بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل وسلم على محمد وآله الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم تسليما كثيرا . أما بعد : فهذا كتاب أذكر فيه المسائل والأحاديث التي ذكرها الشيخ الإمام العلامة الحافظ جمال أبو الفرج ابن الجوزي - رحمه الله - في كتاب ' التحقيق ' محذوفة الأسانيد في الغالب منه إلى مؤلفي الكتب من الأئمة الحفاظ كالإمام أحمد ، والبخاري ، ومسلم ، والترمذي ، والنسائي ، والدارقطني ، وغيرهم ثم أتبعها بزيادات مفيدة من ذكر من روى الحديث أو صححه أو ضعفه وذكر بعض علل الأحاديث والتنبيه على أحوال رجال سكت عنهم المؤلف وهم غير محتج بهم أو محتج بهم تكلم فيهم وهم صادقون محتج بهم ، ورحال وثقهم في موضع وضعفهم في موضع آخر وغير ذلك من الزيادات المحتاج إليها وذلك على وجه الاختصار في الغالب ، واكتب في أول الزيادة ' ز ' بالأحمر وآخرها دائرة ' ' بالأحمر أيضا ، لكي يتميز من كلام المؤلف ، وسميته : ' كتاب تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق ' والله أسأل أن ينفع به إنه قريب مجيب ، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه إيبت . قال الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله : أحمد الله على الإنعام المترادف وأشكره على الإكرام المتكاثف ، حمدا يقوم بشكر التالد والطارف وشكرا يصدر من مقر بالفضل عارف ، وكيف لا وبحر فهمي يهمي وكم فهم واقف وبصر تبصري في العلوم ينفي في نقده الزائف . وأصلي على أشرف راكب وملب وطائف محمد الذي شرع أحسم الشرائع ووظف أزين الوظائف وعلى كل من صحبه وتبعه خالفا لسالف . وبعد : فهذا كتاب نذكر فيه مذهبنا في مسائل الخلاف ومذهب المخالف ، ونكشف عن دليل المذهبين من النقل كشف مناصف ، لا نميل لنا ولا علينا فيما نقول ولا نجازف ، وسيحمدنا المطلع عليه إن كان منصفا والواقف ، ويعلم أنا أولى بالصحيح من جميع
____________________
(1/16)
الطوائف والله الموفق لأرشد الطرق وأهدى المعارف . فصل : كان السبب في إثارة العزم لتصنيف هذا الكتاب أن جماعة من إخواني ومشايخي في الفقه كانوا يسألوني في زمن الصبا جمع أحاديث التعليق وبيان ما صح منها وما طعن فيه ، وكنت أتواني عن هذا لشيئين : إحداهما : اشتغالي بالطلب . والثاني : ظني ان ما في التعاليق في ذلك يكفي . فلما نظرت في التعاليق رأيت بضاعة أكثر الفقهاء في الحديث مزجاة ، يعول أكثرهم على أحاديث لا تصح ويعرض عن الصحاح ، ويقلد بعضهم بعضا فيما ينقل . ثم قد انقسم المتأخرون ثلاثة أقسام : أحدها : قوم غلب عليهم الكسل ورأوا أن في البحث تعبا وكلفة فتعجلوا الراحة واقتنعوا بما سطره غيرهم . والقسم الثاني : قوم لم يهتدوا إلى أمكنة الأحاديث وعلموا أنه لا بد من سؤال من يعلم هذا فاستنكفوا عن ذلك . والقسم الثالث : قوم مقصودهم التوسع في الكلام طلبا للتقدم والرئاسة ، واشتغالهم بالجدل والقياس ولا التفات لهم إلى الحديث ، لا إلى تصحيحه ولا إلى الطعن فيه ، وليس هذا شأن من استظهر لدينه وطلب الوثيقة في أمره . ولقد رأيت بعض الأكابر من الفقهاء يقول في تصنيفه - عن ألفاظ قد أخرجت في الصحاح - لا يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذه الألفاظ ، ويرد الحديث الصحيح ويقول : هذا لا يعرف ، وإنما هو لا يعرفه ، ثم رأيته قد استدل بحديث زعم أن البخاري أخرجه وليس كذلك ، ثم نقله عنه مصنف آخر كما قال تقليدا له ، ثم استدل في مسألة فقال : دليلنا ما روى بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا . ورأيت جمهور مشايخنا يقول دليلنا ما روى أبو بكر الخلال بإسناده عن رسول الله ، ودليلنا ما روى أبو بكر عبد العزيز بإسناده ، ودليلنا ما يروى ابن بطة بإسناده ، وجمهور تلك الأحاديث في الصحاح وفي المسند وفي السنن . غير أن السبب في
____________________
(1/17)
إقناعهم بهذا : التكاسل عن البحث ، والعجب ممن ليس له شغل سوى مسائل الخلاف ثم اقتصر منها في المناظرة على خمسين مسألة ، وجمهور هذه الخمسين لا يستدل فيها بحديث فما قدر الباقي حتى يتكاسل عن المبالغة في معرفته . فصل : وألوم عندي ممن قد لمته من الفقهاء : جماعة من كبار المحدثين ، عرفوا صحيح النقل وسقيمه ، وصنفوا في ذلك ، فإذا جاء حديث ضعيف يخالف مذهبه بينوا وجه الطعن فيه ، وإن كان موافقا لمذهبهم سكتوا عن الطعن فيه ، وهذا ينبئ عن قلة دين وغلبة هوى . ز : وقد ضعف الحافظ أبو الفرج رحمه الله جماعة في موضع لما كان الحديث يخالف مذهبه ثم احتج بهم في موضع آخر لما كان يوافق مذهبه ( * ) . وقال الدارقطني : ثنا أحمد بن محمد بن سعيد ، ثنا إبراهيم بن عبد الله بن محمد السكوني ، قال : سمعت أبي ، قال : سمعت وكيعا يقول : ' أهل العلم يكتبون ما لهم وما عليهم ، وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم ' . قال : وهذا حين شروعنا فيما انتدبنا له من ذكر الأحاديث ، معرضين عن العصبية التي نعتقدها في مثل هذا حرما ، وبعيد مصنف منصف ، ولو ذكرنا كل حديث بجميع طرقه واشبعنا الكلام فيها لطال ومل ، وإنما هذا موضوع للفقهاء ، وغرضهم يحصل مع الاختصار وللمحدثين فيه حظ بقليل من البسط والأسانيد والله الموفق :
____________________
(1/18)
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل وسلم على محمد وآله الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم تسليما كثيرا . أما بعد : فهذا الكتاب أذكر فيه المسائل والأحاديث التي ذكرها الشيخ الإمام العلامة الحافظ جمال أبو الفرج ابن الجوزي - رحمه الله - في كتاب ' التحقيق ' محذوفة الأسانيد في الغالب منه إلى مؤلفي الكتب من الأئمة الحفاظ كالإمام أحمد ، والبخاري ، ومسلم ، والترمذي ، والنسائي ، والدارقطني ، وغيرهم ثم أتبعها بزيادات مفيدة من ذكر من روى الحديث أوصححه أو ضعفه وذكر بعض علل الأحاديث والتنبيه على أحوال رجال سكت عنهم المؤلف وهم غير محتج بهم أو محتج بهم تكلم فيهم وهم صادقون محتج بهم ، ورحال وثقهم في موضع وضعفهم في موضع آخر وغير ذلك من الزيادات المحتاج إليها وذلك على وجه الاختصار في الغالب ، واكتب في أول الزيادة ' ز ' بالأحمر وآخرها دائرة ' دائره ' بالأحمر أيضا ، لكي يتميز من كلام المؤلف ، وسميته : ' كتاب تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق ' والله أسأل أن ينفع به إنه قريب مجيب ، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه إيبت . قال الحافظ أبو الفرج ابن ابن الجوزي رحمه الله : أحمد الله على الإنعام المترادف وأشكره على الإكرام المتكائف ، حمدا يقوم بشكر التالد والطارف وشكرا يصدر من مقر بالفضل عارف ، وكيف لا وبحر فهمي يهمي وكم فهم واقف وبصر تبصري في العلوم ينفي في نقده الزائف . وأصلي على أشرف راكب وملب وطائف محمد الذي شرع أحسم الشرائع ووظف أزين الوظائف وعلى كل من صحبه وتبعه خالفا لسالف . وبعد : فهذا كتاب نذكر فيه مذهبنا في مسائل الخلاف ومذهب المخالف ، ونكشف عن دليل المذهبين من النقل كشف مناصف ، لا نميل لنا ولا علينا فيما نقول ولا نجازف ، وسيحمدنا المطلع عليه إن كان منصفا والواقف ، ويعلم أنا أولى بالصحيح من جميع الطوائف والله الموفق لأرشد الطرق وأهدى المعارف . فصل : كان السبب في إثارة العزم لتصنيف هذا الكتاب أن جماعة من إخواني ومشايخي في الفقه كانوا يسألوني في زمن الصبا جمع أجاديث التعليق وبيان ما صح منها وما طعن فيه ، وكنت أتواني عن هذا لشيئين : إحداهما : اشتغالي بالطلب . والثاني : ظني أن ما في التعاليق في ذلك يكفي . فلما نظرت في التعاليق رأيت بضاعة أكثر الفقهاء في الحديث مزجاة ، يعول أكثرهم على أحاديث لا تصح ويعرض عن الصحاح ، ويقلد بعضهم بعضا فيما ينقل . ثم قد انقسم المتأخرون ثلاثة أقسام : أحدها : قوم غلب عليهم الكسل ورأوا أن في البحث تعبا وكلفة فتعجلوا الراحة واقتنعوا بما سطره غيرهم . والقسم الثاني : قوم لم يهتدوا إلى أمكنة الأحاديث وعلموا الأحاديث وعلموا أنه لا بد من سؤال من يعلم هذا فاستنكفوا عن ذلك . والقسم الثالث : قوم مقصودهم التوسع في الكلام طلبا للتقدم والرئاسة ، واشتغالهم بالجدل والقياس ولا التفات لهم إلى الحديث ، لا إلى تصحيحه ولا إلى الطعن فيه ، وليس هذا شأن من استظهر لدينه وطلب الوثيقة في أمره . ولقد رأيت بعض الأكابر من الفقهاء يقول في تصنيفه - عن ألفاظ قد أخرجت في الصحاح - لا يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذه االألفاظ ، ويرد الحديث الصحيح ويقول : هذا لا يعرف ، وإنما هو لا يعرفه ، ثم رأيته قد استدل بحديث زعم أن البخاري أخرجه وليس كذلك ، ثم نقله عنه مصننف آخر كما قال تقليدا له ، ثم استدل في مسألة فقال ' دليلنا ما روى بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا . ورأيت جمهور مشايخنا يقول دليلنا ما روى أبو بكر الخلال بإسناده عن رسول الله ، ودليلنا ما روى أبو بكر عبد العزيز بإسناده ، ودليلنا ما يروى ابن بطة بإسناده ، وجمهور تلك الأحاديث في الصحاح وفي المسند وفي السنن . غير أن السبب في أقناعهم بهذا : التكاسل عن البحث ، والعجب ممن ليس له شغل سوى مسائل الخلاف ثم اقتصر منها في المناظرة على خمسين مسألة ، وجمهور هذه الخمسين لا يستدل فيها بحديث فما قدر الباقي حتى يتكاسل عن المبالغة في معرفته . فصل : وألوم عندي ممن قد لمته من الفقهاء : جماعة من كبار المحدثين ، عرفوا صحيح النقل وسقيمه ، وصنفوا في ذلك ، فإذا جاء حديث ضعيف يخالف مذهبه بينوا وجه الطعن فيه ، وإن كان موافقا لمذهبهم سكتوا عن الطعن فيه ، وهذا ينبئ عن قلة دين وغلبة هوى . ز : وقد ضعف الحافظ أبو لافرج رحمه الله جماعة في موضع لما كان الحديث يخالف مذهبه ثم احتج بهم في موضع آخر لما كان يوافق مذهبه ( * ) . وقال الدارقطني : ثنا أحمد بن محمد بن سعيد ، ثنا إبراهيم بن عبد الله بن محمد ةالسكوني ، قال : سمعت أبي ، قال : سمعت وكيعا يقول : ' أهل العلم يكتبون ما لهم وما عليهم ، وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم ' . قال : وهذا حين شروعنا فيما انتدبنا له من ذكر الأحاديث ، معرضين عن العصبية التي نعتقدها في مثل هذا حراما ، وبعيد مصنف منصف ، ولو ذكرنا كل حديث بجميع طرقه وأشبعنا الكلام فيها لطال ومل ، وإنما هذا موضوع للفقهاء ، وغرضهم يحصل مع الاختصار وللمحدثين فيه خط بقليل من البسط والأسانيد والله الموفق :
____________________
(1/16)
بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الطهارة
مسألة [ 1 ] :
' الطهور ' هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره .
فهو من الأسماء المتعدية .
وقال الحنيفة : هو من الأسماء اللازمة فهو بمعنى الطاهر .
وقد استدل أصحابنا في المسألة بحديثين :
1 - الحديث الأول : قال البخاري : حدثنا ابن سنان قال : حدثنا هشيم حدثنا سيار قال : حدثنا يزيد الفقير قال : أنبأنا جابر بن عبد الله : أن النبي قال : ' أعطيت خمسا ، لم يعطهن أحد قبلي ' .
فذكر منهن : ' وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ' .
هذا طريق البخاري من الصحيح .
2 - وقد أخرجه مسلم من : حديث أبي هريرة أن النبي قال : ' فضلت على الأنبياء بست ' .
فذكر منهن : ' وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ' .
3 - وقد رواه مسلم من حديث حذيفة : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن فضيل
____________________
(1/19)
عن أبي مالك الأشجعي عن ربعي عن حذيفة قال : قال رسول الله : ' فضلنا على الناس بثلاث .
جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة ، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا ، وجعلت تربتها لنا طهورا ، إذا لم نجد الماء ' .
انفرد بإخراجه مسلم .
قال أصحابنا : لو أراد بقوله ' طهورا ' أنه طاهر لم يكن في ذلك فضيلة ؛ لأن ذلك طاهر في حق سائر الأنبياء .
4 - الحديث الثاني : روى الترمذي والنسائي قالا : حدثنا قتيبة عن مالك عن صفوان بن سليم عن سعيد بن سلمة - من آل بني الأزرق - أن المغيرة بن أبي بردة أخبره : أنه سمع أبا هريرة يقول : سأل رجل رسول الله : إنا نركب في البحر ، ونحمل معنا القليل من الماء ، فإن توضأنا به عطشنا ، أفنتوضأ من ماء البحر ؟ فقال رسول الله : ' هو الطهور ماؤه الحل ميتته قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .
ز : وقد روى هذا الحديث الإمام أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجة ( 1 ) ، وأبو بكر بن خزيمة وأبو حاتم بن حبان في صحيحيهما ، وهو حديث مختلف في إسناده فقيل : عن صفوان بن سليم عن سعيد بن سلمة عن المغيرة بن أبي بردة عن أبي هريرة كما تقدم .
وقيل : عنه عن عبد الله بن سعيد المخزومي . وقيل : عنه عن سلمة بن سعيد عن المغيرة بن أبي بردة عن أبي هريرة . وقيل : عن المغيرة بن أبي بردة عن أبيه عن أبي هريرة .
ورواه يزيد بن أبي حبيب عن الجلاح أبي كثير عن كثير بن سلمة المخزومي عن المغيرة ابن أبي بردة عن أبي هريرة .
وقال الترمذي أيضا : سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال : هو حديث صحيح .
قال البيهقي : وإنما لم يخرجه البخاري ومسلم في الصحيح لأجل اختلاف وقع في اسم سعيد بن سلمة والمغيرة بن أبي بردة .
وقد جمعت في حديث أبي هريرة هذا ( 2 ) وشواهده من الأحاديث جزءا كبيرا ( * ) .
____________________
(1/20)
5 - وروى أحمد : ثنا أبو القاسم بن أبي الزناد قال : أخبرني إسحاق بن حازم عن عبيد الله بن مقسم عن جابر بن عبد الله عن النبي .
قال في البحر : ' هو الطهور ماؤه الحل ميتتة ' .
ثم ساق المؤلف حديث أبي هريرة من طريق أحمد .
ز : حديث جابر رواه ابن ماجة ، وأبو حاتم ، والدارقطني ( 1 ) .
وأبو القاسم بن أبي الزناد : صدوق .
وإسحاق بن حازم وثقه أحمد وابن معين ( * ) .
وقد روينا أيضا من حديث أبي بكر الصديق ، وعلي بن أبي طالب ، وابن عباس ، وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده .
واحتجاج أصحابنا منه : أنه لو أراد بالطهور الطاهر ، لم يكن جوابا عن السؤال .
لأن في الطاهرات ما يجوز التطهر به وما لا يجوز .
فعلم أن ' الطهور ' اسم يختص بما يتطهر به .
ز : قد قيل : إن الطهور لازم لفظا متعد معنى .
قال شيخنا - رضي الله عنه - : والتحقيق في هذا أن يقال : إن الطهور هنا ليس معدولا عن الطاهر حتى يشاركه في اللزوم والتعدي بحسب اصطلاح النحاة كما يقال : ضارب ومضروب ، وآكل ومأكول ، ونائم ونؤوم ، ولكن من أسماء الآلات التي تفعل بها فإنهم يقولون طهور ووجور وسعوط ولدود وفطور وسحور لما يتطهر به ويؤجر به ويلد به ويفطر عليه ويتسحر به ، ويقولون : طهور ووجور وسعوط ولدود وفطور وسحور بالضم للمصدر الذي هو الاسم ما يفعل به بالضم والفتح ، وهذا معروف مشهور عند أهل العلم بالعربية ، وغيرهم من الفقهاء والمحدثين .
وإذا كان كذلك فالطهور اسم لما يتطهر به ، وكذلك قال تعالى في إحدى الآيتين : ( ^ وأنزلنا من السماء ماء طهورا ) وفي الأخرى : ( ^ وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ) .
وأما اسم طاهر فإنه صفة محضة لازمة لا يدل على ما يتطهر به أصلا فصار الفرق بين الطاهر والطهور من جهة اللزوم والتعدية المعنوية الحكمية الفقهية لا من جهة اللزوم والتعدية النحوية ، وبهذا التحرير يزول الإشكال ويظهر قول من فرق بين طاهر وطهور من هذه الجهة لا كمن سوى بينهما من أصحاب أبي حنيفة ، ولا كمن فرق بينهما تفرق غير جار على مقاييس كلام العرب من أصحاب مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله ، والله أعلم ( * ) .
____________________
(1/21)
مسألة [ 2 ] :
لا تنجس القلتان بوقوع النجاسة فيهما ، إلا أن تكون بولا . وسوى الشافعي بين الأنجاس .
وهو رواية لنا .
وقال [ أبو حنيفة ] ( 1 ) : ينجس كل ما غلب على الظن وصول النجاسة إليه ، فإن كان دون القلتين نجس بكل حال .
وقال مالك : يعتبر تغير الصفات .
لنا ما :
6 - روى أحمد : حدثنا عبدة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله وهو يسأل عن الماء يكون في الفلاة من الأرض ، وما ينوبه من السباع والدواب فقال : ' إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث ' .
ورواه الترمذي عن هناد عن عبدة ( 1 ) .
7 - وروى عبد بن حميد : حدثنا أبو أسامة حدثنا الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر ابن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال : سئل رسول الله عن الماء يكون بأرض الفلاة ، وما ينوبه من السباع والدواب ؟ فقال : ' إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث ' .
فإن قيل : قد اختلف على أبي أسامة ، فتارة يرويه عن محمد بن جعفر بن الزبير ، وتارة عن محمد بن عباد بن جعفر ؟ .
فالجواب : أن الدارقطني قال : القولان صحيحان عن أبي أسامة .
فإن الوليد بن كثير
____________________
(1/22)
رواه عن محمد بن جعفر بن الزبير ، وعن محمد بن عباد - جميعا - عن عبيد الله بن عبد الله ابن عمر .
فكان أبو أسامة تارة يحدث به عن الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر ، وتارة يحدث به عن الوليد عن محمد بن عباد ، ورواه محمد بن جعفر عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه .
وكذلك رواه عاصم بن المنذر عن عبيد الله بن عبد الله .
فقد صحت الروايتان عن عبيد الله وعبد الله ، كلاهما عن ابن عمر .
فإن قيل : فقد روي بالشك ' قلتين ، أو ثلاثا ' .
8 - قال أحمد : حدثنا وكيع حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم بن المنذر عن عبيد الله ابن عبد الله بن عمر عن أبيه قال : قال رسول الله : ' إذا كان الماء قدر قلتين ، أو ثلاثا ، لم ينجسه شيء ' .
قال وكيع : ' القلة ' الجرة .
9 - وقال الدارقطني : حدثنا الحسين بن إسماعيل حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح حدثنا يزيد بن هارون قال : أنبأنا حماد بن سلمة عن عاصم بن المنذر بن الزبير قال حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي قال : ' إذا بلغ الماء قلتين ، أو ثلاثا ، لم ينجسه شيء ' .
قلنا : قد اختلف عن حماد .
فروى عنه إبراهيم بن الحجاج وهدبة بن خالد وكامل بن طلحة .
فقالوا : ' قلتين ، أو ثلاثا ' .
وروى عنه عفان ويعقوب بن إسحاق الحضرمي وبشر ابن السري والعلاء بن عبد الجبار وموسى بن إسماعيل وعبيد الله بن محمد العيشي : ' إذا كان الماء قلتين ' ولم يقولوا : ' ثلاثا ' واختلف عن يزيد بن هارون : فروى عنه ابن الصباح بالشك .
وروى عنه أبو مسعود بغير شك .
فوجب العمل على قول من لم يشك .
ز : وقد روى حديث القلتين : أبو داود والنسائي وابن ماجة أيضا بطرق .
ورواه ابن خزيمة ، وابن حبان في صحيحيهما ، والحاكم في المستدرك ( 1 ) ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين فقد احتجا [ جميعا ] ( 2 ) بجميع رواته ، ولم يخرجاه ، وأظنهما والله أعلم لم يخرجاه لخلاف فيه على أبي أسامة عن الوليد بن كثير .
____________________
(1/23)
وسئل ابن معين عن هذا الحديث فقال : هذا إسناد جيد .
فقيل له : ابن علية لم يرفعه ، قال يحيى : وإن لم يحفظه ابن علية فالحديث حديث جيد الإسناد .
وقال البيهقي ( 1 ) : إسناده صحيح موصول ، ورواه حماد بن زيد عن عاصم بن المنذر عن عبيد الله بن عمر عن أبيه موقوفا .
وكذلك رواه إسماعيل بن علية ، عن عاصم بن المنذر ، عن شيخ له ، عن ابن عمر موقوفا .
وروى زائدة عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر قال : إذا كان الماء قلتين لا ينجسه شيء .
وروى عبد الله بن الحسين المصيصي ، عن محمد بن كثير ، عن زائدة فرفعه والصواب الموقوف .
وروى شريك عن أبي إسحاق عن مجاهد قال : إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء .
وقد تكلم الدارقطني على هذا الحديث كلاما طويلا غير ما ذكره المؤلف كتبته وغيره من كلام الأئمة في جزء مفرد .
وقد ذكر الإمام أبو عمر بن عبد البر في كتاب التمهيد له هذا الحديث قال : وهو حديث يرويه محمد بن إسحاق والوليد بن كثير جميعا عن محمد بن جعفر بن الزبير .
وبعض رواة الوليد بن كثير يقول فيه : [ عنه عن محمد بن عباد بن جعفر ولم يختلف عن الوليد بن كثير أنه قال فيه ] ( 2 ) عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه يرفعه .
ومحمد بن إسحاق يقول فيه : عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله ابن عمر عن أبيه مرفوعا أيضا ، فالوليد يجعله عن عبد الله بن عبد الله ، ومحمد بن إسحاق يجعله عن عبيد الله بن عبد الله .
ورواه عاصم بن المنذر فاختلف فيه عليه أيضا .
قال فيه حماد بن سلمة : عن عاصم بن المنذر عن عبيد الله بن عبد الله بن عمرعن أبيه وقال فيه حماد بن زيد عن عاصم بن المنذر عن أبي بكر بن عبيد الله عن عبد الله بن عمر .
وقال حماد بن سلمة فيه : ' إذا كان الماء قلتين أو ثلاثا لم ينجسه شيء ' .
وبعضهم يقول : ' إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث ' .
وهذا اللفظ محتمل للتأويل ، ومثل هذا الاضطراب في الإسناد يوجب التوقف عن القول بهذا الحديث على أن القلتين غير معروفتين ومحال أن يتعبد الله تعالى عباده بما لا يعرفونه . ا هـ .
وقال الطحاوي : هذا حديث صحيح لكن تركناه لعدم علمنا بالقلتين .
وقال الخطابي : ويكفي شاهدا على صحته كون ( 3 ) نجوم أهل الحديث صححوه وقد صححه جماعة من المتأخرين ، واستشكلوا من جهة أن القلتين لا يعلم قدرهما .
____________________
(1/24)
فإن قيل : فقد روي ' أربعين قلة ' .
10 - قال ابن عدي : أنبأنا أبو يعلى حدثنا سويد حدثنا القاسم بن عبد الله العمري عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله : ' إذا بلغ الماء أربعين قلة فإنه لا يحمل الخبث ' .
والجواب : أن هذا لا يرويه مرفوعا غير القاسم .
قال أحمد بن حنبل : القاسم ليس هو عندي بشيء ، كان يكذب ويضع الحديث ترك الناس حديثه .
وقال يحيى بن معين : هو كذاب خبيث .
وقال أبو حاتم الرازي : متروك الحديث .
وقال أبو زرعة : لا يساوي شيئا .
وقال الدارقطني : كان ضعيفا كثير الخطأ ، ووهم في إسناده ، وخالفه روح بن القاسم وسفيان الثوري ومعمر فرووه عن ابن المنكدر عن عبد الله بن عمر موقوفا .
ورواه أيوب السختياني عن محمد بن المنكدر من قوله ، لم يجاوز به .
وقد رواه عبد الرحمن بن أبي هريرة عن أبيه قال : ' إذا كان الماء أربعين لم يحمل خبثا ' وخالفه غير واحد .
فرووه عن أبي هريرة .
فقالوا : ' أربعين غربا ' ومنهم من قال : ' أربعين دلوا ' اه .
احتج أصحاب مالك بأحاديث :
11 - الحديث الأول : قال أحمد : حدثنا وكيع عن سفيان عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس .
قال : قال رسول الله : ' الماء لا ينجسه شيء ' .
وهذا متروك الظاهر بما إذا تغير .
12 - [ الحديث الثاني : قال الدارقطني : حدثنا محمد بن الحسين الحراني حدثنا علي بن أحمد الجرجاني حدثنا محمد بن موسى الحرشي حدثنا فضيل بن سليمان النميري عن أبي حازم عن سهل بن سعد عن النبي قال : ' الماء لا ينجسه شيء ' ] . ( 1 )
____________________
(1/25)
قال يحيى بن معين : فضيل بن سليمان ليس بثقة .
13 - الحديث [ الثالث ] ( 1 ) : قال الدارقطني : حدثنا محمد بن موسى البزار قال أنبأنا علي بن سراج قال حدثنا أبو شرحبيل عيسى بن خالد أنبأنا مروان بن محمد حدثنا رشدين حدثنا معاوية بن صالح عن راشد بن سعد عن ثوبان قال : قال رسول الله : ' الماء طهور ، إلا ما غلب على ريحه أو طعمه ' .
هذا لا يصح .
أما معاوية بن صالح فقال أبو حاتم الرازي : لا يحتج به .
وكان يحيى ابن سعيد لا يرضاه .
وأما رشدين : فهو ابن سعد .
قال يحيى بن معين : ليس بشيء .
وقال أبو حاتم الرازي : يحدث بالمناكير عن الثقات ، وفيه غفلة .
وقال النسائي : متروك الحديث .
وقال أبو حاتم بن حبان الحافظ : كان يقرأ كل ما وقع إليه ، سواء كان من حديثه أو لم يكن .
14 - الحديث [ الرابع ] ( 1 ) : قال الدارقطني : حدثنا دعلج ، حدثنا أحمد بن علي الأبار ، حدثنا محمد بن يوسف الغضيضي حدثنا رشدين بن سعد عن معاوية بن صالح عن راشد بن سعد عن أبي أمامة الباهلي عن النبي قال : ' لا ينجس الماء شيء إلا ما غير ريحه أو طعمه ' .
قال الدارقطني : لم يرفعه غير رشدين بن سعد عن معاوية بن صالح وليس بالقوي .
وخالفه [ الأحوص ] ( 2 ) بن حكيم : فرواه عن راشد بن سعد - مرسلا - عن النبي .
وقال أبو أسامة عن الأحوص عن راشد قوله لم يجاوز به راشدا .
وقد ذكرنا القدح في رشدين ومعاوية بن صالح .
ز : وقد روى حديث أبي أمامة : ابن ماجة في سننه ، والبيهقي من طريق رشدين أيضا .
وفي لفظ البيهقي : ' إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء إلا ما غلب عليه ريحه أو طعمه ' .
وقال : كذا وجدته ولفظ القلتين فيه غريب .
وقال أبو حاتم الرازي : يوصله رشدين بن سعد وليس بالقوي والصحيح أنه مرسل .
وقال الشافعي : هذا الحديث لا يثبت أهل الحديث مثله ولكنه قول العامة لا أعلم بينهم فيه خلافا .
وقد روى أبو القاسم البغوي عن أحمد أنه قال في رشدين : أرجو أنه صالح الحديث .
وضعفه أيضا الفلاس وأبو زرعة والدارقطني .
وقال
____________________
(1/26)
الجوزجاني : عنده معاضيل ومناكير كثيرة .
وسمعت ابن أبي مريم يثني عليه في دينه .
وقال قتيبة بن سعيد : كان لا يبالي ما دفع إليه قرأه .
وقال ابن عدي : عامة أحاديثه عن من يرويه عنه ما أقل فيها ما يتابعه أحد عليها وهو مع ضعفه يكتب حديثه .
وقال ابن يونس : كان رجلا صالحا لا يشك في صلاحه وفضله .
فأدركته غفلة الصالحين فخلط في الحديث ( 1 ) .
وقال البيهقي ( 2 ) : أنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا الوليد ، ثنا الشاماتي ثنا عطية بن بقية بن الوليد ، ثنا أبي عن ثور بن يزيد عن راشد بن سعد ، عن أبي أمامة مرفوعا : ' إن الماء طاهر إلا أن تغير ريحه أو طعمه أو لونه بنجاسة تحدث فيه ' . قال : وأنا أبو حازم الحافظ ، ثنا أبو أحمد الحافظ ، ثنا أبو الحسن أحمد بن عمير بن يوسف الدمشقي بدمشق ، ثنا أبو أمية يعني محمد بن إبراهيم ثنا حفص بن عمر ، ثنا ثور بن يزيد عن راشد بن سعد ، عن أبي أمامة مرفوعا : ' الماء لا ينجس إلا ما غير ريحه أو طعمه ' .
قال البيهقي : والحديث غير قوي والله أعلم .
وقال أبو أحمد بن عدي في كتاب الكامل : ثنا ابن جوصا ، ثنا أبو أمية محمد بن إبراهيم ، ثنا حفص بن عمر عن ثور بن يزيد ، عن راشد بن سعد عن أبي أمامة قال : قال رسول الله : ' الماء لا ينجس إلا ما غير ريحه أو طعمه ' ( 3 ) .
قال ابن عدي : وهذا الحديث لا يوصله عن ثور إلا حفص بن عمر الأيلي وأحاديثه كلها إما منكر المتن أو منكر الإسناد ، وهو إلى الضعف أقرب ورواه رشدين بن سعد ، عن معاوية بن صالح عن راشد بن سعد عن أبي أمامة موصولا أيضا .
ورواه الأحوص بن حكيم مع ضعفه عن راشد بن سعد عن النبي مرسلا ولا يذكر أبا أمامة .
وقال الطحاوي : ثنا محمد بن الحجاج ، ثنا علي بن معبد ، ثنا عيسى بن يونس ، عن الأحوص بن حكيم عن راشد بن سعد قال : قال رسول الله : ' الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على لونه أو طعمه ' .
قال الطحاوي : هذا منقطع وأنتم لا تثبتون المنقطع ولا تحتجون به .
15 - الحديث [ الخامس ] ( 1 ) : قال الترمذي : حدثنا هناد حدثنا أبو أسامة عن الوليد بن كثير عن محمد بن كعب عن عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج عن أبي سعيد الخدري .
____________________
(1/27)
قال : قيل يا رسول الله ، أنتوضأ من بئر بضاعة ، وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن ؟ فقال رسول الله : ' إن الماء طهور لا ينجسه شيء ' .
وقد رواه جماعة عن أبي أسامة ، فقالوا : عبيد الله بن عبد الله .
ورواه سليط بن أيوب .
فقال عن عبد الرحمن بن رافع .
وقال مرة : عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع .
ورواه يعقوب بن إبراهيم فقال : عن عبيد الله عن أبيه .
فقد اضطربوا فيه .
ورواه المقبري عن أبي هريرة عن رسول الله .
قال الدارقطني : والحديث غير ثابت .
وقد ذكر أبو بكر عبد العزيز في كتاب الشافي عن أحمد أنه قال : حديث بئر بضاعة صحيح .
ز : سئل الدارقطني عن هذا الحديث فقال : يرويه ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون عن عبيد الله بن رافع ، عن أبي سعيد ، ورواه الوليد بن كثير عن محمد بن كعب القرظي عن عبيد الله بن عبد الله بن رافع .
عن أبي سعيد .
ورواه محمد بن إسحاق أيضا بإسناد آخر عن سليط بن أيوب واختلف عن ابن إسحاق فقال : محمد بن سلمة الحراني ، عن محمد بن إسحاق عن سليط بن أيوب .
عن عبد الرحمن بن رافع عن أبي سعيد ووهم ، وقال إبراهيم بن سعد وأحمد بن خالد الوهبي وشعيب بن إسحاق ، عن ابن إسحاق عن سليط بن أيوب ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن رافع ، عن أبي سعيد ، وهو أشبه بالصواب .
ورواه أبو معاوية الضرير عن ابن إسحاق فلم يقم إسناده ، وخلط فيه فقال : عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، ومرة قال : عن عبيد الله بن عبد .
وكذلك قال حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق .
وقال جرير بن عبد الحميد عن محمد بن إسحاق بلغني عن عبيد الله ابن عبد الله بن رافع عن أبي سعيد .
وقد قارب لأن ابن إسحاق رواه عن سليط بن أيوب عن عبيد الله .
وروى هذا الحديث مطرف بن طريف عن خالد بن أبي نوف ، واختلف عن مطرف ، فقال عبد العزيز القسملي عن مطرف عن خالد بن أبي نوف ، عن سليط ، عن ابن أبي سعيد الخدري ، عن أبيه ، وقال أسباط بن محمد ، عن مطرف ، عن خالد ، عن محمد بن
____________________
(1/28)
إسحاق ، فرجع الحديث إلى ابن إسحاق وأرسله عن أبي سعيد .
ورواه ابن أبي ذئب واختلف عنه فقال أبو أحمد الزبيري عن ابن أبي ذئب عن عبد الله بن عبد الرحمن ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن أبي سعيد وقال أبو معاوية الضرير ، عن ابن أبي ذئب ، عمن أخبره عن عبيد الله بن عبد الله العدوي ، عن أبي سعيد .
قال وكيع وأبو معاوية عن ابن أبي ذئب عن رجل لم يسمه ،
عن عبيد الله بن عبد الله وأسندوه عن أبي سعيد .
وأحسنها إسنادا حديث الوليد بن كثير عن محمد بن كعب ، وحديث ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي سلمة انتهى كلام الدارقطني .
وما حكاه المؤلف عنه من قوله : والحديث غير ثابت .
يريد به حديث أبي هريرة لا حديث أبي سعيد كما صرح به في العلل .
وقد روى هذا الحديث أيضا الإمام أحمد وأبو داود والنسائي ( 1 ) والدارقطني ، وفي لفظ للإمام أحمد وأبي داود والدارقطني : ' يطرح فيها محايض النساء ولحم الكلاب وعذر الناس ' .
وقال الترمذي هذا حديث حسن .
وقد جود أبو أسامة هذا الحديث ، ولم يرو أحد حديث أبي سعيد في بئر بضاعة أحسن مما روى أبو أسامة .
وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن أبي سعيد .
وقال أبو داود : سمعت قتيبة بن سعيد يقول : سألت قيم بئر بضاعة عن عمقها .
فقلت : أكثر ما يكون الماء فيها ؟ قال : إلى العانة ، قال : قلت : فإذا نقص ؟ قال : دون العورة .
وقال أبو داود : قدرت بئر بضاعة بردائي مددته عليها ثم ذرعته فإذا عرضها ستة أذرع ، وسألت الذي فتح لي باب البستان فأدخلني إليه ، هل غير بناؤها كما كانت عليه ؟ قال : لا ، ورأيت الماء فيها متغير اللون ( * ) .
احتج أصحاب الشافعي بما :
16 - قال الترمذي : حدثنا محمود بن غيلان حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي قال : ' لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ، ثم يتوضأ منه ' .
أخرجه البخاري وفي لفظه ' ثم يغتسل فيه ' .
وأخرجه مسلم ، وفي لفظه ' ثم يغتسل منه ' .
____________________
(1/29)
ووجه حجتهم : أنه لو كان فيه نجاسة غير البول منعت ، فالبول كذلك .
مسألة [ 3 ] :
إذا تغير الماء بشيء من الطاهرات تغيرا يزيل عنه اسم الإطلاق لم يرفع الحدث .
خلافا لأبي حنيفة .
احتج الخصم بحديثين :
17 - قال أحمد : حدثنا إسحاق الأزرق أنبأنا هشام عن حفص عن أم عطية قالت : توفيت إحدى بنات رسول الله فقال : ' اغسليها بسدر ، واجعلي في الأخيرة كافورا ، أو شيئا من كافور ' .
18 - قال أحمد : حدثنا عبد الملك بن عمرو حدثنا إبراهيم بن نافع عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أم هانئ .
قالت : اغتسل النبي وميمونة من إناء واحد في قصعة فيها أثر العجين .
19 - قال أحمد : وحدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا معمر ، عن ابن طاوس عن المطلب بن عبد الله عن أم هانئ .
قالت : جيء لرسول الله بجفنة فيها ماء ، [ فيها ] ( 1 ) أثر العجين .
فاغتسل .
____________________
(1/30)
حديث أم عطية في الصحيحين ، وحديث أم هانئ لا يثبت .
وقد روى الدارقطني : أن أم هانئ كرهت أن يتوضأ بالماء الذي يبل فيه الخبز ( 2 ) .
ثم ليس في الحديثين حجة .
لأنه ليس فيهما ذكر التغير .
ز : وقد روى حديث أم هانىء أيضا : ابن ماجة والنسائي ( 3 ) ، وأبو حاتم بن حبان ( * ) .
مسألة [ 4 ] :
الماء المستعمل في رفع الحدث طاهر .
وقال أصحاب أبي حنيفة : نجس .
لنا ما :
20 - روى أحمد : حدثنا وكيع قال : حدثنا سفيان ، عن عون بن أبي جحفية ، عن أبيه قال : أتيت النبي بالأبطح ، وهو في قبة له .
فخرج بلال بفضل وضوئه .
فبين ناضح ونابل .
21 - قال أحمد : حدثنا عفان قال حدثنا شعبة عن الحكم .
قال : سمعت أبا جحفية يقول : توضأ رسول الله فجعل الناس يأخذون فضل وضوئه .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
ز : المستعمل في رفع الحدث فيه ثلاث روايات عندنا ، وفيه خلاف عند الأئمة الأربعة
____________________
(1/31)
وغيرهم .
والصحيح من حيث الدليل أنه طهور ، وقد احتج أصحابنا على طهارته بأحاديث في الاستدلال بها نظر منها : عن جابر بن عبد الله جاء رسول الله يعودني وأنا مريض لا أعقل فتوضأ وصب وضوءه علي ، فعقلت ، فقلت : يا رسول الله : لمن الميراث إنما يرثني كلالة ، فنزلت آية الفرائض .
متفق عليه .
وعن السائب بن يزيد ذهبت بي خالتي إلى النبي فقالت : يا رسول الله : إن ابن أختي وجع ، فمسح رأسي ودعا لي بالبركة ثم توضأ فشربت من وضوئه ، ثم قمت خلف ظهره فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه مثل زر الحجلة .
متفق عليه .
وعن المسور بن مخرمة ذكر في صلح الحديبية قال : فوالله ما تنخم رسول الله نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها جهه وجلده وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ، رواه البخاري .
وعن الربيع بنت معوذ بن عفراء : أن النبي مسح برأسه من فضل ماء كان في يده .
رواه أبو داود .
وفي إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل .
قال أحمد في رواية حنبل : منكر الحديث .
قال ابن معين وابن المديني كان ضعيفا .
وقال أبو حاتم : لين الحديث ليس بالقوي ، ولا ممن يحتج بحديثه .
وقال النسائي : ضعيف .
وقال ابن خزيمة : لا أحتج به لسوء حفظه .
وقال الترمذي : صدوق وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه ، وسمعت محمد بن إسماعيل يقول : كان أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم والحميدي يحتجون بحديث ابن عقيل .
قال محمد بن إسماعيل : وهو مقارب الحديث .
وقال الحاكم أبو أحمد : كان أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم يحتجان بحديثه ، ليس بذاك المتين المعتمد .
والدليل على طهوريته : قول النبي : ' الماء لا يجنب ' وقال : ' الماء ليس عليه جنابة ' .
قالوا : ولأنه غسل به محل طاهر فلم تزل طهوريته كما لو غسل الثوب ولأنه لاقى محلا طاهرا فلا يخرج عن حكمه بتأدية الفرض كالثوب يصلى فيه مرارا .
____________________
(1/32)
مسألة [ 5 ] :
لا يجوز للرجل أن يتوضأ بفضل وضوء المرأة إذا خلت بالماء .
خلافا لهم .
لنا ثلاثة أحاديث :
22 - الأول : قال أحمد : حدثنا سليمان بن داود قال حدثنا شعبة عن عاصم الأحول قال سمعت أبا حاجب يحدث عن الحكم بن عمرو الغفاري .
أن رسول الله نهى أن يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة .
قال الترمذي : هذا حديث حسن .
واسم أبي حاجب : سوادة بن عاصم .
ز : ورواه أبو داود وابن ماجة والنسائي .
وأبو حاتم بن حبان ( 1 ) .
والترمذي وزاد فيه : ' أو قال بسؤرها ' .
ورواه الدارقطني وقال : أبو حاجب اسمه سوادة بن عاصم واختلف عنه : فرواه عمران بن جرير وغزوان بن حجير السدوسي موقوفا من قول الحكم غير مرفوع إلى النبي وقال البيهقي : وبلغني عن أبي عيسى الترمذي أنه قال : سألت محمدا - يعني البخاري - عن هذا الحديث ، فقال : ليس بصحيح ، يعني حديث أبي حاجب عن الحكم بن عمرو . وقال الأثرم : قال أبو عبد الله : يضطربون فيه عنه شعبة .
وليس هو في كتاب غندر ، وبعضهم يقول : عن فضل سؤر المرأة ، وبعضهم يقول : فضل وضوء المرأة فلا يتفقون عليه .
وسوادة بن عاصم وثقه يحيى بن معين والنسائي .
وقال أبو حاتم : شيخ .
وذكره ابن حبان في الثقات ، وقال : ربما أخطأ ( * ) .
23 - الحديث الثاني : قال أحمد : حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي قال : حدثنا زهير عن داود بن عبد الله الأودي عن حميد الحميري قال : لقيت رجلا من أصحاب النبي
____________________
(1/33)
فقال لي : قال رسول الله : ' لا يغتسل الرجل من فضل امرأته . ولا تغتسل بفضله ' .
ز : روى هذا الحديث أبو داود ( 1 ) عن أحمد بن يونس عن زهير ، وعن مسدد عن أبي عوانة جميعا ، عن داود بن عبد الله .
ورواه النسائي ( 2 ) عن قتيبة عن أبي عوانة .
وزهير هو ابن معاوية أبو خيثمة الجعفي الكوفي الحافظ أحد الأثبات .
قال معاذ بن معاذ : والله ما كان سفيان أثبت من زهير .
وقال أحمد : كان من معادن الصدق .
وداود بن عبد الله الأودي : وثقه أحمد .
وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين .
ليس بشيء .
وقال إسحاق بن منصور عن يحيى : ثقة .
كذا ذكر غير واحد من المصنفين رواية عباس عن يحيى في ترجمة داود هذا ، والظاهر أن كلام يحيى إنما هو في داود بن يزيد الأودي عم عبد الله بن إدريس فإنه المشهور بالضعف .
وحميد الحميري هو ابن عبد الرحمن .
قال العجلي : بصري تابعي ثقة كان ابن سيرين يقول : هو أفقه أهل البصرة .
وحميد الرؤاسي ثقة ثبت .
قال أبو بكر بن أبي شيبة : قل من رأيت مثله وقال البيهقي في هذا الحديث : رواته ثقات إلا أن حميدا لم يسم الصحابي الذي حدثه فهو بمعنى المرسل ، لا أنه مرسل جيد لولا مخالفته الأحاديث الثابتة الموصولة قبله .
وداود بن عبد الله الأودي لم يحتج به الشيخان البخاري ومسلم رحمهما الله .
انتهى كلامه .
وهذا الحديث ليس بمرسل وجهالة الصحابي لا تضر .
وقيل : إن هذا الرجل الذي لم يسم عبد الله بن سرجس وقيل عبد الله بن مغفل وقيل الحكم بن عمرو الغفاري .
وقد تكلم على هذا الحديث ابن حزم بكلام أخطأ فيه .
ورد عليه ابن مفوز وابن القطان وغيرهما .
وقد كتب الحميدي إلى ابن حزم من العراق يخبره بصحة هذا الحديث .
24 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : حدثنا عبد الله بن محمد بن سعيد المقري قال : حدثنا أبو حاتم الرازي قال : حدثنا معلى بن أسد قال : حدثنا عبد العزيز بن المختار عن عاصم الأحول عن عبد الله بن سرجس ' أن رسول الله نهى أن يغتسل الرجل بفضل المرأة ، والمرأة بفضل الرجل .
ولكن يشرعان جميعا ' ( 1 ) .
ز : رواه ابن ماجة ، وقال : هو وهم .
يعني أن الصواب حديث الحكم بن عمرو .
____________________
(1/34)
ورواه الدارقطني أيضا وقال : خالفه شعبة فرواه من رواية شعبة عن عاصم ، عن عبد الله بن سرجس قال : تتوضأ المرأة وتغتسل من فضل غسل الرجل وطهوره ولا يتوضأ الرجل بفضل غسل المرأة ولا طهورها .
قال : هذا موقوف وهو أولى .
وقال البيهقي ( 1 ) : وبلغني عن أبي عيسى الترمذي عن محمد بن إسماعيل البخاري أنه قال : حديث عبد الله بن سرجس في هذا الباب الصحيح هو موقوف ومن رفعه فهو خطأ .
قال المؤلف : اعترضوا على هذه الأحاديث .
أما الأول : فقد قال البخاري : لا أدري حديث سوادة عن الحكم يصح .
وأما الثاني والثالث : فلا يمكن العمل بمطلقه ؛ لأنه يجوز للمرأة أن تتوضأ بما خلا به الرجل .
والجواب : أما قول البخاري : فظن لم يذكر عليه دليلا .
وأما الاعتراض الثاني : فقد حكى شيخنا أبو الحسن بن الزعفراني عن أصحابنا المنع .
وإن سلمنا على المشهور ، قلنا : هذا عام دخله التخصيص بالإجماع أو بدليل .
أما حجتهم :
25 - فقال أحمد : حدثنا وكيع عن سفيان عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس : أن امرأة من أزواج النبي اغتسلت من جنابة فاغتسل النبي - أو توضأ - من فضلها . 26 - قال أحمد : حدثنا عبد الرزاق قال : حدثنا الثوري عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس : أن امرأة من نساء النبي استحمت من جنابة فجاء النبي يتوضأ من فضلها فقالت : إني اغتسلت منه ، فقال : ' إن الماء لا ينجسه شيء ' .
27 - قال أحمد : وحدثنا هاشم بن القاسم حدثنا شريك عن سماك عن عكرمة
____________________
(1/35)
عن ابن عباس عن ميمونة زوج النبي قالت : أجنبت أنا ورسول الله .
فاغتسلت من جفنة ، ففضلت فضلة .
فجاء رسول الله ليغتسل منها .
فقلت : إني قد اغتسلت منها .
قال : ' إن الماء ليس عليه جنابة ، أو لا ينجسه شيء ' ، فاغتسل منه .
قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .
وأجاب أصحابنا عن هذا الحديث : بأنه يحتمل أن يكون مع المشاهدة أو المشاركة .
فيجمع بينه وبين حجتنا .
ز : وقد روى حديث عكرمة عن ابن عباس أيضا : أبو داود وابن ماجة والنسائي والدارقطني وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما ، والحاكم في المستدرك ( 1 ) وقال : صحيح لا يحفظ له علة .
وقال أحمد : أتقيه لحال سماك ليس أحد يرويه غيره .
وقال : هذا فيه اختلاف شديد بعضهم يرفعه وبعضهم لا يرفعه .
وقال : أكثر أصحاب رسول الله يقولون : إذا دخلت المرأة بالماء فلا يتوضأ منه .
وسماك بن حرب احتج به مسلم في صحيحه .
واستشهد به البخاري في الجامع الصحيح .
وقال عبد الرزاق عن الثوري : ما سقط لسماك بن حرب حديث .
وقال صالح بن أحمد عن أبيه : سماك أصلح حديثا من عبد الملك بن عمير .
وقال أبو طالب عن أحمد : مضطرب الحديث .
وقال أحمد بن سعد بن أبي مريم عن يحيى بن معين : ثقة وكان شعبة يضعفه .
وقال ابن المبارك عن الثوري : ضعيف .
وقال العجلي : جائز الحديث إلا أنه كان في حديث عكرمة ربما وصل الشيء عن ابن عباس ، وربما قال : قال رسول الله وإنما كان عكرمة يحدث عن ابن عباس وكان الثوري يضعفه بعض الضعف وكان جائز الحديث لم يترك حديثه أحد ولم يرغب عنه أحد ، كان عالما بالشعر وأيام الناس ، وكان فصيحا .
وقال أبو حاتم : صدوق ثقة .
____________________
(1/36)
وقال ابن المديني : رواية سماك عن عكرمة مضطربة .
وقال زكريا بن عدي عن ابن المبارك : سماك ضعيف في الحديث .
وقال صالح بن محمد البغدادي : يضعف .
وقال النسائي : ليس به بأس وفي حديثه شيء .
وقال ابن خراش : في حديثه لين .
وقال ابن عدي : صدوق لا بأس به .
وقد روى مسلم في صحيحه بإسناده إلى عمرو بن دينار قال : أكبر علمي والذي يخطر على بالي أن أبا الشعثاء أخبرني أن ابن عباس أخبره : ' أن رسول الله كان يغتسل بفضل ميمونة ' ( * ) .
مسألة [ 6 ] :
لا يجوز إزالة النجاسة بمائع غير الماء .
وقال أبو حنيفة : يجوز .
وحجتنا : أن رسول الله أمر باستعمال الماء .
28 - قال أحمد حدثنا بهز حدثنا عكرمة بن عمار حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن عمه أنس بن مالك قال : كان رسول الله قاعدا في المسجد ، إذ جاء أعرابي .
فبال في المسجد .
فقال رسول الله لرجل من القوم : ' قم فائتنا بدلو من الماء . فشنه عليه ' ، فأتى بدلوا من ماء ، فشنه عليه .
____________________
(1/37)
29 - قال أحمد : وحدثنا أبو معاوية حدثنا هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر .
قالت : أتت رسول الله امرأة .
فقالت : يا رسول الله ، المرأة يصيبها من دم حيضها .
فقال : ' لتحته ، ثم لتفرضه بماء ، ثم لتصلي فيه ' .
الحديثان في الصحيحين ( 1 ) .
مسألة [ 7 ] :
لا يجوز الوضوء ( 1 ) بشيء من الأنبذة .
وقال أبو حنيفة : يجوز نبيذ التمر المطبوخ إذا عدم الماء في السفر .
وأصحابنا يستدلون بقوله تعالى : ( ^ فلم تجدوا ماء فتيمموا ) ( 5 : 6 ) وبما .
30 - رواه الترمذي : حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا سفيان عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر أن رسول الله قال : ' الصعيد الطيب طهور المسلم ، وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليمسه بشرته ، فإن ذلك خير ' .
قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .
ز : وروى هذا الحديث أحمد وأبو داود والنسائي وأبو حاتم بن حبان والحاكم ( 1 ) ، وقال : صحيح ولم يخرجاه إذ لم يجدا لعمرو بن بجدان راويا غير أبي قلابة الجرمي .
____________________
(1/38)
وسئل الدارقطني عن هذا الحديث ، فقال يرويه أبو قلابة عن عمرو بن بجدان واختلف عنه فرواه خالد الحذاء عن أبي قلابة ، عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر ولم يختلف أصحاب خالد عنه .
ورواه أيوب السختياني عن أبي قلابة واختلف عنه فرواه مخلد بن يزيد ، عن الثوري عن أيوب وخالد ، عن أبي قلابة عن عمرو بن بجدان ، عن أبي ذر .
وأحسبه حمل حديث أيوب على حديث خالد لأن أيوب يرويه عن أبي قلابة عن رجل لم يسمه عن أبي ذر وذكر كلاما غير هذا ، ثم قال : والقول قول خالد الحذاء ( * ) .
احتج المخالف بحديثين :
أحدهما : عن ابن مسعود .
والثاني : عن ابن عباس .
فأما حديث ابن مسعود فله ستة طرق :
31 - الطريق الأول : قال أحمد : حدثنا عبد الرزاق حدثنا سفيان عن أبي فزارة العبسي حدثنا أبو زيد مولى عمرو بن حريث عن ابن مسعود قال : لما كان ليلة الجن قال لي النبي ' أمعك ماء ؟ ' قلت : ليس معي ماء ، ولكن معي إداوة فيها نبيذ .
فقال النبي : ' تمرة طيبة ، وماء طهور ' .
32 - قال أحمد : وحدثنا يحيى بن زكريا عن إسرائيل عن أبي فزراة عن أبي زيد عن ابن مسعود قال : كنت مع النبي ليلة لقى الجن .
فقال : أمعك ماء ؟ قلت : لا .
فقال : ما هذا في الإداوة ؟ ' قلت : نبيذ .
قال : ' أرنيها . تمرة طيبة وماء طهور ' .
فتوضأ منها .
ثم صلى بنا .
ز : ورواه أبو داود وابن ماجة و [ الترمذي ] ( 1 ) وسيأتي كلامه عليه .
33 - الطريق الثاني : قال أحمد : وحدثنا يحيى بن إسحاق قال : أنبأنا ابن لهيعة عن قيس بن الحجاج عن حنش الصنعاني عن ابن عباس عن عبد الله بن مسعود أنه كان مع رسول الله ليلة الجن .
فقال له النبي : ' يا عبد الله ، أمعك ماء ؟ ' قال : معي نبيذ في إداوة
____________________
(1/39)
قال : ' اصبب علي ' فتوضأ .
فقال النبي : ' يا عبد الله بن مسعود شراب وطهور ' .
34 - الطريق الثالث : قال الدارقطني حدثنا البغوي قال : حدثنا محمد بن عباد المكي حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي رافع عن ابن مسعود : أن النبي قال له ليلة الجن : ' أمعك ماء ؟ ' قال : لا .
قال : ' معك نبيذ ؟ ' قال : نعم فتوضأ به .
35 - الطريق الرابع : قال الدارقطني : حدثنا محمد بن الحسن حدثنا الفضل بن صالح الهاشمي حدثنا الحسين بن عبيد الله العجلي حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي وائل قال : سمعت ابن مسعود يقول : كنت مع النبي ليلة الجن .
فأتاهم ، فقرأ عليهم القرآن .
فقال لي رسول الله في بعض الليل : ' أمعك ماء يا ابن مسعود ؟ ' قلت : لا ، والله يا رسول الله ، إلا إداوة فيها نبيذ .
فقال رسول الله : ' تمرة طيبة وماء طهور . فتوضأ به النبي .
36 - الطريق الخامس : قال الدارقطني : حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق حدثنا محمد بن عيسى بن حبان حدثنا الحسن بن قتيبة حدثنا يونس بن إسحاق عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة وأبي الأحوص عن ابن مسعود قال : مر بي النبي فقال : ' خذ معك إداوة من ماء ' ، ثم انطلق وأنا معه .
فلما فرغت عليه من الإداوة .
إذا هو نبيذ .
فقلت : يا رسول الله ، أخطأت بالنبيذ ؟ فقال : ' تمرة حلوة وماء عذب ' .
37 - الطريق السادس : قال الدارقطني : حدثني محمد بن أحمد بن الحسن حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن أبي حسان حدثنا هشام بن خالد الأزرق قال : حدثنا الوليد حدثنا معاوية بن سلام عن أخيه عن جده أبي سلام عن فلان بن غيلان الثقفي : أنه سمع عبد الله بن مسعود يقول : دعاني رسول الله ليلة الجن بوضوء ، فجئته بإداوة .
فإذا فيها نبيذ ، فتوضأ الرسول .
وأما حديث ابن عباس : فله طريقان :
____________________
(1/40)
38 - الطريق الأول : قال الدارقطني حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق حدثنا يحيى بن عبد الباقي حدثنا المسيب بن واضح حدثنا مبشر بن إسماعيل عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس .
قال : قال النبي : ' النبيذ وضوء لمن لم يجد الماء ' .
39 - الطريق الثاني : قال الدارقطني حدثنا عبد الباقي بن قانع حدثنا السري بن سهل الجنديسابوري حدثنا عبد الله بن رشيد حدثنا أبو عبيدة مجاعة عن أبان عن عكرمة عن ابن عباس .
قال : قال رسول الله : ' إذا لم يجد أحدكم ماء ووجد النبيذ فليتوضأ به ' .
قال المؤلف : ليس في هذه الأحاديث شيء يصح .
أما حديث ابن مسعود : ففي الطريق الأول : أبو زيد وأبو فزارة ، وهما مجهولان .
قال أحمد بن حنبل : أبو فزارة - في حديث ابن مسعود - رجل مجهول .
قال الترمذي : وأبو زيد مجهول عند أهل الحديث لا يعرف له رواية غير هذا الحديث .
قال أبو زرعة : وهذا الحديث ليس بصحيح .
فإن قيل : أبو فزارة ، اسمه راشد بن كيسان ، أخرج عنه مسلم .
وكذلك الدارقطني : أبو فزارة - في حديث النبيذ - اسمه راشد بن كيسان .
فجوابه من وجهين : إحداهما أنهما اثنان . فالمجهول : هو الذي في هذا الحديث ، ودليل هذا قول أحمد : أبو فزارة - في حديث ابن مسعود - مجهول ، فاعلم أنه غير المعروف .
والثاني : أن معرفة اسمه لا تخرجه عن الجهالة .
وأما الطريق الثاني : فتفرد به ابن لهيعة .
قال الدارقطني : لا يحتج بحديثه وفيه حنش . قال ابن حبان : لا يحتج به .
وأما الطريق الثالث : ففيه علي بن زيد ، قال أحمد ويحيى : ليس بشيء .
وقال يحيى ابن سعيد : هو متروك الحديث .
قال الدارقطني : وأبو رافع لم يثبت سماعه من [ ابن مسعود ] . ( 1 )
____________________
(1/41)
وأما الطريق الرابع : ففيه الحسين العجلي . قال الدارقطني : كان يضع الحديث
وقد كذب في هذا على أبي معاوية وعلى الأعمش .
وأما الطريق الخامس : فقال الدارقطني : محمد بن عيسى ضعيف ، والحسن بن قتيبة متروك الحديث .
وأما الطريق السادس : ففيه ابن غيلان .
قال الدارقطني : هو مجهول .
ويرد أصل الحديث : أن في الصحيح عن ابن مسعود : أنه سئل : أكنت مع رسول الله ليلة الجن ؟ فقال : ' لا ' .
وأما حديث ابن عباس : فتفرد بالطريق الأول المسيب بن واضح .
قال الدارقطني : هو ضعيف .
وقد وهم فيه في موضعين : في ذكر ابن عباس ، وفي ذكر النبي .
والمحفوظ : أنه من قول عكرمة ، غير مرفوع إلى النبي ، ولا إلى ابن عباس .
وقد رواه المسيب مرة موقوفا غير مرفوع .
وأما الطريق الثاني : ففيه أبان بن أبي عياش ، وهو متروك .
قال شعبة : لأن أزني أحب إلي من أن أحدث عن أبان .
وقال يحيى : ليس حديثه بشيء .
وقال الدارقطني : هو متروك ، قال : ومجاعة ضعيف ، والمحفوظ أنه عكرمة غير مرفوع .
ز : أبو فزارة في الحديث الأول هو راشد بن كيسان بلا خلاف ، وقد احتج به مسلم في صحيحه وروى له البخاري في الأدب وأبو داود والترمذي وابن ماجة .
وقد روى عن أنس بن مالك ويزيد بن الأصم وجماعة وروى عنه جرير بن حازم والثوري وشريك وغيرهم .
ووثقه يحيى بن معين .
وقال أبو حاتم : صالح .
وقال الدارقطني : ثقة كيس ولم أر له في كتب أهل النقل ذكرا بسوء في دين أو خرمه .
____________________
(1/42)
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم في ترجمته : سمعت أبا زرعة يقول : حديث أبي فزارة ليس بصحيح .
وقال ابن عدي بعد أن روى هذا الحديث : وأبو فزارة مشهور الحديث اسمه راشد بن كيسان .
وما ذكره المؤلف عن الإمام أحمد من أن أبا فزارة مجهول ليس بثابت عنه والظاهر أن الراوي غلط .
وإن قول أحمد إنما هو في أبي زيد .
وأما أبو زيد فقد قال فيه أبو بكر عبد الله بن أبي داود : كان نباذا بالكوفة وهذا يحتمل أن يكون تحسينا لأمر أبي زيد .
فيكون قد ضبط الحديث لكونه نباذا ويحتمل أن يكون تضعيفا له
وقال ابن عدي : سمعت ابن حماد يقول : قال البخاري : أبو زيد الذي روى حديث ابن مسعود أن النبي قال : ' ثمرة طيبة وماء طهور ' رجل مجهول لا يعرف بصحبة عبد الله .
وقال ابن عدي : وأبو زيد مولى عمرو مجهول ، ولا يصح هذا الحديث عن النبي .
وقال الطحاوي : هذا الحديث لا أصل له ، وحكى بعضهم الإجماع على ضعفه وأما حنش الصنعاني في الإسناد الثاني لم يضعفه ابن حبان وإنما ضعف حنش بن المعتمر ، ويقال ابن ربيعة الكناني الكوفي . والمحفوظ : أنه رأي عكرمة ، غير مرفوع .
وقد احتج مسلم بحنش الصنعاني ، وروى له أصحاب السنن .
ووثقه أبو زرعة وأحمد بن عبد الله العجلي .
وأما ابن لهيعة فقد قال أحمد : من مثله بمصر في كثرة حديثه وضبطه .
وقال مسلم : تركه وكيع ويحيى القطان وابن مهدي .
وقال أبو زرعة : كان لا يضبط . وليس بحجة .
وقال ابن معين : ليس بذاك القوي .
وقال النسائي : ليس بثقة .
وقد تكلم المؤلف على الباقي بما فيه الكفاية .
قال : وقد احتج الخصم بآثار :
منها : أن عليا رضي الله عنه أجاز الوضوء بالنبيذ .
وهذا من رواية الحارث الأعور .
وقال علي بن المديني : الحارث كذاب .
ومن رواية مزيدة بن جابر .
قال أبو زرعة : ليس بشيء .
ومنها : قول ابن عباس في ذلك .
وهو من رواية عبد الله بن محرز .
____________________
(1/43)
قال الدارقطني : هو متروك الحديث
ومنها : قول أبي العالية ، ولا يثبت عنه .
قال أبو خلدة : سألت أبا العالية عن رجل [ ليس ] ( 1 ) عنده ماء ، وعنده نبيذ ، أيغتسل به من جنابته ؟ قال : لا .
فذكرت [ له ] ( 2 ) ليلة الجن .
فقال : أنبذتكم هذه الخبيثة ؟ إنما كان [ ذلك ] ( 3 ) زبيبا وماء .
قال هبة الله الطبري : أحاديث الوضوء بالبيذ وضعت على أصحاب ابن مسعود عند ظهور العصبية .
مسألة [ 8 ] :
لا يكره الوضوء بالماء المشمس .
وقال الشافعي : يكره .
واحتج أصحابه بحديثين : أحدهما عن عائشة .
والثاني عن أنس .
فأما حديث عائشة : فله أربع طرق :
40 - الطريق الأول : أخبرنا به محمد بن عبيد الله بن نصر قال أنبأنا عبد الله بن علي بن زكريا أنبأنا علي بن محمد بن بشران حدثنا إسماعيل بن محمد الصفار حدثنا سعدان بن نصر حدثنا خالد بن إسماعيل عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : أسخنت ماء في الشمس .
فقال النبي : ' لا تفعلي يا حميراء
فإنه يورث البرص ' .
41 - الطريق الثاني : قال الدارقطني حدثنا محمد بن الفتح القلانسي حدثنا أحمد بن عبيد بن ناصح حدثنا الهيثم بن عدي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي نحو
____________________
(1/44)
الحديث الذي قبله .
42 - الطريق الثالث : قال الدارقطني : حدثنا محمد بن الفتح القلانسي حدثنا محمد بن الحسين بن سعيد البزار حدثنا عمرو بن خالد حدثنا ابن محمد الأعسم حدثنا فليح عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : نهى رسول الله أن يتوضأ بالماء المشمس ، أو يغتسل به .
وقال : إنه يورث البرص .
43 - الطريق الرابع : قال ابن حبان الحافظ : حدثنا عمر بن سفيان حدثنا أحمد بن الفضل الصائغ حدثنا نوح بن الهيثم حدثنا وهب بن وهب عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة .
قالت : أسخنت لرسول الله ماء في الشمس .
فقال : ' لا تعودي يا حميراء ، فإنه يورث البرص ' .
44 - وأما حديث أنس : فروى العقيلي حدثنا صالح بن شعيب قال حدثنا إسماعيل ابن عبد الله بن زرارة حدثنا علي بن هاشم الكوفي حدثنا سوادة عن أنس أنه سمع رسول الله يقول : ' لا تغتسلوا بالماء الذي سخن في الشمس فإنه يعدي من البرص ' .
هذان حديثان ليس فيهما ما يصح عن رسول الله .
أما حديث عائشة : ففي طريقه الأول : خالد بن إسماعيل .
قال ابن عدي الحافظ : كان يضع الحديث على ثقات المسلمين .
وقال أبو حاتم بن حبان الحافظ : لا يحتج به بحال .
وقال الدارقطني : متروك .
وفي طريقه الثاني : الهيثم بن عدي .
قال يحيى بن معين : كان يكذب .
وقال النسائي والرازي : متروك الحديث .
وقال السعدي : ساقط قد كشف قناعه .
وأما الطريق الثالث : ففيه عمرو بن الأعشم .
قال الدارقطني : لم يروه عن فليح غيره ، وهو منكر الحديث .
وقال ابن حبان : يروي عن الثقات المناكير ويضع أسامي للمحدثين ، لا يجوز الاحتجاج به بحال .
____________________
(1/45)
وفي الطريق الرابع : وهب بن وهب ، وكان من رؤساء الكذابين .
قال أبو بكر بن عياش وابن المديني وأبو حاتم الرازي : كان كذابا .
وقال أحمد بن حنبل : كان كذابا يضع الحديث .
وقال يحيى بن معين : كان كذابا خبيثا ، كان عامة الليل يضع الحديث .
وقال عثمان بن أبي شيبة : ذاك دجال .
وقال السعدي : كان يكذب ويجسر .
وقال عمرو بن علي الفلاس : كان يكذب ويحدث بما ليس له أصل . وقال الدارقطني : كذاب متروك .
وأما حديث أنس : ففيه سوادة ، وهو مجهول .
وفيه علي بن هاشم .
قال ابن حبان : كان يروي المناكير عن المشاهير .
ز : وروى الشافعي : ثنا إبراهيم بن محمد .
عن صدقة بن عبد الله . عن أبي الزبير . عن جابر أن عمر كان يكره الاغتسال بالماء المشمس ، وقال إنه يورث البرص ( 1 ) .
إبراهيم بن محمد هو ابن أبي يحيى ، وقد كذبه مالك ويحيى القطان ويحيى بن معين وغيرهم .
ووثقه الشافعي وابن الأصبهاني وغيرهما . وقال البخاري : تركه ابن المبارك والناس .
وصدقة بن عبد الله ، ضعفه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ، وابن نمير ، والبخاري والنسائي ، والدارقطني ، وغيرهم . وقال عثمان الدارمي عن دحيم : ثقة .
وقال أبو زرعة الدمشقي عن دحيم : مضطرب الحديث ضعيف .
وقال ابن أبي حاتم عن أبيه : محله الصدق . وقال الكناني عن أبي حاتم : لا يحتج به .
وروى الدارقطني : وثنا أبو سهل بن زياد ثنا إبراهيم الحربي ، ثنا داود بن رشيد ثنا إسماعيل بن عياش حدثني صفوان بن عمرو عن حسان بن أزهر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : لا تغتسلوا بالماء المشمس فإنه يورث البرص ( 2 ) .
وقال أبو نصر بن الصباغ في كتاب الشامل : روي عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة فذكر الحديث المتقدم .
وهذا غلط فاحش لا يعرف هذا الحديث من رواية مالك أصلا بإسناد صحيح .
قال البيهقي : روي بإسناد منكر عن ابن وهب عن مالك عن هشام ولا يصح ( * ) .
____________________
(1/46)
مسألة [ 9 ] :
إذا مات في الماء ما ليست له نفس سائلة لم ينجس .
خلافا لأحد قولي الشافعي .
لنا حديثان :
45 - الحديث الأول : قال البخاري : حدثنا قتيبة حدثنا إسماعيل بن جعفر عن عتبة بن مسلم عن عبيد ( 1 ) بن حنين عن أبي هريرة أن رسول الله قال : ' إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله .
ثم ليطرحه فإن في أحد
جناحيه شفاء ، وفي الآخر داء ' .
انفرد بإخراجه البخاري ( 2 ) .
46 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : حدثني محمد بن حميد بن سهيل حدثنا أحمد ابن أبي الأخيل الحمصي حدثني أبي قال : حدثنا بقية حدثني سعيد بن أبي سعيد عن بشر بن منصور عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن سلمان قال : قال رسول الله ' يا سلمان ، كل طعام وشراب وقعت فيه دابة ليس لها دم ، فماتت فيه ، فهو حلال أكله وشربه ووضوؤه ' .
قال الدارقطني : لم يروه غير بقية عن سعيد بن أبي سعيد الزبيدي ، وهو ضعيف .
وقال ابن عدي : سعيد مجهول ، وعامة أحاديثه ليس بمحفوظة .
____________________
(1/47)
ز : وروى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله قال : ' في أحد جناحي الذباب سم والآخر شفاء فإذا وقع في الطعام فاملكوه فيه فإنه يقدم السم ويؤخر الشفاء ' .
رواه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة وهذا لفظه ، وهو أتم . ورواه أبو حاتم بن حبان البستي ( 1 ) وهو من رواية سعيد بن خالد القارظي وقد ضعفه النسائي .
وقال الدارقطني : مدني يحتج به .
وذكره ابن حبان في كتاب الثقات .
مسألة [ 10 ] :
آسار سياع البهائم نجسة في إحدى الروايتين .
و [ في ] ( 1 ) الأخرى طاهرة .
كقول مالك والشافعي .
لنا : حديث ابن عمر المتقدم ' إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا ' .
احتجوا بأربعة أحاديث :
أحدهما : قوله عليه السلام : ' الماء طهور لا ينجسه إلا ما غير لونه ' وقد تقدم الحديث .
47 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : حدثني الحسن بن أحمد بن صالح حدثنا علي ابن الحسين بن هارون البلدي حدثنا إسماعيل بن الحسن الحراني قال : حدثنا أيوب بن خالد الحراني حدثنا محمد بن علوان عن نافع عن ابن عمر قال : خرج رسول الله في بعض أسفاره ، فسار ليلا .
فمروا على رجل جالس عند مقراة له .
فقال عمر : يا صاحب المقراة ، أولغت السباع الليلة في مقراتك ؟ فقال له النبي : ' يا صاحب المقراة ، لا تخبره . هذا
____________________
(1/48)
متكلف .
لها ما حملت في بطونها .
ولنا ما بقي شراب وطهور ' .
قال ابن عدي : أيوب بن خالد حدث عن الأوزاعي بالمناكير .
ز : هذا حديث منكر ، ومحمد بن علوان ضعيف ، وأيوب بن خالد ، قال الحاكم أبو أحمد : لا يتابع في أكثر أحاديثه .
وقال القاسم بن زكريا المطرز عن إبراهيم بن هانئ ثنا أيوب بن خالد الحراني وكان ثقة .
وذكره ابن حبان في الثقات .
وهذا الحديث رواه مالك في الموطأ [ موقوفا ] ( 1 ) : مر عمر وعمرو بن العاص بحوض فقال عمرو : يا صاحب الحوض يرد على حوضك السباع ؟ فقال عمر : يا صاحب الحوض لا تخبرنا فإنا نرد عليها وترد علينا .
وفي إسناده إنقطاع .
48 - الحديث الثالث : قال الدارقطني حدثنا محمد بن مخلد حدثنا أبو سيار محمد بن عبد الله بن المستورد قال : حدثني أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا ابن وهب حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء عن أبي هريرة قال : سئل رسول الله عن الحياض التي تكون فيما بين مكة والمدينة ؟ فقيل له : إن الكلاب والسباع ترد عليها ، فقال : ' لها ما أخذت في بطونها ، ولنا ما بقي شراب وطهور ' .
