جزء
فيه تخريج حديث : ( صوم يوم عرفة )
لأبي عبد الرحمن فوزي بن عبد الله بن محمد الحميدي الأثري
دراسة أثرية علمية منهجية في حديث: صوم يوم عرفة
وبيان كلام العلماء في إسناده وهم.
حال الحزبيين مع طلبة العلم
وَلَنْ يَرْضَوْا بِقَوْلِكَ إذْ أَبَيْتَ
طَرِيقَتَهُمْ وَلَوْكُنْتَ المُحِقَّا !!!
دِيبَاجَةٌ نَادِرَةٌ
عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ رَحِمَهُ اللهُ قَالَ: ذَكَرْنَا لِطَاووسَ صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ وَأَنّهُ كَانَ يُقَالُ: ( كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ ) فَقَالَ طَاوُوسٌ رَحِمَهُ اللهُ:(فَأَيْنَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَنْ ذَلِكَ؟! يَعْنِي أنّهُما كَانَا لاَ يَصُومَانَهُ).
أثر صحيح
وأخرجه الطَّبَرِيّ في تهذيب الآثار(ج1ص364 - مسند عمر) والفَاكِهيّ في أخبار مكة (ج5ص33) من طريق محمد بن شَرِيك أبي عُثمان المَكْيّ عن سُليمان الأَحْوَلِ به.
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
وأخرجه الفَاكِهيّ في أخبار مكة (ج5ص33) بهذا الاسناد بنحوه.
قلت: فهذا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيق رضي الله عنه، وَعُمَرُ بن الخَطّاب رضي الله عنه كانا لا يصومان يوم عرفة، وذلك لأنه ليس من السنة صيامه، وهما المرآن يقتدى بهما، وَحَسْبُكَ بهما شيخا.
دِرَّةٌ نَادِرَةٌ
قال الحافظ ابْنُ رَجَبٍ رحمه الله في شرح العلل (ج2ص662):(اعلم أن معرفة صحة الحديث وسقيمه يحصل من وجهين :
أحدهما: معرفة رجاله، وثقتهم وضعفهم، ومعرفة هذا هين لأن الثقات والضعفاء قد دونوا في كثير من التصانيف، وقد اشتهرت بشرح أحوالهم التآليف.
الوجه الثاني: معرفة مراتب الثقات، وترجيح بعضهم على بعض عند الاختلاف، إما في الإسناد، وإما في الوصل والإرسال، وإما في الوقف والرفع ونحو ذلك.
وهذا هو الذي يحصل من معرفته واتقانه، وكثرة ممارسته الوقوف على دقائق علل الحديث ).اهـ(1/1)
وقال الحافظ ابْنُ رَجَبٍ رحمه الله أيضا في المرجع السابق (ج2ص662): (ولا بد في هذا العلم من طول الممارسة، وكثرة المذاكرة، فإذا عدم المذاكرة به، فليكثر طلبة المطالعة في كلام الأئمة العارفين به كيحيى بن سعيد القَطَّان، ومن تلقى عنه كأحمد بن حَنْبَلٍ وابْنِ مَعِينٍِ وغيرهما.
فمن رزق مطالعة ذلك وفهمه وفقهت نفسه فيه، وصارت له فيه قوة نفس وملكة، صلح له أن يتكلم فيه ).اهـ
- - -
فتوى
العلامة الفقيه الشيخ محمد بن صالح العثيمين
رحمه الله
في تحريم معاداة طلبة العلم في مسائل فقهية
سئل العلامة الفقيه الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: هب أن رجلا خالف كثيراً من أهل العلم في مسألة خلافية هل يبغض هذا الشخص في الله وهل تشن عليه الهجمات ؟
فأجاب فضيلته : ( لا، أبداً. لو خالف الإنسان جمهور العلماء في مسألة قام الدليل على الصواب بقوله فيها، فإنه لا يجوز أن نعنف عليه، ولا يجوز أن تحمى النفوس الناس دونه أبداً، بل يناقش هذا الرجل ويتصل به.كم من مسألة غريبة على أفهام الناس، يظنون أن الإجماع فيها محقق، فإذا بحث الموضوع وجد أن لقول هذا الرجل من الأدلة ما يحمل النفوس العادلة على القول بما قال به واتباعه.
صحيح أن الظاهر أن يكون الصواب مع الجمهور هذا الغالب، لكن لا يعني ذلك أن الصواب قطعاً مع الجمهور.قد يكون الدليل المخالف للجمهور حقاً، وما دامت المسألة ليس فيها إجماعاً فإنه لا ينكر على هذا الرجل، ولا توغر الصدور عليه، ولا يغتاب، بل يتصل به ويبحث معه، ويناقش مناقشة يراد بها الحق. والله سبحانه وتعالى يقول:+ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ " القمر(17)، كل من أراد الحق، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في العقيدة الواسيطة:(من تدبر القرآن للهدى منه تبين له طريق الحق).اهـ
[انظر كتاب إلى متى الخلاف (ص40)]
- - -
بسم الله الرحمن الرحيم(1/2)
رَبِّ يَسِّرْ وأعِنْ فإنّكَ نِعْمَ المُعِين
المقدمة
إنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ ونَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ ونَعُوذُ باللهِ مِن شُرُورِ أنفُسِنَا وسَيِئَاتِ أعْمَالِنَا مَن يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ ومَن يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وأشْهَدُ أن لاَّ إلَهَ إلاَّ اللهَ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
¼ †WنQSTےKV†H;TTWTے WفےY،PVض@ ... N ... éSقWع ... ƒٍ N ... éSTحPVTژ@ ... JًW/@ ... VPجWڑ -YمYژ†WحSTژ ‚WپWè JًفSTژéSظWTژ ‚PVپMX ... طSچكKV ... Wè WـéSظYصَ©QSع ". [ آل عمران:102].
¼ †WنQSTےKV†H;TTWے ٌ†PVقض@ ... N ... éSTحPVTژ@ ... SطRرPVٹًO ÷Y،PVض@ ... yRرWحVصW فYQع w¨pTةTPVك xلًںYڑ.Wè WجVصWWè †Wن`قYع †WنW-`èW¦ JًگWTٹWè †WظSن`قYع ‚^پ†W-XO ... _OkY'Vز _ٍ:&†ً©YTكWè N ... éSحPVTژ@ ... Wè JًW/@ ... ÷Y،PVض@ ... WـéSTضƒٍ:†W©WTژ -YمYٹ &W׆Wڑ`OVK‚ô@ ... Wè QWـMX ... JًW/@ ... Wـ†Vز `طRر`~VصWئ †_T‰~YخWO " [النساء:1]
¼ †WنQSTےKV†H;TTWTے WفےY،PVض@ ... N ... éSقWع ... ƒٍ N ... éSحPVTژ@ ... JًW/@ ... N ... éRضéSTخWè ¾‚پَéTWTخ ... _ںےYںWھ (70) َکYصp±STے َطRرVض `yRرVصHTWظ`ئVK ... َ£YةpTTçإWTےWè `طRرVض %َطRرWTٹéSTكS¢ فWعWè XؤTY¹STے JًW/@ ... ISمVضéSھWOWè `ںWحWTت W¦†WTت ... Z¦َéTWTت †[ظ~Yہ¹Wئ (71) " [الأحزاب: 70ـ71] .
أمَّا بَعْد ،،
فَإنَّ أصْدَقَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ وَخَيْرُ الهَدْي هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وَشَرَّ الأمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٍ ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٍ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّار .
هذا جزء حديثي في بيان حال حديث ( صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ ) جمعت فيه تخريجه، مع الكلام على إسناده جرحاً وتعديلاً، وبيان علته والحكم عليه، وذلك لما كان كثير من الناس اليوم لا يعرفون صحيح الحديث من ضعيفه.(1/3)
لأن علم العلل هو أدق علوم الحديث، وأغمض أنواع الحديث، ولا يقوم به إلا من فهمه الله تعالى هذا العلم الثاقب.
قال الحافظ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله في النكت (ج2ص711): ( وهذا الفنُّ أغمضُ أنواعِ الحديث، وأدقُّها مسلكاً، ولا يقوم به إلاّ من منحه الله تعالى فهماً غائِصاً، وإطِّلاعاً حاوياً، وإدراكاً لمراتِبِ الرواة، ومعرفةً ثاقبة، ولهذا لم يتكلّم فيه إلاّ أفرادٌ من أئمة هذا الشأْنِ وحُذّاقِهم، وإليهم المَرْجِعُ في ذلك لِماَ جعلَ الله فيهم من معرفة ذلك، والاطِّلاعِ على غوامضهِ دونَ غيرهم ممّن لم يمارس ذلك ).اهـ
وهذا الكتاب الذي نقدَّمُهُ اليومَ لأهل الحديث يبين علة حديث صوم يوم عرفة التي بينها علماء الحديث كـ( الحافظ البُخَارِيّ) رحمه الله وغيره.
وكذلك يبين جهود علمائنا رحمهم الله تعالى في حفظ السُّنة النبوية.
ومما لا ريب فيه أن كلَّ جُهدٍ لأي عالم فهو عُرْضَةٌ للأخذ والرّدَّ، ولذا فإن الحافظ مسلماً رحمه الله أورد في كتابه الصحيح عدداً من الأحاديث أصاب في صحة بعضها، وأخطأ في البعض الأخر، فله أجر على اجتهاده في تبيين السنة النبوية.
وقد تعقبه الحفاظ كـ ( الحافظ ابْنِ عَمَّار ) رحمه الله المتوفى سنة (323هـ) في كتاب مستقل.
وقد أثنى على كتابه هذا الحافظ الذَّهَبّي رحمه الله.
فقال في السير (ج14ص540): ( ورأيت له جزءاً مفيداً فيه بضعةٌ وثلاثون حديثاً من الأحاديث التي بين عِلَلها في صَحِيحِ مُسْلِمٍ).اهـ
وقد أعلَّ العلماء غير ما حديث من ( صَحِيحِ مَسْلِمٍ) رحمه الله بالإنقطاع وغيره، ولم يقل أحد من العلماء بأن هذا فيه طعن في صحيح الحافظ مسلم رحمه الله، كما قال المعترضون ( ) ومن هنا يظهر للمسلم الحق مدى الفرق الشاسع وبين أهل العلم، وبين أهل الجهل لأنهم أبعد ما يكونوا عن تفقه هذا العلم الثاقب وعن معرفة أصوله.اللهم غفراً. ) الحزبيون دعاة الشهرة المظهرية، ودعاة الفتنة بين المسلمين.(1/4)
وليتهم إذ طلبوا الشهرة سلكوا سبيلها، وعملوا بحقها، ولكن ماذا يكون ظنك بمن لا يرى سبيلاً إلى الشهرة إلا الطعن في أهل العلم!.
ولذلك على المسلم الحق أن يطلب العلم، ويسلك سبيله، ويعمل بحقه لكي يضبط أصول الكتاب الكريم والسنة النبوية.
فيعمل جادّاً في البحث( ) ولا ينظر إلى شهرة الأحاديث والأحكام كـ ( صوم يوم عرفة ) بين المسلمين بدون نظر في هذه الأحاديث هل هي صحيحة أو غير صحيحة، وإن صدرت من العلماء رحمهم الله تعالى، لأن هم بشر، ومن طبيعة البشر يخطئون ويصيبون، فافهم هذا ترشد.
قال العلامة الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار (ج1ص15): ( ما وقع التصريح ـ يعني عن الحديث ـ بصحته أو حُسنه جاز العمل به، وما وقع التصريح بضعفه لم يُجز العمل به، وما أطلقوه ولم يتكلموا عليه، ولا تكلم عليه غيرهم لم يُجز العمل به إلابَعْد البحث عن حاله إن كان الباحث أهلاً لذلك ).اهـ ) عما يستنبط منهما من معاني وأحكام فقهية لكي يتعبد الله تعالى بما شرعه في دينه، وفيما ثبت وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
لأن لا يجوز لأحد كائنا من كان أن يتعبد الله إلا بما شرعه في دينه.
ولذلك يحرم على المسلم أن يتعبد الله بالأحاديث الضعيفة.
قال شيخ الإسلام ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله في قاعدة جليلة (ص162): ( لا يجوز أن يعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة ولا حسنة ).اهـ
وقال العلامة الشَّوْكَانِيّ رحمه الله في إرشاد الفحول (ص48): (الضعيف الذي يبلغ ضعفه إلى حد لا يحصل معه الظن لا يثبت به الحكم، ولا يجوز الاحتجاج به في إثبات شرع عام، وإنما يثبت الحكم بالصحيح والحسن لذاته أو لغيره، لحصول الظن بصدق ذلك وثبوته عن الشارع).اهـ(1/5)
والتّعبد لله بغير ما شرعه من أخطر الأمور على العبد لما يجعله يحاد الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. ( )وهؤلاء المقلدة المتعصبة أكثرهم مقلدون لا يعرفون من الحديث إلا على أقله، ولا يكادون يميزون بين صحيحه من سقيمه، ولا يعرفون جيده من رديئه، ولا يعبئون بما يبلغهم منه أن يحتجوا به، والله المستعان.
وعلى هذا عادة أهل التقليد في كل زمان ومكان، ليس لهم إلا أراء الرجال أصابوا أم أخطئوا، إلا أن عذر العالم ليس عذرا لغيره إن تبيّن أو بُيّن له الحق، وقد وردت أقوال العلماء تؤكد هذا الشيء، وتبين موقفهم من تقليدهم ، وأنهم تبرءوا من ذلك جملة، وهذا من كمال علمهم وتقواهم حيث أشاروا بذلك إلى أنهم لم يحيطوا بالسنة كلها.
انظر هداية السلطان للمعصومي(ص19) وكتابي (الجوهر الفريد في نهي الأئمة الأربعة عن التقليد).والله ولي التوفيق. )
لأن التشريع من الله تعالى لهذه الأمة الإسلامية ينزل على الرسول صلى الله عليه وسلم عن طريق الوحيين ( الكتاب والسنة ) { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى } ( ) سورة النجم آيتا(3و4).)، ولم يقبض الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه إلا بعد أن أكمل له ولأمته هذا الدين فأنزل عليه قبل وفاته بأشهر في حجة الوداع
قوله تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ } $YYƒدٹ. ( ) سورة المائدة آية (3 ).).
فكان كمال الدِّين من نِعَمِ الله تعالى العظيمة على هذه الأمة الإسلامية.(1/6)
ولذا كانت اليهود تغبط المسلمين على هذه الآية لما أخرجه البُخَارِيّ في صحيحه (ج1ص105) ومُسْلِمٌ في صحيحه (ج4ص2362): ( أَنَّ رَجُلاً مِنَ الْيَهُودِ جَاءَ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فقَالَ آيَةٌ فِى كِتَابِكُمْ تَقْرَؤُونَهَا لَوْ نَرَلَتْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ لاَتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا.قَالَ أَىُّ آيَةٍ قَالَ: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ } $YYƒدٹ.
فإذا تقررَّ ذلك فإنه لا يجوز لمسلم أن يزيد في دين الله تعالى ما ليس منه، ولا أن يعبد الله تعالى إلا بما شرع الله تعالى ورسوله ×، بل يجب على المسلمين جميعاً أن يخضعوا لأمر الله تعالى ورسوله ×، وأن لا يتبعوا في الدِّين ما لم يأذن به الله تعالى ولم يشرعه رسوله × مهما رأوه حسناً لأن الدَّين قد كَمُلَ.
هذا وأسأل الله تعالى أن ينفع بهذا الكتاب جميع الأمة الإسلامية، وأن يتقبل مني هذا الجهد، وأن يجعله في ميزان حسناتي يوم لا ينفع مال ولا بنون، وأن يتولانا بعونه ورعايته، إنه نعم المولى، ونعم النصير، وصلى الله على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أبوعبد الرحمن
فوزي بن عبد الله بن محمد الحميدي
ههه
عَوْنَكَ يارَبِّ يَسِّرْ
ذكر الدليل على ضعف حديث : صوم يوم عرفة
ويوم عرفة يوم أكل وشرب لأنه يعتبر عيداً من
الأعياد لأهل الإسلام، ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صامه ولا صامه صحابته رضي الله عنهم اقتداء به - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يتحر صلى الله عليه وسلم في السَّنَةِ إلا صوم يوم عاشوراء مع العلم بأن كفارة صوم يوم عرفة أعظم من كفارة صوم يوم عاشوراء !(1/7)
عَنْ أَبِي قَتَاَدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَاَلَ : سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيَه وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ؟ قَالَ: ( يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ والبَاقِيَةَ ) وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ( ) والأحاديث التي وردت في صوم يوم عاشوراء ثابتة، وأما الأجر الذي ذكر (يكفر السنة الماضية) لم يثبت لضعف الحديث فتنبه.)، فَقَالَ: (يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ ).
حديث معلول ضعيف(1/8)
أخرجه مُسْلِمٌ في صحيحه (1162) وَأَبُودَاودَ في سننه (2425) والتَّرْمِذِيّ في سننه (749) والنَّسَائِي في السنن الكبرى (2381) وابنُ مَاجَة في سننه (1730) وأحمد في المسند (22144) والجَزَرِيّ في جزء حديثه (ق/3/ط) والطُّوسِيّ في مختصر الأحكام (ج3ص405) وابْنُ خُزَيْمَةَ في صحيحه (2087) والطَّحَاوِيّ في شرح معاني الآثار (ج2ص77) وفي مشكل الآثار (2967) وابنُ حِبَّانَ في صحيحه (3632) والبَيْهَقِيّ في السنن الكبرى (ج4ص286) وفي السنن الصغرى (ج2ص17) وفي فضائل الأوقات (359) وفي دلائل النبوة (ج1ص72) وفي شعب الإيمان (3761) والبَغَوِيّ في شرح السنة (1790) وابنُ عبد البّر في التمهيد (ج7ص211) وابنُ أَبِي شَيْبَةَ في المصنَّف (ج3ص78) وأَبُو عَوَانَةَ في صحيحه (2545) وأَبُو يَعْلَى في طبقات الحنابلة (ج1ص326) وفي الأمالي الستة (ص58و85)وابَنُ حَزْمٍ في المُحَلَى (ج7ص17) والمُنْذِرِيّ في فضائل صوم يوم عاشوراء (ص35) والطُّيُوريّ في الطُّيُوريّات (ص191) وأَبُو نُعَيْم في المستخرج على صحيح مسلم (ج3ص202) والشَّجَرِيّ في الأمالي(ج1ص259) وابْنَ الجَوْزِيّ في الحدائق (ج2ص275) وضِيَاءُ الدِّين المَقْدِسِيّ في فضائل الأعمال(ص258) وابْنُ عَسَاكِرٍ في فضل يوم عرفة (ص148) وفي تاريخ دمشق (ج3ص66) وابْنُ أَبِي الدُّنيا في فضل عشر ذي الحِجَّةِ (ج5ص76- الكنز ) ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (ج3ص251) من طرق عن غَيْلاَنَ بن جَرِيرٍٍ عن عبد الله بن مَعْبَد الزِّمَّانيّ عن أَبِي قَتَادَةَ به.
وتابعه قَتَادَةُ عن عبد الله بن مَعْبَد الزِّمَّانيّ عن أَبِي قَتَادَةَ به.
أخرجه أحمد في المسند (22140) وعبد الرزاق في المصنَّف (7826) والبَيْهَقِيّ في السنن الكبرى (ج4ص286) والخطيب في المتفق (ج3ص1442).(1/9)
قلت: وَذِكْرُ قَتَادَةَ هنا وهم، وقد وهم الحافظ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله كذلك في أطراف المسند (ج7ص60) في قوله: ( يحيى بن سعيد ثنا شُعْبَةَ عن قَتَادَةَ عن غَيْلان بن جَرِير ).
والصواب بحذف قَتَادَةَ كما في المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم لأَبِي نُعَيْمٍ (ج3ص202) وتحفة الأشراف للمِزِّيّ (ج9ص259).
وكذا رواه رُوحٌ وغُنْدَر وشَبَابَةُ وابْنُ إدريس والنَّضْرُ ومُعَاذ كُلُّهُمْ عن شُعْبَةَ عن غَيْلاَن به.
بدون ذكر قَتَادَةَ كما في المسند المستخرج على صحيح الإمام مُسْلِمٍ لأَبِي نُعَيْمٍ (ج3ص203).
قلت:وإسناد الحديث رجاله ثقات ( ) ولا يلزم من ذلك صحة الإسناد كما هو معلوم في مصطلح علم الحديث.
انظر صحيح الترغيب والترهيب للشيخ الألباني(ص29).) إلا أن عبد الله بن مَعْبَد الزِّمَّانيِّ لم يصح له سماع من أَبِي قَتَادَةَ، فهو إسنادٌ منقطعٌ ضعيفٌ.( ) انظر التهذيب لابن حجر (ج6ص36) والتاريخ الأوسط للبخاري (ج1ص411). )
وأَبُو قَتَادَةَ اختلف في وفاته فقيل مات سنة (28هـ) وهذا هو الراجح. ( ) انظر تهذيب التهذيب لابن حجر (ج12ص205).).
وظاهر صنيع الحافظ البُخَارِيّ رحمه الله يدل على أنه مات بعد الخمسين فقد ذكر أَبَا قَتَادَةَ في فصل من مات بين الخمسين والستين.( ) انظر التاريخ الأوسط للبخاري (ج1ص131).)
وأما عبد الله بن مَعْبَد الزَّمَّانيّ فلم يُذكر له تاريخ ولادة، ولا تاريخ وفاة على وجه الدقة واليقين إلا أن الحافظ الذَّهَبِيّ رحمه الله قال: (مات قبل المائة ). ( ) انظر السير للذهبي (ج4ص207).)
ولم يبين حجته في هذا، وأظنه قال ذلك تخميناً وتقريباً لأني لم أجد أحداً من العلماء ذكر لعبد الله بن مَعْبَد الزِّمَّانيّ تاريخ وفاته.
حتى الحافظ ابن حَجَرٍ رحمه الله لم يذكر وفاته في التقريب (ص548).(1/10)
وقد نص الحافظ أَبُو زُرْعَةَ رحمه الله أن عبد الله بن مَعْبَد الزِّمَّانيّ:(لم يدرك عمر ). ( ) انظر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (ج5ص174).)
فمعاصرة عبد الله بن مَعْبَد الزِّمَّانيّ لأَبِي قَتَادَةَ غير محتملة أو محتملة ولكن لا دليل عليها، ولا نستطيع تأكيدها والقطع بَتَحقِقِهَا.
ولذلك أعله الحافظ البُخَارِيّ رحمه الله بالإنقطاع.
وذكره الحافظ العُقَيْلِيّ رحمه الله والحافظ ابْنُ عَدِيّ رحمه الله والحافظ الذَّهَبِيّ رحمه الله في الضعفاء وذكره الحافظ العِرَاقيّ رحمه الله في المراسيل اعتَماداً على قول الحافظ البُخَارِيّ رحمه الله في سماعه من أَبِي قَتَادَةَ وهو الصواب.
فإسناد الحديث مداره على عبد الله مَعْبَد الزِّمَّانيّ ولم يصرح بسماعه عند جميع الرواة الذين رووا الحديث.
مما يتبين بأن الإسناد من قسم المراسيل ذكره الحافظ العِرَاقِيّ في كتابه ( تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل ) (ص187).
ولذلك أنكر الحديث بعض أهل العلم.
قال الحافظ الطَبَرِيّ رحمه الله في تهذيب الآثار (ج1ص361): (...وإنكار بعضهم ـ يعني أهل العلم ـ الخبر الذي رُوِيّ عن أَبِي قَتَادَةَ عن رسول الله × في فضل صومه ).اهـ يعني صوم يوم عرفة.
قلت: وليس هذه أول علة تذكر في صحيح مُسْلِمٍ المحكوم عليها بالانقطاع والإرسال فتنبه.
وَعِلْمُ المراسيل هو نوع من أنواع علل الحديث التي بها يُعلم قبول الحديث من رده.
ومن المقرر عند العلماء أنه لا يُحتج من السُّنة إلاّ بالحديث الصحيح، ولا تطلق الصحة على حديث حتى يجمع شروطاً هي:
1)اتصال السند في جميع طبقاته.
2)ثقة رواته وعدالتهم.
3)عدم الشذوذ.
4) عدم العلة.
ولفظة (عن) صيغة أداء تحتمل السَّماع وعدم السَّماع، فقد استخدمت في أسانيد متصلة، كما أنها استخدمت في غير المتصلة كالأسانيد المدُلَّسةِ والمرسلَةِ والمنقطِعَةِ.(1/11)
فإذا ثبتت علة الإسناد بالانقطاع ثبت ضعف الحديث كما هو معروف في أصول الحديث، إلا إذا كان له طريق آخر على شرط الحديث الصحيح، فافهم هذا ترشد.
والحافظ العِرَاقِيّ نقل عن الحافظ البُخَاريَّ ذلك في رواة المراسيل المقر له، فقال في تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل(ص187): ( عبد الله بن مَعْبَد الزِّمَّاني يروي عن أَبِي قَتَادَةَ، روايته عنه في صحيح مُسْلِمٍ، وقال البُخَارِيُّ: لا يُعْرف له سماع منه، وعن عُمَرَ بن الخَطّابِ، وقال أَبُو زُرَعَةَ: لم يدرك عُمَر).اهـ ( ) قلت: وقول أبي زرعة رحمه الله لم يدرك عمر رضي الله عنه، يتبين من ذلك بأن عبد الله بن معبد يرسل، ولذلك أرسل عن أبي قتادة رضي الله عنه كما ذكر أهل العلم.
وانظر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (ج5ص173). )
قلت: وعبارة الحافظ البُخَارِيُّ صريحة في بيان انقطاع الاسناد، ويؤيده: ما ذكره الحافظ البُخَارِيّ في التاريخ الكبير (ج5ص192) عن عبد الله بن أَبِي مُرَّةَ الزَّوْفّي فقال: ( عبد الله بن أَبِي مُرَّةَ عن خَارِِجَةَ بن حُذَافَةَ روى عبد الله بن راشد قاله لَيْث عن يزيد بن أبي حبيب هو الزَّوْفّيِ، ولا يُعْرف إلا بحديث الوتر، ولا يُعْرف سماع بعضهم من بعض).اهـ
وذكر أهل العلم بأن مراد الحافظ البُخَارِيّ من هذه العبارة الانقطاع.
قال الحافظ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله في التقريب: (ص545): ( عبد الله بن مرّة أو ابن أبي مُرّةَ الزَّوفيّ صدوق من الثالثة، وأشار البُخَارِي إلى أن في روايته انقطاعاً ).اهـ
وقال الحافظ ابْنُ حِبّان رحمه الله في الثقات (ج5ص45) معلقاً وموضحاً كذلك: ( عبد الله بن أَبِي مُرّةَ الزَّوْفِيّ، يروي عن خَارِجَةَ بن حُذَافَةَ في الوتر إن كان سمع منه، روى عنه يزيد بن أبي حبيب، وإسناد منقطع ومتن باطل).اهـ(1/12)
قلت: فقول الحافظ ابْنِ حِبّانَ في إسناده: منقطع، مع أن عبارة الحافظ البُخَارِيّ في إسناد عبد الله بن مَعْبَد الزِّمَّانيّ هي، هي في إسناد عبد الله بن أَبِي مُرَّةَ الزَّوْفيّ، مما يتبين بأن مراد الحافظ البُخَارِيّ في إسناد عبدالله بن مَعْبَد الزِّمَّانيّ الإنقطاع.( ) إذاً ليس مراده بأنه لم يقف على التصريح بالسماع، وإلا لبين أهل العلم ذلك، بل أهل العلم أقروه على هذا كما سوف يأتي في أثناء البحث. )
فالحافظ البُخَارِيّ رحمه الله يعتبر ذلك انقطاعاً لأنه ليس بمتصل، بل منقطع كما هو رأي الحافظ ابْنِ حِبَّانَ رحمه الله والحافظ الذَّهَبِيّ رحمه الله والحافظ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله وغيرهم.
وكذلك ذكر الحافظ الذَّهَبِيّ رحمه الله قول الحافظ ابن القَطّان رحمه الله:(ليس في حديث المتعاصرين إلا رأيان، الحمل على الوصل كرأي مُسْلِمٍ والجمهور، أو القول لم يثبت سماع هذا من هذا، كرأي ابن المَدِينيّ والبُخَارِيّ، ولا يقولون إنه منقطع).اهـ
فعقَّب عليه الحافظ الذَّهَبِيّ رحمه الله: ( قلت: بل رأيهما دال على الانقطاع).( ) نقد الحافظ الذهبي لبيان الوَهَمِ والإيهام (ص83و84).)
وقد أعلّ الحافظ البُخَارِيّ رحمه الله عدداً من الأحاديث لكونها لم تتوفر في أسانيدها ثبوت السماع بالصيغة المذكورة.
