المقدمة
الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً وبعد:
فإن حديث التسبيح(1) الذي هو موضوع بحثنا هذا، حديث شريف جليل القدر، قد اشتمل على فوائد نفيسة، جدير أن يعتنى به، ويستخرج ما فيه من فوائد؛ المسلمون بحاجة ماسة إليها.
وقد سبق وأن بحثته بحثاً جزئياً، تركز على مشروعية عقد التسبيح باليمين، وشيء يسير من فوائده.
وسميته =فتح المعين بصحة حديث عقد التسبيح باليمين+.
قرأه وقدم له العلامة سماحة الوالد الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز× وقد طبع طبعته الأولى عام 1407هـ.
ولما كان الحديث مليئاً بالفوائد الغالية النفيسة، والتي تستدعي البسط والبيان، رأيت أن أبحثه مرة أخرى؛ لاقتناص فوائده محررة لينتفع المسلمون بها.
لذا اجتهدت في ذلك طلباً للحق والصواب، فاجتمع لي منها ثماني عشرة فائدة.
ثم إني آثرت أن يكون اسمه بعد هذا البحث ما يلي:
=حديث التسبيح وفوائده النفيسة+
والله أسأل أن يجعل عملي خالصاً لوجهه، نافعاً لي ولعباده إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
المؤلف
فريح بن صالح البهلال
الزلفي
في 28/1/1416هـ
__________
(1) حديث التسبيح هو حديث عبدالله بن عمرو بن العاص _رضي الله عنهما_: =خلتان لا يحصيهما رجل مسلم إلا دخل الجنة..+ الحديث.
مشهور بهذا الاسم عند السلف، انظر مسند الإمام أحمد (2/205) والجرح والتعديل لابن أبي حاتم (6/333)، وصحيح ابن حبان (5/362) رقم2018، والدعاء للطبراني (2/134) رقم729.
فقد قال حماد بن زيد×: كان أيوب السختياني حدثنا عن عطاء بن السائب بهذا هذا الحديث، فلما قدم عطاءٌ البصرة قال لنا أيوب: قدم صاحب حديث التسبيح، فاذهبوا فاسمعوه منه+اهـ.(1/1)
عن عبدالله بن عمرو بن العاص _رضي الله عنهما_ قال: قال رسول الله":
=خلتان لا يحصيهما رجل مسلم إلا دخل الجنة، وهما يسير، ومن يعمل بهما قليل، قال: قال رسول الله": الصلوات الخمس يسبح أحدكم في دبر كل صلاة عشراً، ويحمد عشراً، ويكبر عشراً، فهي خمسون ومائة في اللسان، وألف وخمسمائة في الميزان.
وأنا رأيت رسول الله" يعقدهن بيده.
وإذا أوى أحدكم إلى فراشه أو مضجعه سبح ثلاثاً وثلاثين، وحمد ثلاثاً وثلاثين، وكبر أربعاً وثلاثين، فهي مائة على اللسان، وألف في الميزان.
قال: قال رسول الله":
فأيكم يعمل في كل يوم وليلة ألفين وخمسمائة سيئة؟!+.
قيل: يا رسول الله، وكيف لا نحصيهما؟
فقال: إن الشيطان يأتي أحدكم وهو في صلاته فيقول: اذكر كذا، اذكر كذا، ويأتيه عند منامه فَيُنِيْمُه+.
أخرجه النسائي(1) وابن حبان(2) والطبراني(3).
من طريق حماد بن زيد عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبدالله بن عمرو به.
وأخرجه أحمد(4) وأبو داود(5) والطبراني(6) والحاكم(7) والبيهقي(8).
من طريق شعبة بن الحجاج عن عطاء بن السائب به.
وأخرجه أحمد أيضاً(9) وابن حبان(10) والبزار(11).
من طريق جرير بن عبدالحميد الضبي عن عطاء به.
__________
(1) السنن الصغرى للنسائي (3/74)، والكبرى (1/401) رقم1271، وعمل اليوم والليلة رقم813.
(2) صحيح ابن حبان (5/361) رقم2018.
(3) الدعاء للطبراني (2/1133) رقم728.
(4) مسند أحمد (2/205).
(5) سنن أبي داود (5/309) رقم728.
(6) الدعاء للطبراني (2/1133) رقم728.
(7) المستدرك (1/547).
(8) السنن الكبرى للبيهقي (2/253).
(9) مسند أحمد (2/160).
(10) صحيح ابن حبان (5/354) رقم2012.
(11) البحر الزخار (6/384) رقم2403، 2479.(1/2)
وأخرجه أبو داود(1) والنسائي(2) والترمذي(3) والبغوي(4) والحاكم(5) والبيهقي(6) والطحاوي(7) والبزار(8) وابن حبان(9).
من طريق سليمان الأعمش عن عطاء بن السائب به.
وأخرجه النسائي(10) والحميدي(11) والطبراني(12).
من طريق سفيان بن عيينة عن عطاء بن السائب به.
وأخرجه عبدالرزاق(13) والطبراني(14) والبزار(15) والخرائطي(16) والحافظ ابن حجر(17) والبخاري(18) والبيهقي(19).
من طريق سفيان الثوري عن عطاء به.
وأخرجه ابن السني(20) والطبراني(21).
من طريق حماد بن سلمة عن عطاء به.
وأخرجه ابن ماجة(22) والترمذي(23) وابن حبان(24).
من طريق إسماعيل بن علية عن عطاء به.
__________
(1) سنن أبي داود (2/170) رقم1502.
(2) السنن الصغرى للنسائي (3/79) والكبرى (1/403) رقم1278.
(3) سنن الترمذي (5/478) رقم3411، 3486.
(4) شرح السنة للبغوي (5/47) رقم1268.
(5) المستدرك (1/547).
(6) السنن الكبرى للبيهقي (2/187، 253).
(7) شرح مشكل الآثار (10/284) رقم4092.
(8) البحر الزخار (6/387) رقم2406.
(9) صحيح ابن حبان (3/123) رقم843.
(10) عمل اليوم والليلة للنسائي ص476 رقم819.
(11) مسند الحميدي (1/265) رقم583.
(12) الدعاء للطبراني (2/1133) رقم728.
(13) مصنف عبدالرزاق (2/233) رقم3189.
(14) الدعاء للطبراني (2/1133) رقم728.
(15) البحر الزخار (6/385) رقم2404.
(16) مكارم الأخلاق (2/890) رقم673، 994.
(17) نتائج الأفكار (2/265).
(18) الأدب المفرد ص417 رقم1216.
(19) الجامع لشعب الإيمان (2/511) رقم605.
(20) عمل اليوم والليلة ص345 رقم741.
(21) الدعاء (2/1133) رقم728.
(22) سنن ابن ماجة (1/299) رقم926.
(23) سنن الترمذي (5/478) رقم3410.
(24) صحيح ابن حبان (5/354) رقم2012.(1/3)
وأخرجه النسائي(1) والطبراني(2) والطحاوي(3).
من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن عطاء به.
وأخرجه عبدالرزاق(4) والطبراني(5) وعبد بن حميد(6) والحافظ ابن حجر(7).
من طريق معمر بن راشد عن عطاء به.
وأخرجه ابن أبي شيبة(8) والخرائطي(9) والطحاوي(10) وابن ماجة(11).
من طريق محمد بن فضيل عن عطاء به.
وأخرجه الطبراني(12).
من طريق مسعر بن كدام عن عطاء به.
وابن ماجة(13).
من طريق أبي يحيى التيمي وابن الأجلح(14) عن عطاء به.
وأخرجه الطبراني(15) من طريق إبراهيم بن طهمان، وزائدة، وأبي الأحوص، وابي إسحاق الخميسي، وعاصم بن علي السدوسي، وورقاء بن عمر اليشكري، كلهم عن عطاء بن السائب به.
وأخرجه الطحاوي(16) والطبراني(17).
من طريق أبان بن صالح عن عطاء به.
__________
(1) عمل اليوم والليلة للنسائي ص473 رقم813.
(2) الدعاء (2/1133) رقم728.
(3) شرح مشكل الآثار (10/281) رقم4088.
(4) مصنف عبدالرزاق (2/234) رقم3190.
(5) الدعاء (2/1133) رقم728.
(6) المنتخب (1/312) رقم356.
(7) نتائج الأفكار (2/265).
(8) مصنف ابن أبي شيبة (2/390) و (10/233) رقم9313.
(9) مكارم الأخلاق (2/890) رقم673_ 994.
(10) شرح مشكل الآثار (10/285) رقم4093.
(11) سنن ابن ماجة (1/299) رقم926.
(12) الدعاء (2/1133) رقم728، والأوسط (3/456) رقم2977.
(13) سنن ابن ماجة (1/299) رقم926.
(14) الموجود في السنن =أبو الأجلح+، وأفاد العلامة أحمد شاكر× في شرح المسند (9/208) رقم9498 بأن الصواب =ابن الأجلح+ وهو عبدالله بن الأجلح الكندي الكوفي.
قلت: وهو كما قال فقد صرح به الحافظ المزي في تحفته، والحافظ ابن حجر في نكته (6/297) رقم8638.
(15) الدعاء (2/1133) رقم728.
(16) شرح مشكل الآثار (10/282) رقم4089.
(17) الأوسط (7/120) رقم6211.(1/4)
وأخرجه الطحاوي أيضاً(1) والطبراني(2).
من طريق أبي بكر النهشلي عن عطاء به.
وأخرجه أبو القاسم الإصبهاني(3).
من طريق شجاع بن الوليد عن عطاء به.
وأخرجه الطحاوي(4).
من طريق موسى بن أعين عن عطاء به.
والنسائي(5).
من طريق العوام بن حوشب عن عطاء به.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وصححه ابن حبان.
وقال الذهبي: صحيح(6).
وقال الحافظ ابن حجر: هذا حديث صحيح(7).
ورمز لصحته السيوطي(8).
وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح(9).
وصححه الألباني(10).
وقال النووي في موضع: إسناده حسن(11)، وفي موضع آخر قال: إسناده صحيح إلا أن فيه عطاء بن السائب، وفيه اختلاف بسبب اختلاطه.
وقد أشار أيوب السختياني إلى صحة حديثه هذا+اهـ(12).
قال الحافظ ابن حجر:
=وقول الشيخ _يعني النووي_ إن عطاء بن السائب مختلف فيه من أجل اختلاطه، لا أثر لذلك؛ لأن شعبة، والثوري وحماد بن زيد سمعوا منه قبل اختلاطه، وقد اتفقوا على أن الثقة إذا تميز ما حدث به قبل اختلاطه مما بعده قُبِلَ.
وهذا من ذاك... لكن في كون هذا حكما من أيوب بصحة هذا الحديث نظر؛ لأن الظاهر أنه قصد لهم على علو الإسناد+انتهى باختصار(13).
قلت: إسناده صحيح، رجاله ثقات.
__________
(1) شرح مشكل الآثار (10/283) رقم4090.
(2) الدعاء (2/1133) رقم728.
(3) الترغيب والترهيب للإصبهاني (1/312) رقم710.
(4) شرح مشكل الآثار (10/283) رقم4091.
(5) عمل اليوم والليلة ص476 رقم820.
(6) تلخيص المستدرك (1/547).
(7) نتائج الأفكار (2/266).
(8) انظر فيض القدير شرح الجامع الصغير (3/441) رقم3916.
(9) شرح مسند الإمام أحمد (11/128) رقم6910.
(10) صحيح الأدب المفرد للألباني ص471 رقم1216.
(11) الأذكار للنووي ص10.
(12) الأذكار للنووي ص35.
(13) نتائج الأفكار (2/267، 268)(1/5)
السائب بن مالك أو ابن زيد الكوفي والد عطاء ثقة نص عليه يحيى بن معين(1) والنسائي(2) والعجلي(3) والذهبي(4) والحافظ ابن حجر(5) وذكره ابن حبان في الثقات(6).
وعطاء بن السائب ثقة كذلك إلا أنه اختلط بآخره.
قال الإمام أحمد: ثقة، ثقة رجل صالح(7).
وقال ابن أبي حاتم: حدثني أبي، حدثني إبراهيم بن مهدي، قال: سمعت حماد بن زيد يقول: أتينا أيوب، فقال: اذهبوا فقد قدم عطاء بن السائب من الكوفة _وهو ثقة_ اذهبوا إليه، فاسألوه عن حديث أبيه في التسبيح+اهـ(8).
وقال ابن الصلاح:
=اختلط في آخر عمره، فاحتج أهل العلم برواية الأكابر عنه مثل سفيان الثوري، وشعبة؛ لأن سماعهم منه كان في الصحة، وتركوا الاحتجاج برواية من سمع منه آخراً+اهـ(9).
وقال ابن الكيال:
=حكموا بتوثيقه، وصلاحه، وباختلاطه في آخر عمره... ثم ذكر ممن سمع منه قبل اختلاطه: شعبة، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة، وهشام الدستوائي(10).
وزاد الطبراني _فيما نقله عنه الحافظ ابن حجر_:
سليمان الاعمش، قال الحافظ: ورواية الأعمش عنه قديمة فإنه من أقرانه+اهـ(11).
__________
(1) انظر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (4/242).
(2) انظر تهذيب الكمال للمزي (20/92).
(3) معرفة الثقات للعجلي (1/387) رقم552
(4) ميزان الاعتدال (2/114) رقم3074
(5) نتائج الأفكار (2/268).
(6) الثقات لابن حبان (4/326).
(7) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (6/334).
(8) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (6/333) رقم1848.
(9) علوم الحديث لابن الصلاح ص353.
(10) الكواكب النيرات ص322.
(11) نتائج الأفكار (1/87).(1/6)
قلت: اتفق تلاميذ عطاء بن السائب على رواية حديث التسبيح هذا عنه، المحتج بروايتهم عنه في الصحة، وغير المحتج بروايتهم عنه في الاختلاط، وهم خمس وعشرون نفساً _فيما وقفت عليه كما تقدم_ واتفاق هذا الجم الغفير من أكابر العلماء وغيرهم على رواية هذا الحديث عنه من أقوى الأدلة على صحته عنه، والله أعلم.
غريب الحديث
خلتان: مثنى خلة، والخلة بفتح الخاء المعجمة: الخصلة وزنا، ومعنى، وقد جاء هذا الحديث برواية =خصلتان+ عند كثير ممن رواه.
والخلتان أو الخصلتان فسر النبي" إحداهما بقوله:
=يسبح أحدكم في دبر كل صلاة عشراً، ويحمد عشراً، ويكبر عشراً، فهي خمسون ومائة في اللسان وألف وخمسمائة في الميزان+.
الثانية فسرها بقوله:
=وإذا أوى أحدكم إلى فراشه أو مضجعه، سبح ثلاثاً وثلاثين، وحمد ثلاثاً وثلاثين، وكبر أربعاً وثلاثين، فهي مائة على اللسان وألف في الميزان+.
قوله" =فهي خمسون ومائة في اللسان+.
معناه: أن مجموع عشر من التسبيح، وعشر من التحميد، وعشر من التكبير ثلاثون، فإذا ضربت في خمس الصلوات المفروضة كان حاصل الضرب مائة وخمسين، وذلك هو قول اللسان.
وقوله _عليه الصلاة والسلام_ =وألف وخمسمائة في الميزان+.
معناه: أن هذا الذكر يضاعف الحسنة بعشر أمثالها، كما قال تعالى: [من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها.. الآية] (الأنعام:160) فلو قسمنا الألف والخمسمائة على مائة وخمسين لكان حاصل القسمة عشر حسنات لكل فرد من هذا الذكر.
وهكذا يقال في التسبيح والتحميد والتكبير عند المنام.
وقوله": =لا يحصيهما رجل... الخ+ أي لا يحافظ عليهما، كما جاء في بعض رواياته عند أحمد وأبي داود وغيرهما.
وجاء عند النسائي: =ودوام عليهن+(1).
وجاء عند ابن السني: =خصلتان من يصحبهما دخل الجنة+.
وقوله": =فَيُنِيْمُه+ أي فَيُنوِّمُهُ+ كما جاء عند أحمد وأبي داود وابن حبان وغيرهم.
__________
(1) عمل اليوم والليلة ص476 رقم820.(1/7)
وجاء عند ابن حبان أيضاً: =ويأتيه في مضجعه فلا يزال يُنوِّمُهُ حتى ينام+.
والمعنى أن الشيطان يلقي النوم على أحدكم قبل أن يقول هذا الذكر الشريف فيفوته ذلك.
ذكر شواهد الحديث
عن سعد بن أبي وقاص÷ قال: قال رسول الله":
=أيمنع أحدكم أن يكبر في دبر كل صلاة عشراً، ويسبح عشراً، ويحمد عشراً، فذلك في خمس صلوات خمسون ومائة باللسان وألف خمسمائة في الميزان.
وإذا أوى إلى فراشه كبر أربعاً وثلاثين، وحمد ثلاثاً وثلاثين، وسبح ثلاثاً وثلاثين، فتلك مائة باللسان، وألف في الميزان.
قال: ثم قال: وأيكم يعمل في يوم وليلة ألفين وخمسمائة سيئة؟+.
أخرجه الحسن بن عرفة(1) ومن طريقه أخرجه النسائي(2)، والخطيب البغدادي(3) والمزي(4) والذهبي(5) والحافظ ابن حجر(6).
قال الحسن بن عرفة:
حدثنا المبارك بن سعيد أخو سفيان الثوري عن موسى الجهني، عن مصعب بن سعد، عن سعد بن أبي وقاص به.
وأخرجه الطبراني(7) من طريق إبراهيم الأزرق، ثنا مبارك بن سعيد به.
قال الحافظ ابن حجر: هذا حديث حسن من هذا الوجه(8).
قلت: إسناده صحيح، رجاله ثقات.
