عِلَلُ أَلْفَاظِ حَدِيثِ المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ - رضي الله عنه -
في المَسْحِ
إعداد
د. عادل بن عبد الشكور الزرقي
أستاذ الحديث وعلومه المساعد
بكلية المعلمين بالرياض
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
أما بعد
فإن الله تبارك وتعالى من رحمته وفضله أن بيَّن للناس ما يحتاجون إليه من أمور دينهم أتمَّ البيان ، وأكمله ، فأرسل رسله وأنزل كتبه ، حجة للعالمين .
وكان من الأمور التي بيَّنها الله تعالى لعباده المؤمنين ، أحكام الطهارة ، فذكرها سبحانه في آيات من كتابه ، وفصَّلها رسوله - صلى الله عليه وسلم - في جملة من أحاديثه .
ومن أهم مسائل الطهارة التي بيَّنها - صلى الله عليه وسلم - : المسح على الخفين . وصار من أهميتها أنْ ذكرها العلماء في كتب العقيدة ، رداً على من أنكر ما جاءت به السُّنة من جواز المسح .
فهذا سهل بن عبد الله التستري - رحمه الله - قيل له : متى يعلم الرجل أنه على السنة والجماعة ؟ فذكر أموراً عدة منها ألا يترك المسح على الخفين (1) .
وقال أبو عصمة : « سألت أبا حنيفة : مَن أهل الجماعة ؟ قال : من فضَّل أبا بكر وعمر وأحبَّ علياً وعثمان - رضي الله عنهم - ، وآمن بالقدر خيره وشره من الله ، ومسح على الخفين ، ولم يكفر مؤمناً بذنب ، ولم يتكلم في الله بشيء » (2) .
وقال أبو الحسن الأشعري رحمه الله : « واختلفوا في المسح على الخفين ، فقال : أكثر أهل الإسلام بالمسح على الخفين ، وأنكر المسح على الخفين الروافض والخوارج » (3) .
وقال أيضاً : « ويثبتون المسح على الخفين سنة ويرونه في الحضر والسفر » (4)
__________
(1) أخرجه اللالكائي في السنة (324) .
(2) أخرجه البيهقي في الاعتقاد (ص163) .
(3) مقالات الإسلاميين (2/161) .
(4) المقالات (1/348) .(1/1)
ومن أشهر الأحاديث الثابتة في شأن هذه السُّنة ، حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - ، حيث ذكر فيه بعض ما لم يروه غيره من الصحابة - رضي الله عنه - .
قال عبد الرحمن بن مهدي : « عندي 13 حديثاً عن المغيرة في المسح » (1) .
وقال ابن المديني : « حديث المغيرة بن شعبة في المسح رواه عن المغيرة أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل البصرة » (2) .
وقال أبو نعيم بعد أن سرد 23 تابعياً : « رووا عن المغيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسح على الخفين ، منهم من ساق القصة ، ومنهم من اقتصر على المسح على الخفين والجوربين » (3) .
وقال ابن عبد البر بعد سرد بعض طرقه : « وكلهم يصف ضيق الجبة ويصف إمامة عبد الرحمن بن عوف ، والقصة على وجهها بألفاظ متقاربة ومعنى واحد ، إلا قليل منهم ممن اختصر القصة ، وقصد إلى الحكم في المسح على الخفين وعلى الناصية » (4) .
ولأهمية هذا الحديث ، قمت بجمع طرقه عن المغيرة - رضي الله عنه - من كتب الحديث والسنة - التي ذكر فيها المسح ، فأربى عدد رواته على الأربعين راوياً .
أخرج الشيخان عن ثلاث من رواته فحسب ، وهم :-
1. عروة بن المغيرة (5) .
2. مسروق (6) .
3. الأسود بن هلال (7) .
ولفظ الحديث المشهور الذي رواه الثقات وخرجه أصحاب الكتب السبعة وغيرهم ، يدور على "أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ لِحَاجَتِهِ فَاتَّبَعَهُ الْمُغِيرَةُ بِإِدَاوَةٍ فِيهَا مَاءٌ ، فَصَبَّ عَلَيْهِ حِينَ فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ" .
__________
(1) المعجم للإسماعيلي (2/703) ، ويعني بالحديث الطريق والسند.
