حديث ليلة النصف من شعبان
رواية ودراية
جمع ودراسة
عبدالغفار بن محمد حميده
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى.
المواسم والأوقات الفاضلة في حياة المسلمين لها اهتمام خاص، منها ما جاء الشرع بتوجيهه ونص على التعبد فيه، ومنها ما أُحدث بغير دليل شرعي، ومن هذه المواسم والأوقات ليلة النصف من شعبان، والتي ورد في فضلها عدة أحاديث وبعض الآثار. وهذه الأحاديث لا تخلوا كلها من مقال، ولكن مجموعها جعل بعض أهل العلم يصحح حديثها وأنها ليلة لها فضل. وكان زياد المنقري القاص يقول: "إن أجر ليلة النصف من شعبان مثل أجر ليلة القدر، فقال ابن أبي مليكة: لو سمعته يقول ذلك وفي يدي عصا لضربته بها".(1)
كما لم تخلو هذه الليلة من بدع ومنكرات، ومخالفات شرعية سنعرض لها بالتفصيل، أحدثها من لا علم له إما جهلا أو عملا بأحاديث ضعيفة واهية أو موضوعة.
وقد وفقني الله عز وجل لجمع الأحاديث الواردة في هذه الليلة وفضلها، ودراستها من الناحية الحديثية وبيان عللها التي أعل أهل العلم حديثها لأجلها. مع ذكر الفوائد والنكات التي تتعلق بهذه الليلة، والمنثورة في ثنايا هذا البحث، كـ:
أسمائها، ، والخرافات والبدع التي تعمل ليلتها، وبعض الحوادث التي حصلت فيها.
والله أسأل أن يجعل عملي هذا خالصا لوجه الكريم، وأن ينفعني به يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، آمين.
…………………كتبه:…………………………………عبدالغفار بن محمد حميده
المدينة النبوية المنورة
من صنف فيها
صنف فيها استقلالا عدد من أهل العلم، ولم أقف على مطبوع منها سوى رسالة أبي النجا السنهوري المصري المالكي، وممن صنف فيها:
الشيخ أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي، صنف كتابا نفيسا في إبطال إحياء أول ليلة من رجب وليلة النصف من شعبان، عزاه له النووي وقال: "فأحسن فيه وأجاد".(2)
__________
(1) مصنف عبد الرزاق (4/317).
(2) المجموع (4/61).(1/1)
الحافظ أبو القاسم علي بن هبة الله ابن عساكر (ت 571 هـ)، له رسالة في فضائل ليلة نصف شعبان.(1)
الحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبى بكر السيوطي (ت 911 هـ) له رسالة اسمها: (ضوء البدر في إحياء ليلة عرفة والعيدين ونصف شعبان وليلة القدر)، ذكرها صاحب كشف الظنون في فهرس مؤلفاته في فن الحديث".(2)
الفقيه الشيخ أحمد بن محمد بن حجر أبو العباس الهيتمي (ت 974هـ) له رسالة: (الإيضاح والبيان لما جاء في ليلتي الرغائب والنصف من شعبان)، مخطوط (الجامعة الإسلامية بالمدينة تحت رقم 1002 حديث مصورة عن المكتبة الظاهرية) عندي صورتها.
المحدث المسند نجم الدين محمد بن أحمد بن علي بن أبي بكر الغيطي (984 هـ)، له رسالة (فضائل ليلة النصف من شعبان). من مخطوطات الكتب خانة الأزهرية تحت رقم (عموم 43033 آداب وفضائل) مخطوطة عندي صورتها.
الشيخ شمس الدين محمد بن طولون الدمشقي (ت 953 هـ) وكتابه اسمه (تحلية الشبعان في ما روى في ليلة النصف من شعبان).(3)
الشيخ زين الدين بن عبدالعزيز بن زين الدين بن علي الشافعي المليباري الفتاني (ت 987 هـ) كتاب: (الإيضاح والبيان فيما جاء في ليلة الرغائب والنصف من شعبان).(4)
أبو السرور بن محمد بن علي بن عبد الرحمن بن أحمد (ت 1007 هـ).(5)
منصور سبط شيخ الإسلام ناصر الدين الطبلاوى (ت 1014 هـ) نسبة لبلدة بالمنوفية من أقاليم مصر الشافعي الشيخ العالم المحقق خاتمة الفقهاء.(6)
المحدث سالم بن محمد عز الدين بن محمد ناصر الدين ابن عز العرب أبو النجا السنهوري المصري المالكي (ت 1015 هـ)، له رسالة اسمها: (الكشف والبيان عن فضائل ليلة النصف من شعبان) وهي مطبوعة .(7)
أسماؤها
__________
(1) الضوء اللامع (2/229).
(2) كشف الظنون (2/1088).
(3) كشف الظنون (2/1088).
(4) إعانة الطالبين (1/271).
(5) خلاصة الأثر (1/117).
(6) المصدر السابق (4/428).
(7) المصدر السابق (2/204).(1/2)
ذكر بعض أهل العلم لليلة النصف من شعبان عدة أسماء، قال المناوي: "قال في الكشاف: ولها أربعة أسماء: الليلة المباركة، وليلة البراءة، وليلة الصك، وليلة الرحمة، ومن عادة الله في هذه الليلة أن يزيد فيها ماء زمزم زيادة ظاهرة".(1)
قلت: القول بزيادة ماء زمزم يحتاج إلى دليل، وتسميتها بليلة الصك، ذكره الحليمي وسماها "ليلة الصكاك"، وشبهها بليلة القدر في رمضان.(2)
وذهب بعض السلف إلى أن الليلة المباركة التي نزل فيها القرآن، والتي يفرق فيها كل أمر حكيم هي ليلة النصف من شعبان، وهو قول عكرمة(3)، وروى الطبري بسند صحيح عن ابن عباس - رضي الله عنه -: "إن الرجل ليمشي في الناس وقد رفع في الأموات، قال: ثم قرأ هذه الآية {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أمر حَكِيمٍ}، قال: ثم قال: يفرق فيها أمر الدنيا من السنة إلى السنة".(4) وقد رد ابن القيم هذا القول فقال: "ومن زعم أنها ليلة النصف من شعبان فقد غلط".(5) وقال الشوكاني: "والحق ما ذهب إليه الجمهور من أن هذه الليلة المباركة هي ليلة القدر لا ليلة النصف من شعبان".(6) وزاد السنهوري في رسالته (الكشف والبيان عن فضائل ليلة النصف من شعبان) عدة أسماء منها:
ليلة القسمة والتقدير، لأجل نسخ الموتى ليلتها.(7)
ليلة التكفير، حيث نقل عن تفسير السبكي أنها تكفلا ذنوب السنة.(8)
ليلة الإجابة، لأجل عدم رد الدعاء ليلتها.(9)
__________
(1) فيض القدير (2/263).
(2) المنهاج في شعب الإيمان (2/394)
(3) انظر تفسير الطبري (25/108)، تفسير القرطبي (16/126).
(4) تفسير الطبري (25/109).
(5) شفاء العليل (1/22).
(6) فتح القدير (4/570).
(7) الكشف والبيان عن فضائل ليلة النصف من شعبان (ص 5).
(8) المصد السابق (ص 7).
(9) المصد السابق (ص 8).(1/3)
ليلة الحياة، وساق عن وهب بن منبه أنه قال: (إذا كان ليلة النصف من شعبان لم يمت أحد بين المغرب والعشاء لاشتغال ملك الموت بقبض الصكاك من رب العالمين)، وعزاه لإسحاق بن راهوية.(1)
ليلة عيد الملائكة، وذكر عن أبي عبدالله طاهر بن محمد الحدادي في كتابه عنوان المجالس أن ليلة البراءة ليلة عيد للملائكة في السماء.(2)
ليلة الشفاعة، وساق حديثا عن عائشة رضي الله عنها لم أقف عليه ولفظه: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان جالسا في تلك الليلة فنزل جبريل فقال: إن الله تبارك وتعالى قد أعتق من النار نصف أمتك). (3)
وليلة البركة، وليلة التعظيم، وليلة القدر، الغفران، وليلة العتق من النار.(4)
أقوال العلماء في أحاديثها
تكلم أهل العلم على أحاديثها، وحكموا بنكارتها، منهم:
الحافظ الناقد أبو جعفر محمد بن عمر العقيلي (322 هـ).
قال: "وفى النزول في ليلة النصف من شعبان أحاديث فيها لين، والرواية في النزول في كل ليلة أحاديث ثابتة صحاح، فليلة النصف من شعبان داخلة فيها إن شاء الله".(5)
الحافظ الناقد أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي (327 هـ).
قال ابنه عن حديث النزول ليلتها: "قال أبي: هذا حديث منكر".(6)
الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي ( 458 هـ).
قال: "وقد روي في هذا الباب أحاديث مناكير رواتها قوم مجهولون قد ذكرنا في كتاب الدعوات منها حديثين".(7)
الإمام العلامة القاضي الفقيه أبو بكر ابن العربي المالكي (543 هـ).
قال: "وليس في ليلة النصف من شعبان حديث يُعوَّل عليه، لا في فضلها ولا في نَسْخ الآجال فيها فلا تلتفتوا إليها".(8)
__________
(1) المصدر السابق (ص 8).
(2) المصدر السابق (ص 9).
(3) المصدر السابق (ص 10).
(4) المصدر السابق (ص 10).
(5) الضعفاء الكبير (3/29).
(6) علل الحديث (2/173).
(7) شعب الإيمان (3/382 ح 3835).
(8) أحكام القرآن لابن العربي (4/117).(1/4)
شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن عبدالحليم ابن تيمية (728 هـ).
قال: "روى في فضلها من الأحاديث المرفوعة والآثار ما يقتضي أنها ليلة مفضلة، وأن من السلف من كان يخصها بالصلاة فيها، وصوم شهر شعبان قد جاءت فيه أحاديث صحيحة، ومن العلماء من السلف من أهل المدينة وغيرهم من الخلف من أنكر فضلها، وطعن في الأحاديث الواردة فيها كحديث (إن الله يغفر فيها لأكثر من عدد شعر غنم بني كلب)، وقال: لا فرق بينها وبين غيرها، لكن الذي عليه كثير من أهل العلم، أو أكثرهم من أصحابنا وغيرهم على تفضيلها، وعليه يدل نص أحمد لتعدد الأحاديث الواردة فيها، وما يصدق ذلك من الآثار السلفية، وقد روى بعض فضائلها في المسانيد والسنن، وإن كان قد وضع فيها أشياء أخر".(1)
الحافظ الناقد شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (748 هـ).
ذهب إلى أن حديث علي - رضي الله عنه - في ثواب الصلاة ليلتها خرافات(2)، وقال عن حديث أنس - رضي الله عنه - في الصلاة ليلتها بـ (قل هو الله أحد): "فقبح الله من وضعه، ففيه من الكذب والإفك ما لا يوصف".(3)
العلامة أبو عبدالله أحمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية (751 هـ).
قال عن حديث إحياء ليلتها بمئة ركعة: "والعجب ممن شم رائحة العلم بالسنن أن يغتر بمثل هذا الهذيان ويصليها، وهذه الصلاة وضعت في الإسلام بعد الأربعمئة ونشأت من بيت المقدس، فوضع لها عدة أحاديث".(4)
الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (852 هـ).
حيث تابع الحافظ الذهبي في مقولته السابقة.(5)
متى أُحدِث إِحياؤها
__________
(1) اقتضاء الصراط (ص 302).
(2) ترتيب الموضوعات (ص 162 ح 505).
(3) ميزان الاعتدال (3/565).
(4) المنار المنيف (ص99 ح 175).
(5) لسان الميزان (5/177).(1/5)
ذهب ابن القيم إلى أن هذه الصلاة وضعت في الإسلام بعد الأربعمئة من الهجرة، ونشأت من بيت المقدس فوضعت لها عدة أحاديث.(1) وأصله ما حكاه الشيخ أبو شامة (665 هـ) قال: "وأصلها ما حكاه الطرطوشي في كتابه، وأخبرني به أبو محمد المقدسي قال: لم يكن عندنا بيت المقدس قط صلاة الرغائب هذه التي تصلي في رجب وشعبان، وأول ما حدثت عندنا في سنة (448 هـ) قدم علينا في بيت المقدس رجل من نابلس، يعرف بابن أبي الحمراء وكان حسن التلاوة، فقام يصلي في المسجد الأقصى ليلة النصف من شعبان، فأحرم خلفه رجل ثم أنضاف إليهما ثالث ورابع فما ختمها إلا وهم جماعة كثيرة، ثم جاء في العام القابل فصلى معه خلق كثير وشاعت في المسجد، وانتشرت الصلاة في المسجد الأقصى وبيوت الناس ومنازلهم، ثم استقرت كأنها سنة إلى يومنا هذا. قلت: فأنا رأيتك تصليها في جماعة؟ قال نعم وأستغفر الله منها".(2)
إحياء أهل الشام لها
قال ابن رجب: "كان التابعون من أهل الشام كخالد بن معدان، ومكحول ولقمان بن عامر وغيرهم يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادة وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها، وقد قيل أنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية، فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف الناس في ذلك، فمنهم من قبله ووافقهم على تعظيمها، منهم طائفة من عباد أهل البصرة وغيرهم، وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز منهم عطاء وابن أبي مليكة، ونقله عبدالرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء المدينة، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم وقالوا ذلك كله بدعة. واختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين:
__________
(1) المنار المنيف (ص99 ح 175).
(2) الباعث على إنكار البدع (1/34)، وانظر الاعتصام للشاطبي (1/169).(1/6)
أحدهما: أنه يستحب إحياؤها جماعة في المساجد، كان خالد بن معدان ولقمان بن عامر وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم، ويتبخرون ويكتحلون ويقومون في المسجد ليلتهم تلك، ووافقهم إسحاق بن راهوية على ذلك، وقال: في قيامها في المساجد جماعة ليس ذلك ببدعة، نقله عنه حرب الكرماني في مسائله.
