بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه . وبعد ..
فهذا تلخيص لدورة علمية كان قد ألقاها الشيخ محمد بن عبدالله الخضير في جامع الأميرة الجوهرة بحي التعاون في مدينة الرياض عام 1421هـ ، وكانت بعنوان كيف تشرح وتخرّج وتحكم على حديث مع التطبيق العملي.وهذا هو الجزء الأول وهو بعنوان:كيف تشرح حديثاً؟. وهذا أوان الشروع قي المقصود وما توكلنا إلا على الرب المعبود.
تنبيه/ تخريج الأحاديث يحتاج إلى دُربة . ويحتاج بعد التخريج إلى ترتيب وتركيب للأسانيد.
... كيف تشرح حديثاً ؟
يمكن شرح الحديث بعد أن تقسّمه إلى ثلاثة أقسام رئيسية ( إجمالاً).
1/ الراوي الأعلى لهذا الحديث من الصحابي أو من دونه.
2/ لفظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . (متن الحديث ).
3/ تخريج الحديث والحكم عليه.
... كيف أصل إلى شرحه تفصيلاً ؟
أولاً: الراوي الأعلى:
يمكن أن يكون صحابياً او غير صحابي كالتابعي ومن بعده.
إذا كان صحابياً كيف أُعرّف بهذا الصحابي ؟
إذا أردت أن تعرّف بالصحابي تعريفاً تاماً فعليك أن تستعرض خمس نقاط مهمة في الصحابي:
1/ اسمه ونسبه بما يُميزه عن غيره . 2/ كُنيته. 3/ بعض فضائله ومناقبه. 4/ عدد أحاديثه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . 5/ وفاته زماناً ومكاناً.
تنبيه/ من الصحابة من هو كثير الحديث ومنهم من هو متوسط ومنهم من هو قليل الحديث. فكيف نصوغ المادة العلمية لكل من هؤلاء:
المشهور أو المُكثر من الحديث: يجب أن أذكر اسمه ونسبه بما يُميزه عن غيره وعدد أحاديثه ووفاته زماناً ومكاناً ، وأما بالنسبة لفضائله فأقتصر على منقبتين أو ثلاث ، ويجب أن تكون هاتان المنقبتان مما له مِساس بالواقع . مثل: الحرص على طلب العلم أو في العبادة وغير ذلك .(1/1)
وأما المتوسط : فأذكر كل ما ذُكر عنه. وأما المُقل: فإني أحرص على التقصي وجمع كل ما كُتب عنه. وإذا لم أجد شيئاً فإني أنص على عدم وجود سَنة وفاته مثلاً أو كنيته مثلاً .. وهكذا.
كيف أصل إلى المعلومات؟
بالنسبة للكتب التي يمكن أن أصل عن طريقها إلى المعلومات عن الصحابي ، فهناك كتب تتصل بمزاياه الأربع . وهناك كتب مُختصة بعدد الأحاديث. فأولاً أذكر عدد أحاديثه ثم أرجع إلى الأربع لأنها مُتشعبة.
أما الكتب التي أُلفت في عدد أحاديث كل صحابي فأصلها وأهمها كتاب للإمام ابن حزم ، أسماه (أسماء الصحابة الرواة وما لكل واحد من العدد). والكتاب مطبوع.
العدد الذي يُطرح أمام كل صحابي ليس كل ما رَوى ـ بل هو عدد نسبي لما رواه في مسند بقي بن مخلد الأندلسي ، كما نص عليه السخاوي في فتح المغيث . وخُصَّ مسند بقي بن مخلد بهذا لسببين:
محرم - أن ابن حزم تكفّل بعد مرويات الصحابة في هذا المسند.
صفر - أن هذا المسند يُعتبر أعظم موسوعة في الإسلام.
ومسند بقي بن مخلد مفقود . وقد نقل المباركفوري في تحفة الأحوذي أنه موجود في مكتبة برلين بألمانيا.
أما ما يتصل بالأربع الأخرى ، فإن هناك ثلاث طرق تؤدي إلى معرفة هذا الصحابي:
الطريقة الأولى: هي معرفة الكتب المؤلفة في الصحابة خاصة. ككتاب الاستيعاب لابن عبدالبر ، وكتاب أسد الغابة لابن الأثير ، وكتاب تجريد الصحابة للذهبي ، وكتاب الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر.
الطريقة الثانية: وهي معرفة الكتب المؤلفة في رجال الكتب الستة خاصة. لأنه يغلب أن هذا الصحابي خُرّج له في كتاب من الكتب الستة. أول هذه الكتب: الكمال في أسماء الرجال لعبدالغني بن عبدالواحد الجمّاعيلي المقدسي ت 600هـ . وله ميزتان:
محرم - أنه هو الأساس الذي بُنيت علي فكرة التأليف في رجال الكتب الستة.
صفر - أنه حنبلي المذهب. والكتاب لا يزال مخطوطاً وهو موجود في مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.(1/2)
ومن الكتب التي دارت في فلكه: تهذيب الكمال للمزي ، وتذهيب تهذيب الكمال للذهبي ، والكاشف للذهبي ، وتهذيب التهذيب لابن حجر ، وتقريب التهذيب لابن حجر ، والخلاصة للخزرجي.
الطريقة الثالثة: معرفة الكتب المؤلفة في رجال السير عموماً . منها: سير أعلام النبلاء للذهبي ـ ومختصراته وتهذيباته ـ ، كتاب وفيات الأعيان لابن خلكان ، وكتاب الوافي بالوفيات للصفدي ، وكتاب البداية والنهاية لابن كثير.
هذا إذا كان الراوي الأعلى صحابياً ، وإذا لم يكن صحابياً . فكيف أُعرّف به؟
إذا كان غير صحابي فيجب أن استعرض ست نقاط:
1/ اسمه ونسبه بما يُميزه. 2/ كُنيته. 3/ ذكر شيخين من شيوخه أحدهما مذكور في الإسناد ، حتى يُستدل به على اتصال الحديث وعدمه ـ اتصال السند ـ ، وحتى نعرف هل سمع من هذا الراوي. 4/ ذكر تلميذين من تلاميذه أحدهما في الإسناد وذكر التلميذين فيه فائدتان:
محرم - معرفة الاتصال.
صفر - لأنه برواية شيخين عنه ارتفعت جهالة العين ، لأنه روى عنه راويان أو أكثر . وبقيت جهالة الحال كما سيأتي إن شاء الله.
5/ معرفة منزلته من حيث القبول وعدمه ، هل هو ثقة أو غير ثقة. 6/ وفاته زماناً ومكاناً.
كيف أصل إلى المعلومات عن الراوي إن لم يكن صحابياً؟
إما عن طريق كتب عامة أو عن طريق كتب خاصة.
أما الكتب الخاصة فهناك كتب خاصة في صفة معينة أو كتب خاصة في كتب معينة.
مثال الكتب الخاصة بكتب معينة: ككتب الرجال الستة.
وأما الصفات الخاصة فكم أُلّف في الثقات وحدهم . كثقات ابن حبان ، وثقات ابن شاهين ، وثقات العجلي ـ أو ـ كُتب الضعاف خاصة ، كالضعفاء والمتروكين للنسائي ، وكذا للدارقطني ، والضعفاء للبخاري ، والضعفاء للعُقيلي ، ومن أهمها الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي . وأيضاً ميزان الاعتدال للذهبي ، ولسان الميزان لابن حجر.(1/3)
أو كتب خاصة في الكنى ، ككنى الدولابي ، وكُنى البخاري ، وكُنى مسلم ، و الاستغنى في معرفة حملة العلم بالكنى لابن عبدالبر.
أو الكتب المؤلفة في صفة خاصة مثل: الكتب المؤلفة في البلدان كتاريخ بغداد ، وكتاريخ دمشق ، وتاريخ حلب ، وتاريخ جُرجان ، وتاريخ داريا.
أو الكتب المؤلفة في الأنساب ، كالأنساب للسمعاني ، والُلباب للسيوطي ، ولُب اللباب.
أو الكتب الخاصة المؤلفة في الألقاب.
وهناك كتب عامة ، ككتاب التاريخ الكبير للبخاري ، وكتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ، وغيرها.
والرواة هناك من تُوسّع فيه ، وهناك من لم يُتوسّع فيه ، فينبغي أن يؤخذ ما يُناسب العرض. كما سبق في الصحابي.
ثانياً: لفظ الحديث ـ أو ـ كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكون أحد أمرين:
محرم - إما أن تكون ألفاظاً لا يتضح معناها إلا بضمها إلى غيرها.
صفر - أو ألفاظاً معانيها تتضح بنفسها وإن لم تُضم إلى غيرها.
فالأول هو الحرف والثاني إما أن يكون إفادته بنفسه مع اقترانه بزمن سواءً كان الزمن حاضراً أو ماضياً أو مستقبلاً فهذا الفعل.
وإما أن يكون مفيداً بنفسه غير مقترن بزمن وهذا هو الاسم.
فكيف نصل إلى المعلومات المتصلة بالحروف وبالكلمة المفيدة سواءً اقترنت بزمن أو لم تقترن بزمن ؟
تنبيهات/
محرم - أن الحروف تتناوب . أي أن الحروف تأتي بمعنى أصلي وتنوب عن غيرها بحيث يكون في هذا المعنى معنى فرعياً ، فقد تكون الباء أصلية وقد تكون بمعنى على وبمعنى في. فعليك أن تُعيد النظر وتنظر إلى معانيها ، وهل هي أصلية أو نائبة عن غيرها. وأيضاً الذي يليق مع سياق الكلام ، وأيها الذي يَتناسب مع مُراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
صفر - أن الحروف منها ما هو اسم ومنها ما هو حرف ، فهل هي في هذا اللفظ حرف أو اسم.(1/4)
ربيع أول - أن الحرف الواحد يأتي لمعان متعددة مع اتحاد اللفظ . مثال ذلك: أن حرف (اللام) له أربعون معنى. مثال: (الميم) لفظ واحد وقد تكون اسم وقد تكون حرف ، والاسم وحده له عشرة معانٍ وهذه المعاني العشرة يجمعها بيت واحد هو:
استفهام شرط الوصل فاعجب لنُكرها بكفٍ ونفي وزِيدَ تعظيمِ مصدري
[ ويقولون فائدة وأي فائدة كل ما بعد (إذا) زائدة ].
كيف أصل إلى معاني الحروف ؟
أعرف الحروف ومعانيها بالرجوع إلى الكتب المؤلفة في كتب الحروف والمعاني ، وهذه الكتب كثيرة منها:
الجنى الداني للمُرادي ، ورصف المباني في شرح حروف المعاني للمالقي ، ومعاني الحروف للرماني ، ومغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام ، واللامات للزجاجي ، واللامات لابن كيسان ، والنحاس أيضاً ، وابن فارس ، وأبو الحسن الهروي. وغيرهم.
ما عدا الحروف كيف أصل إليه ـ معاني الألفاظ ـ ؟
يمكن أن أصل إلى معاني الألفاظ بطريقتين:
الطريقة الأولى: عن طريق الكتب المؤلفة في غريب حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، منها: غريب الحديث للهروي ، وغريب الحديث لابن قُتيبة ، وغريب الحديث لابن الجوزي ، وغريب الحديث لإبراهيم بن إسحاق ، وغريب الحديث لابن قدامة ، الفائق في غريب الحديث للزمخشري ، وأعظم هذه الكتب وأهمها وأولها وأساسها وأجمعها النهاية في غريب الحديث لابن الأثير.
الطريقة الثانية: عن طريق الكتب المؤلفة في معرفة معاني ألفاظ لغة العرب ، لأن أولى من يُشرح لفظه هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . والكتب المؤلفة في بيان ألفاظ اللغة العربية كثيرة منها:
الصحاح للجوهري وشروحه ، مختار الصحاح وتاج العروس للزبيدي ، القاموس المحيط للفيروزأبادي ، لسان العرب لابن منظور ، وتهذيب اللغة لابن فارس ، ومنها أيضاً المُحكم والمخصص لابن سِيدَه . وغيرها.
الأحكام المستمدة من لفظ الحديث ، كيف أصل إليها ؟
هي نوعان: 1/ إما حُكم مُجمعٌ عليه. 2/ أو مختلف فيه.(1/5)
فأما المُجمعُ عليه ، فأصل إليه من طريقين:
الطريق الأول: ـ وهو الأصل ـ عن طريق الكتب المؤلفة في الإجماع خاصة ، مثالها: كتاب الإجماع والأشراط والأوسط لابن المنذر ، وكتاب مراتب الإجماع لابن حزم مالم ينتقده شيخ الإسلام ابن تيمية في نقده لمراتب الإجماع ، وكتاب الإفصاح لابن هُبيرة ، وكتاب موسوعة الإجماع للسعدي أبي حبيب. وغيرها.
الطريق الثاني: التنصيص عليه من إمام . والتنصيص عليه من إمام سواءً نص عليه إمام في كتب شروح الفقه أو في كتب شروح الحديث وغيرها.
المختلف فيه كيف أصل إليه ؟
ولكن قبل هذا هناك تنبيهان:
محرم - على طالب العلم إذا أراد أن يُبرء ذمته أمام الله عز وجل ، وإذا أراد أن يُكتب له القبول في الدنيا والآخرة عليه أن يكون متجرداً هَمّه الوصول إلى الحق ، غير متعصب لشخص أو مذهب معين ، وليكن همه الوصول إلى الحق ومعرفة مراد الله سبحانه وتعالى مهما قال به فلان من الناس ، والتعصب يُعمي فلا يصل صاحبه إلى الحق ، وفي الوقت نفس يجعل هذا التعصبَ صاحبه مسئولاً أمام الله سبحانه وتعالى لما يُبين.
وينظر إلى الأدلة من منظارين: 1/ الثبوت. 2/ الدلالة. وكذلك ينظر إلى المُرجحات . وقد ذكر الحازمي في كتابه الاعتبار في ناسخ الحديث ومنسوخه من الآثار خمسين مُرجحاً ، وذكر العراقي في كتابه التقييد والإيضاح لما أُطلق وأُغلق على ابن الصلاح أكثر من مائة مُرجّح ، فليَنظر إلى هذه المُرجحات ثم يُرجّح ما ظهر له بأدلته إن تبين له في هذه المسألة شيء ، أو يتبع الأئمة المتقدمين في الترجيح.(1/6)
صفر - عليه أن يعرف الاصطلاحات الخاصة في المذاهب . وما هو الراجح والمرجوح في كل مذهب. فمثلاً: أي الرواة أقوى عند الاختلاف عن الإمام مالك ، ومتى يعمل بالقديم والجديد من قولي الإمام الشافعي ، وأي الروايات المعتمدة في مذهب الإمام أحمد ـ وأي الرواة المعتمدين عند الاختلاف في مذهب الإمام أبي حنيفة ، فإن هذه أمور مؤثرة في المذاهب ، عليه أن ينظر في هذه حتى لا يأخذ ما هو مرجوح في المذهب الذي يُريد طرحه ويُريد عرضه ويكون غير معتمدٍ أصلاً في المذهب.
ثم بعد ذلك يستطيع أن يشرح الحديث من طريقتين:
الطريقة الأولى: الكتب المؤلفة في المذاهب المتبوعة.
محرم - المذهب الحنفي: الهداية للمرغلاني وهو من الكتب المعتمدة في المذهب الحنفي ، وشرحه فتح القدير لابن الهُمام.
صفر - المذهب المالكي: المدونة للإمام مالك ، والتمهيد والاستذكار والكافي في مذهب أهل المدينة لابن عبدالبر.
ربيع أول - المذهب الشافعي: الأم للإمام الشافعي ، مختصر المُزني وشرحه المسمى بالحاوي الكبير للماوردي ، والمهذّب لأبي إسحاق الشيرازي وشرحه المسمى بالمجموع وقد تناوله بالشرح ثلاثة أولهم الإمام النووي ثم السبكي وأكمله المُطيعي.
قال العلامة الكبير الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله: من وقف في مسائل الخلاف على المجموع وعلى المغني فقد استوفى المسألة .
ربيع ثان - المذهب الحنبلي: العمدة والكافي والمقنع والمغني كلها لابن قدامة المقدسي.
الطريقة الثانية: كتب شروح الحديث ، فننظر إلى من أخرجه ثم نرجع إلى شرحه.
* فإن كان الحديث في البخاري ، فنرجع إلى شروح البخاري الكثيرة ومنها:
أعلام الحديث للخطابي ، فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن رجب الحنبلي ، فتح الباري لابن حجر العسقلاني ، إرشاد الساري للقسطلاني ، عمدة القاري للعيني ، شرح الكِرماني .وغيرها..
* وإن كان الحديث في مسلم ، فنرجع إلى شروح مسلم الكثيرة ومنها:(1/7)
المُعلم بفوائد صحيح مسلم للمازري ، إكمال المُعلم بفوائد صحيح مسلم للقاضي عياض ، المُفهم شرح صحيح مسلم للقرطبي ، شرح النووي على مسلم الموسوم بالمنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج ، شرح الأُبي على مسلم ، فتح المُلهم بشرح صحيح مسلم للشبّير بن أحمد العثماني .وغيرها.
* وإن كان في سنن أبي داود:
معالم السنن لخطابي ، شرح بدر الدين العيني ، عون المعبود وغاية المقصود للعظيم أبادي ، بذل المجهود في حل سنن أبي داود للسهارنفوري ، المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود لمحمود محمد خطاب .. وتكملته المسمى فتح الملك المعبود لابنه أمين محمود خطاب.
* وإن كان في سنن الترمذي:
عرضة الأحوذي لابن العربي ، النفح الشذي لابن سيد الناس .. وتكملته للعراقي ، قوت المغتذي للسيوطي ، تحفة الأحوذي للمباركفوري.
* وإن كان في سنن النَسائي:
حاشية السيوطي على سنن النسائي ، حاشية السندي ، شرح للشنقيطي ، شرح لمحمد الأثيوبي المولوي.
* وإن كان في سنن ابن ماجه:
حاشية للسيوطي ، حاشية السندي ، شرح ابن قُليج الحنفي ـ وهو أعظم شروحه ـ . وقد حقق أجزاء منه الشيخ عبدالعزيز الماجد رحمه الله.
تم بحمد الله وفضله الانتهاء من الجزء الأول وهو كيف تشرح حديثاً
ويليه إن شاء الله الجزء الثاني كيف تخرّج حديثاً.(1/8)
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .وبعد.
فهذا هو الجزء الثاني من الدورة العلمية التي ألقها فضيلة الشيخ/ محمد بن عبدالله الخضير حفظه الله والتي هي بعنوان كيف تشرح وتخرّج وتحكم على حديث مع التطبيق العملي ، وقد سبق الجزء الأول وهو بعنوان/ كيف تشرح حديثاً ؟ ، وهذا هو الجزء الثاني وهو بعنوان/ كيف تُخرّج حديثاً ؟.
فنسأل الله العون والسداد وإخلاص القول والعمل له سبحانه.
التخريج هو : عزو الحديث إلى مصادره الأصلية ، وبيان درجته عند الحاجة.
ويقصدون بالمصادر الأصلية تلك الكتب التي تُروى بالأسانيد من المؤلف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .
فمثلاً: صحيح البخاري كتاب أصلي ومسلم كتاب أصلى . لمَا ؟ لأنه يروي بإسناده عن شيخه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .
بينما يقولون أن مجمع الزوائد ورياض الصالحين ، وغيرها ليست كتباً أصلية . لمَا ؟ لأن أصحابها لا يروون بالأسانيد ، وإنما همّهم جمع الأحاديث مبتورةً عن أسانيدها.
يقول علماء التخريج: أن المُخرّج همّه أصل الحديث ، والفقيه همّه لفظ الحديث. كما نص على ذلك الزيلعي في نصب الراية (1/200).
وفي الحقيقة أن الأحاديث التي يُراد تخريجها لا تعدوا من أحد ثلاث حالات:
محرم - فإما أن تعطى متناً دون أن يرتبط هذا المتن بصحابي ولا إسناد . وهذا أصعب أنواع التخريج.
صفر - وإما أن تُعطى متناً مقروناً بصحابي دون إسناد . وهذا يليه في الصعوبة . لكنه أهون من الأول.
ربيع أول - وإما أن تكون مربوطاً بإسناد من المؤلف إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - . وهذا أسهل أنواع التخريج.
لقائل أن يقول: لمَا صَعُب الأول ولمَا سهُل الثالث ولمَا توسط الثاني ؟(2/1)
لأنك إذا أُعطيت متناً غير مرتبط بصحابي فإنك مسؤول عن تخريج هذا المتن عن جميع من رواه من الصحابة ، فلك أن تتصور أنك أُعطيت متناً مثل: ( من كذب عليَّ متعمداً فليتبوء مقعده من النار ). فقد رواه أكثر من 60 صحابياً ، منهم العشرة المبشرون بالجنة ، فليس تخريج حديث أبي هريرة رضي الله عنه بأهم من تخريج حديث ابن عمر رضي الله عنهما ، لأنه ليس لأحد من الصحابة على الآخر مزيةٌ ، لأنك مسؤول عن المتن.
بينما لو قال عن ابن عمر رضي الله عنهما ، فإنك مسؤول عن هذا الإسناد حتى يصح , وتترك طُرقاً لهذا الإسناد بعد صحته ، لأن همّك أن يصح الإسناد الذي بين يديك . ولذا سَهُلَ الأخير وصَعُبَ الأول.
التخريج لا بد أن يمر بثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: كيف تصل إلى الحديث في بطون الكتب الأصلية.
المرحلة الثانية: بعد أن تصل ماذا تأخذ وماذا تدع ؟.
المرحلة الثالثة: كيف تصوغ ما أخذت ؟.
إن للوصول إلى الحديث في بطون الكتب الأصلية طُرقاً أشهرها خمس:
الطريق الأول: إما أن تصل إلى الحديث عن طريق الراوي الأعلى ، وهو الصحابي أو من دونه. ولها مؤلفاتها.
الطريق الثاني: أن يكون عن طريق أوّل الحديث ، ويُسمّونه طرف الحديث.
الطريق الثالث: أن يكون عن طريق كلمة يقل دورانها.
الطريق الرابع: أن يكون عن طريق خصائص تكون في السند أو المتن.
الطريق الخامس: أن يكون عن طريق موضوع الحديث.
وأولى هذه الطرق التخريج عن طريق موضوع الحديث . لماذا ؟
لأسباب:(2/2)
محرم - أنك بتخريجك عن طريق موضوع الحديث تجمع الأحاديث الواردة في ذلك الموضوع المؤيدة والمعارضة ، وبالتالي يُصبح لديك إلمام عن جميع الموضوع. فمثلاً: إذا كان الحديث في كتاب الصلاة باب صلاة الجماعة ، تجد أكثر من عشرة أحاديث واردة في فضل صلاة الجماعة المقوًية والمعارضة ، بينما لو أخذت الحديث عن طريق الراوي الأعلى ، فلا تجد غير حديث عبدالله بن عمر ، فلا تجد حديث أبي هريرة ولا حديث عائشة ولا حديث أُبيّ رضي الله عنهم.
صفر - أن التخريج من طريق موضوع الحديث ينمي لدى الطالب مَلكةَ الاستنباط والفهم ، لأنك لن تعرف موضوع الحديث حتى تعرف فقهه . ثم إن هذا الاستنباط يتقوّى ، إذ أنه اتضح أنك لست وحدك في الفهم ، لأن فهمك مربوط بفهم المصنّف الأصلي . هل يوافقك في هذا الفهم أو لا ؟. وهذه الطريقة تنمي عندك فهم مناهج أصحاب الكتب الأصلية.
بعد أن تصل إلى الحديث .. يُهمنا هنا أن تعرف ماذا تأخذ وماذا تدع ؟ والأمر يزيد أهمية إذا اتضح لك أن لكل كتاب خصائصه ، فما تأخذه من البخاري غير ما تأخذه من مسلم . وما تأخذه من مسلم غير ما تأخذه من الترمذي ..... وهكذا . هناك قواسم مشتركة ولكن لكل كتاب خصائصه.
فمثلاً: إذا كان الحديث في البخاري ، من المهم أن تعرف هل رواه متصلاً أو مُعَلّقاً ، وإذا كان مُعَلّقاً هل رواه بصيغة الجزم أو بصيغة التمريض ، وإذا كان متصلاً هل أورده في الأصول أو أورده في الشواهد والمتابعات ، فمثلاً تقول: رواه مُعَلّقاً مجزوماً به ، أو مُعَلّقاً بصيغة التمريض ، وتنص على هذا.
وإن كان في مسلم هل ساق لفظه أو أحال على غيره ، وهل صرّح بالاختلاف بين الألفاظ ، وهل صرّح بلفظ فلان دون فلان ، وهل هذا فلان هو الذي معك في الإسناد ، وهل هذا لفظه أو غير اللفظ ، وهل اعتمد عليه أو جاء به في المتابعات والشواهد دون أصول الأبواب.(2/3)
وإذا كان في أبي داود هل قدّمه واعتمد عليه ، وهل جاء بما يُعارضه ، وهل جاء متصلاً ، وهل صرّح بما يُضعّفه ، وهل بيّن ضعفه سواءً بالإيماء أو بالتصريح أو لا.
وإذا كان في الترمذي هل حكم عليه وبما حكم عليه ، وهل حكم عيه حكماً مطلقاً أو من هذا الوجه ، وهل حكم عليه بنفسه أو حكم عليه ناقلاً عن غيره ، وهل أودر ما يُقويه في الباب أو لا.
وإذا كان في الحاكم هل حكم عليه ، وبما حكم عليه ، وما موقف الذهبي من هذا الحكم ، وهل قوّاه أو اعترض عليه.
ثم إذا كان في ابن خزيمة هل أورده مُحتجاً به دون اعتراض أو أنه مرّض القول فيه ـ أو ـ علّق القول فيه بقوله: إن ثبت الخبر ، وهل قدّم المتن على الإسناد تضعيفاً له أو لا.
ولا بد أن يكون عند طالب العلم نباهة في مناهج المحدثين(1). وبعضها لا يُعرف إلا عن طريق كتب المصطلح(2).
ثم بعد أن تعرف ما تأخذ وما تدع ، لا بد أن تصوغ ، وإذا أردت أن تصوغ فلا بد أن تأتي بعشر كلمات ، لا بُدَّ أن تقول: أخرجه فلان في كتابه كتاب وباب وجزء وصفحة ورقم حديث بلفظه أو نحوه أو معناه من حديث فلان.
لكن ما وجدته من هذه الأمور العشرة فنُصَّ عليه ، وما لم تجده فاتركه ، لأن هناك من يستوفي هذه الأمور العشر وهناك من لا يستوفيها.
__________
(1) قال مُقيّده : انظر كتاباً للشيخ د.سعد آل حميد بعنوان مناهج المحدثين.
(2) قال مُقيّده: انظر مثلاً: تدريب الرواي للسيوطي ، قواعد التحديث للقاسمي ، الحديث النبوي لمحمد لطفي الصبّاغ.(2/4)
لكن يبقى الكلام عن كلمة لفظه ، لا بُدَّ أن تأخذ اللفظ الذي معك ثم تقارنه باللفظ الذي وصلت إليه في الكتاب الأصلي ، فإما أن تقول رواه بلفظه أي تُقارن بين المتن الذي معك والمتن الذي وجدته في الأصل ، فإما أن تقول بلفظه أو بنحوه أو مُطوّلاً أو مُختصراً أو مُقتصراً على شطره الأول أو فيه قصة أو مُقتصراً على شطره الأخير أو أصل الحديث أو ما يدل بدقة وليس له داعٍ أن تُشير إلى لفظ الحديث ، فالذين نراهم يُوردون لفظ الحديث ويقولون: هذا لفظ مسلم وهذا لفظ البخاري وهذا لفظ كذا ، ثم يُورد ويملئ الصفحات ، فهذا لقلة فقهه وخبرته. وإلا فإنك تُقارن هل هو بلفظه أو بنحوه مطولاً ... ألخ.
ثم بعد أن ننظر نصوغ دون التعرض لمتنه ، لكن بعد أن تصل إلى الطرق . كيف تصوغ ؟ وما الذي ينبغي أن تقدّم ؟.
لا بد أن تجعل للحديث شجرة ، والإنسان لا يستطيع أن يُخرّج أو يحكم حتى يعرف مدار الحديث ، وما لم يعرف مدار الحديث فإنه ضائع.
ثم بعد ذلك البداءة بالتخريج ، ما الذي يحكمها ؟
يحكمها الإسناد الذي معك . ليس البخاري هو الذي يُبدأ به ولا مسلم ولا غيره ، وإنما يحكم البداءة هو الإسناد الذي معك . فلنضرب مثالاً: لو أن السند الذي أُريد تخريجه هو سند أبو عوانة في مستخرجه ، فإن أوّل ما يمكن أن يُقدم هو إسناد مسلم لأنه يلتقي به قبل أن نصل إلى المدار.وتَلحظ أنّا تركنا البخاري وتركنا مسلم من أقوى طُرقه ، لأن الإسناد يصل إلى إسناد مسلم قبل أن يصل إلى البخاري ، فإنه لا يصل إلا بالمدار ، لأنهما يرويان عن عبيدالله العُمري.
إذاً ما الذي يُبدأ به ؟
البداءة تكون بالإسناد الذي معك.
بعد الوصول إلى المدار الأولى أن تأخذ الأشهر والأكثر طُرقاً ، ثم إذا وصلت إلى الأشهر بعد أن تأتي بالإسناد الذي معك حتى تصل إلى ملتقى الطرق ، تأتي إلى أشهر من روى عنه ذلك به.(2/5)
مثلاً: مالك أشهر من روى عنه في هذا الإسناد . ثم بعد ذلك تبتدأ بالأعلى إسناداً ، فتقول: رواه مالك في الموطأ كتاب وباب وجزء ... ألخ. ثم بعد ذلك تقول ومن طريق مالك أخرجه البخاري ـ لأن البخاري أقوى من مسلم ـ ثم بعد ذلك تُعرًج على مسلم.
وإن اتفقا فتبدأ بالأقوى أو الأعلى إسناداً ، ثم بعد ذلك إن شئت أن تبدأ بعبدالرزاق لأنه أعلى إسناداً أو بمسلم لأنه أقوى وإن كان نازلاً.
ثم بعد ذلك أبدأ بأقرب إسناد في الإسناد الذي معي. مثال: أبو عوانة أقرب شيء له مسلم من رواية ابن نُمير عن أبيه.
* هناك فرق بين ( من طريق ) و (عن ):
إذا كان بينهما وسائط فأقول (من طريق) ، وإذا كان مباشر فأقول (عن) . مثال: لو أردت رواية الضحاك بن عثمان الأسدي أقول أخرجه مسلم من طريق الضحاك ، لأني تركت راويين قبل الوصول. ولكن إذا قلت مالك في الموطأ وعنه البخاري ، لأن (عن) معناها : أن البخاري يروي مباشرة عن تلميذه.
ثم أقول أربعتهم عن نافع به.
* فوائد من تخريج هذا الحديث:
ما يتعلق بالمتن:
1/ رواية البخاري ومسلم جاءت بلفظ ( صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) ، ماذا تسمى هذه الرواية ؟ تُسمى محفوظة. لمَا ؟ لأن روايةً شاذةً خالفتها ، والذي يُقابل الشاذ هو المحفوظ . عند علماء المصطلح تسمى محفوظة بالرواية إلى الشاذة ، وتسمى معروفة بالرواية إلى المُنكرة.
2/ رواية عبدالرزاق جاءت بلفظ ( خمس وعشرين ) أيهما أقوى هذه الرواية أو رواية البخاري ومسلم المخرّجة من طريق الإمام مالك ـ انظر شجرة الإسناد ـ عبدالله بن يوسف التنّيسي ثقة متقن ثبت إمام ، و عبدالله العُمري ضعيف ، أيهما أقوى ؟ فَلِمَا خالفت والمخرج واحد كلاهما عن مالك عن نافع عن ابن عمر ، فصارت رواية عبدالله العُمري التي أخرجها عبدالرزاق رواية مُنكرة ، لأن المُنكرة رواية الضعيف مخالفاً لمن هو أقوى منه.(2/6)
3/ رواية أبي عوانة في مستخرجه . قال: ( تفضل بخمس وعشرين درجة ) ، راويها ثقة حافظ . الذي انفرد بها هو أبو أسامة حمّاد بن أسامة القرشي مولاهم وهو ثقة حافظ ، والرجال مقبولون ، إذاً روايته شاذة ، لأن الرواية الشاذة هي: رواية المقبول مخالفاً لمن هو أقوى منه.
لماذا حكمنا عليها بالشذوذ ؟ لأنه وإن كان ثقة مقبولاً من رجال الجماعة إلا أنه خالف من هو أقوى منه ، مع اتحاد المخرج ، فهو خالف مالك و، وخالف أيضاً عن عبيدالله وهو ثقة في الصحيح . مما يدل على أن روايته شاذة وإن كان ثقة.
4/ قال ( بضعاً وعشرين ) . خالفت هذه الرواية من حيث اللفظ ، ولم تخالف من حيث المعنى ، لأن البضع ما بين الثلاثة إلى التسعة ، فتصدق على سبع وعشرين ، ولذا أُخرجت في الصحيح.
5/ نافع : هذا يُسمى مدار الحديث . ما المدار ؟ المدار هو الرواي الذي تلتقي فيه الطرق ، والمدار هو المؤثر في الحكم . ولذا لا بد أن يُعرف المدار هل فيه من الثقة والإتقان ما يُقبل به تفرده ، وهل تُوبع أو لا ؟ وهل اختُلف عليه أو لا ؟ وكيف اختلف عليه ؟ رفعاً ووقفاً ووصلاً وإرسالاً . وأيهما أقوى ؟ وما هي المُرجحات ؟ وغيرها .ثم إذا تُوبع ، هل المتابع له معتبر به أو لا ؟وهل هو ثقة أو لا ؟ هذه أمور تأتي عند الحكم على الحديث إن شاء الله .(2/7)
6/ مالك : لو رجعنا إلى الأصول يقول عن عبدالله بن يوسف عن مالك عن نافع عن ابن عمر. مالك ، الضحاك ، عبدالله ، عبيدالله ... وغيرها ، هذا يُسمى في الكتب الأصلية مُهملاً . ما معنى مُهمل ؟ أي لم يُنسب . لم يقل مالك بن أنس الأصبُحي ، ولا قال عبدالله بن عمر بن الخطاب ، فهذا يُسمونه مُهملاً ، والإهمال قد يكون مؤثراً وقد يكون سهلاً ، فإذا كان ليس في طبقته من يُشاركه ، فإنه لا يُؤثر . لكن المُشكلة إذا كان في طبقته من يُشاركه في الاسم ، ويُشاركه في الشيوخ والتلاميذ واختلفا في القوة ، فأحدهما ثقة والآخر ضعيف ، هنا يكون للإهمال وضعه . فنقول متى يكون الإهمال مؤثراً ؟ إذا كان له مُشارك في الطبقة بحيث يتفقان في الرواية عن الشيوخ ويتفقان في الرواية عن التلاميذ ثم اختلفا في الثقة وعدمها ، فهنا يُصبح الأمر شائكاً .
مثال: سفيان بن عُيينة وسفيان الثوري . وحمّاد بن زيد بن درهم وحمّاد بن سلمة بن دينار البصري ، كلهم اشتركوا في الشيوخ واشتركوا في التلاميذ واتحدوا في الاسم . بالنسبة لسفيان بن عُيينة وسفيان الثوري الأمر سهل ، لأن كل واحد منهما فيه من القوة والإمامة ما إذا عددت أحدهما فالأمر يسير. لكن حمّاد بن زيد وحمّاد بن سلمة هنا المشكلة ، فحمّاد بن زيد أقوى من حماد بن سلمة ، ولذا لم يُعرّج البخاري على حمّاد بن سلمة ولم يخرج عنه ، بينما أكثر من رواية حمّاد بن زيد .
ومسلم أخرج للحمّادين معاً . وإن كان عنده تحفّظ على حمّاد بن سلمة ، ولذا أخرج عنه خاصة في ثابت البُناني ، وأخرج عنه يسيراً في غير ثابت البُناني . إذاً هما من حيث القوة مُتساويين أو لا ؟ لا . وإن كان يجمعهم قاسم مشترك وهو القبول المطلق ، لكن حمّاد بن زيد أقوى من حمّاد بن سلمة .(2/8)
ولك أن تتصور عمرو بن دينار البصري إمام و عمرو بن دينار مولى آل الزبير ضعيف . وكلهم يُقال له عمرو بن دينار ، فكيف تعرف عند الإهمال الراوي بعينه ؟ يُعرف المهمل من خلال الطبقة والشيوخ والتلاميذ ، وذلك إما أن يكون أحدهما أعلى طبقة والثاني أنزل ، وهذا الأمر فيه سهل . وإما أن يكون أحد التلاميذ له مزية في أحد المتفقين ، بأن يكون أكثر ملازمة له فإذا أطلَقَ فمن له مزية أراد الراوي الذي له مزية فيه ، فإن كان مُلازماً لسفيان الثوري ، فإنه إذا أطلق فإنه يُريد به الثوري . وإذا كان مُلازماً لسفيان بن عُيينة فإذا أطلق أراده ، وإذا أراد غيره بيّن .
سفيان الثوري أكبر ، فإن كان الراوي من كبار الطبقة عرفنا أنه إذا روى وأطلق فإنه أراد سفيان الثوري ، وإن كان من صغار الطبقة فإنه إن روى وأطلق فالمراد به ابن عُيينة .
ولقد وضّح ثلاثة أئمة في ثلاثة كتب القاعدة عند الاشتراك والاشتباه في الرجل المهمل ، أولهم الذهبي في آخر المجلد السابع من السير ، وكذلك السبكي في المجلّد العاشر من طبقات الشافعية ، وكذلك ابن حجر في مقدمة البخاري هدي الساري ، فقد بيّنوا الضوابط في تعيين المهمل.
7/ يحيى بن يحيى : جاء في صحيح مسلم قال حدثنا يحيى بن يحيى ، وهذا أمر أشد ، هذا يُسمونه مشتركاً ، يعني أن هناك من طبقته من يُوافقه في اسمه واسم أبيه ، ومع ذلك يروي عن مالك . وتزيد المشكلة إذا كان من ليس مُراداً أشهر من المُراد ، فإن صاحب الموطأ المشهور موطأ المشارقة يحيى بن يحيى الليثي وهو يروي عن مالك بل هو أحد رواة موطأ مالك ، ومع هذا فإن يحيى بن يحيى الليثي وإن كان مقبولاً في الجملة قال عنه ابن حجر صدوق ، إلا أنه ليس له رواية في الكتب الستة كلها ، وإنما الرواية عن يحيى بن يحيى التميمي النيسابوري .(2/9)
ولقد وَهِمَ في هذا كثير ، حتى أنه يُقال رواه مالك في الموطأ ومن طريق مالك في الموطأ أخرجه مسلم ، ليس كذلك ذلك يحيى بن يحيى الليثي وليس التميمي .
8/ الحارثي : اقتصر على نسبته مع أنه يُشاركه عدد كبير بالنسبة لهذه النسبة ، لكن بعد معرفة الشيوخ والتلاميذ يتحقق ، ولذلك اسمه محمد بن عبدالحميد الكوفي .
9/ أبو سامة : المراد به حمّاد بن أسامة القرشي مولاهم ، عُرف من خلال التلاميذ والشيوخ .
10/ يقول مسلم حدثنا ابن رافع ، نسبه إلى أبيه . وهو محمد بن رافع النيسابوري.
11/ مسلم يقول : عن ابن نُمير عن أبيه . ابن نُمير ما اسمه ؟ نَسَبَه إلى جده . واسمه محمد بن عبدالله بن نُمير .
12/ قال: محمد بن رافع عن ابن أبي فُديك . نسبه إلى جده . واسمه محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فُديك.
13/ عبدالله بن يوسف .. وغيره ، كُلها جاءت غير منسوبة .
14/ أورده بالعنعنة مع العلم أن من عنعن فهو مُدلّس . ولكن لا يضر لأنه مُدلّس من الطبقة الثانية التي أجمع العلماء على قبول رواياتها رغم تدليسها ، لأنهم أئمة ولقلة ما دلّسوا بالنسبة إلى ما رووا .
15/ أورده بالعنعنة ولا يضره لأنه ليس بمُدلّس أصلاً ، فهي تُساوي السماع .
16/ عبدالله : في مُصنّف عبدالرزاق جاء مُصحّفاً ، فقيل: عبيدالله . وعبدالله ضعيف وعبيدالله ثقة. وقد جاء في مُصنّف عبدالرزاق المجلد الأول صفحة 524 ، حديث رقم 2005 ، مُصحّفاً بعبيدالله . كيف عرفنا ذلك ؟ بالتنصيص عليه ، فقد نصَّ ابن حجر في الفتح (2/155) أن رواية عبدالرزاق هي عن طريق المُكبّر ـ عبدالله _ . ولذا حكم عليها بأنها ضعيفة ومُنكرة .
17/ إسحاق بن إبراهيم الدَبَري . روى عن عبدالرزاق بعدما اختلط عبدالرزاق ، قُبلت رواية إسحاق لأنه لم يأخذ من لفظه وَوَافق غَيره .(2/10)
18/ عبدالله بن يوسف التنّيسي ويحيى بن يحيى التميمي . يرويان عن مالك . ماذا يُسمّى كلاً منهما بالنسبة للأخر ؟ يُسمى مُتابع للأخر متابعة تامة . والمتابعة التامة هي : أن يروي المصنف من أول الإسناد عن شيخين يلتقيان في شيخ آخر .
19/ ابن نُمير تابع أبو أسامة بالرواية عن عبيدالله ، لكنها متابعة قاصرة ، لأن كلاهما يرويان عن شيخ واحد لكن ليس من أوّل الإسناد . كلما تأخرت تُسمّى قاصرة .
20/ هناك متابعة أقصر منها . وهي أن عبيدالله وعبدالله و الضحاك ومالك كلهم تابعوا بعضهم بعضاً بالرواية عن نافع . لماذا أصبحت أقصر منها ؟ لأنها دونها بطبقة . وعلى هذا فقس ، فلو أنَّ أحداً تابع نافع فتكون أقصر .
أما بالنسبة إذا وافقه راوٍ آخر من الصحابة فإنه يُسمّى شاهداً ، إذا جاء مثله أو نحوه أو معناه من طريق صحابي آخر فإنه يُسمّى شاهداً .
والمتابعات من خصائص الإسناد والشواهد من خصائص المتون واختلاف الرواة.
21/ جاءت ( خمسٌ وعشرين ) وهذه جاءت عند عبدالرزاق ملحونة ، أي مُخالفة لقواعد اللغة العربية ، المفترض أن يقول ( خمساً وعشرين ) .
تم بحمد الله وفضله الانتهاء من الجزء الثاني وهو كيف تُخرّج حديثاً
ويليه إن شاء الله الجزء الثالث كيف تحكم على حديثاً.(2/11)