام محاولتهم فتنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتأثير عليه : -
فقد روى ابن هشام عن ابن إسحاق أنه قال: >وقال: كعب بن أسد وابن صلوبا وعبدالله بن صوري وشاس بن قيس بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه، فإنما هو بشر، فأتوه، فقالوا له: يامحمد إنك قد عرفت أنا أحبار يهود وأشرافهم، وسادتهم وأنا إن اتبعناك اتبعتك يهود، ولم يخالفونا وإن بيننا وبين بعض قومنا خصومة، أفنحاكمهم إليك فتقضي لنا عليهم ونؤمن بك ونصدقك؟ فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليهم فأنزل الله فيهم: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون}(1)،(2).
وأمام يقظة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم باءت مكيدتهم هذه بالفشل وباءت جميع مكايد اليهود السابقة بالهزيمة، ورد الله كيدهم في نحورهم وزادهم هذا حنقا وغيظا على الإسلام، ولكن هذا كله لم يضر الإسلام شيئا، فالله متم نوره ولو كره الكافرون(3) .
المبحث الثاني
مرحلة الصراع المسلح بين اليهود والمسلمين في عصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم(2/8)
لم يكتف اليهود بالدس والنفاق والفتن التي يثيرونها بين المسلمين بل أخذوا يقفون إلى جانب كفار قريش معلنين عداءهم الصريح للإسلام والمسلمين.
فأمهلهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن نقضوا العهود، عند ذلك رأى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ضرورة مواجهة اليهود عسكريا فاتخذ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عدة قرارات حربية لتأديب هؤلاء اليهود الذين يقفون حجر عثرة في طريق انتشار الإسلام، فكان أهم هذه القرارات ما يلي :
1- إجلاء بني قينقاع .
2- إجلاء بني النضير .
3- غزوة بني قريظة .
4- فتح خيبر .
وفيما يلي تفصيل لهذه الأحداث على ضوء ما ذكرته كتب السير والتاريخ : -
أولا : إجلاء بني قينقاع :
سبب الجلاء :
روى ابن هشام عن أبي عون أن امرأة من العرب قدمت بجلب لها، فباعته في سوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ، فجعلوا يريدونها علي كشف وجهها، فأبت فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها - وهي غافلة - فلما قامت انكشفت سوأتها، فضحكوا بها، فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله - وكان يهوديا - فشدت اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع(1).
ولقد كانت منازل بني قينقاع في داخل المدينة، وبين أحياء المسلمين، فوقوع التصادم بينهم وبين المسلمين قبل غيرهم من اليهود، أمر متوقع وكانت شرارته، وصول الأخبار إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، بتآمر بني قينقاع عليه، وتهيئتهم لإحداث فتنة في المدينة، فتخوف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم منهم بحسب وجودهم بين ظهراني المسلمين(2).
فتوجه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إليهم ، وجمعهم في سوق بني قينقاع بعد معركة بدر، ثم قال: )يامعشر يهود احذروا من الله مثل مانزل بقريش من النقمة، وأسلموا فإنكم قد عرفتم أني مُرسَل تجدون ذلك في كتابكم، وعهد الله إليكم(.(2/9)
قالوا : ) يامحمد إنك ترى أنا قومك، لا يغرنك أنك لقيت قوماً لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة إنا والله لئن حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس((3).
فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وحاصرهم في حصنهم خمس عشرة ليلة أشد حصار، لا يطلع منهم أحد، ثم نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكتفوا وهو يريد قتلهم، فقام عبدالله بن أبيّ بن سلول، فشفع فيهم عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوهبهم له(1)، ثم فكت قيودهم وأمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بإجلائهم، وغنم اللهُ عز وجل رسولَه والمسلمين ما كان لهم من مال(2).
ثانيا : إجلاء بني النضير :
كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد بعث أربعين رجلا من أصحابه، من خيار المسلمين، يُعلِّمون قبائل نجد أمور الدين الإسلامي وهم ممن يحفظون القرآن، وعند بئر معونة(3) على مسيرة أربعة أيام من المدينة، هاجم يهود بني سليم المسلمين وقتلوهم غدرا وظلما، ونجا واحد من المسلمين هو عمرو بن أمية الضمري(4)، وفي طريق عودته قتل رجلين من بني عامر، وكان بين بني عامر ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عهد لم يعلمه عمرو بن أمية(5).
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بني النضير يستعينهم في دية ذينك القتيلين من بني عامر، اللذين قتلهما عمرو بن أمية، للعهد الذي كان صلى الله عليه وسلم أعطاهما، فلما أتاهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قالوا: نعم ياأبا القاسم، نعينك على ما أحببت، ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى جانب جدار من بيوتهم قاعد، قالوا فمن رجل يعلو على هذا البيت فيلقي عليه صخرة ويريحنا منه .
فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب ، فقال أنا لذلك، فصعد ليلقي عليه صخرة ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في نفر من أصحابه فيهم أبو بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم.(2/10)
فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخبر من السماء بما أراد القوم، فقام وخرج راجعا إلى المدينة، فلما استبطأ الصحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قاموا في طلبه، فلقوا رجلا مقبلا من المدينة فسألوه عنه فقال: رأيته داخلا المدينة، فأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى انتهوا إليه فأخبرهم الخبر بما كانت يهود أرادت من الغدر به.
وأمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالتهيؤ لحربهم والسير إليهم(1)، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم، ثم سار بالناس وذلك في شهر ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة، فتحصنوا منه في الحصون فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقطع النخيل والتحريق فيها، فقذف الله في قلوبهم الرعب وسألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يجليهم ويكف عن دمائهم، على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا السلاح ففعل، فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل فكان الرجل منهم يهدم بيته عن نجاف(2) فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به فخرجوا إلى خيبر، ومنهم من سار إلى الشام(3).
ثالثا : غزوة بني قريظة :
كان بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين بني قريظة عهد وميثاق لكنهم نقضوا العهد في غزوة الأحزاب، وذلك عندما أسهموا مع إخوانهم يهود بني النضير في تأليب أحزاب العرب من قريش وغطفان وتشجيعها على محاربة المسلمين.
ولما انتهت غزوة الأحزاب بهزيمة المشركين عندما أرسل الله علىهم جنداً من الريح جعلت تقوض خيامهم، وتكفأ قدورهم وجندا من الملائكة تزلزل بهم حتى أتم الله نصره لعباده المؤمنين، وفَرَّق الأحزاب والمشركين(1).(2/11)
عند ذلك رجع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعه المسلمون إلى المدينة ووضعوا السلاح، فلما كان الظهر أتى جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مُعْتَمّاً بعمامة من استبرق، على بغلة عليها رحالة عليها قطيفة من ديباج، فقال: أوقد وضعت السلاح يارسول الله؟ قال: نعم، فقال جبريل: فما وضعت الملائكة السلاح بعد، وما رجعت الآن إلا من طلب القوم، إن الله عز وجل يأمرك يامحمد بالمسير إلى بني قريظة فإني عامد إليهم فمزلزل بهم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مؤذنا فأذن في الناس >من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلين العصر إلا ببني قريظة< واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم<(2).
وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمساً وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب، فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن ابعث إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر(3) - وكانوا حلفاء الأوس - لنستشيره في أمرنا فأرسله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقالوا له: أترى أن ننزل على حكم محمد قال: نعم .
فلما أصبحوا نزلوا على حكم رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم، قال الأوس: يا رسول الله إنهم كانوا موالينا دون الخزرج وقد فعلت بموالي إخواننا ما قد علمت، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألا ترضون يامعشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم قالوا: بلى. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فذاك إلى سعد بن معاذ.
فحكم فيهم سعد أن تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى الذراري والنساء فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لسعد: >لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة<(1). ثم استنزلوا فحبسهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى سوق المدينة فخندق بها خنادق ثم بعث إليهم فضرب أعناقهم في تلك الخنادق(2).
رابعا : فتح خيبر :(2/12)
أصبحت خيبر بعد جلاء اليهود عن المدينة، ملجأ لكثير من اليهود الحانقين على الإسلام، وكانوا يتربصون بالمسلمين الدوائر، ويتآمرون مع غطفان لغزو المدينة فأراد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يستريح منهم، ويأمن شرهم، فما كاد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يستقر في المدينة بعد عودته من الحديبية إلا شهر أو أقل، حتى أذن للناس بالمسير إلى يهود خيبر(3). ونزل خيبرَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلا، فبات حتى أصبح ثم توجه إليهم، واستقبله عمال خيبر وقد خرجوا بمساحيهم فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قالوا: محمد والخميس(4) معه، فأدبروا هربا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الله أكبر خربت خيبرَ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين(5).
ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفتح حصونهم حصنا حصناً ويأخذ أموالهم، حتى إذا أيقنوا بالهلكة سألوه أن ينفيهم ويحقن دماءهم ففعل(1).
ولقد كانت نهاية خيبر نهاية نفوذ يهود جزيرة العرب، فلم يبق لهم في سياسة جزيرة العرب بعد هذا أثر يذكر(2) .
وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم :(2/13)
وبعد أن لحق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالرفيق الأعلى تولى زمام الأمور من بعده أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وكان أحق الصحابة بهذا الأمر وأفضلهم وأعلمهم وأحلمهم وأحكمهم وأقواهم على تحمل أمر الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وآله وسلم فها هو ذا يزيل الشبهة عن العيون والضلالة عن القلوب بعد أن اختلف الناس في موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم من عدمه، حتى إن كبار الصحابة وعلى رأسهم عمر رضي الله عنه، هالهم ذلك الحدث وثقلت عليهم وطأته، فلم يصدقوا في بداية الأمر بموت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكادت تحدث فتنة لولا عناية الله ثم تدخل الصديق الذي حسم القضية وفك النزاع، وقام خطيبا في الصحابة في موقف عصيب جدا: >أيها الناس من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت< ويذكرهم بقول الله تعالى: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين}(3).
قال أبو هريرة رضي الله عنه: (فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت حتى تلاها أبو بكر يومئذ)(1).
خلافة أبي بكر رضي الله عنه :
وتتجلى جدارة أبي بكر وأهليته في تحمل أمر الأمة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين أجمع الصحابة على بيعته بعد نبيهم - وما كان لهم أن يختلفوا فيه - فبايعوه بالخلافة وارتضوه إماما وقائدا لهم والتفوا حوله مؤازرين ومناصرين. فسلك بهم سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقارب وسدد واتبع ولم يبتدع، وكان من أشد الناس تمسكا بسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولهذا لما حدثت فتنة الردة جيّش الجيوش وأمر بقتال المرتدين وقال لعمر لما راجعه في قتال مانعي الزكاة >والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقاتلتهم على منعه<(2).(2/14)
فقضى خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على هذه الفتنة وأخمد نارها في فترة وجيزة بتأييد من الله ونصر. وهكذا سار الصدِّيق في الرعية سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعاش الناس في عهده في رغد من العيش وطيب حياة، فأحبته الرعية أيما محبة حتى قبضه الله إليه راضيا عنه.
وكان أبو بكر قد أوصى بالخلافة من بعده لعمر بن الخطاب فكتب بذلك كتاباً أوصى فيه المسلمين باستخلاف عمر من بعده.
خلافة عمر رضي الله عنه :
اجتمع الناس على عمر وبايعوه بالخلافة ، فواصل بهم مسيرة الخير والهدى مقتفياً خطى من سبقه فأمر بالدعوة إلى الله وسلط الأمة على الجهاد، فجيّش الجيوش ومصَّر الأمصار، ورفع راية الإسلام خفاقة على أنقاض دول الكفر والطغيان. فاتسعت رقعة الإسلام في عهده وازداد المسلمون عزة بما فتح الله على أيديهم من الأمصار والبلدان.
وبعد أن حطمت سيوف الإسلام عروش الكفر والطغيان لم يكن أعداء الإسلام ليقفوا موقف المتفرج بل عزموا على الثأر من الإسلام والانتصار لدولهم وأديانهم، ولكنهم أدركوا بعد تلك الحروب الطاحنة التي خاضوها ضد المسلمين أن لا طاقة لهم بمواجهة صفوف المسلمين.
وهنا تعددت مكائدهم ومؤامراتهم للقضاء على الإسلام، فكلٌّ خطط بقدر ما لديه من مكر وخبث .
فانتدبت المجوسية الحاقدة أبا لؤلؤة المجوسي لينفذ أول مؤامرة لهم ضد الإسلام كانت نتيجتها استشهاد الفاروق رضي الله عنه على أثر طعنة مسمومة من خنجر مجوسي حاقد لعين(1).(2/15)
فقد روى الإمام البخاري قصة استشهاد الفاروق عن طريق شاهد عيان (عمرو بن ميمون) قال: >إني لقائم (يعني في الصلاة) ما بيني وبين عمر إلا عبد الله ابن عباس غداة أصيب، وكان إذا مر بين الصفين قال استووا، حتى إذا لم ير فيهم خللا تقدم فكبر وربما قرأ سورة يوسف أو النحل أو نحو ذلك في الركعة الأولى حتى يجتمع الناس فما هو الا أن كبر فسمعته يقول: قتلني أو أكلني الكلب، حين طعنه فطار العلج بسكين ذات طرفين لا يمر على أحد يمينا ولا شمالا إلا طعنه حتى طعن ثلاثة عشر رجلا مات منهم تسعة، فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنسا، فلما ظن العلج أنه مأخوذ نحر نفسه، وتناول (يعني عمر) يد عبدالرحمن بن عوف فقدمه، فمن يلي عمر، فقد رأى الذي رأى، وأما نواحي المسجد فانهم لا يدرون غير أنهم فقدوا صوت عمر وهم يقولون سبحان الله، سبحان الله، فصلى بهم عبدالرحمن صلاة خفيفة فلما انصرفوا قال: ياابن عباس انظر من قتلني فجال ساعة ثم جاء فقال غلام المغيرة، قال: الصُنَّع؟ قال نعم، قال: قاتله الله لقد أمرت به معروفا الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل يدعي الاسلام...<(1).
خلافة عثمان رضي الله عنه:
فاستشهد الفاروق وتولى أمر الأمة بعده ذو النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه فكان ثالث الخلفاء الراشدين، تولى تصريف شؤون المسلمين مستنا بسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسنة الخليفتين من قبله ومضى على ذلك فترة من الزمن نَعِمَ الناس في عهده بما نعموا به في عهد الشيخين من عدل وأمن وهدوء نفسي وراحة بال.(2/16)
حتى قرر اليهود الثأر لأسلافهم من يهود بني النضير، وبني قريظة، وبني قينقاع، وأهل خيبر، وذلك بإحداث فتنة تمزق شمل المسلمين وتعمل على زعزعة العقيدة في نفوسهم، فكان عبد الله بن سبأ اليهودي الماكر هو مرشح اليهودية للقيام بهذه المهمة الخبيثة، لما علمت اليهودية من اتصافه بمكر وخبث عظيمين تؤهلانه لإحداث فتنة عظيمة في كيان الدولة الإسلامية(1).
فأخذ ينتقل هذا اليهودي بعد أن تظاهر بالإسلام، في بلاد المسلمين يحاول إفساد ذات البين فبدأ بالحجاز، ثم بالكوفة، ثم بالشام فلم يتحقق له ما أراد عند أهل هذه البلاد، فخرج إلى مصر، فوضع لهم القول بالرجعة فتكلموا فيها، ثم وضع لهم القول بالوصية فقال لهم: إنه كان ألف نبي، ولكل نبي وصي، وكان علي وصي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم قال : محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الأنبياء وعلي خاتم الأوصياء، ومن أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووثب على وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتناول أمر الأمة.
ثم قال لهم بعد ذلك : إن عثمان أخذها بغير حق وهذا وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فانهضوا في هذا الأمر، فحركوه، وابدأوا بالطعن على أمرائكم، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا الناس وادعوهم إلى هذا الأمر، فبث دعاته وكاتب من كان قد استفسده في الأمصار ودعوا في السر إلى ما عليه رأيهم، حتى أوسعوا الأرض إذاعة يريدون غير ما يظهرون ويسرون غير ما يعلنون.
حتى وصلت الأخبار عثمان بن عفان رضي الله عنه فاستشار المسلمين في أمرهم، فأشاروا عليه أن يبعث من يستطلع أخبار الأمصار، ففعل ذلك، وجاء الرسل وأخبروه أنهم لم ينكروا شيئا ولا أنكره أعلام المسلمين ولا عوامهم وأن الأمراء يقسطون بين الرعية ويقومون عليهم.(2/17)
فكتب عثمان رضي الله عنه إلى أهل الأمصار كتاباً يذكر ما بلغه من الإذاعات، والطعن على الأمراء، يقول فيه: بعد أن حمد الله وأثنى عليه: >أما بعد: فإني آخذ العمال بموافاتي في كل موسم وقد سلطت الأمة منذ وليت على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا يرفع عليّ شيء ولا على أحد من عمالي إلا أعطيته وليس لي ولعمالي حق قبل الرعية، إلا متروك لهم، وقد رفع إليّ أهل المدينة أن أقواماً يُشتمون وأُخَر يُضربون، فيا من ضُرب سرا وشُتم سرا، من ادعى شيئا من ذلك فليواف الموسم فليأخذ بحقه حيث كان مني أو من عمالي أو تصدقوا فإن الله يجزي المتصدقين<.
فلما قريء في الأمصار أبكى الناس ودعوا لعثمان وقالوا: إنّ الأمة لتمخض بشر(1). ولم يرض ابن سبأ وزعماء هذه الفتنة من هذه السياسة الحكيمة الرحيمة فابن سبأ لم يرد الإصلاح ولم يدخل الإسلام إلا لهدف في نفسه. وهذا الموقف الحكيم من الخليفة الراشد يتعارض وأهداف هذا اليهودي الخبيث، لذلك ابتدع فكرة إرسال الكتب المزورة إلى من يريد تحريضه على عثمان وولاته بأسماء طائفة من كبار الصحابة، ثم الكتب المزورة باسم الخليفة نفسه، فقد روى ابن كثير: إنهم زوروا على لسان عائشة رضي الله عنها كتاباً تأمر فيه الناس بالخروج على عثمان، ثم نفت ذلك وقالت: >لا والذي آمن به المؤمنون وكفر به الكافرون ما كتبت لهم سوداء في بيضاء حتى جلست مجلسي هذا<(2).
وعليٌّ اتهمه الثوارُ أنه كتب إليهم: أن يقدموا عليه المدينة، فينكر ذلك عليهم ويقسم: (والله ما كتبت إليكم كتاباً)(3).
مقتل عثمان رضي الله عنه:
وقد انتهت دسائس هذا اليهودي المنافق إلى ثورة مسلحة على عثمان رضي الله عنه.
ففي السنة الخامسة والثلاثين وصلت الحركة السبئية ذروتها، واستكملت الثورة المبيتة عناصرها، وذلك عندما تكاتب السبئيون من مصر والكوفة والبصرة وتواعدوا على أن تخرج كتائب ثورتهم إلى المدينة.(2/18)
فأحاط الثوار بالمدينة وذكروا لعثمان أموراً فتلطف بهم وأجاب على تساؤلاتهم، وقد أدرك المسلمون أنهم أصحاب شر فأشاروا على الخليفة بقتلهم، وأبى عثمان إلا تركهم فانصرفوا وقد تواعدوا المجىء في شهر شوال من السنة نفسها حتى يغزوه وكأنهم حجاج(1).
ولما جاء الموعد خرج الثوار قاصدين المدينة، وحاصروا عثمان رضي الله عنه في بيته، واستمر الحصار من أواخر ذي القعدة إلى يوم الجمعة الثامن عشر من ذي الحجة فلما كان قبل ذلك بيوم قال عثمان للذين عنده في الدار من المهاجرين والأنصار وكانوا قريبا من سبعمائة - أتوا لحمايته - وفيهم عبدالله بن عمر، وعبدالله بن الزبير، والحسن، والحسين، ومروان، وأبو هريرة، فقال لهم: أقسم على من لي عليه حق أن يكف يده وينطلق إلى منزله، وقال لرقيقه من أغمد سيفه فهو حر، وسبب ذلك أن عثمان أراد الحفاظ على بقية كبار الصحابة وصغارهم الباقين في المدينة، وذلك أن الخوض بهم في قتال لم تتميز فيه الصفوف، هو قتال نتائجه أليمة، ولذا أمر الصحابة جميعاً بإلقاء السلاح وألزمهم بيوتهم، وكان عثمان قد رأى في المنام رؤيا دلت على اقتراب أجله فاستسلم لأمر الله رجاء موعوده.
وشدد الثوار على عثمان رضي الله عنه الحصار، ومنعوا عنه الماء، ومنعوه من الصلاة بالناس، ثم ارتكبوا جريمتهم بأن تسوروا عليه داره وقتلوه وكان بين يديه كتاب الله صائم لم يفطر في شهر الله الحرام في أرض الله الحرام(1)،(2).
خلافة علي رضي الله عنه:(2/19)
وبعد أن انتقل أمر الأمة إلى أبي السبطين علي بن أبي طالب رضي الله عنه بمبايعة الصحابة له خليفة رابعا للمسلمين، أخذ ابن سبأ يدعو اتباعه ومن اغتر به إلى ولاية علي رضي الله عنه ، وزعم أن ولايته لا تتم إلا بالبراءة من أعدائه وهم في نظره الخلفاء الراشدون السابقون له في الخلافة، فكان ابن سبأ أول من أظهر البراءة من أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة ، كما نص على ذلك كبار علماء الشيعة المتقدمين كالأشعري القمي والكشي والنوبختي فقد نقلوا في كتبهم هذا النص:
> وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي عليه السلام أن عبدالله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ووالى عليا عليه السلام وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام بهذه المقالة فقال في إسلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمثل ذلك وهو أول من أشهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه فمن هناك قال من خالف الشيعة إن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية(3).
وهكذا استطاع عبد الله بن سبأ بما بثه بين أتباعه من عقيدة الوصية، والرجعة، والبراءة من الصحابة، ثم إظهاره الغلو في علي وأبنائه، أن يضع الجذور الأساسية لفرقة تستمد مبادئها وأفكارها من اليهود في ثوب إسلامي، نُسبت هذه الفرقة إليه فاطلق عليها (السبئية).
ثم نهلت بقية فرق الشيعة التي جاءت بعد هذه الفرقة من معين الفكر السبئي، كلٌّ على قدر ضلالته وبعده عن الإسلام . وكان أكثر هذه الفرق تأثرا بالسبئية وفكرها اليهودي (الشيعة الاثنى عشرية)(1).
المبحث الرابع
المنكرون وجود ابن سبأ
ينكر جماعة من الشيعة المعاصرين، وبعض من ينتسب إلى السنة من الكتاب المُحْدَثِين، وجود ابن سبأ .(2/20)
ويعدون ما ذكره المؤرخون وأصحاب المقالات وغيرهم من المحققين: من الروايات والأخبار عن ابن سبأ ودوره التاريخي في صدر الدولة الإسلامية وإنشائه فرقة السبئية يعدون هذا كله روايات وأخباراً مُختلقة وضعها خصوم الشيعة للنيل منهم حتى يتسنى لهم الطعن في مذهبهم بنسبته إلى اليهودية وهم يرون أن ابن سبأ شخصية وهمية لا وجود لها في التاريخ، وفيما يلي ذكر بعض من أنكر وجود ابن سبأ من هؤلاء الكتاب: -
أولا : المنكرون وجود ابن سبأ من الشيعة
1- محمد الحسين كاشف الغطاء :
يرى العالم الشيعي العراقي محمد الحسين كاشف الغطاء يرى أن عبدالله بن سبأ ليس إلا خرافة وضعها أصحاب السمر والمجون في أيام الدولتين الأموية والعباسية، والغريب أن يذكر ذلك بعد اعترافه بأن كتب الشيعة القديمة قد ترجمت لعبدالله بن سبأ وأنها كانت تلعنه.
يقول : >أما عبد الله بن سبأ الذي يلصقونه بالشيعة أو يلصقون الشيعة به، فهذه كتب الشيعة بأجمعها تعلن بلعنه والبراءة منه، وأخف كلمة تقولها كتب الشيعة في حقه ويكتفون بها عن ترجمة حاله عند ذكره في العين هكذا: عبد الله بن سبأ ألعن من أن يذكر. انظر رجال أبي علي وغيره.
على أنه ليس من البعيد رأي القائل أن عبدالله بن سبأ (وأمثاله) كلها أحاديث خرافة وضعها القصاصون وأرباب السمر والمجون، فإن الترف والنعيم قد بلغ أقصاه في أوساط الدولتين الأموية والعباسية، وكلما اتسع العيش وتوفرت دواعي اللهو، اتسع المجال للوضع وراج سوق الخيال<(1).
2- مرتضى العسكري :
وهو من أكثر الشيعة المعاصرين حماسا واهتماما بقضية عبدالله بن سبأ، وهو يرى أن عبدالله بن سبأ ليس إلا أسطورة اختلقها سيف بن عمر، وأخذها عنه ابن جرير الطبري(2).
3- محمد جواد مغنية :
ومن الذين ينكرون وجود ابن سبأ من علماء الشيعة المعاصرين محمد جواد مغنية، وقد قدم محمد جواد مغنية لكتاب العسكري (عبدالله بن سبأ وأساطير أخرى) .(2/21)
قال: > فلقد اختلق سيف لرسول الله _ أصحاباً لا وجود لهم.. كما ابتدع رجالاًً من التابعين وغير التابعين، ووضع على لسانهم الأخبار والأحاديث من هؤلاء بطل اختلق شخصيته، واختلق اسمه، واختلق قضايا ربطها به، هذا البطل الأسطوري هو (عبد الله بن سبأ) الذي اعتمد عليه كل من نسب إلى الشيعة ما ليس لهم به علم، وتكلم عنهم جهلا وخطأ ونفاقا وافتراء<(1).
4،5- الدكتور علي الوردي والدكتور كامل مصطفى الشيبي :
وممن أنكر شخصية ابن سبأ الدكتور علي الوردي صاحب كتاب (وعاظ السلاطين) وقد تأثر بالوردي وآرائه الدكتور كامل مصطفى الشيبي في كتابه (الصلة بين التصوف والتشيع).
يقول الوردي : -
> يخيل إليَّ أن حكاية ابن سبأ من أولها إلى آخرها كانت حكاية متقنة الحبك رائعة التصوير (2).
وقد حاول الوردي وتابعه في ذلك الشيبي أن يثبتا أن ابن سبأ هو عمار بن ياسر رضي الله عنه ، وتلك محاولة يائسة منهما لإيجاد تعليل لشخصية ابن سبأ التي جاء ذكرها في أكثر مصادر التاريخ والفرق، والتي ينكران وجودها.
يقول الشيبي: وللدكتور علي الوردي أدلة على أن هذين الرجلين (عمارا وابن سبأ) شخص واحد وهذا نصها: -
1- كان ابن سبأ يعرف بابن السوداء، وقد رأينا كيف كان عمار يكنى بابن السوداء أيضا
2- وكان من أب يماني ومعنى هذا أنه كان من أبناء سبأ، فكل يماني يصح أن يقال عنه (ابن سبأ).
3- وعمار فوق ذلك كان شديد الحب لعلي بن أبي طالب عليه السلام، يدعو له ويحرض الناس على بيعته في كل سبيل.
4- وقد ذهب عمار أيام عثمان إلى مصر وأخذ يحرض الناس... وهذا الخبر يشابه ما نسب إلى ابن سبأ من أنه استقر في مصر واتخذ الفسطاط مركزا لدعوته، وشرع يراسل أنصاره منها<(1).الخ ذلك الهراء الذي لا أريد أن أسود الورق بأكثر مما نقلت منه.
6- عبد الله الفياض :(2/22)
ويشارك عبد الله الفياض علماء الشيعة المنكرين وجود ابن سبأ، فهو يتساءل هل كان ابن سبأ موجودا في الواقع، أو أن شخصيته خيالية، ثم يجيب فيقول: <يبدو أن ابن سبأ كان إلى الخيال أقرب منها إلى الحقيقة، وأن دوره - إن كان له دور - قد بولغ فيه إلى درجة كبيرة، لأسباب دينية وسياسية>(2).
ثانيا : المنكرون وجود ابن سبأ من غير الشيعة من الكتاب المُحْدَثين
1- طه حسين :
يقف طه حسين على رأس الكتاب المُحْدَثين الذين شككوا في وجود ابن سبأ وأنكروه فيقول في كتابه (الفتنة الكبرى).
> ويخيل إليّ أن الذين يكبرون من أمر ابن سبأ إلى هذا الحد يسرفون على أنفسهم وعلى التاريخ إسرافا شديدا وأول ما نلاحظه أنا لا نجد لابن سبأ ذكرا في المصادر المهمة التي قصت أمر الخلاف على عثمان.(1)
ويصرح طه حسين بإنكاره لابن سبأ في كتابه (علي وبنوه) قائلا: >وأقل ما يدل عليه إعراض المؤرخين عن السبئية وعن ابن السوداء في حرب صفين أن أمر السبئية وصاحبهم ابن السوداء إنما كان متكلفا منحولا، قد اخترع بآخره حين كان الجدال بين الشيعة وغيرهم من الفرق الإسلامية، أراد خصوم الشيعة أن يدخلوا في أصول هذا المذهب عنصرا يهوديا إمعانا في الكيد لهم والنيل منهم>(2).
2- الدكتور علي النشار :
ويأتي بعد طه حسين الدكتور علي النشار في إنكار شخصية ابن سبأ واعتبارها شخصية وهمية .
يقول بعد أن جمع النقول من المصادر التاريخية، وما كتبه المحققون من السنة والشيعة: <ومن المحتمل أن تكون شخصية عبد الله بن سبأ شخصية موضوعة أو أنها رمزت إلى شخصية ابن ياسر.. ومن المحتمل أن يكون عبدالله بن سبأ هو مجرد تلفيق لاسم عمار بن ياسر>(1).
ويقول أيضا : < أو بمعنى أدق إني أقول: إنه من المرجح أن يكون عبدالله بن سبأ هو عمار بن ياسر، والمرجح أن النواصب حمَّلوا كذبا عمار بن ياسر كل تلك الآراء التي لم يعرفها قط، ولم يقل بها قطعا>(2).(2/23)
ولا عجب أن يصدر هذا الكلام من النشار، فالنشار من المتأثرين جدا بالوردي الشيعي الذي يعد أول من ادعى أن ابن سبأ هو عمار بن ياسر فها هو ذا النشار يسجل إعجابه بالوردي وأفكاره فيقول: <ولكن كاتب الشيعة الكبير المعاصر الأستاذ الدكتور على الوردي يقدم لنا في براعة نادرة تحليلا بارعا لقصة عبدالله بن سبأ>(3).
3- الدكتور حامد حفني داود :
من الذين تأثروا بكتابات الشيعة حول شخصية ابن سبأ فأنكروا وجودها الدكتور حامد حفني داود قدم للطبعة المصرية لكتاب (عبد الله ابن سبأ وأساطير أخرى) بمقدمة أبدى فيها اعجابه بهذا الكتاب وبمؤلفه فيقول: <وأخيرا يسرني - باسم العلم - أن أعلن إعجابي بهذا السفر الجليل ولصاحبه العلامة المحقق السيد مرتضى العسكري>(4).
أما رأيه في شخصية ابن سبأ فأوضحه بقوله: <ولعل أعظم هذه الأخطاء التاريخية التي أفلتت من زمام هؤلاء الباحثين،وغمّ عليهم أمرها فلم يفقهوها ويفطنوا إليها، هذه المفتريات التي افتروها على علماء الشيعة، حين لفقوا عليهم قصة (عبد الله بن سبأ) فيما لفقوه من قصص>(1)،(2).
مناقشة أدلة المنكرين وجود ابن سبأ
أولا : وأما دعواهم أن سيف بن عمر التميمي هو المصدر الوحيد لأخبار عبدالله بن سبأ فهذا غير صحيح .
1- فقد روى ابن عساكر عن عمار الدهني قال: <سمعت أبا الطفيل يقول رأيت المسيب بن نجية أتى به ملببه، يعني ابن السوداء، وعلي على المنبر. فقال علي: ما شأنه؟ فقال يكذب على الله وعلى رسوله. (1)
وروى أيضا من طريق يزيد بن وهب عن سلمة عن شعبة قال علي ابن أبي طالب: <ما لي ولهذا الحميت الأسود، يعني عبدالله بن سبأ، وكان يقع في أبي بكر وعمر>(2).
2- ترجم كثير من علماء الشيعة القدامى والمتأخرين لعبدالله بن سبأ في كتبهم ولم يكن سيف بن عمر من ضمن الأسانيد التي رويت في اثبات شخصية عبدالله بن سبأ اليهودي(3).(2/24)
3- لم ينف علماء الشيعة القدامى حقيقة وجود عبدالله بن سبأ بل أثبتوه في كتب الرجال والفرق ولكن طعنوا في غلوه في أمير المؤمنين وأثبتوا ان أمير المؤمنين أحرق فرقة (السبئية) في النار. كما أثبت هذه الحقيقة أحمد السيد الحسيني محقق (رجال الكشي) فقال: <لم يترجم أحد من علماء الشيعة القدامى عبدالله ابن سبأ إلا وأعقبها بجملة تدل على كفره وإلحاده وزندقته وانحرافه عن الإسلام، فقال الطوسي في رجاله <عبد الله بن سبأ> الذي رجع الى الكفر وأظهر الغلو، وقال في الخلاصة: <عبد الله بن سبأ> غال ملعون حرقه أمير المؤمنين بالنار، كان يزعم أن عليا إله وانه نبي لعنه الله. وأمثال هذه العبارات(1).
4- أثبت النوبختي في كتابه (فرق الشيعة) حقيقة وجود ابن سبأ عن طريق جماعة من أهل العلم ومن أقرب الناس للإمام علي عليه السلام فقال: <وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي عليه السلام أن عبدالله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ووالى عليا عليه السلام وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام بهذه المقالة فقال في إسلامه بعد وفاة النبي _ بمثل ذلك وهو أول من أشهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام وأظهر البراءة من أعداءه وكاشف مخالفيه فمن هناك قال من خالف الشيعة ان أصل الرفض مأخوذ من اليهودية(2).
ثانيا : قولهم : إن عبد الله بن سبأ إنما هو رمز لشخصية عمار بن ياسر.
فنقول : هذا باطل ، يدل على جهل صاحبه، وبطلانُه يعرف من أوجه:
الوجه الأول : إن المؤرخين الذين ذكروا أخبار ابن سبأ أثبتوا شخصية عمار بن ياسر على أنها شخصية مستقلة عن شخصية ابن سبأ.(2/25)
فهذا الطبري : وهو من أقدم المصادر التي ذكرت أخبار ابن سبأ يذكر في ضمن قصة ابن سبأ وما قام به من مؤامرات في عهد عثمان، من بث العقائد الفاسدة بين المسلمين، وتأليب الناس في الأمصار على الخليفة والأمراء، يذكر أنه لماجاءت أخبار ابن سبأ وما قام به من بث الفتن في الأمصار: أن عثمان بعث إلى الأمصار من يستطلع أخبار الناس فبعث محمد بن مسلمة إلى الكوفة، وعماراً إلى مصر، وعبدالله بن عمر إلى الشام>(1).
وبمثل ذلك قال ابن كثير(2) وابن الأثير(3).
فالطبري ، وابن كثير، وابن الأثير، أثبتوا الشخصيتين شخصية ابن سبأ وشخصية عمار بن ياسر.
وكذلك ابن خلدون يثبت ذلك فيقول: <إن عبد الله بن سبأ يعرف بابن السوداء كان يهوديا فهاجر أيام عثمان فلم يحسن إسلامه... إلى أن قال: وكان معه خالد بن ملجم، وسودان بن حمران، وكنانة بن بشر فثبطوا عمارا عن المسير إلى المدينة>(1).
فهؤلاء هم كبار المؤرخين ، يثبتون الشخصيتين، ابن سبأ الذي كان له نشاط في إفساد المسلمين، وتأليبهم على عثمان بن عفان رضي الله عنه، وشخصية عمار بن ياسر رضي الله عنه ، مبعوث عثمان إلى مصر لاستطلاع أخبار ابن سبأ ومن استفسده من الناس.
فكيف لعاقل بعد ذلك أن يقول إنهما شخص واحد.
الوجه الثاني : أن كتب الجرح والتعديل والرجال الموثقة عند الشيعة ترد هذا القول، وذلك أن كتبهم ذكرت ترجمة عمار بن ياسر في أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والرواة عنه، وتعده من الأركان الأربعة(2)، وذكرت ترجمة عبدالله بن سبأ ووصفته: بأنه زنديق ملعون، كان يكذب على أمير المؤمنين، فكيف نجمع بين هاتين الترجمتين؟(3).
الوجه الثالث : أن كل ما ذكره الوردي والشيبي وغيرهما، من أدلة للدلالة على أن ابن سبأ هو عمار بن ياسر، أدلة غير صحيحة بل باطلة.(2/26)
فقولهما إن ابن سبأ يعرف بابن السوداء، وكذلك عمار يكنى بابن السوداء: فالاتفاق في الكنية: إن صحت هذه الكنية لعمار - : لا يدل على أنهما شخص واحد، ولو رجع الوردي ومن انخدع بآرائه، إلى كتب التراجم، لوجدوا كثيرين متشابهين في الكنى، والأسماء، مما جعل بعض المؤرخين يؤلفون في المتشابه من الأسماء والكنى.
وكذلك قولهم إن عمارا كان يمانيا فكل يماني يصح أن يقال له ابن سبأ: فهذا غير صحيح، فليست سبأ إلا جزءاً من بلاد اليمن قال ياقوت: <سبأ أرض اليمن مدينتها مأرب. بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاثة أيام(1). فلا يجوز أن ينسب كل يمني إلى سبأ، والعكس صحيح.
أما قولهم : إن عمارا كان شديد الحب لعلي، ويدعو له، ويحرض الناس على بيعته، فهذا لا يختص بعمار وحده، فكل الصحابة كانوا يحبون علياًً رضي الله عنه وكانوا جميعا متحابين في الله، والصحابة هم الذين بايعوا عليا رضي الله عنه بعد مقتل الشهيد عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثم إن هناك فرقا بين حب عمار لعلي رضي الله عنهما، وغلو ابن سبأ فابن سبأ هو الذي قال لعلي: أنت أنت - يعني بذلك ألوهية علي رضي الله عنه - وهو الذي لم يصدق بموته عندما نُعي إليه وهو بالمدائن، وهو الذي اعتقد رجعة علي بعد موته فأين هذا من ذاك.
أما قولهم إن عمارا رضي الله عنه ذهب إلى مصر وحرض الناس على عثمان فهذا تحريف لما جاء في كتب التاريخ، وقلب للحقائق، سيجازيهم الله تعالى عليه، فعمار رضي الله عنه لم يذهب إلى مصر لتأليب الناس على عثمان، وإنما الذي بعثه هو عثمان لاستطلاع أخبار مصر لما جاءته الأخبار بما أفسده ابن سبأ فيها.
وقد نقلت قبل قليل ما ذكره الطبري، وابن كثير، وابن الأثير، وغيرهم من المؤرخين في ذلك.(2).(2/27)
ثالثا : وهو قولهم إن إعراض المؤرخين عن ذكر ابن سبأ في حرب صفين دليل على عدم وجود ابن سبأ، فيقال لهم : المؤرخون لم يلتزموا بذكر كل تفاصيل ما جرى في الأحداث والوقائع التي ذكروها في كتبهم. هذا على افتراض مشاركة ابن سبأ في حرب صفين.
وعلى افتراض عدم مشاركته في حرب صفين هل يُعد ذلك دليلا على عدم وجوده، فيعارض به ما أثبته المؤرخون من وجود ابن سبأ، وما كان له من دور فعال في إثارة الفتنة في عهد عثمان رضي الله عنه، في اعتقادي أن ذلك لا يصلح أن يكون دليلاً يقوى على ما أثبته المؤرخون والمحققون من سنة وشيعة من وجود ابن سبأ(1). بل هناك من ذكر أن ابن سبأ قتله علي رضي الله عنه لما قال بألوهيته(2).
رابعاً: وهو زعمهم أنه لم يكن لابن سبأ وجود في الحقيقة وإنما هو شخصية وهمية انتحلها أعداء الشيعة للطعن في مذهبهم بنسبته إلى رجل يهودي.
فيقال لهم إنّ هذه دعوى لا تقوم عليها حجة، فكما أنكم ادعيتم هذا فلغيركم أيضا أن يدعي ما شاء ولكن العبرة بالحجة والدليل.
وشخصية ابن سبأ حقيقية قد أثبتها المؤرخون والمحققون من السنة والشيعة قديما ولم ينكرها أحد من الأقدمين، ولا زال أهل السنة والمنصفون من شيعة اليوم وطائفة كبيرة من المستشرقين يثبتون وجودها.
فكيف يقال بعد ذلك إنها شخصية وهمية ألصقها أعداء الشيعة بالشيعة ليطعنوا في مذهبهم .
وسأورد فيما يلي أسماء من أثبت وجود ابن سبأ من السنة والشيعة من الأقدمين والمعاصرين لإثبات حقيقة شخصية ابن سبأ واشتهارها بين العلماء والمحققين قديما وحديثا: -
أولا : المثبتون وجود ابن سبأ من علماء السنة :
1- ابن حبيب البغدادي (542 هـ).
ذكر ابن حبيب البغدادي ابن سبأ وعده من أبناء الحبشيات(1).
2- ابن قتيبة (672هـ).
ذكر السبئية وأخبر أنها تنسب إلى ابن سبأ قال: <السبئية من الرافضة ينسبون إلى عبدالله بن سبأ وكان أول من كفر من الرافضة وقال علي رب العالمين فأحرقه علي وأصحابه بالنار>(2).(2/28)
3- الطبري (013 هـ).
ذكر قصة ابن سبأ مطولة وإثارته للفتن في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه وقد سبق أن أوردت نص الطبري في ذلك فليراجع في موضعه(3).
4- الشهرستاني (845 هـ).
ذكر السبئية وقال : <أصحاب عبدالله بن سبأ الذي قال لعلي كرم الله وجهه: أنت أنت .. يعني أنت الإله فنفاه إلى المدائن>(4).
5- ابن عساكر (175 هـ).
ذكر عدة روايات عن عبد الله بن سبأ وأخباره، بعضها من طريق سيف بن عمر، وبعضها من طرق أخرى غير طريق سيف. وقد سبق أن أوردت بعضها(5).
6- ابن الأثير (036 هـ).
نقل بعض روايات الطبري عن عبد الله بن سبأ بعد حذف أسانيدها(1).
7- ابن كثير (477 هـ).
ذكر ابن سبأ ودوره في تأليب الناس على عثمان رضي الله عنه فقال: <وذكر سيف بن عمر أن سبب تألب الأحزاب على عثمان أن رجلا يقال له: عبدالله بن سبأ، كان يهوديا فأظهر الإسلام...>(2).
8- ابن جحر (258 هـ).
نقل روايات ابن عساكر في أخبار ابن سبأ ثم قال: وأخبار عبدالله ابن سبأ شهيرة في التواريخ، وليست له رواية ولله الحمد، وله أتباع يقال لهم السبئية معتقدون إلهية علي بن أبي طالب، وقد أحرقهم علي بالنار في خلافته(3). وغيرهم كثير(4).
ثانيا : المثبتون وجود ابن سبأ من علماء الشيعة :
1- الناشيء الأكبر (392 هـ).
قال: <وفرقة زعموا أن علياً عليه السلام حي لم يمت، وأنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه، وهؤلاء هم السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ، وكان عبدالله ابن سبأ رجلا من أهل صنعاء يهوديا>(1).
2- الأشعري سعد بن عبد الله القمي (103 هـ).
قال: <هذه الفرقة تسمى السبئية أصحاب عبدالله بن سبأ وهو عبدالله بن وهب الراسبي الهمداني، وساعده على ذلك عبد الله بن حرسي وابن أسود وهما من أجلة أصحابه، وكان أول من أظهر الطعن على أبي بكر، وعمر، وعثمان، والصحابة، وتبرأ منهم>(2).
3- الحسن بن موسى النوبختي (013 هـ).(2/29)
قال : (السبئية) أصحاب عبدالله بن سبأ وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم وقال ان عليا عليه السلام أمر بذلك فأخذه علي فسأله عن قوله هذا فأقر به فأمر بقتله فصاح الناس اليه ياأمير المؤمنين أتقتل رجلا يدعو الى حبكم أهل البيت وإلى ولايتك والبراءة من أعدائك فصيره الى المدائن... الى ان قال ... ولما بلغ عبد الله بن سبأ نعي(3) علي بالمدائن قال للذي نعاه: كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة وأقمت على قتله سبعين عدلاً لعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل ولا يموت حتى يملك الأرض(4) .
4- الكشي (963) هـ .
ذكر عبد الله بن سبأ ، وأورد خمس روايات يسندها الى أئمتهم، في البراءة من عبدالله بن سبأ ولعنه وذمه أورد منها :.
حدثني محمد بن قولويه : قال: حدثني سعد بن عبدالله قال: حدثنا يعقوب بن يزيد ومحمد بن عيسي عن ابن عمير عن هشام بن سالم قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول - وهو يحدث أصحابه بحديث عبدالله بن سبأ وما ادعى من الربوبية في أمير المؤمنين عليه السلام فأبى أن يتوب فأحرقه بالنار.
حدثني محمد بن قولويه : قال: حدثني سعد بن عبدالله قال: حدثنا يعقوب بن يزيد ومحمد بن عيسى عن علي بن مهزيار عن فضالة بن أيوب الأزدي عن أبان بن عثمان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لعن الله عبدالله بن سبأ انه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين عليه السلام، وكان والله أمير المؤمنين عليه السلام عبداً لله طائعاً، الويل لمن كذب علينا، وأن قوماً يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا، نبرأ إلى الله منهم، نبرأ الى الله منهم.(2/30)
وبهذا الاسناد عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير وأحمد بن محمد بن عيسي عن أبيه والحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي حمزة الثمالى قال: قال علي بن الحسين صلوات الله عليهما: لعن الله من كذب علينا إني ذكرت عبدالله بن سبأ فقامت كل شعرة في جسدي، لقد ادعى أمراً عظيما ماله لعنه الله، كان علي عليه السلام والله عبداً لله صالحاً أخا رسول الله، مانال الكرامة من الله إلا بطاعته لله ولرسوله، وما نال رسول الله صلى الله عليه وآله الكرامة من الله إلا بطاعته لله.
وبهذا الإسناد : عن محمد بن خالد الطيالسي عن ابن أبي نجران عن عبدالله (بن سنان) قال: قال أبو عبدالله عليه السلام: إنا أهل بيت صديقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا ويسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس. كان رسول الله صلى الله عليه وآله أصدق الناس لهجة وأصدق البرية كلها وكان مسيلمة يكذب عليه، وكان أمير المؤمنين عليه السلام أصدق من برأ الله بعد رسول الله وكان الذي يكذب عليه ويعمل في تكذيب صدقه ويفترى على الله الكذب عبدالله بن سبأ.
قال الكشي : وذكر بعض أهل العلم أن عبدالله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ووالى علياً عليه السلام، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصى موسى بالغلو فقال في اسلامه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله في علي عليه السلام مثل ذلك. وكان أول من أشهر القول بفرض امامة علي وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه وكفرهم، فمن هنا قال من خالف الشيعة ان أصل التشيع والرفض مأخوذ من اليهودية(1).
5- الصدوق (183 هـ).(2/31)
أورد حديثاً في صفة الدعاء، جاء فيه ذكر ابن سبأ، قال في (باب التعقيب) من (كتاب من لا يحضره الفقيه) رواية رقم (559). وقال أمير المؤمنين عليه السلام: >إذا فرغ أحدكم من الصلاة فليرفع يديه الى السماء، وينصب في الدعاء فقال ابن سبأ: ياأمير المؤمنين أليس الله عز وجل بكل مكان(1)؟ قال: بلى، قال: فلم يرفع يديه إلى السماء؟ فقال: أو ما تقرأ {وفي السماء رزقكم وما توعدون}(2) فمن أين يطلب الرزق إلا من موضعه وموضع الرزق ما وعد الله عز وجل السماء<(3).
وأورد هذه الرواية في ضمن رواية طويلة في كتاب (الخصال)(4).
6- أبو جعفر محمد بن الحسن الملقب بشيخ الطائفة المتوفى (064هـ).
ترجم شيخ الطائفة الطوسي عن حقيقة عبد الله بن سبأ في كتابه (رجال الطوسي) في باب (اصحاب علي رضي الله عنه) وقال: عبد الله بن سبأ الذي رجع الى الكفر وأظهر الغلو.
وذُكر في حاشية كتابه: (عبد الله بن سبأ - بالسين المهملة المفتوحة والباء المنقطعة تحتها نقطة - غال ملعون حرقه أمير المؤمنين علي عليه السلام بالنار، وكان يزعم ان عليا عليه السلام إله وأنه نبي. ثم ذكر رواية للكشي في عبد الله بن سبأ فقال: وقد ألفت في ترجمة عبدالله بن سبأ مؤلفات عديدة(5).
7- ابن أبي الحديد (656 هـ) .
ذكر أن ابن سبأ أول من أظهر الغلو في زمن علي رضي الله عنه قال:> وأول من جهر بالغلو في أيامه عبدالله بن سبأ، قام إليه وهو يخطب فقال له: أنت أنت، وجعل يكررها، فقال له ويلك من أنا؟ فقال: أنت الله، فأمر بأخذه، وأخذ قوم كانوا معه على رأيه<(1).
8- الحسن بن علي الحلى (627هـ) .
ذكر الحسن بن الحلي في رجاله عبدالله بن سبأ وذكره ضمن أصناف الضعفاء(2).
9- يحيى بن حمزة الزيدي (947 هـ).(2/32)
وجاء في كتاب (طوق الحمام) ليحيى بن حمزة الزيدي عن سويد بن غفلة أنه قال: مررت بقوم ينتقصون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، فأخبرت عليا كرم الله وجهه وقلت: >لولا انهم يرون انك تضمر ما أعلنوا ما أجترأوا على ذلك، منهم عبدالله بن سبأ...<(3).
10- المرتضى أحمد بن يحيى (048 هـ).
أما ابن المرتضى (أحمد بن يحىى) وهو معتزلي ينتسب لآل البيت. ومن أئمة الشيعة الزيدية فهو لا يؤكد وجود ابن سبأ فحسب، وإنما يؤكد أن أصل التشيع منسوب إليه، فهو أول من أحدث القول بالنص، وبإمامة أثنى عشر إماما(4).
11- علي القهبائي (6101هـ).
ذكر العلامة البحّاثة الرجالي علي القهبائي عبدالله بن سبأ في كتابه مجمع الرجال فقال: عبد الله بن سبأ، الذي رجع إلي الكفر وأظهر الغلو. ثم ذكر روايات الكشي منها :
عن عبدالله بن سنان قال: حدثني (هـ) أبي عن أبي جعفر عليهما السلام إن عبد الله بن سبأ كان يدعي النبوة ويزعم أن أمير المؤمنين عليه السلام هو الله تعالى عن ذلك فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام فدعاه وسأله فأقر بذلك وقال نعم أنت هو وقد كان ألقى في روعى إنك أنت الله وأني نبي فقال له أمير المؤمنين >ويلك قد سخر منك الشيطان فارجع عن هذا ثكلتك أمك وتب< فأبى فحبسه واستتابه ثلاثة أيام فلم يتب فأحرقه بالنار وقال >إن الشيطان استهواه وكان يأتيه ويلقى في روعه ذلك>(1).
12- الأردبيلي(1011هـ ) .
ذكر الأردبيلي عبدالله بن سبأ في كتابه جامع الرواة فقال عنه غال ملعون ... وإن كان يزعم ألوهية علي ونبوته(2).
13- محمد باقر المجلسي (1111هـ) .
ذكر المجلسي في (بحاره)(3) أن السبائية ممن تقول: بأن المهدي هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأنه لم يمت.(2/33)
وذكر المجلسي في كتابه بحار الأنوار في باب (الفتن الحادثة بمصر) ما رواه عن ابراهيم (الثقفي) عن رجاله عن عبدالرحمن بن جندب عن أبيه قال: دخل عمرو بن الحمق وحجر بن عدي وحبّة العرفي والحارث الأعور وعبدالله بن سبأ على أمير المؤمنين بعدما افتتحت مصر وهو مغموم حزين فقالوا له: بين لنا ما قولك في أبي بكر وعمر؟ فقال لهم علي عليه السلام: هل فرغتم لهذا؟! وهذه مصر قد أفتتحت وشيعتي بها قد قتلت، أنا مخرج إليكم كتاباً أخبركم فيه عما سألتم وأسألكم أن تحفظوا من حقي ما ضيعتم فاقرؤه على شيعتي وكونوا على الحق أعوانا(1).
ونقل العلامة محمد باقر المجلسي أيضاً في كتابه بحار الأنوار في باب (أحوال سائر أصحابه عليه السلام) رواية نقلها عن طريق الشيخ المفيد:
عن عمار الدهني قال: سمعت أبا الطفيل يقول: جاء المسيب بن نجية إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام متلبلباً(2) بعبدالله بن سبأ فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: ما شأنك؟ فقال: يكذب على الله وعلى رسوله، فقال: ما يقول؟ قال:(3) فلم أسمع مقالة المسيب وسمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول هيهات هيهات الغضب، ولكن يأتيكم راكب الدغيلة يشد حقوها بوضينها، لم يقض تفثا من حج ولا عمرة فيقتلوه. يريد بذلك الحسين بن علي عليهما السلام(4).
وروى عن زرارة أنه قال : قلت للصادق عليه السلام: إن رجلا من ولد عبدالله بن سبأ يقول بالتفويض، فقال: وما التفويض؟ قلت: ان الله تبارك وتعالى خلق محمدا وعليا صلوات الله عليهما ففوض إليهما فخلقا ورزقا وأماتا وأحييا فقال عليه السلام: كذب عدو الله إذا انصرفت اليه فاتل عليه هذه الآية التي في سورة الرعد: {أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء. وهو الواحد القهار}(1).
فانصرفت الى الرجل فأخبرته فكأني ألقمته حجرا، أو قال: فكأنما خرس(2).
14- نعمة الله الجزائري (2111 هـ) .(2/34)
يقول نعمة الله الجزائري، في كتابه الأنوار النعمانية >قال عبد الله بن سبأ لعلي عليه السلام: أنت الإله حقا. فنفاه علي عليه السلام إلى المدائن، وقيل إنه كان يهوديا فأسلم، وكان في اليهودية يقول في يوشع بن نون، وفي موسى، مثل ما قال في علي...>(3).
15- محمد باقر الخونساري (3131هـ) .
وأما محمد باقر الخونساري فقد جاء ذكر ابن سبأ عنده على لسان الصادق المصدوق الذي لعن ابن سبأ، لاتهامه بالكذب والتزوير، واذاعة الأسرار والتأويل(4).
16- ميرزا النوري الطبرسي (0231 هـ).
ذكر النوري الطبرسي في كتابه مستدرك الوسائل في باب (حكم الغلاة والقدرية) رواية عن عمار الساباطي، قال: قدم أمير المؤمنين (عليه السلام) المدائن، فنزل بايوان كسرى، وكان معه دلف بن مجير منجم كسرى فلما زال الزوال، قال لدلف: <قم معي> الى - أن قال - ثم نظر الى جمجمة نخرة، فقال لبعض أصحابه: <خذ هذه الجمجمة> وكانت مطروحة، وجاء الى الأيوان وجلس فيه، ودعا بطست وصب فيه ماء، وقال له: <دع هذه الجمجمة في الطست>، ثم قال (عليه السلام): <أقسمت عليك ياجمجمة، أخبريني من أنا؟ ومن أنت؟> فنطقت الجمجمة بلسان فصيح، وقالت: أما أنت، فأمير المؤمنين، وسيد الوصيين(1)، وأما أنا، فعبدالله وابن أمة الله كسرى أنو شيروان.
فانصرف القوم الذين كانوا معه من أهل ساباط، إلى أهاليهم، وأخبروهم بما كان وبما سمعوه من الجمجمة، فاضطربوا واختلفوا في معنى أمير المؤمنين (عليه السلام) وحضروه وقال بعضهم فيه مثل ما قال النصارى في المسيح، ومثل ما قال عبدالله بن سبأ وأصحابه. فقال له أصحابه: فإن تركتم على هذا كفر الناس، فلما سمع ذلك منهم، قال لهم: <ما تحبون ان اصنع بهم؟> قال: تحرقهم بالنار، كما أحرقت عبدالله بن سبأ وأصحابه(2).
17- المامقاني (1531هـ).(2/35)
ترجم لابن سبأ في تنقيح المقال وذكر أنه جاء ذكره في (كتاب من لا يحضره الفقيه) في (باب التعقيب) وفي (باب أصحاب أمير المؤمنين) نقل قول الصدوق: <عبد الله بن سبأ الذي رجع إلى الكفر، وأظهر الغلو> وقال: <غال ملعون، حرقه أمير المؤمنين بالنار، وكان يزعم أن عليا إله، وأنه نبي>.
ثم ذكر روايات الكشي في عبد الله بن سبأ(1).
18- محمد حسين المظفري (9631هـ).
أما محمد حسين المظفري ، وهو من الشيعة المعاصرين فإنه لا ينكر وجود ابن سبأ، وإن كان ينفي أن يكون للشيعة به أي اتصال فيقول: <وأما ما ذهب إليه بعض الكتاب، من أن أصل مذهب التشيع من بدعة عبدالله بن سبأ، المعروف بابن السوداء فهو وهم، وقلة معرفة بحقيقة مذهبهم، ومن علم منزلة هذا الرجل عند الشيعة، وبراءتهم منه، ومن أقواله وأعماله، وكلام علمائهم في الطعن فيه بلا خلاف بينهم، علم مبلغ هذا القول من الصواب>(2)،(3) .
19- شريف يحيى الأمين .
ترجم لابن سبأ في كتابه معجم الفرق الاسلامية وقال:
السَّبائِيَّة : أصحاب عبدالله بن سبأ الذي غلا في علي عليه السلام، وزعم أنه كان نبيا، ثم غلا فيه حتى زعم أنه إله، قائلا له: >أنت الاله حقا< فنفاه علي الى المدائن.
فلما قتل علي عليه السلام . قال ابن سبأ: لم يمت ولم يقتل وإنما قتل ابن ملجم شيطاناً تصور بصورة علي، وعلي في السحاب، والرعد صوته والبرق سوطه، وأنه ينزل بعد هذا الى الارض ويملؤها عدلا، وهؤلاء يقولون عند سماع الرعد: <وعليك السلام ياأمير المؤمنين>.
وقال ابن سبأ ان عليا صعد الى السماء كما صعد عيسى بن مريم عليه السلام وقال: كما كذبت اليهود والنصارى في دعواها قتل عيسى عليه السلام كذلك كذبت النواصب والخوارج، في دعواها قتل علي وإنما رأت اليهود والنصارى شخصا مصلوبا شبهوه بعيسى عليه السلام كذلك القائلون بقتل علي رضي الله عنه رأوا قتيلا يشبه عليا فظنوا أنه علي.(2/36)
وقالوا: هدينا لوحي ضل عنه الناس، وعلم خفي عليهم وزعموا ان رسول الله _ كتم تسعة أعشار الوحي، وهي أول من قالت بالتوقف والغيبة والرجعة وهي من الفرق البائدة (انظر الغلاة)(1).
20- الدكتور محمد جواد مشكور .
ذكر الدكتور محمد جواد مشكور السبائية في كتابه (موسوعة الفرق الإسلامية) وقال :
السّبائية :
وهم من غلاة الشيعة. أصحاب عبدالله بن سبأ المسمى بابن سبأ أباً، وابن السوداء أما. وينحدر من أصل يمني، من يهود صنعاء، وكان يتظاهر بالإسلام. سافر إلى الحجاز والبصرة والكوفة، وفي عصر عثمان سافر إلى دمشق، ولكن أهلها طردوه فتوجه إلى مصر. وكان من رؤوس المعارضة في الثورة التي قامت ضد عثمان. مات بعد سنة 04هـ.
كان أصحاب ابن سبأ أول من قالوا بغيبة علي - عليه السلام - ورجعته إلى الدنيا، وزعموا أنه لم يقتل ولم يمت حتى يسوق العرب بعصاه، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً(2).
21- صائب عبد الحميد :
قال : (أما الشيعة فقد رووا بالأسانيد الصحاح عن ثلاثة من الأئمة: زين العابدين والباقر والصادق (ع) انهم لعنوا عبدالله بن سبأ وأصحابه).
وقال أيضا ... فإن أراد (ابن تيمية) أن يعرف حقيقة هذا اليهودي المحترق (ابن سبأ) فعليه أن يرجع إلى كتب الشيعة وحدهم(1).
المبحث الخامس
تشابه عقائد اليهود والشيعة
من خلال الموازنة والتحقيق يتبين أن السبئية أصل تفرعت عنه فرق أخرى من فرق الضلال التي نبتت في مجتمع المسلمين، كما أن عبدالله ابن سبأ لم ينته شأنه بموته وإنما استمرت آثاره - في مجتمع المسلمين - بفعل من جاء بعده متأثراً بأفكاره، ومتشبعاً بمعتقداته(1)..(2/37)
يقول عبد الله القصيمي بعد أن تحدث عن ظاهرة الغلو في علي بن أبي طالب: <تطايرت دعاوى هذا الرجل(2) ومبتدعاته في كل جانب، ورن صداها في أركان المملكة الإسلامية رنينا مراً مزعجاً واهتزت لها قلوب، ومسامع، طربت لها قلوب ومسامع، ورددت صداها أفواه أخرى، وطال الترديد والترجيع حتى نفذت إلى قلوب رخوة لا تتماسك، فحلتها حلول العقيدة، ثم تفاعلت حتى صارت عقيدة ثابتة تراق الدماء في سبيلها ويعادى الأهل والأصحاب غضبا لها، وصارت فيما بعد معروفة بالمذهب الشيعي والعقيدة الشيعية>(3).
فها هو الكشي - أحد كبار علماء التراجم عندهم في القرن الرابع - ينقل هذا النص عن بعض علمائهم فيقول: <ذكر بعض أهل العلم أن عبدالله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ووالى عليا عليه السلام وكان يقول على يهوديته في يوشع بن نون وصي موسى بالغلو فقال في إسلامه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في علي عليه السلام مثل ذلك، وكان أول من أشهر القول بفرض إمامة علي وأظهر البراءة من أعدائه، وكاشف مخالفيه وأكفرهم فمن ههنا قال من خالف الشيعة أصل التشيع والرفض مأخوذ من اليهودية>(1).
فقد تأثرت الشيعة بدعوة عبدالله بن سبأ اليهودي وأصبح عندهم من أصول دينهم إثبات الإمامة والوصية والولاية لعلي بن أبي طالب بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم والتبرأ من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتكفيرهم والحكم بضلالهم لما فعلوه في علي بن أبي طالب وأخذوا الخلافة منه كما يزعمون.
الجانب الأول
أوجه التشابه بين عقيدتي اليهود والشيعة في الوصية
التشابه في تسمية (الوصي) :(2/38)
إن إطلاق لقب (وصي) على من يخلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تصريف شؤون المسلمين لم يعرف عند المسلمين، فمن المعلوم ان أبا بكر الصديق رضي الله عنه هو الذي تولى أمور المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولم ينقل عن أحد منهم أنه أطلق عليه لقب (وصي رسول الله) حتى من الذين قالوا بالنص على خلافته، ثم أتى بعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد كان أوصى إليه أبوبكر بالخلافة قبل وفاته، ومع هذا لم يطلق عليه لقب (وصي) بل كان يطلق عليه (خليفة خليفة رسول الله) ثم أطلق عليه فيما بعد لقب (أمير المؤمنين) وذلك للاختصار، ثم أطلق هذا اللقب على عثمان رضي الله عنه، ولم يوجد أحد من المسلمين أطلق لقب (وصي) على أحد من الخلفاء الأربعة، إلا ما كان من ابن سبأ وممن غرر بهم من عوام الناس، عندما أحدث القول بالوصية، وزعم أن عليا وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وكان ذلك في زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه فبهذا يتضح أن أصل لقب (وصي) يهودي صرف، انتقل إلى الشيعة عن طريق ابن سبأ(1).
الجانب الثاني
اتفاق اليهود والشيعة على وجوب تنصيب وصي
- عند اليهود :
جاء في سفر العدد : <فكلم الرب موسى قائلا: ليوكل الرب إله أرواح جميع البشر رجلا على الجماعة، يخرج أمامهم، ويدخل أمامهم ويخرجهم ويدخلهم لكيلا تكون جماعة الرب كالغنم التي لا راعي لها، فقال الرب لموسى: خذ يوشع بن نون رجلا فيه روح، وضع يدك عليه، وأوقفه قدام العازار الكاهن، وقدام كل الجماعة، وأوصه أمام أعينهم... ففعل موسى كما أمره الرب، أخذ يوشع وأوقفه قدام العازار الكاهن وقدام كل الجماعة، ووضع يده عليه وأوصاه كما تكلم الرب عن يد موسى>(1).
- عند الشيعة :(2/39)
فقد أورد الصفار في كتابه (بصائر الدرجات) بابا كاملا في هذا المعنى، عنون له بقوله (باب إن الأرض لا تبقى بغير إمام ولو بقيت لساخت) ومما أورد تحته من الروايات، ما رواه عن أبي جعفر قال: (لو أن الإمام رفع من الأرض ساعة، لساخت بأهلها كما يموج البحر بأهله)(2).
الجانب الثالث
اتفاق اليهود والشيعة
على أن الله تعالى هو الذي يتولى تعيين الوصي وليس للنبي اختيار وصيه من بعده
- عند اليهود:
>قال الرب لموسى هو ذا أيامك قد قربت لكي تموت ادع يشوع وقِفَا في خيمة الاجتماع لكي أوصيه، فانطلق موسى ويشوع ووقفا في الخيمة، فتراءى الرب في الخيمة في عمود السحاب، ووقف عمود السحاب على باب الخيمة: وقال الرب لموسى: ها أنت ترقد مع آبائك.. وأوصِ يشوع ابن نون، وأنا أكون معك>(1).
- عند الشيعة:
جاء في كتاب بصائر الدرجات: عن أبي عبدالله عليه السلام قال: <عرج بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء مائة وعشرين مرة، ما من مرة إلا وقد أوصى الله النبي صلى الله عليه وآله وسلم بولاية علي والأئمة من بعده، أكثر مما أوصاه بالفرائض>(2).
وعن أبي عبد الله الصادق (ع) قال ليلة أسري بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وانتهى إلى حيث أراد الله تبارك وتعالى ناجاه ربه جل جلاله فلما أن هبط النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء الرابعة ناداه ربه يامحمد. فقال: لبيك ربي(3)، قال: من اخترت من أمتك يكون من بعدك لك خليفة؟ قال: اختر لي ذلك فتكون أنت المختار لي، فقال: اخترت لك خيرتك علي بن أبي طالب(4).
الجانب الرابع
اتفاقهم على أن الله يكلم الأوصياء ويوحي إليهم
- عند اليهود:
جاء في سفر يشوع ما يؤيد هذا، وأن الله خاطب يشوع بعد موت موسى: <وكان بعد موت موسى عبدالرب، إن الرب كلم يشوع بن نون خادم موسى قائلا: موسى عبدي قد مات، فالآن قم اعبر هذا الأردن>(1).
- عند الشيعة:(2/40)
روى المفيد عن حمران بن أعين قال: <قلت لأبي عبدالله عليه السلام: بلغني أن الرب تبارك وتعالى قد ناجى عليا عليه السلام، فقال أجل قد كانت بينهما مناجاة بالطائف نزل بينهما جبريل>(2).
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: <إن الله ناجى عليا يوم الطائف ويوم عقبة تبوك، ويوم خيبر>(3).
الجانب الخامس
الوصي بمنزلة النبي عند اليهود والشيعة
- عند اليهود :
جاء في سفر يشوع : إن الله أعطى ليشوع هبة عظيمة في نفوس بني إسرائيل مثلما كان لموسى <فقال الرب ليشوع اليوم ابتدىء، أعظمك في أعين جميع إسرائيل، لكي يعلموا أني كما كنت مع موسى أكون معك>(1).
وفي نص آخر : <وفي ذلك اليوم عظم الرب يشوع في أعين جميع إسرائيل فهابوه كما هابوا موسى كل أيام حياته>(2).
- عند الشيعة :
جاء في الكافي عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: <الأئمة بمنزلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أنهم ليسوا بأنبياء، ولا يحل لهم من النساء ما يحل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فأما ما خلا ذلك فهم فيه بمنزلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم >(3).
بل زاد غلوهم في علي رضي الله عنه <حتى جعلوا طلاق نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيده، فمن طلقها في الدنيا بانت منه في الآخرة> .
عن الباقر (ع) أنه قال : لما كان يوم الجمل وقد رشق هودج عائشة بالنبل قال أمير المؤمنين (ع) : والله ما أراني إلا مطلقها فأنشد الله رجلاً سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: <ياعلي أمر نسائي بيدك من بعدي> لما قام فشهد؟ فقال: فقام ثلاث عشر رجلاً فيهم بدريان فشهدوا: أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لعلي بن أبي طالب (ع): <ياعلي أمر نسائي بيدك من بعدي>(1).(2/41)
وذكر أبي الفضل بن شاذان في كتابه الفضائل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: <أنت ياعلي خليفتي على نسائي وأهلي وطلاقهن بيدك>(2).
ولا يكفي هذا الغلو في الأوصياء بل جعلوا الأئمة أعلم وأفضل من الأنبياء وأولي العزم لما أثبته محمد باقر المجلسي في أبواب كتابه بحار الأنوار:
-باب : إنهم أعلم من الأنبياء عليهم السلام(3).
- باب : تفضيلهم عليهم السلام على الأنبياء، وعلى جميع الخلق، وأخذ ميثاقهم عنهم وعن الملائكة وعن سائر الخلق، وأَنَّ أولي العزم إنما صاروا أولي العزم بحبهم صلوات الله عليهم(4).
الجانب السادس
حصر اليهود الملك في آل داود
وحصر الشيعة الإمامة في ولد الحسين
- عند اليهود :
يحصر اليهود الملك في آل داود، ويرون أنه لا يجوز أن يخرج الملك منهم إلى غيرهم إلى يوم القيامة.
جاء في سفر أرميا <لأنه هكذا قال الرب لا ينقطع لداود إنسان يجلس على عرش بيت إسرائيل>(1).
وفي سفر الملوك الأول : < ويكون لداود ونسله وبيته وكرسيه سلام إلى الأبد من عند الرب>(2).
وفي الملوك الأول أيضا : <والملك سليمان يبارك وكرسي داود يكون ثابتا أمام الرب إلى الأبد>(3).
- عند الشيعة :
يحصر الشيعة الإمامة في ولد الحسين ويرون أنها لا تخرج عنهم إلى يوم القيامة.
فقد جاء في كتاب علل الشرائع وغيره: عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال: <إن الله خص عليا بوصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم وصية الحسن وتسليم الحسين ذلك، حتى أفضى الأمر إلى الحسين لا ينازعه فيه أحد من السابقة مثل ماله، واستحقها علي بن الحسين< لقول الله عز وجل {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله}(1) فلا تكون بعد علي ابن الحسين إلا في الأعقاب، وفي أعقاب الأعقاب>(2).(2/42)
وقد نقل إجماع علماء الشيعة على ذلك شيخهم المفيد فقال: <اتفقت الإمامية على أن الإمامة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بني هاشم خاصة، ثم في علي والحسن والحسين، ومن بعد في ولد الحسين دون الحسن عليه السلام إلى آخر العالم>(3).
الجانب السابع
جعل اليهود الملك في ولد هارون دون ولد موسى
وجعل الشيعة الإمامة في ولد الحسين دون ولد الحسن
- عند اليهود :
جاء في سفر الخروج إن الله خاطب موسى قائلا: <وقرب إليك هارون أخاك وبنيه معه من بين بني إسرائيل ليكهن لي>(1).
- عند الشيعة :
روى الصدوق عن هشام بن سالم قال: <قلت للصادق جعفر بن محمد عليهما السلام: الحسن أفضل أم الحسين؟ فقال: الحسن أفضل من الحسين. قلت: فكيف صارت الإمامة من بعد الحسين في عقبه دون ولد الحسن؟
فقال : إن الله تبارك وتعالى أحب أن يجعل سنة موسى وهارون جارية في الحسن والحسين عليهما السلام، ألا ترى أنهما كانا شريكين في النبوة، كما كان الحسن والحسين شريكين في الإمامة، وإن الله عز وجل جعل النبوة في ولد هارون ولم يجعلها في ولد موسى، وإن كان موسى أفضل من هارون عليهما السلام>(2).
الجانب الثامن
بناء هيكل سليمان عند اليهود
وحمل سلاح الرسول عند الشيعة
- عند اليهود :
جاء في سفر صموئيل الثاني أن الله تعالى خاطب داود بقوله: <متى كملت أيامك واضطجعت مع آبائك، أقيم بعدك نسلك الذي يخرج من أحشائك وأثبت مملكته هو يبني بيتا لاسمى وأنا أثبت كرسي مملكته إلى الأبد>(1).
- عند الشيعة :
ويشترط الشيعة لصحة إمامة أئمتهم أن يحملوا سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهم يشبهون السلاح فيهم بالتابوت في بني اسرائيل.
فقد روى الكليني في كافيه عن أبي عبدالله أنه قال: <إنما مثل السلاح فينا مثل التابوت في بني إسرائيل، كانت بنو إسرائيل أي أهل بيت وُجِدَ التابوت على بابهم أوتوا النبوة فمن صار إليه السلاح منا أوتي الإمامة>(2).
الجانب التاسع(2/43)
انقطاع الملك والإمامة عند اليهود والشيعة
انقطاع ملك آل داود من بني إسرائيل والذي زعم اليهود أنه لا ينقطع إلى يوم القيامة منذ زمن بعيد جدا.
وكذلك انقطاع إمامة ولد الحسين، بل إنه لا الحسين ولا أبناؤه تولوا إمارة المسلمين في يوم من الأيام.
وهذا مما يدل على كذب اليهود والشيعة وافترائهم على الله تعالى، الذين نسبوا إليه بأنه وعدهم باستمرار الملك والإمامة فيمن زعموا، إذ لو وعد الله بذلك لوفى بوعده، فالله لا يخلف وعده، قال تعالى {وعد الله لا يخلف الله وعده، ولكن أكثر الناس لا يعلمون}(1).
الجانب العاشر
حصر اليهود والشيعة لأسباطهم وأئمتهم
يستدل الشيعة الإمامية لحصرهم الأئمة في اثني عشر إماما بمشابهتهم لعدد أسباط بني إسرائيل يقول الأربلي: <إن الله عز وجل قال في كتابه: {ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثنى عشر نقيباً}(1). فجعل عدة القائمين بذلك الأمر اثني عشر، فتكون عدة الأئمة القائمين بهذا كذلك>.
فهذه بعض أوجه التشابه بين اليهود والشيعة في هذه العقيدة بعضها استنبطته عن طريق المقارنة بين نصوص الفريقين، وبعضها صرح الشيعة بتشبههم واقتدائهم باليهود فيها.
وهم إذ يصرحون بهذا يعلنون انتسابهم إلى اليهود لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : <من تشبه بقوم فهو منهم>(2).
وإلا فأي معنى لتشبثهم بنصوص أسفار اليهود، والتي يعلم اليهود قبل غيرهم بتحريفها وتبديلها، وإعراضهم عن نصوص القرآن الكريم الذي وعد الله بحفظه من التبديل والتحريف، وعلم العدو والصديق أنه من الله تعالى فأي معنى لفعلهم هذا غير انتسابهم لدين اليهود وبراءتهم من دين المسلمين(3).
غلو اليهود والشيعة في الأنبياء والأوصياء
ومن أبرز أوجه المشابه بين اليهود والشيعة الغلو في الأنبياء والأوصياء والصالحين.(2/44)
فأما موقف اليهود فإنهم يغلون في بعض الأنبياء وفي بعض الأحبار ويتخذونهم آلهة وأربابا، ويعبدونهم بأنواع العبادات، ويذلون لهم أعظم الذل.
وكذلك الشيعة فإنهم غلوا في أئمتهم وجعلوا لهم منزلة تضاهي منزلة رب العالمين.
إعطاء الأنبياء والأوصياء مقام العبودية
- غلو اليهود :
جاءت شواهد عديدة في كتاب التلمود من أسفار اليهود المقدسة أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي :
جاء في سفر الخروج : <فقال الرب لموسى انظر أنا جعلتك إلها لفرعون وهارون أخوك يكون نبيك>(1).
واليهود في هذا النص جاوزوا بموسى قدره وهو مقام العبودية إلى مقام الألوهية.
- غلو الشيعة :
غلت الشيعة في علي بن أبي طالب رضي الله عنه حتى ادعوا فيه الربوبية كما ذكر ذلك العلامة محمد باقر المجلسي في كتابه بحار الأنوار فقال: <وجاء في تفسير باطن أهل البيت في تأويل قوله تعالى: {قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد الى ربه فيعذبه عذابا نكراً} (1). قال: >هو يرد إلى أمير المؤمنين عليه السلام فيعذبه عذابا نكراً حتى يقول: {ياليتني كنت ترابا}(2) أي من شيعة أبي تراب.
وقال معلقا على هذه الرواية: <يمكن أن يكون الرد إلى الرب أريد به الرد إلى من قرره الله لحساب الخلائق يوم القيامة وهذا مجاز شايع، أو المراد بالرب أمير المؤمنين عليه السلام لأنه الذي جعل الله تربية الخلق في العلم والكمالات إليه، وهو صاحبهم والحاكم عليهم في الدنيا والآخرة>(3).
وجاء في أخبارهم أن علياً - كما يفترون عليه - قال: أنا رب الأرض الذي تسكن الأرض به(4).
فانظر إلى هذا التطاول والغلو .. فهل رب الأرض إلا الواحد القهار وهل يمسك السموات والأرض إلا خالقهما سبحانه ومبدعهما.
{ إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده}(5).
عن المفضل بن عمر أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول في قوله: {وأشرق الأرض بنور ربها} قال: رب الأرض يعني إمام الأرض(1).(2/45)
وفي قوله سبحانه : {ولا يشرك بعبادة ربه أحدا}(2) جاء في تفسير العياشي: يعني التسليم لعلي رضي الله عنه ولا يشرك معه في الخلافة من ليس له ذلك ولا هو من أهله(3)، وبنحو ذلك جاء تأويلها عند القمي في تفسيره(4).
ولا تظن أن هذا التأويل من باب أن رب تأتي في اللغة بمعنى صاحب، أو سيد، إذ إن هذه الآيات نص في الرب سبحانه لا يحتمل سواه، فالإضافة عرفته وخصصته خاصة مع ذكر العبادة.
وقد قال أئمة اللغة : إن الرب إذا دخلت عليه أل لا يطلق إلا على الله سبحانه(5)،(6).
جعل أسماء الأنبياء والأوصياء
كأسماء الله تبارك وتعالى
- غلو اليهود :
غلت اليهود في النبي دانيال حتى إنهم زعموا أن الله قد حل فيه، كما جاء في كلام بختنصر الذي خاطب به شعوب الأرض <أخيرا دخل قدامي دانيال الذي اسمه (بلطشاصر) كاسم إلهي والذي فيه رؤى الألهة القدسيين، فقصصت الحلم قدامه: يابلطشاصر كبير المجوس من حيث إني أعلم أن فيك روح الألهة القدوسيين، ولا يعسر عليك سر فأخبرني برؤى حلمي الذي رأيته وتبصيره>(1).
- غلو الشيعة :
غلت الشيعة في أئمتهم حتى جعلوا أسماءهم كأسماء الله تبارك وتعالى.
فقد روى محسن الكاشاني في كتابه علم اليقين روايات تثبت الغلو في أوصيائهم عن طريق إمامهم أبي جعفر من حديث خويلد وفيه :
> نحن والله الأوصياء الخلفاء من بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ونحن المثاني الذي أعطاه الله عز وجل نبينا. ونحن شجرة النبوة، ومنبت الرحمة ومعدن الحكمة، ومصابيح العلم، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، وموضع سر الله ووديعة الله جل اسمه في عباده، وحرم الله الأكبر، وعهده المسئول عنه، فمن وفى عهدنا فقد وفى عهد الله، ومن خفر فقد خفر ذمة الله وعهده، عرفنا من عرفنا وجهلنا من جهلنا، نحن الأسماء الحسنى الذي لا يقبل الله من العباد عملا إلا بمعرفتنا، ونحن والله الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه>(1).(2/46)
وروى الكليني في أصول الكافي عن أبي عبدالله عليه السلام عن قول الله عز وجل {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}(2). قال : نحن والله الأسماء الحسنى التي لا يقبل الله من العباد عملا إلا بمعرفتنا(3).
وفي بصائر الدرجات عن هشام بن أبي عمار قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: <أنا عين الله وأنا يد الله، وأنا جنب الله، وأنا باب الله>(4).
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: <أنا علم الله وأنا قلب الله الواعي، ولسان الله الناطق، وعين الله الناظر، وأنا جنب الله، وأنا يد الله>(5).
ادعاء اليهود لأنبيائهم وأوصيائهم علم الغيب وكذا الشيعة
- غلو اليهود :
غلت اليهود في بعض أنبيائهم عندما زعموا أنهم يعلمون بعض الأمور الغيبية كزعمهم أن إيليا كان يعلم متى ينزل المطر.
جاء في سفر الملوك الأول : <وقال إيليا لأخآب اصعد كل واشرب لأنه حس دوي مطر، فصعد أخآب ليأكل ويشرب، وأما إيليا فصعد إلى رأس الكرمل وخر إلى الأرض وجعل وجهه بين ركبتيه، وقال لغلامه اصعد تطلع نحو البحر، فصعد وتطلع وقال ليس شيء. وقال: ارجع سبع مرات وفي المرة السابعة قال: هو ذا غيمة صغيرة قدر كف إنسان صاعدة من البحر، فقال: اصعد قل لأخآب اشدد وانزل لئلا يمنعن المطر وكان من هنا إلى هنا أن السماء أسودت من الغيم والريح وكان مطر عظيم>(1).
وهذا النص يفيد أن إيليا علم نزول المطر قبل أن تظهر علاماته بل إن السماء كانت صافية، كما أخبر بذلك خادمه الذي ذهب ليتطلع المطر، ومعلوم أن نزول المطر من الأمور الغيبية التي اختص الله بعلمها، ودعوى اليهود هذه في إيليا إنما كانت لاعتقادهم أن أنبياءهم يعلمون بعض الأمور الغيبية(2).
- غلو الشيعة :(2/47)
غلت الشيعة في أئمتهم حتى رفعوهم فوق البشر وأطلقوا عليهم من الصفات ما لم تثبت لأحد، بل هي مما اختص به رب العالمين دون سائر المخلوقين، ومن هذه الصفات التي يطلقونها على أئمتهم: ادعاؤهم أنهم يعلمون الغيب وأنهم لا يخفى عليهم شيء في السموات ولا في الأرض، وأنهم يعلمون ما كان وما سيكون إلى قيام الساعة.
جاء في بحار الأنوار عن الصادق عليه السلام أنه قال: <والله لقد أعطينا علم الأولين والآخرين فقال له رجل من أصحابه: جعلت فداك أعندكم علم الغيب؟ فقال له: ويحك إني لأعلم ما في أصلاب الرجال وأرحام النساء، ويحكم وسعوا صدوركم، ولتبصر أعينكم، ولتع قلوبكم، فنحن حجة الله تعالى في خلقه ولن يسع ذلك إلا صدر كل مؤمن قوي قوته كقوة جبال تهامة إلا بإذن الله، والله لو أردت أن أحصي لكم كل حصاة عليها لأخبرتكم، وما من يوم وليلة إلا والحصى تلد إيلادا، كما يلد هذا الخلق، والله لتتباغضون بعدي حتى يأكل بعضكم بعضا>(1).
وعن سيف التمار قال: كنا مع أبي عبدالله عليه السلام فقال: <ورب الكعبة ورب البنية(2) - ثلاث مرات - لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما أني أعلم منهما لأنبأتهما بما ليس في أيديهما، لأن موسى والخضر أعطيا علم ما كان ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتى تقوم الساعة، وقد ورثناه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وراثة>(3).
أولياء اليهود والشيعة أفضل من الأنبياء
- غلو اليهود :
غلت اليهود في الحاخامات حتى روي في كتبهم أن أقوال الحاخامات أفضل من أقوال الأنبياء.
فقد جاء في التلمود : <اعلم أن أقوال الحاخامات أفضل من أقوال الأنبياء وزيادة على ذلك يلزمك اعتبار أقوال الحاخامات مثل الشريعة لأن أقوالهم هي قول الله الحي>(1).
وجاء في التلمود : <التفت يابني إلى أقوال الحاخامات أكثر من التفاتك إلى شريعة موسى>(2).(2/48)
وفيه : < إن من درس التوراة فعل فضيلة لا يستحق المكافأة عليها، ومن درس (المشنا) فعل فضيلة استحق عليها أن يكافأ عليها، ومن درس الغامارا(3) فعل أعظم فضيلة>(4).
وفيه أيضا : < من احتقر أقوال الحاخامات استحق الموت دون من احتقر أقوال التوراة، ولا خلاص لمن ترك تعاليم التلمود واشتغل بالتوراة فقط، لأن أقوال علماء التلمود أفضل مما جاء في شريعة موسى>(5)،(6).
- غلو الشيعة :
غلت الشيعة في أئمتهم حتى جعلوا منزلتهم أفضل من منزلة الأنبياء اتفاقا مع عقيدة اليهود.
فقد قال إمامهم المعاصر وآيتهم العظمى الخميني: <فإن للإمام مقاماً محمودا، ودرجة سامية، وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون. وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل>(1). ومعلوم دخول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا العموم .
ولم يكتف الشيعة بهذا بل تمادوا أكثر من ذلك عندما زعموا أن علي بن أبي طالب كان له من الفضائل ما لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
روى المجلسي في بحاره فيما نسبه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: <أعطيت ثلاثا وعلي مشاركي فيها، وأعطي علي ثلاثة ولم أشاركه فيها فقيل يارسول الله: وما الثلاثة التي شاركك فيها علي؟ قال: لواء الحمد لي وعلي حامله، والكوثر لي وعلي ساقيه، والجنة والنار لي وعلى قسيمهما. وأما الثلاث التي أعطي علي ولم أشاركه فيها فإنه أعطي شجاعة ولم أعط مثلها، وأعطى فاطمة الزهراء زوجة ولم أعط مثلها(2)، وأعطى الحسن والحسين ولم أعط مثلهما>(3).(2/49)
فهذه الرواية ظاهرة في تفضيلهم عليا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل إنهم تحقيقا لهذا الهدف وهو إظهار أفضلية علي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يتورعوا عن وصفهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجبن - حاشاه ذلك - عندما زعموا أنه قال (وأعطي شجاعة ولم أُعط مثلها) جازاهم الله على كل ما قالوا وافتروا على رسوله إنه سميع مجيب.
ومما يؤكد اعتقادهم أفضلية علي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم مارواه الصدوق في أماليه ونسبه ظلما وبهتانا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: <علي بن أبي طالب خير البشر ومن أبى فقد كفر>(1) فهذا دليل آخر على تفضيلهم عليا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم . فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم بشر وأنه تحت عموم البشر الذي حكموا بأفضلية علي رضي الله عنه عليهم.
ويقول نعمة الله الجزائري في الأنوار النعمانية مبينا رأي الإمامية في المفاضلة بين الأنبياء والأئمة: <اعلم أنه لا خلاف بين أصحابنا رضوان الله عليهم في أشرفية نبينا صلى الله عليه وآله وسلم على سائر الأنبياء عليهم السلام للأخبار المتواترة وإنما الخلاف بينهم في أفضلية أمير المؤمنين والأئمة الطاهرين عليهم السلام، على الأنبياء ماعدا جدهم. فذهب جماعة: إلى أنهم أفضل من باقي الأنبياء ما خلا أولي العزم فإنهم أفضل من الأئمة عليهم السلام، وبعضهم إلى المساواة، وأكثر المتأخرين الى أفضلية الأئمة عليهم السلام على أولى العزم وغيرهم، وهو الصواب>(2).
وقول الجزائري <ماعدا جدهم> ليس إلا خداعا ونفاقا وإلا فهم يرون أن الأئمة مساوون للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في الفضل.
وقد دل على ذلك ما ذكره المجلسي في كتابه بحار الأنوار باب (إنه جرى لهم من الفضل والطاعة ما جرى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإنهم في الفضل سواء)(1).
إحياء الموتى عند اليهود والشيعة
- غلو اليهود :(2/50)
يعتقد اليهود في حاخاماتهم أنهم يستطيعون ارجاع الحياة للأموات من الإنسان والحيوان.
جاء في التلمود : <إن أحد الحاخامات قتل حاخاما آخر في حالة سكر ثم أتى بمعجزة فأعاد الحاخام القتيل إلى الحياة>(1).
وجاء في التلمود أيضا : <إن أحد مؤسسي المذهب التلمودي اليهودي بمقدوره أن يحيي الإنسان بالسحر بعد قتله، وقد كان في كل ليلة يخلق عجلا ابن ثلاث سنوات بمساعدة أحد الربانيين ويأكلانه معا>(2).
وجاء < أن بعض الربانيين المنتمين للمذهب التلمودي يملكون حجراً يستطيعون بقوته إعادة الحياة إلى الذين ماتوا>(3) .
وقد بالغ مؤلفو التلمود أكثر من هذا عندما زعموا أن الربانيين يستطيعون أن يخلقوا من المياه عقارب، وأن بمقدرتهم أن يحولوا بني الإنسان إلى حيوان فقد جاء في التلمود: <إن أحد الربانيين ويدعى (جاني) عرف أنه يقلب المياه إلى عقارب، بل إنه في أحد الأيام حول امرأة الى حمار يركبه في نزهاته>(4)،(5) .
- غلو الشيعة :
يزعم الشيعة أن لأئمتهم المقدرة على إعادة الحياة لمن شاءوا من الأموات سواء كان من الإنسان أو الحيوان .
جاء في كتاب بصائر الدرجات في باب (إن الأئمة عليهم السلام أحيوا الموتى بإذن الله تعالى): عدة روايات تؤيد هذا المعنى أختار منها:
ما نسب إلى أبي عبد الله أنه قال: <إن أمير المؤمنين عليا عليه السلام كانت له خؤلة في بني مخزوم وإن شابا منهم أتاه فقال: ياخالي إن أخي وابن أبي مات وقد حزنت عليه حزنا شديدا، قال تشتهي أن تراه؟ قال: نعم. قال: فأرني قبره فخرج ومعه برد(1) رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المستجاب فلما انتهى إلى القبر تلملمت شفتاه ثم ركضه برجله فخرج من قبره وهو يقول (رميكا) بلسان الفرس فقال له علي عليه السلام ألم تمت وأنت رجل من العرب؟ قال: بلى ولكنا متنا على سنة فلان(2) فانقلبت ألسنتنا>(3).(2/51)
ويروي المجلسي في البحار عن سعد القمي قال: قال أبو الفضل بن دكين حدثني محمد بن راشد عن أبيه عن جده قال: <سألت جعفر بن محمد عليهما السلام علامة، فقال: سلني ما شئت أخبرك إن شاء الله فقلت: أخاً لي بات في هذه المقابر فتأمره أن يجيئني قال: فما كان اسمه؟ قلت: أحمد، قال: ياأحمد قم بإذن الله وبإذن جعفر بن محمد فقام والله وهو يقول: أتيته<(4).
أما إحياء الأئمة للحيوانات :
فيروي المجلسي في البحار أيضا عن المفضل بن عمر قال: <كنت أمشي مع أبي عبدالله جعفر بن محمد عليهما السلام بمكة أو بمنى إذ مررنا بامرأة بين يديها بقرة ميتة وهي مع صبية لها تبكيان فقال عليه السلام : ما شأنك؟ قالت: كنت وصباياي نعيش من هذه البقرة، وقد ماتت، لقد تحيرت في أمري، قال: أفتحبين أن يحييها الله لك؟ قالت: أو تسخر مني مع مصيبتي. قال: كلا ما أردت ذلك، ثم دعا بدعاء، ثم ركضها برجله وصاح بها فقامت البقرة مسرعة سوية، قالت: عيسى ابن مريم ورب الكعبة، فدخل الصادق عليه السلام بين الناس، فلم تعرفه المرأة>(1).
وعن يونس بن ظبيان قال : < كنت عند الصادق عليه السلام مع جماعة فقلت قول الله لإبراهيم {فخذ أربعة من الطير فصرهن}(2) أكانت أربعة من أجناس مختلفة، أو من جنس؟ قال أتحبون أن أريكم مثله؟ قلنا: بلى قال: ياطاووس فإذا طاووس طار إلى حضرته، ثم قال: ياغراب فإذا غراب بين يديه، ثم قال: يابازي فإذا بازي بين يديه، ثم قال: ياحمامة فإذا حمامة بين يديه، ثم أمر بذبحها كلها وتقطيعها ونتف ريشها، وأن يخلط ذلك كله بعضه ببعض ثم أخذ برأس الطاووس فرأينا لحمه وعظامه وريشه يتميز من غيرها حتى ألصق ذلك كله برأسه وقام الطاووس بين يديه حيا، ثم صاح بالغراب كذلك، وبالبازي والحمامة كذلك، فقامت كلها أحياء بين يديه>(3).
أقوال أئمة اليهود وأئمة الشيعة كقول الله
- غلو اليهود :(2/52)
جاء في كتاب أحد الحاخامات : <إن من يقرأ التوراة بدون المشنا والغامارا فليس له إله>(1).
وقد بلغ الغلو في طاعة حاخاماتهم طاعة عمياء.
فقد جاء في التلمود: <إن أقوالهم هي قول الله الحي، فإذا قال لك الحاخام ان يدك اليمني هي اليسرى وبالعكس فصدق قوله ولا تجادل، فما بالك إذا قال لك إن اليمنى هي اليمنى واليسرى هي اليسرى>(2).
وفي نص آخر من نصوص التلمود: < إن كل كلمات الربانيين في كل عصر ومصر هي كلمات الله ، ولذلك تكون أعظم من كلمات الأنبياء ولو كانت متناقضة ومتنافرة ومن يسخر منها، ويقارع صاحبها ويتأفف منها يرتكب إثما عظيما، كما لو سخر من الله وقارعه وتأفف منه>(3).
- غلو الشيعة :
قال آيتهم الخميني عن تعاليم الأئمة: <إن تعاليم الأئمة كتعاليم القرآن لا تخص جيلا خاصا، وإنما هي تعاليم للجميع في كل عصر ومصر، وإلى يوم القيامة يجب تنفيذها واتباعها>(1).
ويقول محمد رضا المظفر أيضا: < بل نعتقد أن أمرهم أمر الله تعالى، ونهيهم نهيه، وطاعتهم طاعته، ومعصيتهم معصيته، ووليهم وليه، وعدوهم عدوه، ولا يجوز الرد عليهم، والراد عليهم كالراد على رسول الله، والراد على الرسول كالراد على الله تعالى>(2).
ادعاء اليهود والشيعة العصمة في أنبيائهم وأوصيائهم
- غلو اليهود :
غلت اليهود في حاخاماتهم حتى ادعو فيهم العصمة من السهو والنسيان.
يقول الحاخام (روسكي) - أحد كتبة التلمود معلقا على خلاف وقع بين الحاخامين - <إن الحاخامين المذكورين قالا الحق لأن الله جعل الحاخامات معصومين من الخطأ>(1).
وليس هذا فقط ، بل حتى الحيوانات التي يستخدمها الحاخامات تكون معصومة.
كما جاء في التلمود <إن حمار الحاخام لا يمكن أن يأكل شيئا محرماًً>(2).
- غلو الشيعة :(2/53)
قال شيخهم المفيد : <إن الأئمة القائمين مقام الأنبياء في تنفيذ الأحكام، وإقامة الحدود، وحفظ الشرائع، وتأديب الأنام، معصومون كعصمة الأنبياء، وأنهم لا يجوز منهم صغيرة إلا ما قدمت ذكر جوازه على الأنبياء، وأنه لا يجوز منهم سهو في شيء في الدين ولا ينسون شيئا من الأحكام، وعلى هذا مذهب سائر الإمامية إلا من شذ منهم وتعلق بظواهر روايات لها تأويلات على خلاف ظنه الفاسد من هذا الباب>(3).
وقال محمد رضا المظفر : <ونعتقد أن الإمام كالنبي، يجب أن يكون معصوما من جميع الرذائل والفواحش، ما ظهر منها وما بطن، من سن الطفولة إلى الموت عمدا وسهوا، كما يجب أن يكون معصوما من السهو والخطأ والنسيان>(1).
أولياء اليهود وأولياء الشيعة
يحكمون بين الخلق في الدنيا والآخرة
- غلو اليهود :
وقد بلغ غلو اليهود في الحاخامات حتى زعموا أن الله تعالى يستشيرهم في حل بعض المشاكل، وأن الحاخامات يُعَلِّمون الملائكة في السماء .
كما جاء في التلمود <إن الله يستشير الحاخامات على الأرض عندما توجد مسألة معضلة لا يمكن حلها في السماء(1).
وفيه أيضا < إن الله في الليل يدرس التلمود>(2). تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
وفي نص آخر : <إن الربانيين المائتين يعلمون أهل السماء الأبرار>(3).
- غلو الشيعة :
من الاعتقادات التي غلت فيها الشيعة في أئمتهم أن الأئمة يُعِّلمون الملائكة التوحيد وذكر الله.(2/54)
فقد روى الصدوق في كتابه (علل الشرائع) فيما افتراه على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعلي: <إن الله تبارك وتعالى فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين، وفُضِّلتُ على جميع النبيين والمرسلين، والفضل بعدي لك ياعلي وللأئمة من بعدك، وإن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا.. ياعلي لولا نحن ما خلق الله آدم ولا حواء ولا الجنة ولا النار ولا السماء ولا الأرض، وكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى التوحيد ومعرفة ربنا عز وجل، وتسبيحه، وتقديسه، وتهليله، لأن أول ما خلق الله تعالى أرواحنا فأنطقنا بتوحيده وتمجيده، ثم خلق الملائكة فلما شاهدوا أرواحنا نورا واحدا استعظموا أمورنا فسبحنا لتعلم الملائكة أنا مخلوقون، وأنه منزه عن صفاتنا، فسبحت الملائكة لتسبيحنا ونزهته عن صفاتنا.. فبنا اهتدوا إلى معرفة الله وتوحيد الله وتسبيحه وتهليله وتحميده وتمجيده>(1).
وزعم سليم بن قيس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي: <ياعلي أنت علم الله بعدي الأكبر في الأرض، وأنت الركن الأكبر في القيادة فمن استظل بفيئك كان فائزا، لأن حساب الخلائق إليك، ومآبهم إليك، والميزان ميزانك والصراط صراطك، والموقف موقفك، والحساب حسابك فمن ركن إليك نجا ومن خالفك هوى وهلك، اللهم اشهد، اللهم اشهد>(2).
وفي كتاب سليم بن قيس أيضا :
إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: <علي ديان هذه الأمة والشاهد عليها والمتولي حسابها>(1).
وقد افترى شيخهم المفيد على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: <أتيت فاطمة صلوات الله عليها فقلت لها: أين بعلك؟ فقالت: عرج به جبريل عليه السلام إلى السماء، فقلت: فيماذا؟ فقالت: إن نفراً من الملائكة تشاجروا في شيء، فسألوا حكماً من الآدميين فأوحى الله تعالى أن تخيروا، فاختاروا علي بن أبي طالب>(2) .
تشابه عقيدة اليهود والشيعة بدابة الأرض(2/55)
ومن أغرب ما جاء في كتب الشيعة من غلوهم في علي رضي الله عنه زعمهم أنه دابة الأرض ولهم في ذلك روايات كثيرة ، أورد منها :
ما رواه حسن بن سليمان <عن أبي جعفر أنه قال في هذه الآية {وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم}(1) قال: هو أمير المؤمنين(2).
وهذا من ضعف عقولهم وقلة فهمهم، وإلا فأي فضيلة لعلي في وصفه بأنه دابة الأرض بل إن وصفه بأنه دابة فيه أعظم امتهان وانتقاص لمقامه رضي الله عنه، وهذا أمر يعلمه كل العقلاء، ولكنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
وهذه العقيدة إنما أخذوها عن اليهود كما صرحوا بذلك في رواية يرويها حسن بن سليمان الحلي في كتاب (مختصر بصائر الدرجات) عن سماعة بن مهران عن الفضل بن الزبير عن الأصبغ بن نباتة قال: <قال لي معاوية يامعشر الشيعة تزعمون أن عليا دابة الأرض؟ فقلت: نحن نقول اليهود تقوله. فأرسل إلى رأس الجالوت فقال ويحك تجدون دابة الأرض عندكم؟ فقال: نعم فقال ماهي؟ فقال رجل. فقال: أتدري ما اسمه؟ قال: نعم اسمه إليا قال: فالتفت إليّ فقال: ويحك ياأصبغ ماأقرب إليا من علي>(3).
إن هذه الروايات المبثوثة في كتب الشيعة ليست إلا ثمارا لتلك العقيدة الفاسدة التي غرسها الضال المضل عبدالله بن سبأ في نفوس هذه الطائفة، عندما ادعى الألوهية في علي رضي الله عنه بقصد إضلالهم وصرفهم عن عبادة الله إلى عبادة المخلوقين(1).
خذلان اليهود والشيعة رؤساءهم وأئمتهم
- خذلان اليهود :
مع غلو اليهود في أنبيائهم وحاخاماتهم، إلا أنهم خذلوهم وتركوا نصرتهم في أصعب المواقف، وفي وقت كانوا في أمس الحاجة لمؤازرتهم.
فقد خذل اليهود موسى عليه السلام عندما أمرهم بالقتال، ودخول الأرض المقدسة، بعد أن أخرجهم من مصر وحررهم من ذل العبودية لفرعون، فكان جوابهم له كما أخبر الله تعالى عنهم {قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ماداموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون}(1).(2/56)
- خذلان الشيعة :
وكذلك الشيعة خذلوا أئمتهم في مواطن عديدة وتركوا مناصرتهم في أصعب الظروف، فقد خذلوا علياً رضي الله عنه مرات كثيرة وتقاعسوا عن القتال معه في أحرج المواقف التي واجهها، حتى اشتهر سبه لهم وذمهم في خطب كثيرة منها ما جاء في نهج البلاغة أنه خطب فيهم مرة بعد خذلهم إياه فقال: <أيها الناس المجتمعة أبدانهم المختلفة أهواؤهم، كلامكم يوهي الصم الصلاب وفعلكم يطمع فيكم الأعداء ، تقولون في المجالس كيت وكيت فإذا جاء القتال قلتم: حيدي حياد(1) ما عزت دعوة من دعاكم ولا استراح قلب من قاساكم. أعاليل بأضاليل دفاع ذي الدين المطول، لا يمنع الضيم الذليل، ولا يدرك الحق إلا بالجد، أي دار بعد داركم تمنعون ومع أي إمام بعدي تقاتلون. المغرور والله من غررتموه، ومن فاز بكم فقد فاز والله بالسهم الأخيب، ومن رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل(2) أصبحت والله لا أصدق قولكم ولا أطمع في نصركم ولا أوعد العدو بكم>(3).
فها هو ذا علي رضي الله عنه الذي يغالون فيه ذلك الغلو المفرط يشتكي من خذلانهم له وتفرقهم عنه عند القتال.
وخذلوا أيضا أبناءه من بعده، فقد خذلوا الحسين رضي الله عنه أعظم خذلان حيث كتبوا له كتبا عديدة في توجهه إليهم، فلما قدم عليهم ومعه الأهل والأقارب والأصحاب، تركوه وتقاعدوا عن نصرته وإعانته بل انضم أكثرهم إلى أعدائه خوفا وطمعا، وصاروا سببا في شهادته وشهادة كثير من أهل بيته من بينهم الأطفال والنساء(4).
وخذلوا أيضا زيد بن علي بن الحسين فقد تعهدوا بنصرته وإعانته فلما جد الأمر وحان القتال أنكروا إمامته لعدم براءته من الخلفاء الثلاثة فتركوه في أيدي الأعداء، ودخلوا به الكوفة فقتل(5).
طعن اليهود والشيعة في الله تبارك وتعالى
لا يوجد اختلاف بين ما ينسبه اليهود من الندم والحزن لله تعالى، وبين ما ينسبه الشيعة من البداء إلى الله تعالى.(2/57)
بل إني لا أشك في أنّ عقيدة البداء عند الشيعة، قد أخذت من أسفار اليهود بالنص، مع تغيير يسير في بعض الألفاظ والعبارات، والتشابه بين هاتين العقيدتين يتضح من خلال ما يلي:
ما ينسبه اليهود من الندم والحزن والأسف إلى الله تعالى وما ينسبه الشيعة إليه تعالى من البداء يفضي في النهاية إلى نتيجة واحدة وهي نسبة الجهل لله تعالى وأن الله لا يعلم المصالح إلا بعد حدوث الحوادث وأن الأمور المستقبلة لا تدخل تحت علم الله وقدرته تعالى الله عن ذلك(1).
- نسبة اليهود الندم والحزن إلى الله تعالى :
لا يتورع اليهود كما هي عادتهم، عن وصف الله تعالى بصفات النقص كالندم، والحزن، والأسف. وقد جاءت في أسفار اليهود نصوص كثيرة ورد فيها إطلاقهم هذه الصفات على الله تعالى.
ومن النصوص التي نسبوا فيها الندم إلى الله تعالى : ما جاء في سفر الخروج أن الله أراد أن يهلك بني إسرائيل الذين خرجوا مع موسى من مصر فطلب موسى من الله أن يرجع عن رأيه في إهلاك شعبه قائلا له: <ارجع عن حمو غضبك، واندم على الشر بشعبك. اذكر ابراهيم وإسحاق وإسرائيل عبيدك، الذين حلفت لهم بنفسك، وقلت لهم: أكثر نسلكم. كل هذه الأرض التي تكلمت عنها فيملكونها إلى الأبد. فندم الرب على الشر الذي قال إنه يفعله بشعبه>(1).
وجاء في التلمود : < ويندم الله على تركه اليهود في حالة التعاسة، حتى إنه يلطم ويبكي كل يوم، فتسقط من عينيه دمعتان في البحر، فيسمع دويهما من بدء العالم إلى أقصاه. وتضطرب المياه، وترتجف الأرض في أغلب الأحيان، فتحصل الزلازل>(2).
هذا ما جاء في كتب اليهود من إطلاقهم صفة الندم على الله تعالى. ولا يخفى ما في هذه الصفة من نسبة الجهل إلى الله تعالى - تقدس الله عن ذلك - وذلك أن الندم على فعل معين لا يكون إلا بحدوث علم جديد، يظهر منه مخالفة المصلحة لذلك الفعل.
أما النصوص التي دلت على وصفهم الله تعالى بالحزن والأسف(1) على بعض أفعاله.(2/58)
فقد جاء في سفر التكوين <ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم، فحزن أنه عمل الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه. فقال الرب: أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته. الإنسان مع بهائم ودبّابات وطيور السماء، لأني حزنت أني عملتهم>(2).
فمفهوم هذا النص أن الله تعالى خلق الإنسان ولم يكن يعلم أنه سيصدر منه الشر مستقبلا، فلما صدر منه ذلك حزن وتأسف على خلقه له، تعالى الله عن ذلك.
نسبة الشيعة البداء لله تعالى:
يطلق البداء في اللغة على معنين :
المعنى الأول : (الظهور بعد الخفاء) :
يقال بَدَا: بدْوَا بدْوا وبُدُوّاً وبداءً وبداءَةً وبُدُواً: ظهر وأبديته، وبداءة الشيء: أول ما يبدو منه: وبادي الرأى ظاهره(1).
وقد دل على هذا المعنى قوله تعالى : {وبدا لهم من الله مالم يكونوا يحتسبون}(2). قال ابن كثير في تفسير هذه الآية، <أي وظهر لهم من الله، من العذاب، والنكال بهم، ما لم يكن في بالهم ولا في حسابهم>(3).
ودل عليه أيضا قوله تعالى: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله}(4).
المعنى الثاني : ( نشأة رأي جديد) .
قال الجوهري : بدا له في الأمر بداء أي نشأ له فيه رأي(5).
وقال صاحب القاموس المحيط : بدا له في الأمر بْدواً وبداءً وبداة نشأ له فيه رأي(6).
قال : محمد التونسوي : وقد دل على هذا المعني قوله تعالى: {ثم بدا لهم من بعدما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين}(7).
> والبداء بمعنييه يستلزم سبق الجهل وحدوث العلم، وكلاهما محال على الله تعالى>(1).
والشيعة يجيزون إطلاق لفظ البداء على الله تعالى: بل بالغوا في ذلك حتى أصبح اطلاق لفظ البداء على الله عقيدة لها مكانها في دين الشيعة، وقد جاءت روايات كثيرة في كتبهم في تعظيم هذه العقيدة، والحث على التمسك بها.
جاء في أصول الكافي في (كتاب التوحيد) تحت باب البداء عدة روايات في بيان فضل البداء أختار منها: -(2/59)
عن زرارة بن أعين عن أحدهما عليهما السلام قال:(2) < ماعبد الله بشيء مثل البداء>.
وعن أبي عبد الله عليه السلام : <ماعظم الله بمثل البداء>.
وعن أبي عبد الله عليه السلام : <ما بعث الله نبيا حتى يأخذ عليه ثلاث خصال: الإقرار له بالعبودية، وخلع الأنداد، وأن الله يقدم ما يشاء ويؤخر ما شاء>.
وعن مالك الجهني قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: <لو علم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ما فتروا عن الكلام فيه>.
وعن الريان بن الصلت قال : سمعت الرضا عليه السلام يقول: <ما بعث الله نبيا قط إلا بتحريم الخمر، وأن يقر لله بالبداء>(3).
ويقول الخوئي في بيان فضل البداء <والقول بالبداء: يوجب انقطاع العبد إلى الله، وطلبه اجابة دعائه منه، وكفاية مهماته، وتوفيقه للطاعة، وإبعاده عن المعصية>(1).
وعقيدة البداء محل إجماع علماء الشيعة : وقد نقل إجماعهم على هذه العقيدة شيخهم الكبير: المفيد في كتابه (أوائل المقالات) وصرح بمخالفة الشيعة في هذه العقيدة لسائر الفرق الإسلامية.
فقال: > اتفقت الإمامية على وجوب رجعة كثير من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة وإن كان بينهم في معنى الرجعة اختلاف، واتفقوا على إطلاق لفظ البداء في وصف الله تعالى وإن كان ذلك من جهة السمع دون القياس(2).
وقال في كتاب تصحيح الاعتقاد: <قول الإمامية في البداء طريقه السمع دون العقل وقد جاءت الأخبار به عن الأئمة عليهم السلام>(3).
وهذه العقيدة لم ينكرها أحد من علماء الشيعة، وذلك لكثرة الروايات التي دلت عليها واستفاضتها في كتبهم، وإنما حاول بعضهم أن يؤول معنى (البداء) على غير معناه المعروف في اللغة لما رأوا تشنيع المسلمين عليهم في هذه العقيدة الفاسدة، فقالوا إن إطلاق لفظ البداء على الله لا يستلزم الجهل وأن البداء في التكوين كالنسخ في التشريع(4) وغيرها من الأعذار الواهية التي حاولوا أن يدفعوا بها عن أنفسهم فضيحة تلك العقيدة الفاسدة.(2/60)
وسأثبت في هذا المبحث أن معنى البداء الذي يطلقونه في كتبهم على الله تعالى، لا يخرج عن معناه اللغوي الذي ذكرته سابقا والذي يستلزم نسبة الجهل لله، تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
ولإثبات هذا سأورد جملة من الروايات التي صرحوا فيها بجواز تغير الرأي على الله تعالى، وحدوث العلم وتجدده عليه، تعالى الله عن ذلك.
روى العياشي في تفسيره: عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: {وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة}(1) قال: <كان في العلم والتقدير ثلاثين ليلة ثم بدا لله فزاد عشرا فتم ميقات ربه الأول والآخر، أربعين ليلة>(2).
فهذه الرواية صريحة في نسبة حدوث العلم لله تعالى فقوله: (كان في العلم والتقدير ثلاثين ليلة) يلزم منه أن الله تعالى لم يكن يعلم من ميقات موسى إلا الثلاثين ليلة. وهي التي في علمه وتقديره، أما العشر الأخرى فإن هذه الزيادة لم تكن معلومة له بل هي خارجة عن العلم والتقدير، وإنما بدا له فيها بعد ذلك.
ومن الروايات الصريحة في نسبتهم تغير الرأى وتجدده إلى الله تعالى. مارواه الكليني بسنده إلى أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام أنهما قالا: <إن الناس لما كذبوا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هَمَّ الله تبارك وتعالى بهلاك أهل الأرض إلا عليا فما سواه بقوله: {فتول عنهم فما أنت بملوم}(3) ثم بدا له فرحم المؤمنين، ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين}(4)،(5).
ولا يخفى ما في هذه الرواية من الافتراء والكذب على رب العالمين وذلك بنسبتهم البداء الذي هو تغير الرأى وتجدده إلى الحكيم العليم .
ومن الروايات الصريحة الدالة على نسبتهم الجهل إلى الله تعالى.
ما رووه عن جعفر الصادق أنه قال: ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني(1).(2/61)
وهذه الرواية لها مناسبة وهي : ما نسبوه إلى جعفر الصادق أنه نص على إمامة ابنه إسماعيل ثم مات إسماعيل، في حياة أبيه(2). فكان المخرج من هذه الفضيحة نسبه البداء إلى الله تعالى.
وقد فسر هذه الرواية الصدوق قال: أما قوله <ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني> فإنه يقول : <ما ظهر لله أمر كما ظهر له في إسماعيل ابني إذ أخترمه في حياتي>(3) والذي يفهم من هذا أن موت إسماعيل ظهر لله بعد أن كان خافيا عليه، وأنه لم يكن معلوما له قبل حدوثه تنزه الله عن ذلك.
وفي رواية أخرى يروونها عن جعفر في موت ابنه إسماعيل أيضا أنه قال: <كان القتل قد كتب على إسماعيل مرتين فسألت الله في دفعه فدفعه>(4).
ومن الروايات التي ينسبون إلى الله فيها البداء: ما رواه الكليني عن علي بن محمد عن إسحاق بن محمد عن أبي هاشم الجعفري قال:
> كنت عند أبي الحسن عليه السلام بعد ما مضى ابنه أبو جعفر وإني لأفكر في نفسي، أريد أن أقول كأنهما أعني: أبا جعفر، وأبا محمد، في هذا الوقت كأبي الحسن موسى وإسماعيل ابني جعفر بن محمد عليهم السلام، وأن قصتهما كقصتهما، إذ كان أبو محمد المرجى بعد أبي جعفر عليه السلام. فأقبل علي أبو الحسن قبل أن أنطق فقال: نعم ياأبا هاشم بدا لله في أبي محمد بعد أبي جعفر عليه السلام، ما لم يكن يعرف له، كما بدا له في موسى بعد مضي إسماعيل ما كشف به عن حاله، وهو كما حدثتك نفسك، وإن كره المبطلون وأبو محمد ابني الخلف من بعدي، عنده علم ما يحتاج إليه، ومعه آلة الإمامة>(1).
وفي رواية أخرى يرويها الكليني عن علي بن جعفر قال: <كنت حاضرا أبا الحسن عليه السلام، لما توفي ابنه محمد، فقال للحسن: يابني أحدث لله شكرا فقد أحدث فيك أمرا>(2).
وهاتان الروايتان تدلان صراحة على نسبتهم تجدد الرأي إلى الله تعالى عن ذلك.(2/62)
وهم يزعمون أن الله تعالى قد حدد وقت خروج قائمهم المنتظر، فلما قتل الحسين غضب الله غضبا شديدا فأخره، ثم حدده مرة أخرى فحدّث به الشيعة فأخَّره الله مرة ثانية.
روى النعماني والطوسي عن أبي حمزة الثمالي قال : <سمعت أبا جعفر الباقر عليه السلام يقول: ياثابت إن الله كان قد وقّت هذا الأمر في سنة السبعين، فلما قتل الحسين عليه السلام اشتد غضب الله فأخره إلى أربعين ومائة، فلما حدثناكم بذلك أذعتم وكشفتم قناع الستر، فلم يجعل الله لهذا الأمر بعد ذلك عندنا وقتا يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب. قال أبو حمزة فحدثت بذلك أبا عبد الله الصادق عليه السلام فقال قد كان ذلك>(1).
تلك أوجه الاتفاق بين اليهود والشيعة في هذه العقيدة، وليس غريبا ان يحدث ذلك التوافق الكبير بينهما، فعبدالله بن سبأ هو الذي أسس مذهب الشيعة ودعا إليه، وقام بنشر العقائد الفاسدة بين من اغتر به من ضعفاء الناس، وكان أول ما نادى به ابن سبأ من هذه العقائد زعمه أن علي بن أبي طالب هو وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد صرح ابن سبأ نفسه، أنه لم يأخذ هذه العقيدة من مصدر اسلامي، بل أخذها من التوراة(2).
المبحث السادس
دعوى الشيعة أن الصحابة حرفوا القرآن
روى محمد بن يعقوب الكليني عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إن القرآن الذي جاء به جبريل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم سبعة عشر ألف آية(1).
مع أن القرآن الموجود بين أيدينا ستة آلاف وستمائة وست وستون آية فسقط منه الثلثان تقريبا وما بقي إلا الثلث فقط.
ويقول صاحب (مرآة العقول) في التعليق على هذا الحديث : فالخبر صحيح ولا يخفى أن هذا الخبر وكثيرا من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره، وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة معنى وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد عن الأخبار رأساً ، بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا تقصر عن أخبار الإمامة فكيف يثبتونها بالخبر(2).(2/63)
وليس هذا فقط بل يروي الكليني أن عندهم قرآناً آخر يعدل القرآن الموجود عند المسلمين ثلاث مرات، ولا يوجد فيه حرف واحد مما يوجد في القرآن الكريم .
جاء في كتاب الحجة من الكافي عن أبي بصير عن أبي عبدالله أنه قال > وإن عندنا لمصحف فاطمة، وما يدريك ما مصحف فاطمة عليها السلام. قال: قلت وما مصحف فاطمة عليها السلام؟ قال مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد>(3).
ويقول الملا خليل القزويني شارح الكافي بالفارسية ما ترجم بالعربية:
إن المراد منه أن آيات كثيرة طرحت من القرآن وليست في المصاحف المشهورة والأحاديث الصحيحة بالطرق الخاصة والعامة دالة على سقوط كثير من القرآن وهذه الأحاديث بلغت في الكثرة حداً يعتبر تكذيب جميعها جرأة ... ودعوى (أن القرآن هو هذا الموجود في المصاحف) لا يخلو عن إشكال والاستدلال باهتمام الصحابة وأهل الإسلام في ضبط القرآن استدلال ضعيف بعد الاطلاع على عمل أبي بكر وعمر وعثمان. وهكذا الاستدلال بآية {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} استدلال ضعيف، لأن الآية هنا بصيغة الماضي وفي سورة مكية وقد نزلت سور عديدة بمكة بعد هذه السورة وهذا ما عدا السور التي نزلت بالمدينة بعدها بكثير فلا دلالة فيها على أن جميع القرآن محفوظ.... وأيضا حفظ القرآن لا يدل على أن يكون محفوظاً عند عامة الناس فإنه يمكن أن يراد منه أنه محفوظ عند إمام الزمان وأتباعه الذين هم أصحاب أسراره(1).
وقال شارح نهج البلاغة ميرزا الخوئي عن قوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}. إن أصل القرآن الكريم محفوظ عند الأئمة عليهم السلام(2).
وقد ذكر القمي في كتابه الخصال رواية تدل على التحريف والنقصان.(2/64)
عن أبي الزبير عن جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون: المصحف، والمسجد، والعترة، يقول المصحف: يارب حرفوني ومزقوني ويقول المسجد: يارب عطلوني وضيعوني. وتقول العترة: يارب قتلونا وطردونا وشردونا فأجثوا للركبتين للخصومة، فيقول الله جل جلاله لي: أنا أولى بذلك(1).
وعن جابر قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما أنزله الله إلا كذاب وما جمعه وحفظه كما أنزله الله إلا علي بن أبي طالب والأئمة من بعده(2).
وروى العياشي : عن أبي عبدالله >لو قُرِءَ القرآن كما أنزل لألفيتنا فيه مُسَّمين>.
وروى عن أبي جعفر >لولا أنه زيد في كتاب الله ونقص منه، ماخفي حقنا على ذي حجى، ولو قد قام قائمنا فنطق صدَّقه القرآن>.
وذكر العياشي أيضا عن أبي جعفر : >إن القرآن قد طرح منه آي كثيرة، ولم يزد فيه إلا حروف أخطأت بها الكتبة وتوهمها الرجال>(3).
ما الذي أخفاه الصحابة من القرآن
قال نعمة الله الجزائري متهما أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتحريفهم لكتاب الله: >ولا تعجب من كثرة الأخبار الموضوعة، فإنهم بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد غيروا وبدلوا في الدين ما هو أعظم من هذا، كتغييرهم القرآن وتحريف كلماته، وحذف ما فيه من مدائح آل الرسول والأئمة الطاهرين، وفضائح المنافقين وإظهار مساويهم>(1).(2/65)
وقال عدنان البحراني بعد ما ذكر روايات استدل بها على تحريف الصحابة للقرآن : >والمستفاد من هذه الأخبار وغيرها من الروايات من طريق أهل البيت عليهم السلام أن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم بل منه ما هو خلاف ما أنزل الله، ومنه ما هو مغير محرف، وأنه قد حذف منه أشياء كثيرة منها اسم (علي) عليه السلام في كثير من المواضع، ومنها لفظة (آل محمد) صلى الله عليه وآله وسلم غيرمرة، ومنها (أسماء المنافقين) في مواضعها، ومنها غير ذلك، وأنه ليس أيضا على الترتيب المرضي عند الله، وعند الرسول صلى الله عليه وآله وسلم > (2).
وروى العياشي في مقدمة تفسيره: عن أبي جعفر أنه قال: >نزل القرآن على أربعة أرباع، ربع فينا، وربع في عدونا، وربع فرائض وأحكام، وربع سنن وأمثال، ولنا كرائم القرآن(3).
ويزعم الطبرسي أن الله تعالى عندما ذكر الجرائم في القرآن صرح بأسماء مرتكبيها، لكن الصحابة حذفوا هذه الأسماء، فبقيت القصص مكناة: يقول: >إن الكناية عن أسماء أصحاب الجرائم العظيمة من المنافقين في القرآن، ليست من فعله تعالى، وإنها من فعل المغيرين والمبدلين الذين جعلوا القرآن عضين، واعتاضوا الدنيا من الدين>(1).
ولم يكتف الطبرسي بتحريف ألفاظ القرآن، بل أخذ يؤول معانيه تبعا لهوى النفس، فزعم أن في القرآن الكريم رموزا فيها فضائح المنافقين، وهذه الرموز لا يعلم معانيها إلا الأئمة من آل البيت، ولو علمها الصحابة لأسقطوها مع ما أسقطوا منه(2).
وقال الملا محمد تقي الكاشاني في كتابه (هداية الطالبين) :
>إن عثمان أمر زيد بن ثابت الذي كان من أصدقائه هو وعدواً لعلي، أن يجمع القرآن ويحذف منه مناقب آل البيت وذم أعدائهم، والقرآن الموجود حالياً في أيدي الناس والمعروف بمصحف عثمان هو نفس القرآن الذي جمعه بأمر عثمان>(3).
دعوى أن فضائح الصحابة في القرآن(2/66)
روى الفيض الكاشاني في تفسيره الصافي عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمع عليّ رضي الله عنه القرآن وجاء به الى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم لما قد أوصاه بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم فوثب عمر فقال: ياعلي أردده فلا حاجة لنا فيه فأخذه علي عليه السلام وانصرف ثم أحضر زيد بن ثابت وكان قارئا للقرآن فقال له عمر: إن علياً جاءنا بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار، وقد أردنا أن تؤلف لنا القرآن وتسقط منه ما كان فيه فضيحة وهتك للمهاجرين والأنصار. فأجابه زيد إلى ذلك ثم قال: فإن أنا فرغت من القرآن على ما سألتم وأظهر علي القرآن الذي ألَّفه أليس قد بطل كل ما قد عملتم. ثم قال عمر: فما الحيلة؟ قال زيد: أنتم أعلم بالحيلة. فقال عمر: ما الحيلة دون أن نقتله ونستريح منه. فدبر في قتله على يد خالد بن الوليد فلم يقدر على ذلك وقد مضى شرح ذلك، فلما استخلف عمر سأل عليا أن يدفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم. قال: يا أبا الحسن إن كنت جئت به إلى أبي بكر فأت به إلينا حتى نجتمع عليه. فقال عليّ عليه السلام: هيهات ليس إلى ذلك سبيل إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم ولا تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا ما جئتنا به، إن القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي فقال عمر فهل وقت لإظهاره معلوم؟ قال علي عليه السلام: نعم إذا قام القائم من ولدي يظهره ويحمل الناس عليه فتجري السنة به(1).
لذا فقد بوب الكليني باباً بعنوان (إنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة وأنهم يعلمون علمه كله)(1).
1- عن أبي عبدالله عليه السلام قال: >أنزل الله في القرآن سبعة بأسمائهم، فمحت قريش ستة وتركوا أبا لهب (2)(2/67)
2- وعن أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: دفع إليَّ أبو الحسن عليه السلام مصحفا، فقال: لا تنظر فيه، ففتحته وقرأت فيه، { لم يكن الذين كفروا }(3) فوجدت فيها سبعين رجلا من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم، قال فبعث إليّ ابعث إليّ بالمصحف(4).
3- وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من كان كثير القراءة لسورة الأحزاب كان يوم القيامة في جوار محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأزواجه ثمَّ قال: سورة الأحزاب فيها فضائح الرجال والنساء من قريش وغيرهم، ياابن سنان: إنَّ سورة الأحزاب فضحت نساء قريش من العرب، وكانت أطول من سورة البقرة، ولكن نقصوها وحرفوها(5).
فضائل آل البيت وإمامة علي في القرآن
بوب ثقة الإسلام الشيعي محمد بن يعقوب الكليني في كتابه الكافي باب (نكت ونتف من التنزيل في الولاية) وذكر في هذا الباب أحاديث كثيرة تدعي التحريف في القرآن أختصِرُ منها:
1- ما رواه أبو بصير عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عز وجل {ومن يطع الله ورسوله (في ولاية علي وولاية الأئمة من بعده) فقد فاز فوزا عظيما} هكذا نزلت(1).
2- وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله تعالى: {سأل سائل بعذاب واقع للكافرين (بولاية علي) ليس له دافع} ثم قال: هكذا والله نزل بها جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله وسلم(2).
3- عن أبي جعفر عليه السلام قال: نزل جبرائيل عليه السلام بهذه الآية على محمد صلى الله عليه وآله وسلم هكذا: {فبدل الذين ظلموا (آل محمد حقهم) قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا (آل محمد حقهم) رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون}(3).(2/68)
4- عن أبي جعفر عليه السلام قال نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية هكذا {إن الذين ظلموا (آل محمد حقهم) لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا}. ثم قال: {يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم (في ولاية علي) فآمنوا خيرا لكم وإن تكفروا (بولاية علي) فإن لله ما في السموات وما في الأرض}(1).
5- عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال هكذا نزلت هذه الآية: {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به (في علي) لكان خيرا لهم}(2).
6- قرأ رجل عند أبي عبد الله {قل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} فقال: ليس هكذا هي، إنما هي والمأمونون، فنحن المأمونون(3).
7- عن أبي جعفر عليه السلام قال: نزل جبريل بهذه الآية هكذا: {فأبى أكثر الناس (بولاية علي) إلا كفوراً}. قال: ونزل جبريل عليه السلام بهذه الآية هكذا: {وقل الحق من ربكم (في ولاية علي) فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. إنا أعتدنا للظالمين (آل محمد) نارا}(4).
وقال القمي في تفسيره : وأما ما هو محرف منه فهو قوله {لكن الله يشهد بما أنزل إليك (في علي) أنزله بعلمه والملائكة يشهدون}(5). وقوله {ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك (في علي) وإن لم تفعل فما بلغت رسالته}(6). وقوله: {إن الذين كفروا وظلموا (آل محمد حقهم) لم يكن الله ليغفر لهم}(7). وقوله {وسيعلم الذين ظلموا (آل محمد حقهم) أي منقلب ينقلبون}(8). وقوله {ولو ترى الذين ظلموا (1) (آل محمد حقهم) في غمرات الموت}(2). ثم قال ومثله كثير نذكره في مواضعه(3).
وقد ذكر العلامة الشيعي ميرزا الخوئي في كتاب منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة روايات كثيرة تدل على التحريف والنقصان في القرآن. ووضع هذه الروايات تحت عنوان: الأدلة الدالة على وجود النقصان.(2/69)
وقد استخرج هذه الأحاديث من كتاب تذكرة الأئمة عن تفسير الكازر، والمولى فتح الله عن مصحف ابن مسعود، وهي آيات كثيرة في سور متعددة.
ففي المائدة {ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك (في شأن علي) وإن لم تفعل فما بلغت رسالته}.
وفي الرعد {إنما أنت منذر (وعلي) لكل قوم هاد}.
وفي الشعراء {وسيعلم الذين ظلموا (آل محمد حقهم) أي منقلب ينقلبون} .
وفي الصافات : {وقفوهم إنهم مسئولون (في ولاية علي) ما لكم لا تناصرون}.
وفي النساء : {أم يحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله فقد آتينا آل ابراهيم (وآل محمد) الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما}.
وفي الزمر{فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون (بعلي بن أبي طالب) } .
وفي طه {ولقد عهدنا إلى آدم من قبل (كلمات في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والتسعة من ذرية الحسين فنسي) ولم نجد له عزما} ورواه أيضا في الكافي عن الصادق عليه السلام إلا أن في آخره والأئمة من ذريتهم بدل قوله والتسعة، ثم قال هكذا والله نزلت على محمد صلى الله عليه وآله وسلم(1).
وفي النجم {فأوحى إلى عبده (في علي ليلة المعراج) ما أوحى}.
وفي آية الكرسي {الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض (وما تحت الثرى، عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم) من ذا الذي يشفع عنده}(2).
وفي الأحزاب قوله {وكفى الله المؤمنين القتال (بعلي بن أبي طالب) وكان الله قويا عزيزا}.(2/70)
ومنها سورة الولاية {بسم الله الرحمن الرحيم ياأيها الذين آمنوا بالنبي والولي الذين بعثناهما يهديانكم إلى صراط مستقيم نبي وولي بعضهما من بعض، وأنا العليم الخبير، إن الذين يوفون بعهد الله لهم جنات النعيم، فالذين إذا تليت عليهم آياتنا كانوا بآياتنا مكذبين، إن لهم في جهنم مقام عظيم، نودي لهم يوم القيامة أين الضالون المكذبون للمرسلين، ما خلفهم المرسلين إلا بالحق، وما كان الله لينظرهم إلى أجل قريب فسبح بحمد ربك وعلي من الشاهدين}(1).
وقال العلامة الشيعي ميرزا الخوئي أيضاً : ومنها سورة النورين(2)، تركت ذكرها لكونها مع طولها مغلوطة لعدم وجود نسخة مصححة عندي يصح الركون إليها(3).
دعوى علماء الشيعة تحريف القرآن
قال فيلسوف الفقهاء الشيعي الفيض الكاشاني <وأما اعتقاد مشايخنا <ره> في ذلك فالظاهر من ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني طاب ثراه أنه كان يعتقد التحريف والنقصان في القرآن لأنه كان روى روايات في هذا المعنى في كتابه الكافي ولم يتعرض لقدح فيها مع أنه ذكر في أول الكتاب أنه كان يثق بما رواه فيه، وكذلك استاذه علي ابن ابراهيم القمي (ره) فإن تفسيره مملوء منه وله غلو فيه، وكذلك الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي فإنه أيضاً نسج على منوالهما في كتاب الاحتجاج، وأما الشيخ أبو علي الطبرسي فإنه قال في مجمع البيان: أما الزيادة فيه فمجمع على بطلانه وأما النقصان فيه فقد روى جماعة من أصاحبنا وقوم من حشوية العامة أن في القرآن تغييراً ونقصانا>(1).
وقال السيد طيب الموسوي الجزائري صاحب مقدمة تفسير القمي : -(2/71)
> أما الخاصة فقد تسالموا على عدم الزيادة في القرآن بل ادعى الإجماع عليه، أما النقيصة فإنه ذهب جماعة من العلماء الإمامية إلى عدمها أيضاً وأنكروها غاية الأنكار كالصدوق والسيد المرتضى وأبي علي الطبرسي في <مجمع البيان> والشيخ الطوسي في التبيان(2)، ولكن الظاهر من كلمات غيرهم من العلماء والمحدثين المتقدمين منهم والمتأخرين القول بالنقيصة كالكليني، والبرقي، والعياشي، والنعماني، وفرات بن ابراهيم، وأحمد بن أبي طالب الطبرسي صاحب كتاب الاحتجاج، والمجلسي، والجزائري، والحر العاملي، والعلامة الفتوني، وعدنان البحراني، وقد تمسكوا في إثبات مذهبهم بالآيات والروايات التي لا يمكن الأغماض عنها(1).
وقد سئل آية الله علي الأصفهاني في كتابه (آراء حول القرآن) عن من يقول بتحريف القرآن من علماء الشيعة مع ذكر أدلتهم؟
فأجابهم قائلا : إن جماعة من المحدثين وحفظة الأخبار استظهروا التحريف بالنقيصة من الأخبار، ولذلك ذهبوا إلى التحريف بالنقصان .
وأولهم فيما أعلم علي بن ابراهيم في تفسيره، ويظهر ذلك من الكليني حيث روى الأحاديث الظاهرة في ذلك ولم يعلق شيئا عليها، وذهب السيد الجزائري الى التحريف في شرحيه على التهذيبين وأطال البحث في ذلك في رسالة سماها <منبع الحياة>.(2/72)
وقال الشيخ محمد حسين الأصفهاني النجفي والد شيخنا في الرواية أبي المجد الشيخ آغا رضا النجفي (قدهما) في تفسيره: والأحاديث الظاهرة في تغيير القرآن وتبديله والتقديم والتأخير والزيادة والنقيصة وغير ذلك كثيرة، حتى نقل بعض العارفين المحدثين عن السيد نعمة الله الجزائري أنه ذكر في الرسالة الصلاتية - أن الأخبار الدالة على ذلك تزيد على ألفي حديث، وذكر أنه لم يقف على حديث واحد يشعر بخلاف ذلك، وقال: القرآن الموجود الآن ستة آلاف آية وستمائة وست وستون آية تقريبا، والمروي في صحيحة هشام الجواليقي: <أن القرآن الذي نزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم سبعة عشر ألف آية وفي رواية ثمانية عشر ألف آية>(1) ، ونقل عن سعد بن ابراهيم الأردبيلي من علماء العامة في كتاب <الأربعين> أنه روى بإسناده إلى المقداد بن الأسود الكندي قال: كنت مع رسول الله متعلقا بأستار الكعبة ويقول: <اللهم أعني واشدد أزري واشرح صدري وارفع ذكري> فنزل جبريل (ع) وقال له اقرأ : {ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي انقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك بعلي صهرك}، فقرأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ابن مسعود فألحقها في تأليفه وأسقطها عثمان(2)، انتهى المقصود من كلامه، ولعل المراد من ألفي حديث، الطرق المتعددة من الشيعة وأهل السنة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة رضي الله عنهم . ورأينا من بعض السادة الأجلة من الجامعين للأخبار رسالة فيها مباحث روائية وبالغ في ذكر الأخبار التي يظهر منها وقوع التحريف ولاسيما بالنقيصة، وقال السيد صدر الدين في شرحه على قول المولى في الوافية: وقد وقع الخلاف في تغييره(3).(2/73)
وأقول إن السيد نعمة الله (قده) قد استوفى الكلام في هذا المطلب في مؤلفاته كشرح التهذيب والاستبصار ورسالته (منبع الحياة) وأنا أنقل ما في الرسالة لأن فيه كفاية، قال (ره): <إن الأخبار المستفيضة بل المتواترة قد دلت على وقوع الزيادة والنقصان والتحريف في القرآن>، منها ما روي عن أمير المؤمنين رضي الله عنه لما سئل عن التناسب بين الجملتين في قوله تعالى: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع}(1)، فقال: <لقد سقط من بينهما أكثر من ثلث القرآن>.
ومنها ما روي عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى: {كنتم خير أمة}(2)، قال: <كيف تكون هذه الأمة خير أمة وقد قتلوا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس هكذا أنزلت وإنما نزلت خير أئمة>(3)، أي الأئمة من أهل البيت.
ومنها الأخبار المستفيضة في أن آية الغدير هكذا نزلت: {ياأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} في علي(4) {وأن لم تفعل فما بلغت رسالته}(5)، إلى غير ذلك مما لو جمع لصار كتاباً كبير الحجم، وأما الأزمان التي ورد على القرآن فيها التحريف والزيادة والنقصان فهما عصران : العصر الأول عصره صلى الله عليه وآله وسلم وأعصار الصحابة وذلك من وجوه(6). ا.هـ .
وقال ميرزا الخوئي في كتابه منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: <إنه لابد أن يعلم أن القرآن الذي نزل به الروح الأمين على سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم وآله أجمعين هل هو ما بين الدفتين وما وصل إلينا وتناولته أيدينا أم لا؟ بل الواصل إلينا بعض القرآن وأن القرآن الأصيل الذي نزل به جبريل قد حرف وبدل وزيد عليه ونقص منه، واختلف فيه الأصحاب.
فالذي ذهب إليه أكثر الأخباريين على ما حكى عنهم السيد الجزائري في رسالة منبع الحياة وكتاب الأنوار هو وقوع التحريف والزيادة والنقصان.(2/74)
وإليه ذهب علي بن ابراهيم القمي وتلميذه محمد بن يعقوب الكليني، والشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي، والمحدث العلامة المجلسي قدس الله روحهم(1).
يقول إمامهم المقدس الذي لا يكادون يخالفون له أمرا في هذا العصر (ونائب إمامهم المعصوم) الخميني في كتابه الفارسي (كشف الأسرار) والذي أعلن فيه الخميني عن عقيدته في القرآن وفي الصحابة صراحة دون اللجوء إلى التقية: ما نصه <لو كانت مسألة الإمامة قد تم تثبيتها في القرآن، فإن أولئك الذين لا يعنون بالإسلام والقرآن إلا لأغراض الدنيا والرئاسة، كانوا يتخذون من القرآن وسيلة لتنفيذ أغراضهم المشبوهة، ويحذفون تلك الآيات من صفحاته ويسقطون القرآن من أنظار العالمين إلى الأبد، ويلصقون العار - وإلى الأبد - بالمسلمين وبالقرآن ويثبتون على القرآن ذلك العيب الذي يأخذه المسلمون على كتب اليهود والنصارى(2).
