حَدِيْث قتيبة بن سعيد ، عن الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبي حبيب (1)، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة (2)، عن معاذ بن جبل (3) : (( أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ في غزوة تبوك إذا ارتحل قَبْلَ زيغ الشمس أخّر الظهر إلى أن يجمعها إلى العصر فيصليهما جميعاً ، وإذا ارتحل بَعْدَ زيغ الشمس عجّل العصر إلى الظهر ، وصلى الظهر والعصر جميعاً ثُمَّ سار . وَكَانَ إذا ارتحل قَبْلَ المغرب أخّر المغرب حَتَّى يصليها مع العشاء ، وإذا ارتحل بَعْدَ المغرب عجّل العشاء فصلاها مع المغرب )) .
رَوَاهُ أحمد (4) ، وأبو داود (5) ، والترمذي (6) ، وابن حبان (7) ، والدارقطني(8)
__________
(1) أبو رجاء يزيد بن أبي حبيب الأزدي ، مولاهم المصري : ثقة فقيه وَكَانَ يرسل ، ولد بَعْدَ سنة
( 50 ه) ، وتوفي سنة ( 128 ه) .
تهذيب الكمال 8/118 ( 7570 ) ، وسير أعلام النبلاء 6/31 ، والتقريب ( 7701 ) .
(2) هُوَ الصَّحَابِيّ أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي ، وَهُوَ آخر من مات من الصَّحَابَة ، توفي سنة ( 110 ه).
معجم الصَّحَابَة 11/3886 ، وتجريد أسماء الصَّحَابَة 1/289 ( 3056 ) ، والعبر 1/118 .
(3) الصَّحَابِيّ الجليل معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي ، أسلم وَهُوَ ابن ثماني عشرة سنة ، توفي سنة ( 18 ه) .
معجم الصَّحَابَة 13/4596، وأسد الغابة 4/376، والإصابة 3/426-427.
(4) في مسنده 5/241 .
(5) في سننه ( 1220 ) .
(6) في الجامع ( 553 ) و ( 554 ) .
(7) في صحيحه ( 1455 ) و ( 1590 ) وفي طبعة دار الرسالة ( 1458 ) و ( 1593 ) .
(8) الإمام الحافظ أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي البغدادي الدَّارَقُطْنِيّ ، من مؤلفاته كتاب "السنن" و "العلل الواردة في الأحاديث النبوية" وغيرهما،ولد في سنة (306 ه)،وتوفي سنة ( 385 ه).
سير أعلام النبلاء 16/449 و 457 ، وتاريخ الإِسْلاَم : 101 وفيات ( 385 ه) ، والأعلام 4/314 .
والحديث في سننه 1/392 و 393 .(1/1)
،والحاكم (1) ، والبيهقي (2) ، والخطيب البغدادي (3) ،والذهبي (4)، كلهم من طريق قتيبة هَذِهِ .
أقول : هَذَا الْحَدِيْث تفرد بِهِ قتيبة ، عن الليث ، ونص الحفاظ عَلَى ذَلِكَ :
قَالَ أبو داود : (( لَمْ يروِ هَذَا الْحَدِيْث إلا قتيبة وحده )) (5) .
وَقَالَ الترمذي : (( حَدِيْث معاذ حَدِيْث حسن غريب ، تفرّد بِهِ قتيبة ، لا نعرف أحداً رَوَاهُ عن الليث غيره . وحديث الليث عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الطفيل ، عن معاذ : حَدِيْث غريب )) (6) .
وَقَالَ البيهقي : (( تفرد بِهِ قتيبة بن سعيد ، عن ليث ، عن يزيد )) (7) .
وَقَالَ الْخَطِيْب : (( لَمْ يروِ حَدِيْث يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الطفيل ، عن الليث: غَيْر قتيبة )) (8) .
وأورده الحافظ ابن طاهر المقدسي في : " أطراف الغرائب والأفراد " (9) .
وَقَالَ الذهبي : (( ما رَوَاهُ أحد عن الليث سوى قتيبة )) (10) .
وَقَدْ أنكر هَذَا الْحَدِيْث عَلَى قتيبة سنداً ومتناً :
__________
(1) في مَعْرِفَة علوم الْحَدِيْث : 119 و 120 .
