سل السِّنان
في الذب عن معاوية بن أبي سفيان
رضي الله عنه
تقديم فضيلة الشيخ المُحدِّث
عبدالله بن عبدالرحمن السعد
كتبه
سعد بن ضيدان السبيعي
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم فضيلة الشيخ المُحدِّث / عبدالله بن عبدالرحمن السعد
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
…أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى قد أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة ، قال تعالى : ? اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ? ؛ ولذا كل ما نحتاج إليه في ديننا أو دنيانا فإن بيانه في كتاب ربنا أو سنة نبينا ? ، قال تعالى : ? ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ? .
قال محمد بن أبي حاتم - وراق البخاري - : سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول : لا أعلم شيئا يحتاج إليه إلا وهو في الكتاب والسنة . فقلت له: يمكن معرفة ذلك كله ؟ قال : نعم (1) . ا.هـ .
وقال الشاطبي في «الإعتصام» (1/64) : ( إن الشريعة جاءت كاملة لا تحتمل الزيادة ولا النقصان ؛ لأن الله تعالى قال فيها : ? اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ? .
وفي حديث العرباض بن سارية : وعظنا رسول الله ? موعظة ذرفت منها الأعين ووجلت منها القلوب , فقلنا : يا رسول الله ! إن هذه موعظة مودِّع فما تعهد إلينا ؟
__________
(1) من سير أعلام النبلاء ( 12/412 ) ، ومحمد بن أبي حاتم – وراق البخاري – له كتاب «شمائل البخاري» وصفه الذهبي في السير(12/412) بأنه جزء ضخم ، وقد ساق الحافظ ابن حجر إسناده لهذا الكتاب في «تغليق التعليق» (5/386).(1/1)
قال : « تركتكم على البيضاء ؛ ليلها كنهارها , ولا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ,ومن يعش منكم ؛ فسيرى اختلافاً كثيراً , فعليكم ما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ... » الحديث .
وثبت أن النبي ? لم يمت حتى أتي ببيان جميع ما يحتاج إليه في أمر الدين والدنيا , وهذا لا مخالف عليه من أهل السنة .
فإذا كان كذلك ؛ فالمبتدع إنما محصول قوله بلسان حاله أو مقاله : إن الشريعة لم تتم , وإنها بقي منها أشياء يجب أن يستحبُّ استدراكها (1) ؛ لأنه لو كان معتقداً لكمالها وتمامها من كل وجه ؛ لم يبتدع , ولا استدرك عليها , وقائل هذا ضالٌّ عن الصراط المستقيم ) ا.هـ .
فعلى كل شخص إذا أراد معرفة مسألة أو قضية ما , الرجوع إلى الكتاب والسنة , ومن ذلك ما يتعلق بمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما وما قيل فيه .
وإن هذه المسألة مسألة عظيمة ودقيقة، وقد تكلم فيها أناس فجرهم ذلك إلى النصب, وتكلم آخرون فوقعوا في التشيع والرفض, والسلامة من هذا وذاك بالرجوع إلى السنة, ففيها البيان الشافي والأمر الكافي لمن أراد الحق والنجاة.
ولو رجع المتكلم في هذه المسألة إلى ما أخرجه البخاري ( ) من حديث أبي موسى إسرائيل عن الحسن عن أبي بكرة أن رسول الله ? : « إن ابني هذا سيد, ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين ».
لكان كافيا، وسوف يأتي بيان وجه دلالة هذا الحديث على ذلك إن شاء الله تعالى.
وأيضا فإن النبي ? قد بين حاله وهو شاب - وذلك بعد إسلامه بقليل- , ثم بعد أن أصحاب كهلا, ثم بعد أن صار شيخا إلى أن توفي، وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى.
وقد اطلعت على ما كتبه الابن الشيخ/ سعد بن ضيدان السبيعي, فيما يتعلق بمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه والدفاع عنه, فوجدته قد أجاد وأفاد فيما كتب, فقد ذكر الأدلة التي تدل على فضل معاوية رضي الله عنه, وذكر كلام أهل العلم في الدفاع عنه, فجزاه الله خيرا وبارك فيه.
__________
(1) كذا بالأصل.(1/2)
* * *
فصل
في فضائل ومناقب معاوية رضي الله عنه
وبيان ذلك في النقاط التالية:
أولاً : إسلامه .
لا خلاف بين أهل العلم في إسلام معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما, وإنما اختلفوا في وقت إسلامه, فقيل: عام الحديبية، وقيل: في عام القضية، وقيل: كان ذلك في فتح مكة وهو شاب، كان عمره يناهز ثمانية عشر سنة، أو نحو ذلك (1) .
قلت : والإسلام أساس الفضائل، والميزان الذي يوزن به الإنسان، كما لا يخفى, وقد قال الله تعالى: ? إن الدين عند الله الإسلام ? وقوله: ? ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه ? , وقال عز وجل: ? قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ? .
فإن قال قائل: إن هذا الإسلام غير صحيح، وإنه أسلم نفاقاً .
فأقول : الجواب عن ذلك من ثلاثة أوجه:
الأول: ما جاء من النصوص المرفوعة إلى الرسول ? والتي فيها النص إسلام معاوية رضي الله عنه, وهذه النصوص على قسمين:
أ) نصوص خاصة . ب) ونصوص عامة.
أ) فأما النصوص الخاصة: فقد أخرج مسلم ( 1480 ) من طريق مالك بن عبدالله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان , عن أبي سلمة بن عبد الرحمن , عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها ـ فذكر قصة - وفيها : قالت : فلما حللت ذكرت له ? أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني , فقال رسول الله ? : « أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه , وأما معاوية فصعلوك لا مال له ، انكحي أسامة بن زيد ».
ففي هذا الحديث : بيان فضل معاوية رضي الله تعالى عنه , وردٌّ على من اتهمه رضي الله عنه بالنفاق ؛ حيث إن النبي ? إنما ذكر لفاطمة بنت قيس أنه لا مال له، ولو كان في دينه مغمز أو مطعن لذكره الرسول ? لفاطمة ولم يكتمها ذلك, وهذا فيه ثناء على معاوية في دينه رضي الله عنه، وكان ذلك في أول حياته وإسلامه .
__________
(1) ينظر ترجمة معاوية في تاريخ ابن عساكر فقد ذكر أقوال أهل العلم في ذلك .(1/3)
ثم بعد وفاة رسول الله ? خرج مجاهداً وغازياً إلى بلاد الشام , وكان ذلك في عهد أبي بكر رضي الله عنه , وقد ولاه أبو بكر على بعض المدد الذي أرسله إلى بلاد الشام.
ثم ولاه عمر رضي الله تعالى عنه بعد وفاة أخيه يزيد- كما سوف يأتي إن شاء الله تعالى (1) - وبقي على ذلك حتى تولى عثمان رضي الله تعالى عنه فولّاه على الشام كلها , وبقي على ذلك حتى قتل عثمان رضي الله تعالى عنه، وهذا بيان لحاله في وقت شبابه .
وأما في حال كهولته : فقد بينه رسول الله ? فيما أخرجه البخاري ( 2704 ) من حديث الحسن البصري قال : ولقد سمعت أبا بكرة يقول : رأيت رسول الله ? والحسن بن علي إلى جنبه ويقول : « إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين » .
وأخرجه أيضاً في مواضع أخرى ( 3629 ) و ( 3746 ) و ( 7109 ) .
وهذا الحديث فيه منقبة كبيرة للحسن رضي الله عنه , وأنه سيد , ومن سيادته تنازله عن الخلافة .
وفيه أيضاً وصف للطائفة التي مع الحسن ومع معاوية رضي الله عنهما بالإسلام ، وهذا الحديث يتضمن منقبة وثناء على معاوية رضي الله عنه ؛ وذلك أن الرسول ? مدح فعل الحسن رضي الله عنه وتنازله عن الملك لمعاوية، ولو لم يكن معاوية رضي الله عنه أهلاً للملك لما مدح الرسول ? هذا الصلح الذي فيه تنازل الحسن رضي الله عنه عن الملك له.
قال سفيان بن عيينة : قوله: « فئتين من المسلمين » يعجبنا جداً (2) .
قال أبو بكر البيهقي : وإنما أعجبهم لأن النبي ? سماهما جميعاً مسلمين.
وهذا خبر (3) من رسول الله ? بما كان من الحسن بن علي بعد وفاة علي في تسليمه الأمر إلى معاوية بن أبي سفيان .
__________
(2) أخرجه يعقوب بن سفيان في تاريخه , وسعيد بن منصور كما قال ابن حجر في الفتح (13/66) .
(3) أي حديث الحسن عن أبي بكرة السابق.(1/4)
وقال الحسن (1) في خطبته : أيها الناس، إن الله هداكم بأولنا، وحقن دماءكم بآخرنا، وإن هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا ومعاوية هو حق لامرئ كان أحق به مني، أو حق لي تركته لمعاوية إرادة إصلاح المسلمين وحقن دمائهم، وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين (2)ا.هـ .
وقال أبو سليمان الخطابي في كتابه «معالم السنن» (7/37) – تحت شرحه لهذا الحديث - : وقد خرج مصداق هذا القول فيه بما كان من إصلاحه بين أهل العراق وأهل الشام وتخليه عن الأمر, خوفا من الفتنة, وكراهية لإراقة الدم, ويسمى ذلك العام سنة الجماعة, وفي الخبر دليل على أن واحدا من الفريقين لم يخرج بما كان منه في تلك الفتنة من قول أو فعل عن ملة الإسلام, إذا قد جعلهم النبي ? مسلمين, وهكذا سبيل كل متأول فيما تعاطاه من رأي ومذهب دعا إليه, إذ كان قد تأوله بشبهة وإن كان مخطئا في ذلك, ومعلوم أن إحدى الفئتين كانت مصيبة والأخرى مخطئة ا.هـ (3) .
وقال أبو العباس ابن تيمية في «الفتاوى» ( 35/70 ) : وأثنى النبي ? على الحسن بهذا الصلح الذي كان على يديه، وسماه سيداً بذلك ، لأجل أن ما فعله الحسن يحبه الله ورسوله ، ويرضاه الله ورسوله ، ولو كان الاقتتال الذي حصل بين المسلمين هو الذي أمر الله به ورسوله لم يكن الأمر كذلك، بل يكون الحسن قد ترك الواجب، أو الأحب إلى الله، وهذا النص الصحيح الصريح يبين أن ما فعله الحسن محمود، مرضي لله ورسوله ا.هـ .
__________
(1) أي: الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما.
(2) «الإعتقاد» للبيهقي (ص:533-535).
(3) وقد ذكر البغوي في «شرح السنة» (14/136) قريبا من كلام الخطابي.(1/5)
…ومما يستفاد من الحديث أيضا ترك الكلام في هذه الفتنة وعدم الطعن في معاوية ومن كان معه؛ لأن الرسول ? أثنى على هذا الصلح ومدح الحسن رضي الله عنه الذي تم هذا الصلح على يده, فعندما يطعن بمعاوية ومن معه يكون هذا منافيا لهذا الصلح الذي أثنى عليه الرسول ?, ولكي يبقى هذا الصلح قائما مستمرا فلا بد من عدم إثارة الأسباب التي أدت إلى النزاع, ومن ذلك ترك الطعان في معاوية رضي الله عنه ومن معه, والاقتصار على ما جاءت به النصوص حسب حتى تتم المحافظة على هذا الصلح, وقد بوب أبو داود على هذا الحديث في سننه (5/211): ( باب ترك الكلام في الفتنة ) , وكأنه - والله أعلم – يشير إلى ما تقدم, ولا شك أن هذا من فقهه رحمه الله .
وأما حاله في وقت شيخوخته: فقد بينه رسول الله ? أيضاً ، وذلك فيما رواه البخاري ( 7222ـ 7223 ) ومسلم ( 1821 ) من حديث عبدالملك بن عمير , عن جابر بن سمرة قال : سمعت النبي ? يقول : « لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً » ثم تكلم بكلمة خفيت علي ، فسألت أبي : ماذا قال رسول الله ? ؟ فقال : « كلهم من قريش » وهذا لفظ مسلم .
وأخرجه أيضاً ( 821 ) من طريق حصين عن جابر ولفظه : « إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة ».
وفي لفظ عنده من طريق سماك عن جابر : « لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة » ثم قال كلمة لم أفهمها، فقلت لأبي : ما قال ؟ فقال : « كلهم من قريش ».
وفي لفظ عنده من طريق الشعبي عن جابر : « لا يزال هذا الأمر عزيزاً منيعاً إلى اثني عشر خليفة » .
وأخرج أيضاً ( 1822 ) من طريق عامر بن سعد بن أبي وقاص قال : كتب إلى جابر بن سمرة مع غلامي نافع : أنه أخبرني بشيء سمعته من رسول الله ? فكتب إليّ : سمعت رسول الله ? يقول : « لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشرة خليفة كلهم من قريش » .(1/6)
فظاهر هذا الحديث يدخل فيه معاوية رضي الله عنه ، وذلك أنه قرشي وتولى الملك ، وكان الدين في زمنه عزيزاً منيعاً ، فهذا الحديث ينطبق عليه خاصة في رواية الشعبي وسماك عن جابر « لا يزال هذا الأمر ـ وفي رواية الإسلام ـ عزيزاً إلى اثني عشر خليفة » فظاهر هذه الرواية أن هذه العزة والمنعة من أول خليفة بعد رسول الله ? وهو أبو بكر رضي الله عنه إلى اثني عشر خليفة ، فيكون معاوية داخلاً فيهم ، وخاصة أنه بويع من جميع المسلمين ، وسمي هذا العام بعام الجماعة كما هو معلوم .
فعلى هذا الحديث فمعاوية رضي الله عنه خليفة شرعي ، والدين في زمنه كان عزيزاً منيعاً ، وهذا لحكمه بالشرع وتطبيق السنة ، وإلا لما كان الدين عزيزاً منيعاً، والله أعلم .
قال أبو زرعة: حدثني عبد الرحمن بن إبراهيم نا الوليد عن الأوزاعي قال: أدركتْ خلافة معاوية عدة من أصحاب رسول الله ? منهم : سعد وأسامة وجابر وابن عمر وزيد بن ثابت ومسلمة بن مخلد وأبو سعيد ورافع بن خديج وأبو أمامة وأنس بن مالك ، ورجال أكثر ممن سمينا بأضعاف مضاعفة ، كانوا مصابيح الهدى ، وأوعية العلم ، حضروا من الكتاب تنزيله ، وأخذوا عن رسول الله ? تأويله .
ومن التابعين لهم بإحسان إن شاء الله منهم : المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث وسعيد بن المسيّب وعروة بن الزبير وعبد الله بن محيريز ، في أشباه لهم لم ينزعوا يداً عن مجامعة في أمة محمد ? )(1) .
__________
(1) تاريخ أبي زرعة (ص: 42-43) .(1/7)
وقال الذهبي في «السير» (3/132) : ( حسبك بمن يؤمره عمر ثم عثمان على إقليم – وهو ثغر – فيضبطه ويقوم به أتم قيام, ويرضي الناس بسخائه وحلمه, وإن كان بعضهم تألم مرة منه, وكذلك فليكن الملك, وإن كان غيره من أصحاب رسول الله ? خيرا منه بكثير وأفضل وأصلح, فهذا الرجل ساد وساس العالم بكمال عقله وفرط حلمه وسعة نفسه وقوة دهائه ورأيه وله هنات وأمور والله الموعد , وكان محببا إلى رعيته, عمل نيابة الشام عشرين سنة, والخلافة عشرين سنة, ولم يهجه أحد في دولته, بل دانت له الأمم وحكم على العرب والعجم ، وكان ملكه على الحرمين ومصر والشام والعراق وخراسان وفارس والجزيرة واليمن والمغرب وغير ذلك ) ا.هـ .
ب) وأما النصوصة العامة:…
فمنها ما يلي:
1_ أخرج البخاري في صحيحه ( 3608 ) : حدثنا الحكم بن نافع , حدثنا شعيب , عن الزهري , أخبرني أبو سلمه بن عبد الرحمن , أن أبا هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ? : « لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان دعواهما واحدة ».
2_ وأخرج مسلم ( 1065 ) من طريق القاسم بن الفضل الحداني , حدثنا أبو نضرة عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله ? : « تمرق ما رقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق » .
ففي حديث أبي هريرة بيان ما حصل بين علي رضي الله عنه ومعاوية رضي الله عنه، ولا شك أن علي أولى بالحق من غيره ، وعلي رضي الله عنه هو الذي قاتل الخوارج المارقة .
وفي هذا الحديث صحة إسلام معاوية رضي الله عنه حيث قال رسول الله ? « دعواهما واحدة » وقال « أولى الطائفتين بالحق » .
قال النووي رحمه الله في «شرحه على مسلم» ( 7/168 ) : (وفيه التصريح بأن الطائفتين مؤمنون، لا يخرجون بالقتال عن الإيمان، ولا يفسقون، وهذا مذهبنا ) ا.هـ .(1/8)
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في «البداية والنهاية» ( 10/513 ) : ( وفيه الحكم بإسلام الطائفتين: أهل الشام وأهل العراق، لا كما تزعمه فرقة الرافضة أهل الجهل والجور من تكفيرهم أهل الشام ) . ا هـ .
ثانياً : صحبته :
أخرج البخاري في صحيحه ( 3746 ) قال : حدثنا الحسن بن بشر حدثنا المعافى ، عن عثمان بن الأسود ، عن ابن أبي مليكة قال : أوتر معاوية بعد العشاء بركعة وعنده مولى لابن عباس ، فأتى ابن عباس، فقال : دعه فإنه قد صحب رسول الله ? .
قلت : وصحبة معاوية رضي الله عنه لرسول الله ? معلومة كما دل عليها هذا الخبر وغيره ، وفضل الصحبة ومكانة الصحابة معلوم بالكتاب والسنة ومن الأدلة الواضحة على ذلك ما جاء في قوله تعالى : ? لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل * أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير ? . وهذه الآية شاملة لكل الصحابة رضي الله عنهم لمن أنفق قبل فتح مكة وقاتل ، ومن أنفق من بعد الفتح وقاتل كلهم وعدهم الله بالحسنى وهي الجنة، كما بين هذا في موضعه ، وإسلام معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما كما تقدم إما قبل الفتح وإما بعده، فهو داخل تحت هذا النص .
ثالثا : كتابته للنبي ? .
أخرج الإمام أحمد في المسند ( 1/291 ) قال : حدثنا عفان حدثنا أبو عوانة قال: أخبرنا أبو حمزة قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنه يقول: كنت غلاماً أسعى مع الصبيان قال : فالتفت فإذا نبي الله خلفي مقبلاً، فقلت : ما جاء نبي الله إلا إليَّ . قال : فسعيت حتى أختبئ وراء باب دار . قال : فلم أشعر حتى تناولني، قال : فأخذ بقفاي فحطأني حطأة . وقال : « اذهب فادع لي معاوية » وكان كاتبه، فسعيت، فقلت: أجب رسول الله فإنه على حاجة .
ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده (2746) من حديث هشام وأبي عوانة عن أبي حمزة القصاب عن ابن عباس بنحوه.(1/9)
وأصل هذا الحديث عند مسلم ( 2604 ) من طريق شعبة عن أبي حمزة به، وليس فيه: ( وكان كاتبه ) ولفظ مسلم أتم (1) .
وأبو حمزة هو عمران القصاب، والراجح أنه لا بأس به, فقد قال عنه أحمد: صالح الحديث, ورواية شعبة عنه مما يقويه, وأيضا قال عنه سفيان الثوري: وكان صاحب ابن عباس. وهذا مما يدل على شهرة اتصاله بابن عباس, وقد صرح في هذا الحديث بسماعه منه.
قلت: وكون معاوية رضي الله عنه كاتبا لرسول الله ? أمر مشهور عند أهل العلم, واتخاذ سيد الخلق له كاتبا لوحي الله عز وجل منقبة عظيمة لمعاوية رضي الله عنه.
وقد كان يكتب لأبي بكر الصديق رضي الله عنه أيضا, قال يعقوب بن سفيان في «المعرفة والتاريخ» (3/373): ثنا سليمان ثنا عمر بن علي بن مقدم عن هشام بن عروة عن أبيه قال: دخلت على معاوية فقال لي : ما فعل المسلول ؟ قال قلت : هو عندي. فقال :أنا والله خططته بيدي، أَقْطَعَ أبو بكر الزبير - رضي الله عنه - أرضاً فكنت أكتبها، قال :فجاء عمر، فأخذ أبو بكر - يعني الكتاب - فأدخله في ثني الفراش، فدخل عمر - رضي الله عنه - فقال : كأنكم على حاجة ؟ فقال أبو بكر - رضي الله عنه - : نعم، فخرج فأخرج أبو بكر الكتاب فأتممته ا.هـ.
رابعا : ثناء الصحابة والتابعين عليه .
1ـ جاء في لفظ حديث ابن عباس السابق عند البخاري ( 3765 ) من طريق ابن أبي مليكه قيل لابن عباس : هل لك في أمير المؤمنين معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة ؟ فقال رضي الله عنه : إنه فقيه .
2ـ وأخرج الخلال في السنة ( 442 ـ 680 ) من طريق هشيم ،عن العوام بن حوشب ، عن جبلة بن سحيم قال : سمعت ابن عمر يقول : « ما رأيت بعد رسول الله ? أسود من معاوية فقيل : ولا أبوك ؟ فقال : أبي رحمه الله خير من معاوية، وكان معاوية أسود منه .
__________
(1) وجاء في حديث ابن عباس المشهور الذي خرجه مسلم ( 1501 ) ذكر اتخاذ النبي ? له كاتبا, والكلام في هذا الحديث مشهور.(1/10)
3 ـ وروى معمر في جامعه (20985-المطبوع مع مصنف عبدالرزاق) عن همام بن منبه سمعت ابن عباس يقول: ما رأيت رجلا كان أخلق للملك من معاوية, كان الناس يردون منه على أرجاء واد رحب, لم يكن بالضيق الحصر العصعص المتغضب.
4- وقال الذهبي في تاريخ الإسلام (2/544): بسر بن سعيد عن سعد بن أبي وقاص: ما رأيت أحدا بعد عثمان أقضى بحق من صاحب هذا الباب. يعني معاوية.
5- وقال أبو زرعة الدمشقي في تاريخه (1/572): أخبرني عبدالرحمن بن إبراهيم قال حدثنا كعب بن خديج أبو حارثة –قال أبو زرعة : وقد رأيت أبا حارثة وجالسته وكان شيخاً صالحاً – قال حدثنا عبدالله بن مصعب بن ثابت عن هشام بن عروة قال : سمعت عبدالله بن الزبير يقول : كان والله –يعني معاوية- كما قالت ابن رقيقة –يعني هذه :
ألا أبكيه , ألا أبكيه ألا كلا الغنى فيه
6ـ وأخرج الخلال أيضاً ( ص : 438 ) عن الأعمش ، عن مجاهد رحمه الله قال : لو رأيتم معاوية لقلتم هذا المهدي .
7ـ وقال الإمام أحمد في مسنده (4/93): حدثنا وكيع حدثنا أبو المعتمر عن ابن سيرين عن معاوية قال: قال رسول الله ?: « لا تركبوا الخز ولا النمار ». قال ابن سيرين: وكان معاوية لا يتهم في الحديث عن النبي ?.
8- وأخرج الآجري في الشريعة ( 5/2466 - رقم 1955) : أن رجلاً بمرو قال لابن المبارك : معاوية خير أو عمر بن عبد العزيز؟ قال : فقال ابن المبارك: تراب دخل أنف معاوية رضي الله عنه مع رسول الله ? خير - أو أفضل - من عمر بن عبد العزيز .
9ـ وأخرج الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ( 1/209 ) من طريق : رباح بن الجراح الموصلي قال : سمعت رجلاً يسأل المعافى بن عمران فقال : يا أبا مسعود، أين عمر بن عبد العزيز من معاوية بن أبي سفيان ؟ فغضب من ذلك غضباً شديداً وقال : لا يقاس بأصحاب رسول الله ? أحد، معاوية صاحبه وصهره وكاتبه وأمينه على وحي الله عز وجل . ا. هـ .(1/11)
قلت : وقد تقدم أن عمر رضي الله عنه قد ولاه على بعض أعمال الشام بعد وفاة أخيه يزيد ، ثم ولاه عثمان على الشام كلها ، وهذا دليل على فضله عندهما .
ويدخل في ثناء الصحابة على معاوية رواية بعض الصحابة وبعض أئمة التابعين عنه كما سيأتي في الفقرة التالية.
ذكر ثناء علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبعض كبار أصحابه:
قال محمد بن نصر في كتابه «تعظيم قدر الصلاة» ( ): وقد ولي علي بن أبي طالب رضي الله عنه قتالَ أهل البغي ، وروى عن النبي ? فيهم ما روى ، وسماهم مؤمنين ، وحكم فيهم بأحكام المؤمنين ، وكذلك عمار بن ياسر .
حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، أنا يحيي بن آدم ، ثنا مفضل بن مهلهل ، عن الشيباني ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب قال : كنت عند علي حين فرغ من قتال أهل النهروان ، فقيل له : أمشركون هم ؟! قال : مِنَ الشرك فَرُّوْا ، فقيل : منافقون ؟ قال : المنافقون لا يذكرون الله إلاّ قليلاً ، قيل : فما هم ؟ قال : قوم بغوا علينا ، فقاتلناهم .
حدثنا إسحاق ، أنا وكيع ، عن مسعر ، عن عامر بن شقيق ، عن أبي وائل قال : قال رجل : من دعا إلى البغلة الشهباء يوم قتل المشركين ، فقال عليّ : من الشرك فروا ، [ قال : المنافقون ؟ ] (1) قال : إنّ المنافقين لا يذكرون الله إلاّ قليلاً ، قال : فما هم ؟! قال : قوم بغوا علينا ، فقاتلناهم ، فنصرنا عليهم .
وحدثنا وكيع ، ثنا ابن أبي خالد ، عن حكيم بن جابر ، قال : قالوا لعلي حين قتل أهل النهروان : أمشركون هم ؟! قال : من الشرك فروا ، قيل : فمنافقون ؟ قال: المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلاً ، قيل : فما هم ؟ قال : قوم حاربونا ، فحاربناهم ، وقاتلونا ، فقاتلناهم.
__________
(1) هذه الزيادة زادها محقق الكتاب من «منهاج السنة» لابن تيمية (3/60).(1/12)
حدثنا إسحاق ، أنا أبو نعيم ، ثنا سفيان ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه قال : سمع عليّ [ يوم ] الجمل ، أو يوم صفين رجلاً يغلو في القول ، فقال : لا تقولوا ، إنما هم قوم زعموا أنا بغينا عليهم ، وزعمنا أنهم بغوا علينا ، فقاتلناهم ، فذكر لأبي جعفر أنه أخذ منهم السلاح ، فقال : ما كان أغناه عن ذلك (1) .
حدثنا محمد بن يحيي ، ثنا أحمد بن خالد ، ثنا محمد بن راشد ، عن مكحول أن أصحاب علي سألوه عن من قتل من أصحاب معاوية ما هم ؟ قال : هم المؤمنون.
حدثنا محمد بن يحيي ، ثنا أحمد بن خالد ، ثنا عبد العزيز بن [ عبد الله ] بن أبي سلمة ، عن عبد الواحد بن [ أبي ] عون قال : مرَّ عليٌّ وهو متكئ على الأشتر على قتلى صفين ، فإذا حابس اليماني مقتول ، فقال الأشتر : إنا لله وإنا إليه راجعون ، حابس اليماني معهم يا أمير المؤمنين ! عليه علامة معاوية ، أما والله لقد عهدته مؤمناً ، فقال عليّ : والآن هو مؤمن ، قال : وكان حابس رجلاً من أهل اليمن ، من أهل العبادة والاجتهاد (2) .
حدثنا محمد بن يحيي ، ثنا محمد بن عبيد ، ثنا مختار بن نافع ، عن أبي مطر ، قال : قال عليّ : متى ينبعث أشقاها ؟ قيل : من أشقاها ؟ قال : الذي يقتلني ، فضربه ابن ملجم بالسيف ، فوقع برأس عليّ ، وهَمَّ المسلمون بقتله ، قال : لا تقتلوا الرجل ، فإن برئتُ فالجروح قصاص ، وإن متُّ فاقتلوه ، فقال : إنك ميِّت ، قال : وما يدريك ؟ قال : كان سيفي مسموماً .
__________
(1) قلت: قال علي رضي الله عنه هذا في الخوارج, فوصف أهل الشام بالإيمان ونفي النفاق عنهم من باب أولى, كما سيأتي تصريحه رضي الله عنه بذلك .
(2) قال محقق الكتاب : وعبد العزيز هو ابن الماجشون ، والزيادة في اسمه من التهذيب ، والزيادة الأخرى في اسم شيخه من المنهاج والتهذيب ا.هـ .(1/13)
حدثنا محمد بن يحيي ، ثنا محمد بن عبيد ثنا الحسن ـ وهو ابن الحكم النخعي ـ عن رياح بن الحارث قال : إنا بوادي الظبي ، وإن ركبتي لتكاد تمس ركبة عمار بن ياسر ، فأتى رجل ، فقال : كفر ـ والله ـ أهل الشام ، فقال عمار : لا تقل ذلك ، قبلتنا واحدةٌ ، ونبيّنا واحد ، ولكنهم قوم مفتونون ، فحق علينا قتالهم حتى يرجعوا إلى الحق.
حدثنا محمد بن يحيي ، ثنا قبيصة ثنا سفيان ، عن الحسن بن الحكم ، عن رياح بن الحارث ، عن عمار بن ياسر قال : ديننا واحد ، وقبلتنا واحدة ، ودعوتنا واحدة ، ولكن قوم بغوا علينا ، فقاتلناهم.
حدثنا محمد بن يحيي ، ثنا يعلى ، ثنا مسعر ، عن عبد الله بن رياح ، عن رياح بن الحارث ، قال : قال عمار بن ياسر : لا تقولوا كفر أهل الشام ، قولوا : فسقوا ، قولوا ظلموا.
.....
حدثنا هارون بن عبد الله ، ثنا محمد بن عبيد ، ثنا مسعر ، عن ثابت بن أبي الهذيل ، قال : سألت أبا جعفر عن أصحاب الجمل ؟ فقال : : مؤمنون ، أو قال : ليسوا كفاراً .
حدثنا هارون ، ثنا يعلى ، ثنا مسعر ، عن ثابت بن أبي الهذيل ، عن أبي جعفر نحوه .
حدثنا محمد بن يحيي ، ثنا يعلى ، ثنا مسعر ، عن ثابت بن أبي الهذيل قال : سألت أبا جعفر عن أصحاب الجمل ؟ فقال : مؤمنون ، وليسوا بكفار ا.هـ .
خامساً : فقهه وروايته للحديث .
لقد كان معاوية رضي الله عنه من أهل العلم من الصحابة، فقد وصفه حبر الأمة وترجمان القرآن : عبد الله بن عباس ، بأنه فقيه كما سبق .
وأخرج الخلال في السنة ( ص : 438) قال : أخبرنا محمد بن حطين قال : حدثنا محمد بن زنبور قال : قال الفضيل : أوثق عملي في نفسي حب أبي بكر وعمر وأبي عبيدة بن الجراح وحبي أصحاب محمد عليهم السلام جميعاً .
وكان يترحم على معاوية، ويقول : كان من العلماء من أصحاب محمد عليه السلام .
قلت : وفضيل هو ابن عياض ، وكان من أجلة الناس في زمانه ، كان مشهوراً بالزهد والعبادة وهو من طبقة أتباع التابعين .(1/14)
ومما يدل على علمه وفقهه ما روي عنه من مسائل وفتاوى مشهورة منثورة في كتب أهل العلم، وسيأتي ذكر بعضها إن شاء الله، وقد ذكره ابن حزم ضمن مرتبة المتوسطين في الفتيا من الصحابة رضي الله عنهم .
وقد كان رضي الله عنه صاحب رواية فقد كان أصحاب رسول الله ? يحدثون عنه .
فقد ذكر الحافظ أبو نعيم الأصبهاني رحمه الله في كتابه «معرفة الصحابة» (5/2497) الصحابة والتابعين الذين روو عنه .
فقال رحمه الله : ( حدث عنه من الصحابة : عبد الله بن عباس وأبو سعيد الخدري وأبو الدرداء وجرير والنعمان وعبد الله بن عمرو بن العاص ووائل بن حجر وعبد الله بن الزبير (1) .
ومن التابعين : سعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعروة بن الزبير ومحمد بن الحنفية وعيسى بن طلحة وحميد بن عبد الرحمن وأبو سلمه بن عبدالرحمن وسالم بن عبد الله والقاسم بن محمد في آخرين ا. هـ .
وذكر ابن حزم أن له مائة وثلاثة وستين حديثا عن النبي ?، كما في رسالته «أسماء الصحابة الرواة وما لكل واحد من العدد» (277).
وذكر ابن الوزير اليماني في «العواصم والقواصم» أحاديث معاوية وتوسع في الكلام عليها ، وذكر خلاصة ذلك في كتابه «الروض الباسم»، وسوف يأتي بمشيئة الله ذكر كلامه .
ومن الأدلة التي تدل على علمه ما نقل عنه من فتاوى وقيامه بواجب الدعوة إلى الله تعالى وإنكار المنكر ، ومن ذلك:
1- ما أخرجه البخاري ( 587 ) من طريق محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة عن أبي التياح قال سمعت حمران بن أبان يحدث عن معاوية رضي الله عنه قال : إنكم لتصلون صلاة لقد صحبنا رسول الله ? فما رأيناه يصليها ، ولقد نهى عنها . يعني الركعتين بعد العصر .
__________
(1) رواية أبي سعيد الخدري وجرير كلتاهما عند مسلم, ورواية ابن عباس عنه في الصحيحين , وروى عنه أيضا من صغار الصحابة السائب بن يزيد, وروايته عنه عند مسلم.(1/15)
2- وقال البخاري ( 5932 ) حدثنا إسماعيل ، حدثني مالك ، عن ابن شهاب ، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه عام حج وهو على المنبر وهو يقول وقد تناول قصة من شعر كانت بيد حرسي : « أين علماؤكم سمعت رسول الله ? ينهى عن مثل هذا ويقول : إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذا نساؤهم ».
وأخرجه مسلم في صحيحه ( 2127 ) .
3- وأخرج أحمد ( 4/96 ) من طريق ابن جريج قال : أخبرني عمرو بن عطاء بن أبي الخوار أن نافع بن جبير أرسله إلى السائب بن يزيد ابن أخت .... يسأله عن شيء رآه منه معاوية في الصلاة ؟ فقال : نعم صليت معه الجمعة في المقصورة ، فلما سلم قمت في مقامي وصليت . فلما دخل أرسل إلي ، فقال : لا تعد لما فعلت إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تتكلم أو تخرج فإن نبي الله ? أمر بذلك . لا توصل بصلاة حتى تخرج أو تتكلم .
وأخرج مسلم ( 883 ) من طريق ابن جريج قال : أخبرني عمرو بن عطاء به .
4- وأخرج الإمام أحمد في المسند ( 4/100 ) قال: حدثنا مروان بن معاوية الفزاري حدثنا حبيب بن الشهيد عن أبي مجلز ، قال خرج معاوية فقاموا له فقال : سمعت رسول الله ? يقول : « من سره أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار » .
وأخرجه الترمذي ( 2755 ) من طريق قبيصة عن سفيان عن حبيب به . وقال : هذا حديث حسن .
وقال الإمام أحمد في مسنده (4/93): حدثنا إسماعيل حدثنا حبيب بن الشهيد عن أبي مجلز أن معاوية دخل بيتا فيه ابن عامر وابن الزبير, فقام ابن عامر وجلس ابن الزبير، فقال معاوية: اجلس, فإني سمعت رسول الله ? يقول: «من سره أن يمثل له العباد قياما, فليتبوأ بيتا في النار».
ورواه في موضع آخر (4/91) عن محمد بن جعفر عن شعبة عن حبيب بنحوه.(1/16)
5- وأخرج أبو داود في سننه ( 2074 ) قال : حدثنا محمد بن يحيي بن فارس ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا أبي عن ابن إسحاق ، حدثني عبدالرحمن بن هرمز الأعرج أن العباس بن عبد الله بن عباس أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته وأنكحه عبد الرحمن ابنته ، وكانا جعلا صداقا فكتب معاوية إلى مروان يأمره بالتفريق بينهما وقال في كتابه : ( هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله ? ) .
وأخرجه أحمد في المسند ( 4/94 ) من طريق إبراهيم بن سعد به.
6_ وقال الإمام أحمد في مسنده (4/93): حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا حريز عن عبدالرحمن بن أبي عوف الجرشي عن معاوية قال: رأيت رسول الله ? يمص لسانه – أو قال: شفته- يعني: الحسن بن علي صلوات الله عليه , وإنه لن يعذب لسان أو شفتان مصهما رسول الله ?.
7_ وقال الإمام أحمد في مسنده (4/94): حدثنا علي بن بحر حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا عبدالله بن العلاء عن أبي الأزهر عن معاوية أنه ذكر لهم وضوء رسول الله ? وأنه مسح رأسه بغرفة من ماء حتى يقطر الماء من رأسه أو كاد يقطر, وإنه أراهم وضوء رسول الله ?, فلما بلغ مسح رأسه, وضع كفيه على مقدم رأسه, ثم مر بهما حتى بلغ القفا, ثم ردهما حتى بلغ المكان الذي بدأ منه.
ذكر رواية بعض أهل البيت عن معاوية رضي الله عنه:
وروايتهم عنه دالة على فضله وصدقهم عندهم, وقد سبق أن ابن عباس رضي الله عنهما ممن روى عنه رضي الله عنه, ومن الأحاديث التي رواها عنه:
قال عبدالله ابن الإمام أحمد في زوائد المسند (4/97): حدثني عمرو بن محمد الناقد حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن ابن عباس عن معاوية قال: قصرت عن رأس رسول الله ? عند المروة.
وأصل هذا الحديث رواه البخاري في صحيحه (1730) من حديث طاوس عن ابن عباس عن معاوية به.
وأيضا ممن روى عنه محمد بن علي بن أبي طالب (ابن الحنفية), ومن الأحاديث التي رواها عنه:(1/17)
قال الإمام أحمد (4/97): حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة أخبرنا عبدالله بن محمد بن عقيل عن محمد بن علي ابن الحنفية عن معاوية بن أبي سفيان قال: سمعت رسول الله ? يقول: «العمرى جائزة لأهلها».
سادساً : جهاده رضي الله عنه .
لقد جاهد مع النبي ? وحضر معه بعض المشاهد .
قال ابن سعد في الطبقات ( 7/406 ) : وشهد مع رسول الله ? حنيناً والطائف . ا. هـ .
ومن أعماله الجهادية في فترة ولايته بالشام في عهد عمر وعثمان رضي الله عنهما، وبعد توليه الخلافة ما يلي :
1ـ أنه طلب من عثمان رضي الله عنه أن يأذن له أن يغزو في البحر جهة قبرس، ففتح الله على يديه قبرس (1) .
وهذه الغزوة هي التي قال النبي ? فيها: « أول جيش يغزو البحر قد أوجبوا » .
أخرج البخاري في صحيحه ( 2924 ) قال : حدثني إسحاق بن يزيد الدمشقي , حدثنا يحيى بن حمزة , أن عمير بن الأسود حدثه أنه أتى عبادة بن الصامت رضي الله عنه- وهو نازل في ساحة حمص وهو في بناءٍ له ومعه أم حرام- . قال عمير : فحدثتنا أم حرام أنها سمعت النبي ? يقول : « أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا » قالت أم حرام : قلت يا رسول الله أنا منهم ؟ قال:«أنت منهم» .
وقد جاء في البخاري ( 2799ـ 2800) من طريق الليث قال : حدثنا يحيى ، عن محمد بن حيان ، عن أنس بن مالك عن خالته أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها فذكره وفيه : « أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية » ا. هـ .
قال الحافظ ابن حجر في الفتح ( 6/90 ) : ومعاوية أول من ركب البحر من الغزاة وذلك في خلافة عثمان ا. هـ .
وقد كان معاوية هو أمير هذا الجيش (2) .
__________
(1) وينطقها الناس الآن (قبرص) بالصاد .
(2) انظر: تاريخ ابن جرير (2/601)، وتاريخ دمشق لابن عساكر ( )، والبداية والنهاية (10/228) .(1/18)
2 ـ وقد كان في عهده أول حصار للقسطنطينية عام 49 هـ وكان في الجيش الذي أرسله معاوية: ابن عباس وابن الزبير وأبو أيوب الأنصاري (1).
3 ـ وفي عام 54هـ كان الحصار الثاني للقسطنطينية بقيادة عبد الله بن قيس الحارثي التجيبي وكان بمعونته فضالة بن عبيد وقد استمر حصار المسلمين لها مدة سبع أو ست سنوات (2).
4 ـ وأما فتوحات شمال افريقيا ، ففي عام 41هـ أمر معاوية رضي الله عنه عمرو بن العاص رضي الله عنه واليه على مصر بالغزو في شمال افريقية ومناهضة البيزنطيين هناك ، فجهز عمرو بن العاص رضي الله عنه عقبة بن نافع الفهري ، فتمكن من فتح الكثير من البلاد هناك مثل لوميه ومراقبه وزناته وغيرها .
وفي عهده رضي الله عنه أسست مدينة القيروان قاعدة الفتح الإسلامي في شمال أفريقيا .
5 ـ وفي عهده رضي الله عنه فتحت الكثير من بلاد خراسان وسجستان مثل بست وخشك وكابل وغيرها .
وقد ابتدأ ذلك عام 42 ـ 43 هـ عندما عين عبد الله بن عامر بن كريز – وهو عامل معاوية رضي الله عنه - عين عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب على تلك النواحي والجهاد لها .
وقد كانت مرو قاعدة الجهاد في تلك النواحي وكان عليها الحكم بن عمرو الغفاري رضي الله عنه .
سابعاً : إنكاره للمنكر رضي الله عنه .
لقد كان رضي الله عنه حريصاً على إتباع الكتاب والسنة منكراً لما يخالفهما ، ويبين ذلك ما روي عنه من مواقف تجلي هذا وتوضحه ، وقد تقدم بعض ما ورد عنه في ذلك عند الحديث عن فقهه وروايته .
ثامناً : صدقه وتثبته.
ومما عرف به معاوية رضي الله عنه صدقه وعدم اتهامه فيما يرويه ويخبر به ، وهذا أمر معروف عنه رضي الله عنه .
__________
(1) انظر: تاريخ الأمم والملوك لابن جرير (3/206) .
(2) انظر: تاريخ الأمم والملوك لابن جرير (3/221 ) .(1/19)
وأخرج الخلال في السنة ( ص: 447 ) : أن الإمام أحمد سئل عن رجل انتقص معاوية وعمرو بن العاص أيقال له: رافضي ؟ فقال رحمه الله : إنه لم يجترئ عليهما إلا وله خبيئة سوء . اهـ .
وذكر الحافظ المزي في تهذيب الكمال ( 1/45 ) : أن الحاكم أبو عبد الله قد روى بإسناد عن أبي الحسن علي بن محمد القابسي : قال سمعت أبا علي الحسن بن هلال يقول : سئل أبو عبد الرحمن النسائي عن معاوية بن أبي سفيان صاحب رسول الله ? فقال : إنما الإسلام كدار لها باب ؛ فباب الإسلام الصحابة ، فمن آذى الصحابة إنما أراد الإسلام كمن نقر الباب إنما يريد دخول الدار . قال : فمن أراد معاوية فإنما أراد الصحابة .
وقال أبو العباس ابن تيمية – كما في الفتاوى المجوعة له( ) - : وقد علم أن معاوية وعمرو بن العاص وغيرهما كان بينهم من الفتن ما كان, ولم يتهمهم أحد من أوليائهم ولا محاربيهم بالكذب على النبي ?, بل جميع علماء الصحابة والتابعين بعدهم متفقين على أن هؤلاء صادقون على رسول الله ? , مأمونون عليه في الرواية عنه, والمنافق غير مأمون على النبي ?, بل هو كاذب عليه, مكذب له ا.هـ.
وقد كان رضي الله عنه يتثبت في الرواية عن النبي ?, ومن الأمثلة على ذلك:
1_ قال الإمام أحمد في مسنده (4/99): حدثنا عبدالرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن عبدالله بن عامر اليحصبي قال: سمعت معاوية يحدث وهو يقول: إياكم وأحاديث رسول الله ? إلا حديثا كان على عهد عمر, وإن عمر رضي الله عنه كان أخاف الناس في الله عز وجل, سمعت رسول الله ? يقول: « من يرد الله به خيرا يفقه في الدين ».
وأخرجه مسلم في صحيحه (1037).(1/20)
2_ وقال البخاري في صحيحه ( فتح- 13/333 ) : وقال أبو اليمان : أخبرنا شعيب عن الزهري أخبرني حميد بن عبد الرحمن سمع معاوية يحدث رهطا من قريش بالمدينة وذكر كعب الأحبار، فقال: إن كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب، وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب ا.هـ .
وقال عثمان بن سعيد الدارمي في «رده على المريسي» (364): ( وادعى المعارض أيضا أنه سمع أبا الصلت يذكر أنه كان لمعاوية بن أبي سفيان بيت يسمى ببيت الحكمة , فمن وجد حديثا ألقاه فيه , ثم رويت بعد.
فهذه الحكاية لم نعرفها ولم نجدها في الروايات , فلا ندري عمن رواها أبو الصلت , فإنه لا يأتي به عن ثقة , فقد كان معاوية معروفا بقلة الرواية عن رسول الله ? , ولو شاء لأكثر إلا أنه كان يتقي ذلك , ويتقدم إلى الناس ينهاهم عن الإكثار على رسول الله ? , حتى إنه كان ليقول: « اتقوا من الروايات عن رسول الله ? إلا ما كان يذكر منها في زمن عمر , فإن عمر كان يخوف الناس في الله تعالى » .
حدثناه ابن صالح عن معاوية بن صالح وساقه بإسناده.
وهذا طعن كثير من المعارض أنه كان يجمع أحاديث الناس عن غير ثبت , فيجعلها عن رسول الله , ولو استحل معاوية هذا المذهب لافتعلها من قبل نفسه ونحلها رسول الله ? , فكان يقبل منه لما أنه عرف بصحبة رسول الله ? , ولم يكن ينحله قول غيره من عوام الناس !
ويدلك قلة رواية معاوية عن النبي ? - وكان كاتبه – على تكذيب ما رويتَ عن أبي الصلت, فإن كنت صادقا فاكشف عن إسناده, فإنك لا تسنده عن ثقة ) ا.هـ .
وقد ذكر العلامة ابن الوزير أحاديث معاوية رضي الله عنه وبين أنه لم ينفرد بها فقال في «العواصم والقواصم» (3/163) : ( وبعد هذه القواعد أذكر لك ما يصدقها من بيان أحاديث معاوية رضي الله عنه في الكتب الستة لتعرف ثلاثة أشياء : عدم انفراده فيما روى ، وقلة ذلك ، وعدم نكارته .(1/21)
ثم ذكر أحاديث معاوية رضي الله عنه ، وبين من تابع معاوية من الصحابة على روايتها ، ثم قال (3/207 ) : ( فهذا جميع ما لمعاوية في الكتب الستة ومُسند أحمد حسب معرفتي وجملتها ستون حديثاً ما صح عنه وما لم يصح ، المتفق على صحته عنه أربعة ... ) إلى أن قال : ( وهو مُقلٌّ جدا بالنظر إلى طول مُدّته ، وكثرة مُخالطته ، وليس فيما يصحُّ عنه بوفاق شيء يوجب الريبة والتهمة ، ولا فيما رواه غيره من أصحابه فبان أن الأمر قريب ، من قبل حديثهم ، فلم يقبل منه حديثا منكراً ...) إلى آخر ما قال رحمه الله .
وقال رحمه الله في «الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم ?» (2/523 ـ 543) : « الطائفة الثالثة : معاوية والمغيرة وعمرو بن العاص ، ومن تقدم ذكره في الأوهام ، فإن كثيراً من الشيعة ذكروا أنها ظهرت على هؤلاء الثلاثة قرائن تدلّ على التأويل ، وقدحوا بتصحيح حديثهم في حديث الكتب الصّحاح كالبخاري ومسلم .
وأما أهل الحديث فمذهبهم أنهم من أهل التأويل والاجتهاد والصدق ، لكونهم أظهروا التأويل فيما يحتمله ، وعلم البواطن محجوب عن الجميع ، وبين الفريقين في هذا ما لا يتسع له هذا « المختصر » ، والقصد : مجرد تصحيح الحديث الصحيح ، والذب عنه لا غيره فيما بين أهل المذهبين ، وقد اجتهدت في هذا الكتاب في نصرة الحديث الصحيح بالطرق التي يتفق الفريقان على صحتها أو يتفقون على قواعد تستلزم صحتها ، كما يعرف ذلك من تأمل هذا الكتاب كله ، وفي هذا الموضع لم أجد طريقاً قريبة مجمعاً عليها إلا طريقاً واحدة ، وهي : بيان صدق هؤلاء المذكورين في روايتهم بشهادة من لم تجرحه الشيعة من الصحابة لهم بصحة الرواية في كل حديث على التعيين ، خاصة في أحاديث الأحكام المعتمدة في معرفة الحلال والحرام .
فأما أبو موسى الأشعري وعبد الله بن عمرو بن العاص ونحوهم ممن لم يصح عنه حرب لعلي ـ رضي الله عنه ـ ولا سب ؛ فقد تقدم الجواب عما ذكر المعترض فيهم .(1/22)
وأما هؤلاء الثلاثة المذكورون فهم الذين أذكر هنا ما يدل على صحة حديثهم ، وأقتصر على ما يتعلق بالأحكام من ذلك اختصاراً ، وذلك يتم بذكر ما لهم من الأحاديث المتعلقة بالأحكام وما لأحاديثهم من الشواهد المروية عن النبي ? ، ونشير إلى ذلك على أقل ما يكون من الاختصار المفيد ـ إن شاء الله تعالى ـ فنقول :
المروي في الكتب الستة من طريق معاوية في الأحكام ثلاثون حديثاً .
الأول : حديث تحريم الوصل في شعور النساء ، رواه عنه البخاري ومسلم وغيرهما ، ويشهد لصحته رواية أسماء لذلك وعائشة وجابر .
أما حديث أسماء فخرجه البخاري ومسلم والنسائي .
وأما حديث عائشة فخرجه البخاري ومسلم والنسائي أيضاً .
وأما حديث جابر فخرجه مسلم .
الثاني : « لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق » أخرجه عنه البخاري ومسلم .
وقد رواه مسلم عن سعد بن أبي وقاص .
ورواه مسلم وأبو داود والترمذي عن ثوبان .
ورواه الترمذي عن معاوية بن قرة .
ورواه أبو داود عن عمران بن حصين .
الثالث : حديث النهي عن الركعتين بعد العصر ، رواه البخاري عنه .
وقد رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن أم المؤمنين أم سلمه .
وروى مسلم عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أنه كان يضرب من يفعل ذلك ، ولم ينكر ذلك من فعله فجرى مجرى الإجماع ، وهو قول طوائف من أهل العلم .
الرابع : حديث النهي عن الإلحاف في المسألة رواه عنه مسلم .
ورواه البخاري ومسلم والنسائي عن عبد الله بن عمر .
وأبو داود والترمذي والنسائي عن سمرة بن جندب .
والنسائي عن عائد بن عمرو .
والبخاري عن الزبير بن العوام .
والبخاري ومسلم ومالك في « الموطأ » والترمذي والنسائي عن أبي هريرة .
وأبو داود والنسائي عن ثوبان .
ومالك « في الموطأ » عن عبد الله بن أبي بكر .
والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن حكيم بن حزام .
وأبو داود والنسائي عن ابن الفراسي عن أبيه .(1/23)
الخامس: « إن هذا الأمر لا يزال في قريش » رواه عنه البخاري .
ورواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر .
وروى مسلم نحوه عن جابر بن عبد الله .
ورواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة .
السادس: حديث جلد شارب الخمر وقتله في الرابعة ، رواه عنه أبو داود والترمذي .
وأما جلده فمعلوم من الدين ضرورة ، والأحاديث فيه كثيرة مأثورة ، وأما قتله في الرابعة فرواه الترمذي وأبو داود عن أبي هريرة .
ورواه أبو داود عن قبيصة بن ذؤيب ، وعن نفر من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ .
ورواه الإمام الهادي يحيي بن الحسين في « كتاب الأحكام » ولكن هذا الحكم منسوخ عند كثير من أهل العلم .
السابع: حديث « النهي عن لباس الحرير والذهب ، وجلود السّباع » رواه عنه أبو داود والنسائي ، والترمذي بعضه بغير لفظه ، فأما شواهد تحريم لباس الحرير والذهب فأشهر من أن تذكر .
وأما جلود السباع ؛ فله عليه شاهد عن أبي المليح خرجه الترمذي وأبو داود والنسائي .
الثامن: حديث افتراق الأمة إلى نيّف وسبعين فرقة ، رواه عنه أبو داود .
وروى الترمذي مثله عن ابن عمرو .
وروى الترمذي وأبو داود مثله عن أبي هريرة .
التاسع: النهي عن سبق الإمام بالركوع والسجود ، رواه عنه أبو داود وابن ماجه .
وقد رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة ، ومالك في الموطأ عنه ـ أيضاً ـ .
ومسلم والنسائي عن أنس .
العاشر: النهي عن الشِّغار ، رواه عنه أبو داود .
وقد رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر ، وهو مشهور عن غير واحد من الصحابة ، ومجمع على القول بمقتضاه .
الحادي عشر: أنه توضأ كوضوء رسول الله ? رواه أبو داود ، وليس فيه ما يحتاج إلى شاهد إلا زيادة صبّ الماء على الناصية والوجه .
وقد رواه أبو داود عن علي ـ رضي الله عنه ـ .
الثاني عشر: النهي عن النّوح ، رواه عن ابن ماجه ، وهو أشهر من أن يحتاج إلى ذكر شواهده .(1/24)
الثالث عشر: النهي عن الرّضا بالقيام ، رواه عنه الترمذي وأبو داود ، وله شواهد : في الترمذي عن أنس ، وفي سنن أبي داود عن أبي أمامة .
وفي كتاب الترخيص في القيام للنووي عنهما ، وعن أبي بكرة ، وصحح حديث أنس .
الرابع عشر: النهي عن التمادح ، رواه عنه ابن ماجه .
وقد رواه البخاري ومسلم وأبو داود عن أبي بكرة .
والبخاري ومسلم عن أبي موسى .
ومسلم والترمذي وأبو داود عن عبد الله بن سخبرة عن المقداد بن الأسود.
والترمذي عن أبي هريرة .
الخامس عشر: تحريم كل مسكر ، رواه عنه ابن ماجه ، ورواه الجماعة إلا ابن ماجه عن ابن عمر ، ومسلم والنسائي عن جابر وأبو داود عن ابن عباس ، والنسائي عنه أيضاً .
السادس عشر: حكم من سها في الصلاة ، رواه عنه النسائي وله شاهد في سنن أبي داود عن ثوبان .
السابع عشر: النهي عن القران بين الحج والعمرة ، رواه عنه أبو داود ، وله شاهد عن ابن عمر رواه مالك في الموطأ مرفوعاً ، وعن عمر وعثمان رواه مسلم موقوفاً عليهما .
الثامن عشر: أنه قصر للنبي ? بمشقص بعد عمرته ? ، وبعد حجّه ، رواه عنه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي ، وله شواهد عن علي خرجه مسلم ، وعن عثمان ـ رضي الله عنه ـ في مسلم أيضاً وعن سعد بن أبي وقاص رواه مالك في الموطأ والنسائي والترمذي وصححه ، رواه النسائي عن ابن عباس عن عمر ، والترمذي عن ابن عمر ، والبخاري ومسلم عن عمران بن الحصين .
وروى الترمذي والنسائي : أن معاوية لما روى هذا الحديث ، قال ابن عباس : هذه على معاوية ؛ لأنه ينهى عن المتعة .
التاسع عشر: ما روى عن أخته أم المؤمنين أم حبيبة ـ رضي الله عنه ـ « أن رسول الله ? كان يصلي في الثوب الذي يجامعها فيه ، ما لم ير فيه أذى » رواه أبو داود والنسائي ، ويشهد لمعناه أحاديث كثيرة ، منها : أن رسول الله ? : « كان يصلي في نعليه ما لم ير بهما أذى » رواه البخاري ومسلم عن سعيد بن يزيد ورواه أبو داود عن أبي سعيد الخدري .(1/25)
ويشهد لذلك حديث : « فلا ينصرفنّ حتى يجد ريحاً أو يسمع صوتاً » وهو متفق على صحته ، إلى أشباه لذلك كثيرة تدل على جواز الاحتجاج بالاستصحاب للحكم المتقدّم ، وعلى ذلك عمل العلماء في فطر يوم الشك من آخر شعبان ، وصوم يوم الشك من آخر رمضان .
الموفي عشرين حديثاً: « نهى من أكل الثوم أو البصل عن دخول مسجد رسول الله ? » وهو من روايته عن أبيه ، وله شواهد كثيرة ، فرواه البخاري ومسلم ومالك في الموطأ عن جابر بن عبد الله ، والبخاري ومسلم عن أنس ، ومسلم ومالك في الموطأ عن أبي هريرة ، وأبو داود عن حذيفة والمغيرة ، والبخاري ومسلم وأبو داود عن ابن عمر ، والنسائي عن عمر ، ومسلم وأبو داود عن أبي سعيد .
وأما النهي عن هاتين الشجرتين مطلقاً من غير تقييده بدخول المسجد ، فرواه البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله ، وأبو داود والترمذي عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ .
الحادي والعشرون: حديث : « هذا يوم عاشوراء لم يكتب عليكم » رواه عنه البخاري ومسلم ومالك والنسائي .
وقد روى البخاري ومسلم عن ابن عباس ما يشهد لصحة معناه ، وهو قوله ? في الحديث المشار إليه ، بعد سؤاله عن سبب صوم اليهود له : « فأنا أحق بموسى » وقوله : ? « فنحن نصومه تعظيماً له » .
الثاني والعشرون: حديث : « لا تنقطع الهجرة » رواه عنه أبو داود ، ولم يصح عنه ، قال الخطابي : في إسناده مقال ، وله شاهد رواه النسائي عن عبد الله بن السّعدي .
الثالث والعشرون: حديث النهي عن لباس الذهب إلا مقطعاً رواه عنه أبو داود ، وله شاهد عن جمع من أصحاب رسول الله ? رواه النسائي .
الرابع والعشرون: النهي عن المغلوطات ، قال الخطّابي : الأغلوطات .
ولم يصح عنه ، في إسناده مجهول ، مع أنّ أبا السّعادات ابن الأثير ، روى في جامع الأصول له شاهداً عن أبي هريرة ، وفي البخاري عن أنس : « نهينا عن التكلف » ، وهذا يشهد لمعناه .(1/26)
الخامس والعشرون: حديث الفصل بين الجمعة والنافلة بعدها بالكلام أو الخروج ، رواه عنه مسلم ، وله شاهد في البخاري ومسلم عن ابن عمر من فعل رسول الله ? ، وروى أبو داود عن أبي مسعود الزرقي نحو ذلك في حق الإمام .
[السادس والعشرون ساقط من الأصل يراجع في الكتاب]
السابع والعشرون: حديث : « كل ذنب عسى الله أن يغفره ، إلا الشرك بالله وقتل المؤمن » , رواه عنه النسائي ، وله شاهد عن أبي الدرداء رواه أبو داود ، وله شاهد في كتاب الله تعالى.
الثامن والعشرون: رواه عنه أبو داود حديث : « اشفعوا تؤجروا » وهو حديث معروف ، رواه البخاري ومسلم عن أبي موسى ، وفي القرآن ما يشهد لمعناه ، وهو مجمع على مقتضاه .
التاسع والعشرون: كراهة تتبع عورات الناس ، رواه عنه أبو داود ، وله شواهد ، في الترمذي عن ابن عمر وحسنه ، وفي سنن أبي داود عن أبي برزة الأسلمي ، وعقبة بن عامر ، وزيد بن وهب ، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة .
الموفي ثلاثين حديثاً: حديث : « من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين » رواه عنه البخاري ، وله شاهدان عن ابن عباس وأبي هريرة ذكرهما الترمذي في الجامع وصحح حديث ابن عباس .
فهذه عامة أحاديث معاوية التي هي صريحة في الأحكام أو يستنبط منها حكم ، وهي موافقة لمذهب الشيعة والفقهاء ، وليس فيها ما لم يذهب إليه جماهير العلماء ، إلا قتل شارب الخمر في الرابعة لأجل النسخ ، وقد رواه إمام الزيدية كما قدمنا ، وقد وافقه ثقات الصحابة فيما روى .
فأعجب لمن يشنع على أهل الصحاح برواية هذه الأحاديث ، وإدخالها في الصحيح !!.
وله غير هذه أحاديث يسيرة شهيرة تركنا إيرادها وإيراد شواهدها اختصاراً ، ونشير إليها إشارة لطيفة ليعرف ما هي ، وذلك حديثه في فضل المؤذنين ، وفضل إجابة المؤذن ، وفضل حلق الذكر ، وليلة القدر ليلة سبع وعشرين ، وفضل حب الأنصار وفضل طلحة ، وتاريخ وفاة رسول الله ? وهو ابن ثلاث وستين سنة .(1/27)
وحديث : « اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت » وقد رواه مسلم عن علي رضي الله تعالى عنه .
وحديث : « الخير عادة والشر لجاجة » ، و « لم يبق في الدنيا إلا بلاء وفتنة » ، « إنما الأعمال كالوعاء إذا طاب أسفله طاب أعلاه » .
وفيمن نزل : « والذين يكنزون الذهب والفضة » [ التوبة : 34 ] .
وأثران موقوفان عليه ؛ في ذكر كعب الأحبار ، وفي تقبيل الأركان كلها .
فهذا جملة ماله في جميع دواوين الإسلام الستة ، لا يشذ عني من ذلك شيء ، إلا ما لا يعصم عنه البشر من السهو ، وليس في حديثه ما ينكر قط ، على أن فيها ما لم يصح عنه أو ما في صحته عنه خلاف ، وجملة ما اتفق على صحته عنه منها كلها في الفضائل والأحكام : ثلاثة عشر حديثاً ؛ اتفق البخاري ومسلم منها على أربعة، وانفرد البخاري بأربعة، ومسلم بخمسة ، وهذا دليل صدق أهل ذلك العصر ، وعدم انحطاطهم إلى مرتبة الكذابين خذلهم الله تعالى ، ولو لم يدل على ذلك إلا أن معاوية لم يرو شيئاً قط في ذم علي ـ رضي الله عنه ـ ، ولا في استحلال حربه .
ولا في فضائل عثمان ، ولا ذم القائمين عليه ، مع تصديق جنده له ، وحاجته إلى تنشيطهم بذلك فلم يكن منه في ذلك شيء على طول المدة ، لا في حياة علي ولا بعد وفاته ، ولا تفرد برواية ما يخالف الإسلام ويهدم القواعد ، ولهذا روى عن معاوية غير واحد من أعيان الصحابة والتابعين ؛ كعبد الله بن عباس ، وأبي سعيد الخدري ، وعبد الله بن الزبير ، وسعيد بن المسيب ، وأبي صالح السمان ، وأبي إدريس الخولاني ، وأبي سلمه بن عبد الرحمن ، وعروة بن الزبير ، وسالم بن عبد الله ، ومحمد بن سيرين ، وخلق كثير .(1/28)
وروى عن هؤلاء عنه أمثالهم ، وإنما ذكرت هذا ليعرف أن المحدثين لم يختصوا برواية حديثه ، فإن من المعلوم أنهم لا يقبلون من الحديث إلا ما اتصل إسناده برواية الثقات ، فلولا رواية ثقات كل عصر لحديثه عن أمثالهم لم يصح للمحدثين أنه حديثه ، ولو لم يصح لهم أنه حديثه لم يرووه عنه في الكتب الصحيحة ، وإنما ذكرت هذا على سبيل الاستئناس ، والعمدة في الحجة ما قدمته ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
وقد قبلت الشيعة المعتزلة ما هو أعظم من قبوله على أصولهم وهو مرسل الثقة ، فإنه مقبول عندهم على الإطلاق ، فقبلوا بذلك أحاديث معاوية وهم لا يشعرون ! بل فقبلوا موضوعات كثيرة رواها بعض ثقاتهم بسلامة صدر عن بعض من لم يعرف من المجاهيل ، أو طبقات المجروحين .
ومن قبل مرسل الثقة على الإطلاق دخل ذلك عليه من حيث لا يدري، فإن من الثقات من يقبل المجاهيل ، وفيهم من يقبل كفار التأويل ، وفيهم من هو كافر تأويل عند جمهور المعتزلة والشيعة ، وفيهم من يقبل الفاسق المصرح إذا عرف بالصدق والأنفة من الكذب ، ولقد روي هذا عن الإمام الأعظم أبي حنيفة ـ رضي الله عنه ـ كما قدمنا ذكر ذلك .
وقبول المرسل على هذه الصفة ، أعظم مفسدة وأدخل في قبول الأكاذيب على رسول الله ? ، فينبغي للعاقل أن ينظر في عيب القريب وعيب الصديق ، كما ينظر في عيب الخصم والبعيد ، نسأل الله التوفيق لذلك آمين آمين » .
فصل
في ذكر بعض الحكايات والأخبار
هذه بعض الحكايات والأخبار المنتقاة جاءت عن معاوية رضي الله عنه, وقد ذكرتها لأنه في الغالب عندما يذكر معاوية يقتصر على ذكر ما حصل في زمنه من الفتن وتغفل الجوانب الأخرى في سيرته رضي الله عنه (1) .
__________
(1) بعض هذه الأخبار لا تثبت من جهة الإسناد, ولكن من المعلوم أن مثل هذه الأخبار يتساهل فيها.(1/29)
1_ قال أبو عيسى الترمذي في جامعه (2414): حدثنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله بن المبارك عن عبد الوهاب بن الورد عن رجل من أهل المدينة قال: كتب معاوية إلى عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: أن اكتبي إلي كتابا توصيني فيه، ولا تكثري علي. فكتبت عائشة رضي الله عنها إلى معاوية: سلام عليك، أما بعد، فإني سمعت رسول الله ? يقول: « من التمس رضاء الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس، ومن التمس رضاء الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس »، والسلام علي .
