مخطوطات المدينة المنورة
شد الأثواب في سد الأبواب
د. مصطفى عمار منلا
باحث ورئيس قسم المخطوطات والوثائق
بمركز بحوث ودراسات المدينة المنورة
المؤلف : اسمه ونسبه :
هو عبد الرحمن بن الكمال أبي بكر بن محمد بن سابق الدين بن الفخر عثمان بن ناظر الدين محمد بن سيف الدين خضر بن نجم الدين أبي الصلاح أيوب بن ناصر الدين محمد ابن الشيخ همام الدين الخضيري الأسيوطي(1) .
مولده ونشأته :
ولد في مدينة القاهرة مستهل رجب سنة 849هـ ، ونشأ يتيماً، فقد مات والده سنة 855هـ، وعمره ست سنوات(2) . وجعل الشيخ كمال الدين ابن الهمام وصيّا عليه فلحظه بنظره ورعايته(3).
حفظ القرآن الكريم قبل أن يبلغ الثامنة من عمره ، ثم حفظ العمدة في الحديث ، والمنهاج في فقه الشافعية ، والمنهاج في أصول الفقه ، وألفية ابن مالك . ثم شرع في أوائل سنة 864هـ في الاشتغال بطلب العلم وتلقيه من علماء عصره ، ثم رحل في طلب العلم ، فكانت رحلته الأولى إلى الحجاز في ربيع الآخر سنة 869هـ(4) ، وقد جمع فوائد هذه الرحلة في كتابه : النحلة الذكية في الفوائد المكية(5).
__________
(1) هكذا ترجم السيوطي لنفسه في حسن المحاضرة 1/335 . و ترجم لنفسه أيضاً في كتابيه : طبقات النحاة، والتحدث بنعمة الله. ولعل ترجمته في التحدث بنعمة الله من أهم تراجمه لأنها في أواخر حياته ، وهو مطبوع بتحقيق : اليزابث ماري سارتينا ، المطبعة العربية الحديثة ، د.ت .
كما ترجم له اثنان من تلاميذه هما: عبد القادر بن محمد الشاذلي ت 935 في كتاب سماه بهجة العابدين بترجمة حافظ العصر جلال الدين طبع في مجمع اللغة العربية بدمشق بتحقيق د. عبد الإله نبهان . والثاني : محمد بن علي الداوودي ت 945 .
(2) حسن المحاضرة 1/335.
(3) النور السافر للعيدروس 51 .
(4) التحدث بنعمة الله ص: 08.
(5) التحدث بنعمة الله ص: 79.(1/1)
أما الرحلة الثانية فهي الرحلة المصرية ، وكانت في رجب سنة 870هـ وفيها توجه إلى دمياط والإسكندرية وأعمالهما ، وجمع فوائدها في كتابه: الاغتباط في الرحلة إلى الإسكندرية ودمياط(1) .
وأفتى من مستهل سنة 871 ، وعقد إملاء الحديث من مستهل سنة 872هـ(2) .
شيوخه :
أكثر السيوطي الأخذ من الشيوخ ، وقد جمع أسماءهم في معجم(3) فقال: وأما مشايخي في الرواية سماعًا وإجازة فكثير؛ أوردتهم في المعجم الذي جمعتهم فيه ، وعدّتهم نحو مئة وخمسين؛ ولم أكثر سماع الرواية لاشتغالي بما هو أهم وهو قراءة الدراية(4) .
وأبرز هؤلاء الشيوخ هم : شهاب الدين الشارمساحي ، شيخ الإسلام علم الدين البلقيني ، وولده ، شيخ الإسلام شرف الدين المناوي ، الإمام العلامة تقي الدين الشبلي ، العلامة محيي الدين الكافيجي، الشيخ سيف الدين الحنفي(5) .
علومه :
نبغ رحمه الله في سبعة علوم ذكرها في ترجمته ، هي: التفسير، والحديث ، والفقه ، والنحو ، والمعاني، والبيان ، والبديع .
ثم قال هو: ودون هذه السبعة في المعرفة : أصول الفقه والجدل والتصريف ، ودونها الإنشاء والترسّل والفرائض ، ودونها القراءات ولم آخذها عن شيخ ، ودونها الطب. وأما علم الحساب فهو أعسر شيء علي وأبعده عن ذهني، وإذا نظرت في مسألة تتعلق به فكأنما أحاول جبلاً أحمله، وقد كنت في مبادئ الطلب قرأت شيئاً في علم المنطق ، ثم ألقى الله كراهته في قلبي ، وسمعت أن ابن الصلاح أفتى بتحريمه فتركته لذلك، فعوضني الله عنه علم الحديث.
__________
(1) المصدر السابق ص: 83.
(2) حسن المحاضرة 1/336.
(3) المعجم الكبير ، طبع سنة 1423هـ.
(4) حسن المحاضرة 1/337، وانظر: التحدث بنعمة الله ص: 70.
(5) بين في حسن المحاضرة 1/336-338 ، وغيرها ، المدة التي لازم فيها كل واحد من هؤلاء الشيوخ ، وذكر مسموعاته منهم على وجه التفصيل ، منوهاً بحسن رعايتهم له ، ودورهم البارز في نشأته العلمية .(1/2)
والذي أعتقده أن الذي وصلت إليه من هذه العلوم السبعة سوى الفقه والنقول التي اطلعت عليها فيها ،لم يصل إليه ولا وقف عليه أحد من أشياخي فضلا عمن هو دونهم ، وأما الفقه فلا أقول ذلك ؛ بل شيخي فيه أوسع نظرًا وأطول باعًا(1).
مصنفاته :
شرع في التصنيف سنة 866هـ ، وأول مؤلف له : رسالة في شرح الاستعاذة والبسملة ، عرضها حينذاك على شيخه شيخ الإسلام علم الدين البُلْقِينيّ ، فاستحسنها وكتب عليها تقريظاً(2) .
يقول ابن العماد: وقد اشتهرت أكثر مصنفاته في حياته في أقطار الأرض شرقًا وغربًا، وكان آية كبرى في سرعة التأليف حتى قال تلميذه الداوودي : عاينت الشيخ وقد كتب في يوم واحد ثلاثة كراريس تأليفاً وتحريراً، وكان يملي مع ذلك الحديث ، ويجيب عن المتعارض منه بأجوبة حسنة، وكان أعلم أهل زمانه بعلم الحديث وفنونه ؛ رجالاً وغريباً ومتناً وسندًا ، واستنباطًا للأحكام منه ، وأخبر عن نفسه أنه يحفظ مئتي ألف حديث ، قال: ولو وجدت أكثر لحفظته، قال: ولعله لا يوجد على وجه الأرض الآن أكثر من ذلك(3) .
وقد كثرت مصنفاته وتنوعت موضوعاتها ، فبلغ عددها حين صنف حسن المحاضرة (300) كتاب(4) ، وبعد عدة سنين بلغ عددها 530 كتاباً ذكرها في كتابه التحدث بنعمة الله(5) .
وأشمل بحثين تحدثا عن مصنفات السيوطي هما :
1 - كتاب : دليل مخطوطات السيوطي وأماكن وجودها(6) ، ذكر فيه الباحثان (981) عنواناً .
2 - كتاب : الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي معلمة العلوم الإسلامية(7) ، ذكر فيه مؤلفه 1194 عنواناً ، وميز فيها بين المخطوط والمطبوع والمفقود .
__________
(1) حسن المحاضرة 1/290 .
(2) حسن المحاضرة 1/336 .
(3) شذرات الذهب 8/51 .
(4) ذكر عناوينها مرتبة على الفنون في حسن المحاضرة 1/338 .
(5) ص : 105-136 .
(6) إعداد : محمد الشيباني ، وأحمد الخازندار ، نشر في مكتبة ابن تيمية ، الكويت ، 1983.
(7) إعداد : إياد خالد الطباع .(1/3)
وقد تجاوز عدد المطبوع من مؤلفات السيوطي المئتين وخمسين عنواناً(1) .
وفاته :
توفي رحمه الله بعد مرض دام سبعة أيام رافقه ورم شديد في ذراعه الأيسر ، توفي على إثره سحر ليلة الجمعة ، تاسع جمادى الأولى سنة 911 هـ بمنزله ، وقد استكمل من العمر إحدى وستين سنة ، وعشرة أشهر ، وثمانية عشر يومًا ، ودفن في حوش قوصون(2)(3)
__________
(1) انظر :
1- فهرس مؤلفات السيوطي المطبوعة ، إعداد : عبد الإله نبهان ، ذكر فيه 250 عنواناً . نشر في عالم الكتب مجلد 12 عدد 1.
2- مناقشات وتعقيبات على فهرس مؤلفات السيوطي المطبوعة ، إعداد : محمد خير رمضان يوسف ، نشر في عالم الكتب مجلد 12 عدد 3.
3- المستدرك الثاني على فهرس المؤلفات السيوطي المطبوعة ، إعداد الدكتور : بديع السيد اللحام ، نشر في مجلة عالم الكتب .
(2) انظر: الكواكب السائرة 1/226، شذرات الذهب 8/51، الضوء اللامع 4/65، بدائع الزهور 4/78.
