بسم الله الرحمن الرحيم
بحث الأحاديث الواردة في فضل صلاة أربع ركعات قبل صلاة العصر
اعلم _ رحمك الله تعالى _ أنه روي في فضل الأربع الركعات قبل العصر أحاديث عن علي بن أبي طالب, وعبدالله بن عمر, وعبد الله بن عمرو بن العاص, وأبي هريرة, وأم حبيبة وأم سلمة رضي الله عنهم.
أما حديث علي ÷ فأخرجه أحمد في المسند (1/85 , 160) رقم 1375 , 650 , وأبو داود في السنن (2/54) رقم1272, والترمذي في الجامع (2/294) رقم 429 , و(2/493) رقم 598 وابن ماجه (1/367) رقم 1161, وأبو يعلى في المسند (1/459) رقم 622, وعبد الرزاق في المصنف (3/63) رقم 4806 , 4807 , والنسائي في المجتبي ( 2/ 119) والكبرى (1/147 / 148) رقم 337، 339، 340، 347، 348 ، والبزار في المسند (2/ 261 ،262) رقم 673, 672,675,672 والبيهقي في الكبرى (2/473) و(3/50 , 51) والبغوي في شرح السنة (3/467) رقم 892.
من طرق, عن أبي إسحاق السبعي, عن عاصم بن ضمرة, قال: سألنا علياً عن تطوع النبي " بالنهار؟ فقال: إنكم لا تطيقونه قال: قلنا: أخبرنا به نأخذ منه ما أطقنا قال: =كان النبي " إذا صلى الفجر أمهل حتى إذا كانت الشمس من هاهنا _ يعني من قبل المشرق _ مقدارها من صلاة العصر من هاهنا _ من قبل المغرب _ قام فصلى ركعتين, ثم يمهل حتى إذا كانت الشمس من هاهنا _ يعني من قبل المشرق _ مقدارها من صلاة الظهر من هاهنا _ يعني من قبل المغرب _ قام فصلى أربعاً, وأربعاً قبل الظهر إذا زالت الشمس, وركعتين بعدها وأربعاً قبل العصر, يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة والمقربين والنبيين ومن تبعهم من المؤمنين والمسلمين+.
وقال علي: =تلك ست عشرة ركعة تطوع رسول الله " بالنهار, وقل من يداوم عليها+.
قال الترمذي : حديث حسن.(1/1)
وقال في موضع آخر: وروي عن عبد الله بن المبارك أنه كان يضعف هذا الحديث وإنما ضعفه _ عندنا والله أعلم, لأنه لا يروى مثل هذا عن النبي " إلا من هذا الوجه: عن عاصم ابن ضمرة عن علي، وعاصم بن ضمرة هو ثقة عند بعض أهل العلم قال علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد القطان: قال سفيان: كنا نعرف فضل حديث عاصم بن ضمرة على حديث الحارث+اهـ.
وقال أحمد شاكر في حاشيته على جامع الترمذي (2/494) رقم 599 : الحديث صحيح وعاصم بن ضمرة ثقة, وثَّقه ابن المديني والعجلي وغيرهما+اهـ.
وقال الإمام النووي في المجموع (3/462)رواه أبو داود بإسناد صحيح.
وقال الإمام ابن عبد البر في التمهيد (14/186):
=صلاة الركعتين قبل العصر محفوظة من حديث علي ابن أبي طالب وغيره+اهـ.
هكذا قال (الركعتين).
وأنكر هذا الحديث أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني المتوفى عام 259 هـ في كتابه (أحوال الرجال) ص 43 رقم11 بقوله بعد أن أورده:
=فيا لَعِبادَ الله! أما كان ينبغي لاحد من أصحاب النبي " وأزواجه يحكي هذه الركعات, إذ هم معه في دهرهم، والحكاية عن عائشة _رضي الله عنها _ في الاثنتي عشرة ركعة من السنة, وابن عمر عشر ركعات, والعامة من الأمة أو من شاء الله قد عرفوا ركعات السنة الاثنتي عشرة منها بالليل, ومنها بالنهار+.
