بسم الله الرحمن الرحيم
حديث : "سعيت قبل أن أطوف ".
أخرجه أبو داود في سننه ( 2015 ) وابن خزيمة في صحيحه (2774 )والدارقطني في سننه(2/251) والطحاوي في شرح المشكل (6015 ) والطبراني في الكبير (472 ، لكنه قرن مع جرير أسباطَ بن محمد - وستأتي الإشارة إلى ذلك - ) والبيهقي في الكبرى (5 / 146 ) من طريق جرير بن عبد الحميد عن أبي إسحاق الشيباني " سليمان بن أبي سليمان " عن زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك قال : خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاجاً ، وكان الناس يأتونه ، فمن قائل يقول : يا رسول الله سعيت قبل أن أطوف أو أخرت شيئاً أو قدمت شيئاً ، فكان يقول :
" لاحرج لاحرج ، إلا رجلٌ اقترض عِرْضَ رجل مسلم وهو ظالم فذاك الذي حرِج وهلك " .
وهذا الحديث إسناده صحيح ، إلا أن جماعة من الثقات الحفاظ رووه عن زياد بن علاقة ولم يذكروا هذه الجملة ، كما أنه روي عن أبي إسحاق الشيباني بدونها ، وبيان ذلك :
أن هذا الحديث بهذا اللفظ جزءٌ من حديثٍ يتكون من مقاطع عدة ، فمن الرواة مَنْ رواه مطولاً ومنهم مَنْ رواه مختصراً ، ولم يذكر أحد منهم ماذكره جرير عن أبي إسحاق الشيباني .
وقد أشار إلى أن هذا الحديث جزءٌ من حديثٍ آخر - وسيأتي ذكره - الحافظُ ابن حجر "رحمه الله " ( إتحاف المهرة 1 /- 323- ) وقبله أبو نعيم (معرفة الصحابة 1/- 226 ) وهو ظاهر تصرف الطبراني و الحاكم.(1/1)
روى هذا الحديث أسباط بن محمد ( وهو ثقة يخطيء في حديثه عن الثوري كما قال ابن معين ) عن أبي إسحاق الشيباني عن زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك قال :حججنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسئل عمن حلق قبل أن يذبح أو ذبح قبل أن يحلق . فقال : "لاحرج " . فلما أكثروا عليه ، قال : " ياأيها الناس قد رُفع الحرج إلا من اقترض من أخيه شيئاً ظلماً ، فذلك الحرج " . أخرجه ابن أبي شيبة ( 14/ 177- ) والطحاوي في شرح معاني الآثار ( 2 / 236 )والطبري في تهذيب الآثار (مسند ابن عباس رقم "374" ) ولم يذكر "سعيت قبل أن أطوف " .
وروى الطبراني في الكبير ( 472 ، وقد سبقت الإشارة إليه ) من طريق أسباط بن محمد وجرير بن عبد الحميد كلاهما عن الشيباني عن زياد عن أسامة وفيه (سعيت قبل أن أطوف ) .
فقد يقال : إن أسباط بن محمد اختلف عليه في ذكر هذه الجملة .
وقد يقال : إنه لم يُختلف على أسباط في ذلك ، ولكن الطبراني لما قرن روايتي جرير وأسباط ، أورد لفظ جرير ولم يورد لفظ أسباط ، ويكون الإعتماد في لفظ أسباط على رواية ابن أبي شيبة والطحاوي والطبري التي نصت عليها ، وهذا أقرب .
ويؤيِّده أن الطبراني نفسُه روى الحديثَ من طريق أسباط بن محمد غير مقرون برقم(473) بنحو لفظ ابن أبي شيبة والطحاوي والطبري .
وروى الحاكم في المستدرك من طريق أسباط بن نصر عن أبي إسحاق الشيباني عن زياد عن أسامة ، وأورد هذه الطريق ضمن الطرق الأخرى ولم يَسُقْ لفظَها ، وأسباط بن نصرٍ هذا يحتمل أنه غير أسباط بن محمد الذي في سند ابن بي شيبة والطحاوي والطبري ، ويحتمل أنه هو ، ويكون قد وقع تصحيفٌ في إسناد الحاكم ، وقد ذكر الحافظ ابن حجر طريق الحاكم في الإتحاف (1/325) ، وفيه " أسباط بن نصر " ، فالله أعلم .
وعلى كل حالٍ فالحاكم لم يورد لفظ أسباط بن نصر هذا حتى نعلم هل تابع جريراً على ( سعيت قبل أن أطوف ) أم لا ؟(1/2)
هذا ما وقفت عليه من الطرق لهذا الحديث عن أبي إسحاق الشيباني .
