بسم الله الرحمن الرحيم.
دارسة أسانيد حديث "ما قبض نبي إلا دفن حيث يقبض"
التأليف:- مجاهد بن رزين
تلميذ معهد دار التوحيد السلفية
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد.
فهذا بحث صغير قمت به لما طلب مني رجل مشهور من الدعاة عن حكم الشيخ الألباني في هذا الحديث الآتي بحثه. فقدمت له بحثي هذا. وقد قسمته إلى مقدمة وأربعة أبواب.
الباب الأول:- بعض القواعد الحديثية
الباب الثاني:- الكلام على أسانيد الحديث
الباب الثالث:- الرد على من قوى الحديث
الباب الرابع:- موقف الشيخ الألباني من هذا الحديث
أسأل الله أن يوفقني إلى الصواب في هذا البحث ويبين لي أخطائي. اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعا وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابا!
مجاهد بن رزين
4-8-2002
الباب الأول
القواعد
القاعدة الأولى : (الحديث الضعيف جدا)
إن من المعلوم أن أئمة الحديث يحكمون على الحديث حسب ما وجد في الإسناد من الضعف فإن كان الضعف لانقطاع كالتعليق أو الإعضال أو الإرسال أو التدليس فيحكمون عليه "بأنه ضعيف" وإن كان الضعف لسوء حفظ فيحكمون "أنه ضعيف لسوء حفظ فلان" وإن كان الضعف بجهالة راو عينا كان أو حالا فيحكمون "أنه ضعيف لجهالة فلان". المسألة التي أريد أن أبينها متى يحكم على إسناد ما "بأنه ضعيف جدا"؟ وهل يستشهد بالإسناد المقول فيه هذا القول؟ وهل هناك فرق بين قولهم "منكر الحديث" وبين القول "متروك الحديث"؟. لأن لها كبير صلة بمادة هذا البحث. الذي يتتبع كتب الأئمة في الرجال والأسانيد وكلامهم فيها يعلم أن المحدثين النقاد كثيرا ما يستعملون القول الثاني إذا كان في الإسناد "متروك" والأمثلة على ذلك كثيرة نضرب لكم ثلاثة أمثلة منها على ذلك من سلسلة الأحاديث الضعيفة.(1/1)
الأول:- قال الشيخ ناصر الدين الألباني لما تعقب إسناد حديث ’لو كان حسن الخلق رجلا يمشي في الناس لكان رجلا صالحا‘ فقال ’ضعيف جدا‘ ثم أورد إسناده وتكلم عليه بسبب عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبيد الله بن أبي مليكة وقال فيه ’متروك‘ فحكمه لهذا الإسناد بأنه ’ضعيف جدا‘ كان بضعف عبد الرحمن وترك الأئمة لروايته.
(انظر:-4/3270, 328, 501)
الثاني: قال الشيخ ناصر الدين الألباني لما تكلم على إسناد حديث "امرأة المفقود امرأته حتى يأتيها البيان. فقال ’ضعيف جدا‘. لأن في إسناده سوار بن مصعب وهو متروك.
(انظر:-6/485, 387)
الثالث: قال المحدث الألباني في صدد بيان ضعف حديث "لكل شيء مفتاح ومفتاح السماوات قول لا إله إلا الله فقال ’ضعف جدا‘
وسبب ذلك الراوي المجروح ’أغلب بن تميم‘. قال فيه البخاري ’منكر الحديث‘ يعني متروك الحديث. وسيأتي بيان ذلك في القاعدة الآتية.
(انظر:-6/113, 114)
فالإسناد إذا لم يكن فيه من يكذب أو يضع الحديث وكذا لم يكن الإسناد في مرتبة الاستشهاد يحكم عليه بأنه ’ضعيف جدا‘.
والآن أريد أن أجيب على السؤال الثاني وهو فهل يستشهد به؟ معنى القول ’متروك‘:- لا يكتب عنه الحديث للاعتبار, لتهمة في نفسه أو لفحش غلطه وقد صرح به محدث هذا الزمان العلامة الألباني فقال وهو يتكلم على إسناد حديث:- ’وأما حديث ابن عباس فاحتج به السيوطي بأن طلحة بن عمرو الذي في الطريق الثاني ومصعب بن سلام الذي في الثالثة يصلحان للمتابعة وكأنه غفل عما قيل في الأول مما هو صريح في أنه لا يصلح للمتابعة كقول أحمد والنسائي ’متروك الحديث‘ فمثله لا يصلح للمتابعة ولا كرامة. وأما مصعب بن سلام فلعله كما قال على أن البزار قال فيه ’ضعيف جدا‘.
(انظر:- الضعيفة 6/386 رقم 2855)
فتبين لنا أن المتروك لا يستشهد به ولا يتابع على حديثه. وبقي السؤال الثالث ويوضحه القاعدة الثانية.
القاعدة الثانية:- (الحديث المنكر والراوي المنكر).(1/2)
أجاب الشيخ أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل تلميذ الشيخ مقبل بن هادي الوادعي على السؤال ’هل هناك فرق بين قولهم ’هذا حديث منكر‘ وبين قولهم في أحد الرواة ’منكر الحديث؟‘ فأجاب بما يلي:- ’نعم هناك فرق بين قولهم ’هذا حديث منكر‘ وبين قولهم ’فلان منكر الحديث‘ فإن الحديث المنكر لا يستشهد به لكن الرجل الذي يقولون فيه: ’هو منكر الحديث‘ ليس معنى هذه العبارة أن كل حديثه منكر بل قد يقولون هذه العبارة ويقصدون حديثا واحدا من أحاديثه.... ’ثم قال‘ أن قولهم:- ’فلان منكر الحديث‘ ليس معناه أن كل ما يرويه منكر أو أنه متروك الحديث بل يكون ذلك لوجود بعض المناكير في روايته فيحكم على حديثه بالنكارة وليس معناه أن كل الذي رواه ينطبق عليه هذا الحكم بخلاف قولهم:- ’الحديث الفلاني منكر‘ فهذا لايستشهد به. والصواب أو الأصح من أقوال أهل العلم أن قولهم ’منكر الحديث‘ يصلح في الشواهد والمتابعات وقد أشار بل صرح بذلك العراقي في منظومته وتراجم كثيرة تقرأها ونجد العلماء يقولون :- ’منكر الحديث لا يحتج به إذا انفرد‘ انتهى كلامه.
(انظر:- إتحاف النبيل 1/64 له)
أريد أن أنبه على أن قول البخاري ’فلان منكر الحديث‘ معناه أنه ’متروك الحديث‘ وهو اصطلاح خاص له. قال الإمام الذهبي:- ’نقل ابن قطان:- أن البخاري قال:- ’كل من قلت فيه : منكر الحديث فلا تحل الرواية عنه‘
(انظر:- ميزان الاعتدال 1/5 ويراجع الباعث الحديث- 111)
(و قرأت متأخرا أن توجيه قول الإمام البخاري بما تقدم أمر ضعيف فأرجو من المشايخ الأعضاء الكرام توضيحه)
والحديث المنكر :- مخالفة الضعيف للمقبول. ويقال فيما يخالف الضعيف لما هو معلوم من الدين بالضرورة.
أما إذا قيل في راو ما ’أحاديثه منكرة‘ معناه:- في عامة أحاديثه مناكير وهو أشد ممن قيل فيه ’منكر الحديث‘ ولكن لا يخرج عن مرتبة الاستشهاد كما قيل في الراوي عمر بن حمزة. قال فيه أحمد بن حنبل ’أحاديثه مناكير‘
((1/3)
انظر:- دراسات في صحيح مسلم للحلبي ومختصر صحيح مسلم للألباني – 215)
القاعدة الثالثة:- (الشواهد والمتابعات)
قال الإمام ابن الصلاح الشهر زوري:- ’مثاله أن يروي حماد بن سلمة عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي حديثا فإن رواه غير حماد عن أيوب أو غير أيوب عن محمد أو غير محمد عن أبي هريرة أو غير أبي هريرة عن النبي فهذه متابعات. فإن روي معناه من طريق أخرى عن صحابي آخر سمي شاهدا لمعناه.‘
(انظر:- الباعث الحثيث – 67 والتقليد والإيضاح – 90)
الشاهد القاصر:- المراد بهذا أن يرد حديث ضعيف ويرد حديث آخر بمعناه ولكنه لم يشهد لكل ما في الحديث المشهود له وهذا هو الشاهد القاصر مثلا.