فإن قال قائل: كم من حديث لم يروه إلا واحد؟ قيل: صدقت , كان النبي " يجلس, فيتكلم بالكلمة من الحكمة لعله لا يعود لها آخر دهره, فيحفظها عنه رجل، وهذه ركعات _ كما قال عاصم _ كان يداوم عليها, فلا يشتبهان, ثم خالف رواية الأمة واتفاقها حين روى: أن في خمس وعشرين من الإبل خمساً من الغنم.
وهذا حماد بن سلمة, عن ثمامة بن عبد الله, عن أنس أن أبا بكر كتب الصدقة التي فرض رسول الله " فيما دون خمس وعشرين من الإبل, في كل خمس شاة, فإذا بلغت خمساً وعشرين ففيها ابنة مخاض.(1/2)
وكذلك حكاية الزهري عن عبد الله بن عمر, وما حكاه سفيان بن عيينة عن الزهري أيضاً كذلك+اهـ.
ثم نقل بسند صحيح عن الشعبي أنه كان يشهد بالله أن الحارث الأعور أحد الكذابين ثم قال ص:43 وعاصم ابن ضمرة عندي قريب منه. ثم قال ص:46.
=وسألت علياً _ يعني ابن المديني _ عن عاصم والحارث؟ فقال لي: يا أبا إسحاق مثلك يسأل عن ذا؟ الحارث كذاب. قال علي: وسمعت يحيى بن سعيد يقول: قال سفيان: كنا نعرف فضل حديث عاصم على حديث الحارث+اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية _ رحمه الله تعالى _ في مجموع الفتاوى (22/280): =وقد تنازع العلماء في السنن الرواتب مع الفريضة, فمنهم من لم يوقت في ذلك شيئاً, ومنهم من وقت أشياء بأحاديث ضعيفة, بل بأحاديث يعلم أهل العلم بالحديث أنها موضوعة, كمن يؤقت ستاً قبل الظهر, وأربعاً بعدها, وأربعاً قبل العصر, وأربعاً قبل العشاء وأربعاً بعدها ونحو ذلك+اهـ.
وقال ابن قيم الجوزية _ رحمه الله تعالى _ في زاد المعاد (1/311) في حديث علي بن أبي طالب هذا : =وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية ينكر هذا الحديث ويدفعه جداً, ويقول: أنه موضوع, ويذكر عن أبي إسحاق الجوزجاني إنكاره+ اهـ.
قلت: وجه الإنكار لهذا الحديث أمران:
أحدهما: أن فيه أن رواتب الفرائض ست عشرة ركعة، وهذا مخالف للثابت والمحفوظ أن الرواتب عشر كما في حديث ابن عمر, واثنتا عشرة كما في حديث عائشة وغيرهما, وليس فيما ثبت وحفظ ذكر لأربع الركعات قبل العصر.
ثانيهما: أن هذا الحديث صرح أن عدد هذه الركعات الست عشرة مما كان يداوم عليها "، فكيف يداوم " على فعل أمر, ويخفى على عائشة وابن عمر وغيرهما فلم يحفظوه عنه ولم ينقلوه للأمة كما نقلوا عنه السنن والفرائض ؟!! ولا ريب أن مثل هذه الأعمال أنها لو كانت ثابتة لنقلت , لأنها مما تتوافر الهمم على نقلها وقد اعترض الحافظ _رحمه الله تعالى_ في تهذيب التهذيب (5/46) رقم 77 على إنكار الجوزجاني لهذا الحديث. فقال ما نصه:(1/3)
=تعصب الجوزجاني على أصحاب =عليِّ+ معروف, ولا إنكار على عاصم فيما روى.
