دراسة الأحاديث والآثار الواردة في ابتداء رمي الجمار أيام التشريق
د / عبدالعزيز بن محمد السعيد
بحث منشور في مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، في العدد الثاني والخمسين ـ 1426 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
... الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه وآله وصحبه أجمعين.
... أما بعد فقد حج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حجة واحدة، بين للناس فيها مناسكهم، وقد ائتم به فيها خلق كثير ممن حج معه، وقال لهم فيها : (( خذوا عني مناسككم )) ، وأمر الشاهد أن يبلغ الغائب ، فكانت حجته محفوظة في أقواله وأفعاله وتقريراته لأصحابه، ورواها العلماء في دواوين الإسلام المشهورة.
... ومن ذلك ما نقل من وقت ابتداء رميه ـ صلى الله عليه وسلم ـ للجمار أيام التشريق، وأنه بعد زوال الشمس، بيد أن هذه المسألة حصل فيها خلاف بين العلماء، هل الرمي بعد الزوال على سبيل الوجوب أوالفضيلة ؟ وهذا الخلاف مبناه على الأحاديث والآثار الواردة في هذا الباب.
... فلهذا رأيت جمع الأحاديث والآثار الواردة في ابتداء وقت رمي الجمار أيام التشريق ودراستها رواية ودراية، في خطة رسمتها على النحو الآتي :
خطة البحث
الفصل الأول : الأحاديث والآثار التي يستدل بها على أن ابتداء وقت الرمي بعد الزوال، وفيه ثلاثة مباحث :
المبحث الأول : الأحاديث المرفوعة.
المبحث الثاني : الآثار الموقوفة.
المبحث الثالث : الآثار المقطوعة.
الفصل الثاني : الأحاديث والآثار التي يستدل بها على أن الرمي يصح قبل الزوال، وفيه ثلاثة مباحث :
المبحث الأول : الأحاديث المرفوعة.
المبحث الثاني : الآثار الموقوفة.
المبحث الثالث : الآثار المقطوعة.
الفصل الثالث : فقه الأحاديث والآثار، وفيه ثلاثة مباحث :
المبحث الأول : أقوال العلماء في المسألة.
المبحث الثاني : القول المختار ومرجحاته.
المبحث الثالث : الإجابة عن أدلة المخالفين.
الخاتمة.
منهج البحث(1/1)
شملت الدراسة الأحاديث المرفوعة والآثار الموقوفة على الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ والمقطوعة على التابعين.
الأثر الذي أقف عليه بسنده أخرجه وأدرس إسناده وأحكم عليه، وأما الذي لاأقف له على إسناد فأذكر رأي من روي عنه في أقوال العلماء في المسألة ، محيلا على من عزاه إليه.
إذا كان الحديث أوالأثر أصلا في البحث فأتوسع في تخريجه من المصادر المعتبرة، وأما إذا لم يكن كذلك فأكتفي بما يحقق المقصود.
أترجم لرواة الإسناد باختصار، ومن كان من رواة السند مختلفا فيه، ذكرت الاختلاف على سبيل الإيجاز، ثم ذكرت الراجح فيه مع التعليل، مالم يكن العمل قد استقر على تصنيفه في أحد مراتب الجرح والتعديل. وأما إذا كان ثقة أوضعيفا باتفاق فأكتفي بذكر خلاصة حاله، والغالب أن العمدة في ذلك على عبارة ابن حجر في التقريب.
أحكم على الحديث أو الأثر في ضوء القواعد المعتبرة، مع العناية بذكر ما أجده من أقوال الأئمة.
ماكان من الأدلة ظاهر الدلالة على المسألة اكتفيت بإيراده، وماكان غير ظاهر بينت دلالته.
اجتهدت في استيعاب الأقوال في المسألة وأدلتها، مع مناقشة الأدلة، والترجيح بين الأقوال في ضوء الأدلة.
وثقت النصوص، وعزوت الأقوال إلى أصحابها، حسب المتبع في طرق البحث العلمي.
الدراسات السابقة
... هذه المسألة تناولها كثير من أهل العلم ممن تكلم في مسائل الحج في الكتب المصنفة في الفقه أوأحكام القرآن أوشروح الأحاديث ، أوغيرها ، لكن لم أجد من خص هذه المسألة ببحث مستقل جمع فيه الأقوال والأدلة على النحو الذي قصدت إليه في هذا البحث .(1/2)
... ولكن أشير هنا إلى بحث بعنوان ( رمي الجمرات وما يتعلق به من أحكام ) للدكتور شرف الشريف ، وهذا الكتاب تطرق فيه مؤلفه إلى عموم مباحث رمي الجمرات ، وبحث هذه المسألة في ثمان صفحات ، من ( ص88 إلى ص95 ) ، وكان بحثا فقهيا ، ولم يتوسع في تخريج الأحاديث والآثار ، ولم يدرس أسانيدها ، وقليلا ما ينقل حكم العلماء على الحديث ، كما لم يذكر الأقوال والأدلة على جهة الاستيعاب .
... كما أن هناك كتابا ، عنوانه ( فض الشجار في رمي الجمار ) للدكتور فتحي بن أحمد الغريب ، وجل الكتاب ليس في رمي الجمار ، والذي منه في رمي الجمار من ( ص 56 ــ 59 ) ، وهذا ما يتعلق ببحث أصل المسألة ، وقد جاء مقتضبا ، وليس فيه تحقيق في الأحاديث والآثار ، ولا استيعاب للأدلة ولا للأقوال في المسألة .
... ثم ذكر من ( ص79 ــ 84 ) بعض فتاوى المعاصرين في حكم رمي الجمار قبل الزوال مع شدة الزحام .
الفصل الأول : الأحاديث والآثار التي يستدل بها على أن ابتداء وقت الرمي بعد الزوال
المبحث الأول : الأحاديث المرفوعة.
( 1) عن جابر بن عبدالله ـ رضي الله عنه قال :(( رمى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الجمرة يوم النحر ضحى، وأما بعد فإذا زالت الشمس)).
... أخرجه البخاري معلقا(3/ 677) ووصله مسلم(1299) ( 2/ 945) ، وأبوداود ( 2 / 496 ح 1971)، والترمذي( 3 / 232 ح 894)، والنسائي( 5 / 270 ح 3063)، وابن ماجه( 2 / 1014 ح 3053)، وإسحاق بن راهويه في مسنده ـ كما في فتح الباري( 3 /678)ـ، وابن أبي شيبة في مصنفه ( 5 / 460 ح 14783 ) ، وأحمد(1/3)
( 22 / 254 ح 14354) و( 22 / 322 ح 14435) و( 23 /34ح 14671) و( 23 /429 ح 15291)، والدارمي( 2/61) وابن الجارود في المنتقى( 2/ 98 ح 474)، وابن خزيمة في صحيحه( 4 / 277 ح 2876) و( 4/ 316 ح 2986)، وابن حبان في صحيحه( 9 / 198 ح3886)، والدارقطني( 2 / 275)، و البيهقي( 5 / 131، 148)، والبغوي في شرح السنة( 7 / 223 ح 1966) كلهم من طرق عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر به.
( 2) عن وبرة قال : سألت ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ متى أرمي الجمار ؟ قال :(( إذا رمى إمامك فارمه )) ، فأعدت عليه المسألة ؟ قال :
(( كنا نتحين، فإذا زالت الشمس رمينا )).
... أخرجه البخاري ( 3/ 677 ح 1746) ، والبيهقي في السنن الكبرى( 5/ 148) كلاهما من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين ، وأبوداود ( 2/ 496 ح 1972) عن عبدالله بن محمد الزهري عن سفيان ، وابن أبي عمر العدني في مسنده ـ كما في فتح الباري ( 3 / 678 ) ـ عن سفيان ، كلاهما ( أبونعيم ، وسفيان ) عن مسعر عن وبرة به .
زاد في رواية العدني (( فقلت له : أرأيت إن أخر إمامي ؟)) ـ أي الرمي ـ فذكر له الحديث .
( 3) عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت (( أفاض رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من آخر يومه حين صلى الظهر، ثم رجع إلى منى، فمكث بها ليالي أيام التشريق، يرمي الجمرة إذا زالت الشمس، كل جمرة بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ويقف عند الأولى والثانية فيطيل القيام ويتضرع، ويرمي الثالثة ولايقف عندها )).
... أخرجه أبوداود( 2 / 495 ح 1973) : حدثنا علي بن بحر وعبدالله بن سعيد ـ المعنى ـ قالا : حدثنا أبوخالد الأحمر، عن محمد بن إسحاق، عن عبدالرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة به.
... ومن طريقه أخرجه البيهقي في دلائل النبوة( 5 / 443)، وابن عبدالبر في الاستذكار( 13 / 203)، وابن حزم في المحلى( 7 / 141) وفي حجة الوداع( ص214 ح304 ).
... ومن طريق علي بن بحر أخرجه : أحمد في مسنده( 41 / 140 ح 42592) .(1/4)
... ومن طريق عبدالله بن سعيد الأشج أخرجه : أبويعلى في مسنده
( 8 / 187 ح 4744)، وابن الجارود في المنتقى( 2 /109 ح 492)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار( 9 / 133 ح 3514) ، والدارقطني في سننه( 2 / 274).
... وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار( 2 / 220) من طريق أحمد بن حميد عن أبي خالد الأحمر به، وليس فيه موضع الشاهد.
... وأخرجه الحاكم في المستدرك( 1/ 477) وعنه البيهقي في السنن الكبرى( 5/ 148) من طريق أحمد بن خالد الوهبي، عن محمد بن إسحاق به.
... قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وأقره الذهبي.
... وأخرجه ابن حبان في صحيحه( 9 / 180 ح 3868) عن سعيد ابن يحيى بن سعيد الأموي حدثنا أبي حدثنا ابن إسحاق حدثني عبدالرحمن ابن القاسم به. وفي آخر الحديث زيادة (( وكانت الجمار من آثار إبراهيم)).
سند الحديث
علي بن بحر بن بري ـ بفتح الموحدة وتشديد الراء المكسورة بعدها تحتانية ثقيلة ـ البغدادي، ثقة فاضل، مات سنة 234 هـ التقريب( 4691).
عبدالله بن سعيد بن حصين الكندي أبوسعيد الأشج الكوفي، ثقة، مات سنة 257 هـ التقريب( 3354).
أبوخالد الأحمر هو سليمان بن حيان الأزدي الكوفي، حديثه مخرج عند الجماعة، قال ابن حجر : صدوق يخطئ ، وقال الذهبي في(1/5)
( الكاشف ) : صدوق إمام. وهو الأقرب ، فقد سئل وكيع عنه فقال: وأبوخالد ممن يسأل عنه ؟! ووثقه علي بن المديني والعجلي وابن سعد وقال : كثير الحديث، وابن معين وقال : ليس بحجة، وذكره ابن حبان في الثقات. وقال النسائي : ليس به بأس، وقال أبوحاتم: صدوق، وقال ابن عدي ـ بعد أن ذكر في ترجمته ثمانية أحاديث ـ: وأبوخالد الأحمر له أحاديث صالحة ما أعلم له غير ما ذكرت مما فيه كلام، ويحتاج فيه إلى بيان، وإنما أتي هذا من سوء حفظه، فيغلط ويخطئ، وهو في الأصل ـ كما قال ابن معين ـ : صدوق وليس بحجة. وقال البزار : ليس ممن يلزم زيادته حجة لاتفاق أهل العلم بالنقل أنه لم يكن حافظا. مات سنة 190 هـ أوقبلها. التقريب( 2547)، الكاشف( 1 / 2100)، من تكلم فيه وهو موثق( ص92)، الجرح والتعديل( 4 / 106)، الثقات لابن حبان( 6 / 395)، الكامل لابن عدي( 3 / 281)، تهذيب الكمال( 11 / 394)، ميزان الاعتدال( 2 / 200)، تهذيب التهذيب( 4 / 181)، هدي الساري( ص427)
محمد بن إسحاق بن يسار أبوبكر المطلبي مولاهم المدني، وهو ممن اختلف النقاد فيه، فممن وثقه: ابن المديني وابن معين في بعض الروايات عنه، وابن سعد وابن إدريس والخليلي والبوشنجي، وقال شعبة عنه : أمير المؤمنين في الحديث. وقال ابن البرقي : لم أر أهل الحديث يختلفون في ثقته وحسن حديثه. وقال أبوزرعة الدمشقي: قد اجتمع الكبراء من أهل العلم على الأخذ عنه، منهم : سفيان وشعبة وابن عيينة وحماد بن زيد وابن المبارك وإبراهيم بن سعد، وروى عنه من الأكابر يزيد بن أبي حبيب وقد اختبره أهل الحديث فرأوا صدقا وخيرا مع مدحة ابن شهاب له.
... وضعفه ابن معين في بعض الروايات، وأبوحاتم والنسائي ... والدارقطني، وكذبه هشام بن عروة ومالك والقطان.(1/6)
... والراجح أنه صدوق حسن الحديث، وهو اختيار الذهبي وابن ... حجر ؛ لأن كثيرا من رواياته التي وقعت فيها المناكير بسبب ... تدليسه عن الضعفاء، كما ذكره ابن حبان، وقال ابن عدي : ... وقد فتشت أحاديثه الكثيرة فلم أجد في أحاديثه ما يتهيأ أن ... يقطع عليه بالضعف، وربما أخطأ، أو وهم في الشيء بعد ... الشيء، ... كما يخطئ غيره، ولم يتخلف في الرواية عنه الثقات والأئمة ... وهو لابأس به. ولهذا احتمله عامة أهل العلم كما نص عليه ... البخاري.
... وهو مدلس مشهور بالتدليس عن الضعفاء والمجاهيل كما ... وصفه ... بذلك أحمد والدارقطني وغيرهما، مات سنة 150 هـ أوبعدها.
... الطبقات الكبرى لابن سعد( 7 / 321)، التاريخ الكبير ( 1 / ... 40)، معرفة الثقات( 2 / 232)، تاريخ أبي زرعة الدمشقي( 1 ... / 537، 621)، الثقات لابن حبان( 7 /380) ... ، الكامل لابن ... عدي(6/102)تهذيب الكمال (24/ 405)، ميزان الاعتدال( 3/ ... 468)، سير أعلام النبلاء(7 / 33) ، جامع التحصيل( ص113، ... 261) ... الكاشف( 3 / ... 18) ، تهذيب التهذيب ( 9/ 38) ... التقريب ( 5725)، طبقات المدلسين( ص51).
... وانظر : بحوثا في حاله في تهذيب السنن لابن قيم الجوزية( 7 ... / 94 )، عيون الأثر( 1/ 59)، تعليق الدكتور أحمد معبد على ... النفح الشذي( 2 / 708)
عبدالرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي، أبومحمد المدني، ثقة جليل، مات سنة 126 هـ وقيل بعدها. التقريب( 3981)
القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي، ثقة، أحد الفقهاء بالمدينة، مات سنة 106 هـ على الصحيح. التقريب ( 5489).
الحكم على الحديث
... الحديث بهذا الإسناد ضعيف ؛ لعنعنة ابن إسحاق وهو مدلس، وقد صرح بالسماع في رواية يحيى بن سعيد الأموي عنه عند ابن حبان، ويحيى( صدوق يغرب) كما في التقريب( 7554)، لكنه خالف في ذلك أباخالد الأحمر وهو( صدوق) كما تقدم ، وأحمد بن خالد الوهبي وهو(1/7)
( صدوق) كما في التقريب( 30)
... وضعفه النووي في المجموع( 8/ 237) بعنعنة ابن إسحاق، كما ضعفه الألباني في إرواء الغليل( 4/ 282) .
( 4) عن ابن عباس قال : (( كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يرمي الجمار إذا زالت الشمس )).
... أخرجه ابن أبي شيبة( 5 / 459 ح 14773 ) ، قال : حدثنا حفص ابن غياث عن حجاج عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس به.
وأخرجه الترمذي( 3 / 234 ح 898) : من طريق زياد بن عبدالله عن الحجاج به، وقال : حديث حسن.
... وأخرجه أحمد في المسند( 4/ 102 ح 2231) عن نصر بن باب، و ( 4/ 386 ح 2635)، و( 5/ 163 ح 3038) من طريق عبدالواحد ابن زياد عن الحجاج به.
... وأخرجه ابن ماجه( 2/ 1014 ح 3054)، و الطبراني في الكبير
( 11 / 395 ح12110)، و( 11 / 397 ح 12117) من طريق إبراهيم بن عثمان بن أبي شيبة : أبي شيبة عن الحكم به، وفي آخره زيادة (( قدر ما إذا فرغ من رميه صلى الظهر)) .