والثاني: أنه يكره الاجتماع فيها في المساجد للصلاة والدعاء، ولا يكره أن يصلي الرجل فيها لخاصة نفسه، وهذا قول الأوزاعي إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم، وهذا هو الأقرب إن شاء الله تعالى".(1)
إحياء أهل مكة
كان أهل مكة قديما يحيونها بالصلاة والطواف وختم القرآن، قال الفاكهي (275 هـ): "كان أهل مكة فيما مضى إلى اليوم، إذا كان ليلة النصف من شعبان خرج عامة الرجال والنساء إلى المسجد، فصلوا وطافوا وأحيوا ليلتهم حتى الصباح بالقراءة في المسجد الحرام، حتى يختموا القرآن كله ويصلوا ومن صلى منهم تلك الليلة مائة ركعة يقرأ في كل ركعة بـ (الحمد)، و (قل هو الله أحد) عشر مرات، وأخذوا من ماء زمزم تلك الليلة فشربوه واغتسلوا به عندهم للمرضى، يبتغون بذلك البركة في هذه الليلة".(2)
ووصف ابن جبير (614 هـ) أهل مكة ليلتها فقال: "قدّمت كل جماعة إماما وبُسطت الحُصر وأُوقدت الشموع، وأُشعلت المشاعل وأُسرِجت المصابيح، ومصباح السماء الأزهر الأقمر قد أفاض نوره على الأرض، وبسط شعاعه فتلاقت الأنوار في ذلك الحرم الشريف، الذي هو نور بذاته فيا لك مرأى لا يتخيله المتخيل ولا يتوهمه المتوهم".(3)
حكم إحيائها
أختلف أهل العلم في مشروعية إحيائها بين كاره ومُجَوِّز للمنفرد.
رأي الحنفية:
__________
(1) لطائف المعارف (ص 161).
(2) أخبار مكة (3/84).
(3) رحلة ابن جبير (ص 109)، وابن بطوطة (ص 183).(1/7)
جَوّز الحنفية إحيائها للمنفرد فقط، قال ابن نجيم (970 هـ): "وما روي من الصلوات في الأوقات الشريفة كليلة القدر، وليلة النصف من شعبان، وليلتي العيد وعرفة والجمعة وغيرها تصلى فرادى".(1)
رأي المالكية:
كره المالكية إحيائها، قال الخطاب (954 هـ): "لا يختلف المذهب في كراهة الجمع ليلة النصف من شعبان وليلة عاشوراء وينبغي للأئمة المنع منه".(2)
رأي الشافعية:
ذهب النووي (676 هـ) إلى بدعيتها و نكارتها مع تقبيح ذلك، فقال رحمه الله: "من البدع المنكرة ما يفعل في كثير من البلدان، من إيقاد القناديل الكثيرة العظيمة السرف، في ليال معروفة من السنة كليلة نصف شعبان، فيحصل بسبب ذلك مفاسد كثيرة: منها مضاهاة المجوس في الاعتناء بالنار والإكثار منها، ومنها إضاعة المال في غير وجهه، ومنها: ما يترتب على ذلك في كثير من المساجد من اجتماع الصبيان، وأهل البطالة ولعبهم ورفع أصواتهم، وامتهانهم المساجد وانتهاك حرمتها وحصول أوساخ فيها، وغير ذلك من المفاسد التي يجب صيانة المسجد من إفرادها".(3) وقال أيضا: "والصلاة المعروفة بصلاة الرغائب وهي ثنتا عشرة ركعة، تصلى بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة في رجب، وصلاة ليلة نصف شعبان مائة ركعة، وهاتان الصلاتان بدعتان ومنكران قبيحتان، ولا يغتر بذكرهما في كتاب قوت القلوب وإحياء علوم الدين، ولا بالحديث المذكور فيهما فإن كل ذلك باطل، ولا يغتر ببعض من اشتبه عليه حكمهما من الأئمة، فصنف ورقات في استحبابهما فإنه غالط في ذلك، وقد صنف الشيخ الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي كتابا نفيسا في إبطالهما فأحسن فيه وأجاد رحمه لله".(4)
رأي الحنابلة:
__________
(1) البحر الرائق (2/56).
(2) مواهب الجليل (2/74).
(3) المجموع (2/177).
(4) المجموع (4/56).(1/8)
قال ابن رجب: "ولا يعرف للإمام أحمد كلام في ليلة نصف شعبان". واستحب التفرغ ليلتها للذكر والدعاء وطلب المغفرة.(1)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " فأما صوم يوم النصف مفردا فلا أصل له بل إفراده مكروه، وكذلك اتخاذه موسما تصنع فيه الأطعمة وتظهر فيه الزينة، هو من المواسم المحدثة المبتدعة التي لا أصل لها، وكذلك ما قد أحدث في ليلة النصف من الاجتماع العام، للصلاة الألفية في المساجد الجامعة ومساجد الأحياء والدور والأسواق، فإن هذا الاجتماع لصلاة نافلة مقيدة بزمان وعدد وقدر من القراءة مكروه لم يشرع، فإن الحديث الوارد في الصلاة الألفية موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث، وما كان هكذا لا يجوز استحباب صلاة بناءً عليه، وإذا لم يستحب فالعمل المقتضي لاستحبابها مكروه، ولو سوِّغ أن كل ليلة لها نوع فضل تخص بصلاة مبتدعة يجتمع لها، لكان يفعل مثل هذه الصلاة أو أزيد أو أنقص ليلتي العيدين وليلة عرفة".(2)
الترجيح
إحياء الليالي الفاضلة كليلة النصف وعرفة والفطر والجمعة، عدا ليلة القدر يحتاج إلى دليل شرعي صحيح، إذ لم يؤثر فعله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحبه الكرام - رضي الله عنهم - فهو أمر محدث، وكما سبق عن شيخ الإسلام رحمه الله قوله: "ولو سوِّغ أن كل ليلة لها نوع فضل تخص بصلاة مبتدعة يجتمع لها، لكان يفعل مثل هذه الصلاة أو أزيد أو أنقص ليلتي العيدين وليلة عرفة".(3)
كما ذهب الشاطبي إلى أن قيام ليلتها من البدع(4)، وعلى رأي بعض المالكية يجب على الأئمة منع الناس من إحيائها لبدعيتها. (5)
حكم صيام يومها
__________
(1) لطائف المعارف (ص 162).
(2) اقتضاء الصراط (ص 302)
(3) اقتضاء الصراط (ص 302).
(4) الاعتصام (1/39).
(5) مواهب الجليل (2/74).(1/9)
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "فأما صوم يوم النصف مفردا فلا أصل له بل إفراده مكروه".(1) وذهب الشاطبي إلى أن إلتزام صيام يوم النصف من شعبان من البدع.(2) وقال المباركفوري: "لم أجد في صوم يوم ليلة النصف من شعبان حديثا مرفوعا صحيحا، وأما حديث علي - رضي الله عنه - الذي رواه ابن ماجه بلفظ: (إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها..)، فقد عرفت أنه ضعيف جدا، ولعلي - رضي الله عنه - فيه حديث آخر، وفيه: (فإن أصبح في ذلك اليوم صائما كان كصيام ستين سنة ماضية وستين سنة مستقبلة)، رواه ابن الجوزي في الموضوعات، وقال: موضوع وإسناده مظلم". (3)
لكن للحافظ ابن رجب رحمه الله في صيامها قول فيه نكتة بديعة فقال: "وأما صيام يوم النصف منه فغير منهي عنه، فإنه من جملة أيام البيض الغر المندوب إلى صيامها من كل شهر".(4) واعتمد رحمه الله حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - الضعيف في الأمر بصيامها.
عرض الأعمال ورفعها ليلتها
لم يرد حديث ينص على أن الأعمال تعرض على الله عز وجل ليلة النصف من شعبان، لكن قال به بعض أهل العلم، فقد قال الشيخ البجيرمي (1221 هـ): "أما العرض على الله في ليلة نصف شعبان كل سنة فلجملة أعمال السنة وكل ذلك لإظهار العدل وإقامة الحجة إذ لا يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء".(5)
__________
(1) اقتضاء الصراط (ص 302).
(2) الاعتصام (1/39).
(3) تحفة الأحوذي (3/368).
(4) لطائف المعارف (ص 160).
(5) حاشية البجيرمي (2/89).(1/10)
قلت: لكن الأعمال ترفع في شهر شعبان دون تخصيص ليلة بعينها، فقد صح من حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنه - قال: (قلت: يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان! قال: ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم).(1)
دخول من واظب على التعبد ليلتها الجنة
لم يرد في ذلك أي حديث والذي ورد، ما رواه الخلال في كتاب فضل رجب من قول خالد بن معدان: "خمس ليال في السنة من واظب عليهم رجاء ثوابهن، وتصديقا بوعدهن أدخله الله الجنة، أول ليلة من رجب يقوم ليلها ويصوم نهارها وليلة الفطر وليلة الأضحى وليلة عاشوراء وليلة نصف شعبان".(2)
إفراغ الرحمة ليلتها
لم يرد في ذلك أي حديث، والذي ورد هو ما رواه الخطيب في غنية الملتمس بإسناده إلى عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى عدي بن أرطاة: "عليك بأربع ليال في السنة فإن الله يفرغ فيهن الرحمة، أول ليلة من رجب وليلة النصف من شعبان وليلة الفطر وليلة النحر".(3) وذكره ابن رجب بنحوه وقال: "في صحته نظر".(4)
من كان يقرأ ليلتها احتفالا بها
__________
(1) أخرجه أحمد (5/201)، والنسائي (الصيام ح 2357) ، وصححه الحافظ في الفتح (4/215).
(2) تلخيص الحبير (2/80).
(3) تلخيص الحبير (2/80).
(4) لطائف المعارف (ص 162).(1/11)
الشيخ الفقيه محمد بن عبادة بن برى العدوى، قدم إلى مصر سنة (1164 هـ)، وجاور بالأزهر وحفظ المتون، ثم حضر شيوخ الوقت ولازم دروس علماء العصر ومهر في الفنون، وتفقه على علماء مذهبه من المالكية، ولم يزل يملي ويقرئ، ويفيد ويحرر ويجيد حتى وافاه الحمام، وتوفي في أواخر شهر جمادى الثانية سنة (1193 هـ) بعد أن تعلل بعلة الاستسقاء سنين، كان يقرأ ليالي المواسم مثل نصف شعبان والمعراج وفضائل رمضان وغير ذلك نيابة عن شيخه الشيخ علي الصعيدي العدوي ويجتمع بدرسه الجم الكثير من طلبة العلم والعامة رحمه الله.(1)
خرافات و بدع تعمل ليلتها
لم تسلم هذه الليلة من كثير من البدع والخرافات التي سببتها الأحاديث الواهية والموضوعة الواردة في فضلها، ومن هذه البدع:
إيقاد القناديل في المسجد الأقصى.
قال العليمي في وصف بيت المقدس وجامعها: "وأما في ليلة النصف من شعبان فيوقد بالجامع الأقصى، وبقبة الصخرة ما يزيد على عشرين ألف قنديل، وهذه الليلة من الليالي المشهورة التي من عجائب الدنيا، وكذلك في ليلة المعراج وهي المُسفرة عن السابع والعشرين من رجب وفي ليلة المولد الشريف، وفي ليلة السابع والعشرين من رمضان يوقد فيها التنانير من المصابيح، وغيرها، مما لا يوجد في مسجد من المساجد".(2)
اجتماع القبوريين عند بعض القبور وزيارتها والصلاة عندها
قال ابن الجوزي: "ومن عاداتهم زيارة المقابر في ليلة النصف من شعبان، وإيقاد الدار عندها وأخذ تراب القبر المعظم".(3)
ومن القبور التي كانت تزار ليلتها:
قبر إبراهيم بن أدهم والاجتماع عنده
__________
(1) عجائب الآثار (1/546).
(2) الأنس الجليل (2/33).
(3) تلبيس إبليس (ص 483).(1/12)
وصف ابن بطوطة رحلته إلى قبر إبراهيم بن أدهم فقال: "وعلى قبره زاوية حسنة فيها بركة ماء وبها الطعام للصادر والوارد، وخادمها إبراهيم الجمحي من كبار الصالحين، والناس يقصدون هذه الزاوية ليلة النصف من شعبان من سائر أقطار الشام، ويقيمون بها ثلاثا ويقوم بها خارج المدينة سوق عظيم فيه من كل شيء، ويقدم الفقراء المتجردون من الآفاق لحضور هذا الموسم، وكل من يأتي من الزوار لهذه التربة يعطي لخادمها شمعة فيجتمع من ذلك قناطير كثيرة".(1)
قبر صديقا والاجتماع عنده
قال محمد أحمد المقدسي (ت 390) في وصف جبال الشام ومنها جبل صديقا: "وجبل صديقا بين صور وقدس وبانياس وصيدا، ثم قبر صديقا عنده مسجد له موسم يوم النصف من شعبان، يجتمع إليه خلق كثير من هذه المدن ويحضره خليفة السلطان، واتفق وقت كوني بهذه الناحية يوم الجمعة في النصف من شعبان، فأتاني القاضي أبو القاسم بن العباس حتى خطبت بهم، فبعثتهم في الخطبة على عمارة ذلك المسجد ففعلوا وبنوا به منبرا، وسمعتهم يزعمون أن الكلب يعدو خلف الوحش فإذا بلغ ذلك الحد وقف، وما يشبه هذه من الحكايات".(2)
زيارة قبر الحسين ليلتها
توجد عدة روايات عند الرافضة ترغب في زيارة قبر الحسين ليلتها منها:
ما رواه المجلسي عن الباقر عليه السلام قال: "من زار الحسين في ليلة النصف من شهر شعبان غفرت له ذنوبه، ولم يكتب عليه سيئة في سنته حتى تحول عليه السنة، فان زار في السنة المستقبلة غفرت له ذنوبه".(3)
وأيضا عن أبي عبدالله عليه السلام قال: "إذا كان أول يوم من شعبان نادى مناد من تحت العرش: يا وفد الحسين لا تُخَلّوا ليلة النصف من شعبان من زيارة الحسين، فلو تعلمون ما فيها لطالت عليكم السنة حتى يجئ النصف". (4)
__________
(1) رحلة ابن بطوطة 1/96).
(2) أحسن التقاسيم (ص 172).
(3) بحار الأنوار (97/85).
(4) المصدر السابق (101/98).(1/13)
كما روى عن الباقر عليه السلام قال: "من زار الحسين في ليلة النصف من شهر شعبان غفرت له ذنوبه، ولم يكتب عليه سيئة في سنته حتى تحول عليه السنة، فان زار في السنة المستقبلة غفرت له ذنوبه". (1)
وقال أيضا: عن يونس بن يعقوب قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: "يا يونس ليلة النصف من شعبان يغفر الله لكل من زار الحسين عليه السلام من المؤمنين ما قدموا من ذنوبهم وقيل: استقبلوا العمل، قال: قلت: هذا كله لمن زار الحسين عليه السلام في النصف من شعبان ؟ قال: يا يونس لو أخبرت الناس بما فيها لمن زار الحسين عليه السلام لقامت ذكور الرجال على الخشب".
