احتجوا بحديثين :
1126 - الحديث الأول : أنهم رووا أن أعرابيا شهد عند رسول الله برؤية الهلال فأمر مناديه أن ينادي ' من أكل فليمسك ، ومن لم يأكل فليصم ' .
وهذا لا يعرف ، وإنما المعروف أنه شهد عنده أعرابي برؤية الهلال ، فأمر أن ينادى في الناس ' أن صوموا غدا ' .
وسيأتي هذا بإسناده إن شاء الله .
وقد رواه الدارقطني بلفظ آخر صريح أن أعرابيا جاء ليلة رمضان فذكر الحديث .
1127 - الحديث الثاني : قال البخاري : ثنا علي بن إبراهيم ثنا زيد عن سلمة بن الأكوع قال : أمر النبي رجلا من أسلم أن أذن في الناس أنه من أكل فليصم بقية يومه ، ومن لم يكن أكل فليصم ، فإن اليوم عاشوراء .
أخرجاه في الصحيحين .
فحجتهم أنه أمر بالصوم في أثناء النهار ، فدل على أن النية تجوز بالنهار .
وجوابه : أن صوم عاشوراء لم يكن واجبا ، فله حكم النافلة ، يدل عليه ما :
1128 - قال أحمد : ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن الزهري قال : حدثني حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع معاوية يخطب بالمدينة يقول : يا أهل المدينة أين علماؤكم سمعت رسول الله يقول : ' هذا يوم عاشوراء ، ولم يفرض علينا صيامه فمن شاء منكم أن يصوم فليصم فإني صائم ' فصام الناس .
أخرجاه في الصحيحين .
ز : قلت : وقد وردت أحاديث كثيرة تدل على أن صوم عاشوراء كان واجبا ، ثم
____________________
(2/283)
نسخ لحديث عائشة قالت : ' كان يوم عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية وصار رسول الله يصومه ، فلما قدم المدينة صامه ، وأمر بصيامه ، فلما فرض رمضان قال : من شاء صامه ، ومن شاء تركه ' .
أخرجاه في الصحيحين ، وأخرجا أيضا حديث ابن عباس قال : قدم النبي المدينة فرأى اليهود تصوم عاشوراء فقال : ' ماهذا ؟ ' قالوا : يوم صالح نجا الله فيه موسى ، وبني إسرائيل من عددهم ، فصامه موسى ، فقال ' أنا أحق بموسى منكم ' فصامه وأمر بصيامه .
وقال بعض أهل العلم : لم يكن صوم عاشوراء واجبا لحديث معاوية المتقدم ؛ ولأن النبي أمر من لم يأكل بالصوم ، والنية في الليل شرط في الواجب ؛ ولأنه لم يأمر من أكل بالقضاء .
قال شيخنا : أما حديث معاوية ، فإنه محمول على أنه لست مكثرا عليكم الآن ، ولم يكتب عليكم بعد أن فرض رمضان ، وهذا ظاهر ؛ فإن معاوية من مسلمة الفتح ، وهو إنما سمعه من النبي بعدما أسلم في سنة تسع أو عشر بعد أن نسخ صوم عاشوراء ؛ فإنه نسخ بعد أن فرض رمضان ، ورمضان فرض في السنة الثانية .
وأجيب عن الصحيحة بنية من النهار ، وترك الأمر بقضائه بأن من يدرك اليوم بكماله لم يلزمه قضاؤه كما قيل فيمن أسلم ، وبلغ في أثناء النهار يوم من رمضان .
على أنه قد روي الأمر بالقضاء في حديث غريب .
قال أبو داود : ثنا محمد بن المنهال ، حدثنا يزيد ثنا سعيد عن قتادة عن عبد الرحمن بن مسلمة عن عمه أن أسلم أتت النبي فقال : ' صمتم يومكم هذا ؟ ' قالوا : لا ، قال : ' فأتموا بقية يومكم واقضوه ' .
وهذا الحديث مختلف في إسناده ومتنه ، وفي صحته نظر ، والله أعلم .
مسألة [ 353 ] :
يصح صوم التطوع بنية من النهار .
____________________
(2/284)
وقال مالك ، وداود : لا يصح .
لنا ما :
1129 - قال أبو داود : ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا وكيع عن طلحة بن يحيى عن عائشة بنت طلحة عن عائشة قالت : كان النبي إذا دخل علي قال : ' هل عندكم طعام ؟ ' فإذا قلنا لا ، قال : ' إني صائم ' فدخل علينا يوما فقلت : يا رسول الله أهدي لنا حيس فحبسناه لك ، فقال : ' أدنيه ' فأصبح صائما ثم أفطر .
ز : وقد روى هذا الحديث مسلم ، والنسائي ، والترمذي .
مسألة [ 354 ] :
إذا حال دون مطلع الهلال غيم ، أو قتر ليلة ، الثلاثين من شعبان .
فعن أحمد ثلاث روايات .
إحداهن : أنه يجب صوم الثلاثين بنية من رمضان ، هذا مذهب عمر ، وعلي ، وابن عمر ، ومعاوية ، وعمرو بن العاص ، وأنس ، وأبي هريرة ، وعائشة ، وأسماء ، وقال به من كبار التابعين طاوس ، ومجاهد ، وسالم ، وبكر بن عبد الله ، ومطرف ، وميمون بن مهران في آخرين .
فعلي هذه الرواية : هل يجوز أن يسمى يوم شك ؟
فيه روايتان :
إحداهما : لا تسمى يوم شك ، بل هو يوم من رمضان ، من طريق الحكم ، وهو ظاهر ما نقله مهنى ، وبه قال الخلال ، والأكثرون من أصحابنا .
فعلى هذه لا يتوجه النهي عن صوم الشك إليه ، والثابت أنه يسمى يوم الشك ونقلها المروزي ، فعلى هذا يرجح جانب التعبد ، وإن كان شكا .
____________________
(2/285)
والأولى أصح .
فإن قيل : فما يوم الشك ؟ .
قلنا : قد فسره الإمام أحمد فقال : يوم الشك أن يتقاعد الناس عن طلب الهلال ، أو يشهد برؤيته من يرد الحاكم شهادته .
والرواية الثانية في المسألة : لا يجوز صيامه من رمضان ، ولا نفلا ، بل يجوز قضاء وكفارة .
ونذرا ونفلا يوافق عادة وهذا قول الشافعي .
والرواية الثالثة : أن المرجع إلى رأي الإمام في الصوم والفطر ، وبهذه قال الحسن ، وابن سيرين .
وقال أبو حنيفة ، ومالك : لا يجوز صيامه من رمضان ويجوز صيامه ما سوى ذلك .
ووجه الرواية الأولى ما :
1130 - قال أحمد : ثنا إسماعيل ثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله : ' إنما الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروه ، ولا تفطروا حتى تروه ، فإن غم عليكم فاقدروا له ' .
قال نافع : فكان عبد الله إذا مضى من شعبان تسع وعشرون يبعث من ينظر ، فإن رأى فذاك ، وإن لم ير ، ولم يحل دون منظره سحاب ولا قتر أصبح مفطرا ، وإن حال دون منظره سحاب أو قتر أصبح صائما .
أخرجاه في الصحيحين ، ولم يذكرا فعل ابن عمر .
واحتجاج أصحابنا بهذا الحديث من وجهين :
أحدهما : فعل ابن عمر .
فإن أصحاب رسول الله أعلم بمراده ، فنحن نرجع إليه ، كما رجعنا في خيار المجلس ، فإنه كان يفارق صاحبه ليتم البيع .
والثاني : أن معنى : اقدروا : ضيقوا له عددا يطلع في مثله ، وذلك يكون لتسع
____________________
(2/286)
وعشرين .
ومن هذا قوله تعالى ( ^ ومن قدر عليه رزقه ) أي ضيق عليه .
قالوا : فقد روي عن ابن عمر ضد هذا :
قال أحمد بن حنبل قال : ثنا وكيع عن سفيان عن عبد العزيز بن حكيم الحضرمي قال : سمعت ابن عمر يقول : لو صمت السنة كلها لأفطرت اليوم الذي يشك فيه .
قلنا : جوابه من وجهين :
أحدهما : أنه لا يصح ، وقد ضعف أبو حاتم الرازي عبد العزيز بن حكيم .
والثاني : أن هذا ليس بيوم شك على ما سبق بيانه ، أما حجتهم فلهم سبعة أحاديث : قال شيخنا : عبد العزيز صدوق .
ز : قال يحيى بن معين : عبد العزيز بن حكيم الحضرمي : ثقة .
وقال ابن أبي حاتم : سألت أبي عن عبد العزيز ، فقال : ثقة كذا ذكر ابن أبي حاتم عن أبيه أنه وثقه ، ثم قال : سألت أبي عن عبد العزيز الحضرمي الكوفي ، فقال : ليس بالقوي ، لكن يثبت حديثه .
فيحتمل أن يكون سأله مرتين ، ويحتمل أن يكون ذلك غلط في النسخة .
1131 - الحديث الأول : قال البخاري : ثنا آدم ثنا شعبة ثنا محمد بن زياد قال : سمعت أبا هريرة يقول : قال النبي : ' صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ، فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين ' .
انفرد بإخراجه البخاري .
والجواب أن أبا بكر الإسماعيلي ذكر هذا في صحيحه الذي خرجه على البخاري .
1132 - أخبرنا يحي بن ثابت بن بندار قال أنبأ أبي قال : ثنا أبو بكر البرقاني ثنا أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي قال ثنا الحسن بن علوية قال : ثنا بندار ثنا غندر ثنا شعبة عن
____________________
(2/287)
محمد بن زياد قال : سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله : ' لا تصوموا حتى تروا الهلال ، ولا تفطروا حتى تروا الهلال فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين ' .
قال الإسماعيلي : قد رواه البخاري عن آدم عن شعبة فقال فيه : ' فأكملوا عدة شعبان ثلاثين ' .
قال : وقد رويناه عن غندر ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وابن علية ، وعيسى بن يونس ، وشبابة وعاصم بن علي والنضر بن شميل ، ويزيد بن هارون ، وابن داود ، وآدم ، كلهم عن شعبة ، لم يذكر أحد منهم ' فأكملوا عدة شعبان ثلاثين ' .
قال : وهذا يجوز أن يكون من آدم ، رواه على التفسير من عنده للخبر ، وإلا فليس لانفراد البخاري عنه بهذا من بين من رواه عنه ، ومن بين سائر من ذكرنا ممن يرويه عن شعبة وجه . ورواه المقري عن ورقاء عن شعبة على ما ذكرنا أيضا .
قلت : فعلى هذا يكون المعنى : فإن غم هلال رمضان فعدوه ثلاثين ، وعلى هذا لا يبقى لهم حجة في الحديث على أن أصحابنا قد تأولوا ما انفرد به البخاري من ذكر سفيان .
فقالوا : نحمله على هذا لا يبقى لهم حجة في الحديث على أن أصحابنا قد تألوا ما انفرد به البخاري من ذكر سفيان .
فقالوا : نحمله على ما إذا غم عليكم ، وهلال شوال .
فإنا نحتاج إلى إكمال شعبان ثلاثين احتياطا للصوم ، فإنا وإن كنا قد صمنا يوم الثلاثين من شعبان فليس بقطع منا على أنه رمضان ، إنما صمناه حكما .
1133 - الحديث الثاني : قال مسلم بن الحجاج : ثنا عبيد الله بن معاذ ثنا أبي ثنا شعبة عن محمد بن زياد قال : سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله ' صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم الشهر فعدوا ثلاثين ' .
انفرد بإخراجه مسلم .
والجواب : أن المراد : فإن غم عليكم في رمضان فعدوا رمضان ثلاثين ، يدل عليه شيئان :
أحدهما : إن الكناية ترجع إلى أقرب المذكورين ، وأقربهما ' افطروا لرؤيته ' .
والثاني : أنه قد روي مفسرا .
1134 - قال أحمد : ثنا عبد الرازق عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة : عن أبي
____________________
(2/288)
هريرة قال : قال رسول الله : ' إذا رأيتم الهلال فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ، فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين يوما ' .
انفرد بإخراجه مسلم .
1135 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : ثنا محمد بن موسى بن سهل ثنا يوسف بن موسى ثنا جرير عن منصور عن ربعي : عن حذيفة قال : قال رسول الله : ' لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال ، أو تكملوا العدة قبله ثم صوموا حتى تروا الهلال ، أو تكملوا العدة ' .
ورواه منصور عن ربعي عن بعض أصحاب النبي قال : ' لا تصوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ثلاثين ، ثم صوموا ، ولا تفطروا حتى تروا الهلال ، وتكملوا العدة ثلاثين ' .
والجواب : أن أحمد ضعف حديث حذيفة ، وقال : ليس ذكر حذيفة فيه بمحفوظ .
ثم هو محمول على حالة الصحو ، لأنه لم يذكر فيه الغيم .
وقد حمله أصحابنا على ما إذا غم هلال رمضان ، وهلال شوال على ما سبق .
1136 - الحديث الرابع : قال الدارقطني : ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح عن عبد الله بن أبي قيس عن عائشة قالت : كان رسول الله يتحفظ من هلال شعبان ما لا يتحفظ من غيره ، ثم يصوم رمضان لرؤيته ، فإن غم عليه عد ثلاثين يوما ، ثم صام .
قال الدارقطني : هذا إسناد حسن صحيح .
قلت : وهذه عصبية من الدارقطني ، كان يحي بن سعيد لا يرضى معاوية بن صالح .
وقال أبو حاتم الرازي : لا يحتج به .
الذي حفظ في هذا : ' فعدوا ثلاثين ثم أفطروا ' .
1137 - قال الدارقطني : ثنا ابن صاعد قال : ثنا محمد بن زنبور المكي قال : ثنا إسماعيل بن جعفر قال : أنبأ محمد بن عمرو عن أبي سلمة : عن أبي هريرة أن رسول الله
____________________
(2/289)
قال : ' صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين ثم أفطروا ' .
ورواه أبو بكر بن عياش ، وأسامة بن زيد عن محمد بن عمرو بهذا قال الدارقطني : وهي أسانيد صحاح .
وقد ذكرناه من حديث أبي هريرة : ' فصوموا ثلاثين ' .
1078 - الحديث الخامس : قال الترمذي قال : ثنا أبو سعيد عبد الله بن سعيد الأشج ثنا أبو خالد الأحمر عن عمرو بن قيس عن أبي إسحاق عن صلة بن زفر قال : كنا عند عمار ابن ياسر فأتي بشاة مصلية فقال : كلوا . فتنحى بعض القوم فقال : إني صائم فقال عمار : من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم .
قال الترمذي : هذا حديث صحيح .
1079 - الحديث السادس : قال الدارقطني : ثنا محمد بن عمرو البختري ثنا أحمد ابن الخليل قال : ثنا الواقدي قال : ثنا داود بن خالد بن دينار ، ومحمد بن مسلم عن المقبري عن أبي هريرة قال : نهى رسول الله عن صوم ستة أيام ، اليوم الذي يشك فيه من رمضان ، ويوم الفطر ، ويوم الأضحى ، وأيام التشريق .
والجواب : أنا قد بينا أن هذا اليوم ليس بيوم شك .
1080 - الحديث السابع : قال أحمد بن علي بن ثابت الخطيب : أخبرني عبد الله بن أبي الفتح قال : أنبأ أبو بكر بن شاذان قال : ثنا أحمد بن عيسى السكين البلدي قال : حدثني هاشم بن القاسم الحراني قال : ثنا يعلى بن الأشدق عن عبد الله بن جراد قال أصبحنا يوم الثلاثين صياما وكان الشهر قد أغمي علينا فأتينا النبي فأصبناه مفطرا ، فقلنا : يا نبي الله : صمنا اليوم ، فقال : ' أفطروا ، إلا أن يكون رجل يصوم هذا اليوم ، فليتم صومه ، لأن أفطر يوما من رمضان يتمارى فيه أحب إلي من أن أصوم يوما من شعبان ليس منه ' .
يعني ليس من رمضان .
____________________
(2/290)
قال الخطيب : هذا الحديث كفاية عن ما سواء
قلت : لا يكون عصبية أبلغ من هذا ، فليته روى الحديث وسكت ، فأما أن يعلم عيبه ولا يذكره ، ثم يمدحه ويثني عليه ، ويقول : فيه كفاية عن ما سواه .
فهذا مما أزرى به على علمه وأثر به في دينه ، أتراه أما علم أن أحدا يعرف قبح ما أتي ، كيف ، وهذا الأمر ظاهر لكل من شذا شيئا من الحديث ، فكيف بمن أوغل فيه ؟
أتراه ما علم أنه في الصحيح عن رسول الله أنه قال : ' من روى حديثا يرى أنه كذب ، فهو أحد الكاذبين ' .
وهذا الحديث موضوع على ابن جراد ، لا أصل له عن رسول الله ، ولا ذكره أحد من الأئمة الذين جمعوا السنن ، وترخصوا في ذكر الأحاديث الضعاف ، وإنما هو مذكور في نسخة يعلى بن الأشدق عن ابن جراد ، وهي نسخة موضوعة .
قال أبو زرعة الرازي : يعلى بن الأشدق ليس بشيء .
وقال أبو أحمد بن عدي الحافظ : روى يعلى بن الأشدق عن عمه عبد الله بن جراد عن النبي أحاديث كثيرة منكرة ، وهو وعمه غير معروفين .
وقال البخاري : يعلى لا يكتب حديثه .
وقال أبو حاتم بن حبان الحافظ : لقي يعلى عبد الله بن جراد ، فلما كبر اجتمع عليه من لا دين له ، فوضعوا له شبيها بما في حديث نسخته عن ابن جراد فجعل يحدث بها ، وهو لا يدري ، لا تحل الرواية عنه بحال .
قلت : وما كان هذا يخفى على الخطيب غير أن العصبية تغطي على الذهن ، وإنما يبهرج بما يخفى .
ومثل هذا لا يخفى نعوذ بالله من ، غلبات الهوى .
ز : وقال شيخنا أيضا - رحمه الله - : الذي دلت عليه الأحاديث في هذه المسألة ، وهو مقتضى القواعد أن ' أي شهر غم أكمل ثلاثين ' ، سواء في ذلك شهر شعبان أو شهر رمضان ، أو غيرهما .
وعلى هذا فقوله : ' فإن غم عليكم فأكملوا العدة ' يرجع إلى الجملتين ، وهما قوله : ' صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ' أي غم عليكم في صومكم أو
____________________
(2/291)
فطركم ، هذا هو الظاهر من اللفظ .
وباقي الأحاديث تدل على هذا كقوله : ' فإن غم عليكم فاقدروا له ' وليس المراد ضيقوا كما ظنه بعض الناس ، بل المعنى : احسبوا له قدره ، فهو من قدر الشيء وهو مبلغ كميته ، ليس من التضييق في شيء وقوله تعالى : ( ^ ومن قدر عليه رزقه ) من هذا أي إن كان رزقه بقدر كفايته ، لا يفضل منه شيء ، ليس المراد تضييق عليه رزقه ، فلا يشبعه ، ولهذا قال : ( ^ فلينفق مما آتاه الله ) .
ومن كان رزقه أقل من كفايته ، فمن أين ينفق ، والله مع العبد ما يسعه ، ويرث ما يفضل عنه . قالا : هو الذي قدر عليه رزقه أي قدر كفايته ، والثاني : هو الغني الموسع عليه .
وقوله تعالى ( ^ فظن أن لن نقدر عليه ) ليس من التضييق ، وإنما هو من التقدير ، والمعنى أن لن نقدر عليه ما قدرناه من السجن في بطن الحوت ، وهي لغتان : قدر ، وقدر عليه بالتخفيف والتشديد .
قال الله تعالى ( ^ فقدرنا فنعم القادرون ) قرأ نافع فقدرنا بالتثقيل وخفف الباقون ، كقوله ( ^ فنعم القادرون ) أي : نعم القادرون نحن على تقديره .
وقال تعالى : ( ^ والذي قدر فهدى ) قرأ الجمهور بالتشديد .
وقرأ الكسائي بالتخفيف وكذلك قال السلف في تفسير قوله تعالى ( ^ فظن أن لن نقدر عليه ) أي لن نفعل به ما فعلنا .
والتضييق لازم لمعنى التقدير ، فأعطى قدره لا أزيد ، ولا أنقص فقد ضيق أن مدخل فيه غيره .
ولم يسعه سواه ، فإذا جعل الشهر ثلاثين فقد قدر له قدرا لم يدخل فيه غيره ، والله أعلم .
وقال الحافظ أبو نعيم في كتاب المستخرج على مسلم في قوله : ' فاقدروا له ' أي قصدوا النظر في الطلب ، والموضوع الذي تقدرون أنكم ترون فيه .
وهذا تفسير غريب عجيب ، وما ذكره إلا إسماعيل من الكلام على الحديث الذي رواه البخاري ، وإن آدم بن أبي إياس يجوز أن يكون على التفسير من عنده للخبر ، غير قادح في صحة الحديث ، لأن النبي إما أن يكون قال اللفظين ، وهذا مقتضى ظاهر الرواية ، وإما أن يكون قال أحدهما ، وذكر الراوي اللفظ الآخر بالمعنى ؛ فإن اللام في قوله
____________________
(2/292)
: ' فأكملوا العدة ' للعهد أي عدة الشهر ، وهو لم يخص شهرا دون شهر بالإكمال إذا غم ، فلا فرق بين شعبان وغيره ، إذ لو كان شعبان غير مراد من هذا الإكمال لبينه ؛ لأنه ذكر الإكمال عقب قوله : صوموا ، وأفطروا ، فشعبان وغيره مراد من قوله : ' فأكملوا العدة ' بل مبينة لها ، أحداهما : أطلق لفظا يقتضي العموم في الشهر ، والثاني : ذكر فردا من الأفراد ، ويشهد لهذا قوله : ' فإن حال بينكم وبينه سحاب فأكملوا العدة ثلاثين ، ولا تستقبلوا الشهر استقبالا ' وهذا صريح في أن التكميل لشعبان كما هو لرمضان فلا فرق بينهما .
قال أبو داود الطيالسي : حدثنا أبو عوانة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله قال : ' صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن حال بينكم وبينه غمامة أو ضبابة فأكملوا شهر شعبان ثلاثين ولا تستقبلوا رمضان بصوم يوم من شعبان ' .
وقال أبو يعلى الموصلي : حدثنا زهير حدثنا إسماعيل عن حاتم وأبي صغيرة عن سماك بن حرب قال : أصبحت صائما في اليوم الذي يشك فيه من رمضان فأتيت عكرمة وهو يأكل خبزا ، وبقلا وعنبا ، فقال : ادن فكل ، فقلت : إني صائم ، فقال : أقسم بالله لتفطرنه ، فلما رأيته يحلف ، ولا يستثني تقدمت فقعدت ، وأنا شبعان ، إنما تسحرت قبيل ذلك ، ثم قال : هات الآن ما عندك ، فقال : قال ابن عباس قال رسول الله : ' صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن حال دونه سحاب فأكملوا العدة ثلاثين ، ولا تستقبلوا الشهر استقبالا ' .
وقال الإمام أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة حدثنا يحي بن محمد بن المسكين البزار حدثنا يحي بن كثير حدثنا شعبة عن سماك قال : دخلت على عكرمة ، وذكر الحديث إلى : ' فإن حال بينكم وبين منظره سحاب أو قتر فأكملوا العدة ثلاثين ' .
وقال أبو القاسم الطبراني : حدثنا محمد بن النضر ، حدثنا معاوية عن عمرو وثنا زائدة عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله : ' صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن حال دونه غيامة فأكملوا العدة والشهر تسع وعشرون ' .
ورواه الطبراني أيضا من طريق آخر ، وزاد فيه : ' لا تقدموا الشهر ، فإن كانت بينكم وبينه غيامة فأتموا العدة ' .
قال الطبراني أيضا : ' لا تصوموا قبل رمضان ، صوموا لرؤيته ' الحديث .
ورواه أبو داود ، ورواه أبو حاتم البستي ورواه الترمذي ، قال : حديث حسن صحيح .
____________________
(2/293)
ورواه النسائي أيضا ، وهو من حديث سماك ، وقد وثقه يحي بن معين ، وأبو حاتم الرازي ، وروى له مسلم في صحيحه ، وقد روى مسلم من حديث ابن عباس أن رسول الله قال : ' صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ، فإن أغمي عليكم فأكملوا العدة ' .
وأما حديث حذيفة فرواه أبو داود عن محمد بن الصباح ورواه النسائي عن إسحاق ، وعن محمد بن حاتم عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن منصور عن ربعي .
وقد رواه أبو حاتم البستي ، ومن زعم أن حديث حذيفة الذي رواه ربعي عنه أنه مرسل فقد وهم ، بل هو متصل ، إما عن حذيفة ، وإما عن رجل من أصحاب النبي ، وجهالة الصحابي غير قادحة في صحة الحديث ، كما ظنه بعضهم ، والله أعلم .
وأما حديث معاوية بن صالح فرواه أبو داود عن أحمد بن حنبل عن مهدي عن معاوية ، ورواته ثقات يحتج بهم في الصحيح .
وقد صحح الدارقطني إسناده كما تقدم ، ومعاوية بن صالح ثقة صدوق ، وثقه عبد الرحمن بن مهدي ، وأحمد بن حنبل ، وأبو زرعة وغيرهم .
وروى له مسلم في صحيحه محتجا به ، وكون يحي بن سعيد لا يرضاه غير قادح فيه ، ويحي شرطه شديد في الرجال .
وكذلك قال : لو لم أروى إلا عن من أرضى ما رويت إلا عن خمسة .
وأما أبو حاتم : لا يحتج به فغير قادح أيضا ؛ فإنه لم يذكر السبب .
وقد تكررت هذه اللفظة منه في رجال كثير من أصحاب الصحيح من الثقات الأثبات من غير بيان السبب ، كخالد الحذاء وغيره .
وقد سأل ابن أبي حاتم أباه عن معاوية بن صالح ، فقال : صالح الحديث حسن الحديث .
وأما حديث عمار فرواه أبو داود ، ورواه النسائي أيضا عن الأشج ، ورواه ابن ماجه عن ابن نمير ، وقد روى عن أبي إسحاق قال : حديث عن ابن وفر وهذه علة في الحديث .
وأما الحديث حديث أبي هريرة ففي إسناده الواقدي ، وهو ضعيف .
وقد روى البيهقي من حديث الثوري عن أبي عباد عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي نهى عن صيام قبل رمضان بيوم ، والأضحى ، والفطر ، وأيام التشريق ثلاثة أيام .
وأبو عباد هو عبد الله بن سعيد المقبري ، وقد أجمعوا على ضعفه وعدم الاحتجاج بحديثه ، والله أعلم .
____________________
(2/294)
مسألة [ 354 م ] :
يكره صوم يوم الشك .
وقال أبو حنيفة ، ومالك : لا يكره .
وقد استدل أصحابنا بالحديث المتقدم : نهى رسول الله عن صوم ستة أيام .
منها يوم الشك .
مسألة [ 355 ] :
يجب صوم رمضان بشاهد واحد .
وقال مالك ، وداود : لا يجب .
وعن الشافعي : كالمذهبين .
وقال أبو حنيفة : إن كان في السماء علة قبل شاهد وإن لم يكن لم يقبل إلا الجم الغفير .
لنا أربعة أحاديث :
1141 - الحديث الأول : قال الترمذي : ثنا محمد بن إسماعيل قال : ثنا محمد بن
____________________
(2/295)
الصباح ، قال : ثنا الوليد بن أبي ثور عن سماك عن عكرمة عن أبن عباس قال : جاء أعرابي إلى النبي فقال : إني رأيت الهلال ، فقال : ' أتشهد أن لا إله إلا الله ، وتشهد أن محمدا رسول الله ؟ ' قال : نعم ، قال : ' يا بلال أذن في الناس أن يصوموا غدا ' .
فإن قيل : هذا الحديث أرسله إسرائيل وحماد بن سلمة عن عكرمة عن رسول الله .
قلنا : قد اتفق الوليد بن أبي ثور ، وحازم بن إبراهيم ، وزائدة على رفع هذا .
واختلف أصحاب سفيان بن عيينة عنه .
ومن رفع فقد زاد ، والزيادة من الثقة مقبولة .
والراوي قد يسند ، وقد يرسل .
ز : قال محمد بن إسحاق بن خزيمة في صحيحه : حدثنا محمد بن عثمان العجلي ، حدثنا أبو أسامة حدثنا زائدة ثنا سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال : جاء أعرابي إلى النبي فقال : إني رأيت الهلال الليلة ، قال : ' أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ' قال : نعم ، قال : ' قم يا بلال فأذن في الناس فليصوموا غدا ' .
كذا رواه أبو يعلى الموصلي : عن ابن عباس أيضا مرفوعا ، ورواه الطبراني من رواية يعقوب بن إسحاق بسنده إلى ابن عباس قال : تمارى الناس في الهلال فجاء أعرابي فشهد برؤيته فقال النبي : ' أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ' قال : نعم ، قال النبي ' قم يا بلال فأذن أن الصوم غدا ' ، رواه أبو داود ، ورواه البيهقي بإسناده إلى ابن عباس موصولا ، قال أبو داود رواه جماعة عن سماك عن عكرمة مرسلا ، ورواه الترمذي أيضا عن أبي كريب عن الحسين الجعفي عن زائدة وقال : رواه الثوري وغيره عن سماك عن النبي مرسلا ، ورواه أيضا النسائي بإسناده إلى سماك مسندا ، ورواه أبو حاتم ابن حبان عن ابن المبارك عن سفيان عن سماك عن عكرمة مرسلا ، وقال : هذا أولى بالصواب من حديث الشيباني ؛ لأن سماك بن حرب كان ربما لقن ، فقيل له عن ابن عباس ، وابن المبارك أثبت في سفيان من الفضل ، وسماك إذا انفرد بأصل لم يكن حجة لأنه كان يلقن ، رواه أيضا ابن ماجة وابن حبان وفي رواية [ 0000 ] زائدة وحازم بن إبراهيم البجيلي وبهما يقوى رواية الشيباني ، وقال البيهقي : الفضل الشيباني روى عن الثوري موصولا ، وقد رواه غيرهما مرسلا عن الثوري ، والله أعلم .
____________________
(2/296)
1142 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : ثنا ابن صاعد ثنا إبراهيم بن عتيق قال : ثنا مروان بن محمد الدمشقي قال : ثنا ابن وهب قال : ثنا يحيى بن عبد الله بن سالم عن أبي بكر بن نافع عن أبيه عن ابن عمر قال : ' تراءى الناس الهلال ، فأخبرت رسول الله أني رأيته ، فصام رسول الله ، وأمر الناس بالصيام ' .
قال الدارقطني : تفرد به مروان بن محمد عن ابن وهب وهو ثقة .
ز : ورواه أبو داود أيضا عن ابن عمر قال : تراءى الناس الهلال ، وذكر الحديث .
ورواه أبو حاتم ابن حبان عن الحسن بن سفيان عن الدارمي عن مروان ، قال البيهقي : هذا الحديث يعد في أفراد مروان بن محمد [ الدمشقي ] .
1143 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : وثنا محمد بن مخلد ثنا يحيى بن عياش القطان ثنا حفص بن عمر الأبلي ثنا مسعر بن كدام ، وأبو عوانة عن عبد الملك بن ميسرة عن طاوس قال شهدت المدينة ، وبها ابن عمر ، وابن عباس ، فجاء رجل إلى وإليها فشهد عنده على رؤية الهلال - هلال رمضان - فسأل ابن عمر وابن عباس عن شهادته ، فأمرا بأن يجيزها ، وقالا : إن رسول الله أجاز شهادة رجل واحد على رؤية هلال رمضان ، قالا : وكان رسول الله لا يجيز شهادة الإفطار إلا بشهادة رجلين .
قال الدارقطني : تفرد به حفص بن عمر ، وهو ضعيف الحديث .
قلت : وقد قال النسائي : ليس بثقة .
وقال ابن حبان : لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد .
ز : كلام النسائي وابن حبان في حفص بن عمر بن ميمون العدني ، وهو غير راوي هذا الحديث ، فإن راوي هذا الحديث هو حفص بن عمر بن دينار الأبلي ضعيف بالاتفاق ، ولم يخرج له أحد من أصحاب السنن ، وأما حفص الأبلي الملقب بالفرخ فروى له ابن ماجه ووثقه بعضهم .
وقال البيهقي في هذا الحديث بعد أن رواه عن أبي نصر بن قتادة عن أبي أحمد الحسين ابن علي الدمشقي التميمي عن ابن مخلد ، وهذا مما لا ينبغي أن يحتج به ، .
____________________
(2/297)
1144 - الحديث الرابع : قال أحمد : ثنا يزيد قال : أنبأ عبد الأعلى الثعلبي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال كنت مع البراء بن عازب ، وعمر بن الخطاب في البقيع ، ننظر إلى الهلال ، فأقبل راكب فتلقاه عمر : فقال : من أين جئت ؟ قال : من المغرب ، فقال : أهللت ؟ فقال : نعم ، قال عمر : الله أكبر ، إنما يكفي المسلمين الرجل .
ز : عبد الأعلى هو ابن عامر الثعلبي ، وقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة ، وقال الشافعي : أنبأ عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن فاطمة بنت الحسين أن رجلا شهد عند علي على هلال رمضان فصام [ . . . ] وأمر الناس بصيامه ، وقال : أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أفطر يوما من رمضان .
احتجوا بما :
1145 - قال الدارقطني : ثنا الحسين بن إسماعيل ثنا يوسف بن موسى ثنا سعيد بن سليمان ثنا عياد بن العوام ، ثنا أبو مالك الأشجعي ثنا حسين بن الحارث الجدلي أن أمير مكة خطبنا [ فنشد الناس فقال : من رأى الهلال ليوم كذا وكذا ؛ ثم قال ] : عهد إلينا رسول الله أن ننسك ، فإن لم نره ، وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما . [ قال ] فسألت الحسين بن الحارث : من أمير مكة ؟ فقال : لا أدري .
ثم لقيني بعد فقال : هو الحارث بن حاطب .
قال الدارقطني : هذا إسناد متصل صحيح .
1146 - قال الدارقطني : وثنا أبو بكر النيسابوري ، قال : ثنا أبو الأزهر ، قال : ثنا يزيد بن هارون قال : ثنا الحجاج بن أرطأة عن الحسين بن الحارث قال : سمعت عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب يقول إنا صحبنا أصحاب رسول الله وتعلمنا منهم ، وإنهم حدثونا عن رسول الله قال : ' صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم ، فعدوا ثلاثين ، فإن شهد ذوا عدل فصوموا ، وأفطروا ، [ وأنسكوا ] ' .
والجواب :
____________________
(2/298)
إنا نقول بنطق الخبر لأنه يقتضي أن يصوموا بشهادة ذوي عدل ، ودليله ينفي ذلك ، ونص خبرنا يعارض هذا الدليل ، وهو أولى ؛ لأن النص لا يسقط إلا بنص ينسخه ، والدليل يسقط من غير نسخ ، فصار كالقياس المعارض للنص .
ز : أما الحديث الأول فقد رواه أبو داود عن محمد بن عبد الرحمن أبي يحي البزار عن سعيد بن سليمان .
والحديث الثاني : رواه الإمام أحمد بن حنبل عن يحي بن أبي زائدة عن حجاج بن أرطأة عن حسين ، وحجاج فيه كلام ، لكن رواه النسائي من غير ذكره عن إبراهيم بن يعقوب عن أبي عثمان سعيد بن شبيب ، وكان شيخا صالحا عن ابن أبي زائدة عن حسين ابن الحارث ، كذا رواه النسائي ولم يذكر في روايته حجاج ، قال ابن أبي حاتم في سعيد بن شبيب : سمع أبي منه بمصر وبطرسوس وروى عنه .
مسألة [ 356 ] :
إذا رأى الهلال أهل بلد لزم جميع أهل البلاد الصوم .
وقال الشافعي : لا يلزم إلا من قاربه .
دليلنا : قوله عليه السلام : ' فإن شهد ذوا عدل فصوموا ' .
وقد سبق بإسناده .
احتجوا بما :
1147 - قال أحمد : ثنا سليمان بن داود الهاشمي قال : أنبأ إسماعيل بن جعفر بن أبي حرملة ، قال : أخبرني كريب أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام قال : قدمت الشام فقضيت حاجتها واستهل علي هلال رمضان ، وأنا بالشام فتراءينا الهلال ليلة
____________________
(2/299)
الجمعة ، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر ، فسألني ابن عباس ، ثم ذكر الهلال ، فقال : متى رأيتم الهلال ؟ فقلت : رأيناه ليلة الجمعة ، فقال : أنت رأيته ليلة الجمعة ؟ فقلت : رآه الناس وصاموا ، وصام معاوية فقال لكنا رأيناه ليلة السبت ، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين يوما ، أو نراه .
فقلت : ألا نكتفي برؤية معاوية وصيامه ؟ فقال : لا ، هكذا أمرنا رسول الله .
قال الترمذي : هذا حديث صحيح .
مسألة [ 357 ] :
يجب على المطاوعة على الوطء في نهار رمضان كفارة الجماع . وعنه لا يجب .
وعن الشافعي : كالروايتين .
1148 - قال أحمد : ثنا عبد الرزاق قال : أنبأ ابن جريج أخبرني ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة حدثه : أن النبي أمر رجلا أفطر في رمضان أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين ، أو يطعم ستين مسكينا .
أخرجاه في الصحيحين .
قال أصحابنا : ووجه الاحتجاج أنه علق التكفير بالفطر .
وليس [ قولهم ] هذا بمعتمد فإنهم لا يقولون إن الكفارة تجب على كل مفطر ، وإنما المراد بالإفطار في هذا الحديث الإفطار بالجماع على ما سيأتي بيانه في مسألة الإفطار بالأكل .
احتجوا بحديث الأعرابي .
1149 - قال أحمد : ثنا سفيان عن الترمذي عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى النبي فقال : هلكت ، قال : ' وما هلكك ؟ ' قال : وقعت على
____________________
(2/300)
امرأتي في رمضان ، قال : ' أتجد رقبة ؟ ' قال : لا ، قال : ' تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ' قال : لا .
قال : ' تستطيع أن تطعم ستين مسكينا ؟ ' قال : لا ، قال ' اجلس ' ، فأتي النبي بعرق فيه تمر - والعرق : المكتل الضخم - فقال : ' تصدق بهذا ' .
قال : على أفقر منا ؟ ما بين لا بتيها أفقر منا ، فضحك رسول الله وقال : ' أطعمه أهلك ' .
أخرجاه في الصحيحين .
وجواب هذا من عشرة أوجه :
أحدها : أنه استدلال لعدم ، والعدم لا صيغة له فيستدل به .
والثاني : أنه يحتمل أن يكون قد ذكر حكمها ، ولم ينقل .
والثالث : أنه إنما يجب البيان للسائل عن الحكم اللازم له .
والمرأة لم تأته ، ولم تسأله ، ولا سأله زوجها عنها ، فلا يجب عليه البيان .
فإن قالوا : قد بين ما لم يسأل عنه في حديث العسيف .
1150 - قال الترمذي أخبرني عبيد الله أنه سمع أبا هريرة وزيد بن خالد قالا : كنا عند النبي فقام رجل فقال : أنشدك الله ألا قضيت بيننا بكتاب الله ، فقام خصمه ، وكان أفقه منه فقال : اقض بيننا بكتاب الله ، وائذن لي .
قال : ' قل ' .
قال : إن ابني كان عسيفا على هذا ، زنا بامرأته ، فافتديت منه بمائة شاة ، وخادم ، ثم سألت رجالا من أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة ، وتغريب عام ، وعلى امرأته الرجم ، فقال النبي : ' والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله جل ذكره : المائة شاة ، والخادم رد عليك وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام ، واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها ' . فغدا عليها فاعترفت فرجمها .
قلنا : هذا نزع منه ، وله أن ينزع ، كما سئل عن ماء البحر فقال : ' هو الطهور ماؤه الحل ميتته ' .
ثم الفرق بين حديث العسيف ، ومسألتنا من وجهين :
أحدهما : أنه أخبر في حديث العسيف بما يوجب الحدود ، والحدود حق الله عز وجل يلزم الإمام استيفاؤها ، والكفارة معاملة بين العبد وبين ربه ، لا نظر للإمام فيها .
____________________
(2/301)
والثاني : أن الحد في قصة العسف مختلف ؛ فإن المرأة كانت محصنة وحدها الرجم ، وكان الرجل غير محصن وحده الجلد ، فلما اختلف البيان ، احتاج إلى شرحه ، بخلاف مسألتنا ؛ فإن الحكم لا يختلف ؛ فكأن البيان للرجل بيانا لهما ، وصار هذا كقول الله تعالى : ( ^ فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ) .
وألحقنا بها العبد في تنصيف الحد ، وهذا هو الجواب الرابع .
والخامس : أن سكوته لا يدل على سقوط الوجوب ؛ فإنه لم يذكر له القضاء ، ولا الغسل .
والسادس : أنه يجوز أن يكون سكت عنه لعارض صرفه عن ذكره ، أو شغل شغله .
والسابع : يحتمل أن يكون قد علم أنها ممن لا يلزمه الكفارة لكونها حائضا ، أو مريضة ، أو مجنونة ، أو ذمية ، فالحد قصته في عين ، وهي محتملة .
والثامن : أن الرسول قبل قوله على نفسه بإقراره ، ولم يقبل قوله عليها ، كما في قصة ماعز .
والتاسع : أنه لما أمره بعتق رقبة فذكر فقره ، وفقر أهل بيته أسقط عنه الكفارة لفقره ، فلم يكن في ذكر كفارتها فائدة لفقرها .
والعاشر : أنه قد روي في بعض ألفاظ هذا الحديث : ' هلكت وأهلكت ' وفي قوله : أهلكت . بينة على أنه أكرهها ، ولولا ذلك لم يكن مهلكا لها ، والمكرهة لا كفارة عليها .
1151 - قال الدارقطني : ثنا عثمان بن أحمد الدقاق ، ثنا عبيد بن محمد بن خلف ثنا أبو ثور قال : ثنا معلى بن منصور ثنا سفيان بن عيينة عن الترمذي أخبره حميد بن عبد الرحمن أنه سمع أبا هريرة يقول : أتى رجل النبي فقال : ' هلكت ، وأهلكت ' ، قال : ' ما أهلكك ؟ ' قال : وقعت على أهلي ، فذكر الحديث .
فإن قالوا : قد قال أبو سليمان الخطابي : المعلى بن منصور [ من رجال هذا الحديث ] ليس بذاك .
____________________
(2/302)
قلنا : ما عرفنا أحدا طعن في المعلى ، ثم قد روي لنا من طريق آخر .
1152 - قال الدارقطني : ثنا النيسابوري ثنا محمد بن عزيز قال : حدثني سلامة بن روح عن عقيل عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال : بينا أنا جالس عند رسول الله جاءه رجل ، فقال : هلكت ، وأهلكت .
فذكر الحديث إلا أن سلامة ضعيف .
ز : الإسناد الأول لا بأس به ، ومعلى بن منصور محتج به في الصحيحين ، والإسناد الثاني مقارب ، وسلامة متكلم فيه ، قال أبو حاتم الرازي : ليس بالقوي ، وقال أبو زرعة : ضعيف منكر الحديث ، وقد ذكر البيهقي هذه اللفظة وتكلم عليه ، فقال بعد أن رواه : هذا الحديث لا يرضاه أصحاب الحديث ، وروى بسنده إلى الأوزاعي قال : حدثني الزهري حدثنا حميد بن عبد الرحمن بن عوف قال : حدثني أبو هريرة قال : بينا أنا عند رسول الله إذ جاءه رجل فقال : يا رسول الله هلكت وأهلكت ، قال : ' ويحك وما شأنك ' قال : وقعت على أهلي في رمضان ، قال : ' فاعتق رقبة ' . . وذكر الحديث .
ضعف شيخنا أبو عبد الله الحافظ هذه اللفظة ' وأهلكت ' وحملها على أنها أدخلت على محمد بن شبيب الأرغياني من رجال هذا الحديث .
فقد رواه أبو علي الحافظ عن محمد ابن شبيب بالإسناد الأول دون هذه اللفظة ، ورواه العباس بن الوليد عن عقبة بن علقمة دون هذه اللفظة ، رواه كافة أصحاب الأوزاعي دونها ولم يذكرها أحد من أصحاب الزهري عن الزهري ، إلا ما روي عن أبي ثور عن معلى بن منصور عن سفيان بن عيينة عن الزهري ، وكان شيخنا يستدل على كونها في تلك الرواية أيضا خطأ بأنه نظر في كتاب الصوم تصنيف المعلى بن منصور فوجد فيه هذا الحديث دون هذه اللفظة ، وإن كان أصحاب سفيان رووه عنه دونها ، والله أعلم .
مسألة [ 358 ] :
كفارة الجماع على الترتيب .
____________________
(2/303)
وعنه : أنها على التخيير كقول مالك .
لنا : حديث الأعرابي المتقدم ، وقوله : ' أعتق رقبة ؟ ' قال : لا أجد ، قال : ' فصم ' .
مسألة [ 359 ] :
المتفرد برؤية الهلال ، إذ شهد بالرؤية فرد الحاكم شهادته لزمه الصوم من غير خلاف . قال : وإن أفطر بالجماع لزمه الكفارة .
وقال أبو حنيفة : لا كفارة .
لنا حديث الأعرابي : واقعت امرأتي في رمضان . وهذا كما يقول .
احتجوا بما :
1153 - قال الدارقطني ثنا القاسم بن إسماعيل ثنا محمد بن إسحاق الصاغاني قال : محمد بن عمرو ثنا داود بن خالد ، وثابت بن قيس ، ومحمد بن مسلم جميعا عن المقبري عن أبي هريرة عن النبي قال : ' صومكم يوم تصومون ، وفطركم يوم تفطرون ' .
وجوابه : أن محمد بن عمر هو الواقدي وهو ضعيف .
وقد رواه الترمذي من طريق آخر ، وقال : هو غريب .
ثم هو محمول على من لم يره .
____________________
(2/304)
ز : قوله : لزمه من غير خلاف غير صحيح فإن حنبلا روى عن أحمد أنه لا يلزمه الصوم وهو قول عطاء ، وإسحاق ، وغيرهما . وذهب مالك والشافعي وأصحاب الرأي ، وغيرهم إلى وجوب الصوم على من رآه وحده . وهذا الحديث الذي ذكره يدل على عدم الوجوب .
وما ذكر أحدا قال بذلك ، فيبقى قوله : ' احتجوا ' لا معنى له .
ثم حديث أبي هريرة الذي ذكره ، لم ينفرد به الواقدي كما رواه أبو داود والترمذي ، وابن ماجه من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' الفطر يوم تفطرون ، والأضحى يوم تضحون ' .
وزاد الترمذي : ' وأول الصوم يوم تصومون ' .
وقال : حديث حسن غريب .
وروى الترمذي أيضا من حديث عائشة قالت : قال رسول الله : ' الفطر يوم يفطر الناس ، والأضحى يوم يضحي الناس ' .
وقال : حديث حسن غريب .
مسألة [ 360 ] :
لا تجب الكفارة بالأكل والشرب .
وقال أبو حنيفة ، ومالك : تجب بالعمد .
احتجوا : بأربعة أحاديث :
أحدها : حديث أبي هريرة أن رجلا أفطر في رمضان فأمره رسول الله أن يعتق رقبة .
[ وقد سبق بإسناده ] .
1154 - الحديث الثاني : قال الدراقطني : ثنا أبو بكر النيسابوري ثنا محمد بن
____________________
(2/305)
إسحاق ثنا محمد بن عمر ثنا أبو بكر بن إسماعيل عن أبيه عن عامر بن سعد عن أبيه قال : جاء رجل إلى رسول الله فقال : أفطرت يوما من رمضان متعمدا ، قال : ' أعتق رقبة ، أو صم شهرين متتابعين ، أو أطعم ستين مسكينا ' .
1155 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : ثنا أبو سهل بن زياد ثنا إسماعيل بن إسحاق ثنا يحيى الحماني ثنا هيثم عن إسماعيل بن سالم عن مجاهد عن أبي هريرة : أن النبي أمر الذي أفطر يوما في رمضان بكفارة الظهار .
1156 - الحديث الرابع : روى الدارقطني قال : وثنا علي بن عبد الله بن مبشر ثنا أحمد بن [ سنان ] ثنا يزيد بن هارون ثنا أبو معشر عن محمد بن كعب القرظي : عن أبي هريرة أن رجلا أكل في رمضان فأمره النبي : أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين ، أو يطعم ستين مسكينا .
والجواب :
أما الحديث الأول : فهو حديث الأعرابي الذي وقع على أهله ، وإنما عبر بعض الرواة عن الجماع بالفطر ، والحديث مبين في المسانيد .
قال الدارقطني : روى مالك ويحيى بن سعيد ، وابن جريج ، وعبد الله بن أبي بكر وأبو أويس ، وفليح بن سليمان ، وعمر بن عثمان المخزومي ، ويزيد بن عياض ، وشبل بن عباد ، والليث بن سعد من رواية أشهب بن عبد العزيز عنه . وابن عيينة من رواية معتمر بن حماد عنه ، وإبراهيم بن سعد من رواية عمار بن مطر عنه . كلهم عن الزهري أن رجلا أفطر .
وخالفهم أكثر منهم عددا منهم . عراك بن مالك ، وعبيد الله بن عمر ، وإسماعيل ابن أمية ، ومحمد بن أبي عتيق ، وموسى بن عقبة ومعمر ، ويونس ، وعقيل ، وعبد الرحمن بن خالد ، والأوزاعي وشعيب بن أبي حمزة ، ومنصور بن المعتمر ، وسفيان بن عيينة وإبراهيم بن سعد ، والليث بن سعد ، وعبد الله بن عيسى ، ومحمد بن إسحاق ،
____________________
(2/306)
والنعمان بن راشد ، وحجاج بن أرطاة ، وصالح بن أبي الأخضر ، ومحمد بن أبي حفصة ، وعبد الجبار بن عمر ، وإسحاق بن يحيى ، وهبار بن عقيل ، وثابت بن ثوبان ، وقرة بن عبد الرحمن ، وزمعة بن صالح ، وبحر السقاء ، والوليد بن محمد بن شعيب بن خالد ، ونوح بن أبي مريم ، وغيرهم ، كلهم رووا عن الزهري هذا الحديث بهذا الإسناد ، وأن إفطار ذلك الرجل كان بجماع .
وأما الحديث الذي فيه أنه أمره بكفارة الظهار ، فيرويه يحيى الحماني ، قال أحمد : كان يكذب جهارا . ثم لا حجة فيه ؛ لأن جميع الألفاظ حكاية عن رجل أفطر ، ولم يذكر بما أفطر ، فيحمله على الوطء بدليلنا .
وأما اللفظ الذي فيه أن رجلا أكل فيرويه أبو معشر نجيح .
قال يحيى بن معين : ليس بشيء .
ز : وقال البيهقي : رواه جماعة عن الزهري ، مقيدة بالوطء ناقلة للفظ صاحب الشرع أولى بالقبول لزيادة حفظهم وأدائهم الحديث على وجهته .
كيف وقد روى حماد بن مسعدة هذا الحديث عن مالك عن الزهري بنحو رواية الجماعة : ثنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو الفضل بن إبراهيم حدثنا أحمد بن سلمة ، ثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم ثنا حماد بن مسعدة ، عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن النبي قال في رجل وقع على أهله في رمضان : ' أعتق رقبة ' ، قال : ما أجدها ، قال : ' فصم ' ، قال : لا أستطيع ، قال : ' أطعم ستين مسكينا ' .
مسألة [ 361 ] :
إذا أكل ناسيا لم يبطل صومه .
وقال مالك : يبطل .
____________________
(2/307)
لنا : حديثان :
1157 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا يزيد بن هارون قال : أنبأ هشام عن محمد ابن سيرين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' من نسي وهو صائم فأكل وشرب فيتم صومه ؛ فإنما الله أطعمه وسقاه ' .
أخرجاه في الصحيحين .
1158 - طريق آخر : قال الدارقطني : ثنا عبيد الله بن عبد الصمد بن المهتدي قال : ثنا أحمد بن خليد الكندي ثنا محمد بن عيسى بن الطباع ثنا ابن علية عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' إذا أكل الصائم ناسيا ، أو شرب ناسيا ، فإنما هو رزق ساقه الله إليه ، ولا قضاء عليه ' .
[ ز : قال الدارقطني : إسناده صحيح كلهم ثقات ]
1159 - طريق آخر : قال الدارقطني : وثنا محمد بن محمود السراج ثنا محمد ابن مرزوق البصري ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي قال : ' من أفطر في شهر رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ، ولا كفارة ' .
قال الدارقطني : تفرد به مرزوق ، وهو ثقة عن الأنصاري .
ز : وهذا الحديث رواه الحاكم في مستدركه وقال : صحيح على شرط مسلم .
وروى البيهقي بسنده إلى أبي هريرة أن النبي قال : ' من أفطر في رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ، ولا كفارة ' .
قال : وهو مما تفرد به الأنصاري ، ورواته كلهم ثقات .
1160 - الحديث الثاني : قال الإمام أحمد : ثنا عبد الصمد ثنا بشار بن عبد الملك قال :
____________________
(2/308)
حدثتني أم حكيم بنت دينار ، عن مولاتها أم إسحاق أنها كانت عند رسول الله فأتي بقصعة من ثريد فأكلت معه ، ومعه ذو اليدين ، فناولها رسول الله عرقا فقال : ' يا أم إسحاق أصبيبي من هذا ؟ ' قالت : فذكرت إني كنت صائمة ، فترددت يدي ، لا أقدمها ، ولا أؤخرها فقال النبي : ' مالك ' قلت : كنت صائمة فنسيت ، فقال ذو اليدين : الآن بعدما شبعت ، فقال النبي : ' أتمي صومك ، فإنما هو رزق ساقه الله إليك ' .
ز : هذا الحديث غريب ، ليس مخرج في السنن ، وبعض رواته ليس بمشهورين ، وبشار الذي روى عن جدته أم حكيم بن دينار ، وهي أم إسحاق الغنوية ، وقد هاجرت إلى النبي .
مسألة [ 362 ] :
لا يكره القبلة للصائم إذا كان ممن لا تحرك شهوته .
وعنه تكره كقول مالك .
لنا : أربعة أحاديث :
1161 - الحديث الأول : قال الإمام أحمد : ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن إبراهيم ، عن الأسود : عن عائشة قالت : كان رسول الله يقبل وهو صائم .
1162 - الحديث الثاني : قال أحمد : وثنا إسماعيل بن إبراهيم ثنا هشام الدستوائي عن يحي بن أبي كثير عن أبي سلمة عن زينب بنت أم سلمة : عن أم سلمة أنها قالت :
____________________
(2/309)
' كان رسول الله يقبلها وهو صائم .
الحديثان في الصحيحين .
1163 - الحديث الثالث : قال أحمد : ثنا حجاج ثنا ليث : حدثني بكير عن عبد الملك ابن سعيد الأنصاري عن جابر بن عبد الله عن عمر بن الخطاب قال : هششت يوما فقبلت ، وأنا صائم فأتيت النبي فقلت : صنعت اليوم أمرا عظيما قبلت وأنا صائم ، فقال رسول الله : ' أرأيت لو تمضمضت وأنت صائم ؟ ' قلت : لا بأس [ بذلك ] ، فقال رسول الله : ' ففيم ؟ ' .
[ ضعيف ] .
ز : قال شيخنا ابن تيمية : الليث بن سعد الإمام الجليل لا يختلف في فضله وعلمه ، وثقته ، وهو راوي هذا الحديث .
وقد رواه ابن أبي حاتم ، والبيهقي ، والحاكم في المستدرك ، وقال : على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه .
ثم بعد ذلك ضعف الإمام أحمد هذا الحديث ؛ لأن عمر بن الخطاب كان ينهى عن القبلة للصائم .
وأنكره أيضا النسائي ، وذاك لأنهم قالوا : إنه قيل لعمر : أتكره القبلة للصائم ، ورسول الله كان يقبل ، وهو صائم ، فقال : من ذا له من الحفظ والعصمة ما لرسول الله وقد حمل أبو عمر بن عبد البر قول عمر على التنزيه ، فقال : لا أدري معنى حديث ابن المسيب في هذا الباب عن عمر رضي الله عنه إلا تنزيها واحتياطا منه ؛ لأنه قد روي فيه عن عمر حديث مرفوع ، ولا يجوز أن يكون عند عمر رضي الله عنه حديث ويخالفه إلى غيره ، ثم ذكر حديث الليث عن بكير كما تقدم .
1164 - الحديث الرابع : قال الدارقطني : ثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ثنا
____________________
(2/310)
عثمان بن أبي شيبة ثنا أبو الأحوص عن زياد بن علاقة عن عمرو بن ميمون عن عائشة قالت : كان رسول الله يقبل في شهر رمضان .
قال الدارقطني : هذا إسناد صحيح .
ز : وقد رواه مسلم وأبو داود والترمذي وصححه ، والنسائي وابن ماجة .
أما حجتهم :
1165 - فروى الإمام أحمد : ثنا أبو نعيم ثنا إسرائيل عن زيد بن جبير عن أبي يزيد الضبي : عن ميمونة بنت سعد قالت : سئل رسول الله عن رجل قبل امرأته ، وهما صائمان قال : ' قد أفطر ' .
قال الدارقطني : هذا لا يثبت ، وأبو يزيد الضبي ليس بمعروف .
ز : وقد رواه ابن ماجة ، وقال البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الحميد الحارثي ثنا أبو أسامة ، عن عمر بن حمزة حدثنا سالم بن عبد الله بن عمر قال : قال عمر بن الخطاب : رأيت رسول الله في المنام ، فرأيته لا ينظر في ، فقلت : يا رسول الله ما شأني ؟ فالتفت إلي فقال : الست المقبل وأنت صائم ؟ فقلت : والذي نفسي بيده لا أقبل امرأة وأنا صائم ما بقيت .
قال البيهقي : تفرد به عمر بن حمزة ، فإن صح فعمر بن الخطاب كان قويا مما يتوهم تحريك القبلة بشهوة ، والله أعلم .
____________________
(2/311)
مسألة [ 363 ] :
لا يكره السواك بعد الزوال للصائم .
وهو قول أبي حنيفة ، مالك .
وعنه : يكره كقول الشافعي .
لنا : ما :
1166 - روى الترمذي : ثنا محمد بن بشار ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا سفيان عن عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة : عن أبيه قال : ' رأيت النبي ما لا أحصي يتسوك ، وهو صائم ' .
ز : وقد رواه أبو داود أيضا ، وقال الترمذي : حسن .
لكن عاصم فقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة ، كالإمام أحمد بن حنبل ، وابن معين ، وأبو حاتم الرازي ، وابن خزيمة .
وقال الدارقطني : مدني يترك ، وهو مغفل .
وقال ابن عدي : يكتب حديثه مع ضعفه .
احتجوا بحديثين :
1167 - الحديث الأول : قال أبو بكر أحمد بن علي الحافظ : ثنا الصميري قال : ثنا القاضي أبو يسر أحمد بن محمد الغوري ثنا عبد الله بن جعفر بن إسحاق الموصلي ثنا
____________________
(2/312)
إبراهيم بن سعد الجوهري ثنا عبد الصمد بن النعمان ، ثنا كيسان أبو عمر القصاب عن يزيد ابن بلال : عن خباب عن النبي أنه قال : ' إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ، ولا تستاكوا بالعشي ؛ فإنه ليس من صائم تلمس شفتاه بالعشي إلا كاننا نورا بين عينيه يوم القيامة ' .
قال يحي بن معين : كيسان ضعيف .
وقال ابن حبان : لا يحتج بيزيد بن بلال .
وقد روي هذا عن علي بن أبي طالب من كلامه .
ز : قال البيهقي : أخبرنا محمد بن عبد الله : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب عن بعضهم قال : وسمعته يقول : سمعت يحي بن معين يقول : ثنا علي بن ثابت عن كيسان أبي عمر عن يزيد بن بلال مولاه - وكان قد شهد مع علي صفين - عن علي رضي الله عنه قال : لا يستاك الصائم بالعشي ، ولكن بالليل ، فإن يبوس شفتي الصائم نور بين عينيه يوم القيامة .
قال أبو بكر بن الحارث الفقيه بسنده عن كيسان عن زيد عن بلال عن علي : إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ، ولا تستاكوا بالعشي ، فإنه ليس من صائم تيبس شفتاه بالعشي إلا كانتا نورا بين عينيه يوم القيامة .
قال ابن حبان : يزيد بن بلال الحارث الفزاري من أهل الكوفة ، يروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
وروى عن كيسان أبو عمر وهو منكر الحديث ، يروي عن علي بن أبي طالب ما لا يشبه حديثه ، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد ، وإن وافق الثقات فلا بأس به .
قال الأزدي : يزيد بن بلال منكر الحديث ، لا يشتغل بحديثه .
وقال الدارقطني : ثنا الحسين بن إسماعيل حدثنا محمد بن إسحاق الخياط ، ثنا أبو منصور ثنا عمر بن قيس عن عطاء عن أبي هريرة قال : لك السواك إلى العصر ، فإذا صليت العصر فألقه ، فإني سمعت رسول الله يقول : ' خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ' هذا إسناد غير قوي ، والله أعلم .
____________________
(2/313)
1168 - الحديث الثاني : رواه إبراهيم بن بيطار الخوارزمي عن عاصم الأحول قال : سألت أنس بن مالك ، قلت : أيستاك الصائم ؟ قال : نعم ، قلت : يرطب السواك ، ويابسه ؟ قال : نعم ، قلت : في أول النهار ، وآخره ، قال : نعم ، قلت له : عن من ؟ قال : عن رسول الله .
وهذا لا يصح ؛ قال أبو حاتم بن حبان : هذا الحديث لا أصل له من حديث رسول الله ، ولا من حديث أنس وإبراهيم يروي عن عاصم المناكير التي لا يجوز الاحتجاج بها .
ز : وأما ما رواه البيهقي قال : وأما ما أخبرنا علي بن الحسن بمكة ثنا عبد الله بن محمد النيسابوري ثنا أبو علي الحافظ عبد الله بن محمد بن علي بن جعفر بن ميمون البلخي ، ثنا أبو إسحاق الخوارزمي قاضي خوارزم ، قدم علينا أيام علي بن عيسى قال : سألت عاصم الأحول قلت : أيستاك الصائم ؟ قال : نعم ، قلت : فيابسه ورطبه ؟ قال : نعم ، قلت : عن من ؟ قال : عن أنس بن مالك عن النبي .
فهذا انفرد به أبو إسحاق إبراهيم بن بيطار ، ويقال : إبراهيم بن عبد الرحمن قاضي خوارزم حدث ببلخ عن عاصم الأحول بالمناكير ولا يحتج به .
وقد روى عنه من وجه آخر ليس فيه ذكر أول النهار ، ولا آخره عن عاصم عن السواك للصائم فقال : لا بأس به .
فقلت : برطب السواك ويابسه ، فقال : أتراه أشد رطوبة من الماء ؟ قلت : عن من ، قال : عن أنس بن مالك عن النبي .
ومن رجال هذا الحديث إبراهيم ، قال أحمد : عامة أحاديثه غير محفوظة .
وروى البيهقي في سننه عن مسعر عن أبي نهيك الأسدي عن زياد بن جرير قال : ما رأيت أحدا أداب سواكا وهو صائم من عمر .
وعن نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر قال : كان يستاك وهو صائم .
مسألة [ 364 ] :
لا يكره الاغتسال للصائم في الحر .
____________________
(2/314)
وقال أبو حنيفة : يكره .
1169 - قال أبو داود : ثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن سمي مولى أبي بكر عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب النبي قال : رأيت النبي يصب على رأسه الماء من العطش وهو صائم ، أو من الحر .
ز : وقد رواه النسائي عن قتيبة عن مالك ، ورواته أئمة ثقات ، وجهالة الصحابي لا تضر .
وروى البيهقي عن ابن أبي ذئب عن المنذر بن المنذر قال : رأيت ابن عباس يكرع في حياض زمزم ، وهو صائم ، ومعنى يكرع : يعطش .
مسألة [ 365 ] :
إذا اكتحل بما يصل إلى جوفه أفطر .
وقال أبو حنيفة ، والشافعي : لا يفطر .
1170 - قال أبو داود : ثنا النفيلي ثنا علي بن ثابت قال : حدثني عبد الرحمن بن النعمان بن معبد بن هوذة عن أبيه : عن جده عن النبي أنه أمر الإثمد المروح عند النوم ، وقال : ' ليتقه الصائم ' .
____________________
(2/315)
قال أبو داود : قال لي يحيى بن معين : هذا حديث منكر ، وعبد الرحمن ضعيف .
وقال الرازي : هو صدوق [ وهما من رجال هذا الحديث ] .
ز : وأبو داود رواه عن معبد ، وابنه النعمان ، وهما مجهولان فإنه لا يعرف لهما إلا هذا الحديث ، وتفرد بهذا الحديث أبو داود .
وقد رواه أيضا عن عبد الرحمن بن النعمان ، قال يحيى بن معين : هو ضعيف .
وقال البيهقي : وقد روي في النهي عن الكحل نهارا وهو صائم حديث أخرجه البخاري في التاريخ عن عبد الرحمن بن النعمان الأنصاري ، حدثني أبي عن جدي قال : وكان جده أتى به النبي فمسح رأسه ، فقال : لا تكتحل بالنهار وأنت صائم اكتحل ليلا بالإثمد فإنه يجلو بالصبر ، وينبت الشعر .
قال البيهقي : عبد الرحمن بن معبد بن هوذة أبو النعمان ، ومعبد هو ابن هوذة الأنصاري ، هو الذي له هذه الصحبة .
احتجوا : بما :
1171 - روى الترمذي قال : ثنا عبد الأعلى بن واصل ثنا الحسين بن عطية قال : ثنا أبو عاتكة : عن أنس بن مالك قال : جاء رجل إلى النبي فقال : اشتكت عيني أفأكتحل وأنا صائم ؟ قال : ' نعم ' .
قال الترمذي : إسناده ليس بالقوي ، ولا يصح عن النبي في هذا الباب شيء ، وأبو عاتكة ضعيف .
[ قلت : اسم ] أبي عاتكة : طريف بن سلمان .
قال البخاري : منكر الحديث .
وقال النسائي : ليس بثقة .
وقال الرازي : ذاهب الحديث .
ز : وقد انفرد به الترمذي ، وإسناده واه جدا ، وأبو عاتكة مجمع على ضعفه ،
____________________
(2/316)
والحسين بن عطية هو ابن نجيح القرشي أبو علي الكوفي البزار صدقة أبو حاتم .
وقد روى أبو داود في سننه أنه كان يكتحل وهو صائم يعني أنس بن مالك موقوفا عليه وهو من رواية عتبة .
هو أبو معاذ ، وقيل : حميد الضبي البصري .
قال أحمد بن حنبل : كتب من الحديث شيئا كثيرا ، قيل له : كيف حديثه ؟ قال : ضعيف ليس بالقوي .
وقال ابن أبي حاتم : سألت أبي عنه قال : هو بصري الأصل ، وكان جوالا في طلب الحديث وهو صالح الحديث .
وقال البيهقي : وقد روي عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع .
وليس بالقوي عن أبيه عن جده أن النبي كان يكتحل بالإُثمد وهو صائم .
وكذلك روي عن سعيد بن أبي سعيد الزبيدي صاحب بقية عن هشام عن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : ربما اكتحل النبي وهو صائم
وسعيد الزبيدي هذا من مجاهيل شيوخ بقية ، ينفرد بما لا يتابع عليه .
وقد روي عن أنس بن مالك موقوفا كما تقدم بإسناد ضعيف .
وقد روى حديث الزبيدي ابن ماجه في سننه فقال : حدثنا أبو التقى هشام بن عبد الملك الحمصي ثنا بقية ثنا الزبيدي عن هشام عن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت : اكتحل النبي وهو صائم .
وقد ظن بعض العلماء أن الزبيدي في هذا الحديث هو محمد بن الوليد الثقة الثبت ، وذلك وهم ، وإنما هو سعيد بن أبي سعيد ، كما صرح به البيهقي ، وغيره ، وليس هو بمجهول كما قاله أيضا ابن عدي ، بل هو سعيد بن عبد الجبار الزبيدي الحمصي ، و هو مشهور ، لكنه مجمع على ضعفه .
وأبو أحمد بن عدي فرق في كتابه بين سعيد بن أبي سعيد ، وبين سعيد بن عبد الجبار ، وهما واحد .
____________________
(2/317)
وروي هذا الحديث في ترجمة سعيد بن أبي سعيد الزبيدي ، فرواه من رواية أبي التقى عن بقية كرواية ابن ماجة ، والأظهر في الجملة أن الكحل لا يفطر الصائم لعدم الدليل الدال على ذلك من نص أو قياس صحيح ، والله الموفق للصواب .
مسألة [ 366 ] :
الحجامة تفطر الحاجم ، والمحجوم .
خلافا لأكثرهم .
لنا قوله : ' أفطر الحاجم والمحجوم ' .
رواه بضعة عشر صحابي ، وأخذ به علي ، وابن عمر ، وأبو موسى ، وأبو هريرة ، وعائشة ، إلا أن أكثر الأحاديث ضعاف ، فنحن ننتخب منها :
1172 - الحديث الأول : قال الإمام أحمد : ثنا عبد الرزاق عن معمر عن يحيى ابن أبي كثير عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ عن السائب بن يزيد عن رافع بن خديج عن النبي قال : ' أفطر الحاجم والمحجوم ' .
ز : قال أحمد بن حنبل : اصح شيء في هذا الباب حديث رافع بن خديج .
وقد روى هذا الحديث الترمذي ، وأبو حاتم البستي ، وأبو القاسم الطبراني ، والحاكم في المستدرك ، وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين .
حكم به علي بن المديني بالصحة ، ' وفي قوله بعض النظر ، فإن ابن قارظ تفرد به مسلم . وروى في صحيحه عن إسحاق بن راهويه عن عبد الرزاق بإسناده وقد رواه الحاكم من جانب معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير بإسناد صحيح ، ولم ينفرد به معمر أيضا ،
____________________
(2/318)
وقال إسحاق بن منصور : هو غلط ، وقال يحيى : هو الشعبي .
1173 - الحديث الثاني : قال الإمام أحمد : ثنا يزيد بن هارون ثنا عاصم الأحوال عن عبد الله بن زيد عن أبي قلابة عن أبي الأشعث : عن شداد بن أوس أنه مر مع رسول الله زمن الفتح على رجل يحتجم بالبقيع لثمان عشرة خلت من رمضان فقال : ' أفطر الحاجم والمحجوم ' .
ز : ورواه أبو داود والنسائي ، وابن ماجة ، وأبو القاسم الطبراني ، وأبو حاتم بن حبان ، والحاكم في المستدرك وقال : هو حديث ظاهر صحته .
وصححه أيضا أحمد بن حنبل ، وعلي بن المديني ، وإسحاق بن راهويه ، وعثمان بن سعيد الدارمي ، وأبو حاتم بن حبان .
واستقصى النسائي طرقه والاختلاف فيه في السنن الكبير .
وروى مسلم في صحيحه من طريق أبي قلابة عن أبي الأشعث عن شداد حديث : ' إن الله كتب الإحسان على كل شيء ' .
وقد ضعف يحيى بن معين هذا الحديث وقال : هو حديث مضطرب .
وقال الإمام أحمد لما بلغه عن يحيى بن معين أنه قال : ليس فيها حديث يثبت - يعني أحاديث فطر الحاجم والمحجوم - : هذا الكلام مجازفة .
وروى الميموني عن يحيى بن معين أنه قال : أنا لا أقول إن هذه الأحاديث مضطربة ، والله أعلم .
1174 - الحديث الثالث : قال الإمام أحمد : ثنا إسماعيل ثنا هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي أسماء : عن ثوبان أن رسول الله أتى على رجل يحتجم في رمضان فقال : ' أفطر الحاجم والمحجوم ' .
____________________
(2/319)
ز : وقد روى حديث ثوبان أيضا أبو داود ، وابن ماجه والنسائي ، وأبو يعلى الموصلي ، والحاكم في المستدرك وقال : الحديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه .
ورواه أبو حاتم البستي أيضا ، وذكر النسائي الاختلاف في طرقه .
وقال ابن خزيمة : ثبتت الأحاديث عن النبي أنه قال ' أفطر الحاجم والمحجوم ' .
وقال إسحاق بن راهوية : وقد ثبت هذا من خمسة أوجه عن النبي
وقال بعض الحفاظ : الحديث في هذا متواتر ، ومن أراد معرفة ذلك فليطالع ما روي في ذلك في مسند الإمام أحمد ومعجم الطبراني ، وكتاب النسائي ، ومستدرك الحاكم ، والمستخرج للحاكم أبي عبد الله المقدسي ، وغير ذلك من الأمهات ، والله أعلم .
1175 - الحديث الرابع : قال أحمد : ثنا أبو الجواب ثنا عماد بن رزيق عن عطاء بن السائب قال : حدثني الحسن : عن معقل بن سنان الأشجعي أنه قال : مر علي رسول الله وأنا أحتجم في ثمان عشرة ليلة خلت من رمضان فقال : ' أفطر الحاجم والمحجوم ' .
ز : وقد روى النسائي هذا الحديث عن فضيل عن عطاء قال : شهد عندي رجال أو نفر من أهل البصرة منهم الحسن عن معقل بن سنان الأشجعي أنه قال : مر علي رسول الله وأنا أحتجم في ثمانية عشر من رمضان فقال : ' أفطر الحاجم والمحجوم ' .
قال أبو عبد الرحمن : كان قد اختلط عطاء بن السائب في آخر عمره ، ولا نعلم أحدا روى هذا الحديث عنه غير هذين ، على اختلاف منهما عليه فيه .
وقد رواه أحمد من طريق عمار بن رزيق ، وكذا قال الحافظ ابن عساكر .
وقد رواه بعضهم عن عباس الدوري عن الأحوص بن جواب عن عمارة بن رزيق عن عطاء .
وقال ابن سنان ، وعلي بن المديني : فهو أيضا مروي عن الحسن عن معقل بن سنان .
____________________
(2/320)
ورواه بعضهم عن الحسن عن أسامة .
ورواه بعضهم عن الحسن عن علي .
ورواه بعضهم عن الحسن عن أبي هريرة .
ورواه التميمي ، وأثبت روايتهم جميعا .
وإن كان الحسن لم يسمع من عامة هؤلاء ولا عندنا منهم ثوبان ، ومعقل بن يسار ، وأسامة ، وعلي ، وأبي هريرة .
وفي كتاب العلل للترمذي : قلت لمحمد بن إسماعيل البخاري : حديث الحسن عن معقل بن يسار أصح ، أو معقل بن سنان ؟ فقال : معقل بن يسار أصح ، ولم نعرفه إلا من حديث عطاء بن السائب .
وقال البخاري في صحيحه : ويروى عن الحسن عن غير واحد موقوفا : ' أفطر الحاجم والمحجوم ' .
1176 - الحديث الخامس : قال أحمد : وثنا يحي بن سعيد عن أشعث عن الحسن عن أسامة بن زيد عن النبي قال : ' أفطر الحاجم والمحتجم ' .
ز : وقد رواه أيضا النسائي .
1177 - الحديث السادس : قال أحمد : وثنا يزيد بن هارون قال : ثنا أبو العلاء عن قتادة عن شهر بن حوشب ، عن بلال قال : قال رسول الله : ' أفطر الحاجم ، والمحجوم ' .
ز : وعن قتادة عن شهر عن ثوبان أن النبي قال : ' أفطر الحاجم والمحجوم ' .
وعن عبد الرحمن بن غنم عن ثوبان مثله .
1178 - الحديث السابع : قال أحمد : وثنا علي بن عبد الله بن جعفر ثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ثنا يوسف بن عبيد عن الحسن عن أبي هريرة أن رسول الله قال : ' أفطر الحاجم والمحجوم ' .
ز : وعن عبد الوهاب عن يونس عن الحسن مثله ، وذكر اختلاف الناقلين عند النسائي
____________________
(2/321)
عن أبي هريرة هذه أحاديث يطول ذكرها مثل : حديث ابن طهمان ، عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة .
وعن معمر عن خلاد عن سفيان عن شقيق عن ثور عن أبيه عن أبي هريرة قال : يقال : أفطر الحاجم والمحجوم ، أما أنا فلو احتجمت ما باليت بقول ، هذا اللفظ لزكريا .
وعن رباح عن أبي معروف عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعا : ' أفطر الحاجم والمحجوم ' .
وعن ابن جريج عن عطاء مثله ، وعنهم أيضا مثله .
قال النسائي : عطاء لم يسمعه من أبي هريرة .
وقال غيره : قد تواترت أحاديث عطاء عن أبي هريرة من طرق كثيرة على اختلاف رواتها وهي بضع وعشرون حديثا عن ثقات وإذا تواترت الأحاديث ، وكثرت طرقها مع عدم عموم جرحها وتعديل غالب رجالها جاز القطع بصحتها والعمل بها .
1179 - الحديث الثامن : قال أحمد : وثنا أبو النضر قال : ثنا أبو معاوية ثنا سفيان عن ليث ، عن عطاء عن عائشة قالت : قال رسول الله : أفطر الحاجم والمحجوم ' .
ز : ليث هو ابن أبي سليم ، وقد تكلم فيه ، وعن أبي النضر قال : ثنا أبو معاوية ، عن ليث ، عن عطاء عن عائشة مرفوعا : ' أفطر الحاجم والمحجوم ' ، رواه النسائي .
وروى النسائي عن عطاء عن ابن عباس قال : قال النبي ' أفطر الحاجم والمحجوم والمستحجم ' .
وقال النسائي : وقد روى عن ابن عباس أنه كان لا يرى بالحجامة للصيام بأسا ، وعن الضحاك عن ابن عباس أنه لم يكن يرى بالحجامة للصايم بأسا .
واعلم : أن هذا الحديث قد روي عن رسول الله من غير الطرق التي ذكرنا فروي
____________________
(2/322)
من طريق علي بن أبي طالب ، وسعد ، وابن عباس ، وأبي زيد الأنصاري ، وأبي موسى ، ومعقل بن يسار ، وغيرهم .
وقد ذكرنا أنه رواه بضعة عشر نفسا عن رسول الله فاقتصرنا على من ذكرنا .
وقد حكى الترمذي عن علي بن المديني أنه قال : أصح شيء في هذا الباب : حديث ثوبان ، وحديث شداد بن أوس .
قال الترمذي : وسألت البخاري فقال : ليس في هذا الباب شيء أصح من حديث شداد بن أوس ، وثوبان ، فقلت له : كيف ، وما فيه من الاضطراب ؟ فقال : كلاهما عندي صحيح ؛ لأن يحي بن سعيد روى عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان وعن أبي الأشعث عن شداد بن أوس الحديثين جميعا .
ز : وقد تقدم حديث علي وابن عباس ومعقل بن يسار .
وأما حديث أبي موسى : فروى النسائي بسنده عن أبي موسى قال نافع : دخلت على أبي موسى ليلا وهو يحتجم فقلت : ألا كان هذا نهارا ؟ .
قال : أهريق دمي ، وأنا صائم ، وقد سمعت رسول الله يقول : ' أفطر الحاجم والمحجوم ' .
وعن بكر بن عبد الله عن أبي رافع عن أبي موسى أنه قال ولم يرفعه ، وعن بريدة عن أبي موسى عن النبي قال : ' أفطر الحاجم والمحجوم ' .
وعن أبي عروبة عن أبي مالك عن أبي بريدة قال : دخلت على أبي موسى بليل وهو يحتجم ، أو يحتجم ليلا فقلت : هلا كان هذا نهارا ؟ قال : تأمرني أن أهريق دمي ، وأنا صائم ، وقد سمعت النبي يقول : ' أفطر الحاجم والمحجوم ' .
وعن أبي رافع قال : دخلت على أبي موسى وهو يحتجم ليلا فذكره .
أخبرنا حميد بن مسعدة ثنا بشر ثنا حميد عن بكر عن أبي العالية أنه دخل على أبي موسى وهو أمير على البصرة عند المغرب ، فوجدته يأكل تمرا ، وكأنما قال : احتجمت ، قلت : ألا احتجمت نهارا ؟ قال : تأمرني أن أهريق دمي وأنا صائم .
____________________
(2/323)
قال أبو علي الحافظ : قلت لعبدان الأهوازي : فصحيح أن النبي احتجم وهو صائم ؟ قال : سمعت عباسا العنبري يقول : سمعت علي بن المديني يقول : قد صح حديث أبي رافع عن أبي موسى أن النبي قال : ' أفطر الحاجم والمحجوم ' .
وقال الحاكم أبو عبد الله في المستدرك بعد أن روى حديث رافع عن أبي موسى قال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه .
قال أبو داود : قال أحمد : حديث بكر عن أبي رافع خطأ ، لم يرفعه أحد .
وقال البخاري في صحيحه : احتجم أبو موسى ليلا ، وذكر حجة من قال بجواز الحجامة للصائم .
[ أما حجتهم : فلهم ثلاثة أحاديث : ]
1180 - قال الترمذي : ثنا بشر بن هلال البصري ثنا عبد الوارث بن سعيد ثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال : احتجم رسول الله وهو محرم صائم .
قال الترمذي : هذا حديث صحيح
1181 - طريق آخر : قال الإمام أحمد : ثنا هاشم بن القاسم قال : ثنا شعبة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس : أن رسول الله احتجم بالقاصة وهو صائم
ز : أما حديث ابن عباس فقد روي على أربعة أوجه :
أحدها : احتجم رسول الله وهو محرم ولم يذكر الصيام .
والثاني : احتجم وهو صائم ، ولم يذكر الإحرام .
والثالث : الجمع بينهما ، احتجم وهو صائم محرم .
والرابع : الجمع بينهما على غير هذا الوجه ، قال البخاري في صحيحه : حدثنا معلى بن أسد ثنا وهب عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي احتجم وهو محرم ،
____________________
(2/324)
واحتجم وهو صائم .
فأما احتجامه وهو محرم فمجمع على صحته ، واختلف في صحة احتجامه وهو صائم ، فضعفه يحي بن سعيد القطان ، وأحمد بن حنبل وغيرهما من الأئمة .
وصححه البخاري والترمذي وغيرهما .
قال مهنا : سألت أحمد بن حنبل عن حديث ابن عباس أن النبي احتجم وهو صائم محرم ، فقال : ليس فيه صائم ، وإنما هو محرم .
قلت : من ذكره ؟ قال : سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عطاء ، وطاوس عن ابن عباس أن النبي احتجم وهو محرم . وعن طاوس عن ابن عباس مثله . وعبد الرزاق عن معمر عن ابن خيثم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله ، احتجم النبي وهو محرم ، وروح بن زكريا بن إسحاق عن عمر .
قال أحمد : هؤلاء أصحاب ابن عباس ، لا يذكرون صياما ، قال أبو بكر في ' كتاب الشافي ' : باب القول في ضعف حديث ابن عباس أنه احتجم صائما محرما : سمع الحكم حديث مقسم في الحجامة وهو صائم في الصيام .
قال يحي : والحجامة للصائم ليس بصحيح .
وقد أجبت عن حديث ابن عباس على تقدير صحته ، والفقهاء تعلله بوجوه ، [ قد ] ذكرها شيخنا في غير هذا الموضع .
وقال الحاكم بعد أن روى حديث ابن عباس : فاسمع الآن كلام إمام أهل الحديث في عصره بلا مدافعة على هذا الحديث ليستدل به على أرشد الصواب : سمعت أبا بكر محمد بن جعفر يقول : سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول : قد ثبتت الأخبار عن النبي أنه قال : ' أفطر الحاجم والمحجوم ' فقال بعض من خالفنا في هذه المسألة : إن الحجامة لا تفطر الصائم ، واحتج بأن النبي احتجم وهو صائم محرم ، وهذا الخبر غير دال على أن الحجامة لا تفطر الصائم ، لأن النبي إنما احتجم وهو صائم محرم في سفر ، لا في حصر ؛ لأنه لم يكن قط محرما مقيما ببلده ، إنما كان محرما وهو مسافر ، والمسافر وإن كان ناويا للصوم ، وقد مضى عليه بعض النهار وهو صائم ، وإن كان الأكل والشرب يفطرانه لا كما توهم بعض العلماء أن المسافر إذا دخل في الصوم لم يكن له أن يفطر إلى أن يتم صومه
____________________
(2/325)
ذلك اليوم الذي دخل فيه .
فإذا كان له أن يأكل ويشرب وقد دخل في الصوم ونواه ، ومضى بعض النهار وهو صائم جاز له أن يحتجم وهو مسافر في بعض نهار الصوم ، وإن كانت الحجامة تفطره .
1182 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : ثنا البغوي قال : ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا خالد بن مخلد ، عن عبد الله بن المثنى عن ثابت عن أنس بن مالك قال : أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم فمر به رسول الله فقال : ' أفطر هذان ' ، ثم رخص النبي بعد في الحجامة للصائم .
وكان أنس يحتجم وهو صائم .
قال الدارقطني : كلهم ثقات ، ولا أعلم له علة .
[ قلت : قد قال أحمد بن حنبل : خالد بن مخلد له أحاديث مناكير ] .
ز : وقالوا : هذا حديث منكر لا يصح الاحتجاج به ؛ لأنه شاذ الإسناد والمتن ، ولم يخرجه أحد من ائمة الكتب الستة ، ولا رواه أحمد في مسنده ، ولا الشافعي ، ولا أحد من أصحاب المسانيد المعروفة ، ولا يعرف في الدنيا أحد رواه إلا الدارقطني عن البغوي .
وقد ذكره الحافظ أبو عبد الله المقدسي في المستخرج ، ولم يروه إلا من طريق الدارقطني وحده ، ولو كان عنده من حديث غيره لذكره ؛ كما عرف من عادته أنه يذكر الحديث من المسانيد التي رواها كمسند أحمد ، وأبي يعلى الموصلي ، ومحمد بن هارون ، ومعجم الطبراني ، وغير ذلك من الأمهات .
وكيف يكون هذا الحديث صحيحا سالما من الشذوذ والعلة ، ولم يخرجه أحد من أئمة الكتب الستة ، ولا المسانيد المشهورة ، وهم محتاجون إليه أشد حاجة .
والدارقطني إنما جمع في كتابه ' السنن ' غرائب الأحاديث المعللة ، والضعيفة فيه أكثر من الأحاديث الصحيحة السالمة من التعليل ، وقوله في رواة هذا الحديث : كلهم ثقات ، ولا أعلم له علة فيه نظر من وجوه :
أحدها : أن الدارقطني نفسه تكلم في رواية عبد الله بن المثنى وقال : ليس هو بالقوي
____________________
(2/326)
في حديث رواه البخاري في صحيحه .
والثاني : أن خالد بن مخلد القطواني ، وعبد الله بن المثنى قد تكلم فيهما غير واحد من الحفاظ ، وإن كانا من رجال الصحيح .
قال أحمد : له أحاديث مناكير .
وقال ابن سعد : منكر الحديث ، مفرط التشيع .
وقال ابن السعدي : معلنا لسوء مذهبه .
قال ابن عدي : إن شاء الله لا بأس به .
وقال أبو عبيد الآجري : سألت أبا داود عن عبد الله بن المثنى الأنصاري فقال : لا أخرج حديثه .
وقال النسائي : ليس بالقوي .
وذكره ابن حبان في الثقات ، وقال : ربما أخطأ .
وذكره العقيلي في الضعفاء ، وقال : لا يتابع على أكثر حديثه ، ثم قال : حدثنا الحسين بن عبد الله الذراع ثنا أبو داود سمعت أبا سلمة يقول : حدثنا عبد الله بن المثنى ، ولم يكن من المتقنين بعظيم ، كان ضعيفا منكر الحديث .
وأصحاب الصحيح إذا رووا لمن تكلم فيه فإنهم يتوقفون عن حديثه ما لم ينفرد به .
بل وافق فيه الثقات ، وأتت شواهد صدقة .
الثالث : أن عبد الله بن المثنى قد خالفه في روايته عن ثابت هذا الحديث أمير المؤمنين في الحديث .
وقد ذكر البخاري في صحيحه أن شعبة بن الحجاج رواه بخلافه ثم [ إن ] سلم صحة هذا الحديث لم يكن فيه حجة ، لأن جعفر بن أبي طالب قتل في غزوة مؤتة وكانت مؤتة قبل الفتح ، وقوله : ' أفطر الحاجم والمحجوم ' كان عام الفتح بعد قتل جعفر .
الرابع : أن شرط الناسخ أن يكون في رتبة المنسوخ ، وحديث أنس هذا - على تقدير صحته - ليس في رتبة أفطر الحاجم والمحجوم ، لأنه خبر واحد ، وحديث أفطر الحاجم والمحجوم متواتر ، والله أعلم .
1183 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : وحدثنا أحمد بن يزيد الزعفراني ثنا محمد ابن ماهان ثنا شعيب بن حرب ثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله : ' ثلاثة لا يفطرن الصائم : القيء ، والحجامة ،
____________________
(2/327)
والاحتلام ' .
قال يحي : هشام بن سعد ليس بشيء .
وقال النسائي : ضعيف .
وقد رواه عبد الرحمن بن زيد عن أبيه ، وعبد الرحمن مجمع على ضعفه .
ز : وقد روى الترمذي حديث عبد الرحمن بن محمد بن عبيد المحاربي عنه ، وقال : هو غير محفوظ .
وقد رواه غير واحد عن زيد بن أسلم مرسلا .
وقد روى حديث هشام بن سعد ابن عدي في كامله ، وقال : عن ابن عباس بدل أبي سعيد ، وقال فيه : والرعاف بدل الحجامة .
ورواه من حديث عبد الرحمن ، وقال : هذا حديث غير محفوظ .
وقد تكلم في هذا الحديث أيضا الإمام أحمد بن حنبل ومحمد بن يحي الدهلي ، وابن خزيمة .
والمحفوظ في هذا الحديث ما روى أبو داود في سننه بسنده عن النبي أنه قال : ' لا يفطر من قاء ، ولا من احتلم ، ولا من احتجم ' .
كذا رواه عبد الرحمن بن زيد ، وليس بالقوي .
والصحيح رواية سفيان الثوري ، وغيره عن زيد بن أسلم عن رجل من أصحاب النبي .
مسألة [ 367 ] :
الفطر في السفر أفضل من الصوم .
[ خلافا لأكثرهم ] . لنا : خمسة أحاديث :
1184 - الحديث الأول : قال الإمام أحمد : ثنا إسماعيل عن شعبة عن محمد [ حدثنا ] عبد الرحمن بن سعد بن زرارة عن محمد بن عمرو بن الحسن أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : بينا رسول الله في سفر فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه ، فسأل عنه فقيل : هذا صائم ، فقال : ' ليس من البر أن تصوموا في السفر ' .
أخرجاه في الصحيحين .
1185 - الحديث الثاني : قال أحمد : وثنا سفيان عن الترمذي عن صفوان بن عبد الله عن أم الدرداء : عن كعب بن عاصم أن رسول الله قال : ' ليس من البر الصيام في السفر ' .
ز : وقد روى هذا الحديث النسائي عن إسحاق بن إبراهيم عن سفيان بإسناده عن إبراهيم بن يعقوب عن محمد بن كثير عن الأوزاعي عن سعيد بن المسيب قال : قال النبي فذكره وقال : هذا الحديث خطأ ولا نعلم أحدا تابع عليه - يعني على محمد بن كثير ، والصواب الذي قبله .
ورواه ابن ماجه عن ابن أبي شيبة ومحمد بن الصباح عن سفيان به .
____________________
(2/328)
1186 - الحديث الثالث : قال أحمد : وثنا يعقوب ثنا أبي عن [ ابن ] إسحاق قال : حدثني بشير بن بشار عن ابن عباس قال : ' خرج رسول الله عام الفتح في رمضان فصام وصام المسلمون معه ، حتى إذا كان بالكديد دعا بماء في قعب ، وهو على راحلته يشرب ، والناس ينظرون يعلمهم أنه قد أفطر ، فأفطر المسلمون .
1187 - الحديث الرابع : قال أحمد : وثنا هاشم بن القاسم ثنا شعبة عن الحكم عن مقسم : عن ابن عباس قال : صام رسول الله يوم فتح مكة حتى إذا أتى قديدا فأتي بقدح من لبن فأفطر ، وأمر الناس أن يفطروا .
ز : والحديث الذي قبل هذا ليس في شيء من الكتب الستة بهذا الإسناد ، وأما هذا الحديث فرواه النسائي عن محمد بن حاتم .
ورواه العلاء بن المسيب عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس .
1188 - الحديث الخامس : قال أحمد : وثنا حجاج ، ويونس قالا : ثنا ليث ثنا يزيد ابن أبي حبيب عن أبي الخير عن منصور الكلبي : عن دحية بن خليفة أنه خرج من قريته في رمضان فأفطر وأفطر معه ناس .
وكره آخرون أن يفطروا ، فلما رجع قال : والله لقد رأيت اليوم أمرا ما كنت أظن أن أراه ؛ إن قوما رغبوا عن هدي رسول الله وأصحابه ، يقول ذلك للذين صاموا ، ثم قال عند ذلك : اللهم اقبضني إليك .
ز : روى هذا الحديث أبو داود والطبراني ، قال أبو داود في سننه بإسناده : إن دحية ابن خليفة الكلبي خرج من قرية من دمشق مرة إلى قرية من الفسطاط وذلك ثلاثة أميال في رمضان ، ثم إنه أفطر ، وأفطر معه ناس ، وكره آخرون أن يفطروا ، فلما رجع إلى قريته قال : والله لقد رأيت اليوم أمرا ما كنت أظن أني أراه ؛ قوما رغبوا عن هدي رسول الله
____________________
(2/330)
وأصحابه ، يقول ذلك للذين صاموا ، ثم قال عند ذلك : اللهم اقبضني إليك .
وقال الطبراني : حدثنا مطلب بن شعيب الأزدي ثنا عبد الله بن صالح ثنا الليث ثنا يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن منصور الكلبي أن دحية بن خليفة خرج من قريته بدمشق المزة إلى قدر قرية عقبة في رمضان ، ثم إنه أفطر في رمضان فأفطر وأفطر الناس معه ، وكره آخرون أن يفطروا ، فلما رجع إلى قريته قال : والله لقد رأيت اليوم أمرا ما كنت أظن أني أراه ؛ إن قوما رغبوا عن هدي رسول الله وأصحابه ، يقول ذلك للذين صاموا .
منصور الكلبي ، قال العجلي : هو بصري تابعي .
وقال ابن المديني : منصور بن يزيد الكلبي مجهول لا أعرفه .
وسئل الذهلي عنه فقال : قال يزيد بن أبي حبيب : هو منصور بن يزيد الكلبي .
وقال ابن يونس : هو منصور بن سعيد الأصبع الكلبي يروي عن دحية الكلبي .
قال الخطابي : هذا الحديث ليس بالقوي ، وفي إسناده رجل ليس بالمشهور .
وقد روى عن منصور هذا أبو الخير ، وأبو الخير مما يحسن أمره ، فإنه لا يروي إلا عن ثقة .
وقال البيهقي : والذي روينا عن دحية الكلبي إن صح ذاك فكأنه ذهب فيه إلى ظاهر الآية في الرخصة في السفر وأراد بقوله : رغبوا عن هدي رسول الله وأصحابه في قبول الرخصة ، لا في تقدير السفر الذي أفطر فيه ، والله أعلم .
وقد تقدم الكلام في الفطر المحدود ، وعلته ، وأنه كان إذا خرج من المدينة ، وغيرها قصر في السفر القريب والبعيد .
____________________
(2/331)
مسألة [ 333 ] :
يجوز تقديم الفطرة بيوم ويومين .
وقال أبو حنيفة : يجوز تقديمهما على رمضان .
وقال الشافعي : يجوز تعجيلها من أول رمضان .
لنا ما :
1071 - روى الإمام أحمد قال : ثنا عتاب ، ثنا عبد الله ، أنا أسامة بن زيد ، عن نافع ، عن ابن عمر : أن رسول الله أمر بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى المصلى .
أخرجاه في الصحيحين .
1072 - وقال ابن ماجه : ثنا أحمد بن الأزهر ، ثنا مروان بن محمد ، ثنا أبو يزيد الخولاني ، عن سيار بن عبد الرحمن ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : فرض رسول الله زكاة الفطر طهرة للصائم ، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات .
ز : الحديث الأول : مخرج في الصحيحين من غير حديث أسامة بن زيد .
____________________
(2/332)
فصل
فإن صام في السفر صح [ وعليه جمهور الأئمة ] .
وقال داود : لا يصح .
لنا أحاديث :
1189 - قال الإمام أحمد : ثنا أبو المغيرة ثنا سعيد بن عبد العزيز قال : حدثني إسماعيل بن عبيد الله عن أم الدرداء : عن أبي الدردداء قال : ' كنا مع رسول الله في سفر وإن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر ، وما منا صائم إلا رسول الله وعبد الله بن رواحة ' .
أخرجاه في الصحيحين .
قال أحمد : وثنا أبو معاوية قال : ثنا هشام بن عروة ، عن أبيه عن عائشة قالت : جاء حمزة الأسلمي إلي النبي فقال : يا رسول الله إني رجل أسرد الصوم أفأصوم في السفر ، فقال رسول الله ' : إن شئت فصم ، وإن شئت فأفطر ' .
أخرجاه في الصحيحين .
ز : وقد رواه النسائي .
1190 - قال أحمد : وثنا محمد بن جعفر ثنا سعيد عن قتادة عن سليمان بن يسار عن حمزة عن ابن عمرو الأسلمي أنه سأل رسول الله عن الصوم في السفر فقال : ' إن شئت صمت ، وإن شئت أفطرت ' .
____________________
(2/332)
1191 - قال الدارقطني : ثنا أبو بكر النيسابوري قال : ثنا يونس ، قال انبأ ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو ابن الحارث ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن عروة ، عن أبي مراوح : عن حمزة بن عمرو الأسلمي أنه قال : يا رسول الله إني أجد في قوة على الصيام في السفر ، فهل علي جناح ؟ فقال رسول الله : ' هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه ' .
قال الدارقطني : هذا إسناد صحيح ، [ قال : وخالفه هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن حمزة سأل رسول الله .
قال : ويحتمل أن يكون القولان صحيحين ، والله أعلم .
قال الدارقطني : ثنا عمر بن أحمد بن علي المروزي ثنا محمد بن عمران ثنا أحمد بن موسى ثنا هارون بن مسلم ثنا حسين المعلم عن عمرو بن شعيب ] عن أبيه عن جده : قال : رأيت رسول الله يصوم في السفر ويفطر .
قلت : وقد أخرجه مسلم في إفراده من حديث أبي مراوح .
ز : هذا الحديث بهذا الإسناد غير مخرج في شيء من الكتب الستة ، تفرد به شيخ الدارقطني ، وهو ثقة ، وفي رجاله محمد بن عمران هو أبو جعفر الضبي النحوي الكوفي ، سكن بغداد وحدث عن أبي نعيم ، وأحمد بن حنبل ، وثقه الدارقطني .
قال الإمام أحمد : ثنا وكيع عن سفيان عن عبد الكريم الجزري عن طاوس : عن ابن عباس قال : لا تعب على من صام في السفر ، ولا على من أفطر ؛ فقد صام رسول الله في السفر وأفطر .
رواه مسلم في الصحيح .
[ وعن أنس بن مالك قال : وافق رسول الله رمضان في سفره فصامه ، ووافقه في رمضان في سفر فأفطره ]
____________________
(2/333)
ز : رواه الدارقطني من طريق زياد بن عبد الله النميري ، وقد ذكره ابن حبان في الثقات وقال : وكان من العباد ، ووثقه ابن عدي .
قال مالك عن حميد الطويل عن أنس أنه قال : سافرنا مع رسول الله في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر ، ولا المفطر على الصائم .
أخرجاه في الصحيحين .
مسألة [ 368 ] :
إذا نوى الصوم ثم سافر أبيح له أن يفطر .
وبه قال داود .
وعنه لا يباح كقول أكثرهم .
1192 - قال الإمام أحمد : ثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أن النبي خرج عام الفتح فصام 1193 حتى إذا كان بالكديد أفطر .
وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من فعل رسول الله .
1193 - قال أبو بكر الإسماعيلي قال : أخبرني القاسم بن زكريا قال : ثنا الأشجعي عن سفيان عن منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس قال : خرج رسول الله مسافرا في رمضان حتى أتى عسفان فدعا بإناء من شراب نهارا ليرى الناس . ثم أفطر حتى قدم [ مكة ] .
أخرجاه في الصحيحين .
ز : فهذان الحديثان يدلان على أن المسافر إذا صام بعض الشهر في سفره يجوز له الفطر
____________________
(2/334)
بعد ذلك في يوم نوى صومه .
وأما إذا نوى الحاضر صوم يوم ، ثم سافر في أثنائه فالدليل على جواز الفطر قال أبو داود في سننه بإسناده عن جعفر بن جبر قال : كنت مع أبي نصرة الغفاري رضي الله عنه في سفينة من الفسطاط في رمضان ، فدفع ، ثم قرب غذاؤه - فقال جعفر في حديثه - فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة قال : اقترب ، قلت : أليس ترى البيوت ؟ قال أبو نصرة : أترغب عن سنة رسول الله ، قال جعفر في حديثه : فأكل .
وقال البيهقي في سننه عن أنس بن مالك قال : قال لي أبو موسى : ألم أخبر أنك تخرج صائما .
قال : قلت : بلى ، قال : فإذا خرجت فاخرج مفطرا ، وإذا دخلت فادخل مفطرا .
وعن محمد بن المنكدر عن محمد بن كعب قال : أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد السفرة ، وقد رحلت دابته ، وقد لبس ثياب السفر ، وقد تقارب غروب الشمس ، فدعا بطعام ، فأكل منه ، ثم ركب ، فقلت له : سنة ؟ فقال : نعم .
مسألة [ 368 م ] :
إذا نوى بالليل ثم أغمي عليه قبل طلوع الفجر .
فلم يفق إلا بعد الغروب لم يصح صومه .
وقال أبو حنيفة : يصح .
1194 - قال الإمام أحمد : ثنا وكيع قال : ثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله يقول الله عز وجل : إلا لصوم فإنه لي وأنا أجزي به ، يدع طعامه وشهوته من أجلي ' .
____________________
(2/335)
أخرجاه في الصحيحين .
مسألة [ 369 ] :
إذا أخر قضاء رمضان لغير عذر حتى جاء رمضان آخر ، وجبت عليه الفدية مع القضاء .
وقال أبو حنيفة : لا يجب إلا القضاء .
1195 - قال الدارقطني : ثنا محمد بن جعفر بن أحمد الصيرفي ثنا بكر بن محمود بن مكرم القزاز ثنا إبراهيم بن نافع الجلاب ثنا عمر بن موسى بن وجيه ثنا الحكم عن مجاهد عن أبي هريرة عن النبي في رجل أفطر في رمضان ، ثم مرض ، ثم صح ، ولم يصم حتى أدركه رمضان آخر قال : ' يصوم الذي أدركه ، ثم يصوم الشهر الذي أفطر فيه ، ويطعم عن كل يوم مسكينا ' .
قال الدارقطني : وأخبرنا محمد بن عبد الله قال : ثنا معاذ قال ثنا مسدد : قال : ثنا يحيى عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة أنه قال في رجل مرض في رمضان ، ثم صح ، فذكر نحو الحديث .
قال الدارقطني : إسناد صحيح ، [ موقوف ، وعلى الموقوف العمل ] .
فأما المسند فلا يصح ، فيه إبراهيم بن نافع ، قال أبو حاتم الرازي : كان يكذب ، وحدث عن ابن وجيه أحاديث بواطيل .
قال : وعمر متروك الحديث ، كان يضع الحديث .
____________________
(2/336)
وقال يحي بن معين : ليس بثقة .
ز : قال البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العلاء عن محمد بن يعقوب ثنا الحسن بن مكرم ثنا يزيد بن هارون ثنا شعبة عن الحكم عن ميمون بن مهران عن ابن عباس في رجل أدركه رمضان ، وعليه رمضان آخر قال : يصوم هذا ، ويطعم عن ذاك كل يوم مسكينا ، ويقضيه .
وقال عطاء : سئل سعيد بن أبي عروبة عن رجل تتابع عليه رمضانان ، وفرط فيما بينهما فأخبراه عن قتادة عن صالح أبي الخليل عن مجاهد عن أبي هريرة أنه قال : يصوم ، ويقضي ، ويطعم كل يوم مسكينا .
وقال فيه : مدا من حنطة لكل مسكين .
وعن أبي عوانة عن رقبة ، قال : زعم عطاء أنه سمع أبا هريرة قال في مريض يمرض ولا يصوم رمضان ثم يبرأ ، ولا يصوم حتى يدركه رمضان آخر قال : يصوم الذي حضر ، ويصوم الآخر ، ويطعم لكل ليلة مسكينا .
وقد روي عن عمر بن موسى بن دحية عن الحكم عن مجاهد عن أبي هريرة مرفوعا ، وليس بشيء ، إبراهيم وعمر متروكان .
وقد روي أيضا عن ابن عمر وأبي هريرة في الذي لا يصح حتى أدركه رمضان آخر : يطعم ولا قضاء عليه .
وعن الحسن وطاوس والنخعي : يقضي ، ولا كفارة عليه لقول الله تعالى : ( ^ فعدة من أيام خر ) .
مسألة [ 370 ] :
إذا مات وعليه قضاء رمضان فإنه يطعم عنه ولا يصام ، وإن كان عليه نذر صام الولي .
____________________
(2/337)
قال أبو حنيفة مالك : لا يصام ، ولا يطعم في الحالين إلا أن يوصي بذلك .
وقال الشافعي في القديم يصام فيهما ، وفي الجديد يطعم فيهما .
لنا أنه لا يصام عنه قضاء رمضان بما :
1196 - روى الترمذي ثنا قتيبة قال : ثنا عبثر بن القاسم عن أشعث عن محمد عن نافع عن ابن عمر عن النبي قال : ' من مات وعليه صيام شهر فليطعم عنه مكان كل يوم مسكينا ' .
قال الترمذي : لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه ، والصحيح عن ابن عمرو موقوفا .
قلت : أشعث هو ابن سوار ، وكان ابن مهدي يخط على حديثه .
وقال يحي : لا شيء ، وفي رواية : هو ثقة .
ومحمد هو : ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى ضعيف ، مضطرب الحديث ، وقد حمله أصحابنا على قضاء رمضان .
ز : وقد رواه ابن ماجه ، وقد سئل الدارقطني عن هذا الحديث فقال : يرويه أشعث بن سوار عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن نافع عن ابن عمر عن النبي ، تفرد به عبثر بن القاسم ، والمحفوظ عن نافع عن ابن عمر موقوفا .
وروى البيهقي بسنده عن نافع أن ابن عمر كان إذا سئل عن الرجل يموت وعليه صوم من رمضان أو نذر لا يصوم أحد عن أحد ، ولكن تصدقوا عنه من ماله للصوم ، لكل يوم
____________________
(2/338)
مسكينا .
وعن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول : من أفطر في رمضان أياما وهو مريض ، ثم مات قبل أن يقضي ، فليطعم عنه مكان كل يوم أفطر بين تلك الأيام مسكينا مدا من حنطة ، وليصم الذي استقبل ، هذا هو الصحيح ، موقوف على ابن عمر .
وقد روى محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن نافع فأخطأ فيه .
أخبرنا أبو بكر الحافظ بسنده عن يزيد بن هارون قال : ثنا شريك عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن نافع عن ابن عمر عن النبي في الذي يموت وعليه رمضان ، ولم يقضه ، قال : ' يطعم عنه لكل يوم مسكينا نصف صاع من بر ' .
هذا خطأ من وجهين :
أحدهما : رفع الحديث ، وإنما هو من قول ابن عمر .
والآخر : قوله : نصف صاع ، وإنما قال ابن عمر : مدا من حنطة .
وروي من وجه آخر عن ابن أبي ليلى ، ليس فيه ذكر الصاع .
وقد سئل ابن عباس عن رجل مات ، وعليه صيام شهر رمضان ، وعليه نذر آخر قال : يطعم ستين مسكينا .
كذا رواه ابن ثوبان عنه في الصيامين جميعا .
وعن ميمون بن مهران عن ابن عباس في امرأة توفيت ، أو رجل ، وعليه رمضان ، ونذر شهرا ، فقال ابن عباس : يطعم عنه لكل يوم مسكينا ، أو يصوم عنه وليه لنذره .
وكذلك في رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس .
انتهى كلام البيهقي ، وما رواه .
وقال أبو داود في سننه أيضا عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : إذا مرض الرجل في رمضان ثم مات ، ولم يصح أطعم عنه ، ولم يكن عليه قضاء ، وإن نذر نذرا قضى عنه وليه .
ولنا علي قضاء النذر أربعة أحاديث :
1197 - الحديث الأول : قال الإمام أحمد : ثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن
____________________
(2/339)
عبد الله بن عتبة عن ابن عباس أن سعد بن عبادة سأل النبي عن نذر كان على أمه توفيت قبل أن تقضيه قال : ' اقضه عنها ' .
[ أخرجاه في الصحيحين ]
1198 - الحديث الثاني : قال أحمد : وثنا محمد بن جعفر قال : ثنا شعبة عن أبي بشر قال : سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس أن امرأة نذرت أن تحج فماتت فأتى أخوها النبي فسأله عن ذلك فقال : ' أرأيت لو كان على أختك دين أكنت قاضية ؟ ' قال : نعم ، قال : ' فاقضوا لله عز وجل فهو أحق بالوفاء ' .
انفرد بإخراجه البخاري
1199 - الحديث الثالث : قال أحمد : وثنا هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن امرأة ركبت البحر ، فنذرت إن الله عز وجل نجاها أن تصوم شهرا فأنجاها الله فلم تصم حتى ماتت ، فجاءت قرابة لها فذكرت ذلك للنبي فقال : ' صومي ' .
1200 - الحديث الرابع قال أحمد : وثنا إسحاق بن يوسف عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عبد الله بن عطاء المكي عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن امرأة أتت النبي فقالت : يا رسول الله إن أمي كان عليها صوم شهر أفيجزيها أن أصوم عنها قال : ' نعم ' .
ز : ورواه مسلم أيضا ، ولفظه أن امرأة نذرت وهي في البحر إن نجاها الله أن تصوم شهرا فأنجاها الله فماتت قبل أن تصوم ، فجاءت ذات قرابة لها - إما أخيها وإما ابنتها - إلى رسول الله فأخبرته فقال : ' صومي عنها ' .
وفي رواية عن ابن عباس أنها قالت : يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم خمسة عشر يوما ، قال : ' أرأيت لو أن أمك ماتت وعليها دين أكنت قاضيته ؟ ' قالت : نعم قال : ' اقضي دين أمك ' وهي امرأة من خثعم .
قال البخاري : وقال ابن جبير : حدثني عكرمة فذكره .
وروى البيهقي عن بريدة بن الحصيب عن النبي في الصوم والحج جميعا قال : حدثنا بريدة عن أبيه قال : كنت جالسا عند النبي إذ أتته امرأة فقالت : إني تصدقت على
____________________
(2/340)
أمي بجارية وإنها ماتت ، قال : ' وجب أجرك ، وردها عليك الميراث ' قالت : يا رسول الله إنه كان عليها صوم شهر فأصوم عنها ؟ قال : ' صومي عنها ' . قالت يا رسول الله إنها لم تحج ، قال : ' حجي عنها ' .
رواه مسلم في الصحيح عن علي بن حجر .
واحتج أصحاب الشافعي بحديثين :
1201 - الحديث الأول : قال الإمام أحمد : ثنا أبو معاوية قال ثنا الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : أتت النبي امرأة فقالت : يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر فأقض عنها ؟ فقال : ' أرأيت لو كان على أمك دين أما كنت تقضينه ؟ ' قالت : بلي قال : ' فدين الله عز وجل أحق ' .
أخرجاه في الصحيحين .
1202 - الحديث الثالث : قال أحمد : وثنا يحيى قال : ثنا ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة : عن عائشة أنها سألت رسول الله عن من مات وعليه صيام قال : ' يصوم عنه وليه ' .
ورواه الدارقطني [ من حديث يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن أبي جعفر وقال : هذا إسناد حسن .
وقد حمله أصحابنا على ما إذا كان نذرا ] .
ز : وقال البخاري : ورواه أيضا يحيى بن أيوب وعن الزبير عن عروة عن عائشة أن رسول الله قال : ' من مات وعليه صيام صام عنه وليه ' أخرجه البخاري في
____________________
(2/341)
الصحيح .
مسألة [ 371 ] :
لا يجب التتابع في قضاء رمضان .
وقال داود : تجب .
1203 - قال الدارقطني : ثنا عبد الباقي بن قانع قال : ثنا محمد بن عبد الله بن منصور الفقيه ومحمد بن عثمان قالا : ثنا سفيان بن بشر قال : ثنا علي بن مسهر عن عبيد الله ابن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي قال في قضاء رمضان : ' إن شاء فرق وإن شاء تابع ' .
[ قالوا : الدارقطني لم يسنده عن سفيان بن بشر .
قلنا : ما عرفنا أحدا طعن فيه ، والزيادة من الثقة مقبولة ] .
ز : وروى البيهقي ، والدارقطني عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت : نزلت ( ^ فعدة من أيام أخر ) متتابعات ، فسقطت متتابعات .
____________________
(2/342)
قولها : فسقطت متتابعات : يريد بها : به نسخت لا يصح له تأويل غير ذلك .
وقال أبو عبيدة بن الحارث ، قال : إن الله لم يرخص لكم في فطره ، وهو يريد أن يشق عليكم في قضائه ، فاحص العدة ، واصنع ما شئت .
وعن معاذ بن جبل ، وقد سئل عن قضاء رمضان فقال : أحص العدة ، وصم كيف شئت . وعن عقبة بن الحارث أن أبا هريرة كان لا يرى بقضائه بأسا أن يقضيه متفرقا ، يعني يقضاء صوم رمضان . وعن عطاء عن ابن عباس أنه كان يقول في قضاء رمضان من كان عليه شيء منه فليفرق بينه .
وقال مرة : يقضيه متفرقا ، فإن الله تعالى يقول ( ^ فعدة من أيام أخر ) . وعن رافع بن خديج أنه كان يقول : أحص العدة وصم كيف شئت .
وقد روي فيه عن النبي بإسناد مرسل عن صالح بن كيسان ؛ قال : قيل : يا رسول الله رجل كان عليه قضاء رمضان يقضي يوما ، أو يومين متقطعين أيجزئ عنه ؟ قال رسول الله : ' أرأيت لو كان عليه دين فقضاه فقضى درهم أو درهمين حتى يقضي دينه أترون ذمته برئت ؟ ' قال نعم ، قال : ' يقضي عنه ' .
وقد قيل عن موسى بن عقبة عن محمد بن المنكدر عن النبي مرسلا أنه سئل عن تقطيع قضاء رمضان ؛ قال :
' ذاك إليك ؛ إن رأيت لو كان على أحدكم دين فقضى الدرهم والدرهمين ألم يكن قضى ؟ فالله أحق أن يعفو ، ويغفر ' .
قال البيهقي : وقد روي في مقابلته عن أبي هريرة في النهي عن القطع مرفوعا .
وكيف يكون ذاك صحيحا ومذهب أبي هريرة التفريق ، ومذهب ابن عمر المتابعة .
وروي من وجه آخر عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا في جواز التفريق ، ولا يصح شيء من ذلك .
وقد ذكر أبو بكر الحافظ بسنده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' من كان عليه صوم رمضان فليسرده ، ولا يقطعه '
____________________
(2/343)
قال : في إسناده عبد الرحمن بن إبراهيم ضعيف .
قال البيهقي : عبد الرحمن بن إبراهيم مدني ، وقد ضعفه يحيى بن معين ، وأبو عبد الرحمن النسائي ، والدارقطني .
وعن نافع عن ابن عمر قال : تتابعا ، وعنه في رواية أنه كان لا يفرق قضاء رمضان .
احتج داود بما : [ الظاهري ]
روى الدارقطني قال : ثنا القاسم بن إسماعيل ثنا علي بن المثنى ثنا حبان بن هلال ثنا عبد الرحمن بن إبراهيم القاض ثنا العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي قال : ' من كان عليه صوم من رمضان فليسرده ، ولا يقطعه '
يرفعه إلى النبي .
تفرد به عبد الرحمن ، عن أبيه عن أبي هريرة .
قال يحي بن معين : عبد الرحمن بن إبراهيم ليس بشيء .
[ قال الدارقطني : ضعيف ] .
ز : قال أبو زرعة : لا بأس به ، والله أعلم .
مسألة [ 372 ] :
إذا دخل في صوم التطوع لم يلزمه إتمامه فإن أفطر لم يلزمه القضاء .
____________________
(2/344)
وقال أبو حنيفة ومالك : يلزمه ، فإن أفطر وجب القضاء .
لنا أربعة أحاديث :
1204 - الحديث الأول : قال الإمام أحمد : ثنا وكيع قال : ثنا شعبة عن قتادة عن أبي أيوب الهجري عن [ جبي ] رأن رسول الله دخل على جويرية في يوم جمعة وهي صائمة فقال لها : ' أصمت أمس ؟ ' قالت : لا قال : ' أتصومين غدا ' قالت : لا قال : ' فأفطري ' .
انفرد بإخراجه البخاري .
ز : ورواه النسائي أيضا .
[ 1205 - طريق آخر : قال أحمد : وثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن قتادة عن سعيد ابن المسيب عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله دخل على جويرية بنت الحارث وهي صائمة في يوم جمعة ، فقال لها : ' أصمت أمس ؟ ' قالت : لا ، قال : ' أتريدين أن تصومي غدا ' قالت : لا قال : ' فأفطري إذن ' . ]
1206 - الحديث الثاني : قال أحمد : وثنا يحي عن طلحة عن يحي عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين أن النبي كان يأتيها وهو صائم يقول : ' أصبح عندكم شيء تطعمونيه ؟ ' فتقول لا ، ما أصبح عندنا شيء ، فيقول : ' إني صائم ' .
ثم جاء بعد ذلك فقالت : أهديت لنا هدية فخبأنا لك قال : ' ما هي ؟ ' قالت : حيس ، قال : ' قد أصبحت صائما ، فأكل ' .
انفرد بإخراجه مسلم .
ز : وقد رواه البيهقي عن عائشة أم المؤمنين أيضا ، قالت : قال لي رسول الله
____________________
(2/345)
ذات يوم : ' يا عائشة ، هل عندك شيء ؟ ' قالت : قلت : لا ، والله ما عندنا شيء ، قال : ' إني صائم ' ، قالت : فخرج رسول الله فأهديت لنا هدية ، أو جاءنا زرت وقد خبأت لك شيئا ، قال : ' ما هو ؟ ' قالت : حيس ، قال : ' هاتيه ' ؛ فجئت به فأكل ثم قال : ' قد كنت أصبحت صائما ' .
رواه مسلم في الصحيح عن أبي كامل الجحدري وزاد فيه : قال طلحة : فحدثت مجاهدا بهذا الحديث ، قال : ذاك الرجل بمنزلة يخرج الصدقة من ماله فإن شاء أمضاها وإن شاء أمسكها .
وفي رواية : دخل علي رسول الله فقلت : إنا خبأنا لك حيسا فقال : ' أما إني كنت أريد الصوم ، ولكن قريبه ' .
هكذا رواه الجماعة عن سفيان عن طلحة بن يحي عن عمته عن عائشة ، قالت : دخل علي النبي فقلت : خبأنا لك حيسا ، فقال : ' إني كنت أريد الصوم ، ولكن قربيه .
وأقضي يوما مكانه ' .
وكان أبو الحسن الدارقطني - رحمه الله تعالى - يحمل في هذا اللفظ على محمد ابن عمرو بن العباس ، [ وهو خطأ ] .
أنبأ أبو جعفر بن سلامة ثنا المزني حدثنا الشافعي أنبأ سفيان فذكر الحديث بلفظه الذي رواه الربيع ، وزاد في آخره : ' أصوم يوما مكانه ' .
قال المزني : سمعت الشافعي يقول : سمعت سفيان عامة مجالسته لا يذكر : ' سأصوم يوما مكانه ' ثم عرضته عليه قبل أن يموت بسنة ؛ فأجاب : فيه ' سأصوم يوما مكانه ' .
قال البيهقي : وروايته عامة دهره لهذا الحديث لم يذكر فيه هذا اللفظ مع رواية الجماعة عن طلحة بن يحي لا يذكره منهم أحد منهم سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج وعبد الواحد ابن زياد ووكيع بن الجراح ، ويحي بن سعيد القطان ، ويعلى بن عبيد تدل على خطأ هذه اللفظة .
وقد روي من وجه آخر عن عائشة ؛ قال : حدثنا أبو داود ثنا سليمان بن معاذ عن
____________________
(2/346)
سماك عن عكرمة عن عائشة قالت : دخل علي رسول الله ذات يوم فقال : ' أعندك شيء ؟ ' قلت : لا ، قال : ' إذا أصوم ' ودخل علي يوما آخر ؛ فقال : ' أعندك شيء ؟ ' قلت : نعم ، قال : لا إذا أفطر ، وإن كنت فرضت الصوم ' .
وهذا إسناد صحيح ، انتهى ما ذكره .
وروى النسائي في السنن الكبرى عن سفيان عن طلحة بن يحي عن عمته عائشة بنت طلحة عن عائشة قالت : دخل علينا رسول الله فقلنا : إن عندنا حيسا قد خبأناه لك ، قال : ' قربوه ' .
وقال : ' إني كنت أردت الصوم ، ولكن أصوم يوما مكانه ' .
قال أبو عبد الرحمن : هذا خطأ قد روى هذا الحديث جماعة عن طلحة ، فلم يذكر أحد منهم : ' لكن أصوم يوما مكانه ' .
أخبرنا علي بن عثمان حدثنا المعافى ثنا عتاب بن القاسم عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي دخل على حفصة وعائشة ، وهما صائمتان ، ثم خرج ، ورجع وهما يأكلان ، فقال : ' ألم تكونا صائمتين ؟ ' قالتا : بلى ، ولكن أهدي لنا هذا الطعام فأعجبنا فأكلنا منه ، قال : ' [ صوما ] يوما مكانه ' .
قال أبو عبد الرحمن : هذا الحديث منكر ، وخصيف ضعيف في الحديث ، وخطأ لا علم لي به .
1207 - طريق آخر : قال الدارقطني : ثنا أبو بكر النيسابوري قال : ثنا حماد بن الحسن ابن عتيبة قال : ثنا أبو داود قال : ثنا سليمان بن معاذ العتبي عن سماك بن حرب عن عكرمة قال قالت عائشة : دخل على النبي فقال : ' عندك شيء ؟ ' فقلت : نعم ، قال : ' إذن أطعم إن كنت قد فرضت الصوم '
قال الدارقطني : هذا إسناد حسن صحيح .
ز : هذا الإسناد ليس هو في شيء من الكتب الستة ، وفي رجاله سليمان بن معاذ ، هو معاذ بن قرة بن معاذ الضبي روى له مسلم .
____________________
(2/347)
لكن لا أدري هل روى له متابعا أو لا أصلا ؟
وقد وثقه أحمد ، وضعفه ابن معين والنسائي .
وقال ابن حبان : كان رافضيا عاليا ، وكان يقلب الأخبار .
وقال أحمد : كان يفرط في التشيع .
وسماك بن حرب روى له مسلم ، ووثقه ابن معين .
وقال يعقوب بن شيبة : روايته عن عكرمة خاصة مضطربة ، وهو في غير عكرمة صالح .
1208 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : وثنا يعقوب بن إبراهيم البزار قال : ثنا الحسن بن عرفة ثنا علي بن ثابت عن محمد بن عبيد الله عن عطاء عن أم سلمة أن النبي كان يصبح من الليل وهو يريد الصوم ، فيقول .
' أعندكم شيء ، أتاكم شيء ' قالت : فنقول : أولم تصبح صائما ، فيقول : ' بلي ، ولكن لا بأس أن أفطر ما لم يكن نذرا أو قضاء من رمضان ' .
محمد بن عبيد الله : هو العرزمي ضعيف .
ز : ولم يخرجه أحد من أصحاب الأئمة ، ومحمد بن عبيد الله هذا هو العرزمي تركوه .
والله أعلم .
1209 - الحديث الرابع : قال الترمذي : ثنا قتيبة قال : ثنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن ابن أم هانىء عن أم هانىء قالت : كنت قاعدة عند النبي فأتي بشراب ، فشربت منه ، ثم ناولني فشربت فقلت : إني أذنبت فاستغفر لي .
فقال : ' وما ذاك ؟ ' قلت : كنت صائمة فأفطرت ، فقال : ' أمن قضاء كنت تقضينه ؟ ' قالت : لا ، قال ' فلا يضرك ' .
1210 - طريق آخر : قال الإمام أحمد : ثنا أبو داود [ الطيالسي ] قال : ثنا شعبة عن جعدة عن أم هانىء أن رسول الله دخل عليها ، فدعا بشراب فشرب ، ثم ناولها ، فشربت وقالت : يا رسول الله : أما إني كنت صائمة . فقال رسول الله : ' الصائم المتطوع أمير نفسه
____________________
(2/348)
إن شاء صام ، وإن شاء أفطر '
قال : قلت له سمعته من أم هانىء ، قال : لا ، حدثنيه أبو صالح ، وأهلنا عن أم هانىء .
[ 1211 - طريق آخر : قال أحمد : وثنا محمد بن جعفر : ثنا شعبة عن جعدة عن أم هانىء ، ] وهي حدثته أن رسول الله دخل عليها يوم الفتح ، فأتي بإناء ، فشرب ، ثم ناولني فقلت : إني صائمة ، فقال : ' إن المتطوع أمير على نفسه فإن شئت فصومي وإن شئت فأفطري ' .
1212 - طريق آخر : قال أحمد : وثنا بهز قال : ثنا حماد بن سلمة ثنا سماك بن حرب عن هارون ابن بنت أم هانىء أو ابن ابن أم هانىء عن أم هانىء أن رسول الله شرب شرابا ، فناولها لتشرب ، فقالت : إني صائمة ، ولكني كرهت أن أرد سؤرك فقال : ' إن كان قضاء من رمضان فاقضي يوما مكانه ، وإن كان تطوعا فإن شئت فاقضي وإن شئت فلا تقضي ' .
ز : هذا الحديث في إسناده اختلاف .
وقال الترمذي : حديث أم هانىء في إسناده اختلاف ومقال .
وقد رواه النسائي من غير وجه .
فأما الآختلاف فيه ، فعلى سماك بن حرب ، وليس ممن يعتمد عليه إذا انفرد بالحديث ، والله أعلم .
وقال البخاري في جعدة : لا يعرف إلا بحديث واحد فيه نظر ، وهو : ' المتطوع أمير نفسه ' .
وقال ابن عدي : لا أعرف له إلا هذا الحديث الواحد ، كما ذكره البخاري .
وروى البيهقي بسنده عن سماك بن حرب عن أبي صالح عن أم هانىء قالت : دخل علي رسول الله ، فاستسقى ، فناولني سؤره ، فشربت سؤره وأنا صائمة ، فقلت شيئا لا
____________________
(2/349)
أدري أصبت أم أخطأت ؛ ناولتني سؤرك ، وأنا صائمة ، فكرهت أن أرد سؤرك ، قال : ' أمتطوعة أم قضاء من رمضان ؟ ' قلت : متطوعة .
قال : ' المتطوع بالخيار ؛ إن شاء صام ، وإن شاء أفطر ' .
وقال : حدثنا أبو عوانة عن سماك عن أبن ابنة هانىء عن جدته أنه سمعه منها ، قالت : أتى رسول الله فقلت : يا رسول الله : إني كنت صائمة ، فكرهت أن أرد فضل رسول الله فقال لها : ' أكنت تقضين عنك شيئا ؟ ' فقلت : لا ، قال : ' فلا يضرك ' .
وفي رواية أبي الوليد : قال هارون ابن ابن أم هانىء زعم أنه سمعه منها أن النبي قال لها : ' أكنت تقضين عنك شيئا ؟ ' قالت : لا ، قال : ' فلا يضرك ' .
قال أبو الوليد : حدثنا سماك من كتابه وثنا ابن فورك ثنا عبد الله بن جعفر ثنا يونس ابن حبيب ثنا أبو داود ثنا شعبة ثنا جعدة عن رجل من قريش وهو ابن أم هانىء ، وكان سماك يحدثه فيقول : أخبرني ابنا أم هاني قال شعبة : فلقيت أنا أفضلهما جعدة ، فحدثني عن أم هانىء أن رسول الله دخل عليها فناولته شرابا فشرب .
ثم ناولها فشربت ، فقالت : يا رسول الله كنت صائمة ، فقال رسول الله : ' الصائم المتطوع أمين أو أمير نفسه ، إن شاء صام ، وإن شاء أفطر ' .
قال شعبة : فقلت لجعدة : سمعته أنت من أم هانىء ؟ قال : أخبرني أهلنا ، وأبو صالح مولى أم هانىء عن أم هانىء . أخبرنا أبو علي الروذباري ثنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا جرير بن عبد الحميد عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث عن أم هانىء قالت : لما كان يوم فتح مكة جاءت فاطمة فجلست على يسار رسول الله ، وأم هانىء عن يمينه ، قال : فجاءت الوليدة بإناء فيه شراب ، فناولته فشرب ، ثم ناوله أم هاني فشربت منه شيئا ، فقالت : يا رسول الله : لقد أفطرت وكنت صائمة ، فقال لها : ' أكنت تقضين شيئا ؟ ' قالت : لا ، قال : ' فلا يضرك ؛ إن كان تطوعا ' .
وعن عبد الله بن مسعود قال : إذا أصبحت وأنت تنوي الصيام فأنت بخير النظيرين
____________________
(2/350)
إن شئت صمت ، وإن شئت أفطرت .
وحدثنا الربيع بن سليمان ثنا الشافعي ثنا مسلم بن خالد ، وعبد الحميد بن عبد العزيز أبي رواد عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح أن ابن عباس كان لا يرى بأسا أن يفطر الإنسان في صيام التطوع ، ويضرب لذلك أمثالا ؛ رجل طاف سبعا ، ولم يوفه ، فله أجر ما احتسب . [ أو صلى ركعة ولم يصل أخرى فله أجر ما احتسب ] .
وعن عمرو بن دينار قال : كان ابن عباس لا يرى بالإفطار في صيام التطوع بأسا .
وعن ابن عمر قال : الصائم بالخيار ما بينه ، وبين نصف النهار .
ويروى هذا من أوجه آخر ، ولا يصح مرفوعا .
وقد روي أيضا عن أنس بن مالك أن النبي قال : ' الصائم بالخيار ما بينه وبين نصف النهار ' .
وقال حدثنا محمد بن الفرج الأزرق ثنا يحيى بن غيلان ثنا إبراهيم بن مزاحم ثنا سريع ابن نبهان قال : سمعت أبا ذر يقول : سمعت خليلي أبا القاسم يقول : ' الصائم في التطوع بالخيار إلى نصف النهار ' .
إبراهيم بن مزاحم ، وسريع بن نبهان مجهولان .
وعن محمد بن المنكدر عن أبي سعيد الخدري أنه صنع لرسول الله طعاما فأتاني هو وأصحابه ، فلما وضع الطعام قال رجل من القوم : إني صائم ، فقال رسول الله : ' دعاكم أخوكم ، وتكلف لكم ' ، ثم قال له : ' أفطر وصم مكانه يوما إن شئت ' .
وروي ذلك بإسناد آخر عن أبي سعيد الخدري ، وقد أخرجاه في الخلاف .
احتجوا على وجوب القضاء بأحاديث :
____________________
(2/351)
1213 - قال الإمام أحمد : ثنا يزيد قال : أنبأ سفيان بن حسين عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : أهديت لحفصة شاة ، ونحن صائمتان فأفطرتني ، وكانت ابنة أبيها ، فلما دخل علينا رسول الله ذكرنا ذلك له فقال : ' أبدلا يوما مكانه ' .
وهذا محمول على الاستحباب .
1214 - قال الترمذي : ثنا كثير بن هشام ، ثنا جعفر بن برقان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : كنت أنا وحفصة صائمتين فعرض لنا طعام اشتهيناه ، فأكلنا منه ، فجاء رسول الله فبدرتني إليه حفصة ، وكانت ابنة أبيها ، فقالت : يا رسول الله : إنا كنا صائمتين ، فعرض لنا طعام اشتهيناه ، فأكلنا منه ، فقال : ' اقضيا يوما آخر مكانه ' .
قال الترمذي : روى هذا الحديث مالك بن أنس ، ومعمر ، وعبيد الله بن عمر ، وزياد ابن سعد ، وغير واحد من الحفاظ عن الزهري عن عائشة مرسلا ، ولم يذكروا فيه عروة عن عائشة ، [ وهذا أصح ؛ لأنه روي عن ابن جريج ، قال : سألت الزهري ، فقلت له : أحدثك عروة عن عائشة ؟ فقال : لم أسمع من عروة في هذا شيئا ] ، ولكني سمعت من ناس عن بعض من سأل عائشة عن هذا الحديث .
قال الدارقطني في الحديث الأول والثاني : ليس في ذلك شيء يثبت عن النبي .
ز : أما الحديث الثاني فرواه النسائي من رواية سفيان بن الحسين ، وجعفر بن برقان ، وغيرهما عن الزهري وتكلم عليه .
ورواه البيهقي ، وأتقن الكلام عليه ، فقال : أخبرنا أبو بكر بن أحمد بن الحسن القاضي ، وأبو زكريا بن أبي إسحاق المزني قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا بحر بن نصر قال : قرئ على عبد الله بن وهب : أخبرك عبد الله بن عمر ، ومالك بن أنس ، ويونس ابن يزيد عن ابن شهاب ، قال : بلغني أن عائشة وحفصة أصبحتا صائمتين متطوعتين ، فأهدي
____________________
(2/352)
لهما طعام فأفطرتا عليه ، فدخل عليهما رسول الله ، قالت عائشة : قالت حفصة وكانت ابنة أبيها يا رسول الله : إني أصبحت أنا وعائشة صائمتين متطوعتين فأهدي لنا طعام فأفطرنا عليه ، فقال رسول الله : ' اقضيا مكانه يوما آخر ' .
هذا حديث رواه ثقات الحفاظ من أصحاب الزهري عنه منقطعا ، ويونس بن يزيد ، ومعمر بن راشد ، وابن جريج ، ويحي بن سعيد ، وعبد الله بن عمر ، وسفيان بن عيينة ، ومحمد بن الوليد الزبيدي ، وبكر بن وائل ، وغيرهم .
وحدثنا عبيد الله بن موسى أنا جعفر بن برقان عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت : كنت أنا وحفصة صائمتين فعرض لنا طعام فاشتهيناه فأكلناه ، فدخل علينا رسول الله : فابتدرتني حفصة ، وكانت ابنة أبيها قصت عليه القصة ، فقال رسول الله ' اقضيا يوما آخر ' .
هذا رواه جعفر بن برقان ، وصالح أبو الأخضر وسفيان بن حسين عن الزهري ، وقد وهموا فيه على الزهري .
قال : وحدثنا ابن جريج عن ابن شهاب ، فقال : لم اسمع من عروة في هذا شيئا ، ولكن حدثني ناس في خلافة سليمان بن عبد الملك عن بعض من كان يدخل على عائشة أنها قالت : أصبحت أنا وحفصة صائمتين ، فأهدي لنا هدية ، فأكلناها ، فدخل علينا رسول الله ، فبدرتني حفصة ، وكانت ابنة أبيها فذكرت ذلك له فقال : ' اقضيا يوما مكانه ' .
وكذلك رواه عبد الرزاق بن همام ، ومسلم بن خالد عن ابن جريج .
وكذلك رواه أبو زكريا ، وقال : ' صوما يوما مكانه '
قال سفيان : فسألوا الزهري ، وأنا شاهد عن عروة ؟ قال : لا .
وثنا أبو بكر الحميدي عن سفيان قال : سمعت الزهري يحدث عن عائشة فذكر هذا الحديث مرسلا .
قال سفيان : قيل للزهري : أهو عن عروة ؟ قال : لا ، قال سفيان : وقد كنت سمعت صالحا أبا الأخضر حدثناه عن الزهري عن عروة .
قال الزهري : ليس هو عن عروة ، فظننت أن صالحا أوتي من قبل العراق .
قال أبو بكر الحميدي : أخبرني غير واحد عن معمر أنه قال في هذا الحديث : لو كان من حديث عروة ما نسبته ، فهذان ابن جريج ، وسفيان بن عيينة شهدا على الزهري ، وهما
____________________
(2/353)
شاهدا عدل بأنه لم يسمعه من عروة فكيف يصح وصل من وصله ؟
قال محمد بن عيسى الترمذي : سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال : لا يصح حديث الزهري عن عروة عن عائشة .
وكذلك قال محمد بن يحي الذهلي ، واحتج بحكاية ابن جريج وسفيان بن عيينة ، وبإرسال من أرسل الحديث عن الزهري من الأئمة .
وقد روي عن جرير بن حازم عن يحي بن سعيد عن عمرة عن عائشة - وجرير بن حازم وإن كان من الثقات فهو واهم فيه ، وقد خطأه في ذلك أحمد بن حنبل ، وعلي بن المديني .
والمحفوظ عن يحي بن سعيد عن الزهري عن عائشة مرسلا ، أخبرناه أبو عبد الله الحافظ ، أخبرناه علي بن بندار الصيرفي ، قال : سمعت عمر بن محمد بن بحر يقول : سمعت أبا بكر الأثرم يقول : قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل : تحفظه عن يحي عن عمرة عن عائشة : أصبحت أنا وحفصة صائمتين فأنكره ، وقال : من رواه ؟ قلت جرير بن حازم ، فقال : جرير كان يحدث بالتوهم .
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثني محمد بن مظفر الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن موسى الخلال ، ثنا أحمد بن منصور الرمادي قال : قلت لعلي بن المديني : يا أبا الحسن تحفظ عن يحي بن سعيد عن عمره عن عائشة ، قالت : ' أصبحت أنا وحفصة صائمتين ' فقال لي : من هذا ؟ قلت : ابن وهب عن جرير بن حازم عن يحي بن سعيد قال : فضحك ؛ قال : مثلك يقول مثل هذا .
ثنا حماد بن زيد عن يحي بن سعيد عن الزهري أن عائشة وحفصة أصبحتا صائمتين .
وروي من وجه آخر عن عروة عائشة أنها قالت : أهدي لي ولحفصة طعام ، وكنا صائمتين ، فقالت إحداهما لصاحبتها : هل لك أن تفطري ، قالت : نعم فأفطرتا ، ثم دخل رسول الله فقالتا له : يا رسول الله : أهدي لنا هدية ، واشتهيناه ، فأفطرنا ؛ فقال : ' لا عليكما ، صوما يوما آخر مكانه ' أقام إسناده جماعة عن ابن وهب ، وقال بعضهم : عن أبي زميل ولم يذكر بعضهم عروة في إسناده .
____________________
(2/354)
وقال أبو أحمد عبد الله بن عدي قال : زميل بن عباس عن عروة روى عنه ابن الهاد .
ولا يعرف لزميل سماع من عروة ، ولا لابن الهاد من زميل ولا تقوم به حجة ، سمعت ابن حماد يذكر عن البخاري .
انتهى ما ذكره .
وقد روى حديث جرير بن حازم عن يحي بن سعيد النسائي ؛ وقال : هذا خطأ .
وقد روى حديث زميل أبو داود ، وقال : زميل ليس بالمشهور .
وقال البيهقي : وروي من وجه آخر عن عائشة ولا يصح شيء من ذلك ، قد ثبتت ضعفها في الخلاف .
وعن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء عن ابن عباس ، قال : إذا أصبح أحدكم صائما فبدا له أن يفطر فليصم يوما مكانه ، أو قال : مكانه يوما .
1215 - قال الدارقطني : ثنا الحسين بن إسماعيل ثنا محمد بن عمرو بن العباس الباهلي ثنا سفيان بن عيينة قال : حدثنيه طلحة بن يحي عن عمته عائشة عن عائشة أم المؤمنين قالت : دخل علي رسول الله فقال : ' إني أريد الصوم ' وأهدي له حيس ، فقال : ' إني آكل ، وأصوم يوما مكانه ' .
قال الدارقطني : لم يروه بهذا اللفظ عن ابن عيينة غير الباهلي ، ولم يتابع على قوله : ' وأصوم يوما مكانه ' ولعله اشتبه عليه ، والله أعلم ؛ لكثرة من خالفه عن ابن أبيه عيينة .
ز : والباهلي قد وثقه ابن حبان فيما حكاه عنه ابن عقيل .
1216 - قال الدارقطني : وثنا أحمد بن محمد بن سوادة قال : ثنا حماد بن خالد عن محمد بن أبي حميد عن إبراهيم بن عبيد قال صنع أبو سعيد الخدري طعاما ، فدعى النبي وأصحابه فقال رجل من القوم : إني صائم ، فقال له رسول الله : ' صنع لك أخوك ، وتكلف لك أخوك ، أفطر ، وصم يوما مكانه ' .
[ قال الدارقطني : هذا مرسل ] .
قلت : ومحمد بن أبي حميد ، قال سعيد ويحي : ليس حديثه بشيء .
وقال النسائي : ليس بثقة .
____________________
(2/355)
وقال ابن حبان : لا يحتج به .
ز : لكن فيه إبراهيم بن عبيد ، هو ابن رفاعة بن رافع الأنصاري المدني ، روى له مسلم ، ووثقه أبو زرعة ، وقال فيه أحمد بن حنبل : ليس بمشهور بالعلم وأما محمد بن أبي حميد : هو المدني ، ويقال : حماد أيضا .
قال ابن عدي : هو ضعيف ؛ يكتب حديثه .
[ 1217 - قال الدارقطني : وثنا محمد بن أحمد بن عمرو قال : ثنا علي بن سعيد الرازي ، ثنا عمرو بن خليف بن إسحاق الخثعمي قال : ثنا أبي قال : ثنا عمي إسماعيل ابن مرسال ثنا محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : صنع رجل من أصحاب رسول الله طعاما ، دعى النبي وأصحابه له ، فلما أتى الطعام تنحى أحدهم ، فقال له النبي : ' ما لك ؟ ' قال : إني صائم ، فقال له النبي : ' تكلف لك أخوك ، وصنع ، ثم تقول : إني صائم ، كل وصم يوما مكانه ' .
قال ابن عدي : عمرو بن خليف متهم بوضع الحديث . ]
وقال ابن حبان : كان يضع الحديث .
1218 - قال الدارقطني : وثنا القاسم بن إسماعيل أبو عبيد قال : ثنا القاسم بن هاشم السمسار ثنا عتبة بن السكن قال : ثنا الأوزاعي قال : ثنا عبادة بن نسي وهبيرة بن عبد الرحمن قالا : ثنا أبو أسماء الرحبي : ثنا ثوبان قال : كان رسول الله صائما في غير رمضان فأصابه غم أذاه ، فتقيأ ، فقاء ، ثم دعا بوضوء ، فتوضأ ، ثم أفطر ، فقلت : يا رسول الله ، أفريضة الوضوء من القيء ؟ قال : ' لو كان فريضة لوجدته في القرآن ' .
قال : ثم صام من الغد ، فسمعته يقول : ' هذا مكان إفطاري أمس ' .
قال الدارقطني : عتبة بن السكن متروك الحديث
1219 - قال الدارقطني : ثنا الحسين بن الحسين الأنطاكي ثنا يوسف بن بحر ثنا يزيد ابن عبد ربه ثنا محمد بن [ حمير ] عن الضحاك بن حمزة عن منصور بن أبان عن الحسن
____________________
(2/356)
عن أمه عن أم سلمة ، أنها صامت يوما تطوعا ، فأفطرت ، فأمرها رسول الله : أن تقضي يوما مكانه .
تفرد به الضحاك عن منصور .
قال يحي : الضحاك ليس بشيء .
وقال أبو زرعة : محمد بن حميد كذاب .
ز : وفي إسناده محمد بن حمير ، وهو ثقة ، روى له البخاري .
مسألة [ 373 ] :
إذا نذر صيام يوم العيد لم يصم ، ويقضي ، [ ويفطر ] وعنه إن صام أجزأه .
وقال أبو حنيفة : يفطر ، ويقضي ، فإن صام أجزأه .
وقال مالك ، والشافعي : لا ينعقد هذا النذر .
1220 - قال الإمام أحمد : ثنا سفيان عن الزهري أنه سمع أبا عبيد قال : شهدت العيد مع عمر ، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة ، فقال : إن رسول الله نهى عن صيام هذين اليومين : ' أما يوم الفطر [ ففطركم ] من صومكم ، وأما يوم الأضحى ، فكلوا من لحم نسككم ' .
1221 - قال أحمد : وثنا عفان قال : ثنا شعبة قال : عبد الملك بن عمير : أنبأني قال : سمعت قزعة مولى زياد قال : سمعت أبا سعيد الخدري قال : سمعت النبي : نهى عن صيام يومين ؛ يوم النحر ، ويوم الفطر .
____________________
(2/357)
[ 1222 - وقال أحمد : وثنا روح قال : ثنا مالك عن محمد بن حيان عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله نهى عن صيام يومين ؛ يوم الفطر ، ويوم النحر . ]
الأحاديث الثلاثة في الصحيحين .
1223 - وقال أحمد : ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم قال : ثنا سعيد بن مسلمة بن أبي الجسام ثنا يزيد بن عبد الله بن الهاد عن عمرو بن سليم عن [ أمه قالت ] : بينا نحن بمنى إذا علي بن أبي طالب يقول : إن رسول الله قال : ' إن هذه أيام أكل ، وشرب ، فلا يصومها أحد ' .
1224 - قال أحمد : وثنا محمد بن بكر قال : أنبأ محمد بن أبي حميد قال : أخبرني إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن جده قال قال : لي رسول الله : ' يا سعد : قم فأذن بمنى ؛ إنها أيام أكل ، وشرب ، ولعب ، ولا صوم فيها ' .
هذا الحديث لم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة ، وفي إسناده محمد بن أبي حميد ، ضعفه غير واحد . وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف ، وعقبة بن عامر ، وأنس وعائشة .
مسألة [ 374 ] :
يكره إفراد الجمعة ، والسبت بالصيام ، إلا أن يوافق عادة .