سند الحديث
حفص بن غياث بن طلق بن معاوية النخعي أبوعمر الكوفي، ثقة فقيه تغير حفظه قليلا في الآخر، مات سنة 194 أو 195 هـ التقريب( 1430)، تهذيب الكمال( 7 / 256).
الحجاج بن أرطاة ـ بفتح الهمزة ـ بن ثور بن هبيرة النخعي أبوأرطاة الكوفي القاضي، مات سنة 145 هـ اختلف فيه، فوثقه الخليلي، ووصفه بالحفظ : شعبة والثوري والبزار والخطيب، وغيرهم، وضعفه يحيى القطان وابن معين ٍوأحمد في رواية الحسن ابن علي وحرب، وابن سعد ويعقوب بن شيبة وأبوحاتم، والنسائي، والجوزجاني، ويعقوب بن سفيان، والساجي، وابن خزيمة، وابن حبان، والدارقطني والحاكم، وذكره البخاري والعقيلي في الضعفاء، وقال أبوأحمد الحاكم : ليس بالقوي عندهم.
... والراجح أنه ضعيف، فإن هذا التضعيف مفسر بأن في حديثه ... زيادة على حديث الناس كما قاله أحمد في رواية أبي طالب عنه، ... كما أن في حديثه اضطرابا كما قاله يعقوب بن ... شيبة ، وتغييرا ... للألفاظ كما قاله محمد بن نصر.(1/8)
... وهو مدلس، وصفه بالتدليس : ابن المبارك، وابن معين، وأحمد، ... وأبوحاتم، وأبوزرعة، والبزار، ومحمد بن نصر، وابن خراش، ... والخطيب البغدادي.
... انظر : معرفة الثقات( 1/ 284)، أحوال الرجال(ص78) ... المعرفة والتاريخ ( 2 / 164، 767) ، الضعفاء للعقيلي ( 1 / ... 277) ، الجرح والتعديل( 3 / 154)، المجروحين( 1 / ... 225)، ... الكامل في الضعفاء( 2 / 223)، تاريخ بغداد( 8 / 230)، ... الإرشاد( 1 / 195)، تهذيب ... الكمال ... ( 5 / 420) ، ... السير
... (7/ 68)، الميزان( 1/ 458)، ... تهذيب التهذيب( 2 /196)، ... طبقات المدلسين( 118).
الحكم بن عتيبة ـ مصغرا ـ أبومحمد الكندي الكوفي، ثقة ثبت فقيه إلا أنه ربما دلس، مات سنة 113 أوبعدها. التقريب
( 1453)، تهذيب الكمال( 7 / 114) .
مقسم ـ بكسر أوله ـ ابن بجره بضم الموحدة وسكون الجيم، ويقال : نجدة بفتح النون وبدال، أبوالقاسم مولى عبدالله بن الحارث، وثقه العجلي وأحمد بن صالح المصري ويعقوب بن سفيان والدارقطني، وقال أبوحاتم : صالح الحديث لابأس به. وضعفه ابن سعد، وقال الساجي : تكلم الناس في بعض رواياته . وقال الذهبي في الميزان( صدوق من مشاهير التابعين) وعلم أمامه بـ
( صح) إشارة إلى أن العمل على توثيق حديثه. وقال ابن حجر : صدوق وكان يرسل، مات سنة 101 هـ
... الجرح والتعديل( 8 / 414)، هدي الساري( ص486) ... ، ... تهذيب الكمال( 28/ 461)، ميزان الاعتدال( 4/ 176) تهذيب ... التهذيب(10/ 288)، التقريب( 6873).
الحكم على الحديث
... الحديث بهذا الإسناد ضعيف ؛ لأنه من رواية الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف كما سبق في ترجمته ، وأما متابعة إبراهيم بن أبي شيبة فلاشيء ؛ فإنه(( متروك)) كما في التقريب( 215).(1/9)
... كما أن الحكم لم يسمع من مقسم إلا أربعة أحاديث ، وليس هذا منها ، قال أحمد بن حنبل : (( الذي يصحح الحكم عن مقسم أربعة أحاديث )) ولم يذكر هذا الحديث منها ، قال عبدالله بن أحمد : (( قلت : فما روى غير هذا ؟ قال : الله أعلم ، يقولون هي كتاب ... وسمعت أبي مرة يقول : قال شعبة : هذه الأربعة التي يصححها الحكم سماع من مقسم)) .العلل ومعرفة الرجال ( 1 / 536 ) .
وانظر : جامع الترمذي ( 2 / 406 ) ، تهذيب التهذيب ( 2 / 434 ) .
( 5) عن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال : رأيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يرمي على راحلته يوم النحر، ويقول :(( لتأخذوا عني مناسككم ؛ فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه)).
... أخرجه مسلم( 2/ 943 ح 1297)، وأبوداود( 2 / 495 ح1970)، والنسائي( 5 / 270 ح 3062)، وأحمد( 22/ 312 ح 14419)، و( 22 / 418 ح 14553)، و( 23 / 205 ح 14946)، وابن خزيمة(4/277ح 2877)، والبيهقي( 5 / 116، 125).
المبحث الثاني : الآثار الموقوفة.
( 1) عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ.
... وهو مروي عنه من طريقين :
... أحدهما : عن السائب بن أبي هندية قال :(( رأيت عمر يخرج إذا زالت الشمس يرمي الجمار)).
... قال ابن أبي شيبة ( 5 / 459 ح 14775 ) ، : حدثنا وكيع، عن سعيد بن السائب عن محمد بن السائب عن أبيه قال، فذكره.
... وأخرجه البخاري في التاريخ الكبير( 1/ 100) عن وكيع ومعن عن سعيد به.
سند الأثر
وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي ـ بضم الراء، وهمزة، ثم مهملة ـ أبوسفيان الكوفي، ثقة حافظ عابد، مات في آخر سنة 196 هـ التقريب( 7414).
سعيد بن السائب بن يسار الثقفي الطائفي، ثقة عابد، مات سنة 171 هـ التقريب( 2316)، تهذيب الكمال(10 458).(1/10)
محمد بن السائب بن أبي هندية الثقفي، أورد البخاري حديثه هذا في ترجمته، ولم يذكره بجرح ولا تعديل، وقال أبوحاتم :( روى عن أبيه أنه رأى عمر رضي الله عنه يرمي الجمرة، روى عنه سعيد ابن السائب الطائفي)، وذكره ابن حبان في الثقات. الجرح والتعديل( 7/ 269)، الثقات( 7/ 427).
السائب بن أبي هندية الثقفي ، روى عنه ابنه ،ولم يذكره البخاري ، ولا ابن أبي حاتم بجرح ولاتعديل، وذكره ابن حبان في الثقات.
الطبقات الكبرى لابن سعد ( 5 / 519 ) ، التاريخ الكبير ( 4 / 154 ) ، الجرح والتعديل ( 4 / 243) ، الثقات لابن حبان ( 4 / 327) .
الحكم على الأثر
... الأثر بهذا الإسناد ضعيف ؛ لجهالة محمد بن السائب وأبيه.
الطريق الثاني : سالم بن عبدالله عن عمر أنه قال :(( لاترمى الجمرة حتى يميل النهار )).
... أخرجه ابن الجعد في مسنده ( ص414 / 2829) قال : أخبرنا ابن أبي ذئب عن رجل عن سالم بن عبدالله أن عمر، فذكره.
وأخرجه البيهقي في سننه( 5 / 149) معلقا قال : وروينا عن عمر رضي الله تعالى عنه ـ أنه قال : (( لاترمى الجمرة حتى يميل النهار))
سند الأثر
ابن أبي ذئب هو محمد بن عبدالرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب القرشي العامري أبوالحارث المدني، ثقة فقيه فاضل، مات سنة 158 وقيل 159 هـ التقريب ( 6082)
سالم بن عبدالله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي أبوعمر أو أبوعبدالله المدني، أحد الفقهاء السبعة، وكان ثبتا عابدا فاضلا، مات سنة 106 هـ التقريب( 2176)
الحكم على الأثر
... الأثر بهذا الإسناد ضعيف ؛ للرجل المبهم، والانقطاع بين سالم وجده عمر ـ رضي الله عنه ـ ؛ فإنه ولد في خلافة عثمان رضي الله عنه. سير أعلام النبلاء( 4 / 457)
( 2) عن ابن عمر، وله عنه طرق :
أحدها : عن نافع وعنه أربعة رواة :
أ ـ مالك في الموطأ( 1/ 408) عن نافع عنه قال :(( لاترمى الجمار في الأيام الثلاثة حتى تزول الشمس )).
... ومن طريقه أخرجه البيهقي( 5 / 149).(1/11)
سند الأثر
نافع أبوعبدالله المدني مولى ابن عمر، ثقة ثبت فقيه، مات سنة 117 هـ التقريب( 7086).
الحكم على الأثر
الأثر بهذا الإسناد صحيح.
ب ـ ابن جريج ، أخرجه بن ابن أبي شيبة ( 5 / 459 ح 14774 ) عن علي بن مسهر عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر أنه كان يرمي الجمار إذا زالت الشمس.
سند الأثر
علي بن مسهر ـ بضم الميم وسكون المهملة وكسر الهاء ـ القرشي الكوفي، قاضي الموصل، ثقة له غرائب بعد أن أضر، مات سنة 189 هـ التقريب( 4800).
ابن جريج هو عبدالملك بن عبدالعزيز بن جريج الأموي مولاهم المكي، ثقة فقيه فاضل، وكان يدلس ويرسل، مات سنة 150 هـ أوبعدها. التقريب( 4193).
الحكم على الأثر
الأثر بهذا الإسناد صحيح.
ج ـ عبدالله ـ هو ابن عطاء ـ، أخرجه ابن أبي شيبة ( 5 / 379 ح 14295 ) قال : حدثنا ابن نمير عن عبدالله عن نافع عن ابن عمر أنه كان يجعل رمي الجمار نوائب بين رعاء الإبل، يأمر الذين عنده فيرمون إذا زالت الشمس ، ثم يذهبون إلى الإبل، ويأتي الذين في الإبل فيرمون ، ثم يمكثون حتى يرموها من الغد إذا زالت الشمس.
سند الأثر
ابن نمير هو عبدالله بن نمير ـ مصغرا ـ الهمداني أبوهشام الكوفي، ثقة صاحب حديث، مات سنة 199 هـ التقريب(3668)
عبدالله هو ابن عطاء الطائفي المكي، صدوق كما قاله الذهبي، فقد وثقه ابن معين والبخاري، وقال الترمذي : ثقة عند أهل الحديث، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال النسائي : ليس بالقوي، وفي موضع آخر : ضعيف.
... علل الترمذي الكبير( ص390) ، الثقات لابن حبان ( 7 / ... 41) ، تهذيب الكمال ( 15 / 311) ، تهذيب التهذيب
... ( 5 / 322)، الكاشف( 2 / 98).
د ـ عبيدالله ـ هو ابن عمر ـ أخرجه ابن أبي شيبة ( 5 / 136 ح 12946 ) قال : حدثنا أبوأسامة حدثنا عبيدالله عن نافع عن ابن عمر قال :
(( إذا أدركه المساء في اليوم الثاني فلاينفر حتى الغد وتزول الشمس )).
سند الأثر.(1/12)
أبوأسامة هو : حماد بن أسامة القرشي مولاهم الكوفي، ثقة ثبت ربما دلس، وكان بأخرة يحدث من كتب غيره، مات سنة
( 201). التقريب( 1487).
عبيدالله هو : ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، أبوعثمان، ثقة ثبت، مات سنة بضع وأربعين ومائة. التقريب
( 4324).
نافع هو مولى ابن عمر، ثقة، تقدم.
الحكم على الأثر
... الأثر بهذا الإسناد صحيح.
الطريق الثانية : عمرو بن دينار قال : (( ذهبت أرمي الجمار، فسألت هل رمى عبدالله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ ؟ فقالوا : لا، ولكن قد رمى أمير المؤمنين ـ يعنون ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ، قال عمرو : فانتظرت ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ فلما زالت الشمس خرج فأتى الجمرة الأولى فرماها، ثم تقدم أمامها قليلا، فوقف وقوفا طويلا...))
... أخرجه الفاكهي في أخبار مكة( 4/ 298 ح 2664) قال : حدثنا محمد بن أبي عمر قال : حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار به.
... ورواه عبد الرزاق ـ كما في الاستذكار( 13 / 205) ـ قال : أخبرنا معمر وابن عيينة عن عمرو بن دينار قال : (( رأيت ابن عمر يرمي الجمار حين تزول الشمس قبل أن يصلي الظهر فيقف عند الجمرتين وقوفا طويلا رمى الجمرة الأولى وقام أمامها قياما طويلا ثم رمى الجمرة الثانية وقام عند شمالها قياما طويلا ثم رمى الثالثة ولم يقف عندها )) ، وعن ابن عباس مثل ذلك.
... وأخرجه سعيد بن منصور ـ كما في القرى (ص 524) ـ عن عمرو بن دينار قال :(( رأيت ابن عمر يرمي الجمار حين زالت الشمس، ولم يهجر ذلك التهجير )).
سند الأثر
محمد بن أبي عمر هو : محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني، نزيل مكة، صدوق، كان ملازما لابن عيينة، قال أبوحاتم : وكانت فيه غفلة. مات سنة 243 هـ التقريب( 6391)(1/13)
سفيان بن عيينة بن أبي عمران الهلالي أبومحمد الكوفي ثم المكي، ثقة حافظ فقيه إمام حجة إلا أنه تغير حفظه بأخرة، وكان ربما دلس لكن عن الثقات، وكان أثبت الناس في عمرو بن دينار، مات سنة 198 هـ التقريب( 2451)
معمر في الطريق الأخرى هو ابن راشد الأزدي مولاهم أبوعروة البصري، نزيل اليمن، ثقة ثبت فاضل إلا أن في روايته عن ثابت والأعمش وهشام ابن عروة شيئا، وكذا فيما حدث به بالبصرة، مات سنة 154 هـ التقريب( 6809).
عمرو بن دينار المكي أبومحمد الأثرم الجمحي مولاهم، ثقة ثبت، مات سنة 120 هـ التقريب( 5024)
الحكم على الأثر
... الأثر صحيح إلى ابن عمر، وهو متصل بين عمرو وابن عمر ؛ وذلك أن عمرو بن دينار أخبر عن مشاهدته لرمي ابن عمر، وأما ما ذكره عنه ابن الزبير فهو من التحديث عن المبهم ؛ لأنه قال : فسألت هل رمى عبدالله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ ؟ فقالوا : لا، ولكن قد رمى أمير المؤمنين ـ يعنون ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ،فلم يخبر عن مشاهدته لابن الزبير مباشرة، وإنما بواسطة غير مسماة، وسيأتي إن شاء ثبوت رميه بعد الزوال.
... وقوله : وعن ابن عباس مثل ذلك، يحتمل أن يكون المراد : وذكر عبدالرزاق بالسند السابق مثل ذلك ؛ فيكون متصلا، ويحتمل أنه مستأنف من كلام ابن عبدالبر ؛ فيكون منقطعا، وإنما ذكرت هذين الاحتمالين لكون الحديث غير موجود في مصنف عبدالرزاق المطبوع، ولم أقف عليه في مصادر أخرى.
... وأما رواية سعيد بن منصور فلم أقف على سندها.
الطريق الثالثة : أبوالزبير ، وسيأتي ـ إن شاء الله ـ مع أثر عبدالله بن الزبير.
( 3) عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه.
أخرجه ابن أبي شيبة ( 5 / 460 ح 14784 ) قال : حدثنا ابن إدريس عن أشعث عن أبي الزبير عن جابر مثله ـ أي مثل حديثه المرفوع السابق، ولم يرفعه
سند الأثر
ابن إدريس هو : عبدالله بن إدريس بن يزيد بن عبدالرحمن الأودي أبومحمد الكوفي، ثقة فقيه عابد، مات سنة 192 هـ(1/14)
أشعث بن سوار الكندي النجار الأفرق الأثرم صاحب التوابيت، قاضي الأهواز، ضعيف، مات سنة 136 هـ التقريب( 524).
أبوالزبير هو محمد بن مسلم بن تدرس ـ بفتح التاء وسكون الدال وضم الراء ـ القرشي الأسدي مولاهم المكي، وثقه الجمهور، ومنهم يحيى بن سعيد القطان وابن المديني وابن معين وأحمد في رواية وابن سعد والعجلي والساجي وابن عدي وابن عدي، وذكره ابن حبان في الثقات.
ولينه أيوب السختياني وابن عيينة والشافعي وأبوحاتم وأحمد ... في رواية.