[ عبد الرحمن ] ( 1 ) بن زيد ضعيف بإجماعهم ضعفه أحمد بن حنبل وعلي بن المديني وأبو داود وأبو زرعة الرازي والدارقطني .
وقال ابن حبان : كان يقلب الأخبار وهو لا يعلم ، فيرفع المراسيل ويسند المواقيف ، فاستحق الترك .
ز : وقد روى هذا الحديث ابن ماجة في سننه من حديث أبي سعيد الخدري وفي إسناده عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أيضا ، ولم يتفقوا على تضعيفه ، بل قال ابن عدي : له أحاديث حسان ، وصدقة بعضهم وهو ممن يكتب حديثه .
49 - الحديث الرابع : قال الدارقطني : حدثنا أبو بكر النيسابوري حدثنا الربيع بن
____________________
(1/49)
سلميان قال : أنبأنا الشافعي حدثنا سعيد بن سالم عن كثير بن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن أبيه عن جابر قال : قيل لرسول الله : أنتوضأ بما أفضلت الحمر ؟ قال : ' وبما أفضلت السباع ' .
قال ابن حبان : داود بن الحصين ، حدث عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات ، تجب مجانبة روايته .
وقد روى هذا الحديث عنه رجلان : إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة .
قال البخاري : عنده مناكير .
وقال النسائي : ضعيف .
وقال يحيى : ليس بشيء .
والثاني : إبراهيم بن أبي يحيى ، وقد كذبه مالك ويحيى بن معين .
وقال الدارقطني : هو متروك .
ز : داود بن الحصين : احتج به البخاري ومسلم في صحيحيهما .
ووثقه ابن معين وغيره .
وقال أبو زرعة : لين .
وقال أبو حاتم : ليس بالقوي ولولا أن مالكا روى عنه لترك حديثه .
وقال النسائي : ليس به بأس .
وقال ابن عدي : صالح الحديث . وذكره ابن حبان في كتاب الثقات أيضا .
وقال : كان يذهب مذهب الشراة وكل من ترك حديثه على الإطلاق وهم لأنه لم يكن داعية إلى مذهبه والدعاة تجب مجانبة روايتهم على الأحوال فأما من انتحل بدعة ولم يدع إليها وكان ثبتا كان جائز الشهادة يحتج بروايته فإن وجب ترك حديثه وجب ترك حديث عكرمة لأنه كان يرى مذهب الشراة مثله .
وحصين والد داود .
قال البخاري وأبو حاتم : حديثه ليس بالقائم .
زاد أبو حاتم : ضعيف .
وقال ابن حبان : اختلط في آخر عمره حتى كان لا يدري ما يحدث به واختلط حديثه القديم بحديثه الأخير فاستحق الترك .
وإبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة وثقه الإمام أحمد .
وقال عثمان بن سعيد عن يحيى : صالح يكتب حديثه ولا يحتج به .
وقال الدارقطني : متروك .
وقال ابن عدي : هو صالح في باب الرواية .
ويكتب حديثه مع ضعفه .
وسعيد بن سالم القداح شيخ صدوق أكثر عنه الشافعي ، ووثقه يحيى بن معين .
وقال عثمان الدارمي : ليس بذاك .
وقال أبو داود : صدوق .
وقال ابن عدي : حسن الحديث وأحاديثه مستقيمة .
وإبراهيم بن أبي يحيى تقدم بعض الكلام عليه في الماء المشمس .
والله أعلم ( * ) .
____________________
(1/50)
مسألة [ 11 ] :
البغل والحمار نجسان .
وكذلك جوارح الطير .
وقال مالك والشافعي : طاهرة .
لنا ما :
50 - روى البخاري : حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن عمرو عن محمد بن علي عن جابر بن عبد الله قال : نهى رسول الله يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية .
ورخص في الخيل .
51 - وقال النسائي : أنبأنا محمد بن عبد الله بن يزيد قال : حدثنا سفيان عن أيوب عن محمد عن أنس قال : أتانا منادي رسول الله فقال : إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر .
فإنها رجس .
52 - وقال أبو بكر بن عبد العزيز بن جعفر : حدثنا الخلال قال : حدثنا علي بن جابر حدثنا فزارة حدثنا أبو مالك [ الخشني ] ( 1 ) عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال : كنت ردف النبي على حمار له .
فأصاب ثوبي من عرفه .
فأمرني رسول الله أن أغسله .
جويبر ليس بشيء ، والضحاك لم يلق ابن عباس .
احتج الخصم بقوله : ' أنتوضأ بما أفضلت الحمر ؟ ' وقد تقدم في المسألة قبلها .
____________________
(1/51)
مسألة [ 12 ] :
الكلب والخنزير نجسان ، وسؤرهما نجس .
وقال مالك وداود : طاهران .
لنا : ثلاثة أحاديث .
53 - الحديث الأول : قال البخاري حدثنا عبد الله بن يوسف أنبأنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله قال : ' إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا ' .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
54 - طريق آخر : قال أحمد : حدثنا يزيد أنبأنا هشام بن حسان عن محمد عن أبي هريرة عن النبي قال : ' إذا ولغ الكلب في إناء غسل سبع مرات ، أولاهن بالتراب ' .
انفرد بإخراجه مسلم ( 1 ) .
55 - طريق آخر : قال الدارقطني حدثنا أبو بكر النيسابوري حدثنا محمد بن يحيى
____________________
(1/52)
حدثنا إسماعيل بن الخليل حدثنا علي بن مسهر عن الأعمش عن أبي صالح وأبي رزين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليهرقه ، وليغسله سبع مرات ' .
قال الدارقطني : إسناده حسن ، ورواته كلهم ثقات .
ز : رواه مسلم عن علي بن حجر عن أبي مسهر ولفظه : ' فليرقه ثم ليغسله سبع مرات ' .
قال : وحدثني محمد بن الصباح ، ثنا إسماعيل بن زكريا عن الأعمش بهذا الإسناد مثله ولم يقل فيه ' فليرقه ' ( 1 ) ( * ) .
56 - الحديث الثاني : قال أحمد : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة عن أبي التياح قال سمعت مطرفا يحدث عن عبد الله بن مغفل عن النبي أنه قال في الإناء : ' إذا ولغ فيه الكلب : اغسلوه سبع مرات ، وعفروه الثامنة في التراب ' .
انفرد بإخراجه البخاري .
ز : لم يخرج هذا الحديث البخاري وإنما أخرجه مسلم ( 1 ) ( * ) .
57 - الحديث الثالث : قال الدراقطني : حدثنا محمد بن أحمد بن زيد الحنائي حدثنا محمود بن محمد المروزي حدثنا الخضر بن أصرم حدثنا الجارود عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن هبيرة عن علي قال : قال رسول الله : ' إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا ، إحداهن بالبطحاء ' .
فإن قالوا : فقد رواه أبو هريرة ، فقال : ' ثلاثا أو خمسا '
قلنا : سيأتي جوابه في المسألة بعدها .
ز : محمود بن محمد المروزي ، ذكره الخطيب في التاريخ وحسن حاله ، والخضر بن
____________________
(1/53)
أصرم ليس هو بالمشهور ولم يذكره ابن حبان في كتابه .
والجارود هو ابن يزيد أبو علي العامري النيسابوري كذبه أبو أسامة .
وأبو حاتم الرازي .
وقال البخاري : منكر الحديث .
وقال أبو داود : غير ثقة .
وقال النسائي والدراقطني : متروك .
وهبيرة ( 1 ) قال فيه أبو حاتم الرازي : شبيه بالمجهولين .
وقال ابن خراش : ضعيف .
والله أعلم .
احتجوا بالحديث المتقدم : سئل عن حياض تردها الكلاب والسباع ؟ وقد سبق هذا .
مسألة [ 13 ] :
يجب العدد في الولوغ سبعا .
وبه قال الشافعي ومالك .
وقال أبو حنيفة : لا يجب العدد بل يعتبر غلبة الظن .
لنا : قوله عليه الصلاة والسلام : فليغسله سبعا ' وقد تقدم .
احتجوا بما :
58 - قال الدارقطني : حدثنا جعفر بن محمد بن نصير حدثنا الحسن بن علي المعمري حدثنا عبد الوهاب بن الضحاك حدثنا إسماعيل بن عياش عن هشام بن عروة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي - في الكلب يلغ في الإناء - ' إنه يغسله ثلاثا ، أو خمسا ، أو سبعا ' .
____________________
(1/54)
والجواب : قال الدراقطني : تفرد به عبد الوهاب ، وهو متروك الحديث . وإسماعيل ابن عياش ضعيف .
قال أبو حاتم بن حبان : لا يحتج بحديثه .
وقد رواه ( 1 ) الدراقطني عن أبي هريرة موقوفا أنه قال : ' يغسل ثلاثا ' ثم قال : لم يروه غير عبد الملك عن عطاء .
والصحيح : ' سبع مرات ' .
قالوا : فقد رفعه حسين الكرابيسي .
قلنا : لم يرفعه غيره .
ولا يحتج بحديثه .
ز : حسين الكرابيسي فقيه صاحب تصانيف .
قال فيه الأزدي : ساقط لا يرجع إلى قوله .
وقال الخطيب : حديثه يعز جدا ، إلا أن أحمد تكلم فيه بسبب مسألة اللفظ .
وقال ابن عدي بعد أن روى هذا الحديث من رواية حسين الكرابيسي عن إسحاق الأزرق ، عن عبد الملك موقوفا : والحسين الكرابيسي له كتب مصنفة ، وذكر فيها اختلاف الناس في المسائل ، وكان حافظا لها ، وذكر في كتبه أخبارا كثيرة ولم أجد له منكرا غير ما ذكرت من الحديث والذي حمل أحمد بن حنبل عليه من أجل اللفظ في القرآن ، وأما في الحديث فلم أجد فيه بأسا ( * ) .
مسألة [ 14 ] :
يجب غسل الأنجاس سبعا .
خلافا لهم في قولهم : لا يجب العدد .
فأبو حنيفة : يعم جميع النجاسات .
والشافعي : يوجب العدد في نجاسة الكلب والخنزير ، ويسقطها فيما عدا ذلك .
____________________
(1/55)
ومالك : يوجب العدد في الولوغ تعبدا ، ولا يعتبر العدد في النجاسات .
لنا : الحديث المتقدم ، وأنه أمر في الولوغ بسبع .
احتجوا بما :
59 - رواه أحمد : حدثنا حسين بن محمد حدثنا أيوب بن جابر عن عبد الله بن عصمة عن ابن عمر ، قال : كانت الصلاة خمسين ، والغسل من الجنابة سبع مرار ، والغسل من البول سبع مرار .
فلم يزل رسول الله يسأل حتى جعلت الصلاة خمسا ، والغسل من الجنابة مرة .
والغسل من البول مرة .
والجواب : أما عبد الله بن عصمة ، فإن شريك بن عبد الله يقول : ابن عصم .
قال ابن حبان : وهو منكر الحديث ، يحدث عن الأثبات بما لا يشبه حديث الثقات حتى يسبق إلى القلب أنها موهومة أو موضوعة .
وأما أيوب بن جابر : فقال يحيى بن معين : ليس بشيء .
وقال أبو زرعة : واهي الحديث .
وقال النسائي : ضعيف .
ز : روى هذا الحديث أبو داود والطبراني وقال : لم يروه عن ابن عمر إلا عبد الله بن عصم تفرد به أيوب بن جابر وقال عبد الله بن عصم ويقال ابن عصمة أبو علوان الحنفي العجلي حديثه في أهل الكوفة وثقه يحيى بن معين .
وقال أبو زرعة : ليس به بأس .
وقال أبو حاتم : شيخ .
وذكره ابن حبان في الثقات أيضا ، وقال : يخطئ كثيرا .
وقال ابن عدي : له أحاديث أنكرتها .
وأيوب بن جابر قال أحمد : يشبه حديثه حديث أهل الصدق .
وقال أحمد بن عصام الأصبهاني : كان علي بن المديني يضع حديث أيوب بن جابر .
وقال الفلاس : صالح .
وقال أبو حاتم : ضعيف الحديث .
وقال ابن عدي : أحاديثه متقاربة يحمل بعضها بعضا [ وهو ] ( 1 ) ممن يكتب حديثه ( * ) .
____________________
(1/56)
مسألة [ 15 ] :
غسالة النجاسة إذا انفصلت غير متغيرة ، بعد طهارة المحل .
فهي طاهرة ، وكذلك البول على الأرض ونحوه ، إذا كوثر بالماء ولم يتغير الماء ، فإنه يحكم بطهارة الماء والمكان .
وهو قول مالك والشافعي .
وقال أبو حنيفة : ذلك نجس .
ويتخرج لنا نحوه .
لنا : حديث الأعرابي : ' صبوا على بول الأعرابي ذنوبا من ماء ' وقد سبق بإسناده ، ولو كان نجسا لكان أمرا بزيادة تنجيس المسجد .
احتجوا بثلاثة أحاديث :
60 - الأول : قال الدارقطني : حدثنا محمد بن مخلد حدثنا أبو داود السجستاني حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا جرير بن حازم قال سمعت عبد الملك بن عمير يحدث عن عبد الله ابن معقل بن مقرن قال : قام أعرابي إلى زاوية من زوايا المسجد ، فاكتشف فبال فيها .
فقال النبي : ' خذوا ما بال عليه من التراب فألقوه ، وأهريقوا على مكانه ' .
قال الدارقطني : عبد الله بن معقل تابعي ، فهو مرسل .
وقال أحمد بن حنبل : هذا حديث منكر .
وقال أبو داود السجستاني : وقد روي مرفوعا ، ولا يصح .
61 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : حدثنا عبد الوهاب بن عيسى بن أبي حية حدثنا أبو هشام الرفاعي محمد بن يزيد حدثنا أبو بكر بن عياش حدثنا سمعان بن مالك عن أبي وائل عن عبد الله قال : جاء أعرابي ، فبال في المسجد ، فأمر رسول الله بمكانه فاحتقر ،
____________________
(1/57)
وصب عليه دلو من ماء .
قال أبو زرعة : هذا الحديث منكر ، وسمعان ليس بالقوي .
قلت : وأبو هشام الرفاعي ضعيف .
قال البخاري : رأيتهم مجمعين على ضعفه .
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم : لا أصل لهذا الحديث .
62 - الحديث الثالث : رواه أبو محمد بن صاعد عن عبد الجبار بن العلاء عن أبي عيينة عن يحيى بن سعيد عن أنس : أن أعرابيا بال في المسجد .
فقال النبي ' احفروا مكانه ، ثم صبوا عليه ذنوبا من ماء ' .
قال الدارقطني : وهم عبد الجبار على ابن عيينة ؛ لأن أصحاب ابن عيينة الحفاظ رووه عنه عن يحيى بن سعيد ، فلم يذكر أحد منهم الحفر .
وإنما روى ابن عيينة هذا عن عمرو بن دينار عن طاوس أن النبي قال : ' احفروا مكانه ' مرسلا .
واختلط على عبد الجبار المتنان .
مسألة [ 16 ] :
لا يكره سؤر الهرة .
وقال أبو حنيفة : يكره .
لنا حديثان .
أحدهما : عن [ أبي ] ( 1 ) قتادة .
63 - قال أحمد حدثنا إسحاق بن عيسى أخبرني مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي
____________________
(1/58)
طلحة عن حميدة ابنة عبيد بن رفاعة عن كبشة ابنة كعب بن مالك - وكانت تحت ابن أبي قتادة أن أبا قتادة دخل عليها ، فسكبت له وضوءا .
فجاءت هرة لتشرب منه ، فأصغى لها الإناء حتى شربت .
قالت كبشة : فرآني أنظر إليه ، فقال : أتعجبين يا ابنه أخي ؟ فقلت : نعم .
قال : إن النبي قال : ' إنها ليست بنجس ، إنها من الطوافين عليكم والطوافات ' .
قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .
ز : وروى هذا الحديث أيضا أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجة ، والنسائي ( 1 ) .
ولفظ الترمذي : ' إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات ' .
وأخرجه أبو بكر بن خزيمة وأبو حاتم بن حبان في صحيحيهما .
وقال البخاري : جود مالك بن أنس هذا الحديث ، وروايته أصح من رواية غيره .
ورواه الدارقطني وقال إسناد حسن ، ورواته ثقا معروفون .
ورواه الحاكم في المستدرك وقال : هذا حديث صحيح ولم يخرجاه عن أنهما على ما أصلاه في تركه غير أنهما قد شهدا جميعا لمالك بن أنس أنه الحكم في حديث المدنيين وهذا ( 2 ) الحديث مما صححه مالك واحتج به في الموطأ ومع هذا فإن له شاهد بإسناد صحيح ثم ساقه من حديث سليمان بن مسافع ( * ) .
64 - الحديث الثاني : عن عائشة - رضي الله عنها - قال الدارقطني : حدثنا الحسين ابن إسماعيل حدثنا محمد بن إدريس أبو حاتم حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي جعفر الرازي حدثنا سليمان بن مسافع الحجبي عن منصور بن صفية عن أمه عن عائشة أن النبي قال : ' إنها ليست بنجس ، هي كبعض أهل البيت ' .
يعني الهر .
65 - قال الحسين بن إسماعيل : وحدثنا محمد بن إسحاق حدثنا محمد بن عمر حدثنا عبد الحميد بن عمران بن أبي أنس عن أبيه عن عروة عن عائشة عن النبي : أنه كان يصغي إلى الهرة الإناء حتى تشرب ثم يتوضأ بفضلها .
____________________
(1/59)
ز : قال الدارقطني في هذا الحديث : إسناد حسن .
ورواه الحاكم وصححه .
وسليمان بن مسافع لا يعرف ولم يذكره ابن أبي حاتم في كتابه .
وقد ذكره العقيلي في كتاب الضعفاء ، وروى هذا الحديث في ترجمته وقال : لا يتابع عليه .
وروى هذا الحديث ابن خزيمة في صحيحه من طريقه .
وفي الإسناد الثاني : الواقدي وهو ضعيف .
وروى داود بن صالح بن دينار التمار عن [ أمه ] ( 1 ) أن مولاتها أرسلتها إلى عائشة بهريسة فوجدتها تصلي فأشارت إلي أن ضعيها فجاءت هرة فأكلت منها ، فلما انصرفت أكلت من حيث أكلت الهرة ، فقالت : إن النبي قال : ' إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم ' وقد رأيت رسول الله يتوضأ بفضلها رواه أبو داود ، والدارقطني وقال : رفعه الدراوردي عن داود بن صالح ورواه عنه هشام بن عروة فوقفه على عائشة .
وقال الخطيب في التاريخ : أنا علي بن يحيى بن جعفر الإمام - بأصبهان - ثنا سليمان ابن أحمد الطبراني ، ثنا عمر بن حفص السدوسي ، ثنا سلم بن المغيرة الأزدي ، ثنا مصعب ابن ماهان ثنا سفيان ، عن هشام عن أبيه ، عن عائشة قالت : توضأ رسول الله من إناء واحد قد أصابته الهر قبل ذلك .
قال الخطيب : تفرد برواية هذا الحديث عن سفيان الثوري : مصعب بن ماهان ولم أره إلا من حديث [ سلم بن ] ( 2 ) المغيرة [ عنه ] ( 3 ) .
ورواه مؤمل بن إسماعيل وعمرو بن محمد بن أبي رزين عن الثوري عن أبي الرجال عن أمه عمرة عن عائشة .
أنا البرقاني قال : قال لنا أبو الحسن الدارقطني سلم بن المغيرة يكنى أبا حنيفة وهو بغدادي وليس بالقوي .
وقال البيهقي : أنبأ أبو سعيد الخطيب ، أنا أبو يحيى البربهاري ثنا بشر بن موسى ثنا الحميدي ثنا سفيان ثنا الركين بن الربيع عن عمة له يقال لها : صفية بنت عميلة أن الحسين بن علي سئل عن سؤر الهرة فلم ير به بأسا .
وعن عائشة أنها قالت : ' كان رسول الله تمر به الهرة فيصغي لها الإناء فتشرب ثم يتوضأ بفضلها ' .
رواه الدارقطني أيضا من رواية عبد الله بن سعيد المقبري قال : وهو ضعيف .
____________________
(1/60)
وقال ابن معين : ليس بشيء .
وقال البخاري : تركوه .
وداود بن صالح التمار ، قال أحمد بن حنبل : لا أعلم به بأسا .
وذكره ابن حبان في الثقات ( * ) .
احتجوا بما :
66 - رواه الترمذي : حدثنا سوار بن عبد الله العنبري حدثنا المعتمر بن سليمان قال : سمعت أيوب عن محمد بن سيرين : عن أبي هريرة عن النبي قال : ' يغسل الإناء إذا ولغ الكلب فيه سبع مرات ، وإذا ولغت الهرة غسل مرة ' .
67 - طريق آخر : قال الدارقطني : حدثنا أبو بكر النيسابوري حدثنا حماد بن الحسن وبكار بن قتيبة قالا : حدثنا أبو عاصم حدثنا قرة بن خالد حدثنا محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' طهور الإناء إذا ولغ فيه الكلب يغسل سبع مرار الأولى بالتراب ، والهرة مرة أو مرتين ' قرة شك .
68 - طريق آخر : قال الدارقطني : حدثنا علي بن محمد المصري حدثنا روح بن الفرج حدثنا سعيد بن عفير حدثنا يحيى بن أيوب عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' يغسل الإناء من المهر كما يغسل من الكلب ' .
69 - طريق آخر : قال العقيلي : حدثنا محمد بن زكريا البلخي حدثنا محمد بن أبان ومحمد بن الصباح قالا : حدثنا وكيع حدثنا عيسى بن المسيب عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله وذكر الهرة - وقال : ' هي سبع ' .
قال المؤلف : هذه الأحاديث لا تصح .
أما الأول ففيه سوار .
قال سفيان الثوري : ليس بشيء .
وأما الثاني والثالث : فلا يصح رفعهما .
____________________
(1/61)
قال الدارقطني : أما حديث أبي عاصم : فقد رواه غيره في ولوغ الهر موقوفا .
والصحيح : قول من وقفه على أبي هريرة في الهر خاصة .
قال : ولا يصح الحديث الآخر عن أبي صالح .
وأما حديث أبي زرعة : ففيه عيسى .
قال يحيى بن معين : ليس بشيء .
وقال العقيلي : لا يتابعه على هذا الحديث إلا من هو مثله أو دونه .
وقال أبو حاتم بن حبان : يقلب الأخبار ولا يعلم ، ويخطىء ولا يفهم ، حتى خرج عن حد الاحتجاج به .
وقد اختلفت الرواية عن أبي هريرة نفسه .
فروى عنه ابن سيرين ' أنه يغسل الإناء من ولوغ الهر مرة ' ، وفي لفظ ' مرتين ' وروى عنه سعيد بن المسيب ' مرتين أو ثلاثا ' وروى عنه عطاء ' سبع مرات ' .
ز : تضعيف المؤلف للطريق الأول : بأن سفيان قال في سوار : ليس بشيء .
وهم فاحش ؛ لأن قول سفيان إنما هو في جد شيخ الترمذي ، وشيخ الترمذي هو سوار بن عبد الله أبو عبد الله البصري القاضي بن القاضي بن القاضي روى عن يحيى القطان وجماعة ، وروى عنه أبو داود والترمذي والنسائي وخلق .
قال أحمد بن حنبل : ما بلغني عنه إلا خيرا .
وقال النسائي : ثقة .
وذكره ابن حبان في كتاب الثقات .
لكن علة الحديث أن مسددا رواه عن معتمر فوقفه ، رواه عنه أبو داود .
وقال البيهقي : أدرجه بعض الرواة في حديثه عن النبي ووهموا فيه ، والصحيح أنه في ولوغ الكلب [ مرفوع ] ( 1 ) وفي ولوغ الهر موقوف .
وقال الترمذي : وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن النبي ولم يذكر فيه : ' إذا ولغت فيه الهرة غسل مرة ' .
وقال الدارقطني في الطريق الثاني : قال أبو بكر - يعني النيسابوري - : كذا رواه أبو عاصم مرفوعا .
ورواه غيره عن قرة : ولوغ الكلب مرفوعا ، وولوغ الهر موقوفا .
ثم قال الدارقطني : ثنا أبو بكر ثنا أحمد بن يوسف السلمي وإبراهيم بن هانىء قالا : ثنا مسلم بن إبراهيم .
ثنا قرة عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة في الهر يلغ في الإناء قال : اغسله مرة
أو مرتين .
وكذلك رواه أيوب عن محمد عن أبي هريرة موقوفا .
وروى الطريق الثالث موقوفا على أبي هريرة أيضا .
فقال : ثنا أبو بكر النيسابوري .
ثنا غيلان بن المغيرة بن أبي مريم ، ثنا يحيى بن أيوب ، قال أخبرني خير بن نعيم ، عن أبي الزبير .
عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : يغسل الإناء من الهر كما يغسل من الكلب .
قال الدارقطني : هذا لا يثبت عن أبي هريرة ويحيى بن أيوب في بعض أحاديثه اضطراب .
وحديث : ' السنور سبع ' .
رواه الإمام أحمد ، والدارقطني ، وقال : تفرد به عيسى ابن المسيب وهو صالح الحديث ( 1 ) .
ورواه الحاكم وقال : صحيح وعيسى صدوق لم يجرح قط .
وقال أبو داود : عيسى ضعيف .
وقال أبو حاتم : ليس بالقوي والله أعلم ( * ) .
مسألة [ 17 ] :
جلود الميتة لا تطهر بالدباغ .
وقال أبو حنيفة والشافعي : تطهر .
لنا أحاديث .
أشهرها حديث ابن عكيم .
____________________
(1/62)
70 - قال أحمد : حدثنا خلف بن الوليد حدثنا عباد بن عباد حدثنا خالد الحذاء عن الحكم بن عتيبة عن ابن أبي ليلى : عن عبد الله بن عكيم قال : أتانا كتاب رسول الله ، وأنا غلام شاب ، قبل موته بشهر أو شهرين : ' أن لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب ' .
ز : وروى هذا الحديث أبو داود والنسائي وابن ماجة وأبو حاتم بن حبان البستي والترمذي وقال : حديث حسن ( 1 ) .
وقال الإمام أحمد : إسناد جيد يرويه يحيى بن سعيد عن شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن عكيم ، وقال مرة : ما أصلح إسناده .
وروى أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني في معجمه الأوسط قال : كتب رسول الله ونحن في أرض جهينة : ' إني كنت رخصت لكم في جلود الميتة فلا تنتفعوا من الميتة بجلد ولا عصب ' .
وهو من رواية فضالة بن مفضل بن فضالة المصري . قال أبو حاتم الرازي : لم يكن بأهل أن يكتب عنه العلم .
وعن عبد الله بن عكيم قال : ثنا مشيخة لنا من جهينة أن النبي كتب إليهم : ' لا ينتفعوا من الميتة بشيء ' . رواه البخاري في تاريخه وأبو حاتم بن حبان في صحيحه .
وقال الترمذي : سمعت أحمد بن الحسن يقول : كان أحمد بن حنبل يذهب إلى هذا الحديث لما ذكر فيه قبل وفاته بشهرين .
وكان يقول : هذا آخر أمر النبي ، ثم ترك أحمد هذا الحديث لما اضطربوا في إسناده حيث روى بعضهم فقال : عن عبد الله بن عكيم عن أشياخ من جهينة هكذا روى الترمذي هذا عن أحمد وهو خلاف المشهور المستفيض عنه .
وروى الحافظ الضياء في المختارة من حديث أبي عبد الله محمد بن مسلم بن وارة ثنا يحيى بن صالح وهو الوحاظي ثنا عياض بن يزيد ثنا عبد الرحمن بن نباتة ، قال سمعت ابن عمر يقول : ' نهى رسول الله أن ينتفع من الميتة بعصب أو أهاب ' .
ذكر ابن أبي حاتم عياض بن يزيد الكلبي عن عبد الرحمن بن نباته ، وعنه يحيى بن صالح الوحاظي ولم يذكر جرحا .
____________________
(1/64)
71 - الحديث الثاني : قال الإمام أحمد حدثنا إسماعيل حدثنا سعيد ( 1 ) عن قتادة عن أبي المليح بن أسامة عن أبيه : ' أن رسول الله نهي عن جلود السباع ' .
ز : رواه أبو داود والنسائي والحاكم وصححه الترمذي ، وزاد : ' أن يفرش ' وعن خالد بن معدان قال : وفد المقدام بن معد يكرب على معاوية فقال له : أنشدك الله هل تعلم أن رسول الله نهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها ؟ قال : نعم .
رواه أبو داود والنسائي وهذا لفظه ( 2 ) .
وعن أبي ريحانة رضي الله عنه قال : نهى رسول الله عن ركوب النمور .
رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة والنسائي .
وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن معاوية إن النبي : نهى عن ركوب النمور .
وعن المقدام بن معد يكرب قال : نهى رسول الله عن الحرير والذهب ومياثر النمور .
رواه أحمد والنسائي .
عن أبي هريرة عن النبي قال : لا تصحب الملائكة رفقة فيها جلد نمر .
رواه أبو داود ( * ) .
72 - الحديث الثالث : رواه أصحابنا من حديث جابر أن رسول الله قال : ' لا ينتفع من الميتة بشيء ' .
ز : وقال صاحب المغني : رواه أبو بكر الشافعي بإسناده عن أبي الزبير عن جابر وإسناده حسن .
وقد رواه ابن وهب في مسنده عن زمعة بن صالح ، عن أبي الزبير عن جابر ولفظه : ' لا تنتفعوا من الميتة بشيء أو لا تنتفعوا بالميتة ' وزمعة فيه كلام .
وللحديث علة ذكرها ابن معوز وغيره .
وقد تقدم من حديث ابن عكيم أيضا ( * ) .
احتج الخصم بأحاديث :
73 - الحديث الأول : قال الإمام أحمد حدثنا محمد بن مصعب حدثنا الأوزاعي عن
____________________
(1/65)
الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال : مر رسول الله بشاة ميتة .
فقال : ' ألا استمتعتم بجلدها ؟ فقالوا : يا رسول الله ، إنها ميتة .
قال : ' إنما حرم أكلها ' أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين .
74 - طريق آخر لهذا الحديث : قال الدارقطني : حدثنا أبو بكر النيسابوري قال : حدثنا إبراهيم بن هانىء حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق حدثنا يحيى بن أيوب عن عقيل عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أن النبي مر بشاة ميتة ، فقال : ' هلا انتفعتم بإهابها ؟ ' قالوا : يا رسول الله ، إنها ميتة .
فقال : ' إنما حرم أكلها .
أو ليس في الماء والقرظ ما يطهرها ' .
قال الدارقطني : وأخبرنا الحسين بن إسماعيل حدثنا أبو عتبة الحمصي .
قال حدثنا بقية بن الوليد ، قال حدثني الزبيدي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أن النبي ' مر بشاة قد نققت فقال : ' ألا استمتعتم بجلدها ؟ ' قالوا : يا رسول الله ، إنها ميتة . قال : ' إن دباغها ذكاتها ' ( 1 ) .
قال الدارقطني : وحدثنا ابن صاعد .
قال : حدثنا أحمد بن أبي بكر المقدمي حدثنا محمد بن كثير العبدي ، حدثنا سليمان بن كثير .
قال : حدثنا الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن النبي بمثل الحديث الذي قبله
وقال : ' دباغها إهابها طهورها ' .
قال : الدارقطني : وحدثنا ابن صاعد ، نا هلال بن العلاء حدثنا عبد الله بن جعفر قال : حدثنا عبيد الله بن عمرو عن إسحاق بن راشد عن الزهري ، بمثل الحديث الذي تقدم .
وقال فيه : ' إنما حرم عليكم لحمها ، ورخص لكم في مسكها ' .
وقال الدارقطني : هذه أسانيد صحاح .
75 - الحديث الثاني : قال الإمام أحمد ، حدثنا سفيان عن زيد بن أسلم عن ابن وعلة عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله يقول : ' أيما إهاب دبغ فقد طهر ' . انفرد بإخراجه مسلم .
____________________
(1/66)
76 - طريق آخر : قال الدارقطني : حدثنا البغوي قال : حدثنا محمد بن بكار حدثنا فليح بن سليمان عن زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن وعلة عن ابن عباس قال : قال رسول الله : ' دباغ كل إهاب طهوره ' .
ز : زعم بعضهم أن حديث ابن وعلة متفق عليه ، وليس كذلك بل انفرد بإخراجه مسلم ولفظه : ' إذا دبغ الإهاب فقد طهر ' .
ولفظ أحمد والترمذي وغيرهما : ' أيما إهاب دبغ فقد طهر ' .
ولمسلم عن عبد الرحمن بن وعلة قال : سألت عبد الله بن عباس قلت : إنا نكون بالمغرب ومعنا البربر والمجوس يؤتى بالكبش قد ذبحوه ونحن لا نأكل ذبائحهم ، ويؤتى بالسقاء يجعلون فيه الودك ، فقال ابن عباس قد سألنا رسول الله عن ذلك فقال : ' دباغه طهوره ' وعن ابن عباس أن سودة زوج النبي قالت : ماتت لنا شاة فدبغنا مسكها ثم مازلنا ننبذ فيه حتى صار شنا .
رواه البخاري . ( * )
77 - الحديث الثالث : قال الإمام أحمد : حدثنا بهز ثنا همام حدثنا قتادة عن الحسن عن جون بن قتادة عن سلمة بن المحبق : أنه كان مع رسول الله في غزوة تبوك ، فأتى على بيت قدامة قربة معلقة .
فسأل : الشراب ، فقيل : إنها ميتة .
فقال : ' ذكاتها طهورها ' .
قال أحمد بن حنبل : جون لا يعرف .
ز : جون هو ابن قتادة بن الأعور بن ساعدة بن عوف بن كعب بن عبد شمس بن سعد ابن زيد مناة بن تميم التميمي ثم العبشمي البصري يقال : إن له صحبة ، ولم يثبت ذلك ، روى عن الزبير بن العوام وشهد معه الجمل وعن سلمة بن المحبق الهذلي حديث : ' ذكاة لأديم دباغه ' .
وحديث : ' إن رجلا وقع على جارية امرأته ' .
على خلاف في ذلك روى عنه الحسن البصري وقتادة إن كان محفوظا .
وقرة بن الحارث البصري ، قال هشيم عن منصور بن زاذان عن الحسن ، عن جون بن قتادة كنا مع رسول الله في بعض أسفاره فمر بعض أصحابه بسقاء معلق فيه ماء فأراد أن
____________________
(1/67)
يشرب فقال له صاحب السقاء أنه جلد ميتة ، فأمسك حتى لحقهم النبي فذكروا ذلك له ، فقال : ' اشربوا فإن دباغ الميتة طهورها ' .
هكذا رواه أحمد بن منيع وشجاع بن مخلد ويحيى بن أيوب المقابري عن هشيم من دون ذكر سلمة بن المحبق فيه ، وذلك معدود في أوهام هشيم .
قال الحافظ أبو عبد الله بن منده : ورواه الحسن بن عرفة وعمرو بن زرارة وغيرهما عن هشيم ، عن منصور ، ويونس بن عبيد وغيرهما ، عن الحسن عن سلمة بن المحبق من غير [ ذكر ] ( 1 ) ابن جون فيه . ورواه قتادة عن الحسن ، عن جون بن قتادة عن سلمة بن المحبق وهو الصحيح ، انتهى ما حكاه ابن منده .
ورواه زكريا بن يحيى زحمويه الواسطي عن هشيم ، عن منصور عن الحسن عن جون ابن قتادة عن سلمة بن المحبق وهو الصحيح فيما حكاه الحافظ أبو نعيم منتصرا لهشيم ردا على من نسب إليه الوهم وهو أبو عبد الله بن منده .
قال في معرفة الصحابة : جون بن قتادة التميمي عداده في أهل البصرة لا تصح له صحبة ولا رواية ، وهم هشيم في حديثه .
وقال أبو نعيم في معرفة الصحابة : جون بن قتادة التميمي يعد في البصريين لا تثبت له صحبة ولا رواية ، ذكره بعض الواهمين في الصحابة ، ونسب وهمه إلى هشيم وهو وهم لأن زكريا بن يحيى زحمويه رواه عن هشيم مجودا يعني بذكر سلمة بن المحبق في إسناده .
قال شيخنا أبو الحجاج رضي الله عنه : قد أصاب ابن منده فيما نسبه إلى هشيم من الوهم لأن ذلك هو المحفوظ عن هشيم رواه غير واحد عنه كذلك .
وأما رواية زحمويه فشاذة عن هشيم ، لكن قد وهم ابن منده في قوله : إن الحسن بن عرفة وعمرو بن زرارة وغيرهما رووه عن هشيم بالإسناد الذي ذكره إنما ذلك الإسناد للحديث الثاني وهو أن رجلا خرج في سفر فبعثت معه امرأته بخادم تخدمه فوقع عليها في سفره وقد اختلف فيه على الحسن أيضا .
رواه أبو مرة واصل بن عبد الرحمن ومنصور بن زاذان ويونس بن عبيد ومبارك بن فضالة وهشام بن حسان ، عن الحسن ، عن سلمة بن المحبق ليس بينهما أحد .
وكذلك رواه محمد بن مسلم الطائفي وحماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن الحسن وتابعهما سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة عن الحسن .
ورواه سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار ، فاختلف عليه فيه : فرواه عبيد الله بن عمر القواريري عنه عن عمرو عن الحسن عن سلمة كما تقدم .
____________________
(1/68)
ورواه العباس بن يزيد النجراني عنه عن عمرو عن الحسن عن رجل عن سلمة .
ورواه بكر بن بكار عن شعبة عن قتادة عن الحسن عن جون بن قتادة ، أو عن رجل عن سلمة ، وقيل عنه بهذا الإسناد عن جون بن قتادة عن سلمة بن المحبق من غير شك .
وقال أبو طالب : سألته - يعني أحمد بن حنبل - عن جون بن قتادة ، قال : لا يعرف .
قلت : يروي غير هذا الحديث .
فقال : لا ، يعني حديث الدباغ .
وقال أبو الحسن بن البراء عن علي بن المديني في هذا الحديث : رواه قتادة عن الحسن عن جون بن قتادة وجون معروف وجون لم يروه عنه غير الحسن إلا أنه معروف وقال في موضع آخر : الذي روى عنهم الحسن من المجهولين فذكرهم ، وذكر فيهم جون بن قتادة .
وقال خليفة بن خياط : أدرك ابن الزبير .
وقال محمد بن سعد : قتادة بن الأعور بن ساعدة بن عوف بن كعب بن عبد شمس وليس عبد شمس إلا في قريش بن سعيد بن زيد مناة بن تميم ، صحب النبي قبل الوفد وكتب له رسول الله كتابا بالشبكة في موضع بالدهناء ، وهو أبو الجون بن قتادة .
وقال ابن عدي : لم يعرف أحمد - بن حنبل غير حديث الدباغ .
وقد ذكرت بذلك الإسناد حديثا آخر وما أظن له غيرهما ، يعني حديث بكر بن بكار .
روى له أبو داود ، والنسائي ، والطبراني حديث الدباغ .
والله أعلم . ( * )
78 - الحديث الرابع : قال الدارقطني ، حدثنا أبو بكر النيسابوري ، حدثنا محمد بن عقيل بن خويلد ، حدثنا حفص بن عبد الله ، حدثنا إبراهيم بن طهمان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله : ' أيما إهاب دبغ فقد طهر ' .
قال الدارقطني : إسناد حسن .
79 - الحديث الخامس : قال الدارقطني : حدثنا محمد بن مخلد ، حدثنا إبراهيم بن الهيثم ، حدثنا علي بن عياش ، قال : حدثنا محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عائشة عن النبي قال : ' طهور كل أديم دباغه ' .
قال الدارقطني : إسناده كلهم ثقات .
____________________
(1/69)
ز : إبراهيم بن الهيثم تكلم فيه ، والمحفوظ حديث زيد عن ابن وعلة .
قال ابن عدي في إبراهيم : حدث ببغداد بحديث الغار عن الهيثم بن جميل عن المبارك بن فضالة عن الحسن ، عن أنس عن النبي فكذبه فيه الناس وواجهوه به وأحاديثه مستقيمة سوى هذا الحديث الواحد الذي أنكروه عليه . ( * )
80 - طريق آخر : قال أحمد : حدثنا إسحاق بن عيسى ، قال : أخبرني مالك عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أمه عن عائشة أن رسول الله أمر أن ينتفع بجلود الميتة إذا دبغت .
ز : رواه أبو داود وابن ماجة والنسائي ( 1 ) وأبو حاتم بن حبان في صحيحه وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب العلل قلت لأبي : ما تقول في هذا الحديث حديث مالك عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أمه ، عن عائشة : أن النبي رخص أن يستمتع بجلود الميتة إذا دبغت ، قلت لأبي : ما تقول في هذا الحديث ؟ قال فيه : أمه من أمه ؟ كأن أنكره من أجل أمه .
وعن عائشة قالت : قال رسول الله : ' استمتعوا بجلود الميتة إذا دبغت ترابا كان أو رمادا أو ملحا أو ما كان ، بعد أن يريد صلاحه ' .
رواه الدارقطني .
وفي إسناده معروف بن حسان .
قال أبو حاتم الرازي : مجهول .
وقال ابن عدي : منكر الحديث ( * ) .
قال المؤلف : ولهم حديث [ يرويه المغيرة بن شعبة ، وحديث ] ( 2 ) ترويه أم سلمة ، كلاهما مطعون فيه .
فلم أر في ذكرهما فائدة ، وأصحابنا يقولون : حديثنا متأخر ، وهو حاظر .
والحظر مقدم .
مسألة [ 18 ] :
صوف الميتة وشعرها طاهر .
____________________
(1/70)
وقال الشافعي : نجس .
استدل أصحابنا بأربعة أحاديث .
أحدها : حديث ابن عباس : ' إنما حرم أكلها ' وقد سبق إسناده ، وأنه في الصحيحين .
81 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : حدثنا محمد بن علي بن إسماعيل الأبلي .
قال : حدثنا أحمد بن إبراهيم البسري .
قال : حدثنا محمد بن آدم ، حدثنا الوليد بن مسلم عن أخيه عبد الجبار بن مسلم عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس .
قال : إنما حرم رسول الله من الميتة لحمها .
فأما الجلد والشعر والصوف : فلا بأس به .
قال الدارقطني : عبد الجبار ضعبف .
ز : وفيه علة أخرى وهي تدليس الوليد بن مسلم .
رواه تمام في فوائده عن أبي الميمون ابن راشد وأبي عبد الله بن مروان وغيرهما عن أبي عبد الملك أحمد بن إبراهيم القرشي هو البسري عن محمد بن آدم .
وقال : لم يسند عبد الجبار غير هذا الحديث .
والله أعلم . ( * )
82 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : حدثنا محمد بن نوح الجنديسابوري ، حدثنا علي بن حرب ، حدثنا سليمان بن أبي هوذة ، أنبأنا زافر بن سليمان عن أبي بكر الهذلي ، أن الزهري حدثهم عن عبيد الله بن عبد الدارقطني : عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله قال : ' ألا كل شيء من الميتة حلال إلا ما أكل منها .
فأما الجلد والشعر والصوف والسن والعظم : فكل هذا حلال لأنه لا يذكى ' .
قال الدارقطني : الهذلي متروك ، وقال غندر : كذاب .
وقال يحيى وعلي : ليس بشيء .
83 - الحديث الرابع : قال الدارقطني : حدثنا أبو طلحة أحمد بن محمد بن عبد الكريم
____________________
(1/71)
قال : حدثنا سعيد بن محمد ، حدثنا أبو أيوب سليمان بن عبد الرحمن حدثنا يوسف بن السفر ، حدثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال : - سمعت أم سلمة تقول : سمعت رسول الله يقول : ' لا بأس بمسك الميتة إذا دبغ .
ولا بأس بصوفها وشعرها وقرنها إذا غسل بالماء ' .
قال الدارقطني : لم يأت به غير يوسف بن السفر ، وهو متروك يكذب .
وقال أبو زرعة والنسائي : هو متروك .
وقال دحيم : ليس بشيء .
وقال ابن حبان : لا يحل الاحتجاج به بحال .
احتج الخصم بما :
84 - روى أبو أحمد بن عدي قال : حدثنا محمد بن الحسن السكوني قال : حدث أحمد بن سعيد البغدادي ، وأنا حاضر قال : حدثنا عبد الله بن عبد العزيز بن أبي رواد .
قال : حدثني أبي عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله : ' ادفنوا الأظفار والدم والشعر . فإنه ميتة ' .
قال ابن عدي : لعبد الله بن عبد العزيز أحاديث لم يتابع عليها .
قال أبو حاتم الرازي : أحاديثه منكرة ، وليس محله عندي الصدق .
وقال علي بن الحسين بن الجنيد : لا يساوي فلسا ، يحدث بأحاديث كذب .
مسألة [ 19 ] :
عظم الميتة نجس .
وقال أبو حنيفة : طاهر .
____________________
(1/72)
واستدل أصحابنا : بقوله : ' لا تنتفعوا من الميتة بشيء ' ( 1 ) .
وقد سبق .
وللخصم حديثان :
85 - أحدهما : حديث يوسف بن السفر ، وقد ذكرناه آنفا .
86 - والثاني : رواه ابن عدي : أنبأنا أبو يعلى حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل [ حدثنا عبد الوارث بن سعيد عن محمد بن جحادة عن حميد الشامي ] ( 1 ) عن سليمان المنبهي عن ثوبان أن رسول الله قال : ' اشتر لفاطمة قلادة من عصب وسوار من عاج ' .
والجواب من وجهين : أحدهما : أن هذا الحديث لا يصح .
حميد وسليمان مجهولان .
قال أحمد : لا أعرف حميدا .
وقال يحيى بن معين : لا أعرف سليمان .
والثاني : أن المراد بالعاج خشب الذبل .
وقال ابن قتيبة : ليس العاج ههنا الذي تعرفه العامة وتخرطه ، من العظم والناب ، ذلك ميتة منهي عنه ، فكيف يتخذ لها منه سوارا ؟ إنما العاج الذبل ، والعاجة الذبلة .
قال ذلك الأصمعي .
ز : روى حديث ثوبان أحمد وأبو داود وابن ماجة في التفسير .
وسليمان المنبهي يقال : إنه سليمان بن عبد الله ذكره ابن حبان في كتاب الثقات .
وقال عثمان الدارمي : قلت ليحيى بن معين حميد الشامي عن سليمان المنبهي ، حديث ثوبان فقال : ما أعرفهما .
وحميد الشامي : قال ابن عدي : يقال حميد بن أبي حميد وإنما أنكر عليه هذا الحديث الواحد ولم أعلم له غيره .
وروى عن حميد : سالم المرادي وصالح بن صالح بن حي وغيلان بن جامع ومحمد ابن جحادة والله أعلم ( * ) .
____________________
(1/73)
مسألة [ 20 ] :
لا يطهر جلد ما لا يؤكل لحمه بذبحه .
وقال أبو حنيفة : يطهر .
وأصحابنا يقولون : هذا ميتة ، ويذكرون أحاديث النهي عن الميتة .
والخصم يحتج بقوله : ' دباغ الأديم ذكاته ' وقد سبق .
مسألة [ 21 ] :
بول ما يؤكل لحمه وروثه طاهر .
وعن أحمد : أنه نجس ، كقول الشافعي .
وقال أبو حنيفة في الحمام والعصافير كقولنا .
وفي البقية كقوله .
لنا : ثلاثة أحاديث .
87 - الحديث الأول : قال البخاري : حدثنا قتيبة ، حدثنا حماد ، عن أيوب ، عن
____________________
(1/74)
أبي قلابة عن أنس بن مالك : أن رهطا من عكل - أو قال : عرينة ، ولا أعلمه إلا قال : عكل - قدموا المدينة . فأمر لهم النبي بلقاح .
وأمرهم أن يخرجوا .
فيشربوا من أبوالها وألبانها ، حتى إذا برؤوا قتلوا الراعي واستاقوا النعم .
فبلغ النبي غدوة ، فبعث الطلب في أثرهم ، فما ارتفع النهار حتى جيء بهم .
فأمر فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم ، وألقوا بالحرة يستسقون فلا يسقون .
قال أبو قلابة : هؤلاء قوم سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم ، وحاربوا الله ورسوله أخرجاه في الصحيحين .
88 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : حدثنا أبو بكر الآدمي أحمد بن محمد بن إسماعيل حدثنا عبد الله بن أيوب المخرمي حدثنا يحيى بن بكير حدثنا سوار بن مصعب عن مطرف بن طريف عن أبي الجهم عن البراء قال : قال رسول الله : ' لا بأس ببول ما أكل لحمه ' .
89 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : حدثنا أبو سهل بن زياد حدثنا سعد بن عثمان الأهوازي حدثنا عمرو بن الحصين حدثنا يحيى بن العلاء عن مطرف عن محارب بن دثار عن جابر عن النبي قال : ' ما أكل لحمه فلا بأس ببوله ' .
الاعتماد على الحديث الأول .
وفي هذين الحديثين مقال .
أما الأول منهما : فقال أحمد ويحيى بن معين والنسائي : سوار متروك الحديث ، وقد اختلف عنه :
فروى الدارقطني : حدثنا محمد بن الحسين بن سعيد حدثنا إبراهيم بن نصر الرازي حدثنا عبد الله بن رجاء قال حدثنا مصعب بن سوار عن مطرف عن أبي الجهم عن البراء قال : قال رسول الله : ' ما أكل لحمه فلا بأس بسؤره ' .
قال الدارقطني : كذا يسميه عبد الله بن رجاء ' مصعب بن سوار ' يقلب اسمه ، وإنما هو سوار بن مصعب .
____________________
(1/75)
وأما الحديث الثاني : ففيه عمرو بن الحصين ، قال أبو حاتم الرازي : ليس بشيء .
وقال الدارقطني : متروك .
وأما يحيى بن العلاء ، فقال أحمد : كذاب يضع الحديث .
وقال الفلاس : متروك الحديث .
ز : روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أنس بن مالك قال : كان النبي يصلي في مرابض الغنم قبل أن يبني المسجد ( 1 ) .
وعن جابر بن سمرة : أن رجلا سأل النبي قال : أصلي في مرابض الغنم ؟ قال : ' نعم ' .
قال أصلي في مبارك الإبل ؟ قال : ' لا ' رواه مسلم ( 2 ) .
وعن البراء بن عازب قال : سئل رسول الله عن الصلاة في مبارك الإبل ، قال : ' لا تصلوا فيها فإنها من الشياطين ' ، وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم ، فقال : ' صلوا فيها فإنها بركة ' رواه أبو داود والإمام أحمد ( 3 ) .
وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطاف الإبل ' .
رواه الإمام أحمد وابن ماجة والترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
وعن عبد الله بن عباس أنه قيل لعمر بن الخطاب : حدثنا عن شأن ساعة العسرة فقال عمر : خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد منزلا أصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستقطع حتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه .
ونجعل ما بقي على كبده ، فقال أبو بكر الصديق : يا رسول الله : إن الله قد عودك في الدعاء خيرا فادع لنا ، قال : ' أتحب ذلك ' ، قال : نعم ، فرفع يديه فلم يرجعهما حتى قالت السماء فأظلمت ثم سكبت ، فملؤوا ما معهم ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جازت العسكر .
رواه الإمام أحمد .
وقال الإمام أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة في صحيحه : ثنا يونس بن عبد الأعلى أنا ابن وهب قال : أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن عتبة بن أبي عتبة عن نافع بن جبير عن عبد الله بن عباس فذكره ( 4 ) .
ورواه أبو حاتم بن حبان البستي عن عبد الله بن محمد بن سلم عن حرملة بن يحيى عن ابن وهب .
ورجاله كلهم مخرج لهم في الصحيح .
وقد سئل الدارقطني فقال : رواه أحمد بن صالح ويونس عن ابن وهب بهذا الإسناد وخالفهم يعقوب بن محمد الزهري فرواه عن ابن وهب ولم يذكر في الإسناد عتبة ، جعله عن سعيد بن [ أبي ] ( 5 ) هلال عن نافع ، والقول فيه قول من ذكر عتبة بن
____________________
(1/76)
أبي عتبة وهو عتبة بن مسلم .
قال ابن خزيمة : لو كان ماء الفرث ( 1 ) إذا عصر نجسا لم يجز للمرء أن يجعله على كبده فينجس بعض بدنه وهو غير واجد لماء طاهر يغسل موضع النجس منه ، فأما شرب الماء النجس عند خوف التلف إن لم يشرب ذلك فجائز إحياء النفس بشرب الماء النجس ، إذ الله جل وعلا قد أباح عند الاضطرار إحياء النفس بأكل الميتة والدم ولحم الخنزير إذا خيف التلف إن لم يأكل ، والدم ولحم الخنزير نجس محرم على المستغني عنه مباح للمضطر إليه لإحياء النفس بأكله .
فكذلك جائز للمضطر إلى الماء النجس أن يحيى نفسه بشرب ماء نجس إذا خاف التلف على نفسه بترك شربه فأما أن يجعل ماء نجسا على بعض بدنه والعلم محيط أنه إن لم يجعل ذلك الماء النجس على [ بدنه لم يخف التلف على نفسه ولا كان في إمساس ذلك الماء النجس بعض بدنه ] ( 2 ) إحياء نفسه بذلك ولا عنده ماء طاهر يغسل ما نجس من بدنه بذلك الماء فهذا غير جائز ولا واسع لأحد أن يفعله .
وعن عبد الله بن مسعود : أن النبي كان يصلي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوس إذ قال بعضهم لبعض أيكم يجيء بسلا جزور بني فلان فيضعه على ظهر محمد إذا سجد .
فانبعث أشقى القوم فجاء به فنظر حتى سجد النبي وضعه على ظهره بين كتفيه وأنا لا أغير شيئا لو كان لي منعه ، قال : فجعلوا يضحكون ويميل بعضهم على بعض ، ورسول الله ساجد لا يرفع رأسه حتى جاءته فاطمة فطرحته عن ظهره فرفع رأسه قال : ' اللهم عليك بقريش ' ثلاث مرات ، فشق عليهم إذ دعا عليهم .
قال : وكانوا يرون أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة ثم سمى : ' اللهم عليك بأبي جهل بن هشام وعليك بعتبة بن ربيعة وبشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط ' وعد السابع فلم يحفظه قال : فو الذي نفسي بيده لقد رأيت الذي عد رسول الله صرعى في القليب قليب بدر .
متفق عليه .
وهذا لفظ البخاري .
وفي رواية له فيعمد إلى فرثها ودمها وسلاها . وفيه فضحكوا حتى مال بعضهم على بعض .
وذكر السابع قال : ' عمارة بن الوليد ' ( * ) .
____________________
(1/77)
مسألة [ 22 ] :
بول الغلام الذي لم يأكل الطعام يرش .
وقال أبو حنيفة ومالك : يغسل .
لنا أحاديث :
90 - الحديث الأول : قال أحمد : حدثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أم قيس بنت محصن قالت : ' دخلت بابن لي على رسول الله ، لم يأكل الطعام .
فبال على ثوبه فدعا بماء فرشه عليه ' .
[ أخرجاه في الصحيحين ] ( 1 ) .
91 - الحديث الثاني : قال أحمد حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا هشام عن قتادة عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه عن علي قال : قال رسول الله : ' بول الغلام ينضح عليه . وبول الجارية يغسل ' .
قال قتادة : هذا ما لم يطعما .
فإذا طعما غسل بولهما .
ز : رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي ( 1 ) وقال : حديث حسن وذكر أن هشاما الدستوائي رفعه عن قتادة وأن سعيد بن أبي عروبة وقفه عنه ولم يرفعه .
قال البخاري : سعيد ابن أبي عروبة لا يرفعه وهشام الدستوائي يرفعه وهو حافظ .
وكذلك ذكر الدارقطني .
وروى
____________________
(1/78)
هذا الحديث وصححه ، ورواه الحاكم في المستدرك وقال : على شرطهما ( * ) .
92 - الحديث الثالث : قال أحمد : حدثنا عفان قال حدثنا وهيب حدثنا أيوب عن صالح أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث عن أم الفضل قالت : أتيت النبي ، فقلت : إني رأيت في منامي أن في بيتي ، أو حجرتي ، عضوا من أعضائك .
فقال : ' تلد فاطمة إن شاء الله غلاما فتكفلينه ' .
فولدت فاطمة حسنا .
فدفعه إليها .
فأرضعته بلبن قثم .
قالت : فأتيت به النبي أزوره .
فأخذه النبي ، فوضعه على صدره فبال ، فأصاب إزاره ، فقلت بيدي بين كتفيه ، فقال : ' أوجعت ابني أصلحك الله ' - أو قال : ' رحمك الله ' - فقلت : أعطني إزارك أغسله .
قال : ' إنما يغسل بول الجارية ، ويصب على بول الغلام ' .
ز : وأخرج بنحوه أبو داود وابن ماجه من حديث أبي الأحوص ( 1 ) ، عن سماك ، عن قابوس بن أبي المخارق عن أم الفضل .
وتابعه علي بن صالح .
وروى الحاكم نحوه وصححه .
وروى عن قابوس عن أبيه عن أم الفضل .
93 - الحديث الرابع : قال أحمد : حدثنا أبو بكر الحنفي حدثنا أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أم كرز الخزاعية قالت : أتي النبي بغلام ، فبال عليه ، فأمر به فنضح .
وأتي بجارية فبالت عليه ، فأمر به فغسل .
ز : وروى ابن ماجه نحوه في سننه عن بندار [ عن ] ( 1 ) الحنفي .
قال : وقد روى حديث بول الغلام ابن عمر وابن عباس وعائشة وزينب .
ز : عن عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله كان يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم ، فأتى بصبي فبال عليه فدعا بماء فأتبعه بوله ولم يغسله متفق عليه ، واللفظ لمسلم .
وعن أبي السمح قال : كنت أخدم النبي فأتي بحسن أو حسين فبال على صدره ، فجئت أغسله فقال : ' يغسل بول الجارية ويرش من بول الغلام ' .
رواه ابن ماجة والنسائي .
وأبو داود وهذا لفظه ، والدارقطني والحاكم صححه .
وعن الحسن عن أمه أنها
____________________
(1/79)
أبصرت أم سلمة تصب على بول الغلام ما لم يطعم فإذا طعم غسلته ، وكانت تغسل بول الجارية .
رواه أبو داود .
وعن ابن عباس قال : أصاب النبي أو جلده بول صبي وهو صغير فصب عليه من الماء بقدر البول .
رواه الدارقطني من رواية الواقدي .
والله أعلم ( * ) .
مسألة [ 23 ] :
مني الآدمي وما يؤكل [ لحمه ] ( 1 ) طاهر .
وقال أبو حنيفة : نجس ، ويفرك يابسه .
لنا ثلاثة أحاديث :
94 - الأول : قال أحمد : حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن حماد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت : كنت أفرك المني من ثوب رسول الله ، ثم يذهب فيصلي فيه انفرد بإخراجه مسلم .
95 - الحديث الثاني : قال أحمد : حدثنا معاذ حدثنا عكرمة بن عمار عن عبد الله بن [ عبيد ] ( 1 ) بن عمير عن عائشة قالت : كان النبي يسلت المني من ثوبه بعرق الأذخر ، ثم يصلي فيه ، ويحته من ثوبه يابسا .
ثم يصلي فيه .
96 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : حدثنا محمد بن مخلد حدثنا إبراهيم بن
____________________
(1/80)
إسحاق الحربي حدثنا سعيد بن يحيى بن الأزهر حدثنا إسحاق بن يوسف حدثنا شريك عن محمد بن عبد الرحمن عن عطاء عن ابن عباس قال : سئل النبي عن المني يصيب الثوب ؟ قال : ' إنما هو بمنزلة المخاط والبصاق ' ، وقال : ' إنما يكفيك تمسحه بخرقة أو بإذخرة '
قال الخصم : الصحيح أن هذا الحديث موقوف .
قال الدارقطني : لم يرفعه غير إسحاق بن الأزرق عن شريك .
قلنا : إسحاق إمام مخرج عنه في الصحيحين ، ورفعه زيادة ، والزيادة من الثقة مقبولة .
ومن وقفه لم يحفظ .
ز : محمد بن عبد الرحمن هو ابن أبي ليلى ، وهو صدوق وقد تكلم في حفظه وفي طبقته محمد بن عبد الرحمن بن عبيد مولى آل طلحة وهو ثقة روى له مسلم وروى عنه شريك لكن لا يعرف أنه روى عن عطاء .
وشريك هو [ ابن ] عبد الله النخعي القاضي وهو من الصادقين الذين تكلم في حفظهم أيضا .
والصحيح : أن هذا الحديث موقوف كما قال الخصم ونبه عليه الحذاق كما هو محرر في موضع آخر ( * ) .
قال المؤلف : وقد ذكروا في التعليق : أن عبد الباقي بن قانع قال : يرويه سريع الخادم وليس بشيء .
وهذا شيء لا يعرف ولا يدرى من سريع ؟ وقد رويناه من غير تلك الطريق .
ز : سريع : هو ابن عبد الله الواسطي : روى عن إسحاق الأزرق ، روى عنه النسائي وبحشل .
احتجوا بحديثين .
97 - أنهم حكوا أن رسول الله قال لعائشة : ' إذا وجدت المني رطبا فاغسليه .
وإذا وجدتيه يابسا فحتيه ' .
قالوا : وهذا أمر .
والأمر على الوجوب .
والجواب : أن هذا الحديث لا يعرف .
وإنما المنقول : أنها هي كانت تفعل ذلك ، من غير أن يأمرها .
98 - فروى الدارقطني قال : حدثنا محمد بن مخلد قال حدثنا أبو إسماعيل الترمذي قال حدثنا الحميدي قال حدثنا بشر بن بكر حدثنا الأوزاعي عن يحيى بن سعيد عن عمرة :
____________________
(1/81)
عن عائشة قالت : كنت أفرك المني من ثوب رسول الله إذا كان يابسا ، وأغسله إذا كان رطبا .
99 - وقال الترمذي : حدثنا هناد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن همام بن الحارث قالت : ضاف عائشة ضيف .
فأمرت له بملحفة صفراء ينام فيها ، فاحتلم ، فاستحيا أن يرسل بها ، وبها أثر الاحتلام .
فغمسها في الماء ثم أرسل بها ، فقالت عائشة : لم أفسد علينا ثوبنا ؟ إنما كان يكفيه أن يفركه بأصابعه ، وربما فركته من ثوب رسول الله بأصابعي .
قال الترمذي : هذا حديث صحيح .
أنا أبو منصور القزاز ثنا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ ، أنا أبو عمر بن إسماعيل المحاملي ، ثنا إبراهيم بن أحمد بن عمر ثنا أبي ، ثنا وهب بن إسماعيل ثنا محمد بن قيس ، عن محارب بن دثار ، عن عائشة قالت : ربما حتته من ثوب رسول الله .
طريق آخر لهم عن عائشة :
100 - قال أحمد حدثنا يزيد ، أنبأنا عمرو بن ميمون ، قال : حدثنا سليمان ابن يسار ، قال خبرتني عائشة أنها كانت تغسل المني من ثوب رسول الله فيخرج فيصلي ، وأنا انظر إلى البقع في ثوبه من أثر الغسل أخرجاه في الصحيحين .
وليس فيه حجة ؛ لأن غسله للاستقذار .
101 - الحديث الثاني : قال ابن عدي : أنبأنا أبو يعلى قال حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي حدثنا ثابت بن حماد حدثنا علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن عمار بن ياسر قال : ' مر بي رسول الله ، وقد تنخمت ، فأصابت نخامتي ثوبي . فأقبلت أغسل ثوبي . فقال لي النبي : ' يا عمار ، ما نخامتك ودموع عينيك إلا بمنزلة الماء الذي في ركوتك ، إنما تغسل ثوبك من البول والغائط والمني والدم والقيء ' .
قال الدارقطني : لم يروه غير ثابت بن حماد وهو ضعيف جدا .
وقال ابن عدي : له مناكير مقلوبات يخالف فيها الثقات .
وأما علي بن زيد : فقال أحمد ويحيى : ليس بشيء .
____________________
(1/82)
وقال أبو حاتم الرازي : لا يحتج به .
ز : قال البيهقي في هذا الحديث ( 1 ) : هذا باطل لا أصل له .
وعلي بن زيد غير محتج به ، وثابت بن حماد متهم بالوضع .
وذكر شيخنا العلامة أبو العباس : أن هذا الحديث كذب عند أهل المعرفة بالحديث .
وقال أبو الخطاب في الانتصار لما احتج عليه بهذا الحديث .
قلنا : هذا الخبر ذكر هبة الله الطبري أنه يرويه ثابت بن حماد ، وإن أهل النقل أجمعوا على ترك حديثه ( * ) .
مسألة [ 24 ] :
لا يجوز تخليل الخمر .
وإذا خللت لم تطهر .
وقال أبو حنيفة : يجوز وتطهر . لنا حديثان :
102 - الحديث الأول : قال الإمام أحمد حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن السدي عن أبي هبيرة عن أنس بن مالك : أن أبا طلحة سأل النبي عن أيتام ورثوا خمرا ؟ قال : ' أهرقها ' .
قال : أفلا نجعلها خلا ؟ قال : ' لا ' .
انفرد بإخراجه مسلم .
واسم أبي هبيرة يحيى بن عباد .
103 - طريق آخر : قال الدارقطني : حدثنا الحسين بن إسماعيل القاضي حدثنا يعقوب الدورقي قال حدثنا المعتمر عن ليث عن يحيى بن عباد عن أنس قال : جاء أبو طلحة إلى النبي ، [ فقال : إني اشتريت لأيتام في حجري خمرا ؟ ] ( 1 ) فقال له النبي : ' أهرق الخمر ، وكسر الدنان ' .
فأعاد ذلك عليه ثلاث مرات .
____________________
(1/83)
104 - طريق آخر : قال الدارقطني : وحدثنا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن بهلول حدثنا جدي حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن السدي عن يحيى بن عباد عن أنس : أن النبي سئل عن الخمر أتتخذ خلا ؟ قال : ' لا ' .
105 - الحديث الثاني : قال أحمد : ثنا يحيى عن مجالد قال حدثني أبو الوداك عن أبي سعيد قال : قلنا لرسول الله ، لما حرمت الخمر إن عندنا خمرا ليتيم لنا ؟ فأمرنا ، فأهرقناها .
ز : رواه الترمذي عن علي بن خشرم عن عيسى بن يونس .
عن مجالد .
وقال : حسن ومجالد ضعفه غير واحد ( 1 ) .
وقال أحمد : ليس بشيء .
وقال ابن معين : صالح ، وقال مرة : لا يحتج به . وقال الدارقطني : ضعيف ( * ) .
احتجوا بأحاديث منها :
106 - قال الدارقطني : حدثنا محمد بن مخلد قال أنبأنا أحمد بن إسحاق بن يوسف حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع حدثنا فرج بن فضالة قال حدثني [ يحيى ] ( 1 ) بن سعيد عن عمرة عن أم سلمة : أنها كانت لها شاة تحلبها .
ففقدها النبي .
فقال : ' ما فعلت الشاة ؟ ' قالوا : ماتت .
قال : ' أفلا انتفعتم بإهابها ' فقلنا : إنها ميتة .
فقال : ' إن دباغها يحل ، كما يحل خل الخمر ' .
قال الدارقطني : تفرد به فرج بن فضالة ، وهو ضعيف .
وكذلك قال فيه يحيى بن معين .
وقال ابن حبان : يقلب الأسانيد ، ويلزق المتون الواهية بالأسانيد الصحيحة ، لا يحل الاحتجاج به .
وقد ذكر في التعليق أحاديث لا أصل لها .
منها ' خير خلكم خل خمركم ' ومنها : ' يطهر بالدباغ الجلد كما تخلل الخمرة فتطهر ' .
وهذا لا يعرف .
____________________
(1/84)
مسألة [ 25 ] :
يحرم استعمال إناء مفضض إذا كان كثيرا .
أما إن كان يسيرا لحاجة لم يكره .
وقال أبو حنيفة وداود : لا يكره ذلك ، يسيرا كان أو كثيرا .
وقال أصحاب الشافعي : الكثير الذي لا يحتاج إليه حرام .
فإن احتج إليه كره .
لنا ما :
107 - روى الدارقطني قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق الفاكهي قال حدثنا أبو يحيى بن أبي ميسرة حدثنا يحيى بن محمد الجاري حدثنا زكريا بن إبراهيم بن عبد الله بن مطيع عن أبيه عن عبد الله بن عمر أن النبي قال : ' من شرب من إناء ذهب أو فضة ، أو إناء فيه شيء من ذلك ، فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم ' .
ز : زكريا بن إبراهيم بن عبد الله غير معروف .
ويحيى بن محمد الجاري وثقه العجلي .
وقال البخاري : يتكلمون فيه .
وذكره ابن حبان في كتاب الثقات ، وقال : يغرب .
وقال ابن عدي : ليس بحديثه بأس .
وقال أبو عوانة الإسفراييني : ثنا عباس الدوري ، ثنا يحيى الزملي ، ثنا يحيى بن محمد الجاري بساحل المدينة ثقة .
وقال ابن القطان : حديث ابن عمر لا يصح وزكريا هو وأبوه لا يعرف لهما حال .
وقال شيخنا أبو العباس في الفتاوى : إسناده ضعيف .
وقد دل على جواز التضبيب بيسير الفضة للحاجة ما روى أنس : أن قدح رسول الله انكسر فاتخذ مكان [ الشعب ] ( 1 ) سلسلة من فضة .
أخرجه البخاري هكذا .
ثم رواه عن عاصم قال : رأيت قدح النبي عن أنس بن مالك وكان قد انصدع فسلسله بفضة .
قيل : الذي سلسله أنس بن مالك .
____________________
(1/85)
وفي رواية الإمام أحمد : رأيت عند أنس بن مالك قدح النبي فيه ضبة من فضة ( * ) .
مسألة [ 26 ] :
فأما الذهب فلا يجوز منه شيء ، وعند الخصم المسمار من ذهب في الخاتم .
احتج أصحابنا :
108 - قال أحمد : حدثنا محمد بن عبيد قال حدثنا داود الأودي عن شهر عن أسماء بنت يزيد قالت : قال رسول الله : ' لا يصلح من الذهب شيء ولا خربصيصة ' .
الخربصيصة : الشيء الحقير من الحلي .
وداود وشهر ضعيفان .
قال أحمد : داود ضعيف .
وقال يحيى : ليس حديثه بشيء .
وقال ابن عدي : شهر لا يحتج بحديثه ( 1 ) .
وقال ابن حبان : كان يروي عن الثقات المعضلات .
عادل عباد بن منصور في الحج فسرق عيبته فهو الذي يقول فيه القائل :
( لقد باع شهر دينه بخريطة ** فمن يأمن القراء بعدك يا شهر ؟ )
ز : هذا الذي حكاه ابن حبان عن شهر أنه عادل عباد بن منصور فسرق عيبته بعيد ، مخالف لما حكاه غيره .
قال يحيى بن أبي بكير الكرماني عن أبيه قال : كان شهر بن حوشب على بيت المال ، فأخذ خريطة فيها دراهم ، فقال القائل : لقد باع شهر دينه بخريطة - البيت .
وقال محمد بن جرير الطبري : قال علي بن محمد : قال أبو بكر الباهلي : كان شهر ابن حوشب على خزائن يزيد بن المهلب فعرفوا عليه أنه أخذ خريطة فسأله يزيد عنها فأتاه بها فدعا يزيد الذي رفع عليه فشتمه وقال لشهر : هي لك ، قال : لا حاجة لي فيها .
فقال القطاني
____________________
(1/86)
الكلبي ، ويقال : سنان بن مكبل النميري :
( لقد باع شهر دينه بخريطة فمن ** يأمن القراء بعدك يا شهر )
( أخذت بها شيئا طفيفا وبعته ** من ابن جرير إن هذا هو الغدر )
وقد وثق شهر : أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وأحمد بن عبد الله العجلي ويعقوب بن شيبة السدوسي وغيرهم .
وتكلم فيه جماعة .
وداود هو ابن يزيد الأودي وهو عم عبد الله بن إدريس ضعفه غير واحد وحسن ابن عدي أمره وقال : لم أر له حديثا منكرا ، جاوز الحد إذا روى عنه ثقة وإن كان ليس يقوى في الحديث فإنه يكتب حديثه ويقبل إذا روى عنه ثقة ( * ) .
____________________
(1/87)
____________________
(1/88)
مسائل الاستنجاء
مسألة [ 27 ] :
لا يجوز استقبال القبلة ولا استدبارها [ للحاجة ] ( 1 ) في الصحراء .
وهل يجوز في البنيان ؟ على روايتين .
أصحهما : الجواز .
[ وقال أبو حنيفة ] ( 2 ) : لا يجوز بحال .
وقال داود : يجوز بكل حال .
[ احتج ] ( 3 ) أبو حنيفة بمطلق النهي .
109 - قال أحمد : حدثنا سفيان عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي قال : سمعت أبا أيوب يخبر عن النبي أنه قال : ' لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ، ولكن شرقوا أو غربوا ' .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
110 - قال مسلم : أنبأنا أحمد بن الحسن بن خراش قال حدثنا عمر بن عبد الوهاب قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا روح عن سهيل عن القعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله قال : ' إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ' .
____________________
(1/89)
انفرد بإخراجه مسلم ( 1 ) .
ونحن والشافعي نحمل هذا على الصحاري دون البنيان .
بدليل ما :
111 - روى الترمذي قال : حدثنا هناد حدثنا عبدة عن عبيد الله بن عمر عن محمد ابن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عن ابن عمر قال : رقيت يوما على بيت حفصة .
فرأيت النبي على حاجته مستقبل الشام ، مستدبر الكعبة .
أخرجه مسلم .
وقد روى نحو هذا أبو قتادة وعمار .
وليس هذا بنسخ للأول .
إنما هذا في البنيان .
ز : حديث ابن عمر رواه البخاري أيضا ( 1 ) ولفظه قال : ارتقيت يوما على بيت حفصة لبعض حاجتي فرأيت رسول الله يقضي حاجته مستدبر القبلة مستقبل الشام .
وفي الباب أحاديث كثيرة من الطرفين .