(2) في الكبرى 3/163 .
(3) في تاريخ بغداد 12/466 .
(4) الحافظ المؤرخ العلامة المحقق أبو عَبْد الله مُحَمَّد بن أحمد بن عثمان شمس الدين الذهبي من مؤلفاته : "تاريخ الإِسْلاَم" و"سير أعلام النبلاء" و"تذكرة الحفاظ"، ولد سنة (673 ه)، وتوفي سنة ( 748 ه) .
مرآة الجنان 4/231 ، وشذرات الذهب 6/153 ، والأعلام 5/326 .
والحديث في سير أعلام النبلاء 11/21 .
(5) سنن أبي داود 2/8 عقب ( 1220 ) .
(6) الجامع الكبير 1/556 عقب ( 554 ) .
(7) السنن الكبرى 3/163 .
(8) تاريخ بغداد 12/467 .
(9) 4/299 ( 4305 ) . لكنه لَمْ يحكم بتفرد قتيبة بِهِ .
(10) سير أعلام النبلاء 11/22 .(1/2)
أما في السند : فالرواية المحفوظة هِيَ رِوَايَة أبي الزبير ، عن أبي الطفيل ، عن معاذ . قَالَ أبو سعيد بن يونس (1): (( لَمْ يحدث بِهِ إلا قتيبة ، ويقال : إنه غلط ، وإن موضع يزيد بن أبي حبيب : أبو الزبير (2) )) (3) .
وَقَالَ البيهقي : (( وإنما أنكروا من هَذَا رِوَايَة يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الطفيل ، فأما رِوَايَة أبي الزبير عن أبي الطفيل فهي محفوظة صحيحة )) (4) .
وَقَدْ وقفت عَلَى ثمانية أنفس رووه عن أبي الزبير ، عن أبي الطفيل، عن معاذ وهم:
__________
(1) الإمام الحافظ المتقن أبو سعيد عَبْد الرحمن بن أحمد بن الإمام يونس بن عَبْد الأعلى الصدفي المصري ، صاحب كتاب " تاريخ علماء مصر " ، ولد سنة ( 281 ه) ، وتوفي سنة ( 347 ه) .
الأنساب 3/538 ، وسير أعلام النبلاء 15/578 ، وتاريخ الإِسْلاَم : 381 وفيات ( 347 ه) .
(2) هو أبو الزبير مُحَمَّد بن مُسْلِم بن تدرس القرشي الأسدي المكي : صدوق ، إلا أنَّهُ يدلّس ، توفي سنة (128ه). تهذيب الكمال 6/503 (6193)، وسير أعلام النبلاء 5/380 و386 ، والتقريب (6291).
(3) نقله الذهبي في السير 11/23 .
(4) السنن الكبرى 3/163 .(1/3)
مالك بن أنس (1) : ومن طريقه الشَّافِعِيّ (2)، وعبد الرزاق (3) ، وأحمد (4) ، والدارمي (5) ، ومسلم (6) ، وأبو داود (7) ، والنسائي (8) ، وابن خزيمة (9) ، والطحاوي (10) ، والشاشي (11) ، وابن حبان (12) ، والطبراني (13) ، والبيهقي(14).
قرة (15) بن خالد (16): عِنْدَ أبي داود الطيالسي (17) ، وأحمد (18) ، ومسلم (19) ،
والبزار(20)، وابن خزيمة (21) ، والطحاوي (22) ، والشاشي (23) ، وابن حبان (24) ، والطبراني (25) .
__________
(1) في موطئه ( 383 ) رِوَايَة الليثي .
(2) في مسنده ( 361 ) و ( 365 ) بتحقيقنا .
(3) في مصنفه ( 4399 ) .
(4) في مسنده 5/237 .
(5) في سننه ( 1523 ) .
(6) في صحيحه 7/60 ( 706 ) ( 10 ) .
(7) في سننه ( 1206 ) .
(8) في المجتبى 1/285 ، وفي الكبرى ( 1563 ) .
(9) في صحيحه ( 968 ) و ( 1704 ) .
(10) في شرح معاني الآثار 1/160 .