حدثنا محمد بن يحيى حدثنا محمد بن يوسف عن سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها كتبت إلى معاوية ...فذكر الحديث بمعناه، ولم يرفعه ا.هـ .
قلت: والراجح فيه الوقف.
2_ وقال معمر في جامعه – المطبوع مع مصنف عبدالرزاق(20717) -: عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن قال: حدثني المسور بن مخرمة أنه وفد على معاوية، قال: فلما دخلت عليه - حسبت أنه قال: سلمت عليه - ثم قال: ما فعل طعنك على الأئمة يا مسور؟ قال: قلت: ارفضنا من هذا، أو أحسن فيما قدمنا له. قال: لتكلمن بذات نفسك. قال: فلم أدع شيئا أعيبه به إلا أخبرته به. قال: لا أبرأ من الذنوب، فهل لك ذنوب تخاف أن تهلك إن لم يغفرها الله لك؟! قال: قلت: نعم. قال: فما يجعلك أحق بأن ترجو المغفرة مني؟! فوالله لما ألي من الإصلاح بين الناس, وإقامة الحدود, والجهاد في سبيل الله, والأمور العظام التي تحصيها, أكثر مما تلي، وإني لعلى دين يقبل الله فيه الحسنات، ويعفو فيه عن السيئات، والله مع ذلك ما كنت لأخير بين الله وغيره إلا اخترت الله على ما سواه. قال: ففكرت حين قال لي ما قال، فوجدته قد خصمني! فكان إذا ذكره بعد ذلك دعا له بخير(1/30)
3_ وروى ابن عساكر في تاريخه (62/384) من طريق أبي زرعة عن يحيى بن معين عن غندر عن شعبة عن سماك بن حرب عن علقمة بن وائل عن أبيه أن رسول الله ? أقطعه أرضا، قال: فأرسل معي معاوية، فقال: أعطها إياه. أو قال: اعلمها إياه . قال: فقال لي معاوية: أردفني خلفك. فقلت: لا تكون من أرداف الملوك. قال: فأعطني نعلك. قلت: انتعل ظل الناقة. قال: فلما استخلف معاوية أتيته، فأقعدني معه على السرير، وذكرني الحديث. قال سماك: قال: فوددت أني كنت حملته بين يدي.
4_ وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره (5/190) (1) : ( وقال ابن لهيعة: حدثني سالم بن غيلان عن سعيد بن أبي هلال أن معاوية بن أبي سفيان قال لكعب الأحبار: أنت تقول: إن ذا القرنين كان يربط خيله بالثريا؟ فقال له كعب: إن كنت قلت ذلك فإن الله قال: { وآتيناه من كل شيء سببا }.
__________
(1) وعزاه السيوطي في الدر المنثور (5/450) إلى تفسير ابن أبي حاتم.(1/31)
وهذا الذي أنكره معاوية رضي الله عنه على كعب الأحبار هو الصواب، والحق مع معاوية في ذلك الإنكار؛ فإن معاوية كان يقول عن كعب: إن كنا لنبلو عليه الكذب. يعني: فيما ينقله، لا أنه كان يتعمد نقل ما ليس في صحفه، ولكن الشأن في صحفه أنها من الإسرائيليات التي غالبها مبدل مصحف محرف مختلق، ولا حاجة لنا مع خبر الله تعالى ورسول الله ? إلى شيء منها بالكلية، فإنه دخل منها على الناس شر كثير، وفساد عريض، وتأويل كعب قول الله : { وآتيناه من كل شيء سببا }، واستشهاده في ذلك على ما يجده في صحفه من أنه كان يربط خيله بالثريا غير صحيح ولا مطابق؛ فإنه لا سبيل للبشر إلى شيء من ذلك، ولا إلى الترقي في أسباب السماوات، وقد قال الله في حق بلقيس : { وأوتيت من كل شيء } أي: مما يؤتى مثلها من الملوك، وهكذا ذو القرنين يسر الله له الأسباب، - أي: الطرق والوسائل - إلى فتح الأقاليم والرساتيق والبلاد والأراضي، وكسر الأعداء وكبت ملوك الأرض، وإذلال أهل الشرك، قد أوتي من كل شيء مما يحتاج إليه مثله سببا، والله أعلم ) ا.هـ
5_ وقال البخاري في الأدب المفرد (564): حدثنا فروة بن أبى المغراء قال: حدثنا علي بن مسهر عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كنت جالسا عند معاوية، فحدث نفسه ثم انتبه، فقال: لا حلم إلا بتجربة. يعيدها ثلاثا.
وقد كان معاوية رضي الله عنه مضرب مثل في الحلم حتى أن ابن أبي دنيا ألف مصنفا في حلم معاوية، وكذا ابن أبي عاصم.
6_ وقال أبو بكر الدينوري في كتاب «المجالسة وجواهر العلم» (2140): حدثنا أحمد حدثنا محمد بن موسى حدثنا محمد بن الحارث عن المدائني قال: نظر معاوية إلى ابنه وهو يضرب غلاما له, فقال له: أتفسد أدبك بأدبه؟! فلم ير ضاربا غلاما له بعد ذلك.(1/32)
7_ وقال أبو بكر الدينوري في كتاب «المجالسة وجواهر العلم» (801): حدثنا محمد بن موسى البصري حدثنا أبو زيد عن أبي سفيان بن العلاء أخي عمرو بن العلاء قال: قال معاوية: إني لأرفع نفسي أن يكون ذنب أو وزن من حلمي .
وأخرجه ابن أبي الدنيا في الحلم (32) وفي «الإشراف في منازل الأشراف» (337) عن عمر بن عبدالملك البصري قال: سمعت العلاء قال: قال معاوية: ما يسرني بذل الكرم حمر النعم .
وأخرجه البلاذري في أنساب الأشراف (5/32) عن المدائني قال: قال معاوية ... وذكره .
8_ وقال أبو زرعة الدمشقي في تاريخه (1/231): حدثني يحيى بن صالح قال حدثنا سعيد بن عبدالعزيز عن أبي يوسف الحاجب قال : قدم أبو موسى الأشعري , فنزل بعض الدور بدمشق فكان معاوية يخرج ليلاً يستمع قراءته .
9_ وقال أبو زرعة أيضا في تايخه (1/223) : حدثنا أبو مسهر قال حدثنا سعيد : أن فضالة بن عبيد توفي في خلافة معاوية . قال : فحمل معاوية سريره , وقال لابنه عبدالله : أعقبني أي بني , فإنك لن تحمل بعده مثله .(1/33)
10 _ وقال أبو زرعة أيضا في تاريخ (1/593): وحدثني أحمد بن شبويه قال حدثنا سليمان بن صالح قال حدثني عبدالله ابن المبارك عن جرير بن حازم عن عبدالملك بن عمير عن قبيصة بن جابر قال : قدمت على معاوية فرفعت إليه حوائجي فقضاها , قلت : لم تترك لي حاجة إلا قضيتها , إلا واحدة فأصْدِرها مصدرها . قال : وما هي ؟ قلت : من ترى لهذا الأمر بعدك ؟ قال : وفيم أنت من ذاك ؟ قلت : ولم يا أمير المؤمنين؟ والله إني لقريب القرابة , وادُّ الصدر عظيم الشرف قال: فوالي بين أربعة من بني عبد مناف ثم قال : أما كرمة قريش : فسعيد بن العاص , وأما فتاها ,حياءً وحلماً وسخاءً فابن عامر , وأما الحسن بن علي فسيد كريم وأما القارئ لكتاب الله الفقيه في دين الله الشديد في حدود الله مروان بن الحكم وأما عبدالله بن عمر فرجل نفسه , وأما الذي يرد ورود كذا , ويروغ رواغ الثعلب فعبدالله بن الزبير .
11_ وقال يعقوب بن سفيان في تاريخه (1/303): حدثني أبو يوسف حدثني عبيد اله بن موسى أخبرنا إسرائيل عن عثمان عن إياس بن أبي رملة الشامي قال : سمعت معاوية سأل زيد بن أرقم : أشهدت مع رسول ? عيدين اجتمعا في يوم واحد؟ قال : نعم .[قال ] : فكيف صنع ؟ قال : صلى العيد ثم رخص في الجمعة فقال : من شاء أن يصلي فليصل .(1/34)
12_ وقال يعقوب بن سفيان في تاريخه (1/338-339) :حدثنا أبو يوسف حدثنا العباس بن الوليد بن مزيد حدثنا أبي حدثنا ابن جابر حدثني ربيعة بن يزيد قال : قدم أبو كبشة السلولي دمشق في ولاية عبدالملك فقال له عبدالله بن عامر : ما أقدمك ؟ لعلك قدمت تسأل أمير المؤمنين شيئاً ؟ قال: و أن أسأل أحداً شيئاً بعد الذي حدثني سهل بن الحنظلية . قال عبد الله بن عامر : وما الذي حدثك ؟ قال : سمعته يقول : قدم على رسول الله عيينة بن بدر والأقرع بن حابس فسألاه , فدعا معاوية فأمره بشيء لا أدري ما هو , فانطلق معاوية فجاء بصحيفتين ,فألقى إلى عيينة بن بدر أحدهما –وكان أحلم الرجلين – فربطها في يد عمامته وألقى الأخرى إلى الأقرع بن حابس فقال لمعاوية : ما فيها ؟ فقال : فيها الذي أمر به قال : بئس وافد قومي إن أنا أتبتهم بصحيفة أحملها لا أعلم ما فيها كصحيفة المتلمس , قال :ورسول الله ? مقبل على رجل يحدثه فما سمع مقالته أخذ الصحيفة فقضها فإذا فيها الذي أمر به فألقاها , ثم قام وتبعه حتى مر بباب المسجد فإذا بعير مناخ فقال : أين صاحب البعير ؟ فابتعني فلم يوجد فقال : اتقوا الله في هذه البهائم واركبوها صحاحاً وكلوها صحاحاً ثم تبعته حتى دخل منزله فقال كالمتسخط آنفاً : إنه من يسأل الناس عن ظهر الغنى فإنما يستكثر من جمر جهنم . فقلت : يا رسول الله وما ظهر الغنى ؟ قال : أن تعلم أن عند أهلك ما يغديهم أ, يعشيهم .قال : فأنا أسأل أحداً شيئاً بعد هذا ؟
13_ وقال يعقوب بن سفيان في تاريخه (1/367-368): حدثنا أبو اليمان أخبرني شعيب ، وحدثنا الحجاج أخبرني جدي عن المزهري عن حميد بن عبدالرحمن بن عوف أنه سمع معاوية بن أبي سفيان وهو بالمدينة يقول في خطبته : سمعت رسول الله ? يقول هذا اليوم : هذا اليوم عاشوراء ولم يكتب الله صيامه عليكم وأنا صائم , فمن أحب أن يصوم فليصم ومن أحب ا، يفطر فليفطر .(1/35)
14_ وقال يعقوب بن سفيان في تاريخه (1/413): حدثني أبو سعيد عبدالرحمن وسليمان بن عبدالرحمن قالا : ثنا الوليد بن مسلم حدثنا عبدالرحمن بن نمر عن المزهري أخبرني خالد بن عبدالله بن رباح السلمي أنه صلى مع معاوية يوم طعن بايلياء ركعة وطعن معاوية حين قضاها فمازاد أن يرفع رأسه من سجوده فقال معاوية للناس : أتموا صلاتكم .فقام كل امرئ فأتم صلاته , لم يقدم أحداً ولم يقدمه الناس .
15_ وقال يعقوب بن سفيان في تاريخه (1/458): حدثنا أبو بكر قال حدثنا سفيان قال حدثني طلحة بن يحيى قال حدثتني جدتي سُعدى بنت عوف المُرية قالت : دخلت على طلحة بن عبيد الله يوماً وهو حائر فقلت له : مالي أراك حائراً أرابك شيء من أهلك فنعتبك ؟ فقال : ما رابن يمنك ريب ولنعم حليلة المرء المسلم أنت , إلا أنه اجتمع في بيت المال مال كثير غمني .قالت : فقلت : وما يمنعك منه .أرسل إلى قومك واقسمه بينهم . قالت : فأرسل إلى قومه فقسمه بينهم . قال سعدى : فسألت الخازن : كم كان ؟ قال : أربع مائة ألف . ثم رجع إلى حديث «قبيصة بن جابر قال: وصحبت معاوية بن أبي سفيان فما رأيت رجلاً أنصع –أو قال : أبين – طرفا ًولا أحلم جليساً منه , وصحبت زياداً فما رأيت رجلاً أخصب رفيقاً ولا أكرم جليساً ولا أشبه سريرة بعلانية منه .وصحبت المغيرة بن شعبة فلو أن مدينة لها ثمانية أبواب لا يخرج من باب منها إلى بمكر لخرج من أبوابها كلها » .(1/36)
16_ وقال يعقوب بن سفيان في تاريخه (2/380-381): حدثنا أبو اليمان قال حدثنا صفوان عن سليم بن عامر الخبائري : أن السماء قحطت فخرج معاوية بن أبي سفيان وأهل دمشق يستسقون , فلما قعد معاوية على المنبر قال : أين يزيد بن الأسود الجرشي ؟ فناداه الناس ,فأقبل يتخطى الناس فأمر معاوية فصعد المنبر فقعد عند رجليه , فقال معاوية : اللهم إنا نستشفع إليك اليوم بخيرنا وأفضلنا اللهم إنا نستشفع إليك بيزيد بن الأسود الجرشي . يايزيد ارفع يديك إلى الله , فرفع يزيد يديه ورفع الناس أيديهم , فما كان أو شك أن فارت سحابة في الغرب كأنها ترس وهبت لها ريح فسقينا حتى كاد الناس ألا يبلغوا منازلهم .
17_ وقال يعقوب بن سفيان في تاريخه (2/410): وحدثنا سعيد بن أسد حدثنا خمرة عن علي بن أبي حملة قال : أصاب الناس قحط بدمشق وعلى الناس الضحاكين قيس الفهري فخرج بالناس يستسقي فقال : أين يزيد بن الأسود الجرشي ؟ فلم يجبه أحد ثم قال : أين يزيد بن الأسود الجرشي ؟فم يجبه أحد ثم قال : أين يزيد بن الأسود الجرشي ؟ عزمت عليه إن كان يسمع كلامي إلا قام . فقام عليه برنس واستقبل الناس بوجهه ورفع جانبي برنسه على عاتقيه , ثم رفع يديه ثم قال :أي رب إن عبادك قد تقربوا بي إليك فاسقهم . قال : فانصر الناس وهم يخوضون الماء .فقال : اللهم إنه قد شهرني فأرحني منه .قال : فما أتت عليه إلا جمعة حتى قتل الضحاك .
وبه قال : حدثنا سعيد أن معاوية قضى عن عائشة ثمانية عشر ألف دينار .
18_ وقال يعقوب بن سفيان في تاريخه (2/479): حدثني العباس قال أخبرني أبي قال : سمعت الأوزاعي قال : كان معاوية بن أبي سفيان أول ما اعتذر إلى الناس في الجلوس في الخطبة الأولى في الجمعة , ولم يضع ذلك إلا لكبر سنه وضعفه..(1/37)
19_ وقال يعقوب بن سفيان في تاريخه (3/373): أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان أبنا عبدالله بن جعفر ثنا يعقوب بن سفيان ثنا سليمان ثنا عمر بن علي بن مقدم عن هشام بن عروة عن أبيه قال: دخلت على معاوية فقال لي : ما فعل المسلول ؟ قال قلت : هو عندي فقال :أنا والله خططته بيدي أَقْطَعَ أبو بكر الزبير - رضي الله عنه - أرضاً فكنت أكتبها قال :فجاء عمر فأخذ أبو بكر يعني الكتاب فأدخله في ثني الفراش فدخل عمر - رضي الله عنه - فقال : كأنكم على حاجة ؟ فقال أبو بكر - رضي الله عنه - : نعم فخرج فأخرج أبو بكر الكتاب فأتممته .
…20 _ قال أبو داود في سننه (2753): حدثنا حفص بن عمر النمري حدثنا شعبة عن أبي الفيض عن سليم بن عامر – رجل من حمير – قال: كان بين معاوية وبين الروم عهد, وكان يسير نحو بلادهم, حتى إذا انقضى العهد غزاهم, فجاء رجل على فرس أو برذون وهو يقول: الله أكبر, الله أكبر, وفاء لا غدر, فنظروا فإذا عمرو بن عبسة, فأرسل إليه معاوية فسأله, فقال: سمعت رسول الله ? يقول: «من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة ولا يحلها حتى ينقضي أمدها, أو ينبذ إليهم على سواء». فرجع معاوية.
ورواه أحمد (4/111) والترمذي (1580) وقال: حديث حسن صحيح ا.هـ.
ولكن قال أبو حاتم – كما في «المراسيل» لابنه (310): سليم بن عامر لم يدرك عمرو بن عبسة .
21_ وقال أبو زرعة الدمشقي في تاريخه (1/199): حدثني عبدالرحمن بن إبراهيم عن الوليد بن مسلم عن خالد بن يزيد عن أبيه : أن أبا الدرداء كان يلي القضا ء بدمشق , فلما حضرته الوفاة قال له معاوية : من ترى لهذا الأمر ؟ قال : فضالة بن عبيد , فما مات أرسل معاوية إلى فضالة فولاه القضاء فقال له : أما أني لم أحبك بها , ولكني أستترت بك من النار , فاستتر .
فصل
في ذكر الحديث الصحيح : « تقتل عمَّار الفئة الباغية »
والجمع بينه وبين النصوص الأخرى(1/38)
قال البخاري في صحيحه ( ج3/ص : 103 ) رقم ( 2657) : حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عبد الوهاب حدثنا خالد عن عكرمة أن ابن عباس قال له ولعلي بن عبد الله : ائتيا أبا سعيد فاسمعا من حديثه ، فأتيناه وهو وأخوه في حائط لهما يستقيانه فلما رآنا جاء فاحتبى وجلس ، فقال : كنا ننقل لبن المسجد لبنة لبنة ، وكان عمار ينقل لبنتين لبنتين ، فمر به النبي ? ، ومسح عن رأسه الغبار ، وقال : «ويح عمار تقتله الفئة الباغية ! عمار يدعوهم إلى الله ، ويدعونه إلى النار !».
وأخرجه مسلم (2915) من طريق أبي مسلمة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال : أخبرني من هو خير مني أن رسول الله ? قال لعمَّار ، وجعل يمسح رأسه ويقول : « بؤس ابن سمية تقتلك فئة باغية » .
وروى مسلم ( 2916 ) قال : حدثني محمد بن عمرو بن جبلة حدثنا محمد بن جعفر ( ح ) وحدثنا عقبة بن مكرم العمي وأبو بكر بن نافع قال عقبة : حدثنا ، وقال أبو بكر : أخبرنا غندر حدثنا شعبة قال : سمعت خالداً يحدِّث عن سعيد بن أبي الحسن عن أمِّه عن أمِّ سلمة أن رسول الله ? قال لعمار : « تقتلك الفئة الباغية » .(1/39)
قلت : هذا الحديث حديث صحيح , بل هو متواتر كما ذكر ذلك غير واحد من أهل العلم (1) ، ومعنى هذا الخبر واضح لا يحتاج إلى شرح , وهو أن عليا رضي الله عنه هو الذي كان أقرب إلى الحق, وأن عمارا رضي الله عنه تقتله الفئة الباغية, كما هو نص الحديث, وهذا من إخباره ? بالغيب وأعلام نبوته, وقد وقع هذا الأمر كما أخبر عنه ? كما هو معلوم, ولكن لا بد من ضم هذا النص إلى النصوص الأخرى في هذا الباب التي تبين صحة إسلام معاوية وصحبته وفضله رضي الله عنه ، وقد تقدم ذكر بعضها.
وقد قال الله تعالى: { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا } [الحجرات: 9] .
وأخرج البخاري (2924) من طريق خالد بن معدان أن عمير بن الأسود حدثه أنه أتى عبادة بن الصامت رضي الله عنه- وهو نازل في ساحة حمص وهو في بناءٍ له ومعه أم حرام- . قال عمير : فحدثتنا أم حرام أنها سمعت النبي ? يقول : « أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا » قالت أم حرام : قلت يا رسول الله، أنا منهم ؟ قال:«أنت منهم» .
وقد جاء في البخاري ( 2799ـ 2800) من طريق الليث قال : حدثنا يحيى ، عن محمد بن حيان ، عن أنس بن مالك عن خالته أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها فذكره وفيه : « أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية » ا. هـ .
__________
(1) قال أبو عمر بن عبدالبر رحمه الله تعالى في «الاستيعاب» (مع الإصابة 2/481): ( وتواترت الآثار عن النبي ? أنه قال: «تقتل عمار الفئة الباغية» وهو من أصح الأحاديث) ا.هـ , وقال ابن دحية في «أعلام النصر المبين في المفاضلة بين أهلي صفين» (82) – بعد أن ذكر هذا الحديث : (وقد تواتر الحديث) , وقال أبو عبدالله الذهبي في «السير» 1/421 – بعد أن ذكر طرق الحديث - : ( وفي الباب عن عدة من الصحابة فهو متواتر ) ا.هـ , وقال أبو الفضل ابن حجر في «الإصابة» 2/512: ( وتواترت الأحاديث ...)ا.هـ وقد ساق طرقه ابن عساكر في «تاريخه».(1/40)
قال أبو الفضل ابن حجر في الفتح (6/18) : كان ذلك في ثمان وعشرين في خلافة عثمان ا.هـ .
وقال أيضا ( 6/77 ) : وروى ابن وهب في «موطآته» عن ابن لهيعة عمن سمع قال : ومعاوية أول من ركب البحر للغزاة, وذلك في خلافة عثمان ا.هـ
وقال عبدالرزاق في مصنفه (9629): عن معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن امرأة حذيفة قالت: نام رسول الله ? ثم استيقظ وهو يضحك، فقلت: تضحك مني يا رسول الله؟! قال: «لا، ولكن من قوم من أمتي يخرجون غزاة في البحر مثلهم كمثل الملوك على الأسرة ». ثم نام، ثم استيقظ أيضا فضحك، فقلت: تضحك مني يا رسول الله؟! فقال: « لا، ولكن من قوم يخرجون من أمتي غزاة في البحر، فيرجعون قليلة غنائمهم، مغفورا لهم ». قالت: ادع الله لي أن يجعلني منهم. قال: فدعا لها.
قال: فأخبرنا عطاء بن يسار قال: فرأيتها في غزاة غزاها المنذر بن الزبير إلى أرض الروم وهي معنا، فماتت بأرض الروم .
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات, ولا شك أن الذي في الصحيح أصح وإن كان بمعناه, وقد صححه ابن حجر على شرط الصحيح، ولكنه فرق بين القصتين وأطال في ذلك ( ينظر: الفتح6283)، والأقرب أنهما قصة واحدة .
قلت: وبضم النصوص بعضها إلى البعض الآخر اتضحت هذه المسألة, وقد تكلم بعض أهل العلم على هذه القضية وذكروا بعض ما تقدم (1):
1ـ قال يعقوب بن شيبة في مسنده في المكيين في مسند عمار بن ياسر لما ذكر أخبار عمار : سمعت أحمد بن حنبل سئل عن حديث النبي ? في عمار : «تقتلك الفئة الباغية» فقال أحمد: قتلته الفئة الباغية كما قال النبي ? . وقال: في هذا غير حديث صحيح عن النبي ? , وكره أن يتكلم في هذا بأكثر من هذا ا.هـ من «منهاج السنة النبوية» (4/414).
__________
(1) ينظر: «التذكرة» للقرطبي (3/189) ط.دار المنهاج. [ يراجع ](1/41)
2ـ وقال أبو محمد ابن حزم في «الفصل» ( ) : (وأما أمر معاوية رضي الله عنه فبخلاف ذلك ولم يقاتله علي رضي الله عنه لامتناعه من بيعته؛ لأنه كان يسعه في ذلك ما وسع ابن عمر وغيره، لكن قاتله لامتناعه من إنفاذ أوامره في جميع أرض الشام ، وهو الإمام الواجبة طاعته فعلي المصيب في هذا ، ولم ينكر معاوية قط فضل علي واستحقاقه الخلافة، لكن اجتهاده أداه إلى أن رأى تقديم أخذ القود من قتلة عثمان رضي الله عنه على البيعة ، ورأى نفسه أحق بطلب دم عثمان ، والكلام فيه من ولد عثمان ، وولد الحكم ابن أبي العاص لسنه ولقوته على الطلب بذلك ، كما أمر رسول الله ? عبد الرحمن بن سهل أخا عبد الله بن سهل المقتول بخيبر بالسكوت ، وهو أخو المقتول وقال له : كبر كبر ، وروي: الكبر الكبر ، فسكت عبد الرحمن وتكلم محيصة وحويصة ابني مسعود ، وهما ابنا عم المقتول لأنهما كانا أسن من أخيه ، فلم يطلب معاوية من ذلك إلا ما كان له من الحق أن يطلبه ، وأضاف في ذلك الأثر الذي ذكرنا وإنما أخطأ في تقديم ذلك على البيعة فقط ، فله أجر الاجتهاد في ذلك ولا إثم عليه فيما حرم من الإصابة كسائر المخطئين في اجتهادهم الذين أخبر رسول الله ? أن لهم أجرا واحدا وللمصيب أجرين .
ولا عجب أعجب ممن يجيز الاجتهاد في الدماء وفي الفروج ، والأبشار ، والأموال ، والشرائع التي يدان الله بها من تحريم وتحليل وإيجاب، ويَعْذِر المخطئين في ذلك، ويرى ذلك مباحا لليث، وأبي حنيفة ، والثوري ، ومالك والشافعي ، وأحمد، وداود، وإسحاق، وأبي ثور، وغيرهم، كزفر، وأبي يوسف ، ومحمد بن الحسن ، والحسن بن زياد ، وابن القاسم، وأشهب ، وابن الماجشون ، والمزني، وغيرهم.
فواحد من هؤلاء يبيح دم هذا الإنسان ، وآخر منهم يحرمه كمن حارب ولم يقتل ، أو عمل عمل قوم لوط، وغير هذا كثير .(1/42)
وواحد منهم يبيح هذا الفرج وآخر منهم يحرمه، كبكر أنكحها أبوها وهي بالغة عاقلة بغير إذنها ولا رضاها ، وغير هذا كثير .
وكذلك في الشرائع والأموال والأبشار .
وهكذا فعلت المعتزلة بشيوخهم كواصل وعمرو وسائر شيوخهم وفقهائهم ، وهكذا فعلت الخوارج بفقهائهم ومفتيهم.
ثم يضيقون ذلك على من له الصحبة والفضل ، والعلم والتقدم والاجتهاد، كمعاوية وعمرو ومن معهما من الصحابة رضي الله عنهم ، وإنما اجتهدوا في مسائل دماء كالتي اجتهد فيها المفتون ، وفي المفتين من يرى قتل الساحر وفيهم من لا يراه ، وفيهم من يرى قتل الحر بالعبد ، وفيهم من لا يراه، وفيهم من يرى قتل المؤمن بالكافر ، وفيهم من لا يراه .
فأي فرقة بين هذه الاجتهادات واجتهاد معاوية وعمرو وغيرهما ، لولا الجهل والعمى والتخليط بغير علم ؟!
وقد علمنا أن من لزمه حق واجب وامتنع من أدائه وقاتل دونه فإنه يجب على الإمام أن يقاتله وإن كان متأولاً ، وليس ذلك بمؤثر في عدالته وفضله ، ولا بموجب له فسقا، بل هو مأجور لاجتهاده ونيته في طلب الخير ، فبهذا قطعنا على صواب علي رضي الله عنه وصحة إمامته ، وأنه صاحب الحق، وأن له أجرين أجر الاجتهاد وأجر الإصابة ، وقطعنا أن معاوية رضي الله عنه ومن معه مخطئون مأجورون أجرا واحداً .
وأيضا فالحديث الشريف الصحيح عن رسول الله ? أنه أخبر عن مارقة مترق بين طائفتين من أمته يقتلها أولى الطائفتين بالحق ، فمرقت تلك المارقة وهم الخوارج ، بين أصحاب علي وأصحاب معاوية فقتلهم علي وأصحابه فصح أنهم أولى الطائفتين بالحق ، وأيضا الخبر الصحيح عن رسول الله ? : « تقتل عمارا الفئة الباغية » .(1/43)
قال أبو محمد : المجتهد المخطئ إذا قاتل على ما يرى أنه الحق قاصداً إلى الله تعالى بنيته غير عالم بأنه مخطئ فهو فئة باغية ، وإن كان مأجوراً ولا حد عليه إذا ترك القتال ولا قود ، وأما إذا قاتل وهو يدري أنه مخطئ فهذا محارب تلزمه حدود المحاربة والقود ، وهذا يفسق ويخرج لا المجتهد المخطئ ، وبيان ذلك قول الله تعالى : ? وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله ? إلى قوله ? إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم ? .
فهذا نص قولنا دون تكلف تأويل ولا زوال عن موجب ظاهر الآية ، وقد سماهم الله عز وجل مؤمنين باغين بعضهم إخوة بعض في حين تقاتلهم ، وأهل العدل المبغي عليهم والمأمورين بالإصلاح بينهم ، وبينهم ، ولم يصفهم الله عز وجل بفسق من أجل ذلك التقاتل ولا بنقص إيمان ، وإنما هم مخطئون فقط باغون ولا يريد واحد منهم قتل الآخر ، وعمار رضي الله عنه قتله أبو العادية يسار ابن سبع السلمي ، شهد بيعة الرضوان ، فهو من شهداء الله له بأنه علم ما في قلبه ، وأنزل السكينة عليه ورضي عنه ، فأبو العادية رضي الله عنه متأول مجتهد مخطئ فيه باغ عليه مأجور أجرا واحدا ، وليس هذا كقتلة عثمان رضي الله عنه؛ لأنهم لا مجال للاجتهاد في قتله؛ لأنه لم يقتل أحدا ، ولا حارب ، ولا قاتل ، ولا دافع ، ولا زنا بعد إحصان ، ولا ارتد ، فيسوغ لمحاربه تأويل ، بل هم فساق محاربون سافكون دما حراما عمدا بلا تأويل ، على سبيل الظلم والعدوان ، فهم فساق ملعونون .(1/44)
فإذا قد بطل هذا الأمر وصح أن عليا هو صاحب الحق ، فالأحاديث التي فيها التزام البيوت وترك القتال إنما هي بلا شك فيمن لم يلح له يقين الحق أين هو ؟ وهكذا نقول ، فإذا تبين الحق فقتال الفئة الباغية فرض بنص القرآن ، وكذلك إن كانتا معا باغيتين . فقتالهما واجب ؛ لأن كلام الله عز وجل لا يعارض كلام نبيه ? ؛ لأنه كله من عند الله عز وجل ، قال الله عز وجل : ? وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ? ، وقال عز وجل : ? ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ? ، فصح يقينا أن كل ما قاله رسول الله ? فهو وحي من عند الله عز وجل ، وإذ هو كذلك فليس شيء مما عند الله تعالى مختلفا ، والحمد لله رب العالمين .
فلم يبق إلا الكلام على الوجوه التي اعترض بها من رأى قتال علي رضي الله عنه .
فنقول وبالله تعالى التوفيق :
أما قولهم إن أخذ القود واجب من قتلة عثمان رضي الله عنه والمحاربين لله تعالى ولرسوله ? الساعين في الأرض بالفساد ، والهاتكين حرمة الإسلام ، والحرم والإمامة والهجرة ، والخلافة والصحبة والسابقة فنعم .
وما خالفهم قط علي في ذلك ولا في البراءة منهم ، ولكنهم كانوا عددا ضخما جماً لا طاقة له عليهم ، فقد سقط عن علي رضي الله عنه مالا يستطيع عليه ، كما سقط عنه وعن كل مسلم ما عجز عنه من قيام بالصلاة والصوم والحج ولا فرق ، قال الله تعالى : ? لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ? ، وقال رسول الله ? : « إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم » ، ولو أن معاوية بايع عليا لقوى به على أخذ الحق من قتلة عثمان ، فصح أن الاختلاف هو الذي أضعف يد علي عن إنفاذ الحق عليهم ، ولولا ذلك لأنفذ الحق عليهم كما أنفذوه على قتلة عبد الله بن خباب إذ قدر على مطالبة قتلته .(1/45)
وأما تأسي معاوية في امتناعه من بيعة علي بتأخر علي عن بيعة أبي بكر فليس في الخطأ أسوة ، وعلي قد استقال ورجع وبايع بعد يسير ، فلو فعل معاوية مثل ذلك لأصاب ، ولبايع حينئذ بلا شك كل من امتنع من الصحابة من البيعة من أجل الفرقة ، وأما تقارب ما بين علي وطلحة والزبير وسعد فنعم ، ولكن من سبقت بيعته وهو من أهل الاستحقاق للخلافة فهو الإمام الواجبة طاعته فيما أمر به من طاعة الله عز وجل ، سواء كان هنالك من هو مثله أو أفضل منه أو لم يكن ، كما سبقت بيعة عثمان قبله فوجبت طاعته وإمامته على علي وغيره .
ولو بويع هنالك حينئذ وقت الشورى علي أو طلحة أو الزبير ، أو عبدالرحمن أو سعد لكان الإمام ، وولزمت عثمان طاعته ، وكذلك إذ قتل عثمان رضي الله عنه ، فلو بدر طلحة أو الزبير أو سعد أو ابن عمر فبويع لكان هو الإمام ولوجبت طاعته ولا فرق .
ومعاوية مخطئ مأجور مجتهد ، وقد يخفى الصواب على الصاحب العالم فيما هو أبين وأوضح من هذا الأمر من أحكام الدين ، فربما رجع إذا استبان له ، وربما لم يستبين له حتى يموت عليه ، وما توفيقنا إلا بالله عز وجل ، وهو المسئول العصمة والهداية لا إله إلا هو .
فطلب علي حقه فقاتل عليه ، وقد كان له تركه ليجمع كلمة المسلمين كما فعل الحسن ابنه رضي الله عنهما ، فكان له بذلك فضل عظيم قد تقدم به إنذار رسول الله ? إذ قال : « ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين طائفتين عظيمتين من أمتي » فغبطه رسول الله ? بذلك ، ومن ترك حقه رغبة في حقن دماء المسلمين فقد أتى من الفضل بما لا وراء بعده ومن قاتل عليه ولو أنه فلس فحقه طلب ، ولا لوم عليه ، بل هو مصيب في ذلك ، وبالله تعالى التوفيق ) ا.هـ .(1/46)
3ـ وقال ابن العربي في العواصم من القواصم ( ج1/ص: 171 ـ 174 ) : ( والذي تثلج به صدوركم أن النبي ? ذكر في الفتن وأشار وبين وأنذر الخوارج، وقال : « تقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق » ، فبين أن كل طائفة منهما تتعلق بالحق ، ولكن طائفة علي أدنى إليه ، وقال تعالى : ? وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلا أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين ? [الحجرات : 10 ] ، فلم يخرجهم عن الإيمان بالبغي بالتأويل ، ولا سلبهم اسم الأخوة بقوله بعده : ? إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم ? [ الحجرات : 10 ] ، وقال ? في عمار : « تقتله الفئة الباغية » ، وقال ? في الحسن : « ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين » ، فحسن له خلعه نفسه وإصلاحه ) ا.هـ .
4ـ وقال أبو العباس ابن تيمية في «منهاج السنة النبوية» (4/467ـ 468) : « مع أن الذي في الحديث أن عمارا تقتله الفئة الباغية قد تكون الفئة التي باشرت قتله هم البغاة؛ لكونهم قاتلوا لغير ذلك ، وقد تكون غير بغاة قبل القتال ....» .
إلى أن قال ابن تيمية : « وكان علي ومعاوية رضي الله عنهما أطلب لكف الدماء من أكثر المقتتلين، لكن غلبا فيما وقع، والفتنة إذا ثارت عجز الحكماء عن إطفاء نارها، وكان في العسكرين مثل: الأشتر النخعي، وهاشم بن عتبة المرقال، وعبدالرحمن بن خالد بن الوليد، وأبي الأعور السلمي، ونحوهم من المحرضين على القتال، قوم ينتصرون لعثمان غاية الانتصار، وقوم ينفرون عنه، وقوم ينتصرون لعلي، وقوم ينفرون عنه .(1/47)
ثم قتال أصحاب معاوية معه لم يكن لخصوص معاوية بل كان لأسباب أخرى ، وقتال مثل قتال الجاهلية لا تنضبط مقاصد أهله واعتقاداتهم ، كما قال الزهري : وقعت الفتنة وأصحاب رسول الله ? متوافرون، فأجمعوا أن كل دم أو مال أو فرج أصيب بتأويل القرآن فإنه هدر أنزلوهم منزلة الجاهلية ) ا.هـ .
وقال في منهاج السنة النبوية أيضاً (4/ 498 ـ 499 ) : ( وأيضاً فإن الله تعالى يقول في كتابه: ? وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ? ، فقد جعلهم مؤمنين إخوة مع الاقتتال والبغي ، وأيضاً فقد ثبت في الصحيح عن النبي ? أنه قال : « تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق » ، وقال ? : « إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين » ، وقال ? لعمار : « تقتلك الفئة الباغية » لم يقل الكافرة ، وهذه الأحاديث صحيحة عند أهل العلم بالحديث وهي مروية بأسانيد متنوعة لم يأخذ بعضهم عن بعض ، وهذا مما يوجب العلم بمضمونها ، وقد أخبر النبي ? أن الطائفتين المفترقتين مسلمتان ، ومدح من أصلح الله به بينهما ، وقد أخبر أنه تمرق مارقة وأنه تقتلها أدنى الطائفتين إلى الحق ) ا.هـ .
5ـ وقال أبو عبد الله الذهبي في «المنتقى من منهاج الاعتدال في نقض كلام أهل الرفض والاعتزال» (1) (1/249ـ252): ( قال - أي المخالف -: وقاتل عليا وعلي عندهم رابع الخلفاء إمام حق وكل من قاتل إمام حق فهو باغ ظالم.
قلنا : نعم، والباغي قد يكون متأولا معتقدا أنه على حق، وقد يكون بغيه مركبا من تأويل وشهرة وشبهة وهو الغالب.
__________
(1) وهذا الكتاب اختصار لكتاب «منهاج السنة» لابن تيمية, ولكن الذهبي يختصر الكلام بلفظ منه, ويضيف إليه بعض الكلمات .(1/48)
وعلى كل تقدير فهذا لا يرد، وإنا لا ننزه هذا الرجل ولا من هو أفضل منه عن الذنوب، والحكاية مشهورة عن المسور بن مخرمة أنه خلا بمعاوية فطلب منه معاوية أن يخبره بما ينقمه عليه، فذكر المسور أموراً ، فقال : يا مسور ، ألك سيئات؟ قال نعم ، قال: أترجو أن يغفرها الله؟ قال: نعم ، قال: فما جعلك أرجى لرحمة الله مني، وإني مع ذلك والله ما خيرت بين الله وبين سواه إلا اخترت الله على ما سواه ، ووالله لما أليه من الجهاد وإقامة الحدود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أفضل من عملك، وأنا على دين يقبل الله من أهله الحسنات ، ويتجاوز لهم عن السيئات ....
فإن قيل: هؤلاء بغاة لأن النبي ? قال لعمار: «تقتلك الفئة الباغية ».
قلنا: الخبر صحيح، وقد تكلم فيه بعضهم، وبعضهم تأوله على أن الباغي الطالب، وهذا لا شيء.
وأما السلف كأبي حنيفة ومالك وأحمد وغيرهم فيقولون: لم يوجد شرط قتال الطائفة الباغية ، فإن الله يأمر بقتالها ابتداء ، بل أمر إذا اقتتلت طائفتان أن يصلح بينهما ، ثم إن بغت إحداهما قوتلت .
ولهذا كان هذا القتال عند أحمد ومالك: قتال فتنة .
وأبو حنيفة يقول: لا يجوز قتال البغاة حتى يبدؤوا بقتال الإمام ، وهؤلاء لم يبدؤوه.
ثم أهل السنة تقول : الإمام الحق ليس معصوما ، ولا يجب على الإنسان أن يقاتل معه كل من خرج عن طاعته ، ولا أن يطيعه الإنسان فيما يعلم أنه معصية وأن يتركه أولى.
وعلى هذا ترك جماعة من الصحابة القتال مع علي لأهل الشام ، والذين قاتلوه لا يخلو إما أن يكونوا عصاة ، أو مجتهدين مخطئين أو مصيبين .
وعلى كل تقدير فهذا لا يقدح في إيمانهم ولا يمنعهم الجنة بقوله تعالى ? وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلا أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين ? ? إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم ? فسماهم إخوة ) ا.هـ .(1/49)
6ـ وقال ابن كثير في «البداية والنهاية» ( 3/218 ) : ( وهذا الحديث من دلائل النبوة ، حيث أخبر صلوات الله وسلامه عليه عن عمار أنه تقتله الفئة الباغية ، وقد قتله أهل الشام في وقعة صفين ، وعمار مع علي وأهل العراق ... وقد كان علي أحق بالأمر من معاوية ، ولا يلزم من تسمية أصحاب معاوية بغاة تكفيرهم كما يحاوله جهلة الفرقة الضالة من الشيعة وغيرهم ؛ لأنهم وإن كانوا بغاة في نفس الأمر فإنهم كانوا مجتهدين فيما تعاطوه من القتال ، وليس كل مجتهد مصيباً ، بل المصيب له أجران والمخطئ له أجر ، ومن زاد في هذا الحديث بعد : « تقتلك الفئة الباغية » : « لا أنالها الله شفاعتي يوم القيامة » فقد افترى في هذه الزيادة على رسول الله ? فإنه لم يقلها ، إذ لم تنقل من طريق تقبل ، والله أعلم .
وأما قوله : « يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار » فإن عمارا وأصحابه يدعون أهل الشام إلى الألفة واجتماع الكلمة ، وأهل الشام يريدون أن يستأثروا بالأمر دون من هو أحق به ، وأن يكون الناس أوزاعاً على كل قطر إمام برأسه ، وهذا يؤدي إلى افتراق الكلمة واختلاف الأمة ، فهو لازم مذهبهم وناشئ عن مسلكهم ، وإن كانوا لا يقصدونه ، والله أعلم) ا.هـ.
وما أحسن ما قاله أبو عبدالله الذهبي في السير 3/128 : ( فنحمد الله على العافية ا لذي أوجدنا في زمان قد انمحص فيه الحق واتضح من الطرفين، وعرفنا مآخذ كل واحد من الطائفتين، وتبصرنا فعذرنا واستغفرنا وأحببنا باقتصاد، وترحمنا على البغاة بتأويل سائغ في الجملة، أو بخطأ - إن شاء الله - مغفور , وقلنا كما علمنا الله : { رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا}[الحشر: 10] .
وترضينا أيضا عمن اعتزل الفريقين كسعد بن أبي وقاص وابن عمر ومحمد بن مسلمة وسعيد بن زيد وخلق.(1/50)
وتبرأنا من الخوارج المارقين الذين حاربوا عليا وكفروا الفريقين , فالخوارج كلاب النار , قد مرقوا من الدين , ومع هذا فلا نقطع لهم بخلود النار , كما نقطع به لعبدة الأصنام والصلبان ) .
فصل
في تخريج حديث أبي بكرة: «إن ابني هذا سيد»
…قال أبو عبدالله البخاري في صحيحه (2704): حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا سفيان عن أبي موسى قال: سمعت الحسن يقول: استقبل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال، فقال عمرو بن العاص: إني لأرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها. فقال له معاوية - وكان والله خير الرجلين -: أي عمرو ، إن قتل هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء، من لي بأمور الناس؟! من لي بنسائهم؟! من لي بضيعتهم؟! فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس - عبد الرحمن بن سمرة، وعبد الله بن عامر بن كريز- فقال: اذهبا إلى هذا الرجل فاعرضا عليه، وقولا له، واطلبا إليه. فأتياه، فدخلا عليه، فتكلما، وقالا له، وطلبا إليه، فقال لهما الحسن بن علي: إنا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال، وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائها. قالا: فإنه يعرض عليك كذا وكذا، ويطلب إليك ويسألك. قال: فمن لي بهذا؟! قالا: نحن لك به. فما سألهما شيئا إلا قالا: نحن لك به، فصالحه. فقال الحسن: ولقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول الله ? على المنبر - والحسن بن علي إلى جنبه - وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى، ويقول: « إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ». قال لي علي بن عبد الله: إنما ثبت لنا سماع الحسن من أبي بكرة بهذا الحديث.
قلت: هذا الحديث رواه الحسن البصري, وقد اختلف عليه فيه فبعضهم رواه عنه عن أبي بكرة , وبعضهم رواه عنه عن أنس , وبعضهم رواه عنه عن أم سلمة, وبعضهم رواه عنه مرسلا:
فأما من رواه عنه عن أبي بكرة فجاءت من طرق:
الطريق الأول: رواه إسرائيل أبو موسى البصري عنه قال : سمعت أبو بكرة .(1/51)
كذا رواه علي بن المديني عند البخاري (7109)(1) وعبدالله بن محمد عند البخاري أيضا (2704)(2) وصدقة – هو ابن الفضل المروزي - عند البخاري أيضا (3746)(3) والإمام أحمد في مسنده (5/37-38)(4) وفي "فضائل الصحابة" (1354) ومحمد بن منصور عند النسائي في الكبرى (1718، 10081) والصغرى (3/107) ومحمد بن عباد عند البيهقي (6/165) والحميدي – وهو في مسنده (2/348) – وسعيد بن منصور عند البيهقي (8/173) وإبراهيم بن بشار الرمادي عند الطبراني في الكبير (3/33) .
كلهم (5) عن سفيان بن عيينة عن إسرائيل أبي موسى قال : سمعت الحسن يقول : سمعت أبا بكرة يقول وذكر الحديث .
ورواه أيضا عبدالله بن سعيد عند النسائي في الكبرى (8156) ، وخلف بن خليفة عند البزار في مسنده (9/109) , وأبو خيثمة عند البيهقي (7/63) .
كلهم عن ابن عيينة عن أبي موسى عن الحسن عن أبي بكرة , ولكن لم يذكروا التصريح بالسماع.
وقال البزار عقبه: حديث إسرائيل أبي موسى لا نعلم رواه إلا ابن عيينة عنه .
__________
(1) ورواه من طريقه في "التاريخ الأوسط" أيضا (1/637) وقال عقبه: قال علي: إنما صح عندنا سماع الحسن من أبي بكرة بهذا الحديث .
(2) قال البخاري بعد هذه الرواية : قال لي علي بن عبدالله : إنما ثبت لنا سماع الحسن من أبي بكرة بهذا الحديث .
(3) قال الحافظ ابن حجر في الفتح 7/95: زاد أبو ذر هنا: أبو موسى اسمه إسرائيل بن موسى من أهل البصرة نزل الهند, لم يروه عن الحسن غيره.
(4) قال الإمام أحمد بعد أن ذكر تصريح الحسن بالسماع من أبي بكرة , وقال سفيان مرة : عن أبي بكرة .
(5) قال الحافظ ابن حجر في الفتح 13/62: وقد أخرجه الإسماعيلي من رواية سبعة أنفس عن سفيان بن عيينة وبين اختلاف ألفاظهم ا.هـ .(1/52)
قال الحافظ ابن حجر في الفتح 13/63 – بعد أن نقل كلام البزار هذا - : وتعقبه مغلطاي بأن البخاري أخرجه في علامات النبوة من طريق حسين بن علي الجعفي عن أبي موسى - وهو إسرائيل هذا - وهو تعقب جيد، ولكن لم أر فيه القصة وإنما أخرج فيه الحديث المرفوع فقط ا.هـ .
ورواه أيضا عبدالله بن محمد عند البخاري (3629) عن يحيى بن آدم عن الحسين الجعفي عن أبي موسى عن الحسن عن أبي بكرة بالعنعنة .
ورواه ابن أبي شيبة (6/376) عن الحسين بن علي عن أبي موسى عن الحسن مرسلا.
الطريق الثاني: رواه مبارك بن فضالة عنه قال:أخبرني أبو بكرة.
رواه الإمام أحمد في مسنده (5/44) قال: حدثنا هاشم ثنا المبارك ثنا الحسن ثنا أبو بكرة ... وساق الحديث .
ورواه البزار في مسنده (9/109) عن أحمد بن منصور الرمادي عن أبي داود عن أبي فضالة – وهو مبارك بن فضالة – عن الحسن قال: حدثني أبو بكرة.
وقال البزار عقبه: هذا الحديث يروى عن جابر وعن أبي بكرة وحديث أبي بكرة أشهر وأحسن إسنادا, وحديث جابر أغرب (1) , فذكرناه عن أبي بكرة.
ثم رواه أيضا (9/111) عن أحمد بن منصور ، ورواه ابن حبان في صحيحه (6964) عن أبي خليفة الفضل بن الحباب كلاهما عن أبي الوليد الطيالسي عنه به بالتصريح بالسماع .
ورواه الطبراني في الكبير(3/34) عن أبي خليفة ومحمد بن محمد التمار عن أبي الوليد الطيالسي عنه به , ولكن ذكره بالعنعنة.
وقال البزار عقبه: هذا الحديث قد روي عن أبي سعيد (2) وعن أبي بكرة , ومبارك بن فضالة ليس بحديثه بأس, وقد روى عنه قوم كثير من أهل العلم ا.هـ.
الطريق الثالث: رواه أشعث بن عبد الملك (3) عنه عن أبي بكرة.
__________
(1) نقل هذا النص ابن حجر في الفتح (13/66) وعنده: ( وحديث جابر غريب ) .
(2) حديث أبي سعيد رواه البزار في مسنده – كما في كشف الأستار (2638) – ولكن ليس فيه محل الشاهد.
(3) ورد تعيينه عند الطبراني في الكبير.(1/53)
رواه محمد بن عبدالله الأنصاري عنه به عند أبي داود (4629)والترمذي (3773) والطبراني في الكبير (3/34) والحاكم (3/174) .
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
الطريق الرابع: رواه علي بن زيد بن جدعان عنه عن أبي بكرة.
رواه مسدد عند أبي دواد (4629)، ومسلم بن إبراهيم عند أبي داود (4629) والطبراني في الكبير (3/33)، وعارم عند الطبراني في الكبير (3/33)، ويحيى بن حبيب بن عربي عند البزار في مسنده (9/109), وعفان بن مسلم وسليمان بن حرب عند الحاكم (3/174) .
كلهم عن حماد بن زيد عن علي بن زيد به .
وقال البزار عقبه: حديث علي بن زيد عن الحسن عن أبي بكرة لا نعلم رواه عن علي إلا حماد بن زيد ا.هـ.
الطريق الخامس: رواه إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن أبي بكرة.
رواه الطبراني في الكبير (3/34) عن عبد الرحمن بن سلم عن سهل بن عثمان عن أبي معاوية عن إسماعيل به.
وإسماعيل بن مسلم هو المكي وهو وإن كان من أهل العلم إلا أنه متروك.
الطريق السادس:رواه أبو الأشهب جعفر بن حيان عن الحسن عن أبي بكرة.
رواه الطبراني في الأوسط (2/147) والكبير (3/35) عن أحمد بن محمد بن صدقة نا عبيدالله بن يوسف الجبيري عن محمد بن عبد الله الأنصاري عن أبي الأشهب به .
الطريق السابع: رواه داود بن أبي هند عن الحسن عن أبي بكرة.
رواه الطبراني في الأوسط (3/245) عن أسلم بن سهل الواسطي عن عبدالرحمن بن علي الشيباني عن عبد الحكم بن منصور عن داود به , وقال: لم يرو هذا عن داود إلا عبدالحكم بن منصور.
الطريق الثامن: رواه يونس بن عبيد ومنصور بن زاذان عن الحسن عن أبي بكرة.
رواه الطبراني في الصغير (766) والكبير (3/34) عن الربيع بن سليمان عن عبدالرحمن بن شيبة الجدي عن هشيم به, وقال: لم يروه عن يونس إلا هشيم ولا رواه عنه إلا ابن شيبة , تفرد به الربيع.
وعبدالرحمن بن شيبة قال عنه أبو حاتم: لا أعرفه, وحديثه صالح. وذكره النباتي في «ذيل الضعفاء» .(1/54)
قلت: يبدو أن النباتي ذكره في كتابه بسبب عدم شهرته, والله أعلم.
الطريق التاسع: رواه معمر قال: أخبرني من سمع الحسن يحدث عن أبي بكرة .
وهو في الجامع لمعمر (11/452) من طريق عبدالرزاق به, ومن طريقه رواه الإمام أحمد في المسند (5/47).
وبهذا يكون حديث الحسن عن أبي بكرة روي من تسعة طرق, ووقع التصريح بسماع الحسن من أبي بكرة في الطريقين الأولين, وأما بقية الطرق فهي بالعنعنة.
* * *
وأما من رواه عنه عن أنس:
قال النسائي في سننه الكبرى (5/49): أخبرنا إسماعيل بن مسعود أنا خالد بن الحارث عن أشعث عن الحسن عن بعض أصحاب النبي ? - يعني أنسا – قال: لقد رأيت رسول الله ? يخطب, والحسن على فخذه فيتكلم ما بدا له, ثم يقبل عليه, فيقبله فيقول: « اللهم إني أحبه فأحبه » قال: ويقول: «إني لأرجو أن يصلح به بين فئتين من أمتي».
وقال أيضا (5/49) : أخبرنا محمد بن عبدالأعلى أنا خالد ثنا أشعث عن الحسن عن بعض أصحاب النبي ? - قال : يعني أنس بن مالك – قال: دخلت – أو: ربما دخلت – على رسول الله ? والحسن والحسين يتقلبان على بطنه, قال: ويقول: « ريحانتي من هذه الأمة ».
وأخرجه أيضا في «خصائص علي» (144).
وقال في «عمل اليوم والليلة» (253): أخبرنا محمد بن عبدالأعلى ثنا خالد ثنا أشعث عن الحسن عن بعض أصحاب النبي ? - يعني أنسا – قال: رأيت رسول الله ? يخطب, والحسن بن علي على فخذه, ويقول: إني لأرجو أن يكون ابني هذا سيدا, وإني لأرجو أن يصلح الله به بين فئتين من أمتي».
ورواه البزار في «مسنده» - كما في «كشف الأستار» (2634)- من طريق يحيى بن حبيب عن خالد بن الحارث عن أشعث عن الحسن - قال: وأظنه عن أنس – رفعه ....وساق الحديث.
* * *
وأما من رواه عنه عن أم سلمة:
فهذه الرواية لم أقف عليها, ولكن ذكرها المزي في «تحفة الأشراف» (9/39) قال: روي عن الحسن عن أم سلمة ا.هـ
* * *
وأما من رواه عنه مرسلا:(1/55)
رواه نعيم بن حماد في الفتن (423) عن هشيم عن يونس عن الحسن مرسلا.
وسبق أن ابن أبي شيبة رواه في مصنفه (6/376) عن الحسين بن علي عن أبي موسى إسرائيل عن الحسن مرسلا.
وأيضا رواه إسحاق بن راهويه في مسنده (4/131) من طريق ابن مهدي عن سهل بن أبي الصلت عن الحسن مرسلا.
وقال أبو عبدالرحمن النسائي – بعد أن ذكر الحديث من طريق علي بن زيد بن جدعان, ومن طريق أبي موسى إسرائيل, ومن طريق الأشعث - : أرسله عوف وداود وهشام :
أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال: حدثنا خالد قال: حدثنا عوف عن الحسن قال: بلغني أن رسول الله ? قال للحسن بن علي نحوه مرسل.
أخبرنا أحمد بن سليمان قال: حدثنا أبو داود الحفري عن سفيان عن داود عن الحسن قال: قال رسول الله ? للحسن: «إن ابني هذا سيد ...» نحوه.
أخبرنا محمد بن العلاء أبو كريب قال: حدثنا ابن إدريس عن هشام(1) عن الحسن مرسلا ا.هـ .
فصل
في الكلام على هذا الحديث
هذا الحديث لا شك في صحته عن الحسن, فقد رواه عنه جمع غفير, ولكن اختلفوا عنه كما تقدم في التخريج على أربعة أوجه:
الأول: عن الحسن عن أبي بكرة.
الثاني: عن الحسن عن أنس.
الثالث: عن الحسن عن أم سلمة.
الرابع: عن الحسن مرسلا.
فأما الوجه الثاني: فالذي يظهر أنه خطأ, وأن خالد بن الحارث هو الذي قال: (يعني أنسا), فالذي يبدو أن رواية أشعث عن الحسن عن بعض أصحاب النبي ? حسب, فيبدو أن خالدا هو الذي قال: (يعني أنسا), بدليل أن محمد بن عبدالله الأنصاري قد رواه عنه فقال: عنه عن الحسن عن أبي بكرة (2) .
أو يكون هذا القول لأشعث نفسه اجتهادا منه في تعيين هذا الصحابي, فيكون قد نسي أنه قد حدث به عن الحسن عن أبي بكرة؛ لأنه رواه جمع عن الحسن عن أبي بكرة.
وقال الحافظ ابن حجر في «مختصر زوائد مسند البزار» (1976) : أخطأ فيه أشعث وإنما هو عن الحسن عن أبي بكرة ا.هـ .
__________
(1) هو ابن حسان .
(2) ويؤيد ذلك أنها رواية الجماعة عن الحسن.(1/56)
وأما الوجه الثالث: فلم أقف على إسناده, وقد يكون وهم؛ لأن ابن راهويه – كما سبق - قد روى هذا الحديث في مسنده تحت مسند أم سلمة, ولكنه رواه من مرسل من الحسن, والله أعلم.
وبقي الوجه الأول والأخير, والراجح هو الوجه الأول لأمرين:
الأمر الأول: أنه رواه جمع على الحسن هكذا, وهم:
1- إسرائيل بن موسى, أبو موسى البصري, وهو قد روى عن بعض أصحاب أجلة التابعين, وهم: الحسن البصري وأبي حازم الأشجعي ومحمد بن سيرين (1) , وقيل: إنه روى عن وهب بن منبه, ورد ذلك الأزدي, وقال: إنه غيره, وروى عنه بعض الأجلة, منهم: ابن عيينة والقطان, وهو ليس بالمكثر, وهو ثقة على القول الراجح, فقد وثقه ابن معين وأبو حاتم, وزاد: لا بأس به, وذكره ابن حبان في «الثقات», وقال الأزدي وحده: فيه لين.
قلت: هذا لا يلتفت إليه, فلا يعتبر بكلام الأزدي إذا خالف الأئمة كما هنا, وذلك لتشدده البالغ, والأزدي قد تكلم فيه أيضا.
ومما يدل على ثقة وقوة إسرائيل احتجاج البخاري به, ورواية القطان عنه.
2 - مبارك بن فضالة, وهو فيه خلاف, والراجح أنه لا بأس به.
3 - أشعث بن عبدالملك الحمراني, وقد اختلف فيه:
قال يحيى بن معين: خرج حفص بن غياث إلى عبادان, فاجتمع إليه البصريون, فقالوا له: لا تحدثنا عن ثلاثة: أشعث بن عبدالملك وعمرو بن عبيد وجعفر بن محمد, فقال: أما أشعث فهو لكم وأنا أتركه لكم.
وقال يحيى القطان: هو عندي ثقة مأمون. وقال البخاري: كان يحيى بن سعيد وبشر بن المفضل يثبتون أشعث الحمراني .
وقال أحمد: هو أحمد في الحديث من أشعث بن سوار, روى عنه شعبة, وما كان أرضى يحيى بن سعيد عنه, كان عالما بمسائل الحسن, ويقال: ما روى يونس؟ فقال: نثبت عن الحسن إنما أخذه عن أشعث بن عبدالملك.
وقال ابن معين والنسائي: ثقة. وقال أبو زرعة: صالح. وقال أبو حاتم: لا بأس به, وهو أوثق من الحداني, وأصلح من ابن سوار.
__________
(1) ولم يذكر له شيوخ غيرهم.(1/57)
وقال ابن عدي: أحاديثه عامتها مستقيمة, وهو ممن يكتب حديثه ويحتج به, وهو في جملة أهل الصدق, وهو خير من أشعث بن سوار بكثير.
ومما يقويه رواية شعبة والقطان عنه, والذي يترجح لي أنه ثقة, وأما القصة التي ذكرها يحيى بن معين عن حفص بن غياث فالجواب عنها من ثلاثة أوجه:
أن هؤلاء البصريين لا ندري من هم؟ وهل هم من الحفاظ أم من عامة الرواة؟
أن قولهم معارض بقول كبار الحفاظ المتقدم, وبالذات ما قاله يحيى بن سعيد, وهو رأس البصريين في زمانه.
أن إعراضهم عنه ليس صريحا في إعراضهم عن حديثه, بل قد يكون بسبب أنه من بلدهم ومعروف عندهم, فيريدون حديث غيره ممن لم يكن ببلدهم.
وأشعث مقدم في الحسن البصري وابن سيرين, قال القطان: لم ألق أحدا يحدث عن الحسن أثبت منه. وقال أيضا: لم أدرك أحدا من أصحابنا أثبت عندي منه, ولا أدركت أحدا من أصحاب ابن سيرين بعد ابن عون أثبت منه. وقال أحمد: كان عالما بمسائل الحسن. وذكر عنه أنه إذا أتى إلى الحسن قال له: يا أبا هانئ انشر بزك. أي: هات مسائلك. وقد قال: كل شيء حدثتكم عن الحسن قد سمعته منه إلا ثلاثة أحاديث: حديث زياد الأعلم عن الحسن عن أبي بكرة أنه ركع قبل أن يصل إلى الصف, وحديث عثمان البتي عن الحسن عن علي في الملاص, وحديث حمزة الضبي عن الحسن أن رجلا قال: يا رسول الله متى تحرم علينا الميتة؟
4 - وأبو الأشهب جعفر بن حيان, وهو ثقة خرج له الجماعة, وروايته عند الطبراني كما سبق من طريق أحمد بن محمد بن صدقة عن عبيد الله بن يوسف الجبيري, وعبدالله بن يوسف الجبيري البصري من ولد جبير بن حية, ذكره ابن حبان في الثقات, وقال: حدثنا عنه ابنه أحمد (1) .
__________
(1) وابنه أحمد وثقه الدارقطني.(1/58)
قلت: ومما يقويه أنه روى عنه جمع من الحفاظ منهم ابن ماجه وابن خزيمة وابن أبي داود وأبو عروبة وابن صاعد وحرب بن إسماعيل وغيرهم, والذي يظهر أنه مكثر, لأنه روى عن جمع كبير وروى عنه جمع كبير, ولذا قال عنه ابن حجر في التقريب: صدوق.
قلت: والذي يبدو أنه إما أن يكون ثقة أو صدوقا لما تقدم.
5 - وعلي بن زيد بن جدعان, وهو من أهل العلم, ولكن فيه ضعف, والإسناد إليه صحيح
6 - وإسماعيل بن مسلم , ولكنه متروك.
7 - ومن سمع الحسن بدون أن يسمى, كما في رواية معمر.
الأمر الثاني: أنه زيادة, والزيادة حكمها القبول إذا كانت من ثقة يعتمد عليه فحكمها القبول, لأن من علم حجة على من لم يعلم, وهذه الزيادة رواها جمع كما تقدم, وهم بين الثقة والصدوق الذي لا بأس به ومن فيه ضعف.
* * *
فصل
في سماع الحسن من أبي بكرة
اختلف في سماع الحسن البصري من أبي بكرة الثقفي على قولين:
القول الأول: أنه لم يسمع منه، وهو قول يحيى بن معين والدارقطني (1)
وغيرهما.
والقول الثاني: أنه سمع منه، وهو قول بهز بن أسد العمي البصري وعلي بن المديني والبخاري والبزار , وهو قول الترمذي فيما يظهر لأنه صحح له حديثين من روايته عن أبي بكرة (2) , ثم إن هؤلاء انقسموا إلى قسمين:
__________
(1) قال الدارقطني – كما في سؤالات الحاكم له (320) - : ( الحسن لم يسمع من أبي بكرة ) ا.هـ . وقال في «التتبع» (323): ( وأخرج البخاري أحاديث الحسن عن أبي بكرة, منها: الكسوف, ومنها: «زادك الله حرصا ولا تعد», ومنها: «لا يفلح قوم ولوا أمرهم إمرأة» , ومنها: «ابني هذا سيد», والحسن لا يروي إلا عن الأحنف عن أبي بكرة ) ا.هـ .
قلت: لم أجد له إلا حديثا واحدا ذكر فيه الأحنف, حسب ما في «تحفة الأشراف» و«إتحاف المهرة» , والحسن معروف بكثرة الشيوخ حتى إنه قد يروي عن تلاميذه, فسماعه من الأحنف عن أبي بكرة لا ينافي سماعه من أبي بكرة.
(2) ينظر : (2262 ، 3773) .(1/59)
القسم الأول: من أطلق السماع, فقال إنه سمع, ولم يقيده بشيء.
والقسم الثاني: من أثبت له السماع, ولكن قيده بقوله: سمع شيئا.
والصحيح هو القول الثاني , ويدل لذلك أمور:
الأول: ما وقع في عدة أحاديث من تصريح الحسن بالسماع من أبي بكرة , كما في رواية :
1- إسرائيل بن موسى البصري , وهو ثقة , قد أخرج له البخاري وغيره.
وسبق تخريج روايته.
2- زياد بن حسان الأعلم الباهلي البصري , قال عنه أحمد: ثقة ثقة . وقال أبو حاتم: هو من قدماء أصحاب الحسن.
وروايته عند أبي داود (683) – من رواية ابن داسة والرملي (1) – والنسائي (2/118) كلاهما من طريق حميد بن مسعدة عن يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة عن زياد الأعلم قال: حدثنا الحسن أن أبا بكرة حدثه أنه دخل المسجد والنبي ? راكع, فركع دون الصف, فقال النبي ?: «زادك الله حرصا ولا تعد».
والحديث رواه البخاري في صحيحه (783) من طريق موسى بن إسماعيل عن همام عن الأعلم به, وليس فيه التصريح بالسماع.
وقال الشافعي – كما في المعرفة للبيهقي (2/381)-: سمعت من يروي بإسناد حسن أن أبا بكرة ذكر للنبي ? أنه ركع وراء الصف, فقال له النبي ?: «زادك الله حرصا ولا تعد».
3- مبارك بن فضالة البصري (2) .
وروايته عند البخاري (1048) معلقة , قال: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا حماد بن زيد عن يونس عن الحسن عن أبي بكرة قال: قال رسول الله ?: « إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله, لا ينكسفان لموت أحد, ولكن الله تعالى يخوف بهما عباده ».