منها : عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : ' قيل له : قد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة ؟ قال : فقال : أجل لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول أو أن نستنجي باليمين أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار أو أن نستنجي برجيع أو عظم ' رواه مسلم .
وسيذكر بعد .
وعن معقل بن أبي معقل الأسدي قال : نهى رسول الله أن نستقبل القبلة بغائط أو بول رواه أحمد واللفظ له وأبو داود وابن ماجة ( 2 ) .
وعن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي رضي الله عنه قال : أنا أول من سمع النبي يقول : ' لا يبولن أحدكم مستقبل القبلة ' .
وأنا أول من حدث الناس بذلك .
رواه أحمد وابن ماجة ( 3 ) .
وعن جابر بن عبد الله قال : حدثني أبو سعيد الخدري : أنه يشهد على رسول الله أنه نهى أن نستقبل القبلة بغائط أو بول .
رواه ابن ماجة من رواية ابن لهيعة .
وعن جابر بن عبد الله قال : نهى نبي الله أن نستقبل القبلة ببول فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها .
رواه الإمام أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجة ، والترمذي .
وقال : حديث حسن غريب ( 4 ) .
____________________
(1/90)
وهو من رواية محمد بن إسحاق وقال البخاري : هذا حديث حسن صحيح .
رواه الحاكم وقال : هو على شرط مسلم .
وليس كما قال .
وتكلم فيه ابن عبد البر في كتاب الاستذكار .
قال الترمذي : وقد روى هذا الحديث ابن لهيعة عن أبي الزبير ، عن جابر عن أبي قتادة : إنه رأى النبي يبول مستقبل القبلة ، حدثنا بذلك قتيبة ثنا ابن لهيعة .
وحديث جابر عن النبي أصح من حديث ابن لهيعة ، وابن لهيعة ضعيف عند أهل الحديث ، ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره وعن عراك عن عائشة قالت : ' ذكر لرسول الله أن ناسا يكرهون أن يستقبلوا القبلة بفروجهم ، فقال : ' وقد فعلوا ، حولوا مقعدتي قبل القبلة ' .
رواه أحمد وهذا لفظه وابن ماجة .
وقال أحمد : أحسن ما روي في الرخصة حديث عراك وإن كان مرسلا فإن مخرجه حسن .
سماه مرسلا لأن عراكا لم يسمع من عائشة .
وقد روى أحمد والدراقطني في بعض طرق هذا الحديث .
أن عراكا قال : حدثتني عائشة .
وهو يدل على سماعه منها ويقوي ذلك أن مسلما أخرج في صحيحه : حدثنا عراك عن عائشة ، والمراسيل والمنقطعات ليست من شروط الصحيح ، وقد سأل عبد الرحمن بن أبي حاتم أباه عن هذا الحديث فقال : لم أزل أقفو اثر هذا الحديث حتى كتبت بمصر عن إسحاق بن بكر بن مضر أو غيره عن بكر بن مضر عن جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك ، عن عروة ، عن عائشة موقوف ، وهذا أشبه .
وعن مروان الأصفر قال : ' رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة ثم جلس يبول إليها ، فقلت : أبا عبد الرحمن : أليس قد نهي عن هذا .
قال : بلى ، وإنما نهي عن ذلك في الفضاء فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس ' .
رواه أبو داود والدارقطني والحاكم .
وقال : هو على شرط البخاري .
وفي إسناده الحسن بن ذكوان وقد تكلم فيه غير واحد وروى له البخاري والله أعلم ( * ) .
____________________
(1/91)
مسألة [ 28 ] :
الاستنجاء واجب بالماء ، أو بالأحجار .
وقال أبو حنيفة : مستحب .
واختلف أصحاب مالك في إزالة النجاسة في الجملة من السبيلين وغيرهما .
فمنهم من قال : سنة .
112 - قال الدارقطني : أنبأنا أبو محمد بن صاعد والحسين بن إسماعيل قالا : حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم قال : حدثني أبي عن مسلم بن قرط عن عروة عن عائشة أن رسول الله قال : ' إذا ذهب أحدكم لحاجته فليستطب بثلاثة أحجار . فإنها تجزيه ' .
113 - قال الدراقطني : وحدثنا عبد الباقي بن قانع حدثنا أحمد بن الحسين المضري حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن طاوس عن ابن عباس قال : قال رسول الله : ' إذا قضى أحدكم حاجته فليستنج بثلاثة أعواد ، أو ثلاثة أحجار ، أو ثلاث حثيات من تراب ' .
قال الدراقطني : أما الحديث الأول : فإسناده صحيح .
أما هذا : فلم يسنده غير المضري وهو كذاب .
وغيره يرويه عن طاوس مرسلا ، ليس فيه ابن عباس .
ورواه ابن عيينة عن سلمة عن طاوس قوله .
ز : روى الحديث الأول : أبو داود والنسائي .
والله أعلم .
وذكر الدارقطني
____________________
(1/92)
الاختلاف فيه في العلل ثم قال : وحديث أبي حازم عن مسلم بن قرط ليس بالمشهور وهو حجازي . وذكره أبو حاتم بن حبان في كتاب الثقات وقال يخطىء ( * ) .
قال المؤلف : ويدل على ذلك بما :
114 - روى أحمد : حدثنا وكيع قال : حدثنا الأعمش قال : سمعت مجاهدا يحدث عن طاوس عن ابن عباس قال : مر رسول الله بقبرين .
فقال : ' إنهما ليعذبان .
وما يعذبان في كبير .
أما أحدهما : فكان لا يستبرىء من بوله ، وأما الآخر : فكان يمشي بالنميمة ' .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
ز : وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ' أكثر عذاب القبر من البول ' .
رواه أحمد وابن ماجة والحاكم ، وقال : على شرطهما ولا أعلم له علة .
وقال الإمام أحمد في البول : وقد روي موقوفا ويشبه أن يكون اصح .
قاله الدارقطني .
وعن ابن عباس رفعه إلى النبي قال : عامة عذاب القبر من البول فتنزهوا من البول ' رواه الطبراني والحاكم والدراقطني ، وقال : إسناده لا بأس به .
وعن أنس عن النبي قال : ' تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر فيه ' .
رواه الدراقطني من رواية أبي جعفر الرازي وهو متكلم فيه ، قال ابن المديني : ثقة كان يخلط .
وقال أحمد : ليس بقوي .
وقال أبو زرعة : يهم كثيرا .
وقال الدراقطني : المحفوظ المرسل .
قال المؤلف : وقد استدل أصحابنا بما :
115 - قال أحمد بن علي بن ثابت الخطيب : أخبرني محمد بن جعفر بن علان ، حدثنا أحمد بن جعفر بن محمد الخلال ، حدثنا صالح بن محمد بن نصر الترمذي ، حدثنا
____________________
(1/93)
القاسم بن عباد الترمذي ، حدثنا صالح بن عبد الله الترمذي عن أبي عامر عن نوح بن أبي مريم عن يزيد الهاشمي عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' الدم مقدار الدرهم : يغسل . وتعاد منه الصلاة ' .
وقد رواه روح بن غطيف عن أبي سفيان الثقفي عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة .
وهذا الحديث لا يحسن الاحتجاج به ، فإن يحيى بن معين قال : نوح بن أبي مريم ليس بشيء ، ولا يكتب حديثه .
قال البخاري : وهذا الحديث باطل ، وروح منكر الحديث .
وقال النسائي : روح متروك الحديث .
وقال الدارقطني : متروك الحديث .
وقال ابن حبان : يروي الموضوعات على الثقات ، لا يحل الاحتجاج به .
وقال ابن حبان : هذا حديث موضوع لا شك فيه ، ما قاله رسول الله .
إنما هو اختراع أحدثه أهل الكوفة في الإسلام .
ز : قال سفيان بن عبد الملك قال عبد الله هو ابن المبارك : قد رأيت روح بن غطيف صاحب ' الدم قدر الدرهم ' عن النبي فجلست إليه مجلسا ، فجعلت أستحي من أصحابي أن يروني جالسا معه لكثرة ما في حديثه - يعني المناكير .
وقال ابن عدي : أنا محمد بن منير ، ثنا أحمد بن العباس .
قال : قلت ليحيى بن معين : تحفظ عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي قال : ' تعاد الصلاة في مقدار الدرهم من الدم ' .
قال : لا والله ثم قال : من ؟ قلت : ثنا محرز بن عون قال : ثقة .
عن من ؟ قلت : عن القاسم بن مالك المزني ، قال : ثقة ، عن من ؟ قلت : عن روح بن غطيف .
قال : ها قلت : يا أبا زكريا ما أرى أتينا إلا من روح بن غطيف ، قال : أجل .
قال ابن عدي : هذا لا يرويه عن الزهري فيما أعلمه إلا روح بن غطيف وهو منكر بهذا الإسناد .
قال البيهقي : وفيما بلغني عن محمد بن يحيى الذهلي أنه قال : أخاف أن يكون هذا موضوعا .
وروح هذا مجهول .
وقد سئل الدارقطني عن حديث أبي سلمة عن أبي هريرة رفعه : ' تعاد الصلاة من قدر الدرهم ' .
فقال : يرويه روح بن غطيف .
عن الزهري .
واختلف فيه .
فقال القاسم بن مالك المزني ، عن روح بن غطيف عن الزهري .
وقال أنس بن عمرو البجلي عن غطيف الطائفي عن الزهري وهو روح بن غطيف كما قال القاسم بن مالك ، وروح ضعيف : ولا يعرف هذا عن الزهري ( * ) .
____________________
(1/94)
مسألة [ 29 ] :
لا يجوز الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار .
وقال أبو حنيفة : ومالك : لا يجب العدد .
لنا حديثان :
الأول : حديث عائشة : ' فليستطب بثلاثة أحجار ' وقد تقدم .
116 - الحديث الثاني : قال أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد عن سلمان قال بعض المشركين - وهم يستهزئون بسلمان - : إني أرى صاحبكم يعلمكم حتى الخراءة .
قال سلمان : أجل ، أمرنا : أن لا نستقبل القبلة ، ولا نستنجي بأيماننا ، ولا نكتفي بدون ثلاثة أحجار ، ليس فيها رجيع ولا عظم .
انفرد بإخراجه مسلم .
ز : وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ' إنما أنا لكم مثل الولد ' ، وفيه وكان يأمر بثلاثة أحجار ونهى عن الروث والرمة .
رواه الإمام أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجة ، وأبو حاتم في صحيحه ( 1 ) .
وعن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه قال : سئل النبي عن الاستطابة فقال : ' بثلاثة
____________________
(1/95)
أحجار ليس فيها رجيع ' .
رواه الإمام أحمد ، وأبو داود وابن ماجة .
وعن جابر أن النبي قال : ' إذا استجمر أحدكم فليستجمر ثلاثا ' .
رواه أحمد .
وعن سهل بن سعد أن النبي قال : ' أو لا يجد أحدكم حجرين للصفحتين وحجر للمسربة ' .
رواه الدارقطني .
وقال : إسناد حسن .
وقد روى حديث سهل هذا الطبراني والعقيلي عن علي بن عبد العزيز ، عن عتيق بن يعقوب الزبيري ، عن أبي بن عباس بن سهل بن سعد ، عن أبيه عن جده .
وعتيق روى عنه أبو زرعة الرازي وقال : بلغني أن عتيقا حفظ الموطأ في حياة مالك .
وأبى من رجال الصحيح ، وقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة .
وقال العقيلي بعد أن رواه : وروى الاستنجاء بثلاثة أحجار عن النبي جماعة منهم أبو هريرة وسلمان وخزيمة بن ثابت وعائشة والسائب بن خلاد الجهني وأبو أيوب . لم يأت أحد منهم بهذا اللفظ ولأبي أحاديث لا يتابع منها على شيء ( * ) .
احتجوا بما :
117 - روى أحمد ، حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله قال : خرج النبي لحاجته فقال : ' التمس لي ثلاثة أحجار ' ، فأتيته بحجرين وروثة ، فأخذ الحجرين وألقى الروثة ، وقال : ' إنها ركس ' .
قال الترمذي : هذا حديث فيه اضطراب ، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه .
قلت : ثم لا حجة فيه ، لأنه يجوز أن يكون أخذ حجرا ثالثا مكان الروثة .
ز : وقد روى البخاري في صحيحه هذا الحديث من حديث زهير عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد الله .
ورواه الإمام أحمد والدارقطني ، وفي آخره ' ائتنى بحجر ' وفي لفظ الدارقطني : ' ائتنى بغيرها ' ( * ) .
____________________
(1/96)
مسألة [ 30 ] :
لا يجوز الاستنجاء بالروث ولا بالعظم .
وقال أبو حنيفة ومالك : يجزىء ويكره .
لنا أربعة أحاديث .
أحدها : حديث سلمان .
والثاني : حديث ابن مسعود .
وقد تقدما .
118 - الحديث الثالث : قال الترمذي : حدثنا هناد ، حدثنا حفص بن غياث عن داود ابن أبي هند عن الشعبي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله : ' لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام ، فإنه زاد إخوانكم من الجن ' .
انفرد بإخراجه مسلم .
119 - الحديث الرابع : قال الدراقطني : حدثنا أبو محمد بن صاعد ، وأبو سهل بن زياد قالا : أنبأنا إبراهيم بن إسحاق الحربي قال : حدثنا يعقوب بن كاسب ، حدثنا سلمة بن رجاء ، عن الحسن بن فرات القزاز ، عن أبيه ، عن أبي حازم : عن أبي هريرة أن النبي نهى أن يستنجى بروث أو بعظم ، وقال : ' إنهما لا يطهران ' .
قال الدراقطني : إسناده صحيح .
وقد روى نحوه ابن عمر وجابر .
ز : سلمة بن رجاء ، قال ابن معين : ليس بشيء .
وقال أبو زرعة : صدوق .
____________________
(1/97)
وقال النسائي : ضعيف .
وقال أبو حاتم : ما بحديثه باس .
وقال ابن عدي : حدث بأحاديث لا يتابع عليها .
وذكره ابن حبان في الثقات .
وروى له البخاري في الصحيح .
ويعقوب بن كاسب ، قيل : روى عنه البخاري في صحيحه أيضا ولم ينسبه وقواه .
وقال يحيى والنسائي : ليس بشيء .
ووثقه يحيى مرة .
وقال أبو حاتم : ضعيف الحديث .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : اتبعت النبي وخرج لحاجته فكان لا يلتفت فدنوت منه فقال : ' أبغني أحجارا استنفض بها ' - أو نحوه - ' ولا تأتني بعظم ولا روث ' .
فأتيته بأحجار بطرف ثيابي فوضعتها إلى جنبه وأعرضت عنه ، فلما قضى أتبعه بهن .
رواه البخاري ( 1 ) .
وعن رويفع بن ثابت رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ' يا رويفع لعل الحياة ستطول بك بعدي فأخبر الناس أن من عقد لحيته أو تقلد وترا واستنجى برجيع دابة أو عظم فإن محمدا منه برىء ' .
رواه أحمد وأبو داود والنسائي ( 2 ) .
وعن عبد الله بن مسعود قال : قدم وفد الجن على النبي فقالوا : يا محمد أنه أمتك أن يستنجوا بعظم أو روثة أو حممة ، فإن الله عز وجل جعل لنا فيه رزقا .
قال : فنهى النبي .
رواه أحمد وأبو داود واللفظ له ( 3 ) ، والدارقطني من رواية إسماعيل بن عياش .
قال الإمام أحمد : ما روى عن الشاميين فهو صحيح ، وما روى عن الحجازيين فليس بصحيح .
وقال الدارقطني : إسناده شامي ليس بثابت .
وعن ابن مسعود : أن رسول الله أتاه ليلة الجن ومعه عظم حائل وبعرة وفحمه فقال : لا تستنجين بشيء من هذا إذا خرجت إلى الخلاء .
رواه الإمام أحمد من رواية ابن لهيعة ( 4 ) .
وعن سهل بن حنيف رضي الله عنه : أن النبي بعثه وقال : ' أنت رسولي إلى أهل مكة ، قل إن رسول الله أرسلني يقرأ عليكم السلام ويأمركم بثلاث ' : ' لا تحلفوا بغير الله . وإذا تخليتم فلا تستقبلوا القبلة - وفي رواية الكعبة ، ولا تستدبروها ، ولا تستنجوا بعظم ولا ببعرة ' .
رواه الإمام أحمد ( 5 ) ( * ) .
____________________
(1/98)
مسائل الوضوء
مسألة [ 31 ] :
غسل اليدين عند القيام من نوم الليل واجب .
وعنه : أنه مستحب كقولهم .
لنا ما :
120 - أخبرنا به محمد بن عبد الباقي البزار ، أنبأنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري ، أنبأنا عمر بن محمد الزيات ، حدثنا قاسم بن زكريا قال : حدثنا أبو كريب ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' إذا قام أحدكم من نوم الليل فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات ، فإنه لا يدري أين باتت يده ' .
انفرد بإخراجه مسلم .
وقد روى نحو هذا الحديث عن رسول الله ابن عمر وجابر وعائشة .
ز : وقد روى البخاري من حديث أبي هريرة ولفظه ' إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده ' .
____________________
(1/99)
وفي رواية : ' إذا كان أحدكم نائما ثم استيقظ فأراد الوضوء فلا يضع يده في الإناء حتى يصب على يده فإنه لا يدري أين باتت ' ذكر مسلم إسناده ( * ) .
مسألة [ 32 ] :
النية واجبة في طهارة الحدث .
وقال أبو حنيفة : لا تجب إلا في التيمم .
لنا ثلاثة أحاديث :
121 - الحديث الأول : قال البخاري : حدثنا محمد بن كثير عن سفيان ، حدثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص عن عمر بن الخطاب قال : سمعت رسول الله يقول : ' إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى .
فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله .
ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه ' أخرجاه .
122 - الحديث الثاني : قال مسلم بن الحجاج : حدثني إسحاق بن منصور قال : حدثنا حبان بن هلال ، قال حدثنا أبان حدثنا يحيى أن زيدا حدثه أن أبا سلام حدثه عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله : ' الطهور شطر الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان '
____________________
(1/100)
انفرد بإخراجه مسلم .
123 - الحديث الثالث : قال أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت : أنبأنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحرشي أنبأنا أبو العباس الأصم حدثنا أبو عبيد أحمد بن الفرج حدثنا بقية حدثنا إسماعيل بن عبد الله عن إياس : عن أنس عن رسول الله قال : ' لا يقبل الله قولا إلا بعمل ، ولا يقبل قولا وعملا إلا بنية . ولا يقبل قولا وعملا ونية إلا بإصابة السنة ' .
ز : هذا حديث منكر وإسناده مظلم .
وأبو عتبة أحمد بن الفرج الحمصي ضعفه محمد ابن عوف الطائي وابن جوصا .
وقال ابن عدي : هو وسط ليس ممن يحتج بحديثه أو يتدين به إلا أنه يكتب حديثه .
وقال ابن أبي حاتم : كتبنا عنه ومحله عندنا محل الصدق .
وقوله في الإسناد : عن إياس خطأ . والصواب عن إبان وهو ابن أبي عياش وهو متروك .
وقد حسن هذا الحديث الحافظ أبو القاسم بن عساكر فوهم ، فإن هذا الحديث لا يصح مرفوعا ، وإنما هو معروف من كلام الثوري .
والله أعلم .
احتجوا بما :
124 - روى أحمد : حدثنا يزيد قال حدثنا سفيان الثوري عن أيوب بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة قالت : قلت : يا رسول الله ، إني امرأة أشد ضفر رأسي ، فأنقضه عند الغسل من الجنابة ؟ فقال : ' إنما يكفيك ثلاث حثيات تصبينها على رأسك ' .
انفرد بإخراجه مسلم .
ولا حجة في هذا لهم ؛ لأنها إنما سألته عن كيفية الغسل .
____________________
(1/101)
مسألة [ 33 ] :
التسمية في الوضوء واجبة .
وعنه : أنها سنة ، كقول أبي حنيفة والشافعي .
لنا خمسة أحاديث :
125 - الحديث الأول : قال الدارقطني : حدثنا أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد قال حدثنا أحمد بن منصور ثنا أبو عامر وقال أحمد : ثنا زيد بن الحباب وقال عبد بن حميد : ثنا عبد الملك قال : حدثنا كثير بن زيد قال حدثني ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه عن جده عن النبي قال : ' لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ' .
126 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : حدثنا أبو محمد بن صاعد حدثنا سلمة بن شبيب قال حدثنا أبي حدثنا ابن أبي فديك حدثنا عبد الرحمن بن حرملة عن أبي ثفال المري قال : سمعت رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب يقول أخبرتني جدتي عن أبيها أن رسول الله قال : ' لا صلاة لمن لا وضوء له . ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ' .
هذا الصحابي : سعيد بن زيد .
127 - طريق آخر : قال عبد الله بن أحمد حدثنا أبي حدثنا شيبان حدثنا يزيد بن عياض عن أبي ثفال المري قال : سمعت رباح بن عبد الرحمن بن حويطب يقول سمعت
____________________
(1/102)
جدتي : أنها سمعت أباها سعيد بن زيد يقول : سمعت رسول الله يقول : ' لا صلاة لمن لا وضوء له ، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله تعالى ' .
128 - طريق ثالث : قال الترمذي : حدثنا نصر بن علي وبشر بن معاذ قالا حدثنا بشر ابن المفضل عن عبد الرحمن بن حرملة عن أبي ثفال المري عن رباح بن عبد الرحمن عن جدته عن أبيها قالت سمعت رسول الله يقول : ' لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ' .
129 - الحديث الثالث : قال أحمد : حدثنا قتيبة قال حدثنا محمد بن موسى المخزومي عن يعقوب بن سلمة عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' لا صلاة لمن لا وضوء له ، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ' .
130 - طريق آخر : قال الدارقطني قال حدثنا يحيى بن صاعد قال حدثنا محمود بن محمد الظفري حدثنا أيوب بن النجار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' ما توضأ من لم يذكر اسم الله عليه وما صلى من لم يتوضأ ' .
131 - طريق آخر : قال الدارقطني : حدثنا محمد بن مخلد قال حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الملك الزهيري قال حدثنا مرداس بن محمد بن عبد الله بن أبي بردة قال حدثنا محمد بن أبان عن أيوب بن عائذ الطائي عن مجاهد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' من توضأ وذكر اسم الله تطهر جسده كله .
ومن توضأ ولم يذكر الله عز وجل لم يتطهر إلا موضع الوضوء ' .
وربما قال الخصم : فهذا حجتنا ؛ لأنه حكم بطهارة الأعضاء مع عدم التسمية .
قلنا : البدن جميعه محدث ، بدليل أنه لا يجوز مس المصحف بصدره ، ومع بقاء الحدث في بعض البدن لا تصح الصلاة .
132 - الحديث الرابع : قال الدارقطني : حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق حدثنا محمد
____________________
(1/103)
ابن عبيد الله المنادي حدثنا أبو بدر حدثنا حارثة بن محمد عن عمرة عن عائشة قالت : كان رسول الله يقوم إلى الوضوء .
فيسمي الله عز وجل .
133 - الحديث الخامس : مقطوع .
أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك الحافظ أنبأنا أبو طاهر أحمد بن الحسن الباقلاني أنبأنا أبو علي بن شاذان أنبأنا دعلج قال أنبأنا محمد بن علي ابن زيد حدثنا سعيد بن منصور حدثنا عتاب حدثنا خصيف قال : توضأ رجل عند رسول الله ولم يسم .
فقال : ' أعد وضوءك ' ثم توضأ ولم يسم . فقال : : ' أعد وضوءك ' - ثلاث مرات - ثم توضأ وسمى ، فقال : ' الآن حين أصبت وضوءك ' .
هذه الأحاديث فيها مقال قريب .
ففي الحديث الأول : كثير بن زيد .
قال يحيى : ليس بذاك القوي .
وقال أبو زرعة : هو لين .
وقال أحمد والبخاري : أحسن شيء في هذا الباب حديث كثير بن زيد ، وحديث قتيبة جيد .
وقد قالوا في ربيح : إنه ليس بالمعروف .
وقال أحمد : من أبو ثفال ؟
وقال الترمذي : اسمه ثمامة بن حصين .
ومن مذهب أحمد : تقديم الحديث الضعيف على القياس .
قال أبو بكر الأثرم : سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول : ليس في هذا حديث يثبت ، وأحسنها حديث كثير بن زيد .
وضعف حديث ابن حرملة ، وقال : أنا لا آمره بالإعادة ، وأرجوا أن يجزيه الوضوء لأنه ليس في هذا حديث أحكم به .
ز : روى حديث ربيح بن عبد الرحمن عن أبيه ، عن جده : ابن ماجة في سننه وسئل إسحاق بن راهويه أي حديث أصح في التسمية ؟ فذكر حديث أبي سعيد .
وقال أحمد : ربيح ليس بمعروف .
وقال أبو حاتم الرازي : روى عنه الدراوردي وكثير بن زيد والزبير بن عبد الله وفليح بن سليمان .
وسئل أبو زرعة عنه ، فقال : شيخ .
وقال الترمذي في كتاب العلل : قال محمد - يعني البخاري - : منكر الحديث .
وقال ابن عدي : أرجو أنه لا بأس به .
وذكره ابن حبان في كتاب الثقات .
وقال أحمد بن حفص السعدي : سئل أحمد بن حنبل - يعني وهو حاضر - عن
____________________
(1/104)
التسمية في الوضوء ، فقال : لا أعلم فيه حديثا يثبت أقوى شيء فيه حديث كثير بن زيد عن ربيح .
وقال العقيلي : ثنا إبراهيم بن عبد الوهاب الأبزاري ، ثنا أحمد بن محمد بن هانىء ، قال : قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل : التسمية في الوضوء ، فقال : أحسن شيء فيه حديث ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي سعيد الخدري .
قلت : فحديث عبد الرحمن بن حرملة قال : لا يثبت .
قال العقيلي : والأسانيد في هذا الباب فيها لين .
وقال أبو بكر بن أبي شيبة : ثبت لنا أن النبي قال : ' لا وضوء لمن لم يسم ' .
وحديث سعيد بن زيد رواه ابن ماجة أيضا .
وقال الترمذي : قال محمد بن إسماعيل : أحسن شيء في هذا الباب حديث رباح بن عبد الرحمن - يعني حديث سعيد بن زيد .
قال الترمذي : قال أحمد بن حنبل : لا أعلم في هذا الباب حديثا له إسناد جيد وقال البخاري : في حديثه نظر يعني أبا ثفال .
وقال ابن عبد البر : أبو بكر بن حويطب ، يقال : اسمه رباح ويقال اسمه كنيته ، روى عن جدته ، يقال حديثه مرسل .
وروى حديث يعقوب بن سلمة عن أبي هريرة : أبو داود وابن ماجة أيضا ، والحاكم وقال : وهو حديث صحيح الإسناد .
وقال البخاري : ولا يعرف لسلمة سماع من أبي هريرة ولا ليعقوب من أبيه .
ومحمود بن محمد الظفري ، قال الدارقطني : ليس بالقوي فيه نظر ، وشيخه أيوب بن النجار ثقة من رجال الصحيحين .
وقال البيهقي في حديثه : لا يعرف من حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة إلا من هذا الوجه ، وكان أيوب بن النجار يقول : لم أسمع من يحيى بن أبي كثير إلا حديثا واحدا ، حديث : ' التقى آدم وموسى ' ذكره يحيى بن معين فيما رواه عنه ابن أبي مريم .
فكان حديثه هذا منقطعا .
والحديث الرابع في إسناده حارثة بن محمد ، وقد ضعفوه وعن عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي عن أبيه عن جده عن النبي : ' لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ولا صلاة لمن لا يصلي على نبيه ولا صلاة لمن لم يحب الأنصار ' .
رواه ابن ماجة .
وعبد المهيمن : ضعفوه .
وقال الدارقطني : عبد المهيمن : ليس بالقوي .
وقال ابن حبان : لا يحتج به .
وقال البيهقي : ضعيف لا يحتج برواياته .
وقد احتج بعضهم بأحاديث في الاستدلال بها نظر ، منها :
ما روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال : نظر أصحاب النبي وضوءا فلم يجدوا
____________________
(1/105)
فقال النبي : ' ها هنا ماء ؟ ' فأتي به فرأيت النبي وضع في الإناء الذي فيه الماء ، ثم قال : ' توضؤا بسم الله ' فرأيت الماء يفور من بين أصابعه .
رواه النسائي والدارقطني وهذا لفظه ، رواه الإمام أحمد وابن خزيمة ( 1 ) في صحيحه وفيه : والقوم يتوضؤون حتى توضؤوا عن آخرهم .
قال ثابت لأنس : كم تراهم كانوا ؟ قال : نحوا من سبعين .
وقد روى الإمام أحمد ( 2 ) من رواية الأسود بن قيس عن نبيح العنزي أن جابر بن عبد الله قال : غزونا مع رسول الله ونحن يومئذ بضعة عشر ومائتين ، فحضرت الصلاة فقال رسول الله : ' هل في القوم من ماء ؟ ' فجاء رجل يسعى بإداوة فيها شيء من الماء ، قال : فصبه رسول الله في قدح فتوضأ رسول الله فأحسن الوضوء ثم انصرف وترك القدح فركب الناس القدح يمسحوا ويمسحوا .
فقال رسول الله : ' على رسلكم ' .
حين سمعهم يقولون ذلك .
قال : فوضع رسول الله كفه في الماء والقدح ، ثم قال رسول الله : ' بسم الله ' ، ثم قال ' أسبغوا الوضوء ؟ ' فوالذي هو ابتلاني ببصري ، لقد رأيت العيون عيون الماء يومئذ تخرج من بين أصابع رسول الله فما رفعها حتى توضؤوا أجمعون .
نبيح العنزي .
قال علي بن المديني : مجهول .
وقال أبو زرعة : كوفي ثقة لم يرو عنه غير الأسود بن قيس .
وقد روى عنه أبو خالد الدالاني أيضا .
ووثقه أبو حاتم بن حبان .
وقد روي من رواية سالم بن أبي الجعد قال : سمعت جابرا قال : أصابنا عطش فجهشنا إلى رسول الله قال : فوضع يده في نور من ماء بين يديه فجعل يثور من خلال أصابعه كأنها عيون ، قال : ' خذوا بسم الله ' ، حتى وسعنا وكفانا .
وقد روى البخاري ومسلم من رواية سالم بن أبي الجعد عن جابر هذا الحديث بطرقه ولم يذكر فيه التسمية .
وقد روى مسلم في صحيحه من رواية عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ( 3 ) عن جابر بن عبد الله حديثا فيه طول ، وفيه : ' يا جابر ناد بوضوء ' . فقلت : ألا وضوء ؟ ألا وضوء ؟ وفيه قال : ' خذ يا جابر ، فصب علي ؟ ' وقل ' بسم الله ' .
فصببت عليه وقلت : بسم الله ، فرأيت الماء يفور من بين أصابع رسول الله فذكره ( * ) .
____________________
(1/106)
مسألة [ 34 ] :
المضمضة والاستنشاق واجبان في الطهارتين .
وقال أبو حنيفة : واجبان في الغسل ، مسنونان في الوضوء .
وقال مالك والشافعي : مسنونان فيهما .
لنا أربعة أحاديث :
134 - الحديث الأول : قال الدارقطني : حدثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث حدثنا الحسين بن علي بن مهران حدثنا عصام بن يوسف حدثنا عبد الله بن المبارك عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة أن رسول الله قال : ' المضمضة والاستنشاق من الوضوء الذي لا بد منه ' .
وفي هذا الحديث مقال : لأنه تفرد به سليمان عن الزهري .
وتفرد به عصام عن ابن المبارك . قال البخاري : عند سليمان مناكير .
وقال علي بن المديني : سليمان مطعون عليه .
وقال الدارقطني : وهم فيه عصام .
والصواب : عن ابن جريج عن سليمان بن موسى ، مرسلا عن النبي قال : وأحسبه اختلط عليه ، واشتبه بإسناد ابن جريج ' أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها ' ( 1 ) .
____________________
(1/107)
ويمكن أن يقال : سليمان ثقة .
وما علمنا في عصام طعنا .
والراوي قد يرفع وقد يرسل .
135 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : حدثنا علي بن الفضل بن طاهر البلخي قال : حدثنا أحمد بن حمدان العائذي حدثنا الحسين بن الجنيد الدامغاني - وكان رجلا صالحا - حدثنا علي بن يونس عن إبراهيم بن طهمان عن جابر عن عطاء عن ابن عباس عن النبي أنه قال : ' المضمضة والاستنشاق من الوضوء الذي لا يتم الوضوء إلا بهما ' .
قال الخصم : جابر هو الجعفي .
وقد كذبه أيوب السختياني وزائدة .
قلنا : قد وثقه سفيان الثوري وشعبة ، وكفى بهما .
ز : جابر الجعفي ضعفه الجمهور ، والمؤلف يحتج به في موضع إذا كان الحديث حجة له ويضعفه في موضع آخر إذا كان الحديث حجة عليه .
وقال الدارقطني بعد أن روى الحديث : جابر ضعيف .
وقد اختلف عنه فأرسله أبو مطيع الحكم بن عبد الله بن إبراهيم بن طهمان عن جابر عن عطاء وهو أشبه بالصواب ( * ) .
136 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : حدثنا الحسين بن إسماعيل حدثنا عبد الله ابن أحمد بن موسى حدثنا هدبة حدثنا حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار عن أبي هريرة قال : أمرنا رسول الله بالمضمضة والاستنشاق .
قال الخصم : قد قال الدارقطني : لم يسنده عن حماد غير هدبة وداود بن المحبر .
وغيرهما يرويه عن عمار عن النبي .
لا يذكر أبا هريرة .
والجواب : أن هدبة ثقة ، أخرجا عنه في الصحيحين .
فإذا رفعه كان رفعه زيادة على قول من وقفه .
والزيادة من الثقة مقبولة ، ومن وقفه لم يحفظ ما حفظ الرافع .
ز : إذا روى بعض الثقات حديثا فأرسله ، ورواه بعضهم فأسنده ، فقد اختلف أهل الحديث في ذلك .
فحكى الخطيب : أن أكثر أصحاب الحديث يرون أن الحكم في هذا للمرسل ، وعن
____________________
(1/108)
بعضهم أن الحكم للأكثر ، وعن بعضهم أن الحكم للأحفظ .
وصحح الخطيب أن الحكم لمن أسنده إذا كان عدلا ضابطا ، وسواء كان المخالف واحدا أو جماعة .
والصحيح أن ذلك يختلف : فتارة يكون الحكم للمرسل وتارة يكون للمسند ، وتارة للأحفظ .
ورواية من أرسل هذا الحديث أشبه بالصواب ، وقد صحح الدارقطني وغيره إرساله .
والله أعلم ( * ) .
137 - الحديث الرابع : قال أحمد : حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن همام عن أبي هريرة عن رسول الله قال : ' إذا توضأ أحدكم فليستنشق بمنخريه من الماء ، ثم لينتثر ' .
أخرجه مسلم .
وقد روى نحوه عثمان بن عفان وابن عباس ، وسلمة بن قيس ، والمقدام بن معد يكرب ووائل بن حجر .
فإن قالوا : نحمله على الاستحباب ، بدليل ما روى أبو هريرة عن النبي أنه قال : ' من توضأ فليستنثر ، من فعل فقد أحسن ، ومن لا فلا حرج ' .
قلنا : ظاهر الأمر الوجوب .
وليس احتجاجنا بقوله ' فليستنثر ' إنما احتجاجنا بقوله ' فليستنشق من الماء ، ثم لينتثر ' يقال : استنثر إذا حرك النثرة ، وهي طرف الأنف ، لإخراج الفضلة ، وذلك لا يجب .
ز : أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة أن رسول الله قال : ' إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينتثر ' .
وعنه أن النبي قال : ' إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاث مرات فإن الشيطان يبيت على خياشيمه ' أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
وعن لقيط بن صبرة قال : قلت : يا رسول الله ، أخبرني عن الوضوء ؟ قال : ' أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما ' .
رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة والنسائي والترمذي وقال : حديث حسن صحيح ( 2 ) .
ورواه ابن خزيمة في صحيحه والحاكم وصححه
وزاد أبو داود في بعض رواياته : ' إذا توضأت فتمضمض ' .
وعن علي رضي الله عنه : أنه دعا بوضوء فتمضمض واستنشق ونثر بيده اليسرى
____________________
(1/109)
ففعل هذا ثلاثا ، ثم قال : هذا طهور نبي الله رواه أحمد والنسائي ( 1 ) والدارقطني .
قال المؤلف : وقد احتج أصحابنا بحديث يروي عن أبي هريرة عن النبي : أنه جعل المضمضة والاستنشاق للجنب ثلاثا فريضة ، وهو حديث موضوع لم يروه غير بركة بن محمد ، وكان كذابا ، وقد ذكرته في الموضوعات ، فلم أر في ذكره ههنا فائدة .
ز : سئل الدارقطني عن حديث يروي عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة أن النبي قال : ' المضمضة والاستنشاق للجنب ثلاثا فريضة ' .
فقال : يرويه بركة بن محمد بن زيد الحلبي ، قيل الأنصاري عن يوسف بن أسباط عن الثوري عن خالد الحذاء ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن النبي .
وتابعه سليمان بن الربيع النهدي عن همام بن مسلم .
عن الثوري ، وكلاهما متروك وهو وهم ، والصواب : ما رواه وكيع وغيره عن الثوري ، عن خالد الحذاء ، عن ابن سيرين ، مرسلا : أن النبي سن في الاستنشاق من الجنابة ثلاثا .
وبركة الحلبي متروك .
احتجوا بحديثين : أحدهما : حديث أم سلمة : ' إنما يكفيك ثلاث حثيات ' ولم يذكر المضمضة والاستنشاق ، وقد سبق هذا الحديث .
138 - والثاني : قال الدارقطني : حدثنا أبو سهل بن زياد حدثنا الحسن بن العباس حدثنا سويد بن سعيد حدثنا القاسم بن غصن عن إسماعيل بن مسلم عن عطاء عن ابن عباس قال : قال رسول الله : ' المضمضة والاستنشاق سنة ' .
وهذا لا يصح .
أما إسماعيل بن مسلم ، فقال يحيى : ليس بشيء .
وقال علي بن المديني : لا يكتب حديثه .
وأما القاسم بن غصن ، فقال ابن حبان : يروي المناكير عن المشاهير ويقلب الأسانيد .
وأما سويد ، فقال النسائي : ليس بثقة .
ز : قال الدارقطني بعد أن روى هذا الحديث : إسماعيل بن مسلم ضعيف .
والقاسم ابن غصن مثله ، خالفه علي بن هاشم فرواه عن إسماعيل بن مسلم المكي عن عطاء عن أبي هريرة ولا يصح أيضا .
ثم رواه من رواية إسحاق بن كعب ، عن علي بن هاشم ، عن إسماعيل بن مسلم ، عن عطاء عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' إذا توضأ أحدكم فليتمضمض وليستنشق ' .
____________________
(1/110)
وقال أبو يعلى الموصلي في مسنده : حدثنا الحسن بن شبيب المؤدب ، ثنا علي بن هاشم ، ثنا إسماعيل بن مسلم ، عن عطاء عن أبي هريرة أن النبي قال : ' إذا توضأ أحدكم فليتمضمض وليستنشق والأذنان من الرأس ( * ) .
مسألة [ 35 ] :
يجب إدخال المرفقين في غسل اليدين .
وقال زفر وداود : لا يجب .
لنا ما :
139 - روى الدارقطني حدثنا أحمد بن إسحاق بن البهلول حدثنا عباد بن يعقوب حدثنا القاسم بن محمد بن عبد الله بن عقيل عن جده عن جابر بن عبد الله قال : كان رسول الله إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه .
إلا أن هذا الحديث ضعيف .
قال أحمد : القاسم بن محمد ليس بشيء .
وقال أبو حاتم : متروك الحديث .
مسألة [ 36 ] :
يجب مسح جميع الرأس .
وقال أبو حنيفة : مقدار الربع .
وقال الشافعي : أقل ما يتناوله اسم المسح .
____________________
(1/111)
لنا ما :
140 - روى الترمذي : حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري حدثنا معن حدثنا مالك حدثنا عمرو بن يحيى عن أبيه : عن عبد الله بن زيد أن رسول الله مسح رأسه بيديه ، فأقبل بهما وأدبر .
بدأ بمقدم رأسه ، ثم ذهب بهما إلى قفاه .
ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
احتجوا بما :
141 - روى أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا التيمي عن بكر عن الحسن عن ابن المغيرة : عن أبي أن رسول الله توضأ فمسح بناصيته ، ومسح على الخفين والعمامة .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
وليس فيه حجة لهم ؛ لأنه لو جاز الاقتصار على الناصية لما مسح على العمامة .
ز : وذكر الحافظ ضياء الدين وغيره : أن حديث المغيرة انفرد به مسلم ، وهو كما قالوا .
وروى معاوية بن صالح عن عبد العزيز بن مسلم ، عن أبي معقل عن أنس بن مالك قال : رأيت رسول الله يتوضأ وعليه عمامة قطرية فأدخل يده من تحت العمامة فمسح مقدم رأسه ولم ينقض العمامة رواه أبو داود وابن ماجة والحاكم .
____________________
(1/112)
وعبد العزيز هذا ليس بالقسملي وإنما هو الأنصاري المدني مولى آل رفاعة ، ذكره ابن حبان في كتاب الثقات .
وأبو معقل غير معروف ، وذكر ابن السكن أن هذا الحديث لم يثبت إسناده .
وقال ابن القطان : لا يصح .
وروى الشافعي : أخبرنا مسلم ، عن ابن جريج ، عن عطاء : أن رسول الله توضأ فحسر العمامة عن رأسه ومسح مقدم رأسه ، أو قال : ناصيته .
هذا مرسل .
ومسلم هو ابن خالد وقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة ( * ) .
مسألة [ 37 ] :
يستحب تكرار مسح الرأس ثلاثا .
وعنه : لا يسن كقول أبي حنيفة ومالك .
لنا أحاديث :
142 - منها ما : روى أحمد حدثنا وكيع عن إسرائيل عن عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عثمان أن رسول الله توضأ ثلاثا ثلاثا .
انفرد بإخراجه مسلم .
وقد رواه علي رضي الله عنه :
143 - قال الترمذي : حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي حية عن علي : أن النبي توضأ ثلاثا ثلاثا .
قال الترمذي : حديث علي أحسن شيء في هذا الباب وأصح .
قال الخصم : ليس لكم في الحديث حجة .
لأن قوله : ' توضأ ' يعود إلى ما يحصل به الوضاءة .
وهي الغسل .
____________________
(1/113)
ويكشف هذا : أن في ' الصحيح ' عن عثمان أنه وصف وضوء رسول الله ثلاثا ثلاثا .
ثم قال : ومسح برأسه - ولم يذكر عددا - ثم قال : وغسل رجليه ثلاثا . وروي عن علي ذكر المسح صريحا ، وأنه مرة :
144 - روى الترمذي حدثنا هناد وقتيبة قالا حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن أبي حية قال : رأيت عليا توضأ ، فغسل كفيه ، ثم تمضمض ثلاثا ، واستنشق ثلاثا ، وغسل وجهه ثلاثا ، وذراعيه ثلاثا ، ومسح برأسه مرة ، ثم غسل قدميه .
ثم قال : أحببت أن أريكم كيف كان طهور رسول الله قال الترمذي : هذا حديث صحيح .
واستدلوا بما :
145 - روى أحمد حدثني يحيى بن إسحاق ، حدثنا حماد بن زيد ، عن سنان بن ربيعة ، عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة أن رسول الله كان يمسح رأسه مرة واحدة .
وقد روى عنه ' أنه كان يمسح مرة ' معاذ بن جبل ، والبراء بن عازب ، وعبد الله بن عمر ( 1 ) ، وابن عباس .
والجواب : أما قولهم : إن ذلك يعود إلى الغسل .
فإن الوضوء إذا أطلق عم المسح والغسل .
وأما من روى عن عثمان - ولم يذكر في المسح عددا - فلا حجة في ذلك .
لأن من ذكر العدد مقدم القول .
وقد روى الدارقطني بإساده عن عبد الله بن جعفر وشقيق وحمران وابن دارة وابن البيلماني عن عثمان - كلهم - أنه وصف وضوء رسول الله ، ومسح برأسه ثلاثا .
146 - قال أحمد حدثنا صفوان بن عيسى عن محمد بن عبد الله بن أبي مريم قال : دخلت على ابن دارة .
فقال رأيت عثمان دعا بوضوء فمضمض ثلاثا ، واستنشق ثلاثا ، وغسل وجهه ثلاثا وذراعيه ثلاثا .
ومسح برأسه ثلاثا .
وغسل قدميه .
ثم قال : من أحب أن ينظر إلى وضوء رسول الله ، فهذا وضوء رسول الله .
____________________
(1/114)
147 - وقد روى الدارقطني عن عبد خير عن علي أنه توضأ فمسح برأسه وأذنيه ثلاثا .
وقال : هكذا وضوء رسول الله .
148 - وأما ما ذكروه عن ابن عباس : فحديث يرويه عباد بن منصور ، وقد ضعفه يحيى والنسائي .
ثم نقول : المسح مرة لبيان الإجزاء .
والخصم يقول : لما جعل وظيفة الرأس المسح نبه على التخفيف .
فنقول : هذه عبادة لا يعقل معناها .
149 - روى أحمد قال حدثنا مروان بن معاوية الفزاري حدثنا ربيعة بن عتبة الكناني عن المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش قال مسح علي رأسه في الوضوء حتى أراد أن يقطر ، وقال : هكذا رأيت رسول الله يتوضأ .
150 - قال أحمد : وحدثنا علي بن بحر قال أنبأنا الوليد بن مسلم عن عبد الله ابن العلاء عن أبي الأزهر عن معاوية : أنه ذكر له وضوء رسول الله ، وأنه مسح رأسه بغرفة من ماء ، حتى تقطر الماء من رأسه ، أو كاد ( 1 ) يقطر .
ثم بلغ العرض .
ز : عامر في إسناد حديث عثمان وهو ابن شقيق بن جمرة الأسدي لم يرو له مسلم ، وضعفه يحيى بن معين .
وقال النسائي : ليس به بأس .
ووثقه ابن حبان .
ومسلم روى الحديث من غير طريقه ، ولفظه : أن عثمان توضأ بالمقاعد فقال : ألا أريكم وضوء رسول الله ثم توضأ ثلاثا ثلاثا .
وقال أبو داود : ثنا هارون بن عبد الله ، ثنا يحيى بن آدم ، ثنا إسرائيل عن عامر بن شقيق بن جمرة ، عن شقيق بن سلمة ، قال : رأيت عثمان بن عفان غسل ذراعيه ثلاثا ثلاثا .
ومسح رأسه ثلاثا ، ثم قال : رأيت رسول الله فعل هذا .
قال أبو داود : رواه وكيع ، عن إسرائيل قال : توضأ ثلاثا ، فقط .
____________________
(1/115)
قلت : وقد رواه ابن مهدي ، وعبد الرزاق ، وأبو أحمد الزبيري ، وغيرهم عن إسرائيل ، ولم يذكروا التكرار في مسح الرأس وهو الصواب .
وروى عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت : رأيت رسول الله توضأ فمسح رأسه ومسح ما أقبل وما أدبر وصدغيه وأذنيه مرة واحدة .
رواه الإمام أحمد ، وأبو داود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
ولفظه لأبي داود والترمذي وعن عبد الله بن زيد قال : رأيت رسول الله يتوضأ فغسل وجهه ثلاثا ويديه مرتين وغسل رجليه مرتين ومسح رأسه مرتين .
رواه النسائي بإسناد جيد .
وعن عبد الرحمن بن وردان قال : حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن .
قال : حدثني حمران قال : رأيت عثمان بن عفان توضأ وفيه : ومسح رأسه ثلاثا ، ثم غسل رجليه ثلاثا ثم قال : رأيت رسول الله توضأ هكذا وقال : من توضأ دون هذا كفاه .
رواه أبو داود والدارقطني .
وقال عبد الرحمن : ليس بقوي .
وقال أبو داود : أحاديث عثمان الصحاح كلها تدل على أن مسح الرأس مرة فإنهم ذكروا الوضوء ثلاثا ، وقالوا فيها : ومسح رأسه .
لم يذكروا عددا .
وعن علي : أنه توضأ ثلاثا ثلاثا ومسح برأسه وأذنيه ثلاثا ثلاثا .
وقال : هكذا وضوء رسول الله أحببت أن أريكموه .
رواه الدارقطني .
وغالب الروايات عن علي أنه مسح مرة واحدة .
والله أعلم ( * ) .
مسألة [ 38 ] :
الأذنان من الرأس يمسحان بماء الرأس .
____________________
(1/116)
وقال الشافعي : ليستا ( 1 ) من الرأس .
ويسن لهما ماء جديد .
لنا سبعة أحاديث :
151 - الحديث الأول : قال أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا حماد بن زيد عن سنان بن ربيعة عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة أن النبي قال : ' الأذنان من الرأس ' .
فإن قال الخصم : في هذا الحديث سنان وشهر .
فأما سنان : فقال حاتم الرازي : هو مضطرب الحديث .
وأما شهر : فقال ابن عدي : ليس بالقوي ، ولا يحتج بحديثه .
وقال الدارقطني : قال سليمان بن حرب عن حماد بن زيد : إن قوله : ' الأذنان من الرأس ' من قول أبي أمامة غير مرفوع .
وهو الصواب .
فالجواب : أما شهر : فقد وثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين .
وأما سنان : إنما قال فيه يحيى : ليس بالقوي والاضطراب في الحديث لا يمنع الثقة .
وجواب قول من قال : ' هو قول أبي أمامة ' أن نقول : الراوي قد يرفع الشيء ، وقد يفتي به .
ز : وروى هذا الحديث أبو داود ( 1 ) ، والدارقطني .
والصواب : أنه موقوف على أبي أمامة كما قال الدارقطني .
قال أبو داود : ثنا سليمان بن حرب ح وحدثنا مسدد وقتيبة ، عن حماد بن زيد ، عن سنان بن ربيعة ، عن شهر بن حوشب ، عن أبي أمامة رضي الله عنه وذكر وضوء النبي قال : وكان رسول الله يمسح الماقين قال : وقال ' الأذنان من الرأس ' .
قال سليمان بن حرب يقولها أبو أمامة .
وقال قتيبة : قال حماد : لا أدري هو من قول النبي أو أبي أمامة يعني قصة الأذنين .
وقال حرب قلت لأبي عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - : الأذنان من الرأس .
قال : نعم .
قلت : صح فيه شيء عن النبي .
قال : لا أعلم ( * ) .
____________________
(1/117)
152 - الحديث الثاني : قال الدارقطني حدثنا ابن صاعد قال حدثنا الجراح بن مخلد قال حدثنا يحيى بن العريان الهروي حدثنا حاتم بن إسماعيل عن أسامة بن زيد عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله قال : ' الأذنان من الرأس ' .
قالوا : قد قدح أحمد في أسامة .
وقال : قد روى عن نافع أحاديث مناكير .
وقال النسائي : ليس بالقوي .
قلنا : قد قال يحيى بن معين : هو ثقة صالح .
قالوا : فقد قال الدارقطني رفعه وهم .
والصواب أنه موقوف على ابن عمر .
قلنا : الذي يرفعه يذكره زيادة والزيادة من الثقة مقبولة .
والصحابي قد يروي الشيء مرفوعا .
وقد يقوله على سبيل الفتوى .
153 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : أنبأنا أبو الحسن محمد بن عبد الله بن زكريا النيسابوري حدثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق حدثنا أبو كامل الجحدري حدثنا غندر محمد بن جعفر عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أن النبي قال : ' الأذنان من الرأس ' .
قالوا : قد قال الدارقطني : تفرد به أبو كامل عن غندر .
وهو وهم .
وتابعه الربيع بن زيد .
وهو متروك .
والصواب : عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن رسول الله مرسلا .
قلنا : أبو كامل لا نعلم أحدا طعن فيه والرفع زيادة .
والزيادة من الثقة مقبولة .
كيف وقد وافقه غيره .
فإن لم يعتد برواية الموافق اعتبر بها .
ومن عادة المحدثين أنهم إذا رأوا من وقف الحديث ومن رفعه ، وقفوا مع الواقف احتياطا .
وليس هذا مذهب الفقهاء .
ومن الممكن أن يكون ابن جريج سمعه من عطاء مرفوعا .
وقد رواه له سليمان عن رسول الله غير مسند .
____________________
(1/118)
ز : وقد زعم ابن القطان أيضا أن إسناد هذا الحديث صحيح .
قال : لثقة رواته وإيصاله ، وإنما أعلة الدارقطني بالاضطراب في إسناده فتبعه عبد الحق على ذلك .
وهو ليس بعيب فيه ، والذي قال فيه الدارقطني هو : أن أبا كامل تفرد به عن غندر ووهم فيه عليه .
هذا ما قال ، ولم يؤيده بشيء ولا عضده بحجة غير أنه ذكر ابن أبي جريج الذي دار الحديث عليه يروي عنه عن سليمان بن موسى عن النبي مرسلا قال : وما أدري ما الذي يمنع أن يكون عنده في ذلك حديثان : مسند .
ومرسل .
والله أعلم .
انتهى كلامه .
وفيه نظر كثير .
وقد روى هذا الحديث ابن عدي في كامله في ترجمة عبد الله بن سلمة الأفطس وهو متروك .
فقال : حدثنا محمد بن محمد بن الباغندي ، ثنا أبو كامل ، ثنا غندر عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله : ' الأذنان من الرأس ' .
قال أبو كامل : لم أكتب عن غندر إلا هذا الحديث الواحد ، أفأدنيه عنه عبد الله بن سلمة الأفطس .
قال ابن عدي : وهذا الحديث لا أعلم يرويه عن غندر بهذا الإسناد غير أبي كامل ، وحدث عن أبي كامل بهذا الحديث : المعمري والباغندي وقد روي هذا الحديث عن الربيع بن زيد عن ابن جريج .
انتهى كلام ابن عدي .
وهذه الطريقة التي سلكها المؤلف ومن تابعه في أن الأخذ بالمرفوع والمتصل في كل موضع طريقه ضعيفة لم يسلكها أحد من المحققين وأئمة العلل في الحديث ( * ) .
154 - الحديث الرابع : قال الدارقطني حدثنا علي بن عبد الله بن مبشر قال حدثنا محمد بن حرب حدثنا علي بن عاصم عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن أبي هريرة عن النبي قال : ' الأذنان من الرأس ' .
قالوا : قد قال الدارقطني : وهم علي بن عاصم في قوله ' عن أبي هريرة ' .
والصحيح : عن ابن جريج عن سليمان مرسلا .
قلنا : قد أجبنا عن هذا آنفا .
وبينا مذهب المحدثين في ذلك .
____________________
(1/119)
ز : علي بن عاصم تكلم فيه :
قال يزيد بن هارون في رواية عنه : ما زلنا نعرفه بالكذب .
وقال ابن معين : ليس بشيء .
وقال النسائي : متروك الحديث .
وسليمان بن موسى لم يسمع من أبي هريرة ، والصواب ما قاله الدارقطني : إنه مرسل ( * ) .
155 - الحديث الخامس : قال الدارقطني : حدثنا علي بن الفضل بن طاهر البلخي حدثنا حماد بن محمد بن حفص حدثنا محمد بن الأزهر الجوزجاني حدثنا الفضل بن موسى السيناني عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : قال رسول الله : ' الأذنان من الرأس ' .
قالوا : قال الدارقطني : المرسل أصح .
قلنا : قد سبق جوابه .
156 - الحديث السادس : قال الدارقطني : حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد حدثنا أحمد بن بكر أبو سعيد حدثنا محمد بن مصعب القرقساني حدثنا إسرائيل عن جابر عن عطاء عن ابن عباس قال : قال رسول الله : ' الأذنان من الرأس ' .
قالوا : جابر هو ابن يزيد الجعفي .
وقد ضعفوه .
قلنا : قد وثقه الثوري وشعبة .
قالوا : فقد رواه مرة عن عطاء عن النبي .
قلنا : الراوي قد يسند ، وقد يختصر .
ز : أحمد بن بكر ويقال : ابن بكرويه أبو سعيد البالسي ضعيف .
وقال ابن عدي : روى أحاديث مناكير عن الثقات .
وروى هذا الحديث في ترجمته عن ابن صاعد ، ثم قال : وهذا الحديث لا يعرف إلا بأحمد بن بكر .
____________________
(1/120)
وقال الأزدي : أحمد بن بكر يضع الحديث .
وقد ذكر الدارقطني أن هذا الحديث اختلف فيه على جابر الجعفي .
وأن رواية من أرسله أشبه بالصواب .
وقد رواه عمر بن قيس عن عطاء ، عن ابن عباس موقوفا ، وعمر ضعيف .
قال المؤلف : وقد روي هذا الحديث من وجوه كثيرة فيها طعون .
فاقتصرنا على ما ذكرنا ( * ) .
157 - الحديث السابع : قال الترمذي : حدثنا قتيبة حدثنا بكر بن مضر عن ابن عجلان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ أنها رأت النبي يتوضأ . قالت : فمسح رأسه وصدغيه وأذنيه مرة واحدة .
وقد روى الخصم : أن رسول الله أخذ ماء جديدا لأذنيه ، ولا حجة لهم في هذا ، لأنا نقول هذا الأول .
مسألة [ 39 ] :
يجوز المسح على العمامة .
خلافا لهم .
لنا خمسة أحاديث :
158 - الأول : حديث المغيرة : أن النبي توضأ فمسح بناصيته ومسح على العمامة وقد سبق بإسناده .
وهو متفق عليه وقد تقدم أنه من أفراد مسلم .
____________________
(1/121)
159 - والثاني : حديث بلال .
قال أحمد : حدثنا أبو معاوية قال : حدثنا الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن بلال قال : مسح رسول الله على الخفين والخمار انفرد بإخراجه مسلم .
160 - طريق آخر : قال أحمد : حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم حدثنا محمد بن راشد حدثنا مكحول عن نعيم بن خمار عن بلال : أن رسول الله قال : ' امسحوا على الخفين والخمار ' .
ز : مكحول لم يسمع من نعيم فهو منقطع .
ومحمد بن راشد هو المكحولي ثقة وقد تكلم بعضهم فيه .
قال شعبة : هو صدوق .
وقال عبد الرزاق : ما رأيت أورع في الحديث منه .
وقال أحمد ويحيى : ثقة .
وقال أبو حاتم : صدوق حسن الحديث .
وقال النسائي : ليس بالقوي .
وقال ابن حبان : كان من أهل النسك ، لكن لم يكن الحديث من صناعته ، فكان يأتي بالشيء على التوهم ، فكثرت المناكير في روايته فاستحق ترك الاحتجاج به .
وفي اسم أبي نعيم خمسة أقوال حكاها الصوري : همار بالميم ، وهبار بالباء ، وهدار بالدال ، وخمار بالخاء المعجمة المفتوحة ، وحمار بالحاء المهملة المكسورة ( * ) .
161 - الحديث الثالث : قال أحمد : حدثنا الحسن بن سوار قال : حدثنا ليث بن سعد عن معاوية عن عتبة أبي أمية عن أبي سلام الأسود عن ثوبان قال : رأيت رسول الله توضأ ومسح على الخفين والخمار .
ز : أبو سلام الأسود لم يسمع من ثوبان .
قاله يحيى بن معين وغيره وعتبة ليس بمشهور .
وعن ثوبان قال : بعث رسول الله سرية فأصابهم البرد فلما قدموا على رسول الله أمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين .
رواه الإمام أحمد وأبو داود والحاكم وقال : على شرط مسلم .
وليس كما قال .
والعصائب : العمائم .
والتساخين : الخفاف .
قاله الإمام أحمد ( * ) .
____________________
(1/122)
162 - الحديث الرابع : قال أحمد : حدثنا عبد الصمد حدثنا داود بن الفرات ، حدثنا محمد بن زيد عن أبي شريح عن أبي مسلم مولى زيد بن صوحان ، قال : كنت مع سلمان الفارسي .
فرأى رجلا قد أحدث ، وهو يريد أن ينزع خفيه ، فأمره سلمان أن يمسح على خفيه وعلى عمامته .
وقال : رأيت رسول الله يمسح على خفيه وعلى خماره .
ز : رواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن يونس بن محمد المؤدب ، عن داود .
ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن داود ومحمد بن زيد هو العبدي قاضي مرو . قال أبو حاتم : صالح الحديث لا بأس به . وأبو شريح وأبو مسلم ذكرهما ابن حبان في الثقات . وقال الحافظ عبد الغني المقدسي في هذا الحديث : غريب من حديث الرواة ولا أعلم رواه غير داود بن أبي الفرات عن محمد بن زيد ، قاضي مرو ( * ) .
163 - الحديث الخامس : قال أحمد : حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا الأوزاعي عن يحيى ابن أبي كثير عن أبي سلمة عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري عن أبيه قال : رأيت رسول الله يمسح على الخفين والعمامة .
ز : حديث عمرو رواه البخاري عن عبدان ، عن ابن المبارك عن الأوزاعي وفي الباب عن أنس .
والمسح على العمامة مذهب أبي بكر ، وعمر ، وعلي ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسلمان ، وأبي الدرداء ، وأبي موسى ، وأنس .
قال أبو بكر الأثرم : سمعت أبا عبد الله يقول : المسح على العمامة قد روي من خمسة أوجه عن رسول الله .
قيل له : تذهب إليه ؟ قال : نعم .
قلت : فإذا مسح على العمامة ، ثم خلعها أعاد وضوءه ؟ قال : نعم ( * ) .
____________________
(1/123)
مسألة [ 40 ] :
الفرض في الرجلين الغسل .
وقال ابن جرير : المسح .
لنا أحاديث :
164 - الأول : قال أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا أبو عوانة قال : حدثنا أيوب عن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عمرو قال : تخلف عنا رسول الله في سفرة سافرناها .
فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة ، ونحن نتوضأ .
فجعلنا نمسح على أرجلنا .
قال : فنادى بأعلى صوته - مرتين أو ثلاثا - ويل للأعقاب من النار .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
165 - الحديث الثاني : قال أحمد : حدثنا هشام عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة أنه مر بقوم يتوضؤون فقال : أسبغوا الوضوء .
فإني سمعت رسول الله يقول : ويل للأعقاب من النار .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
وقد روي ' ويل للأعقاب من النار ' عن جابر وعائشة .
ز : وعن معيقيب قال : قال رسول الله : ' ويل للأعقاب من النار ' رواه أحمد .
____________________
(1/124)
وعن خالد بن الوليد ، ويزيد بن أبي سفيان ، وشرحبيل بن حسنة ، وعمرو بن العاص ، كل هؤلاء سمعوه من رسول الله قال : أتموا الوضوء ويل الأعقاب من النار .
رواه ابن ماجة .
وعن عبد الله بن الحارث بن جزء قال : سمعت رسول الله يقول : ' ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار ' .
رواه أحمد ، والدارمي ( 1 ) والحاكم .
وعن ليث بن عبد الرحمن بن سابط ، عن أبي أمامة أو عن أخي أبي أمامة قال : رأى رسول الله قوما على أعقاب أحدهم مثل موضع الدراهم أو مثل موضع ظفر لم يصبه الماء ، قال : فجعل رسول الله : ' ويل للأعقاب من النار ' .
قال : وكان أحدهم ينظر فإذا رأى بعقبه موضعا لم يصبه الماء أعاد وضوءه .
رواه البيهقي في سننه ( 2 ) .
وحديث عائشة رواه مسلم في صحيحه .
وحديث جابر رواه أحمد ، وابن ماجة ، والله أعلم .
166 - الحديث الثالث : قد ذكرنا في حديث عثمان وعلي : أن رسول الله كان يغسل رجليه إذا توضأ ( 1 ) وكذلك في رواية كل من روى وضوء رسول الله .
احتجوا بما :
167 - رواه أحمد : حدثنا يحيى عن شعبة قال : حدثني يعلى عن أبيه عن أوس بن أبي أوس قال : ' رأيت رسول الله توضأ ومسح على نعليه ، ثم قام إلى الصلاة ' .
ورواه أبو داود فقال : ' على نعليه وقدميه ' .
وهذا محمول على أن نعليه عمت قدميه ، فمسح عليهما كما يمسح على الخف .
قالوا : فقد رواه هشام عن يعلى ، وقال فيه : ' توضأ ومسح على رجليه ' .
وجواب هذا من وجهين : أحدهما : أن أحمد قال : لم يسمع هشام هذا من يعلى .
قلت : وقد كان هشام يدلس .
فلعله سمعه من بعض الضعفاء ثم أسقطه .
والثاني : أن يكون المعنى : مسح على رجليه وهما في الخفين ( * ) .
____________________
(1/125)
مسألة [ 41 ] :
الترتيب في الوضوء واجب .
وقال أبو حنيفة ومالك : مستحب .
لنا : أن رسول الله توضأ مرتبا ، وذكر الوضوء مرتبا .
لم يرو عنه غير ذلك .
168 - قال أحمد : حدثنا عبد الله بن يزيد .
قال : حدثنا عكرمة بن عمار حدثنا شداد بن عبد الله عن عمرو بن عبسة عن النبي قال : ' ما منكم أحد يقرب وضوءه ، ثم يتمضمض ويستنشق وينتثر إلا خرت خطاياه من فمه وخياشيمه مع الماء .
ثم يغسل وجهه إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء .
ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلا خرت خطايا يديه من أطراف أنامله .
ثم يمسح رأسه ، كما أمره الله ، إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء .
ثم يغسل قدميه إلى الكعبين ، كما أمره الله تعالى ، إلا خرت خطايا قدميه من أطراف أصابعه مع الماء ' .
انفرد بإخراجه مسلم ( 1 ) .
ز : أخرج مسلم أصل هذا الحديث ولم يخرج بعض ألفاظه ، وهو حديث طويل رواه بطوله عن أحمد بن جعفر المعقري ، عن النضر بن محمد .
عن عكرمة بن عمار ، عن شداد
____________________
(1/126)
ابن عبد الله أبي عمار ، ويحيى بن أبي كثير ، عن أبي أمامة وعمرو بن عبسة .
وقوله : ' كما أمره الله ' بعد غسل القدمين لم يروه مسلم ، بل رواه ابن خزيمة في صحيحه وكذلك لم يرو مسلم قوله : ' كما أمره الله ' بعد مسح الرأس ( * ) .
169 - قال الدارقطني : حدثنا علي بن محمد المصري حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح حدثنا إسماعيل بن مسلمة بن قعنب حدثنا عبد الله بن عرادة الشيباني عن زيد بن أبي الحواري عن معاوية بن قرة عن [ عبيد ] ( 1 ) بن عمير عن أبي بن كعب : أن رسول الله دعا بماء فتوضأ مرة مرة .
وقال : ' هذا وظيفة الوضوء .
وضوء من لم يتوضأه لم تقبل له صلاة .
ثم توضأ مرتين مرتين ' ، وقال : ' هذا وضوء من توضأه أعطاه الله كفلين من الأجر ثم توضأ ثلاثا ثلاثا ' ، وقال : ' هذا وضوئي ووضوء المرسلين قبلي ' .
وفي هذا الإسناد : زيد بن أبي الحواري .
قال يحيى : ليس بشيء .
وقال النسائي : ضعيف .
وقال أبو زرعة : واهي الحديث .
وقال أحمد بن حنبل : صالح .
وفيه عبد الله بن عرادة .
قال يحيى : ليس بشيء .
وقال البخاري : منكر الحديث .
وقال ابن حبان : لا يجوز الإحتجاج به .
170 - قال الدارقطني : حدثنا دعلج بن أحمد حدثنا الحسن بن سفيان حدثنا المسيب ابن واضح حدثنا حفص بن ميسرة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال : توضأ رسول الله مرة مرة .
وقال : ' هذا وضوء من لا يقبل الله منه صلاة إلا به ' .
ثم توضأ مرتين مرتين .
وقال : ' هذا وضوء من يضاعف الله له الأجر مرتين ' .
ثم توضأ ثلاثا ثلاثا ، وقال : ' هذا وضوئي ووضوء المرسلين قبلي ' .
قال الدارقطني : تفرد به المسيب بن واضح عن حفص ، والمسيب ضعيف .
ووجه احتجاج أصحابنا من هذين الحديثين : أنهم يقولون : لا يخلو إما أن يكون رتب أو لم يرتب ، لا يجوز أن يكون لم يرتب .
فثبت أنه رتب .
ز : روى حديث أبي بن كعب ابن ماجة في سننه .
وعن عبد الله بن عمرو عن النبي قال : ' من توضأ واحدة فتلك وظيفة الوضوء الذي لا بد منها ، ومن توضأ اثنين فله كفلان من الأجر ، ومن توضأ ثلاثا فذلك وضوئي ووضوء
____________________
(1/127)
الأنبياء قبلي ' رواه أحمد ، وهو من رواية زيد بن الحواري العمي أيضا ( * ) .
أما حجتهم : فرووا أن الربيع روت أن رسول الله مسح رأسه بما فضل من وضوئه .
وليس الحديث كذلك ، وإنما هو مسح رأسه بما بقي في يديه من ماء الوضوء .
171 - فروى أحمد : ثنا وكيع ، ثنا سفيان ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، قال : حدثتني الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت : ' كان رسول الله يأتينا فيكثر ، فأتانا فوضعنا له الميضأة فتوضأ ، فغسل كفيه ثلاثا وتمضمض واستنشق وغسل وجهه وذراعيه ومسح رأسه بما بقي من وضوئه في يديه وغسل رجليه .
واحتجوا بما :
172 - رووا عن ابن عباس : أن رسول الله غسل وجهه ثم يديه ، ثم رجليه ، ثم مسح برأسه .
وهذا لا يصح .
ومن الجائز : أن يكون شك هل مسح رأسه أم لا ؟ فمسح احتياطا .
173 - ورووا أن علي بن أبي طالب قال : ما أبالي بأي أعضائي بدأت وهذا محمول على تقديم الشمال على اليمين .
ز : عن زياد مولى بني مخزوم قال : قيل لعلي بن أبي طالب عليه السلام : إن أبا هريرة يبدأ بميامنه في الوضوء ، فدعا بماء فتوضأ فبدأ بمياسره .
وعن عبد الله بن عمرو بن هند قال : قال علي عليه السلام : ما أبالي إذا أتممت وضوئي بأي أعضائي بدأت .
وعن أبي العبيدين عن عبد الله بن مسعود أنه سئل عن رجل توضأ فبدأ بمياسره .
فقال : لا باس .
روى هذه الأحاديث الدارقطني .
زياد مولى بني مخزوم .
قال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين : لا شيء .
وعبد الله بن عمرو بن هند ، قال الدارقطني : ليس بقوي .
وروى الإمام أحمد عن جرير عن قابوس عن أبيه أن عليا سئل فقيل له : أحدنا يستعجل فيغسل شيئا قبل شيء ، قال : لا حتى يكون كما أمره الله تعالى .
احتج به أحمد في رواية الأثرم .
والله أعلم ( * ) .
____________________
(1/128)
مسألة [ 42 ] :
الموالاة شرط .
وقال أبو حنيفة : لا يشترط .
لنا : خمسة أحاديث .
منها : حديث أبي .
وحديث ابن عمر .
وقد سبقا .
ووجه الحجة : أنه لا يخلو إما أن يكون والى أم لم يوال .
لا جائز أن يكون لم يوال .
فثبت أنه والى .
174 - الحديث الثالث : قال أحمد : حدثنا موسى بن داود حدثنا ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر أن عمر بن الخطاب أخبره : أنه رأى رجلا توضأ للصلاة ، فترك موضع ظفر على ظهر قدمه .
فأبصره النبي فقال : ' راجع فأحسن وضوءك . فرجع فتوضأ ثم صلى '
175 - طريق آخر : قال ابن ماجة : حدثنا حرملة بن يحيى حدثنا ابن وهب حدثنا ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر عن عمر بن الخطاب قال : رأى رسول الله رجلا يتوضأ ، فترك موضع الظفر على قدمه .
فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة .
ابن لهيعة مجروح .
____________________
(1/129)
ز : روى مسلم في صحيحه حديث عمر من رواية معقل عن أبي الزبير ولفظه : أن رجلا توضأ فترك موضع ظفر على قدمه فأبصره النبي فقال : ' ارجع فأحسن وضوءك ' ، فرجع ثم صلى ( * ) .
176 - الحديث الرابع : قال أحمد حدثنا إبراهيم بن أبي العباس حدثنا بقية قال : حدثني يحيى ( 1 ) بن سعد عن خالد بن معدان عن بعض أزواج النبي أن رسول الله رأى رجلا يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم ، لم يصبها الماء .
فأمره رسول الله أن يعيد الوضوء .
ز : وروى هذا الحديث أبو داود وعنده : فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة .
قال الأثرم : قلت لأحمد هذا إسناد جيد .
قال : نعم .
وقد احتج [ به ] الإمام أحمد أيضا في رواية غير واحد من أصحابه .
وتكلم فيه البيهقي وابن حزم وغيرهما بغير مستند قوي .
والله أعلم ( * ) .
177 - الحديث الخامس : قال الدارقطني حدثنا أبو بكر النيسابوري حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب حدثنا عمي قال : حدثنا جرير بن حازم أنه سمع قتادة قال حدثنا أنس ابن مالك : أن رجلا جاء إلى النبي ، وقد توضأ وترك على قدمه مثل الظفر .
فقال له رسول الله : ' ارجع فأحسن وضوءك ' .
قال الدارقطني : تفرد به جرير عن قتادة ، وهو ثقة .
ز : ورواه أحمد ، وابن ماجة وأبو داود ( 1 ) وقال : ليس هذا الحديث بمعروف لم يروه إلا ابن وهب ( * ) .
فإن قيل : هذا الحديث قد روي من طريق آخر ، وفيه : ' ارجع فأتم وضوءك ' .
قلنا : هذا يرويه الوازع بن نافع .
قال أحمد ويحيى : ليس بثقة .
قال الدارقطني : ذاهب الحديث .
وقال النسائي : متروك .
____________________
(1/130)
مسألة [ 43 ] :
لا يجوز للجنب مس المصحف .