وإليك الدليل:
قال الحافظ البُخَارِيّ رحمه الله في جزء القراءة (ص14):(وروى عَمْرو بن موسى بن سعد عن زيد بن ثابت قال: ( مَنْ قَرَأَ خَلْفَ الإِمَامِ فَلاَ صَلاَةَ لَهُ ) ولا يُعرف لهذا الإسناد سماع بعضهم من بعض، ولا يصح مثله).اهـ(1/13)
وقال الحافظ البُخَارِيّ رحمه الله في جزء القراءة (ص12):(وروى على بن صالح عن الأَصْبَهَانِيّ عن المخُتْاَرِ بن عبد الله بن أبي ليلى عن أبيه عن عَلِيّ رضي الله عنه: (مَنْ قَرَأَ خَلْفَ الإِمَامِ فَقَدْ أَخْطَأَ الفِطْرَةَ ) وهذا لا يصح لأنه لا يُعرف المُخْتَار، ولا يُدْرَى أنه سمعه من أبيه أم لا، وأبوه من عَلِيّ ).اهـ
وقال الحافظ البُخَارِيّ رحمه الله في التاريخ الكبير(ج5ص97):
(عبد الله بن سُرَاَقَةَ عن أَبِي عُبَيْدَةَ بن الجرَّاح قال سمعت النبي × يقول: ( لَمْ يَكُنْ نَبِيّ بَعْدَ نُوحٍ إِلاَّ أَنْذَرَ الدَّجَالَ قَوْمَهُ) قاله موسى عن حماد بن سَلَمَةَ عن خالد عن عبد الله بن شَقِيقٍ عن عبد الله بن سُرَاقة، لا يُعرف له سماع من أَبِي عُبَيْدَةَ).اهـ
وقال الحافظ البُخَارِيّ رحمه الله في التاريخ الكبير (ج1ص250):(محمد بن نَافِعٍ عن عائشة، ولم يَذْكر سماعاً منها، عنه الوصافي ).اهـ
وقال الحافظ البُخَارِيّ رحمه الله في التاريخ الكبير (ج2ص283):(الحارث بن محمد بن أَبِي الطُّفَيْلِ، ولم يَذْكر له سماعاً منه ).اهـ
وقال الحافظ البُخَارِيّ رحمه الله في التاريخ الكبير (ج5ص88): ( لا يصح عندي حديث خُزَيْمَةَ بن ثابت في المسح ـ على الخُفَّيْنِ ـ لأنه لا يُعرف لأبي عبد الله الجَدَلِيّ سماع من خُزَيْمَةَ بن ثابت ).اهـ
وقال الحافظ البخاري رحمه الله في التاريخ الكبير (ج4ص13): (ولا تقوم الحجة بسالم بن رَزِين، ولا برزِين لأنه لا يُدْرَى سماعه من سالم، ولا من ابْنِ عُمَرَ).اهـ
وقال الحافظ البُخَارِيّ رحمه الله في التاريخ الكبير (ج3ص284) في سند يرويه عبد الله بن نَافِعٍ بن العَمْيّاء عن ربيعة بن الحارث عن الفَضْل بن عَبَّاسٍ: ( لا يُعْرف سماع هؤلاء بَعْضِهم من بَعْضٍ).اهـ(1/14)
وفي نصوص عديدة وجدنا الحافظ البُخَارِيّ يحكم على أسانيد بعدم الصحة بسبب عدم ثبوت السّماع بَين بعض رواة السند، فيقرن عدم الصحة بعدم ثبوت السّماع. ( ) للمزيد يُنظر التاريخ الكبير للبخاري (ج2ص283) و (ج3ص450) و (ج4ص114) و(ج5ص88و192) و(ج6ص9و185) والعلل الكبير للترمذي (ج2ص965).)
قال الحافظ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله في النكت (ج2ص595) عن الحافظ البُخَارِيّ رحمه الله: ( فقد أكثر من تعليل الأحاديث في تاريخه بمجرد ذلك ).اهـ
فما انتقده الحافظ البُخَارِيّ رحمه الله من سماعات الرواة فإنما هو لضعف تلك الأسانيد عنهم، ولا شك في ذلك لأن الحافظ البُخَارِيّ رحمه الله صّرح في عدة نصوص بضعف تلك الأسانيد مُبدياً السبب لأن فلاناً لا يُعْرف سماعه من فلان.
وكذلك نص الحافظ مُسْلِمٌ رحمه الله على هذا فقال في مقدمة صحيحه (ج1ص32): ( فإذا كانت العلةُ عند من وصفنا قوله من قبل، في فساد الحديث وتوهيته ).اهـ.
وقال الحافظ مُسْلِمٌ رحمه الله في مقدمة صحيحه(ج1ص33): (وهي ـ يعني الأسانيد ـ في زعم من حكينا قوله من قبل واهيةٌ مهملةٌ، حتى يُصيب سماع الراوي عمن رَوْى).اهـ
والحافظ البُخَارِيّ رحمه الله نبّه على حديث ( صيام يوم عرفة) بسبب علة الانقطاع، وبها يُضعف الحديث، ومما يؤكد تضعيفه للحديث نصه للحديث نفسه في التاريخ الأوسط (ج1ص411).
وذكر الحافظ ابْنُ عَدِيّ رحمه الله في الكامل في الضعفاء (ج4ص1540) هذا الأمر.
وهذه العبارة لم يتفرد بها الحافظ البُخَارِيّ، بل أطلقها الإمام أحمد بن حَنْبَل وغيره من العلماء ومرادهم الانقطاع.
قال الإمام أحمد بن حَنْبَل عن الحسن بن أبي الحسن البَصْرِيّ: ( لا نَعْرِفُ للحسن سماعاً من عُتْبَة بن غَزْوَان ).اهـ ( ) انظر تحفة التحصيل في ذكر رواه المراسيل للعراقي (ص75). )
قلت: وحديثه عنه في سنن التَّرْمِذِيّ(2575).(1/15)
وقال الحافظ التَّرْمِذِيّ رحمه الله: (لا نَعْرِفُ للحسن سماعاً من عُتْبَة بن غَزْوَان).اهـ
ولذلك قال الحافظ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله في تخريج الكشاف عن إسناد الحسن عن عُتْبَة بن غَزْوَان: ( وهذا منقطع ).اهـ
وقال الحافظ عبد العزيز النَّخْشَبيّ رحمه الله: ( لا يعرف سماع زُرَارَة بن أَبِي أَوْفَى ـ قاضي البصرة ـ من عِمْران بن حُصَيْن ) ( ) انظر المصدر السابق (ص110). ).اهـ
وقال الحافظ أبو حاتم الرازي رحمه الله عن سماع أبي عبد الرحمن من عثمان: ( روى عنه، ولا يَذْكُر له سماعاً ).( ) انظر المراسيل لابن أبي حاتم (ص94). )اهـ
وهذا يدل على أن عبارة الحافظ البُخَارِيّ تدل على الانقطاع.
وإليك عبارته في ذكر علة الإسناد:
قال الحافظ البُخَارِيّ رحمه الله في التاريخ الكبير (ج5ص198): ( عبد الله بن مَعْبَد الزِّمَّانِيّ عن أَبَي قَتَادَةَ ... ولا نَعْرِفُ سماعه من أَبِي قَتَادَةَ).اهـ
وقد صرح الحافظ البُخَارِيّ بعدم سماع عبد الله بن مَعْبَد الزِّمَّانيّ من أَبِي قَتَادَةَ وذلك بعدما أخرج الحديث نفسه بسنده من طريق حَرْمَلَةَ بن أَبِي إيَاس عن أَبِي قَتَادَةَ عَنِ النَّبِيّ × في (كَفَّارَةِ صَوْمِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَصَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ). ( ) وقد ذكر لهذا الحديث شواهد قواه بها بعض أهل العلم، وهي منكرة الأسانيد، والأسانيد المنكرة لا يعتد بها مهما كثرت وتعددت، ولا يجوز أن يستشهد بأحاديث المجهولين ولا المتروكين ولا المتهمين كما هو مقرر في علم مصطلح الحديث، ويأتي ذكرها إن شاء الله في كتاب آخر والله ولي التوفيق. )
قال الحافظ البُخَارِيّ رحمه الله في التاريخ الأوسط (ج1ص411): (...عن حَرْمَلة بن أبي إيَاس عن أبَيِ قَتَادَةَ عن النَّبِيّ ×، في صَوْمِ عَاشُورَاءَ....
وقال بعضُهُم: حَرْمَلة بن أبي إيَاس الشَّيْبَانِيّ، وقال بعضُهُم: عن مَوْلى أبَيِ قَتَادَةَ.(1/16)
وقال بعضُهُم: أبو حَرْمَلة، ولا يُعْرف له سَماع من أبَيِ قَتَادَةَ.
ورواه عبد الله بن مَعْبَد الزِّمَّانّي عن أبَيِ قَتَادَةَ عن النَّبيّ ×في صوم عاشوراء( ) والحديث نفسه في كفارة صوم يوم عرفة. )، ولم يَذْكُر سَماعاً من أبَيِ قَتَادَةَ ).اهـ( ) وانظر الكتاب المسمى بـ (التاريخ الصغير) للبخاري (ج1ص301) وهو نفسه (التاريخ الأوسط) فتنبه. )
قلت: وهذا صريح من الحافظ البُخَارِيّ في تضعيفه للحديث وذلك لإعلاله بالإنقطاع، ولذلك لم يخرجه في صحيحه.
وقول الحافظ البُخَارِيّ هذا ذكره الحافظ الذَّهَبيّ في الميزان (ج2ص507) وابْنُ حَجَرٍ في التهذيب (ج6ص36) في ترجمة عبد اللهَ بن مَعْبَد الزِّمَّانيّ، ولم يتعقباه بشيء.
وذكر الحديث في (كَفَّارَةِ صَوْمِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَصَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ) الحافظ ابْنُ عَدِيّ في الكامل في ضعفاء الرجال (ج4ص1540) ثم قال: ( وهذا الحديث هو الحديث الذي أراده البُخَارِيّ أن عبد الله بن مَعْبَد لا يُعرف له سماع من أَبِي قَتَادَةَ).اهـ
وهذا إقرار من الحافظ ابْنِ عَدِيّ في تضعيف إسناد الحديث بالإنقطاع بين عبد الله بن مَعْبَد الزِّمَّانيّ وبين أبَيِ قَتَادَةَ فتنبه.
ويؤيده: ما أخرجه الحافظ العُقَيْلِيّ في الضعفاء الكبير (ج2ص305) قال حدثني آدم بن موسى قال سمعت البُخَارِيَّ قال:(عبد الله بن مَعْبَد الزِّمَّانيّ روى عنه غَيْلاَنُ بن جَرِيرٍ وَقَتَادَةُ يحدث عن أبَيِ قَتَادَةَ، ولا يُعْرَفُ سماعه من أَبَي قَتَادَةَ).اهـ
وقال الحافظَ الذَّهَبِيّ رحمه الله في المغني في الضعفاء (ج1ص358):
(عبد الله بن مَعْبَد الزِّمَّانيّ عن أبَيِ قَتَادَةَ، ثقة، قال البُخَارِيَّ: لا يُعْرف له سماع منه) ( ) وعبارات الحافظ البخاري بمثل هذا كثيرة حكم عليها أهل العلم في كتبهم بأن مراده الإنقطاع أو لم يسمع منه أو مرسل كما نقلنا عن الحافظ ابن حبان والحافظ ابن حجر وغيرهما.(1/17)
وانظر أمثلة على ذلك في تحفة التحصيل للعراقي(ص 175،75،55 ). ).اهـ
وأما ما ذكره الحافظ الذَّهَبِيّ في ديوان الضعفاء (ص229) بقوله:(قال البُخَارِيّ: لا يُعْرف له سماع من أَبَيِ قَتَادَة، قلت : ـ الذَّهَبِيّ ـ لا يضره ذلك ).اهـ
قلت: وقوله ( لا يضره ذلك ) يعني بذلك بأنه يبقى ثقة ولا يضره فيما قال في إرساله الحافظ البخاري فتنبه.
وتوثيق الراوي لا يعارض تخطئته في حديث من حديثه في إرسال أو غيره فتنبه.
ولذلك أورده في الضعفاء( ) ومن المعلوم بأن كتب الضعفاء خصصت للضعفاء وبعض الثقات من أجل عللهم من إرسال وغيره إلا ما كان خطأ من المصنِّف كما أخطأ العقيلي في ذكره الحافظ على بن المديني في كتابه الضعفاء الكبير (ج3ص235).) مع كونه ثقة وذلك لعدم سماعه من أَبِي قَتَادَةَ كما أسلفنا.
قلت: وفي هذا الحديث أيضاً من الألفاظ الركيكة والمضطربة التي يُجزم بأنها ليست من ألفاظ النبي × الذي أُوتِيَ جوامع الكلم وحسن الألفاظ.
فتذكر هذه السؤالات بهذه الطريقة والنبي × يجيب عليها ويتردد فيها، ويتردد عن الصوم كلفظ: (( فَسْئِلَ عَنْ صِيَامِ الدَّهْرِ فَقَالَ: لاَ صَامَ وَلاَ أَفَطَرَ ( أَوْ مَا صَامَ وَمَا أَفْطَر) قَالَ: فَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ ؟ فَقَالَ : وَمَنْ يُطِيقُ ذَلِكَ، قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمٍ وَإفْطَارِ يَوْمَيْنِ، قَالَ: لَيْتَ أَنَّ اللهَ قَوَّانَا لِذَلِكَ ).( ) والنبي × قواه الله تعالى على الصوم كما ثبت ذلك عنه في الأحاديث الصحيحة على ذلك، وحتى الوصال، وهذا يرجح شذوذ هذه الألفاظ.)
وفي هذا الحديث من رواية شُعْبَةَ قَالَ: ( وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الإِثْنَيْنِ والخَمِيس؟ فَسَكَتْنَا عَنْ ذِكْرِ الخَمِيسِِ لَمَّا نَرَاهُ وَهْماً ). ( ) صحيح مسلم (ج2ص819).)
قلت:وهذا يدل على أن الحديث فيه ألفاظ شاذة كذلك، ولبعضها شواهد صحيحة يستغنى عنها في هذا الحديث.(1/18)
وأما ما جاء في حديث عبد الله بن مَعْبَد الزِّمَّانيّ من ( أنَّ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ وَالبَاقِيَةَ ) أَوْ ( أَنَّ صَوْمَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ )، فلم أجد له شاهداً يصلح للاعتبار في ذلك، وقد ألمح الحافظ البُخَارِيّ لهذا كما تقدم فإنه لما ذكر حديث عبد الله بن مَعْبَد خَصّه بقوله ( فِي صَوْمِ عَرَفَةَ وَصَوْمَ عَاشُورَاءَ )، والحافظ البُخَارِيّ رحمه الله فعل ذلك لأن عبد الله بن مَعْبَد الزِّمَّانيّ قد انفرد عن أَبِي قَتَادَةَ بذكر هذا الفضل مع عدم وجود الشاهد الذي يطمئن أن الحديث له أصل عن رسول الله×.
وقد روي حديث أَبِي قَتَادَةَ هذا من طريق آخر منكر فيه اضطراب شديد جعل الحافظ الدَّارَقُطْنِيّ بعد أن ذكر الاختلاف فيه يقول : (هو مضطرب ولا أحكم فيه بشيء ). ( ) انظر العلل (ج6ص151).)
ومع ذلك فإن هذه الطرق تدور على حَرْمَلَةَ بن أَبِي إيَاس ـ وقيل إِيَاس بن حَرْمَلَةَ ـ الذي يرويه عن أَبِي قَتَادَةَ، وقَد قال الحافظ البُخَارِيّ رحمه الله في حَرْمَلَةَ هذا ( لا يُعْرف له سماع من أَبِي قَتَادَةَ).( ) انظر تاريخ الأوسط (ج1ص411).)
فالحديث كذلك فيه اضطراب في الإسناد ذكره الحافظ الدَّارَقُطْنِيّ رحمه الله وغيره من الحفاظ.
سئل الحافظ الدَّارَقُطْنِيّ رحمه الله عن حديث عبد الله بن مَعْبَد الزِّمَّانيّ عن أَبِي قَتَادَةَ، فقال في العلل (ج6ص145): (يرويه غَيْلاَن بن جَرِيرٍ عن عبد الله بن مَعْبَد الزِّمَّانيّ، واختلف عنه: فرواه قَتَادَةُ، واختلف عنه، فقال: سعيد بن أَبِي عَرُوبَةَ وحَمّاد بن سَلَمَةَ، وقيل عن شُعْبَةَ عن قَتَادَةَ عن غَيْلاَن عن عبد الله بن مَعْبَد عن أبي قَتَادَةَ.
ورواه منصور بن زاذان والحكم بن هشام عن قَتَادَةَ عن عبد الله بن مَعْبَد عن أبي قَتَادَةَ لم يَذْكر بينهما غَيْلاَن.(1/19)
وقيل: عن الحكم عن أيوب عن عبد الله بن مَعْبَد ولا يصح ذكر أيوب فيه .
ورواه شُعْبَةُ بن الحجاج ومهدي بن مَيْمون وأبان العَطّار وأبو هلال الرَّاسِبِي وحَمّاد بن زيد عن غَيْلاَن عن عبد الله بن مَعْبَد عن أبي قَتَادَةَ، إلا أن أبا هلال من بينهم جعله عن أبي قَتَادَةَ عن عُمَرَ بْنِ الخَطّاب رضى الله تعالى عنه.
والصحيح عن أبي قَتَادَةَ: ( أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلاً سَأَلَ النَّبيَّ × عَنِ الصِّيَامِ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ مَنْ يَصُومُ الدَّهْرِ).
ورواه حجاج بن الحجاج عن غَيْلاَن، واختلف عنه، فرواه إبراهيم بن طَهْمَان عن حجاج عن غَيْلاَن عن عبد الله بن مَعْبَد عن أبي قَتَادَةَ.
وخالفه هارون بن مسلم العِجْلِيّ وكان ضعيفاً، رواه عن حجاج عن غَيْلاَن عن عبد الله بن مَعْبَد عن عبد الله بن أَبِي قَتَادَةَ ووهم في ذكر عبد الله بن أَبِي قَتَادَةَ، والصواب قول قَتَادَةَ وشُعْبَةَ ومن وافقهما ).اهـ
وسئل الحافظ الدَّارَقُطْنِيّ رحمه الله عن حديث عمر عن النبي × : (في فَضْلِ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُوراءَ، وَيَوْمِ عَرَفَةَ ) فقال في العلل (ج2ص106):(هو حديث يرويه أبو هلال الرَّاسبيّ محمد بن سليم عن غَيْلاَن بن جَرير عن عبد الله بن مَعْبَد الزِّمَّانيّ عن أَبِي قَتَادَةَ الأنَصاري عن عُمَرَ عن النبي × وغير أبي هلال يرويه عن غَيْلاَن بن جَرير عن عبد الله بن مَعْبَد عن أَبِي قَتَادَةَ أن عُمَرَ سأَل النَّبيَّ × فيكون من مسند أَبِي قَتَادَةَ عن النبي × .
كذلك قال شُعْبَةُ وأَبان العَطّار، وهو الصحيح ).اهـ
وسئل الحافظ الدَّارَقُطْنِيّ رحمه الله عن حديث حرملة بن إياس الشِّيبانيّ عن أَبِي قَتَادَةَ عن النبي × : (في فَضْلِ يَوْمِ عَاشُوراءَ، وَيَوْمِ عَرَفَةَ ) فقال في العلل (ج6ص148):( يرويه عَطاء بن أَبِي رَبَاح ومُجاهد ومنصور بن المُعْتَمِر، واختلف عنهم.(1/20)
فأما عَطاء فرواه عنه هَمَّام بن يحيى، واختلف عنه أيضاً، فقال أبو الوليد وعبد الله بن رجاء ومسلم بن إبراهيم عن هَمَّام سمعت عَطاء يحدث عن أبي الخليل عن حَرْمَلَةَ بن إيَاس الشِّيباني عن أَبِي قَتَادَةَ وقال يزيد بن هارون عن هَمّام فيه عن إِيٍَاس بن حَرْمَلَةَ قبله عن أَبِي قَتَادَةَ.
ورواه ابنُ جريج عن عَطاء عن أبي الخليل عن أَبِي قَتَادَةَ ولم يَذْكر بينهما حَرْمَلَةَ وكذلك قال بن أبي ليلى عن عطاء.
ورواه عبد الله بن مسلم بن هُرْمُز عن عَطاء ومُجاهد عن مولى لأَبِي قَتَادَةَ عن أَبِي قَتَادَةَ ولم يَذْكر أبا الخليل ولا حَرْمَلَةَ وعبد الله بن مسلم ليس بالقوي ورواه الثَّورِيّ عن لَيْثٍ، واختلف عنه فقال الأَشْجَعِيّ عن الثَّورِيّ عن لَيْثِ عن عَطاء عن أبي الخليل عن أَبِي قَتَادَةَ.
وخالفه علي بن الجَعْدِ عن الثَّورِيّ فقال: عن لَيْثٍ عن مُجاهد عن أبي الخليل عن أَبِي قَتَادَةَ وكذلك قال يزيد بن إبراهيم التُسْتَري وأبو بكر بن عَيّاش عن لَيْثٍ عن مُجاهد.
ورواه الحسن بن مسلم بن يَنَاق عن مجاهد عن مولى لأَبِي قَتَادَةَ عن أَبِي قَتَادَةَ ورواه منصور بن المُعْتَمِر واختلف عنه فقال: يحيى بن سعيد القطان وعبد الرزاق عن الثَّورِيّ عن منصور عن حَرْمَلَةَ بن إِيَاس عن أَبِي قَتَادَةَ.
وقال يحيى بن آدم عن سفيان عن منصور عن مُجاهد عن أبي الخليل عن أَبِي قَتَادَةَ وقال بن المبارك عن الثَّورِيّ عن منصور حدثني أبو الخليل عن حَرْمَلَةَ بن إِيَاس الشِّيبانيّ عن أَبٍي قَتَادَةَ أو مولى لأَبِي قَتَادَةَ عن أَبِي قَتَادَةَ.(1/21)
وكذلك قال الفْرِيَابي عن الثَّورِيّ ولم يَذْكر الشك وقال علي بن الجَعْد عن الثَّورِيّ عن منصور عَن مُجاهد عن أَبِي قَتَادَةَ ورواه زائدة عن منصور عن أبي الخليل عَن حَرْمَلَةَ بن إِياّس عن مولى لأَبِي قَتَادَةَ عن أَبِي قَتَادَةَ أو عن أَبِي قَتَادَةَ وتابعه فُضَيْل بن عِياض وأبو حفص الأَبّار وأَبُو عَوَاَنَةَ وعُبَيْدَةُ بن حُمَيْد ورواه جَرير عن منصور عن أبي الخليل أو عن مجُاهد عن أبي الخليل عن حَرْمَلَةَ بن إِيَاس عن أَبِي قَتَادَةَ أو عن مولى لأَبِي قَتَادَةَ عن أَبِي قَتَادَةَ والشك فيه من جرير.
وقال وَرْقَاء عن منصور عَن أبي الخليل عن حَرْمَلَةَ بن إيَاس عن أَبِي قَتَادَةَ وقال الجَرَّاح بن مَليحٍ عن منصور عن أبي الخليل عن إِيَاس بن حَرْمَلَةَ أو حَرْمَلَةَ بن إِيٍَاس عن أَبِي قَتَادَةَ.
قال الشيخ: هو مضطرب لا أحكم فيه بشيء.
وروى هذا الحديث سفيان بن عُيَيْنَةَ عن داود بن شَابُور عن أَبِي قَزْعَةَ عن أبي الخليل عن أبي حَرْمَلَةَ عن أَبِي قَتَادَةَ.
وهو المحفوظ عن ابن عُيَيْنَةَ، قال ذلك عنه الحُمَيْديّ وسعيد بن منصور ونصر بن علي وأبو الأَحْوَص وعبد الله بن أيَوب المَخْرَمَيّ وغيرهم من أصحاب ابن عيينة الحفاظ عنه.
ورواه إبراهيم بن بَشار عن أَبِي عُيَيْنَةَ فخلط فيه وقدم وأخر وأظن الوهم فيه من إبراهيم أو ممن رواه عنه، واحسنها إسناداً قول من قال عن أَبِي الخليل عن حَرْمَلَةَ بن إِيَاس عن أَبِي قَتَادَةَ. ورواه مسلم بن مسلم العِجْلي عن مُجاهد عن أَبِي حَرْمَلَةَ عن أَبِي قَتَادَةَ وروى عن زيد.... مجاهد عن أَبِي قَتَادَةَ مرسلاً.
وقيل: عن حَمّاد بن زيد عن سلَيمان التَيْميّ عن عَطاء عن أَبِي الخليل عن أَبِي قَتَادَةَ ولا يَثْبت هذا.(1/22)
وقيل: عن قَيْس بن الرَّبيع عن ابن أبي ليلى عن عَطاء عن أَبِي الطُفَيْل عن أَبِي قَتَادَةَ وهذا وهم ممن رواه عن قَيْس بن الرّبيع وانما هو عن أَبِي الخليل.
ورواه أَبَان بن أَبِي عَيّاش عن أَبِي الخليل عن إِيَاس بن حَرْمَلَةَ عن أَبِي قَتَادَةَ وإنما هو حَرْمَلَةَ بن إِيَاس.
وروى عن ابن لَهِيعَةَ عن أَبِي الزُّبَير عن أَبِي قَتَادَةَ مرسلاً.
وقال حماد بن شُعَيب عن أبي الزَّبير عن أَبي الخليل عن حَرْمَلَةَ عن أَبِي قَتَادَةَ وهو أصح من قول ابن لهَِيَعَةَ).اهـ
وقال الحافظ ابْنُ أَبِي حَاتِم رحمه الله في العلل ( ج2ص31):(سمعت أبي، وذكر حديثاً: رواه قُبيْصة عن الثّوريّ عن منصور عن مجاهد عن حَرْمَلَةَ بن إيَاس عن أبي الخليل عن مولى أَبِي قَتَادَةَ عن أَبِي قَتَادَةَ عن النِّبيّ ×: (في صَوْمِ يَوْمِ عَاشُوراءَ أَنَّهُ كَفَّارّةُ سَنَةٍ ).
قال أبي: هذا خطأ، إنما هو منصور، عن أبي الخليل عن حَرْمَلَةَ بن إيَاس ).اهـ
وقال الحافظ ابْنُ أَبِي حَاتِم رحمه الله في العلل ( ج2ص63):( وسئل أَبُوزُرعَةَ عن حديث: اختلف سليمان بن حَرْب وشَيْبَان بن فَرُّوخ: روى سليمان بن حَرْب. عن أبي هلال عن غَيْلان بن جرير عن عبد الله بن مَعْبد الزِّمَّاني عن أَبِي قَتَادَةَ أن عُمَرَ سأل النَّبيّ × عن صَوم يوم الاثنين فقال: ( ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُّ فِيهِ، وَيَومٌ أُنِزِلتْ عَلَيّ النُّبوةُ ).
ورى شَيْبان فقال: عن أبي هلال عن غَيْلان عن عبد الله بن مَعْبَد عن عُمَرَ بن الخَطّاب.
فقال أبُوزُرْعَةَ: حديث سليمان أصح ).اهـ
وذكر الحافظ المِزِّيُّ رحمه الله هذا الاضطراب في كتابه تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف في عدة مواضع في(ج9ص241و244و259).
ولعلنا أيضا نذكر ألفاظ ( ) وهناك ألفاظ أخرى لا حاجة إلى ذكرها.) الحديث واضطرابها ليتبين ضعف الحديث أيضاً بهذه العلة كذلك، وإليك التفصيل:(1/23)
فالأصل كما سبق في ذلك ما روى عبد الله بن مَعْبَد الزِّمَّانيّ عن أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ × : ( صَوْمُ عَرَفَةُ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ مَاضِيَةً وَمُسْتَقْبَلَةً، وَصَوْمُ عَاشُوراءَ يُكَفِّرُ سَنَةً مَاضِيَةً). هكذا ذكر من قول النبي × من غير سؤال.
أخرجه مُسْلِمٌ في صحيحه (ج2ص819) وَأَبُودَاودَ في سننه (ج1ص727) والتَّرْمِذِيّ في سننه (ج3ص117) والنَّسَائِي في السنن الكبرى (ج2ص153) وابنُ مَاجَة في سننه (ج1ص551) وأحمد في المسند (ج5ص295و296و303و397).
وفي لفظ لمُسْلِمٍ في صحيحه (ج2ص818و819) وغيره: ( أَنّ رَجُلاً أَتَى النَّبيّ ×، فَقَالَ: كَيْفَ تَصُومُ فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ × فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ - رَضىَ اللهُ عَنْهُ - غَضَبَهُ قَالَ رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا ).هكذا ذكر من سؤال من رجل.(1/24)
وفي لفظ لمُسْلِمٍ في صحيحه (ج2ص819) وابْنُ الجَوْزِيّ في الحدائق (ج2ص280): (وَبِبَيْعَتِنَا بَيْعَةً)... نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ وَغَضَبِ رَسُولِهِ . فَجَعَلَ عُمَرُ يُرَدِّدُ هَذَا الْكَلاَمَ حَتَّى سَكَنَ غَضَبُهُ فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ بِمَنْ يَصُومُ الدَّهْرَ كُلَّهُ قَالَ : لاَ صَامَ وَلاَ أَفْطَرَ أَوْ قَالَ لَمْ يَصُمْ وَلَمْ يُفْطِرْ. قَالَ كَيْفَ مَنْ يَصُومُ يَوْمَيْنِ وَيُفْطِرُ يَوْمًا قَالَ: وَيُطِيقُ ذَلِكَ أَحَدٌ . قَالَ كَيْفَ مَنْ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا قَالَ: ذَاكَ صَوْمُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ. قَالَ كَيْفَ مَنْ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمَيْنِ قَالَ: وَدِدْتُ أَنِّى طُوِّقْتُ ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ×: ثَلاَثٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ فَهَذَا صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِى قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِى بَعْدَهُ وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِى قَبْلَهُ).
هكذا ذكر من سؤال من عمر رضي الله عنه.
واللفظ الأخير يختلف عن اللفظ الأول، وهو من قوله × ليس من سؤال، لأن فيه قَالَ رَسُولُ الله ×: (ثَلاَثٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ فَهَذَا صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِى قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِى بَعْدَهُ وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِى قَبْلَهُ).