(2) الكبرى للبيهقي (1/284) .
(3) معرفة الصحابة (6229) .
(4) التمهيد (11/130) .
(5) البخاري (182و203) ومسلم
(6) البخاري (363) ومسلم (273) .
(7) مسلم (274) .(1/2)
وزاد بعض الرُّواة عن المغيرة القصَّة كاملة ، يقول فيه المغيرة - رضي الله عنه - : « تخلَّف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتخلَّفت معه ، فلما قضى حاجته قال : أمعك ماء ؟ فأتيته بمطهرة فغسل كفَّيه ووجهه ثم ذهب يحسر عن ذراعيه فضاق كمُّ الجبَّة فأخرج يده من تحت الجبَّة وألقى الجبَّة على منكبيه وغسل ذراعيه ومسح بناصيته وعلى العمامة وعلى خفيه ، ثم ركب وركبت فانتهينا إلى القوم وقد قاموا في الصَّلاة يصلِّي بهم عبد الرحمن بن عوف وقد ركع بهم ركعة ، فلما أحسَّ بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ذهب يتأخَّر ، فأومأ إليه ، فصلَّى بهم ، فلما سلَّم قام النَّبي - صلى الله عليه وسلم - وقمت ، فركعنا الرَّكعة التي سبقتنا » .
فزاد فيه أيضاً المسح على العمامة والرأس ، وهي رواية جماعة أيضاً عن المغيرة في الصحيح .
ومن الرواة من ذكر قصة عبد الرحمن بن عوف ولم يذكر المسح فيه (1) .
واقتصرت في هذا البحث على الألفاظ الخارجة عن رواية الجماعة سواء كانت في الصحيحين أم لا .
وفي البدءِ أذكر ترجمة موجزة لراوي الحديث : المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - .
قال ابن سعد عنه : « المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف ، ويكنى أبا عبد الله ، وأول مشاهده الحديبية ، وولاه عمر بن الخطاب البصرة ثم عزله عنها ، وولاه بعد ذلك الكوفة ، فقتل عمر ، وهو على الكوفة ، فعزله عثمان بن عفان عنها ، وولاها سعد بن أبي وقاص ، فلما ولي معاويةُ ولى المغيرةَ بن شعبة الكوفة فمات بها » (2) .
وقال أيضاً : « كان يقال له مغيرة الرأي ، وكان داهية لا يشتجر في صدره أمران إلا وجد في أحدهما مخرجاً » (3) .
__________
(1) كما وقع في رواية عند الدارمي (1451) .
(2) الطبقات الكيرى (6/20) .
(3) الطبقات الكيرى (4/284) .(1/3)
وقال ابن جرير : « كان ضخم القامة عبل الذراعين بعيد ما بين المنكبين أصهب (1) الشعر جعده ، وكان لا يفرقه . أسلم قبل عمرة الحديبية وشهدها وبيعة الرضوان وله فيها ذكر ، وحدَّث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، روى عنه أولاده : عروة وعقار وحمزة ، ومن الصحابة : المسور بن مخرمة ، ومن المخضرمين فمن بعدهم : قيس بن أبي حازم ومسروق وقبيصة بن ذؤيب ونافع بن جبير وبكر بن عبد الله المزني والأسود بن هلال وزياد بن علاقة وآخرون » (2) .
ونقل الخطيب الإجماع على أنه مات بالكوفة سنة خمسين (3) .
وقال ابن حبان : « له سبعون سنة ، وكان من دهاة قريش » (4) اهـ .
روى المغيرة - رضي الله عنه - حديث المسح على الخفين عن رسول - صلى الله عليه وسلم - ، ورواه عنه جماعة ، ولبعضهم ألفاظ وزيادات على البعض .
وهذا بيان لتلك الألفاظ ، وطرقها وتخريجها وبيان عللها ، سالكاً فيه طريق الإيجاز والاختصار مع تمام البيان للمراد ، مجانباً للتطويل والحواشي غير المهمة ، ساكتاً فيه عن حال الرواة الثقات الذين ترجم لهم المزي وابن حجر في التهذيبين .
اللفظة الأولى :-
عن ورَّاد كاتب المغيرة بن شعبة عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسح أعلى الخفِّ وأسفله .