وجاء في كتاب تحرير الوسيلة للخميني هذا النص: <يكره تعطيل المسجد، وقد ورد أنه أحد الثلاثة الذين يشكون إلى الله عز وجل>(3).
وبالرجوع إلى مصادرهم المعتمدة نتعرف على الثلاثة الذين يشكون إلى الله تعالى الذين أشار إليهم الخميني جاء في كتاب الخصال <يجيء يوم القيامة ثلاثة يشكون إلى الله عز وجل: المصحف والمسجد والعترة يقول المصحف يارب حرفوني ومزقوني>(1).
وأما عامة الشيعة فإنهم يعملون بتحريف القرآن وهم لا يشعرون في وضوئهم للصلاة. فإنهم يبدأون غسل أيديهم أثناء الوضوء من المرافق مخالفين فيها قول الله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق}(2).
وقد بوب النوري الطبرسي في كتابه مستدرك الوسائل بابا بعنوان: (وجوب الابتداء في غسل الوجه باعلاه، وفي غسل اليدين بالمرفقين).(2/75)
عن جعفر بن محمد الباقر، عن آبائه (صلوات الله عليهم): أن التنزيل في مصحف أمير المؤمنين (عليه السلام): {ياأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم من المرافق}(3).
وقد روى عن الصادق عليه السلام أن الآية نزلت هكذا {وأيديكم من المرافق}(4).
ومما يدل على إجماع علماء الشيعة المعاصرين على عقيدة التحريف ما جاء في كتاب (تحفة عوام مقبول) المطبوع باللغة الأردية، والموثق من عدد من آياتهم المعاصرين والمشهورين عندهم، جاء ذكر أسمائهم على الصفحات الأولى من الكتاب بالخط العريض وهم:
1- العلامة الفقيه آية الله العظمى الحاج السيد محمود الحسيني (نجف أشرف).
2- العلامة الفقيه آية الله العظمى الحاج السيد أبو القاسم الخوئي (نجف أشرف).
3- العلامة الفقيه آية الله العظمى الحاج السيد محمد كاظم شريعتمداري (قم).
4- العلامة الفقيه آية الله العظمى الحاج السيد محسن حكيم الطبطبائي (نجف أشرف).
5- العلامة الفقيه آية الله العظمى الحاج السيد روح الله الخميني.
6- العلامة الفقيه سيد علي نقي النقوي(1).
كما جاء تقريظ هذا الكتاب ممن أطلقوا عليه لقب (ثقة الإسلام) الحاج محمد بشير أنصاري(2).
وقد تضمن هذا الكتاب نصا بالعربية في حدود صفحتين، وهو دعاء يسمى عندهم دعاء (صنمي قريش) - يعنون بهما أبا بكر وعمر رضي الله عنهما - وفي هذا الدعاء من اللعن والسب والشتم للشيخين ما لا يمكن وصفه(3).
وسأكتفي من هذا النص بموضع الشاهد للحديث هنا <بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم العن صنمي قريش، وجبتيهما، وطاغوتيهما، وإفكيهما، وابنتيهما، اللذين خالفا أمرك، وأنكرا وحيك، وعصيا رسولك، وقلبا دينك، وحرفا كتابك ... اللهم العنهما بكل آية حرفوها<(1).
استفاضة روايات التحريف عند علماء الشيعة(2/76)
ذكر النوري الطبرسي في كتابه (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) في الفصل الحادي عشر من الباب الأول الذي عنون له بقوله (الأخبار الكثيرة المعتبرة الصريحة في وقوع السقط ودخول النقصان في الموجود من القرآن).
وفي الفصل الثاني عشر من الباب نفسه الذي كان عنوانه (الأخبار الواردة في الموارد المخصوصة من القرآن الدالة على تغيير بعض الكلمات والآيات والسور).
ذكر تحت هذين الفصلين فقط حشدا كبيرا من الروايات الدالة على وقوع التحريف في القرآن بلغ عددها (2061) رواية - هذا غير ما ذكره في الفصول العشرة الأولى وفي المقدمة - وقال معتذرا عن قلة ما جمعه < ونحن نذكر منها ما يصدق به دعواهم مع قلة البضاعة >(1). وقال موثقا هذه الروايات < واعلم أن تلك الأخبار منقولة من الكتب المعتبرة التي عليها معول أصحابنا في إثبات الأحكام الشرعية والآثار النبوية>(2).
هذا ما ذكره النوري الطبرسي في كتابه من روايات التحريف، مع قلة بضاعته!! وليكن في المعلوم أن تلك الروايات موثقة عند علمائهم كما ذكر الطبرسي وقد ادعى استفاضتها بل تواترها غير واحد من علماء الشيعة المشهورين.
قال عدنان البحراني : القول بالتحريف والتغيير من المسلمات ، وهو إجماع الفرقة المحقة ، وكونه من ضروريات مذهبهم(1).
قال علي الكوفي أبو القاسم : أجمع أهل النقل والآثار من الخاص والعام، أن هذا الذي في أيدي الناس من القرآن ليس هذا القرآن كله(2).
قال المفيد : إن الأخبار جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى، من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم باختلاف القرآن، وما أحدثه بعض الظالمين فيه من الحذف والنقصان(3)،(4).(2/77)
وقال أبو الحسن العاملي الشيعي الكبير في مقدمة تفسير البرهان <اعلم أن الحق الذي لا محيص عنه بحسب الأخبار المتواترة الآتية وغيرها: أن هذا القرآن الذي في أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيء من التغييرات، وأسقط الذين جمعوه بعده كثيرا من الكلمات والآيات>(5).
وقال أيضاً < وعندي في وضوح صحة هذا القول ( تحريف القرآن وتغييره) بعد تتبع الأخبار وتفحص الآثار، بحيث يمكن الحكم بكونه من ضروريات مذهب التشيع وأنه من أكبر مقاصد غصب الخلافة(1).
ويقول محمد باقر المجلسي في شرحه لبعض الروايات الدالة على التحريف: <والأخبار من طريق الخاصة والعامة في النقص والتغيير متواترة، والعقل يحكم بأنه إذا كان القرآن منتشرا عند الناس، وتصدى غير المعصوم لجمعه يمتنع عادة أن يكون جمعه كاملا موافقا للواقع>(2).
وقال نعمة الله الجزائري : <إن الأخبار الدالة على هذا (التحريف) تزيد على ألفي حديث. وادعى استفاضتها جماعة كالمفيد، والمحقق الداماد، والعلامة المجلسي، وغيره بل الشيخ الطوسي أيضاً صرح في (التبيان) بكثرتها بل ادعى تواترها جماعة>(3).
وقال أيضاً < إن تسليم تواتره عن الوحي الإلهي (يريد القراءات السبع)، وكون الكل قد نزل به الروح الأمين، يفضي إلى طرح الأخبار المستفيضة، بل المتواترة، الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن، كلاما، ومادة، وإعرابا، مع أن أصحابنا قد أطبقوا على صحتها والتصديق بها>(4).
ومما يدل على استفاضة هذه الروايات وتواترها عندهم: أن هناك كثيراً من علماء الشيعة قد صنفوا كتبا مستقلة لإثبات التحريف، مما يدل على كثرة الروايات عندهم واشتهار هذه العقيدة بينهم:
قال النوري الطبرسي في (فصل الخطاب) <ويظهر من تراجم الرواة أيضاً شيوع هذا المذهب حتى أفرد له بالتصنيف جماعة فمنهم : -(2/78)
1- الشيخ الثقة أحمد بن محمد بن خالد البرقي، صاحب كتاب المحاسن، المشتمل على كتب كثيرة، وعد الشيخ الطوسي في الفهرست والنجاشي من كتبه (كتاب التحريف).
2- والده الثقة محمد بن خالد عدّ النجاشي من كتبه (كتاب التنزيل والتغيير).
3- الشيخ الثقة الذي لم يعثر له على زلة في الحديث، كما ذكروا علي بن الحسن بن فضال، عد من كتبه: (كتاب التنزيل من القرآن والتحريف).
4- محمد بن الحسن الصيرفي، في الفهرست له (كتاب التحريف والتبديل).
5- أحمد بن محمد بن سيار، عدّ الشيخ والنجاشي من كتبه (كتاب القراءات) وقد نقل عنه ابن ماهيار الثقة في تفسيره كثيرا، وكذا الشيخ حسن بن سليمان الحلي تلميذ الشهيد في مختصر البصاير، وسماء (التنزيل والتحريف).
6- الثقة الجليل محمد بن العباس بن علي بن مروان الماهيار، المعروف بابن الحجام. وفي الفهرست له: (كتاب قراءة أمير المؤمنين عليه السلام) وكتاب (قراءة أهل البيت عليهم السلام).
وقد أكثر من نقل أخبار التحريف في كتابه .
7- أبو طاهر عبدالواحد بن عمر القمي، ذكر ابن شهر أشوب في معالم العلماء أن له كتابا في (قراءة أمير المؤمنين عليه السلام وحروفه).
8- صاحب كتاب (تفسير القرآن وتأويله، وتنزيله، وناسخه، ومنسوخه، ومحكمه، ومتشابهه، وزيادات حروفه، وفضائله، وثوابه، روايات الثقات عن الصادقين من آل رسول الله صلوات الله عليهم أجمعين) كذا في (سعد السعود) للسيد الجليل علي بن طاؤس.
9- صاحب كتاب (مقرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلي بن أبي طالب والحسن، والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد وزيد ابني علي بن الحسين وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر صلوات الله عليهم).
10- صاحب كتاب (الرد على أهل التبديل) ذكره ابن شهر أشوب في مناقبه، كما في البحار، ونقل عنه بعض الأخبار الدالة على أن مراده من أهل التبديل: هو العامة، وغرضه من الرد هو الطعن عليهم به، لأن السبب فيه إعراض أسلافهم عن حفّاظه وواعيه>(1)،(2).(2/79)
أين القرآن المحفوظ عند الشيعة ؟
إن معتقد الشيعة في القرآن هو أنه محفوظ عند المهدي المنتظر وقد أخذه علي بن أبي طالب رضي الله عنه من الصحابة بعد أن عرضه عليهم ورفضوه وأعطاه الحسن ثم إلى الحسين إلى أن أصبح القرآن عند المهدي المنتظر وبعد ذلك يخرج القرآن مع خروج المهدي.
فقد روى المجلسي رواية استخرجها من كتاب الغيبة للنعماني: عن أبي بصير قال: قال أبو جعفر عليه السلام: <يقوم القائم بأمر جديد وكتاب جديد وقضاء جديد على العرب شديد، ليس شأنه إلا بالسيف لا يستتيب أحدا ولا تأخذه في الله لومة لائم>(1).
وقد روى الكليني في كافيه عن أبي الحسن عليه السلام أنه قال له رجل: قلت له: جعلت فداك إنا نسمع الآيات في القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها ولا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم فهل نأثم فقال لا اقرأوا كما تعلمتم فسيجيئكم من يعلمكم>(2).
قال الكاشاني معلقا على الحديث: أقول يعني به صاحب الأمر عليه السلام(3).
وذكر الكليني في كافيه عن سالم بن سلمة قال: قرأ رجل على أبي عبدالله عليه السلام وأنا أستمع حروفا من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس. فقال أبو عبدالله عليه السلام: كف عن هذه القراءة واقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم عليه السلام فإذا قام قرأ كتاب الله تعالى على حده وأخرج المصحف الذي كتبه علي عليه السلام، وقال: أخرجه علي عليه السلام إلى الناس حين فرغ منه وكتبه، فقال لهم هذا كتاب الله كما أنزله الله على محمد صلى الله عليه وآله وسلم وقد جمعته بين اللوحين فقالوا هوذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه فقال: أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبدا إنما كان علي أن أخبركم حين جمعته لتقرؤوه(1).(2/80)
وقال آية الله الأصفهاني في كتابه (آراء حول القرآن) وهذا القرآن كان عند الأئمة يتلونه في خلواتهم وربما أطلعوا عليه بعض خواصهم كما رواه ثقة الإسلام الكليني عطر الله مرقده بإسناده إلى سالم بن سلمه وذكر الحديث(2).
وقال نعمة الله الجزائري : < روي في الأخبار أنهم عليهم السلام أمروا شيعتهم بقراءة هذا الموجود من القرآن في الصلاة وغيرها والعمل بأحكامه حتي يظهر مولانا صاحب الزمان فيرتفع هذا القرآن من أيدي الناس إلي السماء ويخرج القرآن الذي ألفه أمير المؤمنين (ع) فيقرأ ويعمل بأحكامه>(3).
وقال أبو الحسن العاملي : < إن القرآن المحفوظ عما ذكر الموافق لما أنزله الله تعالى، ما جمعه علي (ع) وحفظه إلى أن وصل إلى ابنه الحسن (ع) وهكذا إلى أن وصل إلى القائم (ع) <المهدي> وهو اليوم عنده صلوات الله عليه>(1).
وقال الحاج كريم خان الكرماني الملقب <بمرشد الأنام>: <إن الإمام المهدي بعد ظهوره يتلو القرآن، فيقول أيها المسلمون هذا والله هو القرآن الحقيقي الذي أنزله الله على محمد والذي حرف وبدل>(2).
وقال علي أصغر البرجردي : <الواجب أن نعتقد أن القرآن الأصلي لم يقع فيه تغيير وتبديل مع أنه وقع التحريف والحذف في القرآن الذي ألفه بعض المنافقين، والقرآن الأصلي الحقيقي موجود عند إمام العصر عجل الله فرجه>(3).
وقال محمد بن النعمان الملقب بالمفيد: <إن الخبر قد صح عن أئمتنا عليهم السلام بقراءة هذا القرآن إلى أن يقوم القائم (ع) فيقرىء الناس على ما أنزل الله تعالى وجمعه أمير المؤمنين (ع)>(4).
انكار القول بتحريف القرآن تقية
وبعد هذه النصوص التي تم إيرادها من كتب علمائهم المعاصرين نخرج بالنتيجة التالية :(2/81)
إن علماء الشيعة جميعهم يقولون بتحريف القرآن الكريم، وأن الصحابة قد حذفوا منه كثيرا من الآيات الدالة على فضائل آل البيت بهدف توليهم للسلطة بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأما ما يصرح به بعض علمائهم اليوم من القول بعدم التحريف إنما هو (تقية) يتقون بها النتائج الخطيرة التي قد تلحق بهم فيما لو صرحوا بهذه العقيدة الخبيثة .
وقد صرح بهذا أحد كبار علمائهم في الهند أحمد سلطان أحمد عندما قال: <إن علماء الشيعة الذين أنكروا التحريف في القرآن لا يحمل إنكارهم إلا على التقية>(1).
وقال نعمة الله الجزائري : <والظاهر أن هذا القول(2) إنما صدر منهم لأجل مصالح كثيرة منها سد باب الطعن عليها بأنه إذا جاز هذا في القرآن فكيف جاز العمل بقواعده وأحكامه مع جواز لحوق التحريف لها>(3).
وقال النوري الطبرسي : < لا يخفى على المتأمل في كتاب التبيان للطوسي أن طريقته فيه على نهاية المداراة والمماشاة مع المخالفين>.
ثم أتى ببرهان ليثبت كلامه إذ قال : < وما قاله السيد الجليل علي ابن طاووس في كتابه <سعد السعود> إذ قال ونحن نذكر ما حكاه جدي أبو جعفر الطوسي في كتابه <التبيان> وحملته التقيه على الاقتصار عليه(1).
وقال السيد عدنان البحراني: < فما عن المرتضى والصدوق والطوسي من إنكار ذلك(2) فاسد>(3).
وقال ميرزا الخوئي في كتابه منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة <إن الأئمة عليهم السلام إنما أمرونا بالرجوع إلى هذا الكتاب الموجود بأيدينا مع ما هو عليه من التحريف والنقصان لأجل التقية والخوف على أنفسهم وشيعتهم، فيكون ما استفدناه حكما ظاهريا بالنسبة إلينا فافهم>(4).
وهذا أبو منصور أحمد الطبرسي في كتابه الاحتجاج: ينقل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: <ولو شرحت لك كلما أسقط وحرف وبدل، مما يجري هذا المجري لطال، وظهر ما تحظر التقية إظهاره من مناقب الأولياء، ومثالب الأعداء>(5).
نسخ التلاوة(2/82)
لقد كان الأجدر بالشيعة الاثنى عشرية عندما ثبت عندهم أن علماءهم يقولون بتحريف القرآن أن يتبرؤا منهم ويكفروهم كما فعل ابراهيم عليه السلام وأصحابه قال تعالى{قد كانت لكم أسوة حسنة في ابراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا ربكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده}(1) ولكن هل فعل الشيعة ما فعله نبي الله ابراهيم؟ كلا.
إنهم ذهبوا يبحثون لهم الأعذار، وأحيانا ينكرون أنهم قالوا ذلك الكفر الصراح مع أن أولئك يثبتونه في كتبهم.
ولما لم يجد الشيعة مخرجا من هذا الخزي رأوا أن السبيل إلى الخروج منه هو اتهام أهل السنة بهذا الكفر عن طريق نسخ التلاوة الذي يقول به أهل السنة.
قال الخوئي : إن القول بنسخ التلاوة هو بعينه القول بالتحريف والإسقاط.
وقال : إن القول بالتحريف هو مذهب أكثر(2) علماء أهل السنة لأنهم يقولون بجواز نسخ التلاوة(3). وصار الآن كثير من الشيعة يلهجون بهذا الكلام، وهذا كلام باطل من وجوه :
أولاً: نسخ التلاوة ثابت بالقرآن الكريم.
- قال تعالى } ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها}(1).
- قال تعالى } وإذا بدلنا آية وكان آية}(2).
- قال تعالى }يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب}(3).
- قال تعالى }ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك}(4).
والنسخ أما أن يكون للفظ أو الحكم أو هما معاً.
ثانياً: إن نسخ التلاوة ثابت في الكتب السماوية السابقة وإلا كانت الشرائع السابقة باقية إلى الآن.
ثالثاً: أكثر علماء الشيعة الذين أنكروا التحريف والذين يتظاهر الشيعة الاثنى عشرية بالتمسك بأقوالهم كالمرتضى وأبى علي الطبرسي صاحب التفسير وشيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي كلهم وغيرهم قالوا بنسح التلاوة .
- قال المرتضى : فصل في جواز نسخ الحكم دون التلاوة ونسخ التلاوة دون الحكم(5).(2/83)
- قال أبو علي الطبرسي: النسخ في القرآن على ضروب ومنها ما يرتفع اللفظ ويثبت الحكم كآية الرجم(6).
- قال أبو جعفر الطوسي : النسخ في القرآن من أقسام ثلاثة: منها ما نسخ لفظه دون حكمه كآية الرجم وهي قوله: <والشيخ والشيخة إذا زنيا (1).
وقال : فصل في ذكر جواز نسخ الحكم دون التلاوة ونسخ التلاوة دون الحكم. جميع ما ذكرناه جائز دخول النسخ فيه(2).
- قال النوري الطبرسي : أعلم أنهم اختلفوا في نسخ التلاوة، فالمنقول عن جمهور الأصوليين هو الجواز بل في نهاية العلامة ذهب إليه أكثر العلماء ونسب الخلاف إلى شاذ من المعتزلة(3).
- وقال محمد باقر المجلسي عندما صحح آية الرجم التي رواها الكليني في كافيه(4) قال: وعدت هذه الآية مما نسخت تلاوتها دون حكمه(5). وغيرهم كثير(6).
رابعا : قد شهد كثير من علماء الشيعة لأهل السنة بأنهم بريئون من القول بتحريف القرآن.
- قال المفيد : واتفقوا (يعني الإمامية) علي أن أئمة الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنة النبي.
وأجمعت المعتزلة والخوارج والزيدية والمرجئة وأصحاب الحديث على خلاف الإمامية(1).
وقد نقل التيجاني عن الخوئي أنه قال: فالمسلمون أخوة سواء كانوا شيعة أم سنة فهم يعبدون الله وحده لا يشركون به شيئا، وقرآنهم واحد ونبيهم واحد(2).
فهنا برأ الخوئي أهل السنة من القول بالتحريف مع أنهم جميعاً يقولون بنسخ التلاوة وهذا لا يخفى على الخوئي.
فهل قال هذا تقية أو كذب عليه التيجاني؟!(3) .
القراءات
وقد لبّس بعض علماء الشيعة على عوامهم بأن أهل السنة يقولون بالتحريف لأنهم يقولون بتعدد القراءات. وهذا يدل على جهلهم وعنادهم فالقراءات السبع ثابتة متواترة وإنكارها كفر صريح. ثم ان علماء الشيعة أنفسهم أثبتوا هذه القراءات.(2/84)
فقد بوب الحر العاملي في موسوعته وسائل الشيعة بابا بعنوان (وجوب القراءة في الصلاة وغيرهما بالقراءات السبعة المتواترة دون الشواذ والمروية)(1).
وقد بوب أيضا أبو جعفر ابن بابويه القمي في كتابه الخصال بابا بعنوان (القرآن نزل على سبعة أحرف) وكتب فيه أحاديث منها:
1- عن حماد بن عثمان قال : قلت لأبي عبدالله عليه السلام: إن الأحاديث تختلف عنكم قال: فقال: إن القرآن نزل على سبعة أحرف وأدنى ما للإمام أن يفتى على سبعة وجوه. ثم قال: {هذا عطاؤنا فأمنن أو أمسك بغير حساب}(2).
2-عن عبدالله الهاشمي عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتاني آت من الله فقال: إن الله عز وجل يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد، فقلت يارب وسع على أمتي... فقال: إن الله عز وجل يأمرك أن تقرأ القرآن على سبعة أحرف(3).
3- وقد نقل صاحب البحار محمد المجلسي عن حفيد المهدي المنتظر ونائبه الخاص أنه قال: إنما القرآن نزل على سبعة أحرف قبل الهجرة من مكة إلى المدينة(1).
4- عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه قال: أنزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف، كاف، أمر، وزجر، وترغيب، وترهيب، وجدل، وقصص، ومثل(2).
5- قال الخميني : الأحوط عدم التخلف عن إحدى القراءات السبع، كما أن الأحوط عدم التخلف عما في المصاحف الكريمة الموجودة بين أيدي المسلمين، وإن كان التخلف في بعض الكلمات مثل <مَلِكِ يوم الدين> و<كُفُواً أحد> غير مضر، بل لا يبعد جواز القراءة بإحدى القراءات(3).
6- قال الخوئي : تجوز قراءة مالك يوم الدين، وملك يوم الدين ويجوز في الصراط بالصاد، والسين، ويجوز في كفواً، أن يقرأ بضم الفاء وبسكونها مع الهمزة، أو الواو.
وقال : الأحوط القراءة بإحدى القراءات السبع، وإن كان الأقوى جواز القراءة بجميع القراءات التي كانت متداولة في زمان الأئمة عليهم السلام(4).
مسألة البسملة(2/85)
وكذا من تلبيسهم أنهم قالوا إن أهل السنة لا يقرأوا البسملة في الفاتحة في صلاتهم فهم قد حرفوا القرآن وهذا باطل لأن أهل السنة لم يختلفوا في اثباتها في المصحف ولكن في قراءتها في الصلاة ثم إن الشيعة أنفسهم أثبتوها في كتبهم.
1- عن مسمع البصري قال : صليت مع أبي عبد الله عليه السلام فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ثم قرأ السورة التي بعد الحمد ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قام في الثانية فقرأ الحمد ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم(1).
2- عن محمد بن علي الحلبي أن أبا عبدالله سئل عمن يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم حين يريد أن يقرأ فاتحة الكتاب.
قال : نعم ، إن شاء سراً ، وإن شاء جهراً فقيل: أفيقرأها مع السور الأخرى؟ قال : لا(2).
وقال الحر العاملي : ذكر الشيخ (يعني الطوسي) وغيره أن هذه الأحاديث محمولة على التقية، وذكر محامل أخرى.
قلت : ولا يسلم لهم ذلك لأن التقية تحرم في البسملة.
- فعن جعفر بن محمد قال : التقية ديني ودين آبائي إلا في ثلاث: في شرب المسكر، والمسح على الخفين، وترك الجهر بسم الله الرحمن الرحيم(3).
المبحث السابع
طعن اليهود والشيعة في الأنبياء وأصحابهم
- طعن اليهود في بعض الأنبياء والحاخامات :
الطعن على أنبياء الله وانتقاصهم سمة بارزة من سمات اليهود، ومن قرأ كتب اليهود وجدها تعج بكثير من المطاعن على أنبياء الله والقدح فيهم ورميهم بأبشع الجرائم مما هم منه براء .
لهذا سأقتصر على ذكر بعض الأمثلة لما جاء في أسفارهم من هذه المطاعن:
فمن التهم الباطلة التي يلصقها اليهود بنبي الله لوط عليه السلام تلك التهمة الجائرة التي زعموا فيها أن لوطاً عليه السلام زنا بابنتيه.
وفيما يلي نص هذه الفرية التي سيجازيهم الله عليها، كما جاءت في الإصحاح التاسع عشر من سفر التكوين .(2/86)
> وصعد لوط من صوغر وسكن في الجبل وابنتاه معه، لأنه خاف أن يسكن في صوغر، فسكن في المغارة هو وابنتاه، وقالت البكر للصغيرة، هلم نسقي أبانا خمرا ونضطجع معه، فنحيي من أبينا نسلا، فسقتا أباهما خمرا في تلك الليلة ودخلت البكر واضطجعت مع أبيها، ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها، وحدث في الغد أن البكر قالت للصغيرة إني قد اضطجعت البارحة مع أبي، نسقيه خمرا الليلة أيضا فادخلي اضطجعي معه، فنحيي من أبينا نسلا، فسقتا أباهما خمرا في تلك الليلة أيضا وقامت الصغيرة واضطجعت معه ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها، فحبلت ابنتا لوط من أبيهما>(1). سبحانك هذا بهتان عظيم.
أما رسول الله هارون عليه السلام، فقد افتروا عليه أعظم فرية، حيث زعموا أنه صنع لبني إسرائيل عجلا من الذهب ليعبدوه، عندما تأخر عليهم موسى عليه السلام في الجبل :
جاء في سفر الخروج: <ولما رأى الشعب أن موسى قد أبطأ في النزول من الجبل اجتمع الشعب على هارون وقالوا له: قم اصنع لنا آلهة تسير أمامنا، لأن هذا موسى الرجل الذي أصعدنا من أرض مصر لا نعلم ماذا أصابه. فقال لهم هارون انزعوا أقراط الذهب التي في آذان نسائكم وبنيكم وبناتكم وأتوني بها، فنزع كل الشعب أقراط الذهب التي في آذانهم وأتوا بها إلى هارون، فأخذ ذلك من أيديهم وصوره بالإزميل وصنعه عجلا مسبوكا، فقالوا هذه آلهتك ياإسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر>(2).
أما داود عليه السلام فيرمونه بالزنا بامرأة أحد ضباط جيشه، ثم تدبيره بعد ذلك مقتل زوج هذه المرأة بعد علمه بأن هذه المرأة قد حملت منه.(2/87)
جاء في سفر صموئيل الثاني : <وكان وقت المساء أن داود قام من سريره وتمشى على سطح بيت الملك، فرأى من على السطح امرأة تستحم، وكانت المرأة جميلة المنظر جدا، فأرسل داود وسأل عن المرأة فقال واحد: أليست هذه (بتشبع) بنت أليعام امرأة (أوريا) الحثي فأرسل داود رسلا وأخذها، فدخلت إليه فاضطجع معها وهي مطهرة من طمثها، ثم رجعت إلى بيتها وحبلت المرأة، فأرسلت وأخبرت داود وقالت إني حبلى... وفي الصباح كتب داود مكتوبا إلى يوآب(1) وأرسله بيد أوريا وكتب في المكتوب يقول: اجعلوا أوريا في وجه الحرب الشديدة، وارجعوا من ورائه فيضرب ويموت.. فلما سمعت امرأة أوريا أنه قد مات أوريا رجلها، ندبت بعلها، ولما مضت المناحة أرسل داود وضمها إلى بيته وصارت له امرأة وولدت له ابنا>(2).
ففي هذا النص قد نسبوا إلى نبي الله داود عليه السلام الزنا، بامرأة رجل كان يجاهد في جيشه، ثم تآمره على قتل هذا الرجل غدرا، جريمتان كبيرتان لا يستحي اليهود من إلصاقهما بنبي الله داود في الكتاب الذي يدعون قداسته وأنه وحي من الله.
أما سليمان عليه السلام فتصوره أسفار اليهود ملكا مرفها، كان همه إشباع رغباته النفسية، بكثرة المآكل والمشارب، وبكثرة النساء اللاتي صرفنه في آخر حياته عن عبادة الله إلى عبادة الأوثان كما زعموا.
ففي سفر الملوك الأول: <وأحب الملك سليمان نساء غربية كثيرة مع بنت فرعون: موآبيات، وعمونيات، وأدوميات، وصيدونيات، وحِثّيَّات من الأمم الذين قال عنهم الرب لبني إسرائيل: لا تدخلوا إليهم وهم لا يدخلون إليكم لأنهم يميلون قلوبكم وراء آلهتهم، فالتصق سليمان بهؤلاء بالمحبة، وكانت له سبعمائة من النساء السيدات وثلاثمائة من السراري فأمالت نساؤه قلبه، وكان في زمان شيخوخة سليمان أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى، ولم يكن قلبه كاملا مع الرب إلهه، كقلب داود أبيه>(3)،(4).
أما عيسى وأمه عليهما السلام، فلم يترك اليهود جريمة إلا ألصقوها بهما.(2/88)
فقد كذبوا المسيح عيسى ابن مريم وعدّوه كافرا مرتداً ووصفوه وأمه بأقبح الأوصاف وأشنعها.
وفيما يلي نماذج مما جاء في كتب اليهود من الطعن في المسيح وأمه عليهما السلام:
جاء في التلمود : < إن المسيح كان ساحرا ووثنيا>(1).
وجاء في موضع آخر منه <إن المسيح كان مجنونا>(2).
ولم يكتف اليهود بتكفير عيسى عليه السلام، ووصفهم له بأنه مرتد ساحر مجنون، بل طعنوا في نسبه وزعموا ظلما وبهتانا أن أمه أتت به عن طريق الزنا، فهو عندهم ابن غير شرعي.
جاء في التلمود : <إن يسوع الناصري موجود في لجات الجحيم بين القار والنار، وقد أتت به أمه من العسكري (باندار) عن طريق الخطيئة>(3).
- طعن اليهود في أصحاب الأنبياء:
وقد جاء في أسفار اليهود أيضا ذم الأنبياء والكهنة، ووصفهم بالكذب وشرب الخمر.
في سفر إشعيا < الكاهن والنبي ترنحا بالمسكر، ابتلعتهما الخمر، تاها من المسكر، ضلا في الرؤيا وفي القضاء>(1).
وفي سفر إرميا < لأن الأنبياء والكهنة تنجسوا جميعاً، بل في بيتي وجدت شرهم يقول الرب>(2).
- طعن الشيعة الاثنى عشرية في الأنبياء :
سأل المأمونُ الرضا عليه السلام عن قول الله : {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه}(3) .
قال الرضا: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قصد دار زيد بن حارثة في أمر أراده فرأى' امرأته تغتسل فقال لها: <سبحان الذي خلقك>(4).
وفي تفسير علي بن إبراهيم القمي عن أبي جعفر: أن زينب مكثت عند زيد ما شاء الله ثم إنهما تشاجرا في شيء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنظر إليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأعجبته(5)
فانظر أخي القارئ كيف يطعنون برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. إذ كيف ينظر إلى زوجة رجل مسلم وهي تستحم ثم يعجب بها؟!
وقريباً من هذه الحكاية ذكر الكليني في الكافي :(2/89)
عن إسماعيل بن إبراهيم صلى الله عليهما وسلم أنه نظر إلى امرأةٍ من حِمْيَر أعجبه جمالُها فسأل الله عز وجل أن يزوجها إيَّاه ! وكان لها بَعْل فقضى الله على بعلها بالموت! وأقامت بمكة حزنا على بعلها فأسلى الله ذلك عنها وزوجها إسماعيل(1).
عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال: كان رسول الله لا ينام حتى يضع وجهه بين ثديي فاطمة(2). وفاطمة امرأة كبيرة فكيف يضع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجهه بين ثدييها رضي الله عنها.
ذكر الكليني في كافيه رواية عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: <إن ذلك الحمار(3) كلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : بأبي أنت وأمي إن أبي حدثني(4) عن أبيه عن جدِّه عن أبيه أنه كان مع نوح في السفينة فقام إليه نوح فمسح على كفله ثم قال: يخرج من صلب هذا الحمار حمار يركبه سيد النبيين وخاتمهم، فالحمد لله الذي جعلني ذلك الحمار(5).
روى النعماني عن الإمام محمد الباقر عليه السلام أنه قال: لما يظهر الإمام المهدي يؤيده الله بالملائكة وأول من يبايعه محمد عليه الصلاة والسلام ثم علي عليه السلام، وروى الشيخ الطوسي والنعماني عن الإمام الرضا عليه السلام أن من علامات ظهور المهدي أنه سيظهر عاريا أمام قرص الشمس>(1).
فانظر ياأخي رحمك الله كيف يهينون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويدعون كذبا وزوراً أنه سيبايع المهدي، ثم يفترون على المهدي أيضا أنه سيظهر عريانا هكذا بدون ثياب. أي دين هذا؟
ثم نسبت الشيعة كذبا وزوراً إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:
> من تمتع مرة كانت درجته كدرجة الحسين، ومن تمتع مرتين فدرجته كدرجة الحسن، ومن تمتع ثلاث مرات كانت درجته كدرجة علي ابن أبي طالب، ومن تمتع أربع مرات فدرجته كدرجتي>(2).(2/90)
أفدرجة الحسين رضي الله عنه هينة إلى هذا الحد - إننا أهل السنة والجماعة نعتقد أن الرجل مهما عَبَدَ الله بشتى أنواع العبادات العظيمة فإنه لا يستطيع بحال أن يبلغ درجة أدنى فرد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكيف بسيد شباب أهل الجنة وسبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم كيف بدرجة أخيه الأكبر الحسن ودرجة والده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رابع الخلفاء الراشدين المهديين رضي الله عنهم.
وأما سيد الأولين والآخرين وأفضل الرسل أجمعين، فاللهم إنا نبرأ إليك مما يدعي هؤلاء ونكل أمرهم إليك، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وذكر الكليني عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: <لما مات عبدالله ابن أبي بن سلول حضر النبي صلى الله عليه وآله وسلم جنازته فقال عمر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألم ينهك الله أن تقوم على قبره فسكت، فقال: يارسول الله، ألم ينهك الله أن تقوم على قبره فقال له: ويلك ما يدريك ما قلت؟ إني قلت: اللهم احش جوفه نارا واملأ قبره ناراَ وأصله ناراً>(1).
كيف تفتري الشيعة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث يدعون كذباً وزورا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى على المنافق ولكنه في صلاته لم يدع له إنما دعى عليه - وهذا كما لا يخفى أنه من أعمال النفاق ونسبة النفاق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إهانة عظمى في حقه صلى الله عليه وآله وسلم(2) .
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أنه كان ينام مع عائشة زوجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في فراش واحد ولحاف واحد(3).
عن الرضا عليه السلام قال: قال الله لآدم هؤلاء من ذريتك (محمد وعلي وفاطمة، والحسن والحسين) وهم خير منك ومن جميع خلقي ، ولولاهم ماخلقتك، ولا خلقت الجنة والنار، ولا السماء والأرض ، فإيّاك أن تنظر إليهم بعين الحسد فأُخرجك عن جواري.(2/91)
فنظر إليهم بعين الحسد! وتمنى منزلتهم ، فتسلَّط عليه الشيطان حتى أكل من الشجرة التي نُهِى عنها ، وتسلط على حواء لنظرها إلى فاطمة بعين الحسد! حتى أكلت من الشجرة(4).
قلت: لِمَ إذاً عاقبهما الله على الأكل من الشجرة كما ذكر في القرآن إذا كان أصل العقوبة لنظرهما إلى الأئمة بعين الحسد؟ .
عن الرضا عن آبائه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن موسى سأل ربه فقال: يارب اجعلني من أمة محمد فأوحى الله إليه يا موسى إنك لا تصل إلى ذلك(1).
موسى لا يستحق أن يكون فرداً من أمة محمد. وأمة محمد هم الشيعة طبعاً ، والشيعة كلهم أفضل من موسى !! .
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: وكذَّب الأنبياء والمرسلين (أي إن الله كذبهم) كذَّب إخوةَ يوسف حيث قالوا: <أكله الذئب> وهم أنبياء مرسلون إلى الصحراء(2)
ورووا أن الله أوحى' إلى داود عليه السلام إني قد غفرت ذنبك وجعلت عار ذنبك على بني إسرائيل.
فقال: كيف يارب وأنت لا تظلم؟ قال: إنهم لم يعاجلوك بالنكرة(3).
عن أبي عبدالله قال: إن يوسف عليه السلام لما قدم عليه الشيخ يعقوب دخله عِزُّ الملك فلم ينزل إليه. فهبط جبريل فقال: يايوسف ابسط راحتك فخرج منها نور ساطع فصار في جو السماء.
فقال يوسف: ياجبريل ماهذا النور الذي خرج من راحتي؟
قال: نزعت النبوة من عقبك عقوبة لَمّا لَمْ تنزل إلى الشيخ يعقوب فلا يكون من عقبك نبي(4).
عن أبي جعفر عليه السلام قال: وقد كان في الرسل ذكرى للعابدين إنَّ نبياً من الأنبياء كان يستكمل الطاعة ثم يعصي الله تبارك وتعالى في الباب الواحد فخرج به من الجنة وينبذ به في بطن الحوت ثم لا ينجيه إلا الاعتراف والتوبة(1).
عن أبي عبدالله قال: إن نَبياً أراد أن يراجع الله في عذاب قومه فقال الله له: لترجعن عما تصنع أن تراجعني في أمر قد قضيته أو لأَرُدّنَّ وجهك على دُبرك(2).(2/92)
عن أبي جعفر عليه السلام: ودخل حزقيلَ النبيَّ العُجْب فقال في نفسه: ما فضل سليمان النبيَّ عليَّ وقد أعطيت مثل هذا؟ قال: فخرجت على كبده قرحه فآذته(3).
إن بعض أنبياء بني إسرائيل شكا إلى الله قسوة القلب وقلة الدمع(4).
وعن علي بن الحسين قال: يا أيتها الحوت. فأطلع الحوتُ رأسَه من البحر مثل الجبل العظيم وهو يقول: لبيك لبيك ياوليَّ الله... فقال: مَن أنت؟ قال: أنا حوت يونس ياسيدي. قال: أنبئنا بالخبر. قال: ياسيدي إن الله لم يبعث نبيا إلا وقد عرض عليه وِلايتكم أهل البيت فمن قَبِلها من الأنبياء سَلَمَ وتَخَّلص، ومن تَوقَّف عنها وتَمَنَّع في حملها لقي ما لقي آدم من المعصية! ومالقي نوح من الغرق! وما لقي إبراهيم من النار! وما لقي يوسف من الجب! وما لقي أيوب من البلاء! وما لقي داود من الخطيئة ! إلى أن بَعَثَ يونس فأوحى' إليه أن يا يونس تَولَّ أمير المؤمنين علياً والأئمة الراشدين من صُلبه.
قال: كيف أتولَّى' من لَم أَره ولَم أعرفه؟ وذهب مغتاظا ً ! فأوحى الله إليَّ: أن التقمي يونس ولا توهني له عظماً ، فمكث في بطني أَربعين صباحاً يطوف معي البحار في ظلماتٍ ثلاث ينادي <لا إله إلا أنت سبحانك إنِّي كنت من الظالمين> قد قبلت ولاية أمير المؤمنين والأئمة الراشدين.(1)
عن أبي جعفر الباقر قال: لما صعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء..... ثم قال محمد صلى الله عليه وآله وسلم: أين أبي إبراهيم؟ فقالوا له: هو مع أطفال الشيعة فدخل الجنة فإذا هو تحت الشجرة لها ضروع كضروع البقر فإذا انفلت الضرعُ من فم الصبي قام إبراهيم فردَّ عليه. قال فسلم عليه وسأله عن عليِّ. فقال: خلَّفته في أُمَّتي. قال: نِعْم الخليفة خَلَّفْت. أما إن الله فرض على الملائكة طاعته وهؤلاء أطفال شيعته سألت الله عز وجل أن يجعلني القائم عليهم ففعل.(2)
الله أكبر: كَبُرت كلمة تخرج من أفواهكم إن تقولون إلا كذبا.(2/93)
آإبراهيم يعمل مُربِّية لأطفال الشيعة؟! قَبَّح الله من يُصدق هذا . عن الصادق عليه السلام قال: وكان داود عليه السلام قد بعث أوريا في بعث فصعد داود الحائط ليأخذ الطير وإذا امرأة أوريا تغتسل فلما رأت ظِلَّ داود نشرت شعرها وغطت به بدنها فنظر إليها داود وافتتن بها (فكتب داود إلى قائد جيشه) ضَع التابوت بينك وبين عدوك وقَدِّم أوريا بن حنان بين يدي التابوت فَقَدَّمَه وقتل . ثم تزوج داود أوريا وأنجبت له سليمان عليه السلام(3)،(4). وهذه القصة نفسها التي ذكرها اليهود كما مر ولكنهم زادوا على اليهود لأن اليهود قالوا وَلَدَت له ابنا أي من الزنا ولم تعينه، أما الشيعة فعينوا ولد الزنا وأنه سليمان عليه السلام.
إهانة الشيعة الاثنى عشرية أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم
أولاً: طعن الشيعة الاثنى عشرية في بنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
اتفق سائر أهل السنة والجماعة على أن عدد بنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم أربع: السيدة زينب والسيدة رقية والسيدة أم كلثوم والسيدة فاطمة رضي الله عنهن وكذا ذهب إليه عامة الشيعة أيضا، إلا أن بعضهم(1) أنكر البنات الثلاث وأثبتوا لرسول الله بنتاً واحدة فقط وهي السيدة فاطمة الزهراء وأما الثلاث الباقيات فأنكروا بنوتهن لرسول الله وخالفوا صريح القرآن {ادعوهم لآبائهم}(2) لعداوتهم لبني أمية وذلك أن هؤلاء البنات كن عند بني أمية فرقية وأم كلثوم تزوجهما عثمان وزينب تزوجها العاص بن الربيع.
قال تعالى{يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين}(3) فالله ذكر البنات بصيغة الجمع التي تدل على تعدد بناته صلى الله عليه وآله وسلم وفي كتب علماء الشيعة: تزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم خديجة وهو ابن بضع وعشرين سنة فولد له منها قبل مبعثه القاسم ورقية وزينب وأم كلثوم وولد له منها بعد مبعثه الطيب والطاهر وفاطمة عليها السلام(4).(2/94)
وكذا أقوال الأئمة المعصومين عند الشيعة وعلمائهم صريحة في تعدد بنات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي مسجلة في الكتب الآتية وهي كلها للشيعة:
- مجالس المؤمنين ص 38 .
- التهذيب الجزء الأول ص 451 .
- تفسير مجمع البيان الجزء الثاني ص 332 .
- الكافي الجزء الأول ص 934 .
- فيض الإسلام ص 915 .
- نهج البلاغة الجزء الثاني ص 58 .
- قرب الأسناد ص 6 .
- تحفة العوام للسيد أحمد علي ص 311 .
- حيات القلوب الجزء الثاني ص28: 955، 322، 065.
- منتهى الآمال الجزء الأول ص 98 .
- مرآة العقول الجزء الأول ص 253(1) .
وذكر أحمد بن أبي طالب الطبرسي أيضا في الاحتجاج: فقال سلمان: فلما كان الليل حمل علي فاطمة على حمار وأخذ بيد ابنيه الحسن والحسين فلم يدع أحداً من أهل بدر من المهاجرين ولا من الأنصار إلا أتى منزله وذكر حقه ودعا إلى نصرته... فأصبح لم يوافه منهم أحد غير أربعة، قلت لسلمان: من الأربعة؟ قال: أنا وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوام، أتاهم من الليلة الثانية... ثم الثالثة فما وفى أحد غيرنا(2).
أفليس تجوال علي بن أبي طالب ببضعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة الزهراء عليهما السلام وأخذها إلى باب كل فرد من المسلمين فيه إهانة للزهراء ولزوجها رضي الله عنهما أيضاً.
ثانيا : إهانة أمهات المؤمنين أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم
أما موقف الشيعة من أمهات المومنين فإنهم يعادونهن ويناصبونهن العداء ، خاصة عائشة وحفصه رضي الله عنهما وقد نسبوا لعلي بن أبي طالب دعاء زورا وبهتانا ويسمى الدعاء بدعاء (صنمى قريش) يعنون بهما: أبا بكر وعمر وابنتيهما رضي الله عنهم أجمعين.
وهذا الدعاء موجود في أكثر من كتاب من كتبهم ولكن المرجع الأصلي له على ما يذكرون كتاب يقال له (مفتاح الجنان) - وهذا الكتاب موجود لدي - وهذا هو نص الدعاء كما جاء في هذا الكتاب:
( هذا دعاء صنمي قريش من كلام أمير المؤمنين)(2/95)
> اللهم صل على محمد وآل محمد والعن صنمي قريش وجبتيهما وطاغوتيها وأفكيها وابنتيهما اللذين خالفا أمرك وأنكرا وحيك وجحدا إنعامك وعصيا رسولك وقلبا دينك وحرفا كتابك وأحبا أعداءك وجحدا آلاءك وعطلا أحكامك وأبطلا فرائضك وألحدا في آياتك وعاديا أولياءك وواليا أعداءك وخربا بلادك وأفسدا عبادك. اللهم العنهما وأتباعهما وأولياءهما وأشياعهما ومحبيهما وأنصارهما، اللهم ألعنهما في مكنون السر وظاهر العلانية لعنا كثيرا أبدا دائما سرمداً لا انقطاع لأمده ولا نفاذ لعدده لعنا يعود أوله ولا يروح آخره لهم ولأعوانهم وأنصارهم ومحبيهم ومواليهم والمسلمين لهم والمائلين إليهم والناهضين باحتجاجهم والمقتدين بكلامهم والمصدقين بأحكامهم (قل أربع مرات اللهم عذبهم عذابا يستغيث منه أهل النار آمين رب العالمين)(1).
وهذا الدعاء قد جاء أيضا في كتاب (تحفة عوام مقبول).
وهذا الكتاب موثق من جماعة من كبار علماء الشيعة جاء ذكر أسمائهم على أول صفحة منه(2).
أما فضل هذا الدعاء عندهم فيوضحه محسن الكاشاني في الرواية التي ينسبها - ظلما وجوراًً - إلى ابن عباس <أنّ علياًً عليه السلام كان يقنت بهذا الدعاء في صلواته وقال: إن الداعي به كالرامي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بدر وأحد وحنين بألف ألف سهم>(3).
وزيادة على هذا فإنهم زعموا أن قائمهم المزعوم عندما يأتي يجلد عائشة رضي الله عنها الحد وينتقم لفاطمة رضي الله عنها.
روى المجلسي عن عبدالرحيم القصير عن أبي جعفر أنه قال - وهو برىء من ذلك - <أما لو قام قائمنا لقد ردت إليه الحميراء حتى يجلدها الحد، وحتى ينتقم لابنة محمد فاطمة عليها السلام منها، قلت: ولم يجلدها الحد؟ قال لفريتها على أم ابراهيم رضي الله عنها قلت فكيف أخره الله للقائم عليه السلام، فقال له: إن الله تبارك وتعالى بعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم رحمة وبعث القائم نقمة>(4)،(5).(2/96)
وقد أفرد صاحب الصراط المستقيم - قبحه الله - فصلين خاصين في الطعن على عائشة وحفصة رضي الله عنهما وأرضاهما، سمى الفصل الأول (فصل أم الشرور) يعني بها عائشة رضي الله عنها.
وقد أورد تحت هذا الفصل كثيراً من المطاعن والقدح في الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها وعن أبيها.
وأما الفصل الثاني فقد خصصه للطعن في حفصة رضي الله عنها وعن أبيها وجعل عنوانه (فصل في اختها حفصة)(1)، وقد أسند العياشي إلى جعفر الصادق - زوراً وبهتاناً - القول في تفسير قوله تعالى: {ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا}(2).
قال: التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا: عائشة، وهي نكثت إيمانها(3).
وزعم الشيعة أيضا أن لعائشة رضي الله عنها باباً من أبواب النار تدخل منه:
فقد أسند العياشي إلى جعفر الصادق - رحمه الله - وحاشاه مما نسب الشيعة إليه - أنه قال في تفسير قوله تعالى حكاية عن النار: {لها سبعة أبواب}(4) <يؤتي بجهنم لها سبعة أبواب... والباب السادس لعسكر... الخ>(5). وعسكر كناية عن عائشة رضي الله عنها كما زعم ذلك المجلسي(1). ووجه الكناية عن اسمها بعسكر؛ كونها كانت تركب جملا - في موقعة الجمل - يقال له عسكر. كما ذكر ذلك المجلسي أيضا.
ولم يكتف الشيعة بذلك، بل لقبوا عائشة في كتبهم بـ <أم الشرور>(2)، وبـ<الشيطانة>(3).
وزعموا أنها كانت تكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(4)، وأن لقبها <حميراء> من الألقاب التي يبغضها الله تعالى(5).
فعائشة رضي الله عنها إذاً كافرة عند الشيعة، وليست من أهل الإيمان، وهي عندهم من أهل النار.
وقد زعم الشيعة أن قوله تعالى {ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين}(6) مَثَلٌ ضربه الله لعائشة وحفصة رضي الله عنهما.
وقد فسر بعضهم الخيانة بارتكاب الفاحشة - والعياذ بالله تعالى: -(2/97)
قال القمي في تفسير هذه الاية: <والله ما عنى بقوله: {فخانتاهما} إلا الفاحشة(7)، وليقيمن الحد على (عائشة)(8) فيما أتت في طريق (البصرة)(1) وكان طلحة(2) يحبها، فلما أرادت أن تخرج إلى البصرة(3) قال لها فلان: <لا يحل لك أن تخرجي من غير محرم، فزوجت نفسها من (طلحة)(4)،(5).
ووجه إقامة الحد عليها - على حد زعم الشيعة - كونها زوجت نفسها من آخر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، مع حرمة ذلك؛ فالله تعالى قد حرم نكاح أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بعده أبداً .
فمن هي التي ارتكبت الفاحشة ، وتزوجت طلحة من بين زوجات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي في طريقها الى البصرة - كما زعم الشيعة - ؟! .
المثل مضروب لعائشة وحفصة معا - على حد قول الشيعة المتقدم -
وحفصة لم تخرج إلى البصرة، والتي خرجت هي عائشة رضي الله عنها بإجماع الشيعة، فهي إذاً التي يقام عليها الحد - كما زعم الشيعة - لتزويجها نفسها من طلحة، مع حرمة ذلك عليها(6)؟!(2/98)
وذكر أحمد بن أبي طالب الطبرسي في الاحتجاج أن الإمام علياً عليه السلام قال عن عائشة أم المؤمنين: والله ما أراني إلا مطلقها. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: (ياعلي أمر نسائي بيدك من بعدي)(7) أي لعلي الحق بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (والعياذ بالله) أن يطلق من يشاء من زوجاته صلى الله عليه وآله وسلم الطاهرات المطهرات - لقد اخترعت الشيعة كذباً وإفكاً مثل هذه الروايات تنقيصا لمكانة الصديقة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها خاصة ولمكانة أمهات المؤمنين زوجاته صلى الله عليه وآله وسلم مع أن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم اللاتي أثنى عليهن الله في القرآن الكريم. فقال مخاطبا نبيه صلى الله عليه وآله وسلم في شأن أزواجه هؤلاء {لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيبا}(1) وقال تعالى:{النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} (2) وقال تعالى : {يانساء النبي لستن كأحد من النساء}(3) الاية.
ونزلت في حقهن رضي الله عنهن {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا}(4) وخاصة السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها حيث أنزل الله عز وجل آيات سورة النور في طهارتها وعفتها وكمالها، وهي صريحة في أن من يطعن فيها بالإفك ويخترع الروايات الكاذبة للطعن فيها فإنه من عصبة المنافقين يقول الله تعالى في آخرها: {يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين}(5).
كيف يتجرأ هؤلاء الشيعة ولا يستحيون من الله ولا من عباده فيهينون أزواجه صلى الله عليه وآله وسلم فإنه لا يرضى زوج أبدا أن يتعرض أحد لزوجته أو يطعن فيها ويذلها بأي صورة كانت بل إن الرجل الشهم ربما يتحمل ذل نفسه لسبب ما ولكن لا يمكن أن يتحمل الذل والإهانة والطعن في زوجته وأهله(6).(2/99)
ولم يكتف الشيعة بهذا ، بل نسبوا إليها أقوالا في غاية الخسة والبذاءة، وقد ترددت في ذكرها، وهممت ألا أكتبها، لولا ما ألزمت به نفسي من إعطاء صورة واضحة مختصرة عن نظرة الشيعة إلى الصحابة رضي الله عنهم، لذا فإني اذكر بعضها، وأعرض عن بعضها الآخر.
فلقد ذكر رجب البرسي - وهو من علمائهم - أن <عائشة جمعت أربعين ديناراً من خيانة وفرقتها على مبغضي علي>(1).
وذكر أحمد بن علي الطبرسي - وهو من علمائهم أيضا - أن عائشة <زينت يوما جارية كانت عندها، وقالت: لعلنا نصطاد بها شابا من شباب قريش بأن يكون مشغوفا بها>(2).
فقاتلهم الله كيف حفظوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في زوجته وأحب الناس إليه، لقد رموها بأشد مما رماها به رأس المنافقين وأتباعه في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ثالثاً : إهانة علي بن أبي طالب رضي الله عنه
1- عن علي بن أبي طالب قال سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس له خادم غيري ، وكان له لحاف ليس له لحاف غيره ، ومعه عائشة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينام بيني وبين عائشة ليس علينا ثلاثتنا لحاف غيره ، فإذا قام إلى صلاة الليل يحط بيده اللحاف من وسطه بيني وبين عائشة حتى يمس اللحاف الفراش الذي تحتنا(1).
أقرأتم هذه الرواية الخبيثة التي تطعن برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وعائشة وجعلوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يغار على عرضه.
والأدهى من ذلك ، أنهم يروون في الكافي عن أبي عبدالله قال في الرجل والمرأة يوجدان في لحاف واحد: يجلدان مائة جلدة(2).
2- عن علي بن أبي طالب قال : أنا جَنْبُ الله وكلمته وقَلْبُ الله وبابه الذي يؤتى منه <ادخلوا الباب سجدا أغفر لكم خطاياكم وأزيد المحسنين، وبي وعلى يدي تقوم الساعة وفي يرتاب المبطلون وأنا الأول والآخر والظاهر والباطن وبكل شيء علي (3).(2/100)
3- عن أبي عبد الله قال : أُتي عمر بن الخطاب بامرأة قد تعلقت برجل من الأنصار كانت تهواه فأخذت بيضة وصبت البياض على ثيابها وبين فخذيها فقام علي فنظر بين فخذيها فاتهمها(4).
قلت : هذا كذب إذ كيف ينظر علي رضي الله عنه وكرم وجهه بين فخذي امرأة غريبة عنه.
وهل يطبق الشيعة اليوم هذا الفقه؟! ومن الذي يسيء لعلي الشيعة أم السنة؟
رابعا : الطعن في باقي أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم
1- الحسين بن علي 2- العباس بن أبي طالب 3- عقيل بن أبي طالب 4- عبد الله بن عباس 5- محمد بن علي بن أبي طالب 6- أولاد الحسن بن علي 7- علي بن الحسين (زين العابدين) 8- محمد بن علي (الباقر) 9- زيد بن علي بن الحسين 10- جعفر بن محمد (الصادق) 11- موسى بن محمد الجواد 12- جعفر بن علي العسكري.
روى الكليني عن أبي عبدالله عليه السلام أن رجلا من المنافقين مات فخرج الحسين بن علي صلوات الله عليهما يمشي معه فلقيه مولى له فقال له الحسين عليه السلام: أين تذهب يافلان؟ فقال: أفر من جنازة هذا المنافق أن أصلي عليها، فقال له الحسين عليه السلام: انظر أن تقوم على يميني فما تسمعني أقول فقل مثله، فلما أن كبر عليه وليه قال الحسين: الله أكبر، اللهم العن فلاناً عبدك ألف لعنة مؤتلفة غير مختلفة اللهم اخز عبدك في عبادك وبلادك وأصله نارك وأذقه أشد عذابك فإنه كان يتولى أعداءك ويعادي أولياءك ويبغض أهل بيت نبيك(1).
انظر وفقك الله للخير كيف تجترىء الشيعة فيفترون على الحسين رضي الله عنه مع ادعائهم محبته بأنه صلى على رجل فدعا عليه ولعنه مع أن الصلاة لا تكون إلا للدعاء وطلب المغفرة والرحمة.. فينسبون بذلك النفاق إلى الحسين كذبا وزوراً ونعوذ بالله أن يكون الحسين على هذا الشأن من النفاق والمداهنة. أفتبنى الأديان على النفاق؟ إذن لما احتاج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى تحمل الأذى والمصائب من المشركين واليهود وغيرهم .(2/101)
وروى الكليني أن سديراً قال : كنا عند أبي جعفر عليه السلام فذكرنا ما أحدث الناس بعد نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم، واستذلالهم أمير المؤمنين عليه السلام فقال رجل من القوم: أصلحك الله فأين كان عز بني هاشم وما كانوا فيه من العدد؟ فقال أبوجعفر عليه السلام: ومن كان بقي من بني هاشم إنما كان جعفر وحمزة فمضيا وبقي معه رجلان ضعيفان ذليلان حديثا عهد بالإسلام عباس وعقيل(1).
وروى الكليني عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: بينا أبي جالس وعنده نفرٌ إذ استضحك حتى أغرورقت عيناه دموعاً ثم قال: هل تدرون ما أضحكني؟ قال: فقالوا: لا قال: زعم ابن عباس أنه من الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا. فقلت له: هل رأيت الملائكة ياابن عباس تخبرك بولايتها لك في الدنيا والآخرة مع الأمن من الخوف والحزن، قال فقال إن الله تبارك وتعالى يقول:{إنما المؤمنون إخوة}(2) وقد دخل في هذا جميع الأمة.. قال: فاستضحكت ثم تركته يومه ذلك لسخافة عقل ثم لقيته فقلت ياابن عباس ما تكلمت بصدق مثل أمس قال لك علي بن أبي طالب (ع) أن ليلة القدر في كل سنة وأنه ينزل في تلك الليلة أمر السنة وأن لذلك الأمر ولاة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله فقلت من هم فقال: أنا وأحد عشر من صلبي أئمة محدثون فقلت: لا أراها كانت إلا مع رسول الله فتبدأ لك الملك الذي يحدثه فقال: كذبت ياعبدالله رأت عيناي الذي حدثك به علي ولم تره عيناه ولكن دعا قلبه وقر في سمعه ثم صفقك بجناحه فعميت قال: فقال: ابن عباس ما أختلفنا في شيء فحكمه إلى الله فقلت: له فهل حكم الله في حكم من حكمه بأمرين قال: لا فقلت هنا هلكت وأهلكت(1).
وعن زين العابدين عليه السلام بسند معتمد أن هذه الآية {من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا} نزلت في حق عبدالله بن عباس وأبيه(2).(2/102)
عن عمران بن هيثم عن أبيه قال: أتت إمرأة مجح(3) إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقالت: ياأمير المؤمنين: أني زنيت فطهرني... فأمر أن يحفر لها حفرة ثم دفنها فيها ثم ركب بغلته وأثبت رجليه في غرز الركاب ثم وضع إصبعيه السبابتين في أذنيه ثم نادى بأعلى صوته ياأيها الناس إن الله تبارك وتعالى عهد إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم عهدا عهده محمد صلى الله عليه وآله وسلم إليَّ بأنه لا يقيم الحد من لله عليه حدٌ فمن كان عليه حدٌ مثل ماعليها فلا يقيم عليها الحد، قال: فانصرف الناس يومئذ كلهم ما خلا أمير المؤمنين عليه السلام والحسن والحسين عليهما السلام فأقام هؤلاء الثلاثة عليها الحد يؤمئذ ما معهم غيرهم قال: وانصرف فيمن انصرف يومئذ محمد ابن أمير المؤمنين عليه السلام(4).
وهنا محمد بن علي بن أبي طالب أيضا لم يسلم من الطعن، ورموه بتجهم بأبشع ما يرمى به مسلم ألا وهو العرض، حيث اتهموه أنه لم يكن من المشاركين في رمي الزاني لأنه عليه حد مثله.
وعن الحسين بن أبي العلا، قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: وعندي الجفر الأحمر، قال: قلت: وأي شيء في الجفر الأحمر، قال: السلاح وذلك إنما يفتح للدم يفتحه صاحب السيف للقتل، فقال له عبدالله ابن أبي يعفور: أصلحك الله أيعرف هذا بنو الحسن؟ فقال: إى والله كما يعرفون الليل أنه ليلٌ والنهار أنه نهار ولكنهم يحملهم الحسد وطلب الدنيا على الجحود والإنكار، ولو طلبوا الحق بالحق لكان خيراً لهم(1).
وعن بريد بن معاوية قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ان يزيد بن معاوية دخل المدينة وهو يريد الحج... ثم ارسل إلى علي بن الحسين عليه السلام فقال له مثل ما قال للقريشي فقال له علي بن الحسين عليه السلام أرأيت أن لم أقر لك أليس تقتلني كما قتلت الرجل بالأمس فقال له يزيد: بلى، فقال له علي بن الحسين عليه السلام: قد أقررت لك بما سألت أنا عبد مكره فإن شئت فأمسك وإن شئت فبع(2).(2/103)
كيف يعترف الإمام المعصوم عند الشيعة بعبوديته ليزيد وهو من هو؟ وأين هو من أبيه لم لم يفعل كفعله؟
وعن عبيد الله الدابقي قال : دخلت حماما بالمدينة فإذا شيخ كبير وهو قيّم الحمام فقلت: ياشيخ لمن هذا الحمام؟ فقال: لأبي جعفر محمد ابن علي بن الحسين عليه السلام فقلت: كان يدخله؟ قال: نعم، فقلت كيف كان يصنع؟ قال: كان يدخل فيبدأ فيطلي عانته وما يليها ثم يلف على طرف إحليله ويدعوني فأطلي سائر بدنه، فقلت له يوما من الأيام: الذي تكره أن أراه قد رأيته(3)، فقال: كلا إن النورة(4) سترته(5).
ويرد هذا كله قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم <من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر>(1). وحاشا محمد بن علي أن يكشف عورته.
عن عبد الرحمن بن الحجاج عن زرارة قال قلت لأبي جعفرعليه السلام: يدخل النار مؤمن؟ قال لا والله، قلت فما يدخلها إلا كافر؟ قال لا إلا ما شاء الله، فلما رددت عليه مراراً قال لي: أي زرارة إني أقول لا وأقول إلا من شاء الله وأنت تقول لا ولا تقول إلا من شاء الله، قال: فحدثني هشام بن الحكم وحماد عن زرارة قال قلت في نفسي شيخ لا علم له بالخصومة (والمراد إمامه) (يريد إبا جعفر)(2).
وكتب في شرح هذا الحديث ملا خليل القزويني في الفارسية ما معناه بالعربية (إن هذا الشيخ عجوز لا عقل له ولا يحسن الكلام مع الخصم).
عن حنان بن سدير قال : كنت جالساً عند الحسن بن الحسن فجاء سعيد بن منصور وكان من رؤساء الزيدية فقال: ما ترى في النبيذ فإن زيداً كان يشربه عندنا؟ قال: ما أصدق على زيد أنه شرب مسكراً. قال: بلى قد يشربه. قال : فإن كان فعل فإن زيدا ليس بنبي ولا وصي نبي إنما هو رجل من آل محمد يخطىء ويصيب(3).
وزيد هذا هو عم جعفر الصادق وأخو محمد الباقر وهو عند أهل السنة إمام ثقة، وأما عند من يدعون أنهم يوالون أهل البيت فسكير فهل هؤلاء يعظمون أهل البيت؟!(2/104)
وأما زواج عمر رضي الله عنه من أم كلثوم بنت علي رضي الله تعالى عنها فقد روى الكليني في الكافي عن زرارة أن أبا عبدالله (جعفر الصادق) قال في تزويج أم كلثوم: (إن ذلك فرج غصبناه)(1).
نعوذ بالله من هذه الوقاحة في حق السيدة ووالدها والحسنين رضي الله عنهم .
ولاحظ عبارة محمد باقر المجلسي أحد أعلام الشيعة في تعليقه على هذه الرواية حيث يقول <تدل على تزويج أم كلثوم من الملعون المنافق (عمر بن الخطاب) ضرورة وتقية< ألا من سائل يسأل هذا أين كانت حينئذ شجاعة أسد الله الغالب سيدنا علي بن أبي طالب وغيرته وشهامته وكذا بنيه الحسن والحسين رضي الله عنهم؟!.
وعن أبان بن تغلب قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: <كان أبي يفتي في زمن بني أمية أن ما قتل البازي والصقر فهو حلال وكان يتقيهم وأنا لا أتقيهم فهو حرام ما قتل>(2).
ونقل الكليني أيضا : <عن سلمة بن محرز قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: إنّ رجلاً أرمانيا مات وأوصى إليّ فقال لي: ما الأرماني؟ قلت نبطي من أنباط الجبال مات وأوصى إليّ بتركة وترك ابنته فقال لي أعطها النصف قال: فأخبرت زرارة بذلك فقال لي: اتقاك(3) إنما المال لها، قال: فدخلت عليه بعد فقلت: أصلحك الله إن أصحابنا زعموا أنك اتقيتني فقال: لا والله ما اتقيتك لكني اتقيت عليك أن تعمل فهل علم بذلك أحد؟ قلت لا، قال فأعطها ما بقي>(1).
يفهم من هذه الروايات أن الأئمة كانوا يكتمون المسائل مرة ويحرفونها أخرى ويغيرون أجوبتهم من شخص إلى آخر وأن الكتمان في المسائل معظم دينهم بل رووا عنهم كذباً وزوراً أن الذي يكتم الدين يعزّه الله وأن الذي يظهره يذله الله إذا كان هذا شأن الأئمة المعصومين عندهم فبالله كيف الاعتماد على هؤلاء الأئمة أفليسوا هم أشبه بعلماء اليهود في تحريف الدين وكتمانه، وهذا كله طعن وإهانة شنيعة في حق أئمة أهل البيت وحاشاهم من هذه الأقوال الزائغة.(2/105)
ونقل الكشي عن زرارة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التشهد.. قلت التحيات والصلوات... فسألته عن التشهد فقال كمثله قال التحيات والصلوات، فلما خرجت ضرطت في لحيته وقلت لا يفلح أبداً(2).
أبو عبد الله هذا هو الإمام جعفر الصادق الذي تنسب إليه طائفة الشيعة فيقولون عن أنفسهم إنهم جعفريون، وزرارة هذا من كبار رواة الشيعة وأكثر روايات الأئمة تتناقلها الشيعة عن طريقه - وهذا حاله مع إمامه المعصوم عنده ما أشدها من إهانة عظمى ارتكبها زرارة، ومن يرضى من عامة الناس أن يضرط أحد في وجهه أو لحيته فكيف بإمام جليل كجعفر الصادق رحمه الله ؟!
وذكر العلامة محمد الباقر المجلسي في جلاء العيون بالفارسية ما معناه بالعربية:
(عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إذا ولد جعفر بن محمد بن علي بن حسين فسموه صادقا لأنه إذا ولد من أولاده الخامس والذي يسمى بجعفر ويدعي الإمامة كذباً ويفتري على الله وهو عند الله جعفر الكذاب)(1). وهذا الذي ينقلون عنه أنه جعفر الكذاب هو ابن الإمام النقي وهو أحد الأئمة المعصومين عند الشيعة وشقيق الإمام حسن العسكري وهذا أيضا أحد الأئمة الاثنى عشر المعصومين عند الشيعة - وجعفر هذا من آل علي وفاطمة ومن سلالة الحسين وزين العابدين فكيف دعواهم الباطلة بحبهم لآل البيت إن هذا سلسلة نسبه هي السلسة الذهبية ولكنه عند الشيعة < محبي آل البيت > يلقب بجعفر الكذاب.
وعن يعقوب بن ياسر قال : كان المتوكل يقول: وَيْحَكم قد أعياني أمر ابن الرضا(2)، أبى أن يشرب معي أو يناد مني أو أجد منه فرصة في هذا، فقالوا له: فإن لم تجد منه فهذا أخوه موسى قصاف عزاف يأكل ويشرب ويتعشق(3).(2/106)
نقل الكليني في الكافي عن أحمد بن عبد الله بن خاقان أنه سأل رجل أباه عن جعفر بن علي أخى الحسن العسكري فقال: ومن جعفر فتسأل عن خبره أيقرن بالحسن جعفر معلن الفسق فاجر ماجن شريب للخمور أقل من رأيته من الرجال وأهتكهم لنفسه، خفيف، قليل في نفسه(4).
موقف الشيعة الاثنى عشرية من عموم الصحابة
لا يرتاب مسلم صادق في إسلامه في سمو منزلة الصحابة وفضلهم، ورفعة شأنهم، قوم اختصهم الله تبارك وتعالى لصحبة أفضل رسله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فصدقوه، وآزروه، ونصروه، واتبعوا النور الذي جاء به، فتلقوه عذباً زلالاًً، وسائغا فراتا من مشكاة النبوة، واخلصوا دينهم لله، وبذلوا في سبيله المهج والأرواح، والغالي والنفيس، والأموال والأولاد، فشادوا بنيانه، وأكملوا صرحه، وفتحوا البلاد وهَدَوا العباد، فكانوا بذلك أهلا لرضوان الله ومحبته، ورحمته وجنته، وكانوا خير أمة أخرجت للناس وخير القرون.
ثم الشيعة الاثنى عشرية بعد ما تبين لهم فضل أولئك الصحب الأبرار، والخيرة الأطهار، يزعمون أن هؤلاء الكرام البررة رضي الله تعالى عنهم قد ارتدوا جميعا على أدبارهم القهقرى إلا نفراً يسيراً منهم رجّحوا أنهم ثلاثة: وهم سلمان الفارسي وأبو ذر والمقداد استثنوهم من عداد من ارتد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
قال التستري - من كبار علمائهم - <كما جاء موسى للهداية وهدى خلقا كثيرا من بني إسرائيل وغيرهم فارتدوا في أيام حياته ولم يبق فيهم أحد على إيمانه سوى هارون صلى الله عليه وآله وسلم ، كذلك جاء محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهدى خلقاً كثيرا، لكنهم بعد وفاته ارتدوا على أعقابهم(1).
ولئن سألت الشيعة أدلة جلية ألجأتهم إلى هذا القول، لرأيتهم قد افتروا أقوالا نسبوها - زوراً وبهتاناً - إلى من يدعون أنهم أئمة لهم، أمثال علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومحمد بن علي الباقر، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وغيرهم.(2/107)
فمن الأقوال التي نسبوها إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه : <إن الناس كلهم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير أربعة>(1) - زادوا عمار بن ياسر رضي الله عنهما على الثلاثة السابقين - .
ومن الأقوال التي نسبوها إلى محمد بن علي الباقر رحمه الله <كان الناس أهل ردة بعد النبي إلا ثلاثة>(2) و>ارتد الناس إلا ثلاثة نفر>(3).
وقد وصف الشيعة أسانيد هذه الروايات بأنها معتبرة(4)،(5).
أما سبب ارتداد الصحابة بزعمهم فهو لتركهم مبايعة علي رضي الله عنه.
روى الكليني> عن عبد الرحمن بن كثير عن أبى عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: {إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى}(6). فلان وفلان وفلان(7) ارتدوا عن الإيمان في ترك ولاية أمير المؤمنين عليه السلام. قلت : قوله تعالى { ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر}(8) قال: <نزلت والله فيهما وفي أتباعهما>(9).
وهناك روايات أخرى كثيرة مكذوبة ملأ الشيعة بها كتبهم، ونسبوها - كذبا وبهتانا - إلى عدد من أئمتهم.
ولا ريب أن أولئك الأئمة بريئون من ذلك، وما نسبه إليهم الشيعة هو محض إفك مفترى، والحق أنه قد كُذب على أئمة أهل بيت نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أكثر مما كُذب على غيرهم، حتى شكا الأئمة - وعلى رأسهم جعفر الصادق - من ذلك.
وقد بين الإمام جعفر بن محمد الصادق رحمه الله - إمام الشيعة السادس - ذلك بقوله: <إنا أهل بيت صادقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا، ويسقط صدقنا - بكذبه علينا - عند الناس>(1).(2/108)
أضف إلى ذلك ما أخبر به الله تبارك وتعالى من أنه رضي عن الصحابة في غير ما موضع من كتابه الكريم، وأمر بالاستغفار لهم. والمؤمن المطيع المتبع لا يصنع كصنيع الشيعة مع الصحابة؛ أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم. بل يستغفر لهم، ويترضى عنهم، ويعتقد أن ما نحن فيه من نعمة فهو من جهودهم رضي الله عنهم وجهادهم، ونتائج أعمالهم الطيبة المباركة، وثمرة لما قدموه من مال وولد في سبيل نصر دين الله ونشره، وإعلاء كلمة الله حتى لا يعبد أحد سواه.
والله تبارك وتعالى أخبر أنه رضي عن الصحابة الذين بايعوا
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحت الشجرة بقوله: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريبا}(2).
وكانت عدّتهم - رضي الله عنهم - ألفا وثلاثمائة باعتراف الشيعة أنفسهم(1)، ولم يرتد منهم أحد، فكيف يُجِّوز الشيعة أن يرضى الله عز وجل عن أقوام ويحمدهم وهو يعلم أنهم سيرتدون على أعقابهم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ بل وكيف يزعمون بعد هذا الإخبار أن الصحابة ارتدوا إلا نفرا يسيراً؟ إلا أن يقولوا: إن الله لم يعلم ذلك حتى وقع، فإن قالوها فقد عرضوا أنفسهم للعنة أحد الأئمة - المعصومين عندهم - جعفر الصادق الذي لعن من قال: إن الله لا يعلم الشيء حتى يكون(2)، ودعا عليه بالخزي، فقال: <من قال هذا أخزاه الله>(3).
والآية عامة في الرضا عن المبايعين تحت الشجرة كلهم فـ<إذ> في قوله تعالى: {إذ يبايعونك} ظرف، وسواء أكانت ظرفاً محضاً، أم كانت ظرفاً فيها معنى التعليل، فإنها تدل على تعلق الرضا بجميع المبايعين، فعلم أنهم جميعاً من المرضي عنهم.
وخلاصة القول : إن دعوى الشيعة ارتداد الصحابة أمر قائم على الهوى، وليس لديهم دليل نقلي صحيح، ولا عقلي صريح يسوغ لهم الإقدام على مثل هذا الادعاء الخطير.(2/109)
اللهم اعصمنا بالتقوى، واحفظ علينا حبنا لصحابة نبيك صلى الله عليه وآله وسلم كما تحب وترضى يارب العالمين(4).
موقف الشيعة الإثنى عشرية من الخليفة الراشد
أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه
يطعن الشيعة في صدق إيمان الصديق رضي الله عنه ، ويصفونه بأنه رجل سوء(1). أمضى أكثر عمره مقيما على الكفر، خادما للأوثان(2). عابدا للأصنام(3)، حتى شاب قرنه وأبيض فُوده(4).
ولم يكتفوا بهذا ، بل زعموا أن إيمانه كان كإيمان اليهود والنصارى، لأنه لم يتابع محمدا صلى الله عليه وآله وسلم لاعتقاده أنه نبي، بل لاعتقاده أَنَّه مَلِك(5)، لهذا لم يكن إسلامه صادقا، فقد استمر على عبادة الأصنام، حتى إنه - على حد قولهم - <كان يصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والصنم معلق في عنقه يسجد له>(6)، وكان يفطر متعمدا في نهار رمضان، ويشرب الخمر، ويهجو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(7) :
قال الطوسي : <إن من الناس من شك في إيمانه، لأن في الأمة من قال: إنه لم يكن عارفا بالله تعالى قط>(8).
وأما ابن طاوس فقد جزم بأن أبا بكر مشكوك في هدايته(9).
وجزم المجلسي بعدم إيمانه(1).
أما باطنه رضي الله عنه ، فقد زعموا أنهم اطلعوا عليه، وتبين لهم من خلال هذا الاطلاع أنه كافر(2)، حتى إنهم حرّفوا قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: <إن أبا بكر لم يسؤني قط>، بما يوافق مزاعمهم الباطلة، فقالوا: <هذه صيغة ماض، وهي تستلزم أن كفر أبي بكر لم يسؤه عليه السلام>(3).
وهذه المزاعم التي قالها الشيعة كلها كاذبة، ولا تمت إلى الحقيقة بصلة، وليس لديهم دليل عليها، إلا ما يعتمل في صدورهم من حقد على الصديق رضي الله عنه، وإخوانه الصحابة، فالصديق رضي الله عنه صحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مؤمنا به من مبعثه إلى أن مات.(2/110)
وقد أجمع المسلمون على أن الصديق رضي الله عنه أول من صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآمن به من الرجال(4)، وعليا أول من آمن من الصبيان، وخديجة أول من آمنت من النساء، وزيد بن حارثة أول من آمن من الموالي(5).
وقد سئل الحبر ابن عباس رضي الله عنهما: <من أول من آمن؟ فقال: أبو بكر الصديق: أما سمعت قول حسان:
إذا تذكّرت شَجْوًا من أخي ثقةٍ فاذكر أخاك أبا بكر بما فَعَلا
خَيرُ البِرَيَّة أوفاها وأعدلها بعد النَّبِيّ وأولاها بما حَمَلا
والتالي الثاني المحمود مشهده وأول الناس منهم صدَّق الرُّسُلا(6).
وحين عَرَض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الاسلام عليه لم يتردد في قبوله، ولم يتلعثم، بل أقبل عليه بكل جوارحه، وقد أخبر عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بقوله: <وما عرضت الإسلام على أحد إلا كانت له كبوة، إلا أبا بكر فإنه لم يتلعثم>(1).
بينما يروي الشيعة في قصة إسلام علي رضي الله عنه أنه تلعثم وتردد، وطلب من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يمهله، وقال له: <إن هذا دين مخالف دين أبي، وأنا أنظر فيه>(2).
أما ادعاء الشيعة أن أبا بكر رضي الله عنه لم يكن مؤمنا حقيقة، وأنه مشكوك في هدايته، فكذب بإجماع المسلمين، ولا يوجد دليل واحد في أي كتاب من كتبهم يؤيد هذه المزاعم الباطلة، ولو كانت التهم تلقى جزافا لأمكن لمبغضي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنَ يدَّعوا فيه ما أدَّعى الشيعة في الصديق رضي الله عنه ، ولكن حاشاه وحاشا الصديق من أن ينسب إليه ذلك، بل هما والصحابة الكرام من سادات أولياء الله، وأفضل الناس بعد أنبياء الله ورسله(3).
موقف الشيعة الاثنى عشرية
من الفاروق أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه
يزعم الشيعة أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه كان مصابا بداء في دبره لا يهدأ إلا بماء الرجال(1).(2/111)
ولم يكتف الشيعة بهذا التلميح، بل تعدّوه الى التصريح، إذ صرحت بعض رواياتهم أن عمر رضي الله عنه كان ممن ينكح في دبره .
فقد روى العياشي أن من تسمَّى بـ <أمير المؤمنين> فهو ممن يؤتي في دبره(2).
ومعلوم أن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو أول من تسمى بـ <أمير المؤمنين>(3).
وهذا الإفك وجهه الشيعة إلى من أحب الإمام الأول - المعصوم عندهم - علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يلقي الله بمثل عمله(4)، وزوجه ابنته أم كلثوم(5). فهل يحب الإمام المعصوم عندهم أن يلقى الله بمثل عمل من يؤتى في دبره؟ وكيف زوج الإمام المعصوم عندهم ابنته لمن يؤتي في دبره - على حد زعمهم - ؟ سؤال أترك الإجابة عليه للشيعة أنفسهم.
ويزعم الشيعة أيضا أن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يبطن الكفر ويظهر الإسلام(1).
ويزعمون أن كفره مساوٍ لكفر إبليس إن لم يكن أشد منه.
عن أبى عبد الله عليه السلام أنه إذا كان يوم القيامة يؤتى بابليس في سبعين غلاِ وسبعين كبلاً(2) فينظر الأول إلى زفر(3) في عشرين ومائة كبل وعشرين ومائة غل فينظر إبليس فيقول: من هذا الذي أضعفه الله له العذاب وأنا أغويت هذا الخلق أجمعين؟
فيقال : هذا زفر، فيقول: بما حُدِّدَ لَهُ هذا العذاب؟ فيقال: ببغيه على علي عليه السلام(4).
ولا يكتفي الشيعة بمجرد القول بكفر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بل يلعنون كل من يشك في كفره، ويزعمون أنه لا يشك في كفره عاقل.
قال المجلسي - شيخ الدولة الصفوية ، ومرجع الشيعة المعاصرين:- <لا مجال لعاقل أن يشك في كفر عمر. فلعنة الله ورسوله عليه، وعلى كل من اعتبره مسلماً، وعلى كل من يكف عن لعنه>(1)،(2).(2/112)
وروى القمي في تفسيره عن أبي عبد الله عليه السلام قال: <ما بعث الله نبيا إلا وفي أمته شيطانان يؤذيانه، ويضلان الناس بعده، فأما صاحبا نوح فقنطيفوس وخرام، وأما صاحبا ابراهيم فعكثل ورزام، وأما صاحبا موسى، فالسامري ومرعقيبا، وأما صاحبا عيسى: فبولس، ومريتون، وأما صاحبا محمد فحبتر وزريق>(3).
ويعنون بحتر عمر رضي الله عنه، وزريق أبا بكر رضي الله عنه(4) وهذه من الرموز التي يستعلمونها في كتبهم للطعن على الشيخين.
وفي تفسير العياشي عن بريد بن معاوية <أنه سأل أبا جعفر عليه السلام) عن قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت}(5). فكان جوابه فلان وفلان(6).
ويعنون بفلان وفلان أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كما بين ذلك شارح الكافي(7).
وفي كتاب سليم بن قيس: عن علي بن أبي طالب أنه قال: <إن الناس كلهم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير أربعة، إن الناس صاروا بعد رسول الله بمنزلة هارون ومن تبعه، ومنزلة العجل ومن تبعه، فعلي في شبه هارون وعتيق(1) في شبه العجل، وعمر في شبه السامري(2).
وفي بصائر الدرجات : عن الثمالي عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: <قلت أسألك جعلت فداك عن ثلاث خصال انف عني فيها التقية قال: فقال ذلك لك، قلت: أسألك عن فلان وفلان، قال فعليهما لعنة الله بلعناته كلها ماتا والله وهما كافران مشركان بالله العظيم>(3)،(4).
ومن الأعياد التي يفرح ويبتهج بها الشيعة الاثنا عشرية هو يوم مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ويعتبرون يوم مقتله عيدا من أكابر الأعياد، ويعتبرون قاتله أبا لؤلؤة المجوسي الخبيث مسلما من أفاضل المسلمين، ويذكرون أنه إنما قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه انتقاما لظلم أصابه منه وإهانة ألحقها به.
ويصف الشيعة قاتل عمر بالشجاع، ويلقبونه بـ <شجاع الدين>(2).(2/113)
ويظهر الشيعة الاثنى عشرية فرحتهم وابتهاجهم باستشهاد عمر بن الخطاب رضي الله عنه: فإضافةً لاعتبارهم يوم مقتله من أكبر الأعياد نجدهم ينشدون الأناشيد فرحاً وابتهاجا بما جرى له على يد قاتله المجوسي(3).
كما يعظمون يوم النيروز كفعل المجوس(4). وقد اعترف علماء الشيعة بأن يوم النيروز من أعياد الفرس(5).
فمما لا شك فيه أن أبا لؤلؤة المجوسي كان كافرا، وأنَّ قتله لأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه إنما كان ثأرا لدينه ووطنه، فعمر بن الخطاب رضي الله عنه كان سببا في إطفاء نار المجوس وإزالة ملكهم فاندفع أبو لؤلؤة بحقده فقتل عمر، وقتل معه بضعة عشر صحابياً، وعلى هذا فانتصار الشيعة له إنما يعد انتصارا للكفار.
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله <ولهذا تجد الشيعة ينتصرون لأبي لؤلؤة الكافر المجوسي، ومنهم من يقول: اللهم أرض عن أبي لؤلؤة واحشرني معه، ومنهم من يقول في بعض ما يفعله من محاربتهم: واثارات أبي لؤلؤة، كما يفعلون في الصورة التي يُقدّرون فيها صورة عمر من الجبس وغيره. وأبو لؤلؤة كافرٌ باتّفاق أهل الاسلام، كان مجوسيا من عباد النيران... فقتل عمر بغضا في الإسلام وأهله، وحبا للمجوس، وانتقاما للكفار لما فعل بهم عمر حين فتح بلادهم، وقتل رؤساءهم، وقسم أموالهم>(1).
وليست تقتصر مطاعن الشيعة على ما ذكر، بل ما ذكرتُهُ يُعَدّ غيضاً من فيض مما في كتب الشيعة من المطاعن المفتراة والموجّهة الى أحب الناس الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد أبي بكر(2)،(3).
موقف الشيعة الاثنى عشرية من الخليفة الشهيد
ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه
أولا : طعنهم في أخلاقه رضي الله عنه
حسن خلق عثمان رضي الله عنه من الأمور التي تظافرت الأدلة على إثباته، فبلغت بمجموعها حد التواتر المعنوي، حتى إنه لو أنكر إنسان حسن خلقه، وسيرته الحميدة، ومآثره النبيلة لقام الناس كلهم عليه، وأشاروا بسباباتهم إليه إن هذا القائل من الكاذبين .(2/114)
ولست أدري كيف يستحل الشيعة الكذب، ويأتون بما ينقض ما تواتر لفظا أو معنى، مما يجعل من يقرأ ما كتبوه يصمهم بالكذب، إلا أن يقولوا إن ذلك من التقية، فلا أظن أن التقية تسوغ لهم معارضة الأمور المتواترة.
لذلك نجدهم قد وجهوا العديد من المطاعن إلى أخلاق الحيي الكريم عثمان بن عفان رضي الله عنه ، ووصفوه بأنه زان، مخنث، يلعب به، همه بطنه وفرجه.. الخ.
قالوا : إنه <أُتي بامرأة لتحد، فقاربها - جامعها - ثم أمر برجمها> على حد زعم الشيعة(1).
وليس الأمر قاصرا عند الشيعة على اتهام عثمان رضي الله عنه بالزنا، بل تعدوه إلى زعمهم أنه كان ممن يلعب به، وأنه كان مخنثا(2).
وقد نسبوا إلى علي رضي الله عنه - زورا وبهتانا - أنه قال عن عثمان: همه بطنه وفرجه.
فقد روى الكليني بسنده عن علي بن أبي طالب أنه قال في إحدى خطبه: <سبق الرجلان، وقام الثالث كالغراب همته بطنه وفرجه، ياويحه لو قص جناحاه وقطع رأسه لكان خيرا له>(1).
وذكر المجلسي في شرحها أن المراد بالثالث : عثمان بن عفان، وأن اللذين سبقاه هما أبوبكر وعمر(2).
وزعم الشيعة أيضا أن عثمان بن عفان رضي الله عنه لم يكن يبالي أحلالا أكل أم حراماَ.
فقد أسند الكليني أيضا - كذبا - إلى جعفر الصادق أنه قال: <إنَّ وليَّ عثمان لا يبالي أحلالا أكل أو حراما، لأن صاحبه كان كذلك>(3).
ومرادهم بـ <صاحبه> : عثمان رضي الله عنه .
وهذه المطاعن التي وجهها الشيعة إلى أخلاق عثمان رضي الله عنه إنما وجهها الشيعة إلى من أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنه أن الملائكة تستحي منه(4)، وإلى من أخبر عن نفسه أمام جمع كبير من الناس - كان يمكنهم أن يردوا عليه لو كان كاذبا - بأنه ما زنى قط في جاهلية ولا إسلام(5).
ثم الشيعة بعد هذا يزعمون أنه كان زانيا، ومخنثا، ويلعب به، و...، و...، ..الخ ما أوردوه من الأكاذيب(6).(2/115)
ثانياً : زعم الشيعة الاثنى عشرية أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان منافقا كافراً، وقولهم بوجوب لعنه والبراءة منه
يزعم الشيعة أن عثمان رضي الله عنه كان منافقا يُظهر الإسلام ويبطن النفاق(1).
قال الكركي : <إن من لم يجد في قلبه عداوة لعثمان، ولم يستحل عرضه، ولم يعتقد كفره، فهو عدو الله ورسوله، كافر بما أنزل الله>(2).
إذاً : ليس الأمر قاصراً على تكفير عثمان رضي الله عنه، بل تكفير كل من لم يبغضه، ويكفره، ويشتمه، ويخوض في عرضه، ويعنونكم أنتم أيها المسلمون.
ولم يكتف الشيعة بالحكم على عثمان رضي الله عنه بالكفر، بل أوجبوا لعنه والبراءة منه(3)، ومن يتصفح كتبهم يجد العجب العجاب.
ولا ريب أن هذا الصنيع يعد مخالفة صريحة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد توعد الله من يخالف أمره بالفتنة في الدنيا والعذاب الشديد في الآخرة، قال تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}(4).
فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم بَشَّر عثمان رضي الله تعالى عنه بالجنة(5)، وزوجه ابنته رقية، فلما توفيت زوجه ابنته الأخرى أم كلثوم(1)، فلما ماتت أم كلثوم وحزن عليها عثمان، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " <لو كانت عندي ثالثة زوجتها عثمان>(2).
ومعلوم أن المنافق والكافر لا يدخل الجنة، بل هي محرمة عليه، فكيف يتفق حكم الشيعة على عثمان بالكفر والنفاق مع بشارة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له بالجنة؟!.
ثم كيف يزوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عثمان ابنتيه الواحدة تلو الأخرى وهو كافر منافق - كما زعم الشيعة - ؟!
فدل هذا على أن دعوى الشيعة كفر عثمان قائمة على الهوى، ولا تمت إلى الحقيقة بصلة، وأن الشيعة قد خالفوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي بشر عثمان بالجنة، وزوجه ابنتيه الواحدة تلو الأخرى لما عرف عنه من دين وخلق وفضل، ومات عليه السلام وهو عنه راض(3)،(4).(2/116)
ثالثا : زعم الشيعة الاثنى عشرية أن عثمان رضي الله عنه قتل زوجته ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
يزعم الشيعة الاثنا عشرية أن عثمان رضي الله عنه قتل رقية ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويستدلون على هذه الفرية بآيات زعموا كذبا أنها نزلت فيه، والآيات هي: قوله تعالى: {أيحسب أن لن يقدر عليه أحد - يقول أهلكت مالا لبدا - أيحسب أن لم يره أحد - ألم نجعل له عينين - ولساناً وشفتين - وهديناه النجدين}(1).
فقد روى القمي بسنده عن أبي جعفر الباقر - رحمه الله - وحاشاه أن يكون صدر عنه شيء من هذا البهتان المبين - في تفسير هذه الآيات أنه قال: <قوله تعالى: {أيحسب أن لن يقدر عليه أحد} قال: يعني عثمان في قتله ابنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. {يقول أهلكت مالا لبدا}: يعني الذي جهز به النبي من جيش العسرة {أيحسب أن لم يره أحد} قال: فساد كان في نفسه {ألم نجعل له عينين} يعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم {ولسانا} يعني أمير المؤمنين (ع) {وشفتين} يعني الحسن والحسين عليهما السلام {وهديناه النجدين} إلى ولايتهما>(2).
روى الكليني عن أبي بصير أنه قال: <قلت لأبي عبد الله (ع) أيفلت من ضغطة القبر أحد؟ قال: نعوذ بالله منها، ما أقل من يفلت من ضغطة القبر، إن رقية لما قتلها عثمان وقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على قبرها فرفع رأسه إلى السماء فدمعت عيناه، وقال للناس: إني ذكرت هذه وما لقيت، فرققت لها، واستوهبتها من ضغطة القبر فوهبها الله لي>(1).
أما كيف قتلها - على حد كذبهم وافترائهم - فقد زعم البياضي الشيعي أنه ضربها حتى ماتت(2).
ويزعم الشيعة أن رقية كانت خائفة من عثمان، وكانت تدعو الله أن ينجيها منه ومن عمله.(2/117)
فقد روى شرف الدين النجفي بسنده أن أبا عبدالله جعفر ابن محمد بن علي الصادق قال في تفسير قول الله تعالى: {وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين}(3). أنه قال: <هذا مثل ضربه الله لرقية بنت رسول الله التي تزوجها عثمان بن عفان. قال: {ونجني من فرعون وعمله} يعني من الثالث، عثمان>(4).
وقال هاشم معروف الحسيني - وهو من الشيعة المعاصرين - : <وتشير المرويات الكثيرة(5) أن عثمان بن عفان لم يحسن صحبتها، ولم يُراع رسول الله فيها، فتزوج عليها أكثر من امرأة، وماتت على أثر ضربات قاسية منه أدت إلى كسر أضلاعها....!>(1)،(2).
روى القمي في تفسير قوله تعالى : {قل أعوذ برب الفلق}(3).
قال <الفلق جب في نار جهنم يتعوذ أهل النار من شدة حره، فسأل الله من شدة حره أن يتنفس فأذن له فتنفس فأحرق جهنم. قال: وفي ذلك الجب صندوق من نار يتعوذ أهل الجب من حر ذلك الصندوق، وهو التابوت وفي ذلك التابوت ستة من الأولين وستة من الآخرين، فأما الستة من الأولين فابن آدم الذي قتل أخاه ، ونمرود ابراهيم الذي ألقى ابراهيم في النار ، وفرعون موسى ، والسامري الذي اتخذ العجل، والذي هودّ اليهود والذي نصر النصارى، وأما الستة الذين من الآخرين فهو الأول والثاني والثالث والرابع(4) وصاحب الخوارج(5) وابن ملجم لعنهم الله(6).
أما العياشي فيعبر عن حقده على هؤلاء الخلفاء برواية أخرى مصطنعة يرويها عن جعفر بن محمد أنه قال: <يؤتي بجهنم لها سبعة أبواب بابها الأول: للظالم وهو زريق، وبابها الثاني: لحبتر، والباب الثالث: للثالث، والرابع: لمعاوية، والباب الخامس: لعبدالملك، والباب السادس: لعسكر بن هوسر، والباب السابع: لأبي سلامه(1). فهم أبواب لمن اتبعهم>(2)،(3).
طعن الشيعة الاثنى عشرية
في باقي الصحابة رضي الله عنهم(2/118)
يزعم الشيعة أن طلحة رضي الله عنه كان ولد زنا وقد نسبوا إلى هشام بن محمد الكلبي قوله عن أم طلحة الصعبة بنت الحضرمي <أنها كانت لها راية(1) بمكة، وأنها استبضعت بأبي سفيان، فوقع عليها أبو سفيان، وتزوجها عبيدالله بن عثمان - والد طلحة - فجاءت بطلحة بن عبيدالله لستة أشهر، فاختصم أبو سفيان وعبيد الله في طلحة، فجعلا أمره إلى صعبة فألحقته بعبيدالله، فقيل لها: كيف تركت أبا سفيان؟ فقالت : يد عبيدالله طلقة، ويد أبي سفيان تربة(2).
ولا ريب أن هذه المزاعم الكلبية فرية بلا مرية، وإفك بلا شك، والشيعة لم يفتروا هذه الفرية على طلحة وحده، بل جعلوا جميع أمة محمد عليه الصلاة والسلام أولاد زنا ماعدا شيعتهم(3).
ونسب المرتضى أيضا كذباً إلى علي رضي الله عنه أنه قال: <ألا إن أئمة الكفر في الإسلام خمسة طلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري>(4).
روي المجلسي في البحار أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أخبر سعد بن أبي الوقاص رضي الله عنه أن على كل شعرة في لحيته شيطاناً جالساً(1).
وروى الصدوق كذباً إلى جعفر الصادق أنه قال: <إن للنار سبعة أبواب، باب يدخل منه فرعون وهامان وقارون>(2) .
ومرادهم بفرعون وهامان: أبو بكر وعمر رضي الله عنه(3) وأما المراد بـ<قارون> فقد ذكر الكاشاني أن <عبدالرحمن بن عوف قارون هذه الأمة>(4).
المبحث الثامن
عدالة الصحابة
لقد طعن الشيعة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأشرعوا سهامهم في ظهورهم لأنهم لا يجرؤن على المواجهة، فعمدوا إلى تشويه سيرتهم المرضية، وتسويد صحائفهم البيضاء النقية، واتهامهم بالنفاق والخيانة، وتكفيرهم صراحة بما فيهم أبوبكر وعمر وعثمان وبقية العشرة الذين بشرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجنة ومات وهو راض عنهم، وغيرهم من سادات الصحابة وخيارهم رضي الله عنهم أجمعين.(2/119)
وقد صدق عليهم قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله(1) : <فضلت اليهود والنصارى على الشيعة بخصلتين: سئلت اليهود: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى، وسئلت النصارى: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: حواريو عيسى، وسئلت الشيعة: من شر أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم>(2).
فالشيعة لم يَتّبِعوا في صنيعهم هذا كتاب الله تعالى، ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما كان قدوتهم في ذلك ابن السوداء عبدالله بن سبأ اليهودي الذي يعد أول من أحدث الطعن في الصحابة رضوان الله عليهم، وكَفَّرهم، وأول من أظهر البراءة منهم باعتراف الشيعة أنفسهم(3).
فابن سبأ اليهودي هو أول من وضع نواة الرفض - المشتمل على تكفير الصحابة وسبهم - وأرسى قواعده، وعنه أخذ الشيعة هذا المعتقد الباطل، وغيره من المعتقدات الفاسدة التي خالفت كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
ولم يكتف الشيعة باعتناق مذهب الرفض - المشتمل على سب الصحابة - فحسب، بل عملوا على نشره والدعوة إليه سالكين في سبيل ذلك مختلف الطرق، آخذين بشتى الوسائل والسبل في محاولة منهم لاستدراج الكثير من المسلمين الغافلين إلى هذا المذهب الفاسد تحت أغطية كثيرة، منها ادعاؤهم حب أهل البيت، وزعمهم أن الصحابة دفعوهم عن حقهم، وغصبوهم إياه، وتواطأوا على ظلمهم، وغير تلك من المزاعم التي تعد عند أرباب العقول إفكا غير مقبول.
ولا ريب أن أهل بيت نبينا الطيبين الطاهرين بريئون كل البراءة من كل ما ألصقه بهم الشيعة، وما نسبوه إليهم من معتقدات - وبخاصة معتقد الرفض - فهم يحبون الصحابة ويجلونهم ويحترمونهم وينزلونهم المنزلة التي يستحقونها(1).
الموقف الصحيح تجاه أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم
لقد شهدت نصوص القرآن وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأقوال أهل العلم والفضل، وكذا العقل الصريح على عدالتهم والرضا عنهم.(2/120)
أولا : القرآن الكريم :
أثنى الله تعالى عليهم في آيات كثيرة جلية واضحة، لا نحتاج لمعرفة معناها إلى تأويل باطني كحال الشيعة في تأويل آيات القرآن .
- قال جل شأنه }كنتم خير أمة أخرجت للناس}(1).
> وكفى فخراً لهم أن الله تبارك وتعالى شهد لهم بأنهم خير الناس فإنهم أول داخل في هذا الخطاب ولا مقام أعظم من مقام قوم ارتضاهم الله عز وجل لصحبة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ونصرته(2).
- وقال سبحانه}والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم}(3).
- وقال سبحانه }لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا}(4).
قال ابن حزم: فمن أخبرنا الله سبحانه أنه علم ما في قلوبهم، ورضي عنهم، وأنزل السكينة عليهم فلا يحل لأحد التوقف في أمرهم ولا الشك فيهم البتة(1).
> والذين بايعوا تحت الشجرة بالحديبية عند جبل التنعيم(2) كانوا أكثر من ألف وأربعمائة، بايعوه لما صده المشركون عن العمرة(3).
- وقال تعالى }محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما}(4).
فانظر إلى عظيم مقام الصحابة، حيث أثنى الله عليهم بهذه الأوصاف، وأخبر أن صفتهم مذكورة في التوراة والإنجيل، حتى ذكر بعض أهل العلم أن ظاهر هذه الآية يوجب أن الروافض كفار، لأن في قلوبهم غيظاً من الصحابة وعداوة لهم والله يقول {ليغيظ بهم الكفار} فبين أن من كان في قلبه غيظ منهم فهو من الكفار(5).(2/121)
- وقال تعالى }لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى}(1).
وقد حكم الله لمن وعد بالحسنى بقوله: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدونü لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدونü لا يحزنهم الفزع الأكبر}(2).
- وقال سبحانه }للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقونü والذين تبوّءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحونü والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم}(3).
وهذه الآيات تتضمن الثناء على المهاجرين والأنصار، وتتضمن أن هؤلاء الأصناف هم المستحقون للفيء، ولا ريب أن هؤلاء الرافضة خارجون من الأصناف الثلاثة، فهم لم يستغفروا للسابقين، وفي قلوبهم غل عليهم. ففي الآيات الثناء على الصحابة وعلى أهل السنة الذين يتولونهم وإخراج الشيعة من ذلك، وهذا ينقض مذهب الشيعة(4).
والآيات في هذا الباب كثيرة. وهناك من حاول أن يحرف معاني الآيات الواردة في فضل الصحابة بتعسف ظاهر وانظر مثالاً لذلك التيجاني في كتابه ثم اهتديت والرد عليه في كتاب كشف الجاني محمد التيجاني في كتبه الأربعة ص53(1).
ثانيا : السنة النبوية :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال . قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مدَّ أحدهم ولا نصيفه(2).
وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)(3).(2/122)
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : سأل رجل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أي الناس خير قال: القرن الذي أنا فيه ثم الثاني ثم الثالث(4).
وعن أبي بردة عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون(5)، (6).
ثالثا : موقف آل البيت من الصحابة :
فهذا أمير المؤمنين علي رضي الله تعالى عنه ينهى بعض من كان في جيشه عن سب معاوية مع كونه دون الشيخين في الفضل ويقول: <كرهت لكم أن تكونوا شتامين لعانين>.(1)
ولقد سأل جابر الجعفي الإمام محمد بن علي أبا جعفر الباقر عليه السلام عن الشيخين رضي الله عنهما: <أكان منكم أهل البيت أحد يسب أبا بكر وعمر؟ قال: لا، وأنا أحبهما وأتولاهما وأستغفر لهما>(2).
أما الإمام الصادق رحمه الله - إمام القوم السادس - فلم يكن يتولاهما فحسب، بل كان يأمر أتباعه بتوليهما أيضا، فقد روى الكليني - في كتاب الكافي الذي هو عند الشيعة بمنزلة صحيح البخاري عند أهل السنة - بسنده عن الصادق أنه قال لامرأة من الشيعة سألته عن أبي بكر وعمر، أأتولاهما وأحبهما؟ فقال لها : <توليهما>. قالت: فأقول لربي إذا لقيته إنك أمرتني بولايتهما؟ قال: <نعم>(3).
وقد ورد المدح للصديق أبي بكر عن محمد الباقر أيضا كما رواه علي بن عيسى الأربلي الشيعي المشهور في كتابه: كشف الغمة في معرفة الأئمة: أنه سئل الإمام أبوجعفر عن حلية السيف هل تجوز؟ فقال نعم قد حلى أبو بكر الصديق سيفه بالفضة، فقال (السائل): أتقول هذا؟ فوثب الإمام عن مكانه، فقال: نعم، الصديق، نعم الصديق، فمن لم يقل له الصديق، فلا صدق الله قوله في الدنيا والآخرة>(4).(2/123)
وأخبر زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أصحابه أنه لم يسمع أحدا من آبائه يتبرأ من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، كما نقل ذلك عنه الشيعة(1).
وآباؤه هم علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وأبوه وجده .
أفلا يسع الشيعة ما وسع أئمتهم من تولي الشيخين والترضي عنهما، وعدم التبرىء منهما، فضلا عن لعنهما؟!.
ولم يكتف زيد بن علي رضي الله عنهما بقوله هذا، بل وافقه بفعله، وذلك حين جاءه قوم ممن ينتحلون التشيع ومودة آل البيت، وطلبوا منه أن يتبرأ من الشيخين، أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، حتى يبايعوه - وذلك حينما خرج على الأمويين - فقال لهم كلمته الرائعة التي ألجمت أفواههم، وبينت لهم معنى التشيع الحق: <أنا أتبرأ ممن يتبرأ منهما>(2)، <البراءة من أبي بكر وعمر براءة من علي>(3)، فقالوا له: <إذن نرفضك>(4).
فهذه أقوال من يزعم الشيعة أنهم أئمة لهم، وهذه حالهم، يتولون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، بل وسائر الصحابة، ويترحمون عليهم، ولا يتبرؤون منهم، بل ويأمرون الناس بتوليهم ومحبتهم، ويحذرونهم من بغضهم وسبهم. فكيف يدعي من يزعم الانتساب إليهم أن البراءة من الشيخين والصحابة واجبة؟!. فضلاً عن كونها شرطاً للإيمان .
سؤال أترك الإجابة عليه للشيعة أنفسهم؟ (5) .
ثناء الأئمة على الصحابة رضوان الله عليهم عامة :
فقد ذكر ابن بابويه القمي في كتابه <الخصال> <عن أبي عبدالله قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اثنى عشر ألفا(1)، ثمانية آلاف من المدينة وألفان من أهل مكة، وألفان من الطلقاء لم ير فيهم قدري، ولا مرجي، ولا حروري، ولا معتزلي ولا صاحب رأي كانوا يبكون الليل والنهار>(2).
وذكر المجلسي في كتابه بحار الأنوار عن الصادق عن آبائه عن علي عليه السلام قال: <أوصيكم بأصحاب نبيكم لا تسبوهم الذين لم يحدثوا بعده حدثاً ولم يؤوا محدثا، فإن رسول الله أوصى بهم الخير>(3).(2/124)
وفي البحار أيضا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم <طوبى لمن رآني، وطوبى لمن رأى من رآني، وطوبى لمن رأى من رأى من رآني>(4)،(5).
وعن موسى بن جعفر (إمامهم السابع) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: <أنا أمنة لأصحابي، فإذا قبضت دنا من أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا قبض أصحابي دنا من أمتي ما يوعدون ولا يزال هذا الدين ظاهراً على الأديان كلها مادام فيكم من قد رآني>(1).
وبالأسانيد الثلاثة عن الرضا عن آبائه رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : اللهم أرحم خلفائي ثلاث مرات قيل له يارسول الله ومن خلفاؤك قال: الذين يأتون من بعدي ويروون أحاديثي وسنتي فيسلمونها الناس من بعدي(2).
وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين وخليفة المسلمين الراشد الرابع، والإمام الأول عندهم يمدح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم فما أرى أحدا يشبههم منكم، لقد كانوا يصبحون شعثا غبرا، وقد باتوا سجدا وقياما، يراوحون بين جباههم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم، إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم، ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفا من العقاب ورجاء للثواب(3).
وقال رضي الله تعالى عنه في الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما: وكان أفضلهم في الإسلام كما زعمت وأنصحهم لله ولرسوله الخليفة الصديق، والخليفة الفاروق، ولعمري إن مكانهما في الإسلام لعظيم وإن المصاب بهما لجرح في الاسلام شديد. رحمهما الله وجزاهما بأحسن ما عملا>(1).(2/125)
وعن منصور بن حازم قال قلت لأبي عبدالله عليه السلام ما بالي أسألك عن المسألة فتجيبني فيها بالجواب ثم يجيئك غيري فتجيبه فيها بجواب آخر فقال: إنا نجيب الناس على الزيادة والنقصان قال قلت: فأخبرني عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صدقوا على محمد صلى الله عليه وآله وسلم أم كذبوا؟ قال بل صدقوا. قال قلت: فما بالهم اختلفوا؟ فقال: أما تعلم أن الرجل كان يأتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيسأله عن المسألة فيجيبه فيها بالجواب ثم يجيبه بعد ذلك ما ينسخ ذلك الجواب فنسخت الأحاديث بعضها بعضا(2).
الاعتراف بخلافة الخلفاء الراشدين الثلاثة :
واعترف علي رضي الله تعالى عنه وأولاده بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين وأقروها لهم، وكان علي وزيرا ومشيرا لهم، كما ثبت عنه وعن أولاده مدح لهؤلاء الأعاظم، فقد قال: <لله بلاء فلان (أبي بكر)(1) فلقد قوم الأود، وداوى العمد، وأقام السنة، وخلف الفتنة، ذهب نقي الثوب، قليل العيب، أصاب خيرها، وسبق شرها، أدى إلى الله طاعته، واتقاه بحقه>(2).
وقال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين شاوره في الخروج إلى غزو الروم: إنك متى تسر إلى هذا العدو بنفسك فتلقهم فتنكب، لا تكن للمسلمين كانفة(3) دون أقصى بلادهم، ليس بعدك مرجع يرجعون إليه، فأبعث إليهم رجلا مجربا واحفز معه أهل البلاء والنصيحة، فإن أظهر الله فذاك ما تحب، وإن تكن الأخرى كنت ردءاً للناس ومثابة للمسلمين(4).
وقال مثنيا على خلافة الثلاثة: إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماما كان ذلك لله رضى، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتِّباع سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى(5).
ذم علي بن أبي طالب شيعته وبيان نقائصهم :(2/126)
> إن عليا وأولاده الأئمة المعصومين < - عندهم - كانوا يبغضون الشيعة المنتسبين إليهم، المدَّعين حبهم وأتباعهم، وكانوا يذمونهم على رؤس الأشهاد، فهذا علي رضي الله عنه الإمام المعصوم الأول - كما يزعمون - يذم شيعته ورفاقه ويدعو عليهم فيقول: وإني والله لأظن أن هؤلاء القوم سيدالون منكم باجتماعهم على باطلهم، وتفرقكم عن حقكم، وبمعصيتكم إمامكم في الحق، وطاعتهم إمامهم في الباطل، وبأدائهم الأمانة الى صاحبهم وخيانتكم، وبصلاحهم في بلادهم وفسادكم، فلو ائتمن أحدكم على قعب لخشيت أن يذهب بعلاقته، اللهم إني قد مللتهم وملوني، وسئمتهم وسئموني، فأبدلني بهم خيرا منهم، وأبدلهم بي شراً مني، اللهم مِثْ قلوبهم كما يماث الملح في الماء(1).
ويقول: ياأشباه الرجال ولا رجال! حلوم الأطفال، وعقول ربات الحجال لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم معرفة - والله - جرت ندما، وأعقبت سدما. قاتلكم الله! لقد ملأتم قلبي قيحاً، وشحنتم صدري غيظاً، وجرعتموني نغب التهمام أنفاسا، وأفسدتم على رأيي بالعصيان والخذلان، حتى لقد قالت قريش: إن ابن أبي طالب رجل شجاع، ولكن لا علم له بالحرب.
لله أبوهم! وهل أحد منهم أشد مراسا، وأقدم فيها مقاما مني! لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، وهأنذا قد ذرفت على الستين! ولكن لا رأي لمن لا يطاع(2).(2/127)
ويقول : ياأيها الناس المجتمعة أبدانهم، المختلفة أهواؤهم، كلامكم يوهى الصم الصلاب، وفعلكم يطمع فيكم الأعداء! تقولون في المجالس: كيت وكيت، فإذا جاء القتال قلتم حيدي حياد! ما عزت دعوة من دعاكم، ولا استراح قلب من قاساكم، أعاليل بأضاليل، وسألتموني التطويل، دفاع ذي الدين الممطول لا يمنع الضيم الذليل! ولا يدرك الحق إلا بالجد! أي دار بعد داركم تمنعون، ومع أي إمام بعدي تقاتلون؟ المغرور والله من غررتموه، ومن فاز بكم فقد فاز - والله - بالسهم الأخيب، ومن رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل، أصبحت والله لا أصدق قولكم، ولا أطمع في نصركم، ولا أوعد العدو بكم. ما بالكم؟ ما دواؤكم؟ ماطبكم؟ القوم رجال أمثالكم أقوالا بغير علم! وغفلة من غير ورع! وطمعا في غير حق؟!(1).
وجاء عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: <ياأهل الكوفة ، منيت منكم بثلاث واثنتين: صم ذوو أسماع، وبكم ذوو كلام، وعمى ذوو أبصار، لا أحرار صدق عند اللقاء، ولا إخوان ثقة عند البلاء! تربت أيديكم! ياأشباه الإبل غاب عنها رعاتها! كلما جمعت من جانب تفرقت من آخر، والله لكأني بكم فيما إخالكم أن لو حمس الوغى وحمى الضراب قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج المرأة عن قبلها(2).
ذم باقي الأئمة شيعتهم :
وعن الحسن بن علي رضي الله عنه أنه قال : <عرفت أهل الكوفة (أي شيعته وشيعة أبيه) وبلوتهم ولا يصلح لي منهم من كان فاسدا إنهم لا وفاء لهم ولا ذمة في قول ولا فعل، وإنهم لمختلفون ويقولون لنا إن قلوبهم معنا وإن سيوفهم لمشهورة علينا>(1).(2/128)
وقال أخوه الحسين لشيعته حينما اجتمعوا عليه بدل أن يساعدوه ويمدوه بعد ما دعوه إلى الكوفة وبايعوا مسلم بن عقيل نيابة عنه فقال لهم: <تبا لكم أيتها الجماعة! وترحا وبؤسا لكم وتعساً حين استصرختمونا ولهين فأصرخناكم موجفين، فشحذتم علينا سيفا كان في أيدينا وحششتم علينا نارا أضرمناها على عدوكم وعدونا، فأصبحتم ألباً على أوليائكم ويداً على أعدائكم من غير عدل أفشوه فيكم ولا أمل أصبح لكم فيهم ولا ذنب كان منا فيكم، فهلا لكم الويلات إذ أكرهتمونا والسيف مشيم والجأش طامن والرأي لم تستخصف ولكنكم استسرعتم الى بيعتنا كطيرة الدبا، وتهافتم إليها تهافت الفراش ثم نقضتموها سفها>(2).
وعن جعفر الصادق - عليه السلام - أنه قال: إني والله ما وجدت أحدا يطيعني ويأخذ بقولي إلا رجلا واحدا - عبد الله بن يعفور(3).
وروى الكليني عن أبي الحسن موسى أنه قال: لو ميزت شيعتي ما وجدتم إلا واصفة ولو امتحنتهم لما وجدهم إلا مرتدين(4).
ومثل هذا كثير وهذه هي الأسباب التي جعلتهم يلجأون إلى القول بالتقية، لأنه لا يمكن الجمع بين مدح الصحابة وعلى رأسهم أبي بكر وعمر وعثمان، وبين ذمهم والطعن فيهم كما لا يمكن الجمع بين ذم الشيعة والطعن فيهم وبين مدحهم.
فكيف الجمع بين هذا وذاك؟
فقالوا : إن الأئمة ما قالوا ذلك إلا تقية فكان هذا هو المخلص الوحيد لهم من المآزق .
رابعا : دلالة العقل والتاريخ وما علم بالتواتر وأجمع الناس عليه من عدالتهم(2/129)
أولا : قد عرف بالتواتر الذي لا يخفى على العامة والخاصة أن أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم كان لهم بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم اختصاص عظيم وكانوا من أعظم الناس اختصاصا به، وصُحبة له وقربا إليه، وقد صاهرهم كلهم، وكان يحبهم ويثني عليهم وحينئذ فإما أن يكونوا على الاستقامة ظاهراً وباطنا في حياته وبعد موته، وإما أن يكونوا خلاف ذلك في حياته أو بعد موته، فإن كانوا على غير الاستقامة مع هذا القرب فأحد الأمرين لازم، إما عدم علمه بأحوالهم، أو مداهنته لهم، وأيهما كان فهو من أعظم القدح في الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كما قيل:
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة
وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
وإن كانوا انحرفوا بعد الاستقامة فهذا خذلان من الله للرسول في خواص أمته، وأكابر أصحابه، ومن وعد أن يظهر دينه على الدين كله، فكيف يكون أكابر خواصه مرتدين؟ فهذا ونحوه من أعظم ما يقدح به الرافضة في الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كما قال مالك وغيره. إنما أراد هؤلاء الرافضة الطعن في الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ليقول القائل: رجل سوء كان له أصحاب سوء، ولو كان رجلا صالحا لكان أصحابه صالحين(1).
ثانيا : إن المرتد إنما يرتد لشبهة أو شهوة، ومعلوم أن الشبهات والشهوات في اوائل الاسلام كانت أقوى، حيث كان الإسلام إذ ذاك قليلا، والكفار مستولين على عامة الأرض، وكان المسلمون يؤذون بمكة ويلقون من أقاربهم وغيرهم من المشركين من الأذى ما لا يعلمه إلا الله، وهم صابرون على الأذى متجرعون لمرارة البلوى، وقد اتبعوه صلى الله عليه وآله وسلم وهو وحيد فقير، ذليل خائف، مقهور مغلوب، وأهل الأرض يد واحدة في عداوته، وقد خرجوا من ديارهم وأموالهم وتركوا ما كانوا عليه من الشرف والعزة حبا لله ورسوله.(2/130)
وهذا كله فعلوه طوعاً واختيارا، فمن كان إيمانهم مثل الجبال في حال ضعف الإسلام، كيف يكون إيمانهم بعد ظهور آياته وانتشار أعلامه(1) لاسيما والسبب الذي تكفرهم الرافضة من أجله وهو بيعة أبي بكر من دون علي، لا يوجد فيه ما يدفعهم إلى التضحية بإيمانهم، وخسارة سابقتهم وجهادهم وبيع آخرتهم من أجل أبي بكر، فما الذي حملهم على ذلك وهم يعلمون أنه كُفر بربهم، ورجوع عن دينهم، وتركوا اتباع قول رسول الله في بيعة علي بن أبي طالب، وقد علموا أنها طاعة لنبيهم، والثبات على دينهم، هل يعقل أن يطيع المهاجرون والأنصار أبا بكر في الكفر بالله، ويتركوا اتباع قول رسول الله في علي؟ وهم الذين خرجوا من ديارهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا، وينصرون الله ورسوله، أولئك هم الصادقون.
ثالثا : إن مذهب الرافضة في تكفير الصحابة يترتب عليه تكفير أمير المؤمنين لتخليه عن القيام بأمر الله(2)، ويلزم عليه إسقاط تواتر الشريعة، بل بطلانها مادام نقلتها مرتدين، ويؤدي إلى القدح في القرآن العظيم، لأنه وصلنا عن طريق أبي بكر وعمر وعثمان وإخوانهم، وهذا هو هدف واضع هذه المقالة ولذلك قال أبو زرعة: <إذا رأيت الرجل ينتقص أحداًً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حق والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة(1).
ولذلك اعترفت كتب الشيعة أن الذي وضع هذه المقالة هو ابن سبأ فقالت <إنه أول من أظهر الطعن في أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة، وتبرأ منهم، وادعى أن عليا عليه السلام أمره بذلك>(2).(2/131)
رابعا : إن عليا رضي الله عنه لم يكفر أحدا ممن قاتله حتى ولا الخوارج، ولا سبى ذرية أحد منهم، ولا غنم ماله، ولا حكم في أحد ممن قاتله بحكم المرتدين كما حكم أبو بكر وسائر الصحابة في بني حنيفة وأمثالهم من المرتدين، بل كان يترضى عن طلحة والزبير وغيرهما ممن قاتله، ويحكم فيهم وفي أصحاب معاوية ممن قاتله بحكم المسلمين، وقد ثبت بالنقل الصحيح أن مناديه نادى يوم الجمل لا يتبع مدبر، ولا يجهز على جريح، ولا يغنم مال(3). واستفاضت الآثار أنه كان يقول عن قتلى عسكر معاوية: إنهم جميعا مسلمون ليسوا كفارا ولا منافقين(1).
وهذا ثبت بنقل الشيعة نفسها، فقد جاء في كتبهم المعتمدة عندهم <عن جعفر عن أبيه أن عليا - عليه السلام - لم يكن ينسب أحدا من أهل حربه إلى الشرك، ولا إلى النفاق، ولكنه يقول: هم بغوا علينا(2).
ولكن عقيدة التقية عندهم تجعل دينهم دين الشيوخ لا دين الأئمة، فقد قال الحر العاملي في التعليق على النص السابق <أقول: هذا محمول على التقية>(3).
وجاء في كتاب علي إلى أهل الأمصار يذكر فيه ما جرى بينه وبين أهل صفين: <وكان بدء أمرنا التقينا والقوم من أهل الشام، والظاهر أن ربنا واحد، ودعوتنا في الإسلام واحدة، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله، والتصديق برسوله، ولا يستزيدوننا، الأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء>(4).
وقد أنكر على من يسب معاوية ومن معه فقال: <إني أكره لكم أن تكونوا سبابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبكم إياهم، اللهم احقن دماءنا ودماءهم وأصلح ذات بيننا وبينهم(5).
فهذا السب والتكفير لم يكن من هدي علي رضي الله عنه .(2/132)
خامسا : إن الذين تستثنيهم الرافضة من حكمها بالردة كسلمان وعمار والمقداد، إنما استثنتهم لأنهم بزعمها على مذهب الرفض من تكفير أبي بكر وعمر، وإنكار بيعتهما، وهذا من جملة نصب الرافضة وتلبيسهم، لأنه لم يعهد لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما منازع في إمامتهما لا هؤلاء ولا غيرهم. وهذا سلمان كان أميرا من قبل عثمان رضي الله عنه على الكوفة، وهذا المقداد وغيره كانوا في عساكر الصحابة وغزواتهم فكيف يمشي تلبيس الرافضة(1).
سادسا : من المعلوم المقطوع به من وقائع التاريخ وأحداثه المعلومة المستفيضة حال الصحابة رضوان الله عليهم، وأنهم لم يؤثروا على الله شيئا، وبلغ المكروه بهم كل مبلغ، وبذلوا النفوس في الله حتى أيد الله تعالى بهم نبيه، وأظهر بهم دينه، فكيف يجسر على الطعن عليهم من عرف الله ساعة في عمره؟ أم كيف يجتريء على سبهم وانتقاصهم من يزعم أنه مسلم(2)؟!
ولهذا قال الخطيب البغدادي: <على أنه لو لم يرد من الله عز وجل فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد والنصرة، وبذل المهج والأموال، وقتل الآباء والأولاد، والمناصحة في الدين، وقوة الإيمان واليقين القطع على عدالتهم والاعتقاد بنزاهتهم>(3).
ومن يراجع أحداث السيرة وما لقي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصحبه من أذى واضطهاد، حتى رمتهم العرب عن قوس واحدة، وتحملوا اضطهاد قريش في بطحاء مكة، وقاسوا مرارة المقاطعة وشدة الحصار في الشعب، وعانوا من فراق الوطن والأهل والعشيرة فهاجروا إلى الحبشة، والمدينة، وقاموا بأعباء الجهاد وتضحياته، وحاربوا الأهل والعشيرة إلى آخر ما هو مشهور ومعلوم من حالهم.
من يتأمل شيئا من هذه الأحوال، يعرف عظمة ذلك الجيل، وقوة إيمانه، وصدق بلائه.(2/133)
سابعا : قامت القرائن العملية، والأدلة الواقعية من سيرة أمير المؤمنين علي في علاقته مع إخوانه أبي بكر وعمر وعثمان مما اشتهر وذاع ونقله حتى الروافض ما يثبت المحبة الصادقة، والإخاء الحميم بين هذه الطليعة المختارة، والصفوة من جيل الصحابة رضوان الله عليهم. وتأتي في مقدمة هذه الأدلة والقرائن تزويج أمير المؤمنين علي ابنته أم كلثوم لأمير المؤمنين عمر(1). فإذا كان عمر فاروق هذه الأمة قد صار عند الاثنى عشرية أشد كفرا من إبليس، أفلا يرجعون إلى عقولهم ويتدبرون فساد ما ينتهي إليه مذهبهم، إذ لو كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما كافرين لكان علي بتزويجه ابنته أم كلثوم الكبرى من عمر رضي الله عنه كافرا أو فاسقا معرضا بنته للزنا، لأن وطء الكافر للمسلمة زنا محض(2).
والعاقل المنصف البرىء من الغرض، الصادق في تشيعه لا يملك إلا الإذعان لهذه الحقيقة، حقيقة الولاء والحب بين الخلفاء الأربعة رضوان الله عليهم، ولذلك لما قيل لمعز الدولة أحمد بن بويه - وكان رافضيا يشتم صحابة رسول الله - <إن عليا - عليه السلام - زوج ابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب استعظم ذلك وقال: ما علمت بهذا وتاب وتصدق بأكثر ماله وأعتق مماليكه ورد كثيرا من المظالم وبكى حتى غشي عليه>(1) لشعوره بعظيم جرمه في ما سلف من عمره، الذي أمضاه ينهش في أعراض هؤلاء الأطهار .
وقد حاول شيوخ الشيعة إبطال مفعول هذا الدليل فوضعوا روايات عن الأئمة تقول: <ذلك فرج غصبناه>(2) فزادوا الطين بلة، حيث صوروا أمير المؤمنين في صورة <الديوث> الذي لا ينافح عن عرضه، ويقر الفاحشة في أهله، وهل يتصور مثل هذا في حق أمير المؤمنين علي؟!. <إن أدنى العرب يبذل نفسه دون عرضه، ويقتل دون حرمه، فضلا عن بني هاشم الذين هم سادات العرب وأعلاها نسبا وأعظمها مروءة وحمية، فكيف يثبتون لأمير المؤمنين مثل هذه المنقصة الشنيعة، وهو الشجاع الصنديد ليث بني غالب أسد الله في المشارق والمغارب>(3).(2/134)
ويبدو أن بعضهم لم يعجبه هذا التوجيه، فرام التخلص من هذا الدليل بمنطق أغرب وأعجب، حيث زعم أن أم كلثوم التي تزوجها عمر لم تكن بنت علي ولكنها جنية تصورت بصورتها(4).
ومن القرائن أيضا علاقات القربى القائمة بينهم، ووشائج الصلة، وكذلك مظاهر المحبة حتى إن عليا والحسن والحسين يسمون بعض أولادهم باسم أبي بكر وعمر، وهل يطيق أحد أن يسمي أولاده بأسماء أشد أعدائه كفراً وكرها له؟ وهل يطيق أن يسمع أسماء أعدائه تتردد في أرجاء بيته، يرددها مع أهله في يومه مرات وكرات؟(1)،(2).
المصادر والمراجع
أولا : المصادر والمراجع السنية
- القرآن الكريم :
حرف الألف (أ)
1- ابن سبأ حقيقة لا خيال : د. سعدي الهاشمي - الطبعة الأولى - نشر مكتبة الدار بالمدينة بالمنورة.
2- الأحاديث الصحيحة : محمد ناصر الدين الألباني - منشورات المكتب الإسلامي .
3- إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل : تأليف محمد ناصر الدين الألباني - إشراف محمد زهير الشاويش - المكتب الإسلامي.
4- الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين : لأبن عساكر الشافعي. دار الفكر، دمشق ، سوريا ، ط. الأولى 6041هـ - 6891م.
5- إسرائيل والتلمود : إبراهيم خليل أحمد - مكتبة الوعي العربي - الفجالة .
6- أسد الغابة في معرفة الصحابة : أبو الحسن علي بن مكرم المعروف بابن الأثير، دار إحياء التراث العربي - بيروت.
7- الاستيعاب في معرفة الأصحاب : لابن عبد البر - ط. دار الفكر، بيروت، لبنان .
8- الإصابة في تمييز الصحابة : أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني - دار الكتاب العربي - بيروت.
9- أصول مذهب الشيعة : د. ناصر الغفاري - الطبعة الأولى 4141هـ - 3991م.
10- الاعتصام : أبو اسحاق ابراهيم بن موسى بن محمد الشاطبي - دار المعرفة، بيروت، لبنان.
11- اعتقادات فرق المسلمين والمشركين - فخر الدين الرازي - راجعه علي سامي النشار - ط 2041 دار الكتب العلمية.(2/135)
12- الأعلام : خير الدين الزركلي - الطبعة السابعة - 6891م - دار العلم للملايين - بيروت - لبنان.
13- اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم شيخ الإسلام ابن تيمية - مطابع المجد التجارية.
14- الأنساب : للإمام أبي سعد عبد الكريم بن محمد السمعاني (265هـ) الطبعة الأولى- مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - حيدر آباد - الهند.
15- أنساب الأشراف : أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري - مكتبة المثنى - بغداد .
16- أوجز الخطاب في بيان موقف الشيعة من الأصحاب : أبو محمد الحسيني - الطبعة الأولى 3141هـ - 3991م
حرف الباء (ب)
17- البدء والتاريخ : مطهر طاهر المقدسي (705هـ) طبعة سنة 2691م نشر مكتبة الأسدي - طهران.
18- البداية والنهاية : أبو الفداء اسماعيل بن كثير - الطبعة الثانية 4791م 4931هـ - مكتبة المعارف - شارع الأمير أمين - بيروت.
19- بطلان عقائد الشيعة : محمد عبد الستار التونسوي - دار العلوم للطباعة - القاهرة.
حرف التاء (ت)
20- تاريخ ابن خلدون : عبد الرحمن بن محمد بن خلدون - منشورات دار الكتاب اللبناني للطباعة والنشر 6591م.
21- تاريخ الإسلام وطبقات المشاهير : للحافظ شمس الدين الذهبي - نسخة مصورة عن دار الكتب المصرية، ونسخة كمبريدج - عنيت بنشره مكتبة القدسي سنة 7631هـ.
22- تاريخ خليفة بن خياط : تحقيق د. أكرم ضياء العمري - الطبعة الثانية - مؤسسة الرسالة - بيروت - دار القلم - بيروت - دمشق.
23- تاريخ الطبري : محمد بن جرير الطبري (013 هـ) الطبعة الأولى - دار الكتب العلمية - بيروت.
24- تاريخ العرب قبل الإسلام : د. جواد علي - مطبعة المجمع العلمي العراقي 5731هـ - 6591م.
25- تاريخ مدينة دمشق : لأبي قاسم علي بن الحسين بن هبة الله المعروف (بابن عساكر).
أ - مخطوط :
ب - مطبوع : تحقيق صلاح الدين المنجد - مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق.(2/136)
26- تاج العروس : للسيد محمد مرتضى الحسيني الزبيدي - منشورات مكتبة الحياة - بيروت - لبنان.
27- تاريخ المدينة المنورة : لابن شبه . ط. دار الأصفهاني للطباعة ، جدة، السعودية - ط. الثانية: 3931هـ تحقيق فهيم شلتوت.
28- التبصير في الدين : لأبي مظفر الأسفرايني - تحقيق كمال يوسف الحوت - الطبعة الأولى - عالم الكتب.
29- تجريد أسماء الصحابة : أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبي ، شرف الدين الكتبي 9831هـ.
30- تدريب الراوي في شرح تقريب النووي : جلال الدين عبد الرحمن ابن أبي بكر السيوطي،تحقيق عبد الوهاب عبداللطيف، دار إحياء التراث السنة النبوية ، ط الثانية: 9931هـ.
31- التعريفات : للسيد علي بن محمد بن علي السيد الزين أبي الحسن الجرجاني - شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر.
32- تفسير ابن كثير : للحافظ أبي الفداء اسماعيل بن كثير - مكتبة دار الفيحاء للطباعة والنشر - دمشق 4141هـ - 4991م.
33- تقريب التهذيب : لابن حجر العسقلاني - قدم له وقابله بالأصل محمد عوامة - الطبعة الأولى 6041هـ - دار الرشيد - سوريا - حلب.
34- التلمود - تاريخه وتعاليمه : ظفر الإسلام خان - الطبعة السادسة - دار النفائس - بيروت .
35- التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع : محمد بن أحمد بن عبدالرحمن الملطي (773هـ) قدم له وعلق عليه محمد زاهد الكوثري - 8831هـ - 8691م - مكتبة المثني، بغداد - مكتبة المعارف - بيروت.
حرف الحاء (ح)
36- حقيقة الشيعة : عبد الله عبد الله الموصلي - مكتبة ابن تيمية - القاهرة.
37- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء : لأبي نعيم الأصفهاني - الكتاب العربي ، بيروت. ط. الثانية 7831هـ - 7891م
38- الحور العين : مشوان الحميري - مكتبة الخانجي بمصر 8491م
حرف الخاء (خ)
39- الخطوط العريضة : لمحب الدين الخطيب - الطبعة العاشرة. القاهرة، مصر.
40- خطر اليهودية العالمية على الإسلام والمسيحية :(2/137)
عبد الله التل - الطبعة الثالثة 9931هـ - المكتب الإسلامي.
حرف الدال (د)
41- در السحابة في مناقب القرابة والصحابة: للشوكاني - ط. دار الفكر، دمشق، ط الأولى 4041هـ.
حرف الذال (ذ)
42- الذريعة الطاهرة النبوية : للدولابي. ط، السلفية - الكويت، ط. الأولى 7041هـ - تحقيق سعد المبارك الحسن.
حرف الراء (ر)
43- الرحيق المختوم : صفي الرحمن المباركفوري - الجامعة السلفية - مكتبة دار السلام - الرياض 4141هـ - 4991م.
44- الرد على الدكتور علي عبد الواحد في كتابه بين الشيعة وأهل السنة - إحسان إلهي ظهير - الطبعة الأولى 5041هـ - 5891م إدارة ترجمان السنة - لاهور - باكستان.
45- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني : للعلامة الألوسي البغدادي - دار إحياء التراث العربي - بيروت.
46- الروض الأنيق في إثبات إمامة أبي بكر الصديق : مخطوط مصور عن المكتبة البلدية الاسكندرية.
حرف السين (س)
47- سراب في ايران : للدكتور أحمد الأفغاني .
48- السمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين : للمحب الطبري - مطبعة عيسى البابي الحلبي - القاهرة.
49- سنن أبي داود : للإمام الحافظ أبي داود بن الأشعث السجتاني - تعليق عزت عبيد الدعاس - الطبعة الأولى 8831هـ - 9691م - نشر وتوزيع محمد علي السيد - حمص.
50- سنن ابن ماجة : طبعة عيسى البابي الحلبي - القاهرة - تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي.
51- سنن الترمذي (الجامع الصحيح) - لأبي عيسى محمد بن عيسى ابن سورة الترمذي - تحقيق ابراهيم عطوه عوض - الطبعة الثانية 5931هـ - مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي.
52- السيرة النبوية : لأبي الفداء إسماعيل بن كثير - تحقيق مصطفى عبدالواحد 3931هـ - 6791م - دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان.
53- السيرة النبوية : لأبي محمد عبد الملك بن هشام - دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - القاهرة.(2/138)
54- السيرة النبوية : للسيد أبي الحسن علي الحسيني الندوي - عني بطبعه ومراجعته: عبدالله ابراهيم الأنصاري - المطبعة العصرية للطباعة والنشر - صيدا - لبنان.
55- السير والمغازي (سيرة ابن إسحاق).
لمحمد بن إسحاق - تحقيق د. سهيل زكار - الطبعة الأولى 8931هـ - 8791م - نشر دار الفكر.
حرف الشين (ش)
56- شرح العقيدة الطحاوية : للقاضي علي بن علي محمد بن أبي العز الدمشقي - حققه وخرج أحاديثه بشير محمد عيون - نشر مكتبة دار البيان الطبعة الأولى 5041هـ.
57- شفاء الغليل في بيان ما وقع في التوراة والإنجيل من التبديل: لأبي المعالي إمام الحرمين عبدالملك بن عبد الله بن يوسف الجويني تحقيق د.أحمد حجازي السقا - نشر مكتبة الكليات الأزهرية.
58- الشيعة وأهل البيت : إحسان إلهي ظهير - الطبعة السابعة 4041هـ - الناشر إدارة ترجمان السنة - لاهور - باكستان.
59- الشيعة الأثنا عشرية وتحريف القرآن : محمد عبد الرحمن السيف
60- الشيعة والسنة : إحسان إلهي ظهير - الطبعة الثلاثون - الناشر إدارة ترجمان السنة، لاهور - باكستان.
حرف الصاد (ص)
61- صحيح البخاري : للإمام أبي عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري مع شرحه فتح الباري لابن حجر العسقلاني - ترقيم محمد فؤاد عبدالباقي - الريان للتراث - القاهرة .
62- صحيح الجامع الصغير : للسيوطي - تحقيق محمد ناصر الدين الألباني - الطبعة الأولى 8831هـ - منشورات المكتب الإسلامي .
63- صحيح مسلم : للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج - تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي - ط. دار إحياء التراث العربي.
64- الصراع بين الإسلام والوثنية : عبد الله القصيمي - الطبعة الثانية - القاهرة - 2041هـ - 2891م.
65- الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة : لأحمد بن حجر الهيثمي خرج أحاديثه وعلق عليه : عبدالوهاب عبداللطيف - نشر مكتبة القاهرة 0 شركة الطباعة الفنية المتحدة.
حرف الضاد (ض)(2/139)
66- الضعفاء والمتروكين : للإمام أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي - ط. المكتبة الأثرية سانكه هِل.
حرف الطاء (ط)
67- طبقات ابن سعد : دار صادر ، بيروت ، لبنان - 6731هـ - 7591م - نشر دار بيروت.
حرف العين (ع)
68- عبد الله بن سبأ وأثره في إحداث الفتنة في صدر الإسلام: سليمان بن حمد عودة - الطبعة الأولى 5041هـ - 5891م الناشر - دار طيبة للنشر والتوزيع.
69- العقد الفريد : أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي - تحقيق د.مفيد محمد قميحه - دار الكتب العلمية - بيروت لبنان.
حرف الفاء (ف)
70- فتح القدير الجامع : لفني الرواية والدراية من علم التفسير - محمد ابن علي الشوكاني - دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
71- الفتنة الكبرى (علي وبنوه) : طه حسين: الطبعة الثامنة - دار المعارف بمصر .
72- فتح المغيث شرح الفية الحديث : محمد بن عبد الرحمن السخاوي، تحقيق عبدالرحمن محمد عثمان - مطبعة العاصمة 8831هـ.
73- الفرق بين الفرق : عبد القاهر بن طاهر البغدادي - تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد - نشر دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت - لبنان.