ولم أجد في أيٍ منها التصريح بنسبة الجملة المذكورة لغير جرير ، وإن كان إسنادُ الطبراني محتملاً ، إلا أن طريق ابن أبي شيبةوالطحاوي والطبري صريحٌ في عدم ذكرها .
ويؤيد القولَ بتفرد جرير أن الإمام الدارقطني لما روى الحديث في سننه قال :
( لم يقل : "سعيت قبل أن أطوف" إلا جرير عن الشيباني ) .
وننتقل الآن إلى أقران أبي إسحاق الشيباني الذين رووا هذا الحديث عن زياد بن علاقة ، فأقول :
روى هذا الحديث عن زياد بن علاقة جماعةٌ ، ولم يذكر أحدٌ منهم جملة ( سعيت قبل أن أطوف ) ومن هؤلاء :
مسعر بن كدام . عند ابن أبي شيبة (8/514) والنسائي في الكبرى ( 7554 ) وَ ابن حبان ( 478 وَ 6064 )
والطبراني في الكبير( 475 ) وَ الحاكم (4 / 399 ) .
وشعبة بن الحجاج . عند أحمد (30 / 394-رقم"18454 ") وأبي داود (3855) والنسائي في الكبرى (5875
وَ5881 وَ 7557 ) والطيالسي ( 1232- 1233 ) و الطحاوي (2 / 238) وَ الحاكم
( 4/ 400) و أبي نعيم في المعرفة (1 / 226) .
وسفيان الثوري . عند ابن أبي شيبة (8/ 514) وَ ابن حبان(478وَ6064) والطبراني في الكبير ( 468 وَ 470 ).
وأبو عوانة الوضاح بن عبد الله . عند البخاري في الأدب المفرد (291 ) والترمذي (2038) والطبراني في الكبير
( 464 ) والحاكم ( 4 / 400 ) .
وسفيان بن عيينة . عند الحميدي (824 ) وابن أبي شيبة (8 / 2 ) وابن ماجه ( 3436 ) وابن حبان ( 6061 )
والطبراني في الكبير ( 469 ) والحاكم (4/ 198وَ400) .
وزهير بن معاوية . عند أبي القاسم في الجعديات ( 2 / 934 رقم "2680 ") ومن طريقه البغوي في شرح السنة
( 3226 ) . وكذلك رواه الطبراني في الكبير ( 467 ) .
والأعمش . رواه الطبراني ( 474 ) والحاكم ( 4 / 198 وَ 400 ) .
وعثمان بن حكيم . عند ابن حبان (486 ) والطبراني في الكبير (471) وفي الأوسط (6380 ) والحاكم
(4 / 400 ) .(1/3)
ومحمد بن جحادة . عند ابن خزيمة ( 2955 ) والطبراني (484) وَ الحاكم ( 4 / 400 ) .
والمطلب بن زياد . عند أحمد ( 30 / 398 رقم" 18455" ) وَ الحاكم ( 4 / 198 ) .
والمسعودي . عند أحمد ( 30 / 394 رقم"18453" ) والطيالسي (1232-1233) والطبراني في الكبير
(486) والحاكم ( 4/198 و 400 ) وأبي نعيم في المعرفة ( 1 / 226 ) .
والأجلح الكندي . عند أحمد (30/ 398-رقم"18456") وَالطبراني في الكبير (478) .
وآخرون ... وقد أشار الحاكم إلى كثير منهم ولم يذكر ألفاظهم ، وقال : " قد ذكرت من طرق هذا الحديث أقل من النصف ". ( 4 / 400)كما أشار إلى ذلك أيضاً ، أبو نعيم في المعرفة ( 1 / 226 ) .
وهؤلاء الرواة منهم مَنْ روى الحديث مطوَّلاً ومنهم مَنْ اختصره ، وممن رواه مطوَّلاً الإمام أحمد في مسنده عن غندر عن شعبة عن زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك قال : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه عنده كأنما على رؤوسهم الطير ، فسلمت عليه ، وقعدت .قال : فجاءت الأعراب ، فسألوه فقالوا : يارسول الله ، نتداوى ؟
قال : " نعم ، تداووا ، فإن الله لم يضع داءً إلا وضع له دواءً ، غير داء واحد الهرم " .
قال : وكان أسامة حين كبر يقول : هل ترون لي من دواءٍ الآن ؟!