وقال داود : يجوز له وللحائض .
لنا ما :
178 - قال الدراقطني : حدثنا أبو بكر النيسابوري حدثنا محمد بن يحيى حدثنا الحكم بن موسى حدثنا يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود قال : حدثني الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله كتب إلى أهل اليمن كتابا .
فكان فيه : ' لا يمس القرآن إلا طاهر ' .
ز : هذا الذي احتج به المؤلف قطعة من حديث طويل فيه ذكر الصدقات .
والديات وغيرها .
وسليمان راوي الحديث .
اختلفوا فيه ، فقيل هو : سليمان بن أرقم ، وقيل : سليمان بن داود الخولاني .
وقد روى الحديث بطوله الإمام أحمد وأبو داود في المراسيل ، عن الحكم بن موسى .
وقال أبو داود : هذا وهم من الحكم ، يعني قوله : ابن داود ، وإنما هو سليمان بن أرقم وهو متروك .
ورواه النسائي عن عمرو بن منصور عن الحكم بن موسى به .
وعن الهيثم بن مروان بن عمران ، عن محمد بن بكار بن بلال ، عن يحيى بن حمزة ، عن سليمان بن أرقم ، وقال : هذا أشبه بالصواب وسليمان بن أرقم متروك الحديث . ورواه أبو القاسم الطبراني عن محمد بن عبد الله الحضرمي عن الحكم .
____________________
(1/131)
ورواه أبو حاتم بن حبان في صحيحه ، وقال : سليمان بن داود الخولاني من أهل دمشق ثقة مأمون .
وسليمان بن داود اليمامي لا شيء ، وجميعا يرويان عن الزهري .
قال أبو حاتم : سليمان لا باس به ، ويقال إنه : سليمان بن أرقم .
والله أعلم .
وقال أبو الحسن بن البراء عن علي بن المديني : منكر الحديث ، وضعفه .
وقال أبو يعلى الموصلي عن يحيى بن معين : ليس بمعروف وليس يصح بهذا الحديث .
وقال أبو بكر بن أبي شيبة وعثمان بن سعيد الدارمي عن يحيى بن معين : ليس بشيء .
قال عثمان : أرجو أنه ليس كما قال ، فإن يحيى بن حمزة روى عنه أحاديث حسانا كلها مستقيمة .
وقال أبو القاسم البغوي : سمعت أحمد بن حنبل ، وسئل عن حديث الصدقات الذي يرويه يحيى بن حمزة : أصحيح هو ؟ فقال : أرجو أن يكون صحيحا .
يعني حديث الحكم بن موسى عن يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود عن الزهري .
وقال أبو الحسن الهروي : الحديث في أصل يحيى بن حمزة عن سليمان بن أرقم غلط عليه الحكم .
وقال أبو زرعة الدمشقي : الصواب سليمان بن أرقم .
وقال ابن مندة : رأيت في كتاب يحيى بن حمزة بخطه عن سليمان بن أرقم عن الزهري وهو الصواب .
وقال صالح جزرة : ثنا دحيم قال : نظرت في [ أصل ] ( 1 ) كتاب يحيى حديث عمرو ابن حزم في الصدقات فإذا هو عن سليمان بن أرقم .
صالح الحديث .
فكتب هذا الكلام عن مسلم بن الحجاج .
وقال أبو بكر البيهقي : وقد أثنى على سليمان بن داود : أبو زرعة ، وأبو حاتم ، وعثمان بن سعيد ، وجماعة من الحفاظ ، ورأوا هذا الحديث الذي رواه في الصدقات موصول الإسناد حسنا .
والله أعلم .
وقال يعقوب بن سفيان : لا أعلم في جميع الكتب كتابا أصح من كتاب عمرو بن
____________________
(1/132)
حزم .
كان أصحاب النبي والتابعون يرجعون إليه ويدعون آراءهم .
وقد روى الدارقطني : ثنا محمد بن مخلد ، ثنا الحسن بن أبي الربيع ، أنا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن أبيه قال : كان في كتاب النبي لعمرو بن حزم : ' لا يمس القرآن إلا على طهر ' .
قال الدارقطني : هو مرسل ، ورواته ثقات .
وقال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي : ثنا نعيم بن حماد ، عن ابن المبارك عن معمر ، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن جده ، أن النبي كتب لعمرو بن حزم ، وساق نعيم الحديث بطوله .
وقال الدارقطني : حدثنا الحسين بن إسماعيل ، ثنا سعيد بن محمد بن ثواب ثنا أبو عاصم ، أنا ابن جريج ، عن سليمان بن موسى ، قال : سمعت سالما يحدث عن أبيه قال : قال رسول الله : ' لا يمس القرآن إلا طاهر ' .
سليمان بن موسى .
قال البخاري : عنده مناكير .
وقال النسائي : ليس بالقوي في الحديث .
ووثقه يحيى بن معين ، ودحيم ، والترمذي ، وابن عدي وغيرهم
وعن مطر عن حسان بن بلال عن حكيم بن حزام أن النبي قال : ' لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر ' .
رواه أبو القاسم اللالكائي بإسناده وفيه نظر .
ورواه الدارقطني ولفظه : ' لا تمس القرآن إلا وأنت على طهر ' .
وقال : كلهم ثقات .
وقال أبو بكر عبد الله بن أبي داود : ثنا أحمد بن الحباب الحميري ، ثنا أبو صالح الحكم بن المبارك الخاشني ، ثنا محمد بن راشد ، عن إسماعيل المكي ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن عثمان بن أبي العاص ، قال : كان فيما عهد إلي رسول الله : ' لا تمس المصحف وأنت غير طاهر ' .
قال عبد الله : ونا أبو طاهر ، ثنا ابن وهب ، أخبرني مالك ، عن إسماعيل بن محمد ابن سعد بن أبي وقاص ، عن مصعب بن سعد أنه قال : كنت أمسك المصحف على سعد بن أبي وقاص فاحتككت ، فقال سعد : لعلك مسست ذكرك ؟ قلت : نعم ، قال : قم فتوضأ فقمت فتوضأت ثم رجعت .
____________________
(1/133)
كذا رواهما أبو بكر بن أبي داود في كتاب المصاحف .
وحديث عثمان بن أبي العاص منقطع ، لأن القاسم لم يدرك عثمان .
وإسماعيل بن مسلم المكي ضعيف تركه بعضهم .
وحديث مصعب بن سعد رواه مالك في الموطأ .
وقال الدارقطني : ثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل الأوسي ، ثنا محمد بن عبيد الله المنادي ثنا إسحاق الأزرق ، ثنا القاسم بن عثمان البصري عن أنس بن مالك قال : خرج عمر متقلدا بالسيف فقيل له : إن ختنك وأختك قد صبئوا ، فأتاهما عمر وعندهما رجل من المهاجرين يقال له خباب ، وكانوا يقرؤون طه ، فقال : أعطوني الكتاب الذي عندكم فأقرأه ، وكان عمر يقرأ الكتب ، فقالت له أخته : إنك رجس ولا يمسه إلا المطهرون فقم فاغتسل أو توضأ ؟ فقام عمر فتوضأ ، ثم أخذ الكتاب فقرأ طه .
ورواه أبو يعلى الموصلي بطريق عن إسحاق الأزرق مطولا .
وقال الطبراني : تفرد به القاسم .
وقال الدارقطني : القاسم بن عثمان ليس بالقوي .
وقال البخاري : له أحاديث لا يتابع عليها .
وعن عبد الرحمن بن يزيد قال : كنا مع سلمان فخرج فقضى حاجته ، ثم جاء فقلت : يا أبا عبد الله لو توضأت لعلنا أن نسألك عن آيات ، قال : إني لست أمسه إنما لا يمسه إلا المطهرون ، فقرأ علينا ما شئنا .
رواه الدارقطني وصححه ( * ) .
مسألة [ 44 ] :
لا يجوز للجنب أن يقرأ بعض آية .
وعنه : يجوز .
وقال داود : يجوز أن يقرأ .
وقال مالك : يقرأ آيات يسيرة للتعوذ .
لنا ما :
____________________
(1/134)
179 - روى الدارقطني حدثنا البغوي ، قال : حدثنا داود بن أسيد حدثنا إسماعيل ابن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله : ' لا تقرأ الحائض و لا الجنب شيئا من القرآن ' .
وقد رواه مغيرة بن عبد الرحمن وأبو معشر ، كلاهما عن موسى بن عقبة ، وهما وإسماعيل بن عياش كلهم ضعفاء مجروحون .
ز : وروى هذا الحديث ابن ماجة والترمذي ( 1 ) ، وقال : لا نعرفه إلا من حديث إسماعيل بن عياش .
وقد رواه الدارقطني من غير طريق ابن عياش كما ذكر المؤلف .
فقال : حدثنا محمد بن حمدويه المروزي ، ثنا عبد الله بن حماد الآملي ، ثنا عبد الله بن سلمة ، قال حدثني المغيرة بن عبد الرحمن عن موسى بن عقبة ، عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله : ' لا يقرأ الجنب شيئا من القرآن ' .
قال الدراقطني : عبد الملك هذا كان بمصر وهذا غريب من مغيرة بن عبد الرحمن وهو ثقة .
وقال ابن حبان : عبد الملك بن مسلمة يروي مناكير كثيرة .
وقال ابن يونس : منكر الحديث .
وقال أبو حاتم الرازي : مضطرب الحديث ليس بقوي ، حدثني بحديث في الكرم عن النبي عن جبريل حديث موضوع .
وقال أبو زرعة : ليس بالقوي منكر الحديث .
قال الدراقطني : وحدثنا محمد بن مخلد ، ثنا محمد بن إسماعيل الجباني عن رجل عن أبي معشر ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر عن النبي قال : ' الحائض والجنب لا يقرآن من القرآن شيئا ' .
فيه رجل مبهم ، وآخر ضعيف ، وهو أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن .
وقد قال عبد الله بن أحمد في حديث إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة : عرضت على أبي هذا الحديث ، فقال : هذا حديث باطل .
____________________
(1/135)
وقال ابن عدي : ليس لهذا الحديث أصل .
وفي بعض النسخ من حديث عبيد الله ، وضعفه البخاري والبيهقي وغيرهما .
وقد رواه الدارقطني أيضا من رواية سعيد بن يعقوب الطالقاني وإبراهيم بن العلاء الزبيدي ، عن إسماعيل بن عياش ، عن موسى بن عقبة ، وعبيد الله بن عمر ، عن نافع .
وقال ابن عدي : زاد في هذا الإسناد ، عن ابن عياش ، إبراهيم بن العلاء وسعيد بن يعقوب الطالقاني ، فقالا : عبيد الله وموسى بن عقبة .
وقال شيخنا أبو الحجاج : رواه محمد بن بكير الحضرمي ، عن إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة وعبيد الله بن عمر عن نافع .
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سمعت أبي وذكر حديث إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع ، عن ابن عمر عن رسول الله : ' لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن ' .
فقال أبي : هذا خطأ إنما هو عن ابن عمر قوله .
وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر في كتاب الأطراف : قد رواه عبد الله بن حماد الآملي عن القعنبي عن المغيرة بن عبد الرحمن ، عن موسى بن عقبة .
وقوله عن القعنبي وهم ، فإن عبد الله بن حماد إنما رواه عن عبد الملك بن مسلمة المصري وهو ضعيف كما تقدم .
وقال الحافظ محمد بن عبد الواحد بعد ذكر حديث إسماعيل بن عياش ، قلت : إسماعيل بن عياش تكلم فيه غير واحد من أهل العلم غير أن بعض الحفاظ قال : قد روى من غير حديثه بإسناد لا باس به .
والله أعلم .
وكأنه أشار إلى ما ذكره الحافظ أبو القاسم .
وقول المؤلف في مغيرة بن عبد الرحمن : أنه ضعيف مجروح وهم ، فإنه ثقة من رجال الصحيحين وهو الحزامي لا المخزومي ، وإن كانا يرويان عن موسى بن عقبة فيما قيل ( * ) .
180 - قال الدارقطني : وحدثنا ابن صاعد حدثنا عبد الله بن عمران العابدي حدثنا سفيان عن مسعر وشعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن علي قال : كان النبي لا يحجبه عن قراءة القرآن شيء ، إلا أن يكون جنبا .
قال عمرو بن مرة - في عبد الله بن سلمة - : يعرف وينكر .
____________________
(1/136)
ز : وروى هذا الحديث أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجة والترمذي والنسائي .
ولفظ أبي داود : أن رسول الله كان يخرج من الخلاء فيقرئنا القرآن ويأكل معنا اللحم ، ولم يكن يحجبه أو قال يحجزه عن القرآن شيء ليس الجنابة .
ولفظ حديث الترمذي : كان رسول الله يقرئنا القرآن على كل حال ما لم يكن جنبا .
وقال حديث حسن صحيح .
ورواه أبو حاتم بن حبان ، والحاكم وقال : هذا حديث صحيح الإسناد .
والشيخان لم يحتجا بعبد الله بن سلمة ، ومدار الحديث عليه ، وعبد الله بن سلمة غير مطعون فيه .
وذكر أبو بكر البزار أنه لا يروى عن علي إلا من حديث عمرو بن مرة عن عبد الله ابن سلمة وحكى البخاري عن عمرو بن مرة : كان عبد الله - يعني ابن سلمة - يحدثنا فتعرف وتنكر وكان قد كبر لا يتابع في حديثه .
وقال العجلي : عبد الله بن سلمة كوفي تابعي ثقة .
وقال يعقوب بن شيبة : ثقة يعد في الطبقة الأولى من فقهاء الكوفة بعد الصحابة .
وقال أبو حاتم والنسائي : تعرف وتنكر .
وقال ابن عدي : أرجو أنه لا بأس به .
وقال أبو طالب عن أحمد بن حنبل : لم يرو أحد : ' لا يقرأ الجنب ' غير شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة .
وقال غيره : قد رواه عن عمرو بن مرة أيضا غير شعبة سليمان الأعمش ومسعر ومحمد بن عبد الرحمن .
وذكر الشافعي هذا الحديث ، وقال : وإن لم يكن أهل الحديث يثبونه .
قال البيهقي : وإنما توقف الشافعي في ثبوت هذا الحديث لأن مداره على عبد الله بن سلمة الكوفي ، وكان قد كبر وأنكر من حديثه وعقله بعض النكرة .
وإنما روى هذا الحديث بعدما كبر ، قاله شعبة .
وذكر الخطابي : أن الإمام أحمد بن حنبل كان يوهن حديث علي هذا ، ويضعف أمر
____________________
(1/137)
عبد الله بن سلمة .
وقال سفيان بن عيينة : سمعت هذا الحديث من شعبة ، وقال شعبة : لم يرو عن عمر بن مرة أحسن من هذا الحديث .
وقال شعبة : لا أدري أحسن منه عن عمرو بن مرة .
وكان شعبة يقول في هذا الحديث : هذا ثلث رأس مالي .
وعن علي وأبي موسى قالا : قال رسول الله : ' يا علي إني أرضى لك ما أرضى لنفسي .
وأكره لك ما أكره لنفسي لا تقرأ القرآن وأنت جنب ، ولا وأنت راكع ولا وأنت ساجد ولا تصلي وأنت عاقص شعرك ولا تدبح تدبيح الحمار ' .
رواه الدارقطني : من رواية أبي نعيم النخعي واسمه عبد الرحمن بن هانئ .
قال الإمام أحمد : ليس بشيء .
وكذبه يحيى بن معين .
وقال أبو حاتم الرازي : لا بأس به يكتب حديثه .
وقال ابن عدي : عامة ما له لا يتابعه الثقات عليه .
وأبو نعيم يرويه عن أبي مالك النخعي عبد الملك بن حسين .
وقد قال يحيى بن معين في أبي مالك : ليس بشيء .
وقال أبو زرعة وأبو حاتم : ضعيف الحديث .
وعن يحيى بن أبي أنيسة عن أبي الزبير عن جابر قال : ' لا تقرأ الحائض ولا الجنب ولا النفساء القرآن ' .
رواه الدارقطني .
وعن محمد بن الفضل عن أبيه ، عن طاوس ، عن جابر قال : قال رسول الله : ' لا تقرأ الحائض ولا النفساء شيئا من القرآن ' .
رواه الدارقطني أيضا ، ومحمد بن الفضل كذبه يحيى بن معين .
وقال أحمد : ليس بشيء حديثه حديث أهل الكذب .
وقال النسائي : متروك الحديث .
وأبوه : ضعفه الفلاس وابن عدي .
وعن عامر بن السمط ثنا أبو الغريف الهمداني قال : كنا مع علي عليه السلام في الرحبة فخرج إلى أقصى الرحبة فوالله ما أدري أبولا أحدث أم غائطا ثم جاء فدعا بكوز من ماء فغسل كفيه ثم قبضهما إليه ، ثم قرأ صدرا من القرآن ثم قال : اقرءوا القرآن ما لم يصب أحدكم جنابة فإن أصابته جنابة فلا ولا حرفا واحدا .
رواه الدارقطني .
وقال : صحيح عن علي .
وقال أحمد : حدثنا عائد بن حبيب ، حدثني عامر بن السمط ، عن أبي الغريف ، قال : أتي علي بوضوء فمضمض واستنشق ثلاثا وغسل وجهه ثلاثا وغسل يديه وذراعيه ثلاثا ثم مسح برأسه ، ثم غسل رجليه ، ثم قال : هكذا رأيت رسول الله ، ثم قرأ شيئا من
____________________
(1/138)
القرآن ، ثم قال : هذا لمن ليس بجنب ، فأما الجنب فلا ولا آية .
أبو الغريف سيأتي الكلام عليه في المسح .
وعن زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام ، عن عكرمة قال : كان عبد الله بن رواحة مضطجعا إلى جنب امرأته فقام إلى جارية له في ناحية الحجرة فوقع عليها وفزعت امرأته فلم تجده في مضجعه فقامت فخرجت فرأته على جاريته فرجعت إلى البيت فأخذت الشفرة ثم خرجت وفرغ فقام فلقيها تحمل الشفرة ، فقال : مهيم ؟ قالت لو أدركتك حين رأيتك لوجأت بين كتفيك بهذه الشفرة ، قال : وأين رأيتني ؟ قالت : رأيتك على الجارية ، فقال : ما رأيتيني ، وقد نهانا رسول الله أن يقرأ أحدنا القرآن وهو جنب .
قالت : فاقرأ .
فقال :
( أتانا رسول الله يتلو كتابه ** كما لاح مشهود من الفجر ساطع )
( أتانا بالهدى بعد العمى فقلوبنا ** به موقنات أن ما قال واقع )
( يبيت بجافي جنبه عن فراشه ** إذا استثقلت بالمشركين المضاجع )
فقالت : آمنت بالله وكذبت البصر .
ثم غدا على رسول الله فأخبره فضحك حتى بدت نواجذه .
رواه الدارقطني هكذا مرسلا .
ورواه من وجه آخر عن زمعة عن سلمة عن عكرمة عن ابن عباس متصلا .
وزمعة بن صالح ضعفه أحمد .
ويحيى ، وأبو حاتم ، وغيرهم .
وقال أبو زرعة : واهي الحديث .
وقال البخاري : يخالف في حديثه ، تركه ابن مهدي أخيرا .
وقال ابن معين مرة : صويلح الحديث .
وقال ابن عدي : ربما يهم في بعض ما يرويه وأرجو أن حديثه صالح لا بأس به وسلمة بن وهرام ، قال أحمد : روى عنه زمعة أحاديث مناكير أخشى أن يكون حديثا ضعيفا .
وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين وأبو زرعة : ثقة .
وقال أبو داود : ضعيف .
وقال ابن عدي : أرجو أنه لا بأس بروايات الأحاديث التي يرويها عنه غير زمعة وذكره ابن حبان في كتاب الثقات .
والله أعلم .
____________________
(1/139)
مسائل نواقض الطهارة
مسألة [ 45 ] :
إذا نام على حالة من أحوال الصلاة نوما يسيرا لم يبطل وضوؤه .
وعنه ينقض في حق الراكع والساجد بكل حال .
وقال مالك وأبو حنيفة وداود : لا ينقض إلا في حال الاضطجاع .
وقال الشافعي : ينقض إلا في حال الجلوس .
لنا ما :
181 - روى أحمد : حدثنا عبد السلام بن حرب عن يزيد بن عبد الرحمن عن قتادة عن أبي العالية الرياحي عن ابن عباس : أن النبي قال : ' ليس على من نام ساجدا وضوء ،
____________________
(1/141)
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ) ) ، رواه مالك في الموطأ .
وعن القاسم بن محمد أن عائشة زوج النبي كانت تقول إذا تشهدت : التحيات الطيبات الصلوات الزاكيات لله أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله السلام عليك أيها النبي ، ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين السلام عليكم . رواه مالك في الموطأ أيضا .
وقد روى مسلم حديث حطان بن عبد الله الرقاشي عن أبي موسى في التشهد .
وبأي تشهد تشهد مما صح عن النبي جاز .
مسألة [ 159 ] :
والصلاة على النبي فيه فرض . وعنه أنها سنة كقول أبي حنيفة ومالك .
لنا أربعة أحاديث :
601 - الحديث الأول : قال أحمد : حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن الحكم قال : سمعت ابن أبي ليلى قال : لقيني كعب بن عجرة فقال : ألا أهدي لك هدية ؟ خرج علينا رسول الله فقلنا : يا رسول الله ، قد علمنا - أو قد عرفنا - كيف السلام عليك ، فكيف الصلاة ؟ قال : ( ( قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على آل
____________________
(1/141)
حتى يضطجع . فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله ' .
قالوا : قال الدارقطني : تفرد به يزيد - وهو الدالاني - عن قتادة ولا يصح .
وقال ابن حبان : كان كثير الخطأ .
لا يجوز الاحتجاج به ، وقد رواه ابن أبي عروبة عن قتادة موقوفا .
قلنا : قد ذكرنا أن مذهب المحدثين إيثار قول من وقف الحديث احتياطا ، وليس هذا بشيء ، وقول الدارقطني لا يصح دعوى بلا دليل .
وقد قال أحمد : يزيد لا بأس به ، ورواية من وقفه لا يمنع كونه مرفوعا .
فإن الراوي قد يسند وقد يفتي الحديث .
ز : وقد روى هذا الحديث أبو داود ، والترمذي ، والدارقطني ( 1 ) .
وقال أبو داود : هو حديث منكر ، لم يروه إلا يزيد الدالاني [ عن قتادة ] ( 2 ) .
وقال الترمذي : وقد رواه سعيد عن قتادة عن ابن عباس قوله ، لم يذكر أبا العالية ولم يرفعه .
وقال إبراهيم الحربي : هو حديث منكر .
وذكر ابن حبان : أن يزيد الدالاني كان كثير الخطأ فاحش الوهم يخالف الثقات في الروايات حتى إذا سمعها المبتدئ في هذه الصناعة علم أنها معمولة أو مقلوبة ، لا يجوز الاحتجاج به إذا وافق الثقات فكيف إذا انفرد عنهم بالمعضلات .
وقد أخطأ ابن حبان في ترجمة الدالاني فلذلك ضعفه .
وقال أبو حاتم : يزيد صدوق .
وقال يحيى بن معين والنسائي : ليس به بأس .
وقال الحاكم أبو أحمد : لا يتابع في بعض حديثه .
وقال ابن عدي : له أحاديث صالحة ، وفي حديثه لين إلا أنه مع لينه يكتب حديثه .
وقال شعبة : إنما سمع قتادة من أبي العالية أربع أحاديث : حديث يونس بن متى ، وحديث ابن عمر في الصلاة ، وحديث القضاة ثلاثة ، وحديث ابن عباس حدثني رجال مرضيون .
وقال أبو القاسم البغوي : يقال إن قتادة لم يسمع هذا الحديث من أبي العالية .
وقال البيهقي : فأما هذا الحديث فإنه قد أنكره على أبي خالد الدالاني جميع الحفاظ ، وأنكر سماعه من قتادة : أحمد بن حنبل ومحمد بن إسماعيل البخاري وغيرهما ( * ) .
____________________
(1/142)
احتجوا بأربعة أحاديث :
182 - الحديث الأول : قال الدارقطني : قال حدثنا أبو حامد محمد بن هارون حدثنا سليمان بن عمر بن خالد حدثنا بقية بن الوليد عن الوضين بن عطاء عن محفوظ بن علقمة عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله : ' العين وكاء السه ، فمن نام فليتوضأ ' .
السه : حلقة الدبر .
183 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : وحدثنا أبو حامد محمد بن هارون حدثنا مساور حدثنا الوليد بن مسلم عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم عن عطية بن قيس الكلاعي عن معاوية بن أبي سفيان : أن النبي قال : ' العين وكاء السه ، فإذا نامت العين استطلق الوكاء ' .
184 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : حدثنا محمد بن جعفر الطبري ثنا سليمان ابن محمد الجنابي ، ثنا أحمد بن محمد بن أبي عمران الدورقي حدثنا يحيى بن بسطام حدثنا عمرو بن هارون عن يعقوب بن عطاء عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله قال : ' من نام جالسا فلا وضوء عليه ، ومن وضع جنبه فعليه الوضوء ' .
185 - الحديث الرابع : ذكره الدارقطني في كتاب العلل من حديث أبي هريرة عن النبي أنه قال : ' وجب الوضوء على كل نائم إلا من خفق برأسه خفقة أو خفقتين ' .
هذه الأحاديث فيها مقال :
أما الأول : ففيه الوضين ، قال السعدي : هو واهي الحديث .
وقال أحمد : ما كان به بأس .
وفي الثاني : أبو بكر بن أبي مريم .
قال يحيى : ليس بشيء .
وقال مرة : صدوق .
وفي الثالث : عمر بن هارون .
قال يحيى : كذاب خبيث ليس حديثه بشيء .
وقال النسائي : متروك الحديث .
____________________
(1/143)
وأما الرابع : فقال الدارقطني : إنما يروى عن ابن عباس من قوله .
ز : روى حديث علي الإمام أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجة ( 1 ) . وابن عائذ لم يلق عليا . وروى حديث معاوية عبد الله بن أحمد وجادة في كتاب أبيه بخط يده .
وقال : أظنه كان في المحنة قد ضرب على هذا الحديث في كتابه .
ورواه البيهقي من رواية ابن أبي مريم مرفوعا ، ومن رواية مروان بن جناح عن عطية بن قيس موقوفا وهو أصح .
وسئل أحمد عن حديث علي ومعاوية في ذلك ، فقال : حديث علي أثبت وأقوى .
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سألت أبي عن حديث رواه بقية عن الوضين بن عطاء عن محفوظ عن علقمة عن أبي عائذ ، عن علي عن النبي : ' العين وكاء السه ' .
فقال : ليسا بقويين .
وسئل أبو زرعة عن حديث ابن عائذ عن علي ، فقال : ابن عائذ عن علي مرسل ( * ) .
مسألة [ 46 ] :
لمس النساء ينقض .
وعنه : إذا كان لشهوة ، وهو قول الشافعي .
وقال أبو حنيفة : لا ينقض .
____________________
(1/144)
لنا ما :
186 - قال الدارقطني : حدثنا الحسين بن إسماعيل قال : حدثنا يوسف بن موسى حدثنا جرير عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل أنه كان قاعدا عند النبي .
فجاءه رجل .
فقال : يا رسول الله ، ما تقول في رجل أصاب من امرأة لا تحل له .
فلم يدع شيئا يصيبه الرجل من امرأته إلا قد أصابه منها ، غير أنه لم يجامعها ؟ فقال له النبي : ' توضأ وضوءا حسنا ، ثم قم فصل ' .
ز : وروى هذا الحديث الإمام أحمد والترمذي والحاكم والبيهقي ( 1 ) .
وقال : وفيه إرسال عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يدرك معاذ بن جبل .
وروى مالك عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه أنه كان يقول : قبلة الرجل امرأته وجسها بيده من الملامسة ، فمن قبل امرأته أو جسها بيده فعليه الوضوء .
وعن أبي عبيدة عن أبيه - هو ابن مسعود - في القبلة من اللمس وفيها الوضوء رواهما أبو بكر الأثرم .
وعن الزهري عن سالم ، عن ابن عمر ، أن عمر بن الخطاب قال : القبلة من اللمس فتوضؤوا منها .
رواه الدارقطني والبيهقي وهو غير محفوظ .
احتجوا بحديثين .
187 - الحديث الأول : رواه الترمذي قال : حدثنا قتيبة حدثنا وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة أن النبي قبل بعض نسائه ، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ .
____________________
(1/145)
188 - طريق آخر : قال أحمد : حدثنا محمد بن فضيل عن الحجاج عن عمرو بن شعيب عن زينب السهمية عن عائشة قالت : كان رسول الله يتوضأ ، ثم يقبل ، ثم يصلي ولا يتوضأ ، .
189 - طريق ثالث : قال الدارقطني : حدثنا الحسين بن إسماعيل حدثنا أحمد بن بشر ابن عبد الوهاب حدثنا هشام حدثنا عبد الحميد حدثنا الأوزاعي قال : حدثني عمرو بن شعيب عن زينب أنها سألت عائشة عن رجل يقبل امرأته ويلمسها ، أيجب عليه الوضوء ؟ فقالت : ربما توضأ النبي فيقبلني ، ثم يمضي فيصلي ولا يتوضأ .
190 - طريق رابع : قال الدارقطني : حدثنا الحسين بن إسماعيل قال حدثنا يعقوب ابن إبراهيم الدورقي قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن أبي روق عن إبراهيم التيمي عن عائشة قالت : كان رسول الله يتوضأ ، ثم يقبل بعد ما توضأ ، ثم يصلي ولا يتوضأ .
191 - طريق خامس : وقال الدارقطني : حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق حدثنا محمد بن الحسين الحنيني قال حدثنا جندل بن والق حدثنا عبيد الله بن عمرو عن غالب عن عطاء عن عائشة قالت : ربما قبلني رسول الله ثم صلى ولا يتوضأ .
192 - الحديث الثاني : قال أبو حاتم بن حبان قال حدثنا ابن قتيبة قال حدثنا عبد العزيز بن إسحاق بن هبار قال حدثنا آدم بن أبي إياس قال حدثنا ركن بن عبد الله عن مكحول عن أبي أمامة قال : قلت : يا رسول الله ، الرجل يتوضأ للصلاة ثم يقبل أهله أو يلاعبها ، ينقض ذلك وضوءه ؟ قال : ' لا ' .
والجواب : أما الطريق الأول : في الحديث الأول : فقال الترمذي : سمعت محمد بن إسماعيل يضعف هذا الحديث ، ويقول : حبيب لم يسمع من عروة .
وضعفه يحيى بن سعيد أيضا .
وقال : هو شبه لا شيء .
____________________
(1/146)
وأما الطريق الثاني والثالث : ففيهما زينب .
قال الدارقطني : زينب هذه مجهولة .
ولا تقوم به حجة .
قلت : والحجاج مجروح أيضا .
وأما الطريق الرابع : فقال الترمذي : لا يعرف لإبراهيم سماع من عائشة .
وليس يصح عن النبي في هذا الباب شيء .
وقال الدارقطني : لم يروه غير إبراهيم عن أبي روق عن عطية بن الحارث .
ولا نعلم حدث به عنه غير الثوري وأبي حنيفة ، واختلفا فيه .
وأسنده الثوري عن عائشة ، وأسنده أبو حنيفة عن حفصة وكلاهما أرسله .
وإبراهيم لم يسمع من عائشة .
ولا من حفصة ، ولا أدرك زمانهما .
قال : وقد روى هذا الحديث معاوية بن هشام عن الثوري عن أبي روق عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن عائشة .
فوصل إسناده ، واختلف عليه في لفظه .
فروى عثمان بن أبي شيبة عنه أن النبي كان يقبل وهو صائم وقال غير عثمان : كان يقبل ولا يتوضأ .
وأما الطريق الخامس : فقال الدارقطني : غالب هو ابن عبيد الله ، وهو متروك .
وقد رواه أبو سلمة خالد بن سلمة الجهني .
فقال : عن عبد الله بن غالب ، ووهم فيه وإنما أراد غالب بن عبيد الله ، وأبو سلمة ضعيف أيضا .
وأما حديث أبي أمامة فقال ابن حبان : لا يحل الاحتجاج بركن .
وقال النسائي والدارقطني : هو متروك .
ز : حديث حبيب عن عروة عن عائشة رواه الإمام أحمد ، وابن ماجة .
وقالا : عن عروة بن الزبير .
ورواه أبو داود .
وقال : قال يحيى بن سعيد القطان لرجل : احك عني أنهما شبه لا شيء ، يعني هذا الحديث وحديث آخر .
قال أبو داود : وروي عن الثوري أنه قال : ما حدثنا حبيب إلا عن عروة المزني يعني لم يحدثهم عن عروة بن الزبير بشيء .
قال : وقد روى حمزة الزيات عن حبيب .
عن عروة بن الزبير ، عن عائشة حديثا صحيحا .
وحديث إبراهيم عن عائشة رواه الإمام أحمد ، وأبو داود والنسائي .
وقالا : إبراهيم لم يسمع من عائشة .
وقال النسائي ليس في هذا الباب أحسن من هذا الحديث وإن كان مرسلا وقال النسائي : أنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، عن شعيب عن الليث ، قال : أنا ابن الهاد ،
____________________
(1/147)
عن عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم عن عائشة قالت : إن كان رسول الله ليصلي وإني لمعترضة بين يديه اعتراض الجنازة حتى إذا أراد أن يوتر مسني برجله .
هذا إسناد صحيح على شرط الصحيح .
وابن الهاد هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد .
وقد اتفقوا على الاحتجاج عليه وقد روى الإمام أحمد هذا الحديث في مسنده عن يونس عن الليث .
مسألة [ 47 ] :
مس الذكر ينقض الوضوء .
وقال أبو حنيفة : لا ينقض .
لنا تسعة أحاديث :
193 - الحديث الأول : قال أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن بسرة بنت صفوان أن النبي قال : ' من مس ذكره ، فلا يصلي حتى يتوضأ ' .
هذا إسناد لا مطعن فيه . قال الترمذي ( 1 ) : هذا حديث صحيح . وقال البخاري : هو أصح شيء في هذا الباب .
194 - الحديث الثاني : قال أحمد : حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن ابن إسحاق قال حدثني محمد بن مسلم الزهري عن عروة بن الزبير عن زيد بن خالد الجهني قال : سمعت
____________________
(1/148)
رسول الله يقول : ' من مس فرجه فليتوضأ ' .
195 - الحديث الثالث : قال أحمد : حدثنا عبد الجبار بن محمد الخطابي قال حدثنا بقية قال حدثنا محمد بن الوليد الزبيدي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي قال : ' أيما رجل مس فرجه فليتوضأ ، وإنما امرأة مست فرجها فلتتوضأ ' .
196 - الحديث الرابع : قال الدارقطني حدثنا محمد بن [ مخلد ] ( 1 ) حدثنا عثمان بن معبد بن نوح حدثنا إسحاق بن محمد الفروي حدثنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر : أن رسول الله قال : ' من مس ذكره فليتوضأ وضوءه للصلاة .
197 - الحديث الخامس : قال الدارقطني : حدثنا [ عثمان بن أحمد ] ( 1 ) الدقاق حدثنا الحسن بن سلام السواف حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي حدثنا يزيد بن عبد الملك بن المغيرة النوفلي عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه ، حتى لا يكون بينه وبينه حجاب ولا ستر ، فليتوضأ وضوءه للصلاة ' .
198 - الحديث السادس : قال الدارقطني : حدثنا محمد بن مخلد حدثنا حمزة بن العباس المروزي حدثنا عتيق بن يعقوب حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن حفص العمري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله قال : ' ويل للذين يمسون فروجهم ثم يصلون ولا يتوضؤون ' .
قالت عائشة : بأبي أنت وأمي هذا للرجال أفرأيت النساء ؟ قال : إذا مست إحداكن فرجها فتتوضأ للصلاة ' .
199 - الحديث السابع : أنبأنا محمد بن عبد الباقي أنبأنا إبراهيم بن عمر البرمكي عن عبد العزيز بن جعفر قال أحمد : حدثنا محمد بن عوف حدثنا مروان حدثنا الهيثم بن جميل حدثنا الأوزاعي حدثنا العلاء بن الحارث عن مكحول عن عنبسة بن أبي سفيان عن أم حبيبة
____________________
(1/149)
قالت : قال رسول الله : ' من مس ذكره فليتوضأ ' .
200 - الحديث الثامن : قال ابن ماجة : حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي حدثنا معاوية بن عيسى عن ابن أبي ذئب عن عقبة بن عبد الرحمن عن محمد بن عبد الرحمن ابن ثوبان عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله : ' إذا مس أحدكم ذكره فعليه الوضوء .
201 - الحديث التاسع : قال ابن ماجة : حدثنا سفيان بن وكيع حدثنا عبد السلام بن حرب عن إسحاق بن أبي فروة عن الزهري عن عبد الله بن عبد القاري عن أبي أيوب قال : سمعت رسول الله يقول : ' من مس فرجه فليتوضأ ' .
قال الخصم : كل هذه الأحاديث مطعون فيها .
أما الأول : فقالوا : لم يسمعه عروة من بسرة ، إنما سمعه من مروان .
202 - قال الترمذي : حدثنا إسحاق بن منصور قال : أنبأنا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن مروان عن بسرة عن النبي بذلك .
203 - قال أحمد : ثنا إسماعيل بن علية حدثنا عبد الله بن أبي بكر قال سمعت عروة ابن الزبير يحدث أبي قال : ذاكرني مروان بمس الذكر ؛ فقلت : ليس فيه وضوء .
فقال : بسرة بنت صفوان تحدث فيه .
فأرسل إليها رسولا ، فذكر الرسول أنها تحدث : أن رسول الله قال : ' من مس ذكره فليتوضأ ' . وقال إبراهيم الحربي : حديث بسرة يرويه شرطي عن شرطي عن امرأة .
وذكر الدارقطني : أن علي بن المديني قال : أرسل مروان شرطيا إلى بسرة حتى رد إليه جوابها .
وذكروا عن يحيى بن معين أنه قال : ثلاثة أحاديث لا تصح .
____________________
(1/150)
حديث ' مس الذكر ' و ' لا نكاح إلا بولي ' و ' كل مسكر حرام ' .
وأما الحديث الثاني : فإن مالكا قد قدح في ابن إسحاق .
وأما الثالث : فإن بقية كان مدلسا عن الضعفاء .
ولا يوثق بحديثه .
ثم عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرسل .
والمراسيل ليست بحجة .
وأما الرابع والتاسع : ففيهما إسحاق الفروي . قال النسائي : ليس بثقة .
وفي الرابع عبد الله بن عمر العمري ، وقد ضعفه يحيى .
وقال النسائي : ليس بالقوي .
وقال ابن حبان : غلب عليه التعبد فغفل عن الحفظ ، فوقعت المناكير في روايته فلما فحش خطؤه استحق الترك .
وأما الخامس : ففيه يزيد بن عبد الملك .
قال أحمد : عنده مناكير .
وقال يحيى والدارقطني : ضعيف .
وقال أبو حاتم الرازي : منكر الحديث جدا .
وقال النسائي : متروك الحديث .
وأما السادس : ففيه عبد الرحمن العمري قال أحمد : ليس يساوي حديثه شيئا حذفناه .
كان كذابا .
وقال يحيى : ليس بشيء .
وقال أبو حاتم الرازي : متروك الحديث كان يكذب .
وقال النسائي وأبو زرعة والدارقطني : متروك .
وأما السابع : فقال الترمذي : قال البخاري : مكحول لم يسمع من عنبسة .
قال : وكأنه لم ير هذا الحديث صحيحا .
وقد ذكر محمد بن سعد : أن العلماء ضعفوا مكحولا .
وأما الثامن : فقال البخاري : إنما روي عقبة عن ابن ثوبان هذا الحديث مرسلا عن رسول الله ، قال : وقال بعضهم عن جابر ولا يصح .
وأما التاسع : ففيه إسحاق الفروي وقد سبق جرحه .
والجواب :
أما الحديث الأول : فقد حكم بصحته الترمذي .
وإسناده صحيح .
ومن الممكن أن يقال : إن عروة حين سمعه من بسرة لم يكن سمعه منها ، ثم سمعه منها .
____________________
(1/151)
يدل على هذا : أن الدارقطني روى في كتابه عن عروة أنه قال بعد أن حدثه مروان : فسألت بسرة بعد ذلك ، فصدقته .
وأما ابن إسحاق : فقد وثقه يحيى .
وقال شعبة : هو صدوق .
وبقية : قد أخرج عنه مسلم في صحيحه ، وما زال العلماء يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، وإذا كان جده هو عبد الله لم يكن الحديث مرسلا .
لأنه قد سمع شعيب منه .
ثم المراسيل عندنا حجة .
وأما عبد الله بن عمر : فقال يحيى في روايته : ليس به بأس ، ويمكن أن يطالب بسبب التضعيف في حق الكل .
فإن المحدثين يضعفون بما ليس بضعيف عند الفقهاء .
وما حكوه عن الحرب فبعيد .
لأن قوله ' عن امرأة ' يدل على وهن وليس في الصحابيات مغمز .
وكذلك ما حكوا عن يحيى ، فإنه لا يثبت .
وقد كان مذهبه انتقاض الوضوء بمس الذكر ، وكان يحتج بحديث بسرة .
كذلك رواه الدارقطني عنه .
وروى عنه عبد الملك الميموني أنه قال : إنما يطعن في حديث بسرة من لا يذهب إليه .
والاعتماد من هذه الأحاديث على حديث بسرة .
ز : حديث بسرة رواه أيضا أبو داود ، وابن ماجة والنسائي ( 1 ) وأبو حاتم بن حبان في صحيحه .
وقال النسائي : هشام بن عروة لم يسمع من أبيه هذا الحديث .
وقال الإمام أحمد : قال شعبة : لم يسمع هشام حديث أبيه في مس الذكر .
قال يحيى : فسالت هشاما ، فقال : أخبرني أبي .
ورواه ابن أبي فديك ، عن ربيعة بن عثمان عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن مروان ، عن بسرة ، فذكر الحديث .
قال عروة : فسألت بسرة فصدقته .
فقد صح سماع عروة من بسرة ، وسماع هشام من أبيه .
وقال الشافعي : قد روينا عن غير بسرة عن النبي والذي يعيب علينا الرواية عن بسرة يروي عن عائشة بنت عمرو وأم خداش ، وعدة من النساء ليس بمعروفات في العامة ويحتج بروايتهن ويضعف بسرة مع سابقتها وقديم هجرتها وصحبتها النبي وقد حدثت
____________________
(1/152)
بهذا في دار المهاجرين والأنصار وهم متوافرون ، ولم يدفعه منهم أحد ، بل علمنا بعضهم صار إليه عن روايتها .
منهم عروة بن الزبير : وقد دفع وأنكر الوضوء من مس الذكر قبل أن يسمع الخبر ، فلما علم أن بسرة روته قال به وترك قوله .
وسمعها ابن عمر تحدث به فلم يزل يتوضأ من مس الذكر حتى مات .
وهذه طريقة الفقه والعلم .
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سألت أبي عن حديث رواه عبد الرزاق وأبو قرة موسى بن طارق ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن الزهري ، عن عروة عن بسرة وزيد بن خالد عن النبي في مس الذكر ، قال أبي : أخشى أن يكون ابن جريج أخذ هذا الحديث من إبراهيم بن أبي يحيى ؛ لأن أبا جعفر ثنا قال سمعت إبراهيم بن أبي يحيى يقول : جاءني ابن جريج يكتب مثل هذا - خفض يده اليسرى ورفع اليمنى مقدار بضعة عشر جزءا - فقال : أروي هذا عنك ؟ قال : نعم .
وقال أيضا : سأل أبي عن حديث رواه حسن الحلواني عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه ، عن حسين المعلم عن يحيى بن أبي كثير ، عن المهاجر بن عكرمة عن الزهري ، عن عروة عن عائشة عن النبي : ' من مس ذكره فليتوضأ ' .
ورواه شعيب بن إسحاق ، عن هشام ، عن يحيى ، عن عروة ، عن عائشة عن النبي : ' من مس ذكره في الصلاة فليتوضأ ' .
قال أبي : هذا حديث ضعيف لم يسمعه يحيى من الزهري ، وأدخل فيهم رجلا ليس بالمشهور ، ولا أعلم أحدا روى عنه إلا يحيى ، وإنما يرويه الزهري عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عروة عن مروان ، عن بسرة عن النبي ، ولو أن عروة سمع من عائشة لم يدخل بينهما أحدا ، وهذا يدل على وهن الحديث .
وقال أيضا : سألت أبي عن حديث ، رواه الوليد بن مسلم ، عن عبد الرحمن بن نمير اليحصبي ، عن الزهري ، عن عروة ، عن مروان ، عن بسرة عن النبي : أنه كان يأمر بالوضوء من مس الذكر ، والمرأة مثل ذلك ، فقال أبي : هذا حديث وهم فيه في موضعين :
أحدهما : أن الزهري يرويه عن عبد الله بن أبي بكر وليس في الحديث ذكر المرأة .
قلت لأبي : فحديث أم حبيبة عن النبي فيمن مس ذكره فليتوضأ .
قال : روى ابن لهيعة في هذا الحديث مما يوهن هذا الحديث ، أو تدل روايته أن مكحولا أدخل بينه وبين عنبسة رجلا .
وروى أبو بكر الرازي عن أبي الحسن الكرخي عن أبي عون الفرائضي قال : سمعت
____________________
(1/153)
عباسا الدوري قال : سمعت يحيى بن معين يقول : ثلاثة أحاديث لا تصح عن النبي : ' كل مسكر حرام ' ، و ' لا نكاح إلا بولي ' ، و ' من مس ذكره فليتوضأ ' .
قال العباس : فذكرته لأحمد فقال : يصح في مس الذكر حديث مكحول عن عنبسة .
قال : فجئت إلى يحيى فذكرت ذلك له ، فقال : مكحول لم ير عنبسة .
وقد روي نحو هذا عن يحيى م وجه آخر ، وفي صحته نظر .
وحديث زيد بن خالد غلط فيه ابن إسحاق ، وصوابه عن بسرة بدل زيد .
وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إسناده قوي ، لكن قد اختلف فيه على عمرو .
وحديث ابن عمر في إسناده إسحاق بن محمد الفروي وهو غير إسحاق بن عبد الله ابن أبي فروة الذي في حديث أبي أيوب .
وظنهما المؤلف واحدا وهو وهم فأما إسحاق بن محمد فروى عنه البخاري في صحيحه ، ووهاه أبو داود .
وقال النسائي : ليس بثقة .
وقال أبو حاتم : كان صدوقا ، لكن ذهب بصره فربما لقن ، وكتبه صحيحه .
ووثقه ابن حبان .
وأما إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة ، فهو متروك باتفاقهم .
وقد اتهمه بعضهم .
وأما حديث أبي هريرة فقد ذكر الحافظ عبد الحق الأزدي المغربي في كتاب الأحكام له عن أبي عمر بن عبد البر أن أصبغ بن الفرج .
رواه عن ابن القاسم عن نافع بن أبي نعيم ، ويزيد بن عبد الملك جميعا عن سعيد بن أبي سعيد .
قال : فصح الحديث بنقل العدل على ما قال ابن السكن إلا أن أحمد بن حنبل كان لا يرضى نافع بن أبي نعيم .
وخالفه يحيى بن معين ، فقال : هو ثقة .
أخبرنا بالحديث الحافظ أبو الحجاج : أنا ابن الدرجي ، أخبرتنا عفيفة بنت أحمد ، إجازة ، أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله ، أنا ابن ريذة ، أنا الطبراني ، ثنا أحمد بن عبد الله ابن العباس الطائي البغدادي ، ثنا أحمد بن سعيد الهمذاني ، ثنا أصبغ بن الفرج ثنا عبد الرحمن بن القاسم ، عن نافع بن أبي نعيم ، ويزيد بن عبد الملك النوفلي ، سعيد المقبري ، عن أبي هريرة .
قال : قال رسول الله : ' إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه ليس دونها حجاب فقد وجب عليه الوضوء ' .
قال الطبراني : لم يروه عن نافع إلا عبد الرحمن بن القاسم الفقيه المصري ، ولا عن عبد الرحمن إلا أصبغ ، تفرد به أحمد بن سعيد .
____________________
(1/154)
ورواه أبو حاتم بن حبان في صحيحه ، والحاكم وصححه ( 1 ) .
وأما حديث أم حبيبة ، فرواه ابن ماجة .
وروي عن الإمام أحمد أنه قال : حديث أم حبيبة حديث صحيح .
وكذلك قال أبو زرعة الرازي فيما حكى عنه الترمذي .
وأما حديث جابر فرواه أبو بكر الأثرم أيضا ولفظه : ' من مس ذكره فليتوضأ ' .
وخطأ أبو حاتم الرازي من وصله ، وقال : الناس يروونه عن ابن ثوبان عن النبي مرسلا لا يذكرون جابرا .
وقال الشافعي : سمعت غير واحد من الحفاظ يروونه لا يذكرون جابرا .
وقد روي عن قيس بن طلق عن أبيه طلق بن علي عن النبي قال : ' من مس فرجه فليتوضأ ' .
رواه الطبراني وصححه وهو حديث غريب ، وفي إسناده حماد بن محمد الحنفي وأيوب بن عتبة وهما ضعيفان .
وممن قال ينقض على الوضوء من مس الذكر : عمر ، وابن عباس ، وابن عمر ، وأنس حكاه عنهم أحمد .
وسعد بن أبي وقاص ، وأبو هريرة ، حكاه الخطابي عنهما .
وزيد بن خالد الجهني ، والبراء بن عازب ، وجابر بن عبد الله ، حكاه ابن عبد البر عنهم .
وروى عن عائشة .
وقال البيهقي ( 2 ) : أنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثني أبو بكر محمد بن عبد الله الجراحي العدل الحافظ بمرو ، ثنا عبد الله بن يحيى القاضي السرخسي ، ثنا رجاء بن مرجى الحافظ قال : اجتمعنا في مسجد الخيف أنا وأحمد بن حنبل وابن المديني وابن معين فتناظروا في مس الذكر .
فقال ابن معين : يتوضأ منه .
وتقلد ابن المديني قول الكوفيين ، وقال به ، واحتج به بحديث بسرة .
واحتج ابن المديني بحديث قيس بن طلق ، وقال ليحيى : كيف تقلد إسناد بسرة ومروان أرسل شرطيا حتى رد جوابها إليه .
فقال يحيى : ثم لم يقنع ذلك عروة حتى أتاها فسألها وشافهته بالحديث .
ثم قال يحيى : ولقد أكثر الناس في قيس وأنه لا يحتج بحديثه .
فقال أحمد : كلا الأمرين على ما قلتما .
____________________
(1/155)
فقال يحيى : مالك عن نافع عن ابن عمر : يتوضأ من مس الذكر .
فقال علي : كان ابن مسعود يقول : لا يتوضأ منه وإنما هو بضعة من جسدك .
فقال : هذا عمن ؟ فقال علي : عن سفيان عن أبي قيس عن هزيل عن عبد الله وإذا اجتمع ابن مسعود وابن عمر فاختلفا فابن مسعود أولى أن يتبع .
فقال أحمد : نعم ، ولكن أبا قيس الأودي لا يحتج بحديثه فقال علي : حدثني أبو نعيم ثنا مسعر عن عمير بن سعيد عن عمار قال : ما أبالي مسسته أو أنفي .
فقال يحيى : بين عمير وعمار مفازة .
وروي عن ابن المديني ما يدل على أنه رجع إلى حديث بسرة .
وقال صاعقة قال علي بن المديني : اجتمع سفيان وابن جريج فتذاكرا مس الذكر ، فقال ابن جريج : يتوضأ منه ، وقال سفيان : لا يتوضأ منه ، أرأيت لو أمسك بيده منيا ما كان عليه ؟ قال ابن جريج : يغسل يده ، فقال : أيهما أكثر المني أو مس الذكر . فقال : ما ألقاها على لسانك إلا الشيطان ( * ) .
قال المؤلف : وللخصم ثلاثة أحاديث :
204 - الحديث الأول : قال أحمد : حدثنا حماد بن خالد ح وأخبرنا إسماعيل بن أحمد - واللفظ له - قال : أنبأنا إسماعيل بن مسعدة أنبأنا حمزة بن يوسف حدثنا أبو أحمد بن عدي حدثنا محمد بن يحيى بن سليمان وحدثنا عاصم بن علي قالا حدثنا أيوب بن عتبة اليمامي عن قيس بن طلق عن أبيه قال : جاء رجل إلى رسول الله ، فسأله عن مس الذكر ؟ فقال يا رسول الله ، أيتوضأ أحدنا من مس ذكره ؟ فقال : ' هل هو إلا بضعة منك ؟ ' .
205 - طريق ثان : قال أحمد : حدثنا موسى بن داود حدثنا محمد بن جابر عن قيس ابن طلق عن أبيه قال : كنت جالسا عند النبي .
فسأله رجل ، فقال : مست ذكري - أو الرجل يمس ذكره في الصلاة - عليه الوضوء ؟ قال : ' لا . إنما هو منك ' .
206 - طريق ثالث : قال ابن عدي : حدثنا محمد بن خريم الدمشقي حدثنا هشام بن
____________________
(1/156)
عمار حدثنا سعيد بن يحيى ، ثنا عبد الحميد بن جعفر عن أيوب بن محمد العجلي عن قيس ابن طلق بن قيس - أو طلق بن قيس - الحنفي عن أبيه : أنه سأل رسول الله عن مس فرجه ؟ فقال : إنما هو بضعة منك ' .
207 - طريق رابع : أخبرنا محمد بن أبي طاهر البزار أنبأنا أبو يعلى محمد بن الحسين أنبأنا علي بن عمر بن شاذان حدثنا حامد بن بلال حدثنا محمد بن عبد الله البخاري حدثنا عيسى بن موسى غنجار عن غياث بن إبراهيم عن محمد بن جابر الحنفي عن قيس بن طلق عن أبيه قال : سألت رسول الله عن مس الذكر ؟ فقال : ' إنما هو بضعة منك ' .
208 - طريق خامس : قال الترمذي حدثنا هناد قال : حدثنا ملازم بن عمرو عن عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق بن علي عن أبيه عن النبي أنه قال : ' وهل هو إلا مضغة منه ، أو بضعة منه ' .
209 - الحديث الثاني : قال ابن عدي : أنبأنا أبو يعلى قال : حدثنا كامل بن طلحة حدثنا حماد بن سلمة عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة أن النبي قال : ' إنما هو جذية منك ' يعني مس الذكر .
210 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : أنبأنا محمد بن أحمد بن عمرو أنبأنا أحمد بن محمد بن رشدين حدثنا سعيد بن عفير قال حدثنا الفضل بن المختار عن الصلت بن دينار عن عصمة بن مالك الخطمي - وكان من أصحاب رسول الله - أن رجلا قال : يا رسول الله ، إني احتككت في الصلاة ، فأصابت يدي فرجي .
فقال النبي : ' وأنا أفعل ذلك ' .
وهذه الأحاديث الثلاثة ضعاف .
أما الأول : ففي طريقه الأول : أيوب بن عتبة .
قال يحيى بن معين : ليس بشيء .
وقال النسائي : مضطرب الحديث .
وأما الثاني : ففيه محمد بن جابر .
قال يحيى : 0 ليس بشيء .
وقال الفلاس : متروك الحديث .
____________________
(1/157)
وقال ابن حبان : كان يلحق في كتبه ما ليس في حديثه ، ويسرق ما ذوكر به في فيحدث به .
وفي الطريق الثالث : العجلي ، وقد ضعفه يحيى بن معين .
وفيه عبد الحميد .
قال الثوري : هو ضعيف .
وفي الطريق الرابع : غياث بن إبراهيم .
قال أحمد والبخاري والدارقطني : هو متروك .
وقال يحيى : كان كذابا .
وقال ابن حبان : يضع الحديث .
وقد سبق ذكر محمد بن جابر .
وأما قيس بن طلق : فقد ضعفه أحمد ويحيى .
وقال أبو حاتم الرازي وأبو زرعة : قيس لا تقوم به حجة .
وقد ادعى أصحابنا - على تقدير صحة هذا الحديث - أنه منسوخ .
قالوا : لأنه كان في أول الهجرة .
وأحاديثنا متأخرة .
إذ من جملة رواتها أبو هريرة ، وإسلامه متأخر .
211 - قال الدراقطني : حدثنا إسماعيل بن يونس حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل حدثنا محمد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه قال : أتيت رسول الله ، وهم يؤسسون مسجد المدينة ، وهم ينقلون الحجارة .
فقلت : يا رسول الله ، ألا ننقل كما ينقلون ؟ قال : ' لا ، ولكن اخلط لهم الطين يا أخا اليمامة .
فأنت أعلم به .
فجعلت أخلطه وينقلونه ' .
وأما حديثهم الثاني : ففيه القاسم .
قال ابن حبان : كان يروي عن أصحاب رسول الله المعضلات .
وفيه جعفر بن الزبير .
قال شعبة : كان يكذب .
وقال البخاري والنسائي والدارقطني : متروك .
وأما الحديث الثالث : ففيه الصلت ، كان شعبة يتكلم فيه .
وقال أحمد والفلاس والدارقطني : ليس بالقوي .
وفي رواية عن أحمد قال : ترك الناس حديثه .
وفيه الفضل بن المختار .
قال ابن عدي : له أحاديث منكرة .
وقال أبو حاتم الرازي : هو مجهول ، وأحاديثه منكرة ، يحدث بالأباطيل .
ز : روى حديث قيس بن طلق عن أبيه ، أبو داود ، وابن ماجة ، والنسائي ( 1 ) ، وأبو حاتم ابن حبان .
قال الترمذي : هو احسن شيء روي في هذا الباب وأصح ( 2 ) .
وقال الشافعي : قد سألنا عن قيس فلم نجد من يعرفه بما يكون لنا قبول خبره ، وقد عارضه من وصفنا ثقته ورجاحته في الحديث وثبته .
____________________
(1/158)
وقال الطحاوي : حديث ملازم مستقيم الإسناد غير مضطرب في إسناده ولا في متنه فهو أولى عندنا مما رويناه أولا من الآثار المضطربة في أسانيدها ، ولقد حدثني ابن أبي عمران قال : سمعت عباس بن عبد العظيم العنبري يقول : سمعت علي بن المديني يقول : حديث ملازم هذا أحسن من حديث بسرة .
روى حديث أبي أمامة ابن ماجة في سننه .
وحديث عصمة بن مالك يرويه الفضل بن المختار عن عبيد الله بن موهب عنه لا عن الصلت ، ولو نقله المؤلف من كتاب الدارقطني ولم يتصرف فيه لم يقع له الوهم فيه ، والله أعلم .
وممن قال بعدم النقض مس الذكر : علي ، وابن مسعود ، وعمار ، وأبو الدرداء ، وحذيفة ، وعمران بن حصين ، وروي أيضا عن سعد بن أبي وقاص وابن عباس ، وأبي هريرة ( * ) .
مسألة [ 48 ] :
خروج النجاسات من غير السبيلين ينقض إذا فحش .
وقال مالك والشافعي : لا ينقض .
وقال أبو حنيفة في القيء كقولنا .
وفي الدود كقولهم .
وفي سائر الأشياء : ينقض بكل حال .
لنا عشرة أحاديث :
212 - الأول : قال الترمذي : حدثنا هناد حدثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي .
فقالت : يا رسول الله ، إني امرأة أستحاض فلا أطهر ، أفأدع الصلاة ؟ قال : ' لا ، إنما ( 1 ) ذلك عرق ، وليست
____________________
(1/159)
بالحيضة .
فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة .
وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ، وتوضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت ' أخرجاه .
قالوا : قال اللالكائي : قوله ' فتوضئي لكل صلاة ' قول عروة .
وهكذا أخرج في الصحيحين .
قال هشام : ثم قال أبي : ' ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت ' .
قلنا : قد ذكره الترمذي كما رويناه ، وحكم بصحته .
ثم لا يمكن أن يقول هذا عروة من قبل نفسه ، إذ لو قاله هو لكان لفظه ' ثم تتوضأ لك لصلاة ' .
فلما قال : ' توضئي ' شاكل ما قبله .
ز : قوله : في الصحيحين ( 2 ) وهم وصوابه في الصحيح ، فإن مسلما لم يخرجه بل أخرجه البخاري وحده ، وقد تكلمنا على هذا الحديث وذكرنا ما علل به في مكان آخر ( * ) .
213 - الحديث الثاني : قال أحمد : حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال حدثني أبي عن حسين المعلم عن يحيى بن أبي كثير .
قال حدثني الأوزاعي عن يعيش بن الوليد المخزومي عن أبيه عن معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء أن النبي قاء فتوضأ .
فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فذكرت ذلك له .
فقال : صدق .
أنا صببت له وضوءه .
قالوا : قد اضطربوا في هذا الحديث .
فرواه معمر عن يحيى بن أبي كثير عن يعيش عن خالد بن معدان عن أبي الدرداء ، ولم يذكر فيه الأوزاعي .
فالجواب : أن اضطراب بعض الرواة لا يؤثر في ضبط غيره .
قال الأثرم : قلت لأحمد : قد اضطربوا في هذا الحديث ؟ فقال : حسين المعلم بجوده .
وقال الترمذي : حديث حسن ، أصح شيء في هذا الباب .
ز : ورواه أبو داود والنسائي ( 1 ) والحاكم ، وقال : على شرطهما ، والبيهقي وتكلم فيه .
والترمذي وقال : وقد جود حسين المعلم هذا الحديث ، وحديث حسين أصح شيء في هذا الباب ( * ) .
____________________
(1/160)
وروى معمر هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير فأخطأ فيه ، فقال عن يعيش بن الوليد ، عن خالد بن معدان ، عن أبي الدرداء ولم يذكر فيه الأوزاعي ، وقال : عن خالد بن معدان وإنما هو معدان بن أبي طلحة .
214 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : حدثنا البغوي أن داود بن رشيد حدثهم قال : حدثنا إسماعيل بن عياش قال حدثني عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن أبيه وعن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة : أن رسول الله قال : ' إذا قاء أحدكم في صلاته أو قلس ، فلينصرف منها فليتوضأ ، ثم ليبن على ما مضى من صلاته ما لم يتكلم ' .
قالوا : قال الدارقطني : الحفاظ من أصحاب ابن جريج يروونه عن ابن جريج عن أبيه عن النبي مرسلا .
وأما حديثه عن ابن أبي مليكة عن عائشة - الذي يرويه إسماعيل بن عياش - فقال أبو حاتم الرازي : ليس بشيء .
وإنما يرويه ابن أبي مليكة عن النبي .
قلنا : قد قال يحيى بن معين : إسماعيل بن عياش ثقة والزيادة من الثقة مقبولة .
والمرسل عندنا حجة .
ز : الصحيح أن هذا الحديث مرسل .
قال الدارقطني : قال لنا أبو بكر - يعني النيسابوري - سمعت محمد بن يحيى يقول : هذا هو الصحيح عن ابن جريج مرسل .
فأما حديث ابن أبي مليكة عن عائشة الذي يرويه إسماعيل بن عياش فليس بشيء .
وقد رواه ابن ماجة عن محمد بن يحيى عن الهيثم بن خارجة عن إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة مرفوعا ولفظه : ' من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذي فلينصرف فليتوضأ ثم ليبن على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم ' .
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سألت أبي عن حديث رواه إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة .
عن عائشة عن رسول الله قال : ' إذا قاء أحدكم في صلاته أو رعف أو قلس فليتوضأ وليبن على ما صلى ما لم يتكلم ' قال أبي : هذا خطأ إنما يرويه عن ابن جريج عن أبيه ، عن ابن أبي مليكة عن النبي مرسلا والحديث هذا .
وقال ابن عدي : ثنا ابن أبي عصمة ، ثنا أبو طالب قال : سألت أحمد بن حنبل عن
____________________
(1/161)
حديث ابن عياش عن ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة عن عائشة أن النبي قال : ' من قاء أو رعف أو أحدث في صلاته فليذهب فليتوضأ ثم ليبن على صلاته ' فقال : هكذا رواه ابن عياش إنما رواه ابن جريج قال عن أبي ، إنما هو عن أبيه ولم يسمعه من أبيه ليس فيه عائشة ولا النبي .
وقال البيهقي : قال الشافعي في حديث ابن جريج عن أبيه : ليست هذه الزواية بثابتة عن النبي .
وقال البيهقي : وهذا الحديث أحد ما أنكر على إسماعيل بن عياش ، والمحفوظ ما رواه الجماعة عن ابن جريج ، عن أبيه عن النبي مرسلا .
كذلك رواه محمد بن عبد الله الأنصاري ، وأبو عاصم النبيل وعبد الرزاق وعبد الوهاب بن عطاء وغيرهم عن ابن جريج .
وأما حديث ابن أبي مليكة عن عائشة ، فإنما يرويه إسماعيل بن عياش وسليمان بن أرقم عن ابن جريج ، وسليمان بن أرقم متروك وما يرويه إسماعيل بن عياش عن غير أهل الشام ضعيف لا يوثق به وروي عن إسماعيل عن عباد بن كثير ، وعطاء بن حجلان عن ابن أبي مليكة عن عائشة وعباد وعطاء هذان ضعيفان ( * ) .
215 - الحديث الرابع : قال الدارقطني : حدثنا محمود بن نوح الجنديسابوري حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي حدثنا الحسن بن علي الرزاز أنبأنا محمد بن الفضل عن أبيه عن ميمون بن مهران عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي قال : ' ليس في القطرة ولا القطرتين من الدم وضوء ، إلا أن يكون دما سائلا ' .
قالوا : قد رواه حجاج بن نصير عن محمد بن الفضل بن عطية عن أبيه عن ميمون عن أبي هريرة ولم يذكر سعيدا ، وكلا الطريقين عن محمد بن الفضل عن عطية .
قال أحمد : حديثه ليس بشيء ، حديثه حديث أهل الكذب .
وقال يحيى : كان كذابا .
وقال الفلاس والنسائي : متروك الحديث .
وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الأثبات ، لا يحل كتب حديثه إلا على سبيل الاعتبار .
216 - الحديث الخامس : قال الدارقطني : حدثنا أحمد بن سلمان قال : قرىء على
____________________
(1/162)
أحمد بن ملاعب وأنا أسمع حدثنا عمرو بن عون حدثنا أبو بكر الداهري عن حجاج عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله : ' من رعف في صلاته فليرجع فليتوضأ وليبن على صلاته ' .
وفي لفظ آخر : ' إذا قاء أحدكم أو رعف ، وهو في الصلاة ، أو أحدث فلينصرف فليتوضأ ، ثم ليجىء فليبن على ما مضى ' .
هذا لا يثبت .
قال أحمد : أبو بكر الداهري يروي أحاديث مناكير ليس هو بشيء .
وقال يحيى وعلي : ليس بشيء .
وقال السعدي : كذاب مصرح .
وقال ابن حبان : يضع الحديث على الثقات .
217 - الحديث السادس : قال الدارقطني : حدثنا القاضي الحسين بن إسماعيل قال حدثنا أحمد بن منصور حدثنا هريم عن عمرو القرشي عن أبي هاشم عن زاذان عن سلمان قال : رآني النبي وقد سال من أنفي دم .
فقال : ' أحدث لما حدث وضوءا ' .
وهذا لا يصح عمرو القرشي هو أبو خالد الواسطي ، كذبه أحمد ويحيى .
وقال وكيع : كان في جوارنا يضع الحديث ، فلما فطن له تحول إلى واسط .
وكذلك قال ابن راهويه وأبو زرعة : كان يضع الحديث .
218 - الحديث السابع : قال الدارقطني قال حدثنا الحسن بن الخضر حدثنا إسحاق ابن إبراهيم بن يونس حدثنا عمران بن موسى حدثنا عمر بن رياح حدثنا عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال : كان رسول الله إذا رعف في صلاته توضأ ثم بنى على صلاته .
وهذا لا يصح .
قال الفلاس : عمر بن رياح : دجال .
وقال الدراقطني : متروك .
وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الثقات ، لا يحل كتب حديثه إلا على التعجب .
219 - الحديث الثامن : قال الدارقطني : حدثنا محمد بن أحمد بن عمرو بن عبد
____________________
(1/163)
الخالق حدثنا أبو علاثة محمد بن عمرو بن خالد حدثنا أبي حدثنا محمد بن سلمة عن ابن أرقم عن عطاء عن ابن عباس قال : قال رسول الله : ' إذا رعف أحدكم في صلاته فلينصرف فليغسل عنه الدم ، ثم ليعد وضوءه وليستقبل صلاته ' .
سليمان بن أرقم متروك .
220 - الحديث التاسع : قال الدارقطني : حدثنا محمد بن إسماعيل الفارسي حدثنا موسى بن عيسى بن المنذر قال : حدثني أبي حدثنا بقية عن يزيد بن خالد عن يزيد بن محمد عن عمر بن عبد العزيز قال : قال تميم الداري قال رسول الله : ' الوضوء من كل دم سائل ' .
قال الدارقطني : عمر لم يسمع تميم ولا رآه ، ويزيد بن خالد ويزيد بن محمد مجهولان .
221 - الحديث العاشر : قال الدارقطني : حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن سراج والحسن بن علي بن بزيع قالا : حدثنا حفص الفراء حدثنا سوار بن مصعب عن زيد بن علي عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله : ' القلس حدث ' .
قال الدارقطني : لم يروه عن زيد غير سوار .
وسوار متروك .
وللخصم حديثان :
222 - الحديث الأول : قال الدراقطني : حدثنا أبو سهل بن زياد حدثنا صالح بن مقاتل بن صالح قال : حدثنا أبي حدثنا سليمان بن داود أبو أيوب القرشي - بالرقة - حدثنا حميد الطويل عن أنس بن مالك قال : احتجم رسول الله ، فصلى ولم يتوضأ .
ولم يزد على غسل محاجمه .
فأصحابنا يقولون : يحتمل أن يكون توضأ ولم يره أنس .
ويحتمل أن يكون صلى ناسيا .
ويحتمل أن يكون لم يخرج من الدم ما لم يقطر .
ز : حديث أنس لا يثبت ، وسليمان بن داود مجهول وصالح بن مقاتل ليس بالقوي ، قاله الدارقطني .
وأبوه غير معروف .
وقال البيهقي : في إسناد هذا الحديث ضعف .
وعن عقيل بن جابر عن أبيه جابر بن عبد الله قال : ' خرجنا مع رسول الله يعني
____________________
(1/164)
في غزوة ذات الرقاع فأصاب رجل امرأة رجل من المشركين فحلف أن لا أنتهي حتى أهريق دما من أصحاب محمد ، فخرج يتبع أثر النبي فنزل النبي منزلا فقال : ' من رجل يكلؤنا ؟ ' فانتدب رجلا من المهاجرين ، وقام رجل من الأنصار ، فقال : كونا بفم الشعب ، قال : فلما خرج الرجلان إلى فم الشعب اضطجع المهاجري وقام الأنصاري يصلي ، وأتى الرجل فلما رأى شخصه عرف أنه ربيئة للقوم فرماه بسهم فوضعه فيه فنزعه حتى رماه بثلاثة أسهم ثم ركع وسجد ثم انتبه صاحبه .
فلما عرف أنهم قد نذروا به هرب ، ولما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدم ، قال سبحان الله ألا أنبهتني أول ما رمى ، قال : كنت في سورة أقرأها فلم أحب أن أقطعها ' .
رواه أبو داود عن أبي توبة بن الربيع بن نافع عن ابن المبارك ، عن محمد بن إسحاق ، قال : حدثني صدقة بن يسار عن عقيل بن جابر فذكره .
وعقيل بن جابر فيه جهالة ، وصدقة ثقة ، روى له مسلم في صحيحه .
وروى هذا الحديث الإمام أحمد وزاد : وايم الله لولا أن أضيع ثغرا أمرني رسول الله بحفظه لقطع نفسي قبل أن أقطعها .
وروى أبو بكر بن خزيمة ، وأبو حاتم بن حبان في صحيحيهما والدارقطني وقال : إسناده صالح . والحاكم صححه .
وروى البخاري قال : ويذكر عن جابر أن النبي كان في غزوة ذات الرقاع فرمى رجل بسهم فنزفه الدم فركع وسجد ومضى في صلاته .
ولم يذكر له إسنادا ( * ) .
223 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : وحدثنا أبو عبيد القاسم بن إسماعيل قال حدثنا القاسم بن هاشم السمسار حدثنا عتبة بن السكن الحمصي حدثنا الأوزاعي عن عبادة بن نسي وهبيرة بن عبد الرحمن قالا أنبأنا أبو أسماء الرحبي قال حدثنا ثوبان كان رسول الله صائما في غير رمضان .
فأصابه غم آذاه .
فتقيأ فقاء .
فدعاني بوضوء فتوضأ ، ثم أفطر .
فقلت : يا رسول الله ، أفريضة الوضوء من القيء ؟ قال : ' لو كان فريضة لوجدته في القرآن ' .
قال الدارقطني : لم يروه عن الأوزاعي غير عتبة بن السكن .
وهو منكر الحديث .
____________________
(1/165)
فصل ( 1 )
ونحن نفرق بين القليل والكثير .
ويستدل أصحابنا على ذلك بحديثين :
224 - أحدهما : حديث أبي هريرة ' ليس في القطرة ولا القطرتين من الدم وضوء ' وقد سبق .
225 - الحديث الثاني : رواه الدارقطني قال : حدثنا محمد بن خلف الخلال حدثنا محمد بن هارون بن حميد حدثنا أبو الوليد القرشي حدثنا الوليد ( ح ) وأخبرني بقية عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس ' أن رسول الله رخص في دم الحبوب ' .
يعني الدماميل .
قالوا : قال الدراقطني : هذا باطل عن ابن جريج ، ولعل بقية دلسه عن رجل ضعيف .
والله أعلم .
قلنا بقية قد أخرج عنه مسلم .
ز : وقد ذكر ابن عدي هذا الحديث في كتاب الكامل ( 1 ) في مناكير بقية ورواه من طريق أحمد بن يونس الحمصي عن الوليد بن مسلم ، عن بقية وقال : هذا الحديث لا يعرف إلا ببقية عن ابن جريج ، قال : ويشبه أن يكون بين بقية وبين ابن جريج بعض المجهولين أبو بعض
____________________
(1/166)
الضعفاء ، لأن بقية كثيرا ما يفعل ذلك ( * ) .