وعن أبي هريرة÷ قال: جاءت فاطمة إلى النبي" تسأله خادماً، فقال":
=ألا أدلك على ما هو خير من خادم؟ تسبحين الله ثلاثاً وثلاثين، وتحمدين الله ثلاثاً وثلاثين، وتكبرين الله أربعاً وثلاثين عند كل صلاة، وعند منامك+.
__________
(1) جزء الحسن بن عرفة العبدي ص87 رقم79.
(2) عمل اليوم والليلة ص208 رقم153.
(3) تاريخ بغداد (13/217) رقم7184.
(4) تهذيب الكمال للمزي (6/207).
(5) سير أعلام النبلاء (11/551).
(6) نتائج الأفكار (2/270).
(7) الدعاء للطبراني (2/1131) رقم724.
(8) نتائج الأفكار (2/270).(1/8)
أخرجه البغوي: نا أبو المظفر محمد بن أحمد بن حامد التيمي، أنا أبو محمد عبدالرحمن بن عثمان بن القاسم المعروف بابن أبي نصر، أنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة الأطرابلسي، نا أبو قلابة الرقاشي، نا أمية بسطام، نا يزيد بن زريع، نا روح بن القاسم، عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه، عن أبي هريرة به.
وقال: هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم(1) عن أمية بن بسطام، ولم يذكر الصلاة+اهـ(2).
قلت: أبو قلابة الرقاشي اسمه عبدالملك بن محمد صدوق يخطئ تغير حفظه بعد ما سكن بغداد، قاله الحافظ في التقريب.
ولم يتميز لي هل كانت رواية خيثمة عنه قبل التغير أم بعده؟
وهذا الحديث رواه شهر بن حوشب قال: سمعت أم سلمة تحدث أن فاطمة _رضي الله عنها_ جاءت إلى رسول الله" تشتكي الخدمة... الحديث، أخرجه أبو القاسم الأصبهاني(3).
وعن علي بن أبي طالب÷ أن رسول الله" لما زوجه فاطمة بعث معه بخميلة ووسادة من أدم حشوها ليف، ورحيين، وسقاء، وجرتين، فقال علي لفاطمة _رضي الله عنهما_ ذات يوم:
والله لقد سنوت حتى لقد اشتكيت صدري، قال: وقد جاء الله أباك بسبي، فاذهبي فاستخدميه، فقالت: وأنا والله قد طحنت حتى مجلت يداد، فأتت النبي" فقال:
ما جاء بك أي بنية؟ قالت: جئت لأسلم عليك، واستحيت أن تسأله، ورجعت.
فقال: ما فعلت؟ قالت: استحييت أن أسأله، فأتيناه جميعاً.
فقال علي÷: يا رسول الله، والله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري، وقالت فاطمة _رضي الله عنها_: قد طحنت حتى مجلت يداي، وقد جاءك الله بسبي وسعة، فأخدمنا.
__________
(1) انظر صحيح مسلم (4/2092) رقم2728.
(2) شرح السنة للبغوي (5/107) رقم1321.
(3) الترغيب والترهيب لأبي القاسم الإصبهاني (1/313) رقم711.(1/9)
فقال رسول الله": =والله لا أعطيكما، وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم، لا أجد ما أنفق عليهم، ولكني أبيعهم، وأنفق عليهم أثمانهم+ فرجعا، فأتاهم النبي" وقد دخلا في قطيفتهما، إذا غطت رؤوسهما تكشفت أقدامهما، وإذا غطيا أقدامهما تكشفت رؤوسهما، فثارا، فقال: مكانكما، ثم قال:
=ألا أخبركما بخير مما سألتماني؟ قالا: بلى، فقال: =كلمات علمنيهن جبريل _عليه السلام_ فقال:
تسبحان في دبر كل صلاة عشراً، وتحمدان عشراً، وتكبران عشراً، وإذا أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبرا أربعاً وثلاثين، قال:
فوالله ما تركتهن منذ علمنيهن رسول الله" قال: فقال له ابن الكواء: ولا ليلة صفين؟ فقال: قاتلكم الله يا أهل العراق، نعم ولا ليلة صفين+.
أخرجه أحمد(1) وابن سعد(2).
من طريق عفان بن مسلم، حدثنا حماد بن سلمة، أخبرنا عطاء بن السائب عن أبيه عن علي به.
وأخرجه الطحاوي(3).
من طريق أسد بن موسى، حدثنا حماد بن سلمة به.
وأخرجه الطبراني(4) من طريق سفيان بن عيينة، والحجاج بن المنهال، ومحمد بن فضيل ثلاثتهم عن عطاء بن السائب به، إلا أن الطبراني لم يذكر التسبيح أدبار الصلوات.
وأخرجه الحميدي(5) من طريق سفيان بن عيينة عن حماد بن سلمة به مختصراً.
قال الهيثمي: =وفيه عطاء بن السائب، وقد سمع منه حماد بن سلمة قبل اختلاطه، وبقية رجاله ثقات+(6).
وقال الحافظ ابن حجر:
__________
(1) مسند أحمد (1/106).
(2) الطبقات الكبرى لابن سعد (8/25).
(3) شرح مشكل الآثار (10/293) رقم4099.
(4) الدعاء للطبراني (2/895) رقم230، 231، 232.
(5) مسند الحميدي (1/25) رقم44.
(6) مجمع الزوائد (10/100).(1/10)
=وهو من رواية عطاء بن السائب عن أبيه أيضاً، لكن قال: عن علي بدل عبدالله بن عمرو، فمنهم من أعله به، ومنهم من جعله حديثين محفوظين وهو الظاهر؛ لاختلاف سياقهما وإن اشتركا في بعض، ولأنه من رواية حماد بن سلمة عن عطاء، وسماعه منه قبل الاختلاط، وقد روى حماد عنه الحديث الآخر كما تقدم+اهـ(1)، يعني حديث عبدالله بن عمرو _رضي الله عنهما_.
وقال في موضع آخر:
=ثم وجدت الحديث في تهذيب الآثار للطبري، فساقه من رواية حماد بن سلمة عن عطاء _كما ذكرت_ ثم ساقه من طريق شعبة عن عطاء عن أبيه عن عبدالله بن عمرو أن النبي" أمر علياً وفاطمة إذا أخذا مضاجعهما بالتسبيح والتحميد والتكبير، فساق الحديث..
فظهر أن الحديث في قصة علي وفاطمة، وأن من لم يذكرهما من الرواة اختصر الحديث، وأن رواية السائب إنما هي عن عبدالله بن عمرو، وأن قول من قال:
عن علي لم يرد الرواية عن علي، وإنما معناه: عن قصة علي وفاطمة، كما في نظائره+اهـ(2).
وقال أحمد شاكر: إسناد صحيح(3).
غريب الحديث:
الخميلة: القطيفة المخملة، قاله الإمام أحمد(4).
الأدم: الجلد(5).
رحيين: مثنى رحى، قال ابن منظور:
=ابن سيده: الرحى: الحجر العظيم، أنثى.
والرحى معروفة التي يطحن بها+اهـ(6).
سقاء: المراد القربة.
جرتين: مثنى جرة وهي إناء من الخزف كالفخار قاله ابن منظور(7).
سنوت: أي استقيت، ومنه السانية وهي الناقة التي يستقى عليها(8).
فاستخدميه: أي اسأليه خادماً، ولفظ الخدم يقع على الذكر، والأنثى(9).
__________
(1) نتائج الأفكار (2/272).
(2) فتح الباري (11/121).
(3) شرح المسند لأحمد شاكر (2/149) رقم838.
(4) مسند الإمام أحمد (1/108).
(5) انظر القاموس المحيط باب الميم فصل الهمزة.
(6) لسان العرب (3/1614) مادة رحا.
(7) لسان العرب (2/595) مادة جرر.
(8) انظر النهاية لابن الأثير (2/415).
(9) انظر شرح المسند لأحمد شاكر (2/149) رقم838.(1/11)
مجلت يداي: أي ثخن جلدها، وتعجر، وظهر فيها ما يشبه البثر من العمل بالأشياء الصلبة الخشنة، قاله ابن الأثير(1).
أهل الصفة: قال ابن الأثير: هم فقراء المهاجرين، ومن لم يكن له منهم منزل يسكنه فكانوا يأوون إلى موضع مظلل في مسجد المدينة، يسكنونه(2).
تطوى بطونهم: قال ابن الأثير:
=يقال: طوي من الجوع يطوى طوىً فهو طاو: أي خالي البطن جائع لم يأكل.
وطوى، يطوي إذا تعمد ذلك+(3).
قطيفة: كساء له خمل(4).
فثارا: أي قاما منزعجين.
مكانكما: اسم فعل أمر أي الزما مكانكما.
ابن الكواء: هو عبدالله بن الكواء كان من رؤوس الخوارج، له أخبار كثيرة مع علي÷ وكان يلزمه ويعييه في الأسئلة، وقد رجع عن مذهب الخوارج، وعاود÷ صحبة علي÷ أفاده أحمد شاكر×(5).
ليلة صفين: هي ليلة وقعت فيها معركة عظيمة بين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وبين معاوية بن أبي سفيان _رضي الله عنهما_ في صفر سنة سبع وثلاثين، وبقيت أياماً وليالي، قتل فيها من الفريقين نحو ستين الفاً، ولا حول ولا قوة إلا بالله(6).
فوائد الحديث:
الفائدة الأولى:
اعلم أنه ورد عن رسول الله" في عدد التسبيح، والتحميد، والتكبير بعد الصلاة المكتوبة أحاديث متباينة في عدده؛ فورد أن عدده ثلاثون، لكل فرد عشر.
وورد ثلاث وثلاثون لكل فرد إحدى عشرة.
وورد تسع وتسعون لكل فرد ثلاث وثلاثون وتمام المائة =لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير+.
وجاء خمس وسبعون لكل فرد خمس وعشرون، وزيادة خمس وعشرين تهليلة أي متممات للمائة.
وإليك أدلة هذه الأعداد:
الثلاثون لكل فرد عشر.
__________
(1) النهاية لابن الأثير(4/300).
(2) النهاية لابن الأثير(3/37).
(3) النهاية لابن الأثير(3/146).
(4) النهاية لابن الأثير(4/84).
(5) شرح المسند لأحمد شاكر (2/149) رقم838.
(6) انظر العبر للذهبي (1/27).(1/12)
دليله حديث عبدالله بن عمرو، وسعد بن أبي وقاص، وعلي بن أبي طالب _رضي الله عنهم_ المتقدمة.
ففي بعض ألفاظ حديث ابن عمرو عند أحمد: =تسبح الله عشراً، وتحمد الله عشراً، وتكبر الله عشراً في دبر كل صلاة+.
وفي لفظ له أيضاً عند أحمد:
=أن تحمد الله، وتكبره، وتسبحه في دبر كل صلاة مكتوبة عشراً عشراً.. الحديث.
وأخرج البخاري من حديث أبي هريرة÷ في حديث الدثور أن رسول الله" قال:
=تسبحون في دبر كل صلاة عشراً، وتحمدون عشراً، وتكبرون عشراً+(1).
قال الحافظ ابن حجر:
=وقد وجدت لرواية العشر شواهد، منها:
عن علي عند أحمد، وعن سعد بن أبي وقاص عند النسائي، وعن عبدالله بن عمرو عنده وعند أبي داود والترمذي، وعن أم سلمة عند البزار، وعن أم مالك الأنصارية عند الطبراني+اهـ(2).
الثلاث والثلاثون لكل فرد إحدى عشرة:
جاء في صحيح مسلم في بعض ألفاظ حديث أبي هريرة÷ يقول سهيل _وهو ابن أبي صالح ذكوان السمان أحد رواته:
=إحدى عشرة، إحدى عشرة، فجميع ذلك كله ثلاثة وثلاثون+انتهى(3).
قال الحافظ:
=لكن لم يتابع سهيل على ذلك، بل لم أر في شيء من طرق الحديث كلها التصريح بإحدى عشرة، إلا في حديث ابن عمر عند البزار، وإسناده ضعيف+اهـ(4).
التسع والتسعون لكل فرد ثلاث وثلاثون وتمام المائة تكبيرة واحدة.
روى مسلم(5) والترمذي(6) والنسائي(7) وابن حبان(8) من حديث كعب بن عجرة÷ قال: قال رسول الله": معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن دبر كل صلاة مكتوبة.
=ثلاث وثلاثون تسبيحة، وثلاث وثلاثون تحميدة، وأربع وثلاثون تكبيرة+.
ورواه أحمد(9) من حديث أبي ذر÷ بلفظ:
__________
(1) صحيح البخاري (7/151).
(2) فتح الباري (2/329).
(3) صحيح مسلم (1/417) رقم595.
(4) فتح الباري (2/328).
(5) صحيح مسلم (1/418) رقم596
(6) سنن الترمذي (5/479) رقم1412.
(7) سنن النسائي (3/75).
(8) صحيح ابن حبان (5/363) رقم2019.
(9) المسند (5/158).(1/13)
=تسبح خلف كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وتحمد ثلاثاً وثلاثين، وتكبر أربعاً وثلاثين+، بإسناد صحيح.
وأخرجه أحمد أيضاً من حديث أبي الدرداء÷ بلفظ: قال رسول الله":
=ألا أدلكم على شيء إن أخذتم به جئتم من أفضل ما يجيء به أحد منهم: أن تكبروا الله أربعاً وثلاثين، وتسبحوه ثلاثاً وثلاثين، وتحمدوه ثلاثاً وثلاثين في دبر كل صلاة+(1).
وفي سنده أبو عمر الصيني قال فيه الحافظ في التقريب: مقبول، وروايته عن أبي الدرداء مرسلة.
التسع والتسعون لكل فرد ثلاث وثلاثون، وتمام المائة =لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير+.
أخرجه أحمد(2) ومسلم(3) والدارمي(4) وابن خزيمة(5) وابن حبان(6) من حديث أبي هريرة÷ قال: قال رسول الله":
=من سبح الله دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وكبر الله ثلاثاً وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده، لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر+.
الجمع بين الختم بالتكبير والختم بالتهليل
قال النووي× في ذلك:
=فينبغي أن يحتاط الإنسان، فيأتي بثلاث وثلاثين تسبيحة، ومثلها تحميدات، وأربع وثلاثون تكبيرة، ويقول معها:
=لا إله إلا الله وحده، لا شريك له.. إلى آخرها؛ ليجمع بين الروايات+اهـ(7).
وقال الحافظ ابن حجر بعد أن ساق قول النووي هذا:
=وقال غيره: بل يجمع بأن يختم مرة بزيادة تكبيرة، ومرة: بـ: لا إله إلا الله على وفق ما وردت به الأحاديث+اهـ(8).
__________
(1) مسند أحمد (6/446).
(2) مسند أحمد (2/371، 483).
(3) صحيح مسلم (1/418) رقم597.
(4) سنن الدارمي (1/332) رقم1327.
(5) صحيح ابن خزيمة (1/369) رقم750.
(6) صحيح ابن حبان (5/355) رقم2013، 2015، 2016.
(7) شرح مسلم للنووي (5/94).
(8) فتح الباري (2/329).(1/14)
وقال ابن مفلح بمثل قول النووي(1).
الخمس والسبعون، لكل فرد خمس وعشرون، وزيادة خمس وعشرين تهليلة يوفين المائة.
دليله حديث عبدالله بن عمر _رضي الله عنهما_ أن رجلاً رأى فيما يرى النائم:
قيل له: بأي شيء أمركم نبيكم"؟
قال: أمرنا أن نسبح ثلاثاً وثلاثين، ونحمد ثلاثاً وثلاثين، ونكبر أربعاً وثلاثين، فتلك مائة.
قال: سبحوا خمساً وعشرين، واحمدوا خمساً وعشرين، وكبروا خمساً وعشرين، وهللوا خمساً وعشرين، فتلك مائة.
فلما أصبح ذكر ذلك للنبي" فقال رسول الله":
=افعلوا كما قال الأنصاري+.
أخرجه النسائي(2) والطبراني(3).
من طريق عبدالعزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر به.
قال الحافظ ابن حجر: حسن(4).
وقال الألباني×: حسن صحيح(5).
وجاء من طريق هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن كثير بن أفلح، عن زيد بن ثابت مثله.
أخرجه أحمد(6) والنسائي(7) والترمذي(8) وابن المبارك(9) والدارمي(10) وابن خزيمة(11) وابن حبان(12) والحاكم(13) والطبراني(14).
وقال الترمذي: هذا حديث صحيح.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.
وقال الحافظ ابن حجر: صحيح(15).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
__________
(1) المبدع لابن مفلح (1/474).
(2) السنن الصغرى للنسائي (3/76) والكبرى (1/402) رقم1274.
(3) الدعاء للطبراني (2/1135) رقم730.
(4) نتائج الأفكار (2/263).
(5) صحيح سنن النسائي للألباني (1/291) رقم1280.
(6) مسند أحمد (5/184، 190).
(7) السنن الصغرى للنسائي (3/76) والكبرى (1/402) رقم1273.
(8) سنن الترمذي (5/479) رقم3413.
(9) الزهد لابن المبارك ص407 رقم1160.
(10) سنن الدارمي (1/332) رقم1328.
(11) صحيح ابن خزيمة (1/370) رقم752.
(12) صحيح ابن حبان (5/360) رقم2017.
(13) المستدرك (1/253).
(14) الكبير للطبراني (5/145) رقم48580، والدعاء (2/1135) رقم731.
(15) نتائج الأفكار (2/262).(1/15)
=وقد روي في الصحيحين أنه يقول: كل واحدة خمسة وعشرين، ويزيد فيها التهليل+اهـ(1).
وقال الألباني: صحيح(2).
