روايات صحيحة مختارة
من
رياض الصالحين
وحياة الصحابة
اعداد
مشروع الجليس الصالح
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبى بعده وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد,
فهذا كتاب مختصر جامع لأهم روايات كتاب رياض الصالحين وحياة الصحابة تم اختيارها بدقة وعناية من أصح الروايات التى نص العلماء على صحتها .
والهدف من ذلك التقريب والتيسير على المسلمين حتى تجتمع الأسرة والأخوة فى المسجد والعمل والمدرسة والرحلات على قراءة سنة النبى صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه رضوان الله عليهم ,فيقوم أحدهم بالقراءة والتعليق الإيمانى عليها ولايطيل حتى لايملوا ولكن يحرص على المداومة يوميا على ذلك حتى تنطبع تلك الروايات على قلوبهم ويتخلقوا بها فى حياتهم . ونسأل الله العلى العظيم ذا الجلال والإكرام أن يجزى كل من ساهم فى نشر هذا الكتاب بأى وسيلة وأن يعظم له الأجر والمثوبة ويتقبل منه ويجعله صدقة جارية له بعد مماته .
قال ابن القيم رحمه الله «فالدعوة الى الله تعالى هي وظيفة المرسلين واتباعهم، وهم خلفاء الرسل في اممهم والناس تبع لهم، والله سبحانه قد امر رسوله صلى الله عليه ان يبلغ ما انزل اليه، وضمن له حفظه وعصمته من الناس، وهكذا المبلغون عنه من امته لهم من حفظ الله وعصمته اياهم بحسب قيامهم بدينه وتبليغهم له، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتبليغ عنه ولو آية، ودعا لمن بلغ عنه ولو حديثًا. وتبليغ سنته الى الامة افضل من تبليغ السهام الى نحور العدو، لان ذلك التبليغ يفعله كثير من الناس، واما تبليغ السنن، فلا يقوم به الا ورثة الانبياء وخلفاؤهم في اممهم - جعلنا الله تعالى منهم بمنه وكرمه»(1)
روايات صحيحة مختارة
من
رياض الصالحين -
للإمام المحدّث الفقيه
أبي زكريا يحيى بن شرف بن النووي
بسم الله الرحمن الرحيم
1- باب الإخلاص وإحضار النية
__________
(1) جلاء الأفهام 581(1/1)
في جميع الأعمال والأقوال والأحوال البارزة والخفية
قَالَ اللهُ تَعَالَى : { وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } [ البينة : 5 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ } [ الحج : 37 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ } [ آل عمران : 29 ] .
(1)- وعن أمير المؤمِنين أبي حَفْصٍ عمرَ بنِ الخطابِ بنِ نُفَيْلِ بنِ عبدِ العُزّى بن رياحِ بنِ عبدِ اللهِ بن قُرْطِ بن رَزاحِ بنِ عدِي بنِ كعب بنِ لُؤَيِّ بنِ غالبٍ القُرشِيِّ العَدويِّ - رضي الله عنه - ، قالَ : سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يقُولُ : (( إنّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امرِىءٍ مَا نَوَى ، فَمَنْ كَانَتْ هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصيبُهَا ، أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكَحُهَا ، فَهِجْرَتُهُ إِلى مَا هَاجَرَ إِلَيْه )) . مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ . رَوَاهُ إمَامَا الْمُحَدّثِينَ ، أبُو عَبْدِ الله مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعيلَ بْن إبراهِيمَ بْن المُغيرَةِ بنِ بَرْدِزْبهْ الجُعْفِيُّ البُخَارِيُّ ، وَأَبُو الحُسَيْنِ مُسْلمُ بْنُ الحَجَّاجِ بْنِ مُسْلمٍ الْقُشَيريُّ النَّيْسَابُورِيُّ رضي اللهُ عنهما فِي صحيحيهما اللَّذَيْنِ هما أَصَحُّ الكُتبِ المصنفةِ .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 1/2 ( 1 ) ، ومسلم 6/48 ( 1907 ) .(1/2)
(1)- وعن أمِّ المؤمِنينَ أمِّ عبدِ اللهِ عائشةَ رضي الله عنها ، قالت : قالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((يغْزُو جَيْشٌ الْكَعْبَةَ فإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الأَرضِ يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وآخِرِهِمْ )) . قَالَتْ : قلتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ،كَيْفَ يُخْسَفُ بأوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ وَفِيهمْ أسْوَاقُهُمْ(2) وَمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ ؟! قَالَ : (( يُخْسَفُ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيّاتِهمْ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . هذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ .
(3)- وعن عائِشةَ رضيَ اللهُ عنها ، قَالَتْ : قَالَ النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ(4) فانْفِرُوا )) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَمَعناهُ : لا هِجْرَةَ مِنْ مَكّةَ لأَنَّهَا صَارَتْ دَارَ إسلاَمٍ .
(5)- وعن أبي عبدِ اللهِ جابر بن عبدِ اللهِ الأنصاريِّ رَضي اللهُ عنهما ، قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في غَزَاةٍ ، فَقالَ : (( إِنَّ بالمدِينَةِ لَرِجَالاً ما سِرْتُمْ مَسِيراً ، وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِياً ، إلاَّ كَانُوا مَعَكمْ حَبَسَهُمُ الْمَرَضُ )) . وَفي روَايَة : (( إلاَّ شَرَكُوكُمْ في الأجْرِ )) رواهُ مسلمٌ .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 3/86 ( 2118 ) ، ومسلم 8/168 ( 2884 ) . الألفاظ مختلفة والمعنى واحد .
(2) السوقة من الناس : الرعية ومن دون الملك ومن لم يكن ذا سلطان ، والذكر والأنثى فيه سواء . اللسان 6/437 ( سوق ) .
(3) - أخرجه : البخاري 5/72 ( 3900 ) ، ومسلم 6/28 ( 1864 ) .
(4) الاستنفار : الاستنجاد والاستنصار : أي إذا طلب منكم النصرة فأجيبوا وانفروا خارجين إلى الإعانة . النهاية 5/95.
(5) - أخرجه : مسلم 6/49 ( 1911 ) من حديث جابر بن عبد الله .
وأخرجه : البخاري 4/31 ( 2838 ) من حديث أنس .(1/3)
ورواهُ البخاريُّ عن أنسٍ - رضي الله عنه - ، قَالَ : رَجَعْنَا مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : (( إنَّ أقْواماً خَلْفَنَا بالْمَدِينَةِ مَا سَلَكْنَا شِعْباً(1) وَلاَ وَادياً ، إلاّ وَهُمْ مَعَنَا ؛ حَبَسَهُمُ العُذْرُ )) .
(2)- وعن أبي يَزيدَ مَعْنِ بنِ يَزيدَ بنِ الأخنسِ - رضي الله عنهم - ، وهو وأبوه وَجَدُّه صحابيُّون ، قَالَ : كَانَ أبي يَزيدُ أخْرَجَ دَنَانِيرَ يَتَصَدَّقُ بِهَا ، فَوَضعَهَا عِنْدَ رَجُلٍ في الْمَسْجِدِ ، فَجِئْتُ فأَخذْتُها فَأَتَيْتُهُ بِهَا . فقالَ : واللهِ ، مَا إيَّاكَ أرَدْتُ ، فَخَاصَمْتُهُ إِلى رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فقَالَ : (( لكَ مَا نَوَيْتَ يَا يزيدُ ، ولَكَ ما أخَذْتَ يَا مَعْنُ )) رواهُ البخاريُّ .
__________
(1) الشِّعب : ما انفرج بين جبلين . اللسان 7/126 ( شعب ) .
(2) - أخرجه : البخاري 2/138 ( 1422 ) .(1/4)
(1)- وعن أبي إسحاقَ سَعدِ بنِ أبي وَقَّاصٍ مالِكِ بنِ أُهَيْب بنِ عبدِ منافِ بنِ زُهرَةَ بنِ كلابِ بنِ مُرَّةَ بنِ كعبِ بنِ لُؤيٍّ القُرشِيِّ الزُّهريِّ - رضي الله عنه - ، أَحَدِ العَشَرَةِ المشهودِ لهم بالجنةِ - رضي الله عنهم - ، قَالَ : جاءنِي رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بي ، فقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ، إنِّي قَدْ بَلَغَ بي مِنَ الوَجَعِ مَا تَرَى ، وَأَنَا ذُو مالٍ وَلا يَرِثُني إلا ابْنَةٌ لي ، أفأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي ؟ قَالَ: (( لا )) ، قُلْتُ : فالشَّطْرُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ فقَالَ : (( لا )) ، قُلْتُ : فالثُّلُثُ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : (( الثُّلُثُ والثُّلُثُ كَثيرٌ - أَوْ كبيرٌ - إنَّكَ إنْ تَذَرْ وَرَثَتَكَ أغنِيَاءَ خيرٌ مِنْ أنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً(2) يتكفَّفُونَ النَّاسَ ، وَإنَّكَ لَنْ تُنفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغي بِهَا وَجهَ اللهِ إلاَّ أُجِرْتَ عَلَيْهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ في فِيِّ امْرَأَتِكَ )) ، قَالَ : فَقُلتُ : يَا رسولَ اللهِ ، أُخلَّفُ(3) بعدَ أصْحَابي ؟ قَالَ : (( إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعملَ عَمَلاً تَبتَغي بِهِ وَجْهَ اللهِ إلاَّ ازْدَدتَ بِهِ دَرَجةً ورِفعَةً ، وَلَعلَّكَ أنْ تُخَلَّفَ حَتّى يَنتَفِعَ بِكَ أقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخرونَ . اللَّهُمَّ أَمْضِ لأصْحَابي هِجْرَتَهُمْ ولاَ تَرُدَّهُمْ عَلَى أعقَابهمْ ، لكنِ البَائِسُ سَعدُ بْنُ خَوْلَةَ )) يَرْثي لَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنْ ماتَ بمَكَّة . مُتَّفَقٌ عليهِ .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 1/22 ( 56 ) ، ومسلم 5/71 ( 1628 ) ( 5 ) .
(2) جمع عائل ، وهو الفقير . النهاية 3/323 .
(3) التخلف : التأخر . النهاية 2/67 .(1/5)
(1)- وعنْ أبي هريرةَ عبدِ الرحمانِ بنِ صخرٍ - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إنَّ الله لا ينْظُرُ إِلى أجْسَامِكُمْ ، ولا إِلى صُوَرِكمْ ، وَلَكن ينْظُرُ إلى قُلُوبِكمْ وأعمالكم )) رواه مسلم .
(2)- وعن أبي موسى عبدِ اللهِ بنِ قيسٍ الأشعريِّ - رضي الله عنه - ، قَالَ : سُئِلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الرَّجُلِ يُقاتلُ شَجَاعَةً ، ويُقَاتِلُ حَمِيَّةً، ويُقَاتِلُ رِيَاءً، أَيُّ ذلِكَ في سبيلِ الله ؟ فقال رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ قَاتَلَ لِتَكونَ كَلِمَةُ اللهِ هي العُلْيَا ، فَهوَ في سبيلِ اللهِ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(3)- وعن أبي بَكرَةَ نُفيع بنِ الحارثِ الثقفيِّ - رضي الله عنه - : أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( إِذَا التَقَى المُسلِمَان بسَيْفَيهِمَا فالقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ في النّارِ )) قُلتُ : يا رَسُولَ اللهِ ، هذا القَاتِلُ فَمَا بَالُ المقْتُولِ؟ قَالَ : (( إنَّهُ كَانَ حَريصاً عَلَى قتلِ صَاحِبهِ )) مُتَّفَقٌ عليهِ .
__________
(1) - اخرجه : مسلم 8/11 ( 2564 ) ( 34 ) .
(2) - أخرجه: البخاري 1/42 ( 123 )، ومسلم 6/46 ( 1904 ) ( 149 ) و( 150 ).
(3) - أخرجه : البخاري 1/14 ( 31 ) ، ومسلم 8/169 ( 2888 ) ( 14 ) و( 15 ) .(1/6)
(1)- وعن أبي هريرةَ - رضي الله عنه - ، قَالَ : قالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( صَلاةُ الرَّجلِ في جمَاعَةٍ تَزيدُ عَلَى صَلاتهِ في سُوقِهِ وبيتهِ بضْعاً(2) وعِشرِينَ دَرَجَةً ، وَذَلِكَ أنَّ أَحدَهُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضوءَ ، ثُمَّ أَتَى المَسْجِدَ لا يُرِيدُ إلاَّ الصَّلاةَ ، لاَ يَنْهَزُهُ إِلاَّ الصَلاةُ : لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إِلاَّ رُفِعَ لَهُ بِهَا دَرجَةٌ ، وَحُطَّ عَنْهُ بها خَطِيئَةٌ حَتَّى يَدْخُلَ المَسْجِدَ ، فإِذا دَخَلَ المَسْجِدَ كَانَ في الصَّلاةِ مَا كَانَتِ الصَّلاةُ هِي تَحْبِسُهُ ، وَالمَلائِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ في مَجْلِسِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ ، يَقُولُونَ : اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ ، اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيهِ ، مَا لَم يُؤْذِ فيه ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ)). مُتَّفَقٌ عليه ، وهذا لفظ مسلم .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( يَنْهَزُهُ )) هُوَ بِفَتْحِ اليَاءِ والْهَاءِ وبالزَّايِ : أَيْ يُخْرِجُهُ ويُنْهضُهُ .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 1/129 ( 477 ) ، ومسلم 2/128 ( 649 ) ( 272 ) و( 273 ) .
(2) البضع : في العدد بالكسر وقد يفتح ما بين الثلاث إلى التسع . وقيل : ما بين الواحد إلى العشرة ، لأنه قطعة من العدد . النهاية 1/132 .(1/7)
(1)- وعن أبي العبَّاسِ عبدِ اللهِ بنِ عباسِ بنِ عبد المطلب رضِيَ اللهُ عنهما ، عن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فيما يروي عن ربهِ ، تباركَ وتعالى ، قَالَ : (( إنَّ اللهَ كَتَبَ الحَسَنَاتِ والسَّيِّئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذلِكَ ، فَمَنْ هَمَّ(2) بحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَها اللهُ تَبَارَكَ وتَعَالى عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً ،وَإنْ هَمَّ بهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ عَشْرَ حَسَناتٍ إِلى سَبْعمئةِ ضِعْفٍ إِلى أَضعَافٍ كَثيرةٍ ، وإنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ تَعَالَى عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلةً ، وَإنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً )) مُتَّفَقٌ عليهِ .
(3)- وعن أبي عبد الرحمان عبدِ الله بنِ عمرَ بن الخطابِ رضيَ اللهُ عنهما ، قَالَ : سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( انطَلَقَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ(4) مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى آوَاهُمُ المَبيتُ إِلى غَارٍ فَدَخلُوهُ، فانْحَدرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الغَارَ ، فَقالُوا : إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ هذِهِ الصَّخْرَةِ إِلاَّ أنْ تَدْعُوا اللهَ بصَالِحِ أعْمَالِكُمْ .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 8/128 ( 6491 ) ، ومسلم 1/83 ( 131 ) ( 207 ) و( 208 ) .
(2) همّ بالأمر يهمّ ، إذا عزم عليه . النهاية 5/274 .
(3) - أخرجه : البخاري 3/104 ( 2215 ) ، ومسلم 8/89 ( 2743 ) ( 100 ) .
(4) نفر : هو اسم جمع ، يقع على جماعة الرجال خاصة ما بين الثلاثة إلى العشرة ، ولا واحد له من لفظه . النهاية 5/93 .(1/8)
قَالَ رجلٌ مِنْهُمْ : اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوانِ شَيْخَانِ كبيرانِ ، وكُنْتُ لا أغْبِقُ(1) قَبْلَهُمَا أهْلاً ولاَ مالاً ، فَنَأَى(2) بِي طَلَب الشَّجَرِ يَوْماً فلم أَرِحْ عَلَيْهمَا حَتَّى نَامَا ، فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا فَوَجَدْتُهُما نَائِمَينِ ، فَكَرِهْتُ أنْ أُوقِظَهُمَا وَأَنْ أغْبِقَ قَبْلَهُمَا أهْلاً أو مالاً ، فَلَبَثْتُ - والْقَدَحُ عَلَى يَدِي - أنتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُما حَتَّى بَرِقَ الفَجْرُ والصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ(3) عِنْدَ قَدَميَّ ، فاسْتَيْقَظَا فَشَرِبا غَبُوقَهُما . اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلِكَ ابِتِغَاء وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هذِهِ الصَّخْرَةِ ، فانْفَرَجَتْ شَيْئاً لا يَسْتَطيعُونَ الخُروجَ مِنْهُ .
__________
(1) لا أغبق : أي ما كنت أقدم عليهما أحداً في شرب نصيبهما من اللبن الذي يشربانه . والغبوق شرب آخر النهار مقابل الصبوح . النهاية 3/341 .
(2) نأى : بَعُد .
(3) أي : يتصايحون ويبكون .(1/9)
قَالَ الآخر : اللَّهُمَّ إنَّهُ كانَتْ لِيَ ابْنَةُ عَمّ ، كَانَتْ أَحَبَّ النّاسِ إليَّ - وفي رواية : كُنْتُ أُحِبُّها كأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النساءَ - فأَرَدْتُهَا عَلَى نَفْسِهَا(1) فامْتَنَعَتْ منِّي حَتَّى أَلَمَّتْ بها سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ فَجَاءتْنِي فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمئةَ دينَارٍ عَلَى أنْ تُخَلِّيَ بَيْني وَبَيْنَ نَفْسِهَا فَفعَلَتْ ، حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا - وفي رواية : فَلَمَّا قَعَدْتُ بَينَ رِجْلَيْهَا ، قالتْ : اتَّقِ اللهَ وَلاَ تَفُضَّ الخَاتَمَ إلاّ بِحَقِّهِ(2) ، فَانصَرَفْتُ عَنْهَا وَهيَ أَحَبُّ النَّاسِ إليَّ وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أعْطَيتُها . اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلِكَ ابْتِغاءَ وَجْهِكَ فافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فيهِ ، فانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ ، غَيْرَ أَنَّهُمْ لا يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ مِنْهَا .
وَقَالَ الثَّالِثُ : اللَّهُمَّ اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ وأَعْطَيْتُهُمْ أجْرَهُمْ غيرَ رَجُل واحدٍ تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهبَ، فَثمَّرْتُ أجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنهُ الأمْوَالُ، فَجَاءنِي بَعدَ حِينٍ ، فَقالَ : يَا عبدَ اللهِ ، أَدِّ إِلَيَّ أجْرِي ، فَقُلْتُ : كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أجْرِكَ : مِنَ الإبلِ وَالبَقَرِ والْغَنَمِ والرَّقيقِ ، فقالَ : يَا عبدَ اللهِ ، لاَ تَسْتَهْزِىءْ بي ! فَقُلْتُ : لاَ أسْتَهْزِئ بِكَ ، فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فاسْتَاقَهُ فَلَمْ يتْرُكْ مِنهُ شَيئاً . الَّلهُمَّ إنْ كُنتُ فَعَلْتُ ذلِكَ ابِتِغَاءَ وَجْهِكَ فافْرُجْ عَنَّا مَا نَحنُ فِيهِ ، فانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ فَخَرَجُوا
__________
(1) كناية عن الجماع .
(2) الفض : الكسر والفتح ، والخاتم كناية عن الفرج وعذرة البكارة ، وحقه التزويج المشروع . دليل الفالحين 1/84.(1/10)
يَمْشُونَ ))(1) مُتَّفَقٌ عليهِ .
2- باب التوبة
قَالَ العلماءُ : التَّوْبَةُ وَاجبَةٌ مِنْ كُلِّ ذَنْب ، فإنْ كَانتِ المَعْصِيَةُ بَيْنَ العَبْدِ وبَيْنَ اللهِ تَعَالَى لاَ تَتَعلَّقُ بحقّ آدَمِيٍّ فَلَهَا ثَلاثَةُ شُرُوط :
أحَدُها : أنْ يُقلِعَ عَنِ المَعصِيَةِ .
والثَّانِي : أَنْ يَنْدَمَ عَلَى فِعْلِهَا .
والثَّالثُ : أنْ يَعْزِمَ أَنْ لا يعُودَ إِلَيْهَا أَبَداً . فَإِنْ فُقِدَ أَحَدُ الثَّلاثَةِ لَمْ تَصِحَّ تَوبَتُهُ.
وإنْ كَانَتِ المَعْصِيةُ تَتَعَلقُ بآدَمِيٍّ فَشُرُوطُهَا أرْبَعَةٌ : هذِهِ الثَّلاثَةُ ، وأنْ يَبْرَأ مِنْ حَقّ صَاحِبِها، فَإِنْ كَانَتْ مالاً أَوْ نَحْوَهُ رَدَّهُ إِلَيْه ، وإنْ كَانَت حَدَّ قَذْفٍ ونَحْوَهُ مَكَّنَهُ مِنْهُ أَوْ طَلَبَ عَفْوَهُ ، وإنْ كَانْت غِيبَةً استَحَلَّهُ مِنْهَا . ويجِبُ أنْ يَتُوبَ مِنْ جميعِ الذُّنُوبِ ، فَإِنْ تَابَ مِنْ بَعْضِها صَحَّتْ تَوْبَتُهُ عِنْدَ أهْلِ الحَقِّ مِنْ ذلِكَ الذَّنْبِ وبَقِيَ عَلَيهِ البَاقي . وَقَدْ تَظَاهَرَتْ دَلائِلُ الكتَابِ والسُّنَّةِ ، وإجْمَاعِ الأُمَّةِ عَلَى وُجوبِ التَّوبةِ .
قَالَ الله تَعَالَى : { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ النور: 31]، وَقالَ تَعَالَى : { اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ } [ هود : 3 ] ، وَقالَ تَعَالَى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحا } [ التحريم : 8 ].
__________
(1) في الحديث : استحباب الدعاء حال الكرب والتوسل بصالح العمل ، وفيه فضيلة بر الوالدين وفضل خدمتهما وإيثارهما على من سواهما ، وفيه فضل العفاف ، وفيه فضل حسن العهد وأداء الأمانة والسماحة في المعاملة وإثبات كرامات الأولياء وهو مذهب أهل الحق .
انظر : دليل الفالحين 1/86 .(1/11)
(1)- وعن أبي هريرةَ - رضي الله عنه - ، قَالَ : سمعْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( والله إنِّي لأَسْتَغْفِرُ الله وأَتُوبُ إِلَيْه في اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً )) رواه البخاري .
(2)- وعن الأَغَرِّ بنِ يسار المزنِيِّ - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، تُوبُوا إِلى اللهِ واسْتَغْفِرُوهُ ، فإنِّي أتُوبُ في اليَومِ مئةَ مَرَّةٍ )) رواه مسلم .
(3)- وعن أبي حمزةَ أنسِ بنِ مالكٍ الأنصاريِّ- خادِمِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : ((للهُ أفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ سَقَطَ عَلَى بَعِيرهِ وقد أضلَّهُ في أرضٍ فَلاةٍ(4))) مُتَّفَقٌ عليه .
وفي رواية لمُسْلمٍ : (( للهُ أَشَدُّ فَرَحاً بِتَوبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يتوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتهِ بأرضٍ فَلاةٍ ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابهُ فأَيِسَ مِنْهَا ، فَأَتى شَجَرَةً فاضطَجَعَ في ظِلِّهَا وقد أيِسَ مِنْ رَاحلَتهِ ، فَبَينَما هُوَ كَذَلِكَ إِذْ هُوَ بِها قائِمَةً عِندَهُ ، فَأَخَذَ بِخِطامِهَا(5) ، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الفَرَحِ : اللَّهُمَّ أنْتَ عَبدِي وأنا رَبُّكَ ! أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الفَرَحِ )) .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 8/83 ( 6307 ) .
(2) - أخرجه : مسلم 8/72 ( 2702 ) ( 41 ) و( 42 ) .
(3) - أخرجه : البخاري 8/84 ( 6309 ) ، ومسلم 8/93 ( 2747 ) ( 7 ) و( 8 ) .
(4) الفلاة : الصحراء الواسعة . اللسان 10/330 ( فلا ) .
(5) الخطام : الحبل الذي يقاد به البعير . اللسان 4/145 ( خطم ) .(1/12)
(1)- وعن أبي موسَى عبدِ اللهِ بنِ قَيسٍ الأشْعريِّ - رضي الله عنه - ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ،قَالَ : (( إنَّ الله تَعَالَى يَبْسُطُ يَدَهُ بالليلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ ، ويَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيلِ ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِها )) رواه مسلم .
(2)- وعن أبي هُريرةَ - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ تَابَ قَبْلَ أنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِها تَابَ اللهُ عَلَيهِ )) رواه مسلم .
(3)- وعن أبي عبد الرحمان عبد الله بنِ عمَرَ بنِ الخطابِ رضيَ اللهُ عنهما ، عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ : (( إِنَّ الله - عز وجل - يَقْبَلُ تَوبَةَ العَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ(4) )) رواه الترمذي، وَقالَ : ((حديث حسن )).
(5)
__________
(1) - أخرجه : مسلم 8/99 – 100 ( 2759 ) .
(2) - أخرجه : مسلم 8/73 ( 2703 ) .
(3) - أخرجه : ابن ماجه ( 4253 ) ، والترمذي ( 3537 ) .
(4) أي ما لم تبلغ روحه حلقومه . النهاية 3/360 .
(5) - أخرجه : ابن ماجه ( 226 ) ، والترمذي ( 3535 ) ، والنسائي 1/83 و98 .
الروايات مطولة ومختصرة .(1/13)
- وعن زِرِّ بن حُبَيْشٍ ، قَالَ : أَتَيْتُ صَفْوَانَ بْنَ عَسَّالٍ - رضي الله عنه - أسْألُهُ عَن الْمَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ ، فَقالَ : ما جاءَ بكَ يَا زِرُّ ؟ فقُلْتُ : ابتِغَاء العِلْمِ ، فقالَ : إنَّ المَلائكَةَ تَضَعُ أجْنِحَتَهَا لطَالبِ العِلْمِ رِضىً بِمَا يطْلُبُ . فقلتُ : إنَّهُ قَدْ حَكَّ في صَدْري المَسْحُ عَلَى الخُفَّينِ بَعْدَ الغَائِطِ والبَولِ ، وكُنْتَ امْرَءاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَجئتُ أَسْأَلُكَ هَلْ سَمِعْتَهُ يَذكُرُ في ذلِكَ شَيئاً ؟ قَالَ : نَعَمْ ، كَانَ يَأْمُرُنا إِذَا كُنَّا سَفراً - أَوْ مُسَافِرينَ - أنْ لا نَنْزعَ خِفَافَنَا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيالِيهنَّ إلاَّ مِنْ جَنَابَةٍ ، لكنْ مِنْ غَائطٍ وَبَولٍ ونَوْمٍ . فقُلْتُ : هَلْ سَمِعْتَهُ يَذْكرُ في الهَوَى شَيئاً ؟ قَالَ : نَعَمْ ، كُنّا مَعَ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في سَفَرٍ ، فبَيْنَا نَحْنُ عِندَهُ إِذْ نَادَاه أَعرابيٌّ بصَوْتٍ لَهُ جَهْوَرِيٍّ(1) : يَا مُحَمَّدُ ، فأجابهُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - نَحْواً مِنْ صَوْتِه : (( هَاؤُمْ(2) )) فقُلْتُ لَهُ : وَيْحَكَ (3) ! اغْضُضْ مِنْ صَوتِكَ فَإِنَّكَ عِنْدَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - ، وَقَدْ نُهِيتَ عَنْ هذَا ! فقالَ : والله لاَ
__________
(1) أي عالي شديد . النهاية 1/321 .
(2) بمعنى تعال وبمعنى خذ ، ويقال للجماعة . وإنما رفع صوته عليه الصلاة والسلام من طريق الشفقة عليه ، لئلا يحبط عمله من قوله تعالى : { لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيّ } [ الحجرات : 2 ] فعذره لجهله ، ورفع النبي - صلى الله عليه وسلم - صوته حتى كان مثل صوته أو فوقه ، لفرط رأفته به . النهاية 5/284 .
(3) ويح : كلمة ترحم وتوجع ، تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها ، وقد يقال بمعنى المدح والتعجب . النهاية 5/235 .(1/14)
أغْضُضُ . قَالَ الأعرَابيُّ : المَرْءُ يُحبُّ القَوْمَ وَلَمَّا يلْحَقْ بِهِمْ ؟ قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : (( المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ يَومَ القِيَامَةِ )) . فَمَا زَالَ يُحَدِّثُنَا حَتَّى ذَكَرَ بَاباً مِنَ المَغْرِبِ مَسيرَةُ عَرْضِهِ أَوْ يَسِيرُ الرَّاكبُ في عَرْضِهِ أرْبَعينَ أَوْ سَبعينَ عاماً – قَالَ سُفْيانُ أَحدُ الرُّواةِ : قِبَلَ الشَّامِ – خَلَقَهُ الله تَعَالَى يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاواتِ والأَرْضَ مَفْتوحاً للتَّوْبَةِ لا يُغْلَقُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْهُ. رواه الترمذي وغيره، وَقالَ: ((حديث حسن صحيح)).(1/15)
(1)- وعن أبي سَعيد سَعْدِ بنِ مالكِ بنِ سِنَانٍ الخدريِّ - رضي الله عنه - : أنّ نَبِيَّ الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وتِسْعينَ نَفْساً ، فَسَأَلَ عَنْ أعْلَمِ أَهْلِ الأرضِ ، فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ ، فَأَتَاهُ . فقال : إنَّهُ قَتَلَ تِسعَةً وتِسْعِينَ نَفْساً فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوبَةٍ ؟ فقالَ : لا ، فَقَتَلهُ فَكَمَّلَ بهِ مئَةً ، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرضِ ، فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ . فقَالَ : إِنَّهُ قَتَلَ مِئَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ فقالَ : نَعَمْ ، ومَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وبَيْنَ التَّوْبَةِ ؟ انْطَلِقْ إِلى أرضِ كَذَا وكَذَا فإِنَّ بِهَا أُناساً يَعْبُدُونَ الله تَعَالَى فاعْبُدِ الله مَعَهُمْ ، ولاَ تَرْجِعْ إِلى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أرضُ سُوءٍ، فانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ ، فاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ ومَلائِكَةُ العَذَابِ . فَقَالتْ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ : جَاءَ تَائِباً ، مُقْبِلاً بِقَلبِهِ إِلى اللهِ تَعَالَى ، وقالتْ مَلائِكَةُ العَذَابِ : إنَّهُ لمْ يَعْمَلْ خَيراً قَطُّ ، فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ في صورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ
- أيْ حَكَماً - فقالَ : قِيسُوا ما بينَ الأرضَينِ فَإلَى أيّتهما كَانَ أدنَى فَهُوَ لَهُ . فَقَاسُوا فَوَجَدُوهُ أدْنى إِلى الأرْضِ التي أرَادَ ، فَقَبَضَتْهُ مَلائِكَةُ الرَّحمةِ )) مُتَّفَقٌ عليه .
وفي رواية في الصحيح : (( فَكَانَ إلى القَريَةِ الصَّالِحَةِ أقْرَبَ بِشِبْرٍ فَجُعِلَ مِنْ أهلِهَا )) .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 4/211 ( 3470 ) ، ومسلم 8/103 ( 2766 ) ( 46 ) و( 47 ) و( 48 ).(1/16)
وفي رواية في الصحيح : (( فَأَوحَى الله تَعَالَى إِلى هذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي ، وإِلَى هذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي ، وقَالَ : قِيسُوا مَا بيْنَهُما ، فَوَجَدُوهُ إِلى هذِهِ أَقْرَبَ بِشِبْرٍ فَغُفِرَ لَهُ )) . وفي رواية : (( فَنَأى بصَدْرِهِ نَحْوَهَا )) .
(1)- وعن عبدِ الله بن كعبِ بنِ مالكٍ ، وكان قائِدَ كعبٍ - رضي الله عنه - مِنْ بَنِيهِ حِينَ عمِيَ ، قَالَ : سَمِعتُ كَعْبَ بنَ مالكٍ - رضي الله عنه - يُحَدِّثُ بحَديثهِ حينَ تَخلَّفَ عن رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في غَزْوَةِ تَبُوكَ . قَالَ كعبٌ : لَمْ أتَخَلَّفْ عَنْ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في غَزْوَةٍ غزاها قط إلا في غزوة تَبُوكَ ، غَيْرَ أنّي قَدْ تَخَلَّفْتُ في غَزْوَةِ بَدْرٍ ، ولَمْ يُعَاتَبْ أَحَدٌ تَخَلَّفَ عَنْهُ ؛ إِنَّمَا خَرَجَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - والمُسْلِمُونَ يُريدُونَ عِيرَ(2) قُرَيْشٍ حَتَّى جَمَعَ الله تَعَالَى بَيْنَهُمْ وبَيْنَ عَدُوِّهمْ عَلَى غَيْر ميعادٍ . ولَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لَيلَةَ العَقَبَةِ حينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الإِسْلامِ ، وما أُحِبُّ أنَّ لي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ ، وإنْ كَانَتْ بدرٌ أذْكَرَ في النَّاسِ مِنْهَا . وكانَ مِنْ خَبَري حينَ تَخَلَّفْتُ عَنْ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في غَزْوَةِ تَبُوكَ أنِّي لم أكُنْ قَطُّ أَقْوى ولا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عنْهُ في تِلكَ الغَزْوَةِ ، وَالله ما جَمَعْتُ قَبْلَهَا رَاحِلَتَيْنِ قَطُّ حَتَّى جَمَعْتُهُمَا في تِلْكَ الغَزْوَةِ وَلَمْ يَكُنْ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُريدُ غَزْوَةً إلاَّ وَرَّى(3)
__________
(1) - أخرجه : البخاري 6/3 ( 4418 ) ، ومسلم 8/105 ( 2769 ) ( 53 ) و( 54 ) و( 55 ) .
(2) العِير : الإبل بأحمالها . النهاية 3/329 .
(3) أي ستره وكنى عنه ، وأوهم أنه يريد غيره . النهاية 5/177 .(1/17)
بِغَيرِها حَتَّى كَانَتْ تلْكَ الغَزْوَةُ ، فَغَزَاها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في حَرٍّ شَديدٍ ، واسْتَقْبَلَ سَفَراً بَعِيداً وَمَفَازاً ، وَاستَقْبَلَ عَدَداً كَثِيراً ، فَجَلَّى للْمُسْلِمينَ أمْرَهُمْ ليتَأهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهمْ فأَخْبرَهُمْ بوَجْهِهِمُ الَّذِي يُريدُ، والمُسلِمونَ مَعَ رسولِ الله كثيرٌ وَلاَ يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ ( يُريدُ بذلِكَ الدّيوَانَ(1) ) قَالَ كَعْبٌ : فَقَلَّ رَجُلٌ يُريدُ أنْ يَتَغَيَّبَ إلاَّ ظَنَّ أنَّ ذلِكَ سيخْفَى بِهِ ما لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْيٌ مِنَ الله ، وَغَزا رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - تِلْكَ الغَزوَةَ حِينَ طَابَت الثِّمَارُ وَالظِّلالُ ، فَأنَا إلَيْهَا أصْعَرُ(2) ، فَتَجَهَّزَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَالمُسْلِمُونَ مَعَهُ وطَفِقْتُ أغْدُو لكَيْ أتَجَهَّزَ مَعَهُ ، فأرْجِعُ وَلَمْ أقْضِ شَيْئاً ، وأقُولُ في نفسي : أنَا قَادرٌ عَلَى ذلِكَ إِذَا أَرَدْتُ ، فَلَمْ يَزَلْ يَتَمادى بي حَتَّى اسْتَمَرَّ بالنَّاسِ الْجِدُّ ، فأصْبَحَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - غَادياً والمُسْلِمُونَ مَعَهُ وَلَمْ أقْضِ مِنْ جِهَازي شَيْئاً ، ثُمَّ غَدَوْتُ فَرَجَعْتُ وَلَمْ أقْضِ شَيئاً ، فَلَمْ يَزَلْ يَتَمَادَى بي حَتَّى أسْرَعُوا وتَفَارَطَ الغَزْوُ ، فَهَمَمْتُ أنْ أرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ ، فَيَا لَيْتَني فَعَلْتُ ، ثُمَّ لم يُقَدَّرْ ذلِكَ لي ، فَطَفِقْتُ إذَا خَرَجْتُ في النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَحْزُنُنِي أنِّي لا أرَى لي أُسْوَةً ، إلاّ رَجُلاً مَغْمُوصَاً(3)
__________
(1) الديوان : هو الدفتر الذي يكتب فيه أسماء الجيش وأهل العطاء ، وأول من دوّن الدواوين عمر - رضي الله عنه - . النهاية 2/150 .
(2) أي أميل . النهاية 3/31 .
(3) أي مطعوناً في دينه متهماً بالنفاق . النهاية 3/386(1/18)
عَلَيْهِ في النِّفَاقِ ، أوْ رَجُلاً مِمَّنْ عَذَرَ اللهُ تَعَالَى مِنَ الضُّعَفَاءِ ، وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ ، فَقَالَ وَهُوَ جَالِسٌ في القَوْمِ بِتَبُوكَ : (( ما فَعَلَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ؟ )) فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ : يا رَسُولَ اللهِ ، حَبَسَهُ بُرْدَاهُ والنَّظَرُ في عِطْفَيْهِ(1) . فَقَالَ لَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ - رضي الله عنه - : بِئْسَ مَا قُلْتَ ! واللهِ يا رَسُولَ اللهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إلاَّ خَيْرَاً ، فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - . فَبَيْنَا هُوَ عَلى ذَلِكَ رَأى رَجُلاً مُبْيِضاً يَزُولُ بِهِ السَّرَابُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : (( كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ )) ، فَإذَا هُوَ أبُو خَيْثَمَةَ الأنْصَارِيُّ وَهُوَ الَّذِي تَصَدَّقَ بِصَاعِ التَّمْرِ حِيْنَ لَمَزَهُ المُنَافِقُونَ .
__________
(1) البرود ثياب من اليمن فيها خطوط . وعطفاه جانباه وهي كناية عن العجب . انظر : دليل الفالحين 1/125 .(1/19)
قَالَ كَعْبٌ : فَلَمَّا بَلَغَنِي أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ تَوَجَّهَ قَافِلاً مِنْ تَبُوكَ حَضَرَنِي بَثِّي ، فَطَفِقْتُ أتَذَكَّرُ الكَذِبَ وأقُولُ : بِمَ أخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ غَدَاً ؟ وأسْتَعِيْنُ عَلى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رأْيٍ مِنْ أهْلِي ، فَلَمَّا قِيْلَ : إنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قّدْ أظَلَّ قَادِمَاً ، زَاحَ عَنّي البَاطِلُ حَتَّى عَرَفْتُ أَنِّي لَنْ أَنْجُوَ مِنْهُ بِشَيءٍ أَبَداً ، فَأجْمَعْتُ صدْقَهُ وأَصْبَحَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قَادِماً ، وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالمَسْجِدِ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ ، فَلَمَّا فَعَلَ ذلِكَ جَاءهُ المُخَلَّفُونَ يَعْتَذِرونَ إِلَيْه ويَحْلِفُونَ لَهُ ، وَكَانُوا بِضْعاً وَثَمانينَ رَجُلاً ، فَقَبِلَ مِنْهُمْ عَلانِيَتَهُمْ وَبَايَعَهُمْ واسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ إِلى الله تَعَالَى ، حَتَّى جِئْتُ، فَلَمَّا سَلَّمْتُ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ المُغْضَبِ. ثُمَّ قَالَ : (( تَعَالَ )) ، فَجِئْتُ أمْشي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فقالَ لي : (( مَا خَلَّفَكَ ؟ ألَمْ تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ ؟ )) قَالَ : قُلْتُ : يَا رسولَ الله ، إنّي والله لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أهْلِ الدُّنْيَا لَرَأيتُ أنِّي سَأخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ ؛ لقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلاً ، ولَكِنِّي والله لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ اليوم حَدِيثَ كَذبٍ تَرْضَى به عنِّي لَيُوشِكَنَّ الله أن يُسْخِطَكَ عَلَيَّ ، وإنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدقٍ تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ إنّي لأَرْجُو فِيهِ عُقْبَى الله - عز وجل - ، والله ما كَانَ لي مِنْ عُذْرٍ ، واللهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلاَ أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ . قَالَ : فقالَ(1/20)
رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( أمَّا هَذَا فقَدْ صَدَقَ ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللهُ فيكَ )) . وَسَارَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَلِمَة فاتَّبَعُوني فَقالُوا لِي : واللهِ مَا عَلِمْنَاكَ أذْنَبْتَ ذَنْباً قَبْلَ هذَا لَقَدْ عَجَزْتَ في أنْ لا تَكونَ اعتَذَرْتَ إِلَى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - بما اعْتَذَرَ إليهِ المُخَلَّفُونَ ، فَقَدْ كَانَ كَافِيكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفَارُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - لَكَ . قَالَ : فَوالله ما زَالُوا يُؤَنِّبُونَنِي حَتَّى أَرَدْتُّ أَنْ أرْجعَ إِلَى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فأُكَذِّبَ نَفْسِي ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ : هَلْ لَقِيَ هذَا مَعِيَ مِنْ أَحَدٍ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، لَقِيَهُ مَعَكَ رَجُلانِ قَالاَ مِثْلَ مَا قُلْتَ ، وَقيلَ لَهُمَا مِثْلَ مَا قيلَ لَكَ ، قَالَ : قُلْتُ : مَنْ هُما ؟ قَالُوا : مُرَارَةُ بْنُ الرَّبيع الْعَمْرِيُّ ، وهِلاَلُ ابنُ أُمَيَّةَ الوَاقِفِيُّ ؟ قَالَ : فَذَكَرُوا لِي رَجُلَينِ صَالِحَينِ قَدْ شَهِدَا بَدْراً فيهِما أُسْوَةٌ، قَالَ : فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُما لِي . ونَهَى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ كَلامِنا أيُّهَا الثَّلاثَةُ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ ، فاجْتَنَبَنَا النَّاسُ - أوْ قَالَ : تَغَيَّرُوا لَنَا - حَتَّى تَنَكَّرَتْ لي في نَفْسي الأَرْض ، فَمَا هِيَ بالأرْضِ الَّتي أعْرِفُ ، فَلَبِثْنَا عَلَى ذلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً . فَأمّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانا وقَعَدَا في بُيُوتِهِمَا يَبْكيَان . وأمَّا أنَا فَكُنْتُ أشَبَّ الْقَومِ وأجْلَدَهُمْ فَكُنْتُ أخْرُجُ فَأشْهَدُ الصَّلاَةَ مَعَ المُسْلِمِينَ، وأطُوفُ في الأَسْوَاقِ وَلا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ ، وَآتِي رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ في مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلاةِ ،(1/21)
فَأَقُولُ في نَفسِي : هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْه برَدِّ السَّلام أَمْ لاَ ؟ ثُمَّ أُصَلِّي قَريباً مِنْهُ وَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ، فَإِذَا أقْبَلْتُ عَلَى صَلاتِي نَظَرَ إلَيَّ وَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أعْرَضَ عَنِّي ، حَتَّى إِذَا طَال ذلِكَ عَلَيَّ مِنْ جَفْوَةِ المُسْلِمينَ مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ جِدارَ حائِط أبي قَتَادَةَ وَهُوَ ابْنُ عَمِّي وأَحَبُّ النَّاس إِلَيَّ، فَسَلَّمْتُ عَلَيهِ فَوَاللهِ مَا رَدَّ عَليَّ السَّلامَ ، فَقُلْتُ لَهُ : يَا أَبَا قَتَادَةَ ، أنْشُدُكَ بالله هَلْ تَعْلَمُنِي أُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ - صلى الله عليه وسلم - ؟ فَسَكَتَ ، فَعُدْتُ فَنَاشَدْتُهُ فَسَكَتَ ، فَعُدْتُ فَنَاشَدْتُهُ، فَقَالَ : اللهُ ورَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَفَاضَتْ عَيْنَايَ ، وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الجِدَارَ ، فَبَيْنَا أَنَا أمْشِي في سُوقِ الْمَدِينة إِذَا نَبَطِيٌّ مِنْ نَبَطِ(1) أهْلِ الشَّام مِمّنْ قَدِمَ بالطَّعَامِ يَبيعُهُ بِالمَدِينَةِ يَقُولُ : مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ؟ فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ إلَيَّ حَتَّى جَاءنِي فَدَفَعَ إِلَيَّ كِتَاباً مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ ، وَكُنْتُ كَاتباً . فَقَرَأْتُهُ فإِذَا فِيهِ: أَمَّا بَعْدُ، فإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنا أنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللهُ بدَارِ هَوانٍ وَلاَ مَضْيَعَةٍ(2) ، فَالْحَقْ بنَا نُوَاسِكَ ، فَقُلْتُ حِينَ قَرَأْتُهَا : وَهَذِهِ أَيضاً مِنَ البَلاءِ ، فَتَيَمَّمْتُ بهَا التَّنُّورَ فَسَجَرْتُهَا ، حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ مِنَ الْخَمْسينَ وَاسْتَلْبَثَ
__________
(1) النبط : جيل ينْزلون سواد العراق وهم الأنباط ، والنسب إليهم نبطي . اللسان 14/22 ( نبط ) .
(2) فيها لغتان : كسر الضاد وإسكان الياء ، وإسكان الضاد وفتح الياء . صحيح مسلم بشرح النووي 9/84 ( 2769 ) .(1/22)
الْوَحْيُ إِذَا رسولُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يَأتِيني ، فَقالَ : إنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَأمُرُكَ أنْ تَعْتَزِلَ امْرَأتَكَ ، فَقُلْتُ : أُطَلِّقُهَا أمْ مَاذَا أفْعَلُ ؟ فَقالَ : لاَ ، بَلِ اعْتَزِلْهَا فَلاَ تَقْرَبَنَّهَا ، وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَيَّ بِمِثْلِ ذلِكَ . فَقُلْتُ لامْرَأتِي : الْحَقِي بِأهْلِكِ(1) فَكُوني عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللهُ في هَذَا الأمْرِ . فَجَاءتِ امْرَأةُ هِلاَلِ بْنِ أُمَيَّةَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ لَهُ : يَا رَسُولَ الله ، إنَّ هِلاَلَ بْنَ أمَيَّةَ شَيْخٌ ضَائِعٌ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ ، فَهَلْ تَكْرَهُ أنْ أخْدُمَهُ ؟ قَالَ : (( لاَ ، وَلَكِنْ لاَ يَقْرَبَنَّكِ )) فَقَالَتْ : إِنَّهُ واللهِ ما بِهِ مِنْ حَرَكَةٍ إِلَى شَيْءٍ ، وَوَالله مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى يَومِهِ هَذَا . فَقَالَ لي بَعْضُ أهْلِي : لَو اسْتَأْذَنْتَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - في امْرَأَتِكَ فَقَدْ أَذِن لاِمْرَأةِ هلاَل بْنِ أمَيَّةَ أنْ تَخْدُمَهُ ؟ فَقُلْتُ : لاَ أسْتَأذِنُ فيها رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، وَمَا يُدْرِيني مَاذَا يقُول رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا اسْتَأْذَنْتُهُ ، وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌ ! فَلَبِثْتُ بِذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ فَكَمُلَ(2) لَنا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينَ نُهِيَ عَنْ كَلاَمِنا ، ثُمَّ صَلَّيْتُ صَلاَةَ الْفَجْرِ صَبَاحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحالِ الَّتي ذَكَرَ الله
__________
(1) هذا دليل على أن هذا اللفظ ليس صريحاً في الطلاق ، وإنما هو كناية ، ولم ينو به الطلاق فلم يقع . صحيح مسلم بشرح النووي 9/84 ( 2769 ) .
(2) كمل : بفتح الميم وضمّها وكسرها . شرح النووي 9/84 .(1/23)
تَعَالَى مِنَّا ، قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسي وَضَاقَتْ عَلَيَّ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أوفَى عَلَى سَلْعٍ(1) يَقُولُ بِأعْلَى صَوتِهِ : يَا كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أبْشِرْ ، فَخَرَرْتُ سَاجِداً(2) ، وَعَرَفْتُ أنَّهُ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ . فآذَنَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - النَّاسَ بِتَوْبَةِ الله - عز وجل - عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلاةَ الفَجْر فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا ، فَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرونَ وَرَكَضَ رَجُلٌ إِلَيَّ فَرَساً وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أسْلَمَ قِبَلِي ، وَأَوْفَى عَلَى الْجَبَلِ ، فَكانَ الصَّوْتُ أسْرَعَ مِنَ الفَرَسِ ، فَلَمَّا جَاءني الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُني نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ فَكَسَوْتُهُمَا إيَّاهُ بِبشارته، وَاللهِ مَا أمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ ، وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبسْتُهُما ، وَانْطَلَقْتُ أتَأمَّمُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَتَلَقَّاني النَّاسُ فَوْجاً فَوْجاً يُهنِّئونَني بالتَّوْبَةِ وَيَقُولُونَ لِي : لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ الله عَلَيْكَ . حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ حَوْلَه النَّاسُ ، فَقَامَ(3)
__________
(1) جبل بالمدينة معروف .
(2) فيه دليل للشافعي وموافقيه في استحباب سجود الشكر بكل نعمة ظاهرة حصلت أو نقمة ظاهرة اندفعت . شرح النووي 9/85 ( 2769 ) .
(3) قال أهل العلم : القيام على ثلاثة أقسام : قيام إلى الرجل ، وقيام للرجل ، وقيام على الرجل . فالأول : كما في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( قوموا إلى سيدكم )) أي سعد بن معاذ وهذا لا بأس به . والثاني : وهو القيام للداخل إذا اعتاد الناس ذلك ، وصار الداخل إذا لم تقم له يعد ذلك امتهاناً له فلا بأس به والأولى تركه . والثالث : كأن يكون جالساً ويقوم واحد على رأسه تعظيماً له فهذا منهي عنه . أما القيام على الرجل لحفظه أو لإغاضة العدو فلا بأس به . انظر : شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 1/148 – 149 .(1/24)
طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ - رضي الله عنه - يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَني وَهَنَّأَنِي ، والله مَا قَامَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرينَ غَيرُهُ - فَكَانَ كَعْبٌ لاَ يَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ -.
قَالَ كَعْبٌ : فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُور : (( أبْشِرْ بِخَيْرِ يَومٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُذْ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ )) فَقُلْتُ : أمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُول الله أَمْ مِنْ عِندِ الله ؟ قَالَ : (( لاَ ، بَلْ مِنْ عِنْدِ الله - عز وجل - )) ، وَكَانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّ وَجْهَهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ وَكُنَّا نَعْرِفُ ذلِكَ مِنْهُ ، فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قُلْتُ : يَا رسولَ الله ، إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أنْ أنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولهِ . فَقَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( أمْسِكَ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ )) . فقلتُ : إِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيبَر . وَقُلْتُ : يَا رسولَ الله ، إنَّ الله تَعَالَى إِنَّمَا أنْجَانِي بالصِّدْقِ ، وإنَّ مِنْ تَوْبَتِي أنْ لا أُحَدِّثَ إلاَّ صِدْقاً مَا بَقِيتُ ، فوَالله مَا عَلِمْتُ أَحَداً مِنَ المُسْلِمينَ أبْلاهُ الله تَعَالَى في صِدْقِ الحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذلِكَ لِرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أحْسَنَ مِمَّا أبْلانِي الله تَعَالَى ، واللهِ مَا تَعَمَّدْتُ كِذْبَةً مُنْذُ قُلْتُ ذلِكَ لِرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إِلَى يَومِيَ هَذَا ، وإنِّي لأرْجُو أنْ يَحْفَظَنِي الله تَعَالَى فيما بَقِيَ ، قَالَ : فأَنْزَلَ الله تَعَالَى : { لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ }(1/25)
حَتَّى بَلَغَ : { إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيم وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ } حَتَّى بَلَغَ : { اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } [ التوبة : 117-119 ] قَالَ كَعْبٌ : واللهِ ما أنْعَمَ الله عَليَّ مِنْ نعمةٍ قَطُّ بَعْدَ إذْ هَدَاني اللهُ للإِسْلامِ أَعْظَمَ في نَفْسِي مِنْ صِدقِي رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أنْ لا أكونَ كَذَبْتُهُ ، فَأَهْلِكَ كما هَلَكَ الَّذينَ كَذَبُوا ؛ إنَّ الله تَعَالَى قَالَ للَّذِينَ كَذَبُوا حِينَ أنْزَلَ الوَحْيَ شَرَّ مَا قَالَ لأَحَدٍ ، فقال الله تَعَالَى : { سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } [ التوبة : 95-96 ] قَالَ كَعْبٌ : كُنّا خُلّفْنَا أيُّهَا الثَّلاَثَةُ عَنْ أمْرِ أُولئكَ الذينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حِينَ حَلَفُوا لَهُ فَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وأرجَأَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أمْرَنَا حَتَّى قَضَى الله تَعَالَى فِيهِ بذِلكَ . قَالَ الله تَعَالَى : { وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا } وَليْسَ الَّذِي ذَكَرَ مِمَّا خُلِّفْنَا تَخلُّفُنَا عن الغَزْو ، وإنَّمَا هُوَ تَخْلِيفُهُ إيّانا وإرْجَاؤُهُ أمْرَنَا عَمَّنْ حَلَفَ لَهُ واعْتَذَرَ إِلَيْهِ فقبِلَ مِنْهُ(1)
__________
(1) في هذا الحديث فوائد كثيرة منها :
إباحة الغنيمة لهذه الأمة وأنه ينبغي لأمير الجيش إذا أراد غزوة أن يوري بغيرها ، لئلا يسبقه الجواسيس ونحوهم بالتحذير ، وفيه جواز التأسف على ما فات من الخير وفيه رد غيبة المسلم ، وفضيلة الصدق وملازمته وإن كان فيه مشقة ، واستحباب صلاة القادم من سفر ركعتين =
= في مسجد محلته أول قدومه ، واستحباب هجران أهل البدع والمعاصي الظاهرة ، وترك السلام عليهم ومقاطعتهم تحقيراً لهم وزجراً ، واستحباب بكائه على نفسه إذا وقعت منه معصية ، ومسارقة النظر في الصلاة والالتفات لا يبطلها ، ووجوب إيثار طاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - على مودة الصديق والقريب وغيرهما . وجواز إحراق ورقة فيها ذكر الله تعالى لمصلحة ، وفيها : لم يجعلك الله بدار هوان ، واستحباب الكنايات في ألفاظ الاستمتاع بالنساء ونحوها ، واستحباب التبشير بالخير وتهنئة من رزقه الله خيراً ظاهراً ، واستحباب إكرام المبشر ، وجواز استعارة الثياب للّبس ، واستحباب القيام للوارد إكراماً له إذا كان من أهل الفضل ، واستحباب المصافحة عند التلاقي وهي سنّة بلا خلاف . وقد عدّ النووي - رحمه الله - سبعاً وثلاثين فائدة لهذا الحديث . انظر : شرح صحيح مسلم للنووي 9/88 ( 2769 ) .(1/26)
. مُتَّفَقٌ عليه .
وفي رواية : أنَّ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ في غَزْوَةِ تَبْوكَ يَومَ الخَميسِ وكانَ يُحِبُّ أنْ يخْرُجَ يومَ الخمِيس .
وفي رواية : وكانَ لاَ يقْدمُ مِنْ سَفَرٍ إلاَّ نَهَاراً في الضُّحَى ، فإِذَا قَدِمَ بَدَأَ بالمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ فِيهِ .
(1)- وَعَنْ أبي نُجَيد - بضَمِّ النُّونِ وفتحِ الجيم - عِمْرَانَ بنِ الحُصَيْنِ الخُزَاعِيِّ رضي الله عنهما : أنَّ امْرَأةً مِنْ جُهَيْنَةَ أتَتْ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهِيَ حُبْلَى مِنَ الزِّنَى ، فقالتْ : يَا رسولَ الله ، أصَبْتُ حَدّاً فَأَقِمْهُ عَلَيَّ ، فَدَعَا نَبيُّ الله - صلى الله عليه وسلم - وَليَّها ، فقالَ : (( أَحْسِنْ(2) إِلَيْهَا ، فإذا وَضَعَتْ فَأْتِني )) فَفَعَلَ فَأَمَرَ بهَا نبيُّ الله - صلى الله عليه وسلم - ، فَشُدَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا. فقالَ لَهُ عُمَرُ: تُصَلِّي عَلَيْهَا يَا رَسُول الله وَقَدْ زَنَتْ ؟ قَالَ: (( لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أهْلِ المَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، وَهَلْ وَجَدْتَ أَفضَلَ مِنْ أنْ جَادَتْ بنفْسِها لله - عز وجل - ؟! )) رواه مسلم .
(3)
__________
(1) - أخرجه : مسلم 5/120 ( 1696 ) .
(2) قال النووي : (( هذا الإحسان له سببان : أحدهما : الخوف عليها من أقاربها أن تحملهم الغيرة ولحوق العار بهم أن يؤذوها ، فأوصى بالإحسان إليها تحذيراً لهم من ذلك .
والثاني : أمر به رحمةً لها ، إذ قد تابت ، وحرض على الإحسان إليها لما في نفوس الناس من النفرة من مثلها ، وإسماعها الكلام المؤذي ونحو ذلك فنهى عن هذا كله )) . شرح صحيح مسلم 6/182 ( 1696 ) .
(3) - أخرجه : البخاري 8/115 ( 6436 ) ، ومسلم 3/100 ( 1049 ) .
وفي هذا الحديث : ذم الحرص على الدنيا وحب المكاثرة بها والرغبة فيها ، ولا يزال حريصاً حتى يموت ، ويمتلئ جوفه من تراب قبره . انظر : شرح صحيح مسلم 4/141 ( 1049 ) .(1/27)
- وعن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما أنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( لَوْ أنَّ لابنِ آدَمَ وَادِياً مِنْ ذَهَبٍ أحَبَّ أنْ يكُونَ لَهُ وَادِيانِ ، وَلَنْ يَمْلأَ فَاهُ إلاَّ التُّرَابُ ، وَيَتْوبُ اللهُ عَلَى مَنْ تَابَ )) مُتَّفَقٌ عليه .
(1)- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( يَضْحَكُ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَى رَجُلَيْنِ يقْتلُ أَحَدهُمَا الآخَرَ يَدْخُلانِ الجَنَّةَ ، يُقَاتِلُ هَذَا في سَبيلِ اللهِ فَيُقْتَلُ ، ثُمَّ يتُوبُ اللهُ عَلَى القَاتلِ فَيُسْلِم فَيُسْتَشْهَدُ )) مُتَّفَقٌ عليه .
3- باب الصبر
قَالَ الله تَعَالَى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا } [ آل عمران : 200 ]، وقال تعالى: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } [ البقرة : 155] ، وَقالَ تَعَالَى : { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَاب } [ الزمر : 10]، وَقالَ تَعَالَى: { وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ } [الشورى: 43]، وَقالَ تَعَالَى: { اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } [البقرة : 153]، وَقالَ تَعَالَى: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ } [ محمد : 31 ] ، وَالآياتُ في الأمر بالصَّبْر وَبَيانِ فَضْلهِ كَثيرةٌ مَعْرُوفةٌ .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 4/28 ( 2826 ) ، ومسلم 6/40 ( 128 ) و( 129 ) .(1/28)
(1)- وعن أبي مالكٍ الحارث بن عاصم الأشعريِّ - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : ((الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمان ، والحَمدُ لله تَمْلأُ الميزَانَ ، وَسُبْحَانَ الله والحَمدُ لله تَملآن - أَوْ تَمْلأُ - مَا بَينَ السَّماوات وَالأَرْضِ، والصَّلاةُ نُورٌ ، والصَّدقةُ بُرهَانٌ ، والصَّبْرُ ضِياءٌ ، والقُرْآنُ حُجةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ(2) . كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائعٌ نَفسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُها )) رواه مسلم .
(3)- وعن أبي سَعيد سعدِ بن مالكِ بنِ سنانٍ الخدري رضي الله عنهما : أَنَّ نَاساً مِنَ الأَنْصَارِ سَألوا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأعْطَاهُمْ ، ثُمَّ سَألوهُ فَأعْطَاهُمْ ، حَتَّى نَفِدَ مَا عِندَهُ ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ أنْفْقَ كُلَّ شَيءٍ بِيَدِهِ : (( مَا يَكُنْ عِنْدي مِنْ خَيْر فَلَنْ أدَّخِرَهُ عَنْكُمْ ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفهُ اللهُ ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللهُ ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ . وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْراً وَأوْسَعَ مِنَ الصَّبْر(4) )) مُتَّفَقٌ عليه .
__________
(1) - أخرجه : مسلم 1/140 ( 223 ) .
(2) حجة لك إذا امتثلت أوامره واجتنبت نواهيه ، وحجة عليك إن لم تمتثل أوامره ولم تجتنب نواهيه . دليل الفالحين 1/171 ، وهذا ليس خاصاً بالقرآن بل يشمل كل العلوم الشرعية فما علمناه إما أن يكون حجة لنا وإما أن يكون حجة علينا ، فإن عملنا به فهو حجة لنا وإن لم نعمل به فهو علينا وهو وبال أي إثم وعقوبة . انظر : فتح ذي الجلال والإكرام 1/41 .
(3) - أخرجه : البخاري 2/151 ( 1469 ) ، ومسلم 3/102 ( 1053 ) ( 124 ) .
(4) في الحديث : الحث على التعفف والقناعة ، والصبر على ضيق العيش وغيره من مكاره الدنيا . شرح صحيح مسلم للنووي 4/145 ( 1053 ) .(1/29)
(1)- وعن أبي يحيى صهيب بن سنانٍ - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( عَجَباً لأمْرِ المُؤمنِ إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خيرٌ ولَيسَ ذلِكَ لأَحَدٍ إلاَّ للمُؤْمِن : إنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكانَ خَيراً لَهُ ، وإنْ أصَابَتْهُ ضرَاءُ صَبَرَ فَكانَ خَيْراً لَهُ )) رواه مسلم .
(2)- وعن أنَسٍ - رضي الله عنه - ، قَالَ : لَمَّا ثَقُلَ(3) النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - جَعلَ يَتَغَشَّاهُ الكَرْبُ ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ رضي الله عنها : وَاكَربَ أَبَتَاهُ . فقَالَ : (( لَيْسَ عَلَى أَبيكِ كَرْبٌ بَعْدَ اليَوْمِ )) فَلَمَّا مَاتَ ، قَالَتْ : يَا أَبَتَاهُ ، أَجَابَ رَبّاً دَعَاهُ ! يَا أَبتَاهُ ، جَنَّةُ الفِردَوسِ مَأْوَاهُ ! يَا أَبَتَاهُ ، إِلَى جبْريلَ نَنْعَاهُ ! فَلَمَّا دُفِنَ قَالَتْ فَاطِمَةُ رَضي الله عنها : أَطَابَتْ أنْفُسُكُمْ أنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - التُّرَابَ ؟! رواه البخاري .
(4)
__________
(1) - أخرجه : مسلم 8/227 ( 2999 ) .
(2) - أخرجه : البخاري 6/18 ( 4462 ) .
(3) ثقل : من شدة المرض . وفي الحديث : جواز التوجع للميت عند احتضاره ، أما قولها بعد أن قبض ، فيؤخذ منه أن تلك الألفاظ إذا كان الميت متصفاً بها لا يمنع ذكره بها بعد موته ، بخلاف ما إذا كانت فيه ظاهراً وهو في الباطن بخلاف ذلك أو لا يتحقق اتصافه بها فيدخل المنع . دليل الفالحين 1/180 .
(4) - أخرجه : البخاري 2/100 ( 1284 ) ، ومسلم 3/39 ( 923 ) .
وفي الحديث : أن سعداً ظن أن جميع أنواع البكاء حرام ، وأن دمع العين حرام ، وظن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نسي فذكره ، فأعلمه النبي - صلى الله عليه وسلم - أن مجرد البكاء ودمع بعينٍ ليس بحرام ولا مكروه بل هو رحمة وفضيلة ، وإنما المحرم النوح والندب والبكاء المقرون بهما أو بأحدهما .
انظر : شرح صحيح مسلم للنووي 4/9 ( 923 ) . =
= ... وفيه دليل على وجوب الصبر لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، قال : (( مُرها فلتصبر ولتحتسب )) وفيه دليل على أن هذه الصيغة من العزاء أفضل صيغة . وأفضل من قول بعض الناس : (( أعظم الله أجرك ، وأحسن عزاءك وغفر لميتك )) هذه صيغة اختارها بعض العلماء لكن الصيغة التي اختارها الرسول - صلى الله عليه وسلم - أفضل ، لأن المصاب إذا سمعها اقتنع أكثر .
والتعزية في الحقيقة ليست تهنئة كما ظنها بعض العوام ! يحتفل بها ويوضع لها الكراسي وتوقد لها الشموع ويحضر لها القراء والأطعمة !! لا . التعزية تسلية وتقوية للمصاب أن يصبر . شرح رياض الصالحين 1/ 91 – 92 .(1/30)
- وعن أبي زَيدٍ أُسَامَةَ بنِ زيدِ بنِ حارثةَ مَوْلَى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وحِبِّه وابنِ حبِّه رضي اللهُ عنهما ، قَالَ : أرْسَلَتْ بنْتُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إنَّ ابْني قَد احْتُضِرَ فَاشْهَدنَا ، فَأَرْسَلَ يُقْرىءُ السَّلامَ ، ويقُولُ : (( إنَّ لله مَا أخَذَ وَلَهُ مَا أعطَى وَكُلُّ شَيءٍ عِندَهُ بِأجَلٍ مُسَمًّى فَلتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ )) فَأَرسَلَتْ إِلَيْهِ تُقْسِمُ عَلَيهِ لَيَأتِينَّهَا . فقامَ وَمَعَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابتٍ ، وَرجَالٌ - رضي الله عنهم - ، فَرُفعَ إِلَى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - الصَّبيُّ ، فَأقْعَدَهُ في حِجْرِهِ وَنَفْسُهُ تَقَعْقَعُ ، فَفَاضَتْ عَينَاهُ فَقالَ سَعدٌ : يَا رسولَ الله ، مَا هَذَا ؟ فَقالَ : (( هذِهِ رَحمَةٌ جَعَلَها اللهُ تَعَالَى في قُلُوبِ عِبَادِهِ )) وفي رواية : (( فِي قُلُوبِ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ ، وَإِنَّما يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبادِهِ الرُّحَماءَ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وَمَعنَى (( تَقَعْقَعُ )) : تَتَحرَّكُ وتَضْطَربُ .(1/31)
(1)- وعن صهيب - رضي الله عنه - : أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( كَانَ مَلِكٌ فيمَنْ كَانَ قَبلَكمْ وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ فَلَمَّا كَبِرَ قَالَ للمَلِكِ : إنِّي قَدْ كَبِرْتُ فَابْعَثْ إلَيَّ غُلاماً أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ ؛ فَبَعثَ إِلَيْهِ غُلاماً يُعَلِّمُهُ ، وَكانَ في طرِيقِهِ إِذَا سَلَكَ رَاهِبٌ ، فَقَعدَ إِلَيْه وسَمِعَ كَلامَهُ فَأعْجَبَهُ ، وَكانَ إِذَا أتَى السَّاحِرَ ، مَرَّ بالرَّاهبِ وَقَعَدَ إِلَيْه ، فَإذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ ، فَشَكَا ذلِكَ إِلَى الرَّاهِب ، فَقَالَ : إِذَا خَشيتَ السَّاحِرَ ، فَقُلْ : حَبَسَنِي أَهْلِي ، وَإذَا خَشِيتَ أهلَكَ ، فَقُلْ : حَبَسَنِي السَّاحِرُ(2) .
__________
(1) - أخرجه : مسلم 8/229 ( 3005 ) .
(2) جُوزَ ذلك إن قيل بإسلامه واستقامته لأنه رأى أن مصلحة تخلفه عنده تزيد على مفسدة تلك الكذبة ، فهو نظير الكذب لإصلاح الخصمين ، أو أنه من باب الكذب لإنقاذ المحترم من التعدي عليه بالضرب . دليل الفالحين 1/187 .(1/32)
فَبَيْنَما هُوَ عَلَى ذلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتِ النَّاسَ ، فَقَالَ : اليَوْمَ أعْلَمُ السَّاحرُ أفْضَلُ أم الرَّاهبُ أفْضَلُ ؟ فَأخَذَ حَجَراً، فَقَالَ : اللَّهُمَّ إنْ كَانَ أمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هذِهِ الدّابَّةَ حَتَّى يَمضِي النَّاسُ ، فَرَمَاهَا فَقَتَلَها ومَضَى النَّاسُ ، فَأتَى الرَّاهبَ فَأَخبَرَهُ . فَقَالَ لَهُ الرَّاهبُ : أَيْ بُنَيَّ أَنْتَ اليَومَ أفْضَل منِّي قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى ، وَإنَّكَ سَتُبْتَلَى ، فَإن ابْتُلِيتَ فَلاَ تَدُلَّ عَلَيَّ ؛ وَكانَ الغُلامُ يُبْرىءُ الأكْمَهَ وَالأَبْرصَ ، ويداوي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الأَدْوَاء . فَسَمِعَ جَليسٌ لِلملِكِ كَانَ قَدْ عَمِيَ ، فأتاه بَهَدَايا كَثيرَةٍ ، فَقَالَ : مَا ها هُنَا لَكَ أَجْمعُ إنْ أنتَ شَفَيتَنِي ، فَقَالَ : إنّي لا أشْفِي أحَداً إِنَّمَا يَشفِي اللهُ تَعَالَى ، فَإنْ آمَنْتَ بالله تَعَالَى دَعَوتُ اللهَ فَشفَاكَ ، فَآمَنَ بالله تَعَالَى فَشفَاهُ اللهُ تَعَالَى ، فَأَتَى المَلِكَ فَجَلسَ إِلَيْهِ كَما كَانَ يَجلِسُ ، فَقَالَ لَهُ المَلِكُ : مَنْ رَدّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ ؟ قَالَ : رَبِّي ، قَالَ : وَلَكَ رَبٌّ غَيري ؟ قَالَ : رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ ، فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الغُلامِ ، فَجيء بالغُلاَمِ ، فَقَالَ لَهُ المَلِكُ : أيْ بُنَيَّ ، قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبْرىء الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ(1)
__________
(1) الأكمه : الذي يولد أعمى . النهاية 4/201 .
والبرص : داء معروف ، نسأل الله العافية منه ومن كل داء ، وهو بياض يقع في الجسد . اللسان 1/377 ( برص ) .(1/33)
وتَفْعَلُ وتَفْعَلُ ! فَقَالَ : إنِّي لا أَشْفي أحَداً ، إِنَّمَا يَشفِي الله تَعَالَى . فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهبِ ؛ فَجِيء بالرَّاهبِ فَقيلَ لَهُ : ارجِعْ عَنْ دِينكَ ، فَأَبَى ، فَدَعَا بِالمِنْشَارِ(1) فَوُضِعَ المِنْشَارُ في مَفْرق رَأسِهِ ، فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ ، ثُمَّ جِيءَ بِجَليسِ المَلِكِ فقيل لَهُ : ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ ، فَأَبَى ، فَوضِعَ المِنْشَارُ في مَفْرِق رَأسِهِ ، فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ ، ثُمَّ جِيءَ بالغُلاَمِ فقيلَ لَهُ : ارْجِعْ عَنْ دِينكَ ، فَأَبَى ، فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أصْحَابهِ ، فَقَالَ : اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا فَاصْعَدُوا بِهِ الجَبَل ، فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذِرْوَتَهُ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإلاَّ فَاطْرَحُوهُ . فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الجَبَلَ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ أكْفنيهمْ بِمَا شِئْتَ ، فَرَجَفَ بهِمُ الجَبلُ فَسَقَطُوا(2) ، وَجاءَ يَمشي إِلَى المَلِكِ ، فَقَالَ لَهُ المَلِكُ : مَا فَعَلَ أصْحَابُكَ ؟ فَقَالَ : كَفَانِيهمُ الله تَعَالَى ، فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ : اذْهَبُوا بِهِ فاحْمِلُوهُ في قُرْقُورٍ وتَوَسَّطُوا بِهِ البَحْرَ ، فَإنْ رَجعَ عَنْ دِينِهِ وإِلاَّ فَاقْذِفُوهُ . فَذَهَبُوا بِهِ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ أكْفِنيهمْ بمَا شِئْتَ ، فانْكَفَأَتْ بِهمُ السَّفينةُ فَغَرِقُوا ، وَجَاء يَمْشي إِلَى المَلِكِ . فَقَالَ لَهُ المَلِكُ : مَا فعلَ أصْحَابُكَ ؟
__________
(1) وفيه لغة صحيحة أخرى هي بالهمزة وهي الأفصح ( المئشار ) .
(2) فيه نصر من توكل على الله سبحانه وانتصر به وفرج عن حول نفسه وقواها ، وما أحوجنا إلى التوكل الخالص على الله مع التوحيد التام والرجوع والالتجاء إلى الله في هذه الأيام الشديدة نسأل الله العافية .(1/34)
فَقَالَ : كَفَانيهمُ الله تَعَالَى . فَقَالَ لِلمَلِكِ : إنَّكَ لَسْتَ بقَاتلي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ . قَالَ : مَا هُوَ ؟ قَالَ : تَجْمَعُ النَّاسَ في صَعيدٍ وَاحدٍ وتَصْلُبُني عَلَى جِذْعٍ ، ثُمَّ خُذْ سَهْماً مِنْ كِنَانَتي ، ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ في كَبدِ القَوْسِ ثُمَّ قُلْ : بسْم الله ربِّ الغُلاَمِ(1) ، ثُمَّ ارْمِني، فَإنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذلِكَ قَتَلتَني، فَجَمَعَ النَّاسَ في صَعيد واحدٍ ، وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ ، ثُمَّ أَخَذَ سَهْماً مِنْ كِنَانَتِهِ ، ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ في كَبِدِ القَوْسِ، ثُمَّ قَالَ : بِسمِ اللهِ ربِّ الغُلامِ ، ثُمَّ رَمَاهُ فَوقَعَ في صُدْغِهِ(2) ، فَوَضَعَ يَدَهُ في صُدْغِهِ فَمَاتَ ، فَقَالَ النَّاسُ : آمَنَّا بِرَبِّ الغُلامِ ، فَأُتِيَ المَلِكُ فقيلَ لَهُ : أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ قَدْ والله نَزَلَ بكَ حَذَرُكَ . قَدْ آمَنَ النَّاسُ . فَأَمَرَ بِالأُخْدُودِ بأفْواهِ السِّكَكِ فَخُدَّتْ(3) وأُضْرِمَ فيهَا النِّيرانُ وَقَالَ : مَنْ لَمْ يَرْجعْ عَنْ دِينهِ فَأقْحموهُ فيهَا ، أَوْ قيلَ لَهُ: اقتَحِمْ فَفَعَلُوا حَتَّى جَاءت امْرَأةٌ وَمَعَهَا صَبيٌّ لَهَا ، فَتَقَاعَسَتْ أنْ تَقَعَ فيهَا، فَقَالَ لَهَا الغُلامُ : يَا أُمهْ اصْبِري فَإِنَّكِ عَلَى الحَقِّ ! )) رواه مسلم .
__________
(1) قصد الغلام من هذا الكلام إفشاء توحيد الله تعالى بين الناس وإظهار أن لا مؤثر في شيءٍ سواه ، ولم يفطن الملك لذلك ؛ لفرط غباوته .
(2) الصدغ : ما بين العين إلى شحمة الأذن . ووضع يده لتألمه من السهم .
(3) أي شقت الأخاديد في الطرق وأشعلت فيها النار . انظر في هذا كله دليل الفالحين 1/192 – 197 .(1/35)
(( ذِروَةُ الجَبَلِ )) : أعْلاهُ ، وَهيَ - بكَسْر الذَّال المُعْجَمَة وَضَمِّهَا - و(( القُرْقُورُ )) : بضَمِّ القَافَينِ نَوعٌ مِنَ السُّفُن وَ(( الصَّعيدُ )) هُنَا : الأَرضُ البَارِزَةُ وَ(( الأُخْدُودُ )) الشُّقُوقُ في الأَرضِ كَالنَّهْرِ الصَّغير ، وَ(( أُضْرِمَ )) : أوْقدَ ، وَ(( انْكَفَأتْ )) أَي : انْقَلَبَتْ ، وَ(( تَقَاعَسَتْ )) : تَوَقفت وجبنت .
(1)- وعن أنس - رضي الله عنه - ، قَالَ : مَرَّ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بامرأةٍ تَبكي عِنْدَ قَبْرٍ ، فَقَالَ :
(( اتّقِي الله واصْبِري )) فَقَالَتْ : إِليْكَ عَنِّي ؛ فإِنَّكَ لم تُصَبْ بمُصِيبَتي وَلَمْ تَعرِفْهُ ، فَقيلَ لَهَا : إنَّه النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَأَتَتْ بَابَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابينَ ، فقالتْ : لَمْ أعْرِفكَ ، فَقَالَ : (( إنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولى(2) )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وفي رواية لمسلم : (( تبكي عَلَى صَبيٍّ لَهَا )) .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 2/99 ( 1283 ) ، ومسلم 3/40 ( 926 ) ( 15 ) .
(2) قال النووي : (( في الحديث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع كل أحد ، والاعتذار إلى أهل الفضل إذا أساء الإنسان أدبه معهم ، وفيه ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - من التواضع ، وأنه ينبغي للإمام والقاضي إذا لم يحتج إلى بوّاب أن لا يتخذه )) . شرح صحيح مسلم 4/11 ( 926 ) .(1/36)
(1)- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( يَقُولُ اللهُ تَعَالَى : مَا لعَبدِي المُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ(2) مِنْ أهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إلاَّ الجَنَّةَ )) رواه البخاري .
(3)- وعن عائشةَ رضيَ الله عنها: أَنَّهَا سَألَتْ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الطّاعُونِ(4)، فَأَخْبَرَهَا أنَّهُ كَانَ عَذَاباً يَبْعَثُهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى مَنْ يشَاءُ ، فَجَعَلَهُ اللهُ تعالى رَحْمَةً للْمُؤْمِنينَ ، فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ في الطَّاعُونِ فيمكثُ في بلدِهِ صَابراً مُحْتَسِباً يَعْلَمُ أنَّهُ لا يصيبُهُ إلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَهُ إلاَّ كَانَ لَهُ مِثْلُ أجْرِ الشّهيدِ . رواه البخاري .
(5)- وعن أنس - رضي الله عنه - ، قَالَ : سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( إنَّ الله - عز وجل - ، قَالَ : إِذَا ابْتَلَيْتُ عبدي بحَبيبتَيه فَصَبرَ عَوَّضتُهُ مِنْهُمَا الجَنَّةَ )) يريد عينيه ، رواه البخاري .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 8/112 ( 6424 ) .
(2) يسمي العلماء هذا القسم من الحديث ، الحديث القدسي ؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - رواه عن الله . والصفيّ: من يصطفيه الإنسان ويختاره من ولد ، أو أخ ، أو عم ، أو أب ، أو أم ، أو صديق ، المهم أن ما يصطفيه الإنسان ويختاره ويرى أنه ذو صلة منه قوية . إذا أخذه الله - عز وجل - ، ثم احتسبه الإنسان ، فليس له جزاء إلا الجنة . شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 1/101 .
(3) - أخرجه : البخاري 4/213 ( 3474 ) .
(4) الطاعون : قيل : إنه وباء معين . وقيل : إنه كل وباء عام يحل بالأرض فيصيب أهلها ويموت الناس منه مثل الكوليرا . شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 1/103 .
(5) - أخرجه : البخاري 7/151 ( 5653 ) .(1/37)
(1)- وعن عطَاء بن أبي رَباحٍ ، قَالَ : قَالَ لي ابنُ عَباسٍ رضي اللهُ عنهما : ألاَ أُريكَ امْرَأةً مِنْ أَهْلِ الجَنَّة ؟ فَقُلْتُ: بَلَى، قَالَ : هذِهِ المَرْأةُ السَّوداءُ أتتِ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ : إنّي أُصْرَعُ(2) ، وإِنِّي أتَكَشَّفُ ، فادْعُ الله تَعَالَى لي . قَالَ : (( إنْ شئْتِ صَبَرتِ وَلَكِ الجَنَّةُ ، وَإنْ شئْتِ دَعَوتُ الله تَعَالَى أنْ يُعَافِيكِ )) فَقَالَتْ : أَصْبِرُ ، فَقَالَتْ : إنِّي أتَكَشَّفُ فَادعُ الله أنْ لا أَتَكَشَّف ، فَدَعَا لَهَا . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(3)- وعن أبي عبد الرحمانِ عبدِ الله بنِ مسعودٍ - رضي الله عنه - ، قَالَ : كَأَنِّي أنْظُرُ إِلَى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يَحْكِي نَبِيّاً مِنَ الأَنْبِياءِ ، صَلَواتُ الله وَسَلامُهُ عَلَيْهمْ ، ضَرَبه قَوْمُهُ فَأدْمَوهُ ، وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ ، يَقُولُ : (( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَومي ، فَإِنَّهُمْ لا يَعْلَمونَ )) مُتَّفَقٌ علَيهِ .
(4)- وعن أبي سعيدٍ وأبي هريرةَ رضيَ الله عنهما ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( مَا يُصيبُ المُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ ، وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ ، وَلاَ حَزَنٍ ، وَلاَ أذَىً ، وَلاَ غَمٍّ ، حَتَّى الشَّوكَةُ يُشَاكُهَا إلاَّ كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَاياهُ(5)
__________
(1) - أخرجه : البخاري 7/150 و151 ( 5652 ) ، ومسلم 8/16 ( 2576 ) .
(2) من الصرع وهو مرض معروف نسأل الله العافية .
(3) - أخرجه : البخاري 4/213 ( 3477 ) ، ومسلم 5/179 ( 1792 ) .
(4) - أخرجه : البخاري 7/148 ( 5641 ) ، ومسلم 8/16 ( 2573 ) ( 52 ) .
(5) المصائب تكون على وجهين : =
= ... 1- تارة إذا أُصيب الإنسان تذكّر الأجر واحتسب هذه المصيبة على الله فيكون فيها فائدتان : تكفير الذنوب ، وزيادة الحسنات .
2- وتارة يغفل عن هذا فيضيق صدره ، ويغفل عن نية الاحتساب ، والأجر على الله فيكون في ذلك تكفير لسيئاته ، إذاً هو رابح على كل حال في هذه المصائب التي تأتيه . فإما أن يربح تكفير السيئات ، وحط الذنوب بدون أن يحصل له أجر لأنه لم ينو شيئاً ولم يصبر ولم يحتسب الأجر ، وإما أن يربح شيئين كما تقدم .
ولهذا ينبغي للإنسان إذا أصيب ولو بشوكة ، فليتذكر الاحتساب من الله على هذه المصيبة . شرح رياض الصالحين 1/109 .(1/38)
)) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
و(( الوَصَبُ )) : المرض .
(1)- وعن ابنِ مسعودٍ - رضي الله عنه - ، قَالَ : دخلتُ عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وهو يُوعَكُ ، فقلت : يَا رسُولَ الله ، إنَّكَ تُوْعَكُ وَعْكاً شَدِيداً ، قَالَ : (( أجَلْ ، إنِّي أوعَكُ كمَا يُوعَكُ رَجُلانِ مِنكُمْ )) قلْتُ: ذلِكَ أن لَكَ أجْرينِ ؟ قَالَ : (( أَجَلْ ، ذلِكَ كَذلِكَ ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصيبُهُ أذىً ، شَوْكَةٌ فَمَا فَوقَهَا إلاَّ كَفَّرَ اللهُ بهَا سَيِّئَاتِهِ ، وَحُطَّتْ عَنْهُ ذُنُوبُهُ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وَ(( الوَعْكُ )) : مَغْثُ الحُمَّى ، وَقيلَ : الحُمَّى .
(2)- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْراً يُصِبْ مِنْهُ)) رواه البخاري .
وَضَبَطُوا (( يُصِبْ )) بفَتْح الصَّاد وكَسْرها(3) .
(4)- وعن أنس - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوتَ لضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ فاعلاً ، فَليَقُلْ : اللَّهُمَّ أحْيني مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيراً لِي، وَتَوفّنِي إِذَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيراً لي )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 7/149 ( 5648 ) ، ومسلم 8/14 ( 2571 ) ( 45 ) .
(2) - أخرجه : البخاري 7/149 ( 5645 ) .
(3) قُرئت على وجهين وكلاهما صحيح ، فمعناها بالكسر : أن الله يقدر عليه المصائب حتى يبتليه بها أيصبر أم يضجر ؟ ومعناها بالفتح : أعم أي يصاب من الله ومن غيره . شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 1/110 .
(4) - أخرجه : البخاري 7/156 ( 5671 ) ، ومسلم 8/64 ( 2680 ) ( 10 ) .(1/39)
(1)- وعن أبي عبد الله خَبَّاب بنِ الأَرتِّ - رضي الله عنه - ، قَالَ : شَكَوْنَا إِلَى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ متَوَسِّدٌ بُرْدَةً(2) لَهُ في ظلِّ الكَعْبَةِ ، فقُلْنَا : أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا ألاَ تَدْعُو لَنا ؟ فَقَالَ : (( قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ في الأرضِ فَيُجْعَلُ فِيهَا ، ثُمَّ يُؤْتَى بِالمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأسِهِ فَيُجْعَلُ نصفَينِ ، وَيُمْشَطُ بأمْشَاطِ الحَديدِ مَا دُونَ لَحْمِه وَعَظْمِهِ ، مَا يَصُدُّهُ ذلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَاللهِ لَيُتِمَّنَّ الله هَذَا الأَمْر حَتَّى يَسيرَ الرَّاكبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَموتَ لاَ يَخَافُ إلاَّ اللهَ والذِّئْب عَلَى غَنَمِهِ ، ولكنكم تَسْتَعجِلُونَ )) رواه البخاري .
وفي رواية : (( وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً وَقَدْ لَقِينا مِنَ المُشْرِكِينَ شدَّةً )) .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 4/244 ( 3612 ) و5/56 ( 3852 ) .
(2) نوع من الثياب معروف . النهاية 1/116 .(1/40)
(1)- وعن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - ، قَالَ : لَمَّا كَانَ يَومُ حُنَينٍ آثَرَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - نَاساً في القسْمَةِ، فَأعْطَى الأقْرَعَ بْنَ حَابسٍ مئَةً مِنَ الإِبِلِ ، وَأَعْطَى عُيَيْنَة بْنَ حصن مِثْلَ ذلِكَ ، وَأَعطَى نَاساً مِنْ أشْرافِ العَرَبِ وآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ في القسْمَةِ . فَقَالَ رَجُلٌ : واللهِ إنَّ هذِهِ قِسْمَةٌ مَا عُدِلَ فِيهَا ، وَمَا أُريدَ فيهَا وَجْهُ اللهِ ، فَقُلْتُ : وَاللهِ لأُخْبِرَنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، فَأَتَيْتُهُ فَأخْبَرتُهُ بمَا قَالَ ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ حَتَّى كَانَ كالصِّرْفِ . ثُمَّ قَالَ : (( فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لم يَعْدِلِ اللهُ وَرسولُهُ ؟ )) ثُمَّ قَالَ : (( يَرْحَمُ اللهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بأكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبر )) . فَقُلْتُ : لاَ جَرَمَ لاَ أرْفَعُ إِلَيْه بَعدَهَا حَدِيثاً(2) . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وَقَوْلُهُ : (( كالصِّرْفِ )) هُوَ بِكَسْرِ الصَّادِ المُهْمَلَةِ : وَهُوَ صِبْغٌ أحْمَر .
(3)
__________
(1) - أخرجه : البخاري 4/115 ( 3150 ) ، ومسلم 3/109 ( 1062 ) ( 140 ) .
(2) في الحديث : دليل على أن للإمام أن يعطي من يرى في عطيته المصلحة ولو أكثر من غيره ، إذا كان في هذا مصلحة للإسلام ، ليست مصلحة شخصية يحابي من يحب ويمنع من لا يحب ، لا ، إذا رأى في هذا مصلحة للإسلام وزاد في العطاء ؛ فإن هذا إليه وهو مسؤول أمام الله ، ولا يحل لأحد أن يعترض عليه فإن اعترض عليه فقد ظلم نفسه .شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 1/116 .
(3) - أخرجه : الترمذي ( 2396 ) بهذا اللفظ .
وأخرجه : ابن ماجه ( 4031 ) باللفظ الثاني فقط . وقال الترمذي : (( هذا حديث حسن غريب )) .(1/41)
- وعن أنسٍ - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إِذَا أَرَادَ الله بعبدِهِ الخَيرَ عَجَّلَ لَهُ العُقُوبَةَ في الدُّنْيا ، وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبدِهِ الشَّرَّ أمْسَكَ عَنْهُ بذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يومَ القِيَامَةِ )) .
وَقالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : (( إنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلاَءِ ، وَإنَّ اللهَ تَعَالَى إِذَا أَحَبَّ قَوْماً ابْتَلاَهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا ، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ )) رواه الترمذي ، وَقالَ: (( حديث حسن )).
(1)
__________
(1) - أخرجه : البخاري 7/109 ( 5470 ) ، ومسلم 6/174 ( 2144 ) ( 23 ) .