وقد استدل أصحابنا بآثار .
منها : أن عمر بن الخطاب عصر بثرة في وجهه . فخرج منها شيء من دم وقيح ، فمسحه بيده وصلى ولم يتوضأ .
وعن عبد الله بن أبي أوفى : أنه تنخم دما عبيطا وهو يصلي .
وعن جابر : أنه سئل عن رجل صلى فامتخط ، فخرج مع المخاط شيء من دم ؟ قال : لا بأس .
يتم صلاته .
قال الخصم : القياس استواء الناقض ، إلا أنا تركناه في القيء لما روي عن علي رضي الله عنه : أنه ذكر الأحداث ، فقال في جملتها ك ' أو دسعة من قيء تملأ الفم ' .
وعن ابن عباس أنه قال : إذا كان القيء يملأ الفم أوجب الوضوء .
قلنا : هذه الآثار لا تمنع القياس عليها .
مسألة [ 50 ] :
إذا قهقه في صلاته لم يبطل وضوؤه .
وقال أبو حنيفة : يبطل .
استدل أصحابنا بحديثين :
226 - الحديث الأول : قال الدارقطني : حدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا محمد ابن بشر بن مروان الصيرفي قال حدثنا المنذر بن عمار حدثنا أبو شيبة عن يزيد أبي خالد عن أبي سفيان عن جابر عن النبي .
قال : ' الضحك ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء ' .
227 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : حدثنا محمد بن مخلد قال حدثنا يزيد بن
____________________
(1/167)
الهيثم حدثنا صبح بن دينار حدثنا المعافى بن عمران حدثنا ابن لهيعة عن زبان بن فائد عن سهل بن معاذ عن أبيه عن النبي قال : ' الضاحك في الصلاة والملتفت والمفرقع أصابعه بمنزلة واحدة ' .
ورواه أحمد في المسند : حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة فذكره .
وهذان الحديثان ضعيفان .
أما الأول : فقد اختلف فيه عن أبي شيبة .
228 - روى الدارقطني حدثنا أبو جعفر أحمد بن إسحاق بن بهلول قال حدثني أبي عن أبي شيبة عن يزيد أبي خالد عن أبي سفيان عن جابر قال : قال رسول الله : ' الكلام ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء ' .
ثم أبو شيبة - واسمه عبد الرحمن بن إسحاق - ضعيف ، كذلك قاله يحيى بن معين .
وقال أحمد : ليس بشيء منكر الحديث .
وأما يزيد ، فقال ابن حبان : لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد .
وأما الحديث الثاني : فقال يحيى : سهل ضعيف .
وقال ابن حبان : لست أدري التخليط منه أو من زبان ؟ وزبان لا يحتج به .
قال أحمد : أحاديثه مناكير .
وقال أبو حاتم الرازي : هو صالح .
ز : قول المؤلف : إن أبا شيبة هو عبد الرحمن بن إسحاق وهم ، وإنما هو إبراهيم بن عثمان جد ابني أبي شيبة ، وقد ضعفه غير واحد .
وقال البيهقي في هذا الحديث : ورواه أبو شيبة إبراهيم بن عثمان فرفعه وهو ضعيف والصحيح أنه موقوف حتجوا بحديث قد روي مرفوعا من سبعة طرق ومرسلا من وجوه ( * ) .
229 - الطريق الأول من المرفوع : قال ابن عدي : حدثنا ابن جوصا حدثنا عطية بن بقية ، قال : حدثني أبي حدثنا عمرو بن قيس السكوني عن عطاء عن ابن عمر قال : قال رسول الله : ' من ضحك في صلاة فقهقه فليعد الوضوء والصلاة ' .
____________________
(1/168)
230 - الطريق الثاني : أخبرنا أبو منصور القزاز قال أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت أنبأنا أبو سعيد الحسن بن محمد بن حسنويه حدثنا القاضي أبو بكر محمد بن عمر الجعابي حدثنا عبد الله بن أحمد بن حسن حدثنا علي بن حجر حدثنا عبد العزيز ابن الحصين عن عبد الكريم بن أبي أمية عن الحسن عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' من ضحك في الصلاة فليعد الوضوء والصلاة ' .
231 - الطريق الثالث : قال ابن عدي : حدثنا أحمد بن الحسين الصوفي حدثنا سفيان ابن محمد الفزاري قال : حدثنا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن الزهري عن أبي معاذ عن الحسن عن أنس بن مالك أن النبي كان يصلي بالناس .
فدخل أعمى المسجد ، فتردى في بئر أو حفرة .
فضحك القوم .
فأمر النبي من ضحك أن يعيد الوضوء والصلاة .
232 - الطريق الرابع : قال ابن عدي : حدثنا زيد بن عبد الله بن زيد الفارض قال : حدثنا كثير بن عبيد قال حدثنا بقية عن محمد الخزاعي عن الحسين عن عمران بن حصين أن النبي قال لرجل ضحك : ' أعد وضوءك ' .
233 - قال ابن عدي : وحدثنا ابن صاعد قال : حدثنا محمد بن عيسى بن حيان قال : حدثنا الحسن بن قتيبة قال : حدثنا عمرو بن قيس عن عمرو بن عبيد عن الحسن عن عمران بن حصين عن النبي قال : ' إذا قهقه أعاد الوضوء والصلاة ' .
ز : قال ابن عدي بعد أن روي هذا الحديث : كذا قال في هذا الإسناد عن عمر بن قيس عن عمرو بن عبيد ، وإنما هو عمرو بن قيس وهو السكوني الحمصي عن عمرو بن عبيد .
حدثنا عمر بن سنان المنيجي ، ثنا عبد الوهاب بن الضحاك ، ثنا إسماعيل بن عياش ، عن عمرو بن قيس ، عن عمرو بن عبيد ، عن الحسن عن عمران بن حصين الخزاعي ، سمعت رسول الله يقول : ' من ضحك في الصلاة قرقرة فليعد الوضوء والصلاة قال ابن عدي : ورواه بقية عن عمرو بن قيس عن عطاء عن ابن عمر عن النبي .
حدثنا ابن جوصا .
فذكره كما تقدم فأسقط بقية أو غيره : عمرو بن عبيد ، وقال : عن
____________________
(1/169)
عطاء عن ابن عمر .
234 - الطريق الخامس : قال ابن عدي : حدثنا ابن زهير التستري حدثنا عبيد الله بن سعد الزهري حدثنا عمي حدثنا أبي عن ابن إسحاق قال حدثني ابن دينار عن الحسن البصري عن أبي المليح الهذلي عن أبيه قال : بينا نحن نصلي خلف رسول الله ، إذ أقبل رجل ضرير البصر ، فوقع في حفرة قريبا منا .
فضحك بعضنا .
فأمرنا رسول الله بإعادة الوضوء والصلاة من أولها .
235 - الطريق السادس : قال الدارقطني : حدثنا أبو بكر النيسابوري حدثنا إبراهيم بن هانىء قال : حدثنا محمد بن يزيد بن سنان قال : حدثنا يزيد بن سنان .
قال : حدثنا سليمان الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال : قال لنا رسول الله : ' من ضحك منكم في صلاته فليتوضأ ، ثم ليعد الصلاة ' .
236 - الطريق السابع : قال الدارقطني : حدثنا دعلج قال : حدثنا محمد بن علي بن زيد حدثنا سعيد بن منصور حدثنا خالد بن عبد الله عن هشام بن حسان عن حفصة عن أبي العالية عن رجل من الأنصار أن رسول الله كان يصلي بأصحابه .
فمر رجل في بصره سوء .
فتردى في بئر .
فضحك طوائف من القوم .
فأمر رسول الله من كان ضحك أن يعيد الوضوء والصلاة .
وقد أرسل هذا الحديث جماعة .
منهم الحسن .
237 - قال الدارقطني : حدثنا أبو بكر النيسابوري قال : حدثني موهب بن يزيد حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن الحسن قال : بينا النبي يصلي ، إذا جاء رجل ، فوقع في حفرة .
فضحك بعض القوم .
فأمر من ضحك أن يعيد الوضوء والصلاة .
ومنهم معبد الجهني .
____________________
(1/170)
238 - قال الدارقطني : حدثنا أبو بكر الشافعي وأحمد بن محمد بن زياد قالا : حدثنا إسماعيل بن محمد بن أبي كثير القاضي قال : حدثنا مكي بن إبراهيم قال : حدثنا أبو حنيفة عن منصور بن زاذان عن الحسن عن معبد عن النبي قال : بينما هو في الصلاة ، إذ أقبل أعمى .
يريد الصلاة فوقع في زبية .
فاستضحك القوم حتى قهقهوا .
فلما انصرف النبي قال : ' من كان منكم قهقه فليعد الوضوء والصلاة ' .
ومنهم أبو العالية .
239 - قال الدارقطني : حدثنا أبو بكر النيسابوري قال : حدثنا يوسف بن سعيد حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زائدة عن هشام عن حفصة عن أبي العالية قال : جاء رجل في بصره سوء .
فدخل المسجد - ورسول الله يصلي - فتردى في حفرة كانت في المسجد ، فضحك طوائف منهم .
فلما قضى صلاته أمر من كان ضحك أن يعيد الوضوء والصلاة .
هذا الحديث حديث أبي العالية .
وهو الذي رواه مرسلا .
وكل من رفعه فقد غلط .
ومن أرسله عن غيره فإنه يرجع إليه .
فأما الطريق الأول : ففيه بقية .
ومن عادته التدليس ، فكأنه سمعه من بعض الضعفاء ، فحذف اسم ذاك .
وقد كان له رواة يسوون الحديث ويحذفون اسم الضعيف .
وأما طريق أبي هريرة ففيه علل :
إحداهن : أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة .
والثانية : عبد الكريم .
فقد رماه أيوب السختياني بالكذب .
وقال أحمد ويحيى : ليس بشيء .
وقال السعدي : غير ثقة .
وقال الدارقطني : متروك .
والثالثة : عبد العزيز .
قال يحيى : ليس يساوي حديثه فلسا .
وقال مسلم بن الحجاج : ذاهب الحديث .
وقال النسائي : متروك الحديث .
وأما طريق أنس : ففيه آفتان : أبو معاذ ، واسمه سليمان بن أرقم .
قال أحمد : ليس بشيء ، لا يروى عنه الحديث .
وقال يحيى : ليس بشيء ، لا يساوي فلسا .
وقال النسائي والدارقطني متروك .
والثانية : سفيان بن محمد .
قال ابن عدي : كان يسرق الأحاديث ويسوي الأسانيد ،
____________________
(1/171)
وفي حديثه موضوعات .
والبلاء في هذا الحديث منه .
وقد رواه داود بن المحبر عن أيوب بن خوط عن قتادة عن أنس ، وداود متروك .
وأما حديث عمران ، ففي طريقه الأول : الخزاعي .
قال ابن عدي : وهو من مجهولي مشايخ بقية ، قال : ويقال في هذا الحديث : عن محمد بن راشد عن الحسن وابن راشد مجهول أيضا .
وفي طريقه الثاني : عمرو بن عبيد ، وهو كذاب ، وعمر بن قيس ، وهو متروك .
وأما حديث أسامة : ففيه الحسن بن دينار .
وقد رواه الحسن بن عمارة عن خالد الحذاء عن أبي المليح عن أبيه .
وقد حكم شعبة بكذب الحسن بن دينار وابن عمارة .
قال الدارقطني : وقد أخطأ في الإسناد .
إنما روى هذا الحديث الحسن البصري عن حفص بن سليمان المنقري عن أبي العالية .
قال : وقول الحسن بن عمارة ' عن خالد الحذاء ' وهم قبيح .
وإنما رواه خالد الحذاء عن حفصة بنت سيرين عن أبي العالية .
وأما حديث جابر : ففيه يزيد بن سنان ضعفه أحمد وعلي .
وقال يحيى : ليس بشيء .
وقال النسائي : متروك .
وقال الدارقطني : وهم يزيد بن سنان فيه في موضعين : أحدهما : في رفعه إلى رسول الله .
والثاني : في لفظه .
والصحيح عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر من قوله : ' من ضحك في الصلاة أعاد الصلاة ولم يعد الوضوء ' .
كذلك رواه جماعة من الثقات الرفعاء عن الأعمش ، منهم الثوري وأبو معاوية ووكيع وغيرهم .
وقد روي حديث عن جابر يدل على ما جرى في زمن النبي من ذلك ، غير أنه لا يصح .
وهو ما :
240 - قاله الدارقطني : حدثنا يوسف بن يعقوب بن إسحاق البهلول قال : حدثني جدي .
قال : حدثنا المسيب بن شريك عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال : ليس على من ضحك في الصلاة إعادة وضوء إنما كان ذلك لهم حين ضحكوا خلف رسول الله .
____________________
(1/172)
وهذا لا يصح .
قال يحيى بن معين : المسيب ليس بشيء .
وقال أحمد : ترك الناس حديثه .
وقال الفلاس : اجتمعوا على ترك حديثه .
وأما حديث الرجل من الأنصار : فغلط من خالد بن عبد الله الواسطي .
قال الدارقطني : لم يصنع خالد شيئا .
وقد خالفه خمسة أثبات حفاظ : معمر ، وأبو عوانة ، وسعيد بن أبي عروبة ، وسعيد بن بشير .
كلهم رووه عن قتادة عن أبي العالية عن النبي . وتابعهم سلم بن أبي الذيال .
فرواه عن قتادة أنه قال : بلغنا عن النبي فهؤلاء خمسة ثقات وقولهم أولى بالصواب .
وقال قبل هذا الكلام : وروى هذا الحديث هشام بن حسان عن حفصة ، عن أبي العالية مرسلا .
حدث به عنه جماعة منهم سفيان الثوري وزائدة بن قدامة ، ويحيى بن سعيد القطان ، وحفص بن غياث ، وروح بن عبادة ، وعبد الوهاب بن عطاء ، وغيرهم ، فاتفقوا عن هشام عن حفصة عن أبي العالية .
فأما أيوب بن خوط ، وداود بن المحبر ، وعبد الرحمن بن عمرو بن حبلة ، والحسن ابن دينار : فليس فيهم من يجوز الاحتجاج به ، لو لم يكن له مخالف .
فكيف وقد خالفهم الثقات ؟
قال : وأما حديث معبد : فوهم فيه أبو حنيفة على منصور .
وإنما رواه منصور بن زاذان عن ابن سيرين عن معبد .
ومعبد لا صحبة له .
قال الدارقطني : حدثنا إسماعيل بن محمد الصفار حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدثنا علي بن المديني قال قال لي عبد الرحمن بن مهدي : هذا الحديث يدور على أبي العالية .
فقلت : قد رواه الحسن مرسلا .
فقال : حدثني حماد بن زيد عن حفص بن سليمان المنقري .
قال : أنا حدثت به الحسن عن حفصة عن أبي العالية .
فقلت : فقد رواه إبراهيم مرسلا .
فقال عبد الرحمن : حدثني شريك عن أبي هاشم قال : أنا حدثت إبراهيم عن أبي العالية .
فقلت : فقد رواه الزهري مرسلا .
فقال : قرأته في كتاب ابن أخي الزهري عن الزهري عن سليمان بن أرقم عن الحسن .
____________________
(1/173)
قال الدارقطني : فرجعت الأسانيد كلها إلى أبي العالية .
وأبو العالية أرسل هذا الحديث عن النبي ، ولم يسم بينه وبينه رجلا سمعه منه .
قال : وقد روى عاصم الأحول عن محمد ابن سيرين - وكان عالما بأبي العالية ، وبالحسن - قال : لا تأخذوا بمراسيل الحسن ، ولا أبي العالية .
فإنهما لا يباليان عمن أخذا .
وقال أبو أحمد بن عدي الحافظ : كل رواة هذا الحديث ترجع إلى أبي العالية .
ومن أجل هذا الحديث تكلم في أبي العالية .
وقال أحمد بن حنبل : ليس في الضحك حديث صحيح .
ز : وقال الشافعي : حديث أبي العالية الرياحي رياح .
وقال الذهلي : لم يثبت عن النبي في الضحك في الصلاة خبر .
وقال الخلال : أخبرنا عبد الله أنه سمع أباه يقول في حديث إبراهيم في الضحك : سمعنا أن إبراهيم سمعه من أبي هاشم ، قال : ويذكرون أن الزهري قال حدثني سليمان بن أرقم ، وسليمان لا يساوي حديثه شيئا لا يروى عنه الحديث .
قال أبي : وحدثنا عبد الرزاق أنا معمر قال : سألنا الزهري عن ذلك .
فقال : ليس في الضحك وضوء .
وقد تكلم الدارقطني وغيره من الحفاظ على أحاديث القهقهة وبينوا عللها وقد كتبنا ذلك في موضع آخر .
وقد وهم المؤلف في كلامه على حديث الرجل من الأنصار وهما قبيحا وانتقل من حديث إلى حديث ، وقد كتبنا ما وهم فيه على الصواب ( * ) .
مسألة [ 51 ] :
أكل لحم الجزور ينقض الوضوء .
____________________
(1/174)
خلافا لهم .
لنا أربعة أحاديث :
241 - الحديث الأول : قال أحمد : حدثنا عبد الله بن الوليد قال حدثنا سفيان عن سماك بن حرب عن جعفر بن أبي ثور عن جابر بن سمرة أن رجلا سأل النبي : أأتوضأ من لحوم الغنم ؟ قال : ' إن شئت فتوضأ ، وإن شئت فلا ' .
قال : أأتوضأ من لحوم الإبل ؟ قال : ' نعم . فتوضأ من لحوم الإبل ' .
انفرد بإخراجه مسلم .
ز : جابر بن سمرة هو جد جعفر بن أبي ثور .
قال أبو حاتم بن حبان : جعفر بن أبي ثور هو أبو ثور بن عكرمة ، فمن لم يحكم صناعة الحديث توهم أنهم رجلان مجهولان .
وقال علي بن المديني : جعفر بن أبي ثور هذا رجل مجهول .
وليس كذلك ، بل هو مشهور روى عنه جماعة ( * ) .
242 - الحديث الثاني : قال أحمد : حدثنا أبو معاوية قال : حدثنا الأعمش عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه عن البراء بن عازب قال : سئل رسول الله عن الوضوء من لحوم الإبل ؟ فقال : ' توضؤوا منها ' .
قال إسحاق بن راهويه : صح في هذا الباب حديثان عن النبي .
حديث جابر بن سمرة ، وحديث البراء .
ز : وروى حديث البراء : أبو داود ، وابن ماجة ، والترمذي ( 1 ) من حديث الأعمش أيضا عن عبد الله بن عبد الله الرازي .
وروي عن الإمام أحمد أنه قال فيه : حديثان صحيحان ، حديث البراء ، وحديث جابر بن سمرة .
وقال ابن خزيمة : لم نر خلافا بين علماء أهل الحديث أن هذا الحديث - صحيح من جهة النقل لعدالة ناقليه ( * ) .
243 - الحديث الثالث : قال أحمد : حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة قال حدثنا الحجاج بن أرطاة عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه عن أسيد بن الحضير أن
____________________
(1/175)
رسول الله قال : ' توضؤوا من لحوم الإبل . ولا توضؤوا من لحوم الغنم . وصلوا في مرابض الغنم .
ولا تصلوا في مبارك الإبل ' .
244 - طريق آخر : قال أحمد : حدثنا محمد بن مقاتل قال : حدثنا عباد بن العوام قال : حدثنا الحجاج عن عبد الله مولى بني هاشم - قال وكان ثقة - عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أسيد بن الحضير عن النبي أنه سئل عن ألبان الإبل ؟ فقال : توضؤوا من ألبانها .
وسئل : عن ألبان الغنم ؟ فقال : ' لا توضؤوا من ألبانها ' .
قال الترمذي أخطأ حماد بن سلمة في هذا الحديث ، حين قال : ' عن عبد الله بن عبد الرحمن ' والصحيح : عن عبد الله بن عبد الله الرازي .
ز : وروى هذا الحديث ابن ماجة في سننه عن أبي إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن حاتم ، عن عباد بن العوام ، عن حجاج .
ورواه حرب بن إسماعيل عن يحيى بن عبد الحميد ، عن عباد ، بلفظ آخر ' ولا تصلوا في أعطان الإبل توضؤوا من لحومها ، وصلوا في مرابض الغنم ولا توضؤوا من لحومها ' .
وهو حديث مرسل ، فإن ابن أبي ليلى لم يسمع من أسيد بن حضير .
والحجاج بن أرطأة تكلم فيه غير واحد من الأئمة .
وعن عبد الله بن عمر قال : سمعت رسول الله يقول : ' توضؤوا من لحوم الإبل ، ولا توضؤوا من لحوم الغنم ، وتوضؤوا من ألبان الإبل ولا توضؤوا من ألبان الغنم ، وصلوا في مرابض الغنم ، ولا تصلوا في معاطن الإبل ' .
رواه ابن ماجة من رواية عطاء بن السائب .
قال أحمد : ثقة رجل صالح .
وقال أيضا : من سمع منه قديما فهو صحيح .
ومن سمع منه حديثا لم يكن بشيء .
ووثقه ابن معين وأبو حاتم الرازي .
والذي رواه عن عطاء خالد بن يزيد ، وهو غير مشهور .
وقد روي هذا الحديث موقوفا على ابن عمر وهو أشبه ( * ) .
245 - الحديث الرابع : قال عبد الله ابن الإمام أحمد : حدثني عمرو بن محمد بن بكير الناقد حدثنا عبيدة بن حيمد عن عبيدة الضبي عن عبد الله بن عبد الله القاضي عن عبد
____________________
(1/176)
الرحمن بن أبي ليلى عن ذي الغرة قال : عرض أعرابي لرسول الله ، ورسول الله يسير .
فقال : يا رسول الله ، تدركنا الصلاة ونحن في أعطان الإبل ، فنصلي فيها ؟ فقال رسول الله : ' لا ' .
قال : أفنتوضأ من لحومها ؟ قال : ' نعم ' .
ز : عبيدة بن حميد وهو بفتح العين - وهو ثقة من رجال الصحيح .
قال أحمد : صالح الحديث .
وقال ابن معين : ما به بأس .
أما عبيدة الضبي ، فهو بضم العين ، وهو عبيدة بن معتب ، وقد ضعفوه .
وقال أحمد : ترك الناس حديثه .
وقال يحيى بن معين : ليس بشيء .
وقال الفلاس : كان سيىء الحفظ متروك الحديث .
وأما عبد الله بن عبد الله القاضي ، فهو راوي حديث البراء وأسيد .
سئل عنه أحمد ابن حنبل فقال : لا أعلم إلا خيرا .
وقال بعض العلماء في هذا الحديث : ليس هو بشيء .
وذو الغرة لا يدرى من هو .
وقال ابن أبي حاتم : ذو الغرة الطائي له صحبة .
بما رواه عبيدة الضبي عن عبد الله بن عبد الله الرازي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ذي الغرة قال : سألت النبي عن الصلاة في أعطان الإبل والوضوء من لحمها والحديث خطأ والصحيح عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء عن النبي وعبيدة ضعيف الحديث سمعت أبي يقول ذلك .
وقال العباس الدوري : سمعت يحيى بن معين يقول : ذو الغرة من أصحاب النبي ( * ) .
وللخصم حديثان :
246 - أحدهما : ما رواه الدارقطني قال : حدثنا أبو محمد بن صاعد حدثنا إبراهيم ابن منقذ الخولاني حدثنا إدريس بن يحيى الخولاني قال : حدثنا الفضل بن المختار عن أبن أبي ذئب عن شعبة مولى ابن عباس عن ابن عباس : أن رسول الله قال : ' الوضوء مما يخرج ، وليس مما يدخل ' .
وفي هذا الإسناد شعبة مولى ابن عباس
قال مالك والنسائي : ليس بثقة .
وقال يحيى : لا يكتب حديثه .
وقد روي عن أحمد ويحيى أنهما قالا : ليس به بأس .
____________________
(1/177)
وفيه الفضل بن المختار .
قال أبو حاتم الرازي : هو مجهول .
وأحاديثه منكرة ، يحدث بالأباطيل .
وقال ابن عدي : نعد البلاء في هذا الحديث من الفضل ، لا من شعبة .
لأن له أحاديث منكرة .
قال : والأصل في هذا الحديث : أنه موقوف .
قلت : وهذا كلام إنما يحفظ من قول ابن عباس .
كذلك رواه سعيد بن منصور .
247 - الحديث الثاني : رووا : ' لا وضوء من طعام أحله الله ' .
وهذا لا يعرف .
مسألة [ 52 ] :
الردة تنقض الوضوء .
خلافا لهم .
وقد استدل أصحابنا بما :
248 - روى محمد بن المصفى عن بقية عن عمرو بن أبي عمرو عن طاوس عن ابن عباس قال : قال رسول الله : ' الحدث حدثان : حدث اللسان ، وحدث الفرج .
وحدث اللسان أشد من حدث الفرج ، وفيهما الوضوء ' .
وهذا حديث لا يصح .
وبقية يدلس .
فلعله سمعه من بعض الضعفاء وأسقطه .
إذ
____________________
(1/178)
هذه كانت عادته .
واحتج المخالف بما :
249 - روى الترمذي : حدثنا قتيبة قال : حدثنا وكيع عن شعبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي قال : ' لا وضوء إلا من صوت أو ريح ' .
وهذا لا حجة لهم فيه .
لأنه إنما ورد فيمن يشك في الحدث .
250 - قال الترمذي : وحدثنا قتيبة قال : حدثنا عبد العزيز بن محمد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله قال : ' إذا كان أحدكم في المسجد ، فوجد ريحا بين أليتيه .
فلا يخرج حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ' .
ثم قد اتفقنا معهم على وجوب الوضوء بغير الصوت والريح .
ز : قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سمعت أبي وذكر حديث شعبة عن سهيل عن أبيه ، عن أبي هريرة مرفوعا : ' لا وضوء إلا من صوت أو ريح ' .
قال أبي : هذا وهم .
واختصر شعبة متن هذا الحديث فقال : ' لا وضوء إلا من صوت أو ريح ' .
ورواه أصحاب سهيل عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي : ' إذا كان أحدكم في الصلاة فوجد ريحا من نفسه فلا يخرج حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ' .
مسألة [ 53 ] :
غسل الميت ينقض الوضوء .
____________________
(1/179)
وقد احتج أصحابنا بأن ابن عمر وابن عباس كانا يأمران غاسل الميت أن يتوضأ .
واحتج الخصم بما رواه :
251 - قال الدارقطني : حدثنا أحمد بن محمد بن مسعدة حدثنا أبو شيبة إبراهيم بن عبد الله بن أبي شيبة حدثنا خالد بن مخلد حدثنا سليمان بن بلال عن عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله : ' ليس عليكم في ميتكم غسل إذا غسلتموه .
فإن ميتكم ليس بنجس .
فحسبكم أن تغسلوا أيديكم .
قال يحيى : عمرو لا يحتج بحديثه .
وقال أحمد : ما به بأس .
وفيه أيضا خالد بن مخلد .
قال يحيى : لا بأس بخالد .
وقال أحمد : له أحاديث مناكير .
وقد روى الخصم : أن عبد الرحمن بن عوف غسل إبراهيم ابن رسول الله وذهب ليتوضأ .
فقال له النبي : ' أحدثت ' ؟ قال : لا .
قال : ' فلم تتوضأ ؟ ' .
وهذا حديث لا يعرف .
ز : حديث عكرمة عن ابن عباس رواه الحاكم ( 1 ) ، وقال : هو على شرط البخاري وهو حديث منكر .
وعمرو وخالد من رجال الصحيح .
فلعله موقوف قد رفعه خالد أو غيره .
ورواه البيهقي موقوفا ( 2 ) عن ابن عباس ثم رواه مرفوعا .
وقال : هذا ضعيف لا يصح رفعه والحمل فيه على أبي شيبة كما أظن .
وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال : ' من غسل ميتا فليغتسل ومن حمله فليتوضأ ' .
رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي وحسنه ( 3 ) ، ولم يذكر ابن ماجة الوضوء .
وقال أبو داود : هذا منسوخ ، وقال أحمد : هذا موقوف على أبي هريرة .
وقال ابن المنذر : ليس في هذا حديث يثبت .
وقال البخاري : قال ابن حنبل وعلي : لا يصح في هذا الباب شيء .
وقال أبو بكر المطرز : سمعت محمد بن يحيى يقول : لا أعلم فيمن غسل ميتا فليغتسل ، حديثا ثابتا ولو ثبت لزمنا استعماله .
____________________
(1/180)
وقال الشافعي : وإنما منعني من إيجاب الغسل من غسل الميت أن في إسناده رجلا لم أقع من معرفة ثبت حديثه إلى يومي على ما يقنعني ، فإن وجدت من يقنعني أوجبته وأوجبت الوضوء من مس الميت مفضيا إليه فإنهما في حديث واحد .
وقال البيهقي : الروايات المرفوعة في هذا الباب عن أبي هريرة غير قوية لجهالة بعض رواته وضعف بعضهم والصحيح عن أبي هريرة من قوله موقوفا غير مرفوع .
وقال بعضهم : معناه ومن أراد حمله ومتابعته فليتوضأ من أجل الصلاة عليه وهو تأويل بعيد .
وقد أخرج أبو داود الحديث من طريق ابن أبي ذئب ( 1 ) ، عن القاسم بن عباس ، عن عمرو بن عمير عن أبي هريرة أن رسول الله قال : ' من غسل الميت فليغتسل ومن حمله فليتوضأ ' .
وأخرجه من حديث ابن عيينة عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن إسحاق مولى زائدة ، عن أبي هريرة يرفعه قال : ' من حمل الجنازة الوضوء ، ومن غسل الميت الغسل ' .
ورواه يحيى الحماني عن خالد بن عبد الله عن سهيل .
وروي عن ابن المبارك ومعاوية بن سلام ، عن يحيى ، عن رجل من بني ليث حدثني أبو إسحاق أنه سمع أبا هريرة يحدث عن النبي قال : ' من غسل ميتا فليغتسل ' .
وروى نحوه ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة مرفوعا هكذا .
رواه عنه شبابة وابن أبي فديك ، ثم قال ابن أبي فديك : وحدثني ابن أبي ذئب عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي : ' من غسل الميت فليغتسل ، ومن حمله فليتوضأ ' .
وقال روح : ثنا ابن جريج ، ثنا سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة بهذا .
وقال حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله قال : ' الغسل على من غسل والوضوء على من حمل ' .
وقال وهيب : ثنا أبو واقد ، عن إسحاق مولى زائدة عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ، عن أبي هريرة مرفوعا قال : ' من غسله الغسل ومن حمله الوضوء ' .
ذكر هذه الطرق كلها بقي بن مخلد في مسنده .
____________________
(1/181)
وروي عن ابن لهيعة عن حنين بن أبي حكيم ، عن صفوان بن سليم ، عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة مرفوعا : ' من غسل ميتا فليغتسل ' .
وفي لفظ : ' من غسل الميت الغسل ومن حمله الوضوء ' رواه البيهقي .
وقال : ابن لهيعة وحنين بن أبي حكيم لا يحتج بهما ، والمحفوظ من حديث أبي سلمة موقوفا من قول أبي هريرة .
ورواه من رواية عمرو بن أبي سلمة ، عن زهير بن محمد عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة مرفوعا .
وقال أبو داود ( 1 ) : ثنا عثمان بن أبي شيبة ، ثنا محمد بن بشر ، ثنا زكريا ثنا مصعب ابن شيبة ، عن طلق بن حبيب العنزي ، عن عبد الله بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أنها حدثته : ' أن النبي كان يغتسل من أربع : من الجنابة ، ويوم الجمعة ، ومن الحجامة ، ومن غسل الميت ' .
هذا الإسناد على شرط مسلم .
وقد رواه الإمام أحمد ، والدارقطني ، وابن خزيمة في صحيحه ، والحاكم في المستدرك .
قال البيهقي : رواة هذا الحديث كلهم ثقات ، وتركه مسلم فلم يخرجه ، وما أراه تركه إلا لطعن بعض الحفاظ فيه .
ومصعب بن شيبة وثقه يحيى بن معين .
وقال أحمد : روى أحاديث مناكير .
وقال أبو حاتم الرازي : لا يحمدونه وليس بالقوي .
وقال الدارقطني : منكر الحديث .
وقال الدارقطني : ليس بالقوي ولا بالحافظ ( * ) .
____________________
(1/182)
مسائل المسح على الخفين
مسألة [ 54 ] :
يجوز المسح في الحضر والسفر .
وقال مالك : يجوز في السفر .
وله في الحضر روايتان .
ومنعت الإمامية وأبو بكر بن داود من المسح جملة .
لنا أحاديث :
252 - قال مسلم بن الحجاج : حدثنا يحيى بن يحيى حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن همام قال : بال جرير .
ثم توضأ ومسح على خفيه .
فقيل : تفعل هذا ؟ فقال : نعم .
رأيت رسول الله بال ثم توضأ ثم مسح على خفيه .
قال الأعمش : قال إبراهيم : وكان يعجبهم هذا الحديث .
لأن إسلام جرير كان بعد
____________________
(1/183)
نزول المائدة .
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين .
253 - وأخرجه البخاري وقال : حدثنا يحيى قال : حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم عن مسروق عن المغيرة بن شعبة قال : كنت مع النبي في سفر فقال : ' يا مغير ، خذ الإداوة ' .
فأخذتها .
فانطلق رسول الله حتى توارى عني ، فقضى حاجته ، وصببت عليه .
فتوضأ وضوءه للصلاة ومسح على خفيه ثم صلى .
أخرجه مسلم .
وقد روى حديث المسح .
عمر ، وعلي ، وسعد ، وبلال ، وثوبان ، وعبادة بن الصامت ، وحذيفة ، وأنس ، وسهل بن سعد ، ويعلى بن مرة ، وأسامة بن زيد ، وأسامة بن شريك ، وصفوان بن عسال ، وأبو أمامة ، وجابر ، وعمرو بن أمية في آخرين .
وقال الحسن البصري : روى المسح سبعون نفسا ، فعلا منه وقولا .
ز : حديث سعد بن أبي وقاص رواه البخاري ، وكذلك حديث عمرو بن أمية .
وحديث بلال رواه مسلم .
وقال الإمام أحمد : ليس في قلبي من المسح شيء فيه أربعون حديثا عن أصحاب رسول الله ما رفعوا إلى النبي وما وقفوا .
وأما الخصم : فروى عن علي رضي الله عنه قال : ما أبالي مسحت على الخفين أو على ظهر حمار .
وعن ابن عباس أنه قال : سبق كتاب الله المسح .
وما أبالي مسحت على الخفين أو على ظهر بختي هذا وأنه قال : قد مسح رسول الله على الخفين .
والله ما مسح بعد المائدة .
وجواب هذا : أنه قد صح عن علي - رضي الله عنه - حديث المسح .
وما ذكروه عنه لا يصح .
وكذلك ما رووا عن ابن عباس ، ولو صح فجرير أعلم بحال نفسه .
وقد ذكرنا أنه روى المسح ، وقال : أسلمت بعد المائدة .
مسألة [ 55 ] :
والمسح يتوقت بيوم وليلة للمقيم ، وبثلاثة أيام ولياليها للمسافر .
____________________
(1/184)
وقال مالك : ليس فيه توقيت .
لنا ستة أحاديث :
254 - الحديث الأول : قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد عن الحجاج عن الحكم عن القاسم بن مخيمرة عن شريح بن هانئ .
قال سألت عائشة عن المسح ؟ فقالت : سل عليا .
فإنه أعلم بهذا مني .
إنه كان يسافر مع رسول الله .
فسألت عليا ؟ فقال : قال رسول الله ' للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن ، وللمقيم يوم وليلة ' .
انفرد بإخراجه مسلم .
255 - الحديث الثاني : قال أحمد : حدثنا يحيى بن آدم حدثنا سفيان عن عاصم عن زر ابن حبيش قال : ' أتيت صفوان بن عسال فسألته عن المسح على الخفين ؟ فقال : كنا نكون مع رسول الله فيأمرنا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ، إلا من جنابة ، ولكن من غائط وبول ونوم ' .
قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .
فإن قيل : قد تكلموا في حفظ عاصم بن أبي النجود ؟ قلنا : قد خرجا عنه في الصحيحين .
ز : وقد روى هذا الحديث النسائي ، وابن ماجة ( 1 ) ، وابن خزيمة في صحيحه وعاصم
____________________
(1/185)
روى له البخاري ومسلم مقرونا بغيره .
ووثقه الإمام أحمد ، وأبو زرعة ، ومحمد بن سعد ، وأحمد بن عبد الله العجلي وغيرهم .
وكان صاحب سنة وقراءة للقرآن .
وقال ابن معين : لا بأس به .
وقال أبو حاتم : محله الصدق ، لم يكن بذاك الحافظ .
وقال النسائي : ليس به بأس .
وقال ابن خراش : في حديثه نكرة .
وقال العقيلي : لم يكن فيه إلا سوء الحفظ .
وقال الدارقطني : في حفظه شيء ( * ) .
256 - الحديث الثالث : قال الترمذي : حدثنا قتيبة قال : حدثنا أبو عوانة عن سعيد بن مسروق عن إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت عن النبي : أنه سئل عن المسح على الخفين ، فقال : ' للمسافر ثلاثة أيام ، وللمقيم يوم وليلة ' .
قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .
ز : ورواه الإمام أحمد ( 1 ) وأبو داود وابن ماجة وأبو حاتم بن حبان .
وقال البيهقي : إسناده مضطرب .
وقال مهنا : سألت أحمد عن أجود الأحاديث في المسح ، قال : حديث شريح بن هانىء عن عائشة .
وحديث خزيمة بن ثابت ، وحديث عوف بن مالك ( * ) .
257 - الحديث الرابع : أخبرنا محمد بن أحمد بن صرما قال : أنبأنا عبد الله بن الحسن الخلال أنبأنا عبيد الله بن أحمد الصيدلاني قال حدثنا أبو بكر النيسابوري قال حدثنا محمد بن إسحاق حدثنا محمد بن عمر حدثنا قدامة بن موسى الجمحي عن الزبرقان بن عبد الله بن عمرو بن أمية الضمري عن أبيه عن جده عن النبي قال : ' المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن .
وللمقيم يوم وليلة ' .
ز : محمد بن عمر الواقدي متروك ( * ) .
258 - الحديث الخامس : وبالإسناد حدثنا النيسابوري قال حدثنا علي بن حرب حدثنا
____________________
(1/186)
زيد بن الحباب قال حدثني خالد بن أبي بكر بن عبيد الله قال حدثني سالم عن ابن عمر أن سعد بن أبي وقاص سأل عمر بن الخطاب عن المسح ؟ فقال عمر : سمعت رسول الله يأمر بالمسح على ظهر الخف ، للمسافر ثلاثة أيام .
وللمقيم يوم وليلة .
259 - الحديث السادس : وبالإسناد عن زيد بن الحباب قال حدثني عمر بن عبد الله اليمامي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : سئل رسول الله عن المسح على الخفين ؟ فقال : ' للمقيم يوم وليلة وللمسافر ثلاثة أيام ولياليها ' .
ز : إسناد حديث عمر صالح .
قال أبو حاتم : خالد بن أبي بكر بن عبيد الله يكتب حديثه .
وقال البخاري : له مناكير عن سالم بن عبد الله ، وذكره ابن حبان في الثقات .
وقد أطال الكلام على حديث عمر في المسح .
ثم قال : ورواه خالد بن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، عن سالم ، عن أبيه ، عن عمر ، وأغرب فيه بألفاظ لم يأت بها غيره ذكر فيه المسح وقال فيه : على ظهر الخف ، وذكر فيه التوقيت ثلاثا للمسافر ويوما وليلة للمقيم ، قاله زيد بن الحباب عنه .
حدثنا المحاملي القاضي ثنا علي بن حرب ثنا زيد بن الحباب بذلك وخالد بن أبي بكر العمري هذا ليس بالقوي .
وعمر بن عبد الله اليمامي في إسناد حديث أبي هريرة .
قال البخاري فيه : منكر الحديث ذاهب .
وقد روى ابن ماجة حديثه هذا عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب كلاهما عن زيد بن الحباب .
وقد سئل عنه الدارقطني : فضعفه وضعف كل ما روي عن أبي هريرة في المسح على الخفين والله أعلم .
وعن عوف بن مالك الأشجعي : أن النبي أمر بالمسح على الخفين في غزوة تبوك ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم .
رواه أحمد والدارقطني .
وقال أحمد : هذا من أجود حديث في المسح على الخفين ، لأنه في غزوة تبوك آخر غزاة غزاها .
وقال أبو طاهر المخلص : ثنا عبد الله هو البغوي ، ثنا أحمد بن إبراهيم الموصلي ، ثنا الصبي بن الأشعث عن
____________________
(1/187)
أبي إسحاق ، عن البراء سئل عن الخفين فقال : أمرني - يعني النبي كذا الموصلي - أن أمسح عليهما للمسافر ثلاثة ليال وأيامهن وللمقيم يوم وليلة .
ورواه الطبراني بمعناه عن محمد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا موسى بن الحسين السلولي ، ثنا الصبي فذكره .
وقد تكلم ابن عدي في الصبي بن الأشعث .
وقال أبو حاتم : شيخ يكتب حديثه ( * ) .
احتجوا بثلاثة أحاديث :
260 - الحديث الأول : أنبأنا به محمد بن أحمد بن صرما .
قال : أنبأنا عبد الله بن الحسن الخلال ، قال : أنبأنا عبيد الله بن أحمد الصيدلاني ، حدثنا أبو بكر النيسابوري قال : حدثنا محمد بن إسحاق قال : أنبأنا سعيد بن عفير قال أنبأنا يحيى بن أيوب قال : حدثني عبد الرحمن بن رزين عن محمد بن يزيد بن أبي زياد عن أيوب بن قطن عن عبادة بن نسي عن أبي ابن عمارة أنه قال : يا رسول الله أمسح على الخفين ؟ قال : ' نعم ' ، قال : يوما يا رسول الله ؟ قال : ' نعم ، ويومين ' ، قال : يومين يا رسول الله ؟ قال : نعم ، وثلاثا ' .
قال : وثلاثا ؟ قال : ' نعم ' ، حتى بلغ سبعا .
ثم قال رسول الله : ' نعم ، وما بدا لك ' .
قال أحمد بن حنبل : رجاله لا يعرفون .
وقال الدارقطني : هذا إسناد لا يثبت .
وعبد الرحمن ومحمد بن يزيد وأيوب مجهولون .
والله أعلم .
ز : ورواه أبو داود عن يحيى بن معين عن عمرو بن الربيع بن طارق ، عن يحيى بن أيوب ولم يذكر عبادة .
ورواه ابن ماجة عن حرملة بن يحيى وعمرو بن سواد كلاهما عن ابن وهب عن يحيى بن أيوب .
قال أبو داود : وقد اختلف في إسناده وليس بالقوي .
ورواه الحاكم وقال :
في رواته مجروح .
وقال أبو زرعة الدمشقي : سمعت أحمد بن حنبل يقول حديث أبي بن عمارة ليس بمعروف وأخبرني يحيى بن معين عن عمرو بن الربيع بن طارق عن يحيى بن أيوب أن أبي بن عمارة صلى القبلتين ، فناظرت أبا عبد الله أحمد بن حنبل في حديثه عن رسول الله في المسح فلم يقنع ، قلت له : فحديث عطاء بن يسار عن ميمونة حديث يحدث به أبو عبد الله أعني في المسح أيضا .
____________________
(1/188)
قال : ذاك من كتاب .
قال : قلت لأبي عبد الله : فإلى أي شيء ذهب أهل المدينة في المسح أكثر من ثلاث ويوم وليلة ؟ قال : لهم فيه أثر .
قال أبو عبد الله : حديث خزيمة مما لعله أن يدل على - يعني حجة لهم - قوله : ولو استزدته لزادني ( * ) .
261 - الحديث الثاني : أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق أنبأنا عبد الله بن الحسن قال : أنا عبيد الله الصيدلاني ، ثنا أبو بكر النيسابوري قال : حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال : أنبأنا ابن وهب قال أخبرني حيوة قال : سمعت يزيد بن أبي حبيب يقول حدثني عبد الله بن الحكم عن علي بن رباح أن عقبة بن عامر حدثه أنه قدم على عمر بفتح دمشق ، قال : وعلي خفان .
فقال لي عمر : كم لك يا عقبة ، مذ لم تنزع خفيك ؟ فذكرت من الجمعة منذ ثمانية أيام .
قال : أحسنت ، أو أصبت السنة .
هذا حديث قد اختلف على يزيد بن أبي حبيب فيه .
فرواه عنه جرير عن علي بن رباح ليس بينهما أحد .
ز : ذكر : الدارقطني أن عمرو بن الحارث ويحيى بن أيوب والليث بن سعد رووه عن يزيد فقالوا له : فقال عمر : أصبت ، ولم يقولوا : السنة وهو المحفوظ قال : ورواه جرير بن حازم عن يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب عن علي بن رباح عن عقبة .
وأسقط من الإسناد عبد الله بن الحكم البلوي وقال فيه : أصبت السنة كما قال ابن لهيعة والمفضل .
262 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : حدثني أبو محمد بن صاعد حدثنا الربيع بن سليمان قال : حدثنا أسد بن موسى حدثنا حماد بن سلمة عن عبيد الله بن أبي بكر وثابت عن أنس عن النبي قال : ' إذا توضأ أحدكم ولبس خفيه فليمسح عليهما ، وليصل فيهما ، ولا يخلعهما إن شاء إلا من جنابة ' .
وهذا محمول على مدة الثلاث بدليلنا .
ز : إسناد هذا الحديث قوي ، وأسد صدوق وثقه النسائي وغيره ولا التفات إلى كلام ابن حزم فيه .
وقد صحح إسناده الحاكم وذكر أنه شاذ بمرة ( * ) .
____________________
(1/189)
مسألة [ 56 ] :
من شرط جواز المسح : أن يلبس الخفين بعد كمال الطهارة .
وقال أبو حنيفة : لا يشترط ذلك .
لنا أحاديث منها ما :
263 - روى الدارقطني : حدثنا علي بن إبراهيم المستملى حدثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة حدثنا بندار حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد حدثنا المهاجر بن مخلد عن عبد الرحمن ابن أبي بكرة عن أبيه عن النبي أنه رخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن .
وللمقيم يوما وليلة ، إذا تطهر فلبس خفيه : أن يمسح عليهما .
ووجه الحجة : أن الفاء للتعقيب .
فعقب طهارة الرجلين باللبس .
ز : وروى هذا الحديث أبو بكر الأثرم في سننه والطبراني .
وقال الخطابي : هو صحيح الإسناد .
وروى بعضهم : ' ولبس خفيه ' ، بالواو .
وقد تكلم بعضهم في مهاجر بن مخلد ، قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سألت أبي عنه فقال : لين الحديث ليس بذاك وليس بالمتفق شيخ يكتب حديثه ، وقال إسحاق بن منصور : عن ابن معين صالح ( * ) .
____________________
(1/190)
246 - حديث آخر : قال أحمد : حدثنا عبدة بن سليمان قال حدثنا مجالد عن الشعبي عن المغيرة بن شعبة قال : وضأت رسول الله في سفر .
فغسل وجهه وذراعيه ومسح برأسه ، ومسح على خفيه .
فقلت : يا رسول الله ، ألا أنزع خفيك ؟ قال : لا ، إني أدخلتهما وهما طاهرتان .
وقد روى هذا المعنى عنه أبو هريرة وصفوان بن عسال .
ز : مجالد تكلم فيه غير واحد .
وأصل حديث المغيرة في الصحيح ، من رواية الشعبي عن عروة بن المغيرة عنه .
وقد روى أبو يعلى الموصلي : ثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ، ثنا أبو سلمة حدثني أبو روق ، عن عطية بن الحارث الهمداني ، حدثني أبو الغريف عن صفوان بن عسال ، قال : بعثنا رسول الله سرية وقال : ' سيروا بسم الله ، قاتلوا أعداءه لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا ، وليمسح أحدكم إذا كان مسافرا إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان ثلاثة أيام ولياليها وإن كان مقيما فيوم وليلة ' .
رواه أحمد بنحوه .
ورواه النسائي عن هارون بن عبد الله .
ورواه ابن ماجة عن الحسن بن علي الخلال كلاهما عن أبي أسامة سوى ما في آخره من ذكر المسح .
وأبو الغريف اسمه عبيد الله بن خليفة .
قال ابن أبي حاتم : سئل أبي عنه ، فقال : كان على شرطة علي بن أبي طالب ليس بالمشهور ، قلت : هو أحب إليك أو الحارث الأعور .
قال : الحارث أشهر وهذا قد تكلموا فيه وهو شيخ من نظراء أصبغ بن نباتة .
وقد ذكر البخاري أبا الغريف فلم يذكر فيه شيئا .
ورواية النسائي من طريقه مما يقوي أمره .
ولم يبين أبو حاتم من تكلم فيه ولا بين الجرح ما هو .
وعن أبي هريرة : أن رسول الله توضأ ومسح على خفيه ، فقلت : يا رسول الله
____________________
(1/191)
رجليك لم تغسلهما ؟ قال : ' إني أدخلتهما وهما طاهرتان ' .
رواه الإمام أحمد بإسناد ضعيف .
مسألة [ 57 ] :
يمسح ظاهر الخف دون باطنه .
وقال مالك والشافعي : يمسح الظاهر والباطن .
لنا ثلاثة أحاديث :
265 - الأول : حديث عمر سمعت رسول الله : يأمر بالمسح على ظهر الخف .
وقد سبق بإسناده .
266 - والثاني : رواه الدارقطني : حدثنا محمد بن القاسم بن زكريا حدثنا أبو كريب حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد خير قال : قال علي عليه السلام : لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه .
لقد رأيت رسول الله يمسح على ظاهر خفيه .
ز : ورواه الإمام أحمد وأبو داود ( 1 ) .
وقال الحافظ عبد الغني المقدسي : إسناده صحيح ورجاله ثقات كلهم .
____________________
(1/192)
وقد روى أبو السوداء شيخ لا بن عيينة - عن ابن عبد خير عن أبيه عن علي نحوه ( * ) .
267 - الحديث الثالث : قال الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم بن أبي العباس حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبي الزناد عن عروة قال : قال المغيرة بن شعبة : رأيت رسول الله يمسح على ظهور الخفين .
ز : ورواه الترمذي ( 1 ) ولفظه : رأيت رسول الله يمسح على الخفين على ظاهرهما وقال : حديث حسن ولا نعلم أحدا يذكر عن عروة عن المغيرة ' على ظاهرهما ' غير عبد الرحمن .
قال الفلاس : كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث عن عبد الرحمن بن أبي الزناد .
وقال أحمد : عبد الرحمن مضطرب الحديث .
وقال ابن معين : لا يحتج بحديثه .
ووثقه مالك .
وقال أبو حاتم : يكتب حديث ولا يحتج به .
احتجوا بما :
268 - روى أحمد : حدثنا الوليد بن مسلم قال : أخبرني ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة عن المغيرة بن شعبة أن النبي مسح أعلى الخف وأسفله .
قال الترمذي : هذا حديث معلول ، لم يسنده عن ثور غير الوليد ، وسألت أبا زرعة ومحمدا عن هذا الحديث ؟ فقالا : ليس بصحيح .
قال المؤلف :
كان الوليد يروي عن الأوزاعي أحاديث هي عند الأوزاعي عن شيوخ ضعفاء عن شيوخ قد أدركهم الأوزاعي - مثل نافع والزهري - فيسقط أسماء الضعفاء ويجعلها عن الأوزاعي عنهم .
ز : الوليد بن مسلم إمام صدوق مشهور لكنه يدلس عن الضعفاء فإذا قال : ثنا الأوزاعي أو غيره أو أنا ، فهو حجة .
وليس علة الحديث ما ذكره المؤلف ، ولم يرو الوليد هذا الحديث عن الأوزاعي .
____________________
(1/193)
لكن علة الحديث ما ذكره الترمذي من رواية ابن المبارك عن ثور عن رجاء قال : حدثت عن كاتب المغيرة مرسل عن النبي لم يذكر فيه المغيرة .
وقال أبو داود : بلغني أنه لم يسمع ثور هذا الحديث من رجاء .
وقال الإمام أحمد : لم يسمعه ثور من رجاء .
وليس فيه المغيرة .
وقال أبو حاتم الرازي : ليس بمحفوظ ، وسائر الأحاديث عن المغيرة أصح .
وقال الدارقطني : لا يثبت لأن ابن المبارك رواه عن ثور مرسلا والله أعلم ( * ) .
مسألة [ 58 ] :
يمسح أكثر أعلى الخف .
وقال أبو حنيفة : مقدار ثلاث أصابع .
وقال الشافعي : مقدار ما يقع عليه اسم المسح .
269 - قال ابن ماجة : حدثنا محمد بن المصفي حدثنا بقية عن جرير بن يزيد قال : حدثني منذر قال : حدثني محمد بن المنكدر عن جابر قال : مر رسول الله برجل يتوضأ ويغسل خفيه .
فقال بيده - كأنه دفعه - إنما أمرت بالمسح هكذا ، أطراف الأصابع إلى أصل الأصابع ، إلى أصل الساق - وخطط بالأصابع .
____________________
(1/194)
وهذا يقتضي بجميع أصابعه .
ز : جرير هذا ليس بمشهور ولم يرو عنه غير بقية .
منذر كأنه ابن زياد الطائي ، وقد كذبه الفلاس .
وقال الدارقطني : متروك .
ولم يخرج ابن ماجة لجرير ومنذر غير هذا الحديث ، والله أعلم .
270 - وروى سعيد بن منصور قال : حدثنا هشيم قال : أنبأنا ابن أبي ليلى عن أخيه عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال : رأيت عمر بن الخطاب بال فتوضأ ، ثم مسح على خفيه ، حتى إني أنظر إلى آثار أصابعه .
قال سعيد : وحدثنا فضيل بن عياض عن هشام بن حسان عن الحسن قال : المسح على الخفين خطوط بالأصابع .
مسألة [ 59 ] :
يجوز المسح على الجوربين الصفيقين .
خلافا لهم .
لنا حديثان :
____________________
(1/195)
271 - الحديث الأول : قال أحمد : حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن أبي قيس عن هزيل ابن شرحبيل عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله توضأ ومسح على الجوربين والنعلين .
قال الترمذي : هذا حديث صحيح .
فإن قالوا : قد روي عن أحمد أنه قال : أحاديث أبي قيس ليست حجة ؟
قلنا : قد قال في رواية : ليس بأبي قيس بأس .
ثم قد صححه الترمذي .
ز : وروى هذا الحديث أبو داود وابن ماجة ( 1 ) .
قال أبو داود : وكان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث ؛ لأن المعروف عن المغيرة أن النبي مسح على الخفين .
وذكر البيهقي حديث المغيرة هذا ، وقال : وذاك حديث منكر ، ضعفه سفيان الثوري ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وأحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين وعلي بن المديني ، ومسلم بن الحجاج ، والمعروف عن المغيرة حديث المسح على الخفين ويروى عن جماعة أنهم فعلوه ، وأبو قيس اسمه عبد الرحمن بن ثروان الأودي ، وهو من رجال الصحيح ووثقه يحيى بن معين .
وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه : يخالف في حديث .
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سألت أبي عن أبي قيس الأودي ، فقال : ليس بقوي قليل الحديث ليس بحافظ ، قيل له : كيف حديثه ؟ قال ؟ صالح ، هو لين الحديث ( * ) .
272 - الحديث الثاني : قال ابن ماجه : حدثنا محمد بن يحيى حدثنا معلى بن منصور وبشر بن آدم قالا حدثنا عيسى بن يونس عن عيسى بن سنان عن الضحاك بن [ عبد الرحمن ابن ] ( 1 ) عرزب عن أبي موسى الأشعري : أن رسول الله توضأ ومسح على الجوربين والنعلين .
قال يحيى بن معين : عيسى بن سنان ضعيف .
ز : الضحاك هو ابن عبد الرحمن بن عرزب ، ويقال : ابن عرزم أبو عبد الرحمن الشامي ، وثقه أحمد بن عبد الله العجلي وأبو حاتم بن حبان .
وعيسى ضعفه أحمد أيضا .
____________________
(1/196)
وقال أبو حاتم : ليس بقوي في الحديث .
وقال البيهقي : الضحاك بن عبد الرحمن لم يثبت سماعه من أبي موسى وعيسى بن سنان ضعيف لا يحتج به .
قال المؤلف : وقد كان يمسح على الجوربين : عمر ، وعلي ، وابن عباس ، والبراء ، وأبو أمامة وأنس ، وعقبة بن عامر .
وقال أحمد بن حنبل : يذكر المسح على الجوربين عن سبعة أو ثمانية من أصحاب رسول الله .
وقال أبو داود : ومسح على الجوربين علي بن أبي طالب ، وابن مسعود ن والبراء بن عازب ، وأنس بن مالك ، وأبو أمامة ، وسهل بن سعد ، وعمرو بن حريث ، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب ، وابن عباس رضي الله عنهم .
وقال ابن المنذر : ويروى إباحة المسح على الجوربين عن تسعة من أصحاب رسول الله وذكر منهم ابن عمر وابن أبي أوفى .
ورواه سعيد بن منصور عن أبي مسعود البدري .
وقال سعيد : ثنا إسماعيل بن عياش ، عن عبيد بن عبيد الكلاعي ، عن مكحول ، عن الحارث بن معاوية الكندي ، وأبي جندل بن سهيل ، قالا : سألنا بلالا مؤذن الرسول - ونحن على مطهرة الدرج بدمشق ونحن نتوضأ فيها - عن المسح على الخفين ، فقال : سمعت رسول الله يقول : ' امسحوا على النصيف والموق ' .
وقال الحسن بن محمد الزعفراني : ثنا علي ، ثنا ابن ثوبان ، عن أبيه ، عن مكحول ، عن الحارث بن معاوية ، وسهيل بن أبي جندل ، أنهما سألا بلالا عن المسح فقال : سمعت رسول الله يقول : ' امسحوا على الخفين والموق ' .
وقال الدارقطني : وأبو جندل بن سهيل أشبه بالصواب ( * ) .
مسألة [ 60 ] :
إذا انقضت مدة المسح ، أو ظهر القدم : استأنف الوضوء .
وعنه : أنه يجزئه غسل رجليه ، كقول أبي حنيفة ومالك .
____________________
(1/197)
وعن الشافعي : كالروايتين .
لنا الأحاديث المتقدمة في التوقيت .
ز : هذا خلاف مبني على أن المسح هل يرفع الحدث عن الرجل ؟
فإن قلنا : لا يرتفع عنها ، فقد ارتفع عن الوجه واليدين والرأس وبقي الرجلان فيكفيه غسلهما .
وإن قلنا : لا يرتفع فبالخلع عاد والحدث لا يتبعض فيجب استئناف الوضوء .
وقيل : منشأ الخلاف جواز التفريق ، فإن جاز أجزأه غسل قدميه ومسح رأسه في خلع العمامة ، وإلا عاد الوضوء لفوات شرطه وهو الموالاة .
قال بعضهم : والصحيح الأول ، لأن الخلاف واقع في المسألتين سواء كان عقب الوضوء أو بعد مضي زمان يحصل به التفريق ( * ) .
مسألة [ 61 ] :
إذا كان في أعضائه جبيرة لزمه المسح عليها .
وقال أبو حنيفة : لا يلزمه .
لنا : حديث جابر : ' إنما كان يكفيه أن يعصب جرحه
____________________
(1/198)
ويمسح عليه ' وسيأتي بإسناده في مسائل التيمم إن شاء الله تعالى .
وقد استدل أصحابنا بأحاديث فيها مقال .
273 - قال الدارقطني : حدثنا أبو بكر الشافعي حدثنا أبو عمارة محمد بن أحمد بن المهدي حدثنا عبدوس بن مالك العطار حدثنا شبابة حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عمر : أن النبي كان يمسح على الجبائر .
قال الدارقطني : لا يصح مرفوعا .
وأبو عمارة ضعيف جدا .
274 - قال : وحدثنا دعلج قال : حدثنا محمد بن علي بن زيد حدثنا أبو الوليد خالد ابن يزيد المكي قال : حدثنا إسحاق بن عبد الله بن محمد بن علي بن الحسين حدثنا الحسن بن زيد عن أبيه عن علي قال : سألت رسول الله عن الجبائر تكون على الكسر ، كيف يتوضأ صاحبها وكيف يغتسل ؟ قال : ' يمسح بالماء عليها ' .
قال الدارقطني : خالد بن يزيد ضعيف .
وقال أبو حاتم الرازي ويحيى بن معين : كذاب .
____________________
(1/199)
ز : الحسن بن زيد هذا هو ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وأبوه زيد بن علي هو أخو محمد بن علي الباقر ولم يدرك جده عليا ( * ) .
275 - قال الدارقطني : وحدثنا محمد بن إسماعيل الفارسي حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال : حدثنا عبد الرزاق عن إسرائيل عن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن أبيه عن جده قال : انكسر إحدى زندي .
فسألت رسول الله ؟ فأمرني أن أمسح على الجبائر .
قال الدارقطني : عمرو بن خالد هو أبو خالد الواسطي متروك .
قلت : وقد كذبه أحمد ويحيى .
وسبق القدح فيه .
ز : حديث علي رواه ابن ماجة ( 1 ) .
وقال أبو حاتم : هو حديث باطل لا أصل له ، وعمر بن خالد متروك الحديث .
وقال البيهقي : وقد تابع عمرو بن خالد عمر بن موسى بن وجيه فرواه عن زيد بن علي مثله .
وعمر بن موسى متروك منسوب إلى الوضع ونعوذ بالله من الخذلان وروي بإسناد آخر مجهول عن زيد بن علي ، وليس بشيء ، ورواه أبو الوليد خالد بن يزيد المكي ، بإسناد آخر عن زيد بن علي عن علي مرسلا وأبو الوليد ضعيف .
ولا يثبت عن النبي في هذا الباب شيء ( * ) .
____________________
(1/200)
مسائل الغسل
مسألة [ 62 ] :
يجب الغسل بالتقاء الختانين .
خلافا لداود .
لنا حديثان :
276 - الحديث الأول : قال البخاري : حدثنا أبو نعيم عن هشام عن قتادة عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي قال : ' إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل ' أخرجاه في الصحيحين .
ز : ورواه من رواية مطر عن الحسن وزاد : ' وإن لم يترك ' ( 1 ) ( * ) .
277 - الحديث الثاني : قال أحمد : حدثنا إسماعيل أنبأنا علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن عائشة قالت : قال رسول الله : ' إذا قعد بين الشعب الأربع ثم ألزق الختان بالختان . فقد وجب الغسل ' .
انفرد بإخراجه مسلم .
____________________
(1/201)
ز : لفظ مسلم ' إذا جلس بين شعبها الأربع ، ومس الختان الختان فقد وجب الغسل ' ولم يروه من حديث علي بن زيد .
وروى أبو داود عن أبي هريرة عن النبي قال : ' إذا قعد بين شعبها الأربع وألزق الختان بالختان فقد وجب الغسل .
278 - طريق آخر : قال أحمد : وحدثنا الوليد بن مسلم قال : حدثنا الأوزاعي قال : حدثني عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت : ' إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل .
فعلته أنا ورسول الله فاغتسلنا ' .
قال الترمذي : هذا حديث صحيح .
ز : ورواه الترمذي عن ابن مثنى عن الوليد .
ورواه النسائي عن عبيد الله بن سعيد عن الوليد .
ورواه ابن ماجة عن علي بن محمد الطنافسي ودحيم عن الوليد ( 1 ) .
وقال الترمذي في العلل : قال البخاري : هذا الحديث خطأ ، إنما يرويه الأوزاعي عن عبد الرحمن بن القاسم مرسلا .
وقال : قال أبو الزناد : سألت القاسم بن محمد : سمعت في هذا الباب شيئا ؟ قال : لا .
وقد روى هذا الحديث الدارقطني من رواية العباس بن الوليد بن مزيد ، عن أبيه عن الأوزاعي ، وقال : رفعه الوليد بن مسلم والوليد بن مزيد ، وذكر أن بشر بن بكر وجماعة رووه موقوفا . وقد صحح هذا الحديث ابن القطان ، ولم يلتفت إلى ما قيل فيه .
وعن جابر عن أم كلثوم بنت أبي بكر عن عائشة : أن رجلا سأل النبي عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل ، وعائشة جالسة فقال رسول الله : ' إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل ' .
رواه مسلم .
وهذا من رواية الصحابة عن التابعين ، لأن جابر بن عبد الله صحابي ، وأم كلثوم بنت
____________________
(1/202)
أبي بكر من التابعين ولدت بعد موت أبيها .
وعن أبي بن كعب أن الفتيا التي كانوا يقولون : ' الماء من الماء ' رخصة كان رسول الله رخص بها في أول الإسلام ثم أمر بالاغتسال بعدها .
رواه الإمام أحمد وهذا لفظه ، وأبو داود ، وابن ماجة ، والترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح .
وعن رافع بن خديج قال : ناداني رسول الله وأنا على بطن امرأتي ، فقمت ولم أنزل ، فاغتسلت وخرجت ، فأخبرته فقال : ' لا عليك الماء من الماء ' .
قال رافع : ثم أمرنا رسول بعد ذلك بالغسل .
رواه الإمام أحمد من رواية رشدين بن سعد وفيه عن بعض ولد رافع عن رافع لم يسمه .
وعن الزهري قال : سألت عروة عن الذي يجامع - أهله - ولا ينزل ، فقال : قول الناس أن يأخذوا بالآخر من أمر رسول الله ، وحدثتني عائشة : أن رسول الله كان يفعل ذلك ولا يغتسل ، وذلك قبل فتح مكة ، ثم اغتسل بعد ذلك وأمر الناس بالغسل .
رواه أبو حاتم البستي ، والدارقطني ( * ) .
مسألة [ 63 ] :
إذا أسلم الكافر فعليه الغسل .
وقال أبو حنيفة والشافعي : يستحب له .
لنا حديثان :
____________________
(1/203)
279 - الحديث الأول : قال أحمد : حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن الأغر عن خليفة بن حصين بن قيس عن جده قيس بن عاصم : أنه أسلم فأمره النبي أن يغتسل بماء وسدر .
ز : ورواه أبو داود والنسائي ، والترمذي ، وقال : حديث حسن ( 1 ) .
وخليفة بن حصين وثقه النسائي وابن حبان .
وروى عنه الأغر بن الصباح فقط .
وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين : الأغر بن الصباح عن خليفة بن حصين .
وقال أبو حاتم : صالح .
وقال النسائي : ثقة .
280 - الحديث الثاني : قال أحمد : حدثنا عبد الرحمن حدثنا عبد الله بن عمر عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة : أن ثمامة أسلم فقال النبي : ' اذهبوا به إلى حائط بني فلان فمروه أن يغتسل ' .
ز : عبد الله بن عمر العمري تكلم فيه .
ورواه البيهقي من رواية عبد الرزاق عن عبيد الله وعبد الله ابني عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة وفيه : وأمره أن يغتسل فاغتسل .
وقال الطبراني : هذا الحديث عند سفيان بن عبد الله وعبيد الله .
قال الخطيب : ورواه عبد الله الأشجعي عن سفيان الثوري عن عبيد الله بن عمر .
ورواه عبد الرزاق بن همام عن عبيد الله وعبد الله ابني عمر جميعا عن سعيد المقبري .
وفي الصحيحين أنه اغتسل ، وليس فيه أمر النبي له بذلك .
وقال أبو يعلى الموصلي في مسنده : حدثنا بشر بن سيحان ، ثنا عمرو بن محمد الرزيني ، قال : وما رأيت مثله بعيني قط - ثنا سفيان الثوري ، عن رجل عن سعيد بن أبي
____________________
(1/204)
سعيد المقبري ، عن أبيه عن أبي هريرة قال : لما أسلم ثمامة أمره رسول الله أن يغتسل ويصلي ركعتين .
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الغسل واجب وإن أصابته جنابة في الكفر .
ومن لم يوجب الغسل مطلقا حمل الأمر الوارد فيه على الاستحباب .
لأن استقراء أحوال المسلمين في عهده يقتضي عدم وجوب الغسل مطلقا فإنهم كانوا يدخلون في الدين أفواجا ولهم الأولاد والزوجات ولا يؤمرون بالغسل مع استحالة كونهم لم تصبهم جنابة ( * ) .
مسألة [ 64 ] :
لا يجب إمرار اليد في غسل الجنابة .
وقال مالك : يجب .
لنا ثلاثة أحاديث :
281 - الحديث الأول : قال أحمد : حدثنا حجين بن المثنى حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن سليمان بن صرد عن جبير بن مطعم قال : تذاكرنا غسل الجنابة عند النبي فقال النبي : ' أما أنا : فآخذ ملء كفي من الماء فأصب على رأسي ، ثم أفيض بعد على سائر جسدي ' .
أخرجاه في الصحيحين
282 - الحديث الثاني : قال أحمد : وحدثنا وكيع قال : حدثنا الأعمش عن سالم
____________________
(1/205)
عن كريب قال حدثنا ابن عباس عن خالته ميمونة قالت : وضعت للنبي غسلا .
فاغتسل من الجنابة .
فأكفأ الإناء بشماله على يمينه .
فغسل كفيه ، ثم أفاض على فرجه [ ثم يدلك يده بالحائط أو الأرض ] ( 1 ) ، ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه ثلاثا وذراعيه ثلاثا .
ثم أفاض على رأسه ثلاثا .
ثم أفاض على سائر جسده بالماء .
ثم تنحى فغسل رجليه .
أخرجاه في الصحيحين ( 2 ) .
283 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : حدثنا البغوي قال حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري قال حدثنا سفيان عن أيوب بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عبد الله ابن رافع عن أم سلمة قالت : كنت امرأة أشد ضفر رأسي .
فسألت رسول الله ؟ فقال : ' إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات أو ثلاث حفنات .
ثم تفرغي عليك ، فإذا أنت قد طهرت ' .
ز : رواه مسلم وأصحاب السنن الأربعة ( 1 ) .
ورواه روح بن القاسم والثوري عن أيوب ابن موسى ( * ) .
احتجوا بثلاثة أحاديث :
284 - الحديث الأول : قال سعيد بن منصور : أنبأنا عبد العزيز بن محمد قال أخبرني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله كان إذا أراد أن يغتسل من الجنابة غسل يديه ومضمض وتوضأ .
ويدلك بأصابعه أصول شعره .
فإذا خيل إليه أنه قد استبرأ البشرة أفاض على جلده من الماء .
285 - الحديث الثاني : قال الترمذي : حدثنا نصر بن علي حدثنا الحارث بن وجيه
____________________
(1/206)
حدثنا مالك بن دينار عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي قال : ' تحت كل شعرة جنابة .
فاغسلوا الشعر ، وأنقوا البشرة ' .
تفرد به الحارث بن وجيه عن مالك مرفوعا .
وإنما يروى هذا عن أبي هريرة من قوله .
قال يحيى بن معين : الحارث بن وجيه ليس بشيء .
وقال ابن حبان : ينفرد بالمناكير عن المشاهير .
ز : وروى هذا الحديث ابن ماجة ، وأبو داود وقال : الحارث بن وجيه حديثه منكر وهو ضعيف .
وقال الترمذي : حديث الحارث بن وجيه حديث غريب لا نعرفه إلا من حديثه وهو شيخ ليس بذاك .
وقد روى عنه غير واحد من الأئمة .
وقد تفرد بهذا الحديث عن مالك بن دينار .
وذكر الدارقطني أنه غريب من حديث محمد بن سيرين عن أبي هريرة تفرد به مالك ابن دينار .
وعنه الحارث بن وجيه .
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سألت أبي عن حديث رواه الحارث بن وجيه ، عن مالك بن دينار ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة مرفوعا : ' تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشرة ' .
قال أبي : هذا حديث منكر ، والحارث ضعيف الحديث .
وروى ابن عدي للحارث بن وجيه هذا الحديث وحديثا آخر ، وقال : لم يحدث بهما عن مالك بن دينار غيره .
وقد ضعف هذا الحديث أيضا : الشافعي ويحيى بن معين ، والبخاري .
ويروى عن الحسن مرسلا .
ويروى موقوفا على أبي هريرة كما تقدم ( * ) .
286 - الحديث الثالث : قال أحمد : حدثنا حسن بن موسى حدثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن زاذان عن علي قال سمعت رسول الله يقول : ' من ترك موضع شعرة من جنابة لم يصبها الماء فعل الله به كذا وكذا من النار ' .
قال علي : فمن ثم عاديت رأسي .
والجواب : أن هذه الأحاديث محمولة على من يمنع شعره الماء أن يصل إلى جلده .
____________________
(1/207)
ز : وروى حديث علي من رواية عطاء بن السائب أيضا : ابن ماجة وأبو داود ( 1 ) ولفظه : فمن ثم عاديت رأسي ثلاثا ، وكان يجز شعره رضي الله عنه .
وذكر الدارقطني في العلل أنه روي موقوفا ، ثم قال : وعطاء تغير حفظه ( * ) .
مسألة [ 65 ] :
يجب إيصال الماء في غسل الجنابة إلى باطن اللحية .
وعن مالك رواية : لا يجب .
لنا الأحاديث التي تقدمت .
287 - وقال أحمد : حدثنا إسماعيل حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن رجل من بني عامر عن أبي ذر عن النبي قال : ' إن الصعيد الطيب طهور ، ما لم تجد الماء ، ولو إلى عشر حجج .
فإذا وجدت الماء فامسس بشرتك ' .
احتجوا : بقوله عليه السلام : ' أما أنا : فأحثي على رأسي ثلاث حثيات ' وقد تقدم بإسناده .
____________________
(1/208)
مسألة [ 66 ] :
غسل الجمعة سنة .
وحكي عن مالك وداود : أنه واجب .
احتجوا بما :
288 - قال أحمد : حدثنا أبو سلمة الخزاعي قال أنبأنا مالك عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال : ' غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم ' .
أخرجاه في الصحيحين .
289 - قال أحمد : وحدثنا معتمر عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله : ' إذا جاء أحدكم يوم الجمعة فليغتسل ' .