(11) في مسنده ( 1339 ) .
(12) في صحيحه ( 1592 ) وفي طبعة الرسالة ( 1595 ) .
(13) في الكبير 20/49 ( 102 ) .
(14) في السنن الكبرى 3/162 ، وفي دلائل النبوة 5/236 .
(15) تصحف في المطبوع من مسند أبي داود الطيالسي إلى ( مرة ) .
(16) أبو خالد، ويقال : أبو مُحَمَّد قرة بن خالد السدوسي البصري :ثقة ضابط، توفي سنة ( 154 ه) .
الأنساب 3/259 ، وسير أعلام النبلاء 7/95 و 96، وتاريخ الإِسْلاَم: 576 وفيات (154 ه).
(17) في مسنده ( 569 ) .
(18) في مسنده 5/228 .
(19) في صحيحه 2/152 ( 706 ) ( 53 ) .
(20) في البحر الزخار ( 2637 ) .
(21) في صحيحه ( 966 ) .
(22) في شرح المعاني 1/160 .
(23) في مسنده ( 1338 ) .
(24) في صحيحه ( 1588 ) .
(25) في الكبير 20/51 ( 108 ) .(1/4)
عمرو بن الحارث (1): عِنْدَ الطبراني (2) .
هشام بن سعد (3): عِنْدَ الإمام أحمد (4) ، وعبد بن حميد (5) ، والبزار (6) ، والشاشي (7) ، والطبراني (8) .
سفيان بن سعيد الثوري : ومن طريقه أخرجه عَبْد الرزاق (9) ، وابن أبي شيبة (10)، وأحمد (11) ، وابن ماجه (12) ، والطبراني (13) ، وأبو نعيم (14) .
أبو خيثمة (15)
__________
(1) العلامة الحافظ الثبت أبو أمية عمرو بن الحارث بن يعقوب الأنصاري المصري ، عالم الديار المصرية ومفتيها ، ولد سنة ( 91 ه) ، وَقِيْلَ : ( 92 ه) ، وَقِيْلَ : ( 93 ه) ، وتوفي سنة ( 147 ه) .
تهذيب الكمال 5/399 و 401 ( 4930 ) ، وسير أعلام النبلاء 6/349 ، والأعلام 5/76 .
(2) في الكبير 20/50 ( 104 ) .
(3) هُوَ أَبُو عباد هشام بن سعد المدني القرشي ، مولى آل أبي لهب ، ويقال مولى بني مخزوم : صدوق ، لَهُ أوهام ، ورمي بالتشيع ، توفي سنة ( 160 ه).
تهذيب الكمال 7/402 و 403 ( 7172 ) ، وسير أعلام النبلاء 7/344 ، والتقريب ( 7294 ) .
(4) في مسنده 5/233 .
(5) الإمام الحافظ الحجة الجوال أبو مُحَمَّد عَبْد بن حميد بن نصر ، من مصنفاته : " المسند الكبير "
و" التفسير " ، توفي سنة ( 249 ه) . تهذيب الكمال 5/22 (4198)، وسير أعلام النبلاء 12/235 و 236 ، وتاريخ الإِسْلاَم : 341 وفيات ( 249 ه) .
والحديث في المنتخب من مسنده ( 122 ) .
(6) في البحر الزخار ( 2639 ) .
(7) في مسنده ( 1340 ) .
(8) في الكبير 20/ 103 .
(9) في مصنفه ( 4398 ) .
(10) في مصنفه ( 8229 ) .
(11) في مسنده 5/230 و 236 .
(12) في سننه ( 1070 ) .
(13) في الكبير 20/101 .
(14) في الحلية 7/88 .
(15) الحافظ الإمام المجود أبو خيثمة زهير بن معاوية الجعفي الكوفي، ولد سنة ( 95 ه) ، وتوفي سنة
( 164 ه) .
الأنساب 2/95 ، وتهذيب الكمال 3/38 ( 2004 ) ، وسير أعلام النبلاء 8/181 و 184 .(1/5)
زهير بن معاوية : عِنْدَ مُسْلِم (1) ، والطبراني (2) .
أشعث بن سوار (3) : وروايته عِنْدَ الطبراني (4) .