والراجح أنه ثقة، ولم أقف على سبب بين في تضعيفه، وقد قال ابن عبدالبر : تكلم فيه جماعة ممن روى عنه ، ولم يأت واحد منهم فيه بحجة توجب جرحه، وقد شهدوا له بالحفظ ، ... وقد اعتمده مسلم كما ذكره الذهبي.
... وصفه النسائي وابن حزم بالتدليس، ووضعه ابن حجر في ... الطبقة ... الثالثة من المدلسين.
... الجرح والتعديل( 8 / 74) ، الثقات لابن حبان( 5 /351) ، ... الكامل لابن عدي( 6 / 121)، الاستغناء ( 1 / 647) ، تهذيب ... الكمال( 26/ 402)، ميزان الاعتدال (4/37) ، تهذيب ... التهذيب( 9 / 440) ، التقريب (6291)، طبقات المدلسين
... ( 101) ، البناء على القبور للمعلمي( ص80) .
الحكم على الأثر
... الأثر بهذا الإسناد ضعيف جدا ؛ لضعف أشعث بن سوار، ومخالفته لابن جريج ـ وهو ثقة كما تقدم ـ الذي رواه عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا، وتقدم (1).
( 4) أثر عبدالله بن الزبير رضي الله عنه، وله عنه طريقان :
أحدهما : عمرو بن دينار قال :(( رأيت ابن الزبير وعبيد بن عمير يرميان الجمار بعد مازالت الشمس)).
... أخرجه ابن أبي شيبة ( 5 / 459 ح 14777 )حدثنا أبوخالد عن ابن جريج عن عمرو به.
سند الأثر
أبوخالد الأحمر، صدوق كما تقدم.
ابن جريج هو عبدالملك بن عبدالعزيز، ثقة يدلس، تقدم.
عمرو بن دينار ثقة، ثقدم.
الحكم على الأثر
__________
(1) وهو الحديث الأول في المبحث الأول من الفصل الأول .(1/15)
... الأثر بهذا الإسناد حسن ؛ لحال أبي خالد الأحمر ، وابن جريج من أعلم الناس بعمرو بن دينار كما قاله ابن المديني، ومن أرفع الرواة عنه كما قاله الدارقطني ( شرح علل الترمذي 2/ 494)، وقال ابن جريج : جالست عمرو بن دينار بعدما فرغت من عطاء تسع سنين تهذيب الكمال( 18 / 347).
... والطريق الآخر : أبوالزبير أنه رأى عبدالله بن عمر وعبدالله بن الزبير ـ رضي الله عنهم ـ يرميان الجمار حين تزيغ الشمس، ورآهما يطيلان الوقوف عند الجمرتين الأوليين.
... أخرجه الفاكهي في أخبار مكة( 4 / 299 ح 2665) قال : حدثنا هارون بن موسى بن طريف قال : حدثنا ابن وهب عن عمرو قال : إن أبا الزبير حدثه، فذكره.
سند الأثر.
هارون بن موسى بن طريف لم أقف له على ترجمة.
ابن وهب هو عبدالله بن وهب بن مسلم القرشي مولاهم أبومحمد المصري، ثقة حافظ عابد، مات سنة 197 هـ التقريب( 3694).
عمرو بن دينار المكي، ثقة، تقدم.
أبوالزبير هو محمد بن مسلم بن تدرس، ثقة، تقدم.
الحكم على الأثر
... الأثر بهذا الإسناد ضعيف ؛ لجهالة موسى بن طريف ، وقد روى
عن ابن وهب ماخالف به روايتي ابن عيينة ومعمر ، اللذين لم يذكرا أبا الزبير في سنده (1).
المبحث الثالث : الآثار المقطوعة
( 1) أثر عبيد بن عمير بن قتادة الليثي، المولود على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المجمع على ثقته.
تقدم في المأثور عن ابن الزبير.
( 2) أثر سعيد بن جبير الأسدي مولاهم الكوفي( ت 95) وله عنه طريقان :
... أحدهما : عبدالله بن عثمان بن خثيم قال :(( رأيت سعيد بن جبير يتحين زوال الشمس فيرمي الجمار )).
... أخرجه ابن أبي شيبة ( 5 / 460 ح 14779 ) حدثنا عبدالله بن إدريس عن عبدالله بن عثمان به.
سند الأثر
عبدالله بن إدريس، ثقة، تقدم.
__________
(1) وقد سبق تخريج هاتين الروايتين في الطريق الثانية لأثر ابن عمر .(1/16)
عبدالله بن عثمان بن خثيم ـ مصغرا ـ القارئ المكي أبوعثمان، صدوق، مات سنة 132 هـ التقريب( 15 / 279)، تهذيب الكمال( 15 / 279)، ميزان الاعتدال( 2 / 459).
الحكم على الأثر
... الأثر صحيح، ولايضر أن ابن خثيم صدوق ؛ فإن هذا في باب الرواية، وأما هنا فأخبر عن رؤيته.
... الطريق الثانية : محمد بن أبي إسماعيل، وتخريجه في الأثر الذي بعده.
( 3) أثر طاوس بن كيسان اليماني( ت 106)
... قال ابن أبي شيبة 5 / 460 ح 14780 ) : حدثنا ابن نمير عن محمد بن أبي إسماعيل قال :(( رأيت سعيد بن جبير وطاوسا يرميان الجمار عند زوال الشمس ويطيلان القيام)).
ابن نمير هو عبدالله بن نمير، ثقة، تقدم.
محمد بن أبي إسماعيل : راشد السلمي المدني، ثقة، مات سنة 142 هـ التقريب( 5741)
الحكم على الأثر
... الأثر بهذا الإسناد صحيح
( 4) أثر الحسن بن أبي الحسن البصري( ت 110) وله عنه طريقان :
... أحدهما : هشام بن حسان.
... أخرجه ابن أبي شيبة ( 5 / 460 ح 14781 ) قال : حدثنا عبدالأعلى عن هشام عن الحسن، وأحال بمثله على الأثر السابق عن ابن جبير وطاوس.
سند الأثر
عبدالأعلى بن عبدالأعلى البصري السامي أبومحمد، ثقة، مات سنة 189 هـ التقريب( 3734).
هشام بن حسان الأزدي القرودسي ـ بضم الدال ـ أبوعبدالله البصري، ثقة، مات سنة 147 أو148 هـ التقريب( 7289).
الحكم على الأثر
... الأثر بهذا الإسناد صحيح.
... الطريق الثانية : أبوحرة، عن الحسن أنه كان لايرى بأسا أن يبيت الرجل أيام منى بمكة بعد أن يرمي الجمار كل يوم بعد زوال الشمس.
... أخرجه الفاكهي في أخبار مكة( 2/ 65 ح 1161) حدثنا حسين بن حسن، قال : أنا هشيم، عن أبي حرة به.
سند الأثر
حسين بن حسن بن حرب السلمي أبوعبدالله المروزي نزيل مكة، قال أبوحاتم : صدوق. وذكره ابن حبان في الثقات. مات سنة 246 هـ. الجرح والتعديل( 3 / 49)، الثقات لابن حبان( 8 / 190)، تهذيب الكمال( 6 / 361)، التقريب( 1315).(1/17)
هشيم هو ابن بشير ثقة ثبت، كثير التدليس والإرسال الخفي، تقدم.
أبوحرة ـ بضم المهملة وتشديد الراء ـ هو واصل بن عبدالرحمن البصري .قال ابن حجر : صدوق عابد وكان يدلس عن الحسن. وقد أثنى عليه شعبة، ووثقه أحمد، وذكره ابن حبان في الثقات ، وقال النسائي : ليس به بأس، وضعفه ابن معين، وقال أبوداود : ليس بذاك. وقال ابن سعد : كان فيه ضعف . مات سنة 152 هـ
الطبقات الكبرى(7 / 275) ، الثقات لابن حبان( 7/ 559) ، تهذيب الكمال ( 30 / 406) ، تهذيب التهذيب ( 11/ 104) ، التقريب ( 7385).
الحكم على الأثر
... الأثر بهذا الإسناد حسن، إن سلم من تدليس هشيم وأبي حرة، والطريق الأولى مقوية لهذه الطريق.
( 5) : أثر عطاء بن أبي رباح( ت 114)
... أخرجه ابن أبي شيبة ( 5 / 460 ح 460 ) حدثنا أبوخالد الأحمر عن ابن جريج قال سمعت عطاء يقول : (( لاترمى الجمرة حتى تزول الشمس )) فعاودته في ذلك فقال ذلك.
... وأخرجه ابن خزيمة ( 4 / 316 ح 2969 ) (1) ، والحاكم في المستدرك (1/ 477) من طريق حميد بن الخوار حدثنا ابن جريج عن عطاء قال : لا أرمي حتى تزيغ الشمس ؛ إن جابر بن عبدالله ـ رضي الله عنهما ـ قال :(( كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يرمي يوم النحر قبل الزوال ، فأما بعد ذلك فعند الزوال )) وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
... وقال ابن خزيمة : هذا حديث غريب إن كان ابن خوار حفظ عطاء في هذا الإسناد .
... وأخرجه سعيد بن منصور ـ كما في القرى ص524 ـ عن عطاء قال :(( رمي الجمار بعد الزوال، فإن رمى قبل الزوال بجهالة أجزأه )).
سند الأثر
أبوخالد الأحمر، صدوق، تقدم
ابن جريج هو عبدالملك بن عبدالعزيز، ثقة تقدم.
الحكم على الأثر
__________
(1) مع ملاحظة أن في المطبوع تصحيفا ، إذ جاء فيه (( ترتفع )) بدل (( تزيغ )) والتصويب من المخطوط ( 291 / ب ) .(1/18)
... الأثر بهذا الإسناد حسن ؛ لحال أبي خالد الأحمر، وقد تابعه حميد ابن خوار في رواية الحاكم المتقدمة، ولكنه( لين الحديث) كما في التقريب
( 1543).
...
الفصل الثاني : الأحاديث والآثار التي استدل بها على أن الرمي يصح قبل الزوال.
المبحث الأول : الأحاديث المرفوعة.
( 1) : حديث جابر بن عبدالله ـ رضي الله عنهما ـ المتقدم قال :
(( رمى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الجمرة يوم النحر ضحى، وأما بعد فإذا زالت الشمس)).
( 2) حديث عبدالله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقف في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه فجاءه رجل فقال : لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح، فقال : (( اذبح ولاحرج)) فجاء آخر فقال : لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي، قال :(( ارم ولاحرج )) فما سئل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال :
(( افعل ولاحرج )).
... أخرجه البخاري( 1/ 217 ح 83)، و( 3/ 665 ح 1736 وح 1737 و 1738) و( 11 / 557 ح6665)، ومسلم( 2/ 948 ح1306) وأبوداود( 2 / 516 ح2014)، والترمذي( 3 / 249 ح 916) وفيه اختصار، والنسائي في الكبرى( 4107)، وابن ماجه( 2 / 1014 ح 3051) مختصرا، ومالك( 1/ 421)، وأحمد( 11 / 23 ح 6484) و( 11 / 601 ح 7032)، والدارمي( 2/ 64، 65)، وابن الجارود في المنتقى( 2 / 107 ـ 108 ح 487، 488، 489)، وابن خزيمة( 4 / 308، 309 ح 1949، 2951)، والدارقطني( 2 / 251 ـ 253).
( 3) عن وبرة قال : سألت ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ : متى أرمي الجمار ؟ قال :(( إذا رمى إمامك فارمه، فأعدت عليه المسألة))، قال :(( كنا نتحين، فإذا زالت الشمس رمينا)) ، وتقدم تخريجه.
( 4) حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم(( رخص للرعاء أن يرموا بالليل، وأي ساعة من النهار شاؤوا)).(1/19)
... أخرجه الدارقطني( 2/ 276) : حدثنا أبو الأسود عبيد الله بن موسى بن إسحاق الأنصاري حدثنا جعفر بن محمد الشيرازي حدثنا بكر ابن بكار حدثنا إبراهيم بن يزيد حدثنا سليمان الأحول عن عمرو به.
سند الحديث
أبو الأسود عبيد الله بن موسى بن إسحاق الأنصاري، قال الخطيب : كان ثقة. مات سنة 329 هـ تاريخ بغداد( 10 / 352).
جعفر بن محمد الشيرازي، قال ابن القطان : لاتعرف حاله .
بيان الوهم والإيهام( 3 / 463)، ذيل الميزان( 253 ص173) لسان
الميزان( 2 / 216) .
بكر بن بكار القيسي أبوعمرو البصري، وثقه أبوعاصم النبيل وسهل بن حاتم، وذكره ابن حبان في الثقات وقال : ربما أخطأ. وقال ابن أبي حاتم : ضعيف الحديث سيئ الحفظ له تخليط. وقال ابن معين : ليس بشيء. وقال أبوحاتم : ليس بالقوي. وقال النسائي : ليس بقوي، وفي موضع آخر : ليس بثقة.وقال ابن عدي : ولبكر بن بكار أحاديث حسان غرائب صالحة، وهو ممن يكتب حديثه... وليس حديثه بالمنكرجدا. وذكره العقيلي وابن الجارود والساجي في الضعفاء.
تاريخ ابن معين رواية الدوري( 2 / 62)، الضعفاء ... للنسائي(88)، الجرح والتعديل( 2 / 382)، الضغفاء للعقيلي(1/ 169)، الثقات لابن حبان( 8 / 146)، الكامل في الضعفاء( 2/ 31) تهذيب التهذيب( 1/ 479)
إبراهيم بن يزيد هو الخوزي أبو إسماعيل المكي ـ كما جزم به الحافظ ابن حجر ـ ومال ابن القطان إلى أنه الخوزي، واحتمل أن يكون غيره وقال : فإن كان الخوزي فهو ضعيف وإن لم يكن إياه فلا يدرى من هو.
... والخوزي : متروك الحديث. مات سنة 151 هـ.
... بيان الوهم والإيهام( 3 / 462) التقريب( 272)، لسان الميزان
( 1 / 185).
سليمان بن أبي مسلم المكي الأحول، ثقة ، من الخامسة. التقريب
( 2608)، تهذيب الكمال( 12 / 62).(1/20)
عمرو بن شعيب بن محمد بن عبدالله بن عمرو بن العاص القرشي السهمي، أبوإبراهيم المدني، اختلف فيه، واستقر العمل على تحسين حديثه، قال الذهبي : في الميزان : ولسنا نقول إن حديثه من أعلى أقسام الصحيح، بل هو من قبيل الحسن. وقال في من تكلم فيه وهو موثق : صدوق في نفسه، لايظهر تضعيفه بحال، وحديثه قوي. وقال ابن حجر : صدوق، مات سنة 118 هـ التقريب( 5050)، الميزان
( 3 / 263)، من تكلم فيه وهو موثق ( ص145) ، السير(5 / 165)، تهذيب الكمال( 22/ 64).
شعيب بن محمد بن عبدالله بن عمرو بن العاص، صدوق ، ذكر البخاري وأبوداود وغيرهما أنه سمع من جده، من الثالثة. تهذيب الكمال( 12/ 534) التقريب( 2806)،( 4/ 356)
وجده هو : الصحابي عبدالله بن عمرو بن العاص.
الحكم على الحديث
... الحديث بهذا الإسناد ضعيف ؛ لجهالة جعفر بن محمد الشيرازي، ولين بكر بن بكار، وضعف إبراهيم بن يزيد إن كان هو الخوزي أوجهالته إن لم يكن هو.
... وقد ضعف إسناده الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير( 2 / 282) .
المبحث الثاني : الآثار الموقوفة
( 1) : أثر عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما، وهو مارواه عنه عمرو بن دينار قال : ذهبت أرمي الجمار، فسألت هل رمى عبدالله ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ ؟ فقالوا : لا، ولكن قد رمى أمير المؤمنين ـ يعنون ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ وقد سبق تخريجه.
( 2) : أثر ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وهو مروي عنه من قوله وفعله، وإليك تخريج ذلك :
... أما المروي عنه من قوله فأخرجه البيهقي في سننه الكبرى(5/ص152) قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا العباس بن محمد حدثنا محمد بن عبيد حدثنا طلحة عن عبد الله بن أبي مليكة عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال :(( إذا انتفخ النهار من يوم النفر الآخر فقد حل الرمي والصدر )) ، وقال : طلحة بن عمرو المكي ضعيف.
سند الأثر(1/21)
أبوعبدالله الحافظ هو محمد بن عبدالله بن البيع المعروف بالحاكم، صاحب المستدرك. قال الخليلي : عالم عارف واسع الرواية ذو تصانيف كثيرة، لم أر أوفى منه... وهو ثقة واسع العلم ). مات سنة 405 هـ الإرشاد( 3 / 851) سير أعلام النبلاء( 17 / 162).