الفائدة الثانية:
الجمع بين أنواع أعداد التسبيح
قال الحافظ ابن حجر:
=وجمع البغوي في شرح السنة بين هذا الاختلاف باحتمال أن يكون ذلك صدر في أوقات متعددة.
أولها عشراً عشراً، ثم إحدى عشرة إحدى عشرة، ثم ثلاثاً وثلاثين ثلاثاً وثلاثين.
ويحتمل أن يكون ذلك على سبيل التخيير، أو يفترق بافتراق الأحوال+اهـ(3).
ونقل عبيدالله المباركفوري عن الحافظ الزين العراقي أنه قال:
=وكل ذلك حسن، وما زاد فهو أحب إلى الله تعالى+اهـ(4).
وقال الشوكاني:
=وكل ما ورد من هذه الأعداد فحسن إلا أنه ينبغي الأخذ بالزائد، فالزائد+اهـ(5).
قلت: والأظهر عندي أن يعمل المسلم من هذه الأعداد بالأكثر في غالب أحواله؛ لأنه أحوط، ويعمل ببقية الأنواع في بعض الأحوال؛ إعمالاً للسنة الواردة في ذلك، مثل ما ورد في دعاء الاستفتاح، والتشهد في آخر الصلاة ونحو ذلك، والله أعلم.
الفائدة الثالثة:
هذا التسبيح خاص بالفريضة، دون النافلة.
قال الحافظ ابن حجر: =وظاهر قوله: =كل صلاة+ يشمل الفرض والنفل، لكن حمله أكثر العلماء على الفرض، وقد وقع في حديث كعب بن عجرة عند مسلم التقييد بالمكتوبة+اهـ(6).
قلت: ووقع التقييد بها أيضاً في حديث عبدالله بن عمرو عند أحمد والنسائي، وفي حديث سعد بن أبي وقاص.
الفائدة الرابعة:
هل يضر الفصل بين الانتهاء من الفريضة وبين التسبيح المذكور كالاستماع لموعظة، أو صلاة راتبة، أو الجنازة أو سلام على إنسان أو الجمع بين الصلاتين أو نحو ذلك؟
قال الحافظ ابن حجر:
__________
(1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (22/509).
(2) صحيح سنن النسائي (1/291) رقم1279.
(3) فتح الباري (2/329).
(4) مرعاة المفاتيح (3/325).
(5) نيل الأوطار (2/343).
(6) فتح الباري (2/328).(1/16)
=ومقتضى الحديث أن الذكر المذكور يقال عند الفراغ من الصلاة، فلو تأخر ذلك عن الفراغ، فإن كان يسيراً بحيث لا يعد معرضاً أو كان ناسياً أو متشاغلاً بما ورد أيضاً بعد الصلاة كآية الكرسي فلا يضر... إلى أن قال:
=وهل يكون التشاغل بعد المكتوبة بالراتبة بعدها فاصلاً بين المكتوبة والذكر أو لا؟
محل نظر، والله أعلم.اهـ(1).
قلت: هذا الذكر العظيم موعود العامل به بالجنة ومغفرة الذنوب، وحصول ذلك مشروط بالمحافظة عليه والمداومة، فلو حصل الفصل بما ذكر فلا ينبغي أن يؤثر ولا يضر؛ لأن الشارع أطلق ولم يقيد بفاصل، ولأن الصلاة نفسها فرضها ونفلها تقضى إذا حصل مانع من أدائها في وقتها.
الحاصل: أن يحرص المسلم على ألا يفوته هذا الفضل العظيم؛ وذلك بأدائه بعد الصلاة بدون فصل بمثل المذكورات، فإن غلب بفاصل مَّا أتى بهذا الذكر بعده؛ لأنه يصدق عليه أنه بعد الصلاة، والله أعلم.
وهذا الفصل _ في الغالب _ يفوت بسببه هذا الذكر الشريف؛ وذلك أن كثيراً من المسلمين عندما تنتهي المحاضرة _مثلاً_ ينشغلون بالسلام بعضهم على بعض أو بعد الانتهاء من صلاة الجنازة ينشغلون بتشييعها فينسون هذا الفضل العظيم.
وصدق رسول الله" حيث يقول: =هما يسير والعمل بهما قليل+.
الفائدة الخامسة:
هل يعتبر ترتيب كلمات التسبيح أم لا.
قال الحافظ:
قوله: =تسبحون، وتحمدون، وتكبرون+ كذا وقع في أكثر الأحاديث تقديم التسبيح على التحميد، وتأخير التكبير.
وفي رواية ابن عجلان تقديم التكبير على التحميد خاصة، وفيه _أيضاً_ قول أبي صالح، يقول: الله أكبر، وسبحان الله، والحمدلله+.
ومثله لأبي داود من حديث أم الحكم، وله من حديث أبي هريرة: =تكبر، وتحمد، وتسبح+ وكذا في حديث ابن عمر.
وهذا الاختلاف دال على أن لا ترتيب فيها، ويستأنس لذلك بقوله في حديث الباقيات الصالحات.. لايضرك بأيهن بدأت+.
__________
(1) فتح الباري (2/328).(1/17)
لكن يمكن أن يقال: الأولى البداءة بالتسبيح؛ لأنه يتضمن نفي النقائص عن الباري سبحانه وتعالى.
ثم التحميد؛ لأنه يتضمن إثبات الكمال له؛ إذ لا يلزم من نفي النقائص إثبات الكمال.
ثم التكبير؛ إذ لا يلزم من نفي النقائص وإثبات الكمال أن لا يكون هناك كبير آخر.
ثم يختم بالتهليل الدال على انفراده سبحانه وتعالى بجميع ذلك+اهـ(1).
الفائدة السادسة: في كيفية التسبيح.
لم يرد في الأدلة تصريح بكيفية معينة، لذا قيل: يؤتى به جمعاً بالعطف بالواو، فيقال:
=سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر+ إلى آخر العدد المحدد.
وقيل: يؤتى به بالإفراد، فيقال:
=سبحان الله، سبحان الله إلى آخر العدد المحدد.
ثم يقال: =الحمد لله، الحمد لله... إلى آخر العدد المحدد.
ثم يقال: =الله أكبر، الله اكبر... الخ العدد المعدد.
والكيفية الأولى هي مذهب أبي صالح السمان ذكوان الزيات المدني أحد رواة حديث أبي هريرة.
فقد جاء فيه أن سميا مولى أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام قال:
حدثت بعض أهلي بهذا الحديث، فقال: وهمت، إنما قال:
=تسبح الله ثلاثاً وثلاثين، وتحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وتكبر الله ثلاثاً وثلاثين، فرجعت إلى أبي صالح، فقلت له ذلك، فأخذ بيدي، فقال: =الله أكبر وسبحان الله والحمد لله، الله أكبر وسبحان الله والحمد لله حتى تبلغ من جميعهن ثلاثة وثلاثين+، أخرجه مسلم(2).
وهذا هو المنقول عن الإمام أحمد، قال أبو داود السجستاني: =سمعت أحمد سئل عن التسبيح في دبر الصلاة يقطعه، أو يقول: سبحان الله، والحمد لله، لا إله إلا الله، والله أكبر؟ فقال: يقول كذا، ولا يقطعه+اهـ(3).
ورجح القاضي عياض الكيفية الثانية.
قال النووي: =وظاهرها _يعني أحاديث التسبيح_ أنه يسبح ثلاثاً وثلاثين مستقلة، ويكبر ثلاثاً وثلاثين مستقلة، ويحمد كذلك، وهذا ظاهر الحديث.
__________
(1) فتح الباري (2/328).
(2) صحيح مسلم (1/417) رقم595.
(3) مسائل الإمام أحمد لأبي داود ص77.(1/18)
قال القاضي عياض: وهو أولى من تأويل أبي صالح+اهـ(1).
وقال الحافظ ابن حجر: =وفي رواية ابن عجلان ظاهرها أن العدد للجميع، لكن يقول ذلك مجموعاً، وهذا اختيار أبي صالح.
لكن الرواية الثانية عن غيره الإفراد، قال عياض: وهو أولى.
ورجح بعضهم الجمع؛ للإتيان فيه بواو العطف.
والذي يظهر، أن كلاً من الأمرين حسن إلا أن الإفراد يتميز بأمر آخر وهو أن الذكر يحتاج إلى العدد، وله على كل حركة لذلك _سواء كان بأصابعه أو بغيرها_ ثواب لا يصل لصاحب الجمع فيه إلا الثلث+اهـ(2).
قلت: ومما يرجح الكيفية الأولى احتمال أن يكون القائل في قول: =اختلفنا بيننا+ أبا هريرة، وأن المرجوع إليه هو النبي"؛ لأن البخاري قال:
=حدثنا محمد بن أبي بكر، قال: حدثنا معتمر، عن عبيدالله، عن سمي، عن أبي صالح، عن أبي هريرة÷ قال:
جاء الفقراء إلى النبي"... الحديث.
وفيه قال النبي": =تسبحون، وتحمدون، وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، فاختلفنا بيننا، فقال بعضنا:
نسبح ثلاثاً وثلاثين، ونحمد ثلاثاً وثلاثين، ونكبر أربعاً وثلاثين، فرجعت إليه فقال:
تقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، حتى يكون منهن كلهن ثلاث وثلاثون+(3).
قال الحافظ ابن حجر: =قوله:
=فاختلفنا بيننا+ ظاهره أن أبا هريرة هو القائل، وكذا قوله: =فرجعت إليه+ وأن الذي رجع أبو هريرة إليه هو النبي"، وعلى هذا فالخلاف في ذلك وقع بين الصحابة+اهـ(4).
الفائدة السابعة: في عدد هذا الذكر عند المنام.
جاء في حديث عبدالله بن عمرو، وعلي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص _رضي الله عنهم_ كما تقدم أن عدده مائة: ثلاث وثلاثون تسبيحة، وثلاث وثلاثون تحميدة، وأربع وثلاثون تكبيرة.
__________
(1) شرح مسلم للنووي (5/93).
(2) فتح الباري (2/329).
(3) صحيح البخاري (1/205)، باب الذكر بعد الصلاة.
(4) فتح الباري (2/328).(1/19)
وثبت هذا العدد في حديث علي وفاطمة _رضي الله عنهما_ عند أحمد(1) والبخاري(2) ومسلم(3) وأبي داود(4) والنسائي(5) والترمذي(6) وابن حبان(7) وأبي يعلى(8) والدارمي(9) والبغوي(10)... وفيه يقول علي بن أبي طالب÷:
إن فاطمة اشتكت ما تلقى من الرحى في يدهها، وأتى النبي" سبيٌ، فانطلقت فلم تجده، ولقيت عائشة، فأخبرتها.
فلما جاء النبي" أخبرته عائشة بمجيء فاطمة إليها، فجاء النبي" إلينا، قد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا نقوم، فقال النبي":
=على مكانكما+ فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري.
ثم قال: =ألا أعلمكما خيراً مما سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما، أن تكبرا الله أربعاً وثلاثين، وتسبحاه ثلاثاً وثلاثين، وتحمداه ثلاثاً وثلاثين، فهو خير لكما من خادم+ هذا لفظ مسلم.
تنبيه:
جاء تربيع التكبير عند الجميع إلا في أحد المواضع عند البخاري في باب التكبير والتسبيح عند المنام من كتاب الدعوات، وكذا عند النسائي في إحدى الروايات عنده فقد جاء بتثليثه.
وجرى الحافظ ابن حجر في شرحه لهذا الحديث في الباب المذكور من صحيح البخاري على أنه بلفظ =فكبرا أربعاً وثلاثين+.
وقرر هذا اللفظ بقوله: =كذا هنا بصيغة الأمر، والجزم بأربع في التكبير+اهـ(11).
__________
(1) مسند أحمد (1/96، 123، 144، 146).
(2) صحيح البخاري (4/208) و (6/192، 193) و (7/149).
(3) صحيح مسلم (4/2091) رقم2727.
(4) سنن أبي داود (5/307) رقم5062، 5063، 5064.
(5) عمل اليوم والليلة للنسائي ص473 رقم814، 815، 816.
(6) سنن الترمذي (5/477) رقم3408.
(7) صحيح ابن حبان (12/333) رقم5524، 5529.
(8) مسند أبي يعلى رقم275، 345، 551، 578.
(9) سنن الدارمي (2/745) رقم2585.
(10) شرح السنة للبغوي (5/108) رقم1322.
(11) فتح الباري (11/122).(1/20)
قلت: قد جزم البخاري بتربيع التكبير في جميع المواضع من صحيحه، فلعل تثليثه في هذا الموضع خطأ من بعض النساخ يؤيد هذا أن النسخة التي شرحها الحافظ جاءت بالتربيع أي موافقة للمواضع الأخرى، والعلم عند الله.
هذا وقد عقب الإمام البخاري× هذا الحديث في هذا الباب بقوله: =وعن شعبة، عن خالد، عن ابن سيرين، قال: التسبيح أربع وثلاثون+.
قال الحافظ: =واتفاق الرواة على أن الأربع للتكبير أرجح+اهـ(1).
الفائدة الثامنة: هل الزيادة على العدد المحدد في هذا الذكر يؤثر في الثواب المرتب عليه؟
قال الحافظ ابن حجر: =وقد كان بعض العلماء يقول: إن الأعداد الواردة كالذكر عقب الصلوات إذا رتب عليها ثواب مخصوص، فزاد الآتي بها على العدد المذكور، لا يحصل له ذلك الثواب المخصوص، لاحتمال أن يكون لتلك الأعداد حكمة وخاصية تفوت بمجاوزة ذلك العدد.
قال شيخنا أبو الفضل في شرح الترمذي: =وفيه نظر؛ لأنه أتى بالمقدار الذي رتب الثواب على الإتيان به، فحصل له الثواب بذلك، فإذا زاد عليه من جنسه، كيف تكون الزيادة مزيلة لذلك الثواب بعد حصوله+اهـ.
ويمكن أن يفترق الحال بالنية، فإذا نوى عند الانتهاء إليه امتثال الأمر الوارد، ثم أتى بالزيادة، فالأمر كما قال شيخنا لا محالة، وإن زاد بغير نية بأن يكون الثواب رتب على عشرة مثلاً، فرتبه على مائة فيتجه القول الماضي+اهـ(2).
الفائدة التاسعة: السنة أن يعقد التسبيح بيده.
وذلك لما ثبت في حديث عبدالله بن عمرو _رضي الله عنهما_ أنه قال: =وأنا رأيت رسول الله" يعقدهن بيده+.
وعن يسيرة بنت ياسر _رضي الله عنهما_ قالت: قال لنا رسول الله":
=يا نساء المؤمنين، عليكن بالتهليل، والتسبيح، والتقديس ولا تغفلن، فتنسين الرحمة، واعقدن بالأنامل؛ فإنهن مسؤولات مستنطقات+.
__________
(1) فتح الباري (11/123).
(2) فتح الباري (2/330).(1/21)
أخرجه أحمد(1) وابن أبي شيبة(2) وأبو داود(3) والترمذي(4) وابن حبان(5) وابن سعد(6) والطبراني(7) وعبد بن حميد(8) والحاكم(9) والمزي(10) والحافظ ابن حجر(11) من طريق هانئ بن عثمان، عن أمه حميضة بنت ياسر، عن جدتها يسيرة بنت ياسر(12) به.
قال الترمذي: هذا حديث غريب، إنما نعرفه من حديث هانئ بن عثمان.
وقال النووي: إسناده حسن(13).
وقال الحافظ ابن حجر: حديث حسن(14).
ورمز لصحته السيوطي(15).
وقال الألباني: حسن(16).
والمراد بالأنامل عند أهل العلم: رؤوس أصابع يده أو يعد ذلك بأصابعها، أو بعقدها، وهي المفاصل، وذلك بأن يضع إبهامه في كل ذكر على مفصل.
قال الحافظ ابن حجر:
=ومعنى العقد المذكور في الحديث إحصاء العدد، وهو اصطلاح للعرب بوضع بعض الأنامل على بعض عقد الأنملة الأخرى.
فالآحاد والعشرات باليمين، والمئون والآلاف باليسار، والله أعلم+اهـ(17).
والذي يظهر لي أن المراد باليد في الحديث اليمين، وذلك للمرجحات التالية:
الأولى: أن اصطلاح العرب هذا يدل عليه حيث أن الآحاد، والعشرات يعقدونها باليمين، وعقد التسبيح بالآحاد والعشرات لا بالمئين والألوف.
الثانية: قال العلماء:
__________
(1) مسند أحمد (6/37).
(2) مصنف ابن أبي شيبة (2/389).
(3) سنن أبي داود (2/170) رقم1501.
(4) سنن الترمذي (5/521، 571) رقم3583.
(5) صحيح ابن حبان (3/122) رقم842.
(6) الطبقات (8/310).
(7) الكبير للطبراني (25/74) رقم180، 181.
(8) المنتخب لعبد بن حميد (3/262) رقم1568.
(9) المستدرك (1/547).
(10) تهذيب الكمال (30/142) ترجمة هانئ بن عثمان.
(11) نتائج الأفكار (1/84، 85).
(12) نسبها إلى ذلك الترمذي (5/521).
(13) الأذكار للنووي ص10.
(14) نتائج الأفكار (1/84).
(15) فيض القدير/ شرح الجامع الصغير (4/355) رقم5587.
(16) صحيح الجامع الصغير رقم3966.
(17) نتائج الأفكار (1/87).(1/22)
=ينبغي أن يكون عقد التسبيح باليمين+، نقله عنهم علي القاري(1).
الثالثة: أنه جاء في بعض روايات حديث عبدالله بن عمرو _رضي الله عنهما_ عند أبي داود والبيهقي قال:
=ورأيت رسول الله" يعقد التسبيح، قال ابن قدامة: بيمينه+.
من طريق شيخ أبي داود محمد بن قدامة بن أعين المصيصي، عن عثام بن علي، عن الأعمش عن عطاء بن السائب به.