? روى ابن عباس مرفوعا "لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسراج." رواه أبو داود وغيره وسنده ضعيف كما قال الإمام مسلم والشيخ الألباني. ولكنه حديث ثابت لطرقه إلا اتخاذ السرج فإنه منكر لم يأت إلا في هذا الطريق الضعيف لم يشهد له أي حديث فبقي على ضعفه.
(انظر :- الضعيفة 1/ رقم 225 وتحذير الساجد – 43)
وله أمثلة كثيرة والمجال لا يسعنا فله وقت آخر.
القاعدة الرابعة:- (تقوية الحديث الضعيف)
اعلم أيها القارئ اللبيب أن تقوية الحديث الضعيف بطرقه المتعددة ليس على إطلاقه قال الشيخ أحمد محمد شاكر شارح سنن الترمذي:-’وبذلك يتبين خطأ كثير من العلماء المتأخرين في إطلاقهم أن الحديث الضعيف إذا جاء من طرق متعددة ضعيفة ارتقى إلى درجة الحسن أو الصحيح. فإنه إذا كان الحديث لفسق الراوي أو اتهامه بالكذب ثم جاء من طرق أخرى من هذا النوع ازداد ضعفا إلى ضعف لأن تفرد المتهمين بالكذب والمجروحين في عدالتهم بحيث لا يرويه غيرهم يرفع الثقة بحديثهم ويؤيد ضعف روايتهم وهذا واضح.‘
(انظر:الباحث الحثيث – 49)
قال الألباني:- ’أن تعدد الطرق إنما يقوي الحديث إذا كان الضعف فيها ناشئا من قلة الضبط والحفظ‘
(انظر:الضعيفة وتمام المنة)(1/4)
الحديث المشهور "اطلبوا الخير عند حسان الوجوه" مثال صالح لهذه القاعدة فقد روي من حديث عائشة وابن عباس وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عمر أنس بن مالك وأبي هريرة وأبي بكرة. وهو مع طرقه المتعددة هذه موضوع. حكم بوضعه الإمام ابن الجوزي في (الموضوعات 2/159, 160) والشيخ الألباني في (الضعيفة 6/ رقم 2855)
وهنا أمر قل من يتنبه بذالك. قال الشيخ أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل صاحب كتاب (شفاء العليل) في صدد توضيح القاعدة ’إن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل على أن للحديث أصلا‘ التي يستسعملها كثيرا الإمام ابن حجر فقال:-
’ لكن هنا مسألة لابد أن ننتبه لها فمن المحتمل أننا نحكم على الرجل بأنه ’متروك‘ لكن الحافظ - رحمه الله – لا يرى أنه ’متروك‘ فيرى أن كثرة الطرق حينئذ تنفع لأنه يروي أن الرجل ضعيف والاختلاف في مسألة الاستشهاد بالمنقطع والمعضل والمرسل ومجهول العين وقد يكون المخالف ممن يقول:- ’لا يستشهد بمثل هذه الأشياء‘. ولكن الحافظ يستشهد بها إذا كثرت الطرق وتباينت مخارجها....
(انظر:اتحافالنبيل 1/121 له)
وأمر آخر يجب التنبيه له ’تقوية المجهول بالمحهول‘ أجاب الشيخ الألباني لما سأله الشيخ مصطفى بن إسماعيل بالمدينة النبوية عن هذه المسألة بما يلي:- ’إن المنقطع لا يتقوى بالمنقطع‘ ومجهول العين لايتقوى بمجهول العين إلا إذا كثرت الطرق كثرة تطمئن النفس على ثبوت الحديث بها.
(انظر:كتابه السابق 1/39)
القاعدة الخامسة:- (الاعتماد على ’التقريب‘ وحده لا يروي الغليل )(1/5)
قال الشيخ أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل:- ’والحافظ ابن حجر- رحمه الله – على سعة اطلاعه وكثرة استفادة طلبة العلم منه ومن كتبه يتساهل ويحكم على الرجل في (التقريب) –مثلا- بأنه صدوق ويحكم عليه في (التلخيص الحبير) بأنه ضعيف جدا أو ضعيف أو كذا أو كذا فلو جمعنا بين كلامه في (التلخيص) وفي (الدراية) وفي (الفتح) وجدناه يخالف كلامه في (التقريب) في مواضع كثيرة.‘
(انظر:المصدر السابق /)
(تنبيه) قال الشيخ مصطفى بن إسماعيل لما سئل عن سكوت ابن حجر على حديث في (الفتح) أو (التلخيص) أجاب كما يلي:-
’..... وأما عن (التخليص) فلم أقف على شرط له فيه وفيه أحكام على أحاديث ورجال ينازع فيها وقد قال الشيخ الألباني حفظه الله في (الضعيفة 3/513) :-’ما أكثر تناقض كلام الحافظ في (التخليص) مع كلامه في غيره وهو الحافظ النقاد الأمر الذي يحملني على أن اعتقد أنه من أوائل مؤلفاته وأنه لم يتح له أن يعيد النظر فيه. ا.هـ (انظر:- 3/617)‘
(انظر:- إتحاف النبيل 1/157)
هذا خطأ واضح ولا أدري كيف وقع الشيخ في هذا الخطأ. لأن كلام الشيخ الألباني المشار إليه ليس عن (تلخيص ابن حجر) وإنما هوعن (تلخيص مستدرك حاكم) للذهبي. يتبين ذلك إذا قرأت ما يأتي.
قلبت الصفحة التي أشار إليها الشيخ أبو الحسن فلما وقفت عليها تعجبت قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني فيها:-
’.....وقد روي له الحاكم (1/208) حديثا آخر عن عوف بن الحارث عن أبي هريرة وقال: ’صحيح على (شرط مسلم)‘. ووافقه الذهبي وذلك من أوهامهما وقد وصف الذهبي نفسه ’محصنا‘ هذا بالجهالة في (الميزان) نقلا عن ابن القطان وأقره فالعجب منه. ما أكثر تناقض كلامه في (التخليص) مع كلامه في غيره وهو الحافظ النقاد. الأمر الذي يحملني على أن أعتقد أنه من أوائل مؤلفاته وأنه لم يتح له أن يعيد النظر فيه والله أعلم.‘
فتبين أن كلام الشيخ لا علاقة له بابن حجر وإنما عنى به تلخيص الذهبي. والحمد لله على توفيقه.(1/6)
وهذا آخر ما أردت من الكتابة من القواعد الحديثية التي تتبين بها المسائل الكثيرة مما في صلب المادة. والله أعلم والآن نشرع في المقصود وهو (دارسة أسانيد حديث "ما قبض نبي إلا دفن حيث يقبض")
الباب الثاني
دارسة أسانيد حديث "ما قبض نبي إلا دفن حيث يقبض"
لم يرو هذا الحديث عن أحد من الصحابة إلا أبي بكر. ولم يروه الجماعة إلا الترمذي وابن ماجه وروي عن أبي بكر من عدة طرق متصلا ومنقطعا. ولنتكلم الآن على أسانيده فنبدأ من رواية الترمذي.
1.(الكلام على رواية الترمذي)
? إسناد الحديث:-يقول الإمام الترمذي حدثنا أبو كريب حدثنا أبو معاوية عن عبد الرحمن بن أبي بكر عن ابن أبي مليكة عن عائشة مرفوعا.
? متن الحديث :- لما قبض رسول الله اختلفوا في دفنه فقال أبو بكر :- سمعت من رسول الله شيئا ما نسيته قال:- ’ما قبض الله نبيا إلا في الموضع الذي يحب أن يدفن فيه‘
? تخريج الحديث:- أخرجه الترمذي في (سننه – 1018) وأبو يعلى في (مسنده – 45) والمروزي في (مسند أبي بكر – 43) كلهم من طريق عبد الرحمن بن أبي بكر عن ابن ابي مليكة به.