(3) اعتنى عدد كبير من الباحثين بدراسة جهود السيوطي وأثره في مختلف العلوم ، ومن أهم هذه الدراسات :
- السيوطي وجهوده في التفسير وعلوم القرآن ، رسالة دكتوراه ، إعداد : عبد الفتاح الفرنواتي ، الأزهر ، 1394هـ .
- السيوطي وجهوده في علوم القرآن ، رسالة دكتوراه ، إعداد: محمد الشربجي ، الزيتونة ، 1412هـ.
- جلال الدين السيوطي وجهوده في الحديث وعلومه ، رسالة دكتوراه ، إعداد: عبد الحكيم عتلم ، الأزهر.
- السيوطي ومنهجه في الكتابة التاريخية ، د.محمد عبد الوهاب الفضل ، القاهرة ، 1411هـ.
- السيوطي وجهوده في الدراسات اللغوية ، رسالة ماجستير ، إعداد : محمد يعقوب تركستاني ، جامعة أم القرى، مكة المكرمة ، 1397هـ.
- جلال الدين السيوطي مسيرته العلمية ومباحثه اللغوية، د. مصطفى الشكعة، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، 1401هـ.
- جلال الدين السيوطي وأثره في الدراسات اللغوية، د. عبد العال سالم مكرم، مؤسسة الرسالة، بيروت ، 1409هـ .
- السيوطي : منهجه وآراؤه الكلامية، د. محمد جلال أبو الفتوح، دار النهضة، بيروت، 1983م.(1/4)
الكتاب: شد الأثواب في سد الأبواب :
تحدث المؤلف عن سبب تأليف الكتاب وموضوعه ، وبين أنه في ليلة الثالث عشر من رمضان عام 886 هـ نزلت صاعقة من السماء ، فأحرقت المسجد النبوي بأسره ، فأرسل ملك مصر الأشرف قايتباي عام 887هـ الصناع والآلات وعليهم الخواجا شمس الدين ابن الزمن فهدم الحائط ، وأراد أن يبني بجوار المسجد مدرسة باسم السلطان ، ويجعل الحائط مشتركاً بين المسجد والمدرسة ويفتح فيه باباً يدخل منه إلى المسجد وشبابيك مطلة عليه ، فمنعه جماعة من أهل المدينة، فأرسل يطلب مرسوماً من السلطان بذلك، فبلغه منع أهل المدينة ، فقال: استفتوا العلماء، فأفتاه القضاة الأربعة وجماعة بالجواز ، وامتنع آخرون من ذلك. قال المؤلف : وجاءني المستفتي يوم الأحد رابع عشر من رجب عام 887هـ، فجمعت الأحاديث المروية في هذه المسالة، وأرسلتها لقاضي القضاة الشافعي، فذكر أنه يرى اختصاصها بالجدار النبوي وقد أزيل، وهذا الجدار ملك السلطان يفتح فيه ما شاء ، ولا يصير وقفاً إلا بوقفه ، فذكرت الجواب عن ذلك من تسعة وعشرين وجهاً ، وألحقتها بالأحاديث مع ما ذكر معها وأفردتها تأليفاً.
وصف النسخة الخطية :
اعتمدت في تحقيق الرسالة على نسختين :
النسخة الأولى :
نسخة خطية ، محفوظة في مكتبة الحرم النبوي الشريف ، ولها فيلم برقم: 31 (مجموع) من مجموعة مخطوطات محمد العزيز الوزير المتوفى سنة 1338هـ.
أوراقها : (83ب- 87ب) = 9ص .
مسطرتها : 29 سطراً.
نسخة جيدة ، مكتوبة بخط نسخي حسن ، بقلم عثمان بن يحيى الميري، في القرن الثاني عشر الهجري تقديراً، مصححة، ضبطت بعض كلماتها بالشكل ، كتبت رؤوس الفصول والمطالب بخط كبير.
في أول المجموع عدة تملكات :
تملك باسم الناسخ ، وعليه ختمه .
تملك لمحمد صالح الأشرقي ابن الشيخ أحمد في سنة 1318هـ .
تملك لمصطفى بن محمد سعيد آغا بن كوجك علي آغا .(1/5)
تملك ووقف مؤبد من محمد العزيز الوزير ومقره بالمدينة المنورة ، حسب الحجة المؤرخة بغرة رجب، سنة 1320هـ.
واعتبرت هذه النسخة هي الأصل .
صورة الصفحة الأولى من نسخة الأصل
النسخة الثانية :
محفوظة في الخزانة الهاشمية ؛ وهي مكتبة خاصة في المدينة المنورة(1) .
أوراقها: 8ق=16ص .
مسطرتها: 23 سطراً.
نسخة جيدة ، مكتوبة بخط نسخي حسن ، في المدينة المنورة ، بقلم مالكها السيد جعفر بن حسين بن يحيى هاشم الحسيني ، يوم الثلاثاء 6 جمادى الثاني/ 1315هـ ، مصححة ، مقابلة ، كتبت رؤوس الفصول والمطالب بخط كبير .
في آخرها ختم وقف مكتبة آل هاشم .
ورمزت لهذه النسخة بنسخة ب.
( صورة اللوحة الأخيرة من نسخة (ب)
بسم الله الرحمن الرحيم
{ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُم فِتْنَةٌ أَو يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } (2)
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى .
84/أ
__________
(1) أصدر مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة ، في شهر شعبان 1424هـ، دراسةً عن الخزانة الهاشمية ، ومخطوطاتها في كتاب: الخزانة الهاشمية الخاصة في المدينة المنورة ، فهرس تحليلي.
(2) النور : 63 .(1/6)
روى البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : خَطَبَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الناسَ وقال : (( إِنَّ اللهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَينَ الدُّنْيَا وَبَينَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَار ذَلِكَ العَبْدُ مَا عِنْدَ اللهِ )) . فَبَكَى أبو بكر ، فَعَجِبْنَا لِبُكَائِهِ ؛ أن يُخْبِرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عن عَبْدٍ خُيِّرَ ، فكان رَسُولُ الله صلى الله عليه / وسلم هو المخيَّرَ ، وكان أبو بكر أَعْلَمَنَا ، فقال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ(1) فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ(2) ، فَلَو كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً(3)
__________
(1) أي : أسمح بماله وأجود بذات يده . والمن : العطاء ، وقد يكون بمعنى الاعتداد بالصنعة وذلك مذموم ، وليس هذا معنى الحديث ؛ إذ لا منة لأحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل له المنة على الأمة .
قاله البغوي . انظر : صحيح ابن حبان 15/277 .
(2) قال الحافظ ابن حجر في الفتح : بالنصب للأكثر ( أبا بكر ) ، ولبعضهم ( أبو بكر ) بالرفع .
(3) اختلف في المودة والخلة والمحبة والصداقة ، هل هي مترادفة أو مختلفة . قال أهل اللغة : الخلة أرفع رتبة ، وهو الذي يشعر به هذا الحديث . انظر : الفتح 7/23 .
والخليل : هو الذي يوافقك في خلالك ويسايرك في طريقك ، أو الذي يسد خللك وتسد خلله ، أو يداخلك في منزلك . الفائق (خلل) .
وأضاف الحافظ في الفتح 7/23 : من يتخلله سرك ، وقيل : من لا يسع قلبه غيرك . وقيل : اشتقاق الخليل من الخلة ، بفتح الخاء ، وهي الحاجة . أما خلة الله للعبد فبمعنى نصره ومعاونته . اهـ .(1/7)
غَيرَ رَبِّي لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ وَمَوَدَّتُهُ ، لاَ يَبْقَيَنَّ فِي المَسْجِدِ بَابٌ إِلاَّ سُدَّ إِلاَ بَابَ أَبِي بَكْرٍ(1) .
وفي لفظ : (( لاَ يَبْقَيَنَّ فِي المَسْجِدِ خَوخَةٌ(2) إِلاَّ سُدَّتْ إِلاَّ خَوخَةَ أَبِي بَكْرٍ )) . أخرجه ابن عساكر .
وفي لفظ : (( ثُمَّ هَبَطَ عَنِ المِنْبَرِ ، فَمَا رُئِيَ عَلَيهِ حَتَّى السَّاعَة )) . أخرجه أحمد والدارمي(3) .
هذا حديث متواتر كما سأشير إلى طرقه .
قال النووي في شرح مُسلم : فيه خصيصة بأبي بكر رضي الله عنه(4) .
وقال ابن شاهين في السُّنَّة : تَفَرَّدَ أبو بكر رضي الله عنه بهذه الفَضيلة .
__________
(1) رواه البخاري ، في المناقب ، رقم :3904 ، واللفظ له . ومسلم ، في فضائل الصحابة ، رقم : 2382 . والترمذي ، في المناقب ، رقم : 3360 . والنسائي ، في فضائل الصحابة ، رقم : 2 ، مختصرًا .