قال النووي: إسناده حسن(2).
وقال الحافظ ابن حجر: هذا حديث حسن(3).
وقال الألباني: صحيح(4).
قلت: وقد جزم محمد بن قدامة بأن عقد التسبيح باليمين وهو ثقة نص على توثيقه الدارقطني والنسائي ومسلم بن قاسم(5) والذهبي(6) والحافظ ابن حجر في التقريب.
والثقة معناه العدل الضابط، وقد زاد ابن قدامة هذه اللفظة التفسيرية وزيادة الثقة.
قال فيها الحافظ ابن حجر:
=مقبولة ما لم تقع منافية لرواية من هو أوثق ممن لم يذكر تلك الزيادة؛ لأن الزيادة إما أن تكون لا تنافي بينها وبين رواية من لم يذكرها، فهذه تقبل مطلقاً؛ لأنها في حكم الحديث المستقل الذي ينفرد به الثقة، ولا يرويه عن شيخه غيره.
وإما أن تكون منافية، بحيث يلزم من قبولها رد الرواية الأخرى، فهذه التي يقع الترجيح بينها وبين معارضيها، فيقبل الراجح، ويرد المرجوح+ انتهى(7).
__________
(1) الحرز الثمين للحصن الحصين مخطوط ص25.
(2) الأذكار للنووي ص10.
(3) نتائج الافكار (1/86).
(4) صحيح سنن أبي داود للألباني (1/280) رقم1502.
(5) تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر (9/210).
(6) ميزان الاعتدال رقم8086.
(7) شرح نخبة الفكر ص34.(1/23)
وبهذا القول قال القاضي أبو يعلى(1) والشوكاني(2) وهو ظاهر قول العراقي(3) والسيوطي(4) والنووي(5) والخطيب البغدادي.
وقال: هو مذهب الجمهور من الفقهاء وأصحاب الحديث+انتهى(6).
قال السخاوي في هذه المسألة:
=فهذا كما حكاه الخطيب هو الذي مشى عليه المعظم من الفقهاء، وأصحاب الحديث، كابن حبان والحاكم، وجماعة من الأصوليين والغزالي في المستصفى، وجرى عليه النووي في مصنفاته، وهو ظاهر تصرف مسلم في صحيحه+اهـ(7).
قلت: وهذه الزيادة تفسيرية تقيد المطلق وهو قوله: =يعقد التسبيح بيده+ فلا تنافي بينهما فتقبل.
قال ابن دقيق العيد: =الزيادة من الثقة مقبولة، تقيد المطلق+اهـ(8).
قال الحافظ: =لكن نبه ابن دقيق العيد على أن محل الاختلاف إنما هو من حيث تتغاير مخارج الحديث، بحيث يعد حديثين مختلفين، فأما إذا اتحد المخرج، وكان الاختلاف فيه من بعض الرواة، فينبغي حمل المطلق على المقيد بلا خلاف؛ لأن التقييد حينئذ يكون زيادة من عدل فتقبل+اهـ(9).
ولهذا جرى شراح الحديث على الاحتجاج بهذه الزيادة.
قال الإمام النووي:
=وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي بإسناد حسن عن عبدالله بن عمرو قال:
رأيت رسول الله" يعقد التسبيح _وفي رواية_ بيمينه+(10).
وقال ابن القيم: =الفصل الثامن والستون في عقد التسبيح بالأصابع، وأنه أفضل من السبحة، روى الأعمش، عن عطاء بن السائب،عن أبيه، عن عبدالله بن عمرو، قال:
__________
(1) العدة في أصول الفقه لأبي يعلى (3/1004).
(2) إرشاد الفحول للشوكاني ص56.
(3) التبصرة شرح ألفية العراقي (1/215).
(4) ألفية السيوطي شرح أحمد شاكر ص53.
(5) تقريب النووي مع التدريب (1/31).
(6) الكفاية للخطيب ص424.
(7) فتح المغيث للسخاوي (1/213).
(8) إحكام للأحكام لابن دقيق العيد (1/60).
(9) فتح الباري (1/254).
(10) الأذكار ص10.(1/24)
=رأيت رسول الله" يعقد التسبيح بيمينه+اهـ(1).
وقال الشوكاني:
=يعقد التسبيح+ زاد في رواية لأبي داود، وغيره =بيمينه+(2).
وقال محمد المباركفوري:
=ويعقد التسبيح بيده+ وفي رواية لأبي داود قال ابن قدامة: =بيمينه+(3).
الرابعة: أن جميع من روى الحديث عن عطاء بن السائب، رووا هذا اللفظ بإفراد اليد، ولم ترد في موضع واحد بلفظ التثنية، واتفاقهم على ذلك يدل على أنها واحدة لا اثنتان.
ويؤيد هذا أن أهل العلم بالحديث قد أفردوا اليد في تراجمهم، وشرحهم لهذا الحديث، ولم يذكروها بلفظ التثنية _فيما وقفت عليه_ وإليك الأمثلة:
قال الترمذي: =باب ما جاء في عقد التسبيح باليد+(4).
وقال البغوي: =باب عقد التسبيح باليد+(5).
وقال المجد ابن تيمية: =باب جواز عقد التسبيح باليد، وعده بالنوى ونحوه+(6).
أي لم يقل هؤلاء: باليدين، فتنبه!
وقال السندي: =يعقدهن بيده+ أي بضبطهن، ويحفظ عددهن أو يعقد لأجلهن بيده(7).
وقال علي القاري: =بيده+ أي بأصابعها أو بأناملها أو بعقدها(8).
وقال عبيدالله المباركفوري: =بيده+ أي بأصابعها أو بأناملها أو بعقدها، والمراد يضبط الأذكار المذكورة، ويحفظ عددها أو يعقد لأجلها بيده+اهـ(9).
وقال شمس الحق العظيم آبادي: =يعقدها بيده+ أي بأصابعها أو أناملها أو بعقدها+(10).
وقال السهارنفوري: =يعقدها بيده+ أي بأصابع يده(11).
__________
(1) الوابل الصيب لابن القيم ص268.
(2) نيل الأوطار (2/353).
(3) تحفة الأحوذي (9/458) رقم3553.
(4) سنن الترمذي (5/521).
(5) شرح السنة للبغوي (5/47).
(6) المنتقى للمجد مع شرحه نيل الأوطار (2/352).
(7) حاشية السندي على سنن النسائي (3/74).
(8) مرعاة المفاتيح (3/107).
(9) مرعاة المفاتيح (8/146).
(10) عون المعبود (13/273).
(11) بذل المجهود (19/301).(1/25)
وقال الساعاتي: =يعقدهن بيده+ يعني يَعُدُّهُن بيده الشريفة+اهـ(1).
فلم يقل الساعاتي: =بيديه الشريفيتين+ ولم يقل من قبله: بيديه.
فإن قيل: لفظ =بيده+ مفرد مضاف، والمفرد المضاف يعم؟ قيل: هذا ليس مطرداً في اليد بدليل أنها تأتي مفردة مضافة ولم تعم، كقولك: =كتب محمد بيده+، =وأكل بيده+، =واستنجى بيده+، و =صافح بيده+ ونحو ذلك.
يوضح هذا أنه عند إرادة اليدين معاً يصرح الراوي بالتثنية، انظر إلى قول أنس÷:
=رأيت رسول الله" يرفع يديه في الدعاء+ كما عند البخاري(2) ومسلم(3).
وإلى قول ابن عمر _رضي الله عنهما_ وكان إذا دخل في الصلاة كبر ورفع يديه، وإذا ركع رفع يديه، وإذا قال: سمع الله لمن حمده رفع يديه، وإذا قام من الركعتين رفع يديه+ كما عند البخاري(4).
وإلى قول ميمونة _رضي الله عنها_: وضعت للنبي" غسلاً فسترته بثوب، وصب على يديه فغسلهما، ثم صب بيمينه على شماله فغسل فرجه، فضرب بيده الأرض فمسحها، ثم غسلها+ كما عند البخاري(5).
الفائدة العاشرة: جواز عقد التسبيح بغير اليد كالحصى والنوى ونحوهما.
اعلم أن الأفضل عقد التسبيح باليد اليمنى _كما تقدم_ إلا أن أهل العلم أجازوا عقده بغيرها كالحصى، والنوى ونحو ذلك.
فقد بوب الإمام أبو داود لحديث عبدالله بن عمرو، وحديث يسيرة، وأبي هريرة المتقدمة، وحديث سعد بن أبي وقاص الآتي إن شاء الله بقوله:
=باب التسبيح بالحصى+(6) وترجم الحاكم بقوله: =التسبيح بالنوى+(7).
وكذلك المجد ابن تيمية قال:
__________
(1) بلوغ الأماني على الفتح الرباني (4/60).
(2) صحيح البخاري (7/154) باب رفع اليدين في الدعاء.
(3) صحيح مسلم (2/612) رقم895.
(4) صحيح البخاري (1/180) باب رفع اليدين إذا قام من الركعتين.
(5) صحيح البخاري (1/73) باب نفض اليدين من الغسل عن الجنابة.
(6) سنن أبي داود (2/169).
(7) المستدرك للحاكم (1/547).(1/26)
=باب جواز عقد التسبيح باليد، وعدِّه بالنوى ونحوه+ وتقدم.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: =فصل، وعد التسبيح بالأصابع سنة، كما قال النبي" للنساء: =سبحن، واعقدن بالأصابع؛ فإنهن مسئولات مستنطقات+.
وأما عدُّه بالنوى والحصى، ونحو ذلك فحسن، وكان من الصحابة _رضي الله عنهم_ من يفعل ذلك.
وقد رأى النبي" أم المؤمنين تسبح بالحصى، وأقرها على ذلك.
وروي أن أبا هريرة كان يسبح به.
وأما التسبيح بما يجعل في نظام من الخرز ونحوه، فمن الناس من كرهه، ومنهم من لم يكرهه، وإذا أحسنت فيه النية فهو حسن غير مكروه.
وأما اتخاذه من غير حاجة، أو إظهاره للناس، مثل تعليقه في العنق أو جعله كالسوار في اليد أو نحو ذلك، فهذا إما رياء للناس أو مظنة المراءاة، ومشابهة المرائين من غير حاجة.
الأول محرم، والثاني أقل أحواله الكراهة+اهـ(1).
وقال الشوكاني في شرح حديث سعد بن أبي وقاص وصفية أم المؤمنين _رضي الله عنهما_:
=والحديثان يدلان على جواز عد التسبيح بالنوى والحصى، وكذا بالسبحة لعدم الفارق لتقريره" للمرأتين على ذلك، وعدم إنكاره، والإرشاد إلى ما هو الأفضل لا ينافي الجواز، وقد وردت بذلك آثار..+اهـ(2).
وقال أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي في شرح حديث سعد:
=وهذا أصل صحيح لتجويز السبحة بتقريره" يعني التسبيح بالحصى والنوى _فإنه في معناها؛ إذ لا فرق بين المنظومة والمنثورة فيما يعد به، ولا يعتد بقول من عدها بدعة+ اهـ بتصرف يسير(3).
ومثله قال السهارنفوري تماماً(4).
وللسيوطي جزء تتبع فيه ما ورد في السبحة من الأحاديث، والآثار، سماه: المنحة في السبحة أجاز فيه التسبيح بها، وقال فيه:
__________
(1) مجموع الفتاوى (22/506).
(2) نيل الأوطار (2/353).
(3) عون المعبود (4/257).
(4) بذل المجهود (7/351).(1/27)
=ولم ينقل عن أحد من السلف، ولا من الخلف المنع من جواز عد الذكر بالسبحة، بل كان أكثرهم يعدونه بها ولا يرون ذلك مكروهاً+اهـ(1).
وقال المناوي في شرح حديث يسيرة _رضي الله عنها_:
=وهذا أصل في ندب السبحة المعروفة، وكان ذلك معروفاً بين الصحابة.. إلى أن قال:
=ولم ينقل عن أحد من السلف ولا الخلف كراهتها.
نعم محل ندب اتخاذها فيمن يُعَدُّها للذكر بالجمعية، والحضور ومشاركة القلب للسان في الذكر، والمبالغة في إخفاء ذلك.
أما ما أَلِفَهُ الغَفَلَةُ البَطَلَةُ من إمساك سبحة يغلب على حباتها الزينة، وغلو الثمن، ويمسكها من غير حضور في ذلك، ولا فكر، ويتحدث، ويسمع الأخبار، ويحكيها، وهو يحرك حباتها بيده مع اشتغال قلبه، ولسانه بالأمور الدنيوية _فهو مذموم مكروه من أقبح القبائح+اهـ(2).
وقال ابن علان:
=وقد أفردت السبحة بجزء لطيف سميته+ إيقاد المصابيح لمشروعية اتخاذ المسابيح+، وأوردت ما يتعلق بها من الأخبار والآثار، والاختلاف في تفاضل الاشتغال بها أو بعقد الأصابع في الأذكار.
وحاصل ذلك أن استعمالها في أعداد الأذكار الكثيرة التي يلهي الاشتغال بها عن التوجه للذكر أفضل من العقد بالأنامل ونحوه.
والعقد بالأنامل فيما لا يحصل فيه ذلك سيما الأذكار عقب الصلاة ونحوها أفضل، والله أعلم+اهـ(3).
وقال محمود حطاب السبكي في شرح حديث سعد بن أبي وقاص÷:
=وفيه دلالة على جواز عد التسبيح بالنوى أو الحصى؛ فإنه" لم ينه المرأة عن ذلك، بل أرشدها إلى ما هو أيسر لها وأفضل، ولو كان غير جائز لبين لها ذلك.
ومثل النوى _فيما ذكر_ السبحة إذ لا تزيد السبحة على ما في هذا الحديث إلا بنظم نحو النوى في خيط، ومثل هذا لا يعدُّ فارقاً.. ثم نقل عن علي العدوي أنه سئل عن السبحة فأجاب بالجواز.
__________
(1) انظر الحاوي للفتاوي للسيوطي (2/2).
(2) فيض القدير (4/355).
(3) الفتوحات الربانية (1/252).(1/28)
وقال العدوي في جوابه: =والحاصل أنه إذا تعاطى السبحة على الوجه المعتاد، يتباعد عن الأمور المقتضية للشهرة، والعجب والرياء؛ لأن ذلك محبط للعمل+اهـ باختصار(1).
وقال ابن عابدين حاكياً لمذهب أبي حنيفة×: =فرع: لا بأس باتخاذ السبحة لغير رياء كما بسط في البحر+اهـ(2).
وجاء في الموسوعة الفقهية:
=أجاز الفقهاء التسبيح باليد والحصى والمسابح خارج الصلاة كعدِّه بقلبه أو بغمزه أنامِلَهُ.
أما في الصلاة فإنه يكره؛ لأنه ليس من أعمالها، وعن أبي يوسف ومحمد أنه لا بأس في الفرائض والنوافل جميعاً مراعاة لسنة القراءة، والعمل بما جاءت به السنة... وعقد التسبيح بالأنامل أفضل من السبحة.
وقيل: إِنْ أَمِنَ الغلطَ فهو أولى، وإلا فهي أولى+اهـ باختصار(3).
قلت: والأصل في هذا حديث يسيرة، وصفية أم المؤمنين، وسعد بن أبي وقاص _رضي الله عنهم_.
أما حديث يسيرة فقد تقدم بلفظ:
=يا نساء المؤمنين، عليكن بالتهليل والتسبيح والتقديس، ولا تغفلن، فتنسين الرحمة، واعقدن بالأنامل؛ فإنهن مسئولات مستنطقات+.
ووجه الدليل منه: أن الإرشاد إلى ما هو أفضل لا ينافي الجواز، كذا قال الشوكاني(4) وغيره.
وأما حديث سعد بن وقاص÷ فهو قوله: =دخلت مع رسول الله" على امرأة، وبين يديها نوىً أو حصىً تسبح به، فقال النبي":
=ألا أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا، أو أفضل؟ سبحان الله عدد ما خلق في السماء، وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض، وسبحان الله عدد ما خلق بين ذلك، وسبحان الله عدد ما هو خالق، والله أكبر مثل ذلك، والحمد لله مثل ذلك، ولا إله إلا الله مثل ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك+.
__________
(1) المنهل العذب المورود (8/164).
(2) حاشية ابن عابدين (1/650).
(3) الموسوعة الفقهية (11/283، 284).
(4) نيل الأوطار (2/353).(1/29)
أخرجه أبو داود(1) والترمذي(2) والبغوي(3) والطبراني(4) والبيهقي(5) والمزي(6) وابن حجر(7).
من طريق عبدالله بن وهب، عن عمرو بن الحارث، أن سعيد بن أبي هلال حدثه عن خزيمة عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص، عن أبيها، به.
وأخرجه ابن حبان(8) والحاكم(9) والبزار(10) وأبو يعلى(11).
من هذه الطريق إلا أنه سقط عندهم =خزيمة+.
والحديث صححه ابن حبان والحاكم والذهبي.
وقال الترمذي: حسن غريب من حديث سعد.
وقال البغوي: حسن غريب.
وصدره المنذري بلفظ =عن+(12).
وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن سعد إلا من هذا الوجه، بهذا الإسناد.
وقال الحافظ ابن حجر: حديث حسن.. رجاله رجال الصحيح إلا خزيمة فلا يعرف نسبه، ولا حاله، ولا روى عنه إلا سعيد، وقد ذكره ابن حبان في الثقات كعادته فيمن لم يجرح، ولم يأت بمنكر+اهـ(13).
وقال الألباني: ضعيف(14).
قلت: هذا الحديث حَسَّنَ إسنادَه جماعة، وصَحَّحَ إسنادَه جماعةٌ _كما ترى_ وإذا نظر إلى إسناده عند من حسنه نجد أن سعيد بن أبي هلال رواه عن خزيمة عن عائشة.