وقال أبو حنيفة ، ومالك : لا يكره .
لنا : عشرة أحاديث :
____________________
(2/358)
الحديث الأول : حديث جويرية ، وقد ذكرناه في مسألة التطوع بالصوم ، وذكرناه من حديث عبد الله بن [ عمرو ] .
1225 - الحديث الثاني : قال الإمام أحمد : ثنا ابن نمير قال : ثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' لا تصوموا يوم الجمعة ، إلا وقبله يوم أو بعده يوم ' .
أخرجاه في الصحيحين .
1226 - الحديث الثالث : قال أحمد : وثنا هوذة بن خليفة قال : ثنا عوف عن محمد ابن سيرين عن أبي هريرة قال : نهى رسول الله أن يفرد يوم الجمعة بصوم .
1227 - الحديث الرابع : قال مسلم بن الحجاج ثنا أبو كريب : ثنا حسين الجعفي عن زائدة عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي قال : ' لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم ' .
انفرد بإخراجه مسلم .
1228 - الحديث الخامس : قال الإمام أحمد : حدثني أبي ثنا أسود بن عامر ثنا إسرائيل عن عاصم عن محمد بن سيرين عن أبي الدرداء قال : قال لي رسول الله : ' يا أبا الدرداء : لا تخص ليلة الجمعة بصيام دون الأيام ' .
ز : [ لكنه منقطع ، وعن ابن سيرين عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله : ' لا تحص يوم الجمعة بصيام دون الأيام ، ولا تحض ليلة الجمعة بقيام دون الليالي ] ' . 1229 - الحديث السادس : قال أحمد : ثنا سفيان بن عيينة عن عبد الحميد بن جبير ابن شيبة سمع محمد بن عباد بن جعفر قال : سألت جابر أنهى رسول الله عن صيام يوم الجمعة ؟ قال : نعم ، ورب هذا البيت .
____________________
(2/359)
ز : وهو مخرج في الصحيحين من حديث عبد الحميد عن عبد الرزاق .
ورواه البخاري عن أبي عاصم ، عن ابن جريج .
1230 - الحديث السابع : قال أحمد : وثنا إبراهيم بن إسحاق الطالقاني قال : ثنا الوليد بن مسلم عن يحي بن حسان قال : سمعت عبد الله بن بسر يقول : قال رسول الله : ' لا تصوموا يوم السبت ، إلا فيما افترض عليكم ' .
ز : ورواه أبو القاسم الطبراني عن إسحاق التستري ، عن محمد بن الصباح ، عن يحي بن حسان يرويه عن الوليد ، ويحي هذا قد وثقه غير واحد .
1231 - الحديث الثامن : قال أحمد : وثنا يزيد بن هارون قال : أنبأ محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني عن حذيفة الأزدي عن جنادة الأزدي قال : دخلت على رسول الله في يوم جمعة في سبعة من الأزد ، أنا ثامنهم وهو يتغدى فقال : ' هلموا إلى الفداء ' فقلنا : يا رسول الله إنا صيام ، فقال : ' أصمتم أمس ؟ ' قلنا : لا ، قال : فتصومون غدا ؟ ' قلنا : لا ، قال : ' فأفطروا ' قال : فأكلنا مع رسول الله ، فلما خرج ، وجلس على المنبر دعا بإناء من ماء ، فشرب ، وهو على المنبر ، والناس ينظرون يريهم أنه لا يصوم يوم الجمعة .
ز : ورواه النسائي ، وذكره ابن سعد ، وغيره من الحفاظ .
ورواه البخاري في تاريخه ، وذكره في ترجمة جنادة بن مالك الأزدي ، وقيل : جنادة ابن أبي أمية .
وذكره ابن حبان ، ولم ينسبه .
وقيل : إنه دوسي .
1232 - الحديث التاسع : قال أحمد : وثنا أبو عاصم قال : ثنا ثور عن خالد بن معدان عن عبد الله بن بسر عن أخته الصماء أن رسول الله قال : ' لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ، فإن لم يجد أحدكم إلا عود عنب أو لحاء شجرة فليمضغها ' .
____________________
(2/360)
ز : هذا الحديث رواه أصحاب السنن الأربعة ، وحسنه الترمذي .
وفي إسناده اختلاف ، قد ذكره النسائي وغيره .
وقال أبو داود : هذا الحديث منسوخ .
وقال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه .
وقال مالك : هذا كذب .
وقال البيهقي في سننه : يروي عن عبد الله بن بسر عن أخته الصماء قالت : قال رسول الله : ' لا تصوموا يوم السبت ، فإن لم يجد أحدكم إلا عودا فليمضغه ' .
وفي رواية : ' أن لا يصومن أحدكم يوم السبت ، إلا فيما افترض عليه ، وإن لم يجد إلا لحاء شجرة فليمضغه ' .
رواه أبو داود ، وأخرجه في كتاب السنن .
وعن معاوية بن صالح عن عبد الله بن بسر عن أبيه عن عمته الصماء أنها كانت تقول : نهى رسول الله عن صوم يوم السبت يقول : ' إن لم يجد أحدكم إلا عودا أخضر فليفطر عليه ' .
وكان ابن شهاب يقول عن حديث صوم يوم السبت : إنه حديث حمصي .
وقال الأوزاعي : ما زلت لحديث ابن بشر كاتما حتى رأيته قد انتشر - يعني حديث صوم يوم السبت .
وقال البيهقي : وقد مضى في حديث جويرية بنت الحارث في الباب قبله ما دل على جواز صيام يوم السبت ، وكأنه أراد بالنهي تخصيصه بالصوم على طريق التعظيم له ، والله أعلم .
وعن عبد الله بن المبارك قال : إن كريبا مولى ابن عباس أخبره أن ابن عباس ، وناسا من أصحاب رسول الله بعثوني إلى أم سلمة أسألها عن أي الأيام كان رسول الله أكثر صياما فقالت : يوم السبت والأحد ، فرجعت إليهم ، فكأنهم أنكروا ذلك فقاموا بأجمعهم إليها ، وقالوا : بعثنا إليك رضي الله عنك هذا بكذا وكذا ، فذكر أنك قلت كذا وكذا .
فقالت : صدق ؛ إن رسول الله أكثر ما كان يصوم من الأيام يوم السبت ، ويوم
____________________
(2/361)
الأحد ، وكان يقول : ' إنهما يوما عيد المشركين ، وأنا أريد أن أخالفهم ' وهذا لا يخالف أحاديث الانفراد بصوم يوم السبت .
وقال النسائي في سننه عن عبد الله بن المبارك : إن ابن عباس بعث إلى أسلمة وإلى عائشة ليسألهما ما كان رسول الله يحب أن يصوم من الأيام ؟ قالتا : ما مات رسول الله حتى كان أكثر صومه يوم السبت والأحد ، ويقول : ' هما عيدان لأهل الكتاب ، فنحن نحب أن نخالفهم ' .
وقال شيخنا : ليس في الحديث دليل على إفراد يوم السبت بالصوم ، والله أعلم .
1233 - الحديث العاشر : قال أحمد : وثنا إسحاق قال : ثنا ابن لهيعة قال : ثنا موسى بن وردان عن عبيد الأعرج قال : حدثتني جدتي - يعني الصماء - أنها دخلت على رسول الله يوم السبت وهو يتغدى ، فقال : ' تعالى فكلي ' فقالت : إني صائمة ، فقال لها : ' أصمت أمس ؟ ' قالت : لا ، قال : ' كلي فإن صيام يوم السبت لا لك ، ولا عليك ' .
ز : وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف ، وموسى بن وردان وعبيد الأعرج لا يعرف .
وقد روى أبو يعلى الموصلي بسنده عن حسان بن نوح قال : سمعت عبد الله بن بسر المازني يقول : ترون يدي هذه بايعت بها رسول الله فسمعته يقول : ' لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ، ولو لم يجد أحدكم إلا لحاء شجرة فليفطر عليها ' .
رواه الإمام أحمد ، والنسائي ، والطبراني ، وأبو حاتم البستي من رواية حسان ابن نوح .
وقد روى عنه غير واحد ، وهو حمصي محله الصدق ، والله أعلم .
احتجوا بما :
1234 - قال ابن شاهين : ثنا محمد بن هارون الحضرمي ثنا عمرو بن علي ثنا ميمون ابن زيد أنبأ ليث عن طاوس عن ابن عباس : أنه لم ير النبي أفطر يوم جمعة قط .
1235 - طريق آخر : قال أبو أحمد الغطريفي : ثنا أبو خليفة قال : ثنا علي بن المديني ثنا حفص بن غياث عن ليث بن أبي سليم عن عمير بن أبي عمير عن ابن عمر قال : ما رأيت
____________________
(2/362)
رسول الله مفطرا في يوم جمعة قط .
والجواب من وجهين :
أحدهما : أن الطريقين يدوران على ليث ، وهو متروك ؛ تركه يحي القطان ، ويحي ابن معين ، وابن مهدي ، وأحمد .
قال ابن حبان [ الحافظ ] : اختلط في آخر عمره ، فكان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل ، ويأتي عن الثقات بما ليس في حديثهم .
والثاني : أنا نحمله على أنه كان يوم قبله ، أو بعده .
ز : وهذا الحديث ، والذي قبله لم يخرجه أحد من الأئمة ولا من أصحاب السنن الأربعة .
وفي الإسناد الأول ميمون بن يزيد ، وهو أبو إبراهيم السقا بصرى ، روى عن ليث ، والحسن بن ذكوان ، روى عنه شريح بن النعمان ، وعمرو بن علي الفلاس .
قال ابن أبي حاتم : عمير بن أبي عمير روى عن ابن عمر ، وروى عن ليث بن أبي سليم ، سمعت أبي يقول ذلك .
وقال عثمان بن سعيد : قلت ليحي بن معين : عمير بن أبي عمير الذي يروي عنه ليث بن أبي سليم قال : لا أعرفه ، وكان يحي لا يحدث عن ليث بن أبي سليم ، ولا عن حجاج بن أرطأة .
وقال معاوية بن أبي صالح عن يحي بن معين : ليث بن أبي سليم ضعيف إلا أنه يكتب حديثه وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل : سمعت أبي يقول : ليث بن أبي سليم مضطرب الحديث ، ولكن يكتب ، وقد حدث عنه الناس .
وقال عبد الرحمن بن مهدي : ليث بن أبي سليم وعطاء بن السائب ، ويزيد بن أبي زياد .
ليث أحسنهم حالا عندي .
وقال أبو داود : سألت يحي فقال : ليس به بأس .
وقال ابن عدي : قد روى له شعبة ، والثوري وغيرهما من ثقات الناس مع الضعف الذي فيه يكتب حديثه .
وقال الدارقطني : صاحب سنة ، يخرج حديثه ، ثم قال : إنما أنكروا عليه الجمع بين عطاء وطاوس ومجاهد حسب .
وقد استشهد به البخاري في الصحيح ، وروى له مسلم مقرونا بغيره .
وقد روى له أصحاب السنن ، والله أعلم .
____________________
(2/363)
وروى ابن ماجه في سننه عن عبد الله بن مسعود ؛ قال : ما رأيت رسول الله يفطر يوم الجمعة .
وقال النسائي في سننه أيضا عن ابن مسعود : أن رسول الله كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ، وقل ما رأيته يفطر يوم الجمعة .
وقال أبو عمرو بن عبد البر في الاستذكار : اختلفت الآثار عن النبي في صيام يوم الجمعة ؛ فروى ابن مسعود أن النبي كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ، قال : وقل ما رأيته يفطر يوم الجمعة ، وهو حديث صحيح .
وقد روى عن ابن عمر أنه قال : ما رأيت رسول الله مفطرا يوم جمعة .
وذكره ابن أبي شيبة عن حفص بن غياث عن ليث بن أبي سليم عن عمير بن أبي عمير عن ابن عمر .
وروي عن ابن عباس أنه كان يصوم يوم الجمعة ، ويواظب عليه .
وروى الدراوردي عن صفوان بن سليم عن رجل من بني خيثمة أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله : ' من صام يوم جمعة كتب له عشرة أيام غر ، زهر ، من أيام الآخرة ، لا يشاكلهن أيام الدنيا ' .
رواه علي بن المديني ، وغيره عن الدراوردي .
مسألة [ 375 ] :
يكره إفراد رجب بالصوم .
____________________
(2/364)
خلافا لأكثر المتأخرين .
وقد استدل أصحابنا بما روى داود بن عطاء عن [ زيد ] بن عبد الحميد عن سليمان ابن علي ابن عبد الله بن العباس عن أبيه عن ابن عباس أن رسول الله : نهى عن صيام رجب .
وهذا لا يصح .
[ قال أحمد بن حنبل : لا أحدث عن داود بن عطاء ، ليس بشيء ] .
ز : ورواه أبو القاسم الطبراني ، عن ابن عباس أن رسول الله نهى عن صيام شهر رجب .
ورواه ابن ماجة عن داود بن عطاء .
قال البخاري ، وأبو زرعة : داود هذا منكر الحديث .
وقال النسائي : ضعيف ، لا يحتج به بحال .
1236 - وقال سعيد بن منصور : ثنا سفيان عن مسعر ، عن وبرة عن خرشة بن الحر أن عمر بن الخطاب كان يضرب أيدي الرجال في رجب إذا رفعوا عن طعامه حتى يضعوا فيه ، فيقول : إنما هو شهر كان أهل الجاهلية يعظمونه .
مسألة [ 376 ] :
أكد ليلة يلتمس فيها ليلة القدر سبع وعشرين .
____________________
(2/365)
وقال الشافعي : ليلة إحدى وعشرين .
وقال مالك : العشر كله سواء .
لنا : أحاديث :
1237 - قال الإمام أحمد : ثنا يزيد بن هارون ثنا شعبة عن عبد الله بن دينار : عن ابن عمر قال : قال النبي : ' من كان متحريا فليتحرها ليلة سبع وعشرين ' ، أو قال : ' تحروها ليلة سبع وعشرين ' .
يعني ليلة القدر .
وقال أحمد : وثنا سفيان قال : سمعته من عبدة ، وعاصم عن زر قال : سألت أبي بن كعب . قلت : إن أخاك ابن مسعود يقول : من يقم الحول يصب ليلة القدر .
قلت : وكيف تعلمون ذلك ؟ قال : بالعلامة ، أو بالآية التي أخبرنا رسول الله بأنها تطلع ذلك اليوم - يعني الشمس لا شعاع لها .
انفرد بإخراج الحديثين مسلم .
1238 - وقال أحمد : ثنا سفيان عن الزهري عن سالم : عن أبيه قال : رأى رجلا ليلة القدر ليلة سبع وعشرين ، فقال رسول الله : ' أرى رؤياكم قد تواطأت ، فالتمسوها في العشر البواقي في الوتر منها ' .
أخرجاه في الصحيحين .
ز : وروى البيهقي في سننه عن عبد الله بن دينار ، قال : سمعت ابن عمر يحدث عن النبي في ليلة القدر ' من كان متحريا فليتحرها ليلة سبع وعشرين ' .
قال سعيد : وذكر لي رجل ثقة عن سفيان أنه كان يقول : إنما قال : ' من كان متحريا
____________________
(2/366)
فليتحرها في السبع البواقي ' . رواه الجماعة .
وعن عقبة بن حريث سمع ابن عمر عن النبي أنه قال في ليلة القدر : ' تحروها في العشر الأواخر ، فإن ضعف أحدكم أو عجز ، فلا يغلبن عن السبع البواقي ' أخرجه مسلم في الصحيح .
1239 - قال البغوي : ثنا أحمد بن حنبل ثنا معاذ بن هشام ثنا أبي عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس أن رجلا أتى نبي الله فقال : يا نبي الله : إني شيخ كبير يشق علي القيام ، فأمرني بليلة ، لعل الله عز وجل أن يوفقني فيها لليلة القدر ، فقال : ' عليك بالسابعة ' .
ز : وقال البغوي : وحدثنا أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني ، وعبد الله بن عمر قالا : ثنا معاذ ، وأخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد الهروي ثنا أبو أحمد عبد الله ابن عدي الحافظ ثنا عبد الله ثنا أحمد بن حنبل حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس أن رجلا أتى النبي قال : يا رسول الله إني شيخ كبير عليل ، يشق علي القيام ، فمرني بليلة لعل الله أن يوفقني فيها ليلة القدر ، فقال : ' عليك السابعة ' .
وروى أبو داود في سننه : حدثنا شعبة عن قتادة عن مطرف عن معاوية قال : ليلة القدر ليلة سبع وعشرين .
كذا رواه أبو داود مرفوعا .
وقال البيهقي في سننه ؛ عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة أنهما سمعا عكرمة يقول عن ابن عباس قال : دعاني عمر بن الخطاب ودعا أصحاب النبي فسألهم عن ليلة القدر فأجمعوا على أنها في العشر الأواخر ، فقلت لعمر : إني لأعلم ، وإني لأظن أي ليلة هي ، قال : وأي ليلة هي ؟ قلت : سابعة تمضي وسابعة تبقى من العشر الأواخر ، قال : ومن أين تعلم ؟ قال : قلت خلق الله سبع أرضين ، وسبعة أيام ، وإن الدهر يدور في سبع ، وخلق الإنسان فيأكل ، ويسجد على سبعة أعضاء ، والطواف سبع ، والجبال سبع . فقال عمر : لقد فطنت لأمر ما فطنت له .
____________________
(2/367)
وقد رواه أبو عبد الله الحافظ عن عاصم بن كليب عن أبيه عن ابن عباس قال : كنت عند عمر ، وعنده أصحابه ، فقال : أرأيتم قول رسول الله في ليلة القدر : ' التمسوها في العشر الأواخر ' وتروا أي ليلة ترونها ، فقال بعضهم : ليلة إحدى وعشرين ، وقال بعضهم ليلة ثلاث ، وقال بعضهم : ليلة خمس ، وقال بعضهم : ليلة سبع وأنا ساكت ، فقال عمر لابن عباس : ما لك لا تتكلم .
فقلت : إنك أمرتني أن لا أتكلم حتى تتكلموا ، فقال : ما أرسلت إليك إلا لتتكلم ، فقلت : إني سمعت رسول الله يذكر السماء ، فذكر سبع سموات ، ومن الأرض مثلهن ، وخلق الإنسان من سبع ، وبنيت الأرض من سبع . فقال : عمر أخبرتني ما أعلم ، أرأيت مالا أعلم بنيت الأرض قولك : بنيت الأرض سبع .
قال : قال الله عز وجل : ( ^ وشققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا ) فالأب ما أنبتت الأرض ، وحدائق غلبا ، فالحدائق الحيطان من النخل والشجر ، وفاكهة وأبا والأب ما أنبتت الأرض مما تأكله الدواب ، والأنعام ، ولا يأكله الإنسان .
قال : فقال عمر لأصحابه : أعجزتم أن تقولوا كما قال هذا الغلام الذي لم تجتمع سنون رأسه ، والله إني لأرى القول كما قلت .
أما حجة الشافعي فما :
1240 - روى البخاري : ثنا موسى ثنا همام بن يحيى عن أبي سلمة : عن أبي سعيد قال : اعتكف رسول الله العشر الأول من رمضان ، واعتكفنا معه ، فأتاه جبريل فقال : إن الذي تطلب أمامك ، ثم قام النبي خطبنا صبيحة عشرين من رمضان فقال : ' من كان اعتكف مع النبي فليرجع ، فإني رأيت ليلة القدر وإني أنسيتها ، وإنها في العشر الأواخر في وتر ، وإني رأيت كأني أسجد في طين ، وماء ' وكان سقف المسجد جريد النخل ، وما نرى في السماء شيئا ، فجاءت قرعة فمطرنا ، فصلى بنا النبي حتى رأيت أثر الطين ، والماء على جبهة رسول الله بصدق رؤياه
أخرجاه في الصحيحين . [ وأحاديثنا أصرح ] .
مسألة [ 377 ] :
يستحب أن يتبع رمضان بست من شوال .
وقال أبو حنيفة ومالك : لا يستحب .
1241 - قال الإمام أحمد : ثنا أبو معاوية ثنا [ سعد ] بن سعيد عن عمر بن ثابت : عن أبي أيوب الأنصاري قال : قال رسول الله : ' من صام رمضان ، ثم أتبعه ستا من شوال فذاك صيام الدهر كله ' .
انفرد بإخراجه مسلم .
قالوا : قد قال أحمد : [ سعد ] بن سعيد ضعيف الحديث .
وقال النسائي : ليس بالقوي .
قلنا : قد قال يحي بن معين : هو صالح ، وقد أخرج عنه مسلم .
ز : قال النسائي : ذكر اختلاف الناقلين لخبر أبي أيوب ، ثنا أحمد بن يحي ثنا إسحاق بن حسن وهو ابن صالح ، عن محمد بن عمرو الليثي عن سعد بن سعيد عن عمرو بن ثابت عن أبي أيوب ؛ قال : قال رسول الله : ' من صام رمضان ، وأتبعه ستا من شوال فكأنما صام الدهر ' .
قال أبو عبد الرحمن : سعد بن سعيد ضعيف .
وكذا قال أحمد بن حنبل .
وفي رواية للنسائي : ' وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر ' .
وعن صفوان بن سليم عن سعد بن سعيد عن عمرو بن ثابت عن أبي أيوب ، فذكره .
____________________
(2/368)
وعن عبد الله بن الحكم حدثنا أبو عبد الرحمن المقري ثنا شعبة بن الحجاج عن عبد ربه ابن سعيد عن عمرو بن ثابت عن أبي أيوب الأنصاري أنه قال : ' من صام شهر رمضان ، ثم أتبعه بستة أيام من شوال فكأنما صام الدهر ' .
وحدثنا عبد الملك قال : حدثني يحي بن سالم ثنا سعيد عن عمرو بن ثابت قال : غزونا مع أبي أيوب فصام رمضان ، وصمنا ، فلما أفطرنا في الناس ؛ فقال : إني سمعت رسول الله يقول : ' من صام رمضان ، وصام ستة أيام من شوال كان كصيام الدهر ' .
وقد رواه محمد بن عبد الكريم بن حويطب .
ورواه إسماعيل بن عياش عن محمد بن أبي حميد .
وقد روى هذا الحديث جابر ، وثوبان ، وأبو هريرة وغيرهم .
وقال أبو عمر بن عبد البر في الاستذكار : ولم يبلغ مالكا حديث أبي أيوب على أنه حديث مدني ، والإحاطة بعلم الخاصة لا سبيل إليه ، ثم قال : وما أظن مالكا جهل الحديث ، لأنه حديث مدني ، تفرد به عمرو بن ثابت ، ولم يكن ممن يعتمد عليه ، وقد ترك مالك الاحتجاج ببعض ما رواه عن بعض شيوخه إذا لم يثق به في حفظه لبعض ما يرويه .
قال : وقد يمكن أنه جهل الحديث ، ولو علمه لقال به ، والله أعلم .
____________________
(2/370)
مسائل الاعتكاف
مسألة [ 378 ] :
لا يصح الاعتكاف إلا في مسجد تقام فيه الجماعة .
وقال أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي : يصح في كل مسجد .
1242 - قال سعيد بن منصور : ثنا سفيان عن جامع بن أبي راشد عن شقيق بن سلمة ، قال : قال حذيفة لابن مسعود : لقد علمت أن رسول الله قال : ' لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة ' - أو قال - ' مسجد الجماعة ' .
وقد استدل أصحابنا بما :
1243 - روى الدارقطني : ثنا علي بن عبد الله بن مبشر ثنا عمار بن خالد ثنا إسحاق الأزرق ، عن جويبر عن الضحاك : عن حذيفة قال : سمعت رسول الله يقول : ' كل مسجد له مؤذن ، وإمام فالاعتكاف فيه يصلح ' .
[ قال أئمة الجرح : ] هذا الحديث في نهاية الضعف ؛ الضحاك لم يسمع من حذيفة .
وجويبر : ليس بشيء .
____________________
(2/371)
قال أحمد : لا يشتغل بحديثه .
وقال يحي : ليس بشيء .
وقال النسائي والدارقطني : متروك .
ز : قال البيهقي : أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان ثنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا عبيد بن شريك ثنا يحي بن بكير ثنا الليث بن عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى ، ثم اعتكفت أزواجه من بعده .
والسنة في المعتكف أن لا يخرج إلا للحاجة التي لا بد منها ، ولا يعود مريضا ولا يمس امرأة ولا يباشرها ، ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة والسنة فيمن اعتكف أن يصوم .
أخبرنا أبو الحسن بن أبي المعروف الفقيه ثنا أبو سعيد عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الرازي ثنا محمد بن أيوب ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا هشام حدثنا قتادة أن ابن عباس ، والحسن قالا : لا اعتكاف إلا في مسجد تقام فيه الصلاة .
وقال ابن عباس : إن أبغض الأمور إلى الله البدع ، وإن من البدع الاعتكاف في المساجد التي في الدور .
وعن أبي وائل قال حذيفة لابن مسعود رضي الله عنهما : عكوفا بين دارك ، ودار أبي موسى لقد علمت أن رسول الله قال : ' لا اعتكاف إلا في المسجد الحرام ' ، أو قال ' في المساجد الثلاثة ' فقال عبد الله : لعلك نسيت وحفظوا وأخطأت وأصابوا . الشك مني .
مسألة [ 379 ] :
يصح الاعتكاف بغير [ صوم ] ، وبالليل وحده .
وعنه : لا يصح كقول أبو حنيفة ، ومالك .
____________________
(2/372)
1244 - قال الإمام أحمد : ثنا يحي القطان عن عبيد الله بن عمر قال : حدثني نافع عن ابن عمر عن عمرأنه قال : يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن اعتكف ليلة في المسجد الحرام ، قال له : ' فأوف بنذرك '
أخرجاه في الصحيحين .
1245 - وقال الدارقطني : ثنا ابن صاعد ثنا محمد بن يعقوب بن عبد الوهاب ثنا محمد بن فليح بن سليمان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر كان نذر في الجاهلية أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام ، فلما كان الإسلام سأل عنه رسول الله فقال له ' أوف بنذرك ' فاعتكف عمر ليلة .
[ قال الدارقطني : إسناد ثابت ] .
قالوا : فقد روي أنه نذر يوما .
1246 - قال مسلم بن الحجاج : ثنا محمد بن عمرو بن حبيبة ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر : عن عمر أنه جعل على نفسه يوما يعتكفه ، فقال رسول الله : ' أوف بنذرك '
أخرجاه في الصحيحين .
وجواب هذا من وجهين :
أحدهما : أن كل لفظ في مرتبة حديث ، ويحتمل أن يكون .
والثاني : أنه لا حجة فيه إذ لا ذكر هاهنا للصوم .
ز : ويمكن أن يكون اليوم مع الليلة ، ولا يكون فيه دليل على صحة الاعتكاف بغير صوم ؛ فإن غالب اعتكاف النبي كان في رمضان ، وقول عائشة أن النبي اعتكف في
____________________
(2/373)
العشر الأول من شوال ، قد جاء مصرحا أنه لما أفطر اعتكف .
قالوا : وقد روي فيه ذكر الصوم .
1247 - قال الدارقطني : حدثني أبو طالب الحافظ ثنا هلال بن العلاء ثنا أبي ثنا الوليد بن مسلم عن سعيد بن بشير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر نذر أن يعتكف في الشرك ، ويصوم ، فسأل رسول الله بعد إسلامه فقال : ' أوف بنذرك ' .
الجواب من وجهين :
أحدهما : أن هذا اللفظ انفرد به سعيد بن بشير عن عبيد الله . قال يحيى بن معين ، وابن عدي : ليس بشيء .
وقال النسائي : ضعيف .
والثاني : أنه إذا نذر الصوم لزم ، فلم قلتم إنه يلزم في صحة الاعتكاف .
ز : وكذا رواه النسائي أن عمر نذر أن يعتكف في الشرك ، وليصومن فقال له النبي : ' أوف بنذرك ' .
قالوا : ذكر نذر الصوم مع الاعتكاف ضعيف ، وغريب ، تفرد به سعيد بن بشير عن عبيد الله ، والله أعلم .
1248 - حديث ثان : قال الدارقطني : ثنا محمد بن إسحاق السوسي ثنا عبد الله بن محمد بن نصر الرملي ثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر ثنا عبد العزيز بن محمد عن أبي سهيل عم أنس بن مالك عن طاوس عن ابن عباس أن النبي قال : ' ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه ' .
قالوا : قد قال الدارقطني : رفعه السوسي ، وغيره لا يرفعه .
قلنا : السوسي ثقة ؛ قال أبو بكر الخطيب : دخل بغداد وحدث أحاديث مستقيمة .
____________________
(2/374)
ز : [ قال شيخنا الحافظ : ] هذا الحديث رفعه وهم والصواب أنه موقوف ، وإن كان السوسي قد تابعه غيره .
وروى البيهقي أيضا عن أبي سهيل عم مالك عن طاوس عن ابن عباس أن النبي قال : ' ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه ' .
وكان ابن عباس لا يرى على المعتكف صياما إلا أن يجعله على نفسه .
وقال عطاء : ذاك رأي ، هذا هو الصحيح .
إنه موقوف ، ورفعه وهم .
أما حجتهم :
[ 1249 - قال الدارقطني : ثنا أحمد بن عمر بن يوسف في الإجارة أن محمد بن هاشم حدثهم ثنا سويد بن عبد العزيز ، ثنا سفيان بن حسين عن الزهري عن عروة عن عائشة أن نبي الله قال : ' لا اعتكاف إلا بصيام ' .
1250 - قال الدارقطني : وثنا أبو بكر النيسابوري قال : ثنا الحسن بن محمد بن الصباح ثنا عمرو بن محمد العنقزي ثنا عبد الله بن بديل عن عمرو بن دينار : عن ابن عمر أنه سأل النبي عن اعتكاف عليه فأمره : أن يعتكف ويصوم . ]
1251 - قال الدارقطني : وثنا الحسين بن إسماعيل ثنا إبراهيم بن محشر ثنا عبيدة بن حميد ثنا القاسم بن معن عن عبد الملك بن جريج عن محمد بن شهاب عن سعيد بن المسيب ، وعروة : عن عائشة أن رسول الله كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان وأن السنة للمعتكف أن لا يخرج إلا لحاجة الإنسان ، ولا يتبع جنازة ، ولا يعود مريضا ، ولا يمس امرأة ، ولا يباشرها ، ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة ، ويأمر من اعتكف أن يصوم .
والجواب :
أما حديث عائشة الأول : فقال الدارقطني : تفرد به سويد عن سفيان ، قال أحمد : سويد متروك الحديث .
____________________
(2/375)
وقال يحي : ليس بشيء .
وفي الإسناد سفيان بن حسين ، قال يحي : لم يكن بالقوي .
وقال ابن حبان : يروي عن الزهري المقلوبات .
وأما حديث عمر فقال الدارقطني : تفرد به [ ابن بديل ] ، وهو ضعيف الحديث [ يعني حديث الصوم ] .
ورواه نافع عن ابن عمر ، ولم يذكر فيه الصوم ، وهو أصح .
قال : وسمعت أبا بكر النيسابوري يقول : هذا حديث منكر ؛ لأن الثقات من أصحاب عمرو بن دينار لم يذكروه ، منهم ابن جريج وابن عيينة ، وحماد بن سلمة ، وحماد ابن زيد ، وغيرهم .
وقال : وابن [ بديل ] ضعيف الحديث .
أما الحديث [ الثالث ] : ففيه إبراهيم بن محشر .
قال ابن عدي : له أحاديث مناكير .
قال الدارقطني : يقال : إن قوله من السنة للمعتكف إلى آخره ليس من قول رسول الله ، وأنه من كلام الزهري ، ومن أدرجه في الحديث فقد وهم ، والله أعلم .
ز : وروى أبو داود عن الزهري عن عروة عن عائشة أنها قالت : السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا ، ولا يشهد جنازة ، ولا يمس امرأة ، ولا يباشرها ، ولا يخرج لحاجة إلا لما لابد منه ، ولا اعتكاف إلا بصوم ، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع .
وقال البيهقي : قد قال جمهور الجهابذة من الحفاظ : إن هذا القول من كلام من هو دون عائشة رضي الله عنها ، وأن من أدرجه في الحديث وهم فيه .
وقد روي من عشرين طريقا .
[ مسألة [ 380 ] :
إذا شرط في اعتكافه الخروج إلى جائز كعيادة المرضى ، وصلاة الجنازة ، وزيارة
____________________
(2/376)
العلماء جاز .
وقال مالك : لا يجوز اشتراط هذه الأشياء .
احتج أصحابنا بحديثين ضعيفين :
1252 - الحديث الأول : قال ابن ماجه : ثنا أحمد بن منصور ثنا يونس بن محمد ، ثنا الهياج الخراساني قال : ثنا عنبسة بن عبد الرحمن عن عبد الخالق عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله : ' المعتكف يتبع الجنازة ويعود المريض ' .
هذا الحديث : ليس بشيء .
قال يحي : عنبسة ليس بشيء .
وقال أبو حاتم الرازي : كان يضع الحديث .
وقال النسائي : متروك .
وفيه الهياج .
قال أحمد : متروك الحديث .
وقال أبو داود : ليس بشيء .
وفيه عبد الخالق ، قال النسائي : ليس بثقة .
1253 - الحديث الثاني : قال أبو داود : ثنا محمد بن عيسى ثنا عبد السلام بن حرب أنبأ ليث بن أبي سليم عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه - عن عائشة قالت : كان النبي يعود المريض ، وهو معتكف .
قال أحمد : ليث مضطرب الحديث ، ولكن يحدث عنه الناس .
وقال أبو حاتم الرازي ، وأبو زرعة : لا يشتغل به ، وهو مضطرب الحديث .
احتجوا : بحديث عائشة المذكور في المسألة قبلها ، وقد سبق ] .
____________________
(2/377)
كتاب الحج
مسألة [ 381 ] :
من [ شروط ] وجوب الحج الزاد ، والراحلة .
وقال مالك ، وداود [ الظاهري ] : لا يشترط ذلك .
1254 - قال الدارقطني : حدثني أحمد بن علي بن حبيش ثنا علي بن العباس ثنا علي بن سعيد بن مسروق قال : ثنا ابن أبي زائدة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس عن النبي في قوله عز وجل : ( ^ من استطاع إليه سبيلا ) قال : قيل : يا رسول الله : ما السبيل ؟ قال : ' الزاد والراحلة ' .
ز : هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل السنن بهذا الإسناد ، وهو مروي عن علي بن سعيد بن مسروق ، وعلي بن العباس البجلي التابعي ثقتان ، وشيخ الدارقطني ثقة .
والصواب عن قتادة عن الحسن عن النبي مرسلا ، وأما رفعه عن أنس فهو وهم .
هكذا قال شيخنا .
1255 - قال الدارقطني : وثنا أحمد بن النصر بن طالب ، ثنا [ إبراهيم بن
____________________
(2/379)
وقد أدركته فريضة الله في الحج ، فهل يجزئ عنه أن أؤدي عنه ؟ فقال : ' نعم ، فأد عن أبيك ' .
ز : ورواه الترمذي عن بندار ، وقال : حديث حسن صحيح ، لا نعرفه من حديث علي إلا من هذا الوجه .
ورواه البيهقي من رواية حاتم بن إسماعيل ، وساقه بسنده إلى ابن عباس قال : أتت امرأة من خثعم فقالت : يا رسول الله إن أبي أدركته فريضة الحج ، وهو شيخ كبير ، لا يستطيع أن يثبت على الراحلة ، قال : ' فحجي عن أبيك ' .
أخرجاه في الصحيحين .
وقد رواه الشافعي عن عمرو بن أبي سلمة عن الدراوردي .
1257 - قال أحمد : وثنا عبد الرزاق قال : أنبأ معمر عن الزهري عن سليمان بن يسار عن ابن عباس قال : حدثني الفضل بن عباس قال : أتت امرأة من خثعم ، فقالت : يا رسول الله : إن أبي أدركته فريضة الله في الحج ، وهو شيخ كبير ، لا يستطيع أن يثبت على دابته ، قال : ' فحجي عن أبيك ' .
أخرجاه في الصحيحين .
ز : ورواه النسائي من حديث سليمان بن يسار عن عبد الله بن عباس أن رجلا سأل النبي : أن أبي أدركه الحج ، وهو شيخ كبير ، لا يثبت على راحلته وإن شددته خشيت أن يموت ، فأحج عنه ؟ قال : ' أفرأيت لو كان عليه دين ؛ أكان مجزيا ؟ ' قال : نعم ، : ' قال فحج عن أبيك ' .
وعن يحي بن أبي إسحاق عن سليمان بن يسار عن الفضل بن عباس أنه كان رديف رسول الله ، فجاء رجل فقال : يا رسول الله إن أمي عجوز كبيرة ، وإن حملتها لم تستملك ، وإن ربطتها خشيت أن أقتلها ، فقال رسول الله : ' أرأيت لو كان على أمك
____________________
(2/381)
دين أكنت قاضيه ؟ ' قال : نعم ، ' قال فحج عن أمك ' .
قال النسائي : سليمان لم يسمع من الفضل .
وروى أيوب السختياني هذا الحديث عن سليمان بن يسار عن عبيد الله بن عباس ، ولم يشك ، وهو أقرب إلى الصواب ؛ لأن الفضل بن غياش توفي زمن عمر بن الخطاب بالشام في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة ، ولم يدركه سليمان بن يسار وعبيد الله بن العباس بقي إلى زمن يزيد بن معاوية ، وقال ابن أبي حاتم في المراسيل : سمعت أبي يقول : ابن سيرين لم يسمع من عبيد الله بن عبد الله بن عباس .
وقال البخاري : أصح شيء في هذا ما روي عن ابن عباس عن الفضل .
1258 - قال أحمد : وثنا هشيم قال : أنبأ يحي بن أبي إسحاق عن سليمان بن يسار عن عبيد الله بن عباس ، أو الفضل بن عباس أن رجلا سأل رسول الله فقال : يا رسول الله إن أبي أدركه الإسلام ، وهو شيخ كبير ، لا يثبت على راحلته أفأحج عنه ؟ فقال : ' أرأيت لو كان عليه دين فقضيته عنه أكان يجزئه ؟ ' قال : نعم ، قال : ' فاحجج عن أبيك ' .
1259 - قال أحمد : وثنا إسحاق بن يوسف عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عبد الله بن عطاء عن سليمان بن بريدة عن أبيه ' أن امرأة أتت رسول الله فقالت : إن أمي ماتت ، ولم تحج فيجزيها أن أحج عنها ؟ قال : نعم ' .
انفرد بإخراجه مسلم .
ز : وهذا الحديث إنما فيه الحج عن الميت ، لا عن المغضوب .
1260 - قال الترمذي : ثنا يوسف بن عيسى ثنا وكيع عن شعبة عن النعمان بن سالم عن عمرو بن أوس عن أبي رزين العقيلي أنه أتى النبي فقال : يا رسول الله إن أبي شيخ كبير ، لا يستطيع الحج ، ولا العمرة ، ولا الظعن .
قال : حج عن أبيك واعتمر ' .
____________________
(2/382)
قال الترمذي : هذا حديث صحيح .
ز : ورواه أيضا أبو داود الطيالسي .
وروى البيهقي عن محمد بن سيرين عن عبد الله بن عباس أن رجلا . . . فذكره .
وفيها : لا تستطيع أن تركب على البعير ، وإن ربطتها خفت أن تموت ، أفأحج عنها .
قال : ' نعم ' .
وقد رواه أحمد من طرق عن ابن عباس من رواية ابن سيرين عنه وعن أبي هريرة ، ورواية أيوب أصح .
وقال البيهقي : روايات ابن سيرين عن ابن عباس تكون مرسلة .
وقال الوليد بن مسلم : حدثنا شعيب بن رزين ، قال : سمعت عطاء الخراساني عن أبي الغوث عن الحصين الخثعمي ، قال : قلت يا رسول الله إن أبي شيخ كبير ، لا يتمالك على الراحلة ، قد أدركته فريضة الله في الحج ، فما ترى أن أحج عنه ؟ قال : ' نعم حج عنه ' .
قال : يا رسول الله ، وكذلك من مات من أهالينا ولم يوص بحج فيحج عنه ؟ قال : ' نعم ، ويؤجرون ' .
قال : ويتصدق عنه ، ويصام عنه .
قال : ' نعم والصدقة أفضل ' .
وكذلك في النذر والمشي إلى المسجد .
قال البيهقي : إسناده ضعيف .
مسألة [ 383 ] :
يجوز لمن لا مال له أن يستنيب في الحج ، ويقع عن المحجوج عنه .
____________________
(2/383)
وقال أبو حنيفة : لا يجوز ذلك ، وإنما يستنيب من له مال ليحصل ثواب النفقة [ فحسب ] .
لنا : حديث الخثعمية ، وقد سبق .
مسألة [ 384 ] :
لا يسقط الحج ، والزكاة بالموت .
وقال أبو حنيفة ومالك : يسقط إلا أن يوصي بهما .
1261 - لنا خبر ابن عباس ، [ وأنه شبهه بالدين ] ، وقد سبق ، وكذلك خبر بريدة وقد سبق .
ز : وروى البيهقي من حديث جبير ، وقد سبق ، عن ابن عباس أن امرأة جاءت إلى النبي فقالت : إن أمي نذرت أن تحج فماتت قبل أن تحج ، فأحج عنها .
قال : ' نعم فحجي عنها ؛ أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته ؟ ' قالت : نعم ، قال : ' فاقضوا الله ؛ فإن الله أحق بالوفاء ' .
رواه البخاري في الصحيح .
مسألة [ 385 ] :
لا يسقط الحج بكون البحر بينه ، وبين مكة ، إذا كان غالبه السلامة .
____________________
(2/384)
وقال الشافعي في أحد قوليه : يسقط .
1262 - قال سعيد بن منصور : ثنا إسماعيل بن زكريا عن مطرف عن بشر أبي عبد الله عن بشير بن مسلم عن عبد الله بن عمر وقال : قال رسول الله : ' لا يركب البحر إلا حاج ، أو معتمر ، أو غاز في سبيل الله ، فإن تحت البحر نارا ، أو تحت النار بحرا '
1263 - قال : إسماعيل عن ليث عن مجاهد : لا يركب البحر إلا حاجا أو معتمرا أو غازيا في سبيل الله .
ز : رواه أبو داود .
ز : وروى البيهقي بإسناده عن بشير بن مسلم عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله : ' لا يركب رجل بحرا إلا غازيا أو معتمرا ، أو حاجا ؛ فإن تحت البحر ، نارا ، وتحت النار بحرا ' .
أنبأ أبو بكر الفارسي أنبأ إبراهيم بن عبد الله الأصفهاني حدثنا أبو أحمد ابن فارس قال : قال محمد بن إسماعيل البخاري : لم يصح حديثه - يعني حديث بشير بن مسلم .
مسألة [ 386 ] :
من عليه فرض الحج لا يصح أن يحج عن غيره ، وعنه يجوز كقول أبي حنيفة ، ومالك
____________________
(2/385)
لنا حديثان :
1264 - الحديث الأول : قال الدارقطني : ثنا محمد بن مخلد ثنا عباس بن محمد ثنا سورة بن الحكم ثنا عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء عن ابن عباس عن النبي ' أنه سمع رجلا يلبي عن آخر فقال له : ' إن كنت حججت عن نفسك فلب عنه ، وإلا فاحجج عن نفسك '
ز : هذا الحديث بهذا الإسناد غير مخرج في الكتب الأربعة ، قاله شيخنا الحافظ ، وسورة بن الحكم البغدادي صاحب الرازي ، ولا نعلم أن أحدا تكلم فيه ، والصحيح أن هذا الحديث مرسل .
قال الشافعي : أخبرنا مسلم - يعني ابن خالد - عن ابن جريج عن عطاء قال : سمع النبي رجلا يقول : لبيك عن فلان فقال له النبي : ' إن كنت حججت فلب عنه ، وإلا فاحجج عن نفسك ثم احجج عنه ' .
وكذلك رواه سفيان الثوري عن ابن جريج مرسلا .
1265 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : وثنا ابن صاعد قال : ثنا يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا ابن أبي ليلي عن عطاء عن عائشة أن النبي سمع رجلا يلبي عن شبرمة قال : ' أحججت عن نفسك ' ؟ فقال : لا قال : ' فاحجج عن نفسك ثم احجج عن شبرمة ' .
ز : حديث عائشة هذا ليس مخرجا في شيء من السنن ، وقد اختلف على ابن ليلى فرواه شريك ، وإبراهيم عن ابن طهمان عنه عن عطاء عن ابن عباس .
الحديث فذكره .
ورواه ابن جريج عن عطاء مرسلا ، وهو أصح كما تقدم .
____________________
(2/386)
مسألة [ 387 ] :
فإذا أحرم الصرورة بحجة نفل انعقدت عن فرضه .
وعن أحمد : أنها تقع نفلا كقول أبي حنيفة .
استدل أصحابنا بالحديث المتقدم ، وقالوا : معنى قوله : ' حج عن نفسك ' استدم هذا الحج بعزم أنه لك .
قالوا : وله ألفاظ صريحة فيما قلناه .
1266 - قال الدارقطني : ثنا محمد بن مخلد ثنا محمد بن الحسن بن نافع الباهلي ثنا أبو بكر الكلبي ثنا الحسن بن ذكوان ثنا عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس قال : ' سمع رسول الله رجلا يقول : لبيك عن شبرمة فقال رسول الله ' هل حججت قط ؟ ' قال : لا ، قال : هذه عنك ، وحج عن شبرمة '
1207 - قال الدارقطني : وثنا الحسين بن إسماعيل قال : حدثني هارون بن إسحاق الهمذاني ثنا عبده بن سليمان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عزرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي سمع رجلا يقول : لبيك عن شبرمة فقال : ' هل أحججت قط ؟ ' قال : لا ، قال : فاجعل هذه عنك ، ثم لب عن شبرمة ' .
1208 - قال الدارقطني : ثنا يعقوب بن عبد الرحمن المذكر قال : ثنا حميد بن الربيع ثنا محمد بن بشر ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عزرة عن سعيد بن جبير عن ابن
____________________
(2/387)
عباس قال : ' سمع النبي رجلا يلبي عن شبرمة فقال : ' أحججت ؟ ' قال : لا .
قال : ' لب عن نفسك ثم لب عن شبرمة ' .
في هذه الأحاديث مقال :
أما الأول : ففيه الحسن بن ذكوان ، قال أحمد : أحاديثه أباطيل .
وقال يحي : ضعيف .
وفي الحديث الثاني : عزرة قال يحي : لا شيء .
وفي الحديث الثالث : حميد بن الربيع ، قال يحيى : كذاب .
ز : [ قال شيخنا ] : الحديث الأول لم يخرجه أصحاب السنن .
قلت والحسن بن ذكوان روى له البخاري في صحيحه وروى عنه يحي القطان ، وابن المبارك ، وسراة أئمة الجرح والتعديل .
وذكره ابن حبان في الثقات .
وقال ابن عدي : يروي أحاديث لا يرويها غيره ، على أن يحي القطان ، وابن المبارك قد رويا عنه ، وناهيك به أن يرويا عنه ، والبخاري لا يروي إلا عن من يعلم أنه ثقة عدل ، أمير .
وإن من أئمة الجهابذة النقاد قد زيفوا بعض ما رواه عن بعض المجروحين كروايته عن أبي بكر الكلبي واسمه عباد بن صهيب ، قد تركوه ، قاله البخاري .
وقال ابن أبي حاتم : روى عنه من لم يفهم العلم .
وقال ابن المديني : ذهب حديثه .
وقال أبو حاتم : منكر الحديث ، ترك حديثه .
وقال النسائي ، والدولابي : متروك الحديث ، وإن كان عباد هذا أثبت من أبي عاصم النبيل .
وأما الراوي عن الكلبي ، فهو محمد بن الحسن بن نافع أبو عوانة الباهلي البصري ، قدم بغداد روى عنه جماعة ، وأحاديثه مستقيمة ، قاله الخطيب .
____________________
(2/388)
والحديث الثاني : فرواه أبو داود عن إسحاق بن إسماعيل وهناد .
ورواه أيضا ابن ماجه .
وقال البيهقي : رفعه حفاظ ثقات ، فلا يضر خلاف من خالفه .
وعروة المذكور هو عروة بن يحي ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا علي الحافظ يقول : ذاك معدود في أوهامه ؛ فإن قتادة لم يلق سعيد بن جبير .
وقد روى قتادة أيضا عن عروة بن تميم ، وعن عروة بن عبد الرحمن ، والصحيح في عروة بن عبد الرحمن ، ليس هو عروة بن يحي ، ولا يعرف في الرواة عروة بن يحي ، وإنما هو هذا - يعني ابن عبد الرحمن الخزاعي .
وقد روى له مسلم ، ووثقه يحي بن معين .
وأما الحديث الثالث : فلم يروه أحد من أصحاب السنن الذي هو من حديث محمد بن بشير عن سعد وحميد بن الربيع راويه عن محمد بن بشر .
قال ابن عدي : كان يسرق الحديث ، ويرفع أحاديث موقوفة .
وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة : قال : أنا أعلم الناس بحميد بن الربيع ؛ هو ثقة ، لكنه قال شره يدلس .
وقال الدارقطني : تكلموا فيه .
وقال البرقاني : رأيت الدارقطني يحسن القول فيه ويعقوب بن عبد الرحمن من رجال الحديث الثالث - شيخ الدارقطني ، هو أبو يوسف الجصاص في حديثه وهم كثير ، والله أعلم .
احتجوا بما :
1269 - روى الدارقطني : ثنا محمد بن مخلد ثنا عبيد الله بن سعد الزهري ثنا عمي ثنا أبي عن إسحاق قال : حدثني الحسن بن عمارة عن عبد الملك بن ميسرة عن طاوس عن بن عباس قال : ' مر رسول الله برجل وهو يقول : لبيك عن نبيشة ، فقال : ' يا هذا المهل عن نبيشة هي عن نبيشة ، واحجج عن نفسك ' .
____________________
(2/389)
وفي لفظ : ' هذه عن نبيشة ، واحجج عن نفسك ' .
هذان اللفظان تفرد بهما الحسن بن عمار ، وهو الذي كان يقول مكان شبرمة بنبيشة ، ثم رجع إلى الصواب في آخر عمره .
قال شعبة : كان الحسن بن عمارة كذابا ، يحدث بأحاديث قد وضعها .
وقال يحي : كان يكذب .
وقال زكريا الساجي : أجمعوا علي ترك حديثه .
مسألة [ 388 ] :
يصح إحرام الصبي ، وعليه الكفارة بالمحظورات .
وقال أبو حنيفة : لا يصح .
1270 - قال الإمام أحمد : ثنا سفيان عن إبراهيم بن عقبة عن كريب عن ابن عباس قال : كان النبي بالروحاء فأخذت امرأة بعضد صبي فأخرجته من محفتها ، وقالت يا رسول الله : هل لهذا حج ؟ قال : ' نعم ، ولك أجر ' .
انفرد بإخراجه مسلم .
1271 - وقال الترمذي : ثنا محمد بن طريف الكوفي قال : ثنا أبو معاوية عن محمد
____________________
(2/390)
ابن سوقة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : رفعت امرأة صبيها إلى رسول الله فقالت : يا رسول الله : ألهذا حج ؟ قال : ' نعم ، ولك أجر ' .
قال الترمذي : وثنا محمد بن إسماعيل الواسطي قال : سمعت ابن نمير ، عن [ أشعث ] ابن سوار عن أبي الزبير عن جابر قال : كنا إذا حججنا مع النبي نلبي عن النساء ، ونرمي عن الصبيان .
وفي لفظ آخر : فأحرمنا عن الصبيان ، وأحرمت النساء عن أنفسها .
قال الترمذي : الحديثان غريبان .
ز : أما الحديث الأول ؛ فقد رواه أبو داود أيضا عن أحمد بن حنبل ، ورواه النسائي عن سفيان ، ورواه ابن مهدي عن الثوري .
والحديث الثاني : رواه ابن ماجه أيضا عن أبي بكر بن أبي شيبة عن ابن نمير .
وأشعث ابن سوار ضعفه النسائي ، والدارقطني .
وروي عن يحي بن معين أنه وثقه والله أعلم .
مسألة [ 389 ] :
يجب الحج على الفور .
وقال الشافعي : لا يجب على الفور .
____________________
(2/391)
لنا أربعة أحاديث :
1272 - الحديث الأول : قال الدارقطني : ثنا أحمد بن عبد الله بن محمد الوكيل ثنا الحسن بن عرفة ثنا مروان بن معاوية الفزاري عن الحجاج الصواف عن يحي بن أبي كثير عن عكرمة قال حدثني الحجاج بن عمرو الأنصاري قال : قال رسول الله : ' من كسر أو عرج فقد حل وعليه الحج [ من قابل ' ]
قال عكرمة : فسألت أبا هريرة .
وابن عباس فقالا : صدق .
ز : روى هذا الحديث أحمد ، وأبو داود والترمذي ، والنسائي وابن ماجه .
1273 - الحديث الثاني : قال الترمذي : ثنا محمد بن يحي القطيعي ثنا سلمة بن إبراهيم ثنا هلال بن عبد الله مولى ربيعة بن عمرو قال : ثنا أبو إسحاق الهمداني عن الحارث عن علي قال : قال رسول الله ' من ملك زادا وراحلة يبلغه إلي بيت الله ولم يحج ؛ فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا '
قال الترمذي : هذا حديث غريب .
لا نعرفه إلا من هذا الوجه [ في إسناده مقال ] ، وهلال مجهول ، والحارث يضعف .
قلت : الحارث قد كذبه الشعبي ، وابن المديني .
ز : لم يرو هذا الحديث من أصحاب السنن غير الترمذي وهلال قال فيه البخاري : منكر الحديث .
وقال ابن عدي : هو معروف بهذا الحديث وليس الحديث بمحفوظ .
1274 - الحديث الثالث : قال أبو أحمد بن عدي : أنبأ أحمد بن يحي بن زهير قال ثنا عبد الرحمن بن سعيد ثنا عبد الرحمن القطامي ثنا أبو المهزم عن أبي هريرة قال : ' قال رسول الله ' من مات ولم يحج حجة الإسلام في غير وجع حابس ، أو حاجة ظاهرة ، أو
____________________
(2/392)
سلطان جائر فليمت أي الميتتين ، إما يهوديا ، أو نصرانيا ' .
أبو المهزم .
اسمه : يزيد بن سفيان ، قال يحي بن معين : ليس حديثه بشيء .
وقال النسائي : متروك الحديث .
وأما عبد الرحمن القطامي فقال عمرو بن علي الفلاس : كان كذابا .
وقال ابن حبان : يجب تكذيب رواياته .
ز : وقد ذكر ابن عدي هذا الحديث في ترجمة عبد الرحمن وذكر له غيره ، ثم قال وعبد الرحمن بن القطامي ليس بالكبير .
وقال الدارقطني : عبد الرحمن القطامي روى عن أبي هريرة المهزم عن أبي نسخة موضوعة .
1275 - الحديث الرابع : قال عبد الرزاق : ثنا عمر بن شبة قال : أنبأ أبو بكر محمد بن إبراهيم بن زاذان أن المقري قال : ثنا أبو عروبة الحراني ثنا المغيرة بن عبد الرحمن ثنا يزيد ابن هارون ثنا شريك عن ليث عن عبد الرحمن سابط عن أبي أمامة عن النبي قال : ' من لم يحبسه مرض ، أو حاجة ظاهرة ، أو سلطان جائر ، ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا ، وإن شاء نصرانيا ' .
قال يحي بن معين : المغيرة ليس بشيء .
وليث قد تركه يحي وابن مهدي ، وأحمد .
وقد رواه عمار بن مطر عن شريك عن سالم عن أبي أمامة .
قال العقيلي : عمار يحدث عن الثقات بالمناكير .
وقال ابن عدي : متروك الحديث .
____________________
(2/393)
ز : في رجال هذا الحديث : المغيرة بن عبد الرحمن ليس بشيء .
وفي إسناده أيضا : ليث ، وقد تركه يحي بن معين ، وابن مهدي ، وأحمد .
وقد رواه عمار بن نصر عن شريك عن سالم عن أبي أمامة .
قال العقيلي : عمار يحدث عن الثقات المناكير .
وقال ابن عدي : متروك الحديث .
وهذا الحديث لم يخرجه أحد من أصحاب السنن .
وراوي هذا الحديث يروي عن أبي الزناد ، وهو من رجال الصحيحين .
وأما المغيرة بن عبد الرحمن متقدم الحرامي : هو الذي قال فيه يحي ، وجرحه .
وأما المغيرة الحرامي : شيخ متأخر ، روى عنه النسائي ، ووثقه ، ولا يعرف أحد تكلم فيه .
وقد ذكره شيخنا الحافظ المزي في كتابه : تهذيب الكمال وأيضا فهذا الحديث لم يتفرد به المغيرة عن يزيد ؛ فقد رواه محمد بن أسلم الطوسي الإمام عن يزيد .
ورواه البغوي في تفسير سورة آل عمران من رواية سهل بن عمار عن يزيد .
وسهل كذبه الحاكم .
وقد رواه عن شريك غير يزيد .
قال أبو يعلى الموصلي ثنا بشر بن الوليد الكندي : ' من لم يمنعه من الحج حابس أو حاجة فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا ' .
وقد روى البيهقي أيضا عن شريك ، عن ليث ، عن سابط ، عن أبي أمامة عن النبي قال : ' من لم يحبسه مرض أو حاجة ظاهرة ، أو سلطان جائر ، ولم يحج ، فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا ' .
وهذا إن كان إسناده غير قوي فله شاهد :
قال سعيد منصور : ثنا هشيم قال : أنبأ منصور عن الحسن قال :
____________________
(2/394)
قال عمر بن الخطاب : لقد هممت أن أبعث رجالا إلي هذه الأمصار فينظر كل من كان له جدة ، ولم يحج ، فيضربوا عليهم الجزية : ما هم بمسلمين ، ما هم بمسلمين .
ز : هكذا رواه الحسن وهو مرسل ، لأن الحسن لم يسمع من عمر ، وقد رواه الإمام أحمد في الإيمان بسنده قال : ' من كان ذا يسار فمات ، ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا ، وإن شاء نصرانيا .
وهو مروي أيضا بهذا الإسناد عن عدي بن عدي عن الضحاك بن عرزم قال : قال عمر بن الخطاب فذكره . وقيل : عزب ، هكذا يسمونه أهل العراق .
أما حجتهم : [ فرووا ] عن أبي سعيد عن النبي أنه قال : ' من أحب أن يرجع بعمرة قبل الحج فليفعل ' .
وهذا لا يعرف ، وإنما روي : ' من أحب أن يبدأ بعمرة قبل الحج فليفعل ' ، وهذا هو التمتع .
واحتجوا : بأن فريضة الحج نزلت في سنة خمس بدليل ما :
روى الإمام أحمد : ثنا يعقوب ثنا أبي عن محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد ابن الوليد بن نفيع عن كريب : عن عبد الله بن عباس قال : بعثت بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة وافدا إلي رسول الله فذكره له رسول الله فرائض الإسلام ، الزكاة ، والصيام ، والحج .
وقد رواه شريك عن كريب فقال فيه : بعثت بنو سعد ضماما في رجب سنة خمس .
قالوا : وإذا ثبت أن الحج قد وجب في سنة خمس فقد أخره رسول الله إلي سنة عشر ، فدل على أن الوجوب على التراخي .
____________________
(2/395)
وجواب هذه الرواية أنه قد روي أن ضماما قدم في سنة تسع ، فإن صحت الرواية الأخري ففي تأخير رسول الله .
جوابان :
أحدهما : أن الله تعالى أعلم نبيه أنه لا يموت حتى يحج وكان على يقين من الإدراك .
قاله أبو زيد الحنفي .
والثاني : أنه أخره لعذر ، وقد كانت خمسة أعذار :
أحدها : الفقر .
والثاني : الخوف على نفسه .
والثالث : الخوف على المدينة من المشركين ، واليهود .
والرابع : أن يكون رأى تقديم الجهاد .
والخامس : غلبة المشركين على مكة ، وكونهم يحجون ، ويظهرون الشرك ، ولا يمكنه الإنكار عليهم .
فإن قيل : على هذا فكيف أخره بعد الفتح ؟ .
فجوابه من وجهين :
أحدهما : أنه لم يؤمر بمنع حجاج المشركين ، فلو حج لاختلط الكفار بالمسلمين ، فكان ذلك كالعذر ، فلما أمر بمنع المشركين من الحج بعث أبا بكر في سنة تسع ، فنادي : أن لا يحج بعد العام مشرك ، ثم حج عند زوال ما كره .
والثاني : أن يكون أخر الحج لئلا يقع في غير ذي الحجة من جهة النسيء الذي كانت العرب تستعمله حتى يدور التحريم على جميع الشهور ، فوافقت حجة أبي بكر ذي القعدة ، وحج رسول الله في ذي الحجة .
ز : أما حديث ابن عباس المتقدم ، فإن الإمام أحمد ذكره مطولا ، وذكر فيه التوحيد والصلاة ، وفي إسناده محمد بن الوليد بن نويفع لا يتبع ، وهو القرشي الأسدي .
وذكره ابن حبان في الثقات ، وقد روى له أبو داود هذا الحديث الواحد مقرونا بغيره .
____________________
(2/396)
وأما رواية هذا الحديث من طريق شريك عن كريب فلم يخرجه أحد من الكتب الستة ، وشريك هو ابن أبي نمير .
مسألة [ 390 ] :
الأفضل أن يحرم من الميقات .
وقال أبو حنيفة : من دويرة أهله .
وعن الشافعي كالمذهبين .
لنا : أن رسول الله أحرم بالحج ، وبأربع عمر من الميقات على ما يأتي ذكره ، وما هو مشهور في الحديث ، ولا يداوم إلا على الأفضل .
مسالة [ 391 ] :
يستحب لمن أراد الإحرام أن يتطيب .
وقال مالك : يكره .
____________________
(2/397)
1276 - قال الإمام أحمد : ثنا [ سفيان ] عن عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم عن عائشة قالت : ' طيبت رسول الله بيدي هاتين لحرمه حين أحرم ، ولحله قبل أن يطوف ' .
1277 - قال أحمد وثنا عفان قال : ثنا حماد بن سلمة ثنا حماد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت : كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق رسول الله بعد أيام وهو محرم .
الحديثان في الصحيحين .
مسألة [ 392 ] :
الأفضل أن يحرم عقيب ركعتين .
وعنه أن الإحرام عقيب الصلاة ، وحين تستوي به راحلته على البيداء سواء .
وقال مالك : الأفضل حين تستوي به راحلته على البيداء .
وعن الشافعي كقول الأول ، وعنه إذا سارت به راحلته .
لنا ما :
1278 - روى الإمام أحمد : ثنا يعقوب قال : ثنا أبي عن أبي إسحاق قال : حدثني خصيف عن سعيد بن جبير قال قلت : لعبد الله بن عباس : عجيب لاختلاف أصحاب
____________________
(2/398)
رسول الله في إهلال رسول الله فقال : إني لأعلم بذلك إنها إنما كانت من رسول الله حجة واحدة ، فمن هناك اختلفوا ، خرج رسول الله حاجا فلما صلى في مسجده بذي الحليفة ركعتين ، أوجب في مجلسه ، وأهل بالحج حين فرغ من ركعتيه ، فسمع ذلك منه أقوام ، فحفظوه عنه ثم ركب فلما استقلت به ناقته أهل ، أدرك ذلك منه أقوام ، وذلك أن الناس إنما كانوا يأتون أرسالا فسمعوه حين استقلت به ناقته يهل ، فقالوا : إنما أهل حين استقلت به ناقته ثم مضى رسول الله فلما علا على شرف البيداء أهل ، وأدرك ذلك منه أقوام فقالوا : إنما أهل حين علا شرف البيداء وأيم الله لقد أوجب في مصلاه ، وأهل حين استقلت به ناقته ، وأهل حين علا شرف البيداء .
ز : رواه أبو داود .
وفي رجاله خصيف ، هو ابن عبد الرحمن الجزري .
وقد وثقه أبو زرعة .
وضعفه أحمد ، وقال النسائي : ليس بالقوي .
وقال ابن عدي : ثقة .
احتجوا بحديثين .
1279 - الحديث الأول : قال الدارقطني : ثنا محمد بن مخلد ثنا محمد بن إسحاق الصاغاني قال : ثنا أحمد بن أبي الطيب قال : قرىء علي أبي بكر بن عياش فأقر به عن يعقوب ابن عطاء عن أبيه عن ابن عباس قال : اغتسل رسول الله ثم لبس ثيابه ، فلم أتى ذا الخليقة صلي ركعتين ، ثم قعد على بعيره فلما استوى على البيداء أحرم بالحج .
ز : هذا الحديث لم يخرجه أحد من أصحاب السنن ، وفي رجاله يعقوب بن عطاء بن أبي رباح لا يحتج به .
1280 - الحديث الثاني : قال الإمام أحمد : ثنا محمد بن عبيد عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله كان إذا أدخل رجله في الغرز ، واستوت به ناقته قائمة أهل من
____________________
(2/399)
مسجد ذي الحليفة .
أخرجاه في الصحيحين .
والجواب من وجهين :
أحدهما : أن الحديث الأول لا يصح ؛ قال أحمد ، ويحي : يعقوب بن عطاء ضعيف .
والثاني : أنه ذكر بعض ما جرى ، [ وقد استوفاه في حديثنا وذكر زيادة ، وهذا جواب حديث ابن عمر ] .
مسألة [ 393 ] :
لا يستحب الزيادة على تلبية رسول الله .
وقال أبو حنيفة : يستحب .
لنا : أن جماعة رووا صفة تلبيته ، وقد قال : ' خذوا عني مناسككم ' .
1281 - قال الإمام أحمد : ثنا هشيم ثنا حميد عن بكر بن عبيد الله عن ابن عمر قال كانت تلبية رسول الله : ' لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ' .
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين .
____________________
(2/400)
قال أحمد ثنا يحي عن ابن عجلان عن عبد الله بن أبي سلمة أن سعدا سمع رجلا يقول : لبيك ذا المعارج ، فقال : إنه لذو المعارج ، ولكنا كنا مع رسول الله لا يقول ذلك .
ز : قال أبو زرعة : عبد الله بن أبي سلمة عن سعد مرسل ، ولم يخرج أحد من أصحاب السنن هذا الحديث .
مسألة [ 394 ] :
يقطع الحاج التلبية عند رمي جمرة العقبة .
وقال مالك في إحدى روايتيه : يقطعهما بعد الزوال من يوم عرفة .
1282 - قال الإمام أحمد : ثنا حسين بن محمد قال : ثنا جرير عن أيوب عن الحكم ابن عتيبة عن ابن عباس عن أخيه الفضل ، قال : ' كنت رديف رسول الله من جمع إلى منى ، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة ' .
أخرجاه في الصحيحين .
____________________
(2/401)
مسألة [ 395 ] :
ويقطع المعتمر التلبية إذا شرع في الطواف .
وقال مالك إذا أحرم من الميقات قطع إذا دخل الحرم ، وإن أحرم من أدنى الحل قطع إذا رأى البيت .
1283 - قال أبو داود : ثنا مسدد قال : ثنا هشيم عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس ، عن النبي قال ' يلبي المعتمر حتى يستلم الحجر ' .
قال أبو داود : رواه عبد الملك بن أبي سليمان ، وهمام عن عطاء عن ابن عباس موقوفا .
1284 - وقال الترمذي : ثنا هناد قال : ثنا هشام عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس رفع الحديث ' أنه كان يمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحجر ' .
قال الترمذي : هذا حديث صحيح .
مسألة [ 396 ] :
العمرة واجبة .
____________________
(2/402)
وقال أبو حنيفة ، ومالك : لا تجب .
وعن الشافعي : كالمذهبين .
لنا خمسة أحاديث :
1285 : الحديث الأول : قال الدارقطني : ثنا أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار ثنا محمد بن عبيد الله المنادي ثنا يونس بن محمد ثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن يحي بن يعمر عن ابن عمر قال : سمعت عمر بن الخطاب قال : بينما نحن جلوس عند رسول الله جاء رجل ليس عليه شحناء سفر ، وليس من أهل البلد ، يتخطى حتى جلس بين يدي رسول الله ، ثم وضع يديه على ركبتي رسول الله فقال : يا محمد : ما الإسلام ؟ قال : أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وأن تقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتحج ، وتعتمر ، وتغتسل من الجنابة ، وتتم الوضوء ، وتصوم رمضان .
وذكر باقي الحديث وأنه قال : ' هذا جبريل ' .
فإن قيل : هذا الحديث مذكور في الصحاح وليس فيه : ' ويعتمر ' .
قلنا : قد ذكر فيه هذه الزيادة أبو بكر الجوزقي في كتابه المخرج على الصحيحين ، ورواها الدارقطني ، وحكم لها بالصحة وقال : هذا إسناد صحيح ، أخرجه مسلم بهذا الإسناد .
ز : قلت : نعم هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه .
قال شيخنا : هذه الزيادة فيها شذوذ .
1286 - الحديث الثاني : حديث أبي رزين : ' حج عن أبيك ، واعتمر ' .
____________________
(2/403)
وقد سبق [ بإسناده ] في مسألة المعضوب .
ز : روى أبو داود عن أبي رزين أن رجلا من بني عامر قال : يا رسول الله إن أبي شيخ كبير ، لا يستطيع الحج ، والعمرة ، ولا الطعن ، قال : ' احجج عن أبيك واعتمر ' .
قال أحمد بن مسلم : سألت ابن الحجاج عن هذا الحديث ، فقال : سمعت أحمد بن حنبل يقول : لا أعلم في إيجاب العمرة حديثا أجود من هذا ، ولا أصح منه .
قال شيخنا الحافظ : هذا الحديث لا يدل على وجوب العمرة وليس هذا الأمر على الوجوب ؛ فإنه لا يجب أن يحج عن أبيه ، والحديث يدل على الجواز ، وجواز فعل الحج والعمرة عنه لكونه غير مستطيع ، والله أعلم .
1287 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : ثنا عبد الرحمن بن سعيد بن هارون ثنا محمد بن الحجاج الضبي قال : ثنا ابن فضيل عن حبيب بن أبي عمرة عن عائشة بنت طلحة عن عائشة قال : قلت : يا رسول الله على النساء جهاد ؟ قال : ' عليهن جهاد لا قتال فيه ؛ الحج والعمرة ' .
ز : رواه الإمام أحمد عن ابن فضيل .
ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن ابن فضيل .
ورواه البخاري من رواية سفيان عن معاوية .
ورواه البخاري عن غير واحد عن حبيب ، وليس فيه ذكر العمرة .
ورواه البيهقي عن محمد بن سيرين عن ابن حبان عن عائشة أنها قالت : يا رسول الله هل على النساء جهاد ؟ قال : ' نعم ، جهاد لا قتال فيه ؛ الحج والعمرة جهادهن ' .
____________________
(2/404)
وكذلك رواه أحمد في مسنده .
ورواه البيهقي أيضا من طريق آخر عن أبي هريرة عن النبي قال : ' جهاد الكبير ، والضعيف ، والمرأة الحج والعمرة ' .
1288 - الحديث الرابع : قال الدارقطني ثنا علي بن الحسن بن رستم ثنا محمد بن يحيى العطار ثنا محمد بن كثير الكوفي ثنا إسماعيل بن مسلم عن محمد بن سيرين عن زيد بن ثابت قال : قال رسول الله : ' إن الحج والعمرة ، فريضتان ، لا يضرك بأيهما بدأت ' .
في هذا الإسناد إسماعيل بن مسلم ، قال أحمد : هو منكر الحديث .
وقال يحيى : لم يزل مختلطا ، وليس بشيء .
وقال ابن المديني : لا يكتب حديث .
وقال النسائي : متروك الحديث .
وفي الإسناد محمد بن كثير ، قال أحمد : حذفنا حديثه .
وقال ابن المديني : خططت على حديثه .
ز : ورواه النسائي أيضا بسنده عن محمد بن سيرين عن زيد بن ثابت قال : قال رسول الله : ' إن الحج والعمرة فريضتان ، لا يضرك بأيهما بدأت ' .
قال أئمة الجرح والتعديل : الصحيح أن هذا الحديث موقوف على زيد بن ثابت .
قال البيهقي في سننه : ما رواه عن محمد بن سيرين أن زيد بن ثابت سئل : العمرة قبل الحج ؟ قال : صلاتان لا يضرك بأيهما بدأت .
وقد رواه إسماعيل بن مسلم مرفوعا ، والصحيح أنه موقوف ، كذا قاله ، - يعني إسماعيل - ورواية ابن سيرين عن زيد كأنها مرسلة ، وقد قال البخاري : إنه سمع منه وقال
____________________
(2/405)
يحيى بن معين : دخل علي زيد بن ثابت ، وهو صغير ، والله أعلم .
وروى البيهقي عن عبد الله بن لهيعة عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله أن رسول الله قال : ' الحج والعمرة فريضتان واجبتان ' وابن لهيعة غير محتج به .
1289 - الحديث الخامس : قال الدارقطني : ثنا أبو بكر النيسابوري ثنا محمد بن يحي ثنا الحكم بن موسى ثنا يحي أن حمزة عن سليمان بن داود قال : حدثني الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله كتب إلى أهل اليمن كتابا ، وبعث به مع عمرو بن حزم ، فيه : ' وأن العمرة الحج الأصغر '
فإن قالوا : قد قال يحي بن معين : سليمان بن داود ليس بشيء .
قلنا : قد قال أبو حاتم بن حبان : هو صدوق .
ز : وقد تكلم فيه غير واحد ، قاله شيخنا .
احتجوا بما :
1290 - روى الإمام أحمد : ثنا معاوية ثنا الحجاج بن أرطأة عن محمد بن المنكدر عن جابر عن عبد الله قال : أتى النبي أعرابي فقال : يا رسول الله أخبرني عن العمرة ، أواجبة هي ؟ فقال رسول الله ' لا ، وإن تعتمر خير لك ' .
والجواب : إنه حديث ضعيف ، كان زائدة يأمر بترك حديث الحجاج ، وقال أحمد : كان يزيد في الأحاديث ، ويروي عن من لم يلقه ، لا يحتج به .
وقال يحي : لا يحتج بحديثه .
وقال ابن حبان : تركه ابن المبارك ، وابن مهدي ، ويحي القطان ، ويحي بن معين ، وأحمد بن حنبل .
وقد رووا من حديث أبي هريرة عن النبي أنه قال : ' العمرة تطوع ' .
____________________
(2/406)
قال الدارقطني : والصحيح أنه موقوف على أبي هريرة .
ز : وقد رواه الترمذي ، وقال فيه : هذا حديث صحيح وقد أنكروا عليه بتصحيح هذا الحديث .
وقد ضعفه الإمام أحمد في رواية ابن هانئ عنه .
وقد روي هذا الحديث موقوف عن جابر كذلك ، رواه يحيى بن أيوب قال : أخبرني ابن جريج والحجاج بن أرطأة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أنه سئل عن العمرة واجبة فريضة كفريضة الحج ؟ قال : لا ، وإن نعتمر خير لك .
قال الترمذي : وقال الشافعي : العمرة سنة لا نعلم أحدا رخص في تركها ، وليس فيها شيء ثابت بأنها تطوع .
وقال الشافعي : وقد روي عن النبي وهو ضعيف ، لا يقوم بمثله الحجة .
وقد بلغنا عن ابن عباس أنه كان يوجبها .
وفي قول ابن حبان في حجاج : تركه ابن المبارك ، وفلان ، وفلان فيه نظر .
وقد روى عنه الإمام أحمد في مسنده .
وقال أبو طالب عنه : كان من الحفاظ ، ولكن في أحاديثه زيادة .
قالوا : لم يكن في حديثه حديث إلا وفيه زيادة وقد قال فيه يحي بن معين : إنه صدوق - يعني الحجاج - لكنه ليس بالقوي ؛ يدلس عن محمد بن عبد الله العرزمي عن عمرو بن شعيب .
وقد روى ابن حبان حديث جابر في الضعفاء من روايته عن الحسن بن سفيان عن أبي بكر بن شيبة عن أبي معاوية والله أعلم .
وقال أبو بكر : ثنا ابن أبي شيبة ثنا ابن حرب عن معاوية بن إسحاق عن أبي صالح الحنفي قال : قال رسول الله : ' الحج والعمرة تطوع ' .
وقال البيهقي : وقد روي من حديث شعبة عن معاوية بن إسحاق عن أبي صالح
____________________
(2/407)
عن أبي هريرة موصولا .
والطريق فيه إلى شعبة طريق ضعيف .
وكذا قال الدارقطني : إنه ضعيف ، وإنه موقوف والله أعلم .
____________________
(2/408)
مسائل التمتع
مسألة [ 397 ] :
التمتع أفضل من الإفراد ، والقران .
وقال أبو حنيفة : القران أفضل .
وقال مالك ، والشافعي : الإفراد أفضل .
والأحاديث التي يحتج بها قسمان :
أحدهما : يدل على أن رسول الله تمتع .
والثاني : يدل على أنه أمر بالتمتع فأما القسم الأول : ففيه أربعة أحاديث :
1291 - الحديث الأول : قال البخاري : ثنا قتيبة بن سعيد ثنا حجاج بن محمد الأعور عن عمرو بن ميسرة عن سعيد بن المسيب قال : اختلف علي وعثمان ، وهما بعسفان فقال له علي : ما تريد أن تنهى عن أمر فعله رسول الله فقال له عثمان : دعنا عنك فلما رأى ذلك علي أهل بهما جميعا .
أخرجاه في الصحيحين .
____________________
(2/409)
ز : هذا الحديث لمن قال بالقران ، فإن علي أهل بالحج والعمرة .
والتمتع في عرف أصحاب رسول الله يدخل فيه القران ، ويدخل فيه التمتع الخاص .
ولم يحج النبي متمتعا التمتع الخاص ؛ لأنه لم يحل من عمرته ، بل المقطوع به أنه قرن بين الحج والعمرة ؛ لأنه قد ثبت عنه أنه اعتمر أربع عمر ، وأن العمرة الرابعة كانت مع حجته .
وقد ثبت عنه أنه لم يحل منها قبل الوقوف بقوله : ' لولا أن معي الهدي لأحللت ' .
وثبت أنه لم يعتمر بعد الحج ، فإن ذلك لم ينقله أحد عنه ، وإنما اعتمر بعد الحج عائشة وحدها ، فيحصل من مجموع ذلك أنه كان قارنا .
وعلى هذا تجتمع أحاديث الباب ، والله أعلم .
1292 - الحديث الثاني : قال البخاري : ثنا يحيى بن بكير ثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن ابن عمر قال : تمتع رسول الله في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج ، وأهدى ، فساق معه الهدي من ذي الحليفة وبدأ رسول الله فأهل بالعمرة تم أهل بالحج فتمتع الناس مع رسول الله بالعمرة إلى الحج فكان من الناس من أهدى فساق الهدي ، ومنهم من لم يهد ، فلما قدم النبي مكة قال للناس : ' من كان منكم أهدى فلا يحل بشيء حرم منه حتى يقضي حجه ، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت ، وبالصفا والمروة وليقصر ، وليحل ، ثم ليهل بالحج ' .
أخرجاه في الصحيحين .
1293 - الحديث الثالث : قال الترمذي : ثنا قتيبة عن مالك بن أنس عن ابن شهاب عن محمد بن عبد الله بن نوفل أنه سمع سعد بن أبي وقاص يذكر التمتع بالعمرة فقال : قد صنعها رسول الله ، وصنعناها معه .
انفرد بإخراجه مسلم .
____________________
(2/410)
1294 - الحديث الرابع : قال الإمام أحمد : ثنا يونس بن محمد عن عبد الواحد بن زياد قال : ثنا ليث عن طاوس نأ ابن عباس قال : تمتع رسول الله حتى مات ، وأبو بكر حتى مات ، وعمر حتى مات ، وعثمان حتى مات ، وكان أول من نهى عنهما معاوية ، قال ابن عباس : فعجبت منه ، وقد حدثني أنه قصر عن رسول الله بمشقص .
ز : ورواه الترمذي .
القسم الثاني :
أن رسول الله أمر بالتمتع ، وفيه عشرة أحاديث :
1295 - الحديث الأول : قال الإمام أحمد : ثنا عبد الرزاق قال : أنبأ الثوري عن قيس ابن مسلم [ عن طارق بن شهاب ] عن أبي موسى الأشعري قال : بعثني رسول الله إلى أرض قومي ، فلما حضر الحج حج رسول الله ، وحججت ، فقدمت عليه ، وهو نازل بالأبطح فقال لي : ' بما أهللت يا عبد الله بن قيس ؟ ' قلت : لبيك بحج كحج رسول الله ، فقال : ' أحسنت ' ثم قال : ' هل سقت هديا ؟ ' قلت : ما فعلت ، فقال : ' أذهب فطف بالبيت ، وبين الصفا والمروة ، ثم احلل ' فانطلقت ففعلت ما أمرني ، وأتيت امرأة من قومي فغسلت رأسي بالخطمي فعلته ، ثم أهللت بالحج يوم التروية ' .
أخرجاه في الصحيحين .
1296 - الحديث الثاني : قال الإمام أحمد : ثنا يحيى بن آدم ثنا زهير ثنا أبو الزبير عن جابر قال : خرجنا مع رسول الله مهلين بالحج ، فلما قدمنا مكة طفنا بالبيت ، وبالصفا والمروة فقال له رسول الله : ' من لم يكن معه هدي فليحلل ' قلنا : أي الحل ؟ قال : ' الحل كله ' .
قال فأتينا النساء ، ولبسنا الثياب ، ومسسنا الطيب فلما كان يوم التروية أهللنا بالحج .
____________________
(2/411)
أخرجاه في الصحيحين .
1297 - الحديث الثالث : قال أحمد : ثنا عفان ثنا وهيب ثنا عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال : كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض ، ويجعلون المحرم صفر ، ويقولون : إذا برا الدبر ، وعفى الأثر ، وانسلخ صفر حلت العمرة لمن اعتمر ، فقدم النبي وأصحابه لصبيحة رابعة مهلين بالحج ، فأمرهم أن يجعلوها عمرة ، فتعاظم ذلك عندهم ، فقالوا : يا رسول الله : أي الحل ؟ قال : ' الحل كله ' .
أخرجاه في الصحيحين .
1298 - الحديث الرابع : قال أحمد ثنا سهل بن يوسف عن حميد عن بكر عن ابن عمر قال : خرج رسول الله فلبى بالحج ، ولبينا معه فلما قدم أمر من لم يكن معه الهدي أن يجعلوها عمرة .
أخرجاه في الصحيحين .
1299 - الحديث الخامس : قال البخاري : ثنا عثمان ثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت : خرجنا مع النبي ، ولا نرى إلا أنه الحج ، فلما قدمنا تطوفنا بالبيت فأمر رسول الله من لم يكن ساق الهدي أن يحل ، ونساؤه لم يسقن فأحللن .
أخرجاه في الصحيحين .
1300 - الحديث السادس : قال الإمام أحمد : ثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا أبي عن ابن إسحاق ثنا نافع عن عبد الله بن عمر عن حفصة بنت عمر قالت : لما امر رسول الله نساءه
____________________
(2/412)
أن يحللن بعمرة قلت : ما يمنعك يا رسول الله أن تهل معنا ؟ قال : ' إني قد أهديت ، ولبدت ؛ فلا أحل حتى أنحر هدي ' .
أخرجاه في الصحيحين .
1301 - الحديث السابع : قال الإمام أحمد : ثنا ابن أبي عدي عن داود عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال : خرجنا مع رسول الله نصرخ بالحج صراخا حتى إذا طفنا بالبيت قال : ' اجعلوها عمرة إلا من كان معه الهدي ' قال : فجعلناها عمرة ، فحللنا ، فلما كان يوم التروية صرخنا بالحج ، وانطلقنا إلى منى .
انفرد بإخراجه مسلم .
1302 - الحديث الثامن : قال أحمد : ثنا روح ثنا أشعث عن الحسن عن أنس بن مالك أن رسول الله ، وأصحابه قدموا مكة ، وقد أتوا الحج وعمرة ، فأمرهم رسول الله بعدما طافوا بالبيت ، وسعوا بين الصفا والمروة أن يحلوا ، وأن يجعلوها عمرة ، فكأن القوم هابوا ذلك فقال رسول الله : ' لولا أني سقت الهدي لأحللت ' فحل القوم ، وتمتعوا .
[ ز : رواه النسائي ] .
1303 - الحديث التاسع : قال أحمد : ثنا يونس ثنا فليح عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله لبد رأسه ، وأهدى ، فلما قدم مكة أمر نساءه أن يحللن ، قلن : مالك أنت لم تحل ؟ قال : ' إني قلدت هديي ، ولبدت رأسي ، فلا أحل حتى أحل من حجتي ، وأحلق رأسي ' .
[ ز : وهو حديث صحيح على شرط البخاري ] .
1304 - الحديث العاشر : قال الإمام أحمد : ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة أنبأ حميد
____________________
(2/413)
عن بكر بن عبد الله عن ابن عمر أنه قال : قدم رسول الله ، وأصحابه مهللين بالحج ، فقال رسول الله : ' من شاء أن يجعلها عمرة إلا من كان معه هدي ' .
ز : وقد رواه أبو يعلى الموصلي أيضا ، وزاد : قدم أصحاب رسول الله ملبين بالحج فقال رسول الله : ' اجعلوها عمرة ، إلا من كان معه الهدي ' قالوا : يا رسول الله يغدو أحدنا إلى منى ، وذكره يقطر ماء ؟ قال : ' نعم ' ، فسطعت المجامر بالبطحاء ، وقدم علي بن أبي طالب من اليمن فقال له النبي : ' بما أهللت ، فإن معنا أهلك ' ؟ قال : أهللت بما أهل به رسول الله .
فإن قال الخصم : قد نقضتم أحاديثكم الأوائل بهذه الأواخر ؛ لأنكم رويتم في الأوائل أنه تمتع ، وفي الأواخر أنه يندم ، كيف ساق الهدي ، ولم يمكنه أن يفسخ ؛ فأنتم بين أمرين : إما أن تصححوا الأوائل فيبطل مذهبكم في فسخ الحج إلى العمرة ، أو تصححوا الأواخر فيبطل احتجاجكم ؛ فإن الرسول عليه السلام تمتع .
قالوا : ثم نتكلم على أحاديثكم ، فنقول : أما الأوائل فمعارضة بالأواخر ، ومما نذكره في حجتنا .
وأما الأواخر : فإنه لم يأمر أصحابه بالفسخ لفضيلة التمتع ، بل لأمر آخر ، وهو ما رويتم من حديث ابن عباس أن أهل الجاهلية كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور ، فأمر بفسخ الحج إلى العمرة ؛ ليخالف المشركين .
واستدلوا عليه بما :
1305 - روى الإمام أحمد : ثنا شريح بن النعمان ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال : أخبرني ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن الحارث بن بلال عن أبيه قال : قلت : يا رسول الله : فسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة ؟ قال : ' بل لنا خاصة ' .
1306 - قال الدارقطني : ثنا أحمد بن عمرو بن عثمان ثنا أحمد بن عثمان بن حكيم ثنا أبو غسان قال : ثنا قيس عن أبي حصين عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر أنه سئل عن
____________________
(2/414)
متعة الحج فقال : هي والله لنا أصحاب محمد خاصة وليست لسائر الناس إلا المحصر .
والجواب :
إنه إذا صحت الأحاديث فلا وجه لردها ، وإنما ينبغي التمحل لها ، ووجه الجمع بين الأحاديث أنه كان قد اعتمر ، وتحلل من العمرة ، ثم أحرم بالحج ، وساق الهدي ، ثم أمر أصحابه بالفسخ ، ليفعلوا مثل فعله ؛ لأنهم لم يكونوا أحرموا بعمرة ومنعه من فسخ الحج إلى عمرة ثانية عمرته الأولى ، وسوقه الهدي . فعلى هذا الجمع بين الأحاديث ، ولا يرد منها شيء .
فإن قالوا : كيف يصح هذا التأويل ، وإنما تحلل لسوق الهدي لا بفعل عمرة متقدمة ؟ .
قلنا : ذكر إحدى العلتين دون الأخرى ، وذلك جائز .
وقولهم : إنما أمرهم بالفسخ لمخالفة الجاهلية .
قلنا : لو كان كذلك لم يفرق بين من ساق الهدي ، وبين من لم يسق ، ثم إنه قد اعتمر في أشهر الحج ؛ ففي الصحيحين من حديث أنس أن رسول الله اعتمر أربع عمر كلها في ذي القعدة إلا التي مع حجته ، ففعله هذا يكفي في البيان لأصحابه ، وللمشركين أن العمرة تجوز في أشهر الحج ، فلم يحتج أن يأمر أصحابه بفسخ الحج المحترم لذلك ، وإنما فعل ذلك لأنه الأفضل .
وأما حديث ابن عباس : فإنه لم يرد أن رسول الله فسخ لأجل ما كان المشركون يعتمدونه ، وإما ذكر حال الجاهلية .
وأما حديث بلال : فقال أحمد : لا يثبت ، ولا يرويه غير الدراوردي ، ولا يصح حديث في أن الفسخ كان لهم خاصة .
قال : وحديث أبي ذر يرويه رجل من أهل الكوفة لم يلق أبا ذر ، ثم إنه ظن من أبي ذر ؛ يدل عليه حديث ابن عباس أن العمرة قد دخلت في الحج ، وحديث جابر أن سراقة قال : ألعامنا أم للأبد ؟ قال : ' بل للأبد ' .
يريد أن حكم الفسخ باق على الأبد .
ز : [ قال شيخنا الحافظ : ] حديث الحارث بن بلال عن أبيه رواه أبو داود والنسائي ، وابن ماجة من حديث الدراوردي عن ربيعة .
____________________
(2/415)
وقال الدارقطني : تفرد به ربيعة عن عبد الرحمن عن الحارث عن أبيه ، وتفرد به عبد العزيز الدراوردي عنه ، والحارث هذا ليس بالمشهور ، ولا نعلم روى عنه غير ربيعة .
قال الإمام أحمد : حديث الحارث بن بلال عندي ليس بثبت ، ولا أقول به ، ولا يعرف هذا الرجل - يعني الحارث - فقال : أرأيت لو عرف الحارث من هو إلا أن أحد عشر رجلا من أصحاب النبي يروون ما يروون من الفسخ ، أين يقع الحارث بن بلال منهم ؟ .
ورواية أبي داود ليس بصحيح في حديث الفسخ كان لهم خاصة ، وهذا أبو موسى الأشعري يفتي به في خلافة أبي بكر ، وشطرا من خلافة عمر .
وأما حديث أبي ذر : فهو موقوف رواه مسلم عن أبي ذر موقوفا ، قال : المتعة في الحج لأصحاب محمد خاصة .
هذا الحديث موقوف على أبي ذر ، وقد خالفه أبو موسى ، وابن عباس ، وغيرهما .
وقد قيل : إن وجوب الفسخ كان خاصا بأصحاب النبي ، وأما غيرهم فلا يجب عليه الفسخ ، بل يجوز له ، والله أعلم .
وأما أن النبي قد اعتمر ، وتحلل من العمرة ثم أحرم بالحج ، وساق الهدي فضعيف جدا .
وكذلك قولة من قال : أحرم بالحج ثم أدخل عليه العمرة ضعيف أيضا .
وكذلك قولة من قال : إنه أفرد الحج ، ثم لما أن فرغ منه اعتمر ضعيف أيضا ؛ لأن أحدا لم يعتمر معه بعد الحج إلا عابه .
وكذلك قول من قال : إنه أحرم بالعمرة أولا ، وساق الهدي ، ثم أدخل عليها الحج ، ولم يتحلل لأجل الهدي .
ضعيف أيضا .
وكذلك من قال : إنه كان قارنا ، وطاف طوافين وسعى سعيين ضعيف أيضا .
والصواب : أنه كان قارنا أحرم بالحج والعمرة جميعا ، وطاف لهما طوافا واحدا ، وسعى سعيا واحدا .
____________________
(2/416)
وعن عمر بن الخطاب قال : سمعت رسول الله ، وهو بوادي العتيق يقول : ' أتاني الليلة آت من ربي فقال : صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة ' . وهذا الآتي أتى قبل أن يصل إلى الموضع الذي أحرم منه ، وهو ذو الحليفة .
احتج أصحاب أبي حنيفة بستة أحاديث :
[ 1307 - الحديث الأول : قال الإمام أحمد : ثنا هشيم ثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال : سمعت رسول الله يلبي بالحج ، والعمرة ، يقول : ' لبيك عمرة ، وحجا ' . ]
أخرجاه في الصحيحين .
1308 - طريق آخر : قال أحمد : وثنا روح بن عبادة ثنا شعبة عن يونس بن عبيد عن أبي قدامة الحنفي قال : قلت لأنس بن مالك : بأي شيء كان رسول الله يهل ؟ فقال : سمعته يقول سبع مرات : ' بعمرة وحجة ، بعمرة وحجة ' .
ز : هذا الحديث لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة .
1309 - طريق آخر : قال الدارقطني : ثنا ابن صاعد ثنا الحسين بن الحسن المروزي ثنا يزيد بن زريع عن يونس بن عبيد عن حميد عن أنس أن النبي قال : ' لبيك بحجة وعمرة معا ' .
1310 - الحديث الثاني : قال الإمام أحمد : ثنا الوليد بن مسلم قال : ثنا الأوزاعي أن يحيى بن أبي كثير حدثه : عن عكرمة مولى ابن عباس قال : سمعت ابن عباس يقول سمعت عمر بن الخطاب يقول : سمعت رسول الله يقول وهو بالعتيق : ' أتاني الليلة آت
____________________
(2/417)
من ربي عز وجل فقال : صل في هذا الوادي المبارك ، وقل عمرة في حجة ' .
قال الوليد : يعني ذا الحليفة .
انفرد بإخراجه البخاري .
1311 - الحديث الثالث : قال أحمد : وثنا سفيان عن عبدة بن أبي لبابة عن أبي وائل قال قال الصبي بن معبد : كنت نصرانيا فأسلمت ، وأهللت بالحج ، والعمرة ، فسمعني زيد ابن صوحان ، وسلمان بن ربيعة ، وأنا أهل بهما فقالا : لهذا أضل من بعيو أهله ، فكأنما حمل على بكلمتهما جبل ، فقدمت على عمر ، فأخبرته فأقبل عليهما ، فلامهما ثم أقبل علي ، فقال : هديث لسنة النبي ، هديت لسنة النبي .
ز : رواه ابن ماجه ، وأبو داود ، والنسائي ، وقال الدارقطني في كتاب العلل : وهو حديث صحيح .
1312 - الحديث الرابع : قال أحمد : وثنا أبو معاوية ثنا حجاج عن الحسن عن ابن عباس قال : أخبرني أبو طلحة أن رسول الله جمع بين الحج ، والعمرة .
ز : رواه ابن ماجه .
1313 - الحديث الخامس : قال أحمد : وثنا يونس ثنا داود بن عبد الرحمن عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال : اعتمر رسول الله أربع عمر ؛ عمرة الحديبية ، وعمرة القضاء في ذي القعدة من قابل ، والثالثة من الجعرانة ، والرابعة مع حجته .
[ رواه أبو داود والترمذي ، وابن ماجه ، ورواه أبو حاتم بن حبان ] .
1314 - الحديث السادس : قال أحمد : وثنا مكي بن إبراهيم ثنا داود بن زيد قال : سمعت عبد الملك الذراد يقول : سمعت النزال بن سبرة يقول سمعت سراقة يقول : قرن
____________________
(2/418)
رسول الله في حجة الوداع .
ز : ولم يخرج هذا الحديث أحد من أصحاب السنن عن عطاء عن طاوس عن سراقة .
والجواب :
أما حديث أنس : فجوابه من ثلاثة أوجه :
أحدها : أن أحاديثنا أصح ، وأكثر ، ورواتها أكابر الصحابة مثل علي ، وسعد ، وابن عمر .
والثاني : أن أنس كان صبيا حينئذ ؛ فلعله ما فهم الحال ، يدل على هذا أن ابن عمر رد عليه ما قال ، فروى ابن الجوزي في كتابه المخرج على الصحيحين من حديث بكر بن عبد الله قال : قال ابن عمر : وهل أنسى إنما أهل بالحج .
والثالث : أن قول أنس قد تأوله بعض العلماء فقال : يحتمل أن يكون أنس سمع رسول الله يعلم بعض الناس .
وأما حديث عمر : ففي بعض ألفاظ الصحيح : عمرة وحجة ، واللفظ الذي ذكرتموه محمول على معنى تحصيلهما ؛ لأن عمرة المتمتع واقعة في أشهر الحج .
وعلى هذا نحملها في الأحاديث .
وأما حديث ابن عباس : فقال الترمذي : صحيح موقوف على عكرمة .
ز : قال شيخنا الحافظ : أنس في حجة الوداع كان بالإجماع عمره عشرون سنة ؛ لأن النبي هاجر إلى المدينة ، وعمر أنس عشر سنين ، ومات وله عشرون سنة .
وقد روى بكر عن أنس أنه قال : سمعت رسول الله يلبي بالحج والعمرة جميعا وقال بكر : فحدثت بذلك ابن عمر فقال : لبي بالحج وحده ، فلقيت أنسا فحدثته بقول ابن عمر فقال أنس : ما يعدونا إلا صبيانا ، سمعت رسول الله يقول : ' لبيك عمرة وحجا ' .
متفق عليه ، وهذا لفظ مسلم .
واحتج أصحاب الشافعي بثلاثة أحاديث :
____________________
(2/419)
وقال أبو حنيفة : يجوز .
لنا أحاديث : منها حديث عبادة يدا بيد ، وقد سبق بإسناده .
1466 - قال البخاري : ثنا عبد الله بن يوسف قال : أنبأ مالك عن ابن شهاب : عن مالك بن أوس أنه أخبره أنه التمس صرفا بمائة دينار قال : فدعاني طلحة بن عبيد الله فتراوضنا حتى اصطرف مني ، فأخذ الذهب يقلبها في يده ، ثم قال : حتى يأتي خازني من الغابة ، وعمر يسمع ذلك فقال : والله لا تفارقه حتى تأخذ منه ؛ قال رسول الله : ' الذهب ، والورق ربا ، إلا هاء ، وهاء ، والبر بالبر ربا إلا هاء ، وهاء ، والشعير بالشعير ربا إلا هاء ، وهاء ، والتمر بالتمر ربا إلا هاء ، وهاء ' .
أخرجاه في الصحيحين .
[ وفي لفظ أخرجه البرقاني على الصحيحين : ' والذهب بالذهب ربا إلا هاء ، وهاء ' ] .
1467 - قال أحمد : ثنا يحي عن شعبة قال : حدثني حبيب عن أبي المنهال قال : سمعت زيد بن أرقم ، والبراء يقولان : نهى رسول الله عن بيع الذهب بالورق دينا .
ز : أخرجاه في الصحيحين .
مسألة [ 478 ] :
ما لا يدخله الربا لا يحرم فيه النسا ، وهو غير المكيل ، والموزون .
وعنه يحرم إذا كان جنسا واحدا كقول أبي حنيفة .
____________________
(2/419)
1315 - الحديث الأول : قال الإمام أحمد : ثنا عبد الرحمن عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أن رسول الله أفرد الحج .
انفرد بإخراجه مسلم .
1316 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : ثنا البغوي قال : ثنا صلت بن مسعود ثنا عباد بن عباد ثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال : أهللنا مع رسول الله بالحج مفردا .
1317 - قال الدارقطني : وثنا ابن مخلد ثنا علي بن محمد بن معاوية ثنا عبد الله بن نافع عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي استعمل عتاب بن أسيد على الحج ، فأفرد ، ثم استعمل أبا بكر سنة تسع فأفرد الحج ، ثم حج النبي سنة عشر فأفرد الحج ، ثم استخلف أبا بكر فبعث عمر فأفرد الحج ثم استخلف عمر فبعث عبد الرحمن بن عوف فأفراد الحج ، ثم حصر عثمان فأقام عبد الله بن عباس للناس فأفرد الحج .
1318 - الحديث الثالث : قال أبو داود : ثنا قتيبة ثنا الليث عن أبي الزبير عن جابر قال : أقبلنا مهللين مع رسول الله بالحج مفردا .
والجواب :
أما حديث عائشة : فجوابه من سبعة أوجه :
أحدها : أنه من أفراد مسلم ، وقد روينا عنها في المتفق عليه ضد هذا ، وذلك مقدم .
والثاني : أن أحاديثنا أصح ، وأكثر .
والثالث : أن أحاديثنا تتضمن زيادة ، فهي أولى .
والرابع : أنه محمول على أنه أفرد أعمال العمرة عن أعمال الحج ، وكذلك يفعل المتمتع .
____________________
(2/420)
والخامس : أنا نحمله على أنه لما فرغ من عمرته أحرم لحج مفرد ، لم يضف إليه عمرة أخرى .
والسادس : أنا نقول : قد رووا أنه أفرد أو قرن ، وإن الأحاديث تعارضت فقد بقي لنا ما لا خلاف فيه ؛ أنه أمر أصحابه بالفسخ للتمتع ، وتأسف إذ لم يمكنه ذلك لسوق الهدي ، فقال : ' لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة ' ولولا أن التمتع هو الأفضل لم يأمر به ، ولم يتأسف عليه .
والسابع : أنه قد نقل أبو طالب عن أحمد أنه قال : كان هذا في المدينة ، يعني ما نقل أنه أفرد ، فلما وصل إلى مكة فسخ على أصحابه ، وتلهف على التمتع ، فدل أنه الأفضل ؛ لأنه آخر الأمرين من رسول الله ، وهذا المعتمد عليه في جواب حديث جابر .
وأما حديث ابن عمر : ففي إسناده عبد الله بن نافع ، قال يحي : ليس بشيء .
وقال النسائي : متروك الحديث .
وفيه عبد الله بن عمر العمري ، قال يحي : ضعيف .
وقال ابن حبان : يستحق الترك .
ز : [ قال شيخنا الحافظ : ] أما حديث ابن عمر من رواية عباد بن عباد فقد رواه مسلم في صحيحه قال : أهللنا مع رسول الله بالحج منفردا ، وفي رواية ابن عون : أن رسول الله أهل بالحج منفردا .
وأما حديث ابن نافع فرواه الترمذي عن قتيبة عن عبد الله بن نافع الصايغ عن عبد الله ابن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي أفرد بالحج ، وأفرد أبو بكر ، وعمر ، وعثمان رضي الله عنهم .
فعبد الله بن عمر العمري قد تكلم فيه غير واحد من الأئمة من قبل حفظه .
وأما حديث ابن عمر ففي إسناده عبد الله بن نافع كما تقدم ؛ فإن الذي تكلم فيه يحي ، والنسائي هو عبد الله بن نافع راوي هذا الحديث فهو الصايغ صاحب مالك ، وقد روى له مسلم في صحيحه ، ووثقه يحي بن معين والنسائي .
____________________
(2/421)
وقد تكلم فيه بعض الأئمة في حفظه ، وهو ممن يروي عن عبد الله بن نافع مولى ابن عمر .
وأما حديث جابر : فرواه مسلم في صحيحه عن قتيبة ومحمد بن رمح .
قال شيخنا ابن تيمية : فأما أهل المدينة فإنهم لا يرون للقارن أن يطوف إلا طوافا واحدا ، ولا يسعى إلا سعيا واحدا ، ومعلوم أن الأحاديث الصحيحة كلها يوافق هذا القول .
ومن صار من الكوفيين إلى أن يطوف أولا ويسعى للعمرة ، ثم يطوف ثانيا ويسعى للحج .
فتمسكوا بأثر نقلوه عن علي ، وابن مسعود ، وهذا إن يصح لا يعارض السنة الصحيحة .
فإن قيل : فأبو حنيفة يرى القرآن أفضل ، ومالك يرى الإفراد أفضل .
وعلماء الحديث لا يرتابون أن النبي كان قارنا كما تقدم ذكره ، وقد كثر نزاع الناس في هذه المسألة ، ما من طائفة إلا وقد قالت فيها قولا مرجوحا .
والتحقيق الثابت بالأحاديث الصحيحة أن النبي لما حج بأصحابه أمرهم أن يحلوا من إحرامهم ، ويجعلوها عمرة إلا من ساق الهدي ، فكان النبي قد ساق الهدي ، فلما لم يحل توقفوا فقال : ' لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ، ولجعلتها عمرة ' فالذي دلت عليه سنة رسول الله أن من لم يسق الهدي فالتمتع أفضل ، وأن من ساق الهدي فالقران أفضل له ، هذا إذا جمع بينهما في سفرة واحدة .
وأما إذا سافر للحج سفرة ، وللعمرة سفرة فالإفراد أفضل له .
وهذا متفق عليه بين الأئمة الأربعة ؛ فإنهم اتفقوا على أن الإفراد أفضل لمن سافر لكل منهما منفرد .
والقرآن الذي فعله رسول الله كان بطواف واحد ، وسعي واحد ، لم يقرن بطوافين ، وسعيين كما يظنه من يظنه من أصحاب أبي حنيفة ، كما أنه لم يفرد بالحج كما يظنه من يظنه من أصحاب مالك والشافعي .
____________________
(2/422)
ولا اعتمر بعد الحج لا هو ، ولا أحد من أصحابه إلا عائشة رضي الله عنها ؛ لأجل عمرتها التي حاضت فيها ، مع أنه قد صح أنه اعتمر أربع عمر كما تقدم ، إحداهن في حجة الوداع ، ولا تحلل النبي من إحرامه كما يظنه بعض أصحاب أحمد ، ومذهبهم أن المحصر لا قضاء عليه ، وهذا أصح من قول الكوفيين ؛ فإن النبي وأصحابه صدوا عن العمرة عام الحديبية ، ثم إنه من العام القابل اعتمر النبي بطائفة معه ، لم يعتمروا ، وجميع أهل الحديبية وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة ، وهم الذين بايعوا تحت الشجرة ومنهم من مات قبل عمرة القضاء .
ومذهبهم أنه لا يستحب ، بل يكره لأحد أن يحرم قبل الميقات المكاني .
والكوفيون يستحبون الإحرام قبله .
وقول أهل المدينة هو الموافق لسنة رسول الله ، وسنة خلفائه الراشدين .
فإنه اعتمر قبل حجة الوداع عمرة الحديبية ، وعمرة القضاء ، وكلاهما أحرم فيهما من ذي الحليفة .
واعتمر عام حنين من الجعرانة ، ثم حجة الوداع أحرم فيها من ذي الحليفة ، ولم يحرم من المدينة قط .
وما يكن رسول الله ليداوم على ترك الأفضل ، وخلفاؤه كعمر ، وعثمان ، نهوا عمن أحرم قبل الميقات .
وقد سئل مالك عمن أحرم من قبل الميقات فقال : أخاف عليه الفتنة ، قال الله تعالى : ( ^ فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) .
فقال السائل : وأي فتنة في ذي ، إنما هي زيادة أعمال في طاعة الله ، فقال مالك : وأي فتنة أعظم من أن تظن أنك خصصت بفعل لم يفعله رسول الله .
وكان يقول رضي الله عنه : لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها .
وكان يقول : أو كلما جاء رجل أجدل من رجل تركنا ما جاء به جبريل إلى محمد .
هذا وقد ذكرنا في هذا الباب ما فيه كفاية ولله الحمد والمنة .
____________________
(2/423)
مسألة [ 398 ] :
الأفضل أن يحرم المتمتع بالحج يوم التروية .
وقال أبو حنيفة : يستحب تقديمه على يوم التروية .
وقال الشافعي : إن كان معه هدي أحرم يوم التروية بعد الزوال ، وإن لم يكن معه هدي أحرم ليلة السادس من ذي الحجة .
1319 - قال مسلم بن الحجاج : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، ثنا حاتم بن إسماعيل المديني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال : أمرنا رسول الله بالفسخ فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي ومن كان معه هدي ، فلما كان يوم التروية وجهوا إلى منى فأهلوا بالحج ' .
انفرد بإخراجه مسلم .
مسألة [ 399 ] :
المتمتع إذا ساق الهدي لم يجز له أن يتحلل ، ولكن إذا طاف ، وسعى للعمرة أهل
____________________
(2/424)
بالحج ، فإذا فرغ من الحج تحلل منهما جميعا .
وروي عنه : أنه يحل بالتقصير فقط .
وروي عنه : أنه إن قدم قبل العشر جاز له التحلل ، وإن قدم في العشر لم يجز له التحلل .
قال القاضي أبو يعلى : والمذهب الصحيح عندي الأول .
1260 - لنا : حديث ابن عمر قال : كنا مع رسول الله متمتعين فقال : ' من ساق الهدي فلا يتحلل ، ومن لم يسق فليتحلل '
وقد ذكرناه بإسناده في مسألة التمتع .
ز : يجوز فسخ الحج إلى العمرة إذا لم يسق الهدي خلافا لأكثرهم ، وقد سبقت الأحاديث بأسانيدها أن رسول الله أمر أصحابه أن يفسخوا الحج إلى العمرة ، وتأسف على كونه لم يفسخ ؛ لأجل سوق الهدي .
قال أحمد بن حنبل : عندي ثمانية عشر حديثا صحاحا في فسخ الحج .
قال : ويروى الفسخ عن عشرة من الصحابة احتجوا بحديث بلال بن الحارث ، وبحديث أبي ذر وأن الفسخ كان خاصا للصحابة ، وقد سبق ذلك وجوابه .
قال أحمد بن حنبل : حديث بلال لا أقول به ، ولا يعرف هذا الرجل ، ولم يروه إلا الدراوردي .
وأحد عشر رجلا يرون الفسخ ، فأين يقع بلال بن الحارث منهم ؟ .
[ مسألة [ 400 ] :
يجوز فسخ الحج إلى العمرة إذا لم يسق الهدي .
____________________
(2/425)
خلافا لأكثرهم .
وقد سبقت الأحاديث بأسانيدها أن رسول الله أمر أصحابه أن يفسخوا الحج إلى العمرة ، وتأسف على كونه لم يفسخ ؛ لأجل سوق الهدي .
قال أحمد بن حنبل : عندي ثمانية عشر حديثا صحاحا في فسخ الحج .
قال : ويروى الفسخ عن عشرة من الصحابة .
احتج الخصم : بحديث بلال بن الحارث ، وبحديث أبي ذر أن الفسخ كان خالصا للصحابة ، وقد سبق ذلك وجوابه .
وقال أحمد بن حنبل : حديث بلال لا أقول به ، لا يعرف هذا الرجل ، ولم يروه إلا الدراوردي وأحد عشر رجلا من الصحابة يروون عنه في الفسخ أين يقع بلال بن الحارث منهم . ]
____________________
(2/426)
مسائل الإحرام
مسألة [ 401 ] :
لا يجوز للمحرمة لبس القفازين .
وقال أبو حنيفة : يجوز .
وعن الشافعي : كالمذهبين .
1321 - قال الإمام أحمد : ثنا يعلى بن عبيد ثنا محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله : نهى النساء في الإحرام عن القفازين ، والنقاب ، وما مسه الورس ، والزعفران من الثياب .
1322 - طريق آخر : قال الترمذي : ثنا قتيبة ثنا الليث عن نافع عن ابن عمر عن النبي قال : ' لا تنتقب المرأة الحرام ، ولا تلبس القفازين ' .
قال الترمذي : هذا حديث صحيح .
ز : ورواه أبو داود والنسائي جميعا ، ورواه عبد الله ، ومالك ، وأيوب موقوفا .
مسألة [ 402 ] :
لا ينقطع حكم الإحرام بالموت ، وقد ذكرنا هذه المسألة في كتاب الجنائز ، [ فلينظر ] .
____________________
(2/427)
مسألة [ 403 ] :
يجوز للرجل ستر وجهه في الإحرام .
وعنه : لا يجوز ، وبه قال أبو حنيفة ، ومالك .
لنا : قوله عليه السلام في المحرم : ' ولا يخمر رأسه ' .
وقد سبق [ أيضا ] في مسائل الجنائز .
وقد روى أصحابنا أنه قال في المحرم : ' خمروا وجهه ، ولا تخمروا رأسه ' .
ز : ولنا أيضا خارج رأسه ووجهه ، كذا في بعص ألفاظ مسلم : ' ولا تغطوا وجهه ، فإنه يبعث يلبي ' .
وقد روى الشافعي من حديث أبي حرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي قال : ' خمروا وجهه ، ولا تخمروا رأسه ' .
قال الدارقطني في كتاب ' العلل ' : ثنا أبو بكر الشافعي ، ثنا موسى بن الحسن القعنبي ، ثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن أبان بن عثمان عن عثمان : بن عفان كان رسول الله يخمر رأسه وهو محرم .
قال الدارقطني : هكذا كان في كتاب أبي بكر مرفوعا ، والصواب أنه موقوف .
وقال عبد الله بن أبي بكرة يقول : أخبرني عبد الله بن عامر بن ربيعة أنه رأى عثمان بالعرج مخمرا وجهه بقصيفة أرجون في يوم صائف ، وهو محرم .
مسألة [ 404 ] :
إذا عدم الإزار ، ولبس السراويل فلا فدية عليه .
____________________
(2/428)
لنا حديثان :
1263 - الحديث الأول : قال الإمام أحمد : ثنا هشيم قال : أنبأ عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال : خطب رسول الله فقال : ' إذا لم يجد المحرم إزارا فليلبس السراويل ، وإن لم يجد النعلين فليلبس الخفين ' .
أخرجاه في الصحيحين .
1264 - طريق آخر : قال أحمد : وثنا يحيى عن ابن جريج قال : أخبرني عمرو بن دينار أن أبا الشعثاء أخبره أن ابن عباس أخبره أنه سمع رسول الله يقول : ' من لم يجد إزارا ووجد سراويل فليلبسه ، ومن لم يجد نعلين ووجد خفين فليلبسهما ' .
ولم يقل ليقطعهما ؟ قال : لا .
ز : رواه مسلم .
1265 - الحديث الثاني : قال أحمد : وثنا يحيى بن آدم ثنا زهير عن أبي الزبير عن جابر قال : قال رسول الله : ' من لم يجد نعلين فليلبس خفين ، ومن لم يجد إزارا فليلبس سراويل ' .
انفرد بإخراجه مسلم .
احتجوا بما :
____________________
(2/429)
1266 - روى الإمام أحمد قال : ثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه قال : سأل رجل رسول الله : ما يلبس المحرم من الثياب ؟ وقال سفيان مرة . ما يترك المحرم من الثياب ؟ فقال : ' لا يلبس القميص ، ولا البرنس ، ولا السراويل ، ولا العمامة ولا ثوبا مسه الورس ، ولا الزعفران ، ولا الخفين ، إلا لمن لا يجد نعلين ، فإن لم يجد نعلين فليلبس ، وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين ' .
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين .
والجواب : إن الرواة لهذا الحديث اختلفوا .
قال أبو داود : رواه موسى بن عقبة ، وعبيد الله بن عمر ، ومالك ، وأيوب موقوفا على ابن عمر ، ثم يقول : يجوز القطع .
____________________
(2/430)
فصل
فإذا عدم النعلين ولبس الخفين ، فلا فدية عليه .
وقال أكثرهم : لا يجوز له لبسهما حتى يقطعها أسفل من الكعبين ، فإن لبسهما لزمته الفدية .
لنا : ما تقدم من الحديث .
ز : قال صاحب المغني : احتج أحمد بحديث ابن عباس ، وجابر : ' من لم يجد نعلين فليلبس خفين ' مع قول علي رضي الله عنه : ' قطع الخفين ' فسار يلبسهما كما هما مع موافقة القياس ؛ فإنه ملبوس لعدم غيره ، فأشبه السراويل ، وقطعه لا يخرجه عن حالة الحصر ؛ فإن لبس المقطوع محرم مع القدرة على النعلين كلبس الصحيح ، وفيه إتلاف ماليته .
وقد نهى النبي عن إضاعة المال .
وأما حديث ابن عمر فقد قيل : إن قوله : ' فليقطعهما ' من كلام نافع .
كذا رويناه في أمالي أبي القاسم بن بشران بإسناد صحيح أن نافعا قال بعد روايته للحديث : ' وليقطع الخفين أسفل من الكعبين ' فقال له عمرو : الخفان مع القياس .
وروى ابن أبي موسى عن صفية بنت أبي عتبة عن عائشة أن رسول الله رخص للمحرم أن يلبس الخفين ، ولا يقطعهما وكان ابن عمر يقضي بقطعهما .
قالت صفية : فلما أخبرته بهذا رجع .
وروى أبو حفص في شرحه بإسناده عن عبد الرحمن بن عوف أنه طاف ، وعليه خفان ، قال : قد لبستهما مع من هو خير منك - يعني رسول الله .
ويحتمل أن يكون الأمر بقطعهما منسوخا ؛ فإن عمرو بن دينار روى الحديثين جميعا ، وقال : انظروا أيهما كان قبل .
قال الدارقطني : قال أبو بكر النيسابوري : حديث ابن عمر قبل ؛ لأنه قد جاء في بعض رواته قال : نادى رجل رسول الله وهو بالمسجد - يعني بالمدينة - وكأنه كان قبل .
____________________
(2/431)
الإحرام .
وفي حديث ابن عباس يقول : سمعت رسول الله يخطب بعرفات يقول : ' من لم يجد نعلين فليلبس خفين ' فيدل على تأخره على حديث ابن عمر ، فيكون ناسخا له ، لأنه لو كان القطع واجبا لبينه للناس ؛ إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه .
أو المفهوم من إطلاق لبسهما على حالهما من غير قطع والأولى قطعهما عملا بالحديث ، وخروجا من الخلاف ، وأخذا بالاحتياط ، انتهى كلامه .
مسألة [ 405 ] :
لا يجوز لبس الخف المقطوع من [ أسفل [ الكعبين ] ومع وجود النعل فإن لبس افتدى .
خلافا لأبي حنيفة ، وأحد قولي الشافعي .
لنا : أن النبي شرط في جواز لبسهما عدم النعلين [ على ما تقدم ] .
مسألة [ 406 ] :
لا يجوز له تظليل المحمل ، فإن ظلل ففي الفدية روايتان .
____________________
(2/432)
وقال أبو حنيفة ، والشافعي : يجوز ولا فدية [ عليه ] .
لنا : أن رسول الله وأصحابه دخلوا مكة مضحين وقال : ' خذوا عني ' .
احتجوا بما :
1327 - روى أبو داود قال : ثنا أحمد بن حنبل ثنا محمد بن مسلمة عن أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي أنيسة عن يحي بن حصين عن أم الحصين قالت : حججنا مع النبي حجة الوداع فرأيت أسامة ، وبلالا ، وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي ، والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة .
والجواب من وجهين :
أحدهما : أن أبا عبد الرحيم ضعيف .
والثاني : أنه يحتمل أن يكون رافع الثوب لم يظلل به ، وإنما رفعه من ناحية الشمس .
ز : [ قال شيخنا الحافظ ] : هذا حديث صحيح ، رواه مسلم في صحيحه عن أحمد بن حنبل ، ورواه النسائي عن أبي أمية عمرو بن هشام .
وأبو عبد الرحمن هو الحراني ، واسمه خالد بن أبي يزيد ، وقد وثقه يحي بن معين ، وغيره ، واحتج به مسلم في صحيحه ، ولا نعلم أحدا تكلم فيه . والتظليل على النبي إنما كان بعد الزوال في الصيف ، وهي على أعلى الدوس فتعين كون التظليل على رأسه صلوات الله عليه وسلامه .
مسألة [ 407 ] :
إذا [ ادهن ] بالسرج والزيت فلا فدية عليه .
____________________
(2/433)
وعنه : عليه الفدية كقول أبي حنيفة .
وقال الشافعي : إن دهن رأسه ووجهه فعليه الفدية ، وفي بقية البدن كقولنا .
1328 - قال الترمذي : ثنا هناد ثنا وكيع عن حماد بن سلمة عن فرقد السبخي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي كان يدهن بالزيت ، وهو محرم غير مقيت - والمقيت : المطيب .
لا يعرف : إلا من حديث فرقد ، وقد ضعفوه .
وقد رواه الإمام أحمد وابن ماجه من حديث فرقد أيضا ، والأكثر على تضعيفه .
وقد وثقه يحي بن معين في رواية عثمان بن سعيد الدارمي .
ولم يذكر ابن عساكر ، وشيخنا الحافظ في الأطراف هذا الحديث إلا من رواية ابن ماجه .
وكذلك الحافظ أبو عبد الله المقدسي في الأحكام ، والله أعلم .
مسألة [ 408 ] :
يجوز للمحرم لبس المعصفر .
وقال أبو حنيفة ، ومالك : لا يجوز .
____________________
(2/434)
1329 - قال أبو داود : ثنا أحمد بن حنبل ثنا يعقوب ثنا أبي عن أبي إسحاق قال : حدثني نافع عن ابن عمر قال عن النبي أنه : نهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب وما مس الورس ، والزعفران من الثياب ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب معصفرا أو خزا .
مسألة [ 409 ] :
لا يجوز للمحرم لبس ثوب مبخر .
وقال أبو حنيفة : يجوز .
لنا : أن النبي : ' نهى عن لبس ثوب مسه ورس أو زعفران ' .
[ وقد سبق هذا ] .
مسألة [ 410 ] :
لا يلزمه الفدية بشم شيء من الرياحين .
وعنه عليه الفدية ، وعنه : يحرم ما نبت بنفسه دون ما ينتبه الناس .
____________________
(2/435)
وقال الشافعي : شم الورد يوجب الفدية ، وفي الريحان قولان .
استدل أصحابنا بأن عثمان سئل عن المحرم : أيدخل البستان ؟ فقال : نعم ، ويشم الريحان .
1330 - قال الدارقطني : ثنا ابن مخلد ثنا سعدان بن نصر ثنا أبو معاوية الضرير عن ابن جريج أيوب السختياني عن عكرمة عن ابن عباس قال : المحرم يشم الريحان ، ويدخل الحمام .
ز : وهذا الأثر المروي عن عثمان في شم المحرم الريحان أخبرنا شيخنا الإمام الحافظ دارقطني الزمان أبو زرعة الوقت شيخ الحفاظ ، ذو التحرير والإتقان ، أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن قال : ثنا غير واحد من المشايخ الأعيان منهم أبو الغنايم المسلم بن محمد ابن علان قالوا : أجاز لنا أبو طاهر بركات بن إبراهيم الخشوعي محدث ذلك الأوان أنبأ جمال الإسلام أبو الحسن مفتي الزمان أبو عبد العزيز أحمد قال : حدثني أبو نصر عبد الوهاب بن عبد الله المزي ثنا أبو هاشم عبد الجبار بن عبد الصمد ثنا أبو إسحاق إبراهيم ثنا أبو جعفر بن نصر ثنا نصر بن أبان ثنا الوليد ثنا المعافى بن عمران ثنا جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران عن أبان بن عثمان عن عثمان بن عفان في المحرم يدخل البستان قال : نعم ، ويشم الريحان .
هذا حديث موضوع ، وإسناده مصنوع عند من له أدنى بصيرة في هذا الشأن ، وضعه بعض المجاهيل بلا ريب ، وبالله المستعان .
وقد روى البيهقي من رواية ابن جريج عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن الريحان يشمه المحرم ، والطيب ، والدهن فقال : لا .
وروي عن نافع عن ابن عمر أنه كان يكره شم الريحان للمحرم .
____________________
(2/436)
مسألة [ 411 ] :
إذا غسل المحرم رأسه بالسدر ، والخطمي فلا فدية [ عليه ] .
وعنه : يلزمه الفدية ، كقول أبي حنيفة .
لنا : قوله عليه السلام في المحرم : ' اغسلوه بماء وسدر ' .
[ وقد سبق بإسناده في كتاب الجنائز . ]
إلا أن الخصم يقول : إذا مات انقطع حكم إحرامه بالموت .
وقد أبطلنا ذلك هناك .
مسألة [ 412 ] :
لا يصح أن يعقد المحرم عقد نكاح .
وقال أبو حنيفة : يصح .
1331 - قال الإمام أحمد : ثنا يحي بن سعيد عن مالك قال : حدثني نافع عن نبيه ابن وهب عن أبان بن عثمان عن عثمان عن النبي قال : ' المحرم لا ينكح .
ولا ينكح ، ولا يخطب ' .
انفرد بإخراجه مسلم .
____________________
(2/437)
احتجوا بما :
1332 - روى الإمام أحمد : ثنا عفان قال : ثنا وهب ثنا عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس أن رسول الله نكح ميمونة وهو محرم .
أخرجاه في الصحيحين .
1333 - قال أحمد : وثنا يونس ثنا حماد بن سلمة عن حميد عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي تزوج ميمونة بنت الحارث وهما محرمان .
والجواب :
أن ميمونة أخبرت بضد هذا ، والإنسان أخبر بحال نفسه من غيره .
1334 - قال الإمام أحمد : ثنا يحي أن إسحاق ثنا حماد بن سلمة عن حبيب بن الشهيد عن ميمون بن مهران عن يزيد بن الأصم عن ميمونة قالت : تزوجني رسول الله وأنا حلال بعدما رجعنا من مكة .
ز : رواه أبو داود عن موسى بن إسماعيل بنحوه .
1335 - وقال أحمد : وثنا وهب بن جرير قال : ثنا أبي قال : سمعت أبا فزارة يحدث عن يزيد بن الأصم عن ميمونة أن رسول الله تزوجها حلالا ، وبنى بها حلالا ، وماتت بسرف فدفنها في الظلة التي بنى بها فيها ، فنزلنا في قبرها أنا وابن عباس .
انفرد بإخراج هذا الحديث مسلم .
1336 - وقال أحمد : وثنا عفان ، ويونس ، قالا : ثنا حماد بن زيد ، ثنا مطر عن
____________________
(2/438)
ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار عن أبي رافع مولى رسول الله أن رسول الله تزوج ميمونة حلالا ، وكنت الرسول بينهما .
ز : ورواه الترمذي أيضا .
وروى أبو بكر الخطيب بسنده إلى أنس قال : بعث النبي أبا رافع ورجلا من الأنصار بتزويج ميمونة قبل أن يحرم .
وهذا أيضا فيه نظر ، والصواب رواية ربيعة عن سليمان .
وروى أبو داود أن سعيد بن المسيب قال : وهم ابن عباس في قوله : تزوج ميمونة وهو محرم .
وقد حمل بعض أصحابنا قول ابن عباس : وهو محرم ، أي في شهر حرام .
قال الشاعر :
قتلوا ابن عفان الخليفة محرما .
' أي في شهر حرام ' .
ز : وقد سأل الرشيد عن هذا البيت :
( قتلوا ابن عفان الخليفة محرما ** ودعا فلم أرى مثله مخذولا )
ما معنى محرما ؟
قال له الكسائي : كان عثمان قد أحرم بالحج .
وقال المروذي : قلت أحمد : سئل أبو ثور عن نكاح المحرم كيف تجيب عن حديث ابن عباس ؟ قال سعيد بن المسيب : وهم ابن عباس ؛ لأن مولاهما أبو رافع وأخوها يزيد بن الأصم يخبر أن أنه زوجها حلالا .
قالت الحنفية : قال الأصمعي : لا يقال حرام إلا إذا دخل فيه ، كما يقال : أشهر إذا دخل في الشهر ، وأعام إذا دخل في العام .
فقال الرشيد : فما معنى هذا البيت ؟
قال : كل من لم يأت شيئا يوجب عليه عقوبة فهو محرم ، ولا يحل شيء منه .
____________________
(2/439)
فقال الرشيد : أجدت يا أصمعي .
مسألة [ 413 ] :
إذا فسد الحج ، والعمرة لزمه المضي في فاسدهما .
وقال داود : يخرج منهما .
1337 - قال سعيد بن منصور : ثنا سفيان ثنا يزيد بن جابر قال : سألت مجاهدا عن الرجل يأتي امرأته وهو محرم ، فقال : كان ذلك على عهد عمر بن الخطاب فقال عمر : يقضيان حجهما ، والله أعلم بحجهما ، ثم يرجعان حلالا حتى إذا كان من قابل حجا ، وأهديا .
قال سعيد : وثنا هشام قال : أنبأ أبو بشر قال : - حدثني رجل من قريش أن رجلا وقع بامرأته وهما محرمان فقال ابن عباس : اقضيا ما عليكما من نسككما هذا ، وعليكما الحج من قابل .
وقد روينا مثل هذا عن ابن عمر ، وعطاء ، وإبراهيم .
ز : أما الأول : لأن البيهقي روى عن عبيد الله بن عمرو بن شعيب عن أبيه أن عبد الله ابن عمرو أن رجلا سأل ابن عمر عن هذه المسألة فقال له ابن عمر : بطل حجك فقال : يا ابن عمر فما أصنع ؟ قال : اخرج مع الناس ، واصنع كما يصنعون ، فإذا أدركت قابل فحج ، واهد ، ثم إنه ذهب إلى ابن عباس فسأله فقال له كما قال ابن عمر .
قال البيهقي : هذا إسناد صحيح .
____________________
(2/440)
مسائل جزاء الصيد
مسألة [ 414 ] :
يجب الجزاء بقتل الصيد خطأ .
[ وعنه : لا يجب كقول داود ] .
1338 - قال الدارقطني : أنبأ محمد بن القاسم بن زكريا ثنا أبو كريب ثنا قبيصة عن جرير بن حازم قال : حدثني عبد الله بن عبيد بن عمر ، وعبد الرحمن بن أبي عمار عن جابر ابن عبد الله قال : سئل رسول الله عن الضبع فقال : ' هي صيد ' وجعل فيها إذا أصابها المحرم كبشا .
قال الترمذي : هذا حديث صحيح .
ز : ورواه أبو داود ، ورواه النسائي .
مسألة [ 415 ] :
بيض النعام مضمون .
____________________
(2/441)
وقال داود : لا يضمن .
لنا حديثان :
1339 - الحديث الأول : قال الدارقطني : ثنا محمد بن القاسم بن زكريا المحاربي ثنا عباد بن يعقوب ثنا إبراهيم ابن أبي يحيى عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله عن عكرمة عن ابن عباس عن كعب بن عجرة أن النبي قضى في بيض النعام أصابه محرم بقدر ثمنه .
1340 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : وثنا أبو بكر النيسابوري ثنا عيسى بن أبي عمران ثنا الوليد بن مسلم قال : ثنا أبن جريج عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله في بيضة نعام : ' صيام يوم أو إطعام مسكين ' .
هذا الحديث أصلح من الأول .
والأول ليس بشيء .
في الأول : حسين بن عبد الله قال ابن المديني : تركت حديثه .
وقال السعدي : لا يشتغل بحديثه .
وقال النسائي : متروك الحديث .
واختلف كلام يحيى بن معين فقال تارة : هو ضعيف ، وقال مرة : ليس به بأس ، يكتب حديثه .
وفي الإسناد إبراهيم بن أبي يحيى ، وذاك ضعيف .
وقد أطلق عليه الكذب مالك بن أنس ، ويحيى بن سعيد وابن معين ، وقال أحمد والبخاري قد ترك الناس حديثه .
وكذلك قال النسائي ، والدارقطني : هو متروك .
____________________
(2/442)
وفي الإسناد عباد بن يعقوب : قال ابن حبان : يروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك .
قال الدارقطني : ليس بشيء .
ز : هذان الحديثان لم يخرجهما أحد من أهل السنن .
فأما الحديث الثاني فمنكر جدا ، وفي إسناده عيسى بن أبي عمران ، ليس بشيء .
قال ابن أبي حاتم : عيسى بن عمران البزار الرملي روى عن الوليد بن مسلم ، وضمرة ابن ربيعة ، وأيوب بن سويد ، وإن الأئمة قالوا : إن حديثه ليس بشيء ، وإنه غير صدوق ، وقال ابن عدي : عيسى يسرق الحديث .
مسألة [ 416 ] :
الدال على الصيد يلزمه الجزاء إذا كان محرما .
وقال مالك والشافعي : لا يلزمه .
لنا ما :
1341 - روى أبو بكر الجوزقي في كتابه المخرج على الصحيحين من حديث أبي قتادة أنه كان مع أناس من أصحاب رسول الله وهم محرمون ، وأبو قتادة ليس بمحرم فصرع حمار وحشي فأكل من لحمه ، وأبى أصحابه أن يأكلوا ، وأنهم سألوا رسول الله فقال : ' أشرتم أو قتلتم ، أو صدتم ؟ ' قالوا : لا ، قال : ' فلا بأس به كلوه ' .
فوجه الدليل أنه سوى بين الإشارة والقتل .
____________________
(2/443)
ز : وأصل الحديث في الصحيحين ، وفي بعض ألفاظه قال : ' هل معكم أحد أمره أو ساره إليه شيء ' ؟ قالوا : لا ، قال : ' فكلوا ما بقي من لحمه ' .
وفي لفظ : أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها ، أو أشار إليها ؟ .
مسألة [ 417 ] :
ما لا يؤكل لحمه ، ولا هو متولد مما يؤكل لحمه كالسبع ، والنسر ، لا يضمن الجزاء .
وقال أبو حنيفة : يضمن .
1342 - قال الإمام أحمد : ثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه قال : سئل رسول الله عن ما يقتل المحرم من الدواب فقال : ' خمس لا جناح في قتلهن على من قتلهن : العقرب ، والفارة ، والغراب ، والحدأة ، والكلب العقور ' .
أخرجاه في الصحيحين .
وفيهما مثله من حديث عائشة وحفصة ، فالحجة من وجهين :
أحدهما : أن السبع يسمى كلبا ؛ قال عليه السلام في عتبة بن أبي لهب : ' اللهم سلط عليه كلبا من كلابك ' فأكله السبع .
والثاني : أنه لما نص على الكلب العقور نبه على السبع ؛ لأنه أشد ضررا .
____________________
(2/444)
مسألة [ 418 ] :
إذا اشترك جماعة محرمون في قتل صيد فعليهم جزاء واحد .
وقال أبو حنيفة ، ومالك : على كل واحد منهم جزاء كامل .
لنا : أنه سئل عن الضبع فقال : ' صيد ' وجعل فيها كبشا .
وقد سبق بإسناده .
مسألة [ 419 ] :
يحرم على المحرم أكل ما صيد لأجله .
وقال أبو حنيفة : لا يحرم .
لنا ثلاثة أحاديث :
1343 - الحديث الأول : قال عبد الله بن أحمد : ثنا إسحاق بن منصور ثنا عبد الله بن الزبير الحميدي ثنا سفيان ثنا الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنه سمع ابن عباس يقول أخبرني الصعب بن جثامة الليثي قال : أهديت لرسول الله لحم حمار وحشي وهو
____________________
(2/445)
بالأبواء أو بودان فرده علي ، فلما رأى الكراهة في وجهي قال : ' إنه ليس بنا رد عليك ، ولكنا حرم ' .
أخرجاه في الصحيحين .
قال الشافعي : وجه هذا الحديث أنه إنما رده عليه لما ظن أنه صيد من أجله ، فتركه على التنزه .
1344 - الحديث الثاني : قال الإمام أحمد : ثنا أبو سلمة الخزاعي ثنا عبد الرحمن عن عمرو بن أبي عمرو عن رجل من الأنصار عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله : كلوا لحم الصيد ، وأنتم حرم ما لم تصيدوه ، أو يصاد لكم ' .
1345 - طريق آخر : قال الترمذي : ثنا قتيبة قال : ثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن عمرو عن المطلب عن جابر أن النبي قال : ' صيد البر لكم حلال وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصاد لكم ' .
قال الترمذي : لا نعرف للمطلب سماعا عن جابر .
قلت : قال يحي بن معين : عمرو بن أبي عمرو لا يحتج بحديثه . وقال مرة : ليس بالقوي .
وقال أحمد بن حنبل : ما به بأس .
وقال الشافعي : هذا أحسن حديث روي في هذا الباب وأقيس .
ز : وقد رواه الترمذي ، والنسائي ورواه أبو حاتم البستي ، لكن في إسناد هذا الحديث المطلب بن عبد الله بن حنطب ثقة ، إلا أنه لم يسمع من جابر .
قال ابن أبي حاتم : المطلب عامة أحاديثه مراسيل ، لم يدرك أحدا من الصحابة ، إلا سهل بن سعد ، وسلمة بن الأكوع ، وأنسا ، أو من كان قريبا منهم ، لم يسمع من جابر .
____________________
(2/446)
1346 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : ثنا أبو بكر النيسابوري ثنا محمد بن يحيى ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال : خرجت مع رسول الله زمن الحديبية فأحرم أصحابي ولم أحرم ، فرأيت حمارا ، فحملت عليه فاصطدته ، فذكرت شأنه لرسول الله ، وذكرت أني لم أكن أحرمت وأني إنما اصطدته لك ، فأمر النبي أصحابه أن يأكلوا ولم يأكل منه حين أخبرته أنه اصطدته لك .
قال أبو بكر النيسابوري : قوله : اصطدته لك .
وقوله : ولم يأكل منه ، لا أعلم أحدا ذكره في هذا الحديث غير معمر ، وهو موافق لما روي عن عثمان أنه صيد له طائر وهو محرم فلم يأكل .
ز : وهذا الحديث رواه ابن ماجه ، وفيه ' فذكرت أني لم اكن أحرمت ' ، والظاهر أن هذا الذي تفرد به معمر غلط ؛ فإن في الصحيحين أن النبي أكل منه .
وفي لفظ لأحمد : قال : ' أطعمونا ' . وفي لفظ له : ' هل العضد شويتها ، وأنضجتها وطيبتها ' ، قال : ' فهاتها ' ، قال : فجئته بها ، فنهشها رسول الله حتى فرغ منها .
مسألة [ 420 ] :
شجر الحرم مضمون .
خلافا لداود .
____________________
(2/447)
1347 - قال البخاري ثنا يحيى بن موسى ثنا الوليد بن مسلم ثنا الأوزاعي حدثني يحيى بن أبي كثير ثنا أبو سلمة حدثني أبو هريرة قال : لما فتح الله على رسوله مكة قام في الناس فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال : ' إن الله حبس عن مكة الفيل ، وسلط عليها رسوله ، والمؤمنين ، لا تحل لأحد من بعدي ، وإنما أحلت لي ساعة من نهار ، لا يعضد شجرها ، ولا ينفر صيدها ' .
أخرجاه في الصحيحين .
1348 - وأخرجاه من حديث ابن عباس عن النبي أنه قال : ' إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض وهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ' .
مسألة [ 421 ] :
صيد المدينة وشجرها محرم .
وقال أبو حنيفة : ليس بمحرم .
1349 - قال الإمام أحمد : ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال : خطبنا علي عليه السلام ، فقال : من زعم أن عندنا شيئا نقرأه إلا كتاب الله ، وهذه
____________________
(2/448)
الصحيفة - صحيفة فيها أسنان الإبل ، وأشياء من الخراجات - فقد كذب .
قال وفيها قال رسول الله : ' المدينة حرم ما بين عير إلى ثور ، فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله ، والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه يوم القيامة عدلا ، ولا صرفا ، وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم ' .
1350 - قال أحمد : وثنا عبد الرزاق قال : ثنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة قال : حرم رسول الله ما بين لا بتي المدينة .
قال أبو هريرة : فلو وجدت الظباة ما بين لابتيها ما ذعرتها ، وجعل حول المدينة اثني عشر ميلا حمى .
الحديثان في الصحيحين .
1351 - قال أحمد : وثنا ابن نمير قال : ثنا عثمان بن حكيم قال : أخبرني عامر بن سعد عن أبيه قال : قال رسول الله ' ' إنه أحرم ما بين لابتي المدينة أن يقطع عضاها ، أو يقتل صيدها ' .
انفرد بإخراجه مسلم .
1352 - قال أحمد : وثنا علي بن عبد الله بن جعفر قال : حدثني انس بن عياض قال : حدثني عبد الرحمن بن حرملة عن يعلى بن عبد الرحمن بن هرمز أن عبد الله بن عباد الزرقي أخبره أنه كان يصيد العصافير في بني إهاب قال : فرآني عبادة بن الصامت ، وقد أخذت العصفور فنزعه مني ، فأرسله وهو يقول : أي بني : إن رسول الله حرم ما بين لابتيها كما حرم إبراهيم مكة .
1353 - قال أحمد : وثنا حسين بن محمد بن الفضيل بن سليمان قال : حدثني
____________________
(2/449)
محمد بن أبي يحيى عن عبد الله بن حبيش الغفاري عن عبد الله بن سلام قال : ما بين كذا وأحد حرام ؛ حرمه رسول الله ، ما كنت لأقطع منه شجرة ، ولا أقتل به طائرا . ز : وعبد الله بن عباد ذكره ابن أبي حاتم في كتابه فقال : عبد الله بن عباد الزرقي الأنصاري ، روى عنه عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي .
وقد روى الطبراني ، ما بين عسير وأحد حرام .
وفي إسناده عبد الله بن حبيش ، والصلت بن عبيد الله ، والذي في المسند والطبراني : حبيش - بالحاء المهملة .
وذكره ابن أبي حاتم بالخاء المعجمة ، روى عن عبد الله بن سلام أن : ما بين كذا وأحد حرام ، حرمة رسول الله ، ما كنت لأقطع به شجرة ، ولا أقتل به طائرا .
مسألة [ 422 ] :
ويضمن صيد المدينة بالجزاء .
وعنه : لا جزاء فيه كقول مالك .
وعن الشافعي : كالقولين ، والجزاء مقدر بالسلب يتملكه الآخذ له .
وعن الشافعي : قولان : أحدهما كقولنا .
والثاني : يتصدق بالسلب على فقراء المسلمين .
1354 - قال الإمام أحمد : ثنا أبو عامر ثنا عبد الله بن جعفر عن إسماعيل بن محمد ابن سعد عن عامر بن سعد أن سعدا ركب إلى قصره بالعقيق فوجد غلاما يخبط شجرا أو يقطعه فسلبه ، فلما رجع سعد جاءه أهل الغلام فكلموه أن يرد ما أخذ من غلامهم فقال :
____________________
(2/450)
معاذ الله أن أرد شيئا نفلنيه رسول الله فأبى أن يرده عليهم .
انفرد بإخراجه مسلم .
مسألة [ 423 ] :
مكة أفضل البلاد .
وعنه : المدينة كقول مالك .
1355 - قال الإمام أحمد : ثنا أبو اليمان أنبأ شعيب عن الزهري قال : أنبأ أبو سلمة ابن عبد الرحمن أن عبد الله بن عدي بن الحمراء أخبره أنه سمع النبي يقول وهو واقف بالحرمين في سوق مكة : ' والله إنك لخير أرض الله ، وأحب أرض الله إلى الله عز وجل ، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت ' .
1356 - أخبرنا يحي بن علي أنبأ جابر بن ياسين ، وعبد العزيز بن علي قالا : أنبأ المخلص قال : ثنا ابن صاعد ثنا ابن أبي نيرة ، ثنا مؤمل بن إسماعيل ثنا حماد بن سلمة ثنا ثابت ثنا عبد الله ابن رباح الأنصاري عن أبي هريرة في حديث ذكره قال : فلما قدمنا مكة أتته الأنصار فجلسوا حوله - يعني النبي - فجعل يقلب بصره في نواحي مكة ، وينظر إليها ويقول : ' والله لقد عرفت أنك أحب البلاد إلى الله عز وجل ، وأكرمها على الله ، ولولا أن قومي أخرجوني ما خرجت ' .
ز : الحديث الأول : حديث عبد الله بن عدي ، رواه الترمذي عن يونس ، عن الزهري ، ورواه محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة .
وحديث الزهري أصح ، ورواه النسائي عن قتيبة به .
____________________
(2/451)
ورواه ابن ماجه عن عيسى بن حماد عن الليث به .
ورواه أبو حاتم البستي في كتاب الأنواع والتقاسيم .
ورواه الإمام أحمد أيضا عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد به .
ورواه النسائي من حديث معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة ، وكان ذلك وهم من معمر .
وروى الطبراني عن محمد بن جبير بن مطعم عن عبد الله بن عدي بن الحمراء قال : وقف رسول الله على الحرورة فقال : ' والله إني لأعلم أنك أحب أرض الله إلى الله ، ولولا أني خرجت منك ما خرجت ' .
وقال الدارقطني : هذه الأحاديث وغيرها في هذا الباب من وجوه صحاح ، لا مطعن فيها ، ولا في ناقلها ، فحديث عبد الله بن عدي بن الحمراء رواه عنه أبو سلمة بن عبد الرحمن ، ومحمد بن مطعم .
وحديث ثابت عن عبد الله بن رباح عن أبي هريرة رواه مسلم .
وفي إسناد الحديث الثالث مؤمل بن إسماعيل ، تكلم فيه بعض الأئمة ، وهو صدوق ، ولكنه كثير الخطأ ، وفيه ابن أبي بزة ، هو عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله أبو الحسن البزي ، من ولد القاسم بن أبي بزة المكي ، وقد ضعفه أبو حاتم الرازي ، وقال : لا أحدث عنه .
وقال العقيلي : منكر الحديث .
مسألة [ 424 ] :
لا يكره المجاورة بمكة .
____________________
(2/452)
وقال أبو حنيفة : يكره .
1357 - حدثنا يحي بن إبراهيم السلماسي قال : قرأت على أبي قلت له : أخبركم أبو نصر أحمد بن محمد القارئ ثنا أبو بكر أحمد بن عبد الله البزاز ثنا النقاش ثنا أحمد بن فياض ثنا أبو محمد أخو الإمام ثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله : ' صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة ' .
قال أبو بكر النقاش : فحسبت ذلك على هذه الرواية فبلغت صلاة واحدة في المسجد الحرام عمر خمس وخمسين سنة ، وستة أشهر ، وعشرين ليلة .
وصلاة يوم وليلة في المسجد الحرام - وهي خمس صلوات - عمر : مائتي سنة ، وسبع وسبعين سنة ، وتسعة أشهر وعشر ليال .
ز : هذا الحديث إسناده مظلم وأبو بكر النقاشي اتهمه بعض الأئمة ، وهو منكر الحديث وروى الإمام أحمد في مسنده قال : حدثنا عبد الملك حدثنا عبيد الله عن عبد الكريم عن عطاء عن جابر قال : قال رسول الله : ' صلاة في مسجدي هذا أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه ' .
وفي رواية ' أفضل من مائة صلاة ' .
وهكذا هو في عدة نسخ : ' أفضل من مائة صلاة ' .