74- الفصل في الملل والأهواء والنحل : للإمام أبي محمد علي بن أحمد المعروف (بابن حزم) تحقيق: د. محمد ابراهيم نصر - د.عبدالرحمن عميرة - نشر دار الجيل - بريوت - لبنان.
75- فضائل الصحابة : أحمد بن حنبل : ط. مؤسسة الرسالة، بيروت ، لبنان، ط. الأولى 3041هـ - 3891م - تحقيق: وصي الله بن محمد عباس.
حرف القاف (ق)
76- القاموس المحيط : للشيخ محمد بن يعقوب الفيروز آبادي - منشورات عالم الكتب.
حرف الكاف (ك)
77- الكامل في التاريخ : لأبي الحسن علي بن أبي أكرم الشيباني المعروف (بابن الأثير) عنيت بنشره دار الطباعة المنيرية 6531هـ.(2/140)
78- كشف النقاب عن الأسماء والألقاب : تصنيف الإمام أبي الفرج عبدالرحمن بن علي بن الجوزي - تحقيق الدكتور عبدالعزيز بن راجي الصاعدي - دار السلام - الرياض - الطبعة الأولى 3141هـ.
79- كشف الجاني محمد التيجاني في كتبه الأربعة : عثمان محمد الخميس التميمي - الطبعة الثانية.
80- الكفاية في علم الرواية : أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت - المكتبة العلمية.
حرف اللام (ل)
81- لسان العرب : لابن منظور - دار صادر - بيروت - لبنان .
82- لسان الميزان : للإمام الحافظ شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني - منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت لبنان.
83- لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية للعلامة الشيخ محمد ابن أحمد السفاريني - الطبعة الثانية 5041هـ - 5891م - المكتب الإسلامي.
حرف الميم (م)
84- المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين : للإمام الحافظ محمد ابن حبان - تحقيق محمود ابراهيم زايد - دار الوعي بحلب.
85- مجموع الفتاوى : شيخ الإسلام ابن تيمية - جمع وترتيب عبدالرحمن بن محمد بن قاسم وابنه محمد - الطبعة الأولى 8931هـ.
86- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي : نشر دار الكتاب - بيروت - لبنان - مصور عن ط الثانية 7691م
87- المحلى : أبو محمد علي بن أحمد بن حزم ، تصحيح محمد خليل هراس، مطبعة الإمام بمصر.
88- المحبر : للعلامة الأخباري أبي جعفر محمد بن حبيب بن أمية بن عمرو الهاشمي البغدادي المتوفي (542هـ) المكتب التجاري - بيروت.
89- مختار الصحاح : محمد بن أبي بكر الرازي - نشر مكتبة لبنان 6891م
90- مختصر التحفة الإثنا عشرية : تأليف شاه عبدالعزيز غلام حكيم الدهلوي - اختصره السيد محمود شاكر الألوسي - حققه محب الدين الخطيب - المطبعة السلفية 3791م.
91- مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم : الشيخ محمد بن عبدالوهاب - تحقيق محمد حامد الفقي - مكتبة السنة المحمدية 5731هـ.(2/141)
92- مذاهب الإسلاميين : عبدالرحمن بدوي - الطبعة الأولى 3791م - نشر دار العلم للملايين.
93- مرآة الجنان وعبر اليقضان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان: لليافعي ، تصوير مؤسسة الأعلمي للمطبوعات الإسلامية ، حلب ، سوريا.
94- المستدرك على الصحيحين : أبو عبد الله محمد بن عبدالله النيسابوري (الحاكم) نشر مكتب المطبوعات الإسلامية - حلب - سوريا.
95- مسند الإمام أحمد بن حنبل ، ط الحلبي ، القاهرة 3131هـ نشر دار صادر بيروت، لبنان - ط المعارف، القاهرة - تحقيق أحمد شاكر 5631هـ - 4731هـ/ 6491م - 5591م.
96- المعارف : لأبي عبدالله بن مسلم (ابن قتيبة) حققه: ثروت عكاشة الطبعة الثانية - دار المعارف بمصر.
97- معجم البلدان : ياقوت الحموي - دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان 9931 - 9791م
98- المغني في الضعفاء : تحقيق نور الدين - الناشر دار إحياء التراث العربي، بيروت - الطبعة الأولى 1931هـ - 1791م.
99- مقالات الإسلاميين واختلاف المصليين : لأبي الحسن علي بن اسماعيل الأشعري - تحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد - الطبعة الثانية 9831هـ - نشر مكتبة النهضة.
100- الملل والنحل : لأبي الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني - الطبعة الثانية - دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان.
101- منهاج السنة النبوية : لشيخ الإسلام ابن تيمية : تحقيق محمد رشاد سالم - الطبعة الأولى 6041هـ - مؤسسة قرطبة للطباعة والنشر والتوزيع.
102- المنتظم في تاريخ الملوك والأمم : أبو الفرج عبدالرحمن بن الجوزي، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، الهند 7531هـ.
103- المناظرة بين أهل السنة والرافضة : أبو العباس يوسف الواسطي - مكتبة الجامعة الإسلامية.
104- المواقف في علم الكلام : عبد الرحمن بن أحمد الأيجي عالم الكتب، بيروت.(2/142)
105- ميزان الاعتدال في نقد الرجال : لأبي عبدالله محمد بن أحمد الذهبي - تحقيق علي محمد البجاوي - دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت - لبنان.
حرف النون (ن)
106- نشأة التشيع وتطوره والأسس التي يقوم عليها: محب الدين الخطيب - المطبعة السلفية.
107- نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام : علي سامي النشار - الطبعة السابعة 7791م - دار المعرفة بمصر.
108- النهاية في غريب الحديث والأثر : للإمام مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري (ابن الأثير) تحقيق: ظاهر أحمد الزاوي - محمود محمد الطناحي - المكتبة العلمية - بيروت.
حرف الواو (و)
109- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان : لأبي العباس شمس الدين أحمد ابن محمد بن أبي بن خلكان - تحقيق: إحسان عباس - دار صادر بيروت.
110- الوافي بالوفيات ج71 : خليل بن أيبك الصفدي (مخطوط) نسخة مصورة في المجمع العلمي بدمشق.
حرف الياء (ي)
111- اليهود المغضوب عليهم : محمد بن عبد العزيز منصور.
112- اليهود في القرآن : عفيف عبدالفتاح طبارة - الطبعة التاسعة 2891م نشر دار العلم للملايين
113- اليهود ، نشأتهم وعقيدتهم ومجتمعهم : الطبعة الأولى 4791م - نشر مكتبة النهضة المصرية.
114- اليهودية (المجلد الأول من مقارنة الأديان) : تأليف الدكتور أحمد شلبي - الطبعة السابعة 4891م - مكتبة النهضة المصرية - شارع عدلي - القاهرة.
115- اليهودية والصهيونية : تأليف أحمد عبدالغفور عطار - دار الأندلس.
116- يوم الغفران : محمد مال الله .
ثانيا : المصادر والمراجع الشيعية
حرف الألف (أ)
1- الاحتجاج : لأبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي. منشورات الأعلمي للمطبوعات بيروت - لبنان - الطبعة الثانية 0141هـ - 9891م.
2- أحقاق الحق : لنور الله التستري - المطبعة المرتضوية في النجف، العراق، 37 - 1هـ - طبعة حجرية، منسوخة بخط أبي القاسم الخوانساري .(2/143)
3- الاختصاص : محمد بن محمد بن النعمان الملقب (بالمفيد) تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري - منشورات: جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم .
4- الأخبار الطوال : للدينوري .
5- اختيار معرفة الرجال : لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي. وانشكا - مشهد ، ايران.
6- الإرشاد : الشيخ المفيد / طبعة طهران .
7- آراء حول القرآن : السيد الفاني الأصفاني - دار الهادي - بيروت.
8- الاستبصار - أبي جعفر الطوسي - دار الكتب الإسلامية - طهران - 3631هـ.
9- الاستغاثة في بدع الثلاثة : لأبي القاسم على بن أحمد الكوفي خال من تاريخ الطبع ومكانه .
10- الأشعثيات : لأبي علي محمد بن محمد الأشعث الكوفي - اصدار مكتبة بينوى الحديث ، طهران ، ايران.
11- أصل الشيعة وأصولها : محمد الحسين آل كاشف الغطاء - الطبعة الرابعة 2041هـ منصورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان.
12- أعيان الشيعة : تأليف محسن الأمين العاملي - طبعة دار التعارف - بيروت.
13- أمالي الصدق : لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف (بالصدوق) الطبعة الخامسة - منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات.
14- أمالي الطوسي : تأليف شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي - الطبعة الثانية 1041هـ- 1891م نشر مؤسسة الوفاء - بيروت لبنان.
15- الأنوار النعمانية : تأليف نعمة الله الموسوي الجزائري - مطبعة شركة جاب تبريز - ايران.
16- الانتفاضات الشيعية : لهاشم معروف الحسيني .
17- أوائل المقالات في المذهب المختارات : تأليف الشيخ المفيد بن محمد بن محمد النعمان - نشر دار الكتاب الإسلامي - بيروت - لبنان 3041 هـ - 3891م.
18- الإيضاح : الشيخ أبي محمد الفضل بن شاذان الأزدي النيسابوري - الطبعة الأولى 2041هـ - 2891م - منشورات - مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان .(2/144)
19- الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة : تأليف محمد بن الحسن الحر العاملي - المطبعة العلمية قم ، انتشارات نويد .
حرف الباء (ب)
20- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار : تأليف الشيخ محمد باقر المجلسي - الطبعة الثانية 3041هـ مؤسسة الوفاء - بيروت - لبنان.
21- البرهان في تفسير القرآن : لهاشم بن سليمان الحسيني البحراني - مؤسسة مطبوعاتي اسماعيلياتي ، قم ، ايران.
22- بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمد صلى الله عليه وسلم : لأبي جعفر محمد بن الحسن بن فروخ (الصفار) منشورات الأعلمي - طهران - تاريخ الطبعة 2631هـ.
23- بين التصوف والتشيع : هاشم معروف الحسيني - دار القلم ، بيروت ، ط الأولى 9791م.
24- البيان في تفسير القرآن : لأبي القاسم الموسوي الخوئي - الطبعة السادسة 1041هـ دار الزهراء للطباعة والنشر - بيروت - لبنان.
حرف التاء (ت)
25- تاريخ الإمامية وإسلافهم من الشيعة - عبد الله فياض - ط. الثانية - مؤسسة الأعلمي - بيروت.
26- تاريخ الشيعة : تأليف الشيخ محمد حسين المظفري - منشورات مكتبة بصيرتي - قم ايران.
27- التبيان في تفسير القرآن - أبي جعفر الطوسي - مكتب الاعلام الإسلامي - إيران.
28- تحرير الوسيلة : آية الله روح الله الخميني - طبعة سفارة الجمهورية الإسلامية الايرانية - بيروت - 7041هـ - 7891م.
29- تحفة عوام مقبول : (مجهول المؤلف) مطبعة حيدر بريس - لاهور.
30- تصحيح الاعتقاد بصواب الانتقاد : الشيخ المفيد محمد بن محمد النعمان - ط 3041هـ - دار الكتاب الإسلامي - بيروت - لبنان.
31- تفسير بيان السعادة - سلطان محمد الجانبذي - منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان - 8041هـ.
32- تفسير الصافي : المولي محسن الفيض الكاشاني - مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت - لبنان - الطبعة الأولى 9931هـ.(2/145)
33- تفسير العياشي : للشيخ محمد بن مسعود بن عياشي المعروف (بالعياشي) نشر المكتبة العلمية الإسلامية - طهران.
34- تفسيرات فرات الكوفي : فرات بن ابراهيم بن فرات الكوفي - طبع في المطبعة الحيدرية النجف الأشرف.
35- تفسير القمي : لأبي الحسن علي بن ابراهيم القمي - مكتبة الهدى ، النجف ، مؤسسة دار الكتاب للطباعة.
36- تفسير القرآن الكريم : عبد الله شبر ، دار إحياء التراث العربي 7931هـ، ط الثالثة.
37- تفسير كنز الدقائق : الميرزا محمد المشهدي القمي - 7041هـ - مؤسسة النشر المكتبي - قم - إيران.
38- تفسير منهاج السالكين : محمد الملا الكاشاني .
39- تفسير نور الثقلين : الشيخ عبد علي بن جمعة الحويزي : مؤسسة مطبوعاتي اسماعيلياتي، قم، ايران.
40- تلخيص الشافي : محمد بن الحسن الطوسي - طبعة حجرية مكتوبة بخط اليد - نسخها مير أبو القاسم بن مير محمد صادق الخوانساري - فرغ من نسخها في شهر رجب، سنة 1031هـ - طهران - ايران.
41- التنبيه والإشراف : علي بن الحسن المسعودي ، دار صعب - بيروت.
42- تنقيح المقال في علم الرجال : عبدالله المامقاني - طبع في المطبعة المرتضوية في النجف سنة 2531هـ.
43- تهذيب الأحكام - أبي جعفر محمد عبد الحسن الطوسي .
حرف الثاء (ث)
44- ثم اهتديت : محمد التيجاني - مؤسسة الفجر - لندن
45- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابوية القمي، تعليق علي أكبر الغفاري - مكتبة الصدوق طهران.
حرف الجيم (ج)
46- جلاء العيون : محمد باقر المجلسي - اللغة الفارسية.
47- الجمل - النصرة في حرب البصرة : المفيد - منشورات مكتبة الداوري، قم، ايران - ط. الثالثة.
حرف الحاء (ح)
48- حق اليقين في معرفة أصول الدين : عبد الله شبر - دار الكتاب الإسلامي.
49- الحكومة الإسلامية - آية الله الخميني - في منشورات المكتبة الإسلامية الكبرى.
50- حياة القلوب : محمد باقر المجلسي.(2/146)
51- حق اليقين (فارسي) : تأليف محمد باقر المجلسي - مدير انتشارات علمية إسلامية بازار شيرازي.
حرف الخاء (خ)
52- الخصال : لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابوية القمي (الصدوق) تصحيح علي أكبر الغفاري - نشر مكتبة الصدوق دار التعارف.
حرف الدال (د)
53- دائرة المعارف الإسلامية الشيعية : حسن الأمين - دار التعارف للمطبوعات - الطبعة الخامسة 2141هـ - 2991م.
54- الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة: صدر الدين علي خان الشيرازي الحسيني - منشورات مكتبة بصيرتي، قم، ايران سنة 7931هـ - قدم له محمد صادق بحر العلوم.
55- دلائل الإمامة : أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري - منشورات المطبعة الحيدرية في النجف 9631هـ - 9491م.
حرف الذال (ذ)
56- الذريعة الى تصانيف الشيعة : لآغا بزرد الطهراني - دار الأضواء - بيروت، لبنان - ط. الثالثة - 3041هـ - 3891م
حرف الراء (ر)
57- رجال العلامة الحلي : الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي المعروف (بالعلامة) - ط قم - إيران .
58- رجال الكشي (معرفة أخبار الرجال) : تأليف محمد بن عمر بن عبدالعزيز الكشي- تقديم وتعليق: أحمد السيد الحسيني.
59- الرجعة : أحمد بن زين الدين الأحسائي - الطبعة الثانية منشورات مكتبة العلامة الحائري العامة - كربلاء.
60- رجال الطوسي : ابي جعفر عمر بن حسين الطوسي - منشورات الرحمن - قم، ايران.
61- روضات الجنات : للخوانساري - دار الإسلامية - بيروت - لبنان.
حرف السين (س)
62- سعد السعود : لأبي القاسم علي بن موسى المعروف بابن طاوس، مطبعة أمير، قم، ايران، الناشر مكتبة الرحمن 3631هـ.
63- سيرة الأئمة الأثنى عشرية : لهاشم معروف الحسيني - دار العلم، بيروت، لبنان، ط. الثالثة 1891م
حرف الشين (ش)
64- الشافي في الإمامة : لأبي القاسم علي بن الحسن بن موسى، المعروف بالشريف المرتضى، طبعة حجرية بخط اليد، كتبت في طهران سنة 4531هـ كتبها عباس الحائري.(2/147)
65- شرح نهج البلاغة : لابن أبي الحديد - تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم - دار الجيل، بيروت - لبنان.
66- الشعائر الحسينية : حسن الشيرازي - دار صادر - بيروت.
حرف الصاد (ص)
67- الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم : تأليف الشيخ زين الدين محمد علي بن يونس العاملي النباطي - عنيت بنشره المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية مطبعة الحيدري.
68- صفات الشيعة وفضائل الشيعة : لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابوية المشهور (بالصدوق) كانون انتشارات عابدي - طهران.
69- الصلة بين التصرف والتشيع : د. كامل مصطفى الشيبي - الناشر - دار المعارف بمصر الطبعة الثانية.
حرف الطاء (ط)
70- الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف : لابن طاوس - مطبعة الخيام، قم، ايران 0041هـ.
حرف العين (ع)
71- عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى : مرتضى العسكري - الطبعة الخامسة 3041هـ - نشر دار الزهراء للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان.
72- عقائد الإمامية - محمد رضا المظفر - الطبعة الثالثة 1931هـ - مطبوعات النجاح بالقاهرة.
73- عقائد الإمامية الإثنى عشرية : تأليف الموسوي الزنجاني النجفي - مؤسسة الوفاء - بيروت لبنان.
74- عقد الدرر في شرح بقر بطن عمر : (د.م) مخطوط يوجد في مكتبة (رضا) رامبور، الهند يحمل رقم (3002).
75- عقد أم كلثوم (أردو) محمد عبدالشكور - ط. باكستان.
76- علل الشرائع : أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابوية القمي - منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها في النجف 5831هـ - 6691م.
77- علم اليقين في أصول الدين : تأليف محمد بن المرتضى المدعو : بالمولى محسن الكاشاني (لا يوجد مكان الطبع وتاريخه).
78- عيون أخبار الرضا : لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين (الصدوق) الطبعة الأولى 4041هـ - 4891م - منشورات : مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت - لبنان.
حرف الغين (غ)(2/148)
79- الغيبة : لأبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي - الطبعة الثانية طبع في مطابع النعمان.
80- الغيبة : للشيخ محمد بن ابراهيم النعماني - الطبعة الأولى 3041هـ 3891م مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان.
حرف الفاء (ف)
81- فرق الشيعة : للشيخ الحسن بن موسى النوبختي - الطبعة الثانية 4041هـ - 4891م - منشورات دار الأضواء - بيروت - لبنان.
82- فصل الخطاب في اثبات تحريف كتاب رب الأرباب : حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي - طبعة حجرية.
83- الفصول في أصول الأئمة : للحر العاملي - منشورات مكتبة بصرتي ، قم ، ايران، ط. الثالثة.
84- الفهرست : لابن النديم - الناشر دار المعرفة للطباعة والنشر - بيروت ، لبنان.
85- الفهرست : لأبي جعفر الطوسي - الطبعة الثالثة - 3041هـ - 3891م مؤسسة - بيروت - لبنان.
حرف القاف (ق)
86- قرب الإسناد - طبعة ايران - 0731هـ.
87- قرة العيون في المعارف والحكم : للفيض الكاشاني - الناشر: مكتبة الألفين - الكويت - ط الثانية 9931هـ.
حرف الكاف (ك)
88- الكافي : لأبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني - تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري - الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران.
89- كتاب سليم بن قيس الكوفي : منشورات مؤسسة الأعلمي - بيروت - لبنان.
90- كشف الأسرار : روح الله الخميني ، بالفارسية - ط طهران 3631هـ.
91- الكشكول فيما جرى على آل الرسول : لحيدر بن علي العبيدي الحسيني العاملي - مطبعة أمير، قم، ايران منشورات بيدار، ط الأولى - حققه عبداللطيف بن علي أكبر الحسيني.
92- كشف الغمة في معرفة الأئمة : لأبي الحسن علي بن عيسى الأربلي - دار الأضواء ، بيروت، لبنان- 5041هـ - 5891 الطبعة الثانية.
93- كمال الدين وتمام النعمة : لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين (الصدوق) الطبعة الثانية - نشر دار الكتب الإسلامية - طهران.
94- الكني والألقاب : لعباس القمي - المطبعة الحيدرية، النجف، العراق، ط الثانية 9831هـ - 9691م.(2/149)
حرف اللام (ل)
95- لمحات من تاريخ القرآن - محمد علي - منشورات الأعلمي .
حرف الميم (م)
96- مجالس المؤمنين : للتستري .
97- المحاسن النفسانية في أجوبة المسائل الخراسانية : تأليف الشيخ حسين ابن الشيخ محمد آل عصفور الدارزي البحراني - الطبعة الأولى 9931هـ - 9791م منشورات دار المشرق العربي الكبير - بيروت - البحرين.
98- مجمع الرجال : علي القهبائي - مؤسسة مطبوعاتي اسماعيلاتي.
99- مختصر بصائر الدرجات : تأليف حسن بن سليمان الحلي - انتشارات الرسول المصطفى - قم، إيران - ط. الأولى 0731هـ - 0591م.
100- مدينة المعاجز : العلم العلامة السيد هاشم البحراني - مؤسسة المعارف الإسلامية ، قم المقدسة.
101- مرآة العقول في شرح أخبار الرسول : محمد باقر المجلسي - الطبعة الثانية 4041هـ - دار الكتب الإسلامية - طهران، طبعة حجرية مكتوبة بخط اليد سنة 4531هـ طهران، ايران.
102- مروج الذهب : المسعودي - شرح وتقديم د. مفيد محمد قميحه - دار الكتب العلمية.
103- مستدرك الوسائل : حسين النوري الطبرسي - مؤسسة آل البيت لأحياء التراث.
104- المسائل السرورية للمفيد - المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد.
105- مشارف الشموس الدرية - عدنان البحراني - المكتبة العدنانية - البحرين .
106- مشارق أنوار اليقين في أسرار المؤمنين : تأليف الحافظ رجب البرسي منشورات: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت - لبنان.
107- مصباح الكفعمي : (جنة الأمان الواقية وجنة الأمان الباقية) : ابراهيم ابن علي بن الحسن العاملي الكفعمي - مطبعة أمير، قم، ايران، منشورات الرحمن ومنشورات زاهدي ط. الثانية، 5041هـ.
108- مصابيح الجنان : تأليف محسن العصفور - الطبعة الأولى 5041هـ - 5891م دار مكتبة وليد الكعبة.
109- معجم رجال الحديث : لأبي القاسم الموسوي الخوئي - منشورات مدينة العلم ، آية الله العظمى الخوئي، قم، ايران، ط الثالثة.(2/150)
110- معجم الفرق الإسلامية : شريف يحيى الأمين - دار الأضواء - الطبعة الأولى - بيروت ، لبنان 6041هـ - 6891م
111- مفاتيح الجنان : عباس القمي ، منشورات دار التربية.
112- مفتاح الجنان (مجهول المؤلف) : نشر مكتبة الماحوزي - البحرين.
113- المقالات والفرق : سعد عبدالله الأشعري - نشر مؤسسة مطبوعاتي عطاني طهران 3691م
114- مناقب آل أبي طالب : تأليف أبي جعفر محمد بن علي بن شهر أشوب - نشر دار الأضواء.
115- من لا يحضره الفقيه : لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابوية.
116- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة : العلامة ميرزا حبيب الله الخوئي - مؤسسة دار الوفاء ، بيروت.
117- منهاج الصالحين : السيد أبو القاسم الخوئي - دار الزهراء - بيروت - لبنان.
118- موسوعة الفرق الإسلامية : الدكتور محمد جواد مشكور - مجمع البحوث الإسلامية - الطبعة الأولى 5141هـ - 5991م - بيروت - لبنان.
حرف النون (ن)
119- نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت : لعلي بن عبد العالي العاملي الكركي - مخطوط يوجد في مكتبة (الرضا) برامبور، الهند تحمل الرقم (8991).
120- الناسخ والمنسوخ - كمال الدين العتائقي الحلى - مؤسسة آل البيت - بيروت.
حرف الهاء (هـ)
121- الهداية : الصدوق - مخطوط يوجد في مكتبة الجمعية الآسيوية، كلتكا، الهند، ويحمل رقم (22).
حرف الواو (و)
122- الوافي : الفيض الكاشاني ، المكتبة الإسلامية - طهران .
123- وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة : محمد بن الحسن الحر العاملي ، تحقيق: عبدالرحيم الشيرازي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط. الخامسة 3041هـ.
124- وقعة صفين : لنصر بن مزاحم المنقري .
125- وعاظ السلاطين : الدكتور علي الوردي - بغداد سنة 4591م.(2/151)
ابن سبأ حقيقة لا خيال
للدكتور سعدي الهاشمي
أستاذ مساعد بكلية الحديث الشريف
إن الحمد لله نحمده ونستيعنه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
فلقد اتفق المحدثون وأهل الجرح والتعديل والمؤرخون وأصحاب كتب الفرق، والملل والنحل والطبقات والأدب، والكتب الخاصة في بعض فنون العلم على وجود شخصية خبيثة يهودية، تلك هي شخصية عبد الله بن سبأ الملقب بابن السوداء الذي قام بدور خطير، وبذر الشر المستطير بين المنافقين والشعوبيين ومن في نفسه أهواء وأغراض، أظهر الإسلام في عهد عثمان رضي الله عنه، وأظهر الصلاح والتقرب من علي رضي الله عنه ومحبته، وطاف بلاد المسلمين ليلفتهم عن طاعة الأئمة فبدأ بالحجاز ثم بالبصرة ثم بالكوفة، ثم دخل دمشق فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام، فأخرجوه فذهب إلى مصر واستقر بها، وأخذ يراسل ويكاتب بعض المنافقين والحاقدين الناقمين على خليفة المسلمين، وجمع حوله الأعوان، ونظمهم وأخذ يبث بينهم معتقده الخبيث، ودربهم على روح التمرد والإنكار حتى تجرؤوا على قتل ثالث الخلفاء وصهر المصطفى صلى الله عليه وسلم جامع القرآن عثمان بن عفان شهيد الدار رضي الله عنه وأرضاه.. ولم يرعوا حرمة حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبالوا بتلاوته للقرآن ولا الشهر الحرام.
ولم ينكر هذا من له حظ من علم، ومسكة من عقل إلى في العصر الحاضر من هذا القرن، وهم نفر قليل ما بين مستشرق حاقد ومتابع لهم ومتقرب الزلفى لمدارسهم وفكرهم من أبناء جلدتنا الذين يتكلمون بألسنتنا، ومسلم جاهل أو منكر مكابر من بعض شيعة اليوم، وهؤلاء جميعا جانبوا الحق الصريح وتمسكوا بأقوال متنافضة هي أوهى من بيت العنكبوت.
موقف المستشرقين :(3/1)
أما المستشرقون فأنكروه وقالوا إنه شخصية وهمية تخيلها محدثوا القرن الثاني ومن هؤلاء المستشرقين الذين أنكروه اليهودي الإنكليزي الدكتور برنارد لويس Lewis,b. ، ويوليوس فلهوزن Wellhausen,j اليهودي الألماني الذي بدأ دراسته باللاهوت، وفرييد لاندر Feriedlaender الأمريكي، والأمير كايتاني Caetani Leone الإيطالي.
ومن المعلوم عند العقلاء المنصفين أن ديننا وعقيدتنا وتاريخنا وما يتعلق بتراثنا لا يمكن أن نعتمد فيه على تقولات ودراسات هؤلاء الحاقدين الذين ينضوون تحت راية الحروب الصليبية بمنهج وأسلوب فكري، لا أسلوب السيف والبارود ولو كانوا أصحاب نوايا صادقة لشرح الله صدورهم بالإيمان لما أطلعوا على صفاء الإسلام ونقاء ثوبه، ولكنهم كرسوا جهودهم وأفنوا حياتهم في إلقاء الشبهات والشكوك والضلال والريب بكل ما يتعلق بالقرآن والسنة والعقائد والنظم الإسلامية والتاريخ الإسلامي، ومعظم هؤلاء المستشرقين من القسس واليهود، وأعمالهم ومناهجهم تنظم ما بين الكنيسة ودوائر المخابرات ووزارات الخارجية إلا أفرادا هوايتهم العلم والبحث وهم قلة قليلة.
أتباع المستشرقين :
أما أتباع المستشرقين الذين خدعوا بهم وغرهم منهجهم العلمي المزعوم فيرددون ما يطرحون من أفكار ودراسات ويدندنون حول معتقداتهم لينالوا الزلفى منهم وعلى رأسهم الدكتور طه حسين ، الذي غذى حجيرات مخه بفكر المستشرقين حتى كان يقول : "إنني أفكر بالفرنسية وأكتب بالعربية" .(3/2)
ويكفيه خزيا أنه كان مطية لليهود، فدعاة الشيوعية في مصر في مطلع هذا العصر كانوا يهودا وهم "هنري كوريل، وراؤول كوريل، وريمون أجيون" وكانوا هؤلاء وغيرهم يمولون الحركات الشيوعية بالمال وقيل بالجنس أيضا، وقد تعاقدوا مع الدكتور طه حسين على إصدار مجلة الكاتب المصري، وكان الدكتور طه حسين قد أعلن تأييده لمفهوم اليهودية التلمودية باكرا حين أنكر وجود إبراهيم وإسماعيل وكذب القرآن والتوراة ولم يكن يُعرف في هذا الوقت الباكر أن ذلك تمهيد لتحقيق أهداف الصهيونية وغير ذلك من الأفكار والضلالات التي لم يجرؤ حتى المستشرقون بالإفصاح والإعلان عنها .
- أضواء على طه حسين :
ومن المعلوم عن طه حسين أن أباه جاء إلى صعيد مصر - مدير المنيا - من بلد غير معلوم من المغرب وكان يعمل وزّانا في شركة يهودية للسكر، وطه حسين هو الذي تبنى إصدار قرار بتعيين الحاخام اليهودي (حاييم ناحوم أفندي) حينذاك عضوا في مجمع اللغة العربية في القاهرة ليكون عينا على المفكرين ورجال اللغة، كما أنه عين عددا من الأساتذة الأجانب في كلية الآداب استوردهم وبعضهم يهود وكلهم كانوا يحاربون الإسلام أو يشككون فيه، وأول دكتوراه منحتها (كلية الآداب) في جامعة القاهرة تحت إشراف الدكتور طه حسين كانت بعنوان (القبائل اليهودية في البلاد العربية) تقدم بها (إسرائيل ولفنسون) عميد جامعة هاداسا في تل أبيب الآن .
بعد هذه الأضواء التي تظهر لنا بوضوح ولاء الدكتور طه حسين لليهود لا نستغرب من إفكاره لابن سبأ، يقول طه حسين: إن أمر السبإية وصاحبهم ابن السوداء إنما كان متكلفا منحولا قد اختُرع بأضَرَة فحين كان الجدال بين الشيعة وغيرهم من الفرق الإسلامية، أراد خصوم الشيعة أن يدخلوا في أصول هذا المذهب عنصرا يهوديا إمعانا في الكيد لهم والنيل منهم… الخ كلامه .
ـ أدلة الدكتور طه حسين :(3/3)
ويستدل على ما ذهب إليه أن البلاذري لم يذكر شيئا عن ابن السوداء ولا أصحابه في أمر عثمان.
ثم يستغرب الدكتور طه حسين كيف أن حادثة تحريق عليّ للذين ألهوه والتي ذكرها الطبري كيف لم يذكرها بعض المؤرخين ولم يؤقتها، وإنما أهملوها إهمالا تاما .
- الرد عليه :
أما عدم ذكر البلاذري لابن سبأ فلا يعني أسطورة وجوده، لأنه قد يذكر بعض المؤرخين ما لا يذكره البعض الآخر منهم، ثم هل التزم البلاذري بذكر كل الوقائع والأحداث؟ وربما لو ذكر البلاذري أخبار ابن سبأ وأصحابه لقال البلاذري لا يعتمد على أخباره لأنه غير متفق على توثيقه .
أما حادثة تحريق علي رضي الله عنه للذي ألهوه فسنذكرها في موقف الإمام علي من عبد الله بن سبأ وأصحابه، حيث ذُكرت في أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل وهذه الروايات تغني عن الروايات التاريخية، إضافة إلى ذلك فقد ذكرت في الكتب الموثقة عند الشيعة.
- الدكتور محمد كامل حسين :
واعتبر الدكتور محمد كامل حسين قصة ابن سبأ أقرب إلى الخرافات منها إلى أي شيء آخر ، متابعا في ذلك الدكتور طه حسين، ولم يذكر أي دليل لما يراه.
- الدكتور حامد حفني داود :
وكذلك يرى الدكتور حامد حفني داود رئيس قسم اللغة العربية بجامعة عين شمس أن ابن سبأ من أعظم الأخطاء التاريخية التي أفلتت من زمام الباحثين وغمّ عليهم أمرها فلم يفقهوها ويفطنوا إليها، هذه المفرتيات التي افتروها على الشيعة حتى لفقوا عليهم قصة عبد الله بن سبأ فيما لفقوه واعتبروها مغمزا يغمزون به عليهم .
- الرد عليهم :
والدكتور حامد هذا أحد المخدوعين بفكرة التقريب، بل أحد الدعاة إليها، فلا يستغرب منه هذا الكلام ما دام يتقرب من المشككين بكتاب الله والطاعنين في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين ينالون من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن أمثال مرتضى العسكري صاحب كتاب (خمسون ومائة صحابي مختلق) وكتاب (أحاديث أم المؤمنين عائشة).
الشيعة الذين ينكرون ابن سبأ(3/4)
أما الشيعة في العصر الحاضر فينكرون وجود ابن سبأ، والسبب الحقيقي لإنكارهم إياه عقيدته، التي بثها وتسربت إلى فرق الشيعة حتى المتأخرة منها، وسنذكر أقوال وآراء المنكرين ثم نثبت وجوده وعقيدته من المصادر المعتمدة عند الشيعة.
- محمد جواد مغنية وابن سبأ :
عبد الله بن سبأ في نظر الشيخ محمد جواد مغنية هو البطل الأسطوري الذي اعتمد عليه كل من نسب إلى الشيعة ما ليس له به علم وتكلم عنهم جهلا وخطأ أو نفاقا وافتراء .
- مرتضى العسكري وابن سبأ :
وزعم مرتضى العسكري أنه ناقش جميع من ذهبوا إلى وجود عبد الله بن سبأ وخرج بنتيجة هي أن ابن سبأ (شخصية وهمية خرافية ابتدعها واختلقها سيف بن عمر) وصنف كتابا خاصا بابن سبأ بعنوان (عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى).
- الدكتور علي الوردي وابن سبأ :
وأما الدكتور علي الوردي صاحب (وعاظ السلاطين) فيرى أن ابن سبأ هو نفسه عمار بن ياسر ويستدل على ذلك بما يلي:
1- أن ابن سبأ كان يكنى بابن السوداء ومثله في ذلك عمار بن ياسر.
2- كان عمار من أب يماني، ومعنى هذا أنه كان من أبناء سبأ فكل يماني يصح أن يقال عنه أنه ابن سبأ.
3- وعمار فوق ذلك كان شديد الحب لعلي بن أبي طالب يدعو له ويحرض الناس على بيعته في كل سبيل.
4- وقد ذهب عمار في أيام عثمان إلى مصر وأخذ يحرِّض الناس هناك على عثمان فضج الوالي منه وهم بالبطش به.
5- وينسب إلى ابن سبأ قوله: إن عثمان أخذ الخلافة بغير حق وإن صاحبها الشرعي هو علي بن أبي طالب.
6، 7- قضايا تتعلق بدور عمار في حرب الجمل، وفي علاقته مع أبي ذر الغفاري، ويستخلص الوردي أن ابن سبأ لم يكن سوى عمار بن ياسر، فقد كانت قريش تعتبر عمارا رأس الثورة على عثمان، ولكنها لم تشأ في أول الأمر أن تصرح باسمه، فرمزت عنه بابن سبأ أو ابن السوداء، وتناقل الرواة هذا الرمز غافلين ، وهم لا يعرفون ماذا كان يجري وراء الستار .(3/5)
ويقول الدكتور: ويبدو أن هذه الشخصية العجيبة اختُرعت اختراعا وقد اخترعها أولئك الأغنياء الذين كانت الثورة موجهة ضدهم .
- الدكتور كامل الشيبي وابن سبأ :
ثم يأتي بعد الوردي كاتب آخر هو الدكتور كامل مصطفى الشيبي الذي تابع الوردي في أوهامه وخبطه العشوائي وحاول أن يعزّز ما ذهب إليه بإيراد نصوص تثبت القضايا التي وردت في محتوياته، وتابع كذلك الدكتور طه حسين في حرق الإمام علي رضي الله عنه للسبئية فيقول: أما قضية إحراق علي المزعوم للسبئية فإنه خبر مختلق من أساسه ولم يرد على صورة فيها ثقة في كتاب معتبر من كتب التاريخ.
ولعل أصل هذا الحادث يتصل بإحراق خالد بن عبد الله القسري بيانا وخمسة عشر من أتباعه الغلاة، ثم لما تقدم بها الزمن زحزحت الحادثة إلى الأمام قليلا حتى اتصلت بعلي .
- الرد على الوردي والشيبي :
أما ما ذهب إليه الوردي وتابعه الشيبي وغيره بأن عبد الله بن سبأ هو نفسه عمار بن ياسر فكُتُب الجرح والتعديل والرجال الموثقة عند الشيعة ترد على هذا القول وذلك أن كتبهم ذكرت ترجمة عمار بن ياسر في أصحاب الإمام علي رضي الله عنه والرواة عنه، وتعده من الأركان الأربعة ، وذكرت ترجمة عبد الله بن سبأ وتذكر اللعنة عليه، وتمدح عمارا فكيف نجمع بين هاتين الترجمتين .
وأما تحريق السبئية فسوف نذكر الأدلة الصحيحة في موقف الإمام منهم.
- الدكتور عبد الله فياض وابن سبأ :
وكذلك أنكره الدكتور عبد الله فياض في كتابه تاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة، وهو كتاب مطعم بآراء المستشرقين، وكان المشرف عليه الدكتور قسطنطين زريق أحد أساتذة دائرة التاريخ بالجامعة الإمريكية ببيروت.(3/6)
يقول الدكتور فياض: يبدو أن ابن سبأ كان شخصية إلى الخيال أقرب منها إلى الحقيقة، وأن دوره - إن كان له دور - قد بولغ فيه إلى درجة كبيرة لأسباب دينية وسياسية، والأدلة على ضعف قصة ابن السوداء كثيرة . ويستدل بما ذهب إليه مرتضى العسكري من اتهام سيف بن عمر البرجمي (ت170هـ) باختلاق هذه الشخصية، ويزعم التناقض والمبالغة في الروايات، ويعزز موقفع برأي الوردي، ومتابعة الشيبي.
- طالب الرفاعي وابن سبأ :
ويظهر بعد هؤلاء المدعو طالب الحسيني الرفاعي فيقول في حاشيته على مقدمة محمد باقر لكتاب تاريخ الإمامية والتي طبعها تاجر الكتب الخانجي بالقاهرة سنة 1397هـ/1977م باسم (التشيع ظاهرة طبيعية في إطار الدعوة الإسلامية) على أنه لو كان ابن سبأ هذا حقيقة تاريخية ثابتة فعلا، فإنه - كما سنذكره مفصلا في مبحث خاص به - لا صلة إطلاقا بين أفكاره وبين ما اشتملت عليه عقيدة الشيعة من الوصية لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لأنها قائمة على روايات في صحاح الفريقين من السنة والشيعة، كما هي موجودة أيضا في كتب الفريقين في التفسير والتاريخ وأصول الاعتقاد. ومن ثم فالقول بأن التشيع نتيجة من نتائج الفكرة السبئية - كما يدعى - رأي باطل" .
ولا يستغرب هذا الكلام من هذا الرجل الذي زعم أن أول من قال بالرجعة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأنه قال :"إن الرسول صلى الله عليه وسلم: لم يمت ولن يموت"، إضافة إلى افتراءاته وضلالاته وتزييفه للحقائق الثابتة الصحيحة.
الرد على الأقوال وعرض لمصادر ترجمة ابن سبأ
هذه أقوال بعض شيعة العصر الحاضر، وكأنهم لم ينظروا في كتب عقائدهم وفرقهم، ومروياتهم ورجالهم وكتب الجرح والتعديل عندهم.
وهذه طائفة من الكتب الموثقة عند الشيعة التي ذكرت عبد الله بن سبأ ومزاعمه وعقيدته والتي حملت الإمام عليا رضي الله عنه وأهل بيته الطاهرين على تكذيب ابن سبأ والتبرؤ منه ومن أصحابه السبئية وما نسبه إلى أهل البيت.(3/7)
أول : هذه المصادر المهمة النادرة التي ذكر فيها ابن سبأ (رسالة الإرجاء) للحسن بن محمد بن الحنفية الفقيه الموثق الذي كان يقول: "من خلع أبا بكر وعمر فقد خلع السنة"، المتوفى سنة خمس وتسعين للهجرة والتي رواها عنه الثقات من الرجال عند الشيعة.
ثانيا: كتاب المقالات والفرق لسعد بن عبد الله الأشعري القمي المتوفى سنة 301 هـ وهو مطبوع في طهران سنة 1963م.
ثالثا: فرق الشيعة لأبي محمد الحسن بن موسى النوبختي من أعلام القرن الثالث الهجري طبعة كاظم الكتبي في النجف عدة طبعات وكذا طبعة المستشرق ريتر في استانبول /1931م.
رابعا: رجال الكشي لأبي عمرو محمد بن عبد العزيز الكشي وهو معاصر لابن قولويه المتوفى سنة 369هـ ط مؤسسة الأعلمي للمطبوعات كربلاء.
خامسا: رجال الطوسي لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة 460هـ ط الأولى النجف 1381هـ/1967م نشر محمد كاظم الكتبي.
سادسا: شرح ابن أبي الحديد لنهج البلاغة لعز الدين أبي حامد عبد الحميد بن هبة الله المدائني الشهير بابن أبي الحديد المعتزلي الشيعي المتوفى سنة 656هـ ط الأولى الميمنية 1326هـ وغيرها.
سابعا: الرجال للحسن بن يوسف الحلي المتوفى سنة 726هـ طبعة طهران 1311هـ/ وطبعة النجف 1961م.
ثامنا: روضات الجنات لمحمد باقر الخوانساري المتوفى سنة 1315هـ طبعة إيران 1307هـ.
تاسعا: تنقيح المقال في أحوال الرجال للشيخ عبد الله المامقاني المتوفى سنة 1350هـ، طبعة النجف 1350هـ في المطبعة المرتضوية.
عاشرا: قاموس الرجال لمحمد تقي التستري منشورات مركز نشر الكتاب طهران 1382هـ.
حادي عشر: روضة الصفا تاريخ عند الشيعة معتمد بالفارسية ج2/ص292 طبعة إيران.
ثاني عشر: دائرة المعارف المسماة بمقتبس الأثر ومجدد ما دثر لمحمد حسين الأعلمي الحائري ط 1388هـ/1868م في المطبعة العلمية بقم.(3/8)
هذا ما تيسر لنا من كتب القوم التي اطلعنا عليها وهناك عدد كبير من كتبهم المخطوطة والمطبوعة فيها ذكر ابن سبأ والسبئية منها: (حل المشكل) لأحمد بن طاووس المتوفى سنة 673هـ، و (الرجال) لابن داود المؤلف سنة 707هـ، و(التحرير الطاووسي) للحسن بن زيد الدين العاملي المتوفى سنة 1011هـ، و (مجمع الرجال) للقهبائي المؤلف سنة 1016هـ، و(نقد الرجال) للتفرشي الذي ألفه سنة 1015هـ، و(جامع الرواة) للأردبيلي المؤلف سنة 1100هـ، و (موسوعة البحار) للمجلسي المتوفى سنة 1110هـ، وابن شهر آشوب المتوفى سنة 588هـ.
عقيدة ابن سبأ وضلالاته
بعد أن ذكرنا طائفة من كتب الشيعة الموثقة والمعتمدة عندهم نذكر أهم الأمور التي اعتقدها ابن سبأ وحمل أتباعه على الاعتقاد بها والدعوة إليها، وهكذا تسربت هذه الأفكار الضالة إلى فرق الشيعة، والسبب في استدلالنا في بيان معتقد هذا اليهودي من كتبهم ومن رواياتهم عن المعصومين عندهم.
لأنهم يقولون : "إن الاعتقاد بعصمة الأئمة جعل الأحاديث التي تصدر عنهم صحيحة دون أن يشترطوا إيصال سندها إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما هو الحال عند أهل السنة" .
ويقولون أيضا: "ولما كان الإمام معصوما عند الإمامية فلا مجال للشك فيما يقول" ، ويقول المامقاني : "إن أحاديثنا كلها قطعية الصدور عن المعصوم" .
وكتاب المامقاني من أهم كتب الجرح والتعديل عندهم.
بعد هذه الأقوال التي تُلزم القوم في قبول الأخبار المروية في مصنفاتهم نذكر أهم الضلالات التي نادى بها ابن سبأ وهي:
1- القول بالوصية: وهو أول من قال بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي، وأنه خليفته على أمته من بعده بالنص.
2- أول من أظهر البراءة من أعداء علي رضي الله عنه - بزعمه - وكاشف مخالفيه وحكم بكفرهم.
والدليل على مقالته هذه ليس من تاريخ الطبري، ولا من طريق سيف بن عمر بل ما رواه النوبختي والكشي والمامقاني والتستري وغيرهم من مؤرخي الشيعة.(3/9)
يقول النوبختي: "وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي عليه السلام أن عبد الله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ووالى عليا عليه السلام وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصيّ بعد موسى على نبينا وآله وعليهما السلام بالغلو، فقال في إسلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في علي عليه السلام بمثل ذلك وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام وأظهر البراءة من أعدائه، وكاشف مخالفيه - يقول النوبختي - فمن هنا قال من خالف الشيعة إن أصل الرفض مأخوذ من اليهود" ، وفي هذا المقام نشير إلى أن فكرة الوصية التي اعتمد عليها ابن سبأ ذكرت في التوراة في إصحاح (18) من سفر (تثنية الاشتراع) وفيه أنه لم يخلُ الزمان أبدا من نبي يخلف موسى ومن نوعه ولكل نبي خليفته إلى جانبه يعيش أثناء حياته.
ويقول النوبختي عند ذكره السبئية: أصحاب عبد الله بن سبأ وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم، وقال : إن عليا عليه السلام أمره بذلك .
3- كان أول من قال بألوهية وربوبية علي رضي الله عنه .
4- كان أول من ادعى النبوة من فرق الشيعة الغلاة.(3/10)
والدليل على ذلك ما رواه الكشي بسنده عن محمد بن قولويه القمي قال حدثني سعد بن عبد الله ابن أبي خلف القسي قال حدثني محمد بن عثمان العبدي عن يونس بن عبد الرحمن عن عبد الله بن سنان قال حدثني أبي عن أبي جعفر (ع) أن عبد الله بن سبأ كان يدعي النبوة وزعم أن أمير المؤمنين (ع) هو الله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، فبلغ ذلك أمير المؤمنين (ع) فدعاه وسأله فأقر بذلك وقال نعم أنت هو، وقد كان ألقي في روعي أنك أنت الله وأني نبي فقال له أمير المؤمنين (ع) ويلك قد سخر منك الشيطان فارجع عن هذا ثكلتك أمك وتب فأبى فحبسه واستتابه ثلاثة أيام فلم يتب فأحرقه بالنار - والصواب أنه نفاه إلى المدائن بعد أن شُفع له على ما سنبينه في موقف الإمام منه - وقال - أي الإمام - إن الشيطان استهواه فكان يأتيه ويلقي في روعه ذلك .
وروى الكشي بسنده أيضا عن محمد بن قولويه قال حدثني سعد بن عبد الله قال حدثني يعقوب بن يزيد ومحمد بن عيسى عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول وهو يحدث أصحابه بحديث عبد الله بن سبأ وما ادعى من الربوبية في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) فقال: "إنه لما ادعى ذلك استتابه أمير المؤمنين (ع) فأبى أن يتوب وأحرقه بالنار" .
5- كان ابن سبأ أول من أحدث القول برجعة علي رضي الله عنه إلى الدنيا بعد موته وبرجعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأول مكان أظهر فيه ابن سبأ مقالته هذه في مصر فكان يقول: العجب ممن يزعم أن عيسى يرجع ويكذب برجوع محمد وقال الله عز وجل : {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} فمحمد أحق بالرجوع من عيسى فقبل ذلك منه ووضع لهم الرجعة فتكلموا فيها .(3/11)
فإن لم يرض القوم برواية ابن عساكر الثقة التي رواها في تاريخه وكذا غيره فاسمع إلى ما قالته السبئية لمن أخبرهم بمقتل سيدنا علي رضي الله عنه ونعاه، قالوا: "كذبت يا عدو الله لو جئتنا - والله - بدماغه ضربةً فأقمت على قتله سبعين عدلا ما صدقناك ولعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل وأنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ويملك الأرض…الخ" ، وهذا الخبر ذكره سعد بن عبد الله الأشعري القمي صاحب كتاب المقالات والفرق الذي هو موضع ثقة عند الشيعة، ونقل النوبختي في فرق الشيعة مقالة السبئية وهي: "أن عليا لم يقتل ولم يمت ولا يقتل ولا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ويملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا" .
بقي علينا في هذا المقام أن نعرف مفهوم عقيدة الرجعة عند الشيعة يقول محمد رضا المظفر: "إن الذي تذهب إليه الإمامية أخذا بما جاء عن آل البيت عليهم السلام أن الله تعالى يعيد قوما من الأموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها فيعز فريقا ويذل فريقا آخر، ويديل المحقين من المبطلين والمظلومين منهم من الظالمين، وذلك عند قيام مهدي آل محمد عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام ، ولا يرجع إلا من علت درجته في الإيمان أو من بلغ الغاية من الفساد ثم يصيّرون بعد ذلك إلى الموت، ومن بعده إلى النشور وما يسنحقونه من الثواب أو العقاب كما حكى الله تعالى في قرآنه الكريم تمني هؤلاء المرتجعين الذين لم يصلَحوا بالارتجاع فنالوا مقت الله أن يخرجوا ثالثا لعلهم يصلحون : {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ} .(3/12)
والتفسير الصحيح لهذه الآية ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه قوله: "هي مثل التي في البقرة: {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم ثم أخرجهم فأحياهم ثم يميتهم ثم يحييهم بعد الموت"، أخرجه الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه .
وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: "كنتم أمواتا قبل أن يخلقكم فهذه ميتة ثم أحياكم فهذه حياة ثم يميتكم فترجعون إلى القبور فهذه ميتة أخرى ثم يبعثكم يوم القيامة فهذه حياة فهما ميتتان وحياتان فهو كقوله: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}" .
6- ادعى ابن سبأ اليهودي أن عليا رضي الله عنه هو دابة الأرض وأنه هو الذي خلق الخلق وبسط الرزق.
قال ابن عساكر: روى الصادق عن آبائه الطاهرين عن جابر قال: "لما بويع علي رضي الله عنه خطب الناس فقام إليه عبد الله بن سبأ فقال له: "أنت دابة الأرض"، فقال له: "اتق الله"، فقال له : "أنت الملك"، فقال له: "اتق الله"، فقال له: "أنت خلقت الخلق وبسطت الرزق" فأمر بقتله فاجتمعت الرافضة فقالت: "دعه وانفه إلى ساباط المدائن.." .
وروى الكليني في أصول الكافي بسنده إلى علي رضي الله عنه أنه قال: "ولقد أعطيت الست علم المنايا والبلايا والوصايا وفصل الخطاب، وإني لصاحب الكّرات - أي الرجعات إلى الدنيا - ودولة الدول، وإني لصاحب العصا والميسم، والدابة التي تكلم الناس" .(3/13)
وروى عن إبراهيم بن هاشم في تفسيره عن أبي عبد الله (ع) قال: قال رجل لعمار بن ياسر: يا أبا اليقظان آية في كتاب الله أفسدت قلبي، قال عمار: وأية آية هي؟، فقال: هذه الآية - أي { وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآياتِنَا لا يُوقِنُونَ} (81) من سورة النمل - فأية دابة الأرض هذه"؟ قال عمار: "والله ما أجلس ولا آكل ولا أشرب حتى أريكها" فجاء عمار مع الرجل إلى أمير المؤمنين (ع) وهو يأكل تمرا وزبدا فقال: "يا أبا اليقظان هلم"، فجلس عمار يأكل معه فتعجب الرجل منه فلما قام عمار قال الرجل: "سبحان الله حلفت أنك لا تأكل ولا تشرب حتى ترينيها" قال عمار: "أريتكها إن كنت تعقل" .
7- وقالت السبئية: إنهم لا يموتون وإنما يطيرون بعد مماتهم وسموا بـ (الطيارة) يقول طاهر المقدسي: "وأما السبئية فإنهم يقال لهم الطيارة يزعمون أنهم لا يموتون وإنما موتهم طيران نفوسهم في الغلس" .
ولقد استخدم أئمة الجرح والتعديل من الشيعة هذه التسمية وهي من ألفاظهم في تجريح الرواة.
يقول الطوسي: وهو أحد الأئمة الأثبات عند الشيعة في ترجمة نصر بن صباح يكنى أبا القاسم من أهل بلخ - وبلخ في أفغانستان - لقي جلة من كان في عصره من المشايخ والعلماء، وروى عنهم إلا أنه قيل كان من (الطيارة) غالٍ .
8- وقال قوم من السبئية بانتقال روح القدس في الأئمة وقالوا (بتناسخ الأرواح)، يقول ابن طاهر المقدسي: "ومن الطيارة (أي السبئية) قوم يزعمون أن روح القدس كانت في النبي كما كانت في عيسى ثم انتقلت إلى عليّ ثم إلى الحسن ثم إلى الحسين ثم كذلك في الأئمة، وعامة هؤلاء يقولون بالتناسخ والرجعة" ، ولعل كتاب الحسن بن موسى النبوختي المسمى بـ (الرد على أصحاب التناسخ) صنفه النوبختي في الرد عليهم .
9- وقالت السبئية: "هدينا لوحي ضل عنه الناس وعلم خفي عنهم".(3/14)
10- وقالوا: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم تسعة أعشار الوحي"، ولقد رد على مقالتهم هذه أحد أئمة أهل البيت وهو الحسن بن محمد بن الحنفية في رسالته التي سماها بـ (الإرجاء) والتي رواها عنه الرجال الثقات عند الشيعة فيقول: و"من قول هذه السبئية: "هُدينا لوحي ضل عنه الناس، وعلم خفي عنهم"، وزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله كتم تسعة أعشار الوحي، ولو كتم صلى الله عليه وسلم وآله شيئا مما أنزل الله عليه لكتم شأن امرأة زيد، وقوله تعالى: { تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِك…}" ، وقال الحافظ الجوزجاني (ت259هـ) عن ابن سبأ: "زعم أن القرآن جزء من تسعة أجزاء وعلمه عند علي فنهاه عليّ بعدما همّ به".
11- وقالوا: إن عليا في السحاب، وأن الرعد صوته، والبرق سوطه، ومن سمع من هؤلاء صوت الرعد قال: عليك السلام يا أمير المؤمنين ، ولقد أشار إلى معتقدهم هذا اسحاق بن سويد العدوي في قصيدة له برئ فيها من الخوارج والروافض والقدرية، منها:
برئت من الخوارج لست منهم من الغَزَّالِ منهم وابن باب
ومن قوم إذا ذكروا عليا يردُّون السلام على السَّحاب
وعقب الشيخ محي الدين عبد الحميد - رحمه الله - على هذا المعتقد بقوله: "ولا زلت أرى أطفال القاهرة يجرون وقت هطول الأمطار، ويصيحون في جريهم (يا بركة عليّ زود)" .
موقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأهل بيته
من ابن سبأ وأتباعه
قال علي رضي الله عنه : "سيهلك فيّ صنفان محب مفرط يذهب به الحب إلى غير الحق، ومبغض مفرط يذهب به البغض إلى غير الحق،و خير الناس فيّ حالا النمط الأوسط فالزموه والزموا السواد الأعظم فإن يد الله على الجماعة" .
وهكذا شاء الله أن ينقسم الناس في علي رضي الله عنه إلى ثلاثة أقسام القسم الأول مبغض مفرط وهؤلاء الذين تكلموا فيه بل غالى بعضهم فقالوا بكفره كالخوارج.(3/15)
والقسم الثاني أفرط في حبه وذهب به الإفراط إلى الغلو حتى جعلوه بمنزلة النبي بل ازدادوا في غيهم فقالوا بألوهيته.
وأما السواد الأعظم فهم أهل السنة والجماعة من السلف الصالح حتى الوقت الحاضر فهم الذين أحبوا عليا وآل بيته المحبة الشرعية، أحبوهم لمكانتهم من النبي صلى الله عليه وسلم .
ولقد جابه علي رضي الله عنه القسم الأول فقاتلهم بعد أن ناظرهم وأخباره معهم معروفة مسرودة في كتب التاريخ، ونريد أن نرى موقفه هو وأهل بيته من ابن سبأ وأتباعه.
لما أعلن ابن سبأ إسلامه وأخذ يظهر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويكسب قلوب فريق من الناس إليه أخذ يتقرب من علي بن أبي طالب ويظهر محبته له فلما اطمأن لذلك أخذ يكذب ويفتري على علي بن أبي طالب نفسه الكذب، قال عامر الشعبي - وهو أحد كبار التابعين توفي 103هـ -:"أول من كذب عبد الله بن سبأ وكان ابن السوداء يكذب على الله ورسوله وكان علي يقول: ما لي ولهذا الحميت الأسود" (والحميت هو المتين من كل شيء) ، يعني ابن سبأ وكان يقع في أبي بكر وعمر
وروى ابن عساكر أيضا أنه لما بلغ علي بن أبي طالب أن ابن السوداء ينتقض أبا بكر وعمر دعا به، ودعا بالسيف وهمّ بقتله، فشفع فيه أناس فقال: "والله لا يساكنني في بلد أنا فيه"، فسيره إلى المدائن .(3/16)
وقال ابن عساكر أيضا: روى الصادق - وهو أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق ولد سنة 83هـ، في المدينة المنورة وتوفي فيها سنة 148هـ، وهو الإمام السادس المعصوم عند الشيعة - روى عن آبائه الطاهرين عن جابر قال: لما بويع علي رضي الله عنه خطب الناس فقام إليه عبد الله بن سبأ فقال له: "أنت دابة الأرض" فقال له: "اتق الله"، فقال له: "أنت الملك"، فقال : "اتق الله"، فقال له: "أنت خلقت الخلق وبسطت الرزق" فأمر بقتله فاجتمعت الرافضة فقالت: "دعه وانفه إلى ساباط المدائن فإنك إن قتلته بالمدينة - يعني الكوفة - خرج أصحابه علينا وشيعته" فنفاه إلى ساباط المدائن فثمّ القرامطة والرافضة - أي كانت بعد ذلك وبجهود ابن سبأ مركزا يجتمعون فيه قال - أي جابر - ثم قامت إليه طائفة وهم السبئية وكانوا أحد عشر رجلا فقال: "ارجعوا فإني علي بن أبي طالب مشهور وأمي مشهورة وأنا ابن عم محمد صلى الله عليه وسلم"، فقالوا: "لا نرجع دع داعيك"، فأحرقهم في النار وقبورهم في صحراء أحد عشر مشهورة، فقال: "من بقي ممن لم يكشف رأسه منهم علينا أنه إله"، واحتجوا بقول ابن عباس لا يعذب بالنار إلا خالقها .
هذا موقف الإمام علي رضي الله عنه في ابن سبأ وأتباعه، نفاه إلى المدائن وأحرق طائفة من أتباعه، ومن لم يقتنع بهذه الروايات والتي بعضها رواها أحد المعصومين عند القوم وأبى إلا المكابرة والعناد، نذكر له ما ورد في حرق هؤلاء في الروايات الصحيحة عند أهل السنة والجماعة وبعدها روايات القوم.
روى البخاري في صحيحه في كتاب الجهاد/باب لا يعذب بعذاب الله بسنده إلى عكرمة أن عليا رضي الله عنه حرق قوما فبلغ ابن عباس فقال: "لو كنت أنا لم أحرقهم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تعذبوا بعذاب الله" ولقتلتهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه".(3/17)
وروى البخاري في صحيحه في كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم بسنده إلى عكرمة نحوه وفيه قال: "أُتي علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم" .
ورواه كذلك أبو داود في سننه في كتاب الحدود / باب الحكم فيمن ارتد الحديث الأول بسنده إلى عكرمة بفلظ آخر وفي آخره فبلغ ذلك عليا فقال: "ويح ابن عباس" ورواه كذلك النسائي في سننه نحوه، ورواه الترمذي في الجامع في كتاب الله الحدود / باب ما جاء في المرتد وفي آخره، فبلغ ذلك عليا فقال: "صدق ابن عباس"، قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح حسن، والعمل على هذا عند أهل العلم في المرتد .
وروى البخاري أيضا في صحيحه في كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم بسنده إلى عكرمة نحوه، وفيه قال: "أُتي علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم".
وروى الطبراني في المعجم الأوسط من طريق سويد بن غفلة "أن عليا بلغه أن قوما ارتدوا عن الإسلام فبعث إليهم فأطعمهم ثم دعاهم إلى الإسلام فأبوا، فحفر حفيرة ثم أتى بهم فضرب أعناقهم ورماهم فيها ثم ألقى عليهم الحطب فأحرقهم ثم قال: "صدق الله ورسوله.." .(3/18)
وفي الجزء الثالث من حديث أبي طاهر المخلص من طريق عبد الله بن شريك العامري عن أبيه قال: قيل لعلي: "إن هنا قوما على باب المسجد يدعون أنك ربهم" فدعاهم فقال لهم: "ويلكم ما تقولون؟" قالوا: "أنت ربنا وخالقنا ورازقنا"، فقال: "ويلكم إنما أنا عبد مثلكم آكل الطعام كما تأكلون وأشرب كما تشربون، إن أطعت الله أثابني إن شاء وإن عصيته خشيت أن يعذبني فاتقوا الله وارجعوا" فأبوا، فلما كان الغد غدوا عليه فجاء قنبر فقال: "قد والله رجعوا يقولون ذلك الكلام"، فقال: "أدخلهم" فقالوا كذلك فلما كان الثالث قال: "لئن قلتم ذلك لأقتلنكم بأخبث قتلة" فأبوا إلا ذلك، فقال: "يا قنبر ائتني بفعلة معهم مرورهم فخدّ لهم أخدودا بين باب المسجد والقصر"، وقال: احفروا فأبعدوا في الأرض" وجاء بالحطب فطرحه بالنار في الأخدود وقال: "إني طارحكم فيها أو ترجعوا"، فأبوا أن يرجعوا فقذف بهم حتى إذا احترقوا قال:
إني إذا رأيت أمرا منكرا أوقدت ناري ودعوت قنبرا
وقال ابن حجر: هذا سند حسن .
إضافة إلى هذه الروايات ، فقد روى الكليني في كتابه الكافي - الذي هو بمنزلة صحيح البخاري عند القوم - روى في كتاب الحدود في باب المرتد بسنده من طريقين عن أبي عبد الله أنه قال: أتى قوم أمير المؤمنين عليه السلام فقالوا: "السلام عليك يا ربنا" فاستتابهم فلم يتوبوا فحفر لهم حفيرة وأوقد فيها نارا وحفر حفيرة أخرى إلى جانبها وأفضى ما بينهما فلما لم يتوبوا ألقاهم في الحفيرة وأوقد في الحفيرة الأخرى نارا حتى ماتوا" .ويبدو أن عليا رضي الله عنه قد كرر عقابه لغير هؤلاء أيضا وهم الزط، فقد روى النسائي في سننه (المجتبى) عن أنس أن عليا أتي بناس من الزط يعبدون وثنا فأحرقهم، قال ابن عباس: "إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه" .(3/19)
وأخرج ابن أبي شيبة من طريق قتادة (أن عليا أتي بناس من الزط يعبدون وثنا فأحرقهم) وحكم ابن حجر على هذا الحديث بالانقطاع ثم قال: فإن ثبت حمل على قصة أخرى فقد أخرج ابن أبي شيبة أيضا من طريق أيوب بن النعمان أنه قال: "شهدت عليا في الرحبة فجاءه رجل فقال: "إن هنا أهل بيت لهم وثن في دار يعبدونه" فقام يمشي إلى الدار فأخرجوا بمثال رجل قال فألهب عليهم الدار" .
وروى الكشي في كتابه معرفة أخبار الرجال بعد ترجمة عبد الله بن سبأ تحت عنوان (في سبعين رجلا من الزط الذين ادعوا الربوبية في أمير المؤمنين عليه السلام)، بسنده إلى أبي جعفر أنه قال: "إن عليا عليه السلام لما فرغ من قتال أهل البصرة أتاه سبعون رجلا من الزط فسلموا عليه وكلموه بلسانهم فرد عليهم بلسانهم، وقال لهم: "إني لست كما قلتم أنا عبد الله مخلوق"، قال: فأبوا عليه وقالوا له: "أنت أنت هو"، فقال لهم: "لئن لم ترجعوا عما قلتم في وتتوبوا إلى الله تعالى لأقتلنكم"، قال: فأبوا أن يرجعوا أو يتوبوا، فأمر أن يحفر لهم آبار فحفرت ثم خرق بعضها إلى بعض ثم قذفهم فيها ثم طم رؤوسها ثم ألهب النار في بئر منها ليس فيها أحد فدخل الدخان عليهم فماتوا .(3/20)
ومن المناسب ما دمنا نتكلم عن تحريق علي بن أبي طالب لأصحاب ابن سبأ والزنادقة أن نذكر حادثة أخرى ذكرها ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ، يقول ابن أبي الحديد: "وروى أبو العباس أحمد بن عبيد بن عمار الثقفي عن محمد بن سليمان بن حبيب المصيصي المعروف بنوين، وروى أيضا عن علي بن محمد النوفلي عن مشيخته (أن عليا عليه السلام مر بقوم وهم يأكلون في شهر رمضان نهارا فقال : "أسفر أم مرضى"، قالوا: "لا ولا واحدة منها"، قال: "فمن أهل الكتاب أنتم فتعصمكم الذمة والجزية"، قالوا: "لا"، قال: فما بال الأكل في نهار رمضان، فقاموا إليه فقالوا: "أنت أنت" يومئون إلى ربوبيته، فنزل عليه السلام عن فرسه فألصق خده بالأرض، وقال: "ويلكم إنما أنا عبد من عبيد الله فاتقوا الله وارجعوا إلى الإسلام" فأبوا فدعاهم مرارا فأقاموا على كفرهم، فنهض إليهم وقال: "شدوهم وثاقا وعلي بالفعلة والنار والحطب" ثم أمر بحفر بئرين فحفرتا فجعل إحداهما سربا والأخرى مكشوفة وألقى الحطب في المكشوفة وفتح بينهما فتحا وألقى النار في الحطب فدخن عليهم وجعل يهتف بهم ويناشدهم ليرجعوا إلى الإسلام، فأبوا، فأمر بالحطب والنار فألقي عليهم فأحرقوا فقال الشاعر:
لترم بي المنية حيث شاءت إذا لم ترمني في الحفرتين
إذا ما حشنا حطبا بنار... فذاك الموت نقدا غير دين
فلم يبرح عليه السلام حتى صاروا حمما .
هذه الروايات التي وقفنا عليها في الأحاديث الصحيحة والحسنة والروايات التاريخية وكذلك من كتب القوم المتعلقة بالأصول والفقه والرجال والتاريخ التي تدل بكل وضوح على أن عليا رضي الله عنه قد حرق الزنادقة ومن اعتقد فيه الربوبية ومنهم أصحاب ابن سبأ الملعون، أما هو فكما تذكر الروايات - سواء روايات أهل السنة والجماعة وروايات الشيعة - أن عليا رضي الله عنه اكتفى بنفيه إلى المدائن بعد أن شفع له الرافضة.(3/21)
قال النوبختي في كتابه الشيعة في ترجمة ابن سبأ: "وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم، وقال إن عليا عليه السلام أمره بذلك، فأخذه علي فسأله عن قوله هذا فأقر به، فأمر بقتله، فصاح الناس عليه "يا أمير المؤمنين أتقتل رجلا يدعو إلى حبكم أهل البيت وإلى ولايتك، والبراءة من أعدائك" فصيره إلى المدائن" .
ابن سبأ يدعو الناس في المدائن لدعوته
إن عبد الله بن سبأ وجد بعد نفيه مكانا مناسبا لبث أفكاره وضلالاته بعد أن ابتعد من سيف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فأخذ ينظم أتباعه وينشر أفكاره بين جيش الإمام المرابط في المدائن، ولما جاءهم خبر استشهاد علي رضي الله عنه كذبه هو وأصحابه، ولنستمع للخبر كما يرويه الخطيب البغدادي بسنده إلى زحر بن قيس الجعفي الذي قال عنه علي رضي الله عنه: "من سره أن ينظر إلى الشهيد الحي فلينظر إلى هذا" - يقول زحر: "بعثني علي على أربعمائة من أهل العراق وأمرنا أن ننزل المدائن رابطة، قال: "فوالله إنا لجلوس عند غروب الشمس على الطريق إذا جاءنا رجل قد أعرق دابته قال فقلنا: "من أين أقبلت؟" قال: "من الكوفة"، فقلنا: "متى خرجت؟" قال: "اليوم"، قلنا: "فما الخبر؟"، قال: "خرج أمير المؤمنين إلى الصلاة صلاة الفجر فابتدره ابن بجرة وابن ملجم فضربه أحدهما ضربة إن الرجل ليعيش مما هو أشد منها، ويموت مما هو أهون منها"، قال: "ثم ذهب" فقال عبد الله بن وهب السبائي ـ ورفع يده إلى السماء ـ: "الله أكبر، الله أكبر" قال: قلت له: "ما شأنك؟" قال: "لو أخبرنا هذا أنه نظر إلى دماغه قد خرج عرفت أن أمير المؤمنين لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه" ـ وفي رواية الجاحظ في البيان والتبيين: "لو جئتمونا بدماغه في مائة صرة لعلمنا أنه لا يموت حتى يذودكم بعصاه" ـ نعود لرواية الخطيب قال ـ أي زحر ـ: "فوالله ما مكثنا إلا تلك اليلة حتى جاءنا كتاب الحسن بن علي: من عبد الله حسن أمير المؤمنين إلى زحر(3/22)
بن قيس أما بعد: فخذ البيعة على من قبلك"، قال: فقلنا: "أين ما قلت؟" قال: "ما كنت أراه يموت" .
وقال الحسن بن موسى النوبختي: "ولما بلغ عبد الله بن سبأ نعي علي بالمدائن قال للذي نعاه : كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة وأقمت على قتله سبعين عدلا لعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل ولا يموت حتى يملك الأرض" .
رواية عبد الجبار الهمداني في موقف ابن سبأ :
قال عبد الجبار الهمداني المعتزلي المتوفى سنة 415هـ عند كلامه عن موقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه من ابن سبأ والسبئية : "واستتابهم أمير المؤمنين فما تابوا فأحرقهم، وكانوا نفرا يسيرا، ونفى عبد الله بن سبأ عن الكوفة إلى المدائن، فلما قتل أمير المؤمنين عليه السلام قيل لابن سبأ: "قد قتل ومات ودفن، فأين ما كنت تقول من مصيره إلى الشام؟" فقال: "سمعته يقول: لا أموت حتى أركل برجلي من رحاب الكوفة فأستخرج منها السلاح وأصير إلى دمشق فأهدم مسجدها حجرا حجرا، وأفعل وأفعل فلو جئتمونا بدماغه مسرودا لما صدقنا أنه قد مات" ، ولما افتضح بهت، وادعى على أمير المؤمنين ما لم يقله، والشيعة الذين يقولون بقوله الآن بالكوفة كثير، وفي سوادها والعراق كله يقولون: "أمير المؤمنين كان راضيا بقوله وبقول الذين حرقهم، وإنما أحرقهم لأنهم أظهروا السر، ثم أحياهم بعد ذلك"، قالوا: "وإلا فقولوا لنا لِمَ لَمْ يحرق عبد الله بن سبأ؟" قلنا: عبد الله ما أقر عنده بما أقر أولئك، وإنما اتهمه فنفاه، ولو حرقه لما نفع ذلك معكم شيئا، ولقلتم إنما حرقه لأنه أظهر السر" .
موقف أتباع عبد الله بن سبأ لما سمعوا بمقتل
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
أما أتباع ابن سبأ فلم يكتفوا بالتكذيب بل ذهبوا إلى الكوفة معلنين ضلالات معلمهم وقائدهم ابن سبأ.(3/23)
فقد روى سعد بن عبد الله القمي صاحب المقالات والفرق وهو ثقة عند القوم: "أن السبئية قالوا للذي نعاه : "كذبت يا عدو الله لو جئتنا - والله - بدماغه ضربة فأقمت على قتله سبعين عدلا ما صدقناك ولعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل وإنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ويملك الأرض". ثم مضوا من يومهم حتى أناخوا بباب علي فاستأذنوا عليه استئذان الواثق بحايته الطامع في الوصول إليه، فقال لهم من حضره من أهله وأصحابه وولده: "سبحان الله، ما علمتم أن أمير المؤمنين قد استشهد؟" قالوا: "إنا لنعلم أنه لم يقتل ولا يموت حتى يسوق العرب بسيفه كما قادهم بحجته وبرهانه وإنه ليسمع النجوى ويعرف تحت الدثار القيل ويلمع في الظلام كما يلمع السيف الصقيل الحسام" .
وكان من هؤلاء رجل يقال له رشيد الهجري الذي صرح بمعتقده أمام عامر الشعبي قال الشعبي: "دخلت عليه يوما فقال: خرجت حاجا فقلت: لأعهدن بأمير المؤمنين عهدا فأتيت بيت علي عليه السلام فقلت لإنسان: "استأذن لي على أمير المؤمنين" قال: "أوليس قد مات؟" قلت: "قد مات فيكم والله إنه ليتنفس الآن تنفس الحي"، فقال: "أما إذ عرفت سر آل محمد فادخل" قال : "فدخلت على أمير المؤمنين وأنبأني بأشياء تكون" فقال له الشعبي: "إن كنت كاذبا فلعنك الله"، وبلغ الخبر زيادا ـ فبعث إلى رشيد الهجري فقطع لسانه وصلبه على باب دار عمرو بن حريث" .
وذكر الحافظ الذهبي هذا الخبر في تذكرة الحفاظ وفيه: "فقلت لإنسان: "استأذن لي على سيد المرسلين"، فقال: "هو نائم وهو يظن أني أعني الحسن"، فقلت: "لست أعني الحسن إنما أعني أمير المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين"، قال: "أوليس قد مات؟" فقلت: "أما والله إنه ليتنفس الآن بنفس حي ويعرف من الدثار الثقيل" . ولذلك كان عامر الشعبي يقول: "ما كذب على أحد في هذه الأمة ما كذب على علي" ، ورشيد هذا قال عنه ابن حبان: كان يؤمن بالرجعة .(3/24)
وذكره الطوسي في ضمن أصحاب علي رضي الله عنه وسماه رشيد الهجري الرياش بن عدي الطائي ، ويعتبر رشيد من أبواب الأئمة، كان بابا للحسين بن علي رضي الله عنهما .
موقف أهل بيت النبي الكريم من ابن سبأ
وتصدى أهل بيت النبي الكريم لعبد الله بن سبأ كما تصدى له أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فكذبوه وتبرؤوا من مقالاته وضلاله.
فقد روى الكشي بسنده عن محمد بن قولويه قال حدثني سعد بن عبد الله قال: حدثنا يعقوب بن يزيد ومحمد بن عيسى عن علي بن مهزيار عن فضالة بن أيوب الأزدي عن أبان بن عثمان قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "لعن الله عبد الله بن سبأ إنه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين وكان والله أمير المؤمنين عبد الله طائعا، الويل لمن كذب علينا وإن قوما يقولون فينا ما لا نقول في أنفسنا نبرأ إلى الله منهم" .
وروى الكشي بسنده أيضا عن محمد بن قولويه قال حدثني سعد بن عبد الله قال: حدثنا يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير وأحمد بن محمد بن عيسى عن أبيه والحسين بن سعد عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي حمزة الثمالي قال قال علي بن الحسين (ع): "لعن الله من كذب علينا إني ذكرت عبد الله بن سبأ فقامت كل شعرة في جسدي لقد ادعى أمرا عظيما ماله لعنه الله كان علي عبدا لله صالحا، أخا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما نال الكرامة من الله إلا بطاعته لله ولرسوله، وما نال رسول الله صلى الله عليه وسلم الكرامة إلا بطاعة الله" .(3/25)
وروى أيضا الكشي بسنده عن محمد بن خالد الطيالسي عن ابن أبي نجران عن عبد الله بن سنان قال قال أبو عبد الله (ع): "إنا أهل بيت صديقون لا نخلوا من كذاب يكذب علينا ويسقط صدقنا بذكبه علينا عند الناس، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدق الناس لهجة وأصدق البرية كلها، وكان مسيلمة يكذب عليه وكان أمير المؤمنين أصدق من برأ الله بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الذي يكذب عليه ويعمل في تكذيب صدقه ويفتري على الله الكذب عبد الله بن سبأ لعنه الله" .
هذه روايات الكشي عن أئمة أهل البيت، ومن المعلوم أن كتاب الكشي المسمى بـ (معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين) عمد إليه إمام الشيعة الثقة الثبت عدهم (الطوسي) الذي يلقبونه بشيخ الطائفة المتوفى سنة 460هـ عمد إلى كتاب الكشي فهذبه وجرده من الزيادات والأغلاط وسماه بـ (اختيار الرجال) وأملاه على تلاميذه في المشهد الغروي، وكان بدء إملائه يوم الثلاثاء 26 صفر سنة 456هـ، نص على ذلك السيد رضي الدين علي بن طاووس في (فرج المهموم) نقلا عن نسخة بخط الشيخ الطوسي المصرح فيها بأنها اختصار رجال كتاب الرجال لأبي عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي واختياره، فالموجود في هذه الأزمنة من المخطوط منه والمطبوع سنة 1317هـ في بمبئ بل وفي زمان العلامة الحلي إنما هو اختيار الشيخ الطوسي لا رجال الكشي الأصل فإنه لم يوجد له أي أثر حتى اليوم .
وبهذه النقول والنصوص الواضحة المنقولة من كتب القوم تتضح لنا حقيقة شخصية ابن سبأ اليهودي ومن طعن من الشيعة في ذلك فقد طعن في كتبهم التي نقلت لعنات الأئمة المعصومين عندهم في هذا اليهودي (ابن سبأ) ولا يجوز ولا يتصور أن تخرج اللعنات من المعصوم على مجهول، وكذلك لا يجوز في معتقد القوم تكذيب المعصوم.(3/26)
هذا ما تيسر لنا في إثبات هذه الشخصية، أما الكلام عن دوره في مقتل عثمان رضي الله عنه، ودوره في عهد علي رضي الله عنه، وأثره في فرق الشيعة، ورواة الأخبار فيحتاج إلى كتابة أخرى.
{رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}
{رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}.(3/27)
سؤال حول عبد الله بن سبأ
محمد مال الله عز الله الخالدي رحمه الله
مكتبة دار التوحيد
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد، فقد تلقيت سؤالاً من بعض الإخوة حول شخصية عبد الله بن سبأ، هل حقيقة أم خرافة؟ وفيما يلي نص السؤال والجواب عن ذلك، راجياً من الله تبارك وتعالى أن ينفع بهذه الرسالة المتواضعة طالبي الحق.
س: يقول بعض الشيعة: "يحاول الكثير من المؤرخين إبراز السبئية كمفتاح لفهم الظاهرة الشيعية، وذلك لأنها أقرب إلى المؤرخ البهلواني حيث لا تكلفه عناء البحث فيكتفي بالقشور، ويستنكف عن الغوص في الأعماق. إنني لا أزال أتتبع حقيقة السبئية حتى وجدتها أبأس "تلفيقة" في تاريخ الإسلام، بحيث سرعان ما تلاشى تماسكها، وتداعى صرحها التلفيقي. وشخصية ابن سبأ أكذوبة تاريخية روّجها بنو أمية. فهل ابن سبأ شخصية تاريخية أم هي خيال؟".
ج: لاشك أن مبعث أن نفي وجود شخصية ابن سبأ لاسيما من قبل الشيعة محاولة يائسة منهم لنفي التأثير الفكري والعقائدي لليهود في الدين الشيعي، وكل مطلع على حقيقة الدين الشيعي وركائزه لاسيما موضوع الإمامة والنيل من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين والرجعة والتقية والمنتظر عندهم لا يشك مطلقاً بوضوح البصمات اليهودية في الدين الشيعي، ولست بصدد الكلام في هذا الشأن فقد تكفلت به بعض الأبحاث الإسلامية التي بحثت عن العلاقة بين الدين الشيعي واليهود، وجوابي سوف ينحصر في إثبات شخصية ابن سبأ من خلال المراجع الإسلامية والشيعية وبعض المنتمين إلى التيار الاستشراقي.
أ - عبد الله بن سبأ عند أهل السنة:(4/1)
1 - جاء ذكر السبئية على لسان أعشى همدان (ت 84هـ) في ديوانه (ص148) وتاريخ الطبري (6/83) وقد هجى المختار بن أبي عبيد الثقفي وأنصاره من أهل الكوفة بعدما فرّ مع أشراف قبائل الكوفة إلى البصرة بقوله: شهدت عليكم أنكم سبئية وأني بكم يا شرطة الكفر عارف.
2 - وجاء ذكر السبئية في كتاب الإرجاء للحسن بن محمد بن الحنفية (ت 95هـ) - راجع كتاب ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي للدكتور سفر الحوالي (1/345-361)، حيث تحدث عن معنى الإرجاء المنسوب للحسن، وذكر كلام أهل العلم في ذلك فليراجع للأهمية - ما يلي: (ومن خصومة هذه السبئية التي أدركنا، إذ يقولون هُدينا لوحي ضل عنه الناس). رواه ابن عمر العدني في كتاب الإيمان 0249).
3 - وهناك رواية عن الشعبي (ت 103هـ) ذكرها ابن عساكر في تاريخه (29/7)، تفيد أن: (أول من كذب عبد الله بن سبأ).
4 - وهذا الفرزدق (ت 116هـ) يهجو في ديوانه (ص242-243)، أشارف العراق ومن انضم إلى ثورة عبد الرحمن بن الأشعث في معركة دير الجماجم، ويصفهم بالسبئية، حيث يقول:
كأن على دير الجماجم منهم حصائد أو أعجاز نخل تَقَعّرا
تَعَرّفُ همدانية سبئية وتُكره عينيها على ما تنكرا
رأته مع القتلى وغيّر بعلها عليها تراب في دم قد تعفّرا
ويمكن الاستنتاج من هذا النص أن السبئية تعني فئة لها هوية سياسية معنية ومذهب عقائدي محدد بانتمائها إلى عبد الله بن سبأ اليهودي المعروف، صاحب هذا المذهب.
5 - وقد نقل الإمام الطبري في تفسيره 03/119) رأياً لقتادة بن دعامة السدوسي البصري (ت 117هـ)، في النص التالي: {فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ} [آل عمران: 7]، وكان قتادة إذا قرأ هذه الآية قال: (إن لم يكونوا الحرورية والسبئية فلا أدري).
6 - وفي الطبقات الكبرى لابن سعد (ت 2230هـ) ورد ذكر السبئية وأفكار زعيمها وإن لم يشر إلى ابن سبأ بالاسم. الطبقات (3/39).(4/2)
7 - وجاء عند ابن حبيب البغدادي (ت 245هـ) في المحبر (ص308)، ذكر لعبد الله بن سبأ حينما اعتبره أحد أبناء الحبشيات.
8 - كما روى أبو عاصم خُشيش بن أصرم (ت 253هـ)، خبر إحراق علي رضي الله عنه لجماعة من أصحاب ابن سبأ في كتابه الاستقامة. انظر: منهاج السنة لابن تيمية (1/7).
9 - وجاء في البيان والتبيين (3/81) للجاحظ (ت 255هـ)، إشارة إلى عبد الله بن سبأ.
وخبر إحراق علي رضي الله عنه لطائفة من الزنادقة تكشف عنه الروايات الصحيحة في كتب الصحاح والسنن والمساند. انظر على سبيل المثال: سنن أبي داود (4/126) والنسائي 07/104) والحاكم في المستدرك (3/538).
10 - فقد ذكر الإمام البخاري (ت 256هـ) في كتاب استتابة المرتدين من صحيحه (8/50) عن عكرمة قال: (أتي علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم، فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي النبي صلّى الله عليه وسلّم: "لا تعذبوا بعذاب الله"، ولقتلتهم لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "من بدل دينه فاقتلوه".
ومن الثابت تاريخياً أن الذين حرقهم علي رضي الله عنه هم أتباع عبد الله بن سبأ حينما قالوا بأنه الإله.
11 - ذكر الجوزجاني (ت 259هـ) في أحوال الرجال (ص389 أن السبئية غلت في الكفر فزعمت أن علياً إلهاً حتى حرقهم بالنار إنكاراً عليهم واستبصاراً في أمرهم حين يقول: لما رأيت الأمر أمراً منكرا أججت ناري ودعوت قنبرا.
12 - ويقول ابن قتيبة (276هـ) في المعارف (ص267): (السبئية من الرافضة ينسبون إلى عبد الله بن سبأ).
وفي تأويل مختلف الحديث (ص73) يقول: (أن عبد الله بن سبأ ادعى الربوبية لعلي، فأحرق علي أصحابه بالنار).
13 - ويذكر البلاذري (ت 279هـ) ابن سبأ من جملة من أتوا إلى علي رضي الله عنه يسألونه من رأيه في أبي بكر وعمر، فقال: أو تفرغتم لهذا. أنساب الأشراف (3/382).(4/3)
14 - ويعتبر الإمام الطبري (ت 310هـ) من الذي أفاضوا في تاريخهم من ذكر أخبار ابن سبأ معتمداً في ذلك على الإخباري سيف بن عمر. تاريخ الطبري (4/283، 326، 331، 340، 349، 398، 493-494، 505).
15 - وأكد ابن عبد ربه (ت 328هـ) أن ابن سبأ وطائفته السبئية قد غلو في علي حينما قالوا: هو الله خالقنا، كما غلت النصارى في المسيح ابن مريم عليه السلام. العقد الفريد (2/405).
16 - ويذكر أبو الحسن الأشعري (ت 330هـ) في مقالات الإسلاميين (1/85) عبد الله بن سبأ وطائفته من ضمن أصناف الغلاة، إذ يزعمون أن علياً لم يمت، وأنه سيرجع إلى الدنيا فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً.
17 - ويذكر ابن حبان (ت 354هـ) في كتاب المجروحين (2/253): (أن الكلبي سبئياً من أصحاب عبد الله بن سبأ، من أولئك الذين يقولون: إن علياً لم يمت، وإنه راجع إلى الدنيا قبل قيام الساعة).
18 - يقول المقدسي (ت 355هـ) في كتابه البدء والتاريخ (5/129): (إن عبد الله بن سبأ قال للذي جاء ينعي إليه موت علي بن أبي طالب: لو جئتنا بدماغه في صرة لعلمنا أنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه).
19 - ويذكر الملطي (ت 377هـ) في كتابه التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع (ص18): فيقول: (ففي عهد علي رضي الله عنه جاءت السبئية إليه وقالوا له: أنت أنت!!، قال: من أنا؟ قالوا: الخالق البارئ، فاستتابهم، فلم يرجعوا، فأوقد لهم ناراً عظيمة وأحرقهم).
20 - وذكر أبو حفص بن شاهين (ت 385هـ) أن علياً حرق جماعة من غلاة الشيعة ونفى بعضهم، ومن المنفيين عبد الله بن سبأ. أورده ابن تيمية في منهاج السنة (1/7).
21 - ويذكر الخوارزمي (ت 387هـ) في كتابه مفاتيح العلوم (ص22)، أن السبئية عبد الله بن سبأ.
22 - ويرد ذكر عبد الله بن سبأ عند الهمذاني (ت 415هـ) في كتابه تثبيت دلائل النبوة (3/548).(4/4)
23 - وذكر البغدادي (ت 429هـ) في الفرق بين الفرق (ص15 وما بعدها): أن فرقة السبئية أظهروا بدعتهم في زمان علي رضي الله عنه فأحرق قوماً منهم ونفى ابن سبأ إلى سباط المدائن إذ نهاه ابن عباس رضي الله عنهما عن قتله حينما بلغه غلوه فيه وأشار عليه بنفيه إلى المدائن حتى لا تختلف عليه أصحابه، لاسيما وهو عازم على العودة إلى قتال أهل الشام.
24 - ونقل ابن حزم (ت 456هـ) في الفصل في الملل والنحل (4/186): (والقسم الثاني من الفرق الغالية الذين يقولون بالإلهية لغير الله عز وجل فأولهم قوم من أصحاب عبد الله بن سبأ الحميري لعنه الله، أتوا إلى علي بن أبي طالب فقالوا مشافهة: أنت هو، فقال لهم: ومن هو؟ فقالوا: أنت الله، فاستعظم الأمر وأمر بنار فأججت وأحرقهم بالنار).
25 - يقول الأسفراييني (ت 471هـ) في التبصرة في الدين (ص108): (إن ابن سبأ قال بنبوة علي في أول أمره، ثم دعا إلى ألوهيته، ودعا الخلق إلى ذلك فأجابته جماعة إلى ذلك في وقت علي).
26 - ويتحدث الشهرستاني (ت 548هـ) في الملل والنحل (2/115، 116) عن ابن سبأ فيقول: (ومنه انشعبت أصناف الغلاة)، ويقول في موضع آخر: (إن ابن سبأ هو أول من أظهر القول بالنص بإمامة علي).
27 - وينسب السمعاني (ت 562هـ) في كتابه الأنساب (7/24) السبئية إلى عبد الله بن سبأ.
28 - وترجم ابن عساكر (ت 571هـ) في تاريخه (29/3) لابن سبأ بقوله: عبد الله بن سبأ الذي تنسب إلى السبئية، وهم من الغلاة من الرافضة، أصله من اليمن، وكان يهودياً وأظهر الإسلام.
29 - ويقول نشوان الحميري (ت 573هـ) في كتابه الحور العين (ص154): (فقالت السبئية إن علياً حي لم يمت، ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، ويرد الناس على دين واحد قبل يوم القيامة).
30 - ويؤكد فخر الدين الرازي (ت 606) في كتابه اعتقادات فرق المسلمين والمشركين (ص57)، كغيره من أصحاب المقالات والفرق خبر إحراق علي لطائفة من السبئية.(4/5)
31 - ويذكر ابن الأثير (ت 630هـ) في كتابه اللباب (ص2/98) ارتباط السبئية من حيث النسبة بعبد الله بن سبأ. كما وأنه أورد روايات الطبري بعد حذف أسانيدها في كتابه الكامل (3/114، 144، 147، 148، 154 إلى غيرها من الصفحات).
32 - وذكر السكسكي (ت 683هـ) في كتابه البرهان في معرفة عقائد الأديان: (أن ابن سبأ وجماعته أول من قالوا بالرجعة إلى الدنيا بعد الموت).
33 - ويذكر شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 727هـ) أن أصل الرفض من المنافقين الزنادقة، فإنه ابتدعه ابن سبأ الزنديق، وأظهر الغلو في علي بدعوى الإمامة والنص عليه، وادعى العصمة له. انظر مجموع الفتاوى (4/435)، و(28/483) وفي كثير من الصفحات في كتابه: منهاج السنة النبوية.
34 - ويرد ذكر عبد الله بن سبأ عند المالقي (ت 741هـ) في كتابه التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان (ص54)، بقوله: (وفي سنة ثلاث وثلاثين تحرك جماعة في شأن عثمان رضي الله عنه.. وكانوا جماعة منهم، مالك الأشتر، والأسود بن يزيد.. وعبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء.
35 - وعند الذهبي (ت 748هـ) في كتابه المغني في الضعفاء (1/339) وفي الميزان (2/426): (عبد الله بن سبأ من غلاة الشيعة، ضال مضل)، وذكره أيضاً في تاريخ الإسلام (2/122-123).
36 - وذكر الصفدي (ت 7649هـ) في كتبه الوافي بالوفيات (17/20) في ترجمة ابن سبأ: (عبد الله بن سبأ رأس الطائفة السبئية.. قالت لعلي أنت الإله، فنفاه إلى المدائن، فلما قتل علي رضي الله عنه زعم ابن سبأ أنه لم يمت لأن فيه جزءاً إلهياً وأن ابن ملجم إنما قتل شيطاناً تصور بصورة علي، وأن علياً في السحاب، والرعد صوته، والبرق سوطه، وأنه سينزل إلى الأرض).
37 - وذكر ابن كثير (ت 774هـ) في البداية والنهاية (7/183) أن من أسباب تألب الأحزاب على عثمان ظهور ابن سبأ وصيرورته إلى مصر؛ وإذاعته على الملأ كلاماً اخترعه من عند نفسه.(4/6)
38 - وجاء في الفرق الإسلامية (ص34) للكرماني (ت 786هـ) أن علياً رضي الله عنه لما قتل زعم عبد الله بن سبأ أنه لم يمت، وأن فيه الجزء الإلهي.
39 - ويشير الشاطبي (ت 790هـ) في كتابه الاعتصام (2/197) إلى أن بدعة السبئية من البدع الاعتقادية المتعلقة بوجود إله مع الله، وهي بدعة تختلف عن غيرها من المقالات.
40 - وذكر ابن أبي العز الحنفي (ت 792هـ) في شرح العقيدة الطحاوية (ص578) أن عبد الله بن سبأ أظهر الإسلام وأراد أن يفسد دين الإسلام كما يفعل بولص بدين النصرانية.
41 - ويعرف الجرجاني (ت 816هـ) في كتابه التعريفات (ص79) عبد الله بن سبأ بأنه رأس الطائفة السبئية.. وأن أصحابه عندما يسمعون الرعد يقولون: عليك السلام يا أمير المؤمنين.
42 - ويقول المقريزي (ت 845هـ) في الخطط (2/356-357): (أن عبد الله بن سبأ قام في زمن علي رضي الله عنه محدثاً القول بالوصية والرجعة والتناسخ).
43 - وقد سرد الحافظ ابن حجر (ت 852هـ) في كتابه لسان الميزان (3/290) أخبار ابن سبأ من غير طريق سيف بن عمر، ثم قال: (وأخبار عبد الله بن سبأ شهيرة في التواريخ، وليس له رواية والحمد لله).
44 - وذكر العيني (ت 855هـ) في كتابه عقد الجمان (9/168): (أن ابن سبأ دخل مصر وطاف في كورها، وأظهر الأمر بالمعروف، وتكلم في الرجعة، وقررها في قلوب المصريين).
45 - وأكد السيوطي (ت 911هـ) في كتابه لب الألباب في تحرير الأنساب (1/132) نسبة السبئية إلى عبد الله بن سبأ.
46 - وذكر السفاريني (ت 1188هـ) في كتابه لوامع الأنوار (1/80) ضمن فرق الشيعة فرقة السبئية وقال: (وهم أتباع عبد الله بن سبأ الذي قال لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أنت الإله حقاً، فأحرق من أصحاب هذه المقالة من قدر عليه منهم فخد لهم الأخاديد وأحرقهم بالنار).(4/7)
47 - ويروي الزبيدي (ت 1205هـ) أن سبأ الوارد في حديث فروة بن مسيك المرادي هو والد عبد الله بن سبأ صاحب السبئية من الغلاة. تاج العروس (1/75-76)، وكلام الزبيدي هذا غير مقبول ويرده حديث فروة بن مسيك، راجع صحيح سنن أبي داود ( برقم 3373) والترمذي (برقم 3220) كتاب تفسير سورة سبأ، وفي الحديث زيادة تفصيل أن سبأ رجل من العرب ولد له عشرة من الأبناء: سكن منهم ستة في اليمن وأربعة في الشام، وهم أصول القبائل العربية: لخم وجذام وغسان.. الخ، مما يدل على أن سبأ رجل متقدم جداً من أصول العرب، فما علاقة ذلك بسبأ والد عبد الله صاحب السبئية؟!
48 - وتحدث عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي (ت 1239هـ) في كتابه مختصر التحفة الاثني عشرية (ص317) عن ابن سبأ بقوله: (ومن أكبر المصائب في الإسلام في ذلك الحين تسليط إبليس من أبالسة اليهود على الطبقة الثانية من المسلمين فتظاهر لهم بالإسلام وادعى الغيرة على الدين والمحبة لأهله.. وإن هذا الشيطان هو عبد الله بن سبأ من يهود صنعاء، وكان يسمى ابن السوداء، وكان يبث دعوته بخبث وتدرج ودهاء.
49 - ومحمد صديق حسن خان (ت 1307هـ) في خبيئة الأكوان في افتراق الأمم على المذاهب والأديان (ص8، 33، 44).
هذا ما تيسر جمعه من أقوال العلماء، ومن سلف الأمة، وهناك الكثير غيرهم، وكلها تؤكد وتجمع على ثبوت شخصية عبد الله بن سبأ اليهودي بكونه حقيقة لا خيال، وكوني آثرت ذكر المتقدمين، لأنه إذا ثبت عندهم؛ فهم أعرف منا، لأنه تسنى لهم الاطلاع على كثير من الكتب التي تعد في زمننا هذا في عداد المفقود، فهم الأصل الذي نحن عيال عليه، نقتبس منه ونثبت، كما وأن هناك الكثير من المثبتين لهذه الشخصية من المعاصرين، راجع للأهمية: العنصرية اليهودية وآثارها في المجتمع الإسلامي والموقف منها للدكتور أحمد بن عبد الله بن إبراهيم الزغيبي (2/5300-531)، حيث ذكر عدداً كبيراً من المثبتين لشخصية ابن سبأ من المعاصرين.(4/8)
ب - المثبتين لشخصية ابن سبأ من الشيعة:
1 - ورد في تاريخ الطبري (5/193) على لسان أبي مخنف - لوط بن يحيى - (ت 157هـ) وهو يصف معقل بن قيس الرياحي والذي كلفه المغيرة بن شعبة والي معاوية على الكوفة بقتال المستورد بن علفة الخارجي وأصحابه، فيصفه بأنه من السبئية المفترين الكذابين.
2 - الأصفهاني (ت 283هـ) ذكره الدكتور أحمد الزغيبي في كتابه العنصرية اليهودية (2/528).
3 - أورد الناشئ الأكبر (ت 293هـ) في كتابه مسائل الإمامة (ص22-23) ما يلي: (وفرقة زعموا أن علياً رضي الله عنه حي لم يمت، وأنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه، وهؤلاء هم السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ، وكان عبد الله بن سبأ رجلاً من أهل يهودياً.. وسكن المدائن..).
4 - ونقل القمي (ت 301هـ) في كتابه المقالات والفرق (ص20) أن عبد الله بن سبأ أو من أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة، وتبرأ منهم، وادعى أن علياً أمره بذلك.
5 - ويتحدث النوبختي (ت 310هـ) في كتابه فرق الشيعة (ص23) عن أخبار ابن سبأ فيذكر أنه لما بلغ ابن سبأ نعي علي بالمدائن، قال للذي نعاه: كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة وأقمت على قتله سبعين عدلاً لعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل، ولا يموت حتى يملك الأرض.
6 - ويقول أبو حاتم الرازي (ت 322هـ) في كتابه الزينة في الكلمات الإسلامية (305): (أن عبد الله بن سبأ ومن قال بقوله من السبئية كانوا يزعمون أن علياً هو الإله، وأنه يحيي الموتى، وادعوا غيبته بعد موته).
7 - وروى الكشي (ت 340هـ) في الرجال (ص98-99) بسنده إلى أبي جعفر محمد الباقر قوله: أن عبد الله بن سبأ كان يدعي النبوة، ويزعم أن أمير المؤمنين - عليه السلام - هو الله، تعالى عن ذلك علواً كبيراً. وهناك أقوال مشابهة عن جعفر الصادق وعلي بن الحسين تلعن فيها عبد الله بن سبأ في (ص70، 100) من نفس الكتاب.(4/9)
8 - ويذكر أبو جعفر الصدوق بن بابويه القمي (ت 381هـ) في كتابه من لا يحضره الفقيه (1/213)، موقف ابن سبأ وهو يتعرض على علي رضي الله عنه رفع اليدين إلى السماء أثناء الدعاء.
9 - وجاء عند الشيخ المفيد (ت 413هـ) في كتاب شرح عقائد الصدوق (ص257) ذكر الغلاة من المتظاهرين بالإسلام - يقصد السبئية - الذين نسبوا أمير المؤمنين علي والأئمة من ذريته إلى الألوهية والنبوة، فحكم فيهم أمير المؤمنين بالقتل والتحريق بالنار.
10 - وقال أبو جعفر الطوسي (ت 460هـ) في كتابه تهذيب الأحكام (2/322) أن ابن سبأ رجع إلى الكفر وأظهر الغلو.
11 - ابن شهر آشوب (ت 588هـ) في مناقب آل أبي طالب (1/227-228).
12 - وذكر ابن أبي الحديد (ت 655هـ) في شرح نهج البلاغة (2/99) ما نصه: (فلما قتل أمير المؤمنين - عليه السلام - أظهر ابن سبأ مقالته، وصارت له طائفة وفرقة يصدقونه.
13 - وأشار الحسن بن علي الحلي (ت 726هـ) في كتابه الرجال (2/71) إلى ابن سبأ ضمن أصناف الضعفاء.
14 - ويرى ابن المرتضى (ت 840هـ) - وهو من أئمة الشيعة الزيدية -، أن أصل التشيع مرجعه إلى ابن سبأ، لأنه أول من أحدث القول بالنص في الإمامة. تاج العروس لابن المرتضى (ص5، 6).
15 - ويرى الأردبيلي (ت 1100هـ) في كتاب جامع الرواة (1/485) أن ابن سبأ غال ملعون يزعم ألوهية علي ونبوته.
16 - المجلسي (ت 1110هـ) في بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار (25/286-287).
17 - يقول نعمة الله الجزائري (ت 1112هـ) في كتابه الأنوار النعمانية (2/234): (قال عبد الله بن سبأ لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أنت الإله حقاً فنفاه علي عليه السلام إلى المدائن وقيل إنه كان يهودياً فأسلم وكان في اليهودية يقول في يوشع بن نون وفي موسى مثل ما قال في علي).
18 - طاهر العاملي (ت 1138هـ) في مقدمة مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار في تفسير القرآن (ص62).(4/10)
19 - وعند المامقاني (ت 1323هـ) في كتابه تنقيح المقال في أحوال الرجال (2/183) جاء ذكر ابن سبأ ضمن نقولات عدة ساقها المؤلف من مصادر شيعية متقدمة عليه.
20 - أما محمد حسين المظفري (ت 1369هـ) وهو من الشيعة المعاصرين الذين لا ينكرون وجود ابن سبأ وإن كان ينفي أن يكون للشيعة به أي اتصال. تاريخ الشيعة (ص10).
21 - أما الخوانساري فقد جاء ذكر ابن سبأ عنده على لسان جعفر الصادق الذي لعن ابن سبأ لاتهامه بالكذب والتزوير. روضات الجنات (13/141).
ثانياً: المنكرون وجود عبد الله بن سبأ من الفريقين..
أ - المنكرون لوجود عبد الله بن سبأ من أهل السنة ومن حسب عليهم:
1 - الدكتور: طه حسين، يقف طه حسين على رأس الكتاب المحدثين الذين شككوا في وجود ابن سبأ بل وأنكروه. انظر كتاب الفتنة الكبرى - عثمان - (ص132)، وعلي وبنوه (ص90).
2 - الدكتور: علي سامي النشار، وهو يأتي بعد طه حسين في إنكاره لشخصية ابن سبأ واعتبارها شخصية وهمية. راجع كتاب نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام (2/38-39).
3 - الدكتور: حامد حنفي داود، وهو من الذين تأثروا بكتابات الشيعة حول شخصية ابن سبأ فأنكر وجودها، وذلك عندما قام بكتابة المقدمة المتعلقة بكتاب (عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى) ومن ضمن ما قال: (وأخيراً يسرني أن أعلن إعجابي بهذا السفر الجليل لصاحبه العلامة المحقق السيد مرتضى العسكري)، أما رأيه في عبد الله بن سبأ فأوضحه بقوله: (ولعل أعظم هذه الأخطاء التاريخية التي أفلتت من زمام هؤلاء الباحثين وغم عليهم أمرها فلم يفقهوها ويفطنوا إليها هذه المفتريات التي افتروها على علماء الشيعة حين لفقوا عليهم قصة عبد الله بن سبأ فيما لفقوه من قصص). (1/18، 21).
وضمن كتابه: التشيع ظاهرة طبيعية في إطار الدعوة الإسلامية (ص18).
4 - وهناك أيضاً الدكتور: محمد كامل حسين في كتابه: أدب مصر الفاطمية (ص7).(4/11)
5 - وأيضاً: عبد العزيز الهلابي في كتابه عبد الله بن سبأ (ص73)، حيث حجب هذا الشخص الغموض الذي أثاره غيره من المشككين في وجود ابن سبأ فلازم الإنكار.
6 - والشيء بالشيء يذكر يعتبر حسن بن فرحان المالكي تلميذ المذكور أعلاه من المنكرين لوجود ابن سبأ، وفي أحيان أخرى ينكر دور ابن سبأ في الفتنة. راجع كلامه في جريدة المسلمون الأعداد (657، 658).
7 - ومن المنكرين والمتشككين والمترددين في إثبات ونفي شخصية عبد الله بن سبأ، الدكتور: جواد علي في مقال له بعنوان (عبد الله بن سبأ) منشور في مجلة المجمع العلمي العراقي المجلد السادس (ص84، 100) وأيضاً في مجلة الرسالة العدد (778) (ص609-610).
8 - وأيضاً الدكتور: محمد عمارة في كتابه الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية (ص154-155)، فيقول: (وتنسب أغلب مصادر التاريخ والفكر الإسلامي إلى ابن السوداء هذا نشاط عظيماً وجهداً خرافياً)، ويقول: (فإن وجود ابن سبأ على فرض التسليم بوجوده) إلى غيرها من النقولات.
9 - والدكتور: عبد الله السامرائي في كتابه الغلو والفرق الغالية في الحضارة الإسلامية (ص86)، إلا أنه يثبت وجود الأفكار التي تنسب إلى عبد الله بن سبأ، من غير جزم بوجود صاحبها.
ب - المنكرون لوجود ابن سبأ من الشيعة:
1 - محمد الحسين كاشف الغطاء، في كتابه أصل الشيعة وأصولها (ص61) يقول: (على أنه لا يستبعد أن يكون هو - أي عبد الله بن سبأ - ومجنون بني عامر وأبو هلال.. وأمثالهم أحاديث خرافية وضعها القصاص لتزجية الفراغ وشغل أوقات الناس).
2 - مرتضى العسكري وله كتابان في هذا الموضوع، ينفي فيهما وجود ابن سبأ من الأصل، ويعتبر مرتضى هذا من أكثر الشيعة المحدثين اهتماماً بمسألة عبد الله بن سبأ. الكتاب الأول بعنوان: (عبد الله بن سبأ بحث حول ما كتبه المؤرخون والمستشرقون ابتداء من القرن الثاني الهجري). ورمز له بالجزء الأول. الكتاب الثاني بعنوان: (عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى).(4/12)
3 - محمد جواد مغنية، وقد ذكر ذلك في تقديمه لكتاب عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى لمرتضى العسكري (1/12). وكتاب التشيع (18).
4 - الدكتور علي الوردي، في كتاب وعاظ السلاطين (ص273-276)، يقول: (يخيل إلي أن حكاية ابن سبأ من أولها إلى آخرها كانت حكاية متقنة الحبك رائعة التصوير)، ويعتبر علي الوردي صاحب بدعة القول بأن ابن السوداء وهو عمار بن ياسر رضي الله عنه، (ص278).
5 - عبد الله بن الفياض في كتابه تاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة (ص95)، يقول: (يبدوا أن ابن سبأ كان شخصية إلى الخيال أقرب منها إلى الحقيقة).
6 - الدكتور كامل مصطفى الشيبي في كتاب الصلة بين التصوف والتشيع (ص41)، وقد تابع الدكتور علي الوردي في كلامه حول كون عمار بن ياسر هو ابن السوداء، (ص88).
7 - طالب الرفاعي في التشيع ظاهرة طبيعية في إطار الدعوة الإسلامية (ص20).
ولعل هذا النفي شبه الجماعي من قبل أولئك الباحثين الشيعة لشخصية عبد الله بن سبأ، هو بغرض نفي التأثير اليهودي في عقائد الشيعة، وتبرئة ساحتهم من عبد الله بن سبأ، ولكن أنى لهم ذلك.
وقد أعجبتني مقولة للدكتور سعد الهاشمي يقول فيها: (وبهذه النقول والنصوص الواضحة المنقولة من كتب القوم (الشيعة) تتضح لنا حقيقة شخصية ابن سبأ اليهودي، ومن طعن من الشيعة في ذلك فقد طعن في كتبهم التي نقلت لعنات الأئمة المعصومين - عندهم - على هذا اليهودي (ابن سبأ) ولا يجوز ولا يتصور أن تخرج اللعنات من المعصوم على مجهول، وكذلك لا يجوز في معتقد القوم تكذيب المعصوم). ابن سبأ حقيقة لا خيال (ص76).
ج - المثبتون لوجود ابن سبأ من المستشرقين:(4/13)
اهتم المستشرقون بمسألة عبد الله بن سبأ ودرسوا ما جاء عنه، ونحن لسنا بحاجة إلى قيام أمثال هؤلاء الحاقدين لإثبات شخصية ابن سبأ لنثبت شخصيته بدورنا، لكن تطرقت لذكرهم فقط من باب بيان أن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها، كما فعل أبي هريرة رضي الله عنه عندما تعلم فضل سورة آية الكرسي من إبليس لعنه الله. البخاري مع الفتح (4/487-488).
1 - المستشرق الألماني: يوليوس فلهاوزن (1844-1918م)، يقول: (ومنشأ السبئية يرجع إلى زمان علي والحسن، وتنسب إلى عبد الله بن سبأ وكما يتضح من اسمه الغريب فإنه كان أيضاً يمنياً والواقع أنه من العاصمة صنعاء، ويقال أنه كان يهودياً). في كتابه: الخوارج والشيعة (ص170-171).
2 - المستشرق: فان فلوتن (1866-1903م)، يرى أن فرقة السبئية ينتسبون إلى عبد الله بن سبأ فيقول: (وأما السبئية أنصار عبد الله بن سبأ الذي كان يرى أحقية علي بالخلافة منذ أيام عثمان، فكانوا يعتقدون أن جزءاً إلهياً تجسد في علي ثم في خلفائه من بعده. السيادة العربية والشيعية والإسرائيليات في عهد بني أمية) (ص80).
3 - المستشرق الإيطالي: كايتاني (1869-1926م)، يخلص هذا المستشرق في بحثه الذي نشره في حوليات الإسلام الجزء الثامن من سنة (33-35ه) إلى أن ابن سبأ موجود في الحقيقة لكنه ينكر روايات سيف بن عمر في تاريخ الطبري والتي تشير إلى أن المؤامرة التي أطاحت بعثمان ذات أسباب دينية، كما وأنه ينكر أن تكون آراء ابن سبأ المؤلهة لعلي قد حدثت في أيامه، وينتهي إلى القول بأن هذه الآراء وليدة تصورات الشيعة في النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة.
4 - المستشرق: ليفي ديلافدا (المولود عام 1886م)، حيث مرّ بعبد الله بن سبأ وهو يتحدث عن خلافة علي من خلال كتاب أنساب الأشراف للبلاذري.(4/14)
5 - المستشرق الألماني: إسرائيل فريد لندر، وقد كتب مقالاً عن عبد الله بن سبأ في المجلة الآشورية العددين من سنة (1909م، ص322) و(1910م، ص23) بعنوان: (عبد الله بن سبأ مؤسس الشيعة وأصله اليهودي)و قد خلص في بحثه هذا الذي يربوا على الثمانين صفحة إلى القول بأنه لا يتشكك مطلقاً في شخصية ابن سبأ.
6 - المستشرق المجري: جولد تسيهر (1921م)، يقول: (كما أن الإغراق في تأليه على الذي صاغه في مبدأ الأمر عبد الله بن سبأ). في كتابه: العقيدة والشريعة في الإسلام (ص205).
7 - رينولد نكلس (1945م)، يقول في كتابه تاريخ الأدب العربي (ص215): (فعبد الله بن سبأ الذي أسس طائفة السبأيين كان من سكان صنعاء اليمن، وقد قيل إنه كان من اليهود وقد أسلم في عهد عثمان وأصبح مبشراً متجولاً).
8 - داويت. م. رونلدسن، يقول: (فقد ظهر منذ زمن عثمان داعية متنقل اسمه عبد الله بن سبأ قطع البلاد الإسلامية طولاً وعرضاً يريد إفساد المسلمين كما يقول الطبري). عقيدة الشيعة (ص85).
9 - المستشرق الإنجليزي: برنارد لويس، فهو يرى أن عبد الله بن سبأ هو أصل التشيع. راجع كلامه في كتابه: أصول الإسماعيلية (ص86).
هذه أهم الكتابات الاستشراقية في موضوع عبد الله بن سبأ، وهناك غير هؤلاء الكثير، راجع للأهمية كتاب: عبد الله بن سبأ وأثره في أحداث الفتنة في صدر الإسلام للدكتور سليمان العودة (ص73).(4/15)
أما المنكرون لشخصية ابن سبأ من المستشرقين، فهم فئة قليلة والذين وقفوا في شخصية ابن سبأ وأصبحت عندهم مجرد خرافة ومحل شك، وليس هناك من داع لذكرهم، لعد انتشار أفكارهم بخلاف المثبتين فهم من المستشرقين المعروفين والذين يعتمد عليهم الكثير ممن تأثر بفكر الاستشراق، وكان هدف هؤلاء المستشرقين من ذلك التشكيك أو الإنكار هو ادعاء أن الفتن إنما هي من عمل الصحابة أنفسهم، وأن نسبتها إلى اليهود أو الزنادقة هو نوع من الدفاع عن الصحابة لجأ إليها الإخباريون والمؤرخون ليعلقوا أخطاء هؤلاء الصحابة على عناصر أخرى، على أن إنكار بعضهم لشخصية ابن سبأ إنما يرجع إلى رغبتهم في الانتهاء إلى النتيجة التالية: لا حاجة لمخرب يمشي بين الصحابة، فقد كانت نوازع الطمع وحب الدنيا والسلطة مستحوذة عليهم، فراحوا يقاتلون بعضهم عن قصد وتصميم، والقصد من ذلك الإساءة إلى الإسلام وأهله، وإلقاء في روع الناس أن الإسلام إذا عجز عن تقويم أخلاق الصحابة وسلوكهم وإصلاح جماعتهم بعد أن فارقهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمدة وجيزة، فهو أعجز أن يكون منهجاً للإصلاح في هذا العصر. انظر: تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة للدكتور: محمد أمحزون (1/314).
انتهى الكتاب ولله الحمد.(4/16)
ابن سبأ في كتابات المعاصرين
د . محمد آمحزون
إذا كانت شخصية ابن سبأ حقيقة تاريخية لا لبس فيها في المصادر السنية والشيعية ، المتقدمة والمتأخرة على السواء ، فهي كذلك أيضاً عند غالبية المستشرقين أمثال : يوليوس فلهاوزن [1] ، وفان فولتن [2] ، وليفي ديلافيدا [3] ، وجولد تسيهر [4] ، ورينولد نكلسن [5] ، وداويت رونلدسن [6] ...
على حين يبقى ابن سبأ محل شك أو مجرد خرافة عند فئة قليلة من المستشرقين أمثال : كيتاني [7] ، وبرنارد لويس [8] ، وفريد لندر المتأرجح [9] .
كما أن شخصية ابن سبأ تبقى محل اتفاق عند المحدثين من أهل السنة ما عدا فئة قليلة ممن تأثروا بمنهج الاستشراق [10] ، أو ممن حجبهم الغموض الذي أثاره غيرهم حول شخصية ابن سبأ ، فلازموا الإنكار [11] ، وفي أحسن حال شكوا في أمره [12] ، أو تذبذبوا بين الإنكار تارة ، والإقرار بوجوده تارة أخرى [13] .
وبالنسبة للشيعة المعاصرين ، فأغلب ما كتبوه عن ابن سبأ ، إنما هو إنكار لوجوده ، فهو عند بعضهم أقرب إلى الوهم منه إلى الوجود [14] ، وعند البعض الآخر أقرب إلى الخيال والأسطورة منه إلى الواقع [15] .
أما المستشرقون فقد كان هدفهم من ذلك التشكيك أو الإنكار هو ادعاء أن الفتن إنما هي من عمل الصحابة أنفسهم ، وأن نسبتها إلى اليهود أو الزنادقة هو نوع من الدفاع عن الصحابة ، لجأ إليها الإخباريون والمؤرخون المسلمون ، ليعلقوا أخطاء هؤلاء الصحابة على عناصر أخرى .
على أن إنكار بعضهم لشخصية عبد الله بن سبأ إنما يرجع إلى رغبتهم في الانتهاء إلى النتيجة التالية : لا حاجة لمخرب يمشي بين الصحابة ، فقد كانت نوازع الطمع وحب الدنيا والسلطة مستحوذة عليهم ، فراحوا يقاتلون بعضهم بعضاً عن قصد وتصميم ، يقول أحدهم بأن ابن سبأ ليس إلا شيئاً في نفس سيف أراد أن يبعد به شبح الفتنة عن الصحابة ، وأنها إنما أتت من يهودي تستر بالإسلام [16] .(5/1)
والقصد من ذلك الاساءة إلى الإسلام وأهله ، وإلقاء في روع الناس أن الإسلام إذا عجز في تقويم أخلاق الصحابة وسلوكهم وإصلاح جماعتهم بعد أن فارقهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بمدة وجيزة ، فهو أعجز أن يكون منهجاً للإصلاح في هذا العصر .
وجرياً وراء منهج المستشرقين في التشكيك في شخصية ابن سبأ ، والتهوين من خطر العناصر المخربة في الإسلام ، انساق بعض الباحثين العرب إلى التهوين من شأن ابن سبأ ، أو حتى إنكار شخصيته واعتبارها شخصية أسطورية .
يقول أحد هؤلاء المشككين : » أراد خصوم الشيعة - يقصد أهل السنة - أن يدخلوا في أصول هذا المذهب عنصراً يهودياً إمعاناً في الكيد له والنيل منهم « [17] .
ثم يتساءل في خبث : » أكان لابن سبأ أن يجد مجالاً لبث أفكاره بين من هم أكثر منه علماً ودراية بأحكام الإسلام « [18] .
هذا وقد بنى شكه في هذه القضية على سببين باطلين هما : أولاً : زعمه أن هذه القصة قد اختلقها أهل السنة للتشنيع على الشيعة ، وقد كان عليه قبل أن يلقي بظلال الشك جزافاً ، وذلك دأبه ، أن يتأكد على الأقل من أن هذه القصة انفردت بها مصادر أهل السنة ، وأن مصادر الشيعة قد خلت منها ، وهو أمر لم يكلف نفسه عناء البحث فيه ، لأن منهجه الذي سار عليه في كتاباته هو الشك وإساءة الظن بالآخرين والقذف بالاتهام دون تثبت .
والزعم بأن أهل السنة اختلقوا هذه القصة باطل ، لأن مصادر الشيعة هي الأخرى أثبتتها كما سلف ذكره .
فالشيعة إذاً متفقون مع أهل السنة على أن عبد الله بن سبأ هو الذي أجج نيران الفتنة على عثمان -رضي الله عنه- ، وهو الذي أظهر العداء لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو الذي أظهر الغلو في علي -رضي الله عنه- وقال بالنص على إمامته ، إلى غير ذلك من معتقداته الباطلة .(5/2)
وبهذا يسقط اعتراض طه حسين على القصة بزعمه أنها من مفتريات أهل السنة ، وحاشاهم ذلك ، إذ يتعذر اتفاق جميع مصادرهم على الكذب ، بل كان غالبية أصحابها من العلماء الثقات المشهود لهم بتحري الصدق فيما يكتبونه وينقلونه .
ثانياً : أما اعتراضه الثاني ، وهو إكباره للصحابة بأن يستطيع مثل ابن سبأ أن يفعل ما فعل ، فليس هذا إكباراً وإنما هو رغبة لإظهارهم بأنهم هم الذين أثاروا الفتنة ضد عثمان ، فهو يعلم أن ابن سبأ بث أفكاره بين دهماء الناس وعامتهم ، وليس بين الصحابة ، وهؤلاء الدهماء كان لهم دور مؤسف في قتل أمير المؤمنين عثمان -رضي الله عنه- ، وفي معركة الجمل ، وما أعقبهما من نكبات ومصائب .
أما الشيعة فيرجع سبب إنكارهم لوجود ابن سبأ فيما يبدو إلى عقيدته التي بثها وتسربت إلى فرق الشيعة ، وهي عقيدة تتنافى مع أصول الإسلام ، وتضع القوم موضع الاتهام والشبهة ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى لما للعداء التاريخي في نفوس الشيعة نحو الصحابة ، ورغبة لإظهارهم بأنهم هم الذين أثاروا الفتنة بينهم .
على أن من طعن من الشيعة في وجود شخصية ابن سبأ فقد طعن بالتالي في كتبهم التي نقلت لعنات الأئمة المعصومين عندهم في هذا اليهودي الماكر ، وكيف يتصور أن تخرج اللعنات من المعصوم على مجهول ! مع أنه لا يجوز في معتقد الشيعة تكذيب المعصوم ! ! وفي الختام يتأكد بعد استقراء المصادر سواء القديمة والمتأخرة ، عند السنة والشيعة ، أن وجود عبد الله بن سبأ كان وجوداً حقيقياً تؤكده الروايات التاريخية ، وتفيض فيه كتب العقائد ، وذكرته كتب الحديث ، والرجال ، والأنساب والطبقات ، والأدب واللغة ، وسار على هذا النهج كثير من المحققين والباحثين والمحدثين [19] .(5/3)
ويبدو أن أول من شكك في وجود ابن سبأ بعض المستشرقين ، ثم دعم هذا الطرح الغالبية من الشيعة المحدثين ، بل وأنكر بعضهم وجوده البتة ، وبرز من بين الباحثين العرب المعاصرين من أعجب بآراء المستشرقين ، ومن تأثر بكتابات الشيعة المحدثين ، ولكن هؤلاء جميعاً ليس لهم ما يدعمون به شكهم وإنكارهم إلا الشك ذاته ، والاستناد إلى مجرد الظنون والفرضيات .
________________________
(1) يولياس فلهاوزن : الخوارج والشيعة ، ص 170 .
(2) فان فولتن : السيادة العربية والشيعة والإسرائيليات ، ص 80 .
(3) Levi delavida , the Encyclopedia of Islam Vi , P : 51 .
(4) جولد تسيهر : العقيدة والشريعة في الإسلام ، ص 229 .
(5) نكلسن : تاريخ العرب الأدبي في الجاهلية وصدر الإسلام ، ص 335 .
(6) رونلدسن : عقيدة الشيعة ، ص 58 .
(7) كيتاني : حوليات الإسلام ، ج 8 ، سنة 33 - 35 ، ص42 (نقلاً عن الدكتور عبد الرحمن بدوي: مذاهب الإسلاميين ، ج2 ، ص30-31) .
(8) برنارد لويس : أصول الإسماعيلية ، ص 86 .
(9) انظر عبد الرحمن بدوي : المصدر السابق ، ج2 ، ص 22 - 23 .
(10) مثل طه حسين : الفتنة الكبرى (علي وبنوه) ، ص 90 - 91 .
(11) مثل عبد العزيز الهلابي : عبد الله بن سبأ ، ص 73 .
(12) أمثال علي النشار : نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام ، ص 28 ، ومحمد عمارة : الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية ، ص 155 .(5/4)
(13) مثل جواد علي الذي يبدو التناقض في كلامه عند حديثه عن السبئية ، فتارة يقر بوجودها وبدورها في الأحداث فيقول : والظاهر أن السبئية كانت من أكثر الكتل السياسية التي ظهرت في أيام عثمان نظاماً (مجلة المجمع العلمي العراقي ، المجلد السادس ، ص 84) ، ثم يقول بأن السبئية - في نظره - هي المسؤولة عن قتل الخليفة عثمان (المرجع نفسه ، ص 100) ، وتارة أخرى يكاد يجعل من السبئية أسطورة أقرب منها إلى الواقع ، ويستهين من شأنها (مجلة الرسالة ، عدد 778 ، ص 609- 610) ، ويأخذ على الإمام الطبري ورواته تضخيم دور ابن سبأ في مصر وإثارته الفتنة فيها ، ويقول : إن أحداً من الرواة غير يزيد الفقعسي لم يذكر هذه الآثار لابن سبأ في مصر ، وقد غاب عنه رواية الحافظ ابن عساكر في (تاريخ دمشق) التي لم يكن راويها هو يزيد الفقعسي ، بل جاءت من طريق أبي حارثة وأبي عثمان قالا : لما قدم ابن السوداء مصر عجمهم واستخلاهم واستخلوه ، وعرض لهم بالكفر فأبعدوه ، وعرض لهم بالشقاق فأطمعوه ، فبدأ بالطعن على عمرو بن العاص وقال: ما باله أكثركم عطاءً ورزقاً ؟ (تهذيب تاريخ دمشق ، ج7 ، ص423) .
(14) أمثال علي الوردي : وعاظ السلاطين ، ص 273 ، وكامل مصطفى الشيبي : الصلة بين التصوف والتشيع ، ص41 - 43 .
(15) أمثال عبد الله الفياض ، تاريخ الإمامية ، ص 95 ، ومرتضى العسكري : عبد الله بن سبأ ،ج1 ، ص 148 .
(16) وهوفريد لندر الذي كتب عن ابن سبأ مقالاً نشرته المجلة الآسيوية الصادرة بألمانيا عام 1909م انظر : عبد الرحمن بدوي : المصدر السابق ، ج 2 ، ص 22 - 23 .
(17) طه حسين : الفتنة الكبرى (علي وبنوه) ، ص 90 .
(18) طه حسين : الفتنة الكبرى (عثمان) ، ص 132 - 134 .(5/5)
(19) أمثال محمود شاكر : الخلفاء الراشدون ، ص225 ، ويوسف العش : الدولة الأموية ، ص 66 - 69 ، ود عمار الطالبي : آراء الخوارج ، ص 66 - 67 ، وسعيد الأفغاني : عائشة والسياسة، ص 60 ، ود محمود قاسم : دراسات في الفلسفة الإسلامية ، ص 109 ، ود عبد الرحمن بدوي : مذاهب الإسلاميين ، ج2 ، ص 17 - 24 ، وإحسان إلهي ظهير : الشيعة والسنة ، ص 29 - 31 ، ود سعيد الهاشمي : ابن سبأ ، مقال نشره في مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عام 1398ه/1978م ص 201 وما بعدها ، ود عزة عطية : البدعة ، ص 73 ، وأنور الجندي : طه حسين وفكره في ميزان الإسلام ص 171 ، ومحب الدين الخطيب : حاشية العواصم ، ص 4 - 57 ، وإبراهيم شعوط : أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ ، ص 147 .
(( مجلة البيان ـ العدد [ 31 ] صـ 50 المحرم 1411 ـ أغسطس 1990 ))
عبد الله بن سبأ
في ميزان البحث العلمي
-1-
د . محمد أمحزون
تمهيد :
موضوع « عبد الله بن سبأ والسبئية » أحد الأبحاث التي تطرق إليها بالدراسة الكثير من الباحثين من المسلمين والمستشرقين ، ومن أهم الدراسات في هذا الباب بحث الدكتور سليمان بن حمد العودة بعنوان « عبد الله بن سبأ وأثره في إحداث الفتنة في صدر الإسلام » وبحث « عبد الله بن سبأ بين الحقيقة والخيال » د .
سعدي الهاشمي ، وبحث الأستاذ أحمد عرفات القاضي بعنوان « إنكار ابن سبأ نقش على الماء » [1] .
وهذه الدراسة للدكتور (محمد أمحزون) مناقشة بحث جديد حول الموضوع نفسه لباحث لم يأت بجديد وإنما هو نقل عن الباحثين حول تلك الشخصية ، والناقد (الكاتب) أحد المتخصصين في دراسة التاريخ ، وعضو هيئة التدريس في جامعة « مكناس » بالمغرب (قسم التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية.
- البيان - هذه الدراسة نقد للبحث الذي نشره د .(5/6)
عبد العزيز الهلابي أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة الملك سعود ، في حوليات كلية الآداب الكويتية [*] عن عبد الله بن سبأ ، تدخل في مجال اهتمامات التاريخ الإسلامي ، وقد قام فيه المؤلف بتحليل روايات الإخباري سيف بن عمر التميمي عن دور عبد الله بن سبأ في أحداث الفتنة الواقعة في خلافة عثمان وعلي رضي الله عنهما حيث انتهى بحثه إلى أن تلك الروايات مختلقة ولا أساس لها من الصحة ! ! ثم أورد النصوص عن « السبئية » في بعض المصادر المتقدمة فأوضح أنه من خلال استخدامها في تلك المصادر لا تعني جماعة لها عقيدة دينية أو مذهب سياسي محدد ، وأنها أطلقت على أناس مختلفين ، وكان يقصد بها في كل الأحوال الذم والتعيير ، وبعد أن ناقش أقوال الباحثين المعاصرين وآراءهم من عرب ومستشرقين خلص في بحثه إلى أن ابن سبأ شخصية وهمية ، وأن الدور المنسوب إليه في إثارة الأحداث وتسييرها دور مزعوم .
إن هذا البحث الذي كتبه د .
الهلابي يعتبر أحدث دراسة مستقلة أفردت عن عبد الله بن سبأ ولذلك أحببت إبداء بعض الملحوظات حول الآراء التي تبناها حيث نفى في بحثه وجود تلك الشخصية ، وأن ابن سبأ في رأيه لا يعدو أن يكون مجرد خرافة سطرتها كتب التاريخ والفرق ! ! ومن الملحوظات على هذه الدراسة ما يلي : أولاً سيف بن عمر لم ينفرد بالرواية : يقول د .
الهلابي في ص (13) من بحثه : « ينفرد الإخباري سيف بن عمر التميمي من بين قدامى الإخباريين والمؤرخين بذكر تلك الشخصية في رواياته ، ويجعل له دوراً رئيساً في التحريض على الفتنة ، وقتل الخليفة عثمان وإنشاب القتال في معركة الجمل في البصرة » [2] .(5/7)
في الواقع أن سيف بن عمر لم يكن المصدر الوحيد الذي استأثر بأخبار عبد الله بن سبأ ، بل ورد ذكر أخبار ابن سبأ وطائفته منقولة عن علماء متقدمين ورواة غير سيف بن عمر مثل : * سويد بن غفلة أبو أمينة الجعفي الكوفي المتوفى عام (80 ه/ 699م) ، مخضرم ثقة ، من أصحاب علي رضي الله عنه [3] جاء في « طوق الحمامة » لحيي بن حمزة الزيدي وفي « اللفظ » للبرقاني أنه دخل على علي في إمارته فقال : « إني مررت بنفر يذكرون أبا بكر وعمر ، يرون أنك تضمر لهما مثل ذلك ، منهم عبد الله بن سبأ ، فقال علي : مالي ولهذا الخبيث الأسود ، ثم قال : معاذ الله أن أضمر لهما إلا الحسن الجميل ، ثم أرسل إلى ابن سبأ فسيّره إلى المدائن ، ونهض إلى المنبر حتى إذا اجتمع الناس أثنى عليهما خيراً ، ثم قال : أو لا يبلغني عن أحد يفضلني عليهما إلا جلدته حد المفتري [4] .
* زيد بن وهب الجهني أبو سليمان الكوفي المتوفى قبل عام (90ه/709م) ، روى عن علي بن أبي طالب ، وهو من جلة التابعين ، متفق على الاحتجاج به ، أخرج ابن عساكر في « تاريخ دمشق » عنه قال : « قال علي بن أبي طالب : مالي ولهذا الخبيث الأسود ، يعني عبد الله بن سبأ ، وكان يقع في أبي بكر وعمر » [5] .
* إبراهيم بن يزيد النخعي أبو عمران الكوفي الفقيه الثقة المتوفى عام (96 هـ / 714 م) [6] .
روى ابن سعد في « طبقاته » أن رجلاً كان يأتيه فيتعلم منه، فيسمع قوماً يذكرون أمر علي وعثمان ، فقال : أنا أتعلم من هذا الرجل وأرى الناس مختلفين في أمر علي وعثمان ، فسأل إبراهيم النخعي عن ذلك فقال : « ما أنا بسبأي ولا مرجئ » [7] .
* الشعبي عمر بن شراحيل الحميري اليمني المتوفى عام (103ه/721م) ، من رواة الأنساب والأخبار الثقات [8] .
أخرج عنه ابن عساكر في « تاريخ دمشق» قال : « أول من كذب عبد الله بن سبأ » [9] .(5/8)
*سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي المدني المتوفى عام (106ه/721م) ، كان أحد فقهاء التابعين ، ثبتاً فاضلاً [10] ، روى يعقوب بن سفيان الفسوي في كتابه « المعرفة والتاريخ » قال : « قال أبو الوليد : سألني سالم بن عبد الله بن عمر : ممن أنت ؟ فقلت : من أهل الكوفة ، فقال : بئس القوم بين سبأي وحروري » [11] .
* أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي الصحابي المعمر المتوفى عام (110ه/ 728م) ، روى عن علي بن أبي طالب ، قال فيه الحافظ الذهبي : وبه ختم الصحابة في الدنيا [12] .
أخرج ابن عساكر عنه قال : « رأيت المسيب ابن نجبة أتى به ملببه ، يعني ابن السوداء ، وعلي على المنبر ، فقال علي : ما شأنه ؟ فقال : يكذب على الله ورسوله [13].
* حُجيّة بن عدي الكندي أبو الزعراء الكوفي ، روى عن علي وجابر وهو من الطبقة الثالثة [14] .
ذكر ابن عساكر عنه أنه رأى علياً على المنبر ، وهو يقول : من يعذرني من هذا الحميت الأسود الذي يكذب على الله ورسوله يعني ابن السوداء [15] .
* أبو الجلاس الكوفي ، روى عن علي بن أبي طالب ، من الطبقة الثالثة [16] .
نقل ابن عساكر عنه قال : « سمعت علياً يقول لعبد الله بن سبأ : ويلك ! والله ما أفضي إليّ بشيء كتمته أحداً من الناس ، ولقد سمعته يقول : إن بين يدي الساعة ثلاثين كذاباً وإنك لأحدهم [17] .
* قتادة بن دعامة السدوسي المتوفى عام (117ه/735م) ، من ثقات التابعين وحفاظهم ، روى عن أبي الطفيل وأنس بن مالك ، كان آية في الحفظ والرواية [18] .
نقل الإمام الطبري في تفسير قوله : « وكان قتادة إذا قرأ هذه الآية [ فأما الذين في قلوبهم زيغ ...
]قال : إن لم يكونوا الحرورية والسبئية فلا أدري » [19] .
* أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي المتوفى عام (157ه/773م) [20] .
نقل الإمام الطبري عنه في « تاريخه » رواية يصف فيها أشراف أهل الكوفة لخصومهم من أصحاب المختار بالسبئية [21] .(5/9)
ثانياً الموهوم لا يدفع المعلوم : يقول المؤلف : « لا أعلم فيما اطلعت عليه من المصادر المتقدمة أي ذكر لعبد الله بن سبأ عند غير سيف بن عمر سوى رواية عند البلاذري » [22] .
إن المصادر المتقدمة التي اطلع عليها د .
الهلابي إذا كانت أغفلت موضوع ابن سبأ والسبئية ، فلا يعني ذلك بالضرورة أنه شخصية خرافية ، إذ إن عدم ذكرها له لا يقوم دليلاً على الإنكار أو التشكيك ، فهل استوعَبَت تلك المصادر كل أحداث التاريخ الإسلامي حتى نقف وقفة المنكر أو المتشكك إذا لم تذكر شيئاً عن ابن سبأ ؟! وهل من شروط صحة الرواية التاريخية تضافر كل كتب التاريخ على ذكرها ؟ ! ثم هل نسي د .
الهلابي أن المصادر القديمة ضاع كثير منها فأصبحت مفقودة أو في حكم المفقود ، حيث ضاع كثير من مؤلفات الزهري وابن إسحاق والواقدي والمدائني وابن شبّه والأصمعي والهيثم بن عدي وعروة بن الزبير وغيرهم ، إلا ما استوعبته بعض المصنفات الموسوعية كتاريخ الطبري مثلاً ؟ ومن هنا ينبغي الرجوع إلى الأمر المعلوم المحقق للخروج من الشبهات والتوهمات ، إذ إن الموهوم لا يدفع المعلوم ، و المجهول لا يعارض المحقق فشخصية ابن سبأ وجماعته حقيقة تاريخية يتفق عليها كثير من المصادر المتقدمة غير البلاذري .
جاء ذكر السبئية على لسان أعشى همذان المتوفى عام (83ه/702م) وقد هجى المختار وأنصاره من أهل الكوفة بقوله : شهدت عليكم أنكم سبئية وأني بكم يا شرطة الكفر عارف [23] وجاء ذكر السبئية في كتاب « الإرجاء » للحسن بن محمد بن الحنفية المتوفى عام (95ه/713م) ، الذي أمر بقراءته على الناس وفيه : « ...
ومن خصومة هذه السبئية التي أدركنا ، إذ يقولون هدينا لوحي ضل عنه الناس » [24] .(5/10)
وفي الطبقات لابن سعد المتوفى عام (230ه/844م) ورد ذكر معتقدات السبئية وأفكار زعيمها ، فعن عمرو بن الأصم قال : قيل للحسن بن علي : إن أناساً من شيعة أبي الحسن علي عليه السلام يزعمون أنه دابة الأرض ، وأنه سيبعث قبل يوم القيامة ، فقال كذبوا ، ليس أولئك شيعته أولئك أعداؤه ، لو علمنا ذلك ما قسمنا ميراثه ولا أنكحنا نساءه ...
» [25] .
علماً بأن ما ذكر في هذا النص لا يخرج عما جاء به ابن سبأ من آراء ، وأكده علماء الفرق والنحل والمؤرخون في كتبهم [26] .
وتحدث ابن حبيب المتوفى عام (245ه/860م) عن ابن سبأ حينما اعتبره أحد أبناء الحبشيات [27] ، كما روى أبو عاصم خُشيش بن أصرم المتوفى عام (253ه/ 859م) خبر إحراق علي رضي الله عنه لجماعة من أصحاب ابن سبأ في كتابه « الاستقامة » [28] .
وفي « البيان والتبيين » للجاحظ المتوفى عام (255ه/868م) رواية تشير إلى عبد الله بن سبأ [29] ، كما ذكر الجوزجاني المتوفى عام (259ه/873م) وهو من علماء الجرح والتعديل ، أن من مزاعم عبد الله ادعاءه أن القرآن جزء من تسعة أجزاء ، وعلمه عند علي ، وأن علياً نفاه بعد ما كان هم به » [30] .