وخزيمة هذا ذكره ابن حبان في الثقات(15) ولم يجرحه أحد.
وإذا نظر إلى إسناده عند من صححه نجد أن سعيداً رواه عن عائشة مباشرة.
__________
(1) سنن أبي داود (2/169) رقم1500.
(2) سنن الترمذي (5/562) رقم3568.
(3) شرح السنة (5/61) رقم1279.
(4) الدعاء للطبراني (3/1584) رقم1738.
(5) الجامع لشعب الإيمان (2/496) رقم595.
(6) تهذيب الكمال للمزي (8/246).
(7) نتائج الأفكار (1/77).
(8) صحيح ابن حبان (3/118) رقم837.
(9) المستدرك (1/548).
(10) مسند البزار (4/39) رقم1201.
(11) مسند أبي يعلى (2/67) رقم710.
(12) الترغيب والترهيب (3/246).
(13) نتائج الأفكار (1/77، 78).
(14) ضعيف الجامع الصغير رقم2154.
(15) الثقات لابن حبان (6/268).(1/30)
ورواية سعيد عن عائشة بنت سعد ممكنة، وذلك أن كلاً منهما مدني، وقد أدرك سعيد من حياة عائشة سبعاً وأربعين سنة، فقد توفيت سنة 117هـ، وولد سعيد بمصر سنة 70هـ ونشأ في المدينة كما في ترجمتهما في تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر، فهذا احتمال قوي.
ويحتمل أن سعيداً روى الحديث عنهما وهو ممكن أيضاً(1).
وهذا المسلك أولى من تضعيف الحديث وردِّه، والله أعلم.
وأما حديث صفية أم المؤمنين _رضي الله عنهما_ فهو قولها:
=دخل عليَّ رسول الله" وبين يديَّ أربعة آلاف نواة أسبح بها، فقلت: لقد سبحت بهذه.
فقال: قولي: سبحان الله عدد خلقه+.
أخرجه الترمذي(2) والطبراني(3) وأبو يعلى(4) وابن عدي(5) والحاكم(6) والحافظ ابن حجر(7).
من طريق هاشم بن سعيد الكوفي، حدثني كنانه مولى صفية، قال سمعت صفية تقول: دخل...إلخ.
قال اليرمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث صفية إلا من هذا الوجه من حديث هاشم بن سعد الكوفي، وليس إسناده بمعروف، وفي الباب عن ابن عباس.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد.
ووافقه الذهبي، فقال: صحيح.
وقال السيوطي: صحيح(8).
وقال الحافظ ابن حجر: هذا حديث حسن(9).
وقال الألباني: ضعيف(10).
قلت: هاشم بن سعيد هذا ضعيف عندهم إلا أن ابن حبان ذكره في الثقات(11).
وقال الحافظ:
__________
(1) انظر النكت على ابن الصلاح للحافظ ابن حجر (2/785).
(2) سنن الترمذي (5/555) رقم3554.
(3) الكبير للطبراني (24/75) رقم195، والدعاء (3/1585) رقم1739.
(4) مسند أبي يعلى (13/35) رقم7118.
(5) الكامل لابن عدي (7/2574).
(6) المستدرك (1/547).
(7) نتائج الأفكار (1/79).
(8) الحاوي للفتاوي (2/2).
(9) نتائج الأفكار (1/79).
(10) ضعيف سنن الترمذي رقم711.
(11) الثقات لابن حبان (7/585).(1/31)
=قد توبع على هذا الحديث: أخبرني أبو هريرة بن الحافظ أبي عبدالله الحافظ الذهبي، وفاطمة بنت محمد المقدسية إجازة من الأول، وقراءة عليها، قالا:
أنا يحيى بن محمد بن سعد، قال الأول سماعاً، والآخر إجازة: أنا الحسن بن يحيى، أنا عبدالله بن رفاعة، أنا علي بن الحسن، أنا شعيب بن عبدالله، ثنا أحمد بن إسحاق بن عتبة، ثنا روح بن الفرج، ثنا عمرو بن خالد، ثنا حُديج ابن معاوية، ثنا كنانة مولى صفية بنت حيي.. الحديث(1).
قلت: حُديج بن معاوية قال فيه الحافظ نفسه في التقريب: صدوق يخطئ.
ثم قال الحافظ أيضاً:
=وأخرجه الطبراني في الدعاء من وجه آخر عن صفية متابعاً لكنانة، وبقية رجال الترمذي رجال الصحيح+اهـ(2).
قلت: والوجه الذي عند الطبراني هذا نصه:
قال الطبراني:
=حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا أبي، قال: وَجَدتُ في كتاب أبي بخطه، ثنا مستلم بن سعيد، عن منصور بن زاذان، عن يزيد _يعني ابن معتب مولى صفية بنت حيي، عن صفية _رضي الله عنها_.. الحديث(3).
رجاله ثقات غير محمد بن عثمان بن أبي شيبة.
قال فيه الحافظ الذهبي: =الحافظ، كان بصيراً بالحديث والرجال، وثقه صالح جَزَرَة+.
وقال ابن عدي: لم أر له حديثاً منكراً، وهو على ما وصف لي عبدان لا بأس به.
وأما عبدالله بن أحمد بن حنبل فقال: كذاب+اهـ(4).
قلت: تكذيب عبدالله له مخدوش؛ لأن في سنده إليه أبا العباس بن عقدة متكلم فيه، وممن تكلم فيه عبدالله بن أحمد بن حنبل نفسه.
فقد ذكر الخطيب البغدادي أنه قال فيه: =ابن عقده أفسد حديث أهل الكوفة+اهـ(5).
فعلى هذا يكون محمد بن عثمان لا بأس به.
__________
(1) نتائج الأفكار (1/80).
(2) نتائج الأفكار (1/80).
(3) الدعاء للطبراني (3/1585) رقم1740، والأوسط (6/221) رقم5468.
(4) ميزان الاعتدال (3/642) رقم7934.
(5) تاريخ بغداد (3/45) و (5/20).(1/32)
وأما كنانة مولى صفية بنت حيي _رضي الله عنها_ فقال الحافظ في التقريب: مقبول، ضعفه الأزدي بلا حجة.
وقال أيضاً: =مدني روى عنه خمسة أنفس، وذكره ابن حبان في الثقات+(1).
قلت: والذي وقفت عليه من الرواة الذين رووا عنه ما يلي:
حُديج، وزهير ابنا معاوية بن حُديج، وسعدان بن بشير الجهني، ومحمد بن طلحة بن مصرف، وهاشم بن سعيد الكوفي(2).
ومنصور بن زاذان كما في سند الطبراني المتقدم، وهشيم(3).
وذكره ابن حبان في الثقات(4).
وقال العجلي: مدني تابعي ثقة(5).
وقال الذهبي: وثق(6) وذكره البخاري(7) وابن أبي حاتم(8) ولم يجرحاه.
وعلى هذا فالسند حسن، كما قال الحافظ، والعلم عند الله.
يؤيد هذا أن عقد التسبيح بالحصى والنوى مأثور عن كثير من الصحابة _رضي الله عنهم_.
قال الإمام أحمد×:
=حدثنا مسكين بن بكير، أنبأنا ثابت بن عجلان، عن القاسم بن عبدالرحمن، قال:
كان لأبي الدرداء نوى من نوى العجوة، حسبت عشراً أو نحوها في كيس، وكان إذا صلى الغداة أقعى على فراشه، فأخذ الكيس، فأخرجهن واحدة، واحدة يسبح بهن، فإذا نفدن أعادهن واحدة، واحدة.
كل ذلك يسبح بهن، قال: حتى تأتيه أم الدرداء، فتقول: يا أبا الدرداء إن غداءك قد حضر، فربما قال: ارفعوه؛ فإني صائم+(9).
إسناده حسن، رجاله ثقات.
وقال ابن أبي شيبة×:
=حدثنا يحيى بن سعيد، عن عبيدالله، عن ابن الأخنس، قال:
__________
(1) نتائج الأفكار (1/79).
(2) تهذيب الكمال للمزي (24/231).
(3) تاريخ ابن معين (2/497).
(4) الثقات لابن حبان (5/339).
(5) معرفة الثقات للعجلي (2/229) رقم1560.
(6) الكاشف للذهبي (3/10) رقم4748.
(7) التاريخ الكبير (7/237) رقم1017.
(8) الجرح والتعديل (7/169) رقم963.
(9) الزهد للإمام أحمد ص141، =زهد أبي الدرداء÷+.(1/33)
حدثني مولى لأبي سعيد، عن أبي سعيد أنه كان يأخذ ثلاث حصيات، فيضعهن على فخذه، فيسبح ويضع واحدة ثم يسبح ويضع الأخرى، ثم يسبح ويضع الأخرى، ثم يرفعن، ويضع مثل ذلك.
وقال: لا تسبحوا بالتسبيح صغيراً أو صفيراً+(1).
رجاله ثقات، رجال الصحيح إلا مولى أبي سعيد فلم أقف عليه.
وقال أيضاً:
=وحدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن حكيم بن الديلمي عن مولاة لسعد، أن سعداً كان يسبح بالحصى والنوى+(2).
وقال أيضاً:
=حدثنا ابن مهدي، عن سفيان.. به+(3).
رجاله رجال الصحيح إلا مولاة سعد فلم أقف عليها.
وقال الإمام أحمد×:
=ثنا عفان ثنا عبدالواحد بن زيادة، عن يونس بن عبيد، عن أُمِّهِ، قالت: رأيت أبا صفية _رجل من أصحاب النبي" وكان جارنا_ قالت: فكان يسبح بالحصى+(4).
رجاله رجال الصحيح غير أم يونس فلم أقف لها على ترجمة.
وعن رجل من الطفاوة، قال:
نزلت على أبي هريرة، ولم أُدرك من صحابة رسول الله" رجلاً أشد تشميراً، ولا أقوم على ضيف منه، فبينما أنا عنده _وهو على سرير له_ وأسفل منه جارية له سوداء، ومعه كيس فيه حصى، ونوى يقول:
سبحان الله، سبحان الله، حتى إذا نفد ما في الكيس ألقاه إليها فجمعته، فجعلته في الكيس ثم دفعته إليه.. الحديث.
أخرجه أحمد(5) وأبو داود(6) وابن أبي شيبة(7) والبيهقي(8) من طريق سعيد بن إياس الجريري، عن أبي نضرة المنذر بن مالك، عن رجل من الطفاوة به.
وأخرجه الترمذي(9) والنسائي(10) مختصراً.
__________
(1) مصنف ابن أبي شيبة (2/390).
(2) المرجع السابق.
(3) المرجع السابق.
(4) الزهد للإمام أحمد بواسطة الحاوي للسيوطي (2/2).
(5) مسند الإمام أحمد (2/540).
(6) سنن أبي داود (2/626) رقم2174.
(7) مصنف ابن أبي شيبة (2/390).
(8) سنن البيهقي (7/194).
(9) سنن الترمذي (5/107) رقم2787.
(10) سنن النسائي (8/151) والكبرى (5/428) رقم9408، 9409.(1/34)
وقال الترمذي: =هذا حديث حسن، إلا أن الطفاوي لا نعرفه إلا في هذا الحديث، ولا نعرف اسمه+.
وقال الحافظ ابن حجر في التقريب:
=شيخ لأبي نضرة لم يسم من الثالثة لا يعرف+.
وقال الألباني: صحيح.. وهذا إسناد ضعيف لجهالة الشيخ الطفاوي(1).
قلت: رجاله رجال الصحيح ما عدا الطفاوي فقد قيل فيه ما تقدم.
الفائدة الحادية عشرة: الجواب عما نقل عن عبدالله بن مسعود÷ من النهي عن التسبيح بالحصى.
قال ابن وضاح:
=نا أسد، عن جرير بن حازم، عن الصلت بن بهرام، قال: مرَّ ابن مسعود بامرأة معها تسبيح تسبح به فقطعه، وألقاه.
ثم مرَّ برجل يسبح بحصى فضربه برجله، ثم قال:
=لقد سبقتم، ركبتم بدعة ظلماً أو لقد غلبتم أصحاب محمد" علماً+(2) إسناده منقطع.
الصلت بن بهرام من أتباع التابعين نص عليه ابن حبان(3).
ومحمد بن وضاح الظاهر أنه لم يلق أسداً وهو ابن موسى المصري؛ لأنه قد ولد عام 199هـ(4) ووفاة أسد في سنة 212هـ، فيكون قد أدرك من حياة أسد 13 سنة، ولم يجمعهما بلد واحد في هذا السن، فابن وضاح أندلسي، وأسد مصري.
اللهم إلا إن كان رواه من طريق محمد بن سعيد بن أبي مريم، وهو الأقرب؛ لإمكانه، فقد قال في أول حديث له في البدع والنهي عنها: =نا محمد بن سعيد بن أبي مريم، قال: نا أسد بن موسى.. الخ+ ومحمد هذا لم أقف على حاله.
طريق أخرى:
قال الدارمي: =أخبرنا الحكم بن مبارك، أنا عمرو بن يحيى، قال: سمعت أبي يحدث عن أبيه، قال: كنا نجلس على باب عبدالله بن مسعود قبل صلاة الغداة، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاء أبو موسى الأشعري فقال:
__________
(1) إرواء الغليل (7/73).
(2) البدع والمنهيات لابن وضاح ص19.
(3) الثقات لابن حبان (6/47).
(4) انظر سير أعلام النبلاء (13/445).(1/35)
أخرج إليكم أبو عبدالرحمن بعد؟ قلنا: لا، فجلس معنا حتى خرج، فلما خرج قمنا إليه جميعاً، فقال له أبو موسى: يا أبا عبدالرحمن، إني رأيت في المسجد آنفاً أمراً أنكرته، ولم أر _والحمد لله_ إلا خيراً.
قال: فما هو؟ فقال: إن عشت فستراه.
قال: رأيت في المسجد قوماً حلقاً، جلوساً، ينتظرون الصلاة، في كل حلقة رجل، وفي أيديهم حصى، فيقول: كبروا مائة فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة فيهللون مائةـ ويقول: سبحوا مائة فيسبحون مائة.
قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئاً انتظار رأيك أو انتظار أمرك.
قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم، وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم.
ثم مضى، ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحلق، فوقف عليهم فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبدالرحمن حصى نَعُدُّ به التكبير والتهليل والتسبيح.
قال: فعدوا سيئاتكم، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء... الحديث(1).
إسناده ضعيف جداً.
عمرو بن يحيى هو ابن عمر بن سلمة بن الحارث الكوفي، اختلف قول يحيى بن معين فيه.
فنقل عنه ابن أبي حاتم بسنده أنه قال: ثقة(2).
ونقل عنه ابن عدي بسنده أنه قال: ليس بشيء.
ومرة قال: =سمعت منه لم يكن يرضى+(3).
ونقل عنه ابن الجوزي(4) والذهبي(5) والحافظ ابن حجر(6) أنه قال:
ليس حديثه بشيء قد رأيته.
وزاد الحافظ:
=وقال ابن خراش: ليس بمرضي.
ولم يعرج هؤلاء الحفاظ على التوثيق الذي ذكره ابن أبي حاتم!
وذكره ابن حبان في الثقات(7).
وأما أبوه يحيى بن عمرو بن سلمة فذكره ابن أبي حاتم وسكت عليه(8).
__________
(1) سنن الدارمي (1/73) رقم208.
(2) الجرح والتعديل (6/269).
(3) الكامل لابن عدي (5/1773).
(4) الضعفاء لابن الجوزي (2/233).
(5) الميزان للذهبي (3/293).
(6) اللسان لابن حجر (4/378).
(7) الثقات لابن حبان (8/480).
(8) الجرح والتعديل (9/176).(1/36)
وذكره العجلي في الثقات(1).
طريق أخرى:
قال ابن وضاح:
=نا أسد، عن الربيع بن صبيح، عن عبدالواحد بن صبرة، قال:
بلغ ابن مسعود أن عمرو بن عتبة في أصحاب له بنوا مسجداً بظهر الكوفة، فأمر عبدالله بذلك المسجد فهدم، ثم بلغه أنهم يجتمعون في ناحية من مسجد الكوفة يسبحون تسبيحاً معلوماً، ويهللون، ويكبرون..= الأثر(2).
إسناده ضعيف.
الواسطة بين ابن وضاح وبين أسد غير معروفة.
والربيع بن صبيح هو السعدي البصري، قال البخاري:
=كان يحيى القطان لا يحدث عنه+(3).
وقال الحافظ في التقريب: صدوق سيء الحظ.
وعبدالواحد بن صبرة، سكت عليه ابن أبي حاتم(4) ولم أقف على حاله.
طريق أخرى:
قال ابن وضاح:
=نا أسد، عن عبدالله بن رجاء، عن عبدالله بن عمر، عن يسار أبي الحكم، أن عبدالله بن مسعود حُدِّث أن ناساً بالكوفة يسبحون بالحصى في المسجد، فأتاهم، وقد كوم كل رجل منهم بين يديه كومة حصى، فلم يزل يحصبهم بالحصى حتى أخرجهم من المسجد.
ويقول: لقد أحدثتم بدعة ظلماً، أو فضلتم أصحاب محمد علماً"+(5).
يسار أبو الحكم لم أقف له على ترجمة، اللهم إلا أن يكون سياراً أبا الحكم فهذا من رجال التهذيب وهو ثقة، إلا أن بينه وبين ابن مسعود مفاوز بعيدة.
طريق أخرى:
قال ابن وضاح:
=حدثني إبراهيم بن محمد، عن حرملة، عن ابن وهب، قال: حدثني ابن إسماعيل، قال:
بلغنا عن عبدالله بن مسعود أنه رأى ناساً يسبحون بالحصى، فقال:
=على الله تحصون، لقد سبقتم أصحاب محمد علماً، أو لقد أحدثتم بدعة ظلماً+(6).