كذا رواه جماعة عن ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة عن ورَّاد به ، منهم :-
1. الوليد بن مسلم - أخرجه أحمد (4/251) والبخاري في الأوسط (980) - تعليقاً - والترمذي (97) وابن ماجة (550) وابن الجارود (84) وأبو داود (167) ، وقال : « بلغني أنه لم يسمع ثور هذا الحديث من رجاء » .
__________
(1) حمرة في سواد - أساس البلاغة (ص260) "صهب" ، والعبل : الضخم من كل شيء - لسان .
(2) الإصابة (6/198) .
(3) تاريخ بغداد (1/191) .
(4) المشاهير (269) .(1/4)
قال الترمذي في جامعه وفي العلل الكبير (1/180) : « هذا حديث معلول » ، ونقل عن البخاري وأبي زرعة قولهما : "ليس بصحيح ، لأنَّ ابن المبارك روى هذا الحديث عن ثور قال : حُدِّثت عن رجاء عن كاتب المغيرة مرسل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يذكر فيه "المغيرة" .
وقال أحمد : « لم يسمع ثور من رجاء » - التمهيد (1/14) والتنقيح (1/194) .
وأعلَّ ابن حجر في التلخيص (219) رواية من صرَّح فيه بالتحديث .
وقال أبو حاتم : « ليس بمحفوظ ، وسائر الأحاديث عن المغيرة أصح » - العلل لابنه (135) .
وكذا وصفه أبو زرعة كما في العلل لابن أبي حاتم (78) والعلل الكبير (1/180) .
وقال أحمد أيضاً : « لا أرى الحديث يثبت » - تاريخ بغداد (2/135) .
وضعَّفه أيضاً ابن القيم في حاشيته على تهذيب السنن (1/284) ، ونقله عن الشافعي أيضاً ، ثم قال : « الأحاديث الصحيحة كلُّها تخالفه » ، فهذا السند ضعيف .
2. عتبة بن السكن - أخرجه تمام في فوائده (1/239) مرسلاً ، بإسقاط المغيرة - رضي الله عنه - .
وعتبة قال عنه الدارقطني : متروك ، وضعفه البزار وابن حبان والبيهقي - اللسان (4/152) ، فالسند ضعيف .
3. محمد بن عيسى بن سُميع - أشار إليه الدارقطني في علله (7/109) ، ومحمد صدوق - التهذيب (3/670) ، ولم أجد من وصله ، وتفرُّد ابنِ سُميع لا يحتمل هنا .
4. عبد الله بن المبارك ، رواه عن ثور لكنه قال : حُدِّثت عن رجاء عن كاتب المغيرة مرسلاً - ذكره البخاري في الأوسط (980) والترمذي في جامعه (97) والدارقطني في علله (7/110) والبيهقي في الكبرى (1/290) والخطيب في تاريخه (2/135) .
وهذا الوجه احتج به البخاري وأبو زرعة على تضعيف رواية الوليد الموصولة كما سبق .
وقال الدارقطني في علله (7/111) : « وحديث رجاء بن حيوة الذي فيه ذكر أعلى الخف وأسفله ، لا يثبت ، لأن ابن المبارك رواه عن ثور بن يزيد مرسلاً » .(1/5)
وحكى أبو بكر الأثرم عن أحمد بن حنبل أنه سئل عن حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح أعلى الخف وأسفله ، فقال : هذا الحديث ذكرته لعبد الرحمن بن مهدي فقال : عن ابن المبارك أنه قال عن ثور : حُدِّثتُ عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة وليس فيه المغيرة ، قال أحمد : وأما الوليد فزاد فيه عن المغيرة وجعله : ثور عن رجاء ولم يسمعه ثور من رجاء لأن ابن المبارك قال فيه عن ثور : حدثت عن رجاء » - التمهيد (1/14) وتاريخ بغداد (2/135) .
قال ابن القيم : « فهذا حديث قد ضعفه الأئمة الكبار البخاري وأبو زرعة والترمذي وأبو داود والشافعي ومن المتأخرين أبو محمد ابن حزم ، وهو الصواب لأن الأحاديث الصحيحة كلها تخالفه » - حاشية تهذيب السنن (1/193) .