ثم عقب المجلسي بقوله: "لعل معنى قوله عليه السلام: لقامت ذكور رجال على الخشب أي كانوا صلبوا على الأخشاب لعظيم ماكانوا ينقلونه ويروونه في فضل زيارة الحسين عليه السلام في النصف من شعبان من عظيم فضل سلطان الحساب، وعظيم نعيم دار الثواب الذي لا يقوم بتصديقه ضعف الألباب".(2)
قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : من زار الحسين ( عليه السلام ) ليلة النصف من شعبان وليلة الفطر وليلة عرفة في سنة واحدة كتب الله له ألف حجة مبرورة وألف عمرة متقبله ، وقضيت له ألف حاجة من حوائج الدنيا والآخرة. (3)
كما زعموا زيارة أرواح الأنبياء لقبره ليلتها.
ذكر المجلسي عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: "من أحب أن يصافحه مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي فليزر الحسين عليه السلام ليلة النصف من شعبان، فإن أرواح النبيين يستأذنون الله في زيارته فيأذن لهم، فطوبى لمن صافحهم وصافحوه، ومنهم خمسة أولو العزم من المرسلين: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وعليهم أجمعين".(4)
كما ذكر المجلسي استحباب الغسل للزيارة. (5)
الصلاة عند قبر الحسين
__________
(1) المصدر السابق (101/100).
(2) المصدر السابق (101/95).
(3) المصدر السابق (101/90).
(4) المصدر السابق (11/32).
(5) المصدر السابق (81/17).(1/14)
قال المجلسي: "صلاة ليلة النصف من شعبان عند قبر سيدنا أبي عبدالله الحسين عليه السلام أربع ركعات، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب خمسين مرة وقل هو الله أحد خمسين مرة، ويقرؤهما في الركوع عشر مرات، وإذا استويت من الركوع مثل ذلك، وفي السجدتين وبينهما مثل ذلك، كما تفعل في صلاة التسبيح".(1)
زيارة صاحب الزمان عند الرافضة
ومما تزعمه الرافضة أيضا زيارة صاحب الزمان، والذي يعتقدون حياته، قال المجلسي: بعد ذكره فضل المبيت في كربلاء: "ومما يناسب ليلة النصف من شعبان زيارة مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه بما سيأتي في باب زياراته فإنها ليلة ولادته عليه وعلى آبائه السلام".(2)
زعم الرافضة ظهور مهديهم ليلتها
روى المجلسي عن حكيمة بنت محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قالت: بعث إلي أبو محمد الحسن بن علي عليهما السلام فقال: يا عمة اجعلي إفطارك الليلة عندنا فإنها ليلة النصف من شعبان، فإن الله تبارك وتعالى سيظهر في هذه الليلة الحجة وهو حجته في أرضه.(3)
اعتقاد الرافضة أن ليلة النصف من شعبان لأهل البيت، كليلة القدر للنبي - صلى الله عليه وسلم -
قال المجلسي: "سئل الباقر عليه السلام عن فضل ليلة: "النصف من شعبان فقال: هي أفضل ليلة بعد ليلة القدر، وفيما يمنح الله تعالى العباد فضله، ويغفر لهم بمنه، فاجتهدوا في القربة إلى الله تعالى فيها، فانها ليلة آلا الله عز وجل على نفسه أن لا يرد فيها سائلا ما لم يسأل الله معصية، وإنها الليلة التي جعلها الله لنا أهل البيت بإزاء ما جعل ليلة القدر لنبينا صلى الله عليه وآله".(4)
المبيت بكربلاء عند الرافضة
__________
(1) المصدر السابق (91/191).
(2) المصدر السابق (101/342).
(3) المصدر السابق (51/2).
(4) المصدر السابق (91/409).(1/15)
ذكر المجلسي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: من بات ليلة النصف من شعبان بأرض كربلاء، فقرأ ألف مرة قل هوالله أحد يستغفر الله ألف مرة و يحمدالله ألف مرة، ثم يقوم فيصلي أربع ركعات يقرأ في كل ركعة ألف مرة آية الكرسي وكل الله به ملكين يحفظانه من كل سوء ومن شر كل شيطان وسلطان، ويكتبان له حسناته، ولا يكتب عليه سيئة ويستغفران له ماداما معه.(1)
عدم مجامعة الزوجة ليلتها عند الرافضة
ذكر المجلسي رواية طويلة من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - في وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي - رضي الله عنه -، عن العروس والأوقات المنهي عن الجماع فيها، نذكر موضع الشاهد منه وهو قوله:
"يا علي لا تجامع أهلك في النصف من شعبان فإنه إن قضي بينكما ولد يكون مشوها ذا شامة في شعره ووجهه".(2)
جمع الشيخ أحمد الرفاعي أصحابه ليلتها
قال الشيخ شمس الدين يوسف في تاريخه مرآة الزمان حكى لي بعض أشياخنا قال: حضرت عنده ليلة نصف شعبان وعنده نحو من مائة ألف إنسان، قال فقلت له: هذا جمع عظيم، فقال لي: حشرت محشر هامان إن خطر ببالي أني مقدم هذا الجمع.(3)
الإجتماع عند زمزم وزعمهم فيضان مائه ليلتها
قال المناوي: "قال في الكشاف: ولها أربعة أسماء: الليلة المباركة، وليلة البراءة، وليلة الصك، وليلة الرحمة، ومن عادة الله في هذه الليلة أن يزيد فيها ماء زمزم زيادة ظاهرة".(4) وقال ابن جبير (614 هـ) في رحلته: والناس والنساء يزدحمون على قبة البئر المباركة لأنهم يزعمون بل يقطعون قطعا جهليا لا قطعا عقليا أن ماء زمزم يفيض ليلة النصف من شعبان.(5)
قضاء ليلتها بإيلياء
__________
(1) المصدر السابق (101/342).
(2) المصدر السابق (103/282).
(3) النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة (6/92).
(4) فيض القدير (2/263).
(5) رحلة ابن (بير (ص 108-120).(1/16)
قال الشيخ محمد المقدسي: "وأعلم أن خمسا في خمسة مواضع من الإسلام حسن: رمضان بمكة، وليلة الختمة بالمسجد الأقصى، والعيدين بصِقِلِّية(1)، ويوم عرفة بشيراز ويوم الجمعة ببغداد، وأيضا ليلة النصف من شعبان بإيلياء(2) ويوم عشوراء بمكة حسن".(3)
عينا تفجر الماء في اليوم الذي يليها
قال ناصر خسرو في رحلته إلى دمشق: "ومن حَما طريقان أحدهما بجانب الساحل غرب الشام والآخر في الجنوب، وهو ينتهي إلى دمشق فسرنا عن طريق الساحل، وقد رأينا في الجبل عينا قيل إن ماءها يتفجر في الثلاثة أيام التالية لنصف شعبان من كل سنة، ثم ينضب فلا تخرج منه قطرة واحدة حتى السنة التالية، ويذهب الكثيرون لزيارة هذه العين تقربا إلى الله سبحانه وتعالى وقد بنيت هناك عمارات وأحواض ".(4)
قلت: وليس لهذا التقرب وجه شرعي.
زعمهم اجتماع الكواكب السبعة ليلتها
قال في قلادة النحر نقلا عن العماد الكاتب في سنة (582 هـ)، في خلافة الناصر العباسي:
__________
(1) بثلاث كسرات وتشديد اللام والياء أيضا مشددة وبعض يقول بالسين وأكثر أهل صقلية يفتحون الصاد واللام من جزائر بحر المغرب مقابلة إفريقية وهي مثلثة الشكل. انظر معجم البلدان (3/416).
(2) بكسر أوله واللام وياء وألف ممدودة اسم مدينة بيت المقدس قيل معناه بيت الله. انظر معجم البلدان (1/293).
(3) أحسن التقاسيم (ص 166).
(4) سفرنامه (ص 46).(1/17)
"أجمع المنجمون على اجتماع الكواكب السبعة في برج الميزان، ويدل ذلك على خراب العالم وأن تهب ريح مثل ريح قوم عاد، وعينوا الاجتماع في ليلة نصف شعبان من السنة المذكورة، وفَرِق الملوك فحفروا حفائر ونقلوا إليها الماء والزاد، قال: فلما كانت الليلة التي عينوها جلسنا عند السلطان والشموع تتقد فلم يتحرك اللهب منها، ولم تر ليلة مثلها في ركود ريحها وسكونها، ولكن ظهر بعد ذلك أن سلطان التتار خرج في تلك الليلة من تلك السنة، فكان منه ما كان من الفساد وعاث في أكثر البلاد وأفنى خلقا من العباد حتى قتل الخليفة العباسي المستعصم بالله ببغداد.(1)
معراج أبي الحجاج الأقصري
قال الصفدي: وهو: يوسف بن عبد الرحيم بن غزي القرشي الشيخ العارف الزاهد، أبو الحجاح الأقصري شيخ الزمان وواحد الأوان، صاحب الكرامات والمكاشفات المعروفة، أحد من ينتفع الناس ببركته وصالح دعواته، تاب على يديه جماعة كثيرون وكانت كراماته كثيرة، ولكن جهال أتباعه أطنبوا وزادوا فجعلوا له معراجا ليلة نصف شعبان من كل سنة، واتخذوه في الصعيد كل سنة كالعيد تأتي إليه الخلائق من العوالي، ويبذل فيه العزيز الغالي وتحضر الدفوف والشبابات ويختلط الرجال بالنسوان.(2)
رؤية بعضهم للخضر ليلتها
__________
(1) سمط النجوم العوالي (3/511).
(2) الوافي بالوفيات (29/109).(1/18)
ومن الخرفات ليلتها ما قاله الحافظ ابن عساكر: أخبرتنا شكر بنت سهل بن بشر، قالت: أنبأنا أبي وأبو نصر قالا: أنبأنا علي بن القاسم، قيل له: كتب إليك أبو القاسم بن ذكر، قال: سمعت الشيخ أبا بكر الهلالي يقول: كلما بلغه عن بخيت بن أبي عبيد البسري، قال: (كان والدي أبو عبيد في المحرس الغربي بعكا في ليلة النصف من شعبان، في الطاقة الغربية من الرواق القبلي وأنا في الرواق الشامي في طاقة، أنظر إلى البحر فبينا أنا أنظر إلى البحر إذا أنا بشخص يمشي على الماء، ثم بعد الماء مشى على الهواء حتى جاء إلى والدي أبي عبيد، فدخل من طاقته التي هو فيها ينظر فيها فجلس معه مليا يتحادثان، ثم قام والدي فودعه ورجع الرجل من حيث جاء يمشي في الهواء، فقمت إلى والدي فقلت له: يا أبه من هذا الذي كان عندك يمشي على الماء ثم من بعد الماء على الهواء؟ فقال: يا بني وهل رأيته؟ قلت: نعم يا أبه. قال: الحمد لله رب العالمين الذي سرني بك وبنظرك له، يا بني هذا أبو العباس الخضر عليه السلام، يا بني نحن في الدنيا سبعة، ستة يجيئون إلى أبيك وأبوك ما يمضي إلى واحد منهم.(1)
الأحاديث
حديث غفران الذنوب
أغلب الأحاديث الواردة في فضلها صرحت بغفران الذنوب ليلتها، كما بينت من لا يُغفرلهم وهم: المشرك والمشاحن والحاقد، وقاطع الرحم والقاتل والمرأة البغي، وفي تعريف المشاحن أقول:
الأول: "التارك لسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - الطاعن على أمته، السافك لدمائهم"، قاله عبدالرحمن بن ثوبان.(2)
الثاني: "صاحب البدعة المفارق لجماعة الأمة"، وهو قول الأوزاعي(3)، وأحمد بن حنبل(4).
الثالث: "المُعادي، والشحناء العداوة، والتشاحن تفاعُل منه"، قاله ابن الأثير.(5)
__________
(1) تاريخ مدينة دمشق (52/284).
(2) انظر الترغيب والترهيب للأصبهاني (2/751 رقم 1831).
(3) النهاية في غريب الحديث (2/449)
(4) الطبراني الدعاء (2/1072 ح 606).
(5) النهاية في غريب الحديث (2/449)(1/19)
وفي ذلك حديث نص على المغفرة فقط دون ذكر النزول أو الصلاة و الصيام، وهو:
حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -
(ليلة النصف من شعبان يغفر الله لعباده إلا لمشرك أو لعبد مشاحن).
صحيح بشواهده. أخرجه الخطيب البغدادي، وابن الجوزي من طريق: (عبد الله بن غالب قال حدثنا هشام بن عبد الرحمن الكوفي عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة - رضي الله عنه -).(1)
قال ابن الجوزي: "وهذا لا يصح وفيه مجاهيل، قال الدارقطني وقد روي من حديث معاذ ومن حديث عائشة وقيل إنه من قول مكحول والحديث غير ثابت". وقال الهيثمي: "رواه البزار، وفيه هشام بن عبدالرحمن ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات".(2)
علة الحديث:
إضافة إلى جهالة بعض رواته كما صرح ابن الجوزي والهيثمي، وفيه: (عبد الله بن غالب العبّاداني)، قال في التقريب: "مستور من التاسعة".(3) فالحديث إسناده ضعيف ويتقوى بالشواهد.
أحاديث نزوله سبحانه ليلتها إلى السماء الدنيا
أحاديث الباب التي تصرح بنزول الحق سبحانه في هذه الليلة على وجه الخصوص فيها ضعف، وقد أقر هذا الضعف والنزول بعض أهل العلم:
قال العقيلي: "وفى النزول في ليلة النصف من شعبان أحاديث فيها لين، والرواية في النزول في كل ليلة أحاديث ثابتة صحاح، فليلة النصف من شعبان داخلة فيها إن شاء الله".(4)
وقال ابن تيمية: "وأما النزول ليلة النصف من شعبان ففيه حديث أختلف في إسناده، ثم إن جمهور أهل السنة يقولون: إنه ينزل ولا يخلو منه العرش، كما نقل مثل ذلك عن إسحاق بن راهويه وحماد بن زيد وغيرهما، ونقلوه عن أحمد بن حنبل في رسالته إلى مسدد".(5)
__________
(1) تاريخ بغداد (14/285)، العلل المتناهية (2/560).
(2) مجمع الزوائد (8/65).
(3) ص 534 ت 3551).
(4) الضعفاء الكبير (3/29).