ز : أخرجاه في الصحيحين ( * ) .
____________________
(1/209)
والجواب : أن الناس انقسموا في هذه الأحاديث فرقتين : فمنهم من قال : معنى ' واجب ' ، لأنه في باب الاستحباب ، كما يقال : حقك علي واجب ، وهذا اختيار أبي سليمان الخطابي .
يدل عليه : أنه قرنه بما لا يجب .
29 - روى أحمد : حدثنا الحسن بن سوار حدثنا ليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي بكر بن المنكدر أن عمرو بن سليمان أخبره عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه عن رسول الله أنه قال : ' إن الغسل يوم الجمعة على كل محتلم ، والسواك ، وأن يمس من الطيب ما يقدر عليه ' .
ز : أخرجه مسلم ( 1 ) ( * ) .
291 - قال أحمد : وحدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت : كان الناس عمال أنفسهم .
فكانوا يروحون كهيئتهم فقيل لهم : لو اغتسلتم .
أخرجاه في الصحيحين .
ويؤكد هذا : أن الصحابة لم ينكروا على ترك الغسل .
292 - قال البخاري : حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء قال : أنبأنا جويرية عن مالك عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر : أن عمر بن الخطاب بينا هو قائم في الخطبة يوم الجمعة ، إذا دخل رجل من المهاجرين الأولين .
فناداه عمر : أية ساعة هذه ؟ قال : إني شغلت .
فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين ، فلم أزد على أن توضأت .
فقال : والوضوء أيضا ؟ وقد علمت أن رسول الله كان يأمر بالغسل .
أخرجاه في الصحيحين وأخرجه مسلم .
والرجل عثمان ولم ينكر عليه ترك الغسل بمحضر من الصحابة .
فهذا كله يدل على أنه إنما أمر بالغسل أمر استحباب .
وقد ذهب قوم إلى وجوبه للفظ حديث أبي سعيد .
وادعوا
____________________
(1/210)
أنه نسخ بما :
293 - قال أحمد : حدثنا عبد الصمد قال حدثنا همام عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال : قال رسول الله : ' من توضأ فيها ونعمت ، ومن اغتسل فذاك أفضل ' .
وفي هذه الدعوى بعد .
لأنه لا تاريخ معنا .
وأحاديث الوجوب أصح .
والوجه ما ذكرناه : أنه مستحب ومندوب .
ز : وقد روى حديث الحسن عن سمرة : أبو داود ، والنسائي ، والترمذي ( 1 ) ، وقال حديث حسن ، وروى بعضهم عن قتادة عن الحسن عن النبي هذا الحديث مرسلا .
وقال الطبراني : ثنا محمد بن عبد الرحمن المروزي ، ثنا عثمان بن يحيى القرفساني ثنا مؤمل بن إسماعيل ، ثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني ، عن أنس أن النبي قال : ' من توضأ فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل ' .
قال الطبراني : لم يروه عن حماد إلا مؤمل تفرد به عثمان بن يحيى .
مؤمل بن إسماعيل صدوق ، وقد تكلم فيه البخاري .
وعن يزيد الرقاشي عن أنس عن النبي قال : ' من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت تجزئى عنه الفريضة ، ومن اغتسل فالغسل أفضل ' .
رواه ابن ماجة ، ويزيد الرقاشي تكلم فيه غير واحد من الأئمة .
ورواه البيهقي وغيره من رواية أسيد بن زيد الجمال - وهو ضعيف - عن شريك عن عوف عن أبي نضرة عن أبي سعيد مرفوعا .
ورواه ابن عدي من رواية عبيد الله بن إسحاق - وهو ضعيف - عن قيس بن الربيع عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر مرفوعا أيضا .
وقال البيهقي : أنا أبو عبد الله الحافظ ، ثنا أبو أحمد محمد بن محمد بن إسحاق الصفار العدل ، ثنا أحمد بن نصر ، ثنا عمرو بن طلحة القناد ، ثنا أسباط بن نصر ، عن
____________________
(1/211)
السدي ، عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله : ' من توضأ فبها ونعمت ، وتجزي من الفريضة ، ومن اغتسل فالغسل أفضل ' .
قال البيهقي : وهذا الحديث بهذا اللفظ غريب من هذا الوجه ، وإنما يعرف من حديث الحسن وغيره .
وقال أبو داود الطيالسي : ثنا أبو حرة ، عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة ، قال : ولا أعلمه إلا عن النبي قال : ' من توضأ فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل ' .
رواه البيهقي ، وقال : ورواه بكر بن بكار عن أبي حرة بإسناد قال : قال رسول الله ولم يشك ( * ) .
____________________
(1/212)
مسائل التيمم
مسألة [ 67 ] :
لا يجوز التيمم بغير التراب .
وقال أبو حنيفة ومالك : يجوز .
لنا ما :
294 - روى الدارقطني : حدثنا محمد بن عبد الله بن غيلان حدثنا الحسين بن الجنيد حدثنا سعيد بن مسلمة حدثنا أبو مالك الأشجعي عن ربعي بن حراش عن حذيفة قال : قال رسول الله : ' جعلت لنا الأرض كلها مسجدا ، وترابها طهورا ' .
وقد ذكرناه في أول الكتاب .
وبينا أنه قد أخرج في الصحيح .
ز : حديث حذيفة هذا قد تقدم أن مسلما رواه لكن لفظه : وجعلت تربتها لنا طهورا ' ( * ) .
295 - وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثنا زهير عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن علي أنه سمع علي بن أبي طالب يقول : قال رسول الله
____________________
(1/213)
: ' جعل التراب لي طهورا ' .
ز : عبد الله بن محمد بن عقيل مختلف في الاحتجاج بحديثه ( * ) .
احتجوا بما :
296 - روى سعيد بن منصور : حدثنا عيسى بن يونس حدثنا المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن ابن المسيب عن أبي هريرة أن ناسا من أهل البادية أتوا رسول الله ، فقالوا : إنا نكون بالرمال الأشهر الثلاثة والأربعة ، ويكون فينا الجنب والنفساء والحائض .
ولسنا نجد الماء ؟ فقال : ' عليكم بالأرض ' .
ثم ضرب بيده على الأرض لوجهه ضربة واحدة .
ثم ضرب ضربة أخرى فمسح بها على يديه إلى المرفقين .
والجواب : أن هذا الحديث لا يصح .
قال أحمد والرازي : المثنى بن الصباح لا يساوي شيئا .
وقال يحيى : ليس بشيء .
وقال النسائي : متروك الحديث ثم لا حجة فيه .
لأنه قال : ' عليكم بالأرض ' .
والرمل والجص والنورة في الأرض ، لا منها .
فكأنه أمرهم بطلب التراب .
وقد يكون بين الرمل .
ويكشف هذا : أنه قد رواه أحمد كما قلنا .
297 - قال أحمد : حدثنا عبد الرزاق قال : حدثنا المثنى بن الصباح قال أخبرني عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : جاء أعرابي إلى النبي ، فقال : يا رسول الله ، إني أكون في الرمل أربعة أشهر ، أو خمسة أشهر ، فيكون فينا النفساء والحائض والجنب ، فما ترى ؟ قال : ' عليك بالتراب ' . مسألة [ 68 ] :
يجوز للمتيمم أن يقتصر على وجهه وكفيه .
____________________
(1/214)
وقال أبو حنيفة والشافعي : لا يجوز إلا مسح الوجه واليدين إلى المرفقين .
لنا ما :
298 - روى أحمد : حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن الحكم عن ذر عن ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن عمار قال : كنت في سرية ، فأجنبت .
فتمعكت في التراب .
فلما أتيت النبي ذكرت ذلك له .
فقال : إنما كان يكفيك - وضرب النبي بيده إلى الأرض .
ثم نفخ فيها ، ومسح بها وجهه وكفيه .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
229 - قال أحمد : وحدثنا عفان قال : حدثنا أبان قال : حدثنا قتادة عن عزرة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن عمار أن النبي قال في التيمم : ' ضربة للوجه والكفين ' .
فإن قيل : فقد روى أبو داود من حديث عمار أنه قال : ' إلى المرفقين ' ؟ .
قلنا : تلك الطريق يقول فيها قتادة : حدثني محدث عن الشعبي عن ابن أبزى عن أبيه عن عمار .
ومثل هذا لا يقدم على روايتنا الصحيحة .
فإن قيل : فقد روى عمار ' إلى الآباط والمناكب ؟ ' .
قلنا : نعم .
____________________
(1/215)
300 - رواه أحمد ثنا يعقوب ثنا أبي عن صالح قال : قال ابن شهاب : حدثني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن عمار بن ياسر : أن رسول الله عرس بأولات الجيش ، ومعه عائشة .
فانقطع عقد لها من جزع ظفار .
فحبس الناس ابتغاء عقدها ذلك ، حتى أضاء الفجر وليس مع الناس ماء .
فأنزل الله عز وجل على رسول الله رخصة التطهر بالصعيد الطيب .
فقام المسلمون فضربوا الأرض .
ثم رفعوا أيديهم ولم يقبضوا من التراب شيئا .
فمسحوا بها وجوههم وأيديهم إلى المناكب ، ومن بطون أيديهم إلى الآباط .
قلت : ووجه هذا الحديث : أنهم فعلوا هذا بآرائهم .
فلما عرفهم الرسول حد التيمم انتبهوا إلى قوله .
ز : وروى هذا الحديث : أبو داود والنسائي بنحوه ( 1 ) .
وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن عمار بن ياسر : أنه كان يحدث أنهم يمسحوا وهم مع رسول الله الصعيد لصلاة الفجر ، فضربوا بأكفهم الصعيد ثم مسحوا وجوههم مسحة واحدة ثم عادوا فضربوا بأكفهم الصعيد مرة أخرى فمسحوا بأيديهم كلها إلى المناكب والإباط ، من بطونهم أيديهم .
وفي رواية : قام المسلمون فضربوا بأكفهم التراب ولم يقبضوا من التراب ، ولم يذكر المناكب ، والآباط ، قال ابن الليث : إلى ما فوق المرفقين ، رواه الإمام أحمد ، وأبو داود وهذا لفظه ، وابن ماجة ، وهو منقطع ، عبيد الله بن عبد الله بن عتبة لم يدرك عمار بن ياسر .
وقد أخرجه النسائي ، وابن ماجه من حديث عبيدالله بن عبد الله بن عتبة عن أبيه عن عمار موصولا مختصرا .
قال إسحاق بن راهويه : حديث عمار في التيمم للوجه والكفين هو حديث صحيح ، وحديث عمار تيممنا مع النبي إلى المناكب والآباط .
ليس هو بمخالف لحديث الوجه والكفين ؛ لأن عمارا لم يذكر أن النبي أمرهم بالوجه والكفين .
والدليل على ذلك : ما أفتى به عمار بعد النبي في التيمم أنه قال : ' الوجه والكفين ' ففي هذا دلالة أنه انتهى إلى ما عمله النبي .
____________________
(1/216)
احتجوا بأحاديث :
301 - قال الدارقطني : حدثنا أبو سعيد محمد بن عبد الله المروزي حدثنا محمد بن خلف حدثنا أحمد بن حمدويه حدثنا أبو معاذ حدثنا أبو عصمة عن موسى بن عقبة عن الأعرج عن أبي جهيم قال : أقبل رسول الله من بئر جمل - إما من غائط ، وإما من بول فسلمت عليه .
فلم يرد علي السلام .
وضرب الحائط بيده ضربة ، فمسح بها وجهه .
ثم ضرب أخرى فمسح بها ذراعيه إلى المرفقين . ثم رد علي السلام .
302 - قال أبو معاذ : وحدثنا خارجة عن عبد الله بن عطاء عن موسى بن عقبة عن الأعرج عن أبي جهيمة عن النبي مثله .
303 - قال الدارقطني : وحدثنا البغوي قال حدثنا أبو الربيع الزهراني قال حدثنا محمد بن ثابت العبدي حدثنا نافع عن ابن عمر : أن رجلا مر برسول الله فسلم . فلم يرد عليه حتى ضرب بيديه على الحائط ، فمسح وجهه ، ثم ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه
ثم رد على الرجل السلام .
304 - قال الدارقطني : وحدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا عبد الله بن الحسين بن جابر حدثنا عبد الرحمن بن مطرف حدثنا علي بن ظبيان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي قال : ' التيمم ضربتان : ضربة للوجه ، وضربة لليدين إلى المرفقين ' .
305 - قال الدارقطني : وحدثنا محمد بن مخلد حدثنا إبراهيم الحربي حدثنا عثمان ابن محمد الأنماطي حدثنا حرمي بن عمار عن عزرة بن ثابت عن أبي الزبير عن جابر عن النبي قال : ' التيمم ضربة للوجه ، وضربة للذراعين إلى المرفقين ' .
____________________
(1/217)
306 - قال الدارقطني : وحدثنا الحسين بن إسماعيل حدثنا بشر بن موسى حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا الربيع بن بدر عن أبيه عن جده عن الأسلع قال : أراني رسول الله كيف أمسح . فضرب بكفيه الأرض . ثم رفعهما لوجهه . ثم ضرب ضربة أخرى ، فمسح ذراعيه - باطنهما وظاهرهما - حتى مس بيده المرفقين .
والجواب أما حديث أبي جهيم : فإن أبا عصمة وخارجة متكلم فيهما .
وقد روي من حديث كاتب الليث .
وهو مطعون فيه . وإنما حديثه الذي في الصحيح ما :
307 - قال البخاري : حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن الأعرج قال سمعت عميرا مولى ابن عباس قال : دخلت على أبي جهيم .
فقال : أقبل رسول الله من نحو بئر جمل .
فلقيه رجل ، فسلم عليه .
فلم يرد عليه حتى أقبل على الجدار ، فمسح بوجهه ويديه .
ثم رد عليه .
[ أخرجاه في الصحيحين ] ( 1 ) .
ز : أخرجه مسلم تعليقا قال : وقال الليث بن سعد فذكر إسناده وعنده أبو الجهيم ( * ) .
وأما حديث ابن عمر الأول : ففيه محمد بن ثابت العبدي ، قال يحيى : ليس بشيء .
وأما حديثه الثاني : فهكذا رواه علي بن ظبيان مرفوعا ، قال ابن نمير : يخطئ في حديثه كله .
وقال يحيى بن سعيد وابن معين وأبو داود : ليس بشيء .
وقال النسائي وأبو حاتم الرازي : متروك الحديث .
وقال أبو زرعة : واهي الحديث جدا .
وقال ابن حبان : سقط الاحتجاج بأخباره .
قال الدارقطني : وقد وقفه يحيى القطان وهشيم وغيرهما .
وهو الصواب ، قال : ورواه سليمان بن أبي داود الحراني عن سالم ونافع عن ابن عمر عن النبي .
وسليمان ضعيف .
وقال أبو حاتم الرازي : ضعيف جدا .
وقال ابن حبان : يروى عن الأثبات ما يخالف حديث الثقات ، حتى خرج عن حد الاحتجاج به .
____________________
(1/218)
وقد رواه سليمان بن أرقم عن الزهري عن سالم .
وسليمان ليس بشيء بإجماعهم .
وأما حديث جابر : فقد تكلم في عثمان بن محمد .
وأما حديث الأسلع : ففي إسناده الربيع بن بدر .
قال أبو حاتم الرازي : لا يشتغل به .
وقال النسائي والدارقطني : متروك الحديث .
ثم نحن نقول بهذه الأحاديث ونجيز هذا الفعل .
فيجمع بين الأحاديث .
ز : أبو عصمة في حديث أبي جهيم هو نوح بن أبي مريم وهو متروك .
وخارجة هو ابن مصعب ، وقد ضعفوه ، وقال محمد بن سعد تركوه .
والأعرج لم يسمع الحديث من أبي جهيم ، بل بينهم عمير مولى ابن عباس كما تقدم .
وحديث محمد بن ثابت العبدي ، رواه أبو داود .
قال ابن معين في العبدي : هو ضعيف ، وفي رواية : ليس بشيء وفي رواية : ليس به بأس .
وقال النسائي : ليس بالقوي .
وقال أبو الوليد القاضي : هو متروك .
ووثقه بعضهم .
وقد أنكر البخاري على محمد بن ثابت رفع هذا الحديث ، وقال : خالفه عبيد الله وأيوب والناس فقالوا : عن نافع عن ابن عمر فعله .
قال البيهقي : ورفعه غير منكر .
وقال الخطابي : وحديث ابن عمر لا يصح ، لأن محمد بن ثابت العبدي ضعيف جدا لا يحتج بحديثه .
وقال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ : عرضت على أبي عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - حديث محمد بن ثابت فقال لي : هذا حديث منكر ليس هو مرفوعا .
وأما حديث علي بن ظبيان فرواه الحاكم ، وقال : لا أعلم أحدا أسنده غير ابن ظبيان وهو صدوق .
وقال ابن حبان في عبد الله بن الحسين بن جابر : يقلب الأخبار ويسرقها لا يحتج بما انفرد به .
وأما حديث جابر فلم يذكر المؤلف من تكلم في عثمان بن محمد ، وقد روى عنه أبو داود وأبو بكر بن أبي عاصم وغيرهما .
وذكره ابن أبي حاتم في كتابه ولم يذكر فيه جرحا .
وقد روى الحديث البيهقي والدارقطني وقال : رواته كلهم ثقات ، والصواب
____________________
(1/219)
موقوف .
ورواه الحاكم في المستدرك ، وقال صحيح ( * ) .
مسألة [ 69 ] :
التيمم لا يرفع الحدث .
وقال داود : يرفع .
308 - قال الإمام أحمد : حدثني يحي بن سعيد عن عوف قال : حدثني أبو رجاء قال : حدثني عمران بن حصين قال : كنا في سفر مع رسول الله .
فصلى بالناس .
فإذا هو برجل معتزل .
فقال : ما منعك أن تصلي ؟ قال : أصابتني جنابة ولا ماء .
قال عليك الصعيد .
واشتكى إليه الناس العطش ، فدعا عليا وآخر .
فقال : ابغيانا الماء فذهبا ، فجاءا بامرأة معها مزادتان .
فأفرغ من أفواه المزادتين .
ونودي في الناس ، فسقى من شاء واستقى .
وكان آخر ذلك : أن أعطى للذي أصابته الجنابة إناء من ماء ، فقال : اذهب فأفرغه عليك ' .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
309 - وقال الدارقطني : حدثنا أبو بكر بن أبي داود حدثنا محمد بن بشار حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي قال : سمعت يحيى بن ايوب عن يزيد بن أبي حبيب عن عمران عن أبي أنس عن عبد الرحمن بن جبير عن عمرو بن العاص قال : احتلمت في ليلة باردة ، وأنا في غزوة ذات السلاسل .
فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك ، فتيممت ، ثم صليت بأصحابي
____________________
(1/220)
الصبح .
فذكر ذلك لرسول الله . فقال : يا عمرو ، صليت بأصحابك وأنت جنب ؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال فقلت : إني سمعت الله عز وجل يقول : ( 4 : 29 ) ( ^ ولا تقتلوا أنفسكم ) فضحك رسول الله ولم يقل لي شيئا .
ز : ورواه الإمام أحمد ، وأبو داود ، ورواه الحاكم من رواية عبد الرحمن بن جبير عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص وقال : على شرطهما .
وعندي أنهما عللاه بحديث يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب عن عمران عن عبد الرحمن بن جبير عن عمرو نفسه ( * ) .
احتجوا بحديث حذيفة : ' وجعل ترابها طهورا ' وقد سبق في أول الكتاب .
310 - قال الترمذي : حدثنا محمود بن غيلان قال حدثنا أبو أحمد الزبيري قال حدثنا سفيان عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر أن رسول الله قال : ' إن الصعيد الطيب وضوء المسلم ، وإن لم يجد الماء عشر سنين . فإذا وجد الماء فليمسه بشرته فإن ذلك خير ' .
قال الترمذي : هذا حديث صحيح .
وليس لهم في هذين الحديثين حجة ؛ لأن التراب قائم مقام الطهور في إباحة الصلاة ، ولو كان طهورا حقيقة لما احتاج الجنب بعد التيمم أن يغتسل .
مسألة [ 70 ] :
يتيمم لوقت كل صلاة .
وقال أبو حنيفة : يصلي به ما لم يحدث .
311 - واحتج بالحديث المتقدم : ' الصعيد وضوء المسلم ' .
____________________
(1/221)
واحتج أصحابنا بما :
312 - قال الدارقطني : حدثنا أحمد بن محمد بن سعدان قال : حدثنا شعيب بن أيوب قال حدثنا أبو يحيى الحماني عن الحسن بن عمارة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس قال : من السنة أن لا يصلي بالتيمم أكثر من صلاة واحدة .
الحماني وابن عمارة متروكان .
ز : أبو يحيى الحماني عبد الحميد بن عبد الرحمن ليس بمتروك بل هو من رجال الصحيح .
وقد وثقه يحيى بن معين وغيره .
وضعفه أحمد وغيره وكأنه اشتبه عليه بابنه يحيى ابن عبد الحميد فإنه هو المشهور بالضعف .
وقد رواه عبد الرزاق وغيره عن الحسن بن عمارة .
وعن نافع عن ابن عمر قال : يتيمم لكل صلاة وإن لم يحدث .
رواه البيهقي وقال : إسناده صحيح .
وعن هشيم عن حجاج ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي رضي الله عنه قال : يتيمم لكل صلاة رواه البيهقي وإسناده ضعيف .
وعن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ، أن عمرو بن العاص كان يحدث لكل صلاة تيمما .
وكان قتادة يأخذ به .
رواه البيهقي أيضا وقال : وهذا مرسل .
وروى حرب الكرماني عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : التيمم بمنزلة الوضوء يصلي به ما لم يحدث الصلوات كلها ( * ) .
____________________
(1/222)
مسألة [ 71 ] :
إذا لم يجد ماء ولا ترابا صلى .
وقال أبو حنيفة : لا يصلي .
لنا ما :
313 - روى أحمد : حدثنا ابن نمير قال : حدثنا هشام عن أبيه عن عائشة أنها استعارت من أسماء قلادة ، فهلكت .
فبعث رسول الله رجالا في طلبها ، فوجدوها .
فأدركتهم الصلاة وليس معهم ماء .
فصلوا بغير وضوء ، فشكوا ذلك إلى رسول الله فأنزل الله عز وجل آية التيمم .
أخرجه البخاري ومسلم ( 1 ) .
احتجوا بحديثين :
314 - الحديث الأول : قال أبو عيسى الترمذي : حدثنا هناد حدثنا وكيع عن إسرائيل عن سماك عن مصعب بن سعد عن ابن عمر أن النبي قال : ' لا يقبل الله صلاة إلا بطهور ' .
____________________
(1/223)
ز : انفرد بإخراجه مسلم ( * ) .
315 - الحديث الثاني : قوله عليه السلام : ' لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الوضوء مواضعه ' .
[ وليس فيما ذكروا حجة .
لأن ذلك ينزل على من يقدر علي الطهور ] ( 1 ) .
مسألة [ 72 ] :
إذا خاف الحاضر ضرر البرد تيمم .
وفي الإعادة روايتان .
لنا : حديث عمرو بن العاص قال : احتلمت في ليلة باردة فأشفقت فتيممت .
فذكرت ذلك لرسول الله فلم يقل شيئا .
وقد سبق بإسناده ( 1 ) .
ز : نقل عن عطاء والحسن فيمن يخاف ضرر البرد أن يغتسل وإن مات .
والصحيح : أنه يجوز له التيمم وهو قول أكثر أهل العلم لحديث عمرو بن العاص .
فإن تيمم وصلى ، ثم قدر على استعمال الماء ، فهل تلزمه الإعادة ؟ فيه روايتان :
إحداهما : لا تلزمه وهو قول أبي حنيفة ومالك لحديث عمرو
فإن النبي لم يأمره بالإعادة ولو وجبت لأمره بها فإنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة .
والثانية : تلزمه الإعادة في الحضر دون السفر ، وهو قول أبي يوسف ومحمد .
والأول أصح .
وقال الشافعي : يعيد الحاضر وفي المسافر قولان ( 1 ) .
____________________
(1/224)
مسألة [ 73 ] :
إذا كان بعض بدنه صحيحا وبعضه جريحا ، غسل الصحيح وتيمم للجريح .
وقال أبو حنيفة ومالك : الاعتبار بالأكثر .
فإن كان الأكثر صحيحا غسله وسقط التيمم .
وبعكسه إذا كان جريحا .
لنا ما :
316 - روى الدارقطني : حدثنا عبد الله بن سليمان الأشعث حدثنا موسى بن عبد الرحمن الحلبي حدثنا محمد بن سلمة عن الزبير بن خريق عن عطاء عن جابر قال : خرجنا في سفر .
فأصاب رجلا منا حجر .
فشجه في رأسه ثم احتلم .
فسأل أصحابه : هل تجدون لي رخصة في التيمم ؟ فقالوا : ما نجد لك رخصة ، وأنت تقدر على الماء .
فاغتسل فمات .
فلما قدمنا على رسول الله أخبر بذلك .
فقال : ' قتلوه قتلهم الله ، ألا سألوا ، إذ لم يعلموا .
فإنما شفاء العي السؤال . إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر - أو يعصب - على جرحه ثم يمسح عليه ، أو يغسل سائر جسده ' .
شك موسى .
ز : وروى هذا الحديث أبو داود عن موسى ( 1 ) ، والزبير ذكره ابن حبان في كتاب الثقات .
وقال الدارقطني : لم يروه عن عطاء عن جابر غير الزبير بن خريق وليس بالقوي .
وخالفه الأوزاعي فرواه عن عطاء عن ابن عباس واختلف على الأوزاعي ، فقيل عنه عن عطاء ، وقيل عنه : بلغني عن عطاء وأرسل الأوزاعي آخره عن عطاء عن النبي ، وهو الصواب ، وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سألت أبي وأبا زرعة عنه ، فقالا : رواه ابن أبي العشرين عن الأوزاعي عن إسماعيل بن مسلم عن عطاء عن ابن عباس وأفسد الحديث ( * ) .
____________________
(1/225)
مسألة [ 74 ] :
إذا كان معه من الماء ما يكفي بعض أعضائه لزمه استعماله في الجنابة .
وهل يلزمه في الوضوء ؟ فيه وجهان .
أصحهما عندي : أنه يلزمه .
وقال مالك وأبو حنيفة : لا يلزمه .
وللشافعي قولان .
لنا ما :
317 - روى البخاري : حدثنا إسماعيل قال حدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي قال : ' إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ، وإذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم ' .
أخرجاه في الصحيحين .
مسألة [ 75 ] :
لا يتيمم للجنازة والعيد مع وجود الماء .
وقال أبو حنيفة : يتيمم إذا خاف الفوات .
وعن أحمد في الجنازة كقوله .
____________________
(1/226)
احتجوا بما :
318 - رواه ابن عدي : حدثنا محمد بن عبد الله بن فضل قال : حدثنا يمان بن سعيد قال : حدثنا وكيع بن الجراح قال : حدثنا المعافى بن عمران عن مغيرة بن زياد عن عطاء عن ابن عباس عن النبي قال : ' إذا فجئتك الجنازة وأنت على غير وضوء فتيمم ' .
قال ابن عدي : هذا غير محفوظ رفعه .
و أنما هو موقوف على ابن عباس .
وقال أحمد : مغيرة بن زياد ضعيف الحديث جدا ، حدث بأحاديث مناكير .
وكل حديث رفعه فهو منكر .
مسألة [ 76 ] :
إذا اشتبهت الأواني الطاهرة بالنجسة لم يتحر .
وقال الشافعي : يتحرى .
لنا حديثان :
319 - الحديث الأول : قال البخاري : حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن ابن أبي
____________________
(1/227)
السفر عن الشعبي عن عدي بن حاتم قال : سألت النبي ؟ فقال : ' إذا أرسلت كلبك المعلم فقتل فكل . فإذا أكل فلا تأكل . فإنما أمسكه على نفسه ' .
قلت : أرسل كلبي فأجد معه كلبا أخر ؟ قال : ' فلا تأكل . فإنما سميت على كلبك ، ولم تسم على كلب آخر ' .
أخرجاه في الصحيحين وأخرجه مسلم .
320 - الحديث الثاني : قال أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة قال : حدثني يزيد ابن أبي مريم عن أبي الجوزاء عن الحسن بن علي عن النبي أنه كان يقول : ' دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ' .
ز : رواه الترمذي والنسائي ( 1 ) من حديث شعبة ، وصححه الترمذي .
وأبي الجوزاء اسمه ربيعة بن شيبان ، وقد وثقه النسائي وابن حبان ، ويزيد بن أبي مريم السلولي ثقة ( * ) .
____________________
(1/228)
مسائل الحيض
مسألة [ 77 ] :
يجوز الاستمتاع من الحائض بما دون الفرج .
خلافا لهم في قولهم : لا يحل إلا ما فوق الإزار .
لنا حديثان :
321 - الحديث الأول : قال أحمد : حدثنا عبد الرحمن حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس ، أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيوت .
فسأل أصحاب النبي فأنزل الله عز وجل ( 2 : 2 ) ( ^ ويسألونك عن المحيض قل هو أذى . . . الآية ) فقال رسول الله : ' اصنعوا كل شيء إلا الجماع ' .
انفرد بإخراجه مسلم ( 1 ) .
322 - الحديث الثاني : قال أبو داود : حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن أيوب عن عكرمة عن بعض أزواج النبي : أن النبي كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا .
____________________
(1/229)
ز : انفرد أبو داود بهذا الحديث ، وإسناده صحيح .
احتجوا بحديثين :
323 - الحديث الأول : قال عبد الله بن أحمد : ثنا ابن فضيل عن الشيباني عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عائشة قالت : كان رسول الله يباشر نساءه فوق الإزار ، وهن حيض .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
324 - الحديث الثاني : قال سعيد بن منصور : حدثنا عبد العزيز عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار قال : قال رجل : يا رسول الله ، ما يحل لي من امرأتي وهي حائض ؟ قال : ' تشد إزارها ، ثم شأنك بأعلاها ' .
هذا حديث مرسل .
ز : عن ميمونة أن رسول الله كان يباشر المرأة من نسائه وهي حائض إذا كان عليها إزار إلى أنصاف الفخذين أو الركبتين تحتجز به .
رواه الإمام أحمد ، والنسائي ، وأبو داود ، وهذا لفظه .
وأبو حاتم بن حبان في صحيحه .
وفي رواية أحمد : محتجزة به .
وعن أبي إسحاق ، وعاصم بن عمرو ، عن عمير مولى عمر قال : جاء نفر من أهل العراق إلى عمر بن الخطاب ، فقال لهم عمر : أبإذن جئتم ، قالوا : نعم ، قال : فما جاء بكم ؟ قالوا : جئناك نسألك عن ثلاث .
قال : وما هن ؟ قالوا : صلاة الرجل في بيته ما هي ؟ وما يصلح للرجل من امرأته
____________________
(1/230)
وهي حائض ؟ وعن الغسل من الجنابة ، قال : أسحرة أنتم ؟ قالوا : لا والله يا أمير المؤمنين ما نحن بسحرة .
قال : لقد سألتموني عن ثلاث ما سألني عنهن أحد ، سألت عنهن رسول الله قبلكم ، أما صلاة الرجل في بيته تطوعا فنور بيتك ما استطعت ، وأما الحائض فلك ما فوق الإزار وليس لك ما تحته شيء ، وأما الغسل من الجنابة فتفرغ يمينك على شمالك فتغسلهما ثم تدخل يدك في الإناء فتغسل فرجك وما أصابك ثم توضأ وضوءك للصلاة ثم تفرغ على رأسك ثلاث مرات تدلك رأسك كل مرة ثم تغسل سائر جسدك .
رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده : ثنا أبو خيثمة ثنا عبد الله بن جعفر الرقي ، ثنا عبيد الله بن عمرو ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن أبي إسحاق فذكره .
وروى ابن ماجه منه ذكر الصلاة .
ورواه الطبراني و البيهيقي بكماله .
وسئل الدارقطني عنه فذكر الاختلاف فيه ، قال : والحديث حديث زيد بن أبي أنيسة ومن تابعه عن أبي إسحاق ، وقال زيد بن أبي أنيسة ورقبة بن عصقلة وأبو حمزة السكري فقالوا : عن عاصم بن عمرو عن عمير .
وعاصم بن عمرو ، ويقال ابن عوف البجلي الكوفي أحد الشيعة قال فيه أبو حاتم صدوق .
وكتبه البخاري في كتاب الضعفاء ، فقال أبو حاتم : يحول من هناك .
وذكره ابن حبان في كتاب الثقات .
وقال أبو داود : حدثنا هارون بن حمد بن بكار ، ثنا مروان - يعني ابن محمد - ثنا الهيثم بن حميد ، ثنا العلاء بن الحارث ، عن حرام بن حكيم ، عن عمه : أنه سأل رسول الله ما يحل لي من امرأتي وهي حائض ؟ قال : ' لك ما فوق الإزار ' .
العلاء بن الحارث ثقة من رجال الصحيح ، وقد تكلم فيه بعضهم وحرام بن حكيم الأنصاري وثقه دحيم والعجلي .
وضعفه ابن حزم .
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : سألت رسول الله عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض ؟ قال : ' ما فوق الإزار والتعفف عن ذلك أفضل ' .
رواه أبو داود و قال : ليس بالقوي ( * ) .
____________________
(1/231)
مسألة [ 78 ] :
إذا أتى امرأته وهي حائض تصدق بدينار .
وعنه يستغفر الله ، كقولهم .
إلا أن الشافعي قال في القديم : إن وطئ في إقبال الدم تصدق بدينار .
وفي إدباره بنصف دينار .
لنا ما :
325 - روى أحمد : حدثنا يحيى عن شعبة عن الحكم عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن مقسم عن ابن عباس عن النبي - في الذي يأتي امرأته وهي حائض - قال : ' يتصدق بدينار ، أو بنصف دينار ' .
قال أحمد : لم يرفعه عبد الرحمن ولا بهز .
326 - قال أحمد : وحدثنا يونس حدثنا حماد بن سلمة عن عطاء العطار عن ابن عباس أن رسول الله قال : ' يتصدق بدينار . فإن لم يجد دينارا فنصف دينار ' .
يعني الذي يغشى امرأته حائضا .
ز : وقد روى اللفظ الأول أبو داود ، وابن ماجة ، والنسائي ( 1 ) ، والحاكم و صححه .
____________________
(1/232)
وقال أبو داود : هكذا الرواية الصحيحة ، قال : ' دينار أو نصف دينار ' .
وربما لم يرفعه شعبة .
وقد صحح هذا الحديث أيضا ابن القطان .
وقال أبو داود : سمعت أحمد يقول : وقد سئل عن الرجل يأتي امرأته وهي حائض قال : ما أحسن حديث عبد الحميد ، قيل له : فتذهب إليه ؟ قال : نعم ( * ) .
وقد احتجوا للقول القديم للشافعي بما :
327 - رواه الترمذي : حدثنا الحسين بن خريث حدثنا الفضل بن موسى عن أبي حمزة السكري وعن عبد الكريم ، عن مقسم عن ابن عباس عن النبي قال : ' إذا كان دما أحمر فدينار . وإذا كان دما أصفر فنصف دينار ' .
عبد الكريم هو البصري ضعيف جدا .
كان أيوب السختياني يرميه بالكذب .
وقال أحمد ويحيى : ليس هو بشيء .
وقال السعدي : غير ثقة .
وقال الدارقطني : متروك .
وذكر أبو داود هذا الحديث عن ابن عباس موقوفا .
ز : عبد الكريم ليس هو ابن أبي المخارق البصري ، وإنما هو ابن مالك الجزري أحد الثقات ، كذا وذكره بعض من جمع الأطراف .
وقد قيل : إنه أبو أمية كما ذكر المؤلف ؛ لأنه هكذا جاء مصرحا به في بعض الروايات .
وقال عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب العلل : حدثني أبي : ثنا سفيان ، عن عبد الكريم بن أمية ، عن مقسم ، عن ابن عباس : إذا أتى امرأته وهي حائض .
قيل لسفيان : يا أبا محمد هذا مرفوع ، فأبى أن يرفعه ، وقال : أنا أعلم به ، يعني أبا أمية .
فيحتمل أن يكون الجزري وأبو أمية روياه عن مقسم .
وقد رواه النسائي عن إسحاق بن إبراهيم عن سفيان ، وعن محمد بن كامل المروزي ، عن هشيم عن الحجاج كلاهما عن عبد الكريم به .
ورواه ابن ماجة عن عبد الله بن الجراح عن أبي الأحوص عن عبد الكريم نحوه .
وقال أبو يعلي الموصلي في مسنده : ثنا علي بن الجعد ، أنا أبو جعفر الرازي عن عبد الكريم بن أبي المخارق ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، عن النبي في رجل جامع امرأته
____________________
(1/233)
وهي حائض ، فقال : ' إن كان دما عبيطا فليتصدق بدينار وان كان فيه صفرة فنصف دينار ' .
وقد رواه ابن جريج ، وسعيد بن أبي عروبة ، وهشام الدستوائي ، وغيرهم عن عبد الكريم أبي أمية والله أعلم .
وقال : الترمذي في هذا الحديث : روي عن ابن عباس ، يرفعه بعضهم وبعضهم موقوف .
قال أبو داود : روى الأوزاعي عن يزيد ابن أبي مالك ، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن ، عن النبي قال : ' آمره أن يتصدق بخمس دينار ' .
وهذا منقطع .
وقال الحافظ زكي الدين عبد العظيم المنذري : وهذا الحديث قد وقع الاضطراب في إسناده ومتنه مرفوعا وموقوفا ومرسلا ومعضلا .
وقال عبد الرحمن بن مهدي قيل لشعبة إنك كنت ترفعه ، قال : إني كنت مجنونا فصححت ، وأما الاضطراب في متنه فروي ' بدينار أو نصف دينار ' على الشك .
وروي : ' يتصدق بدينار فان لم يجد فنصف دينار ' .
وروي فيه التفرقة بين أن يصيبها في الدم أو في انقطاع الدم ، وروي ' يتصدق بخمسي دينار ' ، وروي : ' يتصدق بنصف دينار ' .
وروي : ' إذا كان دما أحمر فدينار وإذا كان دما أصفر فنصف دينار ' ، وروي : ' إن كان الدم عبيطا فليتصدق بدينار وإن كان صفرة فنصف دينار ' .
قال الخطابي : وقال أكثر العلماء : لاشيء عليه ويستغفر الله ، وزعموا أن هذا الحديث مرسل أو موقوف على ابن عباس ، ولا يصح متصلا ومرفوعا والذمم بريئة إلا أن تقوم الحجة بشغلها .
وقال أبو علي بن السكن : هذا حديث مختلف في إسناده ولفظه ، ولا يصح مرفوعا ولم يصححه البخاري ، وهو صحيح من كلام ابن عباس وقد خالفه ابن القطان في هذا ورد عليه وصحح الحديث ( * ) .
مسألة [ 79 ] :
المستحاضة إذا كانت لها أيام معروفة ردت إلى أيامها .
لا إلى التمييز .
____________________
(1/234)
وقال الشافعي : يقدم التمييز على العادة .
لنا ما :
328 - روى الدار قطني : حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا ابن زنجويه حدثنا معلى بن أسد حدثنا وهيب حدثنا أيوب عن سليمان بن يسار أن فاطمة بنت أبي جبيش استحيضت ، حتى كان المركن ينقل من تحتها وأعلاه الدم .
قال : فأمرت أم سلمة أن تسأل رسول الله ؟ فقال : ' تدع الصلاة أيام إقرائها ثم تغتسل وتستذفر بثوب وتصلي ' .
ز : رواه الإمام أحمد ( 1 ) بنحوه .
وقال الدارقطني في رواته : كلهم ثقات .
وعن عائشة : أن أم حبيبة بنت جحش كانت تحت عبد الرحمن بن عوف وأنها استحيضت فلا تطهر ، فذكر شأنها لرسول الله ، فقال : ' ليست بالحيضة ولكنها ركضة من الرحم فلتنظر قدر قرئها التي كانت تحيض له ، فلتترك الصلاة ثم لتنظر ما بعد ذلك فلتغتسل عند كل صلاة ' رواه الإمام أحمد واللفظ له ، و النسائي .
وعن فاطمة بنت أبي حبيش قالت : أتيت عائشة فقلت لها : أم المؤمنين قد خشيت أن لا يكون لي حظ في الإسلام ، [ وأن أكون من أهل النار ، أمكث ما شاء الله من يوم استحاضتي فلا أصلي لله عز وجل صلاة .
قالت أجلسي حتى يجيء رسول الله فلما جاء النبي قالت : يا رسول الله هذه فاطمة بنت أبي حبيش تخشى أن لا يكون لها حظ في الإسلام ] ( 2 ) ، وأن تكون من أهل النار تمكث ما شاء الله من يوم تستحاض فلا تصلي لله فيه صلاة .
فقال : ' مري فاطمة بنت أبي حبيش فلتمسك كل شهر عدد أيام أقرائها ثم تغتسل وتحتشي وتستثفر ، و تنظف ثم تطهر عند كل صلاة وتصلي ، فإنما ذلك ركضة من الشيطان أو عرق انقطع ، أو داء عرض لها ' .
رواه الإمام أحمد والدارقطني والحاكم وصححه ( 3 ) .
وهو من رواية عثمان بن سعد الكاتب .
____________________
(1/235)
قال يحيى بن معين : ضعيف ، وقال مرة : ليس بذاك .
وقال أبو زرعة : لين .
وقال أبو حاتم : شيخ .
وقال النسائي والدارقطني : ليس بالقوي .
وقال ابن حبان : لا يجوز الاحتجاج به .
وقال الحاكم : بصري ثقة .
وعن فاطمة : أنها أتت النبي فشكت إليه الدم ، فقال لها رسول الله : ' إنما ذلك عرق فأنظري إذا أتاك قرؤك فلا تصلي فاذا أمر القرء فتطهري ثم صلي ما بين القرء إلى القرء ' .
رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي .
وفي إسناده المنذر بن المغيرة ، سئل عنه أبو حاتم الرازي فقال : هو مجهول ليس بمشهور .
وقال النسائي : قد روى هذا الحديث هشام بن عروة عن عروة ولم يذكر فيه ما ذكر المنذر ( * ) .
احتجوا بما :
329 - روى الدارقطني : حدثنا علي بن عبد الله بن مبشر حدثنا ابن المثنى حدثنا ابن عدي عن محمد بن عمرو قال : حدثني ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن فاطمة بنت أبي حبيش : أنها كانت تستحاض فقال لها النبي : ' إذا كان دم الحيض فانه أسود يعرف .
فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة فاذا كان الآخر متوضئى وصلي .
فإنما هو عرق ' .
ز : رواه أبو داود و النسائي ، وقال : قد روى هذا الحديث غير واحد ولم يذكر أحد منهم ما ذكر ابن أبي عدي والله أعلم .
وأبو حاتم بن حبان في صحيحه .
وقال الدارقطني : رواته كلهم ثقات .
ورواه الحاكم وقال : هو على شرط مسلم .
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سألت أبي عن حديث رواه محمد بن أبي عدي عن محمد ابن عمرو عن الزهري عن عروة عن فاطمة : أن النبي قال لها : ' إذا رأيت الدم الأسود فأمسكي عن الصلاة ، وإذا كان الأحمر فتوضئي ' .
قال أبي : لم يتابع محمد بن عمرو على هذه الراوية وهو منكر ( * ) .
____________________
(1/236)
مسألة [ 80 ] :
الناسية التي لا تمييز لها تحيض ستا أو سبعا ( 1 ) .
وقال الشافعي : لا تحيض شيئا .
لنا ما :
330 - روى أحمد : حدثنا عبد الملك بن عمرو حدثنا زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عمه عمران بن طلحة عن أمه حمنة بنت جحش قالت : كنت أستحاض حيضة شديدة .
فجئت رسول الله أستفتيه وأخبره .
فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش .
فقلت : يا رسول الله إن لي إليك حاجة .
قال : ' ما هي ؟ ' قلت : إني أستحاض حيضة كبيرة شديدة ، فما ترى فيها ؟ قد منعتني الصلاة و الصيام .
فقال : ' أنعت لك الكرسف .
فإنه يذهب الدم ' ، قالت : هو أكثر من ذلك .
قال : ' فاتخذي ثوبا ' .
قلت : هو أكثرمن ذلك .
قال : ' فلتلجمي ' .
قالت : إنما أثج ثجا فقال لها : ' سآمرك بأمرين أيهما فعلت فقد أجزأ عنك من الآخر .
فأن قويت عليهما فأنت أعلم ' .
فقال لها : ' إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان ، فتحيضي ستة أيام ، أو سبعة أيام ، في علم الله ، ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي أربعا وعشرين ليلة وأيامها وصومي ؛ فإن ذلك يجزئك .
وكذلك فافعلي كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن .
وإن قويت على أن تؤخرين الظهر وتعجلين العصر ثم تغتسلي ، وتجمعي بين الصلاتين فافعلي ، وتغتسلين مع الفجر وتصلين .
وكذلك فافعلي : وصلي وصومي إن قويت على ذلك ' .
قال رسول الله : ' هذا أعجب الأمرين إلي ' .
قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ( 1 ) .
____________________
(1/237)
ز : ورواه أبو داود ، وابن ماجة ، والحاكم ، والترمذي ، وقال : هذا حديث حسن صحيح .
ورواه عبيد الله بن عمرو الرقي و ابن جريج ، وشريك ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن إبراهيم بن محمد بن طلحة ، عن عمه عمران ، عن أمه حمنة إلا أن ابن جريج يقول عمر بن طلحة ، والصحيح عمران بن طلحة .
وسألت محمدا عن هذا الحديث فقال : هو حديث حسن .
وهكذا قال أحمد بن حنبل هو حديث حسن صحيح .
وقال أبو داود : رواه عمرو بن ثابت عن ابن عقيل فقال : قالت حمنة : هذا أعجب الأمرين إلي ، لم يجعله قول النبي .
قال أبو داود : كان عمرو بن ثابت رافضيا .
وذكره عن يحيى بن معين .
هذا آخر كلامه .
و عمرو بن ثابت هذا هو أبو ثابت ، ويعرف بابن أبي المقدام .
قال عباس الدوري عن يحيى بن معين : ليس بثقة ولا مأمون .
وقال أبو زرعة وأبو حاتم : ضعيف الحديث ، زاد أبو حاتم : يكتب حديثه كان رديء الرأي شديد التشيع .
وقال النسائي : متروك .
وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الإثبات .
وروى هذا الحديث أيضا الدارقطني وقال : تفرد به ابن عقيل وليس بقوي . وقال الخطابي : وقد ترك بعض العلماء القول بهذا الحديث ، لأن ابن عقيل راويه ليس بذاك .
وقال البيهقي : تفرد به عبد الله بن محمد بن عقيل ، وهو مختلف في الاحتجاج به .
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سألت أبي عن حديث رواه ابن عقيل عن إبراهيم بن محمد عن عمران بن طلحة عن أمه حمنة بنت جحش في الحيض فوهنه ولم يقو إسناده ( * ) .
مسألة [ 81 ] :
إذا رأت الدم قبل أيامها ، أو بعد أيامها ، ولم تجاوز أكثر الحيض .
فما رأته في أيامها فهو حيض .
وما رأته قبل أيامها وبعدها فهو مشكوك فيه حتى يتكرر ثلاثا ، فيكون حيضا .
وقال أبو حنيفة : ما رأته قبل أيامها فهو استحاضة حتى تراه في الشهر الثاني .
وما رأته بعد أيامها فهو حيض .
وقال الشافعي : ما رأته قبل أيامها وبعد أيامها حيض لنا :
____________________
(1/238)
331 - قوله عليه السلام : ' تجلس أيام أقرائها ثم تغتسل ' .
وقد سبق .
مسألة [ 82 ] :
أقل الحيض : يوم وليلة .
وقال أبو حنيفة : أقله ثلاثة أيام .
وقال مالك : لا حد لأقله .
وللشافعي قولان : أحدهما : كقولنا .
والثاني : يوم .
دليلنا : أن المرجع في ذلك إلى العرف .
332 - فروى الدارقطني : حدثنا الحسين بن إسماعيل حدثنا عباس بن محمد حدثنا محمد بن مصعب قال سمعت الأوزاعي يقول : عندنا امرأة تحيض غدوة وتطهر عشية .
وقال عطاء : رأيت من النساء من كانت تحيض يوما ومن كانت تحيض خمسة عشر يوما .
وقال الشافعي : أثبت لي عن امرأة لم تزل تحيض يوما .
وقال مالك : ما عرف حيض أقل من يوم .
احتجوا بأحاديث
____________________
(1/239)
333 - أحدها : قول النبي لفاطمة بنت أبي حبيش : ' دعي الصلاة أيام إقرائك ' .
وأقل الأيام : ثلاثة وقد سبق هذا الحديث .
334 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : حدثنا عثمان بن احمد بن السماك حدثنا إبراهيم البلدي حدثنا إبراهيم بن مهدي المصيصي حدثنا حسان بن إبراهيم الكرماني حدثنا عبد الملك قال : سمعت العلاء يقول سمعت مكحولا يحدث عن أبي أمامة قال : قال رسول الله : ' أقل ما يكون الحيض للجارية البكر والثيب : ثلاث .
وأكثر ما يكون من الحيض عشرة أيام ، و إذا رأت الدم أكثر من عشرة أيام فهي مستحاضة ' .
وقد رواه سليمان بن عمرو عن يزيد بن جابر عن مكحول .
335 - قال الدارقطني : حدثنا أبو حامد محمد بن هارون قال : حدثنا محمد بن أحمد ابن أنس حدثنا حماد بن المنهال البصري عن محمد بن راشد عن مكحول عن واثلة بن الأسقع قال : قال رسول الله : ' أقل الحيض : ثلاثة أيام ، وأكثره : عشرة أيام ' .
336 - وقال بن عدي : حدثنا أحمد بن الحسن الكرخي حدثنا الحسن بن شعيب حدثنا أبو يوسف عن الحسن بن دينار عن معاوية بن قرة عن أنس بن مالك أن رسول الله قال : ' الحيض ثلاثة أيام ، و أربعة ، وخمسة ، وستة ، وسبعة ، وثمانية ، وتسعة ، وعشرة ، فإذا جاوزت العشرة فهي مستحاضة ' .
337 - وقال العقيلي : حدثنا جعفر بن محمد بن بريق حدثنا عبد الرحمن بن قانع [ عن نافع ] حدثنا أسد بن سعيد البجلي عن محمد بن الحسن الصدفي عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله : ' لا حيض أقل من ثلاث ، ولا فرق عشر ' .
قالوا : قد روى حسين بن علوان عن هشام عن أبيه عن عائشة عن النبي أنه قال : :
____________________
(1/240)
' أكثر الحيض عشر . وأقله ثلاث ' .
والجواب :
أما الحديث الأول : فإنما قال لفاطمة : ' دعي الصلاة أيام أقرائك ' على الأغلب .
والأغلب وجود أيام الحيض [ في الحيض ] ( 1 ) .
وباقي الأحاديث ليس فيها ما يصح .
أما حديث أبي أمامة : ففي طريقه الأول : عبد الملك ، قال الدارقطني : هو رجل مجهول .
قال : والعلاء بن كثير : ضعيف الحديث .
ومكحول لم يسمع من أبي أمامة شيئا .
قلت : قال أحمد بن حنبل : العلاء بن كثير ليس بشيء .
وقال أبو زرعة : واهي الحديث وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الإثبات .
أما طريقه الثاني : فإن سليمان بن عمرو هو أبو داود النخعي .
قال أحمد : هو كذاب ، وسئل مرة : أيضع أحد الحديث ؟ فقال نعم ، أبو وداود النخعي .
كان يضع الحديث .
وقال شريك : ذاك كذاب النخع .
وقال يحيى : هو ممن يعرف بالكذب ووضع الحديث .
وقال مرة : رجل سوء كذاب .
وقال يزيد بن هارون : لا يحل لأحد أن يروي عنه .
وقال البخاري : وهو معروف بالكذب .
وأخبرنا أبو منصور القزاز قال أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي أنبأنا ابن الفضل أنبأنا عبد الله بن جعفر أنبأنا يعقوب بن سفيان قال : أبو داود النخعي رجل سوء كذاب ، كان يكذب مجاوبة .
قال إسحاق : أتيناه فقلنا له : أي شيء تعرف في أقل الحيض وأكثره ، وما بين الحيضتين من الطهر ؟ فقال : الله أكبر .
حدثني يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن النبي ، وحدثنا أبو طوالة عن أبي سعيد الخدري .
وجعفر بن مجمد عن أبيه عن جده عن النبي قال : ' أقل الحيض ثلاث ، وأكثره عشر ، وأقل ما بين الحيضتين خمسة عشر يوما ' .
وكان هو وأبو البختري يضعان الحديث .
وأما حديث واثلة بن الأسقع : فقال الدارقطني : حماد بن المنهال مجهول ، ومحمد
____________________
(1/241)
ابن أحمد بن أنس ضعيف .
وقال ابن حبان : ومحمد بن راشد كان يأتي بالشيء على التوهم كثرت المناكير في روايته ، فاستحق وترك الاحتجاج به .
وأما حديث أنس : ففيه الحسن بن دينار .
وقد كذبه العلماء ، منهم شعبة .
وفيه الحسن بن شبيب ، قال بن عدي : حدث عن الثقات ببواطيل ، قال : وهذا الحديث يعرف بالجلد بن أيوب عن معاوية بن قرة .
قال : كان إسماعيل بن علية يرمي الجلد بن أيوب بالكذب .
وقال أحمد : لا يساوي حديثه شيئا .
قال : وليس لهذا الحديث أصل .
وقال الدارقطني : متروك .
وأما حديث معاذ بن جبل : ففيه محمد بن الحسن .
وقال العقيلي : هو مجهول و حديثه غير محفوظ .
وقد روى هذا الحديث محمد بن سعيد المصلوب عن عبادة بن نسي وليس ذاك بشيء أصلا .
وأما حديث عائشة : فيرويه الحسين بن علوان .
قال أبو حاتم بن حبان : كان يضع الحديث ، لا يحل كتب حديثه .
كذبه أحمد ويحيى ( * ) .
مسألة [ 83 ] :
أكثر الحيض : خمسة عشر يوما .
وقال أبو حنيفة : عشرة .
وهو يحتج بالأحاديث التي قدمناها .
وقد تكلمنا عليها .
____________________
(1/242)
وأصحابنا قد ذكروا أن رسول الله قال : ' تمكث إحداكن شطر عمرها لا تصلي ' .
وهذا لفظ لا أعرفه .
مسألة [ 84 ] :
الحامل لا تحيض .
وقال مالك و الشافعي في أحد القولين : تحيض .
لنا ما :
338 - روى أحمد حدثنا أسود بن عامر أنبأنا شريك عن أبي إسحاق وقيس بن وهب عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال - في سبي أوطاس - : ' لا توطأ حامل حتى تضع ، ولا غير حامل حتى تحيض حيضة ' .
قال أبو بكر الأثرم : قلت لأبي عبد الله : ما ترى في الحامل ترى الدم ، تمسك عن الصلاة ؟ قال : لا .
قلت : أي شيء أثبت في هذا ؟ فقال : أنا أذهب في هذا إلى حديث محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة عن سالم عن أبيه أنه طلق امرأته وهي حائض ، فقال عمر للنبي ، فقال له : ' مره فليراجعها ، ثم يطلقها طاهرا أو حاملا ' ( 1 ) .
فأقام الطهر مقام الحمل .
فقلت : فإنك ذهبت بهذا الحديث إلى إن الحامل لا تكون إلا طاهرا ؟ قال : نعم .
ز : حديث أبي سعيد رواه أبو داود ، وإسناده حسن ، وأبو الوداك اسمه جبر بن نوف من رجال الصحيح .
____________________
(1/243)
وحديث ابن عمر رواه مسلم وأصحاب السنن .
وفي الاستدلال بالحديثين على أن الحامل لا تحيض نظر ( * ) .
مسألة [ 85 ] :
لانقطاع الحيض غاية ، و فيها روايتان : أحدهما : خمسون سنة ( 1 ) ، والأخرى : ستون .
وقال أصحاب الشافعي : لا غاية له .
وأستدل أصحابنا بقول عائشة : لن ترى المرأة ولدا في بطنها بعد خمسين سنة ( 2 ) .
مسألة [ 86 ] :
أكثر النفاس أربعون يوما .
وقال الشافعي : ستون .
لنا أحاديث :
339 - قال الترمذي : حدثنا نصر ابن علي قال : حدثنا شجاع ابن الوليد عن علي بن
____________________
(1/244)
عبد الأعلى عن أبي سهل عن مسة الأزدية عن أم سلمة قالت : كانت النفساء تجلس على عهد النبي أربعين يوما .
وكنا نطلي وجوهنا بالورس من الكلف .
قال البخاري : علي بن عبد الأعلى ثقة ، وأبو سهل ثقة .
ز : رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة ، و الدارقطني .
وقال : مسة لا تقوم بها حجة .
وقال الدارقطني : هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث أبي سهل عن مسة عن أم سلمة ، واسم أبي سهل : كثير بن زياد .
ولم يعرف من هذا الحديث إلا من حديث أبي سهل .
وقال أحمد في علي بن عبد الأعلى : ليس به بأس .
وقال أبو حاتم : ليس بقوي .
وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين : أبو سهل : كثير بن زياد ثقة .
وقال أبو حاتم : ثقة من أكابر أصحاب الحسن ( * ) .
340 - وقال الدارقطني : حدثنا يزداد بن عبد الرحمن أنبأنا أبو سعيد الأشج قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن سلام بن سالم عن حميد عن أنس قال : قال رسول الله : ' وقت النفساء أربعون يوما ، إلا أن ترى الطهر مثل ذلك ' .
ز : روى ابن ماجة لسلام هذا الحديث الواحد ( 1 ) ( * ) .
341 - وقال الدارقطني : حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد حدثنا أبو شيبة قال : حدثنا أبو بلال حدثنا أبو شهاب عن هشام بن حسان عن الحسن عن عثمان بن أبي العاص قال : وقت رسول الله للنساء في نفاسهن أربعين يوما .
342 - قال أبو بلال : وحدثنا حيان عن عطاء عن عبد الله بن أبي مليكة عن عائشة عن رسول الله مثله .
____________________
(1/245)
343 - قال الدارقطني : و حدثنا عبد الباقي بن قانع حدثنا أبو موسى بن زكريا حدثنا عمرو بن الحصين حدثنا محمد بن عبد الله بن علاثة عن عبدة بن أبي لبابة عن عبد الله بن باباه عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله : ' تنتظر النفساء أربعين ليلة ، فإن رأت الطهر قبل ذلك فهي طاهر وان جاوزت الأربعين فهي بمنزلة المستحاضة تغتسل وتصلي ، فإن غلبها الدم توضأت لكل صلاة ' .
344 - وقد روى حسين بن علوان عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت : ' وقت رسول الله للنفساء أربعين يوما ، إلا أن ترى الطهر قبل فتغتسل و تصلي ، ولا يقربها زوجها في الأربعين ' .
هذه الأحاديث ليس فيها ما يصح .
أما الأول : فلم يروه عن حميد غير سلام الطويل .
قال يحيى ابن معين : لا يكتب حديثه .
وقال النسائي والدارقطني : متروك .
وقال عبد الرحمن بن يوسف بن خراش : كذاب .
قال الدارقطني : وأبو بلال الأشعري : ضعيف .
وعطاء هو ابن عجلان : متروك الحديث .
وعمرو بن الحصين وابن علاثة متروكان .
قال ابن حبان : وكان حسين بن علوان يضع الحديث ، كذبه أحمد ويحيى .
345 - وقد روى أصحابنا عن أبي هريرة أن النبي قال : ' إذا مضى أربعون فهي مستحاضة تغتسل وتصلي ' .
وما أعرف هذا الحديث .
____________________
(1/246)
كتاب الصلاة مسائل الأوقات
مسألة [ 87 ] :
تجب الصلاة بأول الوقت وجوبا موسعا .
وقال الحنفيون : بآخر الوقت .
لنا ما :
346 - قال الدارقطني : وجدت في أصل كتاب أحمد بن عمرو بن جابر بخطه حدثنا علي بن عبد الصمد الطيالسي حدثنا هارون بن سفيان حدثنا عتيق بن يعقوب قال : حدثنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله : ' الشفق الحمرة فإذا غاب الشفق وجبت الصلاة ' .
ز : ' ورواه الدارقطني أيضا موقوفا من قول ابن عمر وهو أشبه .
وقال البيهقي : الصحيح أنه موقوف ( * ) .
مسألة [ 88 ] :
آخر وقت الظهر : إذا صار ظل كل شيء مثله من موضع الزوال .
وقال أبو حنيفة : إذا صار ظل كل شيء مثليه .
وقال مالك : يمتد وقت الإدراك إلى
____________________
(1/247)
غروب الشمس .
لنا أحاديث منها ما :
347 - روى أحمد : أنبأنا عبد الرزاق قال : أنبأنا سفيان بن عبد الرحمن بن الحارث ابن عياش بن أبي ربيعه عن [ حكيم بن حكيم ] ( 1 ) قال : أخبرني نافع بن جبير بن مطعم قال : أخبرني ابن عباس أن النبي قال : ' أمني جبريل عند البيت مرتين .
فصلى بي الظهر في الأولى منهما حين كان الفيء مثل الشراك ، ثم صلى العصر حين كان كل شيء مثل ظله .
ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس وأفطر الصائم .
ثم صلى العشاء حين غاب الشفق .
ثم صلى الفجر حين برق الفجر ، وحرم الطعام على الصائم .
وصلى المرة الثانية الظهر حين كان ظل كل شيء مثله لوقت العصر بالأمس . ثم صلى العصر حين صار ظل كل شيء مثليه .
ثم صلى المغرب لوقته الأول .
والعشاء الأخير حين ذهب ثلث الليل .
ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض .
ثم التفت إلي جبريل فقال : يا محمد ، هذا وقت الأنبياء من قبلك . والوقت فيما بين هذين ' .
348 - قال أحمد : وحدثنا يحيى بن آدم حدثنا ابن المبارك عن حسين بن علي بن حسين قال : حدثني وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله ' أن النبي جاءه جبريل .
فقال : قم فصله . فصلى الظهر حين زالت الشمس .
ثم جاءه العصر فقال : قم فصله . فصلى العصر حين صار ظل كل شيء مثله .
ثم جاءه المغرب فقال : قم فصله . فصلى حين وجبت الشمس . ثم جاءه العشاء فقال : قم فصله
فصلى حين غاب الشفق .
ثم جاءه الفجر فقال : قم فصله . فصلى حين برق الفجر - أو قال : حين سطع الفجر - ثم جاءه من الغد الظهر فقال : قم فصله ، فصلى الظهر حين صار ظل كل شيء مثله . ثم جاءه العصر فقال : قم فصله . فصلى العصر حين صار ظل كل شيء مثليه .
ثم جاءه المغرب وقتا واحدا لم يزل عنه .
ثم جاءه العشاء حين ذهب نصف الليل - أو قال : ثلث الليل - فصلى العشاء .
ثم جاءه الفجر حين أسفر جدا ، فقال : قم فصله .
فصلى الفجر .
____________________
(1/248)
ثم قال : ما بين هذين وقت ' .
قال الترمذي : حديث ابن عباس حديث حسن .
وقال البخاري : أصح حديث في المواقيت حديث جابر .
ز : حديث ابن عباس رواه الإمام أحمد أيضا عن وكيع وأبي نعيم ، عن سفيان عن عبد الرحمن بن الحارث .
ورواه أبو داود عن مسدد ، عن يحيى ، عن سفيان ، عن عبد الرحمن بن فلان ابن أبي ربيعة .
قال أبو داود : هو عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة . ورواه الترمذي عن هناد ، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن عبد الرحمن بن الحارث .
ورواه أبو بكر بن خزيمة في صحيحه عن أحمد بن عبده ، عن مغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث ، وعن بندار و عن سالم بن جنادة ، عن وكيع ، كلاهما عن سفيان بنحوه ( 1 ) .
وعبد الرحمن هو ابن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة تكلم فيه الإمام أحمد وقال : هو متروك الحديث كذا حكاه المؤلف في الضعفاء عن أحمد .
وقال يحيى بن معين : صالح .
وقال ابن نمير : لا أقدم على ترك حديثه .
وقال أبو حاتم : شيخ .
وقال النسائي : ليس بالقوي ووثقه محمد بن سعد وابن حبان وأما حكيم فهو ابن حكيم بن عباد بن حنيف الأنصاري الأوسي المدني ذكره ابن حبان في كتاب الثقات .
وقال محمد بن سعد : كان قليل الحديث لا يحتجون بحديثه .
وأما حديث جابر فرواه الترمذي عن أحمد بن محمد بن موسى .
رواه النسائي عن سويد ( 3 ) .
ورواه أبو حاتم بن حبان البستي عن الحسن بن سفيان ، عن حبان كلهم : عن ابن المبارك .
ورواه الحاكم وصححه .
وحسين بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب يقال له : حسين الأصغر أخو أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين .
وقال النسائي : ثقة .
وذكره ابن حبان في كتاب الثقات .
____________________
(1/249)
مسألة [ 89 ] : للمغرب وقتان .
فالأول : الغروب .
والثاني : إلى غيبوبة الشفق .
وقال مالك والشافعي : وقت واحد .
لنا ستة أحاديث :
349 - الحديث الأول : قال أحمد : حدثنا محمد بن فضيل عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' أن للصلاة أولا وأخرا . وان أول وقت صلاة الظهر : حين تزول الشمس ، وآخر وقتها : حين يدخل وقت العصر . وإن أول وقت العصر : حين يدخل وقتها . وإن آخر وقتها : حين تصفر الشمس .
وإن أول وقت المغرب : حين تغرب الشمس .
وإن آخر وقتها : حين يغيب [ الشفق ] ( 1 ) .
وإن أول وقت عشاء الآخرة : حين يغيب الأفق ، وإن آخر وقتها حين ينتصف الليل . وإن أول وقت الفجر : حين يطلع الفجر ، وإن آخر وقتها حين تطلع الشمس ' .
قالوا : قد قال البخاري : حديث الأعمش عن مجاهد في المواقيت : أصح من حديث ابن فضيل عن الأعمش .
وحديث ابن فضيل خطأ ، أخطأ فيه ابن فضيل وكذلك قال الدارقطني : لا يصح حديث ابن فضيل مسندا ، وهم ابن فضيل في إسناده .
و غيره يرويه عن الأعمش عن مجاهد مرسلا .
قلنا : ابن فضيل ثقة .
فيجوز أن يكون الأعمش قد سمعه من مجاهد مرسلا ، وسمعه من أبي صالح مسندا .
____________________
(1/250)
ز : روى هذا الحديث الترمذي ( 2 ) عن هناد عن ابن فضيل عن الأعمش ، ورواه عن هناد ، عن أبي أسامة ، عن أبي إسحاق الفزاري عن الأعمش ، عن مجاهد قال : كان يقال إن للصلاة أولا وآخرا ، فذكر نحوه وحكى كلام البخاري .
وقال العباس بن محمد الدوري : سمعت يحيى بن معين يضعف حديث محمد بن فضيل ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، أحسب يحيى يريد : أن للصلاة أولا وآخرا .
وقال : إنما يروى عن الأعمش عن مجاهد .
و قال في موضع آخر من التاريخ : حديث الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' أن للصلاة أولا وآخرا ' رواه الناس كلهم عن الأعمش عن مجاهد مرسلا .
350 - الحديث الثاني : قال الترمذي : حدثنا أحمد بن منيع حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال : أتى النبي رجل ، فسأله عن مواقيت الصلاة ؟ فقال : أقم معنا .
فأمر بلالا فأقام فصلى حين طلع الفجر ، ثم أمره فأقام حين زالت الشمس فصلى الظهر .
ثم أمره فأقام فصلى العصر والشمس بيضاء مرتفعة ، ثم أمره بالمغرب حين وقع حاجب الشمس .
ثم أمره بالعشاء .
فأقام حين غاب الشفق ، ثم أمره من الغد ، فنور بالفجر .
ثم أمره بالظهر فأبرد ، وأنعم أن يبرد .
وأمره بالعصر فأقام والشمس آخر وقتها فوق ما كانت ، ثم أمره فأخر المغرب إلى قبيل أن يغيب الشفق ، ثم أمره بالعشاء فأقام حين ذهب ثلث الليل .
ثم قال : ' أين السائل عن مواقيت الصلاة ؟ ' قال الرجل : أنا .
فقال : ' مواقيت الصلاة ما بين هذين ' .
قال الترمذي : هذا حسن صحيح .
ز : رواه مسلم عن زهير بن حرب وغيره ، عن إسحاق الأزرق .
وعن إبراهيم بن محمد بن عرعرة ، عن حرمي بن عمارة ، عن شعبة ، عن علقمة بن مرثد .
ورواه النسائي وابن ماجة أيضا ( 1 ) ( * ) .
351 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : حدثنا أحمد بن العلاء حدثنا يوسف بن موسى حدثنا الفضل بن دكين حدثنا بدر بن عثمان قال حدثنا أبو بكر بن أبي موسى عن أبيه عن النبي قال : أتاه سائل فسأله عن مواقيت الصلاة ؟ فأمر بلالا فأقام - وذكر نحو
____________________
(1/251)
حديث بريدة - وقال : ' الوقت ما بين هذين ' .
انفرد بإخراجه مسلم ( 1 ) .
352 - الحديث الرابع : قال أحمد : حدثنا عبد الصمد حدثنا همام حدثنا قتادة عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو عن النبي أنه قال : ' وقت الظهر : إذا زالت الشمس ، وكان ظل كل شيء كطوله ، ما لم يحضر العصر .
ووقت العصر : ما لم تصفر الشمس .
ووقت المغرب : ما لم يغرب الشفق .
ووقت العشاء : إلى نصف الليل الأوسط .
ووقت الفجر : من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس ' .
انفرد بإخراجه مسلم
ز : في بعض ألفاظ مسلم : ووقت صلاة المغرب إذا غابت مالم يسقط الشفق وفي لفظ ووقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق ( 1 ) ( * ) .
353 - الحديث الخامس : قال أحمد : حدثنا سفيان عن الزهري عن أنس عن النبي قال : ' إذا حضر العشاء ، فأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء ' .
354 - طريق آخر : قال البخاري : حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس بن مالك : أن رسول الله قال : ' إذا قدم العشاء فابدءوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب . ولا تعجلوا عن عشائكم ' .
أخرجاه في الصحيحين .
355 - الحديث السادس : وقال البخاري : حدثنا عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله : ' إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء .
ولا يعجل حتى يفرغ منه ' .
وكان ابن عمر يوضع له الطعام وتقام الصلاة فلا يأتيها حتى يفرغ .
وأنه ليسمع قراءة الإمام .
أخرجاه في الصحيحين وأخرجه مسلم .
____________________
(1/252)
الأخيرة .
ز : هذا إسناد ضعيف ، فإن عمر بن حبيب هو العدوي القاضي ، وقد كذبه يحيى بن معين في رواية وضعفه في أخرى .
وقال البخاري : يتكلمون فيه . وقال النسائي : ضعيف .
وقال ابن عدي : هو حسن الحديث يكتب حديثه مع ضعفه وقال ابن حبان : لا يجوز الاحتجاج به . وقال عبد الله بن عبد المؤمن الواسطي : محله الصدق وقد روى عنه ابن ماجة وذكره ابن حبان في الثقات .
وأحمد بن الوليد ذكره الخطيب في تاريخه ، وقال : كان صدوقا ( * ) .
واللفظ الرابع صريح فيه حجتهم :
754 - قال الإمام أحمد : أنبأ عبد الرزاق قال : أنبأ أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس بن مالك ، قال : ما زال رسول الله يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا .
755 - وقال الحافظ أبو بكر الخطيب : أنبأ عبد الله بن يحيى البكري قال : أنبأ جعفر ابن محمد بن أحمد الواسطي ، قال : ثنا موسى بن إسحاق قال ثنا يحيى بن بشر ، ثنا جعفر الأحمر عن عيسى بن ماهان عن الربيع بن أنس ، قال كنت عند أنس بن مالك فجاء رجل فقال : ما تقول في القنوت ؟ فبدره رجل فقال : قنت رسول الله حتى قبضه الله عز وجل .
756 - قال الخطيب : أنبأ أبو القاسم الأزهري ، أنبأ القاضي أبو محمد عبد الله بن محمد بن عتبة ، أنبأ أبو بكر بن زياد النيسابوري ، ثنا أحمد بن يوسف السلمي ، ثنا عبيد الله ابن موسى ح وأنا البرقاني ، أنا إبراهيم بن محمد المزكي ، أنا محمد بن محمد الأزهر ، ثنا أبو رحمة محمد بن يوسف ، ثنا عبد الرزاق أنا سفيان ، ثنا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس عن أنس : أن رسول الله قنت شهرا يدعو عليهم ثم تركه ، وأما في الصبح فلم يزل يقنت
____________________
(1/252)
احتجوا بأحاديث :
356 - أحدها : حديث ابن عباس ' ثم صلى المغرب لوقته الأول ' وقد سبق إسناده .
357 - والثاني : حديث جابر : وهو مثل حديث ابن عباس .
وقد ذكرناه ، وفيه ' ثم جاءه المغرب في المرة الثانية حين غابت الشمس وقتا واحدا ' .
358 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : حدثنا ابن صاعد حدثنا حميد بن الربيع حدثنا محبوب بن الجهم حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله : ' أتاني جبريل حين طلع الفجر - فذكر الحديث - وقال في المغرب : ثم أتاني حين سقط القرص .
فقال : قم فصل . ثم أتاني من الغد حين سقط القرص ، فقال : قم فصل ' .
359 - قال الدارقطني : وحدثنا عثمان بن أحمد بن السماك الدقاق حدثنا أحمد بن علي الخزاز حدثنا سعيد بن سليمان سعدويه حدثنا أيوب بن عتبة حدثنا أبو بكر بن عمرو ابن حزم عن عروة بن الزبير عن ابن أبي مسعود عن أبيه إن شاء الله : أن جبريل أتى النبي حين دلكت الشمس يعني زالت - ثم ذكر المواقيت - وقال : ثم أتاه من الغد حين غابت الشمس وقتا واحدا ، فقال : قم فصل .