زيد بن أبي أنيسة (5): كَمَا أخرجها الطبراني (6) .
أقول : فَقَدْ خالف قتيبة في روايته هَذَا الْحَدِيْث عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب هؤلاء الرُّوَاة .
أما الليث بن سعد فَقَدْ رَوَى أصحابه الْحَدِيْث عَنْهُ ، عن هشام بن سعد ، عن أبي الزبير ، عن أبي الطفيل ، عن معاذ ، بِهِ . وهم :
حماد بن خالد (7) : أخرجه أحمد (8) .
عَبْد الله بن صالح (9): عِنْدَ الطبراني (10) .
__________
(1) في صحيحه 2/152 ( 706 ) ( 52 ) .
(2) في الكبير 20/50 ( 105 ) .
(3) أشعث بن سوار الكندي ، النجار الكوفي ، ويقال لَهُ : صاحب التوابيت ويقال : الأثرم : ضعيف ، توفي سنة (136 ه) .
الأنساب 1/463 ،والتقريب ( 524 ) ، وشذرات الذهب 1/193 .
(4) في الكبير 20/50 ( 106 ) .
(5) الإمام الحافظ الثبت أبو أسامة زيد بن أبي أنيسة الجزري ، الرهاوي ، الغنوي ، وَقَالَ أبو سعد : كَانَ ثقة ، فقيهاً ، راويةً للعلم ، توفي سنة ( 125 ه) ، وَقِيْلَ : ( 124 ه) .
الثقات 6/315 ، وسير أعلام النبلاء 6/88 و 89 ، وتاريخ الإِسْلاَم : 108 وفيات ( 125ه) .
(6) في الكبير 20/50-51 ( 107 ) .
(7) هُوَ أبو عَبْد الله حماد بن خالد الخياط القرشي البصري ، نَزيل بغداد ، وأصله مدني وَقَالَ النسائي : ثقة .
انظر : الثقات 8/206 ، وتهذيب الكمال 2/272 و 273 ( 1463 ) ، والكاشف 1/349 (1217).
(8) في مسنده 5/233 .
(9) أبو صالح عَبْد الله بن صالح بن مُحَمَّد بن مُسْلِم الجُهني ، مولاهم المصري : صدوق ، كثير الغلط ، وكانت فِيْهِ غفلة ، توفي سنة ( 223 ه) .
انظر : تهذيب الكمال 4/164 ( 3324 ) ، وسير أعلام النبلاء 10/405 ، والتقريب ( 3388 ) .
(10) في الكبير 20/50 ( 103 ) .(1/6)
يزيد بن خالد بن يزيد الرملي (1) : عِنْدَ أبي داود (2) ، والبيهقي (3). إلا أنه قرن الليث بن سعد مع المفضل (4) بن فضالة (5) .
وهكذا يتجه الحمل في إسناد هَذَا الْحَدِيْث إلى قتيبة بن سعيد لا محالة ، في إبدال يزيد بن أبي حبيب موضع أبي الزبير المكي .
وأما الْمَتْن : فكل من رَوَى الْحَدِيْث (6) من طريق أبي الزبير ، عن أبي الطفيل ، عن معاذ . فإنما ذكر مطلق الجمع من غَيْر تعرض لجمع التقديم في شيء من طرق الْحَدِيْث، إلا في رِوَايَة قتيبة بن سعيد .
وأما رِوَايَة يزيد بن خالد الرملي – الآنفة – فَقَدْ وقع لفظها مقارباً للفظ حَدِيْث قتيبة ، إلا أن الحفاظ أعلّوا هَذِهِ الرِّوَايَة ، قَالَ الحافظ ابن حجر : (( وله طريق آخر عن معاذ بن جبل ، أخرجها أبو داود من رواية هشام بن سعد ، عن أبي الزبير ، عن أبي الطفيل ، وهشام مختلف فِيْهِ ، وَقَدْ خالف الحفاظ من أصحاب أبي الزبير ك: مالك والثوري وقرة بن خالد وغيرهم . فَلَمْ يذكروا في روايتهم جمع التقديم )) (7) .