هذه عائشة أخص أزواج النبي " تقول لسائلها عن شيء من أحوال النبي " : =سل علياً+ فليس بعجب أن يروي الصحابي شيئاً يريه غيره من الصحابة بخلافه,ولا سيما التطوع+اهـ.
قلت: لكن يمكن أن يقال: هذا العمل الذي أنكره الجوزجاني وغيره ليس قولاً أو فعلاً قاله الرسول " أو فعله في مجلس, فحفظه من حفظه ونسيه من نسيه.
وإنما هو عمل ظاهر للخاص والعام والعمل موصوف بالمداومة عليه على طول الزمن, فيبعد أن ينفرد بروايته صحابي واحد, ويتفرد به عنه رجل واحد, خالف فيه ما رواه الأئمة من الصحابة وغيرهم وجاء من طرق شتى في الصحاح والمسانيد والسنن.
وأما الجوزجاني فقال فيه: ذهبي العصر العلامة عبدالرحمن بن يحيى المعلمي في التنكيل (1/99) رقم10: =حافظ كبير متقن عارف وثقه تلميذه النسائي جامع =خصائص علي+ وقائل تلك الكلمات في معاوية, ووثقه آخرون .. إلى أن قال: =فأما حط الجوزجاني على أهل الكوفة فخاص بمن كان شيعياً يبغض الصحابة أو يكون ممن يظن به ذلك .. ثم قد تقدم في القاعدة الرابعة من قسم القواعد النظر في حط الجوزجاني على الشيعة, واتضح أنه لا يجاوز الحد, وليس فيه ما يسوغ اتهامه بتعمد الحكم بالباطل, أو يخدش في روايته ما فيه غض منهم أو طعن فيهم، وتوثيق أهل العلم له يدفع ذلك البتة كما تقدم في القواعد+اهـ.
إذا تقرر هذا فإليك طائفة من كلام ائمة اهل العلم في =عاصم بن ضمرة السلولي الكوفي+.
نقل أبو أحمد بن عدي في الكامل (5/ 1866) عن يحيى ابن معين أنه قال: ثقة ونقل ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (6/345) رقم 1910 عن علي بن المديني أنه قال: ثقة.
وقال الترمذي في الجامع (2/495) رقم : 599 هو ثقة عند بعض أهل العلم.
ونقل مغلطاي في الإكمال (7/107) عن كتاب الصريفيني أنه نقل عن الإمام أحمد أنه قال: هو عندي حجة.(1/4)
وقال ابن سعد في الطبقات (6/222) والعجلي في معرفة الثقات (2/9) رقم 811 , وابن شاهين في الثقات ص50 رقم:832 ثقة.
ونقل الذهبي في الميزان (2/352) رقم 4052 عن النسائي أنه قال: ليس به بأس.
وقال الذهبي في الكاشف (2/45) رقم : 2528 وسط.
وقال الحافظ في التقريب: صدوق.
وخالفهم آخرون فقال أبو أحمد بن عدي في الكامل (6/1866): وعاصم بن ضمرة لم أذكر له حديثاً لكثرة ما يروي عن علي مما تفرد به, ومما لا يتابعه الثقات عليه، والذي يرويه عن عاصم قوم ثقات البلية من عاصم, ليس ممن يروى عنه+اهـ.
ونقل مغلطاي في الاكمال (7/106) رقم 2627 عن أبي داود السجستاني أنه قال: أحاديثه بواطيل.
وقال ابن حبان في المجروحين (2/125): كان رديء الحفظ, فاحش الخطأ يرفع عن علي قوله كثيراً, فلما فحش ذلك في روايته استحق الترك على أنه أحسن حالاً من الحارث+اهـ.
قلت: يعني: الحارث بن عبد الله الأعور الحوتي صاحب علي كذبه الشعبي في رأيه ورمي بالرفض, وفي حديثه ضعف.
قاله الحافظ في التقريب.