(2) الخوخة : طاقة في الجدار تفتح لأجل الضوء ، ولا يشترط علوها ، وحيث تكون سفلى يمكن الاستطراق منها لاستقراب الوصول إلى مكان مطلوب ، وهو المقصود هنا ، ولهذا أطلق عليها باب . وقيل : لا يطلق عليها باب إلا إذا كانت تغلق . فتح الباري ، حديث رقم : 3904 .
(3) أخرجه أحمد : 11431 . والدارمي 1/29 ، رقم : 77 .
(4) لفظ النووي : فيه فضيلة وخصيصة ظاهرة لأبي بكر . شرح مسلم 8/151-152 ، حديث رقم : 2382 .(1/8)
وللأمر بِسَدِّ الأبوابِ في المسجد النبوي طرقٌ كثيرة ، تبلغ درجة التواتر ؛ فأخرج البخاري والنسائي عن ابن عَبَّاس قال : خَرَجَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في مَرَضِهِ الذي مَاتَ فيه عَاصِبًا رَأسَه في خِرْقَة ، فَقَعَدَ على المِنْبَرِ ، فَحَمِدَ الله وأثنَى عليه وقال : (( إِنَّهُ لَيسَ أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَيَّ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ غَيرَ أَبِي بَكْرٍ ، وَلَو كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً مِنَ النَّاسِ لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً ، وَلَكِنْ خُلَّةُ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ ، سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوخَةٍ فِي هَذَا المَسْجِدِ إِلاَّ(1) خَوخَةَ أَبِي بَكْرٍ(2) .
__________
(1) هكذا في رواية الكشميهني ، وللأكثر بلفظ : غير . انظر : الفتح ، كتاب الصلاة ، باب الخوخة والممر في المسجد ، رقم : 467 .
(2) رواه البخاري ، في الصلاة ، باب الخوخة والممر في المسجد ، رقم : 467 . والنسائي ، في فضائل الصحابة ، رقم : 1 . وأحمد رقم : 2306 (مسند بني هاشم ) . والطبراني في الكبير 11938 .
وأخرجه مختصرًا : البخاري ، في فضائل الصحابة ، رقم :3656 ، 3657 . وفي الفرائض ، رقم : 6738 .(1/9)
وأخرج ابن سعد من طريق الزهري : أخبرني أيوب بن بشير الأنصاري عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ فَاستَوَى على المنبرِ ، فتشَهَّد ، فَلَمَّا قَضَى تَشَهُّدَهُ قال : إِنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللهِ خُيِّرَ بَينَ الدُّنْيَا وَبَينَ مَا عِنْدَ الله رَبِّهِ(1) ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ رَبِّهِ . فَفَطِنَ لَهَا أَبُو بَكرٍ الصِّدِّيقُ أَوَّلَ النَّاسِ ، فَعَرَفَ أَنَّمَا يُرِيدُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَفْسَهُ ، فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ ، فقالَ لهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : عَلَى رِسْلِكَ يَا أَبَا بَكْرٍ ؛ سُدُّوا هَذِهِ الأَبْوَابَ الشَّوَارِعَ فِي المَسْجِدِ إِلاَّ بَابَ أَبِي بَكْرٍ ، فَإِنِّي لاَ أَعْلَمُ امْرَءًا أَفْضَلَ عِنْدِي يَدًا فِي الصَّحَابَةِ مِن أَبِي بَكْرٍ(2) .
__________
(1) هكذا في الأصل ، و(ب) . وفي ابن سعد : وبين ما عند ربه . أي بحذف لفظ الجلالة .
(2) رواه ابن سعد 2/228 .(1/10)
وأخرج الطبراني بسند حسن عن مُعَاوية بن أبي سُفيان قال : قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : صُبُّوا عَلَيَّ مِن سَبْعِ قِرَبٍ من آبارٍ شَتَّى ؛ حتى أَخْرُجَ إلى النَّاس فأَعْهَدَ إِلَيهِم ، فَخَرَجَ عَاصِبًا رَأْسَهُ حتى صَعِدَ المنبرَ فَحَمِدَ اللهَ وأثنى عليه ثم قال : إِنَّ عَبْدًا مِن عِبَادِ اللهِ خُيِّرَ بَينَ الدُّنْيَا وبَينَ مَا عِنْدَ اللهِ ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللهِ ، فَلَم يَفْهَمْهَا إِلاَّ أَبُو بَكرٍ ، فَبَكَى ، فَقَالَ : نَفْدِيكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا وَأَبْنَائِنَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : عَلَى رِسْلِكَ ؛ أَفْضَلُ النَّاسِ عِندِي فِي الصُّحْبَةِ وَذَاتِ اليَدِ ابنُ أَبِي قُحَافَةَ ، وَانظُرُوا هَذِه الأَبْوَابَ الشَّوَارِعَ في المَسْجِدِ فَسُدُّوهَا إِلاَّ مَا كَانَ مِن بَابِ أَبِي بَكْرٍ ، فَإِنِّي رَأَيتُ عَلَيهِ نُورًا(1) .
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند بسند رجاله ثقات(2) ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أَبُو بَكرٍ صَاحِبِي ومُؤْنِسِي في الغَارِ ، سُدُّوا كُلَّ خَوخَةٍ في المَسْجِدِ غَيرَ خَوخَةِ أَبِي بَكرٍ(3) .
__________
(1) في الأصل ، و (ب) : أبا .
(2) رواه الطبراني في الأوسط 7/155 (7017) من طريق سعيد بن يحيى اللخمي ، عن ابن إسحاق ، عن الزهري ، عن أيوب بن بشير .
( لم يرو هذا الحديث عن الزهري إلا محمد بن إسحاق ، تفرد به سعيد بن يحيى ، ولا يروى عن معاوية إلا بهذا الإسناد تفرد به سعيد ) .
قال الهيثمي : إسناده حسن . مجمع 9/42 ، وأورده في مجمع البحرين 3621 .
(3) زوائد أحمد على المسند . ذكره الحافظ في الفتح وقال : رجاله ثقات . كتاب المناقب ، باب مناقب أبي بكر 7/18 .(1/11)
وأخرج أبو يعلى بسند رجاله ثقات ، عن بعض الصحابة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضِ موتِه : انظُرُوا هَذِهِ الأَبْوَابَ اللاَّصِقَةَ فِي المَسْجِدِ فَسُدُّوهَا ، إِلاَّ مَا كَانَ مِن بَيتِ أَبِي بَكْرٍ ، فَإِنِّي لاَ أَعْلَمُ أَحَدًا كَانَ أَفْضَلَ عِنْدِي فِي الصُّحْبَةِ مِنْهُ(1) .
وأخرج البزار بسند حسن عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سُدُّوا عَنِّي كُلَّ بَابٍ إِلاَّ بَابَ أَبِي بَكْرٍ .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن عائشة قالت : أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِسَدِّ الأَبْوَابِ الَّتِي فِي المَسْجِدِ إِلاَّ بَابَ أَبِي بَكرٍ(2) .
84/ب
__________
(1) رواه أبو يعلى في المسند 4/319 (4561) في حديث طويل ، عن جعفر بن مهران ، بسنده عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها .
وجعفر بن مهران : موثق له ما ينكر (ميزان 1/48) ، لكن حديثه يتعضد بالشواهد الكثيرة التي تقدمت في هذا الباب .
(2) أخرجه الطبراني في الأوسط 2/140 (1497) .
قال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/43 : وفيه معلى بن عبد الرحمن . وضاع .
وكذا أخرجه أبو بكر القطيعي في زياداته على فضائل الصحابة : 567 من طريق معلى بن عبد الرحمن .
وقد روي من طرق أخرى عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، وهذه الروايات مع ضعفها أحسن حالاً من رواية معلى بن عبد الرحمن ؛ فقد رواه الترمذي في المناقب ، رقم : :3687 ، وعبد الله بن أحمد في فضائل الصحابة ، 33 . وابن حبان ، رقم : 6857 ، 15/272 . ثلاثتهم من طريق محمد بن حميد الرازي، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة .
محمد بن حميد الرازي ، ضعيف ، وكان ابن معين حسن الرأي فيه . وروايته تتقوى بالشواهد التي تقدمت عن ابن عباس ، وأبي سعيد .(1/12)
وأخرج الدارمي / في مسنده عن عائشة قالت : قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم في مَرَضِه : صُبُّوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِِ قِرَبٍ مِن سَبْعِ آبَارٍ شَتَّى حَتَّى أَخْرُجَ إِلَى النَّاسِ فَأَعْهَدَ إِلَيهِمْ ، فَصَبَبْنَا عَلَيهِ ، فَخَرَجَ فَصَعِدَ المِنْبَرَ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيهِ ثُمَّ قَالَ : أَلاَ إِنَّ عَبْدًا مِن عِبَادِ اللهِ قَدْ خُيِّرَ بَينَ الدُّنْيَا وَبَينَ مَا عِنْدَ اللهِ ، فَاخْتَارَ مَا عِندَ اللهِ ، فَبَكَى أَبُو بَكرٍ ، فقال : عَلَى رِسْلِكَ ؛ سُدُّوا هَذِهِ الأَبْوَابَ الشَّوَارِعَ إِلَى(1) المَسْجِدِ إِلاَّ بَابَ أَبِي بَكرٍ ، فَإِنِّي لاَ أَعْلَمُ امرَءًا أَفْضَلَ عِنْدِي يَدًا فِي الصُّحْبَةِ مِن أَبِي بَكرٍ(2) .