إسناده منقطع.
__________
(1) معرفة الثقات للعجلي (2/356) رقم1990.
(2) البدع والنهي عنها لابن وضاح ص15.
(3) الضعفاء الصغير للبخاري ص47 رقم116.
(4) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (6/22).
(5) البدع والنهي عنها لابن وضاح ص18.
(6) البدع والنهي عنها لابن وضاح ص18.(1/37)
ابن إسماعيل هو جابر بن إسماعيل الحضرمي المصري، وذكره ابن حبان في تبع الأتباع(1).
وقال الحافظ في التقريب: مقبول من الثامنة.
وشيخ ابن وضاح لم أقف له على ترجمة.
طريق أخرى:
قال عبدالله بن الإمام أحمد:
=حدثني أحمد بن إبراهيم، حدثنا محمد بن فضيل، عن عطاء بن السائب، عن أبي البختري، قال:
أخبر رجل عبدالله بن مسعود أن قوماً يجلسون في المسجد بعد المغرب، وفيهم رجل يقول: كبروا الله كذا وكذا، وسبحوا الله كذا وكذا، واحمدوا الله كذا وكذا.
فقال عبدالله: فيقولون؟!
قال: نعم، قال: فإذا رأيتهم فعلوا ذلك فأتني، فأخبرني بمجلسهم، فأتاهم وعليه برنس فجلس، فلما سمع ما يقولون قام _وكان رجلاً حديداً_ فقال:
أنا عبدالله بن مسعود، والذي لا إله غيره لقد جئتم ببدعة ظلماً أو لقد فضلتم أصحاب محمد" علماً.
فقال معضد: والله ما جئنا ببدعة ظلماً، ولا فضلنا أصحاب محمد" علماً.
فقال عمرو بن عتبة: يا أبا عبدالرحمن، نستغفر الله، قال:
عليكم بالطريق فألزموه، فوالله لئن فعلتم...
لقد سبقتم سبقاً بعيداً، وإن أخذتم يميناً وشمالاً لتضلوا ضلالاً بعيداً+(2).
تابع محمدَ بنَ فضيل عبدالسلام بن حرب عند أبي نعيم(3).
وأبو البختري هو سعيد بن فيروز.
قال العلائي: روايته عن ابن مسعود مرسلة(4).
طريق أخرى عند أبي نعيم، قال ما نصه:
=حدثناه سليمان، قال: ثنا علي، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء، قال: جاء المسيب بن نَجَبَةَ إلى عبدالله، فقال: إني تركت قوماً في المسجد، فذكر نحوه(5) رجال إسناده ثقات، غير أبي الزعراء.
فسليمان هو الطبراني، وعلي هو ابن عبدالعزيز البغوي، وأبو نعيم هو الفضل بن دكين، وسفيان هو الثوري، وسلمة بن كهيل هو الحضرمي الكوفي.
__________
(1) الثقات لابن حبان (8/163).
(2) الزهد للإمام أحمد ص358.
(3) الحلية لأبي نعيم (14/381).
(4) جامع التحصيل للعلائي ص183.
(5) الحلية لأبي نعيم (4/381).(1/38)
أما أبو زعراء فهو عبدالله بن هاني ذكره ابن حبان في الثقات(1) وكذا وثقه العجلي(2) وابن سعد(3).
وقال البخاري: لا يتابع في حديثه(4).
وقال علي بن المديني(5) ويحيى بن معين(6) والنسائي(7) لا نعلم أحداً روى عنه إلا سلمة بن كهيل.
وقال العقيلي: وفيه كلام ليس في حديث الناس(8) فهذه سبع طرق لأثر عبدالله بن مسعود÷.
ولا يخلو طريق واحد منها من علة قادحة، إلا أن مجموعها يدل على أن له أصلاً.
وعلى هذا الأصل فاعلم أن الإنكار منه ليس على عقد التسبيح بالحصى ونحوه لوجوه:
1_ تعليل الإنكار بقوله في حديث ابن إسماعيل: =على الله تحصون+.
وفي حديث أبي موسى: =فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء+.
وقوله: =أفلا أمرتهم أن يعدُّوا سيئاتهم، وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم+.
2_ أن الإنكار نقل في بعض الروايات بدون ذكر العدِّ بالحصى كما جاء في طريق عطاء بن السائب وهو من أحسن الطرق.
3_ أن مذهب ابن مسعود÷ كراهة عقد التسبيح مطلقاً.
قال ابن أبي شيبة في باب من كره عقد التسبيح:
=حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: كان عبدالله يكره العدد+(9).
إسناده صحيح، أبو معاوية هو محمد بن خازم الكوفي الضرير، قال الحافظ في التقريب: ثقة، أحفظ الناس لحديث الأعمش، وذكر ابن أبي حاتم بسنده عن الأعمش أنه قال:
=ما كان إبراهيم يسند لأحد الحديث إلا لي+اهـ(10).
وقال عاصم الأحول:
=مرّ الأعمش بالقاسم بن عبدالرحمن، فقال:
__________
(1) الثقات لابن حبان (5/14).
(2) معرفة الثقات للعجلي (2/65) رقم987.
(3) الطبقات لابن سعد (6/171).
(4) التاريخ الكبير (5/221) رقم720.
(5) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (5/195) رقم902.
(6) تاريخ ابن معين (2/337).
(7) تهذيب الكمال للمزي (16/241).
(8) الضعفاء الكبير للعقيلي (2/314) رقم900.
(9) مصنف ابن أبي شيبة (2/391).
(10) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (4/147).(1/39)
هذا الشيخ أعلم الناس بقول عبدالله بن مسعود+اهـ(1).
وإبراهيم هو ابن يزيد النخعي ثقة، وروايته هذه مرسلة كما ترى إلا أنه جاء عن الأعمش ما يدل على صحتها فقد روى الحافظ المزي بسنده عن الأعمش أنه قال:
=قلت لإبراهيم النخعي: أسند لي عن عبدالله بن مسعود، فقال إبراهيم: إذا حدثتكم عن رجل عن عبدالله فهو الذي سمعت، وإذا قلت: قال عبدالله، فهو عن غير واحد عن عبدالله+اهـ(2).
قال ابن رجب:
=وهذا يقتضي ترجيح المرسل على المسند، لكن عن النخعي خاصة، فيما أرسله عن ابن مسعود خاصة+اهـ(3).
هذا وقد روي عن إبراهيم النخعي نحو ذلك.
فقد أخرج ابن أبي شيبة في الباب المذكور بسند فيه ضعف أنه كان ينهى ابنته أن تعين النساء على فتل خيوط التسابيح التي يسبح بها(4).
4_ أنه قد نص أهل العلم على أن المنكر في الأذكار هو الاجتماع لها، مع الجهر مستدلين بأثر ابن مسعود هذا.
قال أبو إسحاق الشاطبي:
=اعلموا أنه حيث قلنا: إن العمل الزائد على المشروع يصير وصفاً لها، أو كالوصف؛ فإنما يعتبر بأحد أمور ثلاثة:
إما بالقصد، وإما بالعادة، وإما بالشرع.
أما بالقصد؛ فظاهر، بل هو أصل التشريع في المشروعات بالزيادة أو النقصان.
وأما بالعادة؛ فكالجهر والاجتماع في الذكر المشهور بين متصوفة الزمان؛ فإن بينه وبين الذكر المشروع بوناً بعيداً؛ إذ هما كالمتضادين عادة، وكالذي حكى ابن وضاح عن الأعمش عن بعض أصحابه، قال: مرَّ عبدالله برجل يقص في المسجد على أصحابه، وهو يقول: سبحوا عشراً، وهللوا عشراً، فقال عبدالله: إنكم لأهدى من أصحاب محمد" أو أضل، بل هذه _يعني: أضل_.
__________
(1) انظر ترجمة الأعمش في تهذيب الكمال (12/85).
(2) تهذيب الكمال (2/239).
(3) شرح علل الترمذي لابن رجب (1/294).
(4) مصنف ابن أبي شيبة (2/391).(1/40)
وفي رواية عنه أن رجلاً كان يجمع الناس، فيقول: رحم الله من قال كذا وكذا مرة سبحان الله، قال: فيقول القوم، ويقول: رحم الله من قال كذا وكذا مرة الحمد لله، قال: فيقول القوم.
قال: فمرَّ بهم عبدالله بن مسعود÷ فقال لهم: هديتم لما لم يهد نبيكم! وإنكم لتمسكون بذنب ضلالة+اهـ(1).
الفائدة الثانية عشرة: المحافظة على هذا الذكر كما ورد وأنه خير من خادم.
اعلم أن النبي" أرشد علياً وفاطمة _رضي الله عنهما_ عندما سألاه خادماً، إلى العمل بهذا الذكر أدبار الصلوات وعند النوم مفيداً أنه خير لهما من خادم!
قال الحافظ ابن حجر×:
=وقد اختلف في معنى الخيرية في الخبر، فقال عياض: ظاهره أنه أراد أن يعلمهما أن عمل الآخرة أفضل من أمور الدنيا على كل حال، وإنما اقتصر على ذلك لما لم يمكنه إعطاء الخادم، ثم علمهما _إذا فاتهما ما طلباه_ ذكراً يحصل لهما أجراً أفضل مما سألاه.
وقال القرطبي:
=إنما أحالهما على الذكر ليكون عوضاً عن الدعاء عند الحاجة أو لكونه أحب لابنته ما أحب لنفسه من إيثار الفقر، وتحمل شدته بالصبر عليه تعظيماً لأجرهما+.
وقال المهلب:
=علم" ابنته من الذكر ما هو أكثر نفعاً لها في الآخرة+اهـ(2).
وقال ابن القيم×:
=وقال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه: بلغنا أن من حافظ على هذه الكلمات لم يأخذه إعياء فيما يعانيه من شغل وغيره+اهـ(3).
وتعقبه الحافظ ابن حجر بقوله:
=وفيه نظر، ولا يتعين رفع التعب، بل يحتمل أن يكون من واظب عليه لا يتضرر بكثرة العمل، ولا يشق عليه، ولو حصل له التعب، والله أعلم+اهـ(4).
قلت: ولا وجه لاعتراض الحافظ هذا؛ لأنه نفى الضرر بكثرة العمل، والمشقة عليه، مع حصول التعب، والتعب ضرر كما هو معلوم.
__________
(1) الاعتصام للشاطبي (1/506).
(2) فتح الباري (11/123).
(3) الوابل الصيب لابن القيم ص176.
(4) فتح الباري (11/125).(1/41)
وقول شيخ الإسلام حق؛ لأنه نفى الإعياء وهو العجز عن العمل أو الجهل به أو ببعضه.
ولا تستغرب هذا؛ فإن من امتلأ قلبه من خشية الله _عز وجل_ فنزه الله بالتسبيح وأثنى عليه بالحمد، وعظمه بالتكبير، وغذى قلبه بمعاني هذا الذكر الكريم، ورطب لسانه بمروره عليه في وقته المشروع له، فإن الله _بمنه وكرمه_ يُمِدُّهُ بعون خاص منه على قضاء حوائجه بأيسر الأسباب، وأسهل الطرق، فلا يعيى ولا يعجز.
وقد ثبت أن العبد إذا تقرب إلى الله بأداء الفرائض، والنوافل فإن الله يحبه، فإذا أحبه أمده بتوفيقه وإعانته بحيث يكون سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها.
وذلك فيما رواه البخاري(1) وابن حبان(2) وأبو نعيم(3) والبغوي(4) والبيهقي(5).
من طريق محمد بن عثمان بن كرامة، حدثنا خالد بن مخلد، حدثنا سليمان بن بلال، حدثني شريك بن عبدالله بن أبي نمر، عن عطاء عن أبي هريرة قال: قال رسول الله":
=من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، وما زال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت، وأنا أكره مساءته+.
__________
(1) صحيح البخاري (7/190) باب التواضع.
(2) صحيح ابن حبان (2/58) رقم347.
(3) الحلية (1/4).
(4) شرح السنة (5/19) رقم1248.
(5) السنن الكبرى للبيهقي (3/346) والأسماء والصفات (2/251) والزهد ص269 رقم696.(1/42)
وأخرجه أحمد(1) وأبو نعيم(2) وابن أبي عاصم(3) والبزار(4) والبيهقي(5) وابن عدي(6).
من طريق عبدالواحد بن ميمون أبي حمزة مولى عروة بن الزبير، عن عروة، عن عائشة أم المؤمنين _رضي الله عنها_ به.
وعبدالواحد هذا قال فيه الحافظ:
=وذكر ابن حبان وابن عدي أنه تفرد به، وقد قال البخاري: إنه منكر الحديث.
لكن أخرجه الطبراني من طريق يعقوب بن مجاهد عن عروة، وقال: لم يروه عن عروة إلا يعقوب وعبدالواحد+(7).
وقال في موضع آخر:
=وله شاهد في صحيح البخاري+(8).
قلت: وسنده عند الطبراني ما يلي:
=حدثنا هارون بن كامل، ثنا سعيد بن أبي مريم، ثنا إبراهيم بن سويد المدني، حدثني أبو حزرة يعقوب بن المجاهد، أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة، به.
وقال: لم يروه عن أبي حرزة إلا إبراهيم، ولا عن عروة إلا أبو حزرة، وعبدالواحد بن ميمون+اهـ(9).
إسناده صحيح، رجال ثقات، غير شيخ الطبراني، وقد وصفه بأول حديث له بـ=المصري+، وذكر وفاته الذهبي وسكت عليه(10).
وظاهر قول الطبراني أنه لم يتفرد به؛ لأنه ذكر التفرد فيمن بعده، والله أعلم.
وعلى أي حال حديث أبي هريرة صححه البخاري +وناهيك به+ وابن حبان.
ولا التفات لقول من رده بحجة أن الله لا يوصف بالتردد(11).
__________
(1) مسند أحمد (6/256).
(2) الحلية (1/5).
(3) السنة لابن أبي عاصم (1/180) رقم414.
(4) كشف الأستار (4/248) رقم3647.
(5) الزهد للبيهقي ص270 رقم698، 699.
(6) الكامل لابن عدي (5/1939).
(7) فتح الباري (11/341).
(8) لسان الميزان (4/84).
(9) الأوسط للطبراني (10/163) رقم9348، ومجمع البحرين (1/423) رقم552.
(10) تاريخ الإسلام للذهبي وفيات 281_290 ص318 رقم560.
(11) قد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية ما معنى تردد الله في هذا الحديث فأجاب:
=هذا حديث شريف، قد رواه البخاري من حديث أبي هريرة، وهو أشرف حديث روي في صفة الأولياء، وقد ردَّ هذا الكلام طائفة.
وقالوا: إن الله لا يوصف بالتردد، وإنما يتردد من لا يعلم عواقب الأمور، والله أعلم بالعواقب.
وربما قال بعضهم: إن الله يعامل معاملة المتردد.
والتحقيق أن كلام رسوله حق، وليس أحد أعلم بالله من رسوله، ولا أنصح للأمة منه، ولا أفصح، ولا أحسن بياناً منه؛ فإذا كان كذلك، كان المتحذلق والمنكر عليه من أضل الناس، وأجهلهم، وأسوئهم أدباً، بل يجب تأديبه وتعزيره، ويجب أن يصان كلام رسول الله" عن الظنون الباطلة، والاعتقادات الفاسدة، ولكن المتردد منا _ وإن كان تردده في الأمر لأجل كونه ما يعلم عاقبة الأمور_ لا يكون ما وصف الله به نفسه بمنزلة ما يوصف به الواحد منا؛ فإن الله ليس كمثله شيء، لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.
ثم هذا باطل؛ فإن الواحد منا يتردد تارة لعدم العلم بالعواقب، وتارة لما في الفعلين من المصالح والمفاسد، فيريد الفعل لما فيه من المصلحة، ويكرهه لما فيه من المفسدة، لا لجهله منه بالشيء الواحد الذي يُحِب من وجه ويكرَه من وجه كما قيل:
الشيب كره، وكره أن أفارقه فأعجب لشيء على البغضاء محبوب
وهذا مثل إرادة المريض لدوائه الكريه، بل جميع ما يريده العبد من الأعمال الصالة التي تكرهها النفس هو من هذا الباب، وفي الصحيح: =حفت النار بالشهوات، وحفت الجنة بالمكاره+.
وقال تعالى: [كتب عليكم القتال وهو كره لكم] الآية.
ومن هذا الباب يظهر معنى التردد المذكور في هذا الحديث، فإنه قال: =لا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه+، فإن العبد الذي هذا حاله صار محبوباً للحق محباً له، يتقرب إليه أولاً بالفرائض وهو يحبها، ثم اجتهد بالنوافل التي يحبها ويحب فعلها فأتى بكل ما يقدر عليه من محبوب الحق، فأحبه الحق لفعل محبوبه من الجانبين بقصد اتفاق الإرادة بحيث يحب ما يحب محبوبه، فلزم من هذا أن يكره الموت ليزداد من محاب محبوبه. =
=والله سبحانه قد قضى بالموت، فكل ما قضى به فهو يريده ولا بد منه، فالرب مريد لموته لما سبق به قضاؤه، وهو مع ذلك كاره لمساءة عبده، وهي المساءة التي تحصل له بالموت، فصار الموت مراداً للحق من وجه مكروهاً له من وجه.
وهذا حقيقة التردد، وهو أن يكون الشيء الواحد مراداً من وجه، مكروهاً من وجه.
وإن كان لا بد من ترجح أحد الجانبين، كما ترجح إرادة الموت، لكن مع وجود كراهة مساءة عبده، وليس إرادته لموت المؤمن الذي يحبه ويكره مساءته، كإرادته لموت الكافر الذي يبغضه ويريد مساءته...