أخرجه مسلم في صحيحه (ج2ص819).(1/25)
واللفظ الآخر جاء عن سؤال بلفظ آخر وفيه قال: ( وِسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْم عَرَفَةَ؟ فَقَالَ: يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ وَالبَاقِيَةَ، قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ فَقَالَ: يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ).
أخرجه مُسْلِمٍ في صحيحه (ج2ص819) وغيره.
وفي رواية لمُسْلِمٍ في صحيحه (ج2ص819): ( وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الاثْنَيْنِ؟ فَقَالَ: ذَاكَ يَوْمٌ وِلدْتُ فيه وَيوَمٌ بُعِثْتُ(أو أُنْزِلَ عَليّ فيه ).
وفي رواية لمسلم في صحيحه (ج2ص820): ( وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الاثْنَيْنِ والخَمِيسِ ).
وهذه اللفظة (والخَمِيسِ)، وهي في قوله (وَسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الاثْنَيْنِ والخَمِيسِ) وهم( ) وانظر تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف للمزي (ج9ص260).)، وهي غير محفوظة.( ) وكذلك وردت بعض الألفاظ فيها وهم كما تقدم ذكرها.
قال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (ج8ص73) بعد ما علق على صحيح البخاري:(وأما ـ صحيح ـ مسلم ففيه ألفاظ عرف أنها غلط).اهـ)
وهذا الحديث كما سبق ذكره يرويه غَيْلاَن بن جَرِيرٍ، واختلف عليه:
1) فرواه حماد بن زيد.
أخرجه مُسْلِمٌ في صحيحه (ج2ص818و819) وغيره.
2) ورواه أَبَانُ بن يزيد العَطَّار.
أخرجه مُسْلِمٌ في صحيحه (ج2ص820) وغيره.
3) ورواه قَتَادَةُ.
أخرجه ابْنُ حِبّانَ في صحيحه (ج8ص394) وغيره.
4) ورواه مَهْدِي بن مَيْمُون.
أخرجه أحمد في المسند (ج8ص308 و 310 و311) وأَبُو نُعَيْمٍ في المسند المستخرج على صحيح الإمام مُسْلِمٍ (ج3ص203) والطُّيُوريّ في الطُّيُوريّات (ص191) وغيرهم.
5) ورواه جَرِيُر بن حَازِمٍ.
أخرجه الطَّحَاوِيّ في شرح معاني الآثار (ج2ص72و77) وغيره.
كُلُّهُمْ عن غَيْلاَنَ عن عبد الله بن مَعْبَد عن أَبِي قَتَادَةَ.
قلت: أَبَانٌ العَطَّار، ومَهْدِي بن مَيْمُون لم يقولا: ( وَالْخَمِيسُ).
أما البقية: فقد اختصروا الحديث.
وخالفهم شُعْبَةُ، واختلف عنه:(1/26)
1)فرواه غُنْدَرٌ.
أخرجه مُسْلِمٌ في صحيحه (ج2ص819) وغيره.
2) ورواه يحيى بن سعيد القَطَّان.
أخرجه أحمد في المسند (ج5ص297) وغيره.
وقال كلاهما: عن شُعْبَةُ به.
وزاد لفظة (وَالْخَمِيسُ).
وخالفهما جماعة، فلم يذكروا هذه اللفظة (وَالْخَمِيسُ) وهم:
1)عبد الله بن إدريس.
2)روح بن عُبَادَةَ.
3)مُعَاذ العَنْبِرِيّ.
4) النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ.
5) شَبَابَةُ.
كُلُّهُمْ عن شُعْبَةَ به، ولم يقولوا (وَالْخَمِيسُ).
أخرجه مُسْلِمٌ في صحيحه (ج2ص820) وأَبُو نُعَيْمٍ في المسند المستخرج على صحيح الإمام مُسْلِمٌ (ج3ص202) والطَّحَاوِيّ في شرح معاني الآثار (ج2ص77) وغيرهم.
قال الحافظ مُسْلِمٌ رحمه الله في صحيحه (ج2ص820) بعد أن ذكر رواية غُنْدَرٍ عن شُعْبَةَ قال: ( فَسَكَتْنَا عَنْ ذِكْرِ الْخَمِيسِ لما نَرِاهُ وَهْماً).
قلت: وبهذا يتبين بأن الحديث فيه وهم ليس فقط في لفظة (وَالْخَمِيسُ) بل في أخرى كما سبق.
وأما ما جاء أيضاً في حديث عبد الله بن مَعْبَد الزِّمَّانيّ من أن صوم عاشوراء (يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ)، فلم أجد شاهداً يصلح للاعتبار في هذه الزيادة، وقد ألمح الحافظ البُخَارِيّ رحمه الله بضعف هذه الزيادة في التاريخ الأوسط (ج1ص411)، وفعل الحافظ البُخَارِيّ رحمه الله ذلك لأن عبد الله مَعْبَد الزِّمَّانيّ قد انفرد عن أَبِي قَتَادَةَ بذكر هذا الفضل في صوم عاشوراء مع عدم وجود الشاهد الصحيح الذي يبين بأن هذه الزيادة صحيحة أيضاً.
ومن هنا تعرف بأن النظر في بعض أسانيد صحيح الحافظ مُسْلِمٌ رحمه الله يعتبر من التصرف الحسن إذا كان هذا النظر على أصول أئمة أهل الحديث، ولا يعتبر ذلك مخالفة للإجماع كما يقال !.(1/27)
لإننا وجدنا الأمر خلاف ذلك، فوجدنا أئمة أهل الحديث قديماً وحديثاً ينتقدون بعض الأسانيد التي في صحيح الحافظ مُسْلِمٌ رحمه الله.( ) ولا نقول كما قال المدعو محمود سعيد المصري في كتابه تنبيه المسلم (ص164):(إذا جاء الحديث في صحيح مسلم الذي تلقته الأمة بالقبول، وصححت أحاديثه، فعدم إطلاق الصحة على أسانيده فيه مخالفة للإجماع لِلَّهِ ).اهـ
قلت: وهذا القول لغو من القول لا قيمة له، ولا معنى على ما فيه من إيهام، والله المستعان. )
ولم يعتبروا ذلك طعناً في صحيحه، بل ذلك عين العدل والإنصاف عندهم.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى (ج8ص73) بعدما علق على صحيح الحافظ البُخَارِيّ رحمه الله: ( وأما مُسْلِمٌ ففيه ألفاظ عرف أنها غلط، كما فيه : (خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ) وقد بين البخاري أن هذا غلط، وأن هذا من كلام كعب.
وفيه: ( أنَّ النّبيّ × صَلّى الكُسُوفَ بِثَلاَثِ رَكَعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) ( ) صحيح مسلم (ج2ص620).) والصواب أنه لم يصل الكسوف إلا مرة واحدة، وفيه أن أبا سفيان سأله التزوج بأم حبيبة، وهذا غلط ).اهـ
وقد ضعف ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله هو نفسه بعض الأحاديث.( ) انظر الفتاوى لابن تيمية (ج13ص353) و (ج8ص18).)
كـ(حديث: خَلَقَ اللهُ التُرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ...).
قال شيخ الإسلام ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله في الفتاوى (ج18ص18):(حديث مُسْلِمٍ هذا طعن فيه من هو أعلم من مُسْلِمٍ مثل يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، ومثل البُخَارِيّ وغيرهما.
وذكر البُخَارِيّ أن هذا من كلام كَعْب الأَحْبَارِ، وطائفة اعتبرت صحته، مثل أَبِي بَكْرِ ابْنِ الأَنْبَارِيّ، وأَبِي الفَرَجِ ابْنِ الجَوْزِيّ وغيرهما، والبَيْهَقِيّ وغيره وافقوا الذين ضعفوه، وهذا هو الصواب).اهـ(1/28)
وقال شيخ الإسلام ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله في الفتاوى (ج18ص17و20):(وممّا يُسمى صحيحاً ما يُصحِّحه بعضُ علماء الحديث، وآخرون يُخالفونهم في تصحيحه فيقولون: هو ضعيف ليس بصحيح، مثل ألفاظ رواها مسلم في صحيحه ونازعه في صحّتها غيره من أهل العلم، إما مثلهُ أو دونه أو فوقهُ، فهذا لا يُجْزمُ بصدقهِِ إلا بدليل، مثل حديث ابن وَعْلَة عن ابن عباس أن رسول الله × قال: ((أيِّما إهاب دُبِغَ فقد طَهُرَ )) فإن هذا انفرد به مسلم عن البخاري، وقد ضعفه الإمام أحمد وغيره وقد رواه مسلم).اهـ
فهذا الحديث قد أعله غير واحد من الحفاظ، مثل الحافظ البُخَارِيّ والحافظ علي بن المَدِينِيّ والحافظ البَيْهَقِيّ رحمهم الله. ( ) انظر الأسماء والصفات للبيهقي(ج2ص251و255).)
وهناك جملة من الأحاديث التي أعلّ بعض الأئمة أسانيدها أو متونها وهي في صحيح الحافظ مُسْلِمٍ رحمه الله. ( ) انظر على سبيل المثال السير للذهبي (ج2ص222) وبيان الوهم والإيهام لابن القطان (ج4ص298) وزاد المعاد لابن القيم (ج1ص110) وجلاء الأفهام له (ص185) وحادي الأرواح له أيضاً (ص190) والسنن لأبي داود (ج2ص196) والسنن للدارقطني (ج3ص241) والإلزامات والتتبع له (ص241و233) والسنن الكبرى للبيهقي (7ص116) والقراءة خلف الإمام له (ص131) وفتح الباري لابن حجر (ج5ص180) و (ج13ص396) ومعالم السنن للخطابي (ج6ص254) والتنبيه على الأوهام الواقعة في صحيح مسلم لأبي علي الغساني، والصحيحة للألباني (ج1ص418) والإرواء له (ج2ص34) والضعيفة له أيضاً (ج1ص93) وعلل الأحاديث في كتاب الصحيح لمسلم بن الحجاج لابن عمار الشهيد.)
قال الحافظ الذَّهَبِيّ رحمه الله في الميزان (ج4ص39): ( وفي صحيح مُسْلِمٍ عدة أحاديث مما لم يوضح فيها أَبُو الزُّبَيْرِ السّماع عن جابر، وهي من غير طريق اللَّيْثِ عنه ففي القلب منها شيء).اهـ(1/29)
وقال العلامة الشِّيْخُ ناصر الدِّين الأَلْبَانِيّ رحمه الله في مقدمته على شرح العقيدة الطحاوية (ص22) : ( الصحيحان هما أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى باتفاق علماء المسلمين من المحدثين وغيرهم، فقد امتازا على غيرهما من كتب السنة بتفردهما بجمع أصح الأحاديث الصحيحة، وطرح الأحاديث الضعيفة والمتون المنكرة، وعلى قواعد متينة وشروط دقيقة، وقد وُفَّقوا في ذلك توفيقاً بالغاً لم يوفق إليه مَنْ بعدهم مما نحا نحوهم في جمع الصحيح، كابْنِ خُزَيْمَةَ وابْنِ حِبَّانَ والحَاكِمِ وغيرهم حتى صار عرفاً عامّاً أن الحديث إذا أخرجه الشيخان أو أحدهما فقد جاوز القنطرة ودخل في طريق الصحة والسلامة، ولا ريب في ذلك، وأنه هو الأصل عندنا.
وليس معنى ذلك أن كل حرف أو لفظة أو كلمة في الصحيحين بمنزلة ما في القرآن، لا يمكن أن يكون فيه وهم أو خطأ في شيء من ذلك من بعض الرواة، كلا فلسنا نعتقد العصمة لكتاب بعد كتاب الله تعالى أصلاً، فقد قال الإمام الشَّافِعيّ وغيره ( أَبَى اللهُ أَنْ يُتِمَّ إِلاّ كِتَابُهَ ) ولا يمكن أن يدّعي ذلك أحد ).اهـ
وقال الحافظ الذَّهَبِيّ رحمه الله في السير (ج14ص540) في ترجمة الحافظ ابْنِ عَمّارَ الشَّهِيد ( المتوفى سنة: 317هـ ): ( ورأيت له جزءًا مفيداً فيه بضعة وثلاثون حديثاً من الأحاديث التي بين عِلَلها في صحيح مُسْلِمٍ).اهـ
وقال الحافظ السُّيُّوطِيّ رحمه الله في تدريب الراوي (ج1ص135):(وذكر بعض الحفاظ أن في كتاب مُسْلِمٍ أحاديث مخالفة لشرط الصحيح، بعضها أُبهِمَ راويه، وبعضها فيه إرسال وانقطاع، وبعضها فيه وجادة، وهي في حكم الانقطاع، وبعضها بالمكاتبة).اهـ(1/30)
وقال الحافظ الزَّيْلَعِيّ رحمه الله في نَصْبِ الرايّة (ج1ص76) في حديث (عَشْرِ مِنَ الفِطْرَةِ) : ( وهذا الحديث وإن كان مًسْلِمٌ أخرجه في صحيحه ففيه علتان، ذكرهما الشيخ تقي الدين في ( الإمام ) ( ) انظر الإمام في معرفة الأحكام للشيخ تقي الدين المشهور بابن دقيق العيد (ج1ص402).) وعزاهما لابْنِ مَنْدَه ).اهـ
وقال الحافظ ابْنُ الصَّلاَحِ رحمه الله في صيانة صحيح مُسْلِمٍ (ص74) معلقاً على كلام الحافظ مُسْلِمٍ رحمه الله بقوله: ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ها هنا ـ يعني في صحيحه ـ وإنما وضعت ها هنا ما أجمعوا عليه: ( وهذا مُشكل جداً، فإنه قد وضع فيه أحاديث قد اختلفوا في صحتها لكونها من حديث من ذكرناه، ومن لم نذكره، ممن اختلفوا في صحة حديثه، ولم يجمعوا عليه).اهـ
وقال الحافظ ابْنُ القَطَّانِ رحمه الله في بيان الوَهَمِ والإيهام (ج2ص405و406): ( وذكر ـ يعني عبد الحق ـ من طريق مُسْلِمٍ عن ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ × : ( قَضَى بِيَمينٍ وَشَاهِدٍ ) ( ) وقال الحافظ ابن معين رحمه الله في التاريخ (ج3ص230): ( حديث ابن عباس ليس بمحفوظ ).) كذا أورده، ولم يعرض له بشيء لمّا كان من عند مُسْلِمٍ
وهو في كتاب مُسْلِمٍ من طريق قَيْس بن سعد عن عَمْرو بن دينار عن ابْنِ عَبَّاسٍ.
والتَّرْمِذِيّ قد ذكره في علله هكذا، ثم قال: سألت محمداً عنه فقال: عَمْرو بن دينار لم يسمع عندي من ابْنِ عَبَّاسٍ هذا الحديث.
وقال الطَّحَاوِيُّ: قَيْس بن سعد لا نعلمه يحدث عن عَمْرو بن دينار بشيء.
فهذا ـ كما ترى ـ رَمْيٌ للحديث بالانقطاع في موضعين:
من البُخَارِيّ فيما بين عَمْرو بن دينار وابْنِ عَبَّاسٍ.
ومن الطَّحَاوِيّ، فيما بين قَيْس بن سعد وعَمْرو بن دينار).اهـ(1/31)
وقال الحافظ البَاجِيّ رحمه الله في التعديل والتجريح (ج1ص286):(وكما أنه قد وجد في الكتابين ( ) فمن أهل العلم ممن درسوا الكتابين دراسة تفهم وتدبر مع نبذ التعصب، وفي حدود القواعد العلمية الحديثية، لا الأهواء الشخصية أو الثقافية الأجنبية عن الإسلام وقواعد علمائه
)ـ يعني صحيح البُخَارِيّ و مُسْلِمٌ ـ ما فيه الوَهَم، وأخرج ذلك الشيخ أبو الحسن ـ يعني الدَّارَقُطْنِيّ ـ وجمعه في جزء، وإنما ذلك بحسب الاجتهاد، فمن كان من أهل الاجتهاد والعلم بهذا الشأن لزمه أن ينظر في صحة الحديث وحققه بمثل ما نظرا.
ومن لم يكن تلك حاله، لزمه تقليدهما في ما ادّعيا صحته، والتوقف فيما لم يخرجا في الصحيح.
وقد أخرج البُخَارِيّ أحاديث اعتقد صحتها تركها مُسْلِم، لمّا اعتقد فيها غير ذلك.
وأخرج مُسْلِمٌ أحاديث أعتقد صحتها تركها البُخَارِيّ لمّا اعتقد فيها غير معتقده، وهو يدل على أن الأمر طريقه الاجتهاد ممن كان من أهل العلم بهذا الشأن، وقليل ما هم ).اهـ
وقال الحافظ النَّوَوِيّ رحمه الله في شرح صحيح مُسْلِمٍ (ج1ص15): بعد أن حكى اختلاف الحفاظ في صحة هذه الزيادة ( وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا ) : ( واجتماع هؤلاء الحفاظ على تضعيفها مقدم على تصحيح مُسْلِمٍ ...).اهـ
وقال الحافظ أبو علي الغَسَّانِي رحمه الله في التنبيه (ص42):(هذا كتاب يتضمن التنبيه على ما في كتاب أبي الحسين مُسْلِمٍ ابْنِ الحَجَّاجِ رحمه الله من الأوهام لرواة الكتاب عنه أو لمن فوقهم من شيوخ مسلم وغيرهم مما لم يذكره أبو الحسن علي بن عمر الدَّارَقُطْنِيّ في كتاب الاستدراكات).اهـ(1/32)
وقال شيخ الإسلام ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله في الفتاوى (ج18ص17-20): ( ومما يُسمى صحيحاً ما يُصَحّحُه بعض علماء الحديث، وآخرون يُخالفونهم في تصحيحه فيقولون: هو ضعيف ليس بصحيح، مثل ألفاظ رواها مُسْلِمٌ في صحيحه، ونازعه في صحتها غيره من أهل العلم، إما مثلهُ أو دونه أو فوقه، فهذا لا يُجزمُ بصدقه إلا بدليل...).اهـ
وقد تكلم أئمة أفاضل في بعض أحاديث صحيح الحافظ مُسْلِمٍ رحمه الله على قواعد أهل الحديث لحفظ السنة النبوية.
وإليك أسماءهم مرتبة على تاريخ وفياتهم:
1) الحافظ البُخَارِيّ رحمه الله نفسه( المتوفى سنة:256هـ ).
2) الحافظ وَأَبُودَاودَ رحمه الله( المتوفى سنة:275هـ ).
3) الحافظ ابْنُ خُزَيْمَةَ رحمه الله( المتوفى سنة:311هـ).
4) الحافظ أبو الفَضْل بن عَمّار الشَّهِيد رحمه الله( المتوفى سنة:317هـ).
5) الحافظ ابْنُ حِبَّاَن رحمه الله( المتوفى سنة:354هـ).
6) الحافظ الدَّارَقُطْنِيّ رحمه الله( المتوفى سنة:385هـ).
7) الحافظ الخَطَّابِيّ رحمه الله ( المتوفى سنة: 388هـ ).
8) الحافظ البَيْهَقِيّ رحمه الله( المتوفى سنة:458هـ).
9) الحافظ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ رحمه الله( المتوفى سنة:465هـ).
10) الحافظ أَبُو عَلِيّ الغَسَّانِيّ رحمه الله( المتوفى سنة:498هـ).
11) الحافظ القَاضِي عِيِاضٌ رحمه الله( المتوفى سنة:544هـ).
12) الحافظ عَبْدُ الحَقِّ الإشْبِيلِيّ رحمه الله( المتوفى سنة:581هـ).
13) الحافظ ابْنُ الجَوزِيّ رحمه الله( المتوفى سنة:597هـ).
14) الحافظ ابْنً الصّلاحِ رحمه الله( المتوفى سنة:643هـ).
15) الحافظ المُنْذِرِيّ رحمه الله( المتوفى سنة:656هـ).
16) الحافظ النَّوَوِيّ رحمه الله( المتوفى سنة:676هـ).
17) الحافظ شيخ الإسلام ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله( المتوفى سنة:728هـ).
18) الحافظ ابْنُ عَبْدِ الهَادِيّ رحمه الله( المتوفى سنة:744هـ).(1/33)
19) الحافظ الذَّهَبِيّ رحمه الله( المتوفى سنة:748هـ).
20) الحافظ ابْنُ القَيِّمِ رحمه الله( المتوفى سنة:751هـ).
21) الحافظ البُلقِينِيّ رحمه الله( المتوفى سنة:805هـ).
22) الحافظ ابْنُ حَجَر رحمه الله( المتوفى سنة:852هـ).
فهذا الجمُّ الغفير من الأئمة الكبار، ممن تكلموا في بعض أحاديث صحيح الحافظ مُسْلِمٍ رحمه الله، فهل كل هؤلاء لا يعتد بقولهم في الشريعة المطهرة ؟.( ) فهذه هي طريقة أهل الحديث، وهم أعلم الناس بعلمهم، فإليهم يكون المرجع عند التنازع.)
وبهذا يتبين بأن أحاديث صحيح الحافظ مٌسْلِمٍ رحمه الله لم يجمع على صحتها، وليس فيه أن كل الأحاديث التي فيه متلقاة بالقبول.( ) انظر ردع الجاني المتعدي على الألباني لابن عوض الله (ص94 - 114).)
إذاً لم يحصل الإجماع على صحة أسانيد صحيح الحافظ مُسْلِمٍ رحمه الله، وذلك لنقد أئمة أهل الحديث لها كما سبق القول في ذكر أسمائهم. ( ) ومن يخدم السنة بهذه الطريقة العلمية لا يكون متعدياً ولا مشوشاً عليها، بل هذا عين العدل والإنصاف والتحقيق العلمي.
وانظر الضعيفة للشيخ الألباني (ج3ص465).)
وهذا صنيع أئمة أهل الحديث، الذي يدل على إمامتهم وفهمهم لهذا العلم.
قال الحافظ مُسْلِمٌ رحمه الله في التمييز (ص218): ( صناعة الحديث ومعرفة أسبابه من الصّحيح والسّقيم إنما هي لأهل الحديث خاصة).اهـ
قلت: فلا يجوز لأحد كائناً من كان أن يأتي محاكماً لهم، مُرجحاً بينهم بلا معرفة لعلم الحديث وعلله.
لأن أمور العلل من دقائق علم الحديث.
وهذا العمل سار عليه عمل أئمة هذا الشأن من غير نكير من أحدهم بحيث إنك إذا تصفحت أي كتاب من كتبهم في نقد أسانيد صحيح الحافظ مُسْلِمٍ رحمه الله وغيره لوجدت في ذلك الشيء الكثير. ( ) بل نجد هذا العلم استنكره أهل التحزب فالله المستعان.)(1/34)
ونقدنا لحديث : (صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ ) لا يتعارض مع صنيع أئمة أهل الحديث، ولا يعني ذلك انتقاصاً لصحيح الحافظ مُسْلِمٍ رحمه الله، ولا إنزالاً له منزلة غيره من الكتب كما توهّمَ أهل التحزب.
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على جهل أهل التحزب بطرق أئمة أهل الحديث في نقد الأسانيد، كيف لا وهم يستنكرون أمراً مشهوراً عند النقاد. ( ) وياليت أهل التحزب سلكوا في ذلك سبيل أئمة أهل الحديث ليوفقوا للحق لكن هيهات هيهات لما توعدون.)
وهذا يدل أيضاً على مدى بُعد أهل التحزب عن علم الحديث وذلك لجهلهم بما هو مشهور معروف عندهم اللهم غفراً.
إذاً هذا الحديث معلول ضعيف عند البُخَارِيّ وعند غيره من العلماء كما تقدم ذكرهم( ) وهم ابن عدي والعقيلي والذهبي والعراقي.)، لأن الراوي عن أَبِي قَتَاَدَةَ وهو عبد الله بن مَعْبَد الزِّمَّانِيّ، لا يُعْرف له سماعٌ من أَبِي قَتَاَدَةَ، ولما تعرّض البُخَارِيّ لصيام يوم عرفة في صحيحه(ج4ص236)، لم يُوردْ شيئاً في فضل صيامه، بل أَوْرَدَ حديثين ظاهرهما النهيّ عن صيام يوم عرفة للحاج وغيره.
وعلقَ الحافظ ابْنُ حَجَرٍ عليه في فتح الباري (ج4ص236) قائلا: ( وكأنه لم تثبت الأحاديث( ) والأحاديث التي أشار إليها الحافظ ابن حجر كلها ضعيفة لا يحتج بها وليس هذا موضع بسطها.
انظرها في العلل للدارقطني (ج6ص148) والإرواء للألباني (ج4ص130).) الواردة في الترغيب في صومه( ) وهذا يدل بأن الحافظ البخاري لا يرى صوم يوم عرفة لعدم ثبوت الأحاديث عنده في الترغيب في صوم يوم عرفة لا للحاج ولا لغيره.)على شرطه، وأصحُّها حديث أَبِي قَتَاَدَةَ).اهـ
وقوله: ( وأصُّحها حديث أَبِي قَتَاَدَةَ).(1/35)
ولا يعني قول الحافظ ابْنِ حَجَرٍ أن الحديث صحيح بهذا الإسناد، وإنما أن شرطاً من شروط الصحة قد تحقق فيه، لدى القائل وهو العدالة، وأما شرط السلامة من الانقطاع لم تتوفر فيه وإلا لصّرح ابْنُ حَجَرٍ بصحة الإسناد كما فعل في أسانيد أخرى، وهو عنده أخف ضعفاً من الأحاديث الأخرى في هذا الباب، وإلا قد ثبت فيه علة قادحة في صحته وهي الانقطاع كما تقدم.
ولا يلزم قول أهل العلم: ( أصحُّها حديث فلان ) أو ( هذا أصحُّ من حديث فلان ) أو ( أصحُّ شيء في الباب ) أو ( أحسن شيء في هذا الباب ) أو نحو هذه العبارات، لا يلزم منها صحةُ الحديث.
قال النَّوَوِيّ رحمه الله في الأذكار (ص158): ( لا يلزم من هذه العبارة أن يكون الحديث صحيحاً، فإنّهم يقولون : هذا أصحُّ ما جاء في الباب، وإن كان ضعيفاً، ومرادُهُم أَرْجَحُهُ، أو أقلُّهُ ضَعْفاً).اهـ
وروى أَبُو دَاوُدَ في سننه حديثاً في كتاب الطلاق (ج2ص657)(2208):( أَنَّ رُكَانَةَ طَلَّقَ اْمَرأَتُه ثَلاثاً ) ثم قال: ( هذا أصحُّ من حديث ابْنِ جُرَيْجٍ ).
قال الحافظ المُنْذِريُّ رحمه الله في مختصر سنن أَبِي دَاوُدَ (ج6ص292): ( قال أّبُو دَاوُدَ: حديث نافع بن عُجَيْرٍ حديث صحيح ).(1/36)
فتعقبه الحافظ ابن القَيِّمِ رحمه الله في تهذيب سنن أَبِي دَاوُدَ (ج6ص292): ( وفيما قاله المُنْذِرِيُّ نظر، فإن أَبَا دَاوُدَ لم يحكم بصحته، وإنما قال بعد روايته: (هذا أصحُّ من حديث ابْنُ جُرَيْجٍ: (أَنّهُ طَلَقَ اَمْرأَتَهُ ثَلاَثاً ) لأنهم أهل بيته، وأعلمُ بقضيتهم وحديثهم، وهذا لا يدل على أن الحديث عنده صحيح، فإن حديث ابْنِ جُرَيْجٍ ضعيف، وهذا أيضاً ضعيفٌ، فهو أصحُّ الضعيفين عنده، وكثيراً ما يطلق أهل الحديث هذه العبارة على أرجح الحديثين الضعيفين، وهو كثيرٌ في كلام المتقدمين، ولو لم يكن اصطلاحاً لهم، لم تدلَّ اللُّغة على إطلاق الصحة عليه، فإنك تقول لأحد المريضين: هذا أصحُّ من هذا، ولا يدل على أنه صحيح مطلقاً).اهـ
وإذا عرفت أيها القارئ الكريم هذه العلة القادحة في الحديث يتبين لك بوضوح لاريب فيه أن الحديث لا يحتج به في صوم يوم عرفة ولا يعمل به في الشريعة.
قال شيخ الإسلام ابْنُ تَيْمِيَّةَ في قاعدة جليلة (ص162): ( لا يجوز أن يعتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة ولا حسنة ).اهـ
وأما عن إيراد بعض العلماء رحمهم الله الحديث في كتبهم وتصحيحه، والقول بسنية صوم يوم عرفة.
فأقول أولاً: فإن من المعلوم أن العلماء رحمهم الله يذكرون في كتبهم بعض الأحاديث الضعيفة، ويبنون عليها فتاوى فقهية، وذلك باجتهاد منهم في معرفة الحق، فمن أصاب منهم فله أجران، ومن أخطأ منهم فله أجر على اجتهاده، والشواهد على هذا كثيرة عند أهل العلم.
وإليك الدليل:
عَْن عَمْرو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ×: (إذاَ حَكَمَ الحَاكِمُ فاجْتَهَدَ ثُمّ أَصَابَ فَلَه أَجْرَان، وَإِذَا حَكَمَ فاجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ ).(1/37)
أخرجه البُخَارِيّ في صحيحه (ج13ص318) ومُسْلِمٌ في صحيحه (ج3ص1342) وَأَبُو دَاودَ في سننه (ج4ص6) وابنُ مَاجَة في سننه (ج4ص776) وأحمد في المسند (ج4ص198) والشَّافِعيّ في الأم (ج2ص176) والنَّسَائِيّ في السنن الكبرى (ج3ص461) وأَبُو عَوَانَةَ في صحيحه (ج4ص12) والبَغَويّ في شرح السنة (ج10ص115) من طريق بُسر بن سعيد عن أَبِي قَيْسٍ مولى عَمْرو بن العَاصِ عن عَمْرو بن العَاصِ به.