وهو الصحيح ، ومعناه ، أفضل من مائة صلاة في مسجدي ، لتوافق اللفظ الأول ، وقول حسين ' فيما سواه ' فيه نظر .
وقد روى هذا الحديث ابن ماجه ، وهو حديث صحيح .
____________________
(2/453)
مسائل الطواف
مسألة [ 425 ] :
السنة أن يستلم الركن اليماني في طوافه .
وقال أبو حنيفة : ليس بمسنون .
1358 - قال الترمذي : ثنا محمود بن غيلان ثنا عبد الرزاق أنبأ سفيان ، ومعمر عن ابن خثيم عن أبي الطفيل قال كنت مع ابن عباس ، ومعاوية لا يمر بركن إلا استلمه ، فقال له ابن عباس : إن النبي لم يكن يستلم إلا الحجر الأسود ، والركن اليماني ، فقال له معاوية : ليس بشيء من البيت مهجورا .
انفرد بإخراجه مسلم .
1359 - قال مسلم بن الحجاج : ثنا محمد بن المثنى ثنا خالد بن الحارث عن عبيد الله ابن نافع عن عبد الله أن رسول الله كان لا يستلم إلا الحجر ، والركن اليماني [ ولم يستلم غيرهما من الأركان ] .
ز : وهذا الحديث لم يخرجه أحد من أصحاب السنن ، وفي رجاله شيخ الدارقطني ، صدوق ، وعلي بن شعيب ثقة ، وحجاج بن أرطأة ، وقد سبق القول فيه . .
1360 - قال الدارقطني : ثنا إسحاق بن محمد بن الفضل ثنا علي بن شعيب ثنا
____________________
(2/455)
عبد الله بن نمير ثنا حجاج عن عطاء ، وابن أبي مليكة عن نافع عن ابن عمر أن النبي حين دخل مكة استلم الحجر الأسود ، والركن اليماني ، ولم يستلم غيرهما من الأركان .
1361 - قال الدارقطني : وثنا مخلد قال : ثنا الزيادي ثنا يحي بن أبي بكر قال : ثنا إسرائيل عن عبد الله بن مسلم بن هرمز عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كان رسول الله يقبل الركن اليماني ، ويضع خده عليه .
ز : وهذا الحديث لم يخرجوه أيضا ، وفي رجاله عبد الله بن هرمز ضعفه أحمد ، ويحي ، وغيرهما .
وقد روى البيهقي هذا الحديث من روايته عن مجاهد عن ابن عباس قال : كان رسول الله إذا استلم الركن اليماني قبله ووضع خده الأيمن عليه ' .
تفرد به عبد الله بن مسلم بن هرمز .
والأخبار عن ابن عباس في تقبيل الحجر الأسود والسجود عليه إلا أن يكون أراد الركن اليماني إلا أن يكون موافقا لغيره .
احتجوا بما :
1362 - روى الإمام أحمد : ثنا عبد الرزاق قال : ثنا ابن جريج أخبرني سليمان بن عتيق عن عبد الله بن بابيه عن بعض بني يعلى بن أمية : عن يعلى بن أمية قال نت مع عمر فاستلم الركن ، قال يعلى : وكنت مما يلي البيت فلما بلغنا الركن الغربي الذي يلي الأسود ، مررت بين يديه لأستلم .
فقال : ما شأنك ؟ فقلت : لأستلم هذين فقال : ألم تطف مع رسول الله ؟ فقلت : بلى .
قال : أرأيته يستلم هذين الركنين ؟ - يعني الغربيين - قلت : لا .
قال : أفليس لك فيه أسوة ؟ قلت بلى ، قال ، فانفذ عنك .
ز : هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل السنن ، وفي صحته نظر .
____________________
(2/456)
مسألة [ 426 ] :
يسن تقبيل ما يستلم به الحجر
وقال مالك : لا يسن .
1363 - قال مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى ثنا سليمان بن داود ثنا معروف بن خربوذ قال سمعت أبا الطفيل يقول : رأيت رسول الله يطوف بالبيت ، ويستلم الركن بمحجن معه ، ويقبل المحجن .
1364 - قال مسلم : وثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا أبو خالد الأحمر : عن عبيد الله عن نافع قال رأيت ابن عمر يستلم الحجر بيده ، ثم قبل يده ، وقال : ما تركته منذ رأيت رسول الله يفعله .
مسألة [ 427 ] :
لا يصح طواف المحدث والنجس .
____________________
(2/457)
وعنه يصح ، ويلزمه دم كقول أبي حنيفة .
1365 - قال الترمذي : ثنا قتيبة ثنا جرير عن عطاء بن السائب عن طاوس عن ابن عباس أن النبي قال : ' الطواف حول البيت مثل الصلاة إلا أنكم تتكلمون فيه ، فمن تكلم فيه فلا يتكلمن إلا بخير ' .
قال الترمذي : لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث عطاء بن السائب .
قال أحمد بن حنبل : اختلط عطاء في آخر عمره ، فمن سمع منه قديما فهو صحيح .
ز : وهذا الحديث فيه جرير ، وقد أخذه عن عطاء بن السائب في آخر عمره .
وقد روي عن عطاء مرفوعا ، ورواه ابن حبان عن حسن ، ورواه النسائي أيضا .
وقد روي هذا الحديث من عدة طرق عن ابن عباس وغيره مرفوعا ، قال : ' الطواف بالبيت صلاة فأقلوا فيه الكلام ' .
وقد احتج أصحابنا بحديثين في الصحيحين ترويهما عائشة :
1366 - أحدهما : أنها حاضت فقال لها النبي : ' اقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري ' .
1367 - والثاني : أن صفية حاضت ، فقال رسول الله : ' أكنت أفضت يوم النحر - يعنى الطواف - ؟ ' قالت : نعم ، قال : ' فانفري إذا ' .
قالوا : فمنع من الطواف لعدم الطهارة .
فقال الخصم : إنما قال ذلك لأجل دخول المسجد .
قلنا : المنقول حكم ، وسبب فظاهر الأمر تعلق الحكم بالسبب ، فلما تعرض للطواف لا للمسجد ، دل على أنه هو المقصود بالحكم .
[ والحديثان في الصحيحين ]
____________________
(2/458)
مسألة [ 428 ] :
إذا ترك الحجر في طوافه لم يجزه ، خلافا لأبي حنيفة .
1368 - قال الإمام أحمد : ثنا قتيبة ثنا عبد العزيز بن محمد عن علقمة عن أمه عن عائشة قالت : كنت أحب أن أدخل البيت وأصلي فيه ، فأخذ رسول الله بيدي ، فأدخلني الحجر فقال لي : ' صلي في الحجر إذا أردت دخول البيت فإنما هو قطعة من البيت ، ولكن قومك استقصروا حين بنوا الكعبة فأخرجوه من البيت ' .
قال الترمذي : هذا حديث صحيح ، وعلقمة هو ابن بلال .
. : وقد رواه أبو داود أيضا ، والنسائي أيضا .
وعلقمة هو ابن أبي علقمة من رجال الصحيحين ، واسم أمه مرجانة .
مسألة [ 429 ٍ ] :
لا يكره القراءة في الطواف .
وعنه يكره ، كقول مالك .
____________________
(2/459)
1369 - قال الإمام أحمد : ثنا يحيى بن سعيد ، عن ابن جريج أخبرني يحيى بن عبيد مولى السائب عن أبيه قال : سمعت رسول الله يقول بين الركن اليماني ، والحجر : ' ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار ' .
ز : ورواه أبو داود ، والنسائي من رواية ابن جريج .
وقال الإمام أحمد : قال عبد الرزاق عن ابن جريج في هذا الحديث إنه سمع من النبي فيما بين ركن بني جمح ، والركن الأسود : ' ربنا آتنا في الدنيا حسنة ' وكان ابن عمر حين يطوف بالبيت ليس له هجيراء إلا أن يقول : ' ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ' .
رواه ابن طهمان ، هو أبو مالك الكوفي الكاهلي ، روى عن الأعمش ، وغيره ، وشهد فتح المدائن ، هو محله الصدق .
وقد رواه عبد الرحمن الرصافي ، هو ابن زياد ، قال أبو حاتم : صدوق .
مسألة [ 430 ] :
لا يكره تلفيق الأسابيع .
وقال أبو حنيفة والشافعي : يكره .
وصفة التلفيق أنه يؤخر ركعتي الطواف حتى إذا فرغ صلى لكل أسبوع ركعتين .
1370 - قال سعيد بن منصور : ثنا سفيان حدثني محمد بن السائب بن بركة عن أمه
____________________
(2/460)
أنها طافت مع عائشة عليها السلام ثلاثة أسابيع لا تفصل بينهن ، ثم صلت لكل أسبوع ركعتين .
وقد روى أصحابنا أن النبي فعل مثل هذا .
ز : وقد روى عبد الرحمن بن أبي حاتم في سننه عن الزهري عن سالم عن أبيه أن النبي قرن ثلاثة أطواف ، ليس بينهم صلاة .
قال عبد الرحمن : هو حديث منكر ، وفي رجاله عبد السلام ، ضعيف .
وقد رواه عبد السلام عن الزهري أيضا عن أبي منذر عن أبي هريرة قال طاف رسول الله ثلاثة أسابيع جميعا ، ثم أتى المقام ، فصلى خلفه ست ركعات ، قال أبو هريرة : إنما أراد أن يعلمنا .
فإن قيل : قد قال علي المديني والدارقطني : عبد السلام منكر الحديث ، وقال أبو حاتم الرازي : هو متروك الحديث ، وقال ابن حبان : يروي عن الثقات مالا يشبه حديث الأثبات .
الحديث الأول : الذي رواه محمد بن السايب بركة هو حجازي يعد في المكيين ، وثقه ابن معين ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن حبان .
وأما عبد السلام هذا هو عبد السلام بن أبي الجنوب ، مجمع على ضعفه ، وحديثه من الوجهين غير مخرج في شيء من السنن ، فالجرح يحتاج إلى بيان سببه إذا عارضه تعديل .
مع أن رواية عبد السلام هذا عن الزهري منفردا بهذين الإسنادين من أقوى الأدلة على ضعفه عند أهل هذا الشأن ، والله أعلم .
مسألة [ 431 ] :
السعي ركن لا ينوب عنه الدم .
____________________
(2/461)
وعنه أنه سنة لا يجب بتركه دم .
وقال أبو حنيفة : هو واجب ، ينوب عنه الدم . 1371 - قال الإمام أحمد : ثنا شريح ثنا عبد الله بن المؤمل عن عطاء بن أبي رباح عن صفية بنت شيبة عن حبيبة بنت أبي تجراة ، قالت : رأيت رسول الله ، يطوف بين الصفا والمروة ، والناس بين يديه ، وهو وراءهم وهو يسعى حتى أرى ركبتيه من شدة السعي يدور به إزاره وهو يقول : ' اسعوا ؛ فإن الله عز وجل كتب عليكم السعي ' .
فإن قيل : قد قال أبو بكر بن المنذر : مداره على ابن مؤمل ؛ وقال أحمد بن حنبل : أحاديث عبد الله بن المؤمل مناكير .
وقال يحي : ضعيف الحديث .
قلنا : قد قال يحي في رواية : ليس به بأس .
ز : وهذا الحديث لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة ، وفي إسناده اختلاف .
1372 - قال الدارقطني ثنا ابن صاعد ثنا الحسن بن عيسى النيسابوري قال : أنبأ عبد الله بن المبارك قال : أخبرني معروف بن مشكان قال : أخبرني منصور بن عبد الرحمن عن أمه صفية قالت : أخبرني نسوة من بني عبد الدار اللاتي أدركن رسول الله قلن : دخلنا دار ابن أبي حسين فاطلعنا من باب فرأينا رسول الله يشتد في السعي حتى إذا بلغ زقاق بني فلان استقبل الناس فقال ' أيها الناس اسعوا ؛ فإن السعي قد كتب عليكم ' .
فإن قيل قال أبو حاتم الرازي : لا يحتج بمنصور .
قلنا : قد قال يحي بن معين هو ثقة .
ز : قال شيخنا : والحديث صحيح الإسناد ومنصور بن عبد الرحمن هو ثقة ، مخرج له في الصحيحين .
____________________
(2/462)
قال شيخنا : وليس هذا بمنصور بن عبد الرحمن الفداني .
مسألة [ 432 ] :
يجزي القارن طواف واحد ، وسعي واحد .
وعنه يحتاج إلى طوافين ، وسعيين كقول أبي حنيفة .
لنا تسعة أحاديث :
1373 - الحديث الأول : قال البخاري : ثنا قتيبة ثنا الليث عن نافع عن ابن عمر أنه أراد الحج عام نزل الحجاج بابن الزبير فقيل له : إن الناس كانوا بينهم قتال ، فإنا نخاف أن يصدوك .
فقال : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ، إذن أصنع كما صنع رسول الله إني أشهدكم أني قد أوجبت عمرة ، ثم خرج حتى إذا كان بظاهر البيداء قال : ما شأن الحج والعمرة إلا واحد أشهدكم أني قد أوجبت حجا مع عمرتي ، وأهدي هديا اشتراه بقديد فلم ينحر ، ولم يحل من شيء حرم منه ، ولم يحلق ، ولم يقصر ، حتى كان يوم النحر فنحر وحلق ، فرأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول .
وقال ابن عمر : كذلك فعل النبي عليه السلام .
أخرجاه في الصحيحين .
1374 - الحديث الثاني : قال الإمام أحمد : ثنا أحمد بن عبد الملك الحراني ثنا الدراوردي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله : ' من قرن
____________________
(2/463)
بين حجته وعمرته أجزأه لهما طواف واحد '
1375 - طريق آخر : قال الترمذي : ثنا خلاد بن أسلم ثنا عبد العزيز بن محمد بن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله : ' من أحرم بالحج والعمرة أجزأه طواف وسعي واحد منهما حتى يحل منهما جميعا ' .
ز : ورواه أيضا ابن ماجه ، وقال الترمذي : حديث حسن غريب .
وقال أبو داود : روى عبد العزيز عن عبيد الله أحاديث مناكير .
وقال مسلم بعد حديث نزول الحجاج بابن الزبير من رواية عبيد الله بن نافع : حدثنا ابن نمير ثنا أبي ثنا عبيد الله عن نافع قال : أراد ابن عمر الحج حين نزل الحجاج بابن الزبير واقتص الحديث مثل هذه القصة .
وقال في آخر الحديث : وكان يقول : من جمع بين الحج والعمرة كفاه طواف واحد ، ولم يحل منهما جميعا .
1376 - الحديث الثالث : قال البخاري : ثنا عبد الله بن يوسف أنبأ مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت : خرجنا مع رسول الله في حجة الوداع فأهللنا بعمرة ، ثم قال : ' من كان معه هدي فليهل بالحج والعمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما ' فطاف الذين أهلوا بالعمرة ، ثم حلوا ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى ، وأما الذين جمعوا بين الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا .
أخرجاه في الصحيحين .
1377 - الحديث الرابع : قال الدارقطني ثنا يحيى بن إسماعيل ثنا محمد بن عبد
____________________
(2/464)
الله الزهري ثنا داود بن مهران قال : ثنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء عن عائشة أن رسول الله قال لها : ' إن طوافك بالبيت وبالصفا والمروة ، لحجك وعمرتك ' .
انفرد بإخراجه مسلم .
ز : وهذا الحديث لم يروه أحد من الكتب الستة من رواية ابن جرير عن عطاء عن عائشة .
وفي رجاله مسلم بن خالد الزنجي ، ليس بالقوي ، وداود بن مهران أبو سليمان الدباغ وثقه العجلي ، وغيره .
وقال مسلم في صحيحه : حدثني حسن بن علي الحلواني ثنا يزيد بن الحباب عن عائشة ، أنها حاضت بسرف ، فتطهرت بعرفة ، وقال لها رسول الله : ' يجزئ عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجتك وعمرتك ' .
سماع مجاهد عن عائشة مختلف فيه ، والله أعلم .
1378 - الحديث الخامس : قال الدارقطني : وثنا علي بن عبد الله بن مبشر ثنا عبد الحميد بن بيان ثنا إسحاق الأزرق عن الربيع بن صبيح ، عن عطاء وعن جابر قال : ما طاف لهما رسول الله إلا طوافا واحدا ، وسعيا واحدا لحجه ، وعمرته .
الربيع : ضعيف .
ز : الحديث الخامس في رواته الربيع عن عطاء ، غير مخرج في السنن .
والحديث الثاني الذي رواه الترمذي في رجاله الحجاج بن أرطأة ، انفرد به الترمذي ، وحسنه .
وقال مسلم في صحيحه راويا عن جابر بن عبد الله أنه قال : لم يطف النبي ، ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا ، وزاد محمد بن أبي بكر طوافه الأول .
____________________
(2/465)
1379 - طريق آخر : قال الترمذي : ثنا ابن أبي عمر ثنا أبو معاوية عن الحجاج عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله قرن بين الحج والعمرة فطاف لهما طوافا واحدا .
الحجاج : هو ابن أرطأة ، وهو ضعيف .
1380 - الحديث السادس : قال الدارقطني : ثنا ابن صاعد ثنا محمد بن إشكاب ثنا يحي بن يعلى بن الحارث المحاربي ثنا أبي قال : ثنا غيلان بن جامع قال : حدثني ليث قال : حدثني عطاء وطاوس ومجاهد عن جابر بن عبد الله ، وعن ابن عمر ، وعن ابن عباس أن النبي لم يطف هو وأصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا لعمرتهم ، وحجهم .
ليث : هو ابن أبي أسلم ، وهو ضعيف .
ز : وقد رواه ابن ماجه أيضا .
وقال البرقاني : سألت الدارقطني عن رجل من رواة هذا الحديث يقال له : ليث بن أبي سليم فقال : صاحب سنة ، يخرج حديثه ، ثم قال : إنما أنكروا عليه الجمع بين اثنين عطاء وطاوس ومجاهد .
1381 - الحديث السابع : قال الدارقطني : وثنا علي بن عبد الله بن مبشر ثنا محمد بن حرب الواسطي ثنا علي بن عاصم ثنا أبي عن حصين بن عبد الرحمن قال : قال لي منصور : حدثتني أنت يا حصين عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أن النبي وأصحابه طافوا لحجهم وعمرتهم طوافا واحدا .
علي بن عاصم ضعيف .
ز : هذا الحديث ليس مخرج في شيء من السنن .
____________________
(2/466)
1382 - الحديث الثامن : قال الدارقطني : وحدثني أحمد بن محمد بن زياد ثنا محمد بن غالب ثنا سعد بن عبد الحميد ثنا محمد بن مروان عن ابن أبي ليلى عن عطية عن أبي سعيد ' أن النبي جمع بين الحج والعمرة ، فطاف لهما بالبيت طوافا واحدا ، وبين الصفا والمروة طوافا واحدا ' .
ابن أبي ليلى : ضعيف .
ز : ابن أبي ليلى : اسمه محمد بن عبد الرحمن ، وهذا الحديث أيضا ليس هو مخرج في السنن ، وفي رجاله عطية بن سعد العوفي ضعيف ، وابن أبي ليلى ضعيف أيضا ، وفي رجاله محمد بن مروان هو السدي الصغير ، وهو غير ثقة .
1383 - الحديث التاسع : قال الدارقطني : وثنا البغوي ثنا داود بن عمرو ثنا منصور بن أبي الأسود عن عبد الملك عن عطاء : عن ابن عباس أن رسول الله طاف طوافا واحدا لحجته ، وعمرته .
عبد الملك هو ابن أبي سليمان : ضعيف .
ز : في رجال هذا الحديث عبد الملك هو ابن أبي سليمان ضعيف ، وليس مخرج هذا الحديث في السنن ، لكن إسناده صحيح ، وإن كان عبد الملك قد ضعفوه فقد وثقه غير واحد من أئمة الجرح والتعديل .
وقد روى له مسلم في صحيحه ، وفي رجال هذا الحديث منصور ، وثقه ابن معين وغيره ، لكنه شيعي .
وفي رجاله داود ، وهو من شيوخ مسلم .
احتجوا بخمسة أحاديث :
1384 - الحديث الأول : قال الدارقطني : ثنا البغوي ثنا أبو الربيع الزهراني ثنا حفص بن
____________________
(2/467)
أبي داود عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى : عن علي أنه جمع بين الحج ، والعمرة ، فطاف لهما طوافين وسعى لهما سعيين ، ثم قال : هكذا رأيت رسول الله فعل .
1385 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : وثنا محمد بن القاسم بن زكريا ثنا عباد بن يعقوب ثنا عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي قال : حدثني أبي عن أبيه عن جده عن علي أن النبي كان قارنا فطاف طوافين وسعى سعيين .
1386 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : وثنا أحمد بن محمد بن سعيد ثنا جعفر بن محمد بن مروان ثنا ابن أبي عبد العزيز بن أبان ثنا أبو بردة عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال : طاف رسول الله لعمرته وحجته طوافين ، وسعى سعيين ، وأبو بكر وعمر ، وعلي وابن مسعود .
1387 - الحديث الرابع : قال الدارقطني : وثنا ابن صاعد ثنا محمد بن يحيى الأزدي ثنا عبد الله بن داود عن شعبة عن حميد بن هلال عن مطرف عن عمران بن حصين أن النبي طاف طوافين ، وسعى سعيين .
1388 - الحديث الخامس : قال الدارقطني : وثنا عبد الصمد بن علي قال : ثنا الفضل ابن العباس الصواف ثنا يحيى بن غيلان ثنا عبد الله بن بزيع عن الحسن بن عمارة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عمر أنه جمع بين حجته ، وعمرته معا ، وقال : سبيلهما واحد .
قال : وطاف لهما طوافين ، وسعى لهما سعيين ، وقال : هكذا رأيت رسول الله صنع كما صنعت .
____________________
(2/468)
الجواب :
إن هذه الأحاديث كلها لا تثبت :
أما حديث علي رضي الله عنه : ففي طريقه الأول : حفص بن أبي داود :
قال أحمد ، ومسلم بن الحجاج : حفص متروك الحديث .
وقال عبد الرحمن بن يوسف بن خراش : هو كذاب ، يضع الحديث .
وفيه ابن أبي ليلى ، وهو محمد بن عبد الرحمن .
قال الدارقطني : هو رديء الحفظ ، كثير الوهم .
وفي الطريق الثاني : عيسى بن عبد الله .
قال الدارقطني : هو متروك الحديث .
أما حديث ابن مسعود : فقال الدارقطني : أبو بردة هذا هو عمرو بن يزيد ضعيف ، ومن دونه في الإسناد كلهم ضعفاء .
قلت : وفيه عبد العزيز بن أبان .
قال يحيى : هو كذاب خبيث .
وقال الرازي والنسائي : هو متروك الحديث .
وأما حديث عمران : فقال الدارقطني : يقال : إن محمد بن يحيى حدث بهذا اللفظ من حفظه ، فوهم ، وقد حدث به على الصواب مرارا ، ويقال : إنه رجع عن ذكر الطواف والسعي .
وأما حديث ابن عمر : فقال الدارقطني : لم يروه عن الحكم عن الحسن بن عمارة ، وهو متروك الحديث .
قلت : قال شعبة : الحسن بن عمارة كذاب ، يحدث بأحاديث قد وضعها .
وقال الساجي : أجمعوا على ترك حديثه .
____________________
(2/469)
وقد روى هو أيضا من حديث ابن عباس ضد هذا .
1389 - قال الدارقطني : ثنا أحمد بن إسحاق بن البهلول حدثني أبي عن طاوس بسنده سمعت ابن عباس يقول : ' لا والله ، ما طاف لهما رسول الله إلا طوافا واحدا . فهاتوا من هذا الذي يحدث أن رسول الله طاف لهما طوافين ؟ ' .
مسألة [ 433 ] :
طواف الوداع واجب ، يلزمه بتركه دم خلافا لمالك ، وأحد قولي الشافعي .
1390 - قال أحمد : ثنا سفيان عن سليمان عن طاوس عن ابن عباس قال : كان الناس ينصرفون في كل وجه ، فقال النبي : ' لا ينفر أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت ' .
1391 - طريق آخر : قال الدارقطني : ثنا الحسين بن إسماعيل قال : ثنا أبو بكر بن زنجويه ثنا عبد الرزاق أنبأ زكريا بن إسحاق عن سليمان الأحول أنه سمع طاوسا يحدث عن ابن عباس قال : كان الناس ينفرون من منى إلى وجوههم ، فأمر رسول الله أن يكون آخر
____________________
(2/470)
عهدهم بالبيت ، ورخص للحائض .
ز : والحديث الأول رواه مسلم أيضا ، وأبو داود وابن ماجة .
1392 - قال الترمذي : ثنا أبو عمار قال : ثنا عيسى بن يونس عن عبيد الله عن نافع : عن ابن عمر قال من حج البيت فليكن آخر عهده بالبيت الطواف ، إلا الحيض ؛ رخص لهن رسول الله .
قال الترمذي : هذا حديث صحيح .
ز : وقد رواه النسائي أيضا ، ولفظه : أن [ الحارث بن ] عبد الله بن أوس قال : سمعت النبي يقول : ' من حج البيت أو اعتمر فليكن آخر عهده بالبيت ' فقال له عمر بن الخطاب : أأنت سمعت هذا من رسول الله ؟ قال : نعم .
هذا الحديث فيه نظر ، والله أعلم
1393 - قال الترمذي : وثنا نصر بن عبد الرحمن الكوفي قال : حدثنا المحاربي عن الحجاج بن أرطاة عن عبد الملك بن المغيرة عن عبد الرحمن البيلماني عن عمرو بن أوس عن الحارث بن عبد الله بن أوس قال : سمعت النبي يقول : ' من حج هذا البيت أو اعتمر فليكن آخر عهده بالبيت ' .
فقال له عمر بن الخطاب : خررت من يديك أنت سمعت هذا من رسول الله ولم تخبرنا به .
قال الترمذي : هذا حديث غريب .
____________________
(2/471)
مسألة : [ 434 ]
فإن طاف ولم يعقبه بالخروج لزمته الإعادة .
وقال أبو حنيفة : لا يلزمه .
لنا الحديث المتقدم .
____________________
(2/472)
مسائل والوقوف
مسألة [ 435 ] :
وقت الوقوف من طلوع الفجر الثاني يوم عرفة إلى طلوع الفجر الثاني من يوم النحر .
وقال أبو حنيفة والشافعي : أول الوقت بعد الزوال من يوم عرفة .
وقال مالك : وقت الإجزاء ليلة النحر فقط .
1394 - قال أحمد : ثنا يحي عن إسماعيل ثنا عامر قال : حدثني عروة بن مضرس قال : جئت رسول الله بالموقف فقلت : يا رسول الله جئت من جبل طيء ، أكللت مطيتي ، وأتعبت نفسي ، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه ، هل لي من حج ؟ فقال رسول الله : ' من أدرك معنا هذه الصلاة - يعني صلاة الفجر - وأتى عرفات قبل ذلك ليلا أو نهارا ، تم حجته ، وقضى تفثه ' .
قال الترمذي : هذا حديث صحيح .
ز : وهو مروي عن أصحاب السنن الأربعة من غير وجه عن الشعبي .
وقال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط كافة أئمة الحديث ، وهذه قاعدة من قواعد الإسلام .
____________________
(2/473)
وقد أمسك عن إخراجها الشيخان محمد بن إسماعيل ، ومسلم بن الحجاج على أصلهما أن عروة بن مضرس لم يحدث عنه غير عامر الشعبي .
قال شيخنا الحافظ : وقد وجدنا عروة بن الزبير حدث عنه ، ثم ذكر بإسناد فيه رجل غير معروف وآخر متروك . مسألة [ 436 ] :
إذا دفع من عرفات قبل غروب الشمس فعليه دم ، خلافا لأحد قولي الشافعي : لا دم عليه .
1395 - قال أحمد : ثنا أبو أحمد محمد بن عبيد الله بن الزبير قال : ثنا سفيان عن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي عياش عن زيد بن علي عن أبيه عن عبيد الله بن أبي رافع : عن علي بن أبي طالب قال : وقف رسول الله بعرفة ، وأفاض حتى غابت الشمس .
ز : والحارث بن عبيد الله بن عباس بن أبي ربيعة قد وثقه ابن خزيمة ، وابن حبان ، وغيرهم .
وتكلم فيه الإمام أحمد ، وقال النسائي : ليس بالقوي .
وفي رجاله أيضا : زيد بن علي ، هو عم جعفر بن محمد الصادق ، ذكره ابن حبان في الثقات ، وقال : إنه رأى جماعة من أصحاب النبي ، وأبو علي هو ابن الحسين زين العابدين ، وقد روى هذا الحديث الترمذي عن بندار .
1396 - قال أبو داود : ثنا أحمد بن حنبل حدثنا يعقوب ثنا أبي عن أبي إسحاق : حدثني إبراهيم بن عقبة عن كريب : عن أسامة قال : كنت ردف رسول الله فلما
____________________
(2/474)
وقعت الشمس دفع رسول الله .
ز : انفرد به أبو داود ، وهو إسناد حسن .
مسألة [ 437 ] :
يجوز الدفع من مزدلفة بعد نصف الليل .
وقال أبو حنيفة : لا يجوز حتى يطلع الفجر .
1397 - قال الدارقطني ثنا أحمد بن إسحاق البهلول ثنا أبي ثنا ابن أبي فديك عن الضحاك بن عثمان عن هشام بن عروة عن أبيه : عن عائشة قالت : أرسل رسول الله أم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ، ثم مضت ، فأفاضت .
ز : رواه أيضا أبو داود عن هارون بن عبد الله عن ابن أبي فديك أنه يجوز لكل أحد في كل حال الدفع من مزدلفة نصف الليل ، والله أعلم .
1398 - قال أحمد : ثنا أبو داود عن زمعة عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله وقف بجمع ، فلما أضاء كل شيء قبل أن تطلع الشمس أفاض .
زمعة ضعيف كثير الغلط .
ز : هذا الحديث ليس هو في شيء من الكتب الستة ، من طريق زمعة هذا روى له مسلم مقرونا بغيره وقال ابن معين في رواية عنه : صويلح الحديث ، وقال النسائي : ليس بالقوي .
وقال ابن عدي : أرجو أن يكون صالح الحديث ، لا بأس به .
وقال أحمد في سلمة : روى عنه زمعة أحاديث مناكير ، ولو ثبت هذا الحديث لم يكن
____________________
(2/475)
فيه دليل على عدم جواز الدفع حتى تطلع الشمس .
مسألة [ 438 ] :
فإن دفع قبل نصف الليل فعليه دم .
وقال أبو حنيفة : لا دم عليه .
وعن الشافعي كالروايتين .
لنا : أن النبي بات بمنى ، وقال : ' خذوا عني مناسككم ' .
فروى أبو داود من حديث ابن عمر أن رجلا قال له : إنا نبيت بمكة فقال : ' أما رسول الله فبات بمنى وظل ' .
ومن حديث عائشة قال : مكث رسول الله بمنى ليالي أيام التشريق .
ز : وهذه المسألة متعلقة بمنى لا بمزدلفة .
____________________
(2/476)
مسائل التحلل
مسألة [ 439 ] :
يجوز رمي جمرة العقبة بعد نصف الليل من ليلة النحر .
وقال أبو حنيفة ، ومالك : لا يجوز حتى يطلع الفجر .
لنا : ما تقدم من حديث أم سلمة ، فإنها دفعت للرمي قبل طلوع الفجر .
1399 - احتجوا بما قال الترمذي : ثنا أبو كريب ثنا وكيع ثنا المسعودي عن مقسم : عن ابن عباس أن رسول الله قدم ضعفه أهله ، وقال : ' لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس ' .
قال الترمذي : هذا حديث صحيح .
ز : وبين المسعودي ، ومقسم الحكم بن عيينة .
قال الترمذي : قال شعبة : لم يسمع مقسم .
وقال أبو داود عن ابن عباس : قال : قدمنا رسول الله ليلة المزدلفة أغيلمة بني عبد المطلب على جمرات ، فجعل يلطخ أفخاذنا ويقول : ' ابني لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس ' .
قال أبو داود : اللطخ : الضرب اللين .
ورواه النسائي وابن ماجة من حديث أم سلمة .
____________________
(2/477)
وفي رجاله الحسن العمري ، لم يسمع من ابن عباس قاله أحمد بن حنبل .
مسألة [ 440 ] :
لا يجوز الرمي إلا بالحجارة .
وقال أبو حنيفة : يجوز بجميع جنس الأرض .
1400 - عن ابن عباس أن رسول الله قال : ' عليكم بمثل حصى الخذف ' .
ز : إسناد هذا الحديث صحيح ، لكن ليس هو في شيء من الكتب الستة .
1401 - قال أبو داود : ثنا أبو ثور إبراهيم بن خالد ثنا عبيدة عن يزيد بن أبي زياد عن سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أمه قالت : ' رأيت رسول الله عند جمرة العقبة ورأيت بين أصابعه حجرا ، فرمى ، ورمى الناس ' .
ز : هذا إسناد صالح ، وروى مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله قال : رأيت رسول الله رمى الجمرة مثل حصى الخذف .
مسالة [ 441 ] :
ولا يرمى حجر قد رمي به .
____________________
(2/478)
وقال أكثرهم يجوز .
1402 - قال الدارقطني : ثنا الحسين بن إسماعيل ثنا شعبة بن يحيى الأموي ثنا أبي ثنا يزيد بن سنان عن زيد بن أبي أنيسة عن عمرو بن مرة عن ابن لأبي سعيد : عن أبي سعيد قال : قلنا يا رسول الله : هذه الجمار التي نرمي بها كل عام فنحسب أنها تنقص ، قال : ' إنه ما يقبل منها رفع ، ولولا ذلك لرأيتها أمثال الجبال ' .
ز : هذا الحديث غير مخرج في الكتب الستة .
وقد رواه الحاكم ، وصححه ، وهو لا يثبت ؛ فإن أبا فروة يزيد بن أبي سنان ضعفه الإمام أحمد ، والدارقطني ، وغيرهما ، وتركه النسائي وغيره .
وذكره الحاكم في كتاب الضعفاء أيضا .
وقال البيهقي : يزيد بن أبي سنان ليس بالقوي في الحديث ، وروي من وجه آخر مرفوعا .
1403 - قال المصنف أخبرنا ابن ناصر قال : أنبأ ابن بيان أنبأ ابن شاذان ثنا أبو محمد ابن الحكم ثنا الكديمي قال : ثنا أبو عاصم عن عبيد الله بن هرمز : عن سعيد بن جبير قال : الحصى قربان ، فما يقبل منه رفع ، وما لم يقبل بقي .
مسألة [ 442 ] :
إذا نكس الرمي ؛ فرمى جمرة العقبة ، ثم الوسطى ، ثم الأولى لم يجزه .
وقال أبو حنيفة : يجزيه .
____________________
(2/479)
لنا : أن النبي رمى مرتبا ، وقال : ' خذوا عني ' .
1404 - قال البخاري : ثنا عثمان بن أبي شيبة : ثنا طلحة بن يحي ثنا يونس عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات ، يكبر على إثر كل حصاة ، ثم يتقدم حتى يسهل فيقوم مستقبل القبلة فيقوم طويلا ، ويدعو ويرفع يديه ، ثم يرمي الوسطى ، ثم يأخذ بذات الشمال ، فيستهل ويقوم مستقبل القبلة ، ويقوم طويلا ويدعو ويرفع يديه ثم يرمي جمرة العقبة من بطن الوادي ، ولا يقف عندها ، ثم ينصرف ، فيقول : هكذا رأيت رسول الله يفعل .
مسألة [ 443 ] :
في النفر الأول خطبة .
وقال أبو حنيفة ومالك : لا خطبة فيه .
لنا : أن النبي خطب في ثاني أيام التشريق ، وقال ' : خذوا عني مناسككم ' .
1405 - قال أبو داود : ثنا محمد بن بشار ثنا أبو عاصم ثنا ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال : حدثتني جدتي سراء ابنة نبهان قالت : خطبنا النبي يوم الرؤوس ، فقال : ' أي يوم هذا ؟ ' قلنا : الله ورسوله أعلم .
قال ' أليس أوسط أيام التشريق ؟ ' .
ز : وهو مروي عن ربيعة بن عبد الرحمن بن حصين الغنوي ، ذكره ابن حبان في الثقات .
وقد رواه البخاري أيضا في كتاب أفعال العباد .
____________________
(2/480)
مسألة [ 444 ] :
إذا ترك المبيت بمنى لزمه دم .
وعنه لا دم عليه كقول أبي حنيفة .
1406 - قال البخاري : ثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا أبي ثنا عبيد الله : حدثني نافع عن ابن عمر أن العباس استأذن النبي ليبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته ، فأذن له .
فوجه الحجة : أنه لولا أنه واجب لم يحتج إلى إذن .
وقد ذكرنا فيما تقدم أن رسول الله كان يبيت بمنى .
ز : وهذا الحديث قد رواه مسلم أيضا .
مسألة [ 445 ] :
لا يجزيه في التحلل حلق بعض الرأس .
وقال أبو حنيفة : يجزيه ما يجزي مسحه في الطهارة .
____________________
(2/481)
1407 - قال أحمد : روح ثنا هشام عن محمد بن سيرين عن أنس ' أن رسول الله رمى الجمرة ، ثم نحر البدن ، ثم حلق شقيه الأيمن ، وقسمه بين الناس ، فأخذوه ، وحلق الآخر فأعطاه أبا طلحة ' .
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين .
____________________
(2/482)
مسائل الإحصار
مسألة [ 446 ] :
يجب على المحصر إذا ذبح أن يحلق .
وعنه لا حلق عليه كقول أبي حنيفة .
1408 - قال للبخاري : حدثني عبد الله بن محمد بن إسماعيل قال : ثنا جويرية عن نافع أن عبد الله بن عبد الله ، وسالم بن عبد الله أخبراه عن عبد الله بن عمر قال : خرجنا مع رسول الله فحال كفار قريش دون البيت ، فنحر رسول الله هديه ، وحلق رأسه .
أخرجاه .
مسألة [ 447 ] :
يجوز للمتمتع ، والقارن أن يقدما الحلاق على الذبح ، والرمي ، ولا دم عليهما في ذلك .
____________________
(2/483)
وعنه إن تعمد ذلك فعليهما دم .
وقال أبو حنيفة : عليهما دم بكل حال .
1409 - قال أحمد : ثنا محمد بن جعفر قال : أنبأ معمر قال : ثنا ابن شهاب عن عيسى ابن طلحة عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : رأيت رسول الله واقفا على راحلته بمنى فأتاه رجل فقال : يا رسول الله إني كنت أرى الحلق قبل الذبح ، فحلقت قبل أن أذبح ، فقال : ' اذبح ولا حرج ' ثم جاءه آخر فقال : يا رسول الله إني كنت أرى أن الذبح قبل الرمي ، فذبحت قبل أن أرمي ، قال : ' ارم ، ولا حرج ' .
قال : فما سئل عن شيء قدمه رجل قبل شيء إلا قال : ' افعل ، ولا حرج ' .
1410 - قال أحمد : وثنا يحي بن إسحاق ثنا وهب قال : أنبأ ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس أن النبي سئل عن الذبح والرمي ، والحلق ، والتقديم ، والتأخير فقال : ' ولا حرج ' .
الحديثان في الصحيحين .
مسألة [ 448 ] :
يجب الهدي في حق المحصر ، وقال مالك : لا يجب .
____________________
(2/484)
1411 - قال الدارقطني : ثنا محمد بن مخلد ثنا محمد بن حسان ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر قال : نحر يوم الحديبية سبعين بدنة ، البدنة عن سبعة ، فقال رسول الله : ' ليشترك النفر في الهدي ' .
ز : وقد روى مسلم أحاديث أن البدنة عن سبع ، والبقر عن سبع .
مسألة [ 449 ] :
ويذبح الهدي حيث أحصر .
وقال أبو حنيفة : لا يذبحه إلا في الحرم .
لنا : ما تقدم من الحديث ، وأنهم نحروا بالحديبية ، وهي حل .
مسألة [ 450 ] :
إذا أحصر في حج التطوع لم يلزمه القضاء .
وعنه : عليه القضاء كقول أبي حنيفة .
لنا : أن النبي أحرم بالعمرة سنة ست ، ومعه ألف وأن كذلك في الصحيحين من حديث جابر ، ثم جاء في السنة الأخرى ، ومعه جمع يسير ، فلو وجب القضاء لبينه لهم .
____________________
(2/485)
مسألة [ 451 ] :
إذا شرط أنه متى مرض تحلل ، أو إن أحصره عدوا ، وإن أخطأ العدد كان شرطا صحيحا يستفيد به التحلل ولا دم عليه .
وقال أبو حنيفة ، ومالك : وجود هذا الشرط كعدمه ؛ فعند أبي حنيفة : لا يتحلل إلا بالهدي .
وعند مالك : لا يتحلل إذا أخطأ العدد .
1412 - قال مسلم بن الحجاج : ثنا عبد بن حميد أنبأ عبد الرزاق أنبأ معمر عن الزهري عن عروة قال : دخل النبي على ضباعة بنت الزبير فقالت : يا رسول الله إني أريد الحج ، وأنا شاكية ، فقال النبي : ' حجي واشترطي أن تحلي حيث حبستني ' .
أخرجاه في الصحيحين .
ز : وقال شيخنا : لم يروه البخاري ، ولكن رواه مسلم ، والنسائي فقط .
وقال مسلم : لا أعلم أحدا أسنده إلى الزهري غير معمر .
لكن رواه البخاري من وجه آخر .
1413 - قال أحمد : ثنا يزيد بن هارون أنبأ سفيان بن حسين عن أبي بسر عن عكرمة عن ابن عباس أن ضباعة بنت الزبير أرادت الحج فقال لها رسول الله : ' اشترطي عند إحرامك ومحلي حيث حبستني ؛ فإن ذلك لك ' .
____________________
(2/486)
قال الترمذي : هذا حديث صحيح .
مسألة [ 452 ] :
المحصر بالمرض لا يباح له التحلل إلا أن يكون قد اشترط في ابتداء إحرامه أنه إن مرض تحلل .
وقال أبو حنيفة : حكم الإحصار بالمرض حكم الإحصار بالعدو .
لنا : حديث ضباعة المتقدم ، ولو كان المرض يبيح التحلل ما كان لاشتراطها معنى .
احتجوا بحديث الحجاج بن عمرو عن رسول الله قال : ' من كسر أو عرج فقد حل ' وهو قد سبق بإسناده في وجوب الحج على الفور .
وقد حمله أصحابنا على ما إذا اشترط بدليلنا .
مسألة [ 453 ] :
لا يجوز للمرأة أن تحج من غير محرم .
وقال مالك ، والشافعي : يجوز إذا كان معها نساء ثقات .
1414 - قال أحمد : ثنا يحي عن عبيد الله قال : حدثني نافع عن ابن عمر عن النبي
____________________
(2/487)
قال : ' لا تسافر المرأة ثلاثا ومعها ذو محرم '
1415 - قال أحمد : وثنا عفان ثنا شعبة قال عبد الملك بن عمير أنبأني قال : سمعت قزعة مولى زياد قال : سمعت أبا سعيد الخدري قال : سمعت من رسول الله أنه قال : ' لا تسافر المرأة مسيرة يومين أو ليلتين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم ' .
1416 - قال مسلم بن الحجاج حدثني زهير ثنا يحيى بن سعيد عن ابن أبي ذئب ثنا سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي أنه قال ' لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم ' .
هذه الأحاديث الثلاثة مخرجة في الصحيحين .
مسألة [ 454 ] :
ولا فرق بين قليل السفر وطويله .
وقال أبو حنيفة : لا يعتبر المحرم إلا في السفر الطويل الذي يبيح الرخص .
وعن أحمد نحوه .
لنا ما تقدم من [ الحديث ] .
____________________
(2/488)
مسائل الفوات
مسألة [ 445 ] :
إذا فاته الحج انقلب إحرامه إحرام عمرة .
وعنه أن إحرامه بحاله ، ويتحلل منه بفعل عمرة ، [ وبه قال أكثرهم ] .
1417 - قال الدارقطني : ثنا محمد بن الحسن اليقطيني ثنا محمد بن الحسن بن قتيبة ثنا محمد بن عمرو العرني ثنا يحي بن عيسى عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس قال : قال رسول الله : ' من فاته عرفات فقد فاته الحج ، فليحلل بعمرة ، وعليه الحج من قابل ' .
1418 - قال الدارقطني : وثنا إبراهيم بن حماد بن إسحاق ثنا أبو عون محمد بن عمرو ابن عون ثنا داود بن جبير ثنا رحمة بن مصعب عن ابن أبي ليلى عن عطاء ونافع : عن ابن عمر أن رسول الله قال : ' من فاته عرفات بليل فقد فاته الحج ، فليحلل بعمرة وعليه الحج من قابل ' .
الحديثان ضعيفان .
ز : هذان الحديثان غير مخرجين في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه ، ولا السنن .
أما الأول : ففيه يحي بن عيسى .
____________________
(2/489)
وأما الثاني : فتفرد به رحمة ، قال يحي بن معين : يحي بن عيسى ، ورحمة ليسا بشيء .
ز : ابن أبي ليلى كثير الخطأ .
وأما الحديث الأول : فهو مروي من حديث يحي بن عيسى الرملي ، وقد روى له مسلم في صحيحه ، وداود بن جبير غير مشهور ، والأشبه في هذين الحديثين الوقف .
1419 - قال سعيد بن منصور : ثنا هشام أنبأ مغيرة عن إبراهيم عن أسود بن يزيد أن رجلا فاته الحج ، فأمره عمر بن الخطاب أن يحل بعمرة ، وعليه الحج من قابل .
____________________
(2/490)
مسائل الهدي
مسألة [ 456 ] :
إشعار البدن ، وتقليدها سنة .
وقال أبو حنيفة : يكره الإشعار .
1240 - قال أحمد : ثنا هشام ثنا أصحابنا ، منهم شعبة عن قتادة عن أبي حسان عن ابن عباس أن رسول الله أشعر بدنته من الجانب الأيمن ، ثم سلت الدم عنها ، وقلدها بنعلين .
1421 - قال الترمذي : ثنا أبو كريب ثنا وكيع عن هشام الدستوائي عن قتادة عن أبي حسان : عن ابن عباس أن النبي قلد نعلين ، وأشعر الهدي في الشق الأيمن بذي الحليفة ، وأماط عنه الدم .
قال الترمذي : هذا حديث صحيح .
قال : وسمعت أبا السائب يقول : كنا عند وكيع فقال لرجل ممن ينظر في الرأي : أشعر رسول الله ، ويقول أبو حنيفة : هو مثله ، قال الرجل : قد روي عن إبراهيم النخعي أنه قال : الإشعار مثلة فرأيت وكيعا غضب غضبا شديدا ، ثم قال : أقول لك قال رسول الله ، وتقول : قال إبراهيم ! ما أحقك بأن تحبس ثم لا تخرج حتى تبرح عن قولك هذا .
ز : وهذا الحديث رواه مسلم ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه من حديث قتادة وأبو حسان هو مسلم بن عبد الله الأعرج البصري ، والله أعلم .
____________________
(2/491)
[ مسألة [ 457 ] :
وصفة الإشعار شق صفحة سنامها الأيمن .
وعنه الأيسر كقول أبي يوسف ومحمد ، لنا الحديث المتقدم ] .
مسألة [ 458 ] :
يسن تقليد الغنم .
وقال أبو حنيفة ، ومالك : لا يسن .
1422 - قال الترمذي : ثنا بندار ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن منصور عن إبراهيم عن الأسود : عن عائشة قالت : كنت أفتل قلائد هدي رسول الله كلها غنما .
قال الترمذي : هذا حديث صحيح .
[ ز : وقد رواه البخاري ومسلم والنسائي من عدة طرق عن منصور بن المعتمر ، والله أعلم ]
مسألة [ 459 ] :
ويجوز النحر في جميع الحرم .
وقال مالك : لا ينحر الحاج إلا بمنى ، والمعتمر إلا بمكة .
____________________
(2/492)
1423 - قال ابن ماجه : ثنا علي بن محمد وعمرو بن عبد الله قالا : ثنا وكيع قال : ثنا أسامة بن زيد عن عطاء : عن جابر قال : قال رسول الله : ' منى كلها منحر ، وكل فجاج مكة طريق ، ومنحر ، وكل عرفة موقف ، وكل المزدلفة موقف ' .
ز : وقد رواه الإمام أحمد بن حنبل من طريق أسامة .
وقد روى له مسلم في صحيح مسلم من حديث جابر : ' منى كلها منحر فانحروا في رجالكم ' والله أعلم .
مسألة [ 460 ] :
لا يأكل من الدماء الواجبة إلا من هدي التمتع والقران .
وقال الشافعي : لا يأكل من شيء منها .
لنا ما : روى عبد الرحمن بن أبي حاتم في سننه من حديث علي عليه السلام قال : أمرني رسول الله بهدي التمتع ؛ أن أتصدق بلحومها ، سوى ما نأكل .
احتجوا بما :
1424 - قال أحمد : حدثني أبي ثنا وكيع ، وأبو معاوية قالا : ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن ناجية الخزاعي - وكان صاحب بدن رسول الله قال : قلت : يا رسول الله كيف أصنع بما عطب من البدن ؟ قال : ' انحره ، واغمس نعله في دمه ، واضرب به صفحته ، وخل بين
____________________
(2/493)
الناس وبينه ، فليأكلوه ' .
قال الترمذي : هذا حديث صحيح .
1425 - قال أحمد : وثنا إسماعيل ثنا أبو التياح عن موسى بن سلمة عن ابن عباس أن رسول الله بعث بثماني عشرة بدنة مع رجل بأمره ، فانطلق ، ثم رجع إليه فقال : أرأيت إن أرجف علينا منها شيء قال : ' انحرها ثم اصبغ نعلها في دمها ، ثم اجعلها على صفحتها ، ولا تأكل منها أنت ، ولا أحد من أهل رفقتك ' .
انفرد بإخراجه مسلم .
1426 - قال أحمد : وثنا عبد الرزاق أنبأ معمر عن قتادة عن سنان بن سلمة عن ابن عباس : أن ذؤيب بن حلحلة أخبره أن النبي بعث معه ببدنتين ، وأمره إن عرض لهما شيء أو عطبتا أن ينحرها ثم يغمس نعلهما في دمائهما ، ثم يضرب بنعل كل واحدة صفحتها ، ويخليها والناس ، ولا يأكل منها هو ، ولا أحد من أصحابه .
انفرد بإخراجه مسلم .
ز : ورواه أيضا أصحاب السنن الأربعة .
والجواب : أنا نحمله على غير مسألتنا بدليلنا .
____________________
(2/494)
مسألة [ 461 ] :
إذا نذر بدنة ، وأطلق فهو مخير بين الجزور والبقرة .
وعنه لا ينتقل إلى البقرة إلا عند عدم الجزور كقول الشافعي .
لنا : حديث جابر المتقدم : كنا ننحر البدنة عن سبعة .
قيل له : والبقرة ؟ .
قال : وهل هي إلا من البدن ، وقد سبق في حديث جابر أن رسول الله قال : ' يشترك النفر في الهدي ' .
ز : وقد رواه مسلم في صحيحه بمعناه .
قال أصحاب أحمد : ليس فيه حجة ، ولا حجة فيه للمسألة المذكورة ، والله أعلم .
مسألة [ 462 ] :
يجوز أن يشترك سبعة في بدنة ، وبقرة على الإطلاق .
وقال أبو حنيفة : إن كان بعضهم يريد اللحم ، وبعضهم يريد القربة لم يصح الاشتراك .
وقال مالك : لا يصح الاشتراك في الهدي الواجب .
لنا حديث جابر المتقدم .
1427 - وقال أحمد : ثنا يحي بن آدم ثنا زهير ثنا أبو الزبير عن جابر قال : قدمنا
____________________
(2/495)
مكة ، فقال لنا رسول الله : ' من لم يكن معه هدي فليحلل ' وأمرنا أن نشترك في الإبل ، والبقر ؛ كل سبعة منا في بدنة .
انفرد بإخراجه مسلم .
1428 - قال الترمذي : ثنا قتيبة ثنا مالك بن أنس عن أبي الزبير عن جابر قال : نحرنا مع النبي عام الحديبية ، البقرة عن سبعة ، والبدن عن سبعة .
قال الترمذي : هذا حديث صحيح .
ز : رواه النسائي ، وابن ماجه .
1429 - قال الترمذي : وثنا الحسين بن حريث قال : ثنا الفضل بن موسى عن حسين ابن واقد عن علياء بن أحمر عن عكرمة عن ابن عباس قال : كنا مع النبي في سفر فحضر الأضحى ، فاشتركنا في البقرة سبعة ، وفي الجزور عشرة .
قال الترمذي : حديث حسن غريب ، وفيه نظر .
____________________
(2/496)
مسائل الأضاحي
مسألة [ 463 ] :
الأضحية سنة .
وعنه واجبة كقول أبي حنيفة .
1430 - قال مسلم بن الحجاج : قال حدثني حجاج بن الشاعر : حدثني يحي بن كثير [ العنبري ] ثنا شعبة عن مالك بن أنس عن عمرو بن مسلم عن سعيد بن المسيب : عن أم سلمة أن النبي قال : ' إذا رأيتم هلال ذي الحجة ، وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن مشعره وأظفاره ' .
انفرد بإخراجه مسلم .
فوجه الحجة أنه علقه بالإرادة ، وقد استدل أصحابنا بحديث ابن عباس عن النبي أنه قال : ' ثلاث هن علي فريضة ، ولكم تطوع ، منها النحر ' .
وقد ذكرناه في مسائل الوتر ، وقلنا : يرويه أبو خباب ، وهو متروك .
1431 - قال الدارقطني : ثنا أبو العباس عبد الله بن عبد الرحمن العسكري قال : ثنا الحنيني قال : ثنا أبو غسان ثنا قيس عن جابر عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله ' كتب علي النحر ، ولم يكتب عليكم ' .
____________________
(2/497)
1432 - قال الدارقطني : وثنا أحمد بن محمد بن سعدان ثنا سعيد بن أيوب ثنا عثمان ابن عبد الرحمن الحراني ثنا يحي بن أبي أنيسة عن جابر عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله : ' أمرت بالنحر وليس بواجب ' .
جابر في الحديثين هو الجعفي ، وهو ضعيف .
ز : وهذا الحديث غير مخرج في السنن ، وفي رجاله يحي بن أبي أنيسة ، وهو متروك الحديث .
احتجوا بخمسة أحاديث :
1433 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا أبو عبد الرحمن ثنا عبد الله بن عياش عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' من وجد سمة ، فلم يضح فلا يقربن مصلانا ' .
ز : هذا الحديث رجاله كلهم مخرج لهم في الصحيحين إلا عبد الله بن عياش ، فإنه من أفراد مسلم .
وقد رواه ابن ماجه موقوفا ، وهو الأشبه بالصواب .
1434 - الحديث الثاني : قال أحمد : وثنا معاوية بن عمرو ثنا زائدة ثنا أبو خباب الكلبي قال حدثني يزيد بن البراء بن عازب : عن البراء قال : قال رسول الله : ' إنما الذبح بعد الصلاة ' فقام أبو بردة بن نيار فقال : عجلت ذبح شاتي ، وعندي جذعة فقال : ' لن يفي عن أحد بعدك ' .
وفي لفظ : ' لن يجزئ ' وهذا إنما يستعمل في الواجب .
ز : لكنه غير مخرج في السنن وإسناده ليس بالقوي ، ولا دليل فيه على
____________________
(2/498)
الوجوب ، والله أعلم .
1435 - الحديث الثالث : قال أحمد : وثنا محمد بن أبي عدي عن ابن عون عن ابن أبي رملة قال : ثناه مخنف بن سليم قال : نحن مع النبي ، وهو واقف بعرفات فقال : ' يا أيها الناس : إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعنيزة ، تدرون ما العنيزة ؟ هذه الذي يقول الناس الرجبية ' .
ز : هكذا هو مروي عن ابن رملة ، والصواب أبو رملة واسمه عامر ، وفيه ، ولم يرو عنه غير ابن عون .
وقد رواه أصحاب السنن الأربعة هذا الحديث من رواية ابن عون عنه .
وقال الترمذي : حديث حسن غريب ، لا يعرف إلا من هذا الوجه - يعني من حديث ابن عون .
1436 - الحديث الرابع : قال الدارقطني : ثنا محمد بن يوسف الخلال ثنا القاسم بن سهل ثنا المسيب بن شريك ثنا عبيد المكتب عن عامر عن مسروق : عن علي عن النبي : ' نسخ الأضحى كل ذبح ، وصوم رمضان كل صوم ' .
ز : هذا الحديث لا يثبت ، والمسيب بن شريك أجمعوا على ترك حديثه ، قاله الفلاس .
وقد روى هذا الحديث عنه أيضا علي بن سعيد بن مسروق الكندي .
وقال ابن عدي : أنبأ الحسن بن يوسف أنبأ المسيب بن واضح ثنا المسيب بن شريك عن عتبة بن اليقظان عن الشعبي عن مسروق عن علي قال : قال رسول الله : ' نسخت الزكاة كل صدقة في القرآن ، ونسخ غسل الجنابة كل غسل ، ونسخ صوم رمضان كل صوم ، ونسخ الأضحى كل ذبح ' .
____________________
(2/499)
كذا رواه ابن عدي ، والله أعلم .
1437 - الحديث الخامس : قال الدارقطني : ثنا ابن مبشر قال : ثنا أحمد بن سنان القطان ثنا يعقوب بن محمد الزهري ثنا رفاعة بن هرير ثنا أبي : عن عائشة قالت : يا رسول الله أستدين وأضحي ؟ قال : لا نعم ؛ فإنه دين مقضي ' .
ز : هذا الحديث والذي قبله غير مخرجين في شيء من الكتب الستة .
والجواب : أما الحديث الأول : فقال أحمد : هو حديث منكر ثم إنه لا يدل على الوجوب ، كما قال : ' من أكل الثوم فلا يقرب مصلانا ' .
وأما الحديث الثاني : فأبو خباب متروك ، ثم لو صح الحديث فالمراد أنها تفي ، وتجزئ في إقامة السنة .
يدل عليه ما :
1438 - قال أحمد : ثنا عفان ثنا شعبة قال : زيد أخبرني ومنصور ، وداود بن عون عن الشعبي : عن البراء قال : خطبنا رسول الله فقال : ' إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك فقد أصلب سنتنا ، ومن ذبح ذلك قبل فإنما هو لحم قدمه لأهله ؛ ليس من النسك في شيء ' قال أبو بردة : يا رسول الله : ذبحت ، وعندي جذعة خير من مسنة قال : ' اجعلها مكانها ، ولن تجزي ، أو توفي عن أحد بعدك ' .
ز : هذا الحديث والذي قبله غير مخرجين في شيء من الكتب الستة .
أخرجاه في الصحيحين .
وأما الحديث الثالث : فإن ابن أبي رملة اسمه عامر وهو مجهول ، ثم إن الحديث متروك ؛ إذ لا يسن عنيزة أصلا .
ولو قلنا بوجوب الأضحية كانت على الشخص الواحد ، لا على جميع أهل البيت .
وأما الرابع : فإن الهيثم بن سهل ضعيف ، والمسيب بن شريك متروك .
____________________
(2/500)
وأما الخامس : فقال الدارقطني : هو إسناد ضعيف ، وهرير هو ابن عبد الرحمن بن رافع بن خديج ، ولم يسمع من عائشة ، ولم يدركها .
مسألة [ 464 ] :
ويكره لمن أراد أن يضحي إذا دخل العشر أن يحلق شعره ، أو يقلم أظفاره .
[ ومن أصحابنا من قال ] : يحرم عليه .
وقال أبو حنيفة : لا يكره .
دليلنا : حديث أم سلمة المتقدم .
مسألة [ 465 ] :
الأفضل في الأضاحي الإبل ، ثم البقر ، ثم الغنم .
وقال مالك : الغنم ، ثم البقر ، ثم الإبل .
1439 - قال أحمد : ثنا يزيد ثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن أبي عبد الله الأغر عن أبي هريرة عن النبي قال : ' إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على أبواب المساجد فيكتبون الأول ، فالأول ، فمثل المهجر إلى الجمعة كالذي يهدي بدنة ، ثم كالذي يهدي بقرة ، ثم كالذي يهدي كبشا ، ثم كالذي يهدي دجاجة ، ثم كالذي يهدي بيضة ، فإذا خرج الإمام وقعد على المنبر طووا
____________________
(2/501)
صحفهم وجلسوا يسمعون الذكر ' .
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين .
مسألة [ 466 ] :
لا يجوز أن يضحى بعضباء القرن والأذن .
وقال أبو حنيفة : يجوز بعضباء القرن .
وقال مالك : إن كان قرنها يدمى لم يجز ، وإلا جاز .
فأما المقطوعة الأذن فيجوز .
1440 - قال أحمد : ثنا يحي عن هشام ثنا قتادة عن جري بن كليب عن علي قال : نهى رسول الله : ' أن يضحى بعضباء القرن والأذن ' .
ز : رواه أصحاب السنن الأربعة من حديث قتادة ، ولم يذكر النسائي ' الأذن ' .
وقال الترمذي : حديث حسن صحيح .
وقال أبو داود : جري لم يحدث عن أبي قتادة .
وقال ابن المثنى : مجهول ولا أعلم روى عنه إلا قتادة .
وقال أبو حاتم : شيخ لا يحتج بحديثه .
____________________
(2/502)
مسألة [ 467 ] :
لا يجوز ذبح الأضحية قبل صلاة الإمام ويجوز بعدها [ وعليه الجمهور ] ، وإن لم يكن الإمام قد ذبح .
وقال أبو حنيفة في أهل الأمصار كقولنا ، وفي أهل القرى يجوز أن يذبحوا بعد طلوع الفجر يوم النحر .
وقال مالك : وقت الذبح : إذا صلى الإمام ، وذبح .
وقال الشافعي : وقت الذبح : أن يمضي بعد دخول وقت الصلاة بزمان يمكن فيه صلاة ركعتين ، وخطبتين .
لنا حديثان :
أحدهما : حديث البراء : ' إن أول ما نبدأ به أن نصلي ثم ننحر ، فمن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم قدمه لأهله ؛ ليس من النسك في شيء ' .
وقد سبق بإسناده .
1441 - الحديث الثاني : قال أحمد : ثنا عبيدة عن حميد قال : حدثني الأسود بن قيس : عن جندب بن سفيان البجلي أنه صلى مع رسول الله يوم أضحى قال : فانصرف رسول الله فإذا هو باللحم ، وذبائح الأضحى ، فعرف رسول الله أنها ذبحت قبل أن نصلي ، فقال رسول الله : ' من كان ذبح قبل أن نصلي فليذبح مكانها أخرى ومن لم يكن ذبح حتى صلينا فليذبح باسم الله ' .
أخرجاه في الصحيحين .
____________________
(2/503)
ز : احتج مالك بما : روى مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله قال : صلى بنا النبي يوم النحر بالمدينة فتقدم رجال فنحروا ، وظنوا أن النبي قد نحر ، فأمر النبي من كان نحر قبله أن يعيد بنحر آخر ، ولا تنحروا حتى ينحر النبي .
مسألة [ 468 ] :
لا يجوز بيع جلود الأضاحي .
وقال أبو حنيفة : يجوز .
1442 - قال أحمد : ثنا معاذ أنبأ زهير بن معاوية عن عبد الكريم الجزري عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى : عن علي قال : أمرني رسول الله أن أقوم على بدنه ، وأن أتصدق بلحومها ، وجلودها ، وأحلبها ، وأن لا أعطي الجازر منها شيئا ، وقال : ' نحن نعطيه من عندنا ' .
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين .
مسألة [ 469 ] :
العقيقة مستحبة .
وقال أبو حنيفة : لا تستحب .
وقال داود : واجبة ، ونقلها أبو بكر عبد العزيز عن أحمد .
____________________
(2/504)
لنا أربعة أحاديث :
1443 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا عبد الرزاق أنبأ داود بن قيس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : سئل رسول الله عن العقيقة فقال : ' من أحب منكم أن ينسك عن ولده فليفعل عن الغلام شاتان مكافأتان ، وعن الجارية شاة ' .
ز : ورواه أبو داود ، والنسائي من رواية داود وهو ثقة .
1444 - الحديث الثاني : قال أحمد : وثنا زيد بن الحباب حدثني حسين بن واقد حدثني عبد الله بن بريدة قال : سمعت أبي يقول : عق رسول الله عن الحسن والحسين .
ز : ورواه النسائي أيضا .
1445 - الحديث الثالث : قال أحمد : وثنا عفان قال : ثنا همام قال : ثنا قتادة عن ابن سيرين : عن سلمان بن عامر الضبي أن النبي قال : ' مع الغلام عقيقته فأهريقوا عنه الدم ، وأميطوا عنه الأذى ' .
انفرد بإخراجه البخاري .
1446 - الحديث الرابع : قال الترمذي : ثنا علي بن حجر أنبأ علي بن مسهر عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن : عن سمرة قال : قال رسول الله : ' الغلام مرتهن بعقيقته ، تذبح عنه يوم السابع ، ويسمى ، ويحلق رأسه ' .
ز : وقد رواه أبو يعلى الموصلي أيضا عن سمرة أن رسول الله قال : ' كل غلام مرتهن بعقيقته ، يذبح عنه يوم سابعه ويحلق ، ويسمى ' .
____________________
(2/505)
وقد روى هذا الحديث أحمد بن حنبل ، وأصحاب السنن الأربعة من حديث قتادة .
وقال الترمذي : حديث حسن صحيح .
وقال أبو يعلى : حدثنا أبو موسى : حدثني قريش بن أنس عن حبيب بن السهيل قال : قال محمد بن سيرين : سئل الحسن ممن سمع حديثه في العقيقة ، فسأله فقال : سمعته من سمرة .
وقد رواه البخاري أيضا ، والنسائي .
والحديث الأول رواه أحمد أيضا ، وفيه حديث أم كرز رواه أصحاب السنن وصححه الترمذي .
وللغويين في معنى العقيقة قولان :
أحدهما : أن الشاة المذبوحة سميت عقيقة ؛ لأنها يعق مذابحها ؛ أي تشق .
والثاني : أنها اسم للشعر الذي يحلق عن رأس المولود ؛ فهو مرتهن بأداه ، حتى يحلق ؛ فسميت الشاة عقيقة تجوزا ؛ لأنها إنما تجب بسبب حلاق الشعر .
[ مسألة [ 470 ] :
والمستحب شاتان عن الغلام ، وشاة عن الجارية ، وقال مالك : شاة عن الجميع .
1447 - قال أحمد : ثنا هيثم بن خارجة : ثنا إسماعيل بن عياش عن ثابت بن العجلان عن مجاهد : عن أسماء بنت يزيد عن النبي قال : ' العقيقة حق عن الغلام شاتان
____________________
(2/506)
مكافأتان ، وعن الجارية شاة ' .
1448 - قال أحمد : وثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن حبيبة بنت ميسرة : عن أم كرز الكعبية عن النبي قال : ' عن الغلام شاتان مكافأتان ، وعن الجارية شاة ' .
قال أحمد بن حنبل : مكافأتان أي مستويتان أو متقاربتان ] .
____________________
(2/507)
____________________
(2/508)
كتاب البيوع
مسألة [ 471 ] :
بيع ما لم يره المتبايعان من غير صفة لا يصح .
وعنه أنه يصح ، وهل يثبت فيه خيار الرؤية أم لا ؟ على روايتين ، وبه قال أبو حنيفة .
1449 - قال أحمد : ثنا يحيى بن سعيد أخبرنا عبيد الله بن عمر عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله نهى عن بيع الغرر .
انفرد بإخراجه مسلم .
1450 - قال أحمد : وثنا أيوب بن عتبة عن يحيى بن أبي كثير عن عطاء : عن ابن عباس قال : نهى رسول الله عن بيع الغرر .
1451 - قال أحمد : وثنا هشام قال : ثنا أبو بشر عن يوسف بن ماهك : عن حكيم ابن حزام قال : قلت يا رسول الله : يأتيني الرجل يسألني البيع ، ليس عندي ، فأبيعه منه ثم أبتاعه من السوق فقال : ' لا تبع ما ليس عندك ' .
ز : وقد رواه ابن حبان ، ورواه أبو يعلى ، ورواه الطبراني ، والدارقطني من حديث
____________________
(2/509)
سهل بن سعد .
والدارقطني من حديث ابن عمر .
ورواه أصحاب السنن الأربعة ، وقال الترمذي : حديث حسن .
احتجوا بما :
1452 - قال الدارقطني : أنبأ أبو بكر أحمد بن محمد بن خير زاد القاضي : ثنا عبد الله ابن أحمد بن موسى ثنا داهر بن نوح ثنا عمر بن إبراهيم بن خالد ثنا وهب اليشكري عن محمد بن سيرين : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه ' .
قال عمر : وأخبرني فضيل بن عياض عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي بمثله .
قال عمر : وأخبرني القاسم بن الحكم عن أبي حنيفة عن الهيثم عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي مثله .
قال الدارقطني : لم يرو هذه الأحاديث غير عمر بن إبراهيم ويقال له : الكردي وكان يضع الأحاديث ، وإنما يروى هذا من قول ابن سيرين .
قلت : قال أبو حاتم بن حبان : كان عمر الكردي يروي عن الثقات ما لم يحدثوا به ، لا يجوز الاحتجاج بخبره .
قلت : وقد روي هذا الحديث مرسلا من وجه ضعيف .
1453 - قال سعيد بن منصور قال : ثنا إسماعيل بن عياش عن أبي بكر بن عبد الله ابن أبي مريم : عن مكحول رفع الحديث إلى النبي قال : ' من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه إن شاء أخذه وإن شاء تركه ' .
هذا مرسل ، وابن أبي مريم اسمه بكير ، ضعفه أحمد ، ويحيى وأبو حاتم ، وأبو زرعة الدارقطني .
____________________
(2/510)
مسائل الخيار
مسألة [ 472 ] :
خيار المجلس ثابت خلافا لأبي حنيفة ومالك .
1454 - قال أحمد : ثنا سفيان : حدثني عبد الله بن دينار : عن ابن عمر قال : قال رسول الله : ' البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يكون بيع خيار ' .
1455 - قال أحمد : وثنا إسماعيل ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث : عن حكيم بن حزام قال : قال رسول الله : ' البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ، فإن صدقا وبينا رزقا بركة بيعهما ، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما ' .
1456 - قال الترمذي : ثنا واصل بن عبد الأعلى ثنا ابن فضيل عن يحيى بن سعيد عن نافع : عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله يقول : ' البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ، أو يختارا ' .
قال : وكان ابن عمر إذا ابتاع بيعا وهو قاعد قام ليجب له .
هذه الأحاديث كلها في الصحيحين .
1457 - قال أحمد : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا هشام عن قتادة عن الحسن : عن
____________________
(2/511)
سمرة قال : قال رسول الله : ' البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ' .
1458 - قال أحمد : وثنا أبو كامل : ثنا حماد بن زيد عن حميد بن ميسرة عن أبي الربيع قال : كنا في سفر ، ومعنا أبو برزة فقال أبو برزة : إن رسول الله قال : ' البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ' .
ز : رواه النسائي ، وابن ماجة ، وأبو داود .
مسألة [ 473 ] :
يجوز الخيار أكثر من ثلاث ، [ خلافا لأكثرهم ]
لنا قوله عليه السلام : ' المؤمنون عند شروطهم ' وسيأتي مسندا في مسائل الشروط .
احتجوا بحديثين :
1459 - قال الدارقطني : ثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي ، ثنا محمد بن عمرو بن العباس الباهلي ، ثنا عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن يحيى بن جنادة قال : كان جدي منقذ بن عمرو لا يدع التجارة فأتى رسول الله فذكر ذلك له فقال : ' إذا بايعت فقل : لا خلابة ، ثم أنت في كل سلعة تبتاعها بالخيار ثلاث ليال ' .
ز : رواه أيضا ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة .
____________________
(2/512)
1460 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : وحدثني محمد بن أحمد بن الصلت ثنا محمد ابن خالد بن يزيد الراسبي ثنا أحمد بن عبد الله بن ميسرة أبو علقمة الفروي ثنا نافع : عن ابن عمر عن النبي قال : ' الخيار ثلاثة أيام ' .
والجواب : أن التقدير بالثلاث خرج مخرج الأغلب ؛ لأن النظر يحصل فيها غالبا ، وهذا لا يمنع من الزيادة عليها عند الحاجة ، كما قدرت حجارة الاستنجاء بثلاثة ، ثم لو دعت الحاجة إلى الزيادة وجب .
ز : هذا الحديث غير مخرج في السنن وهو من رواية أبو علقمة الفروي ، هو الكبير ، واسمه عبد الله بن أبي فروة ، وقد روى له مسلم ، ووثقه ابن معين ، وغيره .
أما أبو علقمة الفروي الصغير فاسمه عبد الله بن هارون ، وهو ضعيف .
وفي رجاله أيضا أحمد بن عبد الله بن ميسرة ، حدث عن الثقات بالمناكير ، قاله ابن عدي ، وأبو حاتم الرازي .
وقال ابن حبان : لا يحل الاحتجاج به .
والتقدير بالثلاث خرج مخرج الأغلب ؛ لأن النظر يحصل فيها غالبا ، وهو لا يمنع من الزيادة عليها عند الحاجة ، كما قدرت جارة الاستنجاء بثلاثة .
ثم لو دعت الحاجة إلى الزيادة وجب .
____________________
(2/513)
____________________
(2/514)
مسائل الربا
مسالة [ 474 ] :
علة الربا مكيل جنس ، وعنه أن العلة مطعوم جنس كقول الشافعي ، وعنه رواية ثالثة : أن العلة الكيل والطعم إذا اجتمعا .
قال مالك : العلة القوت ، وما يصلحه .
وجه الأولى أربعة أحاديث :
1461 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا وكيع عن سفيان عن خالد الحذاء عن أبي الأشعث الصنعاني : عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله : ' الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، مثلا بمثل يدا بيد ، فإذا اختلفت هذه الأوصاف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد ' .
انفرد بإخراجه مسلم .
والحجة أنه اشترط المماثلة ، ولا يتحقق إلا بالكيل .
____________________
(2/515)
1462 - الحديث الثاني : قال أحمد : وثنا محمد بن فضيل ثنا أبي عن أبي حازم : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' الحنطة بالحنطة ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، كيلا بكيل ، وزنا بوزن ، فمن زاد أو ازداد فقد أربى إلا ما اختلفت ألوانه ' .
انفرد بإخراجه مسلم .
ز : وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أيضا أن رسول الله قال : ' التمر بالتمر ، والحنطة بالحنطة ، والشعير بالشعير ، والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد واستزاد فقد أربى إلا ما اختلفت ألوانه ' .
هكذا رواه مسلم .
1463 - الحديث الثالث : قال الدارقطني ثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا عبد الله بن أحمد ثنا محمد بن أحمد بن أيوب ثنا أبو بكر بن عياش عن الربيع بن صبيح عن الحسن عن عبادة : وأنس بن مالك عن النبي قال : ' ما وزن مثلا بمثل إذا كان نوعا واحدا ، وما كيل فمثل ذلك فاختلف النوعان فلا بأس به ' .
ز : هذا الحديث غير مخرج في السنن ، وهو من رواية الربيع بن صبيح ، لا بأس به ، رجل صالح ، قاله الإمام أحمد .
وقال أبو زرعة : شيخ صدوق ، ورجل صالح صدوق ثقة .
وقال الدارقطني في هذا الحديث : لم يروه عن أبي بكر عن الربيع .
وخالفه جماعة فرووه أيضا عن الربيع عن ابن سيرين عن قتادة ، وأنس عن النبي بلفظ غير هذا اللفظ .
1464 - الحديث الرابع : قال الدارقطني : وثنا ابن صاعد ثنا يحي بن سليمان ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف عن سعيد بن المسيب : أن أبا سعيد الخدري وأبا هريرة حدثاه أن رسول الله بعث سواد بن غزية
____________________
(2/516)
وأمره على خيبر ، فقدم عليه بتمر خيبر - يعني الطيب - فقال رسول الله : ' أكل تمر خيبر هكذا ؟ ' قال : لا والله يا رسول الله ، إنا نشتري الصاع بالصاعين ، والصاعين بثلاثة أصع من الجمع ، فقال رسول الله : ' لا تفعل ، ولكن بع هذا ، واشتر بثمنه من هذا ، وكذلك الميزان ' يعني ما دخل في الوزن .
ز : أخرجاه في الصحيحين ، قال البيهقي في قوله : وكذلك الميزان : الأشبه أنه من قول أبي سعيد .
احتجوا بما :
1465 - قال الدارقطني : ثنا أبو بكر النيسابوري ثنا يونس بن عبد الأعلى ثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن أبا النضر حدثه أن أنس بن سعيد حدثه : عن معمر بن عبد الله عن النبي قال : ' الطعام بالطعام ، مثلا بمثل ' .
وحجتهم أن الطعام مشتق من الطعم ، فهو يعم المطعوم .
ز : وهذا الحديث قد رواه مسلم أيضا .
مسألة [ 475 ] :
لا يجوز بيع تمرة بتمرتين ، ولا حفنة بحفنتين .
وقال أبو حنيفة : يجوز .
____________________
(2/517)
لنا قوله عليه السلام : ' إلا مثل بمثل ' ، [ وقد سبق الحديث ] .
مسألة [ 476 ] :
علة الربا في الدراهم والدنانير الوزن ، فتعدى العلة إلى كل موزون .
وقال مالك والشافعي : العلة كونهما ثمنا .
لنا ما تقدم من حديث عبادة [ وأنس ] .
مسألة [ 477 ] :
لا يجوز التفرق في بيع ما يجري فيه الربا لعلة واحدة قبل القبض كالمكيل بالمكيل ، والموزون بالموزون .
____________________
(2/518)
وقال مالك : يحرم النسأ في الجنس الواحد إذا كان متفاضلا ، فأما الجنسان فلا .
1468 - قال الدارقطني : ثنا أبو بكر النيسابوري ثنا يونس بن عبد الأعلى قال : ثنا ابن وهب : أخبرني ابن جريج أن عمرو بن شعيب أخبره عن أبيه : عن عبد الله بن عمرو ابن العاص أن رسول الله أمره أن يجهز جيشا ، قال عبد الله بن عمرو ليس عندي ظهر ، قال : فأمره رسول الله أن يبتاع ظهرا إلى خروج المصدق ، فابتاع عبد الله بن عمرو البعير بالبعيرين ، وبالأبعرة إلى خروج المصدق بأمر رسول الله .
ز : هذا إسناد جيد وإن كان غير مخرج في شيء من السنن .
وقد روي هذا الحديث من وجه آخر عن عبد الله بن عمرو .
ورواه أحمد من حديث أحد التابعين قال : سألت عبد الله بن عمرو بن العاص فقلت : أنا بأرض ليس بها دينار ، ولا درهم ، وإنما نبايع بالإبل ، والغنم إلى أجل فما ترى في ذلك ؟ قال : على الخبير سقطت ؛ جهز رسول الله جيشا على إبل من إبل الصدقة حتى نفذت ، وبقي ناس ، فقال رسول الله ' اشتر لنا إبلا بقلائص من إبل الصدقة إذا جاءت حتى نؤديها إليهم ، فاشتريت البعير بالاثنين ، والثلاث قلائص حتى فرغت ، فأدى ذلك رسول الله من إبل الصدقة ' .
قال عثمان بن سعيد الدارمي عن يحي بن معين : هذا الحديث مشهور ، كذا قال ، وهذا الحديث قد اختلف عن حفص بن عمر عن حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن يزيد ابن أبي حبيب عن مسلم بن حبيب عن أبي سفيان عن عمرو بن حريش .
ورواه أبو القاسم البغوي عن عبد الأعلى بن حماد .
____________________
(2/520)
1469 - قال أحمد : ثنا يحي بن سعيد عن مالك قال : حدثني زيد بن اسلم عن عطاء ابن يسار عن أبي رافع أن النبي استسلف من رجل بكرا ، فأتته إبل من إبل الصدقة ، فقال : ' أعطوه ' فقالوا : لا نجد له إلا رباعيا خيارا فقال : ' أعطوه ؛ فإن خير الناس أحسنهم قضاء ' .
انفرد بإخراجه مسلم .
احتجوا بأربعة أحاديث :
1470 - الأول : قال البخاري : ثنا علي بن عبد الله ثنا الضحاك بن مخلد قال : ثنا ابن جريج قال : أخبرني عمرو بن دينار أن أبا صالح الزيات أخبره أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول : الدينار بالدينار ، والدرهم بالدرهم ، فقلت له : فإن ابن عباس لا يقوله فقال أبو سعيد : سألته فقلت : سمعته من النبي أو وجدته في كتاب الله ؟ فقال : كل ذلك ، لا أقول ، وأنتم أعلم برسول الله مني ، ولكن أخبرني أسامة أن النبي قال : ' لا ربا إلا في النسيئة ' .
أخرجاه في الصحيحين .
1471 - الحديث الثاني : قال أحمد : ثنا عبدة ثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة أن النبي نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة .
ز : رواه أصحاب السنن الأربعة .
قال الترمذي : حديث حسن صحيح .
1472 - الحديث الثالث : قال أحمد : ثنا نصر بن ثابت عن حجاج عن أبي الزبير : عن
____________________
(2/521)
جابر قال : ' نهى رسول الله عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة اثنين بواحد ، ولا بأس به يدا بيد ' .
ز : رواه نصر بن ثابت عن حجاج عن أبي الزبير عن جابر .
ونصر بن ثابت هذا ضعيف ، لا يحتج بحديثه .
والحجاج بن أرطاة هو مدلس ، لكن لم ينفرد بهذا الحديث نصر عن حجاج ، فقد رواه الترمذي عن أبي عمار عن عبد الله .
ورواه ابن ماجه أيضا عن عبد الله بن سعيد عن حفص بن غياث ، وأبي خالد الأحمر ، ثلاثتهم عن حجاج به .
1473 - الحديث الرابع : قال الدارقطني : ثنا الحسين بن إسماعيل ثنا الفضل بن سهل قال : ثنا أبو أحمد الزبيري قال : ثنا سفيان عن معمر عن يحي بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة .
ز : هذا الحديث غير مخرج في شيء من المكتب الستة لكن رواته ثقات .
وقد رواه أبو القاسم الطبراني ، وأبو حاتم البستي ، ورواه البزار وقال : ليس في هذا الباب حديث أجلى إسناد من هذا الحديث .
وقال البيهقي في هذا الحديث : والصحيح عن معمر عن يحي عن عكرمة عن النبي مرسلا ، والصحيح عند أهل المعرفة بالحديث أنه مرسل ، ليس بمتصل .
وقد روى هذا الحديث أيضا ابن عمر ، وجابر ، وسمرة ، والله أعلم .
ولجواب : أما حديث أسامة فمحمول على ربا النسأ في الربويات ، وبقية الأحاديث محمولة على أن يكون النسأ من الطرفين ، فيبيع شيئا في ذمته بشيء في ذمة الآخر .
____________________
(2/522)
مسألة [ 479 ] :
الحنطة ، والشعير جنسان يجوز التفاضل فيهما خلافا لمالك .
1474 - قال الدارقطني : ثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا عبد الله بن أحمد ثنا هدبة ابن خالد ثنا همام بن يحي عن قتادة عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن أبي الأشعث الصنعاني : عن عبادة بن الصامت قال : نهى رسول الله أن يباع الذهب بالذهب إلا وزنا بوزن ، والورق بالورق إلا وزنا بوزن وذكر الشعير بالشعير ، والبر بالبر ولا بأس بالشعير يدا بيد ، والشعير أكثرهما .
ز : هذا الحديث لم يخرجه أحد من الكتب الستة .
من رواية قتادة عن أبي قلابة ، وقتادة لم يسمع من أبي قلابة قاله الإمام أحمد ، وغيره .
وقد رواه أبو داود عن حسن بن علي ابن بشر بن عمر عن همام عن قتادة ، وقد رواه النسائي أيضا .
مسألة [ 480 ] :
لا يجوز بيع الحنطة المبلولة باليابسة .
____________________
(2/523)
وقال أبو حنيفة : يجوز .
لنا قوله عليه السلام : ' أينقص الرطب إذا يبس ؟ ' قالوا : نعم ، فنهى عن ذلك ، وسيأتي هذا الحديث بإسناده إن شاء الله تعالى .
مسألة [ 481 ] :
الاعتبار بمكيال أهل المدينة ، وميزان مكة .
وقال أبو حنيفة ، الاعتبار في كل بلد بعادته .
1475 - قال أبو داود : ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا ابن دكين قال : ثنا سفيان عن حنظلة عن طاوس : عن ابن عمر قال : قال رسول الله : ' الوزن وزن أهل مكة ، والمكيال مكيال أهل المدينة ' .
قال أبو داود : وقد رواه بعضهم عن ابن عباس مكان ابن عمر قال : ورواه الوليد بن مسلم فقال فيه : ' الوزن وزن أهل المدينة ومكيال مكة ' .
وقد روي مرسلا عن عطاء عن النبي .
ز : رواه النسائي أيضا عن ابن عباس مكان ابن عمر .
ورواه أبو نعيم أيضا عن حنظلة عن طاوس عن ابن عباس عن ابن عمر قال : وهو الصواب مرفوعا أن : ' المكيال مكيال أهل مكة ، والوزن وزن أهل المدينة ' .
خالف في المتن والصحيح ما تقدم .
____________________
(2/524)
مسألة [ 482 ] :
لا يجوز بيع الرطب بالتمر .
وقال أبو حنيفة : يجوز .
لنا حديثان :
1476 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا عبد الرحمن عن مالك عن عبد الله بن يزيد عن زيد بن أبي عياش : عن سعد بن أبي وقاص قال : سمعت النبي يسأل عن الرطب بالتمر فقال : ' ينقص إذا يبس ؟ ' قالوا : نعم ، قال : ' فلا إذا ' .
قال أبو عبد الله الحاكم : هذا حديث صحيح .
فإن قيل : قد قال أبو حنيفة : زيد أبو عياش مجهول .
قلنا : إن كان هو لا يعرفه فقد عرفه أهل النقد ، فذكر روايته الترمذي ، وصححها ، والحاكم ، وصححها ، وذكره مسلم في كتاب الكنى ، قال : سمع من سعد ، وروى عنه عبد الله بن يزيد .
وذكره ابن خزيمة في رواية العدل عن العدل فقال الدارقطني : هو ثقة .
فإن قيل : نهى عن ذلك نسيئة .
____________________
(2/525)
1477 - قال الدارقطني : ثنا محمد بن سهل بن الفضل الكاتب ثنا علي بن زيد الفرائضي قال : ثنا الربيع بن نافع ثنا معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير قال : أخبرني عبد الله بن يزيد أن أبا عباس أخبره : أنه سمع سعد بن أبي وقاص يقوله : نهى رسول الله عن بيع الرطب بالتمر نسيئة .
قال الدارقطني : تابعه حرب بن شداد عن يحيى بن أبي كثير ، وخالفهم مالك ، وإسماعيل بن أمية ، والضحاك بن عثمان ، وأسامة بن زيد ، فرووه عن عبد الله بن يزيد ، ولم يقولوا فيه نسيئة .
وإجماع هؤلاء الأربعة على خلاف ما رواه يحيى يدل على ضبطهم للحديث ، وفيهم إمام حافظ ، وهو مالك بن أنس ، ثم إنا نقول به فلا يجوز نقدا ، ولا نسيئة .
ز : قال شيخنا الحافظ رحمه الله تعالى : وهذا الحديث رواه أهل السنن الأربعة من حديث مالك .
ورواه أبو داود عن الربيع بن نافع به .
ورواه أحمد ، والنسائي أيضا من رواية إسماعيل بن أمية .
ورواه أبو حاتم البستي من حديث مالك .
وقد روي عن عبد الله بن زيد بن أبي عياش موقوفا على سعد .
وزيد هو ابن عياش أبو عياش الدرقي ، ويقال : المخزومي ، ويقال : مولى بني زهرة ، ليس به بأس .
وقال ابن حزم : هو مجهول .
وقال الخطابي : وقد تكلم بعض الناس في إسناد حديث سعد بن أبي وقاص في بيع الرطب بالتمر ، وقالوا : زيد أبو عياش راويه ، وهو ضعيف .
وروى البيهقي عن يحيى بن سعيد عن عبد الله بن أبي سلمة أن رسول الله سئل
____________________
(2/526)
عن رطب بتمر فقال : ' أينقص الرطب إذا يبس ؟ ' قالوا : نعم ، فقال : ' لا يباع رطب بيابس ' .
وهذا مرسل جيد شاهد لحديث سعد بن أبي وقاص .
1478 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : ثنا عبيد الله بن عبد الصمد بن المهتدي ثنا الوليد بن حماد بن جابر ثنا أبو مسلمة يزيد بن خالد ثنا سليمان بن حيان عن يحيى بن أبي أنيسة عن الترمذي عن سالم عن أبيه قال : نهى رسول الله أن يباع الرطب بالتمر الجاف .
1479 - قال الدارقطني : وثنا الحسين بن إسماعيل ثنا علي بن مسلم ثنا ابن أبي زائدة : حدثني موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال : نهى رسول الله عن المزابنة ؛ أن يباع الرطب باليابس كيلا .
موسى بن عبيدة ، ويحيى بن أبي أنيسة متروكان .
ز : هذا الحديث غير مخرج في شيء من السنن ، وفي رجاله موسى بن عبيدة ، ويحيى بن أبي أنيسة متروكان .
مسألة [ 483 ] :
إذا باع جنسا فيه الربا بجنسه ، ومع أحدهما أو معهما من غير الجنس ، كمد ودرهم بدرهمين لم يصح .
وعنه يصح كقول أبي حنيفة .
____________________
(2/527)
لنا ما :
1480 - قال مسلم بن الحجاج : حدثني أبو الطاهر أنبأ ابن وهب عن قرة بن عبد الرحمن أن عامر بن يحيى أخبره : عن حنش أنه قال : كنا مع فضالة بن عبيد في غزاة فطارت لي ، ولأصحابي قلادة فيها ذهب ، وورق ، وجواهر ، فأردت أن أشتريها ، فسالت فضالة فقال : أنزع ذهبها ، فأجعله في كفة ، واجعل ذهبك في كفة ثم لا تأخذن إلا مثلا بمثل ؛ فإني سمعت رسول الله يقول : ' من كان يؤمن بالله ، واليوم الآخر فلا يأخذن إلا مثلا بمثل ' .
1481 - قال ابن وهب : وأخبرني أبو هانىء الخولاني أنه سمع علي بن رباح اللخمي يقول : سمعت فضالة بن عبيد يقول : أتى رسول الله وهو بخيبر بقلادة فيها خرز ، وذهب ، وهي من المغانم تباع ، فأمر رسول الله بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده ثم قال لهم رسول الله : ' الذهب بالذهب ، وزنا بوزن ' .
1482 - قال مسلم : وثنا قتيبة قال : ثنا ليث عن أبي شجاع سعيد بن يزيد عن خالد ابن أبي عمران عن حنش الصنعاني : عن فضالة بن عبيد قال : اشتريت يوم خيبر قلادة فيها اثني عشر دينارا فيها ذهب ، وخرز ففصلتها ، فوجدت فيها أكثر من اثني عشر دينارا فذكرت ذلك للنبي فقال : ' لا تباع حتى تفصل ' .
انفرد بإخراج هذه الطرق مسلم .
1483 - قال الدارقطني : ثنا البغوي ثنا محمد بن بكار ثنا عبد الله بن المبارك عن سعيد ابن أبي يزيد عن خالد بن معدان عن حنش : عن فضالة بن عبيد قال : أتي رسول الله عام خيبر بقلادة فيها خرز مغلفة بذهب ، فابتاعها رجل بسبعة دنانير ، أو بتسعة دنانير .
فقال النبي : ' لا حتى تميز بينهما ' . فقال : إنما أردت الحجارة .
فقال : ' لا بد حتى تميز بينهما ' .
ز : قال مسلم بعد أن روى حديث الليث عن سعيد بن يزيد فذكره .
ورواه أبو داود أيضا عن جماعة من شيوخه .
____________________
(2/528)
فإن قيل : إنما منع من ذلك لأن الذهب كان أكثر من الثمن ومتى كان كذلك فالبيع عندنا باطل ، وكذلك لو كان الثمن مثل الذهب ؛ لأن الزيادة تكون ربا .
قلنا : إنما احتجاجنا بأن رسول الله منع صحة البيع ومد البيع إلى غاية هي التمييز ، والتفضيل ، لا لعلة زيادة الثمن .
فإن قالوا : قد رويتم أن الثمن سبعة أو تسعة ، ورويتم اثنا عشرا ! .
قلنا : يحتمل أن يكون قصتين .
مسألة [ 484 ] :
لا يجوز بيع اللحم بحيوان المأكول ، ويجوز بغير المأكول كالعبد ، والحمار .
وقال أبو حنيفة : يجوز .
وقال مالك : لا يجوز بيع اللحم بحيوان معد للحم .
1484 - قال سعيد بن منصور : ثنا حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن سعيد بن المسيب أن رسول الله ' نهى عن بيع اللحم بالحيوان ' .
فإن قالوا : هو مرسل .
____________________
(2/529)
قلنا : المراسيل عندنا حجة ، وقد رفع ، لكن من طريق لا يرتضى .
1485 - قال الدارقطني : ثنا محمد بن علي بن حبيش الناقد ثنا أحمد بن حماد بن سفيان القاضي ثنا يزيد بن عمرو بن البراء الغنوي ثنا يزيد بن مروان ثنا مالك بن أنس عن الزهري : عن سهل بن سعد قال : نهى رسول الله عن بيع اللحم بالحيوان .
قال الدارقطني : تفرد به يزيد بن مروان عن مالك بهذا الإسناد ولم يتابع عليه ، وصوابه ما في الموطأ عن ابن المسيب مرسلا .
قلت : قال يحيى بن معين : يزيد بن مروان كذاب .
وقال أبو حاتم بن حبان : يروي الموضوعات عن الأثبات ، لا يجوز الاحتجاج بحديثه بحال .
ز : قال شيخنا : أصح شيء روي في هذا الباب مرسل سعيد بن المسيب .
وقد رواه مالك عن زيد بن أسلم عنه ، وقال ابن خزيمة : ثنا أحمد بن حفص السلمي قال : حدثني أبي حدثني إبراهيم بن طهمان عن الحجاج بن الحجاج عن قتادة عن الحسن عن سمرة أن النبي ' نهى أن يباع الشاة باللحم ' .
قال البيهقي : هذا إسناد صحيح .
ومن أثبت سماع الحسن البصري عن سمرة بن جندب عده موصولا ، ومن لم يثبته فهو مرسل جيد ، يضم إلى مرسل سعيد بن المسيب ، والقاسم بن برة ، وقول أبي بكر الصديق .
قال شيخنا ابن تيمية رحمه الله : ومعلوم أن أهل الحديث مجمعون على تحريم أنواع الربا ، وفي ذلك من الأحاديث الصحاح الثابتة عن النبي ، وكذلك أهل المدينة النبوية الذين هم أعلم بسنة رسول الله في تحريم الربا ، ومنع التحيل على استحلاله ، وسد الذريعة المفضية إليه .
فأما ربا الفضل فقد ثبتت الأحاديث الصحيحة واتفاق الصحابة ، والتابعين ،
____________________
(2/530)
والأئمة الأربعة على أنه : لا يباع الذهب بالذهب ، والحنطة بالحنطة ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر بجنسه إلا مثلا بمثل إذ الزيادة على المثل أكل مال بالباطل .
فإذا أراد المبيع أن يبيع مائة دينار بمكسور وزنه مائة وعشرون دينارا يسوغ له مبيح الحيل أن يضم إلى ذلك رغيف خبز ، أو منديلا يضع فيه مائة دينار ، ونحو ذلك مما يسهل على كل مريب فعله لم يكن لتحريم الربا فائدة ، ولا فيه حكمة ، ولا يتبع نوعا بآخره فيه من جنسه إلا أمكنه أن يضم إلى القليل مالا قدر له من هذه الأمور .
وكذلك إذا سوغ لهما أن يتواطأ على أن يبيعه إياه بعوض ، لا قصد للمشتري فيه ، ثم يبتاعه منه بأكثر .
ومعلوم أن من هو دون الرسول لو حرم شيئا لما فيه من الفساد ، وأذن أن يفعل بطريق لا فائدة فيه كان عيبا ، وسفها ، فكيف يظن هذا بالرسول ، وقد عذب الله أهل الجنة الذين احتالوا على أن لا يتصدقوا فأصبحت كالصريم .
وعذب القرية التي كانت حاضرة البحر لما استحلوا المحرم بالحيلة ، فمسخهم الله قردة وخنازير .
وقد ثبت عنه أنه قال : ' لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود ، فتستحلوا محارم الله بأدنى حيلة ، أو أدنى الحيل ' .
وكذلك ربا النسيء ؛ فإن أهل ثقيف الذين نزل فيهم القرآن كان الرجل يأتي إلى الغريم عند محل الأجل فيقول : أتقضي أم تربي ؟ فإن لم يقضه ، وإلا زاده المدين في المدة لأجل التأخير .
وهذا هو الربا الذي لا يشك فيه باتفاق سلف الأمة .
ومثل أن يتواطأ على أن يبيعه ثم يبتاعه فهذه بيعتان في بيعة ، وفي السنن عن النبي أنه قال : ' من باع بيعتان في بيعة فله أو كسهما أو الربا ' .
ومثل أن يضما إلى الربا نوع قرض ، فقد ثبت عن النبي أنه قال : ' لا يحل سلف وبيع ، ولا شرطان في بيع ، ولا ربح ما لم يضمن ، ولا بيع ما ليس عندك ' وسيأتي .
ثم إن النبي نهى عن المزابنة ، والمحاقلة ، وهو اشتراء التمر والحب بخرصه .
كما نهى عن بيع الصبرة من الطعام المسمى ؛ لأن الجهل بالتساوي كالعلم
____________________
(2/531)
بالتفاضل ، والخرص لا يعرف منه مقدار المكيال ، إنما هو حزر وحدس .
هذا متفق عليه بين الأئمة .
ثم إنه قد ثبت عنه أنه أرخص في العرايا يبتاعها أهلها بخرصها تمرا ، فجوز ابتياع الربوي هنا بخرصه ، وأقام الخرص عند الحاجة مقام الكيل .
وهذان من تمام محاسن الشريعة ، كما أنه في العلم بالزكاة ، وفي المقاسمة أقام الخرص مقام الكيل ، فكان يخرص الثمار على أهلها لتحصى الزكاة .
وكان عبد الله بن رواحة رضي الله عنه يقاسم أهل خيبر خرصا بأمر رسول الله .
ومعلوم أنه إذا أمكن التقدير بالكيل فعل فإذا لم يمكن كان الخرص قائما مقامه للحاجة كسائر الأبدال في العلوم ، والأعمال ؛ فإن القياس يقوم مقام النص عند عدمه ، والتقويم يقوم مقام المثل ، وعدم الثمن عند تعذر المثل والثمن المسمى .
ومن هذا الباب القافة التي هي استدلال بالشبه على النسب إذا تعذر ، والاستدلال بالقرائن إذ الولد يشبه والده ، والخرص ، والقافة ، والتقويم أبدال في العلم ، كالقياس مع عدم النص .
وكذلك البدل في العلم ؛ فإن الشريعة مبناها على العدل كما قال تعالى : ( ^ لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ) والعدل فيها واجب بحسب الإمكان ، كما قال تعالى : ( ^ وأوفوا الكيل والميزان بالقسط ) .
والله تعالى قد شرع القصاص في النفوس ، والأموال ، والأعراض ، وسيأتي الكلام على هذه المسائل ، والله المستعان .
____________________
(2/532)
مسائل الشروط في البيع والصبر
مسألة [ 485 ] :
إذا باعه بشرط العتق ، فالشرط والبيع صحيحان وعن أحمد يبطل الشرط .
وعن الشافعي كالروايتين .
وقال أبو حنيفة : يبطل البيع .
ولنا أن عائشة اشترت بريرة بشرط العتق ، فأجاز النبي ذلك ، وصحح البيع والشرط ، وإنما بين بطلان شرط الولاء لغير المعتق ، ولم يذكر بطلان شرط العتق .
1486 - قال البخاري : ثنا علي بن عبد الله ثنا سفيان عن يحيى عن عمرة عن عائشة قالت : أتتها بريرة تسألها في كتابتها فقالت : إن شئت أعطيت أهلك ، ويكون الولاء لي ، فقال أهلها : إن شئت أعتقتيها ، ويكون الولاء لنا . فلما جاء رسول الله ذكرت ذلك له فقال .
' ابتاعيها فأعتقيها ، فإنما الولاء لمن أعتق ' .
1487 - قال مسلم بن الحجاج : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا خالد بن مخلد عن سليمان بن بلال قال : حدثني سهيل بن أبي صالح عن أبيه : عن أبي هريرة قال : أرادت عائشة أن تشتري جارية تعتقها فأبى أهلها إلا أن يكون لهم الولاء ، فذكرت ذلك لرسول
____________________
(2/533)
الله فقال : ' لا يمنعك ذلك ؛ فإنما الولاء لمن أعتق ' .
انفرد بإخراجه مسلم .
مسألة [ 486 ] :
يجوز اشتراط منفعة المبيع مدة معلومة .
مثل أن يبيع دارا ، ويشترط سكانها شهرا ، أو عبدا ، ويشترط خدمته سنة ، أو قلعة ، ويشترط على البائع حدودها .
أو جميزة ، ويشترط حملها ، خلافا لأكثرهم في أنه لا يجوز .
ووافقنا أبو حنيفة في القلعة ، والجميزة ، ومالك في الزمان اليسير دون [ الكثير ] .
1488 - قال أحمد : ثنا يحيى بن سعيد عن زكريا قال : حدثني عامر : عن جابر بن عبد الله قال : كنت أسير على جمل لي ، فأعيا فأردت أن أسيبه فلحقني رسول الله فضربه برجله ، ودعا له ، فسار سيرا لم يسر مثله ، وقال : ' بعنيه بوقية ' فكرهت أن أبيعه .
قال : ' بعنيه ' فبعته منه ، واشترطت حملانه إلى أهلي ، فلما قدمنا المدينة أتيته بالجمل فقال : ' ظننت حين ماكستك أني أذهب بجملك ، خذ جملك وثمنه ، هما لك ' . أخرجاه في الصحيحين .
____________________
(2/534)
ز : وقد رواه النسائي عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله ، قال : أدركني رسول الله ، وكنت على ناضح لنا ، فقلت : لا يزال لنا ناضح سوء بالحصفاة ، فقال النبي : ' تبيعنيه يا جابر ؟ ' قلت : بل هو لك يا رسول الله ، فقال : ' اللهم اغفر له اللهم ارحمه ، قد أخذته بكذا وكذا ، وقد أعرتك ظهره إلى المدينة ' وذهبت به إليه فقال : ' يا بلال أعطه ثمنه ' ، فلما أدبرت دعاني ، فخفت أن يرده فقال : ' هو لك ' .
هذا إسناد صحيح ، لكن الاشتراط أصح ، وأثبت .
وقد ذكر البخاري الاختلاف في هذا الحديث ، والاختلاف في المتن ، وأطال ، ثم قال : وقول الشعبي : بأوقية أكثر وأصح .
وقال أيضا : الاشتراط أكثر ، وأصح عندي .
1489 - قال الدارقطني : ثنا رضوان بن أحمد الصيدلاني ثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا ثنا إسماعيل بن زرارة ثنا عبد العزيز بن عبد الرحمن عن حصيف عن عروة عن عائشة عن رسول الله قال : ' المسلمون عند شروطهم ، ما وافق الحق ' .
1490 - وعن خصيف عن عطاء بن أبي رباح : عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله : ' المسلمون على شروطهم ما وافق الحق من ذلك ' .
ز : وهذا الحديث بهذا الإسناد ضعيف وهو غير مخرج في شيء من السنن .
وقد أخرجه الحاكم في المستدرك .
وفي رجاله : عبد العزيز بن عبد الرحمن ، هو أبو الأصبع القرشي ، وهو أحد الضعفاء .
قال عبد الله بن الإمام أحمد : عرضت على أبي أحاديث سمعتها من إسماعيل بن عبد الله بن زرارة الشكوي عن عبد العزيز بن عبد الرحمن القرشي فقال لي : عبد العزيز هذا اضرب على حديثه ؛ هي كذب ، أو قال : موضوعة ، فضربت على أحاديثه .
____________________
(2/535)
وقال : وقال عدي : عبد العزيز بن عبد الرحمن : يكنى أبو الإصبع فإن روايته عنه بواطيل ؛ فإنه يروي عن خصيف ، والبلاء منه ، لا من خصيف .
وقد روي البيهقي من حديث أبي هريرة أن النبي قال : ' المسلمون على شروطهم ' .
قال : وزاد سفيان في حديثه : ما وافق الحق منها .
____________________
(2/536)
مسائل الثمار
مسألة [ 487 ] :
إذا باع نخلا عليها طلع غير مؤبر ، فالثمرة للمشتري ، إلا أن يشترطها البائع .
وقال أبو حنيفة : هي للبائع .
1491 - قال أحمد : ثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي قال : ' من باع نخلا مؤبرا فالثمرة للبائع إلا أن يشترط المبتاع ' .
أخرجاه في الصحيحين .
وجه الحجة أنه جعلها للبائع بشرط التأبير .
مسألة [ 488 ] :
لا يجوز بيع الثمار قبل بدء صلاحها ، إلا أن يشترط القطع .
وقال أبو حنيفة : يجوز ، ويؤمر بالقطع .
____________________
(2/537)
1492 - قال أحمد : ثنا حسن بن موسى ثنا زهير عن أبي الزبير عن جابر قال : نهى رسول الله عن بيع التمر حتى يطيب .
أخرجاه في الصحيحين .
1493 - قال الترمذي : ثنا أحمد بن منيع ثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله نهى عن بيع النخل حتى يزهو ، وعن بيع السنبلة حتى تبيض ، وتأمن العاهة نهى البائع ، والمشتري .
ز : روى هذا الحديث مسلم ، وأبو داود ، والنسائي من حديث إسماعيل بن علية .
1494 - قال الترمذي : وثنا الحسن بن علي الخلال : ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة عن حميد : عن أنس أن رسول الله نهى عن بيع العنب حتى يسود ، وعن بيع الحب حتى يشتد .
قال الترمذي : الأول حديث صحيح ، وحديث أنس غريب ، لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث حماد بن سلمة .
ز : وقد رواه أحمد ، وأبو داود وابن ماجدة ، وابن حبان ، والحاكم وقال : صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجه .
____________________
(2/538)
مسألة [ 489 ] :
إذا باع بعد بدو الصلاح بشرط التنقية صح .
وقال أبو حنيفة : البيع باطل .
لنا نهيه عليه السلام في الحديث المتقدم عن بيع الثمرة حتى تبدو صلاحها .
وحتى للغاية ، وما بعد الغاية يخالف ما قبلها ؛ وقد ثبت أنه لا يجوز البيع قبل الغاية بشرط التنقية ، فينبغي أن يكون ما بعده على ضده .
[ مسألة [ 490 ] :
يجوز بيع الحب في قشره الأعلى ، والحنطة في سنبلها ، وكذلك الجوز ، واللوز .
وقال الشافعي : لا يجوز .
____________________
(2/539)
لنا نهيه عليه السلام في الحديث المتقدم عن بيع الحب حتى يشتد .
وهذا قد اشتد .
مسألة [ 491 ] :
ما تهلكه الجوائح فهو من ضمان البائع .
وعنه إن كان ذلك الثلث فصاعدا فهو من ضمان البائع .
وما دون الثلث فمن [ فهو ] ضمان المشتري ، وبه قال مالك .
وقال أبو حنيفة ، والشافعي : جميع ذلك من ضمان المشتري .
لنا ما :
1495 - قال أحمد : ثنا سفيان عن حميد الأعرج عن سليمان بن عتيق المكي : عن جابر أن النبي ' نهى عن بيع السنين ، ووضع الجوائح ' .
1496 - قال مسلم بن الحجاج : ثنا بشر بن الحكم ثنا سفيان بن عيينة عن حميد الأعرج عن سليمان بن عتيق : عن جابر أن النبي ' أمر بوضع الجوائح '
1497 - قال مسلم : وثنا أبو الطاهر قال : أنبأ ابن وهب عن ابن جريج أن أبا الزبير أخبره : عن جابر بن عبد الله أن رسول الله قال : ' إن بعت من أخيك ثمرا فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا ، بم تأخذ مال أخيك بغير حق ؟ ! ' .
انفرد بإخراج الطرق الثلاثة مسلم .
____________________
(2/540)
مسألة [ 492 ] :
يجوز بيع العرايا ، وهو بيع الرطب على رؤوس النخل بخرصه ، [ نمرا ] على الأرض ، وهل يجوز ذلك في سائر الثمار التي لها رطب ويابس ؟ على وجهين .
وقال أبو حنيفة : لا يجوز .
1498 - قال أحمد : ثنا محمد بن مصعب قال : ثنا الأوزاعي عن الزهري عن سالم عن ابن عمر عن زيد بن ثابت أن رسول الله رخص في بيع العرايا ، أن تباع بخرصها ، ولم يرخص في غير ذلك .
1499 - قال أحمد : وثنا يزيد بن هارون أنبأ يحي بن سعيد عن نافع عن ابن عمر قال : أخبرني زيد بن ثابت أن رسول الله ' رخص في العرية أن تؤخذ مثل خرصها تمرا ، يأكلها أهلها رطبا ' .
الطريقان في الصحيحين .
1500 - طريق ثالث : قال أحمد : وثنا شريح بن يونس ثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد : عن زيد بن ثابت قال : رخص رسول الله في بيع العرايا ، أن تباع بخرصها كيلا .
____________________
(2/541)
1440 - طريق رابع : قال أحمد : وثنا سفيان عن يحي بن سعيد عن بشير بن بشار عن سهل بن أبي حثمة قال : نهى رسول الله عن بيع التمر بالتمر ورخص في العرايا أن تشترى بخرصها يأكلها أهلها رطبا .
أخرجاه في الصحيحين .
1441 - طريق خامس : قال أحمد : وثنا عبد الرحمن عن مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان : عن أبي هريرة أن النبي رخص في العرايا أن تباع بخرصها في خمسة أوسق أو فيما دون خمسة أوسق .
أخرجاه في الصحيحين .
مسألة [ 493 ] :
ولا يجوز ذلك نسيئة عند أحمد وغيره .
وقال مالك : يجوز .
قال أصحاب القول الأول : لنا حديث أبي سعيد الخدري قال : نهى رسول الله عن بيع الرطب بالتمر لسنة ، وقد ذكرناه .
والكلام عليه في بيع الرطب بالتمر .
____________________
(2/542)
فصل
ولا يجوز ذلك إلا عند الحاجة ، وهو أن لا يكون للرجل ما يشتري به الرطب غير التمر ، خلافا للشافعي .
قال أصحابنا : إنما ورد رخصة عند الحاجة فإن قوما شكوا إلى رسول الله فقالوا : إنه يجيء الرطب ، وليس في أيدينا إلا فضول تمر فأباحهم ذلك .
ز : وقال الإمام موفق الدين في كتابه الكافي : روى محمود بن لبيد قال : قلت لزيد ابن ثابت : ما عرايكم هذه ؟ فسمى رجالا محتاجين من الأنصار وشكوا إلى رسول الله أن الرطب يأتي ، ولا نقد بأيديهم يتبايعون به رطبا يأكلونه ، وعندهم فضول من التمر ، فرخص لهم أن يبتاعوه العرية بخرصها من التمر ، يأكلونه رطبا ، متفق عليه .
كذا قال : قلت وهو وهم ، فإن هذا الحديث لم يخرج في الصحيحين ، ولا في السنن وليس لمحمود بن لبيد رواية عن زيد في شيء من الكتب الستة .
قال شيخنا الحافظ : بل وليس هذا الحديث في مسند أحمد ، ولا في السنن الكبير للبيهقي ، وقد فتشت عليه في كتب كثيرة فلم أر له سندا .
وقد ذكره الشافعي في كتاب البيوع في باب بيع العرايا ، بلا إسناد .
وأنكر عليه أبو داود الظاهري ، ورد عليه ابن شريح في إنكاره والله أعلم . فصل
ولا يجوز إلا فيما دون خمسة أوسق .
وقال الشافعي : يجوز في خمسة أوسق ، ولا يجوز فيما زاد .
لنا الحديث المتقدم ، وهو وارد فيما دون خمسة أوسق بعين وفي الخمسة مشكوك ، فوجب أن يسقط المشكوك .
____________________
(2/543)
____________________
(2/544)
مسائل القبض
مسألة [ 494 ] :
يجوز للمشتري التصرف في المبيع المتعين قبل قبضه .
وقال أبو حنيفة ، والشافعي : لا يجوز إلا أن أبا حنيفة وافقنا في العقار .
لنا ما :
1503 - قال أحمد : حدثني أبي ثنا يحيى بن آدم ثنا إسرائيل عن سماك عن سعيد بن جبير : عن ابن عمر قال : كنت أبيع الإبل بالبقيع ، وأبيع بالدنانير وآخذ بالدراهم ، وأبيع بالدراهم وآخذ بالدنانير ، فأتيت النبي ، وهو يريد أن يدخل حجرته ، فأخذت بثوبه ، فسألته فقال : ' إذا أخذت واحدا منها بالآخر فلا يفارقك ، وبينك وبينه بيع ' .
ز : هذا الحديث رواه أصحاب السنن الأربعة من حديث سماك .
وقال عبد الله بن أحمد : حدثني أبي عن أبي داود محمد بن عمران بن حصين .
قال عبد الله : مسألة عن حديث سماك عن سعيد بن جبير عن ابن عمر عن النبي في اقتضاء
____________________
(2/545)
الذهب من الورق ، أو الورق من الذهب فقال له شعبة : أصلحك الله ، حدثني قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر لم يرفعه ،
وحدثني داود بن أبي هند عن سعيد بن جبير عن ابن عمر ولم يرفعه ، وقال لنا مالك عن إسماعيل عن شريك عن ابن أبي ليلى عن محمد بن بيان عن ابن عمر : كره أخذ الدنانير بالدراهم في القرض ، ولم ير في البيع بأسا وهذا أصح .
وقال لنا المقري ، وآدم : حدثنا حماد بن سلمة عن سماك عن سعيد بن جبير عن ابن عمر كنت أبيع وقال النبي : ' لا بأس به ' .
احتجوا بثلاثة أحاديث :
1504 - الحديث الأول : قال أحمد : حدثني أبي ثنا سفيان عن عمرو عن طاوس قال سمعت ابن عباس يقول : أما الذي نهى عنه رسول الله أن يباع حتى يقبض ؛ فالطعام .
قال ابن عباس : ولا أحسب كل شيء إلا مثله .
أخرجاه في الصحيحين .
1505 - الحديث الثاني : قال أحمد : وثنا حسن بن موسى ثنا شيبان عن يحيى بن أبي كثير عن يعلى بن حكيم عن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عصمة عن حكيم بن حزام قال : قلت يا رسول الله : إني رجل أبتاع هذه البيوع ، فما يحل لي منها ، وما يحرم علي منها ؟ قال : ' يا ابن أخي لا تبيعن شيئا حتى تقبضه ' .
ز : ورواه النسائي ، لكن في رجاله عبد الله بن عصمة مجهول .
وأما رواية يوسف عن حكيم فقد جاء التصريح بسماعه منه هذا الحديث .
وأما من رواية عصمة هذا هو : الحسمي ، حجازي .
____________________
(2/546)
قال شيخنا رحمه الله : وأما تضعيف ابن القطان لعصمة فهذا خطأ ، وقد اشتبه عليه ، فإن الجشمي يسمى ابن عصمة ، والله أعلم .
1506 - الحديث الثالث : قال أ حمد : وثنا يعقوب ، ثنا أبي عن أبي إسحاق قال : حدثني أبو الزناد عن عبيد بن حنين : عن عبد الله بن عمر قال : قدم رجل من أهل الشام بزيت ، وساومته فيمن ساومه به من التجار ، حتى ابتعته منه ، فقام إلي رجل فأربحني فيه حتى أرضاني فأخذت بيده لأضرب عليها ، فأخذ رجل بذراعي من خلفي فالتفت إليه فإذا زيد بن ثابت فقال : لا تبعه حيث ابتعته حتى تحوزه إلى رحلك فإن رسول الله قد نهى عن ذلك ، فأمسكت يدي .
وقد حمل أصحابنا هذه الأحاديث على غير المتميز .
ز : رواه أبو داود ، ورواه أبوحاتم البستي ، وأخرجه الحاكم في المستدرك ، وهو حديث ثابت جيد .
مسألة [ 495 ] :
التخلية في المبيع المنقول ليست قبضا
وعنه أنها قبض كقول أبي حنيفة .
1507 - قال أحمد : ثنا يحيى بن سعيد ثنا عبيد الله قال : ثنا نافع عن عبد الله قال :
____________________
(2/547)
كانوا يتبايعون الطعام جزافا على السوق فنهاهم رسول الله أن يبيعوه حتى ينقلوه .
1508 - قال أحمد : وثنا عفان قال : ثنا شعبة قال : أخبرني عبد الله بن دينار قال : سمعت ابن عمر يقول عن النبي : ' من ابتاع طعاما فلا يبيعه حتى يقبضه ' .
الحديثان في الصحيحين ، [ وفي حديث ابن عمر في المسألة قبلها دليل لنا أيضا ] .
مسألة [ 496 ] :
إذا تلف المبيع المتعين قبل قبضه فهو من ضمان المشتري .
وقال مالك : يكون من ضمانة إن امتنع من القبض مع قدرته عليه .
وقال أبو حنيفة ، والشافعي : هو من ضمان البائع ، وعن أحمد نحوه .
1509 - قال أحمد : ثنا يحي عن ابن أبي ذئب قال : حدثني مخلد بن خفاف بن إيماء عن عروة عن عائشة عن النبي قال : ' الخراج بالضمان ' .
1510 - قال أحمد : وثنا إسحاق بن عيسى قال : ثنا مسلم بن خالد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رجلا ابتاع غلاما فاستعمله ثم وجد به عيبا ، فرده بالعيب فقال البائع : غلته عندي ، فقال النبي : ' الغلة بالضمان ' .
قال أبو عبيد : معنى الحديث أن الرجل يشتري المملوك فيستغله ، ثم يجد به عيبا كان عند البائع ، فيقتضي أن يرد العبد على البائع بالعيب ، ويرجع بالثمن فيأخذه ، ويكون له
____________________
(2/548)
الغلة طيبة ، وهي الخراج ، وإنما طابت له ؛ لأنه كان ضامنا للعبد إن مات فات من مال المشتري ؛ لأنه في يده .
ز : قال شيخنا : أما حديث أبي بن كعب عن مخلد رواه أصحاب السنن الأربعة ، وحسنه الترمذي ، وصححه .
روى الترمذي عن يحي بن خلف عن عمر بن علي وهو المقدمي عن هشام عن أبيه عن عائشة عن النبي قضى أن : ' الخراج بالضمان ' قال : حسن غريب ، وقال : جرير لم يسمعه من هشام .
____________________
(2/549)
مسائل الرد بالتدليس والعيب
مسألة [ 497 ] :
إذا اشترى مصراة ثبت له خيار الفسخ .
وقال أبو حنيفة : لا يثبت .
1511 - قال البخاري : ثنا عبد الله بن يوسف أنبأ مالك عن أبي الزناد عن الأعرج : عن أبي هريرة أن رسول الله قال : ' لا تصروا الغنم ، ومن ابتاعها فهو بخير النظر من بعد أن يحلها إن ضمنها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعا من تمر ' .
أخرجاه في الصحيحين .
مسألة [ 498 ] :
إذا اشترى حيوانا ، [ وقبضه ] ، فحدث به عيب عنده ، لم يثبت له الفسخ .
وقال مالك : إن حدثت في مدة ثلاثة أيام ملك إلا الجذام ، والبرص ، والجنون ؛ فإنه
____________________
(2/551)
يملك بها الفسخ إلى سنة .
ونحن نقيس على ما لو ظهر بعد السنة .
احتجوا بما :
1512 - قال أحمد : ثنا عبد الصمد ثنا همام عن قتادة عن الحسن : عن عقبة بن عامر أن رسول الله قال : ' عهدة الرقيق أربع ليال ' .
قال قتادة : وأهل المدينة يقولون ثلاث ليال .
1513 - قال أحمد : وثنا محمد بن جعفر قال : ثنا شعبة عن قتادة عن الحسن إن شاء الله : عن عقبة بن عامر أن رسول الله قال : ' عهدة الرقيق ثلاثة أيام '
1514 - قال أبن ماجه : ثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا عبد الله بن سليمان عن شعبة عن قتادة عن الحسن : عن سمرة بن جندب قال : قال رسول الله : ' الرقيق ثلاثة أيام ' .
والجواب : قال أحمد : ليس فيه حديث صحيح ، ولا يثبت حديث العهدة .
ز : قال شيخنا : حديث الحسن عن عقبة رواه أبو داود ورواه ابن ماجة أيضا عن عمرو بن رافع عن هيثم عن يونس نحوه ' لا عهدة من بعد أربع ' .
قال علي بن المديني : الحسن لم يسمع من عقبة شيئا . وروي الطبراني بسنده إلى قتادة أن الحسن روى عن سمرة بن جندب أن رسول الله قال : ' عهدة الرقيق ثلاثة أيام ' .
ورواه أيضا أبو يعلى الموصلي أيضا ، والخلاف في سماع [ الحسن من سمرة ] .
مسألة [ 499 ] :
شرط البراءة من العيوب حال العقد لا يصح . وهل يبطل العقد أم لا ؟ مبني على
____________________
(2/552)
الشروط الفاسدة هل يبطل العقد على روايتين .
وعنه أنه تصح البراءة من العيوب التي يعلمها ، ويدلسها ، وبه قال مالك .
وقال أبو حنيفة : تصح بكل حال .
وعن الشافعي كقولنا ، وقول أبي حنيفة ، وقول ثالث : إن كان العيب ظاهرا لم يصح ، وإن كان باطنا صح .
1515 - قال أحمد : ثنا يحيى بن إسحاق قال : ثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن ابن شماسة عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله : ' المسلم أخو المسلم ، لا يحل لامرىء مسلم أن يغيب ما بسلعته عن أخيه إن علم بذلك تركها ' .
ز : رواه ابن ماجة أيضا من حديث يحيى عن يزيد ، ولفظه : ' المسلم أخو المسلم ، لا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا فيه عيب إلا بينه له ' .
ورواه ا لحاكم من رواية يحيى بن أيوب ، وقال : على شطر البخاري ومسلم .
وقد روى مسلم من حديث الليث ، وغيره عن يزيد بإسناده : ' المؤمن أخو المؤمن ، لا يحل لمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه ، ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر ' كذا رواه .
وقال البخاري في صحيحه : وقال عقبة بن عامر : ' لا يحل لامرىء يبيع سلعة يعلم أن بها داء إلا أخبر به ' .
كذا ذكره موقوفا ومعلقا .
1516 - قال أحمد : ثنا أبو النضر هاشم بن القاسم قال : حدثنا أبو جعفر الرازي
قال : أنبأ أبو سباع قال : اشتريت ناقة ، فلما خرجت بها أدركنا واثلة بن الأسقع ، وهو يجر رداءه ، فقال : يا عبد الله اشتريت ؟ ، فقلت : نعم ، قال هل بين لك ما فيها ؟ قلت : وما فيها ؟ إنها لسمينة ظاهرة الصحة ، فقال : أردت بها سفرا أم أردت بها لحما ؟ قلت : بل أردت عليها الحج ، قال : فإن بخفها ثقبا .
فقال صاحبها : أصلحك الله ما تريد إلا أن تفسد علي .
قال : سمعت رسول الله يقول ك ' لا يحل لأحد يبيع شيئا إلا بين ما فيه ، ولا يحل لمن يعلم ذلك إلا بينه ' .
ز : هذا الإسناد غير مخرج في شيء من الكتب الستة وأبو سباع ليس بالمشهور ، ولم أره في كتاب ابن أبي حاتم .
وأبو جعفر الرازي اسمه عيسى بن ماهان ، وهو مختلف فيه كذا قال شيخنا .
وقد روى ابن ماجة عن عبد الوهاب بن الضحاك عن بقية بن الوليد عن معاوية بن يحيى عن مكحول وسليمان بن موسى عن واثلة مرفوعا .
' من باع عيبا لم يبينه لم يزل فيمقت من الله ولم تزل الملائكة تلعنه ' .
وهذا إسناد ضعيف .
مسألة [ 500 ] :
يصح الإبراء من الدين [ المجهول ] .
وعنه لا يصح كقول الشافعي .
لنا : حديث أم سلمة أن رجلين اختصما إلى رسول الله في مواريث درست ،
____________________
(2/553)
فقال : ' استهما وتوخيا الحق ، وليحل كل واحد منكما صاحبه ' .
فجوز لهما الإبراء من الحقوق الدارسة ، وسيأتي هذا الحديث بإسناده في مسائل الدعاوى إن شاء الله .
مسألة [ 501 ] :
العبد لا يملك إذا ملك .
وعنه يملك كقول مالك ، والشافعي في القديم .
ونحن نستدل بقول الله تعالى : ( ^ لا يقدر على شيء ) .
احتجوا بحديثين :
1517 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه عن رسول الله أنه قال : ' من باع عبدا ، وله مال فماله للبائع ، إلا أن يشترط المبتاع ، ومن باع نخلا مؤبرا فالثمرة للبائع إلا أن يشترط المبتاع ' .
أخرجاه في الصحيحين .
1518 - الحديث الثاني : قال أبو داود : ثنا أحمد بن صالح قال : ثنا عبد الله بن وهب قال : أخبرني الليث بن سعدعن عبيد الله بن أبي جعفر عن بكير بن الأشج عن نافع : عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله : ' من أعتق عبدا ، وله مال ، فمال العبد له ، إلا أن
____________________
(2/555)
يشترط السيد ' .
والجواب : أما الحديث الأول فإنه أضافه إليه إضافة محل كقولهم : السرج للدابة .
والجواب عن الثاني : قال أحمد : عبيد الله بن أبي جعفر ليس بالقوي في الحديث .
ز : وقد رواه أيضا النسائي ، وابن ماجة ، من رواية عبد الله بن عبد الحكم عن أشهب عن الليث عن عبيد الله بن جعفر عن نافع ، ورواته ثقات .
وعبيد الله بن أبي جعفر من العلماء العباد الزهاد المخرج لهم في الصحيحين والله أعلم .
مسألة [ 502 ] :
الغبن يثبت الفسخ .
وقال أبو حنيفة ، والشافعي : لا يثبت .
وقال داود : يبطل العقد من أصله .
1519 - قال البيهقي : أنبأ أبو سعيد الماليني أنبأ أبو نصر أحمد بن عدي ثنا عبد الله ابن زيدان ثنا محمد بن عبيد ثنا موسى بن عمير عن مكحول : عن أبي أمامة قال : قال رسول الله : ' من استرسل إلى مؤمن فغبنه كان غبنه ذاك ربا ' .
____________________
(2/556)
قال ابن عدي : عامة ما يروي موسى بن عمير لا يتابعه الثقات عليه .
1520 - وقد رواه يعيش بن هشام القرقساني عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر ، وعن مالك عن الزهري : عن أنس أن رسول الله قال : ' غبن المسترسل ربا ' .
يعيش ضعيف ، مجهول .
ز : وأيضا فهذا الحديث غير مخرج في شيء من السنن من جميع طرقه .
وقد ذكر البيهقي حديث أبي أمامة من رواية موسى بن عمير ، وقد تكلموا فيه .
وقد رواه هشام القرقساني عن مالك ، واختلف عليه في إسناده ، الله أعلم .
مسألة [ 503 ] :
إذا باع سلعة بثمن مؤجل لم يجز أن يعود فيشتريها بأنقص منه حالا .
وقال الشافعي : يجوز .
1521 - قال الدارقطني : ثنا عبد الله بن أحمد بن وهيب الدمشقي ثنا العباس بن الوليد بن مرثد ثنا محمد بن شعيب بن شابور أخبرني شيبان بن عبد الرحمن أخبرني
____________________
(2/557)
يونس بن أبي إسحاق : عن أمه العالية بنت أيفع قالت : حججت أنا وأم محبة فدخلنا على عائشة ، فسلمانا عليها ، فقالت لنا : من أنتن ؟ قلنا : من أهل الكوفة قالت : فكأنها أعرضت عنا ، فقالت لها أم محبة : يا أم المؤمنين : كانت لي جارية وإني بعثها من زيد بن أرقم الأنصاري بثمانمائة درهم إلى عطائه وأنه أراد بيعها ، فابعتها منه بستمائة درهم نقدا .
قالت : فأقبلت علينا فقالت : بئس ما شريت وما اشتريت ، فأبلغي زيدا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله إلا أن يتوب .
قالوا : العالية امرأة مجهولة ، فلا يقبل خبرها .
قالنا : بل هي امرأة جليلة القدر ، معروفة ، ذكرها محمد بن سعد في كتاب الطبقات فقال : العالية بنت أنفع بن شراحيل امرأة أبي إسحاق السبيعي ، سمعت من عائشة .
ز : قلت : قال سعد : العالية بنت أيفع امرأة السبيعي دخلت على عائشة وسألتها وسمعت منها .
وقال سعد : أخبرنا يحي بن عباد عن يونس بن أبي إسحاق عن أمه العالية بنت أنفع أنها حجت مع أم محبة فدخلتا على عائشة رضي الله عنها فسلمن عليها ، وسألنها ، وسمعن منها ، قالت : ورأيت على عائشة درعا موردا وخمارا جيشانيا فلما خرجن قالت : ' حرام على امرأة منكن أن تصفني لزوجها ' .
وقال الإمام أحمد في مسنده راويا عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأته أنها دخلت على عائشة هي وأم ولد زيد بن أرقم ، وامرأة أخرى فقالت أم ولد زيد : إني بعت من زيد غلاما بثمانمائة درهم نسيئة واشتريته بستمائة نقدا فقالت : ' أبلغي زيدا ، أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله إلا أن يتوب ، بئس ما اشتريت ، وبئس ما شريت ' .
هذا إسناد جيد ، وإن كان الشافعي قد قال : إنا لا نثبت مثله على عائشة رضي الله عنها ، وكذلك قول الدارقطني في العالية أنها مجهولة لا يحتج بها ، فيه نظر .
وقد خالفه غيره ، فلولا أن عند أم المؤمنين علما من رسول الله لا تستريب فيه أن هذا محرم ، لم تستجر أن تقول مثل هذا الكلام بالاجتهاد ، والله أعلم .
____________________
(2/558)
مسألة [ 504 ] :
إذا اختلف المتبايعان في قدر الثمن تحالفا إذا كانت السلعة [ قائمة ] ، وإن كانت قد تلفت تحالفا أيضا ويفسخ البيع ، ويرجع على المشتري بالقيمة .
وعنه : القول قول المشتري ، ولا يتحالفان ، وبه قال أبو حنيفة .
وعن مالك كالروايتين .
1522 - قال أحمد : حدثني محمد بن إدريس الشافعي أنبأ سعيد بن سالم قال : أنبأ ابن جريج أن إسماعيل بن أمية أخبره عن عبد الملك بن عمير قال : حضرت أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود وأتاه رجلان يتبايعان سلعة فقال هذا : أخذت بكذا وكذا ، وقال هذا : بعت بكذا وكذا ، فقال أبو عبيدة أتي عبد الله بن مسعود في مثل هذا فقال : حضرت رسول الله في مثل هذا فأمر بالبائع أن يستخلف ثم يخير المبتاع إن شاء أخذ ، وإن شاء ترك .
1523 - قال أحمد : ثنا وكيع عن المسعودي عن القاسم عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله : ' إذا اختلف البيعان ، وليس بينهما بينة فالقول ما يقول صاحب السلعة أو يتردان '
1524 - قال الترمذي : ثنا قتيبة ثنا سفيان عن ابن عجلان عن عون بن عبد الله عن ابن مسعود قال : قال رسول الله ' إذا اختلف البيعان فالقول قول البائع ، والمبتاع بالخيار ' .
____________________
(2/559)
1525 - قال الدارقطني : ثنا محمد بن الحسين بن سعيد الهمداني قال : ثنا أحمد بن إبراهيم الدمشقي ثنا هشام بن عمار ثنا ابن عياش ثنا موسى بن عقبة عن محمد بن أبي ليلى عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه : عن جده أن رسول الله قال : ' إذا اختلف المتبايعان في البيع ، والسلعة كما هي لم تستهلك فالقول ما قال البائع ، أو يترادان البيع ' .
1526 - قال الدارقطني : وثنا البغوي ثنا عثمان بن أبي شيبة أنبأ هشيم أنبأ ابن أبي ليلى عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه قال : باع عبد الله بن مسعود من الأشعث رقيقا من رقيق الإمارة ، واختلفا في الثمن ، فقال عبد الله : بعتك بعشرين ألفا ، فقال الأشعث : اشتريت منك بعشرة آلاف ، فقال عبد الله : إن شئت حدثتك بحديث سمعته من رسول الله : قال هات ، قال : سمعت رسول الله يقول : ' إذا اختلف البيعان ، والبيع قائم بعينه ، وليس بينهما بينة فالقول ما قال البائع أو يترادان البيع ' .
فقال الأشعث : أرى أن يرد البيع .
1527 - قال الدارقطني : وثنا ابن صاعد قال : ثنا محمد بن الهيثم القاضي ثنا هشام ابن عمار ثنا إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده عبد الله أن رسول الله قال : ' إذا اختلف المتبايعان استحلف البائع ، وكان المبتاع بالخيار إن شاء أخذ ، وإن شاء ترك ' .
1528 - قال الدارقطني : وثنا أحمد بن محمد بن سعيد ثنا الحسن بن جعفر بن مدرار قال : ثنا عمي قال : ثنا الحسن بن عمارة عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله قال : قال رسول الله : ' إذا اختلف البيعان فالقول ما قال البائع فإذا استهلك فالقول ما قال المشتري ' .
1529 - قال ابن عدي : ثنا علي بن سعيد ثنا إبراهيم بن مجشر ثنا أبو بكر بن
____________________
(2/560)
عياش عن سعيد بن المرزبان عن الشعبي عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه قال : قال رسول الله : ' إذا اختلف البيعان فالقول ما قال البائع ' .
في هذه الأحاديث مقال ؛ فإنها مراسيل ، وضعاف :
أبو عبيدة لم يسمع من أبيه .
والقاسم لم يسمع من ابن مسعود ولا عون بن عبد الله .
وابن عياش ، ومحمد بن أبي ليلى ، والحسن بن عمارة وابن المرزبان كلهم ضعاف .
قال يحي : المرزبان ليس بشيء .
ز : وقد رواه أحمد من وجه آخر قال : ثنا سفيان عن معن عن القاسم عن عبد الله عن النبي قال : ' إذا اختلف البائعان ، والسلعة كما هي والقول ما قال البائع أو يترادان ' .
وهذه الأحاديث فيها مقال : فإنها مراسيل ، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه ، ولا عبد الرحمن ، والقاسم لم يسمع من ابن مسعود . وقال أئمة الجرح في عون بن عبد الله ، وابن عياش ، ومحمد بن أبي ليلى ، والحسن بن عمارة ، وابن المرزبان : هم رواة هذه الأحاديث ، وكلهم ضعاف .
قال يحي بن معين ، المرزبان ليس بشيء .
والقاسم بن عبد الرحمن عن أبيه رواه أبو داود أيضا ، ورواه ابن ماجه عن عثمان ابن أبي شيبة ، ومحمد بن الصباح ، ثلاثتهم عن هيثم به .
وقال النسائي : أخبرنا محمد بن إدريس ثنا عمر بن حفص بن غياث عن أبيه عن أبي عميس : حدثني محمد بن عبد الرحمن بن الأشعث عن أبيه عن جده قال : قال عبد الله بن مسعود سمعت رسول الله يقول : ' إذا اختلف البيعان ، وليس بينهما بينة فهو ما يقول رب السلعة أو يتركا ' .
كذا رواه النسائي .
قال أئمة التعديل : والذي يظهر أن حديث ابن مسعود في هذا الباب [ حسن ] بمجموع طرقه ، وله أصل .
قالوا حديث حسن يحتج به ، لكن في لفظه اختلاف كما ترى والله أعلم .
____________________
(2/561)
مسائل ما يصح بيعه وما لا يصح
مسألة [ 505 ] :
لا يجوز بيع رباع مكة .
وعنه : يجوز كقول الشافعي .
1530 - قال الدارقطني : ثنا أحمد بن محمد أنبأ يوسف الفزاري ثنا محمد بن المغيرة ثنا القاسم بن الحكم ثنا أبو حنيفة عن عبيد الله بن أبي زياد عن أبي نجيح عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله : ' مكة حرام ، وحرام بيع رباعها ، وحرام أجر بيوتها ' .
قال الدارقطني : كذا رواه أبو حنيفة مرفوعا ، ووهم فيه ، والصحيح أنه موقوف .
1531 - قال الدارقطني : ثنا الحسين بن إسماعيل ثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد قال : ثنا عبد الله بن نمير ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن أبيه عن عبد الله بن باباه عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله : ' مكة مناخ لا تباع رباعها ، ولا تؤجر بيوتها ' .
إسماعيل بن إبراهيم قد ضعفه يحيى ، والنسائي ، وأبوه إبراهيم ضعفه البخاري ، وقال يحيى بن معين : لا بأس به .
وقال أبو بكر البيهقي : الصحيح أن هذا الحديث موقوف .
ز : وأما إبراهيم بن مهاجر فهو من رجال مسلم .
قال شيخنا : إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر بن مسمار المدني ضعيف .
وروى الإمام أحمد قال : حدثنا عبد الرزاق أنبأ معمر عن الزهري عن علي بن
____________________
(2/563)
الحسين عن عمر بن عثمان عن أسامة بن زيد قال : قلت يا رسول الله أين ننزل غدا في حجته ؟ فقال : ' وهل ترك لنا عقيل منزلا ' ، ثم قال : ' نحن نازلون غدا إن شاء الله بخيف بني كنانة ' ، ثم قال : ' لا يرث الكافر المسلم ، ولا المسلم الكافر ' .
أخرجه البخاري ، ومسلم في الصحيحين .
1532 - قال سعيد بن منصور : ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد قال : قال رسول الله : ' إن مكة حرام ، حرمها الله عز وجل ، ولا يحل بيع رباعها ، ولا أجور بيوتها ' .
احتجوا بما :
1533 - قال أحمد : ثنا عبد الرزاق قال : أنبأ معمر عن الزهري عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد قال : قلت : يا رسول : أين تنزل غدا - في مكة - ؟ فقال : ' وهل ترك لنا عقيل منزلا ؟ ' ثم قال : ' نحن نازلون غدا إن شاء الله كنف بني كنانة ، ثم قال : ' لا يرث الكافر المسلم ، ولا المسلم الكافر ' .
أخرجه البخاري ، ومسلم في الصحيحين .
1534 - قال المصنف : أخبرنا ابن عبد الخالق قال : أنبأ أبو بكر النيسابوري قال : ثنا يونس بن عبد الأعلى قال : ثنا ابن وهب قال : أخبرني يونس عن ابن شهاب ، أن علي بن حسين أخبره أن عمر بن عثمان أخبره عن أسامة قال : يا رسول الله أتترك دارك بمكة ؟ قال : ' وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور ' .
وكان عقيل قد ورث أبا طالب هو وطالب ، ولم يرثه جعفر ، ولا علي شيئا ؛ لأنهما كانا مسلمين ، وكان عقيل وطالب كافرين .
ز : رواه البخاري ومسلم ، ورواه النسائي ، وهذا الحديث حجة الشافعي ، ومن جوز البيع ، وغيره .
____________________
(2/564)
مسألة [ 506 ] :
لا يجوز بيع الزيت النجس .
وقال أبو حنيفة : يجوز .
1535 - قال أحمد : ثنا حجاج ثنا ليث ثنا يزيد بن أبي حبيب قال : قال عطاء بن أبي رباح سمعت جابر بن عبد الله يقول : قال رسول : ' إن الله عز وجل ورسوله حرم بيع الخمر ، والميتة ' فقيل له : أرأيت شحوم الميتة ، فإنه يدهن به السفن ، ويستصبح به الناس ؟ قال : ' لا ، هو حرام ' .
أخرجاه في الصحيحين .
1536 - قال أحمد : وثنا عتاب ، ثنا عبد الله ، أنبأ أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، قال : سمعت رسول الله يقول : ' إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير ' فقيل : يا رسول الله : أرأيت شحوم الميتة ، فإنه يدهن بها السفن ، ويدهن بها الجلود ، ويستصبح بها الناس ؟ فقال : ' لا هي حرام ' .
1537 - قال أحمد : وثنا محمد بن مصعب قال : ثنا الأوزاعي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس من ميمونة زوج النبي أنها استفتت رسول الله في فأرة سقطت في سمن لهم جامد فقال : ' ألقوها ، وما حولها ، وكلوا سمنكم ' .
____________________
(2/565)
انفراد بإخراجه البخاري .
ز : هذا الحديث لم يخرجه البخاري من حديث الأوزاعي إنما رواه من حديث سفيان .
قلت : وليس عنده يعني البخاري لفظة جامد .
ومحمد بن مصعب هو القرقساني ، وقد قال يحيى بن معين من أصحاب الحديث : كان مغفلا .
وقال أبو حاتم الرازي ، هو ضعيف الحديث .
وهذه الزيادة من كيسه ، وهذه اللفظة ، قوله : جامد .
ورواه النسائي من رواية مهدي عن مالك عن الزهري ، والبيهقي من رواية حجاج ابن منهال عن سفيان قال الحافظ من أئمة أهل الحديث : إنها خطأ - يعني قوله : جامد ، فإن أكثر أصحاب مالك وسفيان لم يذكروا هذه اللفظة ولأنه الغالب على سمن الحجاز أن يكون مائعا ، وكونه جامدا نادر ، والسؤال في الغالب لا يقع إلا على الغالب ، لأنه حكم الجامد طاهر ، وإنما المشكل المائع ، فالظاهر أن السؤال كان عنه أو عن أعم منه ، فأجاب النبي ولم تستفصل .
وقال البخاري في صحيحه : ثنا عبدان ثنا عبد الله يعني ابن المبارك ، عن يونس عن الزهري عن الدابة تموت في الزيت أو السمن ، وهو جامد أو غير جامد ، الفأرة أو غيرها ، فقال : بلغنا أن رسول الله مر بفأرة ماتت في سمن فأمر بما قرب منها فطرح ، ثم أكل .
1538 - قال أبو داود : ثنا الحسن بن علي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' إذا وقعت الفأرة في السمن فإن كان جامدا فألقوها ، وما حولها ، وإن كان مائعا فلا تقربوه ' .
ز : هذا الحديث لم يروه من أصحاب الكتب الستة غير أبي داود .
وقد رواه الإمام أحمد عن عبد الرزاق ، ورجاله ، وإن كانوا رجال الصحيحين فإنه خطأ من وجوه كثيرة .
____________________
(2/566)
قال البخاري : حديث معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي في هذا خطأ .
والصحيح حديث الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن ميمونة .
قال الترمذي : سمعه عن البخاري .
وقال ابن أبي حاتم : سألت أبي عن حديث رواه ابن أبي مريم عن عبد الجبار بن عمر الأيلي عن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي في الفأرة تقع في السمن فقال ' إن كان جامدا . . . ' الحديث ' .
قال ابن أبي حاتم : رواه معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي قال أبي : كلاهما وهم .
والصحيح الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن ميمونة عن النبي .
احتجوا بما :
1539 - قال الدارقطني : ثنا عبيد الله بن عبد الصمد بن المهتدي ثنا بكر بن سهل ثنا شعيب بن يحيى ثنا يحيى بن أيوب عن ابن جريج عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر عمر قال : سئل رسول الله عن الفأرة تقع في السمن ، والودك ، فقال : ' اطرحوها ، واطرحوا ما حولها إن كان جامدا ، وإن كان مائعا فانتفعوا به ، ولا تأكلوه ' .
1540 - قال الدارقطني : وحدثني عمر بن محمد بن القاسم النيسابوري ثنا محمد ابن أحمد بن راشد الأصبهاني ثنا محمد بن عبد الرحيم البرقي ثنا عمرو بن أبي سلمة عن سعيد بن بشير عن أبي هارون عن أبي سعيد قال : سئل رسول الله عن الفأرة تقع في السمن ، والزيت ، قال : ' استصبحوا به ، ولا تأكلوا ' [ أو نحو ذلك ] .
____________________
(2/567)
والجواب :
أما الحديث الأول : ففيه يحيى بن أيوب ، قال أبو حاتم الرازي : لا يحتج به .
قال : وشعيب بن يحيى : ليس بمعروف .
وفي الحديث الثاني : أبو هارون العبدي ، قال أحمد : ليس بشيء .
وقال شعبة : لأن أقدم فيضرب عنقي أحب إلي من أن أحدث عنه .
ز : وقال البيهقي في حديث ابن جريج عن ابن شهاب : الطريق إليه غير قوي ، والصحيح عن ابن عمر من قوله مرفوعا ، وهو موقوف غير مرفوع .
ثم روى بإسناده عن الثوري عن أيوب عن نافع عن ابن عمر في فأرة وقعت في زيت قال : ' استصبحوا به ، وادهنوا به أدمكم ' .
وقد سئل الدارقطني عن حديث ابن عمر في هذا الباب ؟ .
فقال : رواه عبد الجبار بن عمر الأيلي عن الزهري عن سالم عن أبيه ، وتابعه يحيى ابن أيوب عن ابن جريج .
وخالفهم أصحاب الزهري فرووه عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس ، وهو الصحيح .
وقال الدارقطني في حديث أبي سعيد : ورواه الثوري عن أبي هارون موقوفا على أبي سعيد .
قال البيهقي : وهو المحفوظ .
وقد بين شيخنا ابن تيمية ، وكشف الغطاء في هذه المسألة ، وإن كانت قد خفيت على كثير من السلف ، والخلف ، فرحمه الله ، ورضي ، عنه ، فكم من سنة بينها ، وأظهرها ، وكم من بدعة وضلالة راجت على كثير ممن اتبع هواه بغير هدى من الله بينها وحذرنا منها بعد المعرفة ، فأقام الحجة ، ووضح المحجة ، وسبك الإخلاص ، وأخرجه من الشرك الخفي من القول في النفي الصرف ، والسلب المحض ، والقول بالجحود المطلق ،
____________________
(2/568)
فجزاه الله عنا أكرم جزاء .