__________
(1) ورواه البيهقي في سننه (3/106) من طريق ابن داسة عن أبي داود .
(2) وهو وإن كان قد قال فيه أحمد : كان مبارك بن فضالة يرفع حديثا كثيرا, ويقول في غير حديث عن الحسن: قال حدثنا عمران, قال حدثنا ابن مغفل, وأصحاب الحسن لا يقولون ذلك غيره ا.هـ لكن روايته يعتضد بها مع رواية الآخرين.(1/60)
... وتابعه أشعث عن الحسن, وتابعه موسى عن مبارك عن الحسن قال: أخبرني أبو بكرة أن النبي ? قال: « إن الله تعالى يخوف بهما عباده ».
وقد روى هذا الوجه الإمام أحمد في مسنده (5/37) من طريق خلف بن الوليد عن المبارك عن الحسن عن أبي بكرة أنه حدثه.
وسبق أيضا ذكره التصريح بالسماع بينهما في روايته للحديث الذي معنا ( إن ابني هذا سيد ) عند أحمد والبزار.
وأيضا قال الإمام أحمد (5/41-42): حدثنا أبو النضر وعفان قالا: حدثنا المبارك عن الحسن عن أبي بكرة – قال عفان في حديثه: حدثنا المبارك قال: سمعت الحسن يقول: أخبرني أبو بكرة – قال: أتى رسول الله ? على قوم يتعاطون سيفا مسلولا, فقال: «لعن الله من فعل هذا, أوليس قد نهيت عن هذا؟!» ثم قال: «إذا سل أحدكم سيفه فنظر إليه, فأراد أن يناوله أخاه, فليغمده ثم يناوله إياه».
4- هشام بن حسان البصري (1) .
قال أبو بكر بن أبي خيثمة – كما في تهذيب الكمال للمزي (30/7) - : حدثنا هوذة بن خليفة قال: حدثنا هشام بن حسان عن الحسن قال: مر بي أنس بن مالك وقد بعثه زياد إلى أبي بكرة يعاتبه, فانطلقت معه, فدخلنا على الشيخ وهو مريض, فأبلغه عنه، فقال: إنه يقول: ألم أستعمل عبيدالله على فارس؟! ألم أستعمل روادا على دار الرزق؟! ألم أستعمل عبدالرحمن على الديوان وبيت المال؟! فقال أبو بكرة: فهل زاد على أن أدخلهم النار؟! فقال أنس: إني لا أعلمه إلا مجتهدا. فقال الشيخ: أقعدوني، إني لا أعلمه إلا مجتهدا, وأهل حروراء قد اجتهدوا, فأصابوا أم أخطأوا؟ قال الحسن: فرجعنا مخصومين.
وروى هذا الخبر أيضا صالح بن أحمد في مسائله (1107) عن أبيه عن هوذة به.
…الثاني: أن هذا هو قول جمع من الحفاظ البصريين, وهم من بلد الحسن, فهم أعلم به من غيرهم.
__________
(1) وهو وإن تكلم في روايته عن الحسن, لكن يستأنس بروايته.(1/61)
…فأبو بكرة الثقفي نزل البصرة وتوفي بها, وكذلك الحسن البصري كما سوف يأتي – إن شاء الله تعالى - , وحديثهما عند أهل البصرة, فالبصريون هم أعلم الناس بأبي بكرة والحسن وبما حدثا به, ومن سمع منهما ومن لم يسمع, فقولهم في ذلك أولى من قول غيرهم لهذه القرينة, ولا أعلم أحدا من أهل البصرة – من أقران ابن المديني ونحوهم – خالف هؤلاء البصريين في إثبات سماع الحسن من أبي بكرة, وكل من خالفهم ليس من أهل البصرة.
…الثالث: أن بهز بن أسد البصري من تلاميذ بعض أصحاب الحسن البصري, فهو قد روى عن بعض أصحابه, وقد ذهب كما تقدم إلى أن الحسن قد سمع من أبي بكرة شيئا, فقوله هنا له ميزة على قول غيره؛ لأنه بذلك يكون أعلم به من غيره ممن أتى من بعده, فيكون هذا الوجه من أوجه ترجيح سماع الحسن من أبي بكرة.
وبهز بن أسد من الثقات المشهورين حتى قال أحمد: إليه المنتهى في التثبت.
الرابع: أن الحسن قدم البصرة في أيام صفين إلى أن توفي فيها, وأبو بكرة نزل البصرة وتوفي بها عام (51) أو (52) , فيكون قد عاصره مدة طويلة, نحو خمس عشرة سنة في هذه المدينة, ومن المعلوم أنه كان في زمنهم لا تقام إلا جمعة واحدة وعيد واحد , فهذا مع ما تقدم يقوي سماع الحسن من أبي بكرة.
الخامس: أن الحسن قد احتج ببعض الأحاديث التي يرويها عن أبي بكرة, واحتجاجه بها يدل على قوتها عنده, ومن ذلك احتجاجه بالحديث الذي معنا:
1_ قال الإمام أحمد في مسنده (5/44): حدثنا هاشم ثنا المبارك ثنا الحسن ثنا أبو بكرة قال: كان رسول الله ? يصلي بالناس, وكان الحسن بن علي رضي الله عنهما يثب على ظهره إذا سجد, ففعل ذلك غير مرة, فقالوا له: والله إنك لتفعل بهذا شيئا ما رأيناك تفعله بأحد؟! قال المبارك: فذكر شيئا, ثم قال: إن ابني هذا سيد, وسيصلح الله به بين فئتين من المسلمين». فقال الحسن: فوالله والله بعد أن ولي لم يهرق في خلافته ملء محجمة من دم.(1/62)
وقال إسحاق بن راهويه في مسنده (4/131): أخبرنا عبدالرحمن بن مهدي نا سهل بن أبي الصلت قال: سمعت الحسن يقول: قال رسول الله ? : «إن ابني هذا سيد, يصلح الله به فئتين من المسلمين» يعني الحسن بن علي, قال الحسن: فقد والله أدركت ذلك, أصلح الله به فئتين من المسلمين.
2_ ومن ذلك أيضا ما رواه أبو داود في سننه (1242) قال: حدثنا عبيدالله بن معاذ ثنا أبي عن الأشعث عن الحسن عن أبي بكرة قال: صلى النبي ? في خوف الظهر فصف بعضهم خلفه, وبعضهم بإزاء العدو, فصلى ركعتين ثم سلم, فانطلق الذين صلوا معه فوقفوا موقف أصحابهم, ثم جاء أولئك فصلوا خلفه, فصلى بهم ركعتين ثم سلم, فكانت لرسول الله ? أربعا, ولأصحابه ركعتين ركعتين .
وبذلك كان يفتي الحسن (1) ا.هـ .
السادس: أن رواية الحسن عن أبي بكرة مستقيمة وليس فيها ما يستنكر, وهو قد توبع في بعض ما يرويه عن أبي بكرة, وبعض ما يرويه عنه جاء ما يشهد له.
ولكن وردت في بعض رواياته ألفاظ قد تستغرب, ومن الممكن توجيهها, من ذلك:
الحديث الأول: قال الإمام أحمد (5/41) : حدثنا يزيد أخبرنا حماد بن سلمة عن زياد الأعلم عن الحسن عن أبي بكرة أن رسول الله ? استفتح الصلاة, فكبر ثم أومأ إليهم أن مكانكم, ثم دخل فخرج ورأسه يقطر, فصلى بهم, فلما قضى الصلاة, قال: «إنما أنا بشر وإني كنت جنبا».
…ورواه الإمام أحمد أيضا (5/41) قال: حدثنا أبو كامل حدثنا حماد عن زياد الأعلم عن الحسن عن أبي بكرة أن النبي ? دخل في صلاة الفجر, فأومأ إليهم.. بنحوه.
…ورواه أيضا (5/45) قال: حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة حدثنا زياد الأعلم عن الحسن عن أبي بكرة أن رسول الله ? دخل في صلاة الفجر فأومأ إلى أصحابه .. بنحوه.
__________
(1) هذه الجملة يبدو أنها من كلام الأشعث, كما سيأتي في كلام البيهقي ( ص: ) .(1/63)
…وهذا الحديث رواه أبوداود (236) من طريق موسى بن إسماعيل ويزيد , ورواه ابن خزيمة (1629) من طريق عفان ويحيى بن عباد ويزيد, كلهم عن حماد بن سلمة به.
…وهذا الحديث صحيح, ولكن يستغرب فيه قوله : (فكبر ثم أومأ) فهذه تخالف ما جاء في «الصحيحين» ( ) من حديث الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله ? خرج وقد أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف حتى إذا قام في مصلاه انتظرنا أن يكبر انصرف قال : على مكانكم فمكثنا على هيئتنا حتى خرج إلينا ينطف رأسه ماء وقد اغتسل.
…وفي رواية لمسلم ( ): فأتى رسول الله ? حتى إذا قام في مصلاه قبل أن يكبر ذكر فانصرف, وقال لنا : «مكانكم».
…ويجاب عن ذلك من وجهين:
…الوجه الأول: من حيث الرواية.
وهو: أن الأحاديث في ذلك قد اختلفت, وقد جاء ما يشهد لحديث أبي بكرة:
…فروى الإمام أحمد (1/88) من حديث ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن عبدالله بن زرير الغافقي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: بينما نحن مع رسول الله ? نصلي إذ انصرف ونحن قيام, ثم أقبل ورأسه يقطر فصلى لنا الصلاة ... الحديث.
…وروى الإمام أحمد (2/448) عن وكيع عن أسامة بن زيد عن عبدالله يزيد مولى الأسود بن سفيان عن ابن ثوبان عن أبي هريرة أن النبي ? خرج إلى الصلاة, فلما كبر انصرف وأومأ إليهم أن كما أنتم ثم خرج فاغتسل ثم جاء ورأسه يقطر فصلى بهم...الحديث.
…ورواه ابن ماجه أيضا( ) .
…وروى الطحاوي في مشكل الآثار (3/88) والدارقطني (1/362) من حديث عبيد الله بن معاذ العنبري عن أبيه عن سعيد عن قتادة عن أنس قال: دخل النبي ? في صلاة فكبر وكبرنا معه ثم أشار إلى القوم أن كما أنتم, فلم نزل قياما حتى أتانا وقد اغتسل, ورأسه يقطر ماء.
…وقال الدارقطني عقبه: خالفه عبدالوهاب الخفاف , ثم رواه الدارقطني من حديث عبدالوهاب بن عطاء عن سعيد عن قتادة عن بكر بن عبدالله المزني مرسلا. وقال عقبه: قال عبدالوهاب: وبه نأخذ.(1/64)
…وروى الإمام مالك في موطئه (1/48) من حديث إسماعيل بن أبي حكيم أن عطاء بن يسار أخبره أن رسول الله ? كبر في صلاة من الصلوات, ثم أشار إليهم بيده أن امكثوا, فذهب, ثم رجع وعلى جلده أثرالماء.
…وقال أبو داود في سننه (1/263) : ورواه أيوب وابن عون وهشام عن محمد (1) عن النبي ? قال: فكبر ثم أومأ إلى القوم أن اجلسوا وذهب فاغتسل.
وكذلك رواه مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم عن عطاء بن يسار أن رسول الله ? كبر في الصلاة.
قال أبو داود: وكذلك حدثناه مسلم بن إبراهيم حدثنا أبان عن يحيى عن الربيع بن محمد عن النبي ? أنه كبر.
الوجه الثاني: من حيث الدراية.
وهو: أن للعلماء مسلكان في ذلك:
المسلك الأول: من ذهب إلى تعدد القصة, وممن ذهب إلى هذا ابن حبان والنووي.
المسلك الثاني: من ذهب إلى أن المقصود بالدخول في الصلاة والتكبير قرب دخوله فيها, وممن ذهب إلى هذا الطحاوي .
وبهذا يجاب عن هذه اللفظة في هذا الحديث , وإن كانت خطأ لأن ما في الصحيحين أصح, فالأمر قريب.
* * *
…الحديث الثاني: قال النسائي في الصغرى (3/152): أخبرنا عمرو بن علي ثنا يزيد – هو ابن زريع – ثنا يونس عن الحسن عن أبي بكرة قال: كنا عند النبي ?, فانكسفت الشمس فقام إلى المسجد يجر رداءه من العجلة فقام إليه الناس فصلى ركعتين كما يصلون, فلما انجلت خطبنا فقال: «إن الشمس والقمر آيتان ...» الحديث.
…ورواه البزار (3662) وابن خزيمة (1374) والطحاوي (1/330) والبغوي في الجعديات (1385) والبيهقي (3/331) وغيرهم كلهم من طريق يزيد بن زريع به.
…وتابعه إسماعيل بن علية:
قال ابن حبان في صحيحه (2835) : أخبرنا أبو يعلى ثنا أبو خيثمة ثنا إسماعيل بن إبراهيم عن يونس بن عبيد عن الحسن عن أبي بكرة قال: كنا عند النبي ? فكسفت الشمس, فقام ? عجلانا إلى المسجد فجر إزاره أو ثوبه, وثاب إليه ناس, فصلى بهم ركعتين نحو ما تصلون ... الحديث.
__________
(1) هو ابن سيرين.(1/65)
وقد أخرج رواية ابن علية: البغوي في الجعديات (1385) أيضا مقرونة برواية يزيد بن زريع .
وتابعهما أيضا أشعث – هو ابن عبدالملك- عند النسائي (1492) من رواية إسماعيل بن مسعود عن خالد عنه به, وعند ابن حبان (2837) من رواية إسحاق بن إبراهيم التاجر عن عبدالكريم بن عبدالله السكري عن النضر بن شميل عن أشعث به, وعند الحاكم في المستدرك (1/334) من طريق أحمد بن يعقوب عن يوسف بن يعقوب عن محمد بن أبي بكر عن خالد بن الحارث عنه به، ومن طريق الحاكم رواه البيهقي في سننه أيضا (3/337-338).
ورواه النسائي أيضا (1464) من طريق عمرو بن علي ومحمد بن عبدالأعلى قالا: حدثنا خالد ثنا أشعث به, وليس فيه هذه اللفظة .
وقد علق البخاري رواية أشعث في صحيحيه (1048) ولكن لم يسق لفظها.
وقال البغوي في الجعديات (1384) : ثنا زيد بن أخزم وعلي بن مسلم قالا: نا سعيد بن عامر أنا شعبة عن يونس بن عبيد عن الحسن عن أبي بكرة قال: انكسفت الشمس على عهد رسول الله ? فصلى ركعتين .
وهذا لفظ علي بن مسلم , وفي حديث زيد بن أخزم: صلى بنا النبي ? في الكسوف مثل صلاتنا . ولم يذكر الركعتين ....
قال: وهذا الحديث كان يقال إنه لم يحدث به عن شعبة غير سعيد بن عامرا.هـ .
فقوله في هذه الرواية : ( فصلى بهم ركعتين نحو ما تصلون ) قد يفهم منها أن صلاة الكسوف ليس فيها إلا ركوع واحد, وهذا مخالف للأحاديث الصحيحة في صفة صلاة الكسوف.
…والجواب عن هذا من وجهين أيضا:
…الوجه الأول: من حيث الرواية .
…وهو أن ابن علية ويزيد بن زريع وأشعث قد خولفوا , فقد رواه : خالد الواسطي وعبدالوارث بن سعيد وعبدالأعلى السامي وشعبة – في الوجه الآخر من رواية سعيد بن عامر عنه - وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وهشيم بن بشير ونوح بن قيس كلهم عن يونس بن عبيد، فلم يذكروا هذه اللفظة.
فأما رواية خالد الواسطي فعند البخاري في صحيحه (1040) .
وأما رواية عبدالوارث بن سعيد فعند البخاري أيضا ( 1063).(1/66)
وأما رواية عبدالأعلى السامي فعند البخاري أيضا (5785).
وأما رواية حماد بن زيد فعند البخاري (1048) والنسائي (1459).
وأما رواية هشيم فعند النسائي (1463) والطحاوي في شرح المعاني (3/330).
وأما رواية حماد بن سلمة فعند البيهقي (3/337).
وأما رواية نوح بن قيس فعند ابن حبان – كما في الإحسان (2833)-.
وأما رواية سعيد بن عامر عن شعبة فعند البخاري أيضا (1062) من طريق محمود – هو ابن غيلان - عن سعيد عنه به .
وتابع سعيد بن عامر عن شعبة: يحيى بن السكن عند ابن الجعد في الجعديات (1386) من طريق عمرو الناقد عنه.
وأما رواية زيد بن أخزم عن سعيد بن عامر عن شعبة فهذه يبدو أنها خطأ من زيد بن أخزم – إن صحت هذه الرواية عنه (1) - لوجهين :
الأول: أن علي بن مسلم ومحمود بن غيلان وابن مرزوق – وروايته عند الطحاوي في شرح المعاني (1/330) والبيهقي في الكبرى (3/331) - قد خالفوه فلم يذكروا هذه اللفظة.
الثاني: أن هذا الحديث قد رواه جمع عن شعبة ولم يذكروا هذه اللفظة .
…الوجه الثاني: من حيث الدراية .
قال ابن حبان – كما في الإحسان (2835) - : قول أبي بكرة «فصلى بهم ركعتين نحو ما تصلون» أراد به تصلون صلاة الكسوف ركعتين في أربع ركعات وأربع سجدات ا.هـ.
وهذا جواب مقبول, والله تعالى أعلم.
* * *
الحديث الثالث: قال الإمام أحمد (5/46): حدثنا عبدالرزاق أخبرنا معمر عن قتادة وغير واحد عن الحسن عن أبي بكرة قال: سمعت رسول الله ? يقول: «إن ريح الجنة لتوجد من مسيرة مائة عام, وما من عبد يقتل نفسا معاهدة إلا حرم الله عليه الجنة ورائحتها أن يجدها» قال أبو بكرة: أصم الله أذني إن لم أكن سمعت النبي ? يقولها.
__________
(1) قد روى رواية زيد بن أخزم عن سعيد بن عامر : البزار في مسنده (3660) فلم يذكر هذه اللفظة, والله أعلم .(1/67)
فهذا في ظاهره مخالف لما جاء في صحيح البخاري (3166) من حديث مجاهد عن عبدالله بن عمرو أن النبي ? قال: «من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة, وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما».
والجواب عن هذا أيضا من وجهين:
الوجه الأول: من جهة الرواية.
وهو أن هذا الإسناد أعله كبار الحفاظ , فقد ذكر البخاري في التاريخ الكبير (1/428) هذا الحديث من رواية سفيان عن يونس عن الحكم بن الأعرج عن الأشعث, ثم قال: وقال حماد عن يونس عن الحسن عن أبي بكرة, والأول أصح ا.هـ.
وقال النسائي في سننه الكبرى (8744) - بعد أن روى الحديث من طريق حماد بن سلمة عن يونس عن الحسن عن أبي بكرة - : هذا خطأ والصواب حديث ابن علية, وابن علية أثبت من حماد بن سلمة, والله أعلم ا.هـ .
ورواية ابن علية عند النسائي (4748) والإمام أحمد (5/38) عن يونس بن عبيد عن الحكم بن الأعرج عن الأشعث بن ثرملة عن أبي بكرة قال: قال رسول الله ? : «من قتل نفسا معاهدة بغير حلها حرم الله عليه الجنة أن يشم ريحها» .
الوجه الثاني: من جهة الدراية.
وهو أن هذه الرواية لو صحت فإنها لا تعارض رواية الصحيح, فذكر الأقل لا يلزم منه نفي الأكثر, ولهذا نظائر في السنة.(1/68)
قال ابن القيم في حادي الأرواح (119-120) - بعد أن أشار إلى اختلاف الروايات في المسافة التي توجد منها رائحة الجنة - : وهذه الألفاظ لا تعارض بينها بوجه, وقد أخرجا في الصحيحين من حديث أنس قال: لم يشهد عمي مع رسول الله ? بدرا . قال: فشق عليه . قال: أول مشهد شهده رسول الله ? غبت عنه ! فإن أراني الله مشهدا فيما بعد مع رسول الله ? ليرين الله ما أصنع. قال: فهاب أن يقول غيرها . قال: فشهد مع رسول الله ? يوم أحد, قال: فاستقبل سعد بن معاذ فقال له: أين؟ فقال: واها لريح الجنة أجده دون أحد. قال: فقاتلهم حتى قتل. قال: فوجد في جسده بضع وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية. فقالت أخته عمة الربيع بن النضر: فما عرفت أخي إلا ببنانه, ونزلت هذه الآية : { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه } قال: فكانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه.
وريح الجنة نوعان: ريح يوجد في الدنيا تشمه الأرواح أحيانا لا تدركه العباد, وريح يدرك بحاسة الشم للأبدان كما تشم روائح الأزهار وغيرها, وهذا يشترك أهل الجنة في إدراكه في الآخرة من قرب ومن بعد, وأما في الدنيا فقد يدركه من شاء الله من أنبيائه ورسله, وهذا الذي وجه أنس بن النضر يجوز أن يكون من هذا القسم, وأن يكون من الأول, والله أعلم ا.هـ .
* * *
…الحديث الرابع: قال ابن خزيمة في صحيحه (1368): نا محمد بن معمر بن ربعي القيسي ثنا عمرو بن خليفة البكراوي ثنا أشعث عن الحسن عن أبي بكرة أن النبي ? صلى بالقوم صلاة المغرب ثلاث ركعات ثم انصرف، وجاء الآخرون فصلى بهم ثلاث ركعات، فكانت للنبي ? ست ركعات، وللقوم ثلاث ثلاث .(1/69)
…ورواه الحاكم في المستدرك (1/337) من طريق محمد بن معمر به, وقال عقبه: سمعت أبا علي الحافظ يقول: هذا حديث غريب, أشعث الحمراني لم يكتبه إلا بهذا الإسناد (1) ا.هـ
…وقد روى هذا الحديث جمع عن الأشعث فخالفوا عمرو بن خليفة , منهم : معاذ بن معاذ وسعيد بن عامر وأبو عاصم وأبو حرة.
قال أبو داود في سننه (1242) قال: حدثنا عبيدالله بن معاذ ثنا أبي عن الأشعث عن الحسن عن أبي بكرة قال: صلى النبي ? في خوف الظهر فصف بعضهم خلفه, وبعضهم بإزاء العدو, فصلى ركعتين ثم سلم, فانطلق الذين صلوا معه فوقفوا موقف أصحابهم, ثم جاء أولئك فصلوا خلفه, فصلى بهم ركعتين ثم سلم, فكانت لرسول الله ? أربعا, ولأصحابه ركعتين ركعتين .
وبذلك كان يفتي الحسن .
قال أبو داود: وكذلك في المغرب يكون للإمام ست ركعات, وللقوم ثلاثا ثلاثا ا.هـ .
__________
(1) كذا العبارة في مطبوعة المستدرك, ويبدو أن فيها سقطا, وفي «إتحاف المهرة» لابن حجر (13/566) : ( وسمعت أبا علي يقول: هذا غريب, وأشعث هو الحمراني ) .(1/70)
وقال البيهقي في سننه (3/259-260) – بعد أن روى الحديث من طريق سعيد بن عامر عن الأشعث عن الحسن عن أبي بكرة أن رسول الله ? صلى ببعضهم ركعتين ثم سلم فتأخروا وجاء الآخرون فصلى بهم ركعتين ثم سلم, فكانت لرسول الله ? أربع ركعات وللمسلمين ركعتين ركعتين في صلاة الخوف – قال البيهقي : وكذلك رواه معاذ بن معاذ عن الأشعث، وقال: في الظهر، وزاد: قال: وبذلك كان يفتي الحسن، وكذلك في المغرب يكون للإمام ست ركعات وللقوم ثلاثا ثلاثا. أخبرنا بذلك أبو علي الروذباري أنبأ أبو بكر بن داسة ثنا أبو داود ثنا عبيد الله بن معاذ ثنا أبي ثنا الأشعث فذكر الحديث بمعناه، واللفظ مختلف، وذكر هذه الزيادة، وقوله: ( وكذلك في المغرب ) وجدته في كتابي موصولا بالحديث، وكأنه من قول الأشعث، وهو في بعض النسخ: قال أبو داود: وكذلك في المغرب، وقد رواه بعض الناس عن أشعث في المغرب مرفوعا ولا أظنه إلا واهما في ذلك ا.هـ
وقال في «المعرفة» (3/17): وقد رواه عمرو بن خليفة البكراوي عن الحسن عن أبي بكرة عن النبي ? في المغرب, وهو وهم, والصحيح هو الأول (1) , والله أعلم ا.هـ .
وقال الطحاوي في شرح المعاني (1/315) : حدثا أبو بكرة وابن مرزوق قالا: ثنا أبو عاصم عن الأشعث عن الحسن عن أبي بكرة أن رسول الله ? صلى بهم صلاة الخوف فصلى بطائفة منهم ركعتين ثم انصرفوا, وجاء الآخرون فصلى بهم ركعتين, فصلى رسول الله ? أربعا, وصلى كل طائفة ركعتين.
حدثنا أبو بكرة ثنا أبو داود ثنا أبو حرة عن الحسن عن أبي بكرة عن النبي ? مثله ا.هـ .
* * *
فصل
في الكلام على صحة الحديث
تقدم أن هذا الحديث لا شك في صحته عن الحسن البصري, وتقدم أيضا أن الراجح من الاختلاف الذي وقع هو رواية من رواه عنه عن أبي بكرة ، وتقدم ترجيح سماع الحسن من أبي بكرة فالراجح صحته, وقد صححه كبار الأئمة كما سوف يأتي.
* * *
فصل
في شواهد الحديث
__________
(1) أي: الرواية التي فيها أن ذلك كان في صلاة الظهر.(1/71)
…هذا الحديث له شواهد خاصة وعامة.
…فأما الشواهد الخاصة فسوف يأتي الكلام عليها.
…وأما الشواهد العامة :
…فأولا: قد دلت نصوص الكتاب العزيز والسنة النبوية على فضل الصلح والحث عليه, ومن ذلك قوله تعالى: ( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ) , وقوله تعالى: ( والصلح خير ) , وقوله تعالى: ( فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ) , وقوله تعالى: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ) , وقوله تعالى: ( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم ) .
…وفي الصحيحين ( ) من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ?: «كل سلامى من الناس عليه صدقة, كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة ... الحديث».
…وفي الصحيحين ( ) أيضا من حديث أم كلثوم بنت عقبة قالت: سمعت رسول الله ? يقول: «ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا ».
…وثانيا: أن وقوع هذا الصلح يشهد لصحة هذا الحديث, وقد سبقت الإشارة إلى ذلك في كلام الحسن البصري عندما استدلال بهذا الحديث على الصلح الذي وقع بين الحسن ومعاوية رضي الله عنهما.
…وثالثا: أن الحسن رضي الله عنه قد بايعه أهل العراق وكان معه جمع كبير من المسلمين, ومع ذلك تنازل لمعاوية رضي الله عنه, وذلك لعدة أسباب ولعل منها هذا الحديث, والله أعلم.
* * *
…
فصل
في الشواهد الخاصة لهذا الحديث
الشاهد الأول: حديث جابر رضي الله عنه:
قال الخطيب البغدادي في تاريخه (8/26-27): أخبرنا أبو طاهر الحسين بن بشر ومحمد بن أحمد بن محمد السمناني قالا: أخبرنا علي بن عمر بن محمد الختلي أخبرنا أحمد بن الحسن بن عبدالجبار الصوفي حدثنا يحيى بن معين حدثنا يحيى بن سعيد الأموي عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله ? للحسن: « إن ابني هذا سيد يصلح الله به بين فئتين من المسلمين ».(1/72)
هذا الحديث رواته ثقات مشهورون, خرج لهم الجماعة (1) , فيحيى بن سعيد الأموي الراجح أنه صدوق جيد الحديث, وقد وثقه الجمهور كابن معين في أكثر من رواية عنه وابن عمار والدارقطني وابن سعد, وقال أبو داود: ليس به بأس ثقة. ولكن قال أحمد: لم تكن له حركة في الحديث. وقال في رواية أبي داود عنه: ليس به بأس عنده عن الأعمش غرائب. وقال الأثرم عن أحمد: ما كنت أظن عنده الحديث الكثير, فإذا هم يزعمون أن عنده عن الأعمش حديثا كثيرا وعن غيره, وقد كتبنا عنه, وكان له أخ له قدر وعلم يقال له: عبدالله. ولم يثبت أمر يحيى, كأنه يقول: كان يصدق وليس بصاحب حديث.
قلت: وهذا الكلام يفيد أنه كان مكثرا عن الأعمش, ولكنه ليس بالمتقن الثبت, وإنما هو دون ذلك, وبهذا يجاب عن إيراد العقيلي له في الضعفاء.
وقد خرج له البخاري أربعة أحاديث:حديثان توبع عليهما في البخاري أحدهما عن الأعمش, والآخران توبع عليهما في مسلم, وقد نعته الحافظ ابن حجر بالحافظ, وذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ.
قلت: وهذا الحفظ قد يكون بالإضافة لما قاله الإمام أحمد أنه كان مشهورا بالمغازي , وما قاله ابن سعد أنه كان ثقة قليل الحديث فيه بعض النظر لما تقدم.
قلت: وقد قال الذهبي في التذكرة: روى عنه خلق كثير.
وأما باقي رجال الإسناد فمشهورون, وأبو سفيان في سماعه من جابر كلام كثير, والخلاصة أنه سمع منه بعض الأحاديث وبعضها إنما هي صحيفة, وهذه الصحيفة تسمى صحيفة جابر, وهي مشهورة وقد ثبت عنه أنه قال: جاورت جابرا بمكة ستة أشهر. وحديثه عن جابر في «الصحيحين», ولكنه عند البخاري متابعة (2) .
ورواية الأعمش عنه مشهورة, حتى وصف بأنه راويته, وقد قال ابن عدي: لا بأس به, روى عنه الأعمش أحاديث مستقيمة.
__________
(1) أي: من يحيى بن معين فمن دونه.
(2) وقد تكلمت عن هذا في «شرح الترمذي» بكلام مطول (الحديث رقم: ).(1/73)
قلت: وقد تابع يحيى بن سعيد : عبدالرحمن بن مغراء, قال الطبراني في الكبير (3/35) : حدثنا محمد بن عبدالله الحضرمي ثنا عبدالسلام بن عاصم الرازي ثنا عبدالرحمن بن مغراء عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله ?: « إن ابني – يعني الحسن – سيد, وليصلحن الله به بين فئتين من المسلمين ».
وأخرجه البزار – كما في كشف الأستار (2635) – من طريق يوسف بن موسى عن ابن مغراء به, وقال البزار: لا نعلمه يروى عن جابر إلا بهذا الإسناد.
قلت: عبدالرحمن بن مغراء مختلف فيه, وقد تكلم في روايته عن الأعمش خاصة, وقد قال علي بن المديني: ليس بشيء, كان يروي عن الأعمش ستمائة حديث تركناه, لم يكن بذاك. وقال ابن عدي: وهو كما قال علي, إنما أنكرت على أبي زهير هذا أحاديث يرويها عن الأعمش, لا يتابعه عليها الثقات.
فهذه المتابعة لا تقوي رواية يحيى بن سعيد لما تقدم.
والخلاصة أن هذا الإسناد من طريق يحيى بن سعيد قوي كما تقدم ولكنه غريب, ولا يحتمل تفرد يحيى بن سعيد به عن الأعمش, ولكنه يستأنس به, وإنما العمل على حديث أبي بكرة ويستأنس بحديث جابر.
قال البزار في مسنده (9/110-111) : وهذا الحديث يروى عن جابر وعن أبي بكرة, وحديث أبي بكرة أشهر وأحسن إسنادا, وحديث جابر أغرب ا.هـ
وقال الطبراني في الأوسط (1810): لم يرو هذا الحديث عن الأعمش إلا عبدالرحمن ويحيى بن سعيد الأموي.
* * *
الشاهد الثاني: حديث أنس رضي الله عنه.
قال أبو عمرو الداني في الفتن (1/216-217): حدثنا عبدالرحمن بن عبدالله الفرائضي قراءة عليه, قال: حدثنا علي بن محمد بن نصير قال: حدثنا أبو بكر محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن فروخ بالرافقة قال: حدثنا عمر بن محمد المعروف بابن التل الأسدي قال: حدثنا أبي قال: حدثنا معقل عن أبان عن أنس أن النبي ? قال للحسن بن علي: « إن ابني هذا سيد, يصلح الله عز وجل على يديه بين فئتين من أمتي يحقن الله دماءهم به ».(1/74)
قلت: في إسناده أبان الرقاشي, وكان من أهل الصلاح, لكنه متروك, وقد اختلف فيه هل كان يتعمد الكذب أم لا؟
فوصفه شعبة بأنه كان يكذب, وخالفه غيره فذكر أنه لم يكن يتعمد الكذب, ولكن كان يقع له ذلك بسبب غفلته وسوء حفظه, قال أبو حاتم: متروك الحديث, وكان رجلا صالحا ولكنه بلي بسوء الحفظ. وقيل لأبي زرعة: كان يتعمد الكذب؟ قال: لا, كان يسمع الحديث من أنس ومن شهر ومن الحسن فلا يميز بينهم.
ويظهر أنه كانت فيه غفلة شديدة, قال يزيد بن زريع: حدثني عن أنس بحديث, فقلت له: عن النبي ?؟ فقال: وهل يروي أنس عن غير النبي ?؟! فتركته.
وهذا الإسناد وإن كان لا يعتمد عليه لسقوطه – كما تقدم – ولكن يدل على شهرة هذا الخبر, والله تعالى أعلم.
* * *
فصل
فيمن صحح هذا الحديث من الأئمة
…صحح هذا الحديث وقواه جمع من الأئمة, منهم:
الحسن البصري، فقد سبق ذكر احتجاج بهذا الحديث مما يدل على قوته عنده.
ابن عيينة، وقد سبق عنه أنه قال: قوله: « فئتين من المسلمين » يعجبنا جداً. وهذا يدل على قوة الحديث عنده.
ابن المديني.
البخاري.
الترمذي.
ابن حبان.
البغوي كما في شرح السنة (14/136).
وغيرهم ممن نص صراحة على صحة هذا الحديث.
هذا وبالله التوفيق, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.
……………… وكتب
…………… عبدالله بن عبدالرحمن السعد
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف(1/75)
الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى ، ويصبرون منهم على الأذى ، يحيون بكتاب الله الموتى , ويبصرون بنور الله أهل العمى ، فكم من ضال قتيل لإبليس قد أحيوه , وكم من ضال تائه قد هدوه , فما أحسن أثرهم على الناس , وما أقبح أثر الناس عليهم , ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين , وانتحال المبطلين , وتأويل الجاهلين , الذين عقدوا ألوية البدعة , وأطلقوا عنان الفتنة , فهم مختلفون في الكتاب , يقولون على الله , وفي الله , وفي كتاب الله بغير علم , ويتكلمون بالمتشابه من الكلام , ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم , فنعوذ بالله من فتنة المضلين (1) .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته ولا في ألوهيته ولا في أسمائه وصفاته ، واشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى , ونبيه المجتبى , صلى الله عليه وعلى آله وعلى أصحابه , والتابعين لهم بإحسان , وسلم تسليما كثيراً إلى يوم الدين ، ثم أما بعد :
فما أجمل ما قاله الإمام أحمد رحمه الله في حق من جمع الأحاديث والأخبار التي فيها طعن في أصحاب رسول الله ? .
قال رحمه الله كما في كتاب السنة للخلال ( 3 / 501 ) :
« لو كان هذا في أفناء الناس لأنكرته فكيف في أصحاب رسول الله ? وقال أنا لم أكتب هذه الأحاديث .
__________
(1) هذه الخطبة اقتباس من خطبة الإمام أحمد التي افتتح بها كتابه ( الرد على الزنادقة والجهمية ) وقد روى ابن وضاح في كتابه ما جاء في البدع صفحة ( 32 ) بسنده نحو هذه الخطبة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه . وانظر ترجمة مسدد بن مسرهد رحمه الله المتوفى سنة 228هـ من طبقات الحنابلة ( 2 / 427 ) . وانظر الصواعق المرسلة (1/107) , واجتماع الجيوش الإسلامية (81) لابن القيم رحمه الله .(1/76)
قال المروزي : قلت لأبي عبدالله فمن عرفته يكتب هذه الأحاديث الرديئة ويجمعها أيهجر ؟ قال : نعم يستاهل صاحب هذه الأحاديث الرديئة الرجم » (1) وسنده صحيح .
تصاب بالدهشة وينتابك العجب عندما ترى بعض الكتّاب ممن يدعون التحقيق العلمي وإنقاذ التاريخ الإسلامي من التغيير والتحريف !
يجرئون على الوقعية في أصحاب رسول الله ? والسلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين .
الطعن في الصحابة وغمزهم !
وقصر الصحبة على المهاجرين والأنصار وإخراج آلاف الصحابة ممن أسلم بعد الحديبية وفتح مكة من الطلقاء وغيرهم من حد الصحبة الشرعية !
فلا تشملهم النصوص التي جاءت في الثناء على الصحابة رضي الله عنهم هذا مع الطعن في عدالتهم !
فهم صحابة بالمعنى اللغوي فقط !
وهذا قول مبتدع محدث لم يسبق إليه أحد !
حتى بعض أهل البدع والأهواء يقولون بتكفير الصحابة وردتهم إلا نفرا قليلا منهم !
ولم يقولوا بنفي الصحبة عنهم (2) .
__________
(1) وانظر للفائدة : كتاب الإبانة لابن بطة (ص294) , وسير أعلام النبلاء (10/92) .
(2) قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الصارم المسلول ( 3 /1110) : « وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله ? إلا نفرا قليلا لا يبلغون بضعة عشر نفسا أو أنهم فسقوا عامتهم فهذا أيضا لا ريب في كفره فإنه مكذب لما نص القرآن في غير موضع من الرضى عنهم والثناء عليهم بل من يشك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين » .(1/77)
ولكن حمداً لله ونعمة انقطع عنهم - رضي الله عنهم - العمل وأراد الله أن لا ينقطع عنهم الأجر (1) .
ناهيك عن ذم أهل السنة والجماعة !
والطعن في الشيخ محمد بن عبدالوهاب ودعوته !
ونقض كتابه كشف الشبهات !
وفي المقابل الثناء على أهل البدع والأهواء والبدع !!
ووصف كتب السلف بأنه كتب التجسيم والقدح في كتب العقائد .
وغير ذلك كثير مما لم أذكره من هذه البدع والضلالات التي لم يكن يصرح من قالها بها أولا !
ولكن شيئا فشيئا تدرجا في الضلال .
ومن المعلوم أن علامة أهل الأهواء والبدع الوقيعة في السلف وأهل الأثر وتلقيب أهل السنة بألقاب ووصفهم بأوصاف هم منها براء .
على حد قول القائل : رمتني بدائها وانسلت !
قال أبو زرعة وأبو حاتم رحمهما الله : وعلامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر رواه اللاكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة ( 1 / 179 ).
وقال أبو حاتم الرازي :
علامة أهل البدع : الوقيعة في أهل الأثر .
وعلامة الزنادقة : تسمية أهل الأثر حشوية ، يريدون بذلك إبطال الآثار .
وعلامة القدرية : تسميتهم أهل السنة مجبرة .
وعلامة الجهمية : تسميتهم أهل السنة مشبهة .... (2)
قال الإمام الصابوني : « قلت : وكل ذلك عصبية ولا يلحق اهل السنة إلا اسم واحد وهو أصحاب الحديث » .
__________
(1) روى ابن عساكر في تبيين كذب المفتري (ص 423-424 ) عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال : قيل لعائشة رضي الله عنها إن ناسا يتناولون أصحاب رسول الله ? « قالت : أتعجبون من هذا ! إنما قُطع عنهم العمل ، وأحب أن لا يقطع عنهم الأجر » , عزاه الإمام ابن تيمية في منهاج السنة (2/21) , وابن أبي العز رحمه الله في شرحه على الطحاوية ( 2 / 693 ) إلى صحيح مسلم وهو وهم ، وانظر جامع الأصول (8/554) . والأثر لا يصح في سنده محمد بن سليمان بن معاذ القرشي منكر الحديث انظر ترجمته في لسان الميزان (3/171) .
(2) انظر شرح السنة للبربهاري ( 109 ).(1/78)
رواه الإمام الصابوني في عقيدة السلف وأصحاب الحديث ( 305 ).
وروى اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة ( 2300 ) ( 7 / 1325 ) عن ميمون بن مهران قال: قال لي ابن عباس يا ميمون لا تشتم السلف وادخل الجنة بسلام (1) وقد صنفت في رد هذه الشبهات والأباطيل كتب , وانبرى جمع من أهل العلم وطلابه , إلى كشف وبيان ما فيها من كذب , وتدليس , كتب الله الأجر والمثوبة للجميع (2) .
وسوف يكون بمشيئة الله عز وجل هذا الكتاب رد على الشبهات والأباطيل التي ذكرت في حق معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه حيث سودت عشرات الصفحات في الطعن فيه وذمه ، من ذلك :
سن معاوية لعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه على المنبر !
المتاجرة في الخمور !
التعامل بالربا !
بيع الأصنام لأهل الهند !
قتل 25 بدرياً يوم صفين !
معاوية أول من غير سنته ? !
رضي معاوية بقتل عمار وقاتله وسالبه في النار !
ثبوت لعن النبي ? لمعاوية في أحاديث صحيحة الأسانيد !
اتهام كبار البدريين له – كعبادة بن الصامت – بأنه من أمراء السوء .
اتهام عمار بن ياسر لمعاوية في دينه وتشكيكه في إسلامه .
اتهام عمار بن ياسر لمعاوية بأنه من المنافقين الذين حاولوا اغتيال النبي ? في قصة عقبة غزوة تبوك .
محاولة معاوية قتل عمر لما ذهب إلى الشام !!
محاولة اغتيال معاوية للأشتر النخعي وعبدالرحمن بن خالد بن الوليد وغيرهم .
معاوية كان رأس القاسطين !
__________
(1) رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (61/249) , وانظر تهذيب الكمال (29/216) , وذُكر هذا عن سفيان الثوري كما عند ابن بطة في كتاب الإبانة ( 160 ) .
(2) انظر على سبيل المثال :
حراسة العقيدة . د . ناصر العقل .
الانتصار للصحابة الأخيار للشيخ عبدالمحسن العباد .
قمع الدجاجلة لعبدالعزيز بن فيصل الراجحي .
الإبانة لما للصحابة من المنزلة والمكانة لحمد الحميدي .
الاستنفار للذب عن الصحابة الأخيار للشيخ سليمان العلوان .(1/79)
ذم معاوية ثبت عن كثير من المهاجرين والأنصار وعلى ألسنة كثير من التابعين !
يقسم معاوية اليمين الغموس هو وأباه وهو كاذب !
إماتة معاوية لسنن النبي ? (1) .
إلى غير ذلك من افتراءات الأفاكين وأهل البدع وتغيير الحقائق والتلاعب بالنصوص تصحيحا وتقوية للأحاديث الموضوعة والضعيفة في ذم معاوية وتضعيفا للأحاديث الصحيحة التي تدل على فضله !
فتذكرت حينها قول أبي توبة الحلبي الربيع بن نافع رحمه الله : « معاوية بن أبي سفيان ستر أصحاب النبي ? فإذا كشف الرجل الستر اجترا على ما وراءه » رواه الخطيب البغدادي في تاريخه (1/209) وابن عساكر في تاريخ دمشق (59/209) (2) وقول وكيع بن الجراح رحمه الله : « معاوية رضي الله عنه بمنزلة حلقة الباب ، من حركة اتهمناه على من فوقه » رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (59/210) .
وقول عبدالله بن المبارك رحمه الله : « معاوية عندنا محنة ، فمن رأيناه ينظر إليه شزرا اتهمناه على القوم ، أعني على أصحاب محمد ? » رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق ( 59 / 211 ) (3) .
وصدق الإمام البربهاري رحمه الله حين قال في شرح السنة ( 106 ) : « إذا رأيت الرجل يطعن على أحد من أصحاب رسول الله ? فأعلم أنه صاحب قول سوء وهوى » ا.هـ
وأعظم من ذلك وأفظع الطعن في أبي بكر وعمر وأنس بن مالك وسمرة بن جندب وعمرو بن العاص وأبي هريرة وغيرهم رضي الله عن الجميع .
وثالثة الأثافي ذم علماء أهل السنة كابن تيمية وابن القيم وابن كثير والذهبي ومن أتى من قبلهم وبعدهم .
ولقد تمنيت أن من كتب وألف في مثل هذه المثالب انشغل بعيوب نفسه ، وسلم قلبه من الغل لأصحاب رسول الله ? ولسانه من مسبتهم .
__________
(1) انظر هذه الأباطيل وغيرها في كتاب مع الشيخ عبدالله السعد في الصحبة والصحابة ، لمؤلفه / حسن بن فرحان المالكي .
(2) انظر البداية والنهاية ( 11 / 450 ).
(3) انظر البداية والنهاية ( 11/ 449 ) .(1/80)
? والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ? [الحشر:10] .
قال الإمام أحمد رحمه الله : « ومن انتقص أحدا من أصحاب رسول الله ? أو أبغضه لحدث كان ، أو ذكر مساويه كان مبتدعا حتى يترحم عليهم جميعاً ويكون قلبه لهم سليما » (1) .
قال شيح الإسلام ابن تيمية في الواسطية :
« ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله ? كما وصفهم الله في قوله تعالى : ? والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ? وطاعة النبي ? في قوله : « لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه » » .
وقد ضمنت هذا الكتاب عدة مباحث :
فصل في : الجواب عن الأحاديث التي ذكرت في ذم معاوية رضي الله عنه .
فصل في : الجواب عن الأحاديث التي ضُعفت في فضل معاوية رضي الله عنه .
فصل في : الجواب عن افتراءات وشبهات وأباطيل قيلت في حق معاوية رضي الله عنه .
* متاجرة معاوية رضي الله عنه ببيع الخمور !
* لعن وسب معاوية لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه !
* بيع معاوية رضي الله عنه الأصنام لأهل الهند !
* ذمه عند كثير من المهاجرين والأنصار من البدريين وغيرهم
* اقسام معاوية رضي الله عنه اليمين الغموس , وتكذيب النبي ? !
* هل كفر أبو بكرة رضي الله عنه معاوية ؟!
* هل قتل معاوية خمسة وعشرون بدريا يوم صفين ؟!
* سم معاوية للحسن بن أبي طالب رضي الله عنهما .
__________
(1) مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ( 210 ) وانظر ترجمة عبدوس بن مالك أبو محمد العطار طبقات الحنابلة ( 2 / 172 ) , وترجمة محمد بن عوف بن سفيان الطائي الحمصي , المتوفي سنة 272هـ , طبقات الحنابلة (2/340) , وانظر الكفاية في علم الرواية (ص51) للخطيب البغدادي .(1/81)
* قتل معاوية لعبدالرحمن بن خالد بن الوليد .
* قتل معاوية لحجر بن عدي رضي الله عنه .
* قتل معاوية للأشتر بن مالك النخعي .
فصل في : فضائل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه .
فصل في : ثناء السلف رضي الله عنهم على معاوية رضي الله عنه .
فصل في : أقوال السلف فيمن سب معاوية رضي الله عنه .
فصل في : إجماع أهل السنة على وجوب السكوت عما شجر بين الصحابة وأهل البدع .
أقول ومبغضي الصحابة رضي الله عنهم يحرصون كل الحرص على كتمان النصوص التي جاءت في فضلهم ومناقبهم ويحرفونها ويردونها , ولكن أنّى لهم ذلك !
قال الإمام ابن تيمية كما في الفتاوى (20/161) : « فلا تجد قط مبتدعاً إلا وهو يحب كتمان النصوص التي تخالفه ويبغضها ويبغض إظهارها وروايتها والتحدث بها ويبغض من يفعل ذلك » .
ولله ثم للتاريخ أن هذه الأباطيل والشبهات التي قيلت في ذم معاوية رضي الله عنه ليست بشيء !
ولولا أن هذه الأباطيل ذكرت وسودت بها الطُرُس ، وأوهم من ذكرها أن فيها تحقيقا علميا حديثيا ، وإنقاذاً للتاريخ الإسلامي , وإلا لكان الإضراب عنها صفحاً أولى من ذكرها .
فإن الإعراض عن القول المطرح الساقط أفضل وأحرى لإماتته ، وإخمال ذكر قائله وأجدر أن لا يكون ذلك تنبيها للجهال عليه .
وأسميت هذا الكتاب « سل السنان في الذب عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه » .
أسأل الله أن ينفع به , ويجعله خالصا لوجهه الكريم , سبحان ربك رب العزة عما يصفون , وسلام على المرسلين , والحمد لله رب العالمين , وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
كتبه
سعد بن ضيدان السبيعي
12/7/1427هـ
s-subaei@hotmail.com
…
فصل في : الجواب عن الأحاديث التي ذكرت في ذم معاوية رضي الله عنه
إعلم أن الأحاديث التي ذكرت في ذم معاوية رضي الله عنه إما صحيحة لا تدل على ما ذهب إليه من ذكرها أو صريحة ليست بصحيحة .(1/82)
قال النووي في شرحه على مسلم (15/175) : « قال العلماء : الأحاديث الواردة التي في ظاهرها دخل على صحابي يجب تأويلها قالوا : ولا يقع في روايات الثقات إلا ما يمكن تأويله » .
قال أبو العباس ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (4/431) وجواب سؤاله أهل الرحبة ( 106 ) : « وأبو موسى الأشعري ، وعمرو بن العاص ، ومعاوية بن أبي سفيان ، هم من الصحابة ولهم فضائل ومحاسن وما يحكى عنهم كثير منه كذب ، والصدق منه إن كانوا فيه مجتهدين فالمجتهد إذا أصاب فله أجران وإذا أخطا فله اجر ، وخطأه يغفر له » .
وقد نص الإمام ابن القيم في المنار المنيف ( 94 ) على أنه لا يصح حديث في ذم معاوية رضي الله عنه .
وقد ذكر المالكي وغيره أحاديث في ذم معاوية رضي الله عنه وهي تنقسم إلى أحاديث صحيحة وضعيفة وموضوعة !!
وسوف ابدأ بالإجابة عن الأحاديث الضعيفة والموضوعة ثم الأحاديث الصحيحة التي لا تدل على ما ذهب إليه من ذكرها (1) .
أولاً : الأحاديث الضعيفة والموضوعة .
الحديث الأول : حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً : « إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه » .
رواه ابن عدي في الكامل (2/146) ، (5/200) ، (5/314) ، وابن الجوزي في الموضوعات (2/265) بلفظ « فارجموه » ، وابن عساكر في تاريخ دمشق (59/155) كلهم من طريق مجالد بن سعيد عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري .
ورواه ابن عدي في الكامل (7/83) والبلاذري في أنساب الأشراف (5/136) , وابن الجوزي في الموضوعات (2/256) وابن عساكر في تاريخ دمشق (59/55) كلهم من طريق علي بن زيد بن جدعان عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري .
__________
(1) انظر هذه الأحاديث في كتاب حسن المالكي « في الصحبة والصحابة » .(1/83)
ورواه ابن عدي في الكامل (2/209) وابن حبان في المجروحين (1/35) وابن الجوزي في الموضوعات (2/265) كلهم من طريق عباد بن يعقوب الرواجني عن الحكم بن ظهير عن عاصم عن زر عن ابن مسعود مرفوعا به (1) .
ورواه ابن عدي في الكامل (6/112) قال حدثنا علي بن سعيد حدثنا الحسين بن عيسى الرازي ثنا سلمة بن الفضل ثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه مرفوعاً « إذا رأيتم فلاناً على المنبر فاقتلوه » .
ورواه ابن عدي في الكامل (6/112) من طريق أحمد بن الحسين الصدفي عن سفيان بن محمد الفزاري عن منصور بن سلمة عن سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر مرفوعا : « إذا رأيتم على منبري فقتلوه يعني فلان ... » (2) .
ورواه ابن عدي في الكامل (3/419) ثنا ابن سعيد ثنا أبو شيبة بن أبي بكر بن أبي شيبة عن خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال عن جعفر عن جماعة من أهل بدر عن النبي ? .
ورواه ابن عدي في الكامل (5/101) والعقيلي في الضعفاء (3/997) والخطيب في تاريخه (12/181) وابن الجوزي في الموضوعات (2/266) وابن عساكر في تاريخ دمشق (59/157) كلهم من طريق سليمان بن حرب عن حماد ابن زيد قال قيل لأيوب أن عمرو بن عبيد يروي عن الحسن أن رسول الله ? قال : « إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه » فقال كذب عمرو (3) .
الإسناد الأول :
فيه مجالد بن سعيد الهمداني الكوفي .
قال البخاري : كان يحيى القطان يضعفه وكان ابن مهدي لا يروي عنه .
وقال الجوزجاني : يضعف حديثه (4) .
وقال أحمد : ليس بشيء .
وفي رواية قال أحمد : كذا وكذا ، وحرك يده ولكنه يزيد في الإسناد .
وفي رواية : مجالد عن الشعبي وغيره ضعيف كم من أعجوبة لمجالد .
وقال يحيى : كان ضعيفا وقال لا أحتج بحديثه .
__________
(1) انظر أنساب الأشراف (5/138) .
(2) انظر الميزان (2/172) .
(3) انظر أنساب الأشراف (5/136) .
(4) أحوال الرجال , ترجمة رقم (126) .(1/84)
وقال النسائي : كوفي ضعيف (1) .
وقال ابن عدي : وعامة ما يرويه غير محفوظ (2) .
الإسناد الثاني :
فيه علي بن زيد بن جدعان قال أحمد : ليس بشيء .
وقال يحيى بن معين : ليس بذاك القوي (3) , وفي رواية : ليس بذاك . وفي رواية الدوري : ليس بحجة (4) .
وقال الجوزجاني : واهي الحديث ضعيف لا يحتج به (5) .
وقال أبو حاتم : ليس بالقوي , يكتب حديثه , ولا يحتج به , وكان يتشيع (6) .
وقال ابن خزيمة : لا أحتج به لسوء حفظه .
وقال ابن سعد : كان كثير الحديث , وفيه ضعف , ولا يحتج به (7) .
وقال أبو زرعة : ليس بالقوي .
وقال الترمذي : صدوق . إلا أنه ربما يرفع الشيء الذي يوقفه غيره (8) .
وقال الدارقطني : لا يزال عندي فيه لين (9) .
قال ابن عدي في الكامل (5/201) : كان يغلي في التشييع ومع ضعفه يكتب حديثه .
وقال حماد بن زيد : يقلب الأحاديث (10) .
وضعفه النسائي وابن عيينه (11) .
وقال ابن حبان في المجروحين (2/78) : كان يخطئ وكثر ذلك فاستحق الترك .
وقد توبع علي بن زيد بن جدعان تابعه عبدالملك بن أبي نضرة عن أبيه به .
__________
(1) الضعفاء والمتروكين ترجمة رقم (552) .
(2) انظر الكامل (6/423) ، التهذيب (4/24) .
(3) تاريخ ابن معين - رواية الدارمي - (141) .
(4) تاريخ ابن معين - رواية الدوري - (4/341) .
(5) أحوال الرجال ترجمة رقم (185) .
(6) الجرح والتعديل (6/186) .
(7) الطبقات (7/252) .
(8) جامع الترمذي حديث رقم ( 2678) ( 5/46) .
(9) المغني في الضعفاء . ترجمة رقم ( 4265) .
(10) الضعفاء للعقيلي ( 3/958 ) .
(11) التهذيب ( 3/126 ) .(1/85)
كما في المجروحين لابن حبان (1/173) إلا أنها متابعة ساقطة في سندها شيخ ابن حبان أحمد بن محمد بن بشر بن فضالة ، أبو بشر الفقيه ، قال ابن حبان في المجروحين (1/171) : « كان مما يضع المتون للآثار ويقلب الأسانيد للأخبار حتى غلب عليه أخبار الثقات ، وروايته عن الأثبات بالطامات على مستقيم حديث فاستحق الترك » .
وذكر له ابن حبان في المجروحين (1/171) أحاديث هذا منها ثم قال : « وهذه الأحاديث التي ذكرناها أكثرها مقلوبة ومعمولة عملت يداه » .
الإسناد الثالث :
في سنده الحكم بن ظهير الفزاري الكوفي
قال ابن حبان في المجروحين (1/304) : « روى عنه الكوفيون ، كان يشتم أصحاب محمد ? يروي عن الثقات الأشياء الموضوعات وهو الذي يروي عن عاصم عن زر ........ » فذكر الحديث .
قال يحيى بن معين : ليس بشيء
وقال مرة : كذاب
وقال النسائي : متروك الحديث كوفي (1) .
وقال البخاري : منكر الحديث (2) .
وقال الجوزجاني : ساقط (3) .
وقال ابن عدي في الكامل (2/210) : عامة أحاديثه غير محفوظة .
وقال ابن حبان في الثقات ( 6/444) وكان في آخر أمره يخطئ فيما روى تغير عليه حفظه . فسماع المتقدمين عنه الذين سمعوا بواسطة ليس فيه تخليط مثل يزيد بن هارون وإسحاق الأزرق ، وسماع المتأخرين منه بالكوفة فيه أوهام كثيرة .
وقد تابع الحكم بن ظهير شريك بن عبدالله القاضي كما عند ابن حبان في كتاب المجروحين (2/163) وشريك بن عبدالله القاضي أبو عبدالله الكوفي ضعيف فيما حديث به من حفظه بعد توليه القضاء .
قال ابن عدي في الكامل (4/22) : الغالب على حديثه الصحة والإستواء ، والذي يقع في حديثه من النكرة إنما أتي به من سوء حفظه لا أنه يتعمد شيئًا مما يستحق أن ينسب فيه إلى شيء من الضعف . وقال صالح جزرة : صدوق ولما ولي القضاء اضطرب حفظه .
الإسناد الرابع :
__________
(1) الضعفاء والمتروكين ترجمة رقم ( 127) .
(2) التاريخ الكبير ( 2/345 ) .
(3) أحوال الرجال ( 33) .(1/86)
أشار ابن عدي في الكامل ( 6/112) إلى نكارته فقال : وهذا بهذا لم أكتبه إلا عن علي بن سعيد .
وفيه سلمة بن الفضل أبو عبدالله الأبرش وهو ضعيف الحديث له مناكير وغرائب وما رواه عن محمد بن إسحاق في المغازي فقط أقوى من غيره وإن كان حديث ضعيف مطلقا .
قال البخاري : عنده مناكير ، وهنه علي بن المديني (1) ، قال علي : ما خرجنا من الري حتى رمينا بحديثه (2) .
وقال أبو حاتم : محله الصدق وفي حديثه إنكار يكتب حديثه ولا يحتج به . (3)
وضعفه النسائي واسحاق بن راهويه (4) .
وقال الحاكم : ليس بالقوي عندهم .
وذكره ابن حبان في الثقات وقال : يخطئ ويخالف (5) .
ووثقه ابن معين وأبو داود وابن سعد .
قال ابن عدي في الكامل (3/341) في ترجمة سلمة بن الفضل : « وعنده سوى المغازي عن ابن إسحاق وغيره إفرادات وغرائب ولم أجد في حديثه حديثاً قد جاوز فيه الحد في الإنكار وأحاديثه مقاربة ومحتملة » .
وكذلك في الإسناد عنعنة محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي فقد وصف رحمه الله بالتدليس فإذا عنعن فإنه يتأنى في خبره لا سيما إذا كانت روايته في غير المغازي فإذا ثبت تدليسه رد خبره ونكارة الخبر تدل على أنه دلس (6) .
الإسناد الخامس :
__________
(1) التهذيب ( 2/165) .
(2) التاريخ الكبير ( 4/84)
(3) الجرح والتعديل ( 4/169) .
(4) الضعفاء والمتروكين . ترجمة رقم ( 1487) .
(5) الثقات ( 8/278)
(6) ينظر للفائدة، كتاب التنكيل للمعلمي (1/51) وسوف يأتي بيان نكارة هذا الحديث انظر ص (137).(1/87)
فيه سفيان بن محمد الفزاري المصيصي ، قال ابن عدي في الكامل (3/419) : « يسرق الحديث ويسوي الأسانيد » ؛ ثم ذكر له هذا الحديث وقال : « سواه سفيان الفزاري هذا فقال عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر ورواه عن منصور بن سلمة عن سليمان بن بلال وسليمان ثقة ومنصور لا بأس به وإنما يروي جعفر بن محمد عن جماعة من أهل بدر عن النبي ? .... ولسفيان بن محمد غير ما ذكرت من الأحاديث ما لم يتابعه الثقات عليه وفي أحاديثه موضوعات وسرقات يسرقها من قوم ثقات وفي أسانيد ما يرويه تبديل قوم بدل قوم واتصال مراسيل (1) وهو بين الضعف » (2) .
الإسناد السادس :
فيه خالد بن مخلد القطواني وهو وإن كان من رجال البخاري إلا أنه ضعيف الحديث .
قال أحمد : له مناكير (3) .
وقال ابن سعد : منكر الحديث في التشيع مفرطًا (4) .
وقال أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به (5) .
وقال أبو داود : صدوق لكنه يتشيع (6) .
وقال يحيى بن معين وابن عدي : لا بأس به (7) .
ووثقه العجلي وابن حبان (8) .
الإسناد السابع :
فيه عدة علل :
مروي بصيغة التمريض كما عند ورواه ابن عدي في الكامل (5/101) والعقيلي في الضعفاء (3/997) والخطيب في تاريخه (12/181) وابن الجوزي في الموضوعات (2/266) وابن عساكر في تاريخ دمشق (59/157) « قيل لأيوب أن عمرو بن عبيد يروي عن الحسن » ولا يعرف من القائل !
أيوب السختياني رحمه الله قال عن هذا الحديث كذب كما عند ابن عدي في الكامل (5/101) ، (5/103) .
في سنده عمرو بن عبيد ، أبو عثمان البصري .
__________
(1) في الأصل ( الأسانيد ) وهو خطأ !
(2) لسان الميزان ( 2 / 93 ) .
(3) الجرح والتعديل ( 3/354) .
(4) الطبقات الكبرى ( 6/406) .
(5) الجرح والتعديل ( 3/354) .
(6) سؤالات الاجري لأبي داود ( 1/103)
(7) التهذيب ( 1/531) ، تاريخ ابن معين ( 1/104) رواية الدارمي . الكامل ( 3/35) .
(8) معرفة الثقات ( 1/321) ، الثقات لابن حبان ( 8/224) .(1/88)
قال أيوب ويونس بن عبيد : كان عمرو بن عبيد يكذب في الحديث .
وقال الدارقطني : ضعيف .
وقال ابن معين : ليس بشيء (1) .
وقال النسائي : متروك الحديث (2) .
وقال ابن حبان : كان داعية إلى الاعتزال ويشتم أصحاب رسول الله ? ويكذب مع ذلك في الحديث توهماً لا تعمداً (3) .
وقال ابن عدي : مذموم ضعيف الحديث جداً معلن بالبدع (4) .
فعمرو بن عبيد كذاب لاسيما فيما رواه عن الحسن نص على هذا حميد الطويل وأيوب السختياني وابن عون .
فالحديث لم يثبت إسناده ولو ثبت فهو من مراسيل الحسن ومراسيل الحسن ليست بشيء .
وفي المنتخب من العلل قال الخلال ( 229 ) : وأخبرنا عبدالله : حدثني أبي : حدثنا سليمان بن حرب : حدثنا حماد بن زيد ، قال : قال رجل لأيوب : إن عمرو بن عبيد روى عن الحسن ، أن رسول الله ? : « إذا رأيتم – يعني – معاوية على المنبر » .
فقال : كذب عمرو .
قال : وسألت أبي أن يحدثني بحديث عمرو بن عبيد قلت : أعرفها . فأملى على ، عن سهل بن يوسف عن عمرو بن عبيد عن الحسن فقال : أتركه ، كذب على الحسن .
أخبرني عبيد الله بن حنبل : حدثني أبي : سمع أبا عبدالله يقول : كان عمرو بن عبيد يحدث الناس : « قول الحسن » ، فيكتب عنه : « قال الحسن » ، وإنما يعني نفسه ، وكان عمرو بن عبيد بن عبيد يتهم بالكذب وكان يغلو في رأيه .
فتبين أن هذا الحديث باطل متنا وسندا .
وقد نص جمع من أهل العلم على بطلانه :
__________
(1) تاريخ ابن معين ( 4/275) رواية الدوري .
(2) الضعفاء والمتروكين رقم ( 445) .
(3) المجروحين ( 2/69) .
(4) الكامل ( 5/110) .(1/89)
1- البخاري في التاريخ الأوسط (71) قال رحمه الله : « وروى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي نضرة أن معاوية لما خطب على المنبر فقام رجل فقال قال ورفعه إذا رأيتموه على المنبر فاقتلوه وقال آخر اكتبوا إلى عمر فكتبوا فإذا عمر قد قتل وهذا مرسل لم يشهد أبو نضرة تلك الأيام وقال عبدالرزاق عن بن عيينة عن علي بن زيد عن أبي سعيد رفعه وهذا مدخول لم يثبت ورواه مجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد رفعه وهذا واه قال أحمد أحاديث مجالد كلها (1) حلم وقال يحيى بن سعيد لو شئت لجعلها كلها عن الشعبي عن مسروق عن عبدالله ويروى عن معمر عن بن طاوس عن أبيه عن رجل عن عبدالله بن عمرو رفعه في قصته وهذا منقطع لا يعتمد عليه وروى الأعمش عن سالم عن ثوبان رفعه في قصته وسالم لم يسمع من ثوبان والأعمش لا يدري سمع هذا من سالم أم لا ؟!
قال أبو بكر بن عياش عن الأعمش أنه قال : نستغفر الله من أشياء كنا نرويها على وجه التعجب اتخذوها ديناً وقد أدرك أصحاب النبي ? معاوية أميراً في زمان عمر وبعد ذلك عشر سنين فلم يقم إليه أحد فيقتله قال البخاري : وهذا مما يدل على هذه الأحاديث أن ليس لها أصول ولا يثبت عن النبي ? خبره على هذا النحو في أحد أصحاب النبي ? إنما يقوله أهل الضعف بعضهم في بعض إلا ما يذكر أنهم ذكروا في الجاهلية ثم اسلموا فمحا الإسلام ما كان قبله » .
2- أبو جعفر العقيلي في الضعفاء (1/280) بعد أن ذكر عدة أحاديث منها هذا الحديث قال : « ولا يصح عن النبي عليه الصلاة والسلام في هذا المتون من وجه يثبت » (2) .