وأخرج الطبراني بسند رجاله رجال الصحيح عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لاَ تُؤْذُونِي فِي صَاحِبِي ، وَلَولا أَنَّ اللهَ سَمَّاهُ صَاحِبًا لاتَّخَذْتُهُ خَلِيلاً ، أَلا فَسُدُّوا كُلَّ خَوخَةٍ إِلاَّ خَوخَةَ ابنِ أَبِي قُحَافَةَ(3) .
وأخرج ابن سعد في الطبقات ، وابن عدي في الكامل عن يحيى بن سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إِنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ عَلَيَّ مَنًّا فِي الصُّحْبَةِ وَذَاتِ يَدِهِ أَبُو بَكرٍ ، فَأَغْلِقُوا هَذِهِ الأَبْوَابَ الشَّارِعَةَ كُلَّهَا فِي المَسْجِدِ إِلا بَابَ أَبِي بَكرٍ(4) .
__________
(1) في نسخة (ب) : في . بدل : إلى .
(2) أخرجه الدارمي 1/39 ، رقم : 82 . وأبو يعلى بنحوه رقم : 4561 ، من طريق فروة بن أبي المغراء عن إبراهيم بن مختار ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن كعب ، عن عروة ، عن عائشة . وهو صحيح بمتابعاته وشواهده .
(3) أخرجه الطبراني في الكبير 12/285(13383) ، بأتم من هذا . قال الهيثمي في مجمع الزوائد 9/45 ، ورجاله رجال الصحيح .
(4) رواه ابن سعد 2/227 من طريق ليث بن سعد ، عن يحيى بن سعيد . وهو مرسل .(1/13)
فقال ناس : أَغْلَقَ أَبوابَنَا وَتَرَكَ بابَ خَلِيلِهِ ، فقالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : بَلَغَنِي الَّذِي قُلْتُم فِي بَابِ أَبِي بَكرٍ ، وَإِنِّي أَرَى عَلَى بَابِ أَبِي بَكرٍ نُورًا ، وَأَرَى عَلَى أَبْوَابِكُمْ ظُلْمَةً(1) .
مرسل .
وقد أخرجه أبو طاهر المخلص في فوائده ، وابن عدي في الكامل ، وابن عساكر في تاريخه موصولاً من طريق يحيى بن سعيد عن أنس ، به ، وزاد : فكانت الآخرة أعظم عليهم من الأولى .
قال ابن عدي : لا أعلم وصله عن الليث غير عبد الله بن صالح ، ورواه غيره عن الليث عن يحيى بن سعيد بدون ذكر أنس(2) .
وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن أبي الأحوص حكيم بن عُمَيْر العنسي أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال عندما أمر به من سَدِّ تلك الأبواب إلا باب أبي بكر ، وقال : لَيسَ مِنْهَا بَابٌ إِلاَّ وَعَلَيهِ ظُلْمَةٌ إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ بَابِ أَبِي بَكْرٍ ، فَإِنَّ عَلَيهِ نُورًا(3) .
__________
(1) رواه ابن سعد 2/227 من طريق الليث بن سعد ، عن معاوية بن صالح . وهو مرسل أيضًا .
(2) الكامل 3/189 .
(3) لم أقف على هذه الرواية من طريق أبي الأحوص ؛ حكيم بن عمير العنسي .
لكن ربما كان الاسم محرفًأ ، أي من رواية أبي الأحوص ؛ عوف بن مالك بن نضلة الجشمي ، عن عبد الله بن مسعود . فهو حديث صحيح ، روي من طرق كثيرة ، ذكرها ابن حجر في إتحاف المهرة 10457 . وانظر كذلك ابن حبان 15/270 .(1/14)
وأخرج ابن سعد(1) عن أبي الحويرث قال : لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالأَبوابِ تُسَدُّ إِلاَّ بَابَ أَبِي بَكرٍ ، قال عمر : يا رسول الله ؛ دعني أفتح كُوَّةً(2) أَنْظُرُ إِلَيكَ حِينَ(3) تخرجُ إلى الصَّلاة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا(4) .
وأخرج ابن سعد عن أبي البَدَّاح بن عاصم بن عدي(5) قال : قال العباس بن عبد المطلب : يا رسول الله ؛ ما بالك فتحت أبواب رجال في المسجد ، وما بالك سددت أبواب رجال في المسجد ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يَا عَبَّاسُ ؛ مَا فَتَحْتُ عَنْ أَمْرِي ، وَلاَ سَدَدْتُ عَنْ أَمْرِي(6) .
فصل
__________
(1) تحرفت في الأصل ونسخة (ب) إلى : سعيد . والمثبت هو الصواب ، انظر : ابن سعد 2/228 .
(2) كوة : بضم الكاف وفتحها ، وهي الخرق في الحائط . القاموس 1713(كوو) .
(3) تحرفت في الأصل ، ونسخة (ب) إلى : حتى . والمثبت من رواية ابن سعد ، وهو الصواب .
(4) ابن سعد 2/228 .
(5) تحرفت في الأصل ونسخة (ب) إلى : الداح . والمثبت هو الصواب .
فهو : أبو البداح بن عاصم بن عدي بن الجد البلوي ، حليف الأنصار ، ثقة ، قليل الحديث ، روى له الأربعة ، توفي سنة 117هـ .
الإصابة 7/41 ، تهذيب الكمال 33/65 .
(6) ابن سعد 2/228 .(1/15)
وأخرج أحمد والنسائي والحاكم في المستدرك وصححه عن زَيْد بن أَرْقَم قال : كان لِنَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أَبْوابٌ شَارِعَةٌ في المسجد ، فقال يومًا : سُدُّوا هَذِهِ الأَبوَابَ ، إِلاَّ بَابَ عَلِيٍّ ، فتكلم أناس في ذلك ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه وقال : أما بعد ؛ فَإِنِّي أَمَرْتُ بِسَدِّ هَذِهِ الأَبوَابِ غَيرَ بَابِ عَلِيٍّ ، فَقَالَ فِيهِ قَائِلُكُمْ ، وَإِنِّي وَاللهِ مَا سَدَدْتُ شَيئًا وَلاَ فَتَحْتُهُ ، وَلَكِنِّي أُمِرْتُ بِشَيءٍ فَاتَّبَعْتُهُ(1) .
وأخرج أحمد والنسائي وأبو يعلى والبزار والطبراني في الأوسط بسند حسن عن سعد بن أبي وقاص قال : أَمَرَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِسَدِّ الأَبوابِ الشَّارِعَةِ في المسجدِ ، وتَرْكِ بابِ علِيٍّ ، فقالوا : يا رسول الله ؛ سَدَدْتَ أَبوابَنَا كُلَّهَا إلا بابَ عَلِيٍّ ، قال: مَا أَنَا سَدَدْتُ أَبْوَابَكُمْ ، وَلَكِنَّ اللهَ سَدَّهَا(2) .
وأخرج أحمد والترمذي والنسائي عن ابن عباس قال : أَمَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِأَبْوَابِ المَسْجِدِ فَسُدَّت إِلاَّ بابَ عليٍّ(3) .
__________
(1) أخرجه أحمد رقم : 19502 . والنسائي في الكبرى 5/118 (8423) . والحاكم في المستدرك 3/135 وقال : حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه . ووافقه الذهبي .
(2) رواه أحمد رقم : 1511 ، مختصرًا حتى قوله : وترك باب علي . ورواه النسائي في الكبرى 5/118 . وأبو يعلى 1/335 . والطبراني في الأوسط 4/363 رقم : (3930) بطوله . قال الحافظ في الفتح 7/18 : ورجاله ثقات من الزيادة .
(3) أخرجه أحمد في حديث طويل 2903 . والترمذي ، في المناقب ، رقم : 3732 . والنسائي في الكبرى 5/119 .
من حديث شعبة عن أبي يحيى عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس ، مرفوعًا . قال الترمذي : هذا حديث غريب لا نعرفه عن شعبة بهذا الإسناد إلا من هذا الوجه .(1/16)
وأخرج الطبراني عن ابن عباس نحوه ، وزاد : فقال الناس في ذلك ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ مَأمُورٌ ؛ مَا أُمِرْتُ بِهِ فَعَلْتُ ، إِن أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ .
85/أ
وأخرج البزار عن علي بن أبي / طالب قال : أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر أن سُدَّ بَابَكَ قال : سَمعًا وطاعة ، فسَدَّ بابَهُ ، ثم أرسل إلى عمر ثم أرسل إلى العباس بمثل ذلك ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَا أَنَا سَدَدْتُ أَبْوَابَكُمْ وَفَتَحْتُ بَابَ عَلِيٍّ ، وَلَكِنَّ اللهَ فَتَحَ بَابَ عَلِيٍّ ، وَسَدَّ أَبْوَابَكُمْ .