? الكلام على الإسناد:- هذا إسناد ضعيف جدا لأن عبد الرحمن بن أبي بكر متروك الحديث وهذه أقوال النقاد فيه:-
قال الإمام يحيى بن سعيد :- ’ضعيف الحديث‘
وقال الإمام أحمد :- ’منكر الحديث‘
وقال الإمام البخاري :- ’منكر الحديث‘ يعني متروك الحديث كما في القاعدة الثانية)
وقال الإمام النسائي :- ’متروك الحديث‘
(انظر:- الكامل في الضعفاء لابن عدي 4/295)
وقال الإمام البخاري أيضا:- ’ذاهب الحديث‘
وقال الإمام ابن معين :- ’ضعيف‘
(انظر:- ميزان الاعتدال 2/550)
وقال الإمام أبو حاتم :- ’ليس بقوي في الحديث‘
وقال الإمام ابن حراش:- ’ضعيف الحديث ليس بشيء‘
وقال الإمام ابن حبان :- ’ينفرد عن الثقات مالا يشبه حديث الإثبات‘
(انظر:- تهذيب التهذيب 6/132, 133)(1/7)
وقال الإمام ابن عدي :-’لا يتابع في حديثه هو من جملة من يكتب حديثه‘
(انظر:- الكامل في الضعفاء 4/266)
وقال الإمام ابن حجر:- ’ضعيف‘ (يعني لم يوجد فيه توثيق معتبر ووجد فيه إطلاق الضعف كما في مقدمة "التقريب"
(انظر:- التقريب – 199)
وقال الشيخ ناصر الدين الألباني:- ’متروك‘
(انظر:- الضعيفة 4/327 ,328 ,501 )
خلاصة الكلام الأئمة في هذا الراوي:- ’أنه متروك‘ فقول الإمام ابن حجر رحمه الله’ضعيف‘ فيه تساهل لأن كلام الإمام البخاري وابن عدي وابن حبان وابن خراش والنسائي يفيد ’أنه متروك الحديث‘ ولذا فإنه أليق أن يوضع في الطبقة الحادية عشرة في تقسيم ابن حجر. أما قول الإما أبي حاتم ’ليس بقوي في الحديث‘ معناه أنه ضعيف. قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني:- ’فإن ثمة فرقا أيضا بين قول الحافظ:- ’ليس بالقوي‘ وقوله ’ليس بقوي‘ فهذا ينفي عنه مطلق القوة فهو يساوي قوله:- ’ضعيف‘ وليس كذلك قوله الأول ’ليس بالقوي‘ فإنه ينفي نوعا خاصا من القوة وهي قوة الحافظ الأثبات.
(انظر :- الصحيحة 2/28)
أما من ضعف واعتبره في الشواهد والمتابعات بقول الساجي فيه ’صدوق فيه ضعف محتمل‘ فمردود لأنه تساهل كبير.والإمام الساجي رحمه الله رحمة واسعة ليس من المعتدلين كما يفيد قول ابن حجر لأنه قال:- إذا لم يوجد فيه توثيق معتبر ووجد فيه إطلاق الضعف وإليه الإشارة بـ ’ضعيف‘ ومما يدل على نكارة عبد الرحمن ابن أبي بكر بن أبي مليكة فإنه الراوي المجروح في حديث ’اطلبوا الخير عند حسان الوجوه‘ في طريق عائشة الذي حكم عليه بالوضع. قال الإمام ابن الجوزي:-’وأما حديث عائشة ففي الطريق الأول عبد الرحمن بن أبي بكر. قال أحمد ’منكر الحديث‘ وقال البخاري ’لا يتابع في حديث وقال النسائي ’متروك الحديث‘.
(انظر:- كتاب الموضوعات 2/503)(1/8)
وكذلك قول الترمذي عقب رواية هذا الحديث:- ’هذا حديث غريب وعبد الرحمن بن أبي بكر المليكي يضعف من قبل حفظه....‘ والإمام الترمذي معروف بالتساهل. رحمه الله.
2. (الكلام على رواية ابن ماجه)
? إسناد الحديث:- حدثنا نصر بن علي الجهضمي أنبأنا وهب بن جرير نا أبي عن محمد ابن إسحاق ثني حسين بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس عن أبي بكر مرفوعا.
? متن الحديث:- "ما قبض نبي إلا دفن حيث يقبض".
? تخريج الحديث:- أخرجه ابن ماجه في (سننه- 1628) وأبو يعلى في (مسنده – 23,22) وابن عدي في (الكامل – 3/760) والطبري في (تاريخه -3/213) كلهم من طريق محمد بن إسحاق عن حسين بن عبد الله به.
? الكلام على الإسناد:- محمد بن إسحاق هذا ابن يسار المدني نزيل العراق صاحب السيرة اضطرب في إسناده أو اختلف عليه من ثلاثة وجوه
الأول:- روى وهب بن جرير نا أبي عن محمد بن إسحاق ثني حسين بن عبد الله
به.
الثاني:- وروى سعيد بن يحي الأموي عن أبيه عن محمد بن إسحاق عمن حدثه عن عروة عن عائشة عن أبي بكر مرفوعا. رواه المروزي في (مسند أبي
بكر- 136)
الثالث:- روى يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن محمد بن عبد الرحمن بن
عبد الله بن الحصين أو محمد بن جعفر بن الزبير (على الشك) عن أبي
بكر مرفوعا منقطعا.
(رواه البيهقي انظر:- البداية والنهاية 5/267)
هذه الرواية الأخيرة مما اضطرب فيه شديدا كما ترى. ومحمد بن إسحاق ابن يسار وإن كان صدوقا وقد تكلم فيه من قبل حفظه ومع ذلك فهو مدلس ومن الأئمة من رمى عليه بالتشيع والقدر. ومنهم من كذبه مثل معتمر قال عن أبيه:- ’لاترو عن إسحاق فإنه كذاب‘ وكذا مالك قال فيه:- ’دجال من الدجاجلة‘ وقال أيضا:-’كذاب‘ وكذا قال الإمام الفريابي قال :-’زنديق‘ ويحي ابن سعيد قال:- ’كذاب‘.
(انظر:- الكامل لابن عدي 5/102-112)(1/9)
وقد كنت قرأت أن سبب تكذيب ابن إسحاق كان بالتحامل. وكلام غيره كان بما وقع بينه وبين هشام بن عروة بسسب امرأته فاطمة بنت المنذر. وهو الصحيح لاعتماد الأئمة الذين جاءوا من بعدهم على هذا القول وكذا محمد ناصر الدين الألباني. والله أعلم.
أقوال الأئمة فيه:-
قال الإمام ابن معين فيه:- ’ثقة ليس بحجة‘
وقال الإمام شعبة:- ’صدوق‘
وقال الإمام أحمد:-’حسن الحديث وليس بحجة‘
وقال الإمام علي بن المديني:-’حديثه عندي صحيح لم أجد له إلا حديثين منكرين‘
وقال الإمام الدارقطني:- ’لايحتج به‘
وقال الإمام عبد الرحمن بن مهدي:- ’تكلم أربعة في ابن إسحاق فأما شعبة وسفيان فكانا يقولان فيه أمير المؤمنين في الحديث‘
(انظر:-الكامل لابن عدي 2/رقم 5275)
وقال الإمام يعقوب بن شيعة بن نمير:- ’إذا حدث عمن سمع منه من المعروفين فهو حسن الحديث صدوق وإنما أتى من أنه يحدث عن المجهولين أحاديث باطلة‘
(انظر:-تهذيب التهذيب 9/39,38)
وقال الإمام الذهبي:- ’فالذي يظهر لي أن ابن إسحاق حين الحديث صالح الحال صدوق وما انفرد به ففيه نكارة فإن في حفظه شيئا ولذالك فهو حسن الحديث إذا صرح بالتحديث. فالله أعلم وقد استشهد به الإمام مسلم بخمسة أحاديث لابن إسحاق ذكرها في صحيحه‘.
(انظر:-الضعيفة للألباني 6/562)
وهذا الحديث مما أخطأ في حفظه أو دلس عن المجهولين كما ترى. وهذا الحديث مع اضطرابه الشديد ففي طرقه الثلاثة علة. وأريد أن أفصل الكلام في هذه العلل الثلاثة.