قال : وسألوه عن أشياء ، هل علينا حرجٌ في كذا وكذا ؟
قال : " عباد الله ، وضع الله الحرج إلا امرأً اقترض امرأً مسلماً ظلماً ، فذلك حرج وهلك " .
قالوا : ما خير ما أُعطي الناس يارسول الله ؟
قال : "خلقٌ حسن " .
هذا لفظ شعبة من طريق غندر عنه ، ونحوه لفظ أبي عوانة الوضاح عند البخاري في الأدب المفرد والطبراني في الكبير ،وسفيان بن عيينة عند ابن ماجه وابن حبان وغيرهما ، وكذلك زهير بن معاوية في ( الجعديات
2 / 934 رقم"2680 " ) وغيرهم .
ومن الرواة مَن اختصر الحديث ، فذكرَ بعضَ مقاطعه دون بعض .
وبناءً على ماسبق ، فتفرد جرير عن الشيباني عن زياد بهذه الجملة يحتمل أمرين :(1/4)
الأول / أن يقال : هذا تفرد من ثقةٍ فيقبل ، ويتأيد ذلك بكون هذا الحديث قد احتوى على عدة مقاطع ، فلا
يبعد أن يتفرد أحد الرواة ببعضها .
الثاني/ أن يقال : هذا التفرد من جرير غير مقبول ، وذلك أن عامة الرواة عن زياد ( ومنهم ثقات حفاظ ) لم
يذكروا هذه الجملة ، ويبعد أن يتفقوا على عدم ذكرها ، كما أن الحديث قد روي عن
الشيباني بدونها .
يضاف إلى ذلك أن هذه الجملة لم ترد غي كافة الأحاديث الواردة فيمن قدم شيئاً من نسكه
على آخر ...
والوجهان محتملان ، إلا أن الوجه الثاني أقرب ، فيما يظهر لي .
وممن صحح حديث ( سعيت قبل أن أطوف ) ابن خزيمة حيث أورده في صحيحه وابن جماعة حيث قال : " إسناده صحيح " . هداية السالك ( 2 / 892 ) .
وممن ضعفه ابن القيم ، حيث قال : " وقوله ( سعيت قبل أن أطوف ) ليس بمحفوظ والمحفوظ تقديم الرمي والنحر والحلق ،بعضها على بعض " . زاد المعاد ( 2 / 259 ) .
وهذا البحث إنما هو من الناحية الحديثية ، وأما الناحية الفقهية فلها مجالٌ آخر ، ولايلزم من تضعيف الحديث عدم القول بما يقتضيه ، فهناك عموم حديث عبدالله بن عمرو : ( فما سئل عن شيءٍ قدم ولا أُخر ... ) وإن كان قد أجيب عنه .
وعلى كل حالٍ فجماهير أهل العلم على عدم جواز تقديم السعي على الطواف ، وجعلوا الترتيب بينهما شرطاً . وخالف جماعةٌ فأجازوا ذلك مطلقاً ، منهم عطاء والأوزاعي وهو رواية عن أحمد ، ونُسب لبعض الشافعية وقال به ابن جرير الطبري ، وهو ظاهر تبويب أبي داود في السنن .
ومن أهل العلم مَنْ عَذَرَ الناسي والجاهل دون العامد ، وهو مذهب ورواية عن أحمد وقال به ابن خزيمة وقواه ابن دقيق .
كتبه / عبد الله آلحمادي
الاثنين 23 / 12 / 1423 هـ(1/5)
حَديْثَاعليِّ بنِ أبي طالبٍ - رضي الله عنه -
في مسأَلةِ التنفُّلِ َبعْدَ صلاةِ العَصْر
إعداد/ عبدالله آلحمادي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد
فهذا تخريجٌ لحديثين من الأحاديث الواردة في التنفُّل بعد صلاة العصر ، وكلاهما من حديث علي بن أبي طالبٍ - رضي الله عنه - ؛ وهما :
حديثه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " لا تُصَلُّوا بعدَ العصر ، إلا أن تُصَلُّوا والشمسُ مرتفعةٌ " .
والآخر قوله : كان رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يصلِّي في إِثرِ كلِّ صلاةٍ ركعتين ، إلا الصبح والعصر .
ومسألة التنفُّل بعد العصر من المسائل التي وقعَ فيها نزاعٌ بين أهل العلم من الصحابة - رضي الله عنهم - ومَنْ بعدهم ؛ وذلك
لاختلاف الآثار الواردة في هذه المسألة .
وفي هذا البحث دراسةٌ لحديثين من تلك الأحاديث ؛ أحدُهما يؤيد القولَ بالجواز ؛ والآخر لا يؤيده .