وفي الحديث فوائد منها : دليل على قوة صبر أم سُليم رضي الله عنها ، وفيه جواز التورية : أي أن يتكلم الإنسان بكلام تخالف نيته ما في ظاهر هذا الكلام ، وفيه أنه يستحب التسمية بعبد الله . شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 1/121 .(1/42)
- وعن أنسٍ - رضي الله عنه - ، قَالَ : كَانَ ابنٌ لأبي طَلْحَةَ - رضي الله عنه - يَشتَكِي ، فَخَرَجَ أبُو طَلْحَةَ ، فَقُبِضَ الصَّبيُّ ، فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو طَلْحَةَ ، قَالَ : مَا فَعَلَ ابْنِي ؟ قَالَتْ أمُّ سُلَيم وَهِيَ أمُّ الصَّبيِّ : هُوَ أَسْكَنُ مَا كَانَ ، فَقَرَّبَتْ إليه العَشَاءَ فَتَعَشَّى ، ثُمَّ أَصَابَ منْهَا ، فَلَمَّا فَرَغَ ، قَالَتْ : وَارُوا الصَّبيَّ فَلَمَّا أَصْبحَ أَبُو طَلْحَةَ أَتَى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأخْبَرَهُ ، فَقَالَ : (( أعَرَّسْتُمُ اللَّيلَةَ ؟ )) قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : (( اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمَا )) ، فَوَلَدَتْ غُلاماً ، فَقَالَ لي أَبُو طَلْحَةَ : احْمِلْهُ حَتَّى تَأْتِيَ بِهِ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَبَعَثَ مَعَهُ بِتَمَراتٍ ، فَقَالَ : (( أَمَعَهُ شَيءٌ ؟ )) قَالَ : نَعَمْ ، تَمَراتٌ ، فَأخَذَهَا النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فَمَضَغَهَا ، ثُمَّ أَخَذَهَا مِنْ فِيهِ فَجَعَلَهَا في فِيِّ الصَّبيِّ ، ثُمَّ حَنَّكَهُ وَسَمَّاهُ عَبدَ الله . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وفي رواية للبُخَارِيِّ : قَالَ ابنُ عُيَيْنَةَ : فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصارِ : فَرَأيْتُ تِسعَةَ أوْلادٍ كُلُّهُمْ قَدْ قَرَؤُوا القُرْآنَ ، يَعْنِي : مِنْ أوْلادِ عَبدِ الله المَولُودِ .(1/43)
وَفي رواية لمسلمٍ : مَاتَ ابنٌ لأبي طَلْحَةَ مِنْ أمِّ سُلَيمٍ ، فَقَالَتْ لأَهْلِهَا : لاَ تُحَدِّثُوا أَبَا طَلْحَةَ بابْنِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا أُحَدِّثُهُ، فَجَاءَ فَقَرَّبَتْ إِلَيْه عَشَاءً فَأَكَلَ وَشَرِبَ، ثُمَّ تَصَنَّعَتْ لَهُ أَحْسَنَ مَا كَانَتْ تَصَنَّعُ قَبْلَ ذلِكَ ، فَوَقَعَ بِهَا . فَلَمَّا أَنْ رَأَتْ أَنَّهُ قَدْ شَبِعَ وأَصَابَ مِنْهَا ، قَالَتْ : يَا أَبَا طَلْحَةَ، أَرَأَيتَ لو أنَّ قَوماً أعارُوا عَارِيَتَهُمْ أَهْلَ بَيتٍ فَطَلَبُوا عَارِيَتَهُمْ ، أَلَهُمْ أن يَمْنَعُوهُمْ ؟ قَالَ : لا، فَقَالَتْ : فَاحْتَسِبْ ابْنَكَ ، قَالَ : فَغَضِبَ ، ثُمَّ قَالَ : تَرَكْتِني حَتَّى إِذَا تَلطَّخْتُ ، ثُمَّ أخْبَرتني بِابْنِي ؟! فانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأخْبَرَهُ بِمَا كَانَ فَقَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: (( بَارَكَ اللهُ في لَيْلَتِكُمَا )) ، قَالَ : فَحَمَلَتْ . قَالَ : وَكانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في سَفَرٍ وَهيَ مَعَهُ ، وَكَانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَتَى المَدِينَةَ مِنْ سَفَرٍ لاَ يَطْرُقُهَا طُرُوقاً فَدَنَوا مِنَ المَدِينَة ، فَضَرَبَهَا المَخَاضُ ، فَاحْتَبَسَ عَلَيْهَا أَبُو طَلْحَةَ ، وانْطَلَقَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - . قَالَ : يَقُولَ أَبُو طَلْحَةَ : إنَّكَ لَتَعْلَمُ يَا رَبِّ أَنَّهُ يُعْجِبُنِي أنْ أخْرُجَ مَعَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا خَرَجَ وَأَدْخُلَ مَعَهُ إِذَا دَخَلَ وَقَدِ احْتَبَسْتُ بِمَا تَرَى ، تَقُولُ أُمُّ سُلَيْمٍ : يَا أَبَا طَلْحَةَ ، مَا أَجِدُ الَّذِي كُنْتُ أجدُ انْطَلِقْ ، فَانْطَلَقْنَا وَضَرَبَهَا المَخَاضُ حِينَ قَدِمَا فَوَلدَت غُلامَاً . فَقَالَتْ لِي أمِّي : يَا أنَسُ ، لا يُرْضِعْهُ أحَدٌ حَتَّى تَغْدُو بِهِ عَلَى(1/44)
رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، فَلَمَّا أصْبَحَ احْتَمَلْتُهُ فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ..وَذَكَرَ تَمَامَ الحَدِيثِ .
(1)- وعن أبي هريرةَ - رضي الله عنه - أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( لَيْسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ ، إنَّمَا الشَدِيدُ الَّذِي يَملكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ ))(2) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(( وَالصُّرَعَةُ )) : بضَمِّ الصَّادِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وأَصْلُهُ عِنْدَ العَرَبِ مَنْ يَصْرَعُ النَّاسَ كَثيراً .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 8/34 ( 6114 ) ، ومسلم 8/30 ( 2609 ) ( 107 ) .
(2) بيّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن القوي الشديد ليس بالصرعة ، بل القوي في الحقيقة هو الذي يصرع نفسه إذا صارعته وغضب ، ملكها وتحكم فيها ؛ لأن هذه هي القوة الحقيقية . ففي الحديث الحث على أن يملك الإنسان نفسه عند الغضب ، فإذا غضب ، عليه أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وإن كان قائماً فليقعد وإن كان قاعداً فليضطجع وإن خاف خرج من المكان الذي هو فيه حتى لا ينفذ غضبه فيندم . انظر : شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 1/124 – 125 .(1/45)
(1)- وعن سُلَيْمَانَ بن صُرَدٍ - رضي الله عنه - ، قَالَ : كُنْتُ جالِساً مَعَ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَرَجُلانِ يَسْتَبَّانِ ، وَأَحَدُهُمَا قدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ ، وانْتَفَخَتْ أوْدَاجُهُ(2) ، فَقَالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : (( إنِّي لأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ ، لَوْ قَالَ : أعُوذ باللهِ منَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ ، ذَهَبَ منْهُ مَا يَجِدُ )) . فَقَالُوا لَهُ : إنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( تَعَوّذْ باللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(3)- وعن معاذِ بنِ أَنسٍ - رضي الله عنه - : أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( مَنْ كَظَمَ غَيظاً(4) ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أنْ يُنْفِذَهُ ، دَعَاهُ اللهُ سُبحَانَهُ وَتَعَالى عَلَى رُؤُوسِ الخَلائِقِ يَومَ القِيامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنَ الحُورِ العِينِ مَا شَاءَ )) رواه أَبو داود والترمذي ، وَقالَ : (( حديث حسن )) .
(5)- وعن أبي هريرةَ - رضي الله عنه - : أنَّ رَجُلاً قَالَ للنبي - صلى الله عليه وسلم - : أوصِني . قَالَ : (( لا تَغْضَبْ )) فَرَدَّدَ مِراراً ، قَالَ : (( لاَ تَغْضَبْ )) رواه البخاري .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 4/150 ( 3282 ) ، ومسلم 8/30 ( 2610 ) ( 109 ) .
(2) هي ما أحاط بالعنق من العروق التي يقطعها الذابح . النهاية 5/165 .
(3) - أخرجه : أبو داود ( 4777 ) ، وابن ماجه ( 4186 ) ، والترمذي ( 2021 ) وقال : حديث حسن غريب .
(4) الغيظ : هو الغضب الشديد ، والإنسان الغاضب هو الذي يتصور نفسه أنه قادر على أن ينفذ لأن من لا يستطيع لا يغضب لكنه يحزن ، ولهذا يوصف الله بالغضب . شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 1/125 .
(5) - أخرجه : البخاري 8/35 ( 6116 ) .(1/46)
(1)- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَا يَزَالُ البَلاَءُ بالمُؤمِنِ وَالمُؤْمِنَةِ في نفسِهِ ووَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى الله تَعَالَى وَمَا عَلَيهِ خَطِيئَةٌ )) رواه الترمذي ، وَقالَ : (( حديث حسن صحيح )) .
(2)- وعن ابْنِ عباسٍ رضي الله عنهما ، قَالَ : قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ ، فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أخِيهِ الحُرِّ بنِ قَيسٍ ، وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمرُ - رضي الله عنه - ، وَكَانَ القُرَّاءُ(3) أصْحَابَ مَجْلِس عُمَرَ - رضي الله عنه - وَمُشاوَرَتِهِ كُهُولاً(4) كانُوا أَوْ شُبَّاناً ، فَقَالَ عُيَيْنَةُ لابْنِ أخيهِ : يَا ابْنَ أخِي ، لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الأمِيرِ فَاسْتَأذِنْ لِي عَلَيهِ ، فاسْتَأذَن فَأذِنَ لَهُ عُمَرُ . فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ : هِي(5) يَا ابنَ الخَطَّابِ ، فَواللهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ(6) وَلا تَحْكُمُ فِينَا بالعَدْلِ . فَغَضِبَ عُمَرُ - رضي الله عنه - حَتَّى هَمَّ أنْ يُوقِعَ بِهِ . فَقَالَ لَهُ الحُرُّ : يَا أميرَ المُؤْمِنينَ ، إنَّ الله تَعَالَى قَالَ لِنَبيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - : { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } (7)
__________
(1) - أخرجه : الترمذي ( 2399 ) .
(2) - أخرجه : البخاري 6/76 ( 4642 ) .
(3) القراء : جمع قارئ ، القارئ للقرآن المتفهم لمعانيه . دليل الفالحين 1/239 .
(4) الكهل من الرجال من زاد على ثلاثين سنة إلى الأربعين ، وقيل : من ثلاث وثلاثين إلى تمام الخمسين ، وقيل : أراد بالكهل الحليم العاقل . النهاية 4/213 .
(5) بكسر الهاء وسكون التحتية كلمة تهديد . دليل الفالحين 1/240 .
(6) أي ما تعطينا العطاء الكثير . دليل الفالحين 1/241 .
(7) قال جعفر الصادق رحمه الله: (( ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه )). دليل الفالحين 1/241 .(1/47)
[ الأعراف : 198] وَإنَّ هَذَا مِنَ الجَاهِلِينَ ، واللهِ مَا جَاوَزَهاَ عُمَرُ حِينَ تَلاَهَا ، وكَانَ وَقَّافاً عِنْدَ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى . رواه البخاري .
(1)- وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - : أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( إنَّهَا سَتَكونُ بَعْدِي أثَرَةٌ وأُمُورٌ تُنْكِرُونَها ! )) قَالُوا : يَا رَسُول الله ، فَمَّا تَأْمُرُنا ؟ قَالَ : (( تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ ، وَتَسأَلُونَ الله الَّذِي لَكُمْ(2) )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(( وَالأَثَرَةُ )) : الانْفِرادُ بالشَّيءِ عَمنَ لَهُ فِيهِ حَقٌّ .
(3)- وعن أبي يحيى أُسَيْد بن حُضَير - رضي الله عنه - : أنَّ رَجُلاً مِنَ الأنْصارِ ، قَالَ :
يَا رسولَ الله ، ألاَ تَسْتَعْمِلُني كَمَا اسْتَعْمَلْتَ فُلاناً ، فَقَالَ : (( إنكُمْ سَتَلْقَونَ بَعْدِي
__________
(1) - أخرجه : البخاري 4/241 ( 3603 ) ، ومسلم 6/71 ( 1843 ) .
(2) أي أنه يستولي على المسلمين ولاة يستأثرون بأموال المسلمين يصرفونها كما شاءوا ويمنعون المسلمين حقهم فيها . والواجب على المسلمين في ذلك السمع والطاعة وعدم الإثارة وعدم التشويش عليهم واسألوا الحق الذي لكم من الله. شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 1/127.
(3) - أخرجه : البخاري 5/41 ( 3792 ) ، ومسلم 6/19 ( 1845 ) .(1/48)
أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوني عَلَى الحَوْضِ(1) )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(( وَأُسَيْدٌ )) : بضم الهمزة . (( وحُضيْرٌ )) : بحاءٍ مهملة مضمومة وضاد معجمة مفتوحة ، والله أعلم .
(2)- وعن أبي إبراهيم عبدِ الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما : أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعْضِ أيامِهِ التي لَقِيَ فِيهَا العَدُوَّ ، انْتَظَرَ حَتَّى إِذَا مالَتِ الشَّمْسُ قَامَ فيهمْ ، فَقَالَ : (( يَا أيُّهَا النَّاسُ ، لا تَتَمَنَّوا لِقَاءَ العَدُوِّ ، وَاسْأَلُوا الله العَافِيَةَ ، فَإِذَا لقيتُمُوهُمْ فَاصْبرُوا(3) ، وَاعْلَمُوا أنّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلالِ السُّيوفِ )) .
__________
(1) هذا الحوض الذي يكون في يوم القيامة في مكان وزمان أحوج ما يكون الناس إليه ؛ لأنه يحصل على الناس من الهم والغم والكرب والعرق والحر ما يجعلهم في أشد الضرورة إلى الماء ، فيردون حوض الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، حوض عظيم طوله شهر وعرضه شهر ، يصب عليه ميزابان من الكوثر وهو نهر في الجنة أعطيه النبي - صلى الله عليه وسلم - . ماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل وأطيب من رائحة المسك ، وفيه أواني كنجوم السماء في اللمعان والحسن والكثرة ، من شرب منه شربة واحدة لم يظمأ بعدها أبداً . اللهم اجعلنا ممن يشرب منه. شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 1/128 .
(2) - أخرجه : البخاري 4/62 ( 2966 ) ، ومسلم 5/143 ( 1742 ) .
(3) في الحديث : أن لا يتمنى الإنسان لقاء العدو ، وهذا غير تمني الشهادة ، تمني الشهادة جائز بل قد يكون مأموراً به . وفيه أن يسأل الله العافية والسلامة ، وإذا لقيت العدو فاصبر ، وينبغي لأمير الجيش أن يرفق بهم ويختار الوقت المناسب من الناحية اليومية والفصلية ، وفيه الدعاء على الأعداء بالهزيمة . شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 1/131 .(1/49)
ثُمَّ قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : (( اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ ، وَهَازِمَ الأحْزَابِ ، اهْزِمْهُمْ وَانصُرْنَا عَلَيْهمْ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ، وبالله التوفيق .
4- باب المراقبة
قَالَ الله تَعَالَى : { الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ } [ الشعراء : 219 - 220 ]، وَقالَ تَعَالَى : { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُم } (1)[ الحديد :4 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { إِنَّ اللهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ } [ آل عمران : 6 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ } [ الفجر : 14 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ } [ غافر : 19 ] وَالآيات في البابِ كثيرة معلومة .
__________
(1) قال الطبري في تفسيره 22/387 : (( وهو شاهد لكم أيها الناس أينما كنتم يعلمكم ، ويعلم أعمالكم ومتقلبكم ومثواكم ، وهو على عرشه فوق سماواته السبع )) .(1/50)
(1) 54- وأما الأحاديث ، فالأول : عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، قَالَ : بَيْنَما نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَومٍ ، إذْ طَلَعَ عَلَينا رَجُلٌ شَديدُ بَياضِ الثِّيابِ ، شَديدُ سَوَادِ الشَّعْرِ ، لا يُرَى عَلَيهِ أثَرُ السَّفَرِ ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أحَدٌ ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيهِ إِلَى رُكْبتَيهِ ، وَوَضعَ كَفَّيهِ عَلَى فَخِذَيهِ(2) ، وَقالَ : يَا مُحَمَّدُ ، أخْبرني عَنِ الإسلامِ ، فَقَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((الإسلامُ : أنْ تَشْهدَ أنْ لا إلهَ إلاَّ الله(3) وأنَّ مُحمَّداً رسولُ الله ، وتُقيمَ الصَّلاةَ ، وَتُؤتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصومَ رَمَضَانَ ، وَتَحُجَّ البَيتَ إن اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبيلاً )) . قَالَ : صَدَقْتَ . فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقهُ ! قَالَ : فَأَخْبرنِي عَنِ الإِيمَانِ . قَالَ : (( أنْ تُؤمِنَ باللهِ ، وَمَلائِكَتِهِ ، وَكُتُبهِ ، وَرُسُلِهِ ، وَاليَوْمِ الآخِر ، وتُؤْمِنَ بالقَدَرِ خَيرِهِ وَشَرِّهِ )) . قَالَ : صَدقت . قَالَ : فأَخْبرني عَنِ الإحْسَانِ . قَالَ : (( أنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّهُ يَرَاكَ )) . قَالَ : فَأَخْبِرني عَنِ السَّاعَةِ . قَالَ : (( مَا المَسْؤُولُ عَنْهَا بأعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ )) . قَالَ : فأخبِرني عَنْ أمَاراتِهَا . قَالَ : (( أنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا ، وأنْ تَرَى
__________
(1) - أخرجه : مسلم 1/28 ( 8 ) ( 1 ) .
(2) قال العلماء : وضع كفيه على فخذي نفسه لا على فخذي النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وذلك من كمال الأدب في جلسة المتعلم أمام المعلم ، بأن يجلس بأدب ، واستعداد لما يسمع مما يقال من الحديث . شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 1/182.
(3) أي : لا معبود بحق إلا الله .(1/51)
الحُفَاةَ العُرَاةَ العَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ في البُنْيَانِ )) . ثُمَّ انْطَلقَ فَلَبِثْتُ مَلِيّاً ، ثُمَّ قَالَ : (( يَا عُمَرُ ، أَتَدْري مَنِ السَّائِلُ ؟ )) قُلْتُ : اللهُ ورسُولُهُ أعْلَمُ . قَالَ: (( فإنَّهُ جِبْريلُ أَتَاكُمْ يعْلِّمُكُمْ أمْرَ دِينكُمْ ))(1) . رواه مسلم .
ومعنى (( تَلِدُ الأَمَةُ رَبَّتَهَا )) أيْ سَيِّدَتَهَا ؛ ومعناهُ : أنْ تَكْثُرَ السَّراري حَتَّى تَلِدَ الأَمَةُ السُّرِّيَّةُ بِنْتاً لِسَيِّدِهَا وبنْتُ السَّيِّدِ في مَعنَى السَّيِّدِ وَقيلَ غَيْرُ ذلِكَ . وَ(( العَالَةُ )) : الفُقَراءُ . وقولُهُ : (( مَلِيّاً)) أَيْ زَمَناً طَويلاً وَكانَ ذلِكَ ثَلاثاً .
(2)-55- الثاني : عن أبي ذر جُنْدُب بنِ جُنادَةَ وأبي عبدِ الرحمانِ معاذِ بنِ جبلٍ رضي الله عنهما، عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( اتَّقِ الله حَيْثُمَا كُنْتَ وَأتْبعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمْحُهَا ، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ )) رواه الترمذي ، وَقالَ : (( حديث حسن )) .
__________
(1) فيه أنه ينبغي للعالم والمفتي وغيرهما إذا سئل عما لا يعلم أن يقول : لا أعلم . وليس فيه دليل على إباحة بيع أمهات الأولاد ، ولا منع بيعهن ، وفيه أن أهل الحاجة والفقر تبسط لهم الدنيا حتى يتباهون في البنيان ، وفيه أن الإيمان والإسلام والإحسان تسمى كلها ديناً . وأن هذا الحديث يجمع أنواعاً من العلوم والمعارف والآداب واللطائف بل هو أصل الإسلام . شرح صحيح مسلم للنووي 1/148 .
(2) - أخرجه: الترمذي ( 1987 ) عن أبي ذر ومعاذ. وقال : (( حديث حسن صحيح )) .(1/52)
(1)-56- الثالث : عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما ، قَالَ : كنت خلف النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - يوماً ، فَقَالَ : (( يَا غُلامُ ، إنِّي أعلّمُكَ كَلِمَاتٍ : احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ(2) ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ، إِذَا سَألْتَ فَاسأَلِ الله ، وإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ باللهِ ، وَاعْلَمْ : أنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إلاَّ بِشَيءٍ قَدْ كَتَبهُ اللهُ لَكَ ، وَإِن اجتَمَعُوا عَلَى أنْ يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إلاَّ بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحفُ(3) )) رواه الترمذي ، وَقالَ : (( حديث حسن صحيح )) .
وفي رواية غيرِ الترمذي : (( احْفَظِ الله تَجِدْهُ أَمَامَكَ ، تَعرَّفْ إِلَى اللهِ في الرَّخَاءِ يَعْرِفكَ في الشِّدَّةِ ، وَاعْلَمْ : أنَّ مَا أَخْطَأكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبكَ ، وَمَا أصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ ، وَاعْلَمْ : أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ ، وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ ، وَأَنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً )) .
(4)- 57- الرابع : عن أنسٍ - رضي الله عنه - ، قَالَ : إِنَّكُمْ لَتعمَلُونَ أعْمَالاً هي أدَقُّ في أعيُنِكُمْ مِنَ الشَّعْرِ ، كُنَّا نَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - مِنَ المُوبِقاتِ . رواه البخاري .
وَقالَ : (( المُوبقاتُ )) : المُهلِكَاتُ .
__________
(1) - أخرجه : الترمذي ( 2516 ) . وأخرج اللفظ الثاني : أحمد 1/307 .
(2) أي : امتثال أوامره واجتناب نواهيه . شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 1/258 .
(3) أي فرغ من الأمر وجفّت كتابته ، كناية عن تقدم كتابة المقادير كلها والفراغ منها من أمد بعيد . دليل الفالحين 1/288 .
(4) - أخرجه : البخاري 8/128 ( 6492 ) .(1/53)
(1)58- الخامس : عن أبي هريرةَ - رضي الله عنه - ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( إنَّ الله تَعَالَى
يَغَارُ ، وَغَيرَةُ الله تَعَالَى ، أنْ يَأتِيَ المَرْءُ مَا حَرَّمَ الله عَلَيهِ(2) )) متفق عَلَيهِ .
و(( الغَيْرةُ )) : بفتحِ الغين ، وَأَصْلُهَا الأَنَفَةُ .
(3)- 59- السادس : عن أبي هريرةَ - رضي الله عنه - : أنَّه سَمِعَ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، يقُولُ : (( إنَّ ثَلاثَةً مِنْ بَني إِسْرَائِيلَ : أبْرَصَ ، وَأَقْرَعَ ، وَأَعْمَى ، أَرَادَ اللهُ أنْ يَبْتَليَهُمْ فَبَعَثَ إِليْهمْ مَلَكاً ، فَأَتَى الأَبْرَصَ ، فَقَالَ : أَيُّ شَيءٍ أَحَبُّ إلَيْكَ ؟ قَالَ : لَوْنٌ حَسنٌ ، وَجِلدٌ حَسَنٌ ، وَيَذْهبُ عَنِّي الَّذِي قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ ؛ فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ قَذَرُهُ وَأُعْطِيَ لَوناً حَسنَاً . فَقَالَ : فَأيُّ المَالِ أَحَبُّ إِليكَ ؟ قَالَ : الإِبلُ - أَوْ قالَ : البَقَرُ شكَّ الرَّاوي - فَأُعطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ ، فَقَالَ : بَاركَ الله لَكَ فِيهَا .
__________
(1) أخرجه : البخاري 7/45 ( 5223 ) ، ومسلم 8/101 ( 2761 ) .
(2) في الحديث إثبات الغيرة لله تعالى ، وسبيل أهل السنة والجماعة فيه ، وفي غيره من أحاديث الصفات وآيات الصفات أنهم يثبتونها لله سبحانه على الوجه اللائق به، يقولون:إن الله يغار لكن ليست كغيرة المخلوق ، وإن الله يفرح ولكن ليس كفرح المخلوق ، وإن الله له من الصفات الكاملة ما يليق به ، ولا تشبه صفات المخلوقين.شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 1/262 .
(3) - أخرجه : البخاري 4/208 ( 3464 ) ، ومسلم 8/213 ( 2964 ) .(1/54)
فَأَتَى الأَقْرَعَ، فَقَالَ: أَيُّ شَيءٍ أَحَبُّ إلَيْكَ؟ قَالَ: شَعْرٌ حَسَنٌ، وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا الَّذِي قَذِرَني النَّاسُ ؛ فَمَسَحَهُ فَذَهبَ عَنْهُ وأُعْطِيَ شَعراً حَسَناً . قالَ : فَأَيُّ المَالِ أَحَبُّ إِليْكَ ؟ قَالَ : البَقَرُ ، فَأُعْطِيَ بَقَرَةً حَامِلاً ، وَقالَ : بَارَكَ الله لَكَ فِيهَا .
فَأَتَى الأَعْمَى ، فَقَالَ : أَيُّ شَيءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : أَنْ يَرُدَّ الله إِلَيَّ بَصَرِي(1) فَأُبْصِرُ النَّاسَ؛ فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللهُ إِلَيْهِ بَصَرهُ. قَالَ: فَأَيُّ المَالِ أَحَبُّ إِليْكَ ؟ قَالَ : الغَنَمُ ، فَأُعْطِيَ شَاةً والداً ، فَأَنْتَجَ هذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا ، فَكانَ لِهذَا وَادٍ مِنَ الإِبلِ ، وَلِهذَا وَادٍ مِنَ البَقَرِ ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الغَنَمِ .
ثُمَّ إنَّهُ أَتَى الأَبْرَصَ في صُورَتِهِ وَهَيئَتِهِ ، فَقَالَ : رَجلٌ مِسْكينٌ قَدِ انقَطَعَتْ بِيَ الحِبَالُ في سَفَري فَلا بَلاغَ لِيَ اليَومَ إلاَّ باللهِ ثُمَّ بِكَ ، أَسْأَلُكَ بِالَّذي أعْطَاكَ اللَّونَ الحَسَنَ ، والجِلْدَ الحَسَنَ ، وَالمَالَ ، بَعِيراً أَتَبَلَّغُ بِهِ في سَفَري ، فَقَالَ : الحُقُوقُ كثِيرةٌ . فَقَالَ : كأنِّي اعْرِفُكَ ، أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ فقيراً فأعْطَاكَ اللهُ !؟ فَقَالَ : إِنَّمَا وَرِثْتُ هَذَا المالَ كَابِراً عَنْ كَابِرٍ، فَقَالَ : إنْ كُنْتَ كَاذِباً فَصَيَّرَكَ الله إِلَى مَا كُنْتَ .
__________
(1) تأمل قول الأعمى هذا فإنه لم يسأل إلا بصراً يبصر به الناس فقط ، أما الأبرص والأقرع فإن كل واحد منهما تمنى شيئاً أكبر من الحاجة ؛ لأن الأبرص قال : جلداً حسناً ولوناً حسناً ، وذاك قال : شعراً حسناً . فليس مجرد جلد أو شعر أو لون ، بل تمنيا شيئاً أكبر ، أما هذا فإن عنده زهداً ، لذا لم يسأل إلا بصراً يبصر به فقط .(1/55)
وَأَتَى الأَقْرَعَ في صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذا ، وَرَدَّ عَلَيهِ مِثْلَ مَا رَدَّ هَذَا ، فَقَالَ : إنْ كُنْتَ كَاذِباً فَصَيَّرَكَ اللهُ إِلَى مَا كُنْتَ .
وَأَتَى الأَعْمَى في صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ ، فَقَالَ : رَجُلٌ مِسْكينٌ وابنُ سَبيلٍ انْقَطَعتْ بِيَ الحِبَالُ في سَفَرِي ، فَلا بَلاَغَ لِيَ اليَومَ إلاَّ بِاللهِ ثُمَّ بِكَ ، أَسأَلُكَ بالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَركَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا في سَفري ؟ فَقَالَ : قَدْ كُنْتُ أعمَى فَرَدَّ اللهُ إِلَيَّ بَصَرِي فَخُذْ مَا شِئْتَ وَدَعْ مَا شِئْتَ فَوَاللهِ ما أجْهَدُكَ اليَومَ بِشَيءٍ أخَذْتَهُ للهِ - عز وجل -. فَقَالَ : أمْسِكْ مالَكَ فِإنَّمَا ابْتُلِيتُمْ . فَقَدْ رضي الله عنك ، وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيكَ ))(1) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
و(( النَّاقةُ العُشَرَاءُ )) بضم العين وفتح الشين وبالمد : هي الحامِل . قوله :
(( أنْتَجَ )) وفي رواية : (( فَنتَجَ )) معناه : تولَّى نِتاجها ، والناتج لِلناقةِ كالقابِلةِ
__________
(1) في الحديث : أن شكر النعمة من أسباب بقائها وزيادتها ، وفيه آيات من آيات الله كإثبات الملائكة وأنهم قد يكونون على صورة بني آدم، وفيه أنه يجوز الاختبار للإنسان كما جاء الملك، وفيه إثبات الرضا والسخط لله . شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 1/266 و267 .(1/56)
للمرأةِ . وقوله : (( وَلَّدَ هَذَا )) هُوَ بتشديد اللام : أي تولى ولادتها ، وَهُوَ بمعنى أنتج في الناقة ، فالمولّد ، والناتج ، والقابلة بمعنى ؛ لكن هَذَا لِلحيوان وذاك لِغيرهِ . وقوله : (( انْقَطَعَتْ بي الحِبَالُ )) هُوَ بالحاءِ المهملةِ والباءِ الموحدة : أي الأسباب . وقوله : (( لا أجْهَدُكَ )) معناه : لا أشق عليك في رد شيء تأخذه أَوْ تطلبه من مالي . وفي رواية البخاري : (( لا أحمَدُكَ )) بالحاءِ المهملة والميمِ ومعناه : لا أحمدك بترك شيء تحتاج إِلَيْه ، كما قالوا : لَيْسَ عَلَى طولِ الحياة ندم : أي عَلَى فواتِ طولِها .
(1) 60- الثامن : عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مِنْ حُسْنِ إسْلامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ )) حديث حسن رواه الترمذي وغيرُه .
5- باب في اليقين والتوكل(2)
__________
(1) - أخرجه: ابن ماجه ( 3976 )، والترمذي ( 2317 ) .
(2) اليقين : هو قوة الإيمان والثبات حتى كأن الإنسان يرى بعينه ما أخبر الله به ورسوله من شدة يقينه . والتوكل : هو اعتماد الإنسان على ربه - عز وجل - في ظاهره وباطنه في جلب المنافع ودفع المضار . شرح رياض الصالحين 1/283 .(1/57)
قَالَ الله تَعَالَى: { وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً } [ الأحزاب : 22 ]، وَقالَ تَعَالَى: { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ، فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } [آل عمران :173- 174] ، وَقالَ تَعَالَى: { وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ } [الفرقان:58 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } [ إبراهيم : 11 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى الله } [ آل عمران : 159 ] ، والآيات في الأمرِ بالتوكلِ كثيرةٌ معلومةٌ . وَقالَ تَعَالَى : { وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } [ الطلاق : 3 ] : أي كافِيهِ. وَقالَ تَعَالَى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } [ الأنفال : 2 ] ، والآيات في فضل التوكل كثيرةٌ معروفةٌ.(1/58)
(1) 61- وأما الأحاديث: فالأول : عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قَالَ : قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: (( عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ ، فَرَأيْتُ النَّبيّ ومَعَهُ الرُّهَيطُ ، والنبي وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلانِ ، والنبيَّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ إِذْ رُفِعَ لي سَوَادٌ عَظيمٌ فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ أُمَّتِي فقيلَ لِي : هَذَا مُوسَى وَقَومُهُ ، ولكنِ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ ، فَنَظَرتُ فَإِذا سَوادٌ عَظِيمٌ ، فقيلَ لي : انْظُرْ إِلَى الأفُقِ الآخَرِ ، فَإِذَا سَوَادٌ عَظيمٌ ، فقيلَ لِي : هذِهِ أُمَّتُكَ وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ(2)
__________
(1) - أخرجه : البخاري 7/163 ( 5705 ) ، ومسلم 1/137 ( 220 ) ( 374 ) .
(2) وقد ورد أن مع كل واحد من السبعين الألف سبعين ألفاً أيضاً ، فتكون النتيجة بعد الضرب
(70000 × 70000 = 4900.000000 مليون ) هؤلاء الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب . اللهم اجعلنا منهم . شرح رياض الصالحين 1/290 .(1/59)
ألفاً يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِغَيرِ حِسَابٍ ولا عَذَابٍ )) ، ثُمَّ نَهَضَ فَدخَلَ مَنْزِلَهُ فَخَاضَ النَّاسُ في أُولئكَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ ولا عَذَابٍ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : فَلَعَلَّهُمْ الَّذينَ صَحِبوا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، وَقالَ بعْضُهُمْ : فَلَعَلَّهُمْ الَّذِينَ وُلِدُوا في الإِسْلامِ فَلَمْ يُشْرِكُوا بِالله شَيئاً - وذَكَرُوا أشيَاءَ - فَخَرجَ عَلَيْهِمْ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : (( مَا الَّذِي تَخُوضُونَ فِيهِ ؟ )) فَأَخْبَرُوهُ فقالَ : (( هُمُ الَّذِينَ لاَ يَرْقُونَ(1)، وَلا يَسْتَرقُونَ(2)، وَلا يَتَطَيَّرُونَ(3)؛ وعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوكَّلُون )) فقامَ عُكَّاشَةُ ابنُ محصنٍ ، فَقَالَ : ادْعُ الله أنْ يَجْعَلني مِنْهُمْ، فَقَالَ : (( أنْتَ مِنْهُمْ )) ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ : ادْعُ اللهَ أنْ يَجْعَلنِي مِنْهُمْ، فَقَالَ : (( سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
(( الرُّهَيْطُ )) بضم الراء تصغير رهط : وهم دون عشرة أنفس ، وَ(( الأُفقُ )) الناحية والجانب . و(( عُكَّاشَةُ )) بضم العين وتشديد الكاف وبتخفيفها ، والتشديد أفصح .
__________
(1) قال ابن عثيمين : (( والمؤلف رحمه الله قال : إنه متفق عليه ، وكان ينبغي أن يبين أن هذا اللفظ لفظ مسلم دون رواية البخاري، وذلك أن قوله : (( لا يرقون )) ، كلمة غير صحيحة ، ولا تصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن معنى (( لا يرقون )) أي : لا يقرؤون على المرضى ، وهذا باطل ، فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يرقي المرضى)) . شرح رياض الصالحين 1/290 .
(2) أي لا يطلبون من أحد أن يقرأ عليهم إذا أصابهم شيء .
(3) أي لا يتشاءمون ويعتمدون على الله وحده . شرح رياض الصالحين 1/290 .(1/60)
(1) 62- الثاني : عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً : أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يقول : (( اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ ، وَبِكَ آمَنْتُ ، وَعَليْك تَوَكَّلْتُ ، وَإِلَيْكَ أنَبْتُ ، وَبِكَ خَاصَمْتُ. اللَّهُمَّ أعُوذُ بعزَّتِكَ؛ لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ أنْ تُضلَّني، أَنْتَ الحَيُّ الَّذِي لاَ تَمُوتُ، وَالجِنُّ والإنْسُ يَمُوتُونَ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، وهذا لفظ مسلم واختصره البخاري.
(2) 63- الثالث : عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً ، قَالَ : حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ ، قَالَهَا إِبرَاهيمُ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ أُلقِيَ في النَّارِ ، وَقَالَها مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قَالُوا : إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيْماناً وَقَالُوا : حَسْبُنَا الله ونعْمَ الوَكيلُ . رواه البخاري .
وفي رواية لَهُ عن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما ، قَالَ : كَانَ آخر قَول إبْرَاهِيمَ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ أُلْقِيَ في النَّارِ : حَسْبِي الله ونِعْمَ الوَكِيلُ .
(3)-64- الرابع : عن أبي هريرةَ - رضي الله عنه - ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( يَدْخُلُ الجَنَّةَ أَقْوامٌ أفْئِدَتُهُمْ مِثلُ أفْئِدَةِ الطَّيرِ )) رواه مسلم .
قيل : معناه متوكلون ، وقيل : قلوبهم رَقيقَةٌ .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 9/143 ( 7383 ) ، ومسلم 8/80 ( 2717 ) ( 68 ) .
(2) - أخرجه : البخاري 6/48 ( 4563 ) و( 4564 ) .
(3) - أخرجه : مسلم 8/149 ( 2840 ) ( 27 ) .(1/61)
(1)-65- الخامس : عن جابر - رضي الله عنه - : أَنَّهُ غَزَا مَعَ النبي - صلى الله عليه وسلم - قِبلَ نَجْدٍ ، فَلَمَّا قَفَلَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَفَلَ معَهُمْ ، فَأَدْرَكَتْهُمُ القَائِلَةُ(2) في وَادٍ كثير العِضَاه ، فَنَزَلَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - وَتَفَرَّقَ النَّاسُ يَسْتَظِلُّونَ بالشَّجَرِ ، وَنَزَلَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - تَحتَ سَمُرَة فَعَلَّقَ بِهَا سَيفَهُ وَنِمْنَا نَوْمَةً ، فَإِذَا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَدْعونَا وَإِذَا عِنْدَهُ أعْرَابِيٌّ ، فَقَالَ : (( إنَّ هَذَا اخْتَرَطَ عَلَيَّ سَيفِي وَأنَا نَائمٌ فَاسْتَيقَظْتُ وَهُوَ في يَدِهِ صَلتاً ، قَالَ : مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي ؟ قُلْتُ : الله - ثلاثاً- )) وَلَمْ يُعاقِبْهُ وَجَلَسَ . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وفي رواية قَالَ جَابرٌ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بذَاتِ الرِّقَاعِ ، فَإِذَا أَتَيْنَا عَلَى شَجَرَةٍ ظَلِيلَةٍ تَرَكْنَاهَا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فجاء رَجُلٌ مِنَ المُشْركينَ وَسَيفُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - معَلَّقٌ بالشَّجَرَةِ فَاخْتَرطَهُ، فَقَالَ : تَخَافُنِي ؟ قَالَ : (( لاَ )) فَقَالَ : فَمَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي ؟ قَالَ : (( الله )) .
وفي رواية أبي بكر الإسماعيلي في " صحيحه " ، قَالَ : مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي ؟
__________
(1) - أخرجه : البخاري 4/47 ( 2910 ) و5/147 ( 4136 ) ، ومسلم2/214 ( 843 ) ( 311 ) و7/62 ( 843 ) (13 ) و( 14 ) .
(2) القائلة : أي الظهيرة . دليل الفالحين 2/17 .(1/62)
قَالَ : (( اللهُ )) . قَالَ : فَسَقَطَ السيفُ مِنْ يَدهِ ، فَأخَذَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - السَّيْفَ ، فَقَالَ : (( مَنْ يَمْنَعُكَ مني ؟ )) . فَقَالَ : كُنْ خَيرَ آخِذٍ . فَقَالَ : (( تَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ الله وَأَنِّي رَسُول الله ؟)) قَالَ : لاَ ، وَلَكنِّي أُعَاهِدُكَ أنْ لا أُقَاتِلَكَ ، وَلاَ أَكُونَ مَعَ قَومٍ يُقَاتِلُونَكَ ، فَخَلَّى سَبيلَهُ ، فَأَتَى أصْحَابَهُ ، فَقَالَ : جئتُكُمْ مِنْ عنْد خَيْرِ النَّاسِ .
قَولُهُ : (( قَفَلَ )) أي رجع ، وَ(( الْعِضَاهُ )) الشجر الَّذِي لَهُ شوك، و(( السَّمُرَةُ )) بفتح السين وضم الميم : الشَّجَرَةُ مِنَ الطَّلْح ، وهيَ العِظَامُ مِنْ شَجَرِ العِضَاهِ ، وَ(( اخْتَرَطَ السَّيْف )) أي سلّه وَهُوَ في يدهِ . (( صَلْتاً )) أي مسلولاً ، وَهُوَ بفتحِ الصادِ وضَمِّها .
(1)- 66- السادس : عن عُمَر - رضي الله عنه - ، قَالَ : سمعتُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ ، تَغْدُو خِمَاصاً وَتَرُوحُ بِطَاناً )) رواه الترمذي ، وَقالَ : (( حديث حسن )) .
معناه : تَذْهبُ أَوَّلَ النَّهَارِ خِمَاصاً : أي ضَامِرَةَ البُطُونِ مِنَ الجُوعِ ، وَتَرجعُ آخِرَ النَّهَارِ بِطَاناً . أَي مُمْتَلِئَةَ البُطُونِ .
__________
(1) - أخرجه : ابن ماجه ( 4164 ) ، والترمذي ( 2344 ) ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .(1/63)
(1)- 67- السابع : عن أبي عُمَارة البراءِ بن عازب رضي الله عنهما ، قَالَ : قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: (( يَا فُلانُ ، إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فراشِكَ ، فَقُل : اللَّهُمَّ أسْلَمتُ نَفْسي إلَيْكَ ، وَوَجَّهتُ وَجْهِي إلَيْكَ، وَفَوَّضتُ أَمْري إلَيْكَ ، وَأَلجأْتُ ظَهري إلَيْكَ رَغبَةً وَرَهبَةً إلَيْكَ ، لا مَلْجَأ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إلاَّ إلَيْكَ ، آمنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أنْزَلْتَ ؛ وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ . فَإِنَّكَ إِنْ مِتَّ مِنْ لَيلَتِكَ مِتَّ عَلَى الفِطْرَةِ ، وَإِنْ أصْبَحْتَ أَصَبْتَ خَيراً ))(2) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وفي رواية في الصحيحين ، عن البراءِ ، قَالَ : قَالَ لي رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إِذَا أَتَيْتَ مَضْجِعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءكَ للصَّلاةِ ، ثُمَّ اضْطَجعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيمَنِ ، وَقُلْ ... وذَكَرَ نَحْوَهُ ثُمَّ قَالَ : وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ )) .
__________
(1) - أخرجه: البخاري 1/71 ( 247 ) و9/174 ( 7488 ) ، ومسلم 8/78 (2710 ) ( 57 ) و( 58 ) .
(2) في الحديث ثلاث سنن مهمة مستحبة ، ليست بواجبة :
الوضوء عند إرادة النوم ، والنوم على الشق الأيمن ، وذكر الله تعالى ؛ ليكون خاتمة عمله . شرح صحيح مسلم 9/31 ( 2710).(1/64)
(1)- 68- الثامِنُ : عن أبي بكرٍ الصِّديق - رضي الله عنه - عبدِ اللهِ بنِ عثمان بنِ عامرِ بنِ عمر ابنِ كعب بنِ سعدِ بن تَيْم بنِ مرة بن كعبِ بن لُؤَيِّ بن غالب القرشي التيمي - رضي الله عنه - - وَهُوَ وَأَبُوهُ وَأُمُّهُ صَحَابَةٌ - - رضي الله عنهم - - قَالَ : نَظَرتُ إِلَى أَقْدَامِ المُشْرِكينَ وَنَحنُ في الغَارِ وَهُمْ عَلَى رُؤُوسِنا ، فقلتُ : يَا رسولَ الله ، لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيهِ لأَبْصَرَنَا . فَقَالَ : (( مَا ظَنُّكَ يَا أَبا بَكرٍ باثنَيْنِ الله ثَالِثُهُمَا )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(2)- 69- التاسع : عن أم المُؤمنينَ أمِّ سَلَمَةَ وَاسمها هِنْدُ بنتُ أَبي أميةَ حذيفةَ المخزومية رضي الله عنها : أنَّ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيتِهِ ، قَالَ : (( بِسْمِ اللهِ تَوَكَّلتُ عَلَى اللهِ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أعُوذُ بِكَ أنْ أضِلَّ أَوْ أُضَلَّ ، أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ ، أَوْ أظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ ، أَوْ أجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ )) حديثٌ صحيح ، رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بأسانيد صحيحةٍ . قَالَ الترمذي : (( حديث حسن صحيح )) وهذا لفظ أبي داود .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 5/4 ( 3653 ) ، ومسلم 7/108 ( 2381 ) ( 1 ) .
(2) - أخرجه : أبو داود ( 5094 ) ، وابن ماجه ( 3884 ) ، والترمذي ( 3427 ) ، والنسائي 8/268 و285 ، وسند الحديث منقطع .(1/65)
(1)- 70- العاشر : عن أنس - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ قَالَ - يَعْني : إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيتِهِ - : بِسمِ اللهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ ، وَلا حَولَ وَلا قُوَّةَ إلاَّ باللهِ ، يُقالُ لَهُ : هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ ، وَتَنَحَّى(2) عَنْهُ الشَّيطَانُ )) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم . وَقالَ الترمذي : (( حديث حسن )) ، زاد أبو داود : (( فيقول - يعني : الشيطان - - لِشيطان آخر : كَيفَ لَكَ بِرجلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ ؟ )) .
(3)- 71- وعن أنس - رضي الله عنه - ، قَالَ : كَانَ أَخَوانِ عَلَى عهد النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - وَكَانَ أحَدُهُمَا يَأتِي النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَالآخَرُ يَحْتَرِفُ ، فَشَكَا المُحْتَرِفُ أخَاهُ للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : (( لَعَلَّكَ تُرْزَقُ بِهِ )) . رواه الترمذي بإسناد صحيحٍ عَلَى شرطِ مسلم .
(( يحترِف )) : يكتسب ويتسبب .
6- باب في الاستقامة(4)
__________
(1) - أخرجه : أبو داود ( 5095 ) ، والترمذي ( 3426 ) ، والنسائي في " الكبرى " ( 9917 ) . وقال الترمذي : (( حديث حسن غريب )) .
(2) تنحى : أي مال عن جهته وطريقه . دليل الفالحين 2/32 .
(3) - أخرجه : الترمذي ( 2345 ) . وقال : (( هذا حديث حسن صحيح )) .
(4) الاستقامة : هي أن يثبت الإنسان على شريعة الله سبحانه وتعالى ، كما أمر الله ويتقدمها الإخلاص . شرح رياض الصالحين 1/302 .(1/66)
قَالَ الله تَعَالَى : { فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ } [ هود : 112 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ } [ فصلت : 30- 32 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [ الأحقاف : 13-14 ] .
(1)- 72- وعن أبي عمرو ، وقيل : أبي عَمرة سفيان بن عبد الله - رضي الله عنه - ، قَالَ :
قُلْتُ : يَا رَسُول الله ، قُلْ لي في الإسْلامِ قَولاً لاَ أسْأَلُ عَنْهُ أَحَداً غَيْرَكَ . قَالَ : (( قُلْ : آمَنْتُ بِاللهِ ، ثُمَّ استَقِمْ )) رواه مسلم .
__________
(1) - أخرجه : مسلم 1/47 ( 38 ) . أي الإيمان بوجود الله عز وجل وبربوبيته وبأسمائه وصفاته وأحكامه وأخباره، واستقم على شريعة الله. شرح رياض الصالحين 1/304.(1/67)
(1)- 73- وعن أبي هريرةَ - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( قَارِبُوا وَسَدِّدُوا ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يَنْجُوَ أَحَدٌ مِنْكُمْ بعَمَلِهِ )) قالُوا : وَلا أَنْتَ يَا رَسُول الله ؟ قَالَ : (( وَلاَ أنا إلاَّ أنْ يَتَغَمَّدَني الله برَحمَةٍ مِنهُ وَفَضْلٍ ))(2) رواه مسلم .
وَ(( المُقَاربَةُ )) : القَصدُ الَّذِي لا غُلُوَّ فِيهِ وَلاَ تَقْصيرَ ، وَ(( السَّدادُ )) : الاستقامة والإصابة . وَ(( يتَغَمَّدني )) : يلبسني ويسترني .
قَالَ العلماءُ : مَعنَى الاستقامَةِ لُزُومُ طَاعَةِ الله تَعَالَى ، قالوا : وهِيَ مِنْ جَوَامِعِ الكَلِم ، وَهِيَ نِظَامُ الأُمُورِ ؛ وبِاللهِ التَّوفِيقُ .
7- باب في التفكر(3) في عظيم مخلوقات الله تَعَالَى
وفناء الدنيا وأهوال الآخرة وسائر أمورهما وتقصير النفس
وتهذيبها وحملها عَلَى الاستقامة
__________
(1) - أخرجه : البخاري 7/157 ( 5673 ) ، ومسلم 8/141 ( 2816 ) ( 76 ) .
(2) في الحديث : أن الإنسان لا يعجب بعمله مهما كان ، وفيه الإكثار من ذكر الله وسؤال الرحمة ، وفيه حرص الصحابة على العلم . شرح رياض الصالحين 1/306 .
(3) التفكر : هو أن الإنسان يعمل فكره في الأمر حتى يصل فيه إلى نتيجة ، وقد أمر الله به . شرح رياض الصالحين 1/307 .(1/68)
قَالَ الله تَعَالَى : { إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا للهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا } [سبأ :46 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { إِنَّ في خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ } الآيات[ آل عمران : 190-191]، وَقالَ تَعَالَى : { أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ } [ الغاشية :17-21 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا } الآية[ القتال : 10] . والآيات في الباب كثيرة .
8- باب في المبادرة إلى الخيرات
وحثِّ من توجه لخير على الإقبال عليه بالجد من غير تردد
قَالَ الله تَعَالَى : { فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَات } [ البقرة : 148 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } [ آل عمران : 133] .
(1)- 74- وأما الأحاديث : فالأولُ : عن أبي هريرة - رضي الله عنه - : أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( بَادِرُوا بِالأعْمَال فتناً كقطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ ، يُصْبحُ الرَّجُلُ مُؤْمِناً وَيُمْسِي كَافِراً ، وَيُمْسِي مُؤمِناً ويُصبحُ كَافِراً ، يَبيعُ دِينَهُ بعَرَضٍ مِنَ الدُّنيا )) رواه مسلم .
__________
(1) - أخرجه : مسلم 1/76 ( 118 ) . وفي الحديث : الحث على المبادرة إلى الأعمال الصالحة .(1/69)
(1)- 75- الثَّاني : عن أبي سِروْعَة - بكسر السين المهملة وفتحها - عُقبةَ بن الحارث - رضي الله عنه - ، قَالَ : صَلَّيتُ وَرَاءَ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالمَدِينَةِ العَصْرَ ، فَسَلَّمَ ثُمَّ قَامَ مُسْرِعاً ، فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ ، فَفَزِعَ النَّاسُ مِنْ سُرْعَتِهِ ، فَخَرَجَ عَلَيهمْ ، فَرأى أنَّهمْ قَدْ عَجبُوا مِنْ سُرعَتهِ ، قَالَ: (( ذَكَرتُ شَيئاً مِنْ تِبرٍ عِندَنَا فَكَرِهتُ أنْ يَحْبِسَنِي فَأمَرتُ بِقِسْمَتِهِ ))(2) رواه البخاري .
وفي رواية لَهُ: (( كُنتُ خَلَّفتُ في البَيْتِ تِبراً مِنَ الصَّدَقةِ فَكَرِهتُ أنْ أُبَيِّتَهُ )). (( التِّبْرُ )) : قِطَعُ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ .
(3)- 76- الثالث : عن جابر - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رجل للنبي - صلى الله عليه وسلم - يَومَ أُحُد : أَرَأيتَ إنْ قُتِلتُ فَأَيْنَ أَنَا ؟ قَالَ : (( في الجنَّةِ )) فَأَلْقَى تَمَرَاتٍ كُنَّ في يَدِهِ ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 1/215 ( 851 ) و20/140 ( 1430 ) .
(2) في الحديث : جواز تخطي الرقاب بعد السلام من الصلاة ولا سيما إذا كانت لحاجة ، بخلاف تخطي الرقاب قبل ، فإن ذلك منهي عنه ، لأنه إيذاء للناس ، وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كغيره من البشر يلحقه النسيان ، وفيه المبادرة إلى أداء الأمانة . شرح رياض الصالحين 1/323 .
(3) - أخرجه : البخاري 5/121 ( 4044 ) ، ومسلم 6/43 ( 1899 ) ( 143 ) . وفي الحديث : ثبوت الجنة للشهيد .(1/70)
(1)- 77- الرابع : عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : جاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : يَا رسولَ الله ، أيُّ الصَّدَقَةِ أعْظَمُ أجْرَاً ؟ قَالَ : (( أنْ تَصَدَّقَ وَأنتَ صَحيحٌ شَحيحٌ ، تَخشَى الفَقرَ وتَأمُلُ الغِنَى، وَلاَ تُمهِلْ(2) حَتَّى إِذَا بَلَغتِ الحُلقُومَ قُلْتَ لِفُلان كذا ولِفُلانٍ كَذا ، وقَدْ كَانَ لِفُلانٍ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(( الحُلقُومُ )) : مَجرَى النَّفَسِ . وَ(( المَرِيءُ )) : مجرى الطعامِ والشرابِ .
(3)- 78- الخامس : عن أنس - رضي الله عنه - : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ سيفاً يَومَ أُحُدٍ ، فَقَالَ : (( مَنْ يَأخُذُ منِّي هَذَا ؟ )) فَبَسطُوا أيدِيَهُمْ كُلُّ إنسَانٍ مِنْهُمْ يقُولُ : أَنَا أَنَا . قَالَ : (( فَمَنْ يَأخُذُهُ بحَقِّه ؟)) فَأَحْجَمَ القَومُ فَقَالَ أَبُو دُجَانَةَ - رضي الله عنه - : أنا آخُذُهُ بِحَقِّهِ ، فأخذه فَفَلقَ بِهِ هَامَ المُشْرِكِينَ . رواه مسلم.
اسم أبي دجانةَ : سماك بن خَرَشة . قوله : (( أحجَمَ القَومُ )) : أي توقفوا . وَ(( فَلَقَ بِهِ )) : أي شق . (( هَامَ المُشرِكينَ )) : أي رُؤُوسَهم .
(4)- 79- السادس : عن الزبير بن عدي ، قَالَ : أتينا أنسَ بن مالك - رضي الله عنه - فشكونا إِلَيْه مَا نلقى مِنَ الحَجَّاجِ . فَقَالَ : (( اصْبرُوا ؛ فَإنَّهُ لا يَأتي زَمَانٌ إلاَّ والَّذِي بَعدَهُ شَرٌّ مِنهُ حَتَّى تَلقَوا رَبَّكُمْ )) سَمِعتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ - صلى الله عليه وسلم - . رواه البخاري .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 2/137 ( 1419 ) ، ومسلم 3/93 ( 1032 ) .
(2) أي لا تترك الصدقة .
(3) - أخرجه : مسلم 7/151 ( 2470 ) ( 128 ) .
(4) - أخرجه : البخاري 9/61 ( 7068 ) .(1/71)
(1)- 80- الثامن : عَنْهُ : أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ يَومَ خيبر : (( لأُعْطِيَنَّ هذِهِ الرَّايَةَ رَجُلاً يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ يَفتَحُ اللهُ عَلَى يَدَيهِ )) قَالَ عُمَرُ - رضي الله عنه - : مَا أحبَبْتُ الإِمَارَة إلاَّ يَومَئِذٍ ، فَتَسَاوَرتُ لَهَا رَجَاءَ أنْ أُدْعَى لَهَا ، فَدَعا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - فَأعْطَاهُ إيَّاهَا ، وَقالَ : (( امْشِ وَلا تَلتَفِتْ حَتَّى يَفتَح اللهُ عَلَيكَ )) فَسَارَ عليٌّ شيئاً ثُمَّ وَقَفَ ولم يلتفت فصرخ : يَا رَسُول الله ، عَلَى ماذا أُقَاتِلُ النّاسَ ؟ قَالَ : (( قاتِلْهُمْ حَتَّى يَشْهَدُوا أنْ لا إله إلاَّ اللهُ ، وَأنَّ مُحَمداً رسولُ الله ، فَإِذَا فَعَلُوا فقَدْ مَنَعوا مِنْكَ دِمَاءهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلاَّ بحَقِّهَا ، وحسَابُهُمْ عَلَى الله )) رواه مسلم .
(( فَتَسَاوَرْتُ )) هُوَ بالسين المهملة : أي وثبت متطلعاً .
9- باب في المجاهدة
قَالَ الله تَعَالَى : { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِينَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } [العنكبوت : 69 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } [ الحجر : 99 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً } [ المزمل : 8 ] : أي انْقَطِعْ إِلَيْه ، وَقالَ تَعَالَى : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } [ الزلزلة : 7 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً } [ المزمل : 20 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ } [ البقرة : 273 ] والآيات في الباب كثيرة معلومة .
__________
(1) - أخرجه : مسلم 7/121 ( 2405 ) .(1/72)
(1)- 81- وأما الأحاديث : فالأول : عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إنَّ الله تَعَالَى قَالَ : مَنْ عادى لي وَلِيّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدي بشَيءٍ أَحَبَّ إلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حَتَّى أحِبَّهُ ، فَإذَا أَحبَبتُهُ كُنْتُ سَمعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بِهَا ، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشي بِهَا ، وَإنْ سَأَلَني أعْطَيْتُهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ )) رواه البخاري .
(( آذَنتُهُ )) : أعلمته بأني محارِب لَهُ . (( اسْتَعَاذَني )) روي بالنون وبالباءِ .
(2)- 82- الثاني : عن أنس - رضي الله عنه - ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربّه - عز وجل - ، قَالَ : (( إِذَا تَقَربَ العَبْدُ إلَيَّ شِبْراً تَقَربْتُ إِلَيْه ذِرَاعاً ، وَإِذَا تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِرَاعاً تَقَربْتُ مِنهُ بَاعاً ، وِإذَا أتَانِي يَمشي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ))(3) رواه البخاري .
(4)- 83- الثالث : عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( نِعْمَتَانِ مَغبونٌ فيهما كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ : الصِّحَّةُ ، وَالفَرَاغُ )) رواه البخاري .
(5)
__________
(1) - أخرجه : البخاري 8/131 ( 6502 ) .
(2) - أخرجه : البخاري 9/191 ( 7536 ) .
(3) قال الحافظ ابن حجر في الفتح 13/628 ( 7536 ) : (( معناه التقرب إليه بطاعته وأداء مفترضاته ونوافله ، وتقربه سبحانه من عبده إثابته )) .
(4) - أخرجه : البخاري 8/109 ( 6412 ) .
(5) - أخرجه : البخاري 6/169 ( 4837 ) ، ومسلم 8/141 ( 2820 ) ( 81 ) .
وأخرجه : البخاري 6/169 ( 4836 ) ، ومسلم 8/141 ( 2819 ) ( 79 ) و( 80 ) من حديث المغيرة .(1/73)
- 84- الرابع : عن عائشة رَضي الله عنها : أنَّ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يقُومُ مِنَ اللَّيلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ(1) قَدَمَاهُ فَقُلْتُ لَهُ : لِمَ تَصنَعُ هَذَا يَا رسولَ الله ، وَقدْ غَفَرَ الله لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ؟ قَالَ : (( أَفَلا أُحِبُّ أنْ أكُونَ عَبْداً شَكُوراً )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ، هَذَا لفظ البخاري .
ونحوه في الصحيحين من رواية المغيرة بن شعبة .
(2)- 85- الخامس : عن عائشة رضي الله عنها ، أنَّها قَالَتْ : كَانَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَخَلَ العَشْرُ أَحْيَا اللَّيلَ ، وَأيْقَظَ أهْلَهُ ، وَجَدَّ وَشَدَّ المِئْزَر . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
والمراد : العشر الأواخر مِنْ شهر رمضان . و(( المِئْزَرُ )) : الإزار ، وَهُوَ كناية عن اعتزالِ النساءِ . وقيلَ : المُرادُ تَشْمِيرُهُ للِعِبَادةِ ، يُقالُ : شَدَدْتُ لِهَذَا الأمْرِ مِئْزَري : أي تَشَمَّرْتُ وَتَفَرَّغْتُ لَهُ .
__________
(1) أي تشققت .
(2) - أخرجه : البخاري 3/61 ( 2024 ) ، ومسلم 3/175 ( 1174 ) ( 7 ) .(1/74)
(1)- 86- السادس : عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعيفِ وَفي كُلٍّ خَيرٌ(2) . احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ ، واسْتَعِنْ بِاللهِ وَلاَ تَعْجَزْ . وَإنْ أَصَابَكَ شَيءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أنّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا ، وَلَكِنْ قُلْ : قَدرُ(3) اللّهِ ، وَمَا شَاءَ فَعلَ ؛ فإنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيطَانِ )) رواه مسلم .
(4)- 87- السابع : عَنْهُ : أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( حُجِبَتِ النَّارُ بالشَّهَواتِ ، وَحُجِبَتِ الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وفي رواية لمسلم : (( حُفَّتْ )) بدل (( حُجِبَتْ )) وَهُوَ بمعناه : أي بينه وبينها هَذَا الحجاب فإذا فعله دخلها .
__________
(1) أخرجه : مسلم 8/56 ( 2664 ) ( 34 ) .
(2) قال النووي في شرح صحيح مسلم 8/382 ( 2664 ) : (( معناه في كل من القوي والضعيف خير ، لاشتراكهما في الإيمان )) .
(3) قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله : (( قدَرُ الله وما شاء فعل ، وبعضهم ضبطها ( قدَّرَ الله وما شاء فعل ) أي قدّر الشيء الواقع ، والمعنى الأول أظهر ، أي : أن هذا الواقع هو قدر الله أي مقدور الله ، وما شاء الله فعل )) . شرح كتاب التوحيد : 250 .
(4) أخرجه : البخاري 8/127 ( 6487 ) ، ومسلم 8/143 ( 2823 ) .(1/75)
(1)- 88- الثامن : عن أبي عبد الله حُذَيفَةَ بنِ اليمانِ رضي الله عنهما ، قَالَ : صَلَّيْتُ مَعَ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ لَيلَةٍ فَافْتَتَحَ البقَرَةَ ، فَقُلْتُ : يَرْكَعُ عِنْدَ المئَةِ ، ثُمَّ مَضَى . فَقُلْتُ : يُصَلِّي بِهَا في ركعَة فَمَضَى، فقُلْتُ : يَرْكَعُ(2) بِهَا ، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا ، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا ، يَقرَأُ مُتَرَسِّلاً: إِذَا مَرَّ بآية فِيهَا تَسبيحٌ سَبَّحَ ، وَإذَا مَرَّ بسُؤَالٍ سَأَلَ ، وَإذَا مَرَّ بتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ ، ثُمَّ رَكَعَ ، فَجَعَلَ يَقُولُ : (( سُبْحَانَ رَبِّيَ العَظِيمِ )) فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحواً مِنْ قِيَامِهِ ، ثُمَّ قَالَ : (( سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ، رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ )) ثُمَّ قَامَ طَويلاً قَريباً مِمَّا رَكَعَ ، ثُمَّ سَجَدَ ، فَقَالَ : (( سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى )) فَكَانَ سُجُودُهُ قَريباً مِنْ قِيَامِهِ . رواه مسلم .
(3)- 89- التاسع : عن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، قَالَ : صَلَّيْتُ مَعَ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - لَيلَةً ، فَأَطَالَ القِيامَ حَتَّى هَمَمْتُ بأمْرِ سُوءٍ ! قيل : وَمَا هَمَمْتَ بِهِ ؟ قَالَ : هَمَمْتُ أنْ أجْلِسَ وَأَدَعَهُ . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
__________
(1) أخرجه : مسلم 2/186 ( 772 ) ( 203 ) .
(2) قال النووي في شرح صحيح مسلم 3/255 ( 772 ) : (( معناه : ظننت أنه يسلّم بها فيقسمها على ركعتين ، وأراد بالركعة الصلاة بكمالها وهي ركعتان ، ولا بد من هذا التأويل فينتظم الكلام بعده . وعلى هذا فقوله : ثم مضى ، معناه : قرأ معظمها بحيث غلب على ظني أنه لا يركع الركعة الأولى إلا في آخر البقرة ، فحينئذٍ قلت : يركع الركعة الأولى بها . فجاوز وافتتح النساء )) .
(3) أخرجه: البخاري 2/64 ( 1135 ) ، ومسلم 2/186 ( 773 ) ( 204 ) .(1/76)
(1)- 90- العاشر : عن أنس - رضي الله عنه - ، عن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( يَتْبَعُ المَيتَ ثَلاَثَةٌ : أهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَملُهُ ، فَيَرجِعُ اثنَانِ وَيَبْقَى وَاحِدٌ : يَرجِعُ أهْلُهُ وَمَالُهُ ، وَيَبقَى عَملُهُ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(2)- 91- الحادي عشر : عن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - : (( الجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ(3) ، وَالنَّارُ مِثلُ ذلِكَ )) رواه البخاري .
(4)- 92- الثاني عشر : عن أبي فِراسٍ ربيعةَ بنِ كعبٍ الأسلميِّ خادِمِ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومن أهلِ الصُّفَّةِ(5) - رضي الله عنه - ، قَالَ : كُنْتُ أبِيتُ مَعَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فآتِيهِ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ ، فَقَالَ : (( سَلْنِي )) فقُلْتُ : اسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ في الجَنَّةِ . فَقَالَ : (( أَوَ غَيرَ ذلِكَ )) ؟ قُلْتُ : هُوَ ذَاكَ ، قَالَ : (( فأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ )) رواه مسلم .
__________
(1) أخرجه : البخاري 8/134 ( 6514 ) ، ومسلم 8/211 ( 2960 ) ( 5 ) .
(2) أخرجه : البخاري 8/127 ( 6488 ) .
(3) الشراك : أحد سيور النعل . دليل الفالحين 2/79 .
(4) أخرجه : مسلم 2/52 ( 489 ) ( 226 ) .
(5) أهل الصفة : هم فقراء المهاجرين ، ومن لم يكن له منْزل يسكنه ، فكانوا يأوون إلى موضع مظلل في مسجد المدينة . النهاية 3/37 .(1/77)
(1)- 93- الثالث عشر : عن أبي عبد الله ، ويقال : أَبُو عبد الرحمان ثوبان -مولى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - - - رضي الله عنه - ، قَالَ : سَمِعْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، يَقُولُ : (( عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ ؛ فَإِنَّكَ لَنْ تَسْجُدَ للهِ سَجْدَةً إلاَّ رَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرجَةً ، وَحَطَّ عَنكَ بِهَا خَطِيئةً )) رواه مسلم .
(2)- 94- الرابع عشر : عن أَبي صَفوان عبد الله بنِ بُسْرٍ الأسلمي - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( خَيرُ النَّاسِ مَنْ طَالَ عُمُرهُ ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ )) رواه الترمذي ، وَقالَ : (( حديث حسن )) .
(( بُسْر )) بضم الباء وبالسين المهملة .
__________
(1) أخرجه : مسلم 2/51 ( 488 ) ( 225 ) .
(2) أخرجه : الترمذي ( 2329 ).(1/78)
(1)- 95- الخامس عشر : عن أنس - رضي الله عنه - ، قَالَ : غَابَ عَمِّي أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ - رضي الله عنه - عن قِتالِ بدرٍ ، فَقَالَ : يَا رسولَ الله ، غِبْتُ عَنْ أوّل قِتال قَاتَلْتَ المُشْرِكِينَ ، لَئِن اللهُ أشْهَدَنِي قِتَالَ المُشركِينَ لَيُرِيَنَّ اللهُ مَا أصْنَعُ . فَلَمَّا كَانَ يَومُ أُحُدٍ انْكَشَفَ المُسْلِمونَ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ أعْتَذِرُ إلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هؤُلاءِ - يعني : أصْحَابهُ - وأبْرَأُ إلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هؤُلاءِ - - يَعني : المُشركِينَ - ثُمَّ تَقَدَّمَ فَاسْتَقْبَلهُ سَعدُ بْنُ مُعاذٍ ، فَقَالَ : يَا سعدَ بنَ معاذٍ ، الجَنَّةُ وربِّ الكعْبَةِ إنِّي أجِدُ ريحَهَا(2) منْ دُونِ أُحُدٍ . قَالَ سعدٌ : فَمَا اسْتَطَعتُ يَا رسولَ الله مَا صَنَعَ ! قَالَ أنسٌ : فَوَجَدْنَا بِهِ بِضْعاً وَثَمانينَ ضَربَةً بالسَّيفِ ، أَوْ طَعْنةً بِرمْحٍ ، أَوْ رَمْيَةً بسَهْمٍ ، وَوَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ وَمَثَّلَ بِهِ المُشْرِكونَ فما عَرَفهُ أَحَدٌ إلاَّ أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ . قَالَ أنس : كُنَّا نَرَى أَوْ نَظُنُّ أن هذِهِ الآية نزلت فِيهِ وفي أشباهه : { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ } [ الأحزاب : 23 ] إِلَى آخِرها . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
قوله : (( لَيُرِيَنَّ اللهُ )) روي بضم الياء وكسر الراء : أي لَيُظْهِرَنَّ اللهُ ذلِكَ للنَّاس ، وَرُويَ بفتحهما ومعناه ظاهر ، والله أعلم .
__________
(1) أخرجه : البخاري 4/23 ( 2805 ) ، ومسلم 6/45 ( 1903 ) ( 148 ) .
(2) قال النووي في شرح صحيح مسلم 7/44 ( 1903 ) : (( وقد ثبتت الأحاديث أن ريحها توجد من مسيرة خمسمئة عام )) .(1/79)
(1)- 96- السادس عشر : عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري البدري - رضي الله عنه - ، قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ آيةُ الصَّدَقَةِ كُنَّا نُحَامِلُ عَلَى ظُهُورِنَا ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِشَيءٍ كَثيرٍ ، فقالوا : مُراءٍ ، وَجَاءَ رَجُلٌ آخَرُ فَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ ، فقالُوا : إنَّ اللهَ لَغَنيٌّ عَنْ صَاعِ هَذَا ! فَنَزَلَتْ : { الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ } [ التوبة : 79 ] . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، هذا لفظ البخاري.
وَ(( نُحَامِلُ )) بضم النون وبالحاء المهملة : أي يحمل أحدنا عَلَى ظهره بالأجرة ويتصدق بِهَا.
__________
(1) أخرجه : البخاري 2/136 ( 1415 ) ، ومسلم 3/88 ( 1018 ) ( 72 ) .(1/80)
(1)- 97- السابع عشر : عن سعيد بن عبد العزيز ، عن ربيعة بن يزيد ، عن أَبي إدريس الخولاني ، عن أبي ذر جندب بن جُنادة - رضي الله عنه - ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - فيما يروي ، عن اللهِ تَبَاركَ وتعالى ، أنَّهُ قَالَ : (( يَا عِبَادي ، إنِّي حَرَّمْتُ الظُلْمَ عَلَى نَفْسي وَجَعَلْتُهُ بيْنَكم مُحَرَّماً فَلا تَظَالَمُوا . يَا عِبَادي ، كُلُّكُمْ ضَالّ إلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ فَاستَهدُوني أهْدِكُمْ . يَا عِبَادي ، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إلاَّ مَنْ أطْعَمْتُهُ فَاستَطعِمُوني أُطْعِمْكُمْ . يَا عِبَادي ، كُلُّكُمْ عَارٍ إلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ فاسْتَكْسُونِي أكْسُكُمْ . يَا عِبَادي ، إنَّكُمْ تُخْطِئُونَ باللَّيلِ وَالنَّهارِ وَأَنَا أغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً فَاسْتَغْفِرُوني أغْفِرْ لَكُمْ . يَا عِبَادي، إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغوا ضُرِّي فَتَضُرُّوني ، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفعِي فَتَنْفَعُوني . يَا عِبَادي ، لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذلِكَ في مُلكي شيئاً . يَا عِبَادي ، لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا نَقَصَ ذلِكَ من مُلكي شيئاً. يَا عِبَادي، لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجنَّكُمْ قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَألُوني فَأعْطَيتُ كُلَّ إنْسَانٍ مَسْألَتَهُ مَا نَقَصَ ذلِكَ مِمَّا عِنْدِي إلاَّ كما يَنْقصُ المِخْيَطُ(2) إِذَا أُدْخِلَ البَحْرَ . يَا عِبَادي ، إِنَّمَا هِيَ أعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ
__________
(1) أخرجه : مسلم 8/17 ( 2577 ) ( 55 ) .
(2) قال النووي في شرح صحيح مسلم 8/310 ( 2577 ) : (( قال العلماء : هذا تقريب إلى الأفهام ، ومعناه لا ينقص شيئاً أصلاً . والمخيط : الإبرة )) .(1/81)
أوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا ، فَمَنْ وَجَدَ خَيراً فَلْيَحْمَدِ الله وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إلاَّ نَفْسَهُ )) .
قَالَ سعيد : كَانَ أَبُو إدريس إِذَا حَدَّثَ بهذا الحديث جَثا(1) عَلَى رُكبتيه . رواه مسلم .
وروينا عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ، قَالَ : لَيْسَ لأهل الشام حديث أشرف من هَذَا الحديث (2).
10- باب في بيان كثرة طرق الخير
قَالَ الله تَعَالَى : { وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ } [ البقرة :215 ]، وَقالَ تَعَالَى: { وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ الله } [ البقرة :197] ، وَقالَ تَعَالَى : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } [ الزلزلة : 7 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ } [ الجاثية : 15] والآيات في الباب كثيرة .
وأما الأحاديث فكثيرة جداً وهي غيرُ منحصرةٍ فنذكُرُ طرفاً مِنْهَا :
(3)- 98- الأول: عن أبي ذر جُنْدبِ بنِ جُنَادَةَ - رضي الله عنه - ، قَالَ: قُلْتُ : يَا رسولَ الله، أيُّ الأعمالِ أفْضَلُ ؟ قَالَ : (( الإيمانُ باللهِ وَالجِهادُ في سَبيلِهِ )) . قُلْتُ : أيُّ الرِّقَابِ أفْضَلُ ؟ قَالَ : (( أنْفَسُهَا(4) عِنْدَ أهلِهَا وَأكثَرهَا ثَمَناً )) . قُلْتُ : فإنْ لَمْ أفْعَلْ ؟ قَالَ : (( تُعِينُ صَانِعاً أَوْ تَصْنَعُ لأَخْرَقَ )) . قُلْتُ : يَا رَسُول الله ، أرأيْتَ إنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ العَمَلِ ؟ قَالَ : (( تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ ؛ فإنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ )) مُتَّفَقٌ عليه .
__________
(1) أي جلس على ركبتيه . النهاية 1/239 .
(2) انظر تعليق المصنف في كتابه " الأذكار " ( 1127 ) .
(3) أخرجه : البخاري 3/188 ( 2518 ) ، ومسلم 1/62 ( 84 ) .
(4) أي : أرفعها وأجودها . شرح صحيح مسلم 1/280 ( 84 ) .(1/82)
(( الصَّانِعُ )) بالصاد المهملة هَذَا هُوَ المشهور ، وروي (( ضائعاً )) بالمعجمة : أي ذا ضِياع مِنْ فقرٍ أَوْ عيالٍ ونحوَ ذلِكَ ، (( وَالأَخْرَقُ )) : الَّذِي لا يُتقِنُ مَا يُحَاوِل فِعلهُ .
(1)- 99- الثاني : عن أبي ذر أيضاً - رضي الله عنه - : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( يُصْبحُ عَلَى كُلِّ سُلامَى منْ أَحَدِكُمْ صَدَقةٌ : فَكُلُّ تَسبيحَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَحمِيدةٍ صَدَقَة ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَكبيرَةٍ صَدَقَةٌ ، وَأمْرٌ بِالمعرُوفِ صَدَقةٌ ، ونَهيٌ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقةٌ ، وَيُجزِىءُ مِنْ ذلِكَ رَكْعَتَانِ يَركَعُهُما مِنَ الضُّحَى )) رواه مسلم .
(( السُّلامَى )) بضم السين المهملة وتخفيف اللام وفتح الميم : المفصل .
(2)- 100- الثالث : عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : (( عُرِضَتْ عَلَيَّ أعْمَالُ أُمَّتِي
حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا فَوَجَدْتُ في مَحَاسِنِ أعْمَالِهَا الأذَى يُمَاطُ(3) عَنِ الطَّريقِ ، وَوَجَدْتُ في مَسَاوِىءِ(4) أعمَالِهَا النُّخَاعَةُ تَكُونُ في المَسْجِدِ لا تُدْفَنُ )) رواه مسلم .
__________
(1) أخرجه : مسلم 2/158 ( 720 ) .
(2) - أخرجه : مسلم 2/77 ( 553 ) .
(3) يُزال ويُنحى . النهاية 4/380 .
(4) قال النووي في شرح صحيح مسلم 3/37 ( 553 ) : (( هذا القبح والذم لا يختص بصاحب النخاعة ، بل يدخل فيه هو وكل من رآها ولا يزيلها بدفن أو حك ونحوه )) .(1/83)
(1)- 101- الرابع : عَنْهُ : أنَّ ناساً قالوا : يَا رَسُولَ الله ، ذَهَبَ أهلُ الدُّثُور بالأُجُورِ ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي ، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أمْوَالِهِمْ ، قَالَ : (( أَوَلَيسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَدَّقُونَ بِهِ : إنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقةً ، وَكُلِّ تَكبيرَةٍ صَدَقَةً ، وَكُلِّ تَحمِيدَةٍ صَدَقَةً ، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً ، وَأمْرٌ بالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ ، وَنَهيٌ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ ، وفي بُضْعِ(2) أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ )) قالوا : يَا رسولَ اللهِ ، أيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أجْرٌ ؟ قَالَ : (( أرَأيتُمْ لَوْ وَضَعَهَا في حَرامٍ أَكَانَ عَلَيهِ وِزرٌ ؟ فكذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا في الحَلالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ )) رواه مسلم.
(( الدُّثُورُ )) بالثاء المثلثة : الأموال وَاحِدُهَا : دثْر .
(3)- 102- الخامس : عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ لي النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - : (( لا تَحْقِرنَّ مِنَ المَعرُوفِ شَيئاً وَلَوْ أنْ تَلقَى أخَاكَ بِوَجْهٍ طَليقٍ )) رواه مسلم .
(4)
__________
(1) - أخرجه : مسلم 3/82 ( 1006 ) .
(2) قال النووي في شرح صحيح مسلم 4/100 ( 1006 ) : (( فالجماع يكون عبادة إذا نوى به قضاء حق الزوجة ومعاشرتها بالمعروف )) .
(3) - أخرجه : مسلم 8/37 ( 2626 ) .
(4) - أخرجه : البخاري 4/68 ( 2989 ) ، ومسلم 3/83 ( 1009 ) .
وأخرجه : مسلم 3/82 ( 1007 ) عن عائشة .(1/84)
- 103- السادس : عن أبي هريرةَ - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيهِ صَدَقَةٌ ، كُلَّ يَومٍ تَطلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ : تَعْدِلُ بَينَ الاثْنَينِ صَدَقةٌ ، وتُعِينُ الرَّجُلَ في دَابَّتِهِ ، فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ ، وَالكَلِمَةُ الطَيِّبَةُ صَدَقَةٌ ، وبكلِّ خَطْوَةٍ تَمشيهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ ، وتُميطُ الأذَى عَنِ الطَّريقِ صَدَقَةٌ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
ورواه مسلم أيضاً من رواية عائشة رَضي الله عنها ، قَالَتْ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إنْسان مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وثلاثمئة مفْصَل ، فَمَنْ كَبَّرَ اللهَ ، وحَمِدَ الله ، وَهَلَّلَ اللهَ ، وَسَبَّحَ الله ، وَاسْتَغْفَرَ الله ، وَعَزَلَ حَجَراً عَنْ طَريقِ النَّاسِ ، أَوْ شَوْكَةً ، أَوْ عَظماً عَن طَريقِ النَّاسِ ، أَوْ أمَرَ بمَعْرُوف ، أَوْ نَهَى عَنْ منكَر ، عَدَدَ السِّتِّينَ والثَّلاثِمئَة فَإنَّهُ يُمْسِي يَومَئِذٍ وقَدْ زَحْزَحَ نَفسَهُ عَنِ النَّارِ )) .
(1)- 104- السابع : عَنْهُ ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( مَنْ غَدَا إِلَى المَسْجِد أَوْ رَاحَ ، أَعَدَّ اللهُ لَهُ في الجَنَّةِ نُزُلاً كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(( النُّزُلُ )) : القوت والرزق وما يُهيأُ للضيف .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 1/168 ( 662 ) ، ومسلم 2/132 ( 669 ) .(1/85)
(1)- 105- الثامن : عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( يَا نِسَاءَ المُسْلِمَاتِ ، لاَ تَحْقِرنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شاةٍ )) (2) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
قَالَ الجوهري : الفرسِن منَ البَعيرِ كالحَافِرِ مِنَ الدَّابَةِ قَالَ : وَرُبَّمَا اسْتُعِيرَ في الشَّاةِ .
(3)- 106- التاسع : عَنْهُ ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( الإيمانُ بِضْعٌ وَسَبعُونَ أَوْ بِضعٌ وسِتُونَ شُعْبَةً : فَأفْضَلُهَا قَولُ : لا إلهَ إلاَّ اللهُ ، وَأَدْنَاهَا إمَاطَةُ الأذَى عَنِ الطَّريقِ ، والحياءُ شُعبَةٌ مِنَ الإيمان )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(( البِضْعُ )) من ثلاثة إِلَى تسعة بكسر الباء وقد تفتح. وَ(( الشُّعْبَةُ )) : القطعة.
__________
(1) - أخرجه : البخاري 3/201 ( 2566 ) ، ومسلم 3/93 ( 1030 ) .
(2) قال النووي في شرح صحيح مسلم 4/123 ( 1030 ) : (( معناه لا تمتنع جارة من الصدقة والهدية لجارتها لاستقلالها واحتقارها الموجود عندها ، بل تجود بما تيسّر وإن كان قليلاً كفرسن شاة ، وهو خير من العدم )).
(3) - أخرجه : البخاري 1/9 ( 9 ) ، ومسلم 1/46 ( 35 ) ( 58 ) .(1/86)
(1)- 107- العاشر : عَنْهُ : أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( بَينَما رَجُلٌ يَمشي بِطَريقٍ اشْتَدَّ عَلَيهِ العَطَشُ ، فَوَجَدَ بِئراً فَنَزَلَ فِيهَا فَشربَ ، ثُمَّ خَرَجَ فإذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يأكُلُ الثَّرَى(2) مِنَ العَطَشِ، فَقَالَ الرَّجُلُ : لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الكَلْبُ مِنَ العَطَشِ مِثلُ الَّذِي كَانَ قَدْ بَلَغَ مِنِّي فَنَزَلَ البِئْرَ فَمَلأَ خُفَّهُ مَاءً ثُمَّ أمْسَكَهُ بفيهِ حَتَّى رَقِيَ ، فَسَقَى الكَلْبَ ، فَشَكَرَ الله لَهُ ، فَغَفَرَ لَهُ )) قالوا : يَا رَسُول اللهِ ، إنَّ لَنَا في البَهَائِمِ أَجْراً ؟ فقَالَ : (( في كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أجْرٌ )) (3) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وفي رواية للبخاري : (( فَشَكَرَ اللهُ لَهُ ، فَغَفَرَ لَهُ ، فأدْخَلَهُ الجَنَّةَ )) وفي رواية لهما : (( بَيْنَما كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ قَدْ كَادَ يقتلُهُ العَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ(4) مِنْ بَغَايَا بَنِي إسْرَائِيل ، فَنَزَعَتْ مُوقَها فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ )) .
(( المُوقُ )) : الخف . وَ(( يُطِيفُ )) : يدور حول (( رَكِيَّةٍ )) : وَهِي البئر .
__________
(1) - أخرجه: البخاري 1/54 ( 173 ) و3/147 ( 2363 ) و4/211 ( 2467 ) ، ومسلم 7/44 ( 2244 ) ( 153 ) و( 155 ) .
(2) الثرى : التراب . النهاية 1/211 .
(3) قال النووي في شرح صحيح مسلم 7/408 ( 2244 ) : (( فيه الحث على الإحسان إلى الحيوان المحترم ، وهو ما لا يؤمر بقتله )) .
(4) بغي : فاجرة زانية . النهاية 1/144 .(1/87)
(1)- 108- الحادي عشر : عَنْهُ ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( لَقدْ رَأيْتُ رَجُلاً يَتَقَلَّبُ في الجَنَّةِ في شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَرِيقِ كَانَتْ تُؤذِي المُسْلِمِينَ )) رواه مسلم .
وفي رواية : (( مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلَى ظَهرِ طَرِيقٍ ، فَقَالَ : وَاللهِ لأُنْحِيَنَّ هَذَا عَنِ المُسْلِمينَ لا يُؤذِيهِمْ ، فَأُدخِلَ الجَنَّةَ )) .
وفي رواية لهما : (( بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشي بِطَريقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوكٍ عَلَى الطريقِ فأخَّرَه فَشَكَرَ اللهُ لَهُ ، فَغَفَرَ لَهُ )) .
(2)- 109- الثاني عشر : عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ ، ثُمَّ أَتَى الجُمعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْن الجُمُعَةِ وَزِيادَةُ ثَلاثَةِ أيَّامٍ ، وَمَنْ مَسَّ الحَصَا فَقَدْ لَغَا ))(3) رواه مسلم .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 1/167 ( 652 ) ، ومسلم 6/51 ( 1914 ) و8/34 ( 1914 ) ( 127 ) و( 128 ) و (129) .
(2) - أخرجه : مسلم 3/8 ( 857 ) ( 27 ) .
(3) قال النووي في شرح صحيح مسلم 3/328 ( 857 ) : (( في الحديث : استحباب وتحسين الوضوء ، وإحسانه الإتيان به ثلاثاً ثلاثاً ، ودلك الأعضاء وإطالة الغرة والتحجيل ، وتقديم الميامن ، والإتيان بسننه المشهورة ، وفيه أن التنفل قبل خروج الإمام يوم الجمعة مستحب ، وفيه النهي عن مس الحصا وغيره من أنواع العبث في حالة الخطبة )) .(1/88)
(1)- 110- الثالث عشر : عَنْهُ : أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( إِذَا تَوَضَّأ العَبْدُ المُسْلِمُ ، أَو المُؤمِنُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَينيهِ مَعَ المَاءِ ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ ، فَإِذا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِنْ يَدَيهِ كُلُّ خَطِيئَة كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ المَاءِ ، أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مشتها رِجْلاَهُ مَعَ المَاء أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيّاً مِنَ الذُّنُوبِ )) رواه مسلم .
(2)- 111- الرابع عشر : عَنْهُ ، عن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ ، وَالجُمُعَةُ إِلَى الجُمُعَةِ ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّراتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَتِ الكَبَائِرُ )) رواه مسلم .
(3)- 112- الخامس عشر : عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( ألا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ ؟ )) قَالُوا : بَلَى ، يَا رسولَ اللهِ ، قَالَ : (( إِسْبَاغُ الوُضُوءِ عَلَى المَكَارِهِ(4) ، وَكَثْرَةُ الخُطَا إِلَى المَسَاجِدِ ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ فَذلِكُمُ الرِّبَاطُ )) رواه مسلم .
__________
(1) - أخرجه : مسلم 1/148 ( 244 ) ( 32 ) .
(2) - أخرجه : مسلم 1/144 ( 233 ) ( 16 ) .
(3) - أخرجه : مسلم 1/151 ( 251 ) .
(4) قال النووي 2/122 ( 251 ) : (( إسباغ الوضوء تمامه ، والمكاره تكون بشدة البرد وألم الجسم … )) .(1/89)
(1)- 113- السادس عشر : عن أبي موسى الأشعرِيِّ - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ صَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(( البَرْدَانِ )) : الصبح والعصر .
(2)- 114- السابع عشر : عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إِذَا مَرِضَ العَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيماً صَحِيحاً )) رواه البخاري .
(3)- 115- الثامن عشر : عن جَابرٍ - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ)) رواه البخاري ، ورواه مسلم مِنْ رواية حُذَيفة - رضي الله عنه - .
(4)- 116- التاسع عشر : عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً إلاَّ كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةً ، وَمَا سُرِقَ مِنهُ لَهُ صَدَقَةً ، وَلاَ يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ إلاَّ كَانَ لَهُ صَدَقَةً )) رواه مسلم .
وفي رواية لَهُ : (( فَلاَ يَغْرِسُ المُسْلِمُ غَرْساً فَيَأْكُلَ مِنْهُ إنْسَانٌ وَلاَ دَابَّةٌ وَلاَ طَيْرٌ إلاَّ كَانَ لَهُ صَدَقة إِلَى يَومِ القِيَامةِ )). وفي رواية لَهُ : (( لاَ يَغرِسُ مُسْلِمٌ غَرساً ، وَلاَ يَزرَعُ زَرعاً ، فَيَأكُلَ مِنهُ إنْسَانٌ وَلاَ دَابَةٌ وَلاَ شَيءٌ ، إلاَّ كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً )) .
وروياه جميعاً من رواية أنس - رضي الله عنه - .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 1/150 ( 574 ) ، ومسلم 2/114 ( 635 ) .
(2) - أخرجه : البخاري 4/70 ( 2996 ) .
(3) - أخرجه : البخاري 8/13 ( 6021 ) عن جابر .
وأخرجه : مسلم 3/82 ( 1005 ) عن حذيفة .
(4) - أخرجه : مسلم 5/27 ( 1552 ) ( 7 ) و( 8 ) و ( 10 ) من حديث جابر .
وأخرجه : البخاري 3/135 ( 2320 ) ، ومسلم 5/28 ( 1553 ) ( 12 ) و( 13 ) من حديث أنس .(1/90)
قوله : (( يَرْزَؤُهُ )) أي ينقصه .
(1)- 117- العشرون : عَنْهُ ، قَالَ : أراد بنو سَلِمَةَ أَن يَنتقِلوا قرب المسجِدِ فبلغ ذلِكَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ لهم : (( إنَّهُ قَدْ بَلَغَني أنَّكُمْ تُرِيدُونَ أنْ تَنتَقِلُوا قُربَ المَسجِد ؟ )) فقالُوا : نَعَمْ ، يَا رَسُول اللهِ قَدْ أَرَدْنَا ذلِكَ . فَقَالَ : (( بَنِي سَلِمَةَ ، دِيَارَكُمْ ، تُكْتَبْ آثَارُكُمْ ، ديَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ )) رواه مسلم .
وفي روايةٍ : (( إنَّ بِكُلِّ خَطوَةٍ دَرَجَةً )) رواه مسلم .
رواه البخاري أيضاً بِمَعناه مِنْ رواية أنس - رضي الله عنه - .
وَ(( بَنُو سَلِمَةَ )) بكسر اللام : قبيلة معروفة مِنَ الأنصار - رضي الله عنهم - ، وَ(( آثَارُهُمْ )) : خطاهُم .
(2)- 118- الحادي والعشرون : عن أبي المنذِر أُبيِّ بنِ كَعْب - رضي الله عنه - ، قَالَ : كَانَ رَجُلٌ لا أعْلَمُ رَجلاً أبْعَدَ مِنَ المَسْجِدِ مِنْهُ ، وَكَانَ لاَ تُخْطِئُهُ صَلاةٌ ، فَقيلَ لَهُ أَوْ فَقُلْتُ لَهُ : لَوِ اشْتَرَيْتَ حِمَاراً تَرْكَبُهُ في الظَلْمَاء وفي الرَّمْضَاء ؟ فَقَالَ : مَا يَسُرُّنِي أنَّ مَنْزِلي إِلَى جَنْبِ المَسْجِدِ إنِّي أريدُ أنْ يُكْتَبَ لِي مَمشَايَ إِلَى المَسْجِدِ وَرُجُوعِي إِذَا رَجَعْتُ إِلَى أهْلِي ، فَقَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( قَدْ جَمَعَ اللهُ لَكَ ذلِكَ كُلَّهُ ))(3) رواه مسلم .
وفي رواية : (( إنَّ لَكَ مَا احْتَسَبْتَ )) .
(( الرَّمْضَاءُ )) : الأرْضُ التي أصابها الحر الشديد .
__________
(1) - أخرجه : مسلم 2/131 ( 664 ) ( 279 ) و( 665 ) ( 280 ) من حديث جابر .
وأخرجه : البخاري 3/29 ( 1887 ) من حديث أنس .