أبوالعباس محمد بن يعقوب بن يوسف النيسابوري الأصم. وثقه ابن خزيمة، وقال الحاكم أبوعبدالله :( وكان محدث عصره، ولم يختلف أحد في صدقه وصحة سماعاته) مات سنة 346 هـ المنتظم( 14 / 112)، سير أعلام النبلاء( 15 / 452)
العباس بن محمد بن حاتم الدوري أبوالفضل البغدادي، ثقة حافظ. مات سنة 271 هـ التقريب( 3189)، تهذيب الكمال( 14 / 245).
محمد بن عبيد بن أبي أمية الطنافسي الكوفي الأحدب، ثقة يحفظ. مات سنة 204 هـ التقريب( 6114)، تهذيب الكمال( 26 / 54)
طلحة هو ابن عمرو بن عثمان الحضرمي المكي، متروك. مات سنة 152 هـ التقريب( 3030)، تهذيب الكمال( 13/ 427)
عبدالله بن عبيدالله بن عبدالله بن أبي مليكة ـ بالتصغير ـ بن عبدالله بن جدعان التيمي المدني، ثقة فقيه، أدرك ثلاثين من الصحابة، مات سنة 117 هـ التقريب( 3454)، تهذيب الكمال( 15 / 256) .
الحكم على الأثر
... الأثر بهذا الإسناد ضعيف جدا ؛لحال طلحة بن عمرو، وبه أعله البيهقي كما تقدم، وضعفه ابن حجر في الدراية(2/ 28) والمباركفوري في تحفة الأحوذي( 3/ 545).
... وردت لفظة ( انتفخ ) عند البيهقي بالخاء المعجمة ، وهي
كذلك في كثير من الكتب الناقلة عنه، قال ابن الهمام :(( والانتفاخ : الارتفاع )) (1) ، وقال ابن حجر :(( والانتفاج ـ بالجيم ـ : الارتفاع)).(2)
... أما المروي عنه من فعله، فله عنه طريقان :
... الطريق الأولى : ذكر عبد الرزاق ـ كما في الاستذكار( 13 / 209) ـ قال : أخبرنا بن جريج عن ابن أبي مليكة قال :(( رأيت ابن عباس يرمي مع الظهيرة أو قبلها ثم يصدر)).
__________
(1) فتح القدير ( 2/ 393) .
(2) الدراية ( 2/ 28).(1/22)
... وأخرجه ابن أبي شيبة ( 5 / 460 ح 14778 ) قال : حدثنا وكيع عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة قال :(( رمقت ابن عباس رماها عند الظهيرة قبل أن تزول )).
سند الأثر
ابن جريج ، ثقة، وكان يدلس ويرسل، تقدم.
ابن أبي مليكة هو : عبدالله بن عبيدالله، ثقة فقيه، تقدم.
الحكم على الأثر
... الأثر بهذا الإسناد صحيح، ولاتضره عنعنة ابن جريج، فقد أخرج ابن أبي حاتم في تقدمة الجرح والتعديل( ص241) عن عمرو بن علي ـ هو الفلاس ـ قال : سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول : أحاديث ابن جريج عن ابن أبي مليكة كلها صحاح، وجعل يحدثني بها، ويقول : حدثنا ابن جريج قال : حدثني ابن أبي مليكة، فقال في واحد منها : عن ابن أبي مليكة، فقلت : قل حدثني، قال : كلها صحاح.
... ورواية الشك في حديث عبدالرزاق محمولة على رواية وكيع المجزوم بها ؛ لتردد راوي الرواية الأولى بين أمرين ، وافقه على أحدهما راوي الرواية الثانية ، فثبت ما اتفقا عليه وهو الرمي قبل الظهيرة .
... والطريق الثانية : أخرج ابن عبدالبر في التمهيد بسنده( 17 / 261) من طريق محمد بن جرير قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا هشيم عن حجاج عن عطاء عن ابن عباس أنه (( كان يأتي منى كل يوم عند زوال الشمس، فيرمي الجمار، ثم يرجع إلى مكة، فيبيت بها، لأنه كان من أهل السقاية )).
سند الأثر
يعقوب بن إبراهيم بن كثير بن زيد الدورقي، ثقة، مات سنة 252 هـ التقريب( 7812).
هشيم ـ بالتصغير ـ ابن بشير ـ بوزن عظيم ـ بن القاسم بن دينار السلمي، أبومعاوية الواسطي، ثقة ثبت، كثير التدليس والإرسال الخفي، مات سنة 183 هـ التقريب( 7312)، طبقات المدلسين
( 111).
حجاج بن أرطاة، ضعيف مدلس، تقدم.
عطاء بن أبي رباح ـ بفتح الراء والموحدة ـ القرشي مولاهم المكي، ثقة فقيه فاضل لكنه كثير الإرسال، مات سنة 114 هـ التقريب
( 4591).
الحكم على الأثر(1/23)
... الأثر بهذا الإسناد ضعيف ؛ لضعف حجاج بن أرطاة وعنعنته وهو مدلس ، كما أن فيه عنعنة هشيم بن بشير وهو مدلس.
المبحث الثالث : الآثار المقطوعة.
... ( 1 ) أثر ابن طاوس ، أوطاوس بن كيسان ، أخرجه ابن أبي شيبة ( 5 / 459 ح 14776 ) قال : حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج عن الحسن بن مسلم عن ابن طاوس قال : (( يرمي الجمار إذا طلعت الشمس )) (1).
... هذا الإسناد وقع هكذا في المصنف ، والأقرب أنه طاوس ، وأن لفظة ( ابن ) زائدة ؛ بدلالة القرائن الآتية :
1 ـ أن هذا القول نقله العلماء عن طاوس(2)، ولم أقف على نقله عن ابنه.
2 ـ أن الحسن بن مسلم مشهور بالرواية عن طاوس ، بل قال أبوداود :
(( كان من العلماء بطاوس )) (3) .
3 ـ لم يذكر في ترجمة الحسن بن مسلم أنه يروي عن ابن طاوس(4) ، وكذا لم يذكر ذلك في ترجمة عبدالله بن طاوس (5).
4 ـ أن الحسن بن مسلم مات قبل المائة كما سيأتي ـ إن شاء الله ـ في ترجمته، وابن طاوس مات سنة 132 هـ (6) فيبعد أن يروي الحسن عن ابن طاوس ، ولكنه ليس بممتنع من باب رواية الأكابر عن الأصاغر .
سند الأثر
يحيى بن سعيد بن فَرُّوخ التميمي أبوسعيد القطان البصري ، ثقة متقن حافظ إمام قدوة، مات سنة 198هـ . التقريب ( 7557) .
__________
(1) هذه الرواية ذكرها ابن أبي شيبة في : الجمار متى ترمى ، وذكر في هذا ما يتعلق برمي الجمار أيام التشريق ، وكلام طاوس ـ إن كان هو صاحب الأثر ـ يحتمل أنه أراد الرمي يوم النحر ، ويكون الجمع في قوله : (( الجمار )) عائدا إلى المرمي به لا إلى المرمي ، حتى لايعارض ما تقدم عنه أنه كان يرمي عند الزوال .
(2) وسييأتي ـ إن شاء الله ـ في القول الرابع من أقوال أهل العلم في وقت الرمي .
(3) انظر : تهذيب التهذيب ( 2 / 322 ) .
(4) انظر : تهذيب الكمال ( 6 / 325 ) .
(5) انظر : تهذيب الكمال ( 15 / 131 ) .
(6) التقريب ( 3397 ) .(1/24)
ابن جريج هو عبدالملك بن عبدالعزيز ، ثقة، وكان يدلس ويرسل، تقدم.
الحسن بن مسلم بن يَنَّاق ـ بفتح التحتانية وتشديد النون ـ المكي ، ثقة ، مات قبل المائة بقليل . التقريب ( 1286 ) .
الحكم على الأثر
إسناد هذا الأثر صحيح .
( 2 ) أثر أبي معمر ، وهو ما رواه عبدالرزاق ـ كما في الاستذكار( 13 / 209) ـ قال : أخبرنا معمر عن أبيه قال :(( لا بأس بالرمي يوم النفر ضحى)).
ومعمر ثقة كما تقدم ، وأما أبوه فلم أقف له على ترجمة.(1)
الباب الثاني : فقه الأحاديث والآثار.
الفصل الأول : أقوال العلماء في المسألة، وأدلتهم.
... أجمع العلماء لاخلاف بينهم على أن السنة الرمي في أيام التشريق بعد زوال الشمس، وأن من رماها بعد الزوال فقد أجزأه، وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية :(( أن هذا من العلم العام الذي تناقلته الأمة خلفا عن سلف عن نبيها ـ صلى الله عليه وسلم ـ))(2)
... وقال ابن حزم :(( وأما قولنا : إنهم يرجعون إلى منى فيقيمون بها ثلاث ليال بأيامها، يرمون في كل يوم من الأيام الثلاثة الجمرات الثلاث بعد زوال الشمس بسبع حصيات، سبع حصيات كل جمرة، يبدأ بالقصوى، ثم التي تليها، ثم جمرة العقبة التي رمى يوم النحر، وقد تم حجه وعمله كله، فإجماع لا خلاف فيه من أحد)).(3)
... وقال ـ أيضا ـ :(( واتفقوا أن ثلاثة أيام بعد يوم النحر هي أيام رمي الجمار وأن من رماها فيها بعد الزوال أجزأه ))(4)
... وقال ابن عبدالبر :(( وأما الجمار التي ترمى في أيام منى بعد يوم النحر، فأجمع علماء المسلمين أن وقت الرمي في غير يوم النحر بعد زوال الشمس))(5)
__________
(1) وانظر كتاب( معمر بن راشد الصنعاني : مصادره ومنهجه وأثره في رواية الحديث ص27)
(2) شرح العمدة( 3/ 557 / بتحقيق د. صالح الحسن)
(3) المحلى( 7 / 141)
(4) مراتب الإجماع( ص46)
(5) التمهيد( 7 / 272) وانظر( 17 / 254)(1/25)
... وقال ابن رشد :(( وأجمعوا على أن من سنة رمي الجمار الثلاث في أيام التشريق أن يكون ذلك بعد الزوال ))(1)
... وقال القرطبي :(( أجمعوا أن وقت رمي الجمرات في أيام التشريق بعد الزوال إلى الغروب))(2)
... واختلفوا في حكم رميها قبل الزوال على أقوال، بيانها على النحو الآتي :
القول الأول : أن الرمي بعد الزوال في الأيام الثلاثة كلها ولايصح قبله، وبه قال مالك(3)
__________
(1) بداية المجتهد( 1/ 353)
(2) الجامع لأحكام القرآن( 3 / 4 ـ 5)
(3) انظر : المنتقى للباجي( 3/ 50)، التفريع( 1 / 344، 346)، الكافي لابن عبدالبر
( 1/ 355)، التمهيد ( 17 / 254 ) ، الإشراف( 1/ 485)(1/26)
والشافعي(1)، وهو المشهور عن أحمد ونص عليه(2) وذكر المرداوي أنه(( الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم، ونص عليه))(3)،، وبه قال الثوري والأوزاعي(4)، وأبو يوسف وأبو محمد صاحبا أبي حنيفة(5)، وأبوثور،(6) وابن المنذر(7)، قال الترمذي :(( والعمل على هذا الحديث ـ يعني حديث جابر المتقدم ـ عند أكثر أهل العلم : أنه لايرمى بعد النحر إلا بعد الزوال))(8)، قال القاضي عياض :(( وهو قول كافة العلماء والسلف إلا أباحنيفة))(9)، وعزاه ابن عبدالبر والنووي وابن رشد إلى جمهور العلماء (10)، وابن عبدالبر إلى عمر وابن عباس وابن عمر وجماعة التابعين(11) وابن بطال إلى عمر وابن عباس وابن الزبير والجمهور(12)، وعزاه المحب الطبري لإبراهيم النخعي(13)، واختاره من المتأخرين : الشيخ عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب(14)، والشيخ محمد بن عبدالرحمن المباركفوري(15) والشيخ محمد بن إبراهيم (16) والشيخ محمد الأمين الشنقيطي(17)
__________
(1) انظر : الحاوي ( 4/ 194)، المجموع( 8 / 239) ، النجم الوهاج( 3 / 540)
(2) انظر : مسائل الإمام أحمد وإسحاق برواية الكوسج( 1/ 536)، المغني( 5 / 328)، شرح الزركشي على مختصر الخرقي( 3 / 278)
(3) الإنصاف( 4/ 45)
(4) ا نظر : التمهيد( 7 / 272)، المغني( 5/ 328)
(5) انظر : بدائع الصنائع( 2 / 138)، المبسوط( 4 / 68)، الهداية( 4/ 152).
(6) انظر الاستذكار( 13 / 214)
(7) انظر : الاقناع( 1/ 222)
(8) جامع الترمذي( 3/ 232)
(9) إكمال المعلم( 4/ 378)
(10) انظر : الاستذكار( 13 / 214)، شرح النووي على صحيح مسلم( 9 / 48)، بداية المجتهد( 1/ 353).
(11) انظر : التمهيد( 7 / 272)
(12) انظر : شرح صحيح البخاري( 4 / 415)
(13) انظر : القرى لقاصد أم القرى( 524).
(14) انظر : منسك الحج( ص38)
(15) انظر : تحفة الأحوذي( 3/ 545)
(16) انظر : انظر فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم ( 6 / 98 ) .
(17) انظر : أضواء البيان( 5 / 294)(1/27)
والشيخ ابن باز(1)، والشيخ ابن عثيمين(2)، وعليه فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية.(3)
... وأدلتهم : ما تقدم من الأحاديث والآثار المذكورة في الفصل الأول، ودلالتها ظاهرة، إلا أن الحديثين الثاني والخامس يحتاجان إلى نوع من البيان.
... أما الحديث الثاني وهو حديث وبرة قال : سألت ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ متى أرمي الجمار؟ قال:(( إذا رمى إمامك فارمه))، فأعدت عليه المسألة ؟ قال :(( كنا نتحين، فإذا زالت الشمس رمينا)) فيمكن تقريره من طرق :
... أحدها : أن قوله :(( كنا نتحين)) من المرفوع، وهي طريقة الشيخين في صحيحهما ؛ فإنهما يخرجان ما قال فيه الصحابي : كنا نفعل، سواء أضافه إلى زمن النبوة أو لم يضفه،(4) وهو على هذا حجة.
... الثاني : أنه على فرض عدم الحكم بالرفع لقول الصحابي :
( كنا نفعل) مطلقا، فإنه في هذا الموضع له حكم الرفع ؛ لورود الأحاديث الأخرى التي صرحت بأن ذلك سنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، كما أن طلبهم لهذا الوقت ومراقبتهم له دليل على أنه عندهم فيه سنة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو مادل عليه قوله : (( كنا نتحين)).
... قال العيني :(( قوله :(( كنا نتحين)) على وزن نتفعل من الحين ـ وهو الزمان ـ أي نراقب الوقت))(5).
__________
(1) انظر : مجموع فتاوى ومقالات متنوعة( 17 / 300، 370، 372، 384)
(2) انظر : لشرح الممتع( 7 / 384)، فتاوى أركان الإسلام( ص560)
(3) انظر الفتوى رقم( 2269) في كتاب فتاوى اللجنة الدائمة( 11/ 273)، وهي صادرة عن الشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ عبدالرزاق عفيفي، والشيخ عبدالله بن غديان.
(4) انظر النكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر( 2 / 515)
(5) عمدة القاري( 8 / 258)(1/28)
... الثالث : أن قوله :(( كنا)) دال على العموم(1)، فكأن ابن عمر يحكي إجماع الصحابة على ذلك، أو أنه العمل المشهور عندهم، وهذا على اعتبار أنه لم يرد في عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وإلا كان حجة قطعا.
... وأما الحديث الخامس، وهو حديث جابر مرفوعا(( لتأخذوا عني مناسككم)) فبيان دلالته، بماقرره أهل العلم ـ رحمهم الله ـ، وإليك بعضا من ذلك :
... قال النووي :(( وأما قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( لتأخذوا عني مناسككم)) فهذه اللام لام الأمر، ومعناه : خذوا عني مناسككم، وهكذا وقع في رواية غير مسلم، وتقديره : هذه الأمور التي أتيت بها في حجتي من الأقوال والأفعال والهيئات هي أمور الحج وصفته، وهي مناسككم، فخذوها عني، واقبلوها، واحفظوها، واعملوا بها، وعلموها الناس))(2).