الطريق الأول:- فيه حسين بن عبد الله وهو متروك وهذه أقوال الأئمة فيه:- قال الإمام يحيى بن سعيد:-’ضعيف‘
وقال الإمام علي بن عبد الله:-’تركت حديث الحسين بن عبد الله بن عبيد الله يحدث عنه ابن عجلان وابن إسحاق. وتركه أحمد‘
وقال الإمام البخاري:-’قال قال علي تركت حديثه‘
وقال الإمام يحيى بن معين:-’ليس به بأس يكتب حديثه‘
وقال الإمام السعدي:-’حسين بن عبد الله لا يشتغل بحديثه‘(1/10)
وقال الإمام النسائي:-’متروك الحديث‘
(انظر:- الكامل لابن عدي 2/349)
وقال الإمام أحمد :-’له أشياء منكرة‘
وقال الإمام أبوزرعة:-’ليس بقوي‘
وقال الإمام الحسن بن علي النوفلي:-’قال البخاري إنه يتهم بالزندقة‘
وقال الإمام ابن حبان:-’يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل‘
(انظر:- تهذيب التهذيب لابن حجر 2/296)
وقال الإمام المحدث المعلمي اليماني:-’متروك‘
(انظر:-الفوائد المجموعة ص:255)
وقال الإمام الشوكاني:-’متروك‘
(انظر:- المصدر السابق ص: 255)
وأما ما قال الإمام ابن عدي ’لم أجد له ما ينكر عليه‘ خطأ فقد وجد في أحاديثه أشياء بواطيل المتون مثلا:- ما نقله الإمام ابن الجوزي ’جارية معها مزهرها تختلف به بين القوم (الصحابة) وهي تغنيهم فلما مر النبي بهم لم يأمرهم ولم ينههم فانتهى إليها وهي تقول في غنائها ’هل علي ويحكم إن لهوت من حرج فتبسم رسول الله وقال لا حرج إن شاء الله‘ قال الإمام الدارقطني:-’تفرد به حسين عن عكرمة وتفرد به أبو أويس عنه‘
(انظر:-الموضوعات لابن الجوزي 3/337)
وأورده الشوكاني في ’الفوائد المجموعة‘ (ص:255) وحكم عليه بوضعه وحكم لحسين بأنه ’متروك‘. ولنكارته مثال أيضا.
(انظر:- الضعيفة 2/963)
الطريق الثاني:- أبو سعيد يحيى الذي في هذا الطريق قال فيه ابن حجر ’صدوق يغرب‘
(انظر:-التقريب 375)
في هذا الطريق علتان.
العلة الأولى:- جهالة شيخ محمد بن إسحاق ولأنه إذا حدث عن أقوام مجاهيل يأتي بالأباطيل كما قال يعقوب بن شيبة.
(انظر:-تهذيب التهذيب 9/39.38)
العلة الثانية:- النكارة, لأن المعروف عن عائشة قولها ’فلولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا‘ رواه البخاري(3/156.198.8/114)
(انظر:- تحذير الساجد- 10).(1/11)
ففي هذه الرواية قالت ’إنما دفن النبي في مضجعه لقول أبي بكر ’سمعت رسول الله يقول إنه لم يدفن نبي قط إلا حيث قبض‘. فهذه تخالف الرواية الصحيحة عنها فهي منكرة. ويخالف قولها هذا ما روى ابن سعد (2/241) بسند صحيح عن الحسن البصري قال:-’ائتمروا (أي تشاوروا) أن يدفنوه في المسجد فقالت عائشة إن رسول الله كان واضعا رأسه في حجري إذ قال:- ’قاتل الله أقواما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد‘ واجتمع رأيهم أن يدفنوه حيث قبض في بيت عائشة‘. فهذه الرواية – على إرسالها- تدل على أمر مهم وهو أن الصحابة أقروها على هذا الفهم ولذلك رجعوا إلى رأيها فدفنوه في بيتها. وهذا ما يفيده كلام الشيخ ناصر الدين في (تحذير الساجد – 28)
وأقرب مثال لما نحن فيه ما ضعفه الشيخ ناصر الدين في (أحكام الجنائز- 231) قول عائشة المخالفة ’ولو شهدتك ما زرتك‘ لقولها الذي جاءت برواية صحيحة.‘
الطريق الثالث:- فيه أربع علل
العلة الأولى:- ضعف أحمد بن عبد الجبار
قال الإمام ابن عدي:-’رأيتهم مجمعين على ضعفه لا أرى له حديثا منكرا إنما ضعفوه لأنه لم يلق الذين يحدث عنهم‘
وقال الإمام مطين:-’كان يكذب‘
(انظر:- ميزان الاعتدال 1/112)
وقال الإمام ابن حجر:-’ضعيف وسماعه للسبرة صحيح‘ (التقريب)
العلة الثانية:-تدليس محمد بن إسحاق. وهو كثير التدليس كثيرا ما يدلس عن الضعفاء والمتروكين.
العلة الثالثة:-سوء حفظ محمد بن إسحاق وهو وإن كان صدوقا فيما لا يدلس فيه وقد يخطئ أحيانا لأن الإمام الذهبي والألباني وصفا نفسه ’على أن في حفظه شيئا‘ كما تقدم. وهو واضح هنا لأنه شك في شيخه هل هو محمد بن عبد الرحمن أو محمد بن جعفر ويحتمل وقوع هذا الشك من أحد الضعفاء الذين دلس عنهم في هذه الرواية أو من أحد الضعفاء من دون إسحاق.
العلة الرابعة:- الانقطاع. لأن شيخي محمد بن إسحاق لم يدركا أيام الصحابة جل روايتهما عن أوساط التابعين.(1/12)
فالطريق الذي مداره على محمد بن إسحاق ضعيف مضطرب. والطريق الثاني منكر.
3.(الكلام على رواية الواقدي) وله روايتان
الرواية الأولى قال ابن سعد:أخبرنا محمد بن عمر أخبرنا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس عن أبي بكر مرفوعا.
(أخرجه ابن سعد 2/293.292)
وهذا سند واه جدا مسلسل بالضعفاء من دون عكرمة. محمد بن عمر هو الواقدي.
قال الإمام الشافعي:-’كذاب‘
(انظر:- سير أعلام النبلاء ترجمته)
وقال الإمام أحمد بن حنبل:-’كذاب يقلب الأحاديث يلقي حديث ابن أخي الزهري على معمر ونحوذا.‘
وقال الإمام البخاري:-’سكتوا عنه ما عندي له حرف‘
وقال الإمام ابن راهويه:-’هو عندي ممن يضع الحديث‘
وقال الإمام ابن المديني:-’الواقدي يضع الحديث‘
وقال الإمام النسائي:- يضع الحديث‘
وقال الإمام الذهبي:-’واستقر الإجماع على وهن الواقدي‘
(انظر:- ميزان الاعتدال 3/662-666)
وقال الإمام الألباني:- ’كذاب‘
(انظر:- الضعيفة 4/13)
وشيخه إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة قال فيه الإمام أبو حاتم ’منكر الحديث‘
وقال الإمام البخاري:-’منكر الحديث‘
وقال الإمام العقيلي:-’له غير حديث لا يتابع على شيء منها‘
وقال الإمام العجلي:-’حجازي ثقة‘ وهذا غاية من التساهل كما هو معروف به رحمه الله.
وقال الإمام ابن عدي:-’هو صالح في باب الرواية‘
وقال الإمام الدارقطني:-’متروك‘
(انظر:- تهذيب التهذيب 1/90)
وهو إلى تركه أقرب وعلى الأقل فهو منكر الحديث.
وشيخه داود بن الحصين صدوق إلا في روايته عن عكرمة فهذه منها.
قال الإمام علي بن المديني:-’مرسل الشعبي أحب إلى من داود عن عكرمة عن ابن عباس‘.
وقال الإمام أبوداود:-’أحاديثه عن شيوخه مستقيمة وأحاديثه عن عكرمة مناكير‘
(انظر:-تهذيب التهذيب 3/157)
والطريق الثاني:- عن محمد بن عمر حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن جعفر بن محمد عن ابن أبي مليكة مرفوعا.(1/13)
وقد عرفت ما في محمد بن عمر الواقدي وكذا شيخه أبو بكر بن عبد الله ابن أبي سبرة كذاب أيضا. قال الشيخ الألباني:- ’رموه بالواضع كما في (التقريب) وقال البوصري:-’...قال فيه أحمد بن حنبل وابن معين:-’ يضع الحديث‘
(انظر:- الضعيفة 4/154)
وهو مع ذلك معضل. لأن ابن أبي مليكة لم يدرك القصة.
ثم وجدت للواقدي شيخا آخر في هذه الرواية فلا يفرح بروايته وقد عرفت أنه كذاب يقلب الأسانيد ويضعها ومع ذلك في ذلك الإسناد بعض الضعفاء ويزيده ضعفا إعضاله.