(2) - أخرجه : مسلم 2/130 ( 663 ) .
(3) قال النووي في شرح صحيح مسلم 3/146 ( 663 ) : (( فيه إثبات الثواب في الخطا في الرجوع من الصلاة كما يثبت في الذهاب )) .(1/91)
(1)- 119- الثاني والعشرون : عن أبي محمد عبدِ اللهِ بنِ عمرو بن العاصِ رَضي الله عنهما ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( أرْبَعُونَ خَصْلَةً : أعْلاَهَا مَنيحَةُ العَنْزِ ، مَا مِنْ عَامِلٍ يَعْمَلُ بِخَصْلَة مِنْهَا ؛ رَجَاءَ ثَوَابِهَا وتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا ، إلاَّ أدْخَلَهُ اللهُ بِهَا الجَنَّةَ )) رواه البخاري .
(( المَنيحَةُ )) : أنْ يُعْطِيَهُ إِيَّاهَا لِيَأكُلَ لَبَنَهَا ثُمَّ يَرُدَّهَا إِلَيْهِ .
(2)- 120- الثالث والعشرون : عن عَدِي بنِ حَاتمٍ - رضي الله عنه - ، قَالَ : سمعت النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بشقِّ(3) تَمْرَةٍ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وفي رواية لهما عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلاَّ سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَينَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إلاَّ مَا قَدَّمَ ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلاَ يَرى إلاَّ مَا قَدَّمَ، وَيَنظُرُ بَيْنَ يَدَيهِ فَلاَ يَرَى إلاَّ النَّار تِلقَاءَ وَجْهِهِ ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَو بِشِقِّ تَمْرَةٍ ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ )) .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 3/217 ( 2631 ) .
(2) - أخرجه : البخاري 2/136 ( 1417 ) و9/181 ( 7512 ) ، ومسلم 3/86 ( 1016 ) ( 67 ) و( 68 ) .
(3) قال النووي في شرح صحيح مسلم 4/109 ( 1016 ) : (( شق التمرة - بكسر الشين - نصفها وجانبها ، وفيه الحث على الصدقة ، وأن قليلها سبب للنجاة من النار . والترجمان : هو المعبر عن لسان بلسان وفيه أن الكلمة الطيبة سبب للنجاة من النار)) .(1/92)
(1)- 121- الرابع والعشرون : عن أنس - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إنَّ اللهَ لَيَرْضَى عَنِ العَبْدِ أنْ يَأكُلَ الأَكْلَةَ ، فَيَحمَدَهُ عَلَيْهَا ، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ ، فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا )) (2) رواه مسلم .
وَ(( الأَكْلَةُ )) بفتح الهمزة : وَهيَ الغَدْوَةُ أَو العَشْوَةُ .
(3)- 122- الخامس والعشرون : عن أَبي موسى - رضي الله عنه - ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ :
(( عَلَى كلّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ )) قَالَ : أرأيتَ إنْ لَمْ يَجِدْ ؟ قَالَ : (( يَعْمَلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ )) قَالَ : أرأيتَ إن لَمْ يَسْتَطِعْ ؟ قَالَ : (( يُعِينُ ذَا الحَاجَةِ المَلْهُوفَ(4) )) قَالَ : أرأيتَ إنْ لَمْ يَسْتَطِعْ ، قَالَ : (( يَأمُرُ بِالمعْرُوفِ أوِ الخَيْرِ )) قَالَ : أرَأيْتَ إنْ لَمْ يَفْعَلْ ؟ قَالَ : (( يُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
11- باب في المحافظة عَلَى الأعمال
__________
(1) - أخرجه : مسلم 8/87 ( 2734 ) .
(2) قال النووي في شرح صحيح مسلم 9/45 ( 2734 ) : (( الأكلة : المرة الواحدة من الأكل كالغداء والعشاء ، وفيه استحباب حمد الله تعالى عقب الأكل والشرب ، ولو اقتصر على الحمد لله حصّل أصل السنة )) .
(3) - أخرجه : البخاري 8/13 ( 6022 ) ، ومسلم 3/83 ( 1008 ) .
(4) قال النووي في شرح صحيح مسلم 4/101 ( 1008 ) : (( الملهوف يطلق على المتحسر والمضطر والمظلوم)).(1/93)
قَالَ الله تَعَالَى : { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ } [ الحديد : 16] ، وَقالَ تَعَالَى : { وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الأِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا } [ الحديد : 27 ] ، وَقالَ تَعَالَى: { وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً } [ النحل : 92 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } [ الحجر : 99].
وَأَمَّا الأَحاديث فمنها :
حديث عائشة : وَكَانَ أَحَبُّ الدِّين إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ صَاحِبُهُ عَلَيهِ . وَقَدْ سَبَقَ في البَاب قَبْلَهُ (1) .
(2)- 123- وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبهِ(3) مِنَ اللَّيلِ ، أَوْ عَنْ شَيءٍ مِنْهُ ، فَقَرَأَهُ مَا بَيْنَ صَلاةِ الفَجْرِ وَصَلاةِ الظُّهْرِ ، كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنَ اللَّيلِ )) رواه مسلم .
__________
(1) انظر الحديث ( 142 ) .
(2) - أخرجه : مسلم 2/171 ( 747 ) ( 142 ) . قال النووي في شرح صحيح مسلم 3/226 ( 747 ) : (( وفي الحديث استحباب المحافظة على الأوراد ، وأنها إذا فاتت تقضى )) .
(3) الحزب : ما يجعله الرجل على نفسه من قراءة أو صلاة . النهاية 1/376 .(1/94)
(1)- 124- وعن عبد الله بن عَمْرو بن العاص رَضِيَ الله عنهما ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( يَا عبدَ اللهِ ، لاَ تَكُنْ مِثْلَ فُلان ، كَانَ يَقُومُ اللَّيلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيلِ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(2)- 125- وعن عائشة رضي الله عنها ، قَالَتْ : كَانَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا فَاتَتْهُ الصَّلاةُ مِنَ اللَّيلِ مِنْ وَجَعٍ أَوْ غَيرِهِ، صَلَّى مِنَ النَّهارِ ثنْتَيْ عَشرَةَ رَكْعَةً . رواه مسلم .
12- باب في الأمر بالمحافظة عَلَى السنة وآدابها
__________
(1) - أخرجه : البخاري 2/68 ( 1152 ) ، ومسلم 3/164 ( 1159 ) ( 185 ) .
(2) - أخرجه : مسلم 2/171 ( 746 ) ( 140 ) .(1/95)
قَالَ الله تَعَالَى : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } [ الحشر : 7] ، وَقالَ تَعَالَى : { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى } [ النجم :3-4] ، وَقالَ تَعَالَى: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } [ آل عمران : 31 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِر } [ الأحزاب :21 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً } [ النساء : 65 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ } [ النساء : 59 ] قَالَ العلماء : معناه إِلَى الكتاب والسُنّة ، وَقالَ تَعَالَى: { مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله } [ النساء :80 ]، وَقالَ تَعَالَى: { وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِراطِ اللهِ } [ الشورى : 52-53 ]، وَقالَ تَعَالَى: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ النور : 63 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ } [ الأحزاب : 34 ] ، والآيات في الباب كثيرة .(1/96)
(1)- 126- وَأَما الأحاديث : فالأول : عن أبي هريرةَ - رضي الله عنه - ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ ، إِنَّمَا أهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَثْرَةُ سُؤالِهِمْ واخْتِلافُهُمْ عَلَى أنْبيَائِهِمْ ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْء فَاجْتَنِبُوهُ ، وَإِذَا أمَرْتُكُمْ بأمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(2)- 127- الثاني : عن أَبي نَجيحٍ العِرباضِ بنِ سَارية - رضي الله عنه - ، قَالَ : وَعَظَنَا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَوعظةً بَليغَةً وَجِلَتْ مِنْهَا القُلُوبُ ، وَذَرَفَتْ مِنْهَا العُيُونُ ، فَقُلْنَا : يَا رسولَ اللهِ ، كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأوْصِنَا ، قَالَ : (( أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإنْ تَأمَّر عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ ، وَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اختِلافاً كَثيراً ، فَعَليْكُمْ بسُنَّتِي وسُنَّةِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِيِّنَ عَضُّوا عَلَيْهَا بالنَّواجِذِ ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ ؛ فإنَّ كلَّ بدعة ضلالة )) رواه أَبُو داود والترمذي ، وَقالَ : (( حديث حسن صحيح )) .
(( النَّواجذُ )) بالذال المعجمةِ : الأنيَابُ ، وَقِيلَ : الأضْراسُ .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 9/116 ( 7288 ) ، ومسلم 7/91 ( 1337 ) ( 131 ) .
(2) - أخرجه : أبو داود ( 4607 ) ، وابن ماجه ( 43 ) ، والترمذي ( 2676 ) .(1/97)
(1)- 128- الثَّالثُ : عَنْ أَبي هريرةَ - رضي الله عنه - : أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( كُلُّ أُمَّتِي يَدخُلُونَ الجَنَّةَ إلاَّ مَنْ أبَى(2) )) . قيلَ : وَمَنْ يَأبَى يَا رَسُول الله ؟ قَالَ : (( مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أبَى )) رواه البخاري .
(3)- 129- الرابع : عن أَبي مسلم ، وقيل : أَبي إياس سَلمة بنِ عمرو بنِ الأكوع - رضي الله عنه - : أنَّ رَجُلاً أَكَلَ عِنْدَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - بِشِمَالِهِ ، فَقَالَ : (( كُلْ بِيَمِينكَ )) قَالَ : لا أسْتَطيعُ . قَالَ : (( لا استَطَعْتَ )) مَا مَنَعَهُ إلاَّ الكِبْرُ فمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ . رواه مسلم .
(4)- 130- الخامس : عن أَبي عبدِ الله النعمان بن بشير رَضيَ الله عنهما ، قَالَ : سمعت رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وفي رواية لمسلم : كَانَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يُسَوِّي صُفُوفَنَا حتى كأنَّما يُسَوِّي بِهَا القِدَاحَ(5) حَتَّى إِذَا رَأَى أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ . ثُمَّ خَرَجَ يَوماً فقامَ حَتَّى كَادَ أنْ يُكَبِّرَ فرأَى رَجلاً بَادياً صَدْرُهُ ، فَقَالَ : (( عِبَادَ الله ، لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ )) .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 9/114 ( 7280 ) .
(2) أي امتنع .
(3) - أخرجه : مسلم 6/109 ( 2021 ) ( 107 ) .
(4) - أخرجه : البخاري 1/184 ( 717 ) ، ومسلم 2/31 ( 436 ) ( 127 ) و( 128 ) . قال النووي في شرح صحيح مسلم 2/334 ( 436 ) : (( في الحديث الحث على تسوية الصفوف )) .
(5) القداح : وهو خشب السهام . دليل الفالحين 2/210 .(1/98)
(1)- 131- السادس : عن أَبي موسى - رضي الله عنه - ، قَالَ : احْتَرقَ بَيْتٌ بالمَدِينَةِ عَلَى أهْلِهِ مِنَ اللَّيلِ ، فَلَمَّا حُدِّثَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بشَأنِهِمْ ، قَالَ : (( إنَّ هذِهِ النَّارَ عَدُوٌّ لَكُمْ ، فَإِذَا نِمْتُمْ ، فَأطْفِئُوهَا عَنْكُمْ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(2)- 132- السابع : عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِي الله بِهِ
مِنَ الهُدَى والعِلْم كَمَثَلِ غَيثٍ أَصَابَ أرْضاً فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفةٌ طَيِّبَةٌ ، قَبِلَتِ المَاءَ فَأَنْبَتَتِ الكَلأَ والعُشْبَ الكَثِيرَ ، وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ(3) أمسَكَتِ المَاء فَنَفَعَ اللهُ بِهَا النَّاسَ فَشَربُوا مِنْهَا وَسَقُوا وَزَرَعُوا ، وَأَصَابَ طَائفةً مِنْهَا أخْرَى إنَّمَا هِيَ قيعَانٌ لا تُمْسِكُ مَاءً وَلاَ تُنْبِتُ كَلأً ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ في دِينِ اللهِ وَنَفَعَهُ بمَا بَعَثَنِي الله بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأساً وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(( فَقُهَ )) بضم القافِ عَلَى المشهور وقيل بكسرِها : أي صار فقيهاً .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 8/81 ( 6294 ) ، ومسلم 6/107 ( 2016 ) ( 101 ) .
(2) - أخرجه : البخاري 1/30 ( 79 ) ، ومسلم 7/63 ( 2282 ) ( 15 ) .
(3) الأجادب : أي صلاب الأرض التي تمسك الماء فلا تشربه سريعاً . النهاية 1/242 .(1/99)
(1)- 133- الثامن : عن جابر - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ أوْقَدَ نَاراً فَجَعَلَ الجَنَادِبُ والفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهَا وَهُوَ يَذُبُّهُنَّ عَنْهَا ، وَأَنَا آخذٌ بحُجَزكُمْ عَنِ النَّارِ ، وَأنْتُمْ تَفَلَّتونَ مِنْ يَدَيَّ(2) )) رواه مسلم .
(( الجَنَادِبُ )) : نَحوُ الجرادِ وَالفَرَاشِ ، هَذَا هُوَ المَعْرُوف الَّذِي يَقَعُ في النَّارِ . وَ(( الحُجَزُ )) : جَمْعُ حُجْزَة وَهِيَ مَعْقدُ الإزَار وَالسَّراويل .
(3)- 134- التاسع : عَنْهُ : أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - أَمَرَ بِلَعْقِ(4) الأَصَابِعِ وَالصَّحْفَةِ(5) ، وَقَالَ : (( إنَّكُمْ لا تَدْرونَ في أَيِّها البَرَكَةُ )) رواه مسلم .
وفي رواية لَهُ : (( إِذَا وَقَعَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَأخُذْهَا ، فَليُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أذىً ، وَلْيَأكُلْهَا وَلاَ يَدَعْهَا لِلشَّيطَانِ ، وَلا يَمْسَحْ يَدَهُ بالمنْدِيلِ حَتَّى يَلْعَقَ أصَابعَهُ فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي في أيِّ طَعَامِهِ البَرَكَةُ )) .
__________
(1) - أخرجه : مسلم 7/64 ( 2285 ) ( 19 ) .
(2) قال النووي في شرح صحيح مسلم 8/44 ( 2285 ) : (( شبه - صلى الله عليه وسلم - الجاهلين والمخالفين بمعاصيهم وشهواتهم في نار الآخرة ، وحرصهم على الوقوع فيها ، مع منعه إياهم ، بتساقط الفراش في نار الدنيا ، لهواه وضعف تمييزه )) .
(3) - أخرجه : مسلم 6/114 ( 2033 ) ( 133 ) و( 134 ) و( 135 ) .
(4) لعق : أي لطع ما عليها من طعام . النهاية 4/254 .
(5) الصحفة : إناء كالقصعة المبسوطة ونحوها . النهاية 3/13 .(1/100)
وفي رواية لَهُ : (( إنَّ الشَّيطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيءٍ مِنْ شَأنِهِ ، حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ ، فَإذَ سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمْ اللُّقْمَةُ فَليُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أذَىً ، فَلْيَأكُلْهَا وَلاَ يَدَعْهَا لِلشَّيطَانِ )) .
(1)- 135- العاشر : عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قَالَ : قَامَ فِينَا رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - بِمَوعِظَةٍ ، فَقَالَ : (( يَا أيُّهَا النَّاسُ ، إنَّكُمْ مَحْشُورونَ إِلَى الله تَعَالَى حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ } [ الأنبياء: 103 ] ألا وَإنَّ أَوَّلَ الخَلائِقِ يُكْسى يَومَ القِيَامَةِ إبراهيمُ - صلى الله عليه وسلم - ، ألا وَإِنَّهُ سَيُجَاءُ بِرجالٍ مِنْ أُمَّتي فَيُؤخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشَّمالِ ، فَأَقُولُ : يَا رَبِّ أصْحَابِي . فَيُقَالُ : إنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا أحْدَثُوا بَعْدَكَ . فَأقُولُ كَما قَالَ العَبدُ الصَّالِحُ : { وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ } إِلَى قولِهِ : { العَزِيزُ الحَكِيمُ } [ المائدة : 117 - 118] فَيُقَالُ لِي : إنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ (2) )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(( غُرْلاً )) : أي غَيرَ مَخْتُونِينَ .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 4/169 ( 3349 ) ، ومسلم 8/157 ( 2860 ) ( 58 ) .
(2) قال النووي في شرح صحيح مسلم 9/166 ( 2860 ) : (( المقصود أنهم يحشرون كما خُلقوا لا شيء معهم ، ولا يفقد منهم شيء )) .(1/101)
(1)- 136- الحادي عشر : عن أَبي سعيد عبد الله بن مُغَفَّلٍ - رضي الله عنه - ، قَالَ : نَهَى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الخَذْفِ(2) ، وقالَ : (( إنَّهُ لاَ يَقْتُلُ الصَّيْدَ ، وَلاَ يَنْكَأُ(3) العَدُوَّ ، وإنَّهُ يَفْقَأُ(4) العَيْنَ ، وَيَكْسِرُ السِّنَّ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وفي رواية : أنَّ قَريباً لابْنِ مُغَفَّل خَذَفَ فَنَهَاهُ ، وَقالَ : إنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَن الخَذْفِ، وَقَالَ : (( إنَّهَا لاَ تَصِيدُ صَيداً )) ثُمَّ عادَ ، فَقَالَ : أُحَدِّثُكَ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْهُ ، ثُمَّ عُدْتَ تَخذفُ !؟ لا أُكَلِّمُكَ أَبَداً(5) .
(6)- 137- وعَن عابس بن رَبيعة ، قَالَ : رَأيْتُ عُمَرَ بن الخطاب - رضي الله عنه - يُقَبِّلُ الحَجَرَ - يَعْنِي : الأسْوَدَ - وَيَقُولُ : إني أَعْلَمُ أنَّكَ حَجَرٌ مَا تَنْفَعُ وَلاَ تَضُرُّ ، وَلَولا أنِّي رَأيْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ(7) . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
13- باب في وجوب الانقياد لحكم الله
وما يقوله من دُعِيَ إِلَى ذلِكَ وأُمِرَ بمعروف أَوْ نُهِيَ عن منكر
__________
(1) - أخرجه : البخاري 8/60 ( 6220 ) ، ومسلم 6/72 ( 1954 ) ( 56 ) .
(2) الخذف : هو أخذ حصاة أو نواة بين السبابتين ويرمى بها . النهاية 2/16 .
(3) ينكأ : أي لا يقتل . دليل الفالحين 2/221 .
(4) أي يشقها . النهاية 3/461 .
(5) قال النووي في شرح صحيح مسلم 7/94 ( 1954 ) : (( فيه هجران أهل البدع والفسوق ومنابذي السنة مع العلم )) .
(6) - أخرجه : البخاري 2/183 ( 1597 ) ، ومسلم 4/67 ( 1270 ) ( 251 ) .
(7) قال الحافظ ابن حجر في الفتح 3/584 ( 1597 ) : (( في الحديث التسليم للشارع في أمور الدين ، وحسن الاتباع فيما لم يكشف عن معانيها )) .(1/102)
قَالَ الله تَعَالَى : { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً } [ النساء : 65 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [ النور : 51 ] .
وفيه من الأحاديث : حديث أَبي هريرة المذكور(1) في أول الباب قبله وغيره من الأحاديث فِيهِ .
__________
(1) انظر الحديث ( 156 ) .(1/103)
(1)- 138- عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : { للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ } الآية[ البقرة : 283] اشْتَدَّ ذلِكَ عَلَى أصْحَابِ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فَأتَوا رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ بَرَكُوا عَلَى الرُّكَبِ ، فَقَالُوا : أيْ(2) رسولَ الله ، كُلِّفْنَا مِنَ الأَعمَالِ مَا نُطِيقُ : الصَّلاةَ والجِهَادَ والصِّيامَ والصَّدَقَةَ ، وَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هذِهِ الآيَةُ وَلا نُطيقُها .قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( أتُرِيدُونَ أنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الكتَابَينِ(3) مِنْ قَبْلِكُمْ: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ؟ بَلْ قُولُوا سَمِعنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ )) فَلَمَّا اقْتَرَأَهَا(4) القومُ ، وَذَلَّتْ بِهَا ألْسنَتُهُمْ أنْزَلَ اللهُ تَعَالَى في إثرِهَا : { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } [ البقرة : 285 ] فَلَمَّا فَعَلُوا ذلِكَ نَسَخَهَا اللهُ تَعَالَى ، فَأنزَلَ الله - عز وجل - : { لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } [ البقرة : 286 ] قَالَ : نَعَمْ { رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ
__________
(1) - أخرجه مسلم 1/80 ( 125 ) ( 199 ) .
(2) حرف لنداء القريب .
(3) اليهود والنصارى .
(4) أي قرأها . انظر في هذا كله دليل الفالحين 1/229 .(1/104)
عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا } قَالَ : نَعَمْ { رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِه } قَالَ : نَعَمْ { وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } قَالَ : نَعَمْ . رواه مسلم.
14- باب في النهي عن البدع ومحدثات الأمور
قَالَ الله تَعَالَى : { فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلال } [ يونس : 32 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْء } [ الأنعام : 38 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ } [ النساء : 59 ] أيِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ . وَقالَ تَعَالَى : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ } [ الأنعام : 153 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } [ آل عمران : 31 ] وَالآياتُ في البَابِ كَثيرةٌ مَعلُومَةٌ .
وَأَمَّا اَلأحادِيثُ فَكَثيرَةٌ جداً ، وَهيَ مَشْهُورَةٌ فَنَقْتَصِرُ عَلَى طَرَفٍ مِنْهَا :
(1)- 139- عن عائشة رَضِي الله عنها ، قَالَتْ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ
أحْدَثَ في أمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ(2) )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 3/241 ( 2697 ) ، ومسلم 5/132 ( 1718 ) ( 17 ) و( 18 ) .
(2) أي مردود عليه . النهاية 2/213 .(1/105)
وفي رواية لمسلم : (( مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيهِ أمرُنا فَهُوَ رَدٌّ(1) )) .
(2)- 140- وعن جابر - رضي الله عنه - ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَينَاهُ ، وَعَلا صَوتُهُ ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ ، حَتَّى كَأنَّهُ مُنْذِرُ جَيشٍ ، يَقُولُ : (( صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ )) وَيَقُولُ : (( بُعِثتُ أنَا والسَّاعَةُ كَهَاتَينِ )) وَيَقْرِنُ بَيْنَ أُصبُعَيهِ السَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى ، وَيَقُولُ : (( أمَّا بَعْدُ ، فَإنَّ خَيْرَ الحَديثِ كِتَابُ الله ، وَخَيرَ الهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ، وَكُلَّ بِدْعَة ضَلالَةٌ )) ثُمَّ يَقُولُ : (( أنَا أوْلَى بِكُلِّ مُؤمِنٍ مِنْ نَفسِهِ ، مَنْ تَرَكَ مَالاً فَلأَهْلِهِ ، وَمَنْ تَرَكَ دَيْناً أَوْ ضَيَاعاً(3) فَإلَيَّ وَعَلَيَّ ))(4) رواه مسلم .
وعن العرباض بن سَارية - رضي الله عنه - حدِيثه السابق(5) في بابِ المحافظةِ عَلَى السنةِ .
15- باب فيمن سن سنة حسنة أَوْ سيئة
__________
(1) قال المصنف في شرح صحيح مسلم 6/213 ( 1718 ) : (( هذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام ، وهو من جوامع كلمه - صلى الله عليه وسلم - فإنه صريح في رد كل البدع والمخترعات )) .
(2) - أخرجه : مسلم 3/11 ( 867 ) ( 43 ) .
(3) الضياع : العيال . النهاية 3/107 .
(4) قال المصنف في شرح صحيح مسلم 3/339 ( 867 ) : (( فيه أنه يستحب للخطيب أن يفخم أمر الخطبة ، ويرفع صوته ، واستحباب قول : (( أما بعد )) في خطب الوعظ والجمعة والعيد ، وكذا في خطب الكتب المصنفة )) .
(5) انظر الحديث ( 157 ) .(1/106)
قَالَ الله تَعَالَى : { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً } [ الفرقان : 74 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا } [ الأنبياء : 73] .
(1)- 141- عن أَبي عمرو جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - ، قَالَ : كنا في صَدْرِ النَّهَارِ عِنْدَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فَجَاءهُ قَومٌ عُرَاةٌ مُجْتَابي النِّمَار أَوْ العَبَاء ، مُتَقَلِّدِي السُّيُوف ، عَامَّتُهُمْ من مضر بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ، فَتَمَعَّرَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - لما رَأَى بِهِمْ مِنَ الفَاقَة(2) ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ ، فَأَمَرَ بِلالاً فَأَذَّنَ وَأَقَامَ ، فصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ ، فَقَالَ : (( { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ } إِلَى آخر الآية : { إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } (3)، والآية الأُخْرَى التي في آخر الحَشْرِ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ } (4) تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرهمِهِ، مِنْ ثَوبِهِ ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ - حَتَّى قَالَ - وَلَوْ بِشقِّ تَمرَةٍ )) فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعجَزُ عَنهَا، بَلْ قَدْ عَجَزَتْ، ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأيْتُ كَومَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ ، حَتَّى رَأيْتُ وَجْهَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يَتَهَلَّلُ كَأنَّهُ مُذْهَبَةٌ. فَقَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( مَنْ سَنَّ في الإسلامِ
__________
(1) - أخرجه : مسلم 3/86 ( 1017 ) ( 69 ) .
(2) أي شدة الاحتياج . دليل الفالحين 2/237 .
(3) النساء : 1 .
(4) الحشر : 18 .(1/107)
سنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أجْرُهَا، وَأجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ،مِنْ غَيرِ أنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورهمْ شَيءٌ،وَمَنْ سَنَّ في الإسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيهِ وِزْرُهَا ، وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ ، مِنْ غَيرِ أنْ يَنْقُصَ مِنْ أوْزَارِهمْ شَيءٌ )) (1) رواه مسلم .
قَولُهُ : (( مُجْتَابِي النِّمَارِ )) هُوَ بالجيم وبعد الألِف باءٌ مُوَحَّدَةٌ ، والنِّمَارِ جَمْعُ نَمِرَةٍ وَهِيَ كِسَاءٌ مِنْ صُوفٍ مُخَطَّطٌ . وَمَعْنَى (( مُجْتَابِيهَا )) ، أي : لاَبِسيهَا قَدْ خَرَقُوهَا في رُؤوسِهِم . وَ(( الجَوْبُ )) القَطْعُ ، ومِنْهُ قَولُهُ تعالى : { وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ } (2) أي نَحتُوهُ وَقَطَعُوهُ . وَقَولُهُ : (( تَمَعَّرَ )) هُوَ بالعين المهملة : أيْ تَغَيَّرَ . وَقَولُهُ : (( رَأَيْتُ كَوْمَينِ )) بفتح الكافِ وَضَمِّهَا : أي صُبْرَتَيْنِ . وَقَولُهُ : (( كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ )) هُوَ بالذال المُعْجَمَةِ وفتح الهاءِ والباءِ الموحَّدةِ قالَهُ القاضي عِيَاضٌ وَغَيرُهُ وَصَحَّفَهُ بَعْضُهُمْ ، فَقَالَ : (( مُدْهُنَةٌ )) بدَال مهملة وَضَمِّ الهاءِ وبالنونِ وكذا ضبطه الحميدي(3) . والصحيح المشهور هُوَ الأول . والمراد بهِ عَلَى الوجهين : الصفاءُ والاستنارة .
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 4/110 ( 1017 ) : (( فيه الحث على الابتداء بالخيرات وسن السنن الحسنات ، والتحذير من اختراع الأباطيل والمستقبحات )) .
(2) الفجر : 9 .
(3) الجمع بين الصحيحين 1/327 ( 506 ) .(1/108)
(1)- 142- وعن ابنِ مسعود - رضي الله عنه - : أن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( لَيْسَ مِنْ نَفْس تُقْتَلُ ظُلْماً إلاَّ كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأوْلِ كِفْلٌ(2) مِنْ دَمِهَا ، لأَنَّهُ كَانَ أوَّلَ مَنْ سَنَّ القَتلَ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
16- باب في الدلالة عَلَى خير والدعاء إِلَى هدى أَوْ ضلالة
قَالَ تَعَالَى : { وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ } [ القصص : 87 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَة } [ النحل : 125 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } [ المائدة :2 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ } [ آل عمران :104 ] .
(3)- 143- وعن أَبي مسعود عُقبةَ بنِ عمرو الأنصاري البدري - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: (( مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أجْرِ فَاعِلِهِ )) رواه مسلم .
(4)- 144- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( مَنْ دَعَا إِلَى هُدَىً ، كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أجُورِ مَنْ تَبِعَه ، لاَ يَنْقُصُ ذلِكَ مِنْ أجُورِهمْ شَيئاً ، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ ، كَانَ عَلَيهِ مِنَ الإثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ ، لاَ يَنْقُصُ ذلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيئاً )) رواه مسلم .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 9/127 ( 7321 ) ، ومسلم 5/106 ( 1677 ) ( 27 ) .
(2) أي نصيب . لسان العرب 12/128 ( كفل ) .
(3) - أخرجه : مسلم 6/41 ( 1893 ) ( 133 ) .
(4) - أخرجه : مسلم 8/62 ( 2674 ) ( 16 ) .(1/109)
(1)- 145- وعن أَبي العباس سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - : أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ يوم خَيبَر: (( لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَداً رجلاً يَفْتَحُ الله عَلَى يَدَيهِ ، يُحبُّ اللهَ وَرَسولَهُ ، ويُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ )) ، فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أيُّهُمْ يُعْطَاهَا . فَلَمَّا أصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - كُلُّهُمْ يَرْجُو أنْ يُعْطَاهَا . فَقَالَ : (( أينَ عَلِيُّ ابنُ أَبي طالب ؟ )) فقيلَ: يَا رسولَ الله، هُوَ يَشْتَكي عَيْنَيهِ . قَالَ : (( فَأَرْسِلُوا إِلَيْه )) فَأُتِيَ بِهِ فَبَصَقَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في عَيْنَيْهِ ، وَدَعَا لَهُ فَبَرِىءَ حَتَّى كأنْ لَمْ يكُن بِهِ وَجَعٌ ، فأعْطاهُ الرَّايَةَ . فقَالَ عَليٌّ - رضي الله عنه - : يَا رَسُول اللهِ ، أقاتِلُهمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا ؟ فَقَالَ: (( انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بسَاحَتهمْ ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإسْلاَمِ ، وَأخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللهِ تَعَالَى فِيهِ ، فَوَالله لأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَم )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
قوله : (( يَدُوكُونَ )) : أي يَخُوضُونَ وَيَتَحَدَّثُونَ . وقوله : (( رِسْلِكَ )) بكسر الراءِ وبفتحها لغتانِ ، والكسر أفصح .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 5/171 ( 4210 ) ، ومسلم 7/121 ( 2406 ) ( 34 ) .(1/110)
(1)- 146- وعن أنس - رضي الله عنه - : أن فتىً مِنْ أسلم ، قَالَ : يَا رَسُول الله ، إنِّي أُرِيدُ الغَزْوَ وَلَيْسَ معي مَا أتَجَهَّز بِهِ ، قَالَ : (( ائتِ فُلاَناً فإنَّهُ قَدْ كَانَ تَجَهَّزَ فَمَرِضَ )) فَأتَاهُ ، فَقَالَ: إنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يُقْرِئُكَ السَّلامَ ، وَيَقُولُ : أعْطني الَّذِي تَجَهَّزْتَ بِهِ ، فَقَالَ : يَا فُلاَنَةُ ، أعْطِيهِ الَّذِي تَجَهَّزْتُ بِهِ ، وَلا تَحْبِسي مِنْهُ شَيئاً ، فَواللهِ لاَ تَحْبِسِين مِنْهُ شَيئاً فَيُبَاركَ لَكِ فِيهِ . رواه مسلم .
17- باب في التعاون عَلَى البر والتقوى
قَالَ الله تَعَالَى : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى } [ المائدة : 2 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { وَالْعَصْرِ إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } [ العصر : 1-2 ] قَالَ الإمام الشافعي - رَحِمَهُ الله - كلاماً معناه : إنَّ النَّاسَ أَوْ أكثرَهم في غفلة عن تدبر هذِهِ السورة(2) .
(3)- 147- وعن أَبي عبد الرحمان زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ جَهَّزَ غَازِياً في سَبيلِ اللهِ فَقَدْ غَزَا ، وَمَنْ خَلَفَ غَازياً في أهْلِهِ بِخَيرٍ فَقَدْ غَزَا )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(4)- 148- وعن أَبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - : أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث بعثاً إِلَى بني لِحْيَان مِنْ هُذَيْلٍ، فَقَالَ : (( لِيَنْبَعِثْ مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا وَالأجْرُ بَيْنَهُمَا )) رواه مسلم .
__________
(1) - أخرجه : مسلم 6/41 ( 1894 ) ( 134 ) .
(2) ذكر ذلك ابن كثير . انظر مختصر تفسيره 3/643 .
(3) - أخرجه : البخاري 4/32 ( 2843 ) ، ومسلم 6/41 ( 1895 ) ( 135 ) .
(4) - أخرجه : مسلم 6/42 ( 1896 ) ( 137 ) .(1/111)
(1)- 149- وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - لَقِيَ رَكْباً بالرَّوْحَاءِ(2) ، فَقَالَ: (( مَنِ القَوْمُ ؟ )) قالوا : المسلمون ، فقالوا : من أنتَ ؟ قَالَ : (( رَسُول الله )) ، فرفعت إِلَيْه امرأةٌ صبياً ، فَقَالَتْ : ألِهَذَا حَجٌّ ؟ قَالَ : (( نَعَمْ ، وَلَكِ أجْرٌ )) رواه مسلم .
(3)- 150- وعن أَبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، أنَّه قَالَ : (( الخَازِنُ المُسْلِمُ الأمِينُ الَّذِي يُنفِذُ مَا أُمِرَ بِهِ فيُعْطيهِ كَامِلاً مُوَفَّراً طَيِّبَةً بِهِ نَفْسُهُ فَيَدْفَعُهُ إِلَى الَّذِي أُمِرَ لَهُ بِهِ ، أحَدُ المُتَصَدِّقين )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وفي رواية : (( الَّذِي يُعْطِي مَا أُمِرَ بِهِ )) وضبطوا (( المُتَصَدِّقَينِ )) بفتح القاف مَعَ كسر النون عَلَى التثنية ، وعكسه عَلَى الجمعِ وكلاهما صحيح .
18- باب في النصيحة
قَالَ تَعَالَى : { إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ } [ الحجرات : 10 ] ، وَقالَ تَعَالَى : إخباراً عن نوحٍ - صلى الله عليه وسلم - : { وَأنْصَحُ لَكُمْ } [ الأعراف : 62 ] ، وعن هود - صلى الله عليه وسلم - : { وَأنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أمِينٌ } [ الأعراف : 68 ] .
__________
(1) - أخرجه : مسلم 4/101 ( 1336 ) ( 409 ) .
(2) موضع على نحو أربعين ميلاً من المدينة . مراصد الاطلاع 2/637 .
(3) - أخرجه : البخاري 2/142 ( 1438 ) ، ومسلم 3/90 ( 1023 ) ( 79 ) .(1/112)
(1)- 151- وأما الأحاديث : فالأول : عن أَبي رُقَيَّةَ تَمِيم بن أوس الداريِّ - رضي الله عنه - : أنَّ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( الدِّينُ النَّصِيحةُ )) قلنا : لِمَنْ ؟ قَالَ : (( لِلهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ(2) )) رواه مسلم .
(3)- 152- الثاني : عن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - ، قَالَ : بَايَعْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى إقَامِ الصَّلاةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، والنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(4)- 153- الثالث : عن أنس - رضي الله عنه - ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( لا يُؤمِنُ أحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحبُّ لِنَفْسِهِ ))(5) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
19- باب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
__________
(1) - أخرجه : مسلم 1/53 ( 55 ) ( 95 ) .
(2) قال المصنف في شرح صحيح مسلم 1/248 - 250 ( 55 ) : (( النصيحة لله تعالى : معناها منصرف إلى الإيمان به ، ونفي الشريك عنه وترك الإلحاد في صفاته ووصفه بصفات الكمال ، وأما النصيحة لكتابه سبحانه : فالإيمان بأنه كلام الله تعالى .. ، وأما النصيحة لرسوله - صلى الله عليه وسلم - : فتصديقه على الرسالة والإيمان بجميع ما جاء به ... وأما النصيحة لأئمة المسلمين : فمعاونتهم على الحق وطاعتهم فيه .. وأما نصيحة عامة المسلمين : فإرشادهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم .. والنصيحة لازمة على قدر الطاقة )) .
(3) - أخرجه : البخاري 1/139 ( 524 ) ، ومسلم 1/54 ( 56 ) ( 97 ) .
(4) - أخرجه : البخاري 1/10 ( 13 ) ، ومسلم 1/49 ( 45 ) ( 71 ) .
(5) قال المصنف في شرح صحيح مسلم 1/230 ( 45 ) : (( معناه لا يؤمن الإيمان التام )) .(1/113)
قَالَ الله تَعَالَى : { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [ آل عمران : 104 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر } [ آل عمران : 110 ] ، وَقالَ تَعَالَى: { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } [ الأعراف : 199 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } [ التوبة :71 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } [ المائدة : 78 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ } [ الكهف :29 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَر } [ الحجر :94 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { فأَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } [ الأعراف : 165] وَالآيات في الباب كثيرة معلومة .(1/114)
(1)- 154- وأما الأحاديث : فالأول : عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، قَالَ : سَمِعت رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( مَنْ رَأى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أضْعَفُ(2) الإيمَانِ )) رواه مسلم .
(3)- 155- الثاني : عن ابن مسعود - رضي الله عنه - : أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( مَا مِنْ نَبيٍّ بَعَثَهُ اللهُ في أمَّة قَبْلِي إلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ(4) وَأصْحَابٌ يَأخُذُونَ بِسنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ(5) يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لا يُؤْمَرونَ ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلبِهِ فَهُوَ مُؤمِنٌ ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلسَانِهِ فَهُوَ مُؤمِنٌ ، وَلَيسَ وَرَاءَ ذلِكَ مِنَ الإيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَل )) رواه مسلم .
__________
(1) - أخرجه : مسلم 1/50 ( 49 ) ( 78 ) .
(2) قال المصنف في شرح صحيح مسلم 1/238 ( 49 ) : (( معناه والله أعلم أقله ثمرة )) .
(3) - أخرجه : مسلم 1/50 ( 50 ) ( 80 ) .
(4) الحواريون : خلصاؤه وأنصاره . النهاية 1/458 .
(5) الخلف : كل من يجيء بعد من مضى . النهاية 2/66 .(1/115)
(1)- 156- الثالث : عن أبي الوليدِ عبادة بن الصامِت - رضي الله عنه - ، قَالَ : بَايَعْنَا رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى السَّمْعِ والطَّاعَةِ في العُسْرِ واليُسْرِ ، والمَنْشَطِ وَالمَكْرَهِ، وَعَلَى أثَرَةٍ عَلَيْنَا ، وَعَلَى أنْ لاَ نُنازِعَ الأمْرَ أهْلَهُ إلاَّ أنْ تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ تَعَالَى فِيهِ بُرْهَانٌ، وَعَلَى أنْ نَقُولَ بالحَقِّ أيْنَمَا كُنَّا لاَ نَخَافُ في اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(( المَنْشَطُ وَالمَكْرَهُ )) بفتح ميمَيْهِما : أي في السهل والصعب . وَ(( الأثَرَةُ )) : الاختِصاص بالمشترَكِ وقد سبق بيانها . (( بَوَاحاً )) بفتح الباءِ الموحدة بعدها واو ثُمَّ ألف ثُمَّ حاءٌ مهملة : أي ظاهِراً لا يحتمل تأويلاً .
(2)- 157- الرابع : عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( مَثَلُ القَائِمِ في حُدُودِ اللهِ وَالوَاقعِ فِيهَا ، كَمَثَلِ قَومٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَصَارَ بَعْضُهُمْ أعْلاها وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا ، وَكَانَ الَّذِينَ في أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقهُمْ ، فَقَالُوا : لَوْ أنَّا خَرَقْنَا في نَصِيبِنَا خَرْقاً وَلَمْ نُؤذِ مَنْ فَوقَنَا ، فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أرَادُوا هَلَكُوا جَميعاً ، وَإنْ أخَذُوا عَلَى أيدِيهِمْ نَجَوا وَنَجَوْا جَميعاً )) رواه البخاري .
(( القَائِمُ في حُدُودِ اللهِ تَعَالَى )) معناه : المنكر لَهَا ، القائم في دفعِها وإزالتِها ، وَالمُرادُ بالحُدُودِ : مَا نَهَى الله عَنْهُ . (( اسْتَهَمُوا )) : اقْتَرَعُوا .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 9/59 ( 7055 ) و96 ( 7199 ) ، ومسلم 6/16 ( 1709 ) ( 41 ) .
(2) - أخرجه : البخاري 3/182 ( 2493 ) .(1/116)
(1)- 158- الخامس : عن أُمِّ المؤمنين أم سلمة هند بنت أَبي أمية حذيفة رضي الله عنها ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، أنه قَالَ : (( إنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ فَتَعرِفُونَ وتُنْكِرُونَ ، فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ ، وَمَنْ أنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ )) قَالوا : يَا رَسُول اللهِ ، ألا نُقَاتِلهم ؟ قَالَ : (( لا، مَا أَقَامُوا فيكُمُ الصَّلاةَ )) رواه مسلم .
معناه : مَنْ كَرِهَ بِقَلْبهِ وَلَمْ يَسْتَطِعْ إنْكَاراً بِيَدٍ وَلا لِسَانٍ فقَدْ بَرِىءَ مِنَ الإِثْمِ ، وَأَدَّى وَظيفَتَهُ، وَمَنْ أَنْكَرَ بحَسَبِ طَاقَتِهِ فَقَدْ سَلِمَ مِنْ هذِهِ المَعْصِيَةِ وَمَنْ رَضِيَ بِفِعْلِهِمْ وَتَابَعَهُمْ فَهُوَ العَاصِي .
(2)- 159- السادس : عن أم المؤمنين أم الحكم زينب بنتِ جحش رَضِي الله عنها : أن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - دخل عَلَيْهَا فَزِعاً ، يقول : (( لا إلهَ إلاّ الله ، وَيلٌ للْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ ، فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأجُوجَ وَمَأجُوجَ مِثلَ هذِهِ )) ، وحلّق بأُصبُعيهِ الإبهامِ والتي تليها ، فقلتُ : يَا رَسُول الله ، أنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟ قَالَ : (( نَعَمْ ، إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ(3) )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
__________
(1) - أخرجه : مسلم 6/23 ( 1854 ) ( 63 ) .
(2) - أخرجه : البخاري 4/168 ( 3346 ) ، ومسلم 8/166 ( 2880 ) ( 2 ) .
(3) الخبث : الفسق والفجور . النهاية 2/6 .(1/117)
(1)- 160- السابع : عن أَبي سعيد الخُدري - رضي الله عنه - ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( إيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ في الطُّرُقَاتِ ! )) فقالوا : يَا رَسُول الله ، مَا لنا مِنْ مجالِسِنا بُدٌّ ، نتحدث فِيهَا . فَقَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( فَإذَا أبَيْتُمْ إلاَّ المَجْلِسَ ، فَأَعْطُوا الطَّريقَ حَقَّهُ )) . قالوا : وما حَقُّ الطَّريقِ يَا رسولَ الله ؟ قَالَ : (( غَضُّ البَصَرِ ، وَكَفُّ الأَذَى ، وَرَدُّ السَّلامِ ، وَالأمْرُ بِالمَعْرُوفِ ، والنَّهيُ عن المُنْكَرِ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(2)- 161- الثامن : عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى خاتَماً مِنْ ذهبٍ في يدِ رجلٍ فنَزعه فطرحه ، وَقالَ : (( يَعْمدُ أحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا في يَدِهِ ! )) فقِيلَ لِلرَّجُلِ بَعْدَمَا ذهب رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : خُذْ خَاتَمَكَ انْتَفِعْ بِهِ . قَالَ : لا والله لا آخُذُهُ أبَداً وَقَدْ طَرَحَهُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - . رواه مسلم .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 8/63 ( 6229 ) ، ومسلم 6/165 ( 2121 ) ( 114 ) .
(2) - أخرجه : مسلم 6/149 ( 2090 ) ( 52 ) .(1/118)
(1)- 162- التاسع : عن أَبي سعيد الحسن البصري : أن عائِذَ بن عمرو - رضي الله عنه - دخل عَلَى عُبَيْدِ اللهِ بنِ زياد ، فَقَالَ : أي بُنَيَّ ، إني سمعت رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( إنَّ شَرَّ الرِّعَاءِ الحُطَمَةُ(2) )) فَإِيَّاكَ أنْ تَكُونَ مِنْهُمْ ، فَقَالَ لَهُ : اجلِسْ فَإِنَّمَا أنْتَ مِنْ نُخَالَةِ أصْحَابِ مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : وهل كَانَتْ لَهُم نُخَالَةٌ إِنَّمَا كَانَتِ النُّخَالَةُ بَعْدَهُمْ وَفي غَيْرِهِمْ . رواه مسلم .
(3)- 163- العاشر: عن حذيفة - رضي الله عنه - ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: (( وَالَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بِالمَعْرُوفِ ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ المُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَاباً مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُوْنَهُ فَلا يُسْتَجَابُ لَكُمْ )) رواه الترمذي ، وَقالَ : (( حديث حسن )) .
(4)- 164- الحادي عشر : عن أَبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( أفْضَلُ الجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائرٍ )) رواه أَبُو داود والترمذي ، وَقالَ : (( حديث حسن )) .
(5)- 165- الثاني عشر : عن أَبي عبدِ الله طارِقِ بن شِهاب البَجَليِّ الأَحْمَسِيّ - رضي الله عنه - : أنَّ رجلاً سأل النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - وقد وضع رِجله في الغَرْزِ : أيُّ الجِهادِ أفضلُ ؟ قَالَ : (( كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائرٍ )) رواه النسائي بإسناد صحيح .
__________
(1) - أخرجه : مسلم 6/9 ( 1830 ) ( 23 ) .
(2) أي العنيف برعاية الإبل . النهاية 1/402 .
(3) - أخرجه : الترمذي ( 2169 ) .
(4) - أخرجه : أبو داود ( 4344 ) ، وابن ماجه ( 4011 ) ، والترمذي ( 2174 ).
(5) - أخرجه : النسائي 7/161 .(1/119)
(( الغرز )) بغين معجمة مفتوحة ثُمَّ راء ساكنة ثُمَّ زاي : وَهُوَ ركاب كَوْرِ الجملِ إِذَا كَانَ من جلد أَوْ خشب وقيل : لا يختص بجلد وخشب .
(1)- 166- الرابع عشر : عن أَبي بكر الصديق - رضي الله عنه - ، قَالَ : يَا أيّها النَّاس ، إنّكم لتَقرؤُون هذِهِ الآية : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ } [ المائدة :105 ] وإني سمعت رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( إنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يأخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أوشَكَ أنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ )) رواه أَبُو داود والترمذي والنسائي بأسانيد صحيحة .
20- باب تعظيم حرمات المسلمين وبيان حقوقهم
والشفقة عليهم ورحمتهم
قَالَ الله تَعَالَى : { وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّه } [ الحج : 30 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ } [ الحج : 32 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } [ الحجر : 88 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً } [ المائدة : 32 ] .
(2)- 167- وعن أَبي موسى - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( المُؤْمِنُ للْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضَاً )) وشبَّكَ بَيْنَ أصَابِعِهِ . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
__________
(1) - أخرجه : أبو داود ( 4338 ) ، وابن ماجه ( 4005 ) ، والترمذي ( 3057 ) ، والنسائي في " الكبرى " ( 11157 ) .
(2) - أخرجه : البخاري 3/169 ( 2446 ) ، ومسلم 8/20 ( 2585 ) ( 65 ) .(1/120)
(1)- 168- وعنه ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ مَرَّ في شَيْءٍ مِنْ مَسَاجِدِنا ، أَوْ أَسْوَاقِنَا، وَمَعَهُ نَبْلٌ فَلْيُمْسِكْ ، أَوْ لِيَقْبِضْ عَلَى نِصَالِهَا(2) بكَفّه ؛ أنْ يُصِيبَ أحَداً مِنَ المُسْلِمِينَ مِنْهَا بِشَيْء )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(3)- 169- وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَثَلُ المُؤْمِنينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمهمْ وَتَعَاطُفِهمْ ، مَثَلُ الجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ والحُمَّى )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(4)- 170- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَبَّلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الحَسَنَ بْنَ عَليٍّ رضي الله
عنهما ، وَعِنْدَهُ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِس ، فَقَالَ الأقْرَعُ : إن لِي عَشرَةً مِنَ الوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أحَداً . فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : (( مَنْ لا يَرْحَمْ لاَ يُرْحَمْ ! )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(5)- 171- وعن عائشة رضي الله عنها ، قَالَتْ : قَدِمَ نَاسٌ مِنَ الأعْرَابِ عَلَى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا : أتُقَبِّلُونَ صِبْيَانَكُمْ ؟ فَقَالَ : (( نَعَمْ )) قالوا : لَكِنَّا والله مَا نُقَبِّلُ! فَقَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((أَوَ أَمْلِك إنْ كَانَ اللهُ نَزَعَ مِنْ قُلُوبِكُم الرَّحْمَةَ ! )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 9/62 ( 7075 ) ، ومسلم 8/33 ( 2615 ) ( 124 ) .
(2) أي حديدة السهم . اللسان 14/167 ( نصل ) .
(3) - أخرجه : البخاري 8/11 ( 6011 ) ، ومسلم 8/20 ( 2586 ) ( 66 ) .
(4) - أخرجه : البخاري 8/8 ( 6011 ) ، ومسلم 7/77 ( 2318 ) ( 65 ) .
(5) - أخرجه : البخاري 8/9 ( 5998 ) ، ومسلم 7/77 ( 2317 ) ( 64 ) .(1/121)
(1)- 172- وعن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ لاَ يَرْحَم النَّاسَ لاَ يَرْحَمْهُ الله )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(2)- 173- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : أنّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( إِذَا صَلَّى أحَدُكُمْ للنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ ، فَإن فيهِم الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالكَبيرَ ، وَإِذَا صَلَّى أحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّل مَا شَاءَ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وفي رواية : (( وذَا الحَاجَةِ )) .
(3)- 174- وعن عائشة رضي الله عنها ، قَالَتْ : إنْ كَانَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - لَيَدَعُ العَمَلَ، وَهُوَ يُحبُّ أنْ يَعْمَلَ بِهِ؛ خَشْيَةَ أنْ يَعمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ علَيْهِمْ. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
(4)- 175- وَعَنْهَا رضي الله عنها ، قَالَتْ : نَهَاهُمُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عنِ الوِصَال(5) رَحمَةً
لَهُمْ ، فَقَالُوا : إنَّكَ تُوَاصِلُ ؟ قَالَ : (( إنّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ ، إنِّي أبيتُ يُطْعمُني رَبِّي وَيَسقِيني )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
مَعنَاهُ : يَجْعَلُ فِيَّ قُوَّةَ مَنْ أَكَلَ وَشَرِبَ .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 9/141 ( 7376 ) ، ومسلم 7/77 ( 2319 ) ( 66 ) .
(2) - أخرجه : البخاري 1/180 ( 703 ) ، ومسلم 2/43 ( 467 ) ( 185 ) .
(3) - أخرجه : البخاري 2/62 ( 1128 ) ، ومسلم 2/156 ( 718 ) ( 77 ) .
(4) - اخرجه : البخاري 3/48 ( 1964 ) ، ومسلم 3/134 ( 1150 ) ( 61 ) .
(5) أي لا يفطر يومين أو أياماً . النهاية 5/193 .(1/122)
(1)- 176- وعن أَبي قَتادةَ الحارثِ بن رِبعِي - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إنِّي لأَقُومُ إِلَى الصَّلاة ، وَأُرِيدُ أنْ أُطَوِّلَ فِيهَا ، فَأسْمَع بُكَاءَ الصَّبيِّ فَأَتَجَوَّزَ في صَلاتي كَرَاهية أنْ أشُقَّ عَلَى أُمِّهِ )) رواه البخاري .
(2)- 177- وعن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ صَلَّى صَلاةَ الصُّبْحِ فَهُوَ في ذِمَّةِ(3) الله فَلاَ يَطْلُبَنَّكُمُ الله مِنْ ذِمَّته بشَيءٍ ، فَإنَّهُ مَنْ يَطْلُبْهُ منْ ذمَّته بشَيءٍ يُدْركْهُ ، ثُمَّ يَكُبُّهُ عَلَى وَجْهِهِ في نَارِ جَهَنَّمَ )) رواه مسلم .
(4)- 178- وعن ابن عمر رضي الله عنهما : أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِم، لا يَظْلِمهُ ، وَلاَ يُسْلمُهُ . مَنْ كَانَ في حَاجَة أخيه ، كَانَ اللهُ في حَاجَته ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِم كُرْبَةً ، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بها كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً سَتَرَهُ اللهُ يَومَ القِيامَةِ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(5)- 179- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( المُسْلِمُ أخُو
__________
(1) - أخرجه : البخاري 1/181 ( 707 ) . أتجوز : أخففها وأقللها . أشق : أي أثقل عليهم ، من المشقة . النهاية 1/315 و2/491 .
(2) - أخرجه : مسلم 2/125 ( 657 ) ( 262 ) .
(3) قال المصنف في شرح صحيح مسلم 3/137 ( 657 ) : (( الذمة : هنا الضمان . وقيل : الأمان )) .
(4) - أخرجه : البخاري 3/168 ( 2442 ) ، ومسلم 8/18 ( 2580 ) ( 58 ) .
(5) - أخرجه : أبو داود ( 4882 ) ، وابن ماجه ( 3933 ) ، والترمذي ( 1927 ).(1/123)
المُسْلِمُ ، لاَ يَخُونُهُ ، وَلاَ يَكْذِبُهُ ، وَلاَ يَخْذُلُهُ ، كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِم حَرَامٌ
عِرْضُهُ وَمَالهُ وَدَمُهُ ، التَّقْوى هاهُنَا ، بحَسْب امْرىءٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أخَاهُ المُسْلِم )) رواه الترمذي ، وَقالَ : (( حديث حسن )) .
(1)- 180- وعنه ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا تَحَاسَدُوا ، وَلاَ تَنَاجَشُوا ، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا ، وَلاَ يَبعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْع بَعْض ، وَكُونُوا عِبَادَ الله إخْوَاناً ، المُسْلِمُ أخُو المُسْلم : لاَ يَظْلِمُهُ ، وَلا يَحْقِرُهُ ، وَلاَ يَخْذُلُهُ ، التَّقْوَى هاهُنَا - ويشير إِلَى صدره ثلاث مرات - - بحَسْب امْرىءٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحقِرَ أخَاهُ المُسْلِمَ ، كُلُّ المُسْلم عَلَى المُسْلم حَرَامٌ ، دَمُهُ ومَالُهُ وعرْضُهُ )) رواه مسلم .
(( النَّجْشُ )) : أنْ يزيدَ في ثَمَنِ سلْعَة يُنَادَى عَلَيْهَا في السُّوقِ وَنَحْوه ، وَلاَ رَغْبَةَ لَهُ في شرَائهَا بَلْ يَقْصدُ أنْ يَغُرَّ غَيْرَهُ ، وهَذَا حَرَامٌ .
وَ(( التَّدَابُرُ )) : أنْ يُعْرضَ عَنِ الإنْسَان ويَهْجُرَهُ وَيَجْعَلهُ كَالشَيءِ الَّذِي وَرَاء الظَّهْر وَالدُّبُر .
(2)- 181- وعن أنس - رضي الله عنه - ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( لاَ يُؤمِنُ أحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ مَا يُحِبُّ لنَفْسِهِ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
__________
(1) - أخرجه : مسلم 8/10 ( 2564 ) ( 32 ) .
(2) - انظر الحديث ( 183 ) .(1/124)
(1)- 182- وعنه ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( انْصُرْ أخَاكَ ظَالماً أَوْ مَظْلُوماً )) فَقَالَ رجل: يَا رَسُول اللهِ ، أنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُوماً ، أرَأيْتَ إنْ كَانَ ظَالِماً كَيْفَ أنْصُرُهُ ؟ قَالَ : (( تحْجُزُهُ – أَوْ تمْنَعُهُ – مِنَ الظُلْمِ فَإِنَّ ذلِكَ نَصرُهُ )) رواه البخاري .
(2)- 183- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( حَقُّ المُسْلِم عَلَى المُسْلِم خَمْسٌ : رَدُّ السَّلامِ ، وَعِيَادَةُ المَريض ، وَاتِّبَاعُ الجَنَائِزِ ، وَإجَابَةُ الدَّعْوَة ، وتَشْميتُ(3)العَاطِسِ)) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وفي رواية لمسلم : (( حَقُّ المُسْلِم عَلَى المُسْلِم ستٌّ : إِذَا لَقيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيهِ ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأجبْهُ ، وإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ ، وإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ الله فَشَمِّتْهُ ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ )) .
(4)- 184- وعن أَبي عُمَارة البراءِ بن عازب رضي الله عنهما ، قَالَ : أمرنا رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبع ، ونهانا عن سبع : أمَرَنَا بعيَادَة المَرِيض ، وَاتِّبَاعِ الجَنَازَةِ ، وتَشْمِيتِ العَاطسِ، وَإبْرار المُقْسِم، ونَصْرِ المَظْلُوم ، وَإجَابَةِ الدَّاعِي ، وَإِفْشَاءِ السَّلامِ ، ونَهَانَا عَنْ خَواتِيمٍ أَوْ تَخَتُّمٍ بالذَّهَبِ ، وَعَنْ شُرْبٍ بالفِضَّةِ ، وَعَن الميَاثِرِ الحُمْرِ ، وَعَن القَسِّيِّ ، وَعَنْ لُبْسِ الحَريرِ والإسْتبْرَقِ وَالدِّيبَاجِ . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 9/28 ( 6952 ) .
(2) - أخرجه : البخاري 2/90 ( 1240 ) ، ومسلم 7/3 ( 2162 ) ( 4 ) و( 5 ) .
(3) أي الدعاء بالخير والبركة . النهاية 2/499 .
(4) - أخرجه : البخاري 2/90 ( 1239 ) ، ومسلم 6/135 ( 2066 ) ( 3 ) .(1/125)
وفي رواية : وَإنْشَادِ الضَّالَّةِ في السَّبْعِ الأُوَل .
(( المَيَاثِرُ )) بياء مثَنَّاة قبل الألفِ ، وثاء مُثَلَّثَة بعدها : وهي جَمْعُ ميثَرة ، وهي شيء يُتَّخَذُ مِنْ حرير وَيُحْشَى قطناً أَوْ غيره ، وَيُجْعَلُ في السَّرْجِ وَكُور البَعير يجلس عَلَيهِ الراكب .
((القَسِّيُّ)) بفتح القاف وكسر السين المهملة المشددة : وهي ثياب تنسج مِنْ حرير وَكتَّانٍ مختلِطينِ . (( وَإنْشَادُ الضَّالَّةِ )) : تعريفها .
21- باب بر الوالدين وصلة الأرحام(1/126)
قَالَ الله تَعَالَى : { وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ(1) وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } [ النساء : 36 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَام } [ النساء : 1 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ } [ الرعد : 21 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { وَوَصَّيْنَا الأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً } [ العنكبوت : 8 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً } [ الإسراء : 23 - 24 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { وَوَصَّيْنَا الأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْك [ لقمان : 14 ] .
__________
(1) الجار ذو القربى : الجار الذي بينك وبينه قرابة . والجار الجنب : الجار الغريب الذي ليس بينك وبينه قرابة . والصاحب بالجنب : الزوجة . قاله ابن الجوزي من بين أقوال أخرى . زاد المسير 2/79 .(1/127)
(1)- 185- وعن أَبي عبد الرحمان عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، قَالَ : سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - : أيُّ العَمَلِ أحَبُّ إِلَى اللهِ تَعَالَى ؟ قَالَ : (( الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا )) ، قُلْتُ : ثُمَّ أي ؟ قَالَ : (( بِرُّ الوَالِدَيْنِ )) ، قُلْتُ : ثُمَّ أيٌّ ؟ قَالَ : (( الجِهَادُ في سبيلِ الله )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(2)- 186- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِداً إلاَّ أنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكاً ، فَيَشْتَرِيهُ فَيُعْتِقَهُ )) رواه مسلم .
(3)- 187- وعنه أيضاً - رضي الله عنه - : أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللهِ وَاليَومِ الآخِرِ ، فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللهِ وَاليَومِ الآخِرِ ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ ، فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 4/17 ( 2782 ) ، ومسلم 1/62 ( 85 ) ( 137 ) .
(2) - أخرجه : مسلم 4/218 ( 1510 ) ( 25 ) .
(3) - أخرجه : البخاري 8/39 ( 6138 ) ، ومسلم 1/49 ( 47 ) ( 74 ) .(1/128)
(1)- 188- وعنه ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَقَ الخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرَّحِمُ ، فَقَالَتْ : هَذَا مُقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعةِ ، قَالَ : نَعَمْ ، أمَا تَرْضَيْنَ أنْ أصِلَ مَنْ وَصَلَكِ ، وَأقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ ؟ قَالَتْ : بَلَى ، قَالَ : فَذَلِكَ لَكِ ، ثُمَّ قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( اقْرَؤُوا إنْ شِئْتمْ : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ } [ محمد : 22 - 23 ] مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وفي رواية للبخاري : فَقَالَ الله تَعَالَى : (( مَنْ وَصَلَكِ ، وَصَلْتُهُ ، وَمَنْ قَطَعَكِ ، قَطَعْتُهُ )) .
(2)- 189- وعنه - رضي الله عنه -، قَالَ: جاء رجل إِلَى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: يَا رَسُول الله ، مَنْ أحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ قَالَ : (( أُمُّكَ )) قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : (( أُمُّكَ )) ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : (( أُمُّكَ )) ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : (( أبُوكَ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وفي رواية : يَا رَسُول الله ، مَنْ أَحَقُّ بحُسْنِ الصُّحْبَةِ ؟ قَالَ : (( أُمُّكَ ، ثُمَّ أُمُّكَ ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أَبَاكَ ، ثُمَّ أدْنَاكَ أدْنَاكَ )) .
(( وَالصَّحَابَةُ )) بمعنى : الصحبةِ . وقوله : (( ثُمَّ أباك )) هكذا هُوَ منصوب بفعلٍ محذوفٍ ، أي : ثُمَّ بُرَّ أبَاكَ . وفي رواية : (( ثُمَّ أبوك )) ، وهذا واضح .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 8/6 ( 5987 ) و8/7 ( 5988 ) ، ومسلم 8/7 ( 2554 ) ( 16 ) .
(2) - أخرجه : البخاري 8/2 ( 5971 ) ، ومسلم 8/2 ( 2548 ) ( 1 ) و( 2 ) .(1/129)
(1)- 190- وعنه ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( رغِم أنفُ ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ مَنْ أدْرَكَ أبَويهِ عِنْدَ الكِبَرِ ، أَحَدهُما أَوْ كِليهمَا فَلَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ )) رواه مسلم .
(2)- 191- وعنه - رضي الله عنه - : أن رجلاً قَالَ : يَا رَسُول الله ، إنّ لِي قَرابةً أصِلُهُمْ وَيَقْطَعُوني ، وَأُحْسِنُ إلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إلَيَّ ، وَأحْلَمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ ، فَقَالَ : (( لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ ، فَكأنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ ، وَلاَ يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذلِكَ )) رواه مسلم .
((وَتُسِفُّهُمْ )) بضم التاء وكسرِ السين المهملة وتشديد الفاءِ ، (( وَالمَلُّ )) بفتح الميم ، وتشديد اللام وَهُوَ الرَّمادُ الحَارُّ : أيْ كَأنَّمَا تُطْعِمُهُمُ الرَّمَادَ الحَارَّ ، وَهُوَ تَشبِيهٌ لِمَا يَلْحَقَهُمْ من الإثم بما يلحَقُ آكِلَ الرَّمَادِ الحَارِّ مِنَ الأَلمِ ، وَلاَ شَيءَ عَلَى هَذَا المُحْسِنِ إلَيهمْ ، لكِنْ يَنَالُهُمْ إثمٌ عَظيمٌ بتَقْصيرِهم في حَقِّهِ ، وَإدْخَالِهِمُ الأَذَى عَلَيهِ ، وَاللهُ أعلم .
(3)- 192- وعن أنسٍ - رضي الله عنه - : أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( من أحَبَّ أنْ يُبْسَطَ لَهُ في رِزْقِهِ ، ويُنْسأَ لَهُ في أثَرِهِ ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
ومعنى (( ينسأ لَهُ في أثرِهِ )) ، أي : يؤخر لَهُ في أجلِهِ وعمرِهِ .
__________
(1) - أخرجه : مسلم 8/5 ( 2551 ) ( 9 ) .
(2) - أخرجه : مسلم 8/8 ( 2558 ) ( 22 ) .
(3) - أخرجه : البخاري 3/73 ( 2067 ) ، ومسلم 8/8 ( 2557 ) ( 21 ) .(1/130)
(1)- 193- وعنه ، قَالَ : كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أكْثَرَ الأنْصَارِ بالمَدينَةِ مَالاً مِنْ نَخل ، وَكَانَ أحَبُّ أمْوَاله إِلَيْهِ بَيْرَحاء ، وَكَانَتْ مسْتَقْبَلَةَ المَسْجِدِ ، وَكَانَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يَدْخُلُهَا ، وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّب ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هذِهِ الآيةُ : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } [ آل عمران : 92 ] قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : يَا رَسُول الله ، إنَّ الله تبارك وتَعَالَى ، يقول : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } وَإنَّ أَحَبَّ مَالِي إِلَيَّ بَيْرَحَاءُ ، وَإنَّهَا صَدَقَةٌ للهِ تَعَالَى ، أرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ الله تَعَالَى ، فَضَعْهَا يَا رَسُول الله ، حَيْثُ أرَاكَ الله . فَقَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( بَخ ! ذلِكَ مَالٌ رَابحٌ ، ذلِكَ مَالٌ رَابحٌ ! وقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ ، وَإنِّي أرَى أنْ تَجْعَلَهَا في الأقْرَبينَ )) ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ : أفْعَلُ يَا رَسُول الله ، فَقَسَّمَهَا أَبُو طَلْحَةَ في أقَارِبِهِ وبَنِي عَمِّهِ . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وسبق بيان ألفاظِهِ في باب الإنْفَاقِ مِمَّا يحب .
__________
(1) - انظر الحديث ( 297 ) .(1/131)
(1)- 194- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، قَالَ : أقبلَ رَجُلٌ إِلَى نَبيِّ الله - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : أُبَايِعُكَ عَلَى الهِجْرَةِ وَالجِهَادِ أَبْتَغي الأجْرَ مِنَ الله تَعَالَى . قَالَ : (( فَهَلْ لَكَ مِنْ وَالِدَيْكَ أحَدٌ حَيٌّ ؟ )) قَالَ : نَعَمْ ، بَلْ كِلاهُمَا . قَالَ : (( فَتَبْتَغي الأجْرَ مِنَ الله تَعَالَى ؟ )) قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : (( فارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ ، فَأحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ، وهذا لَفْظُ مسلِم .
وفي رواية لَهُمَا : جَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَأذَنَهُ في الجِهَادِ ، فقَالَ : (( أحَيٌّ وَالِداكَ ؟ ))
قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : (( فَفيهِمَا فَجَاهِدْ )) .
(2)- 195- وعنه ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( لَيْسَ الوَاصِلُ بِالمُكَافِىء ، وَلكِنَّ الوَاصِلَ الَّذِي إِذَا قَطَعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا )) رواه البخاري .
وَ(( قَطَعَتْ )) بِفَتح القَاف وَالطَّاء . وَ(( رَحِمُهُ )) مرفُوعٌ .
(3)- 196- وعن عائشة ، قَالَتْ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالعَرْشِ تَقُولُ : مَنْ وَصَلَنِي ، وَصَلَهُ اللهُ ، وَمَنْ قَطَعَنِي ، قَطَعَهُ اللهُ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 4/71 ( 3004 ) ، ومسلم 8/3 ( 2549 ) ( 5 ) و( 6 ) .
(2) - أخرجه : البخاري 8/7 ( 5991 ) .
(3) - أخرجه : البخاري 8/7 ( 5989 ) ، ومسلم 8/7 ( 2555 ) ( 17 ) .(1/132)
(1)- 197- وعن أم المؤمنين ميمونة بنتِ الحارث رضي الله عنها : أنَّهَا أعْتَقَتْ وَليدَةً وَلَمْ تَستَأذِنِ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُهَا الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهَا فِيهِ ، قَالَتْ : أشَعَرْتَ يَا رَسُول الله ، أنِّي أعتَقْتُ وَليدَتِي ؟ قَالَ : (( أَوَ فَعَلْتِ ؟ )) قَالَتْ : نَعَمْ . قَالَ : (( أما إنَّكِ لَوْ أعْطَيْتِهَا أخْوَالَكِ كَانَ أعْظَمَ لأجْرِكِ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(2)- 198- وعن أسماءَ بنتِ أَبي بكر الصديق رضي الله عنهما ، قَالَتْ : قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشركةٌ في عَهْدِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، فاسْتَفْتَيْتُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قُلْتُ : قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ رَاغِبَةٌ ، أفَأصِلُ أُمِّي ؟ قَالَ : (( نَعَمْ ، صِلِي أُمَّكِ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وَقَولُهَا : (( رَاغِبَةٌ )) أيْ : طَامِعَةٌ عِنْدِي تَسْألُني شَيْئاً ؛ قِيلَ : كَانَتْ أُمُّهَا مِن النَّسَبِ ، وَقيل: مِن الرَّضَاعَةِ ، وَالصحيحُ الأول .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 3/207 ( 2592 ) ، ومسلم 3/79 ( 999 ) ( 44 ) .
(2) - أخرجه : البخاري 3/215 ( 2620 ) ، ومسلم 3/81 ( 1003 ) ( 50 ) .(1/133)
(1)- 199- وعن زينب الثقفيةِ امرأةِ عبدِ الله بن مسعود رضي الله عَنْهُ وعنها ، قَالَتْ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( تَصَدَّقْنَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ ))، قَالَتْ : فَرَجَعْتُ إِلَى عبد الله بنِ مسعود ، فقلتُ لَهُ : إنَّكَ رَجُلٌ خَفِيفُ ذَاتِ اليَدِ ، وَإنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ فَأْتِهِ ، فَاسألهُ ، فإنْ كَانَ ذلِكَ يْجُزِىءُ عَنِّي وَإلاَّ صَرَفْتُهَا إِلَى غَيْرِكُمْ . فَقَالَ عبدُ اللهِ : بَلِ ائْتِيهِ أنتِ ، فانْطَلَقتُ ، فَإذا امْرأةٌ مِنَ الأنْصارِ بِبَابِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - حَاجَتي حَاجَتُها ، وَكَانَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أُلْقِيَتْ عَلَيهِ المَهَابَةُ ، فَخَرجَ عَلَيْنَا بِلاَلٌ ، فَقُلْنَا لَهُ : ائْتِ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فَأخْبرْهُ أنَّ امْرَأتَيْنِ بالبَابِ تَسألانِكَ : أُتُجْزِىءُ الصَّدَقَةُ عَنْهُمَا عَلَى أزْواجِهمَا وَعَلَى أيْتَامٍ في حُجُورِهِما ؟ ، وَلاَ تُخْبِرْهُ مَنْ نَحْنُ ، فَدَخلَ بِلاَلٌ عَلَى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فسأله ، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ هُمَا؟)) قَالَ : امْرَأةٌ مِنَ الأنْصَارِ وَزَيْنَبُ . فَقَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( أيُّ الزَّيَانِبِ هِيَ ؟ )) ، قَالَ : امْرَأةُ عبدِ الله ، فَقَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لَهُمَا أجْرَانِ : أجْرُ القَرَابَةِ وَأجْرُ الصَّدَقَةِ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 2/150 ( 1466 ) ، ومسلم 3/80 ( 1000 ) ( 45 ) .(1/134)
(1)- 200- وعن أَبي سفيان صخر بنِ حرب - رضي الله عنه - في حديثِهِ الطويل في قِصَّةِ هِرَقْلَ : أنَّ هرقْلَ قَالَ لأبي سُفْيَانَ : فَمَاذَا يَأمُرُكُمْ بِهِ ؟ يَعْنِي النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : قُلْتُ : يقول : (( اعْبُدُوا اللهَ وَحْدَهُ ، وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيئاً ، واتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ ، وَيَأمُرُنَا بِالصَّلاةِ ، وَالصّدْقِ ، والعَفَافِ ، والصِّلَةِ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(2)- 201- وعن أَبي ذرّ - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ أرْضاً يُذْكَرُ فِيهَا القِيرَاطُ(3) )) . وفي رواية : (( سَتَفْتَحونَ مِصْرَ وَهِيَ أرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا القِيراطُ ، فَاسْتَوْصُوا بأهْلِهَا خَيْراً ؛ فَإنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِماً )) وفي رواية : (( فإذا افتتحتموها ، فأحسنوا إلى أهلها ؛ فإن لهم ذمة ورحماً )) ، أَوْ قَالَ : (( ذِمَّةً وصِهْراً )) رواه مسلم .
قَالَ العلماء : (( الرَّحِمُ )) : الَّتي لَهُمْ كَوْنُ هَاجَرَ أُمِّ إسْمَاعِيلَ - صلى الله عليه وسلم - مِنْهُمْ ،
(( وَالصِّهْرُ )) : كَوْن مَارية أمِّ إبْراهيمَ ابن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - مِنْهُمْ .
__________
(1) - انظر الحديث ( 56 ) .
(2) - أخرجه : مسلم 7/190 ( 2543 ) ( 226 ) و( 227 ) .
(3) القيراط : جزء من أجزاء الدينار . لسان العرب 11/115 ( قرط ) .(1/135)
(1)- 202- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : لما نزلت هذِهِ الآية : { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } [ الشعراء : 214] دَعَا رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قُرَيْشاً ، فَاجْتَمَعُوا فَعَمَّ وَخَصَّ ، وَقالَ : (( يَا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ ، يا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤيٍّ ، أنقِذُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ ، يَا بَنِي مُرَّةَ بن كَعْبٍ ، أنْقِذُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَاف ، أنْقِذُوا أنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ ، يَا بَنِي هاشم ، أنقذوا أنفسكم من النار ، يَا بني عبد المطلب ، انقذوا أنفسكم من النار ، يَا فَاطِمَةُ ، أنْقِذي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ . فَإنِّي لا أمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيئاً ، غَيْرَ أنَّ لَكُمْ رَحِماً سَأبُلُّهَا بِبِلالِهَا )) رواه مسلم .
قوله - صلى الله عليه وسلم - : (( بِبِلالِهَا )) هُوَ بفتح الباء الثانيةِ وكسرِها ، (( وَالبِلاَلُ )) : الماءُ . ومعنى الحديث: سَأصِلُهَا ، شَبّه قَطِيعَتَهَا بالحَرارَةِ تُطْفَأُ بِالماءِ وهذِهِ تُبَرَّدُ بالصِّلَةِ .
(2)- 203- وعن أَبي عبد الله عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، قَالَ : سمعت
رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - جِهَاراً غَيْرَ سِرٍّ ، يَقُولُ : (( إنَّ آل بَني فُلاَن لَيْسُوا بِأولِيَائِي ، إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللهُ وَصَالِحُ المُؤْمِنينَ ، وَلَكِنْ لَهُمْ رَحِمٌ أبُلُّهَا بِبلاَلِهَا )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ، واللفظ للبخاري .
__________
(1) - أخرجه : مسلم 1/133 ( 204 ) ( 348 ) .
(2) - أخرجه : البخاري 8/7 ( 5990 ) ، ومسلم 1/136 ( 215 ) ( 366 ) .(1/136)
(1)- 204- وعن أَبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري - رضي الله عنه - : أنَّ رجلاً قَالَ : يَا رَسُول الله ، أخْبِرْني بِعَمَلٍ يُدْخِلُني الجَنَّةَ ، وَيُبَاعِدُني مِنَ النَّارِ . فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : (( تَعْبُدُ الله ، وَلاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيئاً ، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ ، وتُؤتِي الزَّكَاةَ ، وتَصِلُ الرَّحمَ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(2)- 205- وعن سلمان بن عامر - رضي الله عنه - ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( إِذَا أفْطَرَ أحَدُكُمْ ، فَلْيُفْطرْ عَلَى تَمْرٍ ؛ فَإنَّهُ بَرَكةٌ ، فَإنْ لَمْ يَجِدْ تَمْراً ، فالمَاءُ ؛ فَإنَّهُ طَهُورٌ )) ، وَقالَ : (( الصَّدَقَةُ عَلَى المِسكينِ صَدَقةٌ ، وعَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ : صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ )) رواه الترمذي ، وَقالَ : (( حديث حسن )) .
(3)- 206- وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، قَالَ : كَانَتْ تَحْتِي امْرَأةٌ ، وَكُنْتُ أحِبُّهَا ، وَكَانَ عُمَرُ يَكْرَهُهَا ، فَقَالَ لي : طَلِّقْهَا ، فَأبَيْتُ ، فَأتَى عُمَرُ - رضي الله عنه - النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَذَكَرَ ذلِكَ لَهُ ، فَقَالَ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - : (( طَلِّقْهَا )) رواه أَبُو داود والترمذي ، وَقالَ : (( حديث حسن صحيح )) .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 2/130 ( 1396 ) ، ومسلم 1/33 ( 13 ) ( 14 ) .
(2) - أخرجه : أبو داود ( 2355 ) ، وابن ماجه ( 1699 ) و( 1844 ) ، والترمذي ( 658 ) ، والنسائي في " الكبرى " ( 3320 ) .
(3) - أخرجه : أبو داود ( 5138 ) ، وابن ماجه ( 2088 ) ، والترمذي ( 1189 ) .(1/137)
(1)- 207- وعن أَبي الدرداءِ - رضي الله عنه - : أن رجلاً أتاه ، قَالَ : إنّ لي امرأةً وإنّ أُمِّي تَأمُرُنِي بِطَلاقِهَا ؟ فَقَالَ : سَمِعْتُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( الوَالِدُ أوْسَطُ أبْوَابِ الجَنَّةِ ، فَإنْ شِئْتَ ، فَأضِعْ ذلِكَ البَابَ ، أَو احْفَظْهُ )) رواه الترمذي ، وَقالَ : (( حديث حسن صحيح )) .
(2)- 208- وعن البراءِ بن عازب رضي اللهُ عنهما ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( الخَالةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ )) رواه الترمذي ، وَقالَ : (( حديث حسن صحيح )) .
وفي الباب أحاديث كثيرة في الصحيح مشهورة ؛ مِنْهَا حديث أصحاب الغار(3) ، وحديث جُرَيْجٍ(4) وقد سبقا ، وأحاديث مشهورة في الصحيح حذفتها اختِصَاراً ، وَمِنْ أهَمِّهَا حديث عَمْرو بن عَبسَة - رضي الله عنه - الطَّويلُ المُشْتَمِلُ عَلَى جُمَلٍ كَثيرةٍ مِنْ قَواعِدِ الإسْلامِ وآدابِهِ ، وَسَأذْكُرُهُ بتَمَامِهِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى في باب الرَّجَاءِ(5) ، قَالَ فِيهِ :
دَخَلْتُ عَلَى النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - بمَكَّةَ - يَعْني : في أوَّلِ النُّبُوَّةِ - فقلتُ لَهُ : مَا أنْتَ ؟
قَالَ : (( نَبيٌّ )) ، فَقُلْتُ : وَمَا نَبِيٌّ ؟ قَالَ : (( أرْسَلنِي اللهُ تَعَالَى )) ، فقلت : بأيِّ شَيءٍ أرْسَلَكَ ؟ قَالَ : (( أرْسَلَنِي بِصِلَةِ الأَرْحَامِ وَكَسْرِ الأَوثَانِ ، وَأنْ يُوَحَّدَ اللهُ لاَ يُشْرَكَ بِهِ شَيء ... )) وَذَكَرَ تَمَامَ الحَدِيث . والله أعلم .
22- باب زيارة أهل الخير ومجالستهم وصحبتهم ومحبتهم
وطلب زيارتهم والدعاء منهم وزيارة المواضع الفاضلة
__________
(1) - أخرجه: ابن ماجه ( 2098 ) ، والترمذي ( 1900 ) وقال: (( حديث صحيح )).
(2) - أخرجه : البخاري 3/241 ( 2699 ) ، والترمذي ( 1904 ) وقال : (( حديث صحيح )) .
(3) انظر الحديث ( 12 ) .
(4) انظر الحديث ( 259 ) .
(5) انظر الحديث ( 438 ) .(1/138)
قَالَ الله تَعَالَى : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً } إِلَى قوله تَعَالَى : { قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً ؟ } [ الكهف : 60 - 66 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } [ الكهف : 28 ] .
(1)- 209- وعن أنس - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ أَبُو بكر لِعُمَرَ رضي الله عنهما بَعْدَ وَفَاةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - : انْطَلِقْ بِنَا إِلَى أُمِّ أيْمَنَ رضي الله عنها نَزُورُهَا كَمَا كَانَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يَزُورُهَا ، فَلَمَّا انْتَهَيَا إِلَيْهَا ، بَكَتْ ، فَقَالاَ لَهَا : مَا يُبْكِيكِ ؟ أمَا تَعْلَمِينَ أنَّ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَتْ : مَا أبْكِي أَنْ لاَ أَكُونَ أَعْلَم أنَّ مَا عِنْدَ الله تَعَالَى خَيْرٌ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولَكِنْ أبكي أنَّ الوَحْيَ قدِ انْقَطَعَ مِنَ السَّماءِ ، فَهَيَّجَتْهُمَا عَلَى البُكَاءِ ، فَجَعَلا يَبْكِيَانِ مَعَهَا . رواه مسلم .
__________
(1) - أخرجه : مسلم 7/144 ( 2454 ) ( 103 ) .(1/139)
(1)- 210- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : (( أنَّ رَجُلاً زَارَ أَخَاً لَهُ في قَريَة أُخْرَى ، فَأرْصَدَ الله تَعَالَى عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكاً ، فَلَمَّا أتَى عَلَيهِ ، قَالَ : أيْنَ تُريدُ ؟ قَالَ : أُريدُ أخاً لي في هذِهِ القَريَةِ . قَالَ : هَلْ لَكَ عَلَيهِ مِنْ نِعْمَة تَرُبُّهَا عَلَيهِ ؟ قَالَ : لا ، غَيْرَ أنِّي أحْبَبْتُهُ في الله تَعَالَى ، قَالَ : فإنِّي رَسُول الله إلَيْكَ بَأنَّ الله قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أحْبَبْتَهُ فِيهِ )) رواه مسلم .
يقال : (( أرْصَدَهُ )) لِكَذَا : إِذَا وَكَّلَهُ بِحِفْظِهِ ، وَ(( المَدْرَجَةُ )) بِفْتْحِ الميمِ والرَّاءِ : الطَّرِيقُ ، ومعنى ( تَرُبُّهَا ) : تَقُومُ بِهَا ، وَتَسْعَى في صَلاحِهَا .
(2)- 211- وعنه ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ عَادَ مَرِيضاً أَوْ زَارَ أخاً لَهُ في الله ، نَادَاهُ مُنَادٍ : بِأنْ طِبْتَ ، وَطَابَ مَمْشَاكَ ، وَتَبَوَّأتَ مِنَ الجَنَّةِ مَنْزِلاً )) رواه الترمذي ، وَقالَ : (( حديث حسن )) ، وفي بعض النسخ : (( غريب )) .
(3)- 212- وعن أَبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( إِنَّمَا مَثلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ ، كَحَامِلِ المِسْكِ ، وَنَافِخِ الْكِيرِ ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ : إمَّا أنْ يُحْذِيَكَ ، وَإمَّا أنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ ، وَإمَّا أنْ تَجِدَ مِنْهُ ريحاً طَيِّبَةً ، وَنَافِخُ الكِيرِ : إمَّا أنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ ، وَإمَّا أنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحاً مُنْتِنَةً )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
( يُحْذِيكَ ) : يُعْطِيكَ .
__________
(1) - أخرجه : مسلم 8/12 ( 2567 ) ( 38 ) .
(2) - أخرجه: ابن ماجه ( 1443 )، والترمذي ( 2008 ).
(3) - أخرجه : البخاري 7/125 ( 5534 ) ، ومسلم 8/37 ( 2628 ) ( 146 ) .(1/140)
(1)- 213- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأَرْبَعٍ : لِمَالِهَا ، وَلِحَسَبِهَا ، وَلِجَمَالِهَا ، وَلِدِينِهَا ، فَاظْفَرْ بِذاتِ الدِّينِ تَربَتْ يَدَاك )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
ومعناه : أنَّ النَّاسَ يَقْصدونَ في العَادَة مِنَ المَرْأةِ هذِهِ الخِصَالَ الأرْبَعَ ، فَاحْرَصْ أنتَ عَلَى ذَاتِ الدِّينِ ، وَاظْفَرْ بِهَا ، وَاحْرِصْ عَلَى صُحْبَتِها .
(2)- 214- وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، قَالَ : قَالَ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - لِجبريل : (( مَا يَمْنَعُكَ أنْ تَزُورنَا أكثَر مِمَّا تَزُورَنَا ؟ )) فَنَزَلَتْ : { وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ } [ مريم : 64 ] رواه البخاري .
(3)- 215- وعن أَبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( لا تُصَاحِبْ إلاَّ مُؤْمِناً ، وَلاَ يَأْكُلْ طَعَامَكَ إلاَّ تَقِيٌّ )) . رواه أَبُو داود والترمذي بإسناد لا بأس بِهِ .
(4)- 216- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : أن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ ، فَليَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ )) رواه أَبُو داود والترمذي بإسناد صحيح ، وَقالَ الترمذي : (( حديث حسن)) .
(5)- 217- وعن أَبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - : أن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 7/9 ( 5090 ) ، ومسلم 4/175 ( 1466 ) ( 53 ) .
(2) - أخرجه : البخاري 4/137 ( 3218 ) .
(3) - أخرجه: أبو داود ( 4832 ) ، والترمذي ( 2395 ).
(4) - أخرجه : أبو داود ( 4833 ) ، والترمذي ( 2378 ) .
(5) - أخرجه : البخاري 8/49 ( 6170 ) ، ومسلم 8/43 ( 2641 ) .(1/141)
وفي رواية : قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - : الرَّجُلُ يُحبُّ القَومَ وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ ؟ قَالَ : (( المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ )) .
(1)- 218- وعن أنس - رضي الله عنه - : أنَّ أعرابياً قَالَ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : مَتَى السَّاعَةُ ؟ قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَا أعْدَدْتَ لَهَا ؟ )) قَالَ : حُبَّ الله ورسولهِ ، قَالَ : (( أنْتَ مَعَ مَنْ أحْبَبْتَ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، وهذا لفظ مسلم .
وفي رواية لهما : مَا أعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثيرِ صَوْمٍ ، وَلاَ صَلاَةٍ ، وَلاَ صَدَقَةٍ ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ .
(2)- 219- وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، قَالَ : جاء رجلٌ إلى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : يَا رَسُول الله ، كَيْفَ تَقُولُ في رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْماً وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ ؟ فَقَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( المَرْءُ مَعَ مَنْ أحَبَّ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(3)- 220- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( النَّاسُ مَعَادِنٌ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ ، خِيَارُهُمْ في الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ في الإسْلاَمِ إِذَا فَقهُوا ، وَالأرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ ، ومَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ )) رواه مسلم .
وروى البخاري قوله: (( الأَرْوَاحُ … )) إلخ مِنْ رواية عائشة رضي الله عنها .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 5/14 ( 3688 ) و8/49 ( 6171 ) ، ومسلم 8/42 ( 2639 ) ( 161 ) و( 164 ) .
(2) - أخرجه : البخاري 8/49 ( 6169 ) ، ومسلم 8/43 ( 2640 ) ( 165 ) .
(3) - أخرجه : مسلم 8/41 ( 2638 ) ( 160 ) .
وأخرج : البخاري 4/162 ( 3336 ) اللفظة الثانية من رواية عائشة (( رضي الله عنها )) معلقاً .(1/142)
(1)- 221- وعن أُسَيْر بن عمرو ، ويقال : ابن جابر وَهُوَ - بضم الهمزة وفتح السين المهملة - قَالَ : كَانَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - إِذَا أتَى عَلَيهِ أمْدَادُ أهْلِ اليَمَنِ سَألَهُمْ : أفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ ؟ حَتَّى أتَى عَلَى أُوَيْسٍ - رضي الله عنه - ، فَقَالَ لَهُ : أنْتَ أُوَيْسُ ابْنُ عَامِر ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ ، فَبَرَأْتَ مِنْهُ إلاَّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : لَكَ وَالِدةٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : سَمِعْتُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( يَأتِي عَلَيْكُمْ أُويْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أمْدَادِ أهْلِ اليَمَنِ مِنْ مُرَادٍ ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ كَانَ بِهِ بَرَصٌ ، فَبَرَأَ مِنْهُ إلاَّ موْضِعَ دِرْهَمٍ ، لَهُ وَالدةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ لَوْ أقْسَمَ عَلَى الله لأَبَرَّهُ ، فإنِ اسْتَطَعْتَ أنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَل )) فَاسْتَغْفِرْ لي فَاسْتَغْفَرَ لَهُ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : أيْنَ تُريدُ ؟ قَالَ : الكُوفَةَ ، قَالَ : ألاَ أكْتُبُ لَكَ إِلَى عَامِلِهَا ؟ قَالَ : أكُونُ في غَبْرَاءِ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيَّ ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ العَامِ المُقْبِلِ حَجَّ رَجُلٌ مِنْ أشْرَافِهِمْ ، فَوافَقَ عُمَرَ ، فَسَألَهُ عَنْ أُوَيْسٍ ، فَقَالَ : تَرَكْتُهُ رَثَّ(2) البَيْتِ قَليلَ المَتَاع ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقولُ : (( يَأتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أمْدَادٍ مِنْ أهْلِ اليَمَنِ مِنْ مُرَادٍ ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ
__________
(1) - أخرجه : مسلم 7/188 ( 2542 ) ( 223 ) و189 ( 2542 ) ( 224 ) و( 225 ) .