قلت: فهذا نص صريح في أنَ المجتهدين منهم المصيب، ومنهم المخطئ، ومن المعلوم أن المخطئ في الأحكام بعد استكمال الشروط معذور في خطئه مأجور باجتهاده كما هو منطوق الحديث.( ) انظر تقريب الوصول إلى علم الأصول للغرناطي (ص443).)
قال العلامة الشَّوْكَانِيّ رحمه الله في السيل الجرار (ج1ص20): ( فهذا الحديث قد دل دلالة بينة أن للمجتهد المصيب أجرين وللمجتهد المخطئ أجراً، فسماه مخطئاً وجعل له أجراً، فالمخالف للحق بعد أن اجتهد مخطئ مأجور، وهو يرد على من قال إنه مصيب، ويرد على من قال إنه آثم رداً بيناً ويدفعه دفعاً ظاهراً ).اهـ
وقال العلامة الشَّوْكَانِيّ رحمه الله في إرشاد الفُحُول (ص260): ( فهذا الحديث يفيدك أن الحق واحد، وأن بعض المجتهدين يوافقه، فيقال له مصيب ويستحق أجرين، ويعطي المجتهدين يخالفه، ويقال له مخطئ واستحقاقه الأجر لا يستلزم كونه مصيباً واسم المخطئ عليه لا يستلزم ألا يكون له أجر ).اهـ
وقال الحافظ البَغَوِيّ رحمه الله في معالم التنزيل (ج5ص334): ( وقوله عليه السلام: (( إِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ)). لم يُرد به أنه يؤجر على الخطأ، بل يؤجر على اجتهاده في طلب الحق لأن اجتهاده عبادة، والإثم في الخطأ عنه موضوع إذ لم يأل جده).اهـ
وسبب ذلك أن علماء الدِّين كلُّهُم مجمعون على قصد إظهار الحق الذي بعث الله تعالى به رسوله ×، وأن يكون الدِّين كلًُهُ لله، وأن تكون كلمته هي العليا.(1/38)
فالمجتهد إن أخطأ فلا وزر عليه وهو مأجور ومغفور له، وأما المقلد فلا عذر له عند الله وهو مأثوم.
قال شيخ الإسلام ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله في الفتاوى (ج19ص191): ( بل يضل عن الحق من قصد الحق، وقد اجتهد في طلبه فعجز عنه فلا يُعاقب، بل يكون له أجر على اجتهاده، وخطؤه الذي ضل فيه عن حقيقة الأمر مغفور له، وكثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ولم يعلموا أنه بدعة إما لأحاديث ضعيفة( ) كـ ( حديث صوم يوم عرفة ).) ظنوها صحيحة، وإما لآيات فهموا منها ما لم يُرَد منها، وإما لرأي رأوه وفي المسألة نصوص لم تبلغهم، وإذا اتقى الرجل ربه ما استطاع دخل فى قوله: { رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } وفي الصحيح( ) أي في صحيح مسلم (ج2ص146) من حديث ابن عباس رضي الله عنه.) أن الله قال: قد فعلت).اهـ
وقال الحافظ ابْنُ قُدَامَةَ رحمه الله في روضة النَّاظر (ص196): ( أما الإجماع فإن الصحابة رضي الله عنهم اشتهر عنهم في وقائع لا تخفى إطلاق الخطأ على المجتهد...، ثم ذكر الآثار في ذلك، ثم قال: وهذا اتفاق منهم على أن المجتهد يخطئ ).اهـ
ثانيا: فإن جميع الذين صححوا الحديث بناء على إيراد الحافظ مُسْلِمٍ رحمه الله الحديث في صحيحه فلم يتعرضوا له( ) ولذلك ترى بعض العلماء إذا ذكروا حديثاً في صحيح مسلم اكتفوا بكونه في صحيح مسلم.
وهذا الحافظ ابن القطان رحمه الله عندما ذكر حديث ( الطهور شطر الإيمان ) قال في بيان الوهم والإيهام (ج2ص377): ( اكتفوا بكونه في مسلم، فلم يتعرضوا له، وقد بين الدارقطني وغيره أنه منقطع فيما بين أبي سلام وأبي مالك الأشعري).اهـ )، ولذلك بعد أن يذكر المصنِّف الحديث يقول: حديث صحيح أخرجه مُسْلِمٌ وقد بينا علة الحديث من قبل أئمة الجرح والتعديل والله ولي التوفيق.(1/39)
ثالثا: فإن البعض ( ) كـ ( المتعالمين والقصاصين والحزبيين ممن تشبهوا بشيوخ الدين وليسوا منهم في العلم، بل هؤلاء من المتخبطين والآثمين في الدين وهؤلاء وإن درّسوا وخطبوا وحاضروا فهم جهال في الدين) والله المستعان.)الذين قالوا بصوم يوم عرفة لشهرته بين الناس، دون بحث في تخريجه وعلله وطرقه!، وبدون اجتهاد في الأدلة ومعرفة الحق في هذه المسألة.
والمفتي المقلد إذا أفتى الناس بدون اجتهاد في الأدلة ومعرفة الحق فهو آثم وإن أصاب الحق.
قال شيخ الإسلام ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله في القواعد النورانية (ص206): (كما لو حكم الحاكم بغير اجتهاد ـ يعني من تقليد ـ فإنه آثم وإن كان قد صادف الحق).اهـ
وقال الحافظ ابْنُ حَزْمٍ رحمه الله في المحلى ( ج1ص69): ( والمجتهد المخطئ أفضل عند الله من المقلد المصيب ).اهـ
والمفتي ـ كـ( الحزبي المتعالم ) إن لم يكن عالم بالحق والفتوى بالأدلة والراجح الصحيح من أقوال العلماء، لم يحل له أن يفتي، ولا يقضي بما لا يعلم، ومتى قدم على ذلك فقد تعرض لعقوبة الله وأثم والله المستعان.
قال الحافظ ابْنُ القَيِّمِ رحمه الله في إعلام الموقعين (ج4ص220): (فان لم يكن عالم بالحق فيها ـ يعني الفتوى ـ ولا غلب على ظنه لم يحل له أن يفتي، ولا يقضي بما لا يعلم، ومتى أقدم على ذلك فقد تعرض لعقوبة الله، ودخل تحت قوله تعالى: { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } ( ) الأعراف آية (33).) فجعل القول عليه بلا علم أعظم من المحرمات الأربع التي لا تباح بحال...).اهـ(1/40)
والواجب على المسلم الحق أن يُحبَّ ظهور الحق ومعرفة المسلمين له، سواء كان في موافقته أو مخالفته. ( ) انظر الفرق بين النصيحة والتعيير لابن رجب (ص26).)
قال الحافظ ابْنُ رَجَبٍ رحمه الله في الفرق بين النصيحة والتعيير (ص26): (...علماء الدين كلهم مجمعون على قصد إظهار الحق، الذي بعث الله به رسوله ×، وأن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمته هي العليا.
وكلهم معترفون بأن الإحاطة بالعلم كله من غير شذوذ شيء منه ليس هو مرتبة أحد منهم، ولا ادعاه أحد من المتقدمين ولا من المتأخرين.
فلهذا كان أئمة السلف المُجمع على علمهم وفضلهم، يقبلون الحق ممن أورده عليهم وإن كان صغيراً، ويوصون أصحابهم وأتباعهم بقبول الحق إذا ظهر في غير قولهم( )قلت: قَلَّ من يعرف هذا الكلام يا أنام.)...فحينئذ فَرَدُّ المقالات الضعيفة، وتبيين الحق في خلافها بالأدلة الشرعية، ليس هو مما يكرهه أولئك العلماء، بل مما يحبونه ويمدحون فاعله، ويثنون عليه، فلا يكون داخلاً في باب الغيبة بالكلية.
فلو فرض أن أحداً يكره إظهار خطئه المخالف للحق، فلا عبرة بكراهته لذلك، فإن كراهة إظهار الحق إذا كان مخالفاً لقول الرجل ليس من الخصال المحمودة.
بل الواجب على المسلم أن يحب ظهور الحق، ومعرفة المسلمين له، سواء كان في موافقته أو مخالفته.
وهذا من النصيحة لله، ولكتابه، ورسوله، ودينه، وأئمة المسلمين، وعامتهم، وذلك هو الدين كما أخبر به النبي ×.
وأما بيان خطأ من أخطأ من العلماء قبله، إذ تأدب في الخطاب، وأحسن الرد والجواب، فلا حرج عليه، ولالوم يتوجه إليه....).اهـ
وأما ما ذكر من موقف الحافظ البُخَارِيّ رحمه الله والحافظ مُسْلِمٍ رحمه الله من اشتراط اللّقيا والسماع في السند المعنعن بين الرجال.
فالحافظ البُخَارِيّ رحمه الله يرى أن السند المعنعن غير متصل حتى يثبت اللقاء أو السماع بين التلميذ وشيخه.(1/41)
وأما الحافظ مُسْلِمٌ رحمه الله فيرى أن السند المعنعن متصل إذا وجد ما يدل على المعاصرة، والبراءة من التدليس.( ) انظر موقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراط اللّقيا والسماع في السند المعنعن بين المعاصرين للدريس (ص8).)
فأقول: هذا ليس على إطلاقه لأن لفظة ( عن ) صيغة أداء تحتمل السماع وعدم السماع، فقد استخدمت في أسانيد متصلة كما أنها استخدمت في غير المتصلة كالأسانيد المدلسة والمرسلة والمنقطعة.
وثبت الانقطاع عند الحفاظ كالبُخَارِيّ وغيره في حديث:( صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ ).
ومن المقرر عند أئمة أهل الحديث أنه لا يحتج من الأحاديث إلا الأحاديث الصحيحة، ولا تطلق الصحة على حديث حتى تتوفر شروط الصحة فيه وهي:
1) اتصال السند.
2) ثقة الرواة.
3) عدالة الرواة.
4) عدم الشذوذ.
5) عدم العلة.
ورغم توفر تطبيق الحافظ مُسْلِمٍ رحمه الله لهذا الشرط إلا أننا عثرنا على بعض الأحاديث المنقطعة في صحيحه كما ذكر ذلك الحفاظ.
ورأيت من بعض أهل العلم وطلبة العلم من يرد أقوال الحافظ البُخَارِيّ رحمه الله في هذه المسألة وغيرها بدعوى أنه خلاف قول جمهور علماء الحديث، ومن ذلك صنيع( ) وكذلك صنيع بعض طلبة العلم فيما يسمى بالأنترنت اللهم غفراً.) الشيخ محمد ناصر الدين الأَلبْاَنِيّ رحمه الله في معرض رده على الحافظ البُخَارِيّ لما قال: ( لا أدري أسمع محمد بن عبد الله بن حسن من أَبِي الزِنادِ أم لا ).
فقد قال العلامة الشيخ ناصر الدين الأَلبْاَنِيّ رحمه الله: ( هذه ليست بعلة إلا عند البُخَارِيّ بناء على أصله المعروف، وهو اشتراط معرفة اللقاء، وليس بذلك شرط عند جمهور( ) بل الجمهور من المحدثين المتقدمين خلاف ذلك كما سوف يأتي ذكره، وهذا القول قول بعض المتأخرين من المحدثين، قال به الحافظ مُسْلِمٍ وخالفه في ذلك جمهور من المحدثين.(1/42)
انظر السنن الأبين لابن رُشَيْد (ص49) وشرح علل الترمذي لابن رجب (ج1ص364) وتدريب الراوي للسيوطي (ج1ص214). ) المحدثين).( ) انظر إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل له (ج2ص79).)اهـ
بينما نرى الحافظ ابْنُ رَجَبٍ رحمه الله يقول في شرح علل التِّرْمِذِيّ (ج2ص589): ( وأما جمهور المتقدمين فعلى ما قاله ابْنُ المَدِينِيّ والبُخَارِيّ، وهو القول الذي أنكره مُسْلِمٌ على من قاله).اهـ
فاختار جمع من أهل الحديث من المحققين قول الحافظ البُخَارِيّ لإثبات السماع وعدم الانقطاع بين التلميذ وشيخه.
وحديث الباب ثبتت العلة عند الحافظ البُخَارِيّ رحمه الله، وأيده آخرون كما سبق في البحث.
وقد أقر الحافظ مُسْلِمٌ رحمه الله، الحافظ البُخَارِي رحمه الله بمثل هذه العلة.
فقد سأل الحافظ مُسْلِمٌ: الحافظ البُخَارِيّ عن علة حديث (كَفَّارةِ المَجْلِسِ ) الذي يرويه: ابْنُ جُرَيْجٍ عن موسى بن عُقْبة عن سُهَيْلٍ عن أبيه عن أَبِي هُرَيْرَةَ عن رسول الله ×.
فذكر الحافظ البُخَارِيّ رحمه الله علته ومنها: ( لا يذكر لموسى بن عقبة سماع من سهيل ). ( ) انظر معرفة علوم الحديث للحاكم(ص114).)
وقد أقر الحافظ مُسْلِمٌ رحمه الله ما قاله الحافظ البُخَارِيّ رحمه الله.
فكل سند لا يدل على ثبوت السماع، يدل على الانقطاع كما هو مقرر في مصطلح الحديث.
وهذه المسألة مهمة عملياً للمشتغل بعلم الحديث للتصدي للحكم على بعض الأحاديث في الصحيحين وخارج الصحيحين، واحتياجه المستمر إلى معرفة شروط اتصال السند المعنعن عند أئمة أهل الحديث. ( ) وقد تناول عدد من أئمة الحديث مسألة ( السند المعنعن).
انظر السنن الأبين في المحاكمة بين الإمامين في السند المعنعن لابن رُشَيْد، وجامع التحصيل في أحكام المراسيل للعلائي، وشرح العلل لابن رجب.)(1/43)
ولفظة ( عن ) صيغة أداء، استعملت في الأسانيد المتصلة، كما أنها أيضاً استعملت في الأسانيد غير المتصلة، وهي في حد ذاتها لا تفيد الاتصال كما أنها أيضاً لا تُفيد عدم الاتصال، فهي تستعمل في الأمرين كليهما.
وقد كَثُرَ ورودها في الأسانيد المُدلسة والمنقطعة، واستعملها المُدلِسون في أسانيدهم غير المتصلة، كذلك المُرسِلون استعملوها في أسانيدهم المرُسلة.
قال الحافظ الخطيب البغدادي رحمه الله في الكفاية في علم الرواية (ص325): ( وقول المحدث: ثنا فلان قال ثنا فلان أعلى منزلة من قوله ثنا فلان عن فلان. إذ كانت منزلة ( عن ) مستعملة كثيرة في تدليس ما ليس بسماع).اهـ
فالإتيان بلفظة ( عن ) فيما لم يُسمع من الأسانيد المرسلة والمنقطعة معروف ومُشتهر بين المحدثين، وهو من عاداتهم في الرواية بالعنعنة. ( ) انظر السنن الأبين لابن رُشَيْد (ص22) والنكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر (ج2ص584).)
وقد عثرت على نصوص لشعبة بن الحجاج ويحيى بن سعيد القطان، فيها إشارات واضحة على أن السند المعنعن لا يعتبر متصلاً ما لم يثبت سماع رواته بعضهم من بعض. ( ) انظر العلل لأحمد (ج2ص21) والمجروحين لابن حبان (ج1ص37) والمحدث الفاصل للرامهرمزي (ج1ص37) والسير للذهبي (ج7ص208).)
ولذلك رجح أهل العلم صحيح الحافظ البُخَارِيّ رحمه الله على صحيح الحافظ مُسْلِمٍ رحمه الله لشرطه.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في الباعث الحثيث (ص18):(والبُخَارِيّ أرجح، لأنه اشترط في إخراجه الحديث في كتابه هذا: أن يكون الراوي قد عاصر شيخه وثبت عنده سماعه منه، ولم يشترط مُسْلِمٌ الثاني، بل اكتفى بمجرد المعاصرة، ومن هَهُنا ينفصل لك النزاع في ترجيح تصحيح البُخَارِيّ على مُسْلِمٍ، كما هو قول الجمهور).اهـ
قلت: وإن قلنا بأن الراوي أدرك وعاصر شيخه لكن لا يلزم منه أنه سمع منه.( ) فلا يحكم بمجرد ذلك على أن السند متصل.)(1/44)
وذهب بعض أئمة الحديث والنقد إلى أنه يشترط للسند المعنعن حتى يُعد متصلاً أن يكون السماع ثابتاً بين الراوي ومن يروي عنه ولا يُكتفى بمجرد اللقيا والاجتماع والإداراك. ( ) انظر شرح علل الترمذي لابن رجب(ص165و366 و 367 و 368).)
فهذه مَكْحُول الدّمشقىّ دخل على وَاثِلَة بن الأَسْقَع ولم يسمع منه.
قال الحافظ أَبُو حَاتِمٍ رحمه الله : (مَكْحُول لم يسمع من وَاثِلَة دخل عليه ). ( ) انظر المراسيل لابن أبي حاتم (ص165).)
وإبراهيم بن أبي عَبْلَة أدرك ابن عُمَرَ ولم يسمع منه.
قال الحافظ الذَّهَبِيّ رحمه الله في السير (ج6ص323): ( وقيل إنه أدرك ابن عُمَرَ، وإلا فروايته مرسلة ).اهـ
وقال الحافظ أَبُو حَاتِمٍ رحمه الله: ( رأى ابن عُمَرَ) ( ) انظر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم(ج2ص105).). اهـ
قلت: وليس في ذلك إلا إثبات الرؤية فقط ولم يرد ما يدل على السماع.
وعَطاء بن أَبِي رَبَاحٍ أدرك ابن عُمَرَ ولم يسمع منه.
قال الحافظ ابْنُ مَعِينٍ رحمه الله: ( عَطاء بن أَبِي رَبَاحٍ لم يسمع من ابن عُمَرَ شيئاً، ولكنه قد رآه، ولا يصح له سماع). ( ) انظر معرفة الرجال لابن محرز(ج1ص126).)اهـ
وأجاب الحافظ ابْنُ مَعِينٍ رحمه الله من سأله: ( الزُّهْرِيّ سمع من ابْنُ عُمَرَ؟ قال: لا. قال: فرآه رؤية؟ قال: يُشبه ). ( ) انظر سؤالات ابن الجنيد لابن معين (ص313).)اهـ
وقال الحافظ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ رحمه الله: ( الزُّهْرِيّ لا يصح سماعه من ابْنُ عُمَرَ، رآه ولم يسمع منه، ورأى عبد الله بن جعفر ولم يسمع منه). ( ) انظر شرح علل الترمذي لابن رجب(ج1ص367) وشرح صحيح مسلم للنووي (ج6ص181) ومعرفة السنن للبيهقي (ج2ص757) وسؤالات ابن الجنيد لابن معين (ص313) وجامع التحصيل للعلائي (ص238) والمراسيل لابن أبي حاتم (ص154).)اهـ(1/45)
ومن ذلك أن الحافظ الذَّهَبِيّ رحمه الله في السير (ج6ص16) قال في ترجمة أيوب السّخْتِيَانِيّ: ( وقد رأى أنس بن مالك، وما وجدنا له عنه رواية مع كونه معه في البلد، وكونه أدركه وهو ابن بضع وعشرين سنة ).اهـ
وقال الحافظ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ رحمه الله: ( جماعة بالبصرة قد رأوا أنس بن مالك، ولم يسمعوا منه، منهم ابْنُ عَوْنٍ )( ) انظر المراسيل لابن أبي حاتم (ص99).).اهـ
وأسند ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عن عاصم قال: قلت لأبي العَالِيَة: من أكثر من رأيت.قال: ( أبو أيوب غير أني لم آخذ منه ) ( ) انظر المصدر السابق (ص54).).اهـ
وفي هذا قال الحافظ النَّوَوِيّ رحمه الله في شرح صحيح مُسْلِمٍ (ج1ص128): ( إذا ثبت التلاقي غلب على الظن الاتصال، والباب مبني على غلبة الظن فاكتفينا به، وليس هذا المعنى موجوداً فيما إذا أمكن التلاقي ولم يثبت فإنه لا يغلب على الظن الاتصال فلا يجوز الحمل على الاتصال، ويصير كالمجهول فإن روايته مردودة لا للقطع بكذبه أو ضعفه بل للشك في حاله ).اهـ
ويتبين بأن هناك وسائل في إثبات اتصال السند المعنعن التي يحكم بسببها الناقد محتجاً بها على سماع رجل من رواة الحديث من رجل آخر وهذه الوسائل هي:
1)1) التصريح بالسماع في السند.
2)2) ثبوت اللقاء في قصة أو حادثة مروية.
3)3) ورود ألفاظ غير صريحة في اللقاء ولكنها قرائن قوية على وقوعه. ( ) انظر موقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراط اللقيا والسماع في السند المعنعن بين المتعاصرين للدريس(ص114).)
لهذا لم يُنقل عن أحدٍ من أهل العلم بالحديث ونقده الحكم باتصال السند المعنعن بدون أي شروط، والذي نُقل عن الأئمة النقاد والحفاظ هو الحكم باتصال السند المعنعن ولكن بشروط سَهّل بعضهم فيه كالحافظ مُسْلِمٍ رحمه الله، وتوسط بعضهم فيها واحتاط كالحافظ البُخَارِيّ ولكنهما لم يحكما باتصال السند المعنعن إلا بشروط مُعينة. ( ) المصدر السابق (ص44).)(1/46)
إذاً فصيغة (عن) في إسناد حديث: ( صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ ) محمول على الانقطاع، حتى يتبين السماع في ذلك السند بعينه من طريق آخر أو يأتي ما يدل على أنه قد سمعه منه.
ولفظة (عن) في سند عبد الله بن مَعْبَد الزِّمَّانِيّ عن أَبِي قَتَادَةَ غير صريحة في ثبوت السماع.
وأئمة الحديث أيدوا الحافظ البُخَارِيّ رحمه الله في تحقيق السماع من الراوي.
قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله في التمهيد (ج1ص12): ( اعلم ـ وفقك الله ـ أني تأملت أقاويل أئمة أهل الحديث، ونظرتُ في كتب من اشتراط الصحيح في النقل منهم، ومن لم يشترطه، فوجدتهم أجمعوا على قبول الإسناد المعنعن لا خلاف بينهم في ذلك إذا جمع شروطاً ثلاثة هي:
1)1) عدالة المحدثين في أحوالهم.
2)2) ولقاء بعضهم بعضاً مجالسة ومشاهدة.
3)3) وأن يكونوا براء من التدليس ). اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله في التمهيد (ج1ص26):(جمهور أهل العلم على أن (عن) و (أن) سواء، وأن الاعتبار ليس بالحروف، وإنما هو باللقاء والمجالسة والسماع والمشاهدة، فإذا كان سماع بعضهم من بعض صحيحاً، كان حديث بعضهم عن بعض أبداً بأي لفظ ورد محمولاً على الاتصال، حتى يتبين فيه علة الانقطاع ).اهـ
وقال الحافظ الخطيب البغدادي رحمه الله في الكفاية (ص328):(وأهل العلم بالحديث مجمعون على أن قول المحدث حدثنا فلان عن فلان صحيح معمول به إذا كان شيخه الذي ذكره يعرف أنه أدرك الذي حدّث عنه، ولقيه وسمع منه، ولم يكن هذا المحدث ممن يدلس،...).اهـ
وقال الحافظ ابن الصلاح رحمه الله في علوم الحديث (ص56) في الاسناد المعنعن: ( والصحيح والذي عليه العمل أنه من قبيل الاسناد المتصل، وإلى هذا ذهب الجماهير من أئمة الحديث وغيرهم...وهذا بشرط أن يكون الذين أُضيفت العنعنة إليهم قد ثبتت ملاقاة بعضهم بعضاً مع براءتهم من وصمة التدليس فحينئذ يحمل على ظاهر الاتصال إلا أن يظهر فيه خلاف ذلك ).اهـ(1/47)
وقال أيضا ً الحافظ ابن الصَّلاح رحمه الله في صيانة صحيح مسلم (ص128):( والذي صار إليه مسلم هو المستنكر، وما أنكره قد قيل: إنه القول الذي عليه أئمة هذا العلم علي بن المديني والبخاري وغيرهما).اهـ
وقال الحافظ النَّوَوِيّ رحمه الله في شرح صحيح مسلم (ج1ص128):(وهذا الذي صار إليه مسلم قد أنكره المحققون وقالوا: هذا الذي صار إليه ضعيف، والذي رده هو المختار الصحيح الذي عليه أئمة ( ) منهم الإمام شعبة بن الحجاج والإمام يحيى بن سعيد القطان والإمام الشافعي والإمام يحيى بن معين والإمام أحمد والإمام وأبو حاتم والإمام أبو زرعة وغيرهم.
انظر شرح علل الترمذي لابن رجب (ج1ص360، 365) والمراسيل لابن أبي حاتم (ص64) والرسالة للشافعي (ص378).) هذا الفن علي بن المَدِينِيّ والبُخَارِيّ وغيرهما).اهـ
وقال الحافظ ابن رُشَيْد رحمه الله في السنن الأبين (ص31): عن مذهب ابْنِ المَدِينِيّ والبُخَارَيّ وغيرهما: ( وهو رأي كثير من المحدثين ).اهـ
وقال الحافظ العَلاَئِيّ رحمه الله في جامع التحصيل (ص116): في من اشترط اللقاء لاتصال السند المعنعن: (وهذا هو الذي عليه رأي الحذاق كابن المَدِينِيّ والإمام البُخَارِيّ وأكثر الأئمة).اهـ
وقال الحافظ ابْنُ رَجَبٍ رحمه الله في شرح علل التِّرْمِذِيّ (ج1ص569):(وأما جمهور المتقدمين فعلى ما قاله ابْنُ المَديِنِيّ والبُخَارِيّ، وهو القول الذي أنكره مُسْلِمٌ على من قاله).اهـ
وقال الحافظ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله في تَغْلِيقِ التَعْلِيقِ (ج5ص427):(ومما يُرَجَّح به كتاب البُخَارَيّ اشتراط اللقي في الإسناد المعنعن، وهو مذهب علي بن المَدِينِيّ شيخه، وعليه العمل من المحققين من أهل الحديث).اهـ(1/48)
وقال الحافظ الذَّهَبَيّ رحمه الله في السير (ج12 ص 573): رداً على الحافظ مُسْلِمٍ رحمه الله:( افتتح الكتاب بالحط على من اشترط اللُّقي لمن روى عنه بصيغة (عن) وادّعى الإجماع في أن المعاصرة كافية، ولا يتوقف في ذلك على العلم بالتقائهما، ووبَّخ من اشترط ذلك، وإنما يقول ذلك أبو عبد الله البُخَارِيّ وشيخه علي بن المَدِينِيّ، وهو الأصوبُ الأقوى، وليس هذا موضع بسط هذه المسألة).اهـ
وقال الحافظ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله في تَغْلِيقِ التَعْلِيقِ (ج5ص427):رداً على الحافظ مُسْلِمٍ رحمه الله:(وزعم أن الذي اشترط اللُّقي اخترع شيئاً لم يوافقه عليه أحد، وليس كذلك بل هو المتعين).اهـ
وقال الحافظ العَلاَئِيّ رحمه الله في جامع التحصيل (ص125):(اختيار ابن المَدِينِيّ والبُخَارِيّ وأّبِي حَاتِمٍ وغيرهم من الأئمة، وهو الراجح كما تقدم دون القول الآخر الذي ذهب إليه مُسْلِمٌ، وغيره من الاكتفاء بالمعاصرة المجردة وإمكان اللقاء).اهـ
قلت: وما قاله الحافظ علي بن المَدِينِيّ رحمه الله والحافظ البُخَارِيّ رحمه الله هو مقتضى كلام الإمام أحمد رحمه الله وغيره من الأئمة.
قال الحافظ ابْنُ رَجَبٍ رحمه الله في شرح علل التِّرْمِذِيّ (ج1ص365):(وما قاله ابن المَدِينِيّ والبُخَارِيّ هو مقتضى كلام الإمام أحمد وأَبِي زُرْعَةَ وأَبِي حَاتِمٍ وغيرهم من أعيان الحفاظ، بل كلامهم يدل على اشتراط ثبوت السماع فإنهم قالوا في جماعة من الأعيان ثبتت لهم الرؤية لبعض الصحابة، وقالوا مع ذلك: لم يثبت لهم السماع منهم، فرواياتهم عنهم مرسلة، منهم الأعمش ويحيى بن أَبِي كَثِيرٍ وأيوب وابْنُ عَوْن وَقُرّة بن خالد رأوا أناساً ولم يسمعوا منه، فرواياتهم عنه مرسلة، كذا قاله أَبُو حَاتِمٍ وقاله أَبُو زُرْعَةَ أيضاً في يحيى بن أَبِي كَثْيرٍ، ولم يجعلوا روايته عنه متصلة بمجرد الرؤية، والرؤية أبلغ من إمكان اللقي).اهـ(1/49)
وهذا يقع كثيرا أن يكون المحدث معاصراً لآخر، ولا يحمل عنه شيئاً، لذا لا يلزم من وجود المعاصرة وجود السماع ولا حتى ترجح احتمال السماع لأنه يبقى احتمال عدم السماع قائماً، مما يجعلنا لا نكتفي بمجرد المعاصرة للحكم على الحديث المعنعن بالاتصال بل لابد من ثبوت الاتصال.