قال : وقد سئل عن زيت كثير وقعت فيه فأرة فهل ينجس أم لا ؟ وهل يجوز بيعه واستعماله أم لا ؟ .
الجواب : الحمد لله لا ينجس بذلك ، بل يجوز بيعه ، واستعماله إذا وقعت فيه النجاسة كالفأرة وغيرها .
واصل هذه المسألة أن المائعات إذا وقعت فيها نجاسة فهل ينجس ؟
فإن كان فوق القلتين ، أو يكون كالماء فلا ينجس مطلقا إلا بالتغير ، أو لا ينجس الكثير إلا بالتغير ، كما إذا بلغت قلتين فيه عن الإمام أحمد ثلاث روايات .
إحداهن : ينجس ولو مع الكثير ، وهو قول الشافعي وغيره .
والثانية : إنها كالماء سواء كانت مائية ، أو غير مائية ، وهو قول طائفة من السلف ، والخلف كابن مسعود وابن عباس ، وهو قول أبي ثور .
وقد ذكر ذلك أصحاب أبي حنيفة ، أن حكم المائعات عندهم حكم الماء إذا كانت منبسطة بحيث لا يتحرك أحد طرفيها بتحرك الطرف الآخر عندهم .
وأما أبو ثور فإنه يقول بالقلتين كالشافعي .
والقول أنها كالماء يذكر قولا في مذهب مالك ، وقد ذكر أصحابه عنه في يسير النجاسة إذا وقعت في الطعام الكثير روايتين .
ويروى عن ابن نافع من المالكية في الجباب التي في الشام الزيت تموت فيه الفأرة ! إن كان لا يضر الزيت ، قال : وليس كالماء .
وقال ابن الماجشون في الزيت وغيره يقع فيه الميتة ، ولم يتغير أوصافه ، وكان كثيرا لم ينجس ، بخلاف وقوعها فيه ، ففرق بين موتها فيه ، ووقوعها فيه .
ومذهب ابن حزم ، وغيره من الظاهرية أن المائعات لا تنجس بوقوع النجاسة ، إلا السمن إذا وقعت فيه فأرة .
كما يقولون إن الماء لا ينجس إذا بال فيه بائل .
____________________
(2/569)
والثالث : يفرق بين المائع الماء كخل التمر .
وغير الماء كخل العنب ، فيلحق الأول بالماء دون الثاني .
وفي الجملة للعلماء في المائعات ثلاثة أقوال :
إحداها : أنها كالماء .
والثاني : أنها أولى بعدم التنجيس منها من الماء ، لأنها طعام ، وإدام فإن تلفها فيه فساد ، لأنها أشد من النجاسة من الماء .
والثالث : أن الماء أولى بعدم التنجيس منها .
قال : وقد بسطنا الكلام في هذه المسألة وذكرنا حجة من قال بالتنجيس ، وأنهم احتجوا بقول النبي ' إن كان جامدا فألقوها وما حولها ، وكلوا سمنكم ، وإن كان مائعا فلا تقربوه ' رواه أبو داود ، وغيره .
وبينا ضعف هذا الحديث ، وطعن البخاري ، والترمذي وغيرهما فيه ، وبينا أن معمرا غلط فيه على الزهري .
قال أبو داود : باب في الفأرة يقع في السمن : حدثنا مسدد ثنا الزهري عن عبيد الله ابن عبد الله بن عباس عن ميمونة أن فأرة وقعت في سمن فأخبر النبي فقال ' ألقوها ، وما حولها ، وكلوه ' .
وقال : حدثنا أحمد بن صالح ، والحسن بن علي ، واللفظ للحسن قالا : ثنا عبد الرزاق قال : أنبأ معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله . ' إذا وقعت الفأرة في السمن فإن كان جامدا فألقوها وما حولها ، وإن كان مائعا فلا تقربوه ' .
قال الحسن : قال عبد الرزاق : ربما حدث به معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن ميمونة عن النبي بمثل حديث الزهري عن ابن المسيب .
وقال الحسن : قال عبد الرزاق : قال أبو داود ثنا أحمد بن صالح ، قال : أخبرنا
____________________
(2/570)
عبد الرحمن بردويه عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عباس عن ميمونة بمثل حديث الزهري عن سعيد بن المسيب .
وقال الترمذي في جامعه : باب ما جاء في الفأرة تموت في السمن : حدثنا سعيد بن عبد الرحمن ، وأبو عمار قالا : ثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن ميمونة أن فأرة وقعت في سمن فماتت فسئل عنها النبي فقال : ' ألقوها ، وما حولها ، وكلوه ' .
قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح .
وقد روي هذا الحديث عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس ، ولم يذكروا فيه عن ميمونة .
وحديث ابن عباس أصح .
وروي عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي نحوه ، وهو حديث غير محفوظ قال : سمعت محمد بن إسماعيل يقول : إن حديث معمر عن الزهري عن سعيد ابن المسيب عن أبي هريرة عن النبي في هذا خطأ .
والصحيح : حديث الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن ميمونة .
وحديث معمر هذا الذي خطأه البخاري وقال الترمذي : إنه غير محفوظ ، هو الذي قال فيه : ' إن كان جامدا ألقوها ، وما حولها ، وإن كان مائعا فلا تقربوه ' .
ز : كما رواه أبو داود ، وغيره .
وكذلك الإمام أحمد في مسنده ، وغيره .
وكذا ذكر عبد الرزاق أن معمرا كان يرويه أحيانا من هذا الوجه فكان يضطرب في متنه .
____________________
(2/571)
وخالف الحفاظ الثقات الذين رووه بغير اللفظ الذي رواه معمر ، وكان معمر معروفا بالغلط .
وأما الزهري فلا يعرف منه غلط أصلا .
فلهذا بين البخاري في صحيحه باب إذا وقعت الفأرة في السمن الذائب ، والجامد .
حدثنا الحميدي ثنا سفيان ثنا الزهري أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنه سمع ابن عباس يحدث عن ميمونة أن فأرة وقعت في سمن فماتت فسئل النبي فقال ' ألقوها وما حولها وكلوه ' .
قيل لسفيان : فإن معمرا يحدثه عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة .
قال : ما سمعت الزهري يقول إلا عن عبيد الله عن ابن عباس عن ميمونة عن النبي ولقد سمعت فيه مرارا أنبأ عبدان ثنا عبد الله يعني ابن المبارك ، عن يونس عن الزهري عن الدابة تموت في الزيت أو السمن ، وهو جامد ، أو غير جامد ، الفأرة أو غيرها ، قال : بلغنا أن رسول الله أمر بفأرة وقعت في سمن فأمر بما قرب منها فطرح ثم أكل .
ثم رواه من طريق مالك ، كما رواه من طريق ابن عيينة .
وهذا الحديث رواه الحفاظ عن الزهري ، كما رواه ابن عيينة بسنده ، ولفظه .
وأما معمر فاضطرب في سنده ، ولفظه ، فرواه تارة عن ابن المسيب عن أبي هريرة ، وقال فيه : ' إن كان جامدا فألقوها ، وما حولها ، وإن كان مائعاً فلا تقربوه ' .
وقيل عنه : ' وإن كان مائعا فاستصبحوا به ' .
فاضطرب فيه .
وظن طائفة من العلماء أن حديث معمر محفوظ فعملوا به ، ومن عمل به : محمد بن يحيى الذهلي فيما جمع من حديث الزهري .
وكذلك احتج به أحمد بن حنبل لما أفتى بالفرق بين الجامد والمائع .
____________________
(2/572)
وكان أحمد يحتج أحيانا بأحاديث ثم يبين له بعد ذلك أنها معلولة ، فيستدل بغيرها .
وأما البخاري والترمذي ، وغيرهما فعللوا حديث معمر ، وبينوا غلطه ، والصواب معهم .
فذكر البخاري هنا عن ابن عيينة أنه سمعه من الزهري مرارا لا يرويه إلا عن عبيد الله ، وليس فيه قوله ' ألقوها وما حولها ، وكلوه '
وكذلك رواه مالك وغيره ، وذكر حديث يونس أن الزهري سئل عن دابة تموت في السمن الجامد وغيره ، فأفتى بأن رسول الله ' مر بفأرة ماتت في سمن فأمر بما قرب منها فطرح ' .
فهذه فتيا الزهري في الجامد وغير الجامد ، فكيف يكون قد روى في هذا الحديث الفرق بينهما ، وهو يحتج على استواء حكم النوعين بالحديث .
والزهري أحفظ أهل زمانه حتى يقال له : إنه لا يعرف له غلطة في حديث ولا نسيان مع أنه لم يكن في زمانه أكثر حديثا منه .
ويقال حفظ على الأمة تسعين سنة ، لم يأت بها غيره .
وقد كتب عنه أمير المؤمنين سليمان بن عبد الملك كتابا من حفظه ثم استعاده من بعد سنة فلم يخطىء منه حرفا ، فلو لم يكن في الحديث إلا نسيان الزهري أو معمر لكان نسيان معمر أولى باتفاق أهل العلم بالرجال مع كثرة الدلائل على نسيان معمر .
وقد اتفق أهل العلم على أن معمرا كثير الغلط على الزهري .
قال الإمام أحمد فيما حدث به محمد بن جعفر عن غندر عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أن غيلان بن سلمة أسلم ، وتحته ثمان نسوة .
فقال أحمد : هكذا حدث به معمر بالبصرة ، وجل حديثه بالبصرة من حفظه ، وحدث به باليمن عن الزهري بالاستقامة .
وكذا قال أبو حاتم أنه حدث به معمر بن راشد بالبصرة ، وفيه أغاليط .
____________________
(2/573)
وأكثر الرواة الذين رووا هذا الحديث عن معمر عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة هم البصريون كعبد الواحد بن زياد وعبد الأعلى الشامي ، والاضطراب فإن هذا يقول : إن كان ذائبا أو مائعا لم يؤكل ، وهذا يقول : إن كان مائعا فلا تنتفعوا به ، واستصبحوا به ، وهذا يقول : فلا تقربوه .
وهذا يقول : فأمر بها أن تؤخذ ما حولها فتطرح .
فانطلق الجواب ، ولم يذكر التفصيل .
وهذا يبين أنهم لم يرووه من كتاب بلفظ مضبوط وإنما رووه بحسب ما ظنه من المعنى فقط وتقدير صحة هذا اللفظ ، وأن يعني قوله : ' وإن كان مائعا فلا تقربوه ' فإنما يدل على نجاسة القليل التي وقعت فيه النجاسة ، كالسمن المسئول عنه فإنه من المعلوم أنه لم يكن عند السائل سمن فوق القلتين تقع فيه فأرة حتى يقال فيه ترك الاستفصال في حكاية الحال ، مع قيام الاحتمال يتنزل منزلة العموم في المقال ، بل الذي يكون عند أهل المدينة أوعيتهم تكون في الغالب أقل من قلتين .
وروى صالح بن أحمد عن أبيه أحمد بن حنبل .
قال : حدثنا أبي ثنا إسماعيل ثنا عمارة بن أبي حفصة عن عكرمة عن ابن عباس سئل عن فأرة ماتت في سمن فقال : ' تؤخذ الفأرة وما حولها ' .
قلت : يا مولانا فإن أثرها كان في السمن كله .
قال : عضضت بهن أبيك ، إنما كان أثرها في السمن كله ، وهي حية .
إنما ماتت حدث وحدث .
قال : حدثنا أبي ثنا وكيع ثنا النضر بن عزيز عن عكرمة قال : جاء رجل إلى ابن عباس فسأله عن جر فيه زيت ، وقع فيه جرد فقال ابن عباس خذه .
وما حوله فألقه ، وكله قال : أليس جال في الجر كله ؟ قال : إنه حال فيه الروح فاستقر حيث مات .
وروى الخلال عن صالح قال : ثنا أبي ثنا وكيع ثنا سفيان عن حمران بن أعين عن أبي حرب بن أبي الأسود الديلي قال : سئل ابن مسعود عن فأرة وقعت في سمن فقال : إنما حرم من الميتة لحمها ، ودمها .
قلت : فهذه فتاوى ابن عباس وابن مسعود مع أن ابن عباس هو راوي حديث ميمونة .
____________________
(2/574)
ثم إن قول معمر في الحديث الضعيف : فلا تقربوه متروك عند عامة السلف ، والخلف من الصحابة والتابعين ، والأئمة .
فإن جمهورهم يجوزون الاستصباح به ، وكثير منهم يجوز بيعه أو تطهيره وهذا مخالف لقوله ' فلا تقربوه ' .
ومن نصر هذا القول يقول بقول النبي ' الماء طهور لا ينجسه شيء ' احتراز عن الثوب ، والبدن ، والإناء ، ونحو دلك مما تنجس .
والمفهوم لا عموم له ، وذلك لا يقتضي أن كل ما ليس بماء ينجس ، وليس بماء .
كما أن قوله : ' الماء لا يجنب ' احتراز عن البدن فإنه يجنب ، ولا يقتضي ذلك أن كل ما ليس بماء يجنب ، وإنما خص الماء بالذكر في الموضعين للحاجة إلى بيان ذكر حكمه .
فإن بعض زوجاته اغتسلت ، فجاء النبي ليتوضأ بسؤرها ، فأخبرته أنها كانت جنبا فقال : ' إن الماء لا يجنب ' مع أن الثوب لا يجنب ، ولا يجنب الأرض .
وتخصيص الماء بالذكر لمفارقة البدن ، لا المفارقة كل شيء .
وكذلك قالوا له أن أنتوضأ بماء البحر .
مسألة [ 507 ] :
لا يجوز بيع الصوف على الظهر .
وعنه : يجوز كقول مالك .
1541 - قال الدارقطني : ثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي ثنا علي بن شعيب ثنا يعقوب الحضرمي قال : حدثني عمرو بن فروخ عن حبيب بن الزبير عن عكرمة : عن ابن
____________________
(2/575)
عباس قال : نهى رسول الله عن بيع اللبن في ضروعها والصوف على ظهورها .
ز : هذا الحديث غير مخرج في شيء من السنن .
وفي رجاله عمرو بن فروخ القتات ، وقد وثقه ابن معين وأبو حاتم ، وغيرهما .
وقال البيهقي : تفرد برفعه عمرو بن فروخ ، وليس بالقة وي
وقد أرسله عنه ابن وكيع ، ورواه غيره موقوفا .
وقال أبو القاسم الطبراني : ثنا عثمان بن عمر الضبي حدثنا حفص بن عمر الحوضي ثنا عمرو بن فروخ صاحب الأقتاب ثنا حبيب بن الزبير عن عكرمة عن ابن عباس قال : نهى رسول الله أن يباع ثمرة حتى تطعم ، ولا صوف على ظهر ، ولا لبن في ضرع .
ورواه أبو داود في المراسيل عن أحمد بن أبي شعيب الحراني عن زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عن عكرمة عن ابن عباس قال : لا يباع أصواف الغنم على ظهورها ، ولا يباع ألبانها في ضروعها .
مسألة [ 508 ] :
لا يجوز بيع السرجين النجس .
وقال أبو حنيفة : يجوز .
____________________
(2/576)
1542 - قال الدارقطني : ثنا علي بن عبد الله بن مبشر ثنا عبد الحميد بن بيان ثنا خالد ابن عبد الله عن خالد الحذاء عن بركة بن أبي الوليد عن ابن عباس عن النبي قال : ' إن الله عز وجل إذا حرم شيئا حرم ثمنه ' .
1543 - قال الدارقطني : وثنا عثمان بن أحمد الدقاق قال : ثنا محمد بن عبيد الله المنادي ثنا شبابة ثنا أبو مالك النخعي عن المهاجر أبي الحسن عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن تميم الداري عن النبي قال : ' إنه لا يحل ثمن شيء لا يحل أكله وشربه ' .
ز : هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل السنن .
وأبو مالك النخعي ضعفوه ، وهو مختلف في اسمه .
مسألة [ 509 ] :
لا يصح بيع العنب ممن يتخذه خمرا .
وقال أكثرهم : يصح .
1544 - قال أحمد : ثنا وكيع ثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن أبي طعمة مولاهم وعن عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي : أنهما سمعا ابن عمر يقول : قال رسول الله : ' لعنت الخمر على عشرة وجوه : لعنت الخمر بعينها ، وشاربها ، وساقيها ، وبائعها ، ومبتاعها ، وعاصرها ، ومعتصرها ، وحاملها ، والمحمولة إليه ، وآكل ثمنها ' .
____________________
(2/577)
ز : ورواه أبو داود وابن ماجة بإسناد حسن وقال شيخنا أبو العباس : هو حديث جيد .
وقد روي من طرق متعددة عن ابن عمر .
ورواه الترمذي ، وابن ماجة من حديث أنس بن مالك .
وروى الإمام أحمد نحوه من حديث ابن عباس .
وروى بإسناده عن مصعب بن سعد قال : قيل لسعد : تبيع عنبا لك لمن يتخذه عصيرا ؟ قال : بئس الشيخ أنا إن بعت الخمر .
وقد احتج أصحابنا بحديث لا أصل له وهو ما :
1545 - أنبأنا به محمد بن البزاز قال : أنبأنا الحسن بن علي الجوهري عن أبي الحسن الدارقطني عن أبي حاتم بن حبان الحافظ ثنا محمد بن عبد الله بن الجنيد ثنا عبد الكريم بن عبد الله ثنا الحسن بن مسلم التاجر عن الحسين ابن واقد عن عبد الله بن بريدة : عن أبيه قال : قال رسول الله : ' من حبي العنب ، من القطاف حتى يبيعه من يهودي ، أو نصراني ، أو ممن يعلم أنه يتخذه خمرا فقد قدم على النار على بصيرة ' .
قال أبو حاتم بن حبان : لا أصل لهذا الحديث من حديث حسين بن واقد ، فينبغي أن يعدل الحسين عن سنن العدول لروايته هذا الخبر المنكر .
ز : وقد رواه ابن حبان أيضا في كتاب الضعفاء في ترجمة الحسن وقال فيه : منكر الحديث .
والحسن بن مسلم حديثه يدل على الكذب .
____________________
(2/578)
مسألة [ 510 ] :
لا يجوز بيع الكلب ، وإن كان معلما .
وقال أبو حنيفة : يجوز .
1546 - قال أحمد : ثنا عبد الرزاق قال : ثنا معمر عن الزهري أن أبا بكر بن عبد الرحمن أخبره أنه سمع أبا مسعود عقبة بن عمرو يقول : نهى رسول الله عن ثمن الكلب ، ومهر البغي ، وحلوان الكاهن .
أخرجاه في الصحيحين .
1547 - قال أحمد : وثنا يحيى بن سعيد قال : ثنا محمد بن يوسف ثنا السائب بن يزيد عن رافع بن خديج أن النبي قال : ' شر الكسب ثمن الكلب ، وكسب الحجام ، ومهر البغي ' .
قال الترمذي : هذا حديث صحيح .
1548 - قال أحمد : وثنا وكيع قال : ثنا إسرائيل عن عبد الكريم الجزري عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال : نهى رسول الله عن مهر البغي ، وثمن الكلب ، وثمن الخمر .
____________________
(2/579)
1549 - قال أحمد : وثنا عبد الجبار بن محمد ثنا عبيد الله بن عمر عن عبد الكريم عن قيس بن جبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله : ' ثمن الكلب خبيث ، وإذا جاءك يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه ترابا ' .
ز : وهو من رواية ابن عمرو الرقي أحد الثقات المخرج له في الصحيحين ورواه أيضا أبو داود .
1550 - قال أحمد : وثنا إسحاق بن عيسى قال : ثنا ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر أن النبي نهى عن ثمن الكلب ، ونهى عن ثمن السنور .
1551 - قال أحمد : وثنا هاشم قال : ثنا عيسى بن المسيب قال : ثنا أبو زرعة : عن أبي هريرة قال : كان النبي يأتي دار قوم من الأنصار ، ودونهم دار ، فشق ذلك عليهم فقالوا : يا رسول الله تأتي دار فلان ، ولا تأتي دارنا فقال النبي ' لأن في داركم كلبا ' .
قالوا : فإن في دارهم سنورا ، فقال : ' السنور سبع ' .
ز : وقد رواه ابن ماجة ، وفيه ذكر السنور .
ورواه الحاكم وصححه .
وقد سئل أبو زرعة عن هذا الجانب فقال : يرفعه أبو نعيم ، وهذا أصح لكن في رجاله عيسى ليس بقوي .
احتجوا بحديثين :
1552 - الحديث الأول : قال الدارقطني : ثنا محمد بن مصعب الصنعاني ثنا نافع بن عمر عن الوليد بن عبيد الله بن أبي رباح عن عمه عن عطاء عن أبي هريرة عن النبي قال : ' ثلاث كلهن سحت : كسب الحجام ، ومهر البغي ، وثمن الكلب إلا الكلب الضاري ' .
____________________
(2/580)
1553 - طريق آخر : قال الدارقطني : وثنا أحمد بن عبد الله [ الوكيل ] ثنا الحسن ابن أحمد بن أبي شعيب ثنا ابن سلمة قال : ثنا ابن المثني عن عطاء قال سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله : ' ثلاث كلهن سحت : كسب الحجام سحت ، ومهر الزانية سحت ، وثمن الكلب سحت ، إلا كلبا ضاريا ' .
1554 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : وثنا أبو بكر النيسابوري ثنا إسحاق بن الجراح قال : ثنا الهيثم بن جميل ثنا حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر قال : نهى رسول الله عن ثمن الكلب ، والسنور ، إلا كلب صيد .
1555 - الطريق الثاني : قال الدارقطني : وثنا الحسين بن إسماعيل قال : ثنا يعقوب ابن إبراهيم الدورقي قال : ثنا عباد بن العوام عن الحسن بن أبي جعفر عن أبي الزبير : عن جابر قال : نهى رسول الله عن ثمن الكلب ، والهر إلا الكلب المعلم .
1556 - الطريق الثالث : قال أحمد : ثنا عباد بن العوام عن الحسن بن أبي جعفر عن أبي الزبير : عن جابر قال : نهى النبي عن ثمن الكلب إلا الكلب المعلم .
والجواب : إنه ليس في هذه الأحاديث ما يصح :
أما الأول : ففيه الوليد بن عبيد الله ، وقد ضعفه الدارقطني .
وفي الطريق الثاني : المثنى بن الصباح قال أحمد ، والرازي : لا يساوي شيئا ، وهو مضطرب الحديث .
وقال النسائي : متروك الحديث .
وقال يحيى : ليس بشيء .
وأما حديث جابر فقال الدارقطني : في الطريق الأول : رواه سويد بن عمرو عن حماد بن سلمة موقوفا على جابر ، ولم يذكر النبي ، وهو أصح .
وأما الطريق الثاني ، والثالث : ففيهما الحسن بن أبي جعفر وهو الحفري ، قال
____________________
(2/581)
يحيى : ليس بشيء .
وقال النسائي : متروك الحديث .
قلت : أما حديث عطاء عن أبي هريرة لم يخرجه أحد من أصحاب السنن من الوجهين وضعفه البيهقي منهما .
وأما حديث حماد بن سلمة عن الزبير ، رواه النسائي عن إبراهيم بن الحسن عن حجاج وقال : هذا حديث منكر .
وقال مرة : ليس بصحيح .
وقال أبو بكر بن أبي عاصم : ثنا عبد الأعلى بن حماد ثنا حماد بن سلمة ثنا أبو الزبير عن جابر قال : نهى النبي ' عن ثمن الكلب إلا كلب صيد ' .
ورواه عبيد الله بن موسى عن حماد ثم قال : ولم يذكر حماد بالشك في ذكر النبي .
ورواه الهيثم بن حنبل عن حماد وقال : نهى رسول الله .
ورواه الحسن بن أبي جعفر عن أبي الزبير عن جابر عن النبي وليس بالقوي .
والأحاديث الصحاح عن النبي في النهي عن ثمن الكلب خالية عن هذا الاستثناء وإنما الاستثناء في الأحاديث الصحاح في النهي عن الاقتناء ، فلعله اشتبه على من ذكر حديث النهي .
مسألة [ 511 ] :
بيع الحاضر للبادي باطل ، بشرط أن يكون البادي حضر لبيع [ السلعة بسعر يومه ] ، أو يكون بالناس حاجة إلى سلعته ، وأن يكون البادي جاهلا بالأسعار ، ويكون
____________________
(2/582)
الحاضر قصد التاجر .
1557 - قال أحمد : ثنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر قال : قال رسول الله ' لا يبيعن حاضر لباد ، دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض ' .
انفرد بإخراجه مسلم .
مسألة [ 512 ] :
لا يجوز أن يفرق في البيع بين كل ذي رحم محرم .
وقال مالك : لا يفرق بين الأم ، وولدها خاصة .
وقال الشافعي : لا يفرق بينه ، وبين أبويه وإن عليا ، وولده إن سفل .
لنا ثلاثة أحاديث :
1558 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا محمد بن جعفر ثنا سعيد بن أبي عروبة عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى : عن علي بن أبي طالب قال : أمرني رسول الله أن أبيع غلامين أخوين ، فبعتهما ، ففرقت بينهما فذكرت ذلك للنبي فقال :
____________________
(2/583)
' أدركهما فارتجعهما ، ولا تبيعهما إلا جميعا ' .
ز : وهذا الحديث بهذا الإسناد غير مخرج في شيء من الكتب الستة ، ورجاله رجال الصحيحين .
لكن سعيد بن أبي عروبة لم يسمع من الحكم شيئا قاله أحمد بن حنبل ، والنسائي وغيرهما .
وقد رواه أحمد ، وسئل عنه الدارقطني فقال : رواه شعبة ، وسعيد بن أبي عروبة ، وسعيد لم يسمع ، الحكم شيئا .
وذكر جماعة رووه عن سعيد عن الحكم .
وأما حديث شعبة فرواه عنه وضاح بن حسان الإيباري وقد روي عن زيد بن أسلم عن الحكم من رواية سليمان بن عبيد الله ، وهذا الإسناد لا بأس به .
وسليمان صدقه أبو حاتم .
1559 - طريق آخر : قال الترمذي : ثنا الحسن بن عرفة أنبأ عبد الرحمن بن مهدي عن حماد بن سلمة عن الحجاج عن الحكم عن ميمون بن أبي شبيب : عن علي قال : وهب لي رسول الله غلامين أخوين ، فبعت أحدهما ، فقال النبي : ' يا علي : ما فعل غلامك ؟ ' فأخبرته فقال : ' رده ، رده ' .
ز : قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب .
وقد رواه ابن ماجة أيضا من حديث الحجاج بن أرطأة وقد تقدم الكلام فيه .
وميمون بن أبي سفيان صالح الحديث ، لكن هو كثير الإرسال وقد قال فيه أبو داود : لم يدرك عليا ، والله أعلم .
____________________
(2/584)
1560 - قال الدارقطني : ثنا البغوي ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا إسحاق بن منصور ثنا عبد السلام بن حرب عن يزيد بن عبد الرحمن الدالاني عن الحكم بن ميمون بن أبي شبيب عن علي بن أبي طالب أنه فرق بين جارية وولدها ، فنهاه النبي عن ذلك ، فرد البيع .
ز : وقد رواه أبو داود أيضا من حديث أبي بردة عن أبي موسى الأشعري قال : لعن رسول الله من فرق بني الوالدة وولدها ، وبين الأخ وأخيه ، رواه ابن ماجة .
1561 - الحديث الثاني : وبه قال الدارقطني : وثنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا محمد بن علي الوراق ثنا عبيد الله بن موسى عن إبراهيم بن إسماعيل عن طليق بن عمران عن أبي بردة عن أبي موسى قال : لعن رسول الله من فرق بين الوالدة ، وولدها ، وبين الأخ وأخته .
1562 - الحديث الثالث : قال الترمذي : ثنا عمر بن حفص الشيباني أنبأ عبد الوهاب ابن وهب قال : أخبرني حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي : عن أبي أيوب قال : سمعت رسول الله يقول : ' من فرق بين والدة ، وولدها ، فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة ' .
ز : انفرد بهذا الحديث الترمذي من بين أصحاب السنن ، وقال : هذا حديث حسن غريب .
وقد رواه الإمام أحمد ، وأبو يعلى ، والدارقطني ، والحاكم في المستدرك ، وقال : صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجه .
وفي رجاله يحيى بن عبد الله ، وقال النسائي : ليس بالقوي .
وقال ابن معين : ليس به بأس .
وقال البخاري : فيه نظر .
وقد روى البيهقي عن أبي أيوب الأنصاري قال : سمعت رسول الله يقول : ' من فرق بين الولد وأمه فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة ' .
____________________
(2/585)
وهو من رواية أبي عتبة ، وهو أحمد بن الفرج الحمصي محله الصدق .
قال ابن أبي حاتم : وقد زال ما يخشى من تدليس بقية بتصريحه بالتحديث .
وفي رجاله : خالد بن حمير هو الإسكندراني ، لا بأس به ، وثقه ابن أبي حاتم ، وابن حبان .
وفي رجاله العلاء ، هو الإسكندراني ، وهو صدوق لكنه لم يسمع من أبي أيوب ، فيكون الحديث منقطعا والله أعلم . فصل
ولا يجوز التفريق بعد البلوغ .
وعنه يجوز كقول أبي حنيفة .
لنا مطلق الأخبار المتقدمة .
وقد احتجوا بما :
1563 - قال الدارقطني : ثنا أحمد بن عيسى بن علي الخواص ثنا أحمد بن الهيثم ابن خالد ثنا عبد الله بن عمرو بن حسان ثنا سعيد بن عبد العزيز قال : سمعت مكحولا يقول : ثنا نافع بن محمود بن الربيع عن أبيه : أنه سمع عبادة بن الصامت يقول : نهى رسول الله أن يفرق بين الأم وولدها ، فقيل : يا رسول الله إلى متى ؟ قال : ' حتى يبلغ الحلم ، وتحيض الجارية ' .
قال الدارقطني : عبد الله بن عمرو هو الواقفي ، وهو ضعيف الحديث ؛ رماه علي بن المديني بالكذب ، ولم يروه عن سعيد غيره .
ز : والعجب كل العجب أن الحاكم صححه ، وقال : هو حديث صحيح على شرطهما ، ولم يخرجاه .
قال شيخنا : وهذا الذي قاله خطأ .
والأشبه بهذا الحديث أن يكون مقطوعا ، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة .
____________________
(2/587)
مسألة [ 513 ] :
لا يجوز المعارضة عن عسب الفحل .
وقال مالك : يجوز .
1564 - قال أحمد : ثنا إسماعيل ثنا علي بن الحكم عن نافع عن ابن عمر أن النبي نهى عن ثمن عسب الفحل .
انفرد بإخراجه البخاري .
احتجوا بما :
1565 - قال الترمذي : ثنا عبدة بن عبد الله البصري ثنا يحي بن آدم عن إبراهيم بن حميد الرؤاسي عن هشام بن عروة عن محمد بن إبراهيم التيمي : عن أنس بن مالك أن رجلا من كلاب سأل النبي عن عسب الفحل فنهاه ، فقال : يا رسول الله إنا نطرق الفحل فيكرم ، فرخص له في الكرامة .
قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب ، لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم بن حميد .
ز : وقد رواه النسائي عن علقمة بن الفضل عن يحي بن آدم .
وقال الدارقطني : غريب من حديث هشام عن محمد ، تفرد به إبراهيم عنه .
وإبراهيم وثقه ابن معين ، وابن أبي حاتم ، والنسائي .
وروى له البخاري ومسلم في صحيحيهما ( * ) .
____________________
(2/587)
مسائل القرض
مسألة [ 514 ] :
يجوز قرض الحيوان ، والثياب ، وبه قال مالك ، والشافعي ، وزاد فقالا : ويجوز قرض الإماء ، والعبيد .
وقال أبو حنيفة : لا يجوز شيء من ذلك .
1566 - قال أحمد : ثنا يحيى بن سعيد عن سفيان قال : حدثني سلمة بن كهيل عن أبي سلمة : عن أبي هريرة أن رجلاً تقاضي رسول الله بعيراً فقالوا : لا نجد إلا أفضل من سنه ، فقال : ' أعطوه ' فقال : أوفيتني أوفي الله لك ، فقال : ' خيار الناس أحسنهم قضاءً ' . أخرجاه في الصحيحين .
1567 - قال الترمذي : ثنا أبو كريب عن علي بن صالح عن سلمة بن كهيل عن أبي سلمة : عن أبي هريرة قال : استقرض رسول الله سناً فأعطاه خيراً من سنه ، وقال : ' خياركم أحسنكم قضاءً ' .
____________________
(3/5)
1568 - قال الترمذي : وثنا عبد بن حميد قال : ثنا روح بن عبادة ثنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار : عن أبي رافع قال : استسلف رسول الله بكراً فجاءته إبل الصدقة ، فأمرني أن أقضي الرجل بكره فقلت : لا أجد في الإبل إلا جملاً خياراً رباعياً فقال رسول الله : ' أعطه إياه ؛ فإن خيار الناس أحسنهم قضاءاً ' .
انفرد بإخراجه مسلم .
مسألة [ 515 ] :
ويجوز قرض الخبز ، وهل يجوز بالعدد أو يكون بالوزن ؟
وقال أبو حنيفة : لا يجوز قرضه . لنا ما :
1569 - أخبرنا به محمد بن عبد الباقي أنبأ الجوهري أنبأ أبو حفص بن عمر ابن محمد بن علي الصيرفي ثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن ناجية قال : ثنا الزبير بن بكار قال : حدثتني أم كلثوم بنت عثمان بن مصعب بن عروة بن الزبير قال : حدثتني صفية بنت الزبير بن هشام بن عروة عن جدها هشام عن أبيه : عن عائشة قالت : سألت رسول الله عن الخميرة ، والخبز نقرضه الجيران ، فيردون أكثر أو أقل فقال : ' ليس بذلك بأس ، إنما هو أمر موافق بين الجيران ، وليس يراد به الفضل ' .
ز : هذا الحديث غير مخرج في شيء من الكتب الستة .
قال شيخنا : وفي إسناده من يجهل حاله والله اعلم .
1570 - قال ابن عدي : ثنا عبد الله بن محمد بن مسلم قال : ثنا ابن مصفى ثنا بقية عن سعد بن يزيد عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل أنه سئل عن استقراض الخمير ، والخبز فقال : سبحان الله ؛ هذا مكارم الأخلاق فخذ الصغير ، وأعط الكبير ، وخذ الكبير ، وأعط الصغير ، خيركم أحسنكم قضاءً ، سمعت رسول الله يقول ذلك .
____________________
(3/6)
ز : هذا الحديث لم يخرج في شيء من السنن وإسناده صالح لكنه منقطع : فإن الحديث مروي من طريق خالد ، وخالد لم يدرك معاذاً .
وابن عدي ذكره في ترجمة ثور ، وروى له غيره .
ثم قال : لم أرَ في أحاديثه أنكر من هذا الذي ذكرته ، لكنه مستقيم الحديث ، صالح بين الناس .
مسألة [ 516 ] :
لا يحل للمقرض أن ينتفع من المقترض منفعة لم تجر عادته بها قبل ذلك .
وقال الشافعي : يجوز ما لم يشترط ذلك ، وعن أحمد مثله .
____________________
(3/7)
1571 - قال سعيد بن منصور : ثنا إسماعيل بن عباس عن عتبة بن حميد الضبي : عن يزيد بن أبي يحيى قال : سألت أنس بن مالك فقلت : يا أبا حمزة الرجل منا يقرض أخاه المال ، فيهدي إليه ، فقال : قال رسول الله : ' إذا اقترض أحدكم قرضاً ، فأهدي إليه طبقاً فلا يقبله أو حمله على دابة فلا يركبها إلا أن تكون بينه وبينه قبل ذلك ' .
ز : كذا فيه عن يزيد بن أبي حبيب . وهو غلط ، ولا يعرف في الرواة يزيد بن أبي يحيى ، لكن روى هذا الحديث ابن ماجة عن هشام بن عمار عن إسماعيل بن عياش عن عيينة بن حميد الضبي عن يحيى بن أبي إسحاق الهنائي قال : سألت أنس ابن مالك فذكره كذا .
قال : وهو خطأ أيضاً ، فإن يحيى الهنائي غير ابن أبي إسحاق ، وابن أبي إسحاق هو الحضرمي البصري وإسناد هذا الحديث غير قوي على كل حال ، فإن ابن عياش متكلم فيه .
1572 - قال سعيد : وثنا سفيان ثنا عمار الدهني : عن سالم بن أبي الجعد قال : جاء رجل إلى ابن عباس فقال له : إني أقرضت رجلاً يبيع السمك عشرين درهماً ، فأهدى إلي سمكة ، قومتها بثلاثة عشر درهماً فقال : خذ منه سبعة دراهم .
ز : قال أبو الجهضم العلاء بن موسى أبي جمرة حدثنا سوار عن عمارة عن علي ابن أبي طالب البيع يهدم الشرط قال : قال رسول الله : ' كل قرض جر منفعة فهو ربا ' هذا الإسناد ساقط ، وسوار : هو ابن مصعب وهو متروك .
____________________
(3/8)
مسائل السلم
مسألة [ 517 ] :
يصح السلم في المعدوم إذا كان موجوداً في محله .
وقال أبو حنيفة : لا يجوز .
1573 - قال أحمد : ثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن عبد الله بن كثير عن أبي المنهال عن ابن عباس قال : قدم رسول الله المدينة وهم يسلفون في التمر العام فالعام - وربما قال عامين أو ثلاثة - فقال : ' من أسلفني في تمر فليسلف في كيل معلوم ، ووزن معلوم إلى أجل معلوم ' .
أخرجاه في الصحيحين .
1574 - قال أحمد : وثنا هشيم قال أنبأ أبو إسحاق الشيباني عن محمد بن أبي
____________________
(3/9)
المجالد مولى بني هاشم قال : أرسلني ابن شداد ، وأبو بردة فقالا : انطلق إلى ابن أبي أوفى فقل له : إن عبد الله بن شداد ، وأبا بردة يقرئانك السلام ، ويقولان : هل كنتم تسلفون في عهد رسول الله في البر والشعير والزيت ؟ قال : نعم كنا نصيب غنائم في عهد رسول الله فنسلفها في البر ، والشعير ، والتمر ، والزيت . فقلت : عند من كان له زرع ، أو عند من لم يكن له زرع . فقال : ما كنا نسألهم عن ذلك فقالا : انطلق إلى عبد الرحمن بن أبزى فاسأله فانطلق فسأله ، فقال له مثل ما قال ابن أبي أوفى .
ز : هذا الحديث رواه البخاري .
مسألة [ 518 ] :
يصح السلم في الحيوان .
وقال أبو حنيفة : لا يصح .
لنا : حديث عبد الله بن عمرو بن العاص : أمرني رسول الله أن أتباع البعير بالبعيرين ، وبالأبقرة إلى خروج المصدق .
وقد سبق هذا بإسناده .
1575 - قال أحمد : ثنا حسين بن محمد ثنا جرير بن حازم عن أبي إسحاق عن أبي سفيان عن مسلم بن جبير عن عمرو بن الحريش قال : سألت عبد الله بن عمرو ابن العاص فقلت : إنا بأرض ليس بها دينار ولا درهم إنما نتابيع بالإبل والغنم إلى
____________________
(3/10)
أجل فما ترى في ذلك ؟ فقال : على الخبير سقطت ؛ جهز رسول الله جيشاً على إبل من إبل الصدقة حتى نفدت ، وبقي ناس فقال رسول الله : ' اشتر لنا إبلاً بقلانص من إبل الصدقة إذا جاءت حتى نؤديها إليهم ' فاشتريت البعير بالاثنين ، والثلاث قلانص حتى فرغت ، فأدى ذلك رسول الله من إبل الصدقة .
احتجوا بما :
1576 - قال الدراقطني : ثنا محمد بن علي بن إسماعيل الأبلي ثنا عبد الله ابن إسماعيل بن أحمد ثنا إسحاق بن إبراهيم ثنا عبد الملك الذماري عن سفيان الثوري قال : حدثني معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله نهى عن السلف في الحيوان .
قال أبو زرعة : عبد الملك الذماري منكر الحديث .
وقال الرازي : ليس بقوي ، ووثقه الفلاس .
وأما إسحاق بن إبراهيم فمجهول .
ز : وهو غير مخرج في شيء من الكتب التي في السنن وهو مرسل وقد صحح غير واحد إرساله .
وإسحاق بن إبراهيم هو الطبري الصنعاني .
قال ابن عدي : كان بصنعاء ، وهو منكر الحديث .
وقال ابن حبان : يروي عن ابن عيينة .
والفضل بن عياض منكر الحديث جداً ، يروي عن الثقات ويأتي بالموضوعات ، لا يحل كتب حديثه إلا على سبيل التعجب .
وقال الحاكم : سكن اليمن ، وروى أحاديث موضوعات .
قال سعيد بن منصور : ثنا هشيم أنبأ عبد بن حميد عن عبد الملك بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس أنه كان لا يرى بأساً بالسلف في الحيوان .
____________________
(3/11)
كذا فيه عن ابن حميد .
قال شيخنا : وهو هم ، والصحيح عن عبيدة بن مغيث الضبي ، وهو ضعيف .
وابن حميد يروي عن ابن مغيث ، والله أعلم .
مسألة [ 519 ] :
يجوز السلم في الخبز خلافاً لأكثرهم .
لنا قوله عليه السلام : ' ووزن معلوم ' .
والخبز موزون ، وقد سبق الحديث بإسناده .
مسألة [ 520 ] :
إذا أسلم [ إليه ] ( 1 ) في سلعة ثم تقايلا بعد قبض الثمن لم يجز أن يصرف ذلك الثمن في شيء آخر ، حتى يقبضه .
وقال الشافعي : يجوز .
____________________
(3/12)
1577 - قال الدارقطني : ثنا ابن صاعد ثنا الحسن بن عرفة ، وإبراهيم بن سعيد الجوهري وعلي بن الحسين الدرهمي وأبو سعيد الأشج ، واللفظ لعلي قالوا ثنا أبو بدر شجاع بن الوليد ثنا زياد بن خيثمة عن سعد الطائي عن عطية بن سعد عن أبي سعيد الخدري قال :
قال رسول الله : ' من أسلم في شيء فلا يصرفه في غيره ' .
وقال إبراهيم بن سعيد : ولا يأخذ إلا ما أسلم فيه أو رأس ماله .
ز : وقد روى أبو داود ، وابن ماجة عن أبي سعد الأشج ولم يذكر سعداً .
لكن في إسناده عطية العوفي . وقد ضعفه أحمد ، والترمذي ، وغيرهما .
وقال ابن عدي : هو مع ضعفه يكتب حديثه ، وكان يعد من شيعة أهل الكوفة .
مسألة [ 521 ] :
لا يجوز التسعير .
وقال مالك : يجوز أن يقول لمن حط سعراً إما أن يلحق بالناس أو ينصرف عنهم .
1578 - قال أحمد : ثنا سريج ثنا حماد بن سلمة عن قتادة وثابت : عن أنس ابن مالك قال : غلا السعر على عهد رسول الله فقالوا : يا رسول الله لو سعرت . فقال : ' إن الله عز وجل هو الخالق القابض الباسط الرازق المسعر ، وإني لأرجو
____________________
(3/13)
أن ألقى الله عز وجل ، ولا يطالبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه في دم ، ولا مال ' .
قال الترمذي : هذا حديث صحيح .
ز : رواه أبو داود ، ورواه ابن ماجة ، ورواه أحمد .
____________________
(3/14)
مسائل الرهن
مسألة [ 522 ] :
يجوز الرهن في السفر ، [ والحضر عند الجمهور ] ( 1 ) .
وقال داود : لا يجوز إلا في السفر .
1579 - قال أحمد : ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشه قالت : اشترى رسول الله من يهودي طعاماً نسيئة فأعطاه درعا له رهناً . أخرجاه .
1580 - قال أحمد : وثنا يزيد قال : ثنا هشام بن عروة عن ابن عباس قال : قبض النبي ، وإن درعه مرهونة عند رجل من يهود على ثلاثين صاعاً من شعير ؛ أخذها رزقاً لعياله .
قال الترمذي : هذا (1) .
ز : ورواه النسائي ، وابن ماجة .
____________________
1- حديث صحيح
(3/15)
مسألة [ 523 ] :
إذا قال الراهن : إن جئتك بالحق في وقت كذا ، وإلا فالرهن لك . بطل الشرط ، وصح الرهن .
وكذلك إذا شرط سائر الشروط الفاسدة .
وقال الشافعي : إن كانت الشروط مما ينقص من حق المرتهن مثل أن يشترط أن لا يسلم الرهن إليه ، أو لا يبيعه في محله فالرهن باطل .
وإن كان مما يزيد في حقه مثل أن يشترط دخول النماء المنفصل منه في الرهن ففيه قولان :
أحدهما : لا يصح أيضا .
والثاني : يصح الرهن ، ويبطل الشرط .
1581 - لنا ما قال الدارقطني : ثنا علي بن صاعد ثنا عبد الله بن عمران العابدي ثنا سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله قال : ' لا يغلق الرهن ؛ له غنمه ، وعليه غرمه ' .
قال الدارقطني : زياد بن سعد أحد الحفاظ الثقات ، وهذا إسناد حسن متصل .
____________________
(3/16)
ز : لأن الدارقطني رواه عن ابن صاعد قال : ثنا عبد الله بن عمران العابدي ثنا سفيان ابن عيينة عن زياد بن سعد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي .
1582 - قال ابن صاعد : وثنا محمد بن عوف ثنا عثمان بن سعيد بن كثير قال : ثنا إسماعيل بن عياش عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' لا يغلق الرهن ؛ لصاحبه غنمه ، وعليه غرمه ' .
1583 - قال الدارقطني : وثنا إبراهيم بن أحمد القرميسيني ثنا يحيى بن أبي طالب ثنا عبد الله بن نصر الأصم ثنا شبابه ثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن سعيد ابن المسيب ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' لا يغلق الرهن ؛ والرهن لمن رهنه ؛ له غنمه ، وعليه غرمه ' .
قال إبراهيم النخعي : كانوا يرهنون ، ويقولون : إن جئتك بالمال إلى وقت كذا ، وإلا فهو لك ، فقال النبي هذا .
ز : الإسناد الأول غير مخرج في شيء من السنن .
وعبد الله بن عمران العابدي صدقه أبو حاتم ، ووثقه ابن حبان .
وقد رواه أبو داود في المراسيل من رواية مالك وابن أبي ذؤيب ، والأوزاعي ، وغيرهم عن الزهري عن سعيد بن المسيب . ورواه جماعة من الحفاظ بالإرسال ، وهو الصحيح . وأما ابن عبد البر ، فقد صحح اتصاله ، وكذلك عبد الحق .
احتجوا بما :
1584 - قال الدارقطني : ثنا عبد الباقي بن قانع ثنا عبد الوهاب بن إبراهيم ثنا إسماعيل بن أبي أمية ثنا سعيد بن راشد ثنا حميد الطويل عن أنس قال : سمعت رسول
____________________
(3/17)
الله يقول : ' الرهن بما فيه ' .
قال إسماعيل بن أبي أمية : وثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن أنس قال : قال رسول الله : ' الرهن بما فيه ' .
1585 - قال الدارقطني : وثنا محمد بن مخلد ثنا أحمد بن محمد بن غالب حدثني عبد الكريم بن روح عن هشام بن زياد عن حميد عن أنس عن النبي : ' الرهن بما فيه ' .
والجواب :
أما الحديث الأول : ففيه إسماعيل بن أمية .
قال الدارقطني : هو يضع الحديث ، قال : وهذا الحديث باطل عن قتادة ، وعن حماد ابن سلمة ، وفي الإسناد سعيد بن راشد .
قال يحيى بن معين : ليس بشيء . وقال النسائي : متروك الحديث .
وقال ابن حبان : ينفرد عن الثقات بالمعضلات .
وفي الحديث الثاني : هشام بن زياد قال يحيى : ليس بشيء .
وقال النسائي : متروك الحديث . وقال ابن حبان : لا يجوز الاحتجاج به .
وفيه عبد الكريم ، ضعفه الدارقطني ، وقال أبو حاتم الرازي : هو مجهول .
وفيه أحمد بن محمد بن غالب ، وهو غلام خليل ، كان كذاباً ؛ يضع الحديث قال ابن عدي الحافظ : كان غلام الخليل يقول : وضعنا أحاديث نرقق بها قلوب العامة .
وقال الدارقطني : هو متروك .
ز : قال شيخنا : وهذا الحديث لم يخرجه أحد من أصحاب السنن .
____________________
(3/18)
قال شيخنا : وليس فيه حجة ، وليس له تعلق بهذه المسألة ، والله أعلم .
مسألة [ 524 ] :
ما ينفقه المرتهن على الراهن في غيبة الراهن يكون ديناً على الراهن ، وللمرتهن [ استيفاؤه ] ( 1 ) من ظهر الرهن ، ودره .
وقال أبو حنيفة ، والشافعي : متى أنفق من غير أمر الحاكم كان متطوعاً .
احتجوا بما :
1586 - قال الدارقطني ثنا أبو بكر النيسابوري ثنا أحمد بن منصور ثنا يحيى بن حماد ثنا أبو عوانة عن الأعمش عن أبي صالح : عن أبي هريرة عن النبي قال : ' الرهن مركوب ، ومحلوب ' .
ز : هذا الإسناد صحيح ، وإن كان غير مخرج في شيء من الكتب الستة . والأشبه أن يكون موقوفاً .
ورواه شعبة عن الأعمش موقوفاً ، كذا رواه الشافعي عن ابن عيينة عن الأعمش .
1587 - والجواب : أنه حجة لنا ؛ لأن المراد أن المرتهن إذا أنفق عليه ركب ، وشرب ، يدل عليه ما قال البخاري ثنا محمد بن مقاتل أنبأ عبد الله ثنا زكريا عن
____________________
(3/19)
الشعبي : عن أبي هريرة قال قال رسول الله : ' الرهن يركب بنفقته إذا كان مرهوناً ، ولبن الدر يشربه بنفقته إذا كان مرهوناً ، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة ' .
وهذا يدل عل ما قلنا ؛ لأن الراهن إنما ينفق بحكم الملك ، سواء انتفع به أو لم ينتفع .
[ قال الشعبي : لا ينتفع من الرهن بشيء ] ( 1 ) .
مسألة [ 525 ] :
ليس للراهن أن ينتفع بالرهن .
وقال الشافعي : له ذلك ، واحتج بما سبق ، [ وقد بينا أن ذلك للمرتهن ] ( 2 ) .
____________________
(3/20)
مسائل الإفلاس
مسألة [ 526 ] :
إذا أفلس المشتري بالثمن ، فوجد البائع عين ماله ، والمفلس حي ، ولم يقبض من ثمنه شيئاً فهو أحق به من سائر الغرماء .
وقال أبو حنيفة : هو أسوة الغرماء في الموت ، والحياة .
وقال الشافعي : هو أحق به في الموت ، والحياة .
لنا حديثان :
1588 - الحديث الأول : قال أحمد ثنا هشيم ثنا يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمر بن عبد العزيز عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' من وجد عين ماله عند رجل قد أفلس فهو أحق به ممن سواه ' .
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين .
____________________
(3/21)
1589 - الحديث الثاني : قال أحمد : وثنا عبد الصمد أنبأ عمر بن إبراهيم ثنا قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي قال : ' من وجد متاعه عند مفلس بعينه ، فهو أحق به ' قالوا : قد قال أبو حاتم الرازي : عمر بن إبراهيم لا يحتج به .
قلنا : لعله ظنه الكردي ، وذاك كذاب ، وإنما هذا عمر بن إبراهيم العبدي ؛ قال يحيى بن معين : هو ثقة .
ز : وقد اشتبه عليه الراوي بعمر بن إبراهيم الكردي فإن العبدي معروف بالرواية عن قتادة ، وقد وثقه أحمد وغيره ، لكن قال ابن عدي : يروي عن قتادة أشياء لا يوافق عليها .
أما أحاديثه عن قتادة خاصة ففيها اضطراب لأن أحمد قال عنه مرة : يروي عن قتادة أحاديث مناكير ، والحديث بحمد الله ثابت في الصحيحين .
وقد رواه أيضاً الطبراني عن الحسن عن سمرة بن جندب قال : قال رسول الله ' من وجد عين ماله فهو أحق به ، ويتبع البيع من باعه ' . رواه أبو داود ، ورواه الإمام أحمد ، ورواه النسائي ، الجميع عن سمرة قال : قال رسول الله : ' من وجد متاعه بعينه عند مفلس فهو أحق ' وهو مروي أيضاً من طرق عن أبي هريرة .
احتجوا بما :
1590 - قال الدارقطني ثنا دعلج بن أحمد قال : ثنا جعفر بن محمد الفريابي ثنا عبد الله بن عبد الجبار ثنا إسماعيل بن عياش عن الزبيدي عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي قال : ' أيما رجل باع سلعة ، فأدرك سلعته بعينها عند رجل قد أفلس ، ولم يكن قبض من ثمنها شيئاً فهي له ، وإن كان قضاه من ثمنها شيئاً فما بقي فهو أسوة الغرماء وأيما امرىء هلك وعنده مال امرئ بعينه قبض منه شيئاً أو لم يقبض فهو أسوة الغرماء ' .
والجواب :
إن إسماعيل بن عياش ضعيف ؛ قال الدارقطني : إسماعيل مضطرب الحديث ، ولا
____________________
(3/22)
يثبت هذا عن الزهري مسنداً ، وإنما هو مرسل .
ز : وقد رواه أبو داود من حديث مالك عن الزهري عن أبي بكر مرسلاً ، وقال : حديث مالك أصح - يعني مالك عن الزهري أصح - من حديث الزبيدي عن الزهري .
قال أصحاب أحمد : هذا الحديث حجة لنا ، لا علينا ، فلا معنى لقوله : احتجوا بكذا ، ثم جوابه عنه ، والله أعلم .
مسألة [ 527 ] :
إذا أفلس ، وفرق ماله ، وبقي عليه دين ، وله حرفة تفصل أجرتها عن كفايته جاز للحاكم إجارته في قضاء دينه .
وعنه : لا يؤجره كقول أكثرهم .
1591 - ثنا علي بن إبراهيم المستملي ثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة ثنا بندار قال : حدثني عبد الصمد بن عبد الوارث ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار : ثنا زيد بن أسلم قال : رأيت شيخاً بالإسكندرية يقال له : سرق فقلت : ما هذا الاسم ؟ قال : اسم سمانيه رسول الله ، ولن أدعه ، قلت : ولم سماك ؟ قال : قدمت المدينة ، فأخبرتهم أن مالي يقدم ، فبايعوني فاستهلكت أموالهم ، فأتوا بي رسول الله فقال : ' أنت سُرق ' وباعني بأربعة أبقرة ، فقال الغرماء للذي اشتراني : ماذا نصنع به ؟ قال : أعتقه قالوا : فلسنا بأزهد في الأجر منك ، فأعتقوني بينهم ، وبقي اسمي .
فوجه الحجة أنه قد علم أنه لم يبع رقبته ، لأنه حر ، وإنما باع منافعه ، والمعنى أعتقوني من الاستخدام . ولهذا سار إلى الجماعة ، وإنما اشتراه منهم واحد .
____________________
(3/23)
ز : قال شيخنا : الكلام عل هذا الحديث فيه نظر .
وأما الحديث فإسناده صحيح ، ورواته كلهم ثقات لكن لم يخرجه أحد من أهل السنن .
وقال البيهقي بعد روايته : وبمعناه رواه عبد الرحمن ، وعبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيهما أتم من ذلك في اشترائه من أعرابي ناقة ، واستهلاكه ثمنها .
وقد رواه مسلم بن خالد عن زيد بن أسلم عن ابن السلماني عن سرق .
ومدار حديث سرق رضي الله عنه على هؤلاء ، كلهم ليسوا بأقوياء ، عبد الرحمن بن عبد الله ، وابنا يزيد ، وإن كان الحديث عن زيد عن ابن السلماني ضعيف في الحديث .
وفي إجماع العلماء على خلافه وهم لا يجمعون على ترك رواية ثابتة دليل على ضعفه أو نسخه إن كان ثابتاً ، وبالله التوفيق .
وقد قلت : قال ابن سعد في الطبقات : أخبرنا محمد أخبرنا أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي المكي قال : ثنا مسلم بن خالد عن زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن السلماني قال : كنت بمصر فقال لي رجل ألا أدلك على رجل من أصحاب النبي قال : قلت : بلى ، فأشار إلى رجل ، فجئته فقلت : من أنت يرحمك الله ؟ قال : أنا سرق . قال قلت : سبحان الله ، ينبغي لك أن تسمي بهذا الاسم وأنت من أصحاب رسول الله ؟ قال : إن رسول الله سماني سرق ، فلن أدع أبداً ، قال : قلتُ : ولم سماك سرق ؟ قال : قدم رجل من أهل البادية ببعيرين له يبيعهما فابتعتهما منه ، وقلت له : انطلق حتى أعطيك ، فدخلت بيتي ثم خرجت من خلف البيت وقضيت ثمن البعيرين حاجة لي ، وتغيبت حتى ظننت أن الأعرابي قد ذهب ، قال : فخرجت والأعرابي مقيم ، فأخذني ، فقدمني إلى رسول الله ، فأخبرته بالخبر فقال : ' ما حملك على ما صنعت ؟ ' قلت : يا رسول الله قضيت ثمنهما حاجتي ، قال : ' فاقضه ' . قلت ليس عندي شيء ، قال : ' أنت سرق اذهب به يا أعرابي فبعه حتى تستوفي حقك ' ، قال : فجعل الناس يسومونه بي ، ويلتفت إليهم ويقول : ما تريدون ؟ ماذا تريد ؟ تريد أن نفتديه منك ؟ قال : والله ما منكم أحد أحوج إلى الله مني ، اذهب فقد أعتقتك .
وسرق هذا رضي الله عنه ، هو راوي حديث شاهد ، ويمين ، قال : إن رسول الله
____________________
(3/24)
قضى بشهادة شاهد ، ويمين الطالب .
وقال يحيى بن حماد : بيمين وشاهد .
مسألة [ 528 ] :
إذا امتنع المدين من قضاء دينه [ حجر ] ( 1 ) الحاكم عليه ، وباع ماله في قضاء دينه .
وقال أبو حنيفة : لا يباع ماله ، ويحبس حتى يبيع .
لنا أن النبي حجر على معاذ ، وباع ماله في دين بلغ الغرض .
1592 - قال الدارقطني : ثنا عمر بن أحمد بن علي المروزي ثنا عبد الله بن أبي حُميد المروزي ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن معاوية بن الفرات الخزاعي قال : حدثني هشام بن يوسف القاضي عن معمر عن ابن شهاب عن ابن كعب بن مالك : عن أبيه أن رسول الله حجز على معاذ ماله ، وباعه في دين كان عليه .
ز : رواه الدارقطني عن عمر بن أحمد بن علي المروزي قال : ثنا عبد الله بن أبي جبير المروزي ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن معاوية بن الفرات الخزاعي قال : حدثني هشام بن يوسف القاضي ، وإبراهيم بن معاوية ضعفه الحافظ .
وقد ذكره ابن الجوزي في الضعفاء .
وقال العقيلي في كتابه : إبراهيم بن معاوية بصري مخالف في حديثه .
____________________
(3/25)
وقد روي عن كعب بن مالك من وجوه ، وطرق أن النبي حجر على معاذ ماله ، وباعه في دين كان عليه .
ورواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن كعب بن مالك .
وقال الليث عن يونس عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك : أن معاذاً كثر دينُه في عهد رسول الله .
1593 - قال سعيد بن منصور : ثنا ابن المبارك أنبأ معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال : كان معاذ ابن جبل شاباً سخياً ، وكان لا يمسك شيئاً ، فلم يزل يدان حتى أغرق ماله كله في الدين فأتى رسول الله فكلمه ليكلم غرماءه فلو تركوا لأحد لتركوا لمعاذ من أجل رسول الله فباع رسول الله لهم ماله حتى قام معاذ بغير شيء .
ز : هذا الحديث رواه أبو داود في المراسيل عن سليمان بن داود المهري عن ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب بنحوه .
وروى الحاكم ( 1 ) الحديث متصلاً كرواية الدارقطني وقال : صحيح على شرطهما .
وفي قوله نظر ، والمشهور في الحديث الإرسال .
____________________
(3/26)
مسائل الحجر
مسألة [ 529 ] :
الإنبات عَلَم على البلوغ .
وقال أبو حنيفة : الاعتبار به .
وقال الشافعي : هو علم في المشركين ، وفي المسلمين على قولين .
1594 - قال أحمد : ثنا هشيم أنبأ عبد الملك بن عمير : عن عطية القرظي قال عُرضت على النبي يوم قريظة فشكوا في فأمرني النبي أن ينظروا هل أنبتّ بعد ؟ فنظروا فلم يجدوني أنبت ، فخلى عني ، وألحقني بالسبي .
ز : وهذا الحديث رواه أصحاب السنن الأربعة ( 1 ) وصححه الترمذي .
ورواه ابن حبان ، والحاكم وقال : صحيح على شرطهما .
مسألة [ 530 ] : حد البلوغ بالسن خمس عشرة سنة .
وقال أبو حنيفة في حق الغلام : ثماني عشرة سنة ، والدخول في التاسعة عشرة ،
____________________
(3/27)
وفي الجارية : سبع عشرة .
1595 - قال أحمد : ثنا يحيى عن عبيد الله قال : أخبرني نافع عن ابن عمر أن النبي عرضه يوم أحد ، وهو ابن أربع عشرة ، فلم يجزه ، ثم عرضه يوم الخندق ، وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
ز : وفي رواية للبيهقي ( 2 ) : قال عبد الله : عرضت على النبي يوم أحد ، وأنا ابن أربع عشرة ، فلم يجزني ، ولم يرني بلغت .
وقد وهم من عزاه إلى الشافعي والترمذي ( 3 ) .
مسألة [ 531 ] :
يحجر على المبذر .
وقال أبو حنيفة : لا يحجر عليه .
____________________
(3/28)
لنا حديث معاذ ، وقد سبق .
1596 - قال أحمد ثنا عبد الوهاب أنبأ سعيد عن قتادة : عن أنس أن رجلاً كان في عقدته ضعف ، وكان يبايع ، وإن أهله أتوا رسول الله فقالوا : يا رسول الله احجر عليه ، فدعاه نبي الله فنهاه عن البيع ، فقال : يا رسول الله لا أصبر عن البيع فقال : ' إذا بايعت فقل : ولا خلابة ' .
قال الترمذي : (1) .
وقال أبو بكر الخطيب : هذا الرجل هو حبان بن منقذ بن عمرو أو والده منقذ .
والجواب :
هذا الحديث أن يقال : إنهم لما سألوا الحجر عليه لم ينكر عليهم ، وإنما علمه ما يدفع به الغبن ، ولم يكن مبذراً للمال في المعاصي باختياره كالسفيه المبذر .
ز : هذا الحديث رواه أصحاب السنن الأربعة ( 2 ) .
____________________
1- هذا حديث صحيح ( 1 )
(3/29)
مسائل الحوالة
مسألة [ 532 ] :
لا يعتبر رضى المحتال .
وقال أكثرهم : يُعتبر .
1597 - قال البخاري : ثنا محمد بن يوسف ثنا سفيان عن ابن ذكوان عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي قال : ' مطل الغني ظلم ، ومن اتبع على ملي فليتبع ' .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
مسألة [ 533 ] :
إذا نوى المال على المحال عليه لم يرجع المحال على المحيل .
وقال أبو حنيفة : يرجع في موضعين :
أحدهما : أن يجحد المحال عليه الدين ، أو يموت مفلساً .
فأما إن أفلس وهو حي ، لم يرجع عليه .
وقال مالك : إن أحاله على مفلس ، والمحتال لا يعلم فله الرجوع .
لنا : حديث حزن جد سعيد بن المسيب أنه كان له دين على علي بن أبي طالب فسأله أن يحيله على رجل ويمضي له به عليه ، ثم أتاه فقال له : قد مات فقال له علي : اخترت علينا أبعدك الله ، ولم يقل له لك الرجوع عليَ .
ز : هذه القصة ذكرها غير واحد من أصحاب أحمد بغير إسناد ، قال شيخنا : ولم أجد لها إلى الآن سنداً والله أعلم .
____________________
(3/31)
مسائل الضمان
مسألة [ 534 ] :
يصح ضمان دين الميت .
وقال أبو حنيفة : لا يصح إلا أن يخلف [ وفاء ] ( 1 ) .
1598 - قال أحمد : ثنا حماد بن مسعدة عن يزيد بن أبي عبيد :
عن سلمة بن الأكوع قال : كنت جالساً مع النبي فأتي بجنازة فقال : ' هل ترك من دين ؟ ' قالوا : لا ، قال : ' هل ترك من شيء ؟ ' قالوا : لا ، قال : فصلى عليه .
قال : ثم أتي بأخرى فقال : ' هل ترك من دين ؟ ' قالوا : لا قال : ' هل ترك من شيء ؟ ' قالوا : نعم ، ثلاثة دنانير فقال بأصابعه ثلاث كيات .
ثم أتي بالثالثة فقال : ' هل ترك من دين ؟ ' قالوا : نعم ، قال : ' هل ترك من شيء ؟ ' قالوا : لا ، قال : ' صلوا على صاحبكم ' قال رجل من الأنصار : علي دينه يا رسول الله . قال : فصلى عليه .
انفرد بإخراجه البخاري ( 2 ) .
____________________
(3/33)
1599 - قال أحمد : وثنا يزيد بن هارون أنبأ محمد بن عمر عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال : أتي النبي بجنازة ليصلي عليها فقال : ' أعليه دين ؟ ' قالوا : نعم ، ديناران ، قال : ' أترك لهما وفاءاً ؟ ' قالوا : لا ، قال : ' صلوا على صاحبكم ' .
قال أبو قتادة : هما علي يا رسول الله . فصلى عليه رسول الله .
ز : ورواه الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة ، وابن حبان ( 1 ) ، وقال الترمذي : (1) .
ورواه ابن حبان من طريق آخر : أن رجلاً سأل عبد الله بن أبي قتادة عن الرجل الذي عليه دين ، فأبى رسول الله أن يصلي عليه فقال أبو قتادة : علي دينه يا رسول الله ، فصلى عليه .
1600 - قال أحمد : وثنا عبد الرزاق قال : ثنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر قال : كان النبي لا يصلي على رجل عليه دين ، فأتي بميت فسأل : ' هل عليه دين ؟ ' قالوا : نعم ، ديناران ، فقال : ' صلوا على صاحبكم ' فقال أبو قتادة : هما علي يا رسول الله ، فصلى عليه .
ز : رواه أيضاً أبو داود والنسائي ، وأبو حاتم ، وابن حبان ( 2 ) .
1601 - قال أحمد : وثنا عبد الصمد ثنا زائدة عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال : توفي رجل منا ، فغسلناه ، وحنطناه ، وكفناه ، ثم أتينا به رسول الله فقلنا نصلي عليه فخطا خطوة ثم قال : ' أعليه دين ؟ ' قلنا : ديناران ، فانصرف ، فتحملهما أبو قتادة ، فأتيناه ، فقال أبو قتادة : الديناران علي فقال رسول الله : ' حق الغريم ، وبرئ
____________________
1- حديث حسن صحيح
(3/34)
منهما الميت ' قال : نعم ، فصلى عليه ، ثم قال بعد ذلك بيوم : ' ما فعل الديناران ؟ ' قال : إنما مات أمس . قال : فعاد إليه من الغد فقال : قضيتهما ، فقال رسول الله : ' الآن بردت عليه جلده ' .
ز : هذا الحديث غير مخرج في شيء من الكتب السنة ( 1 ) . وقد رواه أبو داود الطيالسي ، وغيره عن زائدة ، ورواه الحاكم وقال : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه .
1602 - قال الدارقطني : ثنا محمد بن العباس الفارسي ثنا محمد بن العباس بن معاوية السكوني ثنا الربيع بن روح ثنا إسماعيل بن عياش عن عطاء بن عجلان عن أبي إسحاق الهمداني عن عاصم بن ضمرة عن علي عليه السلام قال : كان رسول الله إذا أتي بالجنازة لم يسأل عن شيء من عمل الرجل ، ويسأل عن دينه ، فإن قيل عليه دين كف عن الصلاة عليه ، وإن قيل : ليس عليه دين صلى عليه فأتي بجنازة فلما قام ليكبر سأل أصحابه فقال : ' هل على صاحبكم دين ؟ ' قالوا : ديناران ، فعدل عنه رسول الله وقال : ' صلوا على صاحبكم ' فقال : علي عليه السلام : هما علي ، برئ منهما ، فتقدم رسول الله فصل عليه ثم قال لعلي : ' جزاك الله خيراً ، فك الله رهانك كما فككت رهان أخيك ؛ إنه ليس من ميت يموت ، وعليه دين إلا وهو مرتهن بدينه ، ومن فك رهان ميت فك الله رهانه يوم القيامة ' . فقال بعضهم : هذا لعلي خاصة أم للمسلمين عامة ؟ . قال : ' بل للمسلمين عامة ' .
ز : هذا حديث ضعيف لم يخرجه أحد من أهل السنن ، وفي إسناده غير واحد ممن تكلم فيه ، منهم عطاء بن عجلان ، كذبه ابن معين ، وقال البخاري : منكر الحديث ، وقال ابن عدي : عامة روايته غير محفوظة :
مسألة [ 535 ] :
لا ينتقل الحق من ذمة المضمون [ عليه بالضمان ] ( 2 ) . وقال داود : ينتقل .
____________________
(3/35)
لنا في الخبر المتقدم أنه قال للضامن حين أدى : ' الآن بردت جلده ' .
مسألة [ 536 ] :
إذا تكفل برجل إلى مدة معلومة فلم يسلمه عند المحل مع بقائه ضمن ما عليه .
وقال أكثرهم : لا يضمن .
1603 - لنا ما قال الترمذي : ثنا هناد ثنا إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم عن أبي أمامة قال : قال رسول الله : ' الزعيم غارم ' .
ز : وقد حسنه الترمذي من طريق إسماعيل بن عياش ، وقال : وروايته عن أهل الشام جيدة ، وفي سندة شرحبيل ، من ثقات الشاميين .
مسألة [ 537 ] : لا تصح الكفالة بنذر من عليه حد
وقال أكثرهم : يصح ، ويجبر على إحضاره .
____________________
(3/36)
1604 - قال البيهقي : ثنا أبو سعيد الماليني قال : ثنا أبو أحمد بن عدي قال : ثنا أحمد بن محمد بن عنبسة ثنا كثير بن عبيد ثنا بقية عن عمر الدمشقي قال : حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه : عن جده أن النبي قال : ' لا كفالة في حد ' .
ز : هذا الحديث غير مخرج في السنن .
هذا الحديث تفرد به بقية عن أبي محمد عمر بن أبي عمر الكلاعي الدمشقي ، وهو من مشايخ بقية المجهولين ، ورواياته منكرة .
ز : قال ابن عدي : عمر بن أبي عمر الدمشقي منكر الحديث عن الثقات .
مسألة [ 538 ] :
إذا أراق خمراً على ذمي لم يضمنها .
وكذلك إذا قتل له خنزيراً .
وقال أبو حنيفة ، ومالك : يضمن .
1605 - قال الدارقطني : ثنا محمد بن يحيى بن مرداس ثنا أبو داود ثنا أحمد بن صالح ثنا ابن وهب ثنا معاوية بن صالح عن عبد الوهاب بن بخت عن أبي الزناد عن الأعرج : عن أبي هريرة أن رسول الله قال : ' إن الله حرم الخمر ، وثمنها ، وحرم الميتة ، وحرم ثمنها ، وحرم الخنزير ، وثمنه ' .
____________________
(3/37)
وقد ذكرنا في مسألة بيع السرجين النجس . عن النبي أنه قال : ' إذا حرم الله شيئاً حرم ثمنه ' ، وإنه قال : ' لا يحل ثمن شيء لا يحل أكله وشربه ' وقد ذكرنا في مسألة بيع الكلب من حديث ابن عباس . عن رسول الله أنه نهى عن ثمن الخمر .
1606 - وقد أخبرنا بلفظ آخر ثنا أحمد بن محمد بن إبراهيم ثنا أبو فروة يزيد بن محمد حدثني أبي ثنا معقل بن عبيد الله عن عبد الكريم عن قيس بن جبير عن ابن عباس عن النبي قال : ' ثمن الخمر حرام ' فإن قالوا : فقد قال عمر : ولوهم ببيعها .
قلنا : معناه اتركوهم ، وما يفعلونه بها .
____________________
(3/38)
مسائل الشركة
مسألة [ 539 ] :
شركة [ الأبدان ] ( 1 ) جائزة سواء اتفقت الصنعة أو اختلفت ، أو عملا جميعاً أو عمل أحدهما .
وقال مالك : تصح مع اتفاق الصنعة .
وقال الشافعي : لا تصح بحال .
1607 - قال الدارقطني : ثنا ابن صاعد ثنا عبد الله بن الوضاح ثنا زياد بن عبد الله البكائي قال : ثنا إدريس الأودي عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة : عن عبد الله بن مسعود قال : أشرك رسول الله بيني ، وبين عمار ، وسعد بن أبي وقاص في درقة سلحناها ، واشتركنا فيما أصبنا ، فأخفقت أنا وعمار ، وجاء سعد بأسيرين .
ز : رواه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجة ( 2 ) نحو هذا الحديث من رواية الثوري عن أبي إسحاق ، وأبو عبيده يسمع من أبيه من طريق إدريس بن يزيد الأزدي ، وهو ثقة مخرج له في الصحيحين وفي سنده أيضاً زياد البكائي ، روى له مسلم وفيه أيضاً عبد الله بن الوضاح اللؤلؤي الكوفي ، روى عنه الترمذي ، وابن خزيمة ، وغيرهما ، ووثقه ابن حبان .
____________________
(3/39)
مسألة [ 540 ] :
دعوة العبد التاجر ، وهديته ، وعاريته جائزة من غير إذن السيد ، فأما هبته الدراهم ، وكسوته فلا تجوز .
وقال الشافعي : لا يجوز جميع ذلك .
لنا أن رسول الله قبل هدية بريرة ، وأجاب دعوة العبد .
1608 - قال أحمد ثنا أبو معاوية ثنا هشام بن عروة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه : عن عائشة قال : كان الناس يتصدقون على بريرة ، فتهد لنا ، فذكر ذلك للنبي فقال : ' هو عليها صدقة ، ولكم هدية ' .
1609 - أخبرنا يحيى بن علي المدبر أنبأ أحمد بن محمد السمناني أنبأ أبو طاهر محمد بن علي الأنباري ثنا عثمان بن محمد بن السمرقندي ثنا محمد بن عبد الحكم ثنا آدم ابن أبي إياس ثنا شعبة ثنا مسلم الأعور قال : سمعت أنس بن مالك يقول : كان رسول الله يعود المرضى ، ويأتي دعوة المملوك .
ز : رواه أيضاً الترمذي ، وابن ماجة من رواية مسلم بن كيسان الملائي الأعور .
قال الترمذي : لا نعرفه إلا من هذا الوجه .
ومسلم يُضَعّف .
____________________
(3/40)
مسألة [ 541 ] :
تصرفات الفضولي باطلة .
وعنه أنها صحيحة ، وتقف على إجازة المالك كقول أبي حنيفة .
لنا حديثان :
أحدهما : قوله لحكيم بن حزام : ' لا تبع ما ليس عندك ' ( 1 ) .
وقد ذكرناه في أول كتاب البيع بإسناده .
1610 - الثاني : قال ابن ماجة : ثنا أبو كريب ثنا إسماعيل بن علية ثنا أيوب عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله : ' لا يحل بيع ما ليس عندك ، ولا ربح ما لم تضمن ' .
1611 - قال الدارقطني : ثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن نيروز ثنا عمرو بن علي ثنا عبد العزيز بن عبد الصمد ثنا مطر الوراق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله قال : ' لا يجوز طلاق ، ولا عتاق ، ولا بيع فيما لا يملك ' .
ز : ( 2 ) رواه أبو داود ، والترمذي ، والنسائي أيضاً .
وقال الترمذي : (1) .
وللخصم حديثان :
____________________
1- حديث حسن صحيح
(3/41)
1612 - الأول : قال أحمد : ثنا أبو كامل ثنا سعيد بن زيد ثنا الزبير بن الخريت ثنا أبو لبيد : عن عروة أن أبي الجعد البارقي قال : عرض للنبي جلب فأعطاني ديناراً وقال ' أي عروة ائت الجلب فاشتر لنا شاة ' فأتيت الجلب فساومت صاحبه ، فاشتريت منه شاتين بدينار ، فجئت أسوقهما فلقيني رجل فساومني فبعته شاة بدينار ، وجئت بالدينار وبالشاة فقلت : يا رسول الله هذا ديناركم وهذه شاتكم قال : ' صنعت كيف ؟ ' فحدثته الحديث فقال : ' اللهم بارك له في صفقة يمينه ' .
ز : ورواه أحمد ، وأبو داود ( 1 ) ، والترمذي ، وابن ماجة .
وهو مروي من طرق ، (1) .
1613 - الحديث الثاني : قال الترمذي : ثنا أبو كريب ثنا أبو بكر بن عياش عن أبي حصين عن حبيب بن أبي ثابت عن حكيم بن حزام أن رسول الله بعث حكيم بن حزام يشتري له أضحية بدينار ، فاشترى أضحية ، فربح فيها ديناراً ، فاشترى أخرى مكانها ، وجاء بالأضحية ، والدينار إلى رسول الله فقال : ' ضح بالأضحية ، وتصدق بالدينار ' .
قال الترمذي : لا نعرف هذا الحديث إلا من هذا الوجه وحبيب لم يسمع عندي من حكيم .
ز : وقد رواه أيضاً أبو داود ( 2 ) عن محمد بن كثير عن سفيان قال : حدثني أبو حفص عن شيخ من أهل المدينة عن حكيم .
____________________
1- وهو حديث صحيح
(3/42)
مسألة [ 542 ] :
إذا وكله في شراء شاة [ بدينار ] ( 1 ) فاشترى شاتين كل واحدة تساوي الدينار فالبيع صحيح فيهما .
وقال أبو حنيفة : يلزم الموكل شاة بنصف دينار ، ويلزم الوكيل الأخرى بنصف دينار .
وعن الشافعي : كقولنا ، وعنه يلزمه شاة ، وهو بالخيار في الأخرى .
لنا حديث عروة ، وأنه اشترى شاتين ، وقد سبق .
____________________
(3/43)
مسألة العارية
مسألة [ 543 ] :
العارية مضمونة بكل حال ، وعنه أنها مضمونة إلا أن يشترط إسقاط الضمان . وقال أبو حنيفة : لا يضمن إلا أن يفرط في حفظها كالوديعة .
وقال مالك : هي كالرهن ، كما كان يخفى هلاكه كالثياب ، والأتمان ضمن ، وما لم يكن يخفى هلاكه كالدار ، والدابة لم يضمن .
لنا ما :
1614 - قال أحمد : ثنا زيد بن هارون أنبأ شريك عن عبد العزيز بن رفيع عن أمية ابن صفوان بن أمية : عن أبيه أن رسول الله استعار منه يوم حنين أدراعاً فقال : أغصباً يا محمد ؟ قال : ' بل عارية مضمونة ' فضاع بعضها فعرض عليه رسول الله أن يضمنها فقال : أنا اليوم يا رسول الله في الإسلام أرغب .
1615 - قال الدارقطني ثنا الحسن بن بشر ثنا قيس بن الربيع عن عبد العزيز بن رفيع عن ابن أبي مليكة عن أمية بن صفوان بن أمية عن أبيه قال : استعار مني النبي أدراعاً من حديد فقلت : مضمونة يا رسول الله قال : ' ' مضمونة ' فضاع بعضها ، فقال له النبي : ' إن شئت غرمتها ' قال : لا إن في قلبي من الإسلام غير ما كان يومئذ .
____________________
(3/45)
ز : وقد رواه أيضاً أبو داود والنسائي من رواية يزيد بن هارون قال أبو داود : وهذه رواية يزيد ببغداد وفي روايته بواسط غير هذا .
وروى أبو داود عن أناس من ل صفوان أن رسول الله قال : ' يا صفوان هل عندك من سلاح ؟ ' .
وفي رواية للنسائي : أن النبي استعار من صفوان دروعاً فذكره .
وهذا الحديث لا حجة فيه على أن العارية منقسمة مضمونة بكل حال ، بل الظاهر أن ضمانها إنما كان بالشرط وقد جاء التصريح بأن العارية منقسمة إلى : عارية مؤداة ، وعارية مضمونة ، وذلك فيما رواه النسائي من حديث قتادة عن عطاء عن صفوان بن يعلي بن أمية عن أبيه قال قال : لي رسول الله ، ' إذا أتتك رسلي فأعطهم ثلاثين درعاً ، وثلاثين مغفراً ' ، قلت : يا رسول الله : أعارية مضمونة ، أو عارية مؤداه ؟ قال : ' بل عارية مؤداة ' لكنه معلل .
وقد رواه أبو داود عن إبراهيم بن المستمر .
وقد رواه الإمام أحمد بغير هذا اللفظ عن قتادة عن عطاء عن صفوان بن يعلي بن أمية عن أبيه عن النبي قال : ' إذا أتتك رسلي فأعطهم ، أو فادفع إليهم ثلاثين درعاً ، وثلاثين بعيراً ، أو أقل من ذلك ' فقال له : أعارية مؤداة يا رسول الله ؟ قال : ' نعم ' .
1616 - قال الدارقطني : وثنا أحمد بن عيسى الخواص ثنا صالح بن العلاء بن بكير ثنا إسحاق بن عبد الواحد ثنا خالد بن عبد الله عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله استعار من صفوان بن أمية أدراعاً ، وسلاحاً في غزوة حنين فقال : يا رسول الله عارية مؤداة ؟ قال : ' عارية مؤداة ' .
ز : ذكر رجال هذا الحديث منهم صالح بن العلاء ، وهو غير معروف والظاهر أنه مصحف ، وكان صالح بن محمد الحافظ وإسحاق بن عبد الواحد القرشي الموصلي ، قال أبو علي الحافظ متروك الحديث . لكنه سمع من مالك بن أنس ، وروى له النسائي .
____________________
(3/46)
1617 - قال الترمذي ثنا هناد وعلي بن حجر قالا : ثنا إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم الخولاني عن أبي أمامة قال : سمعت رسول الله يقول : ' العارية مؤداة ، والزعيم غارم ، والدين مقضي ' .
ز : حسنه الترمذي ( 1 ) . ورواه ابن ماجة أيضاً .
احتج أصحاب القول الثاني بما رواه الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي قال : ' ليس على المستعير غير المغل ضمان ' .
احتجوا بما :
1618 - ثنا أبو علي الحسين بن القاسم الكوكبي ثنا علي بن حرب ثنا عمرو بن عبد الجبار عن عبيدة بن حسان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي قال : ' ليس على المستعير غير المغل ضمان ، ولا على المستودع غير المغل ضمان ' والمغل الخائن .
والجواب :
قال الدارقطني : عمرو وعبيدة ضعيفان ، وإنما يروي هذا عن شريح القاضي غير مرفوع .
قلت : وقال ابن حبان : عبيدة يروي الموضوعات عن الثقات ؛ فبطل الاحتجاج به .
ز : ولم يخرجه أحد من أصحاب السنن ، وهو المحفوظ عن شريح .
كذا قال ابن سيرين أن شريحاً قال : فذكره .
مسألة [ 544 ] : إذا أعاره أرضه مطلقاً ليبني فيها ، فبنى أو غرس فللمعير أن يسترد الأرض ،
____________________
(3/47)
ويضمن قيمة البناء أو الغرس ، أو قيمة ما نقص بالقلع .
وقال أبو حنيفة : للمعير أن يسترد الأرض ، ويقلع البناء والغراس ، ولا ضمان عليه .
لنا قوله عليه السلام : ' ليس لعرق ظالم حق ' ( 1 ) .
وسيأتي مسنداً ، وفيه دليل على أن العرق إذا لم يكن ظالماً فيه أحق .
ولنا أن النبي قال : ' من [ بنى ] ( 2 ) رباع قوم بإذنهم فله قيمته ' .
ز : هذا الحديث الأخير رواه ابن عدي عن ميمون بن سلمة ، عن كثير بن أبي صابر عن عطاء الخفاف عن عمر بن قيس عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعاً ، وهذا الإسناد ضعيف لا يقوم به حجة .
ورواه البيهقي عن ابن مسعود ، وشريح من قولهما .
____________________
(3/48)
مسائل الغصب
مسألة [ 545 ] :
إذا مثل بعبده عتق عليه .
وقال أبو حنيفة ، والشافعي : لا يعتق .
لنا ما :
1619 - قال أحمد : ثنا معمر بن سليمان الرقي ثنا الحجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله قال : ' من مثل به أو حُرق بالنار فهو حر ، وهو مولى الله ورسوله ' قال : فأتي برجل قد خص يقال له : سندك فأعتقه .
ز : الحجاج بن أرطأة غير محتج به ، لكنه غير منفرد بهذا الحديث ، فقد تابعه غيره . ولم يخرج هذا الحديث أحد من أهل السنن من روايته .
مسألة [ 546 ] ( 1 ) :
إذا غير صفة المغصوب بأن طحن الحنطة أو خبز الدقيق ، أو شوى الشاة ، أو قطع الثوب قميصاً ، أو ضرب أو غير ذلك لم يزل عنه ملك المالك .
____________________
(3/49)
وقال أبو حنيفة : يملكها الغاصب بالتغير ويجب عليه البدل لمالكها .
1620 - قال الدارقطني ثنا الحسين بن إسماعيل ثنا عبد الله بن منيب ثنا يحي بن إبراهيم بن أبي قتيلة قال : ثنا الحارث بن محمد الفهري عن يحيى بن سعيد عن أنس بن مالك أن رسول الله قال : ' لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه ' .
ز : وهذا الإسناد ضعيف ، لم يخرجه أحد من أهل السنن ، ولا هو مخرج في الكتب الستة .
وفي رجاله الحارث بن محمد الفهري ، لا يعرف ، مجهول .
وفيه أيضاً عبد الله بن شبيب الربعي ، قال الرازي : يحل ضرب عنقه ، لكنه مروي من وجوه عن ابن عمر بأسانيد يقوي بعضها بعضاً .
احتجوا بما :
1621 - الدارقطني : ثنا أحمد بن عبد الله بن محمد الوكيل ثنا حميد بن الربيع ثنا ابن إدريس عن عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار قال : دعت امرأة من قريش رسول الله وأصحابه فأتاها فلما أتي بالطعام وضع رسول الله يده ، ووضع القوم ، بينا هو يأكل إذ كف يده ، فجعل الرجل يضرب يد أخيه حتى يرمي العرق من يده فقال رسول الله : ' لحم شاة أخذت بغير إذنها ' قال : فأرسلت المرأة : يا رسول الله إني كنت أرسلت إلى البقيع أطلب شاة فلم أصب ، فبلغني أن جاراً لي اشترى شاة ، فأرسلت إليه فلم نقدر عليه ، فبعثت بها امراته . فقال رسول الله : ' أطعموها الأسارى ' .
فوجه الحجة أن ملك صاحبها زال عنها بذلك ، ولولا ذلك كان يأمر بردها عليه .
والجواب :
أن حميد بن الربيع كذاب ، كذلك قال يحيى بن معين .
ز : هذا الحديث رواه أبو داود ( 1 ) في البيوع عن محمد بن العلاء عن عبيد الله بن
____________________
(3/50)
إدريس .
وهو أيضاً مروي من طريق حميد بن الزبير ، وقد وثقه عثمان بن أبي شيبة .
وكان الدارقطني يحسن القول فيه ، والحديث عليه جلالة الصدق .
مسألة [ 547 ] :
إذا غصب ساحة ، وبنى عليها ، أو [ أجر ] ( 1 ) فجعله في أساس حائطه ، وبنى عليه وجب رده . وقال أبو حنيفة : زال حق المالك عنها ، وليس له إلا القيمة .
لنا حديث أنس المتقدم .
1622 - قال أحمد : ثنا محمد بن جعفر ومحمد بن بشر قالا : ثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب عن النبي قال : ' على اليد ما أخذت حتى تؤديه ' .
ز : رواه أصحاب السنن الأربعة ( 1 ) من رواية سعيد ، وحسنه الترمذي .
مسألة [ 548 ] :
إذا غصب أرضاً فزرعها فصاحبها بالخيار ؛ إن شاء أن يقر الزرع إلى وقت الحصاد ،
____________________
(3/51)
وإن شاء أن يدفع إليه قيمة الزرع ، أو قال : القيمة على الزرع على اختلاف الروايتين في ذلك ، ويكون الزرع له ، وليس له إجباره على قلعه بغير عوض .
وقال أكثرهم : له إجباره على القلع ، وليس له إجباره على تسليم العوض عن الزرع .
لنا حديثان :
1623 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا أبو كامل ثنا شريك عن أبي إسحاق عن عطاء ابن أبي رباح عن رافع بن خديج قال : قال رسول الله : ' من زرع أرضاً بغير إذن أهلها فله نفقته وليس له من الزرع شيء ' .
ز : ورواه أبو داود ، والترمذي ( 1 ) جميعاً عن قتيبة بن سعيد عن شريك .
قال الترمذي : (1) . قال : وسألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال : + هو حديث حسن + .
ورواه ابن ماجة عن عبد الله بن عامر بن زرارة عن شريك . ورواه البيهقي من رواية قيس بن الربيع لكن قال أبو زرعة وغيره : لم يسمع عطاء من رافع بن خديج .
وقال الخطابي : هذا الحديث لا يثبت عند أهل المعرفة بالحديث .
.
قال : وكانوا ينكرون هذا الحديث ، ويقول بعضهم : لم يروه غير شريك ، ولا رواه عن عطاء غير أبي إسحاق ، وعطاء لم يسمع من رافع بن خديج شيئاً .
وقال الخطابي : وقد ضعفه البخاري أيضاً .
كذا قال : وهو يخالف ما رواه الترمذي عنه . قال البيهقي : وقد رواه عقبة بن الأصم عن عطاء . قال : حدثنا رافع بن خديج . وعقبة ضعيف لا يحتج به . كذا قال وقد روي هذا الحديث من رواية غير عطاء عن رافع ، وقد احتج به أحمد في رواية عنه .
1624 - الحديث الثاني : قال الترمذي : ثنا محمد بن بشار ثنا عبد الوهاب ثنا أيوب عن هشام بن عروة عن أبيه عن سعيد بن زيد عن النبي قال : ' من أحيا أرضاً ميتة فهي له ، وليس لعرق ظالم حق ' .
قال الترمذي : وثنا محمد بن المثنى قال : سألت أبا الوليد الطيالسي عن قوله : ' وليس لعرق ظالم حق ' فقال : هو الغاصب ، فقلت ؛ هو الرجل الذي يغرس في أرض غيره ؟ ، قال : هو ذاك .
ز : رواه أبو داود ، والنسائي ( 1 ) من حديث عبد الوهاب الثقفي أيضاً . قال الترمذي : (1) . وقد روى هذا الحديث جماعة من طرق متعددة . فرواه الثوري عن هشام عن أبيه ، قال : حدثني من لا أتهم عن النبي .
[ احتجوا بما ] ( 2 ) :
1625 - قال الدارقطني : ثنا أحمد بن إسحاق بن البهلول ثنا أبي ثنا يعلى عن محمد ابن إسحاق عن يحيى ، وهشام ابني عروة عن عروة أن رجلين من الأنصار اختصما في أرض ، غرس أحدهما فيها نخلاً ، والأرض للآخر ، فقصني رسول الله بالأرض لصاحبها ، وأمر صاحب النخل يخرج نخله ، وقال : ' ليس لعرق ظالم حق ' . قال : فلقد أخبرني الذي حدثني بهذا الحديث أنه رأى النخل تقلع أصولها بالفؤوس .
هذا مرسل ، وابن إسحاق مجروح .
ز : وروى أبو داود ( 3 ) عن هناد عن عبدة عن ابن إسحاق عن يحيى بن عروة عن
____________________
1- حديث حسن غريب
(3/52)
أبيه أن رسول الله قال : ' من أحيا أرضاً ميتة فهي له ، وليس لعرق ظالم حق ' .
قال عروة : فلقد أخبرني الذي حدثني بهذا الحديث أن رجلين اختصما إلى النبي غرس أحدهما نخلاً ، الحديث .
وروى أحمد بن سعيد الدارمي عن وهب بن جرير عن أبيه عن إسحاق بإسناده ، ومعناه إلا أنه قال عند قوله : مكان الذي حدثني بهذا فقال رجل من أصحاب النبي : أكثر ظني أنه أبو سعيد ، فأنا رأيت الرجل يضرب في أصول النخل .
مسألة [ 549 ] :
إذا كسر آلة اللهو لم يضمن .
وقال أبو حنيفة ، والشافعي : يضمن .
1626 - قال أحمد : ثنا يزيد أنبأ فرج بن فضالة عن [ علي بن زيد ] ( 1 ) عن القاسم عن أبي أمامة عن النبي قال : ' إن الله عز وجل أمرني أن أمحق المزامير والمعازف والأوثان التي كانت تعبد في الجاهلية ' .
القاسم ، وعلي ضعيفان .
[ ز : هذا الحديث غير مخرج في شيء من السنن والقاسم قد وثقه الترمذي ، وغيره ، لكن خرج فيه مقال ] ( 2 ) .
____________________
(3/54)
مسائل الشفعة
مسألة [ 550 ] :
لا تستحق الشفعة بالجوار . وقال أبو حنيفة : تستحق .
1627 - لنا ما قال أحمد : ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن الزهري عن [ أبي ] ( 1 ) سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله قال : إنما جعل رسول الله الشفعة في كل ما لم يقسم ، فإذا وقعت الحدود ، وصرفت الطرق فلا شفعة .
انفرد بإخراجه البخاري ( 2 ) .
طريق آخر :
1628 - قال مسلم بن الحجاج : ثنا محمد بن عبد الله بن إدريس ثنا ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال : قضى رسول الله في كل شركة لم تقسم ربعة ، أو حائط لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه ، فإن شاء أخذ ، وإن شاء ترك ، فإذا باع ، ولم يؤذنه فهو أحق به .
انفرد بإخراجه مسلم .
[ احتجوا بأربعة أحاديث ] ( 3 ) :
____________________
(3/55)
1629 - الحديث الأول : قال البخاري : ثنا علي بن إبراهيم أنبأ ابن جريج . أخبرني ابن ميسرة عن عمرو بن الشريد عن أبي رافع مولى رسول الله أنه قال لسعد بن ابي وقاص : أتبيع مني بيتي في دارك ؟ فلولا أني سمعت رسول الله يقول : ' الجار أحق بسقبه ' ما أعطيتكها بأربعة آلاف .
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين ( 1 ) .
1630 - الحديث الثاني : قال أحمد ثنا عفان بن همام عن قتادة عن الحسن : عن سمرة قال : قال رسول الله : ' جار الدار أحق بالدار من غيره ' ( 2 ) .
1631 - الحديث الثالث : وبه قال أحمد : وثنا روح ثنا حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن عمرو بن الشريد : عن أبيه الشريد بن سويد أن رجلاً قال : يا رسول الله أرض ليس لأحد فيها شرك ، ولا قسم إلا الجوار فقال رسول الله : ' الجار أحق بسقبه ما كان ' ( 3 ) .
1632 - طريق آخر : قال أحمد : وثنا إسحاق بن سليمان ثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى قال : سمعت عمرو بن الشريد عن أبيه قال : قال رسول الله : ' الجار أحق بسقبه ' .
1633 - الحديث الرابع : قال أحمد : وثنا هشام أنبأ عبد الملك عن عطاء : عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله : ' الجار أحق بشفعة جاره ، ينتظر بها إذا كان غائباً ، إذا كان طريقهما واحداً ' .
____________________
(3/56)
ز : وقد رويت هذه الأحاديث من طرق متعددة مرفوعة ( 1 ) .
[ والجواب ] ( 2 ) :
أما حديث أبي رافع : [ فمحمول ] ( 3 ) على أنه كان شريكاً مخالطاً .
وأما حديث سمرة : فروى أحمد بن حنبل عن يحيى بن سعيد قال : أحاديث الحسن عن سمرة من كتاب .
وقال أحمد بن هارون البرذعي : لا يحفظ عن الحسن عن سمرة حديث يقول فيه سمعت سمرة إلا حديث واحد ، وهو حديث العقيقة ، ولا يثبت .
وقال أبو حاتم بن حبان : لم يشافه الحسن سمرة .
وقد قال ابن المديني : سمع الحسن من سمرة .
وأما حديث عمرو بن الشريد : فقال ابن المنذر : هو حديث منكر ، لا أصل له .
وأما حديث جابر فقال شعبة : سها فيه عبد الملك بن أبي سليمان ؛ فإن روى حديثاً مثله طرحت حديثه ، ثم ترك شعبة التحديث عنه .
وقال أحمد بن حنبل : هذا الحديث منكر . وقال يحيى : لم يروه غير عبد الملك ، وقد أنكروه عليه . ثم نحمل الأحاديث على الشريك المخالط ، وقد يسمى جاراً .
ز : قلت : أما حديث الحسن فقد رواه أبو داود والترمذي ، والنسائي من رواية قتادة عنه .
قال شيخنا الحافظ : وقد صححه الترمذي ، ورواه النسائي ، والطحاوي وابن حبان من رواية سعيد عن قتادة عن أنس . وحديث عمرو بن الشريد عن أبيه رواه النسائي ، وابن ماجة من حديث حسين المعلم . ورواه النسائي من رواية عبد الله بن عبد الرحمن وفي إسناده
____________________
(3/57)
اختلاف .
وقد ذكره النسائي من رواية حسين المعلم عن عمرو بن شعيب .
قال شيخنا : والمحفوظ حديث عمرو بن الشريد عن أبي رافع ، وأما حديث عبد الملك بن سليمان عن عطاء عن جابر رواه أصحاب السنن الأربعة .
قال الترمذي : (1) ، لا يعرف من رواه غير عبد الملك .
قالوا : لا نعلم أحداً تكلم فيه غير شعبة من أهل هذا الحديث .
وقال الشافعي : سمعنا بعض أهل العلم بالحديث يقول : نخاف أن لا يكون هذا الحديث محفوظاً .
وقال أبو إسحاق بن إبراهيم : قال لي أبو عبد الله أحمد بن حنبل : ليس العمل على هذا ، لا شفعة إلا الخليط .
وأعلم أن حديث عبد الملك حديث صحيح و لا منافاة بينه ، وبين رواية جابر المشهورة ، فإن في حديث عبد الملك ، إذا كان طريقهما واحداً ، وحديث جابر المشهور لم ينف فيه استحقاق الشفعة إلا بشرط تصرف الطرق ، قاله الحنابلة . فنقول : إذا اشترك الجاران في المنافع كالبئر أو السطح أو الطريق فالجار أحق بصفقة جاره كحديث عبد الملك ، وإذا لم يشتركا في شيء من المنافع فلا شفعة لحديث جابر المشهور ، وهو أحد الأوجه الثلاثة في مذهب أحمد وغيره . وطعن شعبة في عبد الملك بسبب هذا الحديث لا يقدح في عبد الملك فإن عبد الملك ثقة مأمون وشعبة لم يكن من الحذاق في الفقه ليجمع بين الأحاديث إذا ظهر تعارضها ، وإنما كان إماماً في الحفظ ، وطعن من طعن فيه ، إنما هو اتباعاً لشعبة .
وقد احتج مسلم في صحيحه بعبد الملك ، وخرج له أحاديث ، واستشهد به البخاري . وكان سفيان يقول : حدثني الميزان عبد الملك بن أبي سليمان ، وقد وثقه الإمام أحمد ، ويحيى بن معين والنسائي ، وغيرهم .
وقد قيل لشعبة ، مالك تحدث عن عبد الملك بن سليمان ، وتحدث عن العرزمي محمد بن عبد الله ، وتدع الحديث عن عبد الملك ، وقد كان حسن الحديث ؟
قال : من حسنها فررت .
____________________
1- حديث حسن غريب
(3/58)
قال الخطيب : قد أساء شعبة اختيار حديث محمد بن عبد الله العرزمي ، وترك الحديث عن عبد الملك ، لأن محمد لم يختلف الأئمة في ذهاب حديثه ، وسقوط روايته ، وأما عبد الملك فثناؤهم عليه مستفيض ، وحسن ذكرهم له مشهور .
[ واحتجوا بما ] ( 1 ) :
1634 - روي عن أبي سعيد عن النبي أنه قال : ' الخليط أحق من الشفيع ، والشفيع أحق من غيره ' . وهذا الحديث لا يعرف هكذا ، إنما المعروف ما قال سعيد بن منصور ثنا عبد الله بن المبارك عن هشام بن المغيرة الثقفي قال : قال الشعبي : قال رسول الله : ' الشفيع أولى من الجار ، والجار أولى من الجنب ' .
ز : هذا الحديث مرسل + ، لكن هشام وثقه ابن معين .
وقال أبو حاتم : لا بأس بحديثه .
مسألة [ 551 ] :
إذا اشترى أرضاً فيها زرع ، أو شجر مثمر لم تجب الشفعة في الزرع ، والثمر . وقال أبو حنيفة ومالك : تجب .
1635 - قال مسلم بن الحجاج : ثنا أبو طاهر ثنا ابن وهب عن ابن جريج أن أبا الزبير أخبره أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : قال رسول الله : ' الشفعة في كل شرك في أرض أو ريع أو حائط ' .
انفرد بإخراجه مسلم .
ووجه الحجة أنه لم يثبت الشفعة في غير ذلك .
مسألة [ 552 ] :
لا تثبت الشفعة فيما لا يقسم كالحمام والرحى ، ونحوه .
وقال أبو حنيفة : تثبت ، [ وعن أحمد نحوه ] ( 1 ) .
وعن مالك : كالمذهبين .
1636 - قال سعيد بن منصور : حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد حدثني محمد بن عمارة أن أبا بكر محمد بن عمرو بن حزم قال : خطب عمر الناس فقال : لا شفعة في بئر ، و لا نخل . وقد روى أصحابنا أن النبي قال : ' لا شفعة في فناء ، ولا طريق ، ولا منقبة ' .
والمنقبة : الطريق بين القوم لا يمكن قسمته ، وإنما وجبت الشفعة لأجل الضرر الذي يلحق الشريك بإحداث المرافق وهذا معدوم فيما لا يقسم .
ز : لكن هذا الأثر منقطع ، وهو مشهور عن عثمان قال الإمام أحمد : حدثنا إدريس عن محمد بن عمارة عن أبي بكر بن عمر بن حزم عن أبان بن عثمان عن عثمان أنه قال : لا شفعة في بئر ، و لا نخل ، ولا رق .
قال أحمد : ثنا [ . . . . . . ] ( 2 ) ، في حديث ذكره الخلال .
____________________
1- ، لكن هشام وثقه ابن معين .
وقال أبو حاتم : لا بأس بحديثه .
مسألة [ 551 ] :
إذا اشترى أرضاً فيها زرع ، أو شجر مثمر لم تجب الشفعة في الزرع ، والثمر . وقال أبو حنيفة ومالك : تجب .
1635 - قال مسلم بن الحجاج : ثنا أبو طاهر ثنا ابن وهب عن ابن جريج أن أبا الزبير أخبره أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : قال رسول الله : ' الشفعة في كل شرك في أرض أو ريع أو حائط ' . 60
انفرد بإخراجه مسلم .
ووجه الحجة أنه لم يثبت الشفعة في غير ذلك .
مسألة [ 552 ] :
لا تثبت الشفعة فيما لا يقسم كالحمام والرحى ، ونحوه .
وقال أبو حنيفة : تثبت ، [ وعن أحمد نحوه ] ( 1 ) .
وعن مالك : كالمذهبين .
1636 - قال سعيد بن منصور : حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد حدثني محمد بن عمارة أن أبا بكر محمد بن عمرو بن حزم قال : خطب عمر الناس فقال : لا شفعة في بئر ، و لا نخل . وقد روى أصحابنا أن النبي قال : ' لا شفعة في فناء ، ولا طريق ، ولا منقبة ' .
والمنقبة : الطريق بين القوم لا يمكن قسمته ، وإنما وجبت الشفعة لأجل الضرر الذي يلحق الشريك بإحداث المرافق وهذا معدوم فيما لا يقسم .
ز : لكن هذا الأثر منقطع ، وهو مشهور عن عثمان قال الإمام أحمد : حدثنا إدريس عن محمد بن عمارة عن أبي بكر بن عمر بن حزم عن أبان بن عثمان عن عثمان أنه قال : لا شفعة في بئر ، و لا نخل ، ولا رق .
قال أحمد : ثنا [ . . . . . . ] ( 2 ) ، في حديث ذكره الخلال
(3/59)
وقد رواه الدارقطني ( 1 ) في كتاب العلل موقوفاً ، ومرفوعاً . وقال : الموقوف أصح .
وروى الطحاوي بسنده عن ابن عباس قال : لا شفعة في الحيوان ( 2 ) .
مسألة [ 553 ] :
لاشفعة لذمي على مسلم ، وهو قول [ الشافعي ] ( 3 ) ، خلافاً لأكثرهم .
1637 - قال أبو أحمد بن عدي : ثنا القاسم بنزكريا قال : ثنا حفص الربالي ثنا نائل بن نجيح ثنا سفيان عن حميد عن أنس أن رسول الله قال لا شفعة لنصراني ' .
1638 - أخبرنا أبو منصور القزاز قال : ثنا أحمد بن علي بن ثابت قال : أنبأ محمد ابن أحمد بن رزق ثنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا محمد بن سنان القزاز ثنا نائل بن نجيح عن حميد عن أنس مرة رفعه ، ومرة لم يرفعه ، قال : ' لا شفعة لنصراني ' .
أخبرنا القزاز أنبأ أحمد بن علي [ الخطيب ] ( 4 ) قال : أنبأ البرقاني قال : أخبرنا الدارقطني ، وسئل عن حديث حميد : عن أنس قال : قال رسول الله : ' لا شفعة لنصراني ' . فقال : يرويه نائل بن نجيح عن الثوري عن حميد عن أنس عن النبي ، وهو وهم .
والصواب : عن حميد الطويل عن الحسن من قوله قال أبو الحسن : نائل يعد أدنى ،
____________________
(3/61)
قلت : ثقة ، قال لا . قال الخطيب : روى حديث الشفعة وكيع ، وأبو حذيفة عن سفيان عن حميد عن الحسن قوله ، وهو الصحيح .
ز : وهو يعني هذا الحديث غير مخرج في شيء من السنن .
وقال البيهقي ( 1 ) : الصواب أنه من قول حسن .
وقال ابن عدي : أحاديث نايل مظلمة جداً ، وخاصة إذا روى عن الثوري .
وقال ابن أبي حاتم : قال أبي : حديث رواه نايل بن نجيح عن الثوري عن حميد عن أنس عن النبي : ' لا شفعة لنصراني ' . قال : هو باطل .
____________________
(3/62)
مسائل الإجارة
مسألة [ 554 ] :
إذا استأجر داراً كل شهر بشيء معلوم لزمه في الشهر الأول ، وما بعده من الشهور يلزم بالدخول فيه . وعنه : لا يصح في [ الجميع ] ( 1 ) كقول الشافعي .
1639 - قال أحمد : ثنا إسماعيل قال : أنبأ أيوب عن مجاهد قال قال علي عليه السلام : جعت مرة بالمدينة جوعاً شديداً فخرجت أطلب العمل في عوالي المدينة ، فإذا أنا بامرأة قد جمعت مدراً فظنتها تريد بله فأتيتها ، فقاطعتها كل ذنوب على تمرة ، فمددت ستة عشر ذنوباً حتى مُحلت يداي ، ثم أتيت الماء ، فأصبت منه ، ثم أتيتها فقلت بكفي هكذا بين يديها ، وبسط إسماعيل يديه وجمعهما ، فعدت لي ست عشرة تمرة ، فأتيت النبي فأخبرته فأكل معي منها .
وقد رواه عكرمة عن ابن عباس ، فذكر القصة .
ز : قال أبو زرعة : مجاهد عن علي مرسل . وقال أبو حاتم : مجاهد أدرك علياً . وأنكر يحيى بن معين هذا الحديث . فأما حديث عكرمة عن ابن عباس فقد رواه ابن ماجة ، وفي روايته حنش بن قيس ، وقد ضعفوه إلا الحاكم فإنه وثقه .
____________________
(3/63)
وقال ابن ماجة أيضاً : ثنا محمد بن بشار ثنا عبد الرحمن ثنا سفيان عن أبي إسحاق عن أبي حبة عن علي عليه السلام ، قال : كنت أدلو الدلو بالتمرة ، وأشرط أنها جلدة .
هذا الإسناد صالح .
مسألة [ 555 ] :
لا يجوز أخذ الأجرة على القرب ؛ كتعليم القرآن والأذان ، والصلاة ، وتعليم الفرائض ، ورواية الحديث .
وقال مالك ، والشافعي : يجوز .
1640 - قال أحمد : ثنا حسن بن موسى ثنا حماد بن سلمة عن سعيد الجريري ، عن أبي العلاء بن الشخير عن مطرف بن عبد الله : أن عثمان بن أبي العاص قال : يا رسول الله اجعلني إمام قومي ، قال : ' اقتد بأضعفهم ، واتخذ مؤذناً ، لا يأخذ على آذانه أجراً ' .
ز : المغيرة مختلف في توثيقه .
وقد رواه أبو داود ، والنسائي ( 1 ) ، من حديث حماد وإسناده جيد .
1641 - قال أحمد : وثنا وكيع ثنا مغيرة بن زياد عن عبادة بن نسي عن الأسود بن
____________________
(3/64)
ثعلبة عن عبادة بن الصامت ، قال : علمت ناساً من أهل الصفة ، الكتابة ، والقرآن فأهدى إلي رجل منهم قوساً ، فقلت أرمي عليها في سبيل الله ؛ فسألت النبي فقال : ' إن سرك أن تطوق بها طوقاً من نار فاقبلها ' .
[ هذا الحديث رواه ] ( 1 ) المغيرة ضعيف .
ز : وقد وثقه وكيع ، وابن معين ، والعجلي ، وغيره ، وتكلم فيه أحمد ، والبخاري ، وأبو حاتم ، وغيرهم ، لكن الحاكم صحح حديثه هذا ( 2 ) ، وقال في موضع آخر ، المغيرة بن زياد ، صاحب مناكير ، لكنهم لم يختلفوا في تركه . ويقال إنه حدث عن عبادة بن الصامت بحديث موضوع . قال شيخنا : أخطأ الحاكم في هذا القول ، وتناقض : وقد روى هذا الحديث أبو داود ، وابن ماجة من رواية مغيرة . وقال ابن المديني : إسناده كله معروف إلا الأسود بن ثعلبة ، فإنا لا نحفظ عنه إلا هذا الحديث . وقد رواه أبو داود ( 3 ) من حديث بقية عن بشر بن عبد الله بن بشار عن عبادة بن الصامت تابعه أبو المغيرة ، وعبد القدوس بن الحجاج عن بشر بن عبد الله .
1642 - قال ابن ماجة : ثنا سهل بن أبي سهل ثنا يحيى بن سعيد عن ثور بن يزيد قال : حدثني عبد الرحمن بن مسلم عن عطية الكلاعي بن أبي كعب قال : علمت رجلاً القرآن فأهدى لي قوساً ، فذكرت ذلك لرسول الله فقال : ' إن أخذتها أخذت قوساً من نار ، فرددتها ' .
ز : هكذا رواه ابن ماجة عن سهل بن أبي سهل قال : ثنا يحيى بن سعيد عن أيوب عن يزيد قال : حدثني عبد الرحمن بن مسلم عن عطية الكلاعي عن أبي بن كعب رضي الله عنه ، عن رسول الله أنه قال له : ' إن أخذته فقد أخذت قوساً من نار ' فرددتها .
عبد الرحمن بن مسلم ليس بالمشهور . روى له ابن ماجة هذا الحديث الواحد .
وقد ذكر شيخنا في الأطراف بينه وبين ثور خالد بن معدان ، قال : وذلك وهم .
____________________
(3/65)
ثم قال في هذا الحديث : رواه موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن أبي بن كعب .
ورواه محمد بن جحادة عن رجل يقال له أبان عن أبي بن كعب .
ورواه بندار عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن مسلم عن عطية عن قيس الكلاعي أن أبي بن كعب علم رجلاً .
وروى هشام بن عمار بن عمر بن واقد عن إسماعيل بن عبيد الله عن أم الدرداء أن أبي بن كعب أقرأ رجلاً من اليمن سورة ، فرأى عنده قوساً فقال : تبيعها ؟ قال : لا ، بل هي لك ، فسأل النبي فقال : ' إن كنت تريد أن تقلد قوساً من نار فخذها ' .
وروى إسماعيل بن عياش عن عبد ربه بن سليمان بن عمير بن زيتون عن الطفيل ابن عمرو الدوسي قال : أقرأني أبي بن كعب القرآن ، فأهديت له قوساً فغدا إلى رسول الله ، وهو متقلدها ، وذكر الحديث .
وقد رواه محمد بن هارون عن بندار قال : ثنا محمد بن بشار ثنا يحيى بن سويد ثنا ثور بن يزيد عن عبد الرحمن بن أبي مسلم عن عطية بن قيس الكلاعي عن أبي بن كعب أنه علم رجلاً القرآن ، فأهدى إليه قوساً ، فوقع في نفسي شيئاً ، فذكرت ذلك للنبي فقال : ' إن أخذتها فخذها قوساً من نار ' .
وقال أبو الفرج في كتاب الضعفاء : عبد الرحمن بن مسلم يروي عن عطية ضعيف ، ولم ينسب ذلك إلى أحد .
وقال عثمان بن سعيد الدارمي : ثنا عبد الرحمن بن يحيى بن إسماعيل بن عبد الله ثنا الوليد بن مسلم ثنا سعيد عن عبد العزيز عن إسماعيل بن عبيد الله عن آدم عن أم الدرداء عن أبي الدرداء أن رسول الله قال : ' من أخذ قوساً على تعليم القرآن قلده الله قوساً من نار ' ( 1 ) ورواه ميمونة في فوائده عن عبد الرحمن .
وقد روى مسلم ( 2 ) في صحيحه عن داود بن رشيد عن الوليد بن مسلم بهذا الإسناد
____________________
(3/66)
عن أبي الدرداء في الصوم ، وفي السفر .
وعبد الرحمن هذا قال ابن أبي حاتم روى عن أبي ، وسمع منه في الرحلة الأولى ، وسألته عنه فقال : ما لحديثه بأس ، هو صدوق . وقال دحيم : حديث أبي الدرداء عن النبي : ' من تقلد قوساً على تعليم القرآن ' ليس له أصل .
وقال البيهقي ( 1 ) : وهو ضعيف .
1643 - [ قال المصنف ] ( 2 ) : أخبرنا به محمد بن ناصر الحافظ أنبأ أبو سهل محمد بن إبراهيم بن سعدويه قال : أنبأ أبو الفضل القرشي أنبأ أبو بكر بن مردويه ثنا أحمد بن كامل ثنا علي بن حماد بن السكن ثنا أحمد بن عبد الله الهروي ثنا هشام بن سليمان المخزومي عن ابن أبي ملكية عن ابن عباس قال : قال رسول الله : ' المعلمون خير الناس ، كلما خلق الذكر جددوه ، عظموهم ، ولا تستأجروهم ، فإن المعلم إذا قال للصبي ، قل : بسم الله الرحمن الرحيم فقال الصبي : بسم الله الرحمن الرحيم كتب الله براءة للصبي وبراءة لوالديه ، وبراءة للمعلم من النار ' .
وهذا الحديث لا يجوز الاحتجاج به ؛ لأنه من عمل أحمد بن عبد الله الهروي ، وهو الجويباري ، وكان كذاباً يضع الحديث ، أجمع أهل النقل على ذلك .
ز : هكذا قال عنه الجهابذة النقاد بإجماعهم على ذلك . وقال شيخنا : (1) ، وفي رجاله أيضاً الجويباري دجال .
[ احتجوا بحديثين ] ( 3 ) :
1644 - قال البخاري : ثنا محمد بن بشار ثنا غندر ثنا شعبة عن أبي بشر عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري أن ناساً من أصحاب رسول الله أتوا على حي من أحياء العرب فلم يقروهم ، فبينا هم كذلك إذ لُدغَ سيد أولئك ، فقالوا : هل معكم من دواء أو
____________________
1- وهذا الحديث موضوع
(3/67)
راق ؟ فقالوا : إنكم لم تقرونا ، ولن نفعل حتى تجعلوا لنا جعلاً ، فجعلوا لهم قطيعاً من الشاء فجعل يقرأ بأم الكتاب ، ويجمع بزاقه ، ويتفل فبرأ ، فأتوا بالشاء ، وقالوا : لا نأخذ حتى نسأل رسول الله ، فسألوه فضحك وقال : ' وما يدريك أنها رقية ؟ خذوها ، وأضربوا لي بسهم ' .
1645 - الحديث الثاني : قال البخاري : وثنا سيدان بن مضارب ثنا يوسف بن البراء حدثني عبد الله بن الأخنس عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس أن نفراً من أصحاب رسول الله مروا بقوم فيهم لديغ ، أو سليم ، فعرض لهم رجل من أهل الماء ، فقال : هل فيكم راق ؛ إن في الماء رجلاً لديغاً أو سليماً ، فانطلق رجل منهم ، فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء ، فبرأ فجاء بالشاء إلى أصحابه ، فكرهوا ذلك ، وقالوا : أخذت على كتاب الله أجراً ، حتى قدموا المدينة ، فقالوا : يا رسول الله أخذ على كتاب الله أجراً ، فقال عليه السلام : ' إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله ' .
الحديثان في الصحيحين .
وقد أجاب أصحابنا عنهما بثلاثة أجوبة :
أحدها : أن القوم كانوا كفاراً فجاز أخذ أموالهم .
والثاني : أن حق الضيف لازم ، ولم يضيفوهم .
والثالث : أن الرقية ليست بقربة محضة ، فجاز أخذ الأجرة عليها .
ز : حديث ابن عباس لم يروه مسلم .
رواه البخاري ، ولا عموم فيه ، وعدم أخذ الأجرة على القربات هي مسألة إجماع السلف على الكراهة .
ذكره شيخنا ابن تيمية ، والجواز من أقوال المتأخرين .
____________________
(3/68)
مسألة [ 556 ] :
لا يجوز أخذ الأجرة على الحجامة ، فإن دفع إليه من غير شرط ، ولا عقد لم يجز للحر أكله ، ولكن يعلفه ناضحه ، ويطعمه رقيقه .
[ وقال أكثرهم : يجوز ] ( 1 ) .
1646 - قال الترمذي : ثنا محمد بن رافع ثنا عبد الرزاق أنبأ معمر عن يحيى بن أبي كثير عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ عن السائب بن يزيد عن رافع بن خديج أن رسول الله قال : ' كسب الحجام خبيث ' .
1647 - قال أحمد : حدثني أبي ثنا سفيان عن الزهري عن حرام بن سعد بن محيصة أن محيصة سأل النبي عن كسب حجام له فنهاه عنه ، فلم يزل يكلمه حتى قال : ' أعلفه ناضحك ، أو أطعمه رقيقك ' .
1648 - قال أحمد : وثنا حجاج بن محمد أنبأ ليث أخبرني يزيد بن أبي حبيب عن أبي عُفر الأنصاري عن محمد بن سهل بن أبي حثمة عن محيصة بن مسعود الأنصاري أنه كان له غلام حجام يقال له : نافع أبو طيبة ، فانطلق إلى رسول الله فسأله عن خراجه ، فقال : ' لا تقربه ' ، فردد على رسول الله فقال : ' أعلف به الناضح ، واجعله في كرشه ' .
1649 - قال أحمد : وثنا عبد الصمد ثنا هشام عن يحيى عن محمد بن أيوب أن
____________________
(3/69)
رجلاً من الأنصار يقال له : محيصة حدثه أنه كان له غلام حجام ، فزجره رسول الله عن كسبه ، فقال : ألا أطعمه أيتاماً لي ؟ قال : ' لا ' قال : أفلا أتصدق به ؟ قال : ' لا ' ، فرخص له أن يعلف ناضحه .
ز : ورواه أبو داود ( 1 ) عن الشعبي عن مالك عن ابن شهاب عن ابن محيصة عن أبيه .
ورواه الترمذي ( 2 ) عن قتيبة عن مالك عن ابن شهاب عن ابن محيصة أخي بني حارثة عن ابنه . ورواه ابن ماجه ( 3 ) عن أبي بكر بن أبي شيبة عن الزهري رواية عن حرام ابن محيصة .
قال شيخنا : الإسنادان الأخيران فيهما من نجهل حاله .
قال ابن أبي حاتم : محمد بن أيوب روى عن النبي مرسلاً أن النبي .
محيصة عن الحجام فيه جريج بن صومي هو مجهول وقال البخاري في التاريخ : إن محيصة سأل النبي عن الحجام .
احتجوا بما :
1650 - قال أحمد : ثنا أبو داود عن زمعة عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس أن رسول الله احتجم ، وأعطى الحجام أجره . أخرجاه في الصحيحين ( 4 ) .
1651 - قال أحمد : وثنا محمد بن جعفر قال : ثنا شعبة عن جابر عن الشعبي : - عن ابن عباس أن رسول الله دعا غلاماً لبني بياضة فحجمه ، وأعطى الحجام أجره ، مداً ، ونصفا ، وكلم مواليه ، فحطوا عنه نصف مد ، وكان عليه مدان .
انفرد بإخراجه مسلم ( 5 ) .
____________________
(3/70)
1652 - قال الترمذي : ثنا علي بن حجر ثنا إسماعيل بن جعفر عن حميد قال : سئل أنس عن كسب الحجام ، فقال : احتجم رسول الله ، حجمه أبو طيبة ، فأمر له بصاعين من طعام ، وكلم أهله ، فوضعوا من خراجه .
قال الترمذي : (1) . وجوابه أن في أحاديثنا زيادة بيان .
مسألة [ 557 ] :
يجوز استئجار الظئر ، والخادم بطعامه ، وكسوته .
وعنه : لا يجوز ، كقول الشافعي .
وقال أبو حنيفة : يجوز في الظئر وهي المرضعة والخادم بطعامه وكسوته .
وعنه لا يجوز كقول الشافعي .
وقل أبو حنيفة : يجوز في الظئر دون الخادم .
1653 - قال ابن ماجة : ثنا محمد بن المصفى ثنا بقية عن مسلم بن علي عن سعيد بن أبي أيوب عن الحارث بن يزيد عن علي بن رباح قال : سمعت عتبة بن المنذر يقول : كنا عند
____________________
1- هذا حديث صحيح
(3/71)
رسول الله فقرأ : ( ^ طسم ) ، حتى بلغ قصة موسى عليه السلام ، فقال : ' إن موسى آجر نفسه ثمان سنين أو عشراً على عفة فرجه وطعام بطنه ' .
ز : انفرد به ابن ماجة . وفي رجاله مسلمة بن علي ، أجمعوا على ضعفه .
وقال النسائي وغيره : متروك الحديث .
وقال ابن عدي : أحاديثه غير محفوظة .
مسألة [ 558 ] :
لا يصح الاستئجار لحمل الخمر ، ومتى حمله لم يستحق أجرة .
[ وعنه : يصح ] ( 1 ) ، ويستحق الأجرة كقول أبي حنيفة .
لنا : أن رسول الله قال : ' لعنت الخمر بعينها ، وحاملها ' وقد سبق [ الحديث بإسناده ] ( 2 ) .
____________________
(3/72)
مسائل المساقاة ة
مسألة [ 559 ] :
تجوز المساقاة في النخل ، والكرم ، والشجر ، وكل أصل له ثمر .
وقال أبو حنيفة : لا تجوز بحال ( 1 ) .
وقال الشافعي : تجوز في النخل ، والكرم ، وبقية الشجر على قولين .
[ وقال داود : لا يجوز إلا في النخل ] ( 2 ) .
1654 - قال الدارقطني : ثنا ابن صاعد ، قال : ثنا عبيد الله بن سعد ثنا عمي ثنا أبي عن ابن إسحاق قال : حدثني نافع عن عبيد الله بن عمر بن الخطاب : عن أبيه أن رسول الله ساقي يهود خيبر على ملك الأموال على الشطر ، وسهامهم معلومة .
1655 - قال ابن صاعد : وثنا يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا يحيى بن سعيد حدثني عبيد الله قال : أخبرني نافع عن ابن عمر أن رسول الله دفع خيبر إلى أهلها على الشطر مما يخرج منها .
____________________
(3/73)
أخرجاه في الصحيحين .
1656 - قال أحمد : ثنا شريح بن النعمان ثنا هشيم عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن رسول الله دفع خيبر أرضها ، ونخلها ، مقاسمة على النصف .
ز : وفي رواية لأبي داود عن ابن عباس أن رسول الله دفع خيبر أرضها ، ونخلها مقاسمة على النصف .
احتجوا بما :
1657 - قال الترمذي : ثنا بندار قال : ثنا عبد الوهاب الثقفي ثنا أيوب عن أبي الزبير عن جابر أن النبي نهى عن المحاقلة والمزابنة والمعاوضة .
قال الترمذي : (1) .
ز : ورواه ابن ماجة من حديث جابر ، وهذا الحديث رواه أيضاً مسلم وأبو داود ، والنسائي .
قال أبو عبيد : الخبر ' بكسر الخاء ' والمخابرة هي المزارعة بالنصف ، والثلث ، والربع ، وأقل ، وأكثر .
وقال ابن الأعرابي : أصل المخابرة من خيبر ؛ لأن رسول الله كان أقرها في أيدي أهلها على النصف ، فقيل : خابرهم : أي عاملهم في خيبر ، ثم تنازعوا فنهى عن ذلك .
1658 - قال أحمد : ثنا سفيان سمعت عَمراً سمع أن عمر قال : كنا نخابر ، ولا نرى بذلك بأساً حتى زعم رافع بن خديج أن رسول الله نهى عنه ، فتركناه .
انفرد بهذا اللفظ مسلم ( 1 ) .
والجواب عن الحديثين من ثلاثة أوجه :
أحدها : إنما نهى عن ذلك لأجل خصومات كانت تجري بينهم .
____________________
1- هذا حديث صحيح
(3/74)
1659 - قال البخاري : ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد عن أيوب عن نافع : عن ابن عمر أنه كان يكري مزارعه على عهد رسول الله ، وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وصدراً من إمارة معاوية ، ثم حُدّث عن رافع بن خديج أن النبي نهى عن كراء المزارع فذهب وذهبت فسأله فقال : نهى النبي عن كراء المزارع ، فقال ابن عمر : قد علمت أنا كنا نكري مزارعنا على عهد رسول الله بما على الارتعاء وبشيء من التبن . 1660 - قال البخاري : وثنا محمد أنبأ عبد الله ثنا يحيى بن سعيد عن حنظلة بن قيس سمع رافع بن خديج قال : كنا أكثر أهل المدينة مزدرعاً ، كنا نكري الأرض بالناحية منها مسمى لسد الأرض ، قال : فربما يصاب ذلك ، ويسلم الأرض ، ويسلم الأرض ويصاب ذلك ، فنهينا ، وأما الذهب ، والورق فلم يكن يومئذ .
الطريقان [ في البخاري ] ( 1 ) .
1661 - قال أحمد : ثنا إسماعيل ثنا عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار عن الوليد بن أبي الوليد عن عروة بن الزبير قال : قال زيد بن ثابت : يغفر الله لرافع بن خديج ، إنا والله أعلم بالحديث منه ، إنما أتى رجلان ، قد اقتتلا فقال رسول الله : ' إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع ' فسمع رافع قوله : ' لا تكروا المزارع ' .
ز : ورواه أيضاً أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجة .
والجواب الثاني : أنهم إنما كانوا يكرون بما يخرج على الارتعاء ، وهي جوانب الأنهار ، وما على الماذيانات ، وذلك أمر يفسد العقد على ما بينّا .
والثالث : أنه يحمل النهي على التنزيه ، ولهذا قال : ' لأن يمنح أحدكم أخاه أرضه خيراً له من أن يأخذ عليها أجراً معلوماً ' .
____________________
(3/75)
مسألة [ 560 ] :
تصح المزارعة ببعض ما يخرج من الأرض .
وقال الشافعي : لا يجوز في الأرض البيضاء ، ويجوز إذا كان في الأرض نخل أو كرم [ تبعاً ] ( 1 ) .
وقال مالك ، وأبو حنيفة : لا يصح بحال .
لنا حديث ابن عمر المتقدم في المساقاة .
واحتجوا بحديث رافع : ' نهى رسول الله عن المخابرة ' وقد سبق ، وجوابه ، ولأي علة نهى ما لم تعرف جناية من يده . [ مسألة : لا ضمان على الأجير المشرك فيما تجن يداه ، كالقصار ، و لا يضمن من لا يعرف جنايته من يده ] ( 2 ) .
وعنه : عليه الضمان .
وقال مالك : عليه ضمان ما جنت يداه ، وما لم تجن . وللشافعي قولان .
لنا : حديث سمرة : ' على اليد ما أخذت حتى تؤدي ' وقد سبق في مسألة غصب الساحة .
1662 - قال الدارقطني : أنبأ الحسين بن إسماعيل ثنا عبد الله بن شبيب حدثني إسحاق بن محمد ثنا يزيد بن عبد الملك عن محمد بن عبد الرحمن الحجبي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله قال : ' لا ضمان على مؤتمن ' .
____________________
(3/76)
ز : رواه الدارقطني عن الحسين بن إسماعيل بن عبد الله بن شبيب ، قال حدثني إسحاق بن محمد ثنا يزيد بن عبد الملك عن محمد بن عبد الرحمن عن عمرو بن شعيب ، هذا الإسناد لا يعتمد عليه ، فإن يزيد بن عبد الملك ضعفه أحمد ، وغيره ، وقال النسائي : متروك الحديث ، وعبد الله بن شبيب ضعفه أيضاً .
قال الشافعي بإسناده إلى علي بن أبي طالب : إنه ضمن الغسال ، والصباغ ، وقال : لا يصلح الناس إلا ذلك .
قال الشافعي : ولا يثبت أهل الحديث مثل هذا .
وقد رواه البيهقي ( 1 ) من رواية سليمان بن بلال عن جعفر .
مسألة [ 561 ] :
يجوز كري الأرض بالثلث ، والربع . وعنه : المنع كقول أكثرهم .
وقد روى أصحابنا من حديث ابن عباس أن النبي قال : ' من كان مكرياً أرضاً فليكر بالربع أو بالثلث ' .
ز : قال شيخنا : فتشت على هذا الحديث بهذا اللفظ فلم أقف له على إسناد .
وقد روى النسائي ( 2 ) قال مجاهد : أخذت بيد طاوس حتى أدخلته على ابن رافع فحدثه عن أبيه عن رسول الله : نهى عن كري الأرض ، فأبى طاوس وقال : سمعت ابن عباس لا يرى بذلك بأساً .
____________________
(3/77)
وروى ابن ماجة عن مجاهد عن طاوس أن معاذ بن جبل أكرى الأرض على عهد رسول الله ، وأبي بكر ، وعمر وعثمان ، على الثلث ، والربع فهو يعمل به إلى يومنا هذا . وطاوس لم يلق معاذاً .
احتجوا بما :
1663 - قال أحمد : ثنا وكيع ثنا شريك عن أبي حصين عن مجاهد : عن رافع بن خديج قال : نهى رسول الله أن تستأجر الأرض بالدراهم المتقودة ، أو بالثلث والربع .
1664 - قال الدارقطني : ثني البغوي ثنا محمد بن حميد ثنا عبد الرحمن بن مغراء عن عبيدة الضبي عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن سالم بن عبد الله بن عمر عن عبد الله ابن عمر عن عائشة أن النبي خرج في مسير له ، فإذا هو بزرع يهتز ، فقال : ' لمن هذا الزرع ؟ ' قالوا : لرافع بن خديج فأرسل إليه ، وكان أخذ الأرض بالنصف ، أو الثلث ، فقال : ' انظر نفقتك في هذه الأرض فخذها من صاحب الأرض ، وادفع إليه أرضه وزرعه ' .
والجواب : أما الحديث الأول ففيه شريك ، وكان يحيى بن سعيد لا يحدث عنه ، ويقول : ما زال مختلطاً . وقال أبو حاتم الرازي : له أغاليط .
وقال أبو زرعة : صاحب وهم ، ولا نعلم أن مجاهداً سمع من رافع .
وأما الثاني : ففيه عبد الحميد ، وهو الحماني ، ضعفه أحمد .
وفيه عبيدة الضبي ، قال يحيى : ليس بشيء ، وقال أحمد : ترك الناس حديثه .
وفيه عبد الرحمن بن مُغراء قال علي بن المديني : ليس بشيء .
وفيه محمد بن حميد : كذبه أبو زرعة ، وابن وارة .
____________________
(3/78)
وقال النسائي : ليس بثقة .
وقال صالح بن محمد الحافظ : ما رأيت أحذق بالكذب منه ، ومن الشاذكوني .
ثم قد حمل أصحابنا هذه الأحاديث على أنهم كانوا يؤاجرون بهذا وبأشياء مجهولة .
ز : وأما حديث مجاهد عن رافع مضطرب ، ولم يخرجه أحد من أئمة الكتب الستة من رواية شريك .
وقد رواه الترمذي من رواية ابن عباس ، والنسائي من رواية أبي عوانة ، كلاهما عن أبي حصين بغير لفظ شريك .
ومجاهد لم يسمع رافعاً ، بل بينهما واسطة ، كما جاء ذلك من غير وجه والله أعلم ، هل سمع منه شيئاً أم لا ؟
وحديث عائشة لم يخرجه أحد منهم وعبد الحميد بن عبد الرحمن هو ابن زيد بن الخطاب ، وهو من الثقات المخرج لهم في الصحيحين .
قال شيخنا الحافظ إمام العصر ووحيد الدهر في معرفة الرجال ، فرحمه الله ، وقدس روحه ، ونور ضريحه : الحماني متأخر عن هذه الطبقة التي فيها رجال هذا الحديث ، وعبيدة ابن مغيث الضبي هو في طبقة كبار الشيوخ .
قال : وعبد الرحمن بن مغراء وثقه بعض الأئمة وضعفه بعضهم .
وفي الجملة : حديث عائشة هو أضعف ، لا يجوز الاحتجاج به لحال عبيدة ، ومحمد ابن حميد .
قال شيخنا ابن تيمية رحمه الله : سياق طرفاً في الثمار التي أصابتها جائحة ، ولم يتمكن من الجذاذ ، فكان معذوراً ، فإذا بلغت كانت من ضمان البائع .
قال : ولهذا لو تلفت بعد تفريطه في القبض كانت من ضمانه .
وفي القدر الزائد الذي تمكن من قبضه يكون من ضمانه على حديث عبد الله بن عمر : مضت السنة أن ما أدركته الصفقة حياً مجموعاً فهو من ضمان المشتري ، فمن جعل
____________________
(3/79)
التصرف تابعاً للضمان فقد غلط ، فإنهم متفقون على أن منافع الإجارة إذا تلفت قبل تمكن المستأجر من استيفائها كانت من ضمان المؤجر ، مع هذا فللمستأجر أن يؤجرها بمثل الأجرة ,
وإنما تنازعوا في إيجارها بأكثر من الأجرة ، لئلا يكون ذلك ربحاً فيما لا يضمن .
والصحيح جواز ذلك ، لأنها مضمونة على المستأجر فإنها إذا تلفت مع تمكنه من الاستيفاء كانت من ضمانه ، وهذا هو الأصل .
وأيضاً فقد ثبت في الصحيح عن عبد الله بن عمر أنه قال : كنا نبتاع الطعام جزافاً على عهد رسول الله فنهى أن نبيعه في مكانه حتى ننقله إلى رحالنا .
وابن عمر رضي الله عنهما هو القائل : مضت السنة أن ما أدركته الصفقة حياً مجموعاً فهو من ضمان المشتري فبين أن مثل هذا الطعام مضمون على المشترى ولا يبيعه حتى ينقله ، وغلة الثمار ، والمنافع له أن يتصرف فيها ولو تلفت قبل التمكن من قبضها كانت من ضمان المؤجر ، والبائع . والمنافع لا يمكن التصرف فيها بعد استيفائها .
وكذلك الثمار لا تباع على الأشجار بعد الجذاذ بخلاف الطعام المنقول .
والسنة في هذا الباب فرقت بين القادر على القبض وغير القادر في الضمان ، والتصرف ، ونظائر هذا كثيرة ، مثل بيع الأعيان الغائبة . من الفقهاء من جوز بيعها مطلقاً ، وإن لم توصف ، ومنهم من منع بيعها مع الوصف .
ومالك جوز بيعها مع الصفة دون غيرها ، وهو أعدل الأقوال .
والعقود من الناس من أوجب فيها الألفاظ وتعاقب القبول ، والإيجاب ، ونحو ذلك .
وأهل المدينة جعلوا المرجع في العقود إلى عرف الناس ، وعاداتهم فيما عده الناس بيعاً فهو بيع ومنها ما له حد في الشرع كالصلاة ، والحج ، ومنها ما ليس له حد لا في اللغة ، ولا في الشرع ، بل يرجع إلى العرف .
ومعلوم أن اسم البيع ، والإجارة ، والهبة في هذا الباب لم يحدها الشارع ، ولا لها حد في اللغة ، بل يتنوع ذلك بحسب عادات الناس وعرفهم .
____________________
(3/80)
ومن هذا الباب أن مالكاً جوز بيع المغيب في الأرض كالجزر ، واللفت ، وبيع المقاثي جملة ، كما جوز هو والجمهور بيع الباقلاء ، ونحوه في قشره .
ولا ريب أن هذا هو الذي عليه عمل المسلمين من زمن نبيهم إلى يومنا هذا ، ولا تقوم مصلحة الناس بدون هذا ، وما يظن أن في هذا النوع غرر ، فهل هذا جائز في غيره من البيوع ، لأنه يسير والحاجة داعية إليه ؟ وكل واحد من هذين ينتج ذلك فكيف إذا اجتمعا .
وكذلك ما يجوزه مالك من منفعة الشجرة تبعاً للأرض مثل أن يكري داراً ، وأرضاً ، فيها شجرة ، أو شجرتان ، هو أشبه بالأصول من قول من منع من ذلك .
وقد جوز ذلك طائفة من أصحاب أحمد مطلقاً ، جوزوا ضمان الحديقة التي فيها أرض ، وشجر ، كما فعل ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، لما قبل حديقة أسيد بن حضير ثلاث سنين ، ومضى بها ديناً كان عليه .
ثم ذكر جملة في هذا الباب ، وغيره أردنا أن نذكر منها نبذة يسيرة ، مما يتعلق بهذه الفصول ، والمسائل .
____________________
(3/81)
مسائل إحياء الموات
مسألة [ 562 ] :
لا يجوز إحياء ما باد أهله من [ الأراضي ] ( 1 ) .
وعنه : يجوز كقول أبي حنيفة ، ومالك .
1665 - قال سعيد بن منصور : ثنا إسماعيل بن عياش حدثني ليث عن طاوس قال : رسول الله : ' عادي الأرض لله ، ولرسوله ، ثم لكم بَعْدُ ، ومن أحيا مواتاً من الأرض فله رقبتها ' .
ز : هذا دليل للرواية الثانية في مذهب أحمد لكنه مرسل وإسناده غير قوي .
مسألة [ 563 ] :
لا يفتقر التمليك بالإحياء إلى إذن الإمام .
وقال أبو حنيفة : يفتقر .
وقال مالك : ما كان في الفلوات لم يفتقر وما قرب من العمران افتقر .
روى الترمذي عن جابر بن عبد الله عن النبي قال : ' من أحيا أرضاً ميتاً فهي له ' .
____________________
(3/83)
وقال الترمذي : (1) . وقد تقدم في مسألة : إذا غصب أرضاً .
ز : وفي رواية للإمام أحمد عن يونس عن حماد عن هشام بن عروة .
ورواه النسائي عن محمد بن يحيى بن أيوب عن الثقفي ، ولفظه ، ' من أحيا أرضا ميتة فله فيها أجر ' .
وقال الإمام ابو محمد المقدسي في الكافي بعد أن ذكر هذا الحديث : متفق على صحته ، وهو وهم ، وهو مروي عن سعيد بن زيد ، وجابر .
مسألة [ 564 ] :
إذا حوط على موات ملكه . وقال الشافعي : لا يملك أرضاً حتى يستخرج لها ما يزرعها ، ولا داراً حتى يقطعها بيوتاً ويسقفها .
قال رسول الله : ' من أحاط حائطاً على أرض فهي له ' .
ز : رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل .
مسألة [ 565 ] :
حريم البئر العادي خمسون ذراعاً . والبري خمسة وعشرون .
____________________
1- هذا حديث صحيح
(3/84)
وقال أبو حنيفة : أربعون .
وقال الشافعي : ما يحتاج إليه .
1666 - قال الدارقطني : ثنا عثمان بن علي الصيدلاني ثنا محمد بن يوسف المقري ثنا إسحاق بن أبي حمزة ثنا يحيى بن الخصيب ثنا هارون بن عبد الرحمن عن إبراهيم بن أبي عبلة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' حريم البئر البري خمسة وعشرون ذراعاً ، وحريم البئر العادي خمسون ذراعاً ' .
قال الدارقطني : الصحيح من هذا الحديث أنه مرسل عن ابن المسيب ، ومن أسنده فقد وهم .
ز : وأيضاً فقال الدارقطني : هذا الحديث مروي من طريق محمد بن يوسف المقري ، وضع نحواً من ستين نسخة قُرأت ، ليس بشيء منها أصل ، وضع من الأحاديث المسندة . والنسخ ما لا يضبط .
وقد روى هذا الحديث أبو داود في المراسيل ( 1 ) عن محمد بن كثير عن شقيق الثوري عن إسماعيل بن أمية عن الزهري عن سعيد مرسلاً ، وهو الصواب .
احتجوا بما :
1667 - قال ابن ماجة : ثنا الحسن بن محمد بن الصباح ثنا عبد الوهاب بن عطاء ثنا إسماعيل المكي عن الحسن عن عبد الله بن مغفل أن النبي قال : ' من حفر بئراً فله أربعون ذراعاً عطناً لماشيته ' .
____________________
(3/85)
1668 - قال ابن ماجه : وثنا سهل بن أبي الصعدي قال : ثنا منصور بن صغير ثنا ثابت بن محمد عن نافع أبي غالب عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله : ' حريم البئر مد رشائها ' .
والجواب : أن الحديثين ضعيفان ؛ ففي الأول : عبد الوهاب .
قال الرازي : كان يكذب ، وقال العقيلي ، والنسائي : متروك الحديث .
وفيه إسماعيل المكي ، قال أحمد : منكر الحديث . وقال يحيى : ليس بشيء . وقال علي : لا يكتب حديثه .
وفي الثاني : منصور ، قال ابن حبان : لا يحتج به إذا انفرد .
ز : الحديثان انفرد بهما ابن ماجة . وعبد الوهاب هو ابن عطاء راوي الحديث الأول وهو الخفاف ، وهو صدوق من رجال مسلم .
وعبد الوهاب المذكور بالإنكار ، وعدم الاحتجاج من الكذب ، وما قاله الرازي ، والنسائي وغيرهما هو عبد الوهاب بن الضحاك ، وهو متأخر عن الخفاف مع أن عبد الوهاب لم ينفرد بهذا الحديث عن إسماعيل المكي ، فقد رواه ابن ماجة عن الوليد بن عمرو بن السكين عن محمد بن عبد الله بن المثنى عن إسماعيل ، فابن ماجة رواه في موضع واحد من رواية اثنين مع أن الحديث يكفي في ضعفه كون إسماعيل فيه ، ونافع أبو غالب في الإسناد الثاني ، إن لم يكن الباهلي فهو مجهول .
وثابت بن محمد الراوي عن نافع ليس بمشهور ، والظاهر أنه مقلوب ، وفي إسناد الحديث اختلاف .
____________________
(3/86)
مسألة [ 566 ] :
ما نبت من الكلأ ، ونبع من الماء في أرض إنسان فليس بملك له .
وعنه : ملك لصاحب الأرض كقول الشافعي .
1669 - قال أحمد : حدثني أبي ثنا روح قال : ثنا ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار أبا المنهال أخبره أن إياس بن عبد الله وكان من أصحاب النبي قال : إن النبي نهى عن بيع فضل الماء .
1670 - قال الترمذي : ثنا قتيبة ثنا داود بن عبد الرحمن العطار عن عمرو بن دينار عن أبي المنهال عن إياس بن عبد الله المزني قال : نهى رسول الله عن بيع الماء .
قال الترمذي : (1) .
ز : ورواه أبو داود ، وابن ماجة ( 1 ) ، وهو في صحيح مسلم من حديث جابر .
مسألة [ 567 ] :
يلزمه بذل ما فضل عن حاجته من الماء .
____________________
1- هذا حديث صحيح
(3/87)
وعنه : لا يلزمه كقول أبي حنيفة ، والشافعي .
لنا الحديث المتقدم .
____________________
(3/88)
مسائل الوقف
مسألة [ 568 ] :
يلزم الوقف بغير حكم الحاكم . وقال أبو حنيفة : لا يصح إلا أن يحكم به حاكم أو يخرجه مخرج الوصية ، [ وصاحباه معاً ] ( 1 ) .
1671 - قال أحمد : ثنا إسماعيل ثنا ابن عون عن نافع عن ابن عمر قال : أصاب عمر أرضاً بخيبر فأتى النبي فأستأمره فيها ، فقال : أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً قط أنفس عندي منه ، فما تأمر به ؟ قال : ' إن شئت حبست أصولها ، وتصدقت بها ' . قال : فتصدق بها عمر ، أن لا تباع ، ولا توهب ، ولا تورث ، فتصدق بها في القرى ، وفي سبيل الله ، وابن السبيل ، والضيف لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف أو يطعم صديقاً غير متأثل فيه مالاً . أخرجاه في الصحيحين ( 2 ) .
مسألة [ 569 ] :
يجوز وقف المنقولات التي لا ينتفع بها مع بقاء عينها .
____________________
(3/89)
وقال أبو حنيفة : لا يصح .