... وقال ابن عبدالبر(( وقد بين رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مناسك الحج ومشاعره، فبين في ذلك السعي بين الصفا والمروة، فصار بيانا للآية وقال :(( خذوا عني مناسككم)) فما لم يجمعوا عليه أنه سنة وتطوع، فهو واجب بظاهر القرآن والسنة بأنه من الحج المفترض على من استطاع السبيل إليه))(3)
... وقال ـ أيضا ـ :(( والحج في الكتاب مجمل، وبيانه له كبيانه لسائر المجملات من الصلوات والزكوات، إلا أن يجمع على شيء من ذلك فيخرج بدليله))(4)
... وقال ابن كثير :(( فكل ما فعله في حجته تلك واجب لابد من فعله في الحج إلا ما خرج بدليل))(5)
__________
(1) انظر : شرح الكوكب المنير( 3 / 152)
(2) شرح النووي على مسلم( 9/ 45)
(3) الاستذكار( 12 / 207)
(4) التمهيد( 2/ 89)، وانظر( 2/ 98)
(5) تفسير القرآن العظيم( 1 / 199).(1/29)
... وقال الصنعاني :(( وليعلم أن الأصل في كل ما ثبت أنه فعله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حجه الوجوب لأمرين : أحدهما أن أفعاله في الحج بيان للحج الذي أمر الله به، والأفعال في بيان الوجوب محمولة على الوجوب. والثاني قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :(( خذوا عني مناسككم))، فمن ادعى عدم وجوب شيء من أفعاله في الحج فعليه الدليل)).(1)
... فتبين مما سبق من كلام أهل العلم أن الأخذ عنه يكون في أصل الفعل ووصفه، وأصل الفعل هنا هو الرمي، ووقته من صفته، والكلام هاهنا في تقرير الاستدلال بالحديث على الثاني ؛ ولهذا لايرد هنا ما قاله ابن قيم الجوزية في معرض ذكره لخلاف العلماء في اشتراط الطهارة للطواف :(( فإن قيل فقد طاف النبي متوضئا وقال :((خذوا عني مناسككم))؟ قيل : الفعل لا يدل على الوجوب، والأخذ عنه هو أن يفعل كما فعل على الوجه الذي فعل، فإذا كان قد فعل فعلا على وجه الاستحباب فأوجبناه لم نكن قد أخذنا عنه ولا تأسينا به، مع أنه فعل في حجته أشياء كثيرة جدا لم يوجبها أحد من الفقهاء)).(2) ولا ما قاله السندي على حديث(( خذوا عني مناسككم)) :(( أي تعلموها واحفظوها، وهذا لايدل على وجوب المناسك، وإنما يدل على وجوب الأخذ والتعلم، فمن استدل به على وجوب شيء من المناسك فدليله محل نظر))(3).
... ويضاف إلى ذلك من الأدلة في اليوم الثالث من أيام التشريق : قياسه على اليومين الأولين من أيام التشريق(4) .
__________
(1) سبل السلام( 2 / 525)
(2) تهذيب السنن( 1/ 53)
(3) حاشية سنن النسائي( 5/ 270)
(4) انظر : الإشراف( 1/ 486)، الهداية مع البناية( 4/ 152)، الذخيرة( 2/ 275)(1/30)
القول الثاني : لايجوز الرمي قبل الزوال في اليومين الأولين، ويجوز في اليوم الثالث، وهو المشهور عن أبي حنيفة(1)، مع الكراهة التنزيهية(2)، لكنه مقيد في حق من قصد النفر(3)، روى الحسن عن أبي حنيفة :(( إن كان من قصده أن يتعجل النفر الأول فلابأس بأن يرمي في اليوم الثالث قبل الزوال، وإن رمى بعد الزوال فهو أفضل، وإن لم يكن ذلك من قصده لايجزئه الرمي إلا بعد الزوال ؛ لأنه إذا كان من قصده التعجيل فربما يلحقه بعض الحرج في تأخير الرمي إلى ما بعد الزوال بأن لايصل إلى مكة إلا بالليل ؛ فهو محتاج إلى أن يرمي قبل الزوال ليصل إلى مكة بالنهار فيرى موضع نزوله فيرخص له في ذلك))(4)، وجوازه قبل الزوال مروي عن عكرمة(5)، وبه قال إسحاق بن راهويه(6) وهورواية عن أحمد(7) أخذ بها ابن الجوزي.(8)
... أما دليلهم على اليومين الأولين فالأحاديث التي استدل بها أصحاب القول الأول ، وأما دليلهم على جوازه قبل الزوال في اليوم الثالث، فما يلي :
( 1) أثر ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال :(( إذا انتفخ النهار من يوم النفر الآخر فقد حل الرمي والصدر)).
... قال الكاساني :(( والظاهر أنه قاله سماعا من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؛ إذ هو باب لايدرك بالرأي والاجتهاد)).(9)
__________
(1) انظر : بدائع الصنائع( 2 / 137 ـ 138)، المبسوط( 4 / 68)، الهداية مع البناية( 4 / 151 ـ 152).
(2) انظر : حاشية رد المحتار( 2/ 554) .
(3) انظر : الهداية مع البناية( 4 / 152) .
(4) المبسوط( 4 / 68)
(5) انظر : المغني( 5 / 328)، ولم أقف عليه مسندا.
(6) انظر مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه برواية الكوسج( 1/ 536)، إكمال المعلم
( 4/ 378)، شرح النووي على صحيح مسلم( 9 / 48)، فتح الباري( 3/ 678).
(7) انظر : الإنصاف( 4/ 45) ، شرح الزركشي على مختصر الخرقي( 3 / 279)
(8) انظر : الفروع( 3 / 518)
(9) بدائع الصنائع( 2 /138)(1/31)
( 2) الاستحسان (1) ، ووجهه هنا ماذكره السرخسي بأن(( الرمي في اليوم الرابع يجوز تركه أصلا، فمن هذا الوجه يشبه النوافل، والتوقيت في النفل لايكون عزيمة، فلهذا جوز الرمي قبل الزوال ليصل إلى مكة قبل الليل))(2).
... وقال الكاساني في بيانه :(( ولأنه له أن ينفر قبل الرمي ويترك الرمي في هذا اليوم رأسا، فإذا جاز له ترك الرمي أصلا فلأن يجوز له الرمي قبل الزوال أولى))(3)
( 3) ولأنه يوم يجاوره يوم لارمي فيه فأشبه يوم النحر.(4)
جوابهم عن أدلة الجمهور
... وأجابوا عن أدلة الجمهور بما يلي :
1 ـ حملوا فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في اليوم الأخير على الاستحباب بدلالة جواز النفر بحكم الآية.(5).
2 ـ أو أن اليوم الأخير من أيام التشريق مخصوص من حديث جابر رضي الله عنه ونحوه بأثر ابن عباس.(6)
3 ـ وأجابوا عن قياس الجمهور بأنه قياس ضعيف ؛ لأن اليومين : الأول والثاني من أيام التشريق لايجوز ترك الرمي فيهما أصلا بخلاف اليوم الثالث.(7)
القول الثالث : يجوز رمي المتعجل قبل الزوال وينفر بعده، وهو رواية عن أحمد.(8)
... ولم أقف على دليل لهذه الرواية.
__________
(1) عرف السرخسي في أصوله ( 2 / 200) الاستحسان بأنه : (( الدليل الذي يكون معارضا للقياس الظاهر، الذي تسبق إليه الأوهام قبل إنعام التأمل فيه، وبعد إنعام التأمل في حكم الحادثة وأشباهها من الأصول، يظهر أن الدليل الذي عارضه فوقه في القوة، وأن العمل به هو الواجب))
(2) المبسوط( 4 / 68)، الهداية( 4 / 152)
(3) بدائع الصنائع( 2 / 138)
(4) انظر : الذخيرة( 2/ 275)
(5) انظر : البناية ( 4/ 152)، بدائع الصنائع( 2/ 138)
(6) انظر : بدائع الصنائع( 2 /138)
(7) انظر : البناية( 4/ 152)
(8) انظر : الإنصاف( 4/ 45)(1/32)
القول الرابع : جوازه في أيام التشريق كلها، وبه قال طاوس وعكرمة(1)، وأبوجعفر محمد بن علي(2)، ونسبه ابن عبدالبر وعياض والنووي وابن حجر والعيني إلى عطاء(3)، وهو رواية غير مشهورة عن أبي حنيفة(4)
... وأدلتهم : ماتقدم من الأحاديث والآثار الواردة في الفصل الثاني.
... ووجه الاستدلال بحديث جابر هو : الاستدلال برميه ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم النحر قبل الزوال على جواز الرمي في اليوم الأول، والثاني من أيام التشريق، قبل الزوال ؛ لأن الكل أيام للنحر.(5)
... ووجه الاستدلال بحديث عبدالله بن عمرو هو : أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما سئل عن شيء من التقديم والتأخير إلا قال :
(( افعل ولا حرج)) : فنفى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقوع الحرج عن كل ما يفعله الحاج من التقديم والتأخير لأعمال الحج التي تفعل في يوم العيد وأيام التشريق.(6)
__________
(1) انظر : التمهيد( 7/ 272)، الحاوي( 4/ 194)، إكمال المعلم( 4/ 378)، شرح النووي على صحيح مسلم( 9 / 48)، فتح الباري( 3/ 678) عمدة القاري( 8 / 258)
(2) انظر : الاستذكار( 13 / 215) بداية المجتهد( 1 / 353)، القرى( ص524).
وأبوجعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الملقب بالباقر ، كان أحد من جمع بين العلم والعمل والسؤدد والشرف والثقة والرزانة ، وكان إماما مجتهدا ، مات سنة 118 ، وقيل غير ذلك . انظر : تهذيب الكمال ( 26 / 136 ) ، سير أعلام النبلاء ( 4 / 401 ) .
(3) انظر : التمهيد( 7/ 272)، إكمال المعلم( 4/ 378) شرح النووي على صحيح مسلم( 9 / 48)، فتح الباري( 3/ 678)، عمدة القاري( 8 / 258)
(4) انظر : بدائع الصنائع( 2 /138)
(5) انظر : بدائع الصنائع( 2 / 138)
(6) انظر : مجموعة رسائل الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود( 1/ 17)(1/33)
... ووجه الاستدلال بحديث وبرة عن ابن عمر هو : أن ابن عمر أحال السائل على اتباع إمامه فيه عند أول سؤاله ؛ لعلمه سعة وقته، ولو كان يرى أنه محدد بالزوال كوقت الظهر لما وسعه كتمانه.(1)
... ووجه الاستدلال بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده هو : العموم الذي في قوله :(( أي ساعة من النهار شاءوا))، وهذا يصدق على ما قبل الزوال.
... وأضافوا إلى هذه الأدلة مايلي :
( 1) قوله تعالى : { وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ } [سورة البقرة 2/203] ، والرمي من الذكر، فجعل اليوم كله محلا للذكر ومنه الرمي.(2)
( 2) أنه ثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه نحر يوم العيد ضحى وكذلك حلق وطاف للإفاضة وسكت عن التحديد ؛ فجعله العلماء موسعا تفعل في أية ساعة من أيام التشريق فكذلك الرمي، ويدل عليه مارواه وبرة قال : سألت ابن عمر متى أرمي الجمار ؟ قال :(( إذا رمى إمامك فارمه)) فأعدت عليه المسألة ؟ فقال :(( كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا)).
... فابن عمر أحال السائل على اتباع إمامه فيه عند أول سؤاله ؛ لعلمه سعة وقته، ولو كان يرى أنه محدد بالزوال كوقت الظهر لما وسعه كتمانه.(3)
__________
(1) انظر : مجموعة رسائل الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود( 1/ 15)
(2) انظر : فض الشجار في رمي الجمار( ص58)
(3) انظر : مجموعة رسائل الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود( 1/ 15)(1/34)
( 3) ليس للتحديد أصل لا من الكتاب ولا من السنة ولا القياس ولا الإجماع(1)، ومع عدمه فإنه لايجوز أن يسمى ما قبل الزوال وقت نهي بدون أن ينهى عنه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وغاية الأمر أنه مسكوت عنه رحمة منه بالناس.(2) ولوكان ما قبل الزوال وقت نهي غير قابل للرمي لحذر منه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؛ إذ لايجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.(3)
أجوبتهم عن أدلة الجمهور :
... وأجابوا عن حديث جابر وغيره بأنها ليست بصريحة في الدلالة على التحديد بما ذكروا(4)، وهو فعل منه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، والفعل لايقتضي تحديد المفعول فيه بمجرده ؛ لكون الأفعال الصادرة من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ موقوفة على دلائلها، فما كان منها للوجوب صير إليه، أوللاستحباب صير إليه، أوللإباحة صير إليه(5).
الفصل الثاني : القول المختار ومرجحاته، والإجابة عن أدلة المخالفين.
المبحث الأول : القول المختار ومرجحاته.
... أرجح الأقوال في المسألة هو القول الأول ؛ لموافقته السنة الصحيحة، قال ابن بطال :((والحجة في السنة فلامعنى لقول من خالفها ولا لمن استحب غيرها))(6).
... والمخالف في هذا ليس عنده مايعارض هذه السنة الصحيحة، وغاية مااستدلوا به : إما دليل عام، أوحديث ضعيف، أوأثر لاينتهض لمعارضة السنة، أوقياس فاسد، كما سيأتي في الرد على الأدلة التي استدل بها من خالف الجمهور ؛ ولهذا لما ذكر القاضي عياض الأقوال قال :
__________
(1) انظر : مجموعة رسائل الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود( 1/ 7، 21)
(2) انظر : مجموعة رسائل الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود( 1/ 13)
(3) انظر : مجموعة رسائل الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود( 1/ 8، 17 ـ 18)
(4) انظر : مجموعة رسائل الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود( 1/ 12)
(5) انظر : مجموعة رسائل الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود( 1/ 14)
(6) شرح صحيح البخاري( 4/ 414)(1/35)
(( والسنة ترد هذا كله، وقد قال ـ عليه السلام ـ وهو يرمي : خذوا عني مناسككم))(1).
... وقال القرطبي ـ عن حديث جابر ـ :(( وهذا الحديث حجة عليهم))(2)
... وقال محب الدين الطبري :(( وقد دلت هذه الأحاديث ـ يعني حديث ابن عمر وجابر وعائشة ـ على أن وقت الرمي في هذه الأيام من بعد الزوال، رماها بعد الزوال عمر وابن عباس وابن الزبير، وهي سنة الرمي أيام التشريق الثلاثة، ولايجوز إلا بعد الزوال عند الجمهور، وبه قال مالك وأبوحنيفة والثوري والشافعي وأحمد، وحكي عن بعضهم خلاف ذلك، والسنة الصحيحة ترد ذلك))(3)
... وقال المباركفوري :(( والحق ما ذهب إليه الجمهور وأحاديث الباب ـ يعني أحاديث : جابر وابن عمر وعائشة ـ كلها ترد على من قال بجواز الرمي قبل الزوال في غير يوم النحر))(4)
... وذكر الشيح محمد الأمين الشنقيطي أن قول غير الجمهور خلاف التحقيق، ثم قال :(( لأنه مخالف لفعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الثابت عند المعتضد بقوله :(( لتأخذوا عني مناسككم)) ؛ ولذلك خالف أبا حنيفة في ترخيصه المذكور صاحباه محمد وأبو يوسف، ولم يرد في كتاب الله ولا سنة نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ شيء يخالف ذلك، فالقول بالرمي قبل الزوال أيام التشريق لا مستند له ألبتة، مع مخالفته للسنة الثابتة عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلا ينبغي لأحد أن يفعله)).(5)
... وقال الشيخ محمد بن إبراهيم : ـ(( القول بجواز الرمي قبل الزوال في أيام التشريق مصادم للنص الذي فيه رمي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ للجمار في ثلاثة أيام بعد الزوال ؛ امتثالا ؛ وبيانا ؛ وتشريعا، من حيث : المكان ؛ والزمان ؛ والعدد، ولافرق بينهن في ذلك)).(6)
__________
(1) إكمال المعلم( 4/ 378)
(2) المفهم( 3 / 402)
(3) القرى لقاصد أم القرى( ص524).
(4) تحفة الأحوذي( 3/ 548)
(5) أضواء البيان( 5 / 295)
(6) فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم( 6 / 117)(1/36)
... وهذا القول الراجح يعتضد بالمرجحات الآتية : ...