قال الحافظ ابْنُ رُشَيْدٍ رحمه الله في السنن الأبين (ص5): ما دحاً كتابه الذي انتصر فيه للحافظ البُخَارِيّ رحمه الله: ( لو عُرض ـ يعني كتابه ـ ذلك على الإمام أبي الحسين ووقف على النقض الوارد عليه من كلامه، والنقض المعوّد لكماله، لم يسعه إلا الإقرار والإذعان له).اهـ
وكذلك ذُكِرَ بأن الحديث لم ينتقده الحافظ الدَّارَقُطْنِيّ رحمه الله ولا غيره ممن تعقبوا الصحيحين !.
أقول: فإن من المعلوم بأن العالم يجتهد على حسب وسعه في بيان العلم من نقد وغيره، لكن لابد أن يخفى عليه بعض العلم، وذلك من طبيعة البشر.
ولذلك فات الحافظ الدَّارَقُطْنِي رحمه الله وغيره بعض الأحاديث التي انتقدت على الحافظ مُسْلِمٍ رحمه الله في صحيحه منها:
1)1) حديث صوم يوم عرفة.( ) انظر التاريخ الكبير للبخاري (ج5ص192) والتاريخ الأوسط له (ج1ص411) والكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي (ج4ص1540) والضعفاء الكبير للعقيلي(ج2ص305).)
2)2) حديث رباط يوم وليلة. ( ) انظر غرر الفوائد المجموع في بيان ما وقع في صحيح مسلم من الأحاديث المقطوعة لابن مفرِّج (ص33). )
3)3) حديث الصيد. ( ) انظر المصدر السابق (ص347).)
وغير ذلك من الأحاديث المتكلم عليها في صحيح مُسْلِمٍ رحمه الله. ( ) انظر كتاب علل الأحاديث في كتاب صحيح مسلم بن الحجاج لابن عمار، وكتاب التنبيه على الأوهام الواقعة في صحيح مسلم لأبي علي الغساني، وكتاب غرر الفوائد المجموع في بيان ما وقع في صحيح مسلم من الأحاديث المقطوعة لابن مفرِّج.)(1/50)
قال الحافظ أبو علي الغَسّانِيّ رحمه الله في التنبيه على الأوهام الواقعة في صحيح الإمام مُسْلِمٍ (ص42): ( هذا كتاب يتضمن التنبيه على ما في كتاب أبي الحسين مُسْلِمٍ بن الحجاج رحمه الله من الأوهام لرواة الكتاب عنه أو لمن فوقهم من شيوخ مسلم وغيرهم مما لم يذكره أبو الحسن علي بن عُمَرَ الدَّارَقُطْنِيّ في كتاب الاستدراكات ).اهـ
وليس هذا مقصور على الحافظ الدَّارَقُطْنِيّ رحمه الله والحافظ ابْنُ عَمَّار رحمه الله من أنهما لم يستوعبا ذلك، بل لابد أن نعرف بأن هناك من الحفاظ ممن تكلموا على صحيح الحافظ مُسْلِمٍ رحمه الله ولم يتعرض له الحافظ الدَّارَقُطْنِيّ رحمه الله والحافظ ابْنُ عَمَّار رحمه الله.
والأئمة حينما استثنوا ما انتقده الحفاظ، لم يقصدوا بالحفاظ الدَّارَقُطْنِيّ رحمه الله وابن عمَّار رحمه الله، بل قصدوا كل من يصح أن يطلق عليه أنه من الحفاظ.
وقد تكلم أئمة أفاضل في بعض صحيح الحافظ مسلم منهم من كانوا قبله، ومنهم من جاءوا بعده.
وإليك أسماءهم مرتبة على تاريخ وفياتهم:
1)1) الحافظ البُخَارِيّ رحمه الله نفسه ( المتوفى سنة: 256 هـ ).
2)2) الحافظ أَبُو دَاوَدَ رحمه الله (المتوفى سنة: 275هـ ).
3)3) الحافظ ابْنُ خُزْيَمَةَ رحمه الله ( المتوفى سنة:311).
4)4) الحافظ أبو الفَضْل بن عمَّار الشهيد رحمه الله ( المتوفى سنة:317 هـ ).
5)5) الحافظ ابْنُ حِبَّانَ رحمه الله ( المتوفى سنة:354 هـ ).
6)6) الحافظ الدَّارَقُطْنِيّ رحمه الله ( المتوفى سنة:385 هـ ).
7)7) الحافظ الخَطَّابِيّ رحمه الله ( المتوفى سنة: 388 هـ ).
8)8) الحافظ البَيْهَقِيّ رحمه الله ( المتوفى سنة:458 هـ ).
9)9) الحافظ ابْنُ عَبْد البَرّ رحمه الله ( المتوفى سنة: 465 هـ ).
10)10) الحافظ أَبُو عَليّ الغَسّانِيّ رحمه الله ( المتوفى سنة: 498هـ).
11)11) الحافظ القَاضِي عِيَاضٌ رحمه الله ( المتوفى سنة: 544 هـ ).(1/51)
12)12) الحافظ عَبْد الحَقِّ الإشْبِيلِيّ رحمه الله(المتوفى سنة:851هـ).
13)13) الحافظ ابْنُ الجَوْزِيّ رحمه الله ( المتوفى سنة: 597 هـ ).
14)14) الحافظ ابن الصَّلاَحِ رحمه الله ( المتوفى سنة: 643هـ).
15)15) الحافظ المُنْذِرِيّ رحمه الله (المتوفى سنة:656هـ).
16)16) الحافظ النَّوَوِيّ رحمه الله (المتوفى سنة:676هـ).
17)17) شيخ الإسلام ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله (المتوفى سنة:728).
18)18) الحافظ ابْنُ عَبْد الهَادِيّ رحمه الله ( المتوفى سنة:744هـ).
19)19) الحافظ الذَّهَبِيّ رحمه الله (المتوفى سنة:748 هـ).
20)20) الحافظ ابْنٌ القَيِّمِ رحمه الله (المتوفى سنة:751 هـ).
21)21) الحافظ البُلقِينِيّ رحمه الله (المتوفى سنة:805 هـ).
22)22) الحافظ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله (المتوفى سنة:852 هـ ).
فهذا الجمُّ الغفير من الأئمة الكبار، ممن تكلموا في بعض أحاديث صحيح الحافظ مُسْلِمٌ رحمه الله، فهل كل هؤلاء لا يعتد بقولهم في الشريعة المطهرة.
ولهذا اكتشف أئمة الحديث كثيراً من الأحاديث ـ في صحيح مسلم وغيره ـ التي صححها بعض العلماء فجاء غيرهم من العلماء فتعقبوهم، وبينوا ما فيها من علل خفية.
فهؤلاء العلماء حكموا عليها بالصحة في حياتهم مع وجود علة في أسانيدها التي ظاهرها الصحة، فماتوا وهم يعتقدون صحتها لكن اكتشف العلة غيرهم من العلماء.
وهذا فيه تحقيق لوعد الله تعالى الحق الذي وعد بحفظ دينه وكماله، فلا يمكن أن يتعبد الله عباده بأحاديث معلولة أو شاذة فافهم هذا ترشد.
قال الله تعالى: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } .( ) الحجر آية (9).)
وقال الله تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } .( ) المائدة آية (3).)
ولذلك حرم أهل العلم التعبد بأحاديث ضعيفة، وإن صحت عند بعض العلماء.(1/52)
قال شيخ الإسلام ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله في قاعدة جليلة (ص84):( لا يجوز أن يُعْتمد في الشريعة على الأحاديث الضعيفة التي ليست صحيحة ولا حسنة ).اهـ
وقال العلامة الشوكاني رحمه الله في إرشاد الفحول (ص48):(الضعيف الذي يبلغ ضعفه إلى حد لا يحصل معه الظن لا يثبت به الحكم، ولا يجوز الاحتجاج به في إثبات شرع عام، وإنما يثبت الحكم بالصحيح والحسن لذاته أو لغيره، لحصول الظن بصدق ذلك وثبوته عن الشارع ).اهـ
وقال أيضاً العلامة الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار (ج1ص15):(ما وقع التصريح ـ يعني عن الحديث ـ بصحته أو حُسنه جاز العمل به، وما موقع التصريح بضعفه لم يُجز العمل به، وما أطلقوه ولم يتكلموا عليه، ولا تكلم عليه غيرهم لم يُجز العمل به إلا بَعْد البحث عن حاله إن كان الباحث أهلا لذلك ).اهـ
قلت: فَكُن أخي المسلم على بَيّنة من دينك، ولا تتعبد الله إلا بما شرعه في كتابه، أو بما ثبت عن نبيّه تكن من الفالحين الراشدين.
ويؤيد على عدم مشروعية صوم يوم عرفة، بأن يوم عرفة يوم أكل وشرب لأنه يعتبر عيداً للمسلمين فلا يصومه المسلم.
لأن عيد النحر أكبر العيدين وأفضلهما، ويجتمع فيه شرف المكان والزمان لأهل الإسلام من الحجاج وغيرهم، فكانت فيه معه أعياد قبله وبعده فقبله يوم عرفة، وبعده أيام التشريق، وكل هذه الأيام أعياد لأهل الإسلام من الحجاج وغيرهم.( ) انظر لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف لابن رجب الحنبلي (ص415) بتصرف يسير.)
وإليك الدليل:
1) عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: ( نَهَى رَسُولُ اللهِ × عَنْ صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ ). يعني: يوم عيد الأضحى كما في رواية.(1/53)
أخرجه البُخَارِيّ في صحيحه (9706) و (6705) ومُسْلِمٌ في صحيحه (1139) والنَّسَائِيّ في السنن الكبرى(ج3ص230) واللفظ له وأحمد في المسند (ج8ص13) والطَّيَالِسِيّ في المسند (1922) والبَيْهَقِيّ في السنن الكبرى (ج10ص84) والطَّبَرَانِيّ في المعجم الكبير (13281) وابْنُ أَبِي شَيْبَةَ في المصنَّف (ج3ص104) والبَغَوِيّ في الجعديات (1355) من طرق عن زياد بن جُبَيْر عن ابن عمر به.
قلت: والنهي عن صوم يوم العيد مطلقاً مفرداً ومقروناً.
2) وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ×: ( يَوْمُ عَرَفَةَ( ) وأنكر الحافظ ابن عبد البر رحمه الله في التمهيد (ج21ص163) لفظ (يوم عرفة ) وفيه نظر لثبوته.)، وَيَوْمُ النّحْرِ، وَأَيّامُ التّشْرِيقِ عِيدُنَا أًَهْلَ الإسْلاَمِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍٍ وَشُرْبٍ ).
حديث صحيح
أخرجه أَبُودَاودَ في سننه (2419) والتَّرْمِذِيّ في سننه (ج3ص148) والنَّسَائِي في السنن الكبرى (2829)و(4181) وفي السنن الصغرى (ج5ص252) وأحمد في المسند (ج4ص152) والدَّارِمِيّ في المسند (ج2ص23) وابْنُ خُزَيْمَةَ في صحيحه (2100) وابْنُ أَبِي شَيْبَةَ في المصنَّف (ج3ص104) و (ج4ص21) والطَّبَرِيّ في تهذيب الآثار (562- مسند عمر) والبَغَوِيّ في شرح السنة (1796) والطَّحَاوِيّ في شرح معاني الآثار (ج2ص71) وفي مشكل الآثار (ج4ص111) وابْنُ حِبَّانَ في صحيحه (3603) والرُّويانّي في المسند (200) والفَاكِهِيّ في حديثه (ص134) وابن عبد البر في التمهيد (ج21ص263) والطَّبَرَانِيّ في المعجم الكبير (ج17ص803) وفي المعجم الأوسط (3209) والفِرْيَابِيّ في أحكام العيدين (11) والحاكم في المستدرك (ج1ص434) والبَيْهَقِيّ في السنن الكبرى(ج4ص298) وفي فضائل الأوقات (ص408) من طرق عن موسى بن عُلَيّ بن رَبَاحٍ عن أبيه قال سمعت عُقْبَةَ بن عامر به.
قلت: وهذا سنده صحيح على شرط مسلم.(1/54)
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذَّهَبِيّ.
وقال التَّرْمِذِيّ: هذا حديث حسن صحيح.
والحديث صححه الشيخ الأَلبَانِيّ في الإرواء (ج4ص130).
وقوله ( عِيدُنَا أَهْلَ الإسْلاَمِ ) هذا عامٌ لجميع المسلمين من الحجاج وغيرهم. ( ) وعيد الأضحى بما فيه يوم النحر، وأيام التشريق لجميع المسلمين كما هو معلوم، فهذه الأيام أيام أكل وشرب.)
ولم يثبت أي دليل يخصص هذا العام بأن هذا خاص بمن كان بعرفة من الحجاج. ( ) علماً بأن قول بعض العلماء بأن هذا خاص بالحجاج، فهذا لا يخصص العام في الحديث فتنبه.)
فالحديث يدل على أن هذه الأيام الخمسة ـ بما فيها يوم عرفة ـ أيام أكل وشرب للحاج ولغير الحاج.
وهذا المعنى يوجد في العيدين وأيام التشريق أيضاً، فإن الناس كلهم فيها في ضيافة الله عز وجل لا سيما عيد النّحر فإن الناس يأكلون من لحوم نسكهم أهل الموقف وغيرهم، فلا يصومنَّ أحد.
فذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث، فكرهوا به صوم يوم عرفة، وجعلوا صومه كصوم يوم النّحر. ( ) وانظر شرح معاني الآثار للطحاوي (ج2ص76).)
قال العلامة الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار (ج4ص240): ( قوله ( عِيْدُنَا أَهْلَ الإِسْلاَمِ ) فيه دليل على أن يوم عرفة، وبقية أيام التشريق التي بعد النحر أيام عيد ).اهـ
وقال العلامة المُبَارَكْفُورِيّ رحمه الله في تحفة الأحوذي (ج3ص481): (قوله ( يَوْمُ عَرَفَةَ ) أي اليوم التاسع من ذي الحجة ( وَيَوْمُ النَّحْرِ) أي اليوم العاشر من ذي الحجة (وَأَيّامُ التَّشْرِيقِ) أي اليوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر ( عِيدُنَا ) بالرفع على الخبرية ( أَهْلُ الإِسْلاَم ) بالنصب على الاختصاص (وَهِيَ) أي الأيام الخمسة ( أَيّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ) في الحديث دليل على أن يوم عرفة، وأيام التشريق أيام عيد كما أن يوم النحر يوم عيد، وكل هذه الأيام الخمسة أيام أكل وشرب ).اهـ(1/55)
ويوم عرفة كذلك من الأيام المعروفة عند السلف بأنه يوم عيد للمسلمين.
وإليك الدليل:
عَنْ مُغِيَرةَ قَالَ: ( أُتِي إِبْرَاهِيمُ ـ يعني النَّخَعِيّ ـ يَوْمَ عَرَفَةَ ـ قَالَ أَحْسَبُهُ: بِمَاءٍ ـ فَشِرَبَ. قَالَ: فَكَانَ إِذَا قِيلَ: تَكْرَهُ صَوْمَ هَذَا اليَوْمِ، لأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ ؟ قَالَ:لاَ. قِيلَ: فَيُصَامُ ؟ قَالَ: مَنْ شَاءَ صَامَ ).
أثر صحيح
أخرجه الطَّبَريَّ في تهذيب الآثار (ج1ص368 ـ مسند عمر ) من طريق أحمد بن عَبْدةَ الضَّّبّي حدثنا أبو عَوَانَةَ عن مُغِيرَةَ به.
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
قوله (لأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ) يتبين من ذلك بأنه معروف عند السلف بأنه يوم عيد للمسلمين.
ولهذا لا يشرع لأهل الإسلام ـ من الحجاج وغيرهم ـ صوم يوم عرفة لأنه أول أعيادهم وأكبر مجامعهم، وقد أفطره النبي × بعرفة ( ) وكذلك أفطر بغير عرفة ولم يصم كما سوف يأتي ذكر الدليل على ذلك.) والناس ينظرون إليه، ولم يبين × بأن غير الحاج يصومه.
وإليك الدليل:
1) عَنْ أُمِّ الفَضْلِ بِنْتِ الحَارِثِ رَضِيَ اللهُ عَنْها : ( أَنَّ نَاساً تَمَارَوا ( ) تماروا: اختلفوا وتجادلوا. انظر فتح الباري لابن حجر (ج4ص237).) عِنْدَهَا يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صَوْمِ النّبِيِّ ×، فَقَال بَعْضُهُمْ: هُوَ صَائِمٌ، وَقَاَلَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بصَائِمٍ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بَقَدحِ( ) قدح: إناء يشرب فيه.) لَبَنٍ، وَهوَ وَاقِفٌ ( ) واقف: يعني بعرفة.
انظر فتح الباري لابن حجر (ج4ص237).) عَلَى بَعِيرِهِ، فَشَرِبَهُ ).(1/56)
أخرجه البُخَارِيّ في صحيحه (ج2ص701) و مُسْلِمٌ في صحيحه (1123) وَأَبُودَاودَ في سننه (ج2ص817) وأحمد في المسند (ج6ص340) والبَيْهَقِيّ في السنن الكبرى (ج4ص283) وفي المعرفة (ج6ص347) وفي فضائل الأوقات (ص365) ومالك في الموطأ (ج1ص343- رواية يحيى الليثي) والقَعْنَبِيّ في الموطأ (ص345) ومحمد بن الحسن في الموطأ (ص129) وأبو أحمد الحاكم في عوالي مالك (ج6ص215) ومُصْعَبُ الزُّبَيْرِيّ في حديثه (ص59) وابْنُ حَزْمٍ في حَجّة الوَداع (ص171) والطَّيَالِسِيّ في المسند (1649) وأَبُو يَعْلَى في المسند (7073) وابْنُ البَخْتَرِيّ في حديثه (ص460) وأَبُو مُصْعَبِ الزُّهْرِيَّ في الموطأ (ج1ص343) والحدَثَانيّ في الموطأ (ص428) وابْنُ القَاسِم في الموطأ (ص438) والبَغَوِيّ في شرح السنَّة (1791) وابْنُ حِبَّانَ في صحيحه (3606) وابْنُ خُزَيْمَةَ في صحيحه (2828) والفَاكِهِيّ في أخبار مكة (ج5ص31) وأَبُو نُعَيْمٍ في المستخرج على صحيح مسلم (ج3ص204) وابْنُ أَبِي عَاصَمٍ في الأحاد والمثاني (ج6ص121) والطَّبَرِيّ في تهذيب الآثار (569- مسند عمر) وعبد الرزاق في المصنَّف (7815) والطَّبَرَانِيّ في المعجم الكبير (ج25ص24) من طريق أَبِي النَّضْرِ مولى عُمَرَ بن عبيد الله عن عُمَيْر مولى عبد الله بن العَبَّاس عن أُمِّ الفَضْلِ بنت الحارث به.
وأخرجه النَّسائِيّ في السنن الكبرى (ج3ص225) وابْنُ خُزَيْمَةَ في صحيحه (2102) وابْنُ حِبَّانَ في صحيحه (3605) والطَّبَرَانِيّ في المعجم الكبير (ج25ص17) وابن عبد البر في التمهيد (ج21ص161) وابْنُ أَبِي عَاصِمٍ في الأحاد والمثاني (ج6ص20) والبيهقي في السنن الكبرى (ج4ص284) وأحمد في المسند (ج6ص340) من طريق حَمَّاد بن زيد قال حدثنا أيوب عن عِكْرَمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَاسٍ أَنَّهُ أَفْطَرَ بِعَرَفَةَ، أُتِيَ بِرُّمَّانٍ فَأَكَلَهُ وَقَالَ حَدّثتْنِي أم الفَضْلِ فَذَكرَهُ.(1/57)
قلت: وهذا سنده صحيح على شرط البُخَارِيّ.
وأخرجه النَّسَائِي في السنن الكبرى (ج3ص226) من طريق محمد بن عيسى بن الطَّبَاع عن حَمّاد بن زيد به.
لكنه قرن بِعِكْرِمَةَ سعيَد بْن جُبير.
وإسناده صحيح.
وأخرجه النَّسَائِي في السنن الكبرى (ج3ص225) من طريق ابْنُ عُلَيّهَ عن أيوب عن سعيد بن جبير به.
وإسناده صحيح.
وأخرجه التَّرْمِذِيّ في سننه (750) وابْنُ خُزَيْمَةَ في صحيحه (2102) والبَيْهَقِيّ في السنن الكبرى (ج4ص283) من طريق أيوب عن عِكْرِمَةَ عن ابن عبّاس عن أُمِّه أُمًّ الفَضْل به، ولم يذكر التِّرْمِذِيّ أُمّ الفَضْلِ في إسناده.
وقال التِّرمذيّ: هذا حديث حسن صحيح.
وأخرجه ابْنُ رَاهُوَيْهَ في المسند (ص313) والطَّبَرَانِيّ في المعجم الكبير (ج25ص18) وابْنُ الجَعْدِ في المسند (ج2ص988) وابْنٌ أَبِي عَاصِمٍ في الآحاد والمثاني (ج6ص20) وابْنُ عَدِيّ في الكامل (ج4ص1375) من طريق ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عن صالح مولى التَّوأَمَة عن ابن عباس عن أُمِّ الفَضْلِ به.
2) وعَنْ مَيْمُونَةَ رَضِىَ اللهُ عَنْهَا: ( أَنَّ النَّاسَ شَكُّوا فِى صِيَامِ النَّبِىِّ × يَوْمَ عَرَفَةَ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ بِحِلاَبٍ( ) بحلاب: الإناء الذى يحلب فيه اللبن .) وَهْوَ وَاقِفٌ ( ) الموقف: في عرفة.
انظر فتح الباري لابن حجر (ج4ص238).)فِى الْمَوْقِفِ، فَشَرِبَ مِنْهُ، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ ) .
أخرجه البُخَارِيّ في صحيحه (ج2ص702) و مُسْلِمٌ في صحيحه (1124) وابْنُ حِبَّانَ في صحيحه (3607) والبَيْهَقِيّ في السنن الكبرى (ج4ص283) وأَبُو نُعِيمٍ في المستخرج على صحيح مسلم (ج3ص205) وابْنُ حَزْمٍ في حَجَة الوَدَاع (ص170)من طريق بُكَيْرٍ بن الأشَجّ عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ مَيْمُونَةَ به.(1/58)
وأخرجه ابن عبد البر في التمهيد (ج21ص157) والفَاكِهِيّ في أخبار مكة (ج5ص30) من طريق عبد العزيز الدَّرَاوَرْدِيّ عن إبراهيم بن عُقْبة عن كُرَيْبِ عن ابن عبّاس عن مَيْمُوَنَةَ به.
قلت: والحافظ البُخَارِيّ لما تعرّض لحكم صيام يوم عرفة في صحيحه لم يُوردْ شيئاً في فضل صيامه، بل أَوْرَدَ هذين الحديثين وظاهرهما النهي عن صيام يوم عرفة للحاج وغيره.
وعلق عليه الحافظ ابْنُ حَجَرٍ في فتح الباري بشرح صحيح البُخَارِيّ (ج4ص236) بقوله: ( قَوْلهُ: بَابُ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ ) أي ما حكمه؟ وكأنه لم تثبت الأحاديث الواردة في الترغيب في صومه على شرطه، وأصحها حديث أَبِي قَتَادَةَ...).اهـ
وقال العَيْنِيّ رحمه الله في عمدة القاري (ج9ص179): (بَابُ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ: أي هذا باب في بيان حكم صوم يوم عرفة، ولما لم تثبت عنده الأحاديث الواردة في الترغيب في صومه على شرطه أبهم، ولم يبين الحكم ).اهـ
فمطابقته للترجمة من حيث أنه يوضح الإبهام الذي في الترجمة، ويكون التقدير باب صوم يوم عرفة غير مستحب بعرفة وغير عرفة، بل ذهب بعض السلف إلى كراهة صوم يوم عرفة للحاج وغير الحاج كما سوف يأتي ذكر آثارهم في ذلك.
ولذلك السلف لم يصوموا يوم عرفة بعرفة.
وإليك الدليل:
1) عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: ( أَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَهُوَ يَأْكُلُ رُمَّانَاً بِعَرَفَةَ ).
أثر صحيح
أخرجه النَّسائِيّ في السنن الكبرى (2814) و (2815) وعبد الرزاق في المصنَّفِ (ج4ص283) والبَيْهَقِيّ في السنن الكبرى (ج4ص288) والفَاكِهِيّ في أخبار مكة (2772) والطَّبَرِيَّ في تهذيب الآثار (576) من طريق أيوب عن سعيد بن جُبَيْرٍ به.
قلت: وهذا سنده صحيح، ورجاله كلهم ثقات.(1/59)
وأخرجه أبو عمرو السَّمَرْقَنْدِيّ في حديثه عن شيوخه (ص58) من طريق سُفيان بن عُيَيْنَةَ حدثني أيوب عن سعيد بن جُبًيْرٍ قَالَ:(أَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ بِعَرَفَةَ، وَهُوَ يَأْكُلُ رُمَّاناً، قال: أدْنُ فَكُل، لَعَلَّكَ صَائِمٌٍ، إنّ رَسُولَ اللهِ × لَمْ يَصُمْ هَذَا اليَوْمَ ).
وإسناده صحيح.
2) وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمِيْرٍ قَالَ: ( طَافَ عُمَرُ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي مَنَازِلِ الحَاجِّ حَتّى أَدَّاهُ الحَرُّ إِلى خَبِاءِ قَوْمٍ، فَسُقِيَ سَوِيقاً فَشَرِبَ ).
أثر صحيح
أخرجه عبد الرزاق في المصنَّف (ج4ص283) من طريق ابْنُ جُرَيْجٍ قال أخبرني عَطاء أنه سمع عُبَيْدِ ين عُمَيْرٍ به.
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
3) وَعَنْ وَكِيعٍ قَالَ: ( كانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيّ لا يَرَى الصَّوْم يَوْمِ عَرَفَةَ، وَكَانَ يُصَلِّي الظُهْرَ والعَصْرَ مَعَ الإِمَامِ بِعَرَفَةَ، ثُمَّ يَرْجِع إلى رَحْلِهِ فَيَتَعَشَّى ثُمَّ يَقِفَ ).
أثر صحيح
أخرجه الطَّبَرِيّ في تهذيب الآثار (591 - مسند عمر ) من طريقين عن وكيع به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
4) وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْن ِعُبَيْد بن عُمِيْرٍ قَالَ: ( كَانَ مَعْبَدُ بْنُ عُمَيْرٍ يَصُومُ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَنَهَاهُ أَبِي، وَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ يَوْمُ طُعْمٍ وَذِكْرٍ).
أثر صحيح
أخرجه الفَاكِهِيّ في أخبار مكة (ج5ص32) من طريق عبد الله بن رًجًاءٍ عن عثمان بن الأسود عن عبد الله بن عُبَيْد به.
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
وخالف في ذلك بعض السلف، واختار الصيام على الفطر في يوم عرفة بعرفة:
وإليك الدليل:(1/60)
1)عن القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: ( أَنّهاَ كَاَنَتْ تَصُومُ يَوْمَ عَرَفَةَ ) قَاَلَ القَاسِمُ: وَلَقَدْ رَأَيْتُها عَشِيّةَ عَرَفَةَ، يَدْفَعُ الإمَامُ وَتَقِفُ حَتّى يَبْيَضّ مَا بَيْنَها وَبيْنَ النّاسِ مِنَ الأَرْضِ، ثُمّ تَدْعُو بالشَّرَابِ فَتُفْطِرُ ).( ) ولعل عائشة رضي الله عنها تراجعت عن صوم يوم عرفة بعرفة، وذلك عندما سألت عن صوم النبي × بعرفة أحالت إلى سؤال أم سلمة رضي الله عنها عن ذلك، وذلك لعدم علمها عن فطر النبي × بعرفة كما بينا.
وأما صوم يوم عرفة لغير الحاج فلم تصم عائشة رضي الله عنها فتنبه.)
أثر صحيح
أخرجه مَالِكٌ في الموطأ (727 - رواية يحيى اللَّيثيّ) وأَبُو مُصْعَب الزُّهَرِيّ في الموطأ (ج1ص344) والقَعْنَبِيّ في الموطأ (ص345) والحَدَثَانِيّ في الموطأ (ص429) والطَّبَرِيّ في تهذيب الآثار (606) والبَيْهَقِيّ في معرفة السنن والآثار (ج3ص428) من طريق يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد به.
قلت: وهذا سنده صحيح على شرط الشيخين.
2) وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: ( مَا شَهِدَ أَبِي عَرَفَةَ قَطُّ إِلاّ وَهُوَ صَائِمٌ ).
أثر صحيح
أخرجه الطَّبَرِيّ في تهذيب الآثار (604- مسند عمر) من طريق هشام بن عُرْوَةَ عن أبيه به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
3) وَعَنْ الحَسْنِ البَصْرِيّ: ( أَنّهُ كَانَ يُعْجِبُهُ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَأْمُر بِهِ حَتّىَ الحِجّاجَ يَأْمُرُهم بِهِ، وَقَالَ: رَأَيْتَ عُثْمَانَ ابْنَ أَبِي العَاصِ بِعَرَفَاتٍ في يَوْمِ شَدِيدِ الحَرِّ صَائِماً، وَهُم يُرَوِّحُونَ عَنْهُ ).
أثر صحيح
أخرجه الطَّبَرِيّ في تهذيب الآثار (602) من طريق محمد بن علي بن الحسن المَرْوَزِيّ حدثنا النضر بن شُميْلٍ أنبأنا أشعث بن عبد الملك عن الحسن به.