3- قال ابن حبان في المجروحين (1/171) ترجمة أحمد بن محمد بن بشر بن فضالة بعد أن ذكر له أحاديث هذا منها قال : « وهذه الأحاديث التي ذكرناها أكثرها مقلوبة ومعمولة ، عملت يداه » .
__________
(1) لعل الصواب ( كأنها ) !
(2) الموضوعات ( 2 / 266) ، تهذيب التهذيب ( 3 / 164 ).(1/90)
لذا قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب (3/164) : « وقال غيره (1) أنكر ما روى ما حدث به حماد بن سلمة عنه عن أبي نضرة عن أبي سعيد رفعه إذا رأيتم ......... » .
قال ابن الجوزي في الموضوعات ( 2 / 266 ) ( هذا الحديث لا يصح عن رسول الله ? ) وفي الموضوعات ( 2 / 264 ) ذكره ابن الجوزي من الأحاديث التي وضعت في ذم معاوية .
4- قال ابن عساكر في تاريخ دمشق (59/157) : « وهذه الأسانيد كلها فيها مقال » .
5- وقال أبو العباس ابن تيمية في « منهاج السنة النبوية » (2/259) : « وهذا الحديث ليس في شيء من كتب الإسلام وهو عند الحفاظ كذب وذكره ابن الجوزي في الموضوعات » .
6- قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (3/150) : « هذا كذب ، ويقال هو معاوية بن تابوه المنافق » .
7- قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (11/434) : « وهذا الحديث كذب بلا شك » .
8- ابن عدي في الكامل (3/419) .
9- ابن حجر الهيتمي في تطهير الجنان ( 38 ) .
10- الجوزقاني في الأباطيل (1/200) قال : « هذا حديث موضوع باطل لا أصل له في الأحاديث وليس هذا إلا من فعل المبتدعة الوضاعين خذلهم الله في الدارين ومن اعتقد هذا وأمثاله أو خطر بباله أن هذا جرى على لسان رسول الله ? فهو زنديق خارج من الدين » .
11- الشوكاني في الفوائد المجموعة ( 407 ) .
12- السيوطي في الفوائد في اللآلي المصنوعة ( 1/388) .
13- ابن عراق الكناني في تنزية الشريعة المرفوعة ( 2/8) .
والحديث أيضا باطل من جهة المتن وذلك لأمرين :
أن المنبر صعد عليه من هو شر من معاوية رضي الله عنه ومع ذلك لم يأمر النبي ? بقتله !!
أن في هذا قدح في الصحابة رضي الله عنهم ممن بلغهم هذا الحديث ولم يأتمروا به فيبادروا بقتل معاوية رضي الله عنه .
__________
(1) ابن حبان البستي .(1/91)
قال أبو العباس ابن تيمية في « منهاج السنة النبوية » (2/295) تعليقاً على هذا الحديث : « هذا الحديث ليس في شيء من كتب الإسلام وهو عند الحفاظ كذب وذكره ابن الجوزي في الموضوعات ثم صعد المنبر من هو شر من معاوية وما أمر بقتله » (1) .
وقال رحمه الله في منهاج السنة النبوية أيضًا ( 4/380) : « ومما يبين كذبه أن منبر النبي ? قد صعد عليه بعد موت معاوية ممن كان معاوية خيرًا منه باتفاق المسلمين فإن كان يجب قتل من صعد عليه لمجرد الصعود على المنبر وجب قتل هؤلاء كلهم . ثم هذا خلاف المعلوم بالإضطرار من دين الإسلام أن مجرد صعود المنبر لا يبيح قتل مسلم وإن كان أمر بقتله لكونه تولى الامر وهو لا يصلح فيجب قتل كل من تولى الأمر بعد معاوية أفضل منه . هذا خلاف ما تواترت به السنن عن النبي ? من نهيه عن قتل ولاة الأمور وقتالهم كما تقدم بيانه .
ثم الأمة متفقة على خلاف هذا ، فإنها لم تقتل كل من تولى أمرها ولا استحلت ذلك ) ا. هـ
وقال الحافظ ابن كثير في « البداية والنهاية » (11/434) : « وهذا الحديث كذب بلا شك ولو كان صحيحا لبادر الصحابة إلى فعل ذلك لأنهم لا تأخذهم في الله لومة لائم » .
وانظر تطهير الجنان لابن حجر الهيتمي ( 38 ) .
* الملحوظات الحديثية على تصحيح حسن المالكي لحديث « إذا رأيتم معاوية عل منبري فاقتلوه » :
العزو أحياناً إلى المصادر الفرعية دون الرجوع إلى المصادر الأصلية مما يدل على أنه لم يقف على الخبر ، مثال ذلك :
ما رواه عن الحكم بن ظهير عن عاصم عن زر عن ابن مسعود مرفوعاً « إذا رأيتم معاوية على ....... الحديث » .
عزاه إلى سير أعلام النبلاء (3/149) ! (2)
والحديث رواه ابن عدي في الكامل (2/209) ، وابن حبان في المجروحين (1/35) ، وابن الجوزي في الموضوعات (2/265) .
مثال آخر :
__________
(1) وانظر منهاج السنة النبوية ( 4 / 380 ) .
(2) انظر صفحة ( 189) من كتابه في الصحبة والصحابة .(1/92)
ما رواه سفيان بن محمد الفزاري عن منصور بن سلمة عن سليمان بن بلال عن جعفي بن محمد عن أبيه عن جابر مرفوعات « إذا رأيتم على منبري فقتلوه يعني فلان .... » عزاه إلى « ميزان الاعتدال » (3/248) (1) .
والخبر رواه ابن عدي في « الكامل » (3/419) .
مثال آخر :
ما رواه خلد بن مخلد عن سليمان بن بلال عن جعفر عن جماعة من أهل بدر عن النبي ? عزاه إلى « ميزان الاعتدال » (3/248) والخبر رواه ابن عدي في « الكامل » (3/248) .
والخبر رواه ابن عدي في « الكامل » (3/419).
التدليس في ذكر الشواهد :
فقد ذكر المالكي شاهدًا لحديث « إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه » وهو ما رواه ابن عدي في « الكامل » (3/419) من طريق خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال عن جعفر عن جماعة من أهل بدر عن النبي ? .
وذكر شاهدًا آخر وهو ما رواه ابن عدي في « الكامل » (3/419) من طريق سفيان بن محمد الفزاري عن منصور بن سلمة عن سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر مرفوعاً « إذا رأيتم على منبري فقتلوه يعني فلان .. » .
فأصل الشاهد الثاني هو الشاهد الأول لكن سواه سفيان بن محمد الفزاري المصيصي قال ابن عدي في « الكامل » (3/419) : « سواه سفيان الفزاري ... وإنما يروى عن جعفر بن محمد عن جماعة من أهل بدر » (2) .
قال عن حديث « إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه » روى عن عاصم من أربعة طرق .
ولم يذكر إلا ثلاثة طرق :
الأول : طريق شريك عن عاصم عن زر عن ابن مسعود .
الثاني : طريق الحكم بن ظهير عن عاصم عن زر عن ابن مسعود وعزاه إلى سير أعلام النبلاء !
وذكر طريقا ثالثا ولم يعزه لأحد !
وهو عند البلاذري في أنساب الأشراف ( 5/137) من طريق سلّام أبا المنذر عن عاصم عن زر عن ابن مسعود .
الحديث الثاني : حديث « لعن الله الراكب والقائد والسائق ».
__________
(1) انظر صفحة ( 90) من كتابه في الصحبة والصحابة .
(2) صفحة ( 190) من كتابه في الصحبة والصحابة .(1/93)
حديث سفينة رضي الله عنه :
روى البزار في مسنده (9/286) حدثنا السكن بن سعيد قال حدثنا عبدالصمد قال حدثنا أبي وحدثنا حماد بن سلمة عن سعيد بن جهمان عن سفينة رضي الله عنه أن النبي ? كان جالساً فمر رجل على بعير وبين يديه قائد وخلفه سائق فقال : « لعن الله القائد والسائق والراكب » والجواب عن هذا بما يلي :
أولاً : الحديث على فرض صحته ليس فيه لمعاوية ذكر !
ثانيًا : الحديث منكر ومما يدل على نكارته هذا المتن أن البلاذري في أنساب الأشراف ( 129 ) رواه من طريق عبد الوارث بن سعيد عن سعيد بن جمهان (1) عن سفينة مرفوعاً وفيه « لعن الله الحامل والمحمول والقائد والسائق » .
والحامل هي الناقة ، فهل يظن بالرسول ? لعن الدابة !
وهو القائل فيما رواه مسلم ( 2598 ) : « لا يكون اللعانون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة » !!
وهو القائل كما صحيح مسلم ( 2595 ) عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال :« بينما رسول الله ? في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت فلعنتها فسمع ذلك رسول الله ? فقال : « خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة » قال عمران : فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحد .
ثالثاً : السكن بن سعيد شيخ البزار لم أجد له ترجمة بل هو مجهول فيما يظهر قال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/395) : « شيخ البزار السكن بن سعيد لم أعرفه » .
حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما .
__________
(1) هذا هو الصواب في الإسناد ، وفي الأصل ( عبد الوارث بن سعيد بن جهمان ) وهو خطأ !(1/94)
قال الطبراني في « المعجم الكبير » (3/71 /2698) : حدثنا زكريا بن يحيى الساجي حدثنا محمد بن بشار بندار حدثنا عبدالملك بن الصباح المسمعي حدثنا عمران بن حدير أظنه عن أبي مجلز قال : قال عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة لمعاوية إن الحسن بن علي عيي وإن له كلاماً ورأياً وإنه (1) قد علمنا كلامه فيتكلم كلاماً فلا يجد كلاماً ، فقال : لا تفعلوا فأبوا عليه فصعد عمرو المنبر فذكر عليا ووقع فيه ثم صعد المغيرة بن شعبة فحمد الله وأثنى عليه ثم وقع في علي رضي الله عنه ؛ ثم قيل للحسن بن علي : أصعد ، فقال : لا أصعد ولا أتكلم حتى تعطوني إن قلت حقاً أن تصدقوني وأن قلت باطلاً أن تكذبوني ، فأعطوه فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه فقال : بالله يا عمرو ، وأنت يا مغيرة ، تعلمان أن رسول الله ? قال : « لعن الله السائق والراكب » أحدهما فلان ، قالا : اللهم نعم بلى ، قال : أنشدك الله يا معاوية ويا مغيرة أتعلمان أن رسول الله ? لعن عمراً بكل قافية قالها لعنة ، قالا : اللهم بلى ، قال : أنشدك بالله يا عمرو وأنت يا معاوية ابن أبي سفيان أتعلمان أن رسول الله ? لعن قوم هذا ، قالا : بلى ، قال الحسن : فإني أحمد الله الذي وقعتم فيمن تبرأ من هذا ، وذكر الحديث وهذا الحديث باطل سنداً ومتناً :
من جهة الإسناد قال عمران بن حدير أظنه عن أبي مجلز ولا يعلم من الظان !!
وأيا كان هذا الظان فإنه أيضاً لم يجزم أنه عن أبي مجلز لاحق بن حميد فقد يكون عنه وقد يكون عن غيره !!
المالكي بتر الحديث ولم يذكر القصة كاملة (2) !
والقصة فيها نكارة وهي أن الحسن أخبر أن رسول الله ? لعن عمرو بن العاص بكل قافية قالها !!
__________
(1) كذا بالأصل ! والصواب ( وإنا ...) انظر مجمع الزوائد ( 7/247) .
(2) انظر الحديث صفحة (193) من كتابه في الصحبة والصحابة . والمالكي بتر النص في أكثر من موضع كما سيأتي انظر لزامًا صفحة (190) وصفحة (193) فأين الأمانة العلمية ؟!(1/95)
فكيف يلعن الرسول عليه الصلاة والسلام عمرو بن العاص بكل قافية قالها ثم يأمره على جيش المسلمين في ذات السلاسل كما في « صحيح البخاري » (3462) !! (1) .
ثم أليس هذا يخالف ما رواه مسلم في « صحيحه » ( 121) في قصة وفاة عمرو بن العاص رضي الله عنه عندما بكى فقال له ابنه : يا أبتي أما بشرك رسول الله ? بكذا !
أليس هذا يخالف ما جاء عنه عليه الصلاة والسلام بالشهادة لعمرو بن العاص بالإيمان روى أحمد في « المسند » (17843) والنسائي في « الكبرى » (8301) وابن حبان (7092) كلهم من طريق موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : كان بالمدينة فزع فتفرقوا فنظرت إلى سالم مولى أبي حذيفة قد أخذ سيفه محتبياً فلما رأيت ما صنع سالم دعوت بسيفي فاحتبيت به فخرج رسول الله ? فقال : « أيها الناس ألا يكون فزعكم إلى الله عز وجل ورسوله ، ما هذا ! ألا فعلتم كما فعل الرجلان المؤمنان » .
الجواب متروك لمن بتر الحديث ؟!
وبهذا يجاب على :
حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه .
حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه ( وكلاهما بالإسناد السابق ) .
حديث البراء بن عازب رضي الله عنه :
رواه البخاري في « التاريخ الكبير » (1/274) ، والترمذي كما في « العلل » (381) ، والطبراني في « الأوسط » (4/208) من طريق سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق عن سلمة بن كهيل عن إبراهيم بن البراء بن عازب عن أبيه قال : مرَّ أبو سفيان على قبة وكان معاوية رجلاً مستهاً فقال رسول الله ? : « اللهم عليك بصاحب الأستاه » .
قال أبو عيسى الترمذي كما في « العلل » (714) : سألت محمداً عن هذا الحديث فقال : قد عرفته ولم أره يعرفه إلا من هذا الوجه .
__________
(1) انظر للفائدة مجموع الفتاوى ( 35 / 66 ).(1/96)
ورواه ابن عساكر في « تاريخ دمشق » (59/204) من طريق سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق عن إبراهيم بن البراء بن عازب عن أبيه ورواه الروياني في « مسنده » (335) وهذه الرواية فيها عدة علل :
العلة الأولى :
فيه سلمة بن الفضل أبو عبدالله الأبرش وهو ضعيف الحديث له مناكير وغرائب وما رواه عن محمد بن إسحاق في المغازي فقط أقوى من غيره وإن كان حديثه ضعيف مطلقاً .
وقد سبق الكلام عليه (1) .
العلة الثانية :
في الإسناد عنعنة محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي فقد وصف رحمه الله بالتدليس فإذا عنعن فإنه يتأنى في خبره لاسيما إذا كانت روايته في غير المغازي فإذا ثبت تدليسه رد خبره .
العلة الثالثة :
الاضطراب في سنده فقد جاء من رواية محمد بن إسحاق عن سلمة بن كهيل عن إبراهيم بن البراء بن عازب عن أبيه .
وجاء من غير ذكر سلمة بن كهيل من رواية محمد بن إسحاق عن إبراهيم بن البراء بن عازب عن أبيه .
لذا قال البخاري في « التاريخ الكبير » (1/274) : « يختلفون في إسناده » .
العلة الرابعة :
إبراهيم بن البراء بن عازب فيه جهالة لم يوثقه غير ابن حبان في « الثقات » (4/6) وذكره ابن أبي حاتم في « الجرح والتعديل » (2/89) والبخاري في « التاريخ الكبير » (1/274) وسكوت البخاري وأبو حاتم الرازي لا يعد شيئاً (2) .
العلة الخامسة :
أن هذه الرواية تفرد بها سلمة بن كهيل عن إبراهيم بن البراء وتفرد به عنه محمد بن إسحاق .
في « أطراف الغرائب والأفراد » (2/285) :
حديث أن رسول الله جلس في قبة له الحديث تفرد به سلمة بن كهيل عنه وتفرد به عنه محمد بن إسحاق .
__________
(1) صفحة ( 132 ) .
(2) انظر في سكوت أبي حاتم والبخاري على الراوي. كتاب الجرح والتعديل (2/38) لابن أبي حاتم, التنكيل (1/436), السلسلة الضعيفة (11/1/302) (12/1/523), حاشية عبدالفتاح أبو غدة على كتاب الرفع والتكميل للكنوي (230).(1/97)
وذكر للحديث متابعة عن البراء رواها نصر بن مزاحم في كتاب « صفين » (218) عن عبدالغفار بن القاسم عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال : أقبل أبو سفيان ومعه معاوية فقال رسول الله ? : « اللهم ألعن التابع والمتبوع اللهم عليك بالأقيعس » ، فقال ابن البراء لأبيه من : الأقيعس ؟ قال : معاوية !
وهذا لا يصح .
نصر بن مزاحم متروك .
قال أبو حاتم في « الجرح والتعديل » (8/468) : واهي الحديث ، متروك الحديث لا يكتب حديثه .
وقال العقيلي في « الضعفاء » (4/300) كان يذهب إلى التشيع وفي حديثه اضطراب وخطأ كثير وقال الجوزجاني في « الشجرة في أحوال الرجال » : كان زائغاً عن الحق مائلاً (1) .
وقال أبو خيثمة : كان كذاباً (2) .
وقال يحيى : ليس حديثه بشيء (2) .
وقال الدارقطني : ضعيف (2) .
وقال صالح بن محمد : روى عنه الضعفاء أحاديث مناكير (2) .
وقال أبو الفتح الأزدي : كان غالياً في مذهبه غير محمود في حديثه (2) .
وقال الذهبي في « الميزان » (4/253) : (تركوه) .
وقول المالكي : وثقه ابن حبان ووثقه ابن أبي حديد وترجم له الخطيب البغدادي أقول ثم ماذا ؟!
ابن حبان انفرد بتوثيقه (3) دون سائر الأئمة وأئمة الجرح والتعديل متفقون على أنه متروك الحديث .
وابن حبان متساهل في التوثيق كيف إذا خالفه هؤلاء الأئمة ؟! (4)
__________
(1) أحوال الرجال ، ترجمة رقم ( 109) .
(2) انظر لسان الميزان ( 3/267)
(3) الثقات ( 9/215) .
(4) انظر في تساهل ابن حبان في التوثيق : الصارم المنكي في الرد على السبكي لابن عبدالهادي (104) , ميزان الاعتدال (3/175) , ولسان الميزان (1/208) , التنكيل للمعلمي (1/438).(1/98)
وابن أبي الحديد هو عز الدين عبدالحميد بن أبي الحسين المدائني صاحب كتاب « شرح نهج البلاغة » ، توفي سنة 655هـ من أرباب البدع ومن أهل الكيد للإسلام (1) . وترجمة الخطيب البغدادي له لا تغني شيئاً ، وعبدالغفار بن القاسم أبو مريم الأنصاري رافضي وضاع .
قال علي بن المديني : كان يضع الحديث .
وقال يحيى بن معين : ليس بشيء (2) .
وقال البخاري : عبدالغفار بن القاسم بن قيس بن فهد ليس بالقوي عندهم (3) ، قال أبو داود : سمعت شعبة سمعت سماكاً الحنفي يقول لأبي مريم في شيء ذكره كذبت والله ، قال أبو داود : وأنا أشهد أن أبا مريم كذاب لأني قد لقيته وسمعت منه واسمه عبدالغفار بن القاسم .
وعامة حديثه بواطيل قال أحمد كان أبو مريم يحدث ببلايا في عثمان (4) .
وقال أبو حاتم والنسائي وغيرهما : متروك الحديث (5) ، وقال الآجري : سألت أبا داود عنه فقال : كان يضع الحديث (6) ، وقال الدارقطني : متروك وذكره الساجي والعقيلي وابن الجارود وابن شاهين في الضعفاء .
وانظر بعد ذلك إلى جهل المالكي بقوله : « فالصواب فيه والله أعلم هو القبول في المتابعات والشواهد فقط لثلاثة أسباب » ! :
توثيق بعضهم له وإن كانوا قلة .
أقول لم يوثقه احد إلا ابن عقدة ومن ابن عقدة ؟!
وما مكانته في علم الجرح والتعديل !
قال ابن عبدان : ابن عقدة قد خرج عن معاني أصحاب الحديث فلا يذكر معهم .
قال حمزة السهيمي : سألت أبا بكر بن عبدان عن ابن عقدة إذا نقل شيئاً في الجرح والتعديل هل يقبل قوله ؟ قال : لا يقبل (7) .
__________
(1) انظر كلام العلامة المعلمي في الأنوار الكاشفة صفحة (152) عن ابن أبي الحديد .
(2) تاريخ ابن معين ( 3/366) رواية الدوري .
(3) التاريخ الكبير ( 6 / 122 ) .
(4) الضعفاء ، الكبير ( 3/101) .
(5) الجرح والتعديل ( 6/53) .
(6) لسان الميزان ( 2/226) .
(7) تذكرة الحفاظ (3/822) .(1/99)
قال الدارقطني : كان رجل سوء ، وانظر « الكامل في الضعفاء » (5/327) .
وقال البرقاني : سألت الدارقطني أيش أكثر ما في نفسك عن ابن عقدة قال : الإكثار بالمناكير .
وقال ابن عبدالهادي في « التنقيح » : كان مجمع الغرائب والمناكير (1) .
وقال الذهبي في « السير » (15/142) : وكتب عمن دب ودرج من الكبار والصغار والمجاهيل وجمع الغث إلى السمين .
وقال في الميزان (1/128) ابن عقدة وابن خراش فيهما رفض وبدعة (2) .
أقول لتضعيف أهل الحديث له لأنه يضع الحديث وليس لأنه من أهل البدع كما ذكر المالكي عن الإمام أحمد وأبي حاتم الرازي .
قال علي بن المديني : « كان يضع الحديث » انظر « الكامل في الضعفاء » (5/327) .
وقال الآجري : سألت أبا داود عنه فقال كان يضع الحديث . انظر : « لسان الميزان » (2/228) .
وهذا الحديث شاهد فقط فهو من الأحاديث الصالحة التي تحدث عنها ابن عدي .
أقول ابن عدي في « الكامل في الضعفاء » (5/328) قال : « وفي أحاديثه ما لا يتابع عليه » وهذا منها .
وقد روى عنه شعبة وقتادة وهما من الحفاظ ، والجواب على هذا من ثلاثة أوجه :
أن شعبة لم يروي عن عبدالغفار بن القاسم أبو مريم الأنصاري إلا حديثان الأول رواه شعبة عنه عن نافع عن ابن عمر والآخر عن عطاء عن جابر .
أن شعبة روى عنه قبل أن يتبين له أمره فلما تبين له أنه يضع الحديث تركه في « لسان الميزان » (2/228) قال الدارقطني : متروك الحديث وهو شيخ شعبة أثنى عليه شعبة وخفي على شعبة أمره فبقى بعد شعبة فخلط وقال أبو داود : غلط في أمره شعبة (3) .
وفي « الضعفاء » للعقيلي (3/852) قال الإمام أحمد : شعبة عرفه قديماً كان يقول : إنما كان ما نزله به بعد (4) .
وقد روى عنه قتادة !
__________
(1) لسان الميزان ( 1/603 ) .
(2) انظر التنكيل (1/170).
(3) سؤالات البرقاني ترجمة رقم ( 316) .
(4) الضعفاء للعقيلي ( 3/851 ) ، الكامل في الضعفاء ( 5/327 ) ، لسان الميزان ( 2/226 ) .(1/100)
أقول العكس وهو الصحيح روى هو عن قتادة !! (1) .
حديث عاصم الليثي :
روى الطبراني في « المعجم الكبير » (17/176) حدثنا العباس بن الفضل الأسفاطي ثنا موسى بن اسماعيل ح وحدثنا عبدالرحمن بن الحسين العابوري (2) التستري ثنا عقبة بن سنان الدارع (3) قالا ثنا غسان بن مضر عن سعيد بن يزيد أبي مسلمة عن نصر بن عاصم الليثي عن أبيه قال : دخلت مسجد المدينة فإذا الناس يقولون نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله ، قال قلت : ماذا ، قالوا : كان رسول الله يخطب على منبره فقام رجل فأخذ بيد أبنه فأخرجه من المسجد ، فقال رسول الله ? : لعن الله القائد والمقود ويل لهذه الأمة (4) من فلان ذي الاستاه .
ورواه ابن أبي عاصم في « الآحاد والمثاني » (938) مختصراً وابن عبد البر في « الاستيعاب » (575) بنحوه (5) . وليس لمعاوية فيه ذكر !!
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن أبا نصر عاصم بن عمرو الليثي ليس بصحابي قال ابن عبد البر في « الاستيعاب » (575) : قال أحمد : لا أدري أسمع عاصم هذا عن رسول الله ? أم لا ؟!
وفي « الإصابة » (3/574) قال البغوي : ولا أدري له صحبة أم لا ؟
والحديث ليس فيه التصريح بأن المراد معاوية رضي الله عنه .
ومتن الحديث منكر بل فيه قدح بالنبي ? وسائر المسلمين لو كان من صحح الحديث يعقل!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في « منهاج السنة النبوية » (4/445) : « إن خطب النبي ? لم تكن واحدة ، بل كان يخطب في الجمع والأعياد والحج وغير ذلك ، ومعاوية وأبواه يشهدان الخطب كما يشهدها المسلمون كلهم ، أفتراهما في كل خطبة كانا يقومان ويمكنان من ذلك ؟!
__________
(1) انظر الكامل في الضعفاء ( 5/328 ).
(2) في المختارة للضياء المقدسي (8/180) الصابوني .
(3) في المختارة ( 8/180) الذارع .
(4) في الأصل ( ويل لهذه يومًا هذا الأمة ... ) وهو خطأ . والتصويب من المختارة ( 8/179) .
(5) وانظر الحديث في المختارة للضياء المقدسي ( 8/179) .(1/101)
هذا قدح في النبي ? وفي سائر المسلمين إذ يمكنون اثنين دائما يقومان ولا يحضران الخطبة ولا الجمعة وإن كانا يشهدان كل خطبة فما بالهما يمتنعان عن سماع خطبة واحدة قبل أن يتكلم بها ؟! » .
حديث ابن عمر رضي الله عنهما :
رواه نصر بن مزاحم في كتاب « صفين » (220) من طريق تليد بن سليمان عن الأعمش عن علي بن الأقمر قال : وفدنا على معاوية وقضينا حوائجنا ثم قلنا لو مررنا برجل قد شهد رسول الله ? وعاينه فأتينا عبد الله بن عمر فقلنا : ... وفيه « فنظر رسول الله ? إلى أبي سفيان ومعاوية وأخوه أحدهما قائد والآخر سائق قال : « اللهم ألعن القائد والسائق والراكب » .
قلنا : أنت سمعت رسول الله ? ؟
قال : نعم وإلا فصمتا أذناي كما عميت عيناي » .
الحديث في سنده نصر بن مزاحم رافضي متروك الحديث وقد سبق نقل كلام أئمة الجرح والتعديل فيه .
وتليد بن سليمان هو المحاربي الكوفي .
قال العقيلي في « الضعفاء » (1/155) قال أحمد ويحيى : كان كذاباً .
وقال يحيى في رواية : ليس بشيء كان يشتم عثمان أو أحداً من الصحابة فهو دجال (1) .
وقال النسائي والدارقطني : ضعيف .
قال إبراهيم : وهو عندي كان يكذب (2) .
وقال صالح جزرة : كان أهل الحديث يسمونه بليدا لا يحتج بحديثه .
وقال ابن عدي في « الكامل » (2/86) : « وبين على روايته أنه ضعيف » .
وقال الساجي : كذاب .
وقال ابن حبان : وروى في فضائل أهل البيت عجائب (3) .
أخرج له الترمذي حديثاً واحداً في المناقب .
قال المروزي عن أحمد : كان يتشيع ولم ير به بأساً .
وقال أيضاً : كتبت عنه حديثاً كثيراً عن أبي الجحاف .
أقول : ولعل الإمام أحمد ذكر هذا قبل أن يتبين له حاله .
لأنه في رواية أخرى عنه قال : هو عندي كان يكذب.
وقال العجلي : لا بأس به كان يتشيع ويدلس (4).
__________
(1) تاريخ ابن معين ( 2/285) ( 3/546) .
(2) أحوال الرجال . ترجمة رقم ( 93) .
(3) المجروحين ( 1/204) .
(4) معرفة الثقات ( 1/257) .(1/102)
والعجلي متساهل في التوثيق (1) .
قال الحاكم وأبو سعيد النقاش : رديء المذهب منكر الحديث روى عن أبي الجحاف أحاديث موضوعه كما في « تهذيب التهذيب » (1/257) .
فتبين بهذا أن الرجل كذاب وضاع ولم يضعف للمذهب وإنما لأنه كان يكذب !
فالحديث من رواية كذاب عن متروك الحديث !
ثم إن عبد الله بن عمر رضي الله عنه من أبعد الناس عن ثلب الصحابة وأروى الناس لمناقبهم وقوله في مدح معاوية معروف ثابت حيث يقول : ما رأيت بعد رسول الله ? أسود من معاوية قيل له : ولا أبو بكر وعمر ؟ فقال : كان أبو بكر وعمر خيرا منه وما رأيت بعد رسول الله ? أسود من معاوية (2) .
رواه ابن عساكر في « تاريخ دمشق » (59/173) : من طريق العوام بن حوشب عن جبلة بن سحيم عن ابن عمر رضي الله عنهما وكذلك اللالكائي في « شرح السنة » (2781) ، والخلال في « السنة » (1/443) .
وقد جاء ما يقويه بها فقد رواه البخاري في التاريخ الكبير ( 7/327) ( 2/442) ، وابن عدي في « الكامل » (6/110) ، وابن عساكر في « تاريخ دمشق » (59/174) من طريق نافع عن ابن عمر ، وانظر « سير أعلام النبلاء » (3/153) فهو حسن .
حديث المهاجر بن قنفذ :
قال المالكي : « مسند المهاجر في الأجزاء المفقودة من معجم الطبراني فلا أستطيع الحكم على الإسناد لكن هذا الحديث شاهد قوي لاسيما مع توثيق الهيثمي » (3) !
أقول في « معجم الطبراني الكبير » (20/230) حدثنا المقدام بن داود حدثنا أسد بن موسى حدثنا أبو معاوية محمد بن خازم عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن المهاجر بن قنفذ قال : رأى رسول الله ? ثلاثة على بعير فقال : الثالث ملعون .
__________
(1) انظر في تساهل العجلي في التوثيق : التنكيل للعلامة المعلمي (1/66).
(2) انظر منهاج السنة النبوية (4/445) .
(3) صفحة ( 202) من كتابه في الصحبة والصحابة !(1/103)
وفي « معجم الصحابة » (3/60) الحسن بن علي العنزي حدثنا أبو كريب حدثنا أبو معاوية به (!) وهذا الإسناد فيه علتان :
أ - إسماعيل بن مسلم المكي متروك الحديث .
ب - الحسن بن أبي الحسن البصري لم يسمع من المهاجر بن قنفذ وإنما يروي عنه بواسطة حضين بن المنذر القرشي (1) (2) .
قال الإمام بن تيمية في منهاج السنة النبوية ( 4/445) أولًا : نحن نطالب بصحة هذا الحديث فإن الإحتجاج بالحديث لا يجوز إلا بعد ثبوته . ونحن نقول هذا في مقام المناظرة وإلا فنحن نعلم قطعًا أنه كذب .
ثانيًا : هذا الحديث من الكذب الموضوع باتفاق أهل العلم بالحديث ) ... إلى أن قال : « ثم من المعلوم من سيرة معاوية أنه كان من أحلم الناس وأصبرهم على من يؤذيه وأعظم الناس تأليفًا لمن يعاديه . فكيف ينفر عن رسول الله ? مع أنه أعظم الخلق مرتبة في الدين والدنيا وهو محتاج إليه في كل أموره ؟! فكيف لا يصبر على سماع كلامه ؟! وهو بعد الملك يسمع كلام من يشتهه في وجهه . فلماذا لم يسمع كلام النبي ? ؟! وكيف يتخذ النبي ? كاتبًا من هو في هذه الحالة ؟! ) ا.هـ .
الحديث الثالث : حديث « يطلع عليكم من هذا الفج رجل يموت على غير ملتي » !! (3)
__________
(1) تهذيب الكمال ( 28 / 578 ).
(2) وانظر : بطلان الحديث في منهاج السنة ( 4 / 380 ).
(3) ذكر الطبري في تاريخه (5/618) حوادث سنة أربع وثمانين ومائتين أنه في يوم الحادي عشر يوم الجمعة من هذه السنة تحدث الناس أن المعتضد أمر بإخراج الكتاب الذي كان المأمون أمر بإنشائه بلعن معاوية ! يقرأ على المنبر ... وفي هذا الكتاب أن رسول الله ? قال : « يطلع من هذا الفج رجل من أمتي يحشر على غير ملتي » فطلع معاوية , وحديث : « إذا رأيتم معاوية على منبري فقتلوه » , وحديث : « لعن الله القائد والسائق والراكب » وفيه من اللعن والسب والتكفير والشهادة بالنار لأبي سفيان ومعاوية ما يندى له جبين المسلم !! .(1/104)
قال ا لبلاذري في « أنساب الأشراف » (126) بكر بن الهيثم قالا حدثنا عبدالرزاق بن همام أنبأنا معمر عن ابن طاووس عن أبيه بن كيسان عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : كنت جالساً عند رسول الله ? فقال : « يطلع عليكم من هذا الفج رجل يموت على غير ملتي » قال : وكنت تركت أبي قد وضع له وضوء فكنت كحابس البول مخافة أن يجيء . قال : فطلع معاوية ، فقال النبي ? : « هذا هو » .
ورواه الطبراني بمعناه وليس فيه التصريح بمعاوية رضي الله عنه .
قال الهيثمي في « المجمع » (5/243) : « رواه كله الطبراني وحديثه مستقيم وفيه ضعف غير مبين وبقية رجاله رجال الصحيح » .
وهذا الحديث أعله الإمام أحمد بلفظ « يطلع عليكم رجل من أهل النار » وهو بمعنى الحديث الأول في « المنتخب من العلل » قال الخلال (228) .
« سألت احمد عن حديث شريك عن ليث عن طاوس عن عبدالله بن عمرو قال : قال رسول الله ? : « يطلع عليكم رجل من أهل النار » فطلع معاوية .
قال : إنما ابن طاوس عن أبيه عن عبدالله بن عمرو أو غيره شك فيه .
قال الخلال : رواه عبدالرزاق عن معمر عن ابن طاوس ، قال : سمعت فرخاش (1) يحدث هذا الحديث عن أبي عن عبدالله بن عمرو .
وأعله البخاري في « التاريخ الأوسط » (71) قال رحمه الله :
ويروى عن معمر عن بن طاوس عن أبيه عن رجل عن عبدالله بن عمرو رفعه في قصته وهذا منقطع لا يعتمد عليه .
وقال شيخ الإسلام في « منهاج السنة » (4/444) : « هذا الحديث من الكذب الموضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث» ا.هـ. ثم إن بكراً بن الهيثم شيخ البلاذري لم أجد له ترجمة
__________
(1) كذا في المطبوع وهو خطأ ! ولعل الصواب سمعت الليث يحدث هذا الحديث عن أبي عن عبد الله بن عمرو.(1/105)
وقد تابعه إسحاق وهو إسحاق بن إبراهيم الدبري الصنعاني لا كما زعم المالكي أنه إسحاق بن إسرائيل فإن إسحاق بن إسرائيل وإن كان من شيوخ البلاذري إلا أنه لا يعرف بالرواية عن عبدالرزاق بخلاف إسحاق بن إبراهيم الدبري .
قال ابن عدي في « الكامل » (1/344) : « قال إسحاق بن إبراهيم بن عباد أبو يعقوب الدبري الصنعاني استصغرني عبدالرزاق ، أحضره أبوه عنده وهو صغير جداً فكان يقول : قرأنا على عبدالرزاق أي قرأ غيره وحضر صغيراً وحدث عنه بحديث منكر » (1) .
ونقل ابن رجب في « شرح علل الترمذي » (2/581) عن إبراهيم الحربي قال : « مات عبدالرزاق وللدبري ست سنين أو سبع سنين » أقول وعبدالرزاق الصنعاني : ثقة إمام إلا أنه قد تغير حفظه ورواية المتأخرين عنه دون رواية المتقدمين في الصحة .
والدبري إنما سمع منه بعد ما عمي وتغير حفظه .
وقد روى عبد الرزاق أحاديث منكرة في فضل آل البيت ومثالب معاوية .
قال ابن عدي في « الكامل » (1/344) عنه : « نسبوه للتشيع (2) وروى أحاديث في الفضائل لا يوافق عليها فهذا أعظم ما ذموه به من روايته هذه الأحاديث ولما رواه في مثالب غيرهم مما لم أذكره وأما الصدق فإني أرجو أنه لا بأس به إلا أنه قد سبق منه أحاديث في أهل البيت ، ومثالب آخرين مناكير » فنص ابن عدي رحمه الله على أن له أحاديث في الفضائل والمثالب مناكير .
وقال ابن رجب (2/580) : « وقد ذكر غير واحد أن عبدالرزاق حدث بأحاديث مناكير في فضل علي وأهل البيت فلعل تلك الأحاديث مما لقنها بعد أن عمي كما قال الإمام أحمد والله أعلم وبعضها مما رواه عنه الضعفاء ولا يصح » .
__________
(1) في « السير » (13/417) : « وحدث عنه بأحاديث منكرة » ! .
(2) انظر الضعفاء للعقيلي (3/859) ، السير (9/566).(1/106)
وقال الذهبي في « المغني في الضعفاء » (1/69) عن إسحاق بن إبراهيم الدبري : « قال ابن عدي استصغر في عبدالرزاق قلت سمع من عبدالرزاق كتبه وهو ابن سبع سنين أو نحوها وروى عنه أحاديث منكرة فوقع التردد فيها هل هي من قبل الدبري وانفرد به أو هي محفوظة مما انفرد به عبدالرزاق وقد احتج بالدبري جماعة من الحفاظ كأبي عوانة وغيره » .
وقال ابن الصلاح : « وجدت فيما روى الطبراني عن الدبري عنه أحاديث استنكرتها جدًا فأحلت أمرها على ذلك » (1) .
متابعات الحديث :
وللحديث متابعة رواها أبو نعيم في « تاريخ أصبهان » (2/77) من طريق الليث عن طاوس عن عبدالله بن عمرو أن النبي ? قال : « يطلع عليكم رجل من يثرب على غير ملتي فظننت أنه أبي وكنت تركته يتهيأ فاطلع فلان » .
والبلاذري في « أنساب الأشراف » (5/134) من طريق شريك عن الليث عن طاوس عن عبدالله بن عمرو بمعناه .
والمتابعة الأولى في سندها ليث بن أبي سليم بن زنيم القرشي مولاهم أبو بكر ويقال أبو بكر الكوفي .
قال عبدالله بن أحمد عن أبيه : مضطرب الحديث ولكن حدث عنه الناس (2) .
وقال ابن معين : ضعيف (3) إلا أنه يكتب حديثه ، وقال : كان يحيى بن سعيد لا يحدث به ، وكان ابن عيينة يضعف ليث بن أبي سليم .
وقال ابن أبي حاتم : سمعت أبي وأبا زرعة يقولان : ليث لا يشتغل به ، هو مضطرب الحديث (4) ، قال : وقال أبو زرعة ليث بن أبي سليم لين الحديث لا تقوم به الحجة عند أهل العلم بالحديث .
وقال ابن عدي : له أحاديث صالحة ، وقد روى عنه شعبة والثوري ومع الضعف الذي فيه يكتب حديثه (5) .
وقال البرقاني سألت الدارقطني عنه فقال صاحب سنة يخرج حديثه ثم قال إنما انكروا عليه لأنه جمع بين عطاء وطاووس و مجاهد حسب .
__________
(1) مقدمة ابن الصلاح ( 355) .
(2) الضعفاء الكبير ( 4/16) .
(3) تاريخ ابن معين ( 1/158) رواية الدوري .
(4) الجرح والتعديل ( 7/178) .
(5) الكامل ( 6/89) .(1/107)
وقال ابن سعد : كان رجلاً صالحاً عابداً وكان ضعيفاً في الحديث يقال : كان يسأل عطاء وطاووساً ومجاهداً عن الشيء فيختلفون فيه فيروي أنهم اتفقوا من غير تعمد (1) .
وقال ابن حبان : اختلط في آخر عمره فكان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل ويأتي عن الثقات بما ليس من حديثهم تركه القطان وابن مهدي وابن معين وأحمد (2) .
وقال الترمذي كما في « العلل الكبير » : قال محمد كان أحمد يقول ليث لا يفرح بحديثه قال محمد وليث صدوق يهم (3) .
وقال الحاكم أبو أحمد : ليس بالقوي عندهم .
وقال الحاكم أبو عبدالله : مجمع على سوء حفظه .
وقال الجوزجاني : يضعف حديث (4) .
والمتابعة الثانية في سندها :
شريك بن عبدالله القاضي سبق الكلام عليه .
وكذلك الليث بن أبي سليم .
وللحديث شواهد :
فرواه نصر بن مزاحم (217) من طريق جعفر بن زياد الأحمر عن ليث عن مجاهد عن عبدالله بن عمر .
ورواه نصر بن مزاحم في كتاب صفين (219) من طريق شريك عن ليث عن طاووس عن عبدالله بن عمر مرفوعا بلفظ « رجل يموت حين يموت على غير سنتي » .
ورواه نصر بن مزاحم (217) من طريق جعفر بن زياد الأحمر عن ليث عن محارب بن دثار عن جابر مرفوعا بلفظ « يموت معاوية على غير ملتي » .
وكل هذه الشواهد من رواية نصر بن مزاحم رافضي متروك الحديث وقد مضى الكلام عليه والليث بن أبي سليم سيء الحفظ وسبق الكلام عليه قريباً .
والشاهد الثاني فيه أيضاً شريك القاضي سيء الحفظ فيما رواه من حفظه بعد توليه القضاء .
__________
(1) الطبقات الكبرى ( 6/349) .
(2) المجروحين (2/237) .
(3) العلل الكبير ( 293) ، والتهذيب ( 8/418) .
(4) أحوال الرجال وترجمة رقم ( 91) .(1/108)
وما أجمل ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في « الفتاوى » (4/472) : « معاوية ثبت بالتواتر أنه أمره النبي ? في كتابه (1) الوحي وولاه عمر بن الخطاب الذي كان من أخبر الناس بالرجال وقد ضرب الله الحق على لسانه وقلبه ولم يتهمه في ولايته وقد ولى رسول الله ? أباه أبا سفيان إلى أن مات النبي ? وهو على ولايته فمعاوية خير من أبيه وأحسن إسلاماً من أبيه باتفاق المسلمين وإذا كان النبي ? ولى أباه فلأن تجوز ولايته بطريق الأولى والأحرى ، ولم يكن من أهل الردة قط ولا نسبه أحد من أهل العلم إلى الردة فالذين ينسبون هؤلاء إلى الردة هم الذين ينسبون أبا بكر وعمر وعثمان وعامة أهل بدر وأهل بيعة الرضوان وغيرهم من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين أتبعوهم بإحسان إلا ما لا يليق بهم » .
وفي (4/476) قال رحمه الله : « وأما قول القائل : إيمان معاوية كان نفاقا فهو أيضا من الكذب المختلق فإنه ليس في علماء المسلمين من اتهم معاوية بالنفاق بل العلماء متفقون على حسن إسلامه وقد توقف بعضهم في حسن إسلام أبي سفيان – أبيه – وأما معاوية وأخوه يزيد فلم يتنازعوا في حسن إسلامهما كما لو يتنازعوا في حسن إسلام عكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو وصفوان بن أمية وأمثالهم من مسلمة الفتح وكيف يكون رجلا متوليا على المسلمين أربعين سنة نائباً ومستقلاً يصلي بهم الصلوات الخمس ويخطب ويعظهم ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويقيم فيهم الحدود ويقسم بينهم فيأهم ومغانمهم وصدقاتهم ويحج بهم ومع هذا يخفي نفاقه عليهم كلهم ؟ وفيهم من أعيان الصحابة جماعة كثيرة .
__________
(1) كذا بالأصل والصواب ( بكتابة ) .(1/109)
بل أبلغ من هذا أنه – ولله الحمد - لم يكن من الخلفاء الذين لهم ولاية عامة من خلفاء بني أمية وبني العباس أحد يتهم بالزندقة والنفاق وبنو أمية لم ينسب أحد منهم إلى الزندقة والنفاق وإن كان قد ينسب الرجل منهم إلى نوع من البدعة أو نوع من الظلم لكن لم ينسب أحد منهم من أهل العلم إلى زندقة ونفاق وإنما كان المعروفون بالزندقة والنفاق وكذلك رمي بالزندقة والنفاق قوم من ملوك النواحي الخلفاء من بني بويه وغير بني بويه فأما خليفة عام الولاية في الإسلام فقد طهر الله المسلمين أن يكون ولي أمرهم زنديقا منافقا فهذا مما ينبغي أن يعلم ويعرف فإنه نافع في هذا الباب واتفق العلماء على أن معاوية أفضل ملوك هذه الأمة فإن الأربعة قبله كانوا خلفاء نبوة وهو أول الملوك كان ملكه ملكاً ورحمة » .
وقال في (35/62) : « و « معاوية ، وعمرو بن العاص ، وأمثالهم » من المؤمنين لم يتهمهم أحد من السلف بنفاق ».
الحديث الرابع : ( أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية ) :
رواه ابن أبي شيبة في « المصنف » (35866) ، وابن أبي عاصم (63) ، وأبو نعيم في « تاريخ أصبهان » (1/132) ، وابن عدي في « الكامل » (3/164) ، والبيهقي في دلائل النبوة (6/466) , وابن عساكر في « تاريخ دمشق » (18/160) كلهم من طريق أبي العالية عن أبي ذر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله ? فذكر الحديث ، وفي بعض طرقه كما عند البخاري في « التاريخ الأوسط » (158) قال أبو العالية : كنا مع أبي ذر في الشام وفيه قصة لأبي ذر مع يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه .
هذا الحديث فيه علتان :
أن أبا ذر لم يقدم الشام في زمن عمر رضي الله عنه وإنما قدم الشام في زمن عثمان رضي الله عنه ويزيد بن أبي سفيان مات في خلافة عمر رضي الله عنه فكيف يسمع أبو العالية من أبي ذر في الشام وهو لم يقدم إليها في خلافة عمر !(1/110)
قال البخاري في « التاريخ الأوسط » (158) : « حدثني محمد حدثنا عبدالوهاب بن عبدالمجيد عن المهاجر بن أبي مخلد حدثنا أبو العالية قال : وحدثني أبو مسلم ، قال : كان أبو ذر بالشام وعليها يزيد بن أبي سفيان فغزا الناس فغنموا والمعروف أن أبا ذر كان بالشام زمن عثمان وعليها معاوية ومات يزيد في زمن عمر ولا يعرف لأبي ذر قدوم الشام زمن عمر رضي الله عنه » .
أبو العالية رفيع بن مهران الرياحي لم يسمع من أبي ذر فالحديث منقطع وليس له إلا هذا الطريق !!
قال الدوري سألت ابن معين : أسمع أبو العالية من أبي ذر ؟ قال : لا ، إنما يروي عن أبي مسلم عنه ، قلت : فمن أبو مسلم هذا ؟ قال : لا أدري (1) .
وقد جاء الحديث من طريق أبي العالية عن أبي مسلم هذا عن أبي ذر كما عند ابن عساكر في « تاريخ دمشق » (65/250) وأبو مسلم هذا جهله ابن معين كما ذكر .
قال البخاري : والحديث معلول ، كما في « البداية والنهاية » (11/649) .
قال البيهقي في « الدلائل » (6/467) : « هذا الإسناد إرسال بين أبي العالية وأبي ذر » .
وذكر ابن كثير في « البداية والنهاية » (11/649) أنه من الأحاديث الضعيف والمنقطعة في ذم يزيد بن معاوية (2) .
وذلك لأنه من رواية أبي العالية عن أبي ذر ولم يسمع منه والواسط بينهما أبو مسلم مجهولًا لا يعرف .
على فرض صحة الحديث فهو في حق يزيد بن معاوية فقد روى الروياني في مسنده كما في « سير أعلام النبلاء » (1/329) من طريق مهاجر أبي مخلد عن أبي العالية عن أبي ذر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله ? : « أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية يقال له يزيد » وهو نفس الطريق الذي صححه من صحح الحديث !.
__________
(1) تاريخ ابن معين ( 4/120) رواية الدوري .
(2) وانظر : البداية والنهاية (9/234) .(1/111)
لذا قال ابن عدي في « الكامل » (3/164) : « وفي بعض الأخبار مفسراً زاد يقال له يزيد » (1) .
وقال البيهقي في دلائل النبوة (6/467) : ويشبه أن يكون هذا الرجل هو يزيد بن معاوية بن أبي سفيان .
الحديث الخامس : حديث « أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين » .
هذا الحديث جاء من عدة طرق عن علي وأبي أيوب الأنصاري وعمار وابن مسعود وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم أجمعين وكل هذه الطرق لا يصح منها شيء ! (2)
الطريق الأول :
رواه ابن عساكر في « تاريخ دمشق » (42/468) من طريق أبي الجارود عن زيد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده .
وأبو الجارود هو زياد بن المنذر الهمداني الكوفي الأعمى وإليه ينسب الجارودية (3) ضعفه أبو حاتم جدًا ، وقال : متروك الحديث (4) .
وقال البخاري : يتكلمون فيه (5) .
قال النسائي : متروك .
قال ابن معين : كذاب (6) .
وقال ابن حبان : يضع الحديث في الفضائل والمثالب (7) .
الطريق الثاني :
__________
(1) قال المناوي في فيض القدير ( 3/94) : « قال البيهقي في كلامه على الحديث هو يزيد بن معاوية لخبر أبي يعلى والبيهقي وأبي نعيم وابن منيع لا يزال أمر أمتي قائمًا بالقسط حتى يكون أول من يثلمه رجل من بني أمية يقال له يزيد » ا.هـ
(2) أقول وهذا الحديث له طرق كثيرة لكنها لا تغني شيئاً .. قال الإمام ابن عبدالهادي في الصارم المنكي (51) : « وكم من حديث له طرق كثيرة وقد نص أئمة هذا الشأن على ضعفه وعدم الاحتجاج به واتفقوا على رده وعدم قبوله » .
(3) والجارودية من الزيدية . قال الإمام عبد القاهر البغدادي في الفرق بين الفرق ( 39) : « وتكفيرهم واجب ، لتكفيرهم أصحاب رسول الله ? » .
(4) الجرح والتعديل ( 3/371) .
(5) التاريخ الكبير ( 3/471) .
(6) تاريخ ابن معين ( 3/456)
(7) المجروحين ( 1/306)(1/112)
رواه ابن عساكر في « تاريخ دمشق » (42/470) من طريق جعفر الأحمر عن يونس بن أرقم عن أبان عن خليد العصري قال : سمعت أمير المؤمنين علياً .... الحديث .
وفي سنده أبان بن أبي عياش أبو إسماعيل البصري
متروك الحديث نص على ذلك الإمام أحمد وابن معين والنسائي (1) .
وقال شعبة : لأن أشرب من بول حمار حتى أروى أحب إلى أن أقول حدثنا أبان بن أبي عياش (2) .
الطريق الثالث :
رواه ابن عساكر في « تاريخ دمشق » (42/469) من طريق عبدالجبار الهمداني عن أنس بن عمرو عن أبيه عن علي .
قال ابن خراش : أنس بن عمرو عن أبيه عن علي مجهول (3) .
وعبدالجبار الهمداني هو عبدالجبار بن العباس الشبامي الكوفي .
وقال الذهبي في « الميزان » (3/533) : قال أبو نعيم لم يكن بالكوفة أكذب منه .
الطريق الرابع :
رواه ابن عساكر في « تاريخ دمشق » (42/469) من طريق محمد بن الحسن عن عطية بن سعد العوفي ثني أبي ثني عمرو بن عطية بن سعد عن أخيه الحسن بن عطية بن سعد عن ابن عطية ثني جدي سعيد بن جنادة عن علي فذكره .
وهذا مسلسل بالضعفاء .
عطية العوفي ومن دونه من الرواة ضعفاء .
قال ابن رجب في « شرح العلل » (2/884) : من البيوت الضعفاء عطية العوفي وأولاده .
الطريق الخامس :
رواه ابن ابي عاصم في « السنة » (939) ، والبزار (3270) كما في « كشف الأستار » ، وابن عساكر في « تاريخ دمشق » (42/469) من طريق فطر بن خليفة عن حكيم بن جبير عن إبراهيم النخعي عن علقمة قال : سمعت علياً بن أبي طالب يوم النهروان يقول : أمرت بقتال المارقين وهؤلاء المارقون .
وفي سنده حكيم بن جبير .
قال الإمام أحمد : ضعيف مضطرب الحديث (4) .
وقال النسائي : ضعيف كوفي (5) .
وقال الدارقطني : متروك .
__________
(1) الضعفاء والمتروكين ( 14) .
(2) الكامل في الضعفاء ( 1/381) .
(3) الميزان (1/277) .
(4) الضعفاء الكبير (1/316) .
(5) الضعفاء والمتروكين (30) .(1/113)
وقال الجوزجاني : كذاب (1) .
الطريق السادس :
رواه البزار (774) ، وأبو يعلى في « مسنده » (519) ، والعقيلي في « الضعفاء » (2/404) من طريق الربيع بن سهل الفزاري عن سعيد بن عبيد عن علي بن ربيعة الوالبي عن علي وفي سنده الربيع بن سهل بن دكين الفزاري .
قال ابن معين : ليس هو بشيء .
وقال أبو زرعة : منكر الحديث (2) .
وقال البخاري : يخالف في حديثه (3) .
الطريق السابع :
رواه الطبراني في « الأوسط » (4326) من طريق يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن أبي صادق عن ربيعة بن ناجذ عن علي نحوه .
قال الطبراني (8/213) لم يرو هذا الحديث عن ربيعة بن ناجذ إلا سلمة تفرد به ابنه .
الطريق الثامن :
رواه ابن عساكر في « تاريخ دمشق » (42/471) من طريق إسحاق بن إبراهيم الأزدي عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري .
وفي سنده أبي هارون العبدي عمارة بن جوين .
كذبه حماد بن زيد .
وقال أحمد : ليس بشيء .
وقال النسائي : متروك الحديث (4) .
وقال ابن حبان : كان يروي عن أبي سعيد ما ليس من حديثه (5) .
الطريق التاسع :
رواه أبو يعلي في « مسنده » (1623) من طريق القاسم بن سليمان عن أبيه عن جده عن عمار .
قال الهيثمي في « المجمع » (7/239) : رواه أبو يعلى بإسناد ضعيف .
قال العقيلي : القاسم بن سليمان عن أبيه عن جده عن عمار في قتال القاسطين لا يصح حديثه (6) .
الطريق العاشر :
رواه الطبراني في « الأوسط » (4327) من طريق مسلم بن كيسان الملائي عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود .
وهو حديث معلول في سنده مسلم بن كيسان الملائي ضعيف الحديث (7) .
__________
(1) أحوال الرجال , ترجمة رقم (21) .
(2) انظر الضعفاء للعقيلي (2/403) .
(3) التاريخ الكبير (3/278) .
(4) الكامل (5/78) .
(5) المجروحين (2/177) .
(6) انظر الميزان (3/371).
(7) انظر : التاريخ الكبير (7/271) , الجرح والتعديل (8/193) , والكامل (6/306) .(1/114)
وخالفه أيضاً الحسن بن عمرو الفقيمي فرواه عن إبراهيم عن علقمة عن علي .
قال الدارقطني في « العلل » (1/149) : ومنهم من أرسله عنه وهو الصحيح عن إبراهيم عن علي مرسلا .
قال الهيثمي في « المجمع » (6/235) : رواه الطبراني وفيه من لم أعرفه .
ومسلم بن كيسان الملائي تابعه منصور بن المعتمر كما عند ابن عساكر في « تاريخ دمشق » (42/470) إلا أنها متابعة ساقطة في سندها إسماعيل بن عباد المقريء ، قال الدارقطني : متروك .
وقال العقيلي : حديثه ليس بمحفوظ (1) .
وقال ابن حبان : لا يجوز الاحتجاج به بحال (2) .
الطريق الحادي عشر :
روى الحاكم في « المستدرك » (4674) من طريق محمد بن حميد حدثنا سلمة بن الفضل حدثني أبو زيد الأحول عن عقاب بن ثعلبة حدثني أبو أيوب الأنصاري في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : « أمر رسول الله علي بن أبي طالب بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين » .
الطريق الثاني عشر :
رواه أيضا الحاكم في « مستدركه » (4675) من طريق محمد بن يونس القرشي عن عبدالعزيز بن الخطاب حدثنا علي بن غراب عن ابن أبي فاطمة عن الأصبغ بن نباتة عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه بمعناه .
وكلاهما لا يصح .
قال الذهبي : لم يصح وساقه الحاكم بسندين مختلفين إلى أبي أيوب ضعفين .
الطريق الثالث عشر :
فيه محمد بن حميد الرازي ضعيف الحديث .
وسلمة بن الفضل أبو عبدالله الأبرش وهو ضعيف الحديث له مناكير وغرائب وما رواه عن محمد بن إسحاق في المغازي فقط أقوى من غيره وإن كان حديثه ضعيف مطلقاً .
وقد سبق الكلام عليه .
وعتاب بن ثعلبة قال الذهبي في « الميزان » (4/127) : « روى عنه أبو زيد الأحول حديث قتال الناكثين والإسناد مظلم والمتن منكر » .
الطريق الرابع عشر :
فيه محمد بن يونس القرشي الكديمي البصري كذاب وضاع .
__________
(1) الضعفاء الكبير (1/85) .
(2) المجروحين (1/123) .(1/115)
قال ابن حبان : لعله وضع أكثر من ألف حديث (1) .
وقال ابن عدي : اتهم بالوضع .
وأصبغ بن نباته متروك الحديث .
وابن أبي فاطمة هو علي بن الحزور .
قال البخاري : فيه نظر (2) .
وقال أبو حاتم : منكر الحديث (3) .
وقال النسائي : متروك (4) .
الطريق الخامس عشر :
رواه ابن عدي في « الكامل » (2/187) ، والطبراني في « المعجم الكبير » (4/172) ، وابن عساكر في « تاريخ دمشق » (42/473) من طريق محمد بن كثير عن الحارث بن حصيرة عن أبي صادق عن محنف بن سليم قال أتينا أبا أيوب الأنصاري وهو يعلف خيلا له بصفين فقلنا عنده فقلت له : « أبا أيوب قاتلت المشركين مع رسول الله ثم جئت تقاتل المسلمين قال عن رسول الله أمرني بقتال ثلاثة الناكثين والقاسطين والمارقين فقد قاتلت الناكثين وقاتلت القاسطين وأنا مقاتل إن شاء الله المارقين بالشفعات بالطرقات بالنهروان وما أدري ما هم » وفي سنده محمد بن كثير القرشي الكوفي .
قال أحمد : خرقنا حديثه .
وقال البخاري : كوفي منكر الحديث (5) .
وقال ابن المديني : كتبنا عنه عجائب وخططت على حديثه (6) .
الطريق السادس عشر :
روى الخطيب البغدادي في « تاريخ بغداد » (12/186) وابن عساكر في « تاريخ دمشق » (42/472) من طريق المعلي بن عبدالرحمن حدثنا شريك عن الأعمش حدثنا إبراهيم عن علقمة والأسود قالا : أتينا أبا أيوب الأنصاري ..... الحديث .
وهذا في سنده المعلى بن عبدالرحمن الواسطي يضع الحديث .
صرح عند موته بأنه وضع في فضل علي رضي الله عنه سبعين حديثاً !! (7)
وشريك عبدالله القاضي سيء الحفظ لاسيما فيما رواه بعد توليه القضاء .
__________
(1) المجروحين (2/313) .
(2) التاريخ الكبير (6/292) وسوف يأتي بمشيئة الله تعالى الكلام على معنى قول البخاري : فيه نظر .
(3) الجرح والتعديل (6/183) .
(4) التهذيب (3/743) .
(5) التاريخ الكبير (1/217) .
(6) التهذيب (3/683) .
(7) التهذيب (4/122) .(1/116)
قال العقيلي في « الضعفاء » (2/51) : « الأسانيد في هذا الحديث عن علي لينة الطرق والرواية عنه في الحرورية صحيحة » (1) .
الحديث السادس : حديث « قاتل عمار وسالبه في النار » :
وصحح المالكي الحديث وقال : قال ابن تيمية : من رضي بقتل عمار كان حكمه حكم قاتل عمار (2) .
أقول هذا الكلام فيه عدة مغالطات وتغير للحقائق !
أولاً : الحديث في ثبوته نظر !
وقد بين ذلك شيخنا عبدالله السعد حفظه الله بكلام نفيس بديع في مقدمة كتاب « الإبانة لما للصحابة من المنزلة والمكانة » صفحة (48)قال وفقه الله :
« أخرج أحمد (4/198) حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة أنا أبو حفص وكلثوم بن جبر عن أبي الغادية قال : قتل عمار فأخبر عمرو بن العاص قال : سمعت رسول الله ? يقول : « إن قاتله وسالبه في النار » فقيل لعمرو : فإنك هو ذا تقاتله ، قال : إنما قال : قاتله وسالبه وأخرج هذا ابن سعد في « الطبقات » بنفس الإسناد كما تقدم وهذا صحيح إلى أبي الغادية كما تقدم لكن قوله : فأخبر عمرو بن العاص .... هل يرويه أبو الغادية عن عمرو أو هو من رواية كلثوم بن جبر عن عمرو بن العاص ؟ فإن كان الأول فهو صحيح كما تقدم ، وإن كان الثاني وهو الأقرب لأن فيه : فأخبر عمرو ، وفيه أيضاً قيل لعمرو فإنك هو ذا تقاتله كان هذا يفيد أن أبا الغادية لا يرويه عن عمرو ولذلك قال الذهبي في « السير » (2/544) : إسناده فيه انقطاع .
__________
(1) انظر للفائدة السلسة الضعيفة للشيخ الألباني رحمه الله (10/557).
(2) قال المالكي صفحة (119) من كتابه في الصحبة والصحابة عن الشيخ عبدالله السعد وفقه الله : « فأجاد شيخنا !! وفقه الله في كثير من الكلام عليها , وصحح بعض أسانيده وإن لم يجزم بصحة الحديث » !!
أقول هذا من سوء فهمك فالشيخ لم يصحح الحديث بل قال في سنده نظر , وإنما صحح قصة قتل أبي الغادية لعمار رضي الله عنه كما سيأتي .(1/117)
ولعله يقصد بالانقطاع هو ما تقدم لأن كلثوم بن جبر لا يعرف له سماع من عمرو وإنما يروي عن صغار الصحابة ومن تأخرت وفاته منهم ، بل يروي عن التابعين وأبو الغادية يظهر أنه ممن تأخرت وفاته لأن البخاري في تاريخه ذكر أبا الغادية فيمن مات ما بين السبعين إلى الثمانين وذكره أيضا فيمن مات ما بين التسعين إلى المائة ولذلك قال أبو الفضل بن حجر في « تعجيل المنفعة » (2/520) : وعمّر عمرو طويلا ا.هـ. ، وكلثوم صرح بسماعه من أبي الغادية كما تقدم .
طريق آخر : قال ابن أبي عاصم في « الآحاد والمثاني » (803) : حدثنا العباس بن الوليد النرسي حدثنا معتمر بن سليمان سمعت ليثا يحدث عن مجاهد عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال : أتى عمرو بن العاص رجلان يختصمان في أمر عمار وسلبه فقال : خلياه واتركاه فإني سمعت رسول الله ? يقول : « اللهم أولعت قريش بعمار ، قاتل عمار وسالبه في النار » وأخرجه الطبراني في « الكبير » من طريق ليث كما في « مجمع الزوائد » (9/297) فقد قال الهيثمي : وقد صرح ليث بالتحديث ورجاله رجال الصحيح . ا.هـ.
وليث هو ابن أبي سليم وهو ضعيف وقد اختلط وضعفه أكثر أهل العلم ولكن يكتب حديثه .
أما من جهة المتن فسيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى .
وقد أخرج هذا الحديث الحاكم (3/387) في « المستدرك » عن محمد بن يعقوب الحافظ حدثنا يحيى بن محمد حدثنا عبدالرحمن بن المبارك حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن مجاهد به .
قال الحاكم : تفرد به عبدالرحمن بن المبارك وهو ثقة مأمون عن معتمر عن أبيه ، فإن كان محفوظاً فإنه صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وإنما رواه الناس عن معتمر عن ليث عن مجاهد ا.هـ.
قلت : الصواب هو أنه من رواية ليث عن مجاهد وأما رواية عبدالرحمن بن المبارك فهي خطأ من جهتين :
أن الأكثر رووه عن معتمر عن ليث كما قال الحاكم .(1/118)
أن عبدالرحمن سلك الجادة في حديث معتمر فرواه عن أبيه لأن كثيراً ما يروي معتمر عن أبيه ومن المعلوم عند الحفاظ أن من خالف الجادة يقدم على من سلكها لأن هذا يدل على حفظه .
وأما من حيث المتن فقد جاءت هذه القصة من طرق أخرى عن عبدالله بن عمرو من رواية أبيه وليس فيها : قاتل عمار وسالبه في النار .
فقد أخرج أحمد (2/164 و 206 ) حدثنا يزيد أن العوام حدثني أسود بن مسعود عن حنظلة بن خويلد العنبري قال : بينما أنا عند معاوية إذا جاءه رجلان يختصمان في رأس عمار يقول كل منهما أنا قتلته فقال عبدالله بن عمرو : ليطب به أحدكما نفساً لصاحبه فإني سمعت رسول الله ? يقول : « تقتله الفئة الباغية ... » وأخرجه ابن سعد (3/253) ، والبخاري في «التاريخ » (3/39) ، والنسائي في « الخصائص » (164) كلهم من طريق يزيد به وقال الذهبي في « المعجم المختص بالمحدثين من شيوخه » بعد أن رواه (ص 96) : إسناده جيد فإن الأسود هذا وثقه ابن معين ا.هـ.
رواه البخاري في « التاريخ » (3/39) ، والنسائي في « الخصائص » (165) ، وأبو نعيم في « الحلية » (7/198) كلهم من طريق محمد بن جعفر عن شعبة عن العوام عن رجل من بني شيبان عن حنظله بن سويد به .