وقال أبو يوسف : لا يصح إلا في الخيل ، والسلاح ، وبقر الضيعة ، وآلاتها .
1672 - قال أحمد : ثنا علي بن حفص أنبأ ورقاء عن أبي الزنا عن الأعرج عن أبي هريرة قال : بعث رسول الله عمر على الصدقة فقيل منع ابن جميل ، وخالد بن الوليد ، والعباس ، فقال النبي : ' ما ننقم ابن جميل ، إلا أن كان فقيراً فأغناه الله ، وأما خالد فإنكم تظلمون خالداً ، وقد احتبس أدراعه في سبيل الله وأما العباس فهي عليِ ، ومثلها معها ' .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
مسألة [ 569 - م ] :
إذا وقف على غيره ، واستثنى أن ينفق منه على نفسه حياته صح .
وقال مالك والشافعي : لا يصح .
لنا حديث عمر المتقدم ، وأنه لا جناح على من وليها أن يأكل وكان هو واليها .
[ يعني عمر بن الخطاب لما أوقفها ، وشرط أن يأكل منها وليها كان هو واليها ] ( 2 ) .
____________________
(3/90)
مسائل الهبة
مسألة [ 570 ] :
تصح هبة المشاع .
وقال أبو حنيفة : لا تصح فيما [ يقسم ] ( 1 ) .
1673 - قال أحمد : ثنا عبد الصمد ثنا حماد بن سلمة ثنا محمد بن إسحاق عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده قال : شهدت رسول الله يوم حنين وجاءته وفود هوازن فقالوا : يا محمد مُنّ علينا من الله عليك ، فقال : ' اختاروا بين نسائكم وأموالكم ، وأبنائكم ' ، فقالوا : نختار أبناءنا ، فقال : ' أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم ' ، وقال المهاجرون : ما كان لنا فهو لرسول الله ، وقالت الأنصار مثل ذلك .
ز : رواه أبو داود والنسائي ، (1) .
مسألة [ 571 ] :
العمرى تملك الرقبة ، وصفتها أن يقول : أعمرتك داري ، أو هي لك مدَّة حياتك ، فإن مات من جعلت له انتقلت إلى ورثته ، فإن لم يكن له وارث فهي لبيت المال .
وقال مالك : هي تمليك المنافع ، فإن مات رجعت إلى المعمر .
____________________
1- وهذا حديث ثابت مشهور
(3/91)
1674 - قال البخاري : ثنا أبو نعيم ثنا شيبان عن يحيى عن أبي سلمة عن جابر قال : قضى النبي بالعمرى لمن وهبت له .
أخرجاه في الصحيحين .
ز : وقال شيخنا الحافظ المزي : إن مسلماً رواه من رواية غندر عن شعبة عن قتادة ، هكذا ذكره في الأطراف .
1675 - قال أحمد : ثنا عبد الرزاق أنبأ سفيان عن أبي الزبير عن جابر قال : قال رسول الله ' أمسكوا موالكم ولا تقطعوها احدا فمن أعمر له شيئا فهو له '
1676 - قال أحمد : وثنا محمد بن جعفر ثنا سعيد عن قتادة عن عطاء عن جابر بن عبد الله أن رسول الله قال : ' العمرى جائزة لأهلها ، أو ميراث لأهلها ' .
1677 - قال أحمد : وثنا روح ثنا سفيان الثوري عن حميد بن قيس عن محمد ابن إبراهيم عن جابر أن رجلاً من الأنصار أعطى أم حذيفة من نخل حياتها ، فماتت فجاء أخويه ، فقالوا نحن فيه شرع سواء ، فأبى ، فاختصموا إلى النبي فقسمها بينهم ميراثاً .
ز : هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل السنن ، ولا في الكتب الستة ، ورواته ثقات ، لأن أحمد قال : ثنا روح ثنا سفيان الثوري ، عن حميد بن قيس عن محمد بن إبراهيم عن جابر .
1678 - قال أحمد : وثنا عبد الرزاق أنبأ ابن جريج أخبرني عطاء عن حبيب بن أبي
____________________
(3/92)
ثابت عن ابن عمر قال : قال رسول الله : ' لا عمرى ، ولا رقبى ؛ فمن أعمر شيئاً أو أرقبه فهو له حياته ومماته ' . .
ز : ورواه النسائي وابن ماجة ( 1 ) . قال شيخنا في التهذيب : إن رواية حبيب صححها الترمذي عن ابن عمر . وقال الدارقطني في هذا الحديث : يرويه عطاء بن أبي رباح عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر مرفوعاً في الرقبى دون العمرى .
وروى مسعر عن حبيب في العمرى دون الرقبى مرفوعاً أيضاً .
وروى عن أيوب السختياني ، وعمرو بن دينار ، وكامل أبي العلاء عن حبيب موقوفاً ، والموقوف أشبه .
وروى البخاري من حديث أبي هريرة أن النبي قال : ' العمرى جائزة ' .
1679 - قال أحمد : وثنا سفيان عن عمرو عن طاوس عن حجر المدري عن زيد بن ثابت أن النبي جعل العمرى للوارث .
ز : وقد رواه أبو داود والنسائي ، وابن ماجة من حديث عمر ( 1 ) ، وفي إسناده اختلاف .
1680 - قال أحمد : وثنا حجاج عن أبي الزبير عن طاوس : - عن ابن عباس قال : قال رسول الله : ' من أعمر عمرى فهي لمن أعمرها جائزة ، ومن أرقب رقبى فهي لمن أرقبها جائزة ، ومن وهب هبة ثم عاد فيها فهو كالعائد في قيئه ' .
ز : وقد رواه النسائي أيضاً .
____________________
(3/93)
مسألة [ 572 ] :
وحكم الرقبى ، حكم العمرى ، وصفتها أن يقول : أرقبتك داري ، أو يقول : الدار لك ، فإن مت قبلي رجعت إليّ ، وإن مت قبلك فهي لك ، ولعقبك .
وقال أبو حنيفة : الرقبى باطلة . لنا ما تقدم .
1681 - قال أحمد : ثنا إبراهيم بن خالد ثنا رباح عن عمر بن حبيب عن عمرو بن دينار عن طاوس عن حُجر المدري عن زيد بن ثابت قال : قال رسول الله : ' لا ترقبوا ؛ فمن أرقب فسبيله الميراث ' .
ز : رواه أحمد والنسائي وابن حبان ( 1 ) من طرق عن طاوس وعمرو بن حبيب .
وعمرو وثقه أحمد ، وغيره .
1682 - قال سعيد بن منصور : ثنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء عن جابر بن عبد الله عن النبي أنه قال : ' لا ترقبوا ، ولا تعمروا فمن أعمر عمري ، أو أرقب رقبى ، فهي سبيل الميراث ' .
ز : ورواه أبو داود ، والنسائي ( 2 ) .
____________________
(3/94)
مسألة [ 573 ] :
إذا فضل بعض ولده على بعض في العطية مع تساويهم في الذكورية ، والأنوثية أساء ، وأمر بارتجاع ذلك ، وبالتسوية بينهم .
وقال أكثرهم : لا يرجع .
1683 - قال أحمد : ثنا يحيى بن سعيد عن مجالد ثنا عامر قال سمعت النعمان بن بشير يقول : إن أبي بشير وهب لي هبة ، فقالت أمي : أشهد عليها رسول الله ، فأخذ بيدي ، فانطلق بي حتى أتينا رسول الله فقال : يا رسول الله ، إن أم هذا الغلام سألتني أن أهب له هبة ، فوهبتها له ، فقالت : أشهد عليها رسول الله فأتيتك لأشهدك ، فقال : ' رويدك ، ألك ولد غيره ؟ ' قال : نعم ، قال : ' كلهم أعطيتهم كما أعطيته ' ، قال : لا ، قال : ' فلا تشهدني على جور ؛ إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم ' .
1684 - قال أحمد : وثنا عبد الرزاق قال : ثنا معمر عن الزهري قال : أخبرني محمد ابن النعمان بن بشير ، وحميد بن عبد الرحمن عن النعمان بن بشير ، قال : ذهب بي أبي بشير بن سعد إلى رسول الله ليشهده على نحل نحلنيه ، فقال النبي : ' أكلُّ بنيك نحلت مثل هذا ؟ ' قال : لا ، قال : ' فأرجعها ' .
1685 - قال أحمد : وثنا محمد بن أبي عدي عن داود عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال : حملني أبي بشير بن سعد إلى رسول الله فقال : ' يا رسول الله اشهد أني قد نحلت النعمان كذا ، وكذا ، - شيئاً سماه - فقال : ' أكل ولدك نحلت مثل الذي نحلت النعمان ؟ '
____________________
(3/95)
قال : لا ، قال : ' فأشهد غيري ، قال : أليس يسرك أن يكونوا لك في البر سواء ؟ ' قال : بلى ، قال : ' فلا إذن ' .
هذه الطرق مخرجة في الصحيحين .
ز : لكن طريق مجالد ليس في الصحيحين .
ومن طريق داود بن أبي هند انفرد به مسلم .
1686 - قال أحمد : وثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد عن حاجب بن المفضل ابن المهلببن بن أبي صفرة عن أبيه قال سمعت النعمان بن بشير يخطب يقول : قال رسول الله : ' اعدلوا بين أبنائكم ، اعدلوا بين أبنائكم ' .
ز : ورواه أبو داود ، ورواه النسائي ( 1 ) . وقد رواه أحمد ( 2 ) عن غير واحد عن حماد ، وحاجب ، وهو ثقة ، وثقة ابن معين ، وأحمد .
احتجوا بما :
1686 - قال سعيد بن منصور : ثنا إسماعيل بن عياش عن سعيد بن يوسف عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله : ' ساووا بين أولادكم في العطية ، فلو كنت مفضلاً لفضلت النساء ' .
ز : فإن سعيد بن يوسف هو الرحبي الشامي الصنعاني ، تكلم فيه أحمد ، وابن معين ، والنسائي وغيرهم . قال أبو حاتم : ليس بالمشهور ، وحديثه ليس بالمنكر . وقال ابن عدي : لا أعلم يروي عنه غير إسماعيل بن عياش ، هو قليل الحديث ، ورواياته بالإثبات وبالأسانيد ، لا بأس بها ، ولا أعرف له شيئاً مما ذكرت من حديث عكرمة عن ابن عباس . وذكره ابن حبان في كتاب الثقات .
____________________
(3/96)
قلنا : إسماعيل بن عياش ، وسعيد بن يوسف ضعيفان ، فلا يعارض خبرهما أخبارنا الصحاح .
مسألة [ 574 ] :
للأب الرجوع في هبته لولده سواء بان نفع ذلك عليه ، أو لم يبن .
[ وعنه ] ( 1 ) : أنه متى بان يقع ذلك عليه مثل أن يستدين على ذلك ، أو يزوج البنت لأجله لم يكن له الرجوع ، وهو قول مالك .
وقال أبو حنيفة : لا يجوز الرجوع بحال .
1688 - قال أحمد : ثنا محمد بن جعفر عن سعيد عن عامر الأحول عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله قال لا يرجع في هبته إلا الوالد من ولده والعائد في هبته كالعائد في قيئه ' .
1689 - قال أحمد - وثنا يزيد ثنا حسين بن ذكوان عن عمرو بن شعيب عن طاوس أن ابن عمر وابن عباس رفعاه إلى رسول الله قال : ' لا يحل لرجل أن يعطي العطية ، فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده ' .
____________________
(3/97)
ز : ورواه النسائي ( 1 ) ، وفي رجاله عامر ، قال : ليس بالقوي .
وقد رواه أصحاب السنن الأربعة ( 2 ) ، وأبو حاتم البستي ، والدارقطني .
مسألة [ 575 ] :
لا يملك [ الأجنبي ] ( 3 ) المرجوع في هبته .
وقال أبو حنيفة : له الرجوع ما لم يتب منها ، أو يكون بينهما رحم محرم ، أو زوجية ، أو يزيد الموهوب زيادة متصلة . لنا ما :
1690 - قال أحمد : ثنا إسماعيل ثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله قال : ' ليس لنا مثل السوء العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه ' .
أخرجاه في الصحيحين ( 4 ) .
احتجوا بأربعة أحاديث :
1691 - الحديث الأول : قال الدارقطني ثنا إسماعيل بن محمد الصفار ، ثنا علي بن سهل بن المغيرة ، ثنا عبيد الله بن موسى ثنا حنظلة بن أبي سفيان ، قال : سمعت سالم بن
____________________
(3/98)
عبد الله عن ابن عمر عن النبي قال : ' من وهب هبة ، فهو أحق بها ، ما لم يثب منها ' .
1692 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : ثنا محمد بن القاسم بن زكريا ثنا أبو سعيد الأشج ثنا إبراهيم بن إسماعيل عن عمرو بن دينار عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' الرجل أحق بهبته ما لم يثب منها ' .
1693 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : وثنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا عبد العزيز بن عبد الله الهاشمي ثنا عبد الله بن جعفر عن عبد الله بن المبارك عن حماد ابن سلمة عن قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي قال : ' إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع فيها ' .
1694 - الحديث الرابع : قال الدارقطني : وثنا عبد الصمد بن علي ، ثنا محمد بن نوح ابن حرب العسكري ، ثنا يحيى بن غيلان ثنا إبراهيم بن أبي يحيى ، عن محمد بن عبد الله ، عن عطاء : عن ابن عباس عن النبي قال : ' من وهب هبة فارتجع بها فهو أحق بها ما لم يثب منها ، ولكنه كالكلب يعود في قيئه ' .
والجواب : ليس في هذه الأحاديث ما يصح :
أما الأول : فقال الدارقطني : لا يثبت مرفوعاً ؛ غلط فيه على ابن سهل ، والصواب عن ابن عمر عن عمر قوله .
وأما الثاني : ففيه إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع بن يزيد ، قال أبو يعمر : لا يساوي حديثه فلسين .
وأما الثالث : ففيه عبد الله بن جعفر ، وقد ضعفوه .
____________________
(3/99)
وأما الرابع : ففيه محمد بن عبيد الله العرزمي ، قال الفلاس ، والنسائي : هو متروك الحديث .
وفيه إبراهيم بن يحيى ، قال مالك ، ويحيى بن سعيد وابن معين : هو كذاب .
وقال الدارقطني : متروك .
ز : هذه الأحاديث لم يخرج أصحاب الكتب الستة فيها شيئاً ، إلا الحديث الثاني وهو حديث عمرو بن دينار عن أبي هريرة .
قال ابن ماجة : رواه منفرداً به عن علي بن محمد ، ومحمد بن إسماعيل عن وكيع عن إبراهيم عن مجمع بن حازم الأنصاري ، وإبراهيم ضعيف ، وعمرو عن أبي هريرة منقطع ، والمحفوظ عن عمرو عن سالم عن أبيه عن عمر قال : ' من وهب هبة فلم يثب فهو أحق بهبته إلا لذي رحم ' . ورواه سعيد بن منصور عنه . قال البخاري في التاريخ : وهذا أصح . والحديث الأول رواه الحاكم ( 1 ) في المستدرك . ورواه البيهقي عن الحاكم ( 2 ) .
وحديث الحسن عن سمرة رواه الحاكم ( 3 ) ، وقال : صحيح على شرط البخاري .
مسألة [ 576 ] :
للأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء ما لم يجحف بماله .
خلافاً لأكثرهم في أنه لا يأخذ إلا قدر الحاجة .
____________________
(3/100)
1695 - قال أحمد : ثنا يحيى بن عبيد الله بن الأخنس قال : حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : أتى أعرابي إلى النبي فقال : يا رسول الله إن أبي يريد أن يجتاح مالي ، قال : ' أنت ومالك لوالدك ؛ إن أطيب ما أكلتم من كسبكم ، وإن أموال أولادكم من كسبكم ، فكلوا هنيئاً ' .
ز : ورواه أبو داود ، وابن ماجة ( 1 ) عن جابر بن عبد الله أن رجلاً قال : يا رسول الله إن لي مالاً وولداً ، وإن أبي يريد أن يجتاح مالي فقال : ' أنت ومالك لأبيك ' .
لم يروه من أصحاب السنن غير ابن ماجة .
وفيه يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي من الثقات المخرج له في الصحيحين .
وقال الدارقطني في سننه : هذا الحديث تفرد به عيسى بن يونس .
قال الحافظ محمد بن عبد الواحد : وغرابة الحديث والتفرد به لا يخرجه عن الصحة ، فإن البخاري روى في صحيحه من حديث محمد بن المنكدر عن جابر عن النبي : ' من قال إذا سمع النداء اللهم رب هذا الدعوة التامة ، والصلاة القائمة ' الحديث .
قال الدارقطني : غريب من حديث محمد عنه .
وكذلك حديث الاستخارة رواه البخاري ، قال الدارقطني : غريب من حديث عبد الرحمن عن محمد عن جابر والمقصود أن عيسى بن يونس روى عن محمد بن المنكدر وهذا عن جابر ، فهو صحيح عنه .
وكذا حديث : ' رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع ' . تفرد به غسان عن محمد .
والتفرد عن محمد قد أخرجه البخاري في صحيحه . عن محمد وغير البخاري ، والانفراد لا يقدح فيه .
____________________
(3/101)
مسائل اللقطة
مسألة [ 577 ] :
لا يجوز التقاط الإبل ، والبقر ، والطيور .
وقال أبو حنيفة : يجوز .
1619 - قال البخاري : ثنا عبد الله بن محمد قال : ثنا أبو عامر ثنا سليمان بن بلال المديني عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد الجهني أن النبي سأله رجل عن اللقطة فقال : ' اعرف وكاءها - أو قال : وعاءها - وعفاصها ، ثم عرفها سنة ، ثم استمتع بها ، فإن جاء ربها فأدها إليه ' . قال : فضالة الإبل ؟ . فغضب حتى احمرت وجنتاه - أو قال احمر وجهه - فقال : ' مالك ، ولها ؟ ! ، معها سقاؤها ، وحذاؤها ترد الماء ، وترعى الشجر ، فذرها حتى يلقاها ربها ' . قال : فضالة الغنم ؟ . قال : ' لك أو لأخيك ، أو للذئب ' .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
مسألة [ 578 ] :
يجوز التقاط الغنم ، ولا يملكها قبل الحول .
____________________
(3/103)
وقال مالك ، وداود : إذا وجدها بفلاة ، ولا قرية هناك يضمها إليها جاز أكلها في الحال من غير تعريف . لنا قوله في الحديث المتقدم : ' ثم عرفها سنة ' .
1697 - قال أحمد : ثنا أبو بكر الحنفي ثنا الضحاك بن عثمان عن أبي النضر عن بشر بن سعيد عن زيد بن خالد الجهني قال : سئل رسول الله عن اللقطة فقال عرفها سنة فإذا عرفت فأدها وإلا فاعرف عفاصها ووعاءها وعددها ثم كلها فإن اعترفت فأدها ' .
1698 - وثنا شريح بن النعمان ثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن بكر بن سوادة عن أبي سالم الجيشاني عن زيد بن خالد الجهني قال : قال رسول الله : ' من آوى ضالة فهو ضال ما لم يعرّفها ' .
انفرد بإخراجه مسلم ( 1 ) .
ز : وروى أحمد ( 2 ) أيضاً بسنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : ' سمعت رجلاً من مُزينة يسأل رسول الله قال : يا رسول الله جئت أسألك عن الضالة من الإبل ، قال : ' معها حذاؤها ، وسقاؤها ، تأكل الشجر ، وترد الماء ، فدعها حتى يأتيها باغها ' قال : فضالة الغنم ؟ قال : ' هي لك أو لأخيك أو للذي يجمعها حتى يأتيها باغها ' .
1699 - قال أحمد : وثنا يحيى بن سعيد عن أبي حيان قال : حدثني الضحاك خال المنذر بن جرير عن المنذر عن أبيه عن النبي قال : ' لا يأوي الضالة إلا ضال ' .
ز : ورواه النسائي ، وابن ماجة ، من حديث يحيى بن سعيد وسئل عنه الدارقطني
____________________
(3/104)
فقال : يرويه أبو حيان يحيى بن سعيد .
ورواه أيضاً يحيى بن سعيد القطان .
ورواه ابن المبارك عن أبي حيان عن الضحاك عن جرير وقال علي بن المديني : حديث جرير أن النبي قال : ' لا يأوي الضالة إلا ضال ' . حديث جيد .
مسألة [ 579 ] :
إذا عرّف اللقطة حولاً ملكها إن كانت أثماناً ، وإن كانت عروضاً ، أو حلياً ، أو ضالة لم يملكها ولم ينتفع بها سواء كان غنياً أو فقيراً .
وقد قال أبو حنيفة : لا يملك شيء من اللقطات بحال ، ولا ينتفع بها إذا كان غنياً ، فإن كان فقيراً جاز له الانتفاع بها .
وقال مالك ، والشافعي ، وداود : يملك جميع اللقطات سواء كان غنياً أو فقيراً ويتخرج لنا مثله . لنا حديثان :
الحديث الأول : حديث زيد بن خالد ، وقد سبق .
1700 - طريق آخر : قال سعيد بن منصور : ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال : سمعت ربيعة يحدث عن يزيد مولى المنبعث عن زيد بن خالد الجهني أن رجلاً وجد في زمان رسول الله مائة دينار . فقال رسول الله : ' اعرف وكاءها ، وعفاصها ، ولا يدخل
____________________
(3/105)
ركب إلا أنشدت بذكرها ، ثم أمسكها حولا ؛ فإن جاء صاحبها فأدها إليه ، وإلا فاصنع بها ما تصنع بمالك ' .
1701 - الحديث الثاني : قال أحمد : ثنا يعلى ثنا محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : سمعت رجلاً من مزينة يسأل رسول الله قال : يا رسول الله : اللقطة في السبيل العامرة ؟ قال : ' عرفها حولاً ، فإن وجد باغيها ، فأدها إليه ، وإلا فهي لك ' .
احتجوا بما :
1702 - قال أحمد : ثنا وكيع ثنا سفيان عن سلمة بن كهيل قال : حدثني سويد بن غفلة عن أبي بن كعب قال : التقطت مائة دينار على عهد رسول الله فسألته فقال : ' عرفها سنة ' فعرفتها فلم أجد من يعرفها ، فقال : ' اعرف عددها ، ووعاءها ، ووكاءها ، ثم عرفها سنة ، فإن جاء صاحبها ، وإلا فهي كسبيل مالك ' .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
وفي بعض ألفاظ الصحيح : أنه عرفها سنتين أو ثلاثاً ، وهذه الروايات لا تخلو إما أن يكون غلط من الراوي ، يدل على هذا أن شعبة قال : سمعت سلمة بن كهيل بعد عشر سنين يقول : ' عرفها عاماً واحداً ' .
والثاني : أن يكون عليه السلام علم أنه لم يقع تعريفها كما ينبغي فلم يحتسب له بالتعريف الأول .
والثالث : أن يكون قدر له على الورع ، وهو استعمال ما لا يلزم .
____________________
(3/106)
مسألة [ 580 ] :
لقط الحرم لا يحل إلا لمن يعرفها أبداً .
وعن أحمد : أنها كسائر [ اللقط ] ( 1 ) .
وعن أصحاب الشافعي : كالروايتين . وجه الأولى :
1703 - قال البخاري : ثنا علي بن عبد الله بن جرير بن عبد الحميد عن منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس قال : قال رسول الله يوم فتح مكة : ' إن هذا البلد حرّمه الله ، لا يعضد شوكه ، ولا ينفّر صيده ، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ' . أخرجاه ( 2 ) .
ومعلوم أن لقطة كل بلد تعّرف ، ولكن سنة ، فلو كان كغيره لم يكن لتخصيصه بهذا الذكر معنى .
ويدل على هذا :
1704 - قال أحمد : ثنا شريح ثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي أن رسول الله : نهى عن لقطة الحاج .
انفرد بإخراجه مسلم ( 3 ) .
____________________
(3/107)
مسألة [ 581 ] :
إذا جاء مدعي اللقطة فأخبر بعددها ، وعفاصها ، ووكائها ، دفعت إليه بغير بينة .
وقال أبو حنيفة ، والشافعي : لا تدفع إلا ببينة .
1705 - لنا : ما تقدم من قوله : ' اعرف عفاصها ، ووكائها ، وعددها ' .
ولو كان التسليم موقوفاً على البينة لم يكن في معرفة العفاص والوكاء فائدة ، وإن لم يجيء صاحبها فهو مال الله يؤتيه ما يشاء .
1706 - قال أحمد : وثنا بهز ثنا حماد بن سلمة عن سلمة بن كهيل عن سويد بن غفلة عن أبي كعب أنه التقط لقطة ، فقال له رسول الله : ' عرفها سنة ' فعرفها ، فقال : ' عرفها سنة أخرى ' ثم أتاه فقال : ' احص عددها ووكاءها ، فإن جاء صاحبها فعرف عدتها ، ووكاءها فأعطها إياه ' . أخرجاه في الصحيحين .
1707 - قال أحمد : وثنا هشيم ثنا خالد عن يزيد بن عبد الله بن الشخير عن أخيه مطرف بن عبد الله عن عياض بن حمار قال : قال رسول الله : ' من وجد لقطة فليشهد ذوي عدل ، وليحفظ عفاصها ، ووكاءها ، فإن جاء صاحبها فلا يكتم ، وهو أحق بها ، وإن لم يجيء صاحبها فهو مال الله ، يؤتيه من يشاء ' .
ز : ورواه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجة ( 1 ) من حديث خالد الحذاء ، (1) .
____________________
1- وهو حديث صحيح
(3/108)
مسألة [ 582 ] :
إذا وقعت دابته ، فألقاها بأرض مهلكة فجاء غيره ، فأطعمها ، وسقاها حتى سلمت ملكها خلافاً لأكثرهم .
1708 - قال الدارقطني : ثنا محمد بن يحيى بن مرداس ثنا أبو داود ثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد عن عبيد الله بن حميد بن عبد الرحمن بن عامر الشعبي حدثه أن رسول الله قال : ' من وجد دابة قد عجز عنها أهلها أن يعلفوها فسيبوها ، فأخذها رجل فأحياها فهي له ' .
1709 - قال سعيد بن منصور : ثنا هشيم أنبأ منصور عن عُبيد الله بن حميد الحميري ، قال سمعت الشعبي يقول : من قامت عليه دابته فتركها فهي لمن أحياها ، قال : عمن هذا يا أبا عمرو ؟ قال : إن شئت عددت لك كذا ، وكذا من أصحاب محمد .
ز : كذا رواه عبد الله بن حميد بن عبد الرحمن عن الشعبي وقد ذكره ابن حبان في كتاب الثقات . وسئل عنه ابن معين فقال : لا أعرفه .
وقد رواه أبو داود بنحوه ومنصور شيخ هشيم هو ابن زاذان .
مسألة [ 583 ] :
يصح إسلام الصبي ، وردته .
____________________
(3/109)
وقال الشافعي : لا يصح .
لنا : ما روى أحمد أن علياً أسلم وهو ابن ثمان سنين .
وروى ابن شاهين أنّ علياً ، والزبير ، أسلما أبناء ثمان سنين .
وفي لفظ رواه أبو محمد الخلال : أنه أسلم علي ، وله عشر سنين ، وقد تمدّح بذلك فقال :
( سبقتكم إلى الإسلام طراً صغيراً ** ما بلغت أوان حلمي ) .
قال : قيل : قد روى أحمد أنه أسلم ، وهو ابن خمس عشرة سنة .
قلنا : الذي نقلناه من زيادة علم ، فإنّ من روى خمس عشرة لم يبلغه إسلامه وهو ابن ثمان ، على أن استقراء الحال يبين بطلان هذه الدعوى ؛ فإنه إذا كان له يوم المبعث ثمان سنين ، فقد عاش بعد المبعث ثلاثاً وعشرين ، وبقي بعد رسول الله نحو الثلاثين ، فهذه مقاربة الستين ، وهو الصحيح في مقدار عمره .
1710 - قال الحميدي : ثنا سفيان حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه قال : قتل علي عليه السلام وهو ابن ثمان وخمسين . ومات لها حسن ، وقتل لها حسين ، ومات علي بن الحسين ، وهو ابن ثمان وخمسين . وسمعت جعفراً يقول : سمعت أبي يقول لعمته فاطمة بنت حسين هذه توفي لي ثمانياً وخمسين فمات لها . ومتى قلنا : إنه قد كان له يوم إسلامه خمس عشرة صار عمره ثمانياً وستين ، ولم يقل هذا أحد .
____________________
(3/110)
ز : قال شيخنا : الصحيح أنه لم يبلغ الخمسين ، يعني الحسن .
وقد روى غير واحد عن أبي جعفر محمد بن علي قال : مات الحسن بن علي وهو ابن سبع وأربعين سنة قال : والدليل على صحة إسلام الصبي ما رواه البخاري في صحيحه قال : كان غلام يهودي يخدم النبي فمرض فأتاه النبي يعوده فقعد عند رأسه فقال له : ' أسلم ' ، فنظر إلى أبيه ، وهو عنده ، فقال : أطع أبا القاسم ، فأسلم فخرج النبي وهو يقول : ' الحمد لله الذي أنقذه بي من النار ' .
وكذا النبي عرض على صياد الإسلام وهو غلام لم يبلغ ، وقال : ' من قال : لا إله إلا الله دخل الجنة ' .
والمنصوص عن الإمام أحمد صحة إسلام ابن سبع سنين .
قال إسحاق بن إبراهيم بن هاني : سألت أبا عبد الله عن غلام له أبوان يهوديان ، فأسلم وهو ابن سبع سنين ، قال : مروا صبيانكم بالصلاة لسبع ، واضربوهم لعشر ، فإذا بلغ سبعاً جاز إسلامه . ويجبر على الإسلام إذا كان أحد أبويه مسلماً .
وقال صالح بن أحمد : قال أبي : إذا بلغ اليهودي والنصراني سبع سنين ثم أسلم ، جُبر على الإسلام ، وقال أبو الحارث : قيل لأحمد : إن غلاماً صغيراً أقر بالإسلام ، شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وهو صغير لم يدرك ، ثم رجع عن الإسلام يجوز إسلامه وهو صغير ؟
قال : نعم ، إذا أتى له سبع سنين ثم أسلم جُبر على الإسلام ، لأن النبي قال : ' علموهم الصلاة لسبع سنين ' فإذا رجع عن الإسلام انتظر به حتى يبلغ ، فإن أقام على رجوعه عن الإسلام فحكمه حكم المرتدين إن أسلم ، وإلا قتل .
____________________
(3/111)
مسائل الوصايا
مسألة [ 584 ] :
الوصية لمن لا يرثه من أقاربه مستحبة .
وقال أبو بكر - من أصحابنا - : هي واجبة كقول داود .
1711 - قال الدارقطني : ثنا البغوي ثنا داود بن رشيد ثنا إسماعيل بن علية ثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي قال : ' ما حق امرئ أن يبيت ليلتين ، وله مال يريد أن يوصي فيه إلا ووصيته مكتوبة عنده ' .
فوجه الحجة أنه علقه بالإرادة ، فدل على أنه ليس بواجب .
ز : وهذا الحديث رواه مسلم ( 1 ) .
فالحجة تعلقت بالإرادة ، قال تعالى : ( ^ كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت ) إلى آخر الآية .
قال : يدل على وجوب الوصية للقريب مطلقاً خص من ذلك الوارث فبقي الوجوب في غيره .
____________________
(3/113)
مسألة [ 585 ] :
إذا وصى لجيرانه دخل فيه من كل جانب أربعون داراً .
وقال أبو حنيفة : لا يدخل فيه إلا الملاصق .
1712 - قال المصنف : أخبرنا ابن ناصر أنبأ أحمد بن الحسن البنا أنبأ محمد بن علي الدجاجي ، أنبأ عبد الله بن الدمشقي قال : حدثني أبي ثنا هقل بن زياد قال : ثنا الأوزاعي عن يونس عن ابن شهاب قال : قال رسول الله : ' أربعين داراً جار ' .
قال : فقلت : لابن شهاب : وكيف أربعين داراً ؟
قال : أربعين عن يمينه ، وعن يساره ، وخلفه ، وبين يديه .
ز : قال شيخنا : كذا فيه عن أزهر بن مروان ، وهو غلط ، إنما هو إبراهيم بن مروان ، وهو ابن محمد الطاطري ، وهو صدوق .
ولم يرو هذا الحديث غير أبي داود في المراسيل ( 1 ) عن إبراهيم .
وقد روى البيهقي من رواية أم هانىء بنت أبي صفرة عن عائشة مرفوعاً : ' أوصاني جبريل بالجار إلى أربعين داراً ؛ عشرة من ها هنا وعشرة من ها هنا ، وعشرة من ها هنا وعشرة من ها هنا ' .
قال : وفي إسناده ضعف .
____________________
(3/114)
مسألة [ 586 ] :
تصح الوصية للقاتل .
وقال أبو حنيفة : لا تصح .
وعن الشافعي : كالقولين .
لنا : إطلاق الوصية في قوله تعالى : ( ^ من بعد وصية ) .
للخصم ما :
1713 - قال الدارقطني : ثنا أحمد بن إبراهيم بن حبيب ثنا أحمد بن الفرج ثنا بقية ابن الوليد ثنا مبشر بن عبيد عن الحجاج بن أرطاة عن الحكم بن عتيبة ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى : عن علي قال : قال رسول الله : ' ليس لقاتل وصية ' .
قلنا : قال الدارقطني : مبشر متروك ؛ يضع الحديث ، والحجاج قد سبق الطعن فيه .
ز : وهذا الحديث رواه البيهقي ( 1 ) من رواية بقية عن مبشر عن الحجاج عن عاصم بن سعد عن زر عن علي رضي الله عنه ، تفرد به بشر بن عبيد الحمصي ، وهو منسوب إلى وضع الحديث .
وقال أحمد : مبشر أحاديثه موضوعة ، وهي كذب .
____________________
(3/115)
مسألة [ 587 ] :
إذا أوصى لرجل بسهم من ماله ، كان له السدس ، إلا أن يقول الفريضة ، فيعطي سدساً عائلاً . وعنه : أنه يعطي أقل سهام الورثة ، وإن نقص ذلك عن السدس ، فإن زاد على السدس أعطي السدس .
وعن أبي حنيفة : كالرواية الثانية .
وعنه : يعطي أقل نصيب الورثة ما لم ينقص عن السدس .
وقال الشافعي : يُعطي ما شاء الورثة .
1714 - قال سعيد بن منصور : ثنا عبد الله بن المبارك عن يعقوب بن القعقاع : عن الحسن في رجل أوصى بسهم من ماله ، قال : له السدس على كل حال .
مسألة [ 588 ] :
تصح الوصية بما زاد على الثلث ، وتقف على تنفيذ الورثة .
خلافاً لأحد قولي الشافعي : أنها لا تصح [ في رواية له ] ( 1 ) .
____________________
(3/116)
1715 - قال الدارقطني : ثنا أحمد بن محمد بن أبي عثمان ثنا طاهر بن يحيى بن قبيصة ثنا سهل بن عمار ثنا الحسين بن الوليد ثنا حماد بن سلمة ، عن حبيب بن الشهيد ، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي قال في خطبته يوم النحر : ' لا وصية لوارث إلا أن يجيز الورثة ' .
ز : لم يخرجه أحد من أصحاب السنن ، وفي رجاله سهل بن عثمان ، كذبه الحاكم .
1716 - قال الدارقطني : وثنا عبيد الله بن عبد الصمد بن المهتدي بالله ، قال : ثنا أبو عُلاثة محمد بن عمرو بن خالد ثنا أبي ثنا يونس بن راشد عن عطاء الخراساني عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله : ' لا تجوز وصية لوارث إلا أن يشاء الورثة ' .
فوجه الحجة أنه جعل ما يجيز الورثة وصية .
ز : وقد رواه أبو داود أيضاً بسنده عن عطاء الخراساني عن ابن عباس ، وعطاء لم يدرك ابن عباس ، ولم يره .
[ احتجوا بما ] ( 2 ) .
1717 - قال أحمد : ثنا أبو المغيرة ثنا إسماعيل بن عياش ثنا شرحبيل بن مسلم الخولاني قال سمعت أبا أمامة الباهلي يقول : سمعت رسول الله يقول في خطبته عام حجة الوداع : ' إن الله عز وجل قد أعطى كل ذي حق حقه ، فلا وصية لوارث ' .
وقد رواه سعيد بن أبي سعيد الساحلي عن أنس عن رسول الله .
____________________
(3/117)
ورواه شهر بن حوشب عن ابن أبي ليلى عن عمرو بن خارجة عن رسول الله .
قلنا : إسماعيل ، وشهر ضعيفان ، والساحلي مجهول .
ثم في خبرنا زيادة ، والأخذ بالزيادة أولى .
ثم نحمله على أنه لا وصية نافذة .
ز : ورواه أيضاً أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجة والنسائي أيضاً ( 1 ) .
وقال الترمذي : (1) .
والأحاديث في الوصية تكثر .
____________________
1- حديث حسن صحيح
(3/118)
مسائل الفرائض
مسألة [ 589 ] :
ذوو الأرحام يرثون .
وقال مالك ، والشافعي : لا يرثون .
1718 - قال أحمد : ثنا وكيع [ ثنا سفيان ] ( 1 ) عن عبد الرحمن بن الحارث بن عباس بن أبي ربيعة عن حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف : عن أبي أمامة بن سهل أن رجلاً رمى رجلاً بسهم فقتله ، وليس له وارث إلا خال ، فكتب في ذلك أبو عبيدة إلى عمر ، فكتب : أن النبي قال : ' الخال وارث من لا وارث له ' .
ز : رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة ، وأبو حاتم البستي ( 2 ) .
وقال الترمذي : (1) .
1719 - قال أحمد : وثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن بديل عن علي بن أبي طلحة عن راشد بن سعد عن أبي عامر الهوزني عن المقدام أبي كريمة عن رسول الله أنه قال : ' الخال وارث من لا وارث له ، يرثه ، ويحمل عنه ' .
ز : ورواه أبو داود أيضاً والنسائي ، وابن ماجة ( 3 ) بلفظ : ' الخال وارث من لا وارث
____________________
1- حديث حسن
(3/119)
له ' .
احتجوا بما :
1720 - قال الدارقطني : ثنا إسماعيل بن علي الخطبي ثنا موسى بن إسحاق الأنصاري ثنا الربيع بن ثعلب ثنا مسعدة بن اليسع الباهلي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : سئل رسول الله عن ميراث العمة ، والخالة ، فقال : ' لا أدري حتى يأتيني جبريل ' ثم قال : ' أين السائل عن ميراث العمة والخالة ؟ ' قال : فأتى الرجل فقال : ' سارني جبريل أنه لا شيء لهما ' . قال الدارقطني : لم يسنده غير مسعدة عن محمد بن عمرو ، وهو ضعيف ، وضاع الحديث ، والصواب مرسل .
قلت : قال أحمد بن حنبل : مسعدة ليس بشيء ، حرقنا حديثه .
1721 - قال الدارقطني : أنبأ أحمد بن محمد بن زياد ثنا عبيد بن شريك ثنا أبو الجماهر ثنا الدراوردي عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن النبي ركب إلى قباء يستخير في ميراث العمة ، والخالة ، فأنزل الله عز وجل أن لا ميراث لهما . هذا مرسل .
ز : الحديث الأول لم يخرجوه . والثاني رواه ضرار بن [ صرد ] ( 1 ) وهو ضعيف عن الدراوردي موصولاً بذكر أبي سعيد الخدري .
مسألة [ 590 ] :
قاتل الخطأ لا يرث .
____________________
(3/120)
وقال مالك : يرث من المال [ دون الدية ] ( 1 ) .
لنا ثلاثة أحاديث :
1722 - الحديث الأول : قال الترمذي : ثنا قتيبة ثنا الليث عن إسحاق بن عبد الله عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي قال : ' القاتل لا يرث ' .
إسحاق هو الفروي ، متروك .
ز : رواه ابن ماجة ( 2 ) عن محمد بن رمح عن الليث .
وقال الترمذي : هذا حديث لا يصح ، ولا يعرف إلا من هذا الوجه ، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة تركه بعض أهل العلم .
ورواه أبو داود في المراسيل ( 3 ) .
وقال البخاري : إسحاق تركوه .
ونهى أحمد بن حنبل عن حديثه .
1723 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : ثنا يعقوب بن إبراهيم البزاز ثنا الحسن ابن عمرو ثنا إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه : عن جده قال : قال رسول الله : ' ليس للقاتل من الميراث شيء ' .
ز : ورواه النسائي مرفوعاً : ' ليس للقاتل شيء ' ( 4 ) قال النسائي : وهو الصواب .
وقد جود ابن عبد البر هذا ، وقال : إن الصواب ما قاله النسائي .
____________________
(3/121)
1724 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : وثنا أبو طالب الحافظ ثنا عبد الله بن زيد الأعمى ، قال : ثنا محمد بن سليمان بن أبي داود ثنا عبد الله بن جعفر عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب : عن عمر قال : سمعت رسول الله يقول : ' ليس لقاتل ميراث ' .
إسماعيل بن عياش قد تقدم الجرح فيه .
ومحمد بن سليمان قال فيه أبو حاتم الرازي : منكر الحديث .
ز : هذا الإسناد لا يثبت وهو غير مخرج في شيء من السنن ، والصواب ما تقدم من رواية مالك عن يحيى بن سعيد .
احتجوا بثلاثة أحاديث :
1725 - الحديث الأول : قال الدارقطني : ثنا محمد بن جعفر الُمطيري ثنا إسماعيل بن عبد الله بن ميمون ثنا عبيد الله بن موسى ثنا حسن بن صالح عن محمد بن سعيد عن عمرو ابن شعيب فقال : أخبرني أبي عن جدي عبد الله بن عمرو أن رسول الله قام يوم فتح مكة فقال : ' لا يتوارث أهل ملتين ، والمرأة ترث من دية زوجها ، وماله ، وهو يرث من ديتها ، ومالها ما لم يقتل أحدهما صاحبه عمداً ، فإن قتل أحدهما صاحبه عمداً لم يرث من ديته ، وماله شيئاً ، وإن قتل صاحبه خطأ ورث من ماله ، ولم يرث من ديته ' .
قال الدارقطني : محمد بن سعيد هو الطائفي : ثقة .
قلت : الحسن بن صالح مجروح ؛ قال ابن حبان : ينفرد عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات .
ز : وقال الحاكم : الحسن بن صالح عشرة ليس فيهم مطعون غير الحسن بن صالح العجلي .
____________________
(3/122)
وروى هذا الحديث ابن ماجة . وقد فّرق شيخنا في التهذيب بين عمرو بن شعيب ، وبين عمرو بن سعيد ، لأن في بعض النسخ هذا الحديث عن عمرو بن سعيد ، وكذلك هو في الأطراف لأبي القاسم ، وهو خطأ . هكذا قال شيخنا في التهذيب . وعند الدارقطني أنه الطائفي . وقد قال بعض الحفاظ في هذا الحديث : إنه منكر . وقال أبو محمد الظاهري في كتاب الفرائض له : هذا الخبر عندنا ضعيف .
1726 - الحديث الثاني : قال أبو داود السجستاني : ثنا عيسى بن يونس ثنا حجاج عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال : قال رسول الله : ' لا يرث قاتل عمد ، ولا خطأ من الدية ' .
ز : وهو من رواية أبي داود في المراسيل ، وتمام الحديث قال الزهري : يرث من غيرها .
1727 - الحديث الثالث : رواه عبد الله بن الحكم عن مسلمة بن علي : عن هشام بن عروة عن النبي قال في الرجل يقتل وليه خطأ : ' إنه يرث من ماله ، ولا يرث من ديته ' .
وهذا مرسل . ثم هو يخالف الأصول وهو الميراث في بعض التركة . ورواية مسلمة ابن علي . قال يحيى : ليس بشيء . وقال الرازي : لا يُشتغل به . وقال النسائي والدارقطني : متروك .
مسألة [ 591 ] :
لا يرث اليهودي النصراني ، وكذلك أهل كل ملتين .
____________________
(3/123)
[ وعنه ] ( 1 ) : يتوارثون ، وهو قول أبي حنيفة ، والشافعي .
لنا خمسة أحاديث :
1728 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا سفيان عن يعقوب بن عطاء عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله قال : ' لا يتوارث أهل ملتين شيء ' .
يعقوب ضعيف .
ز : هذا الحديث من رواية يعقوب ، ولم ينفرد به ، فقد رواه أبو داود عن موسى ابن إسماعيل عن حماد عن حبيب المعلم عن عمرو .
وقال أبو عمر بن عبد البر في الفرائض : هذا إسناد لا مطعن فيه عند أحد من أهل العلم بالحديث .
لكن تناقض ابن عبد البر في تضعيفه إياه في كتاب التمهيد . وقد رواه النسائي من رواية عامر الأحول ، وقال النسائي بالقولين .
ورواه ابن ماجة عن محمد بن لهيعة عن خالد بن يزيد عن المثنى بن الصباح عن عمرو ، والله أعلم .
1729 - الحديث الثاني : قال الترمذي : ثنا حميد بن مسعدة ثنا حصين بن نمير عن ابن أبي ليلى عن أبي الزبير : عن جابر عن النبي قال : ' لا يتوارث أهل ملتين ' .
لا يعرف إلا من حديث ابن أبي ليلى ، وفيه ضعف .
ز : هذا الحديث انفرد به الترمذي .
1730 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : ثنا أحمد بن محمد بن محمد ثنا علي بن
____________________
(3/124)
حارث ثنا الحسن بن محمد ثنا عمرو بن راشد عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله قال : ' لا يرث أهل ملة أهل ملة ' .
ز : هذا الحديث غير مخرج في السنن ، وفي إسناده عمر بن راشد اليمامي ، ضعفه الأئمة .
والترمذي يحسن حديثه .
1731 - الحديث الرابع : قال الدارقطني : وثنا أبو بكر النيسابوري ثنا محمد بن نصر ثنا ابن وهب أخبرني يونس قال : أخبرني ابن شهاب عن علي بن الحسين عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد أن النبي قال : ' لا يرث الكافر المسلم ، ولا يرث المسلم الكافر ' .
1732 - الحديث الخامس : قال الدارقطني : وثنا النيسابوري ثنا يونس بن عبد الأعلى قال : ثنا عبد الله بن وهب أخبرني محمد بن عمرو عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله قال : ' لا يرث المسلم النصراني ، إلا أن يكون عبده أو أمته ' .
قال الدارقطني : روي موقوفاً ، وهو المحفوظ .
ز : ورواه النسائي من رواية وهب ، وقد وثقه ابن حبان .
مسألة [ 592 ] :
إذا كان للميت أقارب كفار فأسلموا قبل قسمة التركة استحقوا الميراث .
[ وعنه ] ( 1 ) : لا يستحقون شيئاً ، وبه قال أكثرهم . لنا : أربعة أحاديث :
____________________
(3/125)
1733 - الحديث الأول : قال أبو داود : ثنا حجاج بن أبي يعقوب ثنا موسى بن داود ثنا محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار ، عن أبي الشعثاء عن ابن عباس قال : قال رسول الله : ' كل قسم في الجاهلية فهو على ما قسم ، وكل قسم أدركه الإسلام فإنه على قسم الإسلام ' .
ز : رواه ابن ماجة ( 1 ) . ورواه أبو يعلى الموصلي . وإسناده جيد .
1734 - الحديث الثاني : قال ابن ماجة : ثنا محمد بن رمح ثنا عبد الله بن لهيعة ، عن عقيل أنه سمع نافعاً يخبر عن عبد الله بن عمر أن رسول الله قال : ' ما كان من ميراث قسم في الجاهلية فهو على قسمة الجاهلية ، وما كان من ميراث أدركه الإسلام فهو على قسمة الإسلام ' .
1735 - الحديث الثالث : قال أحمد : ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن عمرو بن أبي حكيم عن عبد الله بن بُريدة عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود الديلي قال : كان معاذ باليمن فارتفعوا إليه في يهودي مات ، فترك أخاه مسلماً ، فقال معاذ : إني سمعت رسول الله يقول : ' إن الإسلام ، يزيد ، ولا ينقص ، فورثه ' .
ز : ورواه أبو داود ( 2 ) من رواية شعبة عن عمرو ، وهو ثقة .
1736 - الحديث الرابع : قال سعيد بن منصور : ثنا عبد الله بن المبارك عن حيوة بن شريح عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل : عن عروة بن الزبير قال : قال رسول الله : ' من أسلم على شيء فهو له ' .
____________________
(3/126)
ز : الحديث مرسل ، لكنه صحيح الإسناد .
قال شيخنا : فهذه الآحاد استدلالها على هذه المسألة فيه نظر ، والله أعلم .
مسألة [ 593 ] :
الجد يقاسم الإخوة للأب ، ولا يحجبهم .
وقال أبو حنيفة : [ يسقطهم ] ( 1 ) .
لنا : أن التوريث بالأخوة منصوص عليه في القرآن ، ولا يثبت حجتهم إلا بنص أو إجماع .
احتجوا بما :
1737 - قال أحمد : ثنا عفان ثنا وهيب بن خالد عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس أن النبي قال : ' ألحقوا الفرائض بأهلها ، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر ' .
أخرجاه في الصحيحين ( 2 ) .
قالوا : والجد أولى عصبة ؛ لأن التعصيب منه نشأ .
قلنا : لا نسلم أنه أولى عصبة ، ولا اعتبار لقولهم التعصيب منه نشأ ؛ فإن تعصيب
____________________
(3/127)
البنوة مقدم على تعصيب الأبوة ، وإن كان ذاك أسبق ، والجد أسبق من الأب ، والأب يسقطه .
ز : قال شيخنا : والصحيح أن الجد يسقط الأخوة ، والأخوات من جميع الجهات ، كما يسقطهم الأب .
وهذا قول أكثر أصحاب رسول الله .
قال أبو محمد بن حزم : هو الثابت عن ابي بكر وعمر وعثمان .
وقال البخاري : وقال أبو بكر ، وابن عباس ، وابن الزبير : الجد أب أب .
وقرأ ابن عباس : ( ^ واتبعت ملة ءابائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ) .
ولم يذكر أن أحداً خالف أبا بكر في زمانه .
وأصحاب النبي موافدون ، ويذكر عن عمر وعلي وابن مسعود ، وزيد أقاويل مختلفة .
والدليل على أن الجد أولى من الأخ أن الجد له قرابة إيلاد ، والتعصيب كالأب وهم ينفردون بواحد منهما . وتعصيبة ، فأشبه الأب إذا ازدحمت الفروض ، سقط الأخ دونه ، ولا يسقطه أحد إلا الأب ، والأخ والأخوات يسقطون بثلاثة ، وبجميع له بين الفرض .
ويسقط ولد الأم ، وولد الأب يسقطون بهم بالإجماع إذا استعرت الفروض المال وكانوا عصبة .
وكذلك ولد الأبوين في الشركة عند الأكثرين ، ولأنه لا يقتل بقتل ابن ابنه ، ولا يحد بقذفه ، ولا يقطع بسرقة ماله ، ويجب عليه نفقته ، ويمنع من دفع زكاته إليه كالأب سواء . فدل على قربه . وليس ابن الأب ، وإن نزل يقوم مقام ابنه وكذلك قال ابن عباس ألا يتقي الله زيد يجعل ابن الابن ابنا ، ولا يجعل أبا الأب أبا وليس أبا الأب وإن علا يسقط بني الأخوة . ولو كانوا قرابة الأخ ، والجد واحدة لوجبت أن تكون مساوياً لبني الأخ التساوي رحمة من أوليائه ، والله أعلم .
____________________
(3/128)
مسألة [ 594 ] :
الأخوات مع البنات عصبة .
خلافاً لابن عباس .
1738 - قال أحمد : ثنا وكيع ثنا سفيان عن أبي قيس عن الهذيل بن شرحبيل قال : جاء رجل إلى أبي موسى ، وسلمان بن ربيعة ، فسألهما عن ابنة ، وابنه ابن ، وأخت لأب ، وأم ، فقالا : للابنة النصف وللأخت النصف ، وائت ابن مسعود فإنه سيتابعنا ، فأتى ابن مسعود فقال : لقد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين ، سأقضي فيها بما قضى به رسول الله : ' للابنة النصف ، ولابن الابن السدس ، تكملة الثلثين ، وما بقي فللأخت ' .
انفرد بإخراجه البخاري ( 1 ) .
مسألة [ 595 ] :
يرث من الجدات [ ثلاث ] ( 2 ) أم أمه ، وأم ابنه ، وأم جده .
____________________
(3/129)
وقال أبو حنيفة ، والشافعي : يرث الجدات ، وإن كثرن .
وقال مالك ، وداود : لا يرث إلا جدتان ؛ أم أمه ، وأم أبيه ، وأمهاتهما ، وإن علون .
1739 - قال الدارقطني : ثنا محمد بن إسماعيل الفارسي ثنا موسى بن عيسى بن المنذر ثنا أحمد بن خالد الوهبي ثنا خارجة بن مصعب عن منصور عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد قال : أعطى رسول الله ثلاث جدات السدس ثنتين من قبل الأب ، وواحدة من قبل الأم .
ز : وهذا الحديث مرسل .
وفي إسناده خارجة بن مصعب ، ضعفه ابن معين ، وغيره ، وقال النسائي : متروك الحديث ، وهو من مراسيل إبراهيم .
قال أحمد : ثنا معاوية عن الأعمش عن إبراهيم قال : كانوا يورثون من الجات ثلاثاً : جدتين من قبل الأب ، وواحدة من قبل الأم .
وروى أحمد أيضاً عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الله قال : يرث ثلاث جدات ، جدتان من قبل الأب ، وواحدة من قبل الأم .
وعن الحسن عن زيد بن ثابت : كان يورث ثلاث جدات : ثنتين من قبل أبيه ، وواحدة من قبل أمه . وقال محمد بن نصر : جاءت الأخبار عن أصحاب النبي وصدراً من التابعين أنهم ورثوا ثلاث جدات .
قال شيخنا : ولا يعلم عن أحد من أصحاب رسول الله خلاف ذلك إلا ما روي عن سعد بن أبي وقاص ، ولا يثبت أهل العلم بالحديث إسناده .
____________________
(3/130)
مسألة [ 596 ] :
ترث أم الأب مع الأب .
وعنه : لا ترث [ كقولهم ] ( 1 ) .
لنا : أن النبي ورث جدة ، وابنها حي .
1740 - قال الترمذي : ثنا الحسن بن عرفة ثنا يزيد بن هارون عن محمد بن سالم عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله قال : في الجدة مع ابنها إنها أول جدة أطعمها رسول الله سدسها مع ابنها وابنها حي .
ز : محمد بن سالم ضعفوه .
قال الترمذي في هذا الحديث : لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه .
وقال البيهقي ( 2 ) : محمد بن سالم انفرد به .
وفيه أيضاً عن يونس وأشعث ، وهو منقطع .
ومحمد بن سالم غير محتج به ، وإنما الرواية الصحيحة فيه عن عمر وعبد الله ، وعمران بن حصين .
وقال الإمام أحمد : ثنا وكيع حدثنا سفيان عن أشعث عن ابن سيرين أن النبي : أطعم جده مع ابنها السدس ، فكانت أول جدة ورثت في الإسلام .
____________________
(3/131)
وعن ابن سيرين أن أول جدة أطعمت في الإسلام أم أب ، وابنها حي .
وكان عبد الله يورث الجدة مع ابنها . وعن سفيان عن أبي ليلى عن الشعبي عن ابن مسعود أن أول جدة ورثت في الإسلام : جدة مع ابنها وأن علياً وزيداً كانا لا يورثونها .
حدثنا سفيان عن ميسرة : سمع سعيد بن المسيب يقول : ورث عمر جدة رجل من ثقيف مع ابنها وهو حي .
وقال مرة : إن عمر قال : ترث مع ابنها .
مسألة [ 597 ] :
عصبة ولد الملاعنة أمه ، فإن عدمت فعصباتها من بعدها .
[ وعنه ] ( 1 ) : عصبته عصبة أمه .
وقال أبو حنيفة : ترثه أمه بالفرض ، والرد .
وقال مالك والشافعي : ترث أمه الثلث ، والباقي لبيت المال ، ولا تكون هي ، ولا عصباتها عصبة له .
1741 - قال أحمد : ثنا يزيد بن عبد ربه ثنا محمد بن حرب الخولاني حدثني عمر بن رؤبة قال : سمعت عبد الواحد النصري يقول : سمعت واثلة بن الأسقع يذكر أن رسول الله قال : ' المرأة تحوز ثلاثة مواريث ، عتيقها ، ولقيطها ، والولد الذي لاعنت عليه ' .
____________________
(3/132)
قال أبو حاتم الرازي : عبد الواحد النصري : لا يحتج به .
ز : رواه أصحاب السنن الأربعة ( 1 ) من رواية محمد بن حرب وقال الترمذي : (1) ، لا نعرفه إلا من حديث محمد بن حرب .
وعبد الواحد النصري روى له البخاري في صحيحه . ووثقّه العجلي ، والدارقطني . وعمر بن رؤبة الثعلبي الحمصي محله الصدق . قال دحيم : لا أعلمه إلا ثقة . وقال البخاري : فيه نظر . وقال أبو حاتم : صالح الحديث .
وذكره ابن حبان في الثقات ، لكن الشافعي تكلم في هذا الحديث ، وله شواهد تقويه .
والقياس يشهد له ، فإن الولاء يفرع على النسب ويلحق به ، والولاء على الأصل للأب في الأصل لموالي الأب ، فإذا تعذر عوده إليهم صار كموالي الأم ، وصاروا عصبة العتيق .
فهكذا السبب في الأصل للأب .
فإذا انقطع النسب من جهته بلعان ، أو زنى عاد إلى جهة الأم ، وصار عصبة الأم عصبة الولد كما كان مواليها مواليه عند انقطاع الولاء من جهة الأب .
وعلى هذا فإذا اعترف الملاعن بالولد عاد التعصيب إليه ، وانقطع من جهة الأم .
قالوا : وهذا قياس جلي ، وإذا تبين أن عصبته عصبة أمه فبطريق الأولى تكون هي عصبته ؛ لأنهم مفرعون عليها ، وهي الأصل ، فبعصبيتهم إنما نشأ من جهتها ، فكيف يكونون عصبة ، وهي لا تكون عصبة ؟ فهكذا السبب هو في الأصل للأب ، وهي أقرب منهم ، وأصل لهم ، وبها يدلون إلى هذا الولد . وهذا ظاهر بحمد الله .
وأيضاً فهي قد قامت مقام أبيه ، وأمه في انتسابه إليها ، فصارت هي أصل نفسه ، وجهة الأبوة معروفة في حقه ، فلم ينشأ بنسبته إلا من جهتها فوجب أن تحوز ميراثه هي وعصبتها من بعدها ، والله أعلم .
1742 - قال أبو داود : ثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد ثنا داود بن أبي هند عن عبد
____________________
1- حديث حسن غريب
(3/133)
الله بن عبيد : عن رجل من أهل الشام أن رسول الله قال : ' ولد الملاعنة عصبته عصبة أمه ' .
ز : لكن (1) . قاله البيهقي ( 1 ) .
وروى أبو داود من طريق مكحول قال : جعل رسول الله ميراث ابن الملاعنة لأمه ، ولورثتها من بعدها . وعن العلاء بن الحارث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي مثله .
مسألة [ 598 ] :
لا يرث المولود . ولا يورث حتى يستهل صارخاً .
وقال أبو حنيفة ، والشافعي : إذا تنفس ، وتحرك يورث .
لنا ما :
1743 - قال ابن ماجة : ثنا هشام بن عمار ثنا الربيع بن بدر ثنا أبو الزبير عن جابر قال : قال رسول الله : ' إذا استهل الصبي صلي عليه ، وورث ' .
ز : هكذا رواه ابن ماجة عن هشام بن عمار عن الربيع بن بدر قال : حدثني الزبير عن جابر . قال النسائي : الربيع بن بدر متروك الحديث . وقد روى الترمذي من حديث إسماعيل ابن مسلم عن أبي الزبير عن جابر مرفوعاً قال : ' الطفل لا يصلى عليه ، ولا يورث ، ولا يرث حتى يستهل ' .
هذا الحديث قد اضطرب الناس فيه ، فرواه بعضهم مرفوعاً ، ورواه أشعث بن سوار وغير واحد عن أبي الزبير عن جابر موقوفاً ، وهذا أصح من الحديث المرفوع .
____________________
1- هذا الحديث منقطع
(3/134)
وقد رواه النسائي من رواية جريج عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول في المنفوس : يرث إذا سمع صوته . موقوفاً ، وقال : هذا أولى بالصواب من حديث المغيرة بن مسلم .
وعند المغيرة بن مسلم عن أبي الزبير غير حديث منكر .
وابن جريج أثبت من المغيرة .
وقد رواه الطبراني من حديث إسحاق الأزرق عن سفيان عن أبي الزبير عن جابر مرفوعاً .
وكذلك رواه البيهقي ( 1 ) من رواية بقية عن الأوزاعي عن أبي الزبير .
ورواه أيضاً المغيرة بن صالح عن أبي الزبير مرفوعاً .
وقد رواه إسحاق عن عطاء عن جابر موقوفاً .
1744 - قال أبو داود : ثنا حسين بن معاذ ثنا عبد الأعلى ثنا محمد بن إسحاق عن يزيد ابن عبد الله بن قسيط عن أبي هريرة عن النبي قال : ' إذا استهل المولود ورث ' .
ز : وهذا إسناد جيد ، وحسن ، وهو من طريق عبد الأعلى ، وقد ذكره ابن حبان في الثقات .
____________________
(3/135)
مسائل العتق
مسالة [ 599 ] :
المعتق بعضه يرث ، ويورث على مقدار ما فيه من الحرية .
وقال مالك : لا يرث ، ولا يورث .
وقال الشافعي : لا يرث ، وهل يورث ؟ على قولين ، ولا يتصور مع ابي حنيفة ؛ فإنه عنده يستسعى وهو حر .
1745 - قال أبو عبد الرحمن النسائي : أنبأ محمد بن عيسى النقاش ثنا يزيد بن هارون أنبأ حماد عن قتادة عن خلاس عن عليّ وعن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي قال : ' المكاتب يعتق بقدر ما أدرى ، ويقام عليه الحد بقدر ما أعتق منه ، ويرث بقدر ما عتق منه ' .
ز : هذا الحديث روي موقوفاً ومرسلاً ، وفي إسناده تعليلات .
ورواه أبو داود والترمذي ( 1 ) من حديث ابن عباس وحسنه الترمذي .
مسألة [ 600 ] :
إذا أعتق عن الغير بغير إذنه فالولاء للمعتق ، وقال مالك : للمعتق عنه .
لنا حديث عائشة : إنما الولاء لمن أعتق ، وقد سبق بإسناده ، وهو في الصحيحين .
____________________
(3/137)
مسألة [ 600 - م ] :
إذا أعتق المسلم عبداً ذمياً ورثه بالولاء ، وقال أكثرهم : لا يرثه إلا أن يموت العبد مسلماً .
لنا قوله : ' الولاء لمن أعتق ' .
ولنا حديث جابر : أن النبي قال : ' لا يرث المسلم النصراني إلا أن يكون عبده أو أمته ' . وقد سبق بإسناده .
مسألة [ 601 ] :
بنت المولى ترث بالولاء .
وعنه لا ترث كقول أكثرهم .
1746 - قال الدارقطني : ثنا أحمد بن محمد بن زياد ثنا محمد بن غالب بن سليمان بن داود المنقري ثنا يزيد بن زريع ثنا سعيد عن قتادة عن جابر بن زيد عن ابن عباس أن مولى لحمزة توفي ، وترك ابنته ، وابنة حمزة . فأعطى النبي ابنته النصف ، ولابنة حمزة النصف .
____________________
(3/138)
ز : لكن في إسناد هذا الحديث سليمان بن داود هو الشاذكوني ، وقد ضعفوه ، وكذبه ابن معين وغيره . وقال أبو حاتم : متروك الحديث . قال البخاري : هو عندي أضعف من كل ضعيف . وقد روي أن ابنة حمزة هي المعتقة ، رواه النسائي عن عبد الله بن شداد عن ابنة حمزة قالت : مات مولى لي ، وترك ابنته فقسم النبي ماله بيني وبين ابنته ، فجعل لي النصف ، ولها النصف . وعن حماد بن سلمة عن عبد الله بن عون عن الحكم بن عيينة عن عبد الله بن شداد أن ابنة حمزة بن عبد المطلب أعتقت مملوكاً لها فمات ، وترك ابنته ومولاته ، فورثته ابنته النصف ، وورثت ابنه حمزة النصف .
قال أبو عبد الرحمن : وهذا أولى بالصواب من الذي قبله .
لكن قال البيهقي : (1) .
وقد قيل عن الشعبي عن عبد الله بن شداد عن أبيه وليس بمحفوظ .
وقد روى ابن ماجة هذا الحديث عن أبي بكر بن أبي شيبة عن حسين الجعفي .
ورواه أبو داود في المراسيل .
وقد روي من طرق عديدة أن ابنة حمزة هي المعتقة .
____________________
1- هذا حديث منقطع
(3/139)
كتاب النكاح
مسألة [ 602 ] :
الاشتغال بالنكاح في حق غير التائق أفضل من التشاغل بنفل العبادة .
وقال الشافعي : نفل العبادة له أفضل .
لنا أحاديث :
1747 - الأول : قال الإمام أحمد : ثنا يعلى بن عبيد ثنا الأعمش عن عمارة عن عبد الرحمن بن يزيد قال : قال عبد الله : ' كنا مع رسول الله شباباً ، ليس لنا شيء . فقال : ' يا معشر الشباب : من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم ؛ فإن الصوم له وجاء ' .
1748 - والثاني : في الصحيحين : من حديث أنس عن النبي أنه قال : ' لكني أصوم ، وأفطر ، ولأفطر ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني ' .
1749 - والثالث : رواه أحمد : من حديث أنس قال : كان رسول الله يأمر بالباءة ، وينهى عن التبتل نهياً شديداً ، ويقول : ' تزوجوا الولود ؛ إني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة ' .
1750 - والرابع : رواه أحمد : من حديث أبي ذر أن النبي قال لعكاف بن بشر :
____________________
(3/141)
' هل لك من زوجة ؟ ' قال : لا . قال : ' ولا جارية ؟ ' قال : ولا جارية ، قال : ' وأنت موسر بخير ؟ ' قال : وأنا موسر ، قال : ' أنت إذاً من إخوان الشياطين إن سنتنا النكاح ، شراركم عزابكم ، وأرذل موتاكم عزابكم أبالشياطين يمرسون ' .
ز : وقد رواه أحمد بأطول من هذا ، وهو ضعيف وهو من رواية محمد بن مكحول عن أبي ذر ، وقد قيل : إنه موضوع ، وقد اختلف في إسناده .
قال أبو يعلى الموصلي : ثنا أبو طالب عن الجبار بن عاصم بن الوليد عن معاوية بن يحيى عن سليمان بن موسى عن مكحول عن خصيف بن الحارث عن عطية بن بشير المازني قال : جاء عكاف بن وداعة الهلالي إلى رسول الله فقال له : ' يا عكاف ألك زوجة ؟ ' وساق الحديث بطوله ( 1 ) .
1751 - احتجوا بثلاثة أحاديث : أحدها في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال : ' إن الله عز وجل يقول : الصوم لي ' .
1752 - والثاني : في أفراد البخاري : من حديث أبي هريرة عن رسول الله فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال : ' ما يزال عبدي يتقرب إلىّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ' .
قالوا : ومثل ذلك لا يلقى في النكاح .
1753 - والثالث : ما رواه أحمد قال : ثنا أبو معاوية قال : ثنا الأعمش عن سالم عن ثوبان قال : قال رسول الله : ' إن خير أعمالكم الصلاة ' .
ز : وقد رواه ابن ماجة أيضاً من رواية منصور عن سالم بن أبي الجعد ولم يسمع من ثوبان ، بينهما معدان . قال أحمد بن حنبل : وقد رواه أبو كبشة السلولي ، وسلمى بن سمير ، وعبد الرحمن بن حسين عن ثوبان ، (1) .
____________________
1- وهو حديث صحيح
(3/142)
مسألة [ 603 ] :
لايجوز للمرأة أن تلي عقد النكاح .
وقال أبو حنيفة : يجوز . وقال محمد بن الحسن : إن أذن لها وليها صح .
وقال مالك : لا تلي ، وهل لها أن تأذن لرجل بزواجها على ثلاثة روايات عنه ، إحداهن : يجوز ، والثانية : لا يجوز ، والثالثة : إن كانت شريفة لم يجز ، وإن كانت دنية جاز .
وقال داود : إن كانت ثيباً جاز .
لنا ثمانية أحاديث :
1754 - الحديث الأول : قال الترمذي ثنا ابن أبي عمر ثنا سفيان بن عيينة عن ابن جريج عن سليمان عن الزهري عن عروة : عن عائشة أن رسول الله قال : ' أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها ؛ فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ' .
فإن قيل : قد قال ابن جريج : لقيت الزهري فأخبرته بهذا الحديث فأنكره .
قلنا : (1) ، ورجاله رجال الصحيح ، وقد أخرجه أبو عبد الله الحاكم في المستدرك على الصحيحين ( 1 ) .
____________________
1- هذا الحديث صحيح
(3/143)
وما ذكرتموه عن ابن جريج فإنه ليس في هذه الرواية التي ذكرناها .
قال الترمذي : لم يذكره عن ابن جريج إلا ابن علية ، وسماعه من ابن جريج ليس بذاك .
1755 - قال أحمد : ثنا إسماعيل ثنا ابن جريج أخبرني سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة : عن عائشة قالت : قال رسول الله : ' إذا نكحت المرأة بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فإن أصابها فلها مهرها بما أصاب منها ، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له ' .
قال ابن جريج : فلقيت الزهري فسألته عن هذا الحديث فلم يعرفه . قال : وكان سليمان بن موسى ذكره ، فأثنى عليه .
قلت : وإذا ثبت هذا عن الزهري كان نسياناً منه ، وذلك لا يدل على الطعن في سليمان ؛ لأنه ثقة ، ويدل على أنه نسي هذا الحديث ، وقد رواه عنه جعفر بن ربيعة ، وقرة ابن عبد الرحمن ، وابن إسحاق ، فدل على ثبوته عنه ، والإنسان قد يحدّث وينسى .
قال أحمد بن حنبل : كان ابن عيينة يحدث ناسياً ثم يقول : ليس هذا من حديثي ، ولا أعرفه . وروي عن سهيل بن أبي صالح أنه ذكر له حديث فأنكره ، فقال له ربيعة : أنت حدثتني به عن أبيك فكان سهيل يقول : حدثني ربيعة عني .
وقد جمع الدارقطني جزءاً فيمن حدّث ونسي .
ز : وأيضاً فهذا الحديث قد رواه أبو داود ، وابن ماجة ( 1 ) من حديث ابن جريج عن سليمان ، وحسنه الترمذي ، وسليمان بن موسى صدوق ، لكنه ليس من رجال الصحيحين .
قال النسائي : هو أحد الفقهاء .
والحديث من أجود ما روى الحاكم في مستدركه وإن كان عنده تساهل .
وابن معين قد صحح هذا الحديث من طريق إسماعيل بن موسى في رواية الدوري عنه ، والبيهقي وغير واحد .
____________________
(3/144)
وحديث جعفر عن الزهري رواه أبو داود وقال : جعفر لم يسمع من الزهري ، ولكنه كتب إليه بهذا الحديث .
وقد روى هذا الحديث عن عائشة بلفظ آخر :
1756 - قال أحمد : ثنا معمر بن سليمان الزرقي ثنا حجاج عن الزهري عن عروة : عن عائشة عن النبي قال : ' لا نكاح إلا بولي ، والسلطان ولي من لا ولي له ' .
الحجاج هو ابن أرطاة ، وهو ضعيف .
وقد روي هذا الحديث عن عائشة بلفظ آخر :
1757 - قال الدارقطني : ثنا أبو ذر أحمد بن محمد قال : ثنا أحمد بن الحسين بن عباد النسائي ثنا محمد بن يزيد بن سنان ثنا أبي عن هشام بن عروة عن أبيه : عن عائشة قالت : قال رسول الله : ' لا نكاح إلا بولي ، وشاهدي عدل ' .
في هذا الإسناد يزيد بن سنان ، قال أحمد ، وعلي : هو ضعيف . وقال يحيى : ليس بثقة . وقال النسائي : متروك الحديث . وقال الدارقطني : هو وأبوه ضعيفان .
وقد روي عن عائشة بلفظ آخر :
1758 - قال الدارقطني : ثنا محمد بن مخلد ثنا أبو واثلة عبد الرحمن بن الحسين ثنا الزبير بن بكار ثنا خالد بن الوضاح عن أبي الخصيب عن هشام بن عروة عن أبيه : عن عائشة قالت : قال رسول الله : ' لا بد في النكاح من أربعة : الولي ، والزوج ، والشاهدين ' .
قال الدارقطني : أبو الخصيب اسمه : نافع بن ميسرة ، وهو مجهول .
ز : قال شيخنا : هذا الحديث منكر جداً ، والأشبه أن يكون موضوعاً .
وقد روي نحوه من وجهين ضعيفين عن أبي هريرة مرفوعاً ، ومن وجه آخر عن ابن عباس مرفوعاً . وروي من وجه آخر صحيح عن قتادة عن ابن عباس مرفوعاً ، إلا أنه منقطع ؛ لأن قتادة لم يدرك ابن عباس ، والله أعلم .
1759 - الحديث الثاني : قال أحمد : ثنا وكيع ، وعبد الرحمن عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه قال : قال رسول الله : ' لا نكاح إلا بولي ' .
____________________
(3/145)
فإن قيل : قد رواه أسباط وزيد بن الحباب ، وقالا عن أبي بردة عن النبي ، ولم يذكر أبا موسى ، وكذلك رواه شعبة ، وسفيان .
والجواب من وجهين :
أحدهما : أن الترمذي قال : قد رواه إسرائيل وشريك عن عبد الله ، وأبو عوانة ، وزهير بن معاوية ، وقيس بن الربيع ، فذكروا أبا موسى .
قال : وقول هؤلاء أصح .
1760 - قال الدارقطني : ثنا عبد الرحمن بن الحسن الهمداني ثنا يحيى بن عبيد الله بن ماهان ثنا محمد بن مخلد السعدي ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي بردة : عن أبي موسى أن النبي قال : ' لا نكاح إلا بولي ' .
قال : فقلت لعبد الرحمن : إنّ شعبة ، وسفيان توقفا به على أبي بردة فقال : إسرائيل عن أبي إسحاق أحب إليّ من شعبة ، وسفيان .
قال الدارقطني : وثنا دعلج ثنا أحمد بن محمد بن مهدي ثنا صالح جزرة ثنا علي بن المديني قال : سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول : كان إسرائيل يحفظ حديث أبي إسحاق كما يحفظ سورة الحمد .
قال صالح : إسرائيل أتقن في أبي إسحاق خاصة ، ثم قد روينا عن شعبة أنه رفعه .
1761 - قال الدارقطني : وثنا محمد بن سليمان المالكي قال : ثنا محمد بن موسى الحرشي ثنا يزيد بن زريع عن شعبة عن أبي إسحاق عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه عن النبي قال : ' لا نكاح إلا بولي ' .
والجواب الثاني : أن الراوي قد يسند ، ويرسل ، فيجوز أن يكون أبو بردة قد قال مرة : قال رسول الله كذا ، وهو عنده عن أبيه عن رسول الله .
1762 - الحديث الثالث : قال أحمد : ثنا معمر بن سليمان الزرقي عن الحجاج عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي قال : ' لا نكاح إلا بولي ، والسلطان ولي من لا ولي له ' .
الحجاج هو ابن أرطاة ، وفيه ضعف .
____________________
(3/146)
وقد روى هذا الحديث عدي بن الفضل عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن رسول الله إلا أن عدياً وعبد الله لا يحتج بهما .
طريق آخر :
1763 - قال العقيلي : ثنا الفضل بن عبد الله ثنا قتيبة بن سعيد ثنا الربيع بن بدر عن النهاش بن قهم عن عطاء بن أبي رباح : عن ابن عباس قال : قال رسول الله : ' البغايا اللاتي ينكحن أنفسهن ؛ لا يجوز النكاح إلا بولي ، وشاهدين ، ومهر قل أو كثر ' .
قال يحيى : النهاش ضعيف . وقال ابن عدي : لا يساوي النهاش شيئاً .
1764 - الحديث الرابع : قال الدارقطني : ثنا يعقوب بن إبراهيم البزاز ثنا عمر بن شبة ثنا بكر ثنا عبد الله بن محرر عن قتادة عن الحسن عن عمران بن حصين عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله : ' لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ' .
قال يحيى بن معين : بكر بن بكار ليس بشيء .
وقال الدارقطني : عبد الله بن محرر متروك .
1765 - الحديث الخامس : قال الدارقطني : ثنا محمد بن مخلد ثنا عبد الله بن أبي سعد ثنا إسحاق بن هشام التمار ثنا ثابت بن زهير ثنا رافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله : ' لا نكاح إلا بولي ، وشاهدي عدل ' .
قال أبو حاتم الرازي : ثابت بن زهير منكر الحديث لا يحتج به . وقال ابن عدي : كل أحاديثه يخالف فيها الثقات ، إسناداً ومتناً . وقال ابن حبان : جرح عن جملة من يحتج به .
1766 - الحديث السادس : قال الدارقطني : ثنا أحمد بن محمد بن عبد الكريم الفزاري قال : ثنا جميل بن الحسن الجهضمي ثنا محمد بن مروان العقيلي ثنا هشام بن حسان عن محمد عن ابي هريرة قال : قال رسول الله ' لا تزوج المرأة المرأة ، ولا تزوج المرأة نفسها ، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها ' .
1667 - قال الدارقطني : وثنا دعلج ثنا موسى بن هارون ثنا مسلم بن أبي مسلم
____________________
(3/147)
الجرمي ثنا مخلد بن الحسين عن هشام عن ابن سيرين : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' لا تنكح المرأة المرأة ، ولا تنكح المرأة نفسها ؛ إن التي تنكح نفسها هي البغي ' .
في الطريق الأول جميل ، وفي الثاني مسلم ، وكلاهما لا يعرف .
ز : الحديث في طريقه جميل بن الحسن الأزدي الأهواري مشهور ، روى عنه ابن خزيمة . وروى عنه ابن ماجة ، ووثقه ابن حبان . وفيه أيضاً سالم هو ابن عبد الرحمن . وقد روي عن الحسن بن سفيان قال : سألت يحيى بن معين عن رواية مخلد بن حسين عن هشام ابن حسان فقال : ثقة ، فذكرت له هذا الحديث فقال : نعم ، قد كان شيخ عندنا يرفعه عن مخلد .
وقال ابن أبي حاتم : مسلم بن عبد الرحمن من الغزاة ، قال : قتل من الروم مائة ألف يعني مسلم هذا .
وقال الأوزاعي : عن ابن سيرين عن أبي هريرة موقوفاً ، وهو أشبه .
وكذلك قال ابن عيينة : عن هشام بن حسان عن ابن سيرين ، والله أعلم .
1768 - الحديث السابع : قال الدارقطني : ثنا أبو علي محمد بن سليمان المالكي ثنا أبو موسى ثنا عبد الوهاب الثقفي عن يونس عن الحسن أن معقل بن يسار زوج اختاً له فطلقها الرجل ، ثم أنشأ يخطبها ، فقال : زوجتك كريمتي فطلقتها ثم أنشأت تخطبها ، فأبى أن يزوجه ، وهويته المرأة ، فأنزل الله عز وجل : ( ^ وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن ) . أخرجه البخاري .
1769 - الحديث الثامن : قال الدارقطني : ثنا محمد بن الحسين بن محمد بن حاتم ثنا محمد بن عبد الرحمن الطبري ثنا الحسين بن إسماعيل بن خالد الطبري ثنا يوسف بن يعقوب أبو المثنى عن أبي عصمة عن مقاتل بن حيان عن قبيصة بن ذؤيب عن معاذ بن جبل عن النبي قال : ' أيما امرأة زوجت نفسها من غير إذن وليها فهي زانية ' .
أبو عصمة اسمه نوح بن أبي مريم ، قال يحيى : ليس بشيء .
وقال الدارقطني : هو متروك .
____________________
(3/148)
ز : إسناد هذا الحديث فيه غير واحد من المجهولين .
وفي إسناده محمد بن الحسين شيخ الدارقطني يعرف أبوه بعبيد العجلي ، وكان محمد هذا سيئ الحال في الحديث .
وفي سنده أيضاً مقاتل ، روى عن قبيصة ، ولم يلقه . وفي سنده نوح ، وهو متهم .
والأشبه بهذا الحديث أنه موضوع ، والله أعلم .
احتجوا بحديثين :
1770 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا عبد الرحمن عن مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله : ' الأيم أحق بنفسها من وليها ، والبكر تستأذن في نفسها ، وإذنها صماتها ' . انفرد بإخراجه مسلم ( 1 ) .
ووجه حجتهم أنه شارك بينها وبين الولي ، ثم قدمها بقوله : ' أحق ' وقد صح العقد منه ، فوجب أن يصح منها .
1771 - الحديث الثاني : قال سعيد بن منصور ثنا أبو الأحوص عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال : جاءت امرأة إلى رسول الله فقالت : إن أبي أنكحني رجلا ، وانا كارهة فقال رسول الله لأبيها : ' لا نكاح لك اذهبي فإنكحي من شئت ' .
والجواب : أما الحديث الأول فإنه أثبت لها حقاً وجعلها أحق ؛ لأنه ليس إلى الولي إلا مباشرة العقد ، ولا يجوز له أن يزوجها إلا بإذنها . وأما الحديث الثاني فهو حديث خنساء بنت خذام ، وأن أباها أنكحها وهي كارهة ، فرد رسول الله ذلك . هذا قدر ما أخرج في الصحيح ، وأما قوله : ' انكحي من شئت ' فرواه أبو سلمة عن رسول الله مرسلاً ، والمرسل ليس بحجة ( 2 ) .
ثم لو قلنا إنه حجة فالمراد : تخيري الأكفأ .
____________________
(3/149)
مسألة [ 604 ] :
ولاية الفاسق لا تصح .
وعنه تصح كقول أبي حنيفة ، ومالك .
لنا حديثان ضعيفان :
1772 - قال الحافظ البرقاني قال : قرأت على أبي العباس محمد بن أحمد بن حمدان قال : حدثني محمد بن عبد الله حدثني أبي ثنا قطر بن نُسير ثنا عمرو بن النعمان بن عبد الرحمن ثنا محمد بن عبيد الله العرزمي عن أبي الزبير عن جابر قال : قال رسول الله : ' لا نكاح إلا بولي مرشد ، وشاهدي عدل ' .
قال أحمد : ترك الناس حديث العزرمي . وقال الفلاس ، والنسائي : هو متروك . وقال يحيى : لا يكتب حديثه . وقد حدث عنه شعبة ، وسفيان . وقطر بن نسير ضعيف .
ز : وقد روى أيضا من طريق عمرو بن النعمان الباهلي بصري ، وثقه ابن حبان ، لكن الراوي عنه ضعيف ( * ) .
1773 - الحديث الثاني - قال الدرارقطني : ثنا علي بن أحمد بن الهيثم ، ومحمد بن جعفر المطيري قالا : ثنا عيسى بن أبي حرب ثنا يحيى بن أبي بكر ثنا عدي بن الفضل عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير : عن ابن عباس قال : قال رسول الله : ' لا نكاح إلا بولي ، وشاهدي عدل وأيما امرأة أنكحها ولي مسخوط عليه فنكاحها باطل ' .
في هذا الإسناد : عدي ، قال يحيى : ليس بثقة ، لا يكتب حديثه .
____________________
(3/150)
وقال أبو حاتم الرازي : متروك الحديث .
وفيه عبد الله بن عثمان ، قال يحيى : ليست أحاديثه بالقوية .
ز : لكن قد روي من حديث سعيد بن منصور موقوفاً على ابن عباس .
مسألة [ 605 ] :
يملك الأب إجبار البالغ على النكاح ، وعنه لا يملك كقول أبي حنيفة .
لنا حديثان :
1774 - الحديث الأول : قال الدارقطني ثنا الحسين بن إسماعيل قال : ثنا يوسف بن موسى ثنا سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن عبد الله بن الفضل سمع نافع بن جبير يذكر : عن ابن عباس أن رسول الله قال : ' الثيب أحق بنفسها من وليها ، والبكر يستأمرها ، أبوها في نفسها ' .
فوجه الدليل أنه قسم النساء قسمين : ثيباً ، وأبكاراً ، ثم خص الثيب بأنها أحق من وليها مع أنها هي والبكر اجتمعتا في ذهنه ، فلو أنها كالثيب في ترجيح حقها على حق الولي لم يكن لإفراد الثيب بهذا معنى ، وصار هذا كقوله في ' سائمة الغنم ' .
فإن قالوا : لفظ الصحيح في هذا الحديث : الأيم . وهي التي لا زوج لها ، بكراً كانت ، أو ثيباً .
ز : ولفظ الثيب في الصحيح أيضاً ما رواه مسلم عن قتيبة وابن أبي عمر كلاهما عن سفيان عن زياد به ، ولا دلالة في هذا الحديث على أن البكر ليست أحق بنفسها إلا من جهة المفهوم .
والحنفيون لا يقولون به ، ثم على تقدير القول به كما هو ، الصحيح لا حجة فيه على
____________________
(3/151)
إجبار كل بكر ، لأن المفهوم ألا عموم له ، فيمكن حمله على من لها دون السبع ، أو من هي دون البلوغ ، ثم إن هذا المفهوم قد خالفه منطوق ، وهو قوله : ' البكر تستأذن ' والإيذان منا في الإجبار ، وإنما وقع التفريق في الحديث بين الثيب ، والبكر لأن الثيب تخطب إلى نفسها فتأمر الولي بتزويجها ، والبكر تخطب إلى وليها ، فيستأذنها . ولهذا الفرق بينهما في كون الثيب إذنها بالكلام ، والبكر إذنها الصمت ، لأن البكر لما كانت تستحي أن تتكلم في أمر نكاحها لم تخطب إلى نفسها ، بل إلى وليها . بخلاف الثيب ، فإنها تخطب إلى نفسها لزوال حياء البكر عنها ، فتتكلم بالنكاح ، وتأمر وليها أن يزوجها ، فلم يقع التفريق في الحديث بين الثيب والبكر لأجل الإجبار ، وغيره ، والله أعلم .
وجواب هذا من وجهين :
أحدهما : أن لفظ الثيب صحيح ، قال الدارقطني : روى هذا الحديث جماعة عن مالك عن عبد الله بن الفضل بهذا الإسناد عن النبي أنه قال : ' الثيب أحق بنفسها ' منهم شعبة ، وابن مهدي ، وعبد الله بن داود ، والحريبي ، وسفيان بن عيينة ، ويحيى بن أيوب المصري ، وغيرهم ، كلهم قال : الثيب .
والثاني : أن المراد ها هنا بالأيم الثيب ؛ لأنه لما ذكر البكر علم أنه أراد الثيب إذ ليس ثم قسم ثالث .
1775 - الحديث الثاني : قال سعيد بن منصور : قال هشيم : ثنا ابن أبي ليلى عن عبد الكريم : عن الحسن قال : قال رسول الله : ' تستأمر الأبكار في أنفسهن ؛ فإن أبين أجبرن ' .
هذا مرسل ، وفي إسناده عبد الكريم البصري ، وقد أجمعوا على الطعن فيه .
احتجوا بسبعة أحاديث :
الحديث الأول : حديثنا وهو قوله : ' البكر تستأمر ' .
1776 - الحديث الثاني : قال أحمد : ثنا حسين ثنا جرير عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن جارية بكر أتت النبي فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة ، فخيرها النبي .
____________________
(3/152)
ز : رواه أبو داود وابن ماجة ( 1 ) ، من رواية حسين وهو ابن محمد المروزي أحد الثقات المخرج له في الصحيحين ، وهو مروي عن أيوب عن عكرمة عن النبي مرسلاٍ .
وقد رواه أبو داود مرسلاً ( 2 ) ، ورواه ابن ماجة موصولاً ، والصحيح أنه مرسل .
وقد رواه سليمان وحرب عن جرير بن خازم أيضاً ، كما رواه حسين ، فمن هذا الوجه برئت عهدته وزالت تبعته .
ثم ذكره بإسناده ، فهو عن أيوب بن سعيد عن الثوري موصولاً .
1777 - الحديث الثالث : قال أحمد : وثنا عبد الرزاق أنبأ ابن جريج أخبرني عطاء الخراساني عن ابن عباس أن خذاماً أبا وديعة أنكح ابنته رجلاً فأتت النبي فاشتكت إليه أنها نكحت وهي كارهة ، فانتزعها النبي من زوجها ، وقال : ' لا تكرهوهن ' .
ز : هذا لم يخرجه أحد من أئمة الكتب الستة من هذا الوجه ، وهو منقطع ، فإن عطاء الخراساني لم يدرك ابن عباس ، ولم يره ، وقال أبو داود : وهذه المرأة التي زوجها أبوها هي خنساء بنت خذام ، وقد روى البخاري وغيره ، حكايتها من غير هذا الوجه ، وفيه وأنها كانت ثيباً ، وقد روى بعضهم عنها أنها قالت : أنكحني أبي وأنا بكر ، والله أعلم .
1778 - الحديث الرابع : قال أحمد : وثنا وكيع عن كهمس بن الحسن عن عبد الله بن بريدة عن عائشة قالت : جاءت فتاة إلى النبي فقالت : يا رسول الله إن أبي ونعم الأب ، هو زوجني ابن أخيه ليرفع من خسيسته ، قالت : فجعل الأمر إليها فقالت : إني قد اخترت ما صنع أبي ، ولكني أردت أن تعلم النساء أن ليس إلى الأباء من الأمر شيء .
1779 - الحديث الخامس : قال الدارقطني : ثنا محمد بن علي بن إسماعيل الأيلي ثنا أحمد بن عبد الله بن سليمان الصنعاني ثنا إبراهيم ثنا عبد الملك الذماري عن سفيان عن هشام صاحب الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله رد نكاح بكر وثيب أنكحهما أبوهما ، وهما كارهتان ، فرد النبي نكاحهما .
____________________
(3/153)
ز : رواه البيهقي ، وهو من طريق إسحاق بن إبراهيم المطري الصنعاني ، وقد ضعفه جماعة ، منهم ابن حزم .
قال البيهقي ( 1 ) : هو في جامع النووي كما ذكره أبو الحسن الدارقطني مرسلاً .
1780 - الحديث السادس : قال الدارقطني : وثنا عمر بن محمد بن القاسم الأصبهاني ثنا محمد بن أحمد بن راشد ثنا موسى بن عامر ثنا الوليد قال : قال ابن أبي ذئب أخبرني نافع عن ابن عمر أن رجلاً زوج ابنته بكراً ، فكرهت ذلك ، فرد النبي نكاحها .
وفي رواية أخرى : عن ابن عمر قال : كان النبي ينتزع النساء من أزواجهن ثيبات وأبكاراً ، بعد أن يزوجهن الآباء إذا كرهن ذلك .
ز : وهو من طريق ابن أبي ذئب ، وابن أبي ذئب سمعه من نافع وقد روي من طرق عديدة ، منهم الأوزاعي وعطاء ، وفي هذه الأحاديث بيان أن التزويج كان من قدامة بن مظعون أخي عثمان بن مظعون لابنه عثمان ، وهو عمها ، وهوأصح ممن قال : زوجها أبوها ، وذاك لأن ابن عمر إنما تزوجها بعد وفاة أبيها عثمان بن مظعون ، وهو خال ابن عمر .
1781 - الحديث السابع : قال الدارقطني : وثنا ابن صاعد ثنا الحسن بن محمد الزعفراني ثنا الحكم بن موسى ثنا شعيب بن إسحاق عن الأوزاعي عن عطاء : عن جابر أن رجلاً زوج ابنته وهي بكر من غير أمرها فأتت النبي ففرق بينهما .
والجواب : أما استئمار البكر فلتطييب قلبها ، وجمهور الأحاديث محمول على أنه زوج من غير كفؤ .
وقولها : زوجني ابن أخيه يكون ابن عمها من الأم ، على أنه قد قال الدارقطني : حديث ابن عباس ، وجابر ، وعائشة مراسيل . وأبو بريدة لم يسمع من عائشة . وقد أنكر أحمد حديث جابر ، وقال الدارقطني : الصحيح أنه مرسل عن عطاء أن رجلاً . وقول شعيب وهم . قال : وحديث الذماري وهم فيه الذماري على سفيان ، والصواب عن عكرمة مرسل . قال : وحديث ابن عمر لا يثبت عن ابن أبي ذئب ؛ لم يسمعه من نافع ، إنما سمعه من عمر بن حسين ، وقد سئل عن هذا الحديث أحمد فقال : باطل .
____________________
(3/154)
مسألة [ 606 ] :
لا يملك الأب إجبار الثيب الصغيرة في أحد الوجهين ، وفي الأخرى يملك كقول أبي حنيفة .
لنا أربعة أحاديث :
الحديث المتقدم : الحديث الأول : ' الثيب أحق بنفسها من وليها ' .
1782 - الحديث الثاني : قال الترمذي ثنا إسحاق بن منصور أنبأ محمد بن يوسف قال : ثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' لا تنكح الثيب حتى تستأمر ' .
قال الترمذي : (1) .
1783 - الحديث الثالث : قال أحمد ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عبد الرحمن ، ومجمع ابني يزيد بن حارثة عن خنساء بنت خذام أن أباها زوجها ، وهي كارهة ، وكانت ثيباً فرد النبي نكاحها .
انفرد بإخراجه البخاري ( 1 ) .
1784 - طريق آخر : قال أحمد : وثنا عبد الرزاق قال : ثنا ابن جريج قال : أخبرني عطاء الخراساني عن ابن عباس أن خذاماً أبا وديعة أنكح ابنته رجلاً ، فأتت النبي فاشتكت إليه أنها أنكحت وهي كارهة ، فانتزعها النبي من زوجها ، وقال : ' لا تكرهوهن ' .
قال : فنكحت بعد ذلك أبا لبابة الأنصاري ، وكانت ثيباً .
____________________
1- هذا حديث صحيح
(3/155)
طريق آخر :
1785 - وثنا يزيد بن هارون قال : أنبأ محمد بن إسحاق عن الحجاج بن السائب بن أبي لبابة قال : كانت بنت خذام عند رجل ، فأمت منه ، فزوجها أبوها رجلاً من بني عوف ، وحطت هي إلى أبي لبابة ، فأبى أبوها إلا أن يكرهها العوفي ، وأبت هي حتى ارتفع شأنهما إلى النبي فقال : ' هي أولى بأمرها ' .
فألحقها بهواها ، فزوجت أبا لبابة ، فولدت له أبا السائب .
1786 - الحديث الرابع : قال الدارقطني ثنا أبو بكر النيسابوري قال : ثنا أحمد بن منصور قال : حدثنا عبد الرزاق أنبأ معمر عن صالح بن كيسان عن نافع بن جبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله : ' ليس للولي مع الثيب أمر ' .
قال الدارقطني : لم يسمعه صالح من نافع ، إنما سمعه من عبد الله بن الفضل عنه .
قال النيسابوري : والذي عندي أن معمراً أخطأ فيه .
مسألة [ 607 ] :
إذا ذهبت بكارتها بالزنا زوجت تزويج الثيب .
وقال أبو حنيفة ، ومالك : تزويج البكر . لنا حديثان :
الحديث الأول :
' الثيب أحق بنفسها ' . وقد تقدم .
1787 - الحديث الثاني : قال أحمد ثنا إسحاق بن عيسى قال : حدثني ليث بن سعد قال : حدثني عبد الله بن عبد الرحمن عن عدي بن عدي الكندي عن أبيه أن رسول الله قال : ' الثيب تعرب عن نفسها ، والبكر رضاها صمتها ' .
____________________
(3/156)
مسألة [ 608 ] :
لا يجوز لأحد نكاح الصغير ، والصغيرة اليتيمين .
وقال الشافعي : يجوز ذلك للجد والجدة .
وعن أحمد يجوز لجميع العصبات ، ويثبت لهما الخيار إذا بلغت ، وهو قول أبي حنيفة .
1788 - قال الدارقطني : قرئ على ابن صاعد ، وأنا أسمع حدثكم عبيد الله بن سعد الزهري ثنا عمي ثنا أبي عن ابن إسحاق قال : حدثني عمر بن حسين عن نافع عن ابن عمر قال : توفي عثمان بن مظعون ، وترك بنتاً له ، فقال رسول الله : ' هي يتيمة ، لا تنكح إلا بإذنها ' .
فإن قالوا : المراد باليتيمة : البالغة ؛ إذ غير البالغة لا إذن لها .
1789 - قال أحمد ثنا وكيع ثنا بن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى قال : قال رسول الله : ' تستأمر اليتيمة في نفسها ، فإن سكتت فهو إذنها ، وإن أبت فلا جواز عليها ' .
قلنا : إنما نشير بذلك إلى زمان جواز الإذن ، وهو البلوغ ، فسماها يتيمة بالاسم الذي كان لها .
واحتجوا بأن رسول الله زوج أمامة بنت حمزة من عمر بن أبي سلمة ، وكانت صغيرة ، وكان رسول الله ابن عمها .
____________________
(3/157)
ز : رواه أحمد وهو حديث جيد ، وفي روايته : ' تستأمر اليتيمة في نفسها ، فإن سكتت فقد أذنت وإن أبت فلا تزوج ' .
رواه أبو داود وغيره ( 1 ) ، من حديث أبي هريرة قال : إنما يشير بذلك إلى جواز الإذن ، وهو البلوغ ، فسماها يتيمة [ للصفة ] التي كانت لها .
والجواب : أنه إنما زوجها بولاية البنوة ، لا بالقرابة ، بدليل أن العباس أقرب منه إليها ؛ لأنه عم ، ولا ولاية لابن العم مع وجود العم والرجل المتزوج سلمة بن أبي سلمة ، لا عمر ؛ فقد غلط من قال عمر .
مسألة [ 609 ] :
تستفاد ولاية النكاح بالنبوة .
وقال الشافعي : لا يستفاد بالبنوة .
وقد استدل أصحابنا بحديثين :
أحدهما : أن ابن عمر بن أبي سلمة زوج أمه - أم سلمة - برسول الله .
والثاني : أن أنس بن مالك زوج أمه أبا طلحة .
1790 - أما الأول : قال أحمد ثنا عفان ثنا حماد بن سلمة أنبأ ثابت قال : حدثني ابن عمر بن أبي سلمة عن أبيه أن أم سلمة لما انقضت عدتها من أبي طلحة بعث إليها رسول الله فقالت : مرحباً برسول الله ، وبرسوله ، أخبر رسول الله أني امرأة غيري وأني مصبية ، وأنه ليس أحد من أوليائي شاهد فبعث إليها رسول الله : ' أما قولك إني مصيبة ، فإن الله سيكفيك صبيانك وأما قولك إني غيرى فسأدعو الله أن يذهب غيرتك وأما الأولياء فليس
____________________
(3/158)
أحد منهم شاهد ، ولا غائب إلا سيرضى بي ' . فقالت : يا عمر : قم فزوج رسول الله .
قلت : هكذا روي لنا الحديث ، وأنها قالت : يا عمر قم ، وأصحابنا قد ذكروا أن رسول الله قال : ' قم يا غلام فزوج أمك ' وما عرفنا هذا .
وفي هذا الحديث نظر ؛ لأن عمر كان له من العمر يوم تزوجها رسول الله ثلاث سنين ، وكيف يقال له : زوّج ؟ وهذا لأن رسول الله تزوجها في سنة أربع ، ومات رسول الله ولعمر تسع سنين ، فعلى هذا يحتمل قولها لعمر : ' قم فزوج ' أن يكون على وجه المداعبة للصغير .
ولو صح أن يكون الصغير قد زوّجها فإن رسول الله لا يفتقر نكاحه إلى ولي . قال أبو الوفا بن عقيل : ظاهر كلام أحمد أنه يجوز أن يتزوج رسول الله بغير ولي ؛ لأنه مقطوع بكفاءته .
1791 - قال الدارقطني : ثنا ابن أبي داود ثنا عمر قال ثنا ابن الأصبهاني ثنا شريك عن أبي هارون عن أبي سعيد قال : ' لا نكاح إلا بولي ، وشهود ، ومهر إلا ما كان من النبي .
وقد ذكر بعض أصحابنا عن أحمد أنه قال : من يقول إن عمر كان صغيراً ؟
وهذا إن ثبت عن أحمد فلعله قاله قبل أن يعلم مقدار سنه .
وقد ذكر مقدار سنه جماعة من المؤرخين منهم محمد بن سعد في الطبقات .
وقد اعتذر الخصم عن تزويج عمر أمه قال : إنما زوّجها لكونه ابن عمها ؛ فإن أم سلمة هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، وابنها عمر بن عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر .
قال أصحابنا : فقد كان لها من هو أولى من عمها فكيف ابن عمها ، وهو عبد الله بن أمية أخوها ؟
قلت : ذاك كان كافراً يومئذ ، ولم يسلم بعد .
ز : ذكر ابن سعد في الطبقات ( 1 ) : إن أم سلمة قالت : لما مات أبو سلمة : جاء رسول الله فقام على الباب فذكر الخطبة إلى ابن أخيها أو إلى ابنها أو إلى وليها ، فقالت : ثم
____________________
(3/159)
جاء الغد فذكر الخطبة فذكرت الصبية والغيرة فعاد ، فقالت لوليها إن عاد فزوجه ، وقال لها : ' ليس أحد من أوليائك شاهد ولا غائب إلا سيرضاني ' ، فقالت : يا عمر قم فزوج رسول الله .
وقال ابن سعد أيضاً في الطبقات : عن حبيب بن أبي ثابت قال : قالت أم سلمة : لما انقضت عدتي من أبي سلمة أتاني رسول الله فكلمني بيني وبينه حجاب فخطب إلي نفسي فقلت : يا رسول الله : ما تريد إلى ما أقول هذا إلا رغبة لك عن نفسي ؟ إني امرأة قد أدبر مني سني ، وأنا أم أيتام ، وأنا امرأة شديدة الغيرة ، وأنت يا رسول الله تجمع النساء ، فقال رسول الله : ' لا يمنعنك ذلك ، أما ما ذكرت من غيرتك فيذهبه الله ، وأما ما ذكرت من سنك فأنا أكبر منك سناً ، وأما ما ذكرت من أيتامك فعلى الله وعلى رسوله ' وذكر الحديث بطوله ، وقال : قال أخبرنا محمد بن عمر حدثني مجمع بن يعقوب عن أبي بكر بن محمد ابن عمر بن أبي سلمة عن أبيه أن رسول الله خطب أم سلمة إلى ابنها عمر بن أبي سلمة ، فزوجها رسول الله وهو يومئذ غلام صغير . حديث أم سلمة رواه النسائي ( 1 ) ، ورواه أبو يعلى الموصلي ، ورواه الحاكم ، وقال : على شرط مسلم . قال شيخنا : وأما من قال إن عمر بن أبي سلمة كان عمره تسع سنين يوم مات النبي ، قال ابن عبد البر : ولد عمر في السنة الثانية من الهجرة إلى الحبشة ، وقال : قيل لأبي عبد الله أحمد بن حنبل .
فحديث عمر بن أبي سلمة حين زوج رسول الله أليس كان صغيراً ؟ . قال : ومن يقول كان صغيراً ؟ أليس فيه بيان ؟ ومما يقول هذا ما رواه مسلم ( 2 ) في صحيحه عن عمر بن أبي سلمة ، أنه سأل رسول الله أيقبل الصائم ؟ فقال له رسول الله : ' سل هذه لأم سلمة ' فأخبرته أن رسول الله يصنع ذلك ، فقال يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذلك ، وما تأخر ، فقال له رسول الله : ' أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له ' ، وظاهر هذا أن عمر كان كبيراً ، وقد قيل : إن عمر المقول له زوّج رسول الله هو عمر بن الخطاب ، والمعنى أنها قد رضيت وأجابت إلى أن يزوجها رسول الله ، والمزوج لها من رسول الله ابنها سلمة بن أبي سلمة . كما روي عن ابن عباس أن رسول الله تزوج ميمونة بنت الحارث ، وهو حرام ، وأقام بمكة ثلاثاً ، ولما اختصم عليّ وزيد ، وجعفر في ابنه حمزة ، وكان رسول الله أخا بين زيد وحمزة فقضى بها رسول الله لجعفر لمكان خالتها أسماء بنت عميس ، فزوجها رسول الله سلمة بن أبي سلمة فماتا قبل أن يجتمعا ، وكان هو الذي زوّج رسول الله .
____________________
(3/160)
وقال البيهقي ( 1 ) : ثنا أبو الحسن ثنا أبو جعفر الرازي ثنا أحمد بن الخليل ثنا الواقدي ثنا عمر بن عثمان المخزومي عن سلمة بن عبد الله بن أبي سلمة عن ابنه عن جده أن النبي خطب أم سلمة قال : ' مري ابنك أن يزوجك ؟ ' أو قال : زوجها ابنها ، وهو يومئذ صغير لم يبلغ ، الواقدي غير محتج به .
1792 - الحديث الثاني عن أنس : قال أبو نعيم أحمد بن عبد الله : ثنا محمد بن علي ثنا الحسين بن محمد الحراني ثنا أحمد بن سنان ثنا يزيد بن هارون أنبأ حماد عن ثابت عن أنس أن أبا طلحة خطب أم سليم فقالت : يا أبا طلحة ، ألست تعلم أن إلهك الذي تعبد خشبة تنبت من نبات الأرض ، نجرها حبشي بني فلان ، ؟ قال : بلى ، قال : أفلا تستحي أن تعبد خشبة من نبات الأرض نجرها حبشي بني فلان ؟ إن أنت أسلمت لم أرد منك من الصداق غيره ، قال : حتى أنظر في أمري ، فذهب ثم جاء ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، قالت : يا أنس زوّج يا أبا طلحة ' .
وهذا أيضاً فيه نظر ؛ لأنه لا خلاف أن أبا طلحة شهد العقبة مسلماً ، والعقبة قبل الهجرة ، وقد مر رسول الله وأنس بن مالك ابن عشر ، فإن كان زوّج أمه فقد زوجها وهو ابن تسع أو ثمان ، ومثل هذا ليس بولي ، ثم قد كان هذا قبل تقرير الأحكام .
ز : وقد روى البيهقي ( 2 ) عن أبي طلحة عن انس أن أبا طلحة خطب أم أنس فذكره بنحو ما تقدم وكذا ذكره ابن سعد في الطبقات أن أم سليم قالت : يا أبا طلحة تعبد خشبة نجرها حبشي ؟ ! وأنها قالت : إن أسلمت تزوجتك ، فأسلم ، فقالت : يا أنس قم فزوج أبا طلحة .
وقد قال الحاكم : هذا الحديث على شرط مسلم .
وقال البيهقي ( 3 ) : أنس بن مالك ابنها وعصبتها فإنه أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حزام من بني عدي بن النجار ، وأم سليم هي ابنة ملحان بن خالد بن يزيد ابن حزام بن عدي بن النجار . قال شيخنا الحافظ : وأعلم أنّ هذا الحديث وإن كان صحيحاً إلا أن قوله : قالت : يا أنس قم فزوج أبا طلحة منكر . وقد روي هذا الحديث الثاني وغيره من رواية جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس وليس فيه أن أنساً كان ولياً وهو الصحيح .
مسألة [ 610 ] :
يصح إذن بنت بلغت تسع سنين في النكاح .
خلافاً لأكثرهم .
1793 - أنبأنا أحمد بن الحسن البنا أنبأنا أبو يعلى محمد بن الحسين الفقيه أنبأ أخي أبو حازم قال : قرئ على أبي الحسن علي بن أحمد بن محمد بن داود الرزاز ، وأنا أسمع ثنا محمد بن عبد الله الشافعي ، ثنا محمد بن إسماعيل السلمي ثنا عبد الملك بن مهران الرفاعي ثنا سهل بن أسلم السعدي حدثني محمد بن قرة البرمي ، قال : سمعت ابن عمر يقول : قال رسول الله : ' إذا أتى على الجارية تسع سنين فهي امرأة ' .
في إسناده مجاهيل ، منهم عبد الملك ، قال أبو أحمد بن عدي : هو مجهول غير معروف .
ز : في إسناده عبد الملك ( 1 ) ، أحاديثه منكرة ، والمشهور ما ذكره البخاري عن عائشة أنها قالت : إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة . ورواه الإمام أحمد بإسناده عنها .
1794 - قال الدارقطني : ثنا علي بن محمد المصري قال : ثنا إسماعيل بن محمود النيسابوري قال : ثنا عمير بن المتوكل قال : حدثني أحمد بن موسى الضبي قال : حدثني عباد ابن عباد المهلبي قال : أدركت فينا - يعني المهالبة - امرأة صارت جدة ، وهي بنت ثمان عشرة سنة ، ولدت لتسع سنين بنتاً ، فولدت ابنتها لتسع سنين ، فصارت هي جدة وهي ابنة ثماني عشرة سنة .
____________________
(3/161)
مسائل الشهادة
مسألة [ 611 ] :
الشهادة شرط في النكاح .
وعنه : ليست شرطاً كقول مالك . لنا ثلاثة أحاديث :
الحديث الأول : قوله : ' لا نكاح إلا بولي ، وشاهدي عدل ' وقد سبق فيما مضى الكلام عليه .
1795 - الحديث الثاني : قال الترمذي : ثنا يوسف بن حماد ثنا عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن جابر بن زيد عن ابن عباس أن النبي قال : ' البغايا اللاتي ينكحن أنفسهن بغير بينة ' .
قالوا : قد قال الترمذي : لا نعلم أحداً رفعه إلاّ عبد الأعلى ، وقد وقفه في مكان أخر ، والصحيح أنه من قول ابن عباس . قلنا : عبد الأعلى ثقة ، والرفع زيادة ، والزيادة من الثقة مقبولة ، وقد يرفع الراوي الحديث ، وقد يقفه .
1796 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : ثنا عثمان بن جعفر بن محمد الأحول ثنا محمد بن إبراهيم ثنا محمد بن إسماعيل الجعفري ثنا عبد الله بن سلمة بن أسلم قال : حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال : ' لا يضر أحدكم بقليل من ماله تزوّج أو بكثير بعد أن يشهد ' .
قال الدارقطني : ابن أسلم ضعيف قال أحمد : لم يثبت في الشهادة شيء وقال ابن المنذر : الأحاديث في الشهادة لا تصح .
____________________
(3/163)
ز : وقال شيخنا : حديث أبي سعيد هذا لا يصح . وروى مالك ( 1 ) عن أبي الزبير قال : أتي عمر بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة فقال : هذا نكاح لا أجيزه ، ولو تقدمت فيه لرجمت . وقال عطاء : إن عمر بن الخطاب أجاز شهاد النساء مع الرجال في النكاح ، وفي سنده الحجاج بن أرطاة . قال البيهقي ( 2 ) : (1) والحجاج بن أرطاة لا يحتج به .
مسألة [ 612 ] :
لا ينعقد النكاح بشهادة فاسقين .
قال أبو حنيفة : ينعقد .
لنا قوله : ' وشاهدي عدل ' وقد تقدم .
مسألة [ 613 ] :
لا ينعقد النكاح بشاهد وامرأتين .
وقال أبو حنيفة : ينعقد . لنا قوله : ' وشاهدي عدل ' وهذا إنما ينطبق على الذكور ، وقد قال الزهري : مضت السنة من رسول الله أن لا يجوز شهادة النساء في الحدود ، والنكاح ، والطلاق .
____________________
1- وهذا الحديث منقطع
(3/164)
مسألة [ 614 ] :
لا ينعقد نكاح المسلم للذمية بشهادة أهل الذمة .
وقال أبو حنيفة : ينعقد . لنا الحديث المتقدم ، وقوله : ' وشاهدي عدل ' .
____________________
(3/165)
مسائل الكفاءة
مسألة [ 615 ] :
شروط الكفاءة خمسة : النسب ، والدين ، والحرية ، والصناعة ، والمال .
وعنه أنها شرطان ؛ النسب ، والدين .
وقال أبو حنيفة : النسب ، والدين ، والحرية .
وعنه الدين ، والحرية ، والسلامة من العيوب .
1797 - قال الدارقطني : ثنا أبو حامد محمد بن هارون الحضرمي ثنا محمد بن زكريا الأزرق ثنا سويد ثنا نضير بن الوليد حدثني محمد بن الفضل عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله ' الناس أكفاء قبيلة لقبيلة ، وعربي لعربي ، ومولى لمولى ، إلاّ حائك أو حجام ' .
1798 - طريق آخر : قال ابن عدي الحافظ : ثنا الحسن بن سفيان ثنا محمد بن عبد الله ابن عمار ثنا عثمان بن عبد الرحمن عن علي بن عروة عن نافع عن ابن عمر عن النبي قال : ' العرب بعضها لبعض أكفاء ، والموالي بعضها لبعض أكفاء إلا حائك ، أو حجام ' .
محمد بن الفضل ، وعباس بن عبد الرحمن ، وعلي بن عروة كلهم ضعاف .
ز : قال شيخنا الحافظ : الحديثان لا يحتج بهما ، وفي إسنادهما عثمان بن عبد الرحمن الطوايفي وهو صدوق إلا أنه يروي عن المجهولين . وقد روي هذا الحديث من طرق منها ما روي عن عائشة ، وروي عن عبد الله بن أبي مليكة عن عبد الله بن عمر قال : قال
____________________
(3/167)
رسول الله : ' العرب بعضها أكفاء لبعض قبيلة بقبيلة ، ورجل لرجل ، والموالي بعضها أكفاء لبعض قبيلة بقبيلة ، ورجل برجل إلا حائك أو حجام ' . ( 1 )
وهذا أيضاً منقطع ، وهو من رواية شجاع عن ابن جريج ، وهو منقطع بين شجاع وابن جريج .
احتجوا بما :
1799 - قال أبو أحمد بن عدي : ثنا إبراهيم بن دُحيم ثنا خالد بن يزيد الرملي قالا : ثنا ضمرة عن إسماعيل بن عياش عن محمد بن الوليد الزبيدي ، وابن سمعان عن الزهري عن عروة عن عائشة أن أبا هند مولى بياضة كان حجاماً ، حجم النبي فقال النبي : ' من سرّه أن ينظر إلى من صوّر الله الكتاب في قلبه فلينظر إلى أبي هند ، وأنكحوا إليه ' .
قال ابن عدي : هذا الحديث ينفرد به ابن عياش عن الزبيدي ، وهو منكر من حديث الزبيدي ، إلاّ أن خالد بن يزيد ذكر الزبيدي ، وابن سمعان ، وكأن ابن عياش حمل حديث الزبيدي على حديث ابن سمعان ، فأخطأ .
قلت : أما ابن عياش ، فقال ابن حيان : لما كبر إسماعيل تغير حفظه ، فكثر الخطأ في حديثه ، ولا يعلم ، فخرج عن حد الاحتجاج به .
وأما ابن سمعان فقال مالك ، ويحيى بن معين : هو كذاب .
مسألة [ 616 ] :
فقد الكفاءة تبطل النكاح .
وعنه : لا تبطل ، وتقف على اعتراض الأولياء كقول أكثرهم .
1800 - قال المصنف : أخبرنا أبو منصور القزاز أنبأ أبو بكر أحمد بن علي ثنا القاضي
____________________
(3/168)
أبو عمر القاسم بن جعفر الهاشمي ثنا أبو العباس محمد بن أحمد الأثرم ثنا علي بن حرب الطائي ثنا الحارث بن عمران عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : سمعت رسول الله يقول : ' تخيروا لنطفكم ، ولا تضعوها إلا في الأكفاء ' .
ز : والحديث الذي رواه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي : ' تخيروا لنطفكم فأنكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم ' ورواه ابن ماجة ( 1 ) عن الأشج ، وقال الحاكم ، وأبو حاتم الرازي : الحارث ليس بقوي .
والحارث هو ابن الجعفري ، والحديث الذي رواه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي : ' تخيروا لنطفكم ' لا أصل له .
وقد روى هذا الحديث عن هشام أيضاً عكرمة بن إبراهيم ، وأبو أمية بن يعلى ، وكلاهما ضعيف ، وقد رواه غيرهما عن هشام من الضعفاء .
وقال الخطيب : كل طرقه واهية ، والصحيح فيه أنه مرسل عن هشام بن عروة عن أبيه عن النبي .
1801 - طريق أخر : قال الدارقطني : ثنا القاضي أحمد بن إسحاق البهلول ثنا أبو سعيد الأشج ثنا الحارث بن عمران الجعفي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : قال رسول الله : ' تخيروا لنطفكم ، فأنكحوا الأكفاء ، وأنكحوا إليهم ' .
مدار الطريقين على الحارث بن عمران . قال الدارقطني : هو ضعيف .
وقال ابن حبان : كان يضع الحديث على الثقات .
ولهم حديث عائشة : أن فتاة جاءت إلى رسول الله فقالت : إن أبي - ونعم الأب ، هو - زوجني ابن أخيه ، فجعل الأمر إليها ، فقالت : إني قد اخترت ما صنع أبي ولكن أردت أن تعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء . وقد ذكرناه بإسناده في مسألة إجبار البكر البالغ .
مسألة [ 617 ] :
لا ينعقد النكاح إلا بلفظي الإنكاح والتزويج ، أو معناهما الخاص في حق من لم
____________________
(3/169)
يحسن اللفظية .
وقال أبو حنيفة : ينعقد بهما ، وبكل لفظ يدل على التمليك ؛ كلفظ البيع ، والهبة ، والملك .
وأصحابنا يستدلون بقوله تعالى : ( ^ وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي ) إلى قوله ( ^ خالصة لك ) .
1802 - قال المصنف ومما أخبرنا به عبد الوهاب بن المبارك قال : أنبأ عاصم بن الحسن أنبأ ابن بشران ثنا أبو علي بن صفوان ثنا أبو بكر القرشي ثنا الحسن بن الصباح ثنا مكي بن إبراهيم ثنا موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله قال : ' أيها الناس إن النساء عوان عندكم ، لا يملكن لأنفسهن ضراً ، ولا نفعاً ، أخذتموهن بأمانة الله عز وجل ، واستحللتم فزوجهن بكلمة الله ' .
قالوا : وكلمة الله هي المذكورة في القرآن ، ولم يذكر إلا الإنكاح ، والتزويج ، فدل على أن غير الكلمة لا يستحل بها .
ز : هذا الحديث من هذا الوجه غير مخرج في شيء من الكتب الستة ، وفي سنده موسى بن عبيدة الربذي ، ضعفّه جماعة من الأئمة .
وقد ذكر مسلم في صحيحه من حديث جابر المشهور الحديث الطويل في الحج : ' فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ' ( 1 ) .
قال أصحاب القول الثاني : اعلم أن الآية والحديث لا يدلان على أن النكاح لا ينعقد إلا بلفظ الإنكاح والتزويج .
قلت : وقال شيخنا أبو العباس : أصح قولي العلماء أن النكاح ينعقد بكل لفظ يدل عليه ، وهذا مذهب جمهور العلماء كأبي حنيفة ومالك وأحد القولين في مذهب أحمد ، بل نصوصهم لا تدل إلا على هذا الوجه .
أما الوجه الآخر ، وهو أنه إنما ينعقد بلفظ الإنكاح والتزويج فهو قول أبي عبد الله بن
____________________
(3/170)
حامد وأتباعه .
وأما قدماء أصحاب أحمد ، وجمهورهم فلم يقولوا بهذا ، وقد نص أحمد في غير موضع على أنه إذا قال : أعتقت أمتي وجعلت عتقها صداقها ، انعقد النكاح ، وليس هو بلفظ النكاح ، والتزويج . اه .
ومن أصول أحمد أن العقود تنعقد بما يدل على مقصودها من قول ، وفعل ، فهؤلاء يرى اختصاصها بالبضع .
وقال شيخنا في موضع آخر : وقد ظن بعض الناس أنّ المراد بكلمة الله قوله : أنكحتك ، وزوّجتك ، وليس كذلك ؛ فإن هذا ليس كلام الله ، بل هذا كلام المخلوقين ، وهو مخلوق ، وكلام الله غير مخلوق ، وإنما كلمته ما تكلم به ، وهو شرعه ، وإباحته وإذنه في ذلك .
احتجوا بما :
1803 - روي عن سهل بن سعد قال : جاءت امرأة إلى رسول الله فقالت : يا رسول الله جئت أهب لك نفسي ، فنظر إليها رسول الله ، فصعد النظر فيها ، وصوبه ثم طأطأ رسول الله رأسه ، فلما رأت المرأة أنه لم يقضي فيها شيئاً جلست ، فقام رجل من أصحابه ، فقال : يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها ، قال : ' هل عندك من شيء ؟ ' قال : لا والله ، قال : ' اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئاً ' ، فذهب ثم رجع فقال : لا والله ما وجدت شيئاً : فقال رسول الله : ' انظر ولو خاتماً من حديد ' ، فذهب ثم رجع فقال : لا والله يا رسول الله ولا خاتما من حديد ، ولكن هذا إزاري فلها نصفه ، فقال : ' ما تصنع بإزارك ، إن لبستَه لم يكن عليها منه شيء ، وإن لبستَه لم يكن عليك منه شيء ' ، فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام ، فرآه رسول الله مولياً ، فأمر به ، فدعي ، فلما جاء قال : ' ماذا معك من القرآن ' ، قال : معي سورة كذا ، وسورة كذا ، عددها . فقال : ' تقرأهن عن ظهر قلبك ' ، قال : نعم ، قال : ' اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن ' .
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين .
والجواب :
أن هذا الحديث قد رواه مالك ، والثوري ، وابن عيينة ، وحماد بن زيد ، وزائدة ، ووهيب ، والدراوردي وفضيل بن سليمان ، فكلهم قالوا : زوجتكها ، ورواه غسان فقال :
____________________
(3/171)
أنكحناكها ، وإنما روى ملكتكها ثلاثة أنفس : معمر ، وكان كثير الغلط ، وعبد العزيز بن أبي حازم ويعقوب الإسكندراني ، وليسا بحافظين ، والأخذ براوية الحفاظ الفقهاء مع كثرتهم أولى .
ز : قال شيخنا العلامة الحافظ : هذا الحديث قد روي بألفاظ عدة ، ولم يتكلم النبي بها كلها ، وإنما تكلم بلفظ واحد منها ، والباقي يروى بالمعنى ، والنكاح ينعقد بكل واحد منها على الصحيح كما تقدم قوله رحمه الله ، ورضي عنه ، وجعل الجنة منقلبه ومثواه ، وقال الدارقطني : الصواب زوجتكها .
مسألة [ 618 ] :
إذا زوّج ابنته بدون مهر مثلها جاز .
وقال الشافعي : لا يجوز .
وقال أبو حنيفة ، ومالك : إن كانت صغيرة كقولنا . وإن كانت كبيرة كقول الشافعي .
1804 - اخبرنا ابن ناصر الحافظ أنبأ الحسن بن أحمد قال : ثنا أبو القاسم بن بشران ثنا أحمد بن جعفر ثنا عبد الله بن أحمد ثنا إبراهيم بن عبد الله البصري ثنا إبراهيم بن بشار ثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن أبيه قال : أخبرني من سمع علياً عليه السلام قال : خطبت فاطمة ، فقال رسول الله : ' وهل عندك شيء ؟ ' قلت : لا ، قال : ' فأين درعك الحطمية التي كنت أعطيتك يوم كذا وكذا ' ، قلت : عندي قال : ' فأت بها ' ، فأتيت بها ، فأنكحنيها .
ز : وهذا الحديث غير مخرج في شيء من الكتب الستة ، وفي إسناده بعض ضعف ، ولكن قد روى سعيد بن أبي عروبة عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما تزوج علي فاطمة ، قال النبي : ' أعطها شيئاً ' قال : ما عندي شيء ، قال : ' فأين درعك الحطمية ؟ ' .
رواه أبو داود والنسائي ( 1 ) ، من غير هذا الوجه ، وهذا الحديث في إسناده رجل متهم ،
____________________
(3/172)
وإبراهيم بن يسار الرمادي صدوق ، لكن تكلم فيه أحمد ، ويحيى .
وقد روى أبو يعلى الموصلي من حديث أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما تزوج على فاطمة قال النبي : ' أعطها شيئاً ' قال : ما عندي شيء قال : ' فأين درعك الحطمية ؟ ' .
فهذا الحديث رواه أبو داود ، والنسائي عن الحسن بن حماد الكوفي عن عبدة بن سليمان قال : ثنا سعيد بن أبي عروبة عن أيوب عن عكرمة ، عن ابن عباس يرفعه .
1805 - قال المصنف : أخبرنا ابن ناصر قال : أنبأنا الحسن بن أحمد قال : أنبأ أبو علي ابن شاذان قال : ثنا محمد بن نهار التيمي ثنا عبد الملك بن حبان ثنا محمد بن دينار ثنا هشيم عن يونس عن الحسن عن أنس قال : قال رسول الله : ' يا علي ، إن الله أمرني أن أزوجك فاطمة ، وإني قد زوجتكها على أربعمائة مثقال فضة ' .
ز : قال شيخنا الحافظ : هذا حديث باطل ، وفي رجاله محمد بن دينار مجهول ، وفي إسناده أيضاً عبد الملك بن حبان - بالمعجمة - ، ومحمد بن نهار قد ضعفه الدارقطني .
قلت : وقد ذكر ابن سعد في الطبقات أنّ فاطمة بنت النبي ، وأمها خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي ، ولدتها وقريش تبني البيت ، وذلك قبل النبوة بخمس سنين .
قال : حدثنا علي بن أحمد اليشكري أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه خطب فاطمة إلى النبي فقال له : ' يا أبا بكر انتظر بها القطاء ' فذكر ذلك أبو بكر لعمر ، فقال له عمر : ردّك يا أبا بكر ثم إنّ أبا بكر قال لعمر : أخطب فاطمة فخطبها فقال له مثل ما قال لأبي بكر ، ثم إن أهل علي قالوا لعلي : اخطب فاطمة إلى النبي ، فخطبها فزوّجه إياها ، فباع عليٌّ بعيراً له ، وبعض متاعه فبلغ أربعمائة وثمانين ، فقال له النبي : ' اجعل ثلثين في الطيب وثلثاً في المتاع ' ( 1 ) .
قال : كان النبي وعد علياً قبل أن يخطب إليه أبو بكر ، وعمر .
قال ابن سعد أيضاً بسنده : إن عليّاً قال : أردت أن أخطب إلى رسول الله ابنته ، فقلت : والله ما لي من شيء فكيف ، ثم ذكرت صلته وعايدته ، فخطبتها إليه ، فقال : ' وهل عندك شيء ؟ ' قلت : لا ، قال : ' أين درعك الحطمية التي أعطيتك يوم كذا وكذا ؟ ' قلت : هي
____________________
(3/173)
عندي ، قال : ' فأعطها إياها ' ( 1 ) .
وقال أيضاً بسنده : إن عليّاً خطب فاطمة عليها السلام ، فقال له النبي : ' ما تصدقها ' قال : ما عندي ما أصدقها قال : ' فأين درعك الحطمية التي كنت نحلتك ؟ ' قال : عندي . قال : ' أصدقها إياها ' فتزوجها ( 2 ) .
قال عكرمة : كان ثمنها أربعة دراهم .
وقال عكرمة : أمهر علي فاطمة بدن قيمته أربعة دراهم .
وقال علي : لقد تزوجت فاطمة وما لي ولها فراش غير جلد كبش ننام عليه بالليل ، ويعلف عليه الناضح بالنهار .
مسألة [ 619 ] :
إذا أذنت لوليين في تزويجها فزوّج أحدهما بعد الآخر فالنكاح للأول .
وقال مالك : إن دخل بها الثاني فهو أحق بها . لنا : حديثان :
1806 - الحديث الأول : قال أحمد ثنا يونس ثنا أبان ثنا قتادة عن الحسن عن عقبة بن عامر أن نبي الله قال : ' إذا نكح الوليان فهو للأول منهما ، وإذا باع الرجل بيعاً من رجلين فهو للأول منهما ' .
ز : رواه البيهقي ، والحاكم في المستدرك ( 3 ) ، ورواه أحمد بسنده عن عقبة بن عامر مرفوعاً .
____________________
(3/174)
1807 - الحديث الثاني : قال أحمد : وثنا عبد الصمد ثنا هشام عن قتادة عن الحسن عن سمرة أن رسول الله قال : ' إذا نكح الوليان فهي للأول ، وإذا باع وليان فالبيع للأول ' .
ز : وقد رواه أصحاب السنن الأربعة عن الحسن عن سمرة ، وحسنة الترمذي ( 1 ) .
والحديث الأول رواه أيضاً ابن ماجة . قال شيخنا : لم يسمع الحسن من عقبة بن عامر شيئاً - يعني الحديث الأول .
قال علي بن المديني ، والبيهقي ( 2 ) الصحيح رواية من روى عن سمرة .
قال شيخنا الحافظ - تغمده الله برحمته : كلا الحديثين لا يجوز الاحتجاج بهما والله أعلم .
مسألة [ 620 ] :
إذا كان الولي ممن يجوز له التزويج بموليته ، لم يجزأن يتولى طرفي العقد ، كابن العم ، والمعتق .
وعنه : يجوز كقول أبي حنيفة ، ومالك .
استدل أصحابنا بقوله عليه السلام : ' لابد في النكاح من أربعة ' وقد سبق بإسناده .
وروى أصحابنا من حديث سعيد بن المسيب أن النبي قال : ' لا يتزوج الرجل المرأة حتى يكون الولي غيره ' .
احتجوا بما :
____________________
(3/175)
1808 - قال أحمد : ثنا هشيم ثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك أن رسول الله أعتق صفية بنت حيي وجعل عتقها صداقها .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
قالوا : ولم ينقل أنه تولاها غيره .
مسألة [ 621 ] :
إذا قال : أعتقت أمتي ، وجعلت عتقها صداقها بحضرة شاهدين صح النكاح .
وقيل : لا يصح ، كقول أكثرهم .
فيه حديث صفية المتقدم : ' وجعل عتقها صداقها ' .
قال البيهقي ( 2 ) : وقد روى في حديث ضعيف أنه أمرها ثم ذكره بإسناده ، وروي من حديث عبيد الله بن عمر عن نافع قال : كان ابن عمر يكره أن يجعل عتق المرأة مهرها حتى يفرض لها صداقاً .
مسألة [ 622 ] :
لا يتزوج العبد أكثر من إمرأتين .
وقال مالك ، وداود : يتزوج أربعاً .
____________________
(3/176)
1809 - قال الدارقطني : ثنا أبو بكر النيسابوري ثنا عبد الرحمن بن بشير ثنا سفيان عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة عن سليمان بن بشار عن عبد الله بن عتبة عن عمر قال : ينكح العبد امرأتين ، ويطلق طلقتين ، وتعتد الأمة حيضتين .
وقال الحكم : أجمع أصحاب رسول الله أن العبد لا ينكح أكثر من امرأتين .
ز : قال أئمة الجرح والتعديل ، ليس لهذا الحديث سند يروى .
مسألة [ 623 ] :
إذا كانت معتدة من طلاقه لم يجز أن يتزوج من أختها ، وأن يعاشرها .
وقال مالك ، والشافعي : إذا كانت العدة من طلاق بائن جاز .
وأصحابنا يستدلون بقوله : ( ^ وأن تجمعوا بين الأختين ) .
قالوا : وإذا تزوج أختها جمع بينهما في استلحاق نسب ولديهما ، وحبسهما عن الأزواج لحقه .
واستدلوا بقوله عليه السلام : ' ملعون من جمع ماءه في رحم أختين ' .
مسألة [ 624 ] :
إذا دخل بامرأة حرمت عليه ابنتها .
وقال داود : لا تحرم إلا إذا كانت في حجره .
لنا : حديثان :
____________________
(3/177)
1810 - الحديث الأول : قال الترمذي : ثنا قتيبة بن سعيد ثنا ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي قال : ' أيما رجل نكح امرأة فدخل بها ، فلا يحل له نكاح ابنتها ، وإن لم يكن دخل بها ، فلينكح ابنتها ، وأيما رجل نكح امرأة فدخل بها فلا يحل له نكاح أمها ' .
قال الترمذي : هذا حديث لا يصح من قبل إسناده ، إنما رواه ابن لهيعة ، والمثنى بن الصباح عن عمرو ، وابن لهيعة والمثنى يضعفّان .
قلت : قال أبو زرعة : ابن لهيعة ليس ممن يحتج به .
وقال أحمد بن حنبل ، والرازي : المثنى بن الصباح لا يساوي شيئاً .
وقال النسائي : متروك الحديث .
ز : وفي رواية للترمذي أو لم يدخل بها وهو الصحيح . وقد رواه البيهقي من رواية ابن مبارك .
قال شيخنا : والأشبه أن يكون ابن لهيعة أخذه عن المثنى .
قال أبو حاتم الرازي : لم يسمع ابن لهيعة من عمرو بن شعيب شيئاً من هذا .
1811 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : ثنا معلى بن منصور ثنا حفص بن غياث عن ليث عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال : لا ينظر الله عز وجل إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وبنتها ، موقوف .
قال الدارقطني : ليث ، وحماد ضعيفان .
مسألة [ 625 ] :
لا يجوز نكاح الزانية إلا بعد انقضاء عدتها .
وقال أبو حنيفة ، والشافعي : يجوز ، إلا أن أبا حنيفة قال : لا تُطأ إلا بعد انقضاء
____________________
(3/178)
العدة . لنا حديثان :
1812 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا يحيى عن زكريا بن أبي زائدة قال : حدثني محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي مرزوق مولى نجيب عن رويفع بن ثابت الأنصاري قال : كنت مع النبي حين افتتح خيبر فقام فينا خطيباً فقال : ' لا يحل لامرئ يومن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره ' .
1813 - الحديث الثاني : قال أبو داود ثنا الحسن بن علي ثنا عبد الرزاق أنبأ ابن جريج عن صفوان بن سليم عن سعيد بن المسيب عن رجل من الأنصار يقال له : بصرة قال : تزوجت امرأة بكراً في سترها ، فدخلت عليها فإذا هي حبلى ، فقال لي النبي : ' لها الصداق بما استحللت من فرجها ، والولد عبد لك ، فإن ولدت فاجلدوها ' .
ومعنى قوله : ' عبد لك ' أي كالعبد لك .
ز : قال البيهقي هذا الحديث إنما أخذه ابن جريج عن إبراهيم بن أبي يحيى عن صفوان ، وإبراهيم مختلف في عدالته .
وقد رواه أبو داود من وجه خر قال : [ قال ] سعيد بن المسيب : إن رجلاً يقال له بصرة ابن أكثم فذكر معناه ، ومنه أنه فرق بينهما .
مسألة [ 626 ] :
لا يحل للزاني أن يتزوج الزانية حتى يتوبا .
خلافاً لأكثرهم .
____________________
(3/179)
1814 - قال أبو داود السجستاني : ثنا إبراهيم بن محمد التيمي ثنا يحيى ثنا عبيد الله ابن الأخنس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي كان يحمل الأسارى بمكة ، وكان بمكة بغي يقال لها : عناق ، وكانت صديقته ، قال فجئت النبي فقلت : يا رسول الله أنكح عناقاً ، فسكت عني ، فنزلت : ( ^ الزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك ) فدعاني ، فقرأها عليّ ، وقال لي : ' لا تنكحها ' .
1815 - قال أبو داود : ثنا مسدد ثنا عبد الوارث عن حبيب قال : حدثني عمرو بن شعيب عن سعيد المصري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله ' .
ومعلوم أنه بعد التوبة لا يسمى زانياً .
ز : ورواه النسائي من رواية إبراهيم بن محمد التيمي عن الثقات .
ورواه الترمذي أيضاً وقال : (1) من هذا الوجه .
ورواه أحمد بإسناد جيد والله أعلم .
مسألة [ 627 ] :
الزنا يثبت تحريم المصاهرة .
وأصحابنا يستدلون بقوله تعالى : ( ^ ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم ) .
والنكاح حقيقة في الوطء . احتج الخصم بحديثين :
1816 - الحديث الأول : قال الدارقطني : حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق ثنا جعفر بن محمد بن الحسن الرازي ثنا القاسم بن اليمان ثنا عثمان بن عبد الرحمن عن الزهري عن عروة
____________________
1- حديث حسن غريب
(3/180)
عن عائشة قالت : قال رسول الله : ' الحلال لا يفسد بالحرام ' .
1817 - طريق آخر : قال الدارقطني : وثنا يوسف بن يعقوب قال : أخبرني جدي ثنا عبد الله بن نافع مول بني مخزوم عن المغيرة بن إسماعيل عن عثمان بن عبد الرحمن عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن النبي سئل عن الرجل يتبع المرأة حراماً ، ثم ينكح ابنتها ، أو يتبع البنت ثم ينكح أمها . قال : ' لا يحرم الحرام الحلال ' .
11 18 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : وثنا الحسين بن إسماعيل ثنا علي بن أحمد الجواربي ثنا إسحاق بن محمد الفروي ثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي قال : ' لا يحرم الحرام الحلال ' .
والجواب :
أما الحديث الأول : ففي الطريقين الأولين عثمان بن عبد الرحمن ، وهو الوقاصي .
قال يحيى بن معين : ليس بشيء ، كان يكذب . وضعفه ابن المديني جداً .
وقال البخاري والنسائي ، والرازي ، وأبو داود : ليس بشيء .
وقال الدارقطني : متروك .
وابن حبان قال : كان يروي عن الثقات الموضوعات ، لا يجوز الاحتجاج به .
وفي الحديث الثاني : عبد الله بن عمر ، وهو أخو عبيد الله .
قال ابن حبان : فحش خطؤه ، فاستحق الترك .
وفيه إسحاق الفروي ، قال يحيى : ليس بشيء ؛ كذاب ، وقال البخاري : تركوه .
ز : حديث عائشة لم يخرجه أحد من أهل السنن وأما حديث ابن عمر فرواه ابن ماجة ( 1 ) من رواية إسحاق بن محمد الوقاصي ، وقال البيهقي ( 2 ) في حديث عائشة : تفرد به عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي وهو ضعيف كما تقدم .
قال يحيى بن معين وغيره من أئمة الحديث : الصحيح فيه عن ابن شهاب عن علي
____________________
(3/181)
مرسلاً موقوفاً عنه ، عن بعض العلماء .
قال شيخنا : ليس الراوي إسحاق الفروي الوقاصي ولكن هو إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة المدني ، روى له البخاري في صحيحه .
مسألة [ 628 ] :
إذا أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة ، اختار منهن أربعاً ، وكذلك إذا كان تحته أختان .
وقال ابو حنيفة : إن تزوجهن في عقد واحد بطل نكاح الجميع ، وإن كن في عقود بطل نكاح ما بعد الأربع ، والثانية من الأختين .
1819 - قال أحمد : ثنا إسماعيل أنبأ معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أن غيلان ابن سلمة الثقفي أسلم ، وتحته عشر نسوة ، فقال له النبي : ' اختر منهن أربعاً ' .
فلما كان في عهد عمر ، طلق نساءه ، وقسم ماله بين بنيه ، فبلغ ذلك عمر ، فقال : إني لأظن الشيطان فيما يسترق من السمع سمع بموتك فقذفه في نفسك ، وأيم الله لتراجعن نساءك ، ولترجعن مالك ، أو لأورثهن منك ، ولآمرن بقبرك فترجم ، كما رجم قبر أبي رغال . قال الترمذي ثنا هناد ثنا عبدة عن سعيد بن أبي عروبة عن معمر عن الزهري عن سالم ابن عبد الله عن ابن عمر أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم ، وتحته عشر نسوة في الجاهلية ، فأسلمن معه ، فأمره النبي أن يتخير أربعاً منهن .
قال الترمذي : سمعت محمد بن إسماعيل يقول : هذا حديث غير محفوظ ، والصحيح ما روى شعيب بن أبي حمزة ، وغيره عن الزهري قال : حدثت عن محمد بن سويد الثقفي أن غيلان بن سلمة أسلم ، وتحته عشر نسوة ، قال محمد : وإنما حديث سالم عن أبيه أن رجلاً من ثقيف طلق نساءه ، فقال له عمر لتراجعن نساءك ، أو لأرجمن قبرك كما رجم قبر أبي رغال .
ز : رواه ابن ماجة ( 1 ) ، ورواه أبو حاتم البستي عن أبي يعلى الموصلي ، ورواه أيضاً
____________________
(3/182)
الدارقطني وهذا الحديث - أعني حديث غيلان - حديث ثابت مشهور ، رواه جماعة من علماء السلف عن الزهري ، وغيره ، وقد رواه معمر وقال مسلم بن الحجاج في حديث معمر : أهل اليمن أعرف بحديث معمر من غيرهم ؛ فإنه حدث بهذا الحديث عن الزهري عن سالم عن أبيه بالبصرة .
وقد تفرد بروايته عن البصريين .
وقال البيهقي ( 1 ) : قد رويناه عن غير أهل البصرة عن معمر كذلك موصولاً .
1820 - أخبرنا ابن عبد الخالق أنبأ أبو طاهر بن يوسف أنبأ أبو بكر بن بشران ثنا علي ابن عمر ثنا محمد بن عمرو البختري ثنا أحمد بن الخليل ثنا الواقدي ثنا عبد الله بن جعفر الزهري عن عبد الله بن أبي سفيان عن أبيه عن ابن عباس قال : أسلم غيلان بن سلمة ، وتحته عشرة نسوة ، فأمره النبي أن يمسك أربعاً ، ويفارق سائرهن .
1821 - قال الدارقطني : وثنا أبو بكر النيسابوري ثنا أحمد بن الأزهر ثنا وهب بن جرير ثنا أبي قال : سمعت يحيى بن أيوب قال : حدثني يزيد بن أبي حبيب عن أبي وهب الجيشاني عن الضحاك بن فيروز الديلمي عن أبيه قال : قلت : يا رسول الله إني أسلمت ، وتحتي أختان ، فقال رسول الله : ' طلق أيتهما شئت ' .
هذا الحديث أثبت من الذي قبله ؛ لأن ذاك فيه الواقدي ، وقد كذبوه .
ز : ورواه أبو داود ( 2 ) .
وقال البيهقي : (1) ( 3 ) .
رواه الترمذي ابن ماجة ( 4 ) ، لكن قال البخاري : الضحاك بن فيروز عن أبيه عن وهب الجيشاني لا نعرف سماع بعضهم من بعض .
____________________
1- إسناده صحيح
(3/183)
مسألة [ 629 ] :
إذا هاجرت الحربية بعد الدخول وقعت الفرقة على انقضاء العدة .
وقال أبو حنيفة : تقع الفرقة باختلاف الدارين .
لنا : أن عكرمة وصفوان ، هربا يوم الفتح إلى الطائف والساحل ، فأسلمت امرأتاهما ، وأخذتا لهما الأمان ، وأسلم أبو سفيان بمر الظهران ، وامرأته مقيمة بمكة ، وأقرهم النبي ، وكان البحر والطائف والساحل دار شرك .
مسألة [ 630 ] :
أنكحة الكفار صحيحة . وقال مالك : باطلة .
1822 - قال الحارث بن أبي اسامة ثنا محمد بن سعد أنبأ محمد بن عمر الأسلمي قال : حدثني محمد بن عبد الله بن مسلم عن عمه الزهري عن عروة عن عائشة قالت : قال رسول الله : ' خرجت من نكاح غير سفاح ' .
ز : وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه ، رواه البيهقي ( 1 ) عن المديني عن أبي الحويرث عن ابن عباس قال : قال رسول الله : ' ليس من نكاح أهل الجاهلية شيء إلا بالإسلام ' كذا روي عن فليح بن سليمان ، والظاهر أنه إبراهيم بن أبي يحيى والد علي بن المديني وهو ضعيف .
وأبو الحويرث اسمه عبد الرحمن بن معاوية ، وهو متكلم فيه .
____________________
(3/184)
مسألة [ 631 ] :
نكاح الشغار بباطل .
وقال أبو حنيفة : ليس باطل .
وصفة الشغار أن يقول : زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك بغير صداق .
وقال الشافعي : هذه صفته ، وأن تقول : وبضع كل واحدة منهما مهر الأخرى ، فإن لم تقل فالنكاح صحيح .
1823 - قال أحمد : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله نهى عن الشغار .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
مسألة [ 632 ] :
إذا تزوج امرأة ، وشرط لها دارها وأن لا يتسرى عليها فمتى لم يف كان لها الخيار .
خلافاً لأكثرهم ، في قولهم : لا يثبت لها الخيار .
1824 - قال أحمد : ثنا يحيى بن سعيد عن عبد الحميد بن جعفر قال : حدثني يزيد ابن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني عن عقبة بن عامر أن رسول الله قال : ' إن
____________________
(3/185)
أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج ' .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
احتجوا بما :
1825 - قال أحمد : ثنا إسحاق بن عيسى قال : حدثني ليث قال : حدثني ابن شهاب عن عروة عن عائشة عن النبي أنه قال : ' ما بال أناس يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله ، من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فليس له وإن شرط مائة شرط ؛ شرط الله أحق ، وأوثق ' .
أخرجاه في الصحيحين ( 2 ) .
وجوابه : أنا نقول به ، ولا نسلم أن هذا الشرط ليس في كتاب الله ، فإنه قال تعالى : ( ^ أوفوا بالعقود ) . وقال النبي : ' من شرط شرطاً لزمه الوفاء به ' .
مسألة [ 633 ] :
إذا تزوج امرأة على أنه متى أحلها للأول طلقها لم يصح .
وقال أبو حنيفة : يصح ، ويبطل الشرط .
1826 - قال أحمد : ثنا الفضل بن دكين ثنا سفيان عن أبي قيس عن هزيل بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود قال : لعن رسول الله المحلل والمحلل له .
قال الترمذي ( 3 ) : (1) ، وأبو قيس اسمه عبد الرحمن بن ثروان .
ز : وقد صنف شيخنا الإمام العلامة حجة الله في أرضه العالم الرباني أحمد بن تيمية كتاباً في هذه المسألة جليلاً سماه : كتاب بيان الدليل على إبطال التحليل ينبغي لكل لبيب أن
____________________
1- هذا حديث صحيح
(3/186)
ينظر فيه ؛ فإنه سقط فيه على الخير ، فرحمه الله ، ورضي عنه ، وجعل الجنة منقلبه ومأواه .