وأخرج البزار عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : انطَلِقْ فَمُرْهُمْ فَلْيَسُدُّوا(1) أَبْوَابَهُمْ ، فانطلقت فقلت لهم ففعلوا إلا حمزة ، فقلت : يا رسول الله ؛ قد فعلوا إلا حمزة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قُل لِحَمْزَةَ فَلْيُحَوِّل بَابَهُ ، فقلت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تحول بابك ، فحوله .
وأخرج أحمد والنسائي عن ابن عباس قال : سَدَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَبْوابَ المَسْجِدِ غَيرَ بَابِ عَلِيٍّ ، وَكَانَ يَدْخُلُ المَسْجِدَ وهو جُنُب ، وهو طَرِيقُه لَيْسَ لَهُ طَرِيقٌ غَيْرُهُ(2) .
وأخرج الطبراني عَن جابر بن سَمُرَة قال : أَمَرَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بَسَدّ الأبوابِ كلها ؛ غير باب علي ، فقال العباس : يا رسول الله ؛ قدر ما أدخل أنا وحدي وأخرج ، قال : مَا أَمَرْتُ بِشَيءٍ مِن ذَلِكَ ، فَسُدُّوهَا كُلَّهَا غَيرَ بَابِ عَلِيٍّ(3) .
__________
(1) في نسخة (ب) : أن يسدوا . بدل : فليسدوا .
(2) أخرجه أحمد في حديث طويل رقم : 2903 . والنسائي في الكبرى 5/119 .
(3) أخرجه الطبراني 2/246 ، رقم 2031 ، بزيادة : وربما مر وهو جنب .(1/17)
وأخرج النسائي بسند صحيح ، عن ابن عُمَرَ أنه سُئِلَ عن علي فقال : انظرْ إلى مَنْزِلِهِ من رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه سَدَّ أبوابنا في المسجد وَأَقَرَّ بَابَه(1) .
وأخرج أحمد من وجه آخر عن ابن عمر قال : أُعْطِيَ عَلِيٌّ ثَلاثَ خِصَالٍ : زَوَّجَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بابنَتِهِ ، وَوَلَدَتْ لَهُ ، وَسَدَّ الأَبوابَ إلا بَابَهُ في المَسْجِدِ ، وَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ يَومَ خَيْبَر(2) .
فهذه أكثر من عشرين حديثًا(3) في الأمر بسد الأبواب ، وبقيت أحاديث أخر تركتها كراهة الإطالة .
فصل :
__________
(1) أخرج النسائي في الكبرى نحوه بسند صحيح 5/138 .
(2) أخرجه أحمد 2/27 رقم : 4797 : وزاد في أوله : كنا نقول في زمن النبي صلى الله عليه وسلم : رسول الله خير الناس ، ثم أبو بكر ، ثم عمر ، ولقد أوتي ابن أبي طالب ثلاث خصال ؛ لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم . ثم ذكر الحديث .
(3) تحرفت في الأصل إلى : حديث .(1/18)
قال العلماء : لا معارضة بين الأحاديث المذكورة في الفصل الأول ؛ من أنه سد الأبواب إلا باب أبي بكر ، ومن المذكورة في الفصل الثاني من أنه سد الأبواب إلا باب علي ، فإنهما قِصَّتَان إحداهما غير الأخرى ؛ فقِصَّة عليٍّ كانت متقدمة - وهي أَنْ سَدَّ الأَبوابَ الشَّارعة ، وقد كان أذن لعليٍّ يَمُرُّ في المسجد وهو جُنُب - وقصةُ أبي بكر مُتَأخرة في مَرَض الوفاة في سَدِّ طاقاتٍ كانوا يَسْتَقْرِبُونَ الدُّخول منها وهي الخوخة ، كذا جمع القاضي إسماعيل المالكي في أحكامه ، والكلاباذي في معانيه ، والطحاوي في مُشْكِلِه ، وعبارة الكلاباذي : لا تعارض بين قِصَّة عليٍّ وقصَّة أبي بكر ؛ لأنَّ بابَ أبي بكر كان من جملة خَوخَاتٍ يُطَّلَعُ منها إلى المسجد ، وأبواب البيوت خارجة من المسجد ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بِسَدِّ تلك الخُوَخِ ، فلم يبقَ تَطَلُّع منها إلى المسجد ، وتَرَكَ خوخَةَ أَبِي بكر فقط ، وأما باب علي فكان داخل المسجد يخرجُ منه ويدخلُ منه(1) .
وقال الحافظ ابن حجر : قصة عليٍّ في سَدِّ الأبواب ، وأما سَدُّ الخُوَخِ ، فالمُراد به طَاقَاتٍ كانت في المسجد يَسْتَقْرِبُونَ الدُّخولَ منها ، فأمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم في مرض موته بِسَدِّهَا إلا خَوخَةَ أَبي بكرٍ ، وفي ذلك إشَارَةٌ إلى استخلاف أبي بكر ، لأنَّه يحتاج إلى المسجد كثيرًا دون غيره(2) . انتهى .
قلت : ويدل على تقَدُّم قصةِ عليٍّ ذكرُ حمزةَ في قصته ؛ فإن حمزة قُتِلَ يوم أحد .
فصل :
85/ب
__________
(1) ذكر معظم هذا النص الحافظ في الفتح 7/19 .
(2) فتح الباري 7/15 حديث رقم / 3654 ، المناقب ، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم سدوا الأبواب .(1/19)
قد ثبت بهذه الأحاديث الصحيحة - بل المتواترة - أنه صلى الله عليه وسلم مَنَع من فتح(1) باب شَارِعٍ إلى المسجد ، ولم يأذن في ذلك لأحد ، ولا لِعَمِّه العباس ، ولا لأبي بكر ، إلا لعلي ؛ لمكان ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ، ومن فتح خَوخَةٍ صغيرة أو طَاقَةٍ أو كُوَّةٍ ، ولم يأذن في ذلك لأحد، ولا لعُمَرَ ، إلا لأبي بكر خاصَّة ؛ لمَكَانِ الخِلاَفَة ، ولكونه أفضلُ النَّاس يدًا عنده ، كما أشار إلى التعليل / به في الأحاديث المبدأ بها ، هذه خِصِّيصَةٌ(2) لا يُشَارِكُهُ فيها غيره ، ولا يصِحُّ قياس أحد عليه إلى يوم القيامة ، فإنَّ عُمَرَ استأذن في كُوَّةٍ فلم يُؤْذَنْ له ، فمن ذَا الَّذي يُقَاسُ عليه وقد مُنِعَ عُمَر ، واستأذن العباسُ في فتح باب صغير بقدر ما يَخرجُ مِنهُ وحده ، فلم يُؤذَن له ، وهو عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن ذا الذي يُبَاح له ذلك ، وقد مُنِع منه عمرُ والعباسُ . ثم إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أسند ذلك إلى أمرِ اللهِ به ، وأنَّه لم يَسُدَّ ما سَدَّ ، ولم يَفتح ما فتح إلا بأمر الله عزوجل .
__________
(1) في الأصل : يفتح ، والمثبت من (ب) .
(2) في (ب) : وهذه خصوصية . بدل : وهذه خصيصة .(1/20)
ثمَّ إنَّ ذلك كان في مرضِ الوفاة ، وفي آخر مجلس جَلَسه على المِنْبَر ، وكان ذلك من جملة ما عهد به إلى أُمَّته ، ومات عليه , ولم ينسخه شيء ، وتقلد ذلك جملة الشِّيعة من أمته ، فوجب على من علمه أن يُبَيِّنَهُ عند الحاجة إليه ، ولا يَكتُمَه ، فإن توهَّم متَوَهِّم ، أو زعم زاعم ، أنَّ الأمر في ذلك مَنُوطٌ برأي الإمام ، رُدَّ عليه : أن هذا حكم من الأحكام نَصَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على منعه ، فلا رأيَ لأحد في إباحته ، بل لو وقف رجل من آحاد الناس مَسجِدًا ، وشرط فيه شيئًا اتُّبِعَ شرطُه(1) ، فكيف بمسجد وَقَفَهُ النبي صلى الله عليه وسلم ، ونَصَّ فيه على المنع من أمر وأسنده إلى الوحي ، وجعله من جملة عهده عند وفاته ، والرجوعُ إلى رأي الإمام إنما يكون في مساجد لا تَعَرُّضَ في شروط واقفيها لمنع ولا لغيره ، على ما في ذلك أيضًا من تَوَقُّفٍ ونَظَر(2) .
وإنْ خَطَر ببال أحد أن يقول : إن المسجد الشريف قد زالت معالمه وجُدُرُه ، ووُسِّعَ زيادة على ما كان في عهده صلى الله عليه وسلم ، فلا يجديه(3) هذا شيئًا ؛ فإن حُرْمَة المسجد وأحَكَامَه الثابتة له باقيةٌ إلى يوم القيامة ، ولو اتَّسَع وأُزيلت معالمه وجُدُرُه وأعِيدَت ، عادت على هذا الحكم من غير تغيير ، فإن الحكم المذكور مَنُوطٌ بِالمسجد من حيثُ هُوَ ، لا بذاك الجدار بعينه ، وقد بُنِيَ في زمن عمر ، ووُسِّعَ في زمن عثمان وغيره في القرن الأول وبعده ، ولم يخرجوا عن هذا الحكم .