__________
(1) هُوَ أبو خالد يزيد بن خالد بن يزيد الرملي: ثقة ، عابد، توفي سنة ( 232 ه) ، وَقِيْلَ : ( 233 ه)، وَقِيْلَ : ( 237 ه) . الثقات 9/276 ، وتهذيب الكمال 8/121 ( 7577 ) ، والتقريب ( 7708 ) .
(2) في سننه ( 1208 ) .
(3) في سننه 3/162 .
(4) هُوَ أَبُو معاوية القاضي ، المفضل بن فضالة بن عبيد القتباني المصري : ثقة ، فاضل ، عابد ، ولد سنة (107 ه)، وتوفي سنة ( 181 ه) وَقِيْلَ : ( 182 ه) .
التاريخ الكبير 7/405 ، وتهذيب الكمال 7/205 – 206 ( 6746 ) ، والتقريب ( 6858 ) .
(5) وقع عِنْدَ البيهقي من طريق أبي داود (( المفضل بن فضالة ، عن الليث بن سعد )) وَهُوَ خطأ صوابه :
(( والليث بن سعد )) كَمَا في المطبوع من سنن أبي داود ، وانظر : تحفة الأشراف ( 11320 ) .
(6) انظر : التخاريج السابقة .
(7) فتح الباري 2/583 .(1/7)
وَقَالَ الترمذي : (( وحديث الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الطفيل ، عن معاذ : حَدِيْث غريب .
والمعروف عِنْدَ أهل العلم حَدِيْث معاذ من حَدِيْث أبي الزبير ، عن أبي الطفيل ، عن معاذ ، أن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - جمع في غزوة تبوك بَيْنَ الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء ، رَوَاهُ قرة بن خالد وسفيان الثوري ومالك وغير واحد ، عن أبي الزبير المكي )) (1) .
وَقَالَ الذهبي : (( غلط في الإسناد ، وأتى بلفظ منكر جداً )) (2) .
وَقَالَ الْخَطِيْب : (( هُوَ منكر جداً من حديثه )) (3) .
وَقَدْ أفاض الْحَاكِم في بيان علة الْحَدِيْث في فصل ممتع ، فَقَالَ : (( هَذَا حديث رواته أئمة ثقات وَهُوَ شاذ الإسناد والمتن لا نعرف لَهُ علة نعلله بِهَا ، وَلَوْ كَانَ الْحَدِيْث عِنْدَ الليث ، عن أبي الزبير ، عن أبي الطفيل لعللنا بِهِ الْحَدِيْث ، وَلَوْ كَانَ عِنْدَ يزيد بن أبي حبيب عن أبي الزبير لعللنا بِهِ ، فلما لَمْ نجد لَهُ العلتين خرج عن أن يَكُوْن معلولاً ، ثُمَّ نظرنا فَلَمْ نجد ليزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الطفيل رِوَايَة ، ولا وجدنا هَذَا الْمَتْن بهذه السياقة عِنْدَ أحد من أصحاب أبي الطفيل ، ولا عِنْدَ أحد ممن رَوَاهُ عن معاذ بن جبل عن أبي الطفيل ، فقلنا الْحَدِيْث شاذ )) (4) .
وَقَالَ أبو حاتم : (( كتبت عن قتيبة حديثاً ، عن الليث بن سعد لَمْ أصبه بمصر عن الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الطفيل ، عن معاذ ، عن النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه كَانَ في سفر فجمع بَيْنَ الصلاتين )) ثُمَّ قَالَ : (( لا أعرفه من حَدِيْث يزيد والذي عندي أنه دخل لَهُ حَدِيْث في حَدِيْث )) (5) .
__________
(1) الجامع الكبير عقب ( 554 ) .
(2) سير أعلام النبلاء 11/23 .
(3) تاريخ بغداد 12/467 .
(4) مَعْرِفَة علوم الْحَدِيْث : 120 .
(5) علل الْحَدِيْث 1/91 ( 245 ) .(1/8)
وأكثر العلماء قلّدوا الْحَاكِم في تشخيص سبب النكارة ، وَهُوَ أن خالداً المدائني أدخل الْحَدِيْث عَلَى الليث بن سعد ، فسمعه قتيبة من الليث وَهُوَ ليس من حديثه (1) .
