رَوَى شعبة ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -
قَالَ : (( لا وضوء إلا من صوت أو ريح )) (1) .
هكذا رَوَى شعبة الْحَدِيْث مختصراً ، نبّه عَلَى ذَلِكَ حفاظ الْحَدِيْث ونقاده ، فأبو حاتم الرازي يَقُوْل : (( هَذَا وهم ، اختصر شعبة مَتْن هَذَا الْحَدِيْث ، فَقَالَ : (( لا وضوء إلا من صوت أو ريح ))، ورواه أصحاب سهيل عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هُرَيْرَةَ ، عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (( إِذَا كَانَ أحدكم في الصَّلاَة فوجد ريحاً من نفسه فَلاَ يخرجن حَتَّى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً )) )) (2).
وَقَالَ البَيْهَقِيّ : (( هَذَا مختصر )) (3).
إلا أن الحَافِظ ابن التركماني قَالَ : (( لَوْ كَانَ الْحَدِيْث الأول مختصراً من الثاني ، لكان موجوداً في الثاني مَعَ زيادة ، وعموم الحصر المذكور في الأول لَيْسَ في الثاني ، بَلْ هما حديثان مختلفان )) (4) .
وتابعه عَلَى هَذَا التعليل الشوكاني ، فَقَالَ : (( شعبة إمام حافظ واسع الرِّوَايَة ، وَقَدْ رَوَى هَذَا اللفظ بهذه الصيغة المشتملة عَلَى الحصر ، ودينه ، وإمامته ، ومعرفته بلسان العرب يرد ما ذكره أبو حاتم )) (5) .
وأيّد هَذَا الشَّيْخ أبو إسحاق الحويني في تحقيقه لـ " منتقى " ابن الجارود (6) .
__________
(1) أخرجه الطيالسي ( 2422 ) ، وابن الجعد ( 1643 ) ، وأحمد 2/410 و 435 و 471 ، وابن ماجه (515) ، والترمذي ( 74 ) ، وابن الجارود ( 2 ) ، وابن خزيمة ( 27 ) ، والبيهقي 1/117 و 220 .
(2) علل الْحَدِيْث 1/47 ( 107 ) .
(3) السنن الكبرى 1/117 .
(4) الجوهر النقي 1/117 .
(5) نيل الأوطار 1/224 .
(6) غوث المكدود 1/17 .(1/1)
وَإِذَا ذهبنا نستجلي حقيقة الأمر بطريق البحث العلمي المستند إِلَى حقائق الأمور وقواعد أصحاب هَذَا الفن، نجد أن أبا حاتم الرازي لَمْ يحكم بهذا الحكم من غَيْر بينة، إِذْ أشار في تضاعيف كلامه إِلَى أن مستنده في الحكم بوهم شعبة واختصاره للحديث : مخالفته لجمهور أصحاب سهيل ، وهذا هُوَ المنهج العلمي الَّذِي يتبعه أَئِمَّة الْحَدِيْث في مَعْرِفَة ضبط الرَّاوِي ، وذلك من خلال مقارنة روايته برواية غيره ، وهذا يقتضي جمع الطرق ، والحكم عن تثبت ، لا بالتكهن والتجويز العقلي الخلي عن البرهان والدليل .
وبغية الوصول إِلَى الحكم الصائب تتبعنا طرق هَذَا الْحَدِيْث ، فوجدنا سبعة من أصحاب سهيل رووه عن سهيل خالفوا في رواياتهم رِوَايَة شعبة ، وهم :
جرير بن عَبْد الحميد بن فرط الضبي ، عِنْدَ مُسْلِم (1) ، والبيهقي (2) .
حماد بن سلمة ، عِنْدَ : أَحْمَد (3) ، والدارمي (4) ، وأبي داود (5) .
خالد بن عَبْد الله الواسطي ، عِنْدَ ابن خزيمة (6) .
زهير بن معاوية ، عِنْدَ أبي عوانة (7) .
عَبْد العزيز بن مُحَمَّد الدراوردي ، عِنْدَ التِّرْمِذِيّ (8) ، وابن خزيمة (9)، وابن المنذر (10).
مُحَمَّد بن جعفر ، عِنْدَ البَيْهَقِيّ (11) .
يَحْيَى بن المهلب البجلي ، عِنْدَ الطبراني في " الأوسط " (12) .
__________
(1) في صحيحه 1/190 ( 362 ) ( 99 ) .
(2) في سننه 1/117 .
(3) في مسنده 2/414 .
(4) في سننه ( 727 ) .
(5) في سننه ( 177 ) .
(6) في صحيحه ( 24 ) و ( 28 ) .
(7) في مسنده 1/267 .
(8) في جامعه ( 75 ) ، وسياق الإِمَام التِّرْمِذِيّ للرواية المختصرة وتعقيبه بالرواية المطولة ، ينبه بِذَلِكَ ذهن الباحث عَلَى وجود كلتا الرِّوَايَتَيْنِ ، لا أنَّهُ صحح كلا الرِّوَايَتَيْنِ !!!
(9) في صحيحه ( 24 ) .
(10) في الأوسط ( 149 ) .
(11) في سننه 1/161 .
(12) 2/157 ( 1565 ) .(1/2)
ورِوَايَة الجمع أحق أن تتبع ويحكم لها بالسلامة من الخطأ .
ولا يطعن هَذَا في إمامة شعبة ودينه ، فهذا أمر وهذا أمر آخر ، ومن ذا الَّذِي
لا يخطئ .
ولا يشترط أن يَكُوْن لفظ الْحَدِيْث المختصر موجوداً في الْحَدِيْث المختصر مِنْهُ ، بَلْ يكفي وجود المعنى، إِذْ لربما اختصر الرَّاوِي الْحَدِيْث، ثُمَّ رَوَى اللفظ المختصر بالمعنى ، فَلاَ يبقى رابط بَيْنَهُمَا سوى المعنى ، وهذا ما نجده في حديثنا هَذَا ، وبه يندفع اعتراض ابن التركماني ومن قلّده .
الدكتور
ماهر ياسين الفحل…
العراق /الأنبار/الرمادي/ص .ب 735
al-rahman@uruklink.net………………(1/3)