__________
(1) انظر : شرح العناية على الهداية ، 6/200 ، للبابرتي .
(2) انظر : عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة ، 3/41 ، لابن شاس .
(3) في (ب) بزيادة : به .(1/21)
وإن قيل بجواز الفتح في الجدار الذي هو مِلْكُ الفاتح ، قلنا : إن كان مع إعادة حائط المسجد الشريف كما كانت ، بحيث سَدَّ الباب والشبابيك التي في الجدار فلا مُسْتَطْرَقَ منه ، ولا يُطَّلَعُ منها ، فلا كلام ، وإن كان مع إزالة حائط المسجد ، وبناء الاستِطْرَاقِ والاطِّلاَعِ فمعاذ الله ، فإن هذه ذَرِيعَةٌ وحيلة يُتَوَصَّل منها إلى مخالفة الأمر الشريف ، وإذا منع النبي صلى الله عليه وسلم عُمَرَ من فتح كُوَّةٍ يَنْظُرُه(1) منها حين يخرج إلى الصلاة ، فكيف هدمُ الحائط جميعِه ، بل أزيد على هذا وأقول : لو أُعِيدَ حائطُ المسجد ، وبَنَى خَلْفَهُ جِدَارًا أطولَ منه ، وفتحَ في أَعلاه كُوّةً يُطَّلَعُ منها إلى الشَّبَابيك تصير معدًا لمن يجلس فيها مرتفعًا ، والقبر الشريف تحته ، فهذا أشَدُّ وأشَدُّ ، والواجب على كل مُتَحَرٍّ الاحتياطُ لدينه حيث عَلِمَ أن هذا الحكمَ منصوصٌ عليه من صاحب الشرع ، وأنه لا رأي لأحد فيه بعد نَصِّهِ ، وإن حَكَم الحاكمُ بما خالف النَّصَّ يُنْقَضُ ، وفتوى المفتِي بما يُعارضه تُرَدُّ ، والتَّوصُّلُ إلى خِلاَفِهِ بالحِيَلِ الفَاسدة من باب قوله صلى الله عليه وسلم : لاَ تَرتَكِبُوا مَا ارْتَكَبَتِ اليَهُودُ ، فَتَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَ اللهِ بِأَدْنَى الحِيَلِ(2) .
فصل :
86/أ
__________
(1) في (ب) : ينظر .
(2) رواه ابن بطة وغيره بإسناد حسن .
كذا ذكره ابن قيم الجوزية في تعليقاته على السنن .(1/22)
اعلم أن أكثر مفتي عصرنا أفتوا بجواز فتحِ الباب ، والكُوَّةِ ، والشُّبَّاكِ ، من دارِ بيتٍ ملاصقةٍ للمسجد الشريف ، وكان ذلك منهم استِرْوَاحًا ، وعدمَ وقوفٍ على مجموع الأحاديث الواردة ، ولولا جَنَابُ النَّبي صلى الله عليه وسلم ، / وعظمته الرَّاسخة في القلب لم أتكلم في شيء من ذلك ، وكُنتُ إلى السُّكوت أَميل ، لكن لا أرى السكوت يسعني في ذلك ، فإن هذا عهد عهده النبي صلى الله عليه وسلم عند وفاته ، فوجب على كل من علمه أن يبينه ، ولا يراعي فيه صديقًا ولا حبيبًا ، ولا بعيدًا ولا قريبًا ، وأنا أذكر شُبَه المُفْتِين وأوردها واحدة واحدة .
فمنهم من قال : لا نَقْلَ في هذه المسألة لأهل مذهبنا ، ونقول بالجواز استحسانًا حيث لا ضرر .
وجواب هذا : أنه لا استحسان مع النصوص النبوية .
ومنهم من قال بالقياسِ على سائر المساجد ، حيث رأى الناظر ذلك .
وجواب هذا : أن النَّصَّ مَنَعَ القياسَ ، ودلت الأحاديث على أن المسجد النبوي انفرد بهذه الخصوصية عن سائر المساجد .
ومنهم من قال : الأمر في ذلك منوط برأي الإمام .
وجواب هذا : أنه لا رأي لأحد مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهل لأحد من الأئمة أن يغير من الأمور المنصوصة في الشريعة شيئًا برأيه ؟
ومنهم من قال : الحديثُ الوارد في ذلك مخصوص بزمنه عليه السلام ، وهذا خطأ من وجوه :
أحدها : أنه لا دليل على التخصيص ، وإنما يُصَارُ إلى تخصيص النُّصوص بدليل .
ثانيها : أن القصة أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم في مرض وفاته ، ولم يَعِش بعدها إلا دونَ عشرة أيام ، فَدَلَّ على أنه أمر به شرعًا مُستمرًّا إلى يوم القيامة .
ثالثها : أنه لو كان مخصوصًا بزمن لوجب على النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيِّنه ، وإلا لكان تأخيرًا للبيان عن وقت الحاجة ، لا سيما وهي آخرُ جلسة جلسها للناس .(1/23)
رابعها : أن الصحابة استمروا إلى أن انقرضوا وهم باقون على هذا الحكم ، وهذا يدل على أنهم فهموه شرعًا مؤبدًا .
خامسها : يقال لهذا الذي ادَّعى التخصيص : ما وجه منع الصحابة في زمنه ، والإذن لمن جاء بعدهم ! والصحابة أشرف وأجل وأحق بكل خير ، وهل تَخَيَّل مُتَخَيِّلٌ أن يُرَخِّصَ لأهل القرن الأرذل ما منعَ منه أشرفَ(1) الأُمَّةِ ، وخِيَارَهُم ! معاذ الله .
فائدة نختم بها الكتاب :
قال النووي في شرح المهذب : فرع عن خارجة بن زيد بن ثابت آخر فقهاء المدينة السبعة ، قال : بَنَى رسول الله صلى الله عليه وسلم مَسجدَه سبعون ذراعًا في ستين ذراعًا أو أزيد(2) . قال أهل السير : جعل عثمانُ بن عفان طول المسجد مائة وستين ذراعًا ، وعرضه مائة وخمسين ذراعًا ، وجعل أبوابه ستة ، كما كانت في زمن عمر(3) ، وزاد فيه الوليد بن عبد الملك ، فجعل طوله مائتي ذراع ، وعرضه في مقدمه مائتين ، وفي مؤخره مائة وثمانين(4) ، ثم زاد فيه المهدي مائة ذراع من جهة الشام فقط دون الجهات الثلاث(5) .
هذا ما في شرح المهذب .
86/ب
__________
(1) في (ب) : أشراف .
(2) انظر : وفاء الوفا 1/341 .
(3) انظر : وفاء الوفا 2/507 .
(4) انظر : وفاء الوفا 2/521 ، 522 .
(5) انظر : وفاء الوفا 2/536 .(1/24)
وأخرج ابن سعد في الطبقات عن الزهري قال : بركت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موضع المسجد ، وهو يومئذ يصلي فيه رجال من المسلمين ، وكان مِرْبَدًا(1) لسهل وسهيل ؛ غلامين يتيمين من الأنصار ، وكانا في حجر أبي أمامة أسعد بن زرارة ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغلامين فساومهما بالمربد ليتخذه مسجدًا ، فقالا : بل نهبه لك يا رسول الله ، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ابتاعه منهما ، فابتاعه بعشرة دنانير ،وأمر أبا بكر أن يعطيهما ذلك ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنَّخل الَّذي في الحديقة ، وبالغَرْقَد الذي فيه أن يُقطع ، وأمر باللَّبِن فضُرب ، وكان في المربد قبور جاهلية ، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فنُبِشَت ، وأمر بالعظام أن تُغَيَّبَ ، وكان / في المِربَدِ ماء مستنجل(2) فسيروه حتى ذهب ، وأسسوا المسجد ، فجعلوا طوله مما يلي القبلة إلى مؤخره مائة ذراع ، وفي هذين الجانبين مثل ذلك فهو مربع ، ويقال : كان أقلَّ من المائة ، وجعلوا الأساس قريبًا من ثلاثة أذرع على الأرض بالحجارة ، ثم بنوه باللَّبِن ، وبناه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابُه ، وجعل ينقل معهم الحجارة بنفسه ويقول :
اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة
وجعل يقول :
هذا الحِمَالُ لا حِمَالُ خَيبَرْ هَذَا أَبَرُّ رَبَّنَا وَأَطْهَر
وجعل له ثلاثة أبواب ؛ بابًا في مُؤَخَّرِه ، وبابًا يقال له : بابُ الرَّحمة ، وهو الباب الذي يدعى باب عاتكة ، والباب الثالث الذي يدخل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو الباب الذي يلي آل عثمان .
__________
(1) المربد : موضع يجمع فيه التمر ليجف ، وقيل : موضع تجتمع فيه الإبل .
(2) تحرفت في الأصل إلى : مستنجد .