أسألُ الله تعالى أن ينفعَ بهذا البحث . ...
حديثُ علي بن أبي طالبٍ - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تُصَلُّوا بعدَ العصر ، إلا أن تُصَلُّوا والشمسُ مرتفعةٌ " .
هذا الحديث مداره على ( منصور بن المعتمر السلمي ) وقد اختُلف عليه وعلى أحد الرواة عنه :
فأولاً / روى هذا الحديث سفيان الثوري ، واختُلف عليه على ثلاثة أوجه :
1 / فرواه عبدالرحمن بن مهدي عن الثوري عن منصور بن المعتمر عن هلال بن يساف عن وهب بن
الأجدع عن علي بن أبي طالب .
رواه النسائي في الكبرى ( 1 / 485 ) ومن طريقه ابن حزم في المحلى ( 3 / 31 ) .
وابن خزيمة في صحيحه ( 1285 ) وابن حبان ( 1547 ) والبيهقي في الكبرى ( 2 / 459 ).
والإمام أحمد في مسنده ( 2 / 322 " 1073" ) ومن طريقه الضياء ( 764 ) .(1/1)
وأبو يعلى في مسنده ( 411 ) والشافعي في الأم ( 7 / 166 ) والفاكهي في أخبار مكة ( 515 ) .
من طرقٍ عن عبدالرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري به .
2 / ورواه إسحاق بن يوسف الأزرق عن الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن عليٍ.
أخرجه ابن خزيمة في صحيحه ( 1286 ) والإمام أحمد في مسنده ( 2 / 324 "1076" ) والدارقطني
في العلل ( 4 / 148 ) من طرقٍ عن إسحاق الأزرق عن الثوري به .
قال الدارقطني بعد ذكره لطريق إسحاق هذه : " ولم يُتابَعْ عليه " .
3 / رواه أبو داود الحفري عن الثوري عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن وهب بن الأجدع عن
علي بن أبي طالب.
وقد أشار إلى هذه الطريق الدارقطني في العلل ( 4 / 148 ) .
والوجه الأول هو الصحيح ، فإن عبدالرحمن بن مهدي من أثبت الناس في الثوري .
وأما الوجهان الثاني والثالث فهما خطاٌ ، حيث تفرَّد إسحاق الأزرق بالوجه الثاني .
وإسحاق ثقة ، إلا أنه كثير الخطأ عن سفيان الثوري ؛ كما قال الإمام أحمد ( العلل 2 / 34- ).
وتفرَّد أبو داود الحَفَري بالوجه الثالث ، وهو ثقةٌ ، تَكَلَّم في حديثه عن الثوري يحيى بنُ معين
كما في( شرح العلل 2 / 544) .
ولذلك قال الدارقطني في العلل ( 4 / 148 ) : " والصحيح حديثُ منصورٍ عن هلال بن يساف " .
كما نصَّ "رحمه الله " على وهم أبي داود الحفري في ذكر سالم بن أبي الجعد ، وعلى أن إسحاق الأزرق لم يتابَعْ على روايته .
ثانياً / روى هذا الحديث منصور بن المعتمر ، واختُلف عليه :
1 / فرواه شريك بن عبد الله عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن وهب بن الأجدع عن علي .
ذكر هذا الوجه الدارقطني في العلل ( 4 / 147 ) .
وتابع شريكاً على ذلك الثوريُّ فيما رواه عنه أبوداود الحفري ( وهو خطأٌ كما سبق ) .
2 / وروي عن منصور عن هلال بن يساف عن وهب عن علي .
وقد رواه عن منصور على هذا الوجه جماعةٌ من الثقات الحفاظ ، ومنهم :
((1/2)
سفيان الثوري ) في الوجه الثابت عنه ، وقد سبق تخريجه .
( شعبة بن الحجاج ) وأخرج حديثه أبو داود في سننه ( 1274 ) والنسائي في الكبرى ( 1/485 )
وابن الجارود ( 281 ) وابن خزيمة في صحيحه ( 1485 ) وابن حبان
( 1547 ) وأحمد في مسنده ( 2 / 322 " 1073" ) ومن طريقه الضياء
في المختارة ( 764 ) .
وأبو داود الطيالسي ( 108 ) ومن طريقه البيهقي في الكبرى ( 2 / 459 ).
وأبو يعلى ( 411 ) ومن طريقه الضياء ( 765 ) .
والفاكهي في أخبار مكة ( 515 ) والضياء في المختارة ( 763 ) .