(5) منهاج السنة النبوية (2/638).(1/20)
وروى عبدالله بن أحمد بن حنبل قال: "حدثني أبو معمر نا عباد بن العوام قال: قدم علينا شريك فسألناه عن الحديث (إن الله ينزل ليلة النصف من شعبان)، قلنا: إن قوما ينكرون هذه الأحاديث؟ قال: فما يقولون؟ قلنا: يطعنون فيها! فقال: إن الذين جاءوا بهذه الأحاديث هم الذين جاءوا بالقرآن، وبأن الصلوات خمس وبحج البيت وبصوم رمضان، فما نعرف الله إلا بهذه الأحاديث".(1)
وسأل أحدهم ابن المبارك عن نزول ليلة النصف من شعبان؟ فقال: يا ضعيف ليلة النصف! ينزل في كل ليلة، فقال الرجل: يا عبد الله كيف ينزل أليس يخلو ذلك المكان منه؟ فقال عبد الله: ينزل كيف يشاء.(2)
ونزوله سبحانه إلى السماء الدنيا ثابت بالسنة الصحيحة في كل ليلة، وهي صفة فعلية أثبتها النبي - صلى الله عليه وسلم - لربه عز وجل وتابعه فيها السلف ولا ينكرها إلا جاحد معاند، وقد رد أئمتنا على منكر ذلك ومحل بسطه كتب العقائد.
نزوله في الثلث الأخير من الليل
صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نزوله في هذا الوقت، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة، حين يمضي ثلث الليل الأول، فيقول: أنا الملك أنا الملك، من ذا الذي يدعوني فأستجيب له، من ذا الذي يسألني فأعطيه، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟ فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر).(3)
نزوله عشية عرفة
كما صح نزوله سبحانه في هذا الوقت، من حديث عائشة قالت: (قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء).(4)
حديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -
__________
(1) السنة لعبدالله بن أحمد بن حنبل (ص 58).
(2) الغنية عن الكلام وأهله (ص 23).
(3) أخرجه البخاري (الجمعة ح 1145)، مسلم (صلاة المسافرين ح 758).
(4) أخرجه مسلم (الحج ح 1348).(1/21)
(ينزل ربنا إلى السماء الدنيا ليلة النصف من شعبان فيغفر لكل واحد إلا مشركا أو رجلا في قلبه شحناء).
حديث صحيح لشواهده. أخرجه: ابن أبي عاصم(1)، والمروزي(2)، والفاكهي(3)، والبزار(4)، وابن حيان(5)، وابن خزيمة(6)، وابن عدي(7)، والدارقطني(8)، والعقيلي(9)، وأبو نعيم(10)، والبيهقي(11)، واللالكائي(12)، وابن الجوزي(13)، كلهم من طريق:
(عبد الله ابن وهب، أخبرني عمرو ابن الحارث، عن عبد الملك بن عبد الملك، عن مصعب ابن أبي ذئب، عن القاسم ابن محمد عن أبيه أو عمه، عن أبي بكر). وعند ابن عدي وابن الجوزي: عن: (عمه أو غيره)، وقرن البيهقي في الشعب بين أبيه وعمه.
علل الحديث:
1- عبدالملك بن عبدالملك.
__________
(1) السنة (1/222).
(2) مسند أبي بكر الصديق (171).
(3) أخبار مكة (3/385 – ح 1838).
(4) المسند (1/157، 207).
(5) طبقات المحدثين (2/150).
(6) التوحيد (1/325).
(7) الكامل في الضعفاء ( 5/1946)
(8) النزول (ح75، 76).
(9) الضعفاء الكبير (3/29).
(10) أخبار أصبهان (2/2).
(11) شعب الإيمان (3/381).
(12) إعتقاد أهل السنة (3/438).
(13) العلل المتناهية (2/66 ح 916).(1/22)
قال الحافظ: "قال البخاري: في حديثه نظر، يريد حديث عمرو بن الحارث عن عبد الملك أنه حدثه عن مصعب بن أبي ذئب عن القاسم بن محمد عن أبيه أو عمه، عن جده عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (ينزل الله ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا، فيغفر لكل نفس إلا إنسانا في قلبه شحناء أو مشرك بالله)، وقيل: إن مصعبا جد، وقال: ابن حبان وغيره: لا يتابع على حديثه انتهى. وقال البخاري: فيه نظر، نقله العقيلي وبين أنه أراد حديثه المذكور، ثم قال: وفي الباب أحاديث فيها لين. ونقله ابن عدي أيضا وساق الحديث وقال: هو معروف بهذا الحديث ولا يرويه عنه غير عمرو بن الحارث، وهو حديث منكر بهذا الإسناد. وقال البزار: لا نعلمه سمع عن القاسم وليس بالمعروف".(1) وقال أيضا: "هذا حديث حسن إن كان من رواية القاسم عن عمه، وهو عبد الله بن عبدالرحمن بن أبي بكر، فإنه سمع منه وسمع عبد الرحمن من أبيه، ولم يسمع القاسم من أبيه ولا أبوه من جده".(2)
وقال ابن الجوزي عن الحديث: "لا يصح ولا يثبت".(3) وقال الهيثمي: "وفيه عبدالملك بن عبدالملك ذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ولم يضعفه وبقية رجاله ثقات".(4)
قلت: بل ضعفه لما ترجم لشيخه مصعب، وذهب إلى أنه لايعرف.(5)
2- محمد بن أبي بكر.
__________
(1) لسان الميزان (4/67).
(2) الأمالي المطلقة (ص 122).
(3) العلل المتناهية (2/67).
(4) مجمع الزوائد (8/65).
(5) الجرح والتعديل (8/306).(1/23)
ضعف البزار بعض أحاديثه، فقال بعد إيراده هذا الحديث: "وهذه الأحاديث التي ذكرت عن محمد بن أبي بكر عن أبيه في بعض أسانيدها ضعف، وهي عندي والله أعلم مما لم يسمعها محمد بن أبي بكر من أبيه لصغره، ولكن حدث بها قوم من أهل العلم فذكرناها وبينا العلة فيها".(1) وقال أيضا: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن أبي بكر إلا من هذا الوجه، وقد روي عن غير أبي بكر، وأعلى من رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر، وإن كان في إسناده شيء فجلالة أبي بكر تحسنه، وعبدالملك بن عبدالملك ليس بمعروف، وقد روى هذا الحديث أهل العلم ونقلوه واحتملوه فذكرنا لذلك".(2) وذهب العلائي إلى أن روايته عن أبيه مرسلة.(3)
الحديث ضعيف بهذا السند وقد حكم بنكارته ابن عدي(4)، وذهب ابن الجوزي إلى عدم صحته وثبوته(5)، وإن كان المنذري قد قال فيه: "لا بأس به"(6)، فالحديث علته ظاهرة، لكن له شواهد لأجلها صححه الألباني رحمه الله.(7)
حديث علي - رضي الله عنه -
(ينزل الله ليلة النصف من شعبان، فيغفر لكل مسلم إلا لمشرك أو مشاحن أو قاطع رحم، أو امرأة تبغي في فرجها).
في سنده وضاع.
أخرجه أبو القاسم الأصبهاني قال: (أخبرنا عاصم بن الحسن، أنبأنا أبو الفتح بن أبي الفوارس، ثنا عبدالله بن محمد بن جعفر، ثنا محمد بن زكريا، ثنا إسماعيل بن عمرو البجلي، ثنا عمر بن موسى الوجيهي، عن زيد بن علي عن آبائه، عن علي بن أبي طالب).(8)
علة الحديث:
عمر بن موسى الوجيهي.
__________
(1) المسند (1/158).
(2) المسند (1/207).
(3) جامع التحصيل (ص 262).
(4) الكامل (5/1946).
(5) العلل المتناهية (2/67).
(6) الترغيب والترهيب (3/307).
(7) السلسلة الصحيحة (3/ح1144 ص137).
(8) الترغيب والترهيب (2/750 ح 1831).(1/24)
قال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن معين: ليس بثقة وقال مرة: كذاب ليس بشيء، وقال النسائي: متروك الحديث، وقال أبو حاتم: ذاهب الحديث كان يضع الحديث، وقال الدارقطني: متروك، وقال الجوزجاني: رأيتهم يرمون حديثه، وقال يعقوب: يعرف وينكر، وقال أبو داود: ليس بشيء يروي عن قتادة وسماك مناكير، وقال أبو حاتم الرازي: ذاهب الحديث، وذكره ابن الجارود والساجي والعقيلي وابن شاهين في الضعفاء، وأورد العقيلي حديثه في الأكل في السوق، وعن أحمد بن داود عن لوين وقال: لا يثبت فيه شيء، وقال ابن عدي: بين الأمر في الضعفاء وهو في عداد من يضع الحديث متنا وإسنادا.(1)
وذكره الحلبي، وابن عراق في الوضاعين للحديث النبوي.(2)
حديث يزيد بن جارية - رضي الله عنه -
(إن الله عز وجل ينزل في النصف من شعبان يعني إلى سماء الدنيا إن شاء الله فيغفر لمن في الأرض إلا المشاحن).
سنده ضعيف.
أخرجه ابن قانع في معجم الصحابة قال: حدثنا أحمد بن عيسى البلدي نا أبو عمر الإمام نا حسين بن عياش نا فرات بن سليمان عن إسحاق بن أبي فروة عن مكحول عن كثير بن مرة عن يزيد بن جارية.(3)
علة الحديث: إسحاق بن أبي فروة، قال في التقريب: "متروك".(4)
حديث عائشة رضي الله عنها.
(فقدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة فخرجت فإذا هو بالبقيع، فقال: أكنت تخافين أن يَحيفَ الله عليك ورسوله؟ قلت: يا رسول الله ظننت أنك أتيت بعض نسائك! فقال: إن الله تبارك وتعإلى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب).
سنده ضعيف.
__________
(1) انظر لسان الميزان (4/333).
(2) انظر الكشف الحثيث (ص199)، وتنزيه الشريعة (1/92).
(3) ابن قانع معجم الصحابة (3/227-1206)
(4) ص 102 ت 368).(1/25)
أخرجه أحمد(1)، والترمذي(2)، وإسحاق بن راهوية(3)، وابن أبي شيبة(4)، وعبد بن حميد(5)، والبيهقي في الشعب(6)، وابن الجوزي في علله(7)، كلهم من طريق: (الحجَّاج بن أَرْطاة عن يحيى بن أبي كثِير عن عروة عن عائشة رضي الله عنها).
قال الترمذي: "وفي الباب عن أبي بكر الصديق، وحديث عائشة لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث الحجاج، وسمعت محمدا يضعف هذا الحديث وقال: يحيى بن أبي كثير لم يسمع من عروة، والحجاج بن أرطاة لم يسمع من يحيى بن أبي كثير".
وله طريق آخر عن الحجاج بن أرطاة، أخرجه الفاكهي بنحوه فقال: "حدثنا عمار بن عمرو الجنبي قال ثنا أبي عمرو بن هاشم أبو مالك الجنبي قال ثنا الحجاج بن أرطأة عن مكحول عن كثير بن مرة الحضرمي عن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ".(8)
قلت: وفي سماع الحجاج من مكحول كلام، قال العجلي: "صاحب إرسال وكان يرسل عن يحيى بن كثير ولم يسمع منه شيئا، ويرسل عن مجاهد ولم يسمع منه شيئا، ويرسل عن مكحول ولم يسمع منه شيئا، ويرسل عن الزهرى ولم يسمع منه شيئا".(9) قال أبو زُرْعة: "لم يسمع من مكحول شيئاً، وأثبت له أبو داود السماع منه".(10)
وللحديث طرق أخرى:
الأول:
__________
(1) المسند (6/238).
(2) الترمذي (ح 734).
(3) المسند (3/979).
(4) المصنف (6/ 108).
(5) المسند (ح 437).
(6) 3/379).
(7) 2/556).
(8) أخبار مكة (3/85 ح 1839).
(9) معرفة الثقات (1/284).
(10) جامع التحصيل (ص 160).(1/26)
(قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الليل يصلي، فأطال السجود حتى ظننت أنه قد قبض، فلما رأيت ذلك قمت حتى حركت إبهامه فتحرك، فرجعت فلما رفع إلي رأسه من السجود وفرغ من صلاته، قال: يا عائشة أو يا حميراء، أظننت أن النبي قد خاس بك(1)؟ قلت: لا والله يا رسول الله، ولكنني ظننت أنك قبضت لطول سجودك، فقال: أتدرين أي ليلة هذه؟ قلت: الله ورسول أعلم! قال: هذه ليلة النصف من شعبان، إن الله عز وجل يطلع على عباده في ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمستغفرين ويرحم المسترحمين ويؤخر أهل الحقد كما هم).
أخرجه البيهقي في الشعب فقال: "أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنا أبو منصور محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي نا الحسين بن إدريس نا أبو عبيد الله ابن أخي ابن وهب نا عمي نا معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عنها…".
قال البيهقي: "هذا مرسل جيد ويحتمل أن يكون العلاء بن الحارث أخذه من مكحول والله أعلم. وقد روي في هذا الباب أحاديث مناكير رواتها قوم مجهولون، قد ذكرنا في كتاب الدعوات منها حديثين".(2)
الثاني:
__________
(1) قال المنذري في الترغيب والترهيب (2/74): "يقال خاس به إذا غدره ولم يوفه حقه، ومعنى الحديث أظننت أنني غدرت بك، وذهبت في ليلتك إلى غيرك، وهو بالخاء المعجمة والسين المهملة".
(2) شعب الإيمان (3/382 ح3835).(1/27)
(كانت ليلة النصف من شعبان ليلتي، فبات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندي، فلما كان في جوف الليل فقدته، فأخذني ما يأخذ النساء من الغيرة فتَلَفّعت بِمِرطي(1)، أما والله ما كان مرطي خزا ولا قزا ولا حريرا ولا ديباجا ولا قطنا ولا كتانا، قيل: ومما كان يا أم المؤمنين؟ قالت: كان سلاوه شعرا ولحمته من أوبار الإبل(2)! قالت: فطلبته في حُجَر نسائه فلم أجده، فانصرفت إلى حجرتي فإذا به كالثوب الساقط على وجه الأرض ساجدا، وهو يقول في سجوده: سجد لك سوادي وخيالي وآمن بك فؤادي، هذه يدي وما جنيت بها على نفسي، يا عظيم يرجى لكل عظيم إغفر الذنب العظيم، سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره، ثم رفع رأسه فعاد ساجدا فقال: أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك أنت كما أثنيت على نفسك، أقول كما قال أخي داود عليه السلام: أُعفّر وجهي في التراب لسيدي فحق له إن سجد، ثم رفع رأسه فقال: اللهم أرزقني قلبا من الشر نقيا لا كافرا ولا شقيا، قالت: ثم انصرف فدخل معي في الخميلة ولي نفس عال، فقال: ما هذا النّفَس يا حميراء؟ فأخبرته فطفق يمسح بيده عن ركبتي ويقول: بئس هاتين الركبتين ماذا لقيتا في هذه الليلة النصف من شعبان، ينزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا فيغفر لعباده إلا لمشرك أو مشاحن).