ويقول ابن قتيبة المتوفى عام (276ه/889م) في « المعارف » : « السبئية من الرافضة ينسبون إلى عبد الله بن سبأ » [31] .
ويذكر البلاذري المتوفى عام (279ه/892م) ابن سبأ في جملة من أتوا إلى علي رضي الله عنه يسألونه عن رأيه في أبي بكر وعمر ، فقال لهم : أوتفرغتم لهذا؟ وحينما كتب علي الكتاب الذي أمر بقراءته على أنصاره كان منه عند عبد الله ابن سبأ نسخة عنه فحّرفها » [32] .
وأورد الناشيء الأكبر المتوفى عام (293ه/905م) عن ابن سبأ وطائفته ما يلي : « وفرقة زعموا أن علياً عليه السلام حي لم يمت ، وأنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ، وهؤلاء هم السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ ، وكان عبد الله بن سبأ رجلاً من أهل صنعاء ، يهودياً ...
وسكن المدائن » [33] .(5/11)
ثالثاً السبئية في المصادر وليست للذم والتعيير فقط : بعد أن ذكر المؤلف نصوصاً نثرية وشعرية ورد فيها ذكر السبئية ، قال : « وبناءً على هذا فلا يمكن الاستنتاج من النصوص السابقة أن السبئية تعني فئة لها هوية سياسية معينة ، أو مذهب عقائدي محدد ، ولكن المؤكد أنها عندما تطلق على قوم يقصد بها الذم والتعيير » [34] .
إن هذا الاستنتاج للباحث لا يخلو من المغالطة والتمويه ، فهو يحاول جاهداً التشكيك في السبئية إلى حد جعله يتأولها مجرد كلمة تستعمل للسب والذم ! ! إني لأكاد أدهش حين يقول ذلك ، وهو نفسه يذكر نصاً شعرياً للفرزدق [35] فيه إشارة واضحة إلى ابن سبأ اليهودي الأصل ، الهمداني اليمني المنشأة .
تعرف همدانية سبئية وتكره عينيها على ما تنكرا ولو أنهم إذا نافقوا كان منهم يهوديهم كانوا بذلك أعذرا على أن وجود عبد الله بن سبأ وارتباط السبئية به مما أطبقت عليه المصادر ، فذكرته كتب التاريخ والحديث والطبقات والرجال والأنساب والأدب واللغة ، وجزم بذلك علماء الفرق والمقالات .
فقد نقل القمي المتوفى عام (301ه/913م) أن عبد الله بن سبأ أول من أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة ، وتبرأ منهم وادعى أن علياً أمره بذلك [36] .
وأما الإمام الطبري المتوفى عام (310ه/922م) فقد أفاض في تاريخه في ذكر أخبار ابن سبأ ومكائده معتمداً على روايات الإخباري سيف بن عمر التميمي عن شيوخه [37] .
ويتحدث النوبختي المتوفى عام (310ه/922م) عن أخبار ابن سبأ فيذكر أنه لما بلغ نعي علي بالمدائن قال للذي فعله : كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة ، وأقمت على قتله سبعين عدلاً لعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل ، ولا يموت حتى يملك الأرض [38] .
ويقول أبو حاتم الرازي المتوفى عام (322ه/933م) أن عبد الله بن سبأ ومن قال بقوله من السبئية كانوا يزعمون أن علياً هو الإله ، وأنه يحيى الموتى وادعوا غيبته بعد موته [39] .(5/12)
وأكد ابن عبد ربه المتوفى عام (328ه/939م) أن ابن سبأ وطائفته السبئية قد سلكوا مسلك الغلو في علي حينما قالوا هو الله خالقنا ، كما غلت النصارى في المسيح بن مريم [40] .
ويذكر أبو الحسن الأشعري المتوفى عام (330ه/941م) عبد الله بن سبأ وطائفته من ضمن أصناف الغلاة ، إذ يزعمون أن علياً لم يمت ، وأنه سيرجع إلى الدنيا فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً [41] .
وروى الكشي المتوفى عام 340ه/951م) بسنده إلى أبي جعفر محمد الباقر قوله : إن عبد الله بن سبأ كان يدعي النبوة ، ويزعم أن أمير المؤمنين عليه السلام هو الله تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ، كما روى بسنده إلى علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب : « لعن الله من كذب عليناً ، إني ذكرت عبد الله بن سبأ فقامت كل شعرة في جسدي ، لقد ادعى أمراً عظيماً ، ماله لعنه الله » [42] .
ويقول ابن حبان المتوفى عام (354ه/965م) : « وكان الكلبي محمد ابن السائب الإخباري سبئياً من أصحاب عبد الله بن سبأ ، من أولئك الذين يقولون : إن علياً لم يمت ، وإنه راجع إلى الدنيا قبل قيام الساعة ، وإن رأوا سحابة قالوا : أمير المؤمنين فيها » [43] .
ويقول المقدسي المتوفى عام (355ه/965م) في كتابه « البدء والتاريخ » : إن عبد الله بن سبأ قال عندما بلغه موت علي بن أبي طالب : لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه [44] .
ويكشف الملطي المتوفى عام (377ه/989م) عن عقيدة السبئية فيقول : « ففي عهد علي رضي الله عنه جاءت السبئية إليه وقالوا : أنت أنت ! قال : من أنا ؟ قالوا : الخالق الباريء ، فاستتابهم فلم يرجعوا فأوقد لهم ناراً عظيمة فأحرقهم [45].
ويذكر كبير محدثي الشيعة ابن بابويه القمي المتوفى عام (381ه/991م) موقف ابن سبأ وهو يعترض على علي رضي الله عنه في رفع اليدين إلى السماء أثناء الدعاء [46] .
وفي « مفتاح العلوم » للخوارزمي المتوفى عام (387ه/997م) : « السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ » [47] .(5/13)
وذكر البغدادي المتوفى عام (499ه/1037م) أن فرقة السبئية أظهروا دعوتهم في زمان علي رضي الله عنه فأحرق قوماً منهم ، ونفى ابن سبأ إلى سباط المدائن ، إذ نهاه ابن عباس رضي الله عنهما عن قتله حينما بلغه غلوه فيه ، وأشار عليه بنفيه إلى المدائن حتى لا يختلف عليه أصحابه ، لاسيما وهو عازم على العود إلى قتال أهل الشام [48] .
وقال أبو جعفر الطوسي المتوفى عام (460ه/1067م) إن ابن سبأ رجع إلى الكفر وأظهر الغلو [49] .
ويقول الاسفراييني المتوفى عام (471ه/1078م) إن ابن سبأ قال بنبوة علي في أول أمره ، ثم دعا إلى ألوهيته ، ودعا الخلق إلى ذلك ، فأجابته جماعة إلى ذلك في وقت علي [50] .
ويتحدث الشهرستاني المتوفى عام (548ه/1153م) عن ابن سبأ فيقول : « ومنه انشعبت أصناف الغلاة » [51] .
ويقول أيضاً : إن ابن سبأ أول من أظهر القول بالنص بإمامة علي » [52] .
كما أن كتب الأنساب هي الأخرى تؤكد نسبة السبئية إلى عبد الله بن سبأ ، ومنها كتاب الأنساب للسمعاني المتوفى عام (562ه/1167م) [53] .
وعرّف ابن عساكر المتوفى عام (571ه/1176م) ابن سبأ بقوله : « عبد الله ابن سبأ الذي تنسب إليه السبئية ، وهم الغلاة من الرافضة ، أصله من اليمن ، كان يهودياً وأظهر الإسلام » [54] .
وفي اللباب في تهذيب الأنساب « يذكر ابن الأثير المتوفى عام (630ه/ 1232م) ارتباط السبئية من حيث النسبة بعبد الله بن سبأ » [55] .
وذكر ابن أبي الحديد المتوفى عام (655ه/1257م) في « شرح نهج البلاغة ما نصه : « فلما قتل أمير المؤمنين عليه السلام أظهر ابن سبأ مقالته وصارت له طائفة وفرقة يصدقونه ويتبعونه » [56] .
وذكر السكسكي المتوفى عام (683ه/1284م) أن ابن سبأ وجماعته أول من قالوا بالرجعة إلى الدنيا بعد الموت [57] .(5/14)
ويذكر شيخ الإسلام ابن تيمية المتوفى عام (728ه/1327م) أن أصل الرفض من المنافقين الزنادقة ، فإنه ابتدعه ابن سبأ الزنديق ، وأظهر الغلو في علي بدعوى الإمامة والنص عليه ، وادعى العصمة له » [58] .
وأشار الحسن الحلبي المتوفى عام (740ه/1339م) إلى أن ابن سبأ ضمن أصناف الضعفاء [59] .
وعند الحافظ الذهبي المتوفى عام (748ه/1347م) : « عبد الله بن سبأ من غلاة الشيعة ، ضال مضل » [60] .
أما الصفدي المتوفى عام (764ه/1363م) فقد قال في ترجمته : « عبد الله ابن سبأ رأس الطائفة السبئية ...
فلما قتل علي زعم ابن سبأ أنه لم يمت لأن فيه جزءاً إلهياً ، وابن ملجم إنما قتل شيطاناً تصور بصورة علي ، وأن علياً في السحاب ، والرعد صوته ، والبرق صوته ، وأنه سينزل إلى الأرض » [61] .
ويشير الشاطبي المتوفى عام (790ه/1388م) إلى أن بدعة السبئية من البدع الاعتقادية المتعلقة بوجود إله مع الله تعالى الله وهي بدعة تختلف عن غيرها من المقالات [62] .
ويعرف الجرجاني المتوفى عام (816ه/1413م) عبد الله بن سبأ بأنه رأس الطائفة السبئية ...
وأن أصحابه عندما يستمعون الرعد يقولون : عليك السلام يا أمير المؤمنين » [63] .
وفي خطط المقريزي المتوفى عام (845ه/1441م) أن عبد الله بن سبأ قام في زمن علي رضي الله عنه مُحدثاً القول بالوصية والرجعة والتناسخ [64] .
وسرد الحافظ ابن حجر المتوفى عام (852ه/1448م) في كتابه : « لسان الميزان » عن ابن سبأ أخباراً غير روايات سيف بن عمر ، ثم قال في النهاية : « وأخبار عبد الله بن سبأ شهيرة في التواريخ ، وليس له رواية والحمد لله » [65] .
وفي عقد الجمان للعيني المتوفى عام (855ه/1451م) أن ابن سبأ دخل مصر وطاف في كورها ، وأظهر الأمر بالمعروف ، وتكلم في الرجعة ، وقررها في قلوب المصريين [66] .
وأكد السيوطي المتوفى عام (911ه/1505م) في كتاب « لب الألباب في تحرير الأنساب » نسبة السبئية إلى عبد الله بن سبأ [67] .(5/15)
وتحسن الإشارة إلى أنه لا ينبغي الغض من قيمة المصادر المتأخرة التي ذكرت السبئية ، ذلك أن أصحابها كابن كثير والذهبي وابن حجر والسيوطي وغيرهم من الأئمة الحفاظ ، كانوا يستقون معلوماتهم من مصادر قديمة وقيمة بعضها الآن في عداد المفقود ، كما عرفوا بسعة اطلاعهم ، وغزارة معارفهم وتقصيهم الدقيق للأخبار ، حتى إن الباحث يندهش مثلاً عندما يطلع على كثرة الطرق وتنوعها في رواية ابن حجر لأحداث تاريخية ، ومن مصادر متقدمة كأخبار البصرة لابن شبه ، وكتاب صفين لحيي بن سليمان الجعفي ، والمعرفة والتاريخ للفسوي ، وتاريخ أبي زُرعة الدمشقي ، وغيرها من كتب التاريخ .
وللحوار بقية .
في العدد القادم بإذن الله .
________________________
(*) دورية علمية تصدر عن جامعة الكويت .
(1) المنشور في مجلة الأزهر بدءاً من العدد (5 السنة 63) الصادر في جمادى الأولى عام 1411 هـ .
(2) الهلابي : عبد الله بن سبأ : دراسة للروايات التاريخية عن دوره في الفتنة ، ص 13 .
(3) انظر : العجلي : الثقات ، ص 212 ، وابن حجر : تقريب التهذيب ، ج1 ، ص341 .
(4) يحيى بن حمزة الزيدي : طوق الحمامة (نقلاً عن إحسان إلهي ظهير : السنة والشيعة ، ص 8) ، وابن حجر : لسان الميزان ، ج3 ، ص 280 ، وتهذيب التهذيب ، ج2 ، ص 214 ، قال : (رواه البرقاني في اللفظ) .
(5) ابن عساكر : تاريخ دمشق (المخطوط) ج9 ، ص 331 .
(6) الذهبي : الكاشف ، ج1 ، ص51 ، وابن حجر : التهذيب ، ج1 ، ص 177 .
(7) ابن سعد : الطبقات ، ج6 ، ص 192 .
(8) انظر : الفسوي : المعرفة والتاريخ ، ج2 ص 592 ، والخطيب : تاريخ بغداد ج12 ، ص 227 .
(9) ابن عساكر : المصدر السابق (المخطوط) ، ج9 ص 331 .
(10) انظر : ابن سعد : المصدر السابق ، ج5 ص195 ، وخليفة : الطبقات ، ص 246 .
(11) الفسوي : المصدر السابق ، ج2 ص7658 .
(12) انظر : الذهبي : الكاشف ، ج2 ، ص52 وابن حجر : التقريب ، ج 1 ، ص389 .(5/16)
(13) ابن عساكر : المصدر السابق (المخطوط) ج9 ، ص331 .
(14) انظر : العجلي : المصدر السابق ص110 وابن حبان : الثقات ، ج4 ص92 .
(15) ابن عساكر : المصدر السابق (المخطوط) ج9 ، ص 331 .
(16) انظر : ابن حجر : لسان الميزان ، ج3 ص289 .
(17) ابن عساكر : المصدر السابق (المخطوط) ج9 ، ص331 .
(18) انظر : العجلي : المصدر السابق ص389 ، وابن معين : التاريخ ، ج 2 .
(19) الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآن 3/3/119 .
(20) انظر : ابن قيتبة : المعارف ، ص234 وابن النديم : الفهرست ، ص 105 .
(21) الطبري : تاريخ الرسل ، ج6 ، ص 25 .
(22) الهلابي : المرجع السابق ، ص16 .
(23) أعشى همدان : ديوان ، ص148 .
(24) أبو عمر العدني : كتاب الإيمان ، ص249 .
(25) ابن سعد : المصدر السابق ، ج4 ، ص39 .
(26) انظر : الأشعري : مقالات الإسلاميين ج1 ، ص86 ، والقمي : المقالات والفرق ص119 ، وابن حبان : المجروحين ، ج4 ص253 ، والمقدسي : البدء والتاريخ ج3 ، ص129 .
(27) ابن حبيب : المحبر ، ص308 .
(28) ابن تيمية : منهاج السنة ، ج1 ، ص7 .
(29) الجاحظ : البيان والتبيين ، ج3 ، ص81 .
(30) الجوزجاني : أحوال الرجال ، ص38 .
(31) ابن قتيبة : المعارف ، ص267 .
(32) البلاذري : أنساب الأشراف ، ج3 ص382 .
(33) الناشيء الأكبر : مسائل الإمامة ، ص22 .
(34) الهلابي : المرجع السابق ، ص48 .
(35) المرجع نفسه ، ص 47 .
(36) الفرزدق ، ديوان ، ص242 .
(37) القمي : المصدر السابق ، ص20 .
(38) الطبري : تاريخ الرسل ، ج4 ، ص283 ، 326 ، 331 ، 340 .
(39) التوبختي : فرق الشيعة ، ص 23 .
(40) أبو حاتم الرازي (أحمد بن حمدان) : الزينة في الكلمات الإسلامية ، ص 305 .
(41) ابن عبد ربه : العقد الفريد ، ج2 ص405 .
(42) أبو الحسن الأشعري : المصدر السابق ج1 ، ص85 .
(43) أبو عمر الكشي : الرجال ، ص98 .
(44) المصدر نفسه ، ص 100 .
(45) ابن حبان : المجروحين ، ج2 ، ص253 .(5/17)
(46) المقعسي : المصدر السابق ، ج5 ، ص129 .
(47) الملطي : التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع ، ص18 .
(48) ابن بابويه القمي : من لا يحضره الفقيه ج1 ، ص213 .
(49) الخوارزمي : مفاتيح العلوم ، ص22 .
(50) البغدادي : الفرق بين الفرق ص15 ، 225 .
(51) أبو جعفر الطوسي : تهذيب الأحكام ج2 ، ص322 .
(52) الاسفراييني : التبصير في الدين ، ص108 .
(53) الشهرستاني : الملل والنحل ، ج2 ص116 .
(54) المصدر نفسه ، ج1 ، ص 155 .
(55) السمعاني : الأنساب ، ج7 ، ص24 .
(56) ابن عساكر : المصدر السابق ، ج9 ص328 .
(57) ابن الأثير : اللباب في تهذيب الأنساب ج2 ، ص98 .
(58) ابن أبي الحديد : شرح نهج البلاغة ، ج2 ص99 .
(59) السكسكي : البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان ، ص50 .
(60) ابن تيمية : مجموع الفتاوى ، ج4 ص435 .
(61) المجلسي : الرجال ، ج2 ، ص71 .
(62) الذهبي : المغني في الضعفاء ، ج1 ص339 .
(63) الصفدي : الوافي بالوفيات ، ج17 ص20 .
(64) الشاطبي : الاعتصام ، ج2 ، ص197 .
(65) الجرجاني : التعريفات ، ص79 .
(66) المقريزي : المواعظ والاعتبار ، ج 2ص356 .
(67) ابن حجر : لسان الميزان ، ج3 ، ص290 .
(68) العيني : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان ، 9/1/168 .
(69) السيوطي : لب الألباب في تحرير الأنساب ج1 ، ص132 .
ملحوظة: الهامش (68) و(69) غير مشار إليهما في المقال.
(ماس)
(( مجلة البيان ـ العدد [ 80 ] صـ 32 ربيع الآخر 1415 ـ سبتمبر 1994 ))
عبد الله بن سبأ
في ميزان البحث العلمي
- 2 -
د . محمد آمحزون
تمهيد :
سبق الحديث عن اصل هذه الدراسة وبيان خطأ بعض المنطلقات التي بنى عليها د/عبدالعزيز الهلابي دراسته تلك ، وهي أن ( سيف بن عمر لم ينفرد بالروايات الواردة في ابن سبأ ، إنما سبقه الكثير من المؤرخين والعلماء في مصادر معروفة وأن السبئية ليست للذم والتعيير فقط) ويواصل الأخ الكاتب المزيد من الكشف عن تهافت تلك الدراسة .(5/18)
- البيان -للسبئية منطلقات خطيرة : أما قول الأستاذ الهلابي : إن السبئية لا تعني جماعة معينة لها عقيدة محددة ، بل هي مجرد كلمة تعني الذم والتعيير ، فهذا ينافي الواقع التاريخي لهذه الطائفة التي تزعم أنها هديت لوحي ضل عنه الناس [1] ، ويزعم رئيسها أن القرآن جزء من تسعة أجزاء وعلمه عند علي [2] ، كما أن السبئية يقولون برجعة الإمام وأن الأموات يرجعون إلى الدنيا [3] ، ويقولون بالوصية [4] ، ويسبون الصحابة [5] ، ويزعمون أن علياً دابة الأرض [6] ، وأنه شريك النبي في النبوة بل منهم من يقول بأن محمد -صلى الله عليه وسلم-رسول علي ، يقول ابن حزم عنهم : وهذه الفرقة السبئية باقية إلى اليوم فاشية عظيمة العدد ، منهم كان إسحاق بن محمد النخعي الأحمر الكوفي ، ويقولون : إن محمد -صلى الله عليه وسلم-رسول علي [8] .
وتقول السبئية كذلك بالحلول والتناسخ [9] ، ويعللون اختفاء علي بالغيبة [10] .
ويجزم قتادة بن دعامة السدوسي بأن السبئية كغيرها من الفرق الضالة مثل النصرانية واليهودية ، لها أفكارها ومعتقداتها الخاصة بها ، التي تعد بدعة تتناقض مع جوهر الدين المنزل من عند الله ، يقول : والله إن اليهودية لبدعة وإن النصرانية لبدعة ، وإن الحرورية لبدعة ، وإن السبئية لبدعة مانزل بهن كتاب ولا سنهن نبي [11] .
ومن السبئية المغيرة بن سعيد البجلي الذي قال عنه ابن قتيبة : وأما المغيرة فكان مولى لبجيلة وكان سبئياً [12] .
وقال فيه ابن عدي : لم يكن بالكوفة ألعن من المغيرة بن سعد فيما يروى عنه من الزور عن علي ، هو دائم الكذب على أهل البيت ، ولا أعرف له حديثاً مسنداً [13] .
وجابر بن يزيد الجعفي الذي ذكره ابن حبان في عداد السبئية حيث قال : كان جابر سبئياً من أصحاب عبد الله بن سبأ ، وكان يقول : إن علياً يرجع إلى الدنيا [14] ، وروي عن سفيان بن عيينة أنه يعني جابر كان يقول : علي دابة الأرض [15] .(5/19)
ومنهم أبو النصر محمد بن السائب الكلبي الكوفي الذي قال فيه ابن حبان : وكان الكلبي سبئياً من أصحاب عبد الله بن سبأ [16] .
ويقول عنه الحافظ ابن زريع البصري : رأيت الكلبي يضرب صدره ويقول : أنا سبئي ، أنا سبئي [17] .
وأبعد في الخطأ من الزعم السابق بأن السبئية ليست طائفة لها عقيدة محددة قول الدكتور الهلابي بأن السبئية مجرد كلمة تطلق للتعيير والذم [18] .
وإذا كانت كذلك ، فلابد أن يكون لها أصل في اللغة ، وعند الرجوع إلى معاجم اللغة وجدنا أن سبأ تعني : من حلف على يمين كاذبة غير مكترث بها والخمر اشتراها ليشربها ، والجلد سبأه أي أحرقه [19] .
ولم يقل أحد من علماء اللغة أن السبئية تعني الذم والتعيير ، بل قال صاحب لسان العرب : وسبأ اسم رجل يجمع عامة قبائل اليمن ، وهو اسم مدينة بلقيس باليمن ، والسبأية أو السبئية من الغلاة ، وينسبون إلى عبد الله بن سبأ [20] .
وقال الزبيدي : وسبأ والد عبد الله المنسوبة إليه الطائفة السبئية بالمد كذا في نسختنا ، وصحح شيخنا السبئية بالقصر كالعربية وكلاهما صحيح ، من الغلاة ، جمع غال وهو المتعصب الخارج عن الحد في الغلو من المبتدعة ، وهذه الطائفة من غلاة الشيعة [21] .
رابعاً - موقف الإمام علي من السبئية : يقول الدكتور الهلابي : وهذه الروايات التي تروي بأن السبئية قالت لعلي : أنت خالقنا ورازقنا لا يمكن أن يقبلها المنطق السليم ، إذ لا نعرف أحداً من العرب عبد إنساناً واعتقد أنه هو الخالق الرزاق ، لا في الجاهلية ولا في الإسلام ، بل لا نعرف أن أحداً من المسلمين ارتد عن دين الله ارتداداً صريحاً بعد الردة التي حدثت بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم-مباشرة ...
لماذا يعاقبهم علي بالإحراق في النار وهي عقوبة غير مألوفة لا في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم-ولا في عهد الخلفاء الراشدين قبله ؟ ألا يمكن أن يضربهم بالسياط ليستتيبهم فإن لم يتوبوا قتلهم بالسيف ؟ [22] .(5/20)
إن خبر إحراق علي رضي الله عنه لطائفة من الزنادقة المرتدين تكشف عنه الروايات الصحيحة في كتب الصحاح والسنن والمعاجم ، فقد ذكر الإمام البخاري في كتاب استتابة المرتدين في صحيحه عن عكرمة قال : أتي علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم ، فبلغ ذلك ابن عباس فقال : لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم- : (لا تعذبوا بعذاب الله ، ولقتلتهم لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- : (من بدل دينه فاقتلوه) [23] .
ولفظ الزندقة ليس غريباً عن عبد الله بن سبأ وطائفته ، يقول ابن تيمية : إن مبدأ الرفض إنما كان من الزنديق عبد الله بن سبأ [24] .
ويقول الذهبي : عبد الله ابن سبأ من غلاة الزنادقة ، ضال مضل [25] ، ويقول ابن حجر : عبد الله بن سبأ من غلاة الزنادقة ...
وله أتباع يقال لهم السبئية معتقدون الإلهية في علي بن أبي طالب ، وقد أحرقهم علي بالنار في خلافته [26] ، ويقول في موطن آخر بأن أحد معاني الزندقة الادعاء بأن مع الله إلهاً آخر [27] ، وهذا المعنى قال به ابن سبأ وأتباعه ، وجزم بذلك أصحاب المقالات والفرق والمحدثون والمؤرخون .
وروى خبر الإحراق أيضاً أبو داود في سننه : في كتاب الحدود باب الحكم فيمن ارتد [28] ، والنسائي في سننه : في كتاب الحدود [29] ، والحاكم في المستدرك ، في كتاب معرفة الصحابة [30] ، والطبراني في المعجم الأوسط من طريق سويد بن عقلة أن علياً بلغه أن قوماً ارتدوا عن الإسلام ، فبعث إليهم فأطمعهم ، ثم دعاهم إلى الإسلام فأبوا ، فحفر حفيرة ثم أتى بهم فضرب أعناقهم ورماهم فيها ، ثم ألقى عليهم الحطب فأحرقهم ثم قال : صدق الله ورسوله [31] .(5/21)
وروي من طريق عبد الله بن ثريد العامري عن أبيه قال : قيل لعلي إن هنا قوماً على باب المسجد يدعون أنك ربهم ، فدعاهم فقال لهم : ويلكم ما تقولون ؟ قالوا : أنت ربنا وخالقنا ورازقنا ، فقال : ويلكم إنما أنا عبد مثلكم ، آكل الطعام كما تأكلون ، وأشرب كما تشربون ، إن أطعت الله أثابني إن شاء وإن عصيته خشيت أن يعذبني ، فاتقوا الله وارجعوا ، فأبوا : فلما كان الغد غدوا عليه فجاء قنبر فقال : قد والله رجعوا يقولون ذلك الكلام ، فقال أدخلهم ، فقالوا كذلك فلما كان اليوم الثالث قال : لئن قلتم ذلك لأقتلنكم بأخبث قتلة ، فأبوا إلا ذلك فخد لهم أخدوداً بين باب المسجد والقصر وقال : احفروا فأبعدوا في الأرض وجاء بالحطب فطرحه بالنار في الأخدود وقال : إني طارحكم فيها أو ترجعوا فأبوا أن يرجعوا فقذفهم فيها حتى إذا احترقوا قال : إني إذا رأيت الأمر منكرا أوقدت ناري ودعوت قنبرا قال الحافظ ابن حجر : وهذا سند حسن [32] .
خامساً - سيف بن عمر في الميزان : يتحامل الدكتور الهلابي على الإخباري سيف بن عمر التميمي تحاملاً شديداً ، ويقول بأن سمعته باعتباره محدثاً سيئة للغاية ، فقد حكم أصحاب الجرح والتعديل عليه بالضعف واتهموه بوضع الأحاديث على الثقات وبالزندقة ، كما يتهمه بالتحيز والتعصب ، وأنه عبث بروايات التاريخ الإسلامي ، خصوصا ما له صلة بالفتنة وما تلاها [33] .
والحقيقة أن هذا الكلام مبالغ فيه ، إذ يجب أن نفرق بين سيف بن عمر باعتباره محدثاً من جهة وباعتباره إخبارياً من جهة أخرى ، فالطعن فيه من جهة الحديث وهو أمر صحيح لا ينسحب بالضرورة على الأخبار التي يرويها .
أثنى الحفاظ على سيف بالخبرة والمعرفة في التاريخ ، فقال الحافظ الذهبي : كان إخبارياً عارفاً [34] ، وقال الحافظ ابن حجر : ضعيف في الحديث عمدة في التاريخ [35] .
على أن الحافظ ابن حجر لم يرض باتهامه بالزندقة وقال : أفحش ابن حبان القول فيه [36] .(5/22)
ولسنا ندري كيف يصح اتهامه بذلك وروايته في الفتنة وحديثه جرى بين الصحابة رضوان الله عليهم أبعد ما يكون عن أسلوب الزنادقة ، وكيف يستقيم اتهامه بالزندقة وهو الذي فضح وهتك سر الزنادقة ! ويمكن القول : إن رواية سيف بعيدة كل البعد أن تضعه موضع هذه التهمة ، بل هي تستبعد ذلك ، إذ إن موقفه فيها هو موقف رجال السلف في احترامه للصحابة وتنزيهه لهم عن فعل القبيح ، فقد انتحى جانباً عن أبي مخنف والواقدي فعرض تسلسلاً تاريخياً ليس فيه تهمة للصحابة ، بل يُظْهِر منه حرصهم على الإصلاح وجمع الكلمة ، وهو الحق الذي تطمئن إليه النفوس ، إذ يسير في اتجاه الروايات الصحيحة عند المحدثين .
وإذا كان المحدثون يتساهلون في الرواية عن الضعفاء إن كانت روايتهم تؤيد أحاديث صحيحة موثقة ، فلا بأس إذن من الأخذ بهذا الجانب في التاريخ وجعله معياراً ومقياساً إلى تحري الحقائق التاريخية ومعرفتها ، ومن هذا المنطلق تتخذ الأخبار الصحيحة قاعدة يقاس عليها ما ورد عند الإخباريين مثل سيف والواقدي وأبي مخنف ، فما اتفق معها مما أورده هؤلاء تلقيناه بالقبول ، وما خالفها تركناه ونبذناه .
ومما لا شك فيه أن روايات سيف في أغلبها مرشحة لهذه المعاني ، إذ تتفق وتنسجم مع الروايات الصحيحة المروية عن الثقات فيما يتعلق بوجود ابن سبأ علاوة على أنها صادرة ومأخوذة عمن شاهد تلك الحوادث أو كان قريباً منها .
أما وصف سيف بالتحيز فأمر غير صحيح ، إذ أن تعصب سيف المزعوم ترده أحوال قبيلته بني تميم وموقفها من الفتنة ، فمن المعروف أنهم ممن اعتزل الفتنة مع سيدهم الأحنف بن قيس يوم الجمل [37] ، وبالتالي فإن روايته للفتنة تشكل من خلال مضمونها على العموم مصدراً حيادياً ومطلعاً في آن واحد .(5/23)
سادساً - تحميل روايات سيف ما لا تحتمل : يقول الدكتور الهلابي : وما يهمنا هنا هو الرواية الأولى ، إذ أن سيفاً أراد أن يقول بطريق غير مباشر : إن الخليفة علياً لم ينضم إليه أحد من المهاجرين والأنصار ، وإنما فقط سبعمائة من الكوفيين والبصريين ، ومن يكونون هؤلاء الكوفيين والبصريين في المدينة ؟ لابد أنه يريد أن يقول بطريق غير مباشر أيضاً : إن أنصار الخليفة علي هم قتلة عثمان ، مع العلم أنه ذكر في مكان آخر أن قتلة عثمان من أهل البصرة قتلوا مع حكيم بن جبلة العبدي قبل أن يقدم علي وجيشه البصرة ، فسيف يهدف ضمنياً إلى النيل من الخليفة علي ، وفي الوقت نفسه يريد أن يعارض تلك الروايات التي تبالغ في عدد المشاركين في جيش علي من أهل بدر خاصة والصحابة من المهاجرين والأنصار عامة [38] .
من الملحوظ هنا أن الدكتور الهلابي يحاول جاهداً أن يحمل روايات سيف ما لا تحتمل من المعاني ، ويتجاهل روايات أخرى لا تتفق مع خطه الذي رسمه مسبقاً تجاه سيف ، فيَحْكُم بلا دليل ظاهر على أجزاء من رواياته ويسكت عمداً عن ذكر أجزاء أخرى لأنها تؤدي الغرض من فهم الروايات بالشكل المطلوب ، وهو مع هذا يستعمل عبارات غير علمية وغير دقيقة مثل : أراد أن يقول بطريق غير مباشر ، يهدف ضمنياً .
فمن المآخذ على الدكتور الهلابي أنه نسب إلى سيف ما لم يرو بقوله : ...
إن الخليفة علياً لم ينضم إليه أحد من المهاجرين .
فالشطر الأخير من هذه العبارة مأخوذ من رواية سيف : وخرج معه أي مع علي من نشط من الكوفيين والبصريين متخففين في سبعمائة رجل [39] ، أما الشطر الأول من العبارة : إن الخليفة علياً لم ينضم إليه أحد من المهاجرين والأنصار فهو من استنتاج الدكتور الهلابي .(5/24)
وهذا الاستنتاج ليس في محله ، إذ يتناقض مع ما رواه سيف حول هذا الموضوع ، فقد ذكر أسماء الصحابة من المهاجرين والأنصار الذين انضموا إلى علي ، ومن ذلك قوله فأجابه رجلان من أعلام الأنصار : أبو الهيثم بن التيهان وهو بدري وخزيمة بن ثابت [40] ، وقوله : وأرسل علي الحسن وعماراً بعد ابن عباس ...
[41] ، فلما نزلوا ذي قار دعا علي القعقاع بن عمرو فأرسله إلى البصرة ]42] .
وهؤلاء من المهاجرين ، وقوله : قال الشعبي : بالله الذي لا إله إلا هو ، ما نهض في تلك الفتنة إلا ستة بدريين ما لهم سابع أو سبعة ما لهم ثامن [43] .
والحق أن الصحابة الذين انضموا إلى علي رضي الله عنه أو إلى مخالفيه (طلحة والزبير وعائشة ومعاوية رضي الله عنهم ) لم يكونوا كثرة كما توحي بذلك بعض الروايات التي تبالغ في عدد المشاركين من الصحابة في الفتنة ، وإنما كانوا قلة كما جاءت بذلك الأخبار الصحيحة في كتب الحديث .
روى عبدالرزاق في المصنف والإمام أحمد في المسند بسند صحيح عن محمد بن سيرين قال : هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-عشرات الألوف ، فلم يحضرها منهم مائة ، بل لم يبلغوا ثلاثين [44] .
وروى ابن بطة بإسناده إلى بكير بن الأشج أنه قال : أما إن رجالاً من أهل بدر لزموا بيوتهم بعد قتل عثمان ، فلم يخرجوا إلا إلى قبورهم [45] .
وروى الحافظ ابن عساكر بسنده إلى الحسن البصري أن رجلاً قال لسعد بن أبي وقاص : هذا علي يدعو الناس ، وهذا معاوية يدعو الناس ، وقد جلس عنهم عامة أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فقال سعد : أما وإني لا أحدثك ما سمعت من وراء وراء ، ما أحدثك إلا ما سمعته أذناي ووعاه قلبي ، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-يقول : إن استطعت أن تكون عبد الله المقتول ولا تقتل أحداً من أهل القبلة فافعل [46] .
هذا وإن رواية سيف عن الصحابة الذين شاركوا في الفتنة تسير في هذا الاتجاه ولا تحيد عنه .(5/25)
أما قول الدكتور الهلابي في تساؤلاته : ومن يكونون هؤلاء الكوفيين والبصريين في المدينة ؟ لابد أنه يريد أن يقول سيف بطريق غير مباشر أيضاً إن أنصار الخليفة علي هم قتلة عثمان ، مع العلم أنه ذكر في مكان آخر أن قتلة عثمان من أهل البصرة قتلوا مع حكيم بن جبلة قبل أن يقدم علي وجيشه البصرة [47] .
فصحيحة نسبة القول الأخيرإلى سيف [48] ، لكن العبارة الأولى التي فيها أنه اتهم علياً بأن أنصاره هم قتلة عثمان ، فلم يقل بها سيف إطلاقاً ، ولا ذكرها الإمام الطبري في تاريخه ، وإنما هي من استنتاج الدكتور الهلابي الذي يتقن علم ما وراء السطور ! ولهذا نقول للأستاذ الهلابي : متى كان المنهج العلمي ضرباً من ضروب الاستنتاج العقلي المحض في غياب النصوص والروايات ؟ ! وللإشارة ، فإن أسلوب سيف في روايته لأحداث الفتنة ليس فيه أي نيل أو تجريح لعلي رضي الله عنه بل أثنى عليه بما هو أهله ، إذ نقل عن سعيد بن زيد أنه قال : ما اجتمع أربعة من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-ففازوا على الناس بخير يحوزونه إلا وعلي بن أبي طالب أحدهم [49] .
وذكر أن علياً حين انطلق إلى البصرة في إثر طلحة والزبير وعائشة كان ينوي الإصلاح وجمع الكلمة [50] ، كما أثنى على دور القعقاع بن عمرو رسول علي في تثبيطه أهل الكوفة عن الاشتراك في الفتنة أولاً [51] ، ثم في مساعيه الإصلاحية بين علي ومخالفيه في البصرة ثانياً [52] .
سابعاً - منهج عجيب إزاء الأحاديث النبوية : يقول المؤلف : ومع أني أرجح أن (حديث الحوأب حديث موضوع ...
[53] .(5/26)
فمن الملاحظ هنا أن الدكتور الهلابي يتعامل مع الأحاديث النبوية كما يتعامل مع الروايات التاريخية ، فيقبل ويرفض ، ويعلل ويجرح حسب اجتهاده الشخصي ، مع العلم أن مصطلح الحديث فن جليل وخطير بلغ من الدقة والإحكام أرقى ما يمكن أن تصل إليه الطاقة البشرية ، فأحكامه ومصطلحاته ذات دلالة واضحة ومحددة لا تقبل التلاعب فيها ، ولذلك يكون الحديث إما صحيحاً وإما ضعيفاً وإما موضوعاً ، وفق الموازين النقدية للرواية .
وبما أن الأحاديث هي غير الروايات التاريخية ، فينبغي للتثبت من صحتها أن يتم الرجوع إلى العلماء المختصين في علم الحديث النبوي .
وحديث الحوأب حديث صحيح قال عنه الحافظ ابن كثير : إسناده على شرط الصحيحين [54] ، وقال الحافظ الذهبي : هذا حديث صحيح الإسناد [55] وقال الحافظ بن حجر في الفتح : أخرجه أحمد وأبو يعلى والبزار وصححه ابن حبان والحاكم ، وسنده على شرط الصحيح [56] .
ورواية الحديث كما نقلها الإمام أحمد : (حدثنا عبد الله ، حدثني أبي حدثنا يحيى عن إسماعيل ، حدثنا قيس قال : لما أقبلت عائشة بلغت مياه بني عامر ليلاً ، نبحت الكلاب ، قالت : أي ماء هذا ؟ قالوا : ماء الحوأب ، قالت : ما أظنني إلا راجعة ، فقال بعض من كان معها : بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله عز وجل ذات بينهم ، قالت : إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-قال لها ذات يوم : كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب ! [57] .
ثامناً - الطبري سمى السبئية : يقول الدكتور الهلابي : إن الإمام الطبري لم يسم طائفة عبد الله بن سبأ سبئية، وإنما وضع هذه التسمية سيف بن عمر لتنسجم مع رواياته حول ابن سبأ ودوره في الفتنة [58] .(5/27)
لقد فات المؤلف بأن الإمام الطبري ذكر السبئية في تفسيره جامع البيان عند شرحه لقوله تعالى : [ فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ][ال عمران : 7] ، يقول : وهذه الآية وإن كانت نزلت فيمن ذكرنا أنها نزلت فيه من أهل الشرك ، فإنه معني بها كل مبتدع في دين الله ...
كان من أهل النصرانية أو اليهودية أو المجوسية ، أو كان سبئياً أو حروريا أو قدرياً أو جهمياً ، كالذي قال ص : فإذا رأيتم الذين يجادلون فهم الذين عنى الله فاحذروهم [59] .
تاسعاً - منهج المستشرقين غير مسلم له على الإطلاق : يبدو جلياً أن الدكتور الهلابي تأثر بأفكار بعض المستشرقين الذين لا يقرون بوجود ابن سبأ ، إذ نحا منحاهم في إثارة الشكوك حول شخصيته ويقول : بأن هؤلاء نالوا قصب السبق في إثارة قضية عبد الله بن سبأ [60] .
لكن يا ترى إذا كان المستشرقون قد سبقوا الباحثين العرب إلى دراسة شخصية ابن سبأ ، فهل نحن ملزمون بالتسليم بكل ما كتبوه في هذا الصدد ؟ إن المستشرقين كغيرهم من البشر معرضون لعوامل السهو والخطأ ، ومنهم من يشتط في نظرته ، ويحمل في نفسه من الأهواء والرغبات ما يجعله يفرض آراءه المسبقة على النصوص ، ويتعسف في تأويلها نظراً للعداء التاريخي في نفسه للإسلام والمسلمين .
ثم لا يخفى أن المستشرقين الذين أنكروا وجود السبئية كان هدفهم من ذلك التشكيك والإنكار هو إدعاء أن الفتن إنما هي من عمل الصحابة والمسلمين أنفسهم ، وأن نسبتها إلى اليهود أو الزنادقة هو نوع من الدفاع لجأ إليه الإخباريون والرواة المسلمون ليعلقوا أخطاء هؤلاء الصحابة على عناصر أخرى ، فيقول أحد هؤلاء المستشرقين : بأن ابن سبأ ليس إلا شيئاً في نفس سيف أراد أن يبعد به شبح الفتنة عن الصحابة وإنها إنما أتت من يهودي تستر بالإسلام [61] .(5/28)
عاشراً - ثبوت أخبار ابن سبأ : إذا افترضنا جدلاً أن الروايات والأخبار المتعلقة بابن سبأ غير صحيحة ومن نسج الخيال ، فكيف يعقل أن يسكت عنها العلماء الأقدمون ولا ينتقدوها ، وهم الذين أصّلوا منهجاً علمياً دقيقاً في نقد الرجال وتتبع أحوالهم ! هذا وقد أثبت كثير من العلماء والرواة في كتبهم خبر ابن سبأ ، ولم يُستدرك عليهم في هذا الشأن إلا ما كان من بعض الباحثين المعاصرين الذين أطلقوا لأنفسهم العنان للخوض في هذا الموضوع بغير سند أو أثرة من علم فأساؤوا بذلك إلى أسس البحث العلمي التي يدعون أنهم أهلها بغير دليل .
حادي عشر - رأي بلا مصدر أو دليل : الغريب في الأمر أن الدكتور الهلابي رغم تأكيده على أن شخصية ابن سبأ شخصية وهمية ، فإنه لم يدعم رأيه ولو بمصدر واحد متقدم ينفي وجود عبد الله بن سبأ ، فكيف يكون إذاً صاحب منهج علمي ودراسته قائمة على الآراء والفرضيات ، بينما هي تفتقر أساساً إلى الأدلة العلمية ودعم من المصادر المتقدمة القريبة من هذه الأحداث ؟ ! وفي الختام نقول : إن تشكيك بعض الباحثين المعاصرين في عبد الله بن سبأ، وأنه شخصية وهمية ، وإنكارهم وجوده ، لا يستند إلى الدليل العلمي ولا يعتمد على المصادر المتقدمة ، بل هو مجرد استنتاج يقوم على فرضيات وتخمينات شخصية تختلف بواعثها حسب ميول مُتبنيها واتجاهاتهم .
________________________
(1) أبو عمر المقدسي : كتاب الإيمان ، ص 249 .
(2) الجوزجاني : المصدر نفسه ، ص 38 .
(3) أبو الحسن الأشعري : المصدر نفسه ، ج1 ص 86 .
(4) القمي : المصدر السابق ، ص 20 .
(5) النونحتى : المصدر السابق ، ص 44 .
(6) الذهبي : ميزان الاعتدال ، ج1 ، ص 384 .
(7) الملطي : المصدر السابق ، ص 15 .
(هامش 7 غير مشار إليه في النص - ماس- )(8) ابن حزم : الفصل في الملل والنحل ، ج4 ص 186 .
(9) البغدادي : المصدر السابق ، ص 241 .
(10) الكرماني : الفرق الإسلامية ، ص 34 .(5/29)
(11) الطبري : جامع البيان ، ج6 ، ص 189 .
(12) ابن قتيبة : عيون الأخبار ، ج2 ، ص 149 .
(13) الذهبي : الميزان ، ج4 ، ص 162 .
(14) ابن حبان : المجروحين ، ج1 ، ص 208 .
(15) الذهبي : الميزان ، ج1 ، ص 384 .
(16) ابن حبان : المجروحين ، ج2 ، ص 253 .
(17) ابن حجر : التهذيب ، ج9 ، ص 179 .
(18) الهلابي : المرجع السابق ، ص 46 .
(19) العكبري : المشوف المعلم ؛ وابن منظور : لسان العرب ، ج2 ، ص 77 ؛ والزبيدي : تاج العروس ، ج1 ، ص 75 .
(20) ابن منظور : المصدر السابق ، ج2 ، ص 77 .
(21) الزبيدي : المصدر السابق ، ج1 ، ص 75 .
(22) الهلابي : المرجع السابق ، ص 52 .
(23) أخرجه البخاري في الجامع الصحيح ، كتاب استتابة المرتدين ، ج8 ، ص 50 .
(24) ابن تيمية : مجموع الفتاوى ، ج28 ، ص 483 .
(25) الذهبي : الميزان ، ج2 ، ص 426 .
(26) ابن حجر : لسان الميزان ، ج3 ، ص ص 290 ، 289 .
(27) ابن حجر : الفتح ، ج12 ، ص 270 .
(28) أبو داود : السنن ، كتاب الحدود ، ج4 ، ص 126 .
(29) النسائي : السنن ، كتاب الحدود ، ج7 ، ص 104 .
(30) الحاكم : المستدرك ، كتاب معرفة الصحابة ، ج3 ، ص 538 .
(31) ابن حجر : الفتح ، ج12 ، ص 170 .
(32) ابن حجر : الفتح ، ج12 ، ص 270 .
(33) الهلابي : المرجع السابق ، ص ص 39 ، 40 ، 67 .
(34) الذهبي : الميزان ، ج2 ، ص 255 .
(35) ابن حجر : التقريب ، ج1 ، ص 344 .
(36) المصدر نفسه ، ج1 ، ص 344 .
(37) الطبري : تاريخ الرسل ، ج4 ، ص 498 ، 500 ، 501 .
(38) الهلابي : المرجع السابق ، ص 43 .
(39) الطبري : تاريخ الرسل ، ج4 ، ص 455 .
(40) المصدر نفسه ، ج4 ، ص 447 .
(41) المصدر نفسه ، ج4 ، ص 487 .
(42) المصدر نفسه : ج4 ، ص 488 .
(43) المصدر نفسه ، ج4 ، ص 447 .
(44) رواه عبدالرزاق في المصنف ، ج11 ص357 ؛ وابن كثير عن أحمد في البداية والنهاية ، ج7 ، ص 253 .
(45) ابن شبة : تاريخ المدينة ، ج4 ، ص 1242 .(5/30)
(46) ابن عساكر : المصدر السابق (المطبوع) ، ص 485 ، 486 .
(47) الهلابي : المرجع السابق ، ص 43 .
(48) الطبري : تاريخ الرسل ، ج4 ، ص ص 470 ، 472 .
(49) المصدر نفسه ، ج4 ، ص ص 447 ، 448 .
(50) المصدر نفسه ، ج4 ، ص 471 .
(51) المصدر نفسه ، ج4 ، ص 484 .
(52) المصدر نفسه ، ج4 ، ص ص 487 ، 489 .
(53) الهلابي : المرجع السابق ، ص 43 .
(54) ابن كثير : المصدر السابق ، ج6 ، ص 241 (56) الذهبي : سير أعلام النبلاء ، ج2 ، ص 125 .
(57) ابن حجر : الفتح ، ج13 ، ص 55 .
(58) أحمد : المسند ، ج23 ، ص 137 .
(59) الهلابي : المرجع السابق ، ص 61 .
(60) الطبري : جامع البيان ، 3/3/121 .
(61) الهلابي : المرجع السابق ، ص 58 .
(62) عبدالرحمن بدوي : مذاهب الإسلاميين ج2 ، ص 22 .
(( مجلة البيان ـ العدد [ 81 ] صـ 43 جمادى الأولى 1415 ـ أكتوبر 1994 ))(5/31)
http://arabic.islamicweb.com/shia/history_fitna.htm
أحداث فتنة ابن سبأ اليهودي و تأسيس الديانة الشيعية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله ، ثم أما بعد :-
انتهينا في المقالة السابقة من الرد على حجج منكري وجود ابن سبأ ، و خرجنا بأن هذه الشخصية مهما حاول أعداء الدين من رافضة و مستشرقين و من تشبه بهم من القوم ، أن ينكر وجودها لم يوفق لأن الواقع والتاريخ يكذبه .
واليوم نبدأ مشوارنا ومع دور هذا اليهودي في إشعال نار الفتنة على عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه ، كما وأحب أن أنبه أنه وأثناء الحديث قد لا نتطرق لذكر ابن سبأ في بعض الأحيان ، و هذا لا يعني أنه غير موجود أو أنه ليس له دور ، بل ثبت بالدليل الصحيح الصريح أن اليد الخفية التي كانت تدير المؤامرة و تحرك الفتنة ، هي يد ذلك اليهودي الخبيث عبد الله بن سبأ ، كما وأننا لن نتطرق أيضاً لذكر المآخذ التي أخذت على عثمان بزعم مثيري الفتنة ، و ذلك لأنه ليس هذا مجال ذكرها ، و لعل الله ييسر لنا كتابتها في مقال مستقل مع التعليق عليها إن شاء الله.
نشوء الفتنة :(6/1)
بذور الفتنة : السبب الرئيسي ، رجل يقال له عبد الله بن سبأ : و شهرته ابن السوداء لأن أمه كانت سوداء من الحبشيات . و هو من صنعاء و كان يهودياً من يهود اليمن . أظهر الإسلام و باطنه الكفر ، ثم انتهج التشيع لعلي رضي الله عنه ، و هو الذي تنسب إليه فرقة السبئية الذين قالوا بألوهية علي و خبر إحراق علي بن أبي طالب رضي الله عنه لطائفة منهم تكشف عنه الروايات الصحيحة في كتب الصحاح و السنن و المساند . انظر: المحبَّر لابن حبيب ( ص308 ) . تاريخ الطبري (4/340) . و تاريخ دمشق لابن عساكر (29/3) و كتاب : ابن سبأ حقيقة لا خيال لسعدي مهدي الهاشمي ، و كتاب عبد الله بن سبأ و أثره في أحداث الفتنة في صدر الإسلام لسليمان العودة ، و مقال حقيقة ابن السوداء في جريدة المسلمون للدكتور سليمان العودة ، العدد (652-653) . و خبر إحراقهم عند : أبو داود في سننه (4/520) و النسائي (7/104) و الحاكم في المستدرك (3/538-539) و صححه الألباني في صحيح أبي داود (3/822) .(6/2)
فلما رأى هذا الرجل أن أمر الإسلام بدأ ينتشر بهذه الصورة و بدأ يظهر ، رأى أن هذا الأمر ليس له إلا فتنة من داخله ، و كان بمنتهى الخبث ، فأول ما بدأ ، بدأ بالمدينة ، و كانت المدينة يومها ملأى بالعلماء ، فدُحر بالعلم ، كلما رمى شبهة رُد عليها ، فمن شبهه أنه أظهر بعض العقائد اليهودية ، مثل القول بالرجعة ؛ أي رجعة الرسول صلى الله عليه وسلم و استدل بقوله تعالى :{ إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد} (القصص 85) ، و ذكر تعجبه للناس ممن يصدق برجعة عيسى عليه السلام و يكذب برجعة محمد صلى الله عليه وسلم ، و ما كان قوله هذا إلا وسيلة للوصول إلى ما هو أكبر من ذلك ، حيث قال بعد ذلك برجعة علي رضي الله عنه و أنه سيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ، و هكذا . انظر : عبد الله بن سبأ و دوره في أحداث الفتنة في صدر الإسلام لسليمان العودة (ص208) ، واستشهاد عثمان و وقعة الجمل لخالد الغيث ( ص 70-86 ) .
و للرد عليهم أشير إلى أن الآية التي استدل بها السبئية دليل عليهم ، و قد نقل ابن كثير في تفسيره (3/345) ، أقوال العلماء في ذلك ، فمنهم من يقول : رادك يوم القيامة فيسألك عما استرعاه من أعيان أعباء النبوة . و منهم من يقول : رادك إلى الجنة ، أو إلى الموت ، أو إلى مكة . و قد أورد البخاري عن ابن عباس القول بالرد إلى مكة . البخاري مع الفتح (8/369) و الطبري في التفسير (10/80-81) .
و قد سأل عاصم بن ضمرة (ت74هـ ) الحسن بن علي فيما يزعمه الشيعة بأن علياً رضي الله عنه سيرجع ، فقال : كذب أولئك الكذّابون ، لو علمنا ذلك ما تزوج نساؤه و لا قسمنا ميراثه . المسند (1/148) .(6/3)
و في الطبقات لابن سعد (3/39) . ورد ذكر السبئية و أفكار زعيمها و إن كان لا يشر إلى ابن سبأ بالاسم ، فعن عمرو ابن الأصم قال : ( قيل للحسن بن علي : إن ناساً من شيعة أبي الحسن علي رضي الله عنه يزعمون أنه دابة الأرض و أنه سيبعث قبل يوم القيامة ، فقال : كذبوا ليس أولئك شيعته ، أولئك أعداؤه لو علمنا ذلك ما قسمنا ميراثه و لا أنكحنا نساءه .
ومن أقوال ابن سبأ أيضاً القول بالوصية و الإمامة . يقول الشهرستاني في الملل و النحل (1/174) : إن ابن سبأ هو أول من أظهر القول بالنص بإمامة علي .
ويذكر شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (4/435) : أن أصل الرفض من المنافقين الزنادقة ، فإنه ابتدعه ابن سبأ الزنديق و أظهر الغلو في علي بدعوى الإمامة و النص عليه ، و ادّعى العصمة له .
و في خطط المقريزي (2/356-357) : أن عبد الله بن سبأ قام في زمن علي رضي الله عنه مُحدِثاً القول بالوصية و الرجعة و التناسخ .
و من المحدثين الشيعة الذين ذكروا فكرة الوصي ، محمد بن يعقوب الكليني (ت329هـ) في كتابه الكافي في الأصول ، حيث أورد النص التالي : ولاية علي مكتوبة في جميع صحف الأنبياء ، و لن يبعث الله رسولاً إلا بنبوة محمد صلى الله عليه و آله ، و وصية علي عليه السلام . أنظر : السنة و الشيعة لإحسان إلهي ظهير (ص54 ) .
و هذا الغلو في علي بن أبي طالب رضي الله عنه يعد مصداقاً لما جاء في كتاب السنة لابن أبي عاصم بسند صحيح على شرط الشيخين (2/476-477) ، حيث أخرج من طريق علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : ليحبني قوم حتى يدخلوا النار فيِّ ، و ليبغضني قوم حتى يدخلوا النار في بغضي . وقد علق الشيخ الألباني على هذا الحديث قائلاً : و اعلم أن هذا الحديث موقوف على علي بن أبي طالب ، و لكنه في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه من الغيب الذي لا يعرف بالرأي .(6/4)
و خلاصة ما جاء به ابن سبأ ، أنه أتى بمقدمات صادقة و بنى عليها مبادئ فاسدة راجت لدى السذّج و الغلاة و أصحاب الأهواء من الناس ، و قد طرق باب القرآن يتأوّله على زعمه الفاسد ، كما سلك طريق القياس الفاسد في ادعاء إثبات الوصية لعلي رضي الله عنه بقوله : إنه كان ألف نبي ، و لكل نبي وصي ، و كان علي وصي محمد ثم قال : محمد خاتم الأنبياء و علي خاتم الأوصياء . تاريخ الطبري ( 4/340) من طريق سيف بن عمر .
هنا ابن سبأ لما لم يستطع أن يكسب شخصاً واحداً توجه نحو الشام ، و كانت الشام وقتها يحكمها معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ، فلما توجه إليها لم يستطع أن يكسب و لو رجلاً واحداً إلى صفه ، فترك الشام و توجه نحو الكوفة و إذ هي تموج بالفتن ، و مكاناً خصباً لبث شبهاته . لذلك كان عمر رضي الله عنه ولى عليها المغيرة بن شعبة رضي الله عنه ، حيث كان من أشد الناس ففي أيام عمر ما استطاعت أن تبرز في الكوفة فتنة ، و لما تولى عثمان الخلافة عزل المغيرة و عين بدلاً عنه سعيد بن العاص رضي الله عنه وكان من بني أمية ، فأهل الكوفة اعتبروا ذلك استغلالاً للمنصب ؛ فكثرت الفتن فيها ، فعبد الله بن سبأ وجد أرضاً خصبة للفتن، فاستطاع أن يجمع حوله جماعة ، ثم انتقل إلى البصرة فجمع فيها جماعة أخرى ، و كان عددهم على أقل تقدير عند المؤرخين ستمائة رجل ، و أقصاها ألف رجل ، ثم انتقل إلى مصر و استطاع أن يجمع ما بين ستمائة إلى الألف من الرجال . انظر : استشهاد عثمان و وقعة الجمل من مرويات سيف بن عمر لخالد الغيث (ص72-86) ، حيث أجاد الباحث في تحليل الموقف .(6/5)
و استخدم ابن سبأ كذلك الأعراب ، فذهب إليهم و بدأ يثير عندهم الأكاذيب حول عثمان و يستدل على قوله بكتب مزيفة كتبها هو و أعوانه على ألسنة طلحة و الزبير و عائشة ، فيها التذمر على سياسة عثمان في الحكم ، فصار الأعراب و هم الذين لا يفقهون من دين الله الشيء الكثير ، يتأثرون بهذه الأكاذيب و يصدقونها فملئت قلوبهم على عثمان رضي الله عنه . استشهاد عثمان ( ص 87-99 ) .
بعد ذلك اتجه ابن سبأ إلى هدفه المرسوم ، و هو خروج الناس على الخليفة عثمان رضي الله عنه ، فصادف ذلك هوى في نفوس بعض القوم فقال لهم : إن عثمان أخذ الأمر بغير حق و هذا وصي الرسول صلى الله عليه وسلم ، فانهضوا في هذا الأمر فحركوه ، و ابدؤوا بالطعن في أمرائكم و أظهروا الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر تستميلوا الناس ، و ادعوهم إلى هذا الأمر . تاريخ الطبري (4/341) ، من طريق سيف بن عمر .
و يظهر من هذا النص الأسلوب الذي اتبعه ابن سبأ ، فهو أراد أن يوقع في أعين الناس بين اثنين من الصحابة حيث جعل أحدهما مهضوم الحق و هو علي ، و جعل الثاني مغتصباً و هو عثمان .
ثم إنه أخذ يحضّ أتباعه على إرسال الكتب بأخبار سيئة مفجعة عن مِصرهم إلى بقية الأمصار ، فيتخيل أهل البصرة مثلاً أن حال أهل مصر أسوأ ما يكون من قبل واليهم ، و يتخيل أهل مصر أن حال أهل الكوفة أسوأ ما يكون من قبل واليهم ، و كان أهل المدينة يتلقّون الكتب من الأمصار بحالها و سوئها من أتباع ابن سبأ ، وهكذا يتخيل الناس في جميع الأمصار أن الحال من السوء مالا مزيد عليه ، و المستفيد من هذه الحال هم السبئية ، لأن تصديق ذلك من الناس يفيدهم في إشعال شرارة الفتنة داخل المجتمع الإسلامي . هذا و قد شعر عثمان رضي الله عنه بأن شيئاً ما يحاك في الأمصار و أن الأمة تمخض بشرّ فقال : والله إن رحى الفتنة لدائرة ، فطوبى لعثمان إن مات و لم يحركها . تاريخ الطبري (4/343) ، من طريق سيف بن عمر .(6/6)
روى الترمذي عن ابن عمر قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فقال : يقتل هذا فيها مظلوماً - لعثمان بن عفان - صحيح سنن الترمذي (3/210) و أنظر: فضائل الصحابة للإمام أحمد (1/451) .
و روى الترمذي في سننه (5/628) و ابن ماجة عن كعب بن عجرة قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فقربها ، فمر رجل مقنع رأسه فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا يومئذ على الحق ، فوثبت فأخذت بضبعي عثمان ثم استقبلت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : هذا ؟ قال : هذا . المسند (4/242) و صحيح ابن ماجة (1/24-25) و صحيح سنن الترمذي (3/210) و فضائل الصحابة للإمام أحمد (1/450) .
و الذي حصل أن أهل الفتنة أخذوا يتراسلون فيما بينهم ، فلما رأوا أن عددهم قد كثر تواعدوا على أن يلتقوا عند المدينة في شوال من سنة (35هـ) في صفة الحجاج ، فخرج أهل مصر في أربع رفاق على أربعة أمراء المقلّل يقول ستمائة و المكثر يقول ألف .. و لم يجترئوا أن يعلموا الناس بخروجهم إلى الحرب ، و إنما خرجوا كالحجاج و معهم ابن السوداء ..و خرج أهل الكوفة في عدد كعدد أهل مصر ، و كذا أهل البصرة ، و لما اقتربوا من المدينة شرعوا في تنفيذ مرحلة أخرى من خطتهم ، فقد اتفق أمرهم أن يبعثوا اثنين منهم ليطلعا على أخبار المدينة و يعرفا أحوال أهلها ، ذهب الرجلان فلقيا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم و علياً و طلحة و الزبير ، و قالا : إنما جئنا نستعفي عثمان من بعض عمالنا ، و استأذنا لرفاقهم بالدخول ، فأبى الصحابة ، و قال علي رضي الله عنه : لا آمركم بالإقدام على عثمان فإن أبيتم فبيض سيفرخ . الطبري (4/349-350) ، من طريق سيف بن عمر .(6/7)
تظاهر القوم بالرجوع و هم يبطنون أمراً لا يعلمه الناس ، فوصلت الأنباء إلى أهل المدينة بانصراف أهل الفتنة فهدأ الناس ، و في الليل فوجئ أهل المدينة بأهل الفتنة يدخلون المدينة من كل مكان فتجمعوا في الشوارع و هم يكبرون ، فجاء علي بن أبي طالب و قال : ما شأنكم ؟ لماذا عدتم ؟ فرد عليه الغافقي بأن عثمان غدر بهم ، قال كيف ؟ قال : قبضنا على رسول و معه كتاب من عثمان يأمر فيه الأمراء بقتلنا ، فقال علي لأهل الكوفة و البصرة : و كيف علمتم بما لقي أهل مصر و قد سرتم مراحل ثم طويتم نحونا ، هذا والله أمر أبرم بالمدينة ، و كان أمر الكتاب الذي زوّر على لسان عثمان رضي الله عنه اتخذوه ذريعة ليستحلوا دمه و يحاصروه في داره إلى أن قتلوه رضي الله عنه . و فوق هذا كله فالثائرون يفصحون عن هدفهم ويقولون : ضعوه على ما شئتم ، لا حاجة لنا في هذا الرجل ليعتزلنا و نحن نعتزله . الطبري (4/351) ، من طريق سيف بن عمر .
و علاوة على ذلك هناك ما يؤكد تزوير هذا الكتاب ، إذ ليس هو الكتاب الوحيد الذي يزوّر على لسان الصحابة ، فهذه عائشة رضي الله عنها ، تُتهم بأنها كتبت إلى الناس تأمرهم بالخروج على عثمان فتنفي و تقول : لا والذي آمن به المؤمنون و كفر به الكافرون ما كتبت لهم سواداً في بياض حتى جلست مجلسي هذا . البداية والنهاية (7/195) و انظر ما رواه الطبري من استنكار كبار الصحابة أنفسهم لهذه الكتب في أصح الروايات (4/355) .
و ما تلك اليد الخفية التي كانت تخط وراء الستار لتوقع الفرقة بين المسلمين ، و تضع في سبيل ذلك الكتب على لسان الصحابة و تدبر مكيدة الكتاب المرسل إلى عامل عثمان على مصر ، و تستغل الأمور لتقع الفتنة بالفعل إلا يد ذلك اليهودي الخبيث و أتباعه ، فهم المحركون للفتنة .
--------------------------------------------------------------------------------
حصار عثمان :(6/8)
هنا استشار عثمان كبار الصحابة في أمر التخلي عن الخلافة لتهدأ الفتنة ، و كان المغيرة بن الأخنس قد أشار عليه بالخلع لئلا يقتله الخارجون عليه ، و قد سأل عثمان ابن عمر عن رأي المغيرة فنصحه بأن لا يخلع نفسه و قال له : فلا أرى لك أن تخلع قميصاً قمصكه الله فتكون سنة كلما كره قوم خليفتهم أو أميرهم قتلوه . طبقات ابن سعد (3/66) بإسناد صحيح و رجاله رجال الشيخين ، و تاريخ خليفة (ص170) بإسناد حسن .
و هناك بعض الروايات تفيد أن عثمان رضي الله عنه أرسل إلى الأمصار يطلب منهم العون بعد أن اشتد عليه التضييق و الحصار ، و هذا الخبر لا يصح منه شيء ، لأن منهج عثمان رضي الله عنه كان الصبر و الكف عن القتال امتثالاً لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم له ، و ذلك لحديث عائشة رضي الله عنها كما عند ابن أبي عاصم في السنة (2/561) قالت : لما كان يوم الدار قيل لعثمان : ألا تقاتل ؟ قال : قد عاهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم على عهد سأصبر عليه ، قالت عائشة : فكنا نرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليه فيما يكون من أمره .
لهذا وضع مصلحة الرعية في المقام الأول ، فعندما عرض عليه معاوية أن يبعث إليه بجيش يقيم بين ظهراني أهل المدينة لنائبة إن نابت المدينة أو إياه قال رضي الله عنه : أنا لا أقتر على جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم الأرزاق بجند يساكنهم ، و أضيّق على أهل الهجرة و النصرة ، فقال له معاوية : والله يا أمير المؤمنين لتغتالنّ أو لتغزينّ ، فقال عثمان : حسبي الله ونعم الوكيل . الطبري (4/345) . و حوصر عثمان بعدها في داره .(6/9)
يقول ابن خلدون : إن الأمر في أوله خلافة ، و وازع كل أحد فيها من نفسه هو الدين و كانوا يؤثرونه على أمور دنياهم وإن أفضت إلى هلاكهم وحدهم دون الكافة ، فهذا عثمان لما حصر في داره جاءه الحسن و الحسين و عبد الله بن عمر و ابن جعفر و أمثالهم يريدون المدافعة عنه ، فأبى و منع سلّ السيوف بين المسلمين مخافة الفرقة ، و حفظاً للألفة التي بها حفظ الكلمة و لو أدّى إلى هلاكه . مقدمة ابن خلدون (ص207-208) .
و إلى جانب صبره و احتسابه و حفظاً لكيان الأمة من التمزق و الضياع وقف عثمان رضي الله عنه موقفاً آخر أشد صلابة ، و هو عدم إجابته الخارجين إلى خلع نفسه من الخلافة ؛ فلو أجابهم إلى ما يريدون لسنّ بذلك سنّة ، و هي كلما كره قوم أميرهم خلعوه ، و مما لاشك فيه أن هذا الصنيع من عثمان كان أعظم و أقوى ما يستطيع أن يفعله ، إذ لجأ إلى أهون الشرين و أخف الضررين ليدعم بهذا الفداء نظام الخلافة .
كان الخارجون عليه يطلبون منه ثلاثة أمور كما جاء ذلك عند ابن سعد في الطبقات (3/72-73) ، قال عثمان للأشتر : يا أشتر ما يريد الناس مني ؟ قال : ثلاث ليس لك من إحداهن بدّ ، قال : ما هن ؟ قال : يخيرونك بين أن تخلع لهم أمرهم ، فتقول هذا أمركم فاختاروا من شئتم ، و بين أن تقصّ من نفسك ، فإن أبيت هاتين فإن القوم قاتلوك . قال : أما ما من إحداهن بدّ ؟ قال : لا ، ما من إحداهن بدّ . قال : أما أن أخلع لهم أمرهم ، والله لأن أقدم فتضرب عنقي أحب إليّ من أن أخلع أمة محمد بعضها على بعض ، و أما أن أقص من نفسي فوالله لقد علمت أن صاحبي بين يديّ قد كان يعاقبان و ما يقوم بدّ من القصاص ، و أما أن تقتلوني فوالله لئن قتلتموني لا تحابّون بعدي أبداً و لا تصلون بعدي جميعاً أبداً و لا تقاتلون بعدي عدواً جميعاً أبداً .(6/10)
و لهذا احتج عثمان رضي الله عنه على المحاصرين بقوله : إن وجدتم في كتاب الله - و في رواية - في الحق أن تضعوا رجليَّ في قيد فضعوها . تاريخ خليفة (ص171) و أحمد في فضائل الصحابة (1/492) قال المحقق : إسناده صحيح ، و انظر : الطبقات (3/69-70 ) بلفظ قريب .
و أخرج أحمد في فضائل الصحابة (1/464) و في المسند (1/63) و الترمذي في السنن (4/460-461) و ابن ماجة في السنن (2/847) و أبو داود في سننه (4/640-641) بإسناد حسن أن عثمان رضي الله عنه أشرف على الذين حصروه فقال : علام تقتلوني ! فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث ، رجل زنى بعد إحصانه فعليه الرجم ، أو قتل عمداً فعليه القود ، أو ارتد بعد إسلامه فعليه القتل . فوالله ما زنيت في جاهلية و لا إسلام ، ولا قتلت أحداً فأقيد نفسي منه ، ولا ارتدت منذ أسلمت و إني اشهد ألا إله إلا الله و أن محمداً عبده و رسوله ففيما تقتلوني ؟! .
و ثبت أن عثمان اتخذ موقفاً واضحاً حاسماً يتمثل في عدم المقاومة ، وأنه ألزم به الصحابة فقال : أعزم على كل من رأى عليه سمعاً و طاعة إلا كفّ يده و سلاحه ، فخرج كل من الحسن و الحسين و عبد الله بن عمر و أصر عبد الله بن الزبير على البقاء و معه مروان بن الحكم ، فلما طلب منه ابن الزبير أن يقاتل الخارجين ، قال عثمان : لا والله لا أقاتلهم أبداً . تاريخ خليفة (ص173-174) و مصنف ابن أبي شيبة (15/204) و طبقات ابن سعد (3/70) و كلهم بأسانيد صحيحة .
و ممن أراد القتال دفاعاً عن عثمان الصحابي أبو هريرة و كان متقلداً سيفه ، لكن عثمان لم يأذن له قائلاً : يا أبا هريرة أيسرك أن تقتل الناس جميعاً و إياي ؟ قال : لا ، قال : فإنك والله إن قاتلت رجلاً واحداً فكأنما قُتل الناس جميعاً . قال أبو هريرة : فرجعت و لم أقاتل . الطبقات لابن سعد (3/70) و تاريخ خليفة (ص173) و إسنادهما صحيح .(6/11)
و استمر الحصار عليه رضي الله عنه حتى أنهم منعوا عنه الماء ، فوصل الخبر إلى أمهات المؤمنين فتحركت أم حبيبة رضي الله عنها و كانت من أقارب عثمان ، فأخذت الماء و جعلته تحت ثوبها ، و ركبت البغل و اتجهت نحو دار عثمان ، فدار بينها وبين أهل الفتنة كلام فقال الأشتر كذبت بل معك الماء و رفع الثوب فرأى الماء فغضب و شق الماء ، قال كنانة مولى صفية : كنت أقود بصفية لتردَّ عن عثمان فلقيها الأشتر فضرب وجه بغلتها حتى مالت فقالت : ردوني و لا يفضحني هذا الكلب . التاريخ الكبير للبخاري (7/237) و ابن سعد في الطبقات (8/128) بإسناد صحيح . و كذلك الطبري (4/385-386) .
و في رواية عند الإمام أحمد في فضائل الصحابة من طريق الحسن البصري قال : لما اشتد أمرهم يوم الدار ، قال : قالوا فمن ، فمن ؟ قال : فبعثوا إلى أم حبيبة فجاؤوا بها على بغلة بيضاء و ملحفة قد سترت ، فلما دنت من الباب قالوا : ما هذا ؟ قالوا : أم حبيبة ، قالوا : والله لا تدخل ، فردوها . فضائل الصحابة (1/492) .و قال المحقق إسناده صحيح .
و بعدها خرجت عائشة رضي الله عنه إلى مكة تريد الحج ، و هذا ما يؤيده ابن حجر من أن عائشة كانت بمكة عندما قتل عثمان رضي الله عنه . فتح الباري (13/38) .
و حدثت بعض المناوشات بين شباب الصحابة و الثوار فجرح خلالها بعض الصحابة أمثال الحسن بن علي و غيره ، و هذا الخبر يؤيده ما ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب (3/1387) ، و البخاري في التاريخ الكبير (7/237) ، عن كنانة مولى صفية بنت حيي بن أخطب قال : شهدت مقتل عثمان ، فأخرج من الدار أمامي أربعة من شبان قريش ملطخين بالدم محمولين ، كانوا يدرؤون عن عثمان رضي الله عنه : الحسن بن علي ، و عبد الله بن الزبير ، و محمد بن حاطب ، و مروان بن الحكم .(6/12)
و تتضافر روايات ضعيفة للدلالة على أن عثمان و هو محصور في الدار بعث إلى علي يطلبه ، و أن علياً استجاب لأمره لكنه لم يتمكن من الوصول إلى الدار التي كان العارضون يطوقونها ، فقال علي للثّوار : يأيها الناس إن الذي تفعلون لا يشبه أمر المؤمنين و لا أمر الكافرين فلا تمنعوا عن هذا الرجل الماء و لا الطعام فإن الروم و فارس لتأسر و تطعم و تسقي ، و لكن لم يستطع أن يفعل شيئاً ، فحل عمامته السوداء التي كان يرتديها و رمى بها إلى رسول عثمان ، فحملها الرسول إلى عثمان فعلم عثمان أن علي حاول المساعدة لكنه لم يستطع . مصنف ابن أبي شيبة (15/209) بسند منقطع ، و طبقات ابن سعد (3/68-69) بسند منقطع ، و سند آخر منقطع مع تدليس حبيب بن أبي ثابت ، و الطبري (4/386) ، انظر : عصر الخلافة الراشدة لأكرم العمري ( ص427) .
يوم الدار .. و استمر الحصار على عثمان رضي الله عنه أياماً عديدة قدرها بعض المؤرخين بأنه من أواخر ذي القعدة إلى الثامن عشر من ذي الحجة سنة خمس و ثلاثين ، و كان خلالها في غاية الشجاعة و ضبط النفس رغم قسوة الظروف و رغم الحصار ، و لطالما كان يطل على المحاصرين و يخطب فيهم و يذكرهم بمواقفه لعلهم يلينون ، لكنهم لم يفعلوا .(6/13)
و في يومٍ أشرف عثمان على القوم بعد أن طلبهم للاجتماع حول داره للحديث معهم ، روى الترمذي ، و النسائي من طريق ثمامة بن حَزْن القشيري قال : شهدت الدار حيث أشرف عليهم عثمان فقال : أنشدكم بالله و الإسلام هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَدِمَ المدينة و ليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة فقال من يشتري بئر رومة يجعل دلوه فيها كدلاء المسلمين بخير له في الجنة ؟ فاشتريتها من صلب مالي ؟ قالوا : اللهم نعم . و زاد البخاري ، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من جهز جيش العسرة فله الجنة ، فجهزته قالوا : اللهم نعم . و زاد الترمذي عن أبي إسحاق ، هل تعلمون أن حراء حين انتفض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أثبت حراء فليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد ؟ قالوا : نعم ، و هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير منها في الجنة ؟ فاشتريتها من صلب مالي ، فأنتم اليوم تمنعوني أن أصلي فيها ؟ قالوا : نعم . و عند الدارقطني ، و هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني ابنتيه واحدة بعد أخرى رضي بي و رضي عني ؟ قالوا : نعم . و عند الحاكم ، قال لطلحة : أتذكر إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم : أن عثمان رفيقي في الجنة ؟ قال : نعم . سنن الترمذي (5/627) و النسائي (6/233-236) و الدارقطني (4/197) و المستدرك (3/97) و الفتح (5/477-479) .
و قال أبو هريرة رضي الله عنه للذين حاصروا عثمان رضي الله عنه يوم الدار : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنكم تلقون بعدي فتنة و اختلافاً ، أو قال : اختلافاً و فتنة ، فقال له قائل من الناس : فمن لنا يا رسول الله ؟ فقال : عليكم بالأمين و أصحابه ، و هو يشير إلى عثمان بذلك . أنظر : فضائل الصحابة للإمام أحمد (450-451) و قال المحقق إسناده صحيح .(6/14)
عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه : وددت أن عندي بعض أصحابي ، قلنا : يا رسول الله ألا ندعو لك أبا بكر ؟ فسكت . قلنا : ألا ندعو لك عمر ؟ فسكت . قلنا : ألا ندعو لك عثمان ؟ قال نعم . فجاء فخلا به ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يكلمه ، و وجه عثمان يتغير . أنظر : صحيح سنن ابن ماجة (1/25) و قال الألباني إسناده صحيح .
و عن عائشة رضي الله عنها قالت : لما كان يوم الدار قيل لعثمان : ألا تقاتل ؟ قال : قد عاهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم على عهد سأصبر عليه . قالت عائشة : فكنا نرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليه فيما يكون من أمره . أنظر : كتاب السنة لابن أبي عاصم (2/561) و قال الألباني إسناده صحيح .
و كان أهل الفتنة أثناء حصارهم لعثمان في داره و منعه من الصلاة بالناس ، هم الذين يصلون بهم ، و كان الذي يصلي بالناس الغافقي بن حرب .
أخرج البخاري في صحيحه عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن خيار : أنه دخل على عثمان و هو محصور فقال : إنك إمام عامة ، و نزل بك ما نرى و يصلي لنا إمام فتنة و نتحرج ، فقال : الصلاة أحسن ما يعمل الناس ، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم ، و إذا أساءوا فاجتنب إساءتهم . البخاري مع الفتح (2/221) .
--------------------------------------------------------------------------------
مقتل عثمان :(6/15)
و قبيل مقتله يرى عثمان رضي الله عنه في المنام اقتراب أجله فيستسلم لأمر الله ؛ روى الحاكم بإسناد صحيح إلى ابن عمر رضي الله عنهما أن عثمان أصبح يحدث الناس قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال : يا عثمان ! أفطر عندنا ، فأصبح صائماً و قتل من يومه . المستدرك (3/ 99) و قال هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه ، و وافقه الذهبي و رواه أحمد في فضائل الصحابة من طريق آخر (1/497) قال المحقق : إسناده حسن ، و ورد بلفظ آخر عند ابن حجر في المطالب العالية (4/291) قال المحقق : قال البوصيري رواه البزار و أبو يعلى و الحاكم و قال : صحيح الإسناد ، و ذكره الهيثمي في المجمع (7/232) و صححه الحاكم في المستدرك (3/103) و ذكره ابن سعد في الطبقات(3/75) .
أخرج خليفة بن خياط في تاريخه ( ص 174) بسند رجاله ثقات إلى أبي سعيد مولى أبي أسيد قال : فتح عثمان الباب و وضع المصحف بين يديه ، فدخل عليه رجل فقال : بيني و بينك كتاب الله ، فخرج وتركه ، ثم دخل عليه آخر فقال : بيني و بينك كتاب الله ، فأهوى إليه بالسيف ، فاتقاه بيده فقطعها ، فلا أدري أبانها أم قطعها و لم يبنها ، فقال والله إنها لأول كف خطت المفصّل .(6/16)
هذا ما ورد عن كيفية دخول الثوار على عثمان رضي الله عنه . و يتسور الخوارج عليه داره و تتوزع سيوفهم دماءه الطاهرة ، فأخذ الغافقي حديدة و نزل بها على عثمان رضي الله عنه فضربه بها و رَكَسَ المصحف برجله فطار المصحف و استدار و رجع في حضن عثمان و سال الدم فنزل عند قوله تعالى :{ فسيكفيكهم الله } ( البقرة 138) ، هنا أرادت نائلة زوجة عثمان أن تحميه فرفع سودان السيف يريد أن يضرب عثمان فوضعت يدها لتحميه فقطع أصابعها فولت صارخة تطلب النجدة فضربها في مؤخرتها ، و ضرب عثمان على كتفه فشقه ثم نزل عليه بخنجر فضربه تسع ضربات و هو يقول : ثلاث لله و ست لما في الصدور ، ثم قام قتيرة فوقف عليه بالسيف ثم اتكأ على السيف فأدخله في صدره ثم قام أشقاهم و أخذ يقفز على صدره حتى كسّر أضلاعه ، هنا قام غلمان عثمان بالدفاع عنه و استطاعوا أن يقتلوا كل من سودان و قتيرة ، لكن أهل الفتنة قتلوا الغلمان جميعاً و تركوا جثثهم داخل الدار ، ثم قام جماعة من الصحابة و ذهبوا إلى داره و خرجوا به و دفنوه رضي الله عنه بليل في حش كوكب ، وكانت مقبرة لليهود فاشتراها عثمان ، و هي في ظهر البقيع فدفن فيها و لم يدفن في البقيع لعدم إذن أهل الفتنة ، ثم إنه في عهد معاوية وسع البقيع و أدخل فيه المكان فصار قبر عثمان داخل البقيع . معجم البلدان (2/262) ، انظر هذا الخبر في الطبري (4/412) . و انظر خبر دمه على المصحف في فضائل الصحابة عند أحمد (1/470-473) بإسناد صحيح و تاريخ خليفة (ص188-190) و المطالب العالية (4/286) و موارد الظمآن (7/128) .(6/17)
و يكشف أيضاً عن مقاصد القوم ما ذكره ابن كثير في البداية (7/189) : من أن الخوارج نادى بعضهم بعضاً بعد مقتل عثمان بالسطو على بيت المال ، فسمعهم خزنة بيت المال فقالوا يا قوم النجا ! النجا فإن هؤلاء القوم لم يصدقوا فيما قالوا من أن قصدهم قيام الحق و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و غير ذلك مما ادّعوا أنهم قاموا لأجله ، و كذبوا إنما قصدهم الدنيا . فأخذوا ما به من أموال ثم سطوا على دار عثمان و أخذوا ما به حتى إن أحدهم أخذ العباءة التي كانت على نائلة . تاريخ الطبري (4/391) .
فكانت هذه هي البلوى التي بشره النبي صلى الله عليه وسلم و التي يقتل فيها مظلوماً ، فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطاً ، فجاء رجل يستأذن فقال : ائذن له و بشره بالجنة ، فإذا هو أبو بكر ، ثم جاء آخر يستأذن فقال : ائذن له و بشره بالجنة فإذا هو عمر ، ثم جاء آخر يستأذن ، فسكت هنيهة ثم قال : ائذن له و بشره بالجنة على بلوى تصيبه ، فإذا هو عثمان . و يعقب ابن حجر على ذلك بقوله : إن النبي صلى الله عليه وسلم أشار بالبلوى المذكورة إلى ما أصاب عثمان في آخر خلافته من الشهادة يوم الدار . الفتح (7/38) و (13/55) . و الحديث موجود في البخاري (7/65) و رواه الإمام مسلم في صحيحه برقم ( 6162) و ( 6164) .
فائدة.. قال ابن بطال : إنما خص عثمان بذكر البلاء مع أن عمر قتل أيضاً لكون عمر لم يمتحن بمثل ما امتحن عثمان من تسلط القوم الذين أرادوا منه أن ينخلع من الإمامة بسبب ما نسبوه إليه من الجور و الظلم مع تنصله من ذلك ، و اعتذاره عن كل ما أوردوه عليه ، ثم هجومهم عليه في داره و هتكهم ستر أهله ، و كل ذلك زيادة على قتله . فتح الباري : (13/55) .(6/18)
و قد اختلفت الروايات في تعيين قاتله على الصحيح ، لكن هذا ليس مهماً لأن المشارك كالقاتل و المتسبب كالمباشر ، و إنما المهم هو التعرّف على هوية قاتليه ، فهم غوغاء من الأمصار كما وصفهم الزبير رضي الله عنه ، و هم نزّاع القبائل كما تقول عائشة ، انظر : الطبري (4/461-462) . و هم حثالة الناس متفقون على الشر كما يصفهم ابن سعد في طبقاته (3/71) . و هم خوارج مفسدون و ضالون باغون كما ينعتهم ابن تيمية في منهاج السنة (6/297) .
هذا بالنسبة لمن شارك في الفتنة ، أما بالنسبة لمن تولى قتل عثمان بنفسه فإني أشارك أخي الدكتور خالد الغيث فيما ذهب إليه من كون ابن سبأ هو الذي تولى قتل عثمان رضي الله عنه ، و إليكم تفصيل ذلك : فحسب ما توفرت لدي من روايات ، جاء نعت قاتله بالموت الأسود و حمار، كما عند خليفة بن خياط (ص174-175) ، أو جبلة - الغليظ - كما عند ابن سعد (3/83-84) ، أو جبلة بن الأيهم كما عند ابن عبد البر . الاستيعاب (3/1046) ضمن ترجمة عثمان بن عفان ، و أورده كذلك بنفس للفظ ضمن ترجمة محمد بن أبي بكر (3/1367) . و كلمة الأيهم ما هي إلا زيادة غير مقصودة من ناسخ المخطوطة . و سببها هو اشتهار اسم جبلة بن الأيهم ذلك الأمير الغساني الذي ارتد زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه . و يؤيد ذلك أن راوي الخبر و هو كنانة مولى صفية هو نفسه راوي الروايتين ، أنظر : جمهرة أنساب العرب لابن حزم (372) .
و بدراسة الروايات السابقة اتضح ما يلي :-
أ- أن تلك الروايات لم تسم قاتل عثمان ، بل تذكر اللقب الذي أطلق عليه .
ب- ذكرت إحدى الروايات أن قاتل عثمان يقال له : حمار . و كلمة حمار لعلها تحريف لكلمة جبلة .
و يؤيد ذلك ما قيل بخصوص زيادة كلمة - الأيهم - على اسم جبلة عند راوي الخبر ، و هو كنانة مولى صفية ، لأن راوي خبر لفظة حمار هو كنانة أيضاً . هذا بالإضافة إلى التشابه الموجود في متون تلك الروايات .(6/19)
و مما سبق يلاحظ أن الذي قتل عثمان رضي الله عنه يعد شخصاً واحداً ذا ألقاب عدة ، فهو الموت الأسود ، و هو رجل أسود من أهل مصر يقال له جبلة ، و هو عبد الله بن سبأ - ابن السوداء - الذي جاء إلى المدينة مع وفد مصر . لمزيد من التفصيل في ذلك راجع : استشهاد عثمان و وقعة الجمل في مرويات سيف بن عمر في تاريخ الطبري ، للدكتور : خالد بن محمد الغيث (ص128-130) .
قال محب الدين الخطيب في حاشيته على العواصم (ص73) : الذين شاركوا في الجناية على الإسلام يوم الدار طوائف على مراتب ، فيهم الذين غلب عليهم الغلو في الدين فأكبروا الهنات و ارتكبوا في إنكارها الموبقات ، و فيهم الذين ينزعون إلى عصبية يمنية على شيوخ الصحابة من قريش ، و لم تكن لهم في الإسلام سابقة ، فحسدوا أهل السابقة من قريش على ما أصابوا من مغانم شرعية جزاء جهادهم و فتوحهم ، فأرادوا أن يكون لهم مثلها بلا سابقة ولا جهاد . و فيهم الموتورون من حدود شرعية أقيمت على بعض ذويهم فاضطغنوا في قلوبهم الإحنة و الغل لأجلها ، و فيهم الحمقى الذين استغل السبأيون ضعف قلوبهم فدفعوهم إلى الفتنة و الفساد و العقائد الضالة ، و فيهم من أثقل كاهله خير عثمان و معروفه نحوه ، فكفر معروف عثمان عندما طمع منه بما لا يستحقه من الرئاسة و التقدم بسبب نشأته في أحضانه ، و فيهم من أصابهم من عثمان شيء من التعزير لبوادر بدرت منهم تخالف أدب الإسلام ، فأغضبهم التعزير الشرعي من عثمان ، و لو أنهم قد نالهم من عمر أشد منه لرضوا به طائعين ، و فيهم المتعجلون بالرياسة قبل أن يتأهلوا لها اغتراراً بما لهم من ذكاء خلاب أو فصاحة لا تغذيها الحكمة ، فثاروا متعجلين بالأمر قبل إبانه ، و بالإجمال فإن الرحمة التي جبل عليها عثمان رضي الله عنه وامتلأ بها قلبه أطمعت الكثيرين فيه ، و أرادوا أن يتخذوا من رحمته مطية لأهوائهم .(6/20)
و لمعرفة ما آل إليه مصير من شارك في قتل عثمان رضي الله عنه راجع مقالة : ( تعقيب واستدراك على مقالة مصير عبد الله بن سبأ ) ، و لمعرفة هل لمحمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه يد في قتل عثمان أم هو بريء من ذلك ، راجع مقالة : ( براءة محمد بن أبي بكر الصديق من دم عثمان رضي الله عنه ) . و ذلك حتى تكون الصورة كاملة و واضحة في الأذهان .
و لعله بعد هذا لا يبقى مكان و لا مصداقية للروايات التي تشرك الصحابة رضوان الله عليهم في قتل عثمان و التآمر عليه ، فقد اجتهدوا في نصرته و الذبّ عنه ، و بذلوا أنفسهم دونه ، فأمرهم بالكف عن القتال و قال إنه يحب أن يلقى الله سالماً ولوا أذن لهم لقاتلوا عنه ، فثبتت براءتهم من دمه رضوان الله عليهم كبراءة الذئب من دم يوسف .
و ظهرت حقيقة الأيدي التي كانت تحرك الفتنة ، و التي لطالما دندن الإخباريون الشيعة حولها بأنها أيدي الصحابة ، و لله الحمد فقد حفظت لنا كتب المحِّدثين الروايات الصحيحة و التي يظهر فيها الصحابة من المؤازرين لعثمان و المنافحين عنه المتبرئين من قتله ، و المطالبين بدمه بعد قتله ، و بذلك يستبعد أي اشتراك لهم في تحريك الفتنة أو إثارتها .
و قد يتساءل قارئ أو يقول قائل : كيف قتل عثمان رضي الله عنه و بالمدينة جماعة من كبار الصحابة رضوان الله عليهم ؟ و هو سؤال وضعه ابن كثير في البداية والنهاية (7/197-198) ثم أجاب عنه و قد شاركه المالقي في التمهيد والبيان ( ص 131-132) في الإجابة ، موضحين ما يلي :-(6/21)
أولاً : إن كثيراً من الصحابة أو كلهم لم يكونوا يظنون أن يبلغ الأمر إلى قتله ، فإن أولئك الخوارج لم يكونوا يحاولون قتله عيناً بل طلبوا من أحد أمور ثلاثة : إما أن يعزل نفسه أو يسلم إليهم مروان بن الحكم أو يقتلوه . و كانوا يرجون أن يسلم إليهم مروان – لأتهم يتهمونه بأنه هو الذي كتب الكتاب على لسان عثمان يأمر فيه والي مصر بقتلهم ، و هذا لم يثبت و ليس هناك دليل صحيح - أو أن يعزل نفسه و يستريح من هذه الضائقة الشديدة . و أما القتل فما كان يظن أحد أنه يقع ، و لا أن هؤلاء يجرؤن عليه إلى هذا الحدّ .
ثانياً : إن الصحابة دافعوا عنه ، لكن لما وقع التضييق الشديد عزم عثمان على الناس أن يكفوا أيديهم حقناً لدماء المسلمين ففعلوا ، فتمكن المحاصرون مما أرادوا .
ثالثاً : أن هؤلاء الخوارج اغتنموا غيبة كثير من أهل المدينة في موسم الحج و غيبتهم في الثغور و الأمصار ، و ربما لم يكن في المتبقين من أهل الدينة ما يقابل عدد الخوارج الذين كانوا قريباً من ألفي مقاتل .
رابعاً : إن كبار الصحابة قد بعثوا أولادهم إلى الدار لحماية عثمان رضي الله عنه ، لكن عثمان علم أن في الصحابة قلة عدد و أن الذين يريدون قتله كثير عددهم ، فلو أذن لهم بالقتال لم يأمن أن يتلف من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسببه كثير ، فوقاهم بنفسه إشفاقاً منه عليهم لأنه راع عليهم ، و الراعي يجب عليه أن يحفظ رعيته بكل ما أمكنه ، و مع ذلك فقد علم أنه مقتول فصانهم بنفسه - حقناً لدماء المسلمين- .
خامساً : أنه لما علم أنها فتنة ، و أن الفتنة إذا سلّ فيها السيف لم يؤمن أن يقتل فيها من لا يستحق القتل ، فلم يختر لأصحابه أن يسلوا السيف في الفتنة إشفاقاً عليهم ، و حتى لا تذهب فيها الأموال و يهتك فيها الحريم فصانهم عن جميع هذا .(6/22)
سادساً : يحتمل أن يكون عثمان رضي الله عنه صبر عن الانتصار ليكون الصحابة شهوداً على من ظلمه ، و خالف أمره و سفك دمه بغير حق ، لأن المؤمنين شهداء الله في أرضه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (6/286) : و من المعلوم بالتواتر أن عثمان كان من أكف الناس عن الدماء و أصبر الناس على من نال من عرضه و على من سعى في دمه ، فحاصروه و سعوا في قتله و قد عرف إرادتهم لقتله ، و قد جاءه المسلمون ينصرونه و يشيرون عليه بقتالهم ، و هو يأمر الناس بالكف عن القتال ، و يأمر من يطيعه أن لا يقاتلهم ..و قيل له تذهب إلى مكة فقال : لا أكون ممن الحد في الحرم فقيل له تذهب إلى الشام فقال : لا أفارق دار هجرتي ، فقيل له : فقاتلهم ، فقال : لا أكون أول من خلف محمداً في أمته بالسيف .
فكان صبر عثمان حتى قتل من أعظم فضائله عند المسلمين .
و مما يناسب هذا المقام ذكر كلام الإمام الآجري في كتاب الشريعة (4/1981-1983) عن موقف الصحابة في المدينة من حصار المنافقين لعثمان رضي الله عنه .
قال الآجري : فإن قال قائل : فقد علموا أنه مظلوم وقد أشرف على القتل فكان ينبغي لهم أن يقاتلوا عنه ، و إن كان قد منعهم . قيل له : ما أحسنت القول ، لأنك تكلمت بغير تمييز . فإن قال : ولم ؟ قيل : لأن القوم كانوا أصحاب طاعة ، وفقهم الله تعالى للصواب من القول و العمل ، فقد فعلوا ما يجب عليهم من الإنكار بقولهم و ألسنتهم و عرضوا أنفسهم لنصرته على حسب طاقتهم ، فلما منعهم عثمان رضي الله عنه من نصرته علموا أن الواجب عليهم السمع و الطاعة له ، و إنهم إن خالفوه لم يسعهم ذلك ، و كان الحق عندهم فيما رآه عثمان رضي الله عنه و عنهم . فإن قال : فلم منعهم عثمان من نصرته وهو مظلوم ، و قد علم أن قتالهم عنه نهي عن منكر ، و إقامة حق يقيمونه ؟ قيل له : وهذا أيضاً غفلة منك . فإن قال : وكيف ؟ قيل له : مَنْعه إياهم عن نصرته يحتمل وجوهاً كلها محمودة :-(6/23)
أحدها : علمه بأنه مقتول مظلوم ، لا شك فيه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أعلمه : إنك تقتل مظلوماً فاصبر ، فقال : أصبر . فلما أحاطوا به علم أنه مقتول و أن الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم له حق كما قال لا بد من أن يكون ، ثم علم أنه قد وعده من نفسه الصبر فصبر كما وعد ، وكان عنده أن من طلب الانتصار لنفسه و الذب عنها فليس هذا بصابر إذ وعد من نفسه الصبر ، فهذا وجه .
و وجه آخر : و هو أنه قد علم أن في الصحابة رضي الله عنهم قلة عدد ، و أن الذين يريدون قتله كثير عددهم ، فلو أذن لهم بالحرب لم يأمن أن يتلف من صحابة نبيه بسببه ، فوقاهم بنفسه إشفاقاً منه عليهم ؛ لأنه راع و الراعي واجب عليه أن يحوط رعيته بكل ما أمكنه ، ومع ذلك فقد علم أنه مقتول فصانهم بنفسه ، و هذا وجه .
و وجه آخر : هو أنه لما علم أنها فتنة و أن الفتنة إذا سل فيها السيف لم يؤمن أن يقتل فيها من لا يستحق ، فلم يختر لأصحابه أن يسلوا في الفتنة السيف ، و هذا إنما إشفاقاً منه عليهم هم ، فصانهم عن جميع هذا .
و وجه آخر : يحتمل أن يصبر عن الانتصار ليكون الصحابة رضي الله عنهم شهوداً على من ظلمه و خالف أمره و سفك دمه بغير حق ، لأن المؤمنين شهداء الله عز وجل في أرضه ، و مع ذلك فلم يحب أن يهرق بسببه دم مسلم ولا يخلف النبي صلى الله عليه وسلم في أمته بإهراقه دم مسلم ، و كذا قال رضي الله عنه . فكان عثمان رضي الله عنه بهذا الفعل موفقاً معذوراً رشيداً ، و كان الصحابة رضي الله عنهم في عذر ، و شقي قاتله .(6/24)
و مما سبق نعلم أن منهج عثمان رضي الله عنه أثناء الفتنة و مسلكه مع المنافقين - هذا مصطلح نبوي أطلقه الرسول صلى الله عليه وسلم على الذين خرجوا على عثمان رضي الله عنه ، لحديث ( … فأرادك المنافقون أن تخلع ..الخ ، تقدم تخريجه - ، الذين خرجوا عليه لم تفرضه عليه مجريات الأحداث ، ولا ضغط الواقع ، بل كان منهجاً نابعاً من مشكاة النبوة ، حيث أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبر و الاحتساب و عدم القتال حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً . وقد وفىّ ذو النورين رضي الله عنه بوعده و عهده لرسول الله صلى الله عليه وسلم طوال أيام خلافته ، حتى خرّ شهيداً مضجراً بدمائه الطاهرة الزكية ، ملبياً لدعوة المصطفى صلى الله عليه وسلم بالإفطار عنده . انظر : استشهاد عثمان لخالد الغيث (ص116) بتصرف يسير .
أخرج الإمام أحمد في فضائل الصحابة (1/496-497) بإسناد حسن ، من طريق مسلم أبو سعيد مولى عثمان رضي الله عنه : أن عثمان بن عفان أعتق عشرين مملوكاً ، و دعا سراويل فشدها عليه - حتى لا تظهر عورته عند قتله - و لم يلبسها في جاهلية ولا في إسلام ، قال : إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة في النوم و رأيت أبا بكر و عمر و أنهم قالوا لي : اصبر فإنك تفطر عندنا القابلة ، ..ثم دعا بمصحف فنشره بين يديه ، فقتل وهو بين يديه .
و اعتبرت فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه من أخطر الأحداث التي مرّت بها الدولة الإسلامية في عصر الخلافة الراشدة ، و قد تركت من الاختلاف و الانقسام في صفوف الأمة ما كاد يودي بها ، و قد أعقبها فتن داخلية أخرى تتصل بها و تتفرع عنها و هي موقعة الجمل و صفين و النهروان ، كما استمرت آثارها متمثلة في الخوارج و الشيعة المعارضين للدولة الأموية و العصر الأول من الدولة العباسية خاصة ، بل يمكن أن نعتبر الانقسامات الكبرى الناجمة عن الفتنة مؤثرة في الأمة حتى الوقت الحاضر .(6/25)
و كان مقتل عثمان رضي الله عنه صباحاً ، في يوم الجمعة ، الثاني عشر من ذي الحجة ، سنة خمس و ثلاثين من الهجرة ، و دفن ليلة السبت بين المغرب و العشاء ، بحش كوكب شرقي البقيع ، و هو ابن اثنتين و ثمانين سنة ، على الصحيح المشهور . رحم الله عثمان و رضي عنه . انظر : ابن سعد (3/77-78) و خليفة بن خياط (ص176) و الطبري (4/415-416) و المسند (2/10) و الذهبي في تاريخ الإسلام عهد الخلفاء الراشدين (ص481) و البداية و النهاية لابن كثير (7/190) والاستيعاب لابن عبد البر (3/1044) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
http://arabic.islamicweb.com/shia/ibn_saba_true.htm
إبن سبأ اليهودي مؤسس الديانة الشيعية
بسم الله الرحمن الرحيم
إن من أكبر الفِرَق التي كانت و ما تزال وبالاً و شراً على المسلمين على طول تاريخهم و في جميع مراحل حياتهم ، هي فرقة الشيعة على تعدد طوائفها و اختلاف نحلها ، بدءاً بالسبئية أتباع بعد الله بن سبأ اليهودي ، الذي كان رأساً في إذكاء نار الفتنة والدس بين صفوف المسلمين ، و الذي وصل الأمر بهم إلى تأليه علي رضي الله عنه ، و قبل أن أبدأ بالموضوع لابد من مقدمة توضح الموضوع و تشرح المضمون .
أصل ابن سبأ و منشأه :-
اختلف أصحاب المقالات والتاريخ في هوية عبد الله بن سبأ ، و من ذلك اختلفوا في بلده و قبيلته ، يذكر القلقشندي في قلائد الجمان (ص 39 ) : أن يعرب بن قحطان ولد يشجب ، و ولد ليشجب ( سبأ ) و اسم سبأ هذا عبد شمس ، و قد ملك اليمن بعد أبيه ، و أكثر من الغزو والسبي ، فسمي ( سبأ ) وغلب عليه حتى لم يسم به غيره ، ثم أطلق الاسم على بنيه .. و هم الوارد ذكرهم في القرآن .(6/26)
على أن المصادر التاريخية لا تذكر شيئاً واضحاً عن أصل السبأيين ، و الذي ينتسب إليهم عبد الله بن سبأ ، و من المحتمل أنهم كانوا في الأصل قبائل بدوية تتجول في الشمال ثم انحدرت نحو الجنوب إلى اليمن حوالي ( 800 ق م ) ، و هي عادة العرب في التجوال ، أو نتيجة ضغط الآشوريين عليهم من الشمال ، واستقروا أخيراً في اليمن وأخذوا في التوسع . راجع : محاضرات في تاريخ العرب للدكتور صالح العلي (1/21) .
و منهم من ينسب ابن سبأ إلى ( حمير ) ، و هي قبيلة تنسب إلى حمير بن الغوث بن سعد بن عوف بن مالك بن زيد بن سدد بن حمير بن سبأ الأصغر بن لهيعة بن حمير بن سبأ بن يشجب هو حمير الأكبر ، و حمير الغوث هو حمير الأدنى و منازلهم باليمن بموضع يقال له حمير غربي صنعاء . أنظر : معجم البلدان لياقوت الحموي (2/306) .
ومن الذين قالوا بذلك : ابن حزم في كتابه الفصل في الملل والأهواء ( 5/46) ، حيث يقول : والقسم الثاني من فرق الغالية يقولون بالإلهية لغير الله عز وجل ، فأولهم قوم من أصحاب عبد الله بن سبأ الحميري .
أما البلاذري في أنساب الأشراف (5/240) ، و الأشعري القمي في المقالات والفرق (ص 20) ، والفرزدق في ديوانه ( ص 242-243) فينسبون ابن سبأ إلى قبيلة ( همدان ) ، و همدان بطن من كهلان من القحطانية و هم بنو همدان ابن مالك بن زيد بن أوسلة بن ربيعة بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان ، و كانت ديارهم باليمن من شرقيه . معجم قبائل العرب لرضا كحالة (3/1225) . فهو ( عبد الله بن سبأ بن وهب الهمداني ) كما عند البلاذري ، و ( عبد الله بن سبأ بن وهب الراسبي الهمداني ) كما عند الأشعري القمي ، أما عن الفرزدق فقد ذكر نسبة ابن سبأ إلى همدان في قصيدته التي هجا فيها أشراف العراق و من انضم إلى ثورة ابن الأشعث في معركة دير الجماجم سنة (82هـ ) و يصفهم بالسبئية حيث يقول :
كأن على دير الجماجم منهم حصائد أو أعجاز نخل تقعّرا(6/27)
تَعَرّفُ همدانية سبئية و تُكره عينيها على ما تنكّرا . إلى آخر القصيدة .
و يروي عبد القاهر البغدادي في الفرق بين الفرق ( ص 235) ، أن ابن سبأ من أهل ( الحيرة ) ، قال : إن عبدالله بن السوداء كان يعين السبأية على قولها ، و كان أصله من يهود الحيرة ، فأظهر الإسلام .
و يروي ابن كثير في البداية والنهاية (7/190) ، أن أصل ابن سبأ من الروم ، فيقول : و كان أصله رومياً فأظهر الإسلام و أحدث بدعاً قولية و فعلية قبحه الله .
أما الطبري و ابن عساكر ، فيرويان أن ابن سبأ من اليمن . قال الطبري في تاريخه (4/340) : كان عبدالله بن سبأ يهودياً من أهل صنعاء . و قال ابن عساكر في تاريخ دمشق ( 29/3) : عبد الله بن سبأ الذي ينسب إليه السبئية وهم الغلاة من الرافضة أصله من أهل اليمن كان يهودياً .
و الذي أميل إليه و أرجحه هو : أن ابن سبأ من اليمن ؛ و ذلك أن هذا القول يجمع بين معظم أقوال العلماء في بلد ابن سبأ ، و لو نظرنا في الأقوال السابقة لم مجد تعارضاً بين هذا القول و بين القول الأول الذي ينسب ابن سبأ إلى قبيلة ( حمير ) ، و القول الثاني الذي ينسبه إلى قبيلة ( همدان ) ، إذ القبيلتان من اليمن ، و لم يخالف في أن أصل ابن سبأ من اليمن إلا البغدادي الذي ينسبه إلى ( الحيرة ) ، و ابن كثير الذي ذكر أنه ( رومي ) الأصل .
أما البغدادي فقد اختلط عليه ابن السوداء بابن سبأ ، فظن أنهما شخصان ، يقول : و قد ذكر الشعبي أن عبد الله بن السوداء كان يعين السبأية على قولها .. ثم تحدث عن ابن السوداء و مقالته في علي رضي الله عنه ، إلى أن قال : فلما خشي – أي علي رضي الله عنه – من قتله – أي ابن السوداء – و من قتل ابن سبأ الفتنة التي خافها ابن عباس ، نفاهما إلى المدائن ، فافتتن بهما الرعاع . الفرق بين الفرق ( ص 235) .(6/28)
والذي ذكر أنه من أهل الحيرة هو عبد الله بن السوداء و لم يتعرض لابن سبأ بشيء ، لهذا لا يمكننا أن نجزم بأن البغدادي نسب ابن سبأ المشهور في كتب الفرق و مؤسس فرقة السبأية إلى الحيرة ، فلعله قصد شخصاً آخر غيره ، و مما يدل على أنه لا يعني ابن سبأ ، أنه قال عند حديثه عن عبد الله بن السوداء : ( كان يعين السبأية على قولها ) ، فدل على أنه غير مؤسس السبأية .
أما ابن كثير فلا أعلم أحداً من المؤرخين وأصحاب المقالات وافقه في نسبة ابن سبأ إلى ( الروم ) ، و قد جاء في بعض النسخ المطبوعة من البداية والنهاية كلمة ( ذمياً ) بدل ( رومياً ) أنظر الطبعة الثانية ( 7/173) ، فلعل أصل الكلمة ذمياً و لكن حدث في الكلمة تصحيف من قبل النساخ ، وكون ابن سبأ ذمياً لا ينافي ما تناقله العلماء من كونه يهودياً . و لهذا لا يعارض قوله هذا ما اشتهر نقله في كتب التاريخ والفرق من أن أصل ابن سبأ من اليمن .
فترجح بهذا أن ابن سبأ من اليمن و نحن لا نقطع بنسبته إلى قبيلة معينة لعدم توفر الأدلة على ذلك . و الله أعلم .
و قد اختلف المؤرخون وأصحاب المقالات أيضاً في نسبة ابن سبأ لأبيه ، فمنهم من ينسب ابن سبأ من جهة أبيه إلى ( وهب ) كما عند البلاذري في أنساب الأشراف (5/240) ، و الأشعري القمي في المقالات والفرق ( ص 20) والذهبي في المشتبه في الرجال (1/346) و المقريزي في الخطط (2/356) .(6/29)
أما من قال أنه : ( عبد الله بن وهب الراسبي ) كما هو عند الأشعري القمي في المقالات ( ص 20) ، فلعل ذلك وقع نتيجة الخلط بين عبدالله بن سبأ هذا و بين عبد الله بن وهب الراسبي صاحب الخوارج ، و هناك فرق بين الشخصيتين ما لا يخفى على مطلع ، فعلى حين يكتنف شخصية ابن سبأ الغموض في المنشأ و الممات ، نجد شخصية الراسبي واضحة المعالم ، فهو رأس الخوارج الذين خرجوا على علي رضي الله عنه ، شرح صحيح مسلم للنووي (7/172) ، و هو المقتول في وقعة النهروان ، العبر في خبر من غبر للذهبي (1/44) ، و قبل ذلك فقد عرفت حياته أكثر من ابن سبأ ، فقد شارك في الفتوح – فتوح العراق – وكان مع علي ثم خرج عليه خروجاً صريحاً . أنظر آراء الخوارج لعمار الطالبي (ص 94) .
و مما يؤكد الفرق بين الاسمين ما نص عليه السمعاني في الأنساب (7/24) بقوله : ( عبدالله بن وهب السبئي رئيس الخوارج ، و ظني أن ابن وهب هذا منسوب إلى عبد الله بن سبأ ) .
و هناك من ينسب ابن سبأ من جهة أبيه أيضاً إلى حرب ، كما فعل الجاحظ في البيان والتبيين (3/81) ، و هو ينقل الخبر بإسناده إلى زحر بن قيس قال : ( قدمت المدائن بعد ما ضرب علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه ، فلقيني ابن السوداء و هو ابن حرب .. ) .(6/30)
ومعظم أهل العلم ينسبون ابن سبأ من جهة أبيه إلى سبأ ، فيقولون : ( عبد الله بن سبأ ) ، ومن هؤلاء البلاذري في أنساب الأشراف (3/382) ابن قتيبة في المعارف ( ص 622) و الطبري في التاريخ (4/340) وأبو الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميين (1/86) ، والشهرستاني في الملل والنحل (1/174) ، والذهبي في الميزان ( 2/426) وابن حجر في لسان الميزان (3/290) ، وابن عبد ربه في العقد الفريد (2/405) و شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (28/483) ، وابن حبان في المجروحين ( 2/253) والجوزجاني في أحوال الرجال (ص38) و المقدسي في البدء والتاريخ (5/129) والخوارزمي في مفاتيح العلوم (ص 22) وابن حزم في الفصل في الملل والنحل ( 4/186) و الأسفرايني في التبصرة في الدين ( ص 108 ) وابن عساكر في تاريخ دمشق ( 29/3) ، والسمعاني في الأنساب (7/24) و ابن الأثير في اللّباب (2/98) ، و غيرهم الكثير . و من الرافضة : الناشئ الأكبر في مسائل الإمامة ( ص 22- 23 ) ، و الأشعري القمي في المقالات والفرق ( ص 20 ) و النوبختي في فرق الشيعة (ص 22 ) .
أما نسب ابن سبأ ( لأمه ) فهو من أم حبشية ، كما عند الطبري في التاريخ (4/326-327) و ابن حبيب في المحبر (ص 308 ) ، و لذلك فكثيراً ما يطلق عليه ( ابن السوداء ) ففي البيان والتبيين ( 3/81) : ( ... فلقيني ابن السوداء ) و في تاريخ الطبري ( 4/326) : ( و نزل ابن السوداء على حكيم بن جبلة في البصرة ) ، وفي تاريخ الإسلام للذهبي (2/122) : ( ولما خرج ابن السوداء إلى مصر ) ، و هم بهذا يتحدثون عن عبد الله بن سبأ ، و لذلك قال المقريزي في الخطط ( 2/356) : ( عبد الله بن وهب بن سبأ المعروف بابن السوداء ) ، وابن عساكر في تاريخ دمشق (29/8) من قول علي رضي الله عنه : ( من يعذرني من هذا الحميت الأسود الذي يكذب على الله ورسوله يعني ابن السوداء ) . و مثل هذا كثير ...(6/31)
وكما وقع الخلط والإشكال في نسبة ابن سبأ لأبيه ، وقع الخلط و تصور من غفلوا عن هذه النسبة لأمه ، أن هناك شخصين : ابن سبأ ، وابن السوداء ، ففي العقد الفريد لابن عبد ربه (2/241) : ( .. منهم عبد الله بن سبأ نفاه إلى ساباط ، و عبد الله بن السوداء نفاه إلى الخازر ) .
و يقول الاسفرايني في التبصرة ( ص 108) : ( و وافق ابن السوداء عبد الله بن سبأ بعد وفاة علي في مقالته هذه ) .
ومثل هذا وقع عند البغدادي في الفرق بين الفرق ( ص 235 ) : ( فلما خشي علي من قتل ابن السوداء وابن سبأ الفتنة نفاهما إلى المدائن ) .
والذي يترجح من مناقشة الروايات : أن ابن سبأ غير ابن وهب الراسبي ، وأنه هو نفسه ابن السوداء ، والله أعلم .
و مما يحسن ذكره هنا أيضاً أن ابن سبأ كان أسود اللون ، و هذا يرجح كون أمه من الحبشيات ، ذكر ابن عساكر في تاريخه ( 29/7-8 ) : عن عمار الدهني قال : سمعت أبا الطفيل يقول : رأيت المسيب بن نجبة أتى به ملببة – أي ملازمه - يعني ابن السوداء و علي على المنبر ، فقال علي : ما شأنه ؟ فقال : يكذب على الله وعلى رسوله ، و جاء من طريق زيد بن وهب عن علي قال : ما لي ومال هذا الحميت الأسود ، و من طريق سلمة قال : سمعت أبا الزعراء يحدث عن علي ، قال : ما لي ومال هذا الحميت الأسود ، و جاء أيضاً من طريق زيد قال : قال علي بن أبي طالب : ما لي ولهذا الحميت الأسود ، يعني عبد الله بن سبأ وكان يقع في أبي بكر و عمر .
و يبقى بعد ذلك الأصل اليهودي لابن سبأ ، هل هو محل اتفاق أم تتنازعه الآراء ؟(6/32)
يفترض المستشرق Hodgeson أن ابن سبأ ليس يهودياً في أغلب الاحتمالات ، مشايعاً في ذلك للمستشرق الإيطالي Levi Della Vida الذي يرى أن انتساب ابن سبأ إلى قبيلة عربية هي ( همدان ) كما في نص البلاذري الذي وقف عنده ( ليفي ديلا فيدا ) يمنع من أن يكون يهودياً . و هو كما يقول الدكتور عبد الرحمن بدوي في مذاهب الإسلاميين ( 2/30) : ( استنتاج لا مبرر له ، فليس هناك من تناقض بين أن يكون المرء يهودياً وأن يكون من قبيلة عربية .
وابن قتيبة رحمه الله أشار إلى يهودية بعض القبائل كما في المعارف ( ص 266 ) حيث يقول : ( كانت اليهودية في حمير و بني كنانة و بني الحارث بن كعب و كندة .
و فوق ذلك فإن الاتجاه الغالب في يهود اليمن أن أكثرهم من أصل عربي ، كما قال الدكتور جواد علي في تاريخ العرب قبل الإسلام ( 6/26) .
و مع ذلك فليس مقطوعاً بانتساب ابن سبأ إلى همدان – كما مر معنا – و حتى لو قطع بذلك ، فهل هذا الانتساب لهمدان ، انتساب على الحقيقة أم بالولاء ؟!
و لئن كان هذا الشك في يهودية ابن سبأ عند بعض المستشرقين ، إنما جاء نتيجة اعتراض يقيني بأن ابن سبأ في تصوراته عن المهدي كان متأثراً بالإنجيل أكثر من تأثره بالتوراة ، و هو اعتراض قد يقلل من يهودية ابن سبأ ، إلا أن هذا الاعتراض يضعف حينما نتبين رأي بعض الباحثين في طبيعة اليهودية في بلاد اليمن – في تلك الفترة – وأنها امتزجت فيها المسيحية بالموسوية ، و كانت يهودية سطحية ، وأن يهودية ابن سبأ ربما كانت أقرب إلى يهودية ( الفلاشا ) و هم يهود الحبشة ، و هذه اليهودية شديدة التأثر بالمسيحية الحبشية . مذاهب الإسلاميين لعبد الرحمن بدوي (2/28) .
و هذا الأصل اليهودي لابن سبأ لم يكن محل خلاف في الروايات التاريخية ، أو لدى كتب الفرق ، و في آراء المتقدمين ، أمثال : الطبري وابن عساكر وابن الأثير والبغدادي وابن حزم ، وأمثال شيخ الإسلام ، عليه رحمه الله .(6/33)
--------------------------------------------------------------------------------
سبب الاختلاف في تحديد هوية ابن سبأ :-
لا غرابة أن يحدث هذا الاختلاف الكبير بين أهل العلم في تحديد هوية و نسب ابن سبأ ، فعبد الله بن سبأ قد أحاط نفسه بإطار من الغموض والسرية التامة حتى على معاصريه ، فهو لا يكاد يعرف له اسم ولا بلد ، لأنه لم يدخل في الإسلام إلا للكيد له ، و حياكة المؤامرات والفتن بين صفوف المسلمين ، و لهذا لما سأله عبد الله بن عامر والي البصرة لعثمان بن عفان رضي الله عنه ، قال له : ما أنت ؟ لم يخبره ابن سبأ باسمه و اسم أبيه ، و إنما قال له : إنه رجل من أهل الكتاب رغب في الإسلام و رغب في جوارك . تاريخ الطبري (4/326-327 ) .
و في رأيي أن تلك السرية التامة التي أطبقها ابن سبأ على نفسه سبب رئيسي في اختلاف المؤرخين والمحققين في نسبة ابن سبأ ، و غير مستبعد أن يكون ابن سبأ قد تسمى ببعض هذه الأسماء التي ذكرها المؤرخون ، بل واستعمل بعض الأسماء الأخرى المستعارة لتغطية ما قام به من جرائم و دسائس في صدر الدولة الإسلامية .
نشأة ابن سبأ :-
على ضوء ما تقدم من المعلومات السابقة – في المقال السابق - ، أمكننا الوقوف على الأجواء التي نشأ فيها ابن سبأ ، و نستطيع أن نحدد عدد من النقاط :-
1 - بتغليب الروايات السابقة نجد أن ابن سبأ نشأ في اليمن ، سواء كان من قبيلة حمير أو همدان ، ولا نستطيع الجزم بأيهما .(6/34)
2 – كان لليهود وجود في اليمن ، غير أنه لا نستطيع أن نحدد وقته على وجه الدقة ، و قد رجح بعض الأساتذة أنه يرجع إلى سنة (70م ) و ذلك حينما نزح اليهود من فلسطين بعد أن دمرها الإمبراطور الروماني ( تيتوس ) و حطم هيكل ( أورشليم ) وعلى إثر ذلك تفرق اليهود في الأمصار و وجد بعضهم في اليمن بلداً آمناً فالتجأوا إليه ، و بعد أن استولى الأحباش على اليمن سنة (525م ) بدأت النصرانية تدخل اليمن . اليمن عبر التاريخ لأحمد حسين (ص 158- 159) .
3 – على إثر هذا امتزجت تعاليم ( التوراة ) مع تعاليم ( الإنجيل ) و كانت اليهودية في اليمن يهودية سطحية . مذاهب الإسلاميين لعبد الرحمن بدوي (2/28) .
4 – و لكن اليهودية و إن ضعفت في اليمن بدخول الأحباش فيها ، فإنها بقيت مع ذلك محافظة على كيانها ، فلم تنهزم و لم تجتث من أصولها . تاريخ العرب قبل الإسلام لجواد علي (6/34) .
و لعلنا من خلال تلك الإشارات ، نستطيع أن محدد المحيط الذي نشأ فيه عبد الله بن سبأ ، والبيئة التي صاغت أفكاره ، خاصة في عقيدة ( الرجعة ) و ( الوصية ) حينما قال : ( لعجب ممن يزعم أن عيسى يرجع و يكذب بأن محمداً يرجع ، و قد قال الله عز وجل إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ، فمحمد أحق بالرجوع من عيسى ، و إنه كان ألف نبي و وصي و كان على وصي محمد ، ثم قال : محمد خاتم الأنبياء و علي خاتم الأوصياء .. ) . تاريخ الطبري (4/340) .
على كل حال فهي معلومات ضئيلة لا تروي غليلاً ، ولا تهدي سبيلاً ، و لعل مرد ذلك إلى المصادر التي بين أيدينا ، فهي لا تكاد تبين عن نشأة ابن سبأ ، كما أن المعلومات عن فتوة ابن سبأ قبل ظهوره غير موجودة ، و نحن هنا مضطرون للصمت عما سكت عنه الأولون حتى تخرج آثار أخرى تزيل الغبش و تكشف المكنون .
ظهور ابن سبأ بين المسلمين :-(6/35)
جاء في تاريخ الطبري (4/340) و الكامل لابن الأثير (3/77) و البداية والنهاية لابن كثير(7/167) و تاريخ دمشق لابن عساكر (29/ 7-8 ) و غيرهم من كتب التاريخ ضمن أحداث سنة (35هـ ) : أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً من أهل صنعاء وأنه أسلم زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه ، و أخذ يتنقل في بلاد المسلمين يريد ضلالتهم ، فبدأ بالحجاز ثم البصرة ثم الكوفة ثم بالشام ، فلم يقدر على شيء فيها ، فأتى مصر واستقر بها و وضع لهم عقيدتي الوصية و الرجعة ، فقبلوها منه و كوّن له في مصر أنصاراً ممن استهواهم بآرائه الفاسدة .
لكن أين و متى كان أول ظهور لعبد الله بن سبأ بين المسلمين ؟
جاء في البداية والنهاية لابن كثير (7/183) ضمن أحداث سنة (34هـ ) ، أن عبد الله بن سبأ كان سبب تألب الأحزاب على عثمان . ثم أورده في أحداث سنة (35هـ) مع الأحزاب الذين قدموا من مصر يدعون الناس إلى خلع عثمان . البداية والنهاية (7/190) .
أما الطبري (4/331) وابن الأثير(3/147) فنجد عندهما ذكر لابن سبأ بين المسلمين قبل سنة ( 34هـ ) في الكوفة ، ( فيزيد بن قيس ) ذلك الرجل الذي دخل المسجد في الكوفة يريد خلع عامل عثمان ( سعيد بن العاص ) إنما شاركه وثاب إليه الذين كان ابن السوداء يكاتبهم .
و هذا يعني ظهور ابن سبأ قبل هذا التاريخ ، و تكوين الأعوان الذين اجتمعوا إلى يزيد بن قيس ، و تأكيد ذلك عند الطبري ( 4/326) وابن الأثير(3/144) ، ففي سنة ( 33هـ ) و بعد مضي ثلاث سنين من إمارة بعد الله بن عامر على البصرة يعلم بنزول ابن سبأ على ( حكيم بن جبلة ) و تكون المقابلة بين ابن عامر وابن السوداء والتي ذكرتها في بداية الموضوع .(6/36)
ونستمر في الاستقراء فنجد ظهوراً لابن سبأ بين المسلمين قبل هذا التاريخ ، ففي الطبري (4/283) و ابن الأثير (3/114) ، و ضمن حوادث سنة (30هـ ) يرد ابن السوداء الشام ، و يلتقي بأبي ذر و يهيجه على معاوية – و سنأتي على تحقيق القول في قضية تأثير ابن سبأ على أبي ذر فيما بعد - .
ابن سبأ في الحجاز :-
لما كان ظهور ابن سبأ في الحجاز قبل ظهوره في البصرة والشام ، فلابد أن يكون قد ظهر في الحجاز قبل سنة ( 30هـ ) ، لأن ظهوره في الشام كان في هذا التاريخ ، و في الحجاز لا تكاد تطالعنا الروايات التاريخية على مزيد من التفصيل ، و لعل في هذا دلالة على عدم استقرار أو مكث لابن سبأ في الحجاز ، عدا ذلك المرور في طريقه التخريبي ، لكنه كما يبدو لم يستطع شيئاً من ذلك فتجاوز الحجاز إلى البصرة . تاريخ الطبري ( 4/340-341) .
ظهوره في البصرة :-
و في البصرة كان نزول ابن سبأ على ( حكيم بن جبلة العبدي ) ، و خبره كما ورد في الطبري (4/ 326 ) : ( لما مضى من إمارة ابن عامر ثلاث سنين بلغه أن في عبد القيس رجلاً نازلاً على حكيم بن جبلة ، و كان حكيم رجلاً لصاً إذا قفلت الجيوش خنس عنهم ، فسعى في أرض فارس فيغير على أهل الذمة ، و يتنكر لهم و يفسد في الأرض و يصيب ما يشاء ثم يرجع ، فشكاه أهل الذمة وأهل القبلة إلى عثمان ، فكتب إلى عبد الله بن عامر أن احبسه و من كان مثله فلا يخرج من البصرة حتى تأنسوا منه رشداً ، فحبسه فكان لا يستطيع أن يخرج منها ، فلما قدم ابن السوداء نزل عليه ، و اجتمع إليه نفر فطرح لهم ابن السوداء ولم يصرح ، فقبلوا منه واستعظموه .(6/37)
و بقية خبر الطبري يفيدنا أنه لقي آذاناً صاغية في البصرة ، و إن كان لم يصرح لهم بكل شيء ، فقد قبلوا منه واستعظموه ، و شاء الله أن تحجم هذه الفتنة و يتفادى المسلمون بقية شرها و ذلك حينما بلغ والي البصرة ابن عامر خبر ابن سبأ ، فأرسل إليه و دار بينهما هذا الحوار : ( ما أنت ؟ فأخبره أنه رجل من أهل الكتاب رغب في الإسلام والجوار ، فقال ابن عامر : ما يبلغني ذلك ! اخرج عني ، فأخرجه حتى أتى الكوفة . تاريخ الطبري (4/326-327) .
ظهوره في الكوفة :-
الذي يبدو أن ابن سبأ بعد إخراجه من البصرة وإتيانه الكوفة ، لم يمكث بها طويلاً حتى أخرجه أهلها منها ، كما في بقية خبر الطبري (4/327) : ( فخرج حتى أتى الكوفة ، فأخرج منها فاستقر بمصر و جعل يكاتبهم و يكاتبونه ، و يختلف الرجال بينهم ) .
لكنه وإن كان قد دخل الكوفة ثم أخرج منها سنة ( 33هـ ) ، إلا أن صلته بالكوفة لم تنته بإخراجه ، فلقد بقيت ذيول الفتنة في الرجال الذين بقي يكاتبهم و يكاتبونه . الطبري (4/327) وابن الأثير (3/144) .
ظهوره في الشام :-
في ظهور ابن سبأ في الشام يقابلنا الطبري في تاريخه نصان ، يعطي كل واحد منهما مفهوماً معيناً ، فيفيد النص الأول أن ابن سبأ لقي أبا ذر بالشام سنة (30هـ ) و أنه هو الذي هيجه على معاوية حينما قال له : ( ألا تعجب إلى معاوية ! يقول المال مال الله ، كأنه يريد أن يحتجزه لنفسه دون المسلمين ؟ وأن أبا ذر ذهب إلى معاوية وأنكر عليه ذلك ) . تاريخ الطبري (4/283) .
بينما يفهم من النص الآخر : أن ابن سبأ لم يكن له دور يذكر في الشام ، وإنما أخرجه أهلها حتى أتى مصر ، بقوله : ( أنه لم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام ) تاريخ الطبري (4/340) .(6/38)
و يمكننا الجمع بين النصين في كون ابن سبأ دخل الشام مرتين ، كانت الأولى سنة (30هـ ) ، و هي التي التقى فيها بأبي ذر ، و كانت الثانية بعد إخراجه من الكوفة سنة ( 33هـ ) ، و هي التي لم يستطع التأثير فيها مطلقاً ، و لعلها هي المعنية بالنص الثاني عند الطبري .
كما و يمكننا الجمع أيضاً بين كون ابن سبأ قد التقى بأبي ذر سنة (30هـ ) ، و لكن لم يكن هو الذي أثر عليه و هيجه على معاوية ، و يرجح هذا ما يلي :-
1 - لم تكن مواجهة أبي ذر رضي الله عنه لمعاوية رضي الله عنه وحده بهذه الآراء ، و إنما كان ينكر على كل من يقتني مالاً من الأغنياء ، و يمنع أن يدخر فوق القوت متأولاً قول الله تعالى { والذين يكنزون الذهب والفضة } [التوبة 34]
2 - حينما أرسل معاوية إلى عثمان رضي الله عنه يشكو إليه أمر أبي ذر ، لم تكن منه إشارة إلى تأثير ابن سبأ عليه ، و اكتفى بقوله : ( إن أبا ذر قد أعضل بي و قد كان من أمره كيت و كيت .. ) . الطبري (4/283) .
3 - ذكر ابن كثير في البداية (7/170 ، 180) الخلاف بين أبي ذر ومعاوية بالشام في أكثر من موضع في كتابه السابق ، و لم يرد ذكر ابن سبأ في واحد منها ، و إنما ذكر تأول أبي ذر للآية السابقة .(6/39)
4 - ورد في صحيح البخاري ( 2/111) الحديث الذي يشير إلى أصل الخلاف بين أبي ذر و معاوية ، و ليس فيه أي إشارة لا من قريب ولا من بعيد إلى ابن سبأ ، فعن زيد بن وهب قال : ( مررت بالربذة ، فإذا أنا بأبي ذر رضي الله عنه ، فقلت له ما أنزلك منزلك هذا ؟ قال : كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في { والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله } قال معاوية : نزلت في أهل الكتاب ، فقلت : نزلت فينا و فيهم ، فكان بيني و بينه في ذلك ، و كتب إلى عثمان رضي الله عنه يشكوني ، فكتب إليّ عثمان أن اقدم المدينة ، فقدمتها ، فكثر علي الناس حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك ، فذكرت ذلك لعثمان ، فقال لي : إن شئت تنحيت فكنت قريباً فذاك الذي أنزلني هذا المنزل .. ) .
5 - و في أشهر الكتب التي ترجمت للصحابة ، أوردت المحاورة التي دارت بين معاوية وأبي ذر ثم نزوله الربذة ، و لكن شيئاً من تأثير ابن سبأ على أبي ذر لا يذكر . الاستيعاب لابن عبد البر (1/214) و أسد الغابة لابن الأثير (1/357) والإصابة لابن حجر (4/62) .
6 - وأخيراً فإنه يبقى في النفس شيء من تلك الحادثة ؛ إذ كيف يستطيع يهودي خبيث حتى و لو تستر بالإسلام أن يؤثر على صحابي جليل كان له من فضل الصحبة ما هو مشهود .
ظهور ابن سبأ في مصر :-(6/40)
على ضوء استقراء النصوص السابقة ، يكون ظهور ابن سبأ في مصر بعد خروجه من الكوفة ، و إذا كان ظهوره في البصرة سنة ( 33هـ ) ، ثم أخرج منها إلى الكوفة ، و من الكوفة استقر بمصر ، فإن أقرب توقيت لظهور ابن سبأ في مصر يكون في سنة ( 34هـ ) ، لأن دخوله البصرة و طرحه لأفكاره فيها و تعريجه على الكوفة ثم طرده منها ، واتجاهه بعد ذلك إلى مصر .. كل هذا يحتاج إلى سنة على الأقل ، و يؤكد هذا ابن كثير في البداية والنهاية (7/284) ، فيضع ظهور ابن سبأ في مصر ضمن أحداث سنة (34هـ ) ، و تابعه في ذلك السيوطي أيضاً في حسن المحاضرة (2/164) ، حيث أشار إلى دخول ابن سبأ مصر في هذا التاريخ .
--------------------------------------------------------------------------------
عبد الله بن سبأ حقيقة أم خيال؟
إن تشكيك بعض الباحثين المعاصرين في عبد الله بن سبأ وأنه شخصية وهمية وإنكارهم وجوده لا يستند إلى الدليل العملي ، ولا يعتمد على المصادر المتقدمة ، بل هو مجرد استنتاج يقوم على أراء وتخمينات شخصية تختلف بواعثها حسب ميول واتجاهات متبنيها ، ويمكن القول إن الشكاك والمنكرين لشخصية ابن سبأ هم طائفة من المستشرقين ، وفئة من الباحثين العرب ، وغالبية الشيعة المعاصرين .
ومن العجب أن هؤلاء المستشرقين وذيولهم من الرافضة والمستغربين في عصرنا أنكروا شخصية عبد الله بن سبأ ، وأنه شخصية وهمية لم يكن لها وجود ، فأين بلغ هؤلاء من قلة الحياء والجهل ، وقد ملأت ترجمته كتب التاريخ والفرق ، وتناقلت أفعاله الرواة وطبقت أخباره الآفاق .(6/41)
لقد اتفق المؤرخون والمحدثون وأصحاب كتب الفرق والملل والنحل والطبقات والأدب والأنساب الذين تعرضوا للسبئية على وجود شخصية عبد الله بن سبأ الذي ظهر في كتب أهل السنة - كما ظهر في كتب الشيعة - شخصية تاريخية حقيقية. و لهذا فإن أخبار الفتنة ودور ابن سبأ فيها لم تكن قصرا على تاريخ الإمام الطبري و استنادا إلى روايات سيف بن عمر التميمي فيه ، و إنما هي أخبار منتشرة في روايات المتقدمين و في ثنايا الكتب التي رصدت أحداث التاريخ ألإسلامي ، و آراء الفرق و النحل في تلك الفترة ، إلا أن ميزة تاريخ الإمام الطبري على غيره أنه أعزرها مادة وأكثرها تفصيلا لا أكثر. و لهذا كان التشكيك في هذه الأحداث بلا سند وبلا دليل ، إن يعني الهدم لكل تلك الأخبار ، والتسفيه بأولئك المخبرين والعلماء ، وتزييف الحقائق التاريخية .
فمتى كانت المنهجية ضربا من ضروب الاستنتاج العقلي المحض في مقابل النصوص الروايات المتضافرة؟ و هل تكون المنهجية في الضرب صفحاً و الإعراض عن المصادر الكثيرة المتقدمة و المتأخرة التي أثبتت لابن سبأ شخصية واقعية!
و في ما يلي ذكر عدد من المحاور والتي تدور حول ورود أي ذكر لعبد الله بن سبأ أو السبئية – طائفته - في الكتب والمصادر المتقدمة ( السنية والشيعية ، المتقدمة منها والمعاصرة ) ؛ لأن ورود أي ذكر للسبئية دليل على انتسابها له ، و هذا دليل بدوره على وجود ابن سبأ في الحقيقة ، مع الرد على محاولات التشكيك في وجود عبد الله بن سبأ ، و ما ينسب إليه من أعمال ، و سأتّبع فيه الترتيب الزمني للأحداث :-
أولاً : من أثبت وجود عبد الله بن سبأ من الفرقين :
أ – عبد الله بن سبأ عند أهل السنة :-
1 - جاء ذكر السبئية على لسان أعشى همدان ( ت 84هـ ) في ديوانه (ص 148) و تاريخ الطبري (6/83) و قد هجى المختار بن أبي عبيد الثقفي و أنصاره من أهل الكوفة بعدما فرّ مع أشراف قبائل الكوفة إلى البصرة بقوله :(6/42)
شهدت عليكم أنكم سبئية * و أني بكم يا شرطة الكفر عارف
2 - و جاء ذكر السبئية في كتاب الإرجاء للحسن بن محمد بن الحنفية (ت95هـ ) – راجع كتاب ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي للدكتور سفر الحوالي (1/345- 361) ، حيث تحدث عن معنى الإرجاء المنسوب للحسن ، و ذكر كلام أهل العلم في ذلك فليراجع للأهمية – ما يلي : ( و من خصومة هذه السبئية التي أدركنا ، إذ يقولون هُدينا لوحي ضل عنه الناس ) . رواه ابن أبي عمر العدني في كتاب الإيمان ( ص 249) .
3 - و هناك رواية عن الشعبي ( ت 103هـ ) ذكرها ابن عساكر في تاريخه (29/7) ، تفيد أن : ( أول من كذب عبد الله بن سبأ ) .
4 - و هذا الفرزدق (شيعي الولاء سني المذهب) ( ت 116هـ ) يهجو في ديوانه ( ص 242-243) ، أشارف العراق ومن انضم إلى ثورة عبد الرحمن بن الأشعث في معركة دير الجماجم ، و يصفهم بالسبئية ، حيث يقول :
كأن على دير الجماجم منهم * حصائد أو أعجاز نخل تَقَعّرا
تَعَرّفُ همدانية سبئية * و تُكره عينيها على ما تنكرا
رأته مع القتلى و غيّر بعلها * عليها تراب في دم قد تعفّرا
أراحوه من رأس وعينين كانتا * بعيدن طرفا بالخيانة أحزرا
من الناكثين العهد من سبئية * وإما زبيري من الذئب أغدرا
ولو أنهم إذ نافقوا كان منهم * يهوديهم كانوا بذلك أعذرا
و يمكن الاستنتاج من هذا النص أن السبئية تعني فئة لها هوية سياسية معنية و مذهب عقائدي محدد بانتمائها إلى عبد الله بن سبأ اليهودي المعروف ، صاحب المذهب .
5 - و قد نقل الإمام الطبري في تفسيره (3/119) رأياً لقتادة بن دعامة السدوسي البصري ( ت 117هـ ) ، في النص التالي : { فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون م تشابه منه ابتغاء الفتنة } [آل عمران 7] ، و كان قتادة إذا قرأ هذه الآية قال : ( إن لم يكونوا الحرورية والسبئية فلا أدري ) .(6/43)
6 - وفي الطبقات الكبرى لابن سعد ( ت 230هـ ) ورد ذكر السبئية وأفكار زعيمها وإن لم يشر إلى ابن سبأ بالاسم . الطبقات (3/39) .
7 – و جاء عند ابن حبيب البغدادي ( ت 245هـ ) في المحبر ( ص 308) ، ذكر لعبد الله بن سبأ حينما اعتبره أحد أبناء الحبشيات .
8 - كما روى أبو عاصم خُشيش بن أصرم ( ت 253هـ ) ، خبر إحراق علي رضي الله عنه لجماعة من أصحاب ابن سبأ في كتابه الاستقامة . أنظر : منهاج السنة لابن تيمية ( 1/7) .
9 - و جاء في البيان والتبيين (3/81) للجاحظ (من كبار زعماء المعتزلة) ( ت 255هـ ) ، إشارة إلى عبد الله بن سبأ .
و خبر إحراق علي بن أبي طالب رضي الله عنه لطائفة من الزنادقة تكشف عنه الروايات الصحيحة في كتب الصحاح والسنن و المساند . أنظر على سبيل المثال : سن أبي داود (4/126) والنسائي (7/104) و الحاكم في المستدرك (3/538) .