اللفظة الثانية :-
قال أحمد في مسنده (4/254) : « ثنا أبو المغيرة ثنا مُعان بن رفاعة حدثني علي بن يزيد عن القاسم أبي عبد الرحمن عن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال : دعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بماء فأتيت خباءً فإذا فيه امرأة أعرابية قال : فقلت : إنَّ هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يريد ماء يتوضأ ، فهل عندك من ماء ؟ قالت : بأبي وأمي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فوالله ما تظلُّ السماء ولا تقلُّ الأرض رُوحا أحبَّ إليَّ من روحه ولا أعزَّ ولكن هذه القربة مسك ميتة ولا أحبُّ أنجس به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته ، فقال : ارجع إليها فإن كانت دبغتها فهي طهورها ، قال : فرجعت إليها فذكرت ذلك لها ، فقالت : أي والله ، لقد دبغتها ، فأتيته بماء منها وعليه يومئذ جبة شامية وعليه خفان وخمار ، قال : فأدخل يديه من تحت الجبة - قال : من ضيق كميها - قال : فتوضأ فمسح على الخمار والخفين » .(1/6)
وهذا اللفظ بطوله منكر ، مخالف لكلِّ الروايات عن المغيرة - رضي الله عنه - .
فعلي بن زيد هو الألهاني ضعيف - التقريب (4817) .
ومُعان مختلف فيه ، فقد ضعفه ابن معين وأبو حاتم وابن حبان وابن عدي والجوزجاني ويعقوب والأزدي ، وقال عنه أحمد وأبو داود ومحمد بن عوف : لا بأس به ، ووثقه ابن المديني ودحيم - التهذيب (4/104) .
فالرجل إلى الضعف أقرب لكثرة من قال بذلك .
اللفظة الثالثة :-
زيادة : "هكذا أمرني ربي - عز وجل - " ، وجاءت من طريقين :-
أ- الطريق الأولى :-
روى جماعة عن بكير بن عمر البجلي عن عبد الرحمن بن أبي نُعم عن المغيرة بن شعبة : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسح على الخفين ، فقلت : يارسول الله ! نسيت ؟ قال : بل أنت نسيت ، بهذا أمرني ربي - عز وجل - أخرجه أحمد (4/246و253) وأبو داود (157) والعقيلي (1/153) وابن عدي (2/202و203) والحاكم في المستدرك (1/170) - وصححه - وأبو نعيم في الحلية (7/335) والخطيب في جامعه (1147) .
وهذا اللفظ شاذ من هذا الوجه فبكير ضعيف - التقريب (759) .
وقد خالف الجماعة عن بكير راوٍ آخر هو : مندل ، حيث قال عن بكير عن الشعبي عن عروة عن المغيرة بالزيادة - أخرجه الطبراني في الكبير (20/374) ، ومندل ضعيف - التقريب (6931) ، وقد اضطرب فرواه مرةً أخرى كرواية الجماعة عند الطبراني (20/417) .
ب- الطريق الثانية :-
قال ابن عدي في الكامل (6/196) : حدثنا الحسن بن الحباب المقري قال ثنا الربيع بن ثعلب قال ثنا عمرو بن جميع الحلواني عن الأعمش عن أبي ظبيان عن المغيرة بن شعبة قال : « توضأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمسح ، فقلت : نسيت يا رسول الله ؟ فقال : بل أنت نسيت ، هكذا أمرني ربي - عز وجل - » .
وهذا سند واهٍ ، فعمرو بن جميع : متروك - اللسان (4/411) .(1/7)
وقد خالفه في إسناده ومتنه جماعة ، رووه عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن المغيرة - رضي الله عنه - ، ولم يذكروا فيه " أمرني ربي " - أخرجه البخاري (363و388و2918و5798) ومسلم (273) .
فذكر النسيان لا يصح أصلاً ، وقوله : "أمرني ربي" لا تثبت في هذا الحديث ، وإن كان معناه صحيحاً .
اللفظة الرابعة :-
ذكر التوقيت ، وجاءت من طريقين :-
أ الطريق الأولى :-
رواه عمر بن رُدَيح عن عطاء بن أبي ميمونة عن أبي بردة عن المغيرة قال : « آخر غزاة غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا أن نمسح على خفافنا للمسافر : ثلاثة أيام ولياليهن ، وللمقيم : يوم وليلة ، ما لم يخلع » - أخرجه الطبراني في الكبير (20/418) والبيهقي (1/290) .