( 1) أن تأخير النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الرمي إلى وقت الزوال مع شدة الحر، وترك أول النهار مع أنه أبرد وأيسر دليل على أن الرمي لايجوز قبل الزوال.(1)
( 2) استصحاب الأصل المجمع عليه، وهو أن السنة الرمي بعد الزوال، ووقوع الرمي قبل الزوال خلاف السنة، فالقائل بالجواز يطالب بالدليل الذي يدل على صحة الفعل، وليس ثمت إلا معان مستنبطة أوآثار، وكلاهما لاتعارض بهما السنن الصحيحة بالإجماع.
( 3) أن رمي الجمار قبل الزوال خلاف هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بلاخلاف، وقد قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ (( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد))(2)، والرمي بعد الزوال رد على فاعله ؛ لأنه عبادة وقعت على خلاف هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ(3)، وهذا الحديث يشمل بعمومه إحداث عبادة لم تعلم من الشرع، ويشمل بعمومه ـ أيضا ـ فعل عبادة مأمور بها لكن فعلها الفاعل في غير وقتها الذي أمر بها فيه كمسألتنا.
( 4) أن رمي الجمار بعد الزوال غير معقول المعنى، وإن كان أصل الرمي قد اختلف فيه، فمنهم من يقول : هو تعبد محض، ومنهم من يقول: هو معقول المعنى وهو إقامة ذكر الله(4) وينبني على المسألة أمران :
__________
(1) انظر فتاوى أركان الإسلام( ص560)
(2) أخرجه مسلم( 3 / 1343 ح 1718) من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ.
(3) انظر : رمي الجمرات وما يتعلق به من أحكام( ص92).
(4) انظر : المجموع ( 8 / 243)، مجموع فتاوى شيخ الإسلام( 14 / 146)، البناية( 4 / 152).(1/37)
... أحدهما : عدم صحة الرمي قبل الزوال ؛ لأنه الوقت الثابت بالسنة والإجماع ـ كما تقدم ـ ورميه في هذا الوقت غير معقول المعنى، قال ابن الهمام :(( ولا شك أن المعتمد في تعيين الوقت للرمي في الأول من أول النهار وفيما بعده من بعد الزوال ليس إلا فعله ـ عليه الصلاة والسلام ـ كذلك، مع أنه غير معقول فلا يدخل وقته قبل الوقت الذي فعله فيه ـ عليه الصلاة والسلام ـ كما لا يفعل في غير ذلك المكان الذي رمى فيه ـ عليه الصلاة والسلام ـ وإنما رمى ـ عليه الصلاة والسلام ـ في الرابع بعد الزوال فلا يرمى قبله))(1).
... الثاني : الوقوف عند الوارد في الصفة والوقت والعدد، ولايقاس عليها غيرها ؛ والأصوليون قاطبة متفقون على أن من شرط صحة القياس أن لايكون الأصل المقيس عليه خارجا عن سنن القياس، وإذا كان غير معقول المعنى فإنه يكون خارجا عن قاعدة القياس(2) ؛ وعليه فلايجوز إلحاق الرمي أيام التشريق بالرمي يوم النحر في الوقت.
( 5) أن في إيجاب الرمي بعد الزوال خروجا من الخلاف، والخروج من الخلاف مستحب، وهذا إذا لم يخالف سنة ثابتة(3)، فكيف إذا خالفها كما في هذه المسألة ؟!
المبحث الثاني : الإجابة عن أدلة المخالفين.
... الجواب عن حديث جابر(( رمى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الجمرة يوم النحر ضحى، وأما بعد فإذا زالت الشمس)) من وجهين :
... أحدها : أن في الحديث نفسه تفريقا بين يوم النحر ومابعده ؛ حيث ذكر الرمي يوم النحر ضحى، وفي أيام التشريق بعد الزوال، فيكون إلحاق اليوم الثالث من أيام التشريق معارضا للنص، والقياس إذا عارض النص كان فاسد الاعتبار.
__________
(1) انظر : فتح القدير( 2/ 393).
(2) انظر : المجموع المذهب( 2/ 73).
(3) انظر : الأشباه والنظائر للسيوطي( ص136 ـ 137)(1/38)
... الثاني : أن يوم النحر لاترمى فيه إلا جمرة واحدة، بخلاف أيام التشريق فترمى ثلاث جمرات، والقائل بإلحاق اليومين الأول والثاني من أيام التشريق بيوم النحر ؛ لأن الكل وقت للذبح، يلزمه حينئذ أن يقيس أيام التشريق على يوم النحر في الاقتصار على رمي جمرة العقبة، وهوقياس باطل لمخالفته لفعله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في وقت الرمي من جهة، وما يرمى من الجمار يوم النحر وأيام التشريق من جهة أخرى.(1) ...
... كما أن هناك احتمالا في أن يوم النحر جاء الرمي فيه قبل الزوال تخفيفا على الحجاج ؛ لما بذلوا يوم عرفة وليلة النحر من جهد في تأدية المناسك من انتقال من مشعر إلى آخر، وما قارن ذلك من التلبية والتكبير والذكر والدعاء، كما أنهم في يوم النحر قد شرع لهم الدفع من مزدلفة إلى منى والنحر والحلق والرمي والإفاضة، فلو كان الرمي بعد الزوال لربما لحقتهم مشقة بالغة بانتظاره، فخفف عنهم الشرع في ذلك حتى يجدوا متسعا من الوقت للراحة، وأما أيام التشريق فإنهم قد استقروا في منى وليس أمامهم من أعمال الحج إلا الرمي، وهذا المعنى وإن لم يكن منصوصا عليه إلا أنه عند التأمل له حظ من الاعتبار ؛ وهذا إذا نظرنا إلى الفرق بين الرمي في يوم النحر وأيام التشريق من جهة المعنى، وإن كان التفريق بينهما بالنص ظاهرا.
... واستدلالهم قد يصح لو أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رمى في اليوم الأول من أيام التشريق قبل الزوال، ثم رمى في اليومين الأخيرين بعد الزوال، ولكن لم يكن منه هذا.
... والجواب عن حديث عبدالله بن عمرو مرفوعا الذي فيه : فما سئل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال :
__________
(1) انظر : فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم( 6 / 80)(1/39)
(( افعل ولاحرج)) هو : أنه جاء في روايات الحديث تقييده بيوم النحر، ولم يذكر في شيء منها إطلاقه في أيام التشريق، فجاء عند مسلم في بعض رواياته، وكذا عند ابن الجارود و ابن خزيمة والدرقطني(( بينما هو يخطب يوم النحر)).
... وفي بعض روايات مسلم : فما رأيته سئل يومئذ عن شيء إلا قال:(( افعلوا ولاحرج)) وفي أخرى ـ وهي رواية أحمد برقم
( 7032)، والدارقطني : فما سمعته يسأل يومئذ عن أمر مما ينسى المرء ويجهل من تقديم بعض الأمور قبل بعض وأشباهها إلا قال رسول الله : ـ صلى الله عليه وسلم ـ :(( افعلوا ولا حرج))، وفي رواية مالك وأبي داود والدارمي وابن الجارود والدارقطني : فما سئل يومئذ عن شيء قدم أو أخر إلا قال :(( اصنع ولاحرج)). وقد سبق تخريج هذه الروايات .
... وإلحاق أيام التشريق بيوم النحر ضعيف كما تقدم بيانه في جواب الدليل السابق.
... والاستدلال بقول ابن عمر :(( إذا رمى إمامك فارمه...)) ضعيف من وجوه :
... أحدها : أن حديث ابن عمر اشتمل على شيئين : قول ابن عمر :(( إذا رمى إمامك فارمه))، والسنة التي ذكرها بقوله(( كنا نتحين)) على التفصيل السابق في دلالتها على فعله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع أصحابه، أوفعل أصحابه فقط في زمن النبوة أوبعدها، وقد سبق تقريره، فالأول اجتهاده، والثاني نقله عن غيره، والاعتبار إنما هو بنقله الموافق للسنن الصحيحة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؛ ولهذا قال ابن حجر في شرحه لحديث ابن عمر :((وفيه دليل على أن السنة أن يرمي الجمار في غير يوم الأضحى بعد الزوال))(1)
... الثاني : أن أخذ جواز الرمي قبل الزوال من قول ابن عمر :
(( إذا رمى إمامك فارمه)) باطل ؛ لأنه يخالف النهي الثابت عنه في الرمي قبل الزوال. وقد تقدم في المبحث الثاني من الفصل الأول.
__________
(1) فتح الباري( 3/ 678)(1/40)
... الثالث : أن على المستدل به إثبات أن هذا الإمام الذي أحال ابن عمر على رميه كان يرمي قبل الزوال، وأن ابن عمر كان عالما بتلك الحال، ولاسبيل إلى ذلك.(1)
... قال الشيخ محمد بن إبراهيم :(( بل نعلم قطعا أن هذا الإمام لايرمي إلا بعد زوال الشمس، وإلا لزم أن ابن عمر يفتي من سأله بالاقتداء بمن يعلم أنه يخالف هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في وقت الرمي، وهذا في غاية البطلان، ولاسيما وابن عمر قد اشتهر من تعظيم السنة بما يعرفه كل أحد، ولاسيما أحكام الحج، وابن عمر ـ هاهنا ـ راعى شيئين : عظم سنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وعظم طاعة أولي الأمر، فأحال وبرة هذه الإحالة ؛ تنبيها على طاعة الإمام، وعدم مخالفته فيما لايخالف الحق، وعظم سنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله :(( كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا))، والصواب ـ والله أعلم ـ أن وبرة خشي أوظن تفويت الإمام السنة بتأخير الرمي عن أول وقته، فأرشده ابن عمر إلى أن لايخالف إمامه بشيء لايخرج عن الحق ؛ لما في موافقته من المصلحة الظاهرة العامة، ولما في مخالفته من أسباب التفرق على الإمام المسبب مالايخفى من الشر والفساد، فلما كرر وبرة السؤال على ابن عمر رأى أن لامناص من التنصيص على الوقت، فقال :(( كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا))، ولا منافاة بين جواب ابن عمر لوبرة الأول وبين جوابه الثاني، وهذا الذي قررناه هو الحق بلاريب ؛ لما فيه من إعطاء النصوص حقها، والمحافظة على موقف ابن عمر منها، وطاعة أولي الأمر بما لايخالف الحق))(2)
__________
(1) فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم( 6 /91)
(2) فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم( 6 / 90 ـ 91) باختصار.(1/41)
... يوضح هذا ما قاله الحافظ ابن حجر في بيان الحديث، إذ قال :(( وقوله :(( إذا رمى إمامك فارمه)) ـ يعني الأمير الذي على الحج ـ وكأن ابن عمر خاف عليه أن يخالف الأمير فيحصل له منه ضرر، فلما أعاد عليه المسألة لم يسعه الكتمان فأعلمه بما كانوا يفعلونه في زمن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وقد رواه ابن عيينة عن مسعر بهذا الإسناد، فقال فيه :(( فقلت له : أرأيت إن أخر إمامي ؟)) ـ أي الرمي ـ فذكر له الحديث، أخرجه ابن أبي عمر في مسنده عنه ومن طريقه الإسماعيلي))(1)
... الرابع : أن رواية ابن أبي عمر العدني للحديث بينت أن السؤال عن تأخير الإمام للرمي عن وقته المسنون ، وهو الرمي عند الزوال ؛ ولهذا جاء جواب ابن عمر بيانا للوقت المسنون ، فظهر بهذه الرواية أن السؤال كان عن التأخر عن الوقت المسنون لا عن التقدم عليه ، فبطل الاستدلال به على جواز تقديم الرمي على الزوال .
... وأما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فالجواب من وجوه :
... أحدها : أنه ضعيف كما تقدم بيانه.
... الثاني : أنه على فرض صحته فهو إذن خاص للرعاة وليس إذنا عاما لجميع الحجاج.
... الثالث : أن عموم قوله :(( أي ساعة من النهار)) مخصص بالسنن الأخرى، والمراد أي ساعة بعد الزوال.
... الرابع : أنه لما رخص للرعاة دل على أن غيرهم على العزيمة، وهي المبينة بفعله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؛ فصار هذا الحديث حجة لأصحاب القول الأول، وحجة على أصحاب هذا القول.
... وأما استدلالهم بآية { وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ } [سورة البقرة 2/203] فالجواب عنه من وجوه :
... أحدها : أن الله أطلق الأيام ووقت الذكر ونوعه في الآية، فجاءت السنة مبينة أن الرمي ـ وهو نوع من أنواع الذكر ـ يكون في الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة بعد الزوال، فقيدت السنة ما أطلق القرآن.
__________
(1) فتح الباري( 3/ 678)(1/42)
... الثاني : أنه يمتنع أن يكون وقت الرمي مطلقا، ولايرمي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الأيام كلها إلا بعد الزوال، ويدع الرمي قبله ولو يوما واحدا، كما يدع بيان ذلك بقوله ، وفعله تشريع لهذه الأمة، بل قال ـ وهو يرمي جمرة العقبة ـ :(( خذوا عني مناسككم))، فهل يمكن بعد ذلك لقائل أن يقول : إن الرمي يصح قبل الزوال، ولم يأت فيه بيان عن المعصوم ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؟! وقائل هذا القول يؤول أمره إلى أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخر البيان عن وقت الحاجة. وحاشاه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذلك.
... الثالث : أن القائل بجواز الرمي قبل الزوال استدلالا بإطلاق الآية، يلزمه طرد ذلك في الآية، ويلزمه حينئذ أن يجوز الرمي في غير أيام التشريق، وذلك خلاف إجماع أهل العلم ؛ فإنهم مجمعون على أن وقت الرمي ينتهي بغروب شمس آخر يوم من أيام التشريق(1)، ويلزمه ـ أيضا ـ أنه يكتفى بالذكر في هذه الأيام بأي نوع من أنواعه، ولايلزم رمي الجمرات فيها، وهذا من الباطل الذي لايقول به أحد من أهل العلم.
... وأما استدلالهم بأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نحر يوم العيد ضحى وكذلك حلق وطاف للإفاضة وسكت عن التحديد...
... فالجواب عنه من وجوه :
... أحدها : أنه قياس مع الفارق ؛ إذ قاسوا ابتداء الوقت في الرمي على انتهاء وقت النحر والحلق والطواف، وبين الابتداء والانتهاء فرق في الشرع.
... الثاني : أن المقيس عليه هنا ثلاثة أشياء : النحر والحلق وطواف الإفاضة.
__________
(1) انظر التمهيد لابن عبدالبر( 17 / 255)(1/43)
... فأما النحر فجماهير العلماء على جوازه بعد يوم النحر، على اختلاف بينهم هل هو يومان أوثلاثة ؟ ولهم على هذا أدلة من القرآن والسنة والأثر، وإن كان في الاستدلال بما في القرآن والسنة خلاف من حيث الدلالة أوالثبوت، لكن الآثار المروية عن الصحابة كعلي وابن عمر وابن عباس وأنس دالة على جواز تأخيره عن يوم النحر.(1)
... وأما الحلق فمن جوز تأخيره عن يوم النحركأحمد والشافعي فقياسا على النحر ؛ لأنه إذا جاز تأخير النحر المقدم عليه فتأخيره أولى.(2)
... وأما طواف الإفاضة فقد أجمع العلماء على أن من يوم النحر إلى انسلاخ ذي الحجة وقتا لطواف الإفاضة.(3) وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن صفية بنت حيي زوج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حاضت فذكرت ذلك لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال :(( أحابستنا هي)) قالوا :
(( إنها قد أفاضت)) قال :(( فلا إذا))(4).
... قال ابن حجر :(( قوله :(( أحابستنا)) أي مانعتنا من التوجه من مكة في الوقت الذي أردنا التوجه فيه ؛ ظنا منه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنها ما طافت طواف إفاضة، وإنما قال ذلك لأنه كان لا يتركها ويتوجه، ولا يأمرها بالتوجه معه، وهي باقية على إحرامها، فيحتاج إلى أن يقيم حتى تطهر وتطوف وتحل الحل الثاني))(5)
__________
(1) انظر التمهيد( 23 / 196)، المغني( 5 / 300) ، زاد المعاد(2 / 318)، أضواء البيان( 5 / 495)
(2) انظر المغني( 4/ 306)
(3) انظر : مراتب الإجماع( ص45) ، المغني( 4/ 313)
(4) أخرجه البخاري( 3/ 685 ح 1757) واللفظ له، ومسلم( 2 / 964 ح 1211)
(5) فتح الباري( 3 / 687(1/44)
... فدل هذا كله على أن القول بجواز الرمي قبل الزوال أيام التشريق ـ قياسا على هذه الأفعال الثلاثة ـ غير صحيح ؛ لاستناد جواز تأخير تلك الأعمال عن يوم النحر إلى النص والأثر في النحر أوالنص والإجماع في الطواف، وأما الحلق فتأخيره محل خلاف، ومن رخص في تأخيره فبقياس الأولى، وهذه المعاني ليس متحققة في هذا القياس المذكور.