منكر الإسناد.
__________
(1) بكسر أوله، كساء من خز أو صوف أو غيره. انظر فتح الباري (1/482).
(2) ما ينسج عرضا. أنظر المصباح المنير (2/551).(1/28)
أخرجه الطبراني في الدعاء وهذا لفظه(1)، والبيهقي في الشعب(2)، وابن الجوزي في العلل(3)، كلهم من طريق: (عمرو بن هاشم البيروتي عن ابن أبي كريمة عن هشام بن عروة عن أبيه)، قال الطبراني: "سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول سمعت أبي يقول في معنى حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن الله عز وجل يطلع في ليلة النصف من شعبان على عباده فيغفر لأهل الأرض إلا لمشرك أو مشاحن، قال: المشاحن هم أهل البدع الذين يشاحنون أهل الإسلام ويعادونهم".
قال ابن الجوزي في علله: "هذا حديث لا يصح، قال ابن عدي: أحاديث سليمان بن أبي كريمة مناكير". وقال الحافظ: "هذا حديث غريب، ورجاله موثوقون إلا سليمان بن أبي كريمة ففيه مقال".(4)
قلت: وقد رواه البيهقي من طريق آخر عن عروة به وفيه تقدير الآجال ليلتها ذكرناه بتمامه تحت موضوع (تقدير الآجال ليلتها).
الثالث:
(استيقظت ليلة فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس في البيت! فأخذني ما تقدم وما تأخر، فخرجت أطلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فظننت أنما خرج إلى بعض ما ظننت، فبينما أنا كذلك إذا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أقبل، فكرهت أن يراني فرجعت إلى البيت وأنا أسعى، فانتهى إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد علا نَفَسِي! فقال: كلا! ولكن هذه ليلة يعتق الله فيها من النار أكثر من عدد شعر غنم كلب، ويَطْلِع الله فيها إلى أهل الأرض فيغفر فيها لمن يشاء، إلا أنه لا يغفر لمشرك ولا لمشاحن، وتلك ليلة النصف من شعبان).
في إسناده وضاع.
__________
(1) الدعاء للطبراني (ص 195ح 606).
(2) 3/385 ح 3838).
(3) 2/557).
(4) الأمالي المطلقة (ص 121).(1/29)
أخرجه ابن الجوزي قال: "أنبأنا الحريري قال أنبأنا العشاري قال نا الدارقطني قال نا عبد الله بن سليمان قال نا إسحاق بن إبراهيم قال نا سعيد بن الصلت عن عطاء بن عجلان عن عبد الله بن أبي مليكة عنها". ثم قال ابن الجوزي: "تفرد به عطاء بن عجلان، قال يحيى: ليس بشيء كذاب كان يوضع له الحديث فيحدث به. وقال الرازي: متروك الحديث. وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات لا يحل كتب حديثه إلا على جهة الاعتبار".(1)
مرسل كثير بن مرة
(إن اللَّه ينزل ليلة النصف من شعبان فيغفر فيها الذنوب إلا لمشرك أو مشاحن).
إسناده صحيح.
أخرجه من طرق: عبدالرزاق(2)، وابن أبي شيبة(3)، والحارث في مسنده(4)، والبيهقي في الشعب(5)، وابن عساكر(6). قال البيهقي: "هذا مرسل جيد، وروي من وجه آخر عن مكحول عن أبي ثعلبة الخشني عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو أيضا بين مكحول وأبي ثعلبة مرسل جيد".
قلت: كثير بن مرة تابعي ثقة، وروايته مرسلة، لكنه روى هذا الحديث عن بعض الصحابة، فقد رواه عن: عوف بن مالك، ويزيد بن جارية كما مر آنفا. ورواه عن عائشة أيضا، أخرجه الفاكهي(7)، وصححه الألباني(8).
أثر عطاء بن يسار
(ما من ليلة بعد ليلة لقدر أفضل منها – يعني - ليلة النصف من شعبان، ينزل الله تبارك وتعإلى إلى سماء الدنيا، فيغفر إلا لمشرك أو مشاحن أو قاطع رحم).
إسناده ضعيف.
أخرجه اللالكائي قال: أخبرنا الحسين بن عمر قال أخبرنا أحمد بن الحسن قال ثنا بشر بن موسى قال ثنا سعيد بن منصور قال ثنا أبو معشر عن أبي حازم ومحمد بن قيس عن أبي حازم عن عطاء بن يسار.(9)
علته:
__________
(1) العلل المتناهية (2/559 ح 919).
(2) المصنف (4/316).
(3) المصنف (4/216 ح28237).
(4) المسند (ح342).
(5) 3/ 381 ح3831).
(6) تاريخ دمشق (10/408).
(7) تاريخ مكة (3/84).
(8) انظر صحيح الجامع (ح 4268).
(9) اعتقاد أهل السنة (3/451 رقم 769(1/30)
(أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن السندي) " ضعيف من السادسة أَسَنّ واختلط مات سنة سبعين ومائة".(1)
أثر الفضيل بن فضالة الهوزي
(إن الله يهبط إلى سماء الدنيا ليلة النصف من شعبان، فيعطي رغابا ويفك رقابا ويفخم عقابا).
فيه ضعف يتقوى بالشواهد.
أخرجه اللالكائي قال: أخبرنا علي بن محمد بن عمر قال أخبرنا عبد الرحمن بن أبي حاتم قال ثنا أبو زرعة الرازي قال ثنا عبد الله بن عبد الجبار الخبايري قال ثنا الحكم بن الوليد الوحاظي قال سمعت الفضيل بن فضالة الهوزي.(2)
علته: راويه الفضيل، قال عنه الحافظ: "مقبول".(3)
أحاديث إطلاعه سبحانه ليلتها على خلقه ومغفرته ذنوبهم
إطلاع الله عز وجل على عباده ليس مقيدا بليلة النصف من شعبان، بل سبحانه مطلع على عباده ويراهم في كل وقت وحين، يدل عليه آيات المعية الإلهية لخلقه في القرآن، وأيضا حديث ابن عمر وسؤال جبريل النبي عليهما السلام عن الإحسان، فقال له: (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، أما مغفرة ذنوب العباد دون سؤال منهم لذلك، فهو مزية لهذه الليلة المباركة دون غيرها من الليالي.
حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه -
(يطلع الله إلى خلقه في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن).
حديث صحيح.
__________
(1) تقريب التهذيب (ص 559 ت 7100).
(2) اعتقاد أهل السنة (3/452 رقم 773
(3) التقريب (ت 5471 ص 786).(1/31)
أخرجه ابن أبي عاصم(1)، وابن حبان(2)، والطبراني في الكبير والأوسط ومسند الشاميين(3)، والدارقطني في العلل(4)، والبيهقي في الشعب وفضائل الأوقات(5)، وأبونعيم في الحلية(6)، وابن عساكر في تاريخ دمشق(7)، كلهم من طريق: (هشام بن خالد الأزرق، حدثنا أبو خليد عتبة بن حماد، عن الأوزاعي وابن ثوبان، عن أبيه، عن مكحول، عن مالك بن يخامر، عن معاذ بن جبل).
قال الهيثمي: "ورجالهما ثقات".(8)
علة الحديث:
حكم أبو حاتم في علله على هذا الحديث بالنكارة، فقال ابنه: "سألت أبي عن حديث رواه أبو خليد القاري عن الأوزاعي عن مكحول، وعن ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (يطلع الله تبارك وتعالى ليلة النصف من شعبان إلى خلقه).؟ قال أبي: هذا حديث منكر بهذا الإسناد، لم يرو بهذا الإسناد عن أبي خليد ولا أدرى من أين جاء به، قلت: ما حال أبي خليد؟ قال: شيخ".(9)
ولما سئل الدارقطني عن هذا الحديث من طريق أبي خليد فقال: "غير محفوظ".(10)
وقال أبو نعيم: "حديث مكحول عن عبدالرحمن بن غنم تفرد به ابن ثوبان وحديثه عن مالك تفرد به الأوزاعي".(11)
__________
(1) السنة (1/224).
(2) الإحسان (12/481 ح5665).
(3) الكبير (20/108). الأوسط (7/36). الشاميين (1/128، 130).
(4) 6/51).
(5) الشعب (3/382، 5/272). فضائل الأوقات (ص119 ح22)
(6) حلية الأولياء (5/191).
(7) تاريخ دمشق (38/25، 54/97).
(8) مجمع الزوائد (8/65).
(9) علل الحديث (2/173).
(10) العلل (6/51).
(11) الحلية (5/191).(1/32)
ونقل الألباني في صحيحته عن الذهبي قوله: "مكحول لم يلق مالك بن يخامر".(1) وتابعه الأرنؤوط(2)، لكن بدون عزو القول للذهبي، وكلاهما لم يذكرا مصدر هذه المقولة. وقد رجعت إلى كتب الذهبي في ترجمة مالك بن يخامر(3)، وترجمة مكحول(4)، فلم أقف على نفي الذهبي لقيا مكحول لمالك، بل ذكر رواية مكحول عن مالك في ترجمة مالك، وبالعكس، حتى أنه نص على ذلك في الكاشف(5). وحتى المزي وابن حجر في ترجمة كل منهما، ذكرا رواية أحدهم عن الآخر، ولم ينفيا اللقيا(6)، على الرغم من أن مالك توفي سنة (70هـ)، ومكحول بعد سنة (110هـ).
حديث عبدالله بن عمرو - رضي الله عنه -
(يطلع الله عز وجل إلى خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لعباده إلا لاثنين، مشاحن، وقاتل نفس).
حديث صحيح.
أخرجه أحمد قال: (ثنا حسن، ثنا ابن لهيعة، ثنا حُييّ بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو).(7)
قال الهيثمي: رواه أحمد وفيه ابن لهيعة وهو لين الحديث، وبقية رجاله وثقوا.(8)
علة الحديث
1- ابن لهيعة. مر الكلام عليه في الحديث السابق.
2- حُييّ بن عبد الله، هوابن شريح المَعَافري الحُبُليُّ المصري.
__________
(1) 3/135 ح1144).
(2) الإحسان (12/481 ح5665).
(3) تاريخ الإسلام (5/225 حوادث سنة 61-80هـ)، الكاشف (3/103 ت5363).
(4) تذكرة الحفاظ (1/107). الميزان (4/177). السير (5/155). الكاشف (3/152 ت5720). تاريخ الإسلام (7/478 حوادث سنة 101 – 120هـ).
(5) الكاشف (2/237).
(6) تهذيب الكمال (27/166 - 28/464). تهذيب التهذيب (10/24 – 10/289).
(7) المسند (2/176).
(8) مجمع الزوائد (8/65).(1/33)
قال أحمد: أحاديثه مناكير. وقال البخاري: فيه نظر. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال ابن معين: ليس به بأس. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به إذا روى عنه ثقة. وذكره ابن حبان في الثقات.(1) وقال الذهبي مستدركا على ابن عدي: "ما أنصفه ابن عدي، فإنه ساق في ترجمته عدة أحاديث من رواية ابن لهيعة عنه، كان ينبغي أن تكون في ترجمة ابن لهيعة".(2)
قلت: ومع ذلك ذكره الذهبي في المغني في الضعفاء، وديوان الضعفاء والمتروكين.(3)
وقال الحافظ في التقريب: "صدوق يهم".(4)
فعلى هذا يكون هذا الطريق ضعيفا، وصححه الألباني في الصحيحة بذكر متابعة رشدين بن سعد لابن لهيعة عن حيي، وعزاه لابن حيويه.(5)
حديث عوف بن مالك - رضي الله عنه -
(يطلع الله تبارك وتعإلى على خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لهم كلهم إلا لمشرك أو مشاحن).
صحيح.
أخرجه البزار فقال: (حدثنا أحمد بن منصور، أخبرنا أبو صالح الحراني يعني عبد الغفار بن داود، أخبرنا عبد الله بن لهيعة، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن عبادة بن نسي، عن كثير بن مرة عنه).(6)
ورواه مرسلا عن كثير بن مرة، الحارث بن أبي أسامة في مسنده قال: (حدثنا عبد الله بن عون ثنا أبو عبيدة ثنا عبد الله ثنا خالد بن معدان عن كثير بن مرة قال:
(إن ربكم يطلع ليلة النصف من شعبان إلى خلقه فيغفر لهم كلهم، إلا أن يكون مشركا أو مصارما، قالوا: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم شعبان فيدخل رمضان وهو صائم تعظيما لرمضان).
__________
(1) تهذيب التهذيب (3/72).
(2) الميزان (1/624).
(3) 1/199 ت 1819). (ص108 ت1195).
(4) ص 282 ت 1615).
(5) الصحيحة (3/136 ح1144).
(6) مسند البزار (7/186 ح 2754).(1/34)
ذكره الهيثمي في زوائد المسند(1)، وقال: "وفيه عبدالرحمن بن زياد بن أنعم، وثقه أحمد بن صالح وضعفه جمهور الأئمة، وابن لهيعة لين وبقية رجاله ثقات".(2)
قلت: والحديث يرتقي بالشواهد والمتابعات لدرجة الصحيح.
حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -
(إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقة إلا لمشرك أو مشاحن).
حديث حسن لشواهده.
أخرجه: ابن ماجة من طريق: (الوليد عن ابن لهيعة عن الضحاك بن أيمن عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب عن أبي موسى الأشعري..)، وقال ابن ماجة أيضا: (حدثنا محمد بن إسحق، حدثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبار، حدثنا ابن لهيعة عن الزبير بن سليم عن الضحاك بن عبد الرحمن عن أبيه قال سمعت أبا موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه..)(3)
قال ابن عساكر: " قال أبو نعيم: ورواه الوليد بن مسلم عن ابن لهيعة عن الضحاك بن أيمن عن الضحاك بن عبد الرحمن عن أبي موسى من دون أبيه، وجعل بدل الزبير الضحاك بن أيمن".(4)
وأخرجه من طريق ابن ماجة الثاني: البيهقي بلفظ النزول(5)، واللالكائي(6)، وابن عساكر(7)، والمزي(8).