قلت : الإسناد الأول أقرب لأمرين :
شعبة قد يخطئ في الأسماء كما هو معروف .(1/119)
أن يزيد بن هارون معه في هذا الخبر زيادة علم لأنه سمي شيخ العوام بخلاف شعبة مع أن هذا الاختلاف ليس بالكبير ، والرجل الذي من شيبان هو العنزي السابق ، وشيبان وعنزة يلتقيان في أسد بن ربيعة بن نزار ، وشيبان داخله في عنزة الآن – فيما أعلم – لأن أكثر ربيعة داخله الآن تحت عنزة ولعل هذا من قديم جدا كما يدل عليه قول شعبة : رجل من بني شيبان وجاء منسوبا إلى عنزة في رواية يزيد بن هارون مع أن هذا المكان ليس موضع الكلام على هذا الإسناد وتحقيقه وإنما المقصود بيان مخالفة الروايات لرواية ليث بن أبي سليم ، وأخرج ابن سعد (3/253) في « الطبقات » : أنا ابو معاوية عن الأعمش عن عبدالرحمن بن زياد عن عبدالله بن الحارث قال : إنني لأسير مع معاوية في منصرفة عن صفين بينه وبين عمرو بن العاص فقال عبدالله بن عمرو : يا أبت ، سمعت رسول الله ? يقول لعمار : « ويحك يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية » فقال عمرو لمعاوية : ألا تسمع ما يقول هذا ؟
وأخرجه أحمد (2/206) من طريق الأعمش به والنسائي في « الخصائص » (166-168) وذكر الاختلاف في هذا الحديث وجاء نحو هذه القصة من طرق أخرى (1) .
والشاهد مما تقدم أن هذه الطرق ليس فيها ما جاء في رواية ليث إلا ما جاء في رواية أخرجها الطبراني في « الكبير » من حديث عبدالله بن عمرو وفيها مسلم الملائي وهو ضعيف قاله الهيثمي في « المجمع » (9/297) .
حديث آخر : قال بن سعد في « الطبقات » (3/251) : أخبرنا إسحاق بن الأزرق أخبرنا عوف الأعرابي عن الحسن عن أمه عن أم سلمة قالت : سمعت النبي ? يقول : « تقتل عمار الفئة الباغية » قال عوف : ولا أحسبه إلا قال : وقاتله في النار ا.هـ.
قلت : هذه الزيادة لا تصح بل هي منكرة لأمرين :
__________
(1) ينظر : الطبقات (3/253) ، والحاكم (3/386 – 387 ) ، ومجمع الزوائد (9/297) وغيرها .(1/120)
أن هذا الحديث جاء من طرق كثيرة من غير طريق عوف الأعرابي من حديث الحسن عن أمه عن أم سلمة عند مسلم وأحمد والطيالسي وابن سعد والبيهقي في « السنن » و « الدلائل » ، والنسائي في « الكبرى » ، والطبراني والبغوي « صاحب شرح السنة » وليس فيها هذه الزيادة بل أخرج الطبراني (23/363) في « الكبير » من حديث عثمان بن الهيثم وهوذه بن خليفة كلاهما عن عوف به وليس في هذه الزيادة .
والحديث أيضاً جاء عن صحابة آخرين ولا أعلم أنه جاء فيه هذه الزيادة .
أن عوفاً شك في هذه الزيادة كما تقدم فكل هذا مما يبين نكارة هذه الزيادة وعدم صحتها .
طريق آخر : أخرجه ابن سعد في « الطبقات » (3/259) ، والحاكم في « المستدرك » (3/385 – 386) من طريق محمد بن عمر وهو الواقدي ثني عبدالله بن الحارث عن أبيه عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن عمرو بن العاص أنه قال لمن اختصم في قتل عمار : والله إن يختصمان إلا في النار ا.هـ.
وهذا موقوف ومحمد بن عمر كما تقدم هو الواقدي والخلاصة أن الحديث المرفوع وهو « قاتل عمارة في النار » في ثبوته نظر . والله أعلم .
وأما قصة قتل عمار من قبل أبي الغادية فهذا ثابت ولا شك أن هذا ذنب كبير ولكن لم يقل أحد عن الصحابة لا يذنبون ولا يقعون في الكبائر بل قال تعالى عن آدم عليه السلام : ? وعصى آدم ربه فغوى ? ]طه:121[ وقال تعالى عن الأبوين : ? قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ? إلى غير ذلك .
والخلاصة أن الحديث المرفوع وهو « قاتل عمار وسالبه في النار » في ثبوته نظر والله أعلم ، وأما قصة قتل عمار من قبل أبي الغادية فهذا ثابت » انتهى كلامه حفظه الله .
ثانياً : على فرض صحة الحديث فليس فيه مذمة لمعاوية رضي الله عنه فإن معاوية رضي الله عنه لم يقتله ولم يرضى بقتله .
وأما قول المالكي بأن ابن تيمية قال : من رضي بقتل عمار كان حكمه قاتل عمار .(1/121)
فقد بتر نص كلام ابن تيمية ولم يذكره كاملاً ! (1)
فتغير بذلك المعنى فإن ابن تيمية نص على ذلك ثم ذكر أن معاوية لم يرضى بقتل عمار وإليك نص كلام شيخ الإسلام في « الفتاوى » (35/76) قال رحمه الله : « ومن رضي بقتل عمار كان حكمه حكمها ، ومن المعلوم أنه كان في العسكر من لم يرض بقتل عمار : كعبدالله بن عمرو بن العاص وغيره بل كل الناس كانوا منكرين لقتل عمار حتى معاوية وعمرو » .
وكذلك ما وقع من قتال وقع عن تأويل واجتهاد .
قال الأشعري في « الإبانة » ( 78 ):
« وكذلك ما جرى بين علي ومعاوية رضي الله عنهما كان على تأويل واجتهاد وكل الصحابة مأمونون غير متهمين في الدين وقد أثنى الله على جميعهم وتعبدنا بتوقيرهم وتعظيمهم وموالاتهم والتبري من كل من ينقص أحداً منهم رضي الله عن جميعهم » ا.هـ.
فصل في : الأحاديث الصحيحة التي لا تدل إلى ما ذهب إليه من صححها !
الحديث الأول : حديث أبي هريرة « هلكة أمتي على يدي غلمة من قريش » .
قال حسن المالكي الحديث في ذم معاوية رضي الله عنه حديث أبي هريرة : « فساد أمتي - وفي لفظ هلاك أمتي - على أيدي سفهاء من قريش » الحديث في « صحيح البخاري » وقد جاء تفسير هؤلاء السفهاء حديث أبي هريرة نفسه أنهم ( بنو حرب وبنو مروان ) وأول بني حرب هو معاوية !!
أقول هذا الكلام فيه عدة أخطاء وتأويلات متكلفة وبيان ذلك كما يلي :
أن هذا اللفظ ليس لفظ البخاري بل لم أجد من أهل الحديث من رواه بهذا اللفظ !!
__________
(1) وهذا موضع آخر بتر فيه المالكي النص !(1/122)
قال البخاري في « صحيحه » (6649) : حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد قال : أخبرني جدي قال : كنت جالساً مع أبي هريرة في مسجد بالمدينة ومعنا مروان قال أبو هريرة سمعت الصادق المصدوق يقول : « هلكة أمتي على يدي غلمة من قريش » فقال مروان : لعنة الله عليهم غلمة ، فقال أبو هريرة : لو شئت أن أقول بني فلان وبني فلان لفعلت ، فكنت أخرج مع جدي إلى بني مروان حين ملكوا بالشام فإذا رآهم غلماناً أحداثاً قال لنا : عسى هؤلاء أن يكونوا منهم ، قلنا : أنت أعلم .
فانظر كيف أن الحديث حذفت منه لفظة ( أغيلمة ) وقد جاءت بهذا اللفظ في روايات كثيرة !
والسبب في ذلك أن لفظ أغيلمة جمع غلام قال بن الأثير : « المراد بالأغيلمة هنا الصبيان ولذلك صغرهم » فيخرج بذلك معاوية رضي الله عنه .
أو قد يكون المراد ( بالأغيلمة ) أولاد بعض من استخلف فوقع الفساد بسببهم فنسب إليهم فيخرج بذلك معاوية رضي الله عنه (1) .
لذا قام المالكي بحذف هذه الكلمة !
__________
(1) والثاني أصح وعليه يحمل الحديث , أما الأول ففيه ضعف وذلك لأن خلفاء بني أمية ليس فيهم أحد استخلف قبل البلوغ !!(1/123)
قال ابن حجر في « فتح الباري » (13/12) : « أغيلمة تصغير غلمة جمع غلام ، وواحد الجمع المصغر غليم بالتشديد ، يقال للصبي حين يولد إلى أن يحتلم غلام ، وتصغيره غليم ، وجمعه غلمان وغلمة وأغيلمة ... وقد يطلق على الرجل المستحكم القوة غلام تشبيهاً له بالغلام في قوته ، وقال ابن الأثير : المراد بالأغيلمة هنا الصبيان ، ولذلك صغرهم ، قلت : وقد يطلق الصبي والغليم بالتصغير على الضعيف العقل والتدبير والدين ولو كان محتلماً وهو المراد هنا (1) فإن الخلفاء من بني أمية لم يكن فيهم من استخلف وهو دون البلوغ وكذلك من أمروه على الأعمال إلا أن يكون المراد بالأغليمة أولاد بعض من استخلف فوقع الفساد بسببهم فنسب إليهم والأولى الحمل على أعم من ذلك » .
أن أبا هريرة رضي الله عنه أشار إلى أن أول الأغيلمة هو يزيد بن معاوية !
فروى البخاري في « الأدب المفرد » (66) عن أبي هريرة رضي الله عنه موقوفاً : « كان يتعوذ من إمارة الصبيان والسفهاء » من طريق ابن أبي ذئب عن سعيد بن سمعان عن أبي هريرة وسنده صحيح .
وروى الطبراني في « الأوسط » (1379) من حديث علي بن زيد بن جدعان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال : « قال في كيسي هذا حديث لو حدثتكموه لرجمتموني ؛ ثم قال : اللهم لا أبلغن رأس الستين ، قالوا : وما رأس الستين ؟ قال : إمارة الصبيان » وفي سنده علي بن زيد بن جدعان ضعيف الحديث .
وروى ابن عدي في « الكامل » (6/81) من طريق كامل أبو العلاء قال : سمعت أبا صالح مؤذناً كان يؤذن لهم قال : سمعت أبا هريرة يقول : سمعت رسول الله ? يقول : « تعوذوا بالله من رأس الستين وإمارة الصبيان » ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه (37235) , وأحمد في المسند (8302) , وابن عدي في الكامل (6/81) بلفظ : « تعوذوا بالله من رأس السبعين وإمارة الصبيان » .
__________
(1) وسوف يأتي أن هذا ليس هو المراد ! وانظر فتح الباري ( 13/12).(1/124)
وأبو صالح مولى ضباعة , قال مسلم : اسمه ميناء وكذا سماه النسائي والدولابي لم يرو عنه سوى كامل أبو العلاء ووثقه ابن حبان (1) والذهبي في « الميزان » ، وخرّج له الترمذي (2) .
وكامل أبو العلاء التميمي السعدي ساق له ابن عدي في « الكامل » (6/80) جملة أحاديث هذا منها وقال : « أرجو أنه لا بأس به » ووثقه ابن معين ويعقوب بن سفيان , وقال النسائي : ليس بالقوي , وقال في موضع آخر : ليس به بأس (3) , وقال ابن حبان : كان ممن يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل من حيث لا يدري , فلما فحش ذلك من أفعاله بطل الاحتجاج بأخباره (4) , وقال ابن سعد : قليل الحديث ليس بذاك .
فستجاب الله دعاء أبو هريرة رضي الله عنه فقبض سنة تسع وخمسين .
وسنة ستين أمارة يزيد بن معاوية فهذا يدل على أنه أول الأغيلمة هذا لو سلمنا بأن معنى أغيلمة ضعيف العقل والتدبير والدين ولو كان محتلماً في « فتح الباري » (13/13) :
« قال ابن بطال : جاء المراد بالهلاك مبيناً في حديث آخر لأبي هريرة أخرجه علي بن معبد وبن أبي شيبة من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه « أعوذ بالله من إمارة الصبيان ، قالوا : وما إمارة الصبيان ؟ قال : أن أطعتموهم هلكتم - أي في دينكم - وأن عصيتموهم أهلكوكم - أي في دنياكم - بإزهاق النفس أو بإذهاب المال أو بهما » وفي رواية بن أبي شيبة أن أبا هريرة كان يمشي في السوق ويقول : « اللهم لا تدركني سنة ستين ولا إمارة الصبيان » وفي هذه إشارة إلى أن أول الأغيلمة كان في سنة ستين وهو كذلك فإن يزيد بن معاوية استخلف فيها وبقي إلى سنة أربع وستين فمات ثم ولى ولده معاوية ومات بعد أشهر » .
قوله في الحديث « فكنت أخرج مع جدي إلى بني مروان حين ملكوا بالشام فإذا رآهم غلماناً أحداثاً قال لنا : عسى هؤلاء أن يكونوا منهم ، قلنا : أنت أعلم » .
__________
(1) انظر : التهذيب (4/539) .
(2) ثقات ابن حبان (5/591).
(3) التهذيب (3/457) .
(4) المجروحين (2/227) .(1/125)
هذا يدل على أن المراد بالإغيلمة السفهاء هم أولاد من استخلف منهم فيخرج بذلك معاوية رضي الله عنه .
قال ابن حجر في « فتح الباري » (13/12) :
« قوله : « فإذا رآهم غلماناً أحداثاً » هذا يقوي الاحتمال الماضي وأن المراد أولاد من استخلف منهم وأما تردده في أيهم المراد بحديث أبي هريرة فمن جهة كون أبي هريرة لم يفصح بأسمائهم والذي يظهر أن المذكورين من جملتهم وأن أولهم يزيد كما دل عليه قول أبي هريرة رأس الستين وإمارة الصبيان فإن يزيد كما دل عليه قول أبي هريرة رأس الستين وإمارة الصبيان فإن يزيد كان غالبا ينتزع الشيوخ من إمارة البلدان الكبار ويوليها الأصاغر من أقاربه » .
الحديث الثاني : حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : « كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله ? فتواريت خلف باب . قال : فجاء فحطأني حطأة (1) وقال : اذهب وادع لي معاوية . قال : فجئت . فقلت : هو يأكل . قال : ثم قال : لي اذهب فادع لي معاوية . قال : فجئت . فقلت : هو يأكل . فقال : لا أشبع الله بطنه . رواه مسلم في « صحيحه » (2604) فقيل أن هذا الحديث فيه مثلبتان :
الأولى : دعاء النبي ? على معاوية .
الثانية : تأخر معاوية عن تلبية طلب النبي ? والاستمرار في الأكل فهذا له دلالة على قلة المبالاة .
الجواب عن المثلبة الأولى من ثلاثة أوجه :
أن هذا الدعاء يحتمل أنه جرى على لسانه ? من غير قصد .
فقد قال ? لعائشة رضي الله عنها : تربت يمينك .
فقد قال ? لصفية رضي الله عنها : عقرى حلقى .
وقال ? لمعاذ : ثكلتك أمك .
فهل يظن أحد أو يتوهم متوهم أن هذا الدعاء مقصود منه ? على عائشة وصفية ومعاذ ؟!
__________
(1) الحَطْأة : الضرب باليد مبسوطة بين الكتفين . شرح النووي مع مسلم (16/156) , وانظر النهاية في غريب الحديث (4/89) , ولسان العرب (1/57) .(1/126)
أن أهل العلم بالحديث وشرّاحِه فهموا من هذا الحديث أنه منقبة لمعاوية لا ذماً له كالإمام مسلم والنووي وابن عساكر والذهبي وابن كثير والهيتمي وغيرهم :
قال الحافظ ابن عساكر في « تاريخ دمشق » (59/106): « أصح ما روي في فضل معاوية » .
قال الإمام النووي رحمه الله في « شرح صحيح مسلم » ( 16/156) : قد فهم مسلم رحمه الله من هذا الحديث أن معاوية لم يكن مستحقاً للدعاء عليه ، فلهذا أدخله في هذا الباب ، وجعله من مناقب معاوية لأنه في الحقيقة يصير دعاء له .
قال الحافظ الذهبي في « تذكرة الحفاظ » (2/699) : لعل هذه منقبة لمعاوية لقول النبي ? : اللهم من لعنته أو شتمته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة .
وقال في « سير أعلام النبلاء » (14/130) : لعل أن يقال هذه منقبة لمعاوية ، لقوله ? : « اللهم من لعنته أو سببته ، فاجعل ذلك زكاة ورحمة » .
قال الحافظ ابن كثير في « البداية والنهاية » (11/402) : وقد انتفع معاوية بهذه الدعوة في دنياه وأخراه , أما في الدنيا فإنه لما صار في الشام أميراً كان يأكل في سبع مرات , يجاء بقصعة فيها لحم كثير وبصل فيأكل منها , ويأكل في اليوم سبع أكلات بلحم ومن الحلوى والفاكهة شيئاً كثيراً . ويقول : والله ما أشبع وإنما أعيى . وهذه نعمة ومعدة يرغب فيها كل الملوك .
وأما في الآخرة فقد أتبع مسلم هذا الحديث بالحديث الذي رواه هو والبخاري وغيرهما من غير وجه عن جماعة من الصحابة أن رسول الله ? قال : « اللهم إنما أنا بشر فأيما عبد سببته أو جلدته أو دعوت عليه وليس لذلك أهلاً فاجعل ذلك كفارة وقربة تقربه بها عندك يوم القيامة » فركب مسلم من الحديث الأول وهذا الحديث فضيلة لمعاوية ولم يورد له غير ذلك .
لو قلنا أن الدعاء على حقيقته فإن طول زمن الأكل يدل على الاستكثار منه وهذا ليس فيه نقص أخروي ، وكل من لم يضره نقص أخروي لا ينافي الكمال (1) .
__________
(1) انظر تطهير الجنان (37) .(1/127)
الجواب عن المثلبة الثانية من وجهين :
أنه ليس في الحديث أن ابن عباس قال لمعاوية : رسول الله ? يدعوك فتباطأ ، وإنما يحتمل أن ابن عباس لما رآه يأكل استحى أن يدعوه فجاء وأخبر رسول الله ? أنه يأكل وكذا في المرة الثانية .
على فرض أن ابن عباس أخبر معاوية بطلب النبي ? فيحتمل أن معاوية ظن أن في الأمر سعة أو كان معتقدا أنه لا يجب على الفور .
الحديث الثالث : « الخلافة ثلاثون عاماً ثم يكون ملكاً عضوضاً » .
قال المالكي : وأول الملوك معاوية .
أقول : ومعنى الملك العضوض : « ملك فيه تعسف وظلم » كما في « القاموس المحيط » (835) .
وقال ابن الأثير في « النهاية » (622) : « ثم يكون ملكاً عضوضاً » أي : يصيب الرعية فيه عسف وظلم كأنهم يعضون فيه عضاً .
ويجاب عن هذا بما يلي :
أن الحديث لم يرد بهذا اللفظ !
الحديث رواه أحمد (5/220) ، والترمذي (2226) ، وأبو داود (4646) ، والنسائي في « الكبرى » (8155) كلهم من طريق سعيد بن جمهان عن سفينة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ? « الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم يكون ملكاً » . وسنده صحيح , وفي المنتخب من علل الخلال (ص217) قال المروذي : « ذكرت لأبي عبدالله حديث سفينة , فصححه , وقال هو صحيح » .
ولم ترد لفظة « عضوضاً » في هذه المصادر !!(1/128)
نعم روى أبو داود الطيالسي (228) ، والبيهقي في « الكبرى » (16407) ، وفي « شعب الإيمان » (5616) ، وأبو يعلى في « مسنده » (873) ، والطبراني في « الكبير » (367) (91) ، وابن عبد البر في « التمهيد » (14/245) كلهم من طريق الليث بن أبي سليم عن عبدالرحمن بن سابط عن أبي ثعلبة الخشني عن أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما عن النبي ? قال : « إن الله عز وجل بدأ هذا الأمر نبوة ورحمة ، وكائناً خلافة ورحمة ، وكائناً ملكاً عضوضاً ، وكائناً عنوة وجبرية وفساداً في الأرض يستحلون الفروج والخمور والحرير وينصرون على ذلك ويرزقون أبداً حتى يلقوا الله » (1) .
وهذا لا يصح سندا , ومتنه منكر .
من جهة الإسناد في سنده الليث بن أبي سليم ضعيف وقد سبق نقل كلا أئمة الجرح والتعديل فيه .
ومن جهة المتن يخالف قول الله جل وعلا ? إن تنصروا الله ينصركم ? (2) .
__________
(1) انظر : مجمع الزوائد (5/189).
(2) انظر : السلسلة الضعيفة (7/56) .(1/129)
وروى الإمام أحمد في « المسند » (18430) ، وأبو داود الطيالسي (438) مختصراً ، والبزار (2796) كلهم من طريق داود بن إبراهيم الواسطي (1) حدثني حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير قال : كنا قعوداً في المسجد مع رسول الله ? وكان بشير رجلاً يكف حديثه ، فجاء أبو ثعلبة الخشني فقال : يا بشير بن سعد أتحفظ حديث رسول الله في الأمراء ، فقال حذيفة : أنا أحفظ خطبته ، فجلس أبو ثعلبة فقال حذيفة : قال رسول الله ? : « تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ؛ ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ؛ ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ؛ ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ؛ ثم تكون مُلكاً جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ؛ ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ؛ ثم تكون ملكاً عاضاً فيكون ما شاء الله أن يكون ؛ ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ؛ ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ؛ ثم سكت » . قال حبيب : فلما قام عمر بن عبدالعزيز وكان يزيد بن النعمان بن بشير في صحابته فكتبت إليه بهذا الحديث أذكره إياه فقلت له : أني أرجو أن يكون أمير المؤمنين يعني عمر بعد الملك العاض والجبرية فادخل كتابي على عمر بن عبدالعزيز فسر به وأعجبه .
وداود بن إبراهيم الواسطي وثقه أبو داود الطيالسي (2) ، وذكره ابن حبان في « الثقات » (3) ، وحبيب بن سالم هو الأنصاري مولى النعمان بن بشير .
وثقه أبو حاتم (4) وأبو داود وذكره ابن حبان في « الثقات » (5) .
وقال البخاري : فيه نظر (6) .
وقال ابن عدي في « الكامل » (2/406) وليس في متون أحاديثه حديث منكر بل قد اضطرب في أسانيد ما يروي عنه .
__________
(1) عند البزار (2796) إبراهيم بن داود!
(2) مسند الطيالسي (1/58).
(3) الثقات (6/280) .
(4) الجرح والتعديل (3/102) .
(5) الثقات (4/138) .
(6) التاريخ الكبير (2/218) وسوف يأتي الكلام على معنى قول البخاري : فيه نظر .(1/130)
وقد تفرد بهذا الحديث أبو داود الطيالسي !! في أطراف الغرائب والأفراد للدارقطني (1988) حديث « كنا جلوساً في المسجد » الحديث ... وفيه أيكم يحفظ الحديث في الأمراء ... تفرد به أبو داود الطياسي عن داود عن إبراهيم الواسطي عن حبيب بن سالم عن النعمان . وأعله البزار في مسنده (7/224) بالإرسال , قال : « وهذا الحديث لا نعلم أحداً قال فيه النعمان عن حذيفة إلا إبراهيم بن داود » (1) .
وهو أيضا معارض بما رواه الطبراني في « المعجم الكبير » (11/88) (11138) حدثنا أحمد بن النضر العسكري حدثنا سعيد بن حفص النفيلي حدثنا موسى بن أعين عن ابن شهاب (2) عن فطر بن خليفة عن مجاهد عن ابن عباس قال : قال رسول الله ? : « أول هذا الأمر نبوة ورحمة ثم يكون خلافة ورحمة ثم يكون ملكاً ورحمة ثم يكون إمارة ورحمة ثم يتكادمون عليه تكادم الحمر فعليكم بالجهاد وإن أفضل جهادكم الرباط وإن أفضل رباطكم عسقلان » (3) .
قال الهيثمي في « المجمع » (5/190) : رواه الطبراني ورجاله ثقات .
وسعيد بن حفص بن عمر النفيلي وثقه ابن حبان (8/268) وخرج له النسائي وقال : مسلمة بن قاسم ثقة . وروى عنه جماعة .
وقال الذهبي في « الكاشف » : ثقة .
وقال ابن حجر في « التقريب » : صدوق تغير في آخر عمره . فهذا إسناد جيد .
فتبين بهذا أن الصحيح رواية « ثم يكون ملكا » ليس فيها عضوضاً .
كما في رواية سعيد بن جمهان عن سفينة رضي الله عنه أحمد (5/220) ، والترمذي (2226) ، وأبو داود (4646) ، والنسائي في « الكبرى » (8155) .
__________
(1) كذا ! وصوابه ( داود بن إبراهيم الواسطي ) وقد اختلف في اسمه .
(2) صوابه ( أبو شهاب ) موسى بن نافع الأسدي أبو شهاب الحناط الكوفي روى له البخاري ومسلم والنسائي . انظر : التهذيب (4/190) .
(3) انظر السلسلة الصحية للشيخ الألباني رحمه الله (1/34)(7/802) القسم الثاني .(1/131)
ورواية « ثم يكون ملكاً ورحمة » عند الطبراني في « المعجم الكبير » (11/88) (11138) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في سؤال في يزيد بن معاوية من « جامع المسائل » (5/154) : « وجرى بعد موت معاوية من الفتن والفرقة والاختلاف ما ظهر به مصداق ما أخبر النبي ? حيث يقول : « سيكون نبوة ورحمة ثم يكون خلافة نبوة ورحمة ثم يكون ملك ورحمة ثم يكون ملك عضوض » فكانت نبوة النبي ? نبوة ورحمة ، وكانت خلافة الخلفاء الراشدين خلافة نبوة ورحمة ، وكانت إمارة معاوية ملكاً ورحمة ، وبعده وقع ملك عضوض » .
قال شيخ الإسلام في « الفتاوى » (35/27) : « فهذا يقتضي أن شوب الخلافة بالملك جائز في شريعتنا ، وأن ذلك لا ينافي العدالة ، وإن كانت الخلافة المحضة أفضل وكل من انتصر لمعاوية وجعله مجتهداً في أموره ولم ينسبه إلى معصية فعليه أن يقول بأحد القولين . إما جواز شوبها بالملك ، أو بعدم اللوم على ذلك » .
ومعاوية رضي الله عنه من خير الملوك بالإجماع قاله ابن تيمية في « الفتاوى » (4/478) (1) .
الحديث الرابع : حديث عمار « تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار » (2) .
وقد أجيب عن هذا الحديث بعدة أجوبة :
أن هذا الحديث من أهل العلم من طعن فيه ويروى هذا عن الإمام أحمد وإن كان آخر الأمرين عنه أنه صححه .
قال شيخ الإسلام رحمه الله في « الفتاوى » (35/76) :
« وأما الحديث الذي فيه إن عماراً تقتله الفئة الباغية ، فهذا الحديث طعن فيه طائفة من أهل العلم ، لكن رواه مسلم في « صحيحه » وهو في بعض نسخ البخاري » (3) .
في « المنتخب من علل الخلال » (ص222) :
__________
(1) وانظر : سير أعلام النبلاء (3/159) وشرح الطحاوية (2/302) والبداية والنهاية (11/439).
(2) رواه البخاري (346) , ورواه أيضاً في (2657) بلفظ « ويح عمار تقتله الفئة الباغية عمار يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار » .
(3) انظر منهاج السنة (4/390) و (4/405).(1/132)
« أخبرنا إسماعيل الصفار قال : سمعت أبا أمية محمد بن إبراهيم يقول : سمعت في حلقة أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبي خيثمة والمعيطي ذكروا : « تقتل عماراً الفئة الباغية » .
فقالوا : ما فيه حديث صحيح (1) .
سمعت عبدالله بن إبراهيم قال : سمعت أبي يقول : سمعت أحمد بن حنبل يقول : روي في عمار : « تقتله الفئة الباغية » ثمانية وعشرون حديثاً ، ليس فيها حديث صحيح » .
قال ابن رجب في « فتح الباري » (2/494) :
« وهذا الإسناد غير معروف وقد روي عن أحمد خلاف هذا .
قال يعقوب بن شيبة السدوسي في مسند عمار من « مسنده » (2) : « سمعت أحمد بن حنبل سئل عن حديث النبي ? في عمار : « تقتله الفئة الباغية » ؟ فقال أحمد : كما قال رسول الله ? « تقتله الفئة الباغية » . وقال : في هذا غير حديث صحيح عن النبي ? وكره أن يتكلم في هذا بأكثر من هذا » (3) .
أغلب نسخ البخاري لم تذكر هذه الزيادة « تقتله الفئة الباغية » فلم يذكرها الحميدي في الجمع بين الصحيحين وقال : أن البخاري لم يذكرها أصلاً . قال : ولعلها لم تقع للبخاري أو وقعت فحذفها عمداً (4) . وممن نفى هذه الزيادة المزي في « تحفة الإشراف » (3/427) قال : وليس فيه « تقتل عماراً الفئة الباغية » وأثبتها جمع من أهل العلم فذكر الحافظ ابن حجر في « الفتح » (1/646) أنها وقعت في رواية ابن السكن وكريمة وغيرهما وفي نسخة الصغاني التي ذكر أنه قابلها على نسخة الفربري .
وأخرجها الإسماعيلي والبرقاني في هذا الحديث (5) .
__________
(1) رواه الخلال في السنة (2/463) رقم (722) .
(2) في منهاج السنة النبوية (4/414) في مسنده في المكيين .
(3) انظر منهاج السنة (4/414) , والسنة للخلال (2/463) و (3/462) رقم (720) .
(4) فتح الباري لا بن حجر (1/542) .
(5) انظر منهاج السنة (4/415), وفتح الباري للحافظ ابن رجب (2/490) .(1/133)
أعلة هذه الزيادة أيضاً بالإدراج . قال الحافظ ابن حجر في « الفتح » (1/646) : « ويظهر لي أن البخاري حذفها عمداً وذلك لنكتة خفية ، وهي أن أبا سعيد الخدري أعترف أنه لم يسمع هذه الزيادة من النبي ? ، فدل على أنها في هذه الرواية مدرجة ، والرواية التي بينت ذلك ليست على شرط البخاري وقد أخرجها البزار من طريق داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد فذكر الحديث في بناء المسجد وحملهم لبنة لبنة وفيه فقال أبو سعيد فحدثني أصحابي ولم أسمعه من رسول الله أنه قال : « يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية » وبن سمية هو عمار وسمية أسم أمه ، وهذا الإسناد على شرط مسلم وقد عين أبو سعيد من حدثه بذلك ففي مسلم والنسائي من طريق أبي سلمة عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال حدثني من هو خير مني أبو قتادة فذكره فاقتصر البخاري على دون غيره وهذا دال على دقة فهمه وتبحره في الإطلاع على علل الأحاديث » .
أما من تأول الحديث على أن قاتله هو من أتى به وهي الطائفة التي قاتل معها (1) .
فهذا ضعيف ظاهر الفساد ويلزم من هذا أن يكون النبي ? وأصحابه رضى الله عنهم قد قتلوا كل من قتل معهم في الغزو كحمزة رضي الله عنه وغيره .
قال شيخ الإسلام رحمه الله في « الفتاوى » (35/76) :
« ويروى أن معاوية تأول أن الذي قتله هو الذي جاء به ، دون مقاتليه : وأن علياً رد هذا التأويل بقوله : فنحن إذا قتلنا حمزة ولا ريب أن ما قاله علي هو الصواب » .
__________
(1) قال ابن تيمية في « منهاج السنة » (4/405): « وهذا القول لا أعلم له قائلا من أصحاب الأئمة الأربعة ونحوهم من أهل السنة » وانظر : (4/419) .(1/134)
قد تأوله بعضهم على أن المراد بالباغية الطالبة بدم عثمان كما قالوا : نبغي ابن عفان بأطراف الأسل قال الإمام ابن تيمية في « الفتاوى » (35/76) : « وليس بشيء » ، وقال في « منهاج السنة » (4/390) : « وهو تأويل ضعيف » (1) .
أن قوله عليه الصلاة والسلام « تقتله الفئة الباغية » ليس نصاً في أن هذا اللفظ لمعاوية وأصحابه ، بل يمكن أنه أريد به تلك العصابة التي حملت عليه حتى قتلته ، وهي طائفة من الجيش ومعاوية رضي الله عنه لم يرض بقتله .
قال شيخ الإسلام رحمه الله في « الفتاوى » ( 35/76) :
« ثم إن عماراً تقتله الفئة الباغية ليس نصاً في أن هذا للفظ لمعاوية وأصحابه بل يمكن أنه أريد به تلك العصابة التي حملت عليه حتى قتلته وهي طائفة من العسكر ومن رضي بقتل عمار كان حكمه حكمها ومن المعلوم أنه كان في العسكر من لم يرض بقتل عمار : كعبدالله بن عمرو بن العاص ، وغيره ، بل كل الناس كانوا منكرين لقتل عمار حتى معاوية وعمرو » .
أن الحديث على ظاهره وليس بلازم كون الطائفة باغية خروجها من الإيمان أو تجب لعنتها قال عز وجل : ? وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ? فسماهم الله مؤمنين مع وجود الإقتتال .
قال الحافظ ابن كثير في « البداية والنهاية » (4/538) :
__________
(1) وانظر منهاج السنة (4/405) و (4/414) وطبقات الحنابلة ترجمة الحسن بن عبدالله أبو علي النجاد المتوفي سنة 309هـ (3/251).(1/135)
« وهذا الحديث من دلائل النبوة , حيث أخبر صلوات الله وسلامه عليه عن عمار أنه تقتله الفئة الباغية , وقد قتله أهل الشام في وقعة صفين , وعمار مع علي وأهل العراق وقد كان علي أحق بالأمر من معاوية , ولا يلزم من تسمية أصحاب معاوية بغاة تكفيرهم لأنهم وإن كانوا بغاة في نفس الأمر فإنهم كانوا مجتهدين فيما تعاطوه من القتال وليس كل مجتهد مصيباً بل المصيب له أجران والمخطئ له أجر ومن زاد في هذا الحديث بعد « تقتلك الفئة الباغية لا أنالها الله شفاعتي يوم القيامة » فقد افترى في هذه الزيادة على رسول الله ? فإنه لم يقلها إذا لم تنقل من طريق تقبل والله أعلم وأما قوله « يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار » فإن عماراً وأصحابه يدعون أهل الشام إلى الألفة واجتماع الكلمة وأهل الشام يريدون أن يستأثروا بالأمر دون من هو أحق به وأن يكون الناس أوزاعاً على كل قطر إمام برأسه وهذا يؤدي إلى افتراق الكلمة واختلاف الأمة فهو لازم مذهبهم وناشئ عن مسلكهم وإن كانوا لا يقصدونه والله أعلم » .
قال الإمام النووي في « شرحه على صحيح مسلم » (18/40) : « قال العلماء هذا الحديث حجة ظاهرة في أن علياً رضي الله عنه كان محقاً مصيباً والطائفة الأخرى بغاة لكنهم مجتهدون فلا إثم عليهم لذلك كما قدمناه في مواضع (1) وفيه معجزة ظاهرة لرسول الله ? من أوجه منها أن عماراً يموت قتيلاً وأنه يقتله مسلمون وأنهم بغاة وأن الصحابة يتقاتلون وأنهم يكونون فرقتين باغية وغيرها وكل هذا قد وقع مثل فلق الصبح صلى الله وسلم على رسوله الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى » .
وقال ابن حزم في الفصل في « الملل والنحل » (3/77) :
__________
(1) انظر شرح النووي على صحح مسلم (7/166).(1/136)
« المجتهد المخطئ إذا قاتل على ما يرى أنه الحق قاصداً إلى الله تعالى بنيته غير عالم بأنه مخطئ فهو فئة باغية وإن كان مأجوراً ولا حد عليه إذا ترك القتال ولا قود وأما إذا قاتل وهو يدري أنه مخطئ فهذا محارب تلزمه حدود المحاربة والقود وهذا يفسق ويخرج لا المجتهد المخطئ وبيان ذلك قول الله تعالى : ? وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ? .
قال شيخ الإسلام رحمه الله في « الفتاوى » (35/76) :
« وليس في كون عمار تقتله الفئة الباغية ما ينافي ما ذكرناه فإنه قد قال الله تعالى : ? وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين - إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم ? فقد جعلهم مع وجود الاقتتال والبغي مؤمنين إخوة ، بل مع أمره بقتال الفئة الباغية جعلهم مؤمنين وليس كل ما كان بغياً وظلماً أو عدواناً يخرج عموم الناس عن الإيمان ، ولا يوجب لعنتهم فكيف يخرج ذلك من كان من خير القرون ؟ وكل من كان باغيا أو ظالما أو معتديا أو مرتكبا ما هو مذنب فهو قسمان : متأول ، وغير متأول .(1/137)
فالمتأول المجتهد : كأهل العلم والدين الذين اجتهدوا واعتقد بعضهم حل أمور واعتقد الآخر تحريمها كما استحل بعضهم بعض أنواع الأشربة وبعضهم حل أمور واعتقد الآخر تحريمها كما استحل بعضهم بعض أنواع الأشربة وبعضهم بعض المعاملات الربوية وبعضهم بعض التحليل والمتعة ، وأمثال ذلك فقد جرى ذلك وأمثاله من خيار السلف فهؤلاء المتأولون المجتهدون غايتهم أنهم مخطئون وقد قال الله تعالى : ? ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ? وقد ثبت في الصحيح أن الله استجاب هذا الدعاء وقد أخبر سبحانه عن داود وسليمان عليهما السلام إنما حكما في الحرث وخص أحدهما بالعمل والحكم ومع ثنائه على كل منهما بالعلم والحكم والعلماء ورثة الأنبياء فإذا فهم أحدهم من المسألة ما لم يفهمه الآخر لم يكن بذلك ملوماً ولا مانعاً لما عرف من علمه ودينه وإن كان ذلك مع العلم بالحكم يكون إثماً وظلماً والإصرار عليه فسقاً بل متى علم تحريمه ضرورة كان تحليله كفراً فالبغي هو من هذا الباب أما إذا كان الباغي مجتهداً ومتأولاً ولم يتبين له أنه باغ بل اعتقد أنه على الحق وإن كان مخطئاً في اعتقاده : لم تكن تسميته « باغيا » موجبة لإثمه فضلا عن أن توجب فسقه والذين يقولون بقتال البغاة المتأولين ، يقولون : مع الأمر بقتالهم قتالنا لهم لدفع ضرر بغيهم لا عقوبة لهم بل للمنع من العدوان ، ويقولون : إنهم باقون على العدالة لا يفسقون ويقولون هم كغير المكلف كما يمنع الصبي والمجنون والناسي والمغمى عليه والنائم من العدوان أن لا يصدر منهم ، بل تمنع البهائم من العدوان .(1/138)
ويجب على من قتل مؤمناً خطأ الدية بنص القرآن مع أنه لا أثم عليه في ذلك وهكذا من رفع إلى الإمام من أهل الحدود وتاب بعد القدرة عليه فأقام عليه الحد ، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له والباغي المتأول يجلد عند مالك والشافعي وأحمد ونظائره متعددة ثم بتقدير أن يكون « البغي » بغير تأويل : يكون ذنباً والذنوب تزول عقوبتها بأسباب متعددة :
بالحسنات الماحية والمصائب المكفرة وغير ذلك .
وقال رحمه الله :
لكن من نظر في كلام المتناظرين من العلماء الذين ليس بينهم قتال ولا ملك ، وأن لهم في النصوص من التأويلات ما هو أضعف من معاوية بكثير ومن تأول هذا التأويل لم ير أنه قتل عماراً فلم يعتقد أنه باغ ومن لم يعتقد أنه باغ وهو في نفس الأمر باغ : فهو متأول مخطئ والفقهاء ليس فيهم من رأيه القتال مع من قتل عماراً وطائفته ومنهم من يرى الإمساك عن القتال مطلقاً وفي كل من الطائفتين طوائف من السابقين الأولين ففي القول الأول عمار وسهل بن حنيف وأبو أيوب وفي الثاني سعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة وأسامة بن زيد وعبدالله بن عمر ونحوهم . ولعل أكثر الأكابر من الصحابة كانوا على هذا الرأي ولم يكن في العسكرين بعد علي أفضل من سعد بن أبي وقاص وكان من القاعدين و « حديث عمار » قد يحتج به من رأى القتال لأنه إذا كان قاتلوه بغاة فالله يقول فقاتلوا التي تبغي والمتمسكون يحتجون بالأحاديث الصحيحة عن النبي ? في أن القعود عن الفتنة خير من القتال فيها ونقول : إن هذا القتال ونحوه هو قتال الفتنة كما جاءت أحاديث صحيحة تبين ذلك وأن النبي ? لم يأمر بالقتال ولم يرض به وإنما رضي بالصلح وإنما أمر الله بقتال الباغي ولم يأمر بقتاله ابتداء ، بل قال : ? وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين ? ، قالوا : والإقتتال(1/139)
الأول لم يأمر الله به ولا أمر كل من بغي عليه أن يقاتل من بغى عليه ، فإنه إذا قتل كل باغ كفر ، بل غالب المؤمنين ، بل غالب الناس لا يخلو من واحدة منهما مأمورة بالقتال فإذا بغت الواحدة منهما قوتلت لأنها لم تترك القتال ولم تجب إلى الصلح فلم يندفع شرها إلا بالقتال كما قال النبي ? : « من قتل دون ماله فهو شهيد ، ومن قتل دون دمه فهو شهيد ، ومن قتل دون دينه فهو شهيد ، ومن قتل دون حرمته فهو شهيد » . قالوا : فبتقدير أن جميع العسكر بغاة فلم نأمر بقتالهم ابتداء بل أمرنا بالإصلاح بينهم . وأيضا فلا يجوز قتالهم إذا كان الذين معهم ناكلين عن القتال فإنهم كانوا كثيري الخلاف عليه ضعيفي الطاعة له . والمقصود : أن هذا الحديث لا يبيح لعن أحد من الصحابة ، ولا يوجب فسقه » (1) .
وقال رحمه الله في منهاج السنة النبوية (4/385) : « الباغي قد يكون متأولاً معتقداً أنه على حق , وقد يكون متعمداً يعلم أنه باغ , وقد يكون بغيه مركباً من شبهة وشهوة , وهو الغالب , وعلى كل تقدير فهذا لا يقدح فيما عليه أهل السنة , فإنهم لا ينزهون معاوية ولا من هو أفضل منه من الذنوب فضلاً عن تنزيههم عن الخطأ في الاجتهاد . بل يقولون : إن الذنوب لها أسباب تدفع عقوبتها من التوبة والاستغفار , والحسنات الماحية , والمصائب المكفرة , وغير ذلك » .
الحديث الخامس : حديث عبادة بن الصامت مرفوعا « سيلي أموركم بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تعرفون فلا طاعة لمن عصى فلا تعتلوا بربكم » قال عبادة : والله إن معاوية لمن أولئك .
قال حسن المالكي : « والحديث حسن » .
__________
(1) انظر منهاج السنة (4/394) و (4/420) فإنه مهم .(1/140)
أقول هذا الحديث رواه بهذه الزيادة « و الله إن معاوية لمن أولئك » الحاكم في المستدرك (4/432) (5584) من طريق مسلم بن خالد عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه : أن عبادة بن الصامت قام قائماً في وسط دار أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه , فقال : إني سمعت رسول الله ? محمداً أبا القاسم يقول : « سيلي أموركم بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تعرفون , فلا طاعة لمن عصى فلا تعتبوا (1) أنفسكم » فو الذي نفسي بيده إن معاوية من أولئك فما راجعه عثمان حرفاً .
أقول الحديث له ثلاث علل :
العلة الأولى :
في سنده مسلم بن خالد أبو خالد الزنجي كبار الحفاظ على تضعيفه ابن المديني وابن معين في رواية وأحمد والبخاري وأبو حاتم والنسائي , وله أحاديث أنكرت عليه ذكرها ابن حجر في ترجمته في التهذيب ونقل عن الذهبي قوله : هذه الأحاديث ترد بها قوة الرجل ويضعف (2) .
إلا أن مسلماً بن خالد قد توبع تابعه زهير بن معاوية كما في مستدرك الحاكم (4/431) (5583) وزهير بن معاوية من رجال الجماعة ثقة وروايته عن أبي إسحاق السبيعي بآخره .
وتابعه أيضاً يحيى بن سليم (3) بدون ذكر هذه الزيادة « والله إن معاوية لمن أولئك » كما عند عبدالله بن الإمام أحمد في زوائد المسند (22838) وعند الطبراني في الأوسط (2894) , وابن عساكر في تاريخ دمشق (26/197) ويحيى بن سليم بن بلج أبو بلج الفزاري الواسطي .
وثقه النسائي وابن سعد والدارقطني والجوزجاني وأبو الفتح الأزدي (4) .
__________
(1) كذا وفي المسند (5/329) , (5/325) , وتاريخ ابن عساكر (26/198) (تعتلوا ) وانظر الضعيفة للألباني (3/528) .
(2) التهذيب (4/68) .
(3) وقع في المسند (5/329) يحيى بن مسلم وهو تصحيف , والصحيح ما أثبت . انظر : المعجم الأوسط (3/190) وتاريخ ابن عساكر (26/197) .
(4) طبقات ابن سعد (7/311) ,التهذيب (4/498) .(1/141)
وقال أبو حاتم : صالح الحديث لا بأس به (1) .
وقال يعقوب الفسوي : كوفي لا بأس به .
وضعفه ابن معين في إحدى الروايتين عنه .
وقال أحمد روى حديثاً منكراً (2) .
وقال ابن حبان : كان مما يخطيء لم يفحش خطؤه حتى استحق الترك ولا أتى منه ما لا ينفك البشر عنه فيسلك به مسلك العدول فأرى أنه لا يحتج بما انفرد من الرواية وهو مما استخير الله فيه (3) .
وقال البخاري : فيه نظر (4) . أقول وللفائدة فإن البخاري يطلق هذه العبارة كما يطلق عبارة « فيه إسناده نظر » وفي « حديثه نظر » ولكل منهما معنى .
« فيه نظر » عند البخاري على معنيين :
بمعنى متهم في حديثه .
قال الذهبي عن البخاري في « السير » (12/441) : « ومن نظر في كلامه في الجرح والتعديل علم ورعه في الكلام في الناس وإنصافه فيمن يضعفه فإنه أكثر ما يقول منكر الحديث ، سكتوا عنه ، فيه نظر ونحو هذا ، وقل أن يقول فلان كذاب أو كان يضع الحديث حتى أنه قال : إذا قلت : فلان في حديثه نظر فهو متهم واه » .
وقال الذهبي في « الميزان » (3/51) ترجمة عثمان بن فائد القرشي البصري : « قال البخاري : في حديثه نظر وقل أن يكون عند البخاري رجل فيه نظر إلا وهو متهم » .
وقال أيضاً (2/416) في ترجمة عبدالله بن داود الواسطي التمار : قال البخاري فيه نظر ولا يقول هذا إلا فيمن يتهمه غالباً .
قال في التاريخ الكبير (4/516) ترجمة سعيد بن مسلمة بن هشام الأموي ( فيه نظر, يروي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن النبي ? وعن عبدالله بن حسن عن أبيه عن جده عن النبي ? مناكير ) (5) .
وقال أيضاً في الموقظة (83) : « وكذا عادته إذا قال : فيه نظر بمعنى أنه متهم أو ليس بثقة , فهو عنده أسوأ حالاً من الضعيف » .
__________
(1) الجرح والتعديل (9/152) .
(2) المجروحين (3/113) .
(3) التهذيب (4/498) , والطبقات الكبرى (7/311) .
(4) انظر التهذيب (4/498) .
(5) انظر: التهذيب (1/43).(1/142)
وقال الحافظ ابن كثير في اختصار علوم الحديث (1/320) عن قول البخاري ( سكتوا عنه ) (فيه نظر) إنهما أدنى المنازل عنده وأرداها .
قال المعلمي في « التنكيل » (1/204) : « ذكروا أن البخاري يقول : فيه نظر أو سكتوا عنه فيمن هو عنده ضعيف جداً » (1) .
وقد يطلق البخاري أحياناً هذه العبارة بمعنى لا بأس به وفي حديثه ما يستنكر فلا يعني بها الراوي بل يعني حديثه وقد يريد بذلك الطعن في إسناد خاص أو أن الراوي لم يصح سماعه من شيخه (2) .
وقال أيضاً في التاريخ الكبير (5/424) عبدالملك بن عبدالملك عن مصعب بن أبي ذئب عن القاسم عن أبيه روى عنه عمرو بن الحارث فيه نظر حديثه في أهل المدينة . ويعني رحمه الله بذلك حديث « ينزل الله تبارك وتعالى ليلة النصف من شعبان ... » . قال العقيلي في الضعفاء (3/29) : وفي النزول ليلة النصف من شعبان أحاديث فيها لين . قال ابن حجر في لسان الميزان (2/269) : وقال البخاري : فيه نظر, نقله العقيلي وبيّن أنه أراد الحديث المذكور . ا.هـ (3)
قال في « التاريخ الكبير » (5/183) في ترجمة عبدالله بن زيد : « فيه نظر لأنه لم يذكر سماع بعضهم من بعض » (4) .
__________
(1) اختصار علوم الحديث (1/320) مع شرحه ، شرح ألفية الحديث للعراقي (2/3) ، والتقييد والإيضاح (139) ، فتح المغيث للسخاوي ( 2/122) ، وتدريب الراوي (1/410) ، التنكيل للمعلمي (1/204) ، الرفع والتكميل للكنوي (388) ، وقواعد في علوم الحديث للتهانوي (254) .
(2) انظر صفحة (220) ترجمة عبدالله بن زيد في التاريخ الكبير (5/183).
(3) انظر : التهذيب (2/423) , الرفع والتكميل للكنوي (388) ، وقواعد التحديث للتهانوي (254) وحاشية عبدالفتاح أبو غدة عليه .
(4) انظر : ترجمة عبدالملك بن عبدالملك في ضعفاء العقيلي (3/29) , ولسان الميزان (2/269) .(1/143)
وفرق المعلمي في « التنكيل » (1/204) بين قول البخاري « فيه نظر » تقتضي الطعن في صدقه وقوله « في حديثه نظر » : « تشعر بأنه صالح في نفسه وإنما الخلل في حديثه لغفلة أو سوء حفظ » .
وفي « إسناده نظر » القدح في السند لا في الراوي ، فتوافق معنى « فيه نظر » على المعنى الثاني ، قال ابن حجر في « التهذيب » (1/194) في ترجمة أوس بن عبدالله الربعي عن قول البخاري عنه في إسناده نظر (1) : « يريد أنه لم يسمع من مثل ابن مسعود ، وعائشة وغيرهما ، لا أنه ضعيف (2) عنده وأحاديثه مستقيمة » .
قال البخاري في ترجمة أويس القَرنَي : يماني مرادي في إسناده نظر فيما يرويه , وقال في الضعفاء : في إسناده نظر , يُرْوَى عن أويس في إسناد ذلك . قال الحافظ ابن حجر في اللسان (1/227) : قلت هذه عبارته , يريد أن الحديث الذي روي عن أويس في الإسناد إلى أويس نظر , ولولا أن البخاري ذكر أويساً في الضعفاء , لما ذكرته أصلاً , فإنه من أولياء الله الصادقين , وما روى شيئاً فيضعف أو يوثق من أجله . ا.هـ.
وقال الذهبي في « المغني في الضعفاء » ترجمة حبشي بن جنادة السلولي : « تناكد ابن عدي وذكره في الكامل وشبهته في ذلك قوى البخاري في حديثه « إسناده فيه نظر » وذلك عائد إلى الرواة عن حبشي لا إليه » ا.هـ .
نعم أقول وقد توبع أيضاً مسلم بن خالد تابعه إسماعيل بن عياش كما في مسند أحمد (22821) وفيه قصة , وإسماعيل بن عياش ضعيف في روايته عن غير الشاميين وهذه منها .
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/408) : إسماعيل بن عياش رواه عن الحجازيين وروايته عنهم ضعيفة (3) , وتابعه أيضاً عبدالله بن واقد كما في مستدرك الحاكم (4/431) (5582) وعبدالله بن واقد ضعيف الحديث .
العلة الثانية : الاضطراب والاختلاف في الإسناد !
__________
(1) انظر : التاريخ الكبير (2/16) ترجمة أوس الربعي .
(2) في الأصل ( إلا أنه ضعيف ) والصواب ما أثبت .
(3) انظر : شرح العلل (2/773) .(1/144)
فالحديث رواه الإمام أحمد في المسند (5/325) (22821) من طريق إسماعيل بن عياش عن عبدالله بن عثمان بن خثيم عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن عبادة بن الصامت . فرواه إسماعيل بن عبيد عن عبادة ولم يذكر أباه .
ورواه عبدالله بن الإمام أحمد كما في زوائد المسند (5/329) (22838) من طريق يحيى بن سليم عن عبدالله بن عثمان بن خثيم عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه عن عبادة .
قال الهيثمي في المجمع (5/408) : رواه أحمد بطوله ولم يقل : عن إسماعيل عن أبيه ورواه عبدالله فزاد عن أبيه وكذلك الطبراني ورجالهما ثقات (1) .
العلة الثالثة :
جهالة إسماعيل بن عبيد ويقال ابن عبيد الله بن رفاعة الزرقي .
قال البخاري : لم يروي عنه إلا ابن خيثم (2) . صحح له الترمذي (3) .
ذكره ابن حبان في « الثقات » (4) .
وقال الذهبي : ما علمت روى عنه سوى عبدالله بن عثمان بن خيثم (5) .
وقال ابن حجر : مقبول أي إذا توبع وإلا فلين الحديث .
وإسماعيل بن عبيد لم يتابع على حديثه .
أقول : وقد خرّج العقيلي في الضعفاء (3/784) هذا الحديث من طريق شهر بن حوشب عن عبدالله بن عمرو بن العاص بنحوه . وقال : « أما هذا اللفظ فلا تعتلوا إلا برأيكم فلا يحفظ إلا من هذا الحديث . وقد روي في هذا المعنى بخلاف هذا اللفظ رواية أحسن من هذا » .
ثم على فرض صحة الحديث فهذا اجتهاد من عبادة بن الصامت رضي الله عنه في حمله الحديث على معاوية رضي الله عنه , فعمر وعثمان رضي الله عنهما جعلا معاوية والياً على الشام ولم يتهماه مدة ولايته (6) .
__________
(1) وانظر : الضعيفة للألباني (3/529) (1353) .
(2) التاريخ الكبير (1/367) .
(3) في جامعه حديث رقم (1210) .
(4) الثقات (6/28) .
(5) الميزان (1/283) .
(6) انظر : مبحث فضائل معاوية رضي الله صفحة (332) .(1/145)
وأدرك جمع من الصحابة وكبار التابعين ملك معاوية , ولم ينزعوا يداً من طاعة رضي الله عنهم أجمعين (1) .
الحديث السادس : حديث حذيفة وعمار بن ياسر « في أصحابي أثنا عشر منافقاً لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط » والحديث في مسلم (2) .
انظر كيف جعل المالكي وغيره من أهل الأهواء معاوية من المنافقين الذين حاولوا قتل الرسول ? بمجرد ظن ووساوس !
والجواب عن هذا يسير :
كيف يكون معاوية أمينا عند رسول الله ? يكتب له الوحي ولم يتهمه في كتابته ثم يجعله من المنافقين ؟! (3)
وكيف يوليه عمر رضي الله عنه الشام وهو من أخبر الناس بالرجال ولا يتهمه في ولايته وهو من المنافقين ؟! ثم عثمان كذلك (4) .
بل كيف يكون معاوية منافق من المنافقين وقد شهد حنين ودخل في قوله تعالى : ? ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين ? ؟!
ودخل معاوية في قوله تعالى : ? لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى ? .
__________
(1) انظر تاريخ أبي زرعة (1/189) .
(2) صحيح مسلم (2779) عن حذيفة رضي الله عنه .
(3) انظر ص (315) .
(4) أنساب الأشراف (5/21) , الاستيعاب (669) ، منهاج السنة (4/369) ، السير(3/132) ، البداية والنهاية (11/420) , تطهير الجنان (23).(1/146)
قال شيخ الإسلام في « الفتاوى » (4/459) رحمه الله : « وأعظم جيش غزا مع النبي ? جيش تبوك فإنه كان كثيراً لا يحصى غير أنه لم يكن فيه قتال . وهؤلاء المذكورون دخلوا في قوله تعالى : ? لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى ? فإن هؤلاء الطلقاء مسلمة الفتح : هم ممن أنفق من بعد الفتح وقاتل وقد وعدهم الله الحسنى فإنهم أنفقوا بحنين والطائف وقاتلوا فيهما رضي الله عنهم . وهم أيضاً داخلون فيمن رضي الله عنهم حيث قال تعالى : ? والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه ? ا.هـ.
نعوذ بالله من الهوى وعمى البصيرة .
الحديث السابع : حديث « إن أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون » .
قال المالكي : « وقد كان علي وعمار وعبادة وخزيمة بن ثابت ومن معهم يرون أن معاوية من هؤلاء ومن ذلك قول علي لما طلبوا منه أن يبقى معاوية على الشام فتلا الآية الكريمة : ? وما كنت متخذ المضلين عضداً ? وكان عبادة يحلف أن معاوية من أمراء السوء وأما عمار فرأيه في معاوية أشهر وأما خزيمة ذو الشهادتين فهو القائل بانت لي الضلالة » !! (1)
أقول حديث عبادة بن الصامت سبق الكلام عليه وبيان ضعفه صفحة (195) مما يغني عن إعادته ها هنا .
( وحديث علي رضي الله عنه لما طلبوا منه أن يبقى معاوية على الشام فتلا الآية الكريمة ? وما كنت متخذ المضلين عضداً ? رواه ابن عساكر في « تاريخ دمشق » (59/127) من طريق يحيى بن سليمان الجعفي عن نصر بن مزاحم عن عمر بن سعد الأسدي عن نمير بن وعلة عن عامر الشعبي (2) .
وهذا لا يصح نصر بن مزاحم كذاب سبق نقل كلام أئمة الجرح والتعديل فيه (3) .
__________
(1) ص (183) من كتابه مع الشيخ عبدالله السعد في الصحبة والصحابة .
(2) انظر الثقات (2/271) ، والاستيعاب (666).
(3) ص (130) .(1/147)
( وحديث خزيمة بن ثابت رضي الله عنه رواه ابن سعد في « الطبقات الكبرى » (3/259) ، وابن عساكر في « تاريخ دمشق » (16/370) من طريق محمد بن عمر حدثني عبدالحارث بن الفضيل عن أبيه عن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال : شهد خزيمة بن ثابت الجمل وهو لا يسلُّ سيفاً وشهد صفين وقال أنا لا أصل أبداً حتى يقتل عمار فأنظر من يقتله فإني سمعت رسول الله يقول تقتله الفئة الباغية قال : فلما قتل عمار بن ياسر قال خزيمة : قد بان لي الضلالة واقترب فقاتل حتى قتل ... الحديث (1) .
وهذا لا يصح محمد بن عمر هو بن واقد الأسلمي الواقدي متروك .
قال البخاري : الواقدي مدني سكن بغداد متروك الحديث تركه أحمد وابن المبارك وابن نمير وإسماعيل بن زكريا (2) .
وقال ابن عدي : أحاديثه غير محفوظة والبلاء منه (3) .
قال أحمد بن حنبل : الواقدي كذاب .
وقال يحيى بن معين : ضعيف . وقال مرة : ليس بشيء .
وقال النسائي في « الضعفاء» : الكذابون المعروفون بالكذب على رسول الله أربعة الواقدي بالمدينة ، ومقاتل بخراسان ، ومحمد بن سعيد بالشام ، وذكر الرابع (4) .
وقال ابن المديني : عنده عشرون ألف حديث يعني ما لها أصل .
وقال أبو داود : لا أكتب حديثه ولا أحدث عنه ما أشك أنه كان يفتعل الحديث ليس ننظر للواقدي في كتاب إلا تبين أمره .
وقال بندار : ما رأيت أكذب منه .
وقال إسحاق بن راهويه : هو عندي ممن يضع .
وقال الشافعي : كان بالمدينة سبع رجال يضعون الأسانيد أحدهم الواقدي .
وقال أبو زرعة الرازي وأبو بشير الدولابي والعقيلي : متروك الحديث .
وقال الذهبي في « الميزان » (3/666) : استقر الإجماع على وهن الواقدي .
__________
(1) انظر تهذيب الكمال (21/225).
(2) الضعفاء الصغير (104) , التاريخ الكبير (1/138) .
(3) الكامل (6/242) .
(4) انظر : الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي (3/137) .(1/148)
قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله في « مجموع الفتاوى » (4/453) : « إيمان معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ثابت بالنقل المتواتر وإجماع أهل العلم على ذلك كإيمان أمثاله ممن آمن عام فتح مكة مثل أخيه يزيد بن أبي سفيان ، ومثل سهيل بن عمرو وصفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام وأبي أسد بن أبي العاص بن أمية وأمثال هؤلاء ، فإن هؤلاء يسمون « الطلقاء » : فإنهم آمنوا عام فتح النبي ? مكة قهراً وأطلقهم ومن عليهم وأعطاهم وتألفهم وقد روي : أن معاوية بن أبي سفيان أسلم قبل ذلك وهاجر كما أسلم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة الحجبي – قبل فتح مكة – وهاجروا إلى المدينة فإن كان هذا صحيحاً فهذا من المهاجرين وأما إسلامه عام الفتح مع من ذكر فمتفق عليه بين العلماء سواء كان أسلم قبل ذلك أو لم يكن إسلامه إلا عام فتح مكة ولكن بعض الكذابين زعم : أنه عيّر أباه بإسلامه وهذا كذب بالاتفاق من أهل العلم بالحديث (1) وكان هؤلاء المذكورون من أحسن الناس إسلاماً وأحمدهم سيرة : لم يتهموا بسوء ولم يتهمهم أحد من أهل العلم بنفاق كما أتهم غيرهم ، بل ظهر منهم من حسن الإسلام وطاعة الله ورسوله وحب الله ورسوله والجهاد في سبيل الله وحفظ حدود الله : ما دل على حسن إيمانهم الباطن وحسن إسلامهم ومنهم من أمره النبي ? واستعمله نائباً له » .
__________
(1) انظر بطلان ذلك في منهاج السنة النبوية (4/434) .(1/149)
وفي (4/457) قال رحمه الله : « فاستعمل عمر معاوية مكان أخيه يزيد بن أبي سفيان وبقي معاوية على ولايته تمام خلافته وعمر ورعيته تشكره وتشكر سيرته فيهم وتواليه وتحبه لما رأوا حلمه وعدله ، حتى أنه لم يشكه منهم مشتك ولا تظلمه منهم متظلم ويزيد بن معاوية ليس من أصحاب النبي ? وإنما ولد في خلافة عثمان وإنما سماه يزيد باسم عمه من الصحابة وقد شهد معاوية وأخوه يزيد وسهيل بن عمرو والحارث بن هشام وغيرهم من مسلمة الفتح مع النبي ? غزوة حنين ودخلوا في قوله تعالى : ? ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنوداً لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين ? وكانوا من المؤمنين الذين أنزل الله سكينته عليهم مع النبي ? وغزوة الطائف لما حاصروا الطائف ورماها بالمنجنيق »
وفي (4/466) قال رحمه الله « فالطلقاء الذين أسلموا عام الفتح مثل : معاوية وأخيه يزيد وعكرمة بن أبي جهل ، وصفوان بن أمية والحارث بن هشام وسهيل بن عمرو قد ثبت بالتواتر عند الخاصة إسلامهم وبقاؤهم على الإسلام إلى حين الموت . ومعاوية أظْهَرُ إسلاماً من غيره فإنه تولى أربعين سنة ، عشرين سنة نائباً لعمر وعثمان مع ما كان في خلافة علي رضي الله عنه وعشرين سنة مستوليا ، وأنه تولى سنة ستين بعد موت النبي ? بخمسين سنة وسلم إليه الحسن بن علي رضي الله عنهما الأمر عام أربعين الذي يقال له عام الجماعة لاجتماع الكلمة وزوال الفتنة بين المسلمين » .
وقال في (35/64) : « وأما معاوية بن أبي سفيان وأمثاله من الطلقاء الذين أسلموا بعد فتح مكة : كعكرمة بن أبي جهل ، والحارث بن هشام ، وسهيل بن عمرو ، وصفوان بن أمية وأبي سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب ، هؤلاء وغيرهم ممن حسن إسلامهم باتفاق المسلمين ولم يتهم أحد منهم بعد ذلك بنفاق ومعاوية قد استكتبه رسول الله ? » .(1/150)
وقال في (35/65) : « فلو كان عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان وأمثالهما ممن يتخوف منهما النفاق لم يولوا على المسلمين بل عمرو بن العاص قد أمره النبي ? في غزوات ذات السلاسل والنبي ? لم يول على المسلمين منافقاً ، ( وقد استعمل على نجران أبا سفيان بن حرب أبا معاوية ومات رسول الله ? وأبو سفيان نائبه على نجران ) وقد اتفق المسلمون على أن إسلام معاوية خير من إسلام أبيه أبي سفيان فكيف يكون هؤلاء منافقين والنبي ? يأتمنهم على أحوال المسلمين في العلم والعمل وقد علم أن معاوية وعمرو بن العاص وغيرهما كان بينهم من الفتن ما كان ولم يتهمهم أحد من أوليائهم لا محاربوهم ولا غير محاربيهم : بالكذب على النبي ? بل جميع علماء الصحابة والتابعين بعدهم متفقون على أن هؤلاء صادقون على رسول الله مأمونون عليه في الرواية عنه والمنافق غير مأمون على النبي ? بل هو كاذب عليه ، مكذب له . وإذا كانوا مؤمنين محبين لله ورسوله : فمن لعنهم فقد عصى الله ورسوله ».
والحديث الثامن والتاسع : حديث « إنه لعهد النبي الأمي إلى أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق » (1) .
قال المالكي : « ولا ريب أن معاوية كان من مبغضي علي بن أبي طالب » .
وقال : « وقد كان معاوية من أعداء علي الكبار » (2) .
فالجواب عن هذا بأمرين :
أولاً : أن معاوية ما ترك مبايعة علياً رضي الله عنه طمعاً في الخلافة أو الملك ولم يقاتله من أجل ذلك وإنما طلباً لدم عثمان .
__________
(1) الحديث في صحيح مسلم (78) من رواية عدي بن ثابت عن زر بن حبيش عن علي رضي الله عنه .