ورد الإمام الذهبي هَذَا القَوْل ، فَقَالَ : (( هَذَا التقرير يؤدي إلى أن الليث كَانَ يقبل التلقين ، ويروي ما لَمْ يَسْمَع ، وما كَانَ كذلك . بَلْ كَانَ حجة متثبتاً ، وإنما الغفلة وقعت فِيْهِ من قتيبة ، وَكَانَ شيخ صدق ، قَدْ رَوَى نحواً من مئة ألفٍ ، فيغتفر لَهُ الخطأ في حَدِيْث واحدٍ )) (2) .
وَقَالَ أَيْضاً : (( ما علمتهم نقموا عَلَى قتيبة سوى ذَلِكَ الْحَدِيْث المعروف في الجمع في السفر )) (3) .
والأصوب – والله أعلم – التعليل بما قاله أبو حاتم ، من أن قتيبة دخل لَهُ حَدِيْث الليث ، عن هشام بن سعد ، عن أبي الزبير ، فظنه حَدِيْث الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطفيل ، وحمل متن حَدِيْث هشام فنسبه إلى رِوَايَة يزيد .
ولهذا صرح غَيْر واحد من أئمة الْحَدِيْث أنه لَمْ يصح في جمع التقديم شيء ، قَالَ أبو داود : (( ليس في جمع التقديم حَدِيْث قائم )) (4) .
وَقَالَ ابن حجر : (( والمشهور في جمع التقديم ما أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد وابن حبان من طريق الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الطفيل ، عن معاذ بن جبل . وَقَدْ أعله جَمَاعَة من أئمة الْحَدِيْث بتفرد قتيبة عن الليث )) (5) .
أثر الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء ( الجمع بَيْنَ الصلاتين )
اختلف الفقهاء في حكم الجمع بَيْنَ الصلاتين بعذر السفر عَلَى أقوال هِيَ :
__________
(1) مَعْرِفَة علوم الْحَدِيْث : 120 – 121 ، وتاريخ بغداد 12/466 .
(2) سير أعلام النبلاء 11/24 .
(3) سير أعلام النبلاء 11/20 .
(4) التلخيص الحبير 2/52 ، وفي طبعة دار الكتب العلمية 2/122 ، وبذل المجهود 6/307 ، وعون المعبود 1/473 .
(5) فتح الباري 2/583 .(1/9)
الأول : يجوز الجمع بَيْنَ الظهر والعصر في وقت أيهما شاء تقديماً أو تأخيراً ، وكذا المغرب والعشاء ، وَهُوَ قَوْل جمهور العلماء مِنْهُمْ : سعيد بن زيد (1) ، وسعد (2)، وأسامة (3) ، ومعاذ بن جبل ، وأبو موسى (4) ، وابن عَبَّاسٍ ، وابن عمر . وبه قَالَ طاووس ، ومجاهد ، وعكرمة(5)
__________
(1) الصَّحَابِيّ الجليل سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل القرشي العدوي ، أبو الأعور ، أبو الثور ، من العشرة المبشرة بالجنة ، توفي سنة ( 50 ه) .
معجم الصَّحَابَة 5/1908 ، وأسد الغابة 2/306 ، وتجريد أسماء الصَّحَابَة 1/222 ( 2316 ) .
(2) هُوَ الصَّحَابِيّ الجليل أبو إسحاق سعد بن أبي وقاص بن مالك القرشي الزهري ، أحد العشرة المبشرة ، وأول من رمى بسهم في سبيل الله ، توفي سنة ( 55 ه) وَقِيْلَ : ( 56 ه) ، وَقِيْلَ : ( 57 ه) .
معجم الصَّحَابَة 5/1808 ، والاستيعاب 2/18 و 20 و 26 ، وسير أعلام النبلاء 1/ 92 و 124 .
(3) الصَّحَابِيّ الجليل مولى رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - ، أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي نسباً الهاشمي ولاءً ، كَانَ يلقب بـ ( حب رَسُوْل الله - صلى الله عليه وسلم - ) ، و ( الحب بن الحب ) ، توفي سنة ( 54 ه) .