ثم قال ابن حبان في موضع آخر من كتابه المجروحين (2/169) في ترجمة عباد بن كثير الثقفي الكاهلي: =وعمرو ابن خالد وعاصم بن ضمرة قد تبرأنا من عهدتهما في هذا الكتاب+.
وقال البيهقي في السنن الكبرى (3/51) : =تفرد به عاصم ابن ضمرة, عن علي ÷ وكان عبد الله بن المبارك يضعفه في روايته هذا الحديث+اهـ.
وقال البيهقي أيضاً: (4/92) في روايته أن في خمس من الإبل خمس شياه: =وقد أنكر أهل العلم هذا على عاصم ابن ضمرة, لأن رواية عاصم بن ضمرة عن علي ÷ خلاف كتاب آل عمرو بن حزم, وخلاف كتاب أبي بكر وعمر _رضي الله عنهما _+.
وقال في موضع آخر من السنن (2/139) في رواية عاصم ابن ضمرة حديث: =إذا جلس مقدار التشهد, ثم أحدث فقد تمت صلاته + لا يصح، وعاصم بن ضمرة غير محتج به+اهـ.
وقال أيضاً (2/173): عاصم بن ضمرة ليس بالقوي.
وفي رواية قال (2/256): عاصم بن ضمرة غير قوي.(1/5)
وقال يعقوب بن سفيان في المعرفة (3/179): =وقد أنكر أهل العلم هذا على عاصم بن ضمرة, لأن رواية عاصم, عن علي خلاف كتابه إلى عمرو بن حزم, وخلاف كتاب أبي بكر وعمر _ رضي الله عنهما _ +اهـ.
ونقل العلامة الزيلعي في نصب الراية (2/64) عن البيهقي أنه قال في حديث من رواية عاصم: =وعاصم بن ضمرة إنما يذكر في الشواهد, فإذا انفرد بحديث لم يقبل, ثم أسند عن أحمد بن حنبل أنه قال فيه: =حديث لا يصح +اهـ.
وهذا الحديث أخرجه الطبراني في الأوسط (4/38) رقم5131 قال:
حدثنا محمد بن هشام المستملي, قال: نا عبد الوهاب ابن عبد الله بن يحيى الأسدي قال: نا عبد الملك بن هارون ابن عنترة, عن أبيه, عن جده, عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله " : =لاتزال أمتي يصلون هذه الأربع ركعات قبل العصر حتى تمشي على الأرض مغفوراً لها مغفرة حتماً+.
صدره الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب (2/9) رقم830 بصيغة التمريض, للدلالة على أنه ضعيف.
وقال الهيثمي في المجمع (2/222) : =رواه الطبراني في الأوسط, وفيه عبد الملك بن هارون بن عنترة وهو متروك+اهـ.
قلت: سنده تالف والمتن موضوع.
عبد الملك بن هارون قال فيه يحيى بن معين: كذاب, وقال أبو حاتم الرازي: متروك ذاهب الحديث. وقال ابن حبان: يضع الحديث, وقال السعدي: دجال كذاب/ نقل ذلك عنهم الحافظ الذهبي في الميزان (2/666) رقم5259, وزاد في موضع آخر من الميزان (4/285) رقم9165 متروك يكذب. وقال النسائي في المتروكين ص:166 رقم405: متروك الحديث. وقال البخاري: منكر الحديث.
وأما أبوه هارون بن عنترة فقال الذهبي في الميزان (4/284) رقم 9165:
=وثقه أحمد ويحيى بن معين, وقال ابن حبان: لا يجوز أن يحتج به وهو الذي يقال له: هارون بن أبي وكيع, حدث عنه الثوري ومات سنة اثنتين وأربعين ومائة, منكر الحديث جداً. قال الذهبي : قلت :
=الظاهر أن النكارة من الراوي عنه, وقد قال الدارقطني: يحتج به، وأبوه يعتبر به+اهـ.(1/6)
قلت: قول الدارقطني فيه_ كما في المتروكين للدارقطني ص: 342 رقم362 هكذا:
=عبد الملك بن هارون بن عنترة الكوفي, عن أبيه. وأبوه أيضاً متروك+.