قلت: وهذا سنده صحيح، ورجاله كلهم ثقات.(1/61)
وتابعه يعقوب بن إبراهيم حدثنا هُشَيْمٍ عن حُمَيْد الطَّويل حدثنا الحسن به.
وأخرجه الطَّبَرِيّ في تهذيب الآثار (603 - مسند عمر ).
قال الحافظ ابن ناصر رحمه الله في جزء في فضل يوم عرفة (ص42): (جاء عن عُثمان بن أبي العاص وعبد الله بن الزُّبَيْرِ( ) ولعل يقصد الزبير بن العوام رضي الله عنه كما جاء في الأثر عنه.) وعائشة أنهم كانوا يصومونه ).اهـ
علماً بأن الزُّبير بن العَوَّام وعُثمان بن أَبِي العَاصِ رضي الله عنهم لم يعلما بشأن إفطار النبي × في يوم عرفة بعرفة، وظنَّا بأن النبي × كان صائماً في الموقف لعِظَمِ هذا اليوم عند الحجاج، وما نقل بعضهم عن صيام االنبي × كما بين ذلك حديث أُمِّ الفَضْلِ رضي الله عنها وحديث مَيْمُونَةَ رضي الله عنها، فاستمرا على صيام يوم عرفة بعرفة للأفضلية عندهما ولم يعلما بأن ذلك خلاف السنة حتى بعد موت النبي × كما يدل على ذلك صنيعهما في الحج، وهذا من عادة خفاء بعض الأحكام التي تصدر من النبي × على بعض الصحابة رضي الله عنهم.
وإلا أكثر الصحابة رضي الله عنهم على عدم صوم يوم عرفة بعرفة وسبقت آثارهم الصحيحة في ذلك، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
فالخلاف إذاً الذي وقع بين الصحابة رضي الله عنهم في صوم يوم عرفة بعرفة، وذلك لعدم علم بعض الصحابة رضي الله عنهم ـ الذين صاموا ـ بأن النبي × كان مفطراً. ( ) وأما في غير عرفة فلم يثبت لأحدهم بأنه صامه، ومن هنا تعلم أنه لا يوجد أي خلاف بين الصحابة رضي الله عنهم في عدم صومه كما سوف يأتي في البحث.
قلت: إذاً فالخلاف الذي وقع بين الصحابة رضي الله عنهم في صوم يوم عرفة بعرفة، وأما في غير عرفة فلم يختلف الصحابة رضي الله عنهم في عدم صوم يوم عرفة.)(1/62)
وذهب أكثر أهل العلم إلى الفطر يوم عرفة بعرفة لما صح عن النبي × وأصحابه في ذلك. ( ) انظر شرح صحيح مسلم للنووي (ج8ص3) والمجموع له (ج6ص379) وتفسير القرطبي (ج2ص420) والمغني لابن قدامة (ج3ص114) وزاد المعاد لابن القيم (ج2ص77) وفتح الباري لابن حجر (ج4ص238) وبدائع الصنائع للكاساني (ج2ص79) والتمهيد لابن عبد البر (ج21ص158) والمحلى لابن حزم (ج4ص439) ومجلس في فضل يوم عرفة لابن ناصر الدين الدمشقي (ص155).)
قال الطحاوي رحمه الله في شرح معاني الآثار (ج2ص72):(فدل ذلك أن ما كره من صومه ـ يعني يوم عرفة بعرفة ـ في الآثار الأول، هو للعارض الذي ذكرنا من الوقوف بعرفة لشدة تعبهم، وهذا قول أَبِي حَنِيفَةَ وأَبِي يُوسف ومحمد رحمهم الله ).اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله في التمهيد (ج21ص58): (وكان مالك والثَّوْرِيّ والشَّافِعِيّ يختارون الفطر يوم عرفة بعرفة ).اهـ
فالصواب: أن صوم يوم عرفة بعرفة خلاف السنة لأهل عرفة( ) واختار الصوم بعرفة الزبير بن العوام رضي الله عنه، وعثمان بن أبي العاص رضي الله عنه.
قلت: والصواب حرمة صوم يوم عرفة بعرفة لأن الأحاديث الصحيحة عن رسول الله × دالة على التحريم ولا حجة فيما روي عن الزبير وعثمان بن أبي العاص لأن السنة مقدمة على الجميع ولا قول لأحد بخلاف السنة. )، لاختياره × ذلك لنفسه، وعمل أكثر الصحابة بعده بالفطر، لما فيه قوة على الدعاء الذي هو أفضل دعاء العيد في هذا اليوم العظيم، وفيه أن يوم عرفة عيد لأهل الإسلام، فلا يستحب لهم صيامه وهو الراجح.
قال الحافظ ابْنُ حَجَرٍ رحمه الله في فتح الباري (ج4ص238): ( وقال الجمهور: يستحب فطره ). يعني يوم عرفة بعرفة.(1/63)
وكذلك صوم يوم عرفة لأهل الآفاق خلاف السنة، بل السنة فطره لاختياره × ذلك لنفسه، وعمل خلفاؤه بعده بالفطر وأصحابه رضي الله عنهم من بعده × ولم يؤثر عن أحد من الصحابة صوم يوم عرفة في الحضر { أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ } . ( ) سورة الأنعام آية (90).)
قلت: فعلى الناس أن يقتدوا بهم، والله ولي التوفيق.
ومن خصص النهي عن صوم يوم عرفة بعرفة فقط.
يرد عليه في تحريم صوم أيام التشريق تطوعاً للحاج وغير الحاج مع أن أدلة التحريم جاءت للحجاج، وأخذ العلماء بها عموماً أي لغير الحجاج كذلك.
وإليك الدليل:
1) عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِىِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ×:(أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ).
أخرجه مُسْلِمٌ في صحيحه (1141) وأَبُو دَاوُدَ في سننه(ج3ص243) وأحمد في المسند (ج5ص75) والبَيْهَقِيّ في السنن الكبرى (ج3ص312) وفي المعرفة (ج6ص363) وفي السنن الصغرى (ج2ص127) وفي فضائل الأوقات تعليقاً (ص416) وابْنُ قَانِعٍ في معجم الصحابة (ج3ص168) والنَّسَائِيّ في السنن الكبرى (ج4ص222) وفي السنن الصغرى (169) وأَبُو نُعَيْمٍ في المستخرج على صحيح مسلم (ج3ص218) وابْنُ أَبِي شَيْبَةَ في المسند (ج2ص268) ودَعْلَج السِّجْزِيّ في المنتقى من مسند المقلين (ص44و45) والطَّحَاوِيّ في شرح معاني الآثار (ج2ص245) والمِزِّيّ في تهذيب الكمال (ج29ص315) من طريق خالد الحذّاء عَنْ أَبِى الْمَلِيحِ بن أَسَامَة عن نُبَيْشَةَ به.
2) وَعَنْ كَعْب بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ × بَعَثَهُ وَأَوْسَ بْنَ الْحَدَثَانِ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ فَنَادَى:( أَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ مُؤْمِنٌ، وَأَيَّامُ مِنًى( ) يعني أيام التشريق.) أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ).
وفي رواية: ( وَأَيّامُ التّشريقِ أيّامُ أَكْلٍ وشُرْبٍ).(1/1)
أخرجه مُسْلِمٌ في صحيحه(1142) وابْنُ أَبِي شَيْبَةَ في المسند(ج1ص341) والطَّبَرِيّ في تهذيب الآثار (ص267- مسند علي) وأحمد في المسند (ج3ص460) والطَّبَرَانِيّ في المعجم الكبير (ج19ص194) وفي المعجم الصغير (ج1ص33) وأَبُو نُعَيْمٍ في معرفة والصحابة (ج2ص345) وابْنُ أَبِي عَاصِمٍ في الآحاد والمثاني (ج4ص115) وابن عبد البر في الإستيعاب (ج1ص50) وابْنُ الأَعْرابيّ في المعجم (ق/116/ط) والبَيْهَقِيّ في السنن الكبرى (ج4ص260) وفي السنن الصغرى (ج2ص127) وعَبْدُ بن حُمَيْدٍ في المنتخب (374) من طريق أَبِي الزُّبَيْر عن ابن كَعْب بن مالك عن كَعْب بن مالك به.
3) وَعَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ: ( أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ عَبْد اللهِ بْنِ عَمْرو بْنِ العَاصِ عَلَى أَبِيهِ عَمْروِ بْنِ العَاصِ، فَقرَّبَ إِلَيْهمَا طَعاماً فَقَالَ: كُلْ، فَقَالَ: إِنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ عَمْرو بْنُِ العَاصِ: ( كُلْ، فَهَذِهِ الأَيَّامُ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللهِ × يَأْمُرَنَا أَنْ نَفْطِرَهَا، ونهِانا عَنْ صِيَامِهِا ).
حديث صحيح
قال الإمام مالك: هي أيام التشريق.
أخرجه مَالِكٌ في الموطأ (1369-رواية يحيى اللَّيثيّ) وأَبُو دَاوُدَ في سننه (2418) وأحمد في المسند (ج4ص197) والدَّارِمِيّ في المسند (ج2ص24) والطَّحَاوِيّ في شرح معاني الآثار (ج2ص244) وابْنُ خُزَيْمَةَ في صحيحه (149) والبَيْهَقِيّ في السنن الكبرى (ج4ص297) وفي معرفة السنن والآثار (ج6ص364) والجَوْهَرِيّ في الموطأ (ص623) والحَدَثَانِيّ في الموطأ (ص484) والحاكم في المستدرك (ج1ص435) ومحمد بن الحسن في الموطأ (ص130) وابن عبد البر في التمهيد (ج23ص69) وابْنُ البُخَارِيّ في مشيخته (ج3ص1575) وعبد الباقي الأَنْصَارِيّ في مشيخته (ج2ص837) من طريق يزيد بن عبد الله بن الهاد عن أَبِي مُرَّةَ مولى أم هانئ به.
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات.(1/2)
قال الحافظ النووي رحمه الله في المجموع (ج6ص442): ( رواه أَبُو دَاوُدَ وغيره بإسناد صحيح على شرط البُخَارِيّ وَمُسْلِم ).
والحديث فيه التصريح بالنهي عن صوم أيام التشريق للحاج وغير الحاج، هذا هو الصحيح في السنة النبوية.
وأيام التشريق هي الثلاثة التي بعد النحر، ويقال لها أيام منى. ( ) انظر المجموع للنووي (ج6ص442).)
قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله في التمهيد (ج12ص129): ( ولا خلاف بين العلماء أن أيام التشريق هي: الأيام المعدودات، وهي: أيام منى وهي: ثلاثة الأيام بعد يوم النحر، كل هذه الأسماء واقعة على هذه الأيام، ولم يختلفوا في ذلك ).اهـ
وقال الحافظ ابْنُ حِبَّانَ رحمه الله في صحيحه (ج8ص367): ( قوله × ( أَيَّامُ مِنَى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ) لفظة إخبار عن استعمال هذا الفعل مرادها الزجر عن ضده، وهو صوم أيام منى، فقيد بالزجر عن صوم هذه الأيام بلفظ الأمر بالأكل والشرب فيها ).اهـ
وقال الحافظ النَّووِيّ رحمه الله في شرح صحيح مسلم (ج3ص208):(وفيه دليل لمن قال: لا يصح صومها بحال، وهو أظهر القولين في مذهب الشَّافِعِيّ، وبه قال أَبُو حَنِيفَةَ وابْنُ المُنْذِرِ وغيرهما ).اهـ
وقال الحافظ ابْنُ قُدَامَةَ رحمه الله في المغني (ج4ص426): ( ولا يحل صيامها تطوعاً، وهو قول أكثر أهل العلم، وعن ابن الزبير أنه كان يصومها...).اهـ
وقال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله في التمهيد (ج12ص127): (أما صيام أيام التشريق فلا خلاف بين فقهاء الأمصار فيما علمت أنه لا يجوز لأحد صومها تطوعاً).اهـ
ويؤيد ذلك بأن النبي × لم يصم يوم عرفة.
وإليك الدليل:
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: ( مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ × صَائِماً فِي العَشْرِ قَطُّ ). يعني الأيام العشر الأولى من شهر ذي الحجة.(1/3)
أخرجه مُسْلِمٌ في صحيحه ( ص 283) والتَّرْمِذِيّ في سننه (756) والنَّسَائِي في السنن الكبرى (2872) وابْنُ رَاهُوَيْه في المسند (1505) وأحمد في المسند (ج6ص42) والسَّرَاج في المسند (ق/99/ط) وأبو القاسم البَغَوِيّ في الجَعْديات (ج2ص739) وابْنُ أَبِي شَيْبَةَ في المصنّف (ج3ص41) وابْنُ حِبّانَ في صحيحه (3608) والبَغَوِيّ في شرح السنة (1793) والبَيْهَقِيّ في السنن الكبرى (ج4ص285) من طريق أَبِي مَعَاوِيَةَ عن الأَعَمْشِ عن إبراهيم عن الأَسْوَد عن عائشة به.
وأخرجه مُسْلِمٌ في صحيحه (ص283) من طريق سُفيان عن الأَعَمْشِ عن إبراهيم عن الأَسْوَد عن عائشة رضي الله عنها قالت:(أَنّ النّبِيّ × لَمْ، يَصُمْ العَشْرَ ).( ) فأيام العشر من ذي الحجة يشمل يوم عرفة كما هو واضح في الحديث.
انظر لطائف المعارف لابن رجب (ص398).)
وأخرجه المَحَامِلِيّ في الأمالي (ص276) من طريق الفُرَاتَ الرِّقيّ عن الأَعْمَشِ عن إبراهيم عن الأَسْود عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ × صَائِماً أيَّامَ العَشْرِ قَطُّ).
وأخرجه البَيْهَقِيّ في السنن الكبرى (ج4ص285) وأحمد في المسند (ج6ص42) من طريق يعلى عن الأَعْمشِ عن إبراهيم عن الأَسْود عن عائشة به.
وأخرجه النَّسَائِيّ في السنن الكبرى (2874) من طريق حَفْص بن غَيّاث عن الأَعْمَشِ عن إبراهيم عن الأَسْوَد عن عائشة به.
وأخرجه ابْنُ خُزَيْمَةَ في صحيحه (2103) من طريق أبي خالد الأحمر عن الأَعْمَشِ عن إبراهيم عن الأَسْوَد عن عائشة به.
وأخرجه أَبُو دَاوُدَ في سننه (ج2ص816) وأحمد في المسند (ج6ص124) من طريق أَبِي عَوَانَةَ عن الأَعْمَشِ عن إبراهيم عن الأَسْوَد عن عائشة به.
قال الحافظ التِّرْمِذِيّ رحمه الله في السنن (ج3ص103): ( هكذا رواه غير واحد عن الأَعْمَشِ عن إبراهيم عن الأَسْوَد عن عائشة ).(1/4)
ثم ذكر أن هذه الرواية أصحُّ وأوصلُ إسناداً. ( ) يعني من الرواية المرسلة الآتي ذكرها قريباً.)
فقال الحافظ التِّرْمِذِيّ رحمه الله: ( وقد اختلفوا على منصور في هذا الحديث، ورواية الأعمش أصحُّ وأوصلُ إسناداً ).اهـ
وحديث منصور: أخرجه ابْنُ مَاجَه في سننه (1726) من طريق أَبِي الأَحْوَص عن منصور عن إبراهيم عن الأَسْوَد عن عائشة به.
قال العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود (ج7ص201): ( رواية ابن ماجه عن منصور متصلة صحيحة الإسناد، فهي تؤكد أَصَحّيّةَ رواية الأَعْمَشِ ).اهـ
قلت: لأن فيها متابعة منصور للأعمش.
وانظر العلل لابن أبي حاتم (ج2ص71).
وأخرجه ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ في المصنّف (ج3ص41) وابْنُ رَاهُوَيْه في المسند (1506) من طريق جَرِيرٍ عن منصور عن إبراهيم أن النبي × ...هكذا مرسلاً.
وأخرجه ابْنُ الجَعْدِ في المسند (ج2ص735) من طريق سُفيان الثَّوْرِيّ عن منصور عن إبراهيم قال حُدِّثت أن رسول الله × فذكره.
ومن هذا الوجه أخرجه عبد الرزاق في المصنف (ج4ص378).
قال الحافظ التِّرْمِذِيّ رحمه الله في السنن (ج3ص103): ( وروى الثّوْري وغيره هذا الحديث عن منصور عن إبراهيم أنَّ النّبِيّ × لَمْ يُرَ صَائِماً فِي العَشْرِ، وروى أَبُو الأَحْوَص عن منصور عن إبراهيم عن عائشة، ولم يذكر فيه عن الأَسْوَد، وقد اختلفوا على منصور في هذا الحديث، ورواية الأعمش أصحَُ وأوصلُ إسناداً)( ) قال العلامة الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله في تعليقه على التتبع للدارقطني (ص531): ( فالظاهر هو ما رجحه الترمذي رحمه الله، لكون الأعمش أحفظ لحديث إبراهيم ).اهـ).اهـ
ثم قال الحافظ التِّرْمِذِيّ رحمه الله: وسمعت محمد بن أَبَان يقول سمعت وَكِيعاً يقول: ( الأَعْمَش أحفظ لإسناد إبراهيم من منصور).اهـ(1/5)
وقد ذكر مثل كلام التَّرْمِذِيّ، أَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو زُرْعَةَ فيما نقله عنهما ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ في العلل (ج2ص71).
وذكر الحافظ الدَّارقُطْنيّ رحمه الله اختلاف منصور والأعمش على إبراهيم النَّخَعِيّ، فالأَعَمَش كما سبق روى الحديث عن إبراهيم عن الأَسْوَد عن عائشة متصلاً مرفوعاً، وروى منصور الحديث عن إبراهيم مرسلاً ومتصلاً. ( ) انظر بين الإمامين مسلم والدارقطني للشيخ ربيع بن هادي المدخلي (ص218).)
ولم يرجح الحافظ الدَّارقُطْنيّ رحمه الله أحد الجانبين على الآخر، والظاهر أنه يرجح الإرسال. ( ) انظر بين الإمامين مسلم والدارقطني للشيخ ربيع بن هادي المدخلي (ص218).
وانظر تعليق الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله على التتبع (ص530).)
حيث قال الحافظ الدَّارقُطْنيّ رحمه الله في التَتَبُع (ص529):(وأخرج مُسْلِم حديث الأَعْمَش عن إبراهيم عن الأَسْود عن عائشة: مَا صَامَ رَسُولُ اللهِ × العَشْرَ ).
قال أبو الحسن الدَّارَقُطْنِيّ: وخالفه منصور رواه عن إبراهيم مرسلاً ).اهـ
وقد صرح بترجيحه للإرسال في كتابه العلل (ج5ص129) مجيباً عن سؤال وجه إليه عن هذا الحديث: ( يرويه إبراهيم النَّخَعِيّ، واختلف عنه: فرواه الأَعْمَشُ عن إبراهيم عن الأَسْوَد عن عائشة، ولم يختلف عن الأَعْمَشِ فيما حدث به عنه أبو مَعَاوية، وحَفْصَ بن غَيَّاث، وزائدة بن قُدَامَةَ، وعَبْدَة بن سليمان، والقاسم بن مَعِين، وأبُو عَوَانَةَ.
واختلف عن الثَّوْرِيّ، فرواه ابن مَهْدي عن الثَّوْرِيّ عن الأَعْمَش كذلك.
وتابعه يزيد بن زُرَيْع، واختلف عنه: فرواه حُمَيْد المَرْوَزِي عن يزيد بن زُرَيْع، عن الثَّوْرِي عن الأَعْمَش مثل قول عبد الرحمن بن مَهْدي.
وحدث به شيخ من أهل أصبهان: يعرف بعبد الله بن محمد النِّعمان عن محمد بن مِنْهَال الضَّرير عن يزيد عن الثَّوْرِي عن منصور عن إبراهيم عن الأَسْوَد عن عائشة.(1/6)
وتابعه مَعْمَر بن سَهْل الأَهْوَازِيّ عن أبي أحمد الزُّبَيْريّ عن الثَّوْرِيّ.
والصحيح عن الثَّوْرِيّ عن منصور عن إبراهيم قال: حُدّتْتُ أن رسول الله ×، وكذلك رواه أصحاب منصور مرسلاً: منهم فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ وجَرِيرٌ ).اهـ
فنرى الحافظ الدَّارَقُطنِيَ رحمه الله هنا قد رجح الإرسال، واحتج لذلك بأن أصحاب منصور قد رووه مرسلاً.
ولكن الاختلاف بين الأَعْمَشِ ومنصور الحق فيه أن الوصل الذي رواه الأعمش هو الصواب والراجح كما سبق ذكر ذلك.
ويؤيد ذلك: رواية منصور المتصلة السابقة عن ابن ماجه في سننه(1726).
قال العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله في صحيح سنن أبي داود (ج7ص201): ( رواية ابْنُ مَاجَه عن منصور متصلة صحيحة الإسناد، فهي تؤكد أصَحّيّةَ رواية الأَعْمَشِ ).اهـ
قلت: لأن فيها متابعة منصور للأَعْمَشِ.
وقال العلامة الشيخ ربيع بن هادي المَدْخَلِيّ حفظه الله في كتابه: بين الإمامين مُسْلِمٍ والدَّارَقُطْنِيّ (ص219): (وإذن فالراجح هو الوصل:
1) لأنه زيادة ثقة فيجب قبولها.
2) ولأن للأَعْمَشِ مزية في إبراهيم على منصور، وهي كونه أحفظ لإسناد إبراهيم من منصور كما يروي ذلك التِّرْمِذِي.
فكان من واجب الدَّارَقُطْنِيّ أن يرجح الوصل ـ رواية الأعمش ـ لأنه يقول بوجوب قبول زيادة الثقة، ولا يوجد مانع من قبولها لاسيما ولراويها مزية على مخالفه ).اهـ
قلت: فالمتن صحيح من هذا الطريق الذي اعترضه الحافظ الدَّارَقُطْنِيّ رحمه الله.
قال العلامة الشيخ مقبل بن هادي الوَادْعِيّ رحمه الله في تعليقه على التَّتَبُع للدَّارَقُطْنِيّ (ص531): ( فعلى هذا لا يلزم الاعتراض مُسْلِماً لأنه أخرج الطريق المتصلة وهي المعتمدة كما أفاده التِّرمِذِي عن وَكِيعٍ).اهـ(1/7)
وأورد الحافظ ابْنُ رَجَبٍ رحمه الله في لطائف المعارف (ص392) حديث عائشة هذا، وأورد عليه إيرادات غير قادحة كما سبق فقال: ( وقد اختلف جواب الإمام أحمد عن هذا الحديث فأجاب مرة بأنه قد روي خلافه، وذكر حديث حَفْصَة، وأشار على أنه اختلف في إسناد حديث عائشة فأسنده الأَعْمَش، ورواه منصور عن إبراهيم مرسلاً ).اهـ
وهذا الحديث نص صريح أن النبي × لم يصم العشر الأولى من ذي الحجة، واليوم التاسع منها وهو يوم عرفة.
قلت: وهذا يشعر بأن صوم يوم عرفة لم يكن معروفاً عند النبي ×، مما يؤكد بأن الحديث الوارد في الترغيب في صومه غير ثابت عنه ×.
وهذا فيه رد على الحافظ ابن حجر في فتح الباري (ج2ص298) بأن قال: ( هذا ( ) يشير إلى حديث أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها بقولها : ( أن ناساً تماروا عندها يوم عرفة في صوم النبي × .... الحديث ). ) يشعر بأن الصوم يوم عرفة كان معروفاً عندهم معتاداً لهم في الحضر ( )وهذا القول ليس بصحيح لأن ثبت عن بعض الصحابة رضي الله عنها اجتهادات في بعض العبادات ثم تبين لهم بأنها خطأ، وذلك بعد تبيين النبي × لهم ذلك، فرجعوا عنها، وقد بينت هذا الأمر في كتابي ( العقود اللؤلؤية في تبيين رجوع السلف عن آرائهم وخطئهم في المسائل الخلافية الفقهية ) ولله الحمد والمنة. )، وكأن من جزم بأنه صائم استند إلى ما ألفه من العبادة، ومن جزم غير صائم قامت عنده قرينة كونه مسافراً، وقد عرف نهيه عن صوم الفرض في السفر فضلاً عن النفل ).اهـ
قلت: وهذا اجتهاد في مقابلة النص، فإذا وجد النص فلا رأي ولا اجتهاد، فالنقل هو الأصل، وهو المقدم على كل شيء في حالة ما يشبه التعارض.
ومن المعلوم أن كل ما نص عليه الكتاب والسنة نصاً صريحاً لا يجوز العدول عنه إلى ما يؤدي إليه الإجتهاد.
قال الحافظ الخطيب رحمه الله في الفقيه والمتفقه (ج1ص504): (باب في سقوط الإجتهاد مع وجود النص ).اهـ(1/8)
وقال الحافظ ابْنُ القَّيِّمِ رحمه الله في إعلام الموقعين (ج2ص287):(فصل في تحريم الإفتاء، والحكم في دين الله بما يخالف النصوص، وسقوط الإجتهاد والتقليد عند ظهور النص، وذكر إجماع العلماء على ذلك ).اهـ
وحديث حَفْصَة رضي الله عنها المشار إليه والذي يظهر فيه تعارض بينه وبين حديث عائشة رضي الله عنها لا يصح لأضطرابه ونكارته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولاختلافه ولأنه يخالف الحديث الصحيح السابق. ( ) وعلى فرض صحته، فيتعذر فيه الجمع بينه وبين حديث عائشة.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في لطائف المعارف (ص392): ( وهذا الجمع يصح في رواية من روي ( ما رأيته صائماً العشر )، وأما من روى ( ما رأيته صائماً في العشر ) فيبعد أو يتعذر هذا الجمع فيه ).اهـ )
وإليك الدليل:
عَنْ حَفْصَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: ( أَرْبَعْ لَمْ يَكُنْ النَّبيُّ × يَدَعُهُنّ: صِيَامَ عَاشُورَاءَ، وَالعَشْرَ، وَثَلاَثَةَ أَيّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتْينِ قَبْلَ الغَدَاةِ ).
حديث منكر
أخرجه أحمد في المسند (ج6ص287) وابْنُ أَبِي شَيْبَةَ في المسند (ص41 - المجلس ) والخطيب في تاريخ بغداد (ج9ص246) وأَبُو يَعْلَى في المسند (ج12ص469) والنَّسائِيّ في السنن الكبرى (ج3ص189) وفي السنن الصغرى (ج4ص538) والمُنْذِرِيّ في مجلس في فضل يوم عاشوراء (ص41) وابْنُ حِبَّانَ في صحيحه (6422) والطَّبَرَانِيّ في المعجم الكبير (ج23ص205) وفي المعجم الأوسط (7827) والمِزِّيّ في تهذيب الكمال (ج33ص28) من طريق هاشم بن القاسم قال حدثنا أَبُو إِسْحَاقَ الأَشْجَعِيّ الكُوفي قال حدثنا عَمْرو بن قَيْس المُلاَئِيّ عن الحُرِّ بن الصَّيَّاح عن هُنَيْدَة بن خالد الخُزَاعِيّ عن حَفْصَة به.(1/9)
قلت: وهذا سنده ضعيف فيه أَبُو إِسْحَاقَ الأَشْجَعِيّ الكوفي( )قال الحافظ الذهبي رحمه الله في الميزان (ج4ص489): ( ما علمت أحداً روى عنه غير أبي النضر هاشم). ) وهو مجهول، فقد تفرّد بالرواية عنه هاشم بن القاسم، ولم يُؤثر توثيقُهُ عن أحد من أهل العلم، وهُنْيدَةُ بن خالد الخُزَاعِيّ منهم من ذكره في الصحابة، ومنهم من ذكره في التابعين، فهو مختلف في صحبته.
انظر صحيح سنن أَبِي دَاوُدَ للشيخ الأَلبَانِيّ (ج1ص197) والثقات لابْنِ حِبَّانَ (ج3ص284) والإصابة لابْنِ حَجَرٍ (ج10ص263).
وقد اختلف على هُنَيْدَةَ بن خالد في إسناده:
1) فَرُوِيَ عنه عن حَفْصَة كما أوردناه.
2) وَرُوِيَ عنه عن امرأته عن بعض أزواج النبي × ولم يسمهما.
أخرجه أحمد في المسند (ج6ص88و423) وأَبُو دَاوُدَ في سننه (ج2ص815) والنَّسَائِيّ في السنن الكبرى (ج3ص198) وفي السنن الصغرى (ج4ص538) وأَبُو يَعْلَى في المسند (ج12ص325) والطَّحَاوِيّ في شرح معاني الآثار (ج1ص337) والبَيْهَقِيّ في السنن الكبرى (ج4ص284)وفي شعب الإيمان (ج7ص340) وفي فضائل الأوقات (ص347) من طرق عن أَبِي عَوَانَةَ قَال حدثنا الحُرُّ بنُ الصّيّاح عن هُنَيْدَةَ بن خالد عَن امْرَأَتِه عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبيِّ × قاَلَتْ: ( كَانَ رَسُولُ اللهِ × يَصُومُ تِسْعَ ذِي الحِجَّة، وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَثَلاَثَةَ أَيّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ: أَوّلَ اثْنَيْن مِنَ الشَّهْرِ، وَخَمِيِسَيْنِ ).
ولفظ النَّسائِيّ: ( تِسْعَةً مِنْ ذِي الحِجَّةَ ).
وفي لفظ للنَّسائِيّ أيضا بهذا الإسناد ( كَانَ رَسُولُ اللهِ × يَصُومُ العَشْرَ، وَثَلاَثَةَ أّيّامٍ مْنِ كُلِّ شَهْرٍ... ).