معجم الصَّحَابَة 1/197 ، والاستيعاب 1/57 و 59 ، والإصابة 1/31 .
(4) الصَّحَابِيّ الجليل عَبْد الله بن قيس بن حضّار بن حرب ، أبو موسى الأشعري ، توفي سنة ( 50 ه) وَقِيْلَ: ( 42 ه) وَقِيْلَ : ( 44 ه) .
معجم الصَّحَابَة 9/3303 ، وتجريد أسماء الصَّحَابَة 1/330 ( 3487 ) ، والإصابة 2/359 – 360 .
(5) هُوَ أبو عَبْد الله القرشي ، مولاهم المدني مولى ابن عَبَّاسٍ ، أصله بربري : ثقة ، ثبت ، عالم بالتفسير ، توفي سنة ( 105 ه) وَقِيْلَ : ( 106 ه) ، وَقِيْلَ : ( 107 ه) .
انظر : سير أعلام النبلاء 5/12 و 34، وميزان الاعتدال 3/93 ، والتقريب ( 4673 ) .(1/10)
، والثوري ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وابن (1) المنذر (2) . وإليه ذهب مالك في المشهور عَنْهُ (3) ، والشافعية (4) ، وأحمد في
أصح الروايتين (5) ، والهادوية من الزيدية (6) .
الثاني : لا يجوز الجمع بَيْنَ فرضين في حال من الأحوال ، إلا الظهر والعصر للحاج جمع تقديم بعرفة ، والمغرب والعشاء تأخيراً بمزدلفة ، وهذا الجمع بسبب النسك لا بسبب السفر . وبه قَالَ الحسن البصري (7) ، وابن سيرين (8) ، والنخعي (9) ، ومكحول (10) ، وإليه ذهب أبو حَنِيْفَة وعامة أصحابه (11) .
الثالث : يجوز الجمع بَيْنَ الظهر والعصر،أو بَيْنَ المغرب والعشاء جمع تأخير لا تقديم . وَهُوَ قَوْل الأوزاعي في إحدى الروايتين عَنْهُ(12).وإليه ذهب الإمام أحمد في
__________
(1) هُوَ الإمام الحافظ أبو بكر مُحَمَّد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري الفقيه ، صاحب التصانيف مِنْهَا : "الإجماع" و " الإشراف " ، ولد سنة ( 242 ه) ، وتوفي سنة ( 316 ه) ، وَقِيْلَ : ( 318 ه) .
وفيات الأعيان 4/207 ، وسير أعلام النبلاء 14/490 و 492 ، وتذكرة الحفاظ 3/782 .
(2) الأوسط 2/428 ، وانظر : المغني 2/112 ، والمجموع 4/371 .
(3) المدونة 1/115 ، وبداية المجتهد 1/124 ، وشرح منح الجليل 1/250 .
(4) الأم 1/77 ، والمجموع 4/371 ، ومغني المحتاج 1/271 .
(5) المحرر 1/134 ، والمغني 2/112 ، والمقنع : 39 ، والإنصاف 2/334 ، وكشاف القناع 2/3 .
(6) سبل السلام 2/41 .
(7) المغني 2/112 ، والمجموع 4/371 .
(8) المصادر السابقة .
(9) المجموع 4/371 .
(10) المصدر نفسه . وانظر : الموسوعة الفقهية 16/286 .
(11) الحجة 1/160-164 ، وبدائع الصنائع 1/126 .
(12) سبل السلام 2/41 . وانظر : فقه الإمام الأوزاعي 1/254 .(1/11)
رِوَايَة (1) ، ومالك في رِوَايَة ابن القاسم واختياره (2) ، وَهُوَ ظاهر مذهب ابن حزم (3) .
واستدل أصحاب المذهب الأول بحديث معاذ من رِوَايَة قتيبة ، وَقَدْ تبين عدم صحته .
الدكتور ماهر ياسين الفحل
__________
(1) الاستذكار 2/200 ، وفتح الباري 2/580 ، وسبل السلام 2/42 .
(2) المنتقى 1/252 ، والمغني 2/112 ، وفتح الباري 2/580 .
(3) المحلى 3/172 .(1/12)