قال الحافظ المزي في تهذيب الكمال (30/102) في ترجمة =هارون بن عنترة +:
=وقال أبو بكر البرقاني: سألت الدارقطني عن =عبد الملك ابن هارون بن عنترة؟+ فقال: متروك, يكذب, وأبوه يحتج به, وجده يعتبر به+اهـ.
لكن الإمام ابن قيم الجوزية _ رحمه الله تعالى _ يرى صحة حديث =عاصم بن ضمرة+ كما في زاد المعاد (1/311) فقال ما نصه:
=وأما الأربع قبل العصر, فلم يصح عنه _ عليه السلام _ في فعلها شيء إلا حديث عاصم بن ضمرة , عن علي+اهـ.
قلت: الصواب _ إن شاء الله تعالى _ أن حديث =عاصم ابن ضمرة+ شاذ, لأنا إذا سلمنا _ جدلاً _ أن عاصم بن ضمرة ثقة وحجة, فقد خالف في روايته لهذا الحديث من هو أوثق منه وأكثر وأجل, حيث زاد في حديثه فعلا لم يزده غيره ألا وهو مداومة الرسول " على فعل ست عشرة ركعة بالنهار طول دهره مخالفاً بذلك حديث عائشة وأم حبيبة وعبد الله بن عمر ابن الخطاب وغيرهم الذين حفظوا عنه " ما كان يداوم عليه من رواتب الفرائض والذين صرحوا بأنها عشر ركعات كما في حديث ابن عمر, واثنتا عشرة ركعة كما في حديث عائشة وأم حبيبة.
وهذه الرواتب قد نقلها عنهم الأئمة الثقاة, والحفاظ الأثبات ومما يدلك على شذوذها أننا إذا طردنا حديث عاصم ابن ضمرة على ضابط الحديث الصحيح وجدناه شاذاً, وذلك أن ضباط الحديث الصحيح في اصطلاح أهل العلم بالحديث: هو مارواه عدل تام الضبط, متصل السند, غير معلل ولا شاذ+.
وقد فسروا الشذوذ بما يخالف فيه الراوي من هو أرجح منه+.
وعليه فقد وجدت المخالفة لمن هو أرجح من عاصم. والعلم عند الله تعالى.
وأما حديث أبي هريرة ÷ فأخرجه أبو بكر الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (14/308) رقم: 7625 .(1/7)
من طريق عبد الباقي بن قانع, حدثنا يوسف بن أحمد ابن عبد الله بن كركا الخياط, حدثنا أحمد بن يعقوب البصري, حدثنا هشيم في رحبة عبيد الله بن مهدي, حدثنا يونس ابن عبيد, عن الحسن, عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله ": =من صلى أربع ركعات قبل صلاة العصر, غفر له مغفرة عزماً+.
أحمد بن يعقوب لم أقف له على ترجمة, ويوسف ترجم له أبو بكر الخطيب في تاريخه ( 14/308) ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. والحسن في سماعه من أبي هريرة مقال مشهور.
وعلى هذا فيكون السند ضعيفاً لا يصلح للاحتجاج. والله أعلم.
وأما حديث عبد الله بن عمر _ رضي الله عنهما _ فأخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده ص:262 رقم 1936 , قال:
حدثنا أبو إبراهيم محمد بن المثنى, عن جده, عن ابن عمر,قال: قال رسول الله " :
=رحم الله امرءاً صلى قبل العصر أربعاً+.