( جرير بن عبد الحميد ) وأخرج حديثه النسائي في المجتبى ( 574 ) ومن طريقه ابن عبد البر في التمهيد
( 13 / 35 ) وابن حزم في المحلى ( 3 / 31 ) .
وابن خزيمة في صحيحه ( 1284 ) ومن طريقه ابن حبان ( 1562 ) .
وأحمد في مسنده ( 2 / 46 " 610 " ) ومن طريقه الضياء في المختارة (766)
والمزي في تهذيب الكمال ( 31 / 112 ) . وعزاه الضياء إلى إسحاق في
مسنده عن جرير به .
وأبو يعلى ( 581 ) وابن أبي شيبة في المصنَّف ( 2 / 348 ) ومن طريقه
ابن عبد البر في التمهيد ( 13 / 35 ) .
والفاكهي في أخبار مكة ( 514 ) .
( أبو عوانة الوضَّاح ) وأخرج حديثه ابن المنذر في الأوسط ( 2 / 388 " 1085 " ) .
والوجه الثاني عن منصور هو الصواب ، وأما الوجه الأول فلا يصح ، لتفرُّد شريكٍ به عن منصور ، وهو متكلَّمٌ في حفظه .
وأما متابعة الثوري له فهي خطاٌ كما سبق ؛ أخطأ فيها أبو داود الحفري ، ولا يصح أن يُجعل الخطأُ متابعاً أو شاهداً .
ولذلك قال الدارقطني : ( ذِكْرُ سالم بن أبي الجعد وهم ، وإنما هو هلال بن يساف ) .
والخُلاصة : أن حديث عليٍ - رضي الله عنه - في النهي عن الصلاة بعد العصر إلا أن تكون الشمس مرتفعة ، روي من
أوجهٍ متعددة :
1 / فروي عن الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم عن علي .
وهذا الإسناد تفرَّد به إسحاق الأزرق ؛ فأخطأ .(1/3)
وقد جعل الشيخ الألباني "رحمه الله " هذه الطريق ؛ مقوِّيةً لطريق وهب بن الأجدع .
2 / وروي عن منصور بن المعتمر عن سالم بن أبي الجعد عن وهب بن الأجدع عن علي .
وهذا الوجه لا يصح ، أخطأ فيه شريك عن منصور ، وأبو داود الحفري عن الثوري
عن منصور .
3 / وروي عن منصور عن هلال بن يساف عن وهب عن علي .
رواه عن منصور جمعٌ من الحفاظ ، وهو الوجه الصحيح .
ويبقى البحثُ الآن في إسناد حديث عليٍ من وجهه الثابت ، فأقول :
في سند هذا الحديث ( وهب بن الأجدع ) وقد وثقه العجلي ، وذكره ابن حبان في الثقات وأورده ابن سعد في الطبقة الأولى من أهل الكوفة ، وقال : ( كان قليل الحديث ) .
وقال الذهلي : ( وهب بن الأجدع قد ارتفع عنه اسم الجهالة ، قد روى عنه الشعبي وهلال بن يساف ) .
صحيح ابن خزيمة ( 2 / 266 ) .
وقال ابن حزم : ( وهب بن الأجدع ثقةٌ مشهور ، وسائر الرواة أشهر من أن يُسأل عنهم ، وهذه زيادة عدلٍ
لا يجوز تركها ) المحلى ( 3 / 31 ) .
وقد صحح الحديثَ ابنُ الجارود وابنُ خزيمة وابن حبان وابن حزم والعراقي في طرح التثريب ( 2 / 187 ) وحسَّن ابن حجر إسناده في الفتح ( 2 / 61 ) وقال مرةً : إسناده صحيح قوي (2/ 62).
بينما غَمَزَ في هذا الحديث البيهقيُّ في الكبرى ؛ حيثُ قال :
( ووهب بن الأجدع ليس من شرطهما ، وهذا حديثٌ واحد ، وما مضى في النهي عنهما ممتداً إلى غروب الشمس
حديثُ عددٍ ، فهو أولى أن يكون محفوظاً ) .
والذي يظهر لي أن هذا الحديث شاذٌ مَتْناً ، حيث تفرَّد به ( وهب بن الأجدع ) وهذا التفرُّد من مثله بمثل هذا الحديث المتضمِّن حكماً فيه إشكالٌ ، فكيف وقد تضمَّن هذا الحديثُ حكماً مخالفاً لصريح ما هو أصحُّ منه ، ومن تلك الأحاديث الصريحة :
أولاً / حديث أبي سعيدٍ الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا صلاة بعد صلاة العصر ... ) أخرجه بهذا
اللفظ مسلم في صحيحه ( 827 ).(1/4)
ثانياً / حديث عمرو بن عبسة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( صلِّ صلاةَ الصبحِ ثم أَقْصِرْ عن الصلاة حتى
تطلع الشمس ... ) إلى أن قال : ( فإذا أقبلَ الفيءُ فصَلِّ فإن الصلاةَ مشهودةٌ محضورةٌ حتى تصلي
العصرَ ثم أَقْصِرْ عن الصلاة حتى تغرب الشمس ) أخرجه مسلم ( 832 ) .