مسألة [ 634 ] :
يفسخ النكاح بالجنون ، والجذام ، والبرص ، والقرن ، والفتق ، والجب ، والعنة .
ووافق الشافعي ، ومالك إلا في العنة .
1827 - قال سعيد بن منصور ثنا أبو معاوية ثنا جميل بن زيد الطائي عن زيد بن كعب ابن عجرة قال : تزوج رسول الله امرأة من بني غفار ، فلما دخلت عليه ، وضعت ثيابها ، فرأى بكشحها بياضاً فقال : ' البسي ثيابك ، وألحقي بأهلك ' .
قال سعيد : ثنا هشيم ثنا يحيى بن سعيد ثنا سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال : أيما رجل تزوج امرأة فدخل بها ، فوجدها برصاء ، أو مجنونة ، أو مجذومة ، فلها الصداق بمسيسه إياها ، وهو له على من غرّه منها .
ز : هذا الحديث مروي عن جميل بن زيد الطائي عن زيد بن كعب بن عجرة ، وجميل بن زيد ليس بثقة قاله يحيى بن معين . وقال النسائي : ليس بالقوي .
وقال البخاري : لا يصح حديثه ، يعني زيد بن كعب . وقد روى أبو بكر بن عياش عن جميل بن زيد قال هذه أحاديث ابن عمر ، ما سمعت من ابن عمر شيئاً ، وقال الإمام أحمد في المسند : ثنا القاسم بن مالك المدني أبو جعفر قال أخبرني جميل بن زيد : صحبت شيخناً من الأنصار ذكر أنه كانت له صحبة ، يقال له كعب بن زيد أو زيد بن كعب فحدثني أن رسول الله تزوج امرأة من بني غفار فلما دخل وضع ثوبه وقعد على الفراش ، أبصر بكشحها بياضاً فقام عن الفراش ، وقال : ' خذي عليك ثيابك ( 1 ) ' ولم يأخذ مما آتاها شيئاً .
____________________
(3/187)
وقد روى سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال : أيما رجل تزوج امرأة ، ودخل بها ، فوجدها برصاء أو مجنونة أو مجذومة فلها الصداق بمسه إياها .
1828 - قال الدارقطني : ثنا محمد بن مخلد ثنا عيسى بن أبي حرب ثنا يحيى بن أبي بكير ثنا شعبة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال : قضى عمر في البرصاء ، والجذماء ، والمجنونة إذا دخل بها فرق بينهما ، والصداق لها بمسيسه إياها ، وهو له على وليها .
قال : قلت له : أنت سمعته ؟ قال : نعم .
ز : وقد روى نحو هذا مالك ( 1 ) عن يحيى بن سعيد ، وعيسى هو ابن موسى بن أبي حرب الصفار ، وهو ثقة . قال : قال أبو داود : نقول أكثر الله في الناس مثله .
مسألة [ 635 ] :
إذا أعتقت الأمة تحت حر لم يثبت لها الخيار .
وقال أبو حنيفة : لها الخيار .
1829 - قال الترمذي : ثنا علي بن حجر أنبأ جرير بن عبد الحميد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ، قالت : كان زوج بريرة عبداً ، فخيرها رسول الله فاختارت نفسها .
ولو كان حراً لم تخير .
1830 - قال الترمذي : وثنا هناد ، قال : ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود كان زوج بريرة حرا فخيرها رسول الله .
____________________
(3/188)
الحديثان صحيحان ، ولكن قد قال البخاري : قول الأسود منقطع ، ثم إن راوية عروة عن عائشة ، وهي خالته ، والقاسم عنها ، وهي عمته أول من البعيد .
ز : اما حديث جرير عن هشام ، وهو الحديث الأول رواه عن عروة عن أبيه عن عائشة . رواه مسلم ، وأبو داود ورواه النسائي ( 1 ) ، وفي آخره قال عروة : ولو كان حراً ما خيرها رسول الله .
وحديث الأعمش عن إبراهيم رواه ابن ماجة ( 2 ) عن أبي بكر بن أبي شيبة أنها أعتقت بريرة فخيرها النبي وكان لها زوج حر .
وقال البيهقي ( 3 ) : وقد روى ابن إسحاق عن أبان بن صالح عن مجاهد عن عائشة أن زوج بريرة كان عبداً ، وكذا رواه الدارقطني .
وقوله : ' وكان زوجها ' من قول الأسود لا من قول عائشة ، ثم ذكر الدليل على ذلك .
وقال البخاري : قول الأسود منقطع ، وقول ابن عباس : رأيته عبداً أصح .
وقال إبراهيم بن أبي طالب : خالف الأسود بن يزيد الناس في زوج بريرة أنه حر ، وقال الناس : إنه عبد .
وكذا رواه البيهقي ، وقال : إن زوج بريرة كان مملوكاً لآل أبي احمد ، وليس ذاك بشيء .
____________________
(3/189)
فصل
فإن أعتقت تحت عبد فلها الخيار ما لم تمكنه من وطئها .
وعن الشافعي كقولنا ، وعنه لها الخيار إلى ثلاث .
وعنه : إن لم تخيّر على الفور فلا خيار لها .
1831 - قال أحمد : ثنا هشيم ثنا خالد عن عكرمة : عن ابن عباس قال : لما خّيرت بريرة رأيت زوجها يتبعها في سكك المدينة ، ودموعه تسيل على لحيته ، وكلّم العباس ليكلم في رسول الله فقال رسول الله : ' يا بريرة إنه زوجك ' قالت : تأمرني به يا رسول الله ؟ قال : ' إنما أنا شافع ' . قال : فخيرها ، فاختارت نفسها ، وكان عبداً لآل المغيرة يقال له : مغيث .
1832 - قال أحمد : وثنا يحيى بن إسحاق ثنا ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر عن الفضل بن عمرو بن أمية عن أبيه قال : سمعت رجالاً يتحدثون عن النبي أنه قال : ' إذا أعتقت الأمة فهي بالخيار ما لم يطأها ، إن شاءت فارقته ، وإن وطأها فلا خيار لها ، ولا تستطيع فراقه ' .
ز : هكذا روى أحمد عن ابن لهيعة عن الفضل ، وابن لهيعة لا يحتج به ، والفضل ليس بذاك المشهور . قال ابن أبي حاتم : الفضل بن عمرو بن أمية روى عن أبيه عمرو بن أمية وروى عنه صالح بن كيسان وقد روى النسائي نحو هذا الحديث عن أحمد بن عبد الواحد عن مروان بن محمد عن الليث عن عمرو بن أمية الضمري أن رجالاً من أصحاب النبي حدثوه به .
قال النسائي : هذا عندي (1) .
1833 - قال سعيد بن منصور : ثنا سفيان عن الزهري :
عن سالم أن أمة لبني عدي بن كعب أعتقت ، ولها زوج ، فقالت لها حفصة : إني مخبرتك بشيء ، وما أحب أن تفعلينه ، لك الخيار ما لم يمسك زوجك ، فإذا مسك فلا خيار
____________________
1- حديث منكر
(3/191)
لك . قالت : فاشهدي أني قد فارقته ، ثم فارقته .
مسألة [ 636 ] :
لا يحل للرجل إتيان المرأة في الدبر .
ويحكى عن مالك جواز ذلك . وأكثر أصحابه ينكرون هذا مذهباً له .
1834 - قال أحمد : ثنا عفان ثنا وهيب ثنا سهيل عن الحارث بن مخلد : عن أبي هريرة عن النبي قال : ' لا ينظر الله عز وجل إلى رجل جامع امرأته في دبرها ' .
وقد روى النهي عن هذا جماعة من الصحابة عن رسول الله ، منهم عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وابن مسعود ، وأبو ذر ، وجابر بن عبد الله ، وعبد الله بن عمرو ، وعبد الله بن عباس والبراء بن عازب ، وعقبة بن عامر ، وخزيمة بن ثابت ، وطلق ابن علي .
وقد روي النهي عن ذلك عن جماعة من الصحابة ، والتابعين .
وقد ذكرت جميع ذلك في جزء أفردت فيه هذه المسألة مستوفاة .
ز : رواه النسائي وابن ماجة أيضاً ورواه أبو داود ( 1 ) ، ولفظه : ' ملعون من أتى إمرأة ' في دبرها ' وهو حديث جيد الإسناد .
وقد روي عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة ، وعن محمد بن المنكدر عن جابر قال : قال رسول الله : ' استحيوا إن الله لا يستحي من الحق ، لا يحل أن يؤتى النساء في حشوشهن ' هكذا رواه إسماعيل بن عياش عن سهل ، وإسماعيل ضعيف والصواب حديث أبي هريرة .
وقد روى النسائي في مسنده الكبير أحاديث مرفوعة أنه من أتى امرأة في دبرها فهو كافر .
____________________
(3/192)
مسائل الصداق
مسألة [ 637 ] :
لا يتقدر أقل المهر .
وقال أبو حنيفة ، ومالك : يتقدر بما يقطع به السارق ، مع اختلافهما في ذلك .
وقد استدل أصحابنا بأربعة أحاديث :
1835 - الحديث الأول : قال الترمذي ثنا محمد بن بشار ثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي ومحمد بن جعفر قالوا : ثنا شعبة عن عاصم بن عبيد الله قال : سمعت عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه أن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين فقال رسول الله : ' أرضيت من نفسك ومالك بنعلين ؟ ' قالت : نعم ، فأجازه .
1836 - الحديث الثاني : قال أحمد : ثنا يونس ثنا صالح بن مسلم بن رومان قال : أحبرني ابن الزبير : عن جابر بن عبد الله أن رسول الله قال : ' لو أن رجلاً أعطى امرأة صداقها ملء يديه طعاماً كانت له حلالاً ' .
1837 - طريق آخر : قال الدارقطني : ثنا أبو بكر النيسابوري قال : ثنا أحمد بن منصور ثنا يزيد بن هارون أنبأ موسى بن مسلم بن رومان عن أبي الزبير عن جابر قال : قال رسول الله : ' من اعطى في نكاح ملء كف فقد استحل ' .
قال : من دقيق أو طعام أو سويق .
____________________
(3/193)
1838 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : وثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا الحسن بن عرفة ثنا إسماعيل بن عياش عن برد بن سنان عن أبي هارون العبدي : عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله قال : ' لا يضر أحدكم أبقليل من ماله تزوج أم بكثير بعد أن يشهد ' .
1839 - الحديث الرابع : قال الدارقطني : وثنا محمد بن مخلد ثنا أحمد بن منصور ثنا عمرو بن خالد الحراني ثنا صالح بن عبد الجبار عن محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني عن أبيه : عن ابن عباس قال : قال رسول الله : ' أنكحوا الأيامي ، وأدوا العلائق ' قيل : ما العلائق بينهم يا رسول الله ؟ قال : ' ما تراض عليه الأهلون ، ولو قضيب من أراك ' .
هذه الأحاديث كلها معلولة .
أما الأول : ففيه عاصم بن عبيد الله ، قال يحيى بن معين : ضعيف ، لا يحتج بحديثه .
وقال ابن حبان : كان فاحش الخطأ ؛ فترك .
وأما الثاني : فيرويه صالح بن مسلم . وقد ضعفه يحيى والرازي .
وقد رواه عاصم عن صالح أيضاً ، وإنما يزيد بن هارون سماه موسى بن مسلم ، ولا يُعرف موسى .
وقد رواه ابن مهدي عن صالح عن أبي الزبير عن جابر موقوفاً .
ورواه الدارقطني من حديث عبد الله بن المؤمل عن أبي الزبير عن جابر قال : إن كنا لننكح المرأة على الحفنة والحفنتين من الدقيق .
وقد قال أحمد : أحاديث ابن المؤمل مناكير .
وقال يحيى : هو ضعيف الحديث .
وأما الحديث الثالث ففيه إسماعيل بن عياش ، وقد ضعفوه . وقال ابن حبان : خرج عن حد الاحتجاج به . وفيه أبو هارون العبدي ، واسمه عمارة بن جوين . قال حماد بن زيد : كان كذاباً . وقال أحمد : ليس بشيء . وقال شعبة : لأن أقدم فتضرب عنقي أحب إلي من أن أحدّث عنه . وقال السعدي : كذاب مفتر . وأما الحديث الرابع ففيه محمد بن عبد الرحمن ، قال يحيى : ليس بشيء . وقال ابن حبان : حدث عن أبيه بنسخة شبيهاً بمائتي حديث كلها موضوعة . وقال أبو حاتم الرازي : هو منكر وأبوه لين .
____________________
(3/194)
والحديث الصحيح الذي يحتج به : حديث سهل بن سعد في الواهبة نفسها ، وقد سبق في مسألة انعقاد النكاح بلفظ الهبة .
ز : والحديث الأول هو عن عامر بن ربيعة ، وقد رواه أحمد ، ورواه ابن ماجه ، ورواه الترمذي ( 1 ) وقال : (1) .
وحديث جابر ( 2 ) رواه أبو داود .
وحديث أبي سعيد لم يخرجوه ، وهو موقوف على ابن عمر [ وأما حديث ] : ' أنكحوا الأيام ' ، قالوا يا رسول الله : وما العلائق ؟ قال : ' ما تراضى عليه أهلوهم ' ( 3 ) .
ففي سنده محمد بن عبد الرحمن وهو ضعيف كما تقدم .
ومحمد بن الحارث ضعفه مالك ، وأبو حنيفة .
1840 - قال الدارقطني : ثنا أحمد بن عيسى بن السكين البلدي ثنا زكريا بن الحكم الرسعني قال : ثنا أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج ثنا مبشر بن عبيد قال : حدثني الحجاج ابن أرطأة عن عطاء ، وعمرو بن دينار : عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله : ' لا تنكحوا النساء إلا الأكفاء ، ولا تزوجهن إلا الأولياء ، ولا مهر أقل من عشرة دراهم ' .
قد روينا هذا الحديث من طرق ، مدارها كلها عل مبشر بن عبيد .
قال أحمد بن حنبل : مبشر ليس بشيء ، أحاديثه موضوعات ، كذاب يضع الحديث .
وقال الدارقطني : يكذب .
وقال ابن حبان : يروي عن الثقات الموضوعات ؛ لا يحل كتب حديثه إلا على سبيل التعجب .
وقد رووا مثل هذا عن علي عليه السلام موقوفاً .
1841 - قال الدارقطني : وثنا الحسين بن يحيى بن عياش ثنا علي بن إشكاب ثنا محمد بن ربيعة ثنا داود الأودي : عن الشعبي قال : قال علي عليه السلام : لا يكون مهر أقل
____________________
1- حديث حسن صحيح
(3/195)
من عشرة دراهم .
قال يحيى بن معين : داود ليس حديثه بشيء . قال ابن حبان : كان داود يقول بالرجعة . ثم إن الشعبي لم يسمع من علي .
1842 - قال الدارقطني : حدثنا دعلج ثنا محمد بن إبراهيم الكناني قال : سمعت ابا سيار البغدادي قال : سمعت أحمد بن حنبل يقول لقن غياث بن إبراهيم داود الأودي عن على الشعبي ، عن علي : لا مهر أقل من عشرة دراهم صار حديثاً .
وقال أحمد ، والبخاري ، والدارقطني : غياث بن إبراهيم متروك . وقال يحيى : ليس بثقة ؛ كان كذاباً . وقال ابن حبان : يضع الحديث .
وقد روى الخصم عن عليّ رواية أخرى .
1843 - قال الدارقطني : ثنا علي بن الفضل بن طاهر البلخي ثنا عبد الصمد بن مفضل ثنا علي بن محمد المنجوري ثنا الحسن بن دينار عن عبد الله الداناج عن عكرمة عن ابن عباس : عن علي قال : لا مهر أقل من خمسة دراهم .
قال أحمد : الحسن بن دينار لا يكتب حديثه . وقال يحيى : ليس بشيء . وقال أبو حاتم الرازي : متروك ، كذاب . وقال الفلاس : أجمع أهل العلم على أنه لا يُروى عنه .
مسألة [ 638 ] :
لا يجوز أن يجعل تعليم القرآن صداقاً .
وعنه الجواز كقول مالك والشافعي .
1844 - قال سعيد بن منصور : ثنا أبو معاوية ثنا أبو عرفجة بن الفايش : عن أبي
____________________
(3/196)
النعمان الأزدي قال : زوّج رسول الله امرأة على سورة من القرن ثم قال : ' لا تكون لأحد بعدك مهراً .
1845 - قال ابو داود ثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء ثنا أبي ثنا محمد بن راشد : عن مكحول أن رسول الله زوّج رجلاً على ما معه من القرآن قال : وكان مكحول يقول : ليس ذلك لأحد بعد رسول الله .
احتجوا بحديث سهل بن سعد ، وقوله : ' زوجتكما على ما معك من القرآن ' وقد سبق بإسناده .
وهذا إنما كان لضرورة الفقر في اول الإسلام .
1846 - قال الدارقطني : ثنا أبو عبيد القاسم بن إسماعيل ثنا القاسم بن هاشم السمسار ثنا عتبة بن السكن ثنا الأوزاعي ثنا محمد بن عبد الله بن أبي طلحة قال : أخبرني زياد بن أبي زياد قال : حدثني عبد الله بن سخبرة عن ابن مسعود أن امرأة أتت النبي فقال : يا رسول الله را فيّ رأيك . فقال : ' من ينكح هذه ؟ ' فقام رجل عليه بردة عاقدها في عنقه ، فقال : أنا يارسول الله . قال : ' ألك مال ؟ ' قال : لا ، قال : ' اجلس ' . ثم جاءت امرأة أخرى فقالت : يا رسول اله رافي رأيك فقال : ' من ينكح هذه ؟ ' فقام ذلك الرجل فقال : أنا يا رسول الله . قال : ' ألك مال ؟ ' قال : لا . قال : ' اجلس ' . ثم جاءت الثالثة فذكر مثل ذلك فقال : ' هل تقرأ من القرآن شيئاً ؟ ' قال : نعم ؛ سورة البقرة ، وسورة المفصل ، فقال : ' قد أنكحتكها على أن تقرئها ، وتعلمها ، وإذا رزقك الله عوضها ' فتزوجها الرجل على ذلك .
قال الدارقطني : تفرد به عتبة بن السكن ، وهو متروك .
ز : لم يخرجه أحد من أهل السنن . قال شيخنا : عتبة بن السكن لا ينسب إلى الوضع ، ومن نسبه إلى الوضع فهو باطل لا أصل له .
مسألة [ 639 ] :
يجب للمقبوضة مهر المثل بالعقد ، ويستقر بالموت .
وقال مالك : لا يجب لها شيء .
____________________
(3/197)
وقال الشافعي : لا يجب بالعقد شيء ، وفي وجوبه بالموت قولان .
لنا أنه لو لم يجب بالعقد لم يجب بالوطء ، ولنا على استقراره بالموت .
1847 - قال أحمد : ثنا يزيد بن هارون أنبأ سفيان عن منصور عن إبراهيم : عن علقمة قال : أتي عبد الله في امرأة تزوجها رجل ، ثم مات عنها ، ولم يفرض لها صداقاً ، ولم يكن دخل بها ، فاختلفوا إليه ، فقال : أرى لها مثل صداق نسائها ، ولها الميراث ، وعليها العدة .
فشهد معقل بن سنان الأشجعي أن النبي قضى لبروع بنت واشق بمثل ما قضى .
قال الترمذي ( 1 ) : (1) .
ز : وقد روى أصحاب السنن هذا الحديث من حديث سفيان ( 2 ) .
وقال الشافعي : وقد روي عن النبي - بأبي هو وأمي - أنه قضى في بروع بنت واشق - ونكحت بغير مهر فمات زوجها - فقضى لها بمثل مهر نسائها ، وقضى لها بالميراث ، فإن كان ثبت عن النبي فهو أولى الأمور بنا ، ولا حجة في قول أحد دون النبي ولا في قياس ولا رأي ، ولا في شيء ، وليس في قوله إلا طاعة الله بالتسليم له ، وإن كان لا يثبت عن النبي لم يكن لأحد أن يثبت عنه ما لم يثبت ، ولم أحفظه عن وجه يثبت مثله ، هو مرة يقال عن معقل بن يسار ، ومرة عن معقل بن سنان ، ومرة عن بعض أشجع لا يسمى . وقال : إن صح حديث بروع بنت واشق قلت به .
قال الحاكم : لو حضرت الشافعي لقمت إليه على رؤوس أصحابه ، وقلت : قد صح الحديث فقل به .
____________________
1- هذا حديث صحيح
(3/198)
قال البيهقي : وشيخنا أبو عبد الله إنما حكم بصحة الحديث لأن الثقة قد سمى فيه رجلاً من الصحابة ، وهو معقل بن سنان ، وهذا الخلاف في تسمية من روى قصة بروع بنت واشق عن النبي لا يوهن الحديث ؛ فإن أسانيد هذه الروايات صحيحة ، وفي بعضها أن جماعة من أشجع شهدوا بذلك ، فبعضهم سمى هذا ، وبعضهم سمى هذا - يعني آخر - وكلهم ثقات ، ولولا الثقة لمن رواه عن النبي لما كان عبد الله ابن مسعود يفرح بروايته ، فإنه لما شهد عنده أن النبي قضى بمثل ما قضيت فرح بذلك فرحاً شديداً .
مسألة [ 640 ] :
يثبت المسمى في النكاح الفاسد .
وقال الشافعي : يثبت مهر المثل .
وقال أبو حنيفة : يثبت الأقل من المسمى ، أو مهر المثل .
لنا حديث عائشة عن النبي : ' أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فإن أصابها فلها المهر بما أصاب منها ' .
وقد ذكرناه بإسناده في أول كتاب النكاح .
مسألة [ 641 ] :
الخلوة الصحيحة تقرر المهر .
قال مالك والشافعي : لا تكتمل إلا بالوطء .
____________________
(3/199)
1848 - قال الدارقطني : ثنا أبو بكر الشافعي ثنا محمد بن شاذان ثنا معلى بن منصور ثنا ابن لهيعة ثنا أبو الأسود : - عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان قال : قال رسول الله ' من كشف خمار امرأة ، ونظر إليها وجب الصداق ، دخل بها أو لم يدخل ' .
قال معلى : وثنا ابن أبي زائدة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن عمر قال : من أغلق باباً ، وأرخى ستراً فقد وجب الصداق .
قال معلى : وثنا شريك عن ميسرة عن المنهال عن عباد بن عبد الله عن عليّ قال : إذا أغلق باباً ، وأرخى ستراً ، أو رأى عورة فقد وجب عليه الصداق .
فإن قيل : الحديث الأول مرسل ، ثم فيه ابن لهيعة وهو ضعيف .
قلنا : المراسيل عندنا حجة ، وابن لهيعة قد روى عنه العلماء .
ز : عباد بن عبد الله الراوي عن علي هو الأسدي الكوفي وقد قال البخاري : فيه نظر ، وقد ضعفه ابن المديني ، لكن لم ينفرد بهذا الحديث عن علي عليه السلام ؛ فقد جاء عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن عن الأحنف أن عمر وعلياً قالا : إذا أغلق باباً ، وأرخى ستراً فقد وجب الصداق كاملاً ، وعليها العدة .
وقال سعيد بن منصور ( 1 ) : ثنا هيثم ثنا عوف عن زرارة بن أوفى قال : قضى الخلفاء الراشدون المهديون أنه من أغلق باباً أو أرخى ستراً فقد وجب الصداق والعدة .
قال البيهقي : هذا مرسل ، زرارة لم يدركهم ، وقد روينا عن عمر وعلي رضي الله عنهما موصولاً ، ومرسلاً عن محمد بن ثوبان ، لم ينفرد به ابن لهيعة ، فقد رواه أبو داود في المراسيل ( 2 ) عن قتيبة بن سعيد عن الليث عن عبد الله بن أبي جعفر عن صفوان بن سليم عن محمد بن ثوبان ولفظه : ' من كشف امرأة فنظر إلى عورتها فقد وجب الصداق ' .
____________________
(3/200)
مسائل الوليمة والقسمة والنشوز
مسألة [ 642 ] :
نثار العرس مكروه .
وعنه لا يكره كقول أبي حنيفة .
لنا أربعة أحاديث :
1849 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا وكيع ثنا شعبة عن عدي بن ثابت قال : سمعت عبد الله بن يزيد يحدث قال : نهى رسول الله عن النهبة والمثلة .
انفرد بإخراجه البخاري ( 1 ) .
1850 - الحديث الثاني : قال أحمد : وثنا هاشم بن القاسم عن ابن أبي ذئب قال : حدثني مولى لجهينة عن عبد الرحمن بن زيد بن خالد : عن أبيه أنه سمع النبي : نهى عن النهبة والخُلسَة .
1851 - الحديث الثالث : قال أحمد : وثنا إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ثنا الحارث بن عمير عن حميد الطويل عن الحسن : عن عمران بن حصين أنّ النبي قال : ' من انتهب فليس منا ' .
ز : هذا مروي عن الحارث ( 2 ) ، وقد تقدم الطعن فيه .
1852 - الحديث الرابع : قال الترمذي ثنا محمود بن غيلان ثنا عبد الرزاق عن معمر
____________________
(3/201)
عن ثابت : عن أنس قال : قال رسول الله : ' من انتهب فليس منا ' .
قال الترمذي : (1) .
ز : وقد رواه ابن حبان ( 1 ) عن عبد الرزاق ، وقال الدارقطني ( 2 ) : تفرد به معمر عن ثابت .
وقال أبو حاتم الرازي : هذا الحديث منكر جداً والله أعلم .
وقد احتج الطحاوي ( 3 ) بحديث ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل أن رسول الله كان في أملاك فجاءت الجواري معهن الأطباق عليها اللوز والسكر ، فأمسك القوم ايديهم فقال : ' ألا تنتهبون ؟ ' قالوا : إنك كنت نهيت عن النهبة ، قال : تلك كانت نهبة العساكر ، وأما العرسات فلا . قال : فرأيت رسول الله يجاذبهم ويجاذبونه ، وقد انكر البيهقي هذا الحديث ، وقال : هو من رواية عون بن عمارة ، وعصمة بن سليمان وكلاهما لا يحتج به ، عن المنارة بن المغيرة وهو مجهول ، عن ثور قال : وخالد بن معدان عن معاذ منقطع والله اعلم .
مسألة [ 643 ] :
الأمة على النصف من الحرة في القسم . وقال داود : هما سواء . وعن مالك كالمذهبين .
1853 - قال الدارقطني : ثنا دعلج ثنا محمد بن علي بن زيد ثنا سعيد بن منصور ثنا هشيم قال : ثنا ابن أبي ليلى عن المنهال عن عباد بن عبد الله الأسدي : عن علي أنه كان يقول : إذا تزوج الحرّة على الأمة للأمة الثلث ، وللحرة الثلثين .
____________________
1- هذا حديث صحيح
(3/202)
1854 - قال سعيد بن منصور : ثنا هشيم أنبأ داود بن ابي هند قال : سمعت ابن المسيب يقول : تنكح الحرة على الأمة ، ولا تنكح الأمة على الحرة ، ويقسم بينهما الثلث للأمة ، والثلثان للحرّة .
مسألة [ 644 ] :
يفضل البكر بسبع ، والثيب بثلاث .
وقال أبو حنيفة ، وداود : يقضى في حق الجميع .
1855 - قال أحمد : ثنا يحيى بن سعيد عن سفيان قال : حدثني محمد بن أبي بكر عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبيه عن أم سلمة أن رسول الله لّما تزوجها أقام عندها ثلاثة أيام ، وقال : ' إنه ليس بك على أهلك هوان ، وإن شئتِ سبّعت لك ، وإن سبعت لك سبعت لنسائي ' .
انفرد بإخراجه مسلم ( 1 ) .
1856 - قال الدارقطني : ثنا البغوي ثنا حاجب بن الوليد ثنا محمد بن سلمة عن أبي إسحاق عن أيوب عن ابي قلابة : عن أنس قال : سمعت رسول الله يقول : ' للبكر سبعة أيام ، وللثيب ثلاث ، ثم يعود إلى نسائه ' .
1857 - قال الترمذي : أنبأ يحيى بن خلف ثنا بشر بن المفضل ثنا خالد الحذاء عن أبي قلابة : عن أنس بن مالك قال : لو شئت أن أقول : قال رسول الله ، ولكنه قال :
____________________
(3/203)
السنّة إذا تزوج الرجل البكر على امرأته أقام عندها سبعاً ، وإذا تزوج الثيب على امرأته أقام عندها ثلاثة .
قال الترمذي : (1) .
____________________
1- هذا حديث صحيح
(3/204)
من مسائل الخلع
مسألة [ 645 ] :
يكره الخلع بأكثر من المهر ، ويصح .
وقال أكثرهم : لا يكره .
1858 - قال الدارقطني : ثنا أبو بكر النيسابوري ثنا يوسف بن سعيد ثنا حجاج : عن ابن جريج قال : أخبرني أبو الزبير أنّ ثابت بن قيس بن شماس كانت عنده بنت عبد الله بن أبيّ بن سلول ، وكان أصدقها حديقة ، فكرهته ، فقال النبي : ' أتردين عليه حديقته التي أعطاك ؟ ' قالت : نعم ، وزيادة ، فقال النبي : ' أما الزيادة فلا ، ولكن حديقته ' . قالت : نعم ، فأخذها له ، وخلى سبيلها .
فلما بلغ ذلك ثابت بن قيس قال : قد قبلت قضاء رسول الله .
(1) .
قال الدارقطني : سمعه ابو الزبير من غير واحد .
ز : (1) ، وحديث سفيان عن ابن جريج عن عطاء أن النبي قال : ' لا يأخذ من المختلعة أكثر مما أعطاها ' .
رواه الدارقطني ، ورواه أبو داود في المراسيل ( 1 ) عن ابن جريج عن عطاء أن امرأة جاءت إلى النبي تشكو زوجها فقال :
____________________
1- إسناد صحيح
(3/205)
' أتردين عليه حديقته ؟ ' قالت : نعم وزيادة ، قال : ' أما الزيادة فلا ' .
1859 - قال الدارقطني : وثنا أبو بكر الشافعي ثنا بشر بن موسى . قال : ثنا الحميدي ثنا سفيان . قال : ثنا ابن جريج عن عطاء أن النبي قال : ' لا يأخذ من المختلعة أكثر مما أعطاها ' .
ز : رواه البيهقي ( 1 ) وروي أيضاً عن سفيان عن ابن جريج عن عطاء أن النبي نهى أن يأخذ من المختلعة أكثر مما أعطاها . 31860 - احتجوا بما أخبرنا قال الدارقطني : قرئ على أبي القاسم بن منيع وأنا أسمع حدثكم أبو حفص عمر بن زرارة ثنا مسروح بن عبد الرحمن عن الحسن بن عمارة عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري قال : كانت أختي تحت رجل من الأنصار تزوجها على حديقة فكان بينهما كلام ، فارتفعا إلى النبي فقال : ' تردين عليه حديقته ، ويطلقك ؟ ' قالت : نعم ، وأزيده . قال : ' ردّي عليه حديقته ، وزيديه ' .
والجواب : إن هذا الحديث لا يصح ؛ أما عطية فقد ضعفه الثوري ، وهشيم ، وأحمد ، ويحيى ، وقال ابن حبان : لا يحل كتب حديثه إلاّ على التعجب .
وأما الحسن بن عمارة فقال شعبة : هو كذاب ؛ يحدث بأحاديث قد وضعها .
وقال يحيى : يكذب .
وقال أحمد ، والرازي ، والنسائي ، والفلاس ، ومسلم بن الحجاج ، والدارقطني : هو متروك .
وقال زكريا الساجي : أجمعوا على ترك حديثه .
____________________
(3/206)
مسائل الطلاق
مسألة [ 646 ] :
لا يصح عقد الطلاق قبل النكاح ، وفي العتاق روايتان .
وقال أبو حنيفة : يصح . وقال مالك : يصح ، وفي خصوصهن دون عمومهن .
لنا ستة أحاديث :
1861 - الحديث الأول : قال أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ثنا سعيد عن مطر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي قال : ' ليس على رجل طلاق فيما لا يملك ، ولا عتاق فيما لا يملك ، ولا بيع فيما لا يملك ' .
1862 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : ثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن نيروز ثنا عمرو بن علي ثنا عبد العزيز بن عبد الصمد ثنا مطر الوراق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن معاذ بن جبل أن رسول الله قال : ' لا يجوز طلاق ، ولا عتاق ، ولا بيع ، ولا وفاء نذر فيما لا يملك ' .
1863 - طريق آخر : قال الدارقطني : وثنا محمد بن الحسين الحراني ثنا أحمد بن يحيى ابن زهير ثنا عبد الرحمن بن سعد أبو أمية ثنا إبراهيم أبو إسحاق الضرير ثنا يزيد بن عياض عن الزهري عن سعيد بن المسيب : عن معاذ بن جبل ، قال : قال رسول الله ' لا طلاق إلاّ بعد نكاح ، وإن سميت المرأة بعينها ' .
____________________
(3/207)
ز : هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل السنن ، وكلاهما مرسل ، غير أن الإسناد الأول لا بأس بروايته والإسناد الثاني ضعيف ، والله أعلم .
1864 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : وثنا جعفر بن محمد بن نصير ثنا أحمد بن يحيى الحلواني ثنا علي بن قرين ثنا بقية بن الوليد عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان : عن أبي ثعلبة الخشني قال : قال لي عمٌّ لي : اعمل عملاً حتى أزوّجك ابنتي ، فقلت : إن تزوّجتها فهي طالق ثلاثاً ، ثم بدا لي أن أتزوجها ، فأتيت النبي فسألته فقال لي : ' تزوجها ؛ فإنه لا طلاق إلاّ بعد نكاح ' ، فتزوجتها ، فولدت لي أسعد وسعيداً .
ز : قال شيخنا تغمده الله برحمته : هذا حديث باطل ، لا أصل له ، وفي سنده علي بن قرين كذّبه يحيى ابن معين ، وغيره . قال ابن عدي : يسرق الحديث .
1865 - الحديث الرابع : قال الدارقطني : وحدثني أحمد بن محمد بن جعفر الخوزي ثنا محمد بن غالب بن حرب ثنا خالد بن يزيد القرني ثنا عبد الرحمن بن مسهر قال : ثنا أبو خالد الواسطي عن أبي هاشم الرماني عن سعيد بن جبير : عن ابن عمر قال عن رسول الله إنه سئل عن رجل قال : يوم أتزوج فلانة فهي طالق . قال : ' طلق ما لا يملك ' .
ز : قال شيخنا : وهذا أيضاً باطل ، وهو مروي عن أبي خالد الواسطي ، هو عمرو بن خالد يضع الحديث . وقال أحمد ويحيى : هو كذاب ، زاد يحيى : غير ثقة ولا مأمون .
1866 - الحديث الخامس : وبه قال الدارقطني : ثنا محمد بن أحمد بن قطن ثنا الحسن ابن عرفة ، ثنا عمر بن يونس عن سليمان بن أبي سليمان الزهري عن يحيى بن ابي كثير عن طاوس عن ابن عباس قال : قال رسول الله : ' لا نذر إلاّ فيما أطيع الله فيه ، ولا يمين في قطيعة رحم ، ولا عتاق ، ولا طلاق فيما لا يملك ' .
ز : هكذا رواه الدارقطني عن سليمان وهو ابن داود اليماني .
قال ابن معين : ليس يشيء .
وقال البخاري وأبو حاتم : منكر الحديث .
____________________
(3/208)
قال شيخنا : ولا أصل لهذا الحديث ، وقال أيضاً ابن عدي : عامة ما يروية لا يتابعه عليه أحد .
وقوله في الإسناد الزهري فيه نظر ، والله أعلم .
1867 - الحديث السادس : قال الدارقطني : وثنا محمد بن مخلد قال : حدثني إسماعيل بن الفضل البلخي حدثني أحمد بن يعقوب قال : ثنا الوليد بن سلمة الأزدي ثنا يونس عن الزهري عن عروة : عن عائشة قالت : بعث رسول الله أبا سفيان بن حرب على نجران اليمن فكان فيما عهد إليه : أن لا يطلق الرجل ما لا يتزوج ، ولا يعتق ما لا يملك .
وقد روي نحو هذا من حديث علي ، وجابر ، ولكنها طرق مجتنبة بمرة ، وإن كان في هذه الطرق ما يصلح اجتنابه إلا أن تلك ثمرة .
ز : قال شيخنا : هذا الحديث أيضاً لا أصل له ، وفي رجاله الوليد بن سلمة متهم بالكذب . وقال أبو حاتم الرازي : ذاهب الحديث . وقال ابن حبان : يضع الحديث ، وفي إسناده أيضاً علي ، وأحمد بن يعقوب هو البلخي ، وهو صاحب مناكير ، وعليّ قال الأزدي : يضع الحديث .
وقد دونت أحاديث نحو هذا عن علي وجابر ، ولكنها طرق مجتنبة ، وإن كانت هذه أصح ، فإن ما روي عن علي وجابر من الأحاديث المتقدمة .
وفي الباب أيضاً حديث المسور بن مخرمة ، رواه ابن ماجة ( 1 ) ، رواه بسنده إلى الزهري عن عروة ولفظه : ' لا طلاق قبل نكاح ، ولا عتق قبل ملك ' .
مسألة [ 647 ] :
جمع الطلاق الثلاث في طُهْرٍ واحد بدعة .
____________________
(3/209)
وعنه أنه مباح كقول الشافعي :
1868 - قال البخاري : ثنا إسماعيل بن عبد الله : حدثني مالك عن نافع : عن ابن عمر أنه طلق امرأته ، وهي حائض ، فسأل عمر بن الخطاب رسول الله عن ذلك ، فقال : ' مُرْهُ فليراجعها ، ثم ليمسكها حتى تطهر ، ثم تحيض ، ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد ، وإن شاء طلق قبل أن يمس ، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء ' .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
1869 - قال الدارقطني : ثنا علي بن محمد بن عبيد الحافظ ثنا محمد بن شاذان الجوهري ثنا معلى بن منصور ثنا شعيب بن زريق أن عطاء الخراساني حدثهم عن الحسن قال : ثنا عبد الله بن عمر أنه طلق امرأته تطليقة وهي حائض ثم أراد أن يتبعها بتطليقتين أخرتين عند القرءين فبلغ ذلك رسول الله فقال : ' يا بن عمر ما هكذا أمرك الله ؛ إنك قد أخطأت السنة ، والسنة أن تستقبل الطهر فتطلق لكل طهر ' قال : فأمرني رسول الله ، فراجعتها ، ثم قال : ' إذا هي طهرت فطلق عند ذلك ، أو أمسك ' فقلت : يا رسول الله أفرأيت لو أني طلقتها ثلاثاً أكان يحل لي أن أرتجعها ؟ قال : ' لا ، كانت تبين منك ، وتكون معصية ' .
قال أبو حاتم بن حبان الحافظ : لم يشافه الحسن ابن عمر .
ز : وهذا الحديث لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة ، والحديث فيه نكارة ، وفي رجاله عطاء الخراساني . قال ابن حبان : كان عطاء من خيار عباد الله ، غير أنه كان
____________________
(3/210)
رديء الحفظ ، كثير الوهم ، يخطيء ولا يعلم ، فلما كثر ذلك في روايته بطل الاحتجاج به .
وفي سنده أيضاً شعيب بن زريق السامي أبو شيبة المقدسي ، سكن طرسوس ، وهو لين .
لكن قول أبي حاتم : إن الحسن لم يشافه ابن عمر لكن قال الإمام أحمد : إنه سمع من ابن عمر ، رواه صالح ابنه عنه ، وقيل لأبي زرعة : لقي الحسن ابن عمر ؟ قال : نعم .
وقال فهر بن أسد : سمع الحسن من ابن عمر حديثاً .
مسألة [ 648 ] :
إذا قال لزوجته : انت خلية أو برية أو بائن أو بتة أو بتلة ، أو طالق لا رجعة لي فيها ، ولا مثنوية ، وأراد بذلك الطلاق . وقعت ثلاث نوى أو لم ينو .
وقال الشافعي : ترجع إلى نيته فيقع .
1870 - قال الدارقطني : ثنا أحمد بن محمد بن سعيد ثنا أحمد بن يحيى الصوفي ثنا إسماعيل بن أمية القرشي قال : ثنا عثمان بن مطر عن عبد الغفور عن أبي هاشم عن زاذان عن علي قال : سمع النبي رجلاً طلق البتة فغضب ، وقال : ' تتخذون آيات الله هزءاً أو دين الله هزءاً ، أو لعباً ؛ من طلق البتة ألزمناه ثلاثاً لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره ' .
قال الدارقطني : إسماعيل بن أمية كوفي ضعيف الحديث .
____________________
(3/211)
ز : ابن أمية الكوفي هو ضعيف لأنه رواه عن عثمان بن مطر . قال ابن حبان كان ممن يروي الموضوعات عن الإثبات هو وعبد الغفور بن الصباح الواسطي هكذا رواه الدارقطني عن إسماعيل بن أمية الكوفي وهو ضعيف الحديث ؛ لأنه رواه عن عثمان بن مطر ، قال ابن حبان : كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات ، لا يحل الاحتجاج به .
وفيه أيضاً عبد الغفور بن الصباح الواسطي ، قال ابن حبان : كان ممن يضع الحديث على الثقات .
1871 - قال الدارقطني : وثنا البغوي ثنا داود بن رشيد ثنا أبو حفص الأبار عن عطاء ابن السائب عن الحسن : عن علي عليه السلام قال : الخلية ، والبرية ، والبتة ، والبائن ، والحرام ثلاث لا تحل حتى تنكح زوجاً . الحسن لم يسمع من علي .
1872 - قال الترمذي : ثنا هناد ثنا قبيصة عن جرير بن حازم قال : حدثني الزبير بن سعيد الهاشمي عن عبد الله بن علي بن ركانة عن أبيه : عن جده قال : طلقت امرأتي البتة ، فأتيت النبي فقلت : يا رسول الله إني طلقت امرأتي البتة ، قال : ' ما أردت بهذا ؟ ' قلت : واحدة . قال : ' الله ' قلت : الله ، قال : ' فهو ما أردت ' .
ز : رواه أحمد أيضاً وابن ماجة وأبو داود ( 1 ) ، ورواه ابن حبان ، لكن ابن ماجة رواه عن جرير عن الزبير ، والزبير تكلم فيه يحيى والنسائي وغيرهما . وعلي ؛ قال البخاري : لم يصح حديثه ، وعبد الله ؛ قال العقيلي : لا يتابع على حديثه .
1873 - طريق آخر : قال الدارقطني : ثنا محمد بن يحيى بن مرداس ثنا أبو داود السجستاني ثنا أحمد بن عمرو بن السرح ، وأبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي وأخرون قالوا : ثنا محمد بن إدريس الشافعي ، قال : حدثني عمي محمد بن علي بن شافع عن عبد الله ابن علي بن السائب عن نافع بن عجير بن عبد يزيد : عن ركانة أنه طلق امرأته سهيمة البتة ، فأخبر النبي بذلك فقال : ' الله ما أردت إلاّ واحدة ؟ ' فقال : والله ما أردت إلاّ واحدة ،
____________________
(3/212)
فردها إليه رسول الله . فطلقها الثانية في زمن عمر بن الخطاب ، والثالثة في زمن عثمان .
قال ابو داود : (1) .
قلنا : قد قال أحمد : حديث ركانة ليس بشيء .
ز : قال أبو داود ( 1 ) : الحصين عن عكرمة عن ابن عباس أن ركانة طلق امرأته ثلاثاً ، وأهل المدينة يسمون الثلاث بالبتة .
وقال أحمد بن أصرم : سئل أبو عبد الله - يعني البخاري - عن حديث ركانة في البتة فقال : ليس بشيء .
مسألة [ 649 ] :
لايصح طلاق المكره ، ولا يمينه ، ولا نكاحه .
وقال أبو حنيفة : يصح .
لنا حديثان :
1874 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا سعيد بن إبراهيم ثنا أبي عن محمد بن إسحاق حدثني ثور بن يزيد الكلاعي عن محمد بن عبيد المكي عن صفية بنت عثمان بن شيبة عن عائشة ، قالت : سمعت رسول الله يقول : ' لا طلاق ، ولا عتاق في إغلاق ' .
____________________
1- هذا الحديث صحيح
(3/213)
قال ابن قتيبة : الإغلاق الإكراه على الطلاق ، والعتاق وهي من أغلقت الباب ، المكره أغلق عليه حتى يفعل .
ز : فيه عن صفية بنت عثمان بن شيبة ، والصواب بنت شيبة بن عثمان ، وقد روى هذا الحديث أبو داود ، ورواه ابن ماجة ( 1 ) ، كلاهما عن محمد بن عبيد ، وقد ضعفه أبو حاتم ووثقه ابن حبان .
قال : هذا الحديث على شرط مسلم .
قال شيخنا الحافظ ابن عبد الهادي تغمده الله برحمته : هذا الذي ذكر الحاكم خطأ من وجوه ، منها أن محمداً لم يرو له أبو داود هذا الحديث ، وعنده محمد بن عبيد بن صالح ، والصواب ابن أبي صالح .
وقد رواه أيضاً من رواية نعيم بن حماد عن أبي صفوان الأموي عن ثور بن يزيد عن صفية من غير ذكر محمد ، ونعيم ؛ فإنه له مناكير .
وقد فسروا الإغلاق بالإكراه كما تقدم ، وفسر أيضاً بالغضب .
قال أبو داود أطنه الغضب ، وقد نص الإمام أحمد على هذا التفسير في رواية حنبل .
قال شيخنا الحافظ المزي تغمده الله برحمته : والصواب أنه تعم الإكراه والغضب ، والجنون ، وكل أمر يغلق على صاحبه علمه ، وقصده مأخوذ من غلق الباب ، بخلاف مَنْ عَلمَ ما يتكلم به وقصده وأراده فإنه انفتح له بابه ولم يغلق عليه ، والله أعلم .
1875 - الحديث الثاني : قال سعيد بن منصور : ثنا خالد بن عبد الله عن هشام : عن الحسن عن النبي قال : ' إن الله عز وجل عفى لكم عن ثلاث ؛ عن خطأ ، والنسيان وما استكرهتم عليه ' .
ز : قال الحسن قول باللسان ، وأما اليد فلا .
جعفر بن جسر بن فرقد ضعيف ، وقال ابن عدي : البلاء في الحديث من جعفر .
____________________
(3/214)
لكن هذا حديث ثابت مروي من طرق عديدة ، فيه حديث أبي ذر ، وعقبة بن عامر ، وابن عباس ، وابن عمر .
1876 - وأما الأثر : قال سعيد بن منصور : ثنا إبراهيم بن قدامة بن إبراهيم الجمحي قال : سمعت أبي قدامة بن إبراهيم أن رجلاً على عهد عمر بن الخطاب تدلى يشتار عسلاً ، فأقبلت امرأته ، فجلست على الحبل فقالت : لتطلقنها ثلاثاً وإلا قطعت الحبل ، فطلقها ، ثم خرج إلى عمر بن الخطاب ، فذكر ذلك له فقال : ارجع إلى أهلك فليس هذا بطلاق .
ز : قال شيخنا : هذا منقطع ، فإن قدامة بن إبراهيم الجمحي لم يدرك عمر ، إنما يروي عن أبيه عن عبد الله بن عمر ، وسهل بن سعد ، وغيرهما من المتأخرين .
احتجوا بثلاثة أحاديث : 1877 - الحديث الأول : قال الترمذي : ثنا قتيبة بن حاتم بن إسماعيل عن عبد الرحمن ابن حبيب عن عطاء عن ابن ماهك : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' ثلاث جدهن جد ، وهزلهن جد ؛ النكاح ، والطلاق ، والرجعة ' .
عطاء هو ابن عجلان متروك الحديث .
ز : وقد روى أبو داود ، وابن ماجة ( 1 ) هذا الحديث من رواية عبد الرحمن بن حبيب ، وهو ابن أردك ، وهو من ثقات المدنيين ، هكذا قال ابن حبان .
وأما الراوي لهذا الحديث هو عطاء بن أبي رباح أحد الأئمة القات ، وقد رواه الحارثي في مسند أبي حنيفة عن صالح عن الفضل بن العباس عن محرز بن محمد عن الوليد بن مسلم عن عطاء ، ولا يثبت إلى الوليد ، ورواه البغوي عن جده عن أبي معاوية عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن عبادة بن الصامت بنحوه مرفوعاً .
إسماعيل ضعيف ، والحسن لم يسمع من عبادة ، والله أعلم .
1878 - الحديث الثاني : قال الترمذي : وأخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال : ثنا مروان
____________________
(3/215)
ابن معاوية الفزاري عن عطاء بن عجلان عن عكرمة بن خالد المخزومي : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' كل طلاق جائز إلاّ طلاق المعتوه ، والمغلوب عليه ' .
قال الترمذي : لا نعرفه من حديث عكرمة بن خالد إلاّ من رواية عطاء ، وهو ضعيف ، ذاهب الحديث .
1879 - الحديث الثالث : قال العقيلي : ثنا يحيى بن عثمان ثنا نعيم بن حماد ثنا بقية عن الغازي بن جبلة عن صفوان الأصم : عن رجل من أصحاب النبي ان رجلاً كان نائماً مع امرأته فقامت ، فأخذت سكيناً ، وجلست على صدره ، ووضعت السكين على حلقه ، وقالت له : طلقني ، أو لأذبحنك ، فناشدها الله ، فأبت ، فطلقها ثلاثاً .
فذكر ذلك لرسول الله فقال : ' لا قيلولة في الطلاق ' . قال البخاري : صفوان الأصم عن بعض أصحاب النبي في المكره : حديث منكر ، لا يتابع عليه ( 1 ) .
مسألة [ 650 ] :
الخلع فسخ ، وعنه أنه طلاق كقول أبي حنيفة . وعن الشافعي قولان .
1880 - قال سعيد بن منصور : ثنا سفيان عن عمرو بن دينار : عن طاوس قال : سمعت إبراهيم بن سعد يسأل ابن عباس عن رجل طلق امرأته تطليقتين ، ثم اختلعت منه فقال : ينكحها إن شاء ؛ إنما ذكر الله الطلاق في أول الآية ، وآخرها ، والخلع فيما بين ذلك .
____________________
(3/216)
احتجوا بما :
1881 - قال الدارقطني : ثنا أبو الحسن علي بن محمد المصري ثنا عبد الله بن وهب العمري ثنا محمد بن أبي السري ثنا رَوّاد عن عباد بن كثير عن أيوب عن عكرمة : عن ابن عباس أن النبي جعل الخلع تطليقة بائنة .
1882 - قال الدارقطني : وثنا عبد الباقي بن قانع ثنا إبراهيم بن أحمد بن مروان قال : ثنا إسماعيل بن يزيد البصري ثنا هشام بن يوسف ثنا معمر عن عمرو بن مسلم عن عكرمة : عن ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه فأمرها النبي أن تعتد بحيضة .
قلنا : أما الحديث الأول ففيه عباد بن كثير ، قال أحمد : روى أحاديث كذب ، لم يسمعها . قال يحيى : ليس بشيء في الحديث . وقال البخاري ، والنسائي : متروك .
وفي الحديث الثاني عمرو بن مسلم ، ضعّفه أحمد ويحيى ، وقد رووا عن سعيد بن المسيب أن النبي قال : ' الخلع طلقة بائن ' .
قلنا : لا يصح ، ثم هو مرسل ، ثم نحمله على ما إذا نوى .
ز : وقال شيخنا في عباد بن كثير : هو الثقفي البصري ، وقد تركوه .
وقد روى حديثه هذا أبو يعلى الموصلي ، وابن عدي ، وقال البيهقي ( 1 ) : كيف يصح ذلك ؟ ومذهب ابن عباس وعكرمة يخالفه .
وأما حديث هشام الذي احتجوا به فرواه أبو داود والترمذي جميعاً ( 2 ) .
وقال الترمذي : (1) .
ورواه الحاكم ، وقال : + هذا صحيح الإسناد + ، غير أنّ عبد الرزاق أرسله عن معمر .
____________________
1- حديث حسن غريب
(3/217)
وقال ابن معين في رواية : لا بأس به .
وقد روى له مسلم حديثاً ، ووثقه ابن حبان .
وقال ابن عدي : ليس له حديث منكر ، وهذا الحديث إن كان ثابتاً فهو حجة لمن قال : الخلع ليس بطلاق ؛ لأنه لو كان طلاقاً لم يعتد فيه بحيضة .
وقد رواه الخطيب فجعل عدتها حيضة ونصف ، ولفظ النصف غريب .
قال الشافعي : ثنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس ، وابن الزبير أنهما قالا في المختلعة يطلقها زوجها ، قالا : لا يلزمها طلاق ؛ لأنه طلق بما لا يملك ، ومعناه رواه الثوري عن ابن جريج ، وهو قول الحسن البصري .
قال الشافعي : فسألته - يعني بعض من يخالفه في هذه المسألة - هل يري في قوله خيراً قال : فذكر حديثاً لا يقوم بمثله حجة عندنا ، ولا عنده ، فقلت : هذا عندنا وعندك غير ثابت .
وقال البيهقي : أما الخبر الذي ذكر له فلم يقع إلينا إسناد بعد لننظر فيه ، وقد طلبته من كتب كثيرة صُنَّفَت فلم أجده ، ولعله روي عن فرج بن فضالة بإسناد عن أبي الدرداء من قوله .
وفرج بن فضالة ضعيف أو ما روي عن رجل مجهول عن الضحاك بن مزاحم عن ابن مسعود في قوله هو منقطع ، وضعيف ، وقد ذكر ابن حزم من رواية علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير قال : كان عمران بن حصين ، وابن مسعود يقولان في التي تفتدي من زوجها يقع عليها ما دامت في العدة وهو منقطع ، والله أعلم .
مسألة [ 651 ] :
المختلعة لا يلحقها الطلاق .
وقال أبو حنيفة : يلحقها صريح الطلاق ما دامت في العدة ، ويلحقها من الكنايات مسائل السير
مسألة [ 724 ] :
لا يستعان في الحرب بكافر .
وقال أبو حنيفة والشافعي : يستعان بهم .
إلا أن الشافعي يشترط أن يكون بالمسلمين حاجة إليهم ، وأن يكون من يستعان به منهم حسن الرأي في المسلمين ( 1 ) .
لنا حديثان :
2039 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا أبو المنذر إسماعيل بن عمرو ، ثنا مالك بن أنس ، عن الفضل بن أبي عبد الله ، عن عبد الله بن نيار الأسلمي ، عن عروة عن عائشة أن رجلاً تبع رسول الله فقال : أتبعك لأصيب معك ، فقال رسول الله : ' تؤمن بالله ورسوله ؟ ' قال : لا ، قال : ' فإنا لا نستعين بمشرك ' ، فقال له في المرة الثانية : ' تؤمن بالله ورسوله ؟ ' قال : نعم ، فانطلق فتبعه .
____________________
(3/218)
انفرد بإخراجه مسلم ( 1 ) .
2040 - الحديث الثاني : قال أحمد ، وثنا يزيد ، انبأ المسلم بن سعيد الثقفي ، ثنا خُبيب بن عبد الرحمن ، عن أبيه عن جده قال : ' أتيت رسول الله وهو يريد غزواً أنا ورجل من قومي ولم نسلم ، فقلنا : إنا نستحيي أن يشهد قومناً مشهداً لا نشهده معهم ، قال : ' أو أسلمتما ' ؟ قلنا : لا ، قال : ' فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين ' فأسلمنا وشهدنا معه .
ز : هذا الحديث لم يخرجوه ، وهو من رواية أحمد بن منيع ، وأبو بكر بن أبي شيبة وأخوه عثمان عن يزيد بن هارون ، وحبيب بن عبد الرحمن بن حبيب أحد الثقات الأثبات .
احتجوا بما :
2041 - قال أبو داود : ثنا سعيد بن منصور ، ثنا سفيان ، عن يزيد بن يزيد بن جابر ، عن الزهري عن النبي أنه استعان بناس من اليهود في حربه فأسهم لهم .
2042 - قال أبو داود : وثنا هناد ، قال : ثنا القعنبي ، قال : ثنا ابن المبارك ، عن حيوة ابن شريح : عن ابن شهاب أن النبي اسهم ليهود كانوا غزوا معه مثل سهام المسلمين .
والجواب : أن هذا حديث مرسل فلا يقاوم أحاديثنا المتصلة الصحاح .
ز : هكذا رواه أبو داود .
وقال الترمذي ( 2 ) : وقد روي عن الزهري أن النبي أسهم لقوم من اليهود قاتلوا معه ، حدثنا بذلك قتيبة بن سعيد بسنده عن الزهري ، وقال أبو بكر بن شيبة : حدثنا حفص عن ابن جريج عن الزهري أن رسول الله غزا بناس من اليهود فأسهم لهم .
____________________
(3/340)
فهذه الروايات مرسلة ، وهي ضعيفة .
وقد كان يحيى القطان لا يرى إرسال الزهري ، وقتادة شيئاً ، ويقول : هو بمنزله الريح ، ويقول : هؤلاء قوم حفاظ كانوا إذا سمعوا الشيء عقلوه .
وروى الدوري عن يحيى بن معين قال : مراسيل الزهري ليست بشيء .
وقد روى الحسن بن عمارة ؛ وهو متروك عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال : استعان رسول الله بيهود قينقاع ، ورضخ لهم ولم يسهم .
مسألة [ 725 ] :
لا يقتل الشيخ الفاني ، ولا الرهبان ، ولا العميان ، ولا الزمنى ، إلا أن يكون لهم رأي وتدبير [ يخاف ] ( 1 ) منه النكاية في المسلمين .
خلافاً لأحد قولي الشافعي .
2043 - قال الترمذي : ثنا قتيبة ، ثنا الليث ، عن نافع : أن ابن عمر أخبره أن امرأة وجدت في بعض مغازي رسول الله مقتولة فأنكر رسول الله ذلك ونهى عن قتل النساء والصبيان .
قال الترمذي : (1) .
ز : وقد رواه مسلم أيضاً ، ورواه البخاري .
____________________
1- هذا حديث صحيح
(3/341)
مسألة [ 726 ] :
إذا استولى المشركون على أموال المسلمين لم يملكوها .
وقال أبو حنيفة ومالك : [ يملكونها ] ( 1 ) .
لنا حديثان :
2044 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا عفان ، ثنا حماد بن زيد ، ثنا أيوب عن أبي المهلب عن عمران بن حصين ، قال : كانت العضباء لرجل من بني عقيل ، وكانت من سوابق الحاج ، فأسر الرجل وأخذت العضباء فحبسها رسول الله لرحله ، ثم إن المشركين أغاروا على سرح المدينة وكانت العضباء فيه وأسروا امرأة من المسلمين ، فكانوا إذا نزلوا أراحوا إبلهم بأفنيتهم ، فقامت المرأة ذات ليلة بعدما ناموا ، فجعلت كلما أتت على بعير رغا حتى أتت على العضباء ، فأتت على ناقة ذلول فركبتها ، ثم وجهتها قبل المدينة ، ونذرت إن الله نجاها عليها لتنحرنها ، فلما قدمت المدينة عُرفت الناقة ، وقيل : ناقة رسول الله فأخبر النبي بنذرها ، أو أتته فأخبرته ، فقال رسول الله : ' بئس ما جزتها إن الله أنجاها عليها لتنحرنها ' ، ثم قال رسول الله : ' لا وفاء لنذر في معصية الله ، ولا فيما لا يملك ابن آدم ' .
انفرد بإخراجه مسلم ( 2 ) .
____________________
(3/342)
ووجه الحجة أنه لو ملكها المشركون ما أخذها رسول الله وأبطل نذرها .
2045 - الحديث الثاني : قال أبو داود : ثنا محمد بن سليمان الأنباري ، ثنا ابن نمير ، عن عبيد الله ، عن نافع : عن ابن عمر ، قال : ذهبت فرس له - يعني لابن عمر - فأخذها العدو ، فظهر عليهم المسلمون فرد عليه في زمن رسول الله ، وأبق عبد له فلحق بالروم فظهر عليهم المسلمون فرده عليه خالد بن الوليد بعد وفاة رسول الله .
ز : رواه البخاري تعليقاً ، ورواه ابن ماجة ( 1 ) .
احتجوا بما :
2046 - قال الدارقطني : ثنا علي بن عبد الله بن مبشر ، ثنا أحمد بن سنان ، ثنا يزيد ابن هارون ، أنبأ الحسن بن عمارة ، عن عبد الملك ، عن طاوس : عن ابن عباس ، عن النبي فيما أحرز العدو فاستنقذه المسلمون منهم إن وجده صاحبه قبل أن يقسم فهو أحق به ، وإن وجده قد قسم فإن شاء أخذه بالثمن .
قال الدارقطني : الحسن بن عمارة متروك .
ز : هذا الحديث يعرف بالحسن بن عمارة عن عبد الملك بن ميسرة ، رواه عنه غير واحد .
ورواه أيضاً مسلمة بن علي الخشني عن عبد الملك ، والحسن بن عمارة متروك ، وعبد الملك متروك ، وهذا الحديث لا يصح شيء منه .
مسألة [ 727 ] :
إذا نازل الإمام حصناً لم يجز أن يفتح البثوق ليغرقهم ، ولا يقطع اشجارهم إلا بأحد شرطين :
____________________
(3/343)
أحدهما : أن يفعلوا بنا مثل ذلك .
أو يكون بنا حاجة إلى قطع ذلك لنتمكن من قتالهم ( 1 ) .
وقال الشافعي : يجوز من غير شرط .
وقد روى أصحابنا أن النبي كان إذا بعث جيشاً قال : ' لا تغوروا عيناً ، ولا تعقروا شجراً إلا شجراً يمنعكم من القتال ' ( 2 ) .
احتجوا بحديثين :
2047 - الحديث الأول : قال الترمذي : ثنا قتيبة ، ثنا الليث عن نافع عن ابن عمر ، أن رسول الله حرق نخل بني النضير وقطع وهي البويرة ، فأنزل الله تعالى : ( ^ ماقطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله ) .
قال الترمذي : (1) .
2048 - الحديث الثاني : قال أحمد : ثنا وكيع ، حدثني صالح بن أبي الأخضر ، عن الزهري ، عن عروة بن الزبير عن أسامة بن زيد قال : بعثني رسول الله إلى قرية يقال لها أبنى ، فقال : ' ائتها صباحاً ثم حرق ' .
والحديثان مجهولان على ما ذكرنا . وقد رواه ابن ماجة أيضاً ، وأبو داود ( 3 ) .
____________________
1- هذا حديث صحيح
(3/344)
مسائل قسم الغنائم
مسألة [ 728 ] :
الإمام مخير في الأسرى بين القتل والاسترقاق ، والمن والفداء . [ وبه قال مالك ، وعند الشافعي فيه تفصيل ] ( 1 ) .
وقال أبو حنيفة : لا يجوز المن والفداء .
لنا قوله تعالى : ( ^ فإما مناً بعد وإما فداء ) .
ودل على جواز المن ما :
2049 - قال أحمد : ثنا حجاج ، ثنا ليث ، حدثني سعيد أنه سمع أبا هريرة يقول : بعث رسول الله خيلاً قبل نجد ، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال ، سيد أهل اليمامة فربطوه بسارية من سواري المسجد ، فخرج إليه رسول الله فقال له : ' ما عندك يا ثمامة ؟ ' . قال : عندي يا محمد خير ، إن تقتل تقتل ذا دم ، وإن تنعم تنعم على شاكر ، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت . قتركه رسول الله حتى كان الغد ثم قال له : ' ما عندك يا ثمامة ؟ ' قال : ما قلت لك : إن تنعم تنعم على شاكر ، وإن تقتل تقتل ذا دم ، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت . فتركه رسول الله حتى كان بعد الغد ،
____________________
(3/345)
فقال : ' ما عندك يا ثمامة ؟ ' فأعاد ذلك القول . فقال رسول الله : ' انطلقوا بثمامة ' ، فانطلق به إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله . وقد منّ على أبي عزة الجمحي وفدى الأسارى يوم بدر .
ز : الحديث بطوله رواه البخاري ومسلم ( 1 ) جميعاً عن قتيبة .
2050 - قال أبو داود : ثنا عبد الرحمن بن المبارك العيشي ، ثنا سفيان بن حبيب ، ثنا شعبة ، عن أبي العنبس ، عن أبي الشعثاء عن ابن عباس ، أن النبي فادى أهل الجاهلية يوم بدر أربعمائة .
ز : وقد رواه النسائي أيضاً ( 2 ) .
2051 - قال أحمد : ثنا علي بن عاصم ، عن حميد عن أنس قال : استشار رسول الله الناس في الأسارى يوم بدر ، فقال أبو بكر يرى أن تعفو عنهم وتقبل منهم الفداء ، فعفا عنهم ، وقبل منهم الفداء .
2052 - قال الترمذي : ثنا ابن أبي عمر ، ثنا سفيان ، ثنا أيوب ، عن أبي قلابة ، عن عمه عن عمران بن حصين أن النبي فدى رجلاً من المشركين برجل .
ز : قال الترمذي : (1) .
مسألة [ 729 ] :
السلب للقاتل .
وعنه لا يستحقه إلا أن يشرط له ذلك الأمير . وقال مالك : يستحق بالشرط ،
____________________
1- حديث حسن صحيح
(3/346)
ويكون محتسباً من خمس الخمس .
2053 - قال البخاري : ثنا عبد الله بن مسلم ، عن مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن ابن أفلح وهو عمر بن كثير بن أفلح عن أبي محمد مولى أبي قتادة عن أبي قتادة ، قال : قال رسول الله : ' من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه ' . أخرجاه في الصحيحين .
2054 - قال أحمد : ثنا أبو المغيرة ، ثنا صفوان بن عمرو ، قال : حدثني عبد الرحمن ابن جبير بن نفير ، عن أبيه عن عوف بن مالك وخالد بن الوليد : أن رسول الله لم يخمس السلب .
ز : ورواه أبو داود ( 1 ) ، وزاد فيه : قضى بالسلب للقاتل وهذا القول رواه مسلم في صحيحه أو عوف بن مالك قال لخالد بن الوليد : ألم تعلم أن النبي قضى بالسلب للقاتل ، قال : بلى .
مسألة [ 730 ] :
يصح أمان العبد .
وقال أبو حنيفة : لا يصح إلا أن يأذن له السيد في القتال .
____________________
(3/347)
2055 - قال أحمد : ثنا أبو معاوية ، ثنا الأعمش ، عن إبراهيم التيمي : عن أبيه قال خطبنا علي ، فقال : من زعم أن عندنا شيئاً نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة صحيفة فيها أسنان الإبل وأشياء من الجراحات - فقد كذب . وفيها ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم .
2056 - قال أحمد : وثنا منصور بن سلمة الخزاعي ، ثنا سليمان بن بلال ، عن كثير ابن زيد ، عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة ، عن النبي قال : ' يجير على أمتي أدناهم ' .
2057 - قال مسلم ، ثنا أبو بكر بن أبي النضر ، ثنا أبو النضر ، ثنا عبيد الله الأشجعي ، عن سفيان ، عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة ، عن النبي قال : ' ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم ' . انفرد بإخراجه مسلم .
2058 - قال سعيد بن منصور : ثنا أبو معاوية ، ثنا عاصم الأحول ، عن فضيل بن زيد . أن عبداً أمن قوما فأجاز عمر أمانه .
ز : فضيل بن زيد الرقاشي وثقه ابن معين ، وقد روى البيهقي ( 1 ) بإسناد ضعيف عن علي موقوفاً : ليس للعبد من الغنيمة شيء إلا خرثي المتاع ، وأمانه جائز ، وأمانة المرأة جائزة إذا هي أعطت لقوم الأمان .
____________________
(3/348)
مسائل الخيل
مسألة [ 731 ] :
يستحق الفارس ثلاثة أسهم .
وقال أبو حنيفة : سهمين .
لنا أربعة أحاديث :
2059 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا عتاب ، ثنا عبد الله ، أنبأ فليح بن أحمد ، عن المنذر بن الزبير : قال : عن أبيه ، أن النبي أعطى الزبير سهماً وفرسه سهمين .
ز : هكذا رواه فليح بن محمد بن المنذر بن الزبير ، وفليح ، والمنذر ليسا بمشهورين ، وقال البخاري في تاريخه : فليح بن محمد بن المنذر بن الزبير بن العوام القرشي المدني عن أبيه مرسل ، وروى عنه ابن المبارك .
2060 - الحديث الثاني : قال أحمد : ثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل الآدمي ، ثنا محمد بن الحسين الحنيني ، ثنا معلى بن راشد ، ثنا محمد بن حمران ، حدثني عبد الله بن بشر عن أبي كبشة الأنماري قال : لما فتح رسول الله مكة كان الزبير على المجنبة اليسرى ، وكان المقداد على المجنبة اليمنى ، فلما دخل رسول الله مكة وهدأ الناس خلا
____________________
(3/349)
بفرسيهما . فقام رسول الله : يمسح الغبار عنهما ، وقال : ' إني قد جعلت للفرس سهمين وللفارس سهماً ، فمن نقصها نقصه الله عز وجل ' .
ز : هذا الحديث لم يخرجوه .
وأبو كبشة له صحبة ، وقد اختلف في اسمه ، والراوي عنه عبد الله بن بسر السكسكي الحمصي ، وقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة ، قال يحيى بن سعيد : لا شيء ، وقال أبو حاتم والدارقطني : ضعيف ، وقال النسائي : ليس بثقة .
لكن ذكره ابن حبان في الثقات ، لكنه قال عنه : إنه كثير الخطأ .
وقال ابن عدي : له أفراد وغرائب لا أرى به بأساً .
2061 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : وثنا الحسين بن إسماعيل ، ثنا فضيل بن سهل ، ثنا الأحوص بن جواب ، ثنا قيس بن الربيع ، عن محمد بن علي ، عن أبي حازم عن أبي رهم قال : غزوت مع رسول الله أنا وأخي ومعنا فرسان ، فأعطانا ستة أسهم أربعة لفرسينا وسهمين لنا .
ز : هذا الحديث لم يخرجوه .
وأبو رهم مختلف في صحبته ، وفي إسناده قيس ضعفه غير واحد من الأئمة .
6062 - الحديث الرابع : قال الدارقطني : وثنا عثمان بن جعفر ، ثنا محمد بن عثمان ابن كرامة ، ثنا أبو أسامة ، ثنا عبيد الله بن عمرة عن نافع عن ابن عمر قال : اسهم رسول الله للفرس سهمين ، ولصاحبه سهماً .
ز : رواه البخاري ( 1 ) .
احتجوا بحديثين :
2063 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا إسحاق بن عيسى ، ثنا مجمع بن يعقوب ،
____________________
(3/350)
قال : سمعت أبي يحدث عن عمه عبد الرحمن بن يزيد الأنصاري : عن عمه مجمع بن جارية قال : قسم رسول الله خبير فأعطى الفارس سهمين وأعطى الراجل سهماً .
قال أبو داود ( 1 ) : وحديث مجمع فيه وهم .
ز : وقد يكون قوله : للفارس سهمين يعني لفرسه ، وله سهم فيكون ثلاثة أسهم .
2064 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : ثنا أبو بكر النيسابوري ، ثنا أحمد بن منصور ، ثنا ابو بكر بن أبي شيبة ، ثنا ابن نمير ، قال : ثنا عبيد الله ، عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله جعل للفارس سهمين وللراجل سهماً .
قال أبو بكر النيسابوري : هذا عندي وهم من أبي بكر بن ابي شيبة أو من الرمادي لأن احمد بن حنبل وعبد الرحمن بن بشر وغيرهما رووه عن ابن نمير خلاف هذا على ما تقدم . 3 قال النيسابوري : وقد رواه نعيم بن حماد عن ابن المبارك عن عبيد الله كما روى ابن أبي شيبة . ولعل الوهم من نعيم لأن ابن المبارك من أثبت الناس . وقد رواه عبد الله بن عمر عن نافع أيضاً ، وعبد الله ضعيف . قال خالد الحذاء : لا يختلف فيه عن النبي أن للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم .
مسألة [ 732 ] :
ويسهم لفرسين ( 2 ) .
وقال أكثرهم : لا يسهم لأكثر من واحد .
____________________
(3/351)
2065 - قال سعيد بن منصور : ثنا ابن عياش ، عن الأوزاعي أن رسول الله كان يسهم للخيل ، وكان لا يسهم للرجل فوق فرسين وإن كان معه عشرة أفراس .
2066 - قال سعيد : وثنا فرج بن فضالة ، ثنا محمد بن الوليد الزبيدي ، عن الزهري أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي عبيدة بن الجراح : أن اسهم للفرس سهمين وللفرسين أربعة أسهم ، ولصاحبهما سهماً فذلك خمسة أسهم ، وما كان فوق الفرسين فهي جنائب .
مسألة [ 733 ] :
لا يفرق في السبي بين كل ذي رحم محرم .
وقال أكثرهم : يجوز مع اختلاف قولهم في التفريق في البيع .
وقد ذكرنا في البيع أحاديث في المنع في ذلك ، منها حديث أبي موسى : ' لعن الله من فرق بين والدة وولدها ' .
مسألة [ 734 ] :
إذا عدم أبوي ( 1 ) الطفل أو أحدهما حكم بإسلامه .
____________________
(3/352)
خلافاً لأكثرهم .
2067 - قال أحمد : ثنا عبد الرزاق ، ثنا معمر ، عن همام بن منبه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' ما من مولود يولد إلا على الفطرة ، وأبواه يهودانه أو ينصرانه ' .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) . فوجه الحجة أنه جعله تبعاً لهم .
مسالة [ 735 ] :
إذا غل من الغنيمة أحرق ( 2 ) رحله إلا السلاح والمصحف والحيوان .
وقال أكثرهم : لا يجوز .
2068 - قال أحمد : ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ، ثنا عبد العزيز بن محمد ، ثنا صالح بن محمد بن زائدة عن سالم بن عبد الله ، أنه كان مع مسلمة بن عبد الملك في أرض الروم فوجد في متاع رجل غلول ، فسأل سالم بن عبد الله ، فقال حدثني عبد الله عن عمر أن رسول الله قال : ' من وجدتم في متاعه غلولاً فاحرقوه ' قال : وأحسبه قال : ' واضربوه ' قال : وأخرج متاعه إلى السوق فوجد فيه مصحفاً فسأل سالماً ، فقال : بعه وتصدق بثمنه .
قالوا : تفرد به صالح وقد ضعفه يحيى ، والدارقطني . وقال الدارقطني : أنكروا هذا الحديث على صالح بن محمد ، قال : وهذا حديث لم يتابع عليه ولا أصل لهذا الحديث عن رسول الله .
____________________
(3/353)
قلنا : قد قال أحمد بن حنبل : ما أرى بصالح بأساً .
ز : ومع هذا فقد رواه أبو داود ، والترمذي ( 1 ) ، وقال الترمذي : (1) لا نعرفه إلا من هذا الوجه .
قال : وسألت محمداً عن هذا الحديث - يعني البخاري - فقال : إنما رواه صالح بن محمد ، وهو منكر الحديث .
لكن روى عن سالم عن أبيه عن عمر رفعه ، من وجدتموه قد غل فاحرقوا متاعه . لا يتابع على هذا ؛ فإن النبي قال : ' صلوا على هذا ' ولم يحرق متاعه . لكن هذا موقوف والصحيح أن سالماً أمر بهذا ولم يرفعه إلى النبي ، ولا ذكره عن أبيه ولا عن عمر .
وقال أبو داود ، ثنا أبو صالح الأنطاكي ، ثنا أبو إسحاق عن صالح قال : غزونا مع الوليد بن هشام ، ومعنا سالم بن عبد الله بن عمر وعمر بن عبد العزيز ، فغل رجل متاعاً ، فأمر الوليد بمتاعه فأحرق ، وطيف به ، ولم يعطه سهماً .
قال أبو داود : وهذا اصح الحديثين . وقد روي حديث إحراق متاع الغال عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده ، والله أعلم .
مسألة [ 736 ] :
هدايا [ الأمراء كبقية ] ( 2 ) أموال الفيء لا يختصون بها .
____________________
1- حديث غريب
(3/354)
وعنه يختصون كقول أبي حنيفة .
لنا : حديثان :
2069 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا سفيان ، عن الزهري ، عن عروة عن أبي حميد الساعدي ، قال : استعمل رسول الله رجلاً يقال له ابن اللتبية على صدقة ، فجاء فقال : هذا لكم ، وهذا أهدي لي ، فقام رسول الله على المنبر فقال : ' ما بال العامل نبعثه فيقول : هذا لكم ، وهذا أهدي لي ، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى إليه أم لا ؟ والذي نفسي بيده لا يأتي أحد منكم بشيء إلا جاء به يوم القيامة على رقبته ' .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
2070 - الحديث الثاني : قال أحمد : وثنا إسحاق بن عيسى ، ثنا إسماعيل بن عياش ، عن يحيى بن سعيد ، عن عروة بن الزبير عن أبي حميد الساعدي أن رسول الله قال : ' هدايا العمال غلول ' .
ز : لم يخرجوا هذا الحديث ( * ) .
2071 - طريق آخر : قال المصنف : أخبرنا ابن ناصر ، أنبأ المبارك بن عبد الجبار ، أنبأ إبراهيم الحربي ، ثنا محمد ابن هارون ، ثنا يعقوب بن كعب ، عن محمد بن حميد ، عن خالد بن حميد ، عن يحيى بن نعيم ، عن عطاء عن ابن عباس أن النبي قال : ' هدايا الأمراء غلول ' .
ز : فيه محمد بن الحسن بن كوثر شيخ تكلموا فيه والله ، لكن الحديث مروي من طرق .
____________________
(3/355)
مسائل الأراضى
مسألة [ 737 ] :
مكة فتحت عنوة .
وعنه أنها فتحت صلحاً كقول الشافعي .
لنا ثلاثة أحاديث :
2072 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا حجاج ، ثنا ليث قال : حدثني سعيد المقبري عن أبي شريح ، عن النبي أنه قال في القوم يوم الفتح : ' إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس ، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً ، ولا يعضد بها شجرة . فإن أحد ترخص لقتال رسول الله فيها فقولوا إن الله - عز وجل - أذن لرسوله ولم يأذن لكم . وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس ، فليبلغ الشاهد الغائب ' .
2073 - الحديث الثاني : قال البخاري : ثنا يحيى بن موسى ، ثنا الوليد بن مسلم ، قال : ثنا الأوزاعي ، قال : حدثني يحيى بن أبي كثير ، قال : حدثني أبو سلمة حدثني أبو هريرة عن النبي قال : ' إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمؤمنين ، وإنها لا تحل لأحد من بعدي ، وإنما أحلت لي ساعة من نهار ' .
الحديثان في الصحيحين .
____________________
(3/357)
2074 - الحديث الثالث : قال أحمد : ثنا بهز وهاشم قالا : ثنا سليمان بن المغيرة ، عن ثابت البناني ، ثنا عبد الله بن رباح عن أبي هريرة أنه ذكر فتح مكة ، فقال : أقبل رسول الله فدخل مكة ، فبعث الزبير على احد المجنبتين ، وبعث خالداً على المجنبة الأخرى ، وبعث أبا عبيدة على الحُسَّر ، فأخذوا بطن الوادي ورسول الله في كتيبته . قال : قد وبشت قريش أوباشها . وقالوا : تقدم هؤلاء ، فإن كان لهم شيء كنا معهم ، وإن أصيبوا أعطينا الذي سُئلنا . قال أبو هريرة : ففطن فقال لي : يا أبا هريرة ، قلت : لبيك يا رسول الله ، قال : اهتف لي بالأنصار ولا يأتني إلا أنصاري . فهتفت بهم فجاؤوا فأطافوا برسول الله فقال : ' ترون إلى أوباش قريش وأتباعهم ' ، ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى : ' احصدوهم حصداً حتى توافوني بالصفا ' . قال أبو هريرة : فانطلقنا فما شاء أحد منا أن يقتل منهم ما شاء . فقال أبو سفيان : يا رسول الله أبيحت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم . فقال رسول الله : ' من أغلق بابه فهو آمن ، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ' ، فغلق الناس أبوابهم . فأقبل رسول الله إلى الحجر فاستلمه ثم طاف بالبيت وفي يده قوس أخذ بسية القوس فأتي في طوافه على صنم إلى جنب البيت يعبدونه فجعل يطعن بها في عينه ، ويقول : ' جاء الحق وزهق الباطل ' ، ثم أتى الصفا فعلاه حيث ينظر إلى البيت ، فرفع يديه فجعل يذكر الله بما شاء أن يذكره ويدعوه .
انفرد بإخراجه مسلم ( 1 ) .
وقد استدل أصحابنا بحديث لا يصلح الاستدلال به .
2075 - قال أبو أحمد بن عدي : ثنا أبو يعلى ، ثنا زهير بن حرب ، ثنا محمد بن الحسن المديني ، حدثني مالك بن أنس ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه عن عائشة ، قالت : قال رسول الله : ' فتحت أم القرى بالسيف ، وفتحت المدينة بالفرار ' .
قال أحمد بن حنبل : هذا الحديث منكر لم يسمع من حديث مالك ولا هشام ، إنما هذا قول مالك لم يروه عن أحد ، قد رأيت هذا الشيخ يعني محمد بن الحسن وكان كذاباً .
قلت : وكذا قال أبو داود ، ويحيى بن معين كان هذا الشيخ كذاباً .
____________________
(3/358)
ز : قال شيخنا : محمد بن الحسن هذا هو ابن زبالة المخزومي قال ابن عدي : أنكر ما روى حديث هشام بن عروة ' فتحت أم القرى بالسيف ' .
وقال معاوية بن صالح : قال لي يحيى بن معين : محمد بن الحسن الزبالي ، والله ما هو بثقة ، حدث عدو الله عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي : ' فتحت المدينة بالقرآن ، وفتحت مكة أو سائر البلاد بالسيف .
وقال أحمد بن صالح المصري ، كتبت عنه مائة ألف حديث ثم تبين لي أنه يضع الحديث فتركت حديثه . وقال أبو داود : كذاب المدينة محمد بن الحسن بن زبالة .
ووهب بن وهب أبو البحتري بلغني أنه كان يضع الحديث .
مسألة [ 738 ] :
لا يجوز بيع رباع مكة .
وعنه يجوز كقول الشافعي . وهذه مبنية على التي قبلها . إن قلنا إنها فتحت عنوة صارت وقفاً على المسلمين . وإن قلنا صلحاً فهي باقية على أهلها . وقد ذكرنا هذه المسألة في كتاب البيع .
مسألة [ 739 ] :
إذا ملكت الأرض عنوة فالإمام مخير بين قسمتها بين الغانمين ( 1 ) وبين إنفاقها على
____________________
(3/359)
جماعة المسلمين .
وعنه يجب قسمتها على العاملين كقول الشافعي .
وعنه أنها تصير وقفاً على جماعة المسلمين بنفس الظهور ولا يجوز قسمتها كقول مالك .
وقال أبو حنيفة : الإمام مخير بين قسمتها وبين إقرار أهلها عليها بالخراج ، وبين صرفهم عنها ، ويأتي بقوم آخرين يضرب عليهم الخراج وليس له أن ينفقها .
لنا على قول الشافعي :
2067 - قال أبو داود : ثنا الربيع بن سليمان المذكر ، ثنا أسد بن موسى ، ثنا يحيى ابن زكريا ، حدثني سفيان ، ثنا يحيى بن سعيد ، عن بشير بن سيار عن سهل بن حثمة ، قال : ' قسم رسول الله خيبر نصفين ، نصف لنوائبه وحاجته ، ونصف بين المسلمين ، قسمها بينهم على ثمانية عشر سهماً ' .
ز : هذا حديث جيد ، ورواته ثقات ، تفرد به أبو داود من طريق يحيى بن زكريا ، وهو ابن أبي زائدة أحد الثقات . ورواه الطبراني أيضاً .
مسألة [ 740 ] :
يجوز إخراج النفل من أربعة أخماس الغنيمة .
وقال مالك والشافعي : يكون ذلك من خمس الخمس الذي للمصالح .
____________________
(3/360)
لنا حديثان : 2077 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا سفيان ، عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال : إن رسول الله بعث سرية إلى نجد فبلغت سهامهم اثنى عشر بعيراً ، ونفلنا رسول الله بعيراً بعيراً .
أخرجاه ( 1 ) .
2078 - الحديث الثاني : قال أحمد : وثنا حماد بن خالد الحناط ، عن معاوية بن صالح ، عن العلاء بن الحارث ، عن مكحول ، عن زياد بن جارية : عن حبيب بن مسلمة ، أن رسول الله نفل الربع بعد الخمس في بداية ونفل الثلث بعد الخمس في رجعة .
ز : ورواه أبو داود ( 2 ) من حديث عبادة بن الصامت .
مسألة [ 741 ] :
ما فضل من أموال الفيء عن المصالح فإنه لجميع المسلمين غنيهم وفقيرهم .
وقال الشافعي : تختص بالمصالح .
____________________
(3/361)
2079 - قال أحمد : ثنا عبد الرازق ، ثنا معمر ، عن الزهري ، عن مالك بن أوس بن الحدثان قال : قال عمر : إن الله عز وجل خص نبيه من هذا الفيء بشيء لم يعطه غيره ، فقال : ( ^ وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ) . فكانت لرسول الله خاصة ، والله ما اختارها دونكم ولا استأثر بها عليكم ، وكان ينفق على أهله منه سنة ثم يجعل ما بقي منه مجعل مال الله عز وجل .
ووجه الحجة أن الآيات ( 1 ) استوعبت كل الناس .
ز : وهذا الحديث مخرج في الصحيحين ( 2 ) ، والله أعلم .
____________________
(3/362)
مسائل الجزية
مسألة [ 742 ] :
المجوس لا كتاب لهم .
خلافاً لأحد قولي الشافعي .
2080 - قال أبو داود : ثنا أحمد بن سنان الواسطي ، ثنا محمد بن بلال ، عن عمران القطان ، عن أبي حمزة عن ابن عباس قال : إن أهل فارس لما مات نبيهم كتب لهم إبليس المجوسية .
ز : عمران القطان مختلف في توثيقه ، ومحمد بن بلال الكندي التمار وثقه ابن حبان .
وقال أبو داود : ما سمعت إلا خيراً .
2081 - قال الشافعي : ثنا سفيان ، عن سعيد بن المرزبان ، عن نصر بن عاصم ، قال : قال فروة بن نوفل : علام تؤخذ الجزية من المجوس وليسوا بأهل كتاب ؟ فقام إليه المستورد فأخذ بتلابيبه فقال : يا عدو الله تطعن على أبي بكر ، وعمر ، وعلى أمير المؤمنين - يعني علياً - وقد أخذوا منهم الجزية ، فذهب به إلى القصر ، فخرج عليهم علىّ ، فقال : بيد
____________________
(3/363)
أني أعلم الناس بالمجوس كان لهم علم يعلمونه وكتاب يدرسونه ، وأن ملكهم سكر فوقع على ابنته أو أمه ، فاطلع عليه بعض أهل مملكته ، فلما صحا جاؤوا يقيمون عليه الحد ، فامتنع منهم فدعا أهل مملكته ، فقال : تعلمون ديناً خيراً من دين آدم ، قد كان آدم ينكح بنيه من بناته فأنا على دين آدم ، فما يرغب بكم عن دينه فبايعوه وقاتلوا الذين يخالفونهم حتى قتلوهم ، فأصبحوا وقد أسري على كتابهم فرفع من بين أظهرهم وذهب العلم الذي في صدورهم وهم أهل كتاب ، وقد أخذ رسول الله وأبو بكر وعمر منهم الجزية .
سعيد بن المرزبان مجروح ، قال يحيى بن سعيد : لا أستحل أن أروي عنه .
وقال يحيى : ليس بشيء ولا يكتب حديثه . وقال الفلاس : متروك الحديث . وقال أبو أسامة : كان ثقة . وقال أبو زرعة : صدوق مدلس .
2082 - قال الشافعي : وأنبأ مالك ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه أن عمر بن الخطاب ذكر المجوس ، فقال : ما أدري ما أصنع في أمرهم ؟ فقال له عبد الرحمن بن عوف : أشهد لسمعت رسول الله يقول : ' سنوا بهم سنة أهل الكتاب ' .
ز : هذا الحديث منقطع ؛ لأن محمد بن علي لم يلق عمر ، ولا ابن عوف .
وقد رواه عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي عن مالك عن جعفر عن أبيه عن جده ، وهذا أيضاً منقطع ؛ لأن مدار الحديث على محمد بن علي وهو لم يلق عمر ، ولا عبد الرحمن بن عوف .
وقد روي هذا عن عبد الرحمن من وجه آخر متصل ، لكن في إسناده من يجهل حاله ، قال ابن أبي حاتم : حدثنا إبراهيم بن الحجاج الشامي ثنا أبو رجاء ، ثنا الأعمش عن يزيد بن وهب قال : كنت عند عمر بن الخطاب ، فذكر من عنده علم من المجوس فوثب عبد الرحمن بن عوف قال : أشهد بالله على رسول الله لسمعته يقول : ' إنما المجوس طائفة من أهل الكتاب ، فاحملوهم على ما يحملون عليه أهل الكتاب .
2083 - قال أحمد : ثنا سفيان ، عن عمرو سمع بجالة يقول : لم يكن عمر قبل
____________________
(3/364)
الجزية من المجوس ، حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله أخذها من مجوس هجر .
انفرد بإخراجه البخاري ( 1 ) .
ز : وهذه الأحاديث المتقدمة ، وإن كان في رجالها مقال فهي أحاديث عليها طلاوة الصدق ، ويعضدها هذا الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه .
مسألة [ 743 ] :
إذا مر الحربي بمال التجارة على عامل المسلمين أخذ منه العشر ، وإن كان ذمياً نصف العشر .
وقال أبو حنيفة : لا يؤخذ منهم إلا أن يكونوا يأخذون منا .
وقال مالك : يؤخذ منهم إذا باعوا منهم ( 2 ) .
وقال الشافعي : إن اشترط ذلك عليهم جاز أخذه .
2084 - قال أحمد : ثنا جرير ، عن عطاء بن السائب ، عن حرب بن هلال عن أبي أمية رجل من تغلب أنه سمع رسول الله يقول : ' ليس على المسلمين عشور ، إنما العشور على اليهود والنصارى ' .
2085 - طريق آخر : قال أبو داود السجستاني : ثنا محمد بن إبراهيم البزاز ، ثنا أبو نعيم ، ثنا عبد السلام ، عن عطاء بن السائب ، عن حرب بن عبد الله بن عمير الثقفي عن
____________________
(3/365)
جده من بني تغلب ، قال : أتيت النبي فأسلمت وعلمني الإسلام ، وعلمني كيف آخذ الصدقة من قومي ، فقلت : يا رسول الله ، أعشرهم ؟ قال : ' لا ، إنما العشر على النصارى واليهود ' .
ز : ورواه أبو داود ( 1 ) أيضاً عن ابن بشار عن عبد الرحمن عن سفيان عن عطاء عن رجل من بكر بن وائل عن خاله قال : قلت يا رسول الله : أعشر قومي ، وذكره بمعناه .
وحرب روى له أبو داود هذا الحديث ، تفرد به عنه عطاء بن السائب ، وكان ممن اختلط ، واختلف عليه فيه على وجوه كثيره ، أشبهها ما رواه الثوري عنه ، والله أعلم .
مسأله [ 744 ] :
إذا ذكر الذمي الله تعالى ، ورسوله وكتابه بما لا ينبغي انتقضت ذمته .
وقال أبو حنيفه : لا تنتقض بذلك .
2086 - قال أبو داود : ثنا عباد بن موسى ، ثنا إسماعيل بن جعفر ، حدثني إسرائيل ، عن عثمان الشحام ، عن عكرمه عن ابن عباس أن أعمى كان على عهد رسول الله وكانت له أم ولد ، وكانت تشتم رسول الله وتقع فيه فيزجرها فلا تنزجر وينهاها فلا تنتهي ، فلما كان ذات ليلة ذكرت النبي فوقعت فيه ، فأخذ المعول فوضعه على بطنها فاتكأ عليها فقتلها ، فذكر ذلك للنبي فجمع الناس ، فقال : ' أنشد الله رجلاً لي عليه حق ، فعل ما فعل إلا قام ' فأقبل الأعمى يتزلزل ، فقال : يا رسول الله أنا صاحبها ، كانت تشتمك وتقع فيك ، فأنهاها فلا تنتهي ، وأزجرها فلا تنزجر ، فلما كان البارحة جعلت تشتمك
____________________
(3/366)
فأخذت المعول فوضعته في بطنها فاتكأت عليه حتى قتلتها ، فقال رسول الله ' ألا اشهدوا أن دمها هدر ' .
ز : ورواه النسائي ( 1 ) أيضاً في إسناده عثمان الشحام .
احتج به مسلم ، وعكرمة إمام . احتج به البخاري ، وباقي الإسناد مخرج لهم في الصحيحين .
2087 - قال النسائي : ثنا عمرو بن علي ، ثنا معاذ بن معاذ ، ثنا شعبة ، عن توبة العنبري ، عن عبد الله بن قدامة عن أبي برزة قال : أغلظ رجل لأبي بكر الصديق ، فقلت : أقتله ، فانتهرني وقال : ليس هذا لأحد بعد رسول الله .
ز : أبو قدامة وثقة النسائي ، وروي هذا الحديث أيضاً من غير هذا الوجه عن أبي بردة .
رواه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ( 2 ) .
رواه عبد الله بن مطر عن أبي بردة .
مسألة [ 745 ] :
إذا شرط الإمام في عقد الهدنة من جاءه ( 3 ) من الرجال مسلماً رد إليهم ، أو صالح الأمير أهل الحرب على أن يبعث إليهم بمال ، فإن لم يقدر رجع إليهم لزمه ( 4 ) الوفاء
____________________
(3/367)
بالشرطين . وقال الشافعي : يلزم الوفاء بذلك إلا أن يكون من جاءه من الرجال مسلماً له عشرة تمنع منه فإنه يرده .
2088 - قال أحمد : ثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري عن عروة عن المسور ابن مخرمة ومروان بن الحكم قالا : خرج رسول الله زمان الحديبية ، وكتبوا بينهم كتاباً وردَّ أبا جندل ، ورجع إلى المدينة فجاءه أبو بصير فرده .
انفرد بإخراجه البخاري .
ز : وذكره بطوله ( 1 ) .
مسألة [ 746 ] :
يمنع ( 2 ) الذمي من استيطان الحجاز .
وقال أبو حنيفة : لا يمنع .
2089 - قال الترمذي : ثنا الحسن بن علي الخلال ، ثنا عبد الرزاق ، قال : أنبأ ابن جريج ، ثنا أبو الزبير ، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول أخبرني عمر بن الخطاب يقول : إنه سمع رسول الله يقول : ' لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب فلا أترك فيها إلا مسلماً ' .
قال الترمذي : (1) .
ز : ورواه مسلم ( 3 ) .
والحديث في الصحيحين : أنه قال : ' أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ' .
مسألة [ 747 ] :
ما تشعث من البيع والكنائس ، أو انهدم لم يجز رمه ( 1 ) ولا بناؤه في إحدى الروايات . وهي اختيار أبي سعيد الاصطخري ، وأبي علي بن أبي هريرة من الشافعية .
والثانية : يجوز كقول أكثر الفقهاء .
والثالثة : يجوز عمارة ما شعث ، فأما إن استولى الخراب ( 2 ) على جميعها لم يجز إنشاؤها وهي اختيار أبي بكر الخلال .
2090 - قال أبو بكر الخطيب ، قال : أنبأ ابن رزقويه بإسناد له عن عمر بن الخطاب ، عن النبي أنه قال : ' لا تبنى كنيسة في الإسلام ولا يجدد ما خرب منها ' .
ز : والظاهر أنه موقوف على عمر رضي الله عنه ؛ فإنه لا يثبت مرفوعاً ، والله أعلم .
____________________
1- هذا حديث صحيح
(3/368)
مسائل الصيد
مسألة [ 748 ] :
إذا أكل الكلب من الصيد لم يبح .
وعنه أنه يباح كقول مالك .
وعن الشافعي كالمذهبين .
2091 - قال البخاري : ثنا حفص بن عمر ، ثنا شعبة ، عن ابن أبي السفر ، عن الشعبي عن عدي بن حاتم قال : سألت النبي فقال : ' إذا أرسلت كلبك المعلم فقتل فكل ، فإذا أكل فلا تأكل فإنما أمسكه على نفسه ' .
أخرجاه في الصحيحين .
احتجوا بما :
2092 - قال الدارقطني : ثنا علي بن عبد الله بن مبشر ، ثنا أحمد بن المقدام ، ثنا يزيد بن زريع ، ثنا حبيب المعلم ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جده ' أن رجلاً أتى النبي يقال له أبو ثعلبة ، فقال : يا رسول الله ، إن لي كلاباً مكبلة فأفتني في صيدها .
____________________
(3/371)
فقال : ' إن كانت لك كلاب مكلبة فكل مما أمسكن عليك ' . قال : ذكي وغير ذكي قال : ' ذكي وغير ذكي ' . قال : ' وإن أكل منه ؟ ' قال : ' وإن أكل منه ' قال : يا رسول الله أفتني في قوسي ، قال : ' كل ما ردت عليك قوسك ' ، قال : ذكي وغير ذكي ؟ قال : ' ذكي وغير ذكي ' . قال : وإن تغيب عني ؟ قال : ' وإن تغيب عنك ما لم يضل أو تجد فيه أثراً غير سهمك ' .
ز : ورواه أبو داود ( 1 ) من طريق آخر عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ثعلبة قال : قال رسول الله في صيد الكلب : ' إذا أرسلت كلبك ، وذكرت اسم الله عليه فكل ، وإن أكل منه ، وكل ما ردت يدك ' أو قال : ' وكل ما ردت عليك قوسك ' .
هذا إسناد حسن ، ورجاله ثقات ، أما عمرو الدمشقي عامل واسط ثقة ، مشهور قاله ابن معين ، وقال أبو زرعة : لا بأس به .
وقال أحمد : حديثه مقارب .
وحديث عمرو بن شعيب : (1) ، فمن احتج بعمرو فهو عنده صحيح .
وقال البيهقي : ألا أن حديث أبي ثعلبة الخشني مخرج في الصحيحين ، وليس فيه ذكر الأكل ، وحديث الشعبي عن عدي أصح من حديث داود عن عمرو الدمشقي ، ومن حديث عمرو بن شعيب ، والله أعلم .
وقد روى شعبة عن عبد ربه بن سعيد عن عمرو بن شعيب عن رجل من هذيل أنه سأل النبي عن الكلب يصطاد فقال : ' كل أكل أو لم يأكل ' ( 2 ) .
فصار حديث عمرو بهذا معلولاً ، وقد يقال : ليس بين حديث عمرو ، وداود منافاة ، وبين حديث عدي المخرج في الصحيحين منافاة ؛ لأنه علل الأول في حديث عدي بكونه أمسك على نفسه ، وفي هذا الحديث يحتمل أنه أكل منه بعد أن قتله وانصرف عنه والله أعلم .
____________________
1- إسناده صحيح إليه
(3/372)
مسألة [ 749 ] :
إذا قتل الكلب من غير جرح نحو إذا صدمه فمات لم يحل .
خلافاً لأحد قولي الشافعي .
2093 - قال أحمد : ثنا يحيى ، عن سفيان ، حدثني أبي ، عن عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج عن جده رافع بن خديج ، قال : قلت : يا رسول الله ، إنا لاقوا العدو غداً وليست معنا مدي . قال : ' ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل ، ليس السن والظفر ، وسأحدثك ، أما السن فعظم ، وأما الظفر ، فمدي الحبشة ' .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
مسألة [ 750 ] :
لا يباح صيد الكلب الأسود البهيم ( 2 ) .
خلافاً لأكثرهم .
____________________
(3/373)
2094 - قال أحمد : ثنا إسماعيل ، أنبأ يونس ، عن الحسن عن عبد الله بن مغفل ، قال : قال رسول الله ' لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها ، فاقتلوا منها الأسود البهيم ' .
فوجه الحجة أنه أمر بقتله ، وذلك يقتضي النهي عن إمساكه وتعليمه والاصطياد به .
ز : وقد روى هذا الحديث أيضاً أصحاب السنن الأربعة ( 1 ) من رواية يونس ، وهو ابن عبيد الزاهد ، وصححه الترمذي .
مسألة [ 751 ] :
إذا أصاب صيداً بالرمي فغاب عنه ثم وجده ميتاً حل .
وعنه إن وجده في يومه حل . وإن زاد ( 2 ) عنه لم يحل .
وعنه : إن كانت ( 3 ) الإصابة موجبة حل وإلا فلا . وهكذا إذا أرسل الكلب فغاب عنه ثم وجده قتيلاً .
وقال أبو حنيفة : إن اشتغل بطلبه حل ، وإلا فلا .
وقال الشافعي : في أحد القولين : لا يحل بحال .
لنا حديثان :
الحديث الأول : حديث عمرو بن شعيب وقد تقدم .
2095 - الحديث الثاني : ثنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير عن عدي بن حاتم قال : سألت رسول الله قلت : يرمي أحدنا الصيد فيغيب عنه ليلة أو ليلتين فنجده وفيه سهمه ؟ قال : ' إذا وجدت سهمك ولم تجد فيه أثر غيره ، وعلمت أن سهمك قتله فكله ' .
ز : ورواه أيضاً النسائي ( 1 ) .
2096 - حديث آخر : قال الترمذي : ثنا محمود بن غيلان ، ثنا أبو داود ، ثنا شعبة ، عن أبي بشر ، قال : سمعت سعيد بن جبير يحدث عن عدي بن حاتم ، قال : قلت : يا رسول الله ، أرمي الصيد فأجد فيه سهمي من الغد ، قال : ' إذا علمت أن سهمك فيه ، ولم تر فيه أثر سبع فكل ' .
ز : قال الترمذي : روى شعبة هذا الحديث عن أبي بشر وعبد الملك بن ميسرة عن سعيد بن جبير عن عدي بن حاتم ، وكلا الحديثين صحيح .
وقد رواه النسائي من رواية خالد بن الحارث عن شعبة ، عنهما .
2097 - طريق آخر : قال الترمذي : وثنا أحمد بن منيع ، ثنا عبد الله قال : أخبرني عاصم الأحول ، عن الشعبي عن عدي بن حاتم ، قال : سألت رسول الله عن الصيد ، فقال : ' إذا رميت بسهمك فاذكر الله ، فإن وجدته قد قتل فكل ، إلا أن تجده قد وقع في ماء فلا تأكل فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك ' .
قال الترمذي : (1) .
____________________
1- الحديثان صحيحان
(3/374)
ز : وقد رواه مسلم ( 2 ) في صحيحه عن يحيى بن أيوب عن عبد الله بن المبارك .
2098 - طريق آخر : قال الدارقطني : ثنا يعقوب بن إبراهيم البزاز ثنا الحسن بن عرفة ، ثنا عباد بن عباد المهلبي عن عاصم الأحول ، عن الشعبي عن عدي بن حاتم أنه سأل رسول الله فقال : أرمي بسهمي فأصيب فلا أقدر عليه إلا بعد يوم أو يومين ، فقال : ' إذا قدرت عليه وليس فيه أثر ولا خدش إلا رميتك فكل ، وإن وجدت فيه اثراً غير رميتك فلا تأكله فإنك لا تدري أنت قتلته أم غيرك ' .
ز : هذا الحديث إسناده صحيح لكن لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة .
قال شيخنا من حديث عباد ، والله أعلم .
مسألة [ 752 ] :
إذا توحش الإنسي ( 1 ) من الحيوان كالبعير يند ، والفرس يشرد ، فذكاته حيث يجرح ( 2 ) من بدنه ، وهكذا إذا تردى في بئر فلم يقدر على ذبحه .
وقال مالك : لا تجوز ذكاته إلا في الحلق واللبة .
2099 - قال أحمد : ثنا يحيى ، عن سفيان ، قال : حدثني أبي عن عباية بن رفاعة بن
____________________
(3/376)
رافع بن خديج عن جده رافع بن خديج قال : أصابنا نهب إبل فند منها بعير فرماه رجل بسهم فحبسه ، فقال رسول الله : ' إن لهذه الإبل أوابد كأوابد الوحش فإذا غلبكم منها شيء فافعلوا به هكذا ' .
أخرجاه في الصحيحين .
احتجوا بقوله : ' لا ذكاة إلا في الحلق واللبة ' . وسيأتي بإسناده وذلك في المقدور عليه .
مسألة [ 753 ] :
متروك التسمية لا يحل سواء ترك التسمية عامداً أو ساهياً .
وعنه إن تركها عامداً لم تحل ، وإن تركها ناسياً حل ، وهو قول أبي حنيفة ومالك .
[ وعنه : إن نسيها على الذبيحة حلت ، فأما الصيد فلا ] ( 1 ) .
وعنه إن نسيها على السهم حلت ، فأما على الكلب والفهد فلا . وقال الشافعي : يحل سواء تركها عامداً أو ناسياً .
لنا : قوله تعالى : ( ^ ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ) .
____________________
(3/377)
ولنا حديثان :
أحدهما : حديث رافع بن خديج ( 2 ) : ' ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل ' . وقد سبق بإسناده .
2100 - الحديث الثاني : قال البخاري : ثنا حفص بن عمر ، ثنا شعبة ، عن ابن أبي السفر ، عن الشعبي عن عدي بن حاتم قال : قلت : يا رسول الله ، أرسل كلبي فأجد معه كلباً آخر ، قال : ' فلا تأكل فإنما سميت على كلبك ولم تسم على كلب آخر ' .
أخرجاه في الصحيحين .
2101 - طريق آخر : قال أحمد : ثنا عبد الرزاق ، ثنا معمر ، عن عاصم بن سليمان ، عن الشعبي عن عدي بن حاتم قال : قلت : يا رسول الله إن أرضي أرض صيد ، قال : ' إذا أرسلت كلبك وسميت فكل ما أمسك عليك كلبك وإن قتل ، فإن أكل منه فلا تأكل فإنه إنما أمسك على نفسه ) .
أخرجاه في الصحيحين ، ورواه النسائي عن عائشة .
احتجوا بأربعة أحاديث :
2102 - الحديث الأول : قال البخاري : ثنا محمد بن عبد الله ، ثنا أسامة بن حفص ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه عن عائشة أن قوماً قالوا للنبي إن قوماً يأتونا باللحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا ، فقال : ' سموا عليه أنتم وكلوه ' ، قالت : وكانوا حديثي عهد بالكفر .
انفرد بإخراجه البخاري .
2103 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : ثنا عبد الباقي بن قانع ، ثنا محمد بن نوح العسكري ، ثنا يحيى بن يزيد الأهوازي ، ثنا أبو همام محمد بن الزبرقان ، عن مروان بن
____________________
(3/378)
سالم ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : سأل رجل رسول الله فقال : يا رسول الله ، أرأيت الرجل منا يذبح وينسى أن يسمي الله عز وجل ، فقال النبي : ' اسم الله على فم كل مسلم ' .
2104 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : وثنا الحسين بن إسماعيل ، قال : ثنا أبو حاتم الرازي ، ثنا محمد بن يزيد ، ثنا معقل ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي قال : ' المسلم إن نسي أن يسمي حين يذبح فليسم وليذكر اسم الله ثم ليأكل ' .
2105 - الحديث الرابع : قال أبو داود : ثنا مسدد ، ثنا عبد الله بن داود ، عن ثور بن يزيد عن الصلت قال : قال رسول الله : ' ذبيحة المسلم حلال ذكر اسم الله أو لم يذكر ' .
والجواب : أما الحديث الأول : فالظاهر تسميتهم .
وأما الثاني : ففيه مروان بن سالم .
قال أحمد : ليس بثقة . وقال النسائي والدارقطني : متروك .
وأما الثالث : ففيه معقل وهو مجهول .
وأما الرابع : فمرسل .
ز : وقالوا : حديث مروان - يعني الحديث الأول - الذي احتج به الباقون كما تقدم أن مروان بن الحكم لا يتابع على حديثه .
وقال البيهقي : مروان بن سالم بن الحكم الجزري ضعيف ، ضعفه أحمد بن حنبل .
وقال البخاري وغيرهما : هو منكر الحديث .
وأما حديث معقل ، هو ابن عبيد الله .
روى له مسلم في صحيحه ، لكن الراوي عن محمد بن يزيد بن سنان الرهاوي .
قال أبو داود : ليس بشيء . وقال النسائي : ليس بالقوي ، لكن ذكره ابن حبان في
____________________
(3/379)
كتاب الثقات ، والصحيح أنه موقوف على ابن عباس .
مسألة [ 754 ] :
لا يشرع [ عند ] ( 1 ) الاصطياد والذبح الصلاة على النبي .
وقال الشافعي : يستحب ذلك .
وقد روى أصحابنا أن النبي قال : ' موطنان لا حظ لي فيهما : عند العطاس والذبح ' .
ز : لكن روى الحاكم بسنده عن عبد الرحمن بن يزيد العمي عن أبيه قال : قال رسول الله : ' لا تذكروني عند ثلاث : عند تسمية الطعام ، وعند الذبح ، وعند العطاس ' ( 2 ) .
هذا الحديث : أولاً منقطع ، وإسناده ساقط ؛ فإن عبد الرحمن ، وأباه ضعيفان ، وسليمان بن عيسى بن نجيح الشجري يضع الحديث ، الراوي عنه في هذا الحديث ، قاله ابن عدي وغيره .
وكذبه أبو حاتم .
____________________
(3/380)
مسائل الذبح
مسألة [ 755 ] :
لا يجوز الذكاة بالسن والظفر .
وقال أبو حنيفة : يجوز بهما إذا كانا منفصلين .
وعن مالك أنه يباح بالسن والعظم .
لنا : حديث رافع بن خديج : ' ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل ، ليس السن والظفر ، وسأحدثك : أما السن فعظم ، والظفر فمدي الحبشة ' . وقد سبق إسناده ( 1 ) .
مسألة [ 756 ] :
يجزي في الذكاة قطع الحلقوم والمرئ ، وعنه لا يجزي حتى يقطع مع ذلك الودجين .
وبه قال مالك ، فالحلقوم مجرى النفس ، والمريء مجرى الطعام ، والودجان عرقان
____________________
(3/381)
محيطان بالحلقوم .
وقال أبو حنيفة : يجزي قطع ثلاثة من أربعة .
2106 - قال الدارقطني : ثنا محمد بن مخلد ، ثنا محمد بن سليمان الواسطي ثنا سعيد بن سلام العطار ، ثنا عبد الله بن بديل الخزاعي ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ، قال : بعث رسول الله بديل بن ورقاء الخزاعي على جمل أورق يصيح في فجاج منى : ألا إن الذكاة في الحلق واللبة .
ز : في إسناد هذا الحديث عبد الله بن بديل ، ضعفه أبو بكر النيسابوري ، والدارقطني .
ووثقه ابن حبان .
وفيه سعيد بن سلام العطار : أجمع الأئمة على ترك الاحتجاج به ، وقال البخاري : يذكر بوضع الحديث . وقال الدارقطني : متروك يحدث بالبواطيل .
مسألة [ 757 ] :
لا تحل ذبائح نصارى العرب .
وقال أبو حنيفة : يحل .
روى أصحابنا من حديث ابن عباس ، أن النبي نهى عن ذبائح نصارى العرب .
____________________
(3/382)
2107 - قال سعيد بن منصور : ثنا هشيم ، عن يونس ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة السلماني عن علي - عليه السلام - قال : لا تأكلوا من ذبائح نصارى بني تغلب ، فإنهم لم يتمسكوا من النصرانية بشيء إلا بشربهم الخمر .
مسألة [ 758 ] :
إذا مات الجراد بغير سبب حل أكله .
وقال مالك : لا يحل إلا إذا مات بسبب نحو ( 1 ) أن يقطف رأسه أو يقع في ( 2 ) نار فتحرق .
2108 - قال أحمد : ثنا سريج ، ثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن ابن عمر قال : قال رسول الله : ' أحلت لنا ميتتان ودمان ، فأما الميتتان : فالحوت والجراد ، وأما الدمان : فالكبد والطحال ' .
قال الدارقطني : وقد رواه سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم ، عن ابن عمر موقوفاً
____________________
(3/383)
وهو أصح ، ورواه المسور بن الصلت ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي ولا يصح ، والمسور ضعيف .
قلت : المسور قد كذبه أحمد بن حنبل ، وقال ابن حبان : يروي عن الثقات الموضوعات لا يجوز الاحتجاج به .
ز : قال شيخنا : أما حديث عبد الرحمن بن زيد رواه ابن ماجة ( 1 ) عن أبي مصعب عنه ، وعبد الرحمن ضعفه جماعة من الأئمة .
وقد رواه الدارقطني ( 2 ) من طريقين : من حديث عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه ، وعبد الله وثقه بعض الأئمة ، وضعفه بعضهم .
وقد رواه جماعة مرفوعاً .
وروى عباس الدوري عن يحيى بن معين أنه قال : بنو زيد بن أسلم رواة هذا الحديث ثلاثتهم ليسوا بشيء ؛ ضعفاء .
وقال أبو حاتم : سألت أحمد بن حنبل عن ولد زيد بن أسلم ثلاثتهم أيهم أحب إليك ؟ قال : أسامة ، قلت : ثم من ؟ قال : عبد الله .
وقال البخاري : ضعيف علي وعبد الرحمن بن زيد بن سلم .
قال : وأما أخواه أسامة وعبد الله فذكر عنهما صحة هذا والصحيح في هذا الحديث ما رواه سليمان بن بلال الثقة الثبت عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر أنه قال : أحلت لنا ميتتان .
وهو موقوف في حكم المرفوع والله أعلم .
وروى الخطيب بسنده عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد عن النبي قال : ' أحل لنا من الميتة ميتتان ، ومن الدم دمان ، الحيتان والجراد ، والطحال والكبد ' .
ومسور هو ابن الصلت بن ثابت بن وردان أبو الحسن مولى رسول الله ، من
____________________
(3/384)
أهل المدينة .
وقيل هو كوفي قدم بغداد ، وقد ضعفه البخاري وأبو زرعة ، وأبو حاتم ، وغيرهما ، وقال أبو حاتم : ضعفه أحمد بن حنبل . وقال النسائي : متروك الحديث .
مسألة [ 759 ] :
يحل أكل السمك الطافي .
وقال أبو حنيفة : لا يحل .
2109 - قال أحمد : ثنا حسن بن موسى ، ثنا زهير ، ثنا أبو الزبير عن جابر قال : بعثنا رسول الله وأمّر علينا أبا عبيدة وزودنا جراباً من تمر لم نجد لنا غيره , فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة ، فرفع لنا على ساحل البحر كهيئة الكثيب الضخم ، فإذا هو دابة تدعى العنزة ، فأكلنا منها حتى سمنا ، فلما قدمنا أتينا رسول الله منه فأكله .
أخرجه مسلم في صحيحه .
احتجوا بحديث وله ثلاثة طرق :
2110 - الطريق الأول : قال الدارقطني : ثنا يعقوب بن إبراهيم البزاز ثنا الحسن بن عرفة ، ثنا إسماعيل بن عياش ، عن عبد العزيز بن عبيد الله ، عن وهب بن كيسان عن جابر
____________________
(3/385)
ابن عبد الله ، عن النبي قال : ' كلوا ما حسر عنه البحر ، وما ألقى ، وما وجدتموه ميتاً أو طافياً فوق الماء فلا تأكلوه ' .
قال الدارقطني : تفرد به عبد العزيز ، عن وهب ، وعبد العزيز ضعيف لا يحتج به .
وقال أحمد : هو ضعيف ، والحديث ليس بصحيح .
وقال النسائي : هو متروك .
2111 - الطريق الثاني : قال الدارقطني : وثنا أبو بكر النيسابوري ، ثنا محمد بن علي الكوفي ، ثنا أبو أحمد الزبيري ، ثنا سفيان الثوري ، عن أبي الزبير عن جابر ، عن النبي قال : ' إذا طفا فلا تأكله ، وإذا جزر عنه فكله ، وما كان على حافتيه فكله ' .
قال الدارقطني : لم يسنده عن الثوري غير أبي أحمد . ورواه وكيع وعبد الرزاق ، ومؤمل ، وابن جريج عن الثوري موقوفاً ، وكذلك رواه أيوب السختياني ، وعبيد الله بن عمر ، وابن جريج ، وزهير وحماد بن سلمة وغيرهم عن أبي الزبير موقوفاً ، و لا يصح رفعه .
ز : وكذلك رواه أبو يوب السختياني ، وعبيد الله بن عمر وابن جريج ، وزهير ، وحماد بن سلمة ، وغيرهم عن أبي الزبير موقوفاً ، ولا يصح رفعه .
ورواه الطبراني أيضاً .
2112 - الطريق الثالث : قال أبو داود : ثنا أحمد بن عبدة ، ثنا يحيى بن سليم الطائفي ، ثنا إسماعيل بن أمية ، عن أبي الزبير عن جابر ، قال : قال رسول الله : ' ما ألقى البحر أو جزر عنه فكلوه ، وما مات فيه وطفا فلا تأكلوه ' .
وفي هذه الطريق إسماعيل بن أمية وهو متروك .
قال أبو داود : وقد رواه سفيان ، وأيوب ، وحماد عن أبي الزبير فوقفوه على جابر .
ز : ورواه ابن ماجة ( 1 ) أيضاً بسنده عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر عن
____________________
(3/386)
النبي .
قال شيخنا : إسماعيل بن أمية هو القرشي الأموي المكي ، ليس بإسماعيل المتقدم ، قد روى له البخاري ومسلم في صحيحيهما ؛ فإن المتقدم غير هذا .
وقال أبو زكريا : وأما الحديث المروي عن جابر عن النبي : ' ما ألقاه البحر أو جزر عنه فكلوه ، وما مات فيه فطفا فلا تأكلوه ' فحديث ضعيف باتفاق أئمة الحديث .
وقد روى الترمذي عن الحسين بن يزيد الكوفي عن حفص بن غياث عن ابن أبي ذؤيب عن أبي الزبير عن جابر عن النبي : ' ما اصطدتموه وهو حي فكلوه ، وما وجدتم ميتاً طافيأ فلا تأكلوه ' .
قال أبو عيسى الترمذي : سألت محمداً - يعني البخاري - عن هذا الحديث فقال : ليس هذا بمحفوظ .
ويروي عن جابر خلاف هذا ، ولا أعرف لأبي ذؤيب عن أبي الزبير شيئاً .
وقال أبو داود : وقد استدل لهذا الحديث أيضاً من وجه آخر ضعيف عن أبي ذؤيب عن أبي الزبير عن جابر عن النبي ومراده هذا الذي ذكره الترمذي .
لكن البيهقي رواه عن يحيى بن أبي أنيسة عن أبي الزبير مرفوعاً ، ويحيى هذا متروك .
ورواه بقية عن الوليد عن الأوزاعي عن أبي الزبير عن جابر مرفوعاً ، ولا يصح ، ولا يحتج بما رواه بقية ، وتفرد به ، فكيف بما يخالف فيه .
وقول الصحابة رضوان الله عليهم على خلاف ما روى جابر ؛ لأنه قال في البحر : ' هو الطهور ماؤه الحل ميتته ' وبالله التوفيق ( 1 ) .
____________________
(3/387)
مسألة [ 760 ] :
الجنين يتذكى بذكاة أمه .
وقال أبو حنيفة : لا يتذكى .
ووافقنا مالك ، لكنه قال : إن خرج وقد كمل خلقه ونبت شعره ، وكقولهم إذا لم يكن كذلك .
لنا : حديثان :
2113 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا أبو عبيدة ، ثنا يونس بن أبي إسحاق ، عن أبي الوداك جبير بن نوف ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله : ' ذكاة الجنين ذكاة أمه ' .
2114 - طريق آخر : قال أحمد : وثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، ثنا مجالد ، عن أبي الودّاك عن أبي سعيد الخدري ، قال : سألنا رسول الله عن الجنين يكون في بطن الناقة أو البقرة أو الشاة ، فقال : ' كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه ' .
ز : ورواه أبو داود ورواه ابن ماجة ، وقال الترمذي (1) ( 1 ) .
2115 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : ثنا محمد بن حمدويه المروزي ، ثنا معمر بن
____________________
1- حديث حسن
(3/388)
محمد البلخي ، ثنا عصام بن يوسف ، ثنا مبارك بن مجاهد ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع عن ابن عمر ، قال : إن رسول الله قال في الجنين : ' ذكاته ذكاة أمه أشعر أو لم يشعر ' .
قال الدارقطني : الصواب أنه من قول ابن عمر .
ز : وهو من رواية مبارك بن مجاهد .
قال ابن أبي حاتم ( 1 ) : سألت أبي عنه فقال : ما أرى بحديثه بأساً ، لكن قتيبة بن سعيد ضعفه جداً ، وقال : كان قدرياً .
وقال ابن حبان : هو منكر الحديث ، يتفرد عن الثقات بما لا يشبه الأثبات ، لا يجوز الاحتجاج به إذا تفرد .
وقال الطبراني في جامعه بسنده عن ابن عمر قال : قال رسول الله : ' ذكاة الجنين ذكاة أمه ' .
قال الطبراني ( 2 ) : ولم يروه مرفوعاً عن عبيد الله إلا أبو أسامة ، تفرد به عبد الله بن نصر .
وقد روي هذا الحديث من وجوه كثيرة موقوفة على ابن عمر ، ورواه مالك بن أنس ، واختلف عنه ، فرواه أحمد بن عصام الموصلي ، وهو ليس بثقة عن مالك عن نافع عن ابن عمر ، وهو الصواب عن مالك .
ورفعه يزيد بن عياض ، وحصيف عن نافع عن ابن عمر .
ورواه أيوب السختياني ، وابن جريج ، ومالك ابن مغول ، وعلي بن ثابت الأنصاري عن نافع عن ابن عمر موقوفاً وهو الصحيح .
مسألة [ 761 ] :
السنة نحر الإبل فإن ذبحها جاز .
____________________
(3/389)
وقال داود : لا يجوز .
وعن مالك : كالمذهبين .
لنا : قوله : ' لا ذكاة إلا في الحلق واللبة ' وقد سبق مسنداً .
مسألة [ 762 ] :
يحل أكل الضبع ، وفي الثعلب روايتان .
وقال أبو حنيفة : لا يحل أكلهما ( 1 ) .
2116 - قال الترمذي : قال : ثنا أحمد بن منيع ، ثنا إسماعيل بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن جريج ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير ، عن ابن أبي عمار ، قال قلت لجابر : الضبع صيد
____________________
(3/390)
هي ؟ قال : نعم ، قلت : فنأكلها ؟ قال : نعم ، قلت : أقال رسول الله ؟ قال : نعم .
قال الترمذي : (1) .
ز : وقد رواه أصحاب السنن الأربعة ( 1 ) من حديث عبد الله بن عبيد ، وصححه البخاري وقال البيهقي ( 2 ) : هذا حديث يقوم به الحجة .
مسألة [ 763 ] :
يحل أكل الضب ، وفي اليربوع روايتان .
وقال أبو حنيفة : لا يحل .
لنا : حديثان :
2117 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا عتاب ، ثنا عبد الله - يعني ابن المبارك - ثنا يونس ، عن الزهري ، قال : أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف ، أن ابن عباس أخبره أن خالد بن الوليد أخبره ، أنه دخل مع رسول الله على ميمونه فوجد عندها ضبا محنوذا ، فقدمت الضب لرسول الله فأهوى رسول الله يده إلى الضب ، فقالت امرأه من النسوه الحضور : أخبرن رسول الله ما قدمتن إليه ، قلت : هو الضب ، فرفع رسول الله يده ، فقال خالد : أحرام الضب يا رسول الله ؟ قال : ' لا ، ولكن لم يكن بأرض قومي
____________________
1- هذا حديث صحيح
(3/391)
فأجدني أعافه ' قال خالد : فاجتررته فأكلته و رسول الله ينظر إلي فلم ينهني .
أخرجاه ( 1 ) .
2118 - الحديث الثاني : قال أحمد : وثنا محمد بن جعفر ، ثنا سعيد ، عن قتاده ، عن سليمان ، عن جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب ، قال : إن نبي الله لم يحرم الضب ولكنه قذره .
ز : رواه مسلم ( 2 ) في صحيحه ، ورواه ابن ماجه .
مسأله [ 764 ] .
يحل أكل لحوم الخيل .
وقال أبو حنيفه : لا يحل .
لنا : حديثان :
2119 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا عفان ، ثنا حماد بن زيد ، قال : ثنا عمرو بن دينار ، عن محمد بن علي عن جابر أن رسول الله نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر و أذن في لحوم الخيل .
2120 - الحديث الثاني : قال أحمد : وثنا أبو معاوية ، ثنا هشام بن عروة ، عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء ، قالت : نحرنا في عهد رسول الله فرسا فأكلناه .
الحديثان في الصحيحين .
احتجوا بما :
____________________
(3/392)
2121 - قال أحمد : ثنا أحمد بن عبد الملك ، ثنا محمد بن حرب ، عن صالح بن يحيى ابن المقدام ، عن جده المقدام بن معد يكرب عن خالد بن الوليد ، عن النبي أنه قال : ' حرام عليكم لحوم الحمر الأهلية و خيلها ' .
2122 - قال أحمد : وثنا يزيد بن عبد ربه ، ثنا بقية بن الوليد ، ثنا ثور بن يزيد ، عن صالح بن يحيى بن المقدام ، عن أبيه ، عن جده عن خالد بن الوليد قال : نهى رسول الله عن أكل لحوم الخيل و البغال و الحمير .
و الجواب : قال أحمد : (1) ، وقال موسى بن هارون الحافظ : لا يعرف صالح بن يحيى ، و لا أبوه إلا بجده .
قال الدارقطني : + وهذا حديث ضعيف + .
قلت : ومن بعض ألفاظ هذا الحديث أن رسول الله حرمها يوم خيبر .
قال الواقدي : إنما أسلم خالد بعد خيبر ، ثم نحمله على الإشفاق عليها من جهة الجهاد .
ز : وهذا الحديث رواه أبو داود ( 1 ) أيضاً ، والنسائي وابن ماجة من رواية بقية ، لكن قال أبو داود : هذا منسوخ ، وقال النسائي : لا أعلمه رواه غير بقية ، وقد تقدم الكلام فيه .
والأحاديث الصحاح تخالف هذا الحديث ، وقوله : أذن في لحوم الخيل ، تدل على أنه منسوخ ، وهو أشبه ، ولهذا قال البيهقي : إنه مخالف لأحاديث الثقات .
وقد رواه عن صالح ، وسليمان بن سليم ، وهو ثقه ، وصالح هذا قال البخاري فيه نظر ، لكن ذكره ابن حبان في كتاب الثقات ، لكن قال : إنه يخطىء أحياناً .
مسألة [ 765 ] :
يحرم أكل البغال والحمر الأهلية .
____________________
1- هذا حديث منكر
(3/393)
وقال مالك : لا يحرم بل يكره ( 1 ) .
لنا : ثمانية أحاديث :
الحديث الأول : حديث خالد المتقدم .
2123 - الحديث الثاني : قال البخاري : ثنا إسحاق ، ثنا يعقوب بن إبراهيم ، ثنا أبي ، عن صالح ، عن ابن شهاب ، أن أبا إدريس أخبره أن أبا ثعلبة قال : حرم رسول الله لحوم الحمر الأهلية .
أخرجاه في الصحيحين .
2124 - طريق آخر : قال أحمد : ثنا زكريا بن عدي ، أنبأ بقية ، عن يحيى بن سعيد ، عن خالد بن معدان ، عن جبير بن نفير عن أبي ثعلبة قال : غزوت مع رسول الله خيبر فأصبنا حمراً من الحمر الإنسية فذبحناها ، فأخبر رسول الله فأمر عبد الرحمن بن عوف فنادى في الناس : إن لحوم الحمر الإنسية لا تحل لمن شهد أني رسول الله .
ز : رواه النسائي ( 2 ) ، وحسنه وصححه .
2125 - الحديث الثالث : قال أحمد : وثنا معاوية بن عمرو ، ثنا زائدة ، ثنا محمد ابن عمرو ، عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله حرم يوم خيبر كل ذي ناب من السباع ، والحمار ، والإنسي .
____________________
(3/394)
ز : رواه أحمد ، والترمذي ( 1 ) ، وقال : (1) .
2126 - الحديث الرابع : قال أحمد : وثنا هاشم بن القاسم ، ثنا عكرمة بن عمار ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة عن جابر قال : حرم رسول الله الحمر الإنسية ، ولحوم الثعالب ، وكل ذي ناب من السباع . وذي مخلب من الطير .
ز : قال شيخنا : قوله لحوم الثعالب خطأ ، والصواب لحوم البغال .
رواه أحمد والترمذي ( 2 ) ، وقال + حسن غريب + .
2127 - الحديث الخامس : قال أحمد : وحدثنا عبد الصمد ، قال : حدثني أبي ، عن أبي إسحاق ، حدثني عبد الله بن عمرو بن ضمرة الفراوي ، عن عبد الله بن أبي سليط عن أبيه أبي سليط قال : أتانا نهي رسول الله عن أكل لحوم الحمر الإنسية والقدور تفور بها ، فكفأناها على وجوهها .
ز : وهذا الحديث بهذا الإسناد لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة ، وفيه من يجهل حاله ، والله أعلم .
2128 - الحديث السادس : قال أحمد : وثنا هاشم ، قال : ثنا شعبة عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال : أصبنا يوم خيبر حمراً ، فنادى منادي رسول الله أن اكفئوا القدور .
أخرجاه في الصحيحين .
2129 - الحديث السابع : قال الترمذي : ثنا قتيبة ، ثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار عن جابر قال : أطعمنا رسول الله لحوم الخيل ونهانا عن لحوم الحمر .
____________________
1- حديث حسن صحيح
(3/395)
(1) ، وقد ذكرناه آنفاً عن عمرو ، عن محمد بن علي ، قال البخاري : سفيان بن عيينة أحفظ من حماد بن زيد .
2130 - الحديث الثامن : قال أبو عبد الرحمن النسائي : أنبأ محمد بن عبد الله بن يزيد ، ثنا سفيان ، عن أيوب ، عن محمد عن أنس قال : أتانا منادي رسول الله فقال : ' إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر فإنها رجس ' .
ز : وهذه الأحاديث في تحريم الحمر الأهلية قد رواها أصحاب الكتب والأئمة ، وشهرة هذه الأحاديث تغني عن تكرارها ، قد نقلها الجمع الغفير ، والعدل عن العدل أن منادي النبي ينادي أن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر ، فإنها رجس .
وهذا الحديث وما يشبهه ثابت صحيح بإجماع الصحابة إلا ما نقل عن ابن عباس ، وفيه نظر .
مسألة [ 766 ] :
كل ذي حيوان له ناب يعدو به ( 1 ) على الناس ويتقوى به كالأسد ، والذئب ، والنمر ، والفهد ، فحرام أكله . وكذلك ما له مخلب من الطير كالبازي ، والشاهين ( 2 ) ، والعقاب .
وقال مالك : يكره ولا يحرم .
لنا أحاديث منها ما قد تقدم .
2131 - قال أحمد : ثنا معاوية بن عمرو ، ثنا زائدة ، ثنا محمد بن عمرو ، عن أبي
____________________
1- هذا حديث صحيح
(3/396)
سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله : حرم يوم خيبر كل ذي ناب من السباع ، والمجثمة والحمار الإنسي .
2132 - قال أحمد : وثنا يونس ، ثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن ميمون بن مهران عن ابن عباس ، قال : نهى رسول الله عن كل ذي ناب من السبع ، وكل ذي مخلب من الطير .
ز : لم يخرج هذا الحديث أحد من أصحاب الكتب الستة ، رواه أبو يعلى الموصلي ، ومدار الحديث على الحسن بن ذكوان عن عمرو بن خالد ، وعمرو هذا لا يساوي حديثه شيئاً ، إنما هو كذاب وأحاديث بواطيل ، قاله أحمد ، وقال : يروي عن حبيب بن أبي ثابت ولم يسمع من حبيب شيئاً .
2133 - قال عبد الله بن أحمد : ثنا حسين بن ذكوان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عاصم بن ضمرة عن علي أن النبي : نهى عن كل ذي ناب من السباع ، وذي مخلب من الطير ، وعن لحم الحمر الأهلية ، وعن عسيب الفحل .
2134 - قال مسلم بن الحجاج : حدثني زهير بن حرب ، ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن مالك ، عن إسماعيل بن أبي حكيم ، عن عبيدة بن سفيان عن أبي هريرة : ' أن النبي قال : ' كل ذي ناب من السباع فأكله حرام ' .
انفرد بإخراجه مسلم .
مسألة [ 767 ] :
المستخبث من الطير لا يحل أكله كالنسر ، والرخم ، والغراب الأبقع ، والغراب
____________________
(3/397)
الأسود الكبير .
وقال مالك بمثله ( 1 ) .
لنا : قوله عليه السلام : ' خمس لا جناح على من قتلهن ' ( 2 ) .
فذكر منهن الغراب ، وقد ذكرناه بإسناده في كتاب الحج ، وما يحل قتله لا يحل أكله .
ز : فمالك رحمه الله يحرم تحريماً جازماً بما جاء في القرآن ، فذوات الأنياب إما أن يحرمها دون ذلك ، وإما أن يكرهها في المشهور عنه .
وقد روي عنه كراهية ذوات المخالب والطير ، ولا تحرم منها شيئاً ، ولا يكرهه ، وإن كان التحريم على مراتب ، والخيل كرهها ، ورويت الإباحة ، والتحريم عنه أيضاً .
فإن قيل : إن مالكاً خالف أحاديث صحيحة في التحريم ففي ذلك خلاف ، والأحاديث التي خالفها تحرم الضب ، وغيره ، فقاوم ذاك ، فإن معه - يعني مالكاً - رحمه الله آثار كابن عباس ، وعائشة ، وعبيد بن عمير مع تأويله من ظاهر القرآن ، بخلاف مبيح الأشربة ، فإنه ليس معه ، لانص ، ولا قياس .
مسألة [ 768 ] :
يحرم أكل القنفذ وابن عرس .
وقال مالك والشافعي : لا يحرم .
____________________
(3/398)
2135 - قال سعيد بن منصور : ثنا عبد العزيز بن محمد ، قال : حدثني عيسى بن تميلة الفزاري ، عن أبيه قال : كنت عند ابن عمر فسأله رجل عن أكل القنفذ ، فقال شيخ عبيدة : سمعت أبا هريرة يقول : ذكر عند رسول الله فقال : ' خبيثة من الخبائث ' . وقال ابن عمر : إن كان رسول الله قاله فهو كما قاله .
ز : ورواه الإمام أحمد ، ورواه الإمام أبو داود .
قال البيهقي : هذا حديث لم يرد إلا بهذا الإسناد ، وهو إسناد ضعيف ، وعيسى بن نميلة ذكره ابن حبان في الثقات ، وهو ابن نميلة بالنون ، وقد ضبطه بعضهم بالثاء وهو خطأ .
مسألة [ 769 ] :
كل ما يعيش في البحر يحل أكله إلا الضفدع ، والتمساح والكوسج ( 1 ) . وقال أبو حنيفة : لا يحل إلا السمك . وقال مالك : يحل أكله .
____________________
(3/399)
لنا : أربعة أحاديث :
2136 - الحديث الأول : قوله عليه السلام : ' الحل ميتته ' ، وقد ذكرناه بإسناده في أول كتاب الطهارة .
2137 - الحديث الثاني : قال أحمد : ثنا يزيد ، أنبأ ابن أبي ذئب ، عن سعيد بن خالد ، عن سعيد ابن المسيب عن عبد الرحمن بن عثمان ، قال : ذكر طبيب عند رسول الله دواء ، وذكر الضفدع يجعل فيه ، فنهى رسول الله عن قتل الضفدع .
ز : ورواه أبو داود والنسائي ( 1 ) .
وقال البيهقي : هو أقوى ما ورد في الضفدع من رواية سعيد بن خالد ، هو الفارطي ، وقد ضعفه النسائي ، لكن وثقه ابن حبان ، وقال الدارقطني : مدني يحتج به .
2138 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : ثنا محمد بن عبد ربه ، ثنا عبد الله بن روح ، ثنا شبابة ، ثنا حمزة ، عن عمرو بن دينار عن جابر قال : قال رسول الله : ' ما من دابة في البحر إلا قد ذكاها الله - عز وجل - لبني آدم ' .
ز : هذا الحديث لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة ، وفي سنده حمزة بن أبي حمزة الضبي ، وقد أجمعوا على ترك الاحتجاج به ، واتهمه غير واحد من الأئمة بوضع .
2139 - الحديث الرابع : قال الدارقطني : وثنا عبد الله بن أحمد بن ثابت ، ثنا سفيان ابن نصر ، ثنا فهير بن زياد ، عن إبراهيم بن زيد الخوزي ، عن عمرو بن دينار عن عبد الله ابن سرخس قال : قال رسول الله : ' ذُبح كل نون في البحر لبني آدم ' .
ز : هذا أيضاً لم يخرجوه في سنده إبراهيم بن يزيد الخوزي ، ولا يحتج به ، قال
____________________
(3/400)
أحمد والنسائي : لا يحتج به ، متروك الحديث .
وقال ابن معين : ليس بثقة . وقال أبو زرعة وابو حاتم : منكر الحديث . وشيخ الدارقطني هو عبد الله بن أحمد بن ثابت أبو القاسم البزار هو ثقة ، وهو من رواة هذا الحديث . وقد روى البيهقي ( 1 ) بإسناد ضعيف عن حذيفة مرفوعاً أن الله ذكى لكم صيد البحر .
وروى الدارقطني ( 2 ) : بإسناده عن عكرمة عن ابن عباس قال : سمعت أبا بكر الصديق يقول : إن الله ذبح لكم ما في البحر فكلوه كله ، فإنه ذكى .
وفي رواية لحماد بن سلمة ( 3 ) عن عمرو بن دينار قال : سمعت شيخنا : يكنى أبا عبد الرحمن قال : سمعت أبا بكر الصديق يقول : ما في البحر من شيء إلا قد ذكره الله لكم .
وروي عن عمرو ، وأبي الزبير ( 4 ) : سمعنا شيخاً أدرك النبي قال : كل شيء في البحر مذبوح .
مسألة [ 770 ] :
يحرم أكل الجلالة وبيضها ولبنها ما لم يحبس ( 5 ) ، فإن كان طائراً فثلاثة أيام ، وإن كان [ من ] ( 6 ) بهيمة الأنعام فأربع ( 7 ) - في رواية وثلاثاً في رواية - والبقر تحبس ثلاثاً ( 8 ) ،
____________________
(3/401)
والغنم سبعة ، والدجاج ثلاثة .
وقال أكثرهم : لا يحرم .
لنا ثلاثة أحاديث :
2140 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا يحيى ، عن هشام ، قال : حدثني قتادة ، عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : نهى رسول الله عن لبن الشاة الجلالة .
ز : ورواه أبو داود والنسائي ، وابن حبان ( 1 ) .
2141 - الحديث الثاني : قال الترمذي : ثنا هناد ثنا عبدة ، عن محمد بن إسحاق ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد عن ابن عمر قال : نهى رسول الله عن أكل الجلالة وألبانها .
ز : ورواه أبو داود ( 2 ) وقال الترمذي : (1) .
ورواه ابن ماجة ( 3 ) .
وهكذا روى الطبراني ( 4 ) عن ابن عمر قال : نهى عن الجلالة .
2142 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : ثنا الحسين بن إسماعيل ، ثنا أبو بكر بن زنجويه ، ثنا عبد الله بن عبد المجيد ، عن إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر ، حدثني أبي ، عن عبد الله بن باباه عن عبد الله بن عمرو ، قال : نهى رسول الله عن الإبل الجلالة يؤكل لحمها ولا يشرب ألبانها ، ولا يركبها الناس حتى يعلفه أربعين ليلة .
____________________
1- حديث حسن غريب
(3/402)
إسماعيل وأبوه ضعيفان .
ز : هذا الحديث لم يخرجوه ، وفي سنده إسماعيل بن إبراهيم ضعفوه ، وأما أبوه إبراهيم بن مهاجر فروى له مسلم وقال الثوري وأحمد : لا بأس به .
وضعفه ابن معين ، وقال النسائي : ليس بالقوي في الحديث .
وقال البيهقي ( 1 ) بعد أن روى هذا الحديث : من رواته محمد بن سنان الفزاري عن محمد بن علي عن أبي علي الحنفي ، ليس هذا بالقوي .
وقد أشار إليه الشافعي ، وزعم أنه أراد بغيرها من الطباع غير المكروهة التي هي فطرة الدواب حتى لا توجد أرواح العذرة في عرقها وجلودها .
____________________
(3/403)
فصل جامع
قال تعالى : ( ^ يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب ) .
وقال تعالى : ( ^ حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشوني اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ) .
يخبر تعالى عباده عن تعاطي هذه المحرمات من الميتة ، وهي ما مات من الحيوان حتف أنفه من غير ذكاة ، ولا اصطياد ، وما ذاك إلا لما فيها من المضرة ، ولما فيها من الدم المنخنق ، فهي ضارة للدين ، وللبدن ؛ فلهذا حرمها الله عز وجل ، واستثنى من الميتة السمك فإنه حلال سواء مات بتذكية أو غيرها ، لما رواه مالك في ' موطئه ' والشافعي ، وأحمد في مسنديهما ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة في سننهم ، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي سئل عن ماء البحر فقال : ' هو الطهور ماؤه ، الحل ميتته ' ( 1 ) .
وهكذا الجراد لما سيأتي من الأحاديث ، وما تقدم منها .
وقوله ' والدم ' : بعني به المسفوح كقوله : ' ( ^ أو دماً مسفوحاً ) قاله ابن عباس وسعيد بن جبير .
____________________
(3/405)
وروى ابن أبي حاتم ( 1 ) عن ابن عباس أنه سئل عن الطحال فقال : كلوه فقالوا : إنه دم ، فقال : إنَما حُرمَ عليكم الدم المسفوح .
وكذا قالت عائشة ( 1 ) : إنما نهى عن الدم المسفوح النافح .
وقال أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعى ( 2 ) في مسنده عن ابن عمر قال : قال رسول الله : ' أحل لنا ميتتان : السمك والجراد ' .
وفي رواية : ' أحل لنا ميتتان ، ودمان ، فأما الميتتان فالحوت والجراد ، وأما الدمان فالكبد والطحال ' .
وكذا رواه أحمد بن حنبل ، وابن ماجة ، والدارقطني ، والبيهقي من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف كما تقدم .
لكن رواه سليمان بن بلال أحد الأثبات عن زيد بن أسلم عن ابن عمر فوقفه عليه .
قال الحافظ أبو زرعة الرازي هو أصح شيء في هذا الباب .
وروى ابن أبي حاتم ( 3 ) بسنده عن أبي أمامة قال : بعثني رسول الله إلى قومي أدعوهم إلى الله ورسوله ، وأعرض عليهم شرائع الإسلام فأتيتهم فبينما نحن كذلك إذ جاءوا بقصعة دم واجتمع عليها القوم يأكلونها قالوا : هلم يا صدي فكل ، قال : قلت : ويحكم ، إنما أتيتكم من عند من يحرم هذا عليكم بما أنزل الله عليه ، قالوا : ومتى ذاك ، قال : فتلوت عليهم هذه الآية : ( ^ حرمت عليكم الميتة والدم ) الآية .
ورواه أبو بكر بن مردويه ، وفيه : قال : فجعلت أدعوهم إلى الإسلام ، ويأبون عليّ فقلت لهم اسقوني شربة من ماء فإني شديد العطش فقالوا : لا ، ولكن ندعك حتى تموت عطشاً . قال : فاغتممت ، فضربت برأسي في العباء ونمت على الرمضاء في حر شديد ، قال : فأتاني آت في منامي بقدح من زجاج لم ير مثله ، وفيه شراب لم يرى الناس مثله ، ولا ألذّ منه شراباً فأمكنني منه فشربت إلى أن رويت منه ، فاستيقظت ، فلا والله ما
____________________
(3/406)
عطشت ، ولا ظمأت بعد تلك الشربة .
رواه الحاكم ( 1 ) في مستدركه وزاد فيه بعد تلك الشربة سمعتهم يقولون : أتاكم رجل من سراة قومكم فلم تمنحوه بمذقة فأتوني بمذقة ، فقلت : لا حاجة لي فيها إن الله أطعمني وسقاني ، وأريتهم بطني فأسلموا ، عن آخرهم ، فكان أحدهم في الجاهلية إذا جاع أخذ شيئاً محدوداً من عظم ونحوه ، فيقصد به بعيره أو حيواناً من أي صنف كان ، فيجمع ما يخرج منه من الدم فيشربه ، ولهذا حرم الله الدم على هذه الأمة .
وقوله : ( ^ ولحم الخنزير ) يعني إنسيّه ووحشيه ، واللحم جميع أجزائه حتى الشحم ، ولا تحتاج إلى محذلق الظاهرية في جمودهم ههنا ، تعسفهم في الاحتجاج بقوله : ( ^ فإنه رجس ) يعنون قوله تعالى : ( ^ قل لا أجد فيما أوحى إليّ محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس ) .
أعادوا الضمير فيما فهموه على الخنزير حتى يعم جميع أجزائه ، وهذا بعيد من حيث اللغة . فإنه لا يعود الضمير إلا إلى المضاف دون المضاف إليه ، والأظهر أن اللحم يعم جميع الأجزاء كما هو المفهوم من لغة العرب ، ومن العرف المطرد .
ففي صحيح مسلم ( 2 ) من حديث يزيد بن الحصيب الأسلمي قال : قال رسول الله : ' من لعب بالنردشير فكأنا صبغ يده في لحم خنزير ودمه ' .
فإذا كان تنفيراً لمجرد ملامسته بالمس ، فكيف يكون التهديد ، والوعيد الأكيد على أكله ، والتغذي به ؟ وفيه دلالة على شمول جميع الأجزاء من الشحم وغيره .
وفي الصحيحين ( 3 ) أن رسول الله قال : ' إن الله حرم بيع الميتة ، والخمر ، والخنزير ، والأصنام ' . فقيل : يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة ؛ فإنه نطلي بها السفن ، وندهن بها الجلود ، ويستصبح بها الناس فقال : ' لا ، هو حرام ' .
وفي صحيح البخاري ( 4 ) أن ابا سفيان قال لهرقل ملك الروم : نهانا عن الميتة والدم .