(2) انظر كتاب المالكي في الصحبة والصحابة .(1/151)
فقد روى يحيى بن سليمان الجعفي أحد شيوخ البخاري في كتاب « صفين » قال الحافظ ابن حجر في « فتح الباري » (13/86) بسند جيد عن أبي مسلم الخولاني أنه قال لمعاوية : أنت تنازع علياً في الخلافة أو أنت مثله قال لا وإني لأعلم أنه أفضل مني وأحق بالأمر ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوماً وأنا ابن عمه ووليه أطلب بدمه فأتوا علياً فقولوا له يدفع لنا قتلة عثمان فأتوه فكلموه فقال يدخل في البيعة ويحاكمهم إلي فامتنع معاوية فسار علي في الجيوش من العراق حتى نزل بصفين وسار معاوية حتى نزل هناك وذلك في ذي الحجة سنة ست وثلاثين فتراسلوا فلم يتم لهم أمر فوقع القتال (1) .
وقد وقفت على سنده فيما ذكره الذهبي في « السير » (3/140) من رواية الجعفي عن يعلى بن عبيد عن أبيه عن أبي مسلم الخولاني (2) .
وروى ابن عساكر في « تاريخ دمشق» (59/142) من طريق جرير بن عبدالحميد عن المغيرة قال : لما جاء خبر قتل علي إلى معاوية جعل يبكي ، فقالت له امرأته : أتبكيه وقد قاتلته ؟ قال : ويحك أنك لا تدرين ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم (3) .
فتبين بهذا أن معاوية كان متأولاً في قتاله لعلي رضي الله عنه .
قال القاضي أبي يعلى محمد بن الحسين الفراء المتوفي سنة 458هـ في كتاب « تنزيه خال المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه من الظلم والفسق في مطالبته بدم أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه » صفحة (83) لما سئل عما جرى بين علي معاوية رضي الله عنهما , وهل يجوز أن يضاف إلى معاوية بذلك ظلم أو فسق ؟
__________
(1) انظر تاريخ دمشق (59/132) , والبداية والنهاية (11/424) .
(2) رواه ابن عساكر في تاريخه (59/132) .
(3) انظر : البداية والنهاية (11/429) .(1/152)
قال : « لا يجوز أن يضاف إليه شيء من ذلك . بل يقال : إنه اجتهد , وله أجر على اجتهاده , ووجه اجتهاده أنه قال : استعملني الخليفتان من قبل , وولَّيَاني على الشام , عمر وعثمان رضي الله عنهما , وأنا على ما استعملاني عليه , حتى يجتمع الناس على إمام , فأسلم إليه ما في يدي , وأنا مطالب بدم عثمان , لأني ابن عمه ووليه , وأحق الناس به . والله تعالى يقول : ? ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا ? » ا.هـ.
قال ابن حزم في « الفصل » (3/75) :
« لم ينكر معاوية قط فضل علي واستحقاقه بالخلافة لكن اجتهاده أداه إلى أن رأى تقديم أخذ القود من قتلة عثمان رضي الله عنه على البيعة ورأى نفسه أحق بطلب دم عثمان » .
قال الأشعري في « الإبانة » (78) : « وكذلك ما جرى بين علي ومعاوية رضي الله عنهما كان على تأويل واجتهاد وكل الصحابة مأمونون غير متهمين في الدين وقد أثنى الله ورسوله على جميعهم وتعبدنا بتوقيرهم وتعظيمهم وموالاتهم والتبري من كل من ينقص أحداً منهم رضي الله عن جميعهم » .
ثانياً : أن الصحابة رضي الله عنهم الذي حضروا القتال سواء مع علي أو معاوية رضي الله عنهما ما فهموا ما فهمه بعض أهل الأهواء من هذه النصوص التي ذكروها .
فلم يحكم بعضهم على بعض بالنفاق أو الكفر أفلا يسعه ما وسعهم ! (1)
روى ابن أبي شيبة في مصنفه (37865) وابن عساكر في « تاريخ دمشق » (1/346) عن عبدالله بن عروة قال : حدثني رجل شهد صفين ، قال : رأيت علياً خرج في تلك الليالي فنظر إلى أهل الشام فقال : « اللهم أغفر لي ولهم » قال : فأتى عمار فأخبر , فقال : جروا له الحصير فأجره لكم, وفيه جهالة هذا الرجل .
__________
(1) تنزيه خال المؤمنين ص (91) .(1/153)
وروى ابن عساكر (1/343) من طريق سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : ذكر عند على يوم صفين – أو يوم الجمل – فذكرنا الكفر ، قال : لا تقولوا ذلك وزعموا أنا بغينا عليهم وزعمنا أنهم بغوا علينا فقاتلناهم على ذلك وإسناده صحيح .
وروى ابن أبي شيبة (37854) ، وعبدالله بن أحمد في « السنة » (1283) ، والبلاذري في « أنساب الأشراف » (5/58) ، وابن عساكر في « تاريخه » (59/61) من طريق مجالد عن الشعبي عن الحارث عن علي : لا تكرهوا إمرة معاوية فلو قد فقدتموه لرأيتم الرؤوس تندر على كواهلها كأنها الحنظل .
والحارث الأعور متروك الحديث .
ومجالد بن سعيد ليس بالقوي .
قال القرطبي : « وأما من أبغض والعياذ بالله أحداً منهم من غير تلك الجهة لأمر طارئ من حدث وقع لمخالفة غرض أو لضرر ونحوه لم يصر بذلك منافقاً ولا كافرًا فقد وقع بينهم حروب ومخالفات ومع ذلك لم يحكم بعضهم على بعض بالنفاق وإنما كان حالهم في ذلك حال المجتهدين في الأحكام فإما أن يقال كلهم مصيب أو المصيب واحد والمخطئ معذور مع أنه مخاطب بمن يراه ويظنه » (1) .
قال ابن تيمية في « منهاج السنة » (4/394) : « ولهذا اتفق أهل السنة على أنه لا تفسق واحدة من الطائفتين ، وإن قالوا في إحداهما إنهم كانوا بغاة لأنهم كانوا متأولين مجتهدين والمجتهد المخطئ لا يكفر ولا يفسق وإن تعمد البغي فهو ذنب من الذنوب والذنوب يرفع عقابها بأسباب متعددة » .
وقال الذهبي في « سير أعلام النبلاء » (12/510) عن حديث « إنه لعهد النبي الأمي إلي أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق » (2)
__________
(1) انظر عمدة القاري (1/152).
(2) مع إن الإمام الذهبي رحمه الله في سير أعلام النبلاء أيضاً (17/169) ترجمة أبي عبدالله الحاكم استشكل هذا الحديث وقال : « قد أحبه قوم لا خلاق لهم , وأبغضه بجهله قوم من النواصب » .
قال المحقق في الحاشية : « وجد على هامش الأصل - تعليق على استشكال الذهبي ونصه : قلت : لا إشكال , فالمراد لا يحبك الحب الشرعي المعتد به عند الله تعالى , أما الحب المتضمن لتلك البلايا والمصائب , فلا عبرة به , بل هو وبال على صاحبه كما أحبت النصارى المسيح » .(1/154)
:
« فمعناه أن حب علي من الإيمان وبغضه من النفاق فالإيمان ذو شعب وكذلك النفاق يتشعب فلا يقول عاقل إن مجرد حبة يصير الرجل به مؤمناً مطلقاً ولا بمجرد بغضه يصير به الموحد منافقاً خالصاً فمن أحبه وأبغض أبا بكر كان في منزلة من أبغضه وأحب أبا بكر فبغضهما ضلال ونفاق وحبهما هدى وإيمان والحديث في صحيح مسلم » ا.هـ .
فصل في الجواب عن الأحاديث التي ضعفت في فضل معاوية رضي الله عنه
هناك أحاديث جاءت في فضل معاوية رضي الله عنه بعضها في صحيح البخاري ومسلم ضعفها المالكي وتكلف وتحذلق في ردها لأنها تخالف هواه ! ودون ذلك خرط القتاد .
وقد جاء عن إسحاق بن راهوية رحمه الله قوله : لا يصح عن النبي ? في فضل معاوية بن أبي سفيان حديث وتابعه عليه بعض أهل العلم .
والجواب عن هذا كما يلي :
أولاً : قد جاءت آيات وأحاديث وآثار في فضل الصحابة رضوان الله عليهم وهذه النصوص تنقسم إلى قسمين :
في فضل عموم الصحابة رضي الله عنهم ولا شك ولا ريب أن معاوية رضي الله عنه داخل في هذا الفضل كيف لا ؟!
وقد نص ابن عباس رضي الله عنه على صحبته روى البخاري في « صحيحه » (3764) من طريق عثمان بن الأسود عن ابن أبي مليكة قال أوتر معاوية بعد العشاء بركعة وعنده مولى لابن عباس فأتى ابن عباس فقال دعه فإنه صحب رسول الله ? .
وروى البخاري في « صحيحه » (3766) من طريق حمران بن أبان عن معاوية رضي الله عنه قال : إنكم لتصلون صلاة لقد صحبنا النبي ? فما رأيناه يصليها ولقد نهى عنها يعني الركعتين بعد العصر .
وفي صحيح مسلم ( 4037) أن معاوية قال : ألا ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله ? أحاديث ، وقد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه ... » الحديث .
وفي كتابه السنة للخلال ( 2/432) رقم ( 653) عن مهنا . قال : سألت أحمد عن معاوية بن أبي سفيان . فقال : له صحبة : قلت من أين هو ؟ قال : مكي قطن الشام . وسنده صحيح .(1/155)
أحاديث وآثار في فضل بعض الصحابة رضي الله عنهم بخصوصه ومنهم معاوية رضي الله عنه فقد جاءت في فضله أحاديث صحيحه وآثار سلفية قد ذكرتها تحت مبحث « فضائل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه » .
ومبحث « ثناء السلف رضي الله عنهم على معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه » .
ثانياً : ما ذكر عن إسحاق بن راهوية رحمه الله :
لا يصح في فضل معاوية رضي الله عنه حديث .
هذه الرواية رواها ابن الجوزي في « الموضوعات » (2/263) (832) قال : أنبأنا زاهر بن طاهر قال أنبأنا أحمد بن الحسين البيهقي قال حدثنا أبو عبدالله محمد بن عبدالله الحاكم قال سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب بن يوسف يقول سمعت أبي يقول سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول : لا يصح عن النبي ? في فضل معاوية بن أبي سفيان شيء .
وأوردها السيوطي في « اللآلي المصنوعة » (1/388) ، وابن عراق الكناني في « تنزيه الشريعة » (2/7) ، والشوكاني في الفوائد المجموعة ( 407) .
وعلى فرض صحتها يجاب عنها أولاً :
يوجد من الأئمة من ذكر أحاديث في فضل معاوية مصححاً لها !
وهم بهذا يخالفون من قال بأنه لا يصح في فضل معاوية شيء ومن هؤلاء الأئمة :
الإمام الآجري رحمه الله في « كتاب الشريعة » (5/1524) بوب سياق ما روي عن النبي ? في فضائل أبي عبدالرحمن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما .
الإمام الذهبي رحمه الله كما في « سير أعلام النبلاء » (3/350) فقد ذكر أحاديث في فضل معاوية رضي الله عنه وقال بعد ذلك : « فهذه أحاديث مقاربة » .
الحافظ ابن كثير كما في « البداية والنهاية » (11/409) حيث قال رحمه الله بعد أن ذكر أحاديث في فضل معاوية رضي الله عنه : « واكتفينا بما أوردناه من الأحاديث الصحاح والحسان والمستجادات عما سواه من المصنوعات والمنكرات » .(1/156)
وقال في (11/408) في تعليقه على حديث « اللهم أجعله هادياً مهدياً وأهده » : « وقد اعتنى ابن عساكر بهذا الحديث وأطنب فيه وأطيب واطرب وأفاد وأحسن الانتقاد فرحمه الله كم من موطن قد تبرز فيه على غيره من الحفاظ والنقاد » .
والحفاظ ابن عساكر كما في « تاريخ دمشق » (59/79) .
وابن حجر الهيتمي في « تطهير الجنان » (11) (1) (2) .
وثانياً : أن من قال ذلك من الأئمة رحمهم الله لا ريب أنهم يرون أن معاوية داخل في عموم النصوص التي جاءت في فضل الصحابة رضوان الله عليهم خلافا لمن يسود عشرات الصفحات في تصحيح وتقوية الأحاديث التي جاءت في ذمه !!
وتضعيف الأحاديث التي جاءت في الثناء عليه!
وإخراجه من حد الصحبة الشرعية !
فمرادهم لا يصح حديث في فضله بخصوصه أما على سبيل العموم فنعم .
فإبن عبد البر رحمه الله ممن نسب إليه هذا القول « لا يصح في فضل معاوية حديث » ومع ذلك نجد أن ابن عبد البر رحمه الله تعالى ينقل إجماع أهل السنة والجماعة على عدالة الصحابة رضي الله عنهم أجمعين في كتاب « الإستيعاب في معرفة الأصحاب » (23) قال :
__________
(1) وانظر للقائدة توجيه الهيثمي لرواية إسحاق بن راهوية ، وتبويب البخاري باب ذكر معاوية ولم يقل فضائل أو مناقب ! تطهير الجنان ( 11) .
(2) جاء في ترجمة محمد بن عبدالواحد أبو عمر اللغوي الزاهد المعروف بـ غلام ثعلب المتوفي سنة 345هـ إن الإشراف والكتاب وأهل الأدب كانوا يحضرون عنده ليسمعوا منه كتب ثعلب وغيرها وكان له جزء قد جمع فيه الأحاديث التي تروى في فضائل معاوية فكان لا يترك أحدا منهم يقرأ عليه شيئا حتى يبدأ بقراءة ذلك الجزء ثم يقرأ بعده ما قصد له . انظر طبقات الحنابلة (3/192) .(1/157)
« ومعلوم أن من حكم بقوله وقضى بشهادته فلابد من معرفة اسمه ونسبه وعدالته والمعرفة بحاله ونحن وإن كان الصحابة رضي الله عنهم قد كفينا البحث عن أحوالهم لإجماع أهل الحق من المسلمين وهم أهل السنة والجماعة على أنهم كلهم عدول فواجب الوقوف على أسمائهم والبحث عن سيرهم وأحوالهم ليهتدي بهديهم فهم خير من سلك سبيله واقتدى به » .
وكذلك الإمام ابن القيم قال في « المنار المنيف » (93) بعد أن ذكر رواية إسحاق بن راهوية قال : « قلت : مراده ومراد من قال ذلك من أهل الحديث أنه لم يصح حديث في مناقبه بخصوصه وإلا فيما صح في مناقب الصحابة على العموم ومناقب قريش فمعاوية رضي الله عنه داخل فيه » .
قال العلامة المعلمي في « الأنوار الكاشفة » (92) : « هذا لا ينفي الأحاديث الصحيحة التي تشمله وغيره ولا يقتضي أن يكون كل ما روى في فضله خاصة مجزوما بوضعه » ا.هـ.
قال الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله في « كتاب التحديث بما قيل لا يصح فيه حديث » صفحة (142) تعليقاً على كلام الإمام ابن القيم : « تنبيه : لا يغاب عنك هذا القيد « على وجه الخصوص » » .
وقد قال ابن القيم رحمه الله قال في « المنار المنيف » (94) عن معاوية رضي الله عنه : « كل حديث في ذمه فهو كذب » .
وثالثاً : أن هذا لو صح عن هؤلاء الأئمة لكان فيه ثناء على الصحابة رضي الله عنهم وبيان لعدالتهم وكذلك ثناء على معاوية رضي الله عنه وبيان صدقه وفضله لو كان المالكي يعقل ؟!
فلم يكذب أحد من الصحابة رضي الله عنهم ويضع أحاديث في فضله كما أن معاوية لديانته وأمانته لم يكذب لنفسه ويضع أحاديث في فضله ومناقبه ولم يحمل غيره على الكذب !(1/158)
قال العلامة المعلمي رحمه الله في الأنوار الكاشفة صفحة ( 92) : ( أما الصحابة رضي الله عنهم ففي هذه القضية برهان على أنه لا مجال لاتهام أحد منهم بالكذب على النبي ? وذلك أن معاوية كان عشرين سنة أميراً على الشام وعشرين سنة خليفة وكان في حزبه وفيمن يحتاج إليه جمع كثير من الصحابة منهم ممن أسلم يوم فتح مكة أو بعده وفيهم جماعة من الأعراب وكانت الدواعي إلى التعصب له والتزلف إليه متوفرة فلو كان ثم مساغ لأن يكذب على النبي ? أحد لقيه وسمع منه مسلماً لأقدم بعضهم على الكذب في فضل معاوية وجهر بذلك أمام أعيان التابعين فينقل ذلك جماعة ممن يوثقهم أئمة السنة فيصبح عندهم ضرورة .
فإذا لم يصح خبراً ثبت صحة القول بأن الصحابة كلهم عدول في الرواية وأنه لم يكن منهم أحد مهما خفت منزلته وقوي الباعث له محتملاً منه أن يكذب على النبي ? وأما معاوية فكذلك فعلى فرض أنه كان يسمح بأن يقع كذب على النبي ? ما دام في فضيلة له وأنه لم يطمع في أن يقع ذلك من أحد غيره ممن له صحبة أو طمع ولكن لم يجده ترغيب ولا ترهيب في حمل أحد منهم على ذلك فقد كان في وسعه أن يحدث هو عن النبي ? فقد حدث عدد كثير من الصحابة عن النبي ? بفضائل لأنفسهم وقبلها منهم الناس وروها أئمة السنة ففي تلك القضية برهان على أن معاوية كان من الدين والأمانة بدرجة تمنعه من أن يفكر في أن يكذب (1) أو يحمل غيره على الكذب على النبي ? مهما اشتدت حاجته إلى ذلك ومن تدبر هذا علم أن عدم صحة حديث عند أهل الحديث في فضل معاوية أدل على فضله من أن تصح عدة أحاديث ا.هـ.
وإليك بيان هذه الأحاديث والرد على من ضعفها .
وصدق الإمام البربهاري رحمه الله حين قال في « شرح السنة » (106) :
__________
(1) روى الخلال في السنة ( 1/440) عن ابن سيرين قال : كان معاوية لا يتهم في الحديث على رسول الله ? . وسنده صحيح .(1/159)
« إذا سمعت الرجل يطعن على الآثار أو يرد الآثار أو يريد غير الآثار فاتهمه على الإسلام ، ولا تشك أن صاحب هوى مبتدع » ا.هـ .
الحديث الأول : حديث « اللهم أجعله هادياً مهدياً وأهد به ».
الحديث رواه البخاري في « التاريخ الكبير » (5/240) ، والترمذي في « جامعه » (3843) ، وابن سعد في « الطبقات » (7/417) ، والطبراني في « مسند الشاميين » (2198) ، وابن أبي عاصم في « الآحاد والمثاني » (3129) ، والأجري في « الشريعة » (1915،1914) ، والخطيب في « تاريخه » (1/207) كلهم من طريق أبي مسهر عن سعيد بن عبدالعزيز عن ربيعة بن يزيد عن عبدالرحمن بن أبي عميرة .
ورواه أحمد في « المسند » (17929) ، وأبو نعيم في « الحلية » (8/358) كلاهما من طريق الوليد بن مسلم عن سعيد بن عبدالعزيز به .
والبخاري في « التاريخ الكبير » (5/240) ، وأبو نعيم في « أخبار أصبهان » (1/180) ، وابن أبي عاصم في « الآحاد والمثاني » (3129) كلاهما من طريق مروان بن محمد الطاطري عن سعيد بن عبدالعزيز به .
ورواه الطبراني في « المعجم الأوسط » (656) ، وفي « مسند الشاميين » (606) ، والخلال في « السنة » (1/451) رقم (699) كلاهما من طريق الوليد بن مسلم عن سعيد بن عبدالعزيز عن يونس بن ميسرة بن حلبس عن عبدالرحمن بن أبي عميرة .
ورواه ابن عساكر في تاريخه (59/86) من طريق هشام بن عمار عن أبي السائب عبدالعزيز بن الوليد بن سليمان عن بيه يذكر أن عمر بن الخطاب ... وسنده منقطع (1) الوليد بن سليمان لم يدرك عمر .
ورواه الترمذي في « جامعه » (3843) وأبو نعيم كلاهما من طريق عمرو بن واقد عن يونس بن ميسرة عن أبي إدريس عن عمير بن سعد .
قال أبو عيسى : هذا حديث غريب وعمرو بن واقد يضعف .
وقد أعل المالكي هذا الحديث بعلل عليلة !!
العلة الأولى :
__________
(1) انظر : البداية والنهاية (11/409) .(1/160)
« عبدالرحمن بن أبي عميرة لا تثبت أحاديثه ولم يثبت له صحبة وهو أشبه بالمجهول ، قال ابن عبدالبر : « وحديثه مضطرب لا يثبت في الصحابة وهو شامي » » .
ويجاب عن هذه العلة بأنه قد ثبتت صحبة عبدالرحمن بن أبي عميرة بأمرين :
في بعض روايات الحديث صرح عبدالرحمن بن أبي عميرة بالسماع من رسول الله ? ، وهذا مما يدل على صحبته .
فجاء التصريح بالسماع عنه في « التاريخ الكبير » للبخاري (5/240) قال البخاري عنه : « يعد في الشاميين قال أبو مسهر قال عبدالله بن مروان عن سعيد عن ربيعة سمع عبدالرحمن سمع النبي ? » .
وجاء التصريح بالسماع عنه عند الأجري في « كتاب الشريعة » (1915) من رواية أبي مسهر عن سعيد بن عبدالعزيز به .
وعند ابن عساكر في « تاريخ دمشق » (59/83) من رواية محمد بن سليمان الحراني عن سعيد بن عبدالعزيز به .
فلا وجه لإنكار صحبته رضي الله عنه بعد تصريحه بالسماع من رسول الله ? .
قال الحافظ ابن حجر في « الإصابة » (4/342) : « هب أن هذا الحديث الذي أشار إليه ابن عبد البر ظهرت له فيه علة انقطاع فما يصنع في بقة الأحاديث المصرحة بسماعه من النبي ? ؟! فما الذي يصحح الصحبة زائدا على هذا » .
أن جل العلماء على ثبوت صحبته رضي الله عنه ، بل لا يعرف من نفى عنه الصحبة غير الإمام ابن عبد البر ، وتعجب من قوله الحافظ ابن حجر كما في « الإصابة » (4/342) وممن أثبت صحبته من أهل العلم :
( الإمام أحمد رحمه الله وذلك لأنه أخرج هذا الحديث في « مسنده » (17929) من رواية عبدالرحمن بن أبي عميرة وذلك يدل على أن ابن أبي عميرة صحابي عنده وإلا لما أخرج له لأنه يكون مرسلاً لا مسنداً !
( البخاري في « التاريخ الكبير » (5/240) قال عنه : « يعد في الشاميين قال أبو مسهر قال عبدالله بن مروان (1) عن سعيد عن ربيعة سمع عبدالرحمن سمع النبي ? » .
__________
(1) كذا بالأصل وصوابه ( مروان بن محمد الطاطري ) . انظر : الإصابة (4/343) .(1/161)
( سعيد بن عبدالعزيز التنوخي أحد رواة هذا الحديث عنه كما في « جامع الترمذي » (3842) ، و « تاريخ دمشق » لابن عساكر (35/230) من طريق سعيد بن عبدالعزيز عن ربيعة بن يزيد عن عبدالرحمن بن أبي عميرة . وكان من أصحاب رسول الله ? .
( ابن سعد في « الطبقات » ( 7/417) قاله عنه : « المزني وكان من أصحاب رسول الله ? نزل الشام » .
( المزي في « تهذيب الكمال » (17/321) قال عنه : « عبدالرحمن بن أبي عميرة المزني ، ويقال الأزدي البرني وهذا وهم لأنه مزني وليس بأزدي وهو أخو محمد بن أبي عميرة له صحبة سكن حمص روى عن النبي ? » .
( ابن عساكر كما في « تاريخ دمشق » (35/229) عبدالرحمن بن أبي عميرة المزني ويقال الأزدي أخو محمد بن أبي عميرة وله صحبة .
( وابن حجر في « الإصابة » (4/342) قال : « وهذه الأحاديث وإن كان لا يخلو إسناد منها من مقال فمجموعها يثبت لعبد الرحمن الصحبة » .
( وأبو حاتم الرازي وابن السكن وابن البرقي وابن حبان وعبدالصمد ابن سعيد وأبو الحسن بن سميع كلهم ذكروه في الصحابة فيما ذكره الحافظ ابن حجر في « الإصابة » (4/342) : « قال أبو حاتم الرازي وابن السكن له صحبة وذكره البخاري وابن سعد وابن البرقي وابن حبان وعبد الصمد بن سعيد وأبو الحسن بن سميع ذكروه في الصحابة » وغيرهم كثير .
العلة الثانية :
« أن ابن أبي حاتم قد نقل في « العلل » (2/363) عن أبيه أن أبن أبي عميرة لم يسمع هذا الحديث من رسول الله ? وإنما رواه عن معاوية عن النبي ? ».
أقول وقد وهم أبو حاتم فيما ذكره عن أبي مسهر ومروان بن محمد من أنهما رويا الحديث من طريق ابن أبي عميرة عن معاوية نفسه فإن الطرق كلها التي رواها أبو مسهر ومروان ليس فيها لمعاوية ذكر (1) !
__________
(1) وقد نص على هذا المالكي نفسه صفحة ( 155) من كتابه .(1/162)
ورواية أبي مسهر رواها البخاري في « التاريخ الكبير » (5/240) ، وابن سعد في « الطبقات » (7/417) ، والترمذي في « جامعه » (3843) ، والطبراني في « مسند الشاميين » (2198) ، وابن أبي عاصم في « الآحاد والمثاني » (3129) ، والأجري في « الشريعة » (1915،1914) ، والخطيب في « تاريخه » (1/207) كلهم من طريق أبي مسهر عن سعيد بن عبدالعزيز عن ربيعة بن يزيد عن عبدالرحمن بن أبي عميرة وليس لمعاوية فيه ذكر !
ورواية مروان بن محمد الطاطري رواها أبو نعيم في « أخبار أصبهان » (1/180) ، وابن أبي عاصم في « الآحاد والمثاني » (3129) كلاهما من طريق مروان بن محمد الطاطري عن سعيد بن عبدالعزيز به وليس لمعاوية فيه ذكر !
العلة الثالثة :
« تلميذ عبدالرحمن بن أبي عميرة وشيخ سعيد بن عبدالعزيز هو ربيعة بن يزيد السلمي احتمالاً لا جزماً قال : « وهو ضعيف جداً لاسيما مع ظهور نصبه وهو الذي قال فيه ابن عبد البر : « كان من النواصب يشتم علياً » ، وقال أبو حاتم : « لا يروى عنه ولا كرامة » » .
والجواب عن هذا من وجهين :
من ذهب من أهل العلم بالحديث إلى أن سعيد بن عبدالعزيز يروي عن ربيعة بن يزيد السلمي الناصبي !
لم أجد أحداً من أهل العلم نص على أن من شيوخ سعيد بن عبدالعزيز ربيعة بن يزيد السلمي .
أن ربيعة بن يزيد السلمي اختلف فيه ومن أهل العلم من عده في الصحابة وممن نص على هذا :
( البخاري في « التاريخ الكبير » (3/280) قال : « ربيعة بن يزيد السلمي له صحبة » .
( ابن حبان في « الثقات » (3/129) قال : « ربيعة بن يزيد السلمي يقال له صحبة » .
( قال ابن أبي حاتم الرازي في « الجرح والتعديل » (3/472) : « وقال بعض الناس له صحبة سمعت أبي يقول ذلك » .
( قال ابن حجر في « الإصابة » (2/477) : « وقال العسكري قال بعضهم أن له صحبة ... وقد استدركه ابن فتحون وأبو علي الغساني وابن معوز علي أبي عمر اعتمادا على قول البخاري » .
العلة الخامسة :(1/163)
« سعيد بن عبدالعزيز الدمشقي فهو وإن كان موثقاً من رجال مسلم والسنن ومعظماً عند أهل الشام إلا أنه أختلط في آخر عمره » .
وهذا يجاب عليه من وجهين أقول وبالله التوفيق :
( سعيد بن عبدالعزيز الدمشقي أختلط في آخر عمره ولكن في أحد طرق الحديث الراوي عنه أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر كما عند البخاري في « التاريخ الكبير » (5/240) ، وابن سعد في « الطبقات » (7/417) ، والترمذي في « جامعه » (3843) ، والطبراني في « مسند الشاميين » (2198) ، وابن أبي عاصم في « الآحاد والمثاني » (3129) ، والأجري في « الشريعة » (1915،1914) ، والخطيب في « تاريخه » (1/207) .
وأبو مسهر ممن روى عن سعيد بن عبدالعزيز الدمشقي قديماً وكان يقدمه على الأوزاعي فيما ذكره أبو حاتم كما في « تهذيب الكمال » (10/543) فكيف يقدمه على الأوزاعي ويروي عنه بعد اختلاطه ؟!
( أن أبا مسهر لم ينفرد بالرواية عن سعيد بن عبدالعزيز الدمشقي بل تابعه على ذلك أربعة من الرواة ويبعد أن هؤلاء الأربعة رووه كلهم عنه بعد الاختلاط وهم كما يلي :
الوليد بن مسلم الدمشقي كما عند أحمد في « المسند » (17929) ، وأبي نعيم في « الحلية » (8/358) ، والطبراني في « المعجم الأوسط » ، وفي « مسند الشاميين » (606) ، والخلال في « السنة »( 2/451) رقم (699) .
مروان بن محمد الطاطري كما عند البخاري في « التاريخ الكبير » (5/240) ، وأبي نعيم في « أخبار أصبهان » (1/180) ، وابن أبي عاصم في « الآحاد والمثاني » (3129) .
عمر بن عبدالواحد كما عند الخلال في السنة ( 2/450) رقم ( 697) ابن عساكر في « تاريخ دمشق » (59/83) .
محمد بن سليمان الحراني كما عند ابن عساكر في « تاريخ دمشق » (59/83) (1) .
العلة السابعة :
__________
(1) انظر السلسلة الصحيحة للشيخ الألباني رحمه الله (4/615) .(1/164)
« مناسبة الحديث كما ذكروا عن ربيعة شيخ سعيد كانت عندما عزل عثمان (1) عمير بن سعد الأنصاري من ولاية حمص وولاها معاوية وقد عزله عثمان مبكراً عام 24هـ وربيعة راوية المناسبة والحديث لم يمت إلا بعد عام 120هـ يعني بينه وبين القصة أكثر من مائة سنة فالإنقطاع واضح بين ربيعة وعبدالرحمن بن أبي عميرة » .
ويجاب عن هذا بما يلي :
أن ربيعة بن يزيد قد توبع في رواية الحديث عن عبدالرحمن بن أبي عميرة رضي الله عنه ولم ينفرد به فقد تابعه يونس بن ميسره كما عند الطبراني في « المعجم الأوسط » (656) ، و « مسند الشاميين » (606) ، والخلال في « السنة » ( 2/451) رقم (699) .
أن ربيعة بن يزيد صرح بالسماع من عبدالرحمن بن أبي عميرة رضي الله عنه وعبدالرحمن صرح بالسماع من رسول الله ? كما عند البخاري في « التاريخ الكبير » (5/240) فأين الانقطاع والإرسال !!
وأيضاً مناسبة القصة لا تصح رواها الترمذي (3843) وقال : غريب وعمرو بن واقد يضعف .
العلة الثامنة :
« الاضطراب في ابن أبي عميرة فمرة يقولون عبدالرحمن بن أبي عميرة ومرة عبدالرحمن بن عميرة ومرة المزني وأخرى أنصاري ... مما يرجح جهالته » .
أقول سبق الإجابة عن العلة صفحة (224) مما يغني عن إعادته .
العلة التاسعة :
« رووه عن سعيد بن عبدالعزيز عن ربيعة ومرة يرويه بعضهم عن سعيد يونس بن ميسرة ولعل هذا إن صح يكون من اختلاط سعيد أيضاً » .
العلة العاشرة :
« يروونه سعيد عن ربيعة عن ابن أبي عميرة ومرة يروونه عن سعيد عن ربيعة عن أبي إدريس عن ابن أبي عميرة ولعل هذا أيضاً من اختلاط سعيد » .
العلة الحادية عشرة :
__________
(1) كذا - في تاريخ ابن عساكر - (59/81) والذي عزل عمير بن سعد هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه! كما عند الترمذي (3843) وقال أبو عيسى : هذا حديث غريب وعمرو بن واقد يضعف .(1/165)
« مرة يكون بين سعيد وابن أبي عميرة شيخ ومرة شيخان ومرة يرويه سعيد عنه مباشرة ... ولعل هذا أيضاً من اختلاط سعيد في هذا الحديث » .
أقول مدار هذه العلل على الاضطراب وهذا اضطراب غير مؤثر والصحيح في الإسناد هو رواية سعيد بن عبدالعزيز عن ربيعة بن يزيد عن عبدالرحمن بن أبي عميرة . وهي رواية الجماعة رواها كل من :
الوليد بن مسلم الدمشقي كما عند أحمد في « المسند » (17929) ، وأبي نعيم في « الحلية » (8/358) ، والطبراني في « المعجم الأوسط » (656) ، وفي مسند « الشاميين » (606) ، والخلال في « السنة » ( 2/451) رقم (699) .
مروان بن محمد الطاطري كما عند البخاري في « التاريخ الكبير » (5/240) ، وأبي نعيم في « أخبار أصبهان » (1/180) ، وابن أبي عاصم في « الآحاد والمثاني » (3129) .
عمر بن عبدالواحد كما عند الخلال في السنة ( 2/450) ابن عساكر في « تاريخ دمشق » (59/83) .
محمد بن سليمان الحراني كما عند ابن عساكر في « تاريخ دمشق » (59/83).
وأبو مسهر كما عند البخاري في « التاريخ الكبير » (5/240) ، وابن سعد في « الطبقات » (7/417) ، والترمذي في « جامعه » (3843) ، والطبراني في « مسند الشاميين » (2198) ، وابن أبي عاصم في « الآحاد والمثاني » (3129) ، والأجري في « الشريعة » (1915،1914) ، والخطيب في « تاريخه » (1/207) .
كل هؤلاء الخمسة عن سعيد بن عبدالعزيز عن ربيعة بن يزيد عن عبدالرحمن بن أبي عميرة .
لذا قال ابن عساكر في « تاريخ دمشق » (59/84) : « وقول الجماعة هو الصواب » .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله في « الصحيحة » (4/616) عن هذا الاضطراب : « ليس من النوع الذي يضعف الحديث به لأن وجوده الاضطراب ليست متساوية القوة » .
الحديث الثاني أم حرام رضي الله عنها في غزوة البحر :(1/166)
أخرج البخاري (2766) ، من طريق ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عمير بن الأسود العنسي عن أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله ? يقول : « أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا » ، قالت أم حرام : قلت : يا رسول الله أنا فيهم ؟ قال : « أنت فيهم » . ثم قال النبي ? : « أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم » ، فقلت : أنا فيهم يا رسول الله ؟ قال : « لا » .
وهذا الحديث فيه منقبة لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ، وذلك لأن أول جيش غزى في البحر كان بإمرة معاوية .
وكان أول من غزا في البحر معاوية في زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه (1) .
قال ابن حجر في « الفتح » (6/120) : « قال المهلب (2) في هذا الحديث منقبة لمعاوية لأنه أول من غزا البحر » .
وقال ابن حجر في « الفتح » أيضاً (6/121) : « ومعنى أوجبوا : أي فعلوا فعلاً وجبت لهم به الجنة » .
وقال المناوي في « فيض القدير » (3/83) : « أي فعلوا فعلاً وجبت لهم به الجنة أو أوجبوا لأنفسهم المغفرة والرحمة » .
( شذوذ الحديث !
قال المالكي صفحة ( 171) : « هذا الحديث شاذ والصحيح اللفظ الآخر الأقوى » !
__________
(1) انظر فتح الباري ( 11/75) .
(2) المهلب بن أحمد بن أبي صفرة أسيد بن عبدالله الأسدي الأندلسي مصنف شرح صحيح البخاري كان أحد الأئمة الفصحاء الموصوفين بالذكاء ، توفي في شوال سنة خمس وثلاثين وأربع مئة . السير (17/579).(1/167)
وهو ما أخرجه البخاري (2636) ومسلم (5925) عن أنس بن مالك عن خالته أم حرام بنت ملحان قالت : نام النبي ? يوماً قريباً مني ، ثم استيقظ يبتسم ، فقلت : ما أضحكك ؟ قال : « أناس من أمتي عرضوا علي يركبون هذا البحر الأخضر كالملوك على الأسرة » قالت : فادع الله أن يجعلني منهم فدعا لها ؛ ثم نام الثانية ففعل مثلها ، فقالت قولها فأجابها مثلها فقالت : أدع الله أن يجعلني منهم فقال : « أنت من الأولين » ، فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازياً أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية فلما انصرفوا من غزوتهم قافلين فنزلوا الشام فقربت إليها دابة لتركبها ، فصرعتها فماتت .
ويجاب عن هذا بعدة أجوبة :
لم يذهب أحد إلى القول بشذوذه فأين أهل العلم بالحديث عن القول بذالك ؟!
فقول المالكي أن عمرو بن الأسود خالف أنس في هذا الحديث وخالف خالد بن معدان راوية عن عمرو بن الأسود أربعة من الثقات .
أقول أين المخالفة هنا فالحديث الأول بمعنى الحديث الثاني وليس هناك مخالفة !
على فرض شذوذ الحديث باللفظ الأول وصحته باللفظ الثاني فهو يدل أيضا على فضل معاوية رضي الله عنه .
فساق اللالكائي في « شرح أصول اعتقاد أهل السنة » (8/1524) هذا الحديث تحت باب ما روي عن النبي ? في فضائل أبي عبدالرحمن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما .
قال ابن عبد البر رحمه الله في « التمهيد » (1/235) : « وفيه فضل لمعاوية رحمه لله إذ جعل من غزا تحت رايته من الأولين ورؤيا الأنبياء صلوات الله عليهم وحي » .
قال ابن حجر في « الفتح » (11/73) قوله : « « ناس من أمتي عرضوا علي غزاة ... » يشعر بأن ضحكه كان إعجاباً بهم وفرحاً لما رأى لهم من المنزلة الرفيعة » .
أعلال الحديث بأن رجال إسناده كلهم نواصب !
أقول أولاً لابد من تحرير مسألة رواية المبتدع .
فقد اضطرب قول المالكي في هذه المسألة وناقض نفسه بنفسه !(1/168)
فإذا كان الراوي شيعياً قبل حديثه حتى ولو كان فيما يؤيد بدعته (1) ، وإذا كان ناصبياً طعن في حديثه ولو كان من أوثق الناس (2) .
والصحيح في هذه المسألة والله أعلم قبول رواية المبتدع مطلقاً حتى ولو كان داعية لمذهبه إذا كان ثقة في نفسه ولم تكن البدعة مكفرة .
وهذه المسألة فيها أقوال لأهل العلم :
القول الأول :
رد رواية المبتدع مطلقاً .
وروى هذا القول عن الإمام مالك وقال به القاضي أبو بكر الباقلاني (3) .
وذلك لأن في الرواية عنه ترويجاً لأمره وتنويهاً بذكره .
قال الخطيب في « الكفاية » (148) : « اختلف أهل العلم في السماع من أهل البدع والأهواء كالقدرية والخوارج والرافضة وفي الاحتجاج بما يروونه فمنعت طائفة من السلف صحة ذلك لعلة أنهم كفار عند من ذهب إلى اكفار المتأولين وفساق عند من لم يحكم بكفر متأول وممن يروى عنه ذلك مالك بن أنس .
قال الحافظ ابن حجر في « لسان الميزان » (1/10) : « فالمنع من قبول رواية المبتدعة الذين لم يكفروا ببدعتهم كالرافضة والخوارج ونحوهم ذهب إليه مالك وأصحابه والقاضي أبو بكر الباقلاني وأتباعه » (4) .
ورد هذا القول ابن الصلاح في « علوم الحديث » (104) : « والقول بالمنع مطلقاً بعيد مباعد للشائع عن أئمة الحديث فإن كتبهم طافحة بالرواية عن المبتدعة غير الدعاة » .
__________
(1) والأمثلة على ذلك كثيرة من ذلك : نصر بن مزاحم رافضي متروك الحديث ومع ذلك قوى حديثه ! وتليد بن سليمان رافضي خبيث كذاب ومع ذلك قواه .
(2) والأمثلة على ذلك كثيرة من ذلك : طعنه في ربيعة بن يزيد الدمشقي وسعيد بن عبدالعزيز الدمشقي وثور بن يزيد وخالد بن معدان وعمير بن الأسود مع أنهم ثقات من رجال الجماعة وغيرهم ! وكثيراً ما يصف هؤلاء الأئمة وغيرهم من أهل السنة بالنصب ويرد حديثهم .
(3) انظر فتح المغيث للسخاوي (3/60) ، التنكيل للمعلمي (1/45).
(4) انظر أيضا فتح المغيث للسخاوي (3/60) ، التنكيل للمعلمي (1/45).(1/169)
وممن يذهب إلى ذلك أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني وخاصة فيمن وصف بالتشيع فكان يرد حديث من هو موصوف بذلك إلا نفرا من الرواة ممن اشتهروا بالحفظ والضبط قال الإمام الذهبي في الميزان (2/66) : أبو إسحاق الجوزجاني في عبارته فضاضة وهذه عادته » قال المعلمي في « التنكيل » (1/46) : « والجوزجاني فيه نصب وهو مولع بالطعن في المتشيعين » (1) .
القول الثاني :
هو التفصيل فإذا كان الراوي داعية إلى بدعته فلا يقبل حديثه وإلا قبل وهذا القول قال به أكثر أهل العلم .
ونسب الخطيب هذا القول للإمام أحمد ورواه بسنده عن ابن مهدي وابن المبارك .
قال الإمام أحمد عن شبابة بن سوار تركته لم أكتب عنه للإرجاء قيل له يا أبا عبدالله وأبو معاوية قال شبابة كان داعية (2) .
قال الخطيب في « الكفاية » (149) : « وقال كثير من العلماء يقبل أخبار غير الدعاة من أهل الأهواء فأما الدعاة فلا يحتج بأخبارهم وممن ذهب إلى ذلك أبو عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل » (3) .
قال عبدالرحمن بن مهدي : « من رأى رأياً ولم يدع إليه أحتمل ، ومن رأى رأياً ودعا إليه فقد استحق الترك » (4) .
قال علي بن الحسن بن شقيق : قال قلت لعبدالله - يعني ابن المبارك - : سمعت من عمرو بن عبيد . فقال بيده هكذا أي كثرة . قلت : فلم لا تسميه وأنت تسمى غيره من القدرية . قال : لأن هذا كان رأساً (5) .
قال النووي في « التقريب » (43) : « هو الأظهر والأعدل وقول الكثير أو الأكثر » .
قال ابن الصلاح في « علوم الحديث » (104) : « وهذا أعدل الأقوال وأولاها » .
__________
(1) وانظر شرح العلل لابن رجب (1/357) ؛ وانظر أيضا الثقات ( 8/82 ) ، الكامل (1/310) التنكيل (1/99) .
(2) انظر ميزان الاعتدال (1/301) وتهذيب التهذيب (2/147) ترجمة شبابة من سوار .
(3) رواه الخطيب في الكفاية (194).
(4) رواه الخطيب في الكفاية (155).
(5) رواه الخطيب في الكفاية (155) , والسير (8/302) .(1/170)
وقال ابن كثير في « اختصار علوم الحديث » (1/299) : « والذي عليه الأكثرون التفصيل بين الداعية وغيره » .
بل نقل ابن حبان الاتفاق على ذلك ! فقال في ترجمة جعفر بن سليمان الضبعي في « الثقات » (6/140) : « جعفر بن سليمان من الثقات المتقنين في الروايات غير أنه كان ينتحل الميل إلى أهل البيت ولم يكن بداعية إلى مذهبه وليس بين أهل الحديث من أئمتنا خلاف أن الصدوق المتقن إذا كان فيه بدعة ولم يكن يدعو إليها أن الاحتجاج بأخباره جائز فإذا دعا إلى بدعته سقط الاحتجاج بأخباره ولهذه العلة ما تركوا (1) حديث جماعة ممن كانوا ينتحلون البدع ويدعون إليها وإن كانوا ثقات واحتججنا بأقوام ثقات انتحالهم كانتحالهم سواء غير أنهم لم يكونوا يدعون إلى ما ينتحلون وانتحال العبد بينه وبين ربه إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه وعلينا قبول الروايات عنهم إذا كانوا ثقات على حسب ما ذكرناه في غير موضع من كتبنا » . ا.هـ (2) .
وكذلك نقل الاتفاق على ذلك الحاكم (3) .
قال الذهبي في المغني في الضعفاء (1/523) بتصرف : فأما الغلاة والدعاة فكان جمهور السلف يحذرون منهم ولا يرون الرواية عنهم .
وقال في الميزان (2/6) في ترجمة داود بن الحصين : قال ابن حبان كان يذهب مذهب الشراة (4) يعني الخوارج كعكرمة , لكنه لم يكن داعية , والدعاة تجب مجانبة حديثهم .
واستغرب الحافظ ابن حجر في « نزهة النظر » (137) نقل الاتفاق (5) .
وقيد جماعة ذلك أيضاً بأن لا يكون ذلك فيما يقوي بدعته (2).
__________
(1) كذا في المطبوع ! والصواب ( تركوا ) حتى يستقيم المعنى .
(2) وانظر المجروحين (1/18).
(3) انظر التنكيل للمعلمي (1/43).
(4) انظر : الفرق بين الفرق (79) .
(5) انظر : هدي الساري (549) .(1/171)
قال إبراهيم بن إبراهيم الجوزجاني في كتابه « الشجرة في معرفة الرجال » (32) عن الرواة : « ومنهم زائغ عن الحق ، صادق اللهجة ، فليس فيه حيلة ، إلا أن يؤخذ من حديثه ما لا يكون منكراً إذا لم يقو به بدعته » .
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه لله « لسان الميزان » (1/11) : « وينبغي أن يقيد قولنا بقبول رواية المبتدع إذا كان صدوقا ولم يكن داعية بشرط أن لا يكون الحديث الذي يحدث به مما يعضد بدعته ويشيدها فأنا لا نأمن حينئذ عليه من غلبة الهوى والله الموفق » .
وقال في « نخبة الفكر » (136) « ثم البدعة إما بكفر أو بمفسق :
فالأول : لا يقبل صاحبها الجمهور .
الثاني : يقبل من لم يكن داعية في الأصح إلا إن روى ما يقوي بدعته فيرد على المختار وبه صرح الجوزجاني شيخ النسائي » .
وقال في هدي الساري (549) : « وهذا المذهب هو الأعدل وصارت إليه طوائف من الأئمة ) أي قبول رواية المبتدع غير الداعية .
القول الثالث :
أن البدعة لا تؤثر على الراوي إذا ثبت أنه حافظ ضابط وصادق ليس بكاذب ، وذلك لأن تدينه وصدق لهجته يحجزه عن الكذب (1) ، وهذا قول جمهور المتقدمين كالإمام البخاري ومسلم وعلي بن المديني ويحيى بن سعيد القطان وابن خزيمة وغيرهم من أهل العلم بالحديث .
فقد خرج البخاري في صحيحه لعمران بن حطان في موضع واحد متابعة (2) .
وعمران بن حطان من الخوارج قال ابن حجر في « هدي الساري » (432) كان داعية إلى مذهبه (3) .
__________
(1) انظر: التهذيب (3/317)، فتح الباري (10/357) , فتح المغيث (2/61) .
(2) في كتاب اللباس ، باب لبس الحرير للرجال وقدر ما يجوز منه حديث رقم (5835).
(3) قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (10/357) أخرج له البخاري على قاعدته في تخريج أحاديث المبتدع إذا كان صدوق اللهجة متديناً .(1/172)
وخرج أيضاً لعبدالحميد بن عبدالرحمن الحماني - وهو داعية للإرجاء قاله أبو داود (1) - في موضع واحد (2) .
وروى البخاري (990) واللفظ له ومسلم (215) من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن قيس عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال سمعت النبي ? جهاراً غير سر يقول : « إن آل آبي بياض (3) ليسوا بأوليائي ، إنما وليي الله وصالح
المؤمنين » (4) .
وقيس بن أبي حازم رمي ببدعة النصب (5) وهذا الحديث ظاهره فيما يؤيد بدعته ومع ذلك خرجه البخاري ومسلم (6) .
__________
(1) انظر تهذيب التهذيب (2/487) ترجمة عبدالحميد بن عبدالرحمن الحماني وهدي الساري (1/416) .
(2) في كتاب فضائل القرآن ، باب حق حسن الصوت بالقراءة للقرآن حديث رقم (4761).
(3) قال ابن القيم في جلاء الأفهام (255) : « وغلط بعض الرواة في هذا الحديث وقال « إن آل بني ... بياض » والذي غر هذا أن في الصحيح « أن آل بني ... ليسوا لي بأولياء » وأخلى بياضاً بين بني وبين ليسوا فجاء بعض النساخ فظن أن « بياض » هو المضاف إليه، فقال : « بني بياض » ولا يعرف في العرب بنو بياض ، والنبي ? لم يذكر ذلك ، وإنما سمى قبيلة كبيرة من قبائل قريش والصواب لمن قرأها في تلك النسخ أن يقرأها إن آل بني « بياضٌ » بضم الضاد من بياض لا يجرها والمعنى وثم بياض ، أو هنا بياض .ا.هـ.
وانظر فتح الباري (10/515) شرح النووي على صحيح مسلم (3/87).
ولفظ مسلم ( 215) « إن آل آبي يعني فلانًا ... »
(4) انظر التهذيب (3/444) ، فتح الباري (10/516).
(5) انظر التهذيب (3/444) ، فتح الباري (10/516).
(6) التنكيل للمعلمي (1/51) وتعليق العلامة الألباني رحمه الله عليه .(1/173)
قال الحافظ ابن ابي حجر في « الفتح » (10/515) : « قال أبو بكر بن العربي في « سراج المريدين » : كان في أصل حديث عمرو بن العاص إن آل أبي طالب فغير آل أبي فلان كذا جزم به ، وتعقبه بعض الناس وبالغ في التشيع عليه ونسبه إلى التحامل على آل أبي طالب ولم يصب هذا المنكر فإن هذه الرواية التي أشار إليها ابن العربي موجودة في مستخرج أبي نعيم من طريق الفضل بن الموفق عن عنبسه بن عبدالواحد بسند البخاري عن بيان بن الإسماعيلي من هذا الوجه أيضا لكن أبهم لفظ طالب وكأن الحامل لمن أبهم هذا الموضع ظنهم أن ذلك يقتضي نقصا في آل أبي طالب كما توهموه » .
وأيضا مسلم بن الحجاج رحمه الله خرج (237) من طريق عدي بن ثابت عن زر بن حبيش عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال : « إنه لعهد النبي الأمي إلى أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق » .
وعدي بن ثابت قاص الشيعة !
قال الذهبي في « الميزان » (3/61) : « عدي بن ثابت عالم الشيعة وصادقهم وقاصهم وإمام مسجدهم » .
ومع ذلك خرج الإمام مسلم هذا الحديث له من طريقه .
روى الخطيب بسنده في « الكفاية » (157) عن علي بن المديني قال : قلت ليحيى بن سعيد القطان أن عبدالرحمن بن مهدي قال أنا أترك من أهل الحديث كل من كان رأساً في البدعة فضحك يحيى بن سعيد فقال كيف يصنع بقتادة ؟! كيف يصنع بعمر بن ذر الهمدْاني ؟! كيف يصنع بابن أبي رواد وعد يحيى قوما أمسكت عن ذكرهم ثم قال يحيى أن ترك عبدالرحمن هذا الضرب ترك كثيراً (1) .
وروى الخطيب بسنده في « الكفاية » ( 157) عن علي بن المديني : « لو تركت أهل البصرة لحال القدر ولو تركت أهل الكوفة لذلك الرأي يعني التشيع خربت الكتب » . قال الخطيب : قوله « خربت الكتب يعني لذهب الحديث » .
__________
(1) انظر : السير (5/278) .(1/174)
ومحمد بن إسحاق بن خزيمة رحمه الله قال في « صحيحه » (2/376) حديث رقم (497) : « حدثنا عباد بن يعقوب المتهم في رأيه الثقة في حديثه ... » فوثق ابن خزيمة عباد بن يعقوب الرواجني في حديثه مع أنه متهم في دينه (1) وهذا هو القول الصحيح والله أعلم .
وذلك لأنه الذي جرى عليه العمل فالصحيحين فيها رواية عن بعض أهل البدع الدعاة وغيرهم ممن هو معروف بالصدق .
قال الذهبي في السير (7/21) : قد لطخ بالقدر جماعة , وحديثهم في الصحيحين أو أحدهما ؛ لأنهم موصوفون بالصدق والإتقان .
قال العلامة المعلمي رحمه الله في « التنكيل » (1/50) : « وقد وثق أئمة الحديث جماعة من المبتدعة واحتجوا بأحاديثهم وأخرجوها في الصحاح . ومن تتبع رواياتهم وجد فيها كثيراً مما يوافق ظاهره بدعهم ، وأهل العلم يتأولون تلك الأحاديث غير طاعنين فيها ببدعة راويها ولا في راويها بروايته لها » ا.هـ.
قال الذهبي في « السير » (7/154) : « هذه مسألة كبيرة وهي القدري والمعتزلي والجهمي إذا علم صدقه في الحديث وتقواه ولم يكن داعياً إلى بدعته فالذي عليه أكثر العلماء قبول روايته والعمل بحديثه وترددوا في الداعية هل يؤخذ عنه ؟ فذهب كثير من الحفاظ إلى تجنب حديثه وهجرانه وقال بعضهم : إذا علمنا صدقه وكان داعية ووجدناه عنده سنة تفرد بها فكيف يسوغ لنا ترك تلك السنة ؟ فجميع تصرفات أئمة الحديث تؤذن بأن المبتدع إذا لم تبح بدعته خروجه عن دائرة الإسلام ولم تبح دمه فإن قبول ما رواه سائغ وهذه المسألة لم تتبرهن لي كما ينبغي الذي أتضح لي منها أن من دخل في بدعة ولم يعد من رؤوسها ولا أمعن فيها يقبل حديثه » .
__________
(1) قال الخطيب في الكفاية (159) قلت : قد ترك ابن خزيمة في آخر أمره الرواية عن عباد وهو أهل أن لا يروي عنه . وانظر السير (11/538).(1/175)
قال الذهبي في « الميزان » (1/5) في ترجمة أبان بن تغلب : « صدوق فلنا صدقه وعليه بدعته » (1) .
وقال في « السير » ترجمة إبراهيم بن أبي داود سليمان بن داود الأسدي البَرَلُسي (19/368) : « العمدة في ذلك صدق المسلم الراوي فإن كان ذا بدعة أخذ عنه والإعراض عنه أولى ولا ينبغي الأخذ عن معروف بكبيرة والله أعلم » .
وقال في « السير » (13/395) : « له أسوة بخلق كثير من الثقات الذين حديثهم في الصحيحين أو أحدهما ممن له بدعة خفيفة بل ثقيلة فكيف الحيلة ؟ نسأل الله العفو والسماح » .
قال الحافظ ابن حجر في « لسان الميزان » (1/10) : « فالمنع من قبول رواية المبتدعة الذين لم يكفروا ببدعتهم ذهب إليه مالك وأصحابه والقاضي أبو بكر الباقلاني وأتباعه والقبول مطلقا إلا فيمن يكفر ببدعته وإلا فيمن يستحل الكذب ذهب إليه أبو حنيفة وأبو يوسف وطائفة وروى عن الشافعي وأما التفصيل فهو الذي عليه أكثر أهل الحديث بل نقل فيه ابن حبان (2) إجماعهم ووجه ذلك أن المبتدع إذا كان داعية كان عنده باعث على رواية ما يشيد به بدعته » .
أقول وأما صاحب البدعة المكفرة فترد روايته ونقل النووي الاتفاق (3) .
قال النووي : « من كفر ببدعته لم يحتج به بالاتفاق » (4) .
وقال ابن كثير في « اختصار علوم الحديث » (1/299) : « المبتدع إن كفر ببدعته فلا إشكال في رد روايته » .
__________
(1) انظر أيضاً الميزان (1/5) و (1/27) فهو مهم .
(2) في الثقات ( 6/140) ترجمة جعفر بن سليمان الضبعي . والمجروحين ( 1/18) .
(3) تدريب الراوي ( 1/383) وانظر شرح النووي على مسلم ( 1/60) .
(4) تدريب الراوي (1/383) وانظر شرحه على صحيح مسلم (1/60).(1/176)
قال الحافظ ابن حجر في « نزهة النظر » (138) : « والتحقيق أنه لا يرد كل مكفر ببدعته لأن كل طائفة تدعي أن مخالفيها مبتدعة وقد تبالغ فتكفر مخالفها فالمعتمد أن الذي ترد روايته من أنكر أثرا متواترا من الشرع معلوماً من الدين بالضرورة وكذا من اعتقد عكسه » (1) .
وقال المعلمي في « التنكيل » (1/42) : « لا شبهة أن المبتدع إن خرج ببدعته عن الإسلام لم تقبل روايته لأن من شروط قبول الراوية الإسلام » .
( الطعن متن الحديث :
إشكالات كثيرة أثارها المالكي حول متن الحديث للوصول إلى القول بشذوذه وهذه الإشكالات والطعون مردوده ليست بشيء فمن تلك الإشكالات ما يلي :
وفي أحد الألفاظ في البخاري أن أم حرام يوم زارها النبي ? كانت تحت عبادة بن الصامت وفي بعضها لم يتزوجها إلا فيما بعد أقول :أما رواية البخاري « أن أم حرام يوم زارها النبي ? كانت تحت عبادة بن الصامت » فهذا من باب الإخبار عما آل إليه الحال بعد ذلك وهذا الذي اعتمده النووي تبعاً للقاضي عياض (2) .
واستشكل بعضهم دخول النبي ? على امرأة ليست من محارمه وكيف يجعل رأسه في حجرها وتفلي رأسه ؟!
وهذا الإشكال يجاب عنه بجوابين :
( أن أم حرام بينها وبين رسول الله ? رضاع قيل أمه وقيل خالته وقيل أخته من الرضاعة ، وبهذا جزم جمع من العلماء ابن عبد البر وابن الجوزي وابن بطال وغيرهم (3) .
( أن هذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام قال ابن حجر في الفتح (11/81) : « وأحسن الأجوبة دعوى الخصوصية » (4) .
( وهذه الرواية تجعل الغزوتين في البحر ورواية عمير بن الأسود الشاذة تجعل غزوة في البحر وغزوة في البر ( مدينة قيصر ) . ) !
__________
(1) هدي الساري (549) .
(2) انظر الفتح (11/75) .
(3) انظر الفتح (11/81).
(4) انظر للفائدة كتاب « إشكال وجوابه في حديث أم حرام بنت ملحان » تأليف : د.علي الصياح .(1/177)
أقول مدينة قيصر هي القسطنطينية وهي جانب منها في البحر والجانب الآخر في البر كما جاء في « صحيح مسلم » (2920) عن أبي هريرة رضي الله عنه .
ويدل لهذا أيضا ما رواه الطبراني في « معجمه » (25/133) من طريق هشام بن عمار عن يحيى بن ضمرة عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عمير بن الأسود العنسي عن أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله ? يقول : وفيه « أول جيش من أمتي يغزون جزيرة قيصر مغفور لهم » فقوله : جزيرة قيصر دل على ما ذكرت .
( وظاهر الرواية أن غزوة أم حرام كانت في عهد معاوية مع أن أم حرام ماتت قبل ذلك وكذا زوجها عبادة بن الصامت مات قبل ملك معاوية ) .
أقول هذا كان في خلافة عثمان رضي الله عنه ومعاوية يومئذٍ أمير على الشام وكان هذا سنة ثمان وعشرين فالقصة وردت في حق أول من يغزو في البحر وأول غزوة في البحر كانت في خلافة عثمان رضي الله عنه .
قال ابن حجر في « الفتح » (11/78) : « وظاهر سياق الخبر يوهم أن ذلك كان في خلافته! وليس كذلك وقد اغتر بظاهره بعض الناس فوهم فإن القصة إنما وردت في حق أول من يغزو في البحر » .
( وجاء في روايات أنها صرعت في قيصر وراويات أخرى أنها صرعت على ساحل حمص بالشام ) .
ويجاب عن هذا : أن هذه القصة وقعت لأم حرام ولأختها إن صحت رواية ( أنها دفنت بساحل حمص ) .
بتعدد القصة إن صحة رواية أنها دفنت بساحل حمص .
قال الحافظ ابن حجر في « الفتح » (11/81) : « وعلى هذا تعددت القصة لأم حرام ولأختها أم عبدالله فلعل إحداهما دفنت بساحل قبرص والأخرى بساحل حمص » .
( أمير الجيش المنذر بن الزبير وليس معاوية !(1/178)
واستدل المالكي بما رواه عبدالرزاق في « مصنفه » (5/285) ، ومن طريقه أحمد في « المسند » (27494) عن معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن امرأة حدثته قالت : نام رسول الله ثم استيقظ وهو يضحك . فقلت : تضحك مني يا رسول الله ! قال : « لا. ولكن من قوم من أمتي يخرجون غزاة في البحر مثلهم كمثل الملوك على الأسرة » . ثم نام ؛ ثم استيقظ فقال : مثل ذلك سواء لكن قال : « فيرجعون قليلة غنائمهم مغفوراً لهم » . قالت : فادع الله أن يجعلني منهم ، فدعا لها . قال عطاء : فرأيتها في غزاة غزاها المنذر بن الزبير إلى أرض الروم فماتت بأرض الروم .
قال ابن حجر في « الفتح » (11/76) : « وهذا إسناد على شرط الصحيح » .
وجاء في رواية عبدالرزاق ( 5/285) « امرأة حذيفة »!
قال المالكي : « ولعل أحد الرواة وَهِم أراد أن يقول : امرأة عبادة . فقال : امرأة حذيفة » !
كذا قال !
والصواب أن « امرأة حدثته » كما جاء في رواية الإمام أحمد ( 27494) التي رواها من طريق عبدالرزاق والمرأة في هذه القصة هي الرميصاء أم عبدالله أخت أم سليم لا أم حرام !
ويدل على هذا ما يلي :
روى أبو داود (2492) بنفس الطريق السابق طريق معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن الرميصاء أخت أم سليم الرميصاء قالت : نام النبي ? فاستيقظ وكانت تغسل رأسها فاستيقظ وهو يضحك فقالت : يا رسول الله أتضحك من رأسي ؟ قال : « لا » وساق هذا الخبر يزيد وينقص .
وهذه الرواية على شرط البخاري .
أن عطاء بن يسار لم يدرك أم حرام !!
فقد ذكر في الحديث أن عطاء بن يسار ذكر أنها حدثته وهو يصغر عن إدراك أم حرام وعلى أن يغزو في سنة ثمان وعشرين بل وفي سنة ثلاث وثلاثين لأن مولده كان في سنة تسع عشرة .
لذا قال الحافظ ابن حجر (11/79) : « والذي يظهر لي أن قول من قال في حديث عطاء بن يسار هذا عن أم حرام وهم ، وإنما هي الرميصاء » !.(1/179)
أن القصة التي ذكر فيها أن أمير الجيش المنذر بن الزبير مغايرة لقصة أم حرام من أوجه !
الأول : أن في حديث أم حرام أنه لما نام كانت تفلي رأسه وفي حديث الأخرى أنها كانت تغسل رأسها كما قدمت ذكره من رواية أبي داود ( 2492) .
الثاني : ظاهر رواية أم حرام أن الفرقة الثانية تغزو في البر وظاهر رواية الأخرى أنها تغزو في البحر .
الثالث : أن في رواية أم حرام أنها من أهل الفرقة الأولى وفي رواية الأخرى أنها من أهل الفرقة الثانية !
أن في حديث أم حرام أن أمير الغزوة كان معاوية وفي رواية الأخرى أن أميرها كان المنذر بن الزبير !
قال الحافظ ابن حجر (11/79) : « وعلى هذا فقد تعددت القصة لأم حرام ولأختها أم عبدالله فلعل إحداهما دفنت بساحل قبرص والأخرى بساحل حمص » .
أن المنذر بن الزبير رحمه الله في خلافة عثمان رضي الله عنه كان صغيراً مثله لا يشارك في الغزو فضلاً على أن يقود الجيش !!
المنذر بن الزبير ولد في خلافة عمر وأول غزوة بحرية وقعت سنة ثمان وعشرين !!
( أمراء بني أمية والجهاد :
ادعى المالكي أن جهاد أمراء بني أمية لا من أجل الله ولكن لأمر الدنيا !!
وأن الفتوحات الإسلامية في عهدهم أشبه بالاستعمار .
سبحان الله وهل شق عن قلوبهم !!
أليس من هدي النبي ? معاملة الناس بالظاهر وأن توكل سرائرهم إلى الله .
* خطاب الإجمال لا يتناول جميع الأفراد :
وادعى أن خطاب الإجمال لا يتناول جميع الأفراد فبالتالي هذا الحديث لا يدل على فضل معاوية لأحاديث جاءت في ذمه كما يزعم ويجاب عن هذا :
أن خطاب الإجمال يتناول جميع الأفراد إلا من استثنى بدليل خاص (1). انظر « فتح الباري » (6/102) ومعاوية رضي الله عنه جاءت في فضله أحاديث خاصة كحديث : « اللهم أهده وأهدي به » وقد سبق تصحيحه والرد على من ضعفه وسبق أيضا الجواب عن الأحاديث التي ذكرت في ذم معاوية .
__________
(1) وقد أشار إلى ذلك ابن المنير وابن التين . انظر فتح الباري ( 6/102) .(1/180)
( من قتل أم حرام ؟!
من ادعى أن معاوية حاول قتل الرسول ? وقتل عمر رضي الله عنه ! وقام بسم الحسن رضي الله عنه وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وبقتل محمد بن مسلمة !
لا يستبعد ولا يستغرب منه أن يدعي أن معاوية قتل أم حرام رضي الله عنها .
قال المالكي : « فالمرجح لاغتياله أم حرام أمران وكلاهما ظني لا قطعي » .
الأمر الأول : قولهم في الرواية « فقدمت لها بغلة لتركبها » يا ترى من الذي قدم تلك البغلة المجنونة ؟! التي تطير بمن لا تعرفه حتى يندق عنقه ؟!
الدليل الثاني : جاء في وصف البغلة في بعض الروايات الصحيحة أنها « شهباء » وهذه صفة بغال معاوية .