(انظر إسناده في البداية والنهاية 5/267)
4.(الكلام على رواية ابن سعد)
? الإسناد:-قال ابن سعد أخبرنا الفضل بن دكين قال أخبرنا عمر بن ذر قال قال أبو بكر سمعت خليلي يقول:- (فذكر المتن) قلت لابن ذر ممن سمعته؟ قال سمعت أبا بكر عمر بن حفص إن شاء الله.
? الكلام على هذا الإسناد:- وهذا سند معضل وأبو بكر بن عمر بن حفص هذا قال الشيخ صالح بن حامد بن سعيد الرفاعي:- ذكر أبا بكر هذا علي بن المديني في (تسمية من روي عنه من أولاد العشرة رقم 67) في ولد عمر بن حفص بن عاصم وفي كتاب (تسمية الإخوة رقم 292) وذكره أبو داود في (تسمية الإخوة رقم 161) ثم قال عنه ’أنه لم يقف على توثيق فيه‘
(أنظر:- الأحاديث الواردة في فضائل المدينة ص: 318-322)
ولم أجد له ترجمة فيما عندنا من كتب الرجال. قال محقق كتاب الشمائل للترمذي سيد ابن عباس الجليمي ’أخشى أن يكون انقلب عليه الاسم وإنما هو أبو بكر بن حفص بن عمر بن سعيد أبي وقاص الثقة واسمه عبد الله‘ ثم صحح إسناده.
هذا مردود عليه لأن هذا الراوي لم يدرك أيام الصحابة. قال ابن حجر:- ’عبد الله بن حفص بن عمر بن سعيد ابن أبي وقاص الزهري أبو بكر المدني مشهور بكنيته من الخامسة‘.
(انظر:- التقريب – 171)
وقد نص في مقدمته ’أن الخامسة هي الطبقة الصغرى منهم (التابعين) الذين رأوا الواحد والاثنين ولم يثبت لبعضهم السماع من الصحابة كالأعمش‘
((1/14)
انظر:- المصدر السابق – 10)
وعلى هذا أبو بكر بن عمر بن حفص هذا مجهول ومع ذلك روايته هذا منقطعة.
5- (الكلام على رواية عبد الرزاق)
? إسناد الحديث:- ثنا ابن جريج أخبرني أبي – وهو عبد العزيز بن جريج – عن أبي بكر مرفوعا.
? تخريج الحديث:- أخرجه عبد الرزاق (3/6534) وعنه أحمد (1/7) وابن أبي شيبة (14/554.553) والمرزوي(105)
? الكلام على الإسناد :- ابن جريج مدلس وقد صرح بالإخبار فزالت الدائرة عنه وأما أبوه فمجهول‘ قاله الألباني وقال الحافظ ’لين‘
(انظر:- الضعيفة 5/98)
قال الإمام البخاري:- ’لايتابع في حديثه‘ وذكره ابن حبان في (الثقات) وقال ’لم يسمع من عائشة‘
(انظر:- تهذيب التهذيب 6/297)
وقال الإمام ابن حجر:- ’لين قال العجلي لم يسمع من عائشة وأخطأ خصيف فصرح بسماعه‘
(انظر:- تقريب التهذيب /214)
وهذا مع قلة روايته ضعف ومعهما لم يدرك القصة فهي منقطعة.
هذا وقد ذكر الشيخ الألباني أن ابن زنجويه أخرج الحديث من رواية عمر مولى غفرة عن أبي بكر مرفوعا. ثم علق عليه بما يلي ’قال ابن كثير:- ’وهو منقطع من الوجه فإن عمر مولى غفرة مع ضعفه لم يدرك أيام الصديق.‘ كذا في (الجامع الكبير للسيوطي 3/147/ 1-2)
(انظر:- تحذير الساجد 12.10)
في هذا السند ثلاث علل رغم أن يدي لا تطول هذا المصدر المخرج فيه هذا الإسناد.
العلة الأولى:- عمر مولى غفرة قال الإمام ابن حجر في (التقريب) ’ابن عبد الله المدني مولى غفرة ضعيف وكان كثير الإرسال من الخامسة مات سنة خمس أو ست وأربعين. وقال ابن حبان:- يقلب الأخبار ولا يحتج به.
(انظر:- الضعيفة 6/30. 251)
العلة الثانية:- ’الإعضال لأن حجر ذكره في الطبقة الخامسة فإن أهل هذه الطبقة هم الذين رأوا الواحد والإثنين ولم يثبت سماع لبعضهم عن أحد من الصحابة كالأعمش كما نص في مقدمة ’التقريب‘.(1/15)
العلة الثالثة:- الزيادات والمخالفة التي لم ترد في غيرها من الروايات التي وقفت عليها. الزيادة الأولى ’إخفار القبر‘ وهذا اللفظ لا يناسب السياق. والزيادة الثانية ’ذكر الخط حول الفراش‘ والزيادة الثالثة‘ احتمال علي والعباس والفضل وأهله ’أما المخالفة هي أن هذه الرواية تخبر أن الصحابة أجمعوا على ما قال أبو بكر مع ضعفه وإعضاله. ورواية ابن سعد بسند صحيح عن الحسن البصري قال:- ائتمروا أن يدفنوه في المسجد فقالت عائشة:- إن رسول الله كان واضعا رأسه في حجري إذ قال:- قاتل الله أقواما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد واجتمع رأيهم أن يدفنوه حيث قبض في بيت عائشة‘. مرسل صحيح. قال الألباني:- ’أن الصحابة أقروها على هذا الفهم ولذلك رجعوا إلى رأيها فدفنوه في بيتها.‘
(انظر:- تحذير الساجذ /28.27)
وخلاصة القول في هذه الأسانيد :-
أن هذه الأسانيد كلها ضعيفة ثلاثتها ضعيفة جدا مع مخالفة ابن إسحاق ونكارته. والاثنين الأخيرين إن كانا خاليين عن المتروكين لا تشد عضدها لأنها معضلان فكيف مع الضعف القريب إلى الشدة. وإسناد عمر وفيه ثلاث علل والزيادة التي لم تشهد عليها والمخالفات. فالحديث يبقى على ضعفه وقد سكت عن هذا الحديث ابن الحجر في (الفتح 1/697) وتكلم على إسناد عبد الرحمن المليكي الترمذي وضعفه وتكلم على إسناد حسين بن عبد الله علي ابن المديني فقال ’في إسناده بعض الضعف وحسين بن عبد الله بن العباس منكر الحديث‘ (كنز العمال 7/1863) وتكلم على إسناد عمر مولى غفرة ابن كثير كما تقدم وتكلم على إسناد ابن جريج فقال ’هذا منقطع من هذا الوجه فإن والد ابن جريج فيه ضعف ولم يدرك أيام الصديق‘ (كنز العمال 7/18761) وأشعرنا الكرماني بأنه يضعف الحديث بقوله ’وقد روي أن الأنبياء يدفنون حيث يموتون‘ (الفتح 1/697). لأن صيغة التمريض تقتضي ذلك. فأكتف بهذا القدر. الله أعلم.
الباب الثالث
الرد على من قوى الحديث(1/16)
هذا الباب في نظري ضياع الوقت لولا أني رأيت بعض الرجال يدعون هذه شواهد تقوي حديث الترجمة بجهلهم البالغ أو باجتهادهم الخاطئ فاغتروا بهم بعض العامة ما كتبت ولا حرفا. ولذا أريد تلخيص هذا الباب على المهمات فقط.
1. تقوية الحديث بحديث الأقمار الذي أخرجه الحاكم وابن سعد (2/293) قالت عائشة لأبي بكر :- إني رأيت في المنام كأن ثلاثة أقمار سقطن في حجرتي فقال أبو بكر:- خيرا قال يحي فسمعت الناس يتحدثون أن رسول الله لما قبض فدفن في بيتها قال لها أبو بكر:- هذا أحد أقمارك وهو خيرها.
ولا أريد الكلام على إسناد هذا الحديث ولا اختلاف الألفاظ والأسانيد عند مخرجيه وهذا كما تراه ليس فيه أي شيء يشهد لحديث الترجمة. أقل ما يمكن أن يؤخذ منه – لو صح- أن الله أخبرها بالمنام أن رسول الله سيدفن في بيتها فأين هذا من دفن الأنبياء في مكانهم الذي تقبض أرواحهم فيه. اللهم هداك!