10 - فقد ذكر الإمام البخاري ( ت 256هـ ) في كتاب استتابة المرتدين من صحيحه ( 8/50) عن عكرمة قال : ( أتي علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم ، فبلغ ذلك ابن عباس فقال : لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تعذبوا بعذاب الله ) ، و لقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من بدل دينه فاقتلوه ) .
ومن الثابت تاريخياً أن الذين حرقهم علي رضي الله عنه هم أتابع عبد الله بن سبأ حينما قالوا بأنه الإله .
11 - ذكر الجوزجاني ( ت 259هـ ) في أحوال الرجال ( ص 38) أن السبئية غلت في الكفر فزعمت أن علياً إلهاً حتى حرقهم بالنار إنكاراً عليهم واستبصاراً في أمرهم حين يقول :
لما رأيت الأمر أمراً منكرا أججت ناري و دعوت قنبرا .
12 - و يقول ابن قتيبة ( 276هـ ) في المعارف ( ص 267) : ( السبئية من الرافضة ينسبون إلى عبد الله بن سبأ ) . و في تأويل مختلف الحديث ( ص 73) يقول : ( أن عبد الله بن سبأ ادّعى الربوبية لعلي ، فأحرق علي أصحابه بالنار .(6/44)
13 - و يذكر البلاذري ( ت 279هـ ) ابن سبأ من جملة من أتوا إلى علي رضي الله عنه يسألونه من رأيه في أبي بكر و عمر ، فقال : أو تفرغتم لهذا . أنساب الأشراف ( 3/382) .
14 – و يعتبر الإمام الطبري ( ت 310هـ ) من الذي أفاضوا في تاريخهم من ذكر أخبار ابن سبأ معتمداً في ذلك على الإخباري سيف بن عمر . تاريخ الطبري ( 4/283 ، 326 ، 331 ، 340 ، 349 ، 398 ، 493 – 494 ، 505 ) .
15 - وأكد ابن عبد ربه ( ت 328هـ ) أن ابن سبأ و طائفته السبئية قد غلوّ في علي حينما قالوا : هو الله خالقنا ، كما غلت النصارى في المسيح ابن مريم عليه السلام . العقد الفريد ( 2/405) .
16 - و يذكر أبو الحسن الأشعري ( ت 330هـ ) في مقالات الإسلاميين (1/85) عبد الله بن سبأ وطائفته من ضمن أصناف الغلاة ، إذ يزعمون أن علياً لم يمت ، و أنه سيرجع إلى الدنيا فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً .
17 - و يذكر ابن حبان ( ت 354هـ ) في كتاب المجروحين ( 2/253) : ( أن الكلبي سبئياً من أصحاب عبد الله بن سبأ ، من أولئك الذين يقولون : إن علياً لم يمت ، وإنه راجع إلى الدنيا قبل قيام الساعة ) .
18 – يقول المقدسي ( ت 355هـ ) في كتابه البدء والتاريخ ( 5/129) : ( إن عبد الله بن سبأ قال للذي جاء ينعي إليه موت علي بن أبي طالب : لو جئتنا بدماغه في صرة لعلمنا أنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ) .
19 - و يذكر الملطي ( ت 377هـ ) في كتابه التنبيه و الرد على أهل الأهواء و البدع ( ص 18) فيقول : ( ففي عهد علي رضي الله عنه جاءت السبئية إليه وقالوا له : أنت أنت !! ، قال : من أنا ؟ قالوا : الخالق البارئ ، فاستتابهم ، فلم يرجعوا ، فأوقد لهم ناراً عظيمة وأحرقهم .
20 - و ذكر أبو حفص ابن شاهين ( ت 385هـ ) أن علياً حرّق جماعة من غلاة الشيعة ونفى بعضهم ، و من المنفيين عبد الله بن سبأ . أورده ابن تيمية في منهاج السنة (1/7) .(6/45)
21 - و يذكر الخوارزمي ( ت 387هـ ) في كتابه مفاتيح العلوم (ص 22 ) ، أن السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ .
22 - و يرد ذكر عبد الله بن سبأ عند الهمذاني ( ت 415هـ ) في كتابه تثبيت دلائل النبوة (3/548) .
23 - و ذكر الغدادي ( ت 429هـ ) في الفرق بين الفرق ( ص 15 و ما بعدها ) : أن فرقة السبئية أظهروا بدعتهم في زمان علي رضي الله عنه فأحرق قوماً منهم و نفى ابن سبأ إلى سباط المدائن إذ نهاه ابن عباس رضي الله عنهما عن قتله حينما بلغه غلوه فيه وأشار عليه بنفيه إلى المدائن حتى لا تختلف عليه أصحابه ، لاسيما و هو عازم على العودة إلى قتال أهل الشام .
24 - و نقل ابن حزم ( ت 456هـ ) في الفصل في الملل والنحل ( 4/186) : ( و القسم الثاني من الفرق الغالية الذين يقولون بالإلهية لغير الله عز وجل فأولهم قوم من أصحاب عبد الله بن سبأ الحميري لعنه الله ، أتوا إلى علي بن أبي طالب فقالوا مشافهة : أنت هو ، فقال لهم : ومن هو ؟ فقالوا : أنت الله ، فاستعظم الأمر و أمر بنار فأججت وأحرقهم بالنار ) .
25 - يقول الأسفرايني ( ت 471هـ ) في التبصرة في الدين ( ص 108) : ( إن ابن سبأ قال بنبوة علي في أول أمره ، ثم دعا إلى ألوهيته ، و دعا الخلق إلى ذلك فأجابته جماعة إلى ذلك في وقت علي ) .
26 - و يتحدث الشهرستاني ( ت548هـ ) في الملل والنحل (2/116، 155) عن ابن سبأ فيقول : ( و منه انشعبت أصناف الغلاة ) ، و يقول في موضع آخر : ( إن ابن سبأ هو أول من أظهر القول بالنص بإمامة علي ) .
27 – و ينسب السمعاني ( ت 562هـ ) في كتابه الأنساب ( 7/24) السبئية إلى عبد الله بن سبأ .
28 - و ترجم ابن عساكر ( ت 571هـ ) في تاريخه ( 29/3) لأبن سبأ بقوله : عبد الله بن سبأ الذي تنسب إلى السبئية ، و هم الغلاة من الرافضة ، أصله من اليمن ، و كان يهودياً وأظهر الإسلام .(6/46)
29 - و يقول نشوان الحميري ( ت 573هـ ) في كتابه الحور العين ( ص 154) : ( فقالت السبئية إن علياً حي لم يمت ، ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ، و يردّ الناس على دين واحد قبل يوم القيامة ) .
30 - و يؤكد فخر الدين الرازي ( ت 606هـ ) في كتابه اعتقادات فرق المسلمين والمشركين (ص 57) ، كغيره من أصحاب المقالات والفرق خبر إحراق علي لطائفة من السبئية .
31 - و يذكر ابن الأثير ( ت 630هـ ) في كتابه اللباب ( ص 2/98) ارتباط السبئية من حيث النسبة بعبد الله بن سبأ . كما وأنه أورد روايات الطبري بعد حذف أسانيدها في كتابه الكامل ( 3/114، 144، 147، 147، 154 إلى غيرها من الصفحات ) .
32 - و ذكر السّكْسَكي ( ت 683هـ ) في كتابه البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان : ( أن ابن سبأ و جماعته أول من قالوا بالرجعة إلى الدنيا بعد الموت ) .
33 - و يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية ( ت 727هـ ) أن أصل الرفض من المنافقين الزنادقة ، فإنه ابتدعه ابن سبأ الزنديق ، و أظهر الغلو في علي بدعوى الإمامة والنص عليه ، وادعى العصمة له . أنظر مجموع الفتاوى ( 4/435) و ( 28/483) و في كثير من الصفحات في كتابه : منهاج السنة النبوية .
34 - و يرد ذكر عبد الله بن سبأ عند المالقي ( ت 741هـ ) في كتابه التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان ( ص 54) ، بقوله : ( و في سنة ثلاث و ثلاثين تحرك جماعة في شأن عثمان رضي الله عنه .. و كانوا جماعة منهم ، مالك الأشتر ، و الأسود بن يزيد .. و عبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء .
35 - و عند الذهبي ( ت 748هـ ) في كتابه المغني في الضعفاء (1/339) و في الميزان (2/426) : ( عبد الله بن سبأ من غلاة الشيعة ، ضال مضل ) ، و ذكره أيضاً في تاريخ الإسلام ( 2/122-123) .(6/47)
36 - وذكر الصفدي ( ت 764هـ ) في كتبه الوافي بالوفيات (17/20) في ترجمة ابن سبأ : ( عبد الله بن سبأ رأس الطائفة السبئية .. قال لعلي أنت الإله ، فنفاه إلى المدائن ، فلما قتل علي رضي الله عنه زعم ابن سبأ أنه لم يمت لأن فيه جزءاً إلهياً وأن ابن ملجم إنما قتل شيطاناً تصوّر بصورة علي ، و أن علياً في السحاب ، و الرعد صوته ، و البرق سوطه ، وأنه سينزل إلى الأرض ) .
37 - و ذكر ابن كثير ( ت 774هـ ) في البداية و النهاية (7/183) أن من أسباب تألب الأحزاب على عثمان ظهور ابن سبأ و صيرورته إلى مصر ، و إذاعته على الملأ كلاماً اخترعه من عند نفسه .
38 - و جاء في الفرق الإسلامية (ص 34) للكرماني ( ت 786هـ ) أن علياً رضي الله عنه لما قتل زعم عبد الله بن سبأ أنه لم يمت ، وأن فيه الجزء الإلهي .
39 - و يشير الشاطبي ( ت 790هـ ) في كتابه الاعتصام ( 2/197) إلى أن بدعة السبئية من البدع الاعتقادية المتعلقة بوجود إله مع الله ، و هي بدعة تختلف عن غيرها من المقالات .
40 - و ذكر ابن أبي العز الحنفي ( ت 792هـ ) في شرح العقيدة الطحاوية ( ص 578) أن عبد الله بن سبأ أظهر الإسلام و أراد أن يفسد دين الإسلام كما فعل بولص بدين النصرانية .
41 - و يعرف الجُرجاني ( ت 816هـ ) في كتابه التعريفات (ص 79) عبد الله بن سبأ بأنه رأس الطائفة السبئية .. و أن أصحابه عندما يسمعون الرعد يقولون : عليك السلام يا أمير المؤمنين .
42 - و يقول المقريزي ( ت 845هـ ) في الخطط ( 2/356-357) : ( أن عبد الله بن سبأ قام في زمن علي رضي الله عنه مُحدِثاً القول بالوصية والرجعة والتناسخ ) .
43 - و قد سرد الحافظ بن حجر ( ت 852هـ ) في كتابه لسان الميزان ( 3/290) أخبار ابن سبأ من غير طريق سيف بن عمر ، ثم قال : ( و أخبار عبد الله بن سبأ شهيرة في التواريخ ، و ليس له رواية و الحمد لله ) .(6/48)
44 - و ذكر العيني ( ت 855هـ ) في كتابه عقد الجمان ( 9/168) : ( أن ابن سبأ دخل مصر وطاف في كورها ، و أظهر الأمر بالمعروف ، و تكلم في الرجعة ، و قررها في قلوب المصريين .
45 - و أكد السيوطي ( ت 911هـ ) في كتابه لب الألباب في تحرير الأنساب ( 1/132) نسبة السبئية إلى عبد الله بن سبأ .
46 - و ذكر السفارني ( ت 1188هـ ) في كتابه لوامع الأنوار (1/80) ضمن فرق الشيعة فرقة السبأية و قال : ( و هم أتباع عبد الله بن سبأ الذي قال لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أنت الإله حقاً ، فأحرق من أصحاب هذه المقالة من قدر عليه منهم فخدّ لهم أخاديد وأحرقهم بالنار .
47 - و يروي الزُّبيدي ( ت 1205هـ ) أن سبأ الوارد في حديث فروة بن مُسيك المرادي هو والد عبد الله بن سبأ صاحب السبئية من الغلاة . تاج العروس ( 1/75-76) ، و كلام الزبيدي هذا غير مقبول و يرده حديث فروة بن مسيك ، راجع صحيح سنن أبي داود (برقم (3373) و الترمذي ( برقم 3220) كتاب تفسير سورة سبأ ، و في الحديث زيادة تفصيل أن سبأ رجل من العرب ولد له عشرة من الأنبناء : سكن منهم ستة في اليمن و أربعة في الشام ، و هم أصول القبائل العربية : لخم و جذام و غسان .. الخ ، مما يدل على أن سبأ رجل متقدم جداً من أصول العرب ، فما علاقة ذلك بسبأ والد عبد الله صاحب السبئية ؟ !
48 - و تحدث عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي ( ت 1239هـ ) في كتابه مختصر التحفة الاثنى عشرية ( ص 317 ) عن ابن سبأ بقوله : ( و من أكبر المصائب في الإسلام في ذلك الحين تسليط إبليس من أبالسة اليهود على الطبقة الثانية من المسلمين فتظاهر لهم بالإسلام وادعى الغيرة على الدين والمحبة لأهله .. و إن هذا الشيطان هو عبد الله بن سبأ من يهود صنعاء ، و كان يسمى ابن السوداء ، و كان يبث دعوته بخبث و تدرج و دهاء .(6/49)
49 - و محمد صديق حسن خان ( ت 1307هـ ) في خبيئة الأكوان في افتراق الأمم على المذاهب والأديان ( ص 8 ، 33 ، 44 ) .
هذا ما تيسر جمعه من أقوال العلماء ، و من سلف الأمة ، و هناك الكثير غيرهم ، و كلها تأكد و تجمع على ثبوت شخصية عبد الله بن سبأ اليهودي بكونه حقيقة لا خيال ، و كوني آثرت ذكر المتقدمين ، لأنه إذا ثبت عندهم ؛ فهم أعرف منا ، لأنه تسنى لهم الاطلاع على الكثير من الكتب التي تعد في زمننا هذا في عداد المفقود ، فهم الأصل الذي نحن عيال عليه ، نقتبس منه و نثبت ، كما وأن هناك الكثير من المثبتين لهذه الشخصية من المعاصرين ، راجع للأهمية كتاب : العنصرية اليهودية وآثارها في المجمع الإسلامي و الموقف منها للدكتور أحمد بن عبد الله بن إبراهيم الزغيبي ( 2 / 530-531 ) ، حيث ذكر عدداً كبيراً من المثبتين لشخصية ابن سبأ من المعاصرين .
--------------------------------------------------------------------------------
ب – المثبتين لشخصية ابن سبأ من الشيعة :-
1 - ورد في تاريخ الطبري (5/193) على لسان أبي مخنف – لوط بن يحيى – ( ت 157هـ ) و هو يصف معقل بن قيس الرياحي والذي كلفه المغيرة بن شعبة والي معاوية على الكوفة بقتال المستورد بن علفة الخارجي و أصحابه ، فيصفه بأنه من السبئية المفترين الكذابين .
2 - الأصفهاني ( ت 283هـ ) ذكره الدكتور أحمد الزغيبي في كتابه العنصرية اليهودية ( 2/528) .
3 - أورد الناشئ الأكبر ( ت 293هـ ) في كتابه مسائل الإمامة ( ص 22-23 ) ما يلي : ( و فرقة زعموا أن علياً رضي الله عنه حي لم يمت ، و أنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ، و هؤلاء هم السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ ، و كان عبد الله بن سبأ رجلاً من أهل صنعاء يهودياً .. و سكن المدائن .. ) .(6/50)
4 – و نقل القمي ( ت 301هـ ) في كتابه المقالات و الفرق ( ص 20 طهران 1963 م تحقيق الدكتور محمد جواد مشكور فيروي ) أن عبد الله بن سبأ أول من أظهر الطعن على أبي بكر و عمر و عثمان والصحابة ، و تبرأ منهم ، وادّعى أن علياً أمره بذلك . و ( أن السبئية قالوا للذي نعاه ( أي علي بن أبي طالب ) : كذبت ياعدو الله لو جئتنا والله بدماغه خربة فأقمت على قتله سبعين عدلاً ما صدقناك ولعلمنا أن لم يمت ولم يقتل وإن لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ويملك الأرض ثم مضوا …)
5 - و يتحدث النوبختي ( ت 310هـ ) في كتابه فرق الشيعة ( ص 23 ) عن أخبار ابن سبأ فيذكر أنه لما بلغ ابن سبأ نعي علي بالمدائن ، قال للذي نعاه : كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة و أقمت على قتله سبعين عدلاً لعلمنا أنه لم يمت و لم يقتل ، و لا يموت حتى يملك الأرض.
و يقول في ( ص 44 ) وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي عليه السلام أن عبدالله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى علياً عليه السلام وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصي بعد موسى على نبينا وآله وعليهما السلام بالغلو فقال في إسلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله في علي عليه السلام بمثل ذلك وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه. يقول النوبختي : فمن هنا قال من خالف الشيعة إن أصل الرفض مأخوذ من اليهود.
6 - و يقول أبو حاتم الرازي ( ت 322هـ ) في كتابه الزينة في الكلمات الإسلامية ( ص 305 ) : ( أن عبد الله بن سبأ و من قال بقوله من السبئية كانوا يزعمون أن علياً هو الإله ، و أنه يحيي الموتى ، وادعوا غيبته بعد موته .(6/51)
7 - و روى الكشي ( ت 340هـ ) في الرجال ( ص 98-99) بسنده إلى أبي جعفر محمد الباقر قوله : أن عبد الله بن سبأ كان يدّعي النبوة ، و يزعم أن أمير المؤمنين – عليه السلام – هو الله ، تعالى عن ذلك علواً كبيراً . و هناك أقوال مشابه عن جعفر الصادق و علي بن الحسين تلعن فيها عبد الله بن سبأ في ( ص 70 ، 100 ) من نفس الكتاب .
و يروي الكشي في ( رجال الكشي ص 98 ط مؤسسة الأعلمي للمطبوعات كربلاء ) بسنده إلى أبي جعفر ( أن عبدالله بن سبأ كان يدعي النبوة وزعم أن أمير المؤمنين هو الله تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا فبلغ ذلك أمير المؤمنين فدعاه وسأله فأقر بذلك وقال : نعم أنت هو وقد كان ألقي في روعي أنك أنت الله وأني نبي فقال له أمير المؤمنين : ويلك قد سخر منك الشيطان فارجع عن هذا ثكلتك أمك وتب فأبى فحبسه واستتابه ثلاثة أيام فلم يتب فأحرقه بالنار والصواب أنه نفاه بالمدائن …)
8 - و يذكر أبو جعفر الصدوق بن بابويه القمي ( ت 381هـ ) في كتاب من لا يحضره الفقه ( 1/213) ، موقف ابن سبأ و هو يعترض على علي رضي الله عنه رفع اليدين إلى السماء أثناء الدعاء .
9 - و جاء عند الشيخ المفيد ( ت 413هـ ) في كتاب شرح عقائد الصدور ( ص 257) ذكر الغلاة من المتظاهرين بالإسلام – يقصد السبئية – الذين نسبوا أمير المؤمنين علي والأئمة من ذريته إلى الألوهية والنبوة ، فحكم فيهم أمير المؤمنين بالقتل والتحريق بالنار .
10 - و قال أبو جعفر الطوسي ( ت 460هـ ) في كتبه تهذيب الأحكام ( 2/322) أن ابن سبأ رجع إلى الكفر وأظهر الغلو .
11 - ابن شهر آشوب ( ت 588هـ ) في مناقب آل أبي طالب (1/227-228 ) .
12 - و ذكر ابن أبي الحديد ( ت 655هـ ) في شرح نهج البلاغة ( 2/99) ما نصه : ( فلما قتل أمير المؤمنين – عليه السلام – أظهر ابن سبأ مقالته ، و صارت له طائفة و فرقه يصدقونه و يتبعونه .(6/52)
13 - و أشار الحسن بن علي الحلّي ( ت 726هـ ) في كتابه الرجال (2/71) إلى ابن سبأ ضمن أصناف الضعفاء .
14 - و يرى ابن المرتضى ( ت 840هـ ) – و هو من أئمة الشيعة الزيدية - ، أن أصل التشيع مرجعه إلى ابن سبأ ، لأنه أول من أحدث القول بالنص في الإمامة . تاج العروس لابن المرتضى ( ص 5 ، 6 ) .
15 - و يرى الأردبيلي ( ت 1100هـ ) في كتاب جامع الرواة (1/485) أن ابن سبأ غال ملعون يزعم ألوهية علي و نبوته .
16 - المجلسي ( ت 1110هـ ) في بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار (25/286-287 ) .
17 - يقول نعمة الله الجزائري ( ت 1112هـ ) في كتابه الأنوار النعمانية ( 2/234) : ( قال عبد الله بن سبأ لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أنت الإله حقاً فنفاه علي عليه السلام إلى المدائن و قيل إنه كان يهودياً فأسلم وكان في اليهودية يقول في يوشع بن نون و في موسى مثل ما قال في علي .
18 - طاهر العاملي ( ت 1138هـ ) في مقدمة مرآة الأنوار و مشكاة الأسرار في تفسير القرآن (ص 62 ) .
19 - و عند المامقاني ( ت 1323هـ ) في كتابه تنقيح المقال في أحوال الرجال (2/183) جاء ذكر ابن سبأ ضمن نقولات عدة ساقها المؤلف من مصادر شيعية متقدمة عليه .
20 - أما محمد حسين المظفري ( ت 1369هـ ) و هو من الشيعة المعاصرين الذين لا ينكرون وجود ان سبأ وإن كان ينفي أن يكون للشيعة به أي اتصال . تاريخ الشيعة ( ص 10 ) .
21 - أما الخوانساري فقد جاء ذكر ابن سبأ عنده على لسان جعفر الصادق الذي لعن ابن سبأ لاتهامه بالكذب والتزوير . روضات الجنات (3/141) .
ثانياً : المنكرون وجود عبد الله بن سبأ من الفريقين :
أ – المنكرون لوجود ابن سبأ من أهل السنة ومن حسب عليهم :-(6/53)
1 – الدكتور : طه حسين ، يقف طه حسين عل رأس الكتّاب المحدثين الذين شككوا في وجود ابن سبأ بل و أنكروه . أنظر كتاب الفتنة الكبرى – عثمان – ( ص 132 ) ، و علي و بنوه ( ص 90 ) . يذكر أن زوجة طه حسين و سكرتيره (و كلاهما نصرنيان) ذكرا أن طه حسين تنصر في باريس!
2 - الدكتور : علي سامي النشار ، و هو يأتي بعد طه حسين في إنكاره لشخصية ابن سبأ واعتبارها شخصية وهمية . راجع كتاب نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام (2/ 38 – 39 ) .
3 - الدكتور : حامد حنفي داود ، و هو من الذين تأثروا بكتابات الشيعة حول شخصية ابن سبأ فأنكر وجودها ، و ذلك عندما قام بكتابة المقدمة المتعلقة بكتاب ( عبد الله بن سبأ و أساطير أخرى ) و من ضمن ما قال : ( و أخيراً يسرني أن أعلن إعجابي بهذا السفر الجليل لصاحبه العلامة المحقق السيد مرتضى العسكري ) ، أما رأيه في عبد الله بن سبأ فأوضحه بقوله : ( و لعل أعظم هذه الأخطاء التاريخية التي أفلتت من زمام هؤلاء الباحثين وغمّ عليهم أمرها فلم يفقهوها و يفطنوا إليها هذه المفتريات التي افتروها على علماء الشيعة حين لفقوا عليهم قصة عبد الله بن سبأ فيما لفقوه من قصص . (1/ 18 ، 21 ) .
و ضمن كتابه : التشيع ظاهرة طبيعية في إطار الدعوة الإسلامية ( ص 18 ) .
4 – و هناك أيضاً الدكتور : محمد كامل حسين في كتابه : أدب مصر الفاطمية ( ص 7 ) .
5 – و أيضاً : عبد العزيز الهلابي في كتابه عبد الله بن سبأ ( ص 73) ، حيث حجب هذا الشخص الغموض الذي أثاره غيره من المشككين في وجود ابن سبأ فلازم الإنكار .
6 – و الشيء بالشيء يذكر يعتبر الأستاذ حسن بن فرحان المالكي (شيعي المذهب) تلميذ المذكور أعلاه من المنكرين لوجود ابن سبأ ، و في أحيان أخرى ينكر دور ابن سبأ في الفتنة . راجع كلامه في جريدة المسلمون الأعداد ( 657 ، 658 ) .(6/54)
7 - ومن المنكرين و المتشكيين والمترددين في إثبات و نفي شخصية عبد الله بن سبأ ، الدكتور : جواد علي في مقال له بعنوان ( عبد الله بن سبأ ) منشور في مجلة المجمع العلمي العراقي المجلد السادس ( ص 84 ، 100 ) و أيضاً في مجلة الرسالة العدد ( 778 ) ( ص 609-610 ) .
8 - و أيضاً الدكتور : محمد عمارة (من مؤيدي المعتزلة و المرجئة) في كتابه الخلافة و نشأة الأحزاب الإسلامية ( ص 154-155 ) ، فيقول : ( وتنسب أغلب مصادر التاريخ والفكر الإسلامي إلى ابن السوداء هذا نشاط عظيماً و جهداً خرافياً ) ، و يقول : ( فإن وجود ابن سبأ على فرض التسليم بوجوده ) إلى غيرها من النقولات .
9 - و الدكتور : عبد الله السامرائي في كتابه الغلو والفرق الغالية في الحضارة الإسلامية ( ص 86 ) ، إلا أنه يثبت وجود الأفكار التي تنسب إلى عبد الله بن سبأ ، من غير جزم بوجود صاحبها .
ب - المنكرون لوجود ابن سبأ من الشيعة :-
1 - محمد الحسين كاشف الغطاء ، في كتابه أصل الشيعة و أصولها ( ص 61 ) يقول : ( على أنه لا يستبعد أن يكون هو – أي عبد الله بن سبأ – و مجنون بني عامر و أبو هلال .. وأمثالهم أحاديث خرافية وضعها القصاص لتزجية الفراغ و شغل أوقات الناس ) .
2 - مرتضى العسكري و له كتابان في هذا الموضوع ، ينفي فيهما وجود ابن سبأ من الأصل ، و يعتبر مرتضى هذا من أكثر الشيعة المحدثين اهتماماً بمسألة عبد الله بن سبأ . الكتاب الأول بعنوان : ( عبد الله بن سبأ بحث حول ما كتبه المؤرخون والمستشرقون ابتداء من القرن الثاني الهجري ) . و رمز له بالجزء الأول . الكتاب الثاني بعنوان : ( عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى ) .
3 - محمد جواد مغنيه ، و قد ذكر ذلك في تقديمه لكتاب عبد الله بن سبأ و أساطير أخرى لمرتضى العسكري (1/12 ) . و كتاب التشيع ( ص 18 ) .(6/55)
4 - الدكتور علي الوردي ، في كتاب و عاظ السلاطين ( ص 273- 276 ) ، يقول : ( يخيل إلى أن حكاية ابن سبأ من أولها إلى آخرها كانت حكاية متقنة الحبك رائعة التصوير ) ، و يعتبر علي الوردي صاحب بدعة القول بأن ابن السوداء و هو عمار بن ياسر رضي الله عنه ، ( ص 278) .
5 – عبد الله الفياض في كتابه تاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة ( ص 95 ) ، يقول : ( يبدوا أنابن سبأ كان شخصية إلى الخيال أقرب منها إلى الحقيقة ) .
6 - الدكتور كامل مصطفى الشيبي في كتاب الصلة بين التصوف والتشيع ( ص 41 ) ، و قد تابع الدكتور علي الوردي في كلامه حول كون عمار بن ياسر هو ابن السوداء ، ( ص 88 ) .
7 – طالب الرفاعي في التشيع ظاهرة طبيعية في إطار الدعوة الإسلامية ( ص 20 ) .
و لعل هذا النفي شبه الجماعي من قبل أولئك الباحثين الشيعة لشخصية عبد الله بن سبأ ، هو بغرض نفي التأثير اليهودي في عقائد الشيعة ، و تبرئة ساحتهم من عبد الله بن سبأ ، و لكن أنى لهم ذلك .
و قد أعجبتني مقولة للدكتور سعدي الهاشمي يقول فيها : ( و بهذه النقول والنصوص الواضحة المنقولة من كتب القوم ( الشيعة ) تتضح لنا حقيقة شخصية ابن سبأ اليهودي ، و من طعن من الشيعة في ذلك فقد طعن في كتبهم التي نقلت لعنات الأئمة المعصومين – عندهم – على هذا اليهودي ( ابن سبأ ) و لا يجوز و لا يتصور أن تخرج اللعنات من المعصوم على مجهول ، و كذلك لا يجوز في معتقد القوم تكذيب المعصوم ) . ابن سبأ حقيقة لا خيال ( ص 76 ) .
جـ – المثبتون لوجود ابن سبأ من المستشرقين :-(6/56)
اهتم المستشرقون بمسألة عبد الله بن سبأ و درسوا ما جاء عنه ، و نحن لسنا بحاجة إلى قيام أمثال هؤلاء الحاقدين لإثبات شخصية ابن سبأ لنثبت شخصيته بدورنا ، لكن تطرقت لذكرهم فقط من باب بيان أن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها ، كما فعل أبي هريرة رضي الله عنه عندما تعلم فضل سورة آية الكرسي من إبليس لعنه الله . البخاري مع الفتح (4/487- 488 ) .
1 - المستشرق الألماني : يوليوس فلهاوزن (1844- 1918 م ) ، يقول : ( ومنشأ السبأية يرجع إلى زمان علي و الحسن ، و تنسب إلى عبد الله بن سبأ و كما يتضح من اسمه الغريب فإنه كان أيضاً يمنياً و الواقع أنه من العاصمة صنعاء ، و يقال أنه كان يهودياً ) . في كتابه : الخوارج والشيعة ( ص 170-171 ) .
2 - المستشرق : فان فلوتن ( 1866- 1903 م ) ، يرى أن فرقة السبأية ينتسبون إلى عبد الله بن سبأ فيقول : ( وأما السبأية أنصار عبد الله بن سبأ الذي كان يرى أحقية علي بالخلافة منذ أيام عثمان ، فكان يعتقدون أن جزءاً إلهياً تجسد في علي ثم في خلفائه من بعده . السيادة العربية والشيعية و الإسرائيليات في عهد بني أمية (ص 80 ) .
3 - المستشرق الإيطالي : كايتاني ( 1869-1926 م ) ، يخلص هذا المستشرق في بحثه الذي نشره في حوليات الإسلام الجزء الثامن من سنة (33-35هـ ) إلى أن ابن سبأ موجود في الحقيقة لكنه ينكر روايات سيف بن عمر في تاريخ الطبري والتي تشير إلى أن المؤامرة التي أطاحت بعثمان ذات أسباب دينية ، كما وأنه ينكر أن تكون آراء ابن سبأ المؤلهة لعلي قد حدثت في أيامه ، و ينتهي إلى القول بأن هذه الآراء وليدة تصورات الشيعة في النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة .
4 - المستشرق : ليفي ديلافيدا ( المولود عام 1886م ) ، حيث مرّ بعبد الله بن سبأ و هو يتحدث عن خلافة علي من خلال كتاب أنساب الأشراف للبلاذري .(6/57)
5 - المستشرق الألماني : إسرائيل فريد لندر ، وقد كتب مقالاً عن عبد الله بن سبأ في المجلة الآشورية العددين من سنة (1909م ، ص 322) و (1910م ، ص 23) بعنوان : ( عبد الله بن سبأ مؤسس الشيعة وأصله اليهودي ) و قد خلص في بحثه هذا الذي يربوا على الثمانين صفحة إلى القول بأنه لا يتشكك مطلقاً في شخصية ابن سبأ .
6 – المستشرق المجري : جولد تسيهر ( 1921م ) ، يقول : ( كما أن الإغراق في تأليه علي الذي صاغه في مبدأ الأمر عبد الله بن سبأ ) . في كتابه : العقيدة والشريعة في الإسلام ( ص 205 ) .
7 - رينولد نكلس ( 1945م ) ، يقول في كتابه تاريخ الأدب العربي (ص 215 ) : ( فعبد الله بن سبأ الذي أسس طائفة السبأيين كان من سكان صنعاء اليمن ، و قد قيل إنه كان من اليهود و قد أسلم في عهد عثمان و أصبح مبشراً متجولاً ) .
8 - داويت . م . رونلدسن ، يقول : ( فقد ظهر منذ زمن عثمان داعية متنقل اسمه عبد الله بن سبأ قطع البلاد الإسلامية طولاً و عرضاً يريد إفساد المسلمين كما يقول الطبري ) . عقيدة الشيعة ( ص 85 ) .
9 - المستشرق الإنجليزي : برنارد لويس ، فهو يرى أن عبد الله بن سبأ هو أصل التشيع . راجع كلامه في كتابه : أصول الإسماعيلية ( ص 86 ) .
هذه أهم الكتابات الاستشراقية في موضوع عبد الله بن سبأ ، و هناك غير هؤلاء الكثير ، راجع للأهمية كتاب : عبد الله بن سبأ و أثره في أحداث الفتنة في صدر الإسلام للدكتور سليمان العودة ( ص 73 ) .(6/58)
أما المنكرون لشخصية ابن سبأ من المستشرقين ، فهم فئة قليلة و الذين وقفوا في شخصية ابن سبأ و أصبحت عندهم مجرد خرافة و محل شك ، و ليس هناك من داع لذكرهم ، لعدم انتشار أفكارهم بخلاف المثبتين فهم من المستشرقين المعروفين والذين يعتمد عليهم الكثير ممن تأثر بفكر الاستشراق ، و كان هدف هؤلاء المستشرقين من ذلك التشكيك أو الإنكار هو ادعاء أن الفتن إنما هي من عمل الصحابة أنفسهم ، و أن نسبتها إلى اليهود أو الزنادقة هو نوع من الدفاع عن الصحابة لجأ إليها الإخباريون والمؤرخون المسلمون ليعلقوا أخطاء هؤلاء الصحابة على عناصر أخرى ، على أن إنكار بعضهم لشخصية ابن سبأ إنما يرجع إلى رغبتهم في الانتهاء إلى النتيجة التالية : لا حاجة لمخّرب يمشي بين الصحابة ، فقد كانت نوازع الطمع و حب الدنيا والسلطة مستحوذة عليهم ، فراحوا يقاتلون بعضهم عن قصد و تصميم ، و القصد من ذلك الإساءة إلى الإسلام و أهله ، و إلقاء في روع الناس أن الإسلام إذا عجز عن تقويم أخلاق الصحابة و سلوكهم وإصلاح جماعتهم بعد أن فارقهم الرسول صلى الله عليه وسلم بمدة وجيزة ، فهو أعجز أن يكون منهجاً للإصلاح في هذا العصر . أنظر : تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة للدكتور : محمد أمحزون (1/314) .
--------------------------------------------------------------------------------
ثالثاً : أسباب إنكار إبن سبأ عند بعض المبطلين :
أولاً : قالوا : إعراض المؤرخين عن ذكر ابن سبأ أو ابن السوداء في حرب صفين ، و كونه غاب عنها ، و كيف له أن يغيب عن هذا المعركة و هو الذي كان يصول و يجول في حرب الجمل ، لهذا لم يستطع المؤرخون الإجابة على هذا السؤال المحير ! و هذا مما يدل على أن غير موجود .(6/59)
الرد عليه : إن المؤرخين عند حديثهم عن موضوع معين لا يلتزمون بذكر كل تفاصيل ما جرى في الأحداث والوقائع التي ذكروها في كتبهم ، هذا على افتراض مشاركة ابن سبأ في حرب صفين ، و على افتراض عدم مشاركته في حرب صفين ، هل يعد ذلك دليلاً على عدم وجوده ، فيعارض به ما أثبته المؤرخون من وجود ابن سبأ و ما كان له من دور ؟! و في اعتقادي أن هذه الشبهة لا تقوى على ما أثبته المؤرخون والمحققون من سنة و شيعة من وجود ابن سبأ .
ثانياً : قالوا : إن أخبار ابن سبأ إنما انتشرت بين الناس عن طريق الطبري ، والطبري أخذها عن سيف بن عمر ، إذاً فسيف هو المصدر الوحيد لأخبار ابن سبأ ، و سيف هذا كذاب ضعفه علماء الجرح والتعديل .
الرد عليه و سيكون على ثلاثة فروع :-
أ – كون الطبري هو المصدر الوحيد لأخبار ابن سبأ ، و هذه الأخبار جميعها جاءت من طريق سيف بن عمر .
الرد : هذه شبهة باطلة إذ لم ينفرد الطبري وحده بروايات سيف ، بل هناك روايات لسيف تتحدث عن ابن سبأ لا توجد عند الطبري ، و مثاله :
1 - من طريق ابن عساكر ( ت 571هـ ) في تاريخه (29/9 ) ، وقد أورد رواية من طريق سيف بن عمر ليست عند الطبري .
2 - من طريق المالقي ( ت 741هـ ) في كتابه التمهيد و البيان ( ص 54 ) و قد أورد رواية ليست عند الطبري من طريق سيف بن عمر .
3 - من طريق الذهبي ( ت 748هـ ) في كتابه تاريخ الإسلام ( 2/122-123) و هذه الرواية أيضاً غير موجودة في الطبري .
فهذه الطرق الثلاثة تدلنا على أن الطبري لم ينفرد بروايات سيف بن عمر عن ابن سبأ ، و أنه ليس المصدر الوحيد لهذه الأخبار .
ب – كون سيف بن عمر هو المصدر الوحيد لأخبار ابن سبأ .(6/60)
الرد : هذه الشبهة أيضاً غير صحيحة ، فقد ثبتت روايات ذكر فيها ابن سبأ لم يكن سيف في سندها ، و إن الذي يتبين لنا من خلال البحث والتنقيب أن سيف بن عمر ليس هو المصدر الوحيد لأخبار عبد الله بن سبأ ، و سأورد هنا عدد من النصوص لابن عساكر تذكر ابن سبأ لا ينتهي سندها إلى سيف بن عمر ، و قد اخترت تاريخ ابن عساكر بالذات لأنه يعتمد في روايته للأخبار على السند كما هو حال الطبري في تاريخه .
الرواية الأولى : ذكرها ابن عساكر بسنده إلى الشعبي ، قال : أول من كذب عبد الله بن سبأ .
الرواية الثانية : ذكرها ابن عساكر بسنده إلى عمار الدهني ، قال : سمعت أبا الطفيل يقول : رأيت المسيب بن نجبة أتى به يلببة - يعني ابن السوداء - ، و علي على المنبر ، فقال علي : ما شأنه ؟ فقال : يكذب على الله وعلى رسوله .
الرواية الثالثة : ذكرها ابن عساكر بسنده إلى زيد بن وهب عن علي قال : ما لي و ما لهذا الحميت الأسود ؟ .
الرواية الرابعة : ذكرها ابن عساكر بسنده إلى شعبة عن سلمة قال : قال سمعت أبا الزعراء يحدث عن علي عليه السلام قال : ما لي وما لهذا الحميت الأسود ؟ .
الرواية الخامسة : ذكرها ابن عساكر بسنده إلى شعبة عن سلمة بن كهيل عن زيد قال : قال علي بن أبي طالب ما لي ولهذا الحميت الأسود ؟ - يعني عبد الله بن سبأ – وكان يقع في أبي بكر وعمر .
الرواية السادسة : ذكرها ابن عساكر بسنده إلى سلمة بن كهيل عن حجية بن عدي الكندي قال : رأيت علياً كرم الله وجهه وهو على المنبر ، وهو يقول : من يعذرني من هذا الحميت الأسود ، الذي يكذب على الله ورسوله ؟ - يعني ابن السوداء – لولا أن لا يزال يخرج عليّ عصابة تنعى عليّ دمه كما أدّعيت عليّ دماء أهل النهر ، لجعلت منهم ركاماً .(6/61)
الرواية السابعة : ذكرها ابن عساكر بسنده إلى أبو الأحوص عن مغيرة عن سماك قال : بلغ عليا أن ابن السوداء ينتقص أبا بكر وعمر ، فدعا به ، ودعا بالسيف - أو قال : فهمّ بقتله - فكُلّم فيه ، فقال : لا يساكني ببلد أنا فيه . قال : فسيره إلى المدائن . تاريخ دمشق لابن عساكر ( 29/ 7-10 ) .
للمزيد حول ورود روايات عبد الله بن سبأ من غير طريق سيف بن عمر راجع ما ذكرناه سابقاً.
جـ – كون سيف بن عمر ( ت 180هـ ) كذاب ضعفه علماء الجرح والتعديل .
الرد : مكانة سيف بن عمر (ت 180هـ ) بين الجرح والتعديل ، حتى تكون الصورة واضحة للقارئ .
أولاً : سيف بن عمر محدثاً :-
يقول النسائي في الضعفاء والمتروكين ( ص 14 ) : ( سيف بن عمر الضبي ضعيف ) . وذكر ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ( 2/278 ) أن سيف بن عمر : ( متروك الحديث ، يشبه حديثه حديث الواقدي ) . و عند ابن معين في نفس المصدر (2/278 ) أن سيفاً ضعيف الحديث . و ذكره الذهبي فيمن له رواية في الكتب الستة ، واكتفى بالقول : ( ضعفه ابن معين و غيره ) .الكاشف (1/416 ) . و في المغني في الضعفاء ( ص 292) قال الذهبي : ( سيف بن عمر التميمي الأسدي له تواليف متروك باتفاق ) . و عند ابن حجر في التقريب (1/344 ) : ( سيف ضعيف الحديث ) . و يقول ابن حبان في المجروحين (1/345) : ( سيف بن عمر الضبي الأسدي من أهل البصرة اتهم بالزندقة .. يروي الموضوعات عن الأثبات ) .
هذا بالنسبة لسيف بن عمر و كونه محدثاً ، لكن فما عساه يكون إخبارياً مؤرخاً ؟!(6/62)
هنا لا بد و قبل أن أذكر أقوال أهل العلم فيه أن أنبه أنه لا بد من التفريق بين رواية ( الحديث ) و رواية الأخبار الأخرى ، فعلى الأولى تبنى الأحكام و تقام الحدود ، فهي تتصل مباشرة بأصل من أصول التشريع ، و من هنا تحرز العلماء –رحمهم الله – في شروط من تأخذ عنه الرواية ، لكن يختلف الأمر بالنسبة لرواية الأخبار ، فهي وإن كانت مهمة – لا سيما حينما يكون مجالها الإخبار عن الصحابة – إلا أنها لا تمحص كما يمحص الحديث ، و من هنا فلا بد من مراعاة هذا القياس و تطبيقه على ( سيف ) بكونه محدثاً ، و إخبارياً . راجع للأهمية كتاب : تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة محمد أمحزون (1/82-143) فقد تحدث عن هذا الموضوع فأجاد .
نعود إلى كتب الرجال نفسها فنجد الآتي :-
يقول الذهبي في ميزان الاعتدال (2/255 ) : ( كان إخبارياً عارفاً ) . و يقول ابن حجر في تقريب التهذيب ( 1/344 ) : ( عمدة في التاريخ ) . أما اتهام ابن حبان لسيف بالزندقة فيجيب عنه ابن حجر في التقريب (1/344 ) بقوله : ( أفحش ابن حبان القول فيه ) . ولا يصح اتهام سيف بالزندقة دون دليل ، إذ بكيف نفسر رواياته في الفتنة و حديثه عما جرى بين الصحابة ، فأسلوبه الذي روى به تلك الأحداث أبعد ما يكون عن أسلوب الزنادقة ، و هو الذي فضح و هتك ستر الزنادقة أمثال ابن سبأ !!
و بعد هذا لا يشك أحد أن رواية سيف مرشحة على غيره من الإخباريين أمثال أبي مخنف و الواقدي وابن الكلبي ، و غيرهم الكثير ، فإن روايات سيف تتفق و تنسجم مع الروايات الصحيحة المروية عن الثقات ، علاوة على أنها صادرة و مأخوذة عمن شاهد تلك الحوادث أو كان قريباً منها . للمزيد حول هذا الموضوع راجع كتاب : استشهاد عثمان و وقعة الجمل رواية سيف بن عمر ، للدكتور خالد بن محمد الغيث ( ص 19- 40 ) ، و عبد الله بن سبأ و أثره في أحداث الفتنة في صدر الإسلام للدكتور :سليمان العودة ( ص 104- 110 ) .(6/63)
ثالثاً : قالوا : لم يكن لابن سبأ وجود ، و إنما هو في الحقيقة شخصية رمزت لعمار بن ياسر ، ثم ساقوا عدد من الدعائم التي تؤيد هذا القول ، منها :-
1 - كان ابن سبأ يعرف بابن السوداء ، و عمار كان يكنى بابن السوداء أيضاً .
2 - كلاهما من أب يماني ، و ينسبون إلى سبأ بن يشجب أصل أهل اليمن .
3 - كلاهما كان شديد الحب لعلي ، و من محرضي الناس على بيعته .
4 - ذهاب عمار إلى مصر أيام عثمان و أخذ يحرض الناس على عثمان ، و مثل هذا ينسب إلى ابن سبأ .
5 - ينسب إلى ابن سبأ القول بأن عثمان أخذ الخلافة بغير حق ، و أن صاحبها الشرعي هو علي ، و هذا نفسه كان يقول به عمار .
6 - و يشترك الاثنان في عرقلة مساعي الصلح في معركة الجمل .
7 - قالوا عن ابن سبأ أنه هو المحرك لأبي ذر في دعوته الاشتراكية ! و صلة عمار بأبي ذر وثيقة جداً .
الرد : هذا الرأي الذي خلصوا إليه ، إنما يدل على جهل صاحبه ، و هذا الرأي ترده كتب الجرح والتعديل و كتب الرجال الموثقة عند الشيعة ، فهي تذكر عمار بن ياسر ضمن أصحاب علي والرواة عنه ، و هو أحد الأركان الأربعة عندهم ، ثم هي تذكر في موضع آخر ترجمة عبد الله بن سبأ في معرض السب واللعنة . أنظر : رجال الطوسي ( ص 46 ، 51 ) و رجال الحلي ( ص 255 ، 469 ) . فهل يمكن اعتبار الرجلين شخصية واحدة بعد ذلك ؟!(6/64)
كما وأن عوامل توافق الشخصيتين ذهاب كل منهما إلى مصر زمن عثمان ، فإن استقراء النصوص ومعرفة تاريخها يعطي مفهوماً غير الذي فهمه النافين لوجود ابن سبأ ، و بالتالي ينتصب هذا العامل دليلاً على استقلال كل من الشخصيتين ، فعمار إنما بعثه عثمان إلى مصر سنة ( 35هـ ) ، بينما كان ظهور ابن سبأ سنة ( 30هـ ) كما في الطبري (4/241) ، و هو الذي ساق الخبرين ، و شيء آخر و هو أن الطبري نفسه أورد أن من الذين استمالوا عماراً في مصر قوم منهم عبد الله بن سبأ . الطبري (4/341) ، وانظر أيضاً : البداية والنهاية لابن كثير (7/167) و الكامل في التاريخ لابن الأثير (3/77) و تاريخ ابن خلدون ( 2/1034) فهؤلاء هو كبار المؤرخين و هم جميعاً أثبتوا الشخصيتين ؛ شخصية ابن سبأ و شخصية عمار بن ياسر ، فكيف لعاقل بعد ذلك أن يقول إنهما شخص واحد ؟!
و أما قولهم بأن عمار كان يمانياً ، فكل يماني يصح أن يقال له ابن سبأ ، فهذا غير صحيح ، فليست سبأ إلا جزءاً من بلاد اليمن الواسعة كما قال بذلك ياقوت في معجم البلدان (3/181 ) .
وأما قولهم بأن عمار كان يقول بأن عثمان قد أخذ الخلافة بغير حق ، و أن صاحبها الشرعي هو علي ، فإن هذه المقولة زَعْم يحتاج إلى دليل ، بل الثابت أن عثمان رضي الله عنه كان يثق بعمار و هو الذي أرسله إلى مصر لضبط أمورها . راجع الطبري ( 4/341) .
كما وأن التشابه في الكنى لا يجعل من الرجلين شخصية واحدة ، كما وأن الظروف التاريخية وطابع كل من الشخصيتين لا تسمحان لنا بقبول هذا الرأي . وإن نظرة واحدة إلى كتب التراجم والرجال لتعطي القارئ فكرة واسعة في سبب قيام علماء الجرح والتعديل بتأليف الكتب التي تحتوي على المتشابه من الأسماء والكنى .
و شيء مهم آخر و هو أن عمار قتل يوم صفين ، في حين بقي ابن سبأ إلى بعد مقتل علي رضي الله عنه ، فهل بعد هذا يكون عمار بن ياسر هو عبد الله بن سبأ ؟!(6/65)
رابعاً : قالوا : لم يكن لابن سبأ وجود في الحقيقة ، و إنما هو شخصية وهمية انتحلها أعداء الشيعة بهدف الطعن في مذهبهم و نسبته إلى رجل يهودي .
الرد : إن هذه دعوى لا تقوم عليها حجة ، فكما أنكم ادعيتم هذا ، فلغيركم أيضاً أن يدعي ما شاء ، لكن العبرة بالحجة والدليل ، فزعمكم أن هذه القصة قد اختلقها أهل السنة للتشنيع على الشيعة ، ليس لها دليل ، و قد كان عليكم قبل أن تلقوا بظلال الشك جزافاً – و ذلك دأبكم – أن تتأكدوا على الأقل من أن هذه القصة لم ينفرد بها أهل السنة فقط ، فهذا الزعم باطل لأن مصادر الشيعة هي الأخرى أثبتت – كما سلف – وجود ابن سبأ . و بهذا يسقط اعتراضكم على القصة بزعمكم أنها من مفتريات أهل السنة .
و بعد هذا الذي ذكرت و هذه الشبهات التي أبطلت ، أستطيع أن أقول : إن سبب إنكار الشيعة لوجود ابن سبأ إلى عقيدتهم التي بثها و تسربت إلى فرق الشيعة ، و هي عقيدة تتنافى مع أصول الإسلام ، و تضع القوم موضع الاتهام والشبهة ، هذا من جهة ، و من جهة أخرى لما للعداء التاريخي في نفوس الشيعة نحو الصحابة ، و رغبة لإظهارهم بأنهم هم الذين أثاروا الفتنة بينهم .
و في الختام يتأكد بعد استقراء المصادر سواء القديمة والمتأخرة عند السنة والشيعة أن وجود عبد الله بن سبأ كان وجوداً حقيقياً تؤكده الروايات التاريخية ، و تفيض فيه كتب العقائد ، و ذكرته كتب الحديث والرجال والأنساب والطبقات و الأدب واللغة ، و سار على هذا النهج كثير من المحققين والباحثين المحدثين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=71777
ابن سبأ اليهودي الملقب بابن السوداء حقيقة لا خيال كما يزعم الرافضة:
و من علماء السنة الذين أثبتوا وجوده : شيخ الإسلام ابن تيمية و الحافظ الذهبي و ابن كثير الدمشقي الحافظ و العلامة ابن خلدون رحم الله الجميع
و هذه بعض النقول :(6/66)
في منهاج السنة النبوية، قال شيخ الإسلام عليه رحمة الله :
(ومن أخبر الناس بهم الشعبي وأمثاله من علماء الكوفة وقد ثبت عن الشعبي أنه قال ما رأيت أحمق من الخشبية لو كانوا من الطير لكانوا رخما ولو كانوا من البهائم لكانوا حمرا والله لو طلبت منهم أن يملئوا لي هذا البيت ذهبا على أن أكذب على علي لأعطوني و والله ما أكذب عليه أبدا وقد روى هذا الكلام مبسوطا عنه أكثر من هذا لكن الأظهر أن المبسوط من كلام غيره، كما روى أبو حفص بن شاهين في كتاب اللطيف في السنة حدثنا محمد بن أبي القاسم بن هارون حدثنا أحمد بن الوليد الواسطي حدثني جعفر بن نصير الطوسي الواسطي عن عبد الرحمن بن مالك بن مغول عن أبيه قال قال لي الشعبي أحذركم هذه الأهواء المضلة وشرها الرافضة لم يدخلوا في الإسلام رغبة ولا رهبة ولكن مقتا لأهل الإسلام وبغيا عليهم قد حرقهم علي رضي الله عنه بالنار ونفاهم إلى البلدان منهم عبد الله ابن سبأ يهودي من يهود صنعاء نفاه الى ساباط.....) ( 1/ 23 )
وقال في موضع آخر :
(وأما بيعة عثمان فلم يتخلف عنها أحد مع كثرة المسلمين وانتشارهم من إفريقية إلى خراسان ومن سواحل الشام إلى أقصى اليمن ومع كونهم كانوا ظاهرين على عدوهم من المشركين وأهل الكتاب يقاتلونهم وهي في زيادة فتح وانتصار ودوام دولة ودوام المسلمين على مبايعته والرضا عنه ست سنين نصف خلافته معظمين له مادحين له لا يظهر من أحد منهم التكلم فيه بسوء ثم بعد هذا صار يتكلم فيه بعضهم وجمهورهم لا يتكلم فيه إلا بخير وكانت قد طالت عليهم إمارته فانه بقي اثنتي عشرة سنة لم تدم خلافة أحد من الأربعة ما دامت خلافته فإن خلافة الصديق كانت سنتين وبعض الثالثة وخلافة عمر عشر سنين وبعض الأخرى وخلافة على أربع سنين وبعض الخامسة ونشأ في خلافته من دخل في الإسلام كرها فكان منافقا مثل ابن سبأ وأمثاله وهم الذين سعوا في الفتنة بقتله....) ( 8 / 316 )
و قال في مجموع الفتاوى :(6/67)
(وَأَصْلُ الرَّفْضِ " مِنْ الْمُنَافِقِينَ الزَّنَادِقَةِ فَإِنَّهُ ابْتَدَعَهُ ابْنُ سَبَأٍ الزِّنْدِيقُ وَأَظْهَرَ الْغُلُوَّ فِي عَلِيٍّ بِدَعْوَى الْإِمَامَةِ وَالنَّصِّ عَلَيْهِ وَادَّعَى الْعِصْمَةَ لَهُ وَلِهَذَا لَمَّا كَانَ مَبْدَؤُهُ مِنْ النِّفَاقِ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : حُبُّ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ إيمَانٌ وَبُغْضُهُمَا نِفَاقٌ وَحُبُّ بَنِي هَاشِمٍ إيمَانٌ وَبُغْضُهُمْ نِفَاقٌ) ( 4 / 435)
و في موضع آخر من الفتاوى :
(فَأَوَّلُ مَنْ ابْتَدَعَ الرَّفْضَ كَانَ مُنَافِقًا زِنْدِيقًا يُقَالُ لَهُ " عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَبَأٍ " فَأَرَادَ بِذَلِكَ إفْسَادَ دِينِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا فَعَلَ " بولص " صَاحِبُ الرَّسَائِلِ الَّتِي بِأَيْدِي النَّصَارَى حَيْثُ ابْتَدَعَ لَهُمْ بِدَعًا أَفْسَدَ بِهَا دِينَهُمْ وَكَانَ يَهُودِيًّا فَأَظْهَرَ النَّصْرَانِيَّةَ نِفَاقًا فَقَصَدَ إفْسَادَهَا وَكَذَلِكَ كَانَ " ابْنُ سَبَأٍ " يَهُودِيًّا فَقَصَدَ ذَلِكَ وَسَعَى فِي الْفِتْنَةِ لِقَصْدِ إفْسَادِ الْمِلَّةِ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ ؛ لَكِنْ حَصَلَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ تَحْرِيشٌ وَفِتْنَةٌ قُتِلَ فِيهَا عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَجَرَى مَا جَرَى مِنْ الْفِتْنَةِ وَلَمْ يَجْمَعْ اللَّهُ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - هَذِهِ الْأُمَّةَ عَلَى ضَلَالَةٍ ؛ بَلْ لَا يَزَالُ فِيهَا طَائِفَةٌ قَائِمَةٌ بِالْحَقِّ لَا يَضُرُّهَا مَنْ خَالَفَهَا وَلَا مَنْ خَذَلَهَا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ؛ كَمَا شَهِدَتْ بِذَلِكَ النُّصُوصُ الْمُسْتَفِيضَةُ فِي الصِّحَاحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ( 35 / 184 )
وفي تاريخ ابن خلدون رحمه الله :(6/68)
و كان مما أنكروه على عثمان إخراج أبي ذر من الشام و من المدينة إلى الربذة و كان الذي دعا إلى ذلك شدة الورع من أبي ذر و حمله الناس على شدائد الأمور و الزهد في الدنيا و أنه لا ينبغي لأحد أن يكون عنده أكثر من قوت يومه و يأخذ بالظاهر في ذم الإدخار بكنز الذهب و الفضة و كان ابن سبأ يأتيه فيغريه و يعيب قوله المال مال الله و يوهم أن في ذلك احتجانه للمال و صرفه على المسلمين حتى عتب أبو ذر معاوية فاستعتب له و قال سأقول مال المسلمين و أتى ابن سبأ إلى أبي الدرداء عبادة بن الصامت ....) ( 2 / 586)
و في موضع آخر :
ثم لما فشا التكبر على عثمان و الطعن في الآفاق كان عبد الله ابن سبأ و يعرف بابن السوداء من أشد الناس خوضا في التشنيع لعلي بما لا يرضاه من الطعن على عثمان و على الجماعة في العدول إليه عن علي و أنه ولي بغير حق فأخرجه عبد الله بن عامر من البصرة و لحق بمصر فاجتمع إليه جماعة من أمثاله جنحو إلى الغلو في ذلك و انتحال المذاهب الفاسدة....) ( 3 / 214 )
و في تاريخ الإسلام للذهبي رحمه الله :
وقال سيف بن عمر عن عطية عن يزيد الفقعسي قال : لما خرج ابن السوداء إلى مصر نزل على كنانة بن بشر مرة وعلى كنانة بن حمران مرة وانقطع إلى الغافقي فشجه الغافقي فكلمه وأطاف به خالد بن ملجم يجيبون إلى الوصية فقال : عليكم بناب العرب وحجرهم ولسنا من رجاله فأروه أنكم تزرعون ولا تزرعوا العام شيئا حتى تنكسر مصر فتشكوه إلى عثمان فيعزله عنكم....) ( 1 / 441)
و في موضع آخر :(6/69)
(ولما رجع الأمراء لم يكن للسبائية سبيل إلى الخروج من الأمصار فكاتبوا أشياعهم أن يتوافوا بالمدينة لينظروا فيما يريدون وأظهروا أنهم يأمرون بالمعروف وأنهم يسألون عثمان عن أشيياء لتطير في الناس ولتحقق عليه فتوافوا بالمدينة فأرسل عثمان رجلين من بني مخزوم ةمن بني زهرة فقال : انظرا ما يريدون وكانا ممن ناله من عثمان أدب فاصطبرا للحق ولم يضطغنا فلما رأوهما أتوهما وأخبروهما فقالا : من معكم على هذا من أهل المدينة قالوا : ثلاثة قالا : فكيف تصنعون قالوا : نريد أن نذكر له أشاء قد زرعناها في قلوب الناس ثم نرجع إليهم ونزعم لهم أنا قررناه بها فلم يخرج منها ولم يتب ثم نخرج كأننا حجاج حتى نقدم فنحيط به فنخلعه فإن أبى قتلناه
فرجعا إلى عثمان بالخبر فضحك وقال : اللهم سلم هؤلاء فإنك إن لم تسلمهم شوا . فأما عمار فحمل علي عباس بن أبي لهب وعركه وأما محمد بن أبي بكر فإنه أعجب حتى رأى أن الحقوق لاتلزمه وأما ابن سارة فإنه يتعرض للبلاء
وأرسل إلى المصرين والكوفيين ونادى : الصلاة جامعة - وهم عنه في أصل المنبر - فأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه وأخبرهم بالأمر وقام الرجلان فقال الناس : اقتل هؤلاء فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من دعا إلى نفسه أو إلى أحد وعلى الناس إمام فعليه لعنة الله فاقتلوه "
وقال عثمان : بل نعفو ونقبل ونبصرهم بجهدنا إن هؤلاء قالوا : أتم الصلاة في السفر وكانت لا تتم إلا وإني قدمت بلدا فيه أهلي فأتتمت لهذا
قالوا : وحميت الحمى وإني والله ما حميت إلا حمى قبلي وإني قد وليت وإني لأكثر العرب بعيرا وشاء فمالي اليوم غير بعيرين لحجتي أكذلك قالوا : نعم
قال : وقالوا : كان القرآن كتبا فتركها إلا واحدا ألا وإن القرآن واحد جاء من عند واحد وإنما أنا في ذلك تابع هؤلاء أكذلك قالوا : نعم(6/70)
وقالوا : إني رددت الحكم وقد سيره رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ثم رده فرسول الله صلى الله عليه وسلم سيره وهو رده أفكذاك قالوا : نعم
وقالوا : استعملت الأحداث . ولم أستعمل إلا مجتمعا مرضيا وهؤلاء أهل عملي فسلوهم وقد ولى من قبلي أحدث منه وقيل في ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أشد مما قيل لي في استعماله أسامة أكذلك قالوا : نعم
وقالوا : إني أعطيت ابن أبي سرح ما أفاء الله عليه وإني إنما نفلته خمس الخمس فكان مائة ألف وقد نفل مثل ذلك أبو بكر وعمر وزعم الجند أنهم يكرهون ذلك فرددته عليهم وليس ذلك لهم أكذلك قالوا : نعم
وقالوا : إني أحب أهلي وأعطيهم فأما حبهم فلم يوجب جورا وأما إعطاؤهم فإنما أعطيهم من مالي . ولا أستحل أموال المسلمين لنفسي ولا لأحد . وكان قد قسم ماله وأرضه في بني أمية وجعل ولده كبعض من يعطى
قال : ورجع أولئك إلى بلادهم وعفا عنهم قال : فتكاتبوا وتواعدوا إلى شوال فلما كان شوال خرجوا كالحجاج حتى نزلوا بقرب المدينة فخرج أهل مصر في أربعمائة وأمراؤهم عبد الرحمن بن عديس البلوي وكنانة بن بشر الليثي وسودان بن حمران السكوني وقتيرة السكوني ومقدمهم الغافقي بن حرب العكي ومعهم ابن السوداء
وخرج أهل الكوفة في نحو عدد أهل مصر فيهم زيد بن صوجان العبدي والأشتر النخعي وزياد بن النضر الحارثي وعبد الله بن الأصم ومقدمهم عمرو بن الأصم
وخرج أهل البصرة وفيهم حكيم بن جبلة وذريح بن عباد العبديان وبشر بن شريح القيسي وان محرش الحنفي وعليهم حرقوص بن زهير السعدي....) ( 1 / 442)
و الحافظ ابن كثير الدمشقي رحمه الله في البداية و النهاية حيث قال :(6/71)
(وَقَالَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ التَّمِيمِيُّ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ وَأَبِي حَارِثَةَ وَأَبِي عُثْمَانَ - وَقَالَهُ غَيْرُهُمْ أَيْضًا - قَالُوا: لَمَّا كَانَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ، خَرَجَ أَهْلُ مِصْرَ فِي أَرْبَعِ رِفَاقٍ عَلَى أَرْبَعَةِ أُمَرَاءَ؛ الْمُقَلِّلُ لَهُمْ يَقُولُ: سِتُّمِائَةٍ. وَالْمُكَثِّرُ يَقُولُ: أَلْفٌ. عَلَى الرِّفَاقِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُدَيْسٍ الْبَلَوِيُّ، وَكِنَانَةُ بْنُ الجزء العاشر بِشْرٍ التُّجِيبِيُّ، وَعُرْوَةُ بْنُ شُيَيْمٍ اللِّيثِيُّ، وَسَوْدَانُ بْنُ حُمْرَانَ السُّكُونِيُّ، وَقُتَيْرَةُ السُّكُونِيُّ، وَعَلَى الْقَوْمِ جَمِيعًا الْغَافِقِيُّ بْنُ حَرْبٍ الْعَكِّيُّ، وَخَرَجُوا فِيمَا يُظْهِرُونَ لِلنَّاسِ حُجَّاجًا، وَمَعَهُمُ ابْنُ السَّوْدَاءِ، وَكَانَ أَصْلُهُ ذِمِّيًّا، فَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ وَأَحْدَثَ بِدَعًا قَوْلِيَّةً وَفِعْلِيَّةً - قَبَّحَهُ اللَّهُ -) ( 7 / 173 )
و في موضع آخر :(6/72)
(ثُمَّ حَدَثَ هَذَا الْحَدَثُ الَّذِي جَرَّهُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ أَقْوَامٌ طَلَبُوا هَذِهِ الدُّنْيَا، وَحَسَدُوا مَنْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا، وَعَلَى الْفَضِيلَةِ الَّتِي مَنَّ بِهَا، وَأَرَادُوا رَدَّ الْإِسْلَامِ وَالْأَشْيَاءِ عَلَى أَدْبَارِهَا، وَاللَّهُ بَالِغُ أَمْرِهِ. ثُمَّ قَالَ: أَلَا إِنِّي مُرْتَحِلٌ غَدًا فَارْتَحِلُوا، وَلَا يَرْتَحِلُ مَعِي أَحَدٌ أَعَانَ عَلَى عُثْمَانَ بِشَيْءٍ مِنْ أُمُورِ النَّاسِ. فَلَمَّا قَالَ هَذَا اجْتَمَعَ مِنْ رُءُوسِهِمْ جَمَاعَةٌ؛ كَالْأَشْتَرِ النَّخَعِيِّ، وَشُرَيْحِ بْنِ أَوْفَى، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَبَأٍ، الْمَعْرُوفِ بِابْنِ السَّوْدَاءِ، وَسَالِمِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، وَعِلْبَاءَ بْنِ الْهَيْثَمِ، وَغَيْرِهِمْ فِي أَلْفَيْنِ وَخَمْسِمِائَةٍ وَلَيْسَ فِيهِمْ صَحَابِيٌّ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. فَقَالُوا: مَا هَذَا الرَّأْيُ ؟ وَعَلِيٌّ وَاللَّهِ أَبْصَرُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَهُوَ مِمَّنْ يَطْلُبُ قَتَلَةَ عُثْمَانَ، وَأَقْرَبُ إِلَى الْعَمَلِ بِذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ مَا سَمِعْتُمْ، غَدًا يَجْمَعُ عَلَيْكُمُ النَّاسَ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ أَنْتُمْ، فَكَيْفَ بِكُمْ وَعَدَدُكُمْ قَلِيلٌ فِي كَثْرَتِهِمْ ؟ فَقَالَ الْأَشْتَرُ: قَدْ عَرَفْنَا رَأْيَ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ فِينَا، وَأَمَّا رَأْيُ عَلِيٍّ فَلَمْ نَعْرِفُهُ إِلَى الْيَوْمِ، فَإِنْ كَانَ قَدِ اصْطَلَحَ مَعَهُمْ فَإِنَّمَا اصْطَلَحُوا عَلَى دِمَائِنَا، فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ هَكَذَا أَلْحَقْنَا عَلِيًّا بِعُثْمَانَ، فَرَضِيَ الْقَوْمُ مِنَّا بِالسُّكُوتِ. فَقَالَ ابْنُ السَّوْدَاءِ: بِئْسَ مَا رَأَيْتَ، لَوْ قَتَلْنَاهُ قُتِلْنَا، فَإِنَّا يَا مَعْشَرَ قَتَلَةِ عُثْمَانَ فِي أَلْفَيْنِ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ(6/73)
وَأَصْحَابُهُمَا فِي خَمْسَةِ آلَافٍ، وَلَا طَاقَةَ لَكُمْ بِهِمْ، وَهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُونَكُمْ. فَقَالَ عِلْبَاءُ بْنُ الْهَيْثَمِ: دَعُوهُمْ وَارْجِعُوا بِنَا حَتَّى نَتَعَلَّقَ بِبَعْضِ الْبِلَادِ فَنَمْتَنِعَ بِهَا. فَقَالَ ابْنُ السَّوْدَاءِ: بِئْسَ مَا قُلْتَ، إِذًا وَاللَّهِ كَانَ يَتَخَطَّفُكُمُ النَّاسُ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ السَّوْدَاءِ، قَبَّحَهُ اللَّهُ: يَا قَوْمِ إِنَّ عِزَّكُمْ فِي خُلْطَةِ النَّاسِ، فَإِذَا الْتَقَى النَّاسُ فَأَنْشِبُوا الْقِتَالَ، وَلَا تُفَرِّغُوهُمْ لِلنَّظَرِ، فَمَنْ أَنْتُمْ مَعَهُ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ أَنْ يَمْتَنِعَ، وَيَشْغَلُ اللَّهُ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَمَنْ مَعَهُمَا عَمَّا تَكْرَهُونَ.... ) (7 / 239 )
فهذا المنافق الذي أظهر الإسلام هو أساس الفتنة التي وقعت بين المسلمين، و هو من أفسد عقائد المسلمين عليه من الله ما يستحق...
&&
الذي افترى هذه الدعوى هو أحد المستشرقين في القرن التاسع عشر، ثم استوردها أحد علمائهم المعاصرين (ويدعى مرتضى العسكري) قبل خمسين عاماً تقريباً، وهو لا يزال على قيد الحياة. وقد طار الشيعة فرحا بهذه الدعوى لأنها تزيل عنهم وصمة الانتساب إلى الرجل الذي أراد أمير المؤمنين رضي الله عنه إحراقه بالنار، وعلاوة على ذلك فهي تعني أن تواريخ أهل السنة باطلة.
وكتم هذا المهرج الكبير النصوص الكثيرة المذكور فيها عبدالله بن سبأ في أوثق كتبهم!! وهي مذكورة في كتاب الشيخ سليمان العودة وفقه الله
فاسأل هذا الشيعي سؤالا واحداً لا غير
قل له : أتحداك أن تأتي بنص لعالم من علمائكم القدماء، بشرط أن يكون قد مات قبل سنة 1300 هجرية، ينكر فيها وجود عبدالله بن سبأ!!
&&
قال الشيخ الفاضل سليمان الخراشيّ في بيانه فواقر وعواقر ابن فرحان المالكيّ :(6/74)
وهذا التكذيب بوجود ابن سبأ أو التشكيك في دوره ، قد سرقه الزيدي المالكي من أسلافه الروافض وممن تابعهم من أذناب المستشرقين.
وممن اشتهر بهذا التكذيب وصنف فيه: الرافضي مرتضى العسكري في كتابه (عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى) والدكتور عبد العزيز الهلابي – هداه الله – الذي أهدى له المالكي كتابه (نحو إنقاذ ! التاريخ) ! حيث نشر بحثاً بعنوان (عبد الله بن سبأ دراسة للمرويات التاريخية عن دوره في الفتنة) قال في خاتمته (ص 73): "والذي نخلص إليه في بحثنا هذا أن ابن سبأ شخصية وهمية لم يكن لها وجود"!!
وقبلهم أنكر عبد الله بن سبأ: برنارد لويس في (أصول الإسماعيليين والإسماعيلية) ، وفلهوزن في (الخوارج والشيعة) ، وصاحب كتاب (التشيع ظاهرة طبيعية في إطار الدعوة الإسلامية) ،ومحمد كامل حسين في (آداب مصر الفاطمية) ومحمد جواد مغنية في كتابه (التشيع).
وقال طه حسين – سلف المالكي في تشكيكه بابن سبأ! - في كتابه (الفتنة الكبرى ، عثمان) (ص 132 – 134):
"ولست أدري أكان لابن سبأ خطر أيام عثمان أم لم يكن ، ولكني أقطع أن خطره ، إن كان له خطر ، ليس ذا شأن. وما كان المسلمون في عصر عثمان ليعبث بعقولهم وآرائهم وسلطانهم طارئ من أهل الكتاب أسلم أيام عثمان ، ولم يكد يسلم حتى انتدب لنشر الفتنة وإذاعة الكيد في جميع الأقطار.
وأكبر الظن أن عبد الله بن سبأ هذا – إن كان ما يروى عنه صحيحاً – إنما قال ما قال ودعا [إلى] ما دعا إليه بعد أن كانت الفتنة وعظم الخلاف ، فهو قد استغل الفتنة ولم يثرها …"
وقد رد على هؤلاء جمع من المحققين ، من أبرزهم: الشيخ سليمان العودة في رسالته (عبد الله بن سبأ وأثره في إحداث الفتنة في صدر الإسلام) ، ثم في تعقيبه على المالكي المنشور بعنوان (الإنقاذ من دعاوى الإنقاذ).
وكذا الأستاذ سعدي الهاشمي في كتابه (ابن سبأ حقيقة لا خيال) وكذا الشيخ سعود العقيلي في كتابه (رسائل العدل والإنصاف).(6/75)
ومن العجائب أن أحد الرافضة المعاصرين وهو محمد علي المعلم ، قد قام بالرد على مرتضى العسكري الرافضي ، مفنداً دعاويه في إنكاره لابن سبأ! وذلك في كتابه (عبد الله بن سبأ الحقيقة المجهولة) قال في مقدمته: "وقد حاول السيد! مرتضى العسكري – ولا ندري بأي دافع- أن يثبت أن عبد الله بن سبأ شخصية خرافية وأسطورة لا حقيقة لها صنعها خيال أحد الرواة وهو سيف بن عمر التميمي" (ص 4).
ثم قام الرافضي بإثبات وجود ابن سبأ من خلال وروده في كتب الرافضة أنفسهم.
فعجباً للمالكي! كيف يأنف من شيء لم يأنف منه أسلافه الرافضة؟!
قلت: وأنا لست بصدد الرد على المالكي في هذه المسألة ، إنما أحب أن أبين للقارئ أن المالكي مجرد ناقل للآراء السقيمة عن غيره ، ومنها هذا الرأي حول ابن سبأ.
وقد أثبت هذا جماعة ممن تحاوروا مع المالكي ، قال الأستاذ حسن الهويمل: "وظاهرة الانتحال في الشعر العربي التي التقطها مرجليوث حين حقق كتاب الحموي تعيد نفسها بشكل آخر مع حسن المالكي ، ومع سلفه الذين أمدوه بالمادة والمنهج"
وقال عن المالكي بأنه "لم ينفرد بشيء" ، وأنكر على الهلابي والمالكي بأنهما "يعيدان ما قاله غيرهما من إنكار لهذه الشخصيات ، أما كان يكفيهما الإشارة إلى هذه النتائج والاشتغال بما هو أهدى وأجدى؟" (جريدة الرياض، عدد 10606).
قلت: قد يصدق هذا على الهلابي ، أما المالكي فإنه يصدر عن عقيدة توافقها مثل هذه الأبحاث التي يرى أنها لن تقبل لدينا لو جاءت من رافضي (واضح) ، بخلاف هذا المستتر بالسلفية!!
وقال الدكتور محمد العزام في رده على أفكار المالكي: "إنها أفكار العسكري ، وبخاصة دعوى أن القعقاع من مخترعات سيف ، فلو رآها لقال: أهلاً وسهلاً! بضاعتنا ردت إلينا".(6/76)
وقال أيضاً: "الحقيقة أن هذه الأفكار منشورة منذ سنة 1375هـ وكان ينبغي أن تنسب إلى صاحبها بالعبارة الصريحة والتوثيق اللازم ، هذا مع أن كلامه – أي المالكي – في الثناء على أبحاث المستشرقين والمبتدعة يدل على أنه وجد الأفكار لديهم ناضجة متكاملة. وهذا هو الواقع ، فكثير مما لديه يوجد في كتب مرتضى العسكري الذي قتل هذا القضايا بحثاً وأفرد لها عدة كتب ، ولم أجده يخالفه في شيء أو يرد عليه! فهذا تناقض واضح بين الثناء على البحوث وإنكار الاعتماد عليها".
وقال أيضاً: "وكثير من الأفكار التاريخية التي ينشرها الأخ!! المالكي موجود في هذا الكتاب المذهبي – أي كتاب العسكري – مع الإقرار باختلاف طريقة العرض والاستدلال ، وبعض الإضافات".
وقال أيضاً: "وجدت في كتابات الأستاذ! كثيراً من أساليب التعتيم على العسكري ، فتراه يذكر اسمه دون كتابه ، أو كتابه دون اسمه ويقول: "توصل إلى النتائج نفسها التي توصل إليها الدكتور الهلابي !! كأن الأبحاث متزامنة ! مع أنه قد توصل إليها منذ خمسين عاماً ، ونشرها منذ ثلاثة وأربعين عاماً"!
ولما حاول المالكي التعمية على مصدره وأنه الرافضي مرتضى العسكري قال له الدكتور العزام:
"ولقد بذل الأستاذ! غاية جهده في هذا الكلام للتعمية على العسكري مرة أخرى ، فأنكر الاعتماد على الكتب المطبوعة ، وأدرج اسمه بين باحثين أكثرهم من هذه البلاد ، ولم يذكر اسمه كاملاً ولا أسماء كتبه التي اطلع عليها ، وجعل الأمر من باب الاطلاع المعتاد. وهو لا يخفى عليه بالطبع تواريخ صدور الكتب ولا المقارنة بين الأفكار ومعرفة صاحب النظرية من بينهم"
ولما اكتشف الأستاذ عبد الحميد فقيهي حقيقة سرقة المالكي ، رد عليه المالكي بأن "هذا الربط لو صح لما ضر البحث شيئاً ، فالحكمة ضالة المؤمن"! قال العزام "قوله "لو صح" فيه تهرب واضح لأنه لا يدل على إقرار ولا إنكار".(6/77)
أخيراً: نعى الدكتور العزام على المالكي الذي يتبجح في أبحاثه مُعَرِّضاً بالآخرين بأنهم ليسوا أصحاب أمانة ! وينسى هذا اللص نفسه!
أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم .
ياأيها الرجل المعلّم غيره هلاّ لنفسك كان ذا التعليم!
&&
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
http://www.iu.edu.sa/Magazine/46/13.htm
ابن سبأ حقيقة لا خيال
للدكتور سعدي الهاشمي
أستاذ مساعد بكلية الحديث الشريف
إن الحمد لله نحمده ونستيعنه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
فلقد اتفق المحدثون وأهل الجرح والتعديل والمؤرخون وأصحاب كتب الفرق، والملل والنحل والطبقات والأدب، والكتب الخاصة في بعض فنون العلم على وجود شخصية خبيثة يهودية، تلك هي شخصية عبد الله بن سبأ الملقب بابن السوداء الذي قام بدور خطير، وبذر الشر المستطير بين المنافقين والشعوبيين ومن في نفسه أهواء وأغراض، أظهر الإسلام في عهد عثمان رضي الله عنه، وأظهر الصلاح والتقرب من علي رضي الله عنه ومحبته، وطاف بلاد المسلمين ليلفتهم عن طاعة الأئمة فبدأ بالحجاز ثم بالبصرة ثم بالكوفة، ثم دخل دمشق فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام، فأخرجوه فذهب إلى مصر واستقر بها، وأخذ يراسل ويكاتب بعض المنافقين والحاقدين الناقمين على خليفة المسلمين، وجمع حوله الأعوان، ونظمهم وأخذ يبث بينهم معتقده الخبيث، ودربهم على روح التمرد والإنكار حتى تجرؤوا على قتل ثالث الخلفاء وصهر المصطفى صلى الله عليه وسلم جامع القرآن عثمان بن عفان شهيد الدار رضي الله عنه وأرضاه.. ولم يرعوا حرمة حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبالوا بتلاوته للقرآن ولا الشهر الحرام.(6/78)
ولم ينكر هذا من له حظ من علم، ومسكة من عقل إلى في العصر الحاضر من هذا القرن، وهم نفر قليل ما بين مستشرق حاقد ومتابع لهم ومتقرب الزلفى لمدارسهم وفكرهم من أبناء جلدتنا الذين يتكلمون بألسنتنا، ومسلم جاهل أو منكر مكابر من بعض شيعة اليوم، وهؤلاء جميعا جانبوا الحق الصريح وتمسكوا بأقوال متنافضة هي أوهى من بيت العنكبوت.
موقف المستشرقين
أما المستشرقون فأنكروه وقالوا إنه شخصية وهمية تخيلها محدثوا القرن الثاني ومن هؤلاء المستشرقين الذين أنكروه اليهودي الإنكليزي الدكتور برنارد لويس LEWIS,B.[1]، ويوليوس فلهوزن WELLHAUSEN,J[2] اليهودي الألماني الذي بدأ دراسته باللاهوت، وفرييد لاندر FERIEDLAENDER[3] الأمريكي، والأمير كايتاني CAETANI LEONE[4] الإيطالي.
ومن المعلوم عند العقلاء المنصفين أن ديننا وعقيدتنا وتاريخنا وما يتعلق بتراثنا لا يمكن أن نعتمد فيه على تقولات ودراسات هؤلاء الحاقدين الذين ينضوون تحت راية الحروب الصليبية بمنهج وأسلوب فكري، لا أسلوب السيف والبارود ولو كانوا أصحاب نوايا صادقة لشرح الله صدورهم بالإيمان لما أطلعوا على صفاء الإسلام ونقاء ثوبه، ولكنهم كرسوا جهودهم وأفنوا حياتهم في إلقاء الشبهات والشكوك والضلال والريب بكل ما يتعلق بالقرآن والسنة والعقائد والنظم الإسلامية والتاريخ الإسلامي، ومعظم هؤلاء المستشرقين من القسس واليهود، وأعمالهم ومناهجهم تنظم ما بين الكنيسة ودوائر المخابرات ووزارات الخارجية إلا أفرادا هوايتهم العلم والبحث وهم قلة قليلة.
أتباع المستشرقين
أما أتباع المستشرقين الذين خدعوا بهم وغرهم منهجهم العلمي المزعوم فيرددون ما يطرحون من أفكار ودراسات ويدندنون حول معتقداتهم لينالوا الزلفى منهم وعلى رأسهم الدكتور طه حسين[5]، الذي غذى حجيرات مخه بفكر المستشرقين حتى كان يقول : "إنني أفكر بالفرنسية وأكتب بالعربية"[6].(6/79)
ويكفيه خزيا أنه كان مطية لليهود، فدعاة الشيوعية في مصر في مطلع هذا العصر كانوا يهودا وهم "هنري كوريل، وراؤول كوريل، وريمون أجيون" وكانوا هؤلاء وغيرهم يمولون الحركات الشيوعية بالمال وقيل بالجنس أيضا، وقد تعاقدوا مع الدكتور طه حسين على إصدار مجلة الكاتب المصري، وكان الدكتور طه حسين قد أعلن تأييده لمفهوم اليهودية التلمودية باكرا حين أنكر وجود إبراهيم وإسماعيل وكذب القرآن والتوراة ولم يكن يُعرف في هذا الوقت الباكر أن ذلك تمهيد لتحقيق أهداف الصهيونية[7] وغير ذلك من الأفكار والضلالات التي لم يجرؤ حتى المستشرقون بالإفصاح والإعلان عنها[8].
أضواء على طه حسين
ومن المعلوم عن طه حسين أن أباه جاء إلى صعيد مصر - مدير المنيا - من بلد غير معلوم من المغرب وكان يعمل وزّانا في شركة يهودية للسكر، وطه حسين هو الذي تبنى إصدار قرار بتعيين الحاخام اليهودي (حاييم ناحوم أفندي) حينذاك عضوا في مجمع اللغة العربية في القاهرة ليكون عينا على المفكرين ورجال اللغة، كما أنه عين عددا من الأساتذة الأجانب في كلية الآداب استوردهم وبعضهم يهود وكلهم كانوا يحاربون الإسلام أو يشككون فيه، وأول دكتوراه منحتها (كلية الآداب) في جامعة القاهرة تحت إشراف الدكتور طه حسين كانت بعنوان (القبائل اليهودية في البلاد العربية) تقدم بها (إسرائيل ولفنسون) عميد جامعة هاداسا في تل أبيب الآن[9].
بعد هذه الأضواء التي تظهر لنا بوضوح ولاء الدكتور طه حسين لليهود لا نستغرب من إفكاره لابن سبأ، يقول طه حسين: إن أمر السبإية وصاحبهم ابن السوداء إنما كان متكلفا منحولا قد اختُرع بأضَرَة فحين كان الجدال بين الشيعة وغيرهم من الفرق الإسلامية، أراد خصوم الشيعة أن يدخلوا في أصول هذا المذهب عنصرا يهوديا إمعانا في الكيد لهم والنيل منهم… الخ كلامه[10].
أدلة الدكتور طه حسين(6/80)
ويستدل على ما ذهب إليه أن البلاذري لم يذكر شيئا عن ابن السوداء ولا أصحابه في أمر عثمان.
ثم يستغرب الدكتور طه حسين كيف أن حادثة تحريق عليّ للذين ألهوه والتي ذكرها الطبري كيف لم يذكرها بعض المؤرخين ولم يؤقتها، وإنما أهملوها إهمالا تاما[11].
الرد عليه
أما عدم ذكر البلاذري لابن سبأ فلا يعني أسطورة وجوده، لأنه قد يذكر بعض المؤرخين ما لا يذكره البعض الآخر منهم، ثم هل التزم البلاذري بذكر كل الوقائع والأحداث؟ وربما لو ذكر البلاذري أخبار ابن سبأ وأصحابه لقال البلاذري لا يعتمد على أخباره لأنه غير متفق على توثيقه[12].
أما حادثة تحريق علي رضي الله عنه للذي ألهوه فسنذكرها في موقف الإمام علي من عبد الله بن سبأ وأصحابه، حيث ذُكرت في أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل وهذه الروايات تغني عن الروايات التاريخية، إضافة إلى ذلك فقد ذكرت في الكتب الموثقة عند الشيعة.
الدكتور محمد كامل حسين
واعتبر الدكتور محمد كامل حسين قصة ابن سبأ أقرب إلى الخرافات منها إلى أي شيء آخر[13]، متابعا في ذلك الدكتور طه حسين، ولم يذكر أي دليل لما يراه.
الدكتور حامد حفني داود
وكذلك يرى الدكتور حامد حفني داود رئيس قسم اللغة العربية بجامعة عين شمس أن ابن سبأ من أعظم الأخطاء التاريخية التي أفلتت من زمام الباحثين وغمّ عليهم أمرها فلم يفقهوها ويفطنوا إليها، هذه المفرتيات التي افتروها على الشيعة حتى لفقوا عليهم قصة عبد الله بن سبأ فيما لفقوه واعتبروها مغمزا يغمزون به عليهم[14].
الرد عليهم
والدكتور حامد هذا أحد المخدوعين بفكرة التقريب، بل أحد الدعاة إليها، فلا يستغرب منه هذا الكلام ما دام يتقرب من المشككين بكتاب الله والطاعنين في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين ينالون من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن أمثال مرتضى العسكري صاحب كتاب (خمسون ومائة صحابي مختلق) وكتاب (أحاديث أم المؤمنين عائشة).
الشيعة الذين ينكرون ابن سبأ(6/81)
أما الشيعة في العصر الحاضر فينكرون وجود ابن سبأ، والسبب الحقيقي لإنكارهم إياه عقيدته، التي بثها وتسربت إلى فرق الشيعة حتى المتأخرة منها، وسنذكر أقوال وآراء المنكرين ثم نثبت وجوده وعقيدته من المصادر المعتمدة عند الشيعة.
محمد جواد مغنية وابن سبأ
عبد الله بن سبأ في نظر الشيخ محمد جواد مغنية هو البطل الأسطوري الذي اعتمد عليه كل من نسب إلى الشيعة ما ليس له به علم وتكلم عنهم جهلا وخطأ أو نفاقا وافتراء[15].
مرتضى العسكري وابن سبأ
وزعم مرتضى العسكري أنه ناقش جميع من ذهبوا إلى وجود عبد الله بن سبأ وخرج بنتيجة هي أن ابن سبأ (شخصية وهمية خرافية ابتدعها واختلقها سيف بن عمر)[16]وصنف كتابا خاصا بابن سبأ بعنوان (عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى).
الدكتور علي الوردي وابن سبأ
وأما الدكتور علي الوردي صاحب (وعاظ السلاطين) فيرى أن ابن سبأ هو نفسه عمار بن ياسر ويستدل على ذلك بما يلي:
1- أن ابن سبأ كان يكنى بابن السوداء ومثله في ذلك عمار بن ياسر.
2- كان عمار من أب يماني، ومعنى هذا أنه كان من أبناء سبأ فكل يماني يصح أن يقال عنه أنه ابن سبأ.
3- وعمار فوق ذلك كان شديد الحب لعلي بن أبي طالب يدعو له ويحرض الناس على بيعته في كل سبيل.
4- وقد ذهب عمار في أيام عثمان إلى مصر وأخذ يحرِّض الناس هناك على عثمان فضج الوالي منه وهم بالبطش به.
5- وينسب إلى ابن سبأ قوله: إن عثمان أخذ الخلافة بغير حق وإن صاحبها الشرعي هو علي بن أبي طالب.
6، 7- قضايا تتعلق بدور عمار في حرب الجمل، وفي علاقته مع أبي ذر الغفاري، ويستخلص الوردي أن ابن سبأ لم يكن سوى عمار بن ياسر، فقد كانت قريش تعتبر عمارا رأس الثورة على عثمان، ولكنها لم تشأ في أول الأمر أن تصرح باسمه، فرمزت عنه بابن سبأ أو ابن السوداء، وتناقل الرواة هذا الرمز غافلين وهم لا يعرفون ماذا كان يجري وراء الستار[17].(6/82)
ويقول الدكتور: ويبدو أن هذه الشخصية العجيبة اختُرعت اختراعا وقد اخترعها أولئك الأغنياء الذين كانت الثورة موجهة ضدهم[18].
الدكتور كامل الشيبي وابن سبأ
ثم يأتي بعد الوردي كاتب آخر هو الدكتور كامل مصطفى الشيبي الذي تابع الوردي في أوهامه وخبطه العشوائي وحاول أن يعزّز ما ذهب إليه بإيراد نصوص تثبت القضايا التي وردت في محتوياته، وتابع كذلك الدكتور طه حسين في حرق الإمام علي رضي الله عنه للسبئية فيقول: أما قضية إحراق علي المزعوم للسبئية فإنه خبر مختلق من أساسه ولم يرد على صورة فيها ثقة في كتاب معتبر من كتب التاريخ.
ولعل أصل هذا الحادث يتصل بإحراق خالد بن عبد الله القسري بيانا وخمسة عشر من أتباعه الغلاة، ثم لما تقدم بها الزمن زحزحت الحادثة إلى الأمام قليلا حتى اتصلت بعلي[19].
الرد على الوردي والشيبي
أما ما ذهب إليه الوردي وتابعه الشيبي وغيره بأن عبد الله بن سبأ هو نفسه عمار بن ياسر فكُتُب الجرح والتعديل والرجال الموثقة عند الشيعة ترد على هذا القول وذلك أن كتبهم ذكرت ترجمة عمار بن ياسر في أصحاب الإمام علي رضي الله عنه والرواة عنه، وتعده من الأركان الأربعة[20]، وذكرت ترجمة عبد الله بن سبأ وتذكر اللعنة عليه، وتمدح عمارا فكيف نجمع بين هاتين الترجمتين[21].
وأما تحريق السبئية فسوف نذكر الأدلة الصحيحة في موقف الإمام منهم.
الدكتور عبد الله فياض وابن سبأ
وكذلك أنكره الدكتور عبد الله فياض في كتابه تاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة، وهو كتاب مطعم بآراء المستشرقين، وكان المشرف عليه الدكتور قسطنطين زريق أحد أساتذة دائرة التاريخ بالجامعة الإمريكية ببيروت.(6/83)
يقول الدكتور فياض: يبدو أن ابن سبأ كان شخصية إلى الخيال أقرب منها إلى الحقيقة، وأن دوره - إن كان له دور - قد بولغ فيه إلى درجة كبيرة لأسباب دينية وسياسية، والأدلة على ضعف قصة ابن السوداء كثيرة[22]. ويستدل بما ذهب إليه مرتضى العسكري من اتهام سيف بن عمر البرجمي (ت170هـ) باختلاق هذه الشخصية، ويزعم التناقض والمبالغة في الروايات، ويعزز موقفع برأي الوردي، ومتابعة الشيبي.
طالب الرفاعي وابن سبأ
ويظهر بعد هؤلاء المدعو طالب الحسيني الرفاعي فيقول في حاشيته على مقدمة محمد باقر لكتاب تاريخ الإمامية والتي طبعها تاجر الكتب الخانجي بالقاهرة سنة 1397هـ/1977م باسم (التشيع ظاهرة طبيعية في إطار الدعوة الإسلامية) على أنه لو كان ابن سبأ هذا حقيقة تاريخية ثابتة فعلا، فإنه - كما سنذكره مفصلا في مبحث خاص به - لا صلة إطلاقا بين أفكاره وبين ما اشتملت عليه عقيدة الشيعة من الوصية لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لأنها قائمة على روايات في صحاح الفريقين من السنة والشيعة، كما هي موجودة أيضا في كتب الفريقين في التفسير والتاريخ وأصول الاعتقاد. ومن ثم فالقول بأن التشيع نتيجة من نتائج الفكرة السبئية - كما يدعى - رأي باطل"[23].
ولا يستغرب هذا الكلام من هذا الرجل الذي زعم أن أول من قال بالرجعة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأنه قال :"إن الرسول صلى الله عليه وسلم: لم يمت ولن يموت"، إضافة إلى افتراءاته وضلالاته وتزييفه للحقائق الثابتة الصحيحة.
الرد على الأقوال وعرض لمصادر ترجمة ابن سبأ
هذه أقوال بعض شيعة العصر الحاضر، وكأنهم لم ينظروا في كتب عقائدهم وفرقهم، ومروياتهم ورجالهم وكتب الجرح والتعديل عندهم.(6/84)
وهذه طائفة من الكتب الموثقة عند الشيعة التي ذكرت عبد الله بن سبأ ومزاعمه وعقيدته والتي حملت الإمام عليا رضي الله عنه وأهل بيته الطاهرين على تكذيب ابن سبأ والتبرؤ منه ومن أصحابه السبئية وما نسبه إلى أهل البيت.
أول هذه المصادر المهمة النادرة التي ذكر فيها ابن سبأ (رسالة الإرجاء) للحسن بن محمد بن الحنفية الفقيه الموثق الذي كان يقول: "من خلع أبا بكر وعمر فقد خلع السنة"، المتوفى سنة خمس وتسعين للهجرة[24] والتي رواها عنه الثقات من الرجال عند الشيعة.
ثانيا: كتاب المقالات والفرق لسعد بن عبد الله الأشعري القمي المتوفى سنة 301 هـ وهو مطبوع في طهران سنة 1963م.
ثالثا: فرق الشيعة لأبي محمد الحسن بن موسى النوبختي من أعلام القرن الثالث الهجري طبعة كاظم الكتبي في النجف عدة طبعات وكذا طبعة المستشرق ريتر في استانبول /1931م.
رابعا: رجال الكشي لأبي عمرو محمد بن عبد العزيز الكشي وهو معاصر لابن قولويه المتوفى سنة 369هـ ط مؤسسة الأعلمي للمطبوعات كربلاء.
خامسا: رجال الطوسي لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة 460هـ ط الأولى النجف 1381هـ/1967م نشر محمد كاظم الكتبي.
سادسا: شرح ابن أبي الحديد لنهج البلاغة لعز الدين أبي حامد عبد الحميد بن هبة الله المدائني الشهير بابن أبي الحديد المعتزلي الشيعي المتوفى سنة 656هـ ط الأولى الميمنية 1326هـ وغيرها.
سابعا: الرجال للحسن بن يوسف الحلي المتوفى سنة 726هـ طبعة طهران 1311هـ/ وطبعة النجف 1961م.
ثامنا: روضات الجنات لمحمد باقر الخوانساري المتوفى سنة 1315هـ طبعة إيران 1307هـ.
تاسعا: تنقيح المقال في أحوال الرجال للشيخ عبد الله المامقاني المتوفى سنة 1350هـ، طبعة النجف 1350هـ في المطبعة المرتضوية.
عاشرا: قاموس الرجال لمحمد تقي التستري منشورات مركز نشر الكتاب طهران 1382هـ.
حادي عشر: روضة الصفا تاريخ عند الشيعة معتمد بالفارسية ج2/ص292 طبعة إيران.(6/85)
ثاني عشر: دائرة المعارف المسماة بمقتبس الأثر ومجدد ما دثر لمحمد حسين الأعلمي الحائري ط 1388هـ/1868م في المطبعة العلمية بقم.
هذا ما تيسر لنا من كتب القوم التي اطلعنا عليها وهناك عدد كبير من كتبهم المخطوطة والمطبوعة فيها ذكر ابن سبأ والسبئية منها: (حل المشكل) لأحمد بن طاووس المتوفى سنة 673هـ، و (الرجال) لابن داود المؤلف سنة 707هـ، و(التحرير الطاووسي) للحسن بن زيد الدين العاملي المتوفى سنة 1011هـ، و (مجمع الرجال) للقهبائي المؤلف سنة 1016هـ، و(نقد الرجال) للتفرشي الذي ألفه سنة 1015هـ، و(جامع الرواة) للأردبيلي المؤلف سنة 1100هـ، و (موسوعة البحار) للمجلسي المتوفى سنة 1110هـ، وابن شهر آشوب المتوفى سنة 588هـ.
عقيدة ابن سبأ وضلالاته
بعد أن ذكرنا طائفة من كتب الشيعة الموثقة والمعتمدة عندهم نذكر أهم الأمور التي اعتقدها ابن سبأ وحمل أتباعه على الاعتقاد بها والدعوة إليها، وهكذا تسربت هذه الأفكار الضالة إلى فرق الشيعة، والسبب في استدلالنا في بيان معتقد هذا اليهودي من كتبهم ومن رواياتهم عن المعصومين عندهم.
لأنهم يقولون : "إن الاعتقاد بعصمة الأئمة جعل الأحاديث التي تصدر عنهم صحيحة دون أن يشترطوا إيصال سندها إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما هو الحال عند أهل السنة"[25].
ويقولون أيضا: "ولما كان الإمام معصوما عند الإمامية فلا مجال للشك فيما يقول"[26]، ويقول المامقاني : "إن أحاديثنا كلها قطعية الصدور عن المعصوم"[27].
وكتاب المامقاني من أهم كتب الجرح والتعديل عندهم.
بعد هذه الأقوال التي تُلزم القوم في قبول الأخبار المروية في مصنفاتهم نذكر أهم الضلالات التي نادى بها ابن سبأ وهي:
1- القول بالوصية: وهو أول من قال بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي، وأنه خليفته على أمته من بعده بالنص.
2- أول من أظهر البراءة من أعداء علي رضي الله عنه - بزعمه - وكاشف مخالفيه وحكم بكفرهم.(6/86)
والدليل على مقالته هذه ليس من تاريخ الطبري، ولا من طريق سيف بن عمر بل ما رواه النوبختي والكشي والمامقاني والتستري وغيرهم من مؤرخي الشيعة.
يقول النوبختي: "وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي عليه السلام أن عبد الله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ووالى عليا عليه السلام وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصيّ بعد موسى على نبينا وآله وعليهما السلام بالغلو، فقال في إسلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في علي عليه السلام بمثل ذلك وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام وأظهر البراءة من أعدائه، وكاشف مخالفيه - يقول النوبختي - فمن هنا قال من خالف الشيعة إن أصل الرفض مأخوذ من اليهود"[28]، وفي هذا المقام نشير إلى أن فكرة الوصية التي اعتمد عليها ابن سبأ ذكرت في التوراة في إصحاح (18) من سفر (تثنية الاشتراع) وفيه أنه لم يخلُ الزمان أبدا من نبي يخلف موسى ومن نوعه ولكل نبي خليفته إلى جانبه يعيش أثناء حياته.
ويقول النوبختي عند ذكره السبئية: أصحاب عبد الله بن سبأ وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم، وقال : إن عليا عليه السلام أمره بذلك[29].
3- كان أول من قال بألوهية وربوبية علي رضي الله عنه .
4- كان أول من ادعى النبوة من فرق الشيعة الغلاة.(6/87)
والدليل على ذلك ما رواه الكشي بسنده عن محمد بن قولويه القمي قال حدثني سعد بن عبد الله ابن أبي خلف القسي قال حدثني محمد بن عثمان العبدي عن يونس بن عبد الرحمن عن عبد الله بن سنان قال حدثني أبي عن أبي جعفر (ع) أن عبد الله بن سبأ كان يدعي النبوة وزعم أن أمير المؤمنين (ع) هو الله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، فبلغ ذلك أمير المؤمنين (ع) فدعاه وسأله فأقر بذلك وقال نعم أنت هو، وقد كان ألقي في روعي أنك أنت الله وأني نبي فقال له أمير المؤمنين (ع) ويلك قد سخر منك الشيطان فارجع عن هذا ثكلتك أمك وتب فأبى فحبسه واستتابه ثلاثة أيام فلم يتب فأحرقه بالنار - والصواب أنه نفاه إلى المدائن بعد أن شُفع له على ما سنبينه في موقف الإمام منه - وقال - أي الإمام - إن الشيطان استهواه فكان يأتيه ويلقي في روعه ذلك[30].
وروى الكشي بسنده أيضا عن محمد بن قولويه قال حدثني سعد بن عبد الله قال حدثني يعقوب بن يزيد ومحمد بن عيسى عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول وهو يحدث أصحابه بحديث عبد الله بن سبأ وما ادعى من الربوبية في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) فقال: "إنه لما ادعى ذلك استتابه أمير المؤمنين (ع) فأبى أن يتوب وأحرقه بالنار"[31].
5- كان ابن سبأ أول من أحدث القول برجعة علي رضي الله عنه إلى الدنيا بعد موته وبرجعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأول مكان أظهر فيه ابن سبأ مقالته هذه في مصر فكان يقول: العجب ممن يزعم أن عيسى يرجع ويكذب برجوع محمد وقال الله عز وجل : {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} فمحمد أحق بالرجوع من عيسى فقبل ذلك منه ووضع لهم الرجعة فتكلموا فيها [32].(6/88)
فإن لم يرض القوم برواية ابن عساكر الثقة التي رواها في تاريخه وكذا غيره فاسمع إلى ما قالته السبئية لمن أخبرهم بمقتل سيدنا علي رضي الله عنه ونعاه، قالوا: "كذبت يا عدو الله لو جئتنا - والله - بدماغه ضربةً فأقمت على قتله سبعين عدلا ما صدقناك ولعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل وأنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ويملك الأرض…الخ" [33]، وهذا الخبر ذكره سعد بن عبد الله الأشعري القمي صاحب كتاب المقالات والفرق الذي هو موضع ثقة عند الشيعة، ونقل النوبختي في فرق الشيعة مقالة السبئية وهي: "أن عليا لم يقتل ولم يمت ولا يقتل ولا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ويملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلماوجورا" [34].
بقي علينا في هذا المقام أن نعرف مفهوم عقيدة الرجعة عند الشيعة يقول محمد رضا المظفر: "إن الذي تذهب إليه الإمامية أخذا بما جاء عن آل البيت عليهم السلام أن الله تعالى يعيد قوما من الأموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها فيعز فريقا ويذل فريقا آخر، ويديل المحقين من المبطلين والمظلومين منهم من الظالمين، وذلك عند قيام مهدي آل محمد عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام ، ولا يرجع إلا من علت درجته في الإيمان أو من بلغ الغاية من الفساد ثم يصيّرون بعد ذلك إلى الموت، ومن بعده إلى النشور وما يسنحقونه من الثواب أو العقاب كما حكى الله تعالى في قرآنه الكريم تمني هؤلاء المرتجعين الذين لم يصلَحوا بالارتجاع فنالوا مقت الله أن يخرجوا ثالثا لعلهم يصلحون : {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ}[35].(6/89)
والتفسير الصحيح لهذه الآية ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه قوله: "هي مثل التي في البقرة: {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم ثم أخرجهم فأحياهم ثم يميتهم ثم يحييهم بعد الموت"، أخرجه الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه[36].
وعن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: "كنتم أمواتا قبل أن يخلقكم فهذه ميتة ثم أحياكم فهذه حياة ثم يميتكم فترجعون إلى القبور فهذه ميتة أخرى ثم يبعثكم يوم القيامة فهذه حياة فهما ميتتان وحياتان فهو كقوله: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}"[37].
6- ادعى ابن سبأ اليهودي أن عليا رضي الله عنه هو دابة الأرض وأنه هو الذي خلق الخلق وبسط الرزق.
قال ابن عساكر: روى الصادق عن آبائه الطاهرين عن جابر قال: "لما بويع علي رضي الله عنه خطب الناس فقام إليه عبد الله بن سبأ فقال له: "أنت دابة الأرض"، فقال له: "اتق الله"، فقال له : "أنت الملك"، فقال له: "اتق الله"، فقال له: "أنت خلقت الخلق وبسطت الرزق" فأمر بقتله فاجتمعت الرافضة فقالت: "دعه وانفه إلى ساباط المدائن.."[38].
وروى الكليني في أصول الكافي بسنده إلى علي رضي الله عنه أنه قال: "ولقد أعطيت الست علم المنايا والبلايا والوصايا وفصل الخطاب، وإني لصاحب الكّرات - أي الرجعات إلى الدنيا - ودولة الدول، وإني لصاحب العصا والميسم، والدابة التي تكلم الناس" [39].(6/90)
وروى عن إبراهيم بن هاشم في تفسيره عن أبي عبد الله (ع) قال: قال رجل لعمار بن ياسر: يا أبا اليقظان آية في كتاب الله أفسدت قلبي، قال عمار: وأية آية هي؟، فقال: هذه الآية - أي { وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآياتِنَا لا يُوقِنُونَ} (81) من سورة النمل - فأية دابة الأرض هذه"؟ قال عمار: "والله ما أجلس ولا آكل ولا أشرب حتى أريكها" فجاء عمار مع الرجل إلى أمير المؤمنين (ع) وهو يأكل تمرا وزبدا فقال: "يا أبا اليقظان هلم"، فجلس عمار يأكل معه فتعجب الرجل منه فلما قام عمار قال الرجل: "سبحان الله حلفت أنك لا تأكل ولا تشرب حتى ترينيها" قال عمار: "أريتكها إن كنت تعقل"[40].
7- وقالت السبئية: إنهم لا يموتون وإنما يطيرون بعد مماتهم وسموا بـ (الطيارة) يقول طاهر المقدسي: "وأما السبئية فإنهم يقال لهم الطيارة يزعمون أنهم لا يموتون وإنما موتهم طيران نفوسهم في الغلس"[41].
ولقد استخدم أئمة الجرح والتعديل من الشيعة هذه التسمية وهي من ألفاظهم في تجريح الرواة.
يقول الطوسي: وهو أحد الأئمة الأثبات عند الشيعة في ترجمة نصر بن صباح يكنى أبا القاسم من أهل بلخ - وبلخ في أفغانستان - لقي جلة من كان في عصره من المشايخ والعلماء، وروى عنهم إلا أنه قيل كان من (الطيارة) غالٍ[42].
8- وقال قوم من السبئية بانتقال روح القدس في الأئمة وقالوا (بتناسخ الأرواح)، يقول ابن طاهر المقدسي: "ومن الطيارة (أي السبئية) قوم يزعمون أن روح القدس كانت في النبي كما كانت في عيسى ثم انتقلت إلى عليّ ثم إلى الحسن ثم إلى الحسين ثم كذلك في الأئمة، وعامة هؤلاء يقولون بالتناسخ والرجعة"[43]، ولعل كتاب الحسن بن موسى النبوختي المسمى بـ (الرد على أصحاب التناسخ) صنفه النوبختي في الرد عليهم[44].
9- وقالت السبئية: "هدينا لوحي ضل عنه الناس وعلم خفي عنهم".(6/91)
10- وقالوا: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم تسعة أعشار الوحي"، ولقد رد على مقالتهم هذه أحد أئمة أهل البيت وهو الحسن بن محمد بن الحنفية في رسالته التي سماها بـ (الإرجاء) والتي رواها عنه الرجال الثقات عند الشيعة فيقول: و"من قول هذه السبئية: "هُدينا لوحي ضل عنه الناس، وعلم خفي عنهم"، وزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله كتم تسعة أعشار الوحي، ولو كتم صلى الله عليه وسلم وآله شيئا مما أنزل الله عليه لكتم شأن امرأة زيد، وقوله تعالى: { تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِك…}"[45]، وقال الحافظ الجوزجاني (ت259هـ) عن ابن سبأ: "زعم أن القرآن جزء من تسعة أجزاء وعلمه عند علي فنهاه عليّ بعدما همّ به".[46]
11- وقالوا: إن عليا في السحاب، وأن الرعد صوته، والبرق سوطه، ومن سمع من هؤلاء صوت الرعد قال: عليك السلام يا أمير المؤمنين [47]، ولقد أشار إلى معتقدهم هذا اسحاق بن سويد العدوي في قصيدة له برئ فيها من الخوارج والروافض والقدرية، منها:
برئت من الخوارج لست منهم
من الغَزَّالِ منهم وابن باب
ومن قوم إذا ذكروا عليا
يردُّون السلام على السَّحاب [48]
وعقب الشيخ محي الدين عبد الحميد - رحمه الله - على هذا المعتقد بقوله: "ولا زلت أرى أطفال القاهرة يجرون وقت هطول الأمطار، ويصيحون في جريهم (يا بركة عليّ زود)"[49].
موقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأهل بيته من ابن سبأ وأتباعه
قال علي رضي الله عنه : "سيهلك فيّ صنفان محب مفرط يذهب به الحب إلى غير الحق، ومبغض مفرط يذهب به البغض إلى غير الحق،و خير الناس فيّ حالا النمط الأوسط فالزموه والزموا السواد الأعظم فإن يد الله على الجماعة"[50].
وهكذا شاء الله أن ينقسم الناس في علي رضي الله عنه إلى ثلاثة أقسام القسم الأول مبغض مفرط وهؤلاء الذين تكلموا فيه بل غالى بعضهم فقالوا بكفره كالخوارج.(6/92)
والقسم الثاني أفرط في حبه وذهب به الإفراط إلى الغلو حتى جعلوه بمنزلة النبي بل ازدادوا في غيهم فقالوا بألوهيته.
وأما السواد الأعظم فهم أهل السنة والجماعة من السلف الصالح حتى الوقت الحاضر فهم الذين أحبوا عليا وآل بيته المحبة الشرعية، أحبوهم لمكانتهم من النبي صلى الله عليه وسلم .
ولقد جابه علي رضي الله عنه القسم الأول فقاتلهم بعد أن ناظرهم وأخباره معهم معروفة مسرودة في كتب التاريخ، ونريد أن نرى موقفه هو وأهل بيته من ابن سبأ وأتباعه.
لما أعلن ابن سبأ إسلامه وأخذ يظهر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويكسب قلوب فريق من الناس إليه أخذ يتقرب من علي بن أبي طالب ويظهر محبته له فلما اطمأن لذلك أخذ يكذب ويفتري على علي بن أبي طالب نفسه الكذب، قال عامر الشعبي - وهو أحد كبار التابعين توفي 103هـ -:"أول من كذب عبد الله بن سبأ وكان ابن السوداء يكذب على الله ورسوله وكان علي يقول: ما لي ولهذا الحميت الأسود" (والحميت هو المتين من كل شيء)[51]، يعني ابن سبأ وكان يقع في أبي بكر وعمر[52]
وروى ابن عساكر أيضا أنه لما بلغ علي بن أبي طالب أن ابن السوداء ينتقض أبا بكر وعمر دعا به، ودعا بالسيف وهمّ بقتله، فشفع فيه أناس فقال: "والله لا يساكنني في بلد أنا فيه"، فسيره إلى المدائن[53].(6/93)
وقال ابن عساكر أيضا: روى الصادق - وهو أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق ولد سنة 83هـ، في المدينة المنورة وتوفي فيها سنة 148هـ، وهو الإمام السادس المعصوم عند الشيعة - روى عن آبائه الطاهرين عن جابر قال: لما بويع علي رضي الله عنه خطب الناس فقام إليه عبد الله بن سبأ فقال له: "أنت دابة الأرض"[54] فقال له: "اتق الله"، فقال له: "أنت الملك"، فقال : "اتق الله"، فقال له: "أنت خلقت الخلق وبسطت الرزق" فأمر بقتله فاجتمعت الرافضة فقالت: "دعه وانفه إلى ساباط المدائن فإنك إن قتلته بالمدينة - يعني الكوفة - خرج أصحابه علينا وشيعته" فنفاه إلى ساباط المدائن فثمّ القرامطة والرافضة - أي كانت بعد ذلك وبجهود ابن سبأ مركزا يجتمعون فيه قال - أي جابر - ثم قامت إليه طائفة وهم السبئية وكانوا أحد عشر رجلا فقال: "ارجعوا فإني علي بن أبي طالب مشهور وأمي مشهورة وأنا ابن عم محمد صلى الله عليه وسلم"، فقالوا: "لا نرجع دع داعيك"، فأحرقهم في النار وقبورهم في صحراء أحد عشر مشهورة، فقال: "من بقي ممن لم يكشف رأسه منهم علينا أنه إله"، واحتجوا بقول ابن عباس لا يعذب بالنار إلا خالقها[55].
هذا موقف الإمام علي رضي الله عنه في ابن سبأ وأتباعه، نفاه إلى المدائن وأحرق طائفة من أتباعه، ومن لم يقتنع بهذه الروايات والتي بعضها رواها أحد المعصومين عند القوم وأبى إلا المكابرة والعناد، نذكر له ما ورد في حرق هؤلاء في الروايات الصحيحة عند أهل السنة والجماعة وبعدها روايات القوم.
روى البخاري في صحيحه في كتاب الجهاد/باب لا يعذب بعذاب الله بسنده إلى عكرمة أن عليا رضي الله عنه حرق قوما فبلغ ابن عباس فقال: "لو كنت أنا لم أحرقهم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تعذبوا بعذاب الله" ولقتلتهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه".(6/94)
وروى البخاري في صحيحه في كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم بسنده إلى عكرمة نحوه وفيه قال: "أُتي علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم"[56].
ورواه كذلك أبو داود في سننه في كتاب الحدود / باب الحكم فيمن ارتد الحديث الأول بسنده إلى عكرمة بفلظ آخر وفي آخره فبلغ ذلك عليا فقال: "ويح ابن عباس" ورواه كذلك النسائي في سننه[57] نحوه، ورواه الترمذي في الجامع في كتاب الله الحدود / باب ما جاء في المرتد وفي آخره، فبلغ ذلك عليا فقال: "صدق ابن عباس"، قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح حسن، والعمل على هذا عند أهل العلم في المرتد[58].
وروى البخاري أيضا في صحيحه في كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم بسنده إلى عكرمة نحوه، وفيه قال: "أُتي علي رضي الله عنه[59] بزنادقة فأحرقهم".
وروى الطبراني في المعجم الأوسط من طريق سويد بن غفلة "أن عليا بلغه أن قوما ارتدوا عن الإسلام فبعث إليهم فأطعمهم ثم دعاهم إلى الإسلام فأبوا، فحفر حفيرة ثم أتى بهم فضرب أعناقهم ورماهم فيها ثم ألقى عليهم الحطب فأحرقهم ثم قال: "صدق الله ورسوله.."[60].(6/95)
وفي الجزء الثالث من حديث أبي طاهر المخلص من طريق عبد الله بن شريك العامري عن أبيه قال: قيل لعلي: "إن هنا قوما على باب المسجد يدعون أنك ربهم" فدعاهم فقال لهم: "ويلكم ما تقولون؟" قالوا: "أنت ربنا وخالقنا ورازقنا"، فقال: "ويلكم إنما أنا عبد مثلكم آكل الطعام كما تأكلون وأشرب كما تشربون، إن أطعت الله أثابني إن شاء وإن عصيته خشيت أن يعذبني فاتقوا الله وارجعوا" فأبوا، فلما كان الغد غدوا عليه فجاء قنبر فقال: "قد والله رجعوا يقولون ذلك الكلام"، فقال: "أدخلهم" فقالوا كذلك فلما كان الثالث قال: "لئن قلتم ذلك لأقتلنكم بأخبث قتلة" فأبوا إلا ذلك، فقال: "يا قنبر ائتني بفعلة معهم مرورهم فخدّ لهم أخدودا بين باب المسجد والقصر"، وقال: احفروا فأبعدوا في الأرض" وجاء بالحطب فطرحه بالنار في الأخدود وقال: "إني طارحكم فيها أو ترجعوا"، فأبوا أن يرجعوا فقذف بهم حتى إذا احترقوا قال:
إني إذا رأيت أمرا منكرا أوقدت ناري ودعوت قنبرا
وقال ابن حجر: هذا سند حسن[61].
إضافة إلى هذه الروايات ، فقد روى الكليني في كتابه الكافي - الذي هو بمنزلة صحيح البخاري عند القوم - روى في كتاب الحدود في باب المرتد بسنده من طريقين عن أبي عبد الله أنه قال: أتى قوم أمير المؤمنين عليه السلام فقالوا: "السلام عليك يا ربنا" فاستتابهم فلم يتوبوا فحفر لهم حفيرة وأوقد فيها نارا وحفر حفيرة أخرى إلى جانبها وأفضى ما بينهما فلما لم يتوبوا ألقاهم في الحفيرة وأوقد في الحفيرة الأخرى نارا حتى ماتوا"[62].ويبدو أن عليا رضي الله عنه قد كرر عقابه لغير هؤلاء أيضا وهم الزط، فقد روى النسائي في سننه (المجتبى) عن أنس أن عليا أتي بناس من الزط يعبدون وثنا فأحرقهم، قال ابن عباس: "إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه"[63].(6/96)
وأخرج ابن أبي شيبة من طريق قتادة (أن عليا أتي بناس من الزط يعبدون وثنا فأحرقهم) وحكم ابن حجر على هذا الحديث بالانقطاع ثم قال: فإن ثبت حمل على قصة أخرى فقد أخرج ابن أبي شيبة أيضا من طريق أيوب بن النعمان أنه قال: "شهدت عليا في الرحبة فجاءه رجل فقال: "إن هنا أهل بيت لهم وثن في دار يعبدونه" فقام يمشي إلى الدار فأخرجوا بمثال رجل قال فألهب عليهم الدار"[64].
وروى الكشي في كتابه معرفة أخبار الرجال بعد ترجمة عبد الله بن سبأ تحت عنوان (في سبعين رجلا من الزط الذين ادعوا الربوبية في أمير المؤمنين عليه السلام)، بسنده إلى أبي جعفر أنه قال: "إن عليا عليه السلام لما فرغ من قتال أهل البصرة أتاه سبعون رجلا من الزط فسلموا عليه وكلموه بلسانهم فرد عليهم بلسانهم، وقال لهم: "إني لست كما قلتم أنا عبد الله مخلوق"، قال: فأبوا عليه وقالوا له: "أنت أنت هو"، فقال لهم: "لئن لم ترجعوا عما قلتم في وتتوبوا إلى الله تعالى لأقتلنكم"، قال: فأبوا أن يرجعوا أو يتوبوا، فأمر أن يحفر لهم آبار فحفرت ثم خرق بعضها إلى بعض ثم قذفهم فيها ثم طم رؤوسها ثم ألهب النار في بئر منها ليس فيها أحد فدخل الدخان عليهم فماتوا[65].(6/97)
ومن المناسب ما دمنا نتكلم عن تحريق علي بن أبي طالب لأصحاب ابن سبأ والزنادقة أن نذكر حادثة أخرى ذكرها ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ، يقول ابن أبي الحديد: "وروى أبو العباس أحمد بن عبيد بن عمار الثقفي عن محمد بن سليمان بن حبيب المصيصي المعروف بنوين، وروى أيضا عن علي بن محمد النوفلي عن مشيخته (أن عليا عليه السلام مر بقوم وهم يأكلون في شهر رمضان نهارا فقال : "أسفر أم مرضى"، قالوا: "لا ولا واحدة منها"، قال: "فمن أهل الكتاب أنتم فتعصمكم الذمة والجزية"، قالوا: "لا"، قال: فما بال الأكل في نهار رمضان، فقاموا إليه فقالوا: "أنت أنت" يومئون إلى ربوبيته، فنزل عليه السلام عن فرسه فألصق خده بالأرض، وقال: "ويلكم إنما أنا عبد من عبيد الله فاتقوا الله وارجعوا إلى الإسلام" فأبوا فدعاهم مرارا فأقاموا على كفرهم، فنهض إليهم وقال: "شدوهم وثاقا وعلي بالفعلة والنار والحطب" ثم أمر بحفر بئرين فحفرتا فجعل إحداهما سربا والأخرى مكشوفة وألقى الحطب في المكشوفة وفتح بينهما فتحا وألقى النار في الحطب فدخن عليهم وجعل يهتف بهم ويناشدهم ليرجعوا إلى الإسلام، فأبوا، فأمر بالحطب والنار فألقي عليهم فأحرقوا فقال الشاعر:
لترم بي المنية حيث شاءت
إذا لم ترمني في الحفرتين
إذا ما حشنا حطبا بنار...
فذاك الموت نقدا غير دين
فلم يبرح عليه السلام حتى صاروا حمما[66].
هذه الروايات التي وقفنا عليها في الأحاديث الصحيحة والحسنة والروايات التاريخية وكذلك من كتب القوم المتعلقة بالأصول والفقه والرجال والتاريخ التي تدل بكل وضوح على أن عليا رضي الله عنه قد حرق الزنادقة ومن اعتقد فيه الربوبية ومنهم أصحاب ابن سبأ الملعون، أما هو فكما تذكر الروايات - سواء روايات أهل السنة والجماعة وروايات الشيعة - أن عليا رضي الله عنه اكتفى بنفيه إلى المدائن بعد أن شفع له الرافضة.(6/98)
قال النوبختي في كتابه الشيعة في ترجمة ابن سبأ: "وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم، وقال إن عليا عليه السلام أمره بذلك، فأخذه علي فسأله عن قوله هذا فأقر به، فأمر بقتله، فصاح الناس عليه "يا أمير المؤمنين أتقتل رجلا يدعو إلى حبكم أهل البيت وإلى ولايتك، والبراءة من أعدائك" فصيره إلى المدائن"[67].
ابن سبأ يدعو الناس في المدائن لدعوته
إن عبد الله بن سبأ وجد بعد نفيه مكانا مناسبا لبث أفكاره وضلالاته بعد أن ابتعد من سيف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فأخذ ينظم أتباعه وينشر أفكاره بين جيش الإمام المرابط في المدائن، ولما جاءهم خبر استشهاد علي رضي الله عنه كذبه هو وأصحابه، ولنستمع للخبر كما يرويه الخطيب البغدادي بسنده إلى زحر بن قيس الجعفي الذي قال عنه علي رضي الله عنه: "من سره أن ينظر إلى الشهيد الحي فلينظر إلى هذا" - يقول زحر: "بعثني علي على أربعمائة من أهل العراق وأمرنا أن ننزل المدائن رابطة، قال: "فوالله إنا لجلوس عند غروب الشمس على الطريق إذا جاءنا رجل قد أعرق دابته قال فقلنا: "من أين أقبلت؟" قال: "من الكوفة"، فقلنا: "متى خرجت؟" قال: "اليوم"، قلنا: "فما الخبر؟"، قال: "خرج أمير المؤمنين إلى الصلاة صلاة الفجر فابتدره ابن بجرة وابن ملجم فضربه أحدهما ضربة إن الرجل ليعيش مما هو أشد منها، ويموت مما هو أهون منها"، قال: "ثم ذهب" فقال عبد الله بن وهب السبائي ـ ورفع يده إلى السماء ـ: "الله أكبر، الله أكبر" قال: قلت له: "ما شأنك؟" قال: "لو أخبرنا هذا أنه نظر إلى دماغه قد خرج عرفت أن أمير المؤمنين لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه" ـ وفي رواية الجاحظ في البيان والتبيين: "لو جئتمونا بدماغه في مائة صرة لعلمنا أنه لا يموت حتى يذودكم بعصاه" [68]ـ نعود لرواية الخطيب قال ـ أي زحر ـ: "فوالله ما مكثنا إلا تلك اليلة حتى جاءنا كتاب الحسن بن علي: من عبد الله حسن أمير المؤمنين(6/99)
إلى زحر بن قيس أما بعد: فخذ البيعة على من قبلك"، قال: فقلنا: "أين ما قلت؟" قال: "ما كنت أراه يموت" [69].
وقال الحسن بن موسى النوبختي: "ولما بلغ عبد الله بن سبأ نعي علي بالمدائن قال للذي نعاه : كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة وأقمت على قتله سبعين عدلا لعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل ولا يموت حتى يملك الأرض" [70].
رواية عبد الجبار الهمداني في موقف ابن سبأ
قال عبد الجبار الهمداني المعتزلي المتوفى سنة 415هـ عند كلامه عن موقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه من ابن سبأ والسبئية : "واستتابهم أمير المؤمنين فما تابوا فأحرقهم، وكانوا نفرا يسيرا، ونفى عبد الله بن سبأ عن الكوفة إلى المدائن، فلما قتل أمير المؤمنين عليه السلام قيل لابن سبأ: "قد قتل ومات ودفن، فأين ما كنت تقول من مصيره إلى الشام؟" فقال: "سمعته يقول: لا أموت حتى أركل برجلي من رحاب الكوفة فأستخرج منها السلاح وأصير إلى دمشق فأهدم مسجدها حجرا حجرا، وأفعل وأفعل فلو جئتمونا بدماغه مسرودا لما صدقنا أنه قد مات" ، ولما افتضح بهت، وادعى على أمير المؤمنين ما لم يقله، والشيعة الذين يقولون بقوله الآن بالكوفة كثير، وفي سوادها والعراق كله يقولون: "أمير المؤمنين كان راضيا بقوله وبقول الذين حرقهم، وإنما أحرقهم لأنهم أظهروا السر، ثم أحياهم بعد ذلك"، قالوا: "وإلا فقولوا لنا لِمَ لَمْ يحرق عبد الله بن سبأ؟" قلنا: عبد الله ما أقر عنده بما أقر أولئك، وإنما اتهمه فنفاه، ولو حرقه لما نفع ذلك معكم شيئا، ولقلتم إنما حرقه لأنه أظهر السر"[71].
موقف أتباع عبد الله بن سبأ لما سمعوا بمقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
أما أتباع ابن سبأ فلم يكتفوا بالتكذيب بل ذهبوا إلى الكوفة معلنين ضلالات معلمهم وقائدهم ابن سبأ.(6/100)
فقد روى سعد بن عبد الله القمي صاحب المقالات والفرق وهو ثقة عند القوم: "أن السبئية قالوا للذي نعاه : "كذبت يا عدو الله لو جئتنا - والله - بدماغه ضربة فأقمت على قتله سبعين عدلا ما صدقناك ولعلمنا أنه لم يمت ولم يقتل وإنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ويملك الأرض". ثم مضوا من يومهم حتى أناخوا بباب علي فاستأذنوا عليه استئذان الواثق بحايته الطامع في الوصول إليه، فقال لهم من حضره من أهله وأصحابه وولده: "سبحان الله، ما علمتم أن أمير المؤمنين قد استشهد؟" قالوا: "إنا لنعلم أنه لم يقتل ولا يموت حتى يسوق العرب بسيفه كما قادهم بحجته وبرهانه وإنه ليسمع النجوى ويعرف تحت الدثار القيل ويلمع في الظلام كما يلمع السيف الصقيل الحسام"[72].
وكان من هؤلاء رجل يقال له رشيد الهجري الذي صرح بمعتقده أمام عامر الشعبي قال الشعبي: "دخلت عليه يوما فقال: خرجت حاجا فقلت: لأعهدن بأمير المؤمنين عهدا فأتيت بيت علي عليه السلام فقلت لإنسان: "استأذن لي على أمير المؤمنين" قال: "أوليس قد مات؟" قلت: "قد مات فيكم والله إنه ليتنفس الآن تنفس الحي"، فقال: "أما إذ عرفت سر آل محمد فادخل" قال : "فدخلت على أمير المؤمنين وأنبأني بأشياء تكون" فقال له الشعبي: "إن كنت كاذبا فلعنك الله"، وبلغ الخبر زيادا ـ فبعث إلى رشيد الهجري فقطع لسانه وصلبه على باب دار عمرو بن حريث"[73].
وذكر الحافظ الذهبي هذا الخبر في تذكرة الحفاظ وفيه: "فقلت لإنسان: "استأذن لي على سيد المرسلين"، فقال: "هو نائم وهو يظن أني أعني الحسن"، فقلت: "لست أعني الحسن إنما أعني أمير المؤمنين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين"، قال: "أوليس قد مات؟" فقلت: "أما والله إنه ليتنفس الآن بنفس حي ويعرف من الدثار الثقيل"[74]. ولذلك كان عامر الشعبي يقول: "ما كذب على أحد في هذه الأمة ما كذب على علي"[75]، ورشيد هذا قال عنه ابن حبان: كان يؤمن بالرجعة[76].(6/101)
وذكره الطوسي في ضمن أصحاب علي رضي الله عنه وسماه رشيد الهجري الرياش بن عدي الطائي[77]، ويعتبر رشيد من أبواب الأئمة، كان بابا للحسين بن علي رضي الله عنهما[78].
موقف أهل بيت النبي الكريم من ابن سبأ
وتصدى أهل بيت النبي الكريم لعبد الله بن سبأ كما تصدى له أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فكذبوه وتبرؤوا من مقالاته وضلاله.
فقد روى الكشي بسنده عن محمد بن قولويه قال حدثني سعد بن عبد الله قال: حدثنا يعقوب بن يزيد ومحمد بن عيسى عن علي بن مهزيار عن فضالة بن أيوب الأزدي عن أبان بن عثمان قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "لعن الله عبد الله بن سبأ إنه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين وكان والله أمير المؤمنين عبد الله طائعا، الويل لمن كذب علينا وإن قوما يقولون فينا ما لا نقول في أنفسنا نبرأ إلى الله منهم"[79].
وروى الكشي بسنده أيضا عن محمد بن قولويه قال حدثني سعد بن عبد الله قال: حدثنا يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير وأحمد بن محمد بن عيسى عن أبيه والحسين بن سعد عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي حمزة الثمالي قال قال علي بن الحسين (ع): "لعن الله من كذب علينا إني ذكرت عبد الله بن سبأ فقامت كل شعرة في جسدي لقد ادعى أمرا عظيما ماله لعنه الله كان علي عبدا لله صالحا، أخا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما نال الكرامة من الله إلا بطاعته لله ولرسوله، وما نال رسول الله صلى الله عليه وسلم الكرامة إلا بطاعة الله"[80].(6/102)
وروى أيضا الكشي بسنده عن محمد بن خالد الطيالسي عن ابن أبي نجران عن عبد الله بن سنان قال قال أبو عبد الله (ع): "إنا أهل بيت صديقون لا نخلوا من كذاب يكذب علينا ويسقط صدقنا بذكبه علينا عند الناس، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدق الناس لهجة وأصدق البرية كلها، وكان مسيلمة يكذب عليه وكان أمير المؤمنين أصدق من برأ الله بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الذي يكذب عليه ويعمل في تكذيب صدقه ويفتري على الله الكذب عبد الله بن سبأ لعنه الله"[81].
هذه روايات الكشي عن أئمة أهل البيت، ومن المعلوم أن كتاب الكشي المسمى بـ (معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين) عمد إليه إمام الشيعة الثقة الثبت عدهم (الطوسي) الذي يلقبونه بشيخ الطائفة المتوفى سنة 460هـ عمد إلى كتاب الكشي فهذبه وجرده من الزيادات والأغلاط وسماه بـ (اختيار الرجال) وأملاه على تلاميذه في المشهد الغروي، وكان بدء إملائه يوم الثلاثاء 26 صفر سنة 456هـ، نص على ذلك السيد رضي الدين علي بن طاووس في (فرج المهموم) نقلا عن نسخة بخط الشيخ الطوسي المصرح فيها بأنها اختصار رجال كتاب الرجال لأبي عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي واختياره، فالموجود في هذه الأزمنة من المخطوط منه والمطبوع سنة 1317هـ في بمبئ بل وفي زمان العلامة الحلي إنما هو اختيار الشيخ الطوسي لا رجال الكشي الأصل فإنه لم يوجد له أي أثر حتى اليوم[82].
وبهذه النقول والنصوص الواضحة المنقولة من كتب القوم تتضح لنا حقيقة شخصية ابن سبأ اليهودي ومن طعن من الشيعة في ذلك فقد طعن في كتبهم التي نقلت لعنات الأئمة المعصومين عندهم في هذا اليهودي (ابن سبأ) ولا يجوز ولا يتصور أن تخرج اللعنات من المعصوم على مجهول، وكذلك لا يجوز في معتقد القوم تكذيب المعصوم.(6/103)
هذا ما تيسر لنا في إثبات هذه الشخصية، أما الكلام عن دوره في مقتل عثمان رضي الله عنه، ودوره في عهد علي رضي الله عنه، وأثره في فرق الشيعة، ورواة الأخبار فيحتاج إلى كتابة أخرى.
{رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}
{رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] انظر: أصول الإسماعيليين والإسماعيلية ، تعريب خليل جلو وجاسم الرجب ص86-87.
[2]انظر الخوارج والشيعة ترجمة الدكتور عبد الرحمن بدوي.
[3] انظر: عبد الله بن سبأ والشيعة نشرة المجلة الأشورية 1909-1910.
[4]انظر : أصول الإسماعيلية لبرنارد لويس.
[5] انظر: علي وبنوه ص98-100 والفتنة الكبرى.
[6] انظر: طه حسين للأستاذ أنور الجندي ص43-44.
[7]انظر: المخططات التلمودية الصهيونية اليهودية في غزو الفكر الإسلامي للأستاذ أنور الجندي ص80 ط2/1977م.
[8] انظر : طه حسين للأستاذ أنور الجندي.
[9] انظر: مع رجال الفكر في القاهرة لمرتضى العسكري ص166 ط الأولى / 1394 هـ / 1974 م القاهرة.
[10] انظر: علي وبنوه لطه حسين ص98- 100.
[11]انظر: المصدر السابق.
[12]انظر ترجمة أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البلاذري المتوفى سنة 279هـ في معجم الأدباء لياقوت الحموي ج5/92.
لسان الميزان ج1/322- 323، تهذيب تاريخ دمشق ج2/109، البداية والنهاية لابن كثير ج11/65- 66، النجوم الزاخرة ج3/83.
[13] أدب مصر الفاطمية ص7.
[14]انظر: التشيع ظاهرة طبيعية في إطار الدعوة الإسلامية ص18، وكتاب مع رجال الفكر في القاهرة لمرتضى العسكري ص93.
[15] انظر التشيع ص18.
[16] انظر التشيع : ص18-19.
[17] انظر: وعاظ السلاطين للدكتور علي الوردي ص274- 278.
[18] انظر المصدر السابق ص151.(6/104)
[19] انظر: الصلة بين التصوف والتشيع ص41- 45.
[20] الأركان الأربعة هم: عمار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان، وسلمان الفارسي، وجندب بن جنادة (أبو ذر الغفاري)، فرق الشيعة ص36- 37 و40 ط1969م الرابعة.
[21] انظر بعض كتبهم مثلا: رجال الطوسي ص46، وص51، رجال الحلي ص255 وص469، أحوال الرجال للكشي، وقاموس الرجال للتستري، وتنقيح المقال للمامقاني وغير ذلك.
[22] انظر: تاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة ص92- 100 ط 1975مؤسسة الأعلمي.
[23] انظر : التشيع ظاهرة طبيعية ص20.
[24] انظر خلاصة تهذيب الكمال ج1/220 ط 1392هـ/1972م القاهرة.
[25] انظر : تاريخ الإمامية ص158.
[26] انظر : تاريخ الإمامية ص140.
[27] انظر : تنقيح المقال ج1/177.
[28] انظر: فرق الشيعة للنوبختي ص44، ورجال الكشي 101 ط مؤسسة الأعلمي بكربلاء، وتنقيح المقال في أحوال الرجال للمامقاني ط المرتضوية في النجف 1350هـ، وقاموس الرجال ج5/462.
[29] انظر: فرق الشيعة ص44.
[30] انظر: رجال الكشي ص98 ط مؤسسة الأعلمي للمطبوعات كربلاء، وقاموس الرجال ج5/461، وتنقيح المقال في أحوال الرجال للمامقاني ط المرتضوية في النجف 1350هـ ج2/183-184.
[31] انظر المصدر السابق ص99-100 وج2/183-184.
[32] انظر: تاريخ دمشق مخطوط نسخة مصورة منه في معهد المخطوطات في جامعة الدول العربية رقم (602تاريخ) في ترجمة عبد الله بن سبأ،وكذا في تهذيب تاريخ دمشق لابن بدران ج7/428 وهذا النص في تاريخ الطبري أيضا.
[33] انظر: المقالات والفرق لسعد بن عبد الله الأشعري القمي ت301هـ، ص21 ط طهران 1963 تحقيق الدكتور محمد جواد مشكور.
[34] انظر: فرق الشيعة للنوبختي ص44 ط النجف ، وانظر : قاموس الرجال ج5/463.
[35] انظر: عقائد الإمامية لمحمد رضا المظفر ط2 1381هـ ص67-68، والآية رقم (11) من سورة المؤمن.
[36] انظر: الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي ج5/347.(6/105)
وانظر كذلك: تفسير ابن كثير ج4/73 ط عيسى الحلبي، وروح المعاني للآلوسي ج24/51 ط المنيرية.
[37] انظر: الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي ج5/347.
وانظر كذلك: تفسير ابن كثير ج4/73 ط عيسى الحلبي، وروح المعاني للآلوسي ج24/51 ط المنيرية.
[38] انظر: تاريخ دمشق لابن عساكر مخطوط نسخة من مصورة في معهد المخطوطات في جامعة الدول العربية رقم (602تاريخ) وتهذيب تاريخ دمشق ج7/430.
[39] انظر الكافي في الأصول ج1/198 ط إيران.
[40] انظر مجمع البيان في تفسير القرآن لأبي الفضل بن الحسن الطبرسي من علماء الإمامية في القرن السادس ج4/234 ط العرفان صيدا 1355هـ/1916م.
[41] انظر: البدء والتاريخ ج5/129 ط 1969م.
[42] انظر: رجال الطوسي ص515.
[43] انظر: البدء والتاريخ ج5/129 ط 1969م.
[44] انظر مقدمة فرق الشيعة للنوبختي ص17 من الطبعة 1969م.
[45] انظر : شرح ابن أبي الحديد ج2/309 الطبعة الميمنية 1326هـ والآية 5 من سورة التحريم.
[46] ميزان الاعتدال ج2/624.
[47] انظر: الفرق بين الفرق ص234، وذكر هذا المعتقد ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج2/309.
[48] انظر: الفرق بين الفرق ص234، والكامل في الأدب للمبرد ج2/124.
[49] انظر مقالات الإسلاميين ص85.
[50] انظر: شرح نهج البلاغة ج2/306.
[51] انظر القاموس المحيط ج1/152 ط 1952 القاهرة.
[52] انظر: تاريخ دمشق النسخة المخطوطة المصورة في معهد المخطوطات رقم (602 تاريخ) في ترجمة عبد الله بن سبأ وانظر تهذيب تاريخ ابن عساكر 7/430.
[53] انظر المصدر السابق .
[54] يشر إلى الآية الكريمة.