ومن هذا الباب ما يقع في الوجود من الكفر، والفسوق، والعصيان؛ فإن الله _تعالى_ يبغض ذلك ويسخطه، ويكرهه وينهى عنه، وهو سبحانه قد قدره وقضاه وشاءه بإرادته الكونية، وإن لم يرده بإرادة دينية، وهذا هو فصل الخطاب فيما تنازع فيه الناس من أنه سبحانه هل يأمر بما لا يريده.. والمقصود هنا التنبيه على أن الشيء المعين يكون محبوباً من وجه، مكروهاً من وجه، وأن هذا حقيقة التردد، وكما أن هذا في الأفعال فهو في الأشخاص، والله أعلم+ اهـ مجموع الفتاوى (18/129_135) باختصار.(1/43)
ومما يزيد هذه المسألة إيضاحاً إخبار الله بكتابه عن المعرض عن ذكره بتنغيص حياته، وضنك معيشته بقوله تعالى: [ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى] (طه:124).
وكون الإعياء يحصل لبعض الناس؛ فإنه لا ينفي عدم الحصول للبعض الآخر؛ وذلك لتخلف سبب من أسبابه، أو وجود مانع، مصداق ذلك أن كثيراً من عباد الله يتلفظ بكلمة التوحيد: =لا إله إلا الله+ وتجده يبارز الله بالمعاصي بأقواله، وأفعاله، واعتقاده.
ولو عرف معناها حقاً لامتنع عن مخالفتها إذا كان مسلماً، أو عن قولها إذا كان غير مسلم، كحال المشركين عندما خوطبوا بها، وطلب منهم قولها امتنعوا استكباراً، قال سبحانه: [إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون] (الصافات:35).
فالأعمال الصالحة لها تأثير عجيب في سلوك العبد، وتوفيقه للهداية، وحفظه وإعانته، ولها ثمار دينية ودنيوية فوق ما يتصور بعض الناس، مثال ذلك:
المجاهدة في الله تثمر معية الله الخاصة للعبد وهدايته، يقول المولى جل وعلا: [والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين] (العنكبوت:69).
وإيقام الصلاة يثمر الانتهاء عن الفحشاء والمنكر، قال تعالى: [وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون] (العنكبوت:45).
وتقوى الله والقول السديد يورثان العلم والفرقان وإصلاح الأعمال ومغفرة الذنوب والفوز العظيم، قال الله سبحانه: [واتقوا الله ويعلمكم الله] (البقرة:282).
وقال: [إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم] (الأنفال:29).
وقال: [يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً] (الأحزاب:70_71).
والاستغفار من الذنوب يثمر إدرار السماء والإمداد بالأموال والبنين والجنات والأنهار.(1/44)
قال الله تعالى إخباراً عن نبيه نوح _عليه الصلاة السلام_:
[فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً] (نوح:10_12).
وصلة الرحم تثمر بسط الرزق وتأخير الأجل.
يقول الرسول": =من سره أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه+.
أخرجه أحمد(1) والبخاري(2) ومسلم(3) من حديث أنس بن مالك÷.
وأخرجه البخاري أيضاً من حديث أبي هريرة(4) وأخرجه أحمد من حديث ثوبان(5).
والدعاء يرد القضاء، والبر يزيد في العمر.
قال _عليه الصلاة والسلام_: =إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر+.
أخرجه أحمد(6) وابن أبي شيبة(7) وابن ماجة(8) وابن حبان(9) والطحاوي(10) والطبراني(11) والبغوي(12) والحاكم(13) والمزي(14) من طريق سفيان الثوري، عن عبدالله بن عيسى، عن عبدالله بن أبي الجعد الأشجعي، عن ثوبان÷ به.
قال الحاكم صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.
وقال البوصيري: =سألت شيخنا أبا الفضل العراقي× عن هذا الحديث فقال:
هذا حديث حسن+(15).
__________
(1) مسند أحمد (3/156، 266).
(2) صحيح البخاري (3/8) باب من أحب البسط في الرزق.
(3) صحيح مسلم (4/1982) رقم2557.
(4) صحيح البخاري (7/72) باب من بسط له في الرزق بصلة الرحم.
(5) مسند أحمد (5/279).
(6) مسند أحمد (5/277، 280، 282).
(7) مصنف ابن أبي شيبة (10/441).
(8) سنن ابن ماجة (1/35) رقم900، و (2/1334) رقم4022.
(9) صحيح ابن حبان (3/153) رقم872.
(10) شرح مشكل الآثار (8/79) رقم3069.
(11) الكبير للطبراني (2/100) رقم1442، والدعاء (2/799) رقم31.
(12) شرح السنة (13/6) رقم1418.
(13) المستدرك (1/493).
(14) تهذيب الكمال (14/366).
(15) مصباح الزجاجة (1/60) رقم34.(1/45)
قلت: في سنده عبدالله بن الجعد الأشجعي، ذكره ابن حبان في الثقات(1).
وقال الحافظ في التقريب: مقبول.
وله شاهد من حديث سلمان÷ بلفظ:
=لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر+.
أخرجه الترمذي(2) والطحاوي(3) والطبراني(4).
من طريق أبي مودود، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان، به.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، من حديث سلمان لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن الضُّريس.
وأبو مودود اثنان، أحدهما يقال له فضة وهو الذي روى هذا الحديث بصري.
والآخر مدني، وكانا في عصر واحد+اهـ.
وخالفه الطحاوي، فقال:
=وهو عبدالعزيز بن أبي سليمان مولى هزيل، وهو عند أهل الحديث ثقة، وهو من أهل البصرة، وهو خلاف أبي مودود المديني+اهـ.
وقال الألباني: حسن(5).
الحاصل أنه تبين من هذه الأدلة معنى الخيرية التي أثبتها الرسول" لمؤدى هذا الذكر على الوجه الشرعي، وهو إمداد الله وإعانته له بالعلم والبصيرة والتوفيق والنصر، وما في معنى ذلك على شؤون حياته، فلا يأخذه إعياء فيما يعانيه من شغل، وغيره، ولا ريب أنه خير وأفضل من خادم.
وهذا الخير من الحكمة التي يهدي الله إليها من يشاء من عباده منَّاً منه وتَفَضُّلاَ.
قال سبحانه: [يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وما يذكر إلا أولو الألباب] (البقرة:269).
الفائدة الثالثة عشرة: البشارة من الرسول" لأمته.
بأن من حافظ على هذا الذكر _كما ورد_ فإنه يدخل الجنة.
لكن يجب على الموفق ألا يدخله الغرور والإعجاب، فيحمله على ترك شيء من واجبات دينه أو مندوباته، أو يحمله على اقتراف شيء من المعاصي والآثام.
__________
(1) الثقات لابن حبان (5/170).
(2) سنن الترمذي (4/448) رقم2139.
(3) شرح مشكل الآثار (8/78) رقم3068.
(4) الكبير للطبراني (6/251) رقم6128، والدعاء (2/799) رقم30.
(5) صحيح سنن الترمذي للألباني (2/225) رقم2239.(1/46)
بل يكون خائفاً راجياً، على حد قوله تعالى:
[والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون. أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون] (المؤمنون:60_61).
وقد قال":
=لن يدخل أحداً عملُه الجنة. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة فسددوا وقاربوا...+ الحديث.
أخرجه أحمد(1) والبخاري(2) ومسلم(3) وابن حبان(4) وابن ماجة(5) من حديث أبي هريرة÷.
وأخرجه أحمد أيضاً(6) والبخاري(7) ومسلم(8) من حديث عائشة _رضي الله عنها_.
وأخرجه أحمد(9) ومسلم(10) وابن حبان(11) من حديث جابر بن عبدالله _رضي الله عنهما_.
الفائدة الرابعة عشرة:
من حافظ على هذا الذكر كما ورد كُفِّرَ عنه في كل يوم وليلة ألفان وخمسمائة سيئة!
برهان ذلك قوله" في الحديث:
=الصلوات الخمس يسبح أحدكم في دبر كل صلاة عشراً، ويحمد عشراً، ويكبر عشراً، فهي خمسون في اللسان وألف وخمسمائة في الميزان... وإذا أوى أحدكم إلى فراشه أو مضجعه سبح ثلاثاً وثلاثين، وحمد ثلاثاً وثلاثين، وكبر أربعاً وثلاثين، فهي مائة على اللسان وألف في الميزان... ثم قال:
=فأيكم يعمل في كل يوم وليلة ألفين وخمسمائة سيئة+؟!.
الفائدة الخامسة عشرة:
الإخبار من الصادق المصدوق" بأن الشيطان _أعاذنا الله منه_ قد ترصد للمسلم كل مرصد؛ ليحول بينه وبين فعل الخيرات طمعاً بتفويتها عليه، قال _عليه الصلاة والسلام_ في الحديث:
__________
(1) مسند أحمد (2/235، 256، 264، 319، 326، 344) وفي مواضع أخر.
(2) صحيح البخاري (7/10، 181).
(3) صحيح مسلم (4/2169) رقم2816.
(4) صحيح ابن حبان (2/60) رقم348.
(5) سنن ابن ماجة (2/1405) رقم4201.
(6) مسند أحمد (6/125).
(7) صحيح البخاري (7/182).
(8) صحيح مسلم (4/2171) رقم2818.
(9) مسند أحمد (3/337، 362، 394).
(10) صحيح مسلم (4/2171) رقم2817.
(11) صحيح ابن حبان (2/63) رقم350.(1/47)
=إن الشيطان يأتي أحدكم وهو في صلاته، فيقول: اذكر كذا، اذكر كذا، ويأتيه عند منامه فينيمه+.
وهذا يحتم على المسلم أن يحفظ نفسه من الشيطان، ويحترز منه بما ورد من الآيات والأدعية النبوية، فهو لا يألو جهداً في إضلال العبد وصده عن الخير.
قال الله تعالى حاكياً عنه: [فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم. ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين] (الأعراف: 16، 17).
الفائدة السادسة عشرة:
أن الله تعالى _بعلمه وحكمته_ أعطى الشيطان القدرة على أن يذكر الإنسان حاجاته، وعلى أن ينسيه إياها، وعلى أن ينومه.
قال تعالى عن يوسف _عليه الصلاة والسلام_:
[وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين] (يوسف:42)، وقال سبحانه:
[قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجباً] (الكهف:63).
وفي هذا الحديث: =قيل: يا رسول الله، وكيف لا نحصيهما؟ فقال: إن الشيطان يأتي أحدكم وهو في صلاته، فيقول: اذكر كذا، اذكر كذا، ويأتيه عند منامه فينيمه+.
وفي الحديث الآخر:
=إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان، وله ضراط، فإذا قضى أقبل، فإذا ثوب بها أدبر، فإذا قضى أقبل؛ حتى يخطر بين الإنسان وقلبه، فيقول: اذكر كذا، اذكر كذا _لما لم يكن يذكر_ حتى لا يدري أثلاثاً أم أربعاً...+الحديث.
أخرجه أحمد(1) والبخاري(2) ومسلم(3) من حديث أبي هريرة÷.
الفائدة السابعة عشرة:
في الأجناس التي ينحصر شر الشيطان فيها.
قال الإمام ابن القيم×:
=ولا يمكن حصر أجناس شره فضلاً عن آحادها؛ إذ كل شر في العالم فهو السبب فيه، ولكن ينحصر شره في ستة أجناس، لا يزال بابن آدم حتى ينال منه واحداً منها أو أكثر.
__________
(1) مسند أحمد (2/313، 460، 522).
(2) صحيح البخاري (1/151) و(2/67) و (4/94).
(3) صحيح مسلم (1/398) رقم389.(1/48)
الشر الأول: شر الكفر والشرك ومعاداة الله ورسوله، فإذا ظفر بذلك من ابن آدم برد أنينه واستراح من تعبه معه، وهو أول ما يريد من العبد، فلا يزال به حتى يناله منه؛ فإذا نال ذلك صيره من جنده وعسكره واستنابه على أمثاله، وأشكاله، فصار من دعاة إبليس ونوابه؛ فإن يئس منه من ذلك _وكان ممن سبق له الإسلام في بطن أمه_ نقله إلى المرتبة الثانية من الشر، وهي البدعة، وهي أحب إليه من الفسوق والمعاصي؛ لأن ضررها في نفس الدين، وهو ضرر متعدٍ، وهي ضرر لا يتاب منه، وهو مخالفة لدعوة الرسل، ودعاء إلى خلاف ما جاءوا به، وهي باب الكفر والشرك؛ فإذا نال منه البدعة، وجعله من أهلها بقي أيضاً نائبه وداعياً من دعاته.
فإن أعجزه من هذه المرتبة _وكان العبد ممن سبقت له من الله موهبة السنة ومعاداة أهل البدع والضلالة _نقله إلى المرتبة الثالثة من الشر وهي الكبائر على اختلاف أنواعها؛ فهو أشد حرصاً على أن يوقعه فيها.
ولا سيما إن كان عالماً متبوعاً فهو حريص على ذلك؛ لينفر الناس عنه، ثم يشيع من ذنوبه ومعاصيه في الناس، ويستنيب منهم من يشيعها ويذيعها تديناً وتقرباً _بزعمه إلى الله تعالى_ وهو نائب إبليس وهو لا يشعر فـ[إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة] (النور:19).
هذا إذا أحبوا إشاعتها، فكيف إذا تولوا هم إشاعتها وإذاعتها، لا نصيحة منهم، ولكن طاعة لإبليس ونيابة عنه!.
كل ذلك لينفر الناس عنه، وعن الانتفاع به، وذنوب هذا _ولو بلغت عنان السماء_ أهون عند الله من ذنوب هؤلاء؛ فإنها ظلم منه لنفسه، إذا استغفر الله وتاب إليه قبل الله توبته، وبدل سيئاته حسنات.
وأما ذنوب أولئك فظلم للمؤمنين وتتبع لعوراتهم، وقصد لفضيحتهم، والله سبحانه بالمرصاد ، لا تخفى عليه كمائن الصدور، ودسائس النفوس.(1/49)
فإن عجز الشيطان عن هذه المرتبة نقله إلى المرتبة الرابعة، وهي الصغائر التي إذا اجتمعت فربما أهلكت صاحبها كما قال النبي":
=إياكم ومحقرات الذنوب، فإن مثل ذلك مثل قوم نزلوا بفلاة من الأرض+، وذكر حديثاً معناه: أن كل واحد منهم جاء بعود حطب حتى أوقدوا ناراً عظيمة فطبخوا واشتووا.
ولا يزال يسهل عليه أمر الصغائر حتى يستهين بها، فيكون صاحب الكبيرة الخائف منها أحسن حالاً منه.
فإن أعجزه العبد من هذه المرتبة نقله إلى المرتبة الخامسة، وهي اشتغاله بالمباحات التي لا ثواب فيها ولا عقاب، بل عاقبتها فوت الثواب الذي ضاع عليه باشتغاله بها.
فإن أعجزه العبد من هذه المرتبة، وكان حافظاً لوقته شحيحاً به، يعلم مقدار أنفاسه وانقطاعها، وما يقابلها من النعيم والعذاب نقله إلى المرتبة السادسة وهي أن يشغله بالعمل المفضول عما هو أفضل منه؛ ليزيح عنه الفضيلة، ويفوته ثواب العمل الفاضل، فيأمره بفعل الخير المفضول، ويحضه عليه، ويحسنه له إذا تضمن ترك ما هو أفضل وأعلى منه.
وقلَّ من يتنبه لهذا من الناس؛ فإنه إذا رأى فيه داعياً قوياً ومحركاً إلى نوع من الطاعة لا يشك أنه طاعة وقربة؛ فإنه لا يكاد يقول: إن هذا الداعي من الشيطان؛ فإن الشيطان لا يأمر بخير، ويرى أن هذا خير، فيقول: هذا الداعي من الله، وهو معذور، ولم يصل علمه إلى أن الشيطان يأمر بسبعين باباً من أبواب الخير، إما أن يتوصل بها إلى باب واحد من الشر، وإما ليفوت بها خيراً أعظم من تلك السبعين باباً وأجل وأفضل.(1/50)
وهذا لا يتوصل إلى معرفته إلا بنور من الله يقذفه في قلب العبد يكون سببه تجريد متابعة الرسول" وشدة عنايته بمراتب الأعمال عند الله وأحبها إليه وأرضاها له وأنفعها للعبد وأعمها نصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولعباده المؤمنين _خاصتهم وعامته_ ولا يعرف هذا إلا من كان من ورثة الرسول" ونوابه في الأمة وخلفائه في الأرض، وأكثر الخلق محجوبون عن ذلك، فلا يخطر ذلك بقلوبهم، والله يمن بفضله على من يشاء من عباده.
فإذا أعجزه العبد من هذه المراتب الست وأعيي عليه سلط عليه حزبه من الأنس والجن بأنواع الأذى والتكفير والتضليل والتبديع والتحذير منه، وقصد إخماله وإطفائه؛ ليشوش عليه قلبه، ويشغل بحربه فكره، وليمنع الناس من الانتفاع به؛ فيبقى سعيه في تسليط المبطلين من شياطين الإنس والجن عليه ولا يفتر ولا يني؛ فحينئذ يلبس المؤمن لأْمَة الحرب أي درعها، ولا يضعها عنه إلى الموت، ومتى وضعها أُسر أو أصيب، فلا يزال في جهاد حتى يلقى الله.
فتأمل هذا الفصل، وتدبر موقعه، وعظيم منفعته، واجعله ميزانك تزن به الناس وتزن به الأعمال؛ فإنه يطلعك على حقائق الوجود ومراتب الخلق، والله المستعان، وعليه التكلان.