(2) قال النووي في شرح صحيح مسلم 8/275 ( 2542 ): (( أي حقارة المتاع وضيق العيش )).(1/143)
مِنْهُ إلاَّ مَوضِعَ دِرْهَمٍ ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ لَوْ أقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ ، فَإنِ اسْتَطْعتَ أنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ ، فَافْعَلْ )) فَأتَى أُوَيْساً ، فَقَالَ : اسْتَغْفِرْ لِي . قَالَ : أنْتَ أحْدَثُ عَهْداً بسَفَرٍ صَالِحٍ ، فَاسْتَغْفِرْ لي . قَالَ : لَقِيتَ عُمَرَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فاسْتَغْفَرَ لَهُ ، فَفَطِنَ لَهُ النَّاسُ ، فَانْطَلَقَ عَلَى وَجْهِهِ. رواه مسلم .
وفي رواية لمسلم أيضاً عن أُسَيْر بن جابر - رضي الله عنه - : أنَّ أهْلَ الكُوفَةِ وَفَدُوا عَلَى عُمَرَ - رضي الله عنه - ، وَفِيهمْ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ يَسْخَرُ بِأُوَيْسٍ ، فَقَالَ عُمَرُ : هَلْ هاهُنَا أَحَدٌ مِنَ القَرَنِيِّينَ ؟ فَجَاءَ ذلِكَ الرَّجُلُ ، فَقَالَ عمرُ : إنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - قَدْ قَالَ : (( إنَّ رَجُلاً يَأتِيكُمْ مِنَ اليَمَنِ يُقَالُ لَهُ : أُوَيْسٌ، لاَ يَدَعُ باليَمَنِ غَيْرَ أُمٍّ لَهُ ، قَدْ كَانَ بِهِ بَيَاضٌ فَدَعَا الله تَعَالَى ، فَأذْهَبَهُ إلاَّ مَوضِعَ الدِّينَارِ أَو الدِّرْهَمِ ، فَمَنْ لَقِيَهُ مِنْكُمْ ، فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ )) .
وفي رواية لَهُ : عن عمر - رضي الله عنه - ، قَالَ : إنِّي سَمِعْتُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول :
(( إنَّ خَيْرَ التَّابِعِينَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ : أُوَيْسٌ ، وَلَهُ وَالِدَةٌ وَكَانَ بِهِ بَيَاضٌ ، فَمُرُوهُ ، فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ)) .
قوله : (( غَبْرَاءِ النَّاسِ )) بفتح الغين المعجمة ، وإسكان الباءِ وبالمد : وهم فُقَرَاؤُهُمْ وَصَعَالِيكُهُمْ وَمَنْ لا يُعْرَفُ عَيْنُهُ مِنْ أخلاطِهِمْ (( وَالأَمْدَادُ )) جَمْعُ مَدَدٍ : وَهُمُ الأَعْوَانُ وَالنَّاصِرُونَ الَّذِينَ كَانُوا يُمدُّونَ المُسْلِمِينَ في الجهَاد .(1/144)
(1)- 222- وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، قَالَ : كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يزور قُبَاءَ رَاكِباً وَمَاشِياً ، فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وفي رواية : كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَأتي مَسْجِد قُبَاءَ كُلَّ سَبْتٍ رَاكباً ، وَمَاشِياً وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ.
23- باب فضل الحب في الله والحث عَلَيهِ
وإعلام الرجل من يحبه ، أنه يحبه ، وماذا يقول لَهُ إِذَا أعلمه
قَالَ الله تَعَالَى : { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ } [الفتح : 29 ] إِلَى آخر السورة ، وَقالَ تَعَالَى : { وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ } [ الحشر : 9 ] .
(2)- 223- وعن أنسٍ - رضي الله عنه - ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاوَةَ الإيمانِ : أنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سَوَاهُمَا ، وَأنْ يُحِبّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إلاَّ للهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ بَعْدَ أنْ أنْقَذَهُ الله مِنْهُ ، كَمَا يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 2/77 ( 1193 ) و( 1194 ) ، ومسلم 4/127 ( 1399 ) ( 516) و( 521 ) .
(2) - أخرجه : البخاري 1/10 ( 16 ) ، ومسلم 1/48 ( 43 ) ( 67 ) .(1/145)
(1)- 224- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إلاَّ ظِلُّهُ : إمَامٌ عَادِلٌ ، وَشَابٌّ نَشَأ في عِبَادَةِ الله - عز وجل - ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالمَسَاجِدِ ، وَرَجُلاَنِ تَحَابّا في اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيهِ وتَفَرَّقَا عَلَيهِ ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأةٌ ذَاتُ حُسْنٍ وَجَمَالٍ ، فَقَالَ : إنِّي أخَافُ الله ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ ، فَأخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ الله خَالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(2)- 225- وعنه ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إنّ الله تَعَالَى يقول يَوْمَ القِيَامَةِ : أيْنَ المُتَحَابُّونَ بِجَلالِي ؟ اليَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لاَ ظِلَّ إلاَّ ظِلِّي )) رواه مسلم .
(3)- 226- وعنه ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لا تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا ، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا ، أوَلاَ أدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ ؟ أفْشُوا السَّلامَ بينكم )) رواه مسلم .
(4)- 227- وعنه ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - : (( أنَّ رَجُلاً زَارَ أخاً لَهُ في قَرْيَةٍ أخْرَى ، فَأرصَدَ اللهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكاً … )) وذكر الحديث إِلَى قوله : (( إنَّ الله قَدْ أحبَّكَ كَمَا أحْبَبْتَهُ فِيهِ )) رواه مسلم ، وقد سبق بالباب قبله .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 2/138 ( 1423 ) ، ومسلم 3/93 ( 1031 ) ( 91 ) .
(2) - أخرجه : مسلم 8/12 ( 2566 ) ( 37 ) .
(3) - أخرجه : مسلم 1/53 ( 54 ) ( 94 ) .
(4) - انظر الحديث ( 361 ) .(1/146)
(1)- 228- وعن البرَاءِ بن عازب رضي الله عنهما ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ قَالَ في الأنصار : (( لاَ يُحِبُّهُمْ إلاَّ مُؤمِنٌ ، وَلاَ يُبْغِضُهُمْ إلاَّ مُنَافِقٌ ، مَنْ أحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ الله ، وَمَنْ أبْغَضَهُمْ أبْغَضَهُ الله )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(2)- 229- وعن معاذ - رضي الله عنه - ، قَالَ : سَمِعْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( قَالَ الله - عز وجل - : المُتَحَابُّونَ في جَلالِي ، لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمُ(3) النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ )) . رواه الترمذي ، وَقالَ: (( حديث حسن صحيح )) .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 5/39 ( 3783 ) ، ومسلم 1/60 ( 75 ) ( 129 ) .
(2) - أخرجه : الترمذي ( 2390 ) .
(3) أي تمني مثل ما للغير من الخير من غير زواله عن صاحبه . دليل الفالحين 3/335 .(1/147)
(1)- 230- وعن أَبي إدريس الخولاني رحمه الله ، قَالَ :دخَلْتُ مَسْجِدَ دِمَشْقَ ، فَإذَا فَتَىً بَرَّاق الثَّنَايَا(2) وَإِذَا النَّاسُ مَعَهُ ، فَإِذَا اخْتَلَفُوا في شَيْءٍ ، أَسْنَدُوهُ إِلَيْه ، وَصَدَرُوا عَنْ رَأيِهِ ، فَسَأَلْتُ عَنْهُ ، فَقيلَ : هَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَل - رضي الله عنه - . فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ ، هَجَّرْتُ ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي بالتَّهْجِيرِ ، ووَجَدْتُهُ يُصَلِّي ، فانْتَظَرتُهُ حَتَّى قَضَى صَلاتَهُ ، ثُمَّ جِئْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيهِ ، ثُمَّ قُلْتُ: وَاللهِ إنّي لأَحِبُّكَ لِله ، فَقَالَ : آلله ؟ فَقُلْتُ : اللهِ ، فَقَالَ : آللهِ ؟ فَقُلْتُ : اللهِ ، فَأخَذَنِي بِحَبْوَةِ رِدَائِي ، فجبذني إِلَيْهِ ، فَقَالَ : أبْشِرْ ! فإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( قَالَ الله تَعَالَى : وَجَبَتْ مَحَبَّتي لِلْمُتَحابين فيَّ ، وَالمُتَجَالِسينَ فيَّ ، وَالمُتَزَاوِرِينَ فيَّ ، وَالمُتَبَاذِلِينَ(3) فِيَّ )) حديث صحيح رواه مالك في الموطأ بإسناده الصحيح .
قوله : (( هَجَّرْتُ )) أيْ بَكَّرْتُ ، وَهُوَ بتشديد الجيم قوله : (( آلله فَقُلْت : الله )) الأول بهمزة ممدودة للاستفهام ، والثاني بلا مد .
__________
(1) - أخرجه : مالك في " الموطأ " ( 2744 ) برواية الليثي .
(2) أي وصف ثناياه بالحسن والصفاء وأنها تلمع إذا تبسّم كالبرق وأراد صفة وجهه بالبشر والطلاقة . النهاية 1/120 .
(3) أي الذين يبذلون أنفسهم في مرضاتي . دليل الفالحين 3/338 .(1/148)
(1)- 231- وعن أَبي كَرِيمَةَ المقداد(2) بن معد يكرب - رضي الله عنه - ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( إِذَا أَحَبَّ الرَّجُلُ أخَاهُ ، فَليُخْبِرْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ )) رواه أَبُو داود والترمذي ، وَقالَ : (( حديث صحيح )) .
(3)- 232- وعن معاذ - رضي الله عنه - : أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيدهِ ، وَقالَ : (( يَا مُعَاذُ ، وَاللهِ ، إنِّي لأُحِبُّكَ ، ثُمَّ أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لاَ تَدَعَنَّ في دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ تَقُولُ : اللَّهُمَّ أعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ ، وَشُكْرِكَ ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ )) حديث صحيح ، رواه أَبُو داود والنسائي بإسناد صحيح .
(4)- 233- وعن أنس - رضي الله عنه - : أنَّ رَجُلاً كَانَ عِنْدَ النَّبيِّ ، - صلى الله عليه وسلم - ، فَمَرَّ رَجُلٌ بِهِ ، فَقَالَ : يَا رَسُول الله ، أنِّي لأُحِبُّ هَذَا ، فَقَالَ لَهُ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - : (( أأعْلَمْتَهُ ؟ )) قَالَ : لا . قَالَ : (( أعْلِمْهُ )) فَلَحِقَهُ ، فَقَالَ : إنِّي أُحِبُّكَ في الله ، فَقَالَ : أَحَبَّكَ الَّذِي أحْبَبْتَنِي لَهُ . رواه أَبُو داود بإسناد صحيح .
24- باب الخوف
__________
(1) - أخرجه : أبو داود ( 5124 ) ، والترمذي ( 2392 ) ، والنسائي في " الكبرى " ( 10034 ).
(2) الصواب : (( المقدام )) كما في مصادر التخريج وتحفة الأشراف 8/212 ( 11552 ) ، وتهذيب الكمال 7/215 ( 6759 ) ، وكما سيأتي في الحديث ( 515 ) و( 542 ) .
(3) - أخرجه : أبو داود ( 1522 ) ، والنسائي 3/53 .
(4) - أخرجه : أبو داود ( 5125 ) ، والنسائي في " الكبرى " ( 10010 ) .(1/149)
قَالَ الله تَعَالَى : { وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } [ البقرة : 40 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ } [ البروج : 12 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَعْدُودٍ يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ } [ هود : 102-106 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ } [ آل عمران : 28 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } [ عبس : 34-37 ] ، وَقالَ تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ } [ الحج : 1-2 ]، وَقالَ تَعَالَى : { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } [الرحمان : 46] ، وَقالَ تَعَالَى : { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ ، فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ } [ الطور : 25-28 ] وَالآيات في الباب كثيرة جداً معلومات والغرض الإشارة إِلَى بعضها وقد حصل :(1/150)
وأما الأحاديث فكثيرة جداً فنذكر مِنْهَا طرفاً وبالله التوفيق :
(1)- 234- عن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، قَالَ : حدثنا رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ الصادق المصدوق : (( إنَّ أحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أربَعِينَ يَوماً نُطْفَةً ، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذلِكَ ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذلِكَ ، ثُمَّ يُرْسَلُ المَلَكُ ، فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ ، وَيُؤْمَرُ بِأرْبَعِ كَلِمَاتٍ : بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ . فَوَالَّذِي لا إلهَ غَيْرُهُ إنَّ أحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وبيْنَهَا إلاَّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيهِ الكِتَابُ ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ النَّارِ فَيدْخُلُهَا ، وَإنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلاَّ ذراعٌ ، فَيَسْبِقُ عَلَيهِ الكِتَابُ فَيعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(2)- 235- وعنه ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( يُؤتَى بِجَهَنَّمَ يَومَئذٍ لَهَا سَبْعُونَ ألفَ زِمَامٍ ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبعُونَ ألْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا )) رواه مسلم .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 9/165 ( 7454 ) ، ومسلم 8/44 ( 2643 ) ( 1 ) .
(2) - أخرجه : مسلم 8/149 ( 2842 ) ( 29 ) .(1/151)
(1)- 236- وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( إنَّ أهْوَنَ أهْلِ النَّارِ عَذَاباً يَوْمَ القِيَامَةِ لَرَجُلٌ يوضعُ في أخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ. مَا يَرَى أنَّ أَحَداً أشَدُّ مِنْهُ عَذَاباً ، وَأنَّهُ لأَهْوَنُهُمْ عَذَاباً )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(2)- 237- وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - : أنَّ نبيَّ الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( مِنْهُمْ مَنْ تَأخُذُهُ النَّارُ إِلَى كَعْبَيهِ ، وَمنْهُمْ مَنْ تَأخُذُهُ إِلَى رُكْبَتَيهِ ، وَمنْهُمْ مَنْ تَأخُذُهُ إِلَى حُجزَتِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأخُذُهُ إِلَى تَرْقُوَتِهِ )) رواه مسلم .
(( الحُجْزَةُ )) : مَعْقِدُ الإزار تَحْتَ السُّرَّةِ ، وَ(( التَّرْقُوَةُ )) بفتح التاءِ وضم القاف : هي العَظمُ الَّذِي عِنْدَ ثَغْرَةِ النَّحْرِ ، وَللإنْسَانِ تَرْقُوتَانِ في جَانبَي النَّحْرِ .
(3)- 238- وعن ابن عمر رضي الله عنهما : أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( يَقُومُ النَّاس لِرَبِّ العَالَمينَ حَتَّى يَغِيبَ أحَدُهُمْ في رَشْحِهِ إِلَى أنْصَافِ أُذُنَيهِ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وَ(( الرَّشْحُ )) : العَرَقُ .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 8/144 ( 6562 ) ، ومسلم 1/135 ( 213 ) ( 363 )و( 364 ) .
(2) - أخرجه : مسلم 8/150 ( 2845 ) ( 33 ) .
(3) - أخرجه : البخاري 6/207 ( 4938 ) ، ومسلم 8/157 ( 2862 ) ( 60 ) .(1/152)
(1)- 239- وعن أنس - رضي الله عنه - ، قَالَ : خطبنا رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبة مَا سَمِعْتُ مِثلها قطّ ، فَقَالَ : (( لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أعْلَمُ ، لَضحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيتُمْ كَثِيراً )) فَغَطَّى أصْحَابُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - وَجُوهَهُمْ ، وَلَهُمْ خَنَينٌ . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وفي رواية : بَلَغَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أَصْحَابِهِ شَيْءٌ فَخَطَبَ ، فَقَالَ : (( عُرِضَتْ عَلَيَّ الجَنَّةُ وَالنَّارُ ، فَلَمْ أرَ كَاليَومِ في الخَيرِ وَالشَّرِّ ، وَلَوْ تَعْلَمونَ مَا أعلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً )) فَمَا أتَى عَلَى أصْحَابِ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يَوْمٌ أَشَدُّ مِنْهُ ، غَطَّوْا رُؤُسَهُمْ وَلَهُمْ خَنِينٌ .
(( الخَنِينُ )) بالخاءِ المعجمة : هُوَ البُكَاءُ مَعَ غُنَّة وانتِشَاقِ الصَّوْتِ مِنَ الأنْفِ .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 6/68 ( 4621 ) ، ومسلم 7/92 ( 2359 ) ( 134 ) .(1/153)
(1)- 240- وعن المقداد - رضي الله عنه - ، قَالَ : سمِعْتُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنَ الخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ )) قَالَ سُلَيْم بنُ عامِر الراوي عن المقداد : فَوَاللهِ مَا أدْرِي مَا يعني بالمِيلِ ، أمَسَافَةَ الأرضِ أَمِ المِيلَ الَّذِي تُكْتَحَلُ بِهِ العَيْنُ ؟ قَالَ : (( فَيكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أعْمَالِهِمْ في العَرَقِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ ، ومنهم من يكون إِلَى ركبتيه ، ومنهم مَنْ يَكُونُ إِلَى حِقْوَيْهِ(2) ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ العَرَقُ إلْجَاماً )) . قَالَ : وَأَشَارَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدهِ إِلَى فِيهِ . رواه مسلم .
(3)- 241- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : أن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( يَعْرَقُ النَّاسُ يَومَ القِيَامَةِ حَتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ في الأرضِ سَبْعِينَ ذِراعاً ، وَيُلْجِمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
ومعنى (( يَذْهَبُ في الأرضِ )) : ينزل ويغوص .
(4)- 242- وعنه ، قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - إذْ سمع وجبة(5) ، فَقَالَ : (( هَلْ تَدْرُونَ مَا هَذَا ؟ )) قُلْنَا : الله وَرَسُولُهُ أعْلَمُ . قَالَ : (( هذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ في النَّارِ مُنْذُ سَبْعينَ خَريفاً ، فَهُوَ يَهْوِي في النَّارِ الآنَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَعْرِها فَسَمِعْتُمْ وَجْبَتَهَا )) رواه مسلم .
__________
(1) - أخرجه : مسلم 8/158 ( 2864 ) ( 62 ) .
(2) أي مَعقِد الإزار . النهاية 1/417 .
(3) - أخرجه : البخاري 8/138 ( 6532 ) ، ومسلم 8/158 ( 2863 ) ( 61 ) .
(4) - أخرجه : مسلم 8/150 ( 2844 ) .
(5) قال النووي في شرح صحيح مسلم 9/154 عقيب ( 2845 ) : (( معناها السّقطة )) .(1/154)
(1)- 243- وعن عدي بن حاتم - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلاَّ سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ ، فَيَنْظُرُ أيْمَنَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إلاَّ مَا قَدَّمَ ، وَيَنْظُرُ أشْأَمَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إلاَّ مَا قَدَّمَ ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلاَ يَرَى إلاَّ النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(2)- 244- وعن أَبي ذر - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ ، أطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أنْ تَئِطَّ ، مَا فِيهَا مَوضِعُ أرْبَع أصَابعَ إلاَّ وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِداً للهِ تَعَالَى. والله لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أعْلَمُ ، لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً ، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بالنِّساءِ عَلَى الفُرُشِ ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأرُونَ إِلَى اللهِ تَعَالَى )) رواه الترمذي ، وَقالَ : (( حديث حسن )) .
وَ(( أطَّت )) بفتح الهمزة وتشديد الطاءِ و(( تئط )) بفتح التاءِ وبعدها همزة مكسورة ، وَالأطيط : صوتُ الرَّحْلِ وَالقَتَبِ وَشِبْهِهِمَا ، ومعناه : أنَّ كَثرَةَ مَنْ في السَّماءِ مِنَ المَلائِكَةِ العَابِدِينَ قَدْ أثْقَلَتْهَا حَتَّى أطّتْ . وَ(( الصُّعُدات )) بضم الصاد والعين : الطُّرُقات : ومعنى : ((تَجأَرُون )) : تَستَغيثُونَ .
__________
(1) - انظر الحديث ( 139 ) .
(2) - أخرجه : ابن ماجه ( 4190 ) ، والترمذي ( 2312 ).(1/155)
(1)- 245- وعن أَبي برزة - براء ثُمَّ زاي - نَضْلَة بن عبيد الأسلمي - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَومَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أفنَاهُ ؟ وَعَنْ عِلمِهِ فِيمَ فَعَلَ فِيهِ ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أيْنَ اكْتَسَبَهُ ؟ وَفيمَ أنْفَقَهُ ؟ وَعَنْ جِسمِهِ فِيمَ أبلاهُ ؟ )) رواه الترمذي ، وَقالَ : (( حديث حسن صحيح )) .
(2)- 246- وعن أَبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( كَيْفَ أنْعَمُ ! وَصَاحِبُ القَرْنِ قَدِ التَقَمَ القَرْنَ ، وَاسْتَمَعَ الإذْنَ مَتَى يُؤمَرُ بالنَّفْخِ فَيَنْفُخُ )) فَكَأنَّ ذلِكَ ثَقُلَ عَلَى أصْحَابِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لَهُمْ : (( قُولُوا : حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الوَكِيلُ )) رواه الترمذي ، وَقالَ : (( حديث حسنٌ )) .
(( القَرْنُ )) : هُوَ الصُّورُ الَّذِي قَالَ الله تَعَالَى : { وَنُفِخَ في الصُّورِ } (3) كذا فسَّره رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - .
(4)- 247- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ خَافَ أدْلَجَ ، وَمَنْ أدْلَجَ بَلَغَ المَنْزِلَ . ألا إنَّ سِلْعَةَ اللهِ غَالِيَةٌ ، ألاَ إنَّ سِلْعَةَ الله الجَنَّةُ )) رواه الترمذي ، وَقالَ : (( حديث حسن )) .
وَ(( أدْلَجَ )) : بإسكان الدال ومعناه سار من أول الليلِ . والمراد التشمير في الطاعة ، والله أعلم .
__________
(1) - أخرجه : الترمذي ( 2417 ) .
(2) - أخرجه : الترمذي ( 2431 ) .
(3) الكهف : 99 .
(4) - أخرجه : الترمذي ( 2450 ) وقال : (( حديث حسن غريب )) .(1/156)
(1)- 248- وعن عائشة رضي الله عنها ، قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً )) قُلْتُ : يَا رَسُول الله ، الرِّجَالُ وَالنِّساءُ جَمِيعاً يَنْظُرُ بَعضُهُمْ إِلَى بَعْض ؟! قَالَ : (( يَا عائِشَةُ ، الأمرُ أشَدُّ مِنْ أنْ يُهِمَّهُمْ ذلِكَ )) .
وفي رواية : (( الأَمْرُ أهمُّ مِنْ أنْ يَنْظُرَ بَعضُهُمْ إِلَى بَعض )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(( غُرلاً )) بِضَمِّ الغَينِ المعجمة ، أيْ : غَيرَ مَختُونينَ .
25- باب فضل الرجاء
قَالَ الله تَعَالَى إخباراً عن العبدِ الصالِحِ : { وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلى اللهِ إنَّ اللهَ بَصِيرٌ بالعِبَادِ فَوَقَاهُ الله سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا } [ غافر : 44-45 ] .
(2)- 249- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أَنَّهُ قَالَ : (( قَالَ الله - عز وجل - : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ، وَأَنا معه حَيْثُ يَذْكُرنِي ، وَاللهِ ، للهُ أفْرَحُ بِتَوبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالَّتَهُ(3) بالفَلاَةِ ، وَمَنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ شِبْراً ، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعاً ، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعاً ، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعاً، وَإِذَا أقْبَلَ إِلَيَّ يَمْشِي أقْبَلْتُ إِلَيْهِ أُهَرْوِلُ )) متفقٌ عليه ، وهذا لفظ إحدى روايات مسلم . وتقدم شرحه في الباب قبله(4) .
ورُوِيَ في الصحيحين : (( وأنا معه حين يذكرني )) بالنون ، وفي هذه الرواية
(( حيث )) بالثاء وكلاهما صحيح .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 8/136 ( 6527 ) ، ومسلم 8/156 ( 2859 ) ( 56 ) .
(2) - أخرجه : البخاري 9/147 ( 7405 ) ، ومسلم 8/91 ( 2675 ) ( 1 ) .
(3) أي الضائعة من كل ما يُقتنى من الحيوان وغيره . النهاية 3/98 .
(4) انظر الحديث ( 413 ) عن أبي ذر .(1/157)
(1)- 250- وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبلَ مَوْتِه بثَلاثَةِ أيّام، يقولُ : (( لاَ يَمُوتَنّ أحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بالله - عز وجل - )) رواه مسلم .
(2)- 251- وعن أنس - رضي الله عنه - ، قَالَ : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( قَالَ الله تَعَالَى : يَا ابْنَ آدَمَ ، إنَّكَ ما دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلاَ أُبَالِي . يَا ابْنَ آدَمَ ، لَوْ بَلَغت ذُنُوبُك عَنَانَ السماءِ ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي . يَا ابْنَ آدَمَ ، إِنَّكَ لَوْ أتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايا ، ثُمَّ لَقَيْتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئاً ، لأَتَيْتُكَ بقُرَابِها مَغْفِرَةً )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .
(( عَنَانُ السَّماءِ )) بفتح العين ، قيل : هو مَا عَنَّ لَكَ مِنْهَا ، أيْ : ظَهَرَ إِذَا رَفَعْتَ رَأسَكَ ، وقيل : هو السَّحَابُ . وَ(( قُرابُ الأَرض )) بضم القاف ، وقيل : بكسرها ، والضم أصح وأشهر، وَهُوَ : مَا يقارب مِلأَهَا ، والله أعلم .
26- باب الجمع بين الخوف والرجاء
اعْلَمْ أنَّ المُخْتَارَ لِلْعَبْدِ في حَالِ صِحَّتِهِ أنْ يَكُونَ خَائفاً رَاجِياً ، وَيَكُونَ خَوْفُهُ وَرَجَاؤُهُ سَواءً، وفي حَالِ المَرَضِ يُمحَّضُ الرَّجاءُ ، وقواعِدُ الشَّرْع مِنْ نصُوصِ الكِتَابِ والسُّنَةِ وغَيْرِ ذَلِكَ مُتظاهِرَةٌ عَلَى ذلك .
__________
(1) - أخرجه : مسلم 8/165 ( 2877 ) ( 82 ) .
(2) - أخرجه : الترمذي ( 3540 ).(1/158)
قَالَ الله تَعَالَى : { فَلاَ يَأمَنُ مَكْرَ الله إِلاَّ القَوْمُ الخَاسِرونَ } [ الأعراف : 99 ] ، وقال تَعَالَى : { إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلاَّ القَوْمُ الكافِرُونَ } [ يوسف : 87 ] ،وقال تَعَالَى: { يَوْمَ تَبْيَضُّ وَجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } [ آل عمران: 106 ]، وقال تَعَالَى: { إنَّ رَبَكَ لَسَرِيعُ العِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } [ الأعراف : 166 ]، وقال تَعَالَى : { إنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } [ الانفطار : 13-14 ] ، وقال تَعَالَى : { فَأمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَأمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأمُّهُ هَاوِيَةٌ } [ القارعة : 6-9 ] والآيات في هذا المعنى كثيرةٌ . فَيَجْتَمعُ الخَوفُ والرجاءُ في آيَتَيْنِ مُقْتَرِنَتَيْنِ أَو آيات أَو آية .
(1)- 252- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤمِنُ مَا عِنْدَ الله مِنَ العُقُوبَةِ ، مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ ، وَلَوْ يَعْلَمُ الكَافِرُ مَا عِنْدَ الله مِنَ الرَّحْمَةِ ، مَا قَنَطَ مِنْ جَنَّتِهِ أحَدٌ)) رواه مسلم .
(2)- 253- وعن أَبي سعيد الخدرِيِّ - رضي الله عنه - : أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( إِذَا وُضِعَتِ الجنازةُ واحْتَمَلَهَا النَّاسُ أَوِ الرِّجَالُ عَلَى أعناقِهِمْ ، فَإنْ كَانَتْ صَالِحَةً ، قالتْ: قَدِّمُونِي قَدِّمُونِي ، وَإنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ ، قالتْ : يَا وَيْلَهَا ! أَيْنَ تَذْهَبُونَ بها ؟ يَسْمَعُ صَوْتَها كُلُّ شَيْءٍ إِلاَّ الإنْسانُ، وَلَوْ سَمِعَهُ صَعِقَ )) رواه البخاري .
__________
(1) - أخرجه : مسلم 8/97 ( 2755 ) ( 23 ) .
(2) - أخرجه : البخاري 2/124 ( 1380 ) .(1/159)
(1)- 254- وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( الجَنَّةُ أقْرَبُ إِلى أحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ ، وَالنَّارُ مِثْلُ ذلك )) رواه البخاري .
27 – باب فضل الزهد في الدنيا والحث عَلَى التقلل منها
وفضل الفقر
قَالَ الله تَعَالَى : { إِنَّمَا مَثَلُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ والأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيهَا أتَاهَا أمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [ يونس : 24 ] ، وقال تَعَالَى : { وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً المَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الحَياةِ الْدُّنْيَا وَالبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً } [ الكهف : 45-46 ] ، وقال تَعَالَى : { اعْلَمُوا أَنَّمَا الحَياةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ في الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أعْجَبَ الْكُفّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذابٌ شَديدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ الله ورِضْوَانٌ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ } [ الحديد : 20 ] ، وقال تَعَالَى : { زُيِّنَ لِلْنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالبَنِينَ وَالقَنَاطِيرِ المُقَنْطَرَةِ مِنَ
__________
(1) - انظر الحديث ( 105 ) .(1/160)
الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالْخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَياةِ الْدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ المآبِ } [ آل عمران : 14 ] ، وقال تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الحَياةُ الْدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الغَرُورُ } [ فاطر : 5 ] ، وقال تَعَالَى : { ألْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ المَقَابِرَ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ } [ التكاثر : 1-5 ] ، وقال تَعَالَى : { وَمَا هذِهِ الحَياةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } [ العنكبوت : 64 ] والآيات في الباب كثيرة مشهورة .
وأما الأحاديث فأكثر مِنْ أن تحصر فننبِّهُ بطرف منها عَلَى مَا سواه .(1/161)
(1)- 255- عن عمرو بن عوف الأنصاري - رضي الله عنه - : أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بَعَثَ أَبَا عبيدة بنَ الجَرَّاح - رضي الله عنه - إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأتِي بِجِزْيَتِهَا ، فَقَدِمَ بمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ ، فَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بقُدُومِ أَبي عُبيْدَةَ ، فَوَافَوْا صَلاَةَ الفَجْرِ مَعَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، فَلَمَّا صَلَّى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ، انْصَرفَ ، فَتَعَرَّضُوا لَهُ ، فَتَبَسَّمَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حِيْنَ رَآهُمْ ، ثُمَّ قَالَ: (( أظُنُّكُمْ سَمعتُمْ أنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَيْءٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ ؟ )) فقالوا : أجل ، يَا رسول الله، فقال : (( أبْشِرُوا وَأَمِّلْوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوالله مَا الفَقْرَ أخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلكِنِّي أخْشَى أنْ تُبْسَط الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا ، فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أهْلَكَتْهُمْ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(2)- 256- وعن أَبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، قَالَ : جلس رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْمِنْبَرِ ، وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ ، فقال : (( إنَّ ممَّا أخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(3)- 257- وعنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: (( إنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإنَّ الله تَعَالَى مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ )) رواه مسلم.
__________
(1) - أخرجه : البخاري 4/117 ( 3158 ) ، ومسلم 8/212 ( 2961 ) ( 6 ) .
(2) - أخرجه: البخاري 2/149 ( 1465 ) ، ومسلم 3/101 ( 1052 ) ( 123 ) .
(3) - انظر الحديث ( 70 ) .(1/162)
(1)- 258- وعن أنس - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ: (( اللَّهُمَّ لاَ عَيْشَ إِلاَّ عَيْشَ الآخِرَةِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(2)- 259- وعنه ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلاَثَةٌ : أهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ : فَيَرْجِعُ اثْنَانِ ، وَيَبْقَى وَاحِدٌ : يَرْجِعُ أهْلُهُ وَمَالُهُ وَيبْقَى عَمَلُهُ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(3)- 260- وعنه ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( يُؤْتَى بِأنْعَمِ أهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أهْلِ النَّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ ، فَيُصْبَغُ في النَّارِ صَبْغَةً(4) ، ثُمَّ يُقَالُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأيْتَ خَيْراً قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لاَ وَاللهِ يَا رَبِّ ، وَيُؤْتَى بِأشَدِّ النَّاسِ بُؤسَاً في الدُّنْيَا مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ ، فَيُصْبَغُ صَبْغَةً في الجَنَّةِ ، فَيُقَالُ لَهُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأيْتَ بُؤساً قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ ؟ فيَقُولُ : لاَ وَاللهِ ، مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ ، وَلاَ رَأيْتُ شِدَّةً قَطُّ )) رواه مسلم .
(5)- 261- وعن المُسْتَوْرِد بن شَدَّاد - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( مَا الدُّنْيَا في الآخِرَةِ إِلاَّ مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ أُصْبُعَهُ في اليَمِّ(6)، فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ ! )) رواه مسلم.
__________
(1) - أخرجه: البخاري 8/109 ( 6413 ) ، ومسلم 5/188 ( 1805 ) ( 127 ) .
(2) - انظر الحديث ( 104 ) .
(3) - أخرجه : مسلم 8/135 ( 2807 ) ( 55 ) .
(4) أي : يغمس كما يغمس الثوب في الصبغ . النهاية 3/10 .
(5) - أخرجه : مسلم 8/56 ( 2858 ) ( 55 ) .
(6) أي : البحر . النهاية 5/300 .(1/163)
(1)- 262- وعن جابر - رضي الله عنه - : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ بالسُّوقِ وَالنَّاسُ كَنَفَتَيْهِ ، فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ ، فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ ، ثُمَّ قَالَ : (( أَيُّكُم يُحِبُّ أنْ يَكُونَ هَذَا لَهُ بِدرْهَم ؟ )) فقالوا : مَا نُحِبُّ أنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ وَمَا نَصْنَعُ بِهِ ؟ ثُمَّ قَالَ : (( أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ ؟ )) قَالُوا : وَاللهِ لَوْ كَانَ حَيّاً كَانَ عَيْباً ، إنَّهُ أسَكُّ فَكَيْفَ وَهُوَ ميِّتٌ ! فقال : (( فوَاللهِ للدُّنْيَا أهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ )) رواه مسلم .
قوله : (( كَنَفَتَيْهِ )) أيْ : عن جانبيه . وَ(( الأَسَكُّ )) : الصغير الأذُن .
__________
(1) - أخرجه : مسلم 8/210 ( 2957 ) ( 2 ) .(1/164)
(1)- 263- وعن أَبي ذر - رضي الله عنه - ، قَالَ : كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - في حَرَّةٍ(2) بِالمَدِينَةِ ، فَاسْتَقْبَلَنَا أُحُدٌ ، فقال : (( يَا أَبَا ذَرٍّ )) قلت : لَبَّيْكَ يَا رسولَ الله . فقال : (( مَا يَسُرُّنِي أنَّ عِنْدِي مِثْلَ أُحُدٍ هَذَا ذَهَباً تَمْضي عَلَيَّ ثَلاَثَةُ أيّامٍ وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ ، إِلاَّ شَيْءٌ أرْصُدُهُ لِدَيْنٍ ، إِلاَّ أنْ أقُولَ بِهِ في عِبَادِ الله هكذا وَهَكَذَا وَهكَذَا )) عن يَمِينِهِ وعن شِمَالِهِ وَمِنْ خَلْفِهِ ، ثُمَّ سَارَ ، فقال : (( إنَّ الأَكْثَرينَ هُمُ الأَقَلُّونَ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلاَّ مَنْ قَالَ بالمَالِ هكَذَا وَهكَذَا وَهكَذَا )) عن يمينِهِ وعن شِمَالِهِ وِمنْ خَلْفِهِ (( وَقَلِيلٌ مَاهُمُ )) . ثُمَّ قَالَ لي : (( مَكَانَكَ لاَ تَبْرَحْ حَتَّى آتِيكَ )) ثُمَّ انْطَلَقَ في سَوادِ اللَّيْلِ حَتَّى تَوَارَى ، فَسَمِعْتُ صَوتاً ، قَدِ ارْتَفَع ، فَتَخَوَّفْتُ أنْ يَكُونَ أحَدٌ عَرَضَ للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَأرَدْتُ أنْ آتِيهِ فَذَكَرتُ قَوْله : (( لا تَبْرَحْ حَتَّى آتِيَكَ )) فلم أبْرَحْ حَتَّى أتَاني ، فَقُلْتُ : لَقَدْ سَمِعْتُ صَوتاً تَخَوَّفْتُ مِنْهُ ، فَذَكَرْتُ لَهُ ، فقال : (( وَهَلْ سَمِعْتَهُ ؟ )) قلت : نَعَمْ ، قَالَ : (( ذَاكَ جِبريلُ أتَانِي . فقال : مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لاَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً دَخَلَ الْجَنَّةَ )) ، قلت : وَإنْ زَنَى وَإنْ سَرَقَ ؟ قَالَ : (( وَإنْ زَنَى وَإنْ سَرَقَ )) متفقٌ عَلَيْهِ ، وهذا لفظ البخاري .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 8/74 ( 6268 ) ، ومسلم 3/75 ( 94 ) ( 32 ) .
(2) الحرّة : كل أرض ذات حجارة سود . مراصد الاطلاع 1/394 .(1/165)
(1)- 264- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَباً ، لَسَرَّنِي أنْ لاَ تَمُرَّ عَلَيَّ ثَلاَثُ لَيالٍ وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ إِلاَّ شَيْءٌ أرْصُدُهُ لِدَيْنٍ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(2)- 265- وعنه ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أسْفَلَ مِنْكُمْ وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ ؛ فَهُوَ أجْدَرُ أنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ )) متفقٌ عَلَيْهِ ، وهذا لفظ مسلم .
وفي رواية البخاري : (( إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ في المَالِ وَالخَلْقِ ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أسْفَل مِنْهُ )) .
(3)- 266- وعنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ ، وَالدِّرْهَمِ ، وَالقَطِيفَةِ(4) ، وَالخَمِيصَةِ ، إنْ أُعْطِيَ رَضِيَ ، وَإنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ )) رواه البخاري .
(5)- 267- وعنه - رضي الله عنه - ، قَالَ : لَقَدْ رَأيْتُ سَبعِينَ مِنْ أهْلِ الصُّفَّةِ ، مَا منهُمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ رِدَاءٌ : إمَّا إزارٌ ، وَإمَّا كِسَاءٌ ، قَدْ رَبَطُوا في أعنَاقِهِمْ ، فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ نِصْفَ السَّاقَيْن ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الكَعْبَيْنِ، فَيَجْمَعُهُ بِيَدِهِ كَراهِيَةَ أنْ تُرَى عَوْرَتُهُ . رواه البخاري .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 8/118 ( 6445 ) ، ومسلم 3/74 ( 991 ) ( 31 ) .
(2) - أخرجه: البخاري 8/128 ( 6490 )، ومسلم 8/213 ( 2963 ) ( 8 ) و( 9 ).
(3) - أخرجه : البخاري 8/114 ( 6435 ) .
(4) القطيفة : كساء له خمل ، والخميصة : ثوب خز أو صوف مُعلَم . النهاية 2/81 و4/84 .
(5) - أخرجه : البخاري 1/120 ( 442 ) .(1/166)
(1)- 268- وعنه ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ ، وَجَنَّةُ الكَافِرِ )) رواه مسلم .
(2)- 269- وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، قَالَ : أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بِمَنْكِبَيَّ ، فقال : (( كُنْ في الدُّنْيَا كَأنَّكَ غَرِيبٌ ، أَو عَابِرُ سَبيلٍ )) .
وَكَانَ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما ، يقول : إِذَا أمْسَيتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ المَسَاءَ ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ . رواه البخاري .
قالوا في شَرْحِ هَذَا الحديث معناه : لاَ تَرْكَنْ إِلَى الدُّنْيَا وَلاَ تَتَّخِذْهَا وَطَناً ، وَلاَ تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِطُولِ البَقَاءِ فِيهَا ، وَلاَ بِالاعْتِنَاءِ بِهَا ، وَلاَ تَتَعَلَّقْ مِنْهَا إِلاَّ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْغَريبُ في غَيْرِ وَطَنِهِ، وَلاَ تَشْتَغِلْ فِيهَا بِمَا لاَ يَشْتَغِلُ بِهِ الغَرِيبُ الَّذِي يُريدُ الذَّهَابَ إِلَى أهْلِهِ ، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ .
(3)- 270- وعن أَبي العباس سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : يَا رسولَ الله ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ أحَبَّنِي اللهُ وَأحَبَّنِي النَّاسُ ، فقال : (( ازْهَدْ في الدُّنْيَا يُحِبّك اللهُ ، وَازْهَدْ فِيمَا عِنْدَ النَّاسِ يُحِبّك النَّاسُ )) حديث حسن رواه ابن ماجه وغيره بأسانيد حسنة .
__________
(1) - أخرجه : مسلم 8/210 ( 2956 ) ( 1 ) .
(2) - أخرجه : البخاري 8/110 ( 6416 ) .
(3) - أخرجه : ابن ماجه ( 4102 ) ، والحاكم 4/313 .(1/167)
(1)- 271- وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما ، قَالَ : ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - ، مَا أَصَابَ النَّاسُ مِنَ الدُّنْيَا ، فَقَالَ : لَقَدْ رَأيْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَظَلُّ الْيَوْمَ يَلْتَوِي مَا يَجِدُ مِنَ الدَّقَلِ مَا يَمْلأ بِهِ بَطْنَهُ . رواه مسلم .
(( الدَّقَلُ )) بفتح الدَّال المهملة والقاف : رديءُ التمرِ .
(2)- 272- وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : تُوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وَمَا في بَيْتِي مِنْ شَيْءٍ يَأكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلاَّ شَطْرُ شَعِيرٍ في رَفٍّ لي ، فَأكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ ، فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ . متفقٌ عَلَيْهِ.
قولها : (( شَطْرُ شَعير )) أيْ : شَيْءٌ مِنْ شَعير ، ، كَذَا فَسَّرَهُ التُرْمذيُّ (3).
(4)- 273- وعن عمرو بن الحارث أخي جُوَيْرِيّة بنتِ الحارِث أُمِّ المُؤْمِنِينَ ، رضي الله عنهما ، قَالَ : مَا تَرَكَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ مَوْتِهِ دِيناراً ، وَلاَ دِرْهَماً ، وَلاَ عَبْداً ، وَلاَ أَمَةً ، وَلاَ شَيْئاً إِلاَّ بَغْلَتَهُ الْبَيضَاءَ الَّتي كَانَ يَرْكَبُهَا ، وَسِلاَحَهُ ، وَأرْضاً جَعَلَهَا لاِبْنِ السَّبِيلِ صَدَقَةً . رواه البخاري .
__________
(1) - أخرجه : مسلم 8/220 ( 2978 ) ( 36 ) .
(2) - أخرجه : البخاري 8/119 ( 6451 ) ، ومسلم 8/218 ( 2973 ) ( 27 ) .
(3) في " جامعه " ( 2467 ) .
(4) - أخرجه : البخاري 4/2 ( 2739 ) .(1/168)
(1)- 274- وعن خَبابِ بن الأَرَتِّ - رضي الله عنه - ، قَالَ : هَاجَرْنَا مَعَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نَلْتَمِسُ وَجْهَ اللهِ تَعَالَى ، فَوَقَعَ أجْرُنَا عَلَى اللهِ ، فَمِنَّا مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَأكُل منْ أجْرِهِ شَيْئاً ، مِنْهُمْ : مُصْعَبُ بن عُمَيْرٍ - رضي الله عنه - ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُد ، وَتَرَكَ نَمِرَةً ، فَكُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ ، بَدَتْ رِجْلاَهُ ، وَإِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رِجْلَيْهِ ، بَدَا رَأسُهُ ، فَأمَرَنَا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أنْ نُغَطِّي رَأسَهُ ، وَنَجْعَل عَلَى رِجْلَيْهِ شَيْئاً مِنَ الإذْخِرِ(2) ، وَمِنَّا مَنْ أيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ ، فَهُوَ يَهْدِبُهَا . متفقٌ عَلَيْهِ .
(( النَّمِرَةُ )) : كِساءٌ مُلَوَّنٌ مِنْ صوف . وَقَوْلُه : (( أيْنَعَتْ )) أيْ : نَضِجَتْ وَأَدْرَكَتْ . وَقَوْلُه : (( يَهْدِبها )) هُوَ بفتح الياءِ وضم الدال وكسرها لغتان : أيْ : يَقْطُفهَا وَيَجْتَنِيهَا ، وهذه استعارة لما فتح الله تَعَالَى عليهم من الدنيا وتمكنوا فِيهَا .
(3)- 275- وعن سهلِ بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لَوْ كَانَت الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ الله جَنَاحَ بَعُوضَةٍ ، مَا سَقَى كَافِراً مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ )) رواه الترمذي ، وقال : ((حديث حسن صحيح )) .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 8/71 ( 3897 ) ، ومسلم 3/48 ( 940 ) ( 44 ) .
(2) قال النووي في شرح صحيح مسلم 4/25 ( 941 ): (( وهو حشيش معروف طيب الرائحة )).
(3) - أخرجه : ابن ماجه ( 4110 ) ، والترمذي ( 2320 ).(1/169)
(1)- 276- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : سَمِعْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( أَلاَ إنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا ، إِلاَّ ذِكْرَ اللهِ تَعَالَى ، وَمَا وَالاهُ ، وَعالِماً وَمُتَعَلِّماً )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسنٌ )) .
(2)- 277- وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لاَ تَتَّخِذُوا الضَّيْعَةَ(3) فَتَرْغَبُوا في الدُّنْيَا )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديثٌ حسنٌ )) .
(4)- 278- وعن عبدِ الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، قَالَ : مَرَّ عَلَيْنَا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَنَحْنُ نعالِجُ خُصّاً(5) لَنَا ، فَقَالَ : (( مَا هَذَا ؟ )) فَقُلْنَا : قَدْ وَهَى ، فَنَحَنُ نُصْلِحُهُ ، فَقَالَ : (( مَا أرَى الأَمْرَ إِلاَّ أعْجَلَ مِنْ ذَلِكَ )) .
رواه أَبو داود والترمذي بإسناد البخاري ومسلم ، وقال الترمذي : (( حديثٌ حسنٌ صحيحٌ )) .
(6)- 279- وعن كعب بن عياض - رضي الله عنه - ، قَالَ : سَمِعْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( إنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً ، وفِتْنَةُ أُمَّتِي : المَالُ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديثٌ حسنٌ صحيحٌ )) .
__________
(1) - أخرجه : ابن ماجه ( 4112 ) ، والترمذي ( 2322 ).
(2) - أخرجه : الترمذي ( 2328 ) .
(3) أي : الصنعة والتجارة والزراعة وغير ذلك . النهاية 3/108 .
(4) - أخرجه : أبو داود ( 5236 ) ، وابن ماجه ( 4160 ) ، والترمذي ( 2335 ) .
(5) أي : بيتاً يُعمل من الخشب والقصب . النهاية 2/37 .
(6) - أخرجه : الترمذي ( 2336 ).(1/170)
(1)- 280- وعن عبدِ الله بن الشِّخِّيرِ - بكسر الشينِ والخاء المعجمتين - - رضي الله عنه - ، أنه قَالَ : أتَيْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَهُوَ يَقْرَأُ : { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ } قَالَ : (( يَقُولُ ابْنُ آدَمَ : مَالِي ، مالي ، وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلاَّ مَا أكَلْتَ فَأفْنَيْتَ ، أَو لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ ؟! )) رواه مسلم .
(2)- 281- وعن كعب بن مالك - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلا في غَنَمٍ بِأفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ المَرْءِ عَلَى المَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينهِ )) رواه الترمذي ، وقال : ((حديث حسن صحيح )) .
(3)- 282- وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، قَالَ : نَامَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى حَصيرٍ ، فَقَامَ وَقَدْ أثَّرَ في جَنْبِهِ ، قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ ، لَوْ اتَّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً . فَقَالَ : (( مَا لِي وَلِلدُّنْيَا ؟ مَا أَنَا في الدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .
(4)- 283- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( يدْخُلُ الفُقَرَاءُ الْجَنَّةَ قَبْلَ الأَغْنِيَاءِ بِخَمْسِمئَةِ عَامٍ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث صحيح )) .
(5)
__________
(1) - أخرجه : مسلم 8/211 ( 2958 ) ( 3 ) .
(2) - أخرجه: الترمذي ( 2376 )، والنسائي كما في " تحفة الأشراف " ( 11136 ) .
(3) - أخرجه : ابن ماجه ( 4109 ) ، والترمذي ( 2377 ) .
(4) - أخرجه : ابن ماجه ( 4122 ) ، والترمذي ( 2353 ) ، والنسائي في " الكبرى "
( 11348 ) وقال الترمذي : (( حديث حسن صحيح )) .
(5) - أخرجه : البخاري 4/142 ( 3241 ) عن عمران بن حصين .
وأخرجه : مسلم 8/88 ( 2737 ) ( 94 ) عن ابن عباس .
ورواه البخاري 8/119 عقيب ( 6449 ) عن ابن عباس معلقاً .(1/171)
- 284- وعن ابن عباس وعِمْرَانَ بن الحُصَيْنِ - رضي الله عنهم - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( اطَّلَعْتُ في الجَنَّةِ فَرَأيْتُ أكْثَرَ أهْلِهَا الفُقَرَاءَ ، وَاطَّلَعْتُ في النَّارِ فَرَأيْتُ أكْثَرَ أهْلِهَا النِّسَاءَ )) متفقٌ عَلَيْهِ من رواية ابن عباس ، ورواه البخاري أيضاً من رواية عِمْرَان بن الحُصَيْن .
(1)- 285- وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( قُمْتُ عَلَى بَابِ الجَنَّةِ ، فَكَانَ عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا المَسَاكِينُ ، وَأصْحَابُ الجَدِّ مَحبُوسُونَ ، غَيْرَ أنَّ أصْحَابِ النَّارِ قَدْ أُمِرَ بِهِم إِلَى النَّارِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
وَ(( الجَدُّ )) : الحَظُّ والغِنَى . وقد سبق بيان هَذَا الحديث في باب فَضْلِ الضَّعفَة.
(2)- 286- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( أصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا شَاعِرٌ كَلِمَةُ لَبِيدٍ(3) : ألاَ كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلاَ اللهَ بَاطِلُ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
28- باب الحث عَلَى الأكل من عمل يده
والتعفف به عن السؤال والتعرض للإعطاء
قَالَ الله تَعَالَى : { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا في الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ الله } [الجمعة : 10 ] .
__________
(1) - انظر الحديث ( 258 ) .
(2) - أخرجه : البخاري 5/53 ( 3841 ) ، ومسلم 7/49 ( 2256 ) ( 3 ) .
(3) هو لبيد بن ربيعة العامري ، وتمام البيت : وكل نعيم لا محالة زائل .(1/172)
(1)- 287- وعن أَبي عبد الله الزبير بن العَوَّام - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لأَنْ يَأخُذَ أحَدُكُمْ أحبُلَهُ ثُمَّ يَأتِيَ الجَبَلَ ، فَيَأْتِيَ بحُزمَةٍ مِنْ حَطَب عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا ، فَيكُفّ اللهُ بِهَا وَجْهَهُ ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أنْ يَسْألَ النَّاسَ ، أعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ )) رواه البخاري .
(2)- 288- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لأَنْ يَحْتَطِبَ أحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أنْ يَسْألَ أحداً ، فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(3)- 289- وعنه ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( كَانَ دَاوُدُ - عليه السلام - لا يَأكُلُ إِلاَّ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ )) رواه البخاري .
(4)- 290- وعنه : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( كَانَ زَكرِيّا - عليه السلام - نَجَّاراً )) رواه مسلم .
(5)- 291- وعن المقدام بنِ مَعْدِ يكرِبَ - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( مَا أكَلَ أَحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيْراً مِنْ أنْ يَأكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِه ، وَإنَّ نَبيَّ الله دَاوُدَ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَأكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ )) رواه البخاري .
29- باب الكرم والجود والإنفاق في وجوه الخير
ثقةً بالله تعالى
__________
(1) - أخرجه : البخاري 2/152 ( 1471 ) .
(2) - أخرجه : البخاري 2/152 ( 1470 ) ، ومسلم 3/97 ( 1042 ) ( 107 ) .
(3) - أخرجه : البخاري 3/74-75 ( 2073 ) .
(4) - أخرجه : مسلم 7/103 ( 2379 ) ( 169 ) .
(5) - أخرجه : البخاري 3/74 ( 2072 ) .(1/173)
قَالَ الله تَعَالَى : { وَمَا أنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ } [ سبأ : 39 ] ، وقال تَعَالَى : { وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } [ البقرة : 272 ] ، وقال تَعَالَى : { وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فإنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ } [ البقرة : 273 ] .
(1)- 292- وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( لا حَسَدَ إِلاَّ في اثْنَتَيْنِ : رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً ، فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ في الحَقّ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ حِكْمَةً ، فَهُوَ يَقْضِي بِهَا ويُعَلِّمُهَا )) متفقٌ عَلَيْهِ .
ومعناه : يَنْبَغي أنْ لاَ يُغبَطَ أحَدٌ إِلاَّ عَلَى إحْدَى هَاتَيْنِ الخَصْلَتَيْنِ .
(2)- 293- وعنه ، قَالَ : قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( أيُّكُم مَالُ وَارِثِهِ أحبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ ؟ )) قالوا : يَا رسول اللهِ ، مَا مِنَّا أحَدٌ إِلاَّ مَالُهُ أحَبُّ إِلَيْهِ . قَالَ : (( فإنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ وَمَالَ وَارِثِهِ مَا أخَّرَ )) رواه البخاري .
(3)- 294- وعن عَدِيِّ بن حَاتِمٍ - رضي الله عنه - : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ)) متفقٌ عَلَيْهِ .
(4)- 295- وعن جابرٍ - رضي الله عنه - ، قَالَ : مَا سُئِلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شَيْئاً قَطُّ ، فقالَ : لاَ . متفقٌ عَلَيْهِ .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 1/28 ( 73 ) ، ومسلم 2/201 ( 816 ) ( 268 ) .
(2) - أخرجه : البخاري 8/116 ( 6442 ) .
(3) - انظر الحديث ( 139 ) .
(4) - أخرجه : البخاري 8/16 ( 6034 ) ، ومسلم 7/74 ( 2311 ) ( 56 ) .(1/174)
(1)- 296- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَا مِنْ يَوْمٍ يُصبحُ العِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزلانِ ، فَيَقُولُ أحَدُهُمَا : اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً ، وَيَقُولُ الآخَرُ : اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكاً تَلَفاً )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(2)- 297- وعنه : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( قَالَ الله تَعَالَى : أنفِق يَا ابْنَ آدَمَ يُنْفَقْ عَلَيْكَ)) متفقٌ عَلَيْهِ .
(3)- 298- وعن عبد اللهِ بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : أنَّ رَجُلاً سَألَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ الإسلامِ خَيْرٌ ؟ قَالَ : (( تُطْعِمُ الطَّعَامَ ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(4)- 299- وعنه ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( أرْبَعُونَ خَصْلَةً : أعْلاهَا مَنِيحةُ العَنْزِ ، مَا مِنْ عَامِلٍ يَعْمَلُ بخَصْلَةٍ مِنْهَا ؛ رَجَاءَ ثَوَابهَا وَتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا ، إِلاَّ أدْخَلَهُ الله تَعَالَى بِهَا الجَنَّةَ )) رواه البخاري . وقد سبق بيان هَذَا الحديث في باب بَيَانِ كَثْرَةِ طُرُقِ الخَيْرِ .
(5)- 300- وعن أَبي أُمَامَة صُدّيِّ بن عَجْلانَ - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( يَا ابْنَ آدَمَ، إنَّكَ أن تَبْذُلَ الفَضلَ خَيْرٌ لَكَ ، وَأن تُمْسِكَه شَرٌّ لَكَ ، وَلاَ تُلاَمُ عَلَى كَفَافٍ ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ، وَاليَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى )) رواه مسلم .
__________
(1) - انظر الحديث ( 295 ) .
(2) - أخرجه : البخاري 6/92 ( 4684 ) ، ومسلم 3/77 ( 993 ) ( 36 ) .
(3) - أخرجه : البخاري 1/10 ( 12 ) ، ومسلم 1/47 ( 39 ) ( 63 ) .
(4) - انظر الحديث ( 138 ) .
(5) - انظر الحديث ( 509 ) .(1/175)
(1)- 301- وعن أنسٍ - رضي الله عنه - ، قَالَ : مَا سُئِلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الإسْلاَمِ شَيْئاً إِلاَّ أعْطَاهُ ، وَلَقَدْ جَاءهُ رَجُلٌ ، فَأعْطَاهُ غَنَماً بَيْنَ جَبَلَيْنِ ، فَرجَعَ إِلَى قَوْمِهِ ، فَقَالَ : يَا قَوْمِ ، أسْلِمُوا فإِنَّ مُحَمَّداً يُعطِي عَطَاءَ مَن لا يَخْشَى الفَقْر ، وَإنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُسْلِمُ مَا يُريدُ إِلاَّ الدُّنْيَا ، فَمَا يَلْبَثُ إِلاَّ يَسِيراً حَتَّى يَكُونَ الإسْلاَمُ أحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا . رواه مسلم .
(2)- 302- وعن عمر - رضي الله عنه - ، قَالَ : قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَسْماً ، فَقُلْتُ : يَا رسولَ الله ، لَغَيْرُ هؤلاَءِ كَانُوا أحَقَّ بِهِ مِنْهُمْ ؟ فَقَالَ : (( إنَّهُمْ خَيرُونِي أنْ يَسألُوني بالفُحْشِ ، أَوْ يُبَخِّلُونِي ، وَلَسْتُ بِبَاخِلٍ )) رواه مسلم .
(3)- 303- وعن جبير بن مطعم - رضي الله عنه - ، قَالَ : بَيْنَمَا هُوَ يَسِيرُ مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَقْفَلَهُ مِنْ حُنَيْن ، فَعَلِقَهُ الأعْرَابُ يَسْألُونَهُ ، حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَة ، فَخَطِفَت رِدَاءهُ ، فَوَقَفَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : (( أعْطُوني رِدَائي ، فَلَوْ كَانَ لِي عَدَدُ هذِهِ العِضَاهِ نَعَماً ، لَقَسَمْتُهُ بَينَكُمْ ، ثُمَّ لا تَجِدُونِي بَخِيلاً وَلاَ كَذّاباً وَلاَ جَبَاناً )) رواه البخاري .
(( مَقْفَلَهُ )) أيْ : حَال رُجُوعِه . وَ(( السَّمُرَةُ )) : شَجَرَةٌ . وَ(( العِضَاهُ )) : شَجَرٌ لَهُ شَوْكٌ.
__________
(1) - أخرجه : مسلم 7/74 ( 2312 ) ( 57 ) .
(2) - أخرجه : مسلم 3/103 ( 1056 ) ( 127 ) .
(3) - أخرجه : البخاري 4/27 ( 2821 ) .(1/176)
(1)- 304- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَال ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْداً بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزّاً ، وَمَا تَواضَعَ أحَدٌ لله إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ - عز وجل - )) رواه مسلم .
(2)- 305- وعن أَبي كبشة عمرو بن سعد الأنماري - رضي الله عنه -: أنّه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( ثَلاَثَةٌ أُقْسمُ عَلَيْهِنَّ ، وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثاً فَاحْفَظُوهُ : مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ ، وَلاَ ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةً صَبَرَ عَلَيْهَا إِلاَّ زَادَهُ اللهُ عِزّاً ، وَلاَ فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسألَةٍ إِلاَّ فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقرٍ - أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا - وَأُحَدِّثُكُمْ حَديثاً فَاحْفَظُوهُ، قَالَ : (( إنَّمَا الدُّنْيَا لأرْبَعَةِ نَفَرٍ : عَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ مَالاً وَعِلماً ، فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ للهِ فِيهِ حَقَّاً ، فَهذا بأفضَلِ المَنَازِلِ . وَعَبْدٍ رَزَقهُ اللهُ عِلْماً، وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالاً ، فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ ، يَقُولُ : لَوْ أنَّ لِي مَالاً لَعَمِلتُ بِعَمَلِ فُلانٍ، فَهُوَ بنيَّتِهِ ، فأجْرُهُمَا سَوَاءٌ . وَعَبْدٍ رَزَقَهُ الله مَالاً ، وَلَمَ يَرْزُقْهُ عِلْماً ، فَهُوَ يَخبطُ في مَالِهِ بغَيرِ عِلْمٍ ، لاَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ ، وَلاَ يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ ، وَلاَ يَعْلَمُ للهِ فِيهِ حَقّاً ، فَهذَا بأَخْبَثِ المَنَازِلِ . وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللهُ مَالاً وَلاَ عِلْماً ، فَهُوَ يَقُولُ : لَوْ أنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ فِيهِ بعَمَلِ فُلاَنٍ ، فَهُوَ بنِيَّتِهِ ، فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن
__________
(1) - أخرجه : مسلم 8/21 ( 2588 ) ( 69 ) .
(2) - أخرجه : الترمذي ( 2325 ) .(1/177)
صحيح )) .
(1)- 306- وعن عائشة رضي الله عنها : أنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً ، فَقَالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : (( مَا بَقِيَ مِنْهَا ؟ )) قالت : مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلاَّ كَتِفُها . قَالَ : (( بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرُ كَتِفِهَا )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث صحيح )) .
ومعناه : تَصَدَّقُوا بِهَا إِلاَّ كَتِفَها . فَقَالَ : بَقِيَتْ لَنَا في الآخِرَةِ إِلاَّ كَتِفَهَا .
(2)- 307- وعن أسماء بنت أَبي بكرٍ الصديق رضي الله عنهما ، قالت : قَالَ لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لاَ تُوكِي فَيُوكى عَلَيْكِ(3) )) .
وفي رواية : (( أنفقي أَوِ انْفَحِي ، أَوْ انْضَحِي ، وَلاَ تُحصي فَيُحْصِي اللهُ عَلَيْكِ ، وَلاَ تُوعي فَيُوعي اللهُ عَلَيْكِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
وَ(( انْفَحِي )) بالحاء المهملة ، وَهُوَ بمعنى (( أنفقي )) وكذلك (( انْضحي )) .
__________
(1) - أخرجه : الترمذي ( 2470 ) .
(2) - أخرجه : البخاري 2/140 ( 1433 ) ، ومسلم 3/92 ( 1029 ) ( 88 ) .
(3) أي لا تدخري وتشدي ما عندك وتمنعي ما في يدك فتنقطع مادة الرزق عنك . لسان العرب 15/390 ( وكي ) .(1/178)
(1)- 308- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يَقولُ : (( مَثَل البَخيل وَالمُنْفِقِ ، كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُنَّتَانِ(2) مِنْ حَديد مِنْ ثُدِيِّهِمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا ، فَأَمَّا المُنْفِقُ فَلاَ يُنْفِقُ إِلاَّ سَبَغَتْ - أَوْ وَفَرَتْ - عَلَى جِلْدِهِ حَتَّى تُخْفِيَ بَنَانَهُ ، وَتَعْفُو أثرَهُ ، وأمَّا البَخِيلُ ، فَلاَ يُريدُ أنْ يُنْفِقَ شَيْئاً إِلاَّ لَزِقَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ مَكَانَهَا ، فَهُوَ يُوسِّعُهَا فَلاَ تَتَّسِعُ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
وَ(( الجُنَّةُ )) : الدِّرْعُ ؛ وَمَعنَاهُ أنَّ المُنْفِقَ كُلَّمَا أنْفَقَ سَبَغَتْ ، وَطَالَتْ حَتَّى تَجُرَّ وَرَاءهُ ، وَتُخْفِيَ رِجْلَيْهِ وَأثَرَ مَشْيِهِ وَخطُوَاتِهِ .
(3)- 309- وعنه ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ تَصَدَّقَ بعَدلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ ، وَلاَ يَقْبَلُ اللهُ إِلاَّ الطَّيبَ ، فَإنَّ اللهَ يَقْبَلُهَا بِيَمِينِهِ ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا يُرَبِّي أحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(( الفَلُوُّ )) بفتح الفاء وضم اللام وتشديد الواو ، ويقال أيضاً : بكسر الفاء وإسكان اللام وتخفيف الواو : وَهُوَ المُهْرُ .
__________
(1) - أخرجه: البخاري 2/142-143 ( 1443 )، ومسلم 3/88 ( 1021 ) ( 75 ).
(2) في رواية البخاري : (( جبتان )) . قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري 3/386 : (( كذا في هذه الرواية بضم الجيم بعدها موحدة ، ومن رواه فيها بالنون فقد صحف ، والجنة في الأصل الحصن ، وسميت بها الدرع لأنها تجن صاحبها أي تحصنه ، والجبة بالموحدة ثوب مخصوص ، ولا مانع من إطلاقه على الدرع )) .
(3) - أخرجه : البخاري 2/134 ( 1410 ) ، ومسلم 3/85 ( 1014 ) ( 64 ) .(1/179)
(1)- 310- وعنه ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِفَلاَةٍ مِنَ الأَرْضِ ، فَسَمِعَ صَوْتاً في سَحَابَةٍ ، اسقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ ، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ فَأفْرَغَ مَاءهُ في حَرَّةٍ ، فإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَت ذَلِكَ الماءَ كُلَّهُ ، فَتَتَبَّعَ المَاءَ ، فإذَا رَجُلٌ قَائمٌ في حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الماءَ بِمسحَاتِهِ، فَقَالَ لَهُ : يَا عَبْدَ اللهِ، ما اسمُكَ ؟ قال : فُلانٌ للاسم الذي سَمِعَ في السَّحابةِ ، فقال له : يا عبدَ الله ، لِمَ تَسْألُنِي عَنِ اسْمِي ؟ فَقَالَ : إنِّي سَمِعْتُ صَوتْاً في السَّحابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ ، يقولُ : اسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ لاسمِكَ ، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا ، فَقَالَ : أمَا إذ قلتَ هَذَا ، فَإنِّي أنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا ، فَأتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ ، وَآكُلُ أنَا وَعِيَالِي ثُلُثاً ، وَأردُّ فِيهَا ثُلُثَهُ )) رواه مسلم.
(( الحَرَّةُ )) الأَرْضُ المُلَبَّسَةُ حجَارَةً سَوْدَاءَ . وَ(( الشَّرْجَةُ )) بفتح الشين المعجمة وإسكان الراءِ وبالجيم : هي مَسِيلُ الماءِ .
30- باب الورع وترك الشبهات
قَالَ اللهُ تَعَالَى : { وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ } [ النور : 15 ] ، وقال تَعَالَى : { إنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ } [ الفجر : 14 ] .
__________
(1) - أخرجه : مسلم 8/222 ( 2984 ) ( 45 ) .(1/180)
(1)- 311- وعن النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنهما ، قَالَ : سَمِعْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( إنَّ الحَلاَلَ بَيِّنٌ ، وَإنَّ الحَرامَ بَيِّنٌ ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبَهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ ، اسْتَبْرَأَ لِدِينهِ وَعِرْضِهِ ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ في الحَرَامِ ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أنْ يَرْتَعَ فِيهِ ، ألاَ وَإنَّ لكُلّ مَلِكٍ حِمَىً ، ألاَ وَإنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ ، ألاَ وَإنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَت صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، ألاَ وَهِيَ القَلْبُ )) متفقٌ عَلَيْهِ ، وروياه مِنْ طرقٍ بِألفَاظٍ متقاربةٍ .
(2)- 312- وعن أنسٍ - رضي الله عنه - : أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَجَدَ تَمْرَةً فِي الطَّرِيقِ ، فَقَالَ : (( لَوْلاَ أنِّي أخَافُ أنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَة لأَكَلْتُهَا )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(3)- 313- وعن النَّواسِ بن سمعان - رضي الله عنه - ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( البِرُّ : حُسْنُ الخُلُقِ، وَالإِثْمُ : مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ ، وَكَرِهْتَ أنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ )) رواه مسلم.
(( حَاكَ )) بِالحاءِ المهملةِ والكافِ : أيْ تَرَدَّدَ فِيهِ .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 1/20 ( 52 ) ، ومسلم 5/50 ( 1599 ) ( 107 ) .
(2) - أخرجه : البخاري 3/71 ( 2055 ) ، ومسلم 3/118 ( 1071 ) ( 165 ) .
(3) - أخرجه : مسلم 8/7 ( 2553 ) ( 15 ) .(1/181)
(1)-314- وعن وَابِصَةَ بن مَعبدٍ - رضي الله عنه - ، قَالَ: أتَيْتُ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: (( جئتَ تَسْألُ عَنِ البِرِّ؟ )) قُلْتُ : نَعَمْ ، فَقَالَ : (( اسْتَفْتِ قَلْبَكَ ، البرُّ : مَا اطْمَأنَّت إِلَيْهِ النَّفسُ ، وَاطْمأنَّ إِلَيْهِ القَلْبُ ، وَالإثْمُ : مَا حَاكَ في النَّفْسِ ، وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ ، وَإنْ أفْتَاكَ النَّاسُ وَأفْتُوكَ )) حديث حسن ، رواه أحمد والدَّارمِيُّ في مُسْنَدَيْهِمَا .
(2)- 315- وعن أَبي سِرْوَعَةَ – بكسر السين المهملة وفتحها – عُقبَةَ بنِ الحارِثِ - رضي الله عنه - : أنَّهُ تَزَوَّجَ ابنَةً لأبي إهَابِ بن عزيزٍ ، فَأتَتْهُ امْرَأةٌ ، فَقَالَتْ : إنّي قَدْ أرضَعْتُ عُقْبَةَ وَالَّتِي قَدْ تَزَوَّجَ بِهَا . فَقَالَ لَهَا عُقْبَةُ : مَا أعْلَمُ أنَّك أرضَعْتِنِي وَلاَ أخْبَرْتِني ، فَرَكِبَ إِلَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -ِ بِالمَدِينَةِ ، فَسَأَلَهُ : فَقَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( كَيْفَ ؟ وَقَد قِيلَ )) فَفَارَقَهَا عُقْبَةُ وَنَكَحَتْ زَوْجاً غَيْرَهُ . رواه البخاري.
(( إهَابٌ )) بكسر الهمزة وَ(( عَزيزٌ )) بفتح العين وبزاي مكررة .
(3)- 316- وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما ، قَالَ : حَفِظتُ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( دَعْ مَا يريبُكَ إِلَى ما لاَ يَرِيبُكَ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .
معناه : اتْرُكْ مَا تَشُكُّ فِيهِ ، وَخُذْ مَا لاَ تَشُكُّ فِيهِ .
__________
(1) - أخرجه : أحمد 4/228 ، والدارمي ( 2536 ) .
(2) - أخرجه : البخاري 1/33 ( 88 ) .
(3) - انظر الحديث ( 55 ) .(1/182)
(1)- 317- وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : كَانَ لأبي بَكر الصديق - رضي الله عنه - غُلاَمٌ يُخْرِجُ لَهُ الخَرَاجَ ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ ، فَجَاءَ يَوْماً بِشَيءٍ ، فَأكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ ، فَقَالَ لَهُ الغُلامُ : تَدْرِي مَا هَذَا ؟ فَقَالَ أَبُو بكر : وَمَا هُوَ ؟ قَالَ : كُنْتُ تَكَهَّنْتُ(2) لإنْسَانٍ في الجَاهِلِيَّةِ وَمَا أُحْسِنُ الكَهَانَةَ ، إِلاَّ أنّي خَدَعْتُهُ ، فَلَقِيَنِي ، فَأعْطَانِي لِذلِكَ ، هَذَا الَّذِي أكَلْتَ مِنْهُ ، فَأدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ . رواه البخاري .
(( الخَرَاجُ )) : شَيْءٌ يَجْعَلُهُ السَّيِّدُ عَلَى عَبْدِهِ يُؤدِّيهِ كُلَّ يَومٍ ، وَباقِي كَسْبِهِ يَكُونُ لِلْعَبْدِ .
(3)- 318- وعن نافِع : أن عُمَرَ بن الخَطّاب - رضي الله عنه - كَانَ فَرَضَ لِلمُهَاجِرينَ الأَوَّلِينَ أرْبَعَةَ الآفٍ وَفَرَضَ لابْنِهِ ثَلاَثَة آلافٍ وَخَمْسَمئَةٍ ، فَقيلَ لَهُ : هُوَ مِنَ المُهَاجِرينَ فَلِمَ نَقَصْتَهُ ؟ فَقَالَ : إنَّمَا هَاجَرَ بِهِ أبُوهُ . يقول : لَيْسَ هُوَ كَمَنْ هَاجَرَ بِنَفْسِهِ . رواه البخاري .
31- باب التواضع وخفض الجناح للمؤمنين
__________
(1) - أخرجه : البخاري 5/53 ( 3842 ) .
(2) الكاهن : الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان ويدعي معرفة الأسرار . النهاية 4/214 .
(3) - أخرجه : البخاري 5/80 ( 3912 ) .(1/183)
قَالَ الله تَعَالَى : { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ } [ الشعراء : 215 ] ، وقال تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينهِ فَسَوْفَ يَأتِي اللهُ بِقَومٍ يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ } [ المائدة : 54 ] ، وقال تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ } [ الحجرات : 12 ] ، وقال تَعَالَى : { فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } [ النجم : 32 ] ، وقال تَعَالَى : { وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عنكم جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أَهؤُلاَءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ } [ الأعراف : 48-49 ] .
(1)- 319- وعن عِيَاضِ بنِ حمارٍ - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إنَّ الله أوْحَى إِلَيَّ أنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لاَ يَفْخَرَ أحَدٌ عَلَى أحَدٍ ، وَلاَ يَبْغِي أحَدٌ عَلَى أحَدٍ )) رواه مسلم .
(2)- 320- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه -: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ : (( مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ،وَمَا زادَ اللهُ عَبْداً بعَفْوٍ إِلاَّ عِزّاً، وَمَا تَوَاضَعَ أحَدٌ للهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ )) رواه مسلم.
__________
(1) - أخرجه : مسلم 8/160 ( 2865 ) ( 64 ) .
(2) - انظر الحديث ( 555 ) .(1/184)
(1)- 321- وعن أنس - رضي الله عنه - : أنَّهُ مَرَّ عَلَى صبيَانٍ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ ، وقال : كَانَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يفعله . متفقٌ عَلَيْهِ .
(2)- 322- وعنه ، قَالَ : إن كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إمَاءِ المَدينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءتْ . رواه البخاري .
(3)- 323- وعن الأَسْوَدِ بن يَزيدَ ، قَالَ : سُئِلَتْ عائشةُ رضي الله عنها مَا كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ ؟ قالت : كَانَ يَكُون في مِهْنَةِ أهْلِهِ – يعني : خِدمَة أهلِه – فإذا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ ، خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ . رواه البخاري .
(4)- 324- وعن أَبي رِفَاعَةَ تَميم بن أُسَيْدٍ - رضي الله عنه - ، قَالَ : انْتَهَيْتُ إِلَى رَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ يخطب ، فقلت : يَا رسول الله ، رَجُلٌ غَريبٌ جَاءَ يَسْألُ عن دِينهِ لا يَدْرِي مَا دِينُهُ ؟ فَأقْبَلَ عَليَّ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وتَرَكَ خُطْبَتَهُ حَتَّى انْتَهَى إلَيَّ ، فَأُتِيَ بِكُرْسيٍّ ، فَقَعَدَ عَلَيْهِ ، وَجَعَلَ يُعَلِّمُنِي مِمَّا عَلَّمَهُ اللهُ ، ثُمَّ أَتَى خُطْبَتَهُ فَأتَمَّ آخِرَهَا . رواه مسلم .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 8/68 ( 6247 ) ، ومسلم7/6 ( 2168 ) ( 15 ) .
(2) - رواه البخاري 8/24 ( 6072 ) معلّقاً .
(3) - أخرجه : البخاري 1/172 ( 676 ) .
(4) - أخرجه : مسلم 3/15 ( 876 ) ( 60 ) .(1/185)
(1)- 325- وعن أنس - رضي الله عنه - : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا أكَلَ طَعَاماً ، لَعِقَ أصَابِعَهُ الثَّلاَثَ . قَالَ: وقال : (( إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِط عنها الأَذى ، وليَأكُلْها وَلاَ يَدَعْها لِلشَّيْطان )) وأمرَ أن تُسلَتَ القَصْعَةُ(2) ، قَالَ : (( فإنَّكُمْ لاَ تَدْرُونَ في أيِّ طَعَامِكُمُ البَرَكَة )) رواه مسلم .
(3)- 326- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( مَا بَعَثَ الله نَبِيّاً إِلاَّ رَعَى الغَنَمَ )) قَالَ أصْحَابُهُ : وَأنْتَ ؟ فَقَالَ : (( نَعَمْ ، كُنْتُ أرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ )) رواه البخاري .
(4)- 327- وعنه ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( لَوْ دُعِيتُ إِلَى كُراعٍ أَوْ ذِرَاعٍ لأَجَبْتُ ، ولو أُهْدِيَ إِلَيَّ ذراعٌ أَوْ كُراعٌ لَقَبِلْتُ )) رواه البخاري .
(5)- 328- وعن أنس - رضي الله عنه - ، قَالَ : كَانَتْ ناقةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العضْبَاءُ لاَ تُسْبَقُ ، أَوْ لاَ تَكَادُ تُسْبَقُ ، فَجَاءَ أعْرَابيٌّ عَلَى قَعودٍ لَهُ ، فَسَبَقَهَا ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَتَّى عَرَفَهُ ، فَقَالَ : (( حَقٌّ عَلَى اللهِ أنْ لاَ يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ وَضَعَهُ )) رواه البخاري .
32- باب تحريم الكبر والإعجاب
__________
(1) - أخرجه : مسلم 6/115 ( 2034 ) ( 136 ) .
(2) تسلت القصعة : نتتبع ما بقي فيها من طعام ، ونمسحها بالأصبع ونحوها . النهاية 2/387 .
(3) - انظر الحديث ( 599 ) .
(4) - أخرجه : البخاري 3/201 ( 2568 ) .
(5) - أخرجه : البخاري 8/131 ( 6501 ) .(1/186)
قَالَ الله تَعَالَى : { تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُواً فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } [ القصص : 83 ] ، وقال تعالى : { وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحا } [ الإسراء : 37 ] ، وقال تَعَالَى : { وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } [ لقمان : 18 ] .
ومعنى (( تُصَعِّر خَدَّكَ لِلنَّاسِ )) : أيْ تُمِيلُهُ وتُعرِضُ بِهِ عَنِ النَّاسِ تَكَبُّراً عَلَيْهِمْ . وَ(( المَرَحُ )) : التَّبَخْتُرُ . وقال تَعَالَى : { إنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الكُنُوزِ مَا إنَّ مَفَاتِحَهُ لتَنُوءُ بِالعُصْبَةِ أُولِي القُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الفَرِحِينَ } [ القصص : 76 ] ، إِلَى قَوْله تَعَالَى : { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ } الآيات .
(1)- 329- وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّة مِنْ كِبْرٍ ! )) فَقَالَ رَجُلٌ : إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَناً ، ونَعْلُهُ حَسَنَةً ؟ قَالَ : (( إنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ ، الكِبْرُ : بَطَرُ الحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ )) رواه مسلم .
(( بَطَرُ الحَقِّ )) : دَفْعُهُ وَرَدُّهُ عَلَى قَائِلِهِ ، وَ(( غَمْطُ النَّاسِ )) : احْتِقَارُهُمْ .
__________
(1) - أخرجه : مسلم 1/65 ( 91 ) ( 147 ) .(1/187)
(1)- 330- وعن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - : أنّ رَجُلاً أكَلَ عِنْدَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشمالِهِ ، فَقَالَ : (( كُلْ بيَمِينِكَ )) قَالَ : لاَ أسْتَطِيعُ ! قَالَ : (( لا اسْتَطَعْتَ )) مَا مَنَعَهُ إِلاَّ الكِبْرُ . قَالَ : فما رفَعها إِلَى فِيهِ . رواه مسلم .
(2)- 331- وعن حارثة بن وهْبٍ - رضي الله عنه - ، قَالَ : سَمِعْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( ألا أُخْبِرُكُمْ بأهْلِ النَّار : كلُّ عُتُلٍ جَوّاظٍ مُسْتَكْبرٍ )) متفقٌ عَلَيْهِ ، وتقدم شرحه في بابِ ضعفةِ المسلمين .
(3)- 332- وعن أَبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( احْتَجّتِ الجَنَّةُ وَالنَّارُ ، فَقَالَت النَّارُ : فيَّ الْجَبَّارُونَ والمُتَكَبِّرُونَ . وقالتِ الجَنَّةُ : فيَّ ضُعفاءُ الناس ومساكينُهُم ، فقضى اللهُ بَينهُما : إنكِ الجنّةُ رَحْمَتِي أرْحَمُ بِك مَنْ أشَاءُ ، وَإنَّكِ النَّارُ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أشَاءُ ، وَلِكِلَيْكُمَا عَلَيَّ مِلْؤُهَا )) رواه مسلم .
(4)- 333- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( لاَ يَنْظُرُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَى مَنْ جَرَّ إزَارَهُ بَطَراً )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(5)- 334- وعنه ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَة ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ ، وَلاَ يَنْظُرُ إلَيْهِمْ ، وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ : شَيْخٌ زَانٍ ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ )) رواه مسلم .
(( العَائِلُ )) : الفَقِيرُ .
__________
(1) - انظر الحديث ( 159 ) .
(2) - انظر الحديث ( 252 ) .
(3) - انظر الحديث ( 254 ) .
(4) - أخرجه : البخاري 7/183 ( 5788 ) ، ومسلم 6/148 ( 2087 ) ( 48 ) .
(5) - أخرجه : مسلم 1/72 ( 107 ) ( 172 ) .(1/188)
(1)- 335- وعنه ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( قَالَ الله - عز وجل - : العِزُّ إزَاري ، والكبرياءُ رِدائي، فَمَنْ يُنَازِعُنِي في وَاحِدٍ منهما فَقَد عَذَّبْتُهُ )) رواه مسلم .
(2)- 336- وعنه : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمشِي في حُلَّةٍ تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ ، مُرَجِّلٌ رَأسَهُ ، يَخْتَالُ فِي مَشْيَتهِ ، إِذْ خَسَفَ اللهُ بِهِ ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ في الأَرضِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ)) متفقٌ عَلَيْهِ .
(( مُرَجِّلٌ رَأسَهُ )) : أيْ مُمَشِّطُهُ، (( يَتَجَلْجَلُ )) بالجيمين : أيْ يَغُوصُ وَيَنْزِلُ.
33- باب حسن الخلق
قَالَ الله تَعَالَى : { وَإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } [ ن : 4 ] ، وقال تَعَالَى : { وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ } [ آل عمران : 134 ] الآية .
(3)- 337- وعن أنس - رضي الله عنه - ، قال : كَانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أحْسَنَ النَّاس خُلُقاً . متفقٌ عَلَيْهِ .
(4)- 338- وعنه ، قَالَ : مَا مَسِسْتُ دِيبَاجاً وَلاَ حَرِيراً ألْيَنَ مِنْ كَفِّ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَلاَ شَمَمْتُ رَائِحَةً قَطُّ أطْيَبَ مِنْ رَائِحَةِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَلَقَدْ خدمتُ رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَشْرَ سنين ، فما قَالَ لي قَطُّ : أُفٍّ، وَلاَ قَالَ لِشَيءٍ فَعَلْتُهُ : لِمَ فَعَلْتَه ؟ وَلاَ لشَيءٍ لَمْ أفعله : ألاَ فَعَلْتَ كَذا ؟ متفقٌ عَلَيْهِ .
__________
(1) - أخرجه : مسلم 8/35 ( 2620 ) ( 136 ) .
(2) - أخرجه : البخاري 7/183 ( 5789 ) ، ومسلم 6/148 ( 2088 ) ( 49 ) .
(3) - أخرجه : البخاري 8/55 ( 6203 ) ، ومسلم 7/74 ( 2310 ) ( 55 ) .
(4) - أخرجه : البخاري 4/230 ( 3561 ) ، ومسلم 7/81 ( 2329 ) ( 82 ) .(1/189)
(1)- 339- وعن الصعب بن جَثَّامَةَ - رضي الله عنه - ، قَالَ : أهديتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - حِمَاراً وَحْشِيّاً ، فَرَدَّهُ عَلَيَّ ، فَلَمَّا رأى مَا في وجهي ، قَالَ : (( إنّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلاَّ لأنّا حُرُمٌ (2) )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(3)- 340- وعن النَّوَاس بنِ سمعان - رضي الله عنه - ، قَالَ : سألتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عن البِرِّ وَالإثم ، فَقَالَ : (( البِرُّ : حُسنُ الخُلقِ ، والإثمُ : مَا حاك في صدرِك ، وكَرِهْتَ أن يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ )) رواه مسلم.
(4)- 341- عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، قَالَ : لَمْ يكن رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَاحِشاً وَلاَ مُتَفَحِّشاً ، وكان يَقُولُ : (( إنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أحْسَنَكُمْ أخْلاَقاً )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(5)- 342- وعن أَبي الدرداءِ - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( مَا مِنْ شَيْءٍ أثْقَلُ في مِيزَانِ العبدِ المُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ ، وَإنَّ الله يُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيَّ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .
(( البَذِيُّ )) : هُوَ الَّذِي يتكلَّمُ بِالفُحْشِ ورديء الكلامِ .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 3/16 ( 1825 ) ، ومسلم 4/13 ( 1193 ) ( 50 ) .
(2) أي محرمون للحج .
(3) - انظر الحديث ( 589 ) .
(4) - أخرجه : البخاري 4/230 ( 3559 ) ، ومسلم 7/78 ( 2321 ) ( 68 ) .
(5) - أخرجه : أبو داود ( 4799 ) ، والترمذي ( 2002 ) .(1/190)
(1)- 343- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : سُئِلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنْ أكثرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ ؟ قَالَ : (( تَقْوَى اللهِ وَحُسنُ الخُلُقِ )) ، وَسُئِلَ عَنْ أكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ، فَقَالَ : (( الفَمُ وَالفَرْجُ )) رواه الترمذي، وقال : (( حديث حسن صحيح )).
(2)- 344- وعنه، قال: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (( أكْمَلُ المُؤمنينَ إيمَاناً أحسَنُهُمْ خُلُقاً، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .
(3)- 345- وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : سَمِعْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( إنَّ المُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بحُسْنِ خُلُقِه دَرَجَةَ الصَّائِمِ القَائِمِ ))(4) رواه أَبُو داود .
(5)- 346- وعن أَبي أُمَامَة الباهِليِّ - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( أنَا زَعِيمٌ ببَيتٍ في ربَض الجَنَّةِ(6) لِمَنْ تَرَكَ المِرَاءَ ، وَإنْ كَانَ مُحِقّاً ، وَبِبَيْتٍ في وَسَطِ الجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الكَذِبَ ، وَإنْ كَانَ مَازِحاً ، وَبِبَيْتٍ في أعلَى الجَنَّةِ لِمَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ )) . حديث صحيح ، رواه أَبُو داود بإسناد صحيح .
(( الزَّعِيمُ )) : الضَّامِنُ .
__________
(1) - أخرجه : ابن ماجه ( 4246 ) ، والترمذي ( 2004 ).
(2) - انظر الحديث ( 278 ) .
(3) - أخرجه : أبو داود ( 4798 ) .
(4) قال ابن قيم الجوزية : (( من يحسن خلقه مع الناس مع تباين طبائعهم وأخلاقهم فكأنه يجاهد نفوساً كثيرة فأدرك ما أدركه الصائم القائم فاستويا في الدرجة بل ربما زاد )) . عون المعبود 13/154 .
(5) - أخرجه : أبو داود ( 4800 ) .
(6) ربض الجنة : ما حولها خارجاً عنها . النهاية 2/185 .(1/191)
(1)- 347- وعن جابر - رضي الله عنه - : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( إنَّ مِنْ أحَبِّكُمْ إليَّ ، وَأقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِساً يَوْمَ القِيَامَةِ ، أحَاسِنَكُم أخْلاَقاً ، وَإنَّ أبْغَضَكُمْ إلَيَّ وَأبْعَدَكُمْ مِنِّي يَوْمَ القِيَامَةِ ، الثَّرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ وَالمُتَفَيْهقُونَ )) قالوا : يَا رسول الله ، قَدْ عَلِمْنَا (( الثَّرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ ))، فمَا المُتَفَيْهقُونَ ؟ قَالَ : (( المُتَكَبِّرُونَ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .
(( الثَّرْثَارُ )) : هُوَ كَثِيرُ الكَلاَمِ تَكَلُّفاً . وَ(( المُتَشَدِّقُ )) : المُتَطَاوِلُ عَلَى النَّاسِ بِكَلاَمِهِ ، وَيَتَكَلَّمُ بِمَلءِ فِيهِ تَفَاصُحاً وَتَعْظِيماً لِكَلامِهِ ، وَ(( المُتَفَيْهِقُ )) : أصلُهُ مِنَ الفَهْقِ وَهُوَ الامْتِلاَءُ ، وَهُوَ الَّذِي يَمْلأُ فَمَهُ بِالكَلاَمِ وَيَتَوَسَّعُ فِيهِ ، ويُغْرِبُ بِهِ تَكَبُّراً وَارْتِفَاعاً ، وَإظْهَاراً للفَضيلَةِ عَلَى غَيْرِهِ .
وروى الترمذي(2) عن عبد الله بن المباركِ رحِمه الله في تفسير حُسْنِ الخُلُقِ ، قَالَ : (( هُوَ طَلاَقَةُ الوَجه ، وَبَذْلُ المَعروف ، وَكَفُّ الأذَى )) .
34- باب الحلم والأناة والرفق
__________
(1) - أخرجه : الترمذي ( 2018 ).
(2) في جامعه ( 2005 ) ، وعند الترمذي : (( بسط الوجه )) .(1/192)
قَالَ الله تَعَالَى : { وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ المُحْسِنينَ } [ آل عمران : 134 ] ، وقال تَعَالَى : { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأعْرِضْ عَنِ الجَاهِلينَ } [ الأعراف : 199 ] ، وقال تَعَالَى : { وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحْسَنُ فَإذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } [ فصلت : 34-35 ] ، وقال تَعَالَى : { وَلَمنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ }
[ الشورى : 43 ] .
(1)- 348- وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، قَالَ : قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لأَشَجِّ عَبْدِ القَيْسِ : (( إنَّ فيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ : الْحِلْمُ وَالأنَاةُ )) رواه مسلم .
(2)- 349- وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إنَّ اللهَ رفيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّه )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(3)- 350- وعنها : أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( إنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ ، وَيُعْطي عَلَى الرِّفق ، مَا لاَ يُعْطِي عَلَى العُنْفِ ، وَمَا لاَ يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ )) رواه مسلم .
(4)- 351- وعنها : أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( إنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ في شَيْءٍ إِلاَّ زَانَهُ ، وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ )) رواه مسلم .
__________
(1) - أخرجه : مسلم 1/36 ( 17 ) ( 25 ) .
(2) - أخرجه : البخاري 9/20 ( 6927 ) ، ومسلم 7/4 ( 2165 ) ( 10 ) .
(3) - أخرجه : مسلم 8/22 ( 2593 ) ( 77 ) .
(4) - أخرجه : مسلم 8/22 ( 2594 ) ( 78 ) .(1/193)
(1)- 352- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : بَال أعْرَابيٌّ في المسجدِ ، فَقَامَ النَّاسُ إِلَيْهِ لِيَقَعُوا فِيهِ ، فَقَالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : (( دَعُوهُ وَأرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ ، أَوْ ذَنُوباً مِنْ مَاءٍ ، فَإنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَم تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ )) رواه البخاري .
(( السَّجْلُ )) بفتح السين المهملة وإسكان الجيم : وَهِيَ الدَّلو الْمُمْتَلِئَةُ مَاءً ، وَكَذلِكَ الذَّنُوبُ .
(2)- 353- وعن أنس - رضي الله عنه - ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا ، وَبَشِّرُوا وَلاَ تُنَفِّرُوا )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(3)- 354- وعن جريرِ بنِ عبدِ اللهِ - رضي الله عنه - ، قَالَ : سَمِعْتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يقولُ : (( مَنْ يُحْرَمِ الرِفْقَ ، يُحْرَمِ الخَيْرَ كلَّهُ )) رواه مسلم .
(4)- 355- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ رَجُلاً قَالَ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : أوْصِني . قَالَ : (( لاَ تَغْضَبْ )) ، فَرَدَّدَ مِرَاراً ، قَالَ : (( لاَ تَغْضَبْ )) رواه البخاري .
(5)- 356- وعن أَبي يعلى شَدَّاد بن أوسٍ - رضي الله عنه - ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( إنَّ الله كَتَبَ الإحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإذَا قَتَلْتُم فَأحْسِنُوا القِتْلَة ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأحْسِنُوا الذِّبْحَةَ ، وَليُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَه ، وَلْيُرِح ذَبِيحَتَهُ )) رواه مسلم .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 1/65 ( 220 ) .
(2) - أخرجه : البخاري 1/27 ( 69 ) ، ومسلم 5/141 ( 1734 ) ( 8 ) .
(3) - أخرجه : مسلم 8/22 ( 2592 ) ( 75 ) .
(4) - انظر الحديث ( 48 ) .
(5) - أخرجه : مسلم 6/72 ( 1955 ) ( 57 ) .(1/194)
(1)- 357- وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : مَا خُيِّرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ أمْرَيْنِ قَطُّ إِلاَّ أَخَذَ أيْسَرَهُمَا ، مَا لَمْ يَكُنْ إثماً ، فَإنْ كَانَ إثماً ، كَانَ أبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ . وَمَا انْتَقَمَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لِنَفْسِهِ في شَيْءٍ قَطُّ ، إِلاَّ أن تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ الله ، فَيَنْتَقِمَ للهِ تَعَالَى . متفقٌ عَلَيْهِ .
(2)- 358- وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( ألا أخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّار ؟ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّار ؟ تَحْرُمُ عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ ، هَيّنٍ ، لَيِّنٍ ، سَهْلٍ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .
35- باب العفو والإعراض عن الجاهلين
قَالَ الله تَعَالَى : { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلينَ } [ الأعراف : 199]، وقال تَعَالَى : { فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ } [ الحجر : 85 ] ، وقال تَعَالَى : { وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ألاَ تُحِبُّونَ أنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ } [ النور : 22 ] ، وقال تَعَالَى : { وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنينَ } [ آل عمران : 134 ] ، وقال تَعَالَى : { وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ } [ الشورى : 43 ] والآيات في الباب كثيرة معلومة .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 4/230 ( 3560 ) ، ومسلم 7/80 ( 2327 ) ( 77 ) .
(2) - أخرجه : الترمذي ( 2488 ).(1/195)
(1)- 359- وعن عائشة رضي الله عنها : أنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - : هَلْ أتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ ؟ قَالَ : (( لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ ، وَكَانَ أشَدُّ مَا لَقيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ ، إذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيْلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ ، فَلَمْ يُجِبْني إِلَى مَا أرَدْتُ ، فَانْطَلَقْتُ وَأنا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي ، فَلَمْ أسْتَفِقْ إِلاَّ وأنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ(2) ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي ، وَإِذَا أنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أظَلَّتْنِي ، فَنَظَرْتُ فَإذَا فِيهَا جِبريلُ - عليه السلام - ، فَنَادَاني ، فَقَالَ : إنَّ الله تَعَالَى قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَد بَعَثَ إلَيْكَ مَلَكَ الجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بمَا شِئْتَ فِيهِمْ . فَنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ ، ثُمَّ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ إنَّ اللهَ قَدْ سَمِع قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ ، وَأنا مَلَكُ الجِبال ، وَقَدْ بَعَثَنِي رَبِّي إلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ ، فَمَا شِئْتَ ، إنْ شئْتَ أطْبَقْتُ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ )) . فَقَالَ النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( بَلْ أرْجُو أنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(( الأخْشَبَان )) : الجَبَلان المُحيطان بمكَّة . وَالأخشبُ : هُوَ الجبل الغليظ .
__________
(1) - أخرجه: البخاري 4/139 ( 3231 ) ، ومسلم 5/181 ( 1795 ) ( 111 ) .
(2) قال المصنف في شرح صحيح مسلم 6/334 : (( قرن الثعالب : هو قرن المنازل وهو ميقات أهل نجد ، على مرحلتين من مكة)).(1/196)
(1)- 360- وعنها ، قالت : مَا ضَرَبَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - شَيْئاً قَطُّ بِيَدِهِ ، وَلاَ امْرَأةً وَلاَ خَادِماً ، إِلاَّ أنْ يُجَاهِدَ فِي سَبيلِ اللهِ ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ ، إِلاَّ أن يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللهِ تَعَالَى ، فَيَنْتَقِمُ للهِ تَعَالَى . رواه مسلم .
(2)- 361- وعن أنس - رضي الله عنه - ، قَالَ : كُنْتُ أمشي مَعَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ ، فأدْرَكَهُ أعْرَابِيٌّ فَجَبذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَديدةً ، فَنَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَقَدْ أثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ ، ثُمَّ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، مُر لِي مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي عِنْدَكَ . فَالتَفَتَ إِلَيْهِ ، فَضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ . متفقٌ عَلَيْهِ .
(3)- 362- وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، قَالَ : كأني أنظر إِلَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَحْكِي نَبِيّاً مِنَ الأنبياءِ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُه عَلَيْهِمْ ، ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأدْمَوْهُ ، وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ ، ويقول : (( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي ؛ فَإنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(4)- 363- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( لَيْسَ الشَّديدُ بِالصُّرَعَةِ ، إنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
36- باب احتمال الأذى
__________
(1) - أخرجه : مسلم 7/80 ( 2328 ) ( 79 ) .
(2) - أخرجه: البخاري 7/188 ( 5809 ) ، ومسلم 3/103 ( 1057 ) ( 128 ) .
(3) - انظر الحديث ( 36 ) .
(4) - انظر الحديث ( 45 ) .(1/197)
قَالَ الله تَعَالَى : { وَالْكَاظِمِينَ الغَيْظَ والْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ واللهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ } [ آل عمران : 134 ] ، وقال تَعَالَى : { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ } [ الشورى : 43 ] وفي الباب : الأحاديث السابقة في الباب قبله .
(1)- 364- وعن أَبي هريرة رضي الله تَعَالَى عنه: أنَّ رَجُلاً ، قَالَ : يَا رسول الله ، إنّ لي قَرَابةً أصِلُهم وَيَقْطَعُونِي ، وَأُحْسِنُ إلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إلَيَّ ، وَأحْلُمُ عَنهم وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ ! فَقَالَ : (( لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ ، فَكأنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ ، وَلاَ يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ تَعَالَى ظَهيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ )) رواه مسلم .
وقد سَبَقَ شَرْحُهُ في بَابِ صلة الأرحام .
37- باب الاستِخارة والمشاورة
قَالَ الله تَعَالَى : { وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ } [ آل عمران : 159 ] ، وقال الله تَعَالَى : { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ } [ الشورى : 38 ] أيْ : يَتَشَاوَرُونَ بَيْنَهُمْ فِيهِ .
__________
(1) - انظر الحديث ( 318 ) .(1/198)
(1)- 365- وعن جابر - رضي الله عنه - ، قَالَ : كَانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ في الأمُورِ كُلِّهَا كَالسُّورَةِ مِنَ القُرْآنِ ، يَقُولُ : (( إِذَا هَمَّ أحَدُكُمْ بِالأمْرِ ، فَلْيَركعْ ركْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ ، ثُمَّ ليقل : اللَّهُمَّ إنِّي أسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ ، وَأسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ ، وأسْألُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيْمِ ، فَإنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أقْدِرُ ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أعْلَمُ ، وَأنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ . اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هَذَا الأمْرَ خَيْرٌ لِي في دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أمْرِي )) أَوْ قَالَ : (( عَاجِلِ أمْرِي وَآجِلِهِ ، فاقْدُرْهُ لي وَيَسِّرْهُ لِي ، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ . وَإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي في دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي )) أَوْ قَالَ : (( عَاجِلِ أمْرِي وَآجِلِهِ ؛ فَاصْرِفْهُ عَنِّي ، وَاصْرِفْنِي عَنْهُ ،
وَاقْدُرْ لِيَ الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ، ثُمَّ أرْضِنِي بِهِ )) قَالَ : (( وَيُسَمِّيْ حَاجَتَهُ )) رواه البخاري .
1- كتَاب الفَضَائِل
38- باب فضل قراءة القرآن
(2)- 366- عن أَبي أُمَامَةَ - رضي الله عنه - ، قَالَ : سَمِعْتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( اقْرَؤُوا القُرْآنَ ؛ فَإنَّهُ يَأتِي يَوْمَ القِيَامَةِ شَفِيعاً لأَصْحَابِهِ )) رواه مسلم .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 2/70 ( 1162 ) .
(2) - أخرجه : مسلم 2/197 ( 804 ) ( 252 ) .(1/199)
(1)- 367- وعن النَّوَّاسِ بنِ سَمْعَانَ - رضي الله عنه - ، قَالَ : سَمِعْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقولُ : (( يُؤْتَى يَوْمَ القِيَامَةِ بِالقُرْآنِ وَأهْلِهِ الذينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ في الدُّنْيَا تَقْدُمُه سورَةُ البَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ ، تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا )) رواه مسلم .
(2)- 368- وعن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ )) رواه البخاري .
(3)- 369- وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ وَهُوَ مَاهِرٌ(4) بِهِ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ(5) فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أجْرَانِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
__________
(1) - أخرجه : مسلم 2/197 ( 805 ) ( 253 ) .
(2) - أخرجه : البخاري 6/236 ( 5027 ) .
(3) - أخرجه : البخاري 6/206 ( 4937 ) ، ومسلم 2/195 ( 798 ) ( 244 ) .
(4) الماهر : الحاذق بالقراءة ، والسّفرة : الملائكة . النهاية 4/374 .
(5) أي يتردد في قراءته ويتبلد فيها لسانه . النهاية 1/190 .(1/200)
(1)- 370- وعن أَبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ مَثَلُ الأُتْرُجَّةِ : رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ : لاَ رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ ، وَمَثلُ المُنَافِقِ الَّذِي يقرأ القرآنَ كَمَثلِ الرَّيحانَةِ : ريحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ ، وَمَثَلُ المُنَافِقِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثلِ الحَنْظَلَةِ : لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(2)- 371- وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( إنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الكِتَابِ أقْوَاماً وَيَضَعُ بِهِ آخرِينَ )) رواه مسلم .
(3)- 372- وعن ابن عمر رضي اللهُ عنهما ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( لاَ حَسَدَ إِلاَّ في اثْنَتَيْنِ : رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ القُرْآنَ ، فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاء اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً ، فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(( والآنَاءُ )) : السَّاعَاتُ .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 7/99 – 100 ( 5427 ) ، ومسلم 2/194 ( 797 ) ( 243 ) .
(2) - أخرجه : مسلم 2/200 ( 817 ) ( 269 ) .
(3) - انظر الحديث ( 571 ) .(1/201)
(1)- 373- وعن البراءِ بن عازِبٍ رضي اللهُ عنهما ، قَالَ : كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ ، وَعِنْدَهُ فَرَسٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ ، فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ فَجَعَلَتْ تَدْنُو ، وَجَعَلَ فَرَسُه يَنْفِرُ مِنْهَا ، فَلَمَّا أصْبَحَ أتَى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ : (( تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ لِلقُرْآنِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(( الشَّطَنُ )) بفتحِ الشينِ المعجمة والطاءِ المهملة : الحَبْلُ .
(2)- 374- وعن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ قَرَأ حَرْفاً مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ حَسَنَةٌ ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا ، لاَ أقول : ألم(3) حَرفٌ ، وَلكِنْ : ألِفٌ حَرْفٌ ، وَلاَمٌ حَرْفٌ ، وَمِيمٌ حَرْفٌ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .
(4)- 375- وعن عبد اللهِ بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ : اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ في الدُّنْيَا ، فَإنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آية تَقْرَؤُهَا )) رواه أَبُو داود والترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .
39- باب الأمر بتعهد القرآن والتحذير عن تعريضه للنسيان
(5)- 376- عن أَبي موسى - رضي الله عنه -، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( تعاهدوا هَذَا القُرْآنَ ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أشَدُّ تَفَلُّتاً مِنَ الإبلِ فِي عُقُلِهَا )) متفقٌ عَلَيْهِ .
__________
(1) - أخرجه : البخاري 6/232 ( 5011 ) ، ومسلم 2/193 ( 795 ) ( 240 ) .
(2) - أخرجه : الترمذي ( 2910 ).
(3) ألف ، لام ، ميم .
(4) أخرجه : أبو داود ( 1464 ) ، والترمذي ( 2914 ) .
(5) أخرجه: البخاري 6/238 ( 5033 ) ، ومسلم 2/192 ( 791 ) ( 231 ) .(1/202)
(1)- 377- وعن ابن عمر رضي الله عنهما : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( إنَّمَا
مَثَلُ صَاحبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ الإِبِلِ المُعَقَّلَةِ ، إنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أمْسَكَهَا ، وَإنْ أطْلَقَهَا ذَهَبَتْ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
40- باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن
وطلب القراءة من حسن الصوت والاستماع لها
(2)- 378- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : سَمِعْتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( مَا أَذِنَ اللهُ لِشَيءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
مَعْنَى (( أَذِنَ الله )) : أي اسْتَمَعَ ، وَهُوَ إشَارَةٌ إِلَى الرِّضَا والقَبولِ .
(3)- 379- وعن أَبي موسى الأَشعري - رضي الله عنه - : أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ لَهُ :
(( لَقدْ أُوتِيتَ مِزْمَاراً(4) مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
وفي رواية لمسلمٍ : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ لَهُ : (( لَوْ رَأيْتَنِي وَأنَا أسْتَمِعُ لِقِراءتِكَ الْبَارِحَةَ)) .
(5)- 380- وعن البَراءِ بنِ عازِبٍ رضي اللهُ عنهما ، قَالَ : سَمِعْتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَرَأَ فِي الْعِشَاءِ بالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ، فَمَا سَمِعْتُ أحَداً أحْسَنَ صَوْتاً مِنْهُ . متفقٌ عَلَيْهِ .
__________
(1) أخرجه : البخاري 6/237 – 238 ( 5031 ) ، ومسلم 2/190 ( 789 )
( 226 ) .
(2) أخرجه: البخاري 9/193 ( 7544 ) ، ومسلم 2/192 ( 792 ) ( 233 ) .
(3) أخرجه : البخاري 6/241 ( 5048 ) ، ومسلم 2/192 ( 793 ) ( 235 )
و( 236 ) .
(4) المزمار : الآلة التي يزمّر بها . النهاية 2/312 .
(5) أخرجه : البخاري 9/194 ( 7546 ) ، ومسلم 2/41 ( 464 ) ( 177 ) .(1/203)
(1)- 381- وعن أَبي لُبَابَةَ بشير بن عبد المنذر - رضي الله عنه - : أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالقُرْآنِ فَلَيْسَ مِنَّا )) رواه أَبُو داود بإسنادٍ جيدٍ .
معنى (( يَتَغَنَّى )) : يُحَسِّنُ صَوْتَهُ بِالقُرْآنِ .
(2)- 382- وعن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ لِي النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : (( اقْرَأْ عَلَيَّ القُرْآنَ )) ، فقلتُ : يَا رسولَ الله ، أَقْرَأُ عَلَيْكَ ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ ؟! قَالَ : (( إنِّي أُحِبُّ أنْ أسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي )) فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ سُورَةَ النِّسَاءِ ، حَتَّى جِئْتُ إِلَى هذِهِ الآية: { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيداً } قَالَ :(( حَسْبُكَ الآنَ )) فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ ، فَإذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ . متفقٌ عَلَيْهِ .
41- باب الحث عَلَى سور وآيات مخصوصة
(3)- 383- عن أَبي سَعِيدٍ رَافِعِ بن الْمُعَلَّى - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ لي رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : (( أَلاَ أُعَلِّمُكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ في القُرْآن قَبْلَ أنْ تَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ ؟ )) فَأخَذَ بِيَدِي ، فَلَمَّا أرَدْنَا أنْ نَخْرُجَ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إنَّكَ قُلْتَ : لأُعَلِّمَنَّكَ أعْظَمَ سُورَةٍ في القُرْآنِ ؟ قَالَ : (( الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ ، هِيَ السَّبْعُ المَثَانِي وَالقُرْآنُ العَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ )) رواه البخاري .
__________
(1) أخرجه : أبو داود ( 1471 ) .
(2) انظر الحديث ( 446 ) .
(3) أخرجه : البخاري 6/77 ( 4647 ) .(1/204)
(1)- 384- وعن أَبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ في : { قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ } : (( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ )) .
وفي روايةٍ : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ لأَصْحَابِهِ : (( أَيَعْجِزُ أحَدُكُمْ أنْ يَقْرَأَ بِثُلُثِ القُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ )) فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ، وَقَالُوا : أيُّنَا يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رسولَ الله ؟ فَقَالَ : (( { قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ } : ثُلُثُ الْقُرْآنِ )) رواه البخاري .
(2)- 385- وعنه : أنَّ رَجُلاً سَمِعَ رَجُلاً يَقْرَأُ : (( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ )) يُرَدِّدُهَا فَلَمَّا أصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ وَكَانَ الرَّجُلُ يَتَقَالُّهَا(3) ، فَقَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ )) رواه البخاري .
(4)- 386- وعن أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - : أَنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ في : { قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ } (( إنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ )) رواه مسلم .
(5)- 387- وعن أنس - رضي الله عنه - : أنَّ رَجُلاً قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إني أُحِبُّ هذِهِ السُّورَةَ : { قُلْ هُوَ اللهُ أحَدٌ } قَالَ : (( إنَّ حُبَّهَا أدْخَلَكَ الجَنَّةَ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) . ورواه البخاري في صَحِيحِهِ تعليقاً .
__________
(1) أخرجه : البخاري 6/233 ( 5013 ) و( 5015 ) .
(2) انظر الحديث السابق .
(3) قال ابن حجر في فتح الباري 9/75 : (( يتقالّها بتشديد اللام وأصله يتقاللها أي يعتقد أنها قليلة )) .
(4) أخرجه : مسلم 2/200 ( 812 ) ( 262 ) .
(5) أخرجه : الترمذي ( 2910 ) ، ورواه البخاري 2/196 ( 774 ) معلقاً.(1/205)
(1)- 388- وعن عقبة بن عامِر - رضي الله عنه - : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( ألَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتْ هذِهِ اللَّيْلَةَ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ ؟ { قُلْ أَعْوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ } وَ { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } )) رواه مسلم .
(2)- 389- وعن أَبي سَعِيدٍ الخُدريِّ - رضي الله عنه - ، قَالَ : كَانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَتَعَوَّذُ مِنَ الجَانِّ ، وَعَيْنِ الإنْسَانِ ، حَتَّى نَزَلَتْ المُعَوِّذَتَانِ ، فَلَمَّا نَزَلَتَا ، أخَذَ بِهِمَا وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا . رواه الترمذي ، وقال: (( حديث حسن )) .
(3)- 390- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( مِنَ القُرْآنِ سُورَةٌ ثَلاثُونَ آيَةً شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ ، وَهِيَ : { تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ } )) رواه أَبُو داود والترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .
وفي رواية أَبي داود : (( تَشْفَعُ )) .
(4)- 391- وعن أَبي مسعودٍ البَدْرِيِّ - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( مَنْ قَرَأَ بِالآيَتَيْنِ مِنْ آخر سُورَةِ البَقَرَةِ في لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
قِيلَ : كَفَتَاهُ الْمَكْرُوهَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ ، وَقِيلَ : كَفَتَاهُ مِنْ قِيامِ اللَّيْلِ .
__________
(1) أخرجه : مسلم 2/200 ( 814 ) ( 264 ) .
(2) أخرجه : ابن ماجه ( 3511 ) ، والترمذي ( 2058 ) ، والنسائي 8/271 وفي
" الكبرى " ، له ( 7930 ).
(3) أخرجه : أبو داود ( 1400 ) ، وابن ماجه ( 3786 ) ، والترمذي ( 2891 ) والنسائي في " الكبرى " ( 11612 ) .
(4) أخرجه: البخاري 5/107 ( 4008 ) ، ومسلم 2/198 ( 808 ) ( 256 ) .(1/206)
(1)- 392- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ ، إنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ البَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ البَقرَةِ )) رواه مسلم .
(2)- 393- وعن أُبَيِّ بنِ كَعبٍ - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( يَا أَبَا الْمُنْذِرِ ، أَتَدْري أيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ الله مَعَكَ أعْظَمُ ؟ )) قُلْتُ : { اللهُ لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ } فَضَرَبَ فِي صَدْرِي ، وقال : (( لِيَهْنِكَ العِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ )) رواه مسلم .
__________
(1) أخرجه : مسلم 2/188 ( 780 ) ( 212 ) .
(2) أخرجه : مسلم 2/199 ( 810 ) ( 258 ) .(1/207)
(1)- 394- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : وَكَّلَنِي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فَأتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَام، فَأخَذْتُهُ فقُلتُ: لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : إنِّي مُحْتَاجٌ ، وَعَليَّ عِيَالٌ ، وَبِي حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ ، فَخَلَّيْتُ عَنْهُ ، فَأصْبَحْتُ ، فَقَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( يَا أَبَا هُريرة ، مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ البَارِحَةَ ؟ )) قُلْتُ : يَا رسول الله ، شَكَا حَاجَةً وَعِيَالاً ، فَرحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبيلَهُ . فَقَالَ : (( أمَا إنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ )) فَعَرَفْتُ أنَّهُ سَيَعُودُ ، لقولِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَرَصَدْتُهُ، فَجاء يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ ، فَقُلتُ : لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : دَعْنِي فَإنِّي مُحْتَاجٌ، وَعَلَيَّ عِيَالٌ لاَ أعُودُ ، فَرحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبيلَهُ ، فَأصْبَحْتُ فَقَالَ لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( يَا أَبَا هُريرة ، مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ البَارِحَةَ ؟ )) قُلْتُ : يَا رسول الله ، شَكَا حَاجَةً وَعِيَالاً ، فَرحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبيلَهُ . فَقَالَ : (( إنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ )) فَرَصَدْتُهُ الثَّالثَة ، فَجاء يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأخَذْتُهُ ، فَقُلتُ : لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا آخِرُ ثلاثِ مَرَّاتٍ أنَّكَ تَزْعُمُ أنَّكَ لاَ تَعُودُ ! فَقَالَ : دَعْنِي فَإنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهَا ، قُلْتُ : مَا هُنَّ ؟ قَالَ : إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ ، فَإنَّهُ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ الله حَافِظٌ ، وَلاَ
__________
(1) أخرجه : البخاري 3/132 – 133 ( 2311 ) .(1/208)
يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ ، فَأصْبَحْتُ ، فَقَالَ لي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَا فَعَلَ أسِيرُكَ البَارِحَةَ ؟ )) قُلْتُ : يَا رسول الله، زَعَمَ أنَّهُ يُعَلِّمُنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللهُ بِهَا ، فَخَلَّيْتُ سَبيلَهُ ، قَالَ : (( مَا هِيَ ؟ )) قُلْتُ : قَالَ لي : إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَة الكُرْسِيِّ مِنْ أوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَ الآية : { اللهُ لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ } وقال لِي : لاَ يَزَالُ عَلَيْكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ ، وَلَنْ يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ . فَقَالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : (( أمَا إنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ ، تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلاَثٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ؟ )) قُلْتُ : لاَ . قَالَ : (( ذَاكَ شَيْطَانٌ )) رواه البخاري .
(1)- 395- وعن أَبي الدرداءِ - رضي الله عنه - : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الكَهْفِ ، عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ )) . رواه مسلم .
__________
(1) أخرجه : مسلم 2/199 ( 809 ) ( 257 ) .(1/209)
(1)- 396- وعن ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : بَيْنَمَا جِبْريلُ - عليه السلام - قَاعِدٌ عِنْدَ النبي - صلى الله عليه وسلم - سَمِعَ نَقيضاً مِنْ فَوقِهِ ، فَرَفَعَ رَأسَهُ ، فَقَالَ : هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ اليَوْمَ وَلَمْ يُفْتَحْ قَطٌّ إِلاَّ اليَوْمَ ، فنَزلَ منهُ مَلكٌ ، فقالَ : هذا مَلكٌ نَزلَ إلى الأرضِ لم ينْزلْ قطّ إلاّ اليومَ فَسَلَّمَ وقال : أبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤتَهُمَا نَبيٌّ قَبْلَكَ : فَاتِحَةُ الكِتَابِ ، وَخَواتِيمُ سُورَةِ البَقَرَةِ ، لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهَا إِلاَّ أُعْطِيتَه . رواه مسلم .
(( النَّقِيضُ )) : الصَّوْتُ .
42- باب استحباب الاجتماع عَلَى القراءة
(2)- 397- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتلُونَ كِتَابَ اللهِ ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بينهم ، إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيتْهُمُ الرَّحْمَةُ ، وَحَفَّتْهُمُ المَلاَئِكَةُ ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ )) رواه مسلم .
43- باب فضل الصلوات
قَالَ الله تَعَالَى : { إنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ } [ العنكبوت : 45 ] .
__________
(1) أخرجه : مسلم 2/198 ( 806 ) ( 254 ) .
(2) أخرجه : مسلم 8/71 ( 2699 ) ( 38 ) .(1/210)
(1)- 398- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : سَمِعْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( أرَأيْتُمْ لَوْ أنَّ نَهْرَاً بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرنهِ(2) شَيْءٌ ؟ )) قالوا : لا يَبْقَى مِنْ دَرنهِ شَيْءٌ ، قَالَ : (( فَذلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الخَطَايَا )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(3)- 399- وعن جابرٍ - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَثَلُ الصَّلَواتِ الخَمْسِ كَمَثَلِ نَهْرٍ جَارٍ غَمْرٍ عَلَى بَابِ أحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَومٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ )) رواه مسلم .
(( الغَمْرُ )) بفتح الغين المعجمة : الكثير .
(4)- 400- وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - : أنَّ رَجُلاً أصَابَ مِن امْرَأَةٍ قُبْلَةً ، فَأتَى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَأخْبَرَهُ فَأنْزَلَ اللهُ تَعَالَى : { أَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ، إنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } [ هود : 114 ] فَقَالَ الرَّجُلُ أَلِيَ هَذَا ؟ قَالَ : (( لِجَمِيعِ أُمَّتِي كُلِّهِمْ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(5)- 401- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ ، وَالجُمُعَةُ إِلَى الجُمُعَةِ ، كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ ، مَا لَمْ تُغشَ الكَبَائِرُ )) رواه مسلم .
__________
(1) أخرجه : البخاري 1/141 ( 528 ) ، ومسلم 2/131 ( 667 ) ( 283 ) .
(2) الدرن : الوسخ . النهاية 2/115 .
(3) أخرجه : مسلم 2/132 ( 668 ) ( 284 ) .
(4) انظر الحديث ( 434 ) .
(5) أخرجه : مسلم 1/144 ( 233 ) ( 14 ) .(1/211)
(1)- 402- وعن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ، قَالَ : سَمِعْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( مَا مِنْ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلاَةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءها ؛ وَخُشُوعَهَا، وَرُكُوعَهَا ، إِلاَّ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوب مَا لَمْ تُؤتَ كَبِيرةٌ ، وَذلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ )) رواه مسلم .
44- باب فضل صلاة الصبح والعصر
(2)- 403- عن أَبي موسى - رضي الله عنه - : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( مَنْ صَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(( البَرْدَانِ )) : الصُّبْحُ والعَصْرُ .
(3)- 404- وعن أَبي زهير عُمارة بن رُؤَيْبَةَ - رضي الله عنه - ، قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( لَنْ يَلِجَ النَّارَ أحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا )) يعني : الفَجْرَ والعَصْرَ . رواه مسلم .
(4)- 405- وعن جُنْدُبِ بن سفيان - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ في ذِمَّةِ اللهِ ، فَانْظُرْ يَا ابْنَ آدَمَ ، لاَ يَطْلُبَنَّكَ اللهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيءٍ )) رواه مسلم .
__________
(1) أخرجه : مسلم 1/142 ( 228 ) ( 7 ) .
(2) انظر الحديث ( 132 ) .
(3) أخرجه : مسلم 5/114 ( 634 ) ( 213 ) .
(4) أخرجه : مسلم 2/125 ( 657 ) ( 261 ) .(1/212)
(1)- 406- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ، وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ ، وَيجْتَمِعُونَ في صَلاَةِ الصُّبْحِ وَصَلاَةِ العَصْرِ ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ ، فَيَسْأَلُهُمُ اللهُ - وَهُوَ أعْلَمُ بِهِمْ - كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادي ؟ فَيقُولُونَ : تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ ، وَأتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(2)- 407- وعن جرير بن عبد الله البَجَليِّ - رضي الله عنه - ، قَالَ : كُنَّا عِنْدَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَنَظَرَ إِلَى القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ ، فَقَالَ : (( إنَّكُمْ سَتَرَونَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ ، لاَ تُضَامُونَ في رُؤْيَتهِ ، فَإنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ، فَافْعَلُوا )) متفقٌ عَلَيْهِ .
وفي رواية : (( فَنَظَرَ إِلَى القَمَرِ لَيْلَةَ أرْبَعَ عَشْرَةَ )) .
(3)- 408- وعن بُرَيْدَة - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ تَرَكَ صَلاَةَ العَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ )) رواه البخاري .
45 - باب فضل المشي إلى المساجد
(4) – 409- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( مَنْ غَدَا إلى المَسْجِدِ أَوْ رَاحَ ، أعَدَّ اللَّهُ لَهُ فِي الجَنَّةِ نُزُلاً كُلَّمَا غَدَا أوْ رَاحَ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
__________
(1) أخرجه: البخاري 1/145– 146 ( 555 )، ومسلم 2/113 ( 632 ) ( 210 ).
(2) أخرجه : البخاري 1/145 ( 554 ) ، ومسلم 2/113 ( 633 ) ( 211 ) .
(3) أخرجه : البخاري 1/145 ( 553 ) .
(4) انظر الحديث ( 123 ) .(1/213)
(1)- 410- وعنه : أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( مَنْ تَطَهَّرَ في بَيْتِهِ ، ثُمَّ مَضَى إلى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ ، لِيَقْضِي فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ ، كَانَتْ خُطُواتُهُ ، إحْدَاهَا تَحُطُّ خَطِيئَةً ، وَالأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً )) رواه مسلم .
(2) – 411- وعن أُبيّ بن كعبٍ - رضي الله عنه - ، قَالَ : كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ لاَ أَعْلمُ أَحَداً أبْعَدَ مِنَ المَسْجِدِ مِنْهُ ، وَكَانَتْ لا تُخْطِئُهُ صَلاَةٌ ، فَقيلَ لَهُ : لَوْ اشْتَرَيْتَ حِمَاراً لِتَرْكَبَهُ في الظَّلْمَاءِ وَفِي الرَّمْضَاءِ(3) ، قَالَ : مَا يَسُرُّنِي أنَّ مَنْزِلِي إلى جَنْبِ المَسْجِدِ ، إنِّي أُرِيدُ أنْ يُكْتَبَ لِي مَمْشَايَ إلى المَسْجِدِ ، وَرُجُوعِي إذَا رَجَعْتُ إلى أهْلِي . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : (( قَدْ جَمَعَ اللَّهُ لكَ ذَلِكَ كُلَّه)) رواه مُسلِم .
__________
(1) أخرجه : مسلم 2/131 ( 666 ) ( 282 ) .
(2) انظر الحديث ( 137 ) .
(3) الرمضاء : شِدّةُ الحَرّ . لسان العرب 5/315 ( رمض ) .(1/214)
(1) – 412- وعن جابر - رضي الله عنه - ، قَالَ : خَلَت البِقاعُ حولَ المَسْجِدِ ، فَأَرَادَ بَنُو سَلمَةَ أنْ يَنْتَقِلُوا قُرْبَ المَسْجِدِ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ لَهُمْ : (( بَلَغَنِي أنَّكُم تُريدُونَ أنْ تَنْتَقِلُوا قُرْبَ المَسْجِدِ؟ )) قالوا : نعم ، يا رَسُول اللَّهِ ، قَدْ أرَدْنَا ذَلِكَ . فَقَالَ : (( بَنِي سَلِمَةَ دِيَارَكُم تُكْتَبْ آثارُكُمْ ، دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثارُكُمْ(2) )) فقالوا : مَا يَسُرُّنَا أنَّا كُنَّا تَحَوَّلْنَا . رواه مسلم ، وروى البخاري معناه من رواية أنس .
(3) – 413- وعن أبي موسى - رضي الله عنه - ، قَالَ : قال رَسُول اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - : (( إنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ أجْراً في الصَّلاةِ أبْعَدُهُمْ إلَيْهَا مَمْشىً ، فَأَبْعَدُهُمْ ، وَالَّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الإمَامِ أعظَمُ أجْراً مِنَ الَّذِي يُصَلِّيهَا ثُمَّ يَنَامُ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(4)- 414- وعن بُريدَة - رضي الله عنه - ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( بَشِّرُوا المَشَّائِينَ في الظُّلَمِ إلى المَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ القِيَامَةِ )) رواه أبُو دَاوُدَ وَالتِّرمِذِيُّ .
__________
(1) انظر الحديث ( 136 ) .
(2) قال النووي في شرح صحيح مسلم 3/146 عقيب ( 665 ) : (( بني سلمة دياركم تكتب آثاركم معناه : الزموا دياركم فإنكم إذا لزمتموها كتبت آثاركم وخطاكم الكثيرة إلى المسجد )) .
(3) أخرجه : البخاري 1/166 ( 651 ) ، ومسلم 2/130 ( 662 ) ( 277 ) .
(4) أخرجه : أبو داود ( 561 ) ، والترمذي ( 223 ) .(1/215)
(1) – 415- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( ألا أدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الخَطَايَا ، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ ؟ )) قَالُوا : بَلَى يا رَسُول اللهِ ؟ قَالَ : (( إسْبَاغُ الوُضُوءِ عَلَى المَكَارِهِ ، وَكَثْرَةُ الخُطَا إلَى المَسَاجِدِ ، وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ ، فذَلِكُمُ الرِّبَاطُ )) رواه مسلِم .
(2) – 416- وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( إذا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ المَسَاجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بالإيمَانِ ، قال اللهُ - عز وجل - : { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ } الآية )) رواه الترمذي، وقال: (( حديث حسن )).
46 - باب فضل انتظار الصلاة
(3) – 417- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( لا يَزَالُ أحَدُكُمْ في صَلاَةٍ مَا دَامَتِ الصَّلاَةُ تَحْبِسُهُ ، لا يَمنَعُهُ أنْ يَنقَلِبَ إلى أهلِهِ إلاَّ الصَّلاةُ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(4) – 418- وعنه - رضي الله عنه - : أنَّ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( الْمَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلاَّهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، مَا لَمْ يُحْدِثْ، تَقُولُ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ )) رواه البُخَارِيُّ .
__________
(1) انظر الحديث ( 131 ) .
(2) أخرجه : ابن ماجه ( 802 ) ، والترمذي ( 3093 ) وقال : (( حديث حسن غريب )) على أن سند الحديث ضعيف فهو من رواية دراج عن أبي السمح ، وهي ضعيفة .
(3) أخرجه : البخاري 1/168 ( 659 ) ، ومسلم 2/129 ( 649 ) ( 275 ) .
(4) أخرجه : البخاري 1/121 ( 445 ) .(1/216)
(1) – 419- وعن أنس - رضي الله عنه - : أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَخَّرَ لَيْلَةً صَلاَةَ العِشَاءِ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ ثُمَّ أقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ بَعْدَمَا صَلَّى ، فَقَالَ : (( صَلَّى النَّاسُ وَرَقَدُوا ، وَلَمْ تَزَالُوا في صَلاَةٍ مُنْذُ انْتَظَرْتُمُوهَا)) رواه البُخَارِيُّ .
47 - باب فضل صلاة الجماعة
(2) – 420- عن ابن عمر رضي الله عنهما : أنَّ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( صَلاَةُ الْجَمَاعَة أفْضَلُ مِنْ صَلاَةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(3) – 421- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : قال رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : (( صَلاةُ الرَّجُلِ في جَمَاعةٍ تُضَعَّفُ عَلَى صَلاتِهِ فِي بَيْتهِ وفي سُوقِهِ خَمْساً وَعِشْرِينَ ضِعْفَاً ، وَذلِكَ أَنَّهُ إذَا تَوَضَّأ فَأحْسَنَ الوُضُوءَ ، ثُمَّ خَرَجَ إلى المَسْجِدِ ، لا يُخرِجُهُ إلاَّ الصَّلاةُ ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إلاَّ رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ ، وَحُطَّتْ عَنهُ بِهَا خَطِيئَةٌ ، فَإذَا صَلَّى لَمْ تَزَلِ المَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ في مُصَلاَّهُ ، مَا لَمْ يُحْدِث ، تقولُ : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيهِ ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ ، وَلاَ يَزَالُ في صَلاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاَةَ )) متفقٌ عَلَيهِ ، وهذا لفظ البخاري .
__________
(1) أخرجه : البخاري 1/168 ( 661 ) .
(2) أخرجه : البخاري 1/165 ( 645 ) ، ومسلم 2/122 ( 650 ) ( 249 ) .
(3) أخرجه : البخاري 1/166 ( 647 ) ، ومسلم 2/121 ( 649 ) ( 245 ) .(1/217)
(1) – 422- وعنه ، قَالَ : أَتَى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ أعْمَى ، فقَالَ : يا رَسُولَ اللهِ ، لَيسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إلى الْمَسْجِدِ ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّي فِي بَيْتِهِ ، فَرَخَّصَ لَهُ ، فَلَّمَا وَلَّى دَعَاهُ ، فَقَالَ لَهُ : (( هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاَةِ ؟ )) قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : (( فَأجِبْ )) رواه مُسلِم .
(2) – 423- وعن عبدِ الله – وقيل : عَمْرو بن قَيسٍ - المعروف بابن أُمّ مكتوم المؤذن - رضي الله عنه - أنَّه قَالَ: يا رَسُول اللهِ ، إنَّ المَدينَةَ كَثيرةُ الهَوَامِّ وَالسِّبَاعِ . فَقَالَ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : (( تَسْمَعُ حَيَّ عَلَى الصَّلاةِ حَيَّ عَلَى الفَلاحِ ، فَحَيَّهلاً )) رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ بإسناد حسن .
ومعنى (( حَيَّهَلاً(3) )) : تعال .
(4) – 424- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَقَدْ هَمَمْتُ أنْ آمُرَ بحَطَبٍ فَيُحْتَطَبَ ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَيُؤذَّنَ لهَا ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيَؤُمَّ النَّاسَ ، ثُمَّ أُخَالِفَ إلى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهمْ )) متفقٌ عَلَيهِ .
__________
(1) أخرجه : مسلم 2/124 ( 653 ) ( 255 ) .
(2) أخرجه : أبو داود ( 553 ) ، والنسائي 2/110 .
(3) حيّ هلا : أي ابدأ بها واعجل ، وهما كلمتان جعلتا كلمة واحدة . وفيها لغات . وهلاً : حثّ واستعجال . النهاية 5/472 .
(4) أخرجه : البخاري 1/165 ( 644 ) ، ومسلم 2/123 ( 651 ) ( 251 ) .(1/218)
(1) – 425- وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، قَالَ : مَنْ سَرَّهُ أنْ يَلْقَى اللهَ تَعَالَى غداً مُسْلِماً ، فَلْيُحَافِظْ عَلَى هؤُلاَءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ ، فَإنَّ اللهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكم - صلى الله عليه وسلم - سُنَنَ الهُدَى ، وَإنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الهُدَى ، وَلَوْ أنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ في بُيُوتِكم كَمَا يُصَلِّي هذا المُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّة نَبِيِّكُم لَضَلَلْتُمْ ، وَلَقَدْ رَأيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلاَّ مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤتَى بهِ ، يُهَادَى(2) بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ في الصَّفِّ . رَوَاهُ مُسلِم .
وفي رواية لَهُ قَالَ : إنّ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَّمَنَا سُنَنَ الهُدَى ؛ وإنَّ مِنْ سُنَنِ الهُدَى الصَّلاَةَ في المَسْجِدِ الَّذِي يُؤَذَّنُ فِيهِ .
(3) – 426- وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - ، قال : سمعت رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( مَا مِنْ ثَلاثَةٍ فِي قَرْيةٍ ، وَلاَ بَدْوٍ ، لا تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلاَةُ إلاَّ قَد اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِم الشَّيْطَانُ . فَعَلَيْكُمْ بِالجَمَاعَةِ ، فَإنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ مِنَ الغَنَمِ القَاصِيَة(4) )) رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ بإسناد حسن .
48 - باب الحث عَلَى حضور الجماعة في الصبح والعشاء
__________
(1) أخرجه : مسلم 2/124 ( 654 ) ( 256 ) و( 257 ) .
(2) قال النووي في شرح صحيح مسلم 3/135 عقيب ( 655 ) : (( معنى يهادى ، أن يمسكه رجلان من جانبيه بعضديه يعتمد عليهما )) .
(3) أخرجه : أبو داود ( 547 ) ، والنسائي 2/106 – 107 .
(4) القاصية : المنفردة عن القطيع البعيدة عنه . النهاية 4/75 .(1/219)
(1) – 427- عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( مَنْ صَلَّى العِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ ، فَكَأنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ في جَمَاعَةٍ ، فَكَأنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ )) رواه مُسلِم .
وفي رواية الترمذي عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ، قَالَ : قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - :
(( مَنْ شَهِدَ العِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ لَهُ قِيَامُ نِصْفَ لَيلَةٍ ، وَمَنْ صَلَّى العِشَاءَ وَالفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ، كَانَ لَهُ كَقِيَامِ لَيْلَةٍ )) قَالَ الترمذي : (( حديث حسن صحيح )) .
(2) – 428- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا في العَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوَاً )) متفقٌ عَلَيهِ . وقد سبق بِطولِهِ .
(3) – 429- وعنه ، قَالَ : قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : (( لَيْسَ صَلاَةٌ أثْقَلَ عَلَى المُنَافِقِينَ مِنْ صَلاَةِ الفَجْرِ وَالعِشَاءِ ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْواً )) متفقٌ عَلَيهِ .
49 - باب الأمر بالمحافظة عَلَى الصلوات المكتوبات
والنهي الأكيد والوعيد الشديد في تركهنّ
قال الله تَعَالَى : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى } [البقرة : 238 ] ، وقال تعالى : { فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ } [ التوبة : 5 ] .
__________
(1) أخرجه :مسلم 2/125 ( 656 ) ( 260 ) ، والترمذي ( 221 ) .
(2) انظر الحديث ( 1033 ) .
(3) أخرجه : البخاري 1/167 ( 657 ) ، ومسلم 2/123 ( 651 ) ( 252 ) .(1/220)
(1) – 430- وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، قال : سألت رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أيُّ الأعْمَالِ أفْضَلُ ؟ قَالَ : (( الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا )) قلتُ : ثُمَّ أيٌّ ؟ قَالَ : (( بِرُّ الوَالِدَيْنِ )) قلتُ : ثُمَّ أيٌّ ؟ قَالَ : (( الجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ )) متفقٌ عَلَيهِ .
(2) – 431- وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، قَالَ : قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : (( بُنِيَ الإسْلامُ عَلَى خَمْسٍ : شَهَادَةِ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ ، وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَحَجِّ البَيْتِ ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ )) متفقٌ عَلَيهِ .
(3)- 432- وعنه ، قَالَ : قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : (( أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ ، وأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ، فَإذَا فَعَلُوا ذَلِكَ ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ ، إلاَّ بِحَقِّ الإسْلاَمِ ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ )) متفقٌ عَلَيهِ .
(4) – 433- وعن معاذٍ - رضي الله عنه - ، قَالَ : بَعثنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إلى اليَمَنِ ، فَقَالَ :
__________
(1) انظر الحديث ( 312 ) .
(2) أخرجه : البخاري 1/9 ( 8 ) ، ومسلم 1/34 ( 16 ) ( 21 ) .
(3) انظر الحديث ( 390 ) .
(4) انظر الحديث ( 208 ) .(1/221)
(( إنَّكَ تَأْتِي قَوْماً مِنْ أَهْل الكِتَابِ ، فَادْعُهُمْ إلى شَهَادَةِ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ ، وأنِّي رَسُولُ اللهِ ، فَإنْ هُمْ أطاعُوا لِذلِكَ ، فَأعْلِمْهُمْ أنَّ اللهَ تَعَالَى افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَومٍ وَلَيلَةٍ، فَإنْ هُمْ أطَاعُوا لِذَلِكَ ، فَأعْلِمْهُمْ أنَّ اللهَ تَعَالَى افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤخَذُ مِنْ أغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ ، فَإنْ هُمْ أطَاعُوا لِذلِكَ ، فَإيَّاكَ وَكَرَائِمَ أمْوَالهِمْ ، واتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ ، فَإنَّهُ لَيْسَ بَينَهَا وبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ )) متفقٌ عَلَيهِ .
(1) – 434- وعن جابرٍ - رضي الله عنه - ، قال : سمعت رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( إنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ والكفر ، تَرْكَ الصَّلاَةِ )) رواه مُسلِم .
(2) – 435- وعن بُرَيْدَة - رضي الله عنه - ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( العَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلاَةُ ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ )) رواه التِّرمِذِيُّ ، وَقَالَ : (( حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح )) .
(3) – 436- وعن شقِيق(4) بن عبدِ الله التَّابِعيِّ المتفق عَلَى جَلاَلَتِهِ رَحِمهُ اللهُ ، قَالَ : كَانَ أصْحَابُ محَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - لا يَرَوْنَ شَيْئاً مِنَ الأعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلاَةِ . رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ في كِتابِ الإيمان بإسنادٍ صحيحٍ .
__________
(1) أخرجه : مسلم 1/61 – 62 ( 82 ) ( 134 ) .
(2) أخرجه : ابن ماجه ( 1079 ) ، والترمذي ( 261 ) ، والنسائي 1/231 وفي " الكبرى " ، له ( 325 ) وقال الترمذي : (( حديث حسن صحيح غريب )) .
(3) أخرجه : الترمذي ( 2622 ) .
(4) في جامع الترمذي وتحفة الأشراف ( 15610 ) ، وتهذيب الكمال 2/162 ( 3321 ) : (( عبد الله بن شقيق )) .(1/222)
(1) – 437- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : (( إنَّ أوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ العَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلاَتُهُ ، فَإنْ صَلَحَتْ ، فَقَدْ أفْلَحَ وأَنْجَحَ ، وَإنْ فَسَدَتْ ، فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ ، فَإنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ ، قَالَ الرَّبُ - عز وجل - : انْظُرُوا هَلْ لِعَبدي من تطوّعٍ ، فَيُكَمَّلُ مِنْهَا مَا انْتَقَصَ مِنَ الفَرِيضَةِ ؟ ثُمَّ تَكُونُ سَائِرُ أعْمَالِهِ عَلَى هَذَا )) رواه التِّرمِذِيُّ ، وَقَالَ : (( حَدِيثٌ حَسَنٌ )) .
50 - باب فضل السنن الراتبة مع الفرائض
وبيان أقلها وأكملها وما بينهما
(2)- 438- وعن أُمِّ المُؤْمِنِينَ أُمِّ حَبِيبَةَ رملة بِنْتِ أبي سُفْيَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهما ، قالت : سمعت رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي للهِ تَعَالى كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعاً غَيرَ الفَرِيضَةِ ، إلاَّ بَنَى الله لَهُ بَيْتاً في الجَنَّةِ ، أو إلاَّ بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الجَنَّةِ )) رواه مُسلِمٌ .
(3)- 439- وعن ابن عمر رَضِيَ اللهُ عَنهُما ، قَالَ : صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتْينِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الجُمُعَةِ ، وَرَكْعَتَينِ بَعدَ المَغْرِبِ ، وَرَكْعَتَينِ بَعدَ العِشَاءِ . متفقٌ عَلَيهِ .
__________
(1) أخرجه : الترمذي ( 413 ) ، والنسائي 1/232 وفي "الكبرى" ، له ( 325 ) .
(2) أخرجه : مسلم 2/162 ( 728 ) ( 103 ) .
(3) أخرجه : البخاري 2/72 ( 1172 ) ، ومسلم 2/162 ( 729 ) ( 104 ) .(1/223)
(1)- 440- وعن عبد الله بن مُغَفَّلٍ - رضي الله عنه - ، قَالَ : قال رَسُول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : (( بَيْنَ كُلِّ أذَانَيْنِ صَلاَةٌ، بَيْنَ كُلِّ أذَانَيْنِ صَلاَةٌ ، بَيْنَ كل أذانين صلاة )) قال في الثَّالِثةِ : (( لِمَنْ شَاءَ )) متفقٌ عَلَيهِ.
المُرَادُ بِالأَذَانيْنِ : الأذَانُ وَالإقَامَةُ .
51- باب فضل قيام الليل
قَالَ الله تَعَالَى : { وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً } [ الإسراء : 79 ] ، وقال تَعَالَى : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ } [ السجدة : 16 ] الآية ، وقال تَعَالَى : { كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } [ الذاريات : 17 ] .
(2)- 441- وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : كَانَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفطَّرَ قَدَمَاهُ ، فَقُلْتُ لَهُ : لِمَ تَصْنَعُ هَذَا ، يَا رَسُولَ الله ، وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأخَّرَ ؟ قَالَ : (( أفَلاَ أكُونُ عَبْداً شَكُوراً! )) متفقٌ عَلَيْهِ .
وَعَن المُغِيرَةِ بن شُعبة نَحْوهُ متفقٌ عَلَيْهِ .
(3)- 442- وعن علي - رضي الله عنه - : أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ لَيْلاً ، فَقَالَ : (( أَلاَ تُصَلِّيَانِ ؟ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(( طَرَقَهُ )) : أتَاهُ لَيْلاً .
__________
(1) أخرجه : البخاري 1/161 ( 627 ) ، ومسلم 2/212 ( 838 ) ( 304 ) .
(2) أخرجه : البخاري 6/169 ( 4837 ) ، ومسلم 8/141-142( 2820 ) ( 81 ) عن عائشة .
وأخرجه : البخاري 6/169 ( 4836 ) ، ومسلم 8/141 ( 2819 ) ( 79 ) ( 80 ) عن المغيرة .
(3) أخرجه : البخاري 2/62 ( 1127 ) ، ومسلم 2/187 ( 775 ) ( 206 ) .(1/224)
(1)- 443- وعن سالم بن عبدِ الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم - ، عن أبيِهِ : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيلِ )) قَالَ سالِم : فَكَانَ عَبدُ اللهِ بَعْدَ ذَلِكَ لاَ يَنامُ مِنَ اللَّيلِ إِلاَّ قَلِيلاً . متفقٌ عَلَيْهِ .
(2)- 444- وعن عبد الله بن عَمرو بن العاصِ رضي الله عنهما ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( يَا عَبدَ اللهِ ، لاَ تَكُنْ مِثْلَ فُلانٍ ؛ كَانَ يَقُومُ اللَّيلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيلِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(3)- 445- وعن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - ، قَالَ : ذُكِرَ عِنْدَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلٌ نَامَ لَيْلَةً حَتَّى أصْبَحَ ، قَالَ : (( ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيطَانُ في أُذُنَيْهِ - أَوْ قَالَ : في أُذُنِهِ - )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(4)- 446- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( يَعْقِدُ الشَّيطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأسِ أحَدِكُمْ ، إِذَا هُوَ نَامَ ، ثَلاَثَ عُقَدٍ ، يَضْرِبُ عَلَى كُلِّ عُقْدَةٍ : عَلَيْكَ لَيْلٌ طَويلٌ فَارْقُدْ، فَإن اسْتَيقَظَ ، فَذَكَرَ اللهَ تَعَالَى انحَلَّتْ عُقْدَةٌ ، فَإنْ تَوَضّأ ، انْحَلّتْ عُقدَةٌ ، فَإنْ صَلَّى ، انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا ، فَأصْبَحَ نَشِيطاً طَيِّبَ النَّفْسِ ، وَإلاَّ أصْبحَ خَبيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(( قافية الرَّأس )) : آخِرُهُ .
__________
(1) أخرجه : البخاري 2/61 ( 1122 ) ، ومسلم 7/158-159 ( 2479 ) ( 140 ) .
(2) انظر الحديث ( 154 ) .
(3) أخرجه : البخاري 2/66 ( 1144 ) ، ومسلم 2/187 ( 774 ) ( 205 ) .
(4) أخرجه : البخاري 2/65 ( 1142 ) ، ومسلم 2/187 ( 776 ) ( 207 ) .(1/225)
(1)- 447- وعن عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - : أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( أيُّهَا النَّاسُ : أفْشُوا السَّلامَ ، وَأطْعِمُوا الطَّعَامَ ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ ، تَدْخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلاَمٍ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .
(2)- 448- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : (( أفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ : شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ ، وَأفْضَلُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الفَرِيضَةِ : صَلاَةُ اللَّيْلِ )) رواه مسلم .
(3)- 449- وعن ابن عمر رضي الله عنهما : أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى ، فَإذَا خِفْتَ الصُّبْحَ فَأوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(4)- 450- وعنه ، قَالَ : كَانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى ، وَيُوتِرُ بِرَكْعَةٍ .متفقٌ عَلَيْهِ.
(5)- 451- وعن أنس - رضي الله عنه - ، قَالَ : كَانَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُفْطِرُ مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى نَظُنَّ أنْ لاَ يَصُومَ مِنْهُ ، وَيَصُومُ حَتَّى نَظُنَّ أنْ لاَ يُفْطِرَ مِنْهُ شَيْئاً ، وَكَانَ لاَ تَشَاءُ أنْ تَرَاهُ مِنَ اللَّيلِ مُصَلِّياً إِلاَّ رَأيْتَهُ ، وَلاَ نَائِماً إِلاَّ رَأيْتَهُ . رواه البخاري .
__________
(1) أخرجه : ابن ماجه ( 1334 ) ، والترمذي ( 2485 ) ، وقال الترمذي : (( هذا حديث صحيح )) .
(2) أخرجه : مسلم 3/169 ( 1163 ) ( 202 ) .
(3) أخرجه : البخاري 2/64 ( 1137 ) ، ومسلم 2/172 ( 749 ) ( 147 ) .
(4) انظر الحديث ( 1106 ) .
(5) أخرجه : البخاري 2/65 ( 1141 ) .(1/226)
(1)- 452- وعن عائشة رضي الله عنها : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يُصَلِّي إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً – تَعْنِي في اللَّيلِ – يَسْجُدُ السَّجْدَةَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ أحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً قَبْلَ أنْ يَرْفَعَ رَأسَهُ ، وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الفَجْرِ ، ثُمَّ يَضْطَجِعُ عَلَى شِقِّهِ الأيْمَنِ حَتَّى يَأتِيَهُ المُنَادِي للصَلاَةِ . رواه البخاري .
(2)- 453- وعنها ، قالت : مَا كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَزيدُ - في رَمَضَانَ وَلاَ في غَيْرِهِ - عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً : يُصَلِّي أرْبَعاً فَلاَ تَسْألْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ، ثُمَّ يُصَلِّي أرْبَعاً فَلاَ تَسْألْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاثاً. فَقُلتُ: يَا رسولَ اللهِ ، أتَنَامُ قَبْلَ أنْ تُوتِرَ؟ فَقَالَ: (( يَا عَائِشَة، إنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلاَ يَنَامُ قَلْبِي(3))) متفقٌ عَلَيْهِ.
(4)- 454- وعنها : أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَنَامُ أوّلَ اللَّيلِ ، وَيَقُومُ آخِرَهُ فَيُصَلِّي . متفقٌ عَلَيْهِ .
(5)- 455- وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، قَالَ : صَلَّيْتُ مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةً ، فَلَمْ يَزَلْ قائِماً حَتَّى هَمَمْتُ بِأَمْر سوءٍ ! قيلَ : مَا هَمَمْتَ ؟ قَالَ : هَمَمْتُ أنْ أجِلْسَ وَأدَعَهُ . متفقٌ عَلَيْهِ
__________
(1) أخرجه : البخاري 2/61 ( 1123 ) .
(2) أخرجه : البخاري 2/66 ( 1147 ) ، ومسلم 2/166 ( 738 ) ( 125 ) .
(3) قال النووي في شرح صحيح مسلم 3/221 عقيب ( 745 ) : (( هذا من خصائص الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم )) .
(4) أخرجه : البخاري 2/66 (1146) ، ومسلم 2/167 (739) (129) .
(5) انظر الحديث ( 103 ) .(1/227)
(1)- 456- وعن حذيفة - رضي الله عنه - ، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ البَقرَةَ ، فَقُلْتُ : يَرْكَعُ عِنْدَ المئَةِ ، ثُمَّ مَضَى ، فقلتُ : يُصَلِّي بِهَا في رَكْعَةٍ فَمَضَى ، فقلتُ : يَرْكَعُ بِهَا ، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا ، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا ، يَقرَأُ مُتَرَسِّلاً : إِذَا مَرَّ بآيةٍ فِيهَا تَسبيحٌ سَبَّحَ ، وَإذَا مَرَّ بسُؤَالٍ سَأَلَ ، وَإذَا مَرَّ بتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ ، ثُمَّ رَكَعَ ، فَجَعَلَ يَقُولُ : (( سُبْحَانَ رَبِّيَ العَظِيمِ )) فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحواً مِنْ قِيَامِهِ ، ثُمَّ قَالَ : (( سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ، رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ )) ثُمَّ قَامَ طَويلاً قَريباً مِمَّا رَكَعَ ، ثُمَّ سَجَدَ ، فَقَالَ : (( سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى )) فَكَانَ سجُودُهُ قَريباً مِنْ قِيَامِهِ. رواه مسلم.
(2)- 457- وعن جابر - رضي الله عنه - ، قَالَ : سُئِلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أيُّ الصَّلاَةِ أفْضَلُ ؟ قَالَ : (( طُولُ القُنُوتِ )) رواه مسلم .
المراد بـ (( القنوتِ )) : القِيام .
(3)- 458- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( أحَبُّ الصَّلاةِ إِلَى اللهِ صَلاةُ دَاوُدَ ، وَأحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللهِ صِيَامُ دَاوُدَ ، كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ وَيَصُومُ يَوماً وَيُفْطِرُ يَوْماً )) متفقٌ عَلَيْهِ .
__________
(1) انظر الحديث ( 102 ) .
(2) أخرجه : مسلم 2/175 (756) (165) .
(3) أخرجه : البخاري 4/195 (3420) ، ومسلم 3/165 (1195) (189) .(1/228)
(1)- 459- وعن جابر - رضي الله عنه - ، قَالَ : سَمِعْتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( إنَّ في اللَّيْلِ لَسَاعَةً، لاَ يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْألُ الله تَعَالَى خَيْراً مِنْ أمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، إِلاَّ أعْطَاهُ إيَّاهُ ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ )) رواه مسلم .
(2)- 460- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( إِذَا قَامَ أحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَلْيَفْتَتِحِ الصَّلاَةَ بركْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ )) رواه مسلم .
(3)- 461- وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : كَانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلاَتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ . رواه مسلم .
(4)- 462- وعنها رضي الله عنها ، قالت : كَانَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا فَاتَتْهُ الصَّلاةُ مِن اللَّيْلِ مِنْ وَجَعٍ أَوْ غَيْرِهِ ، صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشرَةَ ركْعَةً . رواه مسلم .
(5)- 463- وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ ، أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ ، فَقَرَأَهُ فيما بَيْنَ صَلاَةِ الفَجْرِ وصلاة الظُّهْرِ ، كُتِبَ لَهُ كَأنَّمَا قَرَأهُ مِنَ اللَّيْلِ )) رواه مسلم .
__________
(1) أخرجه : مسلم 2/175 (757) (166) .
(2) أخرجه : مسلم 2/184(768) (198) .
(3) أخرجه : مسلم 2/184 (767) (197) .
(4) انظر الحديث ( 155 ) .
(5) انظر الحديث ( 153 ) .(1/229)
(1)- 464- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( رَحِمَ اللهُ رَجُلاً قَامَ مِنَ اللَّيْلِ، فَصَلَّى وَأيْقَظَ امْرَأَتَهُ ، فَإنْ أبَتْ نَضَحَ في وَجْهِهَا المَاءَ ، رَحِمَ اللهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ ، فَصَلَّتْ وَأيْقَظَتْ زَوْجَهَا ، فَإن أبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ المَاءَ )) رواه أَبُو داود بإسناد صحيح .
(2)- 465- وعنه وعن أَبي سعيدٍ رضي الله عنهما ، قالا : قَالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : (( إِذَا أَيْقَظَ الرَّجُلُ أهْلَهُ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّيَا - أَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَمِيعاً ، كُتِبَا في الذَّاكِرِينَ وَالذَّاكِرَاتِ )) رواه أَبُو داود بإسناد صحيح .
(3)- 466- وعن عائشة رضي الله عنها : أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( إِذَا نَعَسَ أحَدُكُمْ في الصَّلاَةِ، فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ ، فَإنَّ أحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ ، لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ(4) فَيَسُبَّ نَفْسَهُ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(5)- 467- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إِذَا قَامَ أحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ ، فَاسْتَعْجَمَ(6) القُرْآنَ عَلَى لِسَانِهِ ، فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ ، فَلْيَضْطَجِع )) رواه مسلم .
2- كتَابُ العِلم
52- باب فضل العلم تعلماً وتعليماً لله
__________
(1) أخرجه : أبو داود ( 1308 ) و( 1450 ) ، وابن ماجه ( 1336 ) ، والنسائي 3/205 .
(2) أخرجه : أبو داود (1309) .
(3) انظر الحديث ( 147 ) .
(4) قال النووي في شرح صحيح مسلم 3/265 عقيب ( 787 ) : (( قال القاضي : معنى يستغفر هنا : يدعو )) .
(5) أخرجه : مسلم 2/190 ( 787 ) ( 223 ) .
(6) قال النووي في شرح صحيح مسلم 3/266 عقيب (787):(( أي استغلق ولم ينطلق به لسانه لغلبة النعاس )).(1/230)
قَالَ اللهُ تَعَالَى : { وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمَاً } [ طه : 114 ] ، وقال تَعَالَى : { قُلْ هَلْ يَسْتَوي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الزمر : 9 ] ، وقال تَعَالَى : { يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ } [ المجادلة : 11 ] ، وقال تَعَالَى : { إنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ } [ فاطر : 28 ] .
(1) 468- وعن معاوية - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ )) . متفقٌ عَلَيْهِ .
(2) 469- وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا حَسَدَ إِلاَّ في اثْنَتَيْنِ : رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً ، فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الحَقِّ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الحِكْمَةَ ، فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا )) . متفقٌ عَلَيْهِ .
والمراد بالحسدِ : الغِبْطَةُ ، وَهُوَ أنْ يَتَمَنَّى مِثله .
__________
(1) أخرجه : البخاري 1/27 (71) ، ومسلم 3/94 (1037) (98) .
(2) انظر الحديثين (543) و(570) .(1/231)
(1) 470- وعن أَبي موسى - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : (( مَثَلُ مَا بَعَثَنِي الله بِهِ مِنَ الهُدَى وَالعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أصَابَ أرْضاً ؛ فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبةٌ قَبِلَتِ المَاءَ فَأَنْبَتَتِ الكَلأَ ، وَالعُشْبَ الكَثِيرَ ، وَكَانَ مِنْهَا أجَادِبُ أمْسَكَتِ المَاءَ ، فَنَفَعَ اللهُ بِهَا النَّاسَ ، فَشَرِبُوا مِنْهَا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا، وَأَصَابَ طَائِفَةً مِنْهَا أُخْرَى إنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ ؛ لا تُمْسِكُ مَاءً وَلاَ تُنْبِتُ كلأً ، فَذلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ في دِينِ اللهِ ، وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللهُ بِهِ ، فَعَلِمَ وَعَلَّمَ ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذلِكَ رَأسَاً ، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ )) . متفقٌ عَلَيْهِ .
(2) 471- وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - : أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ لِعَلِيٍّ - رضي الله عنه - : (( فَوَاللهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ أنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ )) . متفقٌ عَلَيْهِ .
(3) 472- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً ، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ )) . رواه البخاري .
(4) 473- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْماً ، سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَرِيقاً إِلَى الجَنَّةِ )) . رواه مسلم .
__________
(1) انظر الحديث (162) .
(2) انظر الحديث (175) .
(3) أخرجه : البخاري 4/207 (3461) .
(4) انظر الحديث (245) وهذا جزء منه .(1/232)
(1) 474- وعنه أَيضاً - رضي الله عنه - : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( مَنْ دَعَا إِلَى هُدىً كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً )) . رواه مسلم .
(2) 475- وعنه قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاثٍ : صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ )) . رواه مسلم .
(3) 476- وعنه ، قَالَ : سَمِعْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : (( الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا ، إِلاَّ ذِكْرَ الله تَعَالَى ، وَمَا وَالاهُ ، وَعَالِماً ، أَوْ مُتَعَلِّماً )) . رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .
قَوْله : (( وَمَا وَالاَهُ )) : أيْ طَاعة الله .
(4) 477- وعن أنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ خَرَجَ في طَلَبِ العِلْمِ فَهُوَ في سَبيلِ اللهِ حَتَّى يَرْجِعَ )). رواه الترمذي ، وقال: (( حديث حسن )) .
(5) 478- وعن أَبي أُمَامَة - رضي الله عنه - : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( فَضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أدْنَاكُمْ )) ثُمَّ قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأهْلَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ في جُحْرِهَا وَحَتَّى الحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِي النَّاسِ الخَيْرَ )) . رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .
__________
(1) انظر الحديث (174) .
(2) انظر الحديث (949) .
(3) انظر الحديث (477) .
(4) أخرجه : الترمذي (2647) ،.
(5) أخرجه : الترمذي (2685) ،.(1/233)
(1) 479- وعن أَبي الدرداء - رضي الله عنه - ، قَالَ : سَمِعْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( مَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَبْتَغِي فِيهِ عِلْماً سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَريقاً إِلَى الجَنَّةِ، وَإنَّ المَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ العِلْمِ رِضاً بِمَا يَصْنَعُ ، وَإنَّ العَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّماوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ حَتَّى الحيتَانُ في المَاءِ ، وَفضْلُ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِ القَمَرِ عَلَى سَائِرِ الكَوَاكِبِ ، وَإنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأنْبِيَاءِ، وَإنَّ الأنْبِيَاءَ لَمْ يَوَرِّثُوا دِينَاراً وَلاَ دِرْهَماً وَإنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بحَظٍّ وَافِرٍ )) . رواه أَبُو داود والترمذي .
(2) 480- وعن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - قَالَ : سَمِعْتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا شَيْئاً ، فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَهُ ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أوْعَى مِنْ سَامِعٍ )) . رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .
(3) 481- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ سُئِلَ عن عِلْمٍ فَكَتَمَهُ ، أُلْجِمَ يَوْمَ القِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ )) . رواه أَبُو داود والترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .
__________
(1) أخرجه : أبو داود (3641) ، وابن ماجه (223) ، والترمذي (2682) .
(2) أخرجه : ابن ماجه (232) ، والترمذي (2657) .
(3) أخرجه : أبو داود (3658) ، وابن ماجه (261) ، والترمذي (2649) .(1/234)
(1) 482- وعنه ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ تَعَلَّمَ عِلْماً مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللهِ - عز وجل - لا يَتَعَلَّمُهُ إِلاَّ لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضاً مِنَ الدُّنْيَا ، لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الجَنَّةِ(2) يَوْمَ القِيَامَةِ )) يَعْنِي : رِيحَهَا . رواه أَبُو داود بإسناد صحيح .
(3) 483- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، قَالَ : سَمِعْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (( إنَّ اللهَ لاَ يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعاً يَنْتَزعهُ مِنَ النَّاسِ،وَلكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِماً ، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوساً جُهَّالاً ، فَسُئِلُوا فَأفْتوا بِغَيْرِ عِلْمٍ ، فَضَلُّوا وَأضَلُّوا)) . متفقٌ عَلَيْهِ .
3- كتاب الأذْكَار
53- باب فَضلِ الذِّكْرِ وَالحَثِّ عليه
__________
(1) أخرجه : أبو داود (3664) ، وابن ماجه (252) .
(2) قال ابن قيم الجوزية : (( عرف الجنة ، بفتح عين مهملة وسكون راء مهملة ، الرائحة ، مبالغة في تحريم الجنة لأن من لم يجد ريح الشيء لا يتناوله قطعاً )) . عون المعبود 10/98 .
(3) أخرجه : البخاري 1/36 (100) ، ومسلم 8/60 (2673) (13) .(1/235)
قَالَ الله تَعَالَى : { وَلذِكْرُ الله أكْبَرُ } [ العنكبوت : 45 ] ، وقال تَعَالَى : { فَاذْكُرُونِي أذْكُرْكُمْ } [ البقرة : 152 ] ، وقال تَعَالَى : { وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ بِالغُدُوِّ والآصَالِ وَلاَ تَكُنْ مِنَ الغَافِلِينَ } [ الأعراف : 205 ] ، وقال تَعَالَى : { وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرَاً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ الجمعة : 10 ] ، وقال تَعَالَى : { إنَّ المُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ } … إِلَى قَوْله تَعَالَى : { وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأجْرَاً عَظِيماً } [ الأحزاب : 35 ] ، وقال تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأصِيلاً } [ الأحزاب : 41- 42 ] الآية . والآيات في الباب كثيرةٌ معلومةٌ .
(1) 484- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمانِ : سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ ، سُبْحَانَ اللهِ العظيمِ )) . متفقٌ عَلَيْهِ .
(2) 485- وعنه - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لأَنْ أَقُولَ : سُبْحَانَ اللهِ ؛ وَالحَمْدُ للهِ ؛ وَلاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ ، وَاللهُ أكْبَرُ ، أَحَبُّ إلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ )) . رواه مسلم .
__________
(1) أخرجه : البخاري 8/107 (6406) ، ومسلم 8/70 (2694) (31) .
(2) أخرجه : مسلم 8/70 (2695) (32) .(1/236)
(1) 486- وعنه : أنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( مَنْ قَالَ لا إلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ ؛ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، في يَوْمٍ مِئَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ وكُتِبَتْ لَهُ مِئَةُ حَسَنَةٍ ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِئَةُ سَيِّئَةٍ ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزاً مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِي ، وَلَمْ يَأتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلاَّ رَجُلٌ عَمِلَ أكْثَرَ مِنْهُ )) .
وقال : (( مَنْ قَالَ سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ ، في يَوْمٍ مِئَةَ مَرَّةٍ ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ ، وَإنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ )) . متفقٌ عَلَيْهِ .
(2) 487- وعن أَبي أيوب الأنصاريِّ - رضي الله عنه - ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( مَنْ قَالَ لا إلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ ؛ وَلَهُ الحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، عَشْرَ مَرَّاتٍ . كَانَ كَمَنْ أعْتَقَ أرْبَعَةَ أنْفُسٍ منْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ )) . متفقٌ عَلَيْهِ .
(3) 488- وعن أَبي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( ألاَ أُخْبِرُكَ بِأَحَبِّ الكَلاَمِ إِلَى اللهِ ؟ إنَّ أَحَبَّ الكَلاَمِ إِلَى اللهِ : سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ )) . رواه مسلم .
__________
(1) أخرجه : البخاري 4/153 (3293) و8/107 (6405) ، ومسلم 8/69 (2691) (28) .
(2) أخرجه : البخاري 8/106 (6404) ، ومسلم 8/69 (2693) (30) .
(3) أخرجه : مسلم 8/85 (2731) (85) .(1/237)
(1) 489- وعن أَبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمانِ ، وَالحَمْدُ للهِ تَمْلأُ المِيزَانَ ، وَسُبْحَانَ اللهِ وَالحَمْدُ للهِ تَمْلآنِ – أَوْ تَمْلأُ – مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ )) . رواه مسلم .
(2) 490- وعن سعد بن أَبي وقاصٍ - رضي الله عنه - قَالَ: جَاءَ أعْرَابيٌّ إِلَى رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : عَلِّمْنِي كَلاَماً أقُولُهُ . قَالَ : (( قُلْ لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ ، اللهُ أكْبَرُ كَبِيراً ، وَالحَمْدُ للهِ كَثيراً ، وَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ العَالِمينَ ، وَلاَ حَولَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ )) قَالَ : فهؤُلاءِ لِرَبِّي ، فَمَا لِي ؟ قَالَ : (( قُلْ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ، وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي ، وَارْزُقْنِي )) . رواه مسلم .
(3) 491- وعن ثَوبانَ - رضي الله عنه - قَالَ : كَانَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلاَتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلاثَاً، وَقَالَ : (( اللَّهُمَّ أنْتَ السَّلاَمُ ، وَمِنْكَ السَّلاَمُ ، تَبَارَكْتَ يَاذَا الجَلاَلِ وَالإكْرَامِ )) قِيلَ لِلأوْزَاعِيِّ - وَهُوَ أحَدُ رواة الحديث - : كَيْفَ الاسْتِغْفَارُ ؟ قَالَ : يقول : أسْتَغْفِرُ الله ، أسْتَغْفِرُ الله . رواه مسلم .
__________
(1) انظر الحديث ( 25 ) .
(2) أخرجه : مسلم 8/70 (2696) (33) .
(3) أخرجه : مسلم 2/94 (591) (135) .(1/238)
(1) 492- وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنَ الصَّلاَةِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : (( لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ ، وَلاَ يَنْفَعُ(2) ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ )) . متفقٌ عَلَيْهِ .
(3) 493- وعن عبدِ الله بن الزُّبَيْرِ رضي الله تَعَالَى عنهما أنَّه كَانَ يَقُولُ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ ، حِيْنَ يُسَلِّمُ : (( لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ ، لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ ، وَلاَ نَعْبُدُ إِلاَّ إيَّاهُ ، لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الحَسَنُ ، لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ )) قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ : وَكَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ، يُهَلِّلُ بِهِنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ . رواه مسلم .
__________
(1) أخرجه : البخاري 8/90 (6330) ، ومسلم 2/95 (593) (137) .
(2) ولا ينفع ذا الجد منك الجد : أي لا ينفع ذا الغنى منك غناه . النهاية 1/244 .
(3) أخرجه : مسلم 2/96 (594) (139) .(1/239)
(1) 494- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ فُقَراءَ المُهَاجِرِينَ أَتَوْا رسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فقالوا : ذَهَبَ أهْلُ الدُّثورِ بِالدَّرَجَاتِ العُلَى ، وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي ، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أمْوَالٍ ، يَحُجُّونَ ، وَيَعْتَمِرُونَ ، وَيُجَاهِدُونَ ، وَيَتَصَدَّقُونَ . فَقَالَ : (( ألاَ أُعَلِّمُكُمْ شَيْئاً تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ ، وَتَسْبَقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ ، وَلاَ يَكُون أَحَدٌ أفْضَل مِنْكُمْ إِلاَّ منْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ ؟ )) قالوا : بَلَى يَا رسول الله ، قَالَ : (( تُسَبِّحُونَ ، وَتَحْمَدُونَ ، وَتُكَبِّرُونَ ، خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاثاً وَثَلاثِينَ )) قَالَ أَبُو صالح الراوي عن أَبي هريرة ، لَمَّا سُئِلَ عَنْ كَيْفِيَّةِ ذِكْرِهِنَّ قَالَ : يقول : سُبْحَان اللهِ ، وَالحَمْدُ للهِ واللهُ أكْبَرُ ، حَتَّى يَكُونَ مِنهُنَّ كُلُّهُنَّ ثَلاثاً وَثَلاثِينَ. متفقٌ عَلَيْهِ .
وزاد مسلمٌ في روايته : فَرَجَعَ فُقَراءُ المُهَاجِرينَ إِلَى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقالوا : سَمِعَ إخْوَانُنَا أهْلُ الأمْوَالِ بِمَا فَعَلْنَا فَفَعَلُوا مِثْلَهُ ؟ فَقَالَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤتِيهِ مَنْ يَشَاءُ )) .
(( الدُّثُورُ )) جمع دَثْر - بفتح الدال وإسكان الثاء المثلثة - وَهُوَ : المال الكثير .
__________
(1) أخرجه : البخاري 1/213 (843) ، ومسلم 2/97 (595) (142) .(1/240)
(1) 495- وعنه ، عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( مَنْ سَبَّحَ الله في دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاثاً وَثَلاثِينَ ، وحَمِدَ اللهَ ثَلاثاً وَثَلاَثِينَ ، وَكَبَّرَ الله ثَلاثاً وَثَلاَثِينَ ، وقال تَمَامَ المِئَةِ : لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ )) . رواه مسلم .
(2) 496- وعن كعب بن عُجْرَةَ - رضي الله عنه - ، عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( مُعَقِّباتٌ(3) لاَ يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ – أَوْ فَاعِلُهُنَّ – دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ: ثَلاثٌ وَثَلاثونَ تَسْبِيحَةً. وَثَلاثٌ وثَلاَثونَ تَحْمِيدَةً ، وَأرْبَعٌ وَثَلاَثونَ تَكْبِيرَةً )) . رواه مسلم.
(4) 497- وعن سعد بن أَبي وقاص - رضي الله عنه - : أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَتَعَوَّذُ دُبُرَ الصَّلَواتِ بِهؤُلاءِ الكَلِمَاتِ : (( اللَّهُمَّ إنِّي أَعوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ وَالبُخْلِ ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ أنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ العُمُرِ ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ القَبْرِ )) . رواه البخاري .
(5) 498- وعن معاذ - رضي الله عنه - : أن رسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، أخذ بيده ، وقال :
__________
(1) أخرجه : مسلم 2/98 (597) (146) .
(2) أخرجه : مسلم 2/98 (596) (144) .
(3) معقبات : تسبيحات تفعل أعقاب الصلاة . وقال أبو الهشيم : سميت معقبات لأنها تفعل مرة بعد أخرى . شرح النووي 3/82.
(4) أخرجه : البخاري 4/27 (2822) .
(5) انظر الحديث ( 384 ) .(1/241)
(( يَا مُعَاذُ ، وَاللهِ إنِّي لأُحِبُّكَ )) فَقَالَ : (( أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لاَ تَدَعَنَّ في دُبُرِ كُلِّ صَلاَة تَقُولُ : اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ )) . رواه أَبُو داود بإسناد صحيح .
(1) 499- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ رسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( إِذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ أرْبَعٍ ، يقول : اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ ، وَمِنْ عَذَابِ القَبْرِ ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالْمَمَاتِ ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ )) . رواه مسلم .
(2) 500- وعن عليٍّ - رضي الله عنه - ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ، إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ يَكُونُ مِنْ آخِرِ مَا يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ : (( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أخَّرْتُ ، وَمَا أسْرَرْتُ وَمَا أعْلَنْتُ ، وَمَا أسْرَفْتُ ، وَمَا أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي ، أنْتَ الْمُقَدِّمُ ، وَأنْتَ المُؤَخِّرُ ، لا إلهَ إِلاَّ أنْتَ)). رواه مسلم .
(3)- 501- وعن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها ، قالت : كَانَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُكْثِرُ أنْ يَقُولَ في رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ : (( سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وبِحَمْدِكَ ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(4) 502- وعنها : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يقولُ في رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ :
(( سبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ المَلاَئِكَةِ وَالرُّوحِ )) . رواه مسلم .
__________
(1) أخرجه : مسلم 2/93 (588) (128) .
(2) أخرجه : مسلم 2/185 (771) (201) .
(3) أخرجه : البخاري 1/207 (817) ، ومسلم 2/50 (484) (217) .
(4) أخرجه : مسلم 2/51 (487) (223) .(1/242)
(1) 503- وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( فَأمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ - عز وجل - ، وَأمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا في الدُّعَاءِ ، فَقَمِنٌ(2) أنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ )) . رواه مسلم .
(3) 504- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( أقْرَبُ مَا يَكُونُ العَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ )) . رواه مسلم .
(4) 505- وعنه : أنَّ رسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقُولُ في سجودِهِ : (( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي كُلَّهُ: دِقَّهُ(5) وَجِلَّهُ ، وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ ، وَعَلاَنِيَتَهُ وَسِرَّهُ )) . رواه مسلم .
(6) 506- وعن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها، قالت : افْتَقَدْتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، ذَاتَ لَيْلَةٍ ، فَتَحَسَّسْتُ، فإذا هُوَ راكِعٌ – أَوْ سَاجِدٌ – يقولُ : (( سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ ، لاَ إلهَ إِلاَّ أنت )) وفي روايةٍ : فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ ، وَهُوَ في المَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ ، وَهُوَ يَقُولُ : (( اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ ، وَبِمعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وأعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لاَ أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ )). رواه مسلم .
__________
(1) أخرجه : مسلم 2/48 (479) (207) .
(2) قمن : بفتح الميم وكسرها خليق أو جدير . النهاية 4/111 .
(3) أخرجه : مسلم 2/49 (482) (215) .
(4) أخرجه : مسلم 2/50 (483) (216) .
(5) قال النووي في شرح صحيح مسلم 2/371 : (( هو بكسر أولها أي قليله وكثيره ، وفيه توكيد الدعاء وتكثير ألفاظه ، وإن أغنى بعضها عن بعض )) .
(6) أخرجه : مسلم 2/51 (485) (221) و(486) (222) .(1/243)
(1) 507- وعن سعد بن أَبي وقاصٍ - رضي الله عنه - قَالَ : كنا عِنْدَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ،
فَقَالَ : (( أيعجزُ أحَدُكُمْ أنْ يَكْسِبَ في كلِّ يومٍ ألْفَ حَسَنَةٍ ! )) فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِنْ جُلَسائِهِ : كَيْفَ يَكْسِبُ ألفَ حَسَنَةٍ ؟ قَالَ : (( يُسَبِّحُ مِئَةَ تَسْبِيحَةٍ فَيُكْتَبُ لَهُ ألْفُ حَسَنَةٍ ، أَوْ يُحَطُّ عَنْهُ ألفُ خَطِيئَةٍ )) . رواه مسلم .
قَالَ الحُمَيْدِيُّ (2) : كذا هُوَ في كتاب مسلم : (( أَوْ يُحَطُّ )) قَالَ البَرْقاني : ورواه شُعْبَةُ وأبو عَوَانَة ، وَيَحْيَى القَطَّانُ ، عن موسى الَّذِي رواه مسلم من جهتِهِ فقالوا : (( ويحط )) بغير ألِفٍ .
(3)508- وعن أَبي ذر - رضي الله عنه - : أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( يُصْبحُ عَلَى كُلِّ سُلاَمَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقةٌ : فَكُلُّ تَسْبيحَةٍ صَدَقةٌ ، وَكُلُّ تَحْميدَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَهْلِيلةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَكْبيرَةٍ صَدَقَةٌ ، وأمْرٌ بالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ ، وَيجْزئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى )) رواه مسلم .
__________
(1) أخرجه : مسلم 8/71 (2698) (37) .
(2) الجمع بين الصحيحين 1/199 ( 215 ) .
(3) انظر الحديث (118) .(1/244)
(1) 509- وعن أم المؤمنين جُويْريَةَ بنت الحارِث رَضِيَ اللهُ عنها: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - خرجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِيْنَ صَلَّى الصُّبْحَ وَهِيَ في مَسْجِدِها ، ثُمَّ رَجَعَ بَعدَ أنْ أضْحَى وَهِيَ جَالِسَةٌ ، فقالَ: (( مَا زِلْتِ عَلَى الحالِ الَّتي فَارقَتُكِ عَلَيْهَا ؟ )) قالت : نَعَمْ ، فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : (( لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ، لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ اليَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ : سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ ، وَرِضَا نَفْسِهِ ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ )) . رواه مسلم .
وفي روايةٍ لَهُ : (( سُبْحانَ الله عَدَدَ خَلْقِهِ ، سُبْحَانَ الله رِضَا نَفْسِهِ ، سُبْحَانَ اللهِ زِنَةَ عَرْشِهِ، سُبْحَانَ الله مِدَادَ كَلِمَاتِهِ )) .
وفي رواية الترمذي: (( ألا أُعَلِّمُكِ كَلِمَاتٍ تَقُولِينَهَا؟ سُبحَانَ الله عَدَدَ خَلْقِهِ؛ سُبحَانَ الله عَدَدَ خَلْقِهِ ، سُبحَانَ الله عَدَدَ خَلْقِهِ ، سُبْحَانَ اللهِ رِضَا نَفْسِهِ ، سُبْحَانَ اللهِ رِضَا نَفْسِهِ ، سُبْحَانَ الله رِضَا نَفْسِهِ ، سُبْحَانَ الله زِنَةَ عَرْشِهِ ، سُبْحَانَ اللهِ زِنَةَ عَرشِهِ ، سُبْحَانَ الله زِنَةَ عَرشِهِ ، سُبْحَانَ الله مِدَادَ كَلِمَاتِهِ ، سُبْحَانَ الله مِدَادَ كَلِمَاتِهِ ، سُبْحَانَ الله مِدَادَ كَلِمَاتِهِ )) .
(2) 510- وعن أَبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - ، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لا يَذْكُرُهُ مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ )) . رواه البخاري .
__________
(1) أخرجه : مسلم 8/83 (2726) (79) ، والترمذي (3555) .
(2) أخرجه : البخاري 8/107 (6407) ، ومسلم 2/188 (779) (211) .(1/245)
ورواه مسلم فَقَالَ : (( مَثَلُ البَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ ، وَالبَيْتِ الَّذِي لا يُذْكَرُ اللهُ فِيهِ ، مَثَلُ الحَيِّ والمَيِّتِ )) .
(1) 511- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( يقول الله تَعَالَى : أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي ، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي ، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ، ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرنِي في ملأٍ ذَكرتُهُ في مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ )) متفق عَلَيْهِ .
(2) 512- وعنه قَالَ : قَالَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( سَبَقَ المُفَرِّدُونَ )) قالوا : وَمَا المُفَرِّدُونَ ؟ يَا رسولَ الله قَالَ: (( الذَّاكِرُونََ اللهَ كثيراً والذَّاكِرَاتِ )) . رواه مسلم.
وَرُوي : (( المُفَرِّدُونَ )) بتشديد الراءِ وتخفيفها والمشهُورُ الَّذِي قَالَهُ الجمهُورُ : التَّشْديدُ .
(3) 513- وعن جابر - رضي الله عنه - قَالَ : سَمِعْتُ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقولُ : (( أفْضَلُ الذِّكْرِ : لا إلهَ إِلاَّ اللهُ )) . رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .
(4) 514- وعن عبد الله بن بسر - رضي الله عنه - : أنَّ رجلاً قَالَ : يَا رسولَ الله ، إنَّ شَرَائِعَ الإسْلامِ قَدْ كَثُرَتْ عَليَّ ، فَأَخْبِرْنِي بِشَيءٍ أَتَشَبثُ بِهِ قَالَ : (( لا يَزالُ لِسَانُكَ رَطباً مِنْ ذِكْرِ الله )) . رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .
__________
(1) أخرجه : البخاري 9/147 (7405) ، ومسلم 8/62 (2675) (2) .
(2) أخرجه : مسلم 8/63 (2676) (4) .
(3) أخرجه : ابن ماجه (3800) ، والترمذي (3383) ،.
(4) أخرجه : ابن ماجه ( 3793 ) ، والترمذي ( 3375 ).(1/246)
(1) 515- وعن جابر - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( من قَالَ : سُبْحان الله وبِحمدِهِ ، غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ في الجَنَّةِ )) . رواه الترمذي، وقال : (( حديث حسن )).
(2) 516- وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لَقِيْتُ إبْرَاهِيمَ لَيلَةَ أُسْرِيَ بِي ، فَقَالَ : يَا مُحَمّدُ أقْرِىءْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلاَمَ ، وَأَخْبِرْهُمْ أنَّ الجَنَّةَ طَيَّبَةُ التُّرْبَةِ ، عَذْبَةُ الماءِ ، وأنَّهَا قِيعَانٌ وأنَّ غِرَاسَهَا : سُبْحَانَ اللهِ ، والحَمْدُ للهِ ، وَلاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ ، واللهُ أكْبَرُ )) . رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .
(3) 517- وعن أَبي الدرداءِ - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( ألا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أعْمالِكُمْ، وأزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ ، وأرْفَعِهَا في دَرَجَاتِكُمْ ، وَخَيرٍ لَكُمْ مِنْ إنْفَاقِ الذَّهَبِ والفِضَّةِ ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أن تَلْقَوا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أعْنَاقَكُمْ ؟ )) قَالَوا : بَلَى، قَالَ : (( ذِكر الله تَعَالَى )) . رواه الترمذي ، قَالَ الحاكم أَبُو عبد الله : (( إسناده صحيح )) .
(4) 518- وعن أَبي موسى - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ لي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( ألا أدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ ؟ )) فقلت : بلى يَا رسولَ الله قَالَ : (( لا حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ باللهِ )) متفق عَلَيْهِ .
54- باب ذكر الله تَعَالَى قائماً أَوْ قاعداً ومضطجعاً
__________
(1) أخرجه : الترمذي ( 3464 ) و( 3465 ) .
(2) أخرجه : الترمذي (3462).
(3) أخرجه : ابن ماجه (3790) ، والترمذي (3377) ، والحاكم 1/496 .
(4) أخرجه : البخاري 8/108 (6409) ، ومسلم 8/74 (2704) (47) .(1/247)
ومحدثاً وجنباً وحائضاً إِلاَّ القرآن فَلاَ يحل لجنب وَلاَ حائض
قَالَ الله تَعَالَى : { إنَّ في خَلْقِ السَّماوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ } [ آل عمران : 190 ، 191 ] .
(1) 519- وعن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها ، قالت : كَانَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ . رواهُ مسلم .
(2) 520- وعن ابن عباسٍ - رضي الله عنه - ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( لَوْ أنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أتَى أهْلَهُ قَالَ: بِسْمِ الله ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا ، فَقُضِيَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ ، لَمْ يَضُرَّهُ)). متفق عَلَيْهِ .
55- باب فضل حِلَقِ الذكر
والندب إِلَى ملازمتها والنهي عن مفارقتها لغير عذر
قَالَ الله تَعَالَى : { واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ يُريدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ } [ الكهف : 28 ] .
__________
(1) أخرجه : مسلم 1/194 (373) (117) .
وذكره البخاري 1/163 عقيب (633) معلقاً .
(2) أخرجه : البخاري 1/48 (141) ، ومسلم 4/155 (1434) (116) .(1/248)
(1) 521- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إنَّ للهِ تَعَالَى مَلائِكَةً يَطُوفُونَ في الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أهْلَ الذِّكْرِ ، فإذا وَجَدُوا قَوْمَاً يَذْكُرُونَ اللهَ - عز وجل - ، تَنَادَوْا : هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ ، فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِم إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، فَيَسْألُهُمْ رَبُّهُمْ – وَهُوَ أعْلَم - : مَا يقولُ عِبَادي ؟ قَالَ : يقولون : يُسَبِّحُونَكَ ، ويُكبِّرُونَكَ ، وَيَحْمَدُونَكَ ، ويُمَجِّدُونَكَ ، فيقول: هَلْ رَأَوْنِي ؟ فيقولونَ : لا واللهِ مَا رَأَوْكَ . فيقولُ : كَيْفَ لَوْ رَأوْني ؟! قَالَ : يقُولُونَ : لَوْ رَأوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً ، وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيداً ، وأكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحاً . فَيقُولُ : فماذا يَسْألونَ ؟ قَالَ : يقُولُونَ : يَسْألُونَكَ الجَنَّةَ . قَالَ : يقولُ : وَهل رَأَوْها ؟ قَالَ : يقولون : لا واللهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا . قَالَ : يقول : فَكيفَ لَوْ رَأوْهَا ؟ قَالَ : يقولون : لَوْ أنَّهُمْ رَأوْهَا كَانُوا أشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصاً ، وأشدَّ لَهَا طَلَباً ، وأعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً . قَالَ : فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ ؟ قَالَ : يقولون: يَتَعَوَّذُونَ مِنَ النَّارِ ؛ قَالَ : فيقولُ : وَهَلْ رَأوْهَا ؟ قَالَ : يقولون : لا واللهِ مَا رَأوْهَا . فيقولُ : كَيْفَ لَوْ رَأوْهَا ؟! قَالَ : يقولون : لَوْ رَأوْهَا كانوا أشَدَّ مِنْهَا فِرَاراً ، وأشَدَّ لَهَا مَخَافَةً . قَالَ : فيقولُ : فَأُشْهِدُكُمْ أنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُم ، قَالَ : يقولُ مَلَكٌ مِنَ المَلاَئِكَةِ : فِيهم فُلاَنٌ لَيْسَ مِنْهُمْ، إنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ ، قَالَ : هُمُ الجُلَسَاءُ لا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ )) . متفق عَلَيْهِ .
__________
(1) أخرجه : البخاري 8/107 (6408) ، ومسلم 8/68 (2689) (25) .(1/249)
وفي رواية لمسلمٍ عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( إن للهِ مَلاَئِكَةً سَيَّارَةً(1) فُضُلاً يَتَتَبُّعُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ ، فَإذَا وَجَدُوا مَجْلِساً فِيهِ ذِكْرٌ ، قَعَدُوا مَعَهُمْ ، وَحَفَّ بَعْضُهُمْ بَعْضاً بِأجْنِحَتِهِمْ حَتَّى يَمْلَؤُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّماءِ الدُّنْيَا ، فإذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا وَصَعدُوا إِلَى السَّمَاءِ، فَيَسْأَلُهُمْ اللهُ - عز وجل - - وَهُوَ أعْلَمُ - : مِنْ أيْنَ جِئْتُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبادٍ لَكَ في الأرْضِ : يُسَبِّحُونَكَ ، ويُكبِّرُونَكَ ، وَيُهَلِّلُونَكَ ، وَيَحْمَدُونَكَ ، وَيَسْألُونَكَ . قَالَ : وَمَاذا يَسْألُونِي ؟ قالوا : يَسْألُونَكَ جَنَّتَكَ . قَالَ : وَهَلْ رَأَوْا جَنَّتِي ؟ قالوا : لا ، أَيْ رَبِّ . قَالَ : فكيْفَ لَوْ رَأَوْا جَنَّتي ؟! قالوا : ويستجيرونكَ . قَالَ : ومِمَّ يَسْتَجِيرُونِي ؟ قالوا : مِنْ نَارِكَ يَا رَبِّ . قَالَ : وَهَلْ رَأوْا نَاري ؟ قالوا : لا ، قَالَ : فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا نَارِي ؟! قالوا : وَيَسْتَغفِرُونكَ ؟ فيقولُ : قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ ، وَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَألُوا ، وَأجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا . قَالَ: فيقولون : ربِّ فيهمْ
__________
(1) قال النووي في شرح صحيح مسلم 9/14 : (( سيارة : سياحون في الأرض ، وأما فضلاً : فضبطوه على أوجه أحدها : أرجحها وأشهرها بضم الفاء والضاد . والثانية : بضم الفاء وإسكان الضاد ، والثالثة : بفتح الفاء وإسكان الضاد . والرابعة : فضل ، بضم الفاء والضاد =
= ورفع اللام على أنه خبر مبتدأ محذوف . والخامسة : فضلاء ، بالمد : جمع فاضل . قال العلماء : معناه على جميع الروايات: أنهم ملائكة زائدون على الحفظة وغيرهم من المرتبين مع الخلائق ، فهؤلاء السيارة لا وظيفة لهم ، وإنما مقصودهم حلق الذكر )) .(1/250)
فُلانٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ إنَّمَا مَرَّ ، فَجَلَسَ مَعَهُمْ . فيقُولُ : ولهُ غَفَرْتُ ، هُمُ القَومُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ )) .
(1) 522- وعنه وعن أَبي سعيدٍ رضي الله عنهما ، قالا : قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا يَقْعُدُ قَومٌ يَذكُرُونَ اللهَ - عز وجل - إِلاَّ حَفَّتْهُمُ المَلائِكَةُ وغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ ؛ وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ )) . رواه مسلم .
(2) 523- وعن أَبي واقدٍ الحارث بن عوف - رضي الله عنه - : أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ في المَسْجِدِ ، والنَّاسُ مَعَهُ ، إذْ أقْبَلَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ ، فأقْبَلَ اثْنَانِ إِلَى رسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، وَذَهَبَ واحِدٌ ؛ فَوَقَفَا عَلَى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - . فأمَّا أحَدُهُما فَرَأَى فُرْجةً في الحَلْقَةِ فَجَلَسَ فِيهَا ، وَأمَّا الآخرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ، وأمَّا الثَّالثُ فأدْبَرَ ذاهِباً . فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( ألاَ أُخْبِرُكُمْ عَنِ النَّفَرِ الثَّلاَثَةِ : أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأوَى إِلَى اللهِ فآوَاهُ اللهُ إِلَيْهِ . وَأمَّا الآخَرُ فاسْتَحْيَى فَاسْتَحْيَى اللهُ مِنْهُ ، وأمّا الآخَرُ ، فَأعْرَضَ ، فَأَعْرَضَ اللهُ عَنْهُ )) . متفقٌ عَلَيْهِ .
__________
(1) أخرجه : مسلم 8/72 (2700) (39) .
(2) أخرجه : البخاري 1/26 (66) ، ومسلم 7/9 (2176) (26) .(1/251)
(1) 524- وعن أَبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قَالَ : خرج معاوية - رضي الله عنه - عَلَى حَلْقَةٍ في المَسْجِدِ ، فَقَالَ : مَا أجْلَسَكُمْ ؟ قالوا : جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللهَ . قَالَ : آللهِ مَا أجْلَسَكُمْ إِلاَّ ذاك ؟ قالوا : مَا أجْلَسَنَا إِلاَّ ذَاكَ ، قَالَ : أما إنِّي لَمْ اسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ ، وَمَا كَانَ أحَدٌ بِمَنْزِلَتِي مِنْ رَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَقَلَّ عَنْهُ حَديثاً مِنِّي : إنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أصْحَابِهِ فَقَالَ : (( مَا أجْلَسَكُمْ؟)) قالوا : جَلَسْنَا نَذْكُرُ الله وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا للإسْلاَمِ ؛ وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا . قَالَ : (( آللهِ مَا أجْلَسَكُمْ إِلاَّ ذَاكَ ؟ )) قالوا : واللهِ مَا أجْلَسَنَا إِلاَّ ذَاكَ . قَالَ : (( أمَا إنِّي لَمْ أسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ ، ولكِنَّهُ أتَانِي جِبرِيلُ فَأخْبَرَنِي أنَّ الله يُبَاهِي بِكُمُ المَلاَئِكَةَ )) . رواه مسلم .
56- باب الذكر عِنْدَ الصباح والمساء
__________
(1) أخرجه : مسلم 8/72 (2701) (40) .(1/252)
قَالَ الله تَعَالَى : { وَاذْكُرْ رَبَّكَ في نَفْسِكَ تَضَرُّعَاً وَخِيفَةً وَدُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ بِالغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُنْ مِنَ الغَافِلِينَ } [ الأعراف : 205 ] قَالَ أهلُ اللُّغَةِ : (( الآصَالُ )) : جَمْعُ أصِيلٍ ، وَهُوَ مَا بَيْنَ العَصْرِ وَالمَغْرِبِ . وقال تَعَالَى : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا } [طه : 130] . وقال تعالى : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالأِبْكَارِ } [ غافر: 55] ، قَالَ أهلُ اللُّغَةِ (( العَشِيُّ )) : مَا بَيْنَ زَوَالِ الشَّمْسِ وغُرُوبِهَا . وقال تَعَالَى : { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسْبِّحُ لَهُ فِيهَا بالغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ } الآية [ النور : 36- 37 ] . وقال تَعَالَى : { إنَّا سَخَّرْنَا الجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بالعَشِيِّ وَالإشْرَاقِ } [ ص : 18 ] .
(1) 525- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ قَالَ حِيْنَ يُصْبِحُ وَحينَ يُمْسِي : سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ ، مِئَةَ مَرَّةٍ ، لَمْ يَأتِ أَحَدٌ يَوْمَ القِيَامَةِ بِأفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ ، إِلاَّ أحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ أَوْ زَادَ )) . رواه مسلم .
(2) 526- وعنه ، قَالَ : جَاءَ رجلٌ إِلَى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : يَا رسولَ الله مَا لَقِيْتُ مِنْ عَقْرَبٍ لَدَغَتْنِي البَارِحَةَ ! قَالَ : (( أمَا لَوْ قُلْتَ حِيْنَ أمْسَيْتَ : أعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ : لَمْ تَضُرَّك )) . رواه مسلم .
__________
(1) أخرجه : مسلم 8/69 (2692) (29) .
(2) أخرجه : مسلم 8/76 (2709) .(1/253)
(1) 527- وعنه ، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، أنَّه كَانَ يقولُ إِذَا أصْبَحَ : (( اللَّهُمَّ بِكَ أصْبَحْنَا ، وَبِكَ أمْسَيْنَا ، وَبِكَ نَحْيَا ، وَبِكَ نَمُوتُ ، وَإلَيْكَ النُّشُورُ )) . وإذا أمسَى قَالَ : (( اللَّهُمَّ بِكَ أمْسَيْنَا ، وبِكَ نَحْيَا ، وَبِكَ نَمُوتُ . وَإلْيَكَ النُّشُورُ )) . رواه أَبُو داود والترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .
(2) 528- وعنه : أنَّ أَبَا بكرٍ الصديق - رضي الله عنه - قَالَ : يَا رسول الله مُرْني بِكَلِمَاتٍ أقُولُهُنَّ إِذَا أصْبَحْتُ وإذا أمْسَيْتُ ، قَالَ : (( قُلْ : اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاواتِ والأرْضِ عَالِمَ الغَيْبِ والشَّهَادَةِ ؛ رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ ، أَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إِلاَّ أنْتَ ، أعُوذُ بِكَ مِنْ شَّرِّ نَفْسِي وَشَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ )) قَالَ : (( قُلْهَا إِذَا أصْبَحْتَ ، وإذَا أمْسَيْتَ ، وإذَا أخَذْتَ مَضْجَعَكَ )) . رواه أَبُو داود والترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .
__________
(1) أخرجه : أبو داود ( 5068) ،والترمذي (3391) .
(2) أخرجه : أبو داود (5067) ، والترمذي (3392) .(1/254)
(1) 529- وعن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - قَالَ : كَانَ نبيُّ الله - صلى الله عليه وسلم - إِذَا أَمْسَى قَالَ : (( أَمْسَيْنَا وأمْسَى المُلْكُ للهِ ، والحَمْدُ للهِ ، لا إلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ )) قَالَ الراوي : أَرَاهُ قَالَ فِيهِنَّ : (( لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدير ، رَبِّ أسْألُكَ خَيْرَ مَا في هذِهِ اللَّيْلَةِ وَخَيْرَ مَا بَعْدَهَا، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا في هذِهِ اللَّيْلَةِ وَشَرِّ مَا بَعْدَهَا ، رَبِّ أعُوذُ بِكَ مِنَ الكَسَلِ ، وَسُوءِ الكِبَرِ(2) ، رَبِّ أعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابٍ في النَّارِ ، وَعَذَابٍ في القَبْرِ )) ، وَإذَا أصْبَحَ قَالَ ذَلِكَ أيضاً (( أصْبَحْنَا وأصْبَحَ المُلْكُ للهِ )) . رواه مسلم .
(3) 530- وعن عبد الله بن خُبَيْب - بضم الخاء المعجمة - - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ لي رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( اقْرَأْ : قُلْ هُوَ اللهُ أحَدٌ ، والمُعَوِّذَتَيْنِ حِيْنَ تُمْسِي وَحِينَ تُصْبحُ ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ تَكْفيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ )) . رواه أَبُو داود والترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .
__________
(1) أخرجه : مسلم 8/82 (2723) (75) .
(2) قال النووي في شرح صحيح مسلم 9/38 : (( الكبر : روي بإسكان الباء وفتحها ، فالإسكان بمعنى التعاظم على الناس ، والفتح بمعنى الهرم والخرف والرد إلى أرذل العمر )) .
(3) أخرجه : أبو داود (5082) ، والترمذي (3575) ،.(1/255)
(1) 531- وعن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ في صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ : بِسْمِ اللهِ الَّذِي لا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ في الأرْضِ وَلاَ في السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ ، إِلاَّ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ )) . رواه أَبُو داود والترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .
4- كتَاب الدَعَوات
57- باب الأمر بالدعاء وفضله وبيان جمل من أدعيته - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ الله تَعَالَى : { وقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [ غافر : 60 ] ، وقال تَعَالَى : { ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إنَّهُ لا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ } [ الأعراف : 55 ] .
وقال تَعَالَى : { وَإذا سَألَكَ عِبَادِي عَنِّي فإنِّي قَريبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } الآية [ البقرة : 186 ] ، وقال تَعَالَى : { أَمَّنْ يُجِيبُ المُضْطرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ } [ النمل : 62 ] .
(2) 532- وعن النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنهما ، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ :
(( الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ )) . رواه أَبُو داود والترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .
(3) 533- وعن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها ، قالت : كَانَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَحِبُّ الجَوَامِعَ مِنَ الدُّعَاءِ(4) ، وَيَدَعُ مَا سِوَى ذَلِكَ . رواه أَبُو داود بإسناد جيدٍ .
__________
(1) أخرجه : أبو داود (5088) و(5089) ، وابن ماجه (3869) ، والترمذي (3388).
(2) أخرجه : أبو داود (1479) ، وابن ماجه (3828) ، والترمذي (2969) و(3247) و(3372) .
(3) أخرجه : أبو داود (1482) .
(4) الجوامع من الدعاء : هي التي تجمع الأغراض الصالحة والمقاصد الصحيحة ، أو تجمع الثناء على الله تعالى وآداب المسألة . النهاية 1/295 ..(1/256)
(1) 534- وعن أنس - رضي الله عنه - قَالَ : كَانَ أكثرُ دعاءِ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - : (( اللَّهُمَّ آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً ، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
زاد مسلم في روايتهِ قَالَ : وَكَانَ أَنَسٌ إِذَا أرادَ أنْ يَدْعُوَ بِدَعْوَةٍ دَعَا بِهَا ، وَإِذَا أرادَ أنْ يَدْعُوَ بِدُعَاءٍ دَعَا بِهَا فِيهِ .
(2) 535- وعن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - : أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يقول : (( اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ الهُدَى ، والتُّقَى ، والعَفَافَ ، والغِنَى(3) )) . رواه مسلم .
(4) 536- وعن طارق بن أَشْيَمَ - رضي الله عنه - قَالَ : كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أسْلَمَ عَلَّمَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الصَّلاَةَ ثُمَّ أمَرَهُ أنْ يَدْعُوَ بِهؤلاَءِ الكَلِمَاتِ : (( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ، وَارْحَمْنِي ، وَاهْدِني ، وَعَافِني ، وَارْزُقْنِي)). رواه مسلم .
وفي روايةٍ له عن طارق: أنَّه سمع النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، وأتاهُ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رسول اللهِ ، كَيْفَ أقُولُ حِيْنَ أسْأَلُ رَبِّي ؟ قَالَ : (( قُلْ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ، وَارْحَمْنِي ، وَعَافِني ، وارْزُقْنِي ، فإنَّ هؤلاَءِ تَجْمَعُ لَكَ دُنْيَاكَ وَآخِرَتَكَ )) .
__________
(1) أخرجه : البخاري 8/102 (6389) ، ومسلم 8/68 (2690) (26) .
(2) انظر الحديث ( 71 ) .
(3) قال النووي في شرح صحيح مسلم 9/38 : (( العفاف والعفة : التنزه عما يباح والكف عنه ، والغنى هنا غنى النفس ، والاستغناء عن الناس ، وعما في أيديهم )) .
(4) أخرجه : مسلم 8/71 (2697) (35) و(36) .(1/257)
(1) 537- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، قَالَ : قَالَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: (( اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبنَا عَلَى طَاعَتِكَ )) . رواه مسلم .
(2) 538- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ جَهْدِ البَلاَءِ ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ ، وَسُوءِ القَضَاءِ ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ(3) )) متفق عَلَيْهِ .
وفي روايةٍ قَالَ سفيان : أَشُكُّ أنِّي زِدْتُ واحدةً مِنْهَا .
(4) 539- وعنه ، قَالَ : كَانَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : (( اللَّهُمَّ أصْلِحْ لِي دِيني الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أمْرِي ، وأصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتي فِيهَا مَعَاشِي ، وأصْلِحْ لِي آخِرتِي الَّتي فِيهَا مَعَادي ، وَاجْعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لِي في كُلِّ خَيْرٍ ، وَاجْعَلِ المَوتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ )) . رواه مسلم .
__________
(1) أخرجه : مسلم 8/51 (2654) (17) .
(2) أخرجه : البخاري 8/157 (6616) ، ومسلم 8/76 (2707) (53) .
(3) قال النووي في شرح صحيح مسلم 9/28 : (( أما ( درك الشقاء ) فالمشهور فيه فتح الراء ، وبالسكون لغة . و(جهد البلاء ) بفتح الجيم وضمها ، والفتح أشهر وأفصح .
فأما الاستعاذة من سوء القضاء ، فيدخل فيها سوء القضاء في الدين والدنيا ، والبدن والمال والأهل ، وقد يكون ذلك في الخاتمة .
وأما درك الشقاء ، فيكون في أمور الآخرة والدنيا ، ومعناه : أعوذ بك أن يدركني شقاء .
وشماتة الأعداء : هي فرح العدو ببلية تنْزل بعدوه ، يقال منه : شمت بكسر الميم ، وشمت بفتحها ، فهو شامت وأشمته غيره ، وأما جهد البلاء ، فروي عن ابن عمر أنه فسره بقلة المال وكثرة العيال ، وقيل: الحال الشاقة )).
(4) أخرجه : مسلم 8/81 (2720) (71) .(1/258)
(1) 540- وعن علي - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ لي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( قُلْ : اللَّهُمَّ اهْدِني ، وسَدِّدْنِي(2) )) .
وفي رواية : (( اللَّهمَّ إنِّي أسْألُكَ الهُدَى والسَّدَادَ )) . رواه مسلم .
(3) 541- وعن أنس - رضي الله عنه - قَالَ : كَانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ : (( اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ ، وَالكَسَلِ ، وَالجُبْنِ ، والهَرَمِ ، والبُخْلِ ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ ، وأعوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالمَمَاتِ(4) )) .
وفي رواية : (( وَضَلَعِ الدَّيْنِ ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ(5) )) . رواه مسلم .
__________
(1) أخرجه : مسلم 8/83 (2725) (78) .
(2) قال النووي : (( سددني : وفقني واجعلني منتصباً في جميع أموري مستقيماً )) . شرح صحيح مسلم 9/38 .
(3) أخرجه : البخاري 8/97 (6363) و98 (6367) ، ومسلم 8/75 (2706) (50) .
(4) قال النووي في شرح صحيح مسلم 9/26 : (( الكسل : هو عدم انبعاث النفس للخير وقلة الرغبة مع إمكانه .
وأما العجز : فعدم القدرة عليه ، وقيل : هو ترك ما يجب فعله ، والتسويف به ، وكلاهما تستحب الإعاذة منه . وأما استعاذته من الهرم فالمراد به الاستعاذة من الرد إلى أرذل العمر ، وسبب ذلك ما فيه من الخرف واختلال العقل والحواس والضبط … وأما استعاذته من الجبن والبخل ، فلما فيهما من التقصير عن أداء الواجبات ، والقيام بحقوق الله تعالى وإزالة المنكر … وبالسلامة من البخل يقوم بحقوق المال وينبعث للإنفاق والجود ولمكارم الأخلاق )) .
(5) قال الحافظ ابن حجر في الفتح 11/207 : (( الضلع هو الاعوجاج والمراد به هنا ثقل الدين وشدته ، وغلبة الرجال : أي شدة تسلطهم كاستيلاء الرعاع هرجاً ومرجاً )) .(1/259)
(1) 542- وعن أَبي بكر الصديق - رضي الله عنه - : أنَّه قَالَ لرسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - : عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ في صَلاَتِي ، قَالَ : (( قُلْ : اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمتُ نَفْسِي ظُلْماً كَثِيراً ، وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أنْتَ ، فَاغْفِرْ لي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ ، وارْحَمْنِي ، إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ )) متفق عَلَيْهِ .
وفي روايةٍ : (( وفي بيتي )) وَرُوِيَ : (( ظلماً كثيراً )) ورُوِي : (( كبيراً )) بالثاء المثلثة وبالباء الموحدة ؛ فينبغي أنْ يجمع بينهما فيقال : كثيراً كبيراً .
(2) 543- وعن أَبي موسى - رضي الله عنه - ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : أنَّه كَانَ يدْعُو بِهذا الدُّعَاءِ : (( اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي ، وإسرافِي في أمْرِي ، وَمَا أنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنّي ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جِدِّي وَهَزْلِي ؛ وَخَطَئِي وَعَمْدِي ؛ وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أخَّرْتُ ، وَمَا أسْرَرْتُ وَمَا أعْلَنْتُ ، وَمَا أنتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي ، أنْتَ المُقَدِّمُ ، وأنْتَ المُؤَخِّرُ ، وأنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )) متفق عَلَيْهِ .
(3) 544- وعن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها : أنَّ النبيَّ- صلى الله عليه وسلم - كَانَ يقول في دُعَائِهِ :
(( اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَمِلْتُ ومنْ شَرِّ مَا لَمْ أعْمَلْ )) . رواه مسلم .
__________
(1) أخرجه : البخاري 8/89 (6326) و9/144 (7387) و(7388)، ومسلم 8/74 (2705) (48) .
(2) أخرجه : البخاري 8/105 (6399) ، ومسلم 8/80 (2719) (70) .
(3) أخرجه : مسلم 8/79 (2716) (66) .(1/260)
(1) 545- وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، قَالَ : كَانَ مِن دعاءِ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوالِ نِعْمَتِكَ، وتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وفُجَاءةِ نِقْمَتِكَ ، وَجَميعِ سَخَطِكَ )). رواه مسلم .
(2) 546- وعن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - ، قَالَ : كَانَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول :
(( اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ وَالكَسَلِ ، والبُخْلِ والهَرَمِ ، وَعَذابِ القَبْرِ ، اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا ، وَزَكِّها أنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا ، أنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا ، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ؛ وَمِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ ، وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ ؛ وَمِنْ دَعْوَةٍ لا يُسْتَجابُ لَهَا )) .رواه مسلم .
(3) 547- وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يقول : (( اللَّهُمَّ لَكَ أسْلَمْتُ ، وَبِكَ آمَنْتُ ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ ، وإلَيْكَ أنَبْتُ ، وَبِكَ خَاصَمْتُ ، وإلَيْكَ حَاكَمْتُ . فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ ، وَمَا أَخَّرْتُ ، وَمَا أَسْرَرْتُ ، وَمَا أعْلَنْتُ ، أنتَ المُقَدِّمُ ، وأَنْتَ المُؤَخِّرُ ، لا إلهَ إِلاَّ أنْتَ )) .
زَادَ بَعْضُ الرُّوَاةِ : (( وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ باللهِ )) متفق عَلَيْهِ .
__________
(1) أخرجه : مسلم 8/88 (2739) (96) .
(2) أخرجه : مسلم 8/81 (2722) (73) .
(3) أخرجه : البخاري 2/60 (1120) ، ومسلم 2/184 (769) (199) ، وانظر الحديث ( 75 ) .(1/261)
(1) 548- وعن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها : أنَّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يدعو بِهؤُلاءِ الكَلِمَاتِ : (( اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ ، وَعَذَابِ النَّارِ ، وَمِنْ شَرِّ الغِنَى وَالفَقْرِ )) . رواه أَبُو داود والترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) ؛ وهذا لفظ أَبي داود .
(2) 549- وعن زياد بن عِلاَقَةَ عن عمه ، وَهُوَ قُطْبَةُ بنُ مالِكٍ - رضي الله عنه - ، قَالَ : كَانَ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يقول : (( اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الأخْلاَقِ ، وَالأعْمَالِ ، والأهْواءِ )) . رواه الترمذي، وقال : (( حديث حسن )) .
(3) 550- وعن شَكَلِ بن حُمَيدٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قلتُ : يَا رسولَ الله ، علِّمْنِي دعاءً ، قَالَ : (( قُلْ : اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي ، وَمِنْ شَرِّ بَصَرِي ، وَمِنْ شَرِّ لِسَانِي ، وَمِنْ شَرِّ قَلْبِي، وَمِنْ شَرِّ مَنِيِّي(4) )) . رواه أَبُو داود والترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .
__________
(1) أخرجه : أبو داود (1543) ، والترمذي (3495) .
(2) أخرجه : الترمذي (3591).
(3) أخرجه : أبو داود (1551) ، والترمذي (3492) ، والنسائي 8/255 و259 و260 و267 وفي " الكبرى " ، له (7875) – (7877) و(7891) ،.
(4) قال الترمذي : (( يعني فرجه )) .(1/262)
(1) 551- وعن أنس - رضي الله عنه - : أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يقول : (( اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ البَرَصِ ، والجُنُونِ ، والجُذَامِ ، وَسَيِّيءِ(2) الأسْقَامِ )) . رواه أَبُو داود بإسناد صحيحٍ .
(3) 552- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ : كَانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : (( اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الجُوعِ ، فَإنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ ، وأعوذُ بِكَ منَ الخِيَانَةِ ، فَإنَّهَا بِئْسَتِ البِطَانَةُ )) . رواه أَبُو داود بإسناد صحيح .
(4) 553- وعن عليّ - رضي الله عنه - : أنَّ مُكَاتباً جاءهُ فَقَالَ : إنِّي عَجِزْتُ عَنْ كِتَابَتِي فَأعِنِّي ، قَالَ : ألا أُعَلِّمُكَ كَلِماتٍ عَلَّمَنِيهنَّ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ، لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلٍ دَيْناً أدَّاهُ اللهُ عَنْكَ ؟ قُلْ : (( اللَّهُمَّ اكْفِني بِحَلاَلِكَ عَنْ حَرَامِكَ ، وَأغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِواكَ )) . رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .
__________
(1) أخرجه : أبو داود (1554) .
(2) قال الخطابي في معالم السنن 1/258 : (( استعاذ من هذه الأسقام ؛ لأنّها عاهات تفسد الخلقة وتبقي الشين وبعضا يؤثر في العقل وليست كسائر الأمراض التي إنما هي أعراض لا تدوم كالحمى والصداع وسائر الأمراض التي لا تجري مجرى العاهات وإنما هي كفارات وليست بعقوبات )) .
(3) أخرجه : أبو داود (1547) ، وابن ماجه (3354) ، والنسائي 8/263 وفي
" الكبرى " ، له (7903) .
(4) أخرجه : الترمذي (3563).(1/263)
(1) 554- وعن أَبي الفضل العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه - قَالَ : قُلْتُ : يَا رسول الله عَلِّمْني شَيْئاً أسْألُهُ الله تَعَالَى، قَالَ : (( سَلوا الله العَافِيَةَ )) فَمَكَثْتُ أَيَّاماً، ثُمَّ جِئْتُ فَقُلتُ : يَا رسولَ الله عَلِّمْنِي شَيْئاً أسْألُهُ الله تَعَالَى ، قَالَ لي : (( يَا عَبَّاسُ ، يَا عَمَّ رسول اللهِ ، سَلُوا الله العَافِيَةَ في الدُّنيَا والآخِرَةِ )) . رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .
(2) 555- وعن شَهْرِ بن حَوشَبٍ ، قَالَ : قُلْتُ لأُمِّ سَلَمة رَضِيَ اللهُ عنها ، يَا أمَّ المؤمِنينَ، مَا كَانَ أكثْرُ دعاءِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، إِذَا كَانَ عِنْدَكِ ؟ قالت : كَانَ أكْثَرُ دُعائِهِ : (( يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ )) . رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .
(3) 556- وعن أنس - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( ألِظُّوا بـ ( يَاذا الجَلاَلِ والإكْرامِ))) . رواه الترمذي ، ورواه النسائي من رواية ربيعة بن عامِرٍ الصحابي ، قَالَ الحاكم : ((حديث صحيح الإسناد )) .
(( ألِظُّوا )): بكسر اللام وتشديد الظاء المعجمة ، معناه : الزَمُوا هذِهِ الدَّعْوَةَ وأكْثِرُوا مِنْهَا .
__________
(1) أخرجه : الترمذي (3514) ، وقال : (( حديث صحيح )) .
(2) أخرجه : الترمذي (3522) .
(3) أخرجه : الترمذي (3525) عن أنس .
وأخرجه: النسائي في "الكبرى" (7716) ، والحاكم 1/498-499 عن ربيعة .(1/264)
(1) 557- وعن أَبي أُمَامَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : دعا رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ، بدُعاءٍ كَثيرٍ ، لَمْ نَحْفَظْ مِنْهُ شَيْئاً ؛ قُلْنَا : يَا رسول الله ، دَعَوْتَ بِدُعاءٍ كَثِيرٍ لَمْ نَحْفَظْ مِنْهُ شَيْئاً ، فَقَالَ : (( ألا أدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَجْمَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ ؟ تقول : اللَّهُمَّ إنِّي أسَألُكَ مِنْ خَيْر مَا سَأَلَكَ مِنْهُ نَبِيُّكَ محمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - ؛ وأعوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا استَعَاذَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم -، وأنتَ المُسْتَعانُ ، وَعَليْكَ البَلاَغُ ، وَلاَ حَولَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ باللهِ )) . رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .
58- باب تحريم الغيبة والأمر بحفظ اللسان
قَالَ الله تَعَالَى : { وَلاَ يَغْتَبْ بَعضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ } [ الحجرات : 12 ] ، وقال تَعَالَى : { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً } [ الإسراء : 36]، وقال تَعَالَى : { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتيدٌ } [ ق : 18 ] .
اعْلَمْ أنَّهُ يَنْبَغِي لِكُلِّ مُكَلَّفٍ أنْ يَحْفَظَ لِسَانَهُ عَنْ جَميعِ الكَلامِ إِلاَّ كَلاَماً ظَهَرَتْ فِيهِ المَصْلَحَةُ ، ومَتَى اسْتَوَى الكَلاَمُ وَتَرْكُهُ فِي المَصْلَحَةِ ، فالسُّنَّةُ الإمْسَاكُ عَنْهُ ، لأَنَّهُ قَدْ يَنْجَرُّ الكَلاَمُ المُبَاحُ إِلَى حَرَامٍ أَوْ مَكْرُوهٍ ، وذَلِكَ كَثِيرٌ في العَادَةِ ، والسَّلاَمَةُ لا يَعْدِلُهَا شَيْءٌ .
__________
(1) أخرجه : الترمذي (3521).(1/265)
(1) 558- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ )) متفق عَلَيْهِ .
وهذا صَريحٌ في أنَّهُ يَنْبَغي أنْ لا يَتَكَلَّمَ إِلاَّ إِذَا كَانَ الكلامُ خَيراً ، وَهُوَ الَّذِي ظَهَرَتْ مَصْلَحَتُهُ ، ومَتَى شَكَّ في ظُهُورِ المَصْلَحَةِ ، فَلاَ يَتَكَلَّم .
(2) 559- وعن أَبي موسى - رضي الله عنه - قَالَ : قُلْتُ : يَا رسولَ اللهِ أَيُّ المُسْلمِينَ أفْضَلُ ؟ قَالَ : (( مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ )) متفق عَلَيْهِ .
(3) 560- وعن سهل بن سعد ، قَالَ : قَالَ رسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ )) متفق عَلَيْهِ .
(4) 561- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّه سمع النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقول : (( إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا يَزِلُّ بِهَا إِلَى النَّارِ أبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ )) متفق عَلَيْهِ .
ومعنى : (( يَتَبَيَّنُ )) يُفَكِّرُ أنَّها خَيْرٌ أم لا .
__________
(1) أخرجه : البخاري 8/125 (6475) ، ومسلم 1/49 (47) (74) .
(2) أخرجه : البخاري 1/10 (11) ، ومسلم 1/48 (42) (66) .
(3) أخرجه : البخاري 8/125 (6474) ، ولم أجده في مسلم .
(4) أخرجه : البخاري 8/125 (6477) ، ومسلم 8/223 (2988) (50) .(1/266)
(1) 562- وعنه ، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ الله تَعَالَى مَا يُلْقِي لَهَا بَالاً يَرْفَعُهُ اللهُ بِهَا دَرَجاتٍ ، وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلَمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ تَعَالَى لا يُلْقِي لَهَا بَالاً يَهْوِي بِهَا في جَهَنَّمَ )) . رواه البخاري .
(2) 563- وعن أَبي عبد الرحمان بِلالِ بن الحارِثِ المُزَنِيِّ - رضي الله عنه - : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( إنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللهِ تَعَالَى مَا كَانَ يَظُنُّ أنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ يَكْتُبُ اللهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَومِ يَلْقَاهُ ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ مَا كَانَ يَظُنُّ أنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ يَكْتُبُ الله لَهُ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ )). رواه مالك في المُوَطَّأ ، والترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .
(3) 564- وعن سفيان بن عبد الله - رضي الله عنه - قَالَ : قُلْتُ : يَا رسولَ الله حدِّثني بأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ قَالَ : (( قلْ : رَبِّيَ اللهُ ثُمَّ اسْتَقِمْ )) قُلْتُ : يَا رسولَ اللهِ ، مَا أخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ ؟ فَأَخَذَ بِلِسانِ نَفْسِهِ ، ثُمَّ قَالَ : (( هَذَا )) . رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .
(4) 565- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ وَقَاهُ اللهُ شَرَّ مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ، وَشَرَّ مَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ دَخَلَ الجَنَّةَ )) . رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .
__________
(1) أخرجه : البخاري 8/125 (6478) .
(2) أخرجه : مالك في " الموطأ " (2818) برواية الليثي ، والترمذي (2319) .
(3) أخرجه : ابن ماجه (3972) ، والترمذي (2410) .
(4) أخرجه : الترمذي (2409).(1/267)
(1) 566- وعن عقبة بن عامرٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قُلْتُ : يَا رسولَ اللهِ مَا النَّجَاةُ ؟
قَالَ : (( أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ ، وابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ )) . رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .
(2) 567- وعن أَبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( إِذَا أصْبَحَ ابْنُ آدَمَ ، فَإنَّ الأعْضَاءَ كُلَّهَا تَكْفُرُ اللِّسانَ ، تَقُولُ : اتَّقِ اللهَ فِينَا ، فَإنَّما نَحنُ بِكَ ؛ فَإنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا ، وإنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا )) . رواه الترمذي .
معنى : (( تَكْفُرُ اللِّسَانَ )) : أيْ تَذِلُّ وَتَخْضَعُ لَهُ .
__________
(1) أخرجه : الترمذي (2406) .
(2) أخرجه : الترمذي (2407) .(1/268)
(1) 568- وعن مُعَاذٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَخْبِرْني بِعَمَلٍ يُدْخِلُني الجَنَّةَ وَيُبَاعِدُني مِنَ النَّارِ ؟ قَالَ : (( لَقَدْ سَألتَ عَنْ عَظيمٍ ، وإنَّهُ لَيَسيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ: تَعْبُدُ الله لا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً ، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ ، وتُؤتِي الزَّكَاةَ ، وتَصُومُ رَمَضَانَ ، وتَحُجُّ البَيْتَ )) ثُمَّ قَالَ : (( ألاَ أدُلُّكَ عَلَى أبْوابِ الخَيْرِ ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيئَةَ كَما يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ ، وَصَلاَةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ )) ثُمَّ تَلا : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ } حَتَّى بَلَغَ { يَعْمَلُونَ } [ النور : 16 ] ثُمَّ قَالَ : (( ألا أُخْبِرُكَ بِرَأسِ الأَمْرِ ، وَعَمُودِهِ ، وَذِرْوَةِ سِنَامِهِ )) قُلْتُ : بَلَى يَا رسولَ اللهِ ، قَالَ : (( رَأسُ الأمْر الإسْلامُ ، وَعَمُودُهُ الصَّلاَةُ ، وَذِرْوَةِ سِنَامِهِ الجِهادُ )) ثُمَّ قَالَ : (( ألاَ أُخْبِرُكَ بِمِلاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ! )) قُلْتُ : بلَى يَا رَسولَ اللهِ ، فَأخَذَ بِلِسانِهِ وقال : (( كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا )) قُلْتُ : يَا رسولَ الله وإنَّا لَمُؤاخَذُونَ بما نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فقالَ : (( ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ ! وَهَلْ يَكُبُّ الناسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ؟ )) . رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) ، وَقَدْ سبق شرحه في باب قبل هَذَا(2) .
__________
(1) أخرجه : ابن ماجه (3973) ، والترمذي (2616) .
(2) لم يرد فيما سبق من الكتاب .(1/269)
(1) 569- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ ؟ )) قالوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ ، قَالَ : (( ذِكْرُكَ أخَاكَ بِما يَكْرَهُ )) قِيلَ : أفَرَأيْتَ إنْ كَانَ في أخِي مَا أقُولُ ؟ قَالَ : (( إنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ ، فقد اغْتَبْتَهُ ، وإنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ )) رواه مسلم .
(2) 570- وعن أَبي بَكْرة - رضي الله عنه - : أنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ في خُطْبَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى في حَجَّةِ الوَدَاعِ : (( إنَّ دِماءكُمْ ، وَأمْوَالَكُمْ ، وأعْرَاضَكُمْ ، حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، في شَهْرِكُمْ هَذَا، في بَلَدِكُمْ هَذَا، ألا هَلْ بَلَّغْتُ )) متفق عَلَيْهِ.
(3) 571- وعن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها ، قالت : قُلْتُ للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - : حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كذَا وكَذَا . قَالَ بعضُ الرواةِ : تَعْنِي قَصيرَةً ، فقالَ : (( لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ البَحْرِ لَمَزَجَتْهُ ! )) قالت : وَحَكَيْتُ لَهُ إنْسَاناً فَقَالَ : (( مَا أُحِبُّ أنِّي حَكَيْتُ(4) إنْساناً وإنَّ لِي كَذَا وَكَذَا )) . رواه أَبُو داود والترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .
ومعنى : (( مَزَجَتْهُ )) خَالَطَتْهُ مُخَالَطَةً يَتَغَيَّرُ بِهَا طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ لِشِدَّةِ نَتْنِها وَقُبْحِهَا . وهذا الحَديثُ مِنْ أبلَغِ الزَّواجِرِ عَنِ الغِيبَةِ ، قَالَ الله تَعَالَى : { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى إنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى } (5).
__________
(1) أخرجه : مسلم 8/21 (2589) (70) .
(2) أخرجه : البخاري 1/37 (105) ، ومسلم 5/108 (1679) (30) .
(3) أخرجه : أبو داود (4875) ، والترمذي (2502) .
(4) أي : فعلت مثل فعله . النهاية 1/421 .
(5) النجم : 3-4 .(1/270)
(1) 572- وعن أنسٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لَمَّا عُرِجَ بي مَرَرْتُ بِقَومٍ لَهُمْ أظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ فَقُلْتُ : مَنْ هؤُلاءِ يَا جِبرِيلُ ؟ قَالَ : هؤُلاءِ الَّذِينَ يَأكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ ، وَيَقَعُونَ في أعْرَاضِهِمْ ! )) . رواه أَبُو داود .
(2) 573- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَعِرْضُهُ وَمَالُهُ )) . رواه مسلم .
59- باب تحريم الكذب
قَالَ الله تَعَالَى : { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } [ الإسراء : 36 ] . وقال تَعَالَى : { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَولٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ ق : 18 ] .
(3) 574- وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : (( إنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ ، وإنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقاً . وإنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ ، وإنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذَّاباً )) متفقٌ عَلَيْهِ .
__________
(1) أخرجه : أبو داود (4878) و(4879) .
(2) أخرجه : مسلم 8/10 (2564) (32) .
(3) انظر الحديث ( 54 ) .(1/271)
(1) 575- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : أن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( أرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ ، كَانَ مُنَافِقاً خَالِصاً ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ ، كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ نِفاقٍ حَتَّى يَدَعَهَا : إِذَا أؤْتُمِنَ خانَ ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ )) . متفق عَلَيْهِ .
وَقَدْ سبق بيانه مَعَ حديث أَبي هريرة بنحوه في (( باب الوفاءِ بالعهدِ )) .
(2) 576- وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ ، كُلِّفَ أنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْن وَلَنْ يَفْعَلَ ، وَمَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَديثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ ، صُبَّ في أُذُنَيْهِ الآنُكُ يَوْمَ القِيَامَةِ ، وَمَنْ صَوَّرَ صُورَةً عُذِّبَ وَكُلِّفَ أنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ وَلَيْسَ بنافِخٍ)) . رواه البخاري .
(( تَحَلم )) : أيْ قَالَ إنَّه حلم في نومه ورأى كذا وكذا ، وَهُوَ كاذب .
و(( الآنك )) بالمدّ وضم النون وتخفيف الكاف : وَهُوَ الرَّصَاصُ المذاب .
(3) 577- وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، قَالَ : قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : (( أَفْرَى الفِرَى(4) أنْ يُرِيَ الرَّجُلُ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَيَا )) . رواه البخاري .
ومعناه : يقول : رأيتُ ، فيما لَمْ يَرَهُ .
__________
(1) انظر الحديث (689) .
(2) أخرجه : البخاري 9/54 (7042) .
(3) أخرجه : البخاري 9/54 ( 7043 ) .
(4) قال ابن حجر في فتح الباري 12/537 (7043 ) : (( أفرى الفرى : أي أعظم الكذبات قال ابن بطال : الفرية الكذبة العظيمة التي يتعجب منها )) .(1/272)
(1) 578- وعن سَمُرَةَ بنِ جُنْدُبٍ - رضي الله عنه - قَالَ : كَانَ رسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِمَّا يُكْثِرُ أنْ يَقُولَ لأَصْحَابِهِ: (( هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ رُؤْيَا ؟ )) فَيَقُصُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ اللهُ أنْ يَقُصَّ، وإنَّهُ قَالَ لنا ذَات غَدَاةٍ : (( إنَّهُ أَتَانِيَ اللَّيْلَةَ آتِيَانِ ، وإنَّهُمَا قَالا لِي : انْطَلِقْ ، وإنِّي انْطَلَقتُ مَعَهُمَا ، وإنَّا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ ، وَإِذَا آخَرُ قائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ ، فَيَثْلَغُ رَأسَهُ ، فَيَتَدَهْدَهُ الحَجَرُ هَا هُنَا ، فَيَتْبَعُ الحَجَرَ فَيَأخُذُهُ فَلاَ يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأسُهُ كَما كَانَ ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ ، فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ المَرَّةَ الأوْلَى ! )) قَالَ: (( قُلْتُ لهما : سُبْحانَ اللهِ ! مَا هَذَان ؟ قَالا لي : انْطَلِقِ انْطَلِقْ ، فَانْطَلَقْنَا ، فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ(2) مِنْ حَديدٍ ، وَإِذَا هُوَ يَأتِي أحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ ، ومِنْخَرَهُ إِلَى قَفَاهُ ، وعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ ، ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الجانبِ الآخَرِ ، فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بالجَانِبِ الأوَّلِ ، فَمَا يَفْرَغُ مِنْ ذَلِكَ الجانبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الجانبُ كما كَانَ ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي المرَّةِ الأُوْلَى )) قَالَ : (( قُلْتُ : سُبْحَانَ اللهِ ! مَا هذانِ ؟ قالا لي : انْطَلِقِ انْطَلِقْ ، فَانْطَلَقْنَا ، فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ
__________
(1) أخرجه : البخاري 2/125 – 127 ( 1386 ) و9/56 – 58 ( 7047 ) .
(2) الكلوب : بالتشديد ، حديدة معوجة الرأس . النهاية 4/195 .(1/273)
التَّنُّورِ )) فَأَحْسِبُ أنَّهُ قَالَ : (( فإذا فِيهِ لَغَطٌ ، وأصْواتٌ ، فَاطَّلَعْنَا فِيهِ فإذا فِيهِ رِجَالٌ وَنِساءٌ عُرَاةٌ ، وَإِذَا هُمْ يَأتِيِهمْ لَهَبٌ مِنْ أسْفَلَ مِنْهُمْ ، فإذا أتاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا . قُلْتُ : مَا هَؤلاءِ ؟ قَالا لِي : انْطَلِقِ انْطَلِقْ ، فَانْطَلَقْنَا ، فَأَتَيْنَا عَلَى نَهْرٍ )) حَسِبْتُ أنَّهُ كَانَ يَقُولُ : (( أَحْمَرُ مِثْلُ الدَّمِ ، وَإِذَا في النَّهْرِ رَجُلٌ سابحٌ يَسْبَحُ ، وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهْرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كثيرةً ، وَإِذَا ذَلِكَ السَّابحُ يَسْبَحُ ، مَا يَسْبَحُ ، ثُمَّ يَأتِي ذَلِكَ الَّذِي قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ الحِجَارَةَ ، فَيَفْغَرُ لَهُ فاهُ، فَيُلْقِمُهُ حَجَراً، فَينْطَلِقُ فَيَسْبَحُ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ، كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ ، فَغَرَ لَهُ فَاهُ ، فَألْقَمَهُ حَجَراً ، قُلْتُ لهُما : مَا هذانِ ؟ قالاَ لِي : انْطَلِقِ انْطَلِقْ ، فَانْطَلَقْنَا ، فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ كَريهِ المرْآةِ ، أَوْ كَأكْرَهِ مَا أنتَ رَاءٍ رجُلاً مَرْأىً ، فإذا هُوَ عِنْدَهُ نَارٌ يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا . قُلْتُ لَهُمَا : مَا هَذَا ؟ قالاَ لي : انْطَلِقِ انْطَلِقْ ، فَانْطَلَقْنَا ، فَأتَيْنَا عَلَى رَوْضَةٍ مُعْتَمَّةٍ فِيهَا مِنْ كُلِّ نَوْرِ الرَّبيعِ ، وَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَي الرَّوْضَةِ رَجُلٌ طَويلٌ لا أَكادُ أَرَى رَأسَهُ طُولاً في السَّماءِ ، وَإِذَا حَوْلَ الرَّجُلِ مِنْ أَكْثَرِ وِلدانٍ رَأيْتُهُمْ قَطُّ ، قُلْتُ : مَا هَذَا ؟ وَمَا هؤلاءِ ؟ قالا لي : انْطَلقِ انْطَلقْ ، فَانْطَلَقْنَا ، فَأَتَيْنَا إِلَى دَوْحَةٍ عَظيمةٍ لَمْ أَرَ دَوْحَةً قَطُّ أعْظمَ مِنْهَا ، وَلاَ أحْسَنَ ! قالا لي : ارْقَ فِيهَا ، فارْتَقَيْنَا فِيهَا إِلَى مَدينَةٍ مَبْنِيَّةٍ بِلَبنٍ ذَهَبٍ(1/274)
وَلَبنٍ فِضَّةٍ ، فَأَتَيْنَا بَابَ المَدِينَةِ فَاسْتَفْتَحْنَا ، فَفُتِحَ لَنَا فَدَخَلْنَاها ، فَتَلَقَّانَا رِجالٌ شَطْرٌ مِنْ خَلْقِهِمْ كأَحْسَنِ مَا أنت راءٍ ! وَشَطْرٌ مِنْهُمْ كأقْبَحِ مَا أنتَ راءٍ ! قالا لَهُمْ : اذْهَبُوا فَقَعُوا في ذَلِكَ النَّهْرِ ، وَإِذَا هُوَ نَهْرٌ مُعْتَرِضٌ يَجْرِي كأنَّ ماءهُ المَحْضُ في البَيَاضِ ، فَذَهَبُوا فَوَقَعُوا فِيهِ . ثُمَّ رَجَعُوا إلَيْنَا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ ، فَصَارُوا في أحْسَنِ صُورَةٍ )) قَالَ : (( قالا لِي : هذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ ، وهذاك مَنْزِلُكَ ، فسَمَا بَصَري صُعُداً ، فإذا قَصْرٌ مِثْلُ الرَّبَابَةِ البَيضاءِ ، قالا لي : هذاكَ مَنْزلكَ ؟ قلتُ لهما : باركَ اللهُ فيكُما ، فذَراني فأدخُلَه . قالا لي : أمَّا الآنَ فَلاَ ، وأنتَ دَاخِلُهُ ، قُلْتُ لَهُمَا : فَإنِّي رَأيتُ مُنْذُ اللَّيْلَة عَجَباً ؟ فما هَذَا الَّذِي رأيتُ ؟ قالا لي : أمَا إنَّا سَنُخْبِرُكَ : أَمَّا الرَّجُلُ الأوَّلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأسُهُ بالحَجَرِ ، فإنَّهُ الرَّجُلُ يَأخُذُ القُرآنَ فَيَرفُضُهُ(1) ، ويَنَامُ عَنِ الصَّلاةِ المَكتُوبَةِ . وأمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أتَيْتَ عَلَيْهِ يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ ، ومِنْخَرُهُ إِلَى قَفَاهُ ، وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ ، فإنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ فَيَكْذِبُ الكِذْبَةَ تَبْلُغُ الآفاقَ . وأمَّا الرِّجَالُ والنِّسَاءُ العُراةُ الَّذِينَ هُمْ في مثْلِ بناءِ التَّنُّورِ ، فَإنَّهُمُ الزُّنَاةُ والزَّواني ، وأما الرجلُ الذي أتيتَ عَليهِ يَسْبَحُ في النهرِ ، ويلقم الحجارةَ ،
__________
(1) قال الحافظ ابن حجر في الفتح : (( رفض القرآن بعد حفظه جناية عظيمة ؛ لأنه يوهم أنه رأى فيه ما يوجب رفضه فلما رفض أشرف الأشياء وهو القرآن عوقب في أشرف أعضائه وهو الرأس )) .(1/275)
فإنَّهُ آكلُ الربا ، وأمَّا الرَّجُلُ الكَريهُ(1) المرآةِ الَّذِي عِنْدَ النَّارِ يَحُشُّهَا وَيَسْعَى حَوْلَهَا ، فإنَّهُ مالكٌ خازِنُ جَهَنَّمَ ، وأمَّا الرَّجُلُ الطَّويلُ الَّذِي في الرَّوْضَةِ ، فإنَّهُ إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - ، وأمَّا الولدان الَّذِينَ حَوْلَهُ ، فكلُّ مَوْلُودٍ ماتَ عَلَى الفِطْرَةِ )) وفي رواية البَرْقانِيِّ : (( وُلِدَ عَلَى الفِطْرَةِ )) فَقَالَ بعض المُسلمينَ : يَا رسولَ الله ، وأولادُ المُشركينَ فقالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : (( وأولادُ المشركينَ ، وأما القومُ الذينَ كانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَنٌ ، وشَطْرٌ مِنْهُمْ قَبيحٌ ، فإنَّهُمْ قَومٌ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وآخَرَ سَيِّئاً ، تَجاوَزَ الله عنهم )) . رواه البخاري .
__________
(1) قال الحافظ في الفتح : (( إنما كان كريه الرؤية ؛ لأن في ذلك زيادة في عذاب أهل النار )) .(1/276)
وفي روايةٍ لَهُ : (( رَأيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أتيَانِي فأخْرَجَانِي إِلَى أرْضٍ مُقَدَّسَةٍ )) ثُمَّ ذَكَرَهُ وقال : (( فَانْطَلَقْنَا إِلَى نَقْبٍ مثلِ التَّنُّورِ ، أعْلاهُ ضَيِّقٌ وَأسْفَلُهُ واسِعٌ ؛ يَتَوَقَّدُ تَحْتَهُ ناراً ، فإذا ارْتَفَعَتِ ارْتَفَعُوا حَتَّى كَادُوا أنْ يَخْرُجُوا ، وَإِذَا خَمَدَتْ ! رَجَعُوا فِيهَا ، وفيها رِجالٌ ونِساءٌ عراةٌ )) . وفيها : (( حَتَّى أتَيْنَا عَلَى نَهْرٍ مِنْ دَمٍ )) ولم يشكَّ (( فِيهِ رَجُلٌ قائِمٌ عَلَى وَسَطِ النَّهْرِ وعلى شطِّ النَّهرِ رجلٌ ، وبينَ يديهِ حِجارةٌ ، فأقبلَ الرجلُ الذي في النَّهرِ ، فَإذَا أرَادَ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ في فِيهِ ، فَرَدَّهُ حَيثُ كَانَ ، فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ جَعَلَ يَرْمِي في فِيهِ بِحَجَرٍ ، فَيْرَجِعْ كما كَانَ )) . وفيها : (( فَصَعِدَا بي الشَّجَرَةَ ، فَأدْخَلاَنِي دَاراً لَمْ أرَ قَطُّ أحْسَنَ مِنْهَا ، فيهَا رِجَالٌ شُيُوخٌ وَشَبَابٌ )) . وفيها : (( الَّذِي رَأيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ ، يُحَدِّثُ بِالكِذْبَةِ فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ ، فَيُصْنَعُ بِهِ مَا رَأَيْتَ إِلَى يَومِ القِيَامَةِ )) ، وَفِيهَا : (( الَّذِي رَأيْتَهُ يُشْدَخُ رَأسُهُ فَرَجُلٌ عَلَّمَهُ اللهُ القُرْآنَ ، فَنَامَ عَنْهُ بِاللَّيْلِ ، وَلَمْ يَعْمَلْ فِيهِ بالنَّهارِ ، فَيُفْعَلُ بِهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ، والدَّارُ الأولَى الَّتي دَخَلْتَ دَارُ عَامَّةِ المُؤمِنِينَ ، وأمَّا هذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَداءِ ، وأنا جِبْرِيلُ ، وهذا مِيكائيلُ ، فَارْفَعْ رَأْسَكَ ، فَرَفَعْتُ رَأسِي ، فإذَا فَوْقِي مِثْلُ السَّحابِ ، قالا : ذاكَ مَنْزِلُكَ ، قُلْتُ : دَعَانِي أدْخُلُ مَنْزِلي ، قالا : إنَّهُ بَقِيَ لَكَ عُمُرٌ لَمْ تَسْتَكْمِلْهُ ، فَلَوِ(1/277)
اسْتَكْمَلْتَهُ أتَيْتَ مَنْزِلَكَ )) . رواه البخاري .
قَوْله : (( يَثلَغ رَأسَهُ )) هُوَ بالثاءِ المثلثةِ والغينِ المعجمة، أيْ : يَشدَخُهُ وَيَشُقُّهُ. قولهُ: (( يَتَدَهْدَهُ )) أيْ : يَتَدَحْرجُ. و(( الكَلُّوبُ )) بفتح الكاف وضم اللام المشددة ، وَهُوَ معروف . قَوْله: (( فَيُشَرْشِرُ )) : أيْ : يُقَطِّعُ . قَوْله : (( ضَوْضَوا )) وَهُوَ بضادين معجمتين : أيْ صاحوا . قَوْله : (( فَيَفْغَرُ )) هُوَ بالفاء والغين المعجمة، أيْ : يفتح . قَوْله (( المَرآة )) هُوَ بفتح الميم ، أيْ : المنظر . قَوْله : (( يَحُشُّها )) هُوَ بفتح الياءِ وضم الحاء المهملة والشين المعجمة ، أيْ : يوقِدُها . قَوْله : (( رَوْضَةٍ مُعْتَمَّةٍ )) هُوَ بضم الميم وإسكان العين وفتح التاء وتشديد الميم ، أيْ : وافية النَّباتِ طَويلَته . قَولُهُ : (( دَوْحَةٌ )) وهي بفتحِ الدال وإسكان الواو وبالحاءِ المهملة: وهي الشَّجَرَةُ الكَبيرةُ . قَوْلهُ : (( المَحْضُ )) هُوَ بفتح الميم وإسكان الحاء المهملة وبالضَّادِ المعجمة ، وَهُوَ : اللَّبَنُ . قَوْلهُ (( فَسَمَا بَصَري )) أيْ : ارْتَفَعَ . و(( صُعُداً )) بضم الصاد والعين، أيْ : مُرْتَفعاً . وَ(( الربَابَةُ )) بفتح الراءِ وبالباء الموحدة مكررةً ، وهي : السَّحابَة .
60- باب الحثّ عَلَى التثبت فيما يقوله ويحكيه
قَالَ الله تَعَالَى : { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } [ الإسراء : 36 ] وقال تَعَالَى : { مَا يَلْفِظُ مِنْ قَولٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ ق : 18 ] . (1)
__________
(1) وفيه قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } [ الحجرات : 6 ] .(1/278)
(1) 579- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( كَفَى بالمَرْءِ كَذِباً أنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ )) . رواه مسلم .
(2) 580- وعن سَمُرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَديثٍ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الكَاذِبينَ )) . رواه مسلم .
(3) 581- وعن أسماء رَضِيَ اللهُ عنها : أنَّ امْرأةً قالت : يَا رسولَ الله ، إنَّ لِي ضَرَّةً فهل عَلَيَّ جُنَاحٌ إنْ تَشَبَّعْتُ مِنْ زَوْجِي غَيْرَ الَّذِي يُعْطِيني ؟ فَقَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : (( المُتَشَبِّعُ بِما لَمْ يُعْطَ كَلاَبِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ )) . متفق عَلَيْهِ .
(( وَالمُتَشَبِّعُ )) : هُوَ الَّذِي يُظْهِرُ الشَّبَعَ وَلَيْسَ بِشَبْعَان . ومعناهُ هُنَا : أنْ يُظْهِرَ أنَّهُ حَصَلَ لَهُ فَضيلَةٌ وَلَيْسَتْ حَاصِلَةً . (( وَلابِسُ ثَوْبَي زُورٍ )) أيْ : ذِي زُورٍ ، وَهُوَ الَّذِي يُزَوِّرُ عَلَى النَّاسِ ، بِأنْ يَتَزَيَّى بِزِيِّ أهْلِ الزُّهْدِ أَو العِلْمِ أَو الثَّرْوَةِ ، لِيَغْتَرَّ بِهِ النَّاسُ وَلَيْسَ هُوَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ . وَقَيلَ غَيرُ ذَلِكَ واللهُ أعْلَمُ .
61- باب النهي عن التباغض والتقاطع والتدابر
قَالَ الله تَعَالَى : { إنَّمَا المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ } [ الحجرات : 10 ] ، وقال تَعَالَى : { أذِلَّةٍ عَلَى المُؤمِنينَ أعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرينَ } [ المائدة : 54 ] ، وقال تَعَالَى : { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ } [ الفتح : 29 ] .
__________
(1) أخرجه : مسلم في مقدمة " صحيحه " 1/8 (5) (5) .
(2) أخرجه : مسلم في مقدمة " صحيحه " 1/7 .
(3) أخرجه : البخاري 7/44 (5219) ، ومسلم 6/169 (2130) (127) .(1/279)
(1) 582- وعن أنس - رضي الله عنه - : أنَّ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( لاَ تَبَاغَضُوا ، وَلاَ تَحَاسَدُوا ، وَلاَ تَدَابَرُوا ، وَلاَ تَقَاطَعُوا ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إخْوَاناً ، وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ )). متفق عَلَيْهِ .
(2) 583- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( تُفْتَحُ أبْوابُ الجَنَّةِ يَوْمَ الإثْنَيْنِ ويَوْمَ الخَمْيِسِ ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً ، إِلاَّ رَجُلاً كَانَتْ بينهُ وَبَيْنَ أخِيهِ شَحْناءُ فَيُقَالُ : أنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ! أَنْظِرُوا هَذَينِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ! )) . رواه مسلم .
وفي روايةٍ لَهُ : (( تُعْرَضُ الأعْمالُ في كُلِّ يَوْمِ خَمِيسٍ وإثْنَيْن )) وذَكَرَ نَحْوَهُ .
62- باب النهي عن سوء الظنّ بالمسلمين من غير ضرورة
قَالَ الله تَعَالَى : { يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ } [الحجرات : 12 ] .
(3) 584- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( إيَّاكُمْ والظَّنَّ ، فإنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحَدِيثِ )) . متفق عَلَيْهِ .
63- باب تحريم احتقار المسلمين
__________
(1) أخرجه : البخاري 8/23 (6065) ، ومسلم 8/8 (2559) (23) .
(2) أخرجه : مسلم 8/11 (2565) (35) و(36) .
(3) انظر الحديث (1570) .(1/280)
قَالَ الله تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَومٍ عَسَى أنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإيْمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } [ الحجرات : 11 ] وقال تَعَالَى : { وَيلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لمزَةٍ } [ الهمزة : 1 ] .
(1) 585- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ المُسْلِمَ )) . رواه مسلم ، وَقَدْ سبق قريباً بطوله .
(2) 586- وعن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - ، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ! )) فَقَالَ رَجُلٌ : إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَناً ، وَنَعْلُهُ حَسَنةً ، فَقَالَ: (( إنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ ، الكِبْرُ : بَطَرُ الحَقِّ ، وَغَمْطُ النَّاسِ )) . رواه مسلم .
ومعنى (( بَطَرُ الحَقِّ )) دَفْعُه ، (( وغَمْطُهُمْ )) : احْتِقَارُهُمْ ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ أوْضَحَ مِنْ هَذَا في باب الكِبْرِ .
(3) 587- وعن جُندب بن عبدِ الله - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : (( قَالَ رَجُلٌ : وَاللهِ لا يَغْفِرُ اللهُ لِفُلانٍ ، فَقَالَ اللهُ - عز وجل - : مَنْ ذا الَّذِي يَتَأَلَّى(4) عَلَيَّ أنْ لا أغْفِرَ لِفُلانٍ ! فَإنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُ ، وَاحْبَطْتُ عَمَلَكَ )) . رواه مسلم .
__________
(1) انظر الحديث (1570) .
(2) انظر الحديث ( 611 ) .
(3) أخرجه : مسلم 8/36 (2621) (137) .
(4) يتألى : يحلف ، والأليّة : اليمين . النهاية 1/62 .(1/281)
61- باب النهي عن الغش والخداع
قَالَ الله تَعَالَى : { والَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وإثْماً مُبِيناً } [ الأحزاب : 58 ] .
(1) 588- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا ، وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا )) . رواه مسلم .
وفي رواية لَهُ : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أصابِعُهُ بَلَلاً، فَقَالَ : (( مَا هذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ ؟ )) قَالَ : أصَابَتهُ السَّمَاءُ يَا رسول الله . قَالَ : (( أفَلاَ جَعَلْتَهُ فَوقَ الطَّعَامِ حَتَّى يرَاهُ النَّاسُ ! مَنْ غشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا )) .
(2) 589- وعنه : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( لاَ تَنَاجَشُوا )) متفق عَلَيْهِ .
(3) 590- وعن ابن عمر رضي الله عنهما : أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، نَهى عن النَّجْشِ . متفق عَلَيْهِ .
(4) 591- وعنه ، قَالَ : ذَكَرَ رَجُلٌ لِرَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - : أنَّهُ يُخْدَعُ في البُيُوعِ ؟ فَقَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ بَايَعْتَ ، فَقُلْ : لاَ خِلاَبَةَ )) . متفق عَلَيْهِ .
(( الخِلاَبَةُ )) بخاءٍ معجمةٍ مكسورةٍ وباءٍ موحدة ، وهي : الخديعة .
__________
(1) أخرجه : مسلم 1/69 (101) (164) و1/69 (102) .
(2) انظر الحديث (235) .
(3) أخرجه : البخاري 3/90 (2142) ، ومسلم 5/5 (1516) (13) .
(4) أخرجه : البخاري 3/85-86 (2117) ، ومسلم 5/11 (1533) (48) .(1/282)
(1) 592- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ خَبَّبَ زَوْجَةَ امْرِئٍ ، أَوْ مَمْلُوكَهُ ، فَلَيْسَ مِنَّا )) . رواهُ أَبُو داود .
(( خَبب )) بخاءٍ معجمة ، ثُمَّ باءٍ موحدة مكررة : أيْ أفْسده وخدعه .
65- باب تحريم الهجران بين المسلمين فوق ثلاثة أيام
إِلاَّ لبدعة في المهجور ، أَوْ تظاهرٍ بفسقٍ أَوْ نحو ذَلِكَ
قَالَ الله تَعَالَى: { إنَّمَا المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أخَوَيْكُمْ } [ الحجرات: 10 ] ، وقال تَعَالَى: { وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالعُدْوَانِ } [ المائدة : 2 ] .
(2) 593- وعن أنس - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا تَقَاطَعُوا ، وَلاَ تَدَابَرُوا ، وَلاَ تَبَاغَضُوا ، وَلاَ تَحَاسَدُوا ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إخْوَاناً ، وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَث )) . متفق عَلَيْهِ .
(3) 594- وعن أَبي أيوبَ - رضي الله عنه - : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ : يَلْتَقِيَانِ ، فَيُعْرِضُ هَذَا ، وَيُعْرِضُ هَذَا ، وخَيْرُهُما الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ )) . متفق عَلَيْهِ .
(4) 595- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( تُعْرَضُ الأَعْمَالُ في كلِّ اثْنَيْنِ وَخَمْيسٍ ، فَيَغْفِرُ اللهُ لِكُلِّ امْرِئٍ لا يُشْرِكُ باللهِ شَيْئاً ، إِلاَّ امْرَءاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أخِيهِ شَحْنَاءُ ، فَيقُولُ : اتْرُكُوا هذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا )) . رواه مسلم .
__________
(1) أخرجه : أبو داود (5170) .
(2) انظر الحديث (1567) .
(3) أخرجه : البخاري 8/26 (6077) ، ومسلم 8/8 (2560) (25) .
(4) أخرجه : مسلم 8/12 (2565) (36) .(1/283)
(1) 596- وعن جابر - رضي الله عنه - قَالَ : سَمِعْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ : (( إنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أنْ يَعْبُدَهُ المُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ العَرَبِ ، وَلَكِنْ في التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ )) . رواه مسلم .
(( التَّحْرِيشُ )) : الإفْسَادُ وتَغييرُ قُلُوبِهِمْ وتَقَاطُعُهُم .
(2) 597- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ ، فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلاَثٍ فَمَاتَ ، دَخَلَ النَّارَ )) . رواه أَبُو داود بإسناد عَلَى شرط البخاري ومسلم .
(3) 598- وعن أَبي خِراشٍ حَدْرَدِ بنِ أَبي حَدْرَدٍ الأسلميِّ . ويقالُ : السُّلمِيّ الصحابي - رضي الله عنه -: أنَّه سمع النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، يقولُ : (( مَنْ هَجَرَ أخَاهُ سَنَةً فَهُوَ كَسَفْكِ دَمِهِ )) . رواه أَبُو داود بإسناد صحيح .
(4) 599- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : أنًّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( لاَ يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ أنْ يَهْجُرَ مُؤْمِناً فَوقَ ثَلاَثٍ ، فإنْ مَرَّتْ بِهِ ثَلاَثٌ ، فَلْيَلْقَهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ ، فَإنْ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ فَقَدِ اشْتَرَكَا في الأجْرِ ، وَإنْ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ فَقَدْ بَاءَ بِالإثْمِ ، وَخَرَجَ المُسَلِّمُ مِنَ الهِجْرَةِ )) . رواه أَبُو داود بإسناد حسن . قَالَ أَبُو داود : (( إِذَا كَانَتْ الهِجْرَةُ للهِ تَعَالَى فَليسَ مِنْ هَذَا في شَيْءٍ )) (5) .
66- باب تغليظ تحريم الربا
__________
(1) أخرجه : مسلم 8/138 (2812) (65) .
(2) أخرجه : أحمد 2/392 ، وأبو داود (4914) .
(3) أخرجه : أحمد 4/220 ، وأبو داود (4915) .
(4) أخرجه : البخاري في " الأدب المفرد " (414) ، وأبو داود (4912) .
(5) انظر السنن عقب (4916) .(1/284)
قَالَ اللهُ تَعَالَى : { الَّذِينَ يَأكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ ذَلِكَ بأنَّهُمْ قَالُوا إنَّمَا البَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأحَلَّ اللهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عَادَ فَأولئِكَ أصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ } - إِلَى قَوْله تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا } [ البقرة : 275- 278 ] .
وأما الأحاديث فكثيرة في الصحيح مشهورة ، مِنْهَا حديث أَبي هريرة السابق في الباب قبله(1) .
(2) 600- وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قَالَ: لَعَنَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ . رواهُ مسلم ، زاد الترمذي وغيره : وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ .
67- باب تحريم الرياء
قَالَ الله تَعَالَى : { وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ } [ البينة : 5 ] ، وقال تَعَالَى : { لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالمَنِّ وَالأَذَى كالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ } [ البقرة : 264 ] ، وقال تَعَالَى : { يُرَاءونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً } [ النساء : 142 ] .
__________
(1) انظر الحديث (1614) .
(2) أخرجه : مسلم 5/50 (1597) (105) ، وأبو داود (3333) ، وابن ماجه (2277) ، والترمذي (1206) .(1/285)
(1) 601- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ : سَمِعْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ : (( قَالَ الله تَعَالَى : أنَا أغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ )) . رواه مسلم .
(2) 602- وعنه ، قَالَ : سَمِعْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : (( إنَّ أَولَ النَّاسِ يُقْضَى يَومَ القِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ ، فَأُتِيَ بِهِ ، فَعَرَّفَهُ نِعْمَتَهُ ، فَعَرَفَهَا ، قَالَ : فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ : قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ . قَالَ : كَذَبْتَ ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ : جَرِيءٌ ! فَقَدْ قِيلَ ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ في النَّارِ. وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ العِلْمَ وَعَلَّمَهُ ، وَقَرَأَ القُرآنَ ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا . قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ : تَعَلَّمْتُ العِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ ، وَقَرَأتُ فِيكَ القُرآنَ ، قَالَ : كَذَبْتَ ، وَلكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ لِيُقَالَ : عَالِمٌ ! وَقَرَأتَ القُرْآنَ لِيُقَالَ : هُوَ قَارِئٌ ؛ فَقَدْ قِيلَ ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ في النَّارِ . وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ ، وَأعْطاهُ مِنْ أصْنَافِ المَالِ ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ ، فَعَرَفَهَا . قَالَ : فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا ؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبيلٍ تُحِبُّ أنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلاَّ أنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ. قَالَ : كَذَبْتَ ، ولكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: جَوَادٌ ! فَقَدْ قِيلَ ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ في النَّارِ )) . رواه مسلم .
__________
(1) أخرجه : مسلم 8/223 (2985) (46) .
(2) أخرجه : مسلم 6/47 (1905) (152) .(1/286)
(( جَرِيءٌ )) بفتح الجيم وكسر الراء والمد : أيْ شُجَاعٌ حَاذِقٌ .
(1) 603- وعن ابن عمر رضي الله عنهما : أن نَاساً قَالُوا لَهُ : إنَّا نَدْخُلُ عَلَى سَلاَطِيننَا فَنَقُولُ لَهُمْ بِخِلاَفِ مَا نَتَكَلَّمُ إِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِندِْهِمْ ؟ قَالَ ابنُ عُمَرَ رضي الله عنهما : كُنَّا نَعُدُّ هَذَا نِفاقاً عَلَى عَهْدِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . رواه البخاري .
(2) 604- وعن جُندب بن عبد اللهِ بن سفيان - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ الله بِهِ ، وَمَنْ يُرائِي يُرائِي اللهُ بِهِ )) . متفق عَلَيْهِ .
ورواه مسلم أَيضاً من رواية ابن عباس رضي الله عنهما .
(( سَمَّعَ )) بتشديد الميم ، ومعناه : أظهر عمله للناس رِياءً . (( سَمَّعَ اللهُ بِهِ )) أيْ : فَضَحَهُ يَومَ القِيَامَةِ . ومعنى : (( مَنْ رَاءى )) أيْ : مَنْ أظْهَرَ لِلنَّاسِ العَمَلَ الصَّالِحَ لِيَعْظُمَ عِنْدَهُمْ . (( رَاءى اللهُ بِهِ )) أيْ : أظْهَرَ سَرِيرَتَهُ عَلَى رُؤُوسِ الخَلائِقِ .
(3) 605- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ تَعَلَّمَ عِلْماً مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللهِ - عز وجل - لاَ يَتَعَلَّمُهُ إِلاَّ لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضاً مِنَ الدُّنْيَا ، لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الجَنَّةِ يَوْمَ القِيَامَةِ )) يَعْنِي : رِيحَهَا . رواه أَبُو داود بإسنادٍ صحيحٍ والأحاديث في الباب كثيرةٌ مشهورةٌ .
68- باب مَا يتوهم أنَّه رياء وليس هُوَ رياء
__________
(1) أخرجه : البخاري 9/89 (7178) من دون : (( على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - )) .
(2) أخرجه : البخاري 8/130 (6499) ، ومسلم 8/223 (2987) (48) .
وأخرجه : مسلم 8/223 ( 2986 ) ( 47 ) من حديث ابن عباس .
(3) انظر الحديث ( 1391 ) .(1/287)
(1) 606- وعن أَبي ذرٍ - رضي الله عنه - قَالَ : قِيلَ لِرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - : أرَأيْتَ الرَّجُلَ الَّذِي يَعْمَلُ العَمَلَ مِنَ الخَيْرِ ، وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : (( تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى المُؤْمِنِ )) (2) . رواه مسلم .
69- باب تحريم النظر إِلَى المرأة الأجنبية والأمرد الحسن
لغير حاجة شرعية
قَالَ الله تَعَالَى : { قُلْ لِلمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أبْصَارِهِمْ } [ النور : 30 ] ، وقال تَعَالَى : { إنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ والفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً } [ الإسراء : 36 ] ، وقال تَعَالَى : { يَعْلَمُ خَائِنةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ } [ غافر : 19 ] ، وقال تَعَالَى : { إنَّ رَبكَ لَبِالمِرْصَادِ } [ الفجر : 14 ] .
(3) 607- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( كُتِبَ عَلَى ابْن آدَمَ نَصِيبُهُ مِنَ الزِّنَا مُدْرِكُ ذَلِكَ لا مَحَالَةَ : العَيْنَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ ، وَالأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الاسْتِمَاعُ ، وَاللِّسَانُ زِناهُ الكَلاَمُ ، وَاليَدُ زِنَاهَا البَطْشُ ، وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الخُطَا ، والقَلْبُ يَهْوَى وَيَتَمَنَّى ، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الفَرْجُ أَوْ يُكَذِّبُهُ )) . متفق عَلَيْهِ . هَذَا لفظ مسلمٍ ، ورواية البخاري مختصرَةٌ .
__________
(1) أخرجه : مسلم 8/44 (2642) (166) .
(2) قال النووي في شرح صحيح مسلم 8/359 : (( معناه هذه البشرى المعجلة له بالخير ، وهي دليل على رضاء الله تعالى عنه ، ومحبته له … )) .
(3) أخرجه : البخاري 8/67 (6243) ، ومسلم 8/52 (2657) (21) .(1/288)
(1) 608- وعن أَبي سعيد الخُدريِّ - رضي الله عنه - ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( إيّاكُمْ والجُلُوس فِي الطُّرُقَاتِ ! )) قالوا : يَا رسولَ الله ، مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ ، نَتَحَدَّثُ فِيهَا . فَقَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: (( فَإذَا أبَيْتُمْ إِلاَّ المَجْلِسَ ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ )) قَالُوا : وَمَا حَقُّ الطَّريقِ يَا رسولَ اللهِ ؟ قَالَ : (( غَضُّ البَصَرِ ، وَكَفُّ الأَذَى ، وَرَدُّ السَّلاَمِ ، والأمرُ بالمَعْرُوفِ ، والنَّهيُ عنِ المُنْكَرِ )) (2) متفق عَلَيْهِ .
(3) 609- وعن أَبي طلحة زيد بن سهل - رضي الله عنه - قَالَ : كُنَّا قُعُوداً بالأفْنِيَةِ(4) نَتَحَدَّثُ فِيهَا فَجَاءَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَامَ عَلَيْنَا ، فَقَالَ : (( مَا لَكُمْ وَلِمَجَالسِ الصُّعُدَاتِ ؟ اجْتَنِبُوا مَجَالِسَ الصُّعُدَاتِ)) فقُلْنَا : إنَّمَا قَعَدْنَا لِغَيْرِ مَا بَأسٍ ، قَعَدْنَا نَتَذَاكَرُ ، وَنَتَحَدَّثُ . قَالَ : (( إمَّا لاَ فَأَدُّوا حَقَّهَا : غَضُّ البَصَرِ ، وَرَدُّ السَّلاَمِ ، وَحُسْنُ الكَلاَمِ )) . رواه مسلم .
(( الصُّعُدات )) بضمِ الصاد والعين : أيْ الطُّرقَاتِ .
__________
(1) انظر الحديث ( 190 ) .
(2) قال المصنف في شرح صحيح مسلم 7/287 : (( هذا الحديث كثير الفوائد ، وهو من الأحاديث الجامعة ، وأحكامه ظاهرة ، وينبغي أنْ يجتنب الجلوس في الطرقات لهذا الحديث ، ويدخل في كف الأذى اجتناب الغيبة، وظن السوء ، واحتقار بعض المارين ، وتضييق الطريق ، وكذا إذا كان القاعدون ممن يهابهم المارون ، أو يخافون منهم ، ويمتنعون من المرور في أشغالهم بسبب ذلك لكونهم لا يجدون طريقاً إلا ذلك الموضع )) .
(3) أخرجه : مسلم 7/2 (2161) (2) .
(4) الأفنية : جمع فناء ، وهو المتسع أمام الدار . النهاية 3/477 .(1/289)
(1) 610- وعن جرير - رضي الله عنه - قَالَ : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نَظَرِ الفَجْأَةِ فَقَالَ : (( اصْرِفْ بَصَرَكَ )) . رواه مسلم .
(2) 611- وعن أَبي سعيد - رضي الله عنه - : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( لاَ يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ ، وَلاَ المَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ المَرْأَةِ ، وَلاَ يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ في ثَوْبٍ وَاحِدٍ(3) ، وَلاَ تُفْضي المَرْأةُ إِلَى المَرْأَةِ في الثَّوْبِ الواحِدِ )) . رواه مسلم .
70- باب تحريم الخلوة بالأجنبية
قَالَ الله تَعَالَى : { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فاسْألُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجابٍ } [ الأحزاب : 53] .
(4) 612- وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - : أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( إيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ ! )) فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ : أفَرَأيْتَ الحَمْوَ ؟ قَالَ : (( الحَمْوُ المَوْتُ ! )) . متفق عَلَيْهِ .
(( الحَمْو )) : قَريبُ الزَّوْجِ كَأخِيهِ ، وابْنِ أخِيهِ ، وَابْنِ عَمِّهِ .
__________
(1) أخرجه : مسلم 6/181-182 (2159) (45) .
(2) أخرجه : مسلم 1/183 (338) (74) ، وجاء في رواية أخرى : (( ولا ينظر إلى عرية الرجل وعرية المرأة )) بدل (( عورة الرجل وعورة المرأة )) .
(3) قال المصنف في شرحه لصحيح مسلم 2/226-227 : (( فهو نهي تحريم إذا لم يكن بينهما حائل ، وفيه دليل على تحريم لمس عورة غيره بأي موضع من بدنه كان ، وهذا متفق عليه ، وهذا مما تعم به البلوى ، ويتساهل فيه كثير من الناس باجتماع الناس في الحمام ، فيجب على الحاضر فيه أنْ يصون بصره ويده وغيرها عن عورة غيره ، وأن يصون عورته عن بصر غيره ويد غيره من قيم وغيره )) .
(4) أخرجه : البخاري 7/48 (5232) ، ومسلم 7/7 (2172) (20) .(1/290)
(1) 613- وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( لاَ يَخْلُونَّ أَحَدكُمْ بامْرَأَةٍ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ )) . متفق عَليْهِ .
(2) 614- وعن بُريدَةَ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( حُرْمَةُ نِسَاءِ المُجَاهِدِينَ عَلَى القَاعِدِينَ كَحُرْمَةِ أُمَّهَاتِهِمْ ، مَا مِنْ رَجُلٍ مِنَ القَاعِدِيْنَ يَخْلُفُ رَجُلاً مِنَ المُجَاهِدِينَ في أهْلِهِ ، فَيَخُونُهُ فِيهِمْ إِلاَّ وَقَفَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ ، فَيَأْخُذُ مِنْ حَسَنَاتِهِ مَا شَاءَ حَتَّى يَرْضى )) ثُمَّ التَفَتَ إلَيْنَا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: (( مَا ظَنُّكُمْ ؟ )). رواه مسلم .
71- باب النَّهي عن إتيان الكُهّان والمنجِّمين
والعُرَّاف وأصحاب الرمل والطوارق بالحصى وبالشعير ونحو ذلك
(3) 615- عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : سأل رسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنَاسٌ عَنِ الكُهَّانِ، فَقَالَ : (( لَيْسُوا بِشَيءٍ )) فَقَالُوا : يا رَسُولَ اللهِ إنَّهُمْ يُحَدِّثُونَا أحْيَاناً بِشَيءٍ، فَيَكُونُ حَقّاً ؟ فقالَ رسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : (( تِلْكَ الكَلِمَةُ مِنَ الحَقِّ يَخْطَفُهَا الجِنِّيُّ فَيَقُرُّهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ ، فَيَخْلِطُونَ مَعَهَا مئَةَ كَذْبَةٍ )) . متفق عليه .
__________
(1) أخرجه : البخاري 4/72 (3006) ، ومسلم 4/104 (1341) (424) .
(2) أخرجه : مسلم 6/42 (1897) (139) و6/43 (1897) (140) .
(3) أخرجه : البخاري 4/135 (3210) ، ومسلم 7/36 (2228) (123) .(1/291)
وفي رواية للبخاري عن عائشة رضي الله عنها : أنَّها سمعتْ رسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ : (( إنَّ المَلائِكَةَ تَنْزِلُ فِي العَنَانِ - وَهُوَ السَّحَابُ - فَتَذْكُرُ الأَمْرَ قُضِيَ فِي السَّماءِ ، فَيَسْتَرِقُ الشَّيْطَانُ السَّمْع ، فَيَسْمَعُهُ ، فَيُوحِيَهُ إلَى الكُهَّانِ ، فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِئَةَ كَذْبَةٍ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ )) .
قَولُهُ : (( فَيَقُرُّهَا )) هو بفتح الياء وضم القاف والراء ، أي : يُلْقِيها ،
(( والعَنانِ )) بفتح العين .
(1) 616- وعن صَفِيَّةَ بِنتِ أبي عُبيدٍ ، عن بعض أزواجِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، ورَضِيَ اللهُ عنها ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : (( مَنْ أَتَى عَرَّافاً فَسَأَلَهُ عنْ شَيْءٍ فَصَدَّقَهُ ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أرْبَعِينَ يَوماً )) . رواه مسلم .
(2) 617- وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - :
(( مَنِ اقْتَبَسَ عِلْماً مِنَ النُّجُوم(3) ، اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ السِّحْرِ زَادَ ما زَادَ )) . رواه أبو داود بإسناد صحيح .
__________
(1) أخرجه : البخاري 7/37 (2230) (125) .
(2) أخرجه : أبو داود (3905) .
وأخرجه : أحمد 1/227 و311 ، وعبد بن حميد (714) ، وابن ماجه (3726) .
(3) قال الخطابي في " معالم السنن " 4/212 : (( علم النجوم المنهي عنه هو ما يدعيه أهل التنجيم من علم الكوائن والحوادث التي لم تقع وستقع في مستقبل الزمان كإخبارهم بأوقات هبوب الرياح ومجيء المطر وظهور الحر والبرد وتغير الأسعار وما كان في معانيها من الأمور يزعمون أنهم يدركون معرفتها بسير الكواكب في مجاريها …، ثم قال : فأما علم النجوم الذي يدرك من طريق المشاهدة والحس الذي يعرف به الزوال ويعلم به جهة القبلة فإنه غير داخل فيما نهي عنه )) .(1/292)
(1) 618- وعن مُعاوِيَةَ بنِ الحَكَمِ - رضي الله عنه - قال : قلتُ : يا رسُولَ اللهِ إنِّي حديثُ عَهْدٍ بالجاهِليَّةِ ، وَقَدْ جَاءَ اللهُ تَعَالَى بالإسْلاَمِ ، وإنَّ مِنَّا رِجَالاً يَأتُونَ الكُهَّانَ ؟ قال : (( فَلاَ تأتِهِمْ )) قُلْتُ : وَمِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ ؟ قَالَ : (( ذَلِكَ شَيْءٌ يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ ، فَلاَ يَصُدُّهُمْ )) قُلْتُ : وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ ؟ قَالَ : (( كَانَ نَبِيٌّ مِنَ الأنْبِيَاءِ يَخُطُّ ، فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ ، فَذَاكَ )) . رواه مسلم .
(2) 619- وعن أَبي مَسعودٍ البدريِّ - رضي الله عنه - : أنَّ رسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ(3) ، وَمَهْرِ البَغِيِّ(4) ، وَحُلْوَانِ الكاهِنِ(5) . متفق عَلَيْهِ .
72- باب تغليظ اليمين الكاذبة عمداً
__________
(1) أخرجه : مسلم 7/35 (537) (121) .
(2) أخرجه : البخاري 3/110 (2237) ، ومسلم 5/35 (1567) (39) .
(3) قال الشيخ ابن عثيمين : (( أما الكلب فمعروف واقتناؤه حرام ، لا يجوز للإنسان أن يقتني الكلب ، ويجعله عنده في بيته ، سواء بيت الطين أو المسلح أو الشعر إلا في ثلاث حالات :
1- كلب الحرث ، يعني الزرع 2- وكلب الماشية يعني : إنسان عنده غنم أو إبل أو بقر يتخذ الكلب ليحرسها . 3- كلب الصيد يصيد عليه الإنسان ؛ لأن الكلب إذا تعلم وصاد شيئاً فإنه حلال … لكن إذا انتهى منه ، أي : انتهت حاجة الكلب عنده ، يعطيه أحداً يحتاج له ، ولا يحل له أن يبيعه؛ لأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ثمن الكلب )) . شرح رياض الصالحين 4/271-272 .
(4) يعني : أجرة الزانية ، والعياذ بالله .
(5) هو ما يعطاه من الأجر والرشوة على كهانته . النهاية 1/435 .(1/293)
(1) 620- عن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - : أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( مَنْ حَلَفَ عَلَى مَالِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِغَيرِ حَقِّهِ ، لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ )) قَالَ : ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، مِصْدَاقَهُ مِنْ كِتَابِ الله - عز وجل - : { إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً } إِلَى آخِرِ الآيَةِ [ آل عمران : 77] . متفق عَلَيْهِ .
(2) 621- وعن أَبي أُمَامَة إياس بن ثعلبة الحارثي - رضي الله عنه - : أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِىءٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ . وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الجَنَّةَ )) فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : وَإنْ كَانَ شَيْئاً يَسِيراً يَا رسولَ اللهِ ؟ قَالَ : (( وإنْ كَانَ قَضِيباً مِنْ أرَاكٍ )) رواه مسلم .
(3) 622- وعن عبد اللهِ بن عمرو بن العاصِ رضي الله عنهما، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : ((الكَبَائِرُ : الإشْرَاكُ بِاللهِ ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ ، واليَمِينُ الغَمُوسُ )) . رواه البخاري.
وفي روايةٍ لَهُ : أنَّ أعْرابِياً جَاءَ إِلَى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ : يا رسولَ اللهِ مَا الكَبَائِرُ ؟ قَالَ : (( الإشْرَاكُ بِاللهِ )) قَالَ : ثُمَّ مَاذا ؟ قَالَ : (( اليَمِينُ الغَمُوسُ )) قلتُ : وَمَا اليَمِينُ الغَمُوسُ ؟ قَالَ : (( الَّذِي يَقْتَطِعُ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ ! )) يعني بِيَمِينٍ هُوَ فِيهَا كَاذِبٌ .
73- باب النهي عن الصلاة إِلَى القبور
__________
(1) أخرجه : البخاري 3/145 (2356) و(2357) ، ومسلم 1/86 (138) (222) .
(2) انظر الحديث ( 214 ) .
(3) أخرجه : البخاري 8/171 (6675) و9/17 (6920) ، وانظر الحديث ( 337 ) .(1/294)
(1) 623- عن أَبي مَرْثَدٍ كَنَّازِ بْنِ الحُصَيْنِ - رضي الله عنه - قَالَ : سَمِعْتُ رسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ : (( لا تُصَلُّوا إِلَى القُبُورِ ، وَلاَ تَجْلِسُوا عَلَيْهَا )) (2) . رواه مسلم .
74- باب النهي عن تجصيص القبر والبناء عليه
(3) 624- عن جابر - رضي الله عنه - قَالَ : نَهَى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أن يُجَصَّصَ القَبْرُ ، وأنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ ، وَأنْ يُبْنَى عَلَيْهِ . رواه مسلم .
75- باب التغليظ في تحريم السحر
قَالَ الله تَعَالَى : { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ } [البقرة : 102 ] .
(4) 625- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ )) . قالوا : يَا رسولَ اللهِ ، وَمَا هُنَّ ؟ قَالَ : (( الشِّرْكُ باللهِ ، وَالسِّحْرُ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالحَقِّ، وأكْلُ الرِّبَا ، وأكْلُ مَالِ اليَتِيمِ ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ ؛ وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ )) . متفق عَلَيْهِ .
76- باب التحذير من ارتكاب
ما نهى الله - عز وجل - أَو رسوله - صلى الله عليه وسلم - عنه
__________
(1) أخرجه : مسلم 3/62 (972) (98) .
(2) قال الشافعي رحمه الله : (( وأكره أن يعظم مخلوق حتى يجعل قبره مسجداً مخافة الفتنة عليه وعلى من بعده من الناس )) . نقله المصنف في شرحه لصحيح مسلم 4/52 .
(3) أخرجه : مسلم 3/61 (970) (94) .
(4) أخرجه : البخاري 4/12 (2766) ، ومسلم 1/64 (89) (145) .(1/295)
قال الله تعالى : { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أمْرِهِ أنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ النور : 63 ] ، وقال تعالى : { وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ } [ آل عمران : 30 ] ، وقال تعالى : { إنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ } [ البروج : 12 ] ، وقال تعالى : { وَكَذِلكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } [ هود : 102 ] .
(1) 626- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ : (( إنَّ اللهَ تَعَالَى يَغَارُ ، وَغَيْرَة اللهِ ، أنْ يَأْتِيَ المَرْءُ مَا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ )) . متفق عليه .
77- باب ما يقوله ويفعله من ارتكب منهياً عنه
قال الله تعالى : { وَإمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ } [ فصلت : 36 ] ، وقال تعالى : { إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ } [ الأعراف : 201 ] ، وقال تعالى : { وَالَّذِينَ إذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ العَامِلينَ } [ آل عمران : 135 - 136 ] ، وقال تعالى : { وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعَاً أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ النور : 31 ] .
__________
(1) انظر الحديث ( 64 ) .(1/296)
(1) 627- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: (( مَنْ حَلَفَ فَقَالَ في حَلفِهِ : بِاللاَّتِ وَالعُزَّى(2) ، فَلْيَقُلْ : لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ ، وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبهِ : تَعَالَ أُقَامِركَ فَلْيَتَصَدَّقْ )) .متفق عليه.
78- باب بيان مَا أعدَّ اللهُ تَعَالَى للمؤمنين في الجنة
قَالَ الله تَعَالَى : { إنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ وَنَزَعْنَا مَا في صُدُورُهِمْ مِنْ غِلٍّ إخْواناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ } [الحجر : 45- 48 ] .
وقال تَعَالَى : { يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ } [ الزخرف : 68 – 73 ] .
وقال تعالى : { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [ الدخان : 51 – 57 ] .
__________
(1) أخرجه : البخاري 6/176 (4860) ، ومسلم 5/81 (1647) (5) .
(2) وهذا يشمل كل حلف بغير الله جل ذكره .(1/297)
وقال تعالى : { إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ } [ المطففين : 22 – 28 ] والآيات في الباب كثيرة معلومة .
(1) 628- وعن جابر - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : (( يَأكُلُ أَهْلُ الجَنَّةِ فِيهَا ، وَيَشْرَبُونَ ، وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ ، وَلاَ يَمْتَخِطُونَ ، وَلاَ يَبُولُونَ ، وَلكِنْ طَعَامُهُمْ ذَلِكَ جُشَاءٌ(2) كَرَشْحِ المِسْكِ ، يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّكْبِيرَ ، كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ )) . رواه مسلم .
(3) 629- وعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : (( قَالَ اللهُ تَعَالَى : أعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ، وَاقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ : { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [ السجدة : 17 ] )) . متفق عَلَيْهِ .
__________
(1) أخرجه : مسلم 8/147 (2835) (19) .
(2) التجشؤ : هو تنفس المعدة عند الامتلاء . لسان العرب 2/285 (جشأ) .
(3) أخرجه : البخاري 4/143 (3244) ، ومسلم 8/143 (2824) (2) .(1/298)
(1) 630- وعنه ، قَالَ : قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( أَوَّلُ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إضَاءةً ، لاَ يَبُولُونَ ، وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ ، وَلاَ يَتْفُلُونَ ، وَلاَ يَمْتَخِطُونَ . أمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ ، وَرَشْحُهُمُ المِسْكُ ، وَمَجَامِرُهُمُ الأُلُوَّةُ – عُودُ الطِّيبِ – أزْوَاجُهُمُ الحُورُ العيْنُ ، عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ ، عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعاً فِي السَّمَاءِ )) متفق عَلَيْهِ .
وفي رواية البخاري ومسلم : (( آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ ، وَرَشْحُهُمُ المِسْكُ . وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ يُرَى مُخُّ سَاقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنَ الحُسْنِ ، لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ، وَلاَ تَبَاغُضَ، قُلُوبُهُمْ قَلْبُ وَاحِدٍ ، يُسَبِّحُونَ اللهَ بُكْرَةً وَعَشِياً )) .
قوله : (( عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ واحدٍ )) . رواه بعضهم بفتح الخاء وإسكان اللام وبعضهم بضمهما وكلاهما صحيح .
__________
(1) أخرجه : البخاري 4/143 (3245) و(3246) ، ومسلم 8/146 (2834) (15) و(17) .(1/299)
(1) 631- وعن المغيرةِ بن شعبة - رضي الله عنه - ، عن رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : (( سألَ مُوسَى - صلى الله عليه وسلم - رَبَّهُ : ما أدْنَى أهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً ؟ قال : هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ ، فَيُقَالُ لَهُ : ادْخُلِ الجَنَّةَ . فَيَقُولُ : أيْ رَبِّ ، كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ ، وأخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ ؟ فَيُقَالُ لَهُ : أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا ؟ فَيقُولُ : رَضِيْتُ رَبِّ ، فَيقُولُ : لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ، فَيقُولُ في الخامِسَةِ . رَضِيْتُ رَبِّ، فَيقُولُ : هذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ ، وَلَذَّتْ عَيْنُكَ . فَيقُولُ : رَضِيتُ رَبِّ . قَالَ : رَبِّ فَأَعْلاَهُمْ مَنْزِلَةً ؟ قالَ : أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ ؛ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي ، وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ )) . رواه مسلم .
__________
(1) أخرجه : مسلم 1/120 (189) (312) .(1/300)
(1) 632- وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : (( إنِّي لأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجاً مِنْهَا ، وَآخِرَ أَهْلِ الجَنَّةِ دُخُولاً الجَنَّةَ . رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ حَبْواً ، فَيقُولُ اللهُ - عز وجل - له : اذْهَبْ فادْخُلِ الجَنَّةَ ، فَيَأتِيهَا ، فَيُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهَا مَلأَى ، فَيَرْجِعُ، فَيقُولُ : يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأَى ! فَيَقُولُ اللهُ - عز وجل - له: اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ ، فيأتِيهَا ، فَيُخيَّلُ إليهِ أنَّها مَلأى ، فيَرْجِعُ . فَيَقولُ : يا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأى ، فيقُولُ اللهُ - عز وجل - لَهُ : اذهبْ فَادخُلِ الجنَّةَ . فَإنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشرَةَ أَمْثَالِهَا ؛ أوْ إنَّ لَكَ مِثْلَ عَشرَةِ أَمْثَالِ الدُّنْيَا ، فَيقُولُ : أتَسْخَرُ بِي ، أَوْ تَضْحَكُ بِي وَأنْتَ المَلِكُ)) قال : فَلَقَدْ رَأَيْتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ فَكَانَ يقولُ : (( ذلِكَ أَدْنَى أهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً )) متفق عليه .
(2) 633- وعن أبي موسى - رضي الله عنه - : أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال : (( إنَّ لِلمُؤْمِنِ فِي الجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ طُولُها في السَّمَاءِ سِتُّونَ مِيلاً . لِلمُؤْمِنِ فِيهَا أَهْلُونَ يَطُوفُ عَلَيْهِمُ المُؤْمِنُ فَلاَ يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضاً )) متفق عليه .
(( المِيلُ )) : سِتة آلافِ ذِراعٍ .
(3)
__________
(1) أخرجه : البخاري 8/146 (6571) ، ومسلم 1/118 (186) (308) .
(2) أخرجه : البخاري 6/181 (4879) ، ومسلم 8/148 (2838) (23) .
(3) أخرجه : البخاري 8/142 (6553) ، ومسلم 8/144 (2828) .
وأخرجه : البخاري 6/183 (4881) ،ومسلم 8/144 (2826) (6) عن أبي هريرة .(1/301)
634- وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : (( إنَّ في الجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكبُ الجَوَادَ المُضَمَّرَ(1) السَّريعَ مِئَةَ سَنَةٍ مَا يَقْطَعُها )) متفق عليه .
وروياه في الصحيحين أيضاً من رواية أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : (( يَسيرُ الرَّاكِبُ في ظِلِّها مئةَ سَنَةٍ مَا يَقْطَعُها )) .
(2) 635- وعنه(3) ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : (( إنَّ أهْلَ الجَنَّةِ لَيَتَرَاءوْنَ أَهْلَ الغُرَفِ مِن فَوْقِهِمْ كَمَا تَرَاءوْنَ الكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الغَابِرَ فِي الأُفُق مِنَ المَشْرِقِ أو المَغْرِبِ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ )) قالُوا : يا رسول الله ؛ تِلْكَ مَنَازِلُ الأنبياء لاَ يَبْلُغُها غَيْرُهُمْ قال : (( بَلَى والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللهِ وَصَدَّقُوا المُرْسَلِينَ )) . متفق عليه .
(4) 636- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال : (( لَقَابُ(5) قَوْسٍ في الجَنَّةِ خَيْرٌ مِمَّا تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ أو تَغْرُبُ )) متفق عليه .
__________
(1) وتضمير الخيل : هو أن يظاهر عليها العلف حتى تسمن ، ثم لا تعلف إلا قوتاً لتخف . النهاية 3/99 .
(2) أخرجه : البخاري 4/145 (3256) ، ومسلم 8/145 (2831) (11) .
(3) أي : أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - .
(4) أخرجه : البخاري 4/20 (2793) .
(5) القاب : بمعنى القدر ، يقال : بيني وبينه قاب رمحٍ وقاب قوسٍ : أي مقدارهما . النهاية 4/118 .(1/302)
(1) 637- وعن أنس - رضي الله عنه - : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : (( إنَّ في الجَنَّةِ سُوقاً يَأتُونَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ . فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ ، فَتَحْثُو في وُجُوهِهِم وَثِيَابِهِمْ ، فَيَزدَادُونَ حُسناً وَجَمَالاً فَيَرْجِعُونَ إلَى أَهْلِيهِمْ ، وَقَد ازْدَادُوا حُسْناً وَجَمَالاً ، فَيقُولُ لَهُمْ أَهْلُوهُمْ : وَاللهِ لقدِ ازْدَدْتُمْ حُسْناً وَجَمَالاً ! فَيقُولُونَ : وَأنْتُمْ وَاللهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ بَعْدَنَا حُسْناً وَجَمالاً ! )) . رواه مسلم .
(2) 638- وعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : (( إنَّ أهْلَ الجَنَّةِ لَيَتَراءونَ الغُرَفَ فِي الجَنَّةِ كَمَا تَتَرَاءونَ الكَوكَبَ فِي السَّمَاءِ )) متفق عليه .
(3) 639- وعنه - رضي الله عنه - ، قال : شَهِدْتُ مِنَ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مَجْلِساً وَصَفَ فِيهِ الجَنَّةَ حَتَّى انْتَهَى ، ثُمَّ قَالَ في آخِرِ حَدِيثِهِ : (( فيهَا مَا لاَ عَينٌ رَأَتْ ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلاَ خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ )) ثُمَّ قَرَأَ : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ } إلى قوله تعالى : { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ } [ السجدة: 16 - 17 ] . رواه البخاري .
__________
(1) أخرجه : مسلم 8/145 (2833) (13) .
(2) أخرجه : البخاري 8/143 (6555) ، ومسلم 8/144 (2830) (10) .
(3) أخرجه : مسلم 8/143 (2825) (5) .
أما رواية البخاري 4/143 (3244) فعن أبي هريرة .(1/303)
(1) 640- وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما : أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال : (( إذَا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ يُنَادِي مُنَادٍ : إنَّ لَكُمْ أنْ تَحْيَوْا ، فَلاَ تَمُوتُوا أَبَداً ، وإنَّ لَكُمْ أنْ تَصِحُّوا ، فلا تَسْقَمُوا أبداً ، وإنَّ لَكمْ أنْ تَشِبُّوا فلا تَهْرَمُوا أبداً ، وإنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا ، فَلاَ تَبْأسُوا أَبَداً )) . رواه مسلم .
(2) 641- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال : (( إنَّ أدْنَى مَقْعَدِ أَحَدِكُمْ مِن الجَنَّةِ أنْ يَقُولَ لَهُ : تَمَنَّ ، فَيَتَمَنَّى وَيَتَمَنَّى فَيقُولُ لَهُ : هَلْ تَمَنَّيتَ ؟ فيقولُ : نَعَمْ ، فيقُولُ لَهُ : فَإنَّ لَكَ ما تَمَنَّيتَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ )) . رواه مسلم .
(3) 642- وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : (( إنَّ الله - عز وجل - يَقُولُ لأَهْلِ الجَنَّةِ : يَا أهْلَ الجَنَّةِ ، فَيقولُونَ : لَبَّيكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ ، وَالخَيْرُ في يَديْكَ ، فَيقُولُ : هَلْ رَضِيتُم؟ فَيقُولُونَ : وَمَا لَنَا لاَ نَرْضَى يَا رَبَّنَا وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أحداً مِنْ خَلْقِكَ ، فَيقُولُ : ألاَ أُعْطِيكُمْ أفْضَلَ مِنْ ذلِكَ ؟ فَيقُولُونَ : وَأيُّ شَيءٍ أفْضَلُ مِنْ ذلِكَ ؟ فَيقُولُ : أُحِلُّ عَلَيكُمْ رِضْوَانِي فَلاَ أسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أبَداً )) . متفق عليه .
__________
(1) أخرجه : مسلم 8/148 (2837) (22) .
(2) أخرجه : مسلم 1/114 (182) (301) .
(3) أخرجه : البخاري 8/142 (6549) ، ومسلم 8/144 (2829) (9) .(1/304)
(1) 643- وعن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - ، قال: كُنَّا عِندَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَنَظَرَ إلَى القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، وَقَالَ : (( إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عَيَاناً كما تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ ، لاَ تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ )) متفق عليه .
(2) 644- وعن صُهيب - رضي الله عنه - : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : (( إذا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : تُريدُونَ شَيئاً أَزيدُكُمْ ؟ فَيقُولُونَ : ألَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا ؟ ألَمْ تُدْخِلْنَا الجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ ؟ فَيَكْشِفُ الحِجَابَ ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئاً أَحَبَّ إلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إلَى رَبِّهِمْ )).رواه مسلم .
قال الله تعالى : { إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ في جَنَّاتِ النَّعِيمِ دَعْوَاهُمْ فيها سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ } [ يونس : 9 - 10 ] .
الحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِي لَوْلاَ أَنْ هَدَانَا اللهُ . اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ النَّبيِّ الأُمِّيِّ ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَأزوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ ، كما صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وعلى آلِ إبْراهِيمَ ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبيِّ الأُمِّيِّ ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَأزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ ، كما بَاركْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آل إبراهيم في العالَمِينَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ .
روايات صحيحة مختارة
من
حياة الصحابة
للشيخ محمد يوسف الكاندهلوي
__________
(1) انظر الحديث ( 1051 ) .
(2) أخرجه : مسلم 1/112 (181) (297) .(1/305)
عرضه صلى الله عليه وسلم الدعوة على قومه عند وفاة أبي طالب
1- عن ابن عباس قال: لمّا مرض أبو طالب دخل عليه رَهْط من قريش فيهم أَبو جهل فقالوا: إِنَّ ابن أخيك يشتم آلهتنا ويفعل ويفعل ويقول ويقول، فلو بعثتَ إِليه فنهيتَه. فبعث إِليه فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل البيت وبينهم وبين أَبي طالب قَدْرُ مجلسِ رجلٍ، قال: فخشي أبو جهل لعنهُ الله إِنْ جلس إِلى جنب أبي طالب أَنْ يكون أَرقَّ له عليه؛ فوثب فجلس في ذلك المجلس، ولم يجدْ رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلساً قربَ عمِّه فجلس عند الباب، فقال له أبو طالب: أيْ ابن أخي، ما بال قومك يشكونك ويزعمون أَنك تشتم آلهتهم وتقول وتقول؟ قال(1): وأَكثروا عليه من القول. وتكلَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا عمّ إِنِّي أريدهم على كلمة واحدة يقولونها؛ تَدينُ(2) لهم بها العرب وتُؤدِّي إِليهم بها العجمُ الجزيةَ» ففزعوا لكلمته ولقوله، فقال القوم: كلمة واحدة نعمْ وأَبيكَ عشراً، فقالوا: وما هي؟ وقال أَبو طالب: وأَيُّ كلمة هي يا ابن أخي؟ قال صلى الله عليه وسلم «لا إِله إِلا الله»، فقاموا فَزِعين ينفِضُون ثيابهم وهم يقولون: {أَجَعَلَ الاْلِهَةَ الهاً واحِداً إِنَّ هَاذَا لَشَىْء عُجَابٌ(3)}، قال: ونزلت من هذا الموضع إِلى قوله: {بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ(4)}.(5)
دعوته صلى الله عليه وسلم لِضماد رضي الله عنه
__________
(1) قال : أي الراوي
(2) تدين : تطيعهم وتخضع لهم
(3) 37/ سورة ص / 5]
(4) 37/ سورة ص / 8]
(5) رواه الإِمام أحمد (3/314) وقال الشيخ أحمد شاكر:إسناده صحيح والحاكم (432) بمعناه وقال: حديث صحيح الإِسناد ولم يخرِّجاه، وقال الذهبي: صحيح ا هـ.(1/306)
2- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم ضِماد(1) مكة وهو رجل من أزْدِشَنوءَة وكان يرقي من هذه الرياح(2)، فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون: إنَّ محمداً مجنون فقال: أين هذا الرجل؟ لعلَّ الله أن يشفيَه على يديَّ، فلقيت محمداً فقلت: إني أرقي من هذه الرياح وإنَّ الله يشفي على يديَّ من شاء فهلمَّ؛ فقال محمد: «إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه، من يهدِه الله فلا مضلَّ له ومن يُضْلِلْ فلا هادي له، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له» ثلاث مرات ، فقال: والله لقد سمعتُ قول الكهنة(3) وقول السحرة وقول الشعراء، فما سمعت مثل هؤلاء الكلمات، فهلُمَّ يدك أبايِعْك على الإِسلام.فبايعه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال له: وعلى قومك، فقال: وعلى قومي. فبعث النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً فمرُّوا بقوم ضِمَاد، فقال: صاحب الجيش(4) للسريَّة: هل أصبتم من هؤلاء القوم شيئاً؟ فقال رجل منهم: أصبت منهم مَطْهَرَة(5)، فقال: ردَّها عليهم فإنهم قوم ضِمَاد.(2).
دعوته صلى الله عليه وسلم لُحُصَين والد عمران رضي الله عنهما
__________
(1) كان صديقاً للنبي - صلى الله عليه وسلم - في الجاهلية وخرج لطلب العلم وعندما رجع كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد بعث فأسلم.
(2) "الرياح" المراد بالريح هنا الجنون ومسّ الجنّ. وروي من (الأرواح) أي الجنّ.
(3) "الكهنة" جمع كاهن وهو الذي يخبر عن ما سيكون في مستقبل الزمان ويدّعي معرفة الأسرار.
(4) صاحب الجيش : أميرهم.
(5) المطهرة : بالفتح والكسر ، إناء يتطهّر به . "قاموس" (2/82) .
(2) أخرجه مسلم (2/593)(1/307)
3- عن عِمران بن خالد بن طُلَيق بن محمد بن عمران بن حصين قال: حدثني أبي عن أبيه عن جده: أن قريشاً جاءت إلى الحُصَين وكانت تعظِّمه فقالوا له: كلِّم لنا هذا الرجل فإنَّه يذكر آلهتنا ويسبُّهم، فجاؤوا معه حتى جلسوا قريباً من باب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أوسعوا للشيخ وعمران وأصحابه متوافرون فقال حُصين: ما هذا الذي بلغنا عنك أنك تشتم آلهتنا وتذكرهم، وقد كان أبوك حصينة(1) وخيراً؟ فقال: «يا حُصَين، إنَّ أبي وأباك في النار؛ يا حصين، كم تعبد من إله»؟ قال: سبعاً في الأرض وواحداً في السماء، قال: «فإذا أصابك الضرّ من تدعو؟» قال: الذي في السماء، قال: «فيستجيب لك وحده وتشركهم معه، أَرضيته في الشكر أم تخاف أن يغلب عليك؟»
قال: ولا واحدة من هاتين؛ قال: وعلمت أنِّي لم أكلم مثله، قال: «يا حُصَين، أسلم تسلم»، قال: إنَّ لي قوماً وعشيرةً فماذا أقول؟ قال: «قل: اللَّهمَّ، أستهديك لأرشد أمري وزدني علماً ينفعني» فقالها حصين فلم يقم حتى أسلم. فقام إليه عِمْران فقبَّل رأسه ويديه ورجليه، فلما رأى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بكى، وقال: «بكيت من صنيع عمران، دخل حصين وهو كافر فلم يقم إليه عمران ولم يلتفت ناحيته، فلمَّا أسلم قضَى حقَّه فدخلني من ذلك الرِّقَّة». فلما أراد حصين أن يخرج قال لأصحابه: «قوموا فشيِّعوه(2) إلى منزله»، فلما خرج من سُدَّة(3) الباب رأته قريش فقالوا: صبأ(4) وتفرقوا عنه.(3)
دعوته صلى الله عليه وسلم لرجل لم يسم
__________
(1) حصينة : عاقلاً متحصناً بدين آبائه وأجداده ومعتقداتهم .
(2) شيّعوه : كونوا في وداعه حتى يصل إلى منزله .
(3) كالظلة على الباب
(4) خرج عن دينه
(3) أخرجه بن خُزَيْمة كما فى الإصابة(1/337) ونحوه فى المسند(4/217) مختصرا بسندجيد كما فى رياض الصالحين بتحقيق الألبانى( 508 )والأرنؤوط (417)(1/308)
4- عن أبي تميمة الهجيمي عن رجل من قومه: أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل فقال: أنت رسول الله؟ أو قال أنت محمد؟ فقال: «نعم»، قال: ما تدعو؟ قال: «أدعو الله عزّ وجلّ وحده، مَنْ إذا كان لك ضُرٌّ فدعوته كشفه عنك، ومن إذا أصابك عام(1) فدعوته أنبتَ لك، ومن إذا كنت في أرض قفر(2) فأضللتَ(3) فدعوته ردَّ عليك». فأسلم الرجل ثم قال: أوصني يا رسول الله، فقال: «ولا تسبنَّ شيئاً» أو قال: «أحداً»، شكَّ الحكم قال: فما سببتُ بعيراً ولا شاة منذ أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم.(4)
دعوته صلى الله عليه وسلم لأبي الحَيْسر وفتية من بني عبد الأشهل
5- عن محمود بن لبيد أخي بني الأشهل قال: لمَّا قدم أبو الحَيْسر أنس بن رافع مكة ومعه فتيةٌ من بني عبد الأشهل فيهم إياس بن مُعاذ يلتمسون الحلف(4) من قريش على قومهم من الخزرج سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم، فأتاهم فجلس إليهم فقال لهم: «هل لكم إلى خير مما جئتم له؟» فقالوا: ما ذاك؟ قال: «أنا رسول الله بعثني الله إلى العباد أدعوهم إلى الله أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً، ونزَّل عليَّ الكتاب». ثم ذكر الإِسلام، وتلا عليهم القرآن. فقال إياس بن معاذ وكان غلاماً حَدَثاً(5): أيْ قوم، هذا والله خير مما جئتم له. فأخذ أبو الحيسر أنس بن رافع حفنة من البطحاء(6)
__________
(1) عام : أي جدب ومجاعة وقحط .
(2) قفر : مفازة لا نبات فيها ولا ماء . "مختار" مادة (ق ف ر).
(3) أضللت : أي ضاعت منك دابتك.
(4) المعاهدة والمعاضدة .
(5) شاباً "مختار الصحاح" مادة (ح د ث)
(6) البطحاء : مسيل واسع بمكة فيه دقائق الحصى . "مختار الصحاح" مادة (ب ط ح).
(4) أخرجه أحمد(4/65) قال الهيثمي(8/72) : وفيه الحكم بن فُضَيل وثَّقه أبو داود وغيره وضعَّفه أبو زُرعة وغيره، وبقية رجاله رجال الصحيح وروى نحوه ابوداود (4084) عن أَبي جُرَيٍّ جابر بن سُلَيْم وإسناده صحيح كما فى تحقيق رياض الصالحين للأرنؤوط (259)(1/309)
وضرب بها وجه إياس بن معاذ، وقال: دعنا منك، فلعمري لقد جئنا لغير هذا، فصمت إياس وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرفوا إلى المدينة، فكانت وقعة «بُعاث(1)» بين الأوس والخزرج، ثم لم يلبث إياس بن معاذ أنْ هَلَك. قال محمود بن لبيد: فأخبرني مَنْ حضره من قومي عند موته: أنَّهم لم يزالوا يسمعونه يهلِّل(2) الله، ويكبِّره، ويسبِّحه، حتى مات، فما يشكُّون أنْ قد مات مسلماً، لقد كان استشعر الإِسلام في ذلك المجلس حين سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمع.(5)
عرضه صلى الله عليه وسلم الدعوة على المجامع
6- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أنزل الله: «وأنذر عشيرتك الأقربين» أتى النبي صلى الله عليه وسلم الصَّفَا(3) فصعد عليه، ثم نادى: «يا صباحاه(4)»، فاجتمع الناس إليه بين رجل يجيء إليه وبين رجل يبعث رسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا بني عبد المطلب، يا بني فهر، يا بني كعب، أرأيتم لو أخبرتكم أنَّ خيلاً بسفح(5)
__________
(1) "بعاث" هو حصن للأوس وقع عنده حروب بين الأوس والخزرج في الجاهلية واستمرّت مائة وعشرين سنة حتى ألف بينهم الإسلام "مجمع البحار" .
(2) أي يقول : لا إلة إلا الله .
(3) الصفا : أحد جبلي المسعى ، وهو جبل قريب من البيت الحرام .
(4) يا صباحاه : هذه كلمة يقولها المستغيث : وأصلها إذا صاحوا للغارة لأنهم أكثر ما كانوا يغيرون عند الصباح ويسمون يوم الغارة يوم الصباح ، فكأنّ القائل يا صباحاه : قد غشينا العدو،
(5) سفح الجبل : أي أصله وأسفله .
(5) أخرجه ً أحمد والطبراني، ورجاله ثقات، كما قال الهيثمي(6/63) . وأسنده أيضاً ابن إسحاق في المغازي عن محمود بن لبيد بنحوه، رواه جماعة عن ابن إسحاق وهو من صحيح حديثه كما قال في الإِصابة (1/91).
(6) أخرجه أحمد(1/307) وأخرج الشيخان( البخارى 4971 ومسلم 355 ) نحوه.(1/310)
هذا الجبل تريد أن تغير عليكم صدقتموني؟» قالوا: نعم، قال: «فإنِّي نذيرٌ لكم بين يدي عذاب شديد»، فقال أبو لهب: تبّاً لك سائر اليوم أما دعوتَنا إلا لهذا؟ وأنزل الله عزّ وجلّ: {تَبَّتْ يَدَآ أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ}–{سورة اللهب:1} (6)
دعوته عليه السلام للأعرابي في سفر
7- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فأقبل أعرابي، فلما دنا منه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «أين تريد؟» قال: إلى أهلي، قال: «هل لك إلى خير؟» قال: ما هو؟ قال: «تشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله». قال: هل من شاهد على ما تقول قال: «هذه الشجرة». فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي على شاطىء الوادي(1)، فأقبلت تَخُذُّ الأرض(2) خذَّاً فقامت بين يديه، فاستشهدها ثلاثاً فشهدت أنه كما قال. ثم إنها رجعت إلى منبتها، ورجع الأعرابي إلى قومه فقال: إِن يتَّبعوني أتيتك بهم وإِلا رجعت إليك وكنت معك.(7)
عرضه صلى الله عليه وسلم الدعوة في السوق
عرضه عليه السلام الدعوة في سوق ذي المجاز
8- عن ربيعة بن عبَّاد من بني الدِّيل وكان جاهلياً فأسلم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية في سوق ذي المَجاز وهو يقول: «يا أيَّها الناس، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا»، والناس مجتمعون عليه، ووراءه رجل وضيء الوجه(3)
__________
(1) شاطئ الوادي : جانبه .
(2) تخذّ الأرض : تشقّها وتفتح فيها ثلماً .
وضيء : حسن جميل
(3) وضيء : حسن جميل
(7) أخرجه الحاكم .وهذا إسناد جيِّد ولم يُخرِّجوه ولا رواه الإِمام أحمد. كذا في البداية (6/125). وقال الهيثمي(8/292) : رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، ورواه أبو يَعْلى أيضاً والبزار. انتهى
(8) قال الهيثمي(6/22) : رواه أحمد وابنه والطبراني في الكبير بنحوه والأوسط باختصار بأسانيد، وأحد أسانيد عبد الله بن أحمد ثقات الرجال. انتهى. وعَزَاه الحافظ في الفتح(7/156 )إلى البيهقي وأحمد، وقال: صحَّحه ابن حبان. انتهى(1/311)
، أحول، ذو غديرتين يقول: إِنَّه صابىء كاذب، يتَّبعه حيث ذهب، سألت عنه فقالوا: هذا عمُّه أبو لهب.(8)
إسلام زيد بن سُعْنة الحبر(1) الإِسرائيلي رضي الله عنه
9- عن عبد الله بن سَلام رضي الله عنه قال: إنَّ الله عزَّ وجلَّ لمَّا أراد هُدى زيد بن سُعنَة قال زيد بن سُعْنَة: ما من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد صلى الله عليه وسلم حين نظرت إِليه إلا اثنتين لم أخبُرهما منه: يسبق حلمُه جهلَه، ولا تزيد شدة الجهل عليه إلا حلماً. قال زيد بن سُعْنة: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً من الحُجْرات(2) ومعه علي بن أبي طالب فأتاه رجل على راحلته كالبدوي، فقال: يا رسول الله، لي نفر في قرية بني فلان قد أسلموا ودخلوا في الإِسلام، وكنت حدَّثتهم إِن أسلموا أتاهم الرزق رَغَداً(3). وقد أصابتهم سَنَة(4) وشدّة وقحط من الغيث، فأنا أخشى يا رسول الله أن يخرجوا من الإِسلام طمعاً كما دخلوا فيه طمعاً؛ فإن رأيتَ أن ترسل إليهم بشيء تغيثهم به فعلتَ. فنظر إلى رجل إِلى جانبه أُراه علياً فقال: يا رسول الله ما بقي منه شيء. قال زيد بن سُعْنة: فدنوت إليه فقلت: يا محمد، هل لك أن تبيعني تمراً معلوماً في حائط بني فلان إلى أجل معلوم، إلى أجل كذا وكذا. قال: «لا تُسمِّ حائط بني فلان(5)» قلت: نعم، فبايَعَني، فأطلقت هِمْياني(6) فأعطيته ثمانين مثقالاً من ذهب في تمر معلوم إلى أجل كذا وكذا، فأعطاه الرجل(7)
__________
(1) الحبر : هو عالم اليهود .
(2) الحجرات : جمع حجرة وهي منازل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وكانت خارجة من المسجد مديرة به إلا من المغرب .
(3) رغداً : أي واسعاً .
(4) سنة : جدب .
(5) حائط : بستان ، والبيع هنا ، بيع سلم ، وهو إعطاء المال في سلعة إلى أجل معلوم .
(6) الهميان : كيس تجعل فيه النفقة ويشد على الوسط .
(7) في الأصل "فأعطاني الرحل" وهو تصحيف والتصويب من "جمع الفوائد" والرجل هنا هو المستغيث طالب المال .(1/312)
وقال: «إعدل عليهم وأغثهم».
قال زيد بن سُعْنة: فلما كان قبل مَحِلِّ الأجل بيومين أو ثلاثة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر، وعمر، وعثمان رضي الله عنهم في نفر من أصحابه، فلما صلّى على الجنازة ودنا إلى الجدار ليجلس إليه أتيته، فأخذته بمجامع قميصه وردائه ونظرت إليه بوجه غليظ، وقلت له: يا محمد، ألا تقضيني حقِّي؟ فوالله، ما عُلِمْتُم بني عبد المطلب إلا مُطْلاً(1)، ولقد كان لي بمخالطتكم علم. ونظرت إلى عمر وعيناه تدوران في وجهه كالفِلك المستدير(2)، ثم رماني ببصره فقال: يا عدو الله، أتقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسمع؟ وتصنع به ما أرى؟ فوالذي نفسي بيده لولا ما أحاذر فَوْته(3) لضربت بسيفي رأسك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليَّ في سكون وتُؤدة. فقال: «يا عمر، أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا؛ أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن أتباعه. إذهب به يا عمر، فأعطه حقَّه وزِدْه عشرين صاعاً من تمر مكان ما رْعْته(4)».
__________
(1) منع مايجب عليكم من حقوق الناس
(2) أي كموج البحر وهو عبارة عن الاضطرب والغضب .
(3) أي أن ينقض الصح بين المسلمين واليهود .
(4) رعته : أفزعته .(1/313)
قال زيد: فذهب بي عمر فأعطاني حقِّي وزادني عشرين صاعاً من تمر. فقلت: ما هذه الزيادة يا عمر؟ قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أزيدك مكان ما رُعتك. قال: قلت: وتعرفني يا عمر؟ قال: لا. قلت: أنا زيد بن سُعْنة. قال: الحَبْرُ؟ قلت: الحَبْرُ. قال: فما دعاك إلى أن فعلتَ برسول الله ما فعلت، وقلت له ما قلت؟ قلت: يا عمر، لم يكن من علامات النبوّة شيء إِلا وقد عرفت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نظرت إِليه إِلا اثنتين، لم أخبُرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا تزيده شدة الجهل عليه إِلا حلماً. وقد اختبرتهما، فأشهدك يا عمر أنِّي قد رضيتُ بالله رباً، وبالإِسلام ديناً وبمحمد نبياً، وأشهدك أنَّ شطر مالي فإني أكثرها(1) مالاً صدقةٌ على أُمة محمد صلى الله عليه وسلم قال عمر: أو على بعضهم فإنَّك لا تسعهم، قلت: أو على بعضهم. فرجع عمر، وزيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال زيد: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. وآمن به وصدَّقه وبايعه، وشهد معه مشاهد كثيرة؛ ثم توفي في غزوة تبوك مقبلاً غير مدبر. رحم الله زيداً. (9)
دعوة مصعب بن عمير رضي الله عنه
__________
(1) أي أكثر أهل المدينة .
(9) قال الهيثمي(8/240 ): رواه الطبراني ورجاله ثقات؛ وروى ابن ماجه منه طرفاً: انتهى.(1/314)
10- عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وغيره : أن أسعد بن زُرارة خرج بمصعب بن عمير يريد به دار بني عبد الأشهل ظَفَر وكان سعد بن معاذ ابنَ خالة أسعد بن زرارة فدخل به حائطاً(1) من حوائط بني ظَفَر على بئر يقال له بئر مَرَق(2). فجلسا في الحائط واجتمع إليهما رجال ممَّن أسلم وسعد بن معاذ وأُسَيد بن حُضَير يومئذٍ سيِّدا قومهما من بني عبد الأشهل وكلاهما مشرك على دين قومه فلمَّا سمعا به قال سعد لأُسَيد: لا أبا لك، انطلق إلى هذين الرجلين اللَّذين قد أتيا دارَيْنا ليسفِّها ضعفاءنا فازجرهما وانهَهُما أن يأتيا دارَيْنا، فإنَّه لولا أسعد بن زرارة مني حيث قد علمت كفيتُك ذلك، هو ابن خالتي ولا أجد عليه مقدَّماً(3). قال: فأخذ أسيد بن حُضَير حربته ثم أقبل إليهما. فلمَّا رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب: هذا سيِّد قومه وقد جاءك فأصدق الله فيه. قال مصعب: إن يجلس أكلمه. قال فوقف عليهما مُتَشَتِّماً(4) فقال: ما جاء بكما إلينا تسفِّهان ضعفاءنا؟ اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة(5). فقال له مصعب: أوَ تجلس فتسمع، فإن رضيت أمراً قبلته، وإن كرهتَه كُفّ عنك ما تكره. قال: أنصفتَ، قال ثم ركز حربته وجلس إليهما، فكلَّمه مصعب بالإِسلام، وقرأ عليه القرآن. فقالا فيما يُذكر عنهما: والله لَعَرفنا في وجهه الإِسلام قبل أن يتكلَّم في إشراقه وتسهُّله، ثم قال؛ ما أحسن هذا وأجمله كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين؟ قالا له: تغتسل فتطَّهَّر وتُطهِّر ثوبَيْك، ثم تشهد شهادة الحق ثم تصلِّي. فقام فاغتسل وطهَّر ثوبيه وتشهَّد شهادة الحق ثم قام فركع ركعتين ثم قال لهما: إنَّ ورائي رجلاً إن اتَّبَعكما لم يتخلَّف عنه أحد من قومه، وسأرسله
__________
(1) الحائط : البستان من النخيل إذا كان عليه حائط .
(2) بئر مرق : بئر بالمدينة .
(3) مقدماً : إتيانه والوقوف في مقابلته.
(4) متشتّماً : يقول الشتائم .
(5) في هذا تهديد لهما بالموت .(1/315)
إليكما الآن: سعدَ بن معاذ.
دعوة مصعب لسعد بن معاذ وإسلامه
11- ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس في ناديهم، فلما نظر إليه سعد بن معاذ مقبلاً قال: أحلف بالله لقد جاءكم أُسَيْد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم. فلما وقف على النادي قال له سعد: ما فعلت؟ قال: كلَّمت الرجلين، فوالله مارأيت بهما بأساً، وقد نهيتهما فقالا: نفعل ما أحببت، وقد حُدِّثت أنَّ بني حارثة خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه، وذلك أنهم عرفوا أنَّه ابن خالتك ليَحْقِروك(1). قال: فقام سعد بن معاذُ مُغْضَباً مبادراً تَخوُّفاً للذي ذُكر له من بني حارثة، وأخذ الحربة في يده ثم قال: والله ما أراك أغنيت شيئاً. ثم خرج إليهما سعد فلما رآهما مطمئنين عرف أن أسَيْداً إنما أراد أن يسمع منهما، فوقف مُتَشَتِّماًً، ثم قال لأسعد بن زرارة: يا أبا أُمامة أمَا والله لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رُمْتَ(2) هذا منِّي، أتَغْشانا(3) في دارنا بما نكره؟ قال: وقد قال أسعد لمصعب: أيْ مصعب جاءك والله سيِّدُ مَنْ وراءَه من قومه، إِن يتبعك لا يتخلَّف عنك منهم اثنان قال فقال له مصعب: أوَ تقعد فتسمع، فإن رضيت أمراً ورغبت فيه قَبلْتَه، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره؟؟ قال سعد: أنصفت. ثم ركز الحربة وجلس، فعرض عليه الإِسلام، وقرأ عليه القرآن وذكر موسى بن عقبة أنَّه قرأ عليه أول الزخرف ، قالا: فعرفنا والله في وجهه الإِسلام قبل أن يتكلَّم في إشراقه وتسهُّله، ثم قال لهما: كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم ودخلتم في هذا الدين؟ قالا: تغتسل فتطَّهَّر، وتُطَهِّر ثوبيك، ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصلِّي ركعتين. قال: فقام فاغتسل وطهَّر ثوبيه وشهد شهادة الحق، ثم ركع ركعتين، ثم أخذ حربته فأقبل عائداً إلى نادي قومه ومعه أُسَيْد بن حضير.
دعوة سعد بن معاذ لبني عبد الأشهل وخبر إسلامهم
__________
(1) ليحقروك : ليستصغروك ويذلّوك .
(2) ما رمت : ما قصدت .
(3) أتغشانا : أتأتينا .(1/316)
12- فلمَّا رآه قومه مقبلاً قالوا؛ نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم. فلمَّا وقف عليهم قال: يا بني عبد الأشهل: كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدنا وأفضلنا رأياً وأيمننا نقيبة(1). قال: فإنَّ كلام رجالكم ونسائكم عليَّ حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله، قال: فوالله ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا إمرأة إلا مسلماً أو مسلمة. ورجع أسعد ومصعب إلى منزل أسعد بن زُرارة فأقام عنده يدعو الناس إلى الإِسلام، حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون؛ إلا ما كان من دار بني أُمية بن زيد، وخَطْمة؛ ووائل، وواقف، وتلك أوس.(10)
دعوة ضِمام بن ثعلبة في بني سعد بن بكر
وفود ضمام على النبي صلى الله عليه وسلم وخبره معه ودخوله في الإِسلام
13- أخرج ابن إسحاق عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بعث بنو سعد بن بكر ضِمامَ بن ثعلبة وافداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم إليه وأناخ بعيره(2) على باب المسجد ثم عقله(3)، ثم دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه؛ وكان ضِمام رجلاً جَلْداً أشعرَ ذا غديرتين، فأقبل حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه. فقال: أيُّكُم ابن عبد المطلب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنا ابن عبد المطلب». فقال: أمحمد؟ قال: «نعم».
__________
(1) نقيبة : نفساً ومشورة وعقلاً ونفاذ الرأي .
(2) أناخ البعير : أقعده .
(3) عقله : شدّ ركبتيه بحبل .
(10) أخرجه ابن إسحاق (سيرة ابن هشام1 /435) والطبرى فى التاريخ (2/357) وسنده حسن وهو مرسل كما فى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم لأبى عمار (179 )(1/317)
قال: يا ابن عبد المطلب، إنِّي سائلك ومُغَلِّظ عليك في المسألة فلا تَجدنَّ في نفسك. قال: لا أجد في نفسي فسَلْ عمَّا بدا لك» فقال: أنشدك الله الهك وإلَه من كان قبلك واله من هو كائن بعدك: آلله بعثك إلينا رسولاً؟ قال: «اللَّهمَّ نعم» قال: فأنشدك الله الهك واله من كان قبلك واله من هو كائن بعدك؛ آلله آمرك أن تأمرنا أن نعبده وحده ولا نشرك به شيئاً، وأن نخلع هذه الأنداد التي كان آباؤنا يعبدون؟ قال: «اللَّهمَّ نعم». قال: فأنشدك الله الهكَ واله من كان قبلك واله من هو كائن بعدك: آلله أمرك أن نصلي هذه الصلوات الخمس؟ قال: «اللهم نعم» قال: ثم جعل يذكر فرائض الإِسلام فريضة فريضة: الزكاة، والصيام، والحج، وشرائع الإِسلام كلّها، ينشده عند كل فريضة منها كما ينشده في التي قبلها، حتى إذا فرغ قال: فإنِّي أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنَّ محمداً رسول الله، وسأؤدي هذه الفرائض وأجتنب ما نهيتني عنه، ثم لا أزيد ولا أنقص؛ ثم انصرف إلى بعيره راجعاً. قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنْ صدق ذو العقيصتين(1) دخل الجنة».
إسلام بني سعد وقول ابن عباس في ضمام
__________
(1) العقيصة : الشعر المعقوص وهو نحو من المضفور ، وأصل العقص اللّي وإدخال أطراف الشعر في أصوله .(1/318)
14- قال: فأتى بعيره فأطلق عِقاله ثم خرج حتى قدم على قومه، فاجتمعوا إليه، فكان أوَّل ما تكلم أنْ قال: بئست اللات والعزَّى. فقالوا: مَهْ(1) يا ضمام، إتَّقِ البرص، إتَّقِ الجُذام(2)، اتَّقِ الجنون فقال: ويلكم إنَّهما والله لا يضران ولا ينفعان. إنَّ الله قد بعث رسولاً، وأنزل عليه كتاباً إستنقذكم به مما كنتم فيه، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، وقد جئتكم من عنده بما أمركم به وما نهاكم عنه. قال فوالله، ما أمسى من ذلك اليوم وفي حاضره(3) رجل ولا امرأة إلا مسلماً. قال يقول ابن عباس رضي الله عنهما: فلما سمعنا بوافدِ قومٍ كان أفضل من ضِمام بن ثعلبة.(11)
دعوة الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه في قومه قدوم طفيل بن عمرو مكة وخبره مع قريش
15- عن محمد بن إسحاق قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يرى من قومه يبذل لهم النصيحة، ويدعوهم إلى النجاة مما هم فيه، وجعلت قريش حين منعه الله منهم يحذِّرونه النَّاس ومن قدم عليهم من العرب، وكان طُفيل بن عمرو الدَّوْسي يحدِّث أنه قدم مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بها، فمشى إليه رجال من قريش وكان الطفيل رجلاً شريفاً شاعراً لبيباً فقالوا له: يا طُفيل، إنَّك قدمت بلادنا، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا(4)، فرّق جماعتنا، وإنّما قوله كالسحر، يفرِّق بين المرء وبين أبيه، وبين الرجل وبين أخيه، وبين الرجل وبين زوجته، وإنما نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلِّمْه ولا تسمع منه. قال: فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت على أن لا أسمع منه شيئاً ولا أكلِّمه، حتى حشوت أذنيَّ حين غدوت إلى المسجد كُرْسُفاً(5)
__________
(1) مه : يعني اكفف .
(2) الجذام : هو مرض تتآكل بسببه الأعضاء وتسقط .
(3) حاضره : حيّه
(4) أعضل بنا : أعياناً .
(5) الكرسف : القطن
(11) أخرجه الحاكم (3/54 ) في المستدرك ووافقه الذهبي فقال: صحيح.(1/319)
فَرَقاً من أن يبلغني من قوله وأنا لا أريد أن أسمعه.
إسلام طفيل بن عمرو
16- قال: فغدوت إلى المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة، قال: فقمت قريباً منه، فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله. قال: فسمعت كلاماً حسناً، قال فقلت في نفسي: واثُكلَ أمِّي، إِني لرجل لبيب شاعر ما يخفى عليَّ الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ فإن كان الذي يأتي به حسناً قبلته، وإن كان قبيحاً تركته.
فمكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته، فاتَّبعته حتى إذا دخل بيته دخلت عليه، فقلت: يا محمد، إنَّ قومك قالوا لي كذا وكذا للذي قالوا لي فوالله ما بَرحوا يخوِّفونني أمرك حتى سددتُ أذنيَّ بكُرسُف لئلا أسمعَ قولك، ثم أبى الله إلا أن يسمعنيه، فسمعت قولاً حسناً، فاعرضْ عليَّ أمرك. فعرض عليَّ الإِسلام، وتلا عليّ القرآن. قال: فوالله ما سمعت قولاً قط أحسن، ولا أمراً أعدل منه. قال: فأسلمت وشهدت شهادة الحق، وقلت: يا نبي الله، إنِّي امرؤ مطاع في قومي وأنا راجع إليهم وداعيهم إلى الإِسلام، فادعُ الله لي أن يجعل لي آية تكون لي عوناً عليهم فيما أدعوهم إليه. قال فقال: «اللهمَّ إجعل له آية».
رجوع طفيل إلى قومه داعياً لهم إلى الإِسلام وتأييد الله له بآية
17- قال: فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت بثَنِيَّة(1) تُطلعني على الحاضر وقع نور بين عينيَّ مثل المصباح، قال: فقلت: اللَّهمَّ في غير وجهي، فإني أخشى أن يظنُّوا أنَّها مُثْلَة(2) وقعت في وجهي لفراق دينهم. قال: فتحوَّل فوقع في رأس سَوْطي، فجعل الحاضر يتراؤون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلَّق وأنا هابط إليهم من الثَنِيَّة، حتى جئتهم فأصبحت فيهم.
دعوة طفيل لأبيه وصاحبته وإسلامهما
__________
(1) الطريق في الجبل
(2) عقوبة وتنكيل(1/320)
18- فلما نزلت أتاني أبي وكان شيخاً كبيراً قال: فقلت: إليكَ عنِّي يا أبت، فلستَ منِّي ولستُ منك. قال: ولمَ أيْ بُني؟ قال قلت: أسلمت وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم قال أبي: ديني دينك، فاغتسل وطهَّر ثيابه، ثم جاء فعرضت(1) عليه الإِسلام فأسلم. قال ثم أتتني صاحبتي(2) فقلت لها: إليك عني فلستُ منك ولستِ منِّي، قالت: لِمَ بأبي أنت وأُمي؟ قال قلت: فرَّق بيني وبينك الإِسلام، فأسلمتْ، ودعوت دَوْساً إِلى الإِسلام فأبطأوا عليَّ.
دعاؤه عليه السلام لدَوْس وإسلامهم وقدومهم مع طفيل إلى النبي صلى الله عليه وسلم
19- ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فقلت: يا نبي الله، إنَّه قد غلبني دَوْسٌ فادع الله عليهم فقال: «اللَّهم اهدِ دَوْساً، أرجع إلى قومك فادعهم وارفق بهم». قال: فرجعت فلم أزل بأرض دَوْس أدعوهم إلى الإِسلام حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وقضى بدراً وأُحداً والخندق. ثم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن أسلم معي من قومي ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، حتى نزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتاً من دَوْس.(12)
كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم يتحمّلون الشدائد والأذى، والجوع والعطش، إِظهاراً للدين المتين. وكيف هانت عليهم نفوسهم في الله لإِعلاء كلمته.
__________
(1) في الأصل "فأعرضت" والتصويب من "البداية" .
(2) صاحبتي : أي زوجتي
(12) رواه ابن هشام( 1/382 ) قال بن كثير فى البداية(3/199) ذكر بن اسحاق قصة الطفيل مرسلة وروى مسلم جزءا منه (4/1957)(1/321)
20- عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما قال: ومات أبو طالب، وازداد من البلاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم شدة، فعمد إلى ثقيف يرجو أن يؤووه وينصروه، فوجد ثلاثة نفر منهم سادة ثقيف وهم إخوة: عبد ياليل بن عمرو، وحبيب بن عمرو، ومسعود بن عمرو. فعرض عليهم نفسه، وشكا إِليهم البلاء وما انتهك قومه منه. فقال أحدهم: أنا أسرق ثياب الكعبة إن كان الله بعثك بشيء قط. وقال الآخر: والله، لا أكلمك بعد مجلسك هذا كلمة واحدة أبداً، لئن كنت رسولاً لأنت أعظم شرفاً وحقاً من أن أكلمك. وقال الآخر: أعَجَزَ الله أن يرسل غيرك؟ وأفشَوا ذلك في ثقيف الذي قال لهم واجتمعوا يستهزئون برسول الله صلى الله عليه وسلم وقعدوا له صفَين على طريقه، فأخذوا بأيديهم الحجارة، فجعل لا يرفع رجله ولا يضعها إلا رضخوها(1) بالحجارة، وهم في ذلك يستهزئون ويسخرون.
__________
(1) رضخوها : رموها(1/322)
فلما خلص من صفَّيْهم وقدماه تسيلان الدماء عمد إلى حائط من كرومهم، فأتى ظلَّ حُبْلة(1) من الكرم فجلس في أصلها مكروباً موجعاً تسيل قدماه الدماء، فإذا في الكرم عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، فلما أبصرهما كره أن يأتيهما لما يعلم من عداوتهم الله ولرسوله وبه الذي به، فأرسلا إليه غلامهما عدَّاساً بعنب وهو نصراني من أهل نِينَوى(2) فلمَّا أتاه وضع العنب بين يديه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بسم الله»، فعجب عدّاس، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أي أرض أنت يا عدّاس؟» قال: أنا من أهل نِينَوى. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «من أهل مدينة الرجل الصالح يونس بن متَّى؟» فقال له عدّاس: وما يدريك مَنْ يونس بن متَّى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم من شأن يونس ما عرف، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحقر أحداً، يبلِّغه رسالات الله تعالى. قال: يا رسول الله، أخبرني خبر يونس بن متَّى. فلمَّا أخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم من شأن يونس بن متى ما أُوحي إليه من شأنه خرّ ساجداً للرسول صلى الله عليه وسلم ثم جعل يقبِّل قدميه وهما تسيلان الدماء. فلما أبصر عتبة وأخوه شيبة ما فعل غلامهما سكتا. فلما أتاهما قالا له: ما شأنك سجدت لمحمد وقبّلت قدميه ولم نرك فعلت هذا بأحد منا؟ قال: هذا رجل صالح، حدثني عن أشياء عرفتها من شأن رسول بعثه الله تعالى إلينا يُدعى يونس بن متى، فأخبرني أنَّه رسول الله، فضحكا وقالا: لا يفتنْك عن نصرانيتك، إنه رجل يَخدع، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة. انتهى.
__________
(1) الحبلة : هي شجرة العنب
(2) نينوى : قرية نبي الله يونس عليه الصلاة والسلام(1/323)
وذكر في البداية عن موسى بن عقبة: وقعد له أهل الطائف صفَّيْن على طريقه، فلمّا مرّ جعلوا لا يرفع رجليه ولا يضعهما إِلا رضخوهما بالحجارة حتى أدمَوه، فخلَص منهم وهما يسيلان الدماء. وفيما ذكر ابن إسحاق: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندهم وقد يئس من خير ثقيف، وقد قال لهم فيما ذُكر لي: «إن فعلتم ما فعلتم فكتموا عليَّ»، وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ قومه عنه فيُذْئِرهم(1) ذلك عليه. فلم يفعلوا، وأغرَوا به سفهاءهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به، حتى اجتمع عليه الناس وألجؤوه إِلى حائط لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وهما فيه، ورجع عنه من سفهاء ثقيف من كان يتبعه. فعَمِد إلى ظل حُبْلة من عنب فجلس فيه وابنا ربيعة ينظران إليه ويريان ما يلقى من سفهاء أهل الطائف، وقد لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فيما ذُكر لي – المرأة التي من بني جمح، فقال لها: «ماذا لقينا من أحمائك!»(2).
دعاؤه صلى الله عليه وسلم عند الرجوع من الطائف
21- فلما اطمأن، قال فيما ذُكر لي: «اللَّهمَّ إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس. يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني(3)، أم إلى عدو ملكتَه أمري؟ إِن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي، ولكنَّ عافيتك هي أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقتْ له الظلماتُ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، منْ أن ينزل(4) بي غضبك، أو يَحلَّ(5) عليَّ سَخطُك. لك العُتبى حتى ترضى، لا حول ولا قوة إلا بك».(13)
إبتلاء المسلمين وخروج أبي بكر إلى الحبشة مهاجراً وقصته مع ابن الدغنة
__________
(1) أذأره : جرّأه وأغراه.
(2) أحماء : جمع حمو : أقارب الزوج
(3) يتجهمني : يستقبلني بوجه كريه
(4) من "الطبري" (2/230)، وفي "البداية" : تنزل.
(5) من الطبري ، وفي البداية : تحل(1/324)
22- عن عائشة رضي الله عنها قالت: لم أعقل أبويَّ قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمرّ علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طَرَفي النهار: بُكرة، وعَشيَّة. فلما ابتُليَ المسلمون خرج أبو بكر مهاجراً نحو أرض الحبشة، حتى إذا بلغ بَرْكَ الغماد(1) لقيه ابن الدُّغُنَّةِ وهو سيد القارة(2). قال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجَني قومي فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي. قال ابن الدُّغُنَّةِ: فإنَّ مثلك يا أبا بكر لا يَخرج ولا يُخرج إنك تكسب المعدوم(3)، وتصل الرَّحِم، وتحمل الكَلَّ(4)، وتَقري الضيف(5)، وتعين على نوائب(6) الحق؛ فأنا لك جار، إرجع واعبد ربك ببلدك.
__________
(1) برك الغماد موضع وراء مكة بخمس ليال .
(2) القارة : بالقاف وتخفيف الراء : قبيلة مشهورة من بني الهون ، بالضم والتخفيف.
(13) أخرج القصة بطولها ابن هشام (1/419) والطبرانى كما فى المجمع (6/35) بسند صحيح عن ابن اسحاق مرسلا والبيهقى فى الدلائل (2/415) من مرسل الزهرى فيتقوى به كما فى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم لأبى عمار(161)
(3) أي تعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك .
(4) بفتح الكاف : وهو الثقل والعيال واليتيم ونحو ذلك، ومعناه: إنك تنفق على هؤلاء وتعينهم؛ وأصله من الكلال وهو الإعياء.
(5) تقري الضيف : أي تهيء له طعامه ونزله .
(6) نوائب : جمع نائبة : وهي الحادثة والنازلة.(1/325)
فرجع وارتحل معه ابن الدُّغُنَّة، فطاف ابن الدُّغُنَّة عشية في أشراف قريش، فقال لهم: إن أبا بكر لا يَخرج مثله ولا يُخرج، أتُخرجون رجلاً يكسب المعدوم، ويصل الرَّحِم، ويحمل الكلَّ، ويقري الضَّيف، ويعين على نوائب الحق. فلم تكذِّب قريش بجوار(1) ابن الدغنة، وقالوا لابن الدُّغُنَّة: مُرْ أبا بكر فليعبدْ ربَّه في داره، فليصلِّ فيه وليقرأ ما شاء. ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به، فإنَّا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا؛ فقال ذلك ابن الدُّغُنَّة لأبي بكر فلبث أبوبكر بذلك يعبد ربه في داره ولا يستئلن بصلاته ويقرأ غير داره تم بدأ لأبي بكر فابتنى مسجداً(2) بِفناء داره، وكان يصلِّي فيه ويقرأ القرآن، فيتقذَّف(3) عليه نساء المشركين وأبناؤهم وهم يعجبون منه وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلاً بكَّاءً، لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن. وأفزع ذلك أشرافَ قريش من المشركين. فأرسلوا إلى ابن الدُّغُنَّة فقدم عليهم، فقالوا: إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره، فقد جاوز ذلك فابتنى مسجداً بفِناء داره فأعلن بالصلاة والقراءة فيه وإنا قد خشينا أن يَفتن نساءنا وأبناءنا فانْهه، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربَّه في داره فعل، وإن أبى إلا أن يعلن ذلك فسَلْه أن يردَّ إِليك ذمتك، فإنا قد كرهنا أن نخفِرَك(4)، ولسنا مقرين لأبي بكر الإستعلان.
قالت عائشة رضي الله عنها: فأتى ابن الدُّغُنَّة إلى أبي بكر فقال: قد علمتَ الذي عاقدتُ لك عليه، فإما أن تقتصر على ذلك، وإِما أن تُرجع إليَّ ذمتي فإني لا أُحب أن تسمع العرب أني أُخفرتُ في رجل عقدت له. فقال أبو بكر: فإني أردُّ إليك جوارَك وأرضى بجوار الله عزَّ وجلَّ - فذكر الحديث بطوله في الهجرة (14)
__________
(1) أي لم تردّ جواره.
(2) هو أول مسجد بني في الإسلام.
(3) يتقذّف : أي يزدحمون عليه حتى يسقط بعضهم على بعض من شدة رغبتهم في السماع .
(4) أن نخفرك : أي ننقض عهدك .(1/326)
تحمل عثمان بن مظعون رضي الله عنه الشدائد
23- عن عثمان قال: لما رأى عثمان(1) بن مظعون رضي الله عنه ما فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من البلاء وهو يغدو ويروح في أمان من الوليد بن المغيرة قال: والله إن غُدوِّي ورواحي آمناً بجوار رجل من أهل الشرك، وأصحابي وأهل ديني يلقَون من الأذى والبلاء ما لا يصيبني لنقصٌ كبير في نفسي فمشى إلى الوليد بن المغيرة فقال له: يا أبا عبد شمس، وفّتْ ذمتك، قد رددت إِليك جوارك. قال: لم يا ابن أخي، لعله آذاك أحد من قومي؟ قال: لا، ولكني أرضى بجوار الله عزّ وجلّ، لا أُريد أن أستجير بغيره. قال: فانطلق إلى المسجد فاردد عليَّ جواري علانية كما أجرتك علانية. قال: فانطلق ثم خرجا حتى أتيا المسجد، فقال لهم الوليد: هذا عثمان قد جاء يرد عليَّ جاري. قال لهم: قد صدق قد وجدته وفيّاً كريم الجوار، ولكني قد أحببت أن لا أستجير بغير الله فقد رددت عليه جواره.
ثم انصرف عثمان ولبيدُ بن ربيعة بن مالك بن كلاب القيسي في المجلس من قريش ينشدهم، فجلس معهم عثمان. فقال لبيد وهو ينشدهم:
* ألا كلُّ شيء ما خلا الله باطلٌ *
فقال عثمان: صدقت، فقال:
* وكلُّ نعيمٍ لا محالة زائلُ *
__________
(1) عثمان بن مظعون : أسلم أبو السائب بعد ثلاثة عشر رجلاً وهاجر الهجرتين وتوفي بعد بدر وكان هو وعليّ وأبو ذرّ همّوا أن يختصوا وكان ممّن حرّم الخمر في الجاهلية وعندما مات قبّله رسول الله صلى الله عليه وسلم : "سير" .
(14) أخرجه البخاري (ص 552)(1/327)
فقال عثمان: كذبت، نعيم أهل الجنة لا يزول. قال لبيد بن ربيعة، يا معشر قريش، والله ما كان يؤذى جليسُكم، فمتى حدث فيكم هذا؟ فقال رجل من القوم: إِنَّ هذا سفيه في سفهاء معه قد فارقوا ديننا، فلا تجدنَّ في نفسك من قوله، فردَّ عليه عثمان حتى سَرِي أي عظم أمرهما. فقام إليه ذَلك الرجل فلطم(1) عينه فخضرَّها(2)، والوليد بن المغيرة قريب يرى ما بلغ من عثمان. فقال: أما والله يا ابن أخي إن كانت عينك عما أصابها لَغنيةٌ، لقد كنت في ذمة منيعة. فقال عثمان: بلى والله إنّ عيني الصحيحة لفقيرة إلى ما أصاب أختها في الله، وإني لفي جوار من هو أعزّ منك وأقدر يا أب عبد شمس.(15)
تحمل عبد الله بن حذافة السهمي رضي الله عنه الشدائد ما لقي عبد الله من الأذى من ملك الروم وتقبيل عمر لرأسه حين قدم عليه
24- عن أبي رافع قال: وجّه عمر بن الخطاب رضي الله عنه جيشاً إلى الروم وفيهم رجل يقال له عبد الله بن حذافة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأسره الروم، فذهبوا به إلى ملكهم، فقالوا له: إنَّ هذا من أصحاب محمد. فقال له الطاغية(3): هل لك أن تَنصرَّ وأشرِكَك في ملكي وسلطاني؟ فقال له عبد الله: لو أعطيتني ما تملك وجميع ما ملكته العرب، على أن أرجع عن دين محمد صلى الله عليه وسلم طَرْفة عين ما فعلت. قال: إذاً أقتلك. قال: أنت وذاك. فأَمر به فصُلب، وقال للرماة: أرموه قريباً من يديه، قريباً من رجليه، وهو يعرض عليه وهو يأبى. ثم أمر به فأنزل، ثم دعا بقدر فصبَّ فيه ماء حتى احترقت(4)
__________
(1) اللطم : ضرب الخد وصفحة الجسد بالكف مفتوحة .
(2) خضّرها : جعلها خضراء أي سوداء لما حصل لها من الورم.
(3) الطاغية : هذا لقب يطلقه العرب على من طغى وتجبّر .
(4) احترقت : أي من شدّة غليانها كأنها تحترق .
(15) أخرجه الطبراني كما فى المجمع (6/32) من طرق ضعيفة ولكنها تدل على أن للقصة أصلا كما فى السيرة النبوية فى ضوء المصادر الأصلية( )(1/328)
، ثم دعا بأسيرين من المسلمين فأمر بأحدهما فألقي فيه وهو يعرض عليه النصرانية وهو يأبى، ثم أمر به أن يُلقى فيها. فلما ذُهب به بكى، فقيل له: إنه قد بكى، فظنَّ أنه جزع(1) فقال: ردّوه فعرض عليه النصرانية؛ فأبى. فقال: ما أبكاك إذاً؟ قال: أبكاني أني قلت في نفسي تُلقى الساعةَ في هذه القدر فتذهب، فكنت أشتهي أن يكون بعدد كل شعرة في جسدي نَفْس تُلقى في الله. قال له الطاغية: هل لك أن تقبّل رأسي وأخلّي عنك؟ قال له عبد الله: وعن جميع أُسارى المسلمين؟ قال: وعن جميع أسارى المسلمين. قال عبد الله: فقلت في نفسي: عدوٌّ من أعداء الله، أقبّل رأسه يخلِّي عني وعن أسارى المسلمين لا أُبالي. فدنا منه فقبّل رأسه، فدفع إليه الأسارى. فقدم بهم على عمر رضي الله عنه، فأُخبر عمر بخبره؛ فقال عمر: حقٌّ على كل مسلم أن يقبّل رأس عبد الله بن حذافة وأنا أبدأ، فقام عمر فقبّل رأسه.(16)
جوعه صلى الله عليه وسلم وجوع أهل بيته وأبي بكر، وعمر رضي الله عنهم
25- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج أبو بكر رضي الله عنهما بالهاجرة(2) إلى المسجد، فسمع عمر رضي الله عنه فقال: يا أبا بكر، ما أخرجك هذه الساعة؟ قال: ما أخرجني إلا ما أجد من حاقِّ الجوع(3)
__________
(1) جزع : خاف
(2) الهاجرة : والهجير : نصف النهار اشتداد الحرّ "مختار" مادة (هـ ج ر)
(3) حاق الجوع : بتشديد القاف : أي صادقه وشدته .
(16) أخرجه البيهقي، وابن عساكر كذا في كنز العمال . قال في الإِصابة(6/54 ): وأخرج ابن عساكر لهذه القصة شاهداً من حديث ابن عباس رضي الله عنهما موصولاً، وآخر من فوائد، هشام بن عثمان من مرسل الزهري. انتهى.وهى فى السير للذهبى (2/11)(1/329)
. قال: وأنا والله ما أخرجني غيره. فبينما هم كذلك إذ خرج عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما أخرجكما هذه الساعة؟» قالا: والله ما أخرجنا إلا ما نجده في بطوننا من حاقّ الجوع قال: «وأنا والذي نفسي بيده ما أخرجني غيره فقوما»، فانطلقوا فأتَوا باب أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، وكان أبو أيوب يدَّخر لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً كان أو لبناً، فأبطأ عليه يومئذٍ فلم يأت لحينه، فأطعمه لأهله، وانطلق إلى نخله يعمل فيه.(1/330)
فلما انتَهوا إلى الباب خرجت إمرأته فقالت: مرحباً بنبي الله - صلى الله عليه وسلم - وبمن معه. قال لها نبي الله صلى الله عليه وسلم «أين أبو أيوب؟» فسمعه وهو يعمل في نخل له فجاء يشتد فقال: «مرحباً بنبي الله - صلى الله عليه وسلم - وبمن معه. يا نبي الله، ليس بالحين الذي كنت تجيء فيه؟ فقال صلى الله عليه وسلم «صدقت». قال: فانطلق فقطع عِذْقاً(1) من النخل فيه كلٌّ من التمر والرُّطَب والبُسْر. فقال صلى الله عليه وسلم «ما أردت إلى هذه، ألا جَنَيت لنا من تمره؟» قال: يا رسول الله أحببت أن تأكل من تمره وخطَبه وبُسْره، ولأذبحنّ لك مع هذا. قال: «إن ذبحتَ فلا تذبحنَّ ذاتَ دَرّ»(2). فأخذ عَناقاً(3) أو جدياً(4) فذبحه، وقال لامرأته: أخبُزي واعجِني لنا وأنت أعلم بالخبز. فأخذ نصف الجدي فطبخه وشوَى نصفه. فلما أدرك الطعام ووُضع بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ أخذ من الجَدي فجعله في رغيف وقال: «يا أبا أيوب: أبلغ بهذا فاطمة فإنها لم تُصِب(5) مثل هذا منذ أيام». فذهب أبو أيوب إلى فاطمة. فلما أكلوا وشبعوا قال النبي صلى الله عليه وسلم «خبز، ولحم، وتمر، وبُسْر، ورُطَب، ودمعت عيناه، والذي نفسي بيده، إنَّ هذا هو النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة».
__________
(1) العذق بالكسر ، أي القنو من النخلة .
(2) ذات در : أي لبن .
(3) عناق : كسحاب الأنثى من أولاد المعز دون السنة.
(4) الجدي : من ولد المعز ذكرها في السنة الأولى .
(5) لم تصب : لم تأكل أو لم تجد مثله .(1/331)
فكَبُر ذلك على أصحابه فقال: «بل إذا أصبتم مثل هذا فضربتم بأيديكم، فقولوا: بسم الله، فإذا شبعتم فقولوا: الحمد لله الذي هو أشبعنا وأنعم علينا فأفضل؛ فإن هذا كفاف(1) بهذا». فلما نهض قال لأبي أيوب: «ائتنا غداً» وكان لا يأتي أحد إِليه معروفاً إِلا أحبَّ أن يجازيه. قال: وإن أبا أيوب لم يسمع ذلك؛ فقال عمر رضي الله عنه: إِن النبي صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تأتيه غداً. فأتاه من الغد فأعطاه وليدته(2)؛ فقال: «يا أبا أيوب استوصِ بها خيراً فإنَّا لم نرَ إِلا خيراً ما دامت عندنا». فلما جاء أبو أيوب من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا أجد لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً لها(3) من أن أعتقها فأعتقها.(17)
خبر الصحابة مع النجاشي وقوله في الإِسلام
وفي عيسى بن مريم عليهما السلام.
26- عن أُم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ـ بطوله، وفي حديثه: قالت: ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم. فلما جاءهم رسوله إجتمعوا، فقال بعضهم لبعض: ما تقولون في الرجل(4) إذا جئتموه؟ قالوا: نقول والله ما علمنا ما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم كائناً في ذلك ما هو كائن. فلما جاؤوه وقد دعا النجاشي أساقفته(5)
__________
(1) أي هذا الدعاء بمقدار ما أكلتم من الطعام الكثير الطيب.
(2) وليدته : جاريته .
(3) في الأصل "له" والصواب كما هو الظاهر "لها".
(4) الرجل هنا هو عيسى عليه السلام .
(5) الأساقفة : جمع أسقف : وهو عالم رئيس من علماء النصاري ورؤسائهم ، وهو اسم سرياني ؛ ويحتمل أن يكون سمي به لخضوعه وانحنائه في عبادته ؛ والسقف في اللغة : طول في انحناء .
(17) أخرجه الطبراني، وابن حبان في صحيحه كذا في الترغيب(4/104) .وقال المحققون صحيح(1/332)
فنشروا مصاحفهم حوله سألهم فقال: ما هذا الدين الذي قد فارقتم فيه قومكم، ولم تدخلوا في ديني ولا في دين أحد من هذه الأمم؟ قالت: وكان الذي كلّمه جعفر بن أبي طالب قال: أيها الملك، كنّا قوماً أهل جاهليّة، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القويُّ منا الضعيف، فكنَّا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منّا نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه.
فدعانا إلى الله عزّ وجلّ لنوحده، ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دون الله من الحجارة والأوثان. وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصِلَة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء. ونهانا عن الفواحش، وشهادة الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة. وأمرنا أن نعبد الله، لا نشرك به شيئاً، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة. قالت: فعدّد عليه أُمور الإِسلام فصدّقناه، وآمنا به واتّبعناه على ما جاء به، فعبدنا الله وحده لا نشرك به شيئاً، وحرّمنا ما حرم الله علينا، وأحللنا ما أحلَّ لنا، فعدا(1) علينا قومنا، فعذّبونا، وفتنونا عن ديننا ليردّونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله عزّ وجلّ، وأن نستحلّ ما كنا نستحلُّ من الخبائث. فلمَّا قهرونا وظلمونا وشقُّوا علينا(2) وحالوا بيننا وبين ديننا؛ خرجنا إِلى بلدك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك.
__________
(1) فعدا : أي ظلم .
(2) شقّوا : أي أوقعونا في المشقّة .(1/333)
قالت: فقل النجاشي: هل معك ما جاء به عن الله من شيء؟ قالت: فقال له جعفر رضي الله عنه: نعم. قالت: فقال له النجاشي: فاقرأه. فقرأ عليه صدراً من «كَهايعص»(1). قالت: فبكى النجاشي حتى أَخْضَلَ لحيته(2)، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تُلي عليهم. ثم قال النجاشي: إنَّ هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة، إنطلقا، فوالله لا أسلمهم إليكما(3) أبداً ولا أكاد.
__________
(1) مطلع سورة مريم .
(2) أخضل لحيته : أي بلّها بالدموع .
(3) في الأصل "إليكم" والتصويت من "ابن هشام".(1/334)
قالت أم سلمة: فلمَّا خرجا من عنده قال عمرو بن العاص: والله لآتينّهم غداً أُعيِّبهم عنده بما استأصل به خضراءهم(1)، فقال له عبد الله بن أبي ربيعة وكان أتقى الرجلين فينا: لا تفعل، فإن لهم أرحاماً وإِن كانوا قد خالفونا. قال: والله لأخبرنَّه أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عَبْدٌ. قالت: ثم غدا عليه، فقال: يا أيها الملك، إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولاً عظيماً فأرسل إليهم فسلهم عما يقولون فيه. قالت: فأرسل إليهم يسألهم عنه. قالت: ولم ينزل بنا مثلُها؛ واجتمع القوم فقال بعضهم لبعض: ماذا تقولون في عيسى بن مريم، قالت)(2) : فقال له جعفر بن أبي طالب: نقول فيه الذي جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم هو عبد الله، ورسوله، وروحه، وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول. قالت: فضرب النجاشي يده إلى الأرض فأخذ منها عوداً ثم قال: (والله) ما عَدَا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود فتناخرت(3) بطارقة حوله حين قال ما قال، (فقال): وإن نخرتم والله اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي والسيوم الآمنون ؛ من سبَّكم غرم، ثم (قال): من سبَّكم غَرِم، ثم (قال) من سبَّكم غَرِم، ما أحبُّ أن لي دَبْراً ذهباً وأني آذيت رجلاً منكم والدَّبْر بلسان الحبشة: الجبل رُدّوا عليهما هداياهما فلا حاجة لي بها، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين ردّ عليّ ملكي فآخذ فيه الرشوة، وما أطاع الناس فيّ فأطيعهم فيه. فخرجا من عنده مقبوحَيْن مردوداً عليهما ما جاءا به.
__________
(1) خضراءهم: أي جماعتهم.
(2) هذه الزيادة المحصورة بين القوسين من "ابن هشام" وكذلك الكلام الآخر المحصور بين قوسين في حديث أم سلمة هذا .
(3) تناخرت : أي تكلمت ، وكأنه كلام مع غضب ونفور .(1/335)
وأقمنا عنده في خير دار مع خير جار، فوالله إنه لَعَلى ذلك إذ نزل به مَنْ ينازعه في ملكه. قالت: والله ما علمتنا حَزِنَّا (حزناً) قط كان أشد من حزن حزّناه عند ذلك؛ تخوفاً أن يظهر ذلك (الرجل) على النجاشي؛ فيأتي رجل لا يعرف من حقِّنا ما كان النجاشي يعرف. قالت: وسار النجاشي وبينهما عرضُ النِّيل(1). قالت: فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مَنْ رجلٌ خرج حتى يحضر وقيعة(2) القوم، ثم يأتينا (بالخبر)؟ قالت: فقال الزبير بن العوام: أنا. (قالوا: فأنت) قالت: وكان من أحدث القوم سنّاً. قالت: فنفخوا له قِربة فجعلها في صدره، فَسَبح(3) عليها حتى خرج إلى ناحية النيل التي بها ملتقى القوم، ثم انطلق حتى حضرهم. قالت: ودعونا الله عزّ وجلّ للنجاشي بالظهور على عدوّه والتمكين له في بلاده (قالت: فوالله إنا لَعَلَى ذلك متوقعون لما هو كائن إذ طلع الزبير وهو يسعى فلمع بثوبه، وهو يقول: ألا أبشروا فقد ظفر النجاشي، وأهلك الله عدوه، ومكّن له في بلاده، قالت: فوالله ما علمتنا فرحنا فرحة قطّ مثلها. قالت ورجع النجاشي وقد أهلك الله عدوه ومكن له في بلاده: واستوسق(4) عليه أمر الحبشة فكنّا عنده، في خير منزل حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة.(18)
هجرة أبي سلمة وأم سَلَمة رضي الله عنهما إلى المدينة
__________
(1) النيل هنا هو نيل مصر .
(2) وقيعة القوم : أي قتالهم .
(3) السبح : المر السريع في الماء والهواء ؛ سبح بالنهر وفيه : كمنع ، سبحاً وسباحة بالكسر : عام .
(4) استوسق : أي استقر له الملك .
(18) قال الهيثمي(6/27 ): رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غيرابن إسحاق، وقد صرّح بالسماع. انتهى. اسناده حسن كما فى السيرة النبوية الصحيحة للعمرى(1/174 )(1/336)
27- عن أم سَلَمة رضي الله عنها قالت: لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رحّل(1) لي بعيره، ثم حملني عليه، وجعل معي ابني سلمة بن أبي سلمة في حِجري(2)، ثم خرج يقود بي بعيره. فلما رأته رجال بني المغيرة قاموا إليه فقالوا: هذه نفسك غلبْتَنا عليها، أرأيت صاحبتنا هذه، علام نتركك تسير بها في البلاد؟ قالت: فنزعوا خطام البعير من يده وأخذوني منه. قالت: وغضب عند ذلك بنو عبد الأسود رهط أبي سَلَمة وقالوا: والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا. قالت: فتجاذبا ابني سَلَمة بينهم حتى خلعوا(3) يده، وانطلق به بنو عبد الأسد وحبسني بنو المغيرة عندهم، وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة؛ قالت: ففُرّق بيني وبين ابني وبين زوجي. قالت: فكنت أخرج كل غداة فأجلس في الأبطح، فما أزال أبكي حتى أمسي سنة أو قريباً منها؛ حتى مرّ بي رجل من بني عمي أحد بني المغيرة، فرأى ما بي فرحمني. فقال لبني المغيرة: ألا تخرجون هذه المسكينة، فرّقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها؟ قالت: فقالوا لي: الحقي بزوجك إِن شئت. قالت فردّ بنو عبد الأسد إليّ عند ذلك إبني. قالت: فارتحلت بعيري، ثم أخذت ابني فوضعته في حجْري، ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة. قالت: وما معي أحد من خلق الله.
__________
(1) رحّل : شدّ على ظهره الرحل .
(2) في حجري : أي في حضني .
(3) خلعوا: أي نزعوا .(1/337)
حتى إذا كنت بالتنعيم(1) لقيت عثمان بن طلحة ابن أبي طلحة أخا بني عبد الدار. فقال: إلى أين يا ابنة أبي أُمية؟ قلت: أُريد زوجي بالمدينة. قال: أو ما معك أحد؟ قلت: ما معي أحد إلا الله وبُنيّ هذا. فقال: والله مالك من مترك، فأخذ بخطام البعير فانطلق معي يهوي بي(2)؛ فوالله ما صحبت رجلاً من العرب قطُّ أرى أنه كان أكرم من. كان إِذا بلغ المنزل أناخ بي ثم استأخر عني حتى إذا نزلت استأخر ببعيري فحطَّ عنه(3)، ثم قيّده في الشجر، ثم تنحَّى إلى شجرة فاضطجع تحتها. فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدمه فرحَّله، ثم استأخر عني وقال: اركبي، فإذا ركبت فاستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه فقادني حتى ينزل بي، فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة. فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقُباء قال: زوجك في هذه القرية وكان أبو سلمة بها نازلاً فادخليها على بركة الله. ثم انصرف راجعاً إلى مكة. فكانت تقول: ما أعلم أهل بيت في الإِسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سَلَمة؛ وما رأيت صاحباً قط كان أكرم من عثمان بن طلحة. أسلم عثمان بن طلحة بن أبي طلحة العبدري هذا بعد الحديبية، وهاجر هو وخالد بن الوليد رضي الله عنه معاً.(19)
المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم
قصة عبد الرحمن بن عوف مع سعد بن الربيع
__________
(1) التنعيم : موضع بمكة خارج الحرم ويحرم المكيون منه بالعمرة .
(2) يهوي بي : أي يسرع بي .
(3) فحطّ عنه : أي أنزل الرحل عن البعير .(1/338)
28- عن أنس أن عبد الرحمن بن عوف قدم المدينة، فآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري رضي الله عنه، فقال له سعد: أيْ أخي، أنا أكثر أهل المدينة مالاً، فانظر شَطْر مالي فُخْذه؛ وتحتي إمرأتان فانظر أيتهما(1) أعجب إليك حتى أطلِّقَها. فقال عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلُّوني على السوق، فدلّوه، فذهب فاشترى وباع فربح، فجاء بشيء من أقِطٍ(2) وسمن، ثم لبث ما شاء الله أن يلبث، فجاء وعليه رَدْع زعفران(3). فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «مَهْيَمْ»؟(4) فقال: يا رسول الله، تزوجت امرأة. قال: «ما أصدقتها»؟(5) قال: وَزْنَ نَواة من ذهب. قال: «أوْلم ولو بشاة». قال عبد الرحمن: فلقد رأيتُني ولو رفعتُ حَجَراً لرجوتُ أن أصيب ذهباً وفضة.(20)
صبر الأنصار عن اللّذات الدنيوية والأمتعة الفانية
والرضاء بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) من "أسد الغابة" (3/314)، وفي الأصول : أيّهما.
(2) أقط : اللبن المحفف .
(3) ردع زعفران : أي أثر طيب.
(4) مهيم : أي ما أمرك وما شأنك ، وهي كلمة يمانية .
(19) أخرجه ابن إسحاق وإسناده صالح للإعتبار كما فى السيرة النبوية الصحيحة للعمرى (1/204)
(5) ما جعلت لها صداقاً : أي مهراً .(1/339)
29- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الفنائم يوم حُنين، وقسم للمتألِّفين(1) من قريش وسائر العرب ما قسم، ولم يكن في الأنصار منها شيء قليل ولا كثير وجَدَ(2) هذا الحيُّ من الأنصار في أنفسهم حتى قال قائلهم: لقي والله رسول الله صلى الله عليه وسلم قومَه(3). فمشى سعد بن عبادة رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن هذا الحي من الأنصار قد وَجَدوا عليك في أنفسهم. فقال: «فيم؟» قال: فيما كان من قَسْمك هذه الغنائم في قومك وفي سائر العرب، لم يكن فيهم من ذلك شيء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فأين أنت من ذلك يا سعد؟» قال: ما أنا إلا أمرؤ من قومي. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة(4)، فإذا اجتمعوا فأعلمني». فخرج سعد فصرخ فيه، فجمعهم كلك الحظيرة. فجاء رجال من المهاجرين فأذن لهم، فدخلوا، وجاء آخرون فردّهم، حتى إذا لم يبقَ من الأنصار أحد إلا اجتمع له أتاه فقال: يا رسول الله، قد اجتمع لك هذا الحيُّ من الأنصار حيث أمرتني أن أجمعهم.
__________
(1) أي هم المؤلفة قلوبهم .
(2) وجدوا : غضبوا .
(3) المراد من قولهم هذا أنّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - سمكث في مكة ولا يرجع إلى المدينة .
(4) الحظيرة : الموضع الذي يحاط عليه لتأوي إليه الغنم والإبل ، تقيها الريح والبرد .
(20) رواه أحمد (3/191) وأخرجه أيضاً الشيخان عن أنس رضي الله عنه، والبخاري من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه كما في الإِصابة(2/26 )(1/340)
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام فيهم خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: يا معشر الأنصار، ألم آتكم ضُلالاً(1) فهداكم الله؛ وعالة(2) فأغناكم الله، وأعداء فألَّف الله بين قلوبكم؟» قالوا: بلى. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألا تجيبون يا معشر الأنصار؟» قالوا: وما نقول يا رسول الله؟ وبماذا نجيبك؟ المنّ لله ولرسوله. قال: «والله، لو شئتم لقلتُم فصدَقْتُم وصُدِّقْتُم: جئتنا طريداً فآويناك، وعائلاً(3) فآسيناك، خائفاً فأمنّاك، مخذولاً(4) فنصرناك». فقالوا: المنّ لله ولرسوله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أَوَجَدتم في نفوسكم يا معشر الأنصار في لُعاعة(5) من الدنيا تألَّفت بها قوماً أسلموا، ووكلتكم إلى ما قسم الله لكم من الإِسلام؟ أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس إلى رحالهم بالشاء والبعير، وتذهبون برسول الله إلى رحالكم؟ فوالذي نفسي بيده، لو أن الناس سلكوا شِعباً، وسلكت الأنصار شِعباً لسلكتُ شِعْب الأنصار، ولولا الهجرة لكنت أمرأَ من الأنصار، اللَّهمّ ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار». قال: فبكى القوم حتى أخْضَلوا(6) لحاهم، وقالوا: رضينا بالله رباً، ورسوله قِسْماً، ثم انصرف وتفرّقوا.(21)
حزن الصحابة رضي الله عنهم على عدم القدرة على الخروج والإِنفاق في سبيل الله قصة أبي ليلى وعبد الله بن مُغَفَّل
__________
(1) ضلالاً : جمع ضال ، وهو ضد المهتدي .
(2) عالة : جمع عائل ، وهو المفتقر .
(3) عائلاً : فقيراً.
(4) مخذولاً : متروكاً .
(5) اللعاعة : بالضم : نبت ناعم في أول ما ينبت ، يعني أن الدنيا كالنبات الأخضر قليل البقاء .
(6) أخضلوا : أي بلّوا.
(21) رواه الإِمام أحمد (3/76) ,وأبو يعلى كما فى المجمع (10/30) وقال الهيثمى: رجال أحمد رجال الصحيح غير ابن اسحاق وقد صرح بالسماع ,وأخرج البخارى نحوه (4337).(1/341)
30- قال ابن إسحاق: بلغني أن ابن يامين النَّضْري لقي أبا ليلى وعبد الله بن مُغَفَّل رضي الله عنهما وهما يبكيان. فقال: ما يبكيكما؟ قالا: جئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحملَنا(1)، فلم نجد عنده ما يحملنا عليه، وليس عندنا ما نتقوّى به على الخروج معه. فأعطاهما ناضحاً له، فارتحلاه وزوّدهما شيئاً من تمر، فخرجا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - . زاد يونس بن بكير عن ابن إسحاق: وأما عُلْبة بن زيد رضي الله عنه فخرج من الليل فصلَّى من ليلته ما شاء الله ثم بكى وقال: اللهمّ إنك أمرتَ بالجهاد ورغَّبتَ فيه، ثم لم تجعل عندي ما أتقوّى به، ولم تجعل في يد رسولك ما يحملني عليه، وإني أتصدّق على كل مسلم بكل مظلِمة(2) أصابني بها في مال أو جسد أو عرض، ثم أصبح مع الناس. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أين المتصدّق هذه الليلة؟» فلم يقم أحد، ثم قال: «أين المتصدّق، فلْيقم؟» فقام إليه فأخبره. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أبشر، فوالذي نفسي بيده لقد كُتبت في الزكاة المتقبّلة»(22)
رغبة الصحابة في تحمُّل الغبار في سبيل الله
قصة جابر بن عبد الله في الباب
31- عن أبي المُصبِّح المُقْرائي قال: بينما نحن نسير بأرض الروم في طائفة عليها مالك بن عبد الله الخثعمي، إذ مرّ مالك بجابر بن عبد الله رضي الله عنهما وهو يقود بغلاً له، فقال له مالك: أيْ أبا عبد الله إركب فقد حملك الله. فقال جابر: أصلح دابتي، واستغني عن قومي، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من اغبرت قدماه في سبيل الله حرَّمه الله على النار». فسار حتى إذا كان حيث يسمعه الصوت نادى بأعلى صوته: يا أبا عبد الله اركب فقد حملك الله، فعرف جابر الذي يريد، فقال أصلح دابتي(3)
__________
(1) ليحملنا : حمل فلاناً أعطاه مركوباً.
(2) المظلمة : ما أخذ منك بغير حقّ.
(3) أصلح دابتي : أريح دابتي وأحسن إليها وأتعهدها .
(22) رواه ابن اسحاق بسند صحيح (فقه السيرة 427)(1/342)
، واستغني عن قومي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من اغبرت قدماه في سبيل الله حرّمه الله على النار. فتواثب الناس عن دوابهم، فما رأيت يوماً أكثر ماشياً منه.(23)
صلاة عباد بن بشر الأنصاري في سبيل الله
32- عن جابر رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرِقاع من نخل(1)، فأصاب(2) رجل إمرأة رجل من المشركين. فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلاً أتى زوجُها وكان غائباً فلما أُخبر الخبر حلف لا ينتهي حتى يُهَرِيقَ في أصحاب محمد دماً. فخرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل(3) رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلاً فقال: «من (رجل) يكلؤنا(4) ليلتَنا؟» فانتدب رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار فقالا: نحن يا رسول الله. قال: «فكونا بفم الشِّعب من الوادي» وهما: عمار بن ياسر وعبَّاد بن بشر.
فلما خرجا إلى فم الشِّعب قال الأنصاري للمهاجري: أيُّ الليل تحب أن أكفيكَهُ أولَه أم آخرَه؟ قال: بل أكفني أوّلَه، فاضطجع المهاجري فنام؛ وقام الأنصاري يصلِّي. قال: وأتى الرجل: فلما رأى شخص الرجل عرف أنه ربيئةُ(5) القوم، فرمى بسهم فوضعه فيه، فانتزعه ووضعه وثبت قائماً. قال: ثم رمى بسهم آخر فوضعه فيه، فنزعه فوضعه وثبت قائماً. قال: ثم عاد له بالثالث، فوضعه فيه، فنزعه فوضعه، ثم ركع وسجد، ثم أهبَّ(6)
__________
(1) نخل: موضع بنجد من أرض غطفان .
(2) أي فجعها قتلاً أو أسراً .
(3) فنزل : المراد بالنزول ، نزول المسافر بالليل للاستراحة .
(4) يكلؤنا: يحرسنا ويحفظنا .
(5) الربيئة : العين والطليعة الذي ينظر للقوم لئلا يدهمهم العدو .
(6) أهبّ أيقظ .