[55] تاريخ دمشق لابن عساكر المخطوط وانظر: تهذيب تاريخ ابن عساكر ج7/430-431.
[56] انظر صحيح البخاري مع فتح الباري ط السلفية ج6/151.
[57] انظر : سنن النسائي (المجتبى) ج7/96.
[58] انظر جامع الترمذي ج4/59 ط مصطفى الحلبي 1395هـ/1975م.
[59]انظر صحيح البخاري مع فتح الباري ط السلفية ج12/267.(6/106)
[60] انظر: فتح الباري ج12/270.
[61] انظر: المصدر السابق.
[62] انظر: الكافي للكليني ج7/257-259.
[63]انظر سنن النسائي (المجتبى) ج7/97.
[64] انظر : فتح الباري ج12/270.
[65] انظر: معرفة أخبار الرجال لأبي عمرو الكشي ص71-72 ط سنة 1317 هـ بمبى الهند.
وكذلك رواها الكيليني في الكافي ج7/259- 260.
[66] انظر: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج2/308- 309.
[67] انظر: فرق الشيعة للنوبختي ص44 وقاموس الرجال ج5/463.
[68] انظر البيان والتبيين للجاحظ ج3/81 ط 3/1968 القاهرة.
[69]انظر: تاريخ بغداد ج8/488.
[70] انظر : فرق الشيعة للنوبختي ط النجف ص43، وقاموس الرجال ج5/463.
[71] انظر: تثبيب دلائل النبوة ج2/539-550.
[72]انظر : المقالات والفرق لسعد بن عبد الله القمي ت 301هـ، ط طهران 1963م تحقيق الدكتور محمد جواد مشكور.
[73] انظر المجروحين لابن السبتي ج1/298، وانظر : ميزان الاعتدال ج2/52.
[74] انظر: تذكرة الحفاظ ج1/84 ط إحياء التراث.
[75] انظر: تذكرة الحفاظ ج1/82.
[76]انظر: المجروحين ج1/298، وميزان الاعتدال ج2/53.
[77] انظر: رجال الطوسي ص41.
[78] انظر: العلويون فدائيو الشيعة المجهولون لعلي عزيز العلوي ص31 الطبعة الأولى 1972م، والباب هو حلقة الوصل بين الشيعة والإمام.
[79]انظر: رجال كشي ص100 مؤسسة الأعلمي كربلاء، وتنقيح الرجال في أحوال الرجال للمامقاني ج2/183-184 ط المرتضوية 1350هـ، وقاموس الرجال ج5/461.
[80] انظر: المصادر السابقة.
[81] انظر : المصادر السابقة وقاموس الرجال ج5/462.
[82] انظر: رجال الطوسي ص62 /الأولى النجف 1381هـ/1961م.
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
http://www.fnoor.com/fn0386.htm
عبد الله بن سبأ حقيقة لا أسطورة؟
صريح
كتبكم تثبت هذه الشخصية منها كتاب معتبر عندكم
ألا وهو بحار الأنوار ولقد أثبت جامعه ومؤلفه المجلسي وجود وحضور وحقيقة شخصية عبد الله
بن سبأ >> وهاك مكانها في بحاره :
ج2 ص 217(6/107)
ج10 ص 107
ج25 ص 262
ج25 ص 286 ثلاث روايات هنا >>
ج25 ص 287
ج25 ص 343
ج33 ص 566
ج41 ص 214
ج42 ص 146
ج85 ص 318
ج93 ص 308
فهل مجلسيكم كاذب ومروج للكذب ......؟؟؟؟؟؟؟؟
وهل أصيب بالجنون ليلعن شخصية وهمية .....؟؟؟؟؟
------------------
الصراحة راحة
العاملي
بسم الله الرحمن الرحيم
سواء كان ابن سبأ حقيقة أم أسطورة ، فقد لعنه أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم وتبرؤوا منه ، ولا نروي عنه رواية واحدة ، ولم نتهوك له !
ولكنكم تهوكتم لاسياده وجماعه !! وأخذتم منهم معالم دينكم ، ورويتم وما زلتم تروون عنهم في العقائد والفقه والسيرة والتفسير .. فعندكم مئة ابن سبأ
ساكنون في مصادر دينكم ، وأذهانكم !!
فعالجوا هذه المصيبة !!
الشطري
الاخ صريح بعد التحيه والسلام
المقصود من ابن سبأ في الرويات التي في كتبنا هو عبد الله السبائي رئس الخوارج لعنهم الله
------------------
الكاتب
قلت لك أنك جاهل بلا حدود هل تكرمت بنقل الشهادات على أن كتاب البحار كله معتبر ؟!
صريح
وقفات مع الردود :
( العاملي )... مضطرب متذبذب ولا يستطيع التمييز
وإليك الدليل من كتابته ... يقول :
<< سواء كان ابن سبأ حقيقة أم أسطورة >> ...!!!
هو هنا لايدري هل ابن سبأ حقيقة أم أسطورة ...!!
وقد كان هو وبني جلدته يكادون يطيرون من الفرح لما وجدوا المالكي ينفي وجوده وكتبوا في ذلك وأجلبوا بخيلهم ورجلهم ولكن الله ردهم خائبين
بما ثبت في كتبهم ...؟؟؟!!!
ويقول : << فقد لعنه أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم وتبرؤوا منه >> .....!!!!!!
وهو هنا يثبت وجود عبد الله بن سبأ ويجزم بأن أهل
البيت وكذلك شيعتهم لعنوه وتبرؤوا منه ...؟؟؟!!!
فسبحان من جعله في ظلمات الجهل يتخبط ...؟؟؟!!!
ويقول : << ولا نروي عنه رواية واحدة ، ولم نتهوك له ! >> ...؟؟؟!!!
وهنا يؤكد وجود عبد الله بن سبأ اليهودي بزعمه أنهم لا يروون عنه ولم يتهوكوا له .......؟؟؟؟!!!!(6/108)
ويقول : << ولكنكم تهوكتم لاسياده وجماعه !! >>
وهنا كذلك يؤكد وجوده .....؟؟؟؟؟!!!!!
وهذا الذي يعنيني من رسالته ... لقد أثبت اضطرابه ثم ذهب إلى إثبات هذه الشخصية ...؟؟؟!!!
وأما باقي كلامه الباطل فلا يرقى إلى مستوى أن يرد عليه بل هو تخليط وتزوير ومحاولة لتبرير جهله واتباعه هو وبني قومه لعبد الله بن سبأ اليهودي
>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>
( الشطري ) ... عبد الله بن سبأ الذي في الروايات التي في بحار الأنوار هو اليهودي ...؟؟؟!!!
وهذا ما تبينه الروايات بشكل صريح ...؟؟؟!!!
وأعتقد جازماً أنك إما لم ترجع إليها لتدرك الحقيقة ... وإما أنها محاولة منك للمخادعة ...؟!
وليس هناك داع للف والدوران إن كانت الثانية
<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<<
( الكاتب ) ... ينطبق عليك هذا القول ...
قال حمار الحكيم توما <<< لو أنصف الناس كنت أركب
فأنا جاهل بسيط <<< وصاحبي جاهل مركب
يقول : << قلت لك أنك جاهل بلا حدود هل تكرمت بنقل الشهادات على أن كتاب البحار كله معتبر ؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!>>
وأقول ل( الكاتب ) ... أتحفنا أيها الحجة العلامة
بما هو معتبر في بحاركم وما ليس معتبراً ...؟؟؟!!!
وأسمعنا قولك في الروايات التي تثبت وجود عبد الله بن سبأ ...؟؟؟!!!
وللعلم فرفيق دربك ( العاملي ) في رسالته في الأعلى أثبت وجوده ...؟؟؟!!! فوجه حماقاتك إليه
ثم هلا تتبعت لنا أسانيد رواياتكم وأثبت لنا أن فيها كذابين ودجالين حتى ننفي معك تلك الروايات
أم هو كذبك ومراوغتك وجهلك المطبق ...؟؟؟!!!
------------------
الصراحة راحة
موسى العلي
الزميل المحترم / صريح
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بالنسبة الى شخصية عبد الله بن سبأ
يوجد خلاف حول شخصيته هل هي وهميه أو حقيقيه
حيث أن بعض الباحثين من الشيعة كالعلامة العسكري
وبعض الباحثين السنة كالاستاذ حسن فرحان المالكي(6/109)
يعتبرونه أسطورة وشخصيةغير حقيقية.
وبعض العلماء يرون أنه شخصية حقيقية
ولاكنه منحرف و لديه أدعائات فاسدة كالغلو في
تأليه الامام علي عليه السلام .
والمجمع عليه عند علماء الامامية أنه منحرف
وقد حرقه الامام علي عليه السلام؛ ولا توجد
صلة بينه وبين أتباع الامام علي عليه السلام.
ثم هل أعتمدت في تثبيته على طرقنا ام طرقكم
فأن كانت طرقكم فهي ليست بحجة علينا ، ولكن
هاتها لأبين لك وجه الضعف فيها .
وأن كانت طرقنا فليست لدينا رواية واحدة تقول
أنه عاش وتمكن من غيه ، بل نفذ فيه الحكم من
الائمة سلام الله عليهم ، والشيعة تبعا لهم أبغضوه
على العموم من أراد ان ينمي طائفة لشخص
عليه ان يحدد أفكاره ثم يعين أوجه الشبه بينهما
وألا فغير هذا ، يعتبر خلاف الحقيقة والمنهج العلمي
ختاما أتمنى لك الموفقية
------------------
مع تحيات / المشرف
hajr@mail.com
جميل50
ليس في أجوبة الأخوة تناقض أو تهافت . . .ولكن أترك التعليق في حظهم عندما يقفون على هذه الجعجعة .
===================================
وإن كل ما في القضية وإن أختصرها الأخ الأعز
والمشرف المحترم : (موسى العلي ) ولكن ينضاف
أن المراجع بنفسه في دوايين ومصنفات الإمامية
الخاصةبالتعدل والتجريح ، يجد إطباقهم على
تضعيفه ونبذ شخصيته والذي يحتج علينا من كتبنا (بالبناء على أصل وجوده)لايكون دقيقاً وموضوعيابمحاولة التقطيع المغرضة ، والمغررةبالقارئ ؛ لأن روايات الشيعة ضد الإتجاه الفكري عند إخواننا السنة . . .فهي تثبت أنه مبغوض ومنحرف العقيدة معوج السليقة ..ولكن البعض يروق له تقطيع ذلك فيلتزم بوجوده ويدع جانب
النكال والمحنة التي عاشها بعامل من إرشاد علي
وأصحابه اللذون هم الشيعة بالدرجة الأولى ! !
====================
وأما الأراء بالنسبة إلى هذه الشخصية فجمة بين
أفراد الفكر الإسلامي . .وهي تتراوح بين وجوده ولكن عدم صلته بالشيعة ، وبين عدم التصديق بما(6/110)
ينسب إليه لأنه من غير الممكن صدور تلك الأعمال
من شخص عادي وغير ذلك من الأفكار
ومن أولئك :
محمد كرد علي في كتاب خطط الشام .
الدكتور أحمد محمود صبحي في نظرة
في الإمامة .
طه حسين الكاتب المصري المعروف
وغيرهم من الكتاب الباحثين والعلماء المدققين وهناك أبحاث جليلة في مطاوي هذه الفكرة المقيتة
التي أدخرها خصوم الشيعة للشيعة كما يقول طه حسين . . .
الشطري
بسم الله الرحمن الرحيم
ان المتتبع لقضية ابن سبأ يجد ان المصدر الأساسي والمنهل لها هو كتاب تاريخ الطبري ويمكنك مراجعة تاريخ ابن الأثير وابن كثير في البداية والنهاية وابن خلدون في كتاب المبتدأ والخبر وكذلك في كتب المتأخرين مثل محمد فريد وجدي في مادة (عثم ) كتاب دائرة المعارف ،وأيضا احمد أمين ودكتور :حسن إبراهيم حسن في كتاب تاريخ الإسلام السياسي وجملة من المستشرقين أمثال فان فولتن ،ولهاوزن ، يمكنك من خلال كل ذلك الوصول الى حقيقة ناصعة وهي ان جميع هؤلاء يرجعون في سرد قصة ابن سبأ الى الطبري . وأن الطبري قد أورد القصة في كتابه تاريخ الأمم والملوك وقد انحصر طريقها في سيف بن عمر .؟ فمن هوسيف بن عمر ؟
سيف بن عمر
هو سيف بن عمر التميمي الأُسيّدي كما في الطبري ، واُسيّد هو عمرو بن تميم،راجع جمهرة الأنساب والاشتقاق لابن دريد .
مؤلفات سيف بن عمر : 1ـ الفتوح الكبير والرِدّة ، 2 ـ الجمل ومسير عائشة وعلي .
تقييم أحاديثه : ـ
1 ـ قال يحيى بن معين ( ت : 223 هـ) : ضعيف الحديث فَلْسٌ خير منه .
2 ـ قال ابن داود ( ت : 275 هـ) : ليس بشيء ،كذاب .
3 ـ قال النسائي صاحب الصحيح ( ت : 303 هـ) :ضعيف متروك الحديث ليس بثقة ولا مأمون .
4 ـ قال ابن أبي حاتم ( ت : 327 هـ ) :متروك الحديث .
5 ـ قال ابن حِبان ( ت : 354 هـ ) :يروي الموضوعات عن الإثبات ،اُتهم بالزندقة .(6/111)
وهكذا ضعفه الآخرون مثل الحاكم والخطيب البغدادي وأبن عبد البر والفيروز آبادي وأبن حجر وصفي الدين ، هذا هو رأي العلماء مدى العصور في سيف بن عمر وأحاديثه وستوافيك مختلقاته ، وقبل المناقشة في أسطورة أبن سبأ نورد قائمة بأساطير سيف بن عمر ومخترعاته ومختلقاته وهي كالأتي :ـ
1 ـ أسطورة تناول خالد بن الوليد السم ساعة دون أن يؤثر فيه .
2 ـ أسطورة تهدم باب حمص بتكبيرتين .
3 ـ فتح السوس بدق الدجال بابها برجله وقوله : انفتح بظَار .
4 ـ أسطورة أخبار الشيطان الى الأسود المتنبئ الكذاب بالغيب وقيامه بأعمال خارقة شبيهة بمعجزات الأنبياء .
5 ـ الأسطورة الواردة في قصة العلاء الحضرمي ومشيهم على الماء .
6 ـ بشارة الأنبياء بعمر بن الخطاب .
أما الأيام التي أخترعها سيف بن عمر :
1 ـ يوم الأباقر ، 2 ـ يوم النحيب ، 3 ـ يوم الجراثيم .
وأما البلدان التي أختلقها فمنها ( دُلُوث ، طاووس ، الجعرانة ، نعمان العراق ، القُردُودُة ، نهر أُط ….) ، هذه البلدان وتلك الأيام وذيك الأساطير التي لم يعرف بها إنس ولا جان غير سيف بن عمر . وإذا أتضح لنا كل هذا عما جاء به هذا الكذاب ـ حسب تعبير جملة من العلماء ـ من أساطير وأيام وبلدان فهل يبقى في النفس أدنى شك في كون قصة أبن سبأ لا تخرج عن كونها أسطورة من أساطيره وخرافة من خرافاته وأكذوبة من أكاذيبه .
ما هي أسطورة عبد الله بن سبأ ؟
أختلقت هذه الأسطورة في أوائل القرن الثاني الهجري وقد انفرد بروايتها سيف بن عمر ولم تعرف إلا بعد ان نقلها عن سيف علماء كبار مثل الطبري في تاريخه .
والبحث حول هذه الأسطورة يدور حول ثلاثة أسماء هي :
1ـ عبد الله بن سبأ ، 2 ـ عبد الله بن السوداء ، السبئية والسبائية .(6/112)
أما الأول فقيل أنه رجل يهودي اسلم وأظهر الكثير من البدع والطعن بالصحابة وتشويه العقائد الإسلامية كما ادخل الكثير من عقائد اليهود في الإسلام ،والملاحظ انه عربي الاسم وانه من صنعاء اليمن وان زمان نشاطه انحصر بين عهدي الخليفة عثمان والإمام علي ،وان ماحيك حوله من أساطير يدل على أنه كان من مشاهير عصره ومع ذلك أننا لا نكاد ان نجد رجلا عربيا في الجزيرة العربية في العصر الإسلامي الأول والعصر الأموي يعرف اسمه واسم أبيه ولا أسم جده ولا سلسلة آبائه في حين أن العرب قد عُرف عنهم حفظ أنسابهم وأمامك كتب التراجم والأنساب وسائر فنون الأدب فانك ـولاشك ـ لا تجد في أي منها نسبا لعبد الله بن سبأ.
نعم ان هنالك من يذكر عبد الله بن وهب الراسبي وكان ينعت برأ س الخوارج كما عن الذهبي في حوادث سنة 38 هـ حيث يقول : ـ ان عبد الله بن وهب السبائي قتل في النهروان ـ وقال ابن حجر في تبصير المنتبه : ـ السبئية طائفة ، منهم عبد الله بن وهب السبئي رأس الخوارج .
فإذا كان المعني بعبد الله بن سبأ هذا المتقدم فيلزم ان لا يكون مؤسس فكرة الوصاية للأمام علي ولامؤسس عقيدة الألوهية فيه وإنما كان رأس الخوارج الذين حاربوا عليا ً وكل هذا لا يصدق جميع مارواه سيف في شأنه وأخذ منه المؤرخون كما لا يصح ما ذكره أهل الملل والنحل وهناك روايات تنص على ان المسيب بن نجبة الفزاري جاء بعبد الله بن سبأ متلبّبا لتكهنه بالغيب فصحح الإمام تكهنه .وعليه فإنها تدل على انه لم يكن معروفا في زمن عثمان فكيف نُسب إليه تأليب الناس عليه وجمع الجموع وحرض عامة المسلمين .(6/113)
وهناك رواية تَنسُبُ إليه فعلا عظيما في تحريضه للعامة وادعائه للنبوة والألوهية لعلي والقول بالوصاية وغيرها من الأساطير مع أن مثل هذا الفعل يدل على أن القائم به مشهور معروف غير خاف أمره بين الناس ، وأيضا مثل هذا الأمر لتتناقله الألسن والرواة ولفصّلوا في نسبه وأصله وفصله ولكن مثل هذا الأمر لم يحدث ولم نر له أثرا في كتب التأريخ حيث لا نسب ولا حسب ولا عشيرة بل كل ما هناك أنه كان رجلاً من أهل صنعاء اليمن ولا يبعد وهو الحق ـ ان يكون من جملة مختلقات سيف وأساطيره . وهذا كل ما تقدم عن الأسم الأول هو عبد الله بن سبأ أما الاسم الثاني فهو .ابن السوداء .فقد قيل ان لقبه نبزٌ كانوا يلمزون به من كانت أمه سوداء .وقيل أنه غيره كما ذهب إليه البغدادي في الفرق ص 143 . حيث نقلوا عنه ان عبد الله بن السوداء كان يعين السبئية على قولها وكان اصله من يهود الحيرة فأظهر الإسلام ، والمتقدم انه من أهل صنعاء اليمن .
وقال البغدادي : ـ (قال المحققون من أهل السنة إن ابن السوداء كان على هوى دين اليهود واراد ان يفسد على المسلمين دينهم بتأويلات في علي وأولاده لكي يعتقدوا فيه ما اعتقدت النصارى في عيسى ).
وعليه فانه ليس بيهودي !! فمن هو عبد الله بن سبأ ذلك المزعوم ؟ !!
هل هو عبد الله بن وهب الراسبي رأس الخوارج ؟ أم أنه أبن السوداء ؟ أم هو غيره ؟!
وإذا لم يكن واحد من هؤلاء فمن هو وما نسبه وما قصته ؟؟؟!!!
وبهذا نكون قد انتهينا من البحث الثاني ، لننتقل الى البحث الثالث والأخير .
السبائية ( السبئية ) : ـ ماذا تعني هذه اللفظة ؟ … لو تتعبنا معنى السبائية و السبئية لوجدناها لا تختلف عن معنى اليمانية واليمنية من جعل الانتساب الى عشيرة أو جدٍ .
فعن ابن حزم في ذكر نسب اليمانية ( جمهرة انساب العرب ) ( أن اليمانية كلها راجعة الى ولد قحطان ) ثم عدّ فروع سبأ وقال عن بعضهم هم السبائيون ليس لهم نسب يذكر دون سبأ .(6/114)
وهكذا ياقوت الحموي في مادة سبأ في معجم البلدان وابن منظور في مادة سبأ في لسان العرب وابن خلدون في تاريخه قال : ان أهل اليمن فانهم من ولد سبأ . وقال في ذكر الطبقة الثانية من العرب (واعلم ان أهل هذا الجبل من العرب يعرفون باليمنية والسبئية ) وغيره كثير من كُتّاب التاريخ والسير والأنساب .
بل تجد عند الترمذي في تفسير سورة سبأ في سننه ما يدل على ذلك ، وعلى ضوء ما تقدم يظهر ان السبائية أو السبئية هو كل ماكان منتسبا الى ذلك الفخذ من العرب أما ما هو السبب عن العدول عن دلالة السبائية أو السبئي عن المنتمين الى تلك العشيرة الى المدلول المذهبي الجديد ..
فالباحث يجد ان السبب هو تجمع هذه القبائل السبئية من شيعة علي في الكوفة بعد نصرتها آياه في الجمل وصفين وغيرها بقيادة أشرافهم أمثال : 1 ـ عمار بن ياسر ، 2 ـ مالك بن الأشتر وعشيرته ، 3 ـ كميل بن زياد ، 4 ـ حجر بن عدي الكندي السبائي وقبيلته ، 5 ـ عدي بن حاتم الطائي السبائي وقبيلته ، 6 ـ قيس بن سعد بن عبادة الخزرجي ، 7 ـ ذو الشهادتين ، وسهل بن حنيف وعثمان بن حنيف …. وهناك الكثير الكثير من السبئين الذين كانوا الدَّ الخصام للأمويين منذ عصر عثمان والى آخر الدولة الأموية .
فكل أولئك سبائييون بالنسب وقيل عنهم السبئيون تعييرا ونبزا بالألقاب وأول من ذكر هذا الوصف هو زياد بن أبيه في كتاب له الى معاوية حيث قال له : أن طواغيت من هذه الترابية السبائية رأسهم حجر بن عدي خالفوا أمير المؤمنين ( يعني معاوية ) وفارقوا جماعة المسلمين …) .
لقد كان هذا أول نص رسمي قصد به تعيير القبائل السبائية ومن شاركها في ولاء علي (عليه السلام ) وكذلك ان خصوم المختار الثقفي ينعتون انصاره بالسبئية وقصدوا بها انهم يمانية كما في الطبري .(6/115)
وكذلك نجد ان شبث الربعي الخارجي بعدما أسر سعد بن أبي مسعر قال له :ويحك ما أردت إلا اتباع هذه السبئية قبح الله رأيك … فمع أن سعد كان عدنانيا إلا أن شبث عيرّه بالسبئية لانه (أي سعد) قد اتبع السبئية .
وعلى ضوء ما تقدم نجد أن السبئية كانت نبزا بالألقاب ولم تكن اللفظة يومذاك تدل على المعنى المذهبي الذي أختلقه سيف بن عمر .
نعم هكذا كان الأمر حتى أوائل القرن الثاني الهجري الى ان اختلق سيف بن عمر التميمي العدناني تلك الأسطورة وحوّل مدلول السبئية من الانتساب الى السبئية الى الانتساب الى عبد الله سبأ الذي زعم أنه يهودي يماني وقد جاء بما جاء به .
وكما تقدم أن سيف بن عمر هو الوحيد الذي انفرد بروايتها ولم تُنشر إلا بعد أن نقلها عن سيف بن عمر المؤرخ الطبري في تاريخه وعنه أخذ الآخرون بلا تحليل ولا نظر .
أما الدوافع لاختلاقها فلا تعدوا عن كونها :
1 ـ عصبية كونه عدنانياً ضد القبائل القحطانية اليمانية وهذا هو دأب الجاهلية الأولى الذي قال فيهم الشاعر :
لا يسألون أخاهم حين يندبهم ******* في النائبات عما قال برهانا
2 ـ قصد التشويش على التاريخ الإسلامي بدافع الزندقة ( راجع رأي العلماء بسيف بن عمر حيث كادوا أن يجمعوا على كونه زنديقا ..
والحمد لله رب العالمين .
هاشم
قال الدكتور الشيخ أحمد الوائلي :
إننا نرى أنّ عبد الله بن سبأ شخصية وهمية مخترعة وندلل على ذلك وهميتها بالأُمور التالية :
1-الاختلاف في أنّه هو ابن السوداء أم لا مع أنّ الذي قام بكل المصائب هو ابن السوداء ، وابن طاهر والإسرافيني يقولان إن ابن السوداء شخص آخر شارك عبد الله بن سبأ في مقالته .
2-الاختلاف في وقت ظهوره فالطبري وجماعة يصرحون بأنّه ظهر أيام عثمان وجماعة آخرون إلى أنّه ظهر أيام عليٍّ (ع) أو بعد موته ومن هؤلاء سعد بن عبد الله الأشعري في كتابه المقالات وابن طاهر في الفرق بين الفرق وغيرهما كثير .(6/116)
3-الاضطراب في الروايات في أصل دعوته فبينما رأينا الطبري وجماعة معه يقولون إنّ دعوته اقتصرت على الغلو في عليٍّ والانتصار لحقه وكل ما يدور حول عليٍّ فقط نجد جماعة من المتأخرين يذهبون ومعهم أسانيدهم طبعاً إلى أنّه كان في كل بلد له دعوة خاصة ، يقول محب الدين الخطيب بأسانيده التي ذكرها :
ومن دهاء ابن سبأ ومكره أنّه كان يبث في جماعة الفسطاط الدعوة لعليٍّ (ع) وفي جماعة الكوفة الدعوة لطلحة ، وفي جماعة البصرة الدعوة للزبير .
4-إنّ بعض الروايات ذكرت أنّه كان مقتصراً على الإشادة بفضل عليٍّ (ع) فقط في حين ذهب آخرون إلى أنّه كان يحرض على عثمان ويدس الدسائس وهو الذي دفع أبا ذر للثورة أما على معاوية أو على عثمان بروايات أُخرى .
5-لم يعلل لنا واضعوا خرافة ابن سبأ لماذا سكت عنه عثمان وولاته مع أنّهم ضربوا المعارضين بمنتهى الشدة والقسوة وهم من خيرة الصحابة كعمار وابن مسعود وغيرهم .
6-لماذا تخلو المصادر الصحيحة عن ذكر قصة ابن سبأ كالبلاذري وابن سعد وغيرهما ممن يعتد بتاريخهم .
7-إنّ رواية عبد الله بن سبأ رواها الوضاعون الكذابون كما أسلفنا فيما مر .
8-يساعد على أنّ الرواية موضوعة أنّها ليست الوحيدة التي وضعت ضدّ الشيعة وإنّما هي جزء من كل مما سنذكره لك فيما يأتي ونبرهن على كذبه . حتى تعرف أنّ قصة عبد الله بن سبأ خرجت من نفس المقلع ولنفس الأهداف .
(انتهى كلام الشيخ الوائلي) هوية التشيع ص135
--
الأخ العزيز جميل ..
كم أتمنى أن تستمر في المراسلة
--
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
------------------
فما لي إلا آل أحمد شيعة
ومالي إلا مذهب الحق مذهب
--
hashim_84@hotmail.com
الا شتر
بسم الله الرحمن الرحيم
عجباً للقوم ؟؟
حبيبي يا من تدعي الصراحة اترك عنك كتبنا فهل انت تنقل منا ام من صحاحكم ؟؟؟
فإذا كنت تدعي وجود ابن سبأ فاثبت ذلك من كتبك
فهل انت مستعد لذلك ؟؟؟
لكنني لا اعتقد من انك ستثبتها(6/117)
والله الموفق
الاشتر
------------------
الساكت عن الحق شيطان أخرس
شعاع
الى من ينكر وجود ابن سبأ مؤسس الرافضة ويدعي ان المصدر الوحيد هو الطبري
1- يقول الثقفي صاحب كتاب ( الغارات) :
(دخل عمرو بن الحمد وحجر بن عدي وحبة العوفي والحارث الاعور وعبد الله بن سبأ على أمير المؤمنين………..)[الغارات ص302]
المعروف ان الطبري الف تاريخه وجمعه بعد 300من الهجرة واما الثقفي فقد الف كتابه قريبا من الخمسينات بعد المائتين من الهجرة وكانت وفاته سنة 283 هجري فكيف نقل من الطبري….
2- النوبختي نقل عدة روايات وهو ان لم يكن قد سبق الطبري فهو معاصر له
3-ذكر الروايات الكشي والطوسي والحلي والقمي والخوانساري والنامقاني والمرزة والتستري …. وهؤلاء قالوا بوجود اللاجل وانه اول من اظهر الطعن بالخلفاء الثلاثة ولن انقل الروايات فهي كثيرة وتعرفونها كما تعرفون ابنائكم …. ….. ولكن يبدوا انكم تخشون من القول بذلك خشية ان نقول لكم ان مؤسس دينكم هو ابن سبأ اليهودي ….
وايكم هذه الأضافة......
أورد الناشيء الأكبر المتوفى عام 293 عن ابن سبأ وطائفته ما يلي :" وفرقة زعموا أن عليا - رضي الله عنه - حي لم يمت وأنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ، وهؤلاء هم السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ ، وكان عبد الله بن سبأ رجلا من أهل صنعاء يهوديا ، وسكن المدائن ...." [ مسائل الإمامة ص 22- 23 ]
ونقل القمي المتوفى عام 301 هـ أن عبد الله بن سبأ أول من أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة ، وتبرأ منهم وادعى أن عليا أمر بذلك [ القمي ، المقالات والفرق ص 20 ](6/118)
ويذكر كبير المحدثين الشيعة أبو جعفر الصدوق بن بابويه القمي المتوفى عام 381 موقف ابن سبأ وهو يعترض علىعلي - رضي الله عنه - رفع اليدين إلى السماء عند الدعاء ، وجاء في شرح عقائد الصدوق للشيخ المفيد وهو ممن انتهت إليه رئاسة الشيعة في زمانه وهو متوفى سنة 413 هـ جاء في شرحه ذكر الغلاة من المتظاهرين بالإسلام وأن أمير المؤمنين - رضي الله عنه - حرقهم بالنار
وقال أبو جعفر الطوسي المتوفى عام 460 هـ أن ابن سبأ رجع إلى الكفر وأظهر الغلو [ تهذيب الأحكام 2 / 322 ]
وأشار الحسن بن علي الحلي المتوفى عام 740 إلى ابن سبأ ضمن أصناف الضعفاء ، أما ابن المترضى المتوفى عام 840 هـ وهو من أئمة الشيعة الزيدية فيرى أن أصل التشيع مرجعه إلى ابن سبأ لأنه أول من أحدث القول بالنص في الإمامة.
و من المصادر الشيعية التي تؤكد شخصية بن سبأ:
1 - رسالة الإرجاء للحسن بن محمد بن الحنفية وقد رواها عن الثقات من الرجال عند الشيعة 0 وهذه الرسالة مخطوطة في دار الكتب الظاهرية في آخر كتاب الإيمان لمحمد بن يحيى العدني ( مجموع 104 ) 0 وانظر تاريخ التراث العربي ( 1 / 210 ) 0
2 - كتاب الغارات للثقفي الأصفهاني وهو ومطبوع انجمن آثار ملي إيران 0
3 - كتاب المقالات والفرق للأشعري القمي وهو مطبوع في إيران سنة 1963 م 0
4 - فرق الشيعة للنوبختي عن القرن الثالث الهجري 0 ط / كاظم الكتبي في النجف عدة طبعات 0 وطبعة المستشرق ريتر في استانبول عام 1931 م 0
5 - رجال الكشي للكشي 0 ط / مؤسسة الأعلمي للمطبوعات كربلاء 0
6 - رجال الطوسي لأبي جعفر الطوسي 0 ط / النجف 1381 هـ / نشر محمد كاظم الكتبي 0
7 - شرح ابن أبي الحديد لنهج البلاغة 0 ط / الأولى الميمنية 1326 هـ 0
8 - الرجال للحلي 0 ط / طهران 1311 هـ / وطبعة النجف 1961 م 0
9 - روضات الجنان للخوانساري ط 0 / إيران 1307
10 - تنقيح المقال في أحوال الرجال للمامقاني 0 ط / النجف في المطبعة المرتضوية 0(6/119)
11 - قاموس الرجال للتستري 0 منشورات مركز نشر الكتاب طهران 1382 هـ0
12 - ( روضة الصفا ) تاريخ عند الشيعة معتمد بالفارسية ج 2 / ص 292 طبعة إيران
13 - دائرة المعارف المسماة بـ ( مقتبس الأثر ومجدد مادثر ) للأعلمي الحائري 0 ط / 1388 هـ بالمطبعة العلمية / قم 0
14 - الكنى والألقاب للقمي 0 ط / العرفان بصيدا 0
15 - حل الإشكال لابن طاووس .
16 - الرجال لابن داود .
17- التحرير الطاووس للعاملي .
18 - مجمع الرجال للقهبائي المؤلف سنة 1016 هـ
19 - نقد الرجال للتفرشي المؤلف سنة 1015 هـ
20 - جامع الرواة للأردبيلي المؤلف سنة 1100 هـ
21 – موسوعة البحار للمجلسي .
انظر ما يقوله النوبختي في ( فرق الشيعة ) ص : 44 وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي عليه السلام أن عبدالله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى علياً عليه السلام وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصي بعد موسى على نبينا وآله وعليهما السلام بالغلو فقال في إسلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله في علي عليه السلام بمثل ذلك وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه 0 يقول النوبختي : فمن هنا قال من خالف الشيعة إن أصل الرفض مأخوذ من اليهود0
[نقلا من كتاب الشيعة والسنة لاحسان الهي ظهير ]
موقع فيصل نور
@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
http://www2.alsaha.com/sahat/Forum2/HTML/006755.html
عبد الله بن سبأ حقيقة أم خيال ؟
الكاتب: عبد الرحمن آل أبو موسى اضيف الموضوع يوم 10-05-99 10:35 PST
--------------------------------------------------------------------------------(6/120)
إن تشكيك بعض الباحثين المعاصرين في عبد الله بن سبأ وأنه شخصية وهمية وإنكارهم وجوده لا يستند إلى الدليل العملي ، ولا يعتمد على المصادر المتقدمة ، بل هو مجرد استنتاج يقوم على أراء وتخمينات شخصية تختلف بواعثها حسب ميول واتجاهات متبنيها ، ويمكن القول إن الشكاك والمنكرين لشخصية ابن سبأ هم طائفة من المستشرقين ، وفئة من الباحثين العرب ، وغالبية الشيعة المعاصرين .
ومن العجب أن هؤلاء المستشرقين وذيولهم من الرافضة والمستغربين في عصرنا أنكروا شخصية عبد الله بن سبأ ، وأنه شخصية وهمية لم يكن لها وجود ، فأين بلغ هؤلاء من قلة الحياء والجهل ، وقد ملأت ترجمته كتب التاريخ والفرق ، وتناقلت أفعاله الرواة وطبقت أخباره الآفاق ،
لقد اتفق المؤرخون والمحدثون وأصحاب كتب الفرق والملل والنحل والطبقات والأدب والأنساب الذين تعرضوا للسبئية على وجود شخصية عبد الله بن سبأ الذي ظهر في كتب أهل السنة - كما ظهر في كتب الشيعة - شخصية تاريخية حقيقية .
ولهذا فإن أخبار الفتنة ودور ابن سبأ فيها لم تكن قصرا على تاريخ الإمام الطبري واستنادا إلى روايات سيف بن عمر التميمي فيه ، وإنما هي أخبار منتشرة في روايات المتقدمين وفي ثنايا الكتب التي رصدت أحداث التاريخ ألإسلامي ، وآراء الفرق والنحل في تلك الفترة ، إلا أن ميزة تاريخ الإمام الطبري على غيره أنه أعزرها مادة وأكثرها تفصيلا لا أكثر ،
ولهذا كان التشكيك في هذه الأحداث بلا سند وبلا دليل ، إن/ا يعني الهدم لكل تلك الأخبار ، والتسفيه بأولئك المخبرين والعلماء ، وتزييف الحقائق التاريخية .
فمتى كانت المنهجية ضربا من ضروب الاستنتاج العقلي المحض في مقابل النصوص الروايات المتضافرة ؟
وهل تكون المنهجية في الضرب صفحا والإعراض عن المصادر الكثيرة المتقدمة والمتأخرة التي أثبتت لابن سبأ شخصية واقعية .
==========
أولا ابن سبأ عند أهل السنة .
==========(6/121)
جاء ذكر السبئية على لسان أعشى همدان المتوفي عام 83 هـ ، وقد هجى المختار وأنصاره من أهل الكوفة بعدما فر مع أشراف قبائل الكوفة إلى البصرة بقوله :
شهدت علكم أنكم سبئية وأني بكم يا شرطة الكفر عارف
وجاء ذكر السبئية في كتاب الإجراء للحسن بن محمد بن الحنفية المتوفي عام 95 هـ والذي أمر بقراءته على الناس وفيه :"...... ومن خصومة هذه السبئية التي أدركنا ، إذ يقولون هدينا لوحي ضل عنه الناس " وهناك رواية عن الشعبي المتوفي عام 103 هـ تفيد أن أول من كذب عبد الله بن سبأ
وهذا الفرزدق المتوفى عام 116 هـ يهجو أشراف العراق ومن انضم إلى ثورة الأشعت في معركة دير الجماجم سنة 83 هـ ويصفهم بالسبيئة حيث يقول :
كأن على دير الجماجم منهم حصائد أو أعجاز نخل تقعرا
تعرف همدانية سبئية وتكره عينيها على ما تنكرا
رأته مع القتلى وغير بعلها عليها تراب في دم قد تعفرا
أراحوه من رأس وعينين كانتا بعيدن طرفا بالخيانة أحزرا
من الناكثين العهد من سبئية وإما زبيرى من الذئب أغدرا
ولو أنهم إذ نافقوا كان منهم يهوديهم كانوا بذلك أعذرا
ويمكن الاستنتاج ن هذا النص أن السبئية تعني فئة لها هوية سياسية معينة ومذهب عقائدي محدد بانتمائها إلى عبد الله بن سبأ الهمداني المنشأ ، اليهودي الأصل ، صاحب المذهب المعروف .
وقد نقل الإمام الطبري في تفسير رأيا لقتادة بن دعامة السدوسي البصري المتوفي عام 11 هـ في النص التالي :" { فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله } وكان قتادة إذا قرأ هذه الآية { فأما الذين في قلوبهم زيغ } قال : إن لم يكونوا الحرورية والسبئية فلا أدري "(6/122)
أما أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي المتوفى عام 157 هـ فقد روى أن المستورد بن علفة الخارجي قد وصف معقل بن قيس الرياحي أحد أصحاب علي والذي كلفه المغيرة بن شعبة والي معاوية على الكوفة بقتال المستورد وأصحابه من الخوارج بأنه من السبئية المعترين الكذابين ، وذكر في رواية ثانية وصف أشراف أهل الكوفة لخصومهم من أصحاب المختار السبئية ، وفي الطبقات لابن سعد المتوفى عام 230 هـ ورد ذكر السبئية وأفكار زعيمها ( 3 / 39 ) فراجعها ، وتحديث ابن حبيب المتوفى عام 245 عن ابن سبأ حينما اعتبره أحد أبناء الحبشيات ، انظر المحبر ( ص 308 ) ، وخب إحراق علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لطائفة من الزنادقة تكشف عنه الروايات الصحيحة في كتب الصحاح والسنن والمسانيد ، كما في البخاري وغيره ،
هؤلاء كلهم قبل الطبري ، فأين القول بأن أول من ذكر قصته هو الطبري والنقل عن أهل السنة من كتب الطبقات وغيرها يطول ، لكن نذهب إلى كتب الشيعة .
============
=============
ثانيا : ابن سبأ عند الشيعة
==========
===========
أورد الناشيء الأكبر المتوفى عام 293 عن ابن سبأ وطائفته ما يلي :" وفرقة زعموا أن عليا - رضي الله عنه - حي لم يمت وأنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ، وهؤلاء هم السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ ، وكان عبد الله بن سبأ رجلا من أهل صنعاء يهوديا ، وسكن المدائن ...." [ مسائل الإمامة ص 22- 23 ]
ونقل القمي المتوفى عام 301 هـ أن عبد الله بن سبأ أول من أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة ، وتبرأ منهم وادعى أن عليا أمر بذلك [ القمي ، المقالات والفرق ص 20 ](6/123)
ويذكر كبير المحدثين الشيعة أبو جعفر الصدوق بن بابويه القمي المتوفى عام 381 موقف ابن سبأ وهو يعترض علىعلي - رضي الله عنه - رفع اليدين إلى السماء عند الدعاء ، وجاء في شرح عقائد الصدوق للشيخ المفيد وهو ممن انتهت إليه رئاسة الشيعة في زمانه وهو متوفى سنة 413 هـ جاء في شرحه ذكر الغلاة من المتظاهرين بالإسلام وأن أمير المؤمنين - رضي الله عنه - حرقهم بالنار
وقال أبو جعفر الطوسي المتوفى عام 460 هـ أن ابن سبأ رجع إلى الكفر وأظهر الغلو [ تهذيب الأحكام 2 / 322 ]
وأشار الحسن بن علي الحلي المتوفى عام 740 إلى ابن سبأ ضمن أصناف الضعفاء ، أما ابن المترضى المتوفى عام 840 هـ وهو من أئمة الشيعة الزيدية فيرى أن أصل التشيع مرجعه إلى ابن سبأ لأنه أول من أحدث القول بالنص في الإمامة .
==========
ثالثا : ابن سبأ عند المعاصرين
=========
وإذا كانت شخصية ابن سبأ حقيقة تاريخية لا لبس فيها في المصادر السنية والشيعية المتقدمة المتأخرة على السواء ، فهي كذلك أيضا عند غالبية المستشرقين أمثال : يوليوس فلهاوزن [ الخوارج والشيعة له ص 170 ] وفات فولتن [ السيادة العربية والشيعة والإسرائيليات ( له ) ص 80 ] وجولد تسيهر وغيرهم كثير .
وبالنسبة للشيعة المعاصرين والمستشرقين فأغلب ما كتبوه عن ابن سبأ إنما هو إنكار لوجوده ، فهو عند بعضهم أقرب إلى الوهم منه إلى الوجود ، والبعض الآخر أقرب إلى الخيال والأسطورة منه إلى الواقع ، على أن إنكار بعضهم لشخصية عبد الله بن سبأ إنما يرجع إلى رغبتهم في الانتهاء إلى النتيجة التالية :
لا حاجة لمخرب يمشي بين الصحابة ، فقد كانت نوازع الطمع وحب الدنيا والسلطة مستحوذة عليهم ، فراحوا يقاتلون بعضهم بعضا عن قصد وتصميم .
والمقصد من ذلك الإساءة للإسلام ، فالله المستعان .
انظر إلى كتاب تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة من روايات الطبري من ( 284 - 317 )
@@@@@@@@@@(6/124)
إثبات وجود شخصية عبد الله بن سبأ اليهودي / مؤسس دين الرافضة
من المنتديات
http://www.sandroses.com/abbs/showthread.php?t=1201
عبد الله بن سبأ حقيقة أم خيال؟
إن تشكيك بعض الباحثين المعاصرين في عبد الله بن سبأ وأنه شخصية وهمية وإنكارهم وجوده لا يستند إلى الدليل العملي ، ولا يعتمد على المصادر المتقدمة ، بل هو مجرد استنتاج يقوم على أراء وتخمينات شخصية تختلف بواعثها حسب ميول واتجاهات متبنيها ، ويمكن القول إن الشكاك والمنكرين لشخصية ابن سبأ هم طائفة من المستشرقين ، وفئة من الباحثين العرب ، وغالبية الشيعة المعاصرين .
ومن العجب أن هؤلاء المستشرقين وذيولهم من الرافضة والمستغربين في عصرنا أنكروا شخصية عبد الله بن سبأ ، وأنه شخصية وهمية لم يكن لها وجود ، فأين بلغ هؤلاء من قلة الحياء والجهل ، وقد ملأت ترجمته كتب التاريخ والفرق ، وتناقلت أفعاله الرواة وطبقت أخباره الآفاق .
لقد اتفق المؤرخون والمحدثون وأصحاب كتب الفرق والملل والنحل والطبقات والأدب والأنساب الذين تعرضوا للسبئية على وجود شخصية عبد الله بن سبأ الذي ظهر في كتب أهل السنة - كما ظهر في كتب الشيعة - شخصية تاريخية حقيقية. و لهذا فإن أخبار الفتنة ودور ابن سبأ فيها لم تكن قصرا على تاريخ الإمام الطبري و استنادا إلى روايات سيف بن عمر التميمي فيه ، و إنما هي أخبار منتشرة في روايات المتقدمين و في ثنايا الكتب التي رصدت أحداث التاريخ ألإسلامي ، و آراء الفرق و النحل في تلك الفترة ، إلا أن ميزة تاريخ الإمام الطبري على غيره أنه أعزرها مادة وأكثرها تفصيلا لا أكثر. و لهذا كان التشكيك في هذه الأحداث بلا سند وبلا دليل ، إن يعني الهدم لكل تلك الأخبار ، والتسفيه بأولئك المخبرين والعلماء ، وتزييف الحقائق التاريخية .(7/1)
فمتى كانت المنهجية ضربا من ضروب الاستنتاج العقلي المحض في مقابل النصوص الروايات المتضافرة؟ و هل تكون المنهجية في الضرب صفحاً و الإعراض عن المصادر الكثيرة المتقدمة و المتأخرة التي أثبتت لابن سبأ شخصية واقعية!
و في ما يلي ذكر عدد من المحاور والتي تدور حول ورود أي ذكر لعبد الله بن سبأ أو السبئية – طائفته - في الكتب والمصادر المتقدمة ( السنية والشيعية ، المتقدمة منها والمعاصرة ) ؛ لأن ورود أي ذكر للسبئية دليل على انتسابها له ، و هذا دليل بدوره على وجود ابن سبأ في الحقيقة ، مع الرد على محاولات التشكيك في وجود عبد الله بن سبأ ، و ما ينسب إليه من أعمال ، و سأتّبع فيه الترتيب الزمني للأحداث :-
أولاً : من أثبت وجود عبد الله بن سبأ من الفرقين :
أ – عبد الله بن سبأ عند أهل السنة :-
1 - جاء ذكر السبئية على لسان أعشى همدان ( ت 84هـ ) في ديوانه (ص 148) و تاريخ الطبري (6/83) و قد هجى المختار بن أبي عبيد الثقفي و أنصاره من أهل الكوفة بعدما فرّ مع أشراف قبائل الكوفة إلى البصرة بقوله :
شهدت عليكم أنكم سبئية * و أني بكم يا شرطة الكفر عارف
2 - و جاء ذكر السبئية في كتاب الإرجاء للحسن بن محمد بن الحنفية (ت95هـ ) – راجع كتاب ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي للدكتور سفر الحوالي (1/345- 361) ، حيث تحدث عن معنى الإرجاء المنسوب للحسن ، و ذكر كلام أهل العلم في ذلك فليراجع للأهمية – ما يلي : ( و من خصومة هذه السبئية التي أدركنا ، إذ يقولون هُدينا لوحي ضل عنه الناس ) . رواه ابن أبي عمر العدني في كتاب الإيمان ( ص 249) .
3 - و هناك رواية عن الشعبي ( ت 103هـ ) ذكرها ابن عساكر في تاريخه (29/7) ، تفيد أن : ( أول من كذب عبد الله بن سبأ ) .(7/2)
4 - و هذا الفرزدق (شيعي الولاء سني المذهب) ( ت 116هـ ) يهجو في ديوانه ( ص 242-243) ، أشارف العراق ومن انضم إلى ثورة عبد الرحمن بن الأشعث في معركة دير الجماجم ، و يصفهم بالسبئية ، حيث يقول :
كأن على دير الجماجم منهم * حصائد أو أعجاز نخل تَقَعّرا
تَعَرّفُ همدانية سبئية * و تُكره عينيها على ما تنكرا
رأته مع القتلى و غيّر بعلها * عليها تراب في دم قد تعفّرا
أراحوه من رأس وعينين كانتا * بعيدن طرفا بالخيانة أحزرا
من الناكثين العهد من سبئية * وإما زبيري من الذئب أغدرا
ولو أنهم إذ نافقوا كان منهم * يهوديهم كانوا بذلك أعذرا
و يمكن الاستنتاج من هذا النص أن السبئية تعني فئة لها هوية سياسية معنية و مذهب عقائدي محدد بانتمائها إلى عبد الله بن سبأ اليهودي المعروف ، صاحب المذهب .
5 - و قد نقل الإمام الطبري في تفسيره (3/119) رأياً لقتادة بن دعامة السدوسي البصري ( ت 117هـ ) ، في النص التالي : { فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون م تشابه منه ابتغاء الفتنة } [آل عمران 7] ، و كان قتادة إذا قرأ هذه الآية قال : ( إن لم يكونوا الحرورية والسبئية فلا أدري ) .
6 - وفي الطبقات الكبرى لابن سعد ( ت 230هـ ) ورد ذكر السبئية وأفكار زعيمها وإن لم يشر إلى ابن سبأ بالاسم . الطبقات (3/39) .
7 – و جاء عند ابن حبيب البغدادي ( ت 245هـ ) في المحبر ( ص 308) ، ذكر لعبد الله بن سبأ حينما اعتبره أحد أبناء الحبشيات .
8 - كما روى أبو عاصم خُشيش بن أصرم ( ت 253هـ ) ، خبر إحراق علي رضي الله عنه لجماعة من أصحاب ابن سبأ في كتابه الاستقامة . أنظر : منهاج السنة لابن تيمية ( 1/7) .
9 - و جاء في البيان والتبيين (3/81) للجاحظ (من كبار زعماء المعتزلة) ( ت 255هـ ) ، إشارة إلى عبد الله بن سبأ .(7/3)
و خبر إحراق علي بن أبي طالب رضي الله عنه لطائفة من الزنادقة تكشف عنه الروايات الصحيحة في كتب الصحاح والسنن و المساند . أنظر على سبيل المثال : سن أبي داود (4/126) والنسائي (7/104) و الحاكم في المستدرك (3/538) .
10 - فقد ذكر الإمام البخاري ( ت 256هـ ) في كتاب استتابة المرتدين من صحيحه ( 8/50) عن عكرمة قال : ( أتي علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم ، فبلغ ذلك ابن عباس فقال : لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تعذبوا بعذاب الله ) ، و لقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من بدل دينه فاقتلوه ) .
ومن الثابت تاريخياً أن الذين حرقهم علي رضي الله عنه هم أتابع عبد الله بن سبأ حينما قالوا بأنه الإله .
11 - ذكر الجوزجاني ( ت 259هـ ) في أحوال الرجال ( ص 38) أن السبئية غلت في الكفر فزعمت أن علياً إلهاً حتى حرقهم بالنار إنكاراً عليهم واستبصاراً في أمرهم حين يقول :
لما رأيت الأمر أمراً منكرا * أججت ناري و دعوت قنبرا .
12 - و يقول ابن قتيبة ( 276هـ ) في المعارف ( ص 267) : ( السبئية من الرافضة ينسبون إلى عبد الله بن سبأ ) . و في تأويل مختلف الحديث ( ص 73) يقول : ( أن عبد الله بن سبأ ادّعى الربوبية لعلي ، فأحرق علي أصحابه بالنار .
13 - و يذكر البلاذري ( ت 279هـ ) ابن سبأ من جملة من أتوا إلى علي رضي الله عنه يسألونه من رأيه في أبي بكر و عمر ، فقال : أو تفرغتم لهذا . أنساب الأشراف ( 3/382) .
14 – و يعتبر الإمام الطبري ( ت 310هـ ) من الذي أفاضوا في تاريخهم من ذكر أخبار ابن سبأ معتمداً في ذلك على الإخباري سيف بن عمر . تاريخ الطبري ( 4/283 ، 326 ، 331 ، 340 ، 349 ، 398 ، 493 – 494 ، 505 ) .
15 - وأكد ابن عبد ربه ( ت 328هـ ) أن ابن سبأ و طائفته السبئية قد غلوّ في علي حينما قالوا : هو الله خالقنا ، كما غلت النصارى في المسيح ابن مريم عليه السلام . العقد الفريد ( 2/405) .(7/4)
16 - و يذكر أبو الحسن الأشعري ( ت 330هـ ) في مقالات الإسلاميين (1/85) عبد الله بن سبأ وطائفته من ضمن أصناف الغلاة ، إذ يزعمون أن علياً لم يمت ، و أنه سيرجع إلى الدنيا فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً .
17 - و يذكر ابن حبان ( ت 354هـ ) في كتاب المجروحين ( 2/253) : ( أن الكلبي سبئياً من أصحاب عبد الله بن سبأ ، من أولئك الذين يقولون : إن علياً لم يمت ، وإنه راجع إلى الدنيا قبل قيام الساعة ) .
18 – يقول المقدسي ( ت 355هـ ) في كتابه البدء والتاريخ ( 5/129) : ( إن عبد الله بن سبأ قال للذي جاء ينعي إليه موت علي بن أبي طالب : لو جئتنا بدماغه في صرة لعلمنا أنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ) .
19 - و يذكر الملطي ( ت 377هـ ) في كتابه التنبيه و الرد على أهل الأهواء و البدع ( ص 18) فيقول : ( ففي عهد علي رضي الله عنه جاءت السبئية إليه وقالوا له : أنت أنت !! ، قال : من أنا ؟ قالوا : الخالق البارئ ، فاستتابهم ، فلم يرجعوا ، فأوقد لهم ناراً عظيمة وأحرقهم .
20 - و ذكر أبو حفص ابن شاهين ( ت 385هـ ) أن علياً حرّق جماعة من غلاة الشيعة ونفى بعضهم ، و من المنفيين عبد الله بن سبأ . أورده ابن تيمية في منهاج السنة (1/7) .
21 - و يذكر الخوارزمي ( ت 387هـ ) في كتابه مفاتيح العلوم (ص 22 ) ، أن السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ .
22 - و يرد ذكر عبد الله بن سبأ عند الهمذاني ( ت 415هـ ) في كتابه تثبيت دلائل النبوة (3/548) .
23 - و ذكر الغدادي ( ت 429هـ ) في الفرق بين الفرق ( ص 15 و ما بعدها ) : أن فرقة السبئية أظهروا بدعتهم في زمان علي رضي الله عنه فأحرق قوماً منهم و نفى ابن سبأ إلى سباط المدائن إذ نهاه ابن عباس رضي الله عنهما عن قتله حينما بلغه غلوه فيه وأشار عليه بنفيه إلى المدائن حتى لا تختلف عليه أصحابه ، لاسيما و هو عازم على العودة إلى قتال أهل الشام .(7/5)
24 - و نقل ابن حزم ( ت 456هـ ) في الفصل في الملل والنحل ( 4/186) : ( و القسم الثاني من الفرق الغالية الذين يقولون بالإلهية لغير الله عز وجل فأولهم قوم من أصحاب عبد الله بن سبأ الحميري لعنه الله ، أتوا إلى علي بن أبي طالب فقالوا مشافهة : أنت هو ، فقال لهم : ومن هو ؟ فقالوا : أنت الله ، فاستعظم الأمر و أمر بنار فأججت وأحرقهم بالنار ) .
25 - يقول الأسفرايني ( ت 471هـ ) في التبصرة في الدين ( ص 108) : ( إن ابن سبأ قال بنبوة علي في أول أمره ، ثم دعا إلى ألوهيته ، و دعا الخلق إلى ذلك فأجابته جماعة إلى ذلك في وقت علي ) .
26 - و يتحدث الشهرستاني ( ت548هـ ) في الملل والنحل (2/116، 155) عن ابن سبأ فيقول : ( و منه انشعبت أ ..... ) .
& رد :
ترجمة سيف بن عمر :
* قال يحي بن معين ( ت: 233 ) : " ضعيف الحديث فلس خير منه) - راجع ميزان الأعتدال ج 2/ 255
* وقال أبو داوود ( ت : 275 هـ ) : " ليس بشيء كذاب "
*وقال النسائي صاحب الصحيح ( ت: 303هـ) :طط ضعيف متروك الحديث ليس بثقة ، ولا مأمون ""
* وقال ابن أبي حاتم ( ت : 327 هـ ) : "" متروك الحديث ""
*وقال ابن السكن ( ت : 353 هـ ) ضعيف
* وقال ابن عدي ( ت 365 هـ ) ضعيف بعض أحاديثه مشهورة وعامتها منكرة لم يتابع عليها ""
* وقال ابن حبان ( ت : 354 هـ ) يروي الموضوعات عن الأثبات ، أتهم بالزندقة ، وقال " قالوا : كان يضع الحديث ""
* وقال الحاكم ( ت 405 هـ ) : متروك ، اتهم بالزندقة .
*ووهاه الخطيب البغدادي ( ت : 406 هـ ) كما في ترجمة خزيمة غير ذي الشهادتين من الاصابة .
* ونقل ابن عبد البر ( ت : 463 هـ ) عن أبي حيان انه قال فيه :"" سيف متروك وانما ذكرنا حديثه للمعرف ""ولم يعقب ابن عبد البر على هذا الحديث .
* وقال الفيروز أبادي ( ت : 817 هـ ) "" صاحب تواليف "" وذكره مع غيره وقال عنهم ضعفاء.(7/6)
* وقال ابن حجر ( ت : 852 هـ ) بعد ايرؤاد حديث ورد في سنده اسمه :/ (( فيه ضعفاء أشدهم سيف ))
* وقال صفي الدين ( ت : 923 هـ ) : "" ضعفوه ، له في الترمذي فرد حديث ""
أفبا بعد هذا يقبل حديث سيف أو اخباره !!!
بالنسبة للعقلاء لا يقبل !
رد على الرد :
ا - سبحان الله أكنت أعمى عن هذا الكلام لا أريد أن أخوض معك على سيف بل ما رأيك في هذه الروايات التي لم ترد عن طريق سيف
ب – كون سيف بن عمر هو المصدر الوحيد لأخبار ابن سبأ .
الرد : هذه الشبهة أيضاً غير صحيحة ، فقد ثبتت روايات ذكر فيها ابن سبأ لم يكن سيف في سندها ، و إن الذي يتبين لنا من خلال البحث والتنقيب أن سيف بن عمر ليس هو المصدر الوحيد لأخبار عبد الله بن سبأ ، و سأورد هنا عدد من النصوص لابن عساكر تذكر ابن سبأ لا ينتهي سندها إلى سيف بن عمر ، و قد اخترت تاريخ ابن عساكر بالذات لأنه يعتمد في روايته للأخبار على السند كما هو حال الطبري في تاريخه .
الرواية الأولى : ذكرها ابن عساكر بسنده إلى الشعبي ، قال : أول من كذب عبد الله بن سبأ .
الرواية الثانية : ذكرها ابن عساكر بسنده إلى عمار الدهني ، قال : سمعت أبا الطفيل يقول : رأيت المسيب بن نجبة أتى به يلببة - يعني ابن السوداء - ، و علي على المنبر ، فقال علي : ما شأنه ؟ فقال : يكذب على الله وعلى رسوله .
الرواية الثالثة : ذكرها ابن عساكر بسنده إلى زيد بن وهب عن علي قال : ما لي و ما لهذا الحميت الأسود ؟ .
الرواية الرابعة : ذكرها ابن عساكر بسنده إلى شعبة عن سلمة قال : قال سمعت أبا الزعراء يحدث عن علي عليه السلام قال : ما لي وما لهذا الحميت الأسود ؟ .
الرواية الخامسة : ذكرها ابن عساكر بسنده إلى شعبة عن سلمة بن كهيل عن زيد قال : قال علي بن أبي طالب ما لي ولهذا الحميت الأسود ؟ - يعني عبد الله بن سبأ – وكان يقع في أبي بكر وعمر .(7/7)
الرواية السادسة : ذكرها ابن عساكر بسنده إلى سلمة بن كهيل عن حجية بن عدي الكندي قال : رأيت علياً كرم الله وجهه وهو على المنبر ، وهو يقول : من يعذرني من هذا الحميت الأسود ، الذي يكذب على الله ورسوله ؟ - يعني ابن السوداء – لولا أن لا يزال يخرج عليّ عصابة تنعى عليّ دمه كما أدّعيت عليّ دماء أهل النهر ، لجعلت منهم ركاماً .
الرواية السابعة : ذكرها ابن عساكر بسنده إلى أبو الأحوص عن مغيرة عن سماك قال : بلغ عليا أن ابن السوداء ينتقص أبا بكر وعمر ، فدعا به ، ودعا بالسيف - أو قال : فهمّ بقتله - فكُلّم فيه ، فقال : لا يساكني ببلد أنا فيه . قال : فسيره إلى المدائن . تاريخ دمشق لابن عساكر ( 29/ 7-10 ) .
للمزيد حول ورود روايات عبد الله بن سبأ من غير طريق سيف بن عمر راجع ما ذكرناه سابقاً.
وهذه كتبكم أثبتت أن اليهودي مؤسسكم عبد الله بن سبأ حقيقة من قبل الطبري لماذا تجاهلت ذلك يا صاحب العقل !!!!!!!!!!!!!
ب – المثبتين لشخصية ابن سبأ من الشيعة :-
1 - ورد في تاريخ الطبري (5/193) على لسان أبي مخنف – لوط بن يحيى – ( ت 157هـ ) و هو يصف معقل بن قيس الرياحي والذي كلفه المغيرة بن شعبة والي معاوية على الكوفة بقتال المستورد بن علفة الخارجي و أصحابه ، فيصفه بأنه من السبئية المفترين الكذابين .
2 - الأصفهاني ( ت 283هـ ) ذكره الدكتور أحمد الزغيبي في كتابه العنصرية اليهودية ( 2/528) .
3 - أورد الناشئ الأكبر ( ت 293هـ ) في كتابه مسائل الإمامة ( ص 22-23 ) ما يلي : ( و فرقة زعموا أن علياً رضي الله عنه حي لم يمت ، و أنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ، و هؤلاء هم السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ ، و كان عبد الله بن سبأ رجلاً من أهل صنعاء يهودياً .. و سكن المدائن .. ) .(7/8)
4 – و نقل القمي ( ت 301هـ ) في كتابه المقالات و الفرق ( ص 20 طهران 1963 م تحقيق الدكتور محمد جواد مشكور فيروي ) أن عبد الله بن سبأ أول من أظهر الطعن على أبي بكر و عمر و عثمان والصحابة ، و تبرأ منهم ، وادّعى أن علياً أمره بذلك . و ( أن السبئية قالوا للذي نعاه ( أي علي بن أبي طالب ) : كذبت ياعدو الله لو جئتنا والله بدماغه خربة فأقمت على قتله سبعين عدلاً ما صدقناك ولعلمنا أن لم يمت ولم يقتل وإن لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ويملك الأرض ثم مضوا …)
5 - و يتحدث النوبختي ( ت 310هـ ) في كتابه فرق الشيعة ( ص 23 ) عن أخبار ابن سبأ فيذكر أنه لما بلغ ابن سبأ نعي علي بالمدائن ، قال للذي نعاه : كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة و أقمت على قتله سبعين عدلاً لعلمنا أنه لم يمت و لم يقتل ، و لا يموت حتى يملك الأرض.
ويقول في ( ص 44 ) وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي عليه السلام أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى علياً عليه السلام وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصي بعد موسى على نبينا وآله وعليهما السلام بالغلو فقال في إسلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله في علي عليه السلام بمثل ذلك وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه. يقول النوبختي : فمن هنا قال من خالف الشيعة إن أصل الرفض مأخوذ من اليهود.
6 - و يقول أبو حاتم الرازي ( ت 322هـ ) في كتابه الزينة في الكلمات الإسلامية ( ص 305 ) : ( أن عبد الله بن سبأ و من قال بقوله من السبئية كانوا يزعمون أن علياً هو الإله ، و أنه يحيي الموتى ، وادعوا غيبته بعد موته .(7/9)
7 - و روى الكشي ( ت 340هـ ) في الرجال ( ص 98-99) بسنده إلى أبي جعفر محمد الباقر قوله : أن عبد الله بن سبأ كان يدّعي النبوة ، و يزعم أن أمير المؤمنين – عليه السلام – هو الله ، تعالى عن ذلك علواً كبيراً . و هناك أقوال مشابه عن جعفر الصادق و علي بن الحسين تلعن فيها عبد الله بن سبأ في ( ص 70 ، 100 ) من نفس الكتاب .
و يروي الكشي في ( رجال الكشي ص 98 ط مؤسسة الأعلمي للمطبوعات كربلاء ) بسنده إلى أبي جعفر ( أن عبد الله بن سبأ كان يدعي النبوة وزعم أن أمير المؤمنين هو الله تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا فبلغ ذلك أمير المؤمنين فدعاه وسأله فأقر بذلك وقال : نعم أنت هو وقد كان ألقي في روعي أنك أنت الله وأني نبي فقال له أمير المؤمنين : ويلك قد سخر منك الشيطان فارجع عن هذا ثكلتك أمك وتب فأبى فحبسه واستتابه ثلاثة أيام فلم يتب فأحرقه بالنار والصواب أنه نفاه بالمدائن …)
8 - و يذكر أبو جعفر الصدوق بن بابويه القمي ( ت 381هـ ) في كتاب من لا يحضره الفقه ( 1/213) ، موقف ابن سبأ و هو يعترض على علي رضي الله عنه رفع اليدين إلى السماء أثناء الدعاء .
9 - و جاء عند الشيخ المفيد ( ت 413هـ ) في كتاب شرح عقائد الصدور ( ص 257) ذكر الغلاة من المتظاهرين بالإسلام – يقصد السبئية – الذين نسبوا أمير المؤمنين علي والأئمة من ذريته إلى الألوهية والنبوة ، فحكم فيهم أمير المؤمنين بالقتل والتحريق بالنار .
10 - و قال أبو جعفر الطوسي ( ت 460هـ ) في كتبه تهذيب الأحكام ( 2/322) أن ابن سبأ رجع إلى الكفر وأظهر الغلو .
11 - ابن شهر آشوب ( ت 588هـ ) في مناقب آل أبي طالب (1/227-228 ) .
12 - و ذكر ابن أبي الحديد ( ت 655هـ ) في شرح نهج البلاغة ( 2/99) ما نصه : ( فلما قتل أمير المؤمنين – عليه السلام – أظهر ابن سبأ مقالته ، و صارت له طائفة و فرقه يصدقونه و يتبعونه .(7/10)
13 - و أشار الحسن بن علي الحلّي ( ت 726هـ ) في كتابه الرجال (2/71) إلى ابن سبأ ضمن أصناف الضعفاء .
14 - و يرى ابن المرتضى ( ت 840هـ ) – و هو من أئمة الشيعة الزيدية - ، أن أصل التشيع مرجعه إلى ابن سبأ ، لأنه أول من أحدث القول بالنص في الإمامة . تاج العروس لابن المرتضى ( ص 5 ، 6 ) .
15 - و يرى الأردبيلي ( ت 1100هـ ) في كتاب جامع الرواة (1/485) أن ابن سبأ غال ملعون يزعم ألوهية علي و نبوته .
16 - المجلسي ( ت 1110هـ ) في بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار (25/286-287 ) .
17 - يقول نعمة الله الجزائري ( ت 1112هـ ) في كتابه الأنوار النعمانية ( 2/234) : ( قال عبد الله بن سبأ لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أنت الإله حقاً فنفاه علي عليه السلام إلى المدائن و قيل إنه كان يهودياً فأسلم وكان في اليهودية يقول في يوشع بن نون و في موسى مثل ما قال في علي .
18 - طاهر العاملي ( ت 1138هـ ) في مقدمة مرآة الأنوار و مشكاة الأسرار في تفسير القرآن (ص 62 ) .
19 - و عند المامقاني ( ت 1323هـ ) في كتابه تنقيح المقال في أحوال الرجال (2/183) جاء ذكر ابن سبأ ضمن نقولات عدة ساقها المؤلف من مصادر شيعية متقدمة عليه .
20 - أما محمد حسين المظفري ( ت 1369هـ ) و هو من الشيعة المعاصرين الذين لا ينكرون وجود ان سبأ وإن كان ينفي أن يكون للشيعة به أي اتصال . تاريخ الشيعة ( ص 10 ) .
21 - أما الخوانساري فقد جاء ذكر ابن سبأ عنده على لسان جعفر الصادق الذي لعن ابن سبأ لاتهامه بالكذب والتزوير . روضات الجنات (3/141) .
هذه النصوص من كتبكم تثبت أن اليهودي الذي أسسكم عبد الله بن سبأ حقيقة فلماذا تتبرؤون من مؤسسكم هل هو العار ؟
لقد بين الأخ المستانس جزاه الله خيرا هذا الكلام فأين عقلك .
ولكن لا أقول الا أنكم لا عقل لكم فأنتم تعبدون ساءاتكم كما يعبد اليهود والنصارى رهبانهم .(7/11)
أصبحت عقولكم ممسوخة لا تعرف الا الكذب واللف والدوران ولم يكن ذلك الا من كثرة ضرب الصدور وشق الجيوب فهو عذابكم في الدني قبل الآخرة اذا متم على ذلك .
@@@@@@@
إن تشكيك بعض الباحثين المعاصرين في عبد الله بن سبأ وأنه شخصية وهمية وإنكارهم وجوده لا يستند إلى الدليل العملي ، ولا يعتمد على المصادر المتقدمة ، بل هو مجرد استنتاج يقوم على أراء وتخمينات شخصية تختلف بواعثها حسب ميول واتجاهات متبنيها ، ويمكن القول إن الشكاك والمنكرين لشخصية ابن سبأ هم طائفة من المستشرقين ، وفئة من الباحثين العرب ، وغالبية الشيعة المعاصرين .
ومن العجب أن هؤلاء المستشرقين وذيولهم من الرافضة والمستغربين في عصرنا أنكروا شخصية عبد الله بن سبأ ، وأنه شخصية وهمية لم يكن لها وجود ، فأين بلغ هؤلاء من قلة الحياء والجهل ، وقد ملأت ترجمته كتب التاريخ والفرق ، وتناقلت أفعاله الرواة وطبقت أخباره الآفاق ، لقد اتفق المؤرخون والمحدثون وأصحاب كتب الفرق والملل والنحل والطبقات والأدب والأنساب الذين تعرضوا للسبئية على وجود شخصية عبد الله بن سبأ الذي ظهر في كتب أهل السنة - كما ظهر في كتب الشيعة - شخصية تاريخية حقيقية .
ولهذا فإن أخبار الفتنة ودور ابن سبأ فيها لم تكن قصرا على تاريخ الإمام الطبري واستنادا إلى روايات سيف بن عمر التميمي فيه ، وإنما هي أخبار منتشرة في روايات المتقدمين وفي ثنايا الكتب التي رصدت أحداث التاريخ ألإسلامي ، وآراء الفرق والنحل في تلك الفترة ، إلا أن ميزة تاريخ الإمام الطبري على غيره أنه أعزرها مادة وأكثرها تفصيلا لا أكثر ، ولهذا كان التشكيك في هذه الأحداث بلا سند وبلا دليل ، إن/ا يعني الهدم لكل تلك الأخبار ، والتسفيه بأولئك المخبرين والعلماء ، وتزييف الحقائق التاريخية .
فمتى كانت المنهجية ضربا من ضروب الاستنتاج العقلي المحض في مقابل النصوص الروايات المتضافرة ؟(7/12)
وهل تكون المنهجية في الضرب صفحا والإعراض عن المصادر الكثيرة المتقدمة والمتأخرة التي أثبتت لابن سبأ شخصية واقعية .
==========
أولا ابن سبأ عند أهل السنة .
==========
جاء ذكر السبئية على لسان أعشى همدان المتوفي عام 83 هـ ، وقد هجى المختار وأنصاره من أهل الكوفة بعدما فر مع أشراف قبائل الكوفة إلى البصرة بقوله :
شهدت علكم أنكم سبئية وأني بكم يا شرطة الكفر عارف
وجاء ذكر السبئية في كتاب الإجراء للحسن بن محمد بن الحنفية المتوفي عام 95 هـ والذي أمر بقراءته على الناس وفيه :"...... ومن خصومة هذه السبئية التي أدركنا ، إذ يقولون هدينا لوحي ضل عنه الناس " وهناك رواية عن الشعبي المتوفي عام 103 هـ تفيد أن أول من كذب عبد الله بن سبأ
وهذا الفرزدق المتوفى عام 116 هـ يهجو أشراف العراق ومن انضم إلى ثورة الأشعت في معركة دير الجماجم سنة 83 هـ ويصفهم بالسبيئة حيث يقول :
كأن على دير الجماجم منهم حصائد أو أعجاز نخل تقعرا
تعرف همدانية سبئية وتكره عينيها على ما تنكرا
رأته مع القتلى وغير بعلها عليها تراب في دم قد تعفرا
أراحوه من رأس وعينين كانتا بعيدن طرفا بالخيانة أحزرا
من الناكثين العهد من سبئية وإما زبيرى من الذئب أغدرا
ولو أنهم إذ نافقوا كان منهم يهوديهم كانوا بذلك أعذرا
ويمكن الاستنتاج ن هذا النص أن السبئية تعني فئة لها هوية سياسية معينة ومذهب عقائدي محدد بانتمائها إلى عبد الله بن سبأ الهمداني المنشأ ، اليهودي الأصل ، صاحب المذهب المعروف .
وقد نقل الإمام الطبري في تفسير رأيا لقتادة بن دعامة السدوسي البصري المتوفي عام 11 هـ في النص التالي :" { فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله } وكان قتادة إذا قرأ هذه الآية { فأما الذين في قلوبهم زيغ } قال : إن لم يكونوا الحرورية والسبئية فلا أدري "(7/13)
أما أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي المتوفى عام 157 هـ فقد روى أن المستورد بن علفة الخارجي قد وصف معقل بن قيس الرياحي أحد أصحاب علي والذي كلفه المغيرة بن شعبة والي معاوية على الكوفة بقتال المستورد وأصحابه من الخوارج بأنه من السبئية المعترين الكذابين ، وذكر في رواية ثانية وصف أشراف أهل الكوفة لخصومهم من أصحاب المختار السبئية ، وفي الطبقات لابن سعد المتوفى عام 230 هـ ورد ذكر السبئية وأفكار زعيمها ( 3 / 39 ) فراجعها ، وتحديث ابن حبيب المتوفى عام 245 عن ابن سبأ حينما اعتبره أحد أبناء الحبشيات ، انظر المحبر ( ص 308 ) ، وخب إحراق علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لطائفة من الزنادقة تكشف عنه الروايات الصحيحة في كتب الصحاح والسنن والمسانيد ، كما في البخاري وغيره ،
هؤلاء كلهم قبل الطبري ، فأين القول بأن أول من ذكر قصته هو الطبري والنقل عن أهل السنة من كتب الطبقات وغيرها يطول ، لكن نذهب إلى كتب الشيعة .
============
=============
ثانيا : ابن سبأ عند الشيعة
==========
===========
أورد الناشيء الأكبر المتوفى عام 293 عن ابن سبأ وطائفته ما يلي :" وفرقة زعموا أن عليا - رضي الله عنه - حي لم يمت وأنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ، وهؤلاء هم السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ ، وكان عبد الله بن سبأ رجلا من أهل صنعاء يهوديا ، وسكن المدائن ...." [ مسائل الإمامة ص 22- 23 ]
ونقل القمي المتوفى عام 301 هـ أن عبد الله بن سبأ أول من أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة ، وتبرأ منهم وادعى أن عليا أمر بذلك [ القمي ، المقالات والفرق ص 20 ](7/14)
ويذكر كبير المحدثين الشيعة أبو جعفر الصدوق بن بابويه القمي المتوفى عام 381 موقف ابن سبأ وهو يعترض علىعلي - رضي الله عنه - رفع اليدين إلى السماء عند الدعاء ، وجاء في شرح عقائد الصدوق للشيخ المفيد وهو ممن انتهت إليه رئاسة الشيعة في زمانه وهو متوفى سنة 413 هـ جاء في شرحه ذكر الغلاة من المتظاهرين بالإسلام وأن أمير المؤمنين - رضي الله عنه - حرقهم بالنار
وقال أبو جعفر الطوسي المتوفى عام 460 هـ أن ابن سبأ رجع إلى الكفر وأظهر الغلو [ تهذيب الأحكام 2 / 322 ]
وأشار الحسن بن علي الحلي المتوفى عام 740 إلى ابن سبأ ضمن أصناف الضعفاء ، أما ابن المترضى المتوفى عام 840 هـ وهو من أئمة الشيعة الزيدية فيرى أن أصل التشيع مرجعه إلى ابن سبأ لأنه أول من أحدث القول بالنص في الإمامة .
==========
ثالثا : ابن سبأ عند المعاصرين
=========
وإذا كانت شخصية ابن سبأ حقيقة تاريخية لا لبس فيها في المصادر السنية والشيعية المتقدمة المتأخرة على السواء ، فهي كذلك أيضا عند غالبية المستشرقين أمثال : يوليوس فلهاوزن [ الخوارج والشيعة له ص 170 ] وفات فولتن [ السيادة العربية والشيعة والإسرائيليات ( له ) ص 80 ] وجولد تسيهر وغيرهم كثير .
وبالنسبة للشيعة المعاصرين والمستشرقين فأغلب ما كتبوه عن ابن سبأ إنما هو إنكار لوجوده ، فهو عند بعضهم أقرب إلى الوهم منه إلى الوجود ، والبعض الآخر أقرب إلى الخيال والأسطورة منه إلى الواقع ، على أن إنكار بعضهم لشخصية عبد الله بن سبأ إنما يرجع إلى رغبتهم في الانتهاء إلى النتيجة التالية :
لا حاجة لمخرب يمشي بين الصحابة ، فقد كانت نوازع الطمع وحب الدنيا والسلطة مستحوذة عليهم ، فراحوا يقاتلون بعضهم بعضا عن قصد وتصميم .
والمقصد من ذلك الإساءة للإسلام ، فالله المستعان .
انظر إلى كتاب تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة من روايات الطبري من ( 284 - 317 )
@@@@@@@
وكتب واحد شيعي يقول :(7/15)
وهو الدكتور عبد الهادي محمد تقي الحكيم في جريدة النهار (لبنان) / عدد الأحد، 20 تموز «يوليو» 2003 يقول :
إن قصة عبد الله بن سبأ، ودوره الكبير في الاحداث، وفاعليته المؤثرة في الوقائع، وتحريضه وتثويره وعسكرته للمسلمين في عصره، ودعوى تأسيسه لعقائد الشيعة او لمذهبهم، هي احدى القصص والحكايا والخرافات المثيرة المعجبة التي رواها فانفرد بروايتها راو متهم هو سيف بن عمر وحده، وتناقلها عنه قسم من المؤرخين، خلفا عن سلف، ولاحقاً عن سابق من دون دراسة متأنية للرواية أو تمحيص علمي للمتن والسند.(7/16)
تذهب القصة الى ان عبد الله بن سبأ، وهو يهودي من اهل صنعاء، اسلم اواخر خلافة عثمان بن عفان، ثم غلا في الإمام علي غلوا كبيرا، وسعى لافساد المسلمين في حواضر العالم الاسلامي في مكة المكرمة والمدينة المنورة اولا، وحين فشل في مسعاه فيهما، سافر الى البصرة، فاخرجه واليا منها خوفا على ولايته من افسادها عليه، فاتجه ابن سبأ صوب مصر حيث استقر به المقام هناك، واخذ يبث دعاته واتباعه من البصرة الى الكوفة ومن الشام الى مصر، يدعوهم الى الخروج على طاعة الخليفة زاعما ان للنبي محمد رجعة، كما كانت لعيسى رجعة، بل تجاوز الحد كثيراً حين ادعى الربوبية للامام علي كما ادعى هو او اتباعه من بعده ان عليا لم يقتل، وانما هو حي لم يمت، وانه في السحاب، وسيعود، وما الى ذلك في اقاويل الغلو، فاستطاع ان يفسد مصر على واليها المعروف بالدهاء عمرو بن العاص حتى عزله الخليفة عن ولاية مصر، ليتولاها بعده عبد الله بن ابي سرح، كما استطاع ان يؤلب الناس في مصر على الخليفة كي يتوقفوا عن دفع الخراج لبيت مال المسلمين، من خلال ترك الزراعة فينجح في مسعاه، ثم تزيد الرواية من دوره ذاك فتضيف انه استطاع ان يضل من الصحابة والتابعين والصلحاء العديد من امثال: أبي ذر الغفاري وعمار بن ياسر، ومحمد بن أبي حذيفة، وعبد الرحمن بن عديس، ومحمد بن أبي بكر، وصعصعة بن صوحان العبدي، ومالك الاشتر وغيرهم من الاتقياء، كما استطاع اتباعه ان يجيِّشوا الجيوش من الكوفة والبصرة ومصر زاحفة نحو المدينة المنورة عاصمة الخلافة الاسلامية لمحاصرة الخليفة عثمان في داره. وتزعم الروايات ايضا: "ان المسلمين بعد ان بايعوا عليا وخرج طلحة والزبير الى البصرة لحرب الجمل رأى السبئيون ان رؤساء الجيشين اخذوا يتفاهمون، وانهم ان تم ذلك سيؤخذون بدم عثمان، فاجتمعوا ليلا وقرروا أن يندسوا بين الجيشين، ويثيروا الحرب بكرة من دون علم غيرهم، وانهم استطاعوا ان ينفذوا هذا القرار الخطير(7/17)
في غسق الليل قبل ان ينتبه الجيشان المتقابلان، فناوش المندسون من السبئيين في جيش علي من كان بآزائهم في جيش طلحة والزبير، ففزع الجيشان وفزع رؤساؤهما وظن كل بخصمه شرا.
وزعموا كذلك ان حرب البصرة المشهورة بحرب الجمل وقعت هكذا من دون ان يكون لرؤساء الجيشين فيها رأي أو علم.
موقف ائمة الشيعة الإمامية من ابن سبأ
ومن الحق ان يقال هنا ان علماء الشيعة الامامية ومحدثيهم ومحققيهم قد اطالوا الكلام في ذم عبد الله بن سبأ وتجريحه والطعن فيه ولعنه، ولو كان كما قيل من انه مؤسس مذهبهم لما حصل ذلك، ولا يسع المجال لاستعراض كل ما قالوه في قدحه والتبرؤ منه ومن آرائه وبدعه، غير اني سأشير الى اقوال بعض أئمة الشيعة الامامية فيه، وانقل نصوصا موجزة لآخرين من علمائهم، مبتدأ اولا بما روي عن الائمة انفسهم فيه. فمن ذلك ما روي عن الامام علي من انه دعا عبد الله بن سبأ واستنطقه ثم استتابه، فأبى، فاحرقه بالنار على قول، او نفاه عن الكوفة على قول آخر، وقد روى ذلك جمع من المؤرخين، وتناقلته كتب التاريخ والسير والرجال حتى شاع واشتهر. ومنه ما روي كذلك عن الامام الباقر ابي عبد الله محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب فيه، يقول ابان بن عثمان: "سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول: لعن الله عبد الله بن سبأ انه ادعى الربوبية في امير المؤمنين، وكان والله امير المؤمنين عبدا طائعا، الويل لمن كذب علينا، وان قوما يقولون فينا ما لا نقوله في انفسنا نبرأ الى الله منهم، نبرأ الى الله منهم".
وروى ابان بن عثمان عن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب انه قال: "لعن الله من كذب علينا، اني ذكرت عبد الله بن سبأ فقامت كل شعرة في جسدي، لقد ادعى امرا عظيما، ما له لعنه الله، كان علي والله عبدا صالحاً، أخو رسول الله، ما نال الكرامة الا بطاعته لله ولرسوله، وما نال رسول الله الكرامة من الله الا بطاعته".(7/18)
وروى محمد بن خالد الطيالسي عن الامام جعفر بن محمد الصادق انه قال ":... ان رسول الله وآله اصدق الناس لهجة وأصدق البرية كلها، وكان مسيلمة يكذب عليه، وكان أمير المؤمنين عليه السلام أصدق من برأ الله بعد رسول الله".
موقف أئمة الشيعة الإمامية من الغلاة
واحب ان اشير هنا الى ان موقف الائمة وعلماء وفقهاء الشيعة الامامية من ابن سبأ هو جزء من موقفهم من الغلاة ككل. فقد وقف ائمة الشيعة الامامية واصحاب الجرح وتعديل فيها موقفا شديدا من الغلاة الذين قالوا في اهل البيت ما لا يقولونه هم في انفسهم، فاظهروا البراءة منهم، وحذروا الناس من اتباع هؤلاء الغلاة لأنه اتباع للزيغ والضلال، وامروا بالابتعاد عنهم، والتبري منهم، وكان الشيعة يتلقون تلك الاوامر الشريفة بالقبول والامتثال ويدونونها في كتبهم حتى تجمع لديهم من روايات الجرح والتعديل فيهم ما ملأ صفحات الكتب المؤلفة في علم الرجال، وقد حوت هذه الكتب طائفة كبيرة من اقوال الائمة واقوال علماء الشيعة الاعلام في البراءة من الغلو والغلاة ورجالات الغالية بالخصوص. (أنظر: الشيعة في التاريخ للشيخ محمد حسين الزين: 175).
فمن ذلك ما رواه عبد الرحمن بن كثير عن الامام ابي عبد الله محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب انه قال يوما لاصحابه: "ان قوما كذبوا عليّ مالهم اذاقهم الله حر الحديد، فوالله ما نحن الا عبيد خلقنا الله واصطفانا ما نقدر على ضر ولا نفع الا بقدرته... لعن الله ما قاله فينا ما لا نقوله في انفسنا، ولعن الله من ازالنا عن العبودية لله الذي خلقنا واليه مأبنا ومعادنا وبيده نواصينا" (منهج المقال في الرجال: 350 وما بعدها).(7/19)
وقال الامام الصادق جعفر بن محمد "انا اهل بيت صادقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا عند الناس، يريد ان يسقط صدقنا بكذبه علينا، ثم ذكر المغيرة، ويزيد الحايك، والسري، وأبا الخطاب، ومعمر، وبشار الاشعري، وحمزة اليزيدي وصايد النهدي وغيرهم، فقال لعنهم الله اجمع وكفانا مؤنة كل كذاب".
وروي ان الامام الباقر محمد بن علي بن الحسين ذكر الغلاة فقال: "لا تقاعدوهم ولا تواكلوهم ولا تشاربوهم ولا تصافحوهم ولا توارثوهم".
وعن مصارف انه دخل على الامام الصادق جعفر بن محمد واخبره بما قال فيه ابو الخطاب - وهو من الغلاة في اهل البيت - يقول مصارف: "فخرّ ساجدا ودق جؤجؤه بالارض، وبكى، ثم رفع رأسه ودموعه تسيل على خديه، فندمت على اخباري اياه، وقلت: جعلت فداك ما عليك انت من ذا؟ فقال يا مصارف: ان عيسى لو سكت عما قالت النصارى فيه لكان حقا على الله ان يصم سمعه ويعمي بصره، ولو سكتّ عما قال فيّ ابو الخطاب لكان حقا على الله أن يصم سمعي ويعمي بصري، وقال ايضا: إن قوما يزعمون اني لهم إمام، والله ما انا لهم بإمام، مالهم لعنهم الله. اقول كذا، ويقولون يعني كذا، إنما انا إمام من أطاعني".
وقد دخل على الامام الباقر محمد بن علي بن الحسين يوما بشار الشعيري، وهو من الغلاة، فقال الامام محمد بن علي له "اخرج عني لعنك الله، والله لا يظلمني واياك سقف واحد ابدا، فلما خرج قال الامام الباقر: ويله ما صغّر الله تصغير هذا الفاجر احد، انه شيطان ابن شيطان، خرج ليغوي اصحابي وشيعتي، فاحذروه، وليبلّغ الشاهد الغائب: اني عبد الله وابن امته ضمتني الاصلاب والارحام، وإني لميت ومبعوث ثم مسؤول، والله لأسألن عما قاله فيّ هذا الكذاب وادّعاه".
عقيدة الشيعة الامامية هي التوحيد الخالص(7/20)
اما الشيعة الامامية المنتشرون الآن في انحاء العالم الاسلامي فهم يبرؤون من تلك المقالات الغالية. وليس دينهم الا التوحيد المحض الخالص وتنزيه الخالق عن كل مشابهة للمخلوق او ملابسة له في صفة من صفات النقص والامكان والتغير والحدوث وما ينافي وجوب الوجود والقدم والازلية الى غير ذلك من التنزيه والتقديس المشحونة به مؤلفاتهم في علم الكلام من مختصرة (كالتجريد) او مطوّلة (كالاسفار) وغيرها مما يتجاوز الألوف، واكثرها مطبوع ومنشور، وجلها يشتمل على اقامة البراهين الدامغة على بطلان التناسخ والاتحاد والحلول والتجسيم. ولو راجع المنصف الذي يمشي وراء الحقائق وفوق العصبية والاغراض شيئا من هذه الكتب لعرف قيمة هذه الاقوال والاتهامات الباطلة.
والقصارى انه ان اراد نسبة تلك الفرق البالية الغالبة الى الشيعة فان ذلك ظلم فاحش، وخطأ واضح، وبعد عن الحقيقة، وتجاوز على الواقع.
وان اراد نسبة الطائفة الامامية المعروفة اليوم بهذا الاسم والتي يربو تعدادها على مائة وخمسين مليونا من المسلمين بل اكثر الى هؤلاء الغلاة فإني اطالبه باثبات ذلك من مصنفات احد علمائهم من حاضر او غابر. (أنظر: أصل الشيعة وأصولها للمرجع الديني الشيعي الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء: 177 وما بعدها).
يقول الباحث الاكاديمي المعروف محمد كرد علي "اما ما ذهب اليه بعض الكتاب من علم بتحقيق مذهبهم، ومن علم منزلة هذا الرجل عند الشيعة وبراءتهم منه ومن اقواله واعماله وكلام علمائهم في الطعن فيه بلا خلاف بينهم في ذلك، علم مبلغ هذا القول من الصواب".
ذلك ان الشيعي اليوم اذا نظر الى ما يكتبه بعض الكتاب عنه وعن عقيدته ومنشئها وجدها من نمط النوادر والطرف والحكايات لبعدها عما يعتقده ويؤمن به.
انتهى مقال الدكتور الشيعي ...
@@@@@@@
إبن سبأ اليهودي مؤسس الديانة الشيعية
بسم الله الرحمن الرحيم(7/21)
إن من أكبر الفِرَق التي كانت و ما تزال وبالاً و شراً على المسلمين على طول تاريخهم و في جميع مراحل حياتهم ، هي فرقة الشيعة على تعدد طوائفها و اختلاف نحلها ، بدءاً بالسبئية أتباع بعد الله بن سبأ اليهودي ، الذي كان رأساً في إذكاء نار الفتنة والدس بين صفوف المسلمين ، و الذي وصل الأمر بهم إلى تأليه علي رضي الله عنه ، و قبل أن أبدأ بالموضوع لابد من مقدمة توضح الموضوع و تشرح المضمون .
أصل ابن سبأ و منشأه :-
اختلف أصحاب المقالات والتاريخ في هوية عبد الله بن سبأ ، و من ذلك اختلفوا في بلده و قبيلته ، يذكر القلقشندي في قلائد الجمان (ص 39 ) : أن يعرب بن قحطان ولد يشجب ، و ولد ليشجب ( سبأ ) و اسم سبأ هذا عبد شمس ، و قد ملك اليمن بعد أبيه ، و أكثر من الغزو والسبي ، فسمي ( سبأ ) وغلب عليه حتى لم يسم به غيره ، ثم أطلق الاسم على بنيه .. و هم الوارد ذكرهم في القرآن .
على أن المصادر التاريخية لا تذكر شيئاً واضحاً عن أصل السبأيين ، و الذي ينتسب إليهم عبد الله بن سبأ ، و من المحتمل أنهم كانوا في الأصل قبائل بدوية تتجول في الشمال ثم انحدرت نحو الجنوب إلى اليمن حوالي ( 800 ق م ) ، و هي عادة العرب في التجوال ، أو نتيجة ضغط الآشوريين عليهم من الشمال ، واستقروا أخيراً في اليمن وأخذوا في التوسع . راجع : محاضرات في تاريخ العرب للدكتور صالح العلي (1/21) .
و منهم من ينسب ابن سبأ إلى ( حمير ) ، و هي قبيلة تنسب إلى حمير بن الغوث بن سعد بن عوف بن مالك بن زيد بن سدد بن حمير بن سبأ الأصغر بن لهيعة بن حمير بن سبأ بن يشجب هو حمير الأكبر ، و حمير الغوث هو حمير الأدنى و منازلهم باليمن بموضع يقال له حمير غربي صنعاء . أنظر : معجم البلدان لياقوت الحموي (2/306) .(7/22)
ومن الذين قالوا بذلك : ابن حزم في كتابه الفصل في الملل والأهواء ( 5/46) ، حيث يقول : والقسم الثاني من فرق الغالية يقولون بالإلهية لغير الله عز وجل ، فأولهم قوم من أصحاب عبد الله بن سبأ الحميري .
أما البلاذري في أنساب الأشراف (5/240) ، و الأشعري القمي في المقالات والفرق (ص 20) ، والفرزدق في ديوانه ( ص 242-243) فينسبون ابن سبأ إلى قبيلة ( همدان ) ، و همدان بطن من كهلان من القحطانية و هم بنو همدان ابن مالك بن زيد بن أوسلة بن ربيعة بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان ، و كانت ديارهم باليمن من شرقيه . معجم قبائل العرب لرضا كحالة (3/1225) . فهو ( عبد الله بن سبأ بن وهب الهمداني ) كما عند البلاذري ، و ( عبد الله بن سبأ بن وهب الراسبي الهمداني ) كما عند الأشعري القمي ، أما عن الفرزدق فقد ذكر نسبة ابن سبأ إلى همدان في قصيدته التي هجا فيها أشراف العراق و من انضم إلى ثورة ابن الأشعث في معركة دير الجماجم سنة (82هـ ) و يصفهم بالسبئية حيث يقول :
كأن على دير الجماجم منهم حصائد أو أعجاز نخل تقعّرا
تَعَرّفُ همدانية سبئية و تُكره عينيها على ما تنكّرا
إلى آخر القصيدة .
و يروي عبد القاهر البغدادي في الفرق بين الفرق ( ص 235) ، أن ابن سبأ من أهل ( الحيرة ) ، قال : إن عبد الله بن السوداء كان يعين السبأية على قولها ، و كان أصله من يهود الحيرة ، فأظهر الإسلام .
و يروي ابن كثير في البداية والنهاية (7/190) ، أن أصل ابن سبأ من الروم ، فيقول : و كان أصله رومياً فأظهر الإسلام و أحدث بدعاً قولية و فعلية قبحه الله .
أما الطبري و ابن عساكر ، فيرويان أن ابن سبأ من اليمن . قال الطبري في تاريخه (4/340) : كان عبد الله بن سبأ يهودياً من أهل صنعاء . و قال ابن عساكر في تاريخ دمشق ( 29/3) : عبد الله بن سبأ الذي ينسب إليه السبئية وهم الغلاة من الرافضة أصله من أهل اليمن كان يهودياً .(7/23)
و الذي أميل إليه و أرجحه هو : أن ابن سبأ من اليمن ؛ و ذلك أن هذا القول يجمع بين معظم أقوال العلماء في بلد ابن سبأ ، و لو نظرنا في الأقوال السابقة لم مجد تعارضاً بين هذا القول و بين القول الأول الذي ينسب ابن سبأ إلى قبيلة ( حمير ) ، و القول الثاني الذي ينسبه إلى قبيلة ( همدان ) ، إذ القبيلتان من اليمن ، و لم يخالف في أن أصل ابن سبأ من اليمن إلا البغدادي الذي ينسبه إلى ( الحيرة ) ، و ابن كثير الذي ذكر أنه ( رومي ) الأصل .
أما البغدادي فقد اختلط عليه ابن السوداء بابن سبأ ، فظن أنهما شخصان ، يقول : و قد ذكر الشعبي أن عبد الله بن السوداء كان يعين السبأية على قولها .. ثم تحدث عن ابن السوداء و مقالته في علي رضي الله عنه ، إلى أن قال : فلما خشي – أي علي رضي الله عنه – من قتله – أي ابن السوداء – و من قتل ابن سبأ الفتنة التي خافها ابن عباس ، نفاهما إلى المدائن ، فافتتن بهما الرعاع . الفرق بين الفرق ( ص 235) .
والذي ذكر أنه من أهل الحيرة هو عبد الله بن السوداء و لم يتعرض لابن سبأ بشيء ، لهذا لا يمكننا أن نجزم بأن البغدادي نسب ابن سبأ المشهور في كتب الفرق و مؤسس فرقة السبأية إلى الحيرة ، فلعله قصد شخصاً آخر غيره ، و مما يدل على أنه لا يعني ابن سبأ ، أنه قال عند حديثه عن عبد الله بن السوداء : ( كان يعين السبأية على قولها ) ، فدل على أنه غير مؤسس السبأية .
أما ابن كثير فلا أعلم أحداً من المؤرخين وأصحاب المقالات وافقه في نسبة ابن سبأ إلى ( الروم ) ، و قد جاء في بعض النسخ المطبوعة من البداية والنهاية كلمة ( ذمياً ) بدل ( رومياً ) أنظر الطبعة الثانية ( 7/173) ، فلعل أصل الكلمة ذمياً و لكن حدث في الكلمة تصحيف من قبل النساخ ، وكون ابن سبأ ذمياً لا ينافي ما تناقله العلماء من كونه يهودياً . و لهذا لا يعارض قوله هذا ما اشتهر نقله في كتب التاريخ والفرق من أن أصل ابن سبأ من اليمن .(7/24)
فترجح بهذا أن ابن سبأ من اليمن و نحن لا نقطع بنسبته إلى قبيلة معينة لعدم توفر الأدلة على ذلك . و الله أعلم .
و قد اختلف المؤرخون وأصحاب المقالات أيضاً في نسبة ابن سبأ لأبيه ، فمنهم من ينسب ابن سبأ من جهة أبيه إلى ( وهب ) كما عند البلاذري في أنساب الأشراف (5/240) ، و الأشعري القمي في المقالات والفرق ( ص 20) والذهبي في المشتبه في الرجال (1/346) و المقريزي في الخطط (2/356) .
أما من قال أنه : ( عبد الله بن وهب الراسبي ) كما هو عند الأشعري القمي في المقالات ( ص 20) ، فلعل ذلك وقع نتيجة الخلط بين عبد الله بن سبأ هذا و بين عبد الله بن وهب الراسبي صاحب الخوارج ، و هناك فرق بين الشخصيتين ما لا يخفى على مطلع ، فعلى حين يكتنف شخصية ابن سبأ الغموض في المنشأ و الممات ، نجد شخصية الراسبي واضحة المعالم ، فهو رأس الخوارج الذين خرجوا على علي رضي الله عنه ، شرح صحيح مسلم للنووي (7/172) ، و هو المقتول في وقعة النهروان ، العبر في خبر من غبر للذهبي (1/44) ، و قبل ذلك فقد عرفت حياته أكثر من ابن سبأ ، فقد شارك في الفتوح – فتوح العراق – وكان مع علي ثم خرج عليه خروجاً صريحاً . أنظر آراء الخوارج لعمار الطالبي (ص 94) .
و مما يؤكد الفرق بين الاسمين ما نص عليه السمعاني في الأنساب (7/24) بقوله : ( عبد الله بن وهب السبئي رئيس الخوارج ، و ظني أن ابن وهب هذا منسوب إلى عبد الله بن سبأ ) .
و هناك من ينسب ابن سبأ من جهة أبيه أيضاً إلى حرب ، كما فعل الجاحظ في البيان والتبيين (3/81) ، و هو ينقل الخبر بإسناده إلى زحر بن قيس قال : ( قدمت المدائن بعد ما ضرب علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه ، فلقيني ابن السوداء و هو ابن حرب .. ) .(7/25)
ومعظم أهل العلم ينسبون ابن سبأ من جهة أبيه إلى سبأ ، فيقولون : ( عبد الله بن سبأ ) ، ومن هؤلاء البلاذري في أنساب الأشراف (3/382) ابن قتيبة في المعارف ( ص 622) و الطبري في التاريخ (4/340) وأبو الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميين (1/86) ، والشهرستاني في الملل والنحل (1/174) ، والذهبي في الميزان ( 2/426) وابن حجر في لسان الميزان (3/290) ، وابن عبد ربه في العقد الفريد (2/405) و شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (28/483) ، وابن حبان في المجروحين ( 2/253) والجوزجاني في أحوال الرجال (ص38) و المقدسي في البدء والتاريخ (5/129) والخوارزمي في مفاتيح العلوم (ص 22) وابن حزم في الفصل في الملل والنحل ( 4/186) و الأسفرايني في التبصرة في الدين ( ص 108 ) وابن عساكر في تاريخ دمشق ( 29/3) ، والسمعاني في الأنساب (7/24) و ابن الأثير في اللّباب (2/98) ، و غيرهم الكثير . و من الرافضة : الناشئ الأكبر في مسائل الإمامة ( ص 22- 23 ) ، و الأشعري القمي في المقالات والفرق ( ص 20 ) و النوبختي في فرق الشيعة (ص 22 ) .
أما نسب ابن سبأ ( لأمه ) فهو من أم حبشية ، كما عند الطبري في التاريخ (4/326-327) و ابن حبيب في المحبر (ص 308 ) ، و لذلك فكثيراً ما يطلق عليه ( ابن السوداء ) ففي البيان والتبيين ( 3/81) : ( ... فلقيني ابن السوداء ) و في تاريخ الطبري ( 4/326) : ( و نزل ابن السوداء على حكيم بن جبلة في البصرة ) ، وفي تاريخ الإسلام للذهبي (2/122) : ( ولما خرج ابن السوداء إلى مصر ) ، و هم بهذا يتحدثون عن عبد الله بن سبأ ، و لذلك قال المقريزي في الخطط ( 2/356) : ( عبد الله بن وهب بن سبأ المعروف بابن السوداء ) ، وابن عساكر في تاريخ دمشق (29/8) من قول علي رضي الله عنه : ( من يعذرني من هذا الحميت الأسود الذي يكذب على الله ورسوله يعني ابن السوداء ) . و مثل هذا كثير ...(7/26)
وكما وقع الخلط والإشكال في نسبة ابن سبأ لأبيه ، وقع الخلط و تصور من غفلوا عن هذه النسبة لأمه ، أن هناك شخصين : ابن سبأ ، وابن السوداء ، ففي العقد الفريد لابن عبد ربه (2/241) : ( .. منهم عبد الله بن سبأ نفاه إلى ساباط ، و عبد الله بن السوداء نفاه إلى الخازر ) .
و يقول الاسفرايني في التبصرة ( ص 108) : ( و وافق ابن السوداء عبد الله بن سبأ بعد وفاة علي في مقالته هذه ) .
ومثل هذا وقع عند البغدادي في الفرق بين الفرق ( ص 235 ) : ( فلما خشي علي من قتل ابن السوداء وابن سبأ الفتنة نفاهما إلى المدائن ) .
والذي يترجح من مناقشة الروايات : أن ابن سبأ غير ابن وهب الراسبي ، وأنه هو نفسه ابن السوداء ، والله أعلم .
ومما يحسن ذكره هنا أيضاً أن ابن سبأ كان أسود اللون ، و هذا يرجح كون أمه من الحبشيات ، ذكر ابن عساكر في تاريخه ( 29/7-8 ) : عن عمار الدهني قال : سمعت أبا الطفيل يقول : رأيت المسيب بن نجبة أتى به ملببة – أي ملازمه - يعني ابن السوداء و علي على المنبر ، فقال علي : ما شأنه ؟ فقال : يكذب على الله وعلى رسوله ، و جاء من طريق زيد بن وهب عن علي قال : ما لي ومال هذا الحميت الأسود ، و من طريق سلمة قال : سمعت أبا الزعراء يحدث عن علي ، قال : ما لي ومال هذا الحميت الأسود ، و جاء أيضاً من طريق زيد قال : قال علي بن أبي طالب : ما لي ولهذا الحميت الأسود ، يعني عبد الله بن سبأ وكان يقع في أبي بكر و عمر .
و يبقى بعد ذلك الأصل اليهودي لابن سبأ ، هل هو محل اتفاق أم تتنازعه الآراء ؟(7/27)
يفترض المستشرق Hodgeson أن ابن سبأ ليس يهودياً في أغلب الاحتمالات ، مشايعاً في ذلك للمستشرق الإيطالي Levi Della Vida الذي يرى أن انتساب ابن سبأ إلى قبيلة عربية هي ( همدان ) كما في نص البلاذري الذي وقف عنده ( ليفي ديلا فيدا ) يمنع من أن يكون يهودياً . و هو كما يقول الدكتور عبد الرحمن بدوي في مذاهب الإسلاميين ( 2/30) : ( استنتاج لا مبرر له ، فليس هناك من تناقض بين أن يكون المرء يهودياً وأن يكون من قبيلة عربية .
وابن قتيبة رحمه الله أشار إلى يهودية بعض القبائل كما في المعارف ( ص 266 ) حيث يقول : ( كانت اليهودية في حمير و بني كنانة و بني الحارث بن كعب و كندة .
و فوق ذلك فإن الاتجاه الغالب في يهود اليمن أن أكثرهم من أصل عربي ، كما قال الدكتور جواد علي في تاريخ العرب قبل الإسلام ( 6/26) .
و مع ذلك فليس مقطوعاً بانتساب ابن سبأ إلى همدان – كما مر معنا – و حتى لو قطع بذلك ، فهل هذا الانتساب لهمدان ، انتساب على الحقيقة أم بالولاء ؟!
و لئن كان هذا الشك في يهودية ابن سبأ عند بعض المستشرقين ، إنما جاء نتيجة اعتراض يقيني بأن ابن سبأ في تصوراته عن المهدي كان متأثراً بالإنجيل أكثر من تأثره بالتوراة ، و هو اعتراض قد يقلل من يهودية ابن سبأ ، إلا أن هذا الاعتراض يضعف حينما نتبين رأي بعض الباحثين في طبيعة اليهودية في بلاد اليمن – في تلك الفترة – وأنها امتزجت فيها المسيحية بالموسوية ، و كانت يهودية سطحية ، وأن يهودية ابن سبأ ربما كانت أقرب إلى يهودية ( الفلاشا ) و هم يهود الحبشة ، و هذه اليهودية شديدة التأثر بالمسيحية الحبشية . مذاهب الإسلاميين لعبد الرحمن بدوي (2/28) .
و هذا الأصل اليهودي لابن سبأ لم يكن محل خلاف في الروايات التاريخية ، أو لدى كتب الفرق ، و في آراء المتقدمين ، أمثال : الطبري وابن عساكر وابن الأثير والبغدادي وابن حزم ، وأمثال شيخ الإسلام ، عليه رحمه الله .(7/28)
سبب الاختلاف في تحديد هوية ابن سبأ :-
لا غرابة أن يحدث هذا الاختلاف الكبير بين أهل العلم في تحديد هوية و نسب ابن سبأ ، فعبد الله بن سبأ قد أحاط نفسه بإطار من الغموض والسرية التامة حتى على معاصريه ، فهو لا يكاد يعرف له اسم ولا بلد ، لأنه لم يدخل في الإسلام إلا للكيد له ، و حياكة المؤامرات والفتن بين صفوف المسلمين ، و لهذا لما سأله عبد الله بن عامر والي البصرة لعثمان بن عفان رضي الله عنه ، قال له : ما أنت ؟ لم يخبره ابن سبأ باسمه و اسم أبيه ، و إنما قال له : إنه رجل من أهل الكتاب رغب في الإسلام و رغب في جوارك . تاريخ الطبري (4/326-327 ) .
و في رأيي أن تلك السرية التامة التي أطبقها ابن سبأ على نفسه سبب رئيسي في اختلاف المؤرخين والمحققين في نسبة ابن سبأ ، و غير مستبعد أن يكون ابن سبأ قد تسمى ببعض هذه الأسماء التي ذكرها المؤرخون ، بل واستعمل بعض الأسماء الأخرى المستعارة لتغطية ما قام به من جرائم و دسائس في صدر الدولة الإسلامية .
نشأة ابن سبأ :-
على ضوء ما تقدم من المعلومات السابقة – في المقال السابق - ، أمكننا الوقوف على الأجواء التي نشأ فيها ابن سبأ ، و نستطيع أن نحدد عدد من النقاط :-
1 - بتغليب الروايات السابقة نجد أن ابن سبأ نشأ في اليمن ، سواء كان من قبيلة حمير أو همدان ، ولا نستطيع الجزم بأيهما .
2 – كان لليهود وجود في اليمن ، غير أنه لا نستطيع أن نحدد وقته على وجه الدقة ، و قد رجح بعض الأساتذة أنه يرجع إلى سنة (70م ) و ذلك حينما نزح اليهود من فلسطين بعد أن دمرها الإمبراطور الروماني ( تيتوس ) و حطم هيكل ( أورشليم ) وعلى إثر ذلك تفرق اليهود في الأمصار و وجد بعضهم في اليمن بلداً آمناً فالتجأوا إليه ، و بعد أن استولى الأحباش على اليمن سنة (525م ) بدأت النصرانية تدخل اليمن . اليمن عبر التاريخ لأحمد حسين (ص 158- 159) .(7/29)
3 – على إثر هذا امتزجت تعاليم ( التوراة ) مع تعاليم ( الإنجيل ) و كانت اليهودية في اليمن يهودية سطحية . مذاهب الإسلاميين لعبد الرحمن بدوي (2/28) .
4 – و لكن اليهودية و إن ضعفت في اليمن بدخول الأحباش فيها ، فإنها بقيت مع ذلك محافظة على كيانها ، فلم تنهزم و لم تجتث من أصولها . تاريخ العرب قبل الإسلام لجواد علي (6/34) .
و لعلنا من خلال تلك الإشارات ، نستطيع أن محدد المحيط الذي نشأ فيه عبد الله بن سبأ ، والبيئة التي صاغت أفكاره ، خاصة في عقيدة ( الرجعة ) و ( الوصية ) حينما قال : ( لعجب ممن يزعم أن عيسى يرجع و يكذب بأن محمداً يرجع ، و قد قال الله عز وجل إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ، فمحمد أحق بالرجوع من عيسى ، و إنه كان ألف نبي و وصي و كان على وصي محمد ، ثم قال : محمد خاتم الأنبياء و علي خاتم الأوصياء .. ) . تاريخ الطبري (4/340) .
على كل حال فهي معلومات ضئيلة لا تروي غليلاً ، ولا تهدي سبيلاً ، و لعل مرد ذلك إلى المصادر التي بين أيدينا ، فهي لا تكاد تبين عن نشأة ابن سبأ ، كما أن المعلومات عن فتوة ابن سبأ قبل ظهوره غير موجودة ، و نحن هنا مضطرون للصمت عما سكت عنه الأولون حتى تخرج آثار أخرى تزيل الغبش و تكشف المكنون .
ظهور ابن سبأ بين المسلمين :-
جاء في تاريخ الطبري (4/340) و الكامل لابن الأثير (3/77) و البداية والنهاية لابن كثير(7/167) و تاريخ دمشق لابن عساكر (29/ 7-8 ) و غيرهم من كتب التاريخ ضمن أحداث سنة (35هـ ) : أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً من أهل صنعاء وأنه أسلم زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه ، و أخذ يتنقل في بلاد المسلمين يريد ضلالتهم ، فبدأ بالحجاز ثم البصرة ثم الكوفة ثم بالشام ، فلم يقدر على شيء فيها ، فأتى مصر واستقر بها و وضع لهم عقيدتي الوصية و الرجعة ، فقبلوها منه و كوّن له في مصر أنصاراً ممن استهواهم بآرائه الفاسدة .(7/30)
لكن أين و متى كان أول ظهور لعبد الله بن سبأ بين المسلمين ؟
جاء في البداية والنهاية لابن كثير (7/183) ضمن أحداث سنة (34هـ ) ، أن عبد الله بن سبأ كان سبب تألب الأحزاب على عثمان . ثم أورده في أحداث سنة (35هـ) مع الأحزاب الذين قدموا من مصر يدعون الناس إلى خلع عثمان . البداية والنهاية (7/190) .
أما الطبري (4/331) وابن الأثير(3/147) فنجد عندهما ذكر لابن سبأ بين المسلمين قبل سنة ( 34هـ ) في الكوفة ، ( فيزيد بن قيس ) ذلك الرجل الذي دخل المسجد في الكوفة يريد خلع عامل عثمان ( سعيد بن العاص ) إنما شاركه وثاب إليه الذين كان ابن السوداء يكاتبهم .
و هذا يعني ظهور ابن سبأ قبل هذا التاريخ ، و تكوين الأعوان الذين اجتمعوا إلى يزيد بن قيس ، و تأكيد ذلك عند الطبري ( 4/326) وابن الأثير(3/144) ، ففي سنة ( 33هـ ) و بعد مضي ثلاث سنين من إمارة بعد الله بن عامر على البصرة يعلم بنزول ابن سبأ على ( حكيم بن جبلة ) و تكون المقابلة بين ابن عامر وابن السوداء والتي ذكرتها في بداية الموضوع .
ونستمر في الاستقراء فنجد ظهوراً لابن سبأ بين المسلمين قبل هذا التاريخ ، ففي الطبري (4/283) و ابن الأثير (3/114) ، و ضمن حوادث سنة (30هـ ) يرد ابن السوداء الشام ، و يلتقي بأبي ذر و يهيجه على معاوية – و سنأتي على تحقيق القول في قضية تأثير ابن سبأ على أبي ذر فيما بعد - .
ابن سبأ في الحجاز :-
لما كان ظهور ابن سبأ في الحجاز قبل ظهوره في البصرة والشام ، فلابد أن يكون قد ظهر في الحجاز قبل سنة ( 30هـ ) ، لأن ظهوره في الشام كان في هذا التاريخ ، و في الحجاز لا تكاد تطالعنا الروايات التاريخية على مزيد من التفصيل ، و لعل في هذا دلالة على عدم استقرار أو مكث لابن سبأ في الحجاز ، عدا ذلك المرور في طريقه التخريبي ، لكنه كما يبدو لم يستطع شيئاً من ذلك فتجاوز الحجاز إلى البصرة . تاريخ الطبري ( 4/340-341) .
ظهوره في البصرة :-(7/31)
و في البصرة كان نزول ابن سبأ على ( حكيم بن جبلة العبدي ) ، و خبره كما ورد في الطبري (4/ 326 ) : ( لما مضى من إمارة ابن عامر ثلاث سنين بلغه أن في عبد القيس رجلاً نازلاً على حكيم بن جبلة ، و كان حكيم رجلاً لصاً إذا قفلت الجيوش خنس عنهم ، فسعى في أرض فارس فيغير على أهل الذمة ، و يتنكر لهم و يفسد في الأرض و يصيب ما يشاء ثم يرجع ، فشكاه أهل الذمة وأهل القبلة إلى عثمان ، فكتب إلى عبد الله بن عامر أن احبسه و من كان مثله فلا يخرج من البصرة حتى تأنسوا منه رشداً ، فحبسه فكان لا يستطيع أن يخرج منها ، فلما قدم ابن السوداء نزل عليه ، و اجتمع إليه نفر فطرح لهم ابن السوداء ولم يصرح ، فقبلوا منه واستعظموه .
و بقية خبر الطبري يفيدنا أنه لقي آذاناً صاغية في البصرة ، و إن كان لم يصرح لهم بكل شيء ، فقد قبلوا منه واستعظموه ، و شاء الله أن تحجم هذه الفتنة و يتفادى المسلمون بقية شرها و ذلك حينما بلغ والي البصرة ابن عامر خبر ابن سبأ ، فأرسل إليه و دار بينهما هذا الحوار : ( ما أنت ؟ فأخبره أنه رجل من أهل الكتاب رغب في الإسلام والجوار ، فقال ابن عامر : ما يبلغني ذلك ! اخرج عني ، فأخرجه حتى أتى الكوفة . تاريخ الطبري (4/326-327) .
ظهوره في الكوفة :-
الذي يبدو أن ابن سبأ بعد إخراجه من البصرة وإتيانه الكوفة ، لم يمكث بها طويلاً حتى أخرجه أهلها منها ، كما في بقية خبر الطبري (4/327) : ( فخرج حتى أتى الكوفة ، فأخرج منها فاستقر بمصر و جعل يكاتبهم و يكاتبونه ، و يختلف الرجال بينهم ) .
لكنه وإن كان قد دخل الكوفة ثم أخرج منها سنة ( 33هـ ) ، إلا أن صلته بالكوفة لم تنته بإخراجه ، فلقد بقيت ذيول الفتنة في الرجال الذين بقي يكاتبهم و يكاتبونه . الطبري (4/327) وابن الأثير (3/144) .
ظهوره في الشام :-(7/32)
في ظهور ابن سبأ في الشام يقابلنا الطبري في تاريخه نصان ، يعطي كل واحد منهما مفهوماً معيناً ، فيفيد النص الأول أن ابن سبأ لقي أبا ذر بالشام سنة (30هـ ) و أنه هو الذي هيجه على معاوية حينما قال له : ( ألا تعجب إلى معاوية ! يقول المال مال الله ، كأنه يريد أن يحتجزه لنفسه دون المسلمين ؟ وأن أبا ذر ذهب إلى معاوية وأنكر عليه ذلك ) . تاريخ الطبري (4/283) .
بينما يفهم من النص الآخر : أن ابن سبأ لم يكن له دور يذكر في الشام ، وإنما أخرجه أهلها حتى أتى مصر ، بقوله : ( أنه لم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام ) تاريخ الطبري (4/340) .
و يمكننا الجمع بين النصين في كون ابن سبأ دخل الشام مرتين ، كانت الأولى سنة (30هـ ) ، و هي التي التقى فيها بأبي ذر ، و كانت الثانية بعد إخراجه من الكوفة سنة ( 33هـ ) ، و هي التي لم يستطع التأثير فيها مطلقاً ، و لعلها هي المعنية بالنص الثاني عند الطبري .
كما و يمكننا الجمع أيضاً بين كون ابن سبأ قد التقى بأبي ذر سنة (30هـ ) ، و لكن لم يكن هو الذي أثر عليه و هيجه على معاوية ، و يرجح هذا ما يلي :-
1 - لم تكن مواجهة أبي ذر رضي الله عنه لمعاوية رضي الله عنه وحده بهذه الآراء ، و إنما كان ينكر على كل من يقتني مالاً من الأغنياء ، و يمنع أن يدخر فوق القوت متأولاً قول الله تعالى { والذين يكنزون الذهب والفضة } [التوبة 34]
2 - حينما أرسل معاوية إلى عثمان رضي الله عنه يشكو إليه أمر أبي ذر ، لم تكن منه إشارة إلى تأثير ابن سبأ عليه ، و اكتفى بقوله : ( إن أبا ذر قد أعضل بي و قد كان من أمره كيت و كيت .. ) . الطبري (4/283) .
3 - ذكر ابن كثير في البداية (7/170 ، 180) الخلاف بين أبي ذر ومعاوية بالشام في أكثر من موضع في كتابه السابق ، و لم يرد ذكر ابن سبأ في واحد منها ، و إنما ذكر تأول أبي ذر للآية السابقة .(7/33)
4 - ورد في صحيح البخاري ( 2/111) الحديث الذي يشير إلى أصل الخلاف بين أبي ذر و معاوية ، و ليس فيه أي إشارة لا من قريب ولا من بعيد إلى ابن سبأ ، فعن زيد بن وهب قال : ( مررت بالربذة ، فإذا أنا بأبي ذر رضي الله عنه ، فقلت له ما أنزلك منزلك هذا ؟ قال : كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في { والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله } قال معاوية : نزلت في أهل الكتاب ، فقلت : نزلت فينا و فيهم ، فكان بيني و بينه في ذلك ، و كتب إلى عثمان رضي الله عنه يشكوني ، فكتب إليّ عثمان أن اقدم المدينة ، فقدمتها ، فكثر علي الناس حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك ، فذكرت ذلك لعثمان ، فقال لي : إن شئت تنحيت فكنت قريباً فذاك الذي أنزلني هذا المنزل .. ) .
5 - و في أشهر الكتب التي ترجمت للصحابة ، أوردت المحاورة التي دارت بين معاوية وأبي ذر ثم نزوله الربذة ، و لكن شيئاً من تأثير ابن سبأ على أبي ذر لا يذكر . الاستيعاب لابن عبد البر (1/214) و أسد الغابة لابن الأثير (1/357) والإصابة لابن حجر (4/62) .
6 - وأخيراً فإنه يبقى في النفس شيء من تلك الحادثة ؛ إذ كيف يستطيع يهودي خبيث حتى و لو تستر بالإسلام أن يؤثر على صحابي جليل كان له من فضل الصحبة ما هو مشهود .
ظهور ابن سبأ في مصر :-(7/34)
على ضوء استقراء النصوص السابقة ، يكون ظهور ابن سبأ في مصر بعد خروجه من الكوفة ، و إذا كان ظهوره في البصرة سنة ( 33هـ ) ، ثم أخرج منها إلى الكوفة ، و من الكوفة استقر بمصر ، فإن أقرب توقيت لظهور ابن سبأ في مصر يكون في سنة ( 34هـ ) ، لأن دخوله البصرة و طرحه لأفكاره فيها و تعريجه على الكوفة ثم طرده منها ، واتجاهه بعد ذلك إلى مصر .. كل هذا يحتاج إلى سنة على الأقل ، و يؤكد هذا ابن كثير في البداية والنهاية (7/284) ، فيضع ظهور ابن سبأ في مصر ضمن أحداث سنة (34هـ ) ، و تابعه في ذلك السيوطي أيضاً في حسن المحاضرة (2/164) ، حيث أشار إلى دخول ابن سبأ مصر في هذا التاريخ .
---
عبد الله بن سبأ حقيقة أم خيال؟
إن تشكيك بعض الباحثين المعاصرين في عبد الله بن سبأ وأنه شخصية وهمية وإنكارهم وجوده لا يستند إلى الدليل العملي ، ولا يعتمد على المصادر المتقدمة ، بل هو مجرد استنتاج يقوم على أراء وتخمينات شخصية تختلف بواعثها حسب ميول واتجاهات متبنيها ، ويمكن القول إن الشكاك والمنكرين لشخصية ابن سبأ هم طائفة من المستشرقين ، وفئة من الباحثين العرب ، وغالبية الشيعة المعاصرين .
ومن العجب أن هؤلاء المستشرقين وذيولهم من الرافضة والمستغربين في عصرنا أنكروا شخصية عبد الله بن سبأ ، وأنه شخصية وهمية لم يكن لها وجود ، فأين بلغ هؤلاء من قلة الحياء والجهل ، وقد ملأت ترجمته كتب التاريخ والفرق ، وتناقلت أفعاله الرواة وطبقت أخباره الآفاق .(7/35)
لقد اتفق المؤرخون والمحدثون وأصحاب كتب الفرق والملل والنحل والطبقات والأدب والأنساب الذين تعرضوا للسبئية على وجود شخصية عبد الله بن سبأ الذي ظهر في كتب أهل السنة - كما ظهر في كتب الشيعة - شخصية تاريخية حقيقية. و لهذا فإن أخبار الفتنة ودور ابن سبأ فيها لم تكن قصرا على تاريخ الإمام الطبري و استنادا إلى روايات سيف بن عمر التميمي فيه ، و إنما هي أخبار منتشرة في روايات المتقدمين و في ثنايا الكتب التي رصدت أحداث التاريخ ألإسلامي ، و آراء الفرق و النحل في تلك الفترة ، إلا أن ميزة تاريخ الإمام الطبري على غيره أنه أعزرها مادة وأكثرها تفصيلا لا أكثر. و لهذا كان التشكيك في هذه الأحداث بلا سند وبلا دليل ، إن يعني الهدم لكل تلك الأخبار ، والتسفيه بأولئك المخبرين والعلماء ، وتزييف الحقائق التاريخية .
فمتى كانت المنهجية ضربا من ضروب الاستنتاج العقلي المحض في مقابل النصوص الروايات المتضافرة؟ و هل تكون المنهجية في الضرب صفحاً و الإعراض عن المصادر الكثيرة المتقدمة و المتأخرة التي أثبتت لابن سبأ شخصية واقعية!
و في ما يلي ذكر عدد من المحاور والتي تدور حول ورود أي ذكر لعبد الله بن سبأ أو السبئية – طائفته - في الكتب والمصادر المتقدمة ( السنية والشيعية ، المتقدمة منها والمعاصرة ) ؛ لأن ورود أي ذكر للسبئية دليل على انتسابها له ، و هذا دليل بدوره على وجود ابن سبأ في الحقيقة ، مع الرد على محاولات التشكيك في وجود عبد الله بن سبأ ، و ما ينسب إليه من أعمال ، و سأتّبع فيه الترتيب الزمني للأحداث :-
أولاً : من أثبت وجود عبد الله بن سبأ من الفرقين :
أ – عبد الله بن سبأ عند أهل السنة :-
1 - جاء ذكر السبئية على لسان أعشى همدان ( ت 84هـ ) في ديوانه (ص 148) و تاريخ الطبري (6/83) و قد هجى المختار بن أبي عبيد الثقفي و أنصاره من أهل الكوفة بعدما فرّ مع أشراف قبائل الكوفة إلى البصرة بقوله :(7/36)
شهدت عليكم أنكم سبئية * و أني بكم يا شرطة الكفر عارف
2 - و جاء ذكر السبئية في كتاب الإرجاء للحسن بن محمد بن الحنفية (ت95هـ ) – راجع كتاب ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي للدكتور سفر الحوالي (1/345- 361) ، حيث تحدث عن معنى الإرجاء المنسوب للحسن ، و ذكر كلام أهل العلم في ذلك فليراجع للأهمية – ما يلي : ( و من خصومة هذه السبئية التي أدركنا ، إذ يقولون هُدينا لوحي ضل عنه الناس ) . رواه ابن أبي عمر العدني في كتاب الإيمان ( ص 249) .
3 - و هناك رواية عن الشعبي ( ت 103هـ ) ذكرها ابن عساكر في تاريخه (29/7) ، تفيد أن : ( أول من كذب عبد الله بن سبأ ) .
4 - و هذا الفرزدق (شيعي الولاء سني المذهب) ( ت 116هـ ) يهجو في ديوانه ( ص 242-243) ، أشارف العراق ومن انضم إلى ثورة عبد الرحمن بن الأشعث في معركة دير الجماجم ، و يصفهم بالسبئية ، حيث يقول :
كأن على دير الجماجم منهم * حصائد أو أعجاز نخل تَقَعّرا
تَعَرّفُ همدانية سبئية * و تُكره عينيها على ما تنكرا
رأته مع القتلى و غيّر بعلها * عليها تراب في دم قد تعفّرا
أراحوه من رأس وعينين كانتا * بعيدن طرفا بالخيانة أحزرا
من الناكثين العهد من سبئية * وإما زبيري من الذئب أغدرا
ولو أنهم إذ نافقوا كان منهم * يهوديهم كانوا بذلك أعذرا
و يمكن الاستنتاج من هذا النص أن السبئية تعني فئة لها هوية سياسية معنية و مذهب عقائدي محدد بانتمائها إلى عبد الله بن سبأ اليهودي المعروف ، صاحب المذهب .
5 - و قد نقل الإمام الطبري في تفسيره (3/119) رأياً لقتادة بن دعامة السدوسي البصري ( ت 117هـ ) ، في النص التالي : { فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون م تشابه منه ابتغاء الفتنة } [آل عمران 7] ، و كان قتادة إذا قرأ هذه الآية قال : ( إن لم يكونوا الحرورية والسبئية فلا أدري ) .(7/37)
6 - وفي الطبقات الكبرى لابن سعد ( ت 230هـ ) ورد ذكر السبئية وأفكار زعيمها وإن لم يشر إلى ابن سبأ بالاسم . الطبقات (3/39) .
7 – و جاء عند ابن حبيب البغدادي ( ت 245هـ ) في المحبر ( ص 308) ، ذكر لعبد الله بن سبأ حينما اعتبره أحد أبناء الحبشيات .
8 - كما روى أبو عاصم خُشيش بن أصرم ( ت 253هـ ) ، خبر إحراق علي رضي الله عنه لجماعة من أصحاب ابن سبأ في كتابه الاستقامة . أنظر : منهاج السنة لابن تيمية ( 1/7) .
9 - و جاء في البيان والتبيين (3/81) للجاحظ (من كبار زعماء المعتزلة) ( ت 255هـ ) ، إشارة إلى عبد الله بن سبأ .
و خبر إحراق علي بن أبي طالب رضي الله عنه لطائفة من الزنادقة تكشف عنه الروايات الصحيحة في كتب الصحاح والسنن و المساند . أنظر على سبيل المثال : سن أبي داود (4/126) والنسائي (7/104) و الحاكم في المستدرك (3/538) .
10 - فقد ذكر الإمام البخاري ( ت 256هـ ) في كتاب استتابة المرتدين من صحيحه ( 8/50) عن عكرمة قال : ( أتي علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم ، فبلغ ذلك ابن عباس فقال : لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تعذبوا بعذاب الله ) ، و لقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من بدل دينه فاقتلوه ) .
ومن الثابت تاريخياً أن الذين حرقهم علي رضي الله عنه هم أتابع عبد الله بن سبأ حينما قالوا بأنه الإله .
11 - ذكر الجوزجاني ( ت 259هـ ) في أحوال الرجال ( ص 38) أن السبئية غلت في الكفر فزعمت أن علياً إلهاً حتى حرقهم بالنار إنكاراً عليهم واستبصاراً في أمرهم حين يقول :
لما رأيت الأمر أمراً منكرا أججت ناري و دعوت قنبرا .
12 - و يقول ابن قتيبة ( 276هـ ) في المعارف ( ص 267) : ( السبئية من الرافضة ينسبون إلى عبد الله بن سبأ ) . و في تأويل مختلف الحديث ( ص 73) يقول : ( أن عبد الله بن سبأ ادّعى الربوبية لعلي ، فأحرق علي أصحابه بالنار .(7/38)
13 - و يذكر البلاذري ( ت 279هـ ) ابن سبأ من جملة من أتوا إلى علي رضي الله عنه يسألونه من رأيه في أبي بكر و عمر ، فقال : أو تفرغتم لهذا . أنساب الأشراف ( 3/382) .
14 – و يعتبر الإمام الطبري ( ت 310هـ ) من الذي أفاضوا في تاريخهم من ذكر أخبار ابن سبأ معتمداً في ذلك على الإخباري سيف بن عمر . تاريخ الطبري ( 4/283 ، 326 ، 331 ، 340 ، 349 ، 398 ، 493 – 494 ، 505 ) .
15 - وأكد ابن عبد ربه ( ت 328هـ ) أن ابن سبأ و طائفته السبئية قد غلوّ في علي حينما قالوا : هو الله خالقنا ، كما غلت النصارى في المسيح ابن مريم عليه السلام . العقد الفريد ( 2/405) .
16 - و يذكر أبو الحسن الأشعري ( ت 330هـ ) في مقالات الإسلاميين (1/85) عبد الله بن سبأ وطائفته من ضمن أصناف الغلاة ، إذ يزعمون أن علياً لم يمت ، و أنه سيرجع إلى الدنيا فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً .
17 - و يذكر ابن حبان ( ت 354هـ ) في كتاب المجروحين ( 2/253) : ( أن الكلبي سبئياً من أصحاب عبد الله بن سبأ ، من أولئك الذين يقولون : إن علياً لم يمت ، وإنه راجع إلى الدنيا قبل قيام الساعة ) .
18 – يقول المقدسي ( ت 355هـ ) في كتابه البدء والتاريخ ( 5/129) : ( إن عبد الله بن سبأ قال للذي جاء ينعي إليه موت علي بن أبي طالب : لو جئتنا بدماغه في صرة لعلمنا أنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ) .
19 - و يذكر الملطي ( ت 377هـ ) في كتابه التنبيه و الرد على أهل الأهواء و البدع ( ص 18) فيقول : ( ففي عهد علي رضي الله عنه جاءت السبئية إليه وقالوا له : أنت أنت !! ، قال : من أنا ؟ قالوا : الخالق البارئ ، فاستتابهم ، فلم يرجعوا ، فأوقد لهم ناراً عظيمة وأحرقهم .
20 - و ذكر أبو حفص ابن شاهين ( ت 385هـ ) أن علياً حرّق جماعة من غلاة الشيعة ونفى بعضهم ، و من المنفيين عبد الله بن سبأ . أورده ابن تيمية في منهاج السنة (1/7) .(7/39)
21 - و يذكر الخوارزمي ( ت 387هـ ) في كتابه مفاتيح العلوم (ص 22 ) ، أن السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ .
22 - و يرد ذكر عبد الله بن سبأ عند الهمذاني ( ت 415هـ ) في كتابه تثبيت دلائل النبوة (3/548) .
23 - و ذكر الغدادي ( ت 429هـ ) في الفرق بين الفرق ( ص 15 و ما بعدها ) : أن فرقة السبئية أظهروا بدعتهم في زمان علي رضي الله عنه فأحرق قوماً منهم و نفى ابن سبأ إلى سباط المدائن إذ نهاه ابن عباس رضي الله عنهما عن قتله حينما بلغه غلوه فيه وأشار عليه بنفيه إلى المدائن حتى لا تختلف عليه أصحابه ، لاسيما و هو عازم على العودة إلى قتال أهل الشام .
24 - و نقل ابن حزم ( ت 456هـ ) في الفصل في الملل والنحل ( 4/186) : ( و القسم الثاني من الفرق الغالية الذين يقولون بالإلهية لغير الله عز وجل فأولهم قوم من أصحاب عبد الله بن سبأ الحميري لعنه الله ، أتوا إلى علي بن أبي طالب فقالوا مشافهة : أنت هو ، فقال لهم : ومن هو ؟ فقالوا : أنت الله ، فاستعظم الأمر و أمر بنار فأججت وأحرقهم بالنار ) .
25 - يقول الأسفرايني ( ت 471هـ ) في التبصرة في الدين ( ص 108) : ( إن ابن سبأ قال بنبوة علي في أول أمره ، ثم دعا إلى ألوهيته ، و دعا الخلق إلى ذلك فأجابته جماعة إلى ذلك في وقت علي ) .
26 - و يتحدث الشهرستاني ( ت548هـ ) في الملل والنحل (2/116، 155) عن ابن سبأ فيقول : ( و منه انشعبت أصناف الغلاة ) ، و يقول في موضع آخر : ( إن ابن سبأ هو أول من أظهر القول بالنص بإمامة علي ) .
27 – و ينسب السمعاني ( ت 562هـ ) في كتابه الأنساب ( 7/24) السبئية إلى عبد الله بن سبأ .
28 - و ترجم ابن عساكر ( ت 571هـ ) في تاريخه ( 29/3) لأبن سبأ بقوله : عبد الله بن سبأ الذي تنسب إلى السبئية ، و هم الغلاة من الرافضة ، أصله من اليمن ، و كان يهودياً وأظهر الإسلام .(7/40)
29 - و يقول نشوان الحميري ( ت 573هـ ) في كتابه الحور العين ( ص 154) : ( فقالت السبئية إن علياً حي لم يمت ، ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ، و يردّ الناس على دين واحد قبل يوم القيامة ) .
30 - و يؤكد فخر الدين الرازي ( ت 606هـ ) في كتابه اعتقادات فرق المسلمين والمشركين (ص 57) ، كغيره من أصحاب المقالات والفرق خبر إحراق علي لطائفة من السبئية .
31 - و يذكر ابن الأثير ( ت 630هـ ) في كتابه اللباب ( ص 2/98) ارتباط السبئية من حيث النسبة بعبد الله بن سبأ . كما وأنه أورد روايات الطبري بعد حذف أسانيدها في كتابه الكامل ( 3/114، 144، 147، 147، 154 إلى غيرها من الصفحات ) .
32 - و ذكر السّكْسَكي ( ت 683هـ ) في كتابه البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان : ( أن ابن سبأ و جماعته أول من قالوا بالرجعة إلى الدنيا بعد الموت ) .
33 - و يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية ( ت 727هـ ) أن أصل الرفض من المنافقين الزنادقة ، فإنه ابتدعه ابن سبأ الزنديق ، و أظهر الغلو في علي بدعوى الإمامة والنص عليه ، وادعى العصمة له . أنظر مجموع الفتاوى ( 4/435) و ( 28/483) و في كثير من الصفحات في كتابه : منهاج السنة النبوية .
34 - و يرد ذكر عبد الله بن سبأ عند المالقي ( ت 741هـ ) في كتابه التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان ( ص 54) ، بقوله : ( و في سنة ثلاث و ثلاثين تحرك جماعة في شأن عثمان رضي الله عنه .. و كانوا جماعة منهم ، مالك الأشتر ، و الأسود بن يزيد .. و عبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء .
35 - و عند الذهبي ( ت 748هـ ) في كتابه المغني في الضعفاء (1/339) و في الميزان (2/426) : ( عبد الله بن سبأ من غلاة الشيعة ، ضال مضل ) ، و ذكره أيضاً في تاريخ الإسلام ( 2/122-123) .(7/41)
36 - وذكر الصفدي ( ت 764هـ ) في كتبه الوافي بالوفيات (17/20) في ترجمة ابن سبأ : ( عبد الله بن سبأ رأس الطائفة السبئية .. قال لعلي أنت الإله ، فنفاه إلى المدائن ، فلما قتل علي رضي الله عنه زعم ابن سبأ أنه لم يمت لأن فيه جزءاً إلهياً وأن ابن ملجم إنما قتل شيطاناً تصوّر بصورة علي ، و أن علياً في السحاب ، و الرعد صوته ، و البرق سوطه ، وأنه سينزل إلى الأرض ) .
37 - و ذكر ابن كثير ( ت 774هـ ) في البداية و النهاية (7/183) أن من أسباب تألب الأحزاب على عثمان ظهور ابن سبأ و صيرورته إلى مصر ، و إذاعته على الملأ كلاماً اخترعه من عند نفسه .
38 - و جاء في الفرق الإسلامية (ص 34) للكرماني ( ت 786هـ ) أن علياً رضي الله عنه لما قتل زعم عبد الله بن سبأ أنه لم يمت ، وأن فيه الجزء الإلهي .
39 - و يشير الشاطبي ( ت 790هـ ) في كتابه الاعتصام ( 2/197) إلى أن بدعة السبئية من البدع الاعتقادية المتعلقة بوجود إله مع الله ، و هي بدعة تختلف عن غيرها من المقالات .
40 - و ذكر ابن أبي العز الحنفي ( ت 792هـ ) في شرح العقيدة الطحاوية ( ص 578) أن عبد الله بن سبأ أظهر الإسلام و أراد أن يفسد دين الإسلام كما فعل بولص بدين النصرانية .
41 - و يعرف الجُرجاني ( ت 816هـ ) في كتابه التعريفات (ص 79) عبد الله بن سبأ بأنه رأس الطائفة السبئية .. و أن أصحابه عندما يسمعون الرعد يقولون : عليك السلام يا أمير المؤمنين .