360 - قال الدارقطني : حدثنا أبو حامد محمد بن هارون الحضرمي حدثنا الحسين ابن حريث المروزي حدثنا الفضل بن موسى السيناني حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' هذا جبريل يعلمكم دينكم فصلى - وذكر حديث المواقيت - وقال فيه : ثم صلى المغرب حين غربت الشمس .
وكذلك صلاها في اليوم الثاني ' .
361 - قال أحمد : حدثنا إسحاق بن عيسى حدثنا ابن لهيعة حدثنا بكير بن عبد الله الأشج عن عبد الملك بن سعيد بن سويد الساعدي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله : ' أمني جبريل - فذكر الحديث ، وفيه - وصلى المغرب حين غابت الشمس في اليومين ' .
____________________
(1/253)
362 - قال أحمد : وحدثنا قتيبة قال حدثنا عبد الله بن لهيعة عن يزيد ابن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران عن أبي أيوب الأنصاري قال : سمعت رسول الله يقول : ' بادروا بصلاة المغرب قبل طلوع النجم ' .
363 - قال أحمد : وحدثنا إسماعيل أنبأنا محمد ابن أسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني قال : قدم علينا أبو أيوب غازيا ، وعقبة بن عامر يومئذ على مصر .
فأخر المغرب ، فقام إليه أبو أيوب ، فقال ما هذه الصلاة يا عقبة ؟ قال : شغلنا .
قال : أما والله ما بي إلا أن يظن الناس أنك رأيت رسول الله يصنع هذا .
أما سمعت رسول الله يقول : ' لا تزال أمتي بخير - أو على الفطرة - ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم ؟ ' .
والجواب عن هذه الأحاديث :
أنه قد طعن في أكثرها .
ففي إسناد حديث ابن عمر : حميد ابن الربيع .
قال يحيى هو كذاب .
وقال النسائي : ليس بشيء .
وفيه محبوب ابن الجهم .
قال أبو حاتم بن حبان : يروي عن عبيد الله بن عمر الأشياء التي ليست من حديثه .
وفي حديث ابن مسعود : أيوب ابن عتبة .
قال يحيى : ليس بشيء .
وقال النسائي : مضطرب الحديث .
وقال علي بن الجنيد : شبه المتروك .
وفي حديث أبي سعيد وأبي أيوب : ابن لهيعة .
وهو ذاهب الحديث .
وفي طريقه الثاني : ابن إسحاق .
وقد كذبه مالك .
ثم قد أجاب أصحابنا بثلاثة أجوبة :
أحدها أن جبريل إنما أمر رسول الله بمكة .
والنبي فعل ما فعل بالمدينة .
وإنما يؤخذ بالآخر من أمره .
والثاني : أن أخبارنا أصح وأكثر رواة .
والثالث أن فعله للمغرب في وقت واحد لا يدل على أنه لا وقت لها غيره ، ألا ترى أنه صلى به العصر قبل اصفرار الشمس .
ولم يدل ذلك على أنه لا وقت لها غيره ؟ وأما أمره بالمبادرة إلى المغرب : فلأجل الفضيلة .
____________________
(1/254)
ز : حديث أبي هريرة رواه النسائي .
وفي إسناده محمد ابن عمرو ، وليس بالقوي .
رواه الحاكم وقال : على شرط مسلم .
وحديث مرثد بن عبد الله رواه أبو داود ، وأبو بكر ابن خزيمة ، والحاكم أيضا وقال : على شرط مسلم .
وابن إسحاق صدوق والمؤلف يحتج به في غير موضع .
وقد روى ابن ماجة بإسناده عن العباس بن عبد المطلب قال : قال رسول الله : ' لا تزال أمتي على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم ' .
ورواه الحاكم وصححه .
وقد روى عبد الله ابن أحمد قال : حدثني أبي ، ثنا هارون بن معروف .
قال عبد الله : وسمعته أنا من هارون ، أنا ابن وهب ، حدثني عبد الله بن الأسود القرشي ، أن يزيد بن خصيفة ، حدثه عن السائب بن يزيد : أن رسول الله قال : ' لا تزال أمتي على الفطرة ما صلوا المغرب قبل طلوع النجوم ' .
ورواه الطبراني عن يحيى بن عثمان عن صالح ، عن أصبغ بن الفرج عن ابن وهب .
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سألت أبي عن عبد الله بن الأسود القرشي قال : شيخ لا أعلم روى عنه غير ابن وهب ( * ) .
مسألة [ 90 ] :
الشفق الذي تجب بغيبوبته العشاء هو الحمرة .
وقال أبو حنيفة : هو البياض .
____________________
(1/255)
لنا : حديث ابن عمر ' الشفق الحمرة ' وقد سبق بإسناده .
وفي الأحاديث المتقدمة : ' صلى العشاء حين غاب الشفق ' والمراد : الحمرة .
فإن قالوا : ففي بعض الأحاديث المتقدمة أن النبي صلى العشاء حتى اسود الأفق .
قلنا : ذاك عند غيبوبة الحمرة .
وهو أول الاسوداد .
مسألة [ 91 ] :
التغليس بالفجر أفضل إذا أجتمع الجيران .
وقال أبو حنيفة : الإسفار أفضل .
لنا : طريقان في الدليل :
أحدهما : يدل على فضيلة تقديم الصلاة في أول وقتها عموما .
و الثاني : يخص التغليس بالفجر .
364 - أما الأول : فروي أحمد : حدثنا عفان حدثنا شعبة أخبرني الوليد بن العيزار قال : سمعت أبا عمرو الشيباني قال : حدثنا صاحب هذه الدار - وأشار إلى دار عبد الله - ولم يسمه قال : سألت رسول الله : أي العمل أحب إلى الله عز وجل ؟ قال : ' الصلاة على وقتها ' .
قلت : ثم أي ؟ قال ثم بر الوالدين ' .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
____________________
(1/256)
365 - قال أحمد : وحدثنا يونس قال حدثنا ليث عن عبد الله بن عمر بن حفص عن القاسم بن غنام عن جدته أم أبيه الدنيا عن جدته أم فروة أنها سمعت رسول الله يقول : ' إن أحب العمل إلى الله عز وجل : تعجيل الصلاة لأول وقتها ' .
ز : حديث أم فروة رواه محمد بن عبد الله الخزاعي ، والقعنبي ، والفضل ابن موسى ، ووكيع ، وأبو نعيم ، عن عبد الله بن عمر العمري ، عن القاسم بن غنام .
ورواه الليث ابن سعد ، وقزعة بن سويد ، عن عبد الله بن عمر العمري ، عن القاسم بن غنام فقد حدث به عبد الله وعبيد الله كما نذكره عن الدارقطني فيما يأتي ( * ) .
366 - وقال الترمذي : حدثنا أحمد بن منيع حدثنا يعقوب بن الوليد عن عبد الله ابن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله : ' الوقت الأول من الصلاة : رضوان الله ، والوقت الآخر : عفو الله ' .
367 - وقال أحمد : حدثني قتيبة قال حدثنا الليث عن خالد بن زيد عن سعيد بن أبي هلال عن إسحاق بن عمر عن عائشة قالت : ' ما صلى رسول الله صلاة لوقتها الآخر مرتين حتى قبضه الله عز وجل ' .
ورواه الدارقطني فقال : ' إلا مرتين ' ، وفي لفظ عن عائشة : ' ما صلى رسول الله الصلاة لوقتها الآخر حتى قبضه الله عز وجل ' .
368 - قال [ الدارقطني : حدثنا عثمان ] ( 1 ) بن [ أحمد ] ( 2 ) السماك الدقاق حدثنا الحسين بن حميد قال حدثني فرج ابن عبيد المهلبي حدثنا عبيد ابن القاسم عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله قال : قال رسول الله : ' أول الوقت : رضوان الله وآخر الوقت : عفو الله ' .
قال ابن السماك وثنا علي بن إبراهيم بن زكريا ثنا إبراهيم بن عبد الملك بن أبي محذورة حدثني أبي عن جدي قال : قال رسول الله : ' أول الوقت رضوان الله ، ووسط الوقت رحمة الله ، وآخر الوقت عفو الله ' .
____________________
(1/257)
الاعتماد على الحديث الأول ، وفي باقي الأحاديث مقال .
أما حديث أم فروة : فإنه لا يرويه إلا العمري ، وقد اضطرب فيه :
فرواه عن القاسم بن غنام عن عمته أم فروة ، والعمري ضعيف .
ضعفه يحيى وغيره .
ويمكن أن يقال : فقد روي عن يحيى أنه قال في روايته : ليس به بأس يكتب حديثه .
وقال أحمد بن حنبل : هو صالح .
وأما حديث ابن عمر : ففيه العمري أيضا ، وقد قلنا فيه وفيه يعقوب بن الوليد : قال أحمد : كان من الكذابين الكبار ، يضع الحديث .
وقال أبو داود : غير ثقة .
وقال النسائي : متروك الحديث .
وقال ابن حبان : يضع الحديث على الثقات ، لا يحل كتب حديثه إلا على التعجب .
وأما حديث عائشة : فقال الدارقطني : ليس إسناده بمتصل .
وأما حديث جرير : ففيه الحسين بن حميد .
قال مطين : هو كذاب بن كذاب .
وأما حديث أبي محذورة : ففيه إبراهيم بن زكريا .
قال أبو حاتم الرازي : هو مجهول ، والحديث الذي رواه منكر .
وقال ابن عدي : حدث عن الثقات بالأباطيل .
وسأل أحمد عن هذا الحديث ' أول الوقت رضوان الله ' ؟ فقال : من روى هذا ؟ ليس هذا يثبت .
ز : عن عبد الله بن عمر القاسم بن غنام ، عن أهل بيته ، عن جدته أم فروة : أنها سمعت رسول الله وسأله رجل عن أفضل الأعمال - فقال رسول الله : ' الصلاة لأول وقتها ' هكذا رواه الإمام أحمد .
ورواه أبو داود وعنده : عن القاسم بن غنام عن بعض أمهاته عن أم فروة .
وفي رواية الترمذي عن القاسم ، عن عمته أم فروة .
ولم يقل عن بعض أمهاته .
وقال : لا يروى إلا من حديث العمري وليس بالقوي في الحديث واضطربوا في هذا الحديث .
كذا قال الترمذي وفيه نظر .
وقد رواه قزعة بن سويد وغيره ، عن عبيد الله ابن عمر ، عن القاسم بن غنام ، عن بعض أمهاته ، عن أم فروة ، وقد تقدم ذلك .
وقال أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني : ثنا أبو طالب الحافظ ، ثنا يحيى بن عثمان ابن صالح ، ثنا علي بن معبد ، ثنا يعقوب بن الوليد ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ،
____________________
(1/258)
عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله : ' خير الأعمال الصلاة في أول وقتها ' .
كذا رواه الحافظ محمد بن عبد الواحد في كتاب المختارة من طريق الدارقطني في ترجمة عبيد الله بن عمر عن نافع ثم قال : سئل عنه الدارقطني ، فقال : رواه محمد بن حمير الحمصي ، عن عبيد الله عن نافع ، عن ابن عمر .
وقيل عنه عن عبد الله بن عمر أخي عبيد الله بن عمر ، عن نافع عن ابن عمر ، وهو وهم .
والمحفوظ عن عبيد الله .
وعن عبيد الله عن القاسم بن غنام عن جدته عن أم فروة عن النبي .
وروى حديث إسحاق بن عمر عن عائشة : الترمذي .
وقال : غريب وليس إسناده بمتصل .
وقال البيهقي : هو مرسل ، إسحاق بن عمر لم يدرك عائشة وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم عن أبيه : إسحاق بن عمر روى عن موسى بن وردان روى عنه سعيد بن أبي هلال مجهول .
وأما حديث أبي محذورة : فرواه أبن عدي : ثنا محمد بن أحمد بن أبي مقاتل ، ثنا إبراهيم بن زكريا ثنا إبراهيم بن محمد بن أبي محذورة مؤذن مسجد مكة ، قال : حدثني أبي ، عن جدي ، قال : قال رسول الله : ' أول الوقت رضوان الله وأوسط الوقت رحمة الله وآخر الوقت عفو الله ' .
كذا قال إبراهيم بن محمد بن أبي محذورة .
وفي طريق الدارقطني إبراهيم بن عبد الملك بن أبي محذورة ، وهو أشبه بالصواب .
وقال البيهقي : هو إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة مشهور .
وأما الطريق الثاني :
369 - فروى أحمد : حدثنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة ' أن نساء من المؤمنات كن يصلين [ الصبح ] ( 1 ) مع رسول الله متلففات بمروطهن ثم يرجعن إلى أهلهن ، ما يعرفهن أحد من الغلس ' .
370 - قال أحمد : وحدثنا محمد بن جعفر حدثنا عوف عن أبي المنهال عن أبي برزة قال : ' كان رسول الله ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف أحدنا جليسه ' .
____________________
(1/259)
الحديثان في الصحيحين .
371 - قال الدارقطني : حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري حدثنا الربيع بن سليمان قال حدثنا عبد الله بن وهب قال أخبرني أسامة بن زيد أن ابن شهاب أخبره أن عمر بن عبد العزيز كان قاعدا على المنبر فأخر صلاة العصر شيئا .
فقال عروة بن الزبير : أما إن جبريل قد أخبر محمد بوقت الصلاة .
[ فقال له عمر : اعلم ما تقول .
قال عروة ] ( 1 ) : سمعت بشير بن أبي مسعود يقول : سمعت أبا مسعود الأنصاري يقول : سمعت رسول الله يقول : ' نزل جبريل .
فأخبرني بوقت الصلاة ، فصليت معه : ثم صليت معه ، ثم صليت معه - يحسب بأصابعه خمس صلوات - فرأيت رسول الله يصلي الظهر حين تزول الشمس ، وربما أخرها حين يشتد الحر .
ورأيته يصلي العصر والشمس مرتفعة بيضاء ، [ قبل أن تدخلها الصفرة ] فينصرف الرجل من الصلاة ، فيأتي ذا الحليفة قبل غروب الشمس .
ويصلي المغرب حين تسقط الشمس .
ويصلي العشاء حين يسود الأفق .
[ وربما أخرها حتى يجتمع الناس - قال الربيع : سقط من كتابي حتى تسقط ] ( 1 ) وصلى الصبح مرة بغلس .
ثم صلى مرة أخرى فأسفر ، ثم كانت صلاته بعد ذلك بالغلس حتى مات ، ثم لم يعد إلى أن يسفر ' .
ز : ورواه أبو داود ( 1 ) من رواية أسامة بن زيد الليثي ، عن ابن شهاب .
قال أبو داود : روى هذا الحديث عن الزهري : معمر ، ومالك ، وابن عيينة وشعيب بن أبي حمزة ، والليث بن سعد ، وغيرهم ، لم يذكروا الوقت الذي صلى فيه ولم يفسروه .
وأسامة ابن زيد الليثي قال أبو طالب عن أحمد بن حنبل : تركه يحيى بن سعيد بآخره .
وقال الأثرم عن أحمد : ليس بشيء .
وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه : روى عن نافع أحاديث مناكير .
واختلفت الرواية فيه عن يحيى بن معين ، فقال مرة ثقة صالح .
وقال مرة : ليس به بأس . وقال مرة : ثقة حجة . وقال مرة : ترك حديثه بآخره .
وقال أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به .
وقال النسائي ، والدارقطني : ليس بالقوي .
وقال ابن عدي : ليس بحديثه بأس .
وروى له مسلم في صحيحه .
أما حجتهم :
____________________
(1/260)
372 - فروى الترمذي : حدثنا هناد حدثنا عبدة عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج قال : سمعت رسول الله يقول : ' أسفروا بالفجر . فأنه أعظم للأجر ' .
373 - طريق آخر : قال أحمد : حدثنا سفيان عن ابن عجلان عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج عن النبي قال : ' أصبحوا بالصبح .
فأنه أعظم لأجوركم ، أو أعظم للأجر ' .
قال الترمذي : هذا حديث صحيح .
وهو محمول على ما إذا تأخر الجيران .
ز : ورواه الأمام أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجة ، والنسائي ( 1 ) ، وأبو حاتم بن حبان البستي ، بطرق عن ابن إسحاق وابن عجلان . ورواه الإمام أحمد أيضا عن يزيد بن هارون ، عن ابن إسحاق ، عن ابن عجلان ، فيحتمل أن يكون : وابن عجلان .
كما رواه النعمان بن عبد السلام عن سفيان عن محمد بن إسحاق ومحمد بن عجلان عن عاصم .
ويحتمل أن يكون محمد ابن إسحاق أنما سمعه من ابن عجلان وكان يدلسه والله أعلم .
وقال النسائي : أخبرني إبراهيم بن يعقوب ، حدثني ابن أبي مريم ثنا أبو غسان ، قال : حدثني زيد بن أسلم ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن محمود بن لبيد ، عن رجال من قومه من الأنصار : أن رسول الله قال : ' ما أسفرتم بالصبح فإنه أعظم للأجر ' .
هذا إسناده صحيح .
وابن أبي مريم هو سعيد .
وأبو غسان هو محمد بن مطرف المدني ( * ) .
مسألة [ 92 ] :
إذا تأخر الجيران فالإسفار بالصبح أفضل .
وقال الشافعي : الأفضل التقديم .
____________________
(1/261)
وقد استدل أصحابنا بما :
374 - روى سعيد الأموي في المغازي بإسناده أن النبي لما بعث معاذا إلى اليمن قال له : ' إذا كان الشتاء فصل الفجر في أول وقتها ثم أطل القراءة ، وإذا كان في الصيف فأسفر بالصبح ، فان الليل قصير والناس ينامون ' ( 1 ) .
مسألة [ 93 ] :
يستحب تعجيل الظهر في غير يوم الغيم .
وقال مالك : يستحب أن يؤخر حتى يصير الفيء ذراعا .
لنا حديثان :
375 - الحديث الأول : قال أحمد : حدثنا محمد ابن جعفر حدثنا عوف عن أبي المنهال قال : قال لي أبي : انطلق إلى أبي برزة ، فانطلقت معه ، فسأل أبي : كيف كان رسول الله يصلي المكتوبة ؟ قال : ' كان يصلي الهجير - التي تدعونها الأولى - حين تدحض الشمس . وكان يصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى رحله والشمس حية ' .
أخرجاه في الصحيحين .
376 - الحديث الثاني : قال الترمذي : حدثنا هناد حدثنا وكيع عن سفيان عن حكيم ابن جبير عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت : ما رأيت أحدا أشد تعجيلا للظهر من
____________________
(1/262)
رسول الله وأبي بكر وعمر .
حكيم بن جبير مضطرب الحديث .
ضعفه أحمد ويحيى والنسائي .
مسألة [ 94 ] :
تعجيل العصر أفضل .
وقال أبو حنيفة : تأخيرها أفضل ، ما لم تصفر الشمس .
لنا ثلاثة أحاديث :
أحدها : حديث أبي برزة وقد تقدم .
والثاني : حديث أنس .
377 - قال أحمد : حدثنا عبد الرزاق قال : حدثنا معمر عن الزهري قال : أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله كان يصلي العصر .
فيذهب أحدنا إلى العوالي والشمس مرتفعة .
قال الزهري : والعوالي : على ميلين من المدينة .
وثلاثة .
وأحسبه قال : وأربعة .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
378 - طريق آخر : قال الدارقطني : أنبأنا القاضيان أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل وأبو عمر محمد بن يوسف قالا : أنبأنا عبد الله بن شبيب قال : حدثنا أيوب بن سليمان قال : حدثنا أبو بكر بن أبي أويس قال : حدثني سليمان بن بلال قال حدثنا صالح ابن كيسان عن حفص بن عبيد الله عن أنس بن مالك قال : صليت مع رسول الله العصر .
فلما انصرف قال رجل من بني سلمة : يا رسول الله ، إن عندي جزورا أريد أن
____________________
(1/263)
أنحرها ، فأحب أن تحضر ، فأنصرف رسول الله وانصرفنا ، فنحرت الجزور وصنع لنا منها .
فطعمنا منها قبل أن تغيب الشمس .
وكنا نصلي العصر مع رسول الله فيسير الراكب ستة أميال قبل أن تغيب الشمس .
ز : عبد الله بن شبيب ضعفه غير واحد .
لكن قد روى الحديث مسلم بمعناه في الصلاة عن عمرو ابن سواد ، ومحمد بن سلمة ، وأحمد بن عيسى ، ثلاثتهم عن ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن موسى بن سعد ، عن حفص بن عبيد الله ( * ) .
379 - الحديث الثالث : قال أحمد : حدثنا أبو المغيرة عن الأوزاعي قال : حدثني أبو النجاشي قال حدثنا رافع بن خديج قال : كنا نصلي مع النبي صلاة العصر ، ثم تنحر الجزور فتقسم عشر قسم ، ثم تطبخ فنأكل لحما نضيجا قبل أن تغيب الشمس ' .
أخرجاه في الصحيحين .
واسم أبي النجاشي : عطاء بن صهيب وهو ثقة .
380 - قال الدارقطني : حدثني أبي حدثنا محمد بن أبي بكر قال : حدثنا عبد السلام ابن عبد الحميد حدثنا موسى بن أعين عن الأوزاعي عن أبي النجاشي قال : سمعت رافع بن خديج يقول : قال رسول الله : ' ألا أخبركم بصلاة المنافق ؟ أن يؤخر العصر حتى إذا كانت كثرب البقرة صلاها ' .
احتج الخصم بحديث وأثر :
381 - قال الدارقطني : حدثنا الحسين بن إسماعيل وأحمد بن علي بن العلاء قالا : حدثنا أحمد بن المقدام حدثنا أبو عاصم حدثنا عبد الواحد بن نافع قال : دخلت مسجد المدينة .
فأذن مؤذن بالعصر ، وشيخ جالس فلامه ، وقال : إن أبي أخبرني أن رسول الله كان يأمر بتأخير هذه الصلاة .
فسألت عنه ؟ فقالوا : هذا عبد الله بن رافع بن خديج .
ز : قال البيهقي بعد أن ذكره حديث أبي النجاشي عن رافع بن خديج : وهذه الرواية
____________________
(1/264)
الصحيحة عن رافع بن خديج تدل على خطأ ما رواه عبد الواحد أو عبد الحميد بن نافع أو نفيع الكلابي عن ابن رافع بن خديج عن أبيه : أن رسول الله كان يأمر بتأخير العصر .
وهو مختلف في أسمه وأسم أبيه ، واختلف عليه في اسمه ابن رافع فقيل فيه عبد الله وقيل عبد الرحمن .
قال البخاري : لا يتابع عليه واحتج على خطئه بحديث أبي النجاشي عن رافع .
وقال أبو الحسن الدارقطني - فيما أخبرنا أبو بكر بن الحارث عنه : هذا حديث ضعيف الإسناد والصحيح عن رافع وغيره ضد هذا ( * ) .
382 - قال الدارقطني : وأخبرنا أبو بكر الشافعي قال : حدثنا محمد بن شاذان حدثنا معلى بن منصور حدثنا عبد الرحيم بن سليمان حدثنا الشيباني عن العباس بن ذريح عن زياد بن عبد الله النخعي قال : كنا جلوسا مع علي رضي الله عنه في المسجد الأعظم [ والكوفة يومئذ أخصاص ] ( 1 ) فجاءه المؤذن ، فقال : الصلاة يا أمير المؤمنين للعصر .
فقال : اجلس .
فجلس ، ثم عاد ، فقال ذلك له .
فقال علي : هذا الكلب يعلمنا السنة ؟ ! فقام علي فصلى العصر ، ثم انصرفنا فرجعنا إلى المكان الذي كنا فيه جلوسا .
فجثونا للركب لنزول الشمس للمغيب نتراءاها .
والجواب : أما الحديث : فقال الدارقطني : ابن رافع ليس بالقوي ولم يروه عنه غير عبد الواحد ، ولا يصح هذا الحديث عن رافع .
ولا عن غيره من الصحابة .
قلت : وقال أبو حاتم بن حبان : عبد الواحد يروي عن أهل الحجاز المقلوبات ، وعن أهل الشام الموضوعات ، لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل القدح فيه .
وأما الأثر : فقال الدارقطني : زياد بن عبد الله النخعي مجهول ، لم يرو عنه غير العباس بن ذريح .
ز : حديث زياد بن عبد الله النخعي رواه الحاكم عن محمد بن أحمد بن بالويه الجلاب عن محمد بن شاذان الجوهري .
وقال صحيح .
وسئل عنه الدارقطني في العلل ، فقال : رواه إسحاق بن أبي إسحاق الشيباني عن أبيه بهذا الإسناد ، وقال يعلمنا بالصلاة ، ولم يقل : بالسنة ( * ) .
____________________
(1/265)
مسألة [ 95 ] :
الصلاة الوسطى : العصر : وهو قول علي ، وأبي بن كعب ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وابن عباس ، وأبي سعيد ، وعبد الله بن عمرو ، وأبي هريرة وسمرة ، وعائشة ، وحفصة ، وأم سلمة وجمهور التابعين .
وقال مالك والشافعي : الفجر .
383 - قال أحمد : حدثنا عفان حدثنا همام أنبأنا قتادة عن أبي حسان عن عبيدة السلماني عن علي أن النبي قال يوم الأحزاب : ' ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا ، كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس ' .
384 - قال أحمد : وحدثنا أبو معاوية قال : حدثنا الأعمش عن مسلم بن صبيح عن شتير بن شكل عن علي قال : قال رسول الله يوم الأحزاب : ' شغلونا عن الصلاة الوسطى - صلاة العصر - ملأ الله بيوتهم وقلوبهم نارا . ثم صلاها بين العشائين ' .
انفرد بإخراج هذا مسلم .
واتفقا على الذي قبله .
385 - أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك أنبأنا أحمد بن محمد بن إبراهيم حدثنا إسماعيل بن الحسن الصرصري حدثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي حدثنا يوسف حدثنا وكيع حدثنا سفيان الثوري عن عاصم بن أبي النجود عن زر أن عبيدة سأل عليا عن الصلاة الوسطى ؟ فقال : كنا نعدها الفجر حتى سمعنا النبي يقول يوم الأحزاب : ' شغلونا عن الصلاة الوسطى - صلاة العصر - ملأ الله قبورهم وأجوافهم نارا ' .
____________________
(1/266)
ز : إسناد هذا الحديث قوي وقد رواه بمعناه النسائي ، وابن ماجة وعبد الله بن أحمد فيما زاده في مسند أبيه عن غيره ( * ) .
386 - وقال أحمد : حدثنا خلف بن الوليد قال : حدثنا محمد بن طلحة عن زبيد عن مرة عن ابن مسعود قال : حبس المشركون رسول الله عن صلاة العصر ، حتى اصفرت ، أو احمرت الشمس ، فقال : ' شغلونا عن الصلاة الوسطى .
ملأ الله أجوافهم وقبورهم - أو حشا الله أجوافهم وقبورهم - نارا ' .
انفرد بإخراجه مسلم .
ز : وروى سمرة بن جندب عن النبي أنه قال في الصلاة الوسطى : ' صلاة العصر ' .
رواه الإمام أحمد والترمذي .
وقال : قال محمد - يعني البخاري : قال علي بن عبد الله - هو ابن المديني - حديث الحسن عن سمرة حديث صحيح ، وقد سمع منه .
وقال الترمذي : حديث سمرة في صلاة الوسطى حديث حسن صحيح .
ورواه الإمام أحمد قال : ' صلاة الوسطى صلاة العصر ' .
وفي رواية له : أن النبي سئل عن صلاة الوسطى قال : ' هي صلاة العصر ' .
وفي لفظ له أن نبي الله قال : ' حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ' .
وسماها لنا : أنها هي صلاة العصر .
وعن ابن مسعود قال : قال رسول الله : ' صلاة الوسطى صلاة العصر ' .
رواه الترمذي وقال : حديث صحيح ( * ) .
احتجوا بما :
387 - قال مسلم بن الحجاج : حدثنا يحيى بن يحيى قال : قرأت على مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن القعقاع بن حكيم عن أبي يونس مولى عائشة قال : أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفا .
ثم قالت : إذا بلغت هذه الآية فآذني ( 228 : 2 ) ( ^ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) فلما بلغتها آذنتها ، فأملت علي : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر ، وقوموا لله قانتين .
وقالت عائشة : سمعتها من رسول الله .
____________________
(1/267)
388 - قال مسلم : حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أنبأنا يحيى بن آدم حدثنا الفضيل بن مرزوق عن شقيق عن عقبة عن البراء بن عازب قال : نزلت هذه الآية ( ^ حافظوا على الصلوات و الصلاة العصر ) فقرأناها ما شاء الله عز وجل .
ثم نسخها .
فنزلت ( ^ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) فقال رجل كان جالسا عند شقيق : فهي إذن صلاة العصر ؟ فقال البراء : قد أخبرتك كيف نزلت وكيف نسخها الله تعالى .
انفرد بإخراج الحديثين مسلم .
وهما حجة لنا ؛ لأنها هي الوسطى ، وهي العصر .
مسألة [ 96 ] :
يستحب تأخير العشاء .
خلافا لأحد قولي الشافعي .
389 - قال أحمد : حدثنا سفيان عن عمرو عن عطاء وابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أن رسول الله أخر العشاء حتى ذهب من الليل ما شاء الله ، فقال له عمر : يا رسول الله ، نام النساء والولدان .
فخرج فقال : ' لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يصلوها هذه الساعة ' .
390 - وقال أحمد : حدثنا محمد بن جعفر حدثنا عوف عن أبي المنهال عن أبي برزة قال : كان رسول الله ' يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة ' .
____________________
(1/268)
391 - وقال أحمد : حدثنا حسين بن محمد حدثنا أيوب بن جابر عن سماك عن جابر بن سمرة قال : كان رسول الله يؤخر العتمة .
انفرد بإخراج هذا الحديث مسلم .
واتفقا على الحديثين قبله .
392 - قال أحمد : حدثنا ابن أبي عدي عن داود عن أبي نضرة عن أبي سعيد .
قال : انتظرنا رسول الله ليلة لصلاة العشاء حتى ذهب نحو من شطر الليل ، فجاء فصلى ، وقال : ' لولا ضعف الضعيف ، وسقم السقيم ، وحاجة ذي الحاجة ، لأخرت هذه الصلاة إلى شطر الليل ' .
ز : هذا حديث صحيح رواه أبو داود ، وابن ماجة ، والنسائي ، وابن خزيمة في صحيحه ( 1 ) .
وسئل عنه الدارقطني فقال : يرويه داود بن أبي هند ، واختلف عنه : فرواه هشيم ، وخالد ، وابن أبي عدي ، وبشر بن المفضل ، وعلي بن مسهر ، وعبد الوارث ، وإبراهيم بن طهمان ، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، ومحمد بن سعيد الأموي - أخو يحيى وهم أربع أخوة : عبيد الله ومحمد ويحيى وعبد الله كلهم ثقات - عن داود عن أبي نضرة عن أبي سعيد .
وخالفهم أبو معاوية الضريرة فرواه عن داود ، عن أبي نضرة ، عن جابر ، والصحيح عن أبي سعيد .
وقد رواه ابن حبان من رواية أبي معاوية ، عن داود ، عن أبي نضرة عن جابر ( * ) .
393 - وقال الترمذي : حدثنا هناد حدثنا عبدة عن عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال : قال النبي : ' لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل ، أو نصفه ' .
قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .
احتجوا بحديث أبي مسعود الأنصاري : كان رسول الله يصلي العشاء حين يسود الأفق ، وقد سبق بإسناده .
____________________
(1/269)
واحتجوا بما :
394 - قال الترمذي : حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن بشير بن ثابت عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير قال : ' أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة - يعني العشاء - كان رسول الله يصليها لسقوط القمر لثالثة ' . ز : وروى هذا الحديث ابن ماجة والإمام أحمد ( 1 ) وعنده : ' ولأخرت عشاء الآخرة إلى ثلث الليل الأول ' .
ورواه الإمام أحمد وأبو داود ، والنسائي ، وقد رواه جرير عن رقبة ، عن أبي بشر ، عن حبيبة فأسقط بشيرا ، تابعة هشيم عن أبي بشير وقال الترمذي : حديث أبي عوانة أصح ( * ) .
والجواب : أن أحاديثنا أصح وأكثر .
وأنما كان يفعل ذلك لأجل الضعيف والسقيم ، والكلام في الأفضل .
____________________
(1/270)
مسائل الأذان
مسألة [ 97 ] :
الأذان فرض على الكفاية .
خلافا لأكثرهم .
395 - قال أحمد : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا أيوب عن أبي قلابة عن مالك ابن الحويرث قال : أتينا رسول الله ، فأقمنا عنده عشرين ليلة ، وكان رفيقا رحيما ، فظن أنا قد اشتقنا إلى أهلينا .
فقال : ' ارجعوا إلى أهليكم . وليؤذن لكم أحدكم ، ثم ليؤمكم أكبركم ' .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 )
مسألة [ 98 ] :
لا يستحب الترجيع في الأذان .
وقال مالك والشافعي : يستحب .
____________________
(1/271)
396 - قال أحمد : حدثنا يعقوب قال : أنبأنا أبي قال حدثنا ابن إسحاق ، قال : وذكر محمد بن مسلم الزهري عن سعيد بن المسيب - عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال : لما أجمع رسول الله أن يضرب بالناقوس يجمع الناس للصلاة ، وهو كاره لموافقة النصارى ، طاف بي من الليل طائف ، وأنا نائم : رجل عليه ثوبان أخضران .
وفي يده ناقوس يحمله ، فقلت له : يا عبد الله ، ألا تبيع الناقوس ؟ قال : وما تصنع به ؟ قلت : ندعو به إلى الصلاة .
قال ! أفلا أدلك على خير من ذلك ؟ قلت : بلى .
قال : تقول الله أكبر الله أكبر .
الله أكبر الله أكبر .
أشهد أن لا إله إلا الله .
أشهد أن لا إله إلا الله .
أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمد رسول الله .
حي على الصلاة .
حي على الصلاة .
حي على الفلاح .
حي على الفلاح .
الله أكبر الله أكبر .
لا إله إلا الله .
قال ثم أستأخر غير بعيد ، ثم قال : تقول إذا أقمت الصلاة : الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا اله إلا الله أشهد أن محمد رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح .
قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة .
الله أكبر الله أكبر .
لا إله إلا الله .
فلما أصبحت أتيت رسول الله ، فأخبرته بما رأيت .
فقال : أن هذه لرؤيا حق إن شاء الله ' .
ثم أمر بالتأذين ، فكان بلال يؤذن بذلك ، ويدعو رسول الله إلى الصلاة .
فدعاه ذات غداة إلى الفجر .
فقيل له أن رسول الله نائم ، فصرخ بلال بأعلى صوته : الصلاة خير من النوم .
قال سعيد بن المسيب : فأدخلت هذه الكلمة في التأذين لصلاة الفجر .
وهذا الحديث أصل التأذين ، وليس فيه ترجيع .
فدل على : أنه المستحب ، وعليه عمل أهل المدينة .
والأخذ بالمتأخر من حال رسول الله .
ز : وقد روى هذا الحديث أبو يعلى الموصلي : ثنا عمرو الناقد ، ثنا يعقوب ثنا أبي ، عن محمد ابن إسحاق ، ثنا محمد بن إبراهيم ، عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه ، عن أبيه فذكره .
ورواه الإمام أحمد أيضا من رواية ابن إسحاق ، عن محمد بن إبراهيم ورواه أبو داود
____________________
(1/272)
عن محمد بن منصور الطوسي ، عن يعقوب بن إبراهيم عن أبيه ، عن ابن إسحاق ، عن محمد ابن إبراهيم .
ورواه الترمذي عن سعيد بن يحيى الأموي ، عن أبيه ، عن محمد ابن إسحاق ، عن محمد بن إبراهيم ، ببعضه ، وقال : حديث حسن صحيح .
ورواه ابن ماجة عن محمد عن عبيد ابن ميمون المدني ، عن محمد بن سلمة عن ابن إسحاق .
ورواه ابن خزيمة في صحيحه ( 1 ) بطرق منها : عن محمد بن يحيى عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد ، عن أبيه ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن إبراهيم . وقال : سمعت محمد بن يحيى يقول : ليس في أخبار عبد الله بن زيد في قصة الأذان خبر أصح من هذا ؛ لأن محمد بن عبد الله بن زيد سمعه من أبيه ، وعبد الرحمن بن ابي ليلى لم يسمع من عبد الله بن زيد .
قال ابن خزيمة : وخبر محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم ، عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه عن أبيه ثابت صحيح من جهة النقل ؛ لأن محمد بن عبد الله بن زيد قد سمعه من أبيه ، ومحمد بن إسحاق قد سمعه من محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي وليس هو مما دلسه محمد بن إسحاق ورواه أبو حاتم البستي عن أبي يعلى الموصلي .
وفي كتاب العلل لأبي عيسى الترمذي قال : سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث - يعني حديث محمد بن إبراهيم التيمي - فقال : هو عندي صحيح .
وقال الترمذي أيضا عن البخاري : لا يعرف لعبد الله بن زيد إلا حديث الآذان ( * ) .
397 - وقال الدارقطني : وحدثنا عثمان بن أحمد الدقاق حدثنا عبد الكريم بن الهيثم حدثنا سعيد بن المغيرة حدثنا عيسى بن يونس عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : ' كان الآذان على عهد رسول الله مرتين مرتين .
والإقامة مرة مرة ' .
وهذا دليل على أنه لم يكن فيه ترجيع .
____________________
(1/273)
ز : هذا إسناد صحيح وسعيد بن المغير الصياد وثقه أبو حاتم وعنده ، وقد رواه الإمام أحمد من غير طريق عبيد الله بن نافع فقال : ثنا محمد بن جعفر ، ثنا شعبة ، قال : سمعت أبا جعفر - يعني المؤذن ، يحدث عن مسلم أبي المثنى ، عن ابن عمر قال : إنما كان الأذان على عهد رسول الله مرتين .
وقال حجاج : يعني مرتين مرتين .
والإقامة مرة غير أنه يقول : قد قامت الصلاة .
قد قامت الصلاة وكنا إذا سمعنا الإقامة توضأنا ثم خرجنا إلى الصلاة .
قال أحمد : وثنا حجاج ، ثنا شعبة ، قال : سمعت أبا جعفر مؤذن مسجد العريان في مسجد بني هلال عن مسلم أبي المثنى مؤذن مسجد الجامع فذكر هذا الحديث .
قال شعبة : لا أحفظ عنه غير هذا .
وقد رواه أبو داود والنسائي ، وابن خزيمة في صحيحه ، وأبو حاتم ابن حبان البستي ، والدارقطني بطرق عن شعبة ( * ) .
احتجوا بما :
398 - روى أحمد : حدثنا روح قال حدثنا ابن جريج قال أخبرني عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة أن عبد الله بن محيريز أخبره - وكان يتيما في حجر أبي محذورة - قال قلت لأبي محذورة : أخبرني عن تأذينك .
قال : نعم خرجت في نفر .
فكنت في بعض طريق حنين ، فقفل رسول الله فلقينا رسول الله في بعض الطريق ، فأذن مؤذن رسول الله بالصلاة ، فسمعنا صوت المؤذن ، فصرخنا نحكيه ونستهزئ به .
قال : فسمع النبي الصوت ، فأرسل إلينا إلى أن وقفنا بين يديه ، فقال : ' أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع ؟ ' فأشار القوم كلهم إلي ، وصدقوا .
فأرسلهم كلهم وحبسني .
قال : قم ، فأذن بالصلاة ؛ فقمت ، ولا شيء أكره إلي من النبي ، وما يأمرني به .
فقمت بين يدي رسول الله ، فألقى علي رسول الله التأذين هو بنفسه : الله أكبر الله أكبر - كذا قال روح ، مرتين - أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله .
أشهد أن محمدا رسول الله .
ثم قال لي : ارجع فامدد من صوتك .
ثم قال لي : قل : أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله . أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله .
ثم دعاني حين قضيت التأذين ، فأعطاني صرة فيها شيء من فضة ، ثم وضع يده على ناصية أبي محذورة ، ثم أمرها على وجهه ، يمر بين ثدييه ثم على كبده .
وقال : ' بارك الله فيك ، وبارك عليك ' .
فقلت : يا رسول الله ،
____________________
(1/274)
مرني بالتأذين بمكة ، قال : ' قد أمرتك به ' وذهب كل شيء كان لرسول الله من كراهية ، وعاد ذلك كله محبة لرسول الله .
399 - قال أحمد : حدثنا عفان قال حدثنا همام قال حدثنا عامر الأحول قال حدثني مكحول أن عبد الله بن محيريز حدثه أن أبا محذورة حدثه ' أن رسول الله علمه الأذان بتسع عشرة كلمة .
والإقامة سبع عشرة كلمة .
الأذان : ' الله أكبر الله أكبر ، الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة .
حي على الفلاح حي على الفلاح .
الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله .
والإقامة مثنى مثنى : الله أكبر الله أكبر .
أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمد رسول الله حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله ' .
قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ( 1 ) .
وأبو محذورة اسمه : سمرة بن معير .
وقد روى الدار قطني من حديث سعد القرظ : أنه وصف أذان بلال ، وفيه : الترجيع .
والجواب من وجهين :
أحدهما : أنه لما لقن رسول الله أبا محذورة ، وكان كافرا أعاد عليه الشهادة وكررها ، لتثبت عنده ويحفظها ، ويكررها على أصحابه المشركين .
فإنهم كانوا ينفرون منها خلاف نفورهم من غيرها .
فلما كررها عليه ظنها من الأذان ، فعد الأذان تسع عشرة كلمة .
فإذا كان كذلك ، لم يكن تكرارها سنة .
والثاني : أن أذان أبي محذورة عليه أهل مكة ، وما ذهبنا إليه عليه أهل المدينة ، والعمل على المتأخر من الأمور .
وأما ما ادعي على بلال فمحال ، لأنه لا يختلف في أن بلالا كان يرجع .
وإنما
____________________
(1/275)
الحديث الذي ذكره الدارقطني من رواية عبد الله بن محمد بن عمار بن سعد القرظ .
قال يحيى بن معين : ليس بشيء .
ز : وقد رواه مسلم وأصحاب السنن ( 1 ) كما سيأتي . روى مسلم في صحيحه حديث أبي محذورة مختصرا من رواية عامر الأحول ، عن مكحول عن ابن محيريز ، عن أبي محذورة : ' أن النبي علمه الأذان : الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، ثم يعود فيقول : أشهد أن لا إله إلا الله مرتين ، أشهد أن محمدا رسول الله مرتين حي على الصلاة مرتين ، حي على الفلاح مرتين ، الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله ' .
وقد روى الامام أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي وابن ماجة ، وابن خزيمة ، وأبو يعلى الموصلي ، وأبو القاسم الطبراني ، حديث أبي محذورة بطرق ، وفي بعضها زيادة على بعض ( * ) .
مسألة [ 99 ] :
التكبير في أول الأذان : أربع .
وقال مالك : مرتان .
لنا : حديث عبد الله بن زيد المتقدم ، وأن بلالا دام على ذلك بحضرة رسول الله .
احتجوا بما ذكرنا في المسألة قبلها من رواية روح عن ابن جريح : أن التكبير مرتان ، وكذا روى محمد بن بكر عن ابن جريح أيضا .
400 - قال أحمد : حدثنا سريج بن النعمان عن الحارث بن عبيد عن محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة عن أبيه عن جده أن رسول الله : علمه التكبير في الأذان ، فذكر
____________________
(1/276)
التكبير فيه مرتين فقط .
قالوا : وروى أبو داود من حديث معاذ بن جبل أن عبد الله بن زيد جاء الى رسول الله ، فاستقبل القبلة ، وقال : الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله .
فقال رسول الله : ' لقنها بلالا ' .
والجواب : أن رواة حديثنا أكثر وأشهر وأحفظ .
وقد روينا في حديث عبد الله بن زيد : أن التكبير أربع ، وأن بلالا كان يفعل ذلك .
وروينا في حديث أبي محذورة وسعد القرظ كذلك . وإذا اختلفت الرواية عن أبي محذورة وكان رواتنا أكثر وأحفظ .
وقد أتوا بالزيادة كانوا أولى ؟ لأن الآتي بالزيادة قد حفظ ما لم يحفظ الناقص .
ز : حديث الحارث بن عبيد عن محمد بن عبد الملك رواه أبو داود ( 1 ) ، عن مسدد عنه وذكر فيه التكبير أربعا ، والله أعلم ( * ) .
مسألة [ 100 ] :
الأفضل في الإقامة الإفراد .
وقال أبو حنيفة : التثنية .
401 - قال البخاري : حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن سماك بن عطية عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس قال : ' أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة ' .
وأخرجه مسلم .
____________________
(1/277)
ز : أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) ( * ) .
402 - وقال الدارقطني : حدثنا علي بن عبد الله بن مبشر حدثنا أحمد بن سنان حدثنا عبد الرحمن عن شعبة عن أبي جعفر قال : سمعت أبا المثنى يحدث عن ابن عمر قال : ' كان الأذان على عهد رسول الله : مرتين مرتين . والإقامة واحدة .
غير أن المؤذن كان إذا قال : قد قامت الصلاة .
قال : قد قامت الصلاة مرتين .
ز : قد تقدم ذكر من روى هذا الحديث في مسألة الترجيع ( * ) .
403 - وقال الدارقطني : وحدثنا أبو بكر الشافعي حدثنا محمد بن غالب حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب حدثنا إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة قال : حدثني عبد الملك أنه سمع أباه أبا محذورة يقول : إن النبي أمره أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة .
احتجوا بما :
404 - قال أبو عيسى الترمذي : حدثنا أبو سعيد الأشج ، قال حدثنا عقبة بن خالد عن ابن أبي ليلى عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن زيد قال : ' كان أذان رسول الله شفعا شفعا في الأذان والإقامة ' .
405 - وقال الدارقطني حدثنا ابن صاعد قال حدثنا * 12 الحسن بن يونس الزيات قال حدثنا أسود بن عامر حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل قال : قام عبد الله بن زيد فقال : يا رسول الله ، رأيت في النوم كأن رجلا نزل من السماء فأذن مثنى مثنى ، ثم جلس ، ثم قام فقال : مثنى مثنى - قال أبو بكر بن عياش : على نحو من أذاننا اليوم - فقال : ' علمها بلالا ' . فقال عمر : قد رأيت مثل الذي رأى ، ولكنه سبقني .
____________________
(1/278)
406 - قال الدارقطني : وحدثنا محمد بن مخلد حدثنا إبراهيم بن محمد حدثنا إبراهيم بن دينار حدثنا زياد بن عبد الله البكائي حدثنا إدريس الأودي عن عون ابن أبي جحيفة عن أبيه ' أن بلالا أذن لرسول الله بمنى ، صوتين صوتين ، وأقام مثل ذلك ' .
قالوا : وقد روى الدارقطني ، أن الأسود بن يزيد ، وسويد بن غفلة قالا : : ' كان بلال يثني الإقامة ' .
وقال مجاهد : كان الأذان والإقامة مثنى مثنى . فلما قام بنو أمية أفردوا الإقامة .
وقال النخعي : أول من نقص الإقامة معاوية .
والجواب : أما الحديث الأول : فقال الترمذي : لم يسمع ابن أبي ليلى من ابن زيد .
وأما الحديث الثاني : فقال ابن خزيمة : لم يسمع ابن أبي ليلى من معاذ .
وأما الثالث : فيرويه زياد عن إدريس الأودي .
ووهم عليه فيه .
وقال يحيى بن معين : زياد ليس بشيء .
وقال ابن المديني : لا أروي عنه .
فإن قيل : فقد وثقة أحمد في رواية .
وقال : أبو زرعة صدوق .
قلنا : الجرح مقدم .
وأما الأسود وسويد : فلم يدركا بلالا ، وما ذكروا عن مجاهد لا يعرف .
وما ذكروه عن النخعي ، فالمحفوظ ' نقض الإقامة ' بالضاد المعجمة .
ونقضه لها : أنها كانت فرادى فجعلها مثنى . قال أبو عبد الله الحاكم : والدليل على أن المنقول كذا : أنا روينا عن النخعي ما يوافق مذهبنا ، فلو كان عنده سنة صحيحة لم يخالفها .
وأحديثنا أصح والجمهور معنا .
قال بكير بن عبد الله بن الأشج : أدركت أهل المدينة في الأذان مثنى مثنى ، وفي الإقامة مرة .
وبكير من كبار التابعين .
وهو يخبر بهذا عن الصحابة والتابعين في دار الهجرة ثم إن مذهبنا مروي عن الخلفاء الأربعة .
كان يقام لهم مرة .
وعن ابن عمر وابن عباس وأنس ، وفقهاء المدينة السبعة : سعيد بن المسيب ، و أبي بكر بن عبد الرحمن ، والقاسم بأن محمد ، وسليمان بن يسار ، وخارجة بن زيد ، وعبيد الله بن عبد الله ، وعروة . وهو مذهب الحسن ، وسالم ، وعمر بن عبد العزيز ، والزهري ، والقرظي والأوزاعي ، والليث
____________________
(1/279)
ومالك ، والشافعي ، وابن راهويه في خلق كثير .
وما ذهب الخصم إليه لم ينقل إلا عن الثوري وابن المبارك . وفي الحديث ' عليكم بالسواد الأعظم ' وهو معنا بحمد الله .
ز : حديث عون بن أبي جحيفة عن أبيه حديث منكر ، وزياد بن عبد الله البكائي روى له البخاري مقرونا بغيره ، واحتج به مسلم وصدقه جماعة وتكلم فيه آخرون .
وحديث ' عليكم بالسواد الأعظم ' . ليس بصحيح .
وفي بعض كلام المؤلف في هذه المسألة نظر ، كقوله : إن بكيرا من كبار التابعين .
وقوله إن الأسود بن يزيد وسويد بن غفلة لم يدركا بلالا ، والله أعلم ( * ) .
مسألة [ 101 ] - :
يقول : ' قد قامت الصلاة ' مرتين .
وقال مالك : مرة .
لنا ما تقدم من الأخبار ، وفيها كلها كمذهبنا .
احتجوا بما :
407 - روى الدار قطني : حدثنا أبو بكر الشافعي حدثنا بشر بن موسى حدثنا الحميدي حدثنا عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد بن عائذ القرظ قال : حدثني عبد الله ابن محمد بن عمار وعمار وعمر ابنا حفص بن سعد القرظ عن عمر بن سعد عن أبيه سعد القرظ أنه سمعه يقول : إن هذا الأذان أذان بلال - فذكره - ثم قال : والإقامة واحدة ، يقول :
____________________
(1/280)
قد قامت الصلاة ، مرة واحدة .
والجواب : أن أحاديثنا أكثر ، ورواتنا احفظ ، وقد دام على مذهبنا أهل المدينة .
ز : وقد احتج مالك بحديث أنس : أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة .
رواه البخاري ومسلم ، لكن زاد البخاري : إلا الإقامة ( * ) .
مسألة [ 102 ] :
يجوز الأذان للفجر قبل طلوعه .
وقال أبو حنيفة : لا يجوز .
408 - قال أحمد : حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه عن رسول الله أنه قال : ' إن بلالا يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ' .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
409 - قال أبو بكر البرقاني : أنبأنا أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي أنبأنا الفريابي أبي قال : حدثنا إسحاق بن موسى حدثنا عبدة بن سليمان حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال : وعن القاسم عن عائشة قالا : كان للنبي مؤذنان : بلال وابن أم مكتوم . فقال رسول الله : ' إن بلالا يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ' .
____________________
(1/281)
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
410 - وقال أحمد : حدثنا وكيع حدثنا أبو هلال عن سوادة بن حنظلة عن سمرة بن جندب قال : قال رسول الله : ' لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال ، ولا الفجر المستطيل ، ولكن الفجر المستطيل في الأفق ' .
انفرد بإخراجه مسلم ( 1 ) .
411 - وقال أبو داود : حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا عبد الله بن عمر بن غانم عن عبد الرحمن بن زياد - يعني الأفريقي - عن زياد بن نعيم الحضرمي أنه سمع زياد بن الحارث الصدائي قال : لما كان أول أذان الصبح أمرني - يعني النبي - فأذنت ، فجعلت أقول : أقيم يا رسول الله ؟ فجعل ينظر الى ناحية المشرق الى الفجر ، فيقول : ' لا ' ، حتى إذا طلع الفجر نزل فتبرز ، ثم انصرف إلي - وقد تلاحق أصحابه - فتوضأ ، فأراد بلال أن يقيم ، فقال له نبي الله : ' إن أخا صداء أذن ، ومن أذن فهو يقيم ' ، قال : فأقمت .
قالوا : عبد الرحمن بن زياد - هو الأفريقي - وهو ضعيف .
قلنا : قد قوى أمره البخاري ، وقال : وهو مقارب الحديث .
ز : وروى حديث زياد أيضا الإمام أحمد ، وابن ماجة ، والترمذي ( 1 ) ، قال : وفي الباب عن ابن عمر ، وحديث زياد إنما نعرفه من حديث الأفريقي وهو عبد الرحمن بن زياد ابن أنعم وهو ضعيف عند أهل الحديث ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره ، ورأيت محمد ابن إسماعيل يقوي أمره ، ويقول : هو مقارب الحديث .
وقال أحمد : ليس بشيء نحن لا نروي عنه شيئا .
وقال الدارقطني : ليس بالقوي ( * ) .
____________________
(1/282)
وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الثقات ( * ) .
فإن قيل : كان بلال مريض العين لا يحقق الفجر .
واستدلوا بما :
412 - قال أحمد : حدثنا عفان قال حدثنا همام حدثني سوادة قال سمعت سمرة بن جندب يقول : إن رسول الله قال : ' لا يغرنكم نداء بلال ، فإن في بصره سوءا ' .
ز : رواه أبو داود والترمذي والنسائي ( 1 ) .
وسوادة هو ابن حنظلة القشيري البصري إمام مسجد بني قشير ، قال أبو حاتم : شيخ وذكره ابن حبان في كتاب الثقات .
ولم يرووا له غير هذا الحديث .
413 - قال عبد بن حميد ، حدثنا محمد بن الفضل حدثنا حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر : ' أن بلالا أذن قبل طلوع الفجر ، فأمره النبي أن يرجع ، فينادي : ألا إن العبد نام - ثلاث مرات - فرجع فنادى : ألا إن العبد نام ' .
ز : رواه أبو داود وقال : رواه الدراوردي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال : كان لعمر مؤذن يقال له مسعود ، وذكر نحوه ، وقال : هذا أصح من ذلك .
وذكر الترمذي لفظ الحديث ، وقال : هذا حديث غير محفوظ ، والصحيح عن ابن عمر أن النبي قال : ' إن بلالا يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ' .
وذكر عن علي بن المديني أنه قال : هو غير محفوظ .
وقد حكى المؤلف كلام الترمذي في هذا الحديث وسيأتي .
وقال الحاكم : أنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه ، قال : سمعت أبا بكر المطرز يقول سمعت محمد بن يحيى يقول : حديث حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن بلالا أذن قبل طلوع الفجر ، شاذ غير واقع على القلب ، وهو خلاف ما رواه الناس عن ابن عمر .
____________________
(1/283)
وقال أحمد بن حنبل : ثنا شعيب بن حرب ، قال : قلت لمالك بن أنس : أليس قد أمر النبي بلالا أن يعيد الأذان فقال : قال رسول الله : ' إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا ' . قلت : أليس قد أمره أن يعيد الأذان ؟ قال : لا لم يزل الأذان عندنا بليل .
وقال ابن بكير : قال مالك : لم يزل الصبح ينادى بها قبل الفجر ، فأما غيرها من الصلوات فإنا لم نر ينادى لها إلا بعد أن يحل وقتها ( * ) .
414 - وقال الدارقطني : حدثنا محمد بن نوح الجنديسابوري قال : حدثنا معمر بن سهل قال حدثنا عامر بن مدرك حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر أن بلالا أذن قبل الفجر . فغضب النبي ، فأمره أن ينادي : ' إن العبد نام . فوجد بلال وجدا شديداً ' .
415 - قال الدارقطني : وحدثنا العباس بن عبد السميع الهاشمي أنبأنا محمد بن سعد العوفي قال حدثنا أبي قال : حدثنا أبو يوسف القاضي عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس : ' أن بلالا أذن قبل الفجر ، فأمره رسول الله : أن يصعد ، فينادي : ' إن العبد نام ' .
ففعل ، وقال ليت بلالا لم تلده أمه ، وابتل من نضح دم جبينه .
416 - قال الدارقطني : وحدثنا يحيى بن محمد بن صاعد حدثنا أحمد بن عثمان بن حكيم الأودي قال حدثنا محمد بن القاسم الأسدي حدثنا الربيع بن صبيح عن الحسن عن أنس بن مالك قال : ' أذن بلال ، فأمره النبي : أن يعيد . فرقي بلال ، وهو يقول : ليت بلالا ثكلته أمه ، وابتل من نضح دم جبينه - يرددها حتى صعد - ثم قال : ألا إن العبد نام - مرتين - ثم أذن حين أضاء الفجر ' .
وقد روي هذا عن الحسن وحميد بن هلال وغيرهما من التابعين يذكرون ذلك عن بلال .
417 - ويؤكد هذا ما روى أبو داود من حديث شداد مولى عياض بن عامر عن بلال أن رسول الله قال : ' لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا ، ومد يديه عرضا ' .
____________________
(1/284)
والجواب :
أما الحديث الأول : فقد رواه جماعة ، ولم يقولوا : في بصره سوء .
وأما حديث حماد بن سلمة : فوهم منه .
قال الترمذي : قال علي بن المديني : حديث حماد غير محفوظ ، أخطأ فيه حماد بن سلمة .
وقد تابعه على ذلك سعيد بن زربي عن أيوب ، وكان ضعيفا .
قال يحيى : ليس بشيء .
وقال البخاري : عنده عجائب .
وقال النسائي : ليس بثقة .
وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الأثبات .
وقال الحاكم : أخبرنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه سمعت ابا بكر المطرز يقول سمعت محمد بن يحيى يقول : حديث حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر ' أن بلالا أذن قبل طلوع الفجر ' شاذ غير واقع على القلب .
وهو خلاف ما رواه الناس عن ابن عمر .
وقال أحمد بن حنبل : حدثنا شعيب بن حرب قال : قلت لمالك بن أنس : إن الصبح ينادى لها قبل الفجر ؟ .
فقال : قال رسول الله : ' إن بلالا يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا ' .
قلت : أليس قد أمره النبي أن يعيد الأذان .
قال : لم يزل الأذان عندنا بليل .
وقال ابن بكير : قال مالك : لم يزل الصبح ينادى بها قبل الفجر ، فأما غيرها من الصلاة ؛ فإنا لم نر ينادى بها إلا بعد أن يحل وقتها .
وقال الدارقطني : والصواب : ما روى شعيب بن حرب عن أبي رواد عن نافع عن مؤذن لعمر - كان يقال له : مسروح - أذن قبل الصبح .
فأمره عمر : أن يرجع فينادي .
قال : وقد رواه عامر بن مدرك عن عبد العزيز بن أبي رواد .
ووهم فيه عامر .
والصواب ما ذكرناه عن شعيب بن حرب .
____________________
(1/285)
قال الترمذي : لعل حماد بن سلمة أراد حديث مؤذن عمر .
قال الدارقطني : وأما حديث أبي يوسف القاضي : فتفرد به عن سعيد بن أبي عروبة .
وغيره يرسله عن قتادة : أن بلالا .
ولا يذكر أنسا .
والمرسل أصح .
وأما حديث أنس الثاني : فإن محمد بن القاسم مجروح . قال أحمد بن حنبل : أحاديثه موضوعة ليس بشيء رمينا حديثه . وقال النسائي : متروك الحديث . وقال الدارقطني : يكذب .
وفي إسناده أيضا : الربيع بن صبيح ، قال عفان : أحاديثه كلها مقلوبة .
وقال يحيى : ضعيف الحديث ، وقال في رواية : ليس به بأس .
وقال ابن حبان : كان رجلا صالحا ، ليس الحديث من صناعته .
فوقع في أحاديثه المناكير من حيث لا يشعر .
وما روي عن الحسن وغيره فمقاطيع .
وكذلك حديث شداد : فإنه لم يلق بلالا ، وقال محمد بن إسحاق بن خزيمة : كان الأذان نوبا بين بلال وبين ابن أم مكتوم ، فكان يتقدم بلال مرة ويتأخر ابن أم مكتوم .
ويتقدم ابن أم مكتوم ويتأخر بلال .
فيجوز أن يكون قال هذا في اليوم الذي كان نوبته التأخير .
ز : روى حبيب بن عبد الرحمن ، عن عمته أنيسة بنت حبيب ، قالت : قال رسول الله : ' إذا أذن ابن أم مكتوم فكلوا واشربوا ، وإذا أذن بلال فلا تأكلوا ولا تشربوا ' فإن كانت المرأة منا ليبقى عليها شيء من سحورها ، فتقول لبلال : أمهل حتى أفرغ من سحوري ' .
رواه الإمام أحمد ، وأبو بكر بن خزيمة في صحيحه وأبو حاتم بن حبان في كتاب الأنواع والتقاسيم .
قال ابن خزيمة : هذا خبر قد اختلف فيه يعني على حبيب بن عبد الرحمن رواه شعبة عنه عن عمته أنيسة فقال : ابن أم مكتوم أو بلال ينادي بليل .
وروى ابن خزيمة أيضا عن عائشة أن رسول الله قال : ' إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال ، وكان بلال لا يؤذن حتى يرى الفجر ' .
قال : وليس هذا الخبر يضاد خبر سالم عن ابن عمر وخبر القاسم عن عائشة إذ جائز أن يكون النبي قد كان جعل الأذان بالليل نوائب بين بلال وبين ابن أم مكتوم ، فأمر في بعض الليالي بلالا أن يؤذن أولا بالليل فإذا نزل بلال صعد ابن أم مكتوم فأذن بعده بالنهار .
____________________
(1/286)
فإذا جاءت نوبة ابن أم مكتوم بدأ ابن أم مكتوم فأذن بليل فإذا نزل صعد بلال فأذن بعده بالنهار فكانت مقالة النبي : ' إن بلالا يؤذن بليل ' في الوقت الذي كانت النوبة لبلال في الأذان بالليل ، وكانت مقالته : ' إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل ' في الوقت الذي كانت النوبة في الأذان بالليل نوبة ابن أم مكتوم .
فكان النبي يعلم الناس في كلا الوقتين أن أذان الأول منهما هو أذان بليل لا بنهار ، وأنه لا يمنع من أراد الصوم طعما ولا شربا ، وأن أذان الثاني إنما يمنع الطعم والشرب إذ هو بنهار لا بليل وقد حكى المؤلف بعض ذلك عن ابن خزيمة وفيه نظر من وجوه كثيرة .
وعن زيد بن ثابت أن رسول الله قال : ' إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال ' .
رواه البيهقي من رواية الواقدي وليس بحجة ( * ) .
مسألة [ 103 ] :
يثوب في أذان الفجر .
وقال الشافعي : لا يثوب .
لنا ثلاثة أحاديث :
418 - الحديث الأول : قال أحمد : حدثنا حسن بن الربيع حدثنا أبو إسرائيل قال حدثنا الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال قال : أمرني رسول الله أن لا أثوب في شيء من الصلاة ، إلا في صلاة الفجر .
قالوا : أبو إسرائيل اسمه إسماعيل بن أبي إسحاق ، وهو ضعيف . ثم لم يسمعه من الحكم ، إنما رواه عن الحسن بن عمارة عن الحكم .
____________________
(1/287)
قلنا : مجرد التضعيف لا يقبل حتى يبين سببه . وقد ذكرنا عنه أنه قال : حدثنا الحكم .
ز : وروى هذا الحديث ابن ماجة والترمذي وقال : لا نعرفه إلا من حديث أبي إسرائيل الملائي واسمه إسماعيل بن أبي إسحاق ، وأبو إسرائيل لم يسمع هذا الحديث من الحكم ، فقال : إنما رواه عن الحسن بن عمارة عن الحكم .
وأبو إسرائيل ليس بذاك القوي .
وقال يحيى بن معين : أبو إسرائيل صالح الحديث .
وقال مرة : ضعيف .
وقال البخاري : تركه ابن مهدي ، وكان يشتم عثمان ، وقال في موضع آخر : يضعفه أبو الوليد قال : سألته عن حديث ابن أبي ليلى عن بلال وكان يرويه عن الحكم في الأذان ، فقال : سمعته من الحكم أو الحسن بن عمارة .
وقال النسائي : ضعيف .
وقال مرة : ليس بثقة .
وقال ابن عدي : عامة ما يرويه يخالف الثقات ، وهو في جملة من يكتب حديث .
وقد رواه الدارقطني من حديث أبي مسعود عبد الرحمن بن الحسن الموصلي الزجاج عن أبي سعيد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى .
قال أبو حاتم الرازي في عبد الرحمن بن الحسن : يكتب حديثه ولا يحتج به ، وأبو سعيد الظاهر أنه أبو سعد ، وهو سعيد بن المرزبان وقد ضعفه غير واحد .
وقال البيهقي : أنا علي بن محمد بن بشران ، أنا أبو جعفر الرزاز ثنا يحيى بن جعفر ، أنا علي بن عاصم ، أنا عطاء بن السائب ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن بلال قال : ' أمرني رسول الله أن لا أثوب إلا في الفجر ' . قال البيهقي : هذا مرسل فإن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يلق بلالا ( * )
419 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : حدثنا أبو بكر النيسابوري قال حدثنا أبو الأزهر حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا ابن جريج حدثنا عثمان بن السائب مولى لهم عن أبيه السائب عن أبي محذورة : أن رسول الله علمه الأذان ، وقال : ' إذا رأيت من الصبح ،
____________________
(1/288)
فقل : الصلاة خير من النوم ' .
420 - الحديث الثالث : قال الدار قطني : وحدثنا الحسين بن إسماعيل حدثنا محمد ابن عثمان بن كرامة حدثنا أبو أسامة قال حدثنا ابن عون عن محمد عن أنس قال : من السنة إذا قال المؤذن في صلاة الفجر : حي على الفلاح .
قال : الصلاة خير من النوم ، الصلاة خير من النوم .
ز : رواه أبو بكر بن خزيمة في صحيحه عن محمد بن عثمان ( * ) .
مسألة [ 104 ] :
والتثويب ما ذكرنا .
قال أحمد : التثويب أن يقول في أذان الفجر : ' الصلاة خير من النوم ' .
وقال الحنفيون : هو أن يقول بين الأذان والإقامة ' الصلاة خير من النوم ' مرتين ، ويعيد قوله ' حي على الفلاح ' مرتين .
لنا : ما تقدم من الأحاديث .
واحتجوا ' بأن بلالا أذن ودعا رسول الله الى الصلاة ، فقالوا : إنه نائم . فقال : الصلاة خير من النوم ' ( 1 ) .
وقد سبق هذا الحديث .
وقد ذكرنا عن سعيد بن المسيب : أن تلك الكلمة دخلت في الأذان .
ز : قال : إسحاق فيما ذهب اليه الحنفية : هذا شيء أحدثه الناس ، وقال الترمذي : هذا التثويب الذي كرهه أهل العلم ( * ) .
____________________
(1/289)
مسألة [ 105 ] :
المستحب أن يقيم من أذن .
وقال أبو حنيفة ومالك : لا يستحب .
لنا : حديث الصدائي وقد سبق .
واحتجوا بما :
421 - قال أحمد : حدثنا زيد بن الحباب العكلي أنبأنا أبو سهل محمد بن عمرو قال : أخبرني محمد بن عبد الله بن زيد عن عمه عبد الله بن زيد أنه أري الأذان .
قال : فجئت إلى النبي فأخبرته . فقال : ' ألقه على بلال ' . فألقيته فأذن .
قال : فأراد أن يقيم ، فقلت : يا رسول الله أنا رأيت . أريد أن أقيم .
قال : ' فأقم أنت ' .
قال : فأقام هو ، وأذن بلال .
والجواب : أن رسول الله أراد تطييب قلبه لأنه رأى المنام .
ز : أبو سهل محمد بن عمرو وهو الأنصاري وهو ضعيف ، تكلم فيه يحيى بن معين وغيره .
وقد روى هذا الحديث أبو داود عن عثمان بن أبي شيبة ، عن حماد بن خالد ، عن محمد بن عمرو ، عن محمد بن عبد الله ، عن عمه عبد الله بن زيد بنحوه . وعن عبيد الله ابن عمر القواريري ، عن عبد الرحمن بن مهدي ، عن محمد بن عمرو قال : سمعت عبد الله بن محمد قال : كان جدي عبد الله بن زيد [ يحدث ] ( 1 ) بهذا الخبر قال : فأقام جدي وقد روى عن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن زيد عن أبيه عن جده ( * ) .
____________________
(1/290)
مسألة [ 106 ] :
يجوز أن يدور المؤذن في مجال المنارة .
وعنه : يكره كقول الشافعي .
422 - قال أحمد : حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال : ' أتيت النبي بالأبطح وهو في قبة له حمراء .
قال : فخرج بلال بفضل وضوئه ، فبين ناضح ونائل .
قال : فأذن بلال ، فكنت اتتبع فاه هكذا وهكذا ، يعني يمينا وشمالا ' .
أخرجاه في الصحيحين .
ز : ورواه أبو داود وفيه : ' فلما بلغ حي على الصلاة حي على الفلاح لوى عنقه يمينا وشمالا ولم يستدر ' .
وفي رواية لأحمد والترمذي : ' رأيت بلالا يؤذن وأتتبع فاه ها هنا وها هنا وأصبعاه في أذنيه ' .
وقال الترمذي : ' حديث صحيح .
ولابن ماجة : ' فاستدار في أذانه وجعل أصبعيه في أذنيه ' ( * ) .
مسألة [ 107 ] :
يسن الجلوس بين أذان المغرب وإقامتها .
وقال أبو حنيفة والشافعي : لا يسن .
____________________
(1/291)
423 - قال الترمذي : حدثنا أحمد بن محمد بن الحسن حدثنا معلى بن أسد قال : حدثنا عبد المنعم - وهو صاحب السقاء - حدثنا يحيى بن مسلم عن الحسن وعطاء عن جابر : أن رسول الله قال لبلال : ' يا بلال ، إذا أذنت فترسل ، وإذا أقمت فاحذر ، واجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله ، والشارب من شربه ، والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته ' . قال الترمذي : هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث عبد المنعم ، وهو إسناد مجهول .
ز : قال الحاكم ( 1 ) : ثنا أبو بكر بن إسحاق ، أنا علي بن عبد العزيز ، ثنا علي بن حماد بن أبي طالب ، ثنا عبد المنعم بن نعيم الرياحي ، ثنا عمرو بن فائد ، ثنا يحيى بن مسلم عن الحسن ، وعطاء ، عن جابر : أن رسول الله قال لبلال : ' إذا أذنت فترسل في أذانك ، وإذا أقمت فاحدر ، واجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله والشارب من شربه والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته '
قال الحاكم : إسناد بصري .
عمرو بن فائد اتهمه ابن المديني .
وقال الدارقطني : متروك .
وعبد المنعم بن نعيم ضعفه الدارقطني .
وقال أبو حاتم : منكر الحديث .
وقال ابن حبان : منكر الحديث جدا لا يجوز الاحتجاج به .
وعن أبي بن كعب عن النبي قال : ' يا بلال اجعل بين أذانك وإقامتك نفسا يفرغ الآكل من طعامه في مهل ويقضي المتوضى حاجته في مهل ' .
رواه عبد الله بن أحمد فيما زاده في المسند من غير أبيه .
وروى تمام في فوائده بإسناده عن أبي هريرة عن النبي أنه قال : ' جلوس المؤذن بين الأذان والإقامة في المغرب سنة ' ( * ) .
مسألة [ 108 ] :
لا يسن في حق النساء أذان ولا إقامة .
وقال الشافعي : تسن الإقامة .
وقد حكى أصحابنا : أن رسول الله قال : ' ليس على النساء أذان ولا إقامة ' . وهذا
____________________
(1/292)
لا نعرفه مرفوعا . إنما رواه سعيد بن منصور عن الحسن وإبراهيم الشعبي وسليمان بن يسار .
وحكي عن عطاء أنه قال : ' يقمن ' .
424 - وقال الدارقطني : حدثنا أحمد بن العباس البغوي قال : حدثنا عمر بن شبة حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا الوليد بن جميع عن أمه أم ورقة ' أن النبي أذن لها أن يؤذن لها ويقام ، وقام نساؤها ' .
الوليد بن جميع ضعيف ، وأمه مجهولة ، قال ابن حبان : لا يحتج بالوليد بن جميع .
ز : وقد روى هذا الحديث أبو داود مطولا من رواية الوليد بن جميع من غير أمه ثم رواه مختصرا ، فقال : حدثنا الحسن بن حماد الحضرمي ، ثنا محمد بن فضيل ، عن الوليد ابن جميع ، عن عبد الرحمن بن خلاد ، عن أم ورقة : ' أن رسول الله كان يزورها في بيتها وجعل لها مؤذنا ويؤذن لها وأمرها أن تؤم أهل دارها ' . قال عبد الرحمن : فأنا رأيت مؤذنها شيخا كبيرا .
ورواه الإمام أحمد بمعناه والبيهقي وعنده : ' وأمره أن يؤذن لها ويقام ويؤم أهل دارها في الفرائض ' .
والوليد بن عبد الله بن جميع وثقه يحيى بن معين .
وقال الإمام أحمد : ليس به بأس .
وقال أبو زرعة : لا بأس به .
وقال أبو حاتم الرازي : صالح الحديث .
وروى له مسلم في صحيحه .
وقال عمرو بن علي : كان يحيى بن سعيد لا يحدثنا عن الوليد بن جميع ، فلما كان قبل موته بقليل ثنا عنه ( * ) .
مسألة [ 109 ] :
إذا فاتته صلوات أذن وأقام للأولى .
ثم يقيم للبواقي .
وقال أبو حنيفة : يؤذن ويقيم لكل صلاة .