فهذان الحديثان يدلان دلالةً صريحة على أن وقت النهي يبدأُ بعد فعل صلاة العصر ، وهما أصحُّ من حديث وهب بن الأجدع الذي يدلُّ على خلاف ذلك .
وقد اقتصرتُ على هذين الحديثين لأنهما أصحُّ ما وقفتُ عليه ، وإلا فثمةَ أحاديثُ أخرى ، ومنها :
حديث ابن عباسٍ - رضي الله عنه - قال : حدثني رجالٌ مرضيُّون ، وأرضاهم عندي عمر ؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
( لا صلاة بعد صلاة العصر ... )
أخرجه أبو داود في سننه ( 1276 ) وأحمد في المسند ( 1/ 266 "110 ") وغيرهما .
وهذا الحديث مداره على قتادة عن أبي العالية عن ابن عباسٍ - رضي الله عنه - ، وهو من الأحاديث التي نصَّ الأئمة على سماع قتادة لها من أبي العالية ، وممن نصَّ على ذلك شعبة .
والراوي عن قتادة هنا ؛ هو : ( أبان بن يزيد العطار البصري ) .
ولكنْ ؛ قد روى هذا الحديثَ جماعةٌ عن قتادة ( في الصحيحين و غيرهما ) دون التقييد بلفظة : ( صلاة ).
و من تلك الأحاديث أيضاً ، حديث أبي أسيد - رضي الله عنه - ، عند الطبراني في الكبير ( 19/ 268 " 593 " ) . وغيرهما من الأحاديث .
والمراد أن حديثي ( أبي سعيد وَ عمرو بن عبسة ) دالان على شذوذِ حديث وهبٍ عن علي - رضي الله عنه - .
حديثُ عليِّ بنِ أبي طالبٍ - رضي الله عنه - قال :
كان رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يصلي في إِثرِ كلِّ صلاةٍ ركعتين ، إلا الصبح والعصر .
روى هذا الحديثَ سفيانُ الثوري ، واختُلف عليه في إسناده على وجهين :(1/5)
الأول / رواه معاوية بن هشام ( وهو صدوق ) عن الثوري عن أبي إسحاق عن الحارث الأعور عن علي .
أخرجه الدارقطني في العلل ( 4 / 69- ) من طريق شعيب بن أيوب عن معاوية عن الثوري به .
الثاني / رُوي عن الثوري عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي .
وقد رواه عن الثوري على هذا الوجه جماعةٌ ، منهم :
( عبدالرحمن بن مهدي ) وأخرج حديثه النسائيُّ في الكبرى (341) وابن خزيمة في صحيحه (1196)
والإمام أحمد في المسند ( 2/294 "1012 ") وأبو يعلى ( 573 )
والبزار ( 674 ) .
( وكيع بن الجراح ) وأخرج حديثَه ابن خزيمة في صحيحه ( 1196 ) وأحمد في المسند ( 2 / 294
" 1012 " ) وعبدالله بن أحمد في زوائده على المسند ( 2/294 " 1226 " )
وأبو يعلى ( 617 ) وابن أبي شيبة في المصنَّف ( 2 / 350 ) .
( محمد بن كثير ) وأخرج حديثه أبو داود في سننه ( 1275 ) .
( أبو نُعيم ؛ الفضل بن دُكَين ) أخرجه عنه عبد بن حُميد في مسنده ( 71 ) .
( عبد الرزاق بن همام ) رواه في مصنَّفه ( 4823 ) .
( أبو عامر العقدي ) وأخرج حديثه الطحاوي في شرح المعاني ( 1 / 303 ) .
( الحسين بن حفص ) وأخرج حديثه البيهقي في الكبرى ( 2 / 459 ) .
( أبو خالد الأحمر ) وأخرج حديثه ابن خزيمة في صحيحه ( 1196 ) وغيرُهم .
كلُّهم يروون الحديثَ عن الثوري عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي .
و لاشكَّ في نكارة الوجه الأول ، لتفرُّد معاوية بن هشامٍ به ، خلافاً لعامَّة أصحاب الثوري ، ولو كان معاوية ثقةً لم يُقبل ذلك منه ، فكيف وقد تُكُلِّمَ في حفظه ، ولذلك قال الدارقطني :
( والمحفوظ حديثُ عاصمٍ عن علي ) .
وقد تابعَ الثوريَّ على هذا الوجه ( مطرِّف بن طريف ) حيثُ روى الحديثَ عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي - رضي الله عنه - ، ولكنه لم يَسْتثنِ صلاتي الفجر والعصر ، فقال :
( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يصلي صلاةً إلا صلَّى بعدها ركعتين ) .(1/6)
أخرجه النسائي في الكبرى ( 346 ) وعبد الله بن أحمد في زوائده على المسند ( 1217 وَ 1227 ) من طريق جرير بن عبد الحميد .
وعبد الله بن أحمد في الموضعين السابقين من طريق محمد بن فُضيل .
وأبو يعلى ( 347 ) من طريق أسباط بن محمد .
ثلاثتهم عن مطرِّف بن طريف عن أبي إسحاق به .
والحديث عند البزَّار في مسنده ( 689 ) من طريق محمد بن فُضَيل ، وفيه : ( إلا الصبح والعصر ) .
وعلى أيِّ حالٍ ؛ فإما أن يؤخَذَ بالزيادة التي عند البزار ؛ ويؤيد ذلك روايةُ الثوري لها ، أو يُحكم على لفظ مطرِّف بالشذوذ ، لأن الثوريَّ قد روى هذه الزيادة ، وهو من أثبتُ الناسِ في أبي إسحاق ، بل هو وشعبة أثبتهم على الإطلاق ، كما نصَّ على ذلك ابن معين حيث قال : ( وإنما أصحابُ أبي إسحاق سفيان وشعبة ) يُنظر : ( مسند ابن الجعد ، النص رقم " 2579 " ) وشرح العلل ( 2 / 519 ).
بل قال أبو حاتم : ( سفيان أتقن أصحاب الثوري ، وهو أحفظ من شعبة ، وإذا اختلف الثوري وشعبة
فالثوري ) شرح العلل ( 2 / 520 ) .
والخلاصة : أن حديث عاصم بن ضمرة عن علي : ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في إثرِ كل صلاة ركعتين
إلا الصبح والعصر ) حديثٌ ليس بالقوي ، لتفرُّد عاصمٍ به عن علي ، وإن كنتُ أرى أنه لم
يأتِ بما يُنكَر ، وذلك أنََّ قوله : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في إثر كل صلاة ركعتين " يشهد
له حديث ابن عمر وغيره في بيان السنن الرواتب ، ومنها :
( ركعتان بعد صلاة الظهر وَ المغرب وَ العشاء ) .
وأما قوله : " إلا الصبح والعصر " فهو مخالفٌ لحديث أمِّ سلمة وَ عائشة "رضي الله عن الجميع"
حيث أثبتتا أنه كان يصلي بعد العصر ، إلا أنه يمكن القول بأن علياً قد روى ما رأى
وأم سلمة و عائشة رَوَتَا ما رَأَتا .
ولذلك فالذي يظهر لي فيما يتعلق بحديثَي عليٍ - رضي الله عنه - :(1/7)
أن حديث عاصمٍ عن علي – على ما فيه من التفرُّد المشار إليه – أقوى من حديث وهب بن الأجدع عن علي وذلك لأن حديث وهبٍ مخالفٌ لصريح قولِ النبي - صلى الله عليه وسلم - الثابتِ عنه .
وأما حديث عاصم بن ضمرة فإنما خالف الفعلَ – على أنه يمكن الجمعُ من غير تكلُّفٍ ؛ كما سبق – ومعلومٌ أن
مخالفةَ الفعل أهون من مخالفة القول – خاصة إذا كان القولُ صريحاً ؛ كما في مسألتنا – إذ الفعل يدخله من الاحتمال ما لايدخل القول .
( أقول هذا وأنا لم أبحث بعدُ حديثَ أمِّ سلمة وَ عائشة "رضي الله عنهما " ، هل هما حديثٌ واحدٌ أو لا ؟ وما اللفظ الثابت فيهما ؟ ) .
فائدة : يرى الإمام الشافعي "رحمه الله " أن حديث وهب بن الأجدع عن علي مخالفٌ لحديث عاصم بن
ضمرة عن علي ( الأم 7 / 166 ) .
وتبعه على ذلك الإمام البيهقي "رحمه الله " حيث قال – بعد ذكره لحديث وهبٍ عن علي - :
( وقد رُوي عن علي - رضي الله عنه - ما يخالف هذا ، ورُوي ما يوافقه :
أما الذي يُخالفه في الظاهر ... ) وساق بسنده إلى عاصم بن ضمرة عن علي قوله :
" كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي في إثر كل صلاة ركعتين ، إلا الصبح والعصر " .
ثم قال : ( وأما الذي يوافقه ... ) فساق بسنده من طريق شعبة عن أبي إسحاق عن
عاصم بن ضمرة قال :
" كنا مع علي - رضي الله عنه - في سفرٍ فصلَّى بنا العصر ركعتين ، ثم دخل فسطاطه وأنا أنظر ، فصلى
ركعتين ".
وقد حكى الشافعي "رحمه الله " هذه الأحاديث الثلاثة عن علي - رضي الله عنه - ثم قال :
هذه أحاديث يخالف بعضها بعضاً ، قال الشيخ : فالواجب علينا اتباع ما لم يقع فيه الخلاف ، ثم
يكون مخصوصاً بما لا سبب لها من الصلوات ، ويكون ما لها سببٌ مستثناةً من النهي بخبر
أم سلمة وغيرها ، والله اعلم ( السنن الكبرى 2 / 459 ) .
وقد أجاب الشيخ الألباني "رحمه الله " عن دعوى الاختلاف بين الحديثين ، فقال :
((1/8)
وهذا "يعني حديث عاصمٍ بن ضمرة " لا يخالف الحديث الأول "يريد حديثَ وهب بن
الأجدع " إطلاقاً ؛ لأنه إنما ينفي أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى ركعتين بعد صلاة العصر
والحديث الأول لا يُثبت ذلك حتى يُعارِضَ هذا ، وغايةُ مافيه أنه يدلُّ على جواز
الصلاة بعد العصر إلى ما قبل اصفرار الشمس وليس يلزم أن يفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - كل ما
أثبت جوازه بالدليل الشرعي كما هو ظاهر .
نعم ، قد ثبت عن أم سلمة وعائشة "رضي الله عنهما " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى ركعتين سنة الظهر
البعدية بعد صلاة العصر وقالت عائشة : إنه - صلى الله عليه وسلم - داوم عليها بعد ذلك ، فهذا يعارض حديث
عليٍ الثاني ، والجمع بينهما سهل ، فكلٌ حدَّثَ بما علم ،ومن علم حجةٌ على من لم يعلم ... ).
السلسلة الصحيحة ( 1 / 389 ؛ حديث رقم "200 " ) .
وهذا الجواب مُقنعٌ – فيما يظهر لي – فلا تعارض بين حديث ( وهب بن الأجدع )
وَحديث ( عاصم بن ضمرة ) ، وكذلك لا تعارض بين حديث ( عاصم بن ضمرة ) وحديث
( أمِّ سلمة وَ عائشة ) .
ولكن التعارض هو فيما بين الأحاديث الصريحة التي ذكرتهُا سابقاً في صـ 4 وَ 5 وبين
حديث وهب بن الأجدع .
ولم أجد للشيخ الألباني "رحمه الله " جواباً عن هذه الأحاديث ، وإن كان قد أجاب عن
بعض الألفاظ ؛ كرواية : ( لا صلاة بعد العصر ... ) وهو جوابٌ مقبول لولا تلك
الروايات الصريحة التي تبيِّن أن النهي يدخل بمجرَّد الفراغ من الصلاة .
وختاماً ، أقول :
لستُ أجزم في هذه المسألة بقولٍ معين ، وإن كنتُ إلى المنع أَمْيَلُ مني إلى الجواز ، لعموم أحاديث النهي وصراحتِها ، ومَنْ رأى الجواز فعنده ما يُسند قولَه ؛ وله في ذلك قدوةٌ.
ولذلك لما ذكر الحافظُ ابن رجبٍ "رحمه الله " قولَ الإمام أحمد : ( لا نفعله ؛ ولا نعيبُ فاعله )(1/9)
قال : ( وهذا لا يدلُّ على أنَّ أحمد رأى جوازَه ، بل رأى أن مَنْ فعله متأولاً أو مقلِّداً لمن تأوَّله لا يُنكَر عليه ولا يُعابُ قوله ، لأنَّ ذلك من موارد الاجتهاد السائغ ) .
يُنظَر / فتح الباري ( 3 / -278- ) .
عبدالله آلحمادي
13 / 1 / 1424 هـ
alhemadi@msn.com(1/10)