ومن الطريق الثاني أخرجه ابن أبي عاصم لكن تصحف عنده الراوي "الزبير بن سليم"، إلى "الربيع بن سليمان"، والصحيح الأول، لأن الراوي عن الضحاك هو الزبير هذا حيث قيده به المزي في تهذيبه.(9) وسكت عن هذا التصحيف الألباني رحمه الله، ولعله لم يتنبه له وصحح الحديث وضعف السند(10)، وتصحيحه له لأجل شواهده، وحسنه في صحيح الجامع.(11)
__________
(1) انظر كشف الأستار (1/423)، والمطالب العالية (6/162).
(2) مجمع الزوائد (8/65).
(3) السنن (ح 1392).
(4) تاريخ دمشق (18/326).
(5) الشعب (3/382). وفضائل الأوقات (ص132 ح29).
(6) شرح أصول الاعتقاد (3/447).
(7) تاريخ دمشق (18/326).
(8) تهذيب الكمال (9/308).
(9) تهذيب الكمال (9/308).
(10) السنة لابن أبي عاصم (1/224).
(11) ح 1819).(1/35)
علل الحديث:
عبد الله بن لهيعة، مر الكلام عليه في حديث عبدالله بن عمرو، وقد اضطرب في الحديث، كما هو واضح.
الضحاك بن أيمن.
قال الذهبي: "شيخ لابن لهيعة لا يُدرى من ذا، له في ليلة نصف شعبان".(1) ولأجله قال الحافظ: "حديث مختلف في إسناده".(2)
3- عبدالرحمن بن عرْزَب. قال الحافظ في التقريب: "مجهول".(3)
حديث أبي ثعلبة الخشني - رضي الله عنه -
(يطَّلِع الله إلى عباده ليلة النصف من شعبان، فيغفر للمؤمنين، ويمهل الكافرين، ويدع أَهل الحقد بحقدهم، حتى يدعو).
حديث حسن.
أخرجه من طريق: (الأحوص بن حكيم عن المهاصر بن حبيب عن مكحول عن أبي ثعلبة)، ابن أبي عاصم(4)، وابن أبي شيبة(5)، والطبراني(6)، وابن قانع(7)، والبيهقي(8)، واللالكائي(9).
قال البيهقي: وهو أيضاً بين مكحول وأبي ثعلبة مرسل جيد.
علة الحديث:
سئل الدارقطني عن هذا الحديث؟ فقال: "يرويه الأحوص بن حكيم، وأختلف عنه فرواه عيسى ابن يونس، عن الأحوص عن حبيب بن صهيب عن أبي ثعلبة، وخالفه مخلد بن يزيد فرواه عن الأحوص عن مهاصر بن حبيب عن أبي ثعلبة، والحديث مضطرب غير ثابت".(10)
وقال ابن الجوزي: "هذا حديث لا يصح، قال أحمد بن حنبل: الأحوص لا يروي حديثه، وقال يحيى: ليس بشيء، وقال الدارقطني: منكر الحديث، قال: والحديث مضطرب غير ثابت".(11)
قال الهيثمي: "رواه الطبراني وفيه الأحوص بن حكيم وهو ضعيف".(12)
وحسنه الألباني في صحيح الجامع.(13)
__________
(1) الميزان (2/322).
(2) تهذيب التهذيب (4/453).
(3) التقريب (ص 590 ت 3975).
(4) السنة (1/223).
(5) العرش (ص93 ح 87).
(6) المعجم الكبير (22/223).
(7) معجم الصحابة (3/1221 ح303).
(8) شعب الإيمان (3/381). فضائل الأوقات (ص 121).
(9) اللالكائي شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/445).
(10) علل الدارقطني (6/323).
(11) العلل المتناهية (2/560).
(12) مجمع الزوائد (8/65).
(13) صحيح الجامع (ح 771 ، ح 1898).(1/36)
مرسل الوضين بن عطاء
(إن الله يطلع ليلة النصف من شعبان فيغفر الذنوب لأهل الأرض، إلا لمشرك أو مشاحن، وله في تلك الليلة عتقاء عدد شعر مسوك غنم كلب).
إسناده ضعيف.
أخرجه ابن راهوية قال: (أخبرنا عبد الرزاق أنا إبراهيم بن عمر الأنباري أنه سمع الوضين بن عطاء .. فذكره).(1)
علتة الحديث:
الوضين مختلف فيه، قال الذهبي: "وثقه أحمد و غيره. وقال أبو داود: قدري صالح الحديث. وقال ابن سعد: ضعيف. وقال أبو حاتم: يعرف وينكر. قلت: مات سنة تسع وأربعين و مائة وكان من الخطباء البلغاء. قال الجوزجاني: واهي الحديث. وقال دحيم: ثقة".(2)
وفي التقريب: "صدوق سيء الحفظ ورمي بالقدر".(3) فهذا حديث مرسل ضعيف وقد يكون معضلا.
أثر مكحول
(إن الله يطلع على أهل الأرض في النصف من شعبان فيغفر لهم إلا لرجلين إلا كافرا أو مشاحن).
صحيح لشواهده.
أخرجه البيهقي، واللالكائي(4)، قال البيهقي: (أخبرنا ابو عبد الله الحافظ ومحمد بن موسى قالا نا محمد بن يعقوب نا محمد بن إسحاق الصاغاني نا شجاع بن الوليد أنا زهير بن معاوية أنا الحسن بن الحر حدثني مكحول..)، وسند اللالكائي هو: (أخبرنا الحسين قال أخبرنا أحمد قال ثنا بشر قال ثنا محمد بن كليب قال ثنا معتمر قال: سمعت بُرد يحدث عن مكحول..).
قال البيهقي: "لم يجاوز به مكحولا وقد روي عن مكحول عن من فوقه مرسلا موصولا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -".
قلت: فهذا سند معضل، وقد مر المرسل عن كثير بن مرة والموصول من حديث أبي ثعلبة الخشني.
الصلاة ليلتها وصوم يومها
قال الغزالي وهي التي يسمونها صلاة الخير(5)، وقد مر ذكر كلام أهل العلم على قيام ليلتها وصوم يومها وأنه أمر حادث، وهي:
__________
(1) مسند ابن راهوية (3/981 ح 1699).
(2) ميزان الاعتدال في نقد الرجال (7/125).
(3) ص 1036 ت 7458).
(4) شعب الإيمان (3/381 ح3830) . اعتقاد أهل السنة (3/451 - 452).
(5) إحياء علوم الدين (1/203).(1/37)
حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -
(إذا كانت ليلة النصف من شعبان، فقوموا ليلها وصوموا نهارها، فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا فيقول: ألا من مستغفر لي فأغفر له، ألا مسترزق فأرزقه، ألا مبتلى فأعافيه، ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر).
إسناده موضوع.
أخرجه ابن ماجة(1)، والفاكهي(2)، والبيهقي(3)، وأبو القاسم الأصبهاني(4)، وابن الجوزي(5)، وأبو القاسم الأصبهاني(6)، كلهم من طريق: (الحسن بن علي الخلال حدثنا عبد الرزاق أنبأنا ابن أبي سبرة عن إبراهيم بن محمد عن معاوية بن عبد الله بن جعفر عن أبيه عن علي).
علة الحديث:
(ابن أبي سبرة): هو أبوبكر بن عبدالله بن محمد.
قال الحافظ في التقريب: "قد ينسب إلى جده رموه بالوضع، وقال مصعب الزبيري: كان عالما من السابعة".(7)
قلت: ذهب ابن رجب إلى أن السند ضعيف(8)، وتابعه الفتني(9)، والأمر أشد من ذلك لما عرفت من حال ابن أبي سبرة، فقد ذكروه في قائمة الوضاعين للحديث النبوي(10).
متابعات
للحديث متابعات في مثل حاله من الوهن بل أشد، وهي:
الأولى:
__________
(1) السنن (ح 1388).
(2) أخبار مكة (3/84 ح1837).
(3) الشعب (3/378).
(4) الترغيب والترهيب (2/751 ح 1833).
(5) العلل المتناهية (2/71 ح923).
(6) الترغيب والترهيب (2/751 ح1833).
(7) ص 1116 ت 8030).
(8) لطائف المعارف (ص160).
(9) تذكرة الموضوعات (ص45).
(10) الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث (ص286)، تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة (1/131).(1/38)
(رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة النصف من شعبان قام فصلى أربع عشرة ركعة، ثم جلس بعد الفراغ فقرأ بأم القرآن أربع عشرة مرة، وقل هو الله أحد أربع عشرة مرة، وقل أعوذ برب الفلق أربع عشرة مرة، وقل أعوذ برب الناس أربع عشرة مرة، وآية الكرسي مرة، ولقد جاءكم رسول الآية، فلما فرغ من صلاته سألت عما رأيت من صنيعه؟ فقال: من صنع مثل الذي رأيت، كان له كعشرين حجة مبرورة، وكصيام عشرين سنة مقبولة، فإن أصبح في ذلك اليوم صائما كان كصيام ستين سنة ماضية وسنة مستقبلة).
موضوع.
أخرجه البيهقي في الشعب(1)، وابن الجوزي في الموضوعات(2)، من طريق: (عبدالخالق بن علي المؤذن، حدثنا أبو جعفر محمد بن بسطام القومسي، حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن جابر، حدثنا أحمد بن عبدالكريم، حدثنا خالد الحمصي، عن عثمان بن أبي سعيد بن كثير عن محمد بن المهاجر، عن الحكم بن عتيبة، عن إبراهيم، قال: قال علي…الحديث).
علة الحديث:
قال البيهقي: "قال الإمام أحمد: يشبه أن يكون موضوعا، وهو منكر، وفي رواية مثل عثمان بن سعيد مجهولون، والله أعلم.
ولأجل (محمد بن مهاجر) حكم ابن الجوزي على الحديث بالوضع، فقال: "وهذا موضوع أيضا وإسناده مظلم، وكان واضعه يكتب من الأسماء ما وقع له ويذكر قوما ما يعرفون، وفي الإسناد محمد بن مهاجر، قال ابن حنبل: يضع الحديث. وقد رويت صلوات أخر موضوعة فلم أر التطويل بذكره إلا لخفي بطلانه".(3) وقال الذهبي: "كذبه صالح جزرة وغيره".(4) وذُكر ضمن الوضاعين للحديث النبوي.(5) والحديث ذكره السيوطي في اللآليء المصنوعة(6)، وابن عراق في تنزيه الشريعة المرفوعة(7)، ضمن الأحاديث الموضوعة.
الثانية:
__________
(1) 3/386).
(2) 2/129).
(3) الموضوعات (2/129).
(4) الميزان (4/49).
(5) الكشف الحيث (ص250). تنزيه الشريع (1/114).
(6) 2/59).
(7) 2/92).(1/39)
(يا علي من صلى مائة ركعة في ليلة النصف، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد عشر مرات، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: يا علي ما من عبد يصلي هذه الصلوات إلا قضى الله عز وجل له كل حاجة طلبها تلك الليلة، قيل: يا رسول الله وإن كان الله جعله شقيا أيجعله سعيدا قال: والذي نفسي بالحق يا علي إنه مكتوب في اللوح أن فلان بن فلان خلق شقيا، يمحوه الله عز وجل ويجعله سعيدا، ويبعث الله إليه سبعين ألف ملك يكتبون له الحسنات، ويمحون عنه السيئات ويرفعون له الدرجات إلى رأس السنة، ويبعث الله عز وجل في جنات عدن سبعين ألف ملك، أو سبعمائة ألف ملك يبنون له المدائن والقصور، ويغرسون له الأشجار ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب المخلوقين مثل هذه الجنان، في كل جنة على ما وصفت لكم في المدائن والقصور والأشجار، فإن مات من ليلته قبل أن يحيل الحول مات شهيدا، ويعطيه الله تعالى بكل حرف من قل هو الله أحد في ليلته من ذلك تسعين حوراء، لكل حوراء وصيف ووصيفة وسبعون ألف غلمان، وسبعون ألف ولدان، وسبعون ألفا قهارمة، وسبعون ألفا حجابا. وكل من قرأ قل هو الله أحد في تلك الليلة يكتب له أجر سبعين شهيد، وتقبل صلاته التي صلاها قبل ذلك، وتقبل ما يصلي بعدها. وإن كان والداه في النار دعا لهما أخرجهما الله من النار بعد إن لم يشركا بالله شيئا يدخلان الجنة، يشفع كل واحد منهم في سبعين ألفا إلى آخر ثلاث مرات. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: والذي بعثني بالحق إنه لا يخرج من الدنيا حتى يرى في الجنة ما خلقه الله أو يراه، والذي بعثني بالحق إن الله يبعث في كل ساعة من ساعات الليل والنهار وهي أربع وعشرون ساعة سبعين ألف ملك، يسلمون عليه ويصافحونه ويدعون له إلى أن ينفخ في الصور، ويحشر يوم القيامة مع الكرام البررة ويأمر الكاتبين أن لا يكتبوا على عبدي سيئة ويكتبوا له الحسنات إلى أن يحول عليه الحول، وقال النبي - صلى الله(1/40)
عليه وسلم -: من صلى هذه الصلاة وهو يريد الصلاة والدار الآخرة يجعل الله له نصيبا من عنده تلك الليلة).
موضوع.
أخرجه ابن الجوزي فقال: (أنبأنا محمد بن ناصر الحافظ، أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد، أنبأنا أبو بكر أحمد بن الفضل بن محمد المقريء، أنبأنا أبو عمرو عبدالرحمن بن طلحة الطليحي، أنبأنا الفضل بن محمد الزعفراني، حدثنا هارون بن سليمان، حدثنا علي بن الحسن، عن سفيان الثوري، عن ليث، عن مجاهد، عن علي)(1)، قال ابن الجوزي: "هذا حديث لا نشك أنه موضوع، وجمهور رواته في الطرق الثلاثة مجاهيل وفيه ضعفاء بمرة، والحديث محال قطعا، وقد رأينا كثيرا ممن يصلي عدة الصلاة ويتفق قصر الليل فيفوتهم صلاة الفجر ويصبحون كسإلى، وقد جعلها جهلة أئمة المساجد مع صلاة الرغائب، ونحوها من الصلوات شبكة لمجمع العوام، وطلبا لرياسة التقدم وملأ بذكرها القصاص مجالسهم وكل ذلك عن الحق بمعزل".(2)
علة الحديث:
حكم الذهبي على هذا الحديث بالبطلان، وقال عن علي بن الحسن: وعلي هذا في عداد المتروكين عفا الله عنه.(3) وتابعه الحافظ في اللسان.(4) وذهب الذهبي إلى أن محتويات هذا الحديث خرافات.(5) وقال ابن القيم: "والعجب ممن شم رائحة العلم بالسنن أن يغتر بمثل هذا الهذيان، ويصليها. وهذه الصلاة وضعت في الإسلام بعد الأربعمئة، ونشأت من بيت المقدس، فوضع لها عدة أحاديث".(6)
والحديث ذكره السيوطي في اللآليء المصنوعة(7)، وابن عراق في تنزيه الشريعة المرفوعة(8). وملا قاري وذكر عبارة ابن القيم السابقة الذكر(9).
حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -
__________
(1) الموضوعات (2/127).
(2) الموضوعات (2/129).
(3) ميزان الاعتدال (3/120).
(4) لسان الميزان (4/213).
(5) ترتيب الموضوعات (ص162 ح505).
(6) المنار المنيف (ص99 ح175).
(7) 2/57).
(8) 2/92).
(9) الأسرار المرفوعة (ص330 ح1251).(1/41)
(بعثني النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى عائشة، فقلت: لها اسرعي فإني تركت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحدث بحديث ليلة النصف من شعبان، فقالت: يا أنيس أجلس حتى أحدثك عن ليلة النصف من شعبان، كانت ليلتي فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى دخل معي في اللحاف، قالت: فانتبهت من الليل فلم أجده فطفت في حجرات نسائه فلم أجده، قالت: قلت: ذهب إلى جاريته مارية القبطية، قالت: فخرجت فمررت في المسجد فوقعت رجلي عليه وهو ساجد، وهو يقول: سجد لك خيالي وسوادي وآمن بك فؤادي، وبين يدي التي جنيت بها على نفسي، فيا عظيم أهل أغفر الذنب العظيم، أغفر لي الذنب العظيم، قالت: فرفع رأسه فقال: اللهم هب لي قلبا تقيا، نقيا من السويد لا كافرا ولا شقيا، قالت: ثم عاد فسجد، فقال: أقول لك كما قال أخي داود عليه السلام: أعفر وجهي بالتراب يا سيدي وحقا لوجه سيدي أن تعفر الوجوه لوجهه، قالت: ثم رفع رأسه فقلت: بأبي وأمي أنت في واد وأنا في واد، قالت: فسمع حس قدمي فدخل الحجرة وقال: يا حميراء أما تدرين ما هذه الليلة؟ هذه ليلة النصف من شعبان، إن لله عز وجل في هذه الليلة عتقاء من النار بعدد شعر غنم كلب، قالت: قلت: وما بال غنم كلب! قال: ليس اليوم في العرب قوم أكثر غنما منهم، لا أقول فيهم ستة نفر مدمن خمر وعاق والديه، ولا مصر على الزنا ولا مصارم ولا مصور ولا قتات).
أخرجه ابن الجوزي فقال: (أخبرنا أبوبكر محمد بن عبيد الله الزاغوني قال نا طراد بن محمد قال انا أبوالحسين أن أبا محمد دعلج بن أحمد اخبرهم قال نا ابراهيم بن أبي طالب النيسابوري قال نا عبد الله بن الجراح قال حدثنا سعيد بن عبد الكريم الواسطي عن أبي نعمان السعدي عن أبي رجاء العطاردي عن أنس)، ثم قال: "وهذا الطريق لا يصح، قال أبو الفتح الأزدي الحافظ: سعيد بن عبد الكريم متروك".(1)
حديث آخر عنه - رضي الله عنه -
__________
(1) العلل المتناهية (2/68 ح 918).(1/42)
(من صلى ليلة النصف من شعبان خمسين ركعة، قضى الله له كل حاجة طلبها تلك الليلة، وإن كان كتب في اللوح المحفوظ شقيا يمحو الله ذلك ويحوله إلى السعادة، ويبعث إليه سبعمائة ألف ملك يكتبون له الحسنات، وسبعمائة ألف ملك يبنون له القصور في الجنة، ويعطي بكل حرف قرأه سبعين حوراء، منهن من لها سبعون ألف وصيف وسبعون ألف وصيفة، ويعطي أجر سبعمائة ألف شهيد ويشفع في سبعين ألف موحد… إلى أن قال: وقال سلمان الفارسي: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: يعطي بكل حرف من (قل هو الله أحد) تلك الليلة سبعين حوراء…).
موضوع.
ذكره الحافظ ابن حجر في ترجمة: (محمد بن سعيد الملي الطبري)، فقال: (لا يدري من هو، عن محمد بن عمرو البجلي مجهول مثله، حدثنا النضر بن شميل ثنا شعيب بن عبد الملك حدثني الحسن البصري ثنا أنس بن مالك - رضي الله عنه -)، ثم قال الحافظ: "فقبح الله من وضعه فلقد فاه من الكذب والإفك ما لا يوصف ومن ذلك".(1)
حديث كردوس
(من أحيا ليلتي العيد وليلة النصف من شعبان لم يمت قلبه يوم تموت فيه القلوب).
موضوع.
أخرجه ابن الجوزي: (أنا أبو بكر محمد بن عبيد الله الزاغوني، قال نا طراد بن محمد، قال أخبرنا هلال بن محمد فيما أذن لنا أن نرويه عنه، أن علي بن محمد المصري حدثهم، قال حدثنا يحيى بن عثمان هو ابن صالح، قال نا يحيى بن بكر قال نا المفضل بن فضالة عن عيسى بن إبراهيم القرشي عن سلمه بن سليمان الجزري، عن مروان بن سالم عن ابن كردوس عن أبيه).
قال ابن الجوزي: "هذا حديث لا يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيه آفات، أما مروان بن سالم فقال أحمد: ليس بثقة. وقال النسائي والدارقطني والأزدي: متروك. وأما سلمة بن سليمان فقال الأزدي : هو ضعيف. وأما عيسى فقال يحيى: ليس بشيء".(2)
__________
(1) لسان الميزان (5/177).
(2) العلل المتناهية (2/71 ح 924).(1/43)
وذكره الحافظ في لسان الميزان: "وهذا حديث منكر مرسل".(1) وقال في الإصابة عن مروان الراوي عن ابن كردوس: "متروك متهم بالكذب".(2)
حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه -
(من أحيا الليالي الخمس وجبت له الجنة ليلة التروية وليلة عرفة وليلة النحر وليلة الفطر وليلة النصف من شعبان).
إسناده موضوع.
أخرجه الأصبهاني في الترغيب والترهيب قال: (أخبرنا أبو الفتح الصحاف، أنا أبو سعيد النقاش الحافظ، أنا أبو ذر الحسين بن الحسن بن علي الكندي بالكوفة، ثنا الحسين بن أحمد المالكي، ثنا سويد بن سعيد، ثنا عبدالرحمن بن زيد، عن أبيه، عن وهب بن منبه عن معاذ..).(3)
قلت: قوله: (عبدالرحمن بن زيد)، تصحيف صوابه عبدالرحيم بن زيد وهو العمي، فقد عزاه الألباني لأبي نصر المقدسي في أماليه من طريق سويد بن سعيد عنه بلفظ: (من أحيا الليالي الأربع) ولم يذكر ليلة النصف، وحكم بوضعه.(4)
علة الحديث: (عبد الرحيم بن زيد بن الحواري العمي)، قال الحافظ في التقريب: "متروك كذبه بن معين".(5)
حديث صحابي مجهول
عن أبي يحيى عن أبيه قال: حدثني بضعة وثلاثون رجلا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنهم قالوا:
(من صلى ليلة النصف من شعبان، - وقال ابن أبي سلمة في حديثه: وليلة النصف من رمضان مائة ركعة -، يقرأ فيها ألف مرة "قل هو الله أحد"، في كل ركعة عشر مرات لم يمت حتى يعطيه الله عز وجل مائة من الملائكة، ثلاثون منهم يبشرونه بالجنة وثلاثون منهم يُؤَمِّنٌونَه من عذاب الله عز وجل، وثلاثون منهم من الخطايا والعشرة الباقية يكيدونه من أعدائه).
موضوع.
__________
(1) 4/391).
(2) الإصابة (5/580).
(3) الترغيب والترهيب (1/182 ح 367).
(4) السلسلة الضعيفة (1/12 ح 522).
(5) ص 606 ت 4083).(1/44)
أخرجه الفاكهي: (حدثنا ابن أبي سلمة قال ثنا محمد بن معاوية ويوسف بن عدي، يزيد أحدهما على صاحبه قالا جميعا عن عمرو بن ثابت عن محمد بن مروان عن أبي يحيى عن أبيه).(1)
علته: (عمرو بن ثابت)، هو: ابن هرمز البكري أبو ثابت. قال في التقريب: "ضعيف رمي بالرفض".(2) وفي التهذيب أن ابن حبان اتهمه بالوضع.(3)
تقدير الآجال ليلتها
لم يصح أي حديث في تقدير الآجال ليلتها، وورد في ذلك عدة أحاديث ضعاف، وللسلف في ذلك أقوال:
فعن عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - قال: "يقضي الله الأقضية ليلة النصف من شعبان ويسلمها إلى أربابها ليلة القدر".(4)
وقال عكرمة مولى ابن عباس رحمه الله في قوله تعالى: {فيها يفرق كل أمر حكيم} قال: "في ليلة النصف من شعبان يبرم أمر السنة وينسخ الأحياء من الأموات، ويكتب الحاج فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أحد".(5)
وقال عطاء بن يسار رحمه الله: "إذا كانت ليلة النصف من شعبان دفع إلى ملك الموت صحيفة فيقال اقبض من في هذه الصحيفة فإن العبد ليغرس الغراس وينكح الأزواج ويبني البنيان وإن اسمه قد نسخ في الموتى".(6)
وقال الشيخ عبدالرؤف المناوي رحمه الله شارح الجامع الصغير: "في ليلة النصف من شعبان يوحي الله إلى ملك الموت بقبض كل نفس، أي من الآدميين وغيرهم يريد قبضها أي موتها في تلك السنة كلها، والظاهر أن المراد غير شهداء البحر الذين هو يتولى قبض أرواحهم".(7)
قلت: وروي أن ذلك في ليلة القدر وليس ليلة النصف من شعبان، ومن هذه الأحاديث حديث ينص على أن الآجال تقدر من شعبان إلى شعبان وهو:
حديث عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس
__________
(1) أخبار مكة (3/86 ح1841
(2) ص 731 ت 5030).
(3) 8/10).
(4) المبدع (3/59).
(5) تفسير ابن أبي حاتم (10/3287).
(6) شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور (ص 60)، وعزاه السيوطي لا ابن أبي الدنيا.
(7) فيض القدير (4/459).(1/45)
(تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان حتى إن الرجل لينكح ويولد له وقد خرج اسمه في الموتى).
أخرجه الطبري (1)، وسنده ضعيف لانقطاعه وقد يكون معضلا، لأن عثمان ليس له رواية عن صحابة.
أما الأحاديث التي تنص على تقدير الآجال ليلتها فهي:
حديث عائشة
(لما كانت ليلة النصف من شعبان أنسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مرطي، ثم قال: والله ما كان مرطنا من خز ولا قز ولا كرسف ولا كتان ولا صوف، فقلنا: سبحان الله! فمن أي شيء؟ قالت: إن كان سداه لشعر(2) وإن كانت لحمته لمن وبر الإبل(3)، قالت: فخشيت أن يكون أتى بعض نسائه! فقمت ألتمسه في البيت فيقع قدمي على قدميه وهو ساجد، فحفظت من قوله وهو يقول: سجد لك سوادي وخيالي وآمن لك فؤادي، وأبوء لك بالنعم وأعترف بالذنوب العظيمة، ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، أعوذ بعفوك من عقوبتك وأعوذ برحمتك من نقمتك، وأعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، قالت: فما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي قائما وقاعدا حتى أصبح، فأصبح وقد أصمعدت قدماه(4) فإني لأغمزها، وقلت: بأبي أنت وأمي أتعبت نفسك! أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر! أليس قد فعل الله بك أليس أليس! فقال: بلى يا عائشة، أفلا أكون عبدا شكورا. هل تدرين ما في هذه الليلة؟ قالت: ما فيها يا رسول الله، فقال: فيها يكتب كل مولود من بني آدم في هذه السنة، وفيها أن يكتب كل هالك من بني آدم في هذه السنة، وفيها ترفع أعمالهم وفيها تنزل
__________
(1) تفسير الطبري (25/109) قال: "حدثني عبيد بن آدم بن أبي إياس، ثنا أبي، ثنا الليث، عن عقيل بن خالد، عن ابن شهاب، عن عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس به".
(2) والسدى الأسفل من الثوب. انظر لسان العرب (12/538 مادة ).
(3) ما ينسج عرضا. أنظر المصباح المنير (2/551).
(4) أي انتفخت وورمت. انظر النهاية في غريب الحديث (3/53).(1/46)
أرزاقهم، فقالت: يا رسول الله ما أحد يدخل الجنة إلا برحمة الله! فقال: ما من أحد يدخل الجنة إلا برحمة الله! قلت: ولا أنت يا رسول الله؟ فوضع يده على هامته فقال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله منه برحمة).
إسناده منكر.
أخرجه البيهقي في فضائل الأوقات قال: (حدثنا أبو عبد الله الحافظ قال حدثني أبو صالح خلف بن محمد ببخارى قال حدثنا صالح بن محمد البغدادي الحافظ قال حدثنا محمد بن عباد قال حدثني حاتم بن إسماعيل المدني عن النضر بن كثير عن يحيى بن سعد عن عروة بن الزبير عن عائشة).(1)
علة الحديث:
(النضر بن كثير أبو سهل السعدي)، قال الذهبي: "قال أبو حاتم: فيه نظر، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات على قلة روايته، وقال البخاري: عنده مناكير"، ثم ذكر الذهبي طرفا من الحديث.(2)
حديث راشد بن سعد
(في ليلة النصف من شعبان يوحي الله إلى ملك الموت بقبض كل نفس يريد قبضها في تلك السنة).
أخرجه الدينوري في المجالسة، عن راشد بن سعد مرفوعا(3).
قلت: راشد بن سعد لم أقف عليه في الصحابة.
نداء المنادي ليلتها
فيه حديث ضعيف، هو:
حديث عثمان بن أبي العاص - رضي الله عنه -
(إذا كان ليلة النصف من شعبان فإذا مناد: هل من مستغفر فاغفر له؟ هل من سائل فأعطيه؟ فلا يسأل احد إلا أعطي، إلا زانية بفرجها أو مشرك).
إسناده ضعيف.