=ولو لم يكن في هذا التعليق إلا هذا الفصل لكان نافعاً لمن تدبره ووعاه+(1).
الفائدة الثامنة عشرة:
قاعدة نافعة فيما يعتصم به العبد من الشيطان، ويستدفع به شره ويحترز به منه.
قال ابن القيم: وذلك عشرة أسباب:
أحدها: الاستعاذة بالله من الشيطان، قال تعالى: [وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم] (فصلت:36).
الحرز الثاني: قراءة سورتي المعوِّذتين؛ فإن لهما تأثيراً عجيباً في الاستعاذة بالله من شره، ودفعه والتحصن منه، ولهذا قال النبي":
=ما تعوذ المتعوذون بمثلهما+.
وكان النبي" يتعوذ بهما كل ليلة عند النوم، وأمر عقبة أن يقرأ بهما دبر كل صلاة.
__________
(1) تفسير المعوذتين ص73_76، والتفسير القيم ص611_614.(1/51)
الحرز الثالث: قراءة آية الكرسي: [الله لا إله إلا هو الحي القيوم..] (البقرة:255).
الحرز الرابع: قراءة سورة البقرة ففي الصحيح أن رسول الله" قال:
=لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، وإن البيت الذي تُقرأ فيه البقرة لا يدخله الشيطان+.
الحرز الخامس: خاتمة سورة البقرة، فقد ثبت في الصحيح من حديث أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله":
=من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه+.
الحرز السادس: قراءة أول سورة =حم+ المؤمن إلى قوله :[إليه المصير] (3) مع آية الكرسي.
الحرز السابع: =لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير+ مائة مرة.
ففي الصحيحين من حديث سمي مولى أبي بكر، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، أن رسول الله" قال:
=من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر من ذلك+.
فهذا حرز عظيم النفع، جليل الفائدة، يسير سهل على من يسره الله عليه.
الحرز الثامن: وهو من أنفع الحروز من الشيطان: كثرة ذكر الله _عز وجل_، ففي الحديث:
=وآمركم أن تذكروا الله، فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعاً، حتى أتى على حصن حصين، فأحرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله.. الحديث.
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح.
الحرز التاسع: الوضوء والصلاة، وهذا من أعظم ما يتحرز به منه.. وهذا أمر تجربته تغني عن إقامة الدليل عليه.
الحرز العاشر: إمساك فضول النظر والكلام والطعام، ومخالطة الناس؛ فإن الشيطان إنما يتسلط على ابن آدم، وينال منه غرضه من هذه الأبواب الأربعة.(1/52)
فمن أيقظ بواب قلبه وحارسه من هذه المداخل الأربعة التي هي أصل بلاء العالم، وهي: فضول النظر، والكلام، والطعام، والمخالطة، واستعمل ما ذكرناه من الأسباب التسعة التي تحرزه من الشيطان، فقد أخذ بنصيبه من التوفيق، وسد على نفسه أبواب جهنم، وفتح عليها أبواب الرحمة، وانغمر ظاهره وباطنه، ويوشك أن يحمد عند الممات عاقبة هذا الدواء، فعند الممات يحمد القوم التقى، وفي الصباح يحمد القوم السرى.
والله الموفق لا رب غيره، ولا إله سواه+اهـ باختصار(1).
تَمَّ ما قصدناه من بحث هذا الحديث الشريف _ولله الحمد والمنة_ بيد كاتبه، الفقير إلى عفو الله، ورحمته، ومغفرته، العبد الضعيف/ فريح بن صالح البهلال.
وكان الفراغ من تبييضه في يوم 28/1/1416هـ.
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ينفعني به، ووالدي، والمسلمين يوم لا ينفع مال ولا بنون؛ إنه جواد كريم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
=سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين+.
فصل في
عد التسبيح بالمسبحة
الحمد لله.
حكم عَدِّ التسبيح بالمسبحة يظهر لك فيما يأتي:
اعلم أنه ورد عن كثير من الصحابة أنه يَعُدَّ التسبيح بالحصى والنوى، وأن النبي"رأى منهم من فعل ذلك وأقرهم عليه.
ولم يصح _فيما أعلم_ أنه أنكر عليهم أو نهى عنه، وتجلية ذلك فيما يلي:
عقد التسبيح باليد اليمين هو الأفضل إلا أن أهل العلم أجازوا عقده بغيرها، كالحصى والنوى، ونحو ذلك؛ فقد جاء عن الصحابة _رضي الله عنهم_ أنهم فعلوا ذلك، منهم أبو هريرة، وأبو الدرداء، وأبو سعيد، وسعد بن أبي وقاص، وصفية أم المؤمنين، ويسيرة، وجويرة، وغيرهم.
فقد بوب الإمام أبو داود في سننه لحديث سعد بن أبي وقاص، ويسيرة بنت ياسر، وعبد الله بن عمرو وابن عباس بقوله: =باب التسبيح بالحصى+.
__________
(1) انظر تفسير المعوذتين لابن القيم ص82، وكذا التفسير القيم له ص620.(1/53)
وترجم لذلك المجد ابن تيمية في المنتقى بقوله: =باب جواز عقد التسبيح باليد وعَدِّه بالنوى، ونحوه+.
وقال الحاكم أبو عبد الله في المستدرك: =باب التسبيح بالحصى+ (1/547).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية_قدس الله روحه_:
وعَدُّ التسبيح بالأصابع سنة، كما قال النبي"للنساء =سبحن، واعقدن بالأصابع؛ فإنهن مسئولات مستنطقات+.
وأما عَدُّهُ بالنوى والحصى ونحو ذلك فحسن، وكان من الصحابة_رضي الله عنهم_من يفعل ذلك.
وقد رأى النبي"أم المؤمنين تسبح بالحصى وأقرها على ذلك، وروي أن أبا هريرة كان يسبح به.
وأما التسبيح بما يجعل في نظام من الخرز ونحوه، فمن الناس من كرهه، ومنهم من لم يكرهه، وإذا أحسنت فيه النية فهو حسن غير مكروه. وأما اتخاذه من غير حاجة، أو إظهاره للناس، مثل تعليقه في العنق أو جعله كالسوار في اليد أو نحو ذلك، فهذا إما رياء للناس أو مظنة المراءاة ومشابهة المرائين من غير حاجة، الأول محرم، والثاني أقل أحواله الكراهة/مجموع الفتاوي (22/506).
وللسيوطي جزء تتبع فيه ما ورد في السبحة من الأحاديث والآثار، وسماه: (المنحة في السبحة)، أجاز فيه التسبيح بها، وفيه يقول: الذكر بالسبحة، بل كان أكثرهم يعدونه بها، ولا يرون ذلك مكروها.
انظر الحاوي للفتاوي (2/2).
وقال المناوي في فيض القدير (4/355) في شرح حديث يسيرة_رضي الله عنها_:
وهذا أصل في ندب السبحة المعروفة، وكان ذلك معروفاً بين الصحابة. . . إلى أن قال:
=ولم ينقل عن أحد من السلف ولا الخلف كراهتها، نعم محل ندب اتخاذها فيمن يعدها للذكر،بالجمعية والحضور ومشاركة القلب للسان في الذكر، والمبالغة في إخفاء ذلك.
أما ما ألفه الغفلة البطلة من إمساك سبحة_يغلب على حباتها الزينة، وغلو الثمن، ويمسكها من غير حضور في ذلك، ولا فكر، ويتحدث ويسمع الأخبار، ويحكيها، وهو يحرك حباتها بيده، مع اشتغال قلبه، ولسانه بالأمور الدنيوية فهو مذموم مكروه من أقبح القبائح+ اهـ(1/54)
وقال محمود حطاب السبكي في شرح حديث سعد بن أبي وقاص عند أبي داود في السنن في كتابه: =المنهل العذب المورود+ (8/164):
=وفيه دلالة على جواز عد التسبيح بالنوى أو الحصى؛ فإنه"لم ينه المرأة عن ذلك، بل أرشدها إلى ما هو أيسر لها، وأفضل، ولو كان غير جائز لبين لها ذلك.
ومثل النوى_فيما ذكر_السبحة إذ لا تزيد السبحة على ما في هذا الحديث إلا بنظم نحو النوى في خيط.
ومثل هذا لا يعد فارقاً. . . ثم نقل عن علي العدوي أنه سئل عن السبحة ؟ فأجاب بالجواز، وقال العدوي في جوابه:
=والحاصل: أنه إذا تعاطى السبحة على الوجه المعتاد، يتباعد عن الأمور المقتضية للشهرة، والعجب والرياء؛ لأن ذلك محبط للعمل+. اهـ
وقال ابن عابدين في حاشيته (1/650) في حكايته مذهب أبي حنيفة في هذه المسألة:
=فرع: لا بأس باتخاذ السبحة لغير رياء، كما بسط في البحر+اهـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية (11/283, 284):
=أجاز الفقهاء التسبيح باليد والحصى، والمسابح خارج الصلاة، كَعَدِّهِ بقلبه أو بغمزه أناملَهُ+ اهـ
قلت: الأصل في هذا ما جاء عن الصحابة من عد التسبيح بالحصى والنوى ومن ذلك قول أم المؤمنين صفية_رضي الله عنها_:
=دخل علي رسول الله"، وبين يدي أربعة آلاف نواة أسبح بها، فقلت: لقد سبحت بهذه ؟ فقال:
=قولي سبحان الله عدد خلقه+
أخرجه الترمذي (5/555) رقم 3554، والطبراني في الكبير (24/75) رقم195)، وفي الدعاء (3/1585) رقم 1739، وأبو يعلى في مسنده (13/35) رقم 7118، وابن عدي في الكامل (7/2574) والحاكم في المستدرك (1/547)، والحافظ ابن حجر في نتائج الأفكار (1/79)
من طريق هاشم بن سعيد الكوفي، حدثني كنانة مولى صفية، قال: سمعت صفية تقول: . . . . الحديث.
قال الحاكم: هذا صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. وقال السيوطي: صحيح كما في الحاوي (2/2).
وقال الحافظ: هذا حديث حسن.
وجاء مثل ذلك بإسناد حسن عن أبي الدرداء÷.(1/55)
وكذلك جاء عن أبي سعيد وعن رجل من أصحاب النبي" وعن أبي هريرة÷، وغيرهم.
وأما ما جاء عن ابن مسعود÷ من النهي عن التسبيح بالحصى فقد ورد من سبع طرق، ولا يخلو طريق منها من علة قادحة، إلا أن مجموعها يدل على أن له أصلاً+(1).
وعلى فرض صحتها فإنها لا تدل على النهي عن عد التسبيح بالحصى ونحوه لوجوه:
الأول: أنه علل الإنكار بإحصاء الحسنات كما جاء في حديث ابن إسماعيل: =على الله تحصون+، وحديث أبي موسى: =فعدوا سيئاتكم، فأنا ضامن ألا يضيع من حسناتكم شيء+، وقوله: =أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم، وضمنت لهم ألا يضيع من حسناتهم+.
الثاني: أن الإنكار في بعض الروايات بدون ذكر العد بالحصى، كما جاء قي طريق عطاء بن السائب، وهو من أحسن الطرق.
الثالث: أن مذهب ابن مسعود÷في عد التسبيح الكراهة مطلقاً، قال ابن أبي شيبة في المصنف (2/391) في باب من كره عقد التسبيح: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: كان عبد الله يكره العدد+.
إسناده صحيح رجاله ثقات.
ولا يضره إرسال إبراهيم_وهو النخعي_؛ لأنه جاء عن الأعمش ما يدل على صحتها.
فقد روى الحافظ المِزِّي بسنده عن الأعمش أنه قال:
=قلت لإبراهيم: =أسند لي عن عبد الله بن مسعود ؟ فقال إبراهيم:
=إذا حدثتكم عن رجل، عن عبد الله، فهو الذي سمعت، وإذا قلت:
قال عبد الله فهو عن غير واحد، عن عبد الله/تهذيب الكمال (2/239).
الرابع: أنه قد نص أهل العلم على أن المنكر في الأذكار هو الاجتماع لها مع الجهر مستدلين بأثر ابن مسعود هذا قال أبو إسحاق الشاطبي_رحمه الله تعالى_ في الاعتصام (1 / 506): =اعلموا أنه حيث قلنا: إن العمل الزائد على المشروع يصير وصفاً لها، أو كالوصف، فإنما يعتبر بأحد أمور ثلاثة: إما بالقصد، وإما بالعادة وإما بالشرع.
__________
(1) انظر رسالة =حديث التسبيح...+ص71_74.(1/56)
أما بالقصد فظاهر، بل هو أصل التشريع في المشروعات بالزيادة أو النقصان، وأما بالعادة، فكالجهر والاجتماع في الذكر المشهور بين متصوفة الزمان؛ فإن بينه وبين الذكر المشروع بوناً بعيداً؛ إذ هما كالمتضادين عادة، وكالذي حكى ابن وضاح، عن الأعمش، عن بعض أصحابه، قال: =مَرََّ عبد الله برجل يقص في المسجد على أصحابه، وهو يقول: سبحوا عشراً، وهللوا عشراً+ فقال عبد الله: =إنكم لأهدى من أصحاب محمد"أو أضل، بل هذه_يعني (أضل).
وفي رواية عنه أن رجلاً كان يجمع الناس، فيقول: =رحم الله من قال: كذا وكذا مرة: سبحان الله. قال: فيقول القوم. ويقول: =رحم الله من قال: كذا وكذا مرة: الحمد لله. قال: فيقول القوم.
قال: فمَرَّ بهم عبد الله بن مسعود÷فقال لهم:
=هُديتم لما لم يهد نبيكم! وإنكم لتمسكون بذنب ضلالة+اهـ(1).
الحاصل:
أن السلف الصالح جاء عنهم استعمال العد بالحصى والنوى، ولم يصح النهي عنه إذا تقرر هذا، فإن عد التسبيح بالمسابح مثل عده بالحصى والنوى؛ لعدم الفرق بينهما.
والعلم عند الله تعالى.
3/ 4 / 1424 هـ
فهرس الموضوعات
الموضوع ... الصفحة
المقدمة ... 3
حديث التسبيح ... 3
طريق حماد بن زيد ... 6
طريق شعبة بن الحجاج ... 6
طريق جرير بن عبدالحميد ... 6
طريق سليمان الأعمش ... 7
طريق سفيان بن عيينة ... 7
طريق سفيان الثوري ... 7
طريق حماد بن سلمة ... 8
طريق إسماعيل بن علية ... 8
طريق إسماعيل بن أبي خالد ... 8
طريق معمر بن راشد ... 8
طريق محمد بن فضيل ... 9
طريق مسعر بن كدام ... 9
طريق أبي يحيى التيمي وابن الأجلح ... 9
طريق إبراهيم بن طهمان، وزائدة، وأبي الأحوص،وأبي إسحاق الخميسي، وعاصم بن علي السدوسي، وورقاء بن عمر اليشكري ... 9
طريق أبان بن صالح ... 9
طريق أبي بكر النهشلي ... 10
طريق شجاع بن الوليد ... 10
طريق موسى بن أعين ... 10
طريق العوام بن حوشب ... 10
تصحيح أهل العلم للحديث ... 10
غريب الحديث ... 14
ذكر شواهد الحديث ... 15
حديث سعد بن أبي وقاص÷ ... 15
__________
(1) انظر الاعتصام لأبي إسحاق الشاطبي(1/506).(1/57)
حديث أبي هريرة÷ ... 16
حديث علي بن أبي طالب÷ ... 16
غريب حديث علي÷ ... 21
فوائد الحديث ... 24
الفائدة الأولى في أعداد التسبيح بعد الفريضة ... 24
الجمع بين الختم بالتكبير والختم بالتهليل ... 27
الفائدة الثانية: الجمع بين أنواع أعداد التسبيح ... 30
الفائدة الثالثة: هذا التسبيح خاص بالفرائض ... 31
الفائدة الرابعة: هل يضر الفصل بين الفريضة والتسبيح؟ ... 32
الفائدة الخامسة: هل يعتبر ترتيب كلمات التسبيح أم لا؟ ... 33
الفائدة السادسة: كيفية التسبيح ... 34
الفائدة السابعة: عدد التسبيح عند المنام ... 37
الفائدة الثامنة: الزيادة على العدد المحدد ... 39
الفائدة التاسعة: السنة أن يعقد التسبيح بيده ... 40
الراجح أن المراد باليد في الحديث اليمين ... 42
كلام أهل العلم في زيادة الثقة ... 43
الفائدة العاشرة: جواز عد التسبيح بالحصى والنوى ونحوه ... 49
أدلة جواز عد التسبيح بالحصى والنوى والسبحة ... 49، 53
الآثار عن الصحابة في جواز ذلك ... 60
الفائدة الحادية عشرة: الجواب عما نقل عن ابن مسعود÷ من النهي والإنكار على عد التسبيح بالحصى ... 63
الفائدة الثانية عشرة: هذا التسبيح خير من خادم ... 74
حديث =من عادى لي ولياً... الخ ... 77
الفائدة الثالثة عشرة: البشارة بأن من حافظ على هذا التسبيح فإنه يدخل الجنة ... 85
الفائدة الرابعة عشرة: المحافظة على هذا التسبيح يكفر كل يوم وليلة ألفين وخمسمائة سيئة ... 86
الفائدة الخامسة عشرة: بيان أن الشيطان له تمكن من الحيلولة بين المسلم وعمل الخير ... 87
الفائدة السادسة عشرة: أعطى الله الشيطان القدرة على أن يذكر الإنسان وأن ينسيه ... 87
الفائدة السابعة عشرة: الأجناس التي ينحصر شر الشيطان فيها ... 88
الفائدة الثامنة عشرة: الحروز العشرة النافعة من الشيطان ... 92
فصل عد التسبيح بالمسبحة ... 94
الفهرس ... 99(1/58)