وقوله ( ^ وما أهل لغير الله به ) أي ما ذبح وذكر غير اسم الله عليه ، فهو حرام ؛ لأن الله أوجب أن يذبح مخلوقاته على اسمه العظيم ، فمتى عدل بها عن ذلك ، وذكر عليها اسم غيره من صنم أو طاغوت أو وثن ، أو غير ذلك من سائر المخلوقات فإنه حرام بالإجماع .
وإنما اختلف العلماء في المتروك من التسمية عليه إما عمداً أو نسياناً ، كما تقدم ، وسيأتي ما لم يذكر منه .
وروى ابن أبي حاتم ( 1 ) بسنده عن أبي الطفيل قال : لم يزل أربع : الميتة والدم ، ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به محرماً منذ خلق الله السموات والأرض وإن هذه الأربعة لم تحل قط ، ولم تزل حراماً على جميع الأنبياء ، فلما كانت بنو إسرائيل حرم الله عليهم طيبات أحلت لهم بذنوبهم ، فلما بعث الله عيسى ابن مريم نزل بالأمر الأول الذي جاء به آدم عليه السلام ، وأحل لهم ما سوى ذلك ، فكذبوه ، وعصوه .
هذا الأثر فيه غرابة ، وروى أبو حاتم ( 2 ) عن ربعي بن عبد الله قال : سمعت الجارود بن أبي سبرة يقول : كان رجل من بني رباح يقال له : ابن وثيل وكان شاعراً فراهن أبا الفرزدق على أن يعقر هذا مائة من الأبل ، وهذا مائة من إبله ، إذا وردت الماء ، فلما وردت الماء فأتيا بسيوفهما فجعلا يكشفان عراقيبها ، فخرج الناس على الحمرات يريدون اللحم ، فبلغ ذلك علي عليه السلام فخرج عليهم ينادي : يا أيها الناس لا تأكلوا من لحمها ؛ فإنها أهلت بها لغير الله .
هذا ايضاً غريب لكن يشهد له بالصحة ما رواه أبو داود ( 3 ) عن ابن عباس قال : نهى رسول الله عن معاقرة الأعراب .
وفي رواية لأبي داود ( 4 ) : نهى رسول الله عن طعام المتباريين أن يؤكل .
وقوله : ( ^ والمنخنقة ) وهي التي تموت بالخنق ، إما قصداً أو اتفاقاً بأن تتحبل في وثاقها فتموت بشيء ، فهي حرام .
____________________
(3/407)
وأما ( ^ الموقوذة ) فهي التي تضرب بشيء فتقتل غير محدد حتى تموت ، كما قال ابن عباس ، وغير واحد : هي التي تضرب بالخشب حتى يوقذها فتموت .
وقال قتادة : كان أهل الجاهلية يضربونها بالعصي حتى إذا ماتت أكلوها .
وفي الصحيح ( 1 ) أن عدي بن حاتم قال : قلت يا رسول الله إني أرمي بالمعراض لصيد فأصيد ، فأصيب ، فقال : ' إذا رميت بالمعراض فخرق فكله ، وإن أصابه بعرضه فإنما هو وقيذ فلا تأكله ' ففرق بين ما أصابه السهم ، والمزراق ونحوهما بحده فأحله ، وما أصابه بعرضه فجعله وقيذاً ، فلم يحله .
وقد أجمع الفقهاء على هذا الحكم هنا ، واختلفوا فيما إذا صدم الجارحة الصيد فقتله بثقله فلم يجرحه ، على قولين : هما قولان للشافعي :
أحدهما : أنه لا يحل كما في السهم ، والجامع أن كلاً منهما ميت بغير جرح ؛ فهو وقيذ .
والثاني : أنه يحل ؛ لأنه حكم بإباحته ما صاده الكلب ، ولم يستفصل ، فدل على إباحته لأنه دخل في العموم .
وأما ( ^ التردية ) : فهي التي تقع من شاهق ، أو موضع عال فتموت بذلك فلا تحل ، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : المتردية التي سقطت من جبل .
وقال قتادة : هي التي تتردى في بئر .
وقال السدي : هي التي تقع من جبل أو تتردى في بئر .
وأما ( ^ النطيحة ) فهي التي ماتت بسبب نطح غيرها لها ، فهي حرام ، وإن جرحها القرن فخرج منها الدم ، ولو من مذبحها .
والنطيحة فعلية بمعنى مفعولة ؛ أي منطوحة ، وقال بعض النحاة : إنما استعمل فيها بالتأنيث لأنها أجريت مجرى الأسماء .
وقوله ( ^ وما أكل السبع ) : أي ما عدا عليها أسد ، أو نمر ، أو فهد ، وإن كان قد سال
____________________
(3/409)
منها الدم ، ولو من مذبحها ، فلا يحل بالإجماع .
وقد كان أهل الجاهلية يأكلون ما أفضل السبع من الشاه ، والبعير ، والبقر ، ونحو ذلك ، فحرم الله ذلك على المؤمنين .
وقوله : ' إلا ما ذكيتم ' : عائد على ما يمكن عوده عليه مما انعقد بسبب موته ، فأمكن تداركه بذكاته وفيه حياة مستقرة ، وذلك إنما يعود على قوله : ( ^ والمنخنقة ، والموقوذة ، والمتردية ، والنطيحة ، وما أكل السبع ) .
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله : ( ^ إلا ما ذكيتم ) يقول : إلا ما ذبحتم من هؤلاء وفيه روح فكلوه ، فهو ذكي ، وبه قال الحسن البصري ، وسعيد بن جبير ، والسدي ، وابن أبي حاتم ، إن حركت ذنبها أو ركضت برجلها ، أو طرفت بعينها .
وقال ابن جرير عن علي بن أبي طالب قال : إذا أدركت ذكاة الموقوذة ، والمتردية ، والنطيحة ، وهي تحرك يداً أو رجلاً فكلها .
وقال جماعة من التابعين : إذا أدركت وقد تحركت حركة يدل على بقاء الحياة فيها بعد الذبح فهي حلال .
وهذا مذهب جمهور الفقهاء ، وبه يقول أبو حنيفة والشافعي ، وأحمد بن حنبل .
وقال ابن وهب : سئل مالك عن الشاة التي يخزق جوفها السبع حتى يخرج أمعاؤها فقال مالك : لا أرى أن تذكى ، أي شيء يذكى منها ؟ .
وقال أشهب : سئل مالك عن الضبع يعدو على الكبش ، فيدق ظهره ، أترى أن يذكى قبل أن يموت فيؤكل ، فقال : إن كان قد بلغ النخرة فلا أرى أن يؤكل ، وإن كان أصاب أطرافه ، فلا أرى بذلك بأساً ، قيل له : وثب عليه فدق ظهره ، قال : لا يعجبني هذا ، قيل له : فالذئب يعدو على الشاة فيشق بطنها . قال : لا أرى أن تؤكل .
هذا مذهب مالك ، وظاهر الآية عامة فيما استثناه مالك رحمه الله من الصورة التي بلغ الحيوان فيها إلى حالة لا يعيش بعدها ، فيحتاج إلى دليل مخصص للآية والله أعلم .
وفي الصحيحين ( 1 ) عن رافع بن خديج أنه قال : قلت يا رسول الله إنا ملاقوا العدو
____________________
(3/410)
غداً ، وليست معنا مدىً أفنذبح بالقصب ، فقال : ' ما أنهر الدم ، وذكر اسم الله عليه فكلوه ، ليس السن ، والظفر ، وسأحدثكم عن ذلك ؛ أما السن فعظم ، وأما الظفر فمدى الحبشة ' .
وفي الحديث الذي رواه الدارقطني ( 1 ) عن أبي هريرة مرفوعاً ' ألا إن الذكاة في الحلق واللبَّة ' كما تقدم أنه موقوف وهو أصح .
وأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد ( 2 ) ، وأهل السنن عن حماد بن سلمة عن أبي العشراء الدارمي عن أبيه قال : قلت يا رسول الله أما تكون الذكاة إلا من اللبة والحلق ؟ فقال : ' لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك ' .
(1) ، لكنه محمول على ما لم يقدر على ذبحه في الحلق ، واللبة .
وقوله : ( ^ وما ذبح على النصب ) قال مجاهد ، وابن جرير : كانت النصب حجارة حول الكعبة .
قال ابن جريج : وهي ثلثمائة وستون نصباً كانت العرب في جاهليتها يذبحون عندها ، وينصحون ما أقبل منها إلى البيت بدماء تلك الذبائح ، ويشرحون اللحم ، ويضعونه على النصب .
وقد ذكره غير واحد ، فنهى الله المؤمنين عن الصنيع ، وحرم الله عليهم أكل هذه الذبائح التي فعلت عند النصب حتى ولو كان قد ذكر عليها اسم الله ؛ لما في ذلك من الشرك .
وقوله : ( ^ وأن تستقسموا بالأزلام ) : أي وحرم عليكم أيها المؤمنون أن تستقسموا بالأزلام ، وأحدها زلم ، وقد تفتح الزاى ، وهي عبارة عن قداح ثلاثة ، على أحدها مكتوب افعل وعلى الآخر لا تفعل ، والثالث غفل ، ليس عليه شيء ، ومن الناس من قال : مكتوب على الواحد أمرني ربي ، وعلى الآخر نهاني ربي ، والثالث عطل ، ليس عليه شيء .
فإذا أجالها فطلع السهم بالأمر فعله ، أو الناهي تركه ، وإن طلع الفارغ أعاد
____________________
1- هو حديث صحيح
(3/411)
الاستقسام ، والاستقسام مأخوذ من طلب القسم من هذه الأزلام .
هكذا قرر ذلك ابن جرير ، وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس : ( ^ وأن تستقسموا بالأزلام ) . قال : والأزلام قداح كانوا يقتسمون بها الأمور وكذا روي عن مجاهد ، والحسن البصري ، وإبراهيم النخعي ، ومقاتل بن حيان ، قال ابن عباس : هي قداح كانوا يستقسمون بها في الأمور ، وذكره محمد بن إسحاق وغيره أن أعظم أصنام قريش صنم يقال له : هبل ، وكان داخل الكعبة منصوب على بئر ، فيها موضع الهدايا ، وأموال الكعبة وكان عنده سبعة أزلام مكتوب فيها ما يتحاكمون فيه مما أشكل عليهم ، فما خرج لهم منها رجعوا إليه ، ولم يعدلوا عنه .
وثبت في الصحيح ( 1 ) أن النبي لما دخل الكعبة وجد إبراهيم ، وإسماعيل مصورين فيها ، وفي أيديهما الأزلام فقال : ' قاتلهم الله ، لقد علموا أنهما لم يستقسما بهما أبداً ' .
وروى ابن مردويه ( 2 ) عن رجاء بن حيوة عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله : ' لن يلج الدرجات من يتكهن ، أو استقسم ، أو رجع من سفر طائراً ' .
وقال مجاهد في الأزلام : سهام العرب ، وكعاب فارس والروم ، كانوا يتقامرون بها ، وهذا الذي ذكره مجاهد في الأزلام أنها موضوعة للقمار فيه نظر ، اللهم إلا أن يقال : إنهم كانوا يستعملونها في الاستخارة تارة ، وفي القمار أخرى ، وذاك فإن الله سبحانه فرق بين هذه ، وبين القمار وهو الميسر ، وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق ، وضلال ، وجهالة ، وشرك .
وقد أمر الله المؤمنين إذا ترددوا في أمرهم أن يستخيروه بأن يعبدوه ، ثم يسألوه الأمر في الخيرة ، وهي الاستخارة في الأمر الذي يريدونه ، كما رواه الإمام أحمد ( 3 ) ، والبخاري ، وأهل السنن من طرق عن جابر بن عبد الله قال : كان رسول الله يعلمنا الاستخارة ، كما يعلمنا السورة من القرآن ، يقول : ' إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من
____________________
(3/412)
غير الفريضة ثم ليقل : اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك ، وأسألك من فضلك العظيم فإنك تعلم ولا أعلم ، وتقدر ولا أقدر ، وأنت علام الغيوب ، اللهم إن كنت تعلم أن هذه الأمر - ويسميه باسمه - خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي ، ويسره لي ، ثم بارك لي فيه ، وإن كنت تعلم أنه شر لي في ديني ، ودنياي ، وعاقبة أمري فاصرفه عني ، واصرفني عنه ، واقدر لي الخير حيث كان ورضني به ' .
وقوله تعالى : ( ^ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ) فقد اكمل لهم الإيمان ، وقد أتمه الله ، ورضيه ، ونزلت يوم عرفه ، فعاش النبي بعدها إحدى وثمانين يوماً ، ذكره ابن جرير الطبري في تفسيره .
ولما نزلت هذه الآية بكى عمر فقال له النبي : ' ما يبكيك ؟ ' قال : أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا ، فأما إذا كمل فإنه لم يكمل شيء إلا نقص ، فقال : ' صدقت ' .
ويشهد لهذا قوله : ' بدأ الإسلام غريباً ، وسيعود غريباً كما بدأ ' ( 1 ) .
وفي الآية الكريمة أقوال لأصحاب التفاسير ، غير ما ذكرنا ، والله أعلم .
قوله تعالى : ( ^ فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم ) .
ففي مسند ابن حبان ( 2 ) ، وأحمد بن حنبل ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله : ' إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته ' . اللفظ لابن حبان .
وما رواه أحمد ( 3 ) عن ابن عمر أن النبي قال : ' من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفات ' .
ولهذا قال العلماء : قد يكون تناول الميتة واجباً في بعض الأحيان ، وهو إذا ما خاف على مهجته التلف ، ولم يجد غيرها .
وقد يكون مندوباً ، وقد يكون مباحاً بحسب الأحوال .
____________________
(3/413)
واختلفوا ، هل يتناول منها قدر ما يسد به الرمق ، أو له أن يشبع أو يشبع ويتزود على اقوال .
وفيما إذا وجد ميتة ، وطعام الغير أو صيد محرم ، هل يتناول الميتة ، أو ذاك الصيد ، أو الطعام ، ويضمن بدله على قولين : هما قولان للشافعي ، وليس من شرط تناول الميتة أن يمضي عليه ثلاثة أيام لا يجد طعاماً كما يتوهمه كثير من العوام ، وغيرهم ، بل متى اضطر إلى ذلك جاز له .
وقد روى الإمام احمد بن حنبل ( 1 ) عن أبي واقد الليثي أنهم قالوا : يا رسول الله إنا بأرض تصيبنا بها المخمصة ، فمتى يحل لنا بها الميتة ، فقال : ' إذا لم تصطبحوا ، ولم تغتبقوا ، ولم تحتفئوا بقلاً فشأنكم بها ' رواه ابن جرير ، وهو على شرط الشيخين . (1) ، قاله احمد .
وعن ابن جرير عن ابن عون قال : وجدت عن الحسن كتاب سمرة ، فقرأته عليه فكان فيه : ويجزي من الاضطرار غبوق أو صبوح .
وروى أبو كريب عن الخصيب بن يزيد التميمي عن الحسن أن رجلاً سأل النبي فقال :
إلى متى يحل لي الحرام ؟ قال : ' إلى متى يروى أهلك من اللبن أو تجيء ميرتهم ' .
وعن عروة بن الزبير عن رجل من الأعراب أتى النبي يستفتيه بالذي حرم الله عليه والذي أحل له ، فقال له النبي : ' يحل لك الطيبات ، ويحرم عليك الخبائث إلا أن تفتقر إلى طعام لك ، فتأكل منه حتى تستغني عنه ' فقال الرجل : وما فقري الذي يحل لي ، وما غناي الذي يغنيني عن ذلك ؟ فقال النبي : ' إذا كنت ترجو غنى تطلبه فتبلغ من ذلك شيئاً فأطعم أهلك ما بدا لك حتى تستغني عنه ' فقال الأعرابي : ما غناي الذي أدعه إذا وجدته ؟ فقال : ' إذا أرويت أهلك غبوقاً من الليل ، فاجتنب ما حرم الله عليك من طعام ملك ، فإنه ميسور كله ، ليس فيه حرام ' .
ومعنى قوله : ما تصطحبوا يعني به الغداء ، ولم تحتفوا : يعني به العشاء ، وتحتفيوا بقلاً فشأنكم بها : أي فكلوا منها .
____________________
1- وإسناده صحيح
(3/414)
قال ابن جرير : يروى هذا الحرف - يعني قوله : تحتفوا بقلاً على أربعة أوجه : تحتفؤ بالهمزه وتحتفيوا بتخفيف الياء والحاء ، وتحتفوا - بتشديد الفاء ، وتحتفوا بالحاء وبالتخفيف ويحتمل الهمز لهم ، وبتحقيق الحاء ، والياء ، وبتشديد الفاء .
وروى أبو داود ( 1 ) عن النجيع العامري أنه أتى النبي فقال : ما يحل لنا من الميتة ؟ قال : ' ماطعامكم ؟ ' قلنا نغتبق ، ونصطبح قال أبو نعيم : فسره لي قدح غدوة وقدح عشية ، قال : ذاك وأبي الجوع ، فأحل لهم الميتة على هذا الحال .
تفرد به أبو داود .
وقد يحتج به من يرى جواز الأكل منها حتى تبلغ حد الشبع ، ولا يتقيد ذلك بسد الرمق .
وروى أبو داود عن جابر بن سمرة أن رجلا ممن نزل الحرة ومعه أهله وولده ، فقال له رجل : إن ناقة لي ضلت ، فإن وجدتها فأمسكها ، فوجدها ، ولم يجد صاحبها ، فمرضت ، فقالت امرأته انحرها حتى نأكلها ، فقال حتى أسأل رسول الله فأتاه فسأله فقال : ' هل عندك غناء يغنيك ؟ ' قال : لا قال : ' فكلوها ' . قال : فجاء صاحبها فأخبره الخبر قال : هلا كنت نحرتها ، قال : استحيت منك .
تفرد به أبو داود . .
وقد يحتج به من يجوز الأكل ، والشبع ، والتزود منها مدة ، يغلب على ظنه الاحتياج إليها .
وقوله : ( ^ غير متجانف لإثم ) أي غير متعاط لمعصية الله ؛ فإن الله قد أباح له ذلك وسكت عن الآخر ، كما قال في سورة البقرة ( ^ فمن اضطر غير باغ ولا عاد ) .
وقد استدل بهذه الآية من يقول بأن العاصي بسفره لا يترخص لشيء من رخص السفر ؛ لأن الرخص لا تنال بالمعاصي .
وقوله تعالى ( ^ يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح
____________________
(3/415)
مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله ، فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب ) .
لما ذكر الله ما حرمه من الخبائث الضاره لمتناولها إما في بدنه أو في دينه ، أو فيهما فاستثنى ما استثنى في حال الضرورة ، كما قال تعالى : ( ^ وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه ) قال بعدها ( ^ يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات ) .
فروى ابن أبي حاتم ( 1 ) أن الطائيين عدي ، وزيد سألا رسول الله فقالا : يا رسول الله قد حرم الله الميتة ، فماذا يحل لنا منها ؟ فنزلت : ( ^ يسألونك ماذا أحل لهم ) .
قال سعيد بن جبير : يعني الذبائح الحلال فإنها طيبة لهم .
وقال مقاتل بن حيان في قوله : ( ^ قل أحل لكم الطيبات ) : فالطيبات ما أحل الله لهم من كل شيء أن يصيبوه وهو حلال من الرزق .
وقد سئل الزهري عن شرب البول للتداوي فقال : ليس هو من الطيبات ، وقال ابن وهب : سئل مالك عن بيع الطين الذي يأكله الناس ، فقال : ليس هو من الطيبات .
فالمحرمات التي هي ليست من الطيبات - هي الخبائث - فالله تعالى أحل لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث ، والخبائث نوعان : ما خبثه لعينه ، أو لمعنى قائم به كالدم والميتة ، ولحم الخنزير . وما خبثه لكسبه ، كالمأخوذ ظلماً أو بعقد محرم كالربا والميسر ، فأما الأول فكل ما حَرُمَ ملامسته كالنجاسات حرم أكله ، وليس كل ما حرم أكله حرمت ملامسته كالسموم ، والله تعالى قد حرم علينا أشياء من المطاعم والمشارب وحرم أشياء من الملابس ؛ فأهل المدينة مذهبهم في الأشربة أشد من الكوفيين ؛ فإن أهل المدينة وسائر الأمصار ، وفقهاء الحديث يحرمون كل مسكر وإن كل مسكر خمر وحرام ، وإن ما أسكر كثيره فقليله حرام ، ولم ينازع في ذلك أحد من علماء الحديث سواء كان من الثمار أو الحبوب أو العسل ، أو لبن الخيل ، وغير ذلك .
والكوفيون لا خمر عندهم إلا ما اشتد من عصير العنب ، فإن طبخ قبل الاشتداد حتى ذهب ثلثاه حل والزبيب ونبيذ التمر والزبيب محرم إذا كان مسكراً نياً فإن طبخ أدنى طبيخ حل ، وإن أسكر ، لكن يحرمون السكر منها .
____________________
(3/416)
وأما الأطعمة فأهل الكوفة أشد فيها من أهل المدينة ؛ فإنهم مع تحريم كل ذي ناب من السباع ، وكل ذي مخلب من الطير حتى يحرمون الضب ، والضبع ، والخيل محرم عندهم في أحد القولين .
ومالك رحمه الله يحرم تحريماً جازماً - كما تقدم - فذوات الأنياب إما أن يحرمها تحريماً دون ذلك وإما أن يكرهها في المشهور عنه .
وروي عنه كراهية ذوات المخالب ، والطير لا يحرم منها شيئاً ، ولا يكرهه ، وإن كان التحريم على مراتب .
والخيل كرهها ، ورويت الإباحة ، والتحريم عنه أيضاً - كما تقدم .
ومن تدبر الأحاديث الصحيحة في هذا الباب علم أن أهل المدينة أتبع للسنة ؛ فإن باب الأشربة قد ثبت فيه عن النبي من الأحاديث التي يعلم من علمها أنها من أبلغ المتواترات ، بل قد صح عنه في النهي عن الخليطين في الأوعية مالا يخفى عن عالم بالسنة .
وأما الأطعمة ، فإنه وإن قيل : إن مالكاً خالف أحاديث صحيحة في التحريم ، ففي ذلك خلاف ، والأحاديث التي خالفها من تحريم الضب ، وغيره تقاوم ذلك ، ومالك رحمه الله - معه في ذلك آثار عن السلف ومبيح الأشربة ليس معه لا نص ، و لا قياس ، بل قوله مخالف للنص والقياس .
وأيضاً فتحريم جنس الخمر أشد من تحريم الحشيشة لكن يجب اجتنابهما مطلقاً ، ويجب على من أكلها الحد ، والمقصود أن مالكاً جوز إتلاف عينها اتباعاً لما جاء من السنة في ذلك ، ومنع من تخليلها ، وهذا كله فيه من اتباع السنة ما ليس في قول من خالفه من أهل الكوفة وغيرهم .
فلما كان تحريم الشارع للأشربة المسكرة أشد تحريماً للأطعمة كان القول الذي يتضمن موافقة الشرع أصح .
ثم إن من أعظم المسائل مسألة اختلاط الحلال بالحرام ، كاختلاط النجاسات بالماء ، وسائر المائعات فأهل الكوفة يحرمون كل ماء ، أو مائع وقعت فيه نجاسة قليلاً كان أو كثيراً ، ثم يقدرونه بما لا تصل إليه النجاسة ، بما لا يصل إليه الحركة ، ويقدرونه بعشرة أذرع في عشرة أذرع .
____________________
(3/417)
ثم منهم من يقول : إن البئر إذا وقع فيه النجاسة لم يَطهر حتى يطم ، والفقهاء منهم يقولون : تنزح إما بدلاء مقدرة منها ، وإما تنزح جميعها على ما عرف ، فأصل قولهم تنجيس الماء ، والمائع بوقوع النجاسة .
وأما مالك فعكس ذلك ، فلا ينجس الماء عنده إلا إذا تغير ، لكن لهم في قليل الماء هل يتنجس بقليل النجاسة ؟ قولان .
ومذهب أحمد قريب من ذلك ، وكذلك الشافعي .
لكن هذان يقدران القليل بما دون القلتين ، دون مالك ، وكذلك مذهب أحمد نزاع في سائر المائعات ومعلوم أن هذا أشبه بالكتاب والسنة ؛ فإن اسم الماء باق ، والاسم التي بها أبيح قبل الوقوع باق .
وقد دلت سنة رسول الله في بئر بضاعة وغيره على أنه لا ينجس .
ولم يعارض ذلك إلا حديث ليس بصريح في محل النزاع ، وهو حديث النهي عن البول في الماء الدائم ؛ فإنه قد يخص البول بالحكم ، أو قد يخص بالماء القليل .
وقد يقال : النهي عن البول لا يستلزم التنجيس بل قد نهى عنه لأن ذلك يفضى إلى التنجيس إذا كثر ؛ لأنه لا نزاع بين المسلمين أن النهي عن البول في الماء الراكد يعم جميع المياه ، بل ماء البحر مثله ، وبالنص الإجماع .
وكذلك المصانع الكبار التي لا يمكن نزحها ولا يتحرك أحد طرفيها بتحريك الطرف الآخر لا ينجسه البول بالاتفاق .
والحديث الصحيح الصريح لا يعارضه في هذا الاحتمال ، وكذلك تنجيس الماء المستعمل ، ونحوه ؛ فمذهب أهل الحديث ومن وافقهم في طهارته ثابت بالأحاديث الصحيحة عن النبي لحديث صب وضوئه عن جابر وقوله : ' المؤمن لا ينجس ' .
وكحديث ابن عباس لما اغتسل بعض أزواج النبي في جفنة ، فجاء النبي ليتوضأ منها أو يغتسل فقالت له : يا رسول الله إني كنت جنباً ، فاغتسلت منه ، فقال : ' إن الماء لا يجنب ' وقد قررنا هذا أو بعضه فيما تقدم بما فيه كفايه ، ولله الحمد ، وذكرنا هذه الأحاديث وأنها ثابتة صحيحة النقل .
____________________
(3/418)
وكذلك بول الصبي الذي لم يطعم فيه أحاديث صحيحة ، لا يعارضها شيء .
وكذلك مذهب مالك وأصحاب الحديث في أعيان النجاسات الظاهرة في العبادات أشبه بالأحاديث الصحيحة .
وسيرة الصحابة التي هي الصراط المستقيم ؛ فإنهم لا يقولون بنجاسة البول ، والروث مما يؤكل لحمه ، وعلى ذلك بضعة عشر حجة من النص والإجماع القديم ، والاعتقاد ، وليس مع المتنجس إلا لفظ يظن عمومه ، وليس بعام ، وقياس يظن مساواة الفرع فيه للأصل ، وليس كذلك ، ولما كانت النجاسات من الخبائث المحرمة لأعيانها ، ومذهبهم في المياه أخف من مذهب الكوفيين كما في الأطعمة كان ما ينجسونه أقل مما ينجسه أولئك .
وإذا قيل إن مالكاً خالف حديث الولوغ ونحوه في النجاسات فهو كما يقال : إنه خالف حديث تحريم للسباع الطير ونحوه ، ولا ريب أن هذا أقل مخالفة للنصوص ممن ينجس روث ما يؤكل لحمه ، وبوله .
وقد ذهب بعض الناس إلى أن جميع الأرواث طاهرة إلا بول الإنسان ، وعذرته ، وليس هذا القول بأبعد في الحجة من القول الآخر ، وقد قال النبي لما بال الأعرابي في المسجد وأمرهم بالصب على بوله وقال : ' إنما بعثتم ميسرين ، ولم تبعثوا معسرين ' ( 1 ) .
(1) .
وهذا مذهب أهل الحديث ومن خالفهم ، نقول إنه لا يجزي الصب .
وروي في ذلك حديث مرسل ، ولا يصح كما تقدم .
____________________
1- الحديث صحيح
(3/419)
فصل
وأما النوع الثاني : من المحرمات ، وهو المحرم لكسبه ، كالمأخوذ ظلماً بأنواع الغصب من السرقة والخيانة ، والقهر ، كالمأخوذ بالربا ، والميسر ، وكالمأخوذ عوضاً عن عين ارتفع محرماً ، كثمن الخمر ، والدم والخنزير ، والأصنام ، ومهر البغي ، وحلوان الكاهن وأمثال ذلك .
فمذهب أهل الحديث في ذلك من أعدل المذاهب ، كما ذهب إليه أهل المدينة المدين مالك ، ومن وافقه من أن تحريم الظلم ، وما يستلزم الظلم أشد من تحريم النوع الأول ؛ فإن الله حرم الخبائث من المطاعم إذ هي تغذى تغذية خبيثة ، توجب للإنسان الظلم ، كما إذا اغتذى من الخنزير ، والدم ، والسباع ، فإن الغاذي شبيه بالمغتذي فيصير في نفسه من البغي والعدوان بحسب ما اغتذى به .
وأما إباحتها للمضطر ؛ لأن مصلحة بقاء النفس مقدم على دفع هذه المقدمة ، مع أن ذلك عارض ، ولا يؤثر مع الحاجة الشديدة أثر يضر .
وأما الظلم فمحرم قليله ، وكثيره ، وحرمه تعالى على نفسه كما جاء في الحديث العظيم الإلهي ، أنه قال تعالى : ( ^ إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرماً ، فلا تظالموا . . ) الحديث بطوله ( 1 ) .
وكذلك حرم الربا ؛ لأن متضمن للظلم ، فإنه أخذ فضل لا مقابل له ، وتحريم الربا اشد من تحريم الميسر الذي هو القمار ؛ لأن المربي اخذ مالاً محققاً من محتاج ، وأما المقامر فقد يحصل له فضل ، وقد لا يحصل له ، وقد يقمر هذا هذا وقد يكون بالعكس .
وقد نهى النبي عن بيع الغرر ، وعن بيع الملامسة ، والمنابذة ، وبيع الثمرة قبل بدو صلاحها ، وبيع حبل الحبلة ، ونحو ذلك مما فيه نوع مقامرة ، وأرخص في ذلك مما تدعو إليه الحاجة ، ويدخل تبعاً لغيره كما أرخص في ابتياعها بعد بدو صلاحها ، مباقاة إلى كمال الصلاح ، وإن كان بعض أجزائها لم تخلص .
____________________
(3/421)
وكما رخص في ابتياع النخل المؤبر مع جريده إذا اشترطه المبتاع ، وهو لم يبد صلاحه ، وهذا جائز بإجماع المسلمين .
وكذلك سائر الشجر الذي فيه ثمر ظاهر .
وجعل للبائع ثمرة النخل المؤبر إذا لم يشترطها المشتري ، فتكون الشجرة للمشتري والبائع ينتفع بها باقياً الثمرة عليها إلى حين الجذاد .
وقد ثبت في الصحيح ( 1 ) أنه أمر بوضع الجوائح وقال : ' إن بعت من أخيك ثمرة فأصابتها جائحة ، فلا يحل لك أن تأخذ مال أخيك ، كيف يأخذ أحدكم مال أخيه بغير حق ؟ ' .
هذا هو الحق ، وإليه ذهب مالك ومن وافقه من أهل الحديث ، والذي خالفهم من أهل الكوفة ، وغيرهم جعل البيع إذا وقع على موجود جاز سواء كان ثمراً قد بدا صلاحه أو لم يكن ، وجعل موجب كل عقد قبض البيع عقبه ، ولم يجوز تأخير القبض .
يقال : إنه إذا اشترى الثمرة بادياً صلاحه ، أو غير بادياً صلاحه جاز ، وموجب العقد القطع في الحال ، لا يسوغ له تأخير الثمن إلى تكميل صلاحه ، ولا يجوز له أن يشترط ذلك .
وجعلوا ذلك القبض قبضاً ناقلاً للضمان إلى المشتري ، فقالوا : إذا تلف الثمر على الشجر كان من ضمان المشتري دون البائع ، وطردوا ذلك .
فقالوا : إذا باع عيناً مؤجرة لم يصح ، لتأخر التسليم .
وقالوا : إذا اشترى منفعة المبيع لظهر البعير وسكنى الدار لم يجز وذلك كله فرع على ذلك القياس .
وأهل الحديث خالفوهم في ذلك كله ، واتبعوا النصوص الصحيحة ، وهو موافق للقياس الصحيح العادل ؛ فإن قول القائل : العقد موجب القبض عقبه ، يقال له : موجب العقد إما أن يتلقى من الشارع أو من قصد العاقد . والشارع ليس في كلامه ما يقتضي أن هذا موجب العقد مطلقاً .
____________________
(3/422)
وأما المتعقادان فهما بحيث ما تراضيا به ، ويعقدان العقد عليه ، وتارة يتعاقدان على أن يتقابضا عقبه وتارة على أن يتأخر القبض كما في الثمر .
فإن العقد المطلق يقتضي الخول ولهما تأجيله ؛ إذ لهما في التأجيل مصلحة ، فكذلك الأعيان فإذا كانت العين المعينة فيها منفعة البائع أو غيره كالشجر الذي ثمره ظاهر ، وكالعين الموجودة ، وكالعين الذي استثنى البائع نفعها مدة لم يكن يوجب هذا العقد أن يقبض المشتري ما ليس له ، وما لم يملكه .
وإذا كان له أن يبيع بعض العين دون بعض كان له أن يبيعها دون منفعتها ، ثم سواء قيل إن المشتري يقبض العين أو لا يقبضها بحال ، لا يضر ذلك ؛ فإن القبض في البيع هو من تمام العقد ، كما في الرهن ، بل الملك يحصل قبل القبض للمشتري باتفاق المسلمين ، ويكون نما البيع له بلا نزاع .
وإن كان في يد البائع ، ولكن آثر القبض إما في الضمان ، وإما في جواز التصرف ، وقد ثبت عن عبد الله بن عمر أنه قال : مضت السنة أن ما أدركته الصفقة حياً مجموعاً فهو من ضمان المشتري .
ولهذا ذهب إلى ذلك فقهاء المدينة ، فإن تعليق الضمان بالتمكين من القبض أو التمكين منه أحسن من تعليقه بنفس القبض ، وبهذا جاءت السنة ؛ ففي الثمار التي أصابتها جائحة لم يتمكن المشتري من الجذاذ ، فكان معذوراً ، فإذا تلفت كانت من ضمان البائع ، ولهذا لو تلفت بعد تفريطه في القبض كانت من ضمانه .
وفي القدر الزائد التي يمكن من قبضه يكون في ضمانه على حديث عبد الله بن عمر .
ومن جعل التصرف تابعاً للضمان فقد غلط ، فإنهم متفقون على أن منافع الإجارة إذا تلفت قبل تمكن المستأجر من استيفائها ، كانت من ضمان المؤجر ، ومع هذا للمستأجر أن يؤجرها بمثل الأجرة .
وإنما تنازعوا في إنجازها بأكثر من الأجرة لئلا يكون ذلك ربحاً فيما لا يضمن .
والصحيح جواز ذلك ؛ لأنها مضمونة على المستأجر ؛ فإنها إذا تلفت مع تمكنه من الاستيفاء كانت من ضمانه ، وهذا هو الأصل .
____________________
(3/423)
وأيضأ فقد ثبت في الصحيح ( 1 ) عن ابن عمر أنه قال : كنا نتبايع الطعام جِزافاً على عهد رسول الله فنهى أن نبيعه في مكانه حتى ننقله إلى رحالنا .
وابن عمر هو القائل : مضت السنة أن ما أدركته الصفقة حياً مجموعاً فهو من ضمان المشتري ، فتبين أن مثل هذا الطعام مضمون على المشتري ، ولا يبيعه حتى ينقله وغلة الثمار والمنافع له أن يتصرف فيها ، ولو تلفت قبل التمكن من قبضها ، والمنافع لا يمكن التصرف فيها بعد استيفائها .
فكذلك الثمار لا تباع على الأشجار بعد الجذاذ ، بخلاف الطعام المنقول ، والسنة في هذا الباب فرقت بين القادر في الضمان ، والتصرف ، ونظائر هذا الشيء مثل بيع الأعيان الغائبة ، من الفقهاء من جوّز بيعها مطلقاً ، وإن لم توصف ، ومنهم من منع بيعها مع الوصف .
فمالك جوّز بيعها مع الصفة دون غيرها وهو أعدل الأقوال .
وأما العقود فمن الناس من أوجب فيها الألفاظ وتعاقب القبول ، والإيجاب ، ونحو ذلك .
وأهل الحديث جعلوا المرجع في العقود إلى عرف الناس وعادتهم فيما عده الناس بيعاً فهو بيع ، وما عده إجارة فهو إجارة ، فإن الأسماء ليس لها حد في اللغة كالشمس والقمر ، ومنها ما له حد لا في الشرع كالصلاة ، والحج ، ومنها ما ليس له حد في اللغة ، ولا في الشرع ، بل يرجع إلى العرف ، ومعلوم أن اسم البيع ، والإجارة ، والهبة في هذا الباب لم يحده الشارع ، ولا له حد في اللغة ، بل يتنوع ذلك بحسب عادات الناس ، وعرفهم .
ومن هذا الباب أن مالكاً يجوز بيع المغيب في الأرض كالجزر ، واللفت ، وبيع المقائي حمله ، كما جوز جوز هو والجمهور بيع الباقلاء ، ونحوه في قشرة ولا ريب أن هذا هو الذي عليه عمل المسلمين من زمن نبيهم إلى هذا التاريخ ، ولا تقوم مصلحة الناس بدون هذا ، وما نظن أن في هذا النوع غرور فهل هذا جائز في غيره من البيوع لأن الحاجة داعية إليه ، وكل واحد من هذين يبيح ذلك ، فكيف إذا اجتمعا ؟ .
____________________
(3/424)
وكذلك ما يجوزه مالك من منفعة الشجرة تبعا للأرض مثل أن يكري داراً أو أرضاً ، وفيها شجرة أو شجرتان ، هذا أشبه بالأصول من قول من منع من ذلك .
وقد جوز ذلك طائفة من أصحاب أحمد مطلقاً جوزوا ضمان الحديقة التي فيها أرض ، وشجر ، كما فعل ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لما قبل حديقة أسيد بن حضير ثلاث سنين أو أربع سنين ، وقضى ديناً كان عليه .
وأما الربا فإن تحريمه أشد من تحريم القمار ؛ لأنه ظلم محقق ، والله سبحانه وتعالى لما جعل خلقه نوعين : غنياً ، وفقيراً ، أوجب على الأغنياء الزكاة حقاً للفقراء ، ومنع الأغنياء من الربا الذي يضر الفقراء ، وقال تعالى : ( ^ يمحق الله الربا ويربي الصدقات ) وقال تعالى : ( ^ وما آتيتم من رباً ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله ، وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون ) فالظالمون يمنعون الزكاة ، ويأكلون الربا .
وأما القمار فكل من المتقامرين قد تقمر الآخر ، وقد يكون المقمور هو القامر ، أو يكونا متساويين في الغني ، والفقر ، لكنه أكل مال بالباطل ، فلذلك حرمه الله تعالى ، لكن ليس فيه من ظلم المحتاج وضرورته ما في الربا .
ومعلوم أن ظلم المحتاج أعظم ؛ فإن أهل الحديث مجمعون على تحريم أنواع الربا لما في ذلك من الأحاديث الصحاح الثابتة .
وكذلك أهل المدينة الذين هم أعلم بسنة رسول الله ؛ فأهل الحديث حرموا الربا ، ومنعوا التحيل على استحلاله ، وسدوا الذريعة المفضية إليه ، فأين هذا ممن يتنوع الاحتيال على أخذه ، بل يدل الناس على ذلك في ربا الفضل ، وربا النسيئة .
أما ربا الفضل فقد ثبتت الأحاديث الصحيحة ، واتفق الصحابة والتابعون ، والأئمة الأربعة على أنه لا يباع الذهب ، والفضة ، والحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب بجنسه إلا مثلاً بمثل ؛ إذ الزيادة على المثل أكل مال بالباطل .
فإذا أراد المدين أن يبيع مائة دينار بمكسور وزنه مائة وعشرين ديناراً يسوغ له مبيح الحيل أن يضم إلى ذلك رغيف خبز ، أو منديلاً يضع فيه مائة دينار ونحو ذلك مما يسهل على كل مريب فعله .
لم يكن لتحريم الربا فائدة ، ولا فيه حكمه ، ولا يبع نوعاً من هذا بآخر من جنسه إلا
____________________
(3/425)
أمكنه أن يضم إلى القليل ما لا قدر له من هذه الأمور .
وكذلك إذا سوغ لهما أن يتواطا على أن يبيعه إياه بغرض لا قصد للمشتري فيه ثم يبتاعه منه بأكثر .
ومعلوم أن من هو دون الرسول لو حرم شيئاً لما فيه من الفساد ، وأذن أن يفعل بطريق لا فائدة فيه كان عيباً ، وسفهاً ، فكيف يظن هذا بالرسول ، وقد عذب الله أهل الجنة الذين احتالوا على أن لا يتصدقوا ( ^ فأصبحت كالصريم ) وعذب القرية التي كانت حاضرة البحر لما استحلوا المحرم بالحيلة فمسخهم الله قردة ، وخنازير .
وقد ثبت عنه أنه قال : ' لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود ، فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل ' ( 1 ) .
وكذلك ربا النسبيىء ؛ فإن أهل ثقيف الذي نزل فيهم القرآن كان الرجل منهم يأتي إلى الغريم عند محل الأجل فيقول : أتقضي أم تربي ؟ فإن لم يقضه وإلا زاده المدين في المدة لأجل التأخير وهذا هو الربا الذي لا يشك فيه باتفاق سلف الأمة ، ومثل أن يتواطا على أن يبيعه ثم يبتاعه ، فهذه بيعتان في بيعه .
روى أهل السنن ( 2 ) أنه قال : '
لا يحل سلف وبيع ، ولا شرطان في بيع ، ولا ربح ما لم تضمن ، ولا بيع ما ليس عندك ' ثم إن النبي نهى عن المزابنة ، والمحاقلة ؛ وهو اشتراء الحب بخرصه ، كما نهى عن بيع الصبرة من الطعام ، لا يعلم مكيلها بالطعام المسمى ، لأن الجهل بالتساوي فيما يشترط فيه التساوي كالعلم بالتفاضل والخرص لا يعرف منه مقدار المكيال ، إنما هو حرز ، وحدس .
(1) بين الأئمة .
ثم إنه قد ثبت عنه أنه أرخص في العرايا يبيعها أهلها بخرصها تمراً ، فجوز ابتياع الربوي هنا بخرصه ، وأقام الخرص عند الحاجة مقام الكيل ، وهذين من تمام محاسن الشريعة .
____________________
1- هذا متفق عليه
(3/426)
كما أنه في العلم في الزكاة ، وفي المقاسمة أقام الخرص مقام الكيل ، فكان يخرص الثمار على أهلها لتحصى الزكاة ، وكان عبد الله بن رواحة رضي الله عنه يقاسم أهل خيبر خرصاً بأمر النبي .
ومعلوم أنه إذا كان أمكن التقدير بالكيل فعل ، فإذا لم يمكن كان الخرص قائماً مقامها للحاجة كسائر الأبدال في العلوم ، والأعمال ؛ فإن القياس يقوم مقام النص عند عدمه ، والتقويم يقوم مقام المثل ، وعدم الثمن المسمى عند تعذر المثل بالثمن المسمى .
ومن هذا الباب القافة التي هي استدلال بالشبه على النسب إذا تعذر الاستدلال بالقرائن إذ الولد يشبه والده ، فالخرص ، والقافة والتقويم أبدال في العلم كالقياس مع عدم النص .
وكذلك البدل في العلم ؛ فإن الشريعة مبناها على العدل فيها واجب ، فحسب الإمكان ، كما قال تعالى : ( ^ وأقيموا الكيل والميزان بالقسط ، لا نكلف نفساً إلا وسعها ) .
والله تعالى قد شرع القصاص في النفوس والأموال والأعراض ، بحسب الإمكان فقال تعالى : ( ^ كتب عليكم القصاص في القتلى . . . ) الآية .
وقال : ( ^ وكتبنا عليهم فيها أنّ النفس بالنفس إلى قوله تعالى والجروح قصاص ) وقال تعالى : ( ^ وجزاء سيئة سيئة مثلها ) وقال تعالى : ( ^ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) . وقال تعالى : ( ^ وإن عاقبتهم فاعقبوا بمثل ما عوقبتم به ) .
فإذا قتل الرجل من يكافئه عمداً غلطاً كان عليه القود ، فيجوز أن يفعل مثل ما فعل ، كما هو مذهب أهل الحديث مالك والشافعي وأحمد في أحد الروايتين عنه ، بحسب الإمكان إذا لم يكن تحريمه لحقَّ الله .
كما إذا رضخ رأسه رضخ رأسه ، كما رضخ النبي رأس اليهودي الذي رضخ رأس الجارية ؛ لأن ذلك أتم في العدل ممن يقتله بالسيف في عنقه ، وإذا تعذر القصاص عدل إلى الدية ، فكانت الدية بدلاً لتعذر المثل في كل شيء بحسب الإمكان فمراعاة القيمة أقرب إلى العدل ممن أوجب القيمة من غير المثل ، وذاك إذا أتلف مالاً أو تلفت تحت يده كالعارية ، فعليه مثله ، إن كان له مثل ، وإن تعذر المثل كانت القيمة ، وهي الدنانير والدراهم بدلاً عند
____________________
(3/427)
تعذر المثل .
وفي مثل هذا كانت قصة حكومة داود وسليمان حين أثنى تعالى على سليمان حين أصاب في الحكم حين جعل المواشي على صاحبها بالليل ، وخصص الأرض على صاحبها بالنهار .
فتجويز العرايا أن تباع بخرصها لأجل الحاجة عند تعذر بيعها بالكيل موافق لأصل الشريعة مع ثبوت السنة الصحيحة فيه .
وهذا مذهب أهل المدينة ، ومن وافقهم ؛ فمالك جوز الخرص في نظير ذلك للحاجة ، وهذا عين الفقه الصحيح ، ومذهب أهل المدينة ، ومن وافقهم كالشافعي وأحمد في جزاء الصيد أن يضمن بالمثل في الصورة كما مضت بذلك السنة النبوية ، وأقضية الصحابة ، فإن في السنن أن النبي قضى في الضبع بكبش ، وقضت الصحابة في النعامة ببدنة ، وفي الظبي بشاة ، وأمثال ذلك .
ومن خالفهم من أهل الكوفة إنما يوجب القيمة في جزاء الصيد ، وأنه يشتري بالقيمة أنعاماً والقيمة مختلفة بالأوقات .
____________________
(3/428)
فصل
ولما كان المحرم نوعان : نوع لعينه ، ونوع لكسبه فالكسب الذي هو معاملة الناس نوعان أيضاً .
معاوضة ، ومشاركة ، فالمبايعة ، والمؤاجرة ونحو ذلك ، هي من المعاوضة .
وأما المشاركة فمثل شركة الأعيان ، ونحوها ، وغيرها من المشاركات ، فمذهب مالك في المشاركة من أصح المذاهب ، وأعدلها ؛ فإنه يجوز شركة الأعيان ، والأبدان ، وغيرها ويجوز المضاربة ، والمساقاة .
والشافعي لا يجوز من الشركة إلا ما كان تبعاً كشركة الملك ، فإن الشركة نوعان : شركة في الأملاك ، وشركة في العقود .
فأما شركة الأملاك كاشتراك الورثة في الميراث ، فهذه لا تحتاج إلى عقد .
لكن إذا اشترك إنسان في عقد ، فمذهب الشافعي أن الشركة لا تحصل بعقد ، ولا تحصل القسمة بعقد ، وأحمد تحصل الشركة عنده بالعقد ، يُجَوّز شركة الأعيان مع اختلاف المقالين ، وعدم الاختلاط .
وإذا تحاسب الشريكان عنده من غير إقرار كان ذلك قسمة حق ، لو خسر المال بعد ذلك لم تجبر المعاوضة بالربح .
والشافعي لا يُجّز شركة الأبدان ، ولا الوجوه ، ولا الشركة بدون خلط المالين ، ولا أن يشترط لأحدهما ربحاً زائداً على نصيب الآخر لماله ، إذ لا تأثير عنده للعقد ، وجوز المضاربة ، وبعض المساقاة والمزارعة تبعاً لأجل الحاجة لا لوفق القياس .
فأما أبو حنيفة نفسه فلم يجوز مساقاة ، ولا مزارعة ؛ لأنه رأى ذلك من باب المؤاجرة .
والمؤاجرة لا بد فيها من العلم بالأجرة ، ومالك في هذا الباب أوسع منهما ؛ حيث جَوَّز المساقاة على جميع الثمار مع تجويزه الأنواع من المشتركات التي هي شركة ، شركة
____________________
(3/429)
الضمان والأبدان .
لكنه لا يجوز المزارعة على الأرض البيضاء موافقةً للكوفيين .
وأما قدماء أهل المدينة هم وغيرهم من الصحابة ، والتابعين ، فكانوا يجوزون هذا كله ، وهو قول الليث ، وابن أبي ليلى ، وأبي يوسف ، ومحمد ، وفقهاء الحديث كأحمد ابن حنبل ، وغيره .
والشبهة التي منعت أولئك من التجويز أنهم ظنوا أن هذه المعاملات إجارة ، والإجارة لا بد فيها من العلم بقدر الأجرة ثم استثنوا من ذلك المضاربة ، لأجل الحاجة ، إذ الدراهم لا تؤجر .
والصواب أن هذه المعاملات هي من جنس المشاركات ، لا من جنس المعاوضات ، فإن المتاجر يقصد استيفاء العمل ، كما يقصد استيفاء عمل الخياط ، والخباز ، والطباخ ، ونحوهم .
وأما في هذه الباب ، فليس العمل هو المقصود ، بل هذا يبذل نفع بدنه ، وهذا يبذل نفغ ماله ليشتركا فيما رزق الله تعالى ، فيغنمان جميعاً ، أو يغرمان جميعاً .
وعلى هذا عامل النبي أهل خيبر على أن يعمروها من أموالهم بشطر ما يخرج من ثمر ، وزرع ، والذي نهى عنه النبي من كري المزارع حديث رافع بن خديج ، وغيره تحقيقه كما ذكره الليث بن سعد ، وغيره ، فإنه نهى أن تكرى ما نبت على الماذيانات ، والجداول ، وشيء من التبن فربما أقبل هذا ، ولم يقبل هذا ، فنهى أن يعين المالك بقعة بعينها ، كما نهى في المضاربة أن يعين العامل مقداراً من الربح ، أو ربح ثوب بعينه ؛ لأن ذلك يبطل العدل في المشاركة .
وأصل أهل المدينة في هذا الباب أصح من أصل غيرهم ؛ فإنهم قد يوجبون في المضاربة إذا أفسدت قسمة المثل الذي تسمى قراض المثل ، وغيرهم يوجب أجرة المثل ، والأول هو الصواب .
فإن العقد لم يكن على عمل ، ولهذا لم يشترط العلم بالعمل ، وقد يكون أجرة المثل أكثر من المال ، وربحه ، فإنما يستحق في الفاسد نظير ما يستحق من الصحيح ، فإذا كان الواجب في البيع ، والإجارة الصحيحة ثمناً وأجرة وجب في الفاسد ثمناً ، وأجرة .
____________________
(3/430)
فإذا كان الواجب في القراض الصحيح قسطاً من الربح كان الواجب في الفاسد قسطاً من الربح .
وكذلك في المساقاة ، والمزارعة ، وغير ذلك ، ومهما وضعوا في هذا الباب من قول متأخر لأهل المدينة ، فقول الكوفيين فيه أضعف ، ويشبه أن يكون هذا كله من الرأي المحدث الذي عابه من عابه من السلف .
وأما ما مضت به السنة ، والعمل به فهو العدل ، ومن تدبر أصول السنة تبين له أن المساقاة ، والمزارعة ، والمضاربة أقرب إلى العدل من المؤاجرة ؛ فإن المؤجر يحصل له الأجرة المسماة ، والمستأجر قد ينتفع وقد لا ينتفع بخلاف المساقاة ، والمزارعة ؛ فإنهما يشتركان في المغنم ، والمغرم ، فليس فيها من المخاطرة من أحد الجانبين ما في المؤاجرة .
____________________
(3/431)
فصل
وأما : العبادات فأصل الدين أنه لا حرام إلا ما حرمه الله ، ولا دين إلا ما شرعه الله ؛ فإن الله سبحانه وتعالى في سورة الأنعام ، والأعراف عاب على المشركين أنهم حرموا ما لم يحرمه الله ، وأنهم شرعوا من الدين ما لم يأذن الله به .
كما قال ابن عباس : إذا أردت أن تعرف جهل العرب فاقرأ من قوله تعالى : ( ^ وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا ) .
وذلك أن الله ذم المشركين على ما ابتدعوه من تحريم الحرث ، والأنعام ، وذمهم على احتجاجهم على بدعتهم بالقدر ، قال تعالى : ( ^ وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ، ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء ) .
وفي الصحاح ( 1 ) عن عياض بن حمار رضي الله عنه عن النبي قال : ' يقول الله تعالى : ( ^ إني خلقت عبادي حنفاء ، فاجتالتهم الشياطين ، وحرمت عليهم ما أحللت لهم ، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً ' .
وذكر سبحانه في سورة الأحزاب ، والأعراف ما حرموه وما شرعوه ، فقال تعالى : ( ^ قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) .
وقال تعالى : ( ^ قل أمر ربي بالقسط ، وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد ، وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون ) .
وبين تعالى ما أمر به ، وما حرمه ، وقال : ( ^ أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ) .
فليس لأحد أن يحرم إلا ما حرمه الله ، بما جاءت به شريعته بتحريمه ، وما لا
____________________
(3/433)
فالأصل عدم التحريم ، سواء في ذلك الأعيان ، والأفعال .
وليس لأحد أن يشرع ديناً واجباً أو مستحباً إلا ما جاءت به الشريعة من الواجبات والمستحبات ، وإلا فلا يجب ، ولا يستحب ما لم يقم دليل شرعي على تحريمه ، واستحبابه .
فإذا عرف هذا فالصراط المستقيم اتباع سنته ؛ فالحلال ما حلله ، والحرام ما حرمه ، والدين ما شرعه ومن سوى الرسول إنما تجب طاعته إذا كانت طاعته طاعة لله ورسوله ، وهو إذا أمر الله به ورسوله ، فأهل الحديث أعظم الناس اعتصاماً بهذا الأصل ، وهم أشد الناس كراهية للبدع وهم أشد اتباعاً للعبادات الشرعية وأبعدهم من العبادات البدعية ونظائر هذا كثيرة منها ؛ أن مالكاً ومن وافقه من أهل الحديث لا يجوزون تغيير صفة العبادات المشروعة ، فلا يفتتحون الصلاة بغير التكبير المشروع وهو قول : الله أكبر ، كما أن هذا التكبير هو المشروع في الأذان والأعياد ، ولا يجوزون أن تفتتح بغيره من أنواع الذكر ، ولا يجوزون أن يقرأ القرآن بغير العربية ، ولا يعدل عن النصوص في الزكاة إلا ما يختار المالك من الأموال بالقيمة وكذلك تقديم الفجر والعصر ، ويجعلون وقت العصر إذا كان ظل كل شيء مثله وهو آخر وقت الظهر ، ويجعلون وقت صلاة العشاء مشتركاً للمعدود ، كالحائض إذا طهرت ، والمجنون إذا أفاق ، ويجوزون الجمع للمسافر الذي جد به السير والمريض في المطر وهم في صلاة السفر معتدلون .
فإن من الفقهاء من يجل الإتمام أفضل من القصر ، أو يجعل القصر أفضل ، لكن لا يكره الإتمام ، بل يرى أنه الأصل ، وأنه لا يقصر إلا أن ينوي القصر ، ومنهم من يجعل الإتمام غير جائز ، وهم يرون أن السنة هي القصر ، فإذا ربع كره له ذلك ، ويجعلون القصر سنة راتبة ، والجمع رخصة عارضة ، ولا ريب أن هذا القول أشبه الأقوال بالسنة ، وكذلك في السنن الراتبة يجعلون الوتر واحدة ، وإن كان قبلها شفع ، وهذا أصح من قول الكوفيين الذين يقولون : لا وتر إلا كالمغرب ، مع أن تجويز كلاهما صحيح ، لكن الفضل أفضل من الوصل ، ولا يرون الجمعة قبلها سنة راتبة ، خلافاً لمن خالفهم ، ومالك لا يوقت مع الفرائض شيئاً ، وبعض العراقيين وقت أشياء بأحاديث ضعيفة ، وأهل السنة يرون الجمع والقصر للحاج بعرفة وبالمزدلفة ، والقصر بمنى ، سواء كانوا من أهل مكة أو غيرهم ، ولا ريب أن هذا هو الذي مضت به سنة رسول الله بلا ريب ، فهذا القول أحد الأقوال في مذهب الشافعي وأحمد ، ومن قال : إنه لا يجوز القصر إلا لمن كان منهم على مسافة القصر
____________________
(3/434)
فقوله مخالف للسنة ، وأضعف منه قول من يقول : لا يجوز الجمع إلا لمن كان على مسافة القصر وقد علم أن للجمع أسباباً غير السفر الطويل ، ولهذا كان قول من يقول : يجوز الجمع في القصير كما يجوز في الطويل ، كمذهب مالك وأحد القولين من مذهب الشافعي وأحمد ، وهو أقوى ممن لا يجوزه ، إلا في الطويل ، وظن من قال بهذه الأقوال من أهل العراق وغيرهم أن النبي صلى بمنى ثم قال : ' يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر ' وهذا باطل عن النبي باتفاق أهل الحديث ، وإنما الذي في السنن أنه قال ذلك لما صلى في مكة في غزوة الفتح ، وكذلك نقلوا عن عمر مثل هذا ، ويروى أن الرشيد لما حج أمر أبا يوسف أن يصلي بالناس ، فلما سلم قال : يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر ، فقال له بعض المكيين : أتقول لنا هذا ومن عندنا خرجت السنة ، فقال : وهذا من فقهك تتكلم في الصلاة ، لكنت [ إذا ] كلم الناسي والجاهل بتحريم الكلام لا تبطل صلاته عند مالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين ، وتبطل عند أبي يوسف ، ولكن كان المكي عالماً بالسنة لقال : ليست هذه السنة ، بل قد صلى النبي بمنى ركعتين وأبو بكر وعمر ركعتين ، وكذلك الصلوات بعرفة ومزدلفة ركعتين ، ولم يأمروا من خالفهم من المكيين بإتمام الصلاة فيها كما هو مذهب أهل المدينة ، ومن ذلك صلاة الكسوف فإنه قد تواترت السنة فيها عن النبي ، فإنه صلاها بركوعين ، واتبع هذه السنة أئمة الحديث من أهل الكوفة حيث منعوا من ذلك كمالك وغيره ، وخفيت هذه السنة على من أنكرها ، وكذلك صلاة الاستسقاء فإنه قد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلاها وإليه ذهب الأئمة من أهل السنة ، كمالك وغيره ، وخفيت على من أنكرها من أهل العراق ، ومن ذلك تكبيرات العيد الزوائد فإن غالب السنة والآثار يوافق قول أهل السنة ، في الأولى سبع تكبيرات بتكبيرة الافتتاح والثانية خمس ، ومن ذلك أن الصلاة هل تدرك بركعة أو بأقل من ركعة ، فذهب مالك أنها تدرك بركعة ، وهذا هو الذي صح عن النبي حيث قال : ' من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ' . وكذلك قوله في الصحيح : ' من أدرك ركعة من الفجر قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك ؛ وكذلك العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها ' ، ومالك يقول في الجمعة والجماعة : تدرك بركعة ، وذلك إدراك الصلاة وكذلك إدراك الوقت كالحائض إذا طهرت والمجنون إذا أفاق قبل خروج الوقت ، وأبو حنيفة يعلق الإدراك في الجميع بمقدار التكبير ، حتى في الجمعة ، يقول : إذا أدرك منها مقدار تكبيرة فقد أدركها ، والشافعي وأحمد يوافقان مالكاً في الجمعة ، ويختلف قولهما في غيرها ، والأكثرون من أصحابهما يوافقون أبا حنيفة في الباقي ، وقد احتج بعضهم على مالك بقوله في
____________________
(3/435)
الحديث الصحيح : ' من أدرك سجدة من الصلاة ' وليس في هذا حجة لأن المراد بالسجدة الركعة كما قال ابن عمر : حفظنا من رسول الله سجدتين قبل الظهر وسجدتين بعدها ، ونظائره متعددة .
ومن ذلك أن مذهب أهل المدينة أن الإمام إذا صلى ناسياً بجنابته وحدثه ، ثم علم أعاد هو ولم يعد المأمون وهذا هو المأثور عن الخلفاء الراشدين كعمر وعثمان ، وعند أبي حنيفة يعيد الجميع ، وقد ذكر ذلك رواية عن أحمد ، والمنصوص المشهور عنه ، كقول مالك وهو مذهب الشافعي وغيره ، ومما يؤيد ذلك أن هذه القصة جرت لأبي يوسف ، فإن الخليفة استخلفه في ذلك الجمعة فصلى بالناس ، ثم ذكر أنه محدث فأعاد ولم يأمر الناس بالإعادة ، فقيل له في ذلك فقال : ربما ضاق علينا الشيء فأخذنا بقول إخواننا المدنيين مع أن صلاة الجمعة فيها خلاف كثير لكون الإمامة شرط فيها ، وطرد مالك هذا الأصل في سائر خطأ الإمام ، فإذا صلى الإمام باجتهاده فترك ما يعتقد المأموم وجوبه مثل أن يكون الإمام لا يرى وجوب قراءة البسملة أو لا يرى الوضوء من الدم ، أو من القهقهة ، أو من مس النساء ، والمأموم يرى وجوب ذلك . فمذهب مالك صحة صلاة المأموم ، وهو أحد القولين من مذهب أحمد والشافعي ، والقول الآخر لا يصح كقول أبي حنيفة ومذهب أهل المدينة هو الذي لا ريب في صحته ، وقد ثبت في صحيح البخاري عن النبي أنه قال : ' يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولكم ، وإن أخطئوا فلكم عليكم ' وهذا أصرح في المسألة ، ولأن الإمام يصلي باجتهاده فلا يحكم ببطلان صلاته ، ألا ترى أنه ينفذ حكمه إذا حكم باجتهاده ، فالإتمام به أولى والمنازع بنى ذلك على أن المأموم يعتقد بطلان صلاة الإمام وهذا غلط فإن الإمام صلى باجتهاده أو بتقليد ، وأنه إن كان مصيباً فله أجران ، وإن كان مخطئاً فله أجر واحد ، وخطؤه مغفور له ، فكيف يقول : إنه يعتقد بطلان صلاته ، ثم من المعلوم بالتواتر أن سلف الأمة ما زال بعضهم يصلي خلف بعض مع وجود مثل ذلك ، وما زال الشافعي وأمثاله يصلون خلف أهل المدينة وهم يقرءون البسملة سراً ولا جهراً ، ومن المأثور أن الرشيد احتجم فاستفتى مالكاً فأفتاه أنه لا وضوء عليه فصلى خلفه أبو يوسف ، ومذهب أبي حنيفة وأحمد أن خروج النجاسات من غير السبيلين ينقض الوضوء ، ومذهب مالك والشافعي أنه لا ينقص ، فقيل لأبي يوسف : أتصلي خلفه ؟ فقال : سبحان الله أمير المؤمنين ، وإن ترك الصلاة خلف الأئمة لمثل ذلك من شعائر البدع كالرافضة والمعتزلة ، ولهذا سئل الإمام أحمد عن هذا فأفتى بوجوب الوضوء ، فقال له السائل ، فإن كان الإمام لا يتوضأ من ذلك أأصلي
____________________
(3/436)
خلفه ؟ فقال : سبحان الله ؛ ألا تصلي خلف سعيد بن المسيب ، ومالك بن أنس ، ومالك رحمه الله يرى أن كلام الناسي والجاهل في الصلاة لا يبطلها على حديث ذي اليدين ، وحديث معاوية بن الحكم لما شمت العاطس ، وحديث الأعرابي الذي قال في الصلاة : اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً ، وهذا قول الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين ، والرواية الأخرى كقول أبي حنيفة ، واعتقد هؤلاء أن حديث ذي اليدين كان بعد خيبر ، إذ قد شهده أبو هريرة ، وإنما أسلم أبو هريرة عام خيبر ، وتحريم الكلام كان قبل رجوع ابن مسعود من الحبشة ، وابن مسعود شهد بدراً ، وكذلك ما في التوسع من الأذكار في صلاة الفريضة ، يوافقه قول أهل السنة ، بخلاف الكوفيين ، فإنهم ضيعوا في هذا الباب تضييعاً كثيراً وجعلوا ذلك كله من الكلام المنهي عنه ، ومن ذلك في الطهارة أن مالكاً يرى الوضوء من مس الذكر ولمس النساء بشهوة دون القهقهة ولمس النساء بغير شهوة ، ولا يرى الوضوء من الخارج النادر من السبيلين ، والخارج النجس من غيرهما ، وأبو حنيفة يراها من القهقهة ، والخارج من السبيلين النجس مطلقاً ، ولا يراها من مس الذكر ، ومعلوم أن أحاديث مس الذكر أثبت وأعرف من أحاديث القهقهة ، فإنه لم يرو أحد منها لا في الصحاح ولا في السنن شيئاً وهي مراسيل ضعيفة عند أهل الحديث ، ولهذا لم يذهب إلى وجوب الوضوء من القهقهة أحد من علماء الحديث ، لعلمهم أنها لم يثبت منها شيء ، والوضوء من مس الذكر فيه طريقان منهم من يجعله تعبداً لا يعقل معناه ، فلا يكون أبعد من الأصول عن الأصول من الوضوء من القهقهة في الصلاة ، ومنهم من يجعله تعبداً فهو أظهر ، وأما لمس النساء ففيه ثلاثة أقوال مشهورة :
قول لأبي حنيفة : لا وضوء فيه بحال .
وقول لمالك وهو المشهور عن أحمد أنه إن كان لشهوة نقض الوضوء ، وإلا فلا .
وقول للشافعي : يتوضأ منه بكل حال ، ولا ريب أن قول أحمد وقول مالك هما المشهوران عند السلف ، وأما إيجاب الوضوء من لمس النساء بغير شهوة قول شاذ ، ليس له أصل في الكتاب ولا في السنة ولا فيه أثر عن أحد من سلف الأمة ، ولا هو موافق لأصول الشريعة ، فإن اللمس الخالي عن الشهوة العاري عن الشهوة لا يؤثر لا في الإحرام ولا الاعتكاف كما يؤثر فيها اللمس مع الشهوة ، ولا يكره للصائم ولا ينشر مصاهرة ولا يؤثر في شيء من العبادات وغيرها من الأحكام فمن جعله مفسداً للطهارة فقد خالف الأصول ، فقوله تعالى : ( ^ أو لامستم النساء ) إن أريد به الجماع فقط كما قاله ابن عباس ، فالكلام وإن
____________________
(3/437)
كان قبلة المرأة ولمسها يراد في اللمس كما قال عبد الله بن عمر وغيره ، فمعلوم أن قوله : ( ^ أو لامستم النساء ) في الوضوء كقوله تعالى في الاعتكاف : ( ^ ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ) .
فالمباشرة بغيرة شهوة لا تؤثر هناك وكذلك هنا وكذلك قوله تعالى : ( ^ وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن ) هذا مع أنا نعلم ما زال الرجال يمسون النساء لغير شهوة فلو كان الوضوء من ذلك واجباً لأمر به النبي أصحابه ، ولكان ذلك مما ينقل ويؤثر ، وهذا كما قال شيخنا أيضاً لما سئل عما ينقض الوضوء وما لا ينقضه فقال : أما الخارج النجس من السبيلين فإنه ينقض الوضوء باتفاق الأئمة كالبول والغائط والريح والمذي ، وأما غير المعتاد كسلس البول والودي ودم الاستحاضة ، فينقض الوضوء منه عند أبي حنيفة وأحمد ، ولا ينقض في مذهب مالك والشافعي ، وأما النجاسة الخارجة من غير السبيلين كالقيء والفصاد والحجامة ، فينقض عند أبي حنيفة وأحمد ولا ينقض في مذهب مالك والشافعي ، وأما مس النساء فللفقهاء فيه ثلاثة أقوال كما تقدم من قوله رحمه الله .
قيل : ينقض مطلقا كقول الشافعي .
وقيل : لا ينقض مطلقا كقول أبي حنيفة .
وقيل : إن كان لشهوة نقض ، وإلا فلا ، وعلى هذا أكثر السلف والأئمة كمالك وأحمد وغيرهما وهو أعدل الأقوال ، فإن اللمس الخالي عن شهوة لا أثر له في كتاب الله ولا في سنة رسول الله لا في العبادات كالطهارة والاعتكاف والإحرام والصيام ، ولا في غير العبادات كالمصاهرة وغيرها ، قال تعالى : ( ^ ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن ) وقوله : ( ^ لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن ) فإن مسها مسيساً خالياً من غير شهوة لم يجب به عدة ولم يجب به مهراً ولا ينشر به المصاهرة حرمه باتفاق العلماء ، بخلاف ما لو مس امرأ بشهوة ولم يخل به ولم يطأها ففي استقرار المهر بذلك نزاع معروف بين العلماء في مذهب أحمد وغيره ، وكذلك في آية الاعتكاف ( ^ ولا تباشرون وأنتم عاكفون في المساجد ) فمباشرة المعتكف لغير شهوة لا يحرم بخلاف المباشرة لشهوة ، وكذلك المحرم الذي هو أشد لو باشر المرأة لغير شهوة لم يحرم عليه ، ولم يجب عليه به دم ، فمن زعم أن قوله : ( ^ أو لامستم النساء ) يتناول اللمس وإن لم يكن لشهوة فقد خرج عن اللغة التي جاء بها القرآن ، بل وعن لغة الناس في عرفهم ، وهذا كما أن احتج من احتج على مالك في
____________________
(3/438)
مسألة المني ، فإن الناس لا يزالون يحتلمون في المنام فتصيب الجنابة أبدانهم وثيابهم فلو كان ذلك واجباً لكان النبي يأمر بذلك أمراً عاماً أو خاصاً ، ولم ينقل أحد عن النبي أنه أمر أحداً من المسلمين بغسل ما أصابه من مني لا في بدنه ولا في ثيابه ، وقد أمر الحائض أن تغسل دم الحيض من ثوبها ومعلوم أن إصابة الجنابة ثياب الناس أكثر من أصابة دم الحيض ثياب النساء ، فكيف يبين هذا للحائض ويترك بيان ذلك الحكم العام مع أن تأخر البيان عن وقت الحاجة لا يجوز ، وما ثبت عنه في الصحيح من أن عائشة رضي الله عنها كانت تغسل المني من ثوبه لا يدل على الوجوب ، وقد ثبت عنها أيضاً في الصحيح أنها كانت تفركه فكيف وقد ثبت هذا أيضاً إذا الغسل يكون لقذراته كما قال سعد بن ابي وقاص وابن عباس : أمطه عنك ولو بإذخرة فإنما هي بمنزلة المخاط والبصاق ، فإن كانت هذه الحجة مستقيمة فمثلها أن يقال في الوضوء من لمس النساء لغير شهوة أما لمسهن بشهوة ففي التوضؤ منه اجتهاد ونزاع قديم ، وأما لمسهن لغير شهوة كما ترى مما تقدم ، ومن ذلك أيضاً الاغتسال من الجنابة فمذهب مالك وأحد القولين في مذهب أحمد بل هو المأثور عنه اتباع السنة فيه .
فإن من نقل غسل النبي كعائشة وميمونة لم ينقل أنه غسل بدنه كله ثلاثاً ، بل ذكرن أنه بعد الوضوء ، وتخليل أصول الشعر حثا حثوةً على شق رأسه الأيمن ، وحثوةً على شق رأسه الأيسر ، وحثوةً على وسط رأسه ، وأنه أفاض الماء بعد ذلك على سائر بدنه .
والذين استحبوا الثلاث إنما ذكروه قياساً على الوضوء ، والسنة قد فرقت بينهما ، وقد ثبت أن النبي كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع ، وهو أربعة أمداد .
فمعلوم إن كانت السنة في الغسل التثليث لم يكفه ذلك ؛ فإن سائر الأعضاء فوق أعضاء الوضوء بأكثر من أربع مرات .
ومن ذلك التيمم ، منهم من يقول : لا يجب أن يتيمم لكل صلاة كقول أبي حنيفة ، ومنهم من يقول : بل يتيمم لكل صلاة كقول الشافعي ، ومالك يقول : يتيمم لوقت كل صلاة ، وهذا أعدل الأقوال ، وهو أشبه بالآثار المأثورة عن الصحابة ، والمأثورة في المستحاضة .
ولهذا كان ذلك هو المشهور فيهما عند فقهاء الحديث ، ومن ذلك ان أهل المدينة يوجبون الزكاة في مال الخليطين كمالك المال الواحد ، ويجعلون في الإبل إذا زادت على عشرين ومائة في كل أربعين بنت لبون ، وفي كل خمسين حقة .
____________________
(3/439)
وهذا موافق لكتاب النبي في الصدقة الذي أخرجه البخاري من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وعامة كتب النبي كالتي كانت عند آل عمر بن الخطاب ، وآل علي بن أبي طالب ، وغيرهما يوافق ذلك .
ومن خالفهم من الكوفيين يستأنف الفريضة بعد ذلك ، ولا يجعل للمختلطة تأثيراً ، ومعهم أثر الاستئناف لكن لا يقوم هذا ، وإن كان ثابتاً فهو منسوخ كما نسخ ما روي في البقر أنها تزكي بالغنم .
ومذهب أهل المدينة أن لا وقص إلا في الماشية ففي التقدير ما زاد بحسابه ، كما روي ذلك في الأثر .
وأبو حنيفة يجعل الوقص كما في الماشية ، وأما المعشرات فعنده لا وقص فيها ، ولا نصاب ، بل يوجب العشر في كل قليل وكثير إلا القصب والحطب ، لكن صاحباه وافقا أهل المدينة لما ثبت عن النبي أنه قال : ' ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ، وليس فيما دون خمس ذود صدقة ، وليس فيما دون خمس أواق صدقة ' ( 1 ) .
ولما ثبت عنه من ترك أخذ الصدقة من الخضروات قال : ' ليس في الخضروات صدقة ' ( 2 ) .
وكذلك الركاز فيه الخمس لا يدخل فيه المعدن ، بل المعدن يجب فيه الزكاة ، كما أخذت من معادن بلال بن الحارث كما ذكر ذلك مالك في موطئه ؛ فإن الموطأ من تدبره ، وتدبر تراجمه ، وما فيه من الآثار علم قول من خالفها من أهل العراق ، وغيرهم ، فإنه رضي الله عنه قصد بذلك الترتيب والآثار لبيان السنة ، والرد على من خالفها ، وهو كتاب جليل القدر ، وهو أول كتاب جمع في حديث النبي .
وكذلك أمور المناسك لا يرون القارن أن يطوف إلا طوافاً واحداً ، ولا يسعى إلا سعياً واحداً .
____________________
(3/440)
ومعلوم أن الأحاديث الصحيحة عن النبي كلها توافق هذا القول ، ومن صار من الكوفيين إلى أن يطوف أولاً ، ويسعى للعمرة ثم يطوف ثانياً ويسعى للحج ، فتمسكوا بأثر نقلوه عن علي وابن مسعود ، وهذا إن صح لا يعارض السنة الصحيحة ؛ فإن قيل : فأبو حنيفة يرى القرآن أفضل ، ومالك يرى الإفراد أفضل ، وعلماء الحديث لا يرتابون أن النبي كان قارناً ، فهذه المسالك كثر نزاع الناس فيها ، واضطرب عليهم ما نقل فيها وما من طائفة إلا وقد قالت فيها قولاً مرجوحاً ، والتحقيق الثابت بالأحاديث الصحيحة أن النبي لما حج بأصحابه أمرهم : أن يحلوا من إحرامهم ويجعلوها عمرة إلا من ساق الهدي فكان النبي قد ساق الهدي ، فلما لم يحل توقفوا فقال : ' لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي وجعلها عمرة ' ( 1 ) .
وكان النبي قد جمع بين العمرة والحج ، فالذي دلت عليه سنته أن من لم يسق الهدي فالتمتع أفضل له ، وأن مكن ساق الهدي فالقرآن أفضل له ، هذا إذا جمع بينهما ، في سفرة واحدة .
واما إذا سافر للحج سفرة ، وللعمرة سفرة والإفراد أفضل له ، وهذا (1) بين الأئمة الأربعة ؛ فإنهم اتفقوا على أن الإفراد أفضل لمن سافر لكل منهما سفرة ، والقرآن الذي فعله النبي كان بطواف واحد ، وسعيين واحد ، لم يقرن بطوافين ، وسغيين كما يظنه من يظنه من أصحاب أبي حنيفة ، كما أنه لم يفرد الحج كما يظنه من يظنه من أصحاب مالك والشافعي ، ولا اعتمر بعد الحج لا هو ، ولا أحد من أصحابه ، إلا عائشة رضي الله عنها لأجل عمرتها التي حاضت فيها مع أنه قد صح أنه اعتمر أربع عمر ، إحداهن في حجة الوداع ، ولا تحلل النبي من إحرامه ، كما ظنه بعض أصحاب أحمد .
ومذهبهم أن المحصر لا قضاء عليه ، وهذا أصح من قول الكوفيين ؛ فإن النبي وأصحابه صدوا عن العمرة عام الحديبية ، ثم إنه العام القابل اعتمر النبي بطائفة معه ، لم يعتمروا ، وجميع أهل الحديبية ، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة ، وهم الذين بايعوا تحت الشجرة ، ومنهم من مات قبل عمرة القضية .
ومذهبهم أنه لا يستحب ، بل يكره لأحد أن يحرم قبل الميقات المكاني ، والكوفيون يستحبون الإحرام قبله ، وقول أهل المدينة هو الموافق لسنة رسول الله ، وسنة خلفائه
____________________
1- متفق عليه
(3/441)
الراشدين ؛ فإن النبي اعتمر قبل حجة الوداع عمرة الحديبية ، وعمرة القضية ، وكلاهما أحرم فيهما من ذي الحليفة .
واعتمر عام حنين من الجعرانة ، ثم حجة الوداع ، وأحرم فيها من ذي الحليفة ، ولم يحرم من المدينة قط ، ولم يكن رسول الله ليداوم على ترك الأفضل ، وخلفاؤه نهوا عن من أحرم قبل الميقات .
وقد سئل مالك عمن أحرم قبل الميقات فقال أخاف عليه الفتنة ، قال الله تعالى : ( ^ فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) فقال السائل : وأي فتنة في ذلك ؟ إنما هي زيادة نسك في طاعة الله تعالى ، فقال مالك : وأي فتنة أعظم من أن تظن أنك خصصت بفعل لم يفعله رسول الله ؟
وكان يقول رحمه الله : لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها ، وكان يقول : أكلما جاءنا رجل أجدل من رجل تركنا ما جاء به جبريل إلى محمد لجدل هذا .
ومذهب أهل المدينة أن من وطئ بعد التعريف قبل التحلل الأول ، فسد حجة ، ومن وطئ بعد التحلل الثاني فعليه عمرة ، وهذا هو المأثور عن الصحابة دون قول من قال : إن الوطء بعد التحلل الأول لا يوجب إحراماً ثانياً .
واتبع مالك في ذلك قول ابن عباس ، وذكره في موطئه ، لكن لم يسمَّ فيه من نقله عن ابن عباس ؛ إذ الراوي له عكرمة لما بلغه عن ابن عمر .
فإن قيل : قد خالف حديث ضباعة بنت الزبير في اشتراطها التحلل إذا حبسها حابس ، وحديث عائشة في تطييب النبي قبل إحرامه ، وقبل طوافه بالبيت ، وحديث ابن عباس في أنه ما زال يلبي حتى رمى جمرة العقبة فهو - رحمه الله - اتبع فيها آثاراً عن عمر ، وابنه رضي الله عنهما .
وإن كان الرد في التنازع إلى السنة لكن من لم يبلغه بعض السنة ، واتبع أقوال الصحابة كان أرجح ممن خفي عنه ، ولم يكن له سلف مثل الصحابة ، ومن ذلك حرم المدينة ، فإن الأحاديث قد تواترت عن النبي من غير واحد بإثبات حرمتها ، بل قد صح أنه جعل جزاء من عضد بها شجراً أن يجعل سلبه لآخذه .
ومذهب مالك ، والشافعي وأحمد أنها حرم ، وإن كان لهم في جزاء الصيد نزاع .
ومن خالف ذلك من الكوفيين لم تبلغه هذه السنة ، ولكن بعض أتباعهم أخذ يعارض ذلك بمثل حديث : ' أبا عمير ما فعل النغير ' ، وحديث الوحش وهذه وهذه متواترة .
فحديث : ابا عمير محمول على أن الصيد صيد خارج المدينة ، ثم أدخل المدينة ، وكذلك حديث الوحش - إن صح - وإن قدر أنهما متعارضان كان التحريم أثبت ، لأن أحاديث الحرم رواها أبو هريرة ممن صحبته متأخرة ، ودخول النبي كان من أوائل الهجرة .
وإذا تعارض نصان أحدهما ناقل عن الأصل والآخر منتف بحكم الأصل كان الناقل أولاً ؛ لأنه إذا قدم الناقل لم يلزم تغير الحكم إلا مرة واحدة ، فإذا قدم المنتفي لزم تغير الحكم مرتين مرتين .
فلو قيل : إن حديث : أبا عمير بعد حديث تحريم المدينة لكان حرمه ثم أحله ، وإذا قدر أنه كان قبل ذلك لم يلزم إلا كونه قد حرمه بعد التحليل ، وهذا لا ريب فيه .
ومذهب أهل المدينة أيضاً في بطلان نكاح المحلل كما تقدم ، ونكاح الشغار ، أتبع للسنة ممن لم يبطله من أهل العراق ؛ فإنه قد ثبت عن النبي أنه ' لعن المحلل والمحلل له ' ( 1 ) ولم يعرف عن أحد من الصحابة الرخصة في ذلك .
وذلك أن المقصود في العقود معتبر كما يجعلون الشرط المتقدم كالشرط المتفاوت ، ويجعلون الشرط العرفي كالشرط اللفظي ، ولأجل هذه الأصول أبطلوا نكاح المحلل ، وخلع اليمين الذي هو حيلة لفعل المحلوف عليه ، وأبطلوا الحيل التي يستحل بها الربا ، وأمثال ذلك ، ومن نازعهم في ذلك من الكوفيين ومن وافقهم ألغى النيات في هذه الأعمال ، وجعل القصد الحسن كالقصد السيء ، وسوغ إظهار أعمال لا حقيقة لها ، بل هي نوع من النفاق ، والمكر ، كما قال أيوب السختياني : يخادعون الله كما يخادعون الصبيان ، ولو أتوا الأمر على وجهه كان أهون عليهم .
والبخاري رحمه الله قد أورد في صحيحه كتاباً في الرد على أهل الحيل ، وما زال سلف الأمة وأئمتها ينكرون على من فعل ذلك .
ونكاح الشغار قد ثبت عن النبي النهي عن ذلك ، ولكن من صححه من
____________________
(3/442)
الكوفيين رأى أنه لا يجدون فيه إلا إلغاء مسمى المهر والنكاح يصح بدون تسمية المهر ، ولهذا كان المبطلون له لهم مأخذان :
أحدهما : أنه جعل بضع كل واحدة مهر الأخرى ، فيلزم التشريك في البضع ، كما يقول ذلك الشافعي وكثير من أصحاب أحمد وهؤلاء منهم طائفة يبطلونه إلا أن يسمي مهراً ؛ لأنه مع عدم تسميته انتفى الشريك في البضع .
ومنهم طائفة لا يبطلونه إلا بقوله : وبضع كل واحدة منها مهر الأخرى ؛ لكونه إذا لم يقل ذلك لم يتعين جعل البضع مهراً .
ومنهم من يبطله مطلقاً كما جاء عن النبي في ذلك حديث مصرح [ به ] ( 1 ) في السنن .
وهذه الأقوال الثلاثة في مذهب أحمد وغيره .
والمأخذ الثاني : أن بطلانه لاشتراط عدم المهر ، وفرق بين السكوت عن تسمية المهر ، وبين اشتراطه أن لا مهر ؛ فإن هذا النكاح من خصائص النبي ، وعلى هذا فلو سمى المهر بما يعلمان تحريمه كخمر ، وخنزير بطل النكاح ، كما يقول ذلك من يقوله بما دل عليه حديث الشغار لفظاً ومعنى . وهو أشبه بظاهر القرآن ، وأشبه بقياس الأصول .
وكذلك نكاح الحامل ، والمعتدة من الزنا باطل عند مالك ، وهو أشبه بالآثار ، والقياس لئلا يختلط الماء الحلال بالحرام ، وقد خالفه أبو حنيفة فجور العقد دون الوطء .
والشافعي جوزهما ، وأحمد وافقه ، وزاد عليه ، فلم يجوز نكاح الزانية حتى تتوب لدلالة القرآن والأحاديث على تحريم نكاح الزانية . وأن من ادعى أن ذلك منسوخ ، وأن المراد به الوطء ففساد قوله ظاهر من وجوه متعددة . وكذلك مسألة تداخل العدتين من رجلين كالتي تزوجت في عدتها ، أو وطئت بشبهة فإن مذهب مالك أن العدتين لا يتداخلان ، بل تعتد لكل منهما ، وهذا هو المأثور عن عمر ، وعلي رضي الله عنهما ، وهو مذهب الشافعي ، وأحمد ، وأبو حنيفة قال بتداخلها .
وكذلك مسألة إصابة الزوج الثاني ، بل تهدم ما دون الثلاث ، وهو الذي يطلق امرأته طلقة ، أو طلقتين ثم تتزوج من يصيبها ثم تعود إلى الأول ، فإنها تعود على ما بقي
____________________
(3/444)
عند مالك ، وهو قول الأكابر من الصحابة ، وهو مذهب الشافعي ، وأحمد في المشهور عنه .
ومن قال لا تعود على ما بقي ابن عمر ، وابن عباس وهو قول أبي حنيفة .
وكذلك مذهب أهل المدينة وفقهاء الحديث أنه عند انقضاء أربعة أشهر توقف ، فإما أن يفي ، وإما أن يطلق ، وهذا هو المأثور عن بضعة عشر من الصحابة ، وقد دل عليه القرآن والأصول من غير وجه .
وقول الكوفيين أن عزم الطلاق هو انقضاء العدة ، فإذا انقضت ، ولم يفِ طلقت ، وغاية ما يروى ذلك عن ابن مسعود إن صح عنه .
ومسألة الرجعة بالفعل كما إذا طلقها فهل يكون الوطء رجعة ؟ فيه ثلاثة أقوال :
أحدها : يكون رجعة كقول أبي حنيفة .
والثاني : لا يكون كقول الشافعي .
والثالث : يكون رجعة مع النية وهو المشهور عن مالك وهو أعدل الأقوال ، والثلاثة في مذهب أحمد .
والمقصود أن النزاع بين الأئمة أصناف ؛ منه ما يكون كل من الأمرين مشروعاً ويكون الناس مخيرين بين هذا وهذا ، فخيار كل طائفة أحد الأمرين ، ثم يتنازعون في الأفضل ويظن بعضهم أن ما يفعله هو المشروع دون ما يفعله الآخرون أو يصير الأفضل شعاراً فيحصل بسببه تفرق واختلاف ، واختلافهم في القرآن كان من هذا الباب .
ومن هذا الباب تنازعهم في إفراد الإقامة وتثنيتها مع أن كلاهما ثابت في الصحاح ؛ فإنه أمر بلالاً ان يشفع الأذن ، ويوتر الإقامة ، وعلم أبا محذورة الإقامة شفعاً .
ومن ذلك أنواع التشهدات كتشهد ابن مسعود وابن عباس ، وأبي موسى الأشعري ؛ فإن تشهد ابن مسعود في الصحيحين ، وتشهد ابن عباس وأبي موسى في صحيح مسلم .
وتشهد عمر بن الخطاب به على المنبر ، وتشهد ابن عمر ، وعائشة ، وجابر في السنن ، ومن ذلك التكبيرو التحميد ربنا ولك الحمد ، ربنا لك الحمد فهذه كلها مشروعة ، ثم يقع النزاع فيها من وجهين :
____________________
(3/445)
أحدهما : أن تعتقد إحدى الطائفتين أن ما فعله هو المشروع دون ما فعله الآخر .
وإذا اعتقدت الطائفتان ذلك صارت كل طائفة تقول : ما نحن عليه هو الذي دون الأخرى ، وهذا من التفرق والإختلاف الذي ذمه الله وعابه ، وسببه جهل أحدهما بمستند الآخر .
الثاني : أن يجعل جواز كل من الأمرين ، لكن يرى أن المحافظة على شعارها هو الأفضل ، ويزهد في الآخر ، وإذا انضم إلى ذلك نوع من الانتساب إلى أحد الطائفتين صار ذلك شعار طائفته ، لا لكونه سنة رسول الله . وهذا مذموم أيضاً .
الصنف الثاني : أن تكون السنة إنما وردت بأحدهما ، لكن خفيت على الطائفة الأخرى فاعتقدت أن السنة إنما جاءت بما هي عليه كتنازعهم في قنوت الفجر ، هو منسوخ ، أو سنة راتبة ، أو هو مشروع عند النوازل خاصة ، وكتنازعهم في وقت الظهر والعصر ، والمغرب ، ووجوب قراءة البسملة ، ومثل ذلك كثير ، فهذا إحدى الطائفتين فيه مصيب ، والأخرى نغفر لها مع الاجتهاد .
وإذا كان النزاع في الاستحباب فقد يصير المفضول أفضل لعارض راجح مثل إظهار القراءة في الجنازة وجهر بعض الصحابة بالاستعاذة ، وجهر بعضهم بالبسملة ، مثل أن يكون فيه إظهار السنة أو حصول الجماعة والألفة كجهر عمر بالاستحباب لتعلم السنة .
وكذلك ابن عباس جهر بالقراءة على الجنازة ، وجهر بعض الصحابة بالاستعاذة ، ومثل موافقة ابن مسعود لعثمان في الصلاة بمنى أربعاً مع أن السنة عنده أن يصلي ركعتين ، وقال : صليت مع رسول الله ركعتين ، ومع أبي بكر ومع عمر ، فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان ، ثم إنه صلى معه ، وأتم ، وقال : الخلاف شر .
ومن هذا قول أنس لمن سأله عن السنة في رمي الجمار ، فقال : افعل كما فعل إمامك .
ومتابعة المأموم لإمامه فيما يسوغ فيه الاجتهاد كالقنوت في الفجر ، وتكبير أكثر من أربع في العيدين ، ونحو ذلك هو من هذا الباب .
الصنف الثالث : أن يكون الشرع قد ورد فيه بجواز الأمرين لا على سبيل التخيير ، بل
____________________
(3/446)
على سبيل الاجتهاد ، وتحري الأصلح ، وسيأتي تمام هذه القاعدة في آخر الكتاب إن شاء الله ، وعليه التكلان .
وكان سبب إدخال هذه القاعدة من كلام شيخنا ابن تيمية تغمده الله برحمته لما في بعضها من تكرار ما تقدم منها من القواعد المذكورة في أبوابها ، فلإعادتها في كل مسألة مما تقدم زيادة فقه ، ومعنى لم يكن في ما تقدم ، فلهذا ذكرناه ، وهكذا ذكرنا هذه القواعد جملة ، وكان السبب لذلك ما ذكرناه من إعادة ما تقدم ، والله أعلم .
وكذلك ما ذكره المفسرون ، كابن جرير الطبري وابن أبي حاتم ، وغيرهم رحمهم الله فيما تقدم ، وفي قوله تعالى : ( ^ اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ) إلى قوله ( ^ وما علمتم من الجوارح ) .
وإن كان قد تقدمت الأحاديث ، وأقوال السلف فنذكر ، وبالله التوفيق ، وعليه التكلان ، ولا علم لنا إلا ما علمنا إنه هو العليم الحكيم ، قال تعالى : ( ^ وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله ) الآية .
فالجوارح : هي من الكلاب ، والفهود والصقور ، وأشباه ذلك كما هو مذهب الجمهور من الصحابة ، والتابعين ، والأئمة .
والبزاة : قال عبد الله بن عمر : أما ما صاد من الطير البزاة ، وغيرها فما أدركت فهو لك ، وإلا فلا تطعمه ، والمحكي عن الجمهور أن صيد الطير كصيد الكلاب ، فلا فرق ، وهذا مذهب الأئمة الأربعة ، واختاره ابن جرير ، واحتج في ذلك بما رواه عن هناد أن عدياً قال : سألت رسول الله عن صيد البازي قال : ' ما أمسك عليك فكل ' ( 1 ) واستثنى الإمام أحمد صيد الكلب الأسود ؛ لأنه عنده مما يجب قتله ، ولا يحل اقتناؤه .
لما ثبت في صحيح مسلم ( 2 ) عن أبي ذر أن رسول الله قال : ' يقطع الصلاة الحمار ، والمرأة ، والكلب الأسود ' . فقلت : ما بال الكلب الأسود من الأبيض والأحمر ؟ فقال : ' الكلب الأسود شيطان ' .
____________________
(3/447)
وما تقدم أنه أمر بقتل الكلاب ثم ما بالهم ، وبال الكلاب ، ثم قال : ' اقتلوا منها كل أسود بهيم ' ( 1 ) وسميت هذه الحيوانات اللاتي يصاد بهن جوارح من الجرح ، وهو الكسب ، كما قال تعالى : ( ^ ويعلم ما جرحتم بالنهار ) أي ما جرحتم من خير ، ومن شر .
وقد ذكر في سبب نزول هذه الآية الكريمة الحديث الذي رواه ابن أبي حاتم عن رافع ابن أبي رافع مولى رسول الله أن رسول الله أمر بقتل الكلاب فقتلت ، فجاء الناس ، فقالوا : يا رسول الله ما يحل لنا من هذه الكلاب التي أمرت بقتلها ؟ قال : فسكت ، فأنزل الله :
( ^ يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح . . . . ) الآية . فقال رسول الله ' إذا أرسل الرجل كلبه وسمى ، وأمسك عليه فليأكل ما لم يأكل الكلب ' هكذا رواه ابن جرير ( 2 ) .
قال : جاء جبريل إلى النبي ، فاستأذن فأذن له قال : ' لكنا لا ندخل بيتاً فيه كلب ' قال أبو رافع : فأمرني أن أقتل كل كلب بالمدينة حتى انتهيت إلى امرأة عندها كلب ينبح عليها فتركته رحمة بها ، ثم جئت إلى رسول الله فأخبرته فأمرني ، فرجعت إلى الكلب فقتلته ، فجاءوا فقالوا : يا رسول الله ما يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها ، قال : فسكت رسول الله فأنزل الله عز وجل :
( ^ يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح . . . . ) الآية .
رواه الحاكم ( 3 ) في مستدركه وقال : (1) .
وروى ابن جرير عن عكرمة أن رسول الله بعث أبا رافع في قتل الكلاب حتى بلغ العوالي ، فدخل عاصم بن عدي ، وسعد بن خيثمة ، وعويمر بن ساعدة فقالوا : ماذا أحل لنا يا رسول الله ؟ فنزلت : ( ^ يسألونك ) وقوله : ( ^ مكلبين ) يحتمل أن يكون حالاً من
____________________
1- صحيح
(3/448)
المفعول ، وهي الجوارح ، أي وما علمتم من الجوارح في حال كونهن مكلبات للصيد ، وذلك أنها تقتنصه بمخالبها ، وأظفارها ، فيستدل بذلك على أن الجارح إذا قتل الصيد بصدمته ، لا بمخلابه ، وظفره لا يحل ، كما هو أحد قولي الشافعي ، وطائفة من العلماء .
ولهذا قال تعالى : ( ^ تعلمونهن مما علمكم الله ) وهو أنه إذا أرسله استرسل ، وإذا أشلاه استشلى ، وإذا أخذ الصيد أمسكه على صاحبه ، حتى يجيء إليه ولا يمسكه لنفسه ، ولهذا قال تعالى : ( ^ فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه ) فمتى كان الجارح معلماً وامسك على صاحبه ، وكان قد ذكر اسم الله عليه عند إرساله حل الصيد ، وإن قتله بالإجماع .
وقد وردت السنة بمثل ما دلت عليه هذه الآية الكريمة ، كما ثبت في الصحيحين ( 1 ) عن عدي بن حاتم قال : قلت يا رسول الله إني أرسل الكلاب المعلمة ، وأذكر اسم الله عليها فقال : ' إذا أرسلت كلبك المعلم ، وذكرت اسم الله عليه فكل ما أمسكن عليك ' قلت : وإن قتلن ؟ قال : ' وإن قتلن ما لم يشرك فيه كلب آخر ليس منه فلا تأكل فإنما سميت على كلبك ولم تسمً على غيره ' قلت له : فإني أرمي بالمعراض الصيد فأصيب فقال : ' إذا رميت بالمعراض فخزق ( 2 ) فكله ، وإن أصابه بعرضه فإنه وقيذ فلا تأكله - وفي لفظ لهما - إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله عليه ، فإن امسك عليك فأدركته حياً فاذبحه ، وإن أدركته قد قتل ، ولم يأكل منه فكله ، وإن أخذ الكلب ذكاته - وفي رواية لهما - فإن اكل فلا تأكل فإني أخاف أن يكون أمسك على نفسه ' .
فهذا دليل للجمهور ، وهو الصحيح من مذهب الشافعي ، وهو أنه إذا أكل الكلب من الصيد يحرم مطلقاً ، ولم يستفصلوا ، كما ورد بذلك الحديث . وحكي عن طائفة من السلف أنهم قالوا : لا يحرم مطلقاً ، وقد روى ابن جرير عن سلمان الفارسي أنه قال : كل من صيدك وإن أكل ثلثيه - يعني الصيد إذا أكل منه الكلب - رواه ابن جرير عن مجاهد .
وقال سعد بن أبي وقاص ، وقد سئل عن الصيد فقال : كل من صيدك ، وإن لم يبق منه إلا جذية يعني بعضه ، وقال أيضاً : كل وإن أكل ثلثيه .
____________________
(3/449)
وعن أبي هريرة قال : إذا أرسلت كلبك فكل وإن أكل ثلثيه وبقي ثلثه .
رواه ابن جرير عنه في تفسيره ، وقال أيضاً في تفسيره عن عبد الله بن عمر قال : إذا أرسلت كلبك المعلم ، وذكرت اسم الله عليه فكل ما أمسك عليك .
فهذه آثار ثابتة عن سلمان ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبي هريرة ، وابن عمر ، ومن التابعين الزهري ، وربيعة ، ومالك ، وإليه ذهب الشافعي في القديم وأومأ إليه في الجديد .
وقد روي من طريق سلمان مرفوعاً من رواية سعيد بن المسيب عن سلمان قال : قال رسول الله : ' إذا أرسل الرجل كلبه على الصيد ، فأدركه قد أكل منه فليأكل ما بقي ' .
رواه ابن جرير ( 1 ) ، وقد حكي عن علي ، وابن عباس رضي الله عنهما نحو ذلك .
وقال ابن جرير : وفي إسناد حديث سلمان نظر في رفعه ، وسعيد بن المسيب غير معلوم له سماع من سلمان ، والثقات يروونه عن سلمان غير مرفوع لكن قد روي مرفوعاً من وجه آخر من رواية عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده أن أعرابياً يقال له أبو ثعلبة قال : يا رسول الله إن لي كلاباً مكبله فأفتني في صيدها ، فقال النبي : ' إن كان لك كلاب مكبلة فكل ما أمسكن عليك ' فقال : ذكياً وغير ذكي ، وإن أكل منه ؟ ، قال : ' نعم وإن أكل منه ' قال : يا رسول الله أفتني في قوسي قال : ' كل ما ردت عليك قوسك ' قلت : ذكياً وغير ذكي ؟ قال : ' نعم ، وإن تغيب عنك ما لم يضل ، أو تجد فيه سهماً غير سهمك ' قال : قلت : أفتني في آنية المجوس قال : ' إذا اضطررت إليها فاغسلها وكل فيها ' .
هكذا رواه أبو داود ، وقد أخرجه النسائي ( 2 ) .
ورواية أبي داود ( 3 ) عن أبي مسلم الخولاني عن أبي ثعلبة قال : قال رسول الله : ' إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل ، وإن أكل منه ، وكل ما ردت عليك يدك ' .
وهذان إسنادان جيدان .
وقد روى الثوري عن سماك بن حرب عن عدي قال : قال رسول الله :
____________________
(3/450)
' ما كان من كلب ضار أمسك عليك فكل ' قلت : وإن أكل ؟ قال : ' نعم ' .
وكذا رواه عبد الملك ، فهذه آثار دالة على أنه يغتفر إن أكل منه الكلب .
وقد توسط آخرون فقالوا : إن أكل عقب ما أمسكه فإنه يحرم لحديث عدي بن حاتم والعلة التي أشار إليها النبي :
' فإن أكل فلا تأكل فإني أخاف أن يكون أمسك على نفسه ' ( 1 ) .
أما أن يكون أمسكه ثم انتظر صاحبه فطال عليه وجاع ، فأكل من الصيد لجوعه فإنه لا يؤثر في التحريم ، وحملوا على ذلك حديث أبي ثعلبة الخشني ، وهذا تفريق حسن وجمع بين الحديثين .
وقال آخرون قولاً رابعاً في المسألة ، وهو الفرق بين أكل الكلب ، وبين أكل الصقور ، ونحوها فلا يحرم ، فإنه لا يقبل التعليم إلا بالأكل .
وروى ابن جرير عن ابن عباس أنه قال في الطير : إذا أرسلته فقتل فكل ، فإن الكلب إذا ضربته لم يعد ، وإن تعليم الطير أن يرجع إلى صاحبه ، وليس يضرب ، فإذا أكل من الصيد ، ونتف الريش فكل .
وكذا قال إبراهيم النخعي ، والشعبي ، وحماد بن أبي سليمان ، وقد يحتج لهؤلاء بما رواه ابن أبي حاتم في تفسيره ( 2 ) بسنده عن عدي بن حاتم قال : قلت يارسول الله إنا قوم نصيد بالكلاب ، والبزاة فما يحل لنا منها ، قال : ' يحل لكم ما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله ، فكلوا مما أمسكن عليكم ، واذكروا اسم الله عليه ' ثم قال : ' ما أرسلت من كلب وذكرت اسم الله عليه فكل ما أمسك عليك ' قلت : وإن قتل ؟ قال : ' وإن قتل ما لم يأكل ' قلت : يا رسول الله وإن خالطت كلابنا كلاب غيرنا ؟ قال : ' فلا تأكل حتى تعلم أن كلبك هو الذي أمسك ' قال : قلت : يا رسول الله إنا قوم نرمي فما يحل لنا ؟ قال : ' ما ذكرت اسم الله عليه ، وخزقت فكل ' .
فوجه الدلالة لهم أنه اشترط في الكلب أن لا يأكل ، ولم يشترط ذلك في البزاة ،
____________________
(3/451)
فدل على التفرقة بينهما في الحكم ، والله أعلم .
وقد اشترط من اشترط من الأئمة كأحمد بن حنبل في المشهور عنه التسمية عند إرسال الكلب ، والذي بالسهم ، فهذه الآية ، وهذا الحديث ، وهذا القول هو المشهور عن الجمهور .
أن المراد بهذه الآية الأمر بالتسمية عند الإرسال كما قال السدي ، وابن عباس : إذا أرسلت جارحك فاذكر اسم الله عليه ، وإن نسيت فلا حرج .
وقال بعضهم : المراد بهذه الآية التسمية عند الأكل كما ثبت في الصحيح أن رسول الله علم ربيبه عمر بن أبي سلمة فقال : ' سم الله وكل بيمينك ، وكل مما يليك ' ( 1 ) .
وفي صحيح البخاري ( 2 ) عن عائشة أنهم قالوا : يا رسول الله إن قوماً يأتونا باللحمان حديث عهدهم بكفر ، لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا فقال : ' سموا الله أنتم ، وكلوا ' .
وروى الإمام أحمد ( 3 ) أيضاً عن عائشة أن رسول الله كان يأكل طعاماً في ستة نفر من أصحابه فجاء أعرابي فأكله بلقمتين فقال النبي : ' أما أنه لو ذكر اسم الله عليه لكفاكم ، فإذا أكل أحدكم طعاماً فليذكر اسم الله ، فإن نسي أن يذكر اسم الله أوله فليقل : بسم الله أوله وآخره ' .
رواه ابن ماجة ( 4 ) أيضاً عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون به ، وهذا منقطع بين عبد الله بن عبيد عمير ، وبين عائشة ؛ فإنه لم يسمع منها هذا الحديث بدليل ما رواه احمد بن حنبل ( 5 ) بسنده عن عبد الله بن عبيد بن عمير أن امرأة منهم يقال لها أم كلثوم حدثته عن عائشة أن رسول الله كان يأكل طعاماً في ستة نفر من أصحابه فجاء أعرابي فأكله بلقمتين فقال :
____________________
(3/452)
' اما أنه لو ذكر اسم الله كفاكم ، فإذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله ، فإن نسي اسم الله في أوله فليقل : بسم الله أوله وآخره ' .
رواه أحمد وأبو داود والترمذي ، والنسائي ( 1 ) من غير وجه عن هشام الدستوائي ، وقال الترمذي : (1) .
وروى الإمام أحمد ( 2 ) عن المثنى بن عبد الرحمن الخزاعي أنه كان يسمَّي في أول أكله وآخره فسألوه فقال : أخبركم أن جدي أمية بن مخشى وكان من أصحاب النبي سمعته يقول : إن رجلاً كان يأكل والنبي ينظر ، ولم يسمَّ حتى كان في آخر طعامه لقمة قال : بسم الله أوله وآخره ، فقال النبي : ' والله ما زال الشيطان يأكل معه حتى سمى ، فلم يبق شيء في بطنه حتى قاءه ' .
وهكذا رواه أبو داود والنسائي ( 3 ) ، لكن فيه أبو الفتح الأزدي ، لا تقوم به حجة .
وروى الإمام أحمد ( 4 ) عن سلمة بن الهيثم عن صهيب من أصحاب ابن مسعود عن حذيفة قال : كنا إذا حضرنا مع رسول الله على طعام لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله ، فيضع يده ، وإنا حضرنا معه طعاماً فجاءت جارية كأنما تدفع فذهبت تضع يدها في الطعام فأخذ رسول الله بيدها ، وجاء أعرابي كأنما يدفع فذهب يَضع يده في الطعام فأخذ رسول الله بيده ثم قال رسول الله : ' إن الشيطان ليستحل الطعام إذا لم يذكر اسم الله عليه ، وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها فأخذت بيدها ، وجاء بهذا الأعرابي ليستحل به فأخذت بيده ، والذي نفسي بيده إن يده في يدي مع يديهما ' - يعني الشيطان .
رواه مسلم وأبو داود والنسائي ( 5 ) من حديث الأعمش .
____________________
1- حديث حسن صحيح
(3/453)
وروى مسلم ، وأهل السنن ( 1 ) إلا الترمذي من طريق ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله عن النبي قال : ' إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله ، وعند طعامه قال الشيطان : لا مبيت لكم ، ولا عشاء ، وإذا دخل ولم يذكر اسم الله عند دخوله قال الشيطان : أدركتم المبيت ، فإذا لم يذكر اسم الله عند طعامه قال : أدركتم المبيت والعشاء ' .
وروى الإمام أحمد ( 2 ) عن وحشي بن حرب بن وحشي بن حرب عن أبيه عن جده أن رجلاً قال للنبي : إنا نأكل ولا نشبع قال : ' فلعلكم تأكلون متفرقين اجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه ' .
هكذا رواه أبو داود وابن ماجة ( 3 ) .
وقوله : ( ^ ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق ، وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ) .
استدل بهذه الآية الكريمة من ذهب إلى أنه لا يحل الذبيحة التي لم يذكر اسم الله عليها ، ولو كان الذابح مسلماً .
وقد اختلف الأئمة رحمهم الله في هذه المسألة على ثلاثة أقوال : فمنهم من قال : لا يحل هذه الذبيحة بهذه الصفة وسواء كان متروك التسمية عمداً ، أو سهواً ، وهو مروي عن ابن عمر ، ونافع مولاه ، وعامر الشعبي ، ومحمد بن سيرين ، وهي رواية عن الإمام مالك ، ورواية عن الإمام أحمد بن حنبل نصرها طائفة من أصحابه المتقدمين ، وقول في مذهب متأخري الشافعية ، واحتجوا لمذهبهم بهذه الآية الكريمة ، وبقوله في آية الصيد : ( ^ فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه ) ثم قد أكد في هذه الآية ( ^ وإنه لفسق ) والضمير قيل عائد على الأكل ، وقيل عائد على الذبح لغير الله ، وبالأحاديث الواردة في
____________________
(3/454)
الأمر بالتسمية عند الذبيحة ، والصيد ، كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة المتقدمة ، وحديث ابن مسعود أن رسول الله قال للجن : ' لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه ' .
رواه مسلم ( 1 ) .
وحديث جندب بن عبد الله البجلي قال : قال رسول الله : ' من ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى ، ومن لم يكن ذبح حتى صلينا فليذبح بسم الله ' .
أخرجاه ( 2 ) .
وعن عائشة أن ناساً قالوا : يا رسول الله إن قوماً يأتونا باللحمان لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا قال : ' سموا عليه اسم الله ، وكلوه ' .
قالت : وكانوا حديث عهد بكفر . رواه البخاري ( 3 ) .
ووجه الدلالة أنهم فهموا أن التسمية لا بد منها ، وخشوا أن لا يكون وجدت من أولئك التسمية لحداثة إسلامهم ، فأمرهم بالاحتياط بالتسمية عند الأكل لتكون كالعوض عن المتروكة عند الذبح إن لم يكن وجدت بإجراء أحكام المسلمين على السداد ، والله أعلم .
والمذهب الثاني في المسألة : أنه لا يشترط التسمية بل هي مستحبة ، فإن تركت عمداً ، أو نسياناً لم تضر ، وهذا مذهب الشافعي ، وجميع أصحابه ، ورواية عن الإمام أحمد نقلها عنه حنبل ، وهي رواية عن الإمام مالك ، نص على ذلك أشهب .
وحكي ذلك عن ابن عباس وأبي هريرة وعطاء بن أبي رباح ، والله أعلم .
وحمل الشافعي الآية الكريمة : ( ^ ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق )
على ما ذبح لغير الله ، كقوله تعالى : ( ^ أو فسقاً أهل لغير الله به ) .
____________________
(3/455)
وقالوا : ينهى عن ذبائح كانت قريش تذبحها على الأوثان ، والنهي عن ذبائح المجوس ، وهذا المسلك الذي طرقه الإمام الشافعي قوي ، وقد حاول بعض المتأخرين أن يقويه بأن جعل الواو في قوله ( ^ وإنه لفسق ) حالية ؛ أي لا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه في حال كونه فسقاً ، ولا يكون فسقاً حتى يكون قد أهل به لغير الله ثم ادعى أن هذا يتعين ولا يجوز أن تكون الواو عطفاً أي عاطفة ؛ لأنه يلزم منه عطف جملة اسمية خبرية على جملة فعلية طلبية ، وهذا ينتقض عليه بقوله ( ^ وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ) فإنها عاطفة لا محالة .
فإن كانت الواو الذي ادعى أنها حالية صحيحة على ما قال امتنع عطف هذه الآية عليها ، فإن عطفت على الطلبية ورد عليه ما أورد على غيره ، وإن لم تكن الواو حالية بطل ما قال من أصله ، والله أعلم .
وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس قوله : ( ^ ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ) ، قال : هي الميتة .
وقد استدل لهذا المذهب بما رواه أبو داود في المراسيل من حديث الصلت السدوسي مولى سويد بن ميمون أحد التابعين الذين ذكرهم ابن حبان في كتاب الثقات قال : قال رسول الله : ' ذبيحة المسلم حلال ذكر اسم الله عليه أو لم يذكر ' ( 1 ) .
وهذا مرسل لكن يعضده ما رواه الدارقطني ( 2 ) بسنده عن ابن عباس أنه قال : إذا ذبح المسلم ولم يذكر اسم الله فليأكل ، فإن المسلم فيه اسم من أسماء الله .
واحتج البيهقي أيضاً بحديث عائشة المتقدم : أن قوماً حديث عهد بجاهلية يأتونا بلحم لا ندري أذكروا اسم الله أم لا فقال : ' سموا أنتم ، وكلوا ' .
قال : فلو كان وجود التسمية شرطاً لما رخص لهم إلا مع تحققها ، والله أعلم .
المذهب الثالث في المسألة : أنه إن ترك التسمية على الذبيحة نسياناً لم يضر ، وإن تركها عمداً لم تحل ، هذا هو المشهور من مذهب الإمام مالك وأحمد بن حنبل ، وبه يقول
____________________
(3/456)
إسحاق ، وهو محكي عن علي ، وابن عباس ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء ، وطاوس ، والحسن البصري ، وأبي مالك ، وابن ابي ليلى ، ونقل أبو الحسن في كتابه ' الهداية ' الإجماع قبل الشافعي على تحريم متروك التسمية عمداً ، ولهذا قال أبو يوسف ، والمشايخ : لو حكم حاكم بجواز بيعه لم ينفذ لمخالفة الإجماع ، وهذا الذي قاله غريب جداً .
وقد تقدم نقل الخلاف عمن قبل الشافعي ، وقال الإمام أبو داود : ثنا جعفر بن جرير عن ابن حزم أن ذبيحة الناسي تخرج من قول الحجة ، وخالف الخبر الثابت عن رسول الله في ذلك ، يعني ما رواه الحافظ أبو بكر البيهقي ( 1 ) عن ابن عباس عن النبي قال : ' المسلم يكفيه اسمه إن نسي أن يسمي حين يذبح فليذكر اسم الله وليأكل ' .
وهذا الحديث رفعه خطأ ، معقل فيه مغفل بن عبيد الله الجزري ؛ فإنه وإن كان من رجال مسلم ، فإن سعيد بن منصور ، وعبد الله بن الزبير الحميدي روياه عن سفيان بن عيينة عن عمرو عن أبي الشعثاء عن عكرمة عن ابن عباس من قوله : وقد نقل ابن جرير عن الشعبي وابن سيرين أنهما كرها متروك التسمية نسياناً ، والسلف يطلقون الكراهة على التحريم كثيراً ، وقاعدة ابن جرير لا يعتبر قول الواحد ، ولا الاثنين خلافاً للجمهور ، روى ابن جرير أن الحسن سئل عن طيور فيها ما ذكر اسم الله عليه ، ومنها ما لم يذكر اسم الله عليه نسياناً فقال الحسن : كله كله .
واحتج لهذا المذهب بالحديث المروي من طرق عن ابن ماجة عن ابن عباس ، وأبي هريرة ، وأبي ذر ، وعقبة بن عامر ، وعبد الله بن عمر عن النبي : ' إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما حدثت به أنفسها ، وما استكرهوا عليه ' ( 2 ) .
وفيه نظر ، والله أعلم .
وعن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى النبي فقال : يا رسول الله ارأيت الرجل منّا يذبح ، وينسى أن يسمي ، قال : ' اسم الله على كل مسلم ' ( 3 ) وهذا ضعيف .
قال ابن جرير : اختلف أهل العلم في هذه الآية هل نسخ من حكمها شيء أم لا ؟
____________________
(3/457)
فقال بعضهم : لم ينسخ منها شيء ، وهي محكمة فيما عنيت به ، وعلى هذا قول عامة أهل العلم .
وروي عن الحسن البصري ، وعكرمة قالا : قال الله : ( ^ فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين ) وقال : ( ^ ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق ) .
فنسخ ، واستثنى من ذلك فقال :
( ^ وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم ) .
وقال مكحول : أنزل الله في القرآن : ( ^ ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ) ثم نسخها الرب ورحم المسلمين فقال :
( ^ اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ) فنسخها بذلك ، وأحل طعام أهل الكتاب ، ثم قال ابن جرير : والصواب أنه لا تعارض بين حل طعام أهل الكتاب ، وبين تحريم ما لم يذكر اسم الله عليه ، وهذا الذي قاله صحيح ، ومن أطلق من السلف النسخ ها هنا فإنما اراد التخصيص ، والله أعلم .
وقوله تعالى :
( ^ وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم )
وقد ذكر ابن أبي حاتم ( 1 ) أن اليهود خاصمت إلى النبي ، فقالوا : أنأكل ما قتلنا ، ولا نأكل ما قتل الله ؟ فأنزل الله :
( ^ ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ) .
وعن ابن عباس قال : اتى ناس النبي فقالوا : أناكل ما قتلنا ، ولا نأكل ما قتل الله ، أو ما ذبح الله - يعني الميتة ؟ .
وفي رواية : ما ذبحت أنت بيدك يا محمد نأكله ، فنزلت هذه الآية : ( ^ وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ) .
____________________
(3/458)
وقال ابن عباس : إن مشركي قريش كانوا يحبون أن يكون فارس على الروم فأرسل رجل من فارس بكتاب أن محمداً ، وأصحابه يزعمون أنهم يتبعون أمر الله ، فما ذبح الله بسكين من ذهب فلا يأكله ، وما ذبحوا هم يأكلون ، فكتب بذلك المشركون إلى أصحاب محمد ، فوقع في أنفس أناس من المسلمين من ذلك شيء فنزلت ( ^ وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ) .
ونزلت : ( ^ يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً .
قال السدي في تفسير هذه الآية : إن المشركين قالوا للمؤمنين كيف تزعمون أنكم تتبعون مرضات الله ، وما ذبح الله فلا تأكلونه ، وما ذبحتم أنتم أكلتموه ؟ قال الله : ( ^ وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ) .
وهكذا قال مجاهد ، والضحاك ، وغير واحد من علماء السلف ، وقد روى الترمذي ( 1 ) في تفسيرها عن عدي بن حاتم أنه قال : يا رسول الله يقول الله تعالى : ( ^ اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ) ما عبدوهم قال رسول الله : ' أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم ، وحرموا لهم الحلال فأطاعوهم ، فكانت تلك عبادتهم ' .
قوله تعالى : ( ^ اليوم احل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم ) .
قال ابن عباس ، وأبو إمامة ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، وعطاء ، والحسن ، ومكحول ، وإبراهيم النخعي ، والسدي ، ومقاتل يعني ذبائحهم ، وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء أن ذبائحهم حلال للمسلمين ؛ لأنهم يعتقدون تحريم الذبح لغير الله ، ولا يذكرون على ذبائحهم إلا اسم الله ، وإن اعتقدوا فيه تعالى ما هو منزه عن قولهم تعالى وتقدس .
وقد ثبت في الصحيح ( 2 ) عن عبد الله بن مغفل قال : رأيت يوم خيبر جراب شحم
____________________
(3/459)
فأخذته فاحتضنته ، وقلت : لا أعطي اليوم من هذا لأحد شيئاً ، فالتفت فإذا النبي يتبسم .
فاستدل به الفقهاء على أنه يجوز تناول ما يحتاج إليه من الأطعمة ، ونحوها من الغنيمة قبل القسمة ، وهذا ظاهر ؛ واستدل به الحنفية ، والشافعية ، والحنابلة على أصحاب مالك في منعهم أكل ما يعتقد اليهود تحريمه من ذبائحهم كالشحوم ، ونحوها مما حرم عليهم .
فالمالكية لا يجوزون للمسلمين أكله لقوله تعالى : ( ^ وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ) .
قالوا : وهذا ليس من طعامهم .
واستدل عليهم الجمهور بهذا الحديث ، وفي ذلك نظر ؛ لأنه قضية عين ، فيحتمل أنه كان شحماً يعتقدون حله كشحم الظهر والحوايا ، ونحوها .
وأجود منه في الدلالة ما ثبت في الصحيح ( 1 ) أن أهل خيبر أهدوا لرسول الله شاة مصلية وقد سموا ذراعها ، وكان يعجبه الذراع فتناوله فنهش منه نهشة ، فأخبره الذراع أنه مسموم فلفظه ، وأثَّر ذلك السم في ثناياه ، وفي أبهره ، فأكل معه منها بشر بن البراء بن معرور فمات ، فقتل اليهودية التي سمتها ، وكان اسمها زينب ، فقتلت ببشر بن البراء .
ووجه الدلالة أنه عزم على أكلها ، ومن معه ولم يسألهم هل نزعوا منها ما يعتقدون تحريمه من شحمها أم لا .
وفي الحديث الآخر أن رسول الله أضافه يهودي خبز شعير ، وإهالة سنخة يعني ، ودكاً زنخاً .
وهو في الصحيح أيضاً .
وقال مكحول : إنها منسوخة يعني : ( ^ أحل لكم الطيبات ) يعني أن هذه الآية : ( ^ ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ) يعني بهذه الآية وأحل طعام أهل الكتاب .
____________________
(3/460)
وفي هذا الذي قال مكحول نظر ؛ فإنه لا يلزم من إباحة طعام أهل الكتاب إباحة أكل ما لم يذكر اسم الله عليه ؛ لأنهم يذكرون اسم الله علي ذبائحهم ، وفي آنيتهم ، وهم متعبدون بذلك ، ولهذا لم يبح ذبائح من عداهم من أهل الشرك ، من شابههم ؛ لأنهم لا يذكرون اسم الله على ذبائحهم ، بخلاف أهل الكتابين ، من شاكلهم من السامرة ، والصابئة ، ومن تمسك بدين إبراهيم ، وشيث ، وغيرهما من الأنبياء على أحد قولي العلماء .
ونصارى العرب لبني تغلب ، وتنوخ ، وبهراء وجذام ولخم وعاملة ، ومن أشبههم لا تؤكل ذبائحهم عند الجمهور .
وروى ابن جرير عن علي عليه السلام أنه قال : لا تأكلوا ذبائح بني تغلب ، وأما المجوس فإنه وإن أخذت منهم الجزية تبعاً وإلحاقاً لأهل الكتاب فإنه لا تؤكل ذبائحهم ، ولا تنكح نساؤهم خلافاً لأبي ثور إبراهيم بن خالد الكلبي أحد الفقهاء من أصحاب الشافعي ، وأحمد بن حنبل ، وأنكر عليه في ذلك حتى قال أحمد : أبو ثور كاسمه .
وكأنه تمسك بعموم حديث روي مرسلاً عن النبي أنه قال : ' سنّوا بهم سنة أهل الكتاب ' ( 1 ) .
ولكن لم يثبت بهذا اللفظ ، وإنما الذي في صحيح البخاري عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه : أخذ رسول الله الجزية من مجوس هجر ( 2 ) ، ولو سلم صحة هذا الحديث فعمومه مخصوص بمفهوم هذه الآية : ( ^ وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لهم ) فدل بمفهوم المخالفة على أن طعام من عداهم من أهل الأديان لا يحل .
وقوله : ( ^ وطعامكم حل لهم ) .
أي ويحل لكم أن تطعموهم من ذبائحكم وليس هذا إخبار عن الحكم عندهم ، اللهم إلا أن يكون خبراً عما امروا به من الأكل من كل طعام ذكر اسم الله عليه سواء كان من أهل ملتهم ، أو غيرها ، والأول أظهر في المعنى ؛ أي ولكم أن تطعموهم من ذبائحكم كما أكلتم من ذبائحهم .
____________________
(3/461)
وهذا من باب المكافأة ، والمقابلة ، والمجاراة ، كما لَبَّس النبي ثوبه لعبد الله بن أبي حين مات ودفنه فيه ، وذلك أنه كان قد كسى العباس حين قدم المدينة ثوبه .
وأما الحديث الذي فيه : ' لا تصحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي ' ( 1 ) فمحمول على الندب والاستحباب .
فهذه جملة مفيدة جامعه مبينة بين الطيب والخبيث ، والحلال والحرام بحسب الطاقة ، ولله الحمد والمنة .
مسألة [ 771 ] :
إذا مرَّ بالثمار المعلقة ولا حائط عليها جاز له الأكل من غير ضمان سواء اضطر إليها أو لم يضطر في رواية لأحمد ، وعنه يأكل عند الضرورة .
وقال أبو حنيفة والشافعي ومالك : لا يجوز له الأكل من غير ضرورة ؛ فإن اضطر أكل بشرط الضمان .
2143 - قال أحمد : ثنا يزيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري عن النبي قال : ' إذا أتيت عل راعي إبل فناده ثلاثاً ، فإن أجابك ، وإلا فاحلب واشرب في غير أن تفسد . وإذا أتيت على حائط فناد يا صاحب الحائط ثلاثاً فإن أجابك ، وإلا فكل في غير أن تفسد ' .
ورواه ابن ماجة أيضاً ، ورواه ابن حبان عن أبي يعلى الموصلى ، ورواه البيهقي من رواية الحارث بن أبي أسامة عن يزيد ، وقال : تفرد به سعيد بن إياس الجريري ( 2 ) وهو من ] ( 3 )
____________________
(3/462)
[ الثقات إلا أنه اختلط في آخر عمره . وسماع يزيد بن هارون عنه بعد اختلاطه ، كذا قال البيهقي ، لكن لم يتفرد يزيد بهذ 1 الحديث عن الجريري 1 ، فرواه عن حماد بن سلمة عن عفان ، وعن عبد الرزاق عن معمر ، وقد روي نحو حديث أبي سعيد الخدري هذا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده من حديث الحسن عن سمرة ، ومن حديث نافع عن ابن عمر ، وروي عن عمر موقوفاً عليه (1) ] ( 2 ) .
مسألة [ 772 ] :
يجب على المسلم ضيافة المسلم المسافر المجتاز به ( 3 ) ليلة .
وقال أكثرهم : لا يجب .
2144 - قال أحمد : ثنا يحيى بن سعيد ، ثنا شعبة ، قال : ثنا منصور ، عن الشعبي عن المقدام بن أبي كريمة سمع رسول الله يقول : ' ليلة الضيف واجبة على كل مسلم ، فإن أصبح بفنائه محروماً كان ديناً ، عليه ، إن شاء قضى وإن شاء ترك ' .
2145 - قال أحمد : وثنا حجاج ، ثنا شعبة ، قال : سمعت أبا الجودي يحدث عن ابن المهاجر عن المقدام بن أبي كريمة ، عن النبي قال : ' أيما مسلم أضاف قوماً فأصبح محروماً ، فإن حقاً على كل مسلم نصره حتى يأخذ بقرى ليلته من زرعه وماله ' .
ز : حديث الشعبي عن المقدام رواه أبو داود ( 4 ) من رواية أبي عوانة عن منصور ، ورواه ابن ماجة ، ورواه أبو داود السجستاني عن مسدد عن يحيى بن سعيد ، عن شعبة ، وأبو الجودي اسمه الحارث بن عمير الراوي لهذا الحديث ، وهو ثقة .
وابن المهاجر اسمه سعيد ، وهو شامي حمصي وقد ذكره ابن حبان في كتاب
____________________
1- بإسناد صحيح
(3/463)
الثقات .
2146 - قال أحمد : وثنا حجاج ، قال : أنبأ ليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن ابي الخير عن عقبة بن عامر ، أنه قال : قلنا : يا رسول الله إنك تبعثنا فننزل بقوم لا يقرونا فما ترى في ذلك ؟ فقال لنا رسول الله : ' إذا نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا ، فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم ' .
ز : أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
2147 - قال أحمد : وثنا قتيبة ، ثنا ليث بن سعد ، عن معاوية بن صالح ، عن أبي طلحة عن أبي هريرة أن النبي قال : ' أيما ضيف نزل بقوم فأصبح الضيف محروماً فله أن يأخذ بقدر قراه ولا حرج عليه ' .
ز : هكذا رواه أحمد بسنده عن أبي هريرة مرفوعاً من رواية أبي طلحة الأنماري السامي نعيم بن زياد وقد وثقه النسائي وغيره .
____________________
(3/464)
مسائل الأشربة
مسألة [ 773 ] :
كل شراب يسكر كثيره فقليله حرام ، وفيه الحد ، ويسمى خمراً .
وقال أبو حنيفة : عصير العنب الذي إذا اشتد وقذف بزبدة قليله وكثيره حرام ، فأما ما عمل من التمر والزبيب فإن كان مطبوخاً أدنى طبخ ( 1 ) فهو حلال ، وإن كان نياً ( 2 ) فهو محرم إلا أنه لا يسمى خمراً ، وإنما يسمى نبيذاً ، وما عمل من الحنطة والشعير والذرة والأرز والعسل ونحوها فهو حلال طبخ أو لم يطبخ وإنما يحرم منه السكر .
الكلام في ثلاثة فصول :
أحدها : أن اسم الخمر يقع على كل مسكر .
والثاني : في الدليل على تحريم النبيذ .
والثالث : في الدليل على أن الخمر معللة ، وأن علة تحريمها الشدة المطربة وهي موجودة في كل شراب مسكر .
وعند أبي حنيفة أن تحريم الخمر غير معلل ، وإنما ثبت بالنص .
____________________
(3/465)
فصل : فأما الدليل على أن اسم الخمر يقع على كل مسكر
2148 - قال أحمد : ثنا روح ، ثنا ابن جريج ، أخبرني موسى بن عقبة ، عن نافع عن ابن عمر ، أن رسول الله قال : ' كل مسكر خمر ، وكل خمر حرام ' .
2149 - قال البخاري : ثنا أحمد بن أبي رجاء ، ثنا يحيى ، عن أبي حيان التميمي ، عن الشعبي عن ابن عمر قال : خطب عمر على منبر رسول الله فقال : ' نزل تحريم الخمر ، وهي من خمسة أشياء : العنب ، والتمر ، والحنطة ، والشعير ، والعسل ، والخمر ما خامر العقل ' .
أخرجه البخاري ومسلم ( 1 ) في الصحيحين .
2150 - قال أحمد : وثنا حسن بن موسى ، قال : ثنا ابن لهيعة ، عن أبي النضر ، عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي أنه قال : ' من الحنطة خمر ، ومن التمر خمر ، ومن الشعير خمر ، ومن العسل خمر ' .
2151 - قال أحمد : وثنا يونس ، ثنا ليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن خالد بن كثير الهمداني ، أنه حدثه أن السري بن إسماعيل حدثه ، أن الشعبي حدثه أنه قد سمع النعمان بن بشير رضي الله عنهما ، يقول : قال رسول الله : ' إن من الحنطة خمراً ، ومن الشعير خمراً ، ومن الزبيب خمراً ، ومن التمر خمراً ، وأنا أنهى عن كل مسكر ' .
ز : رواه ابن ماجة ( 2 ) لكن فيه السري بن إسماعيل .
قال أحمد : ترك الناس حديثه ، وقال يحيى : استبان لي كذبه ، وقال علي بن
____________________
(3/466)
المديني عن يحيى : ما كلمته إلا مرة واحدة وسمعته يقول : ثنا عامر قال سمعت النعمان بن بشير يقول : سمعت رسول الله يقول : ' الخمر من خمس ' .
قال يحيى : فتركته ؛ يعني أنه ترك السري ، فلم يحمل عنه لإنكاره ما حدث به عن الشعبي ؛ لأن الثقات يروون عن أبي حيان التيمي عن الشعبي عن ابن عمر عن عمر قوله : إن الخمر نزل تحريمها يوم نزل ، وهي من خمسة ، لكن روى هذا الحديث أبو داود والترمذي ، ورواه أبو داود أيضاً من رواية ابن جرير عن الشعبي .
وقال الترمذي ( 1 ) في حديث أبي حيان : هذا أصح .
وقال في حديث إبراهيم : غريب لكن الحديث لفظه صحيح .
2152 - قال أحمد : وثنا عبد الله بن إدريس ، قال : سمعت المختار بن فلفل ، قال : قال أنس بن مالك : الخمر من العنب ، والتمر ، والعسل ، والذرة ، فما خمرت من ذلك فهو الخمر .
2153 - قال أحمد : وثنا يحيى بن سعيد ، عن حميد : عن أنس قال : كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح ، وأبيّ بن كعب ، وسهيل بن بيضاء ، ونفراً من أصحابه عند أبي طلحة حتى كاد الشراب يأخذ فيهم فأتى آت من المسلمين ، فقال : أما شعرتم أن الخمر قد حرمت ، فما قالوا : حتى ننظر ونسأل ، فقالوا : يا أنس أكفئ ما في إنائك ، فوالله ما عادوا فيها وما هي إلا التمر والبسر ، وهي خمرهم يومئذ .
أخرجاه في الصحيحين ( 2 ) .
فإن قيل : فقد قال ابن عمر : حرمت الخمر وما بالمدينة منها شيء .
قلنا يعني به ماء العنب فإنه المشهور باسم الخمر ، ولا يمنع هذا أنا نسمي غيره خمراً .
____________________
(3/468)
وقال أحمد بن حنبل : هذا أشد ما على الخصم ، وهو أن الخمر حرمت وشرابهم الفضيخ ، قال : وقد روي تحريم الخمر عن رسول الله من عشرين وجهاً .
____________________
(3/469)
فصل : والدليل على تحريم النبيذ الحديث السابق : ' كل مسكر خمر ، [ وكل خمر حرام ' ] ( 1 ) .
2154 - قال أحمد : ثنا محمد بن جعفر ، ثنا شعبة ، عن سعيد بن أبي بردة ، عن أبيه عن جده ، عن رسول الله قال : ' كل مسكر حرام ' .
أخرجاه ( 2 ) .
2155 - قال أحمد : وثنا يحيى ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة عن ابن عمر ، عن النبي قال : ' كل مسكر حرام ' .
ز : رواه النسائي ( 3 ) .
وأخرجه الترمذي ( 4 ) ، وروى عن أبي هريرة الجميع عن النبي ، (1) .
2156 - قال أحمد : وثنا هاشم بن القاسم ، ثنا أبو معشر ، عن موسى بن عقبة ، عن سالم عن أبيه قال : قال رسول الله : ' كل مسكر خمر ، وما أسكر كثيره فقليله حرام ' .
2157 - قال أحمد : وثنا أبو كامل ، ثنا عبد الله بن عمر العمري ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن عبد الله بن عمرو ، أن النبي قال : ' ما أسكر كثيره فقليله حرام ' .
ز : وقد رواه الطحاوي ( 5 ) عن علي بن معبد .
____________________
1- وهو صحيح
(3/471)
ورواه النسائي ( 1 ) عن قدامة عن يحيى بن سعيد .
ورواه ابن ماجة ( 2 ) عن دحيم عن أنس بن عياض كلاهما عن عبيد الله بن عمر الثقة الثبت عن عمر ، فصح الإسناد إلى عمر ، والله أعلم .
2158 - قال أحمد : وثنا يحيى بن إسحاق ، قال : أخبرني مهدي بن ميمون ، قال : حدثني أبو عثمان الأنصاري ، عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت : قال رسول الله : ' ما أسكر الفرق منه فملء الكف حرام ' .
قال ابن قتيبة : الفَرقَ بفتح الراء ثلاثة آصع ، ستة عشر رطلاً .
قال الدارقطني ( 3 ) : رفعوه وخالف خلف بن الوليد فوقفه على عائشة والقول قوله .
ز : ورواه أبو داود والترمذي ( 4 ) ، والطحاوي ( 5 ) ، وقال الترمذي : (1) .
وروله ابن حبان في صحيحه من حديث أبي عثمان ، واسمه عمرو بن سالم ، وقد أحسن مهدي بن ميمون الثناء على أبي عثمان هذا ، ووثقه أبو داود في رواية أبي عبيد الآجري .
وذكره ابن حبان في كتاب الثقات .
وروى الطحاوي ( 6 ) عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله : ' ما أسكر كثيره فقليله حرام ' .
رواه الإمام أحمد ( 7 ) ، وأخرجه أبو داود ، والترمذي ( 8 ) جميعاً عن قتيبة بن سعيد .
____________________
1- حديث حسن
(3/472)
ورواه ابن ماجة ( 1 ) عن دحيم عن أنس بن عياض .
ورواه أبو حاتم البستي ( 2 ) وهو من حديث موسى بن عقبة .
ورو الطحاوي ( 3 ) عن بكير بن عبد الله الأشج عن عامر بن سعيد عن أبيه قال : قال رسول الله : ' أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره ' .
ورواه إسحاق بن المعتمر ، ورواه ابن أبي عاصم وأبو يعلى الموصلي ، وغيرهما عن أبي سعيد الأشج عن الوليد بن كثير عن الضحاك .
ورواه النسائي عن حميد بن مخلد عن سعيد بن الحكم .
ورواه أبو حاتم بن حبان عن عبد الله بن محطبة ، عن أحمد بن أبان القرشي عن عبد العزيز بن محمد عن الضحاك .
وسئل عنه الدارقطني فقال : يرويه الضحاك بن عثمان عن بكير بن الأشج عن عامر ابن سعيد عن أبيه ، ولم يختلف عليه ؛ فإنه حدث به عن جماعة منهم عبد العزيز بن أبي حاتم ، والدراوردي ، والوليد بن كثير .
وقد رواه عبد الله بن الحارث المخزومي ، وابن أبي فديك ، وروى نافع عن عبد الله أنه جاء ورسول الله إلى جنب المنبر يكلم الناس قال : فقلت : ما قال رسول الله ؟ قال : قال : ' كل مسكر خمر ، وكل مسكر حرام ، ولا يطعمها أحد في الدنيا فيطعمها في الآخرة إلا أن يتوب الله على من يشاء ' قال عبد الله : فتخلصت حتى قمت بين يدي رسول الله قال : فقلت : يا رسول الله أرأيت ما أسكر كثيره ؟ قال : ' فقليله حرام ' ( 4 ) .
وقال هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قال : قال رسول الله : ' كل مسكر حرام ، وما اسكر كثيره فالقطرة منه حرام ' .
وروى الخطيب ( 5 ) بروايته إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تقول : قال
____________________
(3/473)
رسول الله : ' من شرب نبيذاً فاقشعر منه مفرق رأسه فالحسوة منه حرام ' .
2159 - قال أحمد : وثنا أبو أحمد ، قال : ثنا سفيان ، عن علي بن بذيمة ، قال : أخبرني قيس بن حبتر عن ابن عباس عن النبي أنه قال : ' كل مسكر حرام ' .
2160 - قال أحمد : وثنا عبد الله بن إدريس ، قال : سمعت المختار بن فلفل ، قال : سألت أنس بن مالك عن الشرب في الأوعية فقال : نهى رسول الله عن المزفتة ، وقال : ' كل مسكر حرام ' .
ز : ورواه أبو داود ( 1 ) عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وهو مروي عن عشرين من الثقات إلى سعيد بن جبير عن ابن عباس .
ورواه النسائي عن ابن إدريس .
ورواه أبو خيثمة أحمد بن منيع ، وأبو بكر بن أبي شيبة .
2161 - قال أحمد : وثنا مؤمل ، ثنا سفيان ، عن علقمة بن مرثد ، عن ابن بريدة عن أبيه قال : قال رسول الله : ' نهيتكم عن الظروف ، وإن الظروف لا تحل شيئاً ولا تحرمه ، وكل مسكر حرام ' .
ز : ورواه مسلم بن الحجاج ( 2 ) عن الشاعر عن الضحاك بن مخلد عن سفيان .
2162 - قال أحمد : وثنا يحيى ، عن شعبة ، قال : حدثني سلمة بن كهيل ، قال : سمعت أبا الحكم قال : سألت ابن عباس عن نبيذ الجر والدباء ، فقال : نهى رسول الله عن نبيذ الجر ، وقال : ' من سره أن يحرم ما حرم الله ورسوله فليحرم النبيذ ' .
2163 - قال البغوي : ثنا أحمد بن حنبل ، ثنا محمد بن جعفر ، ثنا شعبة ، عن
____________________
(3/474)
سعيد بن أبي بردة ، عن أبيه عن جده قال : بعث رسول الله أبا بردة ومعاذ بن جبل إلى اليمن ، قال أبو موسى : يا رسول الله إنا بأرض يصنع بها شراب من العسل يقال له البتع ، وشراب من الشعير يقال له المزر ، فقال رسول الله : ' كل مسكر حرام ' .
ز : رواه النسائي ( 1 ) عن إسحاق بن إبراهيم ، وهو من حديث شعبة عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جده قال : بعث رسول الله أبا بردة ومعاذ بن جبل إلى اليمن فقال أبو موسى : يا رسول الله إنا بأرض يصنع فيها شراب من العسل يقال له : البتع ، وشراب من الشعير يقال له : المزر ، فقال رسول الله : ' كل مسكر حرام ' .
كذا فيه عن أبي بردة ، وهو خطأ ، والصواب أبي موسى ، وهو مخرج في الصحيحين من حديث شعبة .
احتجوا بما :
2164 - قال أحمد : ثنا وكيع ، ثنا شعبة ، عن يحيى بن عبيد عن ابن عباس : أن النبي كان ينبذ له ليلة الخميس فيشربه يوم الخميس ويوم الجمعة ، قال : وأراه قال : يوم السبت ، فإذا كان عند العصر فإن بقي منه شيء سقاه الخدم أو أمر به فأهريق . قالوا : لو كان حراماً ما سقاه الخدم .
2165 - قال الدارقطني : ثنا أحمد بن عبد الله الوكيل ، ثنا علي بن حرب ، ثنا يحيى ابن اليمان العجلي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن خالد بن سعيد عن أبي مسعود الأنصاري ، أن النبي عطش وهو يطوف بالبيت ، فأتي بنبيذ من السقاية فقطب ، فقال له رجل : أحرام هو يا رسول الله ؟ قال : ' لا عليّ بذنوب من ماء زمزم ' فصبه عليه ثم شرب وهو يطوف بالبيت .
2166 - قال الدارقطني : وثنا يعقوب بن إبراهيم بن أحمد البزاز ، ثنا عمر بن شبة ، ثنا عمر بن علي المقدمي ، عن الكلبي ، عن أبي صالح عن المطلب بن أبي وداعة السهمي ،
____________________
(3/475)
قال : طاف رسول الله بالبيت في يوم قائظ شديد الحر ، فاستسقى رهطاً من قريش ، فأرسل رجل إلى امرأته ، فجاءت جارية معها إناء فيه نبيذ زبيب ، فلما رآها النبي قال : ' ألا خمرتموه ولو بعود تعرضونه عليه ' ، فلما أدني منه وجد له رائحة شديدة ، فقطب ورد الإناء ، فقال الرجل : يا رسول الله إن يكن حراماً لم نشربه ، فاستعاد الإناء وصنع مثل ذلك ، وقال الرجل مثل ذلك فدعا بدلو من ماء زمزم فصبه على الإناء ، وقال : ' إذا اشتد عليكم شرابكم فاصنعوا به هكذا ' .
وقد روى أبو عبد الرحمن النسائي ( 1 ) من حديث عبد الملك بن نافع ، عن ابن عمر نحو هذا الحديث .
2167 - قال الدارقطني : وثنا إسحاق بن محمد بن الفضل الزيات ، قال : ثنا يوسف بن موسى ، ثنا جرير ، عن أبي إسحاق السيناني ، عن مالك بن القعقاع قال : سألت ابن عمر عن النبيذ الشديد ، فقال : جلس رسول الله في مجلس فوجد من رجل ريح نبيذ فقال ' ما هذه الرياح ؟ ' قال : ريح نبيذ ، قال : فأتونا منه ، فأرسل فأتي به فوضع فيه رأسه فشمه ، ثم رجع فرده حتى إذا قطع الرجل البطحاء رجع ، فقال : أحرام هو يا رسول الله ، أم حلال ؟ قال : فوضع رأسه فيه فوجده شديداً ، فصب عليه الماء ثم شرب ، ثم قال : ' إذا اغتلمت أسقيتكم فاكسروها بالماء ' .
2168 - قال الدارقطني : ثنا محمد بن احمد بن هارون ، ثنا أحمد بن عمر بن بشر ، ثنا جدي إبراهيم بن فيروز ، ثنا القاسم بن بهرام ، ثنا عمرو بن دينار عن ابن عباس ، قال : مر رسول الله على قوم بالمدينة ، فقالوا : يا رسول الله إن عندنا شراباً لنا أفلا نسقيك منه ؟ قال : ' بلى ' ، فأتي بقعب أو قدح غليظ فيه نبيذ ، فلما أن أخذه النبي فقربه إلى فيه قطب ، قال : فدعا الذي جاء به فقال : ' خذه فأهرقه ' ، فلما أن ذهب به قال : يا رسول الله هذا شرابنا إن كان حراماً لم نشربه ، فدعا به فأخذه ، ثم دعا بماء فشنه عليه ثم شرب وسقي . وقال ' إذا كان هكذا فاصنعوا به هكذا '
____________________
(3/476)
2169 - قال الدارقطني : ثنا أبو العباس الأثرم ، ثنا محمد بن احمد المقري ، ثنا الحسن بن داود بن مهران ، ثنا عبد العزيز بن أبان ، عن سفيان الثوري ، عن منصور عن خالد بن سعيد عن أبي مسعود ، قال : سُئل النبي عن النبيذ حلال أو حرام ؟ قال : ' حلال ' .
2170 - قال الدارقطني : ثنا محمد بن القاسم بن زكريا ، أنبأ عبد الأعلى بن واصل ، ثنا أبو غسان ، ثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن القاسم بن عبد الرحمن عن ابن بريدة عن أبيه عن أبي بردة قال : سمعت النبي يقول : ' اشربوا في المزفت ولا تسكروا ' .
2171 - قال الدارقطني : وثنا عثمان بن أحمد بن الدقاق ، ثنا يحيى بن عبد الباقي ، ثنا لوين ، ثنا محمد بن جابر ، عن سماك ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن ابن بريدة عن أبيه ، عن النبي قال : ' نهيتكم عن الظروف فاشربوا فيما شئتم ولا تسكروا ' .
قالوا : وروى أبو سعيد عن النبي انه قال : ' إن الله حرم الخمر بعينها ، والسكر من كل شراب ' .
2172 - قال العقيلي : ثنا محمد بن إسماعيل ، ثنا أبو نعيم ، ثنا يونس بن أبي إسحاق ، وابن أبي السفر ، عن سعيد بن ذي لعوة ، قال : شرب أعرابي نبيذاً من إداوة عمر فسكر فأمر به فجلد ، فقال : إنما شربت نبيذاً من إداوتك ، فقال عمر : إنما نجلدك على السكر .
والجواب :
أما الحديث الأول : فإنما سقاه الخدم لأنه لما مضت حلاوته وخاف أن يصير مسكراً أعطاه الخدم .
____________________
(3/477)
وأما حديث ابي مسعود : فقال الدارقطني : هو معروف بيحيى بن يمان ويقال : إنه انقلب عليه الإسناد واختلط عليه بحديث الكلبي عن أبي صالح الذي ذكرناه .