3) وَرُوِيَ عنه عن أم المؤمنين.(1/10)
أخرجه النَّسائِيّ في السنن الكبرى (ج3ص197) وفي السنن الصغرى (ج4ص220) من طريق زُهَيْرِ بن مُعاوية عن الحُرِّ بن الصَّيَّاحِ عن هُنَيْدَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَمِّ المُؤْمِنِينَ بِهِ وَفِيهِ: ( أَوّلَ اثْنَيْنِ مِنَ الشَّهْرِ، ثُمّ الخَمِيسَ، ثُمَّ الخَمِيسَ الذي يَلِيهِ ).
فأسقط من الإسناد امرأة هُنَيْدَةَ. ولم يذكر صوم العشر وصوم عاشوراء.
4) وَرُوِيَ عنه عن أمه عن أُمِّ سَلَمَةَ.
أخرجه النَّسَائِيّ في السنن الكبرى (ج3ص198) وفي السنن الصغرى (ج4ص538) وأَبُو يَعْلَى في المسند (ج12ص315) وأحمد في المسند (ج6ص289و310) وأَبُو دَاوُدَ في سننه (2452) والبَيْهَقِيّ في السنن الكبرى (ج4ص295) من طرق عن محمد بن فُضَيْلٍ قال حدثنا الحسن بن عبيد الله عن هُنَيْدَةَ بن خالد الخُزَاعِيّ عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ: ( دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَسَأَلْتُهاَ عَنِ الصِّيَامِ فقالتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ × يَأْمُرُ بِصَِيام ثَلاَثَةِ أَيّامٍٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ من أَوَّلِهَا: الاَثْنَيْنَ والخَمِيسَ، وَيَوْماً لاَ أَحْفَظُهُ ).
هكذا لم يذكر صوم تسع ذي الحجة أو العشر، ويوم عاشوراء.
ولفظ النَّسَائِيّ: ( يَأْمُرُ بِصِيَامِ ثَلاَثَةِ أَيّامٍ: أَوّلِ خَمِيسٍ، والاَثْنَيْنَ والاَثْنَيْنَ).
وإسناده فيه جهالة.
وخالفهم شَرِيكٌ النَّخَعِيّ:
فرواه عن الحُرِّ بن الصَّيّاح عَنِ ابْنِ عُمَرَ مرفوعاً بلفظ: ( كَانَ يَصُوُم ثَلاَثَةَ أَيّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ يَوْمَ الاْثَنْينِ مِنْ أَوّلِ الشَّهْرِ ثُمّ الخَمِيسِ الذّي يَلِيهِ ثُمّ الخَمِيسِ الذي يَلِيهِ ).
أخرجه النَّسائِيّ في السنن الكبرى (ج2ص135).
قلت: ورواية شَرِيكٍ النَّخَعِيّ خطأ، لأن شَرِيك سيئ الحفظ.( )انظر التهذيب لابن حجر (ج4ص333).)(1/11)
فالحديث روي عن هُنَيْدَةَ بن خالد الخُزَاعِيّ ـ كما مر علينا في البحث ـ، عنه عن حَفْصَةَ، وروي عنه عن امرأته عن بعض أزواج النبي ×، وروي عنه عن أم المؤمنين، وروي عنه عن أمه عن أُمِّ سَلَمَةَ.
وأما الاختلاف في المتن واضطرابه فهو على وجوه بيناها في أثناء البحث.
ومن أجل هذا الإضطراب ضعفه الزَّيْلَعِيّ في نصب الراية (ج2ص157) والألباني في الإرواء (ج4ص111).
بالإضافة إلى ضعف الأسانيد واضطرابها واختلافها.
قال الحافظ المُنْذِرِيّ رحمه الله في فضل صوم يوم عاشوراء (ص42):(وقد اختلف على هُنَيْدَةَ بن خالد في إسناده: فَرُوِيَ عنه عن حفصة كما أوردناه، وَرُوِيَ عنه عن امرأتِه عن بعض أزواج النبي × ولم يسمهما، وَرُوِيّ عنه عن أمه عن أُمِّ سَلَمَةَ ).اهـ
إذاً من قدمه على حديث عائشة فلم يصب، كالحافظ البَيْهَقِيّ رحمه الله في فضائل الأوقات (ص348) والحافظ ابن رَجَبٍ رحمه الله في لطائف المعارف (ص392).
وكذلك هو مخالف لما أخرجه مُسْلِمٌ في صحيحه (1160) من طريق مُعَاذَة العَدَّوِيةَ أَنَّهَا سَأَلَتْ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبيِّ ×: ( أَكَانَ رَسُولُ اللهِ × يَصُومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيّامٍ ؟ قَالتْ: نَعَمْ.فَقُلْتُ لَهَا: مِنْ أَيِّ أَيّام الشَّهْر كاَنَ يَصُومُ؟ قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ يُبَالِي مِنْ أَيِّ أَيّامِ الشَّهْرِ يَصُومُ ).
فقولها: ( مَا رَأَيْتُهُ صَائِماً فِي العَشْرِ قَطُّ) يتعذر تأويل بعض العلماء( ) كالنووي في شرح صحيح مسلم (ج3ص251)وابن رجب في لطائف المعارف (ص392) وابن حجر في فتح الباري (ج2ص534) وابن القيم في زاد المعاد (ج2ص165) والطحاوي في مشكل الآثار (ج7ص418).) فيه، لأنه صريح في أن النبي × لم يصم مطلقاً في أيام العشر من ذي الحجة.
وعلى هذا فما جاء أنه ما صام × في جميع العشر هو الأصل، فليتأمل.(1/12)
وكذلك لو قلنا بأن النَّبيِّ × صام العشر كما في حديث حفصة لتوهمنا دخول يوم النحر فيه، وهذا باطل بإجماع العلماء.
قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله في التمهيد (ج2ص164): ( وذكر يوم النحر، وقد أجمعوا على أنه لا يحل لأحد صومه).اهـ
وقال الحافظ الطبري رحمه الله في تهذيب الآثار (ج1ص351): (صومُ يوم النحر غير جائز عندنا، لنهي النبي × عن صومه نصاً، ولإجماع الأمة نَقْلاً عن نبيها × أنه لا يجوز صَوْمُهُ ).اهـ
ومن هنا كذلك يتبين نكارة حديث حَفْصَةَ رضي الله عنها .
وعليه: فإذاً الحديث لم يثبت فلا يكون معارضاً لحديث عائشة رضي الله عنها، وحديث عائشة رضي الله عنها مقدماً في الاستدلال على حديث حَفْصَةَ رضي الله عنها، والله ولي التوفيق.
وذكر في هذا الباب أحاديث ضعيفة منها:
1) حديث: إبراهيم بن اليَسَعِ عن ابْنُ جُريْجٍ عن عطاء عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ×: ( وَمَنْ صَامَ يَوْماً مِنْ شَهْرٍ حَرَامٍ، كَتَبَ اللهُ لهُ بِكُلِّ يَوْمٍ شَهْراً، وَمَنْ صَامَ أَيّامَ العَشْرِ كَانَ لَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ حَسَنَةً ).
حديث ضعيف جداً
أخرجه الخَلاّل في فضائل شهر رجب (ص52) من طريق أحمد بن عيسى عن إبراهيم بن اليَسَعِ عن ابْنُ جَرِيْجٍ به.
قلت: وهذا سنده واه فيه إبراهيم بن أَبِي دَحْية اليَسَع بن الأَشْعَث قال عنه البُخَارِيّ منكر الحديث وقَال الدَّارَقُطْنِيّ متروك وقال عنه أَبُو حَاتِمٍ منكر الحديث وقال ابنُ المَدِينِيّ ليس بشيء.
انظر الميزان للذَّهَبِيّ(ج1ص29).
وأخرجه الخطيب في المتفق والمفترق (ج3ص1628) من طريق علي بن علي الحُمَيْرِيّ عن الكَلْبِيّ عن أبي صالح عن ابْنِ عَبَّاسٍ مرفوعاً بلفظ: ( مَنْ صَامَ العَشْرَ مِنْ ذِي الحِجَّةَ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ صَوْمِ شَهْرٍ، وَلَهُ بَصْومِ يَوْمِ التَّرْوِية سَنَةً، وَلَهُ بِصَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ سَنَتَان).(1/13)
قلت: وهذا سنده كسابقه واه فيه محمد بن السَّائِب الكَلْبِيّ قال عنه ابْنُ مَعِينٍ ليس بثقة وقال ابْنُ حِبَّانَ كذاب وقال الدَّارَقُطْنِيّ متروك وقال الجَوْزَجَانِيّ كذاب وتركه ابن مَهْدِيّ.
انظر الميزان للذَّهَبِيّ (ج5ص2).
2) وحديث: قَيْس بن ثابت بن سعد قال: ( أَمَرَنَا أَنْ نَصُومَ العَشْرَ مِن أَوّلِ ذِي الحِجَّةَ، فَلمَا نَزَلَ شَهْرَ رَمضَانَ لَمْ نُؤْمَرْ بِهَا وَلَمْ نُنْهَ عَنْهَا).
حديث منكر
أخرجه ابْنُ بِشْرَان في الأمالي (ص309) من طريق أبي بلال الأَشْعَرِيّ قال ثنَا مُفَضل بن صَدَقة عن ابن أبي ليلى عن الحكم بن عُتَيْبَةَ عن القاسم بن مُخَيْمَرةَ عن قَيْس بن سعد به.
قلت: وهذا سنده ضعيف فيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأَنْصَارِيّ وهو سيئ الحفظ جداً كما في التقريب لابْنِ حَجَرٍ (ص871).
3) وحديث: شَرِيك عن الحُرِّ بن الصَّيّاح قال: ( جَاوَرْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ فَرَأَيْتُهُ يَصُومُ العَشْرِ).
أثر ضعيف
أخرجه ابْنُ الجَعْدِ في المسند (ج2ص845) عن شَرِيك به.
قلت: وإسناده ضعيف فَيه شَرِيكُ بن عبد الله النَّخَعِيّ وهو سيئ الحفظ، ولذلك يخطئ كثيراً.
انظر التهذيب لابْنِ حَجَرٍ (ج4ص333) والميزان للذَّهَبِيّ (ج2ص270).
4) وحديث: عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: ( مَا مِنَ السَّنَةِ يَوْمٌ أَحَبُّ إِليَّ ـ مِنْ أَنْ أَصُومَ ـ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ ).
أثر ضعيف
أخرجه الطَّبَرِيّ في تهذيب الآثار (ج1ص364 - مسند عمر) والبَيْهَقِيّ في شعب الإيمان (ج7ص349) وفي فضائل الأوقات (187) وابْنُ الجَعْدِ في المسند (ج1ص394) وابن أَبِي شَيْبَةَ في المصنّف (ج3ص96) والفَاكِهيّ في أخبار مكة (ج5ص29) وابْنُ عَسَاكِرٍ في فضل يوم عرفة (ص165) وابْنُ أَبِي الصَّقْرِ في مشيخته (ص151) من طريق أَبِي قَيْس عبد الرحمن بن ثَرْوَان عن هُزَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيل عن مَسْرُوق عن عائشة به.(1/14)
قلت: وهذا سنده لين فيه عبد الرحمن بن ثَرْوان الأَوْدِيّ وهو لين الحديث ويخالف في أحاديث فلا يحتج به إذا تفرد.
انظر تهذيب الكمال للمِزِّي (ج17ص20).
وهذا الأثر مخالف لما روت عائشة رضي الله عنها في صحيح مسلم، وقد سبق تخريجه.
وثبت عن ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أنه لم يصوم يوم عرفة مع ما فيه من الأجر العظيم.
وإليك الدليل:
عَنْ عَبْد الرَّحْمن بْنِ يَزِيدٍ: ( أَنّ عَبْدَ اللهِ لاَ يَكَادُ يَصُومُ، فَإِذَا صَامَ، صَامَ ثَلاَثَةَ أَيّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَيَقُولُ: إِنِّي إِذَا صُمْتُ ضَعُفْتُ عن الصَّلاةِ، والصَلاَةُ أحبُّ إليَّ مِنَ الصَّوْمِ).
أثر صحيح.
أخرجه الطَّحَاوِيّ في مشكل الآثار (ج7ص418) من طريقين عن شُعْبَةَ عن أَبِي إِسْحَاقَ عن عبد الرحمن بن يزيد به.
قلت: وهذا سنده صحيح.
فكيف يكون صوم يوم عرفة مستحباً ويكفر السنة الماضية والباقية، ولم يصمه( ) بل ولم يصمه النبي × وصحابته رضي الله عنهم.) ابن مسعود رضي الله عنه؟.
وَذُكِرَ في الأثر أنه يصوم ثلاثة أيام من كل شهر فقط، مما يؤكد بأنه لم يصم يوم عرفة وإلا لذكر، علماً بأن فضل صيام يوم عرفة أفضل من صوم ثلاثة أيام من كل شهر، فلو كان ثابتاً لقويّ على صومه لما فيه من الأجر العظيم، كما قوي على صوم ثلاثة أيام من كل شهر وذلك لثبوته عن النبي ×.
إذاً فلا يندرج الصوم من عشر ذي الحجة في العمل لعدم صوم النبي × في هذه الأيام.
وأفضل من الصوم في عشر ذي الحجة الصلاة وذكر الله عز وجل وقراءة القرآن والصدقة وطلب العلم...وغير ذلك من الأعمال التي يتقرب بها إلى الله عز وجل في هذه الأيام المباركة.
قلت: وخير الهدي هدي محمد × بأبي هو وأمي.
ولذلك كره السلف من الصحابة وغيرهم صوم يوم عرفة لكل أحد، ولم يصوموا يوم عرفة.
وإليك الدليل:(1/15)
1) عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْولِ قَالَ: ذَكَرْنَا لِطَاوُوسَ صومَ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَأَنَّهُ كَانَ يُقَالُ( ) وكما يقال الآن كذلك، قلت: فأين كان النبي × عن ذلك؟!.): ( كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ ) ( ) وهذه الكفارة كما هو معلوم لغير الحاج، وهذا يدل على أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه وعمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يصومانه في الحضر فتنبه.) فَقَالَ طَاوُوسُ: ( فَأَيْنَ كَانَ أَبُوَ بكْرٍ وَعُمَرُ عَنْ ذَلِكَ ؟! يَعْنِي أنّهُما كَانَا لاَ يَصُومَانَهُ ).
أثر صحيح
أخرجه الطَّبرِيّ في تهذيب الآثار (ج1ص364- مسند عمر) والفَاكِهيّ في أخبار مكة (ج5ص33) من طريق محمد بن شَرِيك أبي عثمان المَكْي عن سليمان الأَحْوَلِ به.
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
وأخرجه الفَاكِهِيّ في أخبار مكة (ج5ص33) بهذا الاسناد بنحوه.( ) وذكر محقق الكتاب بأن هذا في الحج وفيه نظر لذكر الكفارة في الأثر فافطن لهذا.
علماً بأن هذه الآثار التي ذكرت عن الصحابة وغيرهم ذكرها أهل العلم في صوم يوم عرفة لغير الحاج فتنبه.
انظر تهذيب الآثار للطبري (ج1ص364).)
فهذا أَبُو بَكْر الصِّديق رضي الله عنه، وعُمَرُ بن الخَطَّاب رضي الله عنه كانا لا يصومان يوم عرفة لأنه ليس من السنة صيامه، وَحَسْبُكَ بهما شيخا.
قلت: وهذا يوضح لك أن ذلك كان في غير الحج.
2) وعن عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: ( أَنّ عُمَرَ نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ).
أثر صحيح
أخرجه النَّسائِيّ في السنن الكبرى (ج3ص227و229) والطّبَرِيّ في تهذيبَ الآثار (ج1ص361و362)من طرق عن عمرو بن دينار عن عَطاء بن أَبِي رَبَاح عن عُبَيْد بن عُمَيْر به.
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات، وعُبَيْد بن عُمَيْر بن قَتَادَةَ اللَّيثيّ ولد على عهد النبي × قاله الإمام مُسْلِمٌ رحمه الله، وعدّه غيره في كبار التابعين مجمع على ثقته.
انظر التقريب لابْنِ حَجَرٍ(ص651).(1/16)
قلت: وهذا يدل على أن عُمَرَ بن الخطاب رضي الله عنه يحرم صوم يوم عرفة لغير الحاج، وذلك لنهيه عن صومه، وحَسْبُكَ به شيخاً.
3) وَعَنْ أَبِي السَّوَارِ: ( أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ فَنَهَاهُ). ( ) هكذا بدون تقييده بأنه كان بعرفة، وهذا يدل على أن ابن عمر رضي الله عنهما لا يرى صوم يوم عرفة لغير الحاج وإلا لماذا ينهاه عن صيامه، وَحَسْبُكَ به شيخاً.)
أثر حسن
أخرجه النَّسائِيّ في السنن الكبرى (ج3ص227) وأحمد في العلل (ج2ص181) والخطيب في الموضح (ج2ص339) والطَّبري في تهذيب الآثار (ج1ص362 - مسند عمر) من طرق عن شُعْبَةَ عن عَمْرو بن دينار عن أَبِي السَّوَارِ به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وأخطأ شُعْبَةُ في تسمية (أَبِي السَّوارِ) هذا، والصواب: ( أَبِي الثَّوْرَينِ)، واسمه محمد بن عبد الرحمن الجُمَحِيّ، ذكره ابْنُ حِبَّانَ في الثقات (ج 5ص375) وروى عنه أربعة، وقال ابن عبد البر: تابعي ثقة، وقال ابْنُ حَجَرٍ: مقبول وقال أحمد مشهور( )انظر تهذيب الكمال للمزي (ج25ص594) والكنى للدولابي (ج1ص133) والموضح للخطيب (ج2ص338) والتقريب لابن حجر (ص868).).
فأخرجه الحُمَيْدِيّ في المسند (582) والدُّولاَبِيّ في الكنى (ج1 ص133) والخطيب في الموضح (ج2ص339) من طريق ابن عُيَيْنَةَ عن عَمْرو بن دينار عن أَبِي الثَّوْرَيْنِ به.
قلت: وهذا سنده حسن.
وتابع عَمْراً عليه: عثمان بن الأسود وعثمان بن أبي سليمان عن ( أَبِي الثَّوْرَيْنِ ) محمد بن عبد الرحمن الجُمَحِيّ به.
أخرجه الفَاكِهِيّ في أخبار مكة (ج5ص31) من طريق عبد الله بن رَجَاء به.
وإسناده حسن.
وأخرجه الخطيب في الموضح (ج2ص338) من طريق حَمّاد بن سلمة قال حدثنا عَمْرو بن دينار به.(1/17)
قال عبد الله بن أحمد حدثني أبي قال: ( أخطأ شُعْبَةُ في كنية أَبِي الثَّوْرَيْنِ، فقال: أَبُو السَّوَار، وإنما هو أبو الثَّوْرَيْنِ، فقلت لأبي: من أبو الثَّوْرَيْنِ هذا؟. قال: رجل مشهور من أهل مكة، مشهور، اسمهه محمد بن عبد الرحمن القُرَشِيّ). ( ) انظر الكنى للدولابي (ج1ص133).)
وقال محمد بن المُثَنّى: ( هم يقولون أَبُو الثَّوْرَيْنِ، وهم فيه شُعْبَة، وتوهم أنه أَبُو السَّوار). ( ) انظر فتح الباب في الكنى والألقاب لابن منده (ص179).)
وقال الحافظ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ رحمه الله فِي العلل(ج2ص8):(سألت أبي عن حديث: رواه شُعْبَة عن عَمْرو بن دينار عَنْ أَبِي السَّوّارِ قَالَ: ( سَأَلتْ ابْنُ عُمَرَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ فَنَهَانِي ) قال أبي: هذا خطأ، رواه ابن عُيَيْنَةَ فقال: عن عَمْرو عن أَبِي الثَّوْرَيْنِ عن ابْنِ عُمَرَ وهو الصحيح.
قلت: لأبي ممن الخطأ قال: من شُعْبَة ).اهـ
وقال الحافظ ابْنُ مَنْدَه رحمه الله في فتح الباب ( ص179): (أَبُو الثَّوْرَيْنِ: محمد بن عبد الرحمن الجُمَحِيّ، مكي حدث عن ابْنِ عُمَرَ، روى عنه: عَمْرو بن دينار، وعُثمان بن الأَسْوَد).اهـ
قلت: وروى عنه عطاء بن أبي رباح وعثمان بن أبي سليمان.( ) انظر تهذيب الآثار للطبري (ج1ص358-مسند عمر) وأخبار مكة للفاكهي (ج6ص32).)
فمثله حسن الحديث.
وذكره الإمام أحمد رحمه في العلل (ج2ص181) وخطأ شُعْبَةُ في تكنيته أبا السَّوار، وذكر الصحيح عن ابن عُيَيْنَةَ عن أَبِي الثَّوْرَيْنِ.
4) وعَنِ ابْنُ عُمَر رَضِيَ اللهُ عنهما: ( كَانَ يَكْرَهُ صِيَامَ يَوْمِ عَرَفَةَ).
أثر حسن
أخرجه عبد الرزاق في المصنَّف (ج4ص284) من طريق عبد الله بن عُمَرَ عن نَافِعٍ به.
قلت: وهذا سنده لا بأس به في المتابعات.(1/18)
5)وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: ( لَمْ يَصُمْ رَسُولُ اللهِ × وَلاَ أَبُوَ بَكْرٍ وَلاَ عُمَرُ وَلاَ عَثْمَانُ وَلاَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ يَوْمَ عَرَفَةَ).
حديث صحيح بهذا اللفظ
أخرجه الطَّحَاوِيّ في شرح معاني الآثار (ج1ص72) من طريق أَبِي حُذَيْفَةَ قال ثنا سُفيان الثّوْرِيّ عن إسماعيل بن أُمَيَّةَ عن نَافِعٍ عن ابْنُ عُمَرَ به.
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
وتابعه المؤمَّل بن إسماعيل حدثنا سُفيان به ولم يذكر عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.
أخرجه النَّسائِيّ في السنن الكبرى (2825) وأحمد في المسند (ج2ص47).
وإسناده حسن في المتابعات.
وأخرجه أحمد في المسند (ج2ص47) من طريق وَكِيعٍ عن سُفيان عن إسماعيل بن أُمَيَّةَ عن رجل عن ابْنِ عُمَرَ به، ولم يذكر عليّ بن أبي طالب أيضاً.
وإسناده ضعيف لإبهام الراوي عن ابْنُ عُمَرَ.
وهذا الحديث يرويه عبد الله بن أَبِي نَجِيحٍ بألفاظ مختلفة ضعيفة، واختلف عليه:
فرواه إسماعيل بن عُلَيَّة وإبراهيم بن طَهْمَان وسُفيان بن عُيَيْنَةَ من طريق عَبْد اللهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ، فَقَالَ: ( حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ × فَلَمْ يَصُمْهُ، وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ فَلَمْ يَصُمْهُ، ومع عُمَرَ فَلَمْ يَصُمْهُ، ومع عُثْمَانَ فلم يَصُمْهُ، وَأَنَا لاَ أَصُومُهُ، ولا آمُرُ بِهِ وَلاَ أَنْهَى عَنْهُ).
قلت: والحديث بهذا اللفظ ضعيف غير محفوظ.
أخرجه التَّرْمِذِيّ في سننه (ج3ص116) والنَّسَائِيّ في السنن الكبرى (2826) وأحمد في المسند (ج2ص47) وابْنُ حِبَّانَ في صحيحه (ج8ص369) والبَغَوِيّ في شرح السنة (ج6ص346) والدَّارِمِيّ في المسند (ج2ص23) والطَّبَرِيّ في تهذيب الآثار (ج1ص355 - مسند عمر).
وقال أحمد في المسند (ج2ص47) عقب إخراجه: وقال سُفيان بن عُيَيْنَةَ عمن سأل ابْنُ عُمَرَ.(1/19)
هكذا رواه سُفيان بن عُيَيْنَةَ في إحدى الروايتين عنه، وهي التي أشار إليها أحمد.
وزيادة ( وَأَنَا لاَ أَصُومُهُ، ولا آمُرُ بِهِ وَلاَ أَنْهَي عَنْهُ ) غير محفوظة، وكذلك (حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ×...).
والمحفوظ عن ابْنُ عُمَرَ لا يأمر به ولا يصومه وينهى عنه كما تقدم ذكره.
قلت: فالحديث بهذا الألفاظ غير محفوظ لأضطراب متنه وسنده كما سوف يأتي.
ورواه الطَّبَرِيّ في تهذيب الآثار (ج1ص355) من طريق إبراهيم بن طَهْمَان حدثني عبد الله بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنّهُ قَالَ فِي صَوْمِ يَوْمَ عَرَفَةَ: ( لَمْ يَصُمْهُ رَسُولُ اللهِ × ولاَ أَبُو بَكْرٍ وَلاَ عُمَرُ ولاَ عُثْمَانُ ولاَ أَصُومُهُ أَنَا ولاَ آمُرُ بِهِ ولا َأَنْهى عَنْهُ ).
ولم يذكر في الحج، وذكرت عنعنة أَبِي نَجِيحٍ هنا.
ورواه سُفيان بن عُيَيْنةَ أيضاً، واختلف عليه:
فرواه أحمد بن مَنِيعٍ وعلي بن حُجْرٍ عن سُفيان عن ابن أَبِي نَجِيحٍ عن أبيه قال سئل ابن عمر فذكر مثله.
أخرجه التَّرْمِذِيّ في سننه (ج3ص116) والبَغَوِيّ في شرح السنة (ج6ص346).
ولم يذكروا أن رواية سُفيان بن عُيَيْنَةَ عمن سأل ابن عُمَرَ.
وأخرجه أَبُو يَعْلَى في المسند (5595) من طريق هارون بن معروف عن سُفيان به، وقال فيه عن ابن أَبِي نَجِيحٍ عن أبيه قال: سئل ابن عمر.
ورواه الحُمَيْدِيّ وعبد الرزاق ومحمد بن هارون عن سُفيان عن ابن أَبِي نَجِيحٍ عن أبيه عن رجل عن ابْنِ عُمَرَ.
وأخرجه الحُمَيْدِيّ في المسند (681) وعبد الرزاق في المصنَّف (7829) والطَّبَرِيّ في تهذيب الآثار (ج1ص356 - مسند عمر) والمَحامِلِيّ في الأمالي (ق/48/ط).
وإسناده فيه راو لم يسم.
قال الحافظ التِّرْمِذِيّ رحمه الله في سننه (ج3ص116): (وقد روي هذا الحديث عن ابن أَبِي نَجِيحٍ عن أبيه عن رجل عن ابْنِ عُمَرَ).
وتابع سُفيان على ذلك شُعْبَة بن الحجاج.(1/20)
فرواه غُنْدَرٌ وَرُوحٌ وأبو داود الطَّيَالِسِيّ وخالد عن شُعْبَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عن أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ سَأَلَ ابْنُ عُمَرَ أَوْ سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ فَذَكَرَهُ مِثْلُهُ، وَزَادَ: (وَأَنَا لاَ أَصُومُهُ، ولا آمُرُكَ ولاَ أَنْهَاكَ غَيْرَ إن شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَلاَتَصُمْ).
في رواية ( وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ).
هذا سياق غندر سنداً ومتناً.
أخرجه النَّسَائِيّ في السنن الكبرى (2827) وأحمد في المسند (ج2ص73) والطَّحَاوِيّ في شرح معاني الآثار (ج2ص72) والطَّبَرِيّ في تهذيب الآثار (ج1ص356 - مسند عمر).
والزيادة منكرة لأنها من طريق فيه مجهول.
وكذلك جزم ابْنُ عُمَرَ بعدم صومه ونهيه كما في الروايات الصحيحة عنه.
وأخرجه النَّسَائِيّ في السنن الكبرى (2839) من طريق عليّ بن حُجْرٍ قال أخبرنا سفيان وإسماعيل عَنِ ابن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ أَبِيهِ أَنْ ابْنَ عُمَرَ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ، فَقَالَ: حَجَجْتُ مَعَ النَِّبيِّ ×، فَلَمْ يَصُمْهُ ).
ورواية النَّسَائِيّ مختصرة ولم يذكر فيها سوى النبي ×.
والإسناد فيه واسطة بين أَبِي نَجِيحٍ وبين ابْنَ عُمَرَ وهو الصواب.
فهذا الحديث معلول لا يصح بهذا اللفظ قد سمعه أَبو نَجِيحٍ من رجل لم يسمِّه عن ابْنَ عُمَرَ، وهو ما بينه سُفيان بن عُيَيْنَةَ وشُعْبَة بن الحجاج.
ورواية سُفيان الثَّوْرِيّ المتقدمة هي الصحيحة في عدم ذكر ذلك في الحج، والله ولي التوفيق.
قلت: وقد استدل بهذا الأثر بعض أهل العلم في عدم صوم يوم عرفة لغير الحاج.( ) انظر شرح معاني الآثار للطحاوي (ج1ص72).)
فبين هذا الحديث أن ما روى سُفيان الثَّوْرِيّ عن إسماعيل بن أًمِّية عن نافع عن ابْنِ عُمَرَ هو الصحيح.
فثبت بهذا الحديث عن رسول الله × وأَبِي بَكْر الصَّدّيق وُعَمَر بن الخَطّابِ وعثمان بن عَفْان وعليّ بن أبي طَالِبٍ رضي الله عنهم عدم الترغيب في صوم يوم عرفة.(1/21)
6) وَعَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَأَلْتُ سَعِيَد بْنَ المُسَيِّبِ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَِفَةَ فَقَالَ: ( كَانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يَصُومُهُ.فَقُلْتُ: هَلْ تَرْفَعُ ذَلِكَ إِلى غَيرِهِ ؟.فَقَالَ: حَسْبُكَ بِهِ شَيْخاً ).