... الثالث : أنه لوفرض صحة ما ذكروا من القياس لصح ـ أيضا ـ العكس، وذلك بأن يقال : إنه يجوز النحر والحلق وطواف الإفاضة قبل يوم النحر، ولاقائل به على جهة القياس، ومن رخص في طواف الإفاضة ليلة النحر فبالنص.
... وأماقولهم بأنه ليس للتحديد أصل لا من الكتاب ولا من السنة ولا القياس ولا الإجماع ، ومع عدمه فإنه لايجوز أن يسمى ما قبل الزوال وقت نهي... فجوابه من وجوه :
... أ حدها : أن الرمي بعد الزوال جاء بيانه في السنة بيانا ؛ اجتمع فيه فعله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقوله :(( خذوا عني مناسككم))، والله تعالى يقول : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ } [سورة الحشر 59/7]، فثبت بهذا اجتماع القرآن والسنة، وبطل قولهم بأنه ليس للتحديد أصل لا من الكتاب ولا من السنة.
... الثاني : أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رمى بعد الزوال، وقال :(( خذوا عني مناسككم))، وهذا أمر بالشيء ، والأمر بالشيء نهي عن ضده، كما هو قول جماهير أهل العلم، ومنهم الأئمة الأربعة.(1)
... الثالث : أن عدم النهي عن فعل العبادة المقيدة بوقتها المأمور بها فيه، ليس دليلا على جواز فعل تلك العبادة قبل وقتها، ودليل ذلك : حديث عائشة مرفوعا(( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد))(2).
__________
(1) انظر : البحر المحيط( 2/ 416)، شرح الكوكب( 3/ 52) والحديث سبق تخريجه .
(2) انظر فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم( 6 / 85).(1/45)
... الرابع : أن ابن عمر ـ وهو أحد من روى سنة الرمي بعد الزوال ـ جاء عنه النهي عن الرمي قبل الزوال، والاستدلال به على أن ما قبل الزوال لايجوز الرمي فيه من أحد طريقين :
... أحدهما : أن نهيه له حكم الرفع ؛ لأنه لامسرح للرأي فيه(1)
... الثاني : أن نهيه بيان لما فهمه من سنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الفعلية المنضمة إلى القولية(( خذوا عني مناسككم))، مؤيدا بفعل الصحابة، الذي رواه عنهم بقوله :(( كنا نتحين الزوال)) ـ كما سبق تقريره ـ وفهم ابن عمر أولى هنا من فهم غيره ؛ لأنه يوافق النصوص الأخرى، كما أنه يوافق ما فهمه جماهير العلماء.
... الخامس : أنه يلزم عليه لوازم باطلة، كتجويز الرمي بأكثر من سبع حصيات ؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم ينه عنه.(2)
... وأما الآثار الواردة عن الصحابة فالجواب عنها بجوابين : أحدهما مجمل، والآخر مفصل.
... أما المجمل فمن وجهين :
... أحدهما : يقال : قد ثبتت سنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الرمي بعد الزوال، ولايعارض قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ بقول أحد كائنا من كان، وهذا مقرر عند أهل العلم، ومحل إجماع بينهم. قال العلائي :(( فالاتفاق على أن الصحابي ـ غير الراوي للحديث ـ إذا خالفه بالكلية لايعتد بمخالفته، ولايعلل بها الخبر، بل يعمل به، ويعدل عن مذهب الصحابي))(3).
... الثاني : أنها قد عورضت بمثلها، وقول المعارض لهم هو الموافق للسنة الصحيحة ؛ فيكون أحق بالتقديم.(4)
... الثالث : أن ابن الزبير وابن عباس كلاهما ورد عنه رواية أخرى توافق ماذهب إليه الجمهور.
... وأما المفصل فهو على النحو الآتي :
... أما أثر ابن الزبير فالجواب عنه من وجهين :
__________
(1) انظر : فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم( 6 / 86) .
(2) انظر : فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم( 6 / 119)
(3) إجمال الإصابة في أقوال الصحابة( 92).
(4) انظر : البحر المحيط( 6 / 56)(1/46)
... أحدها : أن عمرو بن دينار حدث به عن مبهم ؛ لأنه قال : فسألت هل رمى عبدالله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ ؟ فقالوا : لا، ولكن قد رمى أمير المؤمنين ـ يعنون ابن الزبير ـ رضي الله عنهما ـ،فلم يخبر عن مشاهدته لابن الزبير مباشرة، وإنما بواسطة غير مسماة. وتقدم.
... الثاني : أنه على فرض صحته عنه، وجعل قوله :(( فقالوا)) من باب الاستفاضة، وليس من باب الإبهام ؛ فالجواب عنه أن يحمل رميه قبل الزوال على أول الأمر ؛ فلما علم السنة ترك الأول ورجع إلى السنة بدلالة ثبوت رميه بعد الزوال، ولايكون ـ حينئذ ـ هناك اختلاف بين فعله وبين السنة الصحيحة.
... وأما الوارد عن ابن عباس فقسمان :
... أحدهما : لم يثبت عنه، وقد سبق بيان ذلك.
... والثاني : ما ثبت عنه منقولا من فعله، كما قال ابن أبي مليكة :
(( رمقت ابن عباس رماها عند الظهيرة قبل أن تزول))،.
... والجواب عنه : أن هذا من ابن أبي مليكة تقدير برؤية عين لانقل لقول ابن عباس، ووقت الظهيرة مقارب لوقت الزوال، فيحتمل خطأ ابن أبي مليكة في تقدير ذلك ؛ حيث ظن أنها لم تزل وقد زالت ؛ لسرعة مبادرة ابن عباس لرميها بعد الزوال مباشرة، يؤيده قول ابن عمر :(( كانوا يتحينون زوال الشمس)) قال ابن الأثير :(( وقد تكرر ذكر الظهيرة في الحديث وهو شدة الحر نصف النهار))(1)، وقال ابن سيدة :(( الظهيرة حد انتصاف النهار))(2)
... أما الاستحسان فالجواب عنه : أنه ليس كل مارخص الشارع في تركه، جاز فعله على وجه غير وارد سواء في زمانه أومكانه أوصفته ؛ ولهذا لايصح أن يقال : إذا أجاز الشارع التعجل في يومين صح الاقتصار في الرمي على جمرة أوجمرتين، أوصح الرمي بثلاث حصيات، أوجاز الرمي في غير مكانه . ... ...
__________
(1) النهاية في غريب الحديث( 3 / 164).
(2) لسان العرب( 4 / 527).(1/47)
... أما تشبيهه بيوم النحر لأنه يوم يجاوره يوم لارمي فيه، فضعيف من جهة أن مشابهته باليومين قبله أولى ؛ لكون هذه الأيام الثلاثة ترمى فيها الجمار، بخلاف يوم النحر الذي لاترمي فيه إلا جمرة واحدة.(1)
... وأما إجابتهم عن أدلة الجمهور فالجواب عنها كما يلي :
... أولا : أن حملهم فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في اليوم الأخير على الاستحباب ؛ بدلالة جواز النفر بحكم الآية، ضعيف، وجوابه مضى في الرد على الاستدلال بالاستحسان.(2)
... ثانيا : لايصح التخصيص لليوم الأخير بأثر ابن عباس لضعفه.
... ثالثا : وأما جوابهم عن قياس الجمهور، فالجواب عنه من وجهين :
... أحدهما : أن قياس من قاس من الجمهور ليس هو العمدة، وإنما العمدة على السنة الصحيحة، والقياس تابع فحسب، فعدم صحته لايؤثر على الحكم في المسألة المستند على الخبر الصحيح.
... الثاني : أن الاستدلال بجواز ترك الرمي في اليوم الثالث على ضعف القياس ضعيف، وقد تقدم بيان ذلك في الرد على الاستدلال بالاستحسان.
... رابعا : وأما جوابهم عن حديث جابر وغيره من الأحاديث الواردة في بيانه ـ صلى الله عليه وسلم ـ للحج فضعيف من وجوه :
... أحدها : أن قولهم :(( إن الفعل لايقتضي تحديد المفعول فيه بمجرده؛ لكون الأفعال الصادرة من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ موقوفة على دلائلها...)) يصدق على الفعل المجرد، وليس الفعل الذي خرج مخرج البيان(3).
__________
(1) انظر : المبسوط( 4 / 68)، بدائع الصنائع( 2 / 138)، الذخيرة( 2/ 275).
(2) و انظر : فتح القدير( 2/ 393)، فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم( 6 / 117)
(3) انظر : المحقق من علم الأصول( ص58 ـ 73)(1/48)
... الثاني : أن هذا القول غير معروف عند أهل العلم، قال أبوشامة في بيانه لأفعال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :(( وأما القسم الرابع وهو مافعله بيانا لحكم مجمل أوتقييدا لحكم مطلق، فلاخلاف بينهم في أن فعله المبين متعلق لإيقاع ذلك المأمور به على شكله لقوله تعالى :(( لتبين للناس ما نزل إليهم)) ولقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :(( صلوا كما رأيتموني أصلي))(1)، و(( خذوا عني مناسككم)) أرشدنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى أن فعله يبين لنا كيفية ما أمرنا الله تعالى به من هاتين العبادتين، فكان كل مأمور به كذلك)).(2)
... وقال الآمدي :(( وأما ما عرف كون فعله بيانا لنا فهو دليل من غير خلاف، وذلك إما بصريح مقاله، كقوله :(( صلوا كما رأيتموني أصلي)) و(( خذوا عني مناسككم)) أو بقرائن الأحوال، وذلك كما إذا ورد لفظ مجمل، أو عام أريد به الخصوص، أو مطلق أريد به التقييد، ولم يبينه قبل الحاجة إليه، ثم فعل عند الحاجة فعلا صالحا للبيان، فإنه يكون بيانا حتى لا يكون مؤخرا للبيان عن وقت الحاجة، وذلك كقطعه يد السارق من الكوع بيانا لقوله تعالى : { فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا } [سورة المائدة 5/38]، وكتيممه إلى المرفقين بيانا لقوله تعالى : { فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ } [سورة النساء 4/43] ، ونحوه ، والبيان تابع للمبين في الوجوب والندب والإباحة بوجوهكم ))(3)
... وقال ـ أيضا ـ :(( ولا نزاع في وجوب اتباع فعله إذا ورد بيانا لخطاب سابق، بل هو أبلغ من دلالة القول المجرد عن الفعل ؛ لكون الفعل ينبىء عن المقصود عيانا، بخلاف القول فإنه لا يدل عليه عيانا))(4)
__________
(1) أخرجه البخاري( 2 / 131 ح 631) من حديث مالك بن الحويرث.
(2) المحقق من علم الأصول( 57)
(3) الإحكام في أصول الأحكام( 1/ 173 ـ 174).
(4) الإحكام في أصول الأحكام( 1 / 183).(1/49)
... الثالث : أنه على فرض صحة انطباق ما ذكروا من أن (( الأفعال الصادرة من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ موقوفة على دلائلها، فما كان منها للوجوب صير إليه أوللاستحباب صير إليه أوللإباحة صير إليه)) على هذه المسألة، فالجواب عنه أن الإجمال في قوله : { وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } [سورة آل عمران 3/97] ، وقوله : { وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ } [سورة البقرة 2/196] قاض بأن الرمي في أيام التشريق بعد الزوال؛ لأن رميه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الحج قام الدليل على وجوبه زمانا ومكانا وعددا بالأمر المجمل الوارد في القرآن.
... وهنا حديث قد يستدل به على جواز الرمي قبل الزوال ، وهو حديث عاصم بن عدي أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أرخص لرعاء الإبل في البيتوتة خارجين عن منى ، يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغد ومن بعد الغد ليومين، ثم يرمون يوم النفر.(1)
__________
(1) أخرجه مالك في الموطأ( 1/ 408)، وأخرجه أبوداود( 2 / 497ح 1975)، والترمذي( 3 / 280 ح 955)، والنسائي في المجتبى ( 5 / 273 ح 3069)، وفي الكبرى ( 2/ 438 ح 4075 ) ، وابن ماجه( 2 / 1110ح 3037)، وأحمد( 39 /192 ـ 193 ح 23775، 23776) ، والفسوي في المعرفة والتاريخ ( 2 / 214 ) ، وأبويعلى ( 12 / 223 ح 6832 ) ، وابن الجارود ( 2 / 100ح 478)، وابن خزيمة( 4 / 319 ح 2979)، والطبراني في الكبير ( 17 / 172 ح 453 ) ، والحاكم( 1/ 478)، والبيهقي في الكبرى( 5/ 150)، والضياء في المختارة ( 8 / 171، 173 ح 188 ، 191 ، 192 ) ، من طرق عن مالك عن عبدالله بن أبي بكر بن حزم عن أبيه أن أبالبداج بن عاصم بن عدي أخبره عن أبيه فذكره .
قال الترمذي : (( حديث حسن صحيح )) .
ووقع الحديث عند الترمذي وأحمد ( 23 776 ) ، وابن الجارود من رواية عبدالرزاق عن مالك قال : ما ظننت أنه قال إلا في الأول منهما .(1/50)
... قال ابن عبدالبر : (( ففي كل رواية عن مالك في الموطأ وغيره في هذا الحديث : الرخصة للرعاء في أن يرموا إن شاؤا يوم ثاني النحر ـ وهو الأول من أيام التشريق ـ ليومين ثم لا يرمون إلى يوم النفر، وإن شاؤوا أن لا يرموا يوم ثاني النحر ويرمون في اليوم الثالث منه ليومين، أي ذلك شاؤوا فذلك لهم، على حديث مالك، التخيير لهم فيه ثابت )).(1)
... ووجه الاستدلال به هو : أنه إذا جاز للرعاة أن يقدموا رمي اليوم الثاني من أيام التشريق إلى اليوم الأول ، وهو تقديم يوم بكامله ، فمن باب أولى أن يجوز تقديمه في اليوم نفسه ، قبل الزوال .
... والجواب عنه من وجوه :
... الوجه الأول : جاء الحديث من طريق أخرى أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أرخص للرعاء أن يتعاقبوا ، فيرموا يوم النحر ، ثم يدعوا يوما وليلة ، ثم يرموا الغد (2) .
... فهذه الرواية بينت أن الرمي لايقدم إلى اليوم الأول ، ولكن يؤخر رمي اليوم الأول إلى اليوم الثاني ، وعلى هذا يبطل الاستدلال بالحديث على جواز الرمي قبل الزوال .
__________
(1) التمهيد( 17 / 258)
(2) أخرجه أحمد ( 39 / 193 ح 23777 ) ، والفسوي في المعرفة والتاريخ ( 2 / 215 ) ، والطحاوي في شرح معاني الآثار ( 2/ 222 ) ، والطبراني في الكبير ( 17 / 172 ح 455 ) ، والبيهقي ( 5 / 150 ) ، وابن عبدالبر ( 17 / 258 ) كلهم من طريق ابن جريج قال : أخبرني محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن أبي البداح عن عاصم بن عدي فذكره.(1/51)
... الوجه الثاني : أن الرخصة خاصة بالرعاء ، ويلحق بهم غيرهم من أهل الأعذار ، على القول بجواز القياس على الرخص (1) ، قال ابن قدامة : (( وأهل الأعذار من غير الرعاء ، كالمرضى ، ومن له مال يخاف ضياعه ، ونحوهم ، كالرعاء في ترك البيتوتة ؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رخص لهؤلاء ؛ تنبيها على غيرهم ، أو نقول : نص عليه لمعنى وجد في غيرهم ، فوجب إلحاقه بهم )) (2). ...
... ويبقى غير الرعاة على أصل الاتباع للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حجته ، ورميه كان بعد الزوال ، ولاينتقل عنه إلا بدليل منصوص ، أوبقياس صحيح كقياس أهل الأعذار على الرعاة ؛ لوجود المعنى فيهم ، ومن عداهم يبقى على الأصل وهو الرمي بعد الزوال .
... الوجه الثالث : أن الرخصة في التقديم تصير وقت أحدهما وقتا لهما معا ، في حق صاحب الرخصة دون من عداه ، ونظير ذلك في الصلوات ؛ فإن من كان من ذوي الأعذاء المبيحة لجمع الصلاتين ، فصلى الظهر والعصر في وقت الأولى جاز له ذلك ، ولا يدل ذلك على جواز تقديم العصر على وقتها لمن لم يكن من أهل الأعذار .