وماء مستنجل : أي ماء سائل . القاموس (نجل) ص 1370 .(1/25)
وجعل طول الجدار بَسْطَة ، وعُمُدَهُ الجُذُوعَ ، وسَقَفَهُ جَرِيدًا ، فقيل له : ألا تَسْقُفُه ؟ فقال : عُرُشٌ كَعُرُشِ موسى ، خُشَيبَات وثُمَام(1) ، الشَّأن أَعْجَلُ من ذَلِكَ ، وبنى بيوتًا إلى جنبه باللَّبِن ، وسَقَفَها بجذوع النخل والجريد ، فلما فرغ من البناء بنى لعائشة في البيت الَّذي بابه شَارعٌ إلى المسجد ، وجعل سَودَة في البيت الآخر الَّذي يليه إلى الباب الذي يلي آل عثمان(2) .
وأخرج الزبير بن بكار في أخبار المدينة عن مُجَمِّع بن يزيد قال : بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجدَ مرَّتَينِ ، بناه حين قدم أقل من مائة في مائة ، فلما فتح الله عليه خيبر بناه وزاد فيه مِثلَه في الُّدور ، وضَرَبَ الحُجُرَاتِ ما بينَه وبين القبلة(3) .
وأخرج أيضًا عن أنس قال : بناه رسولُ الله أولَ ما بناه بالجريد ، وإنما بناه باللَّبِن بعد الهجرة بأربع سنين .
__________
(1) الثمام : نبت معروف في البادية . اللسان 12/79 (ثمم) ، وهو نبت ضعيف له خوص أو شبيه بالخوص وربما حشي به أو سد به خصاص البيت .
(2) رواه ابن سعد 1/239-240 من طريق الزهري به .
وروى البخاري أوله ، في مناقب الأنصار ، رقم : 3932 عن أنس بن مالك رضي الله عنه .
(3) رواه ابن زبالة ، من طريق ابن جريج عن جعفر بن عمرو . كما في وفاء الوفا 1/338 .(1/26)
وأخرج البخاري عن ابن عمر أَنَّ المَسْجِدَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم مَبْنِيًّا باللَّبِن ، وسَقْفُهُ الجَرِيدُ(1) ، وَعُمُدُهُ خَشَبُ النَّخْلِ ، فلم يَزِد فيه أَبُو بَكرٍ شَيئًا وزَادَ فيه عُمَرُ وبَنَاهُ على بُنْيَانِهِ في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم باللَّبِنِ والجَرِيد ، وأعاد عُمُدَهُ خَشَبًا ثم غَيَّرَهُ عثمان فزاد فيه زيادة كثيرة ، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقَصَّة(2) ، وجعل عُمُدَهُ من حجارة منقوشة وسَقَفَهُ بِالسَّاجِ(3) .
وقال الآقفهسي في تاريخ المدينة : قيل : كان عرض الجدار في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لبنة ، ثم إن المسلمين لمَّا كَثُرُوا بنوه لبنة ونصفًا ، ثم قالوا : يا رسول الله ؛ لو أَمَرتَ لَزِدْنَا ، فقال : نعم ، فزادوا فيه ، وبنوا جِداره لبنتين مختلفتين ، ولم يكن له سطح ، فَشَكَوا الحَرَّ ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقيم له سوَارِي من جذوع [ النخل ](4) ، ثم طُرِحَت عليه العوارضُ ، وحُصُرُ الإِذْخِر ، فأصابتهم الأمطار ، فجعل يَكِفُ عليهم ، فقالوا : يا رسول الله ؛ لو أَمَرْتَ بالمَسجِدِ فَطُيِّنَ ، فقال : عُرُشٌ كَعُرُشِ مُوسَى ، والأمرُ أَعْجَلُ من ذلك(5) .
__________
(1) الجريد : غصن النخل المجرد من ورقه .
(2) القصة : الجص ، وقال الخطابي : تشبه الجص وليست به . فتح الباري ، 427 .
(3) الساج : نوع من الخشب يؤتى به من الهند . انظر : القاموس (سوج) 249 .
والحديث أخرجه البخاري ، في الصلاة ، باب بنيان المسجد ، رقم 446 . وأبو داود في الصلاة ، باب بناء المساجد ، رقم : 381 .
(4) سقطت في الأصل ، وأثبتها كما في (ب) .
(5) انظر : وفاء الوفا 1/335-336 نحوه .(1/27)
ولما زاد فيه عمر جعل طوله مائة وأربعين ذراعًا ، وعرضه مائة وعشرين ذراعًا ، وبدَّل أساطينه بِأُخَرَ من جذوع النخل ، وسَقَفَهُ بِجَرِيدٍ ، وجعل طُول السقف أحد عشر ذراعًا ، وفَرَشَه بالحصا(1) ، ولما زاد فيه عثمان ، وذلك في ربيع الأول سنة تسع وعشرين ، جَعلَ طُولَه مائة وستين ذراعًا ، وعرضه مائة وخمسين ذراعًا ، وجعلَ أبوابَه سِتَّة(2) ، ولما زاد فيه عمر بن عبد العزيز ، وذلك بأمر الوليد بن عبد الملك - وكان عامله على المدينة - جعل طوله ما تقدم عن شرح المهذب ، وجعل على كل ركن من أركانه الأربعة منارة للأذان ، وجعل له عشرين بابًا ، وبنى على الحجرة الشريفة حائطًا ، / ولم يلصقه بجدار الحجرة ولا بالسقف ، وطَوَّلَهُ مقدارَ قَامَةٍ بِالآجُرِّ ، فلما حجَّ سليمانُ بن عبد الملك هدم المنارة التي هي قبلة المسجد من الغرب(3) ؛ لأنها كانت مطلة على دار مروان ، فأَذَّنَ المؤذنُ فأَطَلَّ على سليمان وهو في الدار ، فأمر بهدمها(4) .
87/أ
__________
(1) انظر : وفاء الوفا 2/493 نحوه .
(2) انظر : وفاء الوفا 2/507 .
(3) في (ب) : المغرب . بدل : الغرب .
(4) انظر : وفاء الوفا 2/526 .(1/28)
ثم زاد فيه المهدي سنة إحدى وستين ومائة ، ولم يزد بعده أحد شيئًا ، ثم عَمَّرَ الخليفةُ الناصر سنة ست وسبعين وخمسمائة في صَحْنِهِ قُبَّة لحفظ حَوَاصِلِ الحرم وذخائره ، ثم احترق المسجد الشريف بالنَّار التي خرجت من الخَلْوَةِ في ليلة الجمعة ، أول شهر رمضان سنة أربع وخمسين وستمائة ، فكُتِبَ بذلك إلى الخليفة المستعصم(1) فأرسلَ الصُّنَّاع والآلات مع حجاج العراق ، سنة خمس وخمسين وستمائة ، فسَقَفُوا في هذه السنة الحجرة الشريفة وما حولها إلى الحائط القبلي والشرقي ، إلى باب جبريل ، وسقفوا الروضة الشريفة إلى المنبر ، ثم قُتِلَ الخليفة سنة ست وخمسين ، واستولى التتار على بغداد ، فوصلت الآلات من صاحب اليمن ؛ الملك المظفر يوسف بن عمر بن رسول ، فعمل إلى باب السلام ، ثم عمل من باب السلام إلى باب الرحمة من سنة ثمان(2) وخمسين من جهة صاحب مصر الملك المُظَفَّر قُطُز المعزي ، ثم انتقل المُلكُ آخر هذه السنة إلى الملك الظَّاهِر بيبرس الصالحي ، فعُمِلَ في أيامه باقي المسجد ، وجُعلت الأبواب أربعة ، ثم لما حجَّ سنة سبع وستين أراد أن يُديرَ على الحجرة الشريفة دَرَابزينًا من خشب ، فقاس ما حولها بيده ، وأَرسَلَه سنة ثمان وستين ، وعَمِل له ثلاثةَ أَبوابٍ ، وطوله نحو قامتين ، ثم في سنة ثمان وسبعين في أيام الملك المنصور قَلاَوُون عُمِلَت القُبَّةُ على الحجرة الشريفة ، ثم في سنة أربع وتسعين في أيام الملك العادل كتبُغَا زِيدَ في الدَّرَابزين الَّذي على الحجرة ، حتى وصل سَقْفَ المسجد الشريف ، ثم في أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون في سنة إحدى وسبعمائة جُدِّدَ سقفُ الرُّوَاق الَّذي فيه الروضة الشريفة ، ثم جُدِّدَ السقفُ الشَّرقي
__________
(1) تحرفت في الأصل إلى : المعتصم ، والمثبت من (ب) . وهو الصواب . وانظر تاريخ الخلفاء 531 . وهو المستعصم بالله أبو أحمد .
(2) تحرفت في (ب) إلى : ست . وانظر : وفاء الوفا 2/604 .(1/29)
والغربي في سنة خمس وسبعمائة(1) ، ثُمَّ أَمَرَ بعمارة المنارة الرَّابِعَة مكان التي هدمها سليمان بن عبد الملك ، فعُمِّرَت(2) سنة ست وسبعمائة ، ثم أَمرَ بإنشاء الرُّوَاقَينِ في صحن المسجد من جهة القبلة في سنة تسع وعشرين وسبعمائة ، ثم في أيام الملك الناصر حسن بن محمد بن قَلاوون جُدِّدَت القُبَّة الَّتي على الحجرة الشريفة ، ثم أُحْكِمَتْ في أيام الملك الأَشرَفِ شَعبان بن حسين بن محمد بن قَلاوون سنة خمس وستين وسبعمائة(3) ، بأن سُمِّرَ عَليهَا أَلوَاحٌ من خشب ، ومن فوقها ألواح الرصاص . ثم في أيام سلطان العصر ، الملك الأشرف قَايْتَبَاي ، في شهر رمضان سنة ست وثمانين وثمانمائة عَمَّر قبةً أخرى ، وأنشأَ في المسجد ، ثمَّ أعقبَ ذلكَ نزولُ صَاعِقَةٍ من السَّمَاءِ ، فأحرقت المسجد بأَسْرِهِ ، وذلك في ليلة ثالثَ عشر رمضان سنة ست وثمانين(4) ، فأرسل السلطان الصُّنَّاع والآلات سنة سبع وثمانين ، وعليهم الخَواجا شمس الدين بن الزمن(5) ، فهَدَمَ الحَائطَ القِبلِيَّة ، وأراد أن يبني بجوار المسجد مدرسةً باسم السلطان ، ويجعل الحَائِطَ مُشتَركًا بين المسجد والمدرسة ، ويفتحَ فيه بابًا يُدخَلُ منهُ إلى المسجد ، وشبابيكَ مُطِلَّةً عليه ، فمنعه جماعة
__________
(1) وانظر : وفاء الوفا 2/605 .
(2) في (ب) بزيادة : في .
(3) انظر : وفاء الوفا 2/610 .
(4) انظر : وفاء الوفا 2/633 .
(5) انظر : وفاء الوفا 2/639 .(1/30)
من أهل المدينة ، فأرسل يطلبُ مرسومًا من السلطان بذلك ، فبلغَهُ مَنْعُ أهلِ المدينةِ ، فقال : استَفْتُوا العلماءَ ، فأفتاه القُضَاةُ الأربعةُ وجماعةٌ بالجَوازِ ، وامتنع آخرون من ذلك ، وجاءَني المُسْتَفْتِي يوم الأحد رابع عشر من رجب من السنة المذكورة ، فَجَمَعْتُ الأَحاديثَ المُصَدَّرَ بها ، وأرسلتُها لقاضي القضاة الشافعي ، فذكر أنَّه يرى اختصاصها بالجدار النبوي ، وقد أزيل ، / وهذا الجدار ملكُ السُّلطَان ، يفتح فيه ما شاء ، ولا يصير وقفًا إلا بوقفه ، فذكرتُ الجواب عن ذلك من تسعة وعشرين وجهًا ، وألحقتُها بالأحاديث مع ما ذكر معها ، وأفردتها تأليفًا ، ورأيتُ ليلةَ الثلاثاء سادس عشر من رجب في المنام النبيَ صلى الله عليه وسلم وهو في هِمَّة ، وأنا واقف بين يديه ، فأرسلني ، لا أدري إلى عُمَرَ ، أو غيره ، ولا أدري هل أرسلني إليه لأَدعُوَهُ ، أو لأُبَلِّغَهُ رِسالة ، ولم أضبط من المنام إلا هذا القدر ، فاستيقظت وأنا أرجو أن لا يتم لهم ما أرادوه ، ثم برز مرسوم السلطان بالفتح حسبما أفتاه من أفتاه ، وسافر القاصد بذلك في أواخر رجب ، وأرسلَ إِلَيَّ رَجُلانِ من كبار أرباب الأحوال يُخبِراني أن هذا الأمر لا يتم ، ففي رمضان جاء الخبرُ بأن ذلك قد رُجِعَ عنه ، وعدلوا إلى الفتح من الجهة الغربية ، وأفتى بعض الحنفية بجواز ذلك ، لأن دار أبي بكر رضي الله عنه كانت من تلك الجهة ، وكان له باب مفتوح فيفتح نظيره ، فوجب أن يُنْظَر في ذلك .
87/ب(1/31)
فأقول : قد ثبت في الأحاديث السابقة ، وقَرَّر العلماء أن أبا بكر رضي الله عنه لم يُؤذَن له في فتح الباب ، بل أُمِرَ بِسَدِّ بَابه ، وإنما أُذِنَ له في خوخة صغيرة ، وهي المرادة في حديث البخاري ، فلا يجوز الآن فتح باب كبير قَطعًا ، وليس لأحد أن يقول : إن المعنى الاسْتِطْرَاق ، فيَسْتَوِي البَابُ والخَوخَةُ في الجواز ؛ لأنَّ النَّصَّ من الشارع صلى الله عليه وسلم على التَّفْرِقَةِ ، حيث أَمَر بِسَدِّ بَابِه ، وأبقى خوخة ، يَمْنَعُ من التَّسوِيَةِ والإِلْحَاقِ .
وأما جواز فتح الخوخة الآن ، فأقول : لو بقيت دار أبي بكر واتَّفَقَ هَدْمُها وإعادتها أعيدت بتلك الخوخة كما كانت بلا مِرْيَة ، وكان يجب مع ذلك أن يُعَاد مِثلُ تلك الخوخة قَدرًا ومَحَلاً ، فلا تجوز الزِّيادة فيها بالتَّوسِعَةِ ، ولا جَعْلُها في موضع آخر من الحائط ؛ اقتصارًا على ما وَرَدَ الإذن من الشارع الواقف فيه ، لكنَّ دارَ أبي بكر هُدمت وأُدخِلَت في المسجد زمن عثمان ، وهل يجوز أن يُبنى بإزائِها دار يفتح منها خوخة نظير ذلك ؟ فيه نظرٌ وتَوَقُّفٌ .
فيحتمل المنع وهو الأقرب ؛ لأن تلك خِصِّيصَة كانت لأبي بكر فلا تَتَعَدَّى دَارَهُ ، ويُحْتَمل أن الجواز ؛ لأمرين ، أحدهما : أنَّ حَقَّ المرور قد ثَبتَ من هذه البُقعَة الَّتي بإزاء دار أبي بكر إلى المسجد بواسط دار أبي بكر ، فيستمر . والثاني : لا أُبْدِيهِ ؛ خوفًا أن يَتَمَسَّكَ بهِ المُتَوَسِّعُونَ ، وعلى هذا الاحتمال فإنما يجوز بشرطين يَتَعَذَّرُ الآن وجودهما :(1/32)
أن يكون الذي يُفتَحُ بقدر تلك الخوخة ، لا أوسعَ منه ، وأن يكون على سَمْتِها لا في محلٍّ آخر ، والأمران لا يمكن الوقوف عليهما الآن ؛ للجهل بمقدار تلك الخوخة ومحلها ، وإذا لم يَتَحَقَّق وجود الشرط امتنع المشروط ، فتلخص من ذلك القَطْعُ بالمَنْعِ من الخوخة ومن الشبابيك أيضًا ، وبتحقق وجود الشَّرطَينِ يُجَابُ عن الأمر الثاني الذي رمزت إليه ولم أُبْدِه إن عَثَر عليه عاثر ، هذا ما عندي في ذلك .
خاتمة :
وأما كسوة الحجرة الشريفة ؛ فأول من كساها ابن أبي الهيجاء وزير ملك مصر(1) بعد أن استأذن الخليفة المُسْتَضِيء(2) ، فكساها ديباجًا أبيض ، ثم بعد سنتين أرسل الخليفة المُستَضِيء كسوة ديباجًا بَنَفْسَجِيًّا ، ثم أرسل الخليفة الناصر لما وَلِي كسوة من الدِّيباج الأسود(3) ، ثم لما حَجَّت أم الخليفة وعادت أرسلت كسوة كذلك ، ثم صارت تُرسَلُ الكِسْوَةُ من جهة مصر كل سبع سنين من الديباج الأسود ، ذكر ذلك الآقفهسي رحمه الله تعالى ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم(4) .
-
__________
(1) الحسين بن أبي الهيجاء ، صهر الصالح وزير الملوك المصريين . وفاء الوفا 2/581 .
(2) المستضيء بأمر الله ، الحسن ، أبو محمد ابن المستنجد بالله ، ولد سنة 536هـ ، ولي الخلافة سنة 566 ، وتوفي سنة 575هـ .
تاريخ الخلفاء 506-512 .
(3) انظر : وفاء الوفا 2/581-582 .
(4) في آخر نسخة (ب) ما نصه : وكان الفراغ من كتابة هذه الرسالة صبح يوم الثلاثاء ، السادس من شهر جمادى الآخرة سنة خمسة عشر بعد الثلاثمائة والألف ، بقلم الفقير إليه عز شأنه جعفر بن المرحوم السيد حسين بن السيد يحيى هاشم الحسيني غفر الله له ولوالديه ولمشايخه ولجميع المسلمين ، آمين . حسب الطاقة آخر سنة 1315 .(1/33)