أثر صحيح
أخرجه أحمد في العلل (ج2ص183) من طريق عبد الأَعْلَى.
وأخرجه الفَاكِهِيّ في أخبار مكة (ج5ص31) من طريق يزيد بن زُرَيْعٍ.
وأخرجه الطَّبَرِيّ في تهذيب الآثار (ج1ص360 - مسند عمر) من طريق إسماعيل بن عُلَيّه.
وأخرجه ابن عبد البر في التمهيد (ج21ص160) من طريق حَمّاد بن زيد.
كُلُّهُمْ قالوا ثنا يحيى بن أبي إسحاق به.
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
فثبت بهذا الأثر أيضاً بأن سعيد بن المُسَيَّبِ رحمه الله لا يرى صوم يوم عرفة وهذا واضح.
7) وعَنِ ابْنِ عُمَرَ وعُمَرَ : ( أَنَّهُمَا كَانَا لاَ يَصُومَان يَوْمَ عَرَفَةَ).
أثر صحيح
أخرجه الطَّبَرِيّ في تهذيب الآثار (ج1ص362 - مسند عمر)من طريق عن عُبيد الله العُمَرِيّ قال حدثنا نَافِعٍ به.
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
8) وَعَنْ عُمَارَةَ بِنْ زَاذَان قَالَ سَأَلْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ فَقَالَ: ( لَمْ يَصُمْهُ عُمَرُ، وَلاَ أَحَدٌ مِنْ آلِ عُمَرَ ( ) وآل عمر من فقهاء المدينة وهم: سالم بن عبد الله وعبيد الله بن عبد الله وبلال بن عبد الله وزيد بن عبد الله وعمر بن عبد الله وعبد الله بن عبد الله رحمهم الله.) يابُنَيّ).
أثر حسن
أخرجه الطَّبَرِيّ في تهذيب الآثار (586) من طريقين عن وكيع عن عُمَارَةَ بن زَاذَان به.
قلت: وهذا سنده حسن.
9) وَعَنْ عُبَيْدِ بْنُ عُمَيْرٍ قَالَ: ( إِنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ لَمْ يَصُمْ يَوْمَ عَرَفَةَ ).
أثر صحيح
أخرجه الفَاكِهي في أخبار مكة (ج5ص31) من طريقين عن عطاء بن أَبِي رَبَاحٍ عن عُبيْد بن عُمَيْر به.(1/22)
قلت: وهذا سنده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
10) وَعَنْ بِشْرٍ القُرَشِيّ قَالَ: ( دَخَلْتُ عَلَى الحُسَيْنِ بْنِ عَلَيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ يَوْمِ عَرَفَةَ وَهُوَ يَأْكُلُ ).
أثر حسن
أخرجه الطَّبَرِيّ في تهذيب الآثار (ج1ص362) من طريق شريك عن السُّدِّي عن بِشْرٍ القُرشي به.
قلت: وهذا سنده حسن، وَشَرِيك هو ابن عبد الله النَّخَعِيّ صدوق يخطئ، ولا أظن أنه أخطأ في هذا الأثر فافطن لهذا.
قلت: وهو حسن في الشواهد.
فهذا الحسين بن علي رضي الله عنه كان مفطراً في يوم عرفة ولم يكن حاجاً.
وهذا يدل على أنه لا يرى صيام يوم عرفة، وحَسْبُكَ به شيخاً.
11) وَعَنْ مُحَمّد بِنْ سَعِيدٍ قَالَ: ( رَأَيْتُ ابْن عُمَرَ يَوْمَ عَرَفَةَ وَهُوَ يَأْكُلُ).
أثر حسن
أخرجه ابْنُ الجًعْدِ في المسند (ج1ص471) من طريق شُعْبَةَ عن محمد بن مرة عن محمد بن سعيد به.
قلت: وهذا سنده حسن.
قلت: وذكر الحافظ الطَّبَرِيّ رحمه الله في تهذيب الآثار (ج1ص363) هذه الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم تحت باب ( ذِكْرُ من كَرِهَ صَوْمَ يوم عرفة لكل أحدٍ، لكل موضع ).
ويتبين من كراهتهم لصوم يوم عرفة لغير الحاج بأنهم لا يرون سنية صوم يوم عرفة، ولا الأجر فيه، وذلك لعدم ثبوته عندهم.
قال أبو عبد الرحمن الأثري: قد بَيّنت هذه الآثار التي ذكرناها عن السلف رضي الله عنهم إفطارهم يوم عرفة بلاشك في غير الحج.
مما تبين بأن استحباب صوم يوم عرفة غيرُ مُجْمَعٍ عليه، بل مختلف فيه بين أهل العلم.( ) وأما الصحابة رضي الله عنهم فأجمعوا على عدم مشروعية صوم يوم عرفة كما سبق ذكره، ولذلك لم يصوموا يوم عرفة.)
وذكر الحافظ الطَّبَرِيّ رحمه الله في تهذيب الآثار (ج1ص365) ذلك الأختلاف بقوله : (...بل ذلك مُخْتَلَفٌ فيه...).(1/23)
إذْ كان مُخْتَلَفاً في صوم يوم عرفة لغير الحاج، الاختلاف الذي ذكرناه، ولم يكن هناك أي حديث عن رسول الله × في الاستحباب في صومه بغير عرفة، وبينت الأحاديث عن النبي × وعن الصحابة وبعض التابعين في عدم صومه فالأولى إتباع ذلك، والتفرغ للعبادة من دعاء وغيره في يوم عرفة لما فيه من الخير العظيم.
وذكر هذا الاختلاف كذلك الحافظ ابن عبد البر رحمه الله في التمهيد (ج21ص161) بقوله : ( وقد ذهبت طائفة إلى ترك صومه بعرفة وغير عرفة للدعاء).اهـ
وبوب الحافظ الطَّبَرِيّ رحمه الله في تهذيب الآثار (ج1ص361) بقوله (ذِكْرُ من كَرِهَ صَوْمَ يوم عرفة بكل أحدٍ، لكل موضع).
وقال الحافظ الطَّبَرِيّ رحمه الله في تهذيب الآثار (ج1ص361): (...وقد صَحّ عندك الخبرُ عن رسول الله × بأنه جَعَله في أيام العيد التي آثر الأكلَ فيها والشربَ على الصوم، وثبت عندك عن جماعةٍ من السّلَف كَرَاهَتُهمْ صَوْمَ ذلك اليوم، لكل أحدٍ، في كل موضعٍ وكل بُقْعَة من بقاع الأرض ( ) يعني بذلك لغير الحاج.)، وإنكار بعضهم ( ) وهذا يدل بأن حديث أبي قتادة في فضل صوم يوم عرفة قد أنكره بعض العلماء كما أسلفنا، مما يبين بأنه غير مجمع على صحته.) الخبرَ الذي رُوي عن أَبِي قَتَادَةَ عن رسول الله × في فضل صومه).اهـ
وهذا يدل على أن جماعة من السلف نهو عن صيام يوم عرفة لغير الحاج مما يدل أيضاً بأنهم لا يرون صيام يوم عرفة لغير الحاج.
وقال الحافظ الطَّبَرِيّ رحمه الله في تهذيب الآثار (ج1ص364): (وأما كراهة من كره صومه ـ يعني يوم عرفة ـ من أصحاب رسول الله × والتابعين في غير عرفة ولغير الحاج، فإن كراهة ذلك له لما قد تقدم بيانه قبل من إيثارهم الأفضل من نفل الأعمال على ما هو دونه....).اهـ
قلت: ونهي السلف الصالح رضي الله عنهم عن صيام يوم عرفة لأنه ليس من السنة صيامه كما أسلفنا.(1/24)
قلت: أين الإجماع على صوم يوم عرفة؟، لذلك لا يجوز الفتوى بالتقليد المذموم، لأنه ليس بعلم، والفتوى بغير علم حرام ولا خلاف بين أهل العلم في ذلك. ( )انظر إعلام الموقعين لابن القيم (ج1ص44) في مسألة التقليد.)
قال عبد الله بن أحمد رحمه الله في المسائل (ج3ص1314):(سمعت أبي ـ يعني الإمام أحمد ـ يقول: ما يدعي الرجل فيه الإجماع، هذا الكذب من ادعى الإجماع فهو كذب، لعل الناس قد اختلفوا، هذا دعوى بشر المريسي والأصم ( ) فتوهم الإجماع من منهج أهل البدع ليطعنوا في أهل الحديث فافطن لهذا.)، ولكن يقول: لا يعلم الناس يختلفون، أولم يبلغه ذلك، ولم ينته إليه فيقول: لا نعلم الناس اختلفوا ).اهـ
ونقل الحافظ ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين (ج1ص30) هذه الرواية ثم بين مراد الإمام أحمد رحمه الله بإنكاره الإجماع فقال:(ونصوص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجل عند الإمام أحمد، وسائر أئمة الحديث من أن يقدموا عليها توهم إجماع ( )فيتوهم أهل التحزب الإجماع في بعض المسائل الفقهية أمام العامة ليشوشوا على أهل الأثر، اللهم غفراً.)، مضمونه عدم العلم بالمخالف، ولو ساغ لتعطلت النصوص، وساغ لكل من لم يعلم مخالفاً في حكم مسألة أن يقدم جهله بالمخالف على النصوص، فهذا هو الذي أنكره الإمام أحمد والشافعي من دعوى الإجماع، ولا ما يظنه بعض الناس أنه استبعاد لوجوده ).اهـ
ويؤيد ما تقدم: بأن النبي × لم يتحر في السَّنةِ إلا يوم عاشوراء مع أن كفارة صوم يوم عرفة أعظم من كفارة صوم يوم عاشوراء.
وإليك الدليل:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: ( مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ × يَتَحرَّى صِيَامَ يَوْمٍ يَلْتَمِسُ فَضْلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلاَّ هَذَا اليَوْمُ، يَوْمَ عَاشُوَراءَ، وَشَهْرَ رَمَضَانَ). ولم يذكر صوم يوم عرفة!.(1/25)
أخرجه البُخَارِيّ في صحيحه (ج2ص251) ومُسْلِم في صحيحه (ج2ص797)والنَّسَائِيّ في السنن الصغرى (ج4ص204) وأَبُو نُعَيْمٍ في المستخرج على صحيح مسلم (ج3ص212) وابْنُ خُزَيْمَةَ في صحيحه (ج3ص287)وابْنُ أَبِيّ شَيْبَةَ فِي المصنّف (ج3ص58) وعبد الرزاق في المصنّف (ج4ص287) والبَيْهَقِيّ في السنن الكبرى (ج4ص286)وفي المعرفة (ج6ص356) وفي فضائل الأوقات (ص437) والشَّافِعِيّ في السنن (ص315) وفي المسند (ج1ص457) وأبو القاسم الأصبهاني في الترغيب والترهيب (ج2ص402) وابن البَخْتَريّ في الأمالي (ص169) وَضِيَاء الدِّين المَقْدِسي في فضائل الأعمال (ص259) والمِهْرَوَانِيّ في الفوائد الممنتخبة (ص121) وابن الأعرابي في المعجم (ج2ص744) من طرق عن عُبيد الله بن أبي زيد أنه سمع ابن عباس به.
وهذا يدل على أن صيام يوم عاشوراء كان معروفاً عند الصحابة رضي الله عنهم، بل وحتى عند الأنبياء في السابق.( ) انظر لطائف المعارف فيما المواسم العام من الوظائف لابن رجب (ص77).)
وأما صوم يوم عرفة لم يكن معروفاً عندهم وإلا لذكره ابن عباس رضي الله عنهما.
وهذا الحديث يدل على أن النبي × لم يكن يتحرى فضل صوم يوم عرفة، بل كان يطلب فضل صوم يوم عاشوراء على غيره من الأيام.
وهذا نص صريح، ولا اجتهاد مع وجود نص.
تنبيه:
وأما ما أخرجه ابن سَمْعُونَ في الأمالي (ص89) من طريق أحمد بن سليمان حدثنا هشام بن عمَّار حدثنا شُعَيب بن إسحاق حدثنا سعيد بن أَبِي عَرُوَبَة عن يحيى بن أَبِي كَثِيرٍ عن عبيد الله بن أبي يزيد قال سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا يَقُولُ: ( مَا كَانَ رَسُولُ الله × يَتَحرَّى صِيَامَ يَوْمٍ إلاّ يَوْمَ عَاشُوراءَ، وَيَوْمَ عَرَفَةَ ).
فهو حديث منكر بزيادة (يوم عرفة)(1/26)
قلت: وهذا سنده منكر فيه أحمد بن سليمان بن زَبّان وهو ضعيف، وهشام بن عَمَّار السُّلمي يخالف ويخطئ ولَمّا كبر صار يَتَلَقَّن فلا يحتج بحديثه إلاّ إذا توبع، وسعيد بن أَبِي عَرُوَبَة مختلط.
انظر السير للذَّهبِيّ (ج11ص431) والتقريب لابْنِ حَجَرٍ (ص384).
قلت: فلا يحتج به في هذا الباب.
وَذُكِرَ في حديث الباب زيادة شاذة، وهي صيام يوم عرفة يكفِّرُ ذنوب سنتين، سنة ماضية، وسنة آتية، فيكون للعبد الصائم ليوم عرفة يكفر ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
وهذا الحكم خاص( ) انظر مرشد المحتار إلى خصائص المختار لابن طولون (ص394) والخصائص الكبرى للسيوطي (ج2ص336).) بالنبي × لا يشاركه أحد من بني آدم لا جزئياً ولا كلياً فافطن لهذا ترشد.
وإليك الدليل:
قال الله تعالى: { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا } .سورة الفتح آية (2،1).
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره (ج3ص198): ( هذا من خصائصه × التي لا يشاركه فيها غيره، وليس في حديث صحيح في ثواب الأعمال لغيره غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهذا فيه تشريف عظيم لرسول الله × ).اهـ
وقال الله تعالى: { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } .سورة الانشراح آية (1،4).
فالحديث أيضاً شاذ من هذه الجهة لأنه مخالف لأصل من أصول الإسلام، ولعدم وجود المتابع المعتبر لهذه الزيادة. ( ) وكم زيادة شاذة وجدت في صحيح مسلم كما بين ذلك أهل العلم.)
ولذلك اختلف العلماء في معنى تكفير السنة الباقية والمستقبلة لأدراكهم بأن ذلك خاص بالنبي ×.
قال بعضهم: إن الله تعالى يغفر له ذنوب سنتين.(1/27)
وقال بعضُهُم: إن الله تعالى يعصمه في هاتين السنتين فلا يعص فيهما. ( ) انظر المجموع للنووي(ج6ص381).)
وقال أبو المكارم القاضي الرُّويَانِيّ الشَّافِعِيّ رحمه الله في كتابه العدة: ( في تكفير السنة الأخرى يحتمل معنين:
أحدهما: المراد السنة التي قبل هذه، فيكون معناه أنه يكفر سنتين ما ضيتين.
والثاني: أنه أراد سنة ماضية، وسنة مستقبلة، وهذا لا يوجد مثله من العبادات أنه يكفر الزمان المستقبل، وإنما ذلك خاص لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر بنص القرآن العزيز).( ) انظر المصدر السابق.)اهـ
قلت: وكل ما يرد في الأخبار من تكفير الذنوب المستقبلة فهي ضعيفة لتخصيص ذلك بالنبي × وحده. ( ) انظر كتاب (الخصال المكفرة للذنوب والمَقَدّمَة والمؤخَّرَةَ )لابن حجر.)
قلت: ومن هذه الأخبار الضعيفة خبر صوم يوم عرفة فإنه يكفر سنة ما ضية وسنة مستقبلة.
تنبيه:
وأما حديث: شَريك عن عبد الله بن شَريك قال: ( رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ عَشَّيةَ عَرَفَةَ صَائِماً فَأَفْطَرَ قَبْلَ أَنْ يَفِيضَ النَّاسُ ).
فهو أثر ضعيف
أخرجه ابْنُ الجَعْدِ في المسند (ج2ص839) من طريق شَرِيك عن عبد الله بن شَرِيكٍ به.
قلت: وهذا سنده ضعيف فيه شَرِيك بن عبد الله النَّخَعِيّ وهو سيئ الحفظ، ولذلك يخطئ كثيراً.
انظر التهذيب لابن حجر (ج4ص333) والميزان للذهبي (ج2ص270).
ويضعف هذا الأثر كذلك إفطار ابن عمر يوم عرفة في الحج:
وإليك الدليل:(1/28)
عَنِ الزُّهْرِيّ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي عَطَاءٍ مَوْلَى لِبَنِي زَهْرَةَ أَنَّهُ صَاحَبَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ فِي الحَجِّ، فَلَمّا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ أَصْبَحَ ابْنُ أَبِي عَطَاءٍ صَائِماً، وَأَصْبَحَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ مُفْطِراً، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: ( تَرَى مَالَكَ عَنِ الغَدَاء؟ قَالَ: إِنِّي صَائِمٌ: فَسَكَتَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ، فَقَالَ ابْنُ أَبي عَطَاءٍ: كَيْفَ تَرَى يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمنِ فِي صَيامِ هَذَا اليَوْمِ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: أَمّا أَنَا فَلاَ أَصُومُهُ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ أَبِي عَطَاءَ: فَأَفْطِرْ ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ: أَتُرِيدُ أَنْ تَقُولَ أَنّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ أَمَرَنِي بالفِطْرِ. قَالَ ابْنُ أَبِي عَطَاءِ: فَأَفْطَرْتُ فَلَمْ يَنْهَنِي ولَمْ يُعِبْ ذَلِكَ عَلَيّ ).
أثر حسن
أخرجه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (ج1ص421) من طريق أَبِي اليَمَان أخبرني شُعَيب عن الزُّهْرِيّ أخبرني بن أَبِي عَطَاءٍ به.
قلت: وهذا سنده حسن، وابن أَبِي عَطَاءٍ اسمه جَرير.
وخلاصة القول: بأن الحديث معلول بالضعف من وجوه:
الوجه الأول: بأنه معلول بالانقطاع بين ابن معبد وأبي قتادة كما قال الحافظ البخاري وغيره من المحدثين.
الوجه الثاني: بأنه معلول بركاكة الألفاظ التي يجزم بأنها ليست من ألفاظ النبي × الذي أتي فصاحة الألفاظ وحسنها.
الوجه الثالث: بأنه معلول بإضطراب متنه كما قال الحافظ الدارقطني وغيره من المحدثين.
الوجه الرابع: بأن معلول بإضطراب إسناده كما قال الحافظ الدارقطني وغيره من المحدثين.
الوجه الخامس: بأنه معلول بالضعف لأن يوم عرفة يعتبر عيداً من أعياد المسلمين فلا يصومه العبد كما بين أهل العلم.
الوجه السادس: بأنه معلول بالضعف لأن النبي × لم يصم يوم عرفة، ولا صحابته رضي الله عنهم.(1/29)
الوجه السابع: بأنه معلول بالضعف لأن النبي × لم يتحر في السنة إلا صوم يوم عاشوراء فقط.
الوجه الثامن: بأنه معلول بالضعف لأنه مخالف لأصل من أصول الدين وهو ذكر أجر صومه بأنه يكفر السنة الماضية والباقية وهذا الحكم للنبي × لا يشاركه أحد بنص القرآن والسنة النبوية وأقوال أهل العلم.
الوجه التاسع: بأنه معلول لإجماع الصحابة رضي الله عنهم على عدم سنية صوم يوم عرفة.
الوجه العاشر: بأنه معلول بالضعف لأن النبي × لم يصم العشر من ذي الحجة ومنها يوم عرفة.
الوجه الحادي عشر: بأنه معلول بالضعف، لإنكار أهل العلم الحديث.
الوجه الثاني عشر: بأنه معلول بالضعف لنهي الصحابة رضي الله عنهم عن صوم يوم عرفة للحاج ولغير الحاج.
هذا آخرُ ما وفَّقني اللهُ سبحانه وتعالى إليه في تصنيف هذا الكتابِ النَّافعِ المُباركِ ـ إن شاءَ اللهُ ـ سائلاً رِّبي جلَّ وعَلا أنْ يكتب لي به أجراً، ويحطَّ عني فيه وِزراً، وأن يجعلَهُ لي عنده يومَ القيامةِ ذُخراً... .
وصلّى اللهُ وسلّم وباركَ على نبيناً محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
وآخر دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين.
فهرس الموضوعات
م
الموضوعات
الصفحة
1.
حال الحزبيين مع طلبة العلم.............................
(2)
2.
ديباجة نادرة.............................................
(3)
3.
درة نادرة................................................
(4)
4.
فتوى فضيلة الشيخ ابن عثيمين في تحريم معاداة طلبة العلم في مسائل فقهية...................................
(6)
5.
المقدمة..................................................
(8)
6.
ذكر الدليل على ضعف حديث: صوم يوم عرفة.....................................................
(15)
7.
إنكار أهل العلم حديث صوم يوم عرفة.................
(20)
8.
ذكر شروط الحديث الصحيح...........................
(20)
9.(1/30)
لفظة (عن ) صيغة أداء تحتمل السماع وعدم السماع...................................................
(21)
10.
قول الحافظ البخاري رحمه الله لا يعرف له سماع محمول على الانقطاع عنده......................................
(21)
11.
إقرار المحدثين لعبارة الحافظ البخاري رحمه الله بأنها تحمل على الانقطاع............................................
(22)
12.
رأي الحافظ مسلم رحمه الله في هذه المسألة...............
(26)
13.
تضعيف الحافظ البخاري رحمه الله لحديث (صوم يوم عرفة ) بسبب علة الانقطاع..............................
(27)
14.
إطلاق المحدثين عبارة ( لا نعرف له سماع) ويقصدون بها الانقطاع.............................................
(27)
15.
تصريح الحافظ البخاري رحمه الله في تضعيف إسناد عبد الله بن معبد الزماني عن أبي قتادة.......................
(28)
16.
شواهد الحديث منكرة لا يحتج بها في الشريعة.................................................
(29)
17.
إقرار الحافظ ابن عدي للحافظ البخاري في تضعيف حديث: صوم يوم عرفة................................
(30)
18.
إقرار المحدثين للحافظ البخاري في رميه إسناد حديث صوم يوم عرفة بالانقطاع................................
(30)
19.
توثيق الراوي لا يعارض في تخطئته في حديث من حديثه في إرسال وغيره.........................................
(31)
20.
ذكر علة أخرى في تضعيف حديث: صوم يوم عرفة وهي ركاكة الألفاظ.....................................
(32)
21.
لا يوجد شاهد لقوله ( صوم يوم عرفة يكفر السنة الماضية والباقية ).........................................
(33)
22.
ذكر علة أخرى في تضعيف حديث: صوم يوم عرفة وهي اضطراب الإسناد..................................
(24)
23.(1/31)
ذكر علة أخرى في تضعيف حديث: صوم يوم عرفة وهي اضطراب المتن.....................................
(41)
24.
لفظة ( والخميس ) في الحديث غير محفوظة...................................................
(44)
25.
لا يوجد شاهد لقوله ( صوم يوم عاشوراء يكفر السنة الماضية )...............................................
(47)
26.
لا بأس بالنظر العلمي في بعض أسانيد صحيح مسلم رحمه الله.................................................
(47)
27.
أئمة أهل الحديث ينتقدون بعض الأسانيد التي في صحيح مسلم رحمه الله..................................
(48)
28.
ذكر أقوال المحدثين في تضعيفهم بعض الأحاديث في صحيح الحافظ مسلم رحمه الله..........................
(48)
29.
ذكر المراجع التي تكلمت على أحاديث في صحيح الحافظ مسلم رحمه الله................................
(50)
30.
فائدة جليلة للعلامة الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله في الكلام على الصحيحين.............................
(51)
31.
ذكر أسماء المحدثين الذين تكلموا على أحاديث في صحيح مسلم رحمه الله................................
(56)
32.
أحاديث صحيح الحافظ مسلم رحمه الله لم يجمع على صحتها..................................................
(58)
33.
معرفة صحيح الحديث من سقيمه لأهل الحديث..................................................
(59)
34.
تضعيف حديث (صوم يوم عرفة) لا يتعارض مع صنيع أئمة أهل الحديث، ولا يعني ذلك انتقاص لصحيح الحافظ مسلم رحمه الله...................................
(59)
35.
لا يرى الحافظ البخاري رحمه الله صوم يوم عرفة........
(61)
36.
فائدة في قول المحدثين ( أصح شيء في هذا الباب) ونحوه
(61)
37.
أقوال العلماء رحمهم الله يحتج لها لا يحتج بها...........
(63)
38.(1/32)
أقوال العلماء رحمهم الله خطأ وصواب فمن أصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر على اجتهاده.................
(64)
39.
بعض العلماء الذين صححوا حديث (صوم يوم عرفة) بناء على إيراد الحافظ مسلم رحمه الله في صحيحه........
(67)
40.
المفتي المتعالم المقلد بدون النظر في الأدلة يأثم وإن أصاب الحق......................................................
(68)
41.
فائدة جليلة للحافظ ابن القيم رحمه الله في تحريم إصدار الفتوى بلا علم..........................................
(69)
42.
الواجب على المسلم الحق أن يحب ظهور الحق.........
(69)
43.
موقف الحافظ البخاري رحمه الله والحافظ مسلم رحمه الله من اشتراط اللقيا والسماع في السند المعنعن بين الرجال
(71)
44.
خطأ من يرد أقوال الحافظ البخاري رحمه الله في مسألة السماع..................................................
(73)
45.
لفظة (عن) صيغة أداء استعملت في الأسانيد المتصلة كما أنها أيضاً استعملت في الأسانيد غير المتصلة............
(75)
46.
ترجيح المحدثين صحيح الحافظ البخاري رحمه الله على صحيح مسلم رحمه الله................................
(77)
47.
لا يلزم من الرؤية السماع..............................
(78)
48.
ذكر الوسائل في إثبات اتصال السند المعنعن............
(80)
49.
ذكر أن صيغة (عن)في إسناد حديث (صوم يوم عرفة) محمول على الانقطاع...................................
(81)
50.
ذكر قول جمهور المحدثين على أن يشترط أن يكون الذين أضيفت العنعنة إليهم قد ثبتت ملاقاة بعضهم بعضاً مع براءتهم من وصمة التدليس.............................
(83)
51.
ذكر بعض الأحاديث التي انتقدت في صحيح الحافظ مسلم رحمه الله، ولم ينتقدها الحافظ الدارقطني رحمه الله
(87)
52.
تحقيق لوعد الله تعالى بحفظ دينه.........................
(92)
53.(1/33)
يحرم التعبد بأحاديث ضعيفة، وإن صحت عند بعض العلماء...................................................
(92)
54.
ذكر الدليل بأن يوم عرفة يوم أكل وشرب لأنه يعتبر عيداً للمسلمين فلا يصومه المسلم...................................................
(93)
55.
كراهة بعض العلماء صوم يوم عرفة لأنه يعتبر عيداً من أعياد المسلمين...........................................
(97)
56.
يوم عرفة من الأيام المعروفة عند السلف بأنه يوم عيد للسلمين.................................................
(98)
57.
ذكر الدليل على أن يوم عرفة أول أعياد المسلمين، وقد أفطره النبي × بعرفة والناس ينظرون إليه، ولم يبين × بأن الحاج يصومه........................................
(99)
58.
لم يرغب الحافظ البخاري رحمه الله في صحيحه في صوم يوم عرفة...............................................
(104)
59.
ذكر الآثار عن السلف في عدم صوم يوم عرفة في الحج..................................................
(105)
60.
ذكر الآثار عن السلف في من صام يوم عرفة في الحج.....................................................
(107)
61.
ذكر أقوال العلماء في عدم صوم يوم عرفة في الحج....................................................
(111)
62.
ذكر الدليل على عدم صوم يوم عرفة لغير الحاج....................................................
(112)
63.
ذكر الدليل على أن النبي × لم يصم العشر الأولى من شهر ذي الحجة منها يوم عرفة....................................................
(117)
64.
لا اجتهاد مع وجود النص...............................
(127)
65.
ضعف حديث حفصة رضي الله عنها في الصوم في أيام العشر من ذي الحجة....................................
(128)
66.(1/34)
ذكر الأحاديث الضعيفة في الصوم في أيام العشر من ذي الحجة....................................................
(135)
67.
ذكر أثر ابن مسعود رضي الله عنه في عدم صومه يوم عرفة وهو غير حاج.....................................
(139)
68.
ذكر الآثار على كراهة السلف من الصحابة وغيرهم صوم يوم عرفة لكل أحد ولم يصوموا يوم عرفة.......
(140)
69.
ذكر اختلاف العلماء في صوم يوم عرفة مما يتبين بأن صوم يوم عرفة غير مجمع عليه..........................
(157)
70.
ذكر إجماع الصحابة رضي الله عنهم على عدم سنية صوم يوم عرفة................................................
(157)
71.
لا يوجد إجماع على سنية صوم يوم عرفة................
(159)
72.
إنكار أهل العلم على من يدعي الإجماع من الحزبية وغيرهم..................................................
(159)
73.
ذكر الدليل على أن النبي × لم يتحر في السنة إلا شهر رمضان ويوم عاشوراء، ولم يتحر يوم عرفة مع أن كفارة صوم يوم عرفة أعظم من كفارة صوم يوم عاشوراء.................................................
(160)
74.
تكفير الذنب المتقدم والمتأخر خاص بالنبي× لا يشاركه أحد من الناس..........................................
(163)
75.
فهرس الموضوعات
(169)(1/35)