(23) روأبو يعلى بإسناد جيد كما فى الترغيب والترهيب (3/396 )ورواه ابن حبان فى صحيحه (4604) وغيرهما(1/343)
صاحبه، فقال: إجلس فقد أُثْبِتُّ(1). قال: فوثب الرجل، فلما رآهما عرف أنه قد نذِرا(2) به، فهرب. قال: ولما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء قال: سبحان الله أفلا أهببتني أول ما رماك؟ قال: كنت في سورة أقرؤها، فلم أحبَّ أن أقطعها حتى أنفذها. فلما تابع عليَّ الرمي ركعت فآذنتك، وايْمُ الله، لولا أن أضيِّع ثغراً أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه لقَطَع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفذها(3). (24)
قصة رجل من الأعراب
33- عن شدّاد بن الهادِ: أن رجلاً من الأعراب جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فآمن به واتّبعه، فقال: أهاجر معك، فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه. فلما كانت غزوة خيبر غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسمه، وقسم له، فأعطى أصحابه ما قسم له؛ وكان يرعى ظَهْرهم(4). فلما جاء دفعوه إليه؛ فقال: ما هذا؟ قالوا: قسم قسمه لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما على هذا اتّبعتك، ولكني اتّبعتك على أن أُرمى ها هنا وأشار إِلى حلقه بسهم فأموت؛ فأدخل الجنة. فقال: «إن تصدِق الله يَصْدُقُك». ثم نهضوا إلى قتال العدوّ. فأُتِيَ به رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحمل، وقد أصابه سهم حيث أشار. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «هُوَ هُوَ» قالوا: نعم. قال: صدق الله، فصدقه»؛ وكفَّنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبة النبي صلى الله عليه وسلم ثم قدَّمه فصلَّى عليه؛ وكان ممّا ظهر من صلاته: «اللهمّ هذا عبدك خرج مهاجراً في سبيلك، قتل شهيداً؛ وأنا عليه شهيد».(25)
يوم الرَّجيع(5)
__________
(1) أثبت : طعنت وحبست في مكاني .
(2) نذرا : علما .
(3) أنفذها أي أمضيها وأنهينا .
(4) ظهرهم : الإبل التي يحمل عليها ويركب .
(24) رواه أبو داود (1/198 ) وابن حِبَّان في صحيحه(2/1093) وابن خزيمة فى صحيحه (1/36 )
(25) رواه النسائي . صحيح النسائى ( 1952).
(5) الرّجيع : ماء لهذيل ، وبه كانت غزوة الرجيع .(1/344)
قصة قتل عاصم وخبيب وأصحابهما
34- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية عيناً(1)، وأمَّر عليهم عاصم بن ثابت رضي الله عنه وهو جدّ عاصم بن عمر بن الخطاب فانطلقوا حتى إذا كانوا بين عُسْفان(2) ومكة، ذُكروا لحي من هُذَيل يقال لهم بنو لِحْيان، فتبعوهم بقريب من مائة رام، فاقتصُّوا آثارهم حتى أتَوا منزلاً نزلوه، فوجدوا فيه نَوى تمر تزوَّدوه من المدينة. فقالوا: هذا تمر يثرب؛ فتبعوا آثارهم حتى لحقوهم. فلما انتهى عاصم وأصحابه لجأوا إلى فَدْفَد(3)، وجاء القوم فأحاطوا بهم، فقالوا: لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا أن لا نقتل منكم رجلاً. فقال عاصم: أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر. اللهمّ أخبر عنا نبيك، فقاتلوهم حتى قتلوا عاصماً في سبعة نفر بالنبل. وبقي خُبِيب وزيد ورجل آخر رضي الله عنهم، فأعطَوهم العهد والميثاق، فلما أعطوهم العهد والميثاق، نزلوا إليهم، فلما استمكنوا منهم حلُّوا أوتار قسيّهم فربطوهم بها. فقال الرجل الثالث الذي معهما: هذا أول الغَدر، فأبى أن يصحبهم، فجرَّروه(4) وعالجوه على أن يصحبهم فلم يفعل فقتلوه.
__________
(1) عيناً : جاسوساً .
(2) عسفان : موضع على مرحلتين من مكّة .
(3) الفدفد : الموضع الذي فيه غلظ وارتفاع .
(4) في الأصل "فجردوه" والصواب ما ذكر .(1/345)
وانطلقوا بخُبَيب وزيد حتى باعوهما بمكة، فاشترى خبيباً بنو الحارث بن عامر بن نوفل وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر ، فمكث عندهم أسيراً، حتى إذا أجمعوا قتله استعار موسَى(1) من بعض بنات الحارث ليستحدّ بها(2)، فأعارته. قالت: فغفلت عن صبيَ لي، فدَرَج إليه(3) حتى أتاه فوضعه على فخذه، فلما رأيته فزعتُ فَزْعةً، عرف ذاك مني وفي يده لموسى. فقال: أتخشَين أن أقتله ما كنت لأفعل ذلك إن شاء الله تعالى . وكانت تقول: ما رأيتُ أسيراً قطُّ خيراً من خُبَيب، لقد رأيته يأكل من قِطْف(4) عنب وما بمكة يومئذٍ ثمرةٌ، وإنه لَمُوثق في الحديد، وما كان إلا رزق رزقه الله. فخرجوا به من الحَرَم ليقتلوه. فقال: دعوني أصلِّى ركعتين، ثم انصرف إليهم. فقال: لولا أن تَروا أنَّ ما بي جزع من الموت لزدت، فكان أول من سنّ الركعتين عند القتل هو؛ ثم قال: اللهمَّ أحصهم عدداً ثم قال:
وما إن أبالي حين أُقتل مسلماً عى أيّ شِقَ كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإِله وإِن يشأ يباركْ على أوصال(5) شِلْو(6) ممزّع(7)
ثم قام إليه عقبة بن الحارث فقتله.
وبعثت قريش إلى عاصم ليُؤتوا بشيء من جسده يعرفونه وكان عاصم قتل عظيماً من عظمائهم يوم بدر فبعث الله عليه مثل الظُلَّة(8) من الدَّبْر(9)، فحمته من رسلهم، فلم يقدروا منه على شيء.(26)
يوم مؤتة
بكاء ابن رواحة عند الخروج وأبياته في سؤال الشهادة
__________
(1) الموسى : آلة يحلق بها .
(2) "الاستحداد" . حلق شعر العانة .
(3) درج إليه : مشى إليه .
(4) القطف : بكسر القاف وسكون المهملة وبالفاء : العنقود .
(5) أوصال : جمع وصل ، بكسر الواو وضمها : كل عضو على حدة .
(6) الشلو : العضو .
(7) ممزّع : مقطع .
(8) الظلّة : السحابة .
(9) الدّبر : بسكون الباء النحل وقيل الذنابير .
(26) رواه البخارى (3045)(1/346)
35- عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثة إلى مؤتة في جمادى الأولى من سنة ثمان، واستعمل عليهم زيد بن حارثة وقال: «إِن أُصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس، فإن أُصيب جعفر فعبد الله بن رواحة على الناس»، فتجهَّز الناس ثم تهيأوا للخروج؛ وهم ثلاثة آلاف. فلمّا حضر خروجهم ودَّع الناسُ أمراءَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلَّموا عليهم، فلمّا وُدِّع عبد الله بن رواحة مع من وُدِّع بكى، فقالوا: ما يُبكيك يا ابن رواحة؟ فقال: والله ما بي حبُّ الدنيا ولا صَبَابة(1) بكم، ولكنِّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ آية من كتاب الله يذكر فيها النار: {وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً(2) } فلست أدري كيف لي بالصَّدَر(3) بعد الورود؟ فقال المسلمون: صحبكم الله، ودفع عنكم وردَّكم إلينا صالحين. فقال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه:
لكنني أَسأل الرحمن مغفرة ... ... وضَرْبةً ذات فرْغٍ تقذف(4) الزَّبدا
أو طعنةً بيدَيْ حرّان(5) مُجْهِزة(6) ... بحربة تُنْفِذ(7) الأحشاء والكبدا
حتى يقال إذا مرُّوا على جَدَثي(8) ... أرشَدَه الله من غازٍ وقد رَشَدا
ثم إنَّ القوم تهيأوا للخروج، فأتى عبد الله بن رواحة رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فودّعه، ثم قال:
فثبّت الله ما أتاك حَسَن ... ... تَثْبيتَ موسى ونصراً كالذي نُصرا
إنّي تفرستُ فيك الخير نافلةً ... ... الله يعلم أني ثابت البصر
__________
(1) صبابة : الشوق والولع الشديد بالشيء .
(2) 19/ سورة مريم / 71]
(3) الصّدر : الرجوع والانصراف.
(4) تقذف : ترمي .
(5) الحرّان : الشديد العطش .
(6) أجهز على الجريح : شدّ عليه وأتم قتله .
(7) تنفذ : تخرق .
(8) جدثي : قبري .(1/347)
أنت الرسول فمن يُحرم نوافلَه(1) ... ... والوجهَ منه(2) فقد أزرى به القدر(3)
ثم خرج القوم، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يشيّعهم حتى إذا ودَّعهم وانصرف. قال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه:
خَلَف السَّلامُ على امرىء ودْعتُهُ ... في النَّخل خيرَ مُشَيِّع وخليل
تشجيع ابن رواحة الناس على الشهادة
36- ثم مضَوا حتى نزلوا «معاناً» من أرض الشام، فبلغ الناس أن هِرَقْل قد نزل مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم، وانضم إليه من لَخْم وجُذام والقَيْن وبَهْراء وَبَليّ مائة ألف منهم، عليهم رجل من بَليّ، ثم أحد إراشة يقال له مالك بن زافلة. فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا على «مَعان» ليلتين ينظرون في أمرهم؛ وقالوا: نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره بعدد عدونا، فإما أن يمُدَّنا بالرجال، وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي له. فشجع الناسَ عبد الله بن رواحة رضي الله عنه وقال: يا قوم، والله إنَّ التي تكرهون لَلَّتي خرجتم تطلبون: الشهادة. وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به؛ فانطلِقوا فإنَّما هي إِحدى الحُسْنَيَين: إما ظهور وإما شهادة. فقال الناس: قد والله صدق ابن رواحة.
__________
(1) نوافله : عطاياه .
(2) الوجه منه : أي رؤيته .
(3) أزرى به القدر : تهاون به وقصّر .(1/348)
فمضى الناس حتى إِذا كانوا بتُخوم(1) البلقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية من قرى البلقاء يقال لها «مَشارف»، ثم دنا العدوّ، وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها: «مُؤتةَ»، فلتقى الناس عندها. فتعبَّى(2) لهم المسلمون، فجعلوا على ميمنتهم رجلاً من بني عُذْرة يقال له قُطْبَة بن قَتادة رضي الله عنه، وعلى ميسرتهم رجلاً من الأنصار يقال له عَباية بن مالك رضي الله عنه، ثم التقى الناس فاقتتلوا، فقاتل زيد بن حارثة رضي الله عنه براية رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شاط(3) في رماح القوم، ثم أخذها جعفر رضي الله عنه فقاتل القوم حتى قُتل، فكان جعفر أول المسلمين عَقَر(4) في الإِسلام.(27)
شجاعة أبي مِحْجن الثقفي رضي الله عنه
قتاله يوم القادسية حتى ظنُّوا أنه ملك
37- عن ابن سيرين قال: كان أبو مِحْجَن الثقفي رضي الله عنه لا يزال يُجلد في الخمر، فلما أكثر عليهم سجنوه وأوثقوه. فلما كان يوم القادسية رآهم يقتتلون، فكأنه رأى أن المشركين قد أصابوا من المسلمين، فأرسل إلى أم ولد سعد أو إلى إمرأة سعد يقول لها: إن أبا مِحَجن يقول لك: إن خلّيت سبيله وحملته على هذا الفرس ودفعت إِليه سلاحاً؛ ليكونَنّ أول من يرجع إليك إلا أنيُقتل، وأنشأ يقول:
كفى حَزَناً أن تلتقي الخيل بالقنا(5) وأُترك مشدوداً عليَّ وثاقيا
إِذا قمت عنَّاني(6) الحديدُ وغُلِّقت مصارعُ دوني قد تُصمُّ المناديا
__________
(1) التخوم : جمع تخم وهو المعالم والحدود .
(2) فتعبّى : أي رتّب لهم المسلمون وهيّأوا للحرب .
(3) شاط : هلك .
(4) العقر : هو ضرب قوائم البعير أو الشاة وهي قائمة وفعل هذا خوفاً من انتفاع الكفار بفرسه ولم ينكر عليه أحد من الصحابة .
(27) قال الهيثمي(6/157): رواه الطبراني، ورجاله ثقات إِلى عروة. انتهى. وأخرجه أبو نعيم في الحِلية(1/118 ) عن عروة رضي الله عنه مختصراً.
(5) القنا : جمع قناة وهي الرمح .
(6) عنّاني : كلّفني ما يشقّ عليّ .(1/349)
فذهبت الأخرى، فقالت ذلك لامرأة سعد، فحلّت عنه قيوده، وحُمل على فرس كان في الدار وأُعطي سلاحاً. ثم خرج يركض حتى لحق بالقوم، فجعل لا يزال يحمل على رجل فيقتله ويدقّ صلبه. فنظر إليه (سعد) فجعل يتعجَّب منه ويقول: من ذلك الفارس؟ فلم يلبثوا إلا يسيراً حتى هزمهم الله. ورجع أبو مِحجَن رضي الله عنه، وردّ السلاح، وجعل رجليه في القيود كما كان.
فجاء سعد رضي الله عنه فقالت له إمرأته أو أم ولده: كيف كان قتالكم؟ فجعل يخبرها ويقول: لقينا ولقينا حتى بعث الله رجلاً على فرس أبلق، لولا أنِّي تركت أبا مِحجَن في القيود لظننتُ أنها بعض شمائل أبي مِحجَن، فقالت: والله إنه لابو مِحجَن، كان من أمره كذا وكذا؛ فقصّت عليه قصّته. فدعا به وحلَّ قيوده. وقال: والله لا نجلدك على الخمر أبداً. قال أبو محجن رضي الله عنه: وأنا والله لا أشربها أبداً، كنت آنف أن أدعها من أجل جَلْدكم. قال: فلم يشربها بعد ذلك.(28) (1)
كيف كان إهتمام الصحابة رضي الله عنهم باجتماع الكلمة،
واتَّحاد الأحكام، والتحرُّز عن الإختلاف والتنازع فيما بينهم في الدعوة إلى الله ورسوله والجهاد في سبيله.
38- عن عبدالرحمن بن يزيد قال: صلى عثمان بمنى أربعا فقال عبد الله صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين ومع أبي بكر ركعتين ومع عمر ركعتين زاد عن حفص ومع عثمان صدرا من إمارته ثم أتمها زاد من ها هنا عن أبي معاوية ثم تفرقت بكم الطرق فلوددت أن لي من أربع ركعات ركعتين متقبلتين قال الأعمش فحدثني معاوية بن قرة عن أشياخه أن عبد الله صلى أربعا قال فقيل له عبت على عثمان ثم صليت أربعا قال الخلاف شر .(29)
عدل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
عدل النبي صلى الله عليه وسلم
__________
(1) أخرجه عبد الرزاق كذا في الاستيعاب(4/184)، وسنده صحيح؛ كما في الإِصابة(4/174)(1/350)
39- عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه(1) دَيْناً كان عليه، فاشتد عليه حتى قال: أحرِّجُ عليك إلا قضيتني، فانتهره أصحابه، فقالوا: ويحك، تدري من تكلّم؟ فقال: إِني أطلب حقِّي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم «هلا مع صاحب الحق كنتم؟» ثم أرسل إِلى خَوْلة بنت قيس فقال لها: إن كان عندك تمر فاقرضينا حتى يأتينا تمر فنقضيَك. فقالت: نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله. فأقرضته، فقضى الأعرابيَّ وأطعمه(2). فقال: أوفيتَ أوفى الله لك فقال: «أولئك خيار الناس إنه لا قدِّست أمة لا يأخذ الضعيف فيها حقه غير متعتع(3)».(30)
سيرة الخلفاء والأمراء
سيرة أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه
سيرته رضي الله عنه قبل تولِّي الخلافة وبعدها
__________
(1) "يتقاضاه" أي يطلب منه أن يقضيه دينه .
(2) "أطعمه" : أي زاده فوق حقّه .
(3) "غير متعتع" : أي من غير أن يصيبه أذى يقلقله ويزعجه.
(29) رواه أبو داود .صحيح أبوداود( 1960) .
(30) أخرجه ابن ماجه .صحيح ابن ماجه( 1984)(1/351)
40- عن ابن عمر، وعائشة، وابن المسيِّب وغيرهم رضي الله عنهم دخل حديث بعضهم في حديث بعض قالوا: بويع أبو بكر الصديق رضي الله عنه يوم قُبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإِثنين لاثنتي عشرة ليلة خلَت من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان منزله بالسُّنْح(1) عند زوجته حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير من بني الحارث بن الخزرج، وكان قد حجَّر عليه حُجْرة من شعر، فما زاد على ذلك حتى تحوَّل إلى منزله بالمدينة، فأقام هناك بالسُّنْح بعدما بويع له ستة أشهر يغدو على رجليه إلى المدينة، وربما ركب على فرس له وعليه إزار، ورداء مُمَشَّق(2)، فيوافي المدينة فيصلِّي الصلوات بالناس، فإذا صلَّى العشاء رجع إلى أهله بالسُّنْح، فكان إذا حضر صلَّى بالناس، وإذا لم يحضر صلَّى عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وكان يقوم يوم الجمعة في صدر النهار بالسُّنْح يصبغ رأسه ولحيته، ثم يروح لَقَدر الجمعة فيُجَمِّع(3) بالناس.
وكان رجلاً تاجراً فكان يغدو كل يوم السوق فيبيع ويبتاع. وكانت له قطعة غنم تروح عليه وربما خرج هو نفسه فيها، وربما كُفِيَها فرُعِيت له. وكان يحلب للحيّ أغنامهم، فلما بُويع له بالخلافة قالت جارية من الحيّ: الآن لا تُحلب لنا مَنائح دارنا، فسمعها أبو بكر رضي الله عنه فقال: بلى لعمري لأحلُبَنَّها لكم، وإنِّي لأرجو أن لا يغيِّرني ما دخلت فيه عن خُلِق كنت عليه، فكان يحلب لهم فربما قال للجارية من الحي: يا جارية أتحبين أن أرغي(4) لك أو أُصَرِّح(5)، فربما قالت: صرِّح، فأي ذلك قالت فعل.
__________
(1) "السنح" موضع بعوالي المدينة .
(2) "ممشق" : مصبوغ بمشق أي المغرة : الطين الأحمر .
(3) "يجمع بالناس" : يصلي بهم الجمعة .
(4) "أرغي" : من الإرغاء : الحلب بحيث يأتي عليه الزبد .
(5) "أصرّح" : من التصريح : الحلب دون الزبد .(1/352)
فمكث كذلك بالسنح ستة أشهر ثم نزل إلى المدينة، فأقام بها ونظر في أمره، فقال: لا والله ما يُصلح أمر الناس التجارة، وما يصلح لهم إلا التفرغ، والنظر في شأنهم، وما بُدٌّ لعيالي ممّا يصلحهم، فترك التجارة، واستنفق من مال المسلمين ما يصلحه ويصلح عياله يوماً بيوم، ويحج، ويعتمر، وكان الذي فرضوا له كل سنة ستة آلاف درهم. فلما حضرته الوفاة قال: ردّوا ما عندنا من مال المسلمين فإنِّي لا أُصيب من هذا المال شيئاً، وإِن أرضي التي بمكان كذا وكذا للمسلمين بما أصبت من أموالهم. فدُفع ذلك إلى عمر ولَقوح، وعبد صَيْقَل(1)، وقطيفة(2) ما يساوي خمسة دراهم. فقال عمر رضي الله عنه: لقد أتعب مَنْ بعده.
__________
(1) "عبد صقيل" : أي العبد الذي يصنع السيوف . "مختار"
(2) القطيفة" : مثار مخمل "مختار"(1/353)
قالوا: واستعمل أبو بكر رضي الله عنه على الحج سنة إحدى عشرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم اعتمر أبو بكر رضي الله عنه في رجب سنة إثنتي عشرة، فدخل مكة ضَحْوة(1)، فأتى منزله وأبو قحافة رضي الله عنه جالس على باب داره، معه فتيان أحداث يحدّثهم إلى أن قيل له: هذا ابنك، فنهض قائماً وعَجِل أبو بكر رضي الله عنه أن ينيخ راحلته فنزل عنه وهي قائمة، فجعل يقول: يا أبتِ لا تقم، ثم لاقاه فالتزمه وقبَّل بين عيني أبي قحافة، وجعل الشيخ يبكي فرحاً بقدومه. وجاء إلى مكة عتَّاب بن أسِيد، وسهيل بن عمرو، وعِكرمة بن أبي جهل، والحارث بن هشام رضي الله عنهم فسلَّموا عليه: سلام عليك يا خليفة رسول الله، وصافحوه جميعاً، فجعل أبو بكر رضي الله عنه يبكي حين يذكرون رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سلَّموا على أبي قحافة. فقال أبو قحافة: يا عتيق(2)، هؤلاء الملأ فأحسن صحبتهم، فقال أبو بكر: يا أبت لا حول ولا قوة إلا بالله، طُوِّقت(3) عظيماً من الأمر لا قوة لي به ولا يدان إلا بالله.
__________
(1) "ضحوة" : ضحوة النهار أي بعد طلوع الشمس ثم بعده "مختار" .
(2) "عتيق" : اسم الصديق رضي الله عنه.
(3) "طوّقت" : طوّق الشيء كلّفه إيّاه . "مختار" .(1/354)
ثم دخل فاغتسل وخرج وتبعه أصحابه فنحَّاهم، ثم قال: أمشوا على رِسْلكم، ولقيه الناس يتمشّون في وجهه ويُعزُّونه بنبي الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي، حتى انتهى إلى البيت، فاضطبع(1) بردائه، ثم استلم الركن ثم طاف سبعاً، وركع ركعتين ثم انصرف إلى منزله. فلما كان الظهر خرج فطاف أيضاً بالبيت ثم جلس قريباً من دار النَّدْوة فقال: هل من أحد يتشكَّى من ظُلامة أو يطلب حقاً؟ فما أتاه أحد، وأثنى الناس على واليهم خيراً، ثم صلَّى العصر وجلس فودَّعه الناس ثم خرج راجعاً إلى المدينة. فلما كان وقت الحج سنة إثنتي عشرة حجَّ أبو بكر رضي الله عنه بالناس تلك السنة، وأفرد الحج(2)، واستخلف على المدينة عثمان بن عفان رضي الله عنه.(31)
من أقرض الله تعالى
قصة بيع بي الدحداح بستانه بنخلة في الجنة
41- عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن لفلان نخلة وأنا أقيم حائطي بها، فأمره أن يعطيني حتى أقيم حائطي بها. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم «أعطه إِياها بنخلة في الجنة» فأبى. قال: فأتاه أبو الدحداح رضي الله عنه فقال: بعني نخلتك بحائطي. قال: ففعل. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ابتعت النخلة بحائطي فاجعلها له فقد أعطيتكها. فقال: «كم من عَذْق(3) رَدَاح(4)
__________
(1) "اضطبع" : الاضطباع الذي يؤمر به الطائف بالبيت أن يدخل الرّداء تحت إبطه الأيمن ويردّ طرفه على يساره ويبدي منكبه الأيمن ويغطي الأيسر . "مختار" .
(2) أفرد الحج : أي حج مفرداً ، وهو الذي لم يأت معه بعمرة .
(3) "العذق" : النخلة بحملها .
(4) "رداح" : ثقيل .
(31) أخرجه ابن سعد (3/131)قال ابن كثير: هذا سياق حسن، وله شواهد من وجوه أخر، ومثل هذا تقبله النفوس وتلقَّاه بالقبول.كما فى الكنز(14077)
(32) أخرجه أحمد والبغوي، والحاكم كذا في الإِصابة(4/59) . قال الهيثمي(9/324) : رواه أحمد، والطبراني ورجالهما رجال الصحيح. انتهى(1/355)
لأبي الدحداح في الجنة» قالها مراراً. قال: فأتى امرأته فقال: يا أم الدحداح، اخرجي من الحائط فإني قد بعته بنخلة في الجنة، فقالت: ربح البيع أو كلمة تشبهها،(32).
إطعام أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه
قصته رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك
42- عن أنس رضي الله عنه قال: قال أبو طلحة لأم سُلَيم رضي الله عنهما: قد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفاً أعرفُ فيه الجوع فهل عندك من شيء؟ فقالت: نعم، فأخرجت أقراصاً(1) من شعير، ثم أخذت خماراً لها فلفَّت الخبز ببعضه ثم دسته(2) تحت ثوبي وردَّتني ببعضه، ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذهبت به فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً في المسجد ومعه الناس فقمت عليهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أرسلكَ أبو طلحة؟» (قال): فقلت: نعم، فقال: «ألطعام؟» فقلت: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه: «قوموا» قال: فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته فقال أبو طلحة: يا أم سليم، قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس وليس عندنا ما نطعمهم، فقالت: الله ورسوله أعلم. قال: فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم معه حتى دخلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «هلمي ما عندك يا أُم سُلَيم» فأتت بذلك الخبز، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففُتَّ وعَصرت عليه أُم سُلَيم عُكَّة(3) له فأَدَمَتْه(4)
__________
(1) "أقراصاً" : جمع قرص وهو الرغيف .
(2) "دسته" : أي أدخلته .
(3) "عكة" : بضم العين وتشديد الكاف ، وعاء صغير من جلد للسمن خاصة .
(4) "أدمته" : أي جعلت فيه إداماً .
(33) أخرجه مسلم )178)(1/356)
، ثم قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقول، ثم قال: «إئذن لعشرة» فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا، ثم قال: «إئذن لعشرة» فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا، ثم قال: «إئذن لعشرة» حتى أكل القوم كلهم وشبعوا؛ والقوم سبعون رجلاً أو ثمانون.(33)
خوف عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبكاؤه على بسط الدنيا
43- عن أبي سِنان الدؤلي: أنه دخل على عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعنده نفر من المهاجرين الأولين، فأرسل عمر إلى سَفَط(1) هو شيء كالقُفَّة(2) أو كالحجوالق(3) أُتي به من قلعة العراق، فكان فيه خاتم، فأخذه بعض بنيه فأدخله في فيه(4) فانتزعه عمر منه، ثم بكى عمر رضي الله عنه، فقال له من عنده: لم تبكي وقد فتح الله عليك وأظهرك على عدوك وأقر عينك؟ فقال عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «لا تُفتح الدنيا على أحد إلا ألقى الله عزّ وجلّ بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، وأنا أُشفق(5) من ذلك»(34).
حديث عمر في تأثير الحصير في جنبه عليه السلام
44- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حدَّثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حصير. قال: فجلست فإذا عليه إزاره وليس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثَّر في جنبه. وإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع، وقَرَظ(6) في ناحية في الغرفة، وإذا إِهاب(7)
__________
(1) "السفط" : ما يعبّا فيه الطيب وما أشبهه من أدوات النساء .
(2) "القفة" : الزنبيل من الخوص أي ورق النخل ونحوه.
(3) "الجوالق" : العدل من صوف أو شعر.
(4) "في فيه" : أي أدخله في فمه .
(5) "أشفق" : أخاف .
(6) قرظ : ورق السلم يدبغ به
(7) إهاب : جلد
(34) أخرجه أحمد بإسناد حسن، والبزار، وأبو يَعْلى كذا في الترغيب(5/ 144) .(1/357)
معلَّق، فابتدرتْ(1) عيناي، فقال: «ما يبكيك يا ابن الخطاب؟» فقال: يا نبي الله وما لي لا أبكي وهذا الحصير قد أثَّر في جنبك، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى، وذاك كسرى وقيصر في الثمار والأنهار وأنت نبي الله وصفوته وهذه خزانتك قال: «يا ابن الخطاب، أما ترضَى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟».(35)
سلامة الصدر من الغش والحسد
45- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنَّا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة»، فطلع رجل من الأنصار تَنْطُف(2) لحيته من وَضوئه، قد علَّق نعلَيه بيده الشمال، فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرأة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضاً، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأول؛ فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو (بن العاص) رضي الله عنهما فقال: إني لاحيت(3) أبي، فأقسمت أني لا أدخل عليه ثلاثاً، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت، قال: نعم، قال أنس: فكان عبد الله يحدِّث أنه بات معه تلك الثلاث الليالي فلم يرَه يقوم من الليل شيئاً، غير أنه إذا تعارَّ تقلَّب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبَّر حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيراً.
__________
(1) ابتدرت عيناي : صالتا بالدموع
(2) "تنطف" : تقطر. "النهاية" (5/75).
(3) "لاحيت" : خاصمت .
(35) أخرجه ابن ماجه بإسناد صحيح كذا في الترغيب(5/161)(1/358)
فلما مضت الثلاث الليالي وكدت أن أحتقر عمله قلت: يا عبد الله لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرات: «يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة» فطلعت أنت الثلاث المرات، فأردت أن آوي إليك فأنظر ما عملك فأقتدي بك، فلم أرك عملت كبير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ماهو إلاَّ ما رأيت، فلَّما ولَّيت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً، ولا أحسُد أحداً على خير أعطاه الله إياه، فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك(36) وهي التي لانطيق .
(عيادته عليه السلام لسعد بن عبادة)
46- عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب على حمار على إكاف(1) على قطيفة(2) فَدَكِيَّة(3) وأردف أسامة وراءه يعود سعد بن عبادة رضي الله عنه وقعة بدر، فسار حتى مرَّ بمجلس فيه عبد الله بن أبي بن سلول وذلك قبل أن يسلم عبد الله وفي المجلس أخلاطٌ من المسلمين والمشركين عبدةِ الأوثان واليهود، وفي المجلس عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، فلما غشيت المجلسَ عجاجةُ(4) الدابة خَمَّر(5) عبد الله بن أبي أنفه بردائه، قال: لا تغبِّروا(6) علينا. فسلَّم النبي صلى الله عليه وسلم ووقف ونزل، فدعاهم إلى الله فقرأ عليهم القرآن، فقال له عبد الله بن أبيّ: يا أيها المرء إنَّه لا أحسنَ مما تقول، إن كان حقاً فلا تؤذِنا به في مجالسنا، وارجع إلى رَحْلك فمن جاءك فاقصُص عليه. قال ابن رواحة: بلى يا رسول الله فاغشَنا به في مجالسنا، فإنا نحب ذلك.
فاستبَّ المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتثاورون(7)
__________
(1) "الإكاف" : للحمار كالسرج للفرس
(2) القطيفة : كساء له خمل .
(3) فدكية : من صنع فدك .
(4) "العجاج" : الغبار .
(5) "خمّر" : غطى .
(6) "لا تغبّروا" : لا تثيروا الغبار .
(7) "يتثاورون" : يتواثبون .
(36) أخرجه أحمد وغيره وقال ابن كثير فى التفسير(4/338) وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين(1/359)
، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفَّضهم حتى سكتوا، فركب النبي صلى الله عليه وسلم دابته حتى دخل على سعد بن عبادة فقال له: «أيْ سعد، ألم تسمع ما قال أبو حُبَاب؟» يريد عبد الله بن أبي، قال سعد: يا رسول الله اعفُ عنه واصفح، فلقد أعطاك الله ما أعطاك، ولقد اجتمع أهل هذه البُحَيرة(1) على أن يتوِّجوه فيعصِّبوه، فلما رُدَّ ذلك بالحق الذي أعطاك الله شَرِقَ(2) بذلك، فذلك الذي فعل به ما رأيت. (37)
قصة عبد الله بن مسعود مع زوجته
47- عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما قالت: كان عبد الله إذا جاء من حاجة فانتهى إلى الباب تنحنح وبزق كراهته أن يهجم منا على أمر يكرهه، قالت: وإنه جاء ذات يوم فتنحنح وعندي عجوز ترقيني(3) من الحمرة(4)، فأدخلتها تحت السرير، قالت: فدخل فجلس إلى جانبي فرأى في عِنقي خيطاً، فقال: ما هذا الخيط؟ قالت قلت: خيط رُقي لي فيه، فأخذه فقطعه ثم قال: إن آل عبد الله لأغنياء عن الشرك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الرقى والتمائم والتَّوَلة(5)
__________
(1) "البحيرة" : مدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وهو تصغير البحرة ، والعرب تسمى المدن والقرى البحار "النهاية" (1/100).
(2) "شرق" : أي غص به ، وهو مجاز فيما قاله من أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - كأنه شيء لم يقدر على إساغته وابتلاعه وغصّ به .
(3) "ترقيني" : أي تستعمل الرّقية وهي العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة كالحمى والصرع وغير ذلك من الآفات.
(4) "الحمرة" : مرض وبائي يسبب حمى وبقعاً حمراء في الجلد .
(5) "الرقي" : جمع رقية . والتمائم جمع تميمة : وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين في زعمهم فأبطلها الإسلام . والتولة بكسر التاء وفتح الواو: ما يحبب المرأة إلى زوجها من السحر وغيره .
(37) أخرجه البخاري في صحيحه2/845
(38) أخرجه أحمد (1/381)وأبوداود(3883)والحاكم (2/ 217) وصححه ووافقه الذهبى(1/360)
شرك»، قالت قلت له: لم تقول هذا وقد كانت عيني تقذف فكنت اختلف إلى فلان اليهودي يرقيها فكان إذا رقاها سكنت؟ فقال: إنما ذاك من الشيطان كان ينخسها بيده فإذا رقاها كفَّ عنها، إنما كان يكفيك أن تقولي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «اذهب البأس ربَّ الناس، اشفِ وأنت الشافي لا شفاء إلاَّ شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقماً».(38)
ما فعلت نساء الصحابة حين نزلت: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}
48- عن صفية بنت شيبة قالت: بينا نحن عند عائشة رضي الله عنها قال: فذكرنا نساء قريش وفضلهنَّ، فقالت عائشة رضي الله عنها: إنَّ لنساء قريش لفضلاً، وإنِّي والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار، أشدّ تصديقاً لكتاب الله ولا إيماناً بالتنزيل لقد أُنزلت سورة النور {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ(1)} (سورة النور، الآية: 31) انقلب رجالهنَّ إليهنَّ يتلون عليهنَّ ما أنزل الله إليهم فيها، ويتلو الرجل على امرأته وابنته وأخته وعلى كل ذي قرابة، فما منهن امرأة إلاَّ قامت إلى مِرْطها(2) المرحَّل(3) فاعتجرت به(4)؛ تصديقاً وإيماناً بما أنزل الله من كتابه، فأصبحنَ وراء رسول الله متعتجرات كأنَّ على رؤوسهن الغربان(5).(39)
امتثال أمره عليه السلام في الخروج إلى بني قريظة
49- عن كعب بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من طلب الأحزاب رجع فلبس لأمته(6) واستجمر(7). زاد دُحَيم في حديثه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فنزل جبريل عليه السلام فقال: عذيرَك من مُحارب(8)
__________
(1) 24/ سورة النور / 31]
(2) "المرط" : كساء من صوف ونحوه .
(3) "المرحل" : الذي قد نقش فيه تصاوير الرحال .
(4) "اعتجرت به" : تلففت به .
(5) "الغربان" : جمع غراب .
(6) "اللأمة" : الدرع وقيل السلاح .
(7) "استجمر" : تبخّر. "النهاية" (1/293).
(8) يقال "عذيرك من فلان" : أي هات من يعذرك فيه "النهاية" (3/197).
(39) ورواه أبو داود بسند صحيح (4101)جلباب المرأة المسلمة ( 87).(1/361)
ألا أراك قد وضعت اللأمة وما وضعناها بعد» فوثب رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعاً فعزم على الناس أن لا يصلُّوا العصر إلاَّ في بني قريظة، فلبسوا السلاح وخرجوا، فلم يأتوا بني قُريظة حتى غربت الشمس. واختصم الناس في صلاة العصر، فقال بعضهم: صلُّوا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرد أن تتركوا الصلاة. وقال بعضهم: عزم علينا أن لا نصلِّي حتى نأتي بني قريظة، وإنما نحن في عزيمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس علينا إثم. فصلَّت طائفة العصر إيماناً واحتساباً. وطائفة لم يصلوا حتى نزلوا بني قريظة بعدما غربت الشمس فصلَّوها إيماناً واحتساباً. فلم يعنِّف رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدة من الطائفتين.(40)
ما وقع بين أبي بكر وعمر وزيد في جمع القرآن
50- عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: أرسل إليَّ أبو بكر رضي الله عنه مقتلَ أهل اليمامة وإن عنده عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: إنَّ هذا أتاني فأخبرني أنَّ القتل قد استحرَّ بقرَّاءِ القرآن في هذا الموطن يعني يوم اليمامة(1) وأنّ عنده عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: إنّ هذا أتاني فأخبرني أنّ القتل قد استحرّ(2) بقرّاء القرآن في هذا الموطن – يعني يوم اليمامة ، وإنِّي أخاف أن يستحرَّ القتل بقرَّاء القرآن في سائر المواطن فيذهب القرآن، وقد رأيت أن تجمعه. فقلت له يعني لعمر: كيف نفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي عمر: هو والله خير، فلم يزل بي عمر حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدره، ورأيت فيه مثل الذي رأى عمر.
__________
(1) نذكّر أنّ يوم اليمامة كان فيه القتال بين المسلمين وبين مسيلمة الكذّاب.
(2) "استحر" : اشتد وكثر وهو استفعل من الحرّ: أي الشدة "النهاية" (1/364).
(40) أخرجه الطبراني قال الهيثمي(6/140) : رجاله رجال الصحيح غير ابن أبي الهذيل وهو ثقة اهـ. ورواه البخارى مختصرا 7/407(1/362)
قال زيد: وعمر عنده جالس لا يتكلم. فقال أبو بكر: إنك شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأجمعه. قال زيد: فوالله لئن كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان بأثقل عليَّ مما أمرني به من جمع القرآن، فقلت: كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هو والله خير، فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر، ورأيت فيه الذي رأيا، فتتبَّعت القرآن أجعمه من الرِّقاع واللِّخَاف(1) والأكتاف(2) والعُسُب(3) وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة براءة مع خُزيمة بن ثابت الأنصاري(4) رضي الله عنه فلم أجدها مع أحد غيره: {لَقَدْ جَآءكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ}(5) (سورة التوبة، الآية: 128) حتى خاتِمةِ براءة. فكانت الصحف التي جُمع فيها القرآن عند أبي بكر حياته حتى توفَّاه الله، ثم عند عمر حياته حتى توفَّاه، ثم عند حَفْصة بنت عمر رضي الله عنهم.(41)
ما قاله ابن عمر في الامتناع عن القتال في فتنة ابن الزبير
__________
(1) "اللخاف" : جمع لخفة : وهي حجارة بيض رقاق .
(2) "الأكتاف" : جمع كتف وهو عظم عريض يكون في كتف الحيوان من الناس والدواب كانوا يكتبون فيه لقلة القراطيس عندهم .
(3) "العسب" : جمع عسيب أي جريدة من النخل وهي السعفة مما لا ينبت عليه الخوص .
(4) هو خزيمة بن ثابت الأنصاري ، أبو عمارة ، وهو ذو الشهادتين ، جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهادته بشهادة رجلين وكان هو وعمير بن عدي يكسران أصنام بني خطمة. شهد بدراً وما بعدها من المشاهد ، وكانت راية بني خطمة بيده يوم الفتح . قتل في صفّين مع علي رضي الله عنه .
(5) 9/ سورة التوبة/ 128]
(41) أخرجه البخاري (4679).(1/363)
51- عن ابن عمر رضي الله عنهما: أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير رضي الله عنهما فقالا: إن الناس ضُيِّعوا وأنت ابن عمر وصاحب النبي صلى الله عليه وسلم فما يمنعك أن تخرج؟ فقال: يمنعني أنَّ الله حرّم دم أخي. قالا: ألم يقل الله: «وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة»؟ فقال: قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله. وزاد عثمان بن صالح من طريق بُكير بن عبد الله عن نافع أن رجلاً أتى ابن عمر رضي الله عنهما فقال: يا أبا عبد الرحمن ما حملك على أن تحج عاماً وتعتمر عاماً وتترك الجهاد في سبيل الله (عز وجل) وقد علمت ما رغَّب الله فيه؟ قال: يا ابن أخي بُني الإِسلام على خمس: إيمان بالله ورسوله، والصلوات الخمس، وصيام رمضان، وأداء الزكاة، وحج البيت. قال: يا أبا عبد الرحمن ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه: {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا}{إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}(1){وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ}؟ قال: فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الإسلام قليلاً، فكان الرجل يُفتن في دينه إمّا قتلوه وإما يعذبوه، حتى كثر الإِسلام فلم تكن فتنة. قال: فما قولك في علي وعثمان؟ قال: أما عثمان فكان الله عفا عنه، وأما أنتم فكرهتم أن يعفو عنه، وأما علي فابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وخَتَنه، وأشار بيده فقال: هذا بيته حيث ترون.
__________
(1) 49/سورة الحجرات/9](1/364)
وعند البخاري ( 4650 ) أيضاًً من طريق نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رجلاً جاءه فقال: يا أبا عبد الرحمن ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه: {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُواْ} (سورة الحجرات، الآية: 9) الآية، فما يمنعك أن لا تقاتل كما ذكر الله في كتابه؟ فقال: يا ابن أخي أُعيَّر(1) بهذه الآية ولا أقاتل أحب إليَّ مِنْ أن أعيَّر بهذه الآية التي يقول الله عز وجل: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً}(2) (سورة النساء، الآية: 93) إلى آخر الآية، قال: فإن الله تعالى يقول: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} قال ابن عمر قد فعلنا فذكر نحو ما تقدم.(42)
ما أمر به عليه السلام من بر الوالدين لمن جاءه يريد الجهاد
52- عن أنس رضي الله عنه قال: «أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه، قال: «هل بقي من والديك أحد؟» قال: أمي، قال: «قابل الله في برِّها فإذا فعل ذلك فأنت حاج ومعتمر ومجاهد».(43)
قصة عمر مع عثمان رضي الله عنهما
__________
(1) "أعيّر" : من التعيير وهو التوبيخ . "مختار" (ع ي ر).
(2) 4/ سورة النساء/ 93]
(42) أخرجه البخاري (4531)
(43) أخرجه أبو يعلى والطبراني بإسناد جيد كذا في الترغيب(4/93 ).(1/365)
53- عن محمد بن جُبير: أن عمر رضي الله عنه مرَّ على عثمان رضي الله عنه فسلَّم عليه ولم يردَّ عليه، فدخل على أبي بكر رضي الله عنه فاشتكى ذلك إليه، فقال أبو بكر: ما منعك أن ترد على أخيك؟ قال: والله ما سمعت وأنا أحدِّث نفسي، قال أبو بكر: فبماذا تحدِّث نفسك؟ قال: خلاف الشيطان(1)، فجعل يُلْقي في نفسي أشياء ما أحب أنِّي تكلمت بها وإن لي ما على الأرض، قلت في نفسي حين ألقى الشيطان ذلك في نفسي: يا ليتني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ينجينا من هذا الحديث الذي يُلقي الشيطان في أنفسنا، فقال أبو بكر رضي الله عنه: والله لقد اشتكيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألته: ما الذي ينجينا من هذا الحديث الذي يُلقي الشيطان في أنفسنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ينجيكم من ذلك أن تقولوا مثل الذي أمرت به عمي عند الموت فلم يفعل».(44)
مزاحه عليه السلام مع زاهر
54- عن أنس رضي الله عنه: أن رجلاً من أهل البادية كان اسمه زاهراً رضي الله عنه وكان يُهدي النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنَّ زاهراً باديتنا ونحن حاضروه»، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبُّه وكان رجلاً دميماً(2)
__________
(1) "خلاف الشيطان" : أي بمخالفة الشيطان.
(2) "دميماً" : قبيحاً "النهاية" (2/134).
(44) أخرجه أبو يعلى كذا في الكنز(1/74) وقال: قال البوصيري في زوائد العشرة: سنده حسن.(1/366)
، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه ولا يبصره الرجل، فقال: أرسلني من هذا؟ فالتفت فعرف النبي صلى الله عليه وسلم فجعل لا يألو(1) ما ألصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم حين عرفه، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من يشتري العبد؟» فقال: يا رسول الله إذن والله تجدني كاسداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لكن عند الله لست بكاسد أو قال: لكن عند الله أنت غالٍ».(45)
(نكاح جليبيب رضي الله عنه)
55- عن أبي بَرْزة الأسلمي رضي الله عنه: أن جليبيباً كان أمراً يدخل على النساء يمرُّ بهن ويلاعبهن، فقلت لامرأتي: لا تدخِلُنَّ عليكم جُلَيبيباً، إن دخل عليكم لأفعلنَّ ولأفعلنَّ قال: وكانت الأنصار إذا كان لأحدهم أيِّم لم يزوجها حتى يعلم هل للنبي صلى الله عليه وسلم فيها حاجة أم لا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل من الأنصار: «زوجني ابنتك» قال: نعم وكرامة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونعمة عين. قال: «إنِّي لست أريدها لنفسي»، قال: فلمن يا رسول الله؟ قال: «لجليبيب» قال: أشاور أمها، فقالت: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ابنتك، قالت: نعم ونعمة عين، قال: إنَّه ليس يخطبها لنفسه إنما يخطبها بالحليبيب، قالت: لجليبيب إنيه(2) لجليبيب إنيه لا لعمر الله لا نزوجه فلما أن أراد ليقوم ليأتي النبي صلى الله عليه وسلم ليخبره بما قالت أمها قالت الجارية: من خطبني إليكم؟ فأخبرتها أمها، فقالت: أتردُّون على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره ادفعوني إليه فإنه لن يضيعني.
__________
(1) "لا يألو" : لا يقصر .
(2) "إنيه" : لفظة تستعملها العرب في الإنكار . "النهاية" (1/78).
(45) أخرجه أحمد و إسناد رجاله كلّهم ثقات على شرط الصحيحين، ولم يروه إلا الترمذي في الشمائل، ورواه ابن حبَّان في صحيحه؛ كذا في البداية(6/46)(1/367)
فانطلق أبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: شأنك بها، فزوَّجها جليبيباً. قال فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة له، قال: فلما أفاء الله عز وجل عليه قال: «هل تفقدون من أحد؟» قالوا: لا، قال: «لكني أفقد جليبيباً، قال: «فاطلبوه» فوجدوه إلى جنب سبعة قتلهم ثم قتلوه، فقالوا: يا رسول الله، ها هو ذا إلى جنب سبعة قتلهم ثلاثاً فاتاه النبي- صلى الله عليه وسلم - فقال قتل سبعة ثم قتلوه !! هذا مني وأنا منه مرتين أو ثلاثاً، ثم وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ساعديه وحفرله، ما له سرير إلا ساعد النبي صلى الله عليه وسلم ثم وضعه في قبره، لم يذكر أنه غسَّله؛ قال: ثابت: فما كان في الأنصار أيِّم أنفق منها، وحدِّث إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ثابتاًهل تعلم ما دعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم صب عليها الخير صباً، ولا تجعل عيشها كدّاً كدّاً». قال: فما كان في الأنصار أيِّم أنفق منها.(46)
صبر معاذ وأهله على الطاعون
56- عن عبد الرحمن بن غنم قال: وقع الطاعون بالشام فقال عمرو بن العاص رضي الله عنه: إن هذا الطاعون رجس(1) ففروا منه في الأودية والشِّعاب، فبلغ ذلك شُرَحبيل بن حسنة(2)
__________
(1) "رجس" : يعبر بها عن القذر والعذاب واللّعنة. راجع "النهاية" (2/200).
(2) نشير إلى أن شرحبيل بن حسنة هلك في ذلك الطاعون "أسد الغابة" (2/512)
(46) قال الهيثمي : 9/328رواه أحمد( 4 / 422 , 425 ) ورجاله رجال الصحيح. وهو في الصحيح خالياً عن الخطبة والتزويج. انتهى.(1/368)
رضي الله عنه، فغضب وقال: كذب عمرو بن العاص، لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمرو أضلُّ من جمل أهله، إنَّ هذا الطاعون دعوة نبيكم، ورحمة ربكم، ووفاة الصالحين قبلكم. فبلغ ذلك معاذاً رضي الله عنه فقال: اللهمّ اجعل نصيب آل معاذ الأوفر، فماتت ابنتاه، وطُعن ابنه عبد الرحمن، فقال: الحقُّ من ربك فلا تكوننّ من الممترين، فقال: ستجدني إن شاء الله من الصابرين. وطُعن معاذٌ في ظهر كفه، فجعل يقول: هي أحبُّ إليّ من حمر النَّعم، ورأى رجلاً يبكي عنده فقال: ما يبكيك؟ قال: على العلم الذي كنت أصيبه منك، قال: فلا تبكِ فإن إبراهيم كان في الأرض وليس بها عالم، فآتاه الله علماً، فإذا مت فاطلب العلم عند أربعة: عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن سلام، وسلمان، وأبي الدرداء رضي الله عنهم.(47) (1)
قصة ربيعة بن كعب معه عليه السلام في حرصه على الثواب
__________
(1) أخرجه أحمد عن عبد الرحمن بن غنم مختصراً والبزّار عنه مطوِّلاً، كما ذكر الهيثمي (2/312 ) وقال: أسانيد أحمد حسان صحاح. اهـ.(1/369)
57- عن ربيعة بن كعب رضي الله عنه قال: كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاري أجمع حتى يصلِّي العشاء الآخرة، فأجلس ببابه إذا دخل بيته أقول: لعلَّها أن تحدث لرسول الله حاجة، فما أزال أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سبحان الله وبحمده» حتى أمل فأرجع أو تغلبني عيناي فأرقد، فقال لي يوماً لما يرى من حقِّي له وخدمتي إياه: «يا ربيعة بن كعب سَلْني أعطِك» قال: فقلت: انظر في أمري يا رسول الله ثم أعلمك ذلك. قال: ففكرت في نفسي، فعرفت أنَّ الدنيا منقطعة وزائلة وأن لي فيها رزقاً يكفيني ويأتيني، قال: فقلت: أسأل رسول الله لآخرتي فإنَّه من الله بالمنزل الذي هو به، قال: فجئته، فقال: «ما فعلت يا ربيعة؟» قال فقلت: نعم يا رسول الله، أسألك أن تشفع لي إلى ربك فيعتقني من النار، قال فقال: «من أمرك بهذا يا ربيعة»؟ قال: فقلت: لا والذي بعثك بالحق ما أمرني به أحد ولكنك لما قلت: سلني أعطك وكنتَ من الله بالمنزل الذي أنت به نظرت في أمري، فعرفت أنَّ الدنيا منقطعة وزائلة، وأن لي فيها رزقاً سيأتيني، فقلت: أسأل رسول الله لآخرتي، قال: فصمتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلاً، ثم قال لي: «إنِّي فاعل، فأعنِّي على نفسك بكثرة السجود»(48) (1)
قصة امرأة اشتكت إلى عمر زوجها
__________
(1) أخرجه أحمد(4/95 ) ؛ وأخرجه الطبراني في الكبير من رواية ابن إسحاق نحوه، وأخرجه مسلم (489 )مختصرا (1/213)(1/370)
58- عن كَهْمَس الهلالي قال: كنت عند عمر رضي الله عنه، فبينما نحن جلوس عنده إذ جاءت امرأة، فجلست إليه فقالت: يا أمير المؤمنين، إن زوجي قد كثر شره وقلَّ خيره، فقال لها: من زوجك؟ قالت: أبو سلمة(1)، قال: إن ذاك رجل له صحبة وإنه لرجل صدق، ثم قال عمر لرجل عنده جالس: أليس كذلك؟ قال: يا أمير المؤمنين لا نعرفه إلا بما قلت، فقال لرجل: قم فادعُه لي، فقامت المرأة حين أرسل إلى زوجها فقعدت خلف عمر، فلم يلبث أن جاءا معاً حتى جلس بين يدي عمر، فقال عمر: ما تقول هذه الجالسة خلفي؟ قال: ومن هذه يا أمير المؤمنين قال: هذه امرأتك، قال: وتقول ماذا؟ قال: تزعم أنه قلَّ خيرك وكثر شرك، قال: قد بئسما قالت يا أمير المؤمنين إنها لمن صالح نسائها، أكثرهن كسوة، وأكثرهن رفاهية بيت، ولكن فحلها بلي، فقال عمر للمرأة: ما تقولين؟ قالت: صدق، فقام عمر إليها بالدرّة فتناولها بها ثم قال: أي عدوّة نفسها أكلت ماله، وأفنيت شبابه، ثم أنشأت تخبرين بما ليس فيه. قالت: يا أمير المؤمنين لا تعجل، فوالله لا أجلس هذا المجلس أبداً، فأمر لها بثلاثة أثواب فقال: خذي هذا بما صنعت بك، وإياك أن تشتكي هذا الشيخ.
قال: فكأني أنظر إليها قامت ومعها الثياب، ثم أقبل على زوجها فقال: لا يحملك ما رأتني صنعت بها أن تسيء إليها، فقال: ما كنت لأفعل، قال: فانصرفا، ثم قال عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أمتي القرن الذي أنا منهم، ثم الثاني والثالث، ثم ينشأ قوم يسبق أيمانهم شهادتهم، يشهدون من غير أن يُستشهدوا، لهم لَغَطٌ(2) في أسواقهم».(49)
قصة الرجل الذي استطلق بطنه
__________
(1) صحابي غير منسوب . "أسد الغابة" (6/153).
(2) "اللغط" : صوت وضجة لا يفهم معناها . "النهاية" (4/257).
(49) أخرجه الطيالسي والبخاري في تاريخه والحاكم في الكُنَى قال ابن حجر: إسناده قوي، كذا في الكنز(8/303 )؛ وأخرجه أيضاً أبو بكر ابن (أبي) عاصم، كما في الإصابة (4/93 )(1/371)
59- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فال: إن أخي استطلق(1) بطنه، فقال: «اسقِه عسلاً» فذهب فسقاه عسلاً، ثم جاء فقال: «يا رسول الله سقيته عسلاً فما زاده إلاَّ استطلاقاً، قال: «اذهب فاسقِه عسلاً» فذهب فسقاه عسلاً، ثم جاء فقال: يا رسول الله ما زاده إلاَّ استطلاقاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «صدق الله وكذب بطن أخيك، اذهب فاسقِه عسلاً» فذهب فسقاه عسلاً فبرأ.(50)
سؤال أعرابي النبي عليه السلام عن فاكهة الجنة وجوابه
60- عن عتبة بن عبد السلمي قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن الحوض وذَكَر الجنة، ثم قال الأعرابي: فيها فاكهة؟ قال: «نعم، وفيها شجرة تدعى طُوبى»، قال: فذكر شيئاً لا أدري ما هو، قال: أيُّ شجر أرضنا تشبه؟ قال: ليست تشبه شيئاً من شجر أرضك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أتيتَ الشام؟ قال: لا، قال: «تشبه شجرة بالشام تدعى الجوزة تنبت على ساق واحد وينفرش أعلاها»، قال: ما عظم العنقود؟ قال: «مسيرة شهر للغراب الأبقع(2) لا يفتر»، قال: ما عظم أصلها؟ قال: «لو ارتحلت جذعةً(3) من إبل أهلك ما أحاطت بأصلها حتى تنكسر تَرقُوتها هرماً»، قال: فيها عنب؟ قال: «نعم»، قال: فما عظم الحبّة، قال: هل ذبح أبوك تيساً من غنمه قط عظيماً»؟ قال: نعم، قال: «فسلخ إهابه فأعطاه أُمك فقال: اتخذي لنا منه دلواً»؟ قال: نعم، قال الأعرابي؛ فإن تلك الحبة لتشبعني وأهل بيتي؟ قال: «نعم وعامة عشيرتك».(51).
جزع عمرو بن العاص وهو يحتضر خوفا مما بعد الموت
__________
(1) "استطلق بطنه" : أي كثر خروج ما فيه يريد الإسهال .
(2) "الأبقع" : الذي فيه سواد وبياض "مختار" مادة (ب ق ع)
(3) "الجذعة" : هي التي دخلت في السنة الخامسة "النهاية" (1/250).
(50) أخرجه البخارى(5716) ومسلم ( 2217)
(51) أخرجه الإِمام أحمد (4 /184) و إسناده حسن كما فى الترغيب والترهيب المحقق(4/425)(1/372)
61- عن ابن شماسة المهري قال: حضرنا عمرو بن العاص رضي الله عنه وهو في سياق الموت، فحوَّل وجهه إلى الحائط يبكي طويلاً وابنه يقول له: ما يبكيك؟ أما بشَّرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، أما بشَّرك بكذا؟ قال: وهو في ذلك يبكي ووجهه إلى الحائط قال: ثم أقبل بوجهه إلينا فقال: إنَّ أفضل مما تعد عليَّ شهادةُ أن لا إله إلاَّ الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكني قد كنت على أطباق ثلاث(1): قد رأيتني ما من الناس من أحد أبغض إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحب إليَّ من أن أستمكن منه فأقتله، فلو متّ على تلك الطبقة لكنت من أهل النار.
ثم جعل الله الإسلام في قلبي فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبايعه فقلت: ابسط يمينك أبايعك يا رسول الله، قال: فبسط يده، ثم إنِّي قبضت يدي، فقال: «ما لك يا عمرو»؟ قال: فقلت: أردت أن أشترط، فقال: «تشترط ماذا»؟ فقلت: أشترط أن يُغفر لي، فقال: «أما علمت يا عمرو أنَّ الإِسلام يهدم ما كان قبله، وأنَّ الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأنَّ الحج يهدم ما كان قبله» فقد رأيتني ما من الناس أحد أحبَّ إليَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجلَّ في عيني منه، ولو سئلت أن أنعته(2) ما أطقت لأني لم أكن أطيق أن أملأ عينيَّ إجلالاً له، فلو مت على تلك الطبقة رجوت أن أكون من أهل الجنة. ثم وَلينا أشياء بعد فلست أدري ما أنا فيها أو ما حالي فيها. فإذا أنا متُّ فلا تصحبني نائحة ولا نار، فإذا دفنتموني فسنُّوا(3) عليَّ التراب سناً، فإذا فرغتم من قبري فأمكثوا عند قبري قد ما ينحر جزور ويُقسم لحمها؛ فإني أستأنس بكم حتى أعلم ماذا أراجع به رسل ربي.(52)
ترغيب النبى صلى الله عليه وسلم فى الصلاة
__________
(1) "أطباق": أي أحوال .
(2) "أنعته" : من النعت وهو : وصف الشيء بما فيه من حسن . "النهاية" (5/79).
(3) "سنّوا" : أي ضعوه وضعاً سهلاً "النهاية" (2/413) .
(52) أخرجه مسلم1/76(1/373)
62- عن الحارث مولى عثمان رضي الله عنه قال: جلس عثمان رضي الله عنه يوماً وجلسنا معه، فجاء المؤذن، فدعا بماء في إناء أظنه فيكون فيه مُدٌّ فتوضأ، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وُضوئي هذا، ثم قال: «من توضأ وضوئي هذا، ثم قام يصلِّي صلاة الظهر عُفر له ما كان بينها وبين الصبح، ثم صلّى العصر غُفر له ما كان بينها وبين الظهر، ثم صلّى المغرب غُفر له ما كان بينها وبين العصر، ثم صلّى العشاء غُفر له ما كان بينها وبين المغرب، ثم لعله يبيت يتمرغ(1) ليلته، ثم إن قام فتوضى فصلَّى الصبح غُفر له ما بينها وبين صلاة العشاء؛ وهن الحسنات يذهبن السيئات»، قالوا: هذه الحسنات فما الباقيات (الصالحات) يا عثمان؟ قال هي: لا إله إلاَّ الله وسبحان الله، والحمد الله، والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله.(53)
قصة الأخوين اللذين مات أحدهما شهيداً وأُخر الآخر.
63- وأخرج أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رجلان من بَلِيّ حيّ من قُضاعة أسلما مع رسول الله، فاستشهد أحدهما وأُخِّر الآخر سنة، قال طلحة بن عبيد الله: فرأيت(2) المؤخَّر منهما أُدخل الجنة قبل الشهيد، فتعجبت لذلك، فأصبحت فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم أو ذُكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أليس قد صام بعده رمضان، وصلَّى ستة آلاف ركعة وكذا وكذا ركعة صلاة سَنَة.(54)
انتباه عمر من إغمائه حين نودي عليه بالصلاة
__________
(1) "يتمرغ" : كناية عن التقلب في الإثم .
(2) أي رأى في المنام .
(53) أخرجه أحمد بإسناد حسن وأبو يَعْلى والبزّار كذا في الترغيب (1/203) وقال الهيثمي(1/297 ): رواه أحمد وأبو يَعْلى والبزّار ورجاله رجال الصحيح غير الحارث بن عبد الله مولى عثمان بن عفان وهو ثقة وفي الصحيح بعضه. انتهى(1/374)
64- عن المِسْوَر بن مَخْرَمة قال: دخلت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو مسجَّى(1) فقلت: كيف ترونه؟ قالوا: كما ترى، قلت: أيقظوه بالصلاة، فإنكم لن توقظوه لشيء أفزع له من الصلاة، فقالوا: الصلاة يا أمير المؤمنين، فقال ها الله إذاً ولا حق في الإِسلام لمن ترك الصلاة، فصلَّى وإن جرحه ليثعب(2) دماً.(55)
خروج الحارث بن حسان لصلاة الفجر ليلة زواجه، وقوله لمن عاتبه
65- عن عنبسة بن الأزهر قال: تزوج الحارث بن حسان رضي الله عنه وكان له صحبة وكان الرجل إذ ذاك إذا تزوج تخدَّر أياماً فلا يخرج لصلاة الغداة، فقيل له: أتخرج وإنما بنيت(3) بأهلك في هذه الليلة؟ قال: والله إنَّ امرأة تمنعني من صلاة الغداة في جمع لامرأة سوء.(56)
بكاؤه عليه السلام في الصلاة
__________
(1) "مسجى" : مغطى "النهاية" (2/344).
(2) "ليثعب" : أي يجري . "النهاية" (1/212).
(3) "البناء" : الدخول بالزوجة "النهاية" (1/158)
(54) قال في الترغيب : رواه أحمد بإسناد حسن وابن حِبّان في صحيحه وغيرهما الترغيب (1/318) وحسنه المحققون
(55) أخرجه الطبراني في الأوسط قال الهيثمي(1/295 ): رجال رجال الصحيح. اهـ
(56) أخرجه الطبراني في الكبير بإسناد حسن كذا في مجمع الزوائد(2/241)(1/375)
66- عن عبيد بن عمير أنه قال لعائشة: أخبرينا بأعجب شيء رأيتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فسكتت ثم قالت: لمَّا كانت ليلة من الليالي قال: «يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي» قلت: والله إني أحب قربك وأحب ما يسرك، قالت: فقام فتطهَّر ثم قال يصلِّي، قالت: فلم يزل يبكي صلى الله عليه وسلم حتى بلّ حِجْره، قالت: وكان جالساً فلم يزل يبكي صلى الله عليه وسلم حتى بل لحيته، قالت: ثم بكى حتى بل الأرض، فجاء بلال يُؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك و ما تأخر؟ قال: «أفلا أكون عبداً شكوراً؟ لقد أُنزلت عليَّ الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها: { إن في خلق السموات والأرض} (سورة آل عمران، الآية: 190) الآية كلَّها.(57) (1)
2)
قول عائشة رضي الله عنها في سنن النبي عليه السلام
67- عن عبد الله بن شقيق قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من التطوع، فقالت: كان يصلِّي قبل الظهر أربعاً في بيتي، ثم يخرج فيصلِّي بالناس، ثم يرجع إلى بيتي فيصلِّي ركعتين. وكان يصلِّي بالناس المغرب ثم يرجع إل بيتي فيصلِّي ركعتين. وكان يصلِّي بهم العشاء ثم يدخل بيتي فيصلِّي ركعتين. وكان يصلِّي من الليل تسع ركعات فيهن الوتر؛ وكان يصلي ليلاً طويلاً قائماً وليلاً طويلاً جالساً، فإذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ وهو قاعد ركع وسجد وهو قاعد، وكان إذا طلع الفجر صلَّى ركعتين ثم يخرج فيصلِّي بالناس صلاة الفجر.(58( (2)
قصة أبي هريرة رضي الله عنه مع أهل السوق
__________
(1) 57) صحيح ابن حِبَّان620 صحيح الترغيب 1468
(2) رواه مسلم ( 730).(1/376)
68- عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه مر بسوق المدينة فوقف عليها، فقال: يا أهل السوق، ما أعجزكم؟ قالوا: وما ذاك يا أبا هريرة؟ قال: ذاك ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقسم وأنتم ههنا ألا تذهبون فتأخذون نصيبكم منه؟ قالوا: وأين هو؟ قال: في المسجد، فخرجوا سراعاً ووقف أبو هريرة لهم حتى رجعوا، فقال لهم: ما لكم؟ فقالوا: يا أبا هريرة أتينا المسجد فدخلنا فيه لم نرَ فيه شيئاً يُقسم فقال لهم أبو هريرة: وما رأيتم في المسجد أحداً؟ قالوا: بلى، رأينا قوماً يصلون، وقوماً يقرؤون القرآن، وقوماً يتذاكرون الحلال والحرام، فقال لهم أبو هريرة: ويحكم فذاك ميراث محمد صلى الله عليه وسلم.(59)
رغبة عبد الله بن عباس رضى الله عنه فى طلب العلم
69- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الأنصار هلم فلنسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم اليوم كثير فقال : عجباً لك يا ابن عباس ، أترى الناس يفتقرون إليك وفي الناس من أصحاب رسول الله من فيهم ؟ قال : فتركته وأقبلت أسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن كان يبلغني الحديث عن الرجل فآتى بابه وهو قائل(1) فأتوسد ردائي على بابه يسفى(2) الريح علي من التراب ، فيخرج فيراني فيقول : يا ابن عم رسول الله ما جاء بك ؟ هلا أرسلت إلي فآتيك ؟ فأقول : لا أنا أحق أن أتيك. قال : فأسأله عن الحديث ، فعاش هذا الرجل الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع الناس حولي يسألونني فيقول : " هذا الفتى كان أعقل منى "(60)
تعليم الأضياف الواردين بالمدينة الطيبة
70- عن شهاب بن عباد أنه سمع بعض وفد عبد القيس وهو يقول
__________
(1) "قائل" : نائم وقت الظهيرة .
(2) "يسفي" : يذر ويحمل .
(59) أخرجه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن كذا في الترغيب (1/66)(1/377)
قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتد فرحهم بنا فلما انتهينا إلى القوم أوسعوا لنا فقعدنا فرحب بنا النبي صلى الله عليه وسلم ودعا لنا ثم نظر إلينا فقال من سيدكم وزعيمكم فأشرنا جميعا إلى المنذر بن عائذ فقال النبي صلى الله عليه وسلم أهذا الأشج فكان أول يوم وضع عليه هذا الاسم لضربة بوجهه بحافر حمار فقلنا نعم يا رسول الله فتخلف بعد القوم فعقل رواحلهم وضم متاعهم ثم أخرج عيبته(1) فألقى عنه ثياب السفر ولبس من صالح ثيابه ثم أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد بسط النبي صلى الله عليه وسلم رجله واتكأ فلما دنا منه الأشج أوسع القوم له وقالوا هاهنا يا أشج فقال النبي صلى الله عليه وسلم واستوى قاعدا وقبض رجله هاهنا يا أشج فقعد عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم واستوى قاعدا فرحب به وألطفه ثم سأل عن بلاده وسمى له قرية الصفا والمشقر وغير ذلك من قرى هجر فقال بأبي وأمي يا رسول الله لأنت أعلم بأسماء قرانا منا فقال إني قد وطئت بلادكم وفسح لي فيها قال ثم أقبل على الأنصار فقال يا معشر الأنصار أكرموا إخوانكم فإنهم أشباهكم في الإسلام وأشبه شيء بكم شعارا وأبشارا أسلموا طائعين غير مكرهين ولا موتورين إذ أبى قوم أن يسلموا حتى قتلوا فلما أن قال كيف رأيتم كرامة إخوانكم لكم وضيافتهم إياكم قالوا خير إخوان ألانوا فرشنا وأطابوا مطعمنا وباتوا وأصبحوا يعلموننا كتاب ربنا وسنة نبينا فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم وفرح بها ثم أقبل علينا رجلا رجلا يعرضنا على ما تعلمنا وعلمنا فمنا من تعلم التحيات وأم الكتاب والسورة والسورتين والسُّنة والسنتين(61)
الرحلة فى طلب العلم
__________
(1) عيبته : مستودع الثياب
(60) رواه الحاكم(1/106) ووافقه الذهبى وقال هذا حديث صحيح على شرط البخارى(1/378)
71- عن عبد الله بن محمد بن عقيل أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : بلغني حديث عن رجل سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتريت بعيرا ثم شددت عليه رحلي فسرت إليه شهرا حتى قدمت عليه الشام فإذا عبد الله بن أنيس فقلت للبواب قل له جابر على الباب فقال ابن عبد الله قلت نعم فخرج يطأ ثوبه فاعتنقني واعتنقته فقلت حديثا بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في القصاص فخشيت أن تموت أو أموت قبل أن أسمعه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يحشر الناس يوم القيامة أو قال العباد عراة(1) غرلا(2) بهما قال قلنا وما بهما قال ليس معهم شيء ثم يناديهم بصوت يسمعه من قرب أنا الملك أنا الديان(3) ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أقصه منه ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده حق حتى أقصه منه حتى اللطمة قال قلنا كيف وإنا إنما نأتي الله عز وجل عراة غرلا بهما قال بالحسنات والسيئات(4) (62(
قصة بعث أرسله عليه الصلاة والسلام وتفضيله أهل الذكر عليهم
72- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعثاً، فأعظموا الغنيمة وأسرعوا الكرة : فقال رجل : يا رسول الله ما رأينا بعثاً قط أسرع كرة ولا أعظم غنيمة من هذا البعث فقال : (( ألا أخبركم بأسرع كرة منهم وأعظم غنيمة ؟ رجل توضأ فأحسن الوضوء ، ثم عمد إلى المسجد ، فصلى فيه الغداة ثم عقب بصلاة الضحوة ، فقد أسرع الكرة وأعظم الغنيمة))(63)
__________
(1) "عراة" : جمع عار .
(2) "عرلا" : جمع الأغرل وهو الأقلف (أي الذي لم يختن) .
(3) "الدياّن" : هو القهّار . وقيل هو الحاكم والقاضي . "النهاية" (2/148) .
(4) أي أنّ القصاص يكون بالحسنات والسيئات .
(61) قال المنذرى فى الترغيب (4/152) وهذا الحيث بطوله رواه الإمام أحمد بسند صحيح
(62) أخرجه الحاكم فى المستدرك(4/574) وقال الذهبى: صحيح.(1/379)
إنكار ابن مسعود على جماعة خالفوا وغيروا فى الذكر
73- عن أبى البخترى قال:أخبر رجلٌ عبد الله بن مسعود أن قومًا يجلسون في المسجد بعد المغرب، فيهم رجل يقول: كبِّروا الله كذا وكذا، وسبِّحوا الله كذا وكذا، واحمدوا الله كذا وكذا، قال عبد الله: فإذا رأيتهم فعلوا ذلك فأْتِني فأخبرني بمجلسهم، فأتاهم وعليه برنس له(1) ، فجلس، فلما سمع ما يقولون قام فأتى ابن مسعود، فجاء وكان رجلاً حديدًا(2)، فقال: أنا عبد الله بن مسعود، والله الذي لا إله غيره، لقد جئتم ببدعة ظلمًا، ولقد فضلتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علمًا، فقال عمرو بن عتبة: أستغفر الله، فقال: عليكم بالطريق فالزموه، ولئن أخذتم يمينًا وشمالاً لتضلّن ضلالاً بعيدًا.(64(
ذهاب العلم ونسيانه
__________
(1) "البرنس" هو كل ثوب رأسه منه ملتزق به ، وقال الجوهريّ : هو قلنسوة طويلة كان النساك يلبسونها في صدر الإسلام من القطن "النهاية" . (1/122).
(2) "حديداً" سريع الغضب
(63) رواه أبو يعلى والبزار وابن حبان في صحيحه صحيح الترغيب والترهيب صـ 277.
(64) رواه الطبرانى من طرق بعضها صحيح كما فى المجمع (1/181) ورواه الدارمى (1/79) بسند صحيح(1/380)
74- وعن أبي الدرداء (رضي الله عنه) قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فشخص ببصره إلى السماء، ثم قال: (هذا أوان يُخْتَلَسُ العلم من الناس، حتى لا يقدروا منه على شيء)، فقال زياد بن لبيد الأنصاري: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكيف يُخْتَلَسُ منا وقد قرأنا القرآن؟ فوالله لنقرأنه ولنقرئه نساءنا وأبناءنا، فقال: (ثكلتك أمك يا زياد، إن كنت لأعدك من فقهاء أهل المدينة، هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى فماذا يغني عنهم؟) قال جبير: فلقيت عبادة بن الصامت، قال: قلت: ألا تسمع ما يقول أخوك أبو الدرداء، فأخبرته بالذي قال، قال: صدق أبو الدرداء، إن شئت أخبرتك بأول علم يرفع من الناس: الخشوع، يوشك أن تدخل مسجد الجماعة فلا ترى فيه رجلاً خاشعاً(65(
طلب العز بما أعز الله
75- عن طارق بن شهاب قال:خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه الى الشام ومعه أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه فأتيا على مخاضة(1) (أي موضع الخوض في الماء) وعمر على ناقة له، فنزل عنها، وخلع خفيه، فوضعهما على عاتقه، وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة، فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين، أأنت تفعل هذا تخلع خفيك وتضعهما على عاتقك، وتأخذ بزمام ناقتك وتخوض بها المخاضة؟ ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك(2) (أي نظروا اليك)، فقال عمر: أوَّه!! لو يقول ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالاً لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، إنا كنا أذل قوم، فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله.(66)
الإعتبار بحال من ترك أمر الله
__________
(1) "مخاضة" : موضع الخوض في الماء .
(2) "استشرفوك" : الاستشراف : أن تضع يدك على حاجبك وتنظر ، كالذي يستظل من الشمس حتى يستبين الشيء . وأصله من الشرف: العلوّ ، كأنه ينظر إليه من موضع مرتفع فيكون أكثر لإدراكه . "النهاية" (2/462).
(65) أخرجه الحاكم (1/99) وقال :احتج الشيخان بجميع رواته وكذا قال الذهبى(1/381)
76- عن جبير بن نفير، قال: لما فتحت قبرص(1) فرق بين أهلها بكى بعضهم إلى بعض، ورأيت أباالدرداء جالساً وحده يبكي، فقلت: يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ قال: ويحك يا جبير ما أهون الخلق على الله، إذا هم تركوا أمره، بينا هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى.(67)
قول رجل من عظماء الروم لهرقل فى أسباب غلبة الصحابة رضى الله عنهم
77- عن أبى إسحاق قال: كان أصحاب الرسول صلى الله عيليه وسلم لايثبت لهم العدو فواق(2) ناقة عند اللقاء فقال هرقل وهو على أنطاكية لما قدمت منهزمة الروم :
ويلكم أخبرونى عن هؤلاء القوم الذين يقاتلونك أليسوا بشرًا مثلكم؟
قالوا: بلى.
قال: فأنتم أكثر أم هم؟
قالوا: بل نحن أكثر منهم أضعافًا في كل موطن.
قال: فما بالكم تنهزمون؟
فقال شيخ من عظمائهم: من أجل أنهم يقومون الليل، ويصومون النهار، ويوفون بالعهد، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويتناصفون بينهم(3).
ومن أجل أنا نشرب الخمر ونزنى، ونركب الحرام وننقض العهد، ونغضب ونظلم ونأمر بالسخط، وننهى عما يرضى الله، ونفسد فى الأرض.
فقال هرقل: أنت صدقتنى.(68)
قول صاحب الأسكندرية لعمروبن العاص رضى الله عنه فى هذا الشأن
__________
(1) "قبرص" : ذكرها ياقوت في معجمه (4/305) بالسين المهملة وقال : كلمة رومية ، وافقت من العربية القبرس النحاس الجيد . وهي جزيرة في بحر الروم. 1هـ.
(2) "فواق" : أي قدر ما بين الحلبتين من الناقة لأجل الراحة .
"يتناصفون" : ينصف بعضهم بعضاً.
(66) أخرجه الحاكم (1/61)وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبى
(67) رواه أبونعيم فى الحلية بسند صحيح (1/216)(1/382)
78- عن عمرو بن العاص رضي الله عنه، قال: خرج جيش من المسلمين أنا أميرهم، حتى نزلنا الإسكندرية، فقال صاحبها: اخرجوا إليّ رجلا منكم اكلمه، ويكلمني، فقلت: لا يخرج إليه غيري، فخرجت ومعي ترجمان، ومعه ترجمان، حتى وُضع له منبران، فقال: من أنتم؟ فقلنا: نحن العرب، ونحن أهل الشوك والقَرَظِ(1) ، ونحن أهل بيت الله، كنا أضيق الناس أرضا، وأشدّ الناس عيشا، نأكل الميتة، ويُغير بعضنا على بعض، بشرَّ عيش، عاش به الناس. حتى خرج فينا رجلا ليس بأعظمنا يومئذ شرفا، ولا أكثرنا مالا، فقال: " أنا رسول الله ". يأمرنا بما لا نعرف، وينهانا عما كنا عليه، وكانت عليه آباؤنا، فشَنِفنا له(2) وكذبناه، ورددنا عليه مقالته، حتى خرج إليه قوم من غيرنا، فقالوا: نحن نصدقك ونؤمن بك، ونتبعك ونقاتل من قاتلك، فخرج إليهم، وخرجنا إليه، فقاتلناه فقتلنا، وظهر علينا، وغلبنا، وتناول من يليه من العرب، فقاتلهم حتى ظهر عليهم. فلو يعلم من ورائي ما أنتم فيه من العيش لم يبق أحد إلا جاءكم حتى يشرككم ما أنتم فيه من العيش. فضحك، ثم قال: إن رسولكم قد صدق.
__________
(1) "القرظ" : ورق السلم يدبغ به "النهاية"4/43)
(2) في الأصل "فشنعنا له" والصواب "شنفنا له" أي أبغضناه "النهاية" (2/505)
(68) أخرجه أحمد بن مروان المالكى فى المجالسة كذا فى البداية (7/15) وأخرجه بن عساكر( 1/143) عن ابن اسحاق بنحوه(1/383)
قد جاءتنا رسلنا بمثل الذي جاءكم به رسولكم، فكنا عليه، حتى ظهر فينا ملوك، فجعلوا يعملون فينا بأهوائهم، ويتركون أمر الأنبياء، فإن أنتم أخذتم بأمر نبيكم، لم يقاتلكم أحد إلا غلبتموه، ولم يتناولكم أحد إلا ظهرتم عليه. فإذا فعلتم مثل الذي فعلنا وتركتم أمر الأنبياء، وعملتم مثل الذي عملوا بأهوائهم، خُليّ بيننا وبينكم، فلم تكونوا أكثر منا عددا، ولا أشد منا قوة. قال عمرو بن العاص: فما كلمت رجلا أَذْكَر(1) منه.(69)
الفهرس
مقدمة المؤلف ... 1
رياض الصالحين
باب الإخلاص وإحضار النية ... 3 ... باب فضل الزهد في الدنيا والحث على التقلل منها ... 96
باب التوبة ... 7 ... باب الحث على الأكل من عمل يده ... ... 104
باب الصبر ... 17 ... باب الكرم والجود ... ... 105
باب المراقبة ... 28 ... باب الورع وترك الشبهات ... 109
باب في اليقين والتوكل ... 33 ... باب التواضع وخفض الجناح للمؤمنين ... 111
باب في الاستقامة ... 38 ... باب تحريم الكبر والإعجاب ... 113
باب في التفكر في عظيم مخلوقات الله تعالى ... 39 ... باب حسن الخلق ... 115
باب في المبادرة إلى الخيرات ... 39 ... باب الحلم والأناة والرفق ... 118
باب في المجاهدة ... 41 ... باب العفو والإعراض عن الجاهلين ... 120
باب في بيان كثرة طرق الخير ... 47 ... باب احتمال الأذى ... 122
باب في المحافظة على الأعمال ... 54 ... باب الاستخارة والمشاورة ... 123
باب في الأمر بالمحافظة على السنة وآدابها ... 55 ... كتاب الفضائل
باب في وجوب الانقياد لحكم الله ... ... 59 ... باب فضل قراءة القرآن ... 124
__________
(1) "أذكر منه" : يعني أنه ذكر جلد ، شهما ماضياً في الأمور "النهاية" (2/163).
(69) رواه الطبراني، وفيه: محمد بن عمرو بن علقمة، وهو حسن الحديث، وبقية رجاله ثقات.كما فى المجمع [6/218]وأخرجه أبو يعلى قال الهيثمى(8/238): رجاله رجال الصحيح غير عمرو بن علقمة وهو ثقة.(1/384)
باب في النهي عن البدع ومحدثات الأمور ... 60 ... باب الأمر بتعهد القرآن... ... 126
باب فيمن سن سنة حسنة أو سيئة ... 62 ... باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن ... 126
باب في الدلالة على خير والدعاء إلى هدى أو ضلالة ... 63 ... باب الحث على سور وآيات مخصوصة ... 127
باب في التعاون على البر والتقوى ... 65 ... باب استحباب الاجتماع على القراءة ... 131
باب في النصيحة ... 66 ... باب فضل الصلوات ... 131
باب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ... 67 ... باب فضل صلاة الصبح والعصر ... 132
باب تعظيم حرمات المسلمين وبيان حقوقهم ..... ... 71 ... باب فضل المشي إلى المساجد ... 133
باب بر الوالدين وصلة الأرحام ... 75 ... باب فضل انتظار الصلاة ... 135
باب زيارة أهل الخير ومجالستهم وصحبتهم ... ... 82 ... باب فضل صلاة الجماعة ... 136
باب فضل الحب في الله والحث عليه وإعلام الرجل ... ... 86 ... باب الحث على حضور الجماعة في الصبح والعشاء ... 137
باب الخوف ... 89 ... باب الأمر بالمحافظة على الصلوات المكتوبات.... ... 138
باب فضل الرجاء ... 94 ... باب فضل السنن الراتبة مع الفرائض وبيان أقلها ... 140
باب الجمع بين الخوف والرجاء ... 95 ... باب فضل قيام الليل ... 141
كتاب العلم ... باب النهي عن الغش والخداع ... 180
باب فضل العلم تعلماً وتعليماً لله ... 146 ... باب تحريم الهجران بين المسلمين فوق ثلاث .. ... 181
كتاب الأذكار ... باب تغليظ تحريم الربا ... 183
باب فضل الذكر والحث عليه ... 150 ... باب تحريم الرياء ... 183
باب ذكر الله تعالى قائماً أو قاعداً ... 158 ... باب ما يتوهم أنه رياء وليس هو رياء ... 185
باب فضل حلق الذكر ... 158 ... باب تحريم النظر إلى المرأة الأجنبية ... ... 185
باب الذكر عند الصباح والمساء ... 161 ... باب تحريم الخلوة بالأجنبية ... 187(1/385)
باب الأمر بالدعاء وفضله ... 163 ... النهي عن إتيان الكهان والمنجمين ... ... 188
كتاب الأمور المنهي عنها ... باب تغليظ اليمين الكاذبة عمداً ... 189
باب تحريم الغيبة والأمر بحفظ اللسان ... 169 ... باب النهي عن الصلاة إلى القبور ... 190
باب تحريم الكذب ... 173 ... باب النهي عن تحصيص القبر والبناء عليه ... 191
باب الحث على التثبت فيما يقوله ويحكيه ... 177 ... باب التغليظ في تحريم السحر ... 191
باب النهي عن التباغض والتقاطع والتدابر ... 178 ... باب التحذير من ارتكاب ما نهي الله .... ... 191
باب النهي عن سوء الظن بالمسلمين من غير ضرورة ... 179 ... باب ما يقوله ويفعله من ارتكب منهياً عنه ... 192
باب تحريم احتقار المسلمين ... 179 ... باب ما أعده الله تعالى للمؤمنين في الجنة ... 192
حياة الصحابة
عرضه (ص) الدعوة على قومه عند وفاة أبي طالب ... 199 ... دعوة مصعب بن عمير رضي الله عنه ... 207
دعوته صلى الله عليه وسلم لِضماد رضي الله عنه ... 200 ... دعوة مصعب لسعد بن معاذ وإسلامه ... 208
دعوته صلى الله عليه وسلم لُحُصَين والد عمران (ع).. ... 200 ... دعوة سعد بن معاذ لبني عبد الأشهل .... ... 209
دعوته صلى الله عليه وسلم لرجل لم يسم ... 201 ... دعوة ضِمام بن ثعلبة في بني سعد بن بكر ... 209
دعوته صلى الله عليه وسلم لأبي الحَيْسر وفتية ... ... 202 ... وفود ضمام على النبي (ص) وخبره معه ... ... 209
عرضه صلى الله عليه وسلم الدعوة على المجامع ... 203 ... إسلام بني سعد وقول ابن عباس في ضمام ... 210
دعوته عليه السلام للأعرابي في سفر ... 203 ... دعوة الطفيل بن عمرو الدوسي (ر) في قومه .. ... 211
عرضه صلى الله عليه وسلم الدعوة في السوق ... 204 ... إسلام طفيل بن عمرو ... 212
عرضه صلى الله عليه وسلم في سوق ذي المجاز ... 204 ... رجوع طفيل إلى قومه داعياً لهم إلى الإِسلام .. ... 212(1/386)
إسلام زيد بن سُعْنة الحبر الإِسرائيلي (ر) ... 205 ... دعوة طفيل لأبيه وصاحبته وإسلامهما ... 213
دعاؤه عليه السلام لدَوْس وإسلامهم وقدومهم مع طفيل .. ... 213 ... تحمل عبد الله بن حذافة السهمي (ر) الشدائد... ... 219
كيف كان النبي (ص) وأصحابه (ر) يتحمّلون الشدائد والأذى،. .. ... 214 ... جوعه صلى الله عليه وسلم وجوع أهل بيته ... ... 220
دعاؤه صلى الله عليه وسلم عند الرجوع من الطائف ... 216 ... خبر الصحابة مع النجاشي وقوله في الإِسلام ... ... 222
إبتلاء المسلمين وخروج أبي بكر إلى الحبشة مهاجراً ... 216 ... هجرة أبي سلمة وأم سَلَمة رضي الله عنهما إلى المدينة ... 225
تحمل عثمان بن مظعون رضي الله عنه الشدائد ... 218 ... المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم ... 226
قصة عبد الرحمن بن عوف مع سعد بن الربيع ... 226 ... امتثال أمره عليه السلام في الخروج إلى بني قريظة ... 248
صبر الأنصار عن اللّذات الدنيوية والأمتعة الفانية ... 227 ... ما وقع بين أبي بكر وعمر وزيد في جمع القرآن ... 248
والرضاء بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم ... 227 ... ما قاله ابن عمر في الامتناع عن القتال في فتنة ابن الزبير ... 250
حزن الصحابة (ر) على عدم القدرة على الخروج ... ... 228 ... ما أمر به عليه السلام من بر الوالدين لمن جاءه ... ... 251
رغبة الصحابة في تحمُّل الغبار في سبيل الله ... 229 ... قصة عمر مع عثمان رضي الله عنهما ... 251
قصة جابر بن عبد الله في الباب ... 229 ... مزاحه عليه السلام مع زاهر ... 252
صلاة عباد بن بشر الأنصاري في سبيل الله ... 230 ... (نكاح جليبيب رضي الله عنه) ... 252
قصة رجل من الأعراب ... 231 ... صبر معاذ وأهله على الطاعون ... 253
يوم الرَّجيع ... 232 ... قصة ربيعة بن كعب معه (ع) في حرصه على الثواب ... 254(1/387)
قصة قتل عاصم وخبيب وأصحابهما ... 232 ... قصة امرأة اشتكت إلى عمر زوجها ... 255
يوم مؤتة ... 234 ... قصة الرجل الذي استطلق بطنه ... 256
بكاء ابن رواحة عند الخروج وأبياته في سؤال الشهادة ... 234 ... سؤال أعرابي النبي عليه السلام عن فاكهة الجنة وجوابه ... 256
تشجيع ابن رواحة الناس على الشهادة ... 235 ... جزع عمرو بن العاص وهو يحتضر خوفا مما بعد الموت ... 257
شجاعة أبي مِحْجن الثقفي رضي الله عنه ... 236 ... ترغيب النبى صلى الله عليه وسلم فى الصلاة ... 258
قتاله يوم القادسية حتى ظنُّوا أنه ملك ... 236 ... قصة الأخوين اللذين مات أحدهما شهيداً وأُخر الآخر. ... 258
كيف كان إهتمام الصحابة (ر) باجتماع الكلمة.... ... 238 ... انتباه عمر من إغمائه حين نودي عليه بالصلاة ... 259
عدل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ... 238 ... خروج الحارث بن حسان لصلاة الفجر ليلة زواجه، ... ... 259
عدل النبي صلى الله عليه وسلم ... 238 ... بكاؤه عليه السلام في الصلاة ... 260
سيرة الخلفاء والأمراء ... 239 ... قول عائشة رضي الله عنها في سنن النبي عليه السلام ... 260
سيرة أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه ... 239 ... قصة أبي هريرة رضي الله عنه مع أهل السوق ... 261
سيرته رضي الله عنه قبل تولِّي الخلافة وبعدها ... 239 ... رغبة عبد الله بن عباس رضى الله عنه فى طلب العلم ... 261
من أقرض الله تعالى ... 241 ... تعليم الأضياف الواردين بالمدينة الطيبة ... 262
قصة بيع بي الدحداح بستانه بنخلة في الجنة ... 241 ... الرحلة فى طلب العلم ... 263
إطعام أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه ... 242 ... قصة بعث أرسله (ع) وتفضيله أهل الذكر عليهم ... 263
قصته رضي الله عنه مع النبي (ص) في ذلك ... 242 ... إنكار ابن مسعود على جماعة خالفوا وغيروا فى الذكر ... 264
خوف عمر بن الخطاب (ر) وبكاؤه .... ... 243 ... ذهاب العلم ونسيانه ... 264(1/388)
حديث عمر في تأثير الحصير في جنبه عليه السلام ... 244 ... طلب العز بما أعز الله ... 265
سلامة الصدر من الغش والحسد ... 244 ... الإعتبار بحال من ترك أمر الله ... 266
عيادته عليه السلام لسعد بن عبادة ... 245 ... قول رجل من عظماء الروم لهرقل فى أسباب ... ... 266
قصة عبد الله بن مسعود مع زوجته ... 246 ... قول صاحب الأسكندرية لعمروبن العاص (ر)... ... 267
ما فعلت نساء الصحابة حين نزلت: {وَلْيَضْرِبْنَ .. ... 247 ... الفهرس ... 269(1/389)