* والجواب عن دليله الأول من وجهين :
المالكي بنى دعواه على الظن والظن أكذب الحديث ، وهذا من سوء ظنه بصحابة رسول الله ? ، وأتى بما لم يسبقه إليه أحد .
وأما قوله : « فقدمت لها بغلة لتركبها » يا ترى من الذي قدم تلك البغلة المجنونة ؟! التي تطير بمن لا تعرفه حتى يندق عنقه ؟!
البغلة لأم حرام رضي الله عنها وليس لمعاوية ويدل على هذا رواية البخاري (11/78) « فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت » .
* والجواب على دليله الثاني : وعند أحمد ( 27077) ( فوقصتها بغلة لها ... قوله : « جاء في وصف البغلة في بعض الروايات الصحيحة أنها « شهباء » وهذه صفة بغال معاوية » أقول كذلك صفة بغلة أم حرام رضي الله عنها !!
فقد جاء في رواية حماد بن سلمة (1) عند أحمد (27077): « فوقصتها بغلة لها شهباء فوقعت فماتت » !!
وعند الطبراني في « الكبير » (233) بلفظ : « ركضتها » !
الحديث الثالث : حديث : « إن ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين » .
أقول وهذا الحديث فيه فوائد :
الثناء على الحسن رضي الله عنهما .
أن كلا الطائفتين المقتلتين على الإسلام .
__________
(1) في الفتح ذكره الحافظ ابن حجر ( 11/76) ( حماد بن زيد ) ، والصحيح ( حماد بن سلمة ).(1/181)
الثناء على الحسن رضي الله عنهما في تنازله بالخلافة لمعاوية رضي الله عنه .
يلزم من القول بنفاق معاوية رضي الله عنه أو كفره – وحاشاه – الطعن في الحسن رضي الله عنه إذ كيف يتنازل عن الخلافة لرجل منافق ذمه الرسول ? !!
قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله في « مجموع الفتاوى » (4/466) : « وهذا الذي فعله الحسن رضي الله عنه مما أثنى عليه النبي ? كما ثبت في صحيح البخاري وغيره عن أبي بكر رضي الله عنه أن النبي ? قال : « إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين » فجعل النبي ? مما أثنى به على ابنه الحسن ومدحه على أن أصلح الله تعالى به بين فئتين عظيمتين من المسلمين وذلك حين سلم الأمر إلى معاوية وكان قد سار كل منهما إلى الآخر بعساكر عظيمة . فلما أثنى النبي ? على الحسن بالإصلاح وترك القتال دل على أن الإصلاح بين تلك الطائفتين كان أحب إلى الله تعالى من فعله فدل على أن الاقتتال لم يكن مأمورا به ولو كان معاوية كافرا لم تكن تولية كافر وتسليم الأمر إليه مما يحبه الله ورسوله ، بل دل الحديث على أن معاوية وأصحابه كانوا مؤمنين ، كما كان الحسن وأصحابه مؤمنين وان الذي فعله الحسن كان محموداً عند الله تعالى محبوباً مرضياً له ولرسوله .
وهذا كما ثبت عن النبي ? في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري أنه قال : « تمرق مارقة على حين فرقة من الناس فتقتلهم أولى الطائفتين بالحق - وفي لفظ : فتقتلهم أدناهم إلى الحق » فهذا الحديث الصحيح دليل على أن كلتا الطائفتين المقتتلتين – علي وأصحابه ومعاوية وأصحابه - على حق وأن علياً وأصحابه كانوا أقرب إلى الحق من معاوية وأصحابه » .
وقال رحمه الله في منهاج السنة النبوية (4/529) :(1/182)
« وهذا يبين أن الإصلاح بين الطائفتين كان محبوباً ممدوحاً يحبه الله ورسوله , وأن ما فعله الحسن من ذلك كان من أعظم فضائله ومناقبه التي أثنى بها عليه النبي ? , ولو كان القتال واجباً أو مستحباً لم يثن النبي ? على أحد بترك واجب أو مستحب » ا.هـ.
وقال الحافظ ابن كثير في اختصار علوم الحديث (2/499) :
« وظهر مصداق ذلك في نزول الحسن لمعاوية عن الأمر , بعد موت أبيه علي فاجتمعت الكلمة على معاوية , وسمي عام الجماعة , وذلك سنة أربعين من الهجرة .
فسمى الجميع « مسلمين » وقال : ? وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ? فسماهم مؤمنين مع الإقتتال .
وقد شرق حسن المالكي بهذا الحديث وقال بإرساله وأنه لم يثبت منه إلا ( ابني هذا سيد ) والباقي ضعيف أو مدرج !!
العلل التي ذكرها حول هذا الحديث والجواب عنها :
* العلة الأولى :
« الأصل عند المحدثين أن الحسن لم يسمع من أبي بكرة ... وأن التصريح بالسماع كان وهما من سفيان بن عيينة » والجواب عن هذا بأمرين :
الحسن البصري سمع من أبي بكرة هذا الحديث لذا ثبت البخاري وعلي بن المديني سماع الحسن من أبي بكرة كما في صحيح البخاري (2557) , (6692).
أن هذا الحديث رواه جمع من رواة الحديث كلهم ثقات أثبات من طريق سفيان بن عيينة عن أبي موسى عن الحسن سماعا من أبي بكرة ويبعد أن هؤلاء وهموا في سماعهم من سفيان أنه رواه عن أبي موسى عن الحسن مصرحاً بالسماع عن أبي بكرة وكذلك يبعد أن هؤلاء الأئمة الأثبات كلهم رووه عن سفيان بن عيينة بعد تغير حفظة مع أن هذا التغير تغير يسير لا يضر كما سوف يأتي بمشيئة الله ذكر رواياتهم وتخريجها .
* العلة الثانية :
ضعف الدارقطني في « الإلزامات » سماع الحسن من أبي بكرة ومنها هذا الحديث ... إن ابني هذا سيد . قال الدارقطني : « والحسن إنما يروي عن الأحنف عن أبي بكرة » وأظن كلام الدارقطني واضحاً في تضعيف سماع الحسن من أبي بكرة مطلقاً .(1/183)
والجواب عن هذه بعدة أمور :
الجواب عن الأمر الأول : الحديث مخرج عن الحسن من طرق عنه والبخاري إنما اعتمد رواية أبي موسى عن الحسن أنه سمع أبا بكرة وقد أخرجه مطولاً في كتاب الصلح وقال في آخره قال لي علي بن عبدالله إنما ثبت عندنا سماع الحسن من أبي بكرة بهذا الحديث (1) .
قال الحافظ ابن حجر في « هدي الساري » (386) : « ولا زلت متعجباً من جزم الدارقطني بأن الحسن لم يسمع من أبي بكرة مع أن هذا الحديث في البخاري » .
احتجاج الدارقطني بان البخاري أخرج هذا الحديث من طريق أخرى فقال فيها عن الحسن عن الأحنف عن أبي بكرة فليس بين الإسنادين تناف لأن في روايته له عن الأحنف عن أبي بكرة زيادة بينة لم يشتمل عليها حديثه عن أبي بكرة قاله الحافظ ابن حجر في « هدي الساري » (386).
* العلة الثالثة :
القول برد رواية سفيان بن عيينة عن أبي موسى عن الحسن سماعاً من أبي بكرة لأمور :
لمخالفة سفيان بن عيينة لغيره من الثقات الذين رووا الحديث مرسلاً .
الرواية الأولى : رواها نعيم بن حماد في كتاب « الفتن » (417) عن هشيم بن بشير عن يونس بن عبيد عن الحسن مرسلاً ص (105) .
الرواية الثانية : رواها النسائي في « عمل اليوم والليلة » (256) من طريق هشام بن حسان عن الحسن مرسلاً .
الرواية الثالثة : رواها إسحاق بن راهوية في مسنده (1899) من طريق سهل بن أبي الصلت عن الحسن مرسلاً .
الرواية الرابعة : رواها ابن أبي شيبة في « مصنفه » (32178) وفي (37362) عن حسين بن علي الجعفي عن أبي موسى عن الحسن مرسلاً .
الرواية الخامسة : رواها النسائي في عمل اليوم والليلة (254) من طريق عوف عن الحسن مرسلاً .
الرواية السادسة : رواها النسائي في عمل اليوم والليلة (255) من طريق داود بن أبي هند عن الحسن مرسلاً .
وللجواب على هذا أقول :
__________
(1) البخاري (2/962) كتاب الصلح , باب الصلح في الدية حديث رقم (2557) .(1/184)
رواية نعيم بن حماد في كتاب « الفتن » (417) عن هشيم بن بشير عن يونس بن عبيد عن الحسن مرسلاً .
وهذه الرواية معلولة نعيم بن حماد الخزاعي كان رحمه الله صلب في السنة إلا أنه ضعيف الحديث ضعفه النسائي وقال ابن معين ليس بشيء .
وهشيم بن بشير الواسطي عنعن ولم يصرح بالسماع .
وأيضا في معجم الطبراني « الصغير » (766) و « الكبير » (2592) جاء هذا الحديث من طريق هشيم عن يونس بن عبيد ومنصور عن زاذان عن الحسن عن أبي بكرة مرفوعاً !!
ورواية النسائي في « عمل اليوم والليلة » (256) من طريق هشام بن حسان عن الحسن مرسلاً .
وهشام بن حسان ثقة من رجال الجماعة إلا أنه ضعيف في الحسن .
قال إسماعيل بن علية : كنا لا نعد الحسن في هشام بن حسان شيئاً .
ورواية إسحاق بن راهوية في « مسنده » (1899) من طريق سهل بن أبي الصلت عن الحسن مرسلاً .
سهيل بن أبي الصلت صدوق وله أفراد كان يحيى بن سعيد القطان لا يرضاه .
أما بالنسبة لرواية ابن أبي شيبة في « مصنفه » (32178) عن حسين بن علي الجعفي عن أبي موسى عن الحسن مرسلاً , وكذلك رواية النسائي في عمل اليوم والليلة (254) من طريق عوف عن الحسن مرسلاً , ورواية النسائي أيضاً في عمل اليوم والليلة (255) من طريق داود بن أبي هند عن الحسن مرسلاً .
أقول : يعارض هذه الروايات المرسلة عشرات الروايات المتصلة منها ما هو بصيغة العنعنة ومنها مصرح فيه بالسماع بين الحسن وأبي بكرة وسوف أقتصر على ذكر خمس روايات متصلة ، ثلاث روايات متصلة بصيغة العنعنة وروايتان مصرح فيهما بالسماع بين الحسن وأبي بكرة :
رواية متصلة معنعنة عن حسين بن علي الجعفي :
رواها البخاري في « صحيحه » (3430) من طريق محمد بن عبدالله المسندي عن يحيى بن آدم عن حسين بن علي الجعفي عن أبي موسى عن الحسن عن أبي بكرة .
وقد قام المالكي برد هذه الرواية بكلام عجيب لم يسبق إليه مبنيا على ظن وتخرصات !
رد هذه الرواية بوهم البخاري !(1/185)
أو بوهم شيخ البخاري عبدالله بن محمد المسندي !
أو بتعمد كذب يحيى بن آدم وهو ثقة من رجال الجماعة لأنه من سلالة خالد بن عقبة بن أبي معيط ، سبحان الله ! (1)
أبهذا تعلل الأحاديث والأخبار ؟!
فلو أن كل من أراد أن يرد حديثاً في البخاري بوهم البخاري نفسه لرد الصحيح كله !! ولو أن كل من أراد أن يرد حديثاً بالظن لما بقي لنا حديثاً .
رواية متصلة معنعنة عن أشعث بن عبدالملك الحمراني عن الحسن عن أبي بكرة رواها جمع من الأئمة الترمذي (3773) ، وأبو داود (4662) ، والحاكم (4863) ، والنسائي في « عمل اليوم والليلة » (253) (2) ، والطبراني في « الكبير » (3/34) ، وابن عساكر في « تاريخ دمشق » (13/235) ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .
رواية متصلة معنعنة عن مبارك بن فضالة عن الحسن عن أبي بكرة :
رواها أبو داود الطيالسي (874) ، والطبراني في « الكبير » (2591) .
رواية متصلة فيها التصريح بالسماع بين الحسن وأبي بكرة :
رواها البخاري في « صحيحه » (2557) من طريق سفيان بن عيينة عن أبي موسى عن الحسن سماعاً من أبي بكرة وروها عن سفيان كل من :
( علي بن المديني كما في « صحيح البخاري » (2557).
( عبدالله بن محمد المسندي كما في « صحيح البخاري » (4072) (3) .
رواية متصلة فيها التصريح بالسماع بين الحسن وأبي بكرة :
رواها ابن حبان في « صحيحه » (6964) ، وأبو نعيم في « الحلية » (2/35) ، والبزار (3656) ، وابن عساكر في « تاريخ دمشق » (13/237) من طريق أبي الوليد الطيالسي حدثنا مبارك بن فضالة عن الحسن حدثني أبي بكرة .
__________
(1) انظر كتابه في الصحبة والصحابة (ص231) .
(2) وفيه عن أنس رضي الله عنه . عمل اليوم والليلة (ص259) .
(3) وجمع من الرواة سوف يأت ذكرهم . انظر لزاماً ص(288) كلهم رووه عن سفيان عن الحسن سماعاً من أبي بكرة .(1/186)
وكذلك عند أحمد في « المسند » (20466) من طريق هاشم بن القاسم حدثنا مبارك بن فضالة حدثنا الحسن (1) حدثنا أبي بكرة !
وكذلك عند أحمد في « المسند » (20535) من طريق عفان حدثنا مبارك بن فضالة عن الحسن أخبرني أبو بكرة !
الجواب عن الأمر الثاني : ( مخالفة سفيان للحفاظ الذين رووه معنعناً ).
والجواب عن هذا بأمرين :
أن سفيان بن عيينة ثقة إمام ويبعد وهمه في هذا الحديث فقد رواه عنه أئمة أثبات مصرح فيه بالسماع بين الحسن وأبي بكرة .
وسوف يأتي ذكرهم .
أن كل الروايات المعنعنة التي تخالف رواية سفيان كلها أعلها حسن المالكي .
الجواب عن الأمر الثالث : ( تغير سفيان بن عيينة في آخر عمره حتى دخل عليه الوهم في الأسانيد ) .
هذا التغير الذي حصل لسفيان بن عيينة لا يضر فالاختلاط ينقسم إلى قسمين :
( اختلاط مؤثر يرد به حديث الراوي .
( تغير يسيير لا يؤثر ولا يرد به حديث الراوي .
قال الذهبي في « السير » (10/84) : « كل تغير بوجد في مرض الموت فليس بقادح في الثقة ، فإن غالب الناس يعتريهم في المرض الحاد بنحو ذلك ، ويتم لهم وقت السياق وقبله أشد منه وإنما المحذور أن يقع الاختلاط بالثقة ، فيحدث في حال اختلاطه بما يضطرب في إسناده أو متنه فيخالف فيه » (2) ا.هـ.
كالتغير الذي حصل لسفيان بن عيينة ولم يذكره عنه إلا يحيى بن سعيد القطان لذا احتج البخاري ومسلم بحديث سفيان المتقدم والمتأخر .
__________
(1) ولم يشر المالكي إلى هذه الرواية التي فيها التصريح بالسماع بين مبارك بن فضالة والحسن وبين الحسن وأبي بكرة !
(2) ينظر في مسألة التغير غير المؤثر شرح العلل (2/563) حصين بن عبدالرحمن السلمي ، وترجمة هشام بن عروة في ميزان الاعتدال (4/301) , وترجمة أبي إسحاق السبيعي في الميزان (2/270) .(1/187)
وإن كان حديثه المتقدم أقوى لذلك كان يقول رحمه الله عليك بالسماع الأول (1) .
وعلى فرض اختلاط سفيان بن عيينة رحمه الله فإن شيوخ الأئمة الستة رووا عنه قبل التغير . قال الذهبي في الميزان (2/171) : « ويغلب على ظني أن سائر الشيوخ الأئمة الستة سمعوا منه قبل سنة سبع » ا.هـ. يعني : قبل أن يتغير سنة سبع وتسعين ومائة .
الجواب عن الأمر الرابع : ( اضطراب سفيان بن عيينة في هذا الحديث بين التصريح بالسماع والرواية بالعنعنة مما يدل على أنه اختلط !!).
الجواب عن هذا بأمور :
أن سفيان بن عيينة تغير تغيرا غير مؤثر كما ذكرت .
إن هؤلاء الذين رووه عن سفيان عن أبي موسى عن الحسن موصولا مصرحا فيه بالسماع عن أبي بكرة أكثر عدداً وأعلم بالصناعة الحديثية ممن رووه بصيغة العنعنة فروايتهم تقدم على غيرهم ، والمثبت مقدم على النافي وهم كما يلي :
( علي بن المديني كما في « صحيح البخاري » (7109) ، و « التاريخ الأوسط » (387) .
( عبدالله بن الزبير الحميدي كما في « مسند الإمام أحمد » (793) (2/348) ، والبيهقي في « السنن الكبرى » (16486) .
( أحمد بن حنبل كما في « المسند » (20408) .
( عبدالله بن محمد المسندي كما في « صحيح البخاري » (4072) .
( سعيد بن منصور كما عند البيهقي في « السنن الكبرى » (16486) .
( محمد بن عباد كما عند البيهقي في « السنن الكبرى » (11705) .
( محمد بن منصور كما عند النسائي في « الصغرى » (1410) ، وفي « عمل اليوم والليلة » (252) ، وابن حزم في « المحلي » (4/227) .
( إبراهيم بن بشار الرمادي كما في « زوائد المسند » (3/33) ، و « معجم الطبراني الكبير » (2590).
( الصلت بن مسعود كما في « مستخرج الإسماعيلي » نص على هذا الحافظ ابن حجر كما في « الفتح » (13/66) .
__________
(1) انظر التهذيب (2/60) وكلام الذهبي في السير (8/465) , والميزان (2/171) .(1/188)
ومن هنا تعلم بطلان قول المالكي لم يثبت الحديث عن الحسن بالسماع من أبي بكرة في كل الروايات الموصولة !
* العلة الرابعة :
احتمال حصول الإدراج في الرواية !
قال المالكي : لأن أبا هريرة قد روى الحديث بلفظ « إنه لسيد » فقط وكذا روى أبو جحيفة وعلى هذا فالراجح والله أعلم أن زيادة « وإني لأرجو أن يصلح الله به بين فئتين من المسلمين » مدرجة من كلام أبي بكرة وهذه العلة لم أجد من نبه لها ! (1) .
والجواب عن هذا بأمور :
لم يقل أحد من المحدثين المتقدمين والمتأخرين بالقول بإدراج هذه اللفظة فهذا قول أُحدث لرد هذه الرواية !
رواية « إنه لسيد » فقط التي جاءت من حديث أبي هريرة رواية لا تصح رواها النسائي في « عمل اليوم والليلة » (250) من طريق محمد بن صالح المدني عن مسلم بن أبي مريم عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه .
ومحمد بن صالح المدني ذكره ابن حبان في الثقات (2) , وذكره في الضعفاء ! وقال : يروي المناكير (3) . وقال أبو حاتم : شيخ (4) , وقال ابن حجر في التقريب (5964) : مقبول .
ولو صحت هذه الرواية لا يلزم من ذلك أن رواية : « وإني لأرجو أن يصلح الله به بين فئتين من المسلمين » مدرجة !
فصل في أباطيل قيلت في معاوية رضي الله عنه
وما سأذكره من هذه الأباطيل التي ذكرت في معاوية رضي الله عنه يرويها الإخباريون وبعض أهل التاريخ بلا زمام ولا خطام ، ويتولى كبر جمعها ونشرها أهل البدع ومنها من يكون رواتها من المتروكين كأبي مخنف لوط بن يحيى إخباري تالف لا يوثق به .
قال ابن عدي : تركه أبو حاتم . وقال ابن معين : ليس بثقة, وفي رواية: ليس بشيء وضعفه الدارقطني وذكره العقيلي في الضعفاء الكبير .
__________
(1) انظر كتابه في الصحبة والصحابة (ص241) .
(2) الثقات (7/385) .
(3) المجروحين (2/260) وقال : لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد .
(4) الجرح والتعديل (7/287) .(1/189)
انظر ترجمته « الكامل لابن عدي » (6/93) ، « الضعفاء » للعقيلي (4/190) ، « لسان الميزان » (2/430) .
ونصر بن مزاحم صاحب كتاب صفين .
متروك الحديث .
قال الذهبي في « الميزان » (4/253) : ( تركوه ) .
ومحمد بن السائب الكلبي المفسر الإخباري متروك الحديث أيضاً . انظر « التهذيب » (3/569) ، « الميزان » (3/556) .
ومحمد بن عمر الواقدي متروك .
قال البخاري : الواقدي مدني سكن بغداد متروك الحديث تركه أحمد وابن المبارك وابن نمير وإسماعيل بن زكريا .
وقال أبو زرعة الرازي والدولابي والعقيلي متروك الحديث (1) .
وقال الذهبي في « الميزان » (3/666) استقر الإجماع على وهن الواقدي .
والبلاذري أحمد بن يحيى بن جابر بن داود المتوفى سنة 279هـ صاحب كتاب « أنساب الأشراف » وهو وإن كان صدوقاً في نفسه إلا أنه انفرد بذكر آثار وقصص في ذم معاوية لا يتابع عليها – وأطال في ترجمته جداً - وقد أنكرها أهل العلم بالحديث عليه ، نقل ذلك هو بنفسه فقال في « أنساب الأشراف » (5/81) : « قال لي هشام بن عمار : نظرت في أحاديث معاوية عندكم فوجدت أكثرها مصنوعاً » وذكر مثالاً لذلك !
وهشام بن عمار رحمه الله المتوفى سنة 245هـ إمام من أئمة الحديث من شيوخ البخاري ومن شيوخ البلاذري نفسه . ا.هـ.
* متاجرة معاوية رضي الله عنه ببيع الخمور !! :
وللجواب عن هذه الشبهة أقول :
__________
(1) انظر المراجع ص (114) .(1/190)
روى ابن عساكر في « تاريخ مدينة دمشق » (26/198) من طريق يحيى بن سليم عن عبدالله بن عثمان بن خثيم عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه أن عبادة بن الصامت مرت عليه قطارة وهو بالشام تحمل الخمر . فقال : ما هذه أزيت ؟ قيل : لا . بل خمر تباع لفلان . فأخذ شفرة من السوق فقام إليها فلم يذر فيها راوية إلا بقرها وأبو هريرة إذا ذاك بالشام فأرسل فلان إلى أبي هريرة فقال : ألا تمسك عنا أخاك عبادة بن الصامت أما بالغدوات فيغدوا إلى السوق فيفسد على أهل الذمة متاجرهم وأما بالعشي فيقعد بالمسجد ليس له عمل إلا شتم أعراضنا وعيبنا فأمسك عنا أخاك فأقبل أبو هريرة يمشي حتى دخل على عبادة فقال : يا عبادة ما لك ولمعاوية ذره وما حمل فإن الله يقول : ? تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ? . قال : يا أبا هريرة لم تكن معنا إذا بايعنا رسول الله بايعناه على السمع والطاعة في النشاط والكسل وعلى النفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن نقول في الله لا تأخذنا في الله لومة لائم وعلى أن ننصره إذا قدم علينا يثرب فنمنعه مما نمنع منه أنفسنا وأزواجنا وأهلنا ولنا الجنة ومن وفى وفى الله له الجنة مما بايع عليه رسول الله ومن نكث فإنما ينكث على نفسه ، فلم يكلمه أبو هريرة بشيء فكتب فلان إلى عثمان بالمدينة إن عبادة بن الصامت قد أفسد على الشام وأهله فإما أن يكف عبادة وإما أن أخلي بينه وبين الشام فكتب عثمان إلى فلان أن أرحله إلى داره من المدينة فبعث به فلان حتى قدم المدينة فدخل على عثمان الدار وليس فيها إلا رجل من السابقين بعينه ومن التابعين الذين أدركوا القوم متوافرين فلم يفج عثمان به إلا وهو قاعد في جانب الدار فالتفت إليه فقال : ما لنا ولك يا عبادة . فقام عبادة قائماً وانتصب لهم في الدار قال : إني سمعت رسول الله أبا القاسم يقول : « سيلي أموركم بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تنكرون فلا(1/191)
طاعة لمن عصى فلا تعتلوا بربكم » فو الذي نفس عبادة بيده إن فلاناً لمن أولئك فما راجعه عثمان بحرف .
وهذا الحديث لا يصح . وسبق بيان ضعفه صفحة (216) .
أما من جهة متن الحديث فعلى فرض صحته ليس صريحاً في أن الخمر كان لمعاوية رضي الله عنه بل جاء فيه « ألا تمسك عنا أخاك عبادة بن الصامت أما بالغدوات فيغدوا إلى السوق فيفسد على أهل ذمة متاجرهم ... » وفيه « خمر تباع لفلان » !
وكذلك لو صح لكان فيه طعن في عثمان رضي الله عنه يبلغه عن معاوية المتاجرة في الخمور فلا يعاقبه بل يجعله والياً على أهل الشام بل يعاتب عبادة بن الصامت رضي الله عنه لأنه أنكر عليه !!
وقد أورد ابن عراق الكناني في تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة المرفوعة (2/9) أثر ابن عائشة عن أبيه : كان يزيد في حداثته صاحب شراب فأحس معاوية بذلك فأحب أن يعظه فأنشده أبياتاً يرخص له في فعل ذلك بالليل !!
يقول فيها :
حتى إذا الليل أتى بالدجى …واكتحلت بالغمض عين الرقيب
باشر الليل بما تشتهي …فإنما الليل نهار الأريب
كم فاسق تحسبه ناسكا …قد باشر الليل بأمر عجيب
ولذة الأحمق مكشوفة …يسعى بها كل عدو مريب
قال ابن عراق : وهذا على انقطاعه كذب آفته الغلابي , وإنما الأبيات ليحيى بن خالد البرمكي كتب بها إلى ولده عبدالله وقد أحب مغنية .
* تعامل معاوية رضي الله عنه بالربا ! :(1/192)
ويقصد المالكي بهذا ما رواه الإمام مسلم في صحيحه (4047) من طريق أيوب عن أبي قلابة عن أبي الأشعث قال : غزونا غزاة , وعلى الناس معاوية , فقسمنا غنائم كثيرة , فكان فيما غنمناه , آنية من فضة , فأمر معاوية رجلاً أن يبيعها في أعطيات الناس , فتسارع الناس في ذلك , فبلغ عبادة بن الصامت فقام فقال : إني سمعت رسول الله ? ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة البر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح إلا سواء بسواء , عيناً بعين , فمن زاد أو ازداد فقد أربى , فرد الناس ما أخذوا , فبلغ ذلك معاوية فقام خطيباً فقال : ألا ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله ? أحاديث , قد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه . فقام عبادة بن الصامت فأعاد القصة , ثم قال : لنحدثن بما سمعنا من رسول الله ? وإن كره معاوية . أو قال : وإن رغم , ما أبالي أن لا أصحبه في جند ليلة سوداء .
ويجاب عن هذا بأمور :
- أولاً : القول بجواز ربا الفضل وأنه لا يحرم إلا في نسيئة لم ينفرد معاوية رضي الله عنه به , بل جاء عن جمع من الصحابة عبدالله بن عباس , وابن عمر , والبراء بن عازب , وزيد بن أرقم رضي الله عنهم , فلماذا خص المالكي معاوية رضي الله عنه دون بقية هؤلاء ؟!
في صحيح مسلم (4062) من طريق سعيد الجريري عن أبي نضرة قال : سألت ابن عباس عن الصرف فقال : أيداً بيد ؟ قلت : نعم , قال : فلا بأس به , قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه : أو قال ذلك . إنا سنكتب إليه فلا يفتيكموه ... الحديث .
وجاء عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه في صحيح مسلم (4063) عن أبي نضرة قال : سألت ابن عمر وابن عباس عن الصرف ؟ فلم يريا به بأساً , فإني لقاعد عند أبي سعيد الخدري فسألته عن الصرف ؟ فقال : ما زاد فهو ربا , فأنكرت ذلك , لقولهما وقد رجعا عن هذا ... الحديث .(1/193)
وفي مسلم (4063) عن أبي نضرة قال : فأتيت ابن عمر بعد فنهاني , ولم آت ابن عباس . قال : فحدثني أبو الصهباء , أنه سأل ابن عباس عنه بمكة فكرهه .
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (4/482) : « والصرف بفتح المهملة : دفع ذهب وأخذ فضة وعكسه وله شرطان : منع النسيئة مع اتفاق النوع واختلافه وهو المجمع عليه , ومنع التفاضل في النوع الواحد منهما وهو قول الجمهور . وخالف فيه ابن عمر ثم رجع , وابن عباس واختلف في رجوعه ...» .
وقال النووي في شرحه على مسلم (11/26) /: « ثم رجع ابن عمر وابن عباس عن ذلك وقالا بتحريم بيع الجنس بعضه ببعض متفاضلاً , حين بلغهما حديث أبي سعيد كما ذكره مسلم من رجوعهما صريحاً » .
- ثانياً : معاوية رضي الله عنه وغيره من الصحابة ممن قالوا بجواز ربا الفضل , قالوا ذلك متأولين أن الربا لا يحرم إلا في النسيئة .
قال الإمام ابن تيمية كما في الفتاوى (32/238) : « من المعلوم أن الذين استحلوا النبيذ المتنازع فيه من السلف والذين استحلوا الدرهم بالدرهمين من السلف أكثر وأجل قدراً من هؤلاء فإن ابن عباس ومعاوية وغيرهما رخصوا في الدرهم بالدرهمين , وكانوا متأولين أن الربا لا يحرم إلا في النساء , لا في اليد باليد » .
ثالثاً : وقد يحمل قول من قال من الصحابة رضي الله عنهم بجواز ربا الفضل , على أن ذلك لم يبلغه عن رسول الله ? .
ففي صحيح مسلم (4037) قال معاوية رضي الله عنه لما بلغه عن عبادة النهي عن ربا الفضل : ألا ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله ? أحاديث , قد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه .. » .
قال النووي في شرحه على مسلم (11/26) : « وهذه الأحاديث التي ذكرها مسلم تدل على أن ابن عمر وابن عباس لم يكن بلغهما حديث النهي عن التفاضل في غير النسيئة , فلما بلغهما رجعا إليه » ا.هـ.
أقول : وكذلك معاوية رضي الله عنه .
* بيع معاوية رضي الله عنه الأصنام لأهل الهند :(1/194)
ولعل المالكي بهذه الفرية يشير إلى ما رواه البلاذري في « أنساب الأشراف » (5/137) من طريق جرير عن الأعمش عن أبي وائل قال : كنت مع مسروق بالسِلْسِلة فمرت به سفائن فيها أصنام من صفْر تماثيل الرجال , فسألهم عنها فقالوا : بعث بها معاوية إلى أرض السند والهند تباع له . فقال مسروق : لو أعلم أنهم يقتلونني لغرقتها , ولكني أخاف أن يعذبوني ثم يفتنوني والله ما أدري أي الرجلين معاوية , أرجل قد يئس من الآخرة فهو يتمتع من الدنيا أم رجل زين له سوء عمله .
أقول وهذا لا ريب أنه من أبطل الباطل وأكذب الكذب !!
أليس هذا الأثر يعارض الحديث الصحيح المرفوع « اللهم أهده ، وهدي به » .
فكيف يهدي الله به وهو يبيع الأصنام فيما زعمه الأفّاكون !
ولذلك رد جهابذة الحديث هذه الفرية الباطلة !
فالأعمش لم يصرح بالسماع وهذا مظنة ثبوت التدليس بسبب نكارة الحديث .
قال المعلمي في « التنكيل » (1/51) : « ففي رواية الأعمش أحاديث كذلك ضعفها أهل العلم ، بعضهم يضعف بعض من فوق الأعمش في السند وبعضها بالانقطاع ، وبعضها بأن الأعمش لم يصرح بالسماع وهو مدلس ، ومن هذا الأخير حديث في شأن معاوية ذكره البخاري في « تاريخه الصغير » (ص 68) (1) ووهنه بتدليس الأعمش » ا.هـ.
وقال رحمه الله في « مقدمة الفوائد المجموعة » (ص8) : « إذا استنكر الأئمة المحققون المتن وكان ظاهر السند الصحة فإنهم يتطلبون له علة ، إذا لم يجدوا علة قادحة مطلقاً ، ولكنهم يرونها كافية للقدح في ذلك المنكر ، من ذلك إعلالهم أن راويه لم يصرح بالسماع . هذا مع أن الراوي غير مدلس ، أعل البخاري بذلك خبراً رواه عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب عن عكرمة تراه في ترجمة عمرو من التهذيب » (2) .
__________
(1) التاريخ الأوسط (71).
(2) في تهذيب التهذيب (8/72) قال البخاري روى عن عكرمة في قصة البهيمة ( من أتى بهيمة فقتلوه ) فلا أدري سمع أم لا ؟!(1/195)
ثم ساق أمثلة أخرى وقال : « وحجتهم في هذا بأن عدم القدح في العلة مطلقا إنما بني على أن دخول الخلل من جهتها نادر ، فإذا اتفق أن يكون المتن منكراً يغلب ظن الناقد بطلانه ، فقد يحقق وجود الخلل ، وإذا لم يوجد سبب له إلا تلك العلة فالظاهر أنها هي السبب ، وأن هذا من ذاك النادر الذي يجيء الخلل فيه من جهتها ، ولهذا يتبين أن ما يقع ممن دونهم من التعقب بأن تلك العلة غير قادحة ، وأنهم قد صححوا ما لا يحصى من الأحاديث مع وجودها فيها ، إنما هو غفلة عما تقدم من الفرق »
وفي المنتخب من العلل قال الخلال (227) : « قال مهنا سألت أحمد ، عن حديث الأعمش ، عن أبي وائل ، أن معاوية لعب بالأصنام فقال : ما أغلظ أهل الكوفة على أصحاب رسول الله ولم يصح الحديث . وقال تكلم به رجل من الشيعة » .
وهذا قاله الإمام أحمد في حق من قال : « أن معاوية لعب بالأصنام » .
فكيف بمن قال أن معاوية بيعها !!
* إقسام معاوية رضي الله عنه عن اليمين الغموس وتكذيب النبي ? له !!
هذا ما دعاه المالكي في كتابه في الصحبة والصحابة ص(199)
أقول وهو يشير إلى ما رواه الروياني في مسنده (1/290) وابن عساكر في تاريخه (59/204) من طريق سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمد بن كعب قال :
« إنا جلوس مع البراء في مسجد الكوفة إذ دخل قاص فجلس فقص ثم دعا للخاصة والعامة ثم دعا للخليفة , ومعاوية بن أبي سفيان يومئذ خليفة . فقلنا للبراء : يا أبا إبراهيم , دخل هذا فدعا للخاصة والعامة ثم دعا لمعاوية فلم يسمعك قلت شيئاً ؟ فقال : إنا شهدنا وغبتم وعلمنا وجهلتم إنا بينا نحن مع رسول الله ? بحنين إذ أقبلت امرأة حتى وقفت على رسول الله ? فقالت : إن أبا سفيان وابنه معاوية أخذا بعيراً لي فغيباه عليَّ .
فبعث رسول الله ? رجلاً إلى أبي سفيان بن حرب ومعاوية : أن ردا على المرأة بعيرها . فأرسلا : إنا والله ما أخذناه وما ندري أين هو !(1/196)
فعاد إليهما الرسول فقالا : والله ما أخذناه وما ندري أين هو !
فغضب رسول الله ? حتى رأينا لوجهه ظلالاً , ثم قال : انطلق إليهما , فقل لهما : بلى والله إنكما لصاحباه , فأديا إلى المرأة بعيرها .
فجاء الرسول إليهما وقد أناخا البعير وعقلاه !
فقالا : إن والله ما أخذناه ولكن طلبناه حتى أصبناه , فقال لهما رسول الله ? : اذهبا . ا.هـ.
أقول : وهذا الإسناد لا يصح في سنده سلمة بن الفضل الأبرش (سبق الكلام عليه) ضعيف الحديث له مناكير وغرائب , وما رواه عن ابن إسحاق في المغازي فقط أقوى من غيره وإن كان حديثه ضعيفاً مطلقاً (1) .
ومحمد بن إسحاق عنعن ولم يصرح بالسماع !!
وأشار ابن عساكر في تاريخ دمشق (59/205) لنكارته .
قال رحمه الله : محمد بن إسحاق وسلمة بن الفضل يتشيعان .
* هل كفر أبو بكرة رضي الله عنه معاوية ؟!:
هذه أيضا من الأباطيل التي قالها المالكي في معاوية وما أكثرها .
أقول : روى ابن عساكر في « تاريخ دمشق » (62/217) من طريق أبي بكر بن خيثمة حدثنا هوذة بن خليفة قال : حدثنا عوف عن أبي عثمان النهدي قال : كنت خليلاً لأبي بكرة فقال لي يوماً : أيرى الناس أني إنما عتبت على هؤلاء في الدنيا وقد استعملوا عبيد الله - يعني ابنه على فارس - واستعملوا رواداً - يعني ابنه على دار الرزق - واستعملوا عبدالرحمن - يعني ابنه على الديوان وبيت المال - أفليس في هؤلاء الدنيا ، كلا والله إنما عتبت عليهم لأنهم كفروا صراحية أو صراحاً (2) .
وعلى فرض صحته يجاب عنه بأمور :
__________
(1) انظر الكامل لابن عدي (2/210) .
(2) تهذيب الكمال (30/7) .(1/197)
أن هذا ليس صريحاً في أن أبا بكرة رضي الله عنه قاله في حق معاوية بل قاله في حق زياد لا في حق معاوية روى ابن عساكر في « تاريخ دمشق » (62/217) من طريق أبي بكر بن خيثمة عن هوذة بن خليفة قال : حدثنا هشام بن حسان عن الحسن قال : مر بي أنس بن مالك وقد بعثه زياد إلى أبي بكرة يعاتبه فانطلقت معه فدخلنا على الشيخ وهو مريض فأبلغه عنه فقال : إنه يقول ألم استعمل عبيد الله على فارس ألم استعمل رواداً على دار الرزق ألم استعمل عبدالرحمن على الديوان وبيت المال . فقال أبو بكرة : هل زاد على أن أدخلهم النار . فقال أنس : إني لا أعلمه إلا مجتهداً . فقال الشيخ : أقعدوني إني لا أعلمه إلا مجتهداً وأهل حرورا قد اجتهدوا فأصابوا أم أخطأوا . قال أنس : فرجعنا مخصومين (1) .
وفي سنده هشام بن حسان الأزدي مولى القراديس روى له الجماعة ثقة في نفسه إلا أن روايته عن الحسن البصري مرسلة .
قال إسماعيل بن علية : كنا لا نعد هشام بن حسان في الحسن شيئاً (2).
قال عباد بن منصور : ما رأيت هشاماً عند الحسن قط (2).
وقال جرير بن حازم : قاعدت الحسن سبع سنين ما رأيت هشاماً عنده قط (2).
وقال جرير بن حازم : جلست إلى الحسن سبع سنين لم أخرم منها يوماً واحداً أصوم وأذهب إليه ما رأيت هشاماً عنده قط (2).
قال معاذ بن معاذ : كان شعبة يتقي حديث هشام بن حسان عن عطاء ومحمد والحسن (2).
وقال عمرو بن عبيد لم أر هشاماً عند الحسن قط ولا جاء معنا عند الحسن قط (2).
* على فرض أن أبا بكرة رضي الله عنه قال هذا في حق معاوية فلماذا اعتزل الفتنة ولم يقاتله وهو يرى كفره ؟! ولماذا لم يقاتل مع علي رضي الله عنه ؟!
__________
(1) تهذيب الكمال (30/7) .
(2) التهذيب (4/268) .(1/198)
في « صحيح البخاري » (31) من طريق الحسن عن الأحنف بن قيس قال : ذهبت لأنصر هذا الرجل فلقيني أبو بكرة فقال : أين تريد ؟ قلت : أنصر هذا الرجل . قال : أرجع فإني سمعت رسول الله ? يقول : « إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار » . فقلت : يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : « إنه كان حريصاً على قتل صاحبه » .
* وهل خفي على أبي بكرة رضي الله عنه ثناء الرسول ? على الحسن رضي الله عنه في حقنه لدماء المسلمين وتنازله عن الملك لمعاوية وهو الذي روى حديث « إن ابني هذا سيد ... الحديث » ثم بعد ذلك يكفر معاوية ؟!
قال أبو العباس ابن تيمية رحمه الله في « مجموع الفتاوى » (4/466) : « فلما أثنى النبي ? على الحسن بالإصلاح وترك القتال دل على أن الإصلاح بين تلك الطائفتين كان أحب إلى الله تعالى من فعله فدل على أن الاقتتال لم يكن مأموراً به ولو كان معاوية كافراً لم تكن تولية كافر وتسليم الأمر إليه مما يحبه الله ورسوله بل دل الحديث على أن معاوية وأصحابه كانوا مؤمنين كما كان الحسن وأصحابه مؤمنين وان الذي فعله الحسن كان محموداً عند الله تعالى محبوباً مرضياً له ولرسوله » .
هل قتل معاوية خمسة وعشرون بدرياً يوم صفين ؟!
وصفين لم يحضرها من الصحابة رضي الله عنهم إلا عدداً قليلاً بل قيل لم يحضرها إلا خزيمة بن ثابت رضي الله عنه .
روى الإمام أحمد في « العلل ومعرفة الرجال » (1/287) ، وابن عدي في « الكامل » (239) ، والخلال في السنة (2/465) رقم (726), والخطيب في « تاريخ بغداد » (6/113) من طريق أمية بن خالد قال : قلت لشعبة أن أبا شيبة حدثنا عن الحكم عن عبدالرحمن بن أبي ليلى أنه قال : شهد صفين من أهل بدر سبعون رجلاً . قال : كذب والله لقد ذاكرت الحكم ذاك وذكرناه في بيته فما وجدنا شهد صفين أحد من أهل بدر غير خزيمة بن ثابت وسنده جيد .(1/199)
وروى الإمام أحمد في « العلل ومعرفة الرجال » (1/431) عن روح قال : حدثنا شعبة قال ذاكرت الحكم من شهد صفين من أهل بدر فأثبت فيهم خزيمة بن ثابت وكان شعبة ينكر أن يكون أبو الهيثم بن التيهان شهد صفين (1) .
قال الذهبي في « السير » (7/221) : « قلت : قد شهدها عمار بن ياسر والإمام علي أيضاً » .
وقال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (11/491) : « وقد قيل أنه شهدها من أهل بدر سهل بن حنيف وكذا أبو أيوب الأنصاري » (2) .
ويشهد لهذا أيضاً ما رواه ابن عبدالبر في « التمهيد » (17/442) من طريق ابن لهيعة عن يسار بن عند الرحمن قال : قال لي بكير بن الأشج : ما فعل خالك . قال : قلت : لزم البيت منذ كذا وكذا . فقال : إلا أن رجالاً من أهل بدر لزموا بيوتهم بعد قتل عثمان فلم يخرجوا إلا إلى قبورهم (3) .
وفي سنده عبدالله بن لهيعة .
وروى الإمام أحمد في « العلل » (3/182) (4787) ، والخلال في « السنة » (2/446) رقم (728) ، وابن شبه في « أخبار المدينة » (2286) من طريق إسماعيل بن علية قال : حدثنا أيوب عن محمد بن سيرين قال : هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله عشرة آلاف فما حضر فيها مائة بل لم يبلغوا ثلاثين .
قال شيخ الإسلام في « منهاج السنة » (6/236) : « وهذا الإسناد من أصح إسناد على وجه الأرض » .
وروى معمر في جامعه (20735) عن أيوب عن ابن سيرين قال : ثارت الفتنة , وأصحاب رسول الله ? عشرة آلاف , لم يخف منهم أربعون رجلاً , قال معمر : وقال غيره : خف (4) معه - يعني علياً - مئتان وبضعة وأربعون من أهل بدر , منهم أبو أيوب , وسهل بن حنيف , وعمار بن ياسر .
__________
(1) انظر المنتخب من علل الخلال (225).
(2) قال به الإمام ابن تيمية . انظر : منهاج السنة النبوية (6/237) .
(3) وانظر البداية والنهاية (7/179).
(4) في المستدرك (5/627) (8407) وقف . أقول ولعلها الصواب .(1/200)
ورواه من طريق الحاكم في مستدركه (5/627) (8407) إلا أنه جعل آخره من كلام ابن سيرين فوهم ولم يصب !
أقول : فقول من قال وقف مع علي رضي الله عنه مئتان وبضعة وأربعون من أهل بدر مردود من وجوه :
1- أنه لا يُدرى من قال هذا وعزو الحاكم في مستدركه هذا إلى ابن سيرين لم يصب فيه فقد رواه هو بنفسه من طريق معمر والذي في جامع معمر وقال غيره : وقف مع علي ... الخ .
2- أن هذا يخالف ما ذكره من الآثار الصحيحة في أن صفين لم يشهدها إلا عدداً قليلاً من الصحابة لاسيما أهل بدر وقد ذكرتها .
فصفين لم يدركها إلا قلة من أهل بدر فقد روى معمر في جامعه (20739) عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب قال : ثارت الفتنة الأولى فلم يبق من شهد بدراً أحد ثم كانت الفتنة الثانية فلم يبق ممن شهد الحديبية أحد , قال : وأظن لو كانت الثالثة لم ترفع وفي الناس طباخ . وسنده صحيح .
ورواه البخاري معلقاً مجزوم به في صحيحه (3800) عن الليث عن يحيى بن سعيد به , وفسر الفتنة الأولى بمقتل عثمان والثانية بالحرة .
قال ابن حجر في الفتح (7/325) : أي أنهم ماتوا منذ قامت الفتنة بمقتل عثمان إلى أن قامت الفتنة الأخرى بوقعة الحرة .
وروى ابن شبه في « أخبار المدينة » (2285) عن سعيد بن عامر قال : حدثنا هشام عن محمد قال : وقعت الفتنة وبالمدينة عشرة آلاف ، أو قال : أكثر من عشرة آلاف من أصحاب رسول الله فما دخل الفتنة منهم كلهم إلا ثلاثين .
* بل حتى وقعة الجمل لم يحضرها إلا عدداً قليلاً من الصحابة رضي الله عنهم . قال ابن كثير في البداية والنهاية (11/474) : ولم يكن في الفريقين من الصحابة إلا القليل .
قال ابن أبي شيبة في « مصنفه » (7/538) حدثنا ابن علية عن منصور بن عبدالرحمن عن الشعبي قال : لم يشهد الجمل من أصحاب النبي ? من المهاجرين والأنصار إلا علي وعمار وطلحة والزبير فإن جاؤوا بخامس فأنا كذاب وسنده صحيح .(1/201)
ورواه الخلال في « السنة » (2/466) رقم (729) ، والإمام أحمد في « العلل » (3/45) من طريق سفيان عن منصور عن الشعبي (1) وسنده صحيح .
قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (11/474) قلت : قد حضرها عائشة , وابن الزبير , والحسن , والحسين , ومحمد بن أبي بكر , وسهل بن حنيف وآخرون .
قال الحافظ ابن كثير في اختصار علوم الحديث (2/500) : يقال لم يكن في الفريقين مائة من الصحابة , وعن أحمد : ولا ثلاثون .
سم معاوية للحسن بن علي رضي الله عنه :
هذه من الأباطيل التي قيلت في حق معاوية رضي الله عنه ! (2)
روى بن عساكر في « تاريخ دمشق » (13/284) من طريق محمد بن خلف بن المرزبان حدثني أبو عبدالله الثمامي (3) حدثنا محمد بن سلام الجمحي عن ابن جعدبة (4) قال كانت جعدة بنت الأشعث بن قيس تحت الحسن بن علي فدس إليها يزيد أن سمي حسناً أني مزوجك ففعلت فلما مات الحسن بعثت إليه بعد العدة تسأل يزيد الوفاء بما وعدها فقال : إنا والله لم نرضك للحسن فنرضاك لأنفسنا (5) .
ورواه ابن الجوزي في « المنتظم » (5/226) ، وانظر « تاريخ الخلفاء » للسيوطي (1/192) ذكره بلا إسناد ، وذكر ابن الأثير في « الكامل » (3/315) أن زوجته جعدة بنت الأشعث هي التي سمته .
وللجواب عن هذه الفرية أقول :
أولاً : هذا الخبر لو صح عن يزيد بن معاوية وليس لمعاوية فيه ذكر !
ثانياً : أن الحسن رضي الله عنه لم ينازع معاوية الملك بل سلم الأمر إليه فلماذا يسميه معاوية وهو لا يخاف من بأسه ؟!
قال ابن العربي في « العواصم من القواصم » (214) :
« فإن قيل : دس على الحسن من سمه قلنا : هذا محال من وجهين :
__________
(1) انظر تاريخ دمشق (42/460).
(2) انظر : صفحة (132) من كتاب المالكي « في الصحبة والصحابة » .
(3) في المنتظم لابن الجوزي (5/226) أبو عبدالله اليماني .
(4) وفي المنتظم (5/226) : « ابن جعدة » وهو خطأ .
(5) انظر تهذيب الكمال (6/253) .(1/202)
أحدهما : أنه ما كان ليتقي من الحسن بأسا وقد سلم الأمر » .
ثالثاً : هذا الخبر لا يصح ، أعله جمع من أهل العلم .
( قال ابن العربي في « العواصم من القواصم » (214) عن سم معاوية للحسن رضي الله عنه : « أمر مغيب لا يعلمه إلا الله فكيف تحملونه بغير بينة على أحد من خلقه بعد زمن متباعد ولم نثق فيه بنقل ناقل بين أيدي قوم ذوي أهواء وفي حال فتنة عصبية بنسب كل واحد إلى صاحبه ما لا ينبغي فلا يقبل منها إلا الصافي ولا يسمع بها إلا من العدل الصميم » .
( قال ابن تيمية رحمه الله في « منهاج السنة » (4/469) في رده على ابن المطهر : « وأما قوله : إن معاوية سم الحسن فهذا مما ذكره بعض الناس ولم يثبت ذلك ببينة شرعية أو إقرار معتبر ولا نقل يجزم به وهذا مما لا يمكن العلم به فالقول به قول بلا علم ... وبالجملة فمثل هذا لا يحكم به في الشرع باتفاق المسلمين » .
ورواه البلاذري في أنساب الأشراف (3/295) بصيغة التمريض , وذكره بلا إسناد قال : « وقد قيل أن معاوية دس إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس امرأة الحسن , وأرغبها حتى سمته وكانت شانئة له » ا.هـ
( قال الذهبي رحمه الله في « تاريخ الإسلام » : « قلت : هذا شيء لا يصح فمن الذي اطلع عليه » .
( قال ابن كثير رحمه الله في « البداية والنهاية » (11/208) : « وروى بعضهم أن يزيد بن معاوية بعث إلى جعدة بنت الأشعث أن سمي الحسن وأنا أتزوجك بعده ، ففعلت فلما مات الحسن بعثت إليه فقال : إنا والله لم نرضك للحسن أفنرضاك لأنفسنا ؟ وعندي أن هذا ليس بصحيح وعدم صحته عن أبيه معاوية بطريق الأولى والأحرى » .
* قتل معاوية لعبدالرحمن بن خالد بن الوليد (1) :
وللإجابة عن هذه الفرية أقول :
__________
(1) انظر : ترجمته في البداية والنهاية (11/173) .(1/203)
روى الطبري في « تاريخه » (3/202) من طريق عمر بن شبه عن علي بن محمد المدائني عن مسلمة بن محارب أن عبدالرحمن بن خالد بن الوليد كان قد عظم شأنه بالشام ، ومال إليه أهلها ، لما كان عندهم من آثار أبيه خالد بن الوليد ، ولغنائه عن المسلمين في أرض الروم وبأسه ، حتى خافه معاوية وخشي على نفسه منه ، لميل الناس إليه ، فأمر ابن أثال أن يحتال في قتله ، وضمن له أن هو من فعل ذلك أن يضع عنه خراجه ما عاش ، وأن يوليه جباية خراج حمص ، فلما قدم عبدالرحمن بن خالد حمص منصرفاً من بلاد الروم دس إليه ابن أثال شربة مسمومة مع بعض ممالكيه ، فشربها فمات بحمص ، فوفى له معاوية ما ضمن له ، وولاه خراج حمص ، ووضع عنه خراجه .
وهذا الخبر لا يصح !
فيه مسلمة بن محارب وهو الزيادي فيه جهالة روى عن أبيه وابن جريج وروى عنه المدائني لم يوثقه غير ابن حبان في « الثقات » (7/490) .
ذكره البخاري في « التاريخ الكبير » (7/387) ، وابن أبي حاتم في « الجرح والتعديل » (8/266) ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً .
ثم أن مسلمة بن محارب لم يدرك القصة وهو لا يروي عن معاوية رضي الله عنه إلا بواسطة أبيه مما يدل على أن القصة منقطعة السند (1) .
وأيضاً علي بن محمد أبو سيف المدائني الأنباري مُتكلم فيه . فوثقه ابن معين , وقال الذهبي في السير (10/401) : « كان عجباً في معرفة السير والمغازي والأنساب وأيام العرب مصدقاً فيما ينقله » .
وقال ابن عدي في الكامل (5/213) : « ليس بالقوي في الحديث , وهو صاحب أخبار , قل ماله من الروايات المسندة » .
لذا رواها الطبري في « تاريخه » (3/202) بصيغة التمريض قال : فيما قيل !
وقال ابن كثير في « البداية والنهاية » (11/174) : « وزعم بعضهم أن ذلك عن أمر معاوية له في ذلك ولا يصح » .
__________
(1) انظر التاريخ الكبير (7/387) , الجرح والتعديل (8/266) , الثقات (7/490) .(1/204)
وروى هذه القصة بنحوها البلاذري في « أنساب الأشراف » (5/118) قال : حدثني محمد بن سعد عن الواقدي قال : توفي خالد بن الوليد بن المغيرة بحمص سنة عشرين وأوصى إلى عمر بن الخطاب وكان عبدالرحمن بن خالد يلي الصوائف فيبلى ويحسن أثره , فعظم أمره بالشام , فدس إليه معاوية متطببا يقال له ابن أثال ليقتله وجعل له خراج حمص فسقاه شربة فمات فاعترض خالد بن المهاجر بن خالد ويقال خالد بن عبدالرحمن بن خالد ابن أثال فضربه بالسيف فقتله , فرفع أمره إلى معاوية , فحبسه أياماً وأغرمه ديته ولم يقده به .
وفي سند هذه القصة الواقدي متروك الحديث وقد مضى الكلام عليه (1) .
* قتل معاوية لحجر بن عدي رضي الله عنه (2) :
أقول قد بيّن معاوية رضي الله عنه عذره في هذا !
أخرج ابن عساكر في « تاريخه » (12/230) بسنده إلى ابن أبي مليكه قال : عن معاوية جاء يستأذن على عائشة فأبت أن تأذن له فخرج غلام لها يقال له ذكوان قال : ويحك أدخلني على عائشة فإنها قد غضبت علي فلم يزل بها غلامها حتى أذنت له وكان أطوع مني عندها فلماذا دخل عليها قال : أمتاه فيما وجدت علي يرحمك الله ؟ قالت : وجدت عليك في شأن حجر وأصحابهم أنك قتلتهم فقال لها : وأما حجر وأصحابه فإنني تخوفت أمرا وخشيت فتنة تكون تهراق فيها الدماء وتستحل فيها المحارم وأنت تخافيني دعيني والله يفعل بي ما يشاء قالت : تركتك والله تركتك والله تركتك والله .
من طريق الإمام أحمد عن عفان عن ابن علية عن أيوب عن عبدالرحمن بن أبي مليكة .
وأخرج ابن عساكر في « تاريخه » (12/229) : لما قدم معاوية دخل على عائشة فقالت أقتلت حجرا ؟ قال يا أم المؤمنين إني وجدت قتل رجل في صلاح الناس خير من استحياءه في فسادهم بمثل الطريق السابق .
وقد قال ابن العربي في « العواصم من القواصم » (211) :
__________
(1) ص (114) .
(2) انظر ترجمته في السير (3/462) , الإصابة (2/37) .(1/205)
« فإن قيل : قتل حجر بن عدي – وهو من الصحابة مشهور بالخير (1) - صبراً أسيراً يقول زياد : وبعثت إليه عائشة في أمره فوجدته قد فات بقتله ، قلنا علمنا قتل حجر كلنا واختلفنا فقائل يقول قتله ظلماً وقائل يقول قتله حقاً .
فإن قيل : الأصل قتله ظلماً إلا إذا ثبت عليه ما يوجب قتله قلنا الأصل أن قتل الإمام بالحق فمن ادعى أنه بالظلم فعليه الدليل ولو كان ظلماً محضاً لما بقي بيت إلا لعن فيه معاوية وهذه مدينة السلام دار خلافة بني العباس – وبينهم وبين بني أمية ما لا يخفى على الناس – مكتوب على أبواب مساجدها : « أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم معاوية خال المؤمنين رضي الله عنهم .
ولكن حجراً – فيما قال - رأى من زياد أموراً منكرة فحصبه وخلعه وأراد أن يقيم الخلق للفتنة فجعله معاوية ممن سعى في الأرض فساداً (2) .
وقد كلمته عائشة في أمره حين حج فقال لها : دعيني وحجراً حتى نلتقي عند الله وأنتم معشر المسلمين أولى أن تدعوهما حتى يقفا بين يدي الله مع صاحبهما العدل الأمين المصطفى المكين وما أنتم ودخولكم حيث لا تشعرون فما لكم لا تسمعون ؟ » ا.هـ.
* قتل معاوية للأشتر مالك بن الحارث النخعي (3) :
وهذه أيضاً من أباطيل المالكي وما أكثرها !
__________
(1) قال الحافظ ابن حجر في ( الإصابة ) (1/313) : « وأما البخاري وابن أبي حاتم عن أبيه وخليفة بن خياط وابن حبان فذكروه في التابعين وكذا ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من أهل الكوفة » .
قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (11/228) : ذكره محمد بن سعد في الطبقة الرابعة من الصحابة , وذكر له وفادة , ثم ذكره في الأولى من تابعي أهل الكوفة . وقال أبو أحمد العسكري : أكثر المحدثين لا يصححون له صحبة .
(2) انظر قصة حجر بن عدي في كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد (6/151) والاستيعاب (174) والبداية والنهاية (11/229) , والإصابة (2/37) .
(3) انظر ترجمته في السير (4/34) .(1/206)
في طبقات ابن سعد (6/213) : « وكان الأشتر من أصحاب علي بن أبي طالب وشهد معه الجمل وصفين ومشاهده كلها وولاه علي عليه السلام مصر فخرج إليها فلما كان بالعريش شرب شربة عسل فمات » ا.هـ
قال الذهبي في السير (4/34) : « ولما رجع علي من وقعة صفين , جهز الأشتر والياً على ديار مصر , فمات في الطريق مسموماً , فقيل : إن عبداً لعثمان عارضه , فسم له عسلاً ... » .
وليس لمعاوية رضي الله عنه ذكر !!
وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة (6/162) :
قد روي عن عمر وخالد بن الوليد وأبي ذر وعلي وصحبه وشهد معه الجمل وله فيها آثار , وكذلك في صفين وولاه على مصر بعد صرف قيس بن عبادة عنها , فلما وصل إلى القلزم شرب شربة عسل فمات فقيل : إنها كانت مسمومة , وكان ذلك سنة ثمان وثلاثين .
وليس لمعاوية رضي الله عنه ذكر .
وروى الطبراني في تاريخه (3/127) خبراً وفيه :
فبعث معاوية إلى الجابيستار – رجل من أهل الخراج – فقال له : إن الأشتر قد ولى مصر , فإن أنت كفيتنيه لم أخذ منك خراجاً ما بقيت , فاحتل له بما قدرت عليه .
فخرج الجابيستار حتى أتى القلزم وأقام به , وخرج الأشتر من العراق إلى مصر , فلما انتهى إلى القلزم استقبله الجابستار , فقال : هذا منزل , وهذا طعام وعلف , وأنا رجل من أهل الخراج , فنزل به الأشتر فأتاه الدهقان بعلف وطعام , حتى إذا طعم أتاه بشربة من عسل قد جعل فيها سماً فسقاه إياه فلما شربها مات ...
أقول : وهذه القصة من راوية أبي مخنف لوط بن أبي يحيى إخباري تالف , وقد سبق الكلام عليه .
لذلك أشار إليها ابن عساكر في تاريخه (56/376) بصيغة التمريض !! (1)
وذكر القصة البلاذري في أنساب الأشراف (3/168) بلا إسناد . وفيه : « وبلغت معاوية وفاته .. وجعل يقول : إن لله لجنداً من عسل » !
__________
(1) انظر تاريخ دمشق لابن عساكر (49/428) , (56/375) , (56/388) و (56/389) و (56/391) وليس لمعاوية ذكر !(1/207)
وساق البلاذري في أنساب الأشراف (3/168) قصة أخرى بمعناها من طريق وهب بن جرير عن ابن جعدبة عن صالح بن كيسان وفيه لما صار بعين شمس شرب شربة من عسل , يقال أنه سم فيها فكان عمرو بن العاص يقول : إن لله لجنداً من عسل . وليس لمعاوية رضي الله عنه ذكر !
* لعن وسب معاوية لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه :
* الجواب عن هذا بأمور :
لا يصح شيء في أن معاوية كان يلعن علياً رضي الله عنه وقد نص على هذا الإمام القرطبي والحافظ ابن كثير رحمهما الله .
قال القرطبي في « المفهم » (6/278) : « يبعد على معاوية أن يصرح بلعنه وسبه لما كان معاوية موصوفا به من العقل والدين والحلم والأخلاق وما يروى عنه في ذلك فأكثره كذب لا يصح » .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في « البداية والنهاية » (10/576) : « لا يصح هذا عنهم , رضي الله عنهم » .
الجواب عن الأدلة التي يستدل بها أهل البدع على هذا الأمر :
( قصة لعن علي على منابر بني أمية رواها الطبري في « تاريخ الأمم والملوك » (3/112) من طريق أبي مخنف عن أبي جناب الكلبي وفيه عن علي رضي الله عنه وكان إذا صلى الغداة يقنت فيقول : « اللهم العن معاوية وعمراً وأبا الأعور السُّلمي وحبيباً وعبدالرحمن بن خالد والضحاك بن قيس والوليد . فبلغ ذلك معاوية فكان إذا قنت لعن علياً وابن عباس والأشتر وحسناً وحسيناً » ا.هـ.
وإسنادها لا يصح .
في سندها أبي مخنف لوط بن يحيى إخباري تالف لا يوثق به .
تركه أبو حاتم وغيره (1).
وقال الدارقطني : ضعيف (1) .
وقال يحيى بن معين : ليس بثقة . وقال مرة : ليس بشيء (1).
قال ابن عدي : شيعي محترق صاحب أخبارهم (1).
وقال أبو عبيدة الآجري : سألت أبا حاتم عنه فنفض يده وقال : أحد يسأل عن هذا (1).
وذكره العقيلي في الضعفاء (1).
__________
(1) الكامل لابن عدي (6/93) الضعفاء للعقيلي (4/190) لسان الميزان (2/430) وقد سبق الكلام عليه ص (219) .(1/208)
( روى مسلم في « صحيحه » (2404) عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال : ما منعك أن تسب أبا تراب ؟ فقال : أما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله فلن أسبه لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلى من حمر النعم ، سمعت رسول الله يقول له : خلفه في مغازيه فقال له علي يا رسول خلفتني مع النساء والصبيان ؟ فقال له رسول الله : « أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة من بعدي » ، وسمعته يقول يوم خيبر : « لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله » . قال : فتطاولنا لها . فقال : « أدعوا لي علياً فأتي به أرمد فبصق في عينه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه » ولمانزلت هذه الآية ? قل تعالوا ندعوا أبنائكم ? دعا رسول الله « علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال : اللهم هؤلاء أهلي » .
والجواب على هذا الحديث :
أولا : أن قول معاوية لسعد رضي الله عنه « ما منعك أن تسب أبا تراب » أي لما لم تخطئه في رأيه واجتهاده وتظهر حسن اجتهادي ورأي وكان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ممن اعتزل الفتنة .
ثانياً : أن معاوية رضي الله عنه كان يريد أن يعرف موقف سعد من علي بن أبي طالب رضي الله عنه فسأله عن السبب المانع له من سبه هل كان ذلك إجلالاً له أو خوفاً أو ورعاً .
ثالثاً : أن معاوية رضي الله عنه لو كان يريد مسبة علياً رضي الله عنه لما طلب ذلك من سعد بن أبي وقاص فإن سعداً قد اعتزل الفتنة وثبت عنه رضي الله عنه بالأسانيد الصحيحة أنه دعى على من سب علياً واستجاب الله دعائه (1) .
فكيف يطلب معاوية منه أن يسب علياً رضي الله عنه !
__________
(1) انظر سير أعلام النبلاء (1/116) في قصة ذكرها الإمام الذهبي لرجل نال من علي فنهاه سعد فلم ينته فدعا عليه فما برح حتى جاء بعير ناد فخبطه حتى مات قال ولهذه الواقعة طرق جمة رواها ابن أبي الدنيا في مجابي الدعوة .(1/209)
قال النووي رحمه الله في « شرح صحيح مسلم » (15/175) : « قول معاوية هذا ليس فيه تصريح بأنه أمراً سعداً بسبه وإنما سأله عن السبب المانع له من السب كأنه يقول هل امتنعت تورعاً أو خوفاً أو غير ذلك فإن كان تورعاً وإجلالاً له عن السب فأنت مصيب ومحسن وإن كان غير ذلك فله جواب آخر ولعل سعداً قد كان في طائفة يسبون فلم يسب معهم وعجز عن الإنكار أو أنكر عليهم فسأله هذا السؤال قالوا ويحتمل تأويلاً آخر أن معناه : ما منعك أن تخطئه في رأيه واجتهاده وتظهر للناس حسن رأينا واجتهادنا وأنه خطأ » .
وقال القرطبي في « المفهم » (6/276) : « وهذا ليس بتصريح في السب وإنما هو سؤال عن سبب امتناعه ليستخرج ما عنده من ذلك أو من نقيضه كما قد ظهر من جوابه ولما سمع ذلك معاوية سكت وأذعن وعرف الحق لمستحقه » .
ولو ثبت هذا عن معاوية رضي الله عنه فهذا لا يعد إلا أن يكون ذنباً أو اجتهاداً خاطئاً يغفر بالتوبة والحسنات الماحية .