2. تقوية الحديث بحديث دفن الأجساد.
رواه ابن سعد في (الطبقات 2/293) عن يحي بن بهماه مولى عثمان بن عفان قال :- بلغني أن رسول الله قال ’إنما تدفن الأجساد حيث تقبض الأرواح‘.
وهذا -لو صح- مخالف لما هو معلوم من الدين. لأن السنة الدفن في مقابر المسلمين إلا الشهداء كما هو معلوم. ولم ينقل عن أحد من السلف الدفن في غير مقابر المسلمين كما قال الشيخ الألباني (الجنائز- 174) أما الاستشهاد به على حديث الترجمة هو من أضعف الادعاءات. لأنه ليس فيه الاختصاص بالأنبياء بل للجميع. وحديث الترجمة- إن صح – يصير هذا الحديث منكرا لأن هذا يخالفه. فكيف ساغ الاستشهاد به.
3. تقوية الحديث بحديث موقوف على أبي بكر.(1/17)
أنه قيل لأبي بكر أيدفن رسول الله فقال:- نعم فقالوا:- أين؟ فقال:- ’في المكان الذي قبض الله روحه فإنه لم يقبض روحه إلا في مكان طيب.‘ أخرجه ابن ماجه مع القصة مطولا والترمذي في شمائله وابن خزيمة (1624.1541) هذا الأثر صححه ابن حجر والألباني فقال الأول رحمه الله:-’إسناده صحيح لكنه موقوف والذي قبله (يعني حديث الترجمة) أصرح في المقصود.‘(الفتح 1/697) أما الثاني رحمه الله فقال:-’ورواه ابن سعد بسند صحيح عن أبي بكر مختصرا موقوفا وهو في حكم المرفوع وكذلك رواه الترمذي في (الشمائل 2/272) في قصة وفاته.‘ (أحكام الجنائز – 174)
ففيه أمران:-
الأول:- قول الشيخ الألباني رحمه الله أنه في حكم المرفوع ليس دقيقا ولا صحيحا. لأن المكان فيه مجال للرأي. فقد قال النبي "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة" أو كما قال النبي فيحتمل أن يكون مراد أبي بكر هذا بقوله ’فإن الله لم يقبض روحه إلا في مكان طيب‘ ولذا قال ابن حجر ’إسناده صحيح لكنه موقوف والذي قبله أصرح في المقصود‘ مفهوم كلامه أنه ليس مرفوعا حكما ولا تصريحا. وكذا لم يفهم الرواة من قوله رضي الله عنه حين رووا بالمعنى رفع الحديث إلى النبي يؤيد قولي هذا ما رواه ابن سعد نفسه (2/298) فقال:- ’أخبرنا أبو الوليد الطيالسي أخبرنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة قالت لما مات النبي قالوا أين يدفن؟ فقال أبو بكر :- في المكان الذي مات فيه‘. وليس فيه ما يفيد الرفع لأنهم فهموه هكذا. ويؤيد قولي ما يلي:- عن عائشة قالت قال رسول الله في مرضه الذي لم يقم منه:- "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" قالت فلولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا.‘ أخرجه البخاري (3/8.198.156/114) وفي رواية للبخاري "فلولا ذلك لأبرزوا قبره" يدل قول عائشة "لأبرز" وأخرجه مسلم(2/67)(1/18)
فخلاصة القول إن الصحابة لما استشاروا في دفن النبي أبدى كل واحد منهم رأيه ما رواه صوابا فأبدى أبو بكر رأيه أن بيت عائشة هو المناسب لدفنه لحديث النبي "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة" الله أعلم.
واجتمع رأي بعض الصحابة عليه وأبدت عائشة رأيها أن دفنه في البيت هو المناسب لأن لا يتخذ قبره مسجدا لحديث النبي "قاتل الله أقواما..." فاجتمع الصحابة على دفنه صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة. وبه نجمع بين قول عائشة الصحيح "فلولا ذلك لأبرز..." وبين قول أبي بكر ’إن الله لا يقبض روحه إلا في مكان طيب." والله أعلم.
الثاني:- الاستشهاد به لحديث الترجمة. وهذا أيضا خطأ من الشيخ الألباني رحمه الله- الذي من كتبه درسنا وبها فقهنا ومنها انتفعنا ما يعلم قدره إلا الله- لأنا أيدنا أن قول أبي بكر ليس في حكم المرفوع. وبه سقط الاستشهاد أصلا أولا.
ثانيا: ولو أعطيناه حكم الرفع فليس فيه ما يؤيد أن كل الأنبياء دفنوا في مكانهم الذي ماتوا فيه لأن قول أبي بكر يخص النبي فقط ولذا قال الإمام ابن حجر رحمه الله ’والذي قبله أصرح في المقصود.(يعني حديث الترجمة الضعيف) كذلك قال الشيخ صالح بن حامد بن سعيد الرفاعي بعدما ضعف أسانيد الحديث كلها وصحح الموقوف على أبي بكر ’وليس فيه موضع الشاهد‘
(انظر:- الأحايث الواردة في فضائل المدينة /338 تعليقه)
وبه انتهينا عن الشبهات كلها فحديث الترجمة يبقى على ضعفه. والله أعلم.
الباب الرابع
موقف الشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله من هذا الحديث
ونقده إياه.(1/19)
لما كان الشيخ كبير أثر في نفوسنا ولما كانت كتبه كالصحيحة والضعيفة المسلسلة وإرواء الغليل مفتاحا لدراستنا ونهضتنا أردت أن أبين موقفه من هذا الحديث قبل أن يتخذ البعض ذريعة لتجهيلنا بتقليد أعمى وتجريح أطغى وتفسيق أعصى ولأن الشيخ له رحابة صدر لقبول الحق فقد دمعت عيناي لما قرأت قول الشيخ ’فرحم الله عبدا دلني على خطئي وأهدى إلى عيوبي فإن من السهل علي – بإذنه تعالى وتوفيقه – أن أتراجع عن خطأ تبين لي وجهه وكتبي التي تطبع لأول مرة وما يجدد طبعه منه أكبر شاهد على ذلك."
(انظر:- الضعيفة 1/6)
ثم قال ’وبهذه المناسبة أقول إني أنصح كل من أراد أن يرد علي – أو على غيري – ويبين لي ما يكون قد زل به قلمي أو اشتط عن الصواب فكري أن يكون رائده النصح والارشاد والتواصي بالحق وليس البغضاء والحسد فإنها المستأصلة للدين‘
(انظر:- المصدر السابق 1/6)
ولما رد السقاف على الألباني لما له من التراجعات وعدها من التناقضات رد عليه الشيخ الألباني ثم قال ’أما أهل العدل والإنصاف فإنهم يعدون مثل هذه المواقف العلمية رفعة في الأمانة وعلوا في أداء الحق لأهله‘
(انظر:- الصحيحة 6/1/4)(1/20)
ثم قال وبين يدي مثال يلتقى – تقريبا – مع ما ذكرت من صنائع أهل الإنصاف وتعاملهم فيما يختلف فيه قول العالم – أحيانا – في بعض مسائل العلم فها هو فضيلة الشيخ بكر أبو زيد – نفع الله به – يبحث في جزئه اللطيف ’مرويات دعاء ختم القرآن‘ رواية خبر في سنده (صالح بن بشير المري) وحاله معروف عند أهل الحديث فقال – حفظه الله – في نهاية بحثه:- ’فهو متروك الحديث مع صلاحه و زهادته والمتروك لا يعتبر بحديثه في باب الشواهد ولا المتابعات وهذا يتفق مع ما قرره العلامة الألباني في (الضعيفة 1/214/309) خلاف ما قرره في تعليقه على (مشكاة المصابيح 1/36 رقم 98) فإنه اعتبر به فليصحح. وهذا لا يشغب به على أهل العلم كالحال في تعدد الروايات عن الإمام الواحد في الفقهيات وفي رتبة الحديث الواحد وكذا في منزلة الراوي.
وللحافظين الذهبي وابن حجر في هذا شيء غير قليل يعلم من المقابلة بين (الكاشف) و (المغني) كلا هما للذهبي وبين (التقريب) و (التلخيص) و (الفتح) ثلاثتها لابن حجر والأعذار فيه مبسوطة وانظر (رفع الملام) لابن تيمية.