ومن طريق الطيالسي أخرجه أحمد في المسند (2/117) رقم 5980, وأبو داود في السنن (2 / 53) رقم 1271, والترمذي في الجامع (2/295) رقم 2430, وابن خزيمة في الصحيح (2/206) رقم 1193، وابن حبان في صحيحه (6/206) رقم 2453 والبغوي في شرح السنة (3/470) رقم 893, وابن حبان في الصحيح (6/206) رقم2453، والبيهقي في الكبرى (2/473) وابن عدي في الكامل (6/2247) والمزي في تهذيب الكمال (24/333) رقم 5033 وأبو يعلى في مسنده (10/120) رقم (5748).
قال الترمذي: هذا حديث غريب حسن.
ورمز لصحته السيوطي في الجامع الصغير (ص 271) رقم4424 .
ولكن أبا حاتم الرازي ضعفه, فقال ابنه في العلل (1/360) رقم 322 : =وسمعت أبي يقول: سألت أبا الوليد الطيالسي, عن حديث محمد بن مسلم بن المثنى, عن أبيه, عن ابن عمر, عن النبي " , قال: =رحم الله من صلى قبل العصر أربعا ً+.
فقال: دع ذا. فقلت: إن أبا داود قد رواه؟ فقال أبو الوليد: كان ابن عمر يقول: =حفظت عن النبي " عشر ركعات في اليوم والليلة+ فلو كان هذا لعده.(1/8)
قال أبي: يعني =كان يقول: حفظت اثنتي عشرة ركعة+اهـ.
وذكره الحافظ أبو الحسن بن القطان في بيان الوهم والإيهام (4/191) رقم 1680, في باب ذكر أحاديث سكت عنها مصححاً لها وليست بصحيحة, وقال: وذكر من طريق أبي داود أيضاً حديث ابن عمر: =رحم الله امرءاً صلى قبل العصر أربعاً+ وسكت عنه متسامحاً _ فيما أرى _ لكونه من رغائب الأعمال, وهو حديث يرويه أبو داود الطيالسي .. إلى أن قال: محمد بن مهران, وثقه ابن معين, وقال فيه أبو زرعة: واهي الحديث, وقال عمرو بن علي: روى عنه أبو داود الطيالسي أحاديث منكرة, ولم يرضه يحيى القطان. وهذا الحديث _ كما ترى _ هو من رواية أبي داود الطيالسي عنه, وقد ذكره أبو أحمد في جملة ما أورد مما أنكر عليه, وقال في بابه: إن حديثه يسير, لا يبين به صدقه من كذبه+ اهـ.
وأقر الإمامُ العراقيُّ ابنَ القطان بنكارة هذا الحديث ذكر ذلك في المغني (1/229).
وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (8/78) رقم325: سئل أبو زرعة عن محمد بن مسلم بن المثنى الذي يروي عن جده، عن ابن عمر، عن النبي": =من صلى قبل العصر... الخ+ فقال: هو واهي الحديث+اهـ.
وقال المناوي في فيض القدير (4/24) رقم4424:
=قال ابن القيم: اختلف فيه، فصححه ابن حبان، وضعفه غيره.
وقال ابن القطان: =سكت عليه عبدالحق مسامحاً؛ لكونه من رغائب الأعمال، وفيه محمد بن مهران وهاه أبو زرعة.
وقال الفلاس: له مناكير، منها هذا الخبر+اهـ.
قلت: ومن هنا تعلم أنه قد اتفق على نكارة هذا الحديث وعدم صحته ما يقارب عشرة من رجال أئمة أهل العلم بالحديث وجهابذته، وهم:
الجوزجاني، وأبو الوليد الطيالسي، وعمرو بن علي الفلاس، وأبو زرعة الرازي، وابن عدي، وأبو الحسن بن القطان، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، والعراقي، وأبو حاتم الرازي.
وأما حديث أم سلمة _ رضي الله عنها _: =من صلى أربع ركعات قبل العصر حرم الله بدنه على النار+.(1/9)
قالت: قلت: يا رسول الله, قد رأيتك تصلي وتدع؟ قال: لست كأحدهم+.
فاخرجه الطبراني في الكبير (23/281) رقم 611 .