وقوله : " مالم يخلع " منكر ، لم يأت له شاهد بخلاف أوله ، فله شواهد صحيحة عن غير المغيرة - رضي الله عنه - .
وعمر مختلف فيه .
فقال ابن معين : صالح الحديث ، وذكره ابن شاهين في الثقات وقال ابن حبان : مستقيم الحديث ، بينما ضعفه أبو حاتم ، وقال عنه ابن عدي : يخالف الثقات في بعض ما يرويه -اللسان (4/306) .
وقال البيهقي عقبه : « تفرد به عمر بن رُدَيح وليس بالقوي » .
فذكر التوقيت عن المغيرة - رضي الله عنه - شاذ ، لعدم ذكره في بقية الروايات عنه .
ب الطريق الثانية :-
قال أسلم في تاريخ واسط (ص242) : حدثنا الحسين بن المبارك قال : ثنا عبد الله بن رجاء عن عمر بن أبي زائدة عن ابن أبي السفر عن الشعبي عن عقَّار بن المغيرة عن أبيه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسح على الخفين : « للمقيم يوم وليلة وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن » .
وهذا اللفظ بهذا السند شاذ أيضاً ، فقد روى مسلم في صحيحه (274) الحديث عن إسحاق بن منصور عن عمر ... به ، بدون ذكر التوقيت بل فيه : أنه وضَّأ النبي - صلى الله عليه وسلم - فتوضأ ومسح على خفيه فقال : إني أدخلتهما طاهرتين .(1/8)
وأخرجه أيضاً الطبراني في الأوسط (4/27) قال : حدثنا حفص بن عمر قال : حدثنا عبد الله بن رجاء ... به مطولاً ، وليس فيه ذكر التوقيت ، لكنه ثبت في أحاديث متواترة عن غير المغيرة - رضي الله عنه - .
اللفظة الخامسة :-
زيادة " ثم لم أمش حافيا بعد " .
قال أحمد في مسنده (4/246) ثنا عبدة بن سليمان أبو محمد الكلابي ثنا مجالد عن الشعبي عن المغيرة بن شعبة قال : وضَّأت النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر فغسل وجهه وذراعيه ومسح برأسه ومسح على خفيه ، فقلت : يا رسول الله ! ألا أنزع خفيك ؟ قال : لا إني أدخلتهما وهما طاهرتان ، ثم لم أمش حافيا بعد . ثم صلى صلاة الصبح ».
وهذه الزيادة لا تصح ، لأن مجالداً خالف كلَّ من روى الحديث عن الشعبي في السند والمتن ، منهم :-
أ. زكريا - أخرجه البخاري (206) ومسلم (274) .
ب. عمر بن أبي زائدة - أخرجه مسلم (274) .
ج. عبد الله بن عون - أخرجه النسائي (82) .
د. يونس - أخرجه أبو داود (151) .
كلهم رووه عن الشعبي عن عروة عن أبيه المغيرة ، فزادوا في السند لا المتن .
ومجالد ضعيف الحديث - التهذيب (4/24) ، فهذه اللفظة لا تصح .
اللفظة السادسة :-
زيادة "الجوربين والنعلين" ، وجاءت من طريقين :-
1- الطريق الأولى :-
قال الإسماعيلي في معجمه (2/703) حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن الحسن بن مرداس الواسطي أبو بكر - من حفظه إملاء - قال : سمعت أحمد بن سنان يقول : سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول : عندي عن المغيرة بن شعبة ثلاثة عشر حديثاً في المسح على الخفين ، فقال أحمد الدورقي : حدثنا يزيد بن هارون عن داود بن أبي هند عن أبي العالية عن فضالة بن عمرو الزهراني عن المغيرة بن شعبة "أنَّ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ ومسح على الجوربين والنعلين" . قال : فلم يكن عنده فاغتمَّ » .(1/9)
وهذا سند حسن رجاله ثقات عدا فضالة ، حيث سكت عنه البخاري في الكبير (7/124) وقال : فضالة بن عمير الزهراني ، وقيل ابن عبيد .
وكذا قال ابن أبي حاتم في الجرح (7/77) ، وزاد : بصري .
وذكره ابن حبان في الثقات (5/296) ، وقال العجلي : « بصري تابعي ثقة » - الثقات (1478) .
لكن اللفظة معلة بأمور منها :-
أ. المخالفة لبقية من رواه عن المغيرة - رضي الله عنه - بدونها .
ب. أنَّ الطبراني في الكبير (20/425) روى الحديث ، فذكر الرأس والخفين ، ولم يذكر الجوربين .
ج. أنَّ الحديث جاء في المذاكرة بين المحدِّثين ، وقد قال ابن حبان : « ولقد كنا نجالسهم - أي حفاظ الحديث - برهة من دهرنا على المذاكرة ، ولا أراهم يذكرون من متن الخبر إلا كلمة واحدة يشيرون إليها » - شرح العلل لابن رجب (1/151) .
د. أن مخرج الحديث الإسماعيلي متأخر توفي سنة 371هـ ، فأين السابقون من سلف الأمة عن هذا الحديث - لو صح - ؟
وما كان هذا حاله فلا سبيل للاحتجاج به .
2- الطريق الثانية :-
رواها أبو قيس عن هزيل بن شرحبيل عن المغيرة - رضي الله عنه - أخرجه أحمد (4/252) والترمذي (99) - وصححه - وأبو داود (160) وابن ماجة (559) والنسائي في الكبرى (130) وابن حبان (1338-إحسان) وابن خزيمة (198) وغيرهم من طرق عن الثوري عن أبي قيس به بلفظ : « توضَّأ النبي - صلى الله عليه وسلم - ومسح على الجوربين والنعلين » .
وهذا سند علته في أبي قيس عبد الرحمن بن ثروان الأودي .
قال عنه أبو حاتم : ليس بقوي ، ليس بحافظ ، قليل الحديث . وحرَّك أحمد يده في أمره عندما سئل عنه وقال : هو كذا وكذا ، وذكره العقيلي في الضعفاء بسبب حديثه هذا ، ووثقه ابن نمير وابن حبان والدارقطني - التهذيب (2/495) .
وهذا اللفظ من هذا الطريق شاذ أيضاً لمخالفته كلَّ الطرق الصحيحة عن المغيرة - رضي الله عنه - .(1/10)
قال عبد الرحمن بن مهدي : « قلت لسفيان الثوري : لو حدثتني بحديث أبي قيس عن هزيل ما قبلته منك ، فقال سفيان : الحديث ضعيف ، أو واه ، أو كلمة نحوها » .
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل : « حدثت أبي بهذا الحديث ، فقال أبي : ليس يروي هذا إلا من حديث أبي قيس . قال أبي : إنَّ عبد الرحمن بن مهدي أبَى أنْ يحدِّث به يقول : هو منكر » .
وقال علي بن المديني : « حديث المغيرة بن شعبة في المسح رواه عن المغيرة أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل البصرة ، ورواه هزيل بن شرحبيل عن المغيرة إلا أنه قال : ومسح على الجوربين وخالف الناس » .
وقال مسلم : « أبو قيس الأودي وهزيل بن شرحبيل لا يحتملان هذا ، مع مخالفتهما الأجلة ، الذين رووا هذا الخير عن المغيرة ، فقال : مسح على الخفين » - الكبرى للبيهقي (1/284) .
وقال أيضاً : « والحمل فيه على أبي قيس أشبه ، وبه أولى منه بهذيل لأنَّ أبا قيس قد استنكر أهل العلم من روايته أخباراً غير هذا الخبر ... » - التمييز (ص203) .
ونقل البخاري عن القطان استنكاره لهذا الحديث - التاريخ الكبير (3/137).
قال أبو داود : « كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث ، لأن المعروف عن المغيرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح على الخفين » - السنن (160) .
وقال النسائي : « ما نعلم أن أحداً تابع أبا قيس على هذه الرواية ، والصحيح عن المغيرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح على الخفين » - السنن الكبرى (2/9) .
وقال العقيلي عقبه : « الرواية في الجوربين فيها لين » - الضعفاء (2/327) .
وقال الدارقطني : « لم يروه غير أبي قيس ، وهو مما يغمز عليه به ، لأن المحفوظ عن المغيرة المسح على الخفين » - العلل (7/112) .(1/11)
وعن حكم المسح على الجوربين قال ابن المنذر : روى المسح على الجوربين عن تسعة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - : علي وعمار وأبي مسعود الأنصاري وأنس وابن عمر والبراء وبلال وعبد الله بن أبي أوفى وسهل بن سعد وزاد أبو داود وأبو أمامه وعمرو بن حريث وعمر وابن عباس - رضي الله عنهم - » .
قال ابن القيم عقبه : « فهؤلاء ثلاثة عشر صحابياً ، والعمدة في الجواز على هؤلاء - رضي الله عنهم - لا على حديث أبي قيس » - حاشية تهذيب السنن (1/187) .
اللفظة السابعة :-
رواها أبو عامر الخزاز عن الحسن عن المغيرة بن شعبة قال : « رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بال ثم جاء حتى توضأ ومسح على خفيه ووضع يده اليمنى على خفه الأيمن ويده اليسرى على خفه الأيسر ثم مسح أعلاهما مسحة واحدة ، حتى كأني أنظر إلى أصابع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الخفين » .
أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه (1/170) وفي مسنده (111- المطالب) والبيهقي في الكبرى (1/292) .
وهذا سند لا يصح لأمور منها :-
أ. أن الحسن لم يسمع من المغيرة أصلاً .
قال الحربي في علله : « أحسب لو كان الحسن معه في بلد سمع منه » - الإكمال لمغلطاي (4/86) .
وقال الدارقطني بعد هذا الحديث : « لم يسمع الحسن هذا من المغيرة » - العلل (7/106) .
وقال الذهبي : « لم يسمع من المغيرة » - السير (1/80) .
ب. أنَّ أبا عامر صالح الخزاز قال فيه ابن حجر عقب حديثه هذا : « صالح بن رستم فيه ضعف ، والحسن لم يسمع - عندي - من المغيرة » - المطالب (111) .
ج. أن قتادة - وهو أثبت أصحاب الحسن ، رواه عنه بدون ذكر المسح أصلاً ، بل بذكر أصل القصة - أخرجه عنه أبو داود في سننه (153).
وهذه الرواية تفردت بذكر تفصيل كيفية مسحه - صلى الله عليه وسلم - . أما قوله "مسحة واحدة" فصحيحة المعنى ، حيث لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تكرار المسح على الخفين ، والأصل عدمه .
اللفظة الثامنة :-(1/12)
قال الطيالسي في مسنده (727) حدثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن عروة بن المغيرة عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح ظاهر خفيه » .
وهذا سند علته أنَّ الطيالسي جعل عروة فيه ابن المغيرة ، فخالف بذلك جماعة رووه عن ابن أبي الزناد ، فسموه : ابن الزبير ، منهم :-
1. سليمان الهاشمي - أخرجه ابن الجارود (85) والدارقطني (1/195) .
2. إبراهيم بن أبي العباس - أخرجه أحمد (4/246و254) .
3. علي بن حُجر - أخرجه الترمذي (98) .
4. محمد بن الصباح - أخرجه البخاري في تاريخه الأوسط (981) وأبو داود (162) .
5. سعيد بن منصور - أخرجه ابن المنذر في الأوسط (1/454) .
فالصواب ما رواه الجماعة ، ويظهر أنَّ الوهم في هذا الحديث سنداً ومتناً من عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه .
ففي قوله "عروة بن الزبير" ، قد خالف كلَّ من روى الحديث عن عروة عن المغيرة - رضي الله عنه - ، حيث جعلوا عروة فيه ابناً للمغيرة لا لابن الزبير .
وعبد الرحمن بن أبي الزناد ضعَّفه ابن مهدي وأحمد - في رواية - وابن المديني والنسائي وابن معين والسَّاجي ، وخالفهم الترمذي والعجلي - التهذيب (2/504) .
وقوله " ظاهر خفيه " لم ترد في بقية الطرق الصحيحة ، فهي لا تثبت من حديث المغيرة - رضي الله عنه - ، أما المعنى فهي فصحيحة بلا ريب ، يشهد لها ما رواه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال : « رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح على ظاهر خفيه » - أخرجه أبو داود (163) .
تم بحمد الله .
والله أعلم ، وصلِّ اللهم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلِّم .(1/13)