أخرجه البيهقي في الشعب فقال: (أخبرنا أبو الحسين بن بشران، انا أبو جعفر الرزاز، نا محمد بن أحمد الرياحي، نا جامع بن صبيح الرملي، نا مرحوم بن عبد العزيز، عن داود بن عبد الرحمن، عن هشام بن حسان، عن الحسن، عن عثمان بن أبي العاص).(4)
علة الحديث:
__________
(1) ص 126).
(2) الميزان (4/262).
(3) شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور (ص 60) وعزاه وأخرج ابن أبي الدنيا
(4) شعب الإيمان (3/383 ح 3836).(1/47)
قال المزي عن رواية الحسن البصري عن عثمان بن أبي العاص: "وقيل: لم يسمع منه".(1) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع.(2)
الدعاء ليلتها
أحاديث الدعاء ليلتها واهية موضوعة، وقال الشافعي: "بلغنا أن الدعاء يستجاب في خمس ليال: في ليلة الجمعة، وليلة الأضحى، وليلة الفطر، وأول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان، ذكره صاحب الروضة من زياداته".(3)
حديث أبي بن كعب - رضي الله عنه -
__________
(1) تهذيب الكمال (6/98).
(2) انظر ضعيف الجامع (حديث رقم 653).
(3) انظر والأم (1/231)، وتلخيص الحبير (2/80).(1/48)
(إن جبريل أتاني ليلة النصف من شعبان، قال: قم فصل وأرفع رأسك ويديك إلى السماء، قال: فقلت: يا جبريل ما هذه الليلة؟ قال: يا محمد يفتح فيها أبواب السماء وأبواب الرحمة، ثلاثمائة باب فيغفر لجميع من لا يشرك بالله شيئا، غير مشاحن أو عاشر أو مدمن خمر أو مصر على زنى، فإن هؤلاء لا يغفر لهم حتى يتوبوا، فأما مدمن الخمر فإنه يترك له باب من أبواب الرحمة مفتوحا حتى يتوب، فإذا تاب غفر الله له. وأما المشاحن فيترك له باب من أبواب الرحمة حتى يكلم صاحبه، فإذا كلمه غفر له. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: يا جبريل فإن لم يكلمه حتى يمضي عنه النصف! قال: لو مكث إلى أن يتغرغر بها في صدره فهو مفتوح، فإن تاب قبل منه. فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بقيع الغرقد فبينا هو ساجد، قال: وهو يقول: في سجوده أعوذ بعفوك من عقابك، وأعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بك منك، جل ثناؤك لا أبلغ الثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، فنزل جبريل عليه السلام في ربع الليل، فقال: يا محمد إرفع رأسك إلى السماء، فرفع رأسه فإذا أبواب الرحمة مفتوحة، على كل باب ملك ينادي: طوبى لمن تعبد في هذه الليلة، وعلى الباب الآخر ملك ينادي: طوبى لمن سجد في هذه الليلة، وعلى الباب الثالث ملك ينادي: طوبى لمن ركع في هذه الليلة، وعلى الباب الرابع ملك ينادي: طوبى لمن دعا ربه هذه الليلة، وعلى الباب الخامس ملك ينادي: طوبى لمن ناجى ربه في هذه الليلة، وعلى الباب السادس ملك ينادي: طوبى للمسلمين في هذه الليلة، وعلى الباب السابع ملك ينادي: طوبى للموحدين، وعلى الباب الثامن ملك ينادي: هل من تائب يتب عليه، وعلى الباب التاسع ملك ينادي: هل من مستغفر فيغفر له، وعلى الباب العاشر ملك ينادي: هل من داعي فيستجاب له. ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يا جبريل إلى متى أبواب الرحمة مفتوحة؟ قال: من أول الليل إلى صلاة الفجر. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم(1/49)
-: فيها من العتقاء أكثر من شعور الغنم، فيها ترفع أعمال السنة وفيها تقسم الأرزاق).
إسناده واهي.
أخرجه ابن عساكر فقال: (أنبأنا نصر، أنبأنا أبو القاسم عمر بن أحمد الواسطي، أنبأنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن عبد الرحمن الملطي، حدثني أبو بكر أحمد بن صالح بن محمد الفارسي، حدثني أبو حنيفة جعفر بن بهرام، حدثنا حامد بن محمود الهمداني، حدثنا إبراهيم بن عبد الله البصري، حدثنا محمد بن حازم، عن الضحاك بن مزاحم، عن أبي بن كعب - رضي الله عنه - ..).(1)
علة الحديث:
قال ابن عراق بعد عزوه لابن عساكر: "لم يبيّن علته وفيه محمد بن حازم مجهول، وعنه إبراهيم بن عبد الله البصري، وعن هذا حامد بن محمود الهمداني لم أعرفهما والله تعالى أعلم".(2)
قلت: وفيه علة أخرى وهي: أن الضحاك بن مزاحم لم يرو عن صحابة، قال ابن حبان: "لقِي جماعة من التابعين، ولم يشافِه أحداً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن زعم أنه لقِي ابن عباس، فقد وهِم".(3)
حديث أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه -
(خمس ليال لا ترد فيهن الدعوة: أول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان، وليلة الجمعة، وليلة الفطر، وليلة النحر).
موضوع.
أخرجه ابن عساكر: (أخبرنا أبو الفتح نصر الله بن محمد، حدثنا نصر بن إبراهيم، أنبأنا أبو سعيد بندار بن عمر الروياني، أنبأنا أبو محمد عبد الله بن جعفر الخبازي، أنبأ أبو علي الحسن بن علي بن محمد بن بشار الزاهد بهمذان، قراءة عليه من أصل سماعه، أنبأنا علي بن محمد القزويني، حدثنا إبراهيم بن محمد بن برة الصنعاني، حدثنا عبد القدوس، حدثنا إبراهيم بن أبي يحيى، عن أبي قعنب، عن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه -…).(4)
__________
(1) تاريخ دمشق (51/73).
(2) تنزيه الشريعة (2/126).
(3) الثقات (6/480).
(4) تاريخ دمشق (10/408).(1/50)
قال ابن عساكر بعد إيراده : "قرأت بخط أبي الفرج عبد بن علي، حدثني أبو الفرج الإسفرايني وقد جرى ذكر بندار الروياني، قال: قال لي عبد العزيز النخشبي وأردت أسمع منه شيئا: لا تسمع منه فإنه كذاب أو كما قال".(1)
وذكره الديلمي في الفردوس بمأثور الخطاب دون سند.(2)
حديث عائشة رضي الله عنها
(كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو وهو ساجد ليلة النصف من شعبان يقول أعوذ بعفوك من عقابك وأعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بك منك جل وجهك وقال: أمرني جبريل أن أرددهن في سجودي فتعلمتهن وعلمتهن).
أخرجه ابن عساكر قال: (أخبرنا أبو القاسم نصر بن أحمد وأبو العشائر محمد بن خليل بن فارس قالا نا أبو الفرج الإسفرايني أنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي الفارسي بمصر أنا أبو أحمد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الناصح بن شجاع بن المفسر الفقيه بمصر نا أبو الجهم عمرو بن حازم القرشي نا سليمان بن عبد الرحمن نا عبد الحميد بن عدي الجهني عن عبد الرؤوف بن عثمان عن أخيه يزيد بن عثمان عن عائشة).(3)
علة الحديث:
أبو الجهم فمن فوقه لم أقف على تراجمهم، وقد مر هذا الحديث بنحوه من حديثها مطولا في أحاديث النزول ليلتها، وعبارة (الاستعاذة بعفوه من عقوبته وبرضاه من سخطه)، جاءت في عدة روايات عنها وعن غيرها عند مسلم وغيره من غير ذكر لليلة النصف.
أثر ابن عمر - رضي الله عنه -
(خمس ليال لا ترد فيهن الدعاء ليلة الجمعة وأول ليلة من رجب وليلة النصف من شعبان وليلتي العيدين).
إسناده ضعيف مسلسل بالضعفاء.
أخرجه عبد الرزاق في مصنفه قال: (أخبرني من سمع البيلماني يحدث عن أبيه عن ابن عمر..). ومن طريقه أخرجه البيهقي في الشعب. (4)
علل الأثر:
__________
(1) تاريخ دمشق (10/408).
(2) 2/196).
(3) تاريخ مدينة دمشق (36/195).
(4) 4/317 رقم 7927)، شعب الإيمان شعب الإيمان (3/342).(1/51)
(عبد الرحمن بن البَيلماني)، قال في التقريب: "ضعيف".(1)
(محمد بن عبد الرحمن بن البَيلماني)، قال الحافظ في التقريب: "ضعيف وقد اتهمه ابن عدي وابن حبان".(2)
جهالة من سمع البيلماني.
فتح الخير ليلتها
فيه حديث واحد لم أقف على إسناده، أخرجه الخطيب في رواة مالك وهو:
حديث عائشة رضي الله عنها
(يفتح الله الخير في أربع ليال ليلة الأضحى والفطر، وليلة النصف من شعبان ينسخ فيها الآجال والأرزاق ويكتب فيها الحاج، وفي ليلة عرفة إلى الأذان).(3)
نظر الله إلى الكعبة ليلتها
فيه حديث واحد ذكره الديلمي دون إسناد وظاهره عدم الصحة، إذ الكعبة تحت نظر الله عز وجل في كل وقت وحين، وموطن الحديث من مواطن الأحاديث الضعيفة:
حديث ابن عباس - رضي الله عنه -
(إن الله عز وجل يلحظ إلى الكعبة في كل عام لحظة وذلك في ليلة النصف من شعبان فعند ذلك يحن إليها قلوب المؤمنين).(4)
حجب قول لا إله إلا الله على الشاربين
فيه حديث لفظه مشكل.
حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -
(لا يحجب قول لا إله إلا الله عن الله عز وجل إلا ما خرج من فم صاحب الشاربين ليلة النصف من شعبان).(5)
اختيار الله لها
فيه حديث منكر حكم بنكارته ابن عسكر ووافقه الحافظ ابن حجر.(6)
أبي هريرة - رضي الله عنه -
__________
(1) التقريب (ص 572 ت 3843).
(2) ص869 ت 6107).
(3) الدر المنثور (7/402).
(4) الفردوس بمأثور الخطاب (1/149 ح 539).
(5) الفردوس بمأثور الخطاب (5/166 ح 7837).
(6) لسان الميزان (3/237).(1/52)
(إن الله اختار من الملائكة أربعة: جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل، واختار من النبيين أربعة: إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم، واختار من المهاجرين أربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، واختار من الموالي أربعة: سلمان الفارسي وبلال الأسود وصهيب الرومي وزيد بن حارثة، واختار من النساء أربعة: خديجة بنت خويلد ومريم ابنة عمران وفاطمة بنت محمد وأسية بنت مزاحم، واختار من الأهلة أربعة: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، واختار من الأيام أربعة: يوم الجمعة ويوم الفطر ويوم النحر ويوم عاشوراء، واختار من الليالي أربعة: ليلة القدر وليلة النحر وليلة الجمعة وليلة نصف شعبان، واختار من الشجر أربعة: السدرة والنخلة والتينة والزيتونة، واختار من المدائن أربعة: مكة وهي البلدة والمدينة وهي النخلة وبيت المقدس وهي الزيتونة ودمشق وهي التينة، واختار من الثغور أربعة: إسكندرية ومصر وقزوين خراسان وعبادان العراق وعسقلان الشام، واختار من العيون أربعة: يقول في محكم كتابه فيهما: (عينان تجريان)، وقال فيهما: (عينان نضاختان)، فأما التي تجريان: فعين بيسان وعين سلوان، وأما النضاختان: فعين زمزم وعين عكا، واختار من الأنهار أربعة: سيحان وجيحان والنيل والفرات، واختار من الكلام أربعة: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله).
حديث منكر.
أخرجه ابن عساكر فقال: (قرأت بخط شيخنا أبي الفرج غيث بن علي بن عبد السلام الخطيب ذكر القاضي أبو القاسم الحسن بن محمد الأنباري فيما قرئ عليه بصور في ذي القعدة سنة سبع عشرة وأربعمائة أن أبا محمد الحسن بن رشيق أخبرهم نا أبو الفضل العباس بن ميمون أمنجور مولى أمير المؤمنين نا أبو محمد المراغي نا قتيبة نا أبو عوانة عن الأعمش عن أبي صالح عنه..).
علة الحديث:(1/53)
قال ابن عساكر: "هذا حديث منكر بمرة وأبو الفضل والمراغي مجهولان".(1) كما حكم بنكارته ابن عراق في تنزيه الشريعة.(2)
تزيين الجنة ليلتها
فيه أثر واحد، لم أقف على إسناده:
أثر كعب الأحبار
(إن الله تعالى يبعث ليلة النصف من شعبان جبريل عليه السلام إلى الجنة فيأمرها أن تتزين ويقول: إن الله تعالى قد أعتق في ليلتك هذه عدد نجوم السماء، وعدد أيام الدنيا ولياليها، وعدد ورق الشجر وزِنة الجبال وعدد الرمال).(3)
فهرس المواضيع
المقدمة…………………………… 2
من صنف فيها…………………………… 3
أسماؤها…………………………… 4
أقوال العلماء في أحاديثها………………………… 5
متى أُحدِث إِحياؤها………………………… 6
إحياء أهل الشام لها………………………… 7
إحياء أهل مكة…………………………… 7
حكم إحيائها…………………………… 8
حكم صيام يومها………………………… 9
عرض الأعمال ورفعها ليلتها……………………… 10
دخول من واظب على التعبد الجنة ليلتها…………………… 10
إفراغ الرحمة ليلتها………………………… 10
من كان يقرأ ليلتها احتفالاً بها 10
خرافات و بدع تعمل ليلتها……………………… 11
الأحاديث…………………………… 16…
حديث غفران الذنوب………………………… 16
حديث نزوله سبحانه ليلتها إلى السماء الدنيا…………………… 17
حديث إطلاعه سبحانه ليلتها على خلقه ومغفرته ذنوبهم………………… 18
حديث الصلاة ليلتها وصوم يومها……………………… 31
حديث تقدير الآجال ليلتها………………………… 38
حديث نداء المنادي ليلتها………………………… 40
حديث الدعاء ليلتها………………………… 40
حديث فتح الخير ليلتها………………………… 43
حديث نظر الله إلى الكعبة ليلتها……………………… 43
حديث حجب قول لا إله إلا الله على الشاربين…………………… 44
حديث اختيار الله لها………………………… 44
أثر تزيين الجنة ليلتها…………………………45
فهرس المواضيع……………………… …… 46
__________
(1) تاريخ مدينة دمشق (1/221).
(2) 2/65).
(3) لطائف المعارف (ص 162).(1/54)