صدره المنذري في الترغيب والترهيب (2/8) بصيغة التمريض للدلالة على ضعف إسناده.
وقال الهيثمي في المجمع (2/222): =رواه الطبراني, وفيه نافع بن مهران وغيره ولم أجد من ذكرهم+ اهـ.
قلت: هو كما قال الهيثمي. فلم أعرف إلا شيخ الطبراني الحسين بن إسحاق, وهو ابن إبراهيم الدقيقي التستري قال فيه الحافظ أبو بكر الخلال كما في طبقات الحنابلة (1/142) شيخ جليل.
وقال الذهبي في السير (14/57) : كان من الحفاظ.
أما حديث عبد الله بن عمرو _ رضي الله عنهما _ فأخرجه الحافظ الطبراني في الأوسط (2/77) رقم 2580, قال: حدثنا أبو مسلم, قال: ثنا حجاج بن نصير, قال: ثنا اليمان ابن المغيرة العبدي, عن عبد الكريم أبي أمية, أن مجاهداً أخبره, عن عبد الله بن عمرو بن العاص, قال: جئت ورسول الله " قاعد في أناس من أصحابه فيهم عمر ابن الخطاب ÷ فأدركت آخر الحديث,ورسول الله " يقول: =من صلى أربع ركعات قبل العصر لم تمسه النار +.
فقلت, بيدي هكذا: إن هذا حديث جيد, فقال لي عمر ابن الخطاب : = لما فاتك من صدر الحديث أجود وأجود+ قلت : يا ابن الخطاب, فهات : فقال عمر بن الخطاب: حدثنا رسول الله ": =إن من شهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة+.
ثم قال الطبراني: لا يروى هذا الحديث عن عبد الله ابن عمرو عن عمر إلا بهذا الإسناد , تفرد به حجاج+ اهـ.
رمز لحسنه السيوطي في الجامع الصغير ص532 رقم8801, وأورده الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب (2/8) بصيغة التمريض.
وقال الهيثمي في المجمع (1/22): =رواه الطبراني في الأوسط وفيه حجاج بن نصير, والأكثر على تضعيفه+.
وقال في موضع أخر ( 2/222) : =وفيه عبد الكريم أبو أمية وهو ضعيف+.(1/10)
وأما حديث أم حبيبة _ رضي الله عنهما _ فأخرجه أبو يعلى في مسنده (13/59) رقم 7137 ، قال: حدثنا هارون ابن معروف, حدثنا يحيى بن سليم, قال:سمعت محمد بن سعيد المؤذن, عن عبد الله بن عنبسة(1) يقول: سمعت أم حبيبة بنت أبي سفيان تقول: قال رسول الله " :
=من حافظ على أربع ركعات قبل العصر, بنى الله _عز وجل_ له بيتاً في الجنة+ قال الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب (2/8) : =رواه أبو يعلى وفي إسناده محمد بن سعيد المؤذن, لا يدرى من هو؟ +اهـ.
وقال الهيثمي في المجمع (2/222) رواه أبو يعلى وفيه ابن سعيد المؤذن ولم أعرفه +اهـ.
قلت: هو معروف فقد ترجم له ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (7/264) رقم 1437, ولكنه قال: قبل الظهر, وهذا لفظه:
=محمد بن سعيد المؤذن روى عن عنبسة, عن أم حبيبة, عن النبي " قال: =من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر بني الله _ عز وجل _ له بيتاً في الجنة+.
__________
(1) - هكذا جاء: =عنبسة+ ولعل الصواب =عتبة+؛ لأن عبد الله ابن عتبة بن أبي سفيان هو الذي يروي عن عمته أم حبيبة وهي رملة بنت أبي سفيان هذا الحديث. قال الحافظ في تهذيب التهذيب (5/310 ) في ترجمته =قلت: أخرج له ابن خزيمة في صحيحة فهو ثقة عنده, وأخرج أبو يعلى في مسنده من طريق يحيى بن سليم, عن محمد بن سعيد المؤذن, عن عبدالله بن عتبة, عن أم حبيبة حديثا غير هذا+.