لكن هذا يوافق لدى المبتدعة شهوة يعالجون بها لحمد الحسرة من ظهور أهل السنة ولهم في الايذاء وقائع مشهورة على مر التاريخ لكنها تنتهي بخذلانهم والله الموعد.‘
(انظر:- الصحيحة 2/1/5)
والآن نرجع إلى موضوعنا لتعرف موقف الشيخ من هذا الحديث.
(القسم الأول)
? كلام الشيخ في (تحذير الساجد 11.10) :-
أورد الشيخ محمد ناصر الدين هذا الحديث برواية ابن زنجويه بصيغة التمريض ’روي‘ فأشار بها أن الحديث ضعيف. ثم علق عليه هكذا:- ’قال ابن كثير ’وهو منقطع من هذا الوجه فإن عمر مولى غفرة مع ضعفه لم يدرك أيام الصديق‘ كذا في (الجامع الكبير) للسيوطي (3/147/1-2)‘
? كلام الشيخ في (مشكاة المصابيح بتحقيقه وتعليقه) (رقم: 5963):-(1/21)
علق على هذا الحديث بقول الترمذي هكذا:- ’هذا حديث غريب وعبد الرحمن بن أبي بكر المليكي يضعف من قبل حفظه. وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه فرواه ابن عباس عن أبي بكر الصديق عن النبي‘
? كلام الشيخ في (أحكام الجنائز – 174):-
’لم ينقل عن أحد في السلف أنه دفن في غير المقبرة إلا ما توافر أيضا أن النبي دفن في حجرته وذلك من خصوصياته كما دل عليه حديث عائشة قالت:- ’لما قبض رسول الله اختلفوا في دفنه فقال أبو بكر:- سمعت من رسول الله شيئا مانسيته قال:- ’ما قبض الله نبيا إلا في الموضع الذي يحب أن يدفن فيه‘ فدفنوه في موضع فراشه‘.
أخرجه الترمذي (2/129) وقال:- ’حديث غريب‘ وعبد الرحمن بن أبي بكر الملكي يضعف من قبل حفظه" قلت لكنه حديث ثابت بما له من الطرق والشواهد:-
أ - أخرجه ابن ماجه (498,499) وابن سعد (2/71) وابن عدي في (الكامل ق 94/2) من طريق ابن عباس عن أبي بكر.
ب - وابن سعد وأحمد (رقم 27) من طريقين منقطعين عن أبي بكر.
ج - وراه مالك (1/230) وعنه ابن سعد بلاغا.
د - ورواه ابن سعد بسند صحيح عن أبي بكر مختصرا موقوفا وهو في حكم المرفوع وكذلك رواه الترمذي في (الشمائل) (2/272) في قصة وقاته.
قال الحافظ ابن حجر (1/420):-
’واسناده صحيح لكنه موقوف والذي قبله أصرح في المقصود وإذا حمل دفنه في بيته على الاختصاص لم يبعد نهى غيره عن ذلك. بل هو متجه لأن استمرار الدفن في البيوت ربما صيرها مقابر فتصير الصلاة فيها مكروهة‘.
وهذا كله كلام الشيخ الألباني فإنه ضعف الحديث في (تحذير الساحد), ولعله لم يقف على أسانيد الحديث أو لم يسع له الوقت ولذا ضعفه بقول ابن كثير. أما تضعيفه في تعليق (مشكاة المصابيح). ولعله كما قلت آنفا. أما قوله في (أحكام الجنائز) ففيه في نفسي أمور.(1/22)
1) أنه أقر الترمذي على تضعيف عبد الرحمن لسوء حفظه بسكوته. وليس كذلك فإنه متروك كما قررناه وقد حكم به الألباني أيضا وسيأتي تعذيرنا للشيخ الألباني.
2) اعتبر الشيخ رواية مالك (1/23) طريقا وليس كذلك لأن الإمام مالك لم يذكر له إسنادا إنما قال’بلغني‘ وعنه رواه ابن سعد كما قال الشيخ الألباني.
3) اعتبر الشيخ الحديث الموقوف على أبي بكر شاهدا. وقد بينا وجه خطئه من قبل.
4) قال الشيخ ’رواه ابن سعد وأحمد (رقم 27) من طريقين منقطعين عن أبي بكر‘. لم أستطع أن أجد إلا طريقا واحدا في مسند أحمد لأن طبعة الشيخ غير طبعتنا لأن في مكتبة دار التوحيد السلفية ما فهرسه الألباني فقط. فيه أرقام الصفحة فقط فصعب علي ولكن قلبت صفحات (طبقات ابن سعد). فأورد ابن سعد تحت العنوان ’ذكر موضع قبر رسول الله‘ الأحاديث الواردة فيه. فلذا فلا إشكال لأن أكثر ما أورد ابن سعد تحت هذا العنوان من الأحاديث عن أبي بكر منقطعة. فقد تكلمنا على ذلك كلها كما تقدم الحمد لله لنعمه.
(القسم الثاني)
المقابلة بين كلام الشيخ في الرواة في (أحكام الجنائز) و (الصحيحة) وبين كلامه في (الضعيفة).
إنه ليس من الشك أن من قرأ كتب الشيخ يعرف أن نقد الشيخ في (الضعيفة) أقوى من غيره. وقد تقدم شهادة الشيخ بكر أبو زيد فيه وشهد به الشيخ مصطفى بن إسماعيل أيضا فقال:- ’والحق يقال: إن نقد الشيخ الألباني – حفظه الله – في (الضعيفة) أقوى من نقده في (الصحيحة) فهناك قواعد وتراجم يقويها في (الصحيحة) ويوهنها في (الضعيفة).
(انظر:- إتحاف النبيل 1/111)
ونضرب لكم على ذلك كله مثالا.
(1) (توهين القاعدة):- يعتبر الشيخ الألباني إذا كان الراوي مجهول الحال وذكره ابن حبان في (الثقات) وروى عنه اثنان أو ثلاث من الثقات توثيقا له‘
إنه قوى هذه القاعدة في (الصحيحة) مثلا. قال الشيخ رحمه الله.(1/23)
’موسى بن جبير الأنصاري روى عنه جمع من الثقات منهم الليث بن سعد وبكر بن مضر وعمرو بن الحارث ويحيى ولذلك قال الذهبي في (الكاشف) ’ثقة‘ وذكره ابن حبان في (الثقات – 7/451) وقال ’يخطئ ويخالف‘ وقال الحافظ ’مستور‘ قلت والصواب قول الذهبي المتقدم ’ثقة‘ لرواية الجماعة عنه وقد يكون له أخطاء كما يشير إليه قول ابن حبان المتقدم.