قال ابن تيمية في « منهاج السنة » (4/368) في رده على ابن المطهر الرافضي : « وأما ما ذكره من لعن علي فإن التلاعن وقع من الطائفتين كما وقعت المحاربة ... وهذا كله سواء كان ذنباً أو اجتهاداً مخطئاً أو مصيباً فإن مغفرة الله ورحمته تناول ذلك بالتوبة والحسنات الماحية والمصائب المكفرة وغير ذلك » .
وقد ذكر ذلك أيضاً البلاذري في أنساب الأشراف (5/124) بلا إسناد !
فقال : « وحدثت أن معاوية خطب الناس يوماً , فذكر علياً فتنقصه ... » .
ورواه في (5/30) مسنداً قال حدثني المدائني عن عبدالله بن فائد وسحيم بن حفص قالا : كتب معاوية إلى المغيرة بن شعبة : أظهر شتم علي وتنقصه , فكتب إليه : ما أحب لك يا أمير المؤمنين أن كلما عبت تنقصت , وكلما غضبت ضربت , ليس بينك وبين ذلك حاجز من حلمك ولا تجاوز بعفوك !(1/210)
وسحيم بن حفص هو أبو اليقظان العجيفي . لم أجد فيه جرحاً ولا تعديلاً إلا قول الحافظ المزي في تهذيب الكمال (8/216) « الإخباري » وسحيم لقبه واسمه عامر , وقول ابن النديم في فهرسة (138) : « وكان عالماً بالأخبار والأنساب والمآثر والمثالب ثقة » وعبدالله بن فائد في الإسناد هو نفسه سحيم بن حفص !! روى الخطيب في موضح أوهام الجمع والتفريق (2/165) من طريق الزبير بن بكار قال حدثني رجل ثقة قال : قال لي أبو الحسن المدائني أبو اليقظان هو سحيم بن حفص وسحيم لقب له وهو عامر بن حفص وكان لحفص ابن يقال له محمد وكان أكبر ولده ولم يكن به وكان حفص أسود شديد السواد يعرف بالأسود . وقال لي أبو اليقظان سمتني أمي خمسة عشرة يوماً عبدالله فإذا قلت حدثنا أبو اليقظان فهو أبو اليقظان فإذا قلت سحيم بن حفص وعامر بن حفص وعامر بن أبي محمد وعامر بن الأسود وسحيم بن الأسود وعبدالله بن فائد وأبو إسحاق المالكي فهو أبو اليقظان . ا.هـ (1)
وذكره السخاوي في فتح المغيث (3/212) مع الرواة الذين نعتوا بنعوت متعددة .
ثم إن سحيماً بن حفص لم يدرك معاوية بل هو متأخر عنه وعن خلافته جداً . وفاة سحيم سنة 190 هـ !! (2) .
* من الأباطيل التي أثيرت حول معاوية رضي الله عنه
- إن معاوية ذمه كثير من المهاجرين والأنصار من البدريين وغيرهم !!
( وجاء ذمه على السنة كثير من التابعين كالحسن البصري والأسود بن يزيد وغيرهم !
أقول أما ذم معاوية رضي الله عنه على ألسنة كثير من المهاجرين والأنصار فهذا كذب محض !
فعمر رضي الله عنه المحدث الملهم مدحه وأثنى عليه وولاه الشام مدة خلافته وكذلك عثمان رضي الله عنه .
وناهيك بهذه منقبة عظيمة من مناقب معاوية رضي الله عنه
__________
(1) انظر الكفاية في علم الرواية (366) , وفتح المغيث (3/212) .
(2) انظر الفهرست لابن النديم ص(507) .(1/211)
فلم يشكُ أحد منه , ولا اتهمه بجور ولا مظلمة مدة ولايته (1) .
أما قول حسن المالكي ثبت ذمه على ألسنة كثير من المهاجرين والأنصار فلم يورد ولا إسناداً واحداً صحيحاً .
ولعل هذا مثل ما ذكره في ذم علي بن أبي طالب وعبادة بن الصامت وخزيمة بن ثابت رضي الله عنهم لمعاوية .
ولا يصح من ذلك شيء وقد تكلمت على أسانيدها .
- أثر علي رضي الله عنه لما طلبوا منه أن يبقي معاوية على الشام فتلى الآية الكريمة : ? وما كنت متخذ المضلين عضدا ? رواه ابن عساكر في « تاريخ دمشق » (59/127) وفي سنده نصر بن مزاحم رافضي كذاب .
- وأثر عبادة بن الصامت رضي الله عنه سبق الكلام عليه وبيان ضعفه , انظر صفحة (216) .
- وأثر خزيمة بن ثابت رضي الله عنه رواه ابن سعد في « الطبقات الكبرى » (3/259) ، وابن عساكر في « تاريخ دمشق » (16/370) في سنده الواقدي متروك الحديث .
- وأما ذم الحسن البصري لمعاوية رضي الله عنه فلا يصح عنه .
رواه ابن جرير الطبري في « تاريخه » (3/232) عن الحسن البصري أنه قال : أربع خصال كن في معاوية لو لم تكن فيه إلا واحدة لكانت موبقة له :
* أخذه الأمر من غير مشورة وفيهم بقايا الصحابة ونور الفضيلة .
* استخلافه بعده ابنه سكيراً خميراً يلبس الحرير ويضرب الطنابير .
* ادعاءه زياداً وقد قال رسول الله الولد للفراش وللعاهر الحجر .
* قتله حجراً وأصحاب حجر ، فيا ويلا له من حجر ويا ويلا له من حجر وأصحاب حجر .
إسنادها ساقط فيه لوط بن يحيى إخباري تالف وقد سبق الكلام عليه . وذكره ابن كثير في « البداية والنهاية » (8/90) بصيغة التمريض .
والصحيح عن الحسن رحمه الله خلاف ذلك !
__________
(1) انظر الاستيعاب (699) ، السير (3/132) ، منهاج السنة (4/369) ، البداية والنهاية (11/399) ، تطهير الجنان (20) .(1/212)
فروى الآجري في « الشريعة » (5/2467) ، وابن عساكر (59/206) من طريق عن قتادة عن الحسن البصري إن أناساً يشهدون على معاوية وذويه أنهم في النار ! قال : لعنهم الله ! وما يدريهم أنه في النار ؟
ورواه ابن عساكر (59/206) من طريق محمد بن عبدالملك بن أبي الشوارب حدثنا بشر بن الفضل عن أبي الأشهب قال : قيل للحسن يا أبا سعيد إن ههنا قوما يشتمون – أو يلعنون – معاوية وابن الزبير ! فقال : على أولئك الذين يلعنون لعنة الله وسنده صحيح وكذلك ذم الأسود بن يزيد لا يصح .
رواه ابن عساكر في « تاريخ دمشق » (59/145) من طريق أبي داود الطيالسي حدثنا أيوب بن جابر عن أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد قال : قلت لعائشة : ألا تعجبين لرجل من الطلقاء ينازع أصحاب محمد ? في الخلافة ؟ قالت : وما تعجب من ذلك ؟ هو سلطان الله يؤتيه البر والفاجر وقد ملك فرعون أهل مصر أربعمائة سنة .
وهذا الأثر لا يصح في سنده أيوب بن جابر أبو سليمان اليمامي ضعيف عند أكثر أهل العلم بالحديث ، ضعفه ابن معين وابن المديني والنسائي وأبو زرعة وأبو حاتم ويعقوب بن سفيان ومعاوية بن صالح (1) وقال أبو حبان : كان يخطئ حتى خرج عن حد الاحتجاج به لكثرة وهمه (2) . وقال الإمام أحمد : حديثه يشبه حديث أهل الصدق وقال ابن عدي : وسائر أحاديث أيوب بن جابر صالحة متقاربة يحمل بعضها بعضاً , وهو ممكن يكتب حديثه (3) .
وفيه أيضا عبدالرحمن بن محمد بن يحيى بن ياسر الجوبري فيه جهالة توفي سنة 425هـ.
ذكره الذهبي في « سير أعلام النبلاء » (17/415) ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً (4) .
فصل في فضائل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه
قد جاءت في فضله أدلة عديدة وهي تنقسم إلى قسمين :
أدلة عامة :
__________
(1) انظر التهذيب (1/201) .
(2) المجروحين (1/167) .
(3) الكامل (1/355) .
(4) انظر تذكرة الحفاظ (3/1076) .(1/213)
وهي التي جاءت في فضائل الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ولا شك أن معاوية رضي الله عنه داخل في هذا الفضل .
فما الذي يخرج معاوية رضي الله عنه من عموم هذه الأدلة ؟!
قال ابن القيم رحمه الله في « المنار المنيف » (93) : « فيما صح في مناقب الصحابة على العموم ومناقب قريش فمعاوية رضي الله عنه داخل فيه » .
أدلة خاصة :
جاءت في فضل معاوية بخصوصه وإليك هذه الأدلة التي تدل على فضله رضي الله عنه وبعض آثار السلف رحمهم الله تعالى .
( قال عمير بن سعد رضي الله عنه : لا تذكروا معاوية إلا بخير فإني سمعت رسول الله ? يقول : « اللهم أجعله هادياً مهدياً واهد به » .
رواه البخاري في « التاريخ الكبير » (5/240) ، وأحمد في « المسند » (17929) ، والترمذي في « جامعه » (3843) ، والطبراني في « المعجم الأوسط » (656) ، وفي « مسند الشاميين » (2198) ، وابن أبي عاصم في « الآحاد والمثاني » (3129) ، والأجري في « الشريعة » (1915،1914) ، والخطيب في « تاريخه » (1/207) ، وأبو نعيم في « الحلية » (8/358) ، وفي « أخبار أصبهان » (1/180) ، والخلال في « السنة » (676) .
وقد سبق تصحيحه والكلام عليه صفحة (244).
( روى مسلم في صحيحه (2046) من حديث ابن عباس قال : كنت ألعب مع الصبيان فجاء رسول الله ? فتواريت خلف باب ، فجاء فحطأني حطاة (1) وقال : « اذهب وادع لي معاوية » ، قال : فجئت فقلت : هو يأكل ، قال : ثم قال لي : « أذهب فادع لي معاوية » . قال : فجئت فقلت : هو يأكل ، فقال : « لا أشبع الله بطنه » .
قال الحافظ ابن عساكر : « أصح ما ورد في فضل معاوية » .
__________
(1) مضى ذكر معناها ص (77) .(1/214)
وقال الإمام النووي رحمه الله في « شرحه على مسلم » (16/156) : « قد فهم مسلم رحمه الله من هذا الحديث أن معاوية لم يكن مستحقاً للدعاء عليه فلهذا أدخله في هذا الباب ، وجعله من مناقب معاوية لأنه في الحقيقة يصير دعاء له » (1) .
وقال الحافظ الذهبي في « تذكرة الحفاظ » (2/699) : « لعل هذه منقبة لمعاوية لقول النبي ? : « اللهم من لعنته أو شتمته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة » .
وقال في « سير النبلاء » (14/130) : « لعل أن يقال هذه منقبة لمعاوية ، لقوله ? : « اللهم من لعنته أو سببته فاجعل ذلك زكاة ورحمة » .
قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (11/42) : « وقد انتفع معاوية بهذه الدعوة في دنياه وأخراه » .
( أخرج البخاري رحمه الله في صحيحه ( 2636) , ومسلم (5925) عن أنس بن مالك عن خالته أم حرام بنت ملحان قالت : نام النبي ? يوماً قريباً مني ثم أستيقظ يبتسم فقلت : ما أضحكك ؟ قال : « أناس من أمتي عرضوا علي يركبون هذا البحر الأخضر كالملوك على الأسرة » ، قالت : فادع الله أن يجعلني منهم ، فدعا لها ثم نام الثانية ففعل مثلها فقالت قولها ، فأجابها مثلها ، فقالت : أدع الله أن يجعلني منهم ، فقال : « أنت من الأولين » فخرجت مع زوجها عبادة بن الصامت غازياً أول ما ركب المسلمون البحر مع معاوية فلما انصرفوا من غزوتهم قافلين فنزلوا الشام فقربت إليها دابة لتركبها فصرعتها فماتت .
وأخرج البخاري (2766) أيضاً من طريق أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله ? يقول : « أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا » ، قالت أم حرام : قلت : يا رسول الله أنا فيهم ؟ قال : « أنت فيهم » ثم قال النبي ? : « أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر – أي القسطنطينية – مغفور لهم » ، فقلت : أنا فيهم يا رسول الله ؟ قال : « لا » .
__________
(1) انظر : البداية والنهاية (11/402) .(1/215)
وهذا الحديث فيه منقبة لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وذلك لأن أول جيش غزى في البحر كان بإمرة معاوية (1) .
قال ابن حجر في « الفتح » (6/120) : « قال المهلب في هذا الحديث : منقبة لمعاوية لأنه أول من غزا البحر » .
وقال ابن حجر في « الفتح » أيضاً (6/121) : « ومعنى أوجبوا : أي فعلوا فعلاً وجبت لهم به الجنة » .
وقال المناوي في « فيض القدير » (3/84) : « أي فعلوا فعلاً وجبت لهم به الجنة أو أوجبوا لأنفسهم المغفرة والرحمة » .
قال ابن عبدالبر في « التمهيد » (1/235) : « وفيه فضل لمعاوية رحمه الله إذ جعل من غزا تحت رايته من الأولين ورؤيا الأنبياء صلوات الله عليهم وحي » .
وقال ابن حجر في « الفتح » (11/3) : « قوله : « ناس من أمتي عرضوا علي غزاة ... » يشعر بأن ضحكه كان إعجاباً بهم ، وفرحاً لما رأى لهم من المنزلة الرفيعة » .
( روى أبو داود (5229) من طريق ثور بن يزيد عن راشد بن سعد المقرائي الحمصي عن معاوية قال : قال رسول الله ? : « إنك إن تتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم » وسنده صحيح , قال : أبو الدرداء : كلمة سمعها معاوية نفعه الله بها .
قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (11/419) يعني أنه كان جيد السيرة , حسن التجاوز , جميل العفو , كثير الستر , رحمه الله تعالى .
ومن مناقبه أنه أحد كتاب الوحي :
__________
(1) فتح الباري (11/75) .(1/216)
في « صحيح مسلم » (2501) عن ابن عباس قال : كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه فقال للنبي ? : يا نبي الله ثلاث أعطنيهن . قال : نعم . قال : عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها . قال : نعم (1) . قال : ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك . قال : نعم . قال : وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين . قال : نعم .
وفي مسند الإمام أحمد (2651) من طريق أبي عوانة عن أبي حمزة عمران ابن أبي عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ? قال له : اذهب فادع لي معاوية وكان كاتبه ... الحديث مختصراً وسنده حسن من أجل أبي حمزة القصاب عمران بن أبي عطاء الأسدي صدوق له أوهام , وأصل الحديث في صحيح مسلم (2604) من غير قوله ( كاتبه ) . غير أنه من طريق شعبة عن أبي حمزة عن ابن عباس رضي الله عنهما .
وفي مسند البزار (2491) من طريق عبدالله بن الحارث عن عبدالله بن مالك الزبيدي عن عبدالله بن عمرو قال : بعث رسول الله ? إلى معاوية وكان كاتبه .
وقد توبع أيضاً عبدالله بن مالك الزبيدي تابعه زهير بن الأقمر كما في سير النبلاء (3/123) .
قال الإمام أحمد : معاوية رضي الله عنه كاتبه وصاحبه وصهره وأمينه على وحيه عز وجل (2) .
__________
(1) وفيه إشكال لأن الرسول عليه الصلاة والسلام تزوج أم حبيبة رضي الله عنها بأرض الحبشة وقد أجاب عن هذا الإشكال جمع من أهل العلم : ابن القيم في جلاء الإفهام (272) والنووي في شرحه على مسلم (16/91) وابن كثير في البداية والنهاية (4/146) وغيرهم .
(2) انظر الشريعة للآجري (5/2466) وشرح أصول اعتقاد أهل السنة (2785) للالكائي , وتاريخ بغداد (1/233) للخطيب البغدادي , وتاريخ دمشق (59/208) لابن عساكر .(1/217)
وقد نقل الإمام ابن تيمية في منهاج السنة النبوية (4/427) قول ابن المطهر عن أهل السنة « وسموه كاتب الوحي ولم يكتب له كلمة من الوحي » ا.هـ قال الإمام ابن تيمية : « فهذا قول بلا حجة , فما الدليل على أنه لم يكتب له كلمة واحدة من الوحي , وإنما كان يكتب له الرسائل » ا.هـ.
وقال في (4/442) من منهاج السنة عن معاوية : « هو واحد من كتاب الوحي » .
وقال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (11/397) : وصحب معاوية رسول الله ? , وكتب الوحي بين يديه مع الكُتَّاب .
وفي كتاب السنة للخلال (2/434) قال الإمام أحمد رحمه الله فيمن قال : لا أقول أن معاوية كاتب الوحي ولا أقول أنه خال المؤمنين , فإنه أخذها بالسيف غصباً ؟ ! هذا قول سوء رديء يجانبون هؤلاء القوم ولا يجالسون ونبين أمرهم للناس . وسنده صحيح .
* ومن مناقبه أنه خال المؤمنين (1) :
قال أبو يعلى في تنزيه خال المؤمنين ص (106) : « ويسمى إخوة أزواج رسول الله ? أخوال المؤمنين , ولسنا نريد بذلك أنهم أخوال في الحقيقة , كأخوال الأمهات من النسب , وإنما نريد أنهم في حكم الأخوال في بعض الأحكام , وهو التعظيم لهم » ا.هـ.
وروى الخلال في السنة (3/434) بسند صحيح قال أبو بكر المروذي : سمعت هارون بن عبدالله يقول لأبي عبدالله : « جاءني كتاب من الرَّقة أن قوماً قالوا : لا تقول معاوية خال المؤمنين فغضب وقال : ما اعتراضهم في هذا الموضع ؟ يُجفون حتى يتوبوا » .
وقال الإمام أحمد في السنة (2/433) : « أقول : معاوية خال المؤمنين , وابن عمر خال المؤمنين ؟ قال : نعم معاوية أخو أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي ? ورحمهما , وابن عمر أخو حفصة زوج النبي ? ورحمهما » وسنده صحيح .
__________
(1) انظر أنساب الأشراف (5/21) , ولمعة الاعتقاد (155) , ومنهاج السنة (4/369) , والبداية والنهاية (11/396) .(1/218)
* ومن مناقبه أن عمر رضي الله عنه ولاه على الشام وأقره عثمان رضي الله عليه أيضا مدة خلافته كلها وحسبك بمن يوليه عمر وعثمان رضي الله عنهما على الشام نحوا من عشرين سنة فيضبطه ولا يعرف عنه عجز ولا خيانة (1) .
قال الهيتمي في « تطهير الجنان » (20) :
« اتفاق كل من عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما وهما من هما في الفضل والصحبة ولهما المكان الأعلى والمثل من الورع والدين والتقى وسداد الرأي وحسن الفكر وتمام النظر ، على تأمير معاوية رضي الله عنه على الشام لهو اكبر دليل على فضل معاوية واستحقاقه لهذه المنزلة .. فأي فضل بعد هذا ؟!
ومنها أن عمر رضي الله عنه مدحه وأثنى عليه ، وولاه دمشق الشام مدة خلافة عمر ، وكذلك عثمان رضي الله عنه وناهيك بهذه منقبة عظيمة من مناقب معاوية ومن الذين كان عمر يرضى به لهذه الولاية الواسعة المستمرة وإذا تأملت عزل عمر لسعد بن أبي وقاص الأفضل من معاوية بمراتب وإبقائه لمعاوية على عمله من غير عزل له علمت بذلك أن هذه ينبئ عن رفعة كبيرة لمعاوية وانه لم يكن ولا طرأ فيه قادح من قوادح الولاية وإلا لما ولاه عمر أو لعزله وكذا عثمان وقد شكا أهل الأقطار كثيراً من ولاتهم على عمر وعثمان فعزلا عنهم من شكوهم وإن جلت مراتبهم وأما معاوية فأقام في إمارته على دمشق الشام هذه المدة الطويلة ، فلم يشك أحد منه ، ولا اتهمه بجور ولا مظلمة ، فتأمل ذلك ليزداد اعتقادك أو لتسلم من الغباوة والعناد والبهتان » .
__________
(1) انظر تنزيه خال المؤمنين لأبي يعلى ص (106) .(1/219)
قال الذهبي في « السير » (3/132) : « حسبك بمن يؤمره عمر ثم عثمان على إقليم – وهو ثغر – فيضبطه ويقوم به أتم قيام ويرضى الناس بسخائه وحلمه وإن كان بعضهم تألم مرة منه وكذلك فليكن الملك وإن كان غيره من أصحاب رسول الله ؟ خيراً منه بكثير ، وأفضل وأصلح ، فهذا الرجل ساد وساس العالم بكمال عقله وفرط حلمه ، وسعة نفسه وقوة دهائه ، ورأيه وله هنات وأمور ، والله الموعد . وكان محبباً على رعيته ، عمل نيابة الشام عشرين سنة والخلافة عشرين سنة ولم يهجه أحد في دولته ، بل دانت له الأمم وحكم على العرب والعجم ، وكان ملكه على الحرمين ومصر والشام والعراق وخراسان وفارس والجزيرة واليمن والمغرب وغير ذلك » .
* ومن مناقبه أنه من خير الملوك :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في « الفتاوى » (4/478) بالإجماع وانظر « سير أعلام النبلاء » (3/159) ، وقال ابن أبي العز الحنفي في « شرحه على الطحاوية » (2/302) « وأول ملوك المسلمين معاوية رضي الله عنه وهو خير ملوك المسلمين » . وانظر « البداية والنهاية » (11/399) . وتفسير القرآن العظيم (2/15) لابن كثير .
فصل في ثناء السلف رضي الله عنهم على معاوية رضي الله عنه
( في « صحيح البخاري » (3765) قيل لابن عباس : هل لك في أمير معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة ، قال : إنه فقيه .
( روى الطبراني في « مسند الشاميين » (283) ، وأبو نعيم في « الحلية » (8/275) من طريق سعيد بن عبدالعزيز عن إسماعيل بن عبد الله عن قيس بن الحارث عن الصنابحي عن أبي الدرداء قال : ما رأيت أحداً أشبه صلاة برسول الله من أميركم هذا - يعني معاوية - . قيل لقيس : أين صلاته من صلاة عمر . قال : لا أخالها إلا مثلها . ورجاله ثقات .
قال الهيثمي في « المجمع » (9/357) : « ورواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير قيس بن الحارث المذحجي وهو ثقة » .(1/220)
( روى اللالكائي في « شرح أصول اعتقاد أهل السنة » (2781) ، والخلال في « السنة » (2/442) رقم (680) ، وابن عساكر في « تاريخ دمشق » (59/173) من طريق جبلة بن سحيم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : ما رأيت بعد رسول الله ? أسود من معاوية ، فقيل : ولا أبوك ؟ قال : أبي عمر رحمه الله خير من معاوية وكان معاوية أسود منه (1) . وجاء ما يقويه فرواه أيضاً الخلال في « السنة » (2/442-443) وبرقم (679و 681) بنحوه ، وابن عساكر في « تاريخه » (59/174) ، والبخاري في « التاريخ الكبير » (7/327) مختصراً من طريق نافع عن ابن عمر . وانظر : « سير أعلام النبلاء » (3/153) فهو حسن .
( وروى معمر في جامعه ( برقم : 20985) ، والخلال في « السنة » (2/440) برقم (677) ، وابن عساكر في « تاريخ دمشق » (59/175) من طريق وهب بن منبه (2) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ما رأيت رجلاً كان أخلق للملك من معاوية كان الناس يردون منه على أرجاء واد رحب ولم يكن بالضيق الحصر العُصعُص (3) المتغضب . وإسناده صحيح . ورواه أيضاً البلاذري في أنساب الأشراف (5/54) من طريق أبي عبدالله الحنفي عن رجل عن ابن عباس رضي الله عنهما .
__________
(1) أسود : أي أسخى . هكذا فسره الإمام أحمد كما في السنة (2/441) للخلال بسند صحيح .
(2) عند البخاري في التاريخ الكبير (7/327) همام بن منبه . وكذلك عند الخلال في السنة (3/440) .
(3) العُصعُص : النكد قليل الخبر . النهاية (3/248) .(1/221)
( روى ابن عساكر في « تاريخ مدينة دمشق » (59/185) من طريق ابن أبي الدنيا حدثني المفضل بن غسان حدثنا علي بن صالح حدثنا عامر بن صالح عن هشام بن عروة قال صلى بنا عبدالله بن الزبير يوماً من الأيام فوجم بعد الصلاة ساعة فقال الناس : لقد حدث نفسه ثم التفت إلينا فقال : لا يبعدن ابن هند إن كانت فيه لمخارج لا نجدها في أحد بعده أبداً والله إن كنا لنفرقه وما الليث على براثنه بأجرأ منه فيتفارق لنا , وإن كنا لنخدعه وما ابن ليلة من أهل الأرض بأدهى منه فيتخادع لنا , والله لوددت أنا متعنا به ما دام في هذا الجبل حجر , وأشار إلى أبي قبيس لا يتحول له عقل , ولا ينقص له قوة , قال فقلنا أوحش والله الرجل . وسنده صحيح . ورواه البلاذري في أنساب الأشراف (5/91) عن المدائني عن أبي عبدالرحمن بن إسماعيل عن هشام . بنحوه (1) .
( روى ابن عساكر في « تاريخ دمشق » (59/211) وبنحوه الآجري في « كتاب الشريعة » (5/2466) عن عبدالله بن المبارك أيهما أفضل : معاوية بن أبي سفيان أم عمر بن عبدالعزيز ؟ فقال : والله إن الغبار الذي دخل في أنف معاوية مع رسول الله ? أفضل من عمر بألف مرة صلى معاوية خلف رسول الله ? ، فقال : سمع الله لمن حمده ، فقال معاوية : ربنا ولك الحمد فما بعد هذا ؟ .
( وأخرج الآجري « كتاب الشريعة » (5/2466) ، واللالكائي في « شرح السنة » (2785) ، والخطيب البغدادي في « تاريخه » (1/233) ، وابن عساكر في « تاريخ دمشق » (59/208) ، بسند صحيح عن الجراح الموصلي قال : سمعت رجلاً يسأل المعافى بن عمران فقال : يا أبا مسعود ، أين عمر بن عبدالعزيز من معاوية بن أبي سفيان ؟! فرأيته غضب غضباً شديداً وقال : لا يقاس بأصحاب محمد ? أحد ، معاوية رضي الله عنه كاتبه وصاحبه وصهره وأمينه على وحيه عز وجل .. الحديث .
__________
(1) في الأصل « عن أبي عبدالرحمن بن إسماعيل بن هشام » وهو خطأ !(1/222)
( وأخرج الآجري في « كتاب الشريعة » (5/2465) ، وابن عبد البر في « جامع بيان العلم وفضله » (2/185) ، والخلال في « السنة » (2/434) ورقم (666) بإسناد صحيح عن أبي أسامة حماد بن أسامة ، قيل له : أيهما أفضل معاوية أو عمر بن عبدالعزيز .
فقال لا يقاس بأصحاب رسول الله ? أحداً , قال رسول الله ? : « خير الناس قرني » .
( روى الخلال في « السنة » بسند صحيح (2/434) ورقم (660) عن أبي بكر المروذي قال : قلت لأبي عبدالله أيهما أفضل : معاوية أو عمر بن عبدالعزيز ؟ فقال : معاوية أفضل ، لسنا نقيس بأصحاب رسول الله ? أحداً ، قال النبي ? : « خير الناس قرني الذي بعثت فيهم » (1) .
( وروى الخلال في « السنة » بسند صحيح (2/435) ورقم (664) سئل المعافي بن عمران الأزدي : معاوية أفضل أو عمر بن عبدالعزيز ؟ فقال : كان معاوية أفضل من ستمائة مثل عمر بن عبدالعزيز .
( روى الخلال في « كتاب السنة » (2/438) ورقم (669) ، والآجري في « الشريعة » (5/2465) ، وابن عساكر في « تاريخ دمشق » (59/172) عن مجاهد قال : لو رأيتم معاوية لقلتم هذا المهدي (2) .
( روى الخلال في « كتاب السنة » (2/444) ورقم (683) عن الزهري قال : عمل معاوية بسيرة عمر بن الخطاب سنين لا يخرم منها شيئاً . وسنده صحيح .
( روى الخلال في « السنة » (2/432) ورقم (654) ، واللالكائي في « شرح أصول اعتقاد أهل السنة » (8/1532) عن عبدالملك بن عبدالحميد الميموني قال : قلت لأحمد بن حنبل : أليس قال النبي ? : « كل صهر ونسب ينقطع إلا صهري ونسبي » ؟ قال : بلى ، قلت : وهذه لمعاوية ؟ قال : نعم ، له صهر ونسب , قال : وسمعت ابن حنبل يقول : ما لهم ولمعاوية نسأل الله العافية وإسناده صحيح .
__________
(1) وانظر السنة للخلال أيضاً (2/434-435) رقم (661-662) .
(2) وانظر مجمع الزوائد (9/357) .(1/223)
( وروى الخلال في « السنة » (2/438) ورقم (670) من طريق أبي بكر بن عياش عن أبي إسحاق السبيعي : ما رأيت بعده مثله يعني معاوية . وسنده صحيح .
( قال أبو داود الطيالسي : حدثنا يزيد بن طهمان الرقاشي حدثنا محمد بن سيرين قال : كان معاوية إذا حدث عن رسول الله ? لم يُتهم (1) .
وما أجمل ما رواه الخطيب البغدادي في « تاريخ بغداد » (1/208) وابن عساكر في « تاريخ دمشق » (58/168) من طريق ابن شهاب حدثني عروة بن الزبير إن مسور بن مخرمة قدم وافداً إلى معاوية بن أبي سفيان فقضى حاجته ثم دعاه فأخلاه فقال : يا مسور ما فعل طعنك على الأئمة . قال المسور : دعنا من هذا وأحسن فيما قدمنا له . فقال معاوية : لا والله لتكلمن بذات نفسك والذي نقمت علي . قال المسور : فلم أترك شيئاً أعيبه عليه إلا بينته له . فقال معاوية : لا أبرأ من ذنب فهل تعد لنا يا مسور مما نلي من الإصلاح في أمر العامة فإن الحسنة بعشر أمثالها أم تعد الذنوب . فقال معاوية : فإنا نعترف لله بكل ذنب أذنباه ، فهل لك يا مسور ذنوب في خاصتك تخشى أن تهلك إن لم يعفو الله لك . فقال المسور : نعم . فقال معاوية : فما جعلك برجاء المغفرة أحق مني فو الله لما آلي من الإصلاح أكثر مما تلي ولكن والله لا أخير بين أمرين أمر لله وغيره إلا اخترت أمر الله على ما سواه وإني لعلى دين يقبل فيه العمل ويجزى فيه بالحسنات والذنوب إلا أن يعفو الله عنها فإني أحسب كل حسنة عملتها بأضعافها من الأجر وآلي أموراً عظاماً لا أحصيها ولا يحصيها من عمل بها لله في إقامة الصلوات للمسلمين والجهاد في سبيل الله والحكم بما أنزل الله والأمور التي لست أحصيها وإن عددتها فتكفي في ذلك . قال مسور : فعرفت أن معاوية قد خصمني حين ذكر ما ذكر ، قال عروة بن الزبير : لم أسمع المسور بعد يذكر معاوية إلا صلى عليه .
__________
(1) تاريخ دمشق (59/167) , البداية والنهاية (11/437) .(1/224)
ورواه عبدالرزاق في « مصنفه » (7/207) بنحوه من طريق معمر عن الزهري عن حميد بن عبدالرحمن عن المسور وإسناده صحيح .
قال ابن عبدالبر في « الاستيعاب » (671) : « وهذا الخبر من أصح ما يروى من حديث ابن شهاب رواه عنه معمر وجماعة من أصحابه » .
ورواه أيضاً شعيب عن الزهري عن عروة عن المسور بنحوه (1) .
ورواه بنحوه البلاذري في أنساب الأشراف (5/53) من طريق عبدالحميد بن جعفر عن عبدالرحمن بن المسور بن مخرمه عن أبيه (2) .
ورواه أيضاً البلاذري (5/42) بنحوه من طريق آخر .
روى أبو زرعة في تاريخه (1/189) بسنده عن الأوزاعي قال : أدْرَكَتْ خلافة معاوية عدة من الصحابة منهم أسامة , وسعد , وجابر , وابن عمر , وزيد بن ثابت , ومسلمة بن مخلد , وأبو سعيد , ورافع بن خديج , وأبو أمامة , وأنس بن مالك , ورجال أكثر ممن سمينا بأضعاف مضاعفة , كانوا مصابيح الهدى , وأوعية العلم , حضروا من الكتاب تنزيله , وأخذوا عن رسول الله ? تأويله , ومن التابعين لهم بإحسان إن شاء الله , منهم المسور بن مخرمة , وعبدالرحمن بن الأسود بن عبد يغوث , وسعيد بن المسيب , وعروة بن الزبير , وعبدالله بن محيريز , في أشباه لهم لم ينزعوا يداً عن مُجامعَة في أمة محمد ? ...
فصل في أقوال السلف فيمن سب معاوية رضي الله عنه
__________
(1) انظر : منهاج السنة النبوية (4/385) .
(2) وقع في الأصل « عبدالحميد عن جعفر » وهو خطأ !(1/225)
( روى ابن عساكر في « تاريخ دمشق » (59/206) ، والآجري في « كتاب الشريعة » (5/2467) بنحوه من طريق قتادة عن الحسن قال : قلت يا أبا سعيد : إنا ناساً يشهدون على معاوية وذويهم أنهم في النار . فقال : لعنهم الله وما يدريهم أنهم في النار (1) . وجاء عند ابن عساكر (59/206) بنحوه من طريق آخر ورجاله ثقات بلفظ : « قيل للحسن : يا أبا سعيد , إن ههنا قوماً يشتمون أو يلعنون معاوية وابن الزبير . فقال : على أولئك الذين يلعنون لعنة الله » .
( روى ابن عساكر في « تاريخ دمشق » (59/211) بإسناده عن عبدالله بن المبارك رحمه الله قال : معاوية عندنا محنة فمن رأيناه ينظر إليه شزراً اتهمناه على القوم يعني ، يعني الصحابة .
( وروى الخطيب البغدادي في « تاريخه » (1/209) وابن عساكر في « تاريخ دمشق » (59/210) عن الربيع بن نافع الحلبي رحمه الله قال : معاوية ستر لأصحاب محمد ? ، فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه .
( وروى ابن عساكر في « تاريخ دمشق » (59/211) من طريق محمد بن مسلم عن إبراهيم بن ميسرة قال : ما رأيت عمر بن عبدالعزيز ضرب إنساناً قط إلا إنساناً شتم معاوية فإنه ضربه أسواطاً (2) .
( وروى الخلال في السنة (2/447) رقم (691) عن الإمام أحمد أنه سئل أيكتب عن الرجل إذا قال : معاوية مات على غير الإسلام أو كافر ؟ قال : لا , ثم قال : لا يُكفر رجل من أصحاب رسول الله ? .
( في كتاب « الشفاء في حقوق المصطفى ? » للقاضي عياض (2/267) قال مالك رحمه الله : « من شتم النبي ? قتل ، ومن شتم أصحابه أُدِّب » .
وقال أيضاً : « من شتم أحداً من أصحاب النبي ? : أبا بكر أو عمر أو عثمان أو علي أو معاوية أو عمرو بن العاص فإن قال : كانوا على ضلال وكفر قتل ، وإن شتمهم بغير هذا من مشاتمة الناس نكل نكالاً شديداً » .
__________
(1) انظر الإستيعاب (671) ترجمة معاوية رضي الله عنه .
(2) وانظر الاستيعاب (671) ترجمة معاوية رضي الله عنه .(1/226)
( قال الخلال في « السنة » (2/434) ورقم (659) : أخبرني محمد بن أبي هارون ومحمد بن جعفر أن أبا الحارث حدثهم قال : وجهنا رقعة إلى أبي عبدالله ما تقول رحمك الله فيمن قال : لا أقول : عن معاوية كاتب الوحي ، ولا أقول إنه خال المؤمنين ، فإنه أخذها بالسيف غصباً ؟ قال أبو عبدالله : هذا قول سوء رديء ، يجانبون هؤلاء القوم ولا يجالسون ، ونبين أمرهم للناس . وسنده صحيح .
( وفي « السنة » للخلال (2/448) ورقم (693) أخبرني محمد بن موسى قال سمعت أبا بكر بن سندي قال : كنت أو حضرت أو سمعت أبا عبدالله وسأله رجل : يا أبا عبدالله لي خال ذكر أنه ينتقص معاوية وربما أكلت معه فقال أبو عبدالله مبادراً : لا تأكل معه . وسنده صحيح .
( وفي « السنة » للخلال (2/432) ورقم (654) قال عبدالملك الميموني : سمعت ابن حنبل يقول ما لهم ولمعاوية ؟ نسال الله العافية . وسنده صحيح .
( وروى الخلال في « السنة » (2/447) ورقم (690) ، وابن عساكر في « تاريخ دمشق » (59/210) من طريق الفضل بن زياد قال : سمعت أبا عبدالله وسئل عن رجل انتقص معاوية وعمرو بن العاص أيقال له رافضي . قال : إنه لم يجترئ عليهما إلا وله خبيئة سوء ما انتقص أحد أحداً من أصحاب رسول الله إلا له داخلة سوء . قال رسول الله ? : « خير الناس قرني » (1) .
( وفي مسائل ابن هانيء النيسابوري (1/60) قال سمعت أبا عبدالله يسأل عن الذي يشتم معاوية أيصلي خلفه ؟ قال : لا , لا يصلى خلفه ولا كرامة (2) .
( وروى الخلال في السنة (2/448) ورقم (692) عن الإمام أحمد أنه سئل عن رجل شتم معاوية يصير إلى السلطان ؟ قال : أخلق أن يعتدى عليه . وسنده صحيح .
( سئل شيخ الإسلام ابن تيمية في « مجموع الفتاوى » (35/58) عمن لعن « معاوية » فماذا يجب عليه ؟
__________
(1) انظر البداية والنهاية (11/450) .
(2) انظر : طبقات الحنابلة (1/285) ترجمة إسحاق بن إبراهيم بن هانيء المتوفي سنة 275هـ .(1/227)
فأجاب : الحمد لله ، من لعن أحداً من أصحاب النبي ? - كمعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص ونحوهما ومن هو أفضل من هؤلاء : كأبي موسى الأشعري وأبي هريرة ونحوهما أو من هو أفضل من هؤلاء كطلحة والزبير وعثمان وعلي بن أبي طالب أو أبي بكر الصديق وعمر أو عائشة أم المؤمنين وغير هؤلاء من أصحاب النبي ? – فإنه يستحق للعقوبة البليغة باتفاق أئمة الدين وتنازع العلماء : هل يعاقب بالقتل ؟ أو ما دون القتل ؟! (1) .
إجماع أهل السنة على وجوب السكوت عما شجر
بين الصحابة رضي الله عنهم !!
قال المالكي : « الكلام فيما شجر بين الصحابة إذا كان بعلم وإخلاص وتحر للحق فلا محظور فيه بل هو فرض كفاية إذا قام به بعض أهل العلم من أهل العدل والإنصاف سقط عن الباقين لكن لا يجوز لهم تركه » ! (2) .
وهو بهذا القول يخالف إجماع أهل السنة واتفاقهم على وجوب الإمساك عن الكلام فيما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم .
والآثار المروية فيما وقع بين الصحابة رضي الله عنهم تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
منها ما هو كذب .
ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغير من وجهته .
والصحيح منها هم فيه معذورون أما مجتهدون مصيبون وإما مجتهدون مخطئون (3) .
ولهم رضي الله عنهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما صدر منهم .
وقد أثنى الله عز وجل عليهم مع أنه سبق في علمه ما سيكون منهم .
__________
(1) انظر الاستيعاب (450) تاريخ دمشق (16/213).
(2) انظر كتابه مع الشيخ عبد الله السعد في الصحبة والصحابة صفحة (224).
(3) انظر الواسطية لابن تيمية .(1/228)
فقد روى ابن بطة بالإسناد الصحيح (1) عن عبدالله بن أحمد قال حدثني أبي حدثنا أبو معاوية (2) حدثنا رجاء عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لا تسبوا أصحاب محمد فإن الله أمر بالاستغفار لهم وهو يعلم أنهم سيقتتلون (3) .
قال الإمام الذهبي رحمه الله في « السير » (10/92) : « كما تقرر الكف عن كثير مما شجر بينهم وقتالهم رضي الله عنهم أجمعين وما زال يمر بنا ذلك في الدواوين والكتب والأجزاء ولكن أكثر ذلك منقطع وضعيف وبعضه كذب .. » .
قال ابن بطة في كتاب « الإبانة » (294) : « ومن بعد ذلك نكف عما شجر بين أصحاب رسول الله ? فقد شهدوا المشاهد معه ، وسبقوا الناس بالفضل فقد غفر الله لهم وأمرك بالاستغفار لهم والتقرب إليه بمحبتهم وفرض ذلك على لسان نبيه وهو يعلم ما سيكون منهم وأنهم سيقتتلون وإنما فضلوا على سائر الخلق لأن الخطأ والعمد قد وضع عنهم وكل ما شجر بينهم مغفور لهم ولا تنظر في كتاب صفين والجمل ووقعة الدار وسائر المنازعات التي جرت بينهم ولا تكتبه لنفسك ولا لغيرك ولا تروه عن أحد ولا تقرأه على غيرك ولا تسمعه ممن يرويه فعلى ذلك اتفق سادات علماء هذه الأمة من النهي عما وصفناه منهم : حماد بن زيد ويونس بن عبيد وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة وعبدالله بن إدريس ومالك بن أنس وابن أبي ذئب وابن المنكدر وابن المبارك وشعيب بن حرب وأبو إسحاق الفزاري ويوسف بن أسباط وأحمد بن حنبل وبشر بن الحارث وعبدالوهاب الوراق . كل هؤلاء قد رأوا : النهي عنها والنظر فيها والاستماع إليها وحذروا من طلبها والاهتمام بجمعها .
__________
(1) قاله الإمام ابن تيمية في منهاج السنة (2/22) .
(2) في الأصل ( معاوية ) وهو خطأ .
(3) فضائل الصحابة للإمام أحمد (1/69) , (2/1152) لكن جاء في الأصل عن أبي معاوية عن رجل ! وأظنه تصحيف .
وانظر : الصارم المسلول (3/1071) , والإبانة لابن بطة (294) .(1/229)
وقد روى عنهم فيمن فعل ذلك أشياء كثيرة بألفاظ مختلفة المعاني على كراهية ذلك والإنكار على من رواها واستمع إليها » .
روى الخطابي في كتاب « العزلة » (44) من طريق حمزة بن الحارث الدهان قال : حدثنا عبدالله بن روح المدائني قال : حدثنا يحيى بن الصامت قال : حدثنا أبو إسحاق الفزاري عن الأعمش عن أبي راشد قال : جاء رجل من أهل البصرة إلى عبيد الله بن عمر فقال : إن رسول إخوانك من أهل البصرة إليك فإنهم يقرءونك السلام ويسألونك عن أمر هذين الرجلين علي وعثمان وما قولك فيهما . فقال : هل غير . قال : لا . قال : جهزوا الرجل فلما فرغ من جهازه قال : أقرأ عليهم السلام وأخبرهم أن قولي فيهم : ? تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ? .
( وروى الخطابي في « العزلة » (44) ، وأبو نعيم في « الحلية » (9/144) من طريق يونس بن عبد الأعلى يقول : حدثنا الشافعي قال : قيل لعمر بن عبدالعزيز : ما تقول في أهل صفين . فقال : تلك دماء طهر الله يدي منها فلا أحب أن أخضب لساني بها . وسنده منقطع .
ورواه ابن سعد في « الطبقات الكبرى » (5/394) ، وابن عساكر في « تاريخ دمشق » (65/133) من طريق خالد بن يزيد بن بشر عن أبيه قال : سئل عمر بن عبد العزيز عن علي وعثمان والجمل صفين وما كان بينهم فقال : تلك دماء كف الله يدي عنها وأنا أكره أنا أطره أن أعمس لساني فيها (1) .
( روى الخلال في « السنة » (2/460) ، وابن الجوزي في « مناقب الإمام أحمد » (164) : قيل للإمام أحمد : ما تقول فيما كان بين علي ومعاوية رحمهما الله ؟ قال : ما أقول فيها إلا الحسنى رحمهم الله أجمعين (2) وسنده صحيح .
__________
(1) رواه الخلال في السنة ( 1/261) ( 717) من طريق أخر وهذه الطرق يشد بعضها بعضًا فهو حسن .
(2) انظر تنزيه خال المؤمنين لأبي يعلى رحمه الله ( 86) .(1/230)
* وفي ترجمة الحسن بن إسماعيل الربعي في طبقات الحنابلة ( 1/349) : قال . قال لي أحمد بن حنبل – إمام أهل السنة والصابر تحت المحنة : - أجمع تسعون رجلًا من التابعين وأئمة المسلمين ، وأئمة السلف ، وفقهاء الأمصار على : .... والكف عما شجر بين أصحاب رسول الله ? ، وأفضل الناس بعد رسول الله ? أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن عم رسول الله ? ، والترحم على جميع أصحاب رسول الله ? وأزواجه ، وأصهاره ، رضوان الله عليهم أجمعين فهذه السنة الزموها ، تلموا أخذها هدى ، وتركها ضلالة » .
( روى الخطيب في « تاريخ بغداد » (6/44) ، وابن عساكر في « تاريخ مدينة دمشق » (59/141) ، وابن أبي يعلى في « طبقات الحنابلة » (1/251) من طريق الحسن بن محمد الخلال حدثنا عبدالله بن عثمان الصفار حدثنا أبو القاسم إسحاق بن إبراهيم بن آزر الفقيه حدثني أبي قال : حضرت أحمد بن حنبل وسأله رجل عما جرى بين علي ومعاوية فأعرض عنه . فقيل له : يا أبا عبدالله هو رجل من بني هاشم فأقبل عليه . فقال : أقرأ ? تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ? قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (11/427) : « وكذا قال غير واحد من السلف » .
( وروى ابن عدي في « الكامل » (4/34) ومن طريقه ابن عساكر في « تاريخ دمشق » (22/215) عن شهاب بن خراش بن حوشب بن أخي العوام بن حوشب قال : أدركت من أدركت من صدر هذه الأمة وهم يقولون : أذكروا محاسن أصحاب رسول الله ? ما تأتلف عليه القلوب ، ولا تذكروا الذي شجر بينهم فتحرشوا الناس عليهم . وله طريق آخر .
فرواه الخلال في « السنة » (ص513) عن العوام بن حوشب قال : اذكروا محاسن أصحاب محمد ? تأتلف عليه قلوبكم ، ولا تذكروا غيره فتحرشوا الناس عليهم .(1/231)
( قال اللالكائي في « أصول اعتقاد أهل السنة » (321) أخبرنا محمد بن المظفر المقري قال : حدثنا الحسين بن محمد بن حبش المقري قال : حدثنا أبو محمد عبدالرحمن بن أبي حاتم قال : سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار وما يعتقدان من ذلك . فقالا : « أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازاً وعراقاً وشاماً ويمناً فكان من مذهبهم الإيمان قول وعمل يزيد وينقص والقرآن كلام الله غير مخلوق بجميع جهاته والقدر خيره وشره من الله عز وجل وخير هذه الأمة بعد نبيها عليه الصلاة والسلام أبو بكر الصديق ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان ثم علي بن أبي طالب عليهم السلام وهم الخلفاء الراشدون المهديون وأن العشرة الذين سماهم رسول الله وشهد لهم بالجنة على ما شهد به رسول الله وقوله الحق والترحم على جميع أصحاب محمد والكف عما شجر بينهم ... » .
( روى الإمام أحمد في « فضائل الصحابة » (19) (1739) عن وكيع حدثنا جعفر يعني بن برقان عن ميمون بن مهران قال : ثلاث ارفضوهن : سب أصحاب محمد ، والنظر في النجوم ، والنظر في القدر . وسنده صحيح (1) .
( أخرج ابن عساكر في « تاريخه » (59/141) في ترجمة معاوية رضي الله عنه من طريق ابن منده ثم من طريق أبي القاسم ابن أخي أبي زرعة الرازي قال : جاء رجل إلى عمي فقال له : إني أبغض معاوية . فقال له : لم ؟ قال : لأنه قاتل علياً بغير حق . فقال له أبو زرعة : رب معاوية رب رحيم ، وخصم معاوية خصم كريم فما دخولك بينهما ؟ (2)
( وفي « السنة » للخلال بسند صحيح (512) قيل للإمام أحمد : « ما تقول فيمن زعم أنه مباح له أن يتكلم في مساوي أصحاب رسول الله ? ؟ فقال أبو عبدالله : هذا كلام رديء يجانبون هؤلاء القوم ولا يجالسون ويبين أمرهم للناس » .
__________
(1) وذكره ابن بطة في الإبانة (181).
(2) انظر : البداية والنهاية (11/427) .(1/232)
( وقال البربهاري في « شرح السنة » (102) : « والكف عن حرب علي ومعاوية وعائشة وطلحة والزبير رحمهم الله أجمعين ومن كان معهم ولا تخاصم فيهم وكل أمرهم إلى الله تبارك وتعالى » .
( قال الإمام الصابوني في « عقيدة السلف وأصحاب الحديث » (294) : « ويرون الكف عما شجر بين أصحاب رسول الله ? وتطهير الألسنة عن ذكر ما يتضمن عيباً لهم ونقصاً فيهم » .
( قال أبو الحسن الأشعري في « الإبانة » (78) : « فأما ما جرى بين علي والزبير وعائشة رضي الله عنهم فإنما كان على تأويل واجتهاد وعلي الإمام وكلهم من أهل الاجتهاد وقد شهد لهم النبي ? بالجنة والشهادة فدل على أنهم كلهم على حق في اجتهادهم وكذلك ما جرى بين علي ومعاوية رضي الله عنهما كان على تأويل واجتهاد وكل الصحابة أئمة مأمونون غير متهمين في الدين ، وقد أثنى الله ورسوله على جميعهم وتعبدنا بتوقيرهم وتعظيمهم وموالاتهم والتبري ممن ينقص أحدا منهم رضي الله عن جميعهم » .
( قال ابن أبي زيد القيرواني في « عقيدته » (23) : « وأن لا يذكر أحد من صحابة الرسول إلا بأحسن ذكر والإمساك عما شجر بينهم وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم أحسن المخارج ويظن بهم أحسن المذاهب » .
( قال القرطبي رحمه الله في « الجامع لأحكام القرآن » (16/321) : « لا يجوز أن ينسب على أحد من الصحابة خطأ مقطوع به إذ كانوا كلهم اجتهدوا فيما فعلوه وأرادوا الله – عز وجل – وهم كلهم لنا أئمة ، وقد تعبدنا بالكف عما شجر بينهم وألا نذكرهم إلا بأحسن الذكر لحرمة الصحبة ولنهي النبي ? عن سبهم وان الله غفر لهم وأخبر بالرضا عنهم » .(1/233)
( قال الآجري رحمه الله في « كتاب الشريعة » (5/2458-2491) في الرد على من جوز الخوض فيما وقع بين الصحابة : « باب ذكر الكف عما شجر بين أصحاب رسول الله ? ورحمة الله عليهم أجمعين : ينبغي لمن تدبر ما رسمنا من فضائل أصحاب رسول الله ? وفضائل أهل بيته رضي الله عنهم أجمعين أن يحبهم ويترحم عليهم ويستغفر لهم ويتوسل إلى الله الكريم لهم أي بالدعاء والترحم والاستغفار والترضي ويشكر الله العظيم إذ وفقه لهذا ولا يذكر ما شجر بينهم ولا ينقر عنه ولا يبحث فإن عارضنا جاهل مفتون قد خطي به عن طريق الرشاد فقال : لم قاتل فلان لفلان ، ولم قتل فلان لفلان وفلان ؟!
قيل له : ما بنا وبك إلى ذكر هذا حاجة تنفعنا ولا تضرنا إلى علمها .
فإن قال قائل : ولم ؟
قيل : لأنها فتن شاهدها الصحابة رضي الله عنهم فكانوا فيها على حسب ما أراهم العلم بها وكانوا أعلم بتأويلها من غيرهم ، وكانوا أهدى سبيلاً ممن جاء بعدهم لأنهم أهل الجنة ، عليهم نزل القرآن وشاهدوا الرسول ? وجاهدوا معه وشهد لهم الله عز وجل بالرضوان والمغفرة والأجر العظيم وشهد لهم الرسول ? أنهم خير القرون فكانوا بالله عز وجل أعرف وبرسوله ? وبالقرآن وبالسنة ، ومنهم يؤخذ العلم وفي قولهم نعيش وبأحكامهم نحكم وبأدبهم نتأدب ولهم نتبع وبهذا أمرنا .
فإن قال قائل : وأيش الذي يضرنا من معرفتنا لما جرى بينهم والبحث عنه ؟
قيل له : لا شك فيه ، وذلك أن عقول القوم كانت أكبر من عقولنا وعقولنا أنقص بكثير ولا نأمن أن نبحث عما شجر بينهم فنزل عن طريق الحق ونتخلف عما أمرنا فيهم .
فإن قال قائل : وبم أمرنا فيهم ؟(1/234)
قيل : أمرنا بالاستغفار لهم والترحم عليهم والمحبة لهم والاتباع لهم دل على ذلك الكتاب والسنة وقول أئمة المسلمين وما بنا حاجة إلى ذكر ما جرى بينهم قد صحبوا الرسول ? وصاهرهم وصاهروه فبالصحبة له يغفر الله الكريم لهم وقد ضمن الله عز وجل لهم في كتابه ألا يخزي منهم واحدا وقد ذكر لنا الله تعالى في كتابه أن وصفهم في التوراة والإنجيل فوصفهم بأجمل الوصف ونعتهم بأحسن النعت وأخبرنا مولانا الكريم أنه قد تاب عليهم وإذا تاب عليهم لم يعذب واحدا منهم أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ? أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ? .
فإن قال قائل : إنما مرادي من ذلك لأن أكون عالماً بما جرى بينهم فأكون لم يذهب علي ما كانوا فيه لأني أحب ذلك ولا أجهله .
قيل له : أنت طالب فتنة لأنك تبحث عما يضرك ولا ينفعك ولو اشتغلت بإصلاح ما لله عز وجل عليك فيما تعبدك به من أداء فراضه واجتناب محارمه كان أولى بك وقيل له ولاسيما في زماننا هذا مع قبح ما قد ظهر فيه من الأهواء الضالة - فما يقول رحمه الله لو رأى ما يحدث ويقال في زمننا هذا - .
وقيل له : اشتغالك بمطعمك وملبسك من أين ؟ هو أولى بك ، وتمسكك بدرهمك من أين هو ؟ وفيم تنفقه ؟ أولى بك .
وقيل : لا نأمل أن تكون بتنقيرك وبحثك عما شجر بين القوم إلى أن يميل قلبك فتهوى ما يصلح لك أن تهواه ويلعب بك الشيطان فتسب وتبغض من أمرك الله بمحبته والاستغفار له وباتباعه ، فتزل عن طريق الحق وتسلك طريق الباطل .
فإن قال : فاذكر لنا من الكتاب والسنة عمن سلف من علماء المسلمين ما يدل على ما قلت لنرد نفوسنا عما تهواه من البحث عما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم .
قيل له : قد تقدم ذكرنا لما ذكرته مما فيه بلاغ وحجة لمن عقل ، ونعيد بعض ما ذكرناه ليتيقظ به المؤمن المسترشد إلى طريق الحق .(1/235)
قال الله عز وجل : ? محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلا من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار ? ثم وعدهم بعد ذلك المغفرة والأجر العظيم : ? وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً ? وقال الله عز وجل : ? لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين أتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم ? ، وقال الله عز وجل : ? والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين أتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه واعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم ? ، وقال عز وجل : ? يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبإيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير ? ، وقال الله عز وجل : ? كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون على المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن من أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ? ، وقال عز وجل : ? لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً ? ثم إن الله عز وجل أثنى على من جاء من بعد الصحابة فاستغفر للصحابة وسأل مولاه الكريم ألا يجعل في قلبه غلا لهم فأثنى الله عز وجل عليه بأحسن ما يكون من الثناء فقال عز وجل : ? والذين جاءوا من بعدهم .. ? إلى قوله :? رؤوف رحيم ? وقال النبي ? : « خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم » .(1/236)
وقال ابن مسعود : « إن الله عز وجل نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد ? خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه وبعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد ? فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد – يعني من غير الأنبياء والمرسلين كما هو معلوم – فجعلهم وزراء نبيه ? يقاتلون عن دينه » .
ثم قال الآجري رحمه الله : يقال : لمن سمع هذا من الله عز وجل ومن رسوله ? : إن كنت عبداً موفقاً للخير اتعظت بما وعظك الله عز وجل به وإن كنت متبعا لهواك خشيت عليك أن تكون ممن قال الله عز وجل فيهم : ? ومن أضل ممن أتبع هواه بغير هدى من الله ? ، وكنت ممن قال الله عز وجل ? ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ? .
ويقال له : من جاء إلى أصحاب رسول الله ? حتى يطعن في بعضهم ويهوى بعضهم ويذم بعضاً ويمدح بعضاً ، فهذا رجل طالب فتنة وفي الفتنة وقع لأنه واجب عليه محبة الجميع والاستغفار للجميع رضي الله عنهم ونفعنا بحبهم » .
( قال ابن قدامة المقدسي في « لمعة الاعتقاد » (150) : « ومن السنة تولي أصحاب رسول الله ? ومحبتهم وذكر محاسنهم والترحم عليهم والاستغفار لهم والكف عن ذكر مساوئهم وما شجر بينهم واعتقاد فضلهم ومعرفة سابقتهم قال الله تعالى : ? والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ? ، وقال تعالى : ? محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ? وقال النبي ? : « لا تسبوا أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه » .(1/237)
( قال النووي في « شرحه على مسلم » (18/219-220) : « ومذهب أهل السنة والحق إحسان الظن بهم والإمساك عما شجر بينهم وتأويل قتالهم وأنهم مجتهدون متأولون لم يقصدوا معصية ولا محض الدنيا بل اعتقد لك فريق أنه المحق ومخالفه باغ فوجب عليه قتاله ليرجع إلى الله وكان بعضهم مصيبا وبعضهم مخطئا معذورا في الخطأ لأنه اجتهاد والمجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه » .
( وقال شيخ الإسلام في « منهاج السنة » (4/448) : « كان من مذاهب أهل السنة الإمساك عما شجر بين الصحابة فإنه قد ثبت فضائلهم ووجبت موالاتهم ومحبتهم وما وقع منه ما يكون لهم فيه عذر يخفى على الإنسان ومنه ما تاب صاحبه منه ومنه ما يكون مغفوراً فالخوض فيما شجر يوقع في نفوس كثير من الناس بغضاً وذماً ، ويكون هو في ذلك مخطئاً ، بل عاصياً فيضر نفسه ومن خاض معه في ذلك كما جرى لأكثر من تكلم في ذلك فإنهم بكلام لا يحيه الله ولا رسوله إما من ذم من لا يستحق الذم وإما من مدح أمور لا تستحق المدح ولهذا كان الإمساك طريقة أفاضل السلف » .
( وقال أيضاً في « مجموع الفتاوى » (3/406) : « وكذلك نؤمن بالإمساك عما شجر بينهم ونعلم أن بعض المنقول في ذلك كذب وهم كانوا مجتهدين إما مصيبين لهم أجران أو مثابين على عملهم الصالح مغفور لهم خطؤهم وما كان لهم من السيئات وقد سبق لهم من الله الحسنى فإن الله يغفر لهم إما بتوبة أو بحسنات ماحية أو مصائب مكفرة وما شجر بينهم من خلاف فقد كانوا رضي الله عنهم يطالبون فيه الحق ويدافعون فيه عن الحق فاختلفت فيه اجتهاداتهم ولكنهم عند الله عز وجل من العدول المرضي عنهم ومن هنا كان منهج أهل السنة والجماعة هو حفظ اللسان عما شجر بينهم فلا نقول عنهم إلا خيرا ونتأول ونحاول أن نجد الأعذار للمخطئ منهم ولا نطعن في نياتهم فهي عند الله وقد أفضوا إلى ما قدموا فنترضى عنهم جميعا ونترحم عليهم ونحرص على أن تكون القلوب سليمة تجاههم » .(1/238)
( ويقول الإمام الذهبي رحمه الله في « السير » (10/92-93) : « كما تقرر الكف عن كثير مما شجر بينهم وقتالهم رضي الله عنهم أجمعين وما زال يمر بنا ذلك في الدواوين والكتب والأجزاء ولكن أكثر ذلك منقطع وضعيف وبعضه كذب ... فينبغي طيه وإخفاءه بل إعدامه لتصفوا القلوب وتتوفر على حب الصحابة والترضي عنهم وكتمان ذلك متعين عن العامة وآحاد العلماء ». إلى أن قال : « فأما ما نقله أهل البدع في كتبهم من ذلك فلا نعرج عليه ولا كرامة فأكثره باطل وكذب وافتراء » .
( وقال أيضاً في « السير » (3/128) : « فبالله كيف يكون حال من نشأ في إقليم لا يكاد يشاهد فيه إلا غالياً في الحب مفرطاً في البغض ومن أين يقع له الإنصاف والاعتدال ؟! فنحمد الله على العافية الذين أوجدنا في زمان قد أنمحص فيه الحق وأتضح من الطرفين وعرفنا مآخذ كل واحد من الطائفتين وتبصرنا فعذرنا واستغفرنا وأحببنا باقتصاد وترحمنا على البغاة بتأويل سائغ في الجملة أو بخطأ إن شاء الله مغفور وقلنا كما علمنا الله ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا وترضينا أيضا عمن اعتزل الفريقين كسعد بن أبي وقاص وابن عمر ومحمد بن مسلمة وسعيد بن زيد وخلق وتبرأنا من الخوارج الذين حاربوا علياً وكفروا الفريقين » .
( قال ابن حجر في « الفتح » (13/37) : « واتفق أهل السنة على وجوب منع الطعن على أحد من الصحابة بسبب ما وقع لهم من ذلك ولو عرف المحق منهم لأنهم لم يقاتلوا في تلك الحروب إلا عن اجتهاد وقد عفا الله تعالى عن المخطئ في الاجتهاد بل ثبت أنه يؤجر أجراً واحداً وأن المصيب يؤجر أجرين »
وهذه النقولات التي ذكرتها عن السلف وأهل العلم غيض من فيض وأكثر من أن تجمع وتحصر ولعل فيما نقل منها مقنع لمن طلب الحق ولم يتبع هواه والله الموعد .
الخاتمة
* أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه جاءت في فضله ومناقبه أدلة وهي تنقسم إلى قسمين :(1/239)
1- أدلة عامة : وهي التي جاءت من الكتاب والسنة في فضل عموم الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ولا ريب أن معاوية رضي الله عنه داخل في هذا الفضل .
وإلا فما الذي يخرجه رضي الله عنه من حد الصحبة ؟! وعموم هذه الأدلة ؟
وانظر كلام الإمام بن القيم في المنار المنيف صفحة ( 93) .
2- أدلة خاصة : جاءت في فضل معاوية بخصوصه ، وذكرها السلف في مناقبه .
ذكرتها تحت مبحث ( فضائل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ) (1) .
* لا يصح شيء في ذم معاوية رضي الله عنه .
والأدلة التي ذكرت في ذمه ، تنقسم إلى قسمين :
أدلة صحيحة لا تدل على ما ذهب إليه أهل البدع والأهواء !!
أدلة في ذم معاوية رضي الله عنه تكلف المالكي في تقويتها وتصحيحها وهي من منكرات وموضوعات .
ذكرتها تحت مبحث ( الجواب عن الأحاديث التي ذكرت في ذم معاوية رضي الله عنه ) (2) .
* هناك أباطيل قيلت في حق معاوية رضي الله عنه ويذكرها أهل البدع في كتبهم ، ويتولون بعضهم كبر جمعها ونشرها !!
وقد أجبت عنها تحت مبحث ( أباطيل قيلت في معاوية رضي الله عنه ) .
* اشتد نكير السلف رحمهم الله تعالى على من وقع في مسبة معاوية رضي الله عنه بالضرب وبالتعزير والتنكيل به ، وبهجره وعدم مجالسته ، وبعدم الصلاة خلفه ، وبذمه .
انظر بعض هذه الآثار تحت مبحث ( أقوال السلف فيمن سب معاوية رضي الله عنه ) .
* أن الأخبار التي جاءت فيما وقع بين الصحابة رضي الله عنهم تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
1- منها ما هو كذب وهو أكثرها .
2- منها ما قد زيد فيه ونقص وغير عن وجهته .
__________
(1) انظر الشريعة للآجري ( 5/1524) ، سير أعلام النبلاء ( 3/350) ، البداية والنهاية (11/449) ، تاريخ دمشق ( 59/79) .
(2) شرح النووي على مسلم ( 15/175) ، الفتاوى ( 14/431) ، المنار المنيف ( 94) .(1/240)
3- والصحيح منها هم فيه معذورون أما مجتهدون مصيبون وإما مجتهدون مخطئون ولهم رضي الله عنهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما صدر منهم (1) .
* واتفق أهل السنة على وجوب السكوت عما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم .
وأقوال أهل العلم وآثار السلف في ذلك أكثر من أن تحصر ، وأشهر من أن تعد ، وإن رغمت أنوف فقل يا رب لا ترغم سواها !!
وقد ذكرت بعضها تحت مبحث ( إجماع أهل السنة على وجوب السكوت عما شجر بين الصاحبة رضي الله عنهم ) .
وأختم بكلام للإمام الشوكاني رحمه الله في فتح القدير تفسير قوله تعالى : ? والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ... ?.
قال : (فمن لم يستغفر للصحابة على العموم ويطلب رضوان الله عليهم ، فقد خالف ما أمر الله به في هذه الآية فإن وجد في قلبه غلًا لهم فقد أصابه نزع من الشيطان ، وحل به وافر من عصيان الله بعداوة أولياءه وخير أمة نبيه ? ، وانفتح له باب من الخذلان يعذبه على نار جهنم إن لم يتدارك نفسه باللجوء إلى الله سبحانه والإستغاثة به ، بأن ينزع من قلبه ما طرقه من الغل لخير القرون وأشرف هذه الأمة) .
والله أعلم .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
__________
(1) الإبانة لابن بطة (294) , الفتاوى ( 14/431) ، سير أعلام النبلاء ( 10/92) .(1/241)