قال : وقد رواه اليسع بن إسماعيل ، عن زيد بن الحباب ، عن الثوري ، واليسع ضعيف ولا يصح عن زيد .
وقال احمد بن حنبل : كان يحيى بن يمان يغلط وضعفه فقيل له فرواه غيره قال لا إلا من هو أضعف منه
وقال النسائي لا يحتج بحديث يحيى بن يمان لسوء حفظه وكثرة خطئه .
وقال أبو حاتم الرازي : هو مضطرب الحديث .
ثم لو صح الحديث فلا حجة فيه لأن نبيذ السقاية كان نقيع الزبيب وليس من عادتهم طبخه فهو حرام باتفاقنا .
وأما حديث الكلبي : فاسم الكلبي محمد بن السائب . .
قال زائدة وليث وسليمان التيمي : هو كذاب ساقط .
وقال يحيى : ليس بشيء .
وقال النسائي والدارقطني : متروك الحديث .
وقال أبو حاتم بن حبان : وضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى إغراق في وصفه ، لا يحل الاحتجاج به .
وأما أبو صالح : فاسمه باذام .
قال أبو أحمد بن عدي : لا أعلم أحد من المتقدمين رضيه .
وأما حديث عبد الملك بن نافع : فقال أبو حاتم الرازي : هو شيخ مجهول لم يرو إلا حديثاً واحداً ، منكر الحديث ، لا يثبت حديثه وقال النسائي : لا يحتج بحديثه .
فأما حديث السيناني عن مالك بن القعقاع : فقال الدارقطني وقال غيره : عبد الملك بن نافع ابن أخي القعقاع مجهول ضعيف ، والصحيح عن ابن عمر عن رسول الله : ' ما
____________________
(3/478)
أسكر كثيره فقليله حرام ' .
وأما حديث ابن عباس : فتفرد به القاسم بن بهرام ، قال ابن حبان : لايجوز الاحتجاج به بحال .
وأما حديث أبي مسعود : ففيه عبد العزيز بن ابان ، قال أحمد بن حنبل : تركته .
وقال محمد بن عبد الله بن نمير : هو كذاب .
وقال يحيى : ليس بشيء كذاب يضع الحديث .
وأما حديث أبي بردة : فقال الدارقطني : وهم أبو الأحوص في إسناده ومتنه .
وقال غيره : عن سماك عن القاسم عن ابن بريدة ، عن أبيه : ' لا تشربوا مسكراً ' .
وأما حديث ابن بريدة : فقال الدارقطني : رواه محمد بن يحيى النيسابوري ، وهو إمام عن محمد بن جابر ، فقال فيه : ' فاشربوا في أي سقاء شئتم ولا تشربوا مسكراً ' .
قال : وهذا هو الصواب والله أعلم .
وأما حديث أبي سعيد : فهو موقوف ، وما يتصل إلى أبي سعيد .
وأما حديث سعيد بن ذي لعوة : فمحال ، قال أبو حاتم بن حبان : هو شيخ دجال ، وقد :
2173 - قال العقيلي : ثنا جعفر الفريابي ، ثنا أحمد بن خالد الخلال ، قال : قلت لأحمد بن حنبل : ثنا محمد بن عبيد ، عن صالح بن حيان عن ابن بريدة ، قال : شربت مع أنس بن مالك الطلا على النصف .
فغضب أحمد وقال : لا أرى هذا في كتاب إلا حذفته أو حككته ، ما أعلم في تحليل النبيذ حديثاً صحيحاً ، اتهموا حديث الشيوخ .
قلت : وصالح بن حيان قد قال فيه يحيى بن معين : هو ضعيف .
وقال النسائي : ليس بثقة .
____________________
(3/479)
ز : قال شيخنا الحافظ تغمده الله برحمته : أما الحديث الأول ؛ حديث يحيى بن عبيد أبي عمر النهراني النخعي الكوفي فرواه مسلم في صحيحه ، وحديث أبي مسعود رواه النسائي ، وقال : (1) ؛ لأن يحيى بن يمان انفرد به دون أصحاب سفيان ، ويحيى بن يمان لا يحتج به لسوء حفظه ، وكثرة خطئه .
ورواه الأشجعي ، وغيره عن سفيان عن الكلبي عن أبي صالح عن المطلب أنه أتى النبي بنبيذ ، والمطلب بن أبي وداعة .
قال البخاري : حديث يحيى بن يمان هذا لم يصح عن النبي .
وقال ابن أبي حاتم ( 1 ) : سألت أبي ، وأبا زرعة عن حديث رواه يحيى بن يمان عن الثوري عن منصور عن خالد بن سعد عن أبي مسعود أن النبي طاف بالبيت ، فاستسقى ، فأتي بنبيذ ، فشمه فقطب وجهه ، فقيل : أحرام هو يا رسول الله ، قال : ' لا ' .
فقلت لهما : ما علة هذا الحديث ؟ فهل هو صحيح ؟ .
فقالا : أخطأ ابن يمان في إسناد هذا الحديث عن الثوري عن الكلبي عن أبي صالح عن المطلب بن أبي وداعة عن النبي .
قال أبي : والذي عندي أن يحيى بن يمان أدخل حديثاً له في حديث رواه الثوري عن منصور عن خالد عن أبي مسعود أنه كان يشرب نبيذ الجر ، وعن الكلبي عن أبي صالح عن المطلب عن النبي أنه كان يطوف بالبيت . الحديث ، فسقط عنه إسناد الكلبي ، فجعل إسناد منصور عن خالد عن أبي مسعود لمتن حديث الكلبي .
وقال أبو زرعة : هذا إسناد باطل عن الثوري عن منصور ، وهم فيه يحيى بن يمان ، وإنما ذاكرهم سفيان عن الكلبي عن أبي صالح عن المطلب بن أبي وداعة مرسل ، ولعل الثوري إنما ذكره تعجباً من الكلبي حين حدث بهذا الحديث مستنكراً على الكلبي .
وأما حديث الكلبي عن أبي صالح عن المطلب لم يخرجوه .
وأما حديث ابن عمر فرواه النسائي ( 2 ) فقال : أخبرنا زياد بن أيوب ثنا هيثم ثنا العوام
____________________
1- هذا حديث ضعيف
(3/480)
عن عبد الملك بن نافع قال : قال ابن عمر : رأيت رجلاً جاء إلى النبي بقدح فيه نبيذ وهو عند الركن ، فدفع إليه القدح ، فرفعه إليه ، فوجده شديداً ، فرده على صاحبه فقال رجل من القوم : يا رسول الله : أحرام هو ؟ فقال : ' عليّ بالرجل ' فأتي به فأخذ منه القدح ، ثم دعا بماء فصبه فيه ، ثم رفعه إلى فيه ثم قال : ' إذا اغتلمت عليكم هذه الأوعية فاكسروا متونها بالماء ' .
قال النسائي : عبد الملك بن نافع ليس بالمشهور ، ولا يحتج بحديثه ، والمشهور عن ابن عمر خلاف حكايته . ثم روي تحريم المسكر عن ابن عمر من غير وجه ، ثم قال : وهؤلاء أهل الثبت والعدالة مشهورون بصحة النقل ، وعبد الملك لا يقوم به حجة ، متهم ، هو ولو عاضده من أشكاله جماعة ، وبالله التوفيق .
وقال البيهقي ( 1 ) : فإذا حديث يعرف بعبد الملك بن نافع هذا ، وهو رجل مجهول ، اختلفوا في اسمه ، واسم أبيه فقيل : هكذا ، وقيل : عبد الملك بن القعقاع ، وقيل : ابن أبي القعقاع ، وقيل : مالك بن القعقاع ، وقال ابن أبي مريم : قلت ليحيى بن معين : أرأيت حديث عبد الملك بن نافع الذي رواه إسماعيل بن خالد في النبيذ قال : هم ضعّفوه ، وصدقوا . وقال البخاري : عبد الملك بن نافع بن أبي القعقاع عن ابن عمر في النبيذ لم يتابع عليه . وقال ابن أبي حاتم ( 2 ) : سألت أبي عن حديث رواه أسباط عن السيناني عن عبد الملك ابن نافع عن ابن عمر عن النبي أنه أتى بشراب فدعا بماء ، فصبه فيه حتى كسره بالماء ، ثم شرب ثم قال : ' هذه الأسقية تغتلم فإذا فعلت ذلك فاكسروها بالماء ' .
قال أبي : هذا حديث منكر ، وعبد الملك بن نافع شيخ مجهول .
وأما حديث ابن عباس ، فلم يخرجوه ، وهو حديث لا يصح لضعف بعض رواته ، وجهالة بعضهم . وكذلك لم يخرجوه . حديث عبد العزيز بن أبان عن الثوري ، وهو حديث باطل ، وعبد العزيز متروك ، وقد سرقه من غيره .
وأما حديث أبي الأحوص عن سماك فرواه النسائي ( 3 ) قال : أخبرنا هنّاد بن السري
____________________
(3/481)
عن أبي الأحوص عن سماك عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بردة قال : قال رسول الله : ' اشربوا في الظروف ولا تسكروا ' .
قال أبو عبد الرحمن : وهو حديث منكر ، غلط فيه أبو الأحوص سلام بن سليم لا يعلم أحد تابعه عليه من أصحاب سماك بن حرب ، وسماك ليس بالقوي ؛ لأنه كان يقبل التلقين .
قال أحمد بن حنبل : كان أبو الأحوص يخطئ في هذا الحديث خالفه شريك في إسناده ، وفي لفظه ، والأحاديث الثابتة الصحيحة أنه نهى عن الدباء والحنتم والمزفت والنقير .
وقال أبو زرعة ( 1 ) في حديث أبي الأحوص عن سماك عن القاسم عن أبيه عن أبي بردة قال : قال رسول الله : ' اشربوا في الظروف ولا تسكروا ' : هذا حديث مقلوب ، مصحّف ، فاحش في القلب ؛ لأنه قال : عن أبي بردة عن أبيه ، فقلب الإسناد وأفحش من ذلك وأشنع تصحيفه في متنه :
' اشربوا في الظروف ولا تسكروا ' وقد روى هذا الحديث عن ابن بريدة ( 2 ) عن أبيه أبو سنان ضرار بن مرة ، وزبيد اليامي عن محارب بن دثار ، وسماك بن حرب ، والمغيرة بن سبيع ، وعلقمة بن مرثد ، والزبير بن عدي ، وعطاء الخراساني ، وسلمة بن كهيل كلهم عن ابن بريدة عن أبيه عن النبي أنه قال :
' نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم ، ونهيتكم عن النبيذ إلا في السقاء فاشربوا في الأسقية ، ولا تشربوا مسكراً ' .
وفي حديث بعضهم قال : ' واجتنبوا كل مسكراً ' . ولم يقل أحد منهم : ولا تسكروا ، فقد بأن خطأ حديث أبي الأحوص من اتفاق هؤلاء المسمين على ما ذكرنا من خلافه .
وقال ابن أبي حاتم ( 3 ) : سمعت أبا زرعة يقول : سمعت أحمد بن حنبل يقول : حديث أبي الأحوص عن سماك عن القاسم عن أبيه عن أبي بردة خطأ الإسناد والكلام ؛
____________________
(3/482)
فأما الإسناد فإن شريكاً وأيوب ، ومحمد ابني جابر رووه عن سماك عن القاسم بن عبد الرحمن عن ابن بريدة عن أبيه عن النبي ، كما روى الناس : ' فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكراً ' .
قال أبو زرعة : كذا ، أقول : هذا خطأ ولم يخرجوه .
وكذلك حديث أبي سعيد ، وحديث سعيد بن ذى لغوة ( 1 ) ، وقد قال ابن المديني في سعيد : هو مجهول ، ولغوة ، سألت ابن أبي حاتم عن حديث سعيد بن أبي لغوة أن أعرابياً شرب من إداوة عمر ، فسكر فقال : سعيد مجهول ، لا أعلم روى عنه غير الشعبي .
وقد روى الزهري عن السائب بن بريدة عن عمر أنه قال على المنبر : ذكر لي أن عبيد الله بن عمر وأصحابه شربوا شراباً ، وأنا سائل عنه فإن كان يسكر حددتهم ، قال السائب : فشهدت عمر حدّهم .
وقالت عائشة : إن الله عز وجل لم يحرم الخمر لاسمها ، وإنما حرم لعاقبتها ، قال تعالى : ( ^ يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ) .
يقول تعالى ناهياً عباده المؤمنين عن تعاطي الخمر والميسر ، وهو القمار ( 2 ) .
وقد روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال : الشطرنج من الميسر ، رواه ابن أبي حاتم ( 3 ) .
وعن عطاء ، ومجاهد وطاوس قالوا : كل شيء من القمار فهو من الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز ( 4 ) .
وقال طائفة من التابعين : حتى لعب الصبيان بالبيض .
____________________
(3/483)
وعن نافع عن ابن عمر قال : الميسر هو القمار ( 1 ) .
وكذا قال ابن عباس : كانوا يتقامرون في الجاهلية إلى مجيء الإسلام فنهاهم الله تعالى عن هذه الأخلاق القبيحة .
وقال سعيد بن المسيب : كان ميسر أهل الجاهلية بيع اللحم بالشاة ، والشاتين ( 2 ) .
وقال الزهري عن الأعرج قال : الميسر الضرب بالقداح على الأموال ، والثمار
قالوا : كل ما لغا عن ذكر الله ، وعن الصلاة فهو قمار ، وهو من الميسر ، رواه ابن أبي حاتم ( 3 ) ، وقال في تفسيره : عن أبي موسى الأشعري عن رسول الله قال : ' اجتنبوا هذه الكعاب الموسومة التي تزجر زجراً ؛ فإنها من الميسر ' وقد تقدم الكلام في النرد .
وقال ابن عمر : الشطرنج شر من النرد ( 4 ) .
ونص على تحريمه مالك ، وأبي حنيفة ، وأحمد ، وكرهه الشافعي .
وأما الأنصاب : فقال ابن عباس ، ومجاهد ، وعطاء ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وغير واحد : هي الحجارة ؛ كانوا يذبحون قرابينهم عندها ، وقد تقدم الكلام في الأنصاب ( 5 ) . والأزلام هي القداح ، كانوا يستقسمون بها ، وقوله : ( ^ رجس من عمل الشيطان ) . قال ابن عباس : أي سخط من عمل الشيطان ، والضمير عائد على الرجس أي اتركوه لعلكم تفلحون ( 6 ) . وقال تعالى : ( ^ إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ) .
وهذا تهديد ، وترغيب .
قال الإمام أحمد ( 7 ) : حرمت الخمر ثلاث مرات ؛ يرويه عن أبي هريرة : قدم
____________________
(3/484)
رسول الله المدينة ، وهم يشربون الخمر ، ويأكلون الميسر ، فسألوا رسول الله عنهما ، فأنزل الله : ( ^ يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ) الآية ، قال الناس : ما حرم علينا ، وسألوا رسول الله : إن ناساً قتلوا في سبيل الله ، وماتوا على فرشهم ، كانوا يشربون الخمر ، ويأكلون الميسر ، وقد جعله رجساً من عمل الشيطان فأنزل الله : ( ^ ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ) فقال : ( ^ لو حرم عليهم لتركوه كما تركتموه ) انفرد بإخراجه أحمد .
وكذلك قال عمر : اللهم بين لنا فيه بياناً شافياً . رواه أحمد ( 1 ) ، وصححه علي بن المديني ، والترمذي ( 2 ) .
وقد ثبت في الصحيحين عن عمر بن الخطاب أنه قال في خطبته على منبر رسول الله : نزل تحريم الخمر ، وهي من خمسة : من العنب ، والتمر ، والعسل ، والحنطة ، والشعير ، والخمر ما خامر العقل ( 3 ) .
وقال ابن عمر : نزل تحريم الخمر ، وإن بالمدينة يومئذ لخمسة أشربة ما فيها شراب العنب ( 4 ) .
والحديث المتقدم : إن الخمر حرمت ، وما بالمدينة خمر إلا التمر ، والبسر ، وهي خمرهم يومئذ ، أخرجاه في الصحيحين عن غير وجه من أنس ( 5 ) .
وروى الإمام أحمد ( 6 ) في مسنده عن قيس بن سعد بن عبادة أن رسول الله قال : ' إنّ ربي تبارك وتعالى حرم عليّ الخمر ، والكوبة والقنين ، وإياكم والغبيراء ؛ فإنها ثلث خمر العالم ' .
وروى الإمام أحمد ( 7 ) عن عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله : ' إن الله
____________________
(3/485)
حرم على أمتي الخمر ، والميسر ، والمزر ، والكوبة ، والقنين ، وزادني صلاة الوتر ' .
قال يزيد : القنين : البرابط .
وروى أحمد ( 1 ) أيضاً عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله قال : ' من قال عليّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار ' .
قال : وسمعت رسول الله يقول : ' إن الله حرم الخمر ، والميسر ، والكوبة ، والغبيراء ، وكل مسكر حرام ' .
تفرد به أحمد ايضاً .
وروى الإمام أحمد ( 2 ) عن عبد الله بن عمر ، أن رسول الله قال : ' لعنت الخمر على عشرة وجوه ؛ لعنت الخمر بعينها ، وشاربها ، وساقيها ، وبايعها ، ومبتاعها ، وعاصرها ، ومعتصرها ، وحاملها ، والمحمولة إليه ، وآكل ثمنها ' .
ورواه أبو داود ، وابن ماجة ( 3 ) .
وقال ابن عباس : يا معشر أمة محمد إنه لو كان كتاب بعد كتابكم ، أو نبي بعد نبيكم لأنزل فيكم كما أنزل فيمن قبلكم ، ولكن أخَّر ذلك منكم إلى يوم القيامة ، ولعمري لهو أشد عليكم .
وعن أبي بريدة قال : لما نزل ( ^ فهل أنتم منتهون ) تلوتها على نفر من الصحابة ، وهم يشربون ، وكان بعض الشربة في يده فألقاها ، وقال : انتهينا ربنا انتهينا ( 4 ) .
وروى ابن أبي حاتم في تفسيره عن عبد الله بن عمرو قال : لما نزل قوله تعالى : ( ^ يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ) قال : هي في التوراة : ' إن الله أنزل الحق ليذهب به الباطل ، ويبطل به اللعب ، والمزامير ، والزفت ، والكبارات ؛ يعني البرابط ، والزمارات ؛ يعني به الدف ، والطنابير ، والشعر ، والخمر لمن
____________________
(3/486)
طعمها أقسم الله بيمينه وعزَه من شربها بعد ما حرمتها لأعطشنه يوم القيامة ، ومن تركها بعد ما حرمتها لأسقينه إياها من حظيرة القدس ' .
(1) ، هكذا قال ابن حبان في تفسيره .
وروى الترمذي وأحمد ( 1 ) ، وبعضه في الصحيح : أن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : سمعت رسول الله يقول : ' من ترك الصلاة سكراً مرة واحدة فكأنما كانت له الدنيا ، وما عليها فسلبها ، ومن ترك الصلاة سكراً أربع مرات كان حقاً على الله أن يسقيه من طينة الخبال ' قالوا : يا رسول الله وما طينة الخبال ؟ قال : ' عصارة أهل جهنم ' وروى أبو داود ( 2 ) عن ابن عباس عن النبي أنه قال : ' كل مسكر حرام ، ومن شرب مسكراً بخست صلاته أربعين صباحاً ، فإن تاب الله عليه فإن عاد في الرابعة كان حقاً على الله أن يسقيه من طينة الخبال ؛ صديد أهل النار ، ومن سقاه صغيراً لا يعرف حلاله من حرامه ، كان حقاً على الله أن يسقيه من طينة الخبال ' .
تفرد به أبو داود .
وقد روى الشافعي في مسنده من حديث ابن عمر أن رسول الله قال : ' من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة ' .
وأخرجه البخاري ومسلم ( 3 ) .
وروى مسلم ( 4 ) عن ابن عمر أن رسول الله قال : ' كل مسكر خمر وكل مسكر حرام ، ومن شرب الخمر فمات ، وهو يدمنها ، ولم يتب منها لم يشربها في الآخرة ' .
وروى النسائي ( 5 ) بإسناده عن ابن عمر أن رسول الله قال : ' ثلاثة لا ينظر الله
____________________
1- هذا إسناد صحيح
(3/487)
إليهم يوم القيامة ، ولا يزكيهم ؛ العاق لوالديه ، ومدمن الخمر ، والمنان بما أعطى ' .
رواه أيضاً أحمد ( 1 ) ، وفي رواية له قال : ' لا يدخل الجنة منان ، ولا مدمن خمر ، ولا عاق والديه ' .
وروى أحمد ( 2 ) في مسنده أن النبي قال : ' من شرب الخمر لم يرض الله عنه أربعين ليلة ؛ فإن مات فيها مات كافراً ' .
وروى أحمد أيضاً أنه قال : ' من شرب الخمر كان حقاً على الله أن يسقيه من نهر الغوطة ' ، قالوا : يا رسول الله ، وما نهر الغوطة ؟ قال : ' نهر يجري من فروج المومسات يؤذي أهل النار ريح فروجهم ، ومن شرب الخمر لم يقبل له صلاة أربعين يوماً ' .
رواة الترمذي ، وأحمد ( 3 ) .
وهذه الأحاديث ليس في سندها من هو متهم ولله الحمد .
____________________
(3/488)
فصل :
قال ابن جرير في تفسيره : قال تعالى : ( ^ ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ) .
قال : هو الضعيف من الصيد ، وصغيره ، يبتلي الله به عباده في إحرامهم حتى لو شاءوا تناولوه بأيديهم ، فنهاهم الله أن يقربوه .
قال مقاتل بن حيان : أنزلت هذه الآية في عمرة القضية الحديبية ، وكان الوحش ، والطير ، والصيد يغشاهم في رحالهم لم يروا مثله قط فيما خلا ، فنهاهم الله عن قتله وهم محرمون ليعلم الله من يخافه بالغيب وليعلم من يطيعه في سره وجهره .
وقوله تعالى :
( ^ فمن اعتدى ) يعني بعد هذا الإعلام ، والإيذان ، والتقدم فله عذاب أليم ، أي لمخالفة أمر الله وشرعه .
وقوله تعالى : ( ^ يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ) . وهذا إنما يتناول من حيث المعنى المأكول ، وما تولد منه ، ومن غيره . فأما غير المأكول من حيوانات البر فعند الشافعي يجوز للمحرم قتله . والجمهور على تحريم قتله أيضاً ، ولا يستثنى من ذلك إلا ما ثبت في الصحيحين ( 1 ) من حديث عائشة في الخمس الفواسق يقتلن في الحل والحرم : ' الغراب ، والحدأة ، والعقرب ، والفأرة ، والكلب العقور ' . قال أيوب : قلت لنافع : فالحية ؟ قال : لا شك في قتلها . ومن العلماء كمالك ، وأحمد ألحقوا بالكلب العقور الذئب ، والسبع ، والنمر ، والفهد ؛ لأنهم أشد ضرراً منه ، والله أعلم .
وقال سفيان بن عيينة ، وزيد بن أسلم : الكلب العقور : يشمل هذه السباع العادية كلها ، واستأنس من قال بهذا بما روي عن النبي لما دعا على عتبة بن أبي لهب قال : ' اللهم سلّط عليه كلبك بالشام ' فأكله السبع بالزرقاء ( 2 ) .
____________________
(3/489)
قالوا : فإن قتل ما عداهن فداه كالضبع ، والثعلب والوبر ، ونحو ذلك .
قال مالك : وكذا يستثنى من هذا صغار هذه الخمس المنصوص عليها ، وصغار الخمس الملحق بها من السباع العوادي .
وقال الشافعي : يجوز للمحرم قتل ما لا يؤكل لحمه ، ولا فرق بين صغاره وكباره ، وجعل العلة الجامعة كونها لا تؤكل .
وقال أبو حنيفة : يقتل المحرم الكلب العقور ، والذئب لأنه كلب بري ، فإن قتل غيرهما فداه ، إلا أن يصول عليه سبع غيرهما فيقتله ، فلا فداء عليه .
وهذا قول الأوزاعي والحسن بن صالح .
وقال زفر بن الهذيل : يفتدى بما سوى ذلك ، وإن صال عليه .
وقال بعض الناس : المراد بالغراب ها هنا الأبقع ، وهو الذي في بطنه ، وظهره بياض ، دون الأذرع ، وهو الأسود ، والأعصم وهو الأبيض ؛ لما رواه النسائي ( 1 ) عن عائشة عن النبي قال : ' خمس يقتلهن المحرم : الحية ، والفأرة ، والحدأة ، والغراب الأبقع ، والكلب العقور ' .
والجمهور على أن المراد به أعم من ذلك ؛ لما ثبت في الصحيح إطلاق لفظه .
قال مالك رحمه الله : لا يقتل المحرم الغراب إلا إذا صال عليه وأذاه .
وقال علي عليه السلام : يرميه . وقد روي عن أبي سعيد الخدري أنه سئل عما يقتل المحرم فقال : ' الحية ، والعقرب ، والفويسقة ، ويرمي الغراب ، ولا يقتله ، والكلب العقور ، والحدأة ، والسبع العادي ' . رواه أبو داود ( 2 ) عن أحمد بن حنبل ، والترمذي ، وقال : (1) . وقوله تعالى : ( ^ ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم ) .
قال ابن أبي حاتم : قال طاوس : لا يحكم على من قتل صيداً وهو محرم خطأ ، إنما يحكم على من قتله عمداً ، وهذا مذهب غريب عن طاوس ، لكنه تمسك بظاهر الآية .
____________________
1- هذا حديث حسن
(3/490)
قال مجاهد : المراد بالتعمد : القاصد الصيد الناسي لإحرامه ، فأمّا المتعمد لقتل الصيد مع ذكره لإحرامه فذاك أمره أعظم من أن يكفر ، وقد بطل إحرامه .
رواه ابن جرير وهو قول غريب أيضاً ، والذي ، عليه الجمهور : أن العامد ، والناسي سواء ، في وجوب الجزاء عليه .
قال الزهري : دل الكتاب على العامد ، وجرت السنة على الناسي .
ومعنى هذا أن القرآن دل على وجوب الجزاء على المتعمد وعلى تأثيمه بقوله تعالى
: ( ^ ليذوق وبال أمره ، عفا الله عما سلف ، ومن عاد فينتقم الله منه ) .
وجاءت السنة من أحكام النبي ، وأحكام أصحابه بوجوب الجزاء في الخطأ ، كما دل الكتاب عليه في العمد .
وأيضاً فإن قيل : الصيد إتلاف ، والإتلاف مضمون في العمد ، ة وفي النسيان .
لكن المتعمد مأثوم ، والمخطئ غير ملوم .
وقوله : ( ^ فجزاء مثل ما قتل من النعم ) . قرأ بعضهم بالإضافة ، وقرأ بعضهم بقطعها . وحكى ابن جرير أن ابن مسعود قرأها : ( فجزاؤه مثل ما قتل من النعم ) .
وفي قوله : ( ^ فجزاء مثل ما قتل من النعم ) .
على كل من القراءتين دليل لما ذهب إليه مالك والشافعي ، وأحمد والجمهور من وجوب الجزاء من مثل ما قتله المحرم إذا كان له مثل من الحيوان الإنسي ، خلافاً لأبي حنيفة حيث أوجب القيمة سواء كان الصيد المقتول مثلياً أو غير مثلي .
قال : وهو مخير إن شاء تصدق ، وإن شاء اشترى به . هذا والذي حكم به الصحابة في المثل أولى بالاتباع ؛ فإنهم حكموا في النعامة ببدنة ، وفي بقر الوحش ببقرة وفي الغزال بعنز ، وذكر قضايا الصحابة . وأما إذا لم يكن الصيد مثلياً فقد حكم ابن عباس فيه بثمنه يحمل إلى مكة . رواه البيهقي .
وقوله : ( ^ يحكم به ذوا عدل منكم ) .
يعني أنه يحكم بالجزاء في المثلي ، أو في القيمة ، في غير المثلي عدلان من المسلمين .
____________________
(3/491)
واختلف العلماء في القاتل ؛ هل يجوز أن يكون أحد الحكمين ؟ على قولين :
أحدهما : لا لأنه يتهم في حكمه على نفسه ، وهذا مذهب مالك .
والثاني : نعم ، لعموم الآية ، وهو مذهب الشافعي وأحمد .
واحتج الأولون بأن الحاكم لا يكون محكوما عليه في صورة واحدة .
روى ابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران أن أعرابياً أتى أبا بكر فقال : قتلت صيداً ، وأنا محرم ، فما ترى عليّ من الجزاء ؟ .
فقال أبو بكر رضي الله عنه لأبي بن كعب - وهو جالس عنده - : ما ترى فيها ؟ قال فقال الأعرابي : أتيتك وأنت خليفة رسول الله أسالك ، فإذا أنت تسأل غيرك ؟ .
فقال أبو بكر ك وما تنكر ؟ يقول الله تعالى : ( ^ فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم ) . فشاورت صاحبي ، إذا اتفقنا على أمر أمرناك به .
وهذا إسناد جيد لكنه منقطع بين ميمون ، وبين الصديق ؛ فبين له الصديق برفق وتؤدة في الحكم ، لما رآه أعرابياً جاهلاً ، وإنما دواء الجهل التعليم ، وأما إذا كان المعترض منسوب إلى العلم فقد قال ابن جرير في تفسيره عن قبيصة بن جابر قال : خرجنا حجاجاً ، فكنا إذا صلينا الغداة اقتدنا رواحلنا نتماشى ، قال : فبينما نحن ذات غداة إذ سنح لنا ظبي ، أو برح ، فرماه رجل كان معنا بحجر فما أخطأ حشاه .
قال : فعظمنا عليه ، فلما قدمنا مكة خرجت معه حتى أتينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال : فقص عليه القصة قال : وإلى جنبه رجل كأن وجهه فضة - يعني عبد الرحمن بن عوف - فالتفت إليه فكلمه ، ثم أقبل على الرجل فقال له : أعمدا قتلته أم خطأ ؟ قال الرجل : لقد تعمدت رميه ، وما أردت قتله ، فقال عمر : ما أراك إلا قد أشركت بين الخطأ والعمد اعمد إلى شاة فاذبحها ، وتصدق بلحمها ، واستبق إهابها .
قال : فقمنا من عنده ، وقلت لصاحبي : أيها الرجل عظم شعائر الله ، أما ترى أمير المؤمنين لم يفتك حتى يسأل صاحبه ، اعمد إلى ناقتك ، فانحرها قال قبيصة : ولا أذكر الآية من سورة المائدة ( ^ يحكم به ذوا عدل منكم ) .
____________________
(3/492)
قال : فبلغ عمر مقالتي ، فلم يفجأنا منه إلا ومعه الدرّة .
قال : فعلا صاحبي ضرباً بالدرة ؛ أقتلت في الحرم وسفهت الحكم ، ثم أقبل علي فقلت : يا أمير المؤمنين لا أحل لك اليوم شيئاً يحرم عليك مني .
قال : يا قبيصة بن جابر ، إني أراك سائب السن ، فسيح الصدر ، بين اللسان ، وإن الشاب يكون فيه تسعة أخلاق حسنة ، وخلق سيء ، فيفسد الخلق السيىء الأخلاق الحسنة ، فإياك وعثرات الشباب ، وحكى ابن جرير في تفسيره بسنده عن جرير بن عبد الله البجلي قال : أصبت صيداً ، وأنا محرم ، فذكرت ذلك لعمر بن الخطاب ، وهو يومئذ أمير المؤمنين فقال : ائت برجلين من إخوانك يحكمان عليك فجئت بعبد الرحمن بن عوف ، وبسعد ، فحكما علي بتيس أعفر .
وروى الإمام أحمد ( 1 ) بسنده عن لقيط بن عامر قال : قدمنا على النبي ، وذكر الحديث .
____________________
(3/493)
فصل :
واما الدليل على التعليل فقوله تعالى : ( ^ إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ) [ المائدة : الآية 90 ] الآيات .
وهذه المعاني المذمومة كلها موجودة في كل مسكر .
2174 - قال الدارقطني : ثنا العباس بن عبد السميع ، ثنا محمد بن الحسين بن سعيد ، ثنا أبو حفص الدمشقي ، ثنا سعيد ، عن جعفر بن محمد عن بعض أهل بيته أنه سأل عائشة عن النبيذ ، فقالت : يا بني إن الله - عز وجل - لم يحرم الخمر نفسها لعينها ، وإنما حرمها لعاقبتها ، فكل شراب يكون عاقبته كعاقبة الخمر فهو حرام كتحريم الخمر .
مسألة [ 774 ] :
لا يجوز شرب الخمر للعطش ولا للتداوي .
وقال أبو حنيفة : يجوز . وعن الشافعي : ثلاثة أقوال : قولان كالمذهبين ، والثالث يجوز للتداوي دون العطش .
لنا حديثان :
2175 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا بهز وأبو كامل ، قالا : ثنا حماد بن سلمة ، قال : ثنا شريك ، عن علقمة بن وائل عن طارق بن سويد أنه قال : قلت : يا رسول الله ، إن بأرضنا أعناباً نعتصرها فنشربها ، قال : لا ، فعاودته ، فقال : لا ، فقلت : إنا نستسقي بها المريض ، قال : إن ذاك ليس بسقاء ولكنه داء .
____________________
(3/495)
ز : ورواه ابن ماجة ، والطبراني ، وأبو حاتم البستي من حديث أم سلمة ( 1 ) .
2176 - الحديث الثاني : وبه قال أحمد : وثنا عبد الرزاق ، ثنا إسرائيل ، عن سماك ابن حرب ، عن علقمة بن وائل الحضرمي عن أبيه ، أن رجلاً سأل النبي عن الخمر فنهاه عنها ، قال : إنما أصنعها للدواء ، فقال النبي : ' إنها داء وليست دواء ' انفرد بإخراجه مسلم .
____________________
(3/496)
مسائل السبق والرمي
مسألة [ 775 ] :
لا يجوز المسابقة على الأقدام بعوض .
وقال أبو حنيفة : يجوز .
وعن ( 1 ) الشافعي : كالمذهبين .
2177 - قال أحمد : ثنا يزيد ، أنبأ محمد بن عمرو ، عن أبي الحكم مولى الليثيين : عن ابي هريرة قال : قال رسول الله : ' لا سبق إلا في خف أو حافر ' .
ز : رواه النسائي ، وابن ماجة .
وفي إسناده أبو الحكم ، ليس بمشهور .
لكن رواه غير واحد عن أبي هريرة مرفوعاً ، والله اعلم .
____________________
(3/497)
من مسائل الأيمان
مسألة [ 776 ] :
إذا قال : [ إن ] ( 1 ) فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني أو بريء من الله والإسلام ، أو النبي انعقدت يمينه ، وإذا حنث لزمته الكفارة .
وقال مالك و الشافعي : لا تنعقد يمينه ولا تلزمه الكفارة .
وقد روى أصحابنا عن زيد عن النبي انه سئل عن رجل يقول : هو يهودي أو نصراني ، فقال : ' عليه كفارة يمين ' .
ز : قال شيخنا : هذا الحديث لا أصل له .
والصحيح في هذه المسألة أنه لا كفارة عليه .
وقد قيل : إن هذا الحديث رواه أحمد .
وقد يستدل من قال بعدم الكفارة بقوله في الحديث الصحيح ( 2 ) : ' من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذباً متعمداً فهو كما قال ' ولم يذكر كفارة ، وجعل المرتب على ذلك قوله : فهو كما قال .
____________________
(3/499)
مسألة [ 777 ] :
إذا قال : أقسمت أو أقسم ، أو أحلف ، أو أشهد لا فعلت كذا انعقدت يمينه .
وعنه : لا تنعقد إلا أن ينوي اليمين ، وبه قال مالك . وقال الشافعي : لا تنعقد يمينه .
2178 - قال أحمد : ثنا يزيد ، أنبأ سفيان عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أن رجلاً رأى رؤيا فقصها على رسول الله فقال أبو بكر : ائذن لي فلأعبرها ، فأذن له ، فعبرها ، ثم قال : أصبت يا رسول الله ؟ قال : ' أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً ' قال : أقسمت يا رسول الله لتخبرني ، قال : ' لا تقسم ' . رواه أحمد ، وهو مخرج في الصحيحين ( 1 ) بلفظ آخر ، وأنه قال : والله لتخبرني بالذي أخطأت ، فقال : ' لا تقسم ' .
ز : سفيان هذا هو ابن حسين ، وقد تكلموا في روايته عن الزهري ، والله أعلم .
[ مسألة [ 778 ] :
يصح يمين الكافر .
وقال أبو حنيفة : لا يصح ] ( 2 ) .
____________________
(3/500)
[ لنا قوله عليه السلام : ' تبرئكم يهود بخمسين يميناً ' ( 1 ) . وقد ذكرناه بإسناده في القسامة ] ( 2 ) .
مسالة [ 779 ] :
إذا حلف لا يأكل أدماً فأكل لحماً ، أو بيضاً أو جبناً حنث .
وقال أبو حنيفة : لا يحنث إلا بأكل ( 3 ) ما يصطنع به كالخل والشيرج . لنا حديثان :
2179 - الحديث الأول : قال البخاري : ثنا يحيى بن بكير ، ثنا الليث ، عن خالد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال النبي : ' تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة ، يكفؤها الجبار بيده كما يكفؤ أحدكم خبزته في السفر نزلاً لأهل الجنة ' ، فأتى رجل من اليهود ، فقال : بارك الرحمن عليك يا أبا القاسم ألا أخبرك بإدامهم ؟ قال : ' بلى ' ، قال : إدامهم بالام ونون ، قالوا : ما هذا ؟ قال : ثور ونون يأكل من زيادة كبدهما سبعون ألفاً .
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين .
ووجه الحجة : أنه جعل اللحم أدماً لأن اللام اسم للثور ، والنون للحوت ، قال الخطابي : يشبه أن يكون اليهودي أراد أن يعمي الاسم وإنما هو لأي على وزن لعا أي ثور ، والثور الوحشي اللأي إلا أن يكون ذلك بالعبرانية .
____________________
(3/501)
2180 - الحديث الثاني : قال المصنف : أخبرنا ابن ناصر ، أنبأ المبارك بن عبد الجبار ، أنبأ أبو إسحاق البرمكي ، وأبو الحسن الفروي ، قالا : أنبأ أبو عمر بن حيويه ، أنبأ عبد الله ابن عبد الرحمن السكري ، ثنا أبو محمد بن قتيبة ، حدثني القومسي ، قال : ثنا الأصمعي ، عن أبي هلال الراسبي ، عن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن النبي أنه قال : ' سيد إدام أهل الدنيا والآخرة اللحم ' .
ز : لكن في إسناد هذا الحديث أبو هلال الراسبي ، واسمه محمد بن سليم ، وقد اختلف في الاحتجاج به . قال ابن معين : هو صدوق . وقال النسائي : ليس بالقوي . وقال ابن عدي : هو ممن يكتب حديثه . وقد روى هذا الحديث عن أبي هلال عن قتادة عن بريدة عن أبيه موقوفاً ، وهو عنه مخرج في الكتب الستة ، والله أعلم .
مسألة [ 780 ] :
إذا حلف لا يهب لفلان فتصدق عليه لم يحنث .
وقال مالك والشافعي : يحنث .
2181 - قال أحمد : ثنا ابو معاوية ، ثنا هشام بن عروة ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبي عن عائشة قالت : كن الناس يتصدقون على بريرة فتهدي لنا ، فذكرت ذلك للنبي فقال : ' هو عليها صدقة ، ولنا هدية ' .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
مسألة [ 781 ] :
إذا حلف أنه لا مال له وله مال [ غير زكاتي ] ( 1 ) كالعقار والأثاث حنث .
وقال أبو حنيفة : لا يحنث إلا أن يملك شيئاً من الأموال الزكاتية .
2182 - قال أحمد : ثنا روح بن عبادة ، ثنا أبو نعامة العدوي ، عن مسلم بن بديل ، عن إياس بن زهير عن سويد بن هبيرة عن النبي قال : ' خير مال المرء له مهرة مأمورة أو سكة مأبورة ' .
ز : هكذا رواه أحمد عن مسلم بن بديل العدوي عن إياس بن زهير أبو طلحة ، وهم غير متهمين . وقد ذكر هذا الحديث البخاري في تاريخه ( 2 ) . وأبو القاسم الطبراني ( 3 ) من رواية عبد الوارث بن سعيد عن أبي نعامة العدوى .
مسألة [ 782 ] :
إذا قال : هذا الطعام أو هذه الأمة علي حرام كان يميناً .
وقال الشافعي : لا يلزمه في الطعام شيء وفي الأمة كفارة بنفس اللفظ .
____________________
(3/502)
ولنا : أن النبي حرم مارية وقيل : العسل ، فنزل قوله تعالى : ( ^ قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم ) [ التحريم : الآية 2 ] .
2183 - قال محمد بن سعد : حدثني أبي ، حدثني عمي ، عن أبيه ، عن جده عن ابن عباس ، قال : كانت حفصة وعائشة متحاببتين ، فذهبت حفصة إلى أبيها تتحدث عنده ، فأرسل النبي إلى جاريته فظلت معه في بيت حفصة فرجعت حفصة فوجدتهما في بيتها فخرجت الجارية ودخلت حفصة ، فقالت : قد رأيت من كان عندك ، والله لقد سؤتني ، فقال النبي : ' والله لأرضينك وإني مُسر إليك سراً فاحفظيه ' ، قالت : وما هو ؟ قال : ' أشهدك أن سريتي هذه عليّ حرام رضى لك ' ، فأنزل الله تعالى ( ^ يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ) .
ز : هكذا روي عن عبد الوهاب الحافظ من حديث محمد بن سعد العوفي ، وهذا الإسناد مشهور ، وإن كان في بعض رواته كلام ، لكنه ثابت إلى ابن عباس . وقد رواه ابن أبي حاتم ، وغير واحد ( 1 ) ، وأصحاب التفاسير ( 2 ) ، وغيرهم .
2184 - قال البغوي : ثنا أحمد بن حنبل ، ثنا حجاج بن محمد ، ثنا ابن جريج ، عن عطاء أنه سمع عُبيد بن عمير يحدث قال سمعت عائشة تخبر أن النبي كان يمكث عند زينب ويشرب عندها عسلاً ، قال : فتواصيت أنا وحفصة أيتنا ما دخل عليها فلتقل إني أجد منك ريح مغافير ، فدخل على إحداهما فقالت له ذلك ، فقال : ' بل شربت عسلاً عند زينب ولا أعود له ' ، فنزل قوله تعالى : ( ^ يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاك أزواجك ) .
أخرجاه في الصحيحين ( 3 ) .
____________________
(3/504)
من مسائل الكفارة
مسالة [ 783 ] :
يجوز تقديم الكفارة قبل الحنث .
وقال أبو حنيفة : لا يجوز . وهو اختياري . واستدل أصحابنا بما :
2185 - قال أحمد : ثنا أسود بن عامر ، وعفان قالا : ثنا جرير بن حازم ، قال : سمعت الحسن قال : حدثني عبد الرحمن بن سمرة ، قال : قال لي رسول الله : ' إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فكفر عن يمينك وائت الذي هو خير ' .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
2186 - قال أحمد : وثنا أبو سلمة الخزاعي ، ثنا مالك ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه عن أبي هريرة ، أن رسول الله قال : ' من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير ' . انفرد بإخراجه مسلم ( 2 ) .
قلت : والاحتجاج بهذا إنما يصلح لو كانت الواو تقتضي الترتيب ، وإنما هذا من الرواية ، وقد روى هذا جماعة فقدموا الحنث على الكفارة .
____________________
(3/505)
2187 - قال أحمد : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ومحمد بن جعفر ، قالا : ثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، قال : سمعت عبد الله بن عمرو مولى الحسن بن علي يحدث عن يحدث عن عدي بن حاتم ، قال : قال رسول الله : ' من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأن الذي هو خير ، وليكفر عن يمينه ' .
ز : رواه النسائي ( 1 ) ، ورواه مسلم في صحيحه ( 2 ) .
2188 - قال أحمد : وثنا الحكم بن موسى ، ثنا موسى بن خالد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال : قال : رسول الله : ' من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه ' .
2189 - قال أحمد : وثنا هشيم ، قال أنبأ منصور ويونس ، عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة ، قال : قال : لي النبي : ' يا عبد الرحمن بن سمرة إذا آليت علي يمين فرأيت غيرها خيراً منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك ' .
ز : رواه البخاري ومسلم ( 3 ) .
وروى أحمد عن ابن عمر قال : قال رسول الله : ' من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه ، وليأت الذي هو خير ' .
2190 - قال أبو عبد الرحمن النسائي : أنبأ محمد بن منصور ، أنبأ أبو الزعراء ، عن عمه أبي الأحوص عن أبيه قال : قلت : يا رسول الله أرأيت ابن عم لي آتيه فأسأله فلا يعطيني ثم يحتاج إلي فيأتيني ويسألني وقد حلفت أن لا أعطيه ولا أصله ، فأمرني أن آتي الذي هو خير وأكفر عن يميني .
ز : رواه ابن ماجة ( 4 ) .
____________________
(3/506)
من مسائل النذور والإيمان
مسألة [ 784 ] :
إذا نذر شيئاً على وجه اللجاج ( 1 ) والغضب ، مثل أن يقول : إن فعلت كذا فمالي صدقة ، أو عليَّ حجة ، أو صوم سنة ، فهو بالخيار إن شاء وفي بنذره ، وإن شاء كفر كفارة يمين .
وعنه : الواجب الكفارة لا غير ، وعن الشافعي كالروايتين .
وقال أبو حنيفة : يلزمه الوفاء به . وقال مالك : في صدقة المال يلزمه الثلث ، وفي غيره يلزمه الوفاء .
لنا أربعة أحاديث :
2191 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا حسن ، ثنا ابن لهيعة ، ثنا كعب بن علقمة ، عن عبد الرحمن بن شماسة عن أبي الخير مرثد بن عبد الله عن عقبة بن عامر ، قال : قال رسول الله : ' كفارة النذر كفارة اليمين ' .
انفرد بإخراجه مسلم ( 2 ) .
2192 - الحديث الثاني : قال أحمد : وثنا إسماعيل بن أبان الوراق ، ثنا أبو بكر
____________________
(3/507)
النهشلي ، عن محمد بن الزبير ، عن الحسن عن عمران بن حصين ، قال : قال رسول الله : ' لا نذر في غضب وكفارته كفارة يمين ' .
ز : ورواه النسائي ( 1 ) وهو من حديث محمد بن كريز الحنظلي ، وهو منكر الحديث قاله البخاري ، ولم يصح عن الحسن عن عمران بن حصين .
2193 - الحديث الثالث : قال الدارقطني الحافظ : ثنا الحسين بن إسماعيل ، ثنا أحمد ابن منصور زاج ، ثنا عمر بن يونس ، ثنا سليمان بن أبي سليمان ، عن يحيى بن أبي كثير عن طاوس عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله : ' لا نذر إلا فيما أطيع الله ، ولا يمين في غضب ، ولا طلاق ولا عتاق فيما لا يملك ' .
ز : هذا الحديث لا يصح ؛ لأن في رجاله سليمان بن أبي سليمان وهو سليمان بن داود اليمامي ، وهو متفق على ضعفه . وكذا قال شيخنا أبو الحجاج المزي تغمده الله برحمته ورضوانه ، وهما المشار إليهم في كتابي هذا حيث أقول : قال شيخنا ، قالا ( 2 ) .
قال يحيى بن معين : ليس بشيء . وقال البخاري : منكر الحديث .
وقال ابن عدي : عامة ما يرويه - يعني سليمان هذا - لا يتابع عليه أحد .
2194 - الحديث الرابع : قال الدارقطني : وثنا أحمد بن محمد بن زياد القطان ، ثنا جعفر بن محمد بن كزال ، ثنا محمد بن نعيم بن هارون ، ثنا كثير بن مروان ، ثنا غالب بن عبيد الله العقيلي عن عطاء بن أبي رباح ، عن عائشة ، قالت : قال رسول الله : ' من جعل عليه نذراً في معصية ، فكفارة يمين ، ومن جعل عليه نذراً فيما لا يطيق فكفارة يمين ، ومن جعل عليه نذراً فيما لم يسمه فكفارة يمين ، ومن جعل ماله هدياً إلى الكعبة في أمر لا يريد به وجه الله فكفارة يمين ، ومن جعل ماله في المساكين صدقة في أمر لا يريد به وجه الله فكفارة يمين ، ومن جعل عليه المشيِ إلى بيت الله تعالى في أمر يريد به وجه الله تعالى فليركب ولا يمشي ، فإذا أتى مكة قضى نذره ، ومن جعل عليه نذراً لله تعالى فيما يريد به وجه الله تعالى فليتق الله وليف به ' .
____________________
(3/508)
غالب ضعيف الحديث .
ز : قال شيخنا : هذا الحديث لا يصح ، ولا يثبت وفي رجاله غير واحد من الضعفاء وهو من حديث غالب بن عبيد الله ، وليس بثقة ، ولا مأمون مجمع على تركه ( 1 ) .
والمقصود أن هذا الحديث لا يصح عن عطاء ، والله أعلم .
مسألة [ 785 ] :
إذا قال إن شفى الله مريضي فمالي صدقة [ لزمه أن يتصدق بثلث ماله .
وعنه يرجع إلى ما نواه من ماله ] ( 2 ) ، وقال أبو حنيفة : يتصدق بجميع أمواله الزكاتية في إحدى روايتيه ، وفي الأخرى يتصدق بجميع ما يملك وبها قال الشافعي .
2195 - قال أحمد : ثنا روح ، ثنا ابن جريج أخبرني ابن شهاب ، أن الحسين بن السائب بن أبي لبابة أخبره أن أبا لبابة بن عبد المنذر قال : لما تاب الله تعالى عليه [ قال ] : يا رسول الله ، إن من توبتي أن أهجر دار قومي وأساكنك ، وأن أنخلع من مالي صدقة لله ولرسوله ، فقال رسول الله : ' يجزىء عنك الثلث ' .
ز : هكذا رواه أحمد ، وليس هو في شيء من الكتب الستة ، وفي إسناده الحسين بن السائب ، ذكره ابن حبان في كتاب الثقات وقال : يروي عن أبيه المراسيل ، وله ذكر في سنن أبي داود في النذور .
وقد روى أبو داود ( 3 ) نحوه من رواية كعب بن مالك .
____________________
(3/509)
مسألة [ 786 ] :
يمين الغموس لا يوجب الكفارة خلافاً للشافعي .
2196 - قال أبو حفص بن شاهين : ثنا محمد بن هارون بن حميد ، ثنا داود بن رشيد ثنا بقية ، عن يحيى بن سعيد ، عن خالد بن معدان ، عن أبي المتوكل عن أبي هريرة ، أنه سمع رسول الله يقول : ' ليس ليمين الغموس كفارة ، هي يمين صبر يقتطع بها مالاً بغير حق ' .
ز : قال شيخنا : وهذا الحديث لم يخرجه أحد من الكتب الستة ، وإسناده جيد ، وقد رواه الإمام أحمد ( 1 ) في مسنده مطولاً ، قال : حدثنا زكريا عن عدي ، ثنا بقية عن فخر بن سعد عن ابن معدان - يعني خالدا - عن المتوكل ، أو ابي المتوكل عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' من لقي الله عز وجل لا يشرك به شيئاً ، وأدى زكاة ماله طيبة بها نفسه محتسباً ، وسمع وأطاع فله الجنة ، أو دخل الجنة ، وخمس ليس لهن كفارة ؛ الشرك بالله عز وجل ، وقتل النفس بغير حق ، أو نهب مؤمن ، أو الفرار من يوم الزحف ، أو يمين صابرة يقتطع بها مالاً بغير حق ' .
كذا فيه عن المتوكل أو أبي المتوكل .
وقوله : ' صابرة ' يعني مصبورة لعيشة راضية .
____________________
(3/510)
مسألة [ 787 ] :
لا تنعقد يمين المكره ، وقال أبو حنيفة : تنعقد .
2197 - قال الدارقطني : ثنا محمد بن الحسن المقري ، ثنا الحسين بن إدريس ، ثنا خالد بن الهياج ، ثنا أبي ، عن عنبسة بن عبد الرحمن ، عن العلاء ، عن مكحول ، عن واثلة بن الأسقع وعن أبي أمامة ، قالا : قال رسول الله : ' ليس علي مقهور يمين ' .
عنبسة ضعيف .
ز : قال شيخنا : (1) . وفي رجاله جماعة من الضعفاء الذين لا يجوز الاحتجاج بهم .
مسألة [ 788 ] :
ينعقد نذر المعصية وكفارته كفارة يمين .
وقال أكثرهم : لا تنعقد ولا تلزم كفارة .
لنا : حديث عمران بن حصين : أن إمرأة نجت على العضباء فنذرت لتنحرنها ، فقال عليه السلام : ' لا وفاء لنذر في معصية الله ' . وقد سبق بإسناده .
____________________
1- هذا حديث منكر موضوع
(3/511)
2198 - قال الترمذي : ثنا قتيبة ، أنبأ ابن صفوان ، عن يونس بن يزيد عن شهاب ، عن أبي سلمة عن عائشة ، قالت : قال رسول الله : ' لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين ' .
ز : قال شيخنا : هذا الإسناد رواتهم كلهم ثقات ، لكن الحديث (1) ؛ لأن له علة توجب ضعفه ، وقد حكى بعضهم الاتفاق على ضعفه .
وقال بعضهم : فقد احتج به أحمد وإسحاق .
وقد رواه أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجة ، والنسائي ( 1 ) من حديث يونس .
وقال الترمذي بعد أن رواه : وهو حديث لا يصح ؛ لأن الزهري لم يسمع هذا الحديث من أبي سلمة .
وقد روي عن غير واحد ، منهم موسى بن عقبة ، وابن أبي عتيق عن الزهري عن سليمان بن أرقم وعن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عائشة عن النبي .
وأبو داود ، والنسائي رووه عن سليمان بن أرقم . وقد سئل الدارقطني عن هذا الحديث ، فذكر الاختلاف فيه عن الزهري ، ثم قال : والصحيح حديث ابن أبي عتيق ، وموسى بن عقبة عن الزهري .
وقال الترمذي : قال قوم من أهل العلم من أصحاب النبي ، وغيرهم : ' لا نذر في معصية ، وكفارته يمين ' .
مسألة [ 789 ] :
نذر المباح ينعقد ، ويكون مخيراً بين الوفاء والكفارة .
2199 - ثنا زيد بن الحباب حدثني حسين بن واقد ، حدثني عبد الله بن بريدة حدثني بريدة أنَّ أمة سوداء أتت رسول الله وقد رجع من بعض مغازيه ، فقالت : إني كنت نذرت إن ردك الله صالحاً أن أضرب عليك بالدف ، قال : ' إن كنت فعلت فافعلي ' فضربت .
ز : رواه الترمذي ، وأبو حاتم البستي ( 1 ) .
وقال الترمذي : + حديث حسن + .
وقد تقدم الكلام على الكفارة في الأيمان بالطلاق ، والعتاق لشيخنا الشيخ تقي الدين ابن تيمية تغمده الله برحمته ورضوانه .
وقد سئل عن رجل حلف على زوجته فقال : إن خرجت بغير إذني فأنت طالق ، فخرجت بغير إذن ، فهل تطلق ؟ .
الجواب : الحمد لله ، نعم يحنث ؛ فإن قوله إن خرجت بغير إذني فأنت كذا ، تعليق الحكم خروج حال عن الإذن .
ولفظ خرجت فعل في سياق شرط ، والفعل نكرة ، والنكرة في سياق الشرط يقتضي العموم ، كقوله تعالى : ( ^ من يعمل مثقال ذرة خيراً يره ) وقول النبي ' من قتل قتيلاً فله سلبه ' ( 2 ) وقوله تعالى : ( ^ وإن تبدوا خيراً أو تخفوه يعلمه الله ) فإن ذلك : يعم ؛ كل عمل ، وذرة ، وقتل قتيل وإبداء خير .
فقوله : إن خرجت بغير إذني مثل قوله : إن كلمت رجلاً ليس بعفيف ، وإن عملت عملاً صالحاً فذلك للعموم .
____________________
1- غير صحيح
(3/512)
فإذا كلمت مرة رجلاً بإذنه لم توجد الصفة ، كما لو كلمت عفيفاً ، واليمين ثابتة معقودة ؛ لأنها لم تقتض خرجه واحدة .
فإذا وجد بعد ذلك الخروج الخالي عن الإذن وجد الحنث ، وهذا كقول النبي يوم خبير : ' من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه ' فلو قتل قتيلا لا بينة له لم يستحق السلب ، فإذا قتل قتيلاً بعده له بينة استحق السلب .
وكذا إذا حلف بالطلاق الثلاث أنه لا يدخل دار جاره ، ثم إنه اضطر إلى الدخول ، فدخل ، فهذا الحالف بالطلاق ، أو بالعتاق يمينا يقتضي حصراً ، أو منعاً كقوله : الطلاق أو العتاق يلزمه ليفعلن كذا ، أو لا يفعل كذا .
وقوله : إن فعلت كذا فامرأتي طالق ، أو فعبدي حر ، ونحو ذلك للعلماء فيها أقوال :
أحدها : أنه إذا حنث وقع به الطلاق والعتاق وهو مذهب الحسن وغيره من التابعين وهو المشهور عند الفقهاء .
الثاني : لا يقع به شيء ، ولا كفارة عليه .
وهذا القول مأثور عن طاوس ، وغيره من السلف وهو مذهب داود ، وابن حزم ، وغيرهما من المتأخرين ، ولهذا كان سفيان بن عيينة شيخ الشافعي وأحمد لا يفتي بالوقوع ؛ فإنه روى عن ابن طاوس عن أبيه أنه كان لا يرى الحلف بالطلاق شيئاً .
والقول الثالث : أنه يجزيه كفارة يمين .
وهذا هو المأثور عن طائفة من الصحابة ، وغيرهم في العتق ، كما نقل ذلك عن ابن عمر ، وابن عباس ، وحفصة بنت عمر ، وزينب ربيبة النبي ، أفتوا فيمن قال إن لم أفرق بيني وبين امرأتي فمالي صدقة ، ورقيقي أحرار .
قالوا : يكفر عن يمينه ، ويكون الرجل مع امرأته .
وهذا قول أبي ثور ، وغيره من الفقهاء .
وأما إذا قال : إن فعلت كذا فعلي أن أعتق عبدي ، أو أطلق امرأتي ، أو مالي صدقة ، أو عليّ الحج ، أو فعل الصوم صوم كذا ، ونحو ذلك .
____________________
(3/514)
فهنا يجزيه كفارة يمين ، وهو مذهب الشافعي ، وأحمد ، وهو إحدى الروايتين عن أبي حنيفة ، وقول طائفة من أصحاب مالك ، وهو المأثور عن عامة الصحابة ، والتابعين ، ويسميه الفقهاء : مسألة نذر اللجاج والغضب ويفرقون بين نذر التبرر ونذر اللجاج والغضب فنذر التبرر مثل أن يكون مقصود الناذر حصول الشرط ، ويلزم فعل الجزاء شكراً لله ، كقوله :
إن شفى الله مريضي فعلي أن أتصدق بكذا ، أو أصوم كذا ، ونحو ذلك ، فهذا النذر فعليه أن يأتي به كما قال النبي : ' من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ' . رواه البخاري ( 1 ) .
وأما نذر اللجاج ، والغضب فقصد الناذر أن لا يكون الشرط ، ولا الجزاء مثل أن يقال له : سافر مع فلان ، فيقول : إن سافرت فعلي صوم كذا ، وكذا ، أو الحج ، ومقصوده أن لا يوجد الشرط ، ولا الجزاء .
كما لو قال : هو يهودي أو نصراني إن فعل كذا ، أو فعل كذا ، فهو كافر بالله ، ونحو ذلك .
فإنّ الأئمة متفقون على أنه إذا وجد الشرط لا يكفر ، بل عليه كفارة يمين عند أبي حنيفة ، وأحمد ، وعند مالك ، والشافعي لا شيء عليه .
بخلاف ما إذا قال : إن أعطيتموني ألف درهم كفرت فإنه يكفر بذلك ، بل يتنجز كفره ؛ لأنه قصد حصول الكفر عند وجود الشرط .
وطائفة من الفقهاء نظروا إلى ظاهر لفظ الناذر قالوا : إذا علق الحكم بصفه أو بشرط وجب وجوده عند وجوده ولم يفرقوا بين نذر اللجاج والغضب ، وبين نذر اليمين .
وأما الصحابة ، وجمهور السلف ، والمحققون قالوا : الاعتبار بمعنى اللفظ ، والمشترط هنا قصده وجود الشرط ، والجزاء ، وهناك قصده أن لا يكون هذا ، ولا هذا ، ولهذا يحلف بصيغة الشرط تارة ، وبصيغة القسم أخرى ، مثل أن يقول علي الحج : لأفعلن كذا ، أو لا فعلت كذا .
____________________
(3/515)
وعلى العتق إن فعلت كذا ، أو لا فعلت كذا ، فهذه حجة من أمره بالكفارة في الحلف بالعتق ، أو بالطلاق ؛ فإنه إذا قيل له سافر ، فقال : عليه العتق ، أو الطلاق لا يفعل ، أو إن فعل فامرأته طالق ، أو فعبده حر فقصده أن لا يكون الشرط ولا الجزاء ، فهو حالف بذلك ، لا موقع له .
قالوا : وهذا التزم وقوع الطلاق ، فهو كما لو التزم إيقاعه ؛ فإنه يقول : إن فعلت كذا فعليّ أن أطلق امرأتي ، أو أعتق عبدي ، ولو قال هذا لم يلزمه أن يطلق باتفاق الأمة .
لكن في وجوب الإعتاق قولان في مذهب أحمد والشافعي ، وغيرهما .
لكن الشافعي يلزمه الكفارة إذا لم يعتق ، ولا يلزمه الكفارة إذا لم يطلق .
وأحمد يلزمه الكفارة فيهما على ظاهر مذهبه .
وهو وجه لأصحاب الشافعي ؛ لأن النذر إذا لم يكن قربة لم يكن عليه فعله بالاتفاق .
ومذهب الشافعي المشهور : لا كفارة عليه إذا لم يفعله .
والمشهور من مذهب الإمام أحمد : عليه كفارة يمين .
قال هؤلاء : فالتزامه الوقوع كالتزامه الكفر ، وإن لم يلتزم بالاتفاق ، بل عليه كفارة يمين ، في أحد القولين كما تقدم .
قال الموقعون للطلاق ، والعتاق : الفرق بينهما أنه التزم حكماً شرعياً ، فهو الوقوع ، وهناك التزم فعلاً من أفعاله ، وهو الإيقاع كقوله علي الحج أو الصوم ، أو الصدقة ، وهو في الفعل مخير بين أن يفعله ، وبين أن يتركه ، ويكفر بخلاف الحكم ؛ فإنه إلى الله سبحانه وتعالى .
____________________
(3/516)
فصل
قالوا : الخلع جائز بنص القرآن ؛ فإذا قال لامرأته إن أعطيتني ألفاً فأنت طالق ، فأعطته وقع الطلاق
فيقاس عليه سائر الشروط إذا علق بها الطلاق وقع .
وكذلك ثبت جواز الكناية والسنة في معناها ما إذا قيل لعبده : أعطني ألفاً وأنت حر .
وكذلك فعل العتق كسائر الشروط ، فهذا منتهى ما يحتج به هؤلاء .
واما أولئك فيقولون : لا فرق بين أن يكون الجزاء حكم شرعي أو يكون ملازماً له كالسبب ، والسبب لازم ؛ فإنه لو قال : هو يهودي أو نصراني إن فعل كذا فقد التزم حكماً شرعياً ، ولا يلزمه عند وقوع الشرط ، بلا نزاع .
وأيضاً فلو قال : إن فعلت كذا فعليّ الحج ، أو فعلي الصوم فالجزاء وجوب الحج ، أو الصوم ، ثم إذا أوجب عليه بحكم للوجوب فالوجوب هو التعلق بالشرط ، ليس التعلق بالشرط نفس فعله ؛ إذ لوكان المعلق نفس فعله لوجد عند وجود الشرط اللغوي ، وليس المعلق وجوب الإعتاق والحج ، ونحو ذلك .
ثم هو مخير بين التزام هذا الوجوب ، وبين التكفير وهنا إذا قال : إن فعلت كذا فعبدي حر ، يجزي نفس الحرية ، ومقتضاها تحريم استعادته .
وكذلك وقوع الطلاق موجبه تحريم استمتاعه فالحرمة هنا موجب الجزاء لا نفس الجزاء ، وهذا من باب خطاب الوضع ، وذلك من باب خطاب التكليف .
وكذلك قوله : إن فعلت فمالي صدقة ؛ فإنه التزم أن يصير المال صدقة ، لا حكم شرعي ، ولا فعل ، لكن إذا صار صدقة لزمه أن يخرجه .
ولو قال : فعبدي حر : فقد التزم أن يصير حراً .
فلو قال : فعلي أن أعتق هذا فالتزم وجوب العتق ثم إذا أوجب كان عليه فعله ومع هذا فله رفع الوجوب ، فإذا قال : فهو حر ، فقد التزم نفس الحرية ، وهو إذا كان حراً فعليه إرساله .
____________________
(3/517)
فكما أن المرأة إذا صارت مطلقة بثلاث كان عليه إرسالها ، وأن لا يخلو بها ، ولا يطأها ؛ فالناذر في هذه الصورة التزم الحكم والفعل يتبعه .
قالوا : لأن المظاهر ، والمحرم إذا قال : أنت عليّ كظهر أمي ، أو أنت عليّ حرام إنما التزم حكماً شرعياً ، لم يلتزم فعلاً .
ومع هذا قد دخلت في ذلك الكفارة .
ثم قال بعد كلام كثير :
وأما حجة من احتج بالخلع ، والكناية وتعليق ذلك بعوض فجوابه أن هذا قد قصد الشرط ، والجزاء كما قصد ذلك في نذر التبرر ، وإنما يحسن الاحتجاج بالخلع ، والكناية على أنه يمنع تعليق الطلاق بالشروط جملة ، كما هو مذهب داود وابن حزم ، وغيرهما ؛ فإن هؤلاء يقولون : إن الطلاق المعلق بالشرط لا يقع بحال ، بناء على أنه لا يقع عندهم من الطلاق إلا ما ثبت أن الشارع أذن فيه .
قالوا : ولم يثبت أنه فيه ، وهم لا يقولون بالقياس ، وجعلوا ما نقل عن الصحابة والتابعين في الحلف بالطلاق ، والعتاق حجة لهم ، وليس بحجة ؛ فإن المنقول عن طاوس أنه كان لا يرى الحلف بالطلاق شيئاً ، ولا يقتضي أنه لا يرى تعليقه بالشرط بحال .
بل قد فرق بين الشرط المقصود ثبوته ، والمقصود عدمه ، وهو قول عطاء في مثله نذر اللجاج والغضب .
ولهذا لما دخل الشافعي مصر سأله سائل عن هذه المسألة :
إذا قال : إن فعلت كذا فعلي الحج ، أو فعلي الصوم فأفتاه الشافعي كفارة يمين ، فقال له : يا أبا عبد الله هذا قولك ؟ قال : هذا قول من هو خير مني ، هذا قول عطاء بن أبي رباح .
وكان الغالب على مصر قول مالك : إن عليه أن يحج أو يصوم ، ومع هذا ، فلما حنث عبد الرحمن بن القاسم في هذا اليمين أفتاه أبو عبد الرحمن الذي هو العمدة في مذهب مالك بكفارة يمين ، وقال : أفتيك بقول الليث بن سعد ، فإن عدت أفتيك بقول مالك .
والمحققون من متأخري أصحاب مالك يرجحون الإفتاء بكفارة يمين ، وهو الذي رجع إليه أبو حنيفة آخراً .
____________________
(3/518)
وأما جمهور السلف من الصحابة والتابعين فإنهم يقولون بحرية كفار يمين كما هو مذهب الشافعي وأحمد .
والمشهور عنهما أنه مخير بين التكفير ، وبين فعل ما التزم .
وعن أحمد رواية أنه عليه الكفارة عيناً .
ويذكر وجهاً في مذهب الشافعي .
وهذه المسائل مسائل جليلة القدر تحتاج إلى بسط طويل ، والله أعلم .
____________________
(3/519)
فصل
إذا حلف الحالف بالطلاق ، وهو سكران ففيه قولان للعلماء ، هما روايتان عن أحمد بن حنبل :
أشبههما بالكتاب والسنة أنه لا يقع ، وقد ثبت ذلك عن عثمان بن عفان رضي الله عنه ، ولم يثبت عن صحابي خلافه ، وهو القول القديم للشافعي ، وقول بعض أصحاب أبي حنيفة ، وقول كثير من السلف ، والفقهاء .
والثاني : أنه يقع ، وهو المشهور من مذهب الشافعي وأبي حنيفة ومالك .
وزعم طائفة من أصحاب مالك والشافعي وأحمد أن النزاع إنما هو في النشوان الذي قد يفهم ويغلط ، فأما الذي تم سكره بحيث لا يفهم ما يقال له فإنه لا يقع به قولاً واحدا ، إلا أن الأئمة الكبار الذين جعلوا النزاع في الجميع .
وأما في عموم هذه المسألة ، وهو في معناها فآثار الصحابة من وجوه :
أحدها : ما ذكره البخاري في صحيحه ( 1 ) عن ابن عباس أنه قال : الطلاق عن وطر ، والعتق ما ابتغي به وجه الله ، فحصر الطلاق فيما كان عن وطر ، وهو الغرض المقصود والغضبان لا وطر له .
الوجه الثاني : أن الزهري روى عن أبان عن عثمان أنه رد طلاق السكران ، ولا يعرف له مخالف من الصحابة ، وهذا القول هو الصحيح .
وقال في رواية عبد الملك الميموني : أقول إن طلاق السكران يجوز حتى تبينه .
فقلت : على أنه لا يجوز طلاقه لأنه لو أقر لم يلزمه ولو باع لم يجز بيعه .
وقال في رواية أبي الحارث : أرفع شيء فيه حديث الزهري عن أبان عن عثمان : ' ليس لمجنون ، ولا سكران طلاق ' .
وهو اختيار الطحاوي ، وأبي الحسن الكرخي ، وإمام الحرمين ، وأحد قولي
____________________
(3/520)
الشافعي ، وشيخي ابن تيمية فإذا كان هؤلاء لا يوقعون طلاق السكران لأنه غير قاصد للطلاق فمعلوم أن الغضبان كثيراً ما يكون أسوأ حالاً من السكران .
والسكر نوعان : سكر طرب ، وسكر غضب ، وقد يكون هذا أشد ؛ فإذا اشتد به الغضب حتى صار كالسكران كان أولى بعدم وقوع الطلاق منه ؛ لأنه يعذر ما لا يعذر السكران ، ويبلغ به السكران .
____________________
(3/521)
فصل
وأما الاعتبار ، وأصول الشريعة فمن وجوه :
الأول : أن المؤاخذة إنما تترتب على الأقوال ؛ لأنها أدلة على ما في القلب من كسبه ، وإرادته كما قال تعالى :
( ^ لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم ) . فجعل سبب المؤاخذة كسب القلب ، وكسبه هو إرادته وقصده ، وما جرى على لسانه الكلام من غير قصد ، واختيار ، بل لشدة غضب أو سكر ، أو غير ذلك لم يكن من كسب قلبه كما تقدم .
الوجه الثاني : وهو أن الإرادة فيه هو محمول عليها ، وملجأ إليها كالمكره ، بل المكره أحسن حالاً منه ؛ فإن له قصداً ، وإرادة حقيقة ، لكن هو محمول عليه ، وهذا ليس له قصد في الحقيقة ، فإذا لم يقع طلاق المكره فطلاق هذا أولى بعدم الوقوع .
____________________
(3/522)
فصل
وأما دلالة الشبه فمن وجوه :
أحدها : حديث عائشة المتقدم قوله : ' لا طلاق ، ولا عتاق في إغلاق ' .
وقد اختلف في الإغلاق ، فقال أهل الحجاز : هو الإكراه .
وقال أهل العراق : هو الغضب .
وقالت طائفة : هو جمع الثلاث بكلمة واحدة .
حكى الأقوال الثلاث صاحب كتاب ' مطالع الأنوار ' وكأن الذي فسره بجمع الثلاث أخذه من التغلق ، وهو أن المطلق غلق الطلاق كما يغلق المدين ما عليه وهو من غلق الباب .
الثاني : ما رواه الحاكم في مستدركه ( 1 ) من حديث عمران بن حصين قال : قال رسول الله : ' لانذر في غضب ، وكفارته كفارة يمين ' .
وقال شيخنا ابن تيمية أيضاً : مسألة إذا حلف بالطلاق ، وغير الطلاق أنه لا يدخل دار فلان ، ولا يأكل له ، ولا يطأ زوجته ، ثم حنث بفعل واحدة من هذه الخصال انحلت يمينه ، ولم يحنث بفعل البواقي بالاتفاق ؛ فإن اليمين حل بالحنث فيها مرة ، والحنث لا يتكرر .
والأصل الثاني : أنه لو أبان امرأته إبانة حقيقة بأن يطلقها قبل الدخول ، أو يخالعها ، أو يطلقها بعد الدخول وتنقضي العدة ، ثم عادت إليه قبل فعل المحلوف عليه فهل يكون يمينه باقية ؟ على ثلاثة أقوال للعلماء وهي ثلاثة أقوال للشافعي :
أحدها : أن اليمين باقية ، وهو مذهب أحمد على المشهور من مذهبه .
والثاني : أن اليمين لا يعود حكمها ، وهو اختيار المزني .
والثالث : إن كان قد أبانها بثلاث لم يعد اليمين ، وهذا مذهب أبي حنيفة ، ومالك .
وكذلك عند مالك ، والشافعي ، إذا عادت في الصورة الثانية بعد زوج ، وإصابة .
والأصل الثالث : أنه إذا وجد المحلوف في زمن البينونة ثم عاد النكاح ففي بقاء حكم اليمين قولان للعلماء هما قولان للإمام أحمد .
أحدهما : حكم اليمين باق .
والثاني : أنه لا يعود حكمها ، وهو قول الأكثرين ، والنزاع بينهم مأخذه أنه إذا قال الطلاق يلزمه لا يفعل كذا ، فهل معناه أنه لا يفعله وهي زوجته لكون الحلف بالطلاق لا يكون إلا على أن يفعله في حال النكاح ، والحنث لا يكون إلا في حال النكاح ؟ أو معناه لا يفعله إلا في حال النكاح ، ولا بعد العصمة ، وإن كان إذا فعله في حال العصمة لم يحنث .
فمن قال : لا تعود الصفة بعود النكاح ، بل ينحل لوجود الصفة في حال البينونة بقوله : إنه ينحل بوجود أحد الأفعال المحلوف عليها كما لو وجدت قبل الطلاق ، فإنه في الموضعين عندهم ينحل اليمين وانحلال اليمين بوجود بعض الأفعال كانحلالها بوجودها جميعاً ، إذ حل اليمين لا ينكر ، ولا ينحل مرتين .
وأما من قال : إن اليمين حنث ، أو مندمة ، فيبنيى على عود اليمين في النكاح الثاني .
وبهذا يتبين الجواب عن المسألة ، وهو أنه : من كان من أصله أن هذا الخلع يوجب البينونة وأنه إذا وجدت الصفة في زمن البينونة انحلت اليمين فسواء عنده وجد جميع الأفعال المحلوف عليها أو بعضها .
كما اتفق الأئمة على أنها سواء في انحلال اليمين بوجود ذلك قبل البينونة .
والأصل الرابع : أن المختلعة هل يلحقها الطلاق في العدة كالرجعية ؟ وهل يكون وجود الصفة في عدتها كوجودها في عدة الرجعية ؟
فالجمهور كمالك ، والشافعي ، وأحمد أنه لا يلحقها طلاق .
وعند أبي حنيفة : يلحقها .
الأصل الخامس : أن خلع اليمين وهو الخلع الذي لا يقصد به فراق الزوجة ، بل يقصد به حل اليمين وعود النكاح ، وهو في الفسوخ نظير نكاح المحلل في العقود ، هل هو خلع
____________________
(3/523)
صحيح يوجب البينونة ؟ فأكثر أصحاب أبي حنيفة والشافعي يحلونه .
كذلك وهو قول بعض أصحاب أحمد ، والمشهور من مذهب مالك ، وأحمد ، وجمهور السلف ، وهو قول طائفة من أصحاب الشافعي أن مثل هذا ليس بصحيح .
فهذه أصول هذه المسألة ، وهي من الأصول المشهورة .
وقال أيضاً رحمه الله وقد سئل عن رجل له سرية ، وله زوجة ، حلف بالحرام أنه لا يطأ سريته إكراماً لزوجته ، فإذا وطأها فهل هو طلاق أم ظهار ، أو كفارة يمين ؟
وما مقدار الكفارة ؟
وهل يفرق بينهما الطلاق وعدم النية أم لا ؟
أجاب رحمه الله : الحمد لله لا طلاق عليه بذلك ، ولا ظهار ، بل عليه كفارة يمين ، ولو نوى الطلاق فإن النزاع المشهور في الحرام ، هل هو ظهار عند الإطلاق ، أو يمين صغرى ، أو ظهار ، ولا شيء عليه ؟
هو فيما إذا أوقع الحرام ، مثل أن يقول : - أنت علىّ حرام ، أو ما أحل علي حرام - المشهور من مذهب أحمد أنه ظهار ، وإن نوى به الطلاق ، أو اليمين .
وقيل : هو طلاق كقول مالك .
وقيل : لا شيء عليه إذا لم ينو يميناً كقول الشافعي .
وأما إذا قال : الحل علي حرام لأفعلن كذا ، أو الحرام يلزمني ، ونحو ذلك فهذا قد حلف به ولم يوقعه ، وهو لم يحلف بإيجاب شيء ، مثل أن يقول : إن فعلت كذا فعلي صدقة أو حج ، أو عتق ، فكان عليه كفارة يمين إذا لم يفعله ، وهو نذر اللجاج ، والغضب .
لكن هناك التزم الفعل ، وهنا حرم بهذا الشرط ، وهما في المعنى ، فإنها تصير حراماً عند الإطلاق ، بل يلزمه حكم من الأحكام : إما كفارة ظهار ، وإما كفارة يمين . كما يلزمه النذر عند الإطلاق .
فعلى الناذر كفارة يمين ، وهي إطعام عشرة مساكين ، أو كسوتهم ، أو تحرير رقبة مؤمنة .
____________________
(3/525)
والإطعام رطلان من خبز بالرطل المصري ، وينبغي أن يكون مأدوماً .
فهذه قواعد جليلة متعلقة بأنواع النكاح والطلاق وهي من أصول الأحكام الشرعية المتعلقة بأصول الشريعة ، التي هي من الصراط المستقيم .
مسألة : في المحرمات من النسب .
قال شيخنا ابن تيمية رحمه الله : أما المحرمات بالنسب فالضابط فيها أن جميع أقارب الرجل من النسب حرام عليه إلا بنات أعمامه ، وأخواله ، وعماته ، وخالاته ، وهذه الأصناف الأربعة من اللاتي أحلهن الله لرسوله بقوله تعالى : ( ^ يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن ، وبنات عمك ، وبنات عماتك وبنات خالك ، وبنات خالاتك . . . ) الآية .
فأحل لنبيه من النساء أجناساً أربعة ، ولم يجعل خالصا له من دون المؤمنين إلا الموهوبة التي وهبت نفسها للنبي فجعل هذه من خصائصه ، فله ان يتزوج الموهوبة بلا مهر ، وليس هذا لغيره باتفاق المسلمين ، بل ليس لغيره أن يستحل بضع امرأة إلا مع وجوب مهر .
واتفق العلماء على أن من تزوج امرأة ، ولم يقدم لها مهراً صح النكاح ، ووجب لها المهر إذا دخل بها ، وإن طلقها قبل الدخول فليس لها مهر ، بل لها المتعة بنص القرآن .
وإن مات عنها ففيها قولان : وهي مسألة بروع بنت واشق التي استفتى عنها ابن مسعود شهراً والتي بان لها مهر نسائها ، ولا وكس ، ولا شطط وعليها العدة ، ولها الميراث ، فقام رجال من أشجع فقالوا : نشهد أن رسول الله قضى في بروع بنت واشق بمثلما قضيت به في هذه .
وهذا الذي قضى به ابن مسعود هو قول فقهاء الكوفة كأبي حنيفة ، وغيره ، وفقهاء الحديث كأحمد بن حنبل ، وغيره ، وهو أحد قولي الشافعي . والقول الآخر في مذهب مالك أنه لا مهر لها ، ويروى ذلك عن علي كرم الله وجهه ، وزيد بن ثابت وغيرهما من الصحابة .
وتنازعوا في النكاح إذا شرط فيه نفى المهر ، هل يصح النكاح ؟
على قولين في مذهب أحمد وغيره :
أحدهما : يبطل النكاح كقول مالك .
____________________
(3/526)
والثاني : يصح ، ويجب مهر المثل كقول أبي حنيفة والشافعي .
والأولون يقولون : نكاح الشغار إنما أبطله النبي لأنه نفى فيه المهر ، وجعل البضع مهر البضع ، وهذا تعليل أحمد بن حنبل في غير موضع من كلامه ، وهو تعليل قدماء أكثر الصحابة فإنهم أبطلوا نكاح الشغار .
وآخرون منهم من يصحح نكاح الشغار كقول أبي حنيفة ، وقوله : أقيس على هذا الأصل ، لكنه مخالف للنص وآثار الصحابة ؛ فإنهم أبطلوا نكاح الشغار ، ومنهم من يبطله ، ويعلل البطلان ، إما بدعوى الشريك في البضع ، وإمّا بغير ذلك من العلل ، كما يفعله أصحاب الشافعي ومن وافقهم من أصحاب أحمد .
والقول الأول أشبه بالنص ، والقياس الصحيح .
وتنازعوا أيضاً في إنعقاد النكاح مع المهر بلفظ التمليك ، والهبة ، وغيرهما .
فجوز ذلك الجمهور كمالك ، وأبي حنيفة ، وعليه يدل نصوص أحمد ، ويتبعه الشافعي ، ولم أعلم أحداً قال هذا قبل ابن حامد من أصحاب أحمد وقوله : ( ^ لا يحل لك النساء من بعد ) أي من بعد هؤلاء اللاتي أحللنا هن لك ، وهن المذكورات في قوله تعالى : ( ^ حرمت عليكم أمهاتكم . . . ) الآية فدخل في الأمهات أم أبيه ، وأم أمه ، وإن علت بلا نزاع أعلمه بين العلماء .
وكذلك دخل في البنات بنت ابنه ، وبنت ابنته وإن سفلن بلا نزاع .
وكذلك دخل في الأخت : الأخت من الأبوين ، والأب ، والأم .
ودخل في العمات ، والخالات ، عمات الأبوين ، وخالات الأبوين .
وفي بنات الأخ ، والأخت ولد الإخوة وإن سفلن وهن الإخوة ، وأولاد الإخوة وإن سفلن .
وإذا حرم عليه أصوله ، وفروعه ، وفروع أصوله الأدنى ، وإن سفلن ، وهن الإخوة ، وأولاد الإخوة ، وفروع أصوله البعيدة ، وهن بنات العم ، والعمات ، وبنات الخال ، والخالات .
____________________
(3/527)
فصل
واما المحرمات بالصهر فنقول : كل نساء الصهر حلال إلا أربعة أصناف ، بخلاف الأقارب .
فأقارب الإنسان كلهن حرام إلا أربعة أصناف ، وهن : حلائل الآباء ، والأبناء ، وأمهات النساء ، وبناتهن فيحرم على كل من الزوجين أصول الآخر وفروعه ، يحرم على الرجل أم امرأته ، وأم أمها ، وابنتها وإن علت ، ويحرم عليه بنت امرأته ، وهي الربيبة ، وبنت بنتها وإن سفلت ، وبنت الربيبة أيضاً حرام كما نص عليه الأئمة المشهورون : الشافعي ، وأحمد وغيرهما . ولا اعلم فيه نزاعاً .
ويحرم عليه أن يتزوج بامرأة ابنه ، وإن علا ، وامرأة ابنه ، وإن سفل ؛ فهؤلاء الأربعة هنّ المحرمات بالمصاهرة في كتاب الله .
وكل من الزوجين يكون أقارب الآخر أصهار له .
وأقارب الرجل أحماء المرأة ، وأقارب المرأة أحماء أختان الرجل .
وهؤلاء الأصناف الأربعة يحرمن بالعقد إلا الربيبة ؛ فإنها لا تحرم حتى يدخل بها ، فإن الله تعالى لم يجعل هذا الشرط إلا في الربيبة ، والبواقي أطلق فيهن التحريم .
فلهذا قال الصحابة : اتهموا ما اتهم الله .
وعلى هذا الأئمة الأربعة ، وجماهير العلماء .
وأما بنات هاتين ، وأمهاتهما فلا يحرمن ، فيجوز له أن يتزوج بنت امرأة أبيه ، وابنه ، وأم امرأة أبيه ، وابنه باتفاق العلماء ؛ فإن هذه ليست من حلائل الآباء ، والأبناء ، فإن الحليلة هي الزوجة ، وأمها ليست زوجة ، بخلاف الربيبة ، فإن ولد الربيب ربيب كما أن ولد الولد ولد .
وكذلك أم أم الزوجة أم للزوجة ، وبنت أم الزوجة لا تحرم ؛ فإنها ليست أماً .
فلهذا قال من قال من الفقهاء : بنات المحرمات محرمات لا بنات العمات
____________________
(3/528)
ز والخالات ، وأمهات النساء ، وحلائل الآباء ، والأبناء .
فجعل بنت الربيبة محرمة دون بنات الثلاث ، وهذا مما لا أعلم فيه نزاعاً .
وإذا وطأ امرأة بما يعتقده نكاحاً فإنه يلحق به النسب ، وتثبت فيه حرمة المصاهرة باتفاق العلماء .
وإن كان ذلك النكاح باطلاً عند الله ورسوله مثل الكافر إذا تزوج نكاحاً باطلاً محرماً في دين الإسلام فإن هذا ملحقة فيه النسب ، ويثبت فيه المصاهرة يحرم على كل واحد منهما أصول الآخر ، وفروعه باتفاق العلماء .
وكذلك كل وطء اعتقد أنه ليس حراماً ، وهو حرام مثل : من تزوج امرأة نكاحها فاسد ، وطلقها ، وظن أنه لم يقع الطلاق لخطئه ، وخطأ من أفتاه ، فوطأها بعد ذلك ، وجاءه ولد .
فهنا يلحقه النسب ، وتكون هذه مدخولاً بها ، فتحرم ، وإن كانت ربيبة لم يدخل بأمها باتفاق العلماء ، فالكافر إذا تزوج أحدهما امرأة نكاحاً يراه ( 1 ) .
____________________
(3/529)
من مسائل القضاء
مسألة [ 790 ] :
من شرط القاضي أن يكون من أهل الاجتهاد .
خلافاً لبعض الحنفية .
2200 - قال أبو داود : ثنا محمد بن حسان السمتي ، ثنا خلف بن خليفة ، عن أبي هاشم ، عن ابن بريدة عن أبيه ، عن النبي قال : ' القضاة ثلاثة : واحد في الجنة ، واثنان في النار ، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به ، ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار ، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار ' .
ز : رواه أبو داود ، وابن ماجة ، والنسائي ( 1 ) .
ورواه الترمذي عن محمد بن إسماعيل عن الحسن بن بشر عن شريك عن الأعمش عن سعد عن عبيدة عن ابن بريدة ، وهو (1) .
مسألة [ 791 ] :
لا يجوز أن يولى النساء القضاء .
____________________
1- حديث حسن صحيح
(3/531)
خلافاً لأبي حنيفة .
2201 - قال أحمد : ثنا هاشم ، ثنا المبارك عن الحسن عن أبي بكرة ، قال : قال رسول الله : ' لن يفلح قوم تملكهم امرأة ' .
انفرد بإخراجه البخاري ( 1 ) .
ز : ورواه النسائي ، والترمذي ( 2 ) .
مسألة [ 792 ] :
يصح التحكيم خلافاً لأحد قولي الشافعي .
لنا ما روى أبو بكر عبد العزيز من أصحابنا في حديث عبد الله بن جراد ، قال : قال رسول الله : ' من حكم بين اثنين تحاكما إليه ، وارتضياه فلم يقل بينهما بالحق ، فعليه لعنة الله ' .
ز : قال شيخنا : هذا الحديث لا يصح الاحتجاج به ؛ لأنه من نسخة باطلة موضوعة ( 3 )
____________________
(3/532)
وبالغ في الحط على الخطيب لما احتج بحديث منها .
مسألة [ 793 ] :
يجوز القضاء على الغائب ، وكذلك على الحاضرِ إذا امتنع من مجلس الحكم .
وعنه لا يقضي عليه ، كقول أبي حنيفة .
لنا : قوله عليه السلام : ' خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ' .
وقد سبق بإسناده في النفقات .
ز : وفي الفتوى على الغائب نظر ؛ فإنه قد يقال : إن أبا سفيان كان حاضراً في البلد ، وقد قيل إنه لا يقضى على الغائب الحاضر في البلد مع إمكان إحضاره ، وسماعه عليه بالدعوى في المشهور من مذهب العلماء ، والله أعلم ,
مسألة [ 794 ] :
حكم الحاكم لا يحيل الشيء عن صفته .
وقال أبو حنيفة : يحيله في العقود والفسوخ .
____________________
(3/533)
2202 - قال البخاري : ثنا عبد العزيز بن عبد الله ، ثنا إبراهيم بن سعد عن صالح ، عن ابن شهاب ، قال أخبرني عروة بن الزبير ، أن زينب بنت أم سلمة أخبرته عن أمها أم سلمة زوج رسول الله أخبرتها عن رسول الله ، أنه سمع خصومة بباب حجرته فخرج عليهم ، فقال : ' إنما أتا بشر وإنه يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه قد صدق فأقضي له بذلك ، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار ، فليأخذها أو فليتركها ' .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
2203 - وأخبرنا عالياً علي بن عبد الله ، أنبأ عبد الصمد المأمون ، أنبأ ابن جنابة ، أنبأ ابن صاعد ، حدثنا عبد الجبار بن العلاء ، ثنا سفيان ، ثنا هشام بن عروة ، عن : أبيه ، عن زينب بنت أم سلمة عن أمها ، أن النبي قال للناس : ' إنما أنا بشر مثلكم تختصمون إلىَّ فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، فمن قضيت له من حق أخيه المسلم شيئاً فإنما أقطع له قطعة من النار ' .
احتجوا : بما روى ' أن شاهدين شهدا عند علي - عليه السلام - على امرأة بالنكاح ، فقالت المرأة : إنه لم يكن بيننا نكاح ، فإن كان ولا بد فزوجني منه ، فقال علي - عليه السلام شاهداك زوجاك ' . وجواب هذا أن علياً - عليه السلام - لم يطلع على الباطن ، إنما حكم بالظاهر ، فأما الأخذ بالظاهر مع العلم بمنافاة الباطن له فقبيح .
مسألة [ 795 ] :
إذا شهد شاهدان على قضاء الحاكم وهو لا يذكر قبلت شهادتهما .
____________________
(3/534)
وقال الشافعي : لا يرجع إلى قولهما .
لنا أن النبي رجع إلى قول غيره في قصة ذي اليدين ، وقد ذكرناه بإسناده في مسألة الظهار ، وذكرنا في أول النكاح أن جماعة حدثوا ونسوا ، فكان أحدهم يقول حدثني فلان عني .
____________________
(3/535)
من مسائل القسمة
مسألة [ 796 ] :
إذا طلب أحدهما ( 1 ) القسمة وفيها ضرر على الآخر لم يقسم وتباع ويقتسمان الثمن .
وقال أبو حنيفة : إذا كان لأحدهما في ذلك منفعة أجبرا على القسمة ، وقال مالك : يجبر على القسمة بكل حال .
وقال الشافعي : إن كان المطالب ينتفع بذلك أجبر وإن كان يستضر فعلى وجهين .
2204 - قال الدارقطني : ثنا الحسين بن إسماعيل ، ثنا خلاد بن أسلم ، ثنا روح بن عبادة ثنا ابن جريج ، أخبرني صديق بن موسى ، عن محمد بن أبي بكر عن أبيه ، عن النبي قال : ' لا تغضية على أهل الميراث إلا ما حمل القسم ' .
ز : قال شيخنا : هذا حديث لا يثبت ، وهو مرسل ، وفي إسناده صديق بن موسى ، قد ذكره ابن أبي حاتم في كتابه فقال : صديق بن موسى بن عبد الله بن الزبير كان خورياً ، ثم تحول إلى مكة ، روى عن أبي بردة بن أبي موسى ، ومحمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، روى عنه ابن جريج ، وحفص بن ميسرة .
2205 - قال الدارقطني : وثنا إسماعيل بن محمد الصفار ، ثنا عباس بن محمد ، ثنا عثمان بن محمد بن عثمان بن ربيعة ، ثنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن يحيى ، عن أبيه عن أبي سعيد الخدري ، أن النبي قال : ' لا ضرر ولا ضرار ' .
ز : قال شيخنا رحمه الله : هذا حديث لم يخرجوه ، وفي إسناده عثمان بن محمد ، لا أعرف حاله .
____________________
(3/537)
وقد رواه الحاكم ، وزعم أنه صحيح الإسناد ، وفي قوله نظر ، والمشهور فيه الإرسال .
كذا رواه مالك ( 1 ) عن عمرو بن يحيى عن أبيه مرسلاً . والله أعلم .
____________________
(3/538)
من مسائل الدعاوى
مسألة [ 797 ] :
إذا تداعيا شيئاً في يد ثالث فأقر به لأحدهما لا يعينه ( 1 ) أقرع بينهما ، فمن خرجت قرعته حلف واستحقه .
وقال أكثرهم : يوقف الأمر حتى ينكشف .
لنا ثلاثة أحاديث :
2206 - الحديث الأول : قال أبو داود : ثنا أحمد بن حنبل ، ثنا عبد الرزاق ، ثنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة ، عن النبي قال : ' إذا كره الاثنان اليمين أو استحباها فليستهما عليها ' .
ز : هذا الحديث رجاله رجال الصحيحين .
وقد رواه البخاري ، والنسائي ( 2 ) من حديث عبد الرزاق بغير هذا اللفظ .
2207 - الحديث الثاني : قال أبو داود : ثنا الربيع بن نافع ، أنبأ ابن المبارك ، عن أسامة ابن زيد ، عن عبد الله بن رافع - مولى أم سلمة - عن أم سلمة ، قالت : أتى رسول الله رجلان يختصمان في مواريث لهما لم يكن لهما بينة ، فقال النبي : ' إنكم لتختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته ، فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذ منه شيئاً ، فإنما أقطع له قطعة من النار ' فبكى الرجلان وقال كل واحد منهما : حقي له ، فقال لهما رسول الله : ' أما إذ فعلتما ما فعلتما فاقتسما وتوخيا الحق ثم استهما ثم تحالا ' .
____________________
(3/539)
ز : هذا الحديث انفرد به أبو داود .
وأسامة بن زيد هو البتى ، وهو حسن الحديث ، قال شيخنا ، لكن تكلم فيه أحمد وغيره . ووثقه ابن معين ، وغيره . وقال ابن عدي : ليس بحديثه بأس .
2208 - الحديث الثالث : قال أبو داود : وثنا محمد بن منهال ، ثنا يزيد بن زريع ، ثنا ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن خلاس ، عن أبي رافع عن أبي هريرة ، أن رجلين اختصما في متاع إلى النبي ليس لواحد منهما بينة ، فقال النبي : ' استهما على اليمين ما كان أحبا ذلك أو كرها ' .
ز : رواه النسائي ، وابن ماجة ( 1 ) .
احتجوا بما :
2209 - قال أحمد : ثنا محمد بن جعفر ، ثنا شعبة ، عن قتادة ، عن سعيد ابن أبي بردة عن أبيه ، أن رجلين اختصما إلى نبي الله في دابة ليس لأحد منهما بينة ، فجعلها بينهما نصفين .
ز : رواه : أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجة ( 1 ) . من رواية سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، وقال النسائي : إسناد (1) .
مسألة [ 798 ] :
يجوز للجار أن يضع خشبة في جدار جاره عند الحاجة إلى ذلك بشرط أن لا يضر بالحائط ، فإن امتنع الجار جبره الحاكم عليه .
وبه قال الشافعي إلا أنه لا يحكم عليه الحاكم بذلك .
____________________
1- هذا الحديث جيد
(3/540)
وقال أكثرهم : لا يجوز ذلك إلا بإذن المالك .
2210 - قال أحمد : ثنا عبد الرزاق ، أنبأ معمر ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن هرمز عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله ' لا يمنعن أحدكم جاره أن يضع خشبة على جداره ' ثم يقول أبو هريرة : مالي أراكم معرضين والله لأرمين بها بين أكتافكم .
أخرجه البخاري ومسلم ( 1 ) في الصحيحين .
مسألة [ 799 ] :
إذا وطئ أمة بشبهة فأتت بولد عرض على القافة ، فإن ألحقوه بها لحق ، وإن أشكل عليهم وقف فيه [ حتى يبلغ ] ( 2 ) فينتسب إلى أيهما شاء .
وقال أبو حنيفة : لا يعرض على القافة .
2211 - قال الدارقطني : ثنا أبو بكر النيسابوري ، ثنا أحمد بن عبد الرحمن ، ثنا عمي ، ثنا إبراهيم بن سعد ، عن الزهري ، عن عروة عن عائشة ، قالت : دخل قائف ورسول الله شاهد وأسامة وزيد بن حارثة مضطجعان ، فقال : إن هذه الأقدام بعضها من بعض ، قالت : فتبسم رسول الله وأعجبه وأخبر به عائشة ، قال إبراهيم بن سعد : وكان زيد أشقر أبيض ، وكان أسامة مثل الليل .
ز : رواه البخاري ( 3 ) .
مسألة [ 800 ] :
لا يرد اليمين في شيء من الدعاوى ، ويقضى بالنكول .
وقال مالك والشافعي : يرد اليمين ولا يقضى بالنكول . ؟
لنا ثلاثة أحاديث :
2212 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، ثنا نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة ، قال : كتب إليَّ ابن عباس أن رسول الله قال : ' لو أن الناس أعطوا بدعواهم لادعى ناس من الناس دماء ناس وأموالهم ، ولكن اليمين على المدعى عليه ' .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
ز : في إسناده الحجاج بن أرطأة ، لم يسمعه من عمرو ، وإنما أخذه عن العرزمي ، وهو متروك الحديث . وقد رواه الترمذي عن علي بن حجر عن علي بن مسهر عن محمد بن عبيد الله عن عمرو . وقال : في إسناده مقال ومحمد بن عبيد الله العرزمي يضعف في الحديث من قبل حفظه . كذا قال ابن المبارك .
2213 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : ثنا أحمد بن محمد بن أبي شيبة ، ثنا هشام بن محمد المروزي ، ثنا محمد بن الحسن ، ثنا حجاج عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جده ، قال : قال رسول الله : ' البينة على المدعي ، واليمين على المدعى عليه ' .
2214 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : ثنا ابن صاعد ، ثنا عباس بن محمد الدوري ، ثنا عثمان بن محمد بن عثمان بن ربيعة الرأي ، ثنا مسلم بن خالد ، عن ابن جريج ، عن عطاء عن أبي هريرة ، أن رسول الله قال : ' البينة على من ادعى ، واليمين على من أنكر إلا في القسامة ' .
____________________
(3/541)
مسلم بن خالد ضعيف .
ز : هذا الحديث لم يخرجوه ، وزيادة الاستثناء فيه منكرة .
وفي إسناده مسلم بن خالد الزنجي ، تكلم فيه غير واحد من الأئمة ، لكن رواه ابن عدي من وجهين ، وقال : هذا حديث يعرف بمسلم عن ابن جريج .
احتجوا بما :
2215 - قال الدارقطني : ثنا أبو هريرة محمد بن علي الأنطاكي ، ثنا يزيد بن محمد بن عبد الصمد الدمشقي ، ثنا سليمان بن عبد الرحمن ، ثنا محمد بن مسروق ، عن إسحاق بن الفرات ، عن الليث بن سعد ، عن نافع عن ابن عمر أن النبي رد اليمين على طالب الحق ' .
والجواب : أنه فيه جماعة مجاهيل .
ز : هذا الحديث لم يخرجوه ، وفي رجاله إسحاق بن الفرات ، قال عبد الحق : هو ضعيف ، وفي قوله نظر . لكن وثق إسحاق هذا أبو عوانة الإسفراييني . وقال أبو حاتم : هو شيخ ليس بمشهور . وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم : ما رأيت فقيهاً أفضل منه - يعني إسحاق بن الفرات - وكان عالماً ، وولي القضاء بمصر ، وحديثه فيه تقليب .
____________________
(3/543)
من مسائل الشهادات
مسألة [ 801 ] :
لا تجب الشهادة في البيع خلافاً لداود .
لنا أن النبي - اشترى فرساً من أعرابي ولم يشهد .
2216 - قال أحمد : ثنا أبو اليمان ، أنبأ شعيب ، عن الزهري ، حدثني عمارة بن خزيمة أن عمه حدثه وهو من أصحاب رسول الله أن النبي ابتاع فرساً من أعرابي فاستتبعه النبي ليقضيه ثمن فرسه ، فأسرع النبي المشي وأبطأ الأعرابي ، فطفق رجال يعترضون الأعرابي يساومونه الفرس لا يشعرون أن النبي ابتاعه حتى زاد بعضهم الأعرابي في السوم في ثمن الفرس الذي ابتاعه به النبي ، فنادى الأعرابي النبي فقال : إن كنت مبتاعاً هذا الفرس فابتعه وإلا بعته ، فقام النبي حين سمع نداء الأعرابي ، فقال : ' أو ليس قد ابتعته منك ؟ ' قال : لا والله ما بعتك . فقال النبي : ' بلى قد ابتعته منك ' فطفق الناس يلوذون برسول الله ، والأعرابي وهما يترجعان فطفق الأعرابي يقول : هلم شاهداً أو شهيداً يشهد أني بايعتك ، فمن جاء من المسلمين قيل للأعرابي : ويلك إن رسول الله لم يكن ليقول إلا حقاً ، حتى جاء خزيمة فاستمع لمراجعة النبي ومراجعة الأعرابي ، وطفق الأعرابي يقول : هلم شهيداً يشهد أني بايعتك ، فقال خزيمة : أنا أشهد أنك قد بايعته ، فأقبل النبي على خزيمة فقال : ' بم تشهد ؟ ' فقال : بتصديقك يا رسول الله . فجعل رسول الله شهادة خزيمة بمثابة شهادة رجلين .
ز : رواه أبو داود ، ورواه النسائي ( 1 ) ، وهو حديث ثابت صحيح ، والله أعلم .
____________________
(3/545)
مسالة [ 802 ] :
تقبل في الولادة شهادة امرأة واحدة ، وكذلك في كل ما لا يطلع عليه الرجال .
وعنه لا يقبل إلا امرأتين كقول مالك .
وقال الشافعي : لا يقبل إلا أربع نسوة .
2217 - قال الدارقطني : ثنا عثمان بن أحمد الدقاق ، ثنا أحمد بن القاسم بن مساور ، ثنا محمد بن إبراهيم بن معمر ، ثنا محمد بن عبد الملك الواسطي ، عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة ، أن النبي أجاز شهادة القابلة .
قال الدارقطني : محمد بن عبد الملك لم يسمعه من الأعمش ، بينهما رجل مجهول وهو أبو عبد الرحمن المدايني .
- وقد روى أصحابنا من حديث ابن عمر أن رسول الله قال : ' يجزي في الرضاع شهادة امرأة ' .
ز : قال شيخنا : أما الحديث الأول عند حذيفة فهو حديث باطل ، لا أصل له . وحديث ابن عمر رواه الإمام أحمد ( 1 ) بسنده أن ابن عمر سأل النبي فقال : ما الذي يجوز في الرضاع من الشهود ؟ فقال النبي : ' رجل ، أو امرأة ' .
هكذا رواه من حديث عبد الرحمن بن البيلماني عن أبيه عن ابن عمر .
وروى الإمام أحمد أيضاً عن ابن عمر أن النبي سئل ما يجوز في الرضاعة من
____________________
(3/546)
الشهود ؟ فقال : ' ورجل أو امرأة ' .
ولم يخرج هذا الحديث أحد من أصحاب الكتب الستة ، وهو (1) .
وابن البيلماني ليس بشيء ، قاله ابن معين .
وقال ابن عدي : الضعف على حديثه بّين .
وروى هذا الحديث في ترجمته ، ولفظه : سئل نبي الله : ما يجوز في الرضاع من الشهود ؟ قال : ' رجل أو امرأة ' .
وقد روى البخاري في صحيحه عن عقبة بن الحارث أنه تزوج أم يحيى بنت أبي إهاب فجاءت أمة سوداء فقالت : قد أرضعتكما ، فنهاه عنها .
وفي لفظ : ' دعها عنك ' .
والدارقطني : ' دعها عنك لا خير لك فيها ' .
مسألة [ 803 ] :
لا تقبل شهادة العدو على عدوه .
خلافاً لأبي حنيفة . لنا حديثان :
2218 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا عبد الرزاق ، ثنا محمد بن راشد ، عن سليمان ابن موسى ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله ' لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ، ولا ذي غمر على أخيه ، ولا تجوز شهادة القانع لأهل البيت ، وتجوز شهادته لغيرهم ' .
____________________
1- حديث ضعيف
(3/547)
والقانع الذي ينفق عليه أهل البيت . محمد بن راشد ضعيف .
ز : ورواه أبو داود ( 1 ) . وقد روى ابن ماجة ( 2 ) نحوه . ورواه أبو داود عن حفص بن عمر عن محمد بن راشد . وقد وثق محمداً أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وغيرهما .
2219 - الحديث الثاني : قال الترمذي : ثنا قتيبة ، ثنا مروان بن معاوية الفزاري ، عن يزيد بن زياد الدمشقي عن الزهري ، عن عروة عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله : ' لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ، ولا مجلود حداً ولا ذي غمر لأخيه ، ولا القانع لأهل البيت للقوم كالخادم لهم ، ولا ظنين في ولاء ولا قرابة ' .
قال الفزاري : القانع : التابع .
قال أبو عبيد : القانع هو التابع للقوم كالخادم لهم ، والظنين : المتهم في دينه .
يزيد بن زياد ضعيف لا يحتج به ، قاله الدارقطني .
ز : هذا الحديث انفرد به الترمذي ، وقال : غريب ، لا يعرف هذا إلا من حديث يزيد ابن زياد ( 1 ) . وقال النسائي : يزيد بن زياد متروك الحديث .
لكن ، قد روي هذا الحديث عن ابن عمر ، وفيه أيضاً ضعف ، والله أعلم .
مسألة [ 804 ] :
لا تقبل شهادة الوالد لولده ، ولا الولد لوالده .
وعنه تجوز شهادة الابن لأبيه .
____________________
(3/548)
وعنه : تجوز شهادة أحدهما للآخر فيما لا تهمه فيه كالنكاح ، والطلاق ، والمال ، وكل واحد مستغن عن صاحبه .
وقال داود ، وأبو ثور : تجوز على الإطلاق .
لنا الحديث المتقدم .
مسألة [ 805 ] :
لا تقبل شهادة بدوي على قروي .
وقال أبو حنيفة والشافعي : تقبل .
وقال مالك كقولنا فيما عدا الجراح فإنه تقبل شهادته احتياطاً للدماء .
2220 - قال الدارقطني : ثنا عبد الملك بن أحمد الدقاق ، ثنا يونس بن عبد الأعلى ، ثنا ابن وهب ، أنبأ يحيى بن أيوب ، ونافع بن زيد ، عن ابن الهاد ، عن محمد بن عمرو وابن عطاء عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن رسول الله قال : ' لا تقبل شهادة البدوي على القروي ' .
ز : ورواه أبو داود ( 1 ) عن أحمد بن سعيد الهمذاني عن أبن وهب ، ولفظه ' لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية ' . ورواه ابن ماجة ( 2 ) عن حرملة عن ابن وهب عن نافع وحده ، وإسناده جيد .
____________________
(3/549)
مسألة [ 806 ] :
لا تقبل شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض .
وقال أبو حنيفة : تقبل .
2221 - قال الدارقطني : أنبأ أحمد بن عبد الله - وكيل أبي صخرة - ثنا علي بن حرب ، ثنا الحسن بن محمد ، ثنا عمر بن راشد ، عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة ، أن رسول الله قال : ' لا ترث ملة ملة ، ولا تجوز شهادة ملة على ملة إلا أمتي ، فإنه تجوز شهادتهم على من سواهم ' .
قال الدارقطني : عمر بن راشد ليس بالقوي .
ز : وهذا الحديث لم يخرجوه . ؟ ومن رجاله : عمر بن راشد ، ضعفه يحيى بن معين .
وقال النسائي : ليس بثقة . وقال ابن عدي : هو إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق .
وقد روي أيضاً من طريق آخر : ' لا يرث أهل ملة ملة ولا يجوز شهادة ملة على ملة إلا أمتي يجوز شهادتهم على من سواهم ' .
احتجوا بحديثين :
2222 - الحديث الأول : قال ابن ماجة : ثنا محمد بن طريف ، ثنا أبو خالد الأحمر ، عن مجالد ، عن عامر عن جابر بن عبد الله أن النبي أجاز شهادة أهل الكتاب بعضهم على بعض .
____________________
(3/550)
2223 - الحديث الثاني : قال علي بن عمر الدارقطني : ثنا العوفي ، وأحمد بن الحسين ابن الجنيد ، قالا : ثنا الحسن بن عرفة ، ثنا عبد الرحمن بن سليمان ، عن مجالد ، عن الشعبي عن جابر قال : أتي النبي بيهودي ويهودية قد زنيا ، فقال لليهود : ' ما يمنعكم أن تقيموا عليهما الحد ؟ ' فقالوا : كنا نفعل إذا كان الملك لنا ، فلما أن ذهب ملكنا فلا نجترئ على الفعل ، فقال لهم : ' ائتوني بأعلم رجلين فيكم ' فأتوه بابني صوريا ، فقال لهما : ' أنتما أعلم من وراءكما ' قالا : يقولون ، قال : ' فأنشدكما بالله الذي أنزل التوراة على موسى كيف تجدون حدهما في التوراة ؟ ' فقالا : إذا شهد أربعة أنهم رأوه يدخله فيها كما يدخل الميل في المكحلة رجم ، قال : ' ائتوني بالشهود ' فشهد أربعة فرجمهما النبي .
والجواب : هذان حديثان تفرد بهما مجالد ، قال أحمد : ليس بشيء ، وقال يحيى : لا يحتج بحديثه ، وكذلك قال ابن حبان : لا يجوز الاحتجاج به .
ز : قال شيخنا : أما الحديث الأول انفرد به ابن ماجة ، وهو مختصر من الحديث الذي بعده .
والحديث الثاني : رواه أبو داود ( 1 ) عن يحيى بن موسى البلخي عن أبي أسامة عن مجالد بنحوه . وعن وهب بن بقية عن هشيم عن مغيرة عن إبراهيم والشعبي عن النبي نحوه .
ولم يذكر ' فدعا بالشهود ' .
وهذا الذي تفرد به مجالد من الزيادة في الحد لم يتابع عليه .
ومجالد لا يحتج بما انفرد به .
قال الفلاس : سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول : لو شئت أن يقول لي مجالد فيها كلها عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله عن النبي .
وهذا الحديث قد روي من غير هذا ، ولكن فيها ضعف ، والله أعلم .
____________________
(3/551)
مسألة [ 807 ] :
يجوز الحكم بشاهد ويمين في المال وما يقصد به المال خلافاً لأبي حنيفة .
2224 - قال أحمد : ثنا عبد الوهاب الثقفي ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله قضى باليمين مع الشاهد .
2225 - قال الدارقطني : ثنا ابن مخلد ، ثنا عباس بن محمد ، ثنا سيار ، ثنا عبد العزيز بن أبي سلمة ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عن علي عليه السلام أن النبي قضى بشهادة شاهد ويمين صاحب الحق ، وقضى به علي عليه السلام بالعراق .
ز : لكن هذا الحديث منقطع ؛ فإن محمد بن علي بن الحسين لم يدرك جد أبيه علي بن أبي طالب .
وقال الدارقطني : كان جعفر بن محمد ربما أرسل هذا الحديث وربما وصله عن جابر ؛ لأن جماعة من الثقات حفظوه عن أبيه عن جابر .
والحكم بموجبه أن يكون القول قولهم ؛ لأنهم زادوه وهم ثقات ، وزيادة الثقة مقبولة . وقد روى هذا الحديث عن رسول الله : عمر بن الخطاب ، وابن عباس ، وأبو هريرة ، وابن عمر ، وابن عمرو ، وزيد بن ثابت وأبو سعيد الخدري ، وسعد بن عبادة ، وعامر بن ربيعة ، وسهل بن سعد ، وعمرو بن حزم ، والمغيرة بن شعبة ، وبلال بن الحارث ، وسلمة بن قيس ، وأنس بن مالك ، وتميم الداري ، وزيد بن حارثة ، وسُرق .
____________________
(3/552)
من مسائل الإقرار
مسألة [ 808 ] :
إذا ترك ابناً واحداً لا وارث له غيره فأقر بأخ ثبت نسبه .
وقال أبو حنيفة ومالك : لا يثبت النسب حتى يقر اثنان .
لنا حديث ابن زمعة قال عبد بن زمعة : أخي وابن وليدة أبي . فأثبت النسب بإقراره وقد سبق هذا الحديث بإسناده في أن الأمة تكون فراشاً .
____________________
(3/553)
من مسائل العتق
مسألة [ 809 ] :
إذا أعتق الموسر نصيبه من العبد عتق عليه نصيب شريكه .
وقال أبو حنيفة : يخير الشريك بين أن يعتق أو يستسعى العبد أو يقومه على شريكه ، فإن أعتق المعسر نصيبه من العبد لم يجب عليه عتق الباقي
وقال أبو حنيف يجب العتق بالاستسعاء ويعتق الشريك
لنا حديثان
2226 - الحديث الأول قال أحمد ثنا يزيد أنبأ يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله قال ' من أعتق نصيباً له في مملوك كلف أن يتم عتقه بقسمة عدل ، فإن لم يكن له مال يعتقه به فقد جاز ما عتق ' .
ز : رواه مسلم في صحيحه ( 2 ) ، ورواه البخاري تعليقاً ( 3 ) .
ورواه أبو داود ، والنسائي ، والحديث مخرج في الصحيحين .
2227 - الحديث الثاني : قال أحمد : وثنا عبد الرزاق ، ثنا عمرو بن حوشب ، قال : حدثني إسماعيل بن أمية عن أبيه عن جده ، قال : كان لهم غلام فأعتق جده نصفه ، فجاء العبد إلى النبي فقال النبي : ' يعتق في عتقك ، ويرق في رقك ' . قال : فكان يخدم سيده حتى مات ، جد أمية هو عمرو بن سعيد وله صحبة .
____________________
(3/555)
ز : وقال شيخنا : هذا الحديث مرسل ، وليس هو مخرجاً في شيء من الكتب الستة .
وعمرو بن سعيد هو المعروف بالأشدق ، وليس له صحبة .
وعمرو بن حوشب ليس بالمشهور ، وقد ذكره ابن أبي حاتم في كتابه ، وقال : عمرو بن حوشب الصنعاني ، روى عن إسماعيل بن أمية ، روى عنه عبد الرزاق ، سمعت أبي يقول ذلك .
احتجوا بثلاثة أحاديث :
2228 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا يزيد بن هارون ، أنبأ سعيد ، عن قتادة ، عن النضر بن أنس ، عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة ، عن النبي قال : ' من كان له شقص في مملوك فأعتق نصيبه فعليه خلاصه إن كان له مال ، فإن لم يكن له مال استسعى العبد في ثمن رقبته غير مشقوق عليه ' .
2229 - الحديث الثاني : قال أحمد : وثنا عبد الله بن بكر السهمي ، ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أبي المليح عن أبيه ، أن رجلاً من هذيل أعتق شقيصاً له في مملوك ، فقال رسول الله : ' هو حر كله ليس لله تعالى شريك ' .
2230 - الحديث الثالث : قال أحمد : وثنا يزيد بن هارون ، أنبأ حجاج بن أرطأة ، عن عمرو بن شعيب ، عن سعيد بن المسيب ، قال : حفظنا من ثلاثين من أصحاب رسول الله عن رسول الله : ' أنه قال : من أعتق شقصاً له في مملوك ضمن بقيتة ' .
بشير بن نهيك مجروح . قال أبو حاتم الرازي : لا يحتج به .
وحجاج ضعيف جداً ، وحديث أبي المليح محمول على عتق الغني .
ز : حديث أبي هريرة مخرج في الصحيحين ( 1 ) من رواية بشير بن نهيك عنه ، رواه البخاري ومسلم من رواية عيسى بن يونس وغيره عن سعيد .
____________________
(3/556)
وقد تكلم جماعة من الأئمة في حديث سعيد هذا ، وضعفوا ذكر الاستسعاء وقالوا : الصواب أن ذكر الاستسعاء من رأي قتادة . كما رواه همام عنه فجعله من قوله .
قال شيخنا : وفي قول هؤلاء الأئمة نظر ؛ فإن سعيد بن أبي عروبة من الأثبات في قتادة ، وليس هو بدون همام . وقد ثبت أن جماعة تابعوه على ذكر الاستسعاء ، ورفعه إلى النبي ، وهم جرير بن حازم ، وأبان بن زيد العطار ، وحجاج بن حجاج بن موسى بن خلف ، وحجاج بن أرطأة ، ويحيى بن صبيح الخراساني ، والله أعلم .
وأما حديث أبي المليح عن أبيه فرواه أبو داود والنسائي من رواية همام عن قتادة .
وقال النسائي : هشام وسعيد أثبت في قتادة من همام ، وحديثهما أولى بالصواب .
لكن حديث حجاج لم يخرجوه ، وحجاج مدلس ، لكن حديثه شاهد لغيره ، والله أعلم .
مسألة [ 810 ] :
إذا أعتق في مرض موته عبيداً لا مال له سواهم ولم تجز الورثة جُمع ( 1 ) العتق في الثلث بالقرعة .
وقال أبو حنيفة : يعتق من كل واحد ثلثاه ( 2 ) ويستسعى في الباقي .
لنا ما :
2231 - قال أحمد : ثنا إسماعيل ، ثنا أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أبي المهلب عن عمران بن حصين ، أن رجلاً أعتق ستة مملوكين له عند موته ولم يكن له مال غيرهم ، فدعاهم رسول الله فجزأهم ثلاثة أجزاء ، ثم أقرع بينهم وأعتق اثنين وأرق أربعة وقال له قولاً شديداً .
____________________
(3/557)
انفرد بإخراجه مسلم ( 1 ) .
[ مسألة [ 811 ] :
بيع إذا ملك ذا رحم محرم عتق عليه .
وقال مالك : يعتق الولدان ، والمولودون ، والإخوه والأخوات .
وقال الشافعي : يعتق عليه عمودي النسب ] ( 2 ) .
2232 - قال أحمد : حدثنا يزيد ، وأبو كامل قالا : ثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب عن النبي قال : ' من ملك ذا رحم ، فهو عتيق ' . وقال أبو كامل : ' من ملك ذا رحم محرم فهو حر ' . قالوا : قد قال يحيى بن سعيد أحاديث الحسن عن سمرة من كتاب . وقال ابن حبان : لم يشافه الحسن سمرة .
ز : لكن هذا الحديث قد رواه أصحاب السنن الأربعة ( 3 ) من حديث حماد . وقال الترمذي : هذا الحديث لا نعرفه مسنداً إلا من حديث حماد بن سلمة .
قال البيهقي ( 4 ) : الحديث إذا انفرد به حماد بن سلمة ثم يشك فيه ، ثم يخالفه فيه من هو أحفظ منه وجب التوقف فيه وقد رواه سعيد عن قتادة عن عمر بن الخطاب من قوله . وقتادة لم يدرك عمر . وقد رواه الطحاوي من رواية الأسود عن عمر بن الخطاب موقوفاً . وقد روي من حديث ابن عمر مرفوعاً بإسناد مختلف فيه . وروي بإسناد ضعيف من حديث عائشة .
وبإسناد ساقط من حديث علي ، والله أعلم .
____________________
(3/558)
من مسائل المدبر
مسألة 812 :
بيع المدبر ( 1 ) جائز .
وعنه يجوز بشرط أن يكون على السيد دين .
وقال أبو حنيفة : لا يجوز إذا كان التدبير مطلقاً .
وقال مالك : لا يجوز في حال الحياة ، ويجوز بعد الموت إن كان على الميت دين .
2233 - قال الترمذي : ثنا ابن أبي عمرو ، ثنا سفيان بن عيينة ، عن عمر بن دينار عن جابر أن رجلاً من الأنصار دبر غلاماً له فمات ولم يترك مالاً غيره ، فباعه النبي فاشتراه نعيم بن النحام .
قال الترمذي : هذا (1) .
ز : رواه البخاري ومسلم ( 2 ) في صحيحيهما .
2234 - قال ابو عبد الرحمن النسائي : أنبأ قتيبة ، قال : ثنا الليث ، عن ابي الزبير عن جابر ، قال : أعتق رجل عبداً له عن دبر ، فبلغ ذلك رسول الله فقال : ' ألك مال غيره ؟ ' قال : لا فقال رسول الله : ' من يشتريه مني ' . فاشتراه نعيم بن عبد الله العدوي
____________________
1- حديث صحيح
(3/559)
ثنا جرير ، عن عبد الغفار بن القاسم ، عن أبي جعفر ، قال : ذكر عنده أن عطاء وطاوساً يقولان عن جابر في الذي أعتقه مولاه في عهد رسول الله كان أعتقه عن دبر فأمره أن يبيعه ويقضي دينه ، فباعه بثمانمائة درهم ' .
فقال أبو جعفر : شهدت الحديث من جابر إنما أذن في بيع خدمته ، لكن هذا الحديث لا يصح ، فإن عبد الغفار قد كذبه سماك بن حرب وأبو داود .
وقال أحمد : ليس بثقة ، عامة حديثه بواطيل .
وقال ابن المديني : كان يضع الحديث .
ز : ولم يخرجه أحد من أهل السنن .
وقد روى شعبة عن عبد الغفار هذا حديثين .
وسماك ليس هو ابن حرب ، إنما هو ابن الوليد الحنفي ، كذب عبد الغفار في حديث سمعه منه ، وذاك لأن عبد الغفار هذا كان شيعياً متغالياً .
____________________
(3/561)
من مسائل المكاتب
مسألة [ 813 ] :
يجوز بيع رقبة المكاتب .
وقال أكثرهم : لا يجوز .
2237 - قال أحمد : ثنا إسحاق بن عيسى ، ثنا ليث ، قال : حدثني ابن شهاب عن عروة ، عن عائشة ، أن بريرة جاءت عائشة تستعينها في كتابتها ولم تكن قضت من كتابتها شيئاً ، فقال النبي : ' ابتاعي فأعتقي فإنما الولاء لمن أعتق ' .
أخرجاه في الصحيحين .
ز : وقد ذكر شيخنا ابن تيمية رحمه الله في حديث بريرة قاعدة جامعة مفيدة بليغة قال : الحمد لله ، هذا الحديث - يعني حديث بريرة - قد أشكل على كثير من الناس حتى إن كثيراً منهم من قال : انفرد به هشام دون الزهري ، وظنوا ذلك علة في الحديث .
والحديث في الصحيحين ، لا علة فيه .
ومنهم من قال : ' اشترطي لهم ' بمعنى عليهم .
قالوا : ومثله قوله تعالى : ( ^ ولهم اللعنة ) . ونقل هذا حرملة عن الشافعي . ونقل عن المزني وهو ضعيف .
____________________
(3/563)
أما أولاً فقوله : ' اشترطى لهم الولاء ' صريح في معناه ، واللام للاختصاص .
وأما قوله تعالى : ( ^ ولهم اللعنة ) فمثل قوله : ( ^ لهم العذاب ) و ( ^ لهم الخزي ) وهو معنى صحيح ، ليس المراد أنهم يملكون اللعنة ، بل هو إذا قيل لهم اللعنة فالمراد أنهم يجزون بها .
وإذا قيل : عليهم اللعنة فالمعنيان مفترقان وقد يراد بقوله : ( ^ عليهم اللعنة ) أي وقعت عليهم ، بمعنى يستحقونها ، فحرف الاستعلاء ، أفاد غير ما أفاد حرف الاختصاص .
وإن كانا مشتركين في أن أولئك ملعونون ، وقوله : ' اشترطي لهم ' مباين لمعنى اشترطى عليهم فكيف يفسر معنى اللفظ بمعنى ضده .
وأيضاً فعائشة قد كانت اشترطت عليهم ، وقالت : إن شاءوا أعدتها لهم عدة واحدة ، ويكون ولاؤك لي ، فامتنعوا .
وأيضاً فإن ثبوت الولاء للمعتق لا يحتاج إلى اشتراط بل هو إذا أعتق كان الولاء له سواء أشرط ذلك على البائع ، أو لم يشترط .
فبقى حمل الحديث على هذا يشعر بأن الولاء إنما يصير لها إذا اشترطته ، وهذا باطل .
ومن تدبر الحديث تبين له قطعاً أن الرسول لم يرد هذا .
وأما ما دل عليه الحديث فأشكل عليهم من وجهين : من جهة أن الرسول كيف يأمر بالشرط الباطل .
والثاني : من جهة أن الشرط الباطل كيف لا يفسد العقد .
وقد أجابت طائفة بجواب ثالث ذكره الإمام أحمد وغيره وهو أن القوم كانوا قد علموا أن هذا الشرط منهي عنه ، فأقدموا على ذلك بعد نهي النبي ، فكان وجود اشتراطهم كعدمه وبّين لعائشة أن اشتراطك لهم الولاء لا يضرك ، فليس هو أمر بالشرط ، ولكن إذن المشتري في اشتراطه إذا أبى البيع إلا به ، وإخبار للمشتري أن هذا لا يضره .
ويجوز للإنسان أن يدخل في مثل ذلك فهو إذن في الشرى مع اشتراط البائع ذلك .
وإذن في الدخول معهم في اشتراطه لعدم الضرر في ذلك .
____________________
(3/564)
ويبقى الحديث صريحاً في أن مثل هذا الشرط الفاسد لا يفسد العقد ، وهذا هو الصواب ، وهو قول ابن أبي ليلى ، وغيره ، وهو مذهب أحمد في أظهر الروايتين عنه .
وإنما أشكل الحديث على من ظن أن الشرط الفاسد يفسد العقد ، وليس كذلك .
لكن إن كان المشترط يعلم أنه شرط محرم ، لا يحل اشتراطه فوجود هذا الشرط كعدمه ، فيصح إذّا اشتراء المشتري ، ويملكه ، ويلغو هذا الشرط الذي علم البائع أنه محرم ، لا يجوز الوفاء به .
وأما أولئك القوم فإن كانوا قد علموا بالنهي قبل استفتاء عائشة فلا شبه ، لكن ليس في الحديث ما يدل عليه ، بل فيه أن النبي قام عشية فقال : ' ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله تعالى ، من اشترط شترطاً ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط ' ( 1 ) .
وهذا كان عقب استفتاء عائشة رضي الله عنها ، فقد علم أولئك بهذا بلا ريب .
وكان عقد عائشة معهم بعد هذا الإعلام من الرسول بلا ريب .
فإما أن يكونوا تابوا عن هذا الشرط ، أو قدموا عليه مع العلم بالتحريم ، وحينئذ لا يضر اشتراطه هذا هو الذي يدل عليه الحديث وسياقه ، ولا إشكال فيه بحمد الله تعالى .
وأما إن كان المشترط لمثل هذا الشرط الباطل جاهلاً بالتحريم ظاناً أنه شرط لازم ، فهذا لا يكون البيع في حقه لازماً ، ولا يكون أيضاً باطلاً .
وهذا ظاهر مذهب الإمام أحمد ، بل له الفسخ إذا لم يعلم أن هذا الشرط لا يجب الوفاء به ؛ فإنه إنما رضي بانتقال ملكه بهذا الشرط ، فإذا لم يحصل له فملكه له إن شاء ، وإن شاء أن ينفذ البيع أنفذه ، كما لو ظهر بالبيع عيب ، وكالشروط الصحيحة إذا لم يوف له بها إذا باع بشرط رهن أو ضمين ، فلم يجز الفسخ ، وله الإمضاء .
والقول بأن البيع باطل في مثل هذا ضعيف مخالف للأصول بل هو غير لازم يتسلط عليه المشترط على الفسخ ، للمعيب وللمصراة ، ونحوهما .
فإن حقه ينجبر بتمليكه من الفسخ .
وقد قيل في مذهب أن له أرش ما نقص من الثمن بإلغاء هذا الشرط ، كما قيل في مثل
____________________
(3/565)
ذلك في البيع وهو أظهر الروايتين عنه .
والرواية الأخرى : لا يستحق الفسخ ، وإنما له الأرش بالتراضي ، أو عند تعذر الرد كقول الفقهاء .
وهذا أصح ؛ فإنه كما أن المشترط لم يرض إلا بالشرط ، فلا يلزم بالبيع بدونه ، بل له الخيار .
وكذلك الآخر لم يرض إلا بالثمن المسمى ، وإن كان رضي به مع الشرط ، فإذا ألغى الشرط وصار الولاء له ، فهو لم يرض بأكثر من الثمن في هذه الصورة ، بل إن شاء فسخ البيع فلا يلزم بالزيادة ، بل إذا أعطى الثمن فإن شاء الآخر قبل ، وأمضى ، وإن شاء فسخ البيع ، وإن تراضياً بالأرش كان لكن لا يلزم به واحد منهما إلا برضاه ، فإنه معاوضة عن الجزاء الفائت .
وهكذا يقال في نظائره مثل الصفقة : له الفسخ إذا كان يصح البيع في الحال بقسطه من الثمن ، كما هو ظاهر مذهب أحمد .
فإن الذي تفرقت عليه الصفقة له الفسخ إذا كان لم يرض ببيع بقسطه إلا مع ذلك .
واصل العقود أن العبد لا يلزمه شيء إلا بالتزامه أو إلزام الشارع فيما التزمه ، فهو مما عاهد عليه ، فلا ينقض العقد إلا بعذر ، وما أمره الشارع به فهو مما أوجبه الله عليه ، وإن لم يلتزمه كما أوجب عليه أن يصل ما أمر الله به أن يوصل من الإيمان بالكتب ، والرسل ، ومن صلة الأرحام ، ولهذا يذكر الله في كتابه هذا وهذا كقوله : ( ^ الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ) .
فهو إلزام من الله به ، وما عاهد عليه الإنسان فقد التزمه ، فعليه أن يوفي بعهد الله ، ولا ينقض الميثاق إذا لم يكن ذلك مخالفاً لكتاب الله مثل أن يستحل به ما حرمه الله ، كالذي يبيع الأمة ، أو يعتقها ويشترط وطأها بعد خروجها من ملكه ، أو بيع غيره مملوكاً ، ويشترط أن يكون الولاء له لا للمعتق أو يزوج ابنته أو قرابته ويشترط أن يكون النسب لغير الأب ، ليكون النسب له .
فمن ادعى لغير أبيه ، أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .
وقد ثبت في الصحيحين عنه أنه نهى عن بيع الولاء ، وعن هبته ، ولهذا كان عند
____________________
(3/566)
جمهور العلماء لا يرث أيضاً ، ولكن يورث به كالنسب .
وقد ثبت في الصحيحين عن النبي أنه قال : ' أحق الشروط أن توفوا ما استحللتم به الفروج ' ( 1 ) .
فهذا يبين أن الوفاء بالشرط أولى منها في البيع .
ولهذا قال كثير من السلف والخلف : إنه إذا اشترط شيئاً يباح بدون الشرط لزم بالشرط ، كما إذا شرط لها داراً أو أن لا يتزوج عليها ولا يتسرى ، فإذا شرط شرطاً مخالفاً لكتاب الله من أن يشترط أن يتزوجها بلا مهر ، أو بمهر محرم ، فهذا نكاح باطل ، كنكاح الشغار وغيره .
وهذا مذهب مالك ، وأحمد في إحدى الروايتين .
وقد نهى النبي عن نكاح الشغار ، وأبطله الصحابة ، فإنهم أشغروا النكاح عن مهر هذا ، وهذا هو العلة في نصوص أحمد المشهورة عنه .
وهو قول مالك وغيره .
وعند طائفة من الصحابة : العلة ما قاله الشافعي هو التشريك في البضع ، والأول أصح .
وهذا لا معنى له ؛ فإن البضع لم يحصل فيه اشتراك ، بل كل من الزوجين ملك بضع امرأة بلا شركة ، وإن كان قد جعل صداقها بضع الأخرى ، فالمرأة الحرة لم تملك بضع المرأة الأخرى ، ولا يمكن هذا ؛ فإن امرأة لا تزوج امرأة ، ولكن جعلت لوليها ما تستحقه من المهر ، فوليها هو الذي ملك البضع ، وجعل صداقها ملك وليها البضع ، وهي لم تملك شيئاً .
فلهذا كان شغاراً ، والمكان الشاغر أو الخالي ، فشغرت هذه الجهة ؛ أي خلت .
ومن أصدقت شيئاً ولم يحصل لها ما أصدقته لم يكن النكاح لازماً ، وإن أعطيت بدله ، كما في البيع ، وأولى ؛ ' فإن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج ' .
ومتى ألزمت بالنكاح من غير أن تحصل ما رضيته فقد ألزمت بالنكاح الذي لم ترض
____________________
(3/567)
به ، وهذا خلاف الكتاب والسنة .
فإذا كان مثل هذا لا يجوز في البيع فأن لا يجوز في النكاح أولى ، والشارع لم يلزمها على هذا الوجه ، ولا هي التزمته ، وإنما يجب على الإنسان ما يجب بإلزام الشارع أو التزامه ، وكلاهما منتف ، فلا معنى لالتزامها بنكاح لم ترض به .
وقول من قال : المهر ليس بمقصود ، كلام لا حقيقة له ؛ فإن المهر ركن في النكاح ، وإذا شرط فيه كان أوكد من شرط الثمن لقوله : ' إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج ' .
والأموال تباح بالبدل ، والفروج لا تستباح إلا بالمهر ، وإنما ينعقد النكاح بدون فرضه ، وتقديره لا مع نفيه ، والنكاح المطلق ينصرف إلى مهر المثل .
وكذلك البيع الصحيح ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد .
والذي ثبت بالكتاب والسنة والإجماع ، أن النكاح ينعقد بدون فرض المهر ، أي بدون تقديره ، لا أنه ينعقد مع نفيه ، فلا بد من مهر مسمى ، أو مفروض ، أو مسكوت عن فرضه ، ثم إن فرض ما تراضيا به ، وإلا فلها مهر نسائها كما قضى به النبي في بروع بنت واشق .
والناس يتراضون بالمهر المعتاد لهم ، كما أنهم يتبايعون دائماً ، وقد تراضوا بالسعر المبتاع به في مثل تلك الأوقات في المكان ، والزمان ، وهذا البيع صحيح ، نص عليه أحمد . وإن كان في مذهبه نزاع .
وأصل الدين أن لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله ، ولا حرام إلا ما حرمه الله ورسوله . فالحلال ما أحله الله ورسوله ، والحرام ما حرمه الله ورسوله ، والدين ما شرعه الله ورسوله ، ولهذا أنكر الله على المشركين ما حللوه ، وما حرموه ، وما شرعوه من الدين بغير إذن من الله . والمقصود هنا : أن أصل الشرع أنه لا يلزمه إلا بالتزام الشرع له ، أو بالتزامه إياه .
فإذا تنازع الفقهاء في فرع من فروع هذا الأصل رد إليه .
ومن الفقهاء من يوفي به ، ومنهم من لا يوفي به ، بل ينقضه في كثير من المسائل ، وإن
____________________
(3/568)
كان الغالب عليهم الوفاء به في أكثر المسائل .
والمقصود أن الأصل في الشروط الصحة واللزوم ، لا ما دل الدليل على خلافه .
وقد قيل : بل الأصل فيها عدم الصحة ، إلا ما دل الدليل على صحته ، والأول هو الصحيح كما تقدم ؛ فإن الكتاب والسنة قد دلا على الوفاء بالعقود ، والعهود ، وذم الغدر ، والنكث . ولكن إذا لم يكن المشروط مخالفاً لكتاب الله وشرطه ، فإن كان مخالفاً لكتاب الله وشرطه كان الشرط باطلاً ، وهذا معنى من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فهو باطل ، وإن كان مائة شرط ؛ كتاب الله أحق ، وشرط الله أوثق .
وقوله : ' من اشترط شرطاً ' أي مشروطاً .
وقوله : ' ليس في كتاب الله ' ليس هو مما أباحه الله باشتراط الولي عتق المعتق .
والنسب لغير الوالدين ، والوطء بغير ملك يمين ، وشرط حتى يقال كتاب الله أحق ، وشرط الله أوثق .
وقوله : ' من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله ' أي مخالفاً لكتاب الله .
فمن الفقهاء من أبطل شروطاً كثيرة في النكاح بلا حجة ثم الشرط الباطل في النكاح قالوا : يبطل ، ويصح النكاح بدونه لازماً .
والمشترط الشرط لم يرض إلا به ، ولزمهم مخالفة النصوص في مواضع النصوص في مواضع كثيرة ، وإلزام الخلق بشيء لم يلزموه ، ولا ألزمهم الله به ، فأوجبوا على الناس ما لم يوجبه الله ، ورسوله ، ثم يتوسعون في الطلاق الذي يبغضه الله ، فيحرمون على الناس ما لم يحرمه الله ، ورسوله ، ثم يبيحون ذلك بالعقود المشروط فيها بالشروط الفاسدة ، فيحللون ما لم يحله الله ورسوله مثال ذلك : أن يشترط التحليل في العقد شرط حرام باطل بالاتفاق ، إذا شرط أن يطلقها إذا أحلها . وكذلك شرط الطلاق إلى أجل مسمى ، فشرط الطلاق في النكاح إذا مضى إلى أجل لم يبح نكاح المحلل .
فقال طائفة من الفقهاء : يصح العقد ، ويبطل الشرط ، كما يقوله أبو حنيفة ، والشافعي ، وأحمد في الروايتين . ويكون العقد لازماً . ثم إن كثيراً من هؤلاء فرقوا بين التوقيت وبين الاشتراط ، وقالوا : إذا قال : تزوجها إلى شهر فهو نكاح متعة ، وباطل .
____________________
(3/569)
وطرد بعضهم القياس ، وهوقول زفر ، وجرح وجهاً في مذهب الإمام أحمد أنه يصح العقد ، ويلغو التوقيت . كما لو قالوا : يلغو الشر . ولو قال في نكاح التحليل إذا أحللتها طلقتها فهو شرط . كما لو قال في المتعة على أنه إذا انقضى الأجل طلقها وإن قال فلا نكاح بينكما ، وإن قال : قيل فيه قولان للشافعي ، وغيره .
قيل : يلحق بالشرط الفاسد ، فيصح النكاح .
وقيل بالتوقيت ، فيبطل النكاح . ولو شرط الخيار في النكاح ففيه ثلاثة أقوال هي ثلاثة روايات عن أحمد .
قيل : يصح العقد ، والشرط ، وقيل بالبطلان .
وقيل : يصح العقد دون الشرط ، وإلا ظهر في هذا أن الشرط يصح .
وإذا قيل ببطلانه لم يكن العقد لازماً بدونه ؛ فإن الأصل في الشروط الوفاء ، وشرط الخيار له مقصود صحيح ، لا سيما في النكاح . وهذا مبني على أصل ، وهو أن شرط الخيار في البيع ، هل الأصل صحته ، أو الأصل بطلانه .
فالأول : قول أكثر الفقهاء ، مالك وأحمد بن حنبل وابن أبي ليلى ، وأبو يوسف ، ومحمد .
والثاني : قول أبي حنيفة ، والشافعي ، ولهذا ابطلا الخيار في أكثر عقود النكاح وغيره .
وكذلك تعليق النكاح على شرط فيه ثلاثة أقوال هي ثلاث روايات عن أحمد ، وأصحاب الشافعي ، وأحمد يفرق في النكاح بين شرط يرفع العقد كالطلاق ، وغيره .
وقد بسط الكلام في هذه المسائل بسطاً طويلاً وهو رحمه الله كان إذا تكلم في مسألة ذكر لها نظائر كثيرة ، كل فرع وأصل ، وقاعدة تبهر العقول فيما تحتوي من العلوم السنوية النبوية الجامعة لأصول الشريعة ، وفي كل قاعدة يبين فيها بين الحق ، والباطل ، وبين الصحيح والسقيم ، وبين القوي والضعيف ، والموافق والمخالف ، والمقبول والمراد ، والظاهر والخفي ، ويسقط على الخبير .
فرحمه الله ، وجعل الجنة منقلبه ، ومأواه ، حكم السنة على نفسه ، ونطق بالحكمة .
____________________
(3/570)
من مسائل أمهات الأولاد
مسألة [ 814 ] :
لايجوز بيع أم الولد .
وقال داود : يجوز .
2238 - قال علي بن عمر الدارقطني الحافظ : ثنا أبو بكر الشافعي ، ثنا القاسم بن زكريا المقوي ، ثنا محمد بن عبد الله المخرمي ، ثنا يونس بن محمد ، ثنا عبد العزيز بن مسلم ، عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر ' أن النبي نهى عن بيع أمهات الأولاد ، وقال : ' لا يبعن ، ولا يوهبن ، ولا يورثن ، ويستمتع منها سيدها ما دام حياً ، فإذا مات فهي حرة ' .
ز : وقد روى موقوفاً .
ورواه البيهقي ( 1 ) . وقد روي من غير وجه عن ابن عمر أن النبي قضى أن أمهات الأولاد لا يبعن ، ولا يوهبن ، ولا يورثن ، فإذا مات صاحبها فهي حرة .
وقد قيل : إن عمر قال ذاك .
أما حجتهم :
2239 - قال الدارقطني : وثنا البغوي ، ثنا عبيد الله بن عمر ، ثنا خالد بن الحارث ، ثنا شعبة ، عن زيد العمي ، عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري ، أنه قال في أمهات الأولاد : كنا نبتاعهن على عهد رسول الله .
____________________
(3/571)
والجواب : أن زيد العمي ليس بشيء .
قال ابن حبان : لا يجوز الاحتجاج بخبره ، ثم من الجائز أن يكون هذا خفي على أبي سعيد وغيره من الصحابة وأن يكون النهي ورد بعد ذلك .
2240 - قال سعيد بن منصور : ثنا أبو عوانة ، عن مغيرة ، عن الشعبي عن عبيدة ، قال : خطب علي الناس فقال : شاورني عمر في أمهات الأولاد فرأيت أنا وعمر أن أعتقهن ، فقضى بها عمر حياته ، وعثمان حياته ، فلما وليت رأيت أن أرقهن قال عبيدة : فرأي عمر وعلي في الجماعة أحب إلي من رأي علي وحده .
ز : حديث أبي سعيد صححه الحاكم ( 1 ) ، ورواه النسائي ( 2 ) عن أبي سعيد في أمهات الأولاد قال : كنا نبيعهن على عهد رسول الله .
لكن قال النسائي : زيد العمي ليس بالقوي . وقال ابن جريج : حدثني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : كنا نبيع سرائرنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله ، فلا ينكر ذلك علينا ( 3 ) . وروى أبو داود ( 4 ) أيضاً بسنده عن جابر بن عبد الله قال : بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله ، وأبي بكر فلما كان عمر نهانا فانتهينا . قال الحاكم في هذا الحديث : إنه على شرط مسلم ( 5 ) .
تم الكلام على أحكام الشريعة ، وذلك ما وصل إليه علمنا في نقل ما رويناه من ما كتبه مشايخنا ، وما رواه عن مشايخهم ، وهو مختصر مما دونوه من الكتب ، ورووه بسندهم عن أئمتهم رضي الله عنهم .
آخر الكتاب والحمد لله الواحد الوهاب ، صلوات الله على سيدنا محمد النبي وآله وأصحابه خير الأصحاب ، وعلى التابعين لهم بإحسان ، والمقتفين آثارهم إلى يوم الحساب .
أخر تنقيح التحقيق .
____________________
(3/572)
بثمانمائة درهم ، فجاء بها رسول الله فدفعها إليه ثم قال : ' ابدأ بنفسك فتصدق عليها ، فإن فضل شيء فلأهلك ، فإن فضل من أهلك شيء فلذوي قرابتك ، فإن فضل من ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا وهكذا ' يقول له : من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك .
ز : ورواه مسلم عن قتيبة .
2235 - قال الدارقطني : ثنا يوسف بن يعقوب ، ثنا إبراهيم بن عبد العزيز ، ثنا مسلم ابن قتيبة ، قال : ثنا ابن أبي ذئب ، عن محمد بن المنكدر عن جابر ، قال : أمر رسول الله ببيع المدبر .
ز : ورواه النسائي ( 1 ) بغير هذا اللفظ عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن رجلاً أعتق عبداً له ، لم يكن له مال غيره ، فرده عليه رسول الله ، وابتاعه نعيم بن النحام .
2236 - قال الدارقطني : وثنا أبو بكر النيسابوري ، قال : ثنا أحمد بن يوسف السلمي ، والعباس بن محمد ، وإبراهيم بن هاني ، قالوا : ثنا أبو نعيم ، ثنا شريك ، عن سلمة بن كهيل ، عن عطاء وأبي الزبير عن جابر أن رجلاً مات وترك مدبراً وديناً ، فأمرهم النبي أن يبيعوه في دينه فباعوه بثمانمائة دراهم . قال أبو بكر النيسابوري : قول شريك مات خطأ لأن في حديث الأعمش عن سلمة بن كهيل ودفع إليه ثمنه فقال : ' اقض دينك ' وكذلك رواه عمرو بن دينار ، وأبو الزبير عن جابر أن سيد المدبر كان حياً يوم بيع المدبر .
ز : وقد رواه النسائي ، وأبو داود ( 2 ) وفي روايته قال : أعتق رجل من الأنصار غلاماً له عن دين ، وكان محتاجاً ، وكان عليه دين ، فباعه رسول الله بثمانمائة درهم فأعطاه قال : ' اقض دينك ' .
2237 - قال الدارقطني : وثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي ، ثنا يوسف بن موسى ،
____________________
(3/590)