(انظر:- الصحيحة – 6/2/771)
وقد رأيت في بعض المواضع يخالف هذه القاعدة مثلا. وقد ضعف الراوي موسى بن جبير نفسه في (الضعيفة) فقال:- ’ذكره ابن حبان في (الثقات) (7/451) ولكنه قال ’وكان يخطئ ويخالف‘ قلت واغتر به الهيثمي فقال في (مجمع الزوائد – 5/67) بعد ما عزا الحديث لأحمد والبزار ’رجاله رجال الصحيح خلا موسى بن جبير وهو ثقة‘ قلت لو أن ابن حبان أورده في كتابه ساكتا عليه كما هو غالب عادته لما جاز الاعتماد عليه لما عرف عنه من التساهل في التوثيق. فكيف وهو قد وصفه بقوله ’يخطئ ويخالف‘ وليت شعري من كان هذا وصفه فكيف يكون ثقة ويخرج حديثه في (الصحيح) قلت ولذلك قال الحافظ ابن حجر في موسى هذا إنه مستور‘ انتهى
(انظر:- الضعيفة 1/316,315)
و(مثال آخر لتوهينه لهذه القاعدة):- تعقب الشيخ تضعيف المناوي حديث ’أكثروا من شهادة أن لا إله إلا الله......... ‘ يقول العراقي ’فيه موسى ابن وردان مختلف فيه‘ فتعقبه بما يلي:- ’أن قول العراقي في ابن وردان ‘ مختلف فيه‘ ليس نصا في تضعيفه بل هو إلى تقويته أقرب منه إلى تضعيفه لأن المعهود في استعمالهم لهذه العبارة ’مختلف‘ أنهم لا يردون به التضعيف بل يشيرون بذلك إلى أن حديثه حسن أو على ألأقل قريب من الحسن ولا يريدون تضعيفه مطلقا لأن من طبيعة الحديث الحسن أن يكون في راويه اختلاف و إلا كان صحيحا فتأمل‘ انتهى
(انظر:- الصحيحة 1/2/ص-837)(1/24)
أما في (الضعيفة) فقد وهن هذه القاعدة وضعف موسى بن وردان بقوله:- ’قلت موسى بن وردان فيه كلام أيضا قال الذهبي في (الضعفاء) وضعفه ابن معين ووثقه أبو داود وقال الحافظ ’صدوق ربما أخطأ‘ انتهى
(انظر:- الضعيفة 4/95)
(2) عدم الاحتجاج بمن قيل فيه في (التقريب) ’صدوق يخطئ‘ و ’صدوق له أوهام‘
قال الشيخ الألباني في (الصحيحة) ’شبيب بن بشير ’صدوق يخطئ‘ فحديثه حسن‘
(انظر:- الصحيحة 5/440,234)
وفي الضعيفة قال عقب حديث فيه شبيب ’قال الترمذي ’غريب‘ يعني ضعيف وذلك لأن شبيب بن بشير ’صدوق يخطئ‘. انتهى
(انظر:- الضعيفة 3/174)
وقال في (الصحيحة) ’معاوية بن يحيى وهو ’صدوق له أوهام" كما في (التقريب) فمثله لا ينزل حديثة عن مرتبة الحسن‘ (الصحيحة 1/1/446)
وفي الضعيفة ضعفه بقول ابن حجر المتقدم (انظر:- الضعيفة 6/150)
(3) تراجع الشيخ الألباني عن بعض الأحكام في الرواة.
? استشهد الشيخ بجابر بن يزيد الجعفي في (الصحيحة 4/619.618)
? وحكم في (الضعيفة – 4/633) بأنه متروك لا يستشهد به بقوله ’جابر هذا ابن يزيد الجعفى مختلف فيه والراجح أنه متروك أيضا‘
? قصر في تجريح الحارث الأعور في (الصحيحة – 4/212) فقال (ضعيف)
? وحكم في (الضعيفة – 7/93) بأنه ضعيف جدا بقوله ’ضعيف متهم‘ وحكم على الإسناد الذي هو فيه بأنه ’ضعيف جدا‘
? قال في (الصحيحة – 4/633) في محمد بن حميد الرازي: ’...... وفي هذا محمد بن حميد وهو الرازي وهو ضعيف لسوء حفظه‘
? وفي (الضعيفة – 4/365) فقال:- ففي (التقريب) ’حافظ ضعيف‘ وأقول بل هو ’متهم‘
? في (الصحيحة – 2/49) قال ’إسناده ضعيف من أجل عبد الرحمن هذا ولكن لعله لا بأس به في المتابعات فقد قال الساجي فيه ’صدوق فيه ضعف يحتمل‘(1/25)
? وقال الشيخ لما تعقب الحديث ’لو كان حسن الخلق يمشي به في الناس لكان رجلا صالحا‘ ضعيف جدا. ثم أورد إسناده وقال ’قلت وهذا سند واه جدا آفته عبد الرحمن أبو محمد هذا وهو عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبيد الله بن أبي مليكة المدني (ثم حكم) أنه متروك‘. (انظر:- الضعيفة 4/501.328.327)
وكذا بعض الرجال ضعفه بما لا يخرجهم عن مرتبة الاستشهاد بهم في (أحكام الجنائز) وحكم بتركهم فلم يستشهد بهم في الضعيفة. ومنهم عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي أحد رواة حديث الترجمة المتروك. وإليكم بعض الأمثلة من (الضعيفة).
? عبد الله بن محرر في (الجنائز/91) ’منكر الحديث‘ ثم استشهد به.
? وفي (الضعيفة 1/493) ’وابن محرر هذا متروك‘.
? عمرو بن عمرو أبو عون الأنصاري. حسن حديثه يقول الذهبي وابن جحر في (الجنائز/72)
? وفي (الضعيفة 7/295) ’غير معروف‘ ولينه عند تفرده في مكان (6/436)
? أبو بكر بن أبي مريم قال في (الجنائز /97) ’ضعيف‘.
? وقال في (الضعيفة 1/696) ’ضعيف جدا‘ (أي متروك).
فأقول أن إسناد الترمذي الذي فيه عبد الرحمن المليكي والذي استشهد به الشيخ ضعيف جدا في نقد الألباني أيضا لأنه حكم عليه بأنه متروك في الآونة الأخيرة. والأخذ بهذا الحكم أولى من غيره الله أعلم. وكذلك أن إسناد ابن ماجه الذي فيه حسين حكم عليه الشيخ بأنه ’ضعيف‘ واستدل على مناكيره في (الضعيفة 2/963). فالتمسك بحكم الألباني رحمه الله لهذا الحديث جمود لمن له قدرة على تمييز الصحيح من الضعيف. الله أعلم.
وخلاصة القول:- إن نقد الألباني في (الضعيفة) أقوى من غيره فإذا أخذنا بأحكامه في (الضعيفة) يجب علينا أن نحكم على حديث الترجمة بأنه ’ضعيف‘ بخلاف ما إذا أخذنا بأحكامه من غيره. وهذا لا يجوز لأن الضعيفة من أواخر مؤلفاته.(1/26)
وعندي مثال صالح لما قلت آنفا فاقرأ ما يأتي:-أورد الشيخ تحت العنوان ’أذكار السجود‘ في صفة صلاة النبي ’هذا الدعاء ’سجد لك سوادي وخيالي وآمن بك فؤادي وأبوء بنعمتك علي هذي يدي وما جنيت على نفسي‘ ثم علق عليه بقوله ’ابن نصر والبزار والحاكم وصححه ورده الذهبي لكن له شواهد مذكورة في الأصل.‘
(صفة صلاة النبي – 146)
ولكن تراجع عنه الشيخ وحكم بأن شواهده لا تقويه لشدة ضعفها وذلك لاشك يدل على ما ذكرته آنفا.
(انظر:- الضعيفة 5/ رقم 2145/169.168)
هذا وقد اتخذت هذه التراجعات ذريعة للطعن في الشيخ ولهم من الله ما يستحق. ولكن الشيخ يوضح موقفه من هذه التراجعات بقوله:- ’ولما كان من طبيعة البشر التي خلقهم الله عليها العجز العلمي المشار إليه في قوله تعالى "ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء " كان بدهيا جدا ألا يجمد الباحث عند رأي أو اجتهاد له قديم إذا ما بدا له أن الصواب في غيره من جديد. ولذلك نجد في كتب العلماء أقوالا متعارضة عن الإمام الواحد في الحديث وتراجم رواته وفي الفقه و بخاصة عن الإمام أحمد وقد تميز في ذلك الإمام الشافعي بما اشتهر عنه أن له مذهبين : قديم وحديث.
وعليه فلا يستغربن القارئ الكريم تراجعي عن بعض الآراء والأحكام التي يرى بعضها في هذا المجلد تحت الحديث (65) عند الكلام على حديث ’لا تذبحوا إلا مسنة‘ وغير ذلك من الأمثلة فإن لنا في ذلك بالسلف أسوة حسنة.
وإن مما يساعد على ذلك فوق ما ذكرت من العجز البشري. أننا نقف ما بين آونة وأخرى على مطبوعات جديدة كانت أصولها في عالم المخطوطات أو المصورات بعيدة عن متناول أيدي الباحثين والمحققين إلا ما شاء الله منها لمن شاء فيساعد ذلك من كان مهتما بالوقوف على هذه المطبوعات والاستفادة منها على التحقيق أكثر من ذي قبل.(1/27)
وهذا وذاك هو السر في بروز كثير من التصحيحات والتعديلات على ما بعض ما يطبع من مؤلفاتي الجديدة أو ما يعاد طبعه منها كهذا المجلد الذي بين يديك وينقدني لذلك بعض الجهلة الأغرار وكذاك السقاف هداه الله.
(انظر:- الضعيفة 1/4.3)
الحمد لله على نعمته التي بها تتم الصالحات وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
طالب العلم مجاهد بن رزين.
الصف الخامس
دار التوحيد السلفية.
سريلنكا
12/6/2002
*******************
************
*****(1/28)