42 - و يقول المقريزي ( ت 845هـ ) في الخطط ( 2/356-357) : ( أن عبد الله بن سبأ قام في زمن علي رضي الله عنه مُحدِثاً القول بالوصية والرجعة والتناسخ ) .
43 - و قد سرد الحافظ بن حجر ( ت 852هـ ) في كتابه لسان الميزان ( 3/290) أخبار ابن سبأ من غير طريق سيف بن عمر ، ثم قال : ( و أخبار عبد الله بن سبأ شهيرة في التواريخ ، و ليس له رواية و الحمد لله ) .(7/42)
44 - و ذكر العيني ( ت 855هـ ) في كتابه عقد الجمان ( 9/168) : ( أن ابن سبأ دخل مصر وطاف في كورها ، و أظهر الأمر بالمعروف ، و تكلم في الرجعة ، و قررها في قلوب المصريين .
45 - و أكد السيوطي ( ت 911هـ ) في كتابه لب الألباب في تحرير الأنساب ( 1/132) نسبة السبئية إلى عبد الله بن سبأ .
46 - و ذكر السفارني ( ت 1188هـ ) في كتابه لوامع الأنوار (1/80) ضمن فرق الشيعة فرقة السبأية و قال : ( و هم أتباع عبد الله بن سبأ الذي قال لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أنت الإله حقاً ، فأحرق من أصحاب هذه المقالة من قدر عليه منهم فخدّ لهم أخاديد وأحرقهم بالنار .
47 - و يروي الزُّبيدي ( ت 1205هـ ) أن سبأ الوارد في حديث فروة بن مُسيك المرادي هو والد عبد الله بن سبأ صاحب السبئية من الغلاة . تاج العروس ( 1/75-76) ، و كلام الزبيدي هذا غير مقبول و يرده حديث فروة بن مسيك ، راجع صحيح سنن أبي داود (برقم (3373) و الترمذي ( برقم 3220) كتاب تفسير سورة سبأ ، و في الحديث زيادة تفصيل أن سبأ رجل من العرب ولد له عشرة من الأنبناء : سكن منهم ستة في اليمن و أربعة في الشام ، و هم أصول القبائل العربية : لخم و جذام و غسان .. الخ ، مما يدل على أن سبأ رجل متقدم جداً من أصول العرب ، فما علاقة ذلك بسبأ والد عبد الله صاحب السبئية ؟ !
48 - و تحدث عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي ( ت 1239هـ ) في كتابه مختصر التحفة الاثنى عشرية ( ص 317 ) عن ابن سبأ بقوله : ( و من أكبر المصائب في الإسلام في ذلك الحين تسليط إبليس من أبالسة اليهود على الطبقة الثانية من المسلمين فتظاهر لهم بالإسلام وادعى الغيرة على الدين والمحبة لأهله .. و إن هذا الشيطان هو عبد الله بن سبأ من يهود صنعاء ، و كان يسمى ابن السوداء ، و كان يبث دعوته بخبث و تدرج و دهاء .(7/43)
49 - و محمد صديق حسن خان ( ت 1307هـ ) في خبيئة الأكوان في افتراق الأمم على المذاهب والأديان ( ص 8 ، 33 ، 44 ) .
هذا ما تيسر جمعه من أقوال العلماء ، و من سلف الأمة ، و هناك الكثير غيرهم ، و كلها تأكد و تجمع على ثبوت شخصية عبد الله بن سبأ اليهودي بكونه حقيقة لا خيال ، و كوني آثرت ذكر المتقدمين ، لأنه إذا ثبت عندهم ؛ فهم أعرف منا ، لأنه تسنى لهم الاطلاع على الكثير من الكتب التي تعد في زمننا هذا في عداد المفقود ، فهم الأصل الذي نحن عيال عليه ، نقتبس منه و نثبت ، كما وأن هناك الكثير من المثبتين لهذه الشخصية من المعاصرين ، راجع للأهمية كتاب : العنصرية اليهودية وآثارها في المجمع الإسلامي و الموقف منها للدكتور أحمد بن عبد الله بن إبراهيم الزغيبي ( 2 / 530-531 ) ، حيث ذكر عدداً كبيراً من المثبتين لشخصية ابن سبأ من المعاصرين .
ب – المثبتين لشخصية ابن سبأ من الشيعة :-
1 - ورد في تاريخ الطبري (5/193) على لسان أبي مخنف – لوط بن يحيى – ( ت 157هـ ) و هو يصف معقل بن قيس الرياحي والذي كلفه المغيرة بن شعبة والي معاوية على الكوفة بقتال المستورد بن علفة الخارجي و أصحابه ، فيصفه بأنه من السبئية المفترين الكذابين .
2 - الأصفهاني ( ت 283هـ ) ذكره الدكتور أحمد الزغيبي في كتابه العنصرية اليهودية ( 2/528) .
3 - أورد الناشئ الأكبر ( ت 293هـ ) في كتابه مسائل الإمامة ( ص 22-23 ) ما يلي : ( و فرقة زعموا أن علياً رضي الله عنه حي لم يمت ، و أنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ، و هؤلاء هم السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ ، و كان عبد الله بن سبأ رجلاً من أهل صنعاء يهودياً .. و سكن المدائن .. ) .(7/44)
4 – و نقل القمي ( ت 301هـ ) في كتابه المقالات و الفرق ( ص 20 طهران 1963 م تحقيق الدكتور محمد جواد مشكور فيروي ) أن عبد الله بن سبأ أول من أظهر الطعن على أبي بكر و عمر و عثمان والصحابة ، و تبرأ منهم ، وادّعى أن علياً أمره بذلك . و ( أن السبئية قالوا للذي نعاه ( أي علي بن أبي طالب ) : كذبت ياعدو الله لو جئتنا والله بدماغه خربة فأقمت على قتله سبعين عدلاً ما صدقناك ولعلمنا أن لم يمت ولم يقتل وإن لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ويملك الأرض ثم مضوا …)
5 - و يتحدث النوبختي ( ت 310هـ ) في كتابه فرق الشيعة ( ص 23 ) عن أخبار ابن سبأ فيذكر أنه لما بلغ ابن سبأ نعي علي بالمدائن ، قال للذي نعاه : كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة و أقمت على قتله سبعين عدلاً لعلمنا أنه لم يمت و لم يقتل ، و لا يموت حتى يملك الأرض.
و يقول في ( ص 44 ) وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي عليه السلام أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى علياً عليه السلام وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصي بعد موسى على نبينا وآله وعليهما السلام بالغلو فقال في إسلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله في علي عليه السلام بمثل ذلك وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه. يقول النوبختي : فمن هنا قال من خالف الشيعة إن أصل الرفض مأخوذ من اليهود.
6 - و يقول أبو حاتم الرازي ( ت 322هـ ) في كتابه الزينة في الكلمات الإسلامية ( ص 305 ) : ( أن عبد الله بن سبأ و من قال بقوله من السبئية كانوا يزعمون أن علياً هو الإله ، و أنه يحيي الموتى ، وادعوا غيبته بعد موته .(7/45)
7 - و روى الكشي ( ت 340هـ ) في الرجال ( ص 98-99) بسنده إلى أبي جعفر محمد الباقر قوله : أن عبد الله بن سبأ كان يدّعي النبوة ، و يزعم أن أمير المؤمنين – عليه السلام – هو الله ، تعالى عن ذلك علواً كبيراً . و هناك أقوال مشابه عن جعفر الصادق و علي بن الحسين تلعن فيها عبد الله بن سبأ في ( ص 70 ، 100 ) من نفس الكتاب .
و يروي الكشي في ( رجال الكشي ص 98 ط مؤسسة الأعلمي للمطبوعات كربلاء ) بسنده إلى أبي جعفر ( أن عبد الله بن سبأ كان يدعي النبوة وزعم أن أمير المؤمنين هو الله تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا فبلغ ذلك أمير المؤمنين فدعاه وسأله فأقر بذلك وقال : نعم أنت هو وقد كان ألقي في روعي أنك أنت الله وأني نبي فقال له أمير المؤمنين : ويلك قد سخر منك الشيطان فارجع عن هذا ثكلتك أمك وتب فأبى فحبسه واستتابه ثلاثة أيام فلم يتب فأحرقه بالنار والصواب أنه نفاه بالمدائن …)
8 - و يذكر أبو جعفر الصدوق بن بابويه القمي ( ت 381هـ ) في كتاب من لا يحضره الفقه ( 1/213) ، موقف ابن سبأ و هو يعترض على علي رضي الله عنه رفع اليدين إلى السماء أثناء الدعاء .
9 - و جاء عند الشيخ المفيد ( ت 413هـ ) في كتاب شرح عقائد الصدور ( ص 257) ذكر الغلاة من المتظاهرين بالإسلام – يقصد السبئية – الذين نسبوا أمير المؤمنين علي والأئمة من ذريته إلى الألوهية والنبوة ، فحكم فيهم أمير المؤمنين بالقتل والتحريق بالنار .
10 - و قال أبو جعفر الطوسي ( ت 460هـ ) في كتبه تهذيب الأحكام ( 2/322) أن ابن سبأ رجع إلى الكفر وأظهر الغلو .
11 - ابن شهر آشوب ( ت 588هـ ) في مناقب آل أبي طالب (1/227-228 ) .
12 - و ذكر ابن أبي الحديد ( ت 655هـ ) في شرح نهج البلاغة ( 2/99) ما نصه : ( فلما قتل أمير المؤمنين – عليه السلام – أظهر ابن سبأ مقالته ، و صارت له طائفة و فرقه يصدقونه و يتبعونه .(7/46)
13 - و أشار الحسن بن علي الحلّي ( ت 726هـ ) في كتابه الرجال (2/71) إلى ابن سبأ ضمن أصناف الضعفاء .
14 - و يرى ابن المرتضى ( ت 840هـ ) – و هو من أئمة الشيعة الزيدية - ، أن أصل التشيع مرجعه إلى ابن سبأ ، لأنه أول من أحدث القول بالنص في الإمامة . تاج العروس لابن المرتضى ( ص 5 ، 6 ) .
15 - و يرى الأردبيلي ( ت 1100هـ ) في كتاب جامع الرواة (1/485) أن ابن سبأ غال ملعون يزعم ألوهية علي و نبوته .
16 - المجلسي ( ت 1110هـ ) في بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار (25/286-287 ) .
17 - يقول نعمة الله الجزائري ( ت 1112هـ ) في كتابه الأنوار النعمانية ( 2/234) : ( قال عبد الله بن سبأ لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أنت الإله حقاً فنفاه علي عليه السلام إلى المدائن و قيل إنه كان يهودياً فأسلم وكان في اليهودية يقول في يوشع بن نون و في موسى مثل ما قال في علي .
18 - طاهر العاملي ( ت 1138هـ ) في مقدمة مرآة الأنوار و مشكاة الأسرار في تفسير القرآن (ص 62 ) .
19 - و عند المامقاني ( ت 1323هـ ) في كتابه تنقيح المقال في أحوال الرجال (2/183) جاء ذكر ابن سبأ ضمن نقولات عدة ساقها المؤلف من مصادر شيعية متقدمة عليه .
20 - أما محمد حسين المظفري ( ت 1369هـ ) و هو من الشيعة المعاصرين الذين لا ينكرون وجود ان سبأ وإن كان ينفي أن يكون للشيعة به أي اتصال . تاريخ الشيعة ( ص 10 ) .
21 - أما الخوانساري فقد جاء ذكر ابن سبأ عنده على لسان جعفر الصادق الذي لعن ابن سبأ لاتهامه بالكذب والتزوير. روضات الجنات (3/141)..
ثانياً : المنكرون وجود عبد الله بن سبأ من الفريقين :
أ – المنكرون لوجود ابن سبأ من أهل السنة ومن حسب عليهم :-(7/47)
1 – الدكتور : طه حسين ، يقف طه حسين عل رأس الكتّاب المحدثين الذين شككوا في وجود ابن سبأ بل و أنكروه . أنظر كتاب الفتنة الكبرى – عثمان – ( ص 132 ) ، و علي و بنوه ( ص 90 ) . يذكر أن زوجة طه حسين و سكرتيره (و كلاهما نصرنيان) ذكرا أن طه حسين تنصر في باريس!
2 - الدكتور : علي سامي النشار ، و هو يأتي بعد طه حسين في إنكاره لشخصية ابن سبأ واعتبارها شخصية وهمية . راجع كتاب نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام (2/ 38 – 39 ) .
3 - الدكتور : حامد حنفي داود ، و هو من الذين تأثروا بكتابات الشيعة حول شخصية ابن سبأ فأنكر وجودها ، و ذلك عندما قام بكتابة المقدمة المتعلقة بكتاب ( عبد الله بن سبأ و أساطير أخرى ) و من ضمن ما قال : ( و أخيراً يسرني أن أعلن إعجابي بهذا السفر الجليل لصاحبه العلامة المحقق السيد مرتضى العسكري ) ، أما رأيه في عبد الله بن سبأ فأوضحه بقوله : ( و لعل أعظم هذه الأخطاء التاريخية التي أفلتت من زمام هؤلاء الباحثين وغمّ عليهم أمرها فلم يفقهوها و يفطنوا إليها هذه المفتريات التي افتروها على علماء الشيعة حين لفقوا عليهم قصة عبد الله بن سبأ فيما لفقوه من قصص . (1/ 18 ،21 ) .
و ضمن كتابه : التشيع ظاهرة طبيعية في إطار الدعوة الإسلامية ( ص 18 ) .
4 – و هناك أيضاً الدكتور : محمد كامل حسين في كتابه : أدب مصر الفاطمية ( ص 7 ) .
5 – و أيضاً : عبد العزيز الهلابي في كتابه عبد الله بن سبأ ( ص 73) ، حيث حجب هذا الشخص الغموض الذي أثاره غيره من المشككين في وجود ابن سبأ فلازم الإنكار .
6 – و الشيء بالشيء يذكر يعتبر الأستاذ حسن بن فرحان المالكي (شيعي المذهب) تلميذ المذكور أعلاه من المنكرين لوجود ابن سبأ ، و في أحيان أخرى ينكر دور ابن سبأ في الفتنة . راجع كلامه في جريدة المسلمون الأعداد ( 657 ، 658 ) .(7/48)
7 - ومن المنكرين و المتشكيين والمترددين في إثبات و نفي شخصية عبد الله بن سبأ ، الدكتور : جواد علي في مقال له بعنوان ( عبد الله بن سبأ ) منشور في مجلة المجمع العلمي العراقي المجلد السادس ( ص 84 ، 100 ) و أيضاً في مجلة الرسالة العدد ( 778 ) ( ص 609-610 ) .
8 - و أيضاً الدكتور : محمد عمارة (من مؤيدي المعتزلة و المرجئة) في كتابه الخلافة و نشأة الأحزاب الإسلامية ( ص 154-155 ) ، فيقول : ( وتنسب أغلب مصادر التاريخ والفكر الإسلامي إلى ابن السوداء هذا نشاط عظيماً و جهداً خرافياً ) ، و يقول : ( فإن وجود ابن سبأ على فرض التسليم بوجوده ) إلى غيرها من النقولات .
9 - و الدكتور : عبد الله السامرائي في كتابه الغلو والفرق الغالية في الحضارة الإسلامية ( ص 86 ) ، إلا أنه يثبت وجود الأفكار التي تنسب إلى عبد الله بن سبأ ، من غير جزم بوجود صاحبها .
ب - المنكرون لوجود ابن سبأ من الشيعة :-
1 - محمد الحسين كاشف الغطاء ، في كتابه أصل الشيعة و أصولها ( ص 61 ) يقول : ( على أنه لا يستبعد أن يكون هو – أي عبد الله بن سبأ – و مجنون بني عامر و أبو هلال .. وأمثالهم أحاديث خرافية وضعها القصاص لتزجية الفراغ و شغل أوقات الناس ) .
2 - مرتضى العسكري و له كتابان في هذا الموضوع ، ينفي فيهما وجود ابن سبأ من الأصل ، و يعتبر مرتضى هذا من أكثر الشيعة المحدثين اهتماماً بمسألة عبد الله بن سبأ . الكتاب الأول بعنوان : ( عبد الله بن سبأ بحث حول ما كتبه المؤرخون والمستشرقون ابتداء من القرن الثاني الهجري ) . و رمز له بالجزء الأول . الكتاب الثاني بعنوان : ( عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى ) .
3 - محمد جواد مغنيه ، و قد ذكر ذلك في تقديمه لكتاب عبد الله بن سبأ و أساطير أخرى لمرتضى العسكري (1/12 ) . و كتاب التشيع ( ص 18 ) .(7/49)
4 - الدكتور علي الوردي ، في كتاب و عاظ السلاطين ( ص 273- 276 ) ، يقول : ( يخيل إلى أن حكاية ابن سبأ من أولها إلى آخرها كانت حكاية متقنة الحبك رائعة التصوير ) ، و يعتبر علي الوردي صاحب بدعة القول بأن ابن السوداء هو عمار بن ياسر رضي الله عنه ، ( ص 278) .
5 – عبد الله الفياض في كتابه تاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة ( ص 95 ) ، يقول : ( يبدوا أنابن سبأ كان شخصية إلى الخيال أقرب منها إلى الحقيقة ) .
6 - الدكتور كامل مصطفى الشيبي في كتاب الصلة بين التصوف والتشيع ( ص 41 ) ، و قد تابع الدكتور علي الوردي في كلامه حول كون عمار بن ياسر هو ابن السوداء ، ( ص 88 ) .
7 – طالب الرفاعي في التشيع ظاهرة طبيعية في إطار الدعوة الإسلامية ( ص 20 ) .
و لعل هذا النفي شبه الجماعي من قبل أولئك الباحثين الشيعة لشخصية عبد الله بن سبأ ، هو بغرض نفي التأثير اليهودي في عقائد الشيعة ، و تبرئة ساحتهم من عبد الله بن سبأ ، و لكن أنى لهم ذلك .
و قد أعجبتني مقولة للدكتور سعدي الهاشمي يقول فيها : ( و بهذه النقول والنصوص الواضحة المنقولة من كتب القوم ( الشيعة ) تتضح لنا حقيقة شخصية ابن سبأ اليهودي ، و من طعن من الشيعة في ذلك فقد طعن في كتبهم التي نقلت لعنات الأئمة المعصومين – عندهم – على هذا اليهودي ( ابن سبأ ) و لا يجوز و لا يتصور أن تخرج اللعنات من المعصوم على مجهول ، و كذلك لا يجوز في معتقد القوم تكذيب المعصوم ) . ابن سبأ حقيقة لا خيال ( ص 76 ) .
جـ – المثبتون لوجود ابن سبأ من المستشرقين :-(7/50)
اهتم المستشرقون بمسألة عبد الله بن سبأ و درسوا ما جاء عنه ، و نحن لسنا بحاجة إلى قيام أمثال هؤلاء الحاقدين لإثبات شخصية ابن سبأ لنثبت شخصيته بدورنا ، لكن تطرقت لذكرهم فقط من باب بيان أن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها ، كما فعل أبي هريرة رضي الله عنه عندما تعلم فضل سورة آية الكرسي من إبليس لعنه الله . البخاري مع الفتح (4/487- 488 ) .
1 - المستشرق الألماني : يوليوس فلهاوزن (1844- 1918 م ) ، يقول : ( ومنشأ السبأية يرجع إلى زمان علي و الحسن ، و تنسب إلى عبد الله بن سبأ و كما يتضح من اسمه الغريب فإنه كان أيضاً يمنياً و الواقع أنه من العاصمة صنعاء ، و يقال أنه كان يهودياً ) . في كتابه : الخوارج والشيعة ( ص 170-171 ) .
2 - المستشرق : فان فلوتن ( 1866- 1903 م ) ، يرى أن فرقة السبأية ينتسبون إلى عبد الله بن سبأ فيقول : ( وأما السبأية أنصار عبد الله بن سبأ الذي كان يرى أحقية علي بالخلافة منذ أيام عثمان ، فكان يعتقدون أن جزءاً إلهياً تجسد في علي ثم في خلفائه من بعده . السيادة العربية والشيعية و الإسرائيليات في عهد بني أمية (ص 80 ) .
3 - المستشرق الإيطالي : كايتاني ( 1869-1926 م ) ، يخلص هذا المستشرق في بحثه الذي نشره في حوليات الإسلام الجزء الثامن من سنة (33-35هـ ) إلى أن ابن سبأ موجود في الحقيقة لكنه ينكر روايات سيف بن عمر في تاريخ الطبري والتي تشير إلى أن المؤامرة التي أطاحت بعثمان ذات أسباب دينية ، كما وأنه ينكر أن تكون آراء ابن سبأ المؤلهة لعلي قد حدثت في أيامه ، و ينتهي إلى القول بأن هذه الآراء وليدة تصورات الشيعة في النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة .
4 - المستشرق : ليفي ديلافيدا ( المولود عام 1886م ) ، حيث مرّ بعبد الله بن سبأ و هو يتحدث عن خلافة علي من خلال كتاب أنساب الأشراف للبلاذري .(7/51)
5 - المستشرق الألماني : إسرائيل فريد لندر ، وقد كتب مقالاً عن عبد الله بن سبأ في المجلة الآشورية العددين من سنة (1909م ، ص 322) و (1910م ، ص 23) بعنوان : ( عبد الله بن سبأ مؤسس الشيعة وأصله اليهودي ) و قد خلص في بحثه هذا الذي يربوا على الثمانين صفحة إلى القول بأنه لا يتشكك مطلقاً في شخصية ابن سبأ .
6 – المستشرق المجري : جولد تسيهر ( 1921م ) ، يقول : ( كما أن الإغراق في تأليه علي الذي صاغه في مبدأ الأمر عبد الله بن سبأ ) . في كتابه : العقيدة والشريعة في الإسلام ( ص 205 ) .
7 - رينولد نكلس ( 1945م ) ، يقول في كتابه تاريخ الأدب العربي (ص 215 ) : ( فعبد الله بن سبأ الذي أسس طائفة السبأيين كان من سكان صنعاء اليمن ، و قد قيل إنه كان من اليهود و قد أسلم في عهد عثمان و أصبح مبشراً متجولاً ) .
8 - داويت . م . رونلدسن ، يقول : ( فقد ظهر منذ زمن عثمان داعية متنقل اسمه عبد الله بن سبأ قطع البلاد الإسلامية طولاً و عرضاً يريد إفساد المسلمين كما يقول الطبري ) . عقيدة الشيعة ( ص 85 ) .
9 - المستشرق الإنجليزي : برنارد لويس ، فهو يرى أن عبد الله بن سبأ هو أصل التشيع . راجع كلامه في كتابه : أصول الإسماعيلية ( ص 86 ) .
هذه أهم الكتابات الاستشراقية في موضوع عبد الله بن سبأ ، و هناك غير هؤلاء الكثير ، راجع للأهمية كتاب : عبد الله بن سبأ و أثره في أحداث الفتنة في صدر الإسلام للدكتور سليمان العودة ( ص 73 ) .(7/52)
أما المنكرون لشخصية ابن سبأ من المستشرقين ، فهم فئة قليلة و الذين وقفوا في شخصية ابن سبأ و أصبحت عندهم مجرد خرافة و محل شك ، و ليس هناك من داع لذكرهم ، لعدم انتشار أفكارهم بخلاف المثبتين فهم من المستشرقين المعروفين والذين يعتمد عليهم الكثير ممن تأثر بفكر الاستشراق ، و كان هدف هؤلاء المستشرقين من ذلك التشكيك أو الإنكار هو ادعاء أن الفتن إنما هي من عمل الصحابة أنفسهم ، و أن نسبتها إلى اليهود أو الزنادقة هو نوع من الدفاع عن الصحابة لجأ إليها الإخباريون والمؤرخون المسلمون ليعلقوا أخطاء هؤلاء الصحابة على عناصر أخرى ، على أن إنكار بعضهم لشخصية ابن سبأ إنما يرجع إلى رغبتهم في الانتهاء إلى النتيجة التالية : لا حاجة لمخّرب يمشي بين الصحابة ، فقد كانت نوازع الطمع و حب الدنيا والسلطة مستحوذة عليهم ، فراحوا يقاتلون بعضهم عن قصد و تصميم ، و القصد من ذلك الإساءة إلى الإسلام و أهله ، و إلقاء في روع الناس أن الإسلام إذا عجز عن تقويم أخلاق الصحابة و سلوكهم وإصلاح جماعتهم بعد أن فارقهم الرسول صلى الله عليه وسلم بمدة وجيزة ، فهو أعجز أن يكون منهجاً للإصلاح في هذا العصر . أنظر : تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة للدكتور : محمد أمحزون (1/314) .
ثالثاً : أسباب إنكار إبن سبأ عند بعض المبطلين :
أولاً : قالوا : إعراض المؤرخين عن ذكر ابن سبأ أو ابن السوداء في حرب صفين ، و كونه غاب عنها ، و كيف له أن يغيب عن هذا المعركة و هو الذي كان يصول و يجول في حرب الجمل ، لهذا لم يستطع المؤرخون الإجابة على هذا السؤال المحير ! و هذا مما يدل على أن غير موجود .(7/53)
الرد عليه : إن المؤرخين عند حديثهم عن موضوع معين لا يلتزمون بذكر كل تفاصيل ما جرى في الأحداث والوقائع التي ذكروها في كتبهم ، هذا على افتراض مشاركة ابن سبأ في حرب صفين ، و على افتراض عدم مشاركته في حرب صفين ، هل يعد ذلك دليلاً على عدم وجوده ، فيعارض به ما أثبته المؤرخون من وجود ابن سبأ و ما كان له من دور ؟! و في اعتقادي أن هذه الشبهة لا تقوى على ما أثبته المؤرخون والمحققون من سنة و شيعة من وجود ابن سبأ .
ثانياً : قالوا : إن أخبار ابن سبأ إنما انتشرت بين الناس عن طريق الطبري ، والطبري أخذها عن سيف بن عمر ، إذاً فسيف هو المصدر الوحيد لأخبار ابن سبأ ، و سيف هذا كذاب ضعفه علماء الجرح والتعديل .
الرد عليه و سيكون على ثلاثة فروع :-
أ – كون الطبري هو المصدر الوحيد لأخبار ابن سبأ ، و هذه الأخبار جميعها جاءت من طريق سيف بن عمر .
الرد : هذه شبهة باطلة إذ لم ينفرد الطبري وحده بروايات سيف ، بل هناك روايات لسيف تتحدث عن ابن سبأ لا توجد عند الطبري ، و مثاله :
1 - من طريق ابن عساكر ( ت 571هـ ) في تاريخه (29/9 ) ، وقد أورد رواية من طريق سيف بن عمر ليست عند الطبري .
2 - من طريق المالقي ( ت 741هـ ) في كتابه التمهيد و البيان ( ص 54 ) و قد أورد رواية ليست عند الطبري من طريق سيف بن عمر .
3 - من طريق الذهبي ( ت 748هـ ) في كتابه تاريخ الإسلام ( 2/122-123) و هذه الرواية أيضاً غير موجودة في الطبري .
فهذه الطرق الثلاثة تدلنا على أن الطبري لم ينفرد بروايات سيف بن عمر عن ابن سبأ ، و أنه ليس المصدر الوحيد لهذه الأخبار .
ب – كون سيف بن عمر هو المصدر الوحيد لأخبار ابن سبأ .(7/54)
الرد : هذه الشبهة أيضاً غير صحيحة ، فقد ثبتت روايات ذكر فيها ابن سبأ لم يكن سيف في سندها ، و إن الذي يتبين لنا من خلال البحث والتنقيب أن سيف بن عمر ليس هو المصدر الوحيد لأخبار عبد الله بن سبأ ، و سأورد هنا عدد من النصوص لابن عساكر تذكر ابن سبأ لا ينتهي سندها إلى سيف بن عمر ، و قد اخترت تاريخ ابن عساكر بالذات لأنه يعتمد في روايته للأخبار على السند كما هو حال الطبري في تاريخه .
الرواية الأولى : ذكرها ابن عساكر بسنده إلى الشعبي ، قال : أول من كذب عبد الله بن سبأ .
الرواية الثانية : ذكرها ابن عساكر بسنده إلى عمار الدهني ، قال : سمعت أبا الطفيل يقول : رأيت المسيب بن نجبة أتى به يلببة - يعني ابن السوداء - ، و علي على المنبر ، فقال علي : ما شأنه ؟ فقال : يكذب على الله وعلى رسوله .
الرواية الثالثة : ذكرها ابن عساكر بسنده إلى زيد بن وهب عن علي قال : ما لي و ما لهذا الحميت الأسود ؟ .
الرواية الرابعة : ذكرها ابن عساكر بسنده إلى شعبة عن سلمة قال : قال سمعت أبا الزعراء يحدث عن علي عليه السلام قال : ما لي وما لهذا الحميت الأسود ؟ .
الرواية الخامسة : ذكرها ابن عساكر بسنده إلى شعبة عن سلمة بن كهيل عن زيد قال : قال علي بن أبي طالب ما لي ولهذا الحميت الأسود ؟ - يعني عبد الله بن سبأ – وكان يقع في أبي بكر وعمر .
الرواية السادسة : ذكرها ابن عساكر بسنده إلى سلمة بن كهيل عن حجية بن عدي الكندي قال : رأيت علياً كرم الله وجهه وهو على المنبر ، وهو يقول : من يعذرني من هذا الحميت الأسود ، الذي يكذب على الله ورسوله ؟ - يعني ابن السوداء – لولا أن لا يزال يخرج عليّ عصابة تنعى عليّ دمه كما أدّعيت عليّ دماء أهل النهر ، لجعلت منهم ركاماً .(7/55)
الرواية السابعة : ذكرها ابن عساكر بسنده إلى أبو الأحوص عن مغيرة عن سماك قال : بلغ عليا أن ابن السوداء ينتقص أبا بكر وعمر ، فدعا به ، ودعا بالسيف - أو قال : فهمّ بقتله - فكُلّم فيه ، فقال : لا يساكني ببلد أنا فيه . قال : فسيره إلى المدائن . تاريخ دمشق لابن عساكر ( 29/ 7-10 ) .
للمزيد حول ورود روايات عبد الله بن سبأ من غير طريق سيف بن عمر راجع ما ذكرناه سابقاً.
جـ – كون سيف بن عمر ( ت 180هـ ) كذاب ضعفه علماء الجرح والتعديل .
الرد : مكانة سيف بن عمر (ت 180هـ ) بين الجرح والتعديل ، حتى تكون الصورة واضحة للقارئ .
أولاً : سيف بن عمر محدثاً :-
يقول النسائي في الضعفاء والمتروكين ( ص 14 ) : ( سيف بن عمر الضبي ضعيف ) . وذكر ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ( 2/278 ) أن سيف بن عمر : ( متروك الحديث ، يشبه حديثه حديث الواقدي ) . و عند ابن معين في نفس المصدر (2/278 ) أن سيفاً ضعيف الحديث . و ذكره الذهبي فيمن له رواية في الكتب الستة ، واكتفى بالقول : ( ضعفه ابن معين و غيره ) .الكاشف (1/416 ) . و في المغني في الضعفاء ( ص 292) قال الذهبي : ( سيف بن عمر التميمي الأسدي له تواليف متروك باتفاق ) . و عند ابن حجر في التقريب (1/344 ) : ( سيف ضعيف الحديث ) . و يقول ابن حبان في المجروحين (1/345) : ( سيف بن عمر الضبي الأسدي من أهل البصرة اتهم بالزندقة .. يروي الموضوعات عن الأثبات ) .
هذا بالنسبة لسيف بن عمر و كونه محدثاً ، لكن فما عساه يكون إخبارياً مؤرخاً ؟!(7/56)
هنا لا بد و قبل أن أذكر أقوال أهل العلم فيه أن أنبه أنه لا بد من التفريق بين رواية ( الحديث ) و رواية الأخبار الأخرى ، فعلى الأولى تبنى الأحكام و تقام الحدود ، فهي تتصل مباشرة بأصل من أصول التشريع ، و من هنا تحرز العلماء –رحمهم الله – في شروط من تأخذ عنه الرواية ، لكن يختلف الأمر بالنسبة لرواية الأخبار ، فهي وإن كانت مهمة – لا سيما حينما يكون مجالها الإخبار عن الصحابة – إلا أنها لا تمحص كما يمحص الحديث ، و من هنا فلا بد من مراعاة هذا القياس و تطبيقه على ( سيف ) بكونه محدثاً ، و إخبارياً . راجع للأهمية كتاب : تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة محمد أمحزون (1/82-143) فقد تحدث عن هذا الموضوع فأجاد .
نعود إلى كتب الرجال نفسها فنجد الآتي :-
يقول الذهبي في ميزان الاعتدال (2/255 ) : ( كان إخبارياً عارفاً ) . و يقول ابن حجر في تقريب التهذيب ( 1/344 ) : ( عمدة في التاريخ ) . أما اتهام ابن حبان لسيف بالزندقة فيجيب عنه ابن حجر في التقريب (1/344 ) بقوله : ( أفحش ابن حبان القول فيه ) . ولا يصح اتهام سيف بالزندقة دون دليل ، إذ بكيف نفسر رواياته في الفتنة و حديثه عما جرى بين الصحابة ، فأسلوبه الذي روى به تلك الأحداث أبعد ما يكون عن أسلوب الزنادقة ، و هو الذي فضح و هتك ستر الزنادقة أمثال ابن سبأ !!
و بعد هذا لا يشك أحد أن رواية سيف مرشحة على غيره من الإخباريين أمثال أبي مخنف و الواقدي وابن الكلبي ، و غيرهم الكثير ، فإن روايات سيف تتفق و تنسجم مع الروايات الصحيحة المروية عن الثقات ، علاوة على أنها صادرة و مأخوذة عمن شاهد تلك الحوادث أو كان قريباً منها . للمزيد حول هذا الموضوع راجع كتاب : استشهاد عثمان و وقعة الجمل رواية سيف بن عمر ، للدكتور خالد بن محمد الغيث ( ص 19- 40 ) ، و عبد الله بن سبأ و أثره في أحداث الفتنة في صدر الإسلام للدكتور :سليمان العودة ( ص 104- 110 ) .(7/57)
ثالثاً : قالوا : لم يكن لابن سبأ وجود ، و إنما هو في الحقيقة شخصية رمزت لعمار بن ياسر ، ثم ساقوا عدد من الدعائم التي تؤيد هذا القول ، منها :-
1 - كان ابن سبأ يعرف بابن السوداء ، و عمار كان يكنى بابن السوداء أيضاً .
2 - كلاهما من أب يماني ، و ينسبون إلى سبأ بن يشجب أصل أهل اليمن .
3 - كلاهما كان شديد الحب لعلي ، و من محرضي الناس على بيعته .
4 - ذهاب عمار إلى مصر أيام عثمان و أخذ يحرض الناس على عثمان ، و مثل هذا ينسب إلى ابن سبأ .
5 - ينسب إلى ابن سبأ القول بأن عثمان أخذ الخلافة بغير حق ، و أن صاحبها الشرعي هو علي ، و هذا نفسه كان يقول به عمار .
6 - و يشترك الاثنان في عرقلة مساعي الصلح في معركة الجمل .
7 - قالوا عن ابن سبأ أنه هو المحرك لأبي ذر في دعوته الاشتراكية ! و صلة عمار بأبي ذر وثيقة جداً .
الرد : هذا الرأي الذي خلصوا إليه ، إنما يدل على جهل صاحبه ، و هذا الرأي ترده كتب الجرح والتعديل و كتب الرجال الموثقة عند الشيعة ، فهي تذكر عمار بن ياسر ضمن أصحاب علي والرواة عنه ، و هو أحد الأركان الأربعة عندهم ، ثم هي تذكر في موضع آخر ترجمة عبد الله بن سبأ في معرض السب واللعنة . أنظر : رجال الطوسي ( ص 46 ، 51 ) و رجال الحلي ( ص 255 ، 469 ) . فهل يمكن اعتبار الرجلين شخصية واحدة بعد ذلك ؟!(7/58)
كما وأن عوامل توافق الشخصيتين ذهاب كل منهما إلى مصر زمن عثمان ، فإن استقراء النصوص ومعرفة تاريخها يعطي مفهوماً غير الذي فهمه النافين لوجود ابن سبأ ، و بالتالي ينتصب هذا العامل دليلاً على استقلال كل من الشخصيتين ، فعمار إنما بعثه عثمان إلى مصر سنة ( 35هـ ) ، بينما كان ظهور ابن سبأ سنة ( 30هـ ) كما في الطبري (4/241) ، و هو الذي ساق الخبرين ، و شيء آخر و هو أن الطبري نفسه أورد أن من الذين استمالوا عماراً في مصر قوم منهم عبد الله بن سبأ . الطبري (4/341) ، وانظر أيضاً : البداية والنهاية لابن كثير (7/167) و الكامل في التاريخ لابن الأثير (3/77) و تاريخ ابن خلدون ( 2/1034) فهؤلاء هو كبار المؤرخين و هم جميعاً أثبتوا الشخصيتين ؛ شخصية ابن سبأ و شخصية عمار بن ياسر ، فكيف لعاقل بعد ذلك أن يقول إنهما شخص واحد ؟!
و أما قولهم بأن عمار كان يمانياً ، فكل يماني يصح أن يقال له ابن سبأ ، فهذا غير صحيح ، فليست سبأ إلا جزءاً من بلاد اليمن الواسعة كما قال بذلك ياقوت في معجم البلدان (3/181 ) .
وأما قولهم بأن عمار كان يقول بأن عثمان قد أخذ الخلافة بغير حق ، و أن صاحبها الشرعي هو علي ، فإن هذه المقولة زَعْم يحتاج إلى دليل ، بل الثابت أن عثمان رضي الله عنه كان يثق بعمار و هو الذي أرسله إلى مصر لضبط أمورها . راجع الطبري ( 4/341) .
كما وأن التشابه في الكنى لا يجعل من الرجلين شخصية واحدة ، كما وأن الظروف التاريخية وطابع كل من الشخصيتين لا تسمحان لنا بقبول هذا الرأي . وإن نظرة واحدة إلى كتب التراجم والرجال لتعطي القارئ فكرة واسعة في سبب قيام علماء الجرح والتعديل بتأليف الكتب التي تحتوي على المتشابه من الأسماء والكنى .
و شيء مهم آخر و هو أن عمار قتل يوم صفين ، في حين بقي ابن سبأ إلى بعد مقتل علي رضي الله عنه ، فهل بعد هذا يكون عمار بن ياسر هو عبد الله بن سبأ ؟!(7/59)
رابعاً : قالوا : لم يكن لابن سبأ وجود في الحقيقة ، و إنما هو شخصية وهمية انتحلها أعداء الشيعة بهدف الطعن في مذهبهم و نسبته إلى رجل يهودي .
الرد : إن هذه دعوى لا تقوم عليها حجة ، فكما أنكم ادعيتم هذا ، فلغيركم أيضاً أن يدعي ما شاء ، لكن العبرة بالحجة والدليل ، فزعمكم أن هذه القصة قد اختلقها أهل السنة للتشنيع على الشيعة ، ليس لها دليل ، و قد كان عليكم قبل أن تلقوا بظلال الشك جزافاً – و ذلك دأبكم – أن تتأكدوا على الأقل من أن هذه القصة لم ينفرد بها أهل السنة فقط ، فهذا الزعم باطل لأن مصادر الشيعة هي الأخرى أثبتت – كما سلف – وجود ابن سبأ . و بهذا يسقط اعتراضكم على القصة بزعمكم أنها من مفتريات أهل السنة .
و بعد هذا الذي ذكرت و هذه الشبهات التي أبطلت ، أستطيع أن أقول : إن سبب إنكار الشيعة لوجود ابن سبأ إلى عقيدتهم التي بثها و تسربت إلى فرق الشيعة ، و هي عقيدة تتنافى مع أصول الإسلام ، و تضع القوم موضع الاتهام والشبهة ، هذا من جهة ، و من جهة أخرى لما للعداء التاريخي في نفوس الشيعة نحو الصحابة ، و رغبة لإظهارهم بأنهم هم الذين أثاروا الفتنة بينهم .
و في الختام يتأكد بعد استقراء المصادر سواء القديمة والمتأخرة عند السنة والشيعة أن وجود عبد الله بن سبأ كان وجوداً حقيقياً تؤكده الروايات التاريخية ، و تفيض فيه كتب العقائد ، و ذكرته كتب الحديث والرجال والأنساب والطبقات و الأدب واللغة ، و سار على هذا النهج كثير من المحققين والباحثين المحدثين.
من موقع فيصل نور
@@@@@
وأيضا من موقع فيصل نور :
ابن سبأ اليهودي مؤسس فرقة الرافضة
بسم الله الرحمن الرحيم(7/60)
منذ بزوغ شمس الرسالة المحمدية ، ومن أول يوم كتبت فيه صفحة التاريخ الجديد ، التاريخ الإسلامي المشرق ، احترق قلوب الكفار وأفئدة المشركين ، وبخاصة اليهود في الجزيرة العربية وفى البلاد العربية المجاورة لها ، والمجوس في إيران ، والهندوس في شبه القارة الهندية الباكستانية ، فبدأوا يكيدون للإسلام كيدا ، ويمكرون بالمسلمين مكرا ، قاصدين أن يسدوا سيل هذا النور، ويطفئوا هذه الدعوة النيرة ، فيأبى الله إلا أن يتم نوره ، كما قال في كتابه المجيد : [يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ] سورة الصف .(7/61)
ولكنهم مع هزيماتهم وانكساراتهم لم يتفلل حقدهم وضغينتهم ، فمازالوا داسين ، كائدين. و أول من دس دسَّه هم أبناء اليهودية البغيضة ، المردودة ، بعد طلوع فجر الإسلام ، دسوا في الشريعة الإسلامية باسم الإسلام ، حتى يسهل صرف أبناء المسلمين الجهلة عن عقائد الإسلام ، ومعتقداتهم الصحيحة ، الصافية ، وكان على رأس هؤلاء المكرة المنافقين ، المتظاهرين بالإسلام ، والمبطنين الكفر أشد الكفر، والنفاق ، والباغين عليه ، عبد الله بن سبأ اليهودي ، الخبيث ، - الذي أراد مزاحمة الإسلام ، ومخالفته ، والحيلولة دونه ، وقطع الطريق عليه بعد دخول الجزيرة العربية بأكملها في حوزة الإسلام وقت النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعد ما انتشر الإسلام في آفاق الأرض وأطرافها ، واكتسح مملكة الروم من جانب ، وسلطنة الفرس من جهة أخرى ، وبلغت فتوحاته من أقصى افريقيا إلى أقصى آسيا ، وبدأت تخنق راياته على سواحل أوربا وأبوابها ، وتحقق قول الله عز وجل : [وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا] سورة النور.(7/62)
فأراد ابن سبأ هذا مزاحمة هذا الدين بالنفاق والتظاهر بالإسلام ، لأنه عرف هو وذووه أنه لا يمكن محاربته وجها لوجه ، ولا الوقوف في سبيله جيشا لجيش ، ومعركة بعد معركة ، فإن أسلافهم بني قريظة، وبني النضير، وبني قينقاع جربوا هذا فما رجعوا إلا خاسرين ، ومنكوبين ، فخطط هو ويهود صنعاء خطة أرسل إثرها هو ورفقته إلى المدينة، مدينة النبي صلى الله عليه وسلم ، وعاصمة الخلافة ، في عصر كان يحكم فيه صهر رسول الله ، وصاحبه ، ورضيه ، ذو النورين ، عثمان بن عفان (رضي الله عنه) فبدءوا يبسطون حبائلهم ، ويمدون أشواكهم ، منتظرين الفرص المواطئة ، ومترقبين المواقع الملائمة ، وجعلوا عليا ترسا لهم يتولونه ، ويتشيعون يه ، ويتظاهرون بحبه وولائه ، (وعلي منهم بريء ) ويبثون في نفوس المسلمين سموم الفتنة والفساد، محرضيهم على خليفة رسول الله ، عثمان الغني - رضي الله عنه - الذي ساعد الإسلام والمسلمين بماله إلى مالم يساعدهم أحد ، حتى قال له الرسول الناطق بالوحي عليه السلام حين تجهيزه جيش العسرة "ما ضر عثمان ، ما عمل بعد اليوم" (رواه أحمد والترمذي ) ، وبشره بالجنة مرات ، ومرات، وأخبره بالخلافة والشهادة.
وطفقت هذه الفئة تنشر في المسلمين عقائد تنافي عقائد الإسلام ، من أصلها، وأصولها، ولا تتفق مع دين محمد صلى الله عليه وسلم في شيء .(7/63)
ومن هناك ويومئذ كونت طائفة وفرقة في المسلمين للإضرار بالإسلام ، والدس في تعاليمه ، والنقمة عليه ، والانتقام منه ، وسمت نفسها ( الشيعة لعلي ) ولا علاقة لها به ، وقد تبرأ منهم ، وعذبهم أشد العذاب في حياته ، وأبغضهم بنوه وأولاده من بعده ، ولعنوهم ، وأبعدوهم عنهم ، ولكن خفيت الحقيقة مع امتداد الزمن ، وغابت عن المسلمين ، وفازت اليهودية بعدما وافقتها المجوسية من ناحية، والهندوسية من ناحية أخرى ، فازت في مقاصدها الخبيثة ، ومطامعها الرذيلة، وهي إبعاد أمة محمد صلى الله عليه وسلم عن رسالته التي جاء بها من الله عز وجل ، ونشر العقائد اليهودية والمجوسية وأفكارهما النجسة بينهم باسم العقائد الإسلامية (ونتيجة ذلك لا يعتقد الشيعة بالقرآن الموجود، ويظنونه محرفا ومغيرا فيه).
وقد اعترف بهذا كبار الشيعة ومؤرخوهم ، فهذا هو الكشي (هو أبو عمرو بن عمر بن عبد العزيز الكشي - من علماء القرن الرابع للشيعة ، وذكروا أن داره كانت مرتعا للشيعة ) كبير علماء التراجم المتقدمين -عندهم -الذي قالوا فيه : إنه ثقة، عين ، بصير بالأخبار والرجال ، كثير العلم ، حسن الاعتقاد ، مستقيم المذهب .
والذي قالوا في كتابه في التراجم : أهم الكتب في الرجال هي أربعة كتب ، عليها المعول ، وهي الأصول الأربعة في هذا الباب ، وأهمها ، وأقدمها ، هو"معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين المعروف برجال الكشي (انظر مقدمة "الرجال")(7/64)
يقول ذلك الكشي في هذا الكتاب : وذكر بعض أهل العلم أن عبد الله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ، ووالى عليا عليه السلام ، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصى موسى بالغلو، فقال في إسلامه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في علي مثل ذلك ، وكان أول من أشهر القول بفرض إمامة علي ، وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه ، وكفرهم ، ومن هنا قال من خالف الشيعة ، إن التشيع ، والرفض ، مأخوذ من اليهودية ( "رجال الكشي " ص 101 ط مؤسسة الأعلمى بكربلاء العراق ).
ونقل المامقاني ، إمام الجرح والتعديل ، مثل هذا عن الكشي في كتابه " تنقيح المقال " ( "تنقيح المقال " للمامقاني ، ص 184 ج 2 ط طهران ) .
ويقول النوبختي الذي يقول فيه الرجالي الشيعي الشهير النجاشي : الحسن بن موسى أبو محمد النوبختي ، المتكلم ، المبرز على نظرائه في زمانه ، قبل الثلاثمائة وبعد . انظر " الفهرست للنجاشي" ص 47 ط الهند سنة 1317ه.
النوبختي : هو أبو محمد الحسن بن موسى النوبختي من أعلام القرن الثالث للهجرة - عندهم - وورد ترجمته فى جميع كتب الجرح والتعديل عند الشيعة، وكل منهم وثقه وأثنى عليه .
وقال الطوسى : أبو محمد، متكلم ، فيلسوف ، وكان إماميا (شيعيا) حسن الاعتقاد ثقة . . . وهو من معالم العلماء ( فهرست الطوسي" ص 98 ط الهند 1835م ).
ويقول نور الله التستري : الحسن بن موسى من أكابر هذه الطائفة وعلماء هذه السلالة، وكان متكلما، فيلسوفا، إمامي الاعتقاد. انظر "مجالس المؤمنين للتستري ص 77 ط إيران نقلا عن مقدمة الكتاب .(7/65)
يقول هذا النوبختي في كتابه "فرق الشيعة" : عبد الله بن سبأ كان ممن أظهر الطعن على أبى بكر، وعمر، وعثمان ، والصحابة ، وتبرأ منهم ، وقال إن عليا عليه السلام أمره بذلك ، فأخذه علي ، فسأله عن قوله هذا ، فأقر به ، فأمر بقتله فصاح الناس إليه ، يا أمير المؤمنين ! ! أتقتل رجلا يدعو إلى حبكم ، أهل البيت ، وإلى ولايتكم ، والبراءة من أعدائكم ، فسيره (علي ) إلى المدائن (عاصمة فارس آنذاك ) ، (انظر أخي المسلم كيف كان حب علي رضي الله تعالى عنه لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورفقائه الثلاثة - الصديق والفاروق وذي النورين حتى أراد أن يقتل من يطعن فيهم !!).
وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي عليه السلام ، إن عبد الله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ، ووالى عليا عليه السلام ، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام بهذه المقالة ، فقال في إسلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في علي عليه السلام بمثل ذلك ، وهو أول من أشهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام ، وأظهر البراءة من أعدائه ، وكاشف مخالفيه ، فمن هناك قال من خالف الشيعة أن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية .
ولما بلغ عبد الله بن سبأ نعي علي بالمدائن ، قال للذي نعاه : كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة ، وأقمت على قتله سبعين عدلا، لعلمنا أنه لم يمت ، ولم يقتل ، ولا يموت حتى يملك الأرض ". انظر "فرق الشيعة" للنوبختي ص 43 و44 ط المطبعة الحيدرية بالنجف ، العراق ، سنة 1379ه - 1959م.(7/66)
وذكر مثل هذا مؤرخ شيعي في (روضة الصفا) " أن عبد الله بن سبأ توجه إلى مصر حينما علم أن مخالفيه (عثمان بن عفان ) كثيرون هناك ، فتظاهر بالعلم والتقوى، حتى افتتن الناس به ، وبعد رسوخه فيهم بدأ يروج مذهبه ومسلكه ، ومنه ، إن لكل نبي وصيا وخليفته ، فوصيُّ رسول الله وخليفته ليس إلا عليا المتحلي بالعلم ، والفتوى، والمتزين بالكرم ، والشجاعة ، والمتصف بالأمانة ، والتقي ، وقال : إن الأمة ظلمت عليا، وغصبت حقه ، حق الخلافة، والولاية، ويلزم الآن على الجميع مناصرته ومعاضدته ، وخلع طاعة عثمان وبيعته ، فتأثر كثير من المصريين بأقواله وآرائه ، وخرجوا على الخليفة عثمان ". انظر تاريخ شيعي"روضة الصفا" في اللغة الفارسية ص 292 ج 2 ط إيران .
===================================================
نقلا عن كتاب : الشيعة والسنة (ص15 -20) لإحسان إلهي ظهير - رحمه الله. بتصرف بسيط.
@@@@@@
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
ينكر الرافضة وجود عبد الله بن سبأ ويقولون إنه خيال إلى غير ذلك من الأقوال
ويستدلون على ذلك بأن جميع الروايات من طريق سيف بن عمر
مع أن سيف بن عمر ضعيف في الحديث عمدة في التاريخ كما ذكر ابن حجر
إلا إنهم يستدلون بقول ابن أبي حاتم وابن حبان لأنه يوافق أهوائهم
وتركوا قول الباقين مثل يحيى بن معين والنسائي والدارقطني وابن عدي وأبي زرعة الرازي
وهذا ليس موضوع بحثي
ولكنني سأذكر الروايات التي استطعت الحصول عليها حتى الآن من غير طريق سيف بن عمر
==============================================
عبد الله بن سبأ
يهودي من يهود اليمن ، أظهر إسلامه وطاف بلاد المسلمين ليلفتهم
عن طاعة الأئمة ويدخل بينهم الشر
الروايات(7/67)
1- أخرج أبو يعلى في مسنده ج1 ص238 ح445 قال حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء وحدثنا محمد بن الحسن الاسدي ثنا هارون بن صالح الهمداني عن الحارث بن عبدالرحمن عن أبي الجلاس قال سمعت عليا رضي الله عنه يقول لعبد الله السبائي :ويلك والله ما أفضى إليّ بشيء كتمه أحد من الناس ولقد سمعته يقول : { إن بين يدي الساعة ثلاثين كذابا } وإنك لأحدهم .
وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ج29 ص9 ، وأبي بكر بن أبي شيبة كما في المطالب العالية ج5 ص87 ح4504 ، وعبد الله بن أحمد في السنة ج2 ص565 ح1325 ، السنة لأبي عاصم ج2 ص674 ح1016
2- قال ابن عساكر ج29 ص7 أخبرنا أبو البركات الأنماري أنا أبو طاهر أحمد بن الحسن ، أبو الفضل أحمد بن الحسن قالا : أنا عبدالملك بن محمد بن عبد الله أنا أبو علي بن الصواف نا محمد بن عثمان بن أبي شيبة نا محمد بن العلاء نا أبو بكر بن عياش عن مجاهد عن الشعبي قال : أول من كذب عبد الله بن سبأ
3- قال ابن عساكر ج29 ص7 قرأنا على أبي عبد الله يحيى بن الحسن عن أبي أحمد بن الأبنوسي أنا أحمد بن عبيد بن الفضل وعن أبي نعيم محمد بن عبدالواحد بن عبدالعزيز أنا علي بن محمد بن خزفه قالا : نا محمد بن الحسن نا ابن أبي حيثمة نا محمد بن عباد نا سفيان عن عمار الدهني قال : سمعت أبا الطفيل يقول رأيت المسيب بن نجبة أتى به ملببه - يعني ابن السوداء - وعلي رضي الله عنه على المنبر فقال علي رضي الله عنه : ما شأنه قال : يكذب على الله ورسوله
ذكرها أبن حجر في اللسان ج3 ص289(7/68)
3- قال الذهلي في جزئه ص52 ح157 حدثنا محمد بن عبدوس قال ثنا محمد بن عباد ثنا سفيان ثنا عبدالجبار بن العباس الهمداني عن سلمة بن كهيل عن حجية بن عدي بن الكندي قال رأيت عليا رضي الله عنه وهو على المنبر يقول : من يعذرني في هذا الحميت الأسود الذي يكذب على الله وعلى رسوله - يعني ابن السوداء - لولا أن لا يزال تخرج علي عصابة تنعي عليّ دمه كما أدعيت عليّ أهل النهر لجعلت منه ركاما
وأخرجه ابن عساكر ج29 ص8
4- قول علي رضي الله عنه : مالي ومال هذا الحميت الأسود - يعني عبد الله بن سبأ - وكان يقع في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما
أخرجه ابن عساكر ج29 ص7 بعدة أسانيد
أ - اخبرنا أبو القاسم يحيى بن بطريق بن بشرى ، وأبو محمد عبدالكريم بن حمزة قالا : أنا أبو القاسم المؤمل بن أحمد بن محمد الشيباني نا يحيى بن محمد بن صاعد نا بندار نا محمد بن جعفر نا شعبة عن سلمة عن زيد بن وهب عن علي رضي الله عنه
ب - قال - أي المؤمل - ونا يحيى بن محمد نا بندار عن محمد بن جعفر نا شعبة عن سلمة قال : قال سمعت أبا الزعراء يحدث عن علي رضي الله عنه
ذكرها ابن حجر في اللسان ج3 ص289
ج- أخبرنا أبو محمد بن طاوس ، وأبو يعلى حمزة بن الحسن بن المفرج قالا : أنا أبو القاسم بن الغلاء ، أنا أبو محمد بن أبي نصر ، أنا حيثمة بن سليمان نا أحمد بن زهير بن حرب نا عمرو بن مرزوق أنا شعبة عن سلمة بن كهيل عن زيد قال : قال علي رضي الله عنه
ذكرها ابن حجر في اللسان ج3 ص290 عن أبي الزعراء عن زيد بن وهب أن سويد بن غفلة(7/69)
5- قال ابن عساكر ج29 ص9 أخبرنا أبو بكر أحمد بن المظفر بن الحسين بن سوسن النمار في كتابه وأخبرني أبو طاهر محمد بن عبد الله السنجي بمرو عنه أنا أبو علي شاذان نا أبو بكر محمد بن جعفر بن محمد الأدمي نا أحمد بن موسى الشطوي نا أحمد بن عبد الله بن يونس نا الأحوص عن مغيرة عن سباط قال : بلغ عليا رضي الله عنه أن ابن السوداء ينتقص أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- فدعا به ودعاء بالسيف أو قال فهم بقتله ، فتكلم فيه فقال : لا يساكني ببلد أنا فيه . قال فسير إلى المدائن
6- قال ابن عساكر ج29 ص9 أنبانا أبو بكر محمد بن طرخان بن بلتكين بن يجكم أنا أبو الفضائل محمد بن أحمد بن عبد الباقي بن طوق قال : قرئ على أبي القاسم عبيد الله بن علي بن عبيد الله الرقي أنا أبو أحمد عبيد الله بن محمد بن أبي مسلم أنا أبو عمر محمد بن عبدالواحد أخبرني الغطافي عن رجاله عن الصادق عن آبائه الطاهرين عن جابر قال : لما بويع علي رضي الله عنه خطب الناس فقام إليه عبد الله بن سبأ فقال له : أنت دابة الأرض . قال : فقال له : اتق الله . فقال له : أنت الملك . فقال له : اتق الله . فقال له : أنت خلقت الخلق وبسطت الرزق . فأمر بقتله ….الخ
هذا ماستطعت جمعه فمن كان عند مزيد من التخريج أو من الأثار فليكتبها وجزاه الله خيرا
&
رد :
اعلم أن القصد من وراء نشر هذه الحقائق إنما من أجل محاولة فتح مغالق عقول و قلوب البعض حتى يرجعوا إلى كتب أئمتهم و علمائهم فينظروا فيها و لا يتلقوا فقط ما يُراد لهم أن يتلقوه و مع الأسف الشديد فإن حال الشيعة مع علمائهم ينطبق عليهم حديث النبي صلى الله عليه و آله و سلم عندما قراء قوله تعالى " اتخذوا أحبارهم و رهبانهم أرباباً من دون الله " فقال عدي رضي الله عنه : ما عبدناهم فبين له النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنهم أحلوا لهم الحرام و حرموا عليهم الحلال فاتبعوهم فتلك هي عبدتهم إياهم .
*****(7/70)
تاريخ بلا تزييف : ابن سبأ وتأسيس فرقة الرافضة ( نشأة الرافضة ) :
نقلا عن كتاب : الشيعة والسنة (ص15 -20) لإحسان إلهي ظهير - رحمه الله.
منذ بزوغ شمس الرسالة المحمدية ، ومن أول يوم كتبت فيه صفحة التاريخ الجديد ، التاريخ الإسلامي المشرق ، احترق قلوب الكفار وأفئدة المشركين ، وبخاصة اليهود في الجزيرة العربية وفى البلاد العربية المجاورة لها ، والمجوس في إيران ، والهندوس في شبه القارة الهندية الباكستانية ، فبدأوا يكيدون للإسلام كيدا ، ويمكرون بالمسلمين مكرا ، قاصدين أن يسدوا سيل هذا النور، ويطفئوا هذه الدعوة النيرة ، فيأبى الله إلا أن يتم نوره ، كما قال في كتابه المجيد : [يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ(8)] سورة الصف .
ولكنهم مع هزيماتهم وانكساراتهم لم يتفلل حقدهم وضغينتهم ، فمازالوا داسين ، كائدين .(7/71)
وأول من دس دسَّه هم أبناء اليهودية البغيضة ، المردودة ، بعد طلوع فجر الإسلام ، دسوا في الشريعة الإسلامية باسم الإسلام ، حتى يسهل صرف أبناء المسلمين الجهلة عن عقائد الإسلام ، ومعتقداتهم الصحيحة ، الصافية ، وكان على رأس هؤلاء المكرة المنافقين ، المتظاهرين بالإسلام ، والمبطنين الكفر أشد الكفر، والنفاق ، والباغين عليه ، عبد الله بن سبأ اليهودي ، الخبيث ، - الذي أراد مزاحمة الإسلام ، ومخالفته ، والحيلولة دونه ، وقطع الطريق عليه بعد دخول الجزيرة العربية بأكملها في حوزة الإسلام وقت النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعد ما انتشر الإسلام في آفاق الأرض وأطرافها ، واكتسح مملكة الروم من جانب ، وسلطنة الفرس من جهة أخرى ، وبلغت فتوحاته من أقصى افريقيا إلى أقصى آسيا ، وبدأت تخنق راياته على سواحل أوربا وأبوابها ، وتحقق قول الله عز وجل : [وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا] سورة النور .
وبدأ علي بن أبي طالب -رضي الله عنه -يقول : << إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلة ، وهو دين الله الذي أظهره ، وجنده الذي أعده ، وأمده ، حتى بلغ ما بلغ ، وطلع حيث طلع ، ونحن على موعود من الله ، والله منجز وعده ، وناصر جنده >> "نهج البلاغة" ص 203 ط دار الكتاب اللبناني بيروت ، - 1387 - 1967 م ، قول علي لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما حينما استشاره فى الشخوص لقتال الفرس بنفسه .
وقال معلنا الحق : << فلما رأى الله صدقنا أنزل لعدونا الكبت ، وأنزل علينا النصر، حتى استقر الإسلام ملقيا جرانه ، ومتبوءا أوطانه >> "نهج البلاغة ص 92 .(7/72)
فأراد ابن سبأ هذا مزاحمة هذا الدين بالنفاق والتظاهر بالإسلام ، لأنه عرف هو وذووه أنه لا يمكن محاربته وجها لوجه ، ولا الوقوف في سبيله جيشا لجيش ، ومعركة بعد معركة ، فإن أسلافهم بني قريظة، وبني النضير، وبني قينقاع جربوا هذا فما رجعوا إلا خاسرين ، ومنكوبين ، فخطط هو ويهود صنعاء خطة أرسل إثرها هو ورفقته إلى المدينة، مدينة النبي صلى الله عليه وسلم ، وعاصمة الخلافة ، في عصر كان يحكم فيه صهر رسول الله ، وصاحبه ، ورضيه ، ذو النورين ، عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فبدءوا يبسطون حبائلهم ، ويمدون أشواكهم ، منتظرين الفرص المواطئة ، ومترقبين المواقع الملائمة ، وجعلوا عليا ترسا لهم يتولونه ، ويتشيعون يه ، ويتظاهرون بحبه وولائه ، (وعلي منهم بريء ) ويبثون في نفوس المسلمين سموم الفتنة والفساد، محرضيهم على خليفة رسول الله ، عثمان الغني - رضي الله عنه - الذي ساعد الإسلام والمسلمين بماله إلى مالم يساعدهم أحد ، حتى قال له الرسول الناطق بالوحي عليه السلام حين تجهيزه جيش العسرة "ما ضر عثمان ، ما عمل بعد اليوم " (رواه أحمد والترمذي ) ، وبشره بالجنة مرات ، ومرات، وأخبره بالخلافة والشهادة .
وطفقت هذه الفئة تنشر في المسلمين عقائد تنافي عقائد الإسلام ، من أصلها، وأصولها، ولا تتفق مع دين محمد صلى الله عليه وسلم في شيء .(7/73)
ومن هناك ويومئذ كونت طائفة وفرقة في المسلمين للإضرار بالإسلام ، والدس في تعاليمه ، والنقمة عليه ، والانتقام منه ، وسمت نفسها ( الشيعة لعلي ) ولا علاقة لها به ، وقد تبرأ منهم ، وعذبهم أشد العذاب في حياته ، وأبغضهم بنوه وأولاده من بعده ، ولعنوهم ، وأبعدوهم عنهم ، ولكن خفيت الحقيقة مع امتداد الزمن ، وغابت عن المسلمين ، وفازت اليهودية بعدما وافقتها المجوسية من ناحية، والهندوسية من ناحية أخرى ، فازت في مقاصدها الخبيثة ، ومطامعها الرذيلة، وهي إبعاد أمة محمد صلى الله عليه وسلم عن رسالته التي جاء بها من الله عز وجل ، ونشر العقائد اليهودية والمجوسية وأفكارهما النجسة بينهم باسم العقائد الإسلامية (ونتيجة ذلك لا يعتقد الشيعة بالقرآن الموجود، ويظنونه محرفا ومغيرا فيه).
وقد اعترف بهذا كبار الشيعة ومؤرخوهم ، فهذا هوالكشي (هو أبو عمرو بن عمر بن عبد العزيز الكشي - من علماء القرن الرابع للشيعة ، وذكروا أن داره كانت مرتعا للشيعة ) كبير علماء التراجم المتقدمين -عندهم -الذي قالوا فيه : إنه ثقة، عين ، بصير بالأخبار والرجال ، كثير العلم ، حسن الاعتقاد ، مستقيم ا لمذهب .
والذي قالوا في كتابه في التراجم : أهم الكتب في الرجال هي أربعة كتب ، عليها المعول ، وهي الأصول الأربعة في هذا الباب ، وأهمها ، وأقدمها ، هو"معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين المعروف برجال الكشي (انظر مقدمة " الرجال ")(7/74)
يقول ذلك الكشي في هذا الكتاب : وذكر بعض أهل العلم أن عبد الله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ، ووالى عليا عليه السلام ، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصى موسى بالغلو، فقال في إسلامه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في علي مثل ذلك ، وكان أول من أشهر القول بفرض إمامة علي ، وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه ، وكفرهم ، ومن هنا قال من خالف الشيعة ، إن التشيع ، والرفض ، مأخوذ من اليهودية ( "رجال الكشي " ص 101 ط مؤسسة الأعلمى بكربلاء العراق ).
ونقل المامقاني ، إمام الجرح والتعديل ، مثل هذا عن الكشي في كتابه " تنقيح المقال " ( "تنقيح المقال " للمامقاني ، ص 184 ج 2 ط طهران ) .
ويقول النوبختي الذي يقول فيه الرجالي الشيعي الشهير النجاشي : الحسن بن موسى أبو محمد النوبختي ، المتكلم ، المبرز على نظرائه في زمانه ، قبل الثلاثمائة وبعد . انظر " الفهرست للنجاشي" ص 47 ط الهند سنة 1317ه.
النوبختي : هو أبو محمد الحسن بن موسى النوبختي من أعلام القرن الثالث للهجرة - عندهم - وورد ترجمته فى جميع كتب الجرح والتعديل عند الشيعة، وكل منهم وثقه وأثنى عليه .
وقال الطوسى : أبو محمد، متكلم ، فيلسوف ، وكان إماميا (شيعيا) حسن الاعتقاد ثقة . . . وهو من معالم العلماء ( فهرست الطوسي" ص 98 ط الهند 1835م ).
ويقول نور الله التستري : الحسن بن موسى من أكابر هذه الطائفة وعلماء هذه السلالة، وكان متكلما، فيلسوفا، إمامي الاعتقاد. انظر "مجالس المؤمنين للتستري ص 77 ط إيران نقلا عن مقدمة الكتاب .(7/75)
يقول هذا النوبختي في كتابه "فرق الشيعة" : عبد الله بن سبأ كان ممن أظهر الطعن على أبى بكر، وعمر، وعثمان ، والصحابة ، وتبرأ منهم ، وقال إن عليا عليه السلام أمره بذلك ، فأخذه علي ، فسأله عن قوله هذا ، فأقر به ، فأمر بقتله فصاح الناس إليه ، يا أمير المؤمنين ! ! أتقتل رجلا يدعو إلى حبكم ، أهل البيت ، وإلى ولايتكم ، والبراءة من أعدائكم ، فسيره (علي ) إلى المدائن (عاصمة إيران آنذاك ) ، (انظر أخي المسلم كيف كان حب علي رضي الله تعالى عنه لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورفقائه الثلاثة - الصديق والفاروق وذي النورين حتى أراد أن يقتل من يطعن فيهم !!).
وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي عليه السلام ، إن عبد الله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ، ووالى عليا عليه السلام ، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام بهذه المقالة ، فقال في إسلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في علي عليه السلام بمثل ذلك ، وهو أول من أشهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام ، وأظهر البراءة من أعدائه ، وكاشف مخالفيه ، فمن هناك قال من خالف الشيعة أن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية .
ولما بلغ عبد الله بن سبأ نعي علي بالمدائن ، قال للذي نعاه : كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة ، وأقمت على قتله سبعين عدلا، لعلمنا أنه لم يمت ، ولم يقتل ، ولا يموت حتى يملك الأرض ". انظر "فرق الشيعة" للنوبختي ص 43 و44 ط المطبعة الحيدرية بالنجف ، العراق ، سنة 1379ه - 1959م.(7/76)
وذكر مثل هذا مؤرخ شيعي في (روضة الصفا) " أن عبد الله بن سبأ توجه إلى مصر حينما علم أن مخالفيه (عثمان بن عفان ) كثيرون هناك ، فتظاهر بالعلم والتقوى، حتى افتتن الناس به ، وبعد رسوخه فيهم بدأ يروج مذهبه ومسلكه ، ومنه ، إن لكل نبي وصيا وخليفته ، فوصيُّ رسول الله وخليفته ليس إلا عليا المتحلي بالعلم ، والفتوى، والمتزين بالكرم ، والشجاعة ، والمتصف بالأمانة ، والتقي ، وقال : إن الأمة ظلمت عليا، وغصبت حقه ، حق الخلافة، والولاية، ويلزم الآن على الجميع مناصرته ومعاضدته ، وخلع طاعة عثمان وبيعته ، فتأثر كثير من المصريين بأقواله وآرائه ، وخرجوا على الخليفة عثمان ". انظر تاريخ شيعي"روضة الصفا" في اللغة الفارسية ص 292 ج 2 ط إيران .
@@@@@
عبد الله بن سبأ .. هل هو حقيقة تاريخية أم من بنات أفكار الخيال ؟
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ينكر الرافضة وجود عبد الله بن سبأ ويقولون إنه خيال إلى غير ذلك من الأقوال ويستدلون على ذلك بأن جميع الروايات من طريق سيف بن عمر مع أن سيف بن عمر ضعيف في الحديث عمدة في التاريخ كما ذكر ابن حجر إلا إنهم يستدلون بقول ابن أبي حاتم وابن حبان لأنه يوافق أهوائهم وتركوا قول الباقين مثل يحيى بن معين والنسائي والدارقطني وابن عدي وأبي زرعة الرازي
وهذا ليس موضوع بحثي ولكنني سأذكر الروايات التي استطعت الحصول عليها حتى الآن من غير طريق سيف بن عمر
==========
عبد الله بن سبأ يهودي من يهود اليمن ، أظهر إسلامه وطاف بلاد المسلمين ليلفتهم عن طاعة الأئمة ويدخل بينهم الشر(7/77)
الروايات 1- أخرج أبو يعلى في مسنده ج1 ص238 ح445 قال حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء وحدثنا محمد بن الحسن الاسدي ثنا هارون بن صالح الهمداني عن الحارث بن عبدالرحمن عن أبي الجلاس قال سمعت عليا رضي الله عنه يقول لعبد الله السبائي :ويلك والله ما أفضى إليّ بشيء كتمه أحد من الناس ولقد سمعته يقول : { إن بين يدي الساعة ثلاثين كذابا } وإنك لأحدهم . وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ج29 ص9 ، وأبي بكر بن أبي شيبة كما في المطالب العالية ج5 ص87 ح4504 ، وعبد الله بن أحمد في السنة ج2 ص565 ح1325 ، السنة لأبي عاصم ج2 ص674 ح1016
2- قال ابن عساكر ج29 ص7 أخبرنا أبو البركات الأنماري أنا أبو طاهر أحمد بن الحسن ، أبو الفضل أحمد بن الحسن قالا : أنا عبدالملك بن محمد بن عبد الله أنا أبو علي بن الصواف نا محمد بن عثمان بن أبي شيبة نا محمد بن العلاء نا أبو بكر بن عياش عن مجاهد عن الشعبي قال : أول من كذب عبد الله بن سبأ
3- قال ابن عساكر ج29 ص7 قرأنا على أبي عبد الله يحيى بن الحسن عن أبي أحمد بن الأبنوسي أنا أحمد بن عبيد بن الفضل وعن أبي نعيم محمد بن عبدالواحد بن عبدالعزيز أنا علي بن محمد بن خزفه قالا : نا محمد بن الحسن نا ابن أبي حيثمة نا محمد بن عباد نا سفيان عن عمار الدهني قال : سمعت أبا الطفيل يقول رأيت المسيب بن نجبة أتى به ملببه - يعني ابن السوداء - وعلي رضي الله عنه على المنبر فقال علي رضي الله عنه : ما شأنه قال : يكذب على الله ورسوله ذكرها أبن حجر في اللسان ج3 ص289(7/78)
3- قال الذهلي في جزئه ص52 ح157 حدثنا محمد بن عبدوس قال ثنا محمد بن عباد ثنا سفيان ثنا عبدالجبار بن العباس الهمداني عن سلمة بن كهيل عن حجية بن عدي بن الكندي قال رأيت عليا رضي الله عنه وهو على المنبر يقول : من يعذرني في هذا الحميت الأسود الذي يكذب على الله وعلى رسوله - يعني ابن السوداء - لولا أن لا يزال تخرج علي عصابة تنعي عليّ دمه كما أدعيت عليّ أهل النهر لجعلت منه ركاما وأخرجه ابن عساكر ج29 ص8
4- قول علي رضي الله عنه : مالي ومال هذا الحميت الأسود - يعني عبد الله بن سبأ - وكان يقع في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أخرجه ابن عساكر ج29 ص7 بعدة أسانيد أ - اخبرنا أبو القاسم يحيى بن بطريق بن بشرى ، وأبو محمد عبدالكريم بن حمزة قالا : أنا أبو القاسم المؤمل بن أحمد بن محمد الشيباني نا يحيى بن محمد بن صاعد نا بندار نا محمد بن جعفر نا شعبة عن سلمة عن زيد بن وهب عن علي رضي الله عنه ب - قال - أي المؤمل - ونا يحيى بن محمد نا بندار عن محمد بن جعفر نا شعبة عن سلمة قال : قال سمعت أبا الزعراء يحدث عن علي رضي الله عنه ذكرها ابن حجر في اللسان ج3 ص289 ج- أخبرنا أبو محمد بن طاوس ، وأبو يعلى حمزة بن الحسن بن المفرج قالا : أنا أبو القاسم بن الغلاء ، أنا أبو محمد بن أبي نصر ، أنا حيثمة بن سليمان نا أحمد بن زهير بن حرب نا عمرو بن مرزوق أنا شعبة عن سلمة بن كهيل عن زيد قال : قال علي رضي الله عنه ذكرها ابن حجر في اللسان ج3 ص290 عن أبي الزعراء عن زيد بن وهب أن سويد بن غفلة(7/79)
5- قال ابن عساكر ج29 ص9 أخبرنا أبو بكر أحمد بن المظفر بن الحسين بن سوسن النمار في كتابه وأخبرني أبو طاهر محمد بن عبد الله السنجي بمرو عنه أنا أبو علي شاذان نا أبو بكر محمد بن جعفر بن محمد الأدمي نا أحمد بن موسى الشطوي نا أحمد بن عبد الله بن يونس نا الأحوص عن مغيرة عن سباط قال : بلغ عليا رضي الله عنه أن ابن السوداء ينتقص أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- فدعا به ودعاء بالسيف أو قال فهم بقتله ، فتكلم فيه فقال : لا يساكني ببلد أنا فيه . قال فسير إلى المدائن
6- قال ابن عساكر ج29 ص9 أنبانا أبو بكر محمد بن طرخان بن بلتكين بن يجكم أنا أبو الفضائل محمد بن أحمد بن عبد الباقي بن طوق قال : قرئ على أبي القاسم عبيد الله بن علي بن عبيد الله الرقي أنا أبو أحمد عبيد الله بن محمد بن أبي مسلم أنا أبو عمر محمد بن عبدالواحد أخبرني الغطافي عن رجاله عن الصادق عن آبائه الطاهرين عن جابر قال : لما بويع علي رضي الله عنه خطب الناس فقام إليه عبد الله بن سبأ فقال له : أنت دابة الأرض . قال : فقال له : اتق الله . فقال له : أنت الملك . فقال له : اتق الله . فقال له : أنت خلقت الخلق وبسطت الرزق . فأمر بقتله ….الخ هذا ماستطعت جمعه فمن كان عند مزيد من التخريج أو من الأثار فليكتبها وجزاه الله خيرا انتهى كلامه وفقه الله
------------------
منقول
سيف بن عمر التميمي .. روائي من الدرجة الأولى وإن كان أصحاب الحديث لا يأخذون بروايته في الحديث ويعتبرونه (متروكاً) لكنه مؤرخ كبير وبه عصبية ظاهرة لقومه - بني تميم- وبه لمسة تشيع ولذا لا يمكن أن نعتبر أنه أراد تلفيق روايات عن إبن سبأ ليضر الشيعة ولكنها الحقيقة.
ووجود عبد الله بن سبأ في الناريخ عند أهل الحديث(السنة) وعند الشيعة يجعل من المستحيل القول بأنه شخصية خيالية.
منقول(7/80)
أردت من خلال هذه الموضوع المختصر تنبيه كل مسلم من الوقوع في شراك فرقة الرافضة ( أو الشيعة = شيعة عبد الله بن سبأ = شيعة اليهود والنصارى = شيعة كل أعداء الإسلام = شيعة الشيطان ) الذين يتسترون بحب علي وآل البيت - رضي الله عنهم أجمعين - وهم منهم برآء .
واعلم أن الديانة الرافضية المجوسية (دين الشيعة) هي ديانة قائمة ومستقلة بذاتها ومخالفة للدين الإسلامي في الأصول والفروع و العقائد والفقه والمواريث وهي تتخفى في كل زمان ومكان تحت ستار الشيعة ، فالرافضة هم المجوس الذين دخلوا الإسلام لتدميره من الداخل بدعوى حب علي وحب آل البيت رضي الله تعالى عنهم أجمعين لأنهم يستعملون هذه الدعوة كورقة رابحة تجد رواجا لدى جميع الناس وخاصة عند العامة. وهم أتباع وشيعة عبد الله ابن سبإ اليهودي اليمني الذي دخل الإسلام نفاقا ونجح في أن يؤسس الديانة الرافضية المجوسية.
إن الشيعة والتشيع مثلها مثل اليهودية والمجوسية ، وجدت لتكون مؤامرة تعمل على تخريب الإسلام من الداخل ولتوجد الإختلاف والشقاق بين المسلمين، ولما فشلت هاتان الحركتان في وقف زحف مسيرة الدعوة الإسلامية التي مضت كالبرق بدأت الشيعة تقلد مسيحية بولس الذي تبنى المسيحية ليحرفها، وقد نجح في تخريب دين الحق الذي جاء به عيسى بن مريم على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأزكى التسليمات، لذلك نجد المسيحية الحالية نتيجة لهذا التخريب. وأساس الشيعة وخاصة المذهب الإثني عشري قائم على الإمامة، وهذا ما يعرفه أهل السنة بإجمال وإبهام، ودرجة الإمامة والأئمة، وسلطات الأئمة بالشكل الذي يجعل الإمامة مركبة من الألوهية والنبوة، والأئمة الذين يحملون هذا المنصب إنما يجمعون بين الصفات الإلهية والسلطات الإلهية وبين مقام النبوة أي أن عقيدة الإمامة تعنى بمفهوم آخر الحلول محل عقيدة التوحيد والإيمان بالنبي الخاتم.
-------------------(7/81)
اعلم أن القصد من وراء نشر هذه الحقائق إنما من أجل محاولة فتح مغالق عقول و قلوب البعض حتى يرجعوا إلى كتب أئمتهم و علمائهم فينظروا فيها و لا يتلقوا فقط ما يُراد لهم أن يتلقوه و مع الأسف الشديد فإن حال الشيعة مع علمائهم ينطبق عليهم حديث النبي صلى الله عليه و آله و سلم عندما قراء قوله تعالى " اتخذوا أحبارهم و رهبانهم أرباباً من دون الله " فقال عدي رضي الله عنه : ما عبدناهم فبين له النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنهم أحلوا لهم الحرام و حرموا عليهم الحلال فاتبعوهم فتلك هي عبدتهم إياهم .
تاريخ بلا تزييف : ابن سبأ وتأسيس فرقة الرافضة ( نشأة الرافضة ) :
نقلا عن كتاب : الشيعة والسنة (ص15 -20) لإحسان إلهي ظهير - رحمه الله.
منذ بزوغ شمس الرسالة المحمدية ، ومن أول يوم كتبت فيه صفحة التاريخ الجديد ، التاريخ الإسلامي المشرق ، احترق قلوب الكفار وأفئدة المشركين ، وبخاصة اليهود في الجزيرة العربية وفى البلاد العربية المجاورة لها ، والمجوس في إيران ، والهندوس في شبه القارة الهندية الباكستانية ، فبدأوا يكيدون للإسلام كيدا ، ويمكرون بالمسلمين مكرا ، قاصدين أن يسدوا سيل هذا النور، ويطفئوا هذه الدعوة النيرة ، فيأبى الله إلا أن يتم نوره ، كما قال في كتابه المجيد : [يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ(8)] سورة الصف .(7/82)
ولكنهم مع هزيماتهم وانكساراتهم لم يتفلل حقدهم وضغينتهم ، فمازالوا داسين ، كائدين . وأول من دس دسَّه هم أبناء اليهودية البغيضة ، المردودة ، بعد طلوع فجر الإسلام ، دسوا في الشريعة الإسلامية باسم الإسلام ، حتى يسهل صرف أبناء المسلمين الجهلة عن عقائد الإسلام ، ومعتقداتهم الصحيحة ، الصافية ، وكان على رأس هؤلاء المكرة المنافقين ، المتظاهرين بالإسلام ، والمبطنين الكفر أشد الكفر، والنفاق ، والباغين عليه ، عبد الله بن سبأ اليهودي ، الخبيث ، - الذي أراد مزاحمة الإسلام ، ومخالفته ، والحيلولة دونه ، وقطع الطريق عليه بعد دخول الجزيرة العربية بأكملها في حوزة الإسلام وقت النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعد ما انتشر الإسلام في آفاق الأرض وأطرافها ، واكتسح مملكة الروم من جانب ، وسلطنة الفرس من جهة أخرى ، وبلغت فتوحاته من أقصى افريقيا إلى أقصى آسيا ، وبدأت تخنق راياته على سواحل أوربا وأبوابها ، وتحقق قول الله عز وجل : [وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا] سورة النور .
وبدأ علي بن أبي طالب -رضي الله عنه -يقول : << إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلة ، وهو دين الله الذي أظهره ، وجنده الذي أعده ، وأمده ، حتى بلغ ما بلغ ، وطلع حيث طلع ، ونحن على موعود من الله ، والله منجز وعده ، وناصر جنده >> "نهج البلاغة" ص 203 ط دار الكتاب اللبناني بيروت ، - 1387 - 1967 م ، قول علي لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما حينما استشاره فى الشخوص لقتال الفرس بنفسه .(7/83)
وقال معلنا الحق : << فلما رأى الله صدقنا أنزل لعدونا الكبت ، وأنزل علينا النصر، حتى استقر الإسلام ملقيا جرانه ، ومتبوءا أوطانه >> "نهج البلاغة ص 92 .
فأراد ابن سبأ هذا مزاحمة هذا الدين بالنفاق والتظاهر بالإسلام ، لأنه عرف هو وذووه أنه لا يمكن محاربته وجها لوجه ، ولا الوقوف في سبيله جيشا لجيش ، ومعركة بعد معركة ، فإن أسلافهم بني قريظة، وبني النضير، وبني قينقاع جربوا هذا فما رجعوا إلا خاسرين ، ومنكوبين ، فخطط هو ويهود صنعاء خطة أرسل إثرها هو ورفقته إلى المدينة، مدينة النبي صلى الله عليه وسلم ، وعاصمة الخلافة ، في عصر كان يحكم فيه صهر رسول الله ، وصاحبه ، ورضيه ، ذو النورين ، عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فبدءوا يبسطون حبائلهم ، ويمدون أشواكهم ، منتظرين الفرص المواطئة ، ومترقبين المواقع الملائمة ، وجعلوا عليا ترسا لهم يتولونه ، ويتشيعون يه ، ويتظاهرون بحبه وولائه ، (وعلي منهم بريء ) ويبثون في نفوس المسلمين سموم الفتنة والفساد، محرضيهم على خليفة رسول الله ، عثمان الغني - رضي الله عنه - الذي ساعد الإسلام والمسلمين بماله إلى مالم يساعدهم أحد ، حتى قال له الرسول الناطق بالوحي عليه السلام حين تجهيزه جيش العسرة "ما ضر عثمان ، ما عمل بعد اليوم " (رواه أحمد والترمذي ) ، وبشره بالجنة مرات ، ومرات، وأخبره بالخلافة والشهادة .
وطفقت هذه الفئة تنشر في المسلمين عقائد تنافي عقائد الإسلام ، من أصلها، وأصولها، ولا تتفق مع دين محمد صلى الله عليه وسلم في شيء .(7/84)
ومن هناك ويومئذ كونت طائفة وفرقة في المسلمين للإضرار بالإسلام ، والدس في تعاليمه ، والنقمة عليه ، والانتقام منه ، وسمت نفسها ( الشيعة لعلي ) ولا علاقة لها به ، وقد تبرأ منهم ، وعذبهم أشد العذاب في حياته ، وأبغضهم بنوه وأولاده من بعده ، ولعنوهم ، وأبعدوهم عنهم ، ولكن خفيت الحقيقة مع امتداد الزمن ، وغابت عن المسلمين ، وفازت اليهودية بعدما وافقتها المجوسية من ناحية، والهندوسية من ناحية أخرى ، فازت في مقاصدها الخبيثة ، ومطامعها الرذيلة، وهي إبعاد أمة محمد صلى الله عليه وسلم عن رسالته التي جاء بها من الله عز وجل ، ونشر العقائد اليهودية والمجوسية وأفكارهما النجسة بينهم باسم العقائد الإسلامية (ونتيجة ذلك لا يعتقد الشيعة بالقرآن الموجود، ويظنونه محرفا ومغيرا فيه).
وقد اعترف بهذا كبار الشيعة ومؤرخوهم ، فهذا هو الكشي (هو أبو عمرو بن عمر بن عبد العزيز الكشي - من علماء القرن الرابع للشيعة ، وذكروا أن داره كانت مرتعا للشيعة ) كبير علماء التراجم المتقدمين -عندهم -الذي قالوا فيه : إنه ثقة، عين ، بصير بالأخبار والرجال ، كثير العلم ، حسن الاعتقاد ، مستقيم ا لمذهب .
والذي قالوا في كتابه في التراجم : أهم الكتب في الرجال هي أربعة كتب ، عليها المعول ، وهي الأصول الأربعة في هذا الباب ، وأهمها ، وأقدمها ، هو"معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين المعروف برجال الكشي (انظر مقدمة " الرجال ")(7/85)
يقول ذلك الكشي في هذا الكتاب : وذكر بعض أهل العلم أن عبد الله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ، ووالى عليا عليه السلام ، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصى موسى بالغلو، فقال في إسلامه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في علي مثل ذلك ، وكان أول من أشهر القول بفرض إمامة علي ، وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه ، وكفرهم ، ومن هنا قال من خالف الشيعة ، إن التشيع ، والرفض ، مأخوذ من اليهودية ( "رجال الكشي " ص 101 ط مؤسسة الأعلمى بكربلاء العراق ).
ونقل المامقاني ، إمام الجرح والتعديل ، مثل هذا عن الكشي في كتابه " تنقيح المقال " ( "تنقيح المقال " للمامقاني ، ص 184 ج 2 ط طهران ) .
ويقول النوبختي الذي يقول فيه الرجالي الشيعي الشهير النجاشي : الحسن بن موسى أبو محمد النوبختي ، المتكلم ، المبرز على نظرائه في زمانه ، قبل الثلاثمائة وبعد . انظر " الفهرست للنجاشي" ص 47 ط الهند سنة 1317ه.
النوبختي : هو أبو محمد الحسن بن موسى النوبختي من أعلام القرن الثالث للهجرة - عندهم - وورد ترجمته فى جميع كتب الجرح والتعديل عند الشيعة، وكل منهم وثقه وأثنى عليه .
وقال الطوسى : أبو محمد، متكلم ، فيلسوف ، وكان إماميا (شيعيا) حسن الاعتقاد ثقة . . . وهو من معالم العلماء ( فهرست الطوسي" ص 98 ط الهند 1835م ).
ويقول نور الله التستري : الحسن بن موسى من أكابر هذه الطائفة وعلماء هذه السلالة، وكان متكلما، فيلسوفا، إمامي الاعتقاد. انظر "مجالس المؤمنين للتستري ص 77 ط إيران نقلا عن مقدمة الكتاب .(7/86)
يقول هذا النوبختي في كتابه "فرق الشيعة" : عبد الله بن سبأ كان ممن أظهر الطعن على أبى بكر، وعمر، وعثمان ، والصحابة ، وتبرأ منهم ، وقال إن عليا عليه السلام أمره بذلك ، فأخذه علي ، فسأله عن قوله هذا ، فأقر به ، فأمر بقتله فصاح الناس إليه ، يا أمير المؤمنين ! ! أتقتل رجلا يدعو إلى حبكم ، أهل البيت ، وإلى ولايتكم ، والبراءة من أعدائكم ، فسيره (علي ) إلى المدائن (عاصمة إيران آنذاك ) ، (انظر أخي المسلم كيف كان حب علي رضي الله تعالى عنه لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورفقائه الثلاثة - الصديق والفاروق وذي النورين حتى أراد أن يقتل من يطعن فيهم !!).
وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي عليه السلام ، إن عبد الله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ، ووالى عليا عليه السلام ، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام بهذه المقالة ، فقال في إسلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في علي عليه السلام بمثل ذلك ، وهو أول من أشهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام ، وأظهر البراءة من أعدائه ، وكاشف مخالفيه ، فمن هناك قال من خالف الشيعة أن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية .
ولما بلغ عبد الله بن سبأ نعي علي بالمدائن ، قال للذي نعاه : كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة ، وأقمت على قتله سبعين عدلا، لعلمنا أنه لم يمت ، ولم يقتل ، ولا يموت حتى يملك الأرض ". انظر "فرق الشيعة" للنوبختي ص 43 و44 ط المطبعة الحيدرية بالنجف ، العراق ، سنة 1379ه - 1959م.(7/87)
وذكر مثل هذا مؤرخ شيعي في (روضة الصفا) " أن عبد الله بن سبأ توجه إلى مصر حينما علم أن مخالفيه (عثمان بن عفان ) كثيرون هناك ، فتظاهر بالعلم والتقوى، حتى افتتن الناس به ، وبعد رسوخه فيهم بدأ يروج مذهبه ومسلكه ، ومنه ، إن لكل نبي وصيا وخليفته ، فوصيُّ رسول الله وخليفته ليس إلا عليا المتحلي بالعلم ، والفتوى، والمتزين بالكرم ، والشجاعة ، والمتصف بالأمانة ، والتقي ، وقال : إن الأمة ظلمت عليا، وغصبت حقه ، حق الخلافة، والولاية، ويلزم الآن على الجميع مناصرته ومعاضدته ، وخلع طاعة عثمان وبيعته ، فتأثر كثير من المصريين بأقواله وآرائه ، وخرجوا على الخليفة عثمان ". انظر تاريخ شيعي"روضة الصفا" في اللغة الفارسية ص 292 ج 2 ط إيران .
====================
و لمن أراد المزيد لمعرفة الرافضة وأصلهم وكيف أن الديانة الرافضية هي وليدة عدة ديانات منها : الديانة المجوسية والديانة اليهودية والنصرانية و…..، فعليه باقتناء بعض الكتب التي تفضحهم منها:
-> كتاب الشيعة والسنة للشيخ إحسان إلهي ظهير ( وقد قتل هذا الشيخ -رحمه الله تعالى - على يدي الشيعة في باكستان ، ويعد أكبر مفكر إسلامي متخصص في فهم المذهب الشيعي ، وفي مناقشته من مصادره الأساسية بالعلم الرصين وبالحقيقة القرآنية الناصعة التي لا تقبل جدلا ولا مساومة ) . وله كذلك أشرطة سمعية يوضح فيها عقائدهم.
è وجاء دور المجوس :للدكتور عبد الله محمد العريب ؛ وهو عبارة عن دراسة في : 1) تاريخ إيران قبل الإسلام :إيران قبل الإسلام ، موقف الفرس من الإسلام ، مؤامرات الفرس بعد الفتح الإسلامي ( اغتيال الفاروق - تشيع الماجوس لأهل البيت - البرامكة - دويلاتهم منذ القرن الثالث - القرامطة -البويهيون - العبيديون - عودتهم منجديد - الصفوييون - البهائية - النصيرية - الدروز - إيران في عهد آل بهلوي ).(7/88)
2) عقائد الشيعة بين القديم والحديث( خلافنا مع الرافضة في أصول الدين وفروعه… ، شيعة اليوم أخطر على الإسلام من شيعة الأمس ، الخميني زعيم شيعي متعصب لمذهبه حقائق عن الخميني: الخميني والقرآن، الخميني والصحابة…… ).
3) الثورة الإيرانية في بعدها السياسي.
-> كتب لمحب الدين الخطيب: الخطوط العريضة ، حاشية المنتقى من منهاج الإعتدال ، خاشية العواصم من القواصم . -> فجر الإسلام : أحمد أمين. -> الإسلام الصحيح : للشيخ محمد إسعاف النشاشيبي. -> تبديد الظلام وتنبيه النيام : للشيخ ابراهيم السليمان الجبهان ( كشف عن مجوسية الرافضة وبعدهم عن الإسلام ). -> الدكتور محمد رشاد سالم الذي عني بتحقيق منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية فوضع له مقدمة سجل فيها آراء مهمة عن التشيع وغلو الرافضة الإمامية. -> الثورة الإيرانية في ميزان الإسلام للشيخ محمد منظور نعماني - كبير علماء الهند ( ترجمة د.سمير عبد الحميد ابراهيم ).
http://www.fnoor.com/fn0094.htm(7/89)
محمد الحسين كاشف الغطاء يميل العالم الشيعي العراقي محمد الحسين كاشف الغطاء إلى القول بإنكار وجود عبدا لله بن سبأ ويري أن عبدا لله بن سبأ ليس إلا خرافة وضعها أصحاب السمر والمجون في أيام الدولتين الأموية والعباسية والغريب أن يذكر ذلك بعد اعترافة أن كتب الشيعة القديمة قد ترجمت لعبدا لله بن سبأ وأنها كانت تلعنه. يقول(أما عبد الله بن سبأ الذي يلصقونه بالشيعة أو يلصقونه الشيعة به فهذه كتب الشيعة بأجمعها تعلن بلعنة والبراء منة وأخف كلمة تقولها كتب الشيعة في حقه ويكتفون بها عن ترجمة حالة عند ذكره فلا العين هكذا:عبدا لله بن سبأ ألعن من أن يذكر انظر رجال أبي علي وغيره. 2-مرتضي العسكري: وهو من أكثر الشيعة المعاصرين حماسا واهتماما بقضية عبدا لله بن سبأ وهو يري أن عبدا لله بن سبأ ليس غلا أسطورة اختلقها سيف بن عمر وأخذها عنة ابن جرير الطبري. وقد قام العسكري بتأليف كتاب عن عبدا لله بن سبأسماه(عبدا لله بن سبأ وأساطير أخرى)وهذا الكتاب يتكون من مجلدين يقع المجلد الأول في صفحة(340) صفحة(426) صفحة من الحجم المتوسط. تحدث في المجلد الأول عن عبدا لله بن سبأ على انه أسطورة مختلقة ثم تحدث عن منشأ الأسطورة بزعمه فذكر بعضا من كتابات المحدثين عن عبدا لله من المسلمين ومستشرقين وزعم أن الجميع عن الطبري سواء صرحوا بذلك أم لم يصرحوا وذكر أن الطبري إنما أخذ عن سيف بت عمر الذي يعده العسكري مختلق هذه الأسطورة. المثبتون وجود ابن سبأ من علماء الشيعة: 1-الناشئ الأكبر(293) ذكر الناشئ الأكبر عبدا لله بن سبا في ضمن حديثة عن فرقة السبئية فقال وفرقة زعموا أن عليا علية السلام حي لم يمت وأنة لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه وهؤلاء هم السبئية أصحاب عبدا لله بن سبأ وكان ابن سبأ رجلا من أهل صنعاء يهوديا. 2-الأشعري القمي(301) تحدث عن السبئية وابن سبأ في كتاب المقالات والفرق فقال هذه الفرقة تسمى السبئية أصحاب عبدا لله ابن سبأ(7/90)
وهو عبدا لله بن وهب الراسبي الهمدانى وساعده على ذلك عبدا لله بن حرسي وابن أسود وهما من أجله أصحابة وكان أول من أظهر الطعن على أبو بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبراء منهم). 3-النوبختى(من أعلام القرن الثالث) تحدث عن ما أحدثه ابن سبأ :من القول بفرض إمامة علي بن أبي طالب ثم قال وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي علية السلام أن عبدا لله ابن سبأ كان يهوديا فأسلم ووالى عليا علية السلام وكان يقول وهو على يهوديتة في يوشع بن نون بعد موسى علية السلام بهذه المقالة فقال في إسلامه بعد وفاة النبي صلى الله علية وسلم في علي علية السلام بمثل ذلك. أعتقد يكفى هذا لاتنكرون عدم وجود ابن سبأ يا أحفاده أنتم.؟ المرجع: 1-أنساب الأشراف 2-البيان والتبين. 3-تاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة 4-تاريخ مدينة دمشق 5-تاريخ الطبري 6-مختصر التحفة الأثني عشرية 7-الصراع بين الإسلام والوثنية 8-من لا يحضره الفقيه. 9-الخوارج والشيعة هذه حجة عليكم يوم القيامة يا مجوس الأمة. كتبة:قامع البدعة.
-------------
منقول
هو المؤسس الأول
للغلو في الامام علي رضي الله عنه(7/91)
فأراد ابن سبأ هذا مزاحمة هذا الدين بالنفاق والتظاهر بالإسلام ، لأنه عرف هو وذووه أنه لا يمكن محاربته وجها لوجه ، ولا الوقوف في سبيله جيشا لجيش ، ومعركة بعد معركة ، فإن أسلافهم بني قريظة، وبني النضير، وبني قينقاع جربوا هذا فما رجعوا إلا خاسرين ، ومنكوبين ، فخطط هو ويهود صنعاء خطة أرسل إثرها هو ورفقته إلى المدينة، مدينة النبي صلى الله عليه وسلم ، وعاصمة الخلافة ، في عصر كان يحكم فيه صهر رسول الله ، وصاحبه ، ورضيه ، ذو النورين ، عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فبدءوا يبسطون حبائلهم ، ويمدون أشواكهم ، منتظرين الفرص المواطئة ، ومترقبين المواقع الملائمة ، وجعلوا عليا ترسا لهم يتولونه ، ويتشيعون يه ، ويتظاهرون بحبه وولائه ، (وعلي منهم بريء ) ويبثون في نفوس المسلمين سموم الفتنة والفساد، محرضيهم على خليفة رسول الله ، عثمان الغني - رضي الله عنه - الذي ساعد الإسلام والمسلمين بماله إلى مالم يساعدهم أحد ، حتى قال له الرسول الناطق بالوحي عليه السلام حين تجهيزه جيش العسرة "ما ضر عثمان ، ما عمل بعد اليوم " (رواه أحمد والترمذي ) ، وبشره بالجنة مرات ، ومرات، وأخبره بالخلافة والشهادة .(7/92)
وطفقت هذه الفئة تنشر في المسلمين عقائد تنافي عقائد الإسلام ، من أصلها، وأصولها، ولا تتفق مع دين محمد صلى الله عليه وسلم في شيء . ومن هناك ويومئذ كونت طائفة وفرقة في المسلمين للإضرار بالإسلام ، والدس في تعاليمه ، والنقمة عليه ، والانتقام منه ، وسمت نفسها ( الشيعة لعلي ) ولا علاقة لها به ، وقد تبرأ منهم ، وعذبهم أشد العذاب في حياته ، وأبغضهم بنوه وأولاده من بعده ، ولعنوهم ، وأبعدوهم عنهم ، ولكن خفيت الحقيقة مع امتداد الزمن ، وغابت عن المسلمين ، وفازت اليهودية بعدما وافقتها المجوسية من ناحية، والهندوسية من ناحية أخرى ، فازت في مقاصدها الخبيثة ، ومطامعها الرذيلة، وهي إبعاد أمة محمد صلى الله عليه وسلم عن رسالته التي جاء بها من الله عز وجل ، ونشر العقائد اليهودية والمجوسية وأفكارهما النجسة بينهم باسم العقائد الإسلامية (ونتيجة ذلك لا يعتقد الشيعة بالقرآن الموجود، ويظنونه محرفا ومغيرا فيه).
وقد اعترف بهذا كبار الشيعة ومؤرخوهم ، فهذا هو الكشي (هو أبو عمرو بن عمر بن عبد العزيز الكشي - من علماء القرن الرابع للشيعة ، وذكروا أن داره كانت مرتعا للشيعة ) كبير علماء التراجم المتقدمين -عندهم -الذي قالوا فيه : إنه ثقة، عين ، بصير بالأخبار والرجال ، كثير العلم ، حسن الاعتقاد ، مستقيم المذهب .
والذي قالوا في كتابه في التراجم : أهم الكتب في الرجال هي أربعة كتب ، عليها المعول ، وهي الأصول الأربعة في هذا الباب ، وأهمها ، وأقدمها ، هو"معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين المعروف برجال الكشي (انظر مقدمة " الرجال ")(7/93)
يقول ذلك الكشي في هذا الكتاب : وذكر بعض أهل العلم أن عبد الله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ، ووالى عليا عليه السلام ، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصى موسى بالغلو، فقال في إسلامه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في علي مثل ذلك ، وكان أول من أشهر القول بفرض إمامة علي ، وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه ، وكفرهم ، ومن هنا قال من خالف الشيعة ، إن التشيع ، والرفض ، مأخوذ من اليهودية ( "رجال الكشي " ص 101 ط مؤسسة الأعلمى بكربلاء العراق ). ونقل المامقاني ، إمام الجرح والتعديل ، مثل هذا عن الكشي في كتابه " تنقيح المقال " ( "تنقيح المقال " للمامقاني ، ص 184 ج 2 ط طهران ) .
ويقول النوبختي الذي يقول فيه الرجالي الشيعي الشهير النجاشي : الحسن بن موسى أبو محمد النوبختي ، المتكلم ، المبرز على نظرائه في زمانه ، قبل الثلاثمائة وبعد . انظر " الفهرست للنجاشي" ص 47 ط الهند سنة 1317هـ.
النوبختي : هو أبو محمد الحسن بن موسى النوبختي من أعلام القرن الثالث للهجرة - عندهم - وورد ترجمته فى جميع كتب الجرح والتعديل عند الشيعة، وكل منهم وثقه وأثنى عليه .
وقال الطوسى : أبو محمد، متكلم ، فيلسوف ، وكان إماميا (شيعيا) حسن الاعتقاد ثقة . . . وهو من معالم العلماء ( فهرست الطوسي" ص 98 ط الهند 1835م ).
ويقول نور الله التستري : الحسن بن موسى من أكابر هذه الطائفة وعلماء هذه السلالة، وكان متكلما، فيلسوفا، إمامي الاعتقاد. انظر "مجالس المؤمنين للتستري ص 77 ط إيران نقلا عن مقدمة الكتاب .
يقول هذا النوبختي في كتابه"فرق الشيعة" : عبد الله بن سبأ كان ممن أظهر الطعن على أبى بكر، وعمر، وعثمان ، والصحابة ، وتبرأ منهم ، وقال إن عليا عليه السلام أمره بذلك وهذا مايفعله شيعه اليوم يتبرأون من الشيخين ( شريط ياسر الحبيب للتوضيح )(7/94)
، فأخذه علي ، فسأله عن قوله هذا ، فأقر به ، فأمر بقتله فصاح الناس إليه ، يا أمير المؤمنين ! ! أتقتل رجلا يدعو إلى حبكم ، أهل البيت ، وإلى ولايتكم ، والبراءة من أعدائكم ، فسيره (علي ) إلى المدائن (عاصمة إيران آنذاك ) ، (انظر أخي المسلم كيف كان حب علي رضي الله تعالى عنه لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورفقائه الثلاثة - الصديق والفاروق وذي النورين حتى أراد أن يقتل من يطعن فيهم !!).
وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي عليه السلام ، إن عبد الله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ، ووالى عليا عليه السلام ، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام بهذه المقالة ، فقال في إسلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في علي عليه السلام بمثل ذلك ، وهو أول من أشهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام ، وأظهر البراءة من أعدائه ، وكاشف مخالفيه ، فمن هناك قال من خالف الشيعة أن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية .(7/95)
ولما بلغ عبد الله بن سبأ نعي علي بالمدائن ، قال للذي نعاه : كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة ، وأقمت على قتله سبعين عدلا، لعلمنا أنه لم يمت ، ولم يقتل ، ولا يموت حتى يملك الأرض ". انظر "فرق الشيعة" للنوبختي ص 43 و44 ط المطبعة الحيدرية بالنجف ، العراق ، سنة 1379ه - 1959م. وذكر مثل هذا مؤرخ شيعي في (روضة الصفا) " أن عبد الله بن سبأ توجه إلى مصر حينما علم أن مخالفيه (عثمان بن عفان ) كثيرون هناك ، فتظاهر بالعلم والتقوى، حتى افتتن الناس به ، وبعد رسوخه فيهم بدأ يروج مذهبه ومسلكه ، ومنه ، إن لكل نبي وصيا وخليفته ، فوصيُّ رسول الله وخليفته ليس إلا عليا المتحلي بالعلم ، والفتوى، والمتزين بالكرم ، والشجاعة ، والمتصف بالأمانة ، والتقي ، وقال : إن الأمة ظلمت عليا، وغصبت حقه ، حق الخلافة، والولاية، ويلزم الآن على الجميع مناصرته ومعاضدته ، وخلع طاعة عثمان وبيعته ، فتأثر كثير من المصريين بأقواله وآرائه ، وخرجوا على الخليفة عثمان ". انظر تاريخ شيعي"روضة الصفا" في اللغة الفارسية ص 292 ج 2 ط إيران .
@@@@@
موضوع آخر من المنتديات :
المالكي وعبد الله بن سبأ
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
يردد كثير من الجهلة من أتباع حسن المالكي أن شخصية عبدا لله بن سبأ شخصية وهميه أخترعها المتشددين أو النواصب على حد قولهم من الحنابلة والصقوها بالشيعة
وهذا القول لايشك عاقل بأنه باطل ومخالف للحقيقة
ولدحض هذا القول وجدته من المناسب أيراد بعض الأدلة على أن عبدا لله بن سبأ شخصية حقيقة
واخترت الأدلة من كتب الشيعة التي يأخذون منها ويعتمدون عليها بالرغم من أن كتب أهل السنه تعج بالأدلة الصريحة على وجوده ولكن هذه الكتب غير موثوقه على حد قولهم(7/96)
1- ( أصل الشيعة وأُصولها ) ص 45 لمحمد الحسين آل كاشف الغطاء حيث يقول في كتابه ( أما عبد الله بن سبأ الذي يلصقونه بالشيعة ، أو يلصقون الشيعة به ، فهذه كتب الشيعة بأجمعها تعلن بلعنه والبراءة منه ... . ) .
ولا شك أن هذا تصريح بوجود هذه الشخصية ،:
2-عن أبي جعفر عليه السلام ( أن عبد الله بن سبأ كان يَدعِي النبوة ، ويزعم أن أمير المؤمنين هو الله - تعالى عن ذلك - فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام ، فدعاه ، وسأله ، فَأَقَرّ بذلك وقال : نعم ، أنت هو ، وقد كان قد ألقَى في روعي أنت الله ، وأني نبي ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : ويلك قد سخر منك الشيطان ، فارجع عن هذا ثكلتْكَ أمك وتُب ، فأبى ، فحبسه واستتابه ثلاثة أيام ، فلم يتب فأحرقه بالنار وَقال :
( إن الشيطان استهواه ، فكان يأتيه ، ويُلقِي في روعه ذلك ) .
وعن أبي عبد الله أنه قال : ( لعن الله عبد الله بن سبأ ، إنه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين عليه السلام : وكان والله أمير المؤمنين عليه السلام عبداً لله طائعاً ، الويل لمن كذب علينا ، وإن قوماً يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا ، نبرأ إلى الله منهم ، نبرأ إلى الله منهم ) ( معرفة أخبار الرجال ) للكشي ص 75 - 71 ، وهناك روايات أخرى .
3- وقال المامقاني : ( عبد الله بن سبأ الذي رجع إلى الكفر وأظهر الغُلُوَّ ) وقال : ( غالٍ ملعون ، حرقه أمير المؤمنين بالنار ، وكان يزعم أن عليا إله ، وأنه نبيّ ) ( تنقيح المقال في علم الرجال ) 2/183 ، 184(7/97)
4-وقال النوبختي : ( السبئية قالوا بإمامة علي ، وأنها فرض من الله عز وجل ، وهم أصحاب عبد الله بن سبأ ، وكان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة ، وتبرأ منهم ، وقال : ( إِن عليا عليه السلام أمره بذلك ) فأخذه عليٌّ فسأله عن قوله هذا ، فأقر به ، فأمر بقتله ، فصاح الناس إِليه : يا أمير المؤمنين أتقتل رجلاً يدعو إلى حبكم أهل البيت ، وإلى ولايتك والبراءة من أعدائك ؟ فَصَيَّرَه إلى المدائن .
وحكى جماعة من أهل العلم أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ، ووالى علياً ، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام بهذه المقالة ، فقال في إسلامه في علي بن أبي طالب بمثل ذلك ، وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام ، وأظهر البراءة من أعدائه ... فمن هنا قال مَن خالف الشيعة : إن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية ) ( فرَق الشيعة ) ص 32 - 4
5-وقال سعد بن عبد الله الأشعري القُمِّي في عرض كلامه عن السبئية : ( السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ ، وهو عبد الله بن وهب الراسبي الهمداني ، وساعده على ذلك عبد الله بن خرسي ، وابن أسود ، وهما من أجل أصحابه ، وكان أول من أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم ) ( المقالات والفرق ) ص 25 .
6-وذكر ابن أبي الحديد أن عبد الله بن سبأ قام إلى علي وهو يخطب فقال له : ( أنت أنت ، وجعل يكررها ، فقال له - علي - « ويلك ، مَن أنا ؟ » ، فقال : أنت الله . فأمر بأخذه وأخْذِ قومٍ كانوا معه على رأيه ، شرح نهج البلاغة 5/5 .
7-وقال نعمة الله الجزائري :
( قال عبد الله بن سبأ لعلي عليه السلام : أنت الإله حقاً ، فنفاه علي عليه السلام إلى المدائن ، وقيل إنه كان يهودياً فأسلم ، وكان في اليهودية يقول في يوشع بن نون ، وفي موسى مثل ما قال في علي ) ( الأنوار النعمانية ) 234/2 .(7/98)
فهذه سبعة نصوص من مصادر معتبرة ومتنوعة بعضها في الرجال ، وبعضها في الفقه والفرَق ، وتركنا النقل عن مصادر كثيرة لئلا نطيل فكلها تثبت وجود شخصَية اسَمها عبد الله بن سبأ ، فلا يمكننا بَعْدُ نَفْيُ وجودها
إذن شخصية عبد الله بن سبأ حقيقة لا يمكن تجاهلها أو إنكارها ، ولهذا ورد التنصيص عليها وعلى وجودها في كتب الشيعة ومصادرهم المعتبرة ، وللاستزادة في معرفة هذه الشخصية ، انظر المصادر الآتية :
الغارات للثقفي ، رجال الطوسي ، الرجال للحلي ، قاموس الرجال للتستري ، دائرة المعارف المسماة بمقتبس الأثر للأعلمي الحائري ، الكنى والألقاب لعباس القمي ، حل الإشكال لأحمد بن طاووس المتوفي سنة ( 673 ) ، الرجال لابن داود ، التحرير للطاووسي ، مجمع الرجال للقهبائي ، نقد الرجال للتفرشي ، جامع الرواة للمقدسي الأردبيلي ، مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ، مرآة الأنوار لمحمد بن طاهر العاملي ،
والان ثبت أن السابقين من الشيعة لاينكرون شخصية عبد الله بن سبأ مع ان هذه الشخصية تسئ لهم كثيرا فما رأي المالكي واتباعه ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
@@(7/99)
بسم الله الرحمن الرحيم
صدق النبأ في بيان حقيقة عبد الله بن سبأ
تأليف : أبو عبد الله الذهبي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، ثم أما بعد :-
أحبتي في الله نزولاً عند رغبة أحد الأخوة الأعزاء ، أعيد نشر ما كتبته منذ سنة تقريباً من سلسة حلقات عبد الله بن سبأ ، و ما سببه من فرقة للأمة الإسلامية ، فهاأنذا ألبي هذا الطلب بكل رحابة صدر ، و أحب أن أنبه الأخوة الأفاضل عن وجود مجموعة من الكتب والتي أنصح باقتنائها للفائدة ، و هي : كتاب ( عبد الله بن سبأ و أثره في أحداث الفتنة في صدر الإسلام للدكتور سليمان بن حمد العودة ) ، و كتاب : ( تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة من روايات الإمام الطبري والمحدثين ، للدكتور : محمد أمحزون ) ، و كتاب : ( عبد الله بن سبأ حقيقة لا خيال ، للدكتور : سعدي مهدي الهاشمي ) و كتاب : ( بذل المجهود في إثبات مشابهة الرافضة لليهود ، عبد الله الجميلي ) ، و كتاب : ( العنصرية اليهودية و آثارها في المجتمع الإسلامي والموقف منها ، للدكتور : أحمد بن عبد الله بن إبراهيم الزغيبي ) ، فهي من أفضل الكتب التي تناولت الحديث عن عبد الله بن سبأ ، بشيء من التفصيل أو الإيجاز الغير مخل ، كما وأني لم آلوا جهداً في البحث و الحديث عن أشياء لم يتطرق إليها الأساتذة ، حتى تعم الفائدة و يعم النفع ، و الله أسأل أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم ، و أن يهدي بها من ضل عن الصراط المستقيم .
و الآن إلى الموضوع ..
إن من أكبر الفِرَق التي كانت و ما تزال وبالاً و شراً على المسلمين على طول تاريخهم و في جميع مراحل حياتهم ، هي فرقة الشيعة على تعدد طوائفها و اختلاف نحلها ، بدءاً بالسبئية أتباع عبد الله بن سبأ اليهودي ، الذي كان رأساً في إذكاء نار الفتنة والدس بين صفوف المسلمين ، و الذي وصل الأمر بهم إلى تأليه علي رضي الله عنه ، و قبل أن أبدأ بالموضوع لابد من مقدمة توضح الموضوع و تشرح المضمون .(8/1)
أصل ابن سبأ و منشأه :-
اختلف أصحاب المقالات والتاريخ في هوية عبد الله بن سبأ ، و من ذلك اختلفوا في بلده و قبيلته ، يذكر القلقشندي في قلائد الجمان (ص 39 ) : أن يعرب بن قحطان ولد يشجب ، و ولد ليشجب ( سبأ ) و اسم سبأ هذا عبد شمس ، و قد ملك اليمن بعد أبيه ، و أكثر من الغزو والسبي ، فسمي ( سبأ ) وغلب عليه حتى لم يسم به غيره ، ثم أطلق الاسم على بنيه .. و هم الوارد ذكرهم في القرآن .
على أن المصادر التاريخية لا تذكر شيئاً واضحاً عن أصل السبأيين ، و الذي ينتسب إليهم عبد الله بن سبأ ، و من المحتمل أنهم كانوا في الأصل قبائل بدوية تتجول في الشمال ثم انحدرت نحو الجنوب إلى اليمن حوالي ( 800 ق م ) ، و هي عادة العرب في التجوال ، أو نتيجة ضغط الآشوريين عليهم من الشمال ، واستقروا أخيراً في اليمن وأخذوا في التوسع . راجع : محاضرات في تاريخ العرب للدكتور صالح العلي (1/21) .
و منهم من ينسب ابن سبأ إلى ( حمير ) ، و هي قبيلة تنسب إلى حمير بن الغوث بن سعد بن عوف بن مالك بن زيد بن سدد بن حمير بن سبأ الأصغر بن لهيعة بن حمير بن سبأ بن يشجب هو حمير الأكبر ، و حمير الغوث هو حمير الأدنى و منازلهم باليمن بموضع يقال له حمير غربي صنعاء . أنظر : معجم البلدان لياقوت الحموي (2/306) .
ومن الذين قالوا بذلك : ابن حزم في كتابه الفصل في الملل والأهواء ( 5/46) ، حيث يقول : والقسم الثاني من فرق الغالية يقولون بالإلهية لغير الله عز وجل ، فأولهم قوم من أصحاب عبد الله بن سبأ الحميري .(8/2)
أما البلاذري في أنساب الأشراف (5/240) ، و الأشعري القمي في المقالات والفرق (ص 20) ، والفرزدق في ديوانه ( ص 242-243) فينسبون ابن سبأ إلى قبيلة ( همدان ) ، و همدان بطن من كهلان من القحطانية و هم بنو همدان بن مالك بن زيد بن أوسلة بن ربيعة بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان ، و كانت ديارهم باليمن من شرقيه . معجم قبائل العرب لرضا كحالة (3/1225) . فهو ( عبد الله بن سبأ بن وهب الهمداني ) كما عند البلاذري ، و ( عبد الله بن سبأ بن وهب الراسبي الهمداني ) كما عند الأشعري القمي ، أما عن الفرزدق فقد ذكر نسبة ابن سبأ إلى همدان في قصيدته التي هجا فيها أشراف العراق و من انضم إلى ثورة ابن الأشعث في معركة دير الجماجم سنة (82هـ ) و يصفهم بالسبئية حيث يقول :
كأن على دير الجماجم منهم *** حصائد أو أعجاز نخل تقعّرا
تَعَرّفُ همدانية سبئية *** و تُكره عينيها على ما تنكّرا . الخ .
و يروي عبد القاهر البغدادي في الفرق بين الفرق ( ص 235) ، أن ابن سبأ من أهل ( الحيرة ) ، قال : إن عبدالله بن السوداء كان يعين السبأية على قولها ، و كان أصله من يهود الحيرة ، فأظهر الإسلام .
و يروي ابن كثير في البداية والنهاية (7/190) ، أن أصل ابن سبأ من الروم ، فيقول : و كان أصله رومياً فأظهر الإسلام و أحدث بدعاً قولية و فعلية قبحه الله .
أما الطبري و ابن عساكر ، فيرويان أن ابن سبأ من اليمن . قال الطبري في تاريخه (4/340) : كان عبدالله بن سبأ يهودياً من أهل صنعاء . و قال ابن عساكر في تاريخ دمشق ( 29/3) : عبد الله بن سبأ الذي ينسب إليه السبئية وهم الغلاة من الرافضة أصله من أهل اليمن كان يهودياً .(8/3)
و الذي أميل إليه و أرجحه هو : أن ابن سبأ من اليمن ؛ و ذلك أن هذا القول يجمع بين معظم أقوال العلماء في بلد ابن سبأ ، و لو نظرنا في الأقوال السابقة لم نجد تعارضاً بين هذا القول و بين القول الأول الذي ينسب ابن سبأ إلى قبيلة ( حمير ) ، و القول الثاني الذي ينسبه إلى قبيلة ( همدان ) ، إذ القبيلتان من اليمن ، و لم يخالف في أن أصل ابن سبأ من اليمن إلا البغدادي الذي ينسبه إلى ( الحيرة )،و ابن كثير الذي ذكر أنه ( رومي ) الأصل .
أما البغدادي فقد اختلط عليه ابن السوداء بابن سبأ ، فظن أنهما شخصان ، يقول : و قد ذكر الشعبي أن عبد الله بن السوداء كان يعين السبأية على قولها .. ثم تحدث عن ابن السوداء و مقالته في علي رضي الله عنه ، إلى أن قال : فلما خشي – أي علي رضي الله عنه – من قتله – أي ابن السوداء – و من قتل ابن سبأ الفتنة التي خافها ابن عباس ، نفاهما إلى المدائن ، فافتتن بهما الرعاع . الفرق بين الفرق ( ص 235) .
والذي ذكر أنه من أهل الحيرة هو عبد الله بن السوداء و لم يتعرض لابن سبأ بشيء ، لهذا لا يمكننا أن نجزم بأن البغدادي نسب ابن سبأ المشهور في كتب الفرق و مؤسس فرقة السبأية إلى الحيرة ، فلعله قصد شخصاً آخر غيره ، و مما يدل على أنه لا يعني ابن سبأ ، أنه قال عند حديثه عن عبد الله بن السوداء : ( كان يعين السبأية على قولها ) ، فدل على أنه غير مؤسس السبأية .
أما ابن كثير فلا أعلم أحداً من المؤرخين وأصحاب المقالات وافقه في نسبة ابن سبأ إلى ( الروم ) ، و قد جاء في بعض النسخ المطبوعة من البداية والنهاية كلمة ( ذمياً ) بدل ( رومياً ) انظر الطبعة الثانية ( 7/173) مكتبة المعارف ، فلعل أصل الكلمة ذمياً و لكن حدث في الكلمة تصحيف من قبل النساخ ، وكون ابن سبأ ذمياً لا ينافي ما تناقله العلماء من كونه يهودياً . و لهذا لا يعارض قوله هذا ما اشتهر نقله في كتب التاريخ والفرق من أن أصل ابن سبأ من اليمن .(8/4)
فترجح بهذا أن ابن سبأ من اليمن و نحن لا نقطع بنسبته إلى قبيلة معينة لعدم توفر الأدلة على ذلك . و الله أعلم .
و قد اختلف المؤرخون وأصحاب المقالات أيضاً في نسبة ابن سبأ لأبيه ، فمنهم من ينسب ابن سبأ من جهة أبيه إلى ( وهب ) كما عند البلاذري في أنساب الأشراف (5/240) ، و الأشعري القمي في المقالات والفرق ( ص 20) والذهبي في المشتبه في الرجال (1/346) و المقريزي في الخطط (2/356) .
أما من قال أنه : ( عبد الله بن وهب الراسبي ) كما هو عند الأشعري القمي في المقالات ( ص 20) ، فلعل ذلك وقع نتيجة الخلط بين عبدالله بن سبأ هذا و بين عبد الله بن وهب الراسبي صاحب الخوارج ، و هناك فرق بين الشخصيتين ما لا يخفى على مطلع ، فعلى حين يكتنف شخصية ابن سبأ الغموض في المنشأ و الممات ، نجد شخصية الراسبي واضحة المعالم ، فهو رأس الخوارج الذين خرجوا على علي رضي الله عنه ، شرح صحيح مسلم للنووي (7/172) ، و هو المقتول في وقعة النهروان ، العبر في خبر من غبر للذهبي (1/44) ، و قبل ذلك فقد عرفت حياته أكثر من ابن سبأ ، فقد شارك في الفتوح – فتوح العراق – وكان مع علي ثم خرج عليه خروجاً صريحاً . أنظر آراء الخوارج لعمار الطالبي (ص 94) .
و مما يؤكد الفرق بين الاسمين ما نص عليه السمعاني في الأنساب (7/24) بقوله : ( عبدالله بن وهب السبئي رئيس الخوارج ، و ظني أن ابن وهب هذا منسوب إلى عبد الله بن سبأ ) .
و هناك من ينسب ابن سبأ من جهة أبيه أيضاً إلى حرب ، كما فعل الجاحظ في البيان والتبيين (3/81) ، و هو ينقل الخبر بإسناده إلى زحر بن قيس قال : ( قدمت المدائن بعد ما ضرب علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، فلقيني ابن السوداء و هو ابن حرب .. ) .(8/5)
ومعظم أهل العلم ينسبون ابن سبأ من جهة أبيه إلى سبأ ، فيقولون : ( عبد الله بن سبأ ) ، ومن هؤلاء البلاذري في أنساب الأشراف (3/382) ابن قتيبة في المعارف ( ص 622) و الطبري في التاريخ (4/340) وأبو الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميين (1/86) ، والشهرستاني في الملل والنحل (1/174) ، والذهبي في الميزان ( 2/426) وابن حجر في لسان الميزان (3/290) ، وابن عبد ربه في العقد الفريد (2/405) و شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (28/483) ، وابن حبان في المجروحين ( 2/253) والجوزجاني في أحوال الرجال (ص38) و المقدسي في البدء والتاريخ (5/129) والخوارزمي في مفاتيح العلوم (ص 22) وابن حزم في الفصل في الملل والنحل ( 4/186) و الأسفرايني في التبصرة في الدين ( ص 108 ) وابن عساكر في تاريخ دمشق ( 29/3) ، والسمعاني في الأنساب (7/24) و ابن الأثير في اللّباب (2/98) ، و غيرهم الكثير . و من الرافضة : الناشئ الأكبر في مسائل الإمامة ( ص 22- 23 ) ، و الأشعري القمي في المقالات والفرق ( ص 20 ) و النوبختي في فرق الشيعة (ص 22 ) .
أما نسب ابن سبأ ( لأمه ) فهو من أم حبشية ، كما عند الطبري في التاريخ (4/326-327) و ابن حبيب في المحبر (ص 308 ) ، و لذلك فكثيراً ما يطلق عليه ( ابن السوداء ) ففي البيان والتبيين ( 3/81) : ( ... فلقيني ابن السوداء ) و في تاريخ الطبري ( 4/326) : ( و نزل ابن السوداء على حكيم بن جبلة في البصرة ) ، وفي تاريخ الإسلام للذهبي (2/122) : ( ولما خرج ابن السوداء إلى مصر ) ، و هم بهذا يتحدثون عن عبد الله بن سبأ ، و لذلك قال المقريزي في الخطط ( 2/356) : ( عبد الله بن وهب بن سبأ المعروف بابن السوداء ) ، وابن عساكر في تاريخ دمشق (29/8) من قول علي رضي الله عنه : ( من يعذرني من هذا الحميت الأسود الذي يكذب على الله ورسوله يعني ابن السوداء ) . و مثل هذا كثير ...(8/6)
وكما وقع الخلط والإشكال في نسبة ابن سبأ لأبيه ، وقع الخلط و تصور من غفلوا عن هذه النسبة لأمه ، أن هناك شخصين : ابن سبأ ، وابن السوداء ، ففي العقد الفريد لابن عبد ربه (2/241) : ( .. منهم عبد الله بن سبأ نفاه إلى ساباط ، و عبد الله بن السوداء نفاه إلى الخازر ) .
و يقول الاسفرايني في التبصرة ( ص 108) : ( و وافق ابن السوداء عبد الله بن سبأ بعد وفاة علي في مقالته هذه ) .
ومثل هذا وقع عند البغدادي في الفرق بين الفرق ( ص 235 ) : ( فلما خشي علي من قتل ابن السوداء وابن سبأ الفتنة نفاهما إلى المدائن ) .
والذي يترجح من مناقشة الروايات : أن ابن سبأ غير ابن وهب الراسبي ، وأنه هو نفسه ابن السوداء ، والله أعلم .
و مما يحسن ذكره هنا أيضاً أن ابن سبأ كان أسود اللون ، و هذا يرجح كون أمه من الحبشيات ، ذكر ابن عساكر في تاريخه ( 29/7-8 ) : عن عمار الدهني قال : سمعت أبا الطفيل يقول : رأيت المسيب بن نجبة أتى به ملببة – أي ملازمه - يعني ابن السوداء و علي على المنبر ، فقال علي : ما شأنه ؟ فقال : يكذب على الله وعلى رسوله ، و جاء من طريق زيد بن وهب عن علي قال : ما لي ومال هذا الحميت الأسود ، و من طريق سلمة قال : سمعت أبا الزعراء يحدث عن علي ، قال : ما لي ومال هذا الحميت الأسود ، و جاء أيضاً من طريق زيد قال : قال علي بن أبي طالب : ما لي ولهذا الحميت الأسود ، يعني عبد الله بن سبأ وكان يقع في أبي بكر و عمر .
و يبقى بعد ذلك الأصل اليهودي لابن سبأ ، هل هو محل اتفاق أم تتنازعه الآراء ؟(8/7)
يفترض المستشرق Hodgeson أن ابن سبأ ليس يهودياً في أغلب الاحتمالات ، مشايعاً في ذلك للمستشرق الإيطالي Levi Della Vida الذي يرى أن انتساب ابن سبأ إلى قبيلة عربية هي ( همدان ) كما في نص البلاذري الذي وقف عنده ( ليفي ديلا فيدا ) يمنع من أن يكون يهودياً . و هو كما يقول الدكتور عبد الرحمن بدوي في مذاهب الإسلاميين ( 2/30) : ( استنتاج لا مبرر له ، فليس هناك من تناقض بين أن يكون المرء يهودياً وأن يكون من قبيلة عربية .
وابن قتيبة رحمه الله أشار إلى يهودية بعض القبائل كما في المعارف ( ص 266 ) حيث يقول : ( كانت اليهودية في حمير و بني كنانة و بني الحارث بن كعب و كندة .
و فوق ذلك فإن الاتجاه الغالب في يهود اليمن أن أكثرهم من أصل عربي ، كما قال الدكتور جواد علي في تاريخ العرب قبل الإسلام ( 6/26) .
و مع ذلك فليس مقطوعاً بانتساب ابن سبأ إلى همدان – كما مر معنا – و حتى لو قطع بذلك ، فهل هذا الانتساب لهمدان ، انتساب على الحقيقة أم بالولاء ؟!
و لئن كان هذا الشك في يهودية ابن سبأ عند بعض المستشرقين ، إنما جاء نتيجة اعتراض يقيني بأن ابن سبأ في تصوراته عن المهدي كان متأثراً بالإنجيل أكثر من تأثره بالتوراة ، و هو اعتراض قد يقلل من يهودية ابن سبأ ، إلا أن هذا الاعتراض يضعف حينما نتبين رأي بعض الباحثين في طبيعة اليهودية في بلاد اليمن – في تلك الفترة – وأنها امتزجت فيها المسيحية بالموسوية ، و كانت يهودية سطحية ، وأن يهودية ابن سبأ ربما كانت أقرب إلى يهودية ( الفلاشا ) و هم يهود الحبشة ، و هذه اليهودية شديدة التأثر بالمسيحية الحبشية . مذاهب الإسلاميين لعبد الرحمن بدوي (2/28) .
و هذا الأصل اليهودي لابن سبأ لم يكن محل خلاف في الروايات التاريخية ، أو لدى كتب الفرق ، و في آراء المتقدمين ، أمثال : الطبري وابن عساكر وابن الأثير والبغدادي وابن حزم ، وأمثال شيخ الإسلام ، عليم رحمه الله .(8/8)
سبب الاختلاف في تحديد هوية ابن سبأ :-
لا غرابة أن يحدث هذا الاختلاف الكبير بين أهل العلم في تحديد هوية و نسب ابن سبأ ، فعبد الله بن سبأ قد أحاط نفسه بإطار من الغموض والسرية التامة حتى على معاصريه ، فهو لا يكاد يعرف له اسم ولا بلد ، لأنه لم يدخل في الإسلام إلا للكيد له ، و حياكة المؤامرات والفتن بين صفوف المسلمين ، و لهذا لما سأله عبد الله بن عامر والي البصرة لعثمان بن عفان رضي الله عنه ، قال له : ما أنت ؟ لم يخبره ابن سبأ باسمه و اسم أبيه ، و إنما قال له : إنه رجل من أهل الكتاب رغب في الإسلام و رغب في جوارك . تاريخ الطبري (4/326-327 ) .
و في رأيي أن تلك السرية التامة التي أطبقها ابن سبأ على نفسه سبب رئيسي في اختلاف المؤرخين والمحققين في نسبة ابن سبأ ، و غير مستبعد أن يكون ابن سبأ قد تسمى ببعض هذه الأسماء التي ذكرها المؤرخون ، بل واستعمل بعض الأسماء الأخرى المستعارة لتغطية ما قام به من جرائم و دسائس في صدر الدولة الإسلامية .
نشأة ابن سبأ :-
على ضوء ما تقدم من المعلومات السابقة – في المقال السابق - ، أمكننا الوقوف على الأجواء التي نشأ فيها ابن سبأ ، و نستطيع أن نحدد عدد من النقاط :-
1 - بتغليب الروايات السابقة نجد أن ابن سبأ نشأ في اليمن ، سواء كان من قبيلة حمير أو همدان ، ولا نستطيع الجزم بأيهما .
2 – كان لليهود وجود في اليمن ، غير أنه لا نستطيع أن نحدد وقته على وجه الدقة ، و قد رجح بعض الأساتذة أنه يرجع إلى سنة (70م ) و ذلك حينما نزح اليهود من فلسطين بعد أن دمرها الإمبراطور الروماني ( تيتوس ) و حطم هيكل ( أورشليم ) وعلى إثر ذلك تفرق اليهود في الأمصار و وجد بعضهم في اليمن بلداً آمناً فالتجأوا إليه ، و بعد أن استولى الأحباش على اليمن سنة (525م ) بدأت النصرانية تدخل اليمن . اليمن عبر التاريخ لأحمد حسين (ص 158- 159) .(8/9)
3 – على إثر هذا امتزجت تعاليم ( التوراة ) مع تعاليم ( الإنجيل ) و كانت اليهودية في اليمن يهودية سطحية . مذاهب الإسلاميين لعبد الرحمن بدوي (2/28) .
4 – و لكن اليهودية و إن ضعفت في اليمن بدخول الأحباش فيها ، فإنها بقيت مع ذلك محافظة على كيانها ، فلم تنهزم و لم تجتث من أصولها . تاريخ العرب قبل الإسلام لجواد علي (6/34) .
و لعلنا من خلال تلك الإشارات ، نستطيع أن نحدد المحيط الذي نشأ فيه عبد الله بن سبأ ، والبيئة التي صاغت أفكاره ، خاصة في عقيدة ( الرجعة ) و ( الوصية ) حينما قال : ( لعجب ممن يزعم أن عيسى يرجع و يكذب بأن محمداً يرجع ، و قد قال الله عز وجل إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ، فمحمد أحق بالرجوع من عيسى ، و إنه كان ألف نبي و وصي و كان على وصي محمد ، ثم قال : محمد خاتم الأنبياء و علي خاتم الأوصياء .. ) . تاريخ الطبري (4/340) .
على كل حال فهي معلومات ضئيلة لا تروي غليلاً ، ولا تهدي سبيلاً ، و لعل مرد ذلك إلى المصادر التي بين أيدينا ، فهي لا تكاد تبين عن نشأة ابن سبأ ، كما أن المعلومات عن فتوة ابن سبأ قبل ظهوره غير موجودة ، و نحن هنا مضطرون للصمت عما سكت عنه الأولون حتى تخرج آثار أخرى تزيل الغبش و تكشف المكنون .
ظهور ابن سبأ بين المسلمين :-
جاء في تاريخ الطبري (4/340) و الكامل لابن الأثير (3/77) و البداية والنهاية لابن كثير(7/167) و تاريخ دمشق لابن عساكر (29/ 7-8 ) و غيرهم من كتب التاريخ ضمن أحداث سنة (35هـ ) : أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً من أهل صنعاء وأنه أسلم زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه ، و أخذ يتنقل في بلاد المسلمين يريد ضلالتهم ، فبدأ بالحجاز ثم البصرة ثم الكوفة ثم بالشام ، فلم يقدر على شيء فيها ، فأتى مصر واستقر بها و وضع لهم عقيدتي الوصية و الرجعة ، فقبلوها منه و كوّن له في مصر أنصاراً ممن استهواهم بآرائه الفاسدة .(8/10)
لكن أين و متى كان أول ظهور لعبد الله بن سبأ بين المسلمين ؟
جاء في البداية والنهاية لابن كثير (7/183) ضمن أحداث سنة (34هـ ) ، أن عبد الله بن سبأ كان سبب تألب الأحزاب على عثمان . ثم أورده في أحداث سنة (35هـ) مع الأحزاب الذين قدموا من مصر يدعون الناس إلى خلع عثمان . البداية والنهاية (7/190) .
أما الطبري (4/331) وابن الأثير(3/147) فنجد عندهما ذكر لابن سبأ بين المسلمين قبل سنة ( 34هـ ) في الكوفة ، ( فيزيد بن قيس ) ذلك الرجل الذي دخل المسجد في الكوفة يريد خلع عامل عثمان ( سعيد ابن العاص ) إنما شاركه وثاب إليه الذين كان ابن السوداء يكاتبهم .
و هذا يعني ظهور ابن سبأ قبل هذا التاريخ ، و تكوين الأعوان الذين اجتمعوا إلى يزيد بن قيس ، و تأكيد ذلك عند الطبري ( 4/326) وابن الأثير(3/144) ، ففي سنة ( 33هـ ) و بعد مضي ثلاث سنين من إمارة عبد الله بن عامر على البصرة يعلم بنزول ابن سبأ على ( حكيم بن جبلة ) و تكون المقابلة بين ابن عامر وابن السوداء والتي ذكرتها في بداية الموضوع .
ونستمر في الاستقراء فنجد ظهوراً لابن سبأ بين المسلمين قبل هذا التاريخ ، ففي الطبري (4/283) و ابن الأثير (3/114) ، و ضمن حوادث سنة (30هـ ) يرد ابن السوداء الشام ، و يلتقي بأبي ذر و يهيجه على معاوية – و سنأتي على تحقيق القول في قضية تأثير ابن سبأ على أبي ذر فيما بعد - .
ابن سبأ في الحجاز :-
لما كان ظهور ابن سبأ في الحجاز قبل ظهوره في البصرة والشام ، فلابد أن يكون قد ظهر في الحجاز قبل سنة ( 30هـ ) ، لأن ظهوره في الشام كان في هذا التاريخ ، و في الحجاز لا تكاد تطالعنا الروايات التاريخية على مزيد من التفصيل ، و لعل في هذا دلالة على عدم استقرار أو مكث لابن سبأ في الحجاز ، عدا ذلك المرور في طريقه التخريبي ، لكنه كما يبدو لم يستطع شيئاً من ذلك فتجاوز الحجاز إلى البصرة . تاريخ الطبري ( 4/340-341) .
ظهوره في البصرة :-(8/11)
و في البصرة كان نزول ابن سبأ على ( حكيم بن جبلة العبدي ) ، و خبره كما ورد في الطبري (4/ 326 ) : ( لما مضى من إمارة ابن عامر ثلاث سنين بلغه أن في عبد القيس رجلاً نازلاً على حكيم بن جبلة ، و كان حكيم رجلاً لصاً إذا قفلت الجيوش خنس عنهم ، فسعى في أرض فارس فيغير على أهل الذمة ، و يتنكر لهم و يفسد في الأرض و يصيب ما يشاء ثم يرجع ، فشكاه أهل الذمة وأهل القبلة إلى عثمان ، فكتب إلى عبد الله بن عامر أن احبسه و من كان مثله فلا يخرج من البصرة حتى تأنسوا منه رشداً ، فحبسه فكان لا يستطيع أن يخرج منها ، فلما قدم ابن السوداء نزل عليه ، و اجتمع إليه نفر فطرح لهم ابن السوداء ولم يصرح ، فقبلوا منه واستعظموه .