قلت: سكت عليه البخاري في التارخ الكبير (5/157 ) رقم 486, وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (5/124 ) رقم 570 , وقال الذهبي في المغني (1/346 ) رقم 3259 : فيه جهالة,وقال في الميزان (2/459) رقم 4441 : لا يكاد يعرف, تفرد عنه أبو المليح بن أسامة, وقال بشار في تحرير التقريب: بل مجهول.
وأورد له البوصيري في مصباح الزجاجة (1/254 ) رقم 719 حديث إجابة المؤذن,وقال: هذا إسناد صحيح وعبد الله بن عتبة أخرج له ابن خزيمة في صحيحه وذكره ابن حبان في الثقات+.(1/11)
ثم قال: سمعت أبي يقول: روى شيخ طائفي, يقال له: محمد بن سعيد: فإن أراد ذلك فهو هو. وإلا فإني لا أعرفه وهو مجهول, والطائفي يحدث بهذا الحديث, عن عطاء بن أبي رباح, عن عنبسة, عن أم حبيبة, سمعت أبي يقول ذلك+اهـ.
وترجم له ابن حبان في الثقات (7/428) فقال ما نصه :
=محمد بن سعيد الطائفي يروي عن طاوس وعطاء وعبدالعزيز بن عبدالملك بن أبي محذورة,روى عنه الثوري والمعتمر بن سليمان, وهو الذي يروي عنه يحيى بن سليم ويقول: حدثني أبو سعيد المؤذن +اهـ.
وقال البخاري في التاريخ الكبير (1/94) رقم : 256
قال يحيى بن سليم: سمعت محمد بن سعيد المؤذن, عن عبد الله بن عنبسة(1), سمعت أم حبيبة عن النبي " : =من حافظ أربعاً قبل الظهر بنى الله له بيتاً في الجنة+.
ورواه عمرو بن أوس الثقفي, عن عنبسة بن أبي سفيان عن أخته أم حبيبة زوج النبي ", عن رسول الله " , قال: =من صلى ثنتي عشرة ركعة في يوم بنى الله له بيتاً في الجنة: أربعاً قبل الظهر وثنتين بعدها, وركعتين قبل العصر, وركعتين بعد المغرب, وركعتين قبل الصبح+.
أخرجه الحاكم في المستدرك (1/311) وقال صحيح على شرط مسلم.
هكذا رواه عمرو بن أوس الثقفي, فلم يذكر الركعتين بعد العشاء.
ورواه النعمان بن سالم الطائفي, عن عنبسة بن أبي سفيان, عن أم حبيبة بنت أبي سفيان, قالت: قال رسول الله" : =من صلى ثنتي عشرة سجدة تطوعاً بنى الله له بيتاً في الجنة+.
أخرجه الحاكم أيضاً (1/312) وصححه.
وأجمل النعمان بن سالم هذه السجدات ولم يفصل فيها.
ورواه مكحول الشامي, عن عنبسة بن أبي سفيان, عن أم حبيبة, أنها أخبرته أن رسول " قال:
=من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار+.
رواه الحاكم في المسترك (1/312) وصححه.
ولم يذكر مكحول الركعات قبل صلاة العصر.
__________
(1) 1_ انظر ص 27.(1/12)
فحديث أم حبيبة _ رضي الله عنها _ وقع فيه اضطراب كثير _ كما ترى _ والراوي عنها أربع الركعات قبل العصر هو عبدالله بن عنبسة, وعبدالله بن عنبسة لا يدري من هو يحيى ابن معين كما في تاريخه رواية الدوري (2/324) ولم يعرفه أبو زرعة الرازي كما في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (5/132) رقم 615 , ولا يكاد يعرف عند الحافظ الذهبي كما في ميزان الاعتدال (2/469) رقم 1493.(1/13)