... الوجه الرابع : ذكر في هذا الحديث الرخصة للرعاة ، وهي تقابل العزيمة؛ فدل ذلك على أن الرمي بعد الزوال عزيمة في حق غير الرعاة ومن في حكمهم ؛ وإلا لم يكن للرخصة معنى ، فصار هذا الحديث صالحا لأن يكون حجة لمن منع الرمي قبل الزوال .
الخاتمة
... بعد ما تقدم من الدراسة ألخص أهم النتائج في الآتي :
( 1) الثابت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في رمي الجمار أيام التشريق إنما هو بعد زوال الشمس، وأجمع العلماء على أنه السنة.
__________
(1) وهو مذهب الشافعية والحنابلة وقول للمالكية ، ومنعه الحنفية . انظر : المحصول ( 5 / 349 ) ، البحر المحيط ( 5 / 57 ) ، شرح تنقيح الفصول ( ص415 ) ، المسودة ( ص398 ) ،التمهيد للإسنوي ( ص463 ) ، نبراس العقول ( ص123 ) .
(2) المغني ( 5 / 379 ) .(1/52)
( 2 ) لم يصح عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه رمى في أيام التشريق قبل الزوال، أو رخص في رميها بقوله.
( 3 ) أن عامة الآثار الواردة عن الصحابة والتابعين موافقة للسنة الصحيحة المنقولة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سواء كانت هذه الآثار قولية أوفعلية.
( 4 ) أن ما استدل به من رخص في الرمي قبل الزوال في أيام التشريق أو في يوم النفر من الآثار، دائر بين الضعف، أوالمعارضة بالمنقول عنه نفسه، أوالمعارضة بمثله.
( 5 ) ترجح في البحث ما عليه جمهور العلماء من أن الرمي أيام التشريق لايصح قبل الزوال، وأن من خالف في ذلك فهو محجوج بالسنة الصحيحة، وأن ما استدل به المخالف من القرآن أو السنة أو الأثر أو القياس، فهو ضعيف في الدلالة أوالثبوت أو في كليهما.
ثبت المصادر
إجمال الإصابة في أقوال الصحابة للعلائي، تحقيق محمد الأشقر، جمعية إحياء التراث الإسلامي بالكويت، ط1، 1407 هـ 1987م.
الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان، لابن بلبان، حققه شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة ببيروت، ط2/1414.
الإحكام في أصول الأحكام لأبي الحسن الآمدي، تعليق الشيخ عبدالرزاق عفيفي، مؤسسة النور، ط1، 1387 هـ
أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه للفاكهي، تحقيق عبد الملك بن دهيش، مكتبة النهضة الحديث بمكة، ط1/1405.
إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، ط الأولى 1399.
الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار، لابن عبدالبر، تحقيق د. عبدالمعطي القلعجي، دار قتيبة بدمشق وبيروت، ط الأولى 1414 هـ 1993 م.
الاستغناء في معرفة المشهورين من حملة العلم بالكنى لابن عبدالبر ، تحقيق د . عبدالله السوالمة ، دار ابن تيمية بالرياض، ط2، 1412 هـ 1992 م .
الأشباه والنظائر للسيوطي، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر، الطبعة الأخيرة 1378 هـ 1959 م.(1/53)
الإشراف على نكت مسائل الخلاف للقاضي عبدالوهاب المالكي، تحقيق الحبيب بن طاهر، دار ابن حزم ببيروت، ط1، 1420 هـ 1999 م.
أصول السرخسي لأبي بكر لاسرخسي، تحقيق أبي الوفا الأفغاني، مصورة دار المعرفة ببيروت عن طبعة لجنة إحياء المعارف النعمانية بحيدر آباد الدكن بالهند.
أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي، مطبعة المدني.
الإقناع لابن المنذر، تحقيق د. عبدالله الجبرين، ط1، 1408 هـ
إكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض، تحقيق د. يحيى إسماعيل، دار الوفاء بالمنصورة، ط1، 1419 هـ 1998 م.
الأمالي في آثار الصحابة، لعبد الرزاق بن همام الصنعاني( ت211) تحقيق وتعليق : مجدي السيد إبراهيم، مكتبة القرآن بالقاهرة.
الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل، تحقيق محمد الفقي، إحياء التراث العربي ببيروت، ط2، 1400 هـ 1980 م.
البحر الزخار المعروف بمسند البزار، تحقيق د/ محفوظ الرحمن زين الله، مؤسسة علوم القرآن ببيروت ومكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة، ط1/1409.
البحر المحيط في أصول الفقه للزركشي، قام بتحريره د. عمر الأشقر.
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني، دار الكتاب العربي ببيروت، ط2، 1402 هـ 1982 م.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد، دار المعرفة ببيروت، ط6، 1402هـ
البناء على القبور للمعلمي ، تحقيق حاكم المطيري ، دار أطلس بالرياض ، ط1 ، 1417 هـ
بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام لابن القطان الفاسي ، تحقيق د . الحسين آيت سعيد ، دار طيبة بالرياض ، ط1 ، 1418 هـ
التاريخ الكبير للبخاري، مؤسسة الكتب الثقافية بيروت.
تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، دار الكتب العلمية.
التاريخ لابن معين برواية الدوري ، تحقيقق د . أحمد نور سيف ، جامعة أم القرى ، ط1 ، 1399 هـ
تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي للمباركفوري، تحقيق عبدالرحمن عثمان، مصور عن الطبعة الثانية.(1/54)
التفريع لابن الجلاب، تحقيق د. حسين الدهماني، دار الغرب الإسلامي ببيروت، ط1، 1409 هـ 1987 م.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وشركاه.
تقريب التهذيب لابن حجر، تحقيق محمد عوامة، دار الرشيد بسوريا، ط2/1408.
التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير لابن حجر ، تحقيق د .شعبان إسماعيل ، مكتبة ابن تيمية بالقاهرة .
التمهيد لما في الموطأمن المعاني والأسانيد لابن عبدالبر، تحقيق مصطفى بن أحمد العلوي وآخرين، مؤسسة قرطبة.
تهذيب التهذيب لابن حجر، دار صادر ببيروت.
تهذيب السنن لابن قيم الجوزية، تحقيق أحمد شاكر ومحمد الفقي، دار المعرفة ببيروت.
تهذيب الكمال للمزي، تحقيق بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة ط الثانية 1403.
الثقات لابن حبان، مجلس دائرة المعارف العثمانية.
جامع التحصيل في أحكام المراسيل، للعلائي، حققه حمدي عبد المجيد السلفي، عالم الكتب ومكتبة النهضة العربية،ط2/1407.
الجامع الصحيح للترمذي، تحقيق أحمد شاكر وغيره، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط الثانية 1398.
الجامع الصحيح لمسلم، ترقيم محمد فؤاد عبدالباقي، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة..
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ، دار الكتب العلمية ببيروت ، مصور عن الطبعة الأولى بمطبعة مجلس دائة المعارف العثمانية .
حاشية رد المحتار لابن عابدين، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر، ط3، 1404 هـ 1984 م.
حاشية سنن النسائي للسندي، مطبوع بهامش المجتبى.
الحاوي الكبير للماوردي، تحقيق علي معوض وغيره، دار الكتب العلمية ببيروت، ط1، 1414 هـ 1994 م.
الدراية في تخريج أحاديث الهداية لابن حجر، تحقيق عبدالله هاشم اليماني، دار المعرفة ببيروت.(1/55)
دلائل النبوة ومعرفة صاحب الشريعة للبيهقي، تحقيق د / عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية ببيروت، ط1/1405.
الذخيرة للقرافي، تحقيق د. محمد حجي، دار الغرب الإسلامي ببيوت، ط1، 1994 م.
ذكر أسماء من تكلم فيه وهو موثق للذهبي ، تحقيق محمد شكور المياديني ، مكتبة المنار بالأردن ، ط1 ، 1406 هـ 1986 م .
رمي الجمرات وما يتعلق به من أحكام للدكتور شرف الشريف، معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى، ط1، 1410 هـ 1989 م.
زاد المعاد في هدي خير العباد لابن قيم الجوزية، تحقيق شعيب الأرناؤوط وغيره، مؤسسة الرسالة، ط3، 1402 هـ 1982 م.
سبل السلام الموصلة إلى بلوغ المرام للصنعاني، تحقيق طارق عوض الله، دار العاصمة بالرياض، ط1، 1422هـ
سنن ابن ماجه، حقق نصوصه ورقم كتبه وأبوابه وأحاديثه محمد فؤاد عبدالباقي، المكتبة العلمية.
سنن أبي داود، إعداد وتعليق عزت الدعاس وعادل السيد، دار الحديث، مصورة عن الطبعة الأولى1388.
سنن الدارقطني، عني به السيد عبدالله هاشم المدني، دار المحاسن ، القاهرة.
سنن الدارمي، دار الفكرببيروت.
السنن الصغرى للنسائي، اعتنى به ورقمه وصنع فهارسه عبدالفتاح أبوغدة، مكتب المطبوعات الإسلامية، ط الثانية المفهرسة 1409.
السنن الكبرى للبيهقي، دار الفكرببيروت.
السنن الكبرى للنسائي، تحقيق د. عبدالغفار البنداري واخر، دار الكتب العلمية، بيروت، ط الأولى1411.
سير أعلام النبلاء للذهبي، أشرف على التحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط الثانية1402.
شرح الزركشي على مختصر الخرقي، تحقيق الشيخ عبدالله بن جبرين، ط1، 1410 هـ
شرح السنة للبغوي، حققه شعيب الأرنؤوط ومحمد زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، ط الثانية1403.
شرح العمدة لابن تيمية، تحقيق د. صالح الحسن، مكتبة العبيكان، ط1، 1413 هـ 1993 م.(1/56)
شرح الكوكب المنير في أصول الفقه لابن النجار، تحقيق د/ محمد الزحيلي ود/نزيه حماد، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بمكة المكرمة،ط1400.
الشرح الممتع على زاد المستقنع لابن عثيمين، مؤسسة آسام، ط4، 1416 هـ 1995 م.
شرح صحيح البخاري لابن بطال، ضبط نصه أبوتميم ياسر بن إبراهيم، مكتبة الرشد بالرياض، ط1، 1420 هـ 2000 م.
شرح صحيح مسلم، لأبي زكريا يحيى النووي( ت676)، دار الفكر.
شرح علل الترمذي لابن رجب ، تحقيق د . نور الدين عتر ، دار الملاح ، ط1 ، 1398 هـ
صحيح ابن حبان، انظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان.
صحيح ابن خزيمة، حققه محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، ط الأولى 1395.
صحيح البخاري، مطبوع مع فتح الباري.
الضعفاء للعقيلي ، تحقيق حمدي السلفي ، دار الصميعي بالرياض ، ط1 ، 1420 هـ 2000 م .
الضعفاء للنسائي ، تحقيق محمود إبراهيم زايد ، دار المعرفة ببيروت ، ط1 ، 1406 هـ
الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد، دار صادر ببيروت.
طبقات المدلسين لابن حجر ، تحقيق د. عاصم القريوتي ، مكتبة المنار بالأردن ، ط1 .
عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط1/1392.
فتاوى أركان الإسلام لابن عثيمين، جمع وترتيب فهد السليمان، دار الثريا بالرياض، ط1، 1421 هـ
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جمع أحمد بن عبدالزاق الدويش، الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والافتاء، ط4، 1423 هـ
فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم، جمع وترتيب محمد بن قاسم، مطبعة الحكومة بمكة المكرمة ط1، 1399 هـ
فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر، قرأ أصله تصحيحا وتحقيقا عبدالعزيز بن باز، قام باخراجه وتحقيقه محب الدين الخطيب، رقمه محمد فؤاد عبدالباقي، المكتبة السلفية، ط الثالثة1407.(1/57)
الفروع لأبي عبدالله بن مفلح، راجعه عبدالستار فراج، دار عالم الكتب ببيروت، ط4، 1405 هـ 1985 م.
فض الشجار في رمي الجمار للدكتور فتحي العريب، دار الإيمان بالإسكندرية، 2004 م.
القرى لقاصد أم القرى لمحب الدين الطبري، تحقيق مصطفى السقا، المكتبة العلمية ببيروت
الكافي في فقه أهل المدينة المالكي لابن عبدالبر، تحقيق د. محمد أحيد، 1399 هـ 1979 م.
الكامل في ضعفاء الرجال، لأبي أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني(ت365)، تحقيق يحيى مختار غزاوي، دار الفكر، ط3/1409.
لسان العرب لابن منظور، دار صادر، بيروت.
لسان الميزان لابن حجر ، تحقيق مكتب التحقيق بإشراف محمد المرعشلي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ط1 ، 1416 هـ 1995 م .
المبسوط للسرخسي، دار المعرفة ببيروت، ط1، 1406 هـ
المجموع المذهب في قواعد المذهب للعلائي، تحقيق د. مجيد العبيدي وغيره، دار عمار بعمان، 1425 هـ 2004 م.
المجموع شرح المهذب، لشرف الدين أبي زكريا يحيى النووي( ت 676)، دار الفكر.
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، جمع وترتيب الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، وساعده ابنه محمد، الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي .
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبدالعزيز بن باز، جمع وترتيبت د. محمد الشويعر، رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء، ط2، 1423 هـ
مجموعة رسائل الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود، مطابع الدوحة الحديثة، ط2، 1406 هـ 1986 م.
المحقق من علم الأصول فيما يتعلق بأفعال الرسول لأبي شامة المقدسي، تحقيق أحمد الكويتي، مؤسسة قرطبة، ط2، 1410 هـ 1990 م.
المحلى لابن حزم، تحقيق أحمد شاكر، مكتبة ابن تيمية بالقاهرة.
مراتب الإجماع لابن حزم، دار الكتب العلمية ببيروت.
مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، تحقيق خالد الرباط وغيره، دار الهجرة بالمملكة العربية السعودية، ط1، 1425 هـ 2004 م.(1/58)
المستدرك على الصحيحين للحاكم، دار الكتاب العربي.
مسند ابن الجعد ، مراجعة عامر حيدر ، مؤسسة نادر ببيروت ، ط1 ، 1410 هـ .
مسند أبي يعلى الموصلي، تحقيق حسين سليم أسد، دار المأمون للتراث، دمشق، بيروت، ط الأولى 1404.
المسند للإمام أحمد بن حنبل، تحقيق شعيب الأرناؤوط وغيره، مؤسسة الرسالة ببيروت، ط 1، 1414 هـ 1994 م.
المصنف لابن أبي شيبة ، تحقيق حمد الجمعة ومحمد اللحيدان ، مكتبة الرشد بالرياض ، ط1 ، 1425 هـ 2004 م .
المعجم الكبير للطبراني، حققه وخرج أحاديثه حمدي عبدالمجيد السلفي، ط الثانية.
معمر بن راشد الصنعاني : مصادره ومنهجه وأثره في رواية الحديث للدكتور محمد رأفت سعيد، عالم الكتب بالرياض، ط1، 1403 هـ 1983 م.
المغني للموفق ابن قدامة، تحقيق د/ عبد الله التركي وعبد الفتاح الحلو، دار هجر بمصر، ط1/1408.
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم لأبي العباس القرطبي، تحقيق محيي الدين مستو وغيره، دار ابن كثير ببيروت، ط2، 1420هـ 1999 م.
المنتظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي ، تحقيق محمد عبدالقادر عطا، دار الكتب العلمية ببيروت ، ط1 ، 1412 هـ
المنتقى شرح موطأ الإمام مالك للباجي، دار الكتاب العربي ببيروت، مصور عن الطبعة الأولى.
المنتقى لابن الجارود( المطبوع مع غوث المكدود)، دار الكتاب العربي ببيروت، ط1، 1408 هـ 1988 م.
المنثور في القواعد للزركشي، تحقيق محمد حسن إسماعيل، دار الكتب العلمية ببيروت، ط1، 1421 هـ 2000 م.
منسك الحج للشيخ عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب، المطبعة السلفية بالقاهرة، ط2، 1399 هـ
ميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي، تحقيق علي محمد البجاوي، دار المعرفة، ببروت.
النجم الوهاج في شرح المنهاج للدميري، دار المنهاج، ط1، 1425 هـ 2004 م.
النكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر، المجلس العلمي لإحياء التراث الإسلامي بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ط1، 1404 هـ(1/59)
النهاية في غريب الحديث والأثر، لمجد الدين ابن الأثير، تحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي، المكتبة العلمية ببيروت.(1/60)