و بقية خبر الطبري يفيدنا أنه لقي آذاناً صاغية في البصرة ، و إن كان لم يصرح لهم بكل شيء ، فقد قبلوا منه واستعظموه ، و شاء الله أن تحجم هذه الفتنة و يتفادى المسلمون بقية شرها و ذلك حينما بلغ والي البصرة ابن عامر خبر ابن سبأ ، فأرسل إليه و دار بينهما هذا الحوار : ( ما أنت ؟ فأخبره أنه رجل من أهل الكتاب رغب في الإسلام والجوار ، فقال ابن عامر : ما يبلغني ذلك ! اخرج عني ، فأخرجه حتى أتى الكوفة . تاريخ الطبري (4/326-327) .
ظهوره في الكوفة :-
الذي يبدو أن ابن سبأ بعد إخراجه من البصرة وإتيانه الكوفة ، لم يمكث بها طويلاً حتى أخرجه أهلها منها ، كما في بقية خبر الطبري (4/327) : ( فخرج حتى أتى الكوفة ، فأخرج منها فاستقر بمصر و جعل يكاتبهم و يكاتبونه ، و يختلف الرجال بينهم ) .
لكنه وإن كان قد دخل الكوفة ثم أخرج منها سنة ( 33هـ ) ، إلا أن صلته بالكوفة لم تنته بإخراجه ، فلقد بقيت ذيول الفتنة في الرجال الذين بقي يكاتبهم و يكاتبونه . الطبري (4/327) وابن الأثير (3/144) .
ظهوره في الشام :-(8/12)
في ظهور ابن سبأ في الشام يقابلنا الطبري في تاريخه نصان ، يعطي كل واحد منهما مفهوماً معيناً ، فيفيد النص الأول أن ابن سبأ لقي أبا ذر بالشام سنة (30هـ ) و أنه هو الذي هيجه على معاوية حينما قال له : ( ألا تعجب إلى معاوية ! يقول المال مال الله ، كأنه يريد أن يحتجزه لنفسه دون المسلمين ؟ وأن أبا ذر ذهب إلى معاوية وأنكر عليه ذلك ) . تاريخ الطبري (4/283) .
بينما يفهم من النص الآخر : أن ابن سبأ لم يكن له دور يذكر في الشام ، وإنما أخرجه أهلها حتى أتى مصر ، بقوله : ( أنه لم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام ) تاريخ الطبري (4/340) .
و يمكننا الجمع بين النصين في كون ابن سبأ دخل الشام مرتين ، كانت الأولى سنة (30هـ ) ، و هي التي التقى فيها بأبي ذر ، و كانت الثانية بعد إخراجه من الكوفة سنة ( 33هـ ) ، و هي التي لم يستطع التأثير فيها مطلقاً ، و لعلها هي المعنية بالنص الثاني عند الطبري .
كما و يمكننا الجمع أيضاً بين كون ابن سبأ قد التقى بأبي ذر سنة (30هـ ) ، و لكن لم يكن هو الذي أثر عليه و هيجه على معاوية ، و يرجح هذا ما يلي :-
1 - لم تكن مواجهة أبي ذر رضي الله عنه لمعاوية رضي الله عنه وحده بهذه الآراء ، و إنما كان ينكر على كل من يقتني مالاً من الأغنياء ، و يمنع أن يدخر فوق القوت متأولاً قول الله تعالى { والذين يكنزون الذهب والفضة }[التوبة/34] .
2 - حينما أرسل معاوية إلى عثمان رضي الله عنه يشكو إليه أمر أبي ذر ، لم تكن منه إشارة إلى تأثير ابن سبأ عليه ، و اكتفى بقوله : ( إن أبا ذر قد أعضل بي و قد كان من أمره كيت و كيت .. ) . الطبري (4/283) .
3 - ذكر ابن كثير في البداية (7/170 ، 180) الخلاف بين أبي ذر ومعاوية بالشام في أكثر من موضع في كتابه السابق ، و لم يرد ذكر ابن سبأ في واحد منها ، و إنما ذكر تأول أبي ذر للآية السابقة .(8/13)
4 - ورد في صحيح البخاري ( 2/111) الحديث الذي يشير إلى أصل الخلاف بين أبي ذر و معاوية ، و ليس فيه أي إشارة لا من قريب ولا من بعيد إلى ابن سبأ ، فعن زيد بن وهب قال : ( مررت بالربذة ، فإذا أنا بأبي ذر رضي الله عنه ، فقلت له ما أنزلك منزلك هذا ؟ قال : كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في { والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله } قال معاوية : نزلت في أهل الكتاب ، فقلت : نزلت فينا و فيهم ، فكان بيني و بينه في ذلك ، و كتب إلى عثمان رضي الله عنه يشكوني ، فكتب إليّ عثمان أن اقدم المدينة ، فقدمتها ، فكثر علي الناس حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك ، فذكرت ذلك لعثمان ، فقال لي : إن شئت تنحيت فكنت قريباً فذاك الذي أنزلني هذا المنزل .. ) .
5 - و في أشهر الكتب التي ترجمت للصحابة ، أوردت المحاورة التي دارت بين معاوية وأبي ذر ثم نزوله الربذة ، و لكن شيئاً من تأثير ابن سبأ على أبي ذر لا يذكر . الاستيعاب لابن عبد البر (1/214) و أسد الغابة لابن الأثير (1/357) والإصابة لابن حجر (4/62) .
6 - وأخيراً فإنه يبقى في النفس شيء من تلك الحادثة ؛ إذ كيف يستطيع يهودي خبيث حتى و لو تستر بالإسلام أن يؤثر على صحابي جليل كان له من فضل الصحبة ما هو مشهود .
ظهور ابن سبأ في مصر :-(8/14)
على ضوء استقراء النصوص السابقة ، يكون ظهور ابن سبأ في مصر بعد خروجه من الكوفة ، و إذا كان ظهوره في البصرة سنة ( 33هـ ) ، ثم أخرج منها إلى الكوفة ، و من الكوفة استقر بمصر ، فإن أقرب توقيت لظهور ابن سبأ في مصر يكون في سنة ( 34هـ ) ، لأن دخوله البصرة و طرحه لأفكاره فيها و تعريجه على الكوفة ثم طرده منها ، واتجاهه بعد ذلك إلى مصر .. كل هذا يحتاج إلى سنة على الأقل ، و يؤكد هذا ابن كثير في البداية والنهاية (7/284) ، فيضع ظهور ابن سبأ في مصر ضمن أحداث سنة (34هـ ) ، و تابعه في ذلك السيوطي أيضاً في حسن المحاضرة (2/164) ، حيث أشار إلى دخول ابن سبأ مصر في هذا التاريخ .
أحبتي في الله استكمالاً لما بدأناه من هذه الحلقات ، سنقف إن شاء الله و على حلقتين متتاليتين ، على ذكر عدد من المحاور والتي تدور حول ورود أي ذكر لعبد الله بن سبأ أو السبئية – طائفته - في الكتب والمصادر المتقدمة ( السنية والشيعية ، المتقدمة منها والمعاصرة ) ؛ لأن ورود أي ذكر للسبئية دليل على انتسابها له ، و هذا دليل بدوره على وجود ابن سبأ في الحقيقة ، مع الرد على محاولات التشكيك في وجود عبد الله بن سبأ ، و ما ينسب إليه من أعمال ، و سأتّبع فيه الترتيب الزمني للأحداث :-
أولاً : من أثبت وجود عبد الله بن سبأ من الفرقين ..
أ – عبد الله بن سبأ عند أهل السنة :-
1 - جاء ذكر السبئية على لسان أعشى همدان ( ت 84هـ ) في ديوانه (ص 148) و تاريخ الطبري (6/83) و قد هجى المختار بن أبي عبيد الثقفي و أنصاره من أهل الكوفة بعدما فرّ مع أشراف قبائل الكوفة إلى البصرة بقوله :
شهدت عليكم أنكم سبئية وأني بكم يا شرطة الكفر عارف .(8/15)
2 - و جاء ذكر السبئية في كتاب الإرجاء للحسن بن محمد بن الحنفية (ت95هـ ) – راجع كتاب ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي للدكتور سفر الحوالي (1/345- 361) ، حيث تحدث عن معنى الإرجاء المنسوب للحسن ، و ذكر كلام أهل العلم في ذلك فليراجع للأهمية – ما يلي : ( و من خصومة هذه السبئية التي أدركنا ، إذ يقولون هُدينا لوحي ضل عنه الناس ) . رواه ابن أبي عمر العدني في كتاب الإيمان ( ص 249) .
3 - و هناك رواية عن الشعبي ( ت 103هـ ) ذكرها ابن عساكر في تاريخه (29/7) ، تفيد أن : ( أول من كذب عبد الله بن سبأ ) .
4 - و هذا الفرزدق ( ت 116هـ ) يهجو في ديوانه ( ص 242-243) ، أشراف العراق ومن انضم إلى ثورة عبد الرحمن بن الأشعث في معركة دير الجماجم ، و يصفهم بالسبئية ، حيث يقول :
كأن على دير الجماجم منهم حصائد أو أعجاز نخل تَقَعّرا
تَعَرّفُ همدانية سبئية و تُكره عينيها على ما تنكرا
رأته مع القتلى و غيّر بعلها عليها تراب في دم قد تعفّرا
و يمكن الاستنتاج من هذا النص أن السبئية تعني فئة لها هوية سياسية معنية و مذهب عقائدي محدد بانتمائها إلى عبد الله بن سبأ اليهودي المعروف ، صاحب المذهب .
5 - و قد نقل الإمام الطبري في تفسيره (3/119) رأياً لقتادة بن دعامة السدوسي البصري ( ت 117هـ ) ، في النص التالي : { فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة }[آل عمران/7] ، و كان قتادة إذا قرأ هذه الآية قال : ( إن لم يكونوا الحرورية والسبئية فلا أدري ) .
6 - وفي الطبقات الكبرى لابن سعد ( ت 230هـ ) ورد ذكر السبئية وأفكار زعيمها وإن لم يشر إلى ابن سبأ بالاسم . الطبقات (3/39) .
7 – و جاء عند ابن حبيب البغدادي ( ت 245هـ ) في المحبر ( ص 308) ، ذكر لعبد الله بن سبأ حينما اعتبره أحد أبناء الحبشيات .(8/16)
8 - كما روى أبو عاصم خُشيش بن أصرم ( ت 253هـ ) ، خبر إحراق علي رضي الله عنه لجماعة من أصحاب ابن سبأ في كتابه الاستقامة . أنظر : منهاج السنة لابن تيمية ( 1/7) .
9 - و جاء في البيان والتبيين (3/81) للجاحظ ( ت 255هـ ) ، إشارة إلى عبد الله بن سبأ .
10 - فقد ذكر الإمام البخاري ( ت 256هـ ) في كتاب استتابة المرتدين من صحيحه ( 8/50) عن عكرمة قال : ( أتي علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم ، فبلغ ذلك ابن عباس فقال : لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تعذبوا بعذاب الله ) ، و لقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من بدل دينه فاقتلوه ) .
ومن الثابت تاريخياً أن الذين حرقهم علي رضي الله عنه هم أتباع عبد الله بن سبأ حينما قالوا بأنه الإله .
و خبر إحراق علي بن أبي طالب رضي الله عنه لطائفة من الزنادقة تكشف عنه الروايات الصحيحة في كتب الصحاح والسنن و المساند . أنظر على سبيل المثال : سن أبي داود (4/126) والنسائي (7/104) و الحاكم في المستدرك (3/538) .
11 - ذكر الجوزجاني ( ت 259هـ ) في أحوال الرجال ( ص 38) أن السبئية غلت في الكفر فزعمت أن علياً إلهاً حتى حرقهم بالنار إنكاراً عليهم واستبصاراً في أمرهم حين يقول :
لما رأيت الأمر أمراً منكرا أججت ناري و دعوت قنبرا .
12 - و يقول ابن قتيبة ( 276هـ ) في المعارف ( ص 267) : ( السبئية من الرافضة ينسبون إلى عبد الله بن سبأ ) . و في تأويل مختلف الحديث ( ص 73) يقول : ( أن عبد الله بن سبأ ادّعى الربوبية لعلي ، فأحرق علي أصحابه بالنار .
13 - و يذكر البلاذري ( ت 279هـ ) ابن سبأ من جملة من أتوا إلى علي رضي الله عنه يسألونه من رأيه في أبي بكر و عمر ، فقال : أو تفرغتم لهذا . أنساب الأشراف ( 3/382) .(8/17)
14 – و يعتبر الإمام الطبري ( ت 310هـ ) من الذين أفاضوا في تاريخهم من ذكر أخبار ابن سبأ معتمداً في ذلك على الإخباري سيف بن عمر . تاريخ الطبري ( 4/283 ، 326 ، 331 ، 340 ، 349 ، 398 ، 493 – 494 ، 505 ) .
15 - وأكد ابن عبد ربه ( ت 328هـ ) أن ابن سبأ و طائفته السبئية قد غلوّ في علي حينما قالوا : هو الله خالقنا ، كما غلت النصارى في المسيح ابن مريم عليه السلام . العقد الفريد ( 2/405) .
16 - و يذكر أبو الحسن الأشعري ( ت 330هـ ) في مقالات الإسلاميين (1/85) عبد الله بن سبأ وطائفته من ضمن أصناف الغلاة ، إذ يزعمون أن علياً لم يمت ، و أنه سيرجع إلى الدنيا فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً .
17 - و يذكر ابن حبان ( ت 354هـ ) في كتاب المجروحين ( 2/253) : ( أن الكلبي سبئياً من أصحاب عبد الله بن سبأ ، من أولئك الذين يقولون : إن علياً لم يمت ، وإنه راجع إلى الدنيا قبل قيام الساعة ) .
18 – يقول المقدسي ( ت 355هـ ) في كتابه البدء والتاريخ ( 5/129) : ( إن عبد الله بن سبأ قال للذي جاء ينعي إليه موت علي بن أبي طالب : لو جئتنا بدماغه في صرة لعلمنا أنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ) .
19 - و يذكر الملطي ( ت 377هـ ) في كتابه التنبيه و الرد على أهل الأهواء و البدع ( ص 18) فيقول : ( ففي عهد علي رضي الله عنه جاءت السبئية إليه وقالوا له : أنت أنت !! ، قال : من أنا ؟ قالوا : الخالق البارئ ، فاستتابهم ، فلم يرجعوا ، فأوقد لهم ناراً عظيمة وأحرقهم .
20 - و ذكر أبو حفص ابن شاهين ( ت 385هـ ) أن علياً حرّق جماعة من غلاة الشيعة ونفى بعضهم ، و من المنفيين عبد الله بن سبأ . أورده ابن تيمية في منهاج السنة (1/7) .
21 - و يذكر الخوارزمي ( ت 387هـ ) في كتابه مفاتيح العلوم (ص 22 ) ، أن السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ .
22 - و يرد ذكر عبد الله بن سبأ عند الهمذاني ( ت 415هـ ) في كتابه تثبيت دلائل النبوة (3/548) .(8/18)
23 - و ذكر البغدادي ( ت 429هـ ) في الفرق بين الفرق ( ص 15 و ما بعدها ) : أن فرقة السبئية أظهروا بدعتهم في زمان علي رضي الله عنه فأحرق قوماً منهم و نفى ابن سبأ إلى سباط المدائن إذ نهاه ابن عباس رضي الله عنهما عن قتله حينما بلغه غلوه فيه وأشار عليه بنفيه إلى المدائن حتى لا تختلف عليه أصحابه ، لاسيما و هو عازم على العودة إلى قتال أهل الشام .
24 - و نقل ابن حزم ( ت 456هـ ) في الفصل في الملل والنحل ( 4/186) : ( و القسم الثاني من الفرق الغالية الذين يقولون بالإلهية لغير الله عز وجل فأولهم قوم من أصحاب عبد الله بن سبأ الحميري لعنه الله ، أتوا إلى علي بن أبي طالب فقالوا مشافهة : أنت هو ، فقال لهم : ومن هو ؟ فقالوا : أنت الله ، فاستعظم الأمر و أمر بنار فأججت وأحرقهم بالنار ) .
25 - يقول الأسفرايني ( ت 471هـ ) في التبصرة في الدين ( ص 108) : ( إن ابن سبأ قال بنبوة علي في أول أمره ، ثم دعا إلى ألوهيته ، و دعا الخلق إلى ذلك فأجابته جماعة إلى ذلك في وقت علي ) .
26 - و يتحدث الشهرستاني ( ت548هـ ) في الملل والنحل (2/116، 155) عن ابن سبأ فيقول : ( و منه انشعبت أصناف الغلاة ) ، و يقول في موضع آخر : ( إن ابن سبأ هو أول من أظهر القول بالنص بإمامة علي ) .
27 – و ينسب السمعاني ( ت 562هـ ) في كتابه الأنساب ( 7/24) السبئية إلى عبد الله بن سبأ .
28 - و ترجم ابن عساكر ( ت 571هـ ) في تاريخه ( 29/3) لأبن سبأ بقوله : عبد الله بن سبأ الذي ينسب إلى السبئية ، و هم الغلاة من الرافضة ، أصله من اليمن ، و كان يهودياً وأظهر الإسلام .
29 - و يقول نشوان الحميري ( ت 573هـ ) في كتابه الحور العين ( ص 154) : ( فقالت السبئية إن علياً حي لم يمت ، ولا يموت حتى يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ، و يردّ الناس على دين واحد قبل يوم القيامة ) .(8/19)
30 - و يؤكد فخر الدين الرازي ( ت 606هـ ) في كتابه اعتقادات فرق المسلمين والمشركين (ص 57) ، كغيره من أصحاب المقالات والفرق خبر إحراق علي لطائفة من السبئية .
31 - و يذكر ابن الأثير ( ت 630هـ ) في كتابه اللباب ( ص 2/98) ارتباط السبئية من حيث النسبة بعبد الله بن سبأ . كما وأنه أورد روايات الطبري بعد حذف أسانيدها في كتابه الكامل ( 3/114، 144، 147، 147، 154 إلى غيرها من الصفحات ) .
32 - و ذكر السّكْسَكي ( ت 683هـ ) في كتابه البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان : ( أن ابن سبأ و جماعته أول من قالوا بالرجعة إلى الدنيا بعد الموت ) .
33 - و يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية ( ت 727هـ ) أن أصل الرفض من المنافقين الزنادقة ، فإنه ابتدعه ابن سبأ الزنديق ، و أظهر الغلو في علي بدعوى الإمامة والنص عليه ، وادعى العصمة له . أنظر مجموع الفتاوى ( 4/435) و ( 28/483) و في كثير من الصفحات في كتابه : منهاج السنة النبوية .
34 - و يرد ذكر عبد الله بن سبأ عند المالقي ( ت 741هـ ) في كتابه التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان ( ص 54) ، بقوله : ( و في سنة ثلاث و ثلاثين تحرك جماعة في شأن عثمان رضي الله عنه .. و كانوا جماعة منهم ، مالك الأشتر ، و الأسود بن يزيد .. و عبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء .
35 - و عند الذهبي ( ت 748هـ ) في كتابه المغني في الضعفاء (1/339) و في الميزان (2/426) : ( عبد الله بن سبأ من غلاة الشيعة ، ضال مضل ) ، و ذكره أيضاً في تاريخ الإسلام ( 2/122-123) .(8/20)
36 - وذكر الصفدي ( ت 764هـ ) في كتبه الوافي بالوفيات (17/20) في ترجمة ابن سبأ : ( عبد الله بن سبأ رأس الطائفة السبئية .. قال لعلي أنت الإله ، فنفاه إلى المدائن ، فلما قتل علي رضي الله عنه زعم ابن سبأ أنه لم يمت لأن فيه جزءاً إلهياً وأن ابن ملجم إنما قتل شيطاناً تصوّر بصورة علي ، و أن علياً في السحاب ، و الرعد صوته ، و البرق سوطه ، وأنه سينزل إلى الأرض ) .
37 - و ذكر ابن كثير ( ت 774هـ ) في البداية و النهاية (7/183) أن من أسباب تألب الأحزاب على عثمان ظهور ابن سبأ و صيرورته إلى مصر ، و إذاعته على الملأ كلاماً اخترعه من عند نفسه .
38 - و جاء في الفرق الإسلامية (ص 34) للكرماني ( ت 786هـ ) أن علياً رضي الله عنه لما قتل زعم عبد الله بن سبأ أنه لم يمت ، وأن فيه الجزء الإلهي .
39 - و يشير الشاطبي ( ت 790هـ ) في كتابه الاعتصام ( 2/197) إلى أن بدعة السبئية من البدع الاعتقادية المتعلقة بوجود إله مع الله ، و هي بدعة تختلف عن غيرها من المقالات .
40 - و ذكر ابن أبي العز الحنفي ( ت 792هـ ) في شرح العقيدة الطحاوية ( ص 578) أن عبد الله بن سبأ أظهر الإسلام و أراد أن يفسد دين الإسلام كما فعل بولص بدين النصرانية .
41 - و يعرف الجُرجاني ( ت 816هـ ) في كتابه التعريفات (ص 79) عبد الله بن سبأ بأنه رأس الطائفة السبئية .. و أن أصحابه عندما يسمعون الرعد يقولون : عليك السلام يا أمير المؤمنين .
42 - و يقول المقريزي ( ت 845هـ ) في الخطط ( 2/356-357) : ( أن عبد الله بن سبأ قام في زمن علي رضي الله عنه مُحدِثاً القول بالوصية والرجعة والتناسخ ) .
43 - و قد سرد الحافظ ابن حجر ( ت 852هـ ) في كتابه لسان الميزان ( 3/290) أخبار ابن سبأ من غير طريق سيف بن عمر ، ثم قال : ( و أخبار عبد الله بن سبأ شهيرة في التواريخ ، و ليس له رواية و الحمد لله ) .(8/21)
44 - و ذكر العيني ( ت 855هـ ) في كتابه عقد الجمان ( 9/168) : ( أن ابن سبأ دخل مصر وطاف في كورها ، و أظهر الأمر بالمعروف ، و تكلم في الرجعة ، و قررها في قلوب المصريين .
45 - و أكد السيوطي ( ت 911هـ ) في كتابه لب الألباب في تحرير الأنساب ( 1/132) نسبة السبئية إلى عبد الله بن سبأ .
46 - و ذكر السفارني ( ت 1188هـ ) في كتابه لوامع الأنوار (1/80) ضمن فرق الشيعة فرقة السبأية و قال : ( و هم أتباع عبد الله بن سبأ الذي قال لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أنت الإله حقاً ، فأحرق من أصحاب هذه المقالة من قدر عليه منهم فخدّ لهم أخاديد وأحرقهم بالنار .
47 - و يروي الزُّبيدي ( ت 1205هـ ) أن سبأ الوارد في حديث فروة بن مُسيك المرادي هو والد عبد الله بن سبأ صاحب السبئية من الغلاة . تاج العروس ( 1/75-76) ، و كلام الزبيدي هذا غير مقبول و يرده حديث فروة بن مسيك ، راجع صحيح سنن أبي داود (برقم (3373) و الترمذي ( برقم 3220) كتاب تفسير سورة سبأ ، و في الحديث زيادة تفصيل أن سبأ رجل من العرب ولد له عشرة من الأنبناء : سكن منهم ستة في اليمن و أربعة في الشام ، و هم أصول القبائل العربية : لخم و جذام و غسان .. الخ ، مما يدل على أن سبأ رجل متقدم جداً من أصول العرب ، فما علاقة ذلك بسبأ والد عبد الله صاحب السبئية ؟ !
48 - و تحدث عبد العزيز بن ولي الله الدهلوي ( ت 1239هـ ) في كتابه مختصر التحفة الاثنى عشرية ( ص 317 ) عن ابن سبأ بقوله : ( و من أكبر المصائب في الإسلام في ذلك الحين تسليط إبليس من أبالسة اليهود على الطبقة الثانية من المسلمين فتظاهر لهم بالإسلام وادعى الغيرة على الدين والمحبة لأهله .. و إن هذا الشيطان هو عبد الله بن سبأ من يهود صنعاء ، و كان يسمى ابن السوداء ، و كان يبث دعوته بخبث و تدرج و دهاء .(8/22)
49 - و محمد صديق حسن خان ( ت 1307هـ ) في خبيئة الأكوان في افتراق الأمم على المذاهب والأديان ( ص 8 ، 33 ، 44 ) .
هذا ما تيسر جمعه من أقوال العلماء ، و من سلف الأمة ، و هناك الكثير غيرهم ، و كلها تأكد و تجمع على ثبوت شخصية عبد الله بن سبأ اليهودي بكونه حقيقة لا خيال ، و كوني آثرت ذكر المتقدمين ، لأنه إذا ثبت عندهم ؛ فهم أعرف منا ، لأنه تسنى لهم الاطلاع على الكثير من الكتب التي تعد في زمننا هذا في عداد المفقود ، فهم الأصل الذي نحن عيال عليه ، نقتبس منه و نثبت ، كما وأن هناك الكثير من المثبتين لهذه الشخصية من المعاصرين ، راجع للأهمية كتاب : العنصرية اليهودية وآثارها في المجمع الإسلامي و الموقف منها للدكتور أحمد بن عبد الله بن إبراهيم الزغيبي ( 2 / 530-531 ) ، حيث ذكر عدداً كبيراً من المثبتين لشخصية ابن سبأ من المعاصرين .
ب – المثبتين لشخصية ابن سبأ من الشيعة :-
1 - ورد في تاريخ الطبري (5/193) على لسان أبي مخنف – لوط بن يحيى – ( ت 157هـ ) و هو يصف معقل بن قيس الرياحي والذي كلفه المغيرة بن شعبة والي معاوية على الكوفة بقتال المستورد بن علفة الخارجي و أصحابه ، فيصفه بأنه من السبئية المفترين الكذابين .
2 - الأصفهاني ( ت 283هـ ) ذكره الدكتور أحمد الزغيبي في كتابه العنصرية اليهودية ( 2/528) .
3 - أورد الناشئ الأكبر ( ت 293هـ ) في كتابه مسائل الإمامة ( ص 22-23 ) ما يلي : ( و فرقة زعموا أن علياً رضي الله عنه حي لم يمت ، و أنه لا يموت حتى يسوق العرب بعصاه ، و هؤلاء هم السبئية أصحاب عبد الله بن سبأ ، و كان عبد الله بن سبأ رجلاً من أهل صنعاء يهودياً .. و سكن المدائن .. ) .
4 – و نقل القمي ( ت 301هـ ) في كتابه المقالات و الفرق ( ص 20) أن عبد الله بن سبأ أول من أظهر الطعن على أبي بكر و عمر و عثمان والصحابة ، و تبرأ منهم ، وادّعى أن علياً أمره بذلك .(8/23)
5 - و يتحدث النوبختي ( ت 310هـ ) في كتابه فرق الشيعة ( ص 23 ) عن أخبار ابن سبأ فيذكر أنه لما بلغ ابن سبأ نعي علي بالمدائن ، قال للذي نعاه : كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة و أقمت على قتله سبعين عدلاً لعلمنا أنه لم يمت و لم يقتل ، و لا يموت حتى يملك الأرض .
6 - و يقول أبو حاتم الرازي ( ت 322هـ ) في كتابه الزينة في الكلمات الإسلامية ( ص 305 ) : ( أن عبد الله بن سبأ و من قال بقوله من السبئية كانوا يزعمون أن علياً هو الإله ، و أنه يحيي الموتى ، وادعوا غيبته بعد موته .
7 - و روى الكشي ( ت 340هـ ) في الرجال ( ص 98-99) بسنده إلى أبي جعفر محمد الباقر قوله : أن عبد الله بن سبأ كان يدّعي النبوة ، و يزعم أن أمير المؤمنين – عليه السلام – هو الله ، تعالى عن ذلك علواً كبيراً . و هناك أقوال مشابه عن جعفر الصادق و علي بن الحسين تلعن فيها عبد الله بن سبأ في ( ص 70 ، 100 ) من نفس الكتاب .
8 - و يذكر أبو جعفر الصدوق بن بابويه القمي ( ت 381هـ ) في كتاب من لا يحضره الفقه ( 1/213) ، موقف ابن سبأ و هو يعترض على علي رضي الله عنه رفع اليدين إلى السماء أثناء الدعاء .
9 - و جاء عند الشيخ المفيد ( ت 413هـ ) في كتاب شرح عقائد الصدور ( ص 257) ذكر الغلاة من المتظاهرين بالإسلام – يقصد السبئية – الذين نسبوا أمير المؤمنين علي والأئمة من ذريته إلى الألوهية والنبوة ، فحكم فيهم أمير المؤمنين بالقتل والتحريق بالنار .
10 - و قال أبو جعفر الطوسي ( ت 460هـ ) في كتبه تهذيب الأحكام ( 2/322) أن ابن سبأ رجع إلى الكفر وأظهر الغلو .
11 - و ابن شهر آشوب ( ت 588هـ ) في مناقب آل أبي طالب (1/227-228 ) .
12 - و ذكر ابن أبي الحديد ( ت 655هـ ) في شرح نهج البلاغة ( 2/99) ما نصه : ( فلما قتل أمير المؤمنين – عليه السلام – أظهر ابن سبأ مقالته ، و صارت له طائفة و فرقه يصدقونه و يتبعونه .(8/24)
13 - و أشار الحسن بن علي الحلّي ( ت 726هـ ) في كتابه الرجال (2/71) إلى ابن سبأ ضمن أصناف الضعفاء .
14 - و يرى ابن المرتضى ( ت 840هـ ) – و هو من أئمة الشيعة الزيدية - ، أن أصل التشيع مرجعه إلى ابن سبأ ، لأنه أول من أحدث القول بالنص في الإمامة . تاج العروس لابن المرتضى ( ص 5 ، 6 ) .
15 - و يرى الأردبيلي ( ت 1100هـ) في كتاب جامع الرواة (1/485) أن ابن سبأ غال ملعون يزعم ألوهية علي و نبوته .
16 - والمجلسي ( ت 1110هـ ) في بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار (25/286-287 ) .
17 - يقول نعمة الله الجزائري ( ت 1112هـ ) في كتابه الأنوار النعمانية ( 2/234) : ( قال عبد الله بن سبأ لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أنت الإله حقاً فنفاه علي عليه السلام إلى المدائن و قيل إنه كان يهودياً فأسلم وكان في اليهودية يقول في يوشع بن نون و في موسى مثل ما قال في علي .
18 - طاهر العاملي ( ت 1138هـ ) في مقدمة مرآة الأنوار و مشكاة الأسرار في تفسير القرآن (ص62 ) .
19 - و عند المامقاني ( ت 1323هـ ) في كتابه تنقيح المقال في أحوال الرجال (2/183) جاء ذكر ابن سبأ ضمن نقولات عدة ساقها المؤلف من مصادر شيعية متقدمة عليه .
20 - أما محمد حسين المظفري ( ت 1369هـ ) و هو من الشيعة المعاصرين الذين لا ينكرون وجود ابن سبأ وإن كان ينفي أن يكون للشيعة به أي اتصال . تاريخ الشيعة ( ص 10 ) .
21 - أما الخوانساري فقد جاء ذكر ابن سبأ عنده على لسان جعفر الصادق الذي لعن ابن سبأ لاتهامه بالكذب والتزوير . روضات الجنات (3/141) .
ثانياً : المنكرون وجود عبد الله بن سبأ من الفريقين ..
أ – المنكرون لوجود ابن سبأ من أهل السنة ومن حسب عليهم :-
1 – الدكتور : طه حسين ، يقف طه حسين عل رأس الكتّاب المحدثين الذين شككوا في وجود ابن سبأ بل و أنكروه . أنظر كتاب الفتنة الكبرى – عثمان – ( ص 132 ) ، و علي و بنوه ( ص 90 ) .(8/25)
2 - الدكتور : علي سامي النشار ، و هو يأتي بعد طه حسين في إنكاره لشخصية ابن سبأ واعتبارها شخصية وهمية . راجع كتاب نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام (2/ 38 – 39 ) .
3 - الدكتور : حامد حنفي داود ، و هو من الذين تأثروا بكتابات الشيعة حول شخصية ابن سبأ فأنكر وجودها ، و ذلك عندما قام بكتابة المقدمة المتعلقة بكتاب ( عبد الله بن سبأ و أساطير أخرى ) و من ضمن ما قال : ( و أخيراً يسرني أن أعلن إعجابي بهذا السفر الجليل لصاحبه العلامة المحقق السيد مرتضى العسكري ) ، أما رأيه في عبد الله بن سبأ فأوضحه بقوله : ( و لعل أعظم هذه الأخطاء التاريخية التي أفلتت من زمام هؤلاء الباحثين وغمّ عليهم أمرها فلم يفقهوها و يفطنوا إليها هذه المفتريات التي افتروها على علماء الشيعة حين لفقوا عليهم قصة عبد الله بن سبأ فيما لفقوه من قصص . (1/ 18، 21 ) .
و ضمن كتابه : التشيع ظاهرة طبيعية في إطار الدعوة الإسلامية ( ص 18 ) .
4 – و هناك أيضاً الدكتور : محمد كامل حسين في كتابه : أدب مصر الفاطمية ( ص 7 ) .
5 – و أيضاً : عبد العزيز الهلابي في كتابه عبد الله بن سبأ ( ص 73) ، حيث حجب هذا الشخص الغموض الذي أثاره غيره من المشككين في وجود ابن سبأ فلازم الإنكار .
6 – و الشيء بالشيء يذكر يعتبر الأستاذ حسن بن فرحان المالكي تلميذ المذكور أعلاه من المنكرين لوجود ابن سبأ ، و في أحيان أخرى ينكر دور ابن سبأ في الفتنة . راجع كلامه في جريدة المسلمون الأعداد ( 657 ، 658 ) .
7 - ومن المنكرين و المتشكيين والمترددين في إثبات و نفي شخصية عبد الله بن سبأ ، الدكتور : جواد علي في مقال له بعنوان ( عبد الله بن سبأ ) منشور في مجلة المجمع العلمي العراقي المجلد السادس ( ص 84 ، 100 ) و أيضاً في مجلة الرسالة العدد ( 778 ) ( ص 609-610 ) .(8/26)
8 - و أيضاً الدكتور : محمد عمارة في كتابه الخلافة و نشأة الأحزاب الإسلامية ( ص 154-155 ) ، فيقول : ( وتنسب أغلب مصادر التاريخ والفكر الإسلامي إلى ابن السوداء هذا نشاط عظيماً و جهداً خرافياً ) ، و يقول : ( فإن وجود ابن سبأ على فرض التسليم بوجوده ) إلى غيرها من النقولات .
9 - و الدكتور : عبد الله السامرائي في كتابه الغلو والفرق الغالية في الحضارة الإسلامية ( ص 86 ) ، إلا أنه يثبت وجود الأفكار التي تنسب إلى عبد الله بن سبأ ، من غير جزم بوجود صاحبها .
ب - المنكرون لوجود ابن سبأ من الشيعة :-
1 - محمد الحسين كاشف الغطاء ، في كتابه أصل الشيعة و أصولها ( ص 61 ) يقول : ( على أنه لا يستبعد أن يكون هو – أي عبد الله بن سبأ – و مجنون بني عامر و أبو هلال .. وأمثالهم أحاديث خرافية وضعها القصاص لتزجية الفراغ و شغل أوقات الناس ) .
2 - مرتضى العسكري و له كتابان في هذا الموضوع ، ينفي فيهما وجود ابن سبأ من الأصل ، و يعتبر مرتضى هذا من أكثر الشيعة المحدثين اهتماماً بمسألة عبد الله بن سبأ . الكتاب الأول بعنوان : ( عبد الله بن سبأ بحث حول ما كتبه المؤرخون والمستشرقون ابتداء من القرن الثاني الهجري ) . و رمز له بالجزء الأول . الكتاب الثاني بعنوان : ( عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى ) .
3 - محمد جواد مغنيه ، و قد ذكر ذلك في تقديمه لكتاب عبد الله بن سبأ و أساطير أخرى لمرتضى العسكري (1/12 ) . و كتاب التشيع ( ص 18 ) .
4 - الدكتور علي الوردي ، في كتاب و عاظ السلاطين ( ص273- 276 ) ، يقول : ( يخيل إلى أن حكاية ابن سبأ من أولها إلى آخرها كانت حكاية متقنة الحبك رائعة التصوير ) ، و يعتبر علي الوردي صاحب بدعة القول بأن ابن السوداء و هو عمار بن ياسر رضي الله عنه ، ( ص 278) .(8/27)
5 – عبد الله الفياض في كتابه تاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة ( ص 95 ) ، يقول : ( يبدوا أن ابن سبأ كان شخصية إلى الخيال أقرب منها إلى الحقيقة ) .
6 - الدكتور كامل مصطفى الشيبي في كتاب الصلة بين التصوف والتشيع ( ص 41 ) ، و قد تابع الدكتور علي الوردي في كلامه حول كون عمار بن ياسر هو ابن السوداء ، ( ص 88 ) .
7 – طالب الرفاعي في التشيع ظاهرة طبيعية في إطار الدعوة الإسلامية ( ص 20 ) .
و لعل هذا النفي شبه الجماعي من قبل أولئك الباحثين الشيعة لشخصية عبد الله بن سبأ ، هو بغرض نفي التأثير اليهودي في عقائد الشيعة ، و تبرئة ساحتهم من عبد الله بن سبأ ، و لكن أنى لهم ذلك .
و قد أعجبتني مقولة للدكتور سعدي الهاشمي يقول فيها : ( و بهذه النقول والنصوص الواضحة المنقولة من كتب القوم ( الشيعة ) تتضح لنا حقيقة شخصية ابن سبأ اليهودي ، و من طعن من الشيعة في ذلك فقد طعن في كتبهم التي نقلت لعنات الأئمة المعصومين – عندهم – على هذا اليهودي ( ابن سبأ ) و لا يجوز و لا يتصور أن تخرج اللعنات من المعصوم على مجهول ، و كذلك لا يجوز في معتقد القوم تكذيب المعصوم ) . ابن سبأ حقيقة لا خيال ( ص 76 ) .
جـ – المثبتون لوجود ابن سبأ من المستشرقين :-
اهتم المستشرقون بمسألة عبد الله بن سبأ و درسوا ما جاء عنه ، و نحن لسنا بحاجة إلى قيام أمثال هؤلاء الحاقدين لإثبات شخصية ابن سبأ لنثبت شخصيته بدورنا ، لكن تطرقت لذكرهم فقط من باب بيان أن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها ، كما فعل أبي هريرة رضي الله عنه عندما تعلم فضل سورة آية الكرسي من إبليس لعنه الله . البخاري مع الفتح (4/487- 488 ) .(8/28)
1 - المستشرق الألماني : يوليوس فلهاوزن (1844- 1918م ) ، يقول : ( ومنشأ السبأية يرجع إلى زمان علي و الحسن ، و تنسب إلى عبد الله بن سبأ و كما يتضح من اسمه الغريب فإنه كان أيضاً يمنياً و الواقع أنه من العاصمة صنعاء ، و يقال أنه كان يهودياً ) . في كتابه : الخوارج والشيعة ( ص 170-171 ) .
2 - المستشرق : فان فلوتن ( 1866- 1903م ) ، يرى أن فرقة السبأية ينتسبون إلى عبد الله بن سبأ فيقول : ( وأما السبأية أنصار عبد الله بن سبأ الذي كان يرى أحقية علي بالخلافة منذ أيام عثمان ، فكان يعتقدون أن جزءاً إلهياً تجسد في علي ثم في خلفائه من بعده . السيادة العربية والشيعية و الإسرائيليات في عهد بني أمية (ص 80 ) .
3 - المستشرق الإيطالي : كايتاني ( 1869-1926م ) ، يخلص هذا المستشرق في بحثه الذي نشره في حوليات الإسلام الجزء الثامن من سنة (33-35هـ ) إلى أن ابن سبأ موجود في الحقيقة لكنه ينكر روايات سيف بن عمر في تاريخ الطبري والتي تشير إلى أن المؤامرة التي أطاحت بعثمان ذات أسباب دينية ، كما وأنه ينكر أن تكون آراء ابن سبأ المؤلهة لعلي قد حدثت في أيامه ، و ينتهي إلى القول بأن هذه الآراء وليدة تصورات الشيعة في النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة .
4 - المستشرق : ليفي ديلافيدا ( المولود عام 1886م ) ، حيث مرّ بعبد الله بن سبأ و هو يتحدث عن خلافة علي من خلال كتاب أنساب الأشراف للبلاذري .
5 - المستشرق الألماني : إسرائيل فريد لندر ، وقد كتب مقالاً عن عبد الله بن سبأ في المجلة الآشورية العددين من سنة (1909م ، ص 322) و(1910م ، ص 23) بعنوان : ( عبد الله بن سبأ مؤسس الشيعة وأصله اليهودي ) و قد خلص في بحثه هذا الذي يربوا على الثمانين صفحة إلى القول بأنه لا يتشكك مطلقاً في شخصية ابن سبأ .(8/29)
6 – المستشرق المجري : جولد تسيهر ( 1921م ) ، يقول : ( كما أن الإغراق في تأليه علي الذي صاغه في مبدأ الأمر عبد الله بن سبأ ) . في كتابه : العقيدة والشريعة في الإسلام ( ص 205 ) .
7 - رينولد نكلس ( 1945م ) ، يقول في كتابه تاريخ الأدب العربي (ص215 ) : ( فعبد الله بن سبأ الذي أسس طائفة السبأيين كان من سكان صنعاء اليمن ، و قد قيل إنه كان من اليهود و قد أسلم في عهد عثمان و أصبح مبشراً متجولاً ) .
8 - داويت . م . رونلدسن ، يقول : ( فقد ظهر منذ زمن عثمان داعية متنقل اسمه عبد الله بن سبأ قطع البلاد الإسلامية طولاً و عرضاً يريد إفساد المسلمين كما يقول الطبري ) . عقيدة الشيعة ( ص 85 ) .
9 - المستشرق الإنجليزي : برنارد لويس ، فهو يرى أن عبد الله بن سبأ هو أصل التشيع . راجع كلامه في كتابه : أصول الإسماعيلية ( ص 86 ) .
هذه أهم الكتابات الاستشراقية في موضوع عبد الله بن سبأ ، و هناك غير هؤلاء الكثير ، راجع للأهمية كتاب : عبد الله بن سبأ و أثره في أحداث الفتنة في صدر الإسلام للدكتور سليمان العودة ( ص 73 ) .(8/30)
أما المنكرون لشخصية ابن سبأ من المستشرقين ، فهم فئة قليلة و الذين وقفوا في شخصية ابن سبأ و أصبحت عندهم مجرد خرافة و محل شك ، و ليس هناك من داع لذكرهم ، لعدم انتشار أفكارهم بخلاف المثبتين فهم من المستشرقين المعروفين والذين يعتمد عليهم الكثير ممن تأثر بفكر الاستشراق ، و كان هدف هؤلاء المستشرقين من ذلك التشكيك أو الإنكار هو ادعاء أن الفتن إنما هي من عمل الصحابة أنفسهم ، و أن نسبتها إلى اليهود أو الزنادقة هو نوع من الدفاع عن الصحابة لجأ إليها الإخباريون والمؤرخون المسلمون ليعلقوا أخطاء هؤلاء الصحابة على عناصر أخرى ، على أن إنكار بعضهم لشخصية ابن سبأ إنما يرجع إلى رغبتهم في الانتهاء إلى النتيجة التالية : لا حاجة لمخّرب يمشي بين الصحابة ، فقد كانت نوازع الطمع و حب الدنيا والسلطة مستحوذة عليهم ، فراحوا يقاتلون بعضهم عن قصد و تصميم ، و القصد من ذلك الإساءة إلى الإسلام و أهله ، و إلقاء في روع الناس أن الإسلام إذا عجز عن تقويم أخلاق الصحابة و سلوكهم وإصلاح جماعتهم بعد أن فارقهم الرسول صلى الله عليه وسلم بمدة وجيزة ، فهو أعجز أن يكون منهجاً للإصلاح في هذا العصر . أنظر : تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة للدكتور : محمد أمحزون (1/314) .
أدلة من أنكر شخصية عبدالله بن سبأ والرد عليهم
يمكن أن أحصر أدلتهم فيما يلي ، ثم أتبع كل شبهة من أدلتهم بالإجابة عنها :-
أولاً : قالوا : إعراض المؤرخين عن ذكر ابن سبأ أو ابن السوداء في حرب صفين ، و كونه غاب عنها ، و كيف له أن يغيب عن هذا المعركة و هو الذي كان يصول و يجول في حرب الجمل ، لهذا لم يستطع المؤرخون الإجابة على هذا السؤال المحير ! و هذا مما يدل على أنه غير موجود .(8/31)
الرد عليه : إن المؤرخين عند حديثهم عن موضوع معين لا يلتزمون بذكر كل تفاصيل ما جرى في الأحداث والوقائع التي ذكروها في كتبهم ، هذا على افتراض مشاركة ابن سبأ في حرب صفين ، و على افتراض عدم مشاركته في حرب صفين ، هل يعد ذلك دليلاً على عدم وجوده ، فيعارض به ما أثبته المؤرخون من وجود ابن سبأ و ما كان له من دور ؟! و في اعتقادي أن هذه الشبهة لا تقوى على ما أثبته المؤرخون والمحققون من سنة و شيعة من وجود ابن سبأ .
ثانياً : قالوا : إن أخبار ابن سبأ إنما انتشرت بين الناس عن طريق الطبري ، والطبري أخذها عن سيف بن عمر ، إذاً فسيف هو المصدر الوحيد لأخبار ابن سبأ ، و سيف هذا كذاب ضعفه علماء الجرح والتعديل .
الرد عليه و سيكون على ثلاثة فروع :-
أ – كون الطبري هو المصدر الوحيد لأخبار ابن سبأ ، و هذه الأخبار جميعها جاءت من طريق سيف بن عمر .
الرد : هذه شبهة باطلة إذ لم ينفرد الطبري وحده بروايات سيف ، بل هناك روايات لسيف تتحدث عن ابن سبأ لا توجد عند الطبري ، و مثاله :
1 - من طريق ابن عساكر ( ت 571هـ ) في تاريخه (29/9 ) ، وقد أورد رواية من طريق سيف بن عمر ليست عند الطبري .
2 - من طريق المالقي ( ت 741هـ ) في كتابه التمهيد و البيان ( ص 54 ) و قد أورد رواية ليست عند الطبري من طريق سيف بن عمر .
3 - من طريق الذهبي ( ت 748هـ ) في كتابه تاريخ الإسلام ( 2/122-123) و هذه الرواية أيضاً غير موجودة في الطبري .
فهذه الطرق الثلاثة تدلنا على أن الطبري لم ينفرد بروايات سيف بن عمر عن ابن سبأ ، و أنه ليس المصدر الوحيد لهذه الأخبار .
ب – كون سيف بن عمر هو المصدر الوحيد لأخبار ابن سبأ .(8/32)
الرد : هذه الشبهة أيضاً غير صحيحة ، فقد ثبتت روايات ذكر فيها ابن سبأ لم يكن سيف في سندها ، و إن الذي يتبين لنا من خلال البحث والتنقيب أن سيف بن عمر ليس هو المصدر الوحيد لأخبار عبد الله بن سبأ ، و سأورد هنا عدد من النصوص لابن عساكر تذكر ابن سبأ لا ينتهي سندها إلى سيف بن عمر ، و قد اخترت تاريخ ابن عساكر بالذات لأنه يعتمد في روايته للأخبار على السند كما هو حال الطبري في تاريخه .
الرواية الأولى : ذكرها ابن عساكر بسنده إلى الشعبي ، قال : أول من كذب عبد الله بن سبأ .
الرواية الثانية : ذكرها ابن عساكر بسنده إلى عمار الدهني ، قال : سمعت أبا الطفيل يقول : رأيت المسيب بن نجبة أتى به يلببة - يعني ابن السوداء - ، و علي على المنبر ، فقال علي : ما شأنه ؟ فقال : يكذب على الله وعلى رسوله .
الرواية الثالثة : ذكرها ابن عساكر بسنده إلى زيد بن وهب عن علي قال : ما لي و ما لهذا الحميت الأسود ؟ .
الرواية الرابعة : ذكرها ابن عساكر بسنده إلى شعبة عن سلمة قال : قال سمعت أبا الزعراء يحدث عن علي عليه السلام قال : ما لي وما لهذا الحميت الأسود ؟ .
الرواية الخامسة : ذكرها ابن عساكر بسنده إلى شعبة عن سلمة بن كهيل عن زيد قال : قال علي بن أبي طالب ما لي ولهذا الحميت الأسود ؟ - يعني عبد الله بن سبأ – وكان يقع في أبي بكر وعمر .
الرواية السادسة : ذكرها ابن عساكر بسنده إلى سلمة بن كهيل عن حجية بن عدي الكندي قال : رأيت علياً كرم الله وجهه وهو على المنبر ، وهو يقول : من يعذرني من هذا الحميت الأسود ، الذي يكذب على الله ورسوله ؟ - يعني ابن السوداء – لولا أن لا يزال يخرج عليّ عصابة تنعى عليّ دمه كما أدّعيت عليّ دماء أهل النهر ، لجعلت منهم ركاماً .(8/33)
الرواية السابعة : ذكرها ابن عساكر بسنده إلى أبو الأحوص عن مغيرة عن سماك قال : بلغ عليا أن ابن السوداء ينتقص أبا بكر وعمر ، فدعا به ، ودعا بالسيف - أو قال : فهمّ بقتله - فكُلّم فيه ، فقال : لا يساكني ببلد أنا فيه . قال : فسيره إلى المدائن . تاريخ دمشق لابن عساكر ( 29/ 7-10 ) .
للمزيد حول ورود روايات عبد الله بن سبأ من غير طريق سيف بن عمر راجع الحلقة ( 3 و 4 ) من سلسلة مقالات عبد الله بن سبأ .
جـ – كون سيف بن عمر ( ت 180هـ ) كذاب ضعفه علماء الجرح والتعديل .
الرد : مكانة سيف بن عمر (ت 180هـ ) بين الجرح والتعديل ، حتى تكون الصورة واضحة للقارئ .
أولاً : سيف بن عمر محدثاً :-
يقول النسائي في الضعفاء والمتروكين ( ص 14 ) : ( سيف بن عمر الضبي ضعيف ) . وذكر ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ( 2/278 ) أن سيف بن عمر : ( متروك الحديث ، يشبه حديثه حديث الواقدي ) . و عند ابن معين في نفس المصدر (2/278 ) أن سيفاً ضعيف الحديث . و ذكره الذهبي فيمن له رواية في الكتب الستة ، واكتفى بالقول : ( ضعفه ابن معين و غيره ) .الكاشف (1/416 ) . و في المغني في الضعفاء ( ص 292) قال الذهبي : ( سيف بن عمر التميمي الأسدي له تواليف متروك باتفاق ) . و عند ابن حجر في التقريب (1/344 ) : ( سيف ضعيف الحديث ) . و يقول ابن حبان في المجروحين (1/345) : ( سيف بن عمر الضبي الأسدي من أهل البصرة اتهم بالزندقة .. يروي الموضوعات عن الأثبات ) .
هذا بالنسبة لسيف بن عمر و كونه محدثاً ، لكن فما عساه يكون إخبارياً مؤرخاً ؟!(8/34)
هنا لا بد و قبل أن أذكر أقوال أهل العلم فيه أن أنبه أنه لا بد من التفريق بين رواية ( الحديث ) و رواية الأخبار الأخرى ، فعلى الأولى تبنى الأحكام و تقام الحدود ، فهي تتصل مباشرة بأصل من أصول التشريع ، و من هنا تحرز العلماء –رحمهم الله – في شروط من تأخذ عنه الرواية ، لكن يختلف الأمر بالنسبة لرواية الأخبار ، فهي وإن كانت مهمة – لا سيما حينما يكون مجالها الإخبار عن الصحابة – إلا أنها لا تمحص كما يمحص الحديث ، و من هنا فلا بد من مراعاة هذا القياس و تطبيقه على ( سيف ) بكونه محدثاً ، و إخبارياً . راجع للأهمية كتاب : تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة محمد أمحزون (1/82-143) فقد تحدث عن هذا الموضوع فأجاد .
نعود إلى كتب الرجال نفسها فنجد الآتي :-
يقول الذهبي في ميزان الاعتدال (2/255 ) : ( كان إخبارياً عارفاً ) . و يقول ابن حجر في تقريب التهذيب ( 1/344 ) : ( عمدة في التاريخ ) . أما اتهام ابن حبان لسيف بالزندقة فيجيب عنه ابن حجر في التقريب (1/344 ) بقوله : ( أفحش ابن حبان القول فيه ) . ولا يصح اتهام سيف بالزندقة دون دليل ، إذ كيف نفسر رواياته في الفتنة و حديثه عما جرى بين الصحابة ، فأسلوبه الذي روى به تلك الأحداث أبعد ما يكون عن أسلوب الزنادقة ، و هو الذي فضح و هتك ستر الزنادقة أمثال ابن سبأ !!
و بعد هذا لا يشك أحد أن رواية سيف مرشحة على غيره من الإخباريين أمثال أبي مخنف و الواقدي وابن الكلبي ، و غيرهم الكثير ، فإن روايات سيف تتفق و تنسجم مع الروايات الصحيحة المروية عن الثقات ، علاوة على أنها صادرة و مأخوذة عمن شاهد تلك الحوادث أو كان قريباً منها . للمزيد حول هذا الموضوع راجع كتاب : استشهاد عثمان و وقعة الجمل رواية سيف بن عمر ، للدكتور خالد بن محمد الغيث ( ص 19- 40 ) ، و عبد الله بن سبأ و أثره في أحداث الفتنة في صدر الإسلام للدكتور :سليمان العودة ( ص 104- 110 ) .(8/35)
ثالثاً : قالوا : لم يكن لابن سبأ وجود ، و إنما هو في الحقيقة شخصية رمزت لعمار بن ياسر ، ثم ساقوا عدد من الدعائم التي تؤيد هذا القول ، منها :-
1 - كان ابن سبأ يعرف بابن السوداء ، و عمار كان يكنى بابن السوداء أيضاً .
2 - كلاهما من أب يماني ، و ينسبون إلى سبأ بن يشجب أصل أهل اليمن .
3 - كلاهما كان شديد الحب لعلي ، و من محرضي الناس على بيعته .
4 - ذهاب عمار إلى مصر أيام عثمان و أخذ يحرض الناس على عثمان ، و مثل هذا ينسب إلى ابن سبأ .
5 - ينسب إلى ابن سبأ القول بأن عثمان أخذ الخلافة بغير حق ، و أن صاحبها الشرعي هو علي ، و هذا نفسه كان يقول به عمار .
6 - و يشترك الاثنان في عرقلة مساعي الصلح في معركة الجمل .
7 - قالوا عن ابن سبأ أنه هو المحرك لأبي ذر في دعوته الاشتراكية ! و صلة عمار بأبي ذر وثيقة جداً .
الرد : هذا الرأي الذي خلصوا إليه ، إنما يدل على جهل صاحبه ، و هذا الرأي ترده كتب الجرح والتعديل و كتب الرجال الموثقة عند الشيعة ، فهي تذكر عمار بن ياسر ضمن أصحاب علي والرواة عنه ، و هو أحد الأركان الأربعة عندهم ، ثم هي تذكر في موضع آخر ترجمة عبد الله بن سبأ في معرض السب واللعنة . أنظر : رجال الطوسي ( ص 46 ، 51 ) و رجال الحلي ( ص 255 ، 469 ) . فهل يمكن اعتبار الرجلين شخصية واحدة بعد ذلك ؟!(8/36)
كما وأن عوامل توافق الشخصيتين ذهاب كل منهما إلى مصر زمن عثمان ، فإن استقراء النصوص ومعرفة تاريخها يعطي مفهوماً غير الذي فهمه النافين لوجود ابن سبأ ، و بالتالي ينتصب هذا العامل دليلاً على استقلال كل من الشخصيتين ، فعمار إنما بعثه عثمان إلى مصر سنة ( 35هـ ) ، بينما كان ظهور ابن سبأ سنة ( 30هـ ) كما في الطبري (4/241) ، و هو الذي ساق الخبرين ، و شيء آخر و هو أن الطبري نفسه أورد أن من الذين استمالوا عماراً في مصر قوم منهم عبد الله بن سبأ . الطبري (4/341) ، وانظر أيضاً : البداية والنهاية لابن كثير (7/167) و الكامل في التاريخ لابن الأثير (3/77) و تاريخ ابن خلدون ( 2/1034) فهؤلاء هو كبار المؤرخين و هم جميعاً أثبتوا الشخصيتين ؛ شخصية ابن سبأ و شخصية عمار بن ياسر ، فكيف لعاقل بعد ذلك أن يقول إنهما شخص واحد ؟!
و أما قولهم بأن عمار كان يمانياً ، فكل يماني يصح أن يقال له ابن سبأ ، فهذا غير صحيح ، فليست سبأ إلا جزءاً من بلاد اليمن الواسعة كما قال بذلك ياقوت في معجم البلدان (3/181 ) .
وأما قولهم بأن عمار كان يقول بأن عثمان قد أخذ الخلافة بغير حق ، و أن صاحبها الشرعي هو علي ، فإن هذه المقولة زَعْم يحتاج إلى دليل ، بل الثابت أن عثمان رضي الله عنه كان يثق بعمار و هو الذي أرسله إلى مصر لضبط أمورها . راجع الطبري ( 4/341) .
كما وأن التشابه في الكنى لا يجعل من الرجلين شخصية واحدة ، كما وأن الظروف التاريخية وطابع كل من الشخصيتين لا تسمحان لنا بقبول هذا الرأي . وإن نظرة واحدة إلى كتب التراجم والرجال لتعطي القارئ فكرة واسعة في سبب قيام علماء الجرح والتعديل بتأليف الكتب التي تحتوي على المتشابه من الأسماء والكنى .
و شيء مهم آخر و هو أن عمار قتل يوم صفين ، في حين بقي ابن سبأ إلى بعد مقتل علي رضي الله عنه ، فهل بعد هذا يكون عمار بن ياسر هو عبد الله بن سبأ ؟!(8/37)
رابعاً : قالوا : لم يكن لابن سبأ وجود في الحقيقة ، و إنما هو شخصية وهمية انتحلها أعداء الشيعة بهدف الطعن في مذهبهم و نسبته إلى رجل يهودي .
الرد : إن هذه دعوى لا تقوم عليها حجة ، فكما أنكم ادعيتم هذا ، فلغيركم أيضاً أن يدعي ما شاء ، لكن العبرة بالحجة والدليل ، فزعمكم أن هذه القصة قد اختلقها أهل السنة للتشنيع على الشيعة ، ليس لها دليل ، و قد كان عليكم قبل أن تلقوا بظلال الشك جزافاً – و ذلك دأبكم – أن تتأكدوا على الأقل من أن هذه القصة لم ينفرد بها أهل السنة فقط ، فهذا الزعم باطل لأن مصادر الشيعة هي الأخرى أثبتت – كما سلف – وجود ابن سبأ . و بهذا يسقط اعتراضكم على القصة بزعمكم أنها من مفتريات أهل السنة .
و بعد هذا الذي ذكرت و هذه الشبهات التي أبطلت ، أستطيع أن أقول : إن سبب إنكار الشيعة لوجود ابن سبأ إلى عقيدتهم التي بثها و تسربت إلى فرق الشيعة ، و هي عقيدة تتنافى مع أصول الإسلام ، و تضع القوم موضع الاتهام والشبهة ، هذا من جهة ، و من جهة أخرى لما للعداء التاريخي في نفوس الشيعة نحو الصحابة ، و رغبة لإظهارهم بأنهم هم الذين أثاروا الفتنة بينهم .
و في الختام يتأكد بعد استقراء المصادر سواء القديمة والمتأخرة عند السنة والشيعة أن وجود عبد الله بن سبأ كان وجوداً حقيقياً تؤكده الروايات التاريخية ، و تفيض فيه كتب العقائد ، و ذكرته كتب الحديث والرجال والأنساب والطبقات و الأدب واللغة ، و سار على هذا النهج كثير من المحققين والباحثين المحدثين(8/38)
دور هذا اليهودي في إشعال نار الفتنة على عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وأحب أن أنبه أنه وأثناء الحديث قد لا نتطرق لذكر ابن سبأ في بعض الأحيان ، و هذا لا يعني أنه غير موجود أو أنه ليس له دور ، بل ثبت بالدليل الصحيح الصريح أن اليد الخفية التي كانت تدير المؤامرة و تحرك الفتنة ، هي يد ذلك اليهودي الخبيث عبد الله بن سبأ ، كما وأننا لن نتطرق أيضاً لذكر المآخذ التي أخذت على عثمان بزعم مثيري الفتنة ، و ذلك لأنه ليس هذا مجال ذكرها ، و لعل الله ييسر لنا كتابتها في مقال مستقل مع التعليق عليها إن شاء الله .
بذور الفتنة : السبب الرئيسي ، رجل يقال له عبد الله بن سبأ : و شهرته ابن السوداء لأن أمه كانت سوداء من الحبشيات . و هو من صنعاء و كان يهودياً من يهود اليمن . أظهر الإسلام و باطنه الكفر ، ثم انتهج التشيع لعلي رضي الله عنه ، و هو الذي تنسب إليه فرقة السبئية الذين قالوا بألوهية علي و خبر إحراق علي بن أبي طالب رضي الله عنه لطائفة منهم تكشف عنه الروايات الصحيحة في كتب الصحاح و السنن و المساند . انظر: المحبَّر لابن حبيب ( ص308 ) . تاريخ الطبري (4/340) . و تاريخ دمشق لابن عساكر (29/3) و كتاب : ابن سبأ حقيقة لا خيال لسعدي مهدي الهاشمي ، و كتاب عبد الله بن سبأ و أثره في أحداث الفتنة في صدر الإسلام لسليمان العودة ، و مقال حقيقة ابن السوداء في جريدة المسلمون للدكتور سليمان العودة ، العدد (652-653) . و خبر إحراقهم عند : أبي داود في سننه (4/520) و النسائي (7/104) و الحاكم في المستدرك (3/538-539) و صححه الألباني في صحيح أبي داود (3/822) .(8/39)
فلما رأى هذا الرجل أن أمر الإسلام بدأ ينتشر بهذه الصورة و بدأ يظهر ، رأى أن هذا الأمر ليس له إلا فتنة من داخله ، و كان بمنتهى الخبث ، فأول ما بدأ ، بدأ بالمدينة ، و كانت المدينة يومها ملأى بالعلماء ، فدُحر بالعلم ، كلما رمى شبهة رُد عليها ، فمن شبهه أنه أظهر بعض العقائد اليهودية ، مثل القول بالرجعة ؛ أي رجعة الرسول صلى الله عليه وسلم و استدل بقوله تعالى :{ إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد}[ القصص/85] ، و ذكر تعجبه للناس ممن يصدق برجعة عيسى عليه السلام و يكذب برجعة محمد صلى الله عليه وسلم ، و ما كان قوله هذا إلا وسيلة للوصول إلى ما هو أكبر من ذلك ، حيث قال بعد ذلك برجعة علي رضي الله عنه و أنه سيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ، و هكذا . انظر : عبد الله بن سبأ و دوره في أحداث الفتنة في صدر الإسلام لسليمان العودة (ص208) ، واستشهاد عثمان و وقعة الجمل لخالد الغيث ( ص 70-86 ) .
و للرد عليهم أشير إلى أن الآية التي استدل بها السبئية دليل عليهم ، و قد نقل ابن كثير في تفسيره (3/345) ، أقوال العلماء في ذلك ، فمنهم من يقول : رادك يوم القيامة فيسألك عما استرعاه من أعيان أعباء النبوة . و منهم من يقول : رادك إلى الجنة ، أو إلى الموت ، أو إلى مكة . و قد أورد البخاري عن ابن عباس القول بالرد إلى مكة . البخاري مع الفتح (8/369) و الطبري في التفسير (10/80-81) .
و قد سأل عاصم بن ضمرة (ت74هـ ) الحسن بن علي فيما يزعمه الشيعة بأن علياً رضي الله عنه سيرجع ، فقال : كذب أولئك الكذّابون ، لو علمنا ذلك ما تزوج نساؤه و لا قسمنا ميراثه . المسند (1/148) .(8/40)
و في الطبقات لابن سعد (3/39) . ورد ذكر السبئية و أفكار زعيمها و إن كان لا يشر إلى ابن سبأ بالاسم ، فعن عمرو بن الأصم قال : ( قيل للحسن بن علي : إن ناساً من شيعة أبي الحسن علي رضي الله عنه يزعمون أنه دابة الأرض و أنه سيبعث قبل يوم القيامة ، فقال : كذبوا ليس أولئك شيعته ، أولئك أعداؤه لو علمنا ذلك ما قسمنا ميراثه و لا أنكحنا نساءه .
ومن أقوال ابن سبأ أيضاً القول بالوصية و الإمامة . يقول الشهرستاني في الملل و النحل (1/174) : إن ابن سبأ هو أول من أظهر القول بالنص بإمامة علي .
ويذكر شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (4/435) : أن أصل الرفض من المنافقين الزنادقة ، فإنه ابتدعه ابن سبأ الزنديق و أظهر الغلو في علي بدعوى الإمامة و النص عليه ، و ادّعى العصمة له .
و في خطط المقريزي (2/356-357) : أن عبد الله بن سبأ قام في زمن علي رضي الله عنه مُحدِثاً القول بالوصية و الرجعة و التناسخ .
و من المحدثين الشيعة الذين ذكروا فكرة الوصي ، محمد بن يعقوب الكليني (ت329هـ) في كتابه الكافي في الأصول ، حيث أورد النص التالي : ولاية علي مكتوبة في جميع صحف الأنبياء ، و لن يبعث الله رسولاً إلا بنبوة محمد صلى الله عليه و آله ، و وصية علي عليه السلام . أنظر : السنة و الشيعة لإحسان إلهي ظهير (ص54 ) .
و هذا الغلو في علي بن أبي طالب رضي الله عنه يعد مصداقاً لما جاء في كتاب السنة لابن أبي عاصم بسند صحيح على شرط الشيخين (2/476-477) ، حيث أخرج من طريق علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : ليحبني قوم حتى يدخلوا النار فيِّ ، و ليبغضني قوم حتى يدخلوا النار في بغضي .
وقد علق الشيخ الألباني على هذا الحديث قائلاً : و اعلم أن هذا الحديث موقوف على علي بن أبي طالب ، و لكنه في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنه من الغيب الذي لا يعرف بالرأي .(8/41)
و خلاصة ما جاء به ابن سبأ ، أنه أتى بمقدمات صادقة و بنى عليها مبادئ فاسدة راجت لدى السذّج
و الغلاة و أصحاب الأهواء من الناس ، و قد طرق باب القرآن يتأوّله على زعمه الفاسد ، كما سلك طريق القياس الفاسد في ادعاء إثبات الوصية لعلي رضي الله عنه بقوله : إنه كان ألف نبي ، و لكل نبي وصي ، و كان علي وصي محمد ثم قال : محمد خاتم الأنبياء و علي خاتم الأوصياء . تاريخ الطبري ( 4/340) من طريق سيف بن عمر .
هنا ابن سبأ لما لم يستطع أن يكسب شخصاً واحداً توجه نحو الشام ، و كانت الشام وقتها يحكمها معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ، فلما توجه إليها لم يستطع أن يكسب و لو رجلاً واحداً إلى صفه ، فترك الشام و توجه نحو الكوفة و إذ هي تموج بالفتن ، و مكاناً خصباً لبث شبهاته . لذلك كان عمر رضي الله عنه ولى عليها المغيرة بن شعبة رضي الله عنه ، حيث كان من أشد الناس ففي أيام عمر ما استطاعت أن تبرز في الكوفة فتنة ، و لما تولى عثمان الخلافة عزل المغيرة و عين بدلاً عنه سعيد بن العاص رضي الله عنه وكان من بني أمية ، فأهل الكوفة اعتبروا ذلك استغلالاً للمنصب ؛ فكثرت الفتن فيها ، فعبد الله بن سبأ وجد أرضاً خصبة للفتن ، فاستطاع أن يجمع حوله جماعة ، ثم انتقل إلى البصرة فجمع فيها جماعة أخرى ، و كان عددهم على أقل تقدير عند المؤرخين ستمائة رجل ، و أقصاها ألف رجل ، ثم انتقل إلى مصر و استطاع أن يجمع ما بين ستمائة إلى الألف من الرجال . انظر : استشهاد عثمان و وقعة الجمل من مرويات سيف بن عمر لخالد الغيث (ص72-86) ، حيث أجاد الباحث في تحليل الموقف .(8/42)
و استخدم ابن سبأ كذلك الأعراب ، فذهب إليهم و بدأ يثير عندهم الأكاذيب حول عثمان و يستدل على قوله بكتب مزيفة كتبها هو و أعوانه على ألسنة طلحة و الزبير و عائشة ، فيها التذمر على سياسة عثمان في الحكم ، فصار الأعراب و هم الذين لا يفقهون من دين الله الشيء الكثير ، يتأثرون بهذه الأكاذيب و يصدقونها فملئت قلوبهم على عثمان رضي الله عنه . استشهاد عثمان ( ص 87-99 ) .
بعد ذلك اتجه ابن سبأ إلى هدفه المرسوم ، و هو خروج الناس على الخليفة عثمان رضي الله عنه ، فصادف ذلك هوى في نفوس بعض القوم فقال لهم : إن عثمان أخذ الأمر بغير حق و هذا وصي الرسول صلى الله عليه وسلم ، فانهضوا في هذا الأمر فحركوه ، و ابدؤوا بالطعن في أمرائكم و أظهروا الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر تستميلوا الناس ، و ادعوهم إلى هذا الأمر . تاريخ الطبري (4/341) ، من طريق سيف بن عمر .
و يظهر من هذا النص الأسلوب الذي اتبعه ابن سبأ ، فهو أراد أن يوقع في أعين الناس بين اثنين من الصحابة حيث جعل أحدهما مهضوم الحق و هو علي ، و جعل الثاني مغتصباً و هو عثمان .
ثم إنه أخذ يحضّ أتباعه على إرسال الكتب بأخبار سيئة مفجعة عن مِصرهم إلى بقية الأمصار ، فيتخيل أهل البصرة مثلاً أن حال أهل مصر أسوأ ما يكون من قبل واليهم ، و يتخيل أهل مصر أن حال أهل الكوفة أسوأ ما يكون من قبل واليهم ، و كان أهل المدينة يتلقّون الكتب من الأمصار بحالها و سوئها من أتباع ابن سبأ ، وهكذا يتخيل الناس في جميع الأمصار أن الحال من السوء مالا مزيد عليه ، و المستفيد من هذه الحال هم السبئية ، لأن تصديق ذلك من الناس يفيدهم في إشعال شرارة الفتنة داخل المجتمع الإسلامي .
هذا و قد شعر عثمان رضي الله عنه بأن شيئاً ما يحاك في الأمصار و أن الأمة تمخض بشرّ فقال : والله إن رحى الفتنة لدائرة ، فطوبى لعثمان إن مات و لم يحركها . تاريخ الطبري (4/343) ، من طريق سيف بن عمر .(8/43)
روى الترمذي عن ابن عمر قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فقال : يقتل هذا فيها مظلوماً - لعثمان بن عفان - صحيح سنن الترمذي (3/210) و أنظر: فضائل الصحابة للإمام أحمد (1/451) .
و روى الترمذي في سننه (5/628) و ابن ماجة عن كعب بن عجرة قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فقربها ، فمر رجل مقنع رأسه فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا يومئذ على الحق ، فوثبت فأخذت بضبعي عثمان ثم استقبلت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : هذا ؟ قال : هذا . المسند (4/242) و صحيح ابن ماجة (1/24-25) و صحيح سنن الترمذي (3/210) و فضائل الصحابة للإمام أحمد (1/450) .
و الذي حصل أن أهل الفتنة أخذوا يتراسلون فيما بينهم ، فلما رأوا أن عددهم قد كثر تواعدوا على أن يلتقوا عند المدينة في شوال من سنة (35هـ) في صفة الحجاج ، فخرج أهل مصر في أربع رفاق على أربعة أمراء المقلّل يقول ستمائة و المكثر يقول ألف .. و لم يجترئوا أن يعلموا الناس بخروجهم إلى الحرب ، و إنما خرجوا كالحجاج و معهم ابن السوداء ..و خرج أهل الكوفة في عدد كعدد أهل مصر ، و كذا أهل البصرة ، و لما اقتربوا من المدينة شرعوا في تنفيذ مرحلة أخرى من خطتهم ، فقد اتفق أمرهم أن يبعثوا اثنين منهم ليطلعا على أخبار المدينة و يعرفا أحوال أهلها ، ذهب الرجلان فلقيا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم و علياً و طلحة و الزبير ، و قالا : إنما جئنا نستعفي عثمان من بعض عمالنا ، و استأذنا لرفاقهم بالدخول ، فأبى الصحابة ، و قال علي رضي الله عنه : لا آمركم بالإقدام على عثمان فإن أبيتم فبيض سيفرخ . الطبري (4/349-350) ، من طريق سيف بن عمر .(8/44)
تظاهر القوم بالرجوع و هم يبطنون أمراً لا يعلمه الناس ، فوصلت الأنباء إلى أهل المدينة بانصراف أهل الفتنة فهدأ الناس ، و في الليل فوجئ أهل المدينة بأهل الفتنة يدخلون المدينة من كل مكان فتجمعوا في الشوارع و هم يكبرون ، فجاء علي بن أبي طالب و قال : ما شأنكم ؟ لماذا عدتم ؟ فرد عليه الغافقي بأن عثمان غدر بهم ، قال كيف ؟ قال : قبضنا على رسول و معه كتاب من عثمان يأمر فيه الأمراء بقتلنا ، فقال علي لأهل الكوفة و البصرة : و كيف علمتم بما لقي أهل مصر و قد سرتم مراحل ثم طويتم نحونا ، هذا والله أمر أبرم بالمدينة ، و كان أمر الكتاب الذي زوّر على لسان عثمان رضي الله عنه اتخذوه ذريعة ليستحلوا دمه و يحاصروه في داره إلى أن قتلوه رضي الله عنه .
و فوق هذا كله فالثائرون يفصحون عن هدفهم ويقولون : ضعوه على ما شئتم ، لا حاجة لنا في هذا الرجل ليعتزلنا و نحن نعتزله . الطبري (4/351) ، من طريق سيف بن عمر .
و علاوة على ذلك هناك ما يؤكد تزوير هذا الكتاب ، إذ ليس هو الكتاب الوحيد الذي يزوّر على لسان الصحابة ، فهذه عائشة رضي الله عنها ، تُتهم بأنها كتبت إلى الناس تأمرهم بالخروج على عثمان فتنفي
و تقول : لا والذي آمن به المؤمنون و كفر به الكافرون ما كتبت لهم سواداً في بياض حتى جلست مجلسي هذا . البداية والنهاية (7/195) و انظر ما رواه الطبري من استنكار كبار الصحابة أنفسهم لهذه الكتب في أصح الروايات (4/355) .
و ما تلك اليد الخفية التي كانت تخط وراء الستار لتوقع الفرقة بين المسلمين ، و تضع في سبيل ذلك الكتب على لسان الصحابة و تدبر مكيدة الكتاب المرسل إلى عامل عثمان على مصر ، و تستغل الأمور لتقع الفتنة بالفعل إلا يد ذلك اليهودي الخبيث و أتباعه ، فهم المحركون للفتنة .(8/45)
توقفنا في المرة السابقة عند رجوع الوفد المصري بعد أن زعم أنه قبض على رسول من عثمان إلى عامله في مصر يأمره بقتلهم ، و عرفنا أن هذا الكتاب ليس هو الوحيد الذي زور على عثمان ، و ظهرت حقيقة اليد التي زورت و خططت ، واليوم إن شاء الله نكمل الموضوع الذي بدأناه .
هنا استشار عثمان كبار الصحابة في أمر التخلي عن الخلافة لتهدأ الفتنة ، و كان المغيرة بن الأخنس قد أشار عليه بالخلع لئلا يقتله الخارجون عليه ، و قد سأل عثمان ابن عمر عن رأي المغيرة فنصحه بأن لا يخلع نفسه و قال له : فلا أرى لك أن تخلع قميصاً قمصكه الله فتكون سنة كلما كره قوم خليفتهم أو أميرهم قتلوه . طبقات ابن سعد (3/66) بإسناد صحيح و رجاله رجال الشيخين ، و تاريخ خليفة (ص170) بإسناد حسن .
و هناك بعض الروايات تفيد أن عثمان رضي الله عنه أرسل إلى الأمصار يطلب منهم العون بعد أن اشتد عليه التضييق و الحصار ، و هذا الخبر لا يصح منه شيء ، لأن منهج عثمان رضي الله عنه كان الصبر و الكف عن القتال امتثالاً لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم له ، و ذلك لحديث عائشة رضي الله عنها كما عند ابن أبي عاصم في السنة (2/561) قالت : لما كان يوم الدار قيل لعثمان : ألا تقاتل ؟ قال : قد عاهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم على عهد سأصبر عليه ، قالت عائشة : فكنا نرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليه فيما يكون من أمره .
لهذا وضع مصلحة الرعية في المقام الأول ، فعندما عرض عليه معاوية أن يبعث إليه بجيش يقيم بين ظهراني أهل المدينة لنائبة إن نابت المدينة أو إياه قال رضي الله عنه : أنا لا أقتر على جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم الأرزاق بجند يساكنهم ، و أضيّق على أهل الهجرة و النصرة ، فقال له معاوية : والله يا أمير المؤمنين لتغتالنّ أو لتغزينّ ، فقال عثمان : حسبي الله ونعم الوكيل . الطبري (4/345) . و حوصر عثمان بعدها في داره .(8/46)
يقول ابن خلدون : إن الأمر في أوله خلافة ، و وازع كل أحد فيها من نفسه هو الدين و كانوا يؤثرونه على أمور دنياهم وإن أفضت إلى هلاكهم وحدهم دون الكافة ، فهذا عثمان لما حصر في داره جاءه الحسن
و الحسين و عبد الله بن عمر و ابن جعفر و أمثالهم يريدون المدافعة عنه ، فأبى و منع سلّ السيوف بين المسلمين مخافة الفرقة ، و حفظاً للألفة التي بها حفظ الكلمة و لو أدّى إلى هلاكه . مقدمة ابن خلدون (ص207-208) .
و إلى جانب صبره و احتسابه و حفظاً لكيان الأمة من التمزق و الضياع وقف عثمان رضي الله عنه موقفاً آخر أشد صلابة ، و هو عدم إجابته الخارجين إلى خلع نفسه من الخلافة ؛ فلو أجابهم إلى ما يريدون لسنّ بذلك سنّة ، و هي كلما كره قوم أميرهم خلعوه ، و مما لاشك فيه أن هذا الصنيع من عثمان كان أعظم
و أقوى ما يستطيع أن يفعله ، إذ لجأ إلى أهون الشرين و أخف الضررين ليدعم بهذا الفداء نظام الخلافة .
كان الخارجون عليه يطلبون منه ثلاثة أمور كما جاء ذلك عند ابن سعد في الطبقات (3/72-73) ، قال عثمان للأشتر : يا أشتر ما يريد الناس مني ؟ قال : ثلاث ليس لك من إحداهن بدّ ، قال : ما هن ؟ قال : يخيرونك بين أن تخلع لهم أمرهم ، فتقول هذا أمركم فاختاروا من شئتم ، و بين أن تقصّ من نفسك ، فإن أبيت هاتين فإن القوم قاتلوك . قال : أما ما من إحداهن بدّ ؟ قال : لا ، ما من إحداهن بدّ . قال : أما أن أخلع لهم أمرهم ، والله لأن أقدم فتضرب عنقي أحب إليّ من أن أخلع أمة محمد بعضها على بعض ، و أما أن أقص من نفسي فوالله لقد علمت أن صاحبي بين يديّ قد كان يعاقبان و ما يقوم بدّ من القصاص ، و أما أن تقتلوني فوالله لئن قتلتموني لا تحابّون بعدي أبداً و لا تصلون بعدي جميعاً أبداً و لا تقاتلون بعدي عدواً جميعاً أبداً .(8/47)
و لهذا احتج عثمان رضي الله عنه على المحاصرين بقوله : إن وجدتم في كتاب الله - و في رواية - في الحق أن تضعوا رجليَّ في قيد فضعوها . تاريخ خليفة (ص171) و أحمد في فضائل الصحابة (1/492) قال المحقق : إسناده صحيح ، و انظر : الطبقات (3/69-70 ) بلفظ قريب .
و أخرج أحمد في فضائل الصحابة (1/464) و في المسند (1/63) و الترمذي في السنن (4/460-461) و ابن ماجة في السنن (2/847) و أبو داود في سننه (4/640-641) بإسناد حسن أن عثمان رضي الله عنه أشرف على الذين حصروه فقال : علام تقتلوني ! فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث ، رجل زنى بعد إحصانه فعليه الرجم ، أو قتل عمداً فعليه القود ، أو ارتد بعد إسلامه فعليه القتل . فوالله ما زنيت في جاهلية و لا إسلام ، ولا قتلت أحداً فأقيد نفسي منه ، ولا ارتدت منذ أسلمت و إني اشهد ألا إله إلا الله و أن محمداً عبده و رسوله ففيما تقتلوني ؟! .
و ثبت أن عثمان اتخذ موقفاً واضحاً حاسماً يتمثل في عدم المقاومة ، وأنه ألزم به الصحابة فقال : أعزم على كل من رأى عليه سمعاً و طاعة إلا كفّ يده و سلاحه ، فخرج كل من الحسن و الحسين و عبد الله بن عمر و أصر عبد الله بن الزبير على البقاء و معه مروان بن الحكم ، فلما طلب منه ابن الزبير أن يقاتل الخارجين ، قال عثمان : لا والله لا أقاتلهم أبداً . تاريخ خليفة (ص173-174) و مصنف ابن أبي شيبة (15/204) و طبقات ابن سعد (3/70) و كلهم بأسانيد صحيحة .
و ممن أراد القتال دفاعاً عن عثمان الصحابي أبو هريرة و كان متقلداً سيفه ، لكن عثمان لم يأذن له قائلاً : يا أبا هريرة أيسرك أن تقتل الناس جميعاً و إياي ؟ قال : لا ، قال : فإنك والله إن قاتلت رجلاً واحداً فكأنما قُتل الناس جميعاً . قال أبو هريرة : فرجعت و لم أقاتل . الطبقات لابن سعد (3/70) و تاريخ خليفة (ص173) و إسنادهما صحيح .(8/48)
و استمر الحصار عليه رضي الله عنه حتى أنهم منعوا عنه الماء ، فوصل الخبر إلى أمهات المؤمنين فتحركت أم حبيبة رضي الله عنها و كانت من أقارب عثمان ، فأخذت الماء و جعلته تحت ثوبها ، و ركبت البغل و اتجهت نحو دار عثمان ، فدار بينها وبين أهل الفتنة كلام فقال الأشتر كذبت بل معك الماء و رفع الثوب فرأى الماء فغضب و شق الماء ، قال كنانة مولى صفية : كنت أقود بصفية لتردَّ عن عثمان فلقيها الأشتر فضرب وجه بغلتها حتى مالت فقالت : ردوني و لا يفضحني هذا الكلب . التاريخ الكبير للبخاري (7/237) و ابن سعد في الطبقات (8/128) بإسناد صحيح . و كذلك الطبري (4/385-386) .
و في رواية عند الإمام أحمد في فضائل الصحابة من طريق الحسن البصري قال : لما اشتد أمرهم يوم الدار ، قال : قالوا فمن ، فمن ؟ قال : فبعثوا إلى أم حبيبة فجاؤوا بها على بغلة بيضاء و ملحفة قد سترت ، فلما دنت من الباب قالوا : ما هذا ؟ قالوا : أم حبيبة ، قالوا : والله لا تدخل ، فردوها . فضائل الصحابة (1/492) .و قال المحقق إسناده صحيح .
و حدثت بعض المناوشات بين شباب الصحابة و الثوار فجرح خلالها بعض الصحابة أمثال الحسن بن علي و غيره ، و هذا الخبر يؤيده ما ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب (3/1387) ، و البخاري في التاريخ الكبير (7/237) ، عن كنانة مولى صفية بنت حيي بن أخطب قال : شهدت مقتل عثمان ، فأخرج من الدار أمامي أربعة من شبان قريش ملطخين بالدم محمولين ، كانوا يدرؤون عن عثمان رضي الله عنه : الحسن بن علي ، و عبد الله بن الزبير ، و محمد بن حاطب ، و مروان بن الحكم .(8/49)
و تتضافر روايات ضعيفة للدلالة على أن عثمان و هو محصور في الدار بعث إلى علي يطلبه ، و أن علياً استجاب لأمره لكنه لم يتمكن من الوصول إلى الدار التي كان المعارضون يطوقونها ، فقال علي للثّوار : يأيها الناس إن الذي تفعلون لا يشبه أمر المؤمنين و لا أمر الكافرين فلا تمنعوا عن هذا الرجل الماء و لا الطعام فإن الروم و فارس لتأسر و تطعم و تسقي ، و لكن لم يستطع أن يفعل شيئاً ، فحل عمامته السوداء التي كان يرتديها و رمى بها إلى رسول عثمان ، فحملها الرسول إلى عثمان فعلم عثمان أن علي حاول المساعدة لكنه لم يستطع . مصنف ابن أبي شيبة (15/209) بسند منقطع ، و طبقات ابن سعد (3/68-69) بسند منقطع ، و سند آخر منقطع مع تدليس حبيب بن أبي ثابت ، و الطبري (4/386) ، انظر : عصر الخلافة الراشدة لأكرم العمري ( ص427) .
يوم الدار .. و استمر الحصار على عثمان رضي الله عنه أياماً عديدة قدرها بعض المؤرخين بأنه من أواخر ذي القعدة إلى الثاني عشر من ذي الحجة سنة خمس و ثلاثين ، و كان خلالها في غاية الشجاعة و ضبط النفس رغم قسوة الظروف و رغم الحصار ، و لطالما كان يطل على المحاصرين و يخطب فيهم و يذكرهم بمواقفه لعلهم يلينون ، لكنهم لم يفعلوا .(8/50)
و في يومٍ أشرف عثمان على القوم بعد أن طلبهم للاجتماع حول داره للحديث معهم ، روى الترمذي ،و النسائي من طريق ثمامة بن حَزْن القشيري قال : شهدت الدار حيث أشرف عليهم عثمان فقال : أنشدكم بالله و الإسلام هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَدِمَ المدينة و ليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة فقال من يشتري بئر رومة يجعل دلوه فيها كدلاء المسلمين بخير له في الجنة ؟ فاشتريتها من صلب مالي ؟ قالوا : اللهم نعم . و زاد البخاري ، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من جهز جيش العسرة فله الجنة ، فجهزته قالوا : اللهم نعم . و زاد الترمذي عن أبي إسحاق ، هل تعلمون أن حراء حين انتفض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أثبت حراء فليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد ؟ قالوا : نعم ، و هل تعلمون أن المسجد ضاق بأهله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير منها في الجنة ؟ فاشتريتها من صلب مالي ، فأنتم اليوم تمنعوني أن أصلي فيها ؟ قالوا : نعم . و عند الدارقطني ، و هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني ابنتيه واحدة بعد أخرى رضي بي و رضي عني ؟ قالوا : نعم . و عند الحاكم ، قال لطلحة : أتذكر إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم : أن عثمان رفيقي في الجنة ؟ قال : نعم . سنن الترمذي (5/627) و النسائي (6/233-236) و الدارقطني (4/197) و المستدرك (3/97) و الفتح (5/477-479) .
و قال أبو هريرة رضي الله عنه للذين حاصروا عثمان رضي الله عنه يوم الدار : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنكم تلقون بعدي فتنة و اختلافاً ، أو قال : اختلافاً و فتنة ، فقال له قائل من الناس : فمن لنا يا رسول الله ؟ فقال : عليكم بالأمين و أصحابه ، و هو يشير إلى عثمان بذلك . أنظر : فضائل الصحابة للإمام أحمد (450-451) و قال المحقق إسناده صحيح .(8/51)
عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه : وددت أن عندي بعض أصحابي ، قلنا : يا رسول الله ألا ندعو لك أبا بكر ؟ فسكت . قلنا : ألا ندعو لك عمر ؟ فسكت . قلنا : ألا ندعو لك عثمان ؟ قال نعم . فجاء فخلا به ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يكلمه ، و وجه عثمان
يتغير . أنظر : صحيح سنن ابن ماجة (1/25) و قال الألباني إسناده صحيح .
و عن عائشة رضي الله عنها قالت : لما كان يوم الدار قيل لعثمان : ألا تقاتل ؟ قال : قد عاهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم على عهد سأصبر عليه . قالت عائشة : فكنا نرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليه فيما يكون من أمره . أنظر : كتاب السنة لابن أبي عاصم (2/561) و قال الألباني إسناده صحيح .
و كان أهل الفتنة أثناء حصارهم لعثمان في داره و منعه من الصلاة بالناس ، هم الذين يصلون بهم ، و كان الذي يصلي بالناس الغافقي بن حرب .
أخرج البخاري في صحيحه عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن خيار : أنه دخل على عثمان و هو محصور فقال : إنك إمام عامة ، و نزل بك ما نرى و يصلي لنا إمام فتنة و نتحرج ، فقال : الصلاة أحسن ما يعمل الناس ، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم ، و إذا أساءوا فاجتنب إساءتهم . البخاري مع الفتح (2/221) .
ليلة مقتل عثمان ..(8/52)
و قبيل مقتله يرى عثمان رضي الله عنه في المنام اقتراب أجله فيستسلم لأمر الله ؛ روى الحاكم بإسناد صحيح إلى ابن عمر رضي الله عنهما أن عثمان أصبح يحدث الناس قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال : يا عثمان ! أفطر عندنا ، فأصبح صائماً و قتل من يومه . المستدرك (3/ 99) و قال هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه ، و وافقه الذهبي و رواه أحمد في فضائل الصحابة من طريق آخر (1/497) قال المحقق : إسناده حسن ، و ورد بلفظ آخر عند ابن حجر في المطالب العالية (4/291) قال المحقق : قال البوصيري رواه البزار و أبو يعلى و الحاكم و قال : صحيح الإسناد ، و ذكره الهيثمي في المجمع (7/232) و صححه الحاكم في المستدرك (3/103) و ذكره ابن سعد في الطبقات(3/75) .
أخرج خليفة بن خياط في تاريخه ( ص 174) بسند رجاله ثقات إلى أبي سعيد مولى أبي أسيد قال : فتح عثمان الباب و وضع المصحف بين يديه ، فدخل عليه رجل فقال : بيني و بينك كتاب الله ، فخرج وتركه ، ثم دخل عليه آخر فقال : بيني و بينك كتاب الله ، فأهوى إليه بالسيف ، فاتقاه بيده فقطعها ، فلا أدري أبانها أم قطعها و لم يبنها ، فقال والله إنها لأول كف خطت المفصّل .(8/53)
هذا ما ورد عن كيفية دخول الثوار على عثمان رضي الله عنه ، و تتوزع سيوفهم دماءه الطاهرة ، فأخذ الغافقي حديدة و نزل بها على عثمان رضي الله عنه فضربه بها و رَكَسَ المصحف برجله فطار المصحف و استدار و رجع في حضن عثمان و سال الدم فنزل عند قوله تعالى :{ فسيكفيكهم الله }[ البقرة /138] ، هنا أرادت نائلة زوجة عثمان أن تحميه فرفع سودان السيف يريد أن يضرب عثمان فوضعت يدها فقطع أصابعها فولت صارخة تطلب النجدة فضربها في مؤخرتها ، و ضرب عثمان على كتفه فشقه ثم نزل عليه بخنجر فضربه تسع ضربات و هو يقول : ثلاث لله و ست لما في الصدور ، ثم قام قتيرة فوقف عليه بالسيف ثم اتكأ على السيف فأدخله في صدره ثم قام أشقاهم و أخذ يقفز على صدره حتى كسّر أضلاعه ، هنا قام غلمان عثمان بالدفاع عنه و استطاعوا أن يقتلوا كل من سودان و قتيرة ، لكن أهل الفتنة قتلوا الغلمان جميعاً و تركوا جثثهم داخل الدار ، ثم قام جماعة من الصحابة و ذهبوا إلى داره و خرجوا به و دفنوه رضي الله عنه بليل في حش كوكب ، وكانت مقبرة لليهود فاشتراها عثمان ، و هي في ظهر البقيع فدفن فيها و لم يدفن في البقيع لعدم إذن أهل الفتنة ، ثم إنه في عهد معاوية وسع البقيع و أدخل فيه المكان فصار قبر عثمان داخل البقيع . معجم البلدان (2/262) ، انظر هذا الخبر في الطبري (4/412) . و انظر خبر دمه على المصحف في فضائل الصحابة عند أحمد (1/470-473) بإسناد صحيح و تاريخ خليفة (ص188-190) و المطالب العالية (4/286) و موارد الظمآن (7/128) .(8/54)
و يكشف أيضاً عن مقاصد القوم ما ذكره ابن كثير في البداية (7/189) : من أن الخوارج نادى بعضهم بعضاً بعد مقتل عثمان بالسطو على بيت المال ، فسمعهم خزنة بيت المال فقالوا يا قوم النجا ! النجا فإن هؤلاء القوم لم يصدقوا فيما قالوا من أن قصدهم قيام الحق و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و غير ذلك مما ادّعوا أنهم قاموا لأجله ، و كذبوا إنما قصدهم الدنيا . فأخذوا ما به من أموال ثم سطوا على دار عثمان و أخذوا ما به حتى إن أحدهم أخذ العباءة التي كانت على نائلة . تاريخ الطبري (4/391) .
فكانت هذه هي البلوى التي بشره النبي صلى الله عليه وسلم و التي يقتل فيها مظلوماً ، فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حائطاً ، فجاء رجل يستأذن فقال : ائذن له و بشره بالجنة ، فإذا هو أبو بكر ، ثم جاء آخر يستأذن فقال : ائذن له و بشره بالجنة فإذا هو عمر ، ثم جاء آخر يستأذن ، فسكت هنيهة ثم قال : ائذن له و بشره بالجنة على بلوى تصيبه ، فإذا هو عثمان . و يعقب ابن حجر على ذلك بقوله : إن النبي صلى الله عليه وسلم أشار بالبلوى المذكورة إلى ما أصاب عثمان في آخر خلافته من الشهادة يوم الدار . الفتح (7/38) و (13/55) . و الحديث موجود في البخاري (7/65) و رواه الإمام مسلم في صحيحه برقم ( 6162) و ( 6164) .
فائدة.. قال ابن بطال : إنما خص عثمان بذكر البلاء مع أن عمر قتل أيضاً لكون عمر لم يمتحن بمثل ما امتحن عثمان من تسلط القوم الذين أرادوا منه أن ينخلع من الإمامة بسبب ما نسبوه إليه من الجور و الظلم مع تنصله من ذلك ، و اعتذاره عن كل ما أوردوه عليه ، ثم هجومهم عليه في داره و هتكهم ستر أهله ،
و كل ذلك زيادة على قتله . فتح الباري : (13/55) .(8/55)
و قد اختلفت الروايات في تعيين قاتله على الصحيح ، لكن هذا ليس مهماً لأن المشارك كالقاتل و المتسبب كالمباشر ، و إنما المهم هو التعرّف على هوية قاتليه ، فهم غوغاء من الأمصار كما وصفهم الزبير رضي الله عنه ، و هم نزّاع القبائل كما تقول عائشة ، انظر : الطبري (4/461-462) . و هم حثالة الناس متفقون على الشر كما يصفهم ابن سعد في طبقاته (3/71) . و هم خوارج مفسدون و ضالون باغون كما ينعتهم ابن تيمية في منهاج السنة (6/297) .
هذا بالنسبة لمن شارك في الفتنة ، أما بالنسبة لمن تولى قتل عثمان بنفسه فإني أشارك أخي الدكتور خالد الغيث فيما ذهب إليه من كون ابن سبأ هو الذي تولى قتل عثمان رضي الله عنه ، و إليكم تفصيل ذلك : فحسب ما توفرت لدي من روايات ، جاء نعت قاتله بالموت الأسود و حمار، كما عند خليفة بن خياط (ص174-175) ، أو جبلة - الغليظ - كما عند ابن سعد (3/83-84) ، أو جبلة بن الأيهم كما عند ابن عبد البر . الاستيعاب (3/1046) ضمن ترجمة عثمان بن عفان ، و أورده كذلك بنفس للفظ ضمن ترجمة محمد بن أبي بكر (3/1367) . و كلمة الأيهم ما هي إلا زيادة غير مقصودة من ناسخ المخطوطة
و سببها هو اشتهار اسم جبلة بن الأيهم ذلك الأمير الغساني الذي ارتد زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه . و يؤيد ذلك أن راوي الخبر و هو كنانة مولى صفية هو نفسه راوي الروايتين ، أنظر : جمهرة أنساب العرب لابن حزم (372) .
و بدراسة الروايات السابقة اتضح ما يلي :-
أ- أن تلك الروايات لم تسم قاتل عثمان ، بل تذكر اللقب الذي أطلق عليه .
ب- ذكرت إحدى الروايات أن قاتل عثمان يقال له : حمار . و كلمة حمار لعلها تحريف لكلمة جبلة .
و يؤيد ذلك ما قيل بخصوص زيادة كلمة - الأيهم - على اسم جبلة عند راوي الخبر ، و هو كنانة مولى صفية ، لأن راوي خبر لفظة حمار هو كنانة أيضاً . هذا بالإضافة إلى التشابه الموجود في متون تلك الروايات .(8/56)
و مما سبق يلاحظ أن الذي قتل عثمان رضي الله عنه يعد شخصاً واحداً ذا ألقاب عدة ، فهو الموت الأسود ، و هو رجل أسود من أهل مصر يقال له جبلة ، و هو عبد الله بن سبأ - ابن السوداء - الذي جاء إلى المدينة مع وفد مصر . لمزيد من التفصيل في ذلك راجع : استشهاد عثمان و وقعة الجمل في مرويات سيف بن عمر في تاريخ الطبري ، للدكتور : خالد بن محمد الغيث (ص128-130) .
قال محب الدين الخطيب في حاشيته على العواصم (ص73) : الذين شاركوا في الجناية على الإسلام يوم الدار طوائف على مراتب ، فيهم الذين غلب عليهم الغلو في الدين فأكبروا الهنات و ارتكبوا في إنكارها الموبقات ، و فيهم الذين ينزعون إلى عصبية يمنية على شيوخ الصحابة من قريش ، و لم تكن لهم في الإسلام سابقة ، فحسدوا أهل السابقة من قريش على ما أصابوا من مغانم شرعية جزاء جهادهم و فتوحهم ، فأرادوا أن يكون لهم مثلها بلا سابقة ولا جهاد . و فيهم الموتورون من حدود شرعية أقيمت على بعض ذويهم فاضطغنوا في قلوبهم الإحنة و الغل لأجلها ، و فيهم الحمقى الذين استغل السبأيون ضعف قلوبهم فدفعوهم إلى الفتنة و الفساد و العقائد الضالة ، و فيهم من أثقل كاهله خير عثمان و معروفه نحوه ، فكفر معروف عثمان عندما طمع منه بما لا يستحقه من الرئاسة و التقدم بسبب نشأته في أحضانه ، و فيهم من أصابهم من عثمان شيء من التعزير لبوادر بدرت منهم تخالف أدب الإسلام ، فأغضبهم التعزير الشرعي من عثمان ، و لو أنهم قد نالهم من عمر أشد منه لرضوا به طائعين ، و فيهم المتعجلون بالرياسة قبل أن يتأهلوا لها اغتراراً بما لهم من ذكاء خلاب أو فصاحة لا تغذيها الحكمة ، فثاروا متعجلين بالأمر قبل إبانه ، و بالإجمال فإن الرحمة التي جبل عليها عثمان رضي الله عنه وامتلأ بها قلبه أطمعت الكثيرين فيه ، و أرادوا أن يتخذوا من رحمته مطية لأهوائهم .(8/57)
و لعله بعد هذا لا يبقى مكان و لا مصداقية للروايات التي تشرك الصحابة رضوان الله عليهم في قتل عثمان و التآمر عليه ، فقد اجتهدوا في نصرته و الذبّ عنه ، و بذلوا أنفسهم دونه ، فأمرهم بالكف عن القتال و قال إنه يحب أن يلقى الله سالماً ولوا أذن لهم لقاتلوا عنه ، فثبتت براءتهم من دمه رضوان الله عليهم كبراءة الذئب من دم يوسف .
و ظهرت حقيقة الأيدي التي كانت تحرك الفتنة ، و التي لطالما دندن الإخباريون الشيعة حولها بأنها أيدي الصحابة ، و الحمد لله فقد حفظت لنا كتب المحِّدثين الروايات الصحيحة و التي يظهر فيها الصحابة من المؤازرين لعثمان و المنافحين عنه المتبرئين من قتله ، و المطالبين بدمه بعد قتله ، و بذلك يستبعد أي اشتراك لهم في تحريك الفتنة أو إثارتها .
و قد يتساءل قارئ أو يقول قائل : كيف قتل عثمان رضي الله عنه و بالمدينة جماعة من كبار الصحابة رضوان الله عليهم ؟ و هو سؤال وضعه ابن كثير في البداية والنهاية (7/197-198) ثم أجاب عنه و قد شاركه المالقي في التمهيد والبيان ( ص 131-132) في الإجابة ، موضحين ما يلي :-
أولاً : إن كثيراً من الصحابة أو كلهم لم يكونوا يظنون أن يبلغ الأمر إلى قتله ، فإن أولئك الخوارج لم
يكونوا يحاولون قتله عيناً بل طلبوا من أحد أمور ثلاثة : إما أن يعزل نفسه أو يسلم إليهم مروان بن
الحكم أو يقتلوه . و كانوا يرجون أن يسلم إليهم مروان – لأتهم يتهمونه بأنه هو الذي كتب الكتاب
على لسان عثمان يأمر فيه والي مصر بقتلهم ، و هذا لم يثبت و ليس هناك دليل صحيح - أو أن
يعزل نفسه و يستريح من هذه الضائقة الشديدة . و أما القتل فما كان يظن أحد أنه يقع ، و لا أن
هؤلاء يجرؤن عليه إلى هذا الحدّ .
ثانياً : إن الصحابة دافعوا عنه ، لكن لما وقع التضييق الشديد عزم عثمان على الناس أن يكفوا أيديهم حقناً
لدماء المسلمين ففعلوا ، فتمكن المحاصرون مما أرادوا .(8/58)
ثالثاً : أن هؤلاء الخوارج اغتنموا غيبة كثير من أهل المدينة في موسم الحج و غيبتهم في الثغور و الأمصار ،
و ربما لم يكن في المتبقين من أهل الدينة ما يقابل عدد الخوارج الذين كانوا قريباً من ألفي مقاتل .
رابعاً : إن كبار الصحابة قد بعثوا أولادهم إلى الدار لحماية عثمان رضي الله عنه ، لكن عثمان علم أن في
الصحابة قلة عدد و أن الذين يريدون قتله كثير عددهم ، فلو أذن لهم بالقتال لم يأمن أن يتلف من
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسببه كثير ، فوقاهم بنفسه إشفاقاً منه عليهم لأنه راع
عليهم ، و الراعي يجب عليه أن يحفظ رعيته بكل ما أمكنه ، و مع ذلك فقد علم أنه مقتول فصانهم
بنفسه - حقناً لدماء المسلمين- .
خامساً : أنه لما علم أنها فتنة ، و أن الفتنة إذا سلّ فيها السيف لم يؤمن أن يقتل فيها من لا يستحق القتل ،
فلم يختر لأصحابه أن يسلوا السيف في الفتنة إشفاقاً عليهم ، و حتى لا تذهب فيها الأموال و يهتك
فيها الحريم فصانهم عن جميع هذا .
سادساً : يحتمل أن يكون عثمان رضي الله عنه صبر عن الانتصار ليكون الصحابة شهوداً على من ظلمه ،
و خالف أمره و سفك دمه بغير حق ، لأن المؤمنين شهداء الله في أرضه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (6/286) : و من المعلوم بالتواتر أن عثمان كان من أكف الناس عن الدماء و أصبر الناس على من نال من عرضه و على من سعى في دمه ، فحاصروه و سعوا في قتله و قد عرف إرادتهم لقتله ، و قد جاءه المسلمون ينصرونه و يشيرون عليه بقتالهم ، و هو يأمر الناس بالكف عن القتال ، و يأمر من يطيعه أن لا يقاتلهم ..و قيل له تذهب إلى مكة فقال : لا أكون ممن الحد في الحرم فقيل له تذهب إلى الشام فقال : لا أفارق دار هجرتي ، فقيل له : فقاتلهم ، فقال : لا أكون أول من خلف محمداً في أمته بالسيف .
فكان صبر عثمان حتى قتل من أعظم فضائله عند المسلمين .(8/59)
و مما يناسب هذا المقام ذكر كلام الإمام الآجري في كتاب الشريعة (4/1981-1983) عن موقف الصحابة في المدينة من حصار المنافقين لعثمان رضي الله عنه .
قال الآجري : فإن قال قائل : فقد علموا أنه مظلوم وقد أشرف على القتل فكان ينبغي لهم أن يقاتلوا عنه ،
و إن كان قد منعهم . قيل له : ما أحسنت القول ، لأنك تكلمت بغير تمييز . فإن قال : ولم ؟ قيل : لأن القوم كانوا أصحاب طاعة ، وفقهم الله تعالى للصواب من القول و العمل ، فقد فعلوا ما يجب عليهم من الإنكار بقولهم و ألسنتهم و عرضوا أنفسهم لنصرته على حسب طاقتهم ، فلما منعهم عثمان رضي الله عنه من نصرته علموا أن الواجب عليهم السمع و الطاعة له ، و إنهم إن خالفوه لم يسعهم ذلك ، و كان الحق عندهم فيما رآه عثمان رضي الله عنه و عنهم . فإن قال : فلم منعهم عثمان من نصرته وهو مظلوم ، و قد علم أن قتالهم عنه نهي عن منكر ، و إقامة حق يقيمونه ؟ قيل له : وهذا أيضاً غفلة منك . فإن قال : وكيف ؟ قيل له : مَنْعه إياهم عن نصرته يحتمل وجوهاً كلها محمودة :-
أحدها : علمه بأنه مقتول مظلوم ، لا شك فيه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أعلمه : إنك تقتل مظلوماً فاصبر ، فقال : أصبر . فلما أحاطوا به علم أنه مقتول و أن الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم له حق كما قال لا بد من أن يكون ، ثم علم أنه قد وعده من نفسه الصبر فصبر كما وعد ، وكان عنده أن من طلب الانتصار لنفسه و الذب عنها فليس هذا بصابر إذ وعد من نفسه الصبر ، فهذا وجه .
و وجه آخر : و هو أنه قد علم أن في الصحابة رضي الله عنهم قلة عدد ، و أن الذين يريدون قتله كثير عددهم ، فلو أذن لهم بالحرب لم يأمن أن يتلف من صحابة نبيه بسببه ، فوقاهم بنفسه إشفاقاً منه عليهم ؛ لأنه راع و الراعي واجب عليه أن يحوط رعيته بكل ما أمكنه ، ومع ذلك فقد علم أنه مقتول فصانهم بنفسه ، و هذا وجه .(8/60)
و وجه آخر : هو أنه لما علم أنها فتنة و أن الفتنة إذا سل فيها السيف لم يؤمن أن يقتل فيها من لا يستحق ، فلم يختر لأصحابه أن يسلوا في الفتنة السيف ، و هذا إنما إشفاقاً منه عليهم هم ، فصانهم عن جميع هذا .
و وجه آخر : يحتمل أن يصبر عن الانتصار ليكون الصحابة رضي الله عنهم شهوداً على من ظلمه و خالف أمره و سفك دمه بغير حق ، لأن المؤمنين شهداء الله عز وجل في أرضه ، و مع ذلك فلم يحب أن يهرق بسببه دم مسلم ولا يخلف النبي صلى الله عليه وسلم في أمته بإهراقه دم مسلم ، و كذا قال رضي الله عنه . فكان عثمان رضي الله عنه بهذا الفعل موفقاً معذوراً رشيداً ، و كان الصحابة رضي الله عنهم في عذر ، و شقي قاتله .
و مما سبق نعلم أن منهج عثمان رضي الله عنه أثناء الفتنة و مسلكه مع المنافقين - هذا مصطلح نبوي أطلقه الرسول صلى الله عليه وسلم على الذين خرجوا على عثمان رضي الله عنه ، لحديث ( … فأرادك المنافقون أن تخلع ..الخ ، تقدم تخريجه - ، الذين خرجوا عليه لم تفرضه عليه مجريات الأحداث ، ولا ضغط الواقع ، بل كان منهجاً نابعاً من مشكاة النبوة ، حيث أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبر و الاحتساب و عدم القتال حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً . وقد وفىّ ذو النورين رضي الله عنه بوعده و عهده لرسول الله صلى الله عليه وسلم طوال أيام خلافته ، حتى خرّ شهيداً مضجراً بدمائه الطاهرة الزكية ، ملبياً لدعوة المصطفى صلى الله عليه وسلم بالإفطار عنده . انظر : استشهاد عثمان لخالد الغيث (ص116) بتصرف يسير .(8/61)
أخرج الإمام أحمد في فضائل الصحابة (1/496-497) بإسناد حسن ، من طريق مسلم أبو سعيد مولى عثمان رضي الله عنه : أن عثمان بن عفان أعتق عشرين مملوكاً ، و دعا سراويل فشدها عليه - حتى لا تظهر عورته عند قتله - و لم يلبسها في جاهلية ولا في إسلام ، قال : إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة في النوم و رأيت أبا بكر و عمر و أنهم قالوا لي : اصبر فإنك تفطر عندنا القابلة ، ثم دعا بمصحف فنشره بين يديه ، فقتل وهو بين يديه .
و اعتبرت فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه من أخطر الأحداث التي مرّت بها الدولة الإسلامية في عصر الخلافة الراشدة ، و قد تركت من الاختلاف و الانقسام في صفوف الأمة ما كاد يودي بها ، و قد أعقبها فتن داخلية أخرى تتصل بها و تتفرع عنها و هي موقعة الجمل و صفين و النهروان ، كما استمرت آثارها متمثلة في الخوارج و الشيعة المعارضين للدولة الأموية و العصر الأول من الدولة العباسية خاصة ، بل يمكن أن نعتبر الانقسامات الكبرى الناجمة عن الفتنة مؤثرة في الأمة حتى الوقت الحاضر .
و كان مقتل عثمان رضي الله عنه صباحاً ، في يوم الجمعة ، الثاني عشر من ذي الحجة ، سنة خمس
و ثلاثين من الهجرة ، و دفن ليلة السبت بين المغرب و العشاء ، بحش كوكب شرقي البقيع ، و هو ابن
اثنتين و ثمانين سنة ، على الصحيح المشهور . رحم الله عثمان و رضي عنه . انظر : ابن سعد (3/77-78) و خليفة بن خياط (ص176) و الطبري (4/415-416) و المسند (2/10) و الذهبي في تاريخ الإسلام عهد الخلفاء الراشدين (ص481) و البداية و النهاية لابن كثير (7/190) والاستيعاب لابن عبد البر (3/1044) .
( الموقف مما شجر بين الصحابة ) .(8/62)
أقول و بالله التوفيق : اعلم رحمني الله وإياك ؛ أن البحث فيما شجر بين الصحابة ، لا يقرب العبد إلى الله زلفى ، فهم قد لقوا ربهم و هو أعلم بما شجر بينهم ، فإن كان الأمر لا يقربك إلى الله زلفى و إنما قد يقودك إلى النار و أنت لا تعلم ، فتجنبه أولى ؛ إلا في حالة واحدة و سيأتي بيان هذه الحالة .
و معنى الإمساك عما شجر بين الصحابة ، هو عدم الخوض فيما وقع بينهم من الحروب و الخلافات على سبيل التوسع و تتبع التفصيلات ، و نشر ذلك بين العامة ، أو التعرض لهم بالتنقص لفئة و الانتصار لأخرى .
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى ( 3/406) : و كذلك نؤمن بالإمساك عما شجر بينهم ، و نعلم أن بعض المنقول في ذلك كذب و هم كانوا مجتهدين ، إما مصيبين لهم أجران أو مثابين على عملهم الصالح مغفور لهم خطؤهم ، و ما كان لهم من السيئات ، و قد سبق لهم من الله الحسنى ، فإن الله يغفر لهم إما بتوبة أو بحسنات ماحية أو مصائب مكفرة .
و ما شجر بينهم من خلاف فقد كانوا رضي الله عنهم يطلبون فيه الحق و يدافعون فيه عن الحق ، فاختلفت فيه اجتهاداتهم ، و لكنهم عند الله عز وجل من العدول المرضي عنهم ، و من هنا كان منهج أهل السنة والجماعة هو حفظ اللسان عما شجر بينهم ، فلا نقول عنهم إلا خيراً و نتأول و نحاول أن نجد الأعذار للمخطئ منهم و لا نطعن في نيّاتهم فهي عند الله ، و قد أفضوا إلى ما قدموا ، فنترضى عنهم جميعاً و نترحم عليهم و نحرص على أن تكون القلوب سليمة تجاههم .(8/63)
قال ابن قدامة المقدسي في اللمعة (ص175) : و من السنة تولي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و محبتهم و ذكر محاسنهم و الترحم عليهم و الاستغفار لهم ، و الكف عن ذكر مساوئهم و ما شجر بينهم ، و اعتقاد فضلهم و معرفة سابقتهم ، قال الله تعالى{ و الذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا}[الحشر/10] و قال تعالى{محمد رسول الله و الذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم}[الفتح/29] و قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تسبوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه . البخاري مع الفتح (7/25) و مسلم برقم (6435) .
و يقول الإمام الذهبي رحمه الله في السير(10/92-93) : كما تقرر الكف عن كثير مما شجر بينهم ، و قتالهم رضي الله عنهم أجمعين و ما زال يمر بنا ذلك في الدواوين و الكتب و الأجزاء ، و لكن أكثر ذلك منقطع و ضعيف و بعضه كذب .. فينبغي طيه و إخفاؤه بل إعدامه لتصفوا القلوب ، و تتوفر على حب الصحابة و الترضي عنهم ، و كتمان ذلك متعين عن العامة و آحاد العلماء .. إلى أن قال : فأما ما نقله أهل البدع في كتبهم من ذلك فلا نعرج عليه ، ولا كرامة فأكثره باطل و كذب و افتراء .
و فضيلة الصحبة و لو للحظة ، لا يوازيها عملٌ ولا تنال درجتها بشيء ، و الفضائل لا تؤخذ بالقياس .
و قد أخرج ابن عساكر في تاريخه (59/141) في ترجمة معاوية رضي الله عنه من طريق ابن منده ثم من طريق أبي القاسم ابن أخي أبي زرعة الرازي قال : جاء رجل إلى عمي فقال له : إني أبغض معاوية ، فقال له : لم ؟ قال : لأنه قاتل علياً بغير حق ، فقال له أبو زرعة : رب معاوية ربٌ رحيم و خصم معاوية خصمٌ كريم فما دخولك بينهما ؟.(8/64)
و قال الآجري رحمه الله في كتاب الشريعة (5/2485-2491) ، باب ذكر الكف عما شجر بين أصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و رحمة الله عليهم أجمعين : ينبغي لمن تدبر ما رسمنا من فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم و فضائل أهل بيته رضي الله عنهم أجمعين ، أن يحبهم و يترحم عليهم و يستغفر لهم ، ويتوسل إلى الله الكريم لهم – أي بالدعاء و الترحم والاستغفار و الترضي – ويشكر الله العظيم إذ وفقه لهذا ، ولا يذكر ما شجر بينهم ، ولا ينقّر عنه ولا يبحث . فإن عارضنا جاهل مفتون قد خطي به عن طريق الرشاد فقال : لم قاتل فلان لفلان ، ولم قتل فلان لفلان وفلان ؟!.
قيل له : ما بنا و بك إلى ذكر هذا حاجة تنفعنا ولا تضرنا إلى علمها .
فإن قال قائل : و لم ؟
قيل : لأنها فتن شاهدها الصحابة رضي الله عنهم ، فكانوا فيها على حسب ما أراهم العلم بها ، و كانوا أعلم بتأويلها من غيرهم ، و كانوا أهدى سبيلاً ممن جاء بعدهم ، لأنهم أهل الجنة ، عليهم نزل القرآن ، و شاهدوا الرسول صلى الله عليه وسلم ، و جاهدوا معه ، و شهد لهم الله عز وجل بالرضوان والمغفرة و الأجر العظيم ، و شهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم خير القرون ، فكانوا بالله عز وجل أعرف و برسوله صلى الله عليه وسلم وبالقرآن وبالسنة ، و منهم يؤخذ العلم ، و في قولهم نعيش و بأحكامهم نحكم ، و بأدبهم نتأدب و لهم نتبع و بهذا أمرنا .
فإن قال قائل : و أيش الذي يضرنا من معرفتنا لما جرى بينهم و البحث عنه ؟
قيل له : لاشك فيه ؛ و ذلك أن عقول القوم كانت أكبر من عقولنا ، و عقولنا أنقص بكثير ، ولا نأمن أن نبحث عما شجر بينهم فنزل عن طريق الحق و نتخلف عما أمرنا فيهم .
فإن قال قائل : و بم أمرنا فيهم ؟(8/65)
قيل : أمرنا بالاستغفار لهم والترحم عليهم والمحبة لهم و الاتباع لهم ، دل على ذلك الكتاب والسنة و قول أئمة المسلمين ، وما بنا حاجة إلى ذكر ما جرى بينهم ، قد صحبوا الرسول صلى الله عليه وسلم ، و صاهرهم ، و صاهروه ، فبالصحبة له يغفر الله الكريم لهم ، و قد ضمن الله عز وجل لهم في كتابه ألا يخزي منهم واحداً ، و قد ذكر لنا الله تعالى في كتابه أن وصفهم في التوراة و الإنجيل ؛ فوصفهم بأجمل الوصف ، و نعتهم بأحسن النعت ، وأخبرنا مولانا الكريم أنه قد تاب عليهم ، و إذا تاب عليهم لم يعذب واحداً منهم أبداً رضي الله عنهم و رضوا عنه{أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون}[المجادلة/22] .
فإن قال قائل : إنما مرادي من ذلك لأن أكون عالماً بما جرى بينهم ، فأكون لم يذهب عليّ ما كانوا فيه لأني أحب ذلك ولا أجهله .
قيل له : أنت طالب فتنة ، لأنك تبحث عما يضرك ولا ينفعك ، و لو اشتغلت بإصلاح ما لله عز وجل عليك فيما تعبدك به من أداء فرائضه و اجتناب محارمه كان أولى بك . و قيل له : ولا سيّما في زماننا هذا مع قبح ما قد ظهر فيه من الأهواء الضالة – فما يقول رحمه الله لو رأى ما يحدث و يقال في زمننا هذا - .
و قيل له : اشتغالك بمطعمك ، و ملبسك من أين ؟ هو أولى بك ، و تمسكك بدرهمك من أين هو ؟ و فيم تنفقه ؟ أولى بك .
و قيل : لا نأمن أن تكون بتنقيرك و بحثك عما شجر بين القوم إلى أن يميل قلبك فتهوى ما يصلح لك أن تهواه ، و يلعب بك الشيطان فتسب و تبغض من أمرك الله بمحبته و الاستغفار له و باتباعه ، فتزل عن طريق الحق ، و تسك طريق الباطل .
فإن قال : فاذكر لنا من الكتاب و السنة و عمن سلف من علماء المسلمين ما يدل على ما قلت ، لنرد نفوسنا عما تهواه من البحث عما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم .(8/66)
قيل له : قد تقدم ذكرنا لما ذكرته مما فيه بلاغ و حجة لمن عقل ، و نعيد بعض ما ذكرناه ليتيقظ به المؤمن المسترشد إلى طريق الحق . قال الله عز وجل{محمد رسول الله و الذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ، تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله و رضواناً ، سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة و مثلهم في الإنجيل ، كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه ، يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار ..}[الفتح:29] . ثم وعدهم بعد ذلك المغفرة والأجر العظيم . و قال الله عز وجل{لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة ..} [التوبة/117] . الآية . و قال عز وجل{و السابقون الأولون من المهاجرين و الأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ..} [التوبة/100] . إلى آخر الآية . و قال عز وجل{يوم لا يخزي الله النبي و الذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم و بأيمانهم .. ..} [التحريم/8 ] . الآية . و قال عز وجل{كنتم خير أمة .. ..}[آل عمران/110] . الآية . و قال عز وجل{لقد رضي الله عن المؤمنين .. ..}[الفتح/18] . إلى آخر الآية . ثم إن الله عز وجل أثنى على من جاء من بعد الصحابة فاستغفر للصحابة و سأل مولاه الكريم ألا يجعل في قلبه غلاً لهم ، فأثنى الله عز وجل عليه بأحسن ما يكون من الثناء فقال عز وجل{و الذين جاءوا من بعدهم .. إلى قوله .. رءوف رحيم}[الحشر/10] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم . أخرجه البخاري مع الفتح (7/5) و مسلم برقم (6419) و أحمد في المسند (1/438) . وقال ابن مسعود : إن الله عز وجل نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه و بعثه برسالته ، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد - يعني من غير الأنبياء و المرسلين كما هو(8/67)
معلوم - فجعلهم وزراء نبيه صلى الله عليه وسلم يقاتلون على دينه . رواه أحمد في المسند (1/379) و البغوي في شرح السنة (1/214-215) و هو حدث حسن .
ثم قال الآجري رحمه الله : يقال : لمن سمع هذا من الله عز وجل و من رسوله صلى الله عليه وسلم : إن كنت عبداً موفقاً للخير اتعظت بما وعظك الله عز وجل به ، و إن كنت متبعاً لهواك خشيت عليك أن تكون ممن قال الله عز وجل فيهم{و من أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله}[القصص/50] ، و كنت ممن قال الله عز وجل{و لو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ولو اسمعهم لتولوا و هم معرضون}[الأنفال/23] .
و يقال له : من جاء إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يطعن في بعضهم و يهوى بعضهم ، و يذم بعضاً و يمدح بعضاً ؛ فهذا رجل طالب فتنة ، و في الفتنة وقع ، لأنه واجب عليه محبة الجميع ، و الاستغفار للجميع رضي الله عنهم ، و نفعنا بحبهم ، و نحن نزيدك في البيان ليسلم قلبك للجميع ، و يدع البحث و التنقير عما شجر بينهم .(8/68)
ثم ساق رحمه الله مجموعة من الآثار في بيان الواجب عمله تجاه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ، منها : ما رواه عن شهاب بن خراش عن العوام بن حوشب قال : اذكروا محاسن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم تأتلف عليه قلوبكم ، ولا تذكروا غيره فتحرشوا الناس عليهم . أخرجه الخلال في السنة (ص 513) و إسناده حسن . و أيضاً ما رواه أبي ميسرة قال : رأيت في المنام قباباً في رياض مضروبة ، فقلت : لمن هذه ؟ قالوا : لذي الكلاع و أصحابه – و كان مع من قتل مع معاوية رضي الله عنه - ، و رأيت قباباً في رياض فقلت : لمن هذه ؟ قالوا : لعمار و أصحابه ، فقلت : و كيف و قد قتل بعضهم بعضاً ؟ قال : إنهم وجدوا الله عز وجل واسع المغفرة . إسناده صحيح إلى أبي ميسرة ، و لم يخرجه غير الإمام الآجري . كما قال ذلك المحقق ، أنظر كتاب الشريعة (5/2493) . و أيضاً ما ذكر عن الحسن رحمه الله ، أنه كان في مجلس فذكر كلاماً و ذكر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال : أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أبر هذه الأمة قلوباً و أعمقها علماً ، وأقلها تكلفاً ، قوماً اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وإقامة دينه ، فتشبهوا بأخلاقهم و طرائقهم ، فإنهم و رب الكعبة على الهدى المستقيم . أخرجه أبو نعيم في الحلية (1/305-306) عن الحسن عن ابن عمر ، و البغوي في شرح السنة (1/214) عن ابن مسعود .
و الذي يظهر من كلام هؤلاء الأئمة التأكيد على هذا الضابط المهم و هو : عدم الخوض فيما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم ، على سبيل التسلية و تأليف الأشرطة والمحاضرات و عرضها بين الناس بمختلف مستوياتهم ، و هو الخطأ الذي وقع فيه الدكتور : طارق سويدان حفظه الله .(8/69)
غير أن بعضهم أجاز الخوض في ذلك في حالة واحدة فقط ؛ و هي إن ظهر مبتدع مبطل يقدح فيهم بالباطل ، فيجب الدفاع عنهم بحق و عدل مع التنبيه إلى أنه لا يدافع عن بعضهم فيقع في سب آخرين منهم ، إنما يكون الدفاع عنهم رضي الله عنهم جميعاً ، و إلا فيجب الصمت و ترك الخوض فيما شجر بينهم . ضوابط إنقاذ التاريخ الإسلامي ، مقال من جريدة المسلمون للدكتور : محمد بن عبد الله الغبان . العدد (656ص 8) .
إن موضوع النزاع و الخلاف بين الصحابة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه يجب أن ينظر إليه من زاويتين :-
الأولى : إن اللوم في تلك الفتنة على العموم يلقى على قتلة عثمان ، لأن كل من قتل من المسلمين بأيدي
إخوانهم منذ قتل عثمان رضي الله عنه إنما يقع إثمه عليهم ، فهم الذين فتحوا باب الفتنة و كل ما وقع بعد ذلك فإثمه و وزره عليهم ، إذ كانوا هم السبب المباشر فيها ، و هم الفئة المعتدية الظالمة الباغية التي قتل بسببها كل مقتول في الجمل و صفين و ما تفرق عنها من أحداث و آراء و مواقف فتحت باب الخلاف و الفرقة بين المسلمين .
الثانية : إن ما حدث من جانب الصحابة رضي الله عنهم في هذه الفتنة يحمل على حسن النية و الاختلاف في التقدير و الاجتهاد ، كما يحمل على وقوع الخطأ و الإصابة ، و لكنهم على كل حال كانوا مجتهدين و هم لإخلاصهم في اجتهادهم مثابون عليه في حالتي الإصابة و الخطأ ، و إن كان ثواب المصيب ضعف ثواب المخطئ ؛ لأن كل فئة كانت لها وجهة نظر تدافع عنها بحسن نية ، حيث إن الخلاف بينهم لم يكن بسبب التنافس على الدنيا ، و إنما كان اجتهاداً من كل منهم في تطبيق شرائع الإسلام . تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة (2/340-342) بتصرف .
و قد سئل ابن المبارك عن الفتنة التي وقعت بين علي و معاوية رضي الله عنهما فقال : فتنة عصم الله منها سيوفنا فلنعصم منها ألسنتنا - يعني في التحرز من الوقوع في الخطأ و الحكم على بعضهم بما لا يكون مصيباً(8/70)
فيه - . و سئل الحسن البصري عن قتالهم فقال : قتال شهده أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم و غبنا ،
و علموا و جهلنا ، و اجتمعوا فاتبعنا ، و اختلفوا فوقفنا . الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (8/322) في تفسير سورة الحجرات .
و يقول النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم (18/219-220) : و اعلم أن الدماء التي جرت بين الصحابة رضي الله عنهم ليست بداخلة في هذا الوعيد - يعني قوله صلى الله عليه وسلم إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل و المقتول في النار - و مذهب أهل السنة و الحق إحسان الظن بهم ، و الإمساك عما شجر بينهم ، و تأويل قتالهم و أنهم مجتهدون متأولون لم يقصدوا معصية ولا محض الدنيا ، بل اعتقد كل فريق أنه المحق و مخالفه باغ فوجب عليه قتاله ليرجع إلى الله ، و كان بعضهم مصيباً و بعضهم مخطئاً معذوراً في الخطأ لأنه اجتهاد و المجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه .
و يورد شيخ الإسلام في مواضع متفرقة من مجموع الفتاوى (35/50 و 54 و 56 و 69) رأي أهل السنة في هذه المسألة مستبعداً رأي أهل البدع من الخوارج و الرافضة و المعتزلة الذين جعلوا القتال موجباً للكفر أو الفسق ، فيقول : و أهل السنة و الجماعة و أئمة الدين لا يعتقدون عصمة أحد من الصحابة بل يمكن أن يقع الذنب منهم ، والله يغفر لهم بالتوبة و يرفع بها درجاتهم ، و إن الأنبياء هم المعصومون فقط ، أما الصديقون و الشهداء و الصالحون فليسوا معصومين ، و هذا في الذنوب المحققة ، و أما اجتهادهم فقد يصيبون فيه أو يخطئون ، فإذا اجتهدوا و أصابوا فلهم أجران ، و إذا اجتهدوا و أخطأوا فلهم أجر واحد على اجتهادهم ، و جمهور أهل العلم يفرقون بين الخوارج المارقين و بين أصحاب الجمل و صفين ممن يعد من البغاة المتأولين ، و هذا مأثور عن الصحابة و عامة أهل الحديث ، و الفقهاء و الأئمة .(8/71)
يقول ابن حجر في الفتح (13/37 ) : و اتفق أهل السنة على وجوب منع الطعن على أحد من الصحابة بسبب ما وقع لهم من ذلك ، و لو عرف المحق منهم لأنهم لم يقاتلوا في تلك الحروب إلا عن اجتهاد و قد عفا الله تعالى عن المخطئ في الاجتهاد ، بل ثبت أنه يؤجر أجراً واحداً ، و أن المصيب يؤجر أجرين .
و هكذا نأخذ من مجموع كلام هؤلاء الأئمة ، أن الموقف مما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم هو الإمساك و عدم الخوض ، و هذا هو الذي دل عليه الحديث الثابت كما عند الطبراني و غيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا ذكر أصحابي فأمسكوا . أنظر : السلسة الصحيحة (1/75) .
و قد فسر المناوي في فيض القدير (2/676) الحديث بأن معناه : ما شجر بينهم - أي الصحابة - من الحروب والمنازعات .
يقول الحافظ الذهبي في السير (3/128) : فبالله كيف يكون حال من نشأ في إقليم لا يكاد يشاهد فيه إلا غالياً في الحب ، مفرطاً في البغض ، و من أين يقع له الإنصاف و الاعتدال ؟! فنحمد الله على العافية الذي أوجدنا في زمان قد انمحص فيه الحق و اتضح من الطرفين و عرفنا مآخذ كل واحد من الطائفتين ، و تبصرنا فعذرنا و استغفرنا و أحببنا باقتصاد ، و ترحمنا على البغاة بتأويل سائغ في الجملة ، أو بخطأ إن شاء الله مغفور ، و قلنا كما علمنا الله{ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا}و ترضينا أيضاً عمن اعتزل الفريقين كسعد ين أبي وقاص و ابن عمر و محمد بن مسلمة و سعيد بن زيد و خلق ، و تبرأنا من الخوارج الذين حاربوا علياً و كفروا الفريقين .
فهذه مقتطفات عاجلة من معتقد أهل السنة و الجماعة في الصحابة ، و تلك قناعات و منطلقات شرعية لا تهتز بإرجاف المرجفين ولا تتأثر بتشكيك المشككين .(8/72)
و إذا كانت أعراض المسلمين بشكل عام مصونة في الإسلام ، فأعراض الصحابة و هم أهل الفضل و السابقة و الجهاد أولى بالصيانة ، و الدفاع عنهم قربة لله عز وجل و تقديراً لمآثرهم و جهادهم .
و أخيراً لماذا هذه العناية بأعراض الصحابة و لماذا الدفاع عنهم ؟
أقول : إن هناك مكمن خطر في سبهم أو التعريض بهم و بعدالتهم ، فهم نقلة الدين و الطعن فيهم وسيلة للطعن في الدين .
وإن من أسوأ الأخطاء المنهجية والتربوية معاً ، تدريس الحروب والخلافات التي وقعت بين الصحابة لتلاميذ المدارس ، مع ما يصاحب ذلك من تشويه في العرض ، و تقصير في تعريف التلاميذ بمنزلة الصحابة و فضلهم و حقهم على الأمة ، حيث ينشأ عن ذلك تعارض في أذهانهم بين الصورة الفطرية التي تصوروها عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و ما ينبغي أن يكونوا عليه من الاستقامة ، و بين الصورة التي تلقوها من المدرسة ، فلا يستطيعون معرفة الحق من ذلك ولا يستوعبونه نظراً لصغر سنهم ، و لقلة ثقافتهم ، حتى لو حاولت أن توضح لهم الصورة الصحيحة فإنهم لا يكادون يقتنعون لأن الشبهة التي أثيرت قد انقدحت في أذهانهم .
و هذه المسارعة في عرض مثل هذه المادة التاريخية على صغار التلاميذ أو عوام الناس مخالف للقواعد الأصولية مثل قاعدة : ( سد الذرائع ) . و قاعدة : ( درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ) . و مخالف أيضاً للقواعد التربوية التي تقتضي أن لا يعرض على الناس أكثر مما لا تحتمله عقولهم .(8/73)
و قد جاء عن الصحابة رضي الله عنهم ما يؤيد هذا ؛ فقال عبد الله بن مسعود كما في مقدمة صحيح مسلم برقم (14) : ( ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة ) . و قد بوب البخاري في صحيحه : ( باب من خص بالعلم قوماً دون قوم كراهية أن لا يفهموا ) . و أورد قول علي بن أبي طالب : ( حدثوا الناس بما يعرفون ، أتحبون أن يكذب الله و رسوله ) . البخاري مع الفتح (1/272) ، قال ابن حجر معلقاً عليه : ( فيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة ) .
فهذه الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم تدل على صحة هذه القاعدة التربوية ، و أنه لا ينبغي أن يدرّس مثل هذا لتلاميذ المدارس ، لأنه مما لا تبلغه عقولهم ، و مما يؤدي إلى فتنة بعضهم ، و هو اعتقاد ما لا ينبغي اعتقاده في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . و للمزيد حول هذا الموضوع أنظر كتاب : منهج كتابة التاريخ الإسلامي للدكتور : محمد بن صامل (ص252) . و مقال : فضيلة الإمساك عما شجر بين الصحابة : زياد سعد الغامدي في مجلة البيان الإسلامية العدد (134) .(8/74)
و إذا قدر لهذه القضايا أن تبحث فينبغي أن يسند الأمر إلى أهله ، و أن يتوفر على ذلك علماء متمكنون في علمهم ، صادقين في توجههم ، برآء من أي تهمة في معتقدهم ، و أن يكونوا على مستوى الخاصة ، و ألا تفتن بهم العامة ، و ألا تكون قضية مطروحة للمزاد يهرف فيها من لا يعرف ، و يظن الجاهل أن من حقه أن يوافق أو يخالف .. و ليت شعري كم تنطق الرويبضة و يتصدر السفهاء إذا غاب عن الساحة صوت العلماء ، أو توارى خلف الحجب رأي النبلاء .. و مع ذلك فالزبد سيذهب جفاء و يمكث في الأرض ما ينفع الناس ، و كذلك اقتضت حكمة الله في الصراع بين الحق و الباطل قديماً و حديثاً ، ليميز الله الخبيث من الطيب و ينحاز الصادقون و ينكشف و لو بعد حين الكاذبون . خير القرون ، مقال للدكتور سليمان العودة . انظر مجلة الدعوة العدد (1610 ) .(8/75)
وما أحسن ما قيل عن التاريخ الإسلامي : فهو تاريخ ناصع مشرق ، و هو مفخرة على مر الزمن ، و درة على جبين الدهر ، لا يدانيه تاريخ أمة من الأمم في قديم الزمان و حديثه ، و مع ذلك فقد وقعت فيه بعض الحوادث التي تلقي بعض الظلال القاتمة على إشراقه ، بدأت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث ظهرت بعض الخلافات في وجهات النظر بين بعض الصحابة ، أدت إلى وقوع بعض الحروب ، مثل : وقعة صفين ، و وقعة الجمل و يوم الحرة و أمثالها ، و الطالب المسلم يمر بها في بعض مراحل حياته الدراسية ، و نحن نريد أن نلفت نظر المعلم أو المدرس إلى وجوب التزام جانب اليقظة و الحكمة و الحذر عند عرض هذه الوقائع على طلابه ، فالصحابة رضي الله عنهم شموس لامعة براقة أشرقت في تاريخ الإنسانية فغمرته بالنور ، و هي شموس تتفاوت أقدارها و تتباين في أنواع فضائلها ، و لكنها تبقى دائماً في أعلى درجات الفضل ، و في ذروة العزة و المجد ، و لو ميز المشتغلون بتاريخ الإسلام ، بين الأصيل و الدخيل من الحوادث التي وقعت بين الصحابة ، لأخذتهم الدهشة لما اخترعه أعداء الإسلام من يهود و مجوس و منافقين و ملحدين و حاقدين ، من أخبار ملفقة كاذبة ، ألصقوها بالصحابة الكرام ظلماً و عدواناً و كيداً ، فصورت أخبارهم الوضع عن غير حقيقته ، و أدخلت التشويه على الصورة الحقيقية الناصعة للصحابة رضي الله عنهم ، الذين يعتبرون بحق سادة البشر و خلاصة الإنسانية ، كيف لا ؟ و هم تلامذة أشرف المخلوقين و سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم . مقتبس من كتاب : كلمات نافعة لناجي الطنطاوي (ص79) بتصرف .
ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن نتمسك بقوله تعالى : { و الذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا
و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤف رحيم}[الحشر/10] .(8/76)
و بعد هذا الذي ذكرت ، فإنه قد ظهر و خاصة على صفحات الإنترنت من يطعن في الصحابة الكرام و يثير هذه الأحداث من جديد لكن بشكل مشوّه مزرٍ ، لذا آثرت الحديث في هذا الموضوع ، دفاعاً عن الحق و عن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم .
ذكر الأحداث التي تلت مقتل عثمان رضي الله عنه ، حتى قبيل معركة الجمل
أصاب المسلمين بلاء عظيم بسبب مقتل الخليفة عثمان رضي الله عنه ، إذ كان المسلمون قد مرّوا بانتقال السلطة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم و بعد وفاة الصديق رضي الله عنه ، لكنهم الآن أمام تجربة جديدة تمثلت باستخدام العنف في تغيير السلطة و نجم عن ذلك مقتل الخليفة ، و بقاء المنصب شاغراً ، و سعى المعارضون إلى بيعة واحد من كبار الصحابة لملأ الفراغ في السلطة ، فعرضوها على طلحة و عبد الله بن عمر ، لكن أحداً لم يكن ليقبل منهم السلطة في ظروف الفتنة ، لأنهم لا يمثلون الأمة ، بل يمثلها كبار الصحابة في المدينة ، و هم الذين يقبل الناس في أنحاء الدولة اختيارهم ، و قد أدرك المعارضون ذلك بعد فشل محاولاتهم . فضائل الصحابة للإمام أحمد (2/573-574) .(8/77)