وقال مالك : لا يؤذن .
وعن الشافعي : كقولنا وكقول مالك .
لنا ما :
____________________
(1/293)
425 - روى أحمد : حدثنا هشيم قال حدثنا أبو الزبير عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبي عبيدة بن عبد الله قال : قال عبد الله : ' إن المشركين شغلوا رسول الله عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله .
فأمر بلالا فأذن ، ثم أقام فصلى الظهر .
ثم أقام فصلى العصر .
ثم أقام فصلى المغرب ثم أقام فصلى العشاء ' .
قال الترمذي : ليس بهذا الإسناد بأس ، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه عبد الله .
ز : وروى هذا الحديث النسائي ( 1 ) والترمذي من حديث هشيم ( * ) .
مسألة [ 110 ]
وكذلك يفعل في صلاتي الجمع .
وقال أبو حنيفة : يجمع بأذان وإقامتين بعرفة ، وأذان وإقامة بمزدلفة .
426 - قال الترمذي : حدثنا بندار حدثنا يحيى بن سعيد القطان حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عبد الله بن مالك ' أن ابن عمر صلى بجمع ، فجمع بين الصلاتين بإقامة ، وقال : رأيت رسول الله فعل مثل هذا في هذا المكان ' .
وقد روي نحو هذا عن رسول الله علي بن أبي طالب وابن مسعود وجابر وأسامة .
____________________
(1/294)
ز : وروى حديث عبد الله بن مالك أبو داود ، وقال فيه الترمذي : حديث صحيح حسن وهو حجة لأبي حنيفة .
وعن أسامة بن زيد قال : دفع رسول الله من عرفة حتى إذا كان بالشعب نزل فبال ثم توضأ ، ولم يسبغ الوضوء ، فقلت : الصلاة يا رسول الله ، فقال ' الصلاة أمامك ' ، فركب فلما جاء المزدلفة نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ، ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ، ثم أقيمت العشاء فصلى ولم يصل بينهما .
رواه البخاري ومسلم . وعن جابر بن عبد الله عن النبي : ' أنه أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ' .
رواه مسلم .
وعن عبد الله بن عمر قال : جمع النبي بين المغرب والعشاء يجمع كل واحدة منهما بإقامة ولم يسبح بينهما ولا على إثر كل واحدة منهما .
رواه البخاري .
وهذه الأحاديث مخالفة لحديث عبد الله بن مالك .
وعن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال : جمع رسول الله بين المغرب والعشاء بجمع صلى المغرب ثلاثا والعشاء ركعتين بإقامة واحدة .
رواه مسلم .
وفي رواية لأبي داود : بإقامة واحدة لكل صلاة ولم يناد في الأولى ولم يسبح على أثر واحدة منهما . وفي رواية : لم يناد في واحدة منهما ( * )
مسألة [ 111 ] :
لا يجوز أخذ الأجرة على الأذان .
وقال مالك والشافعي : يجوز .
427 - قال الترمذي حدثنا هناد قال حدثنا [ أبو ] ( 1 ) زبيد عن الأشعث عن الحسن عن عثمان بن أبي العاص قال : إن من آخر ما عهد إلي رسول الله : أن أتخذ مؤذنا لا
____________________
(1/295)
يأخذ على أذانه أجرا .
ز : الأشعث هو ابن سوار ، وقد تكلم فيه غير واحد وقد رواه أبو داود عن موسى بن إسماعيل ، عن حماد ، عن سعيد الجريري ، عن أبي العلاء ، عن مطرف بن عبد الله ، عن عثمان بن أبي العاص .
ورواه الإمام أحمد ، وابن ماجة ، والنسائي ، وقال الترمذي : حديث حسن .
ورواه الحاكم من حديث حماد عن الجريري ، وقال : هو على شرط مسلم ( 1 ) .
____________________
(1/296)
مسائل استقبال القبلة ، وموضع الصلاة
مسألة [ 112 ] :
إذا تحرى في القبلة فأخطأ فلا إعادة عليه .
وقال الشافعي : يعيد . لنا حديثان :
428 - الحديث الأول : قال الترمذي : ثنا محمود بن غيلان ، ثنا وكيع ، ثنا أشعث ابن سعيد السمان ، عن عاصم بن عبيد الله ، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة ، عن أبيه ، قال : ' كنا مع النبي في سفر في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة ، فصلى كل رجل منا على حياله ، فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبي فنزل : ( ^ فأينما تولوا فثم وجه الله ) .
قال الترمذي : هذا حديث حسن ليس إسناده بذاك ، لا نعرفه إلا من حديث أشعث السمان ، وأشعث السمان يضعف في الحديث .
قلت : كان هشيم يقول : أشعث السمان يكذب .
وقال أحمد بن حنبل : حديثه مضظرب ليس بذاك .
وقال يحيى والنسائي وأبو زرعة ضعيف .
وفي لفظ عن يحيى : ليس بشيء . وقال الفلاس والدارقطني : متروك .
وقال أبو حاتم بن حبان : يروي عن الأئمة الأحاديث الموضوعات خصوصا عن هشام بن عروة .
وقال العقيلي : لا يروي متن هذا الحديث من وجه يثبت .
____________________
(1/297)
[ واما عاصم بن عبيد الله ، فقال يحيى بن معين : ضعيف لا يحتج بحديثه ، وقال ابن حبان : كان سيئ الحفظ كثير الوهم فاحش الخطأ فترك ( 1 ) ] .
ز : وروى هذا الحديث ابن ماجة والدار قطني .
وقال البيهقي : أنا أبو عبد الله الحافظ ، ثنا أبو الحسين علي بن الحسين الرصافي ببغداد ، ثنا محمد بن الحارث العسكري ، حدثني أحمد بن عبيد الله بن الحسن العنبري ، قال وجدت في كتاب أبي ، ثنا عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي عن عطاء بن رباح ، عن جابر بن عبد الله ، قال : ' بعث رسول الله سرية كنت فيها فأصابتنا ظلمة فلم نعرف القبلة ، فقالت طائفة : القبلة ها هنا قبل الشمال فصلوا وخطوا خطا ، وقال بعضنا : القبلة ها هنا قبل الجنوب وخطوا خطا ، فلما أصبحنا وطلعت الشمس أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة ، فقدمنا من سفرنا ، فأتينا النبي فسألناه عن ذلك فسكت .
وأنزل الله عز وجل : ( ^ ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ) ' . أي حيث كنتم .
قال البيهقي : وكذلك رواه الحسن بن علي بن شبيب المعمري ومحمد بن سليمان الباغندي عن أحمد بن عبيد الله .
429 - الحديث الثاني : قال الدارقطني قرئ على عبد الله بن محمد بن عبد العزيز وأنا أسمع : حدثكم داود بن عمرو حدثنا محمد بن يزيد الواسطي عن محمد بن سالم عن عطاء عن جابر قال : ' كنا مع رسول الله في مسير أو سفر .
فأصابنا غيم ، فتحيرنا فاختلفنا في القبلة ، فصلى كل رجل منا على حدة ، وجعل أحدنا يخط بين يديه لنعلم أمكنتنا .
فذكرنا ذلك للنبي .
فلم يأمرنا بالإعادة .
وقال : ' قد أجزأت صلاتكم ' .
قال الدار قطني : كذا قال ' عن محمد بن سالم ' وقال غيره : ' عن محمد بن عبيد الله العرزمي عن عطاء ' وهما ضعيفان .
قلت : أما محمد بن سالم : فكان ابن المبارك إذا مر بحديثه يقول : اضربوا عليه . وقال أحمد : هو شبه المتروك .
وقال يحيى القطان : ليس بشيء .
وقال النسائي : متروك الحديث ، لا يساوي شيئا .
وأما العرزمي ، فقال أحمد : ترك الناس حديثه . وقال يحيى : لا يكتب حديثه .
قلت : على أنه قد حدث عنه شعبة وسفيان .
____________________
(1/298)
ز : قال البيهقي : لا نعلم لهذا الحديث إسنادا صحيحا قويا ، وذلك لأن عاصم بن عبيد الله بن عمر العمري ، ومحمد بن عبيد الله العرزمي ، ومحمد بن سالم الكوفي كلهم ضعفاء ، والطريق إلى عبد الملك العرزمي غير واضح لما فيه من الوجادة وغيرها ( * ) .
مسألة [ 113 ] :
لا تصح الصلاة في المواضع المنهي عن الصلاة فيها .
وعنه تصح وتكره كقول بقية الفقهاء . لنا أحاديث :
430 - قال أحمد : حدثنا وكيع عن سليمان عن أبي سفيان بن العلاء عن الحسن عن عبد الله بن مغفل قال : قال رسول الله : ' إذا حضرت الصلاة وأنتم في مرابض الغنم فصلوا ، وإذا حضرت الصلاة وأنتم في أعطان الإبل فلا تصلوا . فإنها خلقت من الشياطين ' .
431 - وقال أحمد : حدثنا عبد الله بن الوليد قال حدثنا سفيان عن سماك بن حرب عن جعفر بن أبي ثور عن جابر بن سمرة : ' أن رجلا سأل رسول الله : أأصلي في مراح الغنم ؟ فقال : ' نعم ' . قال : أفأصلي في أعطان الإبل ؟ قال : ' لا ' .
432 - وقال أحمد حدثنا هارون قال حدثنا ابن وهب قال حدثني عاصم بن حكيم عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني عن أبيه عن عقبة بن عامر الجهني عن رسول الله قال : ' صلوا في مرابض الغنم ، ولا تصلوا في أعطان الإبل ، أو مبارك الإبل ' .
433 - قال أحمد : وحدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عبد الله بن عبد الله عن
____________________
(1/299)
عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال : سئل رسول الله عن الصلاة في مبارك الإبل ؟ فقال : لا تصلوا فيها ، فإنها من الشياطين .
434 - قال أحمد : حدثنا يعقوب حدثنا عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده أن رسول الله : ' نهى أن يصلى في أعطان الإبل ، ورخص أن يصلى في مراح الغنم ' .
وقد ذكرنا في باب الوضوء حديثا في ذلك أيضا عن أسيد بن حضير وعن ذي الغرة ، وقد رواه أبو هريرة أيضا .
435 - وقال عبد بن حميد : حدثنا عبد الله بن يزيد المقري حدثنا يحيى بن أيوب عن زيد بن جبيرة عن داود بن حصين عن نافع عن ابن عمر : ' أن رسول الله نهى أن يصلى في سبعة مواطن : في المزبلة ، والمجزرة ، والمقبرة ، وقارعة الطريق ، وفي الحمام وفي معاطن الإبل ، وفوق ظهر بيت الله ' .
436 - وقال ابن ماجة : حدثنا علي بن داود ومحمد بن أبي الحسين قالا حدثنا أبو صالح قال حدثني الليث عن نافع عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب : أن رسول الله قال ' : ' سبعة مواطن لا تجوز فيها الصلاة : ظهر بيت الله ، والمقبرة ، والمزبلة ، والمجزرة ، والحمام ، وعطن الإبل ، ومحجة الطريق ' .
437 - وقال الترمذي : حدثنا الحسين بن حريث حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو ابن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله : ' الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام ' .
قالوا : أما حديث ابن عمر ، فقد قال الترمذي : ليس إسناده بذاك القوي ، وقد تكلم في زيد من قبل حفظه .
وقال يحيى : زيد ليس بشيء .
____________________
(1/300)
وأما حديث عمر : ففيه كاتب الليث أبو صالح ، وكلهم طعن فيه .
وأما حديث أبي سعيد : فمضطرب ، كان الدراوردي يقول فيه تارة : عن أبي سعيد وتارة لا يذكره .
قلنا : أما زيد فقد ضعف إلا أنه إذا كان من قبل حفظه فما يخلو الحافظ من الغلط .
وداود بن حصين أيضا قد ضعف ، إلا أن أبا زرعة يقول : هو لين .
وأما أبو صالح فقال أبو حاتم الرازي : كان رجلا صالحا لم يكن ممن يكذب .
ومثل هذه الأشياء لا توجب اطراح الحديث .
ز : حديث عبد الله بن مغفل رواه النسائي من حديث أشعث وابن ماجة من حديث يونس ، كلاهما عن الحسن ولم يقل أشعث : فإنها خلقت من الشياطين .
وقد تقدم حديث جابر بن سمرة والبراء بن عازب والكلام عليهما .
وروى أبو هريرة قال : قال رسول الله : ' صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل ' .
رواه الإمام أحمد وابن ماجة والترمذي وصححه ( 1 ) .
وروى حديث ابن عمر : ابن ماجة ، والترمذي ، وقال : وقد روى الليث هذا الحديث عن عبد الله بن عمر العمري ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن عمر ، عن النبي مثله .
وحديث ابن عمر أشبه وأصح من حديث الليث بن سعد والعمري ضعفه بعض أهل الحديث من قبل حفظه .
وقد تقدم أن ابن ماجة رواه من رواية أبي صالح كاتب الليث عن الليث عن نافع عن ابن عمر ، فأسقط العمري من الرواية .
وزيد بن جبير اتفقوا على ضعفه ، وقال البخاري : منكر الحديث ، وقال مرة : متروك الحديث .
وقال النسائي : ليس بثقة .
وقال أبو حاتم : ضعيف الحديث جدا .
متروك الحديث لا يكتب حديثه .
____________________
(1/301)
وقال الدارقطني : ضعيف الحديث .
وقال الأزدي : متروك الحديث . وقال ابن عدي : عامة ما يرويه لا يتابعه عليه أحد .
وأما داود بن الحصين فروى له البخاري ومسلم ، ووثقه يحيى بن معين وغيره وتكلم فيه بعضهم .
وأما أبو صالح كاتب الليث فاسمه عبد الله بن صالح ، وقد وثقة جماعة ، وتكلم فيه آخرون .
والصحيح أن البخاري روى عنه في الصحيح .
وأما حديث أبي سعيد فرواه أبو يعلى الموصلي : ثنا زهير ، ثنا يزيد بن هارون أنا سفيان الثوري ، وحماد بن سلمة ، جميعا عن عمرو بن يحيى المازني ، عن أبيه . قال حماد في حديثه : عن أبي سعيد الخدري ، ولم يجاوز سفيان إياه ، قال : قال رسول الله : ' الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام ' ( 1 ) .
وقال أحمد : ثنا معاوية الغلابي ، ثنا عبد الواحد بن زياد ، عن عمرو بن يحيى الأنصاري ، عن أبيه ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله : ' الأرض كلها مسجد إلا الحمام والمقبرة ' .
قال أحمد : وثنا أحمد بن عبد الملك ، ثنا محمد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن عمرو بن يحيى بن عمارة ، عن أبيه ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله : ' كل الأرض مسجد وطهور إلا المقبرة والحمام ' . وقال أبو بكر بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي : ثنا إسحاق هو أبو الحسن ثنا أبو نعيم ، ثنا سفيان ، عن عمرو بن يحيى ، عن أبيه ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله : ' الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام ' . ورواه الإمام أحمد أيضا عن يزيد بن هارون ، مثل رواية زهير .
ورواه أبو داود عن موسى ، عن حماد بن سلمة . وعن مسدد ، عن عبد الواحد بن زياد ، قال : موسى في حديثه فيما يحسب عمرو : أن النبي قال : ' شك في رفعه ' ( 2 ) . ورواه الترمذي عن ابن أبي عمر ، و أبي عمار المروزي ، كلاهما عن الدراوردي ، عن عمرو بن يحيى به مسندا وقال : قد روي عن الدراوردي روايتين : منهم من ذكره عن أبي سعيد ، ومنهم من لم يذكره وهذا حديث فيه اضطراب ، وروى سفيان الثوري عن
____________________
(1/302)
عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي ورواه ابن إسحاق عن عمرو عن أبيه عن النبي مرسلا .
ورواه ابن إسحاق عن عمرو عن أبيه قال : وكان عامة روايته عن أبي سعيد عن النبي ، ولم يقل عن أبي سعيد ، وكأن رواية الثوري أثبت وأصح .
ورواه ابن ماجة عن محمد بن يحيى ، عن يزيد بن هارون ، عن سفيان الثوري . وحماد بن سلمة ، فرفعهما كلاهما عن عمرو بن يحيى به مسندا .
ورواه أبو حاتم البستي عن ابن خزيمة عن بشر بن معاذ ، عن عبد الواحد بن زياد .
ورواه الحاكم في المستدرك من طريق عبد الواحد بن زياد ، عن عمرو مسندا ، ورواه أيضا من رواية بشر بن المفضل ، عن عمارة بن غزية ، عن يحيى بن عمارة عن أبي سعيد مرفوعا وقال : كلاهما على شرط البخاري ومسلم .
وقد رواه علي بن عبد العزيز عن حجاج بن منهال عن حماد مسندا .
وكذلك رواه أبو بكر البزار عن أبي كامل الجحدري عن عبد الواحد بن زياد . وكذلك رواه أبو نعيم عن خارجة بن مصعب عن عمرو بن يحيى .
وسئل عنه الدارقطني فقال : رواه عبد الواحد بن زيد والدراوردي ومحمد بن إسحاق عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد متصلا ، وكذلك رواه أبو نعيم عن الثوري عن عمرو ، وتابعه سعيد بن سالم القداح ويحيى بن آدم عن الثوري فوصلوه ، ورواه جماعة عن عمرو بن يحيى عن أبي مرسلا والمرسل المحفوظ ( * ) .
مسألة [ 114 ] :
لا تصح الفريضة في الكعبة ولا على ظهرها .
وقال أبو حنيفة : تجوز إذا كان بين يديه شيء منها .
وعن مالك : كالمذهبين .
____________________
(1/303)
وقال الشافعي : لا تصح ، إلا أن يستقبل سترة مبنية ، أو خشبة شاخصة متصلة بالبناء .
لنا : الحديث المتقدم .
مسألة [ 115 ] :
إذا صلى في دار غصب أو ثوب غصب ، لم تصح صلاته .
وعنه : تصح ، كقول الباقين .
438 - قال أحمد : حدثنا أسود بن عامر قال : حدثنا بقية بن الوليد الحمصي عن عثمان بن زفر عن هاشم عن ابن عمر قال : من اشترى ثوبا بعشرة دراهم ، وفيه درهم حرام ، لم يقبل الله عز وجل له صلاة ما دام عليه . قال : ثم أدخل أصبعيه في أذنيه ، ثم قال : صمتا إن لم أكن سمعت النبي يقوله .
هاشم مجهول إلا أن يكون ابن زيد الدمشقي .
فذاك يروي عن نافع . ثم قد ضعفه أبو حاتم الرازي .
ز : قال أبو طالب : سألت أبا عبد الله عن هذا الحديث ، فقال : ليس بشيء ليس له إسناد ، ذكره الخلال .
وقال أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ؛ ثنا أبو عتبة ، ثنا بقية ، ثنا بن عبد الله الجهني ، عن أبي جعونة عن هاشم الأوقص ، سمعت ابن عمر يقول : ' من اشترى ثوبا بعشرة دراهم وفي ثمنه درهم حرام لم يقبل الله له صلاة ما كان عليه ، ثم أدخل أصبعيه في أذنيه ، قال : صمتا إن لم أكن سمعته من رسول الله مرتين أو ثلاثا ' .
قال شيخنا أبو الحجاج : يزيد بن عبد الله وأبو جعونة وهشام الأوقص لا يعرفون .
____________________
(1/304)
وقال السعدي : هشام الأوقص ضال غير ثقة .
وقد تكلمنا على هذا الحديث في غير هذا الموضع .
وقال ابن حبان : ثنا علي بن أحمد بواسط ، قال : ثنا أبي ، وعمي ، قالا : ثنا عبد الله بن أبي علاج ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر مرفوعا : ' من اشترى ثوبا بعشرة دراهم في ثمنه درهم حرام لم يقبل له صلاة ' . الحديث ابن أبي علاج متهم بالكذب ( * ) .
____________________
(1/305)
مسائل ستر العورة
مسألة [ 116 ] :
حد عورة الرجل : من السرة إلى الركبة .
وعنه : أنها القبل والدبر . كقول داود . لنا ستة أحاديث :
439 - الحديث الأول : قال عبد الله بن أحمد : حدثني عبيد الله بن عمر القواريري قال : حدثني يزيد أبو خالد القرشي قال حدثنا ابن جريج قال أخبرني حبيب بن أبي ثابت عن عاصم بن ضمرة عن علي قال : قال لي رسول الله ' لا تبرز فخذك ، ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت ' .
440 - الحديث الثاني : قال أحمد : حدثنا محمد بن سابق حدثنا إسرائيل عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس قال : مر رسول الله على رجل فخذه خارجة ، فقال : ' غط فخذك ، فإن فخذ الرجل من عورته ' .
441 - الحديث الثالث : قال أحمد : حدثنا حسين بن محمد حدثنا ابن أبي الزناد عن أبيه بن زرعة بن عبد الله بن جرهد أن رسول الله مر على جرهد ، وفخذ جرهد مكشوفة في المسجد ، فقال له رسول الله : ' يا جرهد ، غط فخذك ، فإن الفخذ عورة ' .
____________________
(1/307)
442 - الحديث الرابع : قال أحمد : حدثنا هشيم حدثنا حفص بن ميسرة عن العلاء عن أبي كثير مولى محمد بن جحش عن محمد بن جحش عن النبي : أنه مر على معمر محتبيا كاشفا عن طرف فخذه ، فقال له النبي : ' خمر فخذك يا معمر . فإن الفخذ عورة ' .
443 - الحديث الخامس : قال الدار قطني : حدثنا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن بهلول قال حدثني جدي حدثنا أبي عن سعيد بن راشد عن عباد بن كثير عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي أيوب قال : سمعت النبي يقول : ( ( ما فوق الركبتين من العورة ، وما أسفل السرة من العورة ) ) .
444 - الحديث السادس : قال يوسف حدثنا محمد بن حبيب حدثنا عبد الله بن بكر حدثنا سوار أبو حمزة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله : ' إذا زوج الرجل منكم عبده أمته فلا يرين ما بين ركبته وسرته ، فإن ما بين ركبته وسرته عورة ' .
أصح هذه الأحاديث : حديث علي - عليه السلام - وحديث عمرو بن شعيب ، وحديث ابن جحش . فأما زرعة في حديث جرهد : فإنه مجهول .
وأما حديث أبي أيوب : فإن سعيد بن راشد وعباد بن كثير : متروكان .
ز : حديث علي رواه إسحاق بن راهويه عن روح بن عبادة ، عن عباد بن منصور ، عن عكرمة بن خالد ، عن حبيب عن عاصم ، وعن روح ، عن ابن جريح ، عن حبيب ( 1 ) .
ورواه أبو داود عن علي بن سهل الرملي ، عن حجاج ، عن ابن جريح ، قال : أخبرت عن حبيب بن أبي ثابت بنحوه ، وقال : هذا الحديث فيه نكارة . ورواه ابن ماجة عن بشر بن آدم ابن بنت أزهر السمان ، عن روح بن عبادة عن ابن جريح ، عن حبيب .
ورواه الهيثم بن كليب الشاشي : ثنا محمد بن سعد العوفي ، ثنا روح بن عبادة ، ثنا ابن جريح ، قال : حدثني حبيب بن أبي ثابت فذكره ( 2 ) .
وقد تكلم أبو حاتم الرازي على هذا الحديث في العلل وضعفه ، وقال إن ابن جريج لم يسمعه من حبيب ، ولا حبيب من عاصم بن
____________________
(1/308)
ضمرة .
وعاصم بن ضمرة وثقه ابن معين . وابن المديني والعجلي .
وقال النسائي : ليس به بأس .
وتكلم فيه ابن عدي وابن حبان .
وحديث ابن عباس رواه الترمذي مختصرا وحسنه ، وأبو يعلى الموصلي والطحاوي وصححه وفي إسناده أبو يحيى القتات وقد اختلف في اسمه فقيل : اسمه زاذان ، وقيل : دينار ، وقيل : عبد الرحمن بن دينار ، وقيل : غير ذلك .
ضعفه شريك ، ويحيى في رواية ووثقه في رواية أخرى .
وقال أحمد : روى عنه إسرائيل أحاديث كثيرة مناكير جدا .
وقال النسائي : ليس بالقوي .
وقال ابن حبان : فحش خطؤه وكثر وهمه حتى سلك غير مسلك العدول في الروايات .
وأما حديث جرهد ، فرواه أبو يعلى الموصلي : ثنا أبو خيثمة ، ثنا عبد الرحمن عن مالك ، عن سالم أبي النضر ، عن زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد ، عن أبيه ، عن جده : أن النبي مر به وهو كاشف فخذه ، فقال : ' أما علمت أن الفخذ عورة ' .
ورواه الطبراني : ثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أبي الزناد ، عن ابن جرهد ، عن جرهد قال : مر بي رسول الله وأنا كاشف فخذي ، فقال النبي : ' غطها فإنها ومن العورة ' .
قال الطبراني : وثنا حفص بن عمر بن الصباح الرقي ، ثنا قبيصة بن عقبة ، ثنا سفيان عن أبي الزناد ، عن زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد ، عن جرهد : أن النبي قال له : ' غط فخذك فإن الفخذ عورة '
قال الطبراني : وثنا علي بن عبد العزيز ، ثنا القعنبي ، عن مالك ، عن أبي النضر ، عن زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد ، عن أبيه ، قال : كان جرهد من أصحاب الصفة ، قال : جلس رسول الله عندنا وفخذي متكشفة فقال : ' أما علمت أن الفخذ عورة ' .
قال الطبراني : وثنا إسماعيل بن الحسن الخفاف المصري ، ثنا أحمد بن صالح ، قال : قرأت على عبد الله بن نافع ، أنا مالك ، عن أبي النضر ، عن زرعة بن عبد الرحمن الأسلمي ، عن أبيه ، عن جده أن النبي جلس إليه وكان من أصحاب الصفة ، فرأى النبي فخذه مكشوفة . فقال : ' خمرفخذك فإن الفخذ عورة ' .
وقال أحمد : ثنا سفيان ، عن أبي النضر ، عن زرعة بن مسلم بن جرهد أن
____________________
(1/309)
النبي رأى جرهد في المسجد وعليه بردة قد انكشف فخذه فقال : ' الفخذ عورة ' .
قال أحمد : وثنا أبو عامر ، ثنا زهير - يعني بن محمد - عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن عبد الله بن جرهد الأسلمي أنه سمع أباه جرهد يقول : سمعت رسول الله يقول : ' فخذ المسلم عورة ' .
ورواه الإمام أحمد أيضا عن عبد الرحمن بن مهدي ، و إسحاق بن عيسى جميعا عن مالك ، عن أبي النضر ، عن زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد عن أبيه ' أن النبي مر به ' كذا رواية ابن مهدي ، وفي رواية إسحاق عن مالك عن زرعة بن جرهد الأسلمي عن أبيه ، ورواه أيضا عن عبد الرزاق .
ورواه عن يحيى بن سعيد ، عن سفيان ، عن أبي الزناد ، عن زرعة عن جده جرهد .
ورواه أبو داود السجستاني عن القعنبي ، ورواه الترمذي عن محمد بن أبي عمر ، عن سفيان ، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله ، عن زرعة بن مسلم بن جرهد ، عن جده جرهد بمعناه ، وقال : حديث حسن وما أرى إسناده بمتصل .
وعن الحسن بن علي ، عن عبد الرزاق ، وقال : حديث حسن . وعن واصل بن عبد الأعلى ، عن يحيى بن آدم ، عن الحسن ابن صالح ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن عبد الله بن جرهد ، عن أبيه عن النبي قال : ' الفخذ عورة ' مختصرا ، وقال : حديث حسن غريب من هذا الوجه ، ورواه أبو حاتم البستي عن الحسين بن محمد بن أبي معشر ، عن إسحاق بن إبراهيم الصواف ، عن أبي عاصم عن سفيان ، عن أبي الزناد ، عن زرعة [ عن ] ( 1 ) جده . وزرعة بن عبد الرحمن بن جرهد الأسلمي ، وثقه أبو عبد الرحمن النسائي . وذكره أبو حاتم بن حبان في كتاب الثقات .
قال : من زعم أنه زرعة بن مسلم بن جرهد فقد وهم . وزرعة بن عبد الرحمن بن جرهد الأسلمي ، وثقه أبو عبد الرحمن النسائي . وذكره أبو حاتم بن حبان في كتاب الثقات . قال : من زعم أنه زرعة بن مسلم بن جرهد فقد وهم . وقال ابن القطان : حديث جرهد له علتان :
إحداهما : الاضظراب المورث سقوط الثقة به وذلك أنهم مختلفون فيه ، فمنهم من يقول : زرعة بن عبد الرحمن ، ومنهم من يقول : زرعة بن عبد الله ، ومنهم من يقول : زرعة بن مسلم . ثم من هؤلاء من يقول : عن أبيه عن النبي ، ومنهم من يقول : عن
____________________
(1/310)
أبيه عن جرهد عن النبي ، ومنهم من يقول : زرعة من آل جرهد عن جرهد عن النبي قال : وإن كنت لا أرى الاضطراب في الإسناد علة ، فإنما ذلك إذا كان من يدور عليه الحديث ثقة فحينئذ لا يضره اختلاف النقلة عليه إلى مسند ومرسل أو رافع ، وواقف وواصل وقاطع .
وأما إذا كان الذي اضطرب عليه بجميع هذا أو ببعضه غير معروف فالاضطراب حينئذ يكون زيادة في وهنه ، وهذه حال هذا الخبر ، العلة الثانية ؛ وذلك أن زرعة وأباه غير معروفي الحال ولا مشهوري الرواية .
انتهى كلامه وفيه نظر .
وأما حديث محمد بن جحش فإسناده صالح ، وقد رواه البخاري في تاريخه .
والطحاوي وصححه .
وأما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فرواه الإمام أحمد وأبو داود بمعناه .
وسوار أبو حمزة هو ابن داود البصري ، وثقه يحيى بن معين وابن حبان .
وقال أحمد : شيخ بصري لا بأس به .
وقال الدارقطني : لا يتابع على أحاديثه فيعتبر به .
ولم يذكر المؤلف حجة من قال : إن العورة هي الفرجان .
وقد احتج من قال ذلك بما روى أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله غزا خيبر فصلينا عندها صلاة الغداة بغسل فركب نبي الله وركب أبو طلحة وأنا رديف أبي طلحة ، فأجرى نبي الله في زقاق خيبر ثم جسر الإزار عن فخده حتى إني لأنظر إلى بياض فخذ نبي الله ، فلما دخل القرية قال : ' الله أكبر خرجت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين قالها ثلاثا ' .
رواه البخاري ومسلم .
وفي روايته : ' فانحسر الإزار عن فخذ نبي الله ' .
قال البخاري : ويروى عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النبي : ' الفخذ عورة ' .
وقال أنس : حسر النبي عن فخذه .
وحديث أنس أسند وحديث جرهد أحوط حتى يخرج من اختلافهم .
وروت عائشة رضي الله عنها قالت : ' كان رسول الله مضطجعا في بيته كاشفا
____________________
(1/311)
عن فخذه أو ساقيه فستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال فتحدث ، ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك فتحدث ، ثم اشتأذن عثمان فجلس رسول الله وسوى ثيابه ، قال : فدخل فتحدث فلما خرج قالت عائشة : دخل أبو بكر فلم تهتش له ولم تباله ، ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله ، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك ، فقال : ' ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة ' . رواه مسلم .
وروى الإمام أحمد : أن رسول الله كان جالسا كاشفا عن فخذه فاستأذن أبو بكر فذكر الحديث .
وروى الإمام أحمد أيضا عن حفصة بنت عمر قالت : ' دخل علي رسول الله ' ذات يوم فوضع ثوبه بين فخذيه ، فجاء أبو بكر يستأذن فأذن له رسول الله على هئيته ' . فذكر نحو حديث عائشة .
وعنه : فلما جاء عثمان بن عفان فاستأذن فتجلل بثوبه ثم أذن له .
مسألة [ 117 ] :
الركبة ليست عورة .
وقال أبو حنيفة : هي عورة .
وقد استدل أصحابنا بالحديثين المتقدمين . وللخصم ما :
445 - رواه الدارقطني : حدثنا إسماعيل بن محمد الصفار ، حدثنا العباس بن محمد الدوري حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا النضر بن منصور حدثنا أبو الجنوب - قال : موسى واسمه عقبة بن علقمة - قال سمعت عليا يقول : سمعت رسول الله يقول : ' الركبة من العورة ' .
____________________
(1/312)
قال أبو حاتم الرازي : عقبة ضعيف الحديث ، والنضر مجهول ، يروي أحاديث منكرة . وقال ابن حبان : لا يحتج به .
مسألة [ 118 ] :
قدم المرأة عورة . وفي يديها روايتان :
وقال أبو حنيفة : ليسا عورة .
446 - قال الدارقطني : حدثنا محمد بن يحيى بن مرداس قال : حدثنا أبو داود حدثنا مجاهد بن موسى حدثنا عثمان بن عمر حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دنيار عن محمد ابن زيد بن مهاجر عن أمه عن أم سلمة : أنها سألت النبي : أتصلي المرأة في درع وخمار ليس لها إزار ؟ قال : ' إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها ' .
وفي هذا الحديث مقال . وهو أن عبد الرحمن بن عبد الله قد ضعفه يحيى .
وقال أبو حاتم الرازي : لا يحتج به .
والظاهر : أنه غلط في رفع الحديث .
فإن أبا داود قال : قد رواه مالك وابن أبي ذئب ، وبكر بن مضر ، وحفص بن غياث ، و إسماعيل بن جعفر ، ومحمد بن إسحاق عن محمد بن زيد عن أمه عن أم سلمة من قولها ، لم يذكر أحد منهم النبي .
ز : عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار روى له البخاري في صحيحه ، ووثقه بعضهم لكنه غلط في رفع هذا الحديث والله أعلم .
وقد رواه الحاكم مرفوعا أيضا .
وقال : هو على شرط البخاري . وقد سئل الدارقطني عن هذا الحديث في العلل ، فقال : يرويه محمد بن زيد بن مهاجر بن قنفذ ، عن أمه ، عن أم سلمة ، . واختلف عنه في رفعه فرواه عبد الرحمن
____________________
(1/313)
ابن عبد الله بن دينار عنه مرفوعا إلى النبي ، وتابعه هشام بن سعيد من رواية مالك بن سعيد عنه ، وخالفه ابن وهب فرواه عن هشام بن سعيد موقوفا ، وكذلك رواه مالك ، وابن أبي ذئب ، وابن لهيعة ، وأبو غسان ، ومحمد بن مطرف ، و إسماعيل بن جعفر ، والدراوردي ، عن محمد بن زيد ، عن أمه ، عن أم سلمة ، موقوفا وهو الصواب .
مسألة [ 119 ] :
يجب ستر المنكبين في الفرض دون النفل .
خلافا لهم في قولهم : لا يجب في الجميع .
لنا ما :
447 - روى أحمد : حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة : أن رسول الله قال : ' يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على منكبيه منه شيء ' .
أخرجاه في الصحيحين
إلا أن في حديث البخاري : ' ليس على عاتقه ' .
وفي حديث مسلم : ' عاتقيه ' .
مسألة [ 120 ] :
إذا كان على ثوبه أو بدنه نجاسة لم تصح الصلاة ، إلا يسير الدم والقيح .
وقال أبو حنيفة : تصح مع قدر الدرهم من سائر النجاسات .
واختلفوا هل يعتبر الدرهم في المساحة أو الوزن ؟ .
____________________
(1/314)
وقال الشافعي : لا تصح إلا مع يسير دم البراغيث .
وبقية الدماء على قولين .
لنا أحاديث منها :
448 - حديث ابن عباس : مر رسول الله بقبرين فقال : ' إنهما ليعذبان . كان أحدهما لا يستبرئ من بوله ' .
وهو في الصحيحين . وقد ذكرناه بإسناده في كتاب الطهارة .
وقد ذكرنا هناك حديثا قد احتج به أصحابنا ههنا : وهو قوله : ' تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم ' وبينا أنه لا يعتمد عليه .
449 - وقد روى الدار قطني : حدثنا أحمد بن محمد بن زياد قال : حدثنا أحمد بن علي الأبار حدثنا علي بن الجعد عن أبي جعفر الرازي عن قتادة عن أنس قال : قال رسول الله : ' تنزهوا من البول ، فإن عامة عذاب القبر منه ' .
____________________
(1/315)
مسائل القيام
مسألة [ 121 ] :
لا يجوز ترك القيام في السفينة .
وقال أبو حنيفة : يجوز إذا كانت سائرة . لنا ثلاثة أحاديث .
450 - الحديث الأول : قال الدارقطني : حدثنا علي بن عبد الله بن مبشر عن جابر ابن كردي حدثنا حسين بن علوان حدثنا جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران عن ابن عباس قال : لما بعث النبي جعفر بن أبي طالب إلى الحبشة ، قال : يا رسول الله ، كيف أصلي في السفينة ؟ قال ' صل فيها قائما ، إلا أن تخشى الغرق ' .
451 - الحديث الثاني : قال الدارقطني ، وحدثنا محمد بن هارون حدثنا إبراهيم بن محمد التميمي قال حدثنا عبد الله بن داود عن رجل من أهل الكوفة من ثقيف عن جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران عن ابن عمر عن جعفر : ( ( أن النبي أمره أن يصلي قائما إلا أن يخشى الغرق ) ) .
452 - الحديث الثالث قال الدار قطني : وحدثنا محمد بن موسى بن سهل البربهاري قال حدثنا بشر بن فأفأ قال : حدثنا أبو نعيم ثنا جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران عن ابن عمر قال : سئل رسول الله عن الصلاة في السفينة ؟ فقال : ' صل قائما ، إلا أن تخاف الغرق ' .
في هذه الأحاديث مقال .
____________________
(1/317)
أما الأول : فقال أبو حاتم الرازي والدارقطني : حسين بن علوان متروك .
وقال يحيى بن معين : كذاب .
وقال ابن عدي : يضع الحديث .
وأما الثاني : ففيه رجل مجهول .
وأما الثالث : فبشر لا يعرف .
ز : بشر ضعفه الدارقطني .
وقد رواه البيهقي ( 1 ) من غير طريقه فقال : أنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو الحسن علي ابن محمد بن عقبة الشيباني بالكوفة ، ثنا محمد بن الحسن بن أبي الحنين ، ثنا الفضل بن دكين ، ثنا جعفر بن برقان ، عن ميمون بن مهران عن ابن عمر قال : سئل النبي عن الصلاة في السفينة ، فقال : كيف أصلي في السفينة ؟ قال : صل فيها قائما إلا أن تخاف الغرق ' . قال الحاكم على شرط مسلم وهو شاذ بمرة .
قال البيهقي : وأنا أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم الحرضي أنا أبو بكر محمد بن حميد بن سهيل الموصلي ، ثنا حماد بن شعيب البلخي ، ثنا الصلت ابن مسعود ، ثنا عبد الله بن داود ، عن جعفر بن برقان ، عن ميمون بن مهران ، عن ابن عمر ، قال : ' أمر رسول الله أصحابه حين خرجوا إلى الحبشة أن يصلوا في السفينة قياما ما لم يخافوا الغرق ' .
كذا قال ، واختلف فيه على عبد الله بن داود ، وقيل لم يسمعه من جعفر وحديث أبي نعيم الفضل بن دكين حسن .
وأنا أبو محمد الحرضي ، أنا محمد ابن حميد ، ثنا حامد البلخي ، ثنا الصلت بن مسعود ثنا عمر وأظنه ابن عبد الغفار الفقيمي ، عن جعفر بن برقان ، عن ميمون بن مهران ، عن ابن عباس ، قال : كان جعفر ابن أبي طالب وأصحابه حين خرجوا إلى الحبشة يصلون في السفينة قياما .
قال : وأنا أبو طاهر الفقيه ، أنا أبو الفضل عبدوس بن الحسين السمسار ، ثنا أبو حاتم ، ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، قال : حدثني حميد الطويل ، قال : سئل أنس بن مالك عن الصلاة في السفينة فقال عبد الله بن أبي عتبة مولى أنس وهو معنا في المجلس :
____________________
(1/318)
سافرت مع أبي الدرداء ، و أبي سعيد الخدري ، وجابر بن عبد الله يصلي بنا أمامنا ونصلي خلفه قياما ولو شئنا الخرجنل .
قال : وأنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو ، قالا : ثنا أبو العباس بن يعقوب ، ثنا العباس بن محمد الدوري ، ثنا يونس بن محمد المؤدب ، ثنا حرب بن ميمون ، عن النضر بن أنس ، عن أنس : ( ( أنه كان إذا ركب السفينة فحضرت الصلاة والسفينة محبوسة صلى قائما ، وإذا كانت تسير صلى قاعدا في جماعة ) ) ( * ) .
مسألة [ 122 ] :
إذا لم يقدر على الركوع والسجود ، لم يسقط عنه القيام .
وقال أبو حنيفة : يسقط .
453 - قال أحمد : حدثنا وكيع حدثنا إبراهيم بن طهمان عن حسين المعلم عن ابن بريدة عن عمران بن حصين قال : كان بي الناصور .
فسألت النبي عن الصلاة ؟ فقال : ( ( صل قائما ، فإن لم تستطع فقاعدا ، فإن لم تستطع فعلى جنب ) ) . انفرد بإخراجه البخاري ( 1 ) .
مسألة [ 123 ] :
إذا عجز عن القعود صلى على جنبه .
فإن صلى مستلقيا على ظهره ورجلاه إلى القبلة أجزأه .
____________________
(1/319)
وقال أبو حنيفة : لا يجزئه أن يصلي إلا مستلقيا ، رجلاه إلى القبلة .
وعن الشافعي كقوله . وعنه : لا يجزئه إلا على جنبه .
لنا حديثان :
أحدهما : حديث عمران المتقدم .
454 - والثاني : رواه الدارقطني حدثنا إبراهيم بن محمد بن علي بن بطحا حدثنا الحسين بن الحكم الحيري حدثنا حسن بن حسين العرني حدثنا حسين بن زيد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن الحسين بن علي عن علي بن أبي طالب عن النبي قال : ( ( يصلي المريض قائما إن استطاع . فإن لم يستطع صلى قاعدا .
فإن لم يستطع أن يسجد أومأ ، وجعل سجوده أخفض من ركوعه . فإن لم يستطع أن يصلي صلى قاعدا صلى على جنبه الأيمن مستقبل القبلة .
فإن لم يستطع أن يصلي على جنبه الأيمن صلى مستلقيا رجليه مما يلي القبلة ) ) .
ز : الحسن بن الحسين العرني قال أبو حاتم الرازي : لم يكن بصدوق عندهم كان من رؤساء الشيعة .
وقال ابن عدي : روى أحاديث مناكير ولا يشبه حديثه حديث الثقات .
وقال ابن حبان : يأتي عن الأثبات بالملزقات ويروي المقلوبات .
وحسين بن زيد هو ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : قلت لأبي ما تقول فيه ؟ فحرك يده وقلبها ، يعني تعرف وتنكر .
وقال ابن عدي : أرجو أنه لا بأس به إلا أني وجدت في حديثه بعض النكرة ( * ) .
مسألة [ 124 ] :
إذا عجز عن الإيماء برأسه أومأ بطرفه ، فإن عجز نوى بقلبه .
____________________
(1/320)
وقال أبو حنيفة : يسقط عنه فرض الصلاة .
لنا الحديث المتقدم في ذكر الإيماء .
____________________
(1/321)
مسائل صفة الصلاة
مسألة [ 125 ] :
يقومون إلى الصلاة عند ذكر الإقامة ، ويكبرون إذا فرغ منها .
وقال أبو حنيفة : يقومون عند الحيعلة ، ويكبرون عند ذكر الإقامة .
وقال الشافعي : يقومون إذا فرغ من الإقامة .
وقد ذكر أصحابنا :
455 - أن ابن أبي أوفى روى عن النبي : أنه كان إذا قال بلال : قد قامت الصلاة نهض .
ز : روى هذا الحديث البيهقي وقال : لا يرويه إلا حجاج بن فروخ ، وكان يحيى بن معين يضعفه .
وقال النسائي أيضا : هو ضعيف ( * ) .
مسألة [ 126 ] :
لا تنعقد الصلاة إلا بقوله ' الله أكبر ' .
وقال أبو حنيفة : تنعقد بكل لفظ يقصد به التعظيم .
____________________
(1/323)
456 - قال أحمد : حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل ( 1 ) عن محمد بن الحنيفة عن أبيه قال : قال رسول الله : ( ( مفتاح الصلاة الطهور ، وتحريمها التكبير . وتحليلها التسليم ) ) .
قال الترمذي : هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن ، وابن عقيل صدوق .
إنما تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه .
وكان أحمد و إسحاق والحميدي يحتجون بحديثه .
ز : روى هذا الحديث أبو داود ، وابن ماجة ، والترمذي ( 2 ) ، وأبو يعلى الموصلي ، وقد روي نحوه من غير وجه ( * ) .
مسألة [ 127 ] :
لا تنعقد الصلاة بقوله : ' الله الأكبر ' .
وقال الشافعي وداود : تنعقد : لنا ما :
457 - قال الترمذي : حدثنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا عبد الحميد
____________________
(1/324)
ابن جعفر حدثنا محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي حميد الساعدي قال : كان رسول الله إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائما ورفع يديه ، ثم قال ' الله أكبر ' .
458 - وقد روى أصحابنا من حديث رفاعة عن النبي أنه قال : ( ( لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الوضوء مواضعه ، ثم يستقبل القبلة ويقول : الله أكبر ) ) .
ز : قد ذكر بعضهم أن أبا داود روى حديث رفاعة بهذا اللفظ وإنما رواه بلفظ : ( ( لا يتم صلاة أحد من الناس حتى يتوضأ فيضع الوضوء مواضعه ثم يكبر ويحمد الله عز وجل ويثني عليه ) ) .
الحديث .
وقد روى الحديث بطوله الطبراني فقال : حدثنا علي بن عبد العزيز ، ثنا حجاج بن المنهال .
قال الطبراني : وثنا محمد بن حيان المازني ، ثنا أبو الوليد الطيالسي ، قالا : ثنا همام ، أنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، حدثني علي بن أبي يحيى بن خلاد عن أبيه ، عن عمه رفاعة بن رافع - زاد أبو الوليد في حديثه : كان رفاعة ومالك أخوين من أهل بدر - قال : ' بينما رسول الله جالس ينظر حوله فإذا رجل فاستقبل القبلة فصلى ركعتين ) ) وقال حجاج في حديثه : ( ( كنت جالسا عند النبي إذ جاء رجل فدخل المسجد فصلى فلما قضى صلاته جاء فسلم على رسول الله وعلى القوم ، فقال له رسول الله : ( ( وعليك ارجع فصل فإنك لم تصل ) ) . قال : فرجع فصلى فجعل يرمق صلاته لا يدري ما يعيب منها فلما قضى صلاته جاء فسلم على رسول الله وعلى القوم فقال رسول الله : ( ( ارجع فصل فإنك لم تصل ) ) ، قال : وذكر ذلك إما مرتين وإما ثلاثا ، فقال الرجل : ما أدري ما عبت علي .
قال : فقال النبي : ( ( إنه لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح رأسه ورجليه إلى الكعبين ثم يكبر الله ويحمده ويقرأ من القرآن ما أذن الله له فيه وتيسر ، ثم يكبر فيركع فيضع كفيه على ركبتيه حتى تطمئن مفاصله وتسترخي ثم يقول : سمع الله لمن حمده ، فيستوي قائما حتى يأخذ كل عظم مأخذه ويقيم صلبه ثم يكبر فيسجد فيمكن جبهته ' . قال همام : وربما قال : ' فيمكن وجهه من الأرض حتى تطمئن مفاصله وتسترخي ثم يكبر فيرفع رأسه فيستوي قاعدا على مقعدته ويقيم صلبه ' ، فوصف الصلاة هكذا حتى فرغ ثم قال : ( ( لا تتم صلاة أحدكم .
حتى يفعل ذلك ) ) .
واللفظ لحديث حجاج ( 1 ) .
ورواه الطبراني أيضا عن الدبري ، عن عبد الرزاق ، عن داود بن قيس عن علي ابن يحيى ابن خلاد بن رافع بن مالك الزرقي ، حدثني أبي ، عن عمه وكان بدريا .
ورواه الإمام أحمد بن يزيد بن هارون ، عن محمد بن عمرو ، عن علي بن يحيى بن خلاد الزرقي ، عن
____________________
(1/325)
رفاعة بن رافع الزرقي ، لم يقل عن أبيه ، وعن يحيى بن سعيد ، عن محمد بن عجلان ، عن علي بن يحيى بن خلاد ، عن أبيه ، عن عمه وكان بدريا .
ورواه أبو داود عن موسى بن إسماعيل ، عن حماد بن سلمة ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن علي بن يحيى بن خلاد ، عن عمه ( 1 ) .
وعن الحسن بن علي الحلواني ، عن هشام بن عبد الملك ، وحجاج بن منهال ، عن همام ، عن إسحاق ، عن علي بن يحيى ، عن أبيه ، عن عمه ، وعن وهب بن بقية ، عن خالد ، عن حماد ، عن محمد بن عمرو ، عن علي بن يحيى ، عن رفاعة وعن عباد بن موسى ، عن إسماعيل بن جعفر ، عن يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع عن ، أبيه ، عن جده ، عن رافع .
ورواه الترمذي عن علي بن حجر ، عن إسماعيل بن جعفر ، عن يحيى بن علي بن خلاد الزرقي ، عن جده ، عن رفاعة ، ولم يقل عن أبيه ، وقال حديث حسن ( 2 ) .
ورواه النسائي عن علي بن حجر ، عن إسماعيل بن جعفر بإسناد عباد وعن قتيبة ، عن بكر بن مضر ، عن ابن عجلان ، عن علي بن يحيى عن أبيه ، عن عمه وكان بدريا ( 3 ) .
وعن قتيبة ، عن الليث ، عن ابن عجلان .
وعن سويد ، عن عبد الله ، عن داود بن قيس ، جميعا عن علي بن يحيى ، عن أبيه ، عن عم له بدري .
ورى ابن ماجة بعضه عن محمد بن يحيى ، عن حجاج ، عن همام ( 4 ) .
وروى أبو حاتم البستي ( 5 ) عن جعفر بن أحمد بن سنان القطان ، عن أبيه . وبندار عن يحيى بن سعيد القطان ، عن ابن عجلان بنحوه .
وقد روى البخاري حديثا من رواية علي ابن يحيى ، عن أبيه ، عن رفاعة بن رافع ( * ) .
____________________
(1/326)
مسألة [ 128 ] :
التكبير من الصلاة .
وقال الحنفيون : ليس منها .
459 - قال أحمد : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثني الحجاج بن أبي عثمان حدثني يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم عن النبي قال : ( ( إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس .
إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ) ) .
انفرد بإخراجه مسلم .
احتجوا بقوله : ( ( وتحريمها التكبير ) ) وقد سبق بإسناده .
وقالوا : فأضاف التحريم إلى الصلاة ، والشيء لا يضاف إلى نفسه .
قلنا : قد يضاف الجزء إلى الجملة ، كقولهم : دهليز الدار .
مسألة [ 129 ] :
يسن رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه .
____________________
(1/327)
وقال أبو حنيفة : لا يسن .
وعن مالك كالمذهبين .
لنا أحاديث .
460 - أحدهما : قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه قال : رأيت رسول الله إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه ، وإذا أراد أن يركع ، وبعدما يرفع رأسه من الركوع .
ولا يرفع بين السجدتين .
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين ( 1 ) .
قال البخاري : قال علي بن المديني - وكان أعلم أهل زمانه - حق على المسلمين أن يرفعوا أيديهم لهذا الحديث .
461 - حديث آخر : قال البخاري : حدثنا هشام بن عبد الملك قال حدثنا شعبة عن قتادة عن نصر بن عاصم عن مالك بن الحويرث قال : كان النبي إذا كبر رفع يديه ، وإذا ركع ، وإذا رفع رأسه من الركوع .
أخرجاه في الصحيحين .
462 - حديث آخر : قال أحمد : حدثنا [ يوسف بن محمد ] ( 1 ) حدثنا عبد الواحد حدثنا عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال : استقبل رسول الله القبلة ، فكبر ورفع يديه ، حتى كانتا حذو منكبيه .
فلما أراد أن يركع : رفع يديه على ركبتيه حتى
____________________
(1/328)
كانتا حذو منكبيه ، فلما ركع وضع يديه على ركبتيه .
فلما رفع رأسه من الركوع رفع يديه حتى كانتا حذو منكبيه .
وقد روى هذه السنة عن رسول الله جماعة من الصحابة منهم : عمر ، وعلي ، وأبو موسى ، ومحمد بن مسلمة ، وأبو قتادة ، وابن عمر وابن عمرو ، وابن عباس ، وأبو سعيد ، وأبو أسيد ، وجابر ، وأنس ، وأبو هريرة ، وسهل بن سعد ، وابن الزبير ، وغيرهم .
ولم يثبت عن أحد من الصحابة أنه لم يرفع .
وكان ابن عمر إذا رأى رجلا لا يرفع يديه كلما خفض ورفع حصبه حتى يرفع .
463 - وقال محمود بن إسحاق الخزاعي : حدثنا البخاري حدثنا مسدد قال : حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة عن الحسن قال : كان أصحاب رسول الله كأنما أيديهم المراوح ، يرفعونها إذا ركعوا ، وإذا رفعوا رءوسهم .
وقال عبد الرزاق : أخذ أهل مكة رفع اليدين في الافتتاح والركوع والرفع منه عن ابن جريج .
وأخذه ابن جريج عن عطاء ، وأخذه عطاء عن ابن الزبير ، وأخذه ابن الزبير عن أبي بكر ، وأخذه أبو بكر عن رسول الله .
قالوا : أحاديثكم منسوخة .
صرح بذلك حديثان :
464 - أحدهما : عن ابن عباس قال : كان رسول الله يرفع يديه كلما ركع وكلما رفع يديه ثم صار إلى افتتاح الصلاة .
وترك ما سوى ذلك .
465 - والثاني : حديث ابن الزبير : أنه رأى رجلا يرفع يديه من الركوع .
فقال : مه ، فإن هذا شيء فعله رسول الله ثم تركه .
ثم لو لم ندع النسخ فهي معارضة بستة أحاديث :
466 - الحديث الأول : قال أحمد : حدثنا وكيع عن سفيان عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة قال : قال عبد الله بن مسعود ألا أصلي بكم صلاة رسول الله ؟ فلم يرفع يديه إلا مرة .
____________________
(1/329)
467 - طريق آخر : أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت أخبرني الحسن بن علي التميمي قال حدثنا عمر بن أحمد الواعظ حدثنا عمر بن عبد الله بن عمرو قال : حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل قال حدثنا محمد بن جابر عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال : ' صليت مع رسول الله ، ومع أبي بكر وعمر ، فلم يرفعوا أيديهم إلا عند افتتاح الصلاة ' .
468 - الحديث الثاني : قال الدار قطني : حدثنا ابن صاعد حدثنا لوين حدثنا إسماعيل بن زكريا عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب : ( ( أنه رأى النبي - حين افتتح الصلاة - رفع يديه حتى حاذى بهما أذنيه .
ثم لم يعد إلى شيء من ذلك حتى فرغ من صلاته ) ) .
469 - الحديث الثالث : قال أحمد : حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سليمان قال سمعت المسيب بن رافع يحدث عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة عن النبي : أنه دخل المسجد . فأبصر قوما قد رفعوا أيديهم .
فقال : ( ( قد رفعوها كأنها أذناب الخيل الشمس ، اسكنوا في الصلاة ) ) . انفرد بإخراجه مسلم .
470 - الحديث الرابع : أنبأنا محمد بن ناصر الحافظ عن أبي بكر بن خلف عن أبي عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي قال حدثنا حامد بن عبد الله الواعظ حدثنا علي بن محمد بن عيسى حدثنا محمد بن عكاشة الكرماني حدثنا المسيب بن واضح حدثنا عبد الله ابن المبارك عن يونس بن يزيد عن الزهري عن أنس قال : قال رسول الله : ( ( من رفع يديه في التكبير فلا صلاة له ) ) .
ز : قال الحاكم فيمن يضع الحديث في الوقت : وقيل لمحمد بن عكاشة الكرماني : إن قوما عندنا يرفعون في الركوع وبعد رفع الرأس من الركوع فقال : ثنا المسيب بن واضح ،
____________________
(1/330)
ثنا عبد الله بن المبارك ، عن يونس بن يزيد ، عن الزهري ، عن أنس ، قال : قال رسول الله : ( ( من رفع يديه في الركوع فلا صلاة له ) ) .
471 - الحديث الخامس : حدثت عن محمد بن نصر قال : أنبأنا علي بن محمد بن عبد الحميد قال حدثنا أبو بكر محمد بن علي بن بلال حدثنا عبيد الرحمن بن علي بن محمد الفقيه قال حدثني أبي قال حدثنا المأمون بن أحمد السلمي حدثنا المسيب بن واضح عن ابن المبارك عن يونس عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي قال : ( ( من رفع يديه في الصلاة فلا صلاة له ) ) .
472 - الحديث السادس : رووا عن ابن عباس عن النبي أنه قال : ( ( لا ترفع الأيدي إلا في سبعة مواطن : عند افتتاح الصلاة ، وعند استقبال البيت ، وعند الصفا والمروة ، وعند الجمرتين ، وعند الموقف ' .
ورواه عن عمر أنه قال : إن رفع اليدين في الصلاة لبدعة .
وعن علي : ( ( أنه كان يرفع يديه في أول تكبيرة من الصلاة ، ثم لا يرفع يديه بعد ) ) .
وعن مجاهد : أنه قال : ( ( صليت خلف ابن عمر سنتين ، فلم يرفع يده إلا في التكبيرة الأولى ) ) .
قالوا : وهذا يؤيد قولنا : إن أحاديثكم منسوخة .
والجواب : أن من شرط الناسخ أن يكون أقوى من المنسوخ .
وحديث ابن عباس وابن الزبير : لا يعرفان أصلا .
والمحفوظ عنهما الرفع .
فروى أبو داود من حديث ميمون المكي : أنه رأى ابن الزبير - وصلى بهم - يشير بكفيه ، حين يقوم ، وحين يركع ، وحين يسجد .
قال فذهبت إلى ابن عباس فأخبرته بذلك .
فقال : إن أحببت أن تنظر إلى صلاة رسول الله ، فاقتد بصلاة عبد الله بن الزبير .
وقد روى طاوس عن ابن عباس أنه : كان يرفع يديه في المواطن الثلاثة .
____________________
(1/331)
وأما أحاديث المعارضة :
فحديث ابن مسعود الأول : قال فيه عبد الله بن المبارك : لا يثبت هذا الحديث .
وقال أبو داود : ليس بصحيح .
وقال غيرهما : لم يسمع عبد الرحمن بن علقمة .
ويجوز أن يكون علقمة لم يضبط ، وابن مسعود قد خفي عليه هذا من فعل رسول الله ، كما خفي عليه غيره ، مثل نسخ التطبيق .
وأما طريقه الثاني : فقال الدار قطني : تفرد به محمد بن جابر ، وكان ضعيفا عن حماد .
وغير حماد يرويه عن إبراهيم مرسلا عن عبد الله من قوله ، غير مرفوع إلى النبي .
وهو الصواب .
قلت : قال أحمد بن حنبل : لا يحدث عن محمد بن جابر إلا من هو شر منه .
وقال يحيى : ليس بشيء .
وأما حديث البراء : ففيه يزيد بن أبي زياد .
قال علي بن المديني ويحيى بن معين : هو ضعيف الحديث لا يحتج به ( 1 ) .
وقال ابن المبارك : ارم به .
وقال النسائي : متروك الحديث .
وقال الدار قطني : إنما لقن يزيد في آخر عمره ' ثم لم يعد ' فتلقنه .
وكان قد اختلط .
وكذا قال سفيان بن عيينة : لقن يزيد هذا لما كبر .
قلت : ويمكن أن يكون هذا من الراوي عنه .
فإنه قد رواه عنه إسماعيل بن زكريا ومحمد بن أبي ليلى .
قال أحمد : إسماعيل ضعيف .
ومحمد بن أبي ليلى : ضعيف مضطرب الحديث .
ويؤكد أن ذلك من الرواة ما :
473 - رواه الدارقطني : حدثنا أبو بكر الأدمي حدثنا عبد الله بن محمد بن أيوب قال : حدثنا علي بن عاصم قال : حدثنا محمد بن أبي ليلى عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال : رأيت رسول الله حين قام إلى الصلاة فكبر : ' رفع يديه حتى ساوى بهما أذنيه ، ثم لم يعد ' .
قال علي : فلما قدمت الكوفة قيل لي : إن يزيد حي .
فأتيته فحدثني بهذا الحديث قال : حدثني عبد الرحمن بن أبي ليلى عن
____________________
(1/332)
البراء قال : رأيت النبي حين قام إلى الصلاة فكبر : رفع يديه حتى ساوى بهما أذنيه .
فقلت : إنه أخبرني ابن أبي ليلى أنك قلت : ' ثم لم يعد ' . قال : لا أحفظ هذا فعاودته .
فقال : لا أحفظ هذا .
قال البخاري : وكذلك روى الحفاظ الذين سمعوا من يزيد قديما .
منهم الثوري وشعبة وزهير ، ليس فيه ' ثم لم يعد ' .
قال أبو داود : ورواه هشيم وخالد وابن إدريس عن يزيد .
ولم يذكروا فيه ' ثم لا يعود ' .
وقد روى محمد بن أبي ليلى عن أخيه عيسى عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء قال : رأيت رسول الله رفع يديه حين افتتح الصلاة .
ثم لم يرفعها حتى انصرف .
وقد ذكرنا عن أحمد تضعيف محمد بن أبي ليلى .
قال أبو داود : هذا الحديث ليس بصحيح .
وأما حديث جابر بن سمرة : فإنه لم يرد به ما نحن فيه .
وقد روي ذلك مفسرا .
474 - قال أحمد : حدثنا محمد بن عبيد حدثنا مسعر عن عبيد الله بن القبطية قال سمعت جابر بن سمرة قال : ' كنا نقول خلف رسول الله ، إذا سلمنا : السلام عليكم ، السلام عليكم - يشير أحدنا بيده عن يمينه وشماله - فقال رسول الله : ( ( ما بال الذين يرمون بأيديهم في الصلاة كأنها أذناب الخيل الشمس ؟ ألا يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ، ثم يسلم عن يمينه وشماله ؟ ) ) . انفراد بإخراجه مسلم ( 1 ) .
وأما حديث أنس : ففيه محمد بن عكاشة ، قال الدار قطني : كان يضع الحديث .
وأما حديث أبي هريرة : ففيه مأمون .
وكان كذابا ، قال ابن حبان : كان دجالا من الدجالين .
وأما حديث ابن عباس : فلا يعرف مسندا .
إنما هو موقوف عليه ، والمعروف عنه : ترفع الأيدي في سبعة مواطن .
____________________
(1/333)
ولا يصح ما حكوا : عن عمر ، ولا عن علي ، ولا عن ابن عمر .
ثم أخبارنا مثبتة وأخبارهم نافيه .
فكانت أولى .
ز : حديث وائل بن حجر رواه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجة ( 1 ) نحو ما رواه أحمد .
وحديث ابن مسعود رواه أبو داود ، والنسائي ( 2 ) ، والترمذي ، وقال : حديث حسن .
وفي لفظ لأبي داود : ألا أصلي بكم صلاة رسول الله قال : ( ( فصلى فرفع يديه في أول مرة ) ) .
وحديث البراء رواه الإمام أحمد ، وأبو داود ( 3 ) .
وروى الدار قطني بإسناده عن جرير وهو ابن عبد الحميد ، عن حصين بن عبد الرحمن قال : دخلنا على إبراهيم فحدثه عمرو بن مرة قال : صلينا في مسجد الحضرميين فحدثني علقمة بن وائل عن أبيه : ( ( أنه رأى رسول الله يرفع يديه حين يفتتح وإذا ركع وإذا سجد ) ) .
فقال إبراهيم : ما أرى أباه رأى رسول الله إلا ذلك اليوم الواحد فحفظ عنه ذلك .
وعبد الله لم يحفظ ذلك منه ، ثم قال إبراهيم : إنما رفع اليدين عند افتتاح الصلاة . قال أبو بكر بن إسحاق الفقيه : هذه علة لا تسوى سماعها ؛ لأن رفع اليدين قد صح عن النبي ثم الخلفاء الراشدين ثم عن الصحابة والتابعين وليس في نسيان عبد الله بن مسعود رفع اليدين ما يوجب أن هؤلاء الصحابة لم يروا النبي رفع يديه ، قد نسي ابن مسعود من القرآن ما لم يختلف المسلمون فيه بعد وهي المعوذتان ، ونسي ما اتفق العلماء كلهم على نسخة وتركه من التطبيق ، ونسي كيفية قيام اثنين خلف الإمام ، ونسي ما لم يختلف العلماء فيه أن النبي صلى الصبح ويوم النحر في وقتها .
ونسي كيفية جمع النبي بعرفة ، ونسي ما لم يختلف العلماء فيه من وضع المرفق والساعد على الأرض في السجود ، ونسي كيف يقرأ النبي ( ^ وما خلق الذكر والأنثى ) .
وإذا جاز على عبد الله أن ينسى مثل هذا في الصلاة خاصة كيف لا يجوز مثله في رفع اليدين .
وقال البخاري في كتاب رفع اليدين له : قد روينا عن سبعة عشر نفسا من أصحاب النبي أنهم كانوا يرفعون أيديهم عند الركوع ، فمنهم أبو قتادة الأنصاري ، وأبو أسيد الساعدي البدري ومحمد بن مسلمة البدري وسهل بن سعد الساعدي ، وعبد الله بن عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي ، وأنس بن مالك خادم رسول الله
____________________
(1/334)
، وأبو هريرة ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وعبد الله بن الزبير ، ووائل بن حجر ، ومالك بن الحويرث ، وأبو موسى الأشعري ، وأبو حميد الساعدي رضي الله عنهم .
قال البيهقي : وقد روينا عن هؤلاء وعن أبي بكرالصديق ، وعمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وجابر بن عبد الله ، وعقبة بن عامر الجهني ، وعبد الله بن جابر البياصي ، رضي الله عنهم .
وقد ذكر المؤلف فيما تقدم أن أكثر هؤلاء رووا الرفع عن النبي وقد كتبنا الكلام على أحاديث هذا الباب حديث ابن مسعود وغيره مطولا في غير هذا الموضع .
وذكرنا علل ما روي عن علي وابن عمر وغيرهما من الرفع عند افتتاح الصلاة فقط ، وذكرنا الجواب عما علل به الطحاوي أحاديث الرفع وما ذكره المؤلف في هذه المسألة من الاستدلال والجواب حسن وإن كان عليه فيه مناقشات في غير موضع والله أعلم ( * ) .
مسألة [ 130 ] :
ترفع اليد حذو المنكب .
وقال أبو حنيفة : حيال الأذنين .
وعن أحمد : التخيير في ذلك .
لنا : ما تقدم من حديث ابن عمر في الرفع .
وحديث وائل بن حجر .
وقد رواه علي عليه السلام عن رسول الله وغيره .
____________________
(1/335)
مسألة [ 131 ] :
يسن وضع اليمين على الشمال .
خلافا لإحدى الروايتين عن مالك .
لنا أربعة أحاديث :
475 - الحديث الأول : قال أحمد : [ حدثنا يونس بن محمد ] ( 1 ) قال : حدثنا عبد الواحد قال : حدثنا عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال : أتيت النبي . فقلت : لأنظره كيف يصلي ؟ قال : فاستقبل القبلة ، وكبر ، فرفع يديه حتى كانتا حذو منكبيه ، ثم أخذ شماله بيمينه .
476 - طريق آخر : قال مسلم بن الحجاج : حدثنا زهير بن حرب حدثنا عفان حدثنا همام قال حدثنا محمد بن جحادة قال : حدثني عبد الجبار بن وائل عن علقمة بن وائل ابن حجر : أن رسول الله رفع يديه حين دخل في الصلاة ثم وضع يده اليمنى على اليسرى .
477 - الحديث الثاني : قال أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا سفيان قال حدثني سماك عن قبيصة بن هلب عن أبيه قال : رأيت رسول الله يضع هذه على صدره .
ووصف يحيى اليمنى على اليسرى فوق المفصل .
____________________
(1/336)
478 - طريق آخر : قال الترمذي : حدثنا قتيبة قال : حدثنا أبو الأحوص عن سماك ابن حرب عن قبيصة بن هلب عن أبيه قال : كان رسول الله يؤمنا .
فيأخذ شماله بيمينه .
479 - الحديث الثالث : قال الدار قطني : حدثنا أحمد بن عيسى بن السكين قال : حدثنا عبد الحميد بن محمد قال : حدثنا مخلد بن يزيد حدثنا طلحة بن عطاء عن ابن عباس عن النبي قال : ( ( إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نمسك بأيماننا على شمائلنا في الصلاة ) ) .
480 - الحديث الرابع : قال الدار قطني : حدثنا يحيى بن صاعد قال : حدثنا زياد بن أيوب حدثنا النضر بن إسماعيل عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ( ( أمرنا معاشر الأنبياء أن نضرب بأيماننا على شمائلنا في الصلاة ) ) .
ز : حديث هلب رواه ابن ماجة والدارقطني والترمذي .
وحديث ابن عباس فيه طلحة ابن عمرو بن عثمان الحضرمي المكي ، قال فيه أحمد بن حنبل : لا شيء متروك الحديث .
وقال يحيى بن معين : ليس بشيء .
ضعيف .
وتكلم فيه أيضا البخاري وأبو حاتم وأبو زرعة وأبو داود والجوزجاني والنسائي وابن الجنيد والدار قطني وابن حبان وابن عدي وغيرهم .
وحديث أبي هريرة فيه النضر بن إسماعيل وابن أبي ليلى وليسا بقويين .
قال ابن معين في النضر ليس بشيء . وقال أبو زرعة والنسائي : ( ( إنه ليس بالقوي ) ) .
وقد روى البخاري في صحيحه عن سهل بن سعد قال : ( ( كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه في الصلاة ) ) . قال أبو حازم : لا أعلمه إلا ينحى ذلك إلى النبي .
وعن عبد الله بن مسعود : أنه كان يصلي واضعا يده اليسرى على اليمنى ، فرآه النبي فوضع يده اليمنى على اليسرى .
رواه أبو داود وابن ماجة والنسائي ، والدار قطني واللفظ لأبي داود .
وفي إسناده حجاج بن أبي زينب وسيأتي الكلام عليه في الحديث الذي بعده .
____________________
(1/337)
وقد روى أحمد : ثنا محمد بن الحسن الواسطي - يعني المزني - ثنا أبو يوسف يعني ابن أبي زينب الصيقل - عن أبي سفيان ، عن جابر ، قال : ( ( مر رسول الله برجل يصلي وقد وضع يده اليسرى على اليمنى فانتزعها ، ووضع اليمنى على اليسرى ) ) .
وقد رواه الدارقطني .
وأبو يوسف اسمه حجاج ، قال فيه أحمد بن حنبل : أخشى أن يكون ضعيف الحديث .
وقال ابن معين : ليس به بأس . وقال ابن المديني : ضعيف . وقال النسائي : ليس بالقوي .
وقال ابن عدي : أرجو أنه لا بأس به فيما يرويه ، وقد روى له مسلم في صحيحه حديثا واحدا .
وقد روى الطبراني : ثنا عمر بن عبد العزيز بن مقلاص ، حدثني أبي ، ثنا ابن وهب عن معاوية بن صالح ، عن يونس بن سيف ، عن أبي راشد الحبراني عن الحارث بن غطيف قال : ( ( رأيت رسول الله واضعا يمينه على شماله في الصلاة ) ) .
رواه زيد بن الحباب ، وعبد الله بن صالح ، وعن معاوية بن صالح ، عن يونس بن سيف ، عن الحارث بن غطيف أو غطيف بن الحارث ، ولم يذكر أبا راشد الحبراني .
وقد روى هذا الحديث أيضا الإمام أحمد .
وقد روى أبو داود عن عبد الله بن الزبير قال : صف القدمين ووضع اليد على اليد من السنة ( * ) .
مسالة [ 132 ] :
توضع اليمين على الشمال تحت الصدر .
وهو قول الشافعي .
وعن أحمد : تحت السرة .
وعنه : التخيير .
وما ذهبنا إليه أليق بالخشوع .
وقد رواه أصحابنا عن وائل بن حجر عن النبي : أنه كان يضعها فوق السرة .
____________________
(1/338)
481 - وقد روى عبد الله ابن الإمام أحمد : حدثنا محمد بن سليمان لوين حدثنا يحيى بن أبي زائدة حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق عن زياد بن زيد السوائي عن أبي جحيفة عن علي قال : إن من السنة في الصلاة : وضع الأكف على الأكف تحت السرة .
وهذا لا يصح .
قال أحمد : عبد الرحمن بن إسحاق ليس بشيء .
وقال يحيى : متروك .
ز : زياد بن يزيد السوائي ، قال فيه أبو حاتم : مجهول .
وضع اليمنى على الشمال تحت السرة .
وقد روى أبو بكر بن خزيمة في صحيحه عن وائل بن حجر قال : صليت مع رسول الله ووضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره ( * ) .
مسألة [ 133 ] :
يسن الافتتاح .
وقال مالك : لا يسن .
لنا : أحاديث ستأتي فيما بعد هذه المسألة .
مسألة [ 134 ] :
تستفتح الصلاة بسبحانك اللهم وبحمدك .
____________________
(1/339)
وقال الشافعي : تستفتح بقوله : ' وجهت وجهي ' .
لنا : أن ما اخترناه : قد رواه جماعة عن رسول الله .
منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
482 - فروى الدار قطني : حدثنا عثمان بن جعفر بن محمد حدثنا محمد بن نصر المروزي حدثنا عبد الله بن شبيب قال : حدثني إسحاق بن محمد عن عبد الرحمن بن عمر ابن شيبة عن أبيه عن نافع عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب قال : كان النبي إذا كبر للصلاة قال : سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك ، وتعالى جدك ولا إله غيرك .
قالوا : قال الدار قطني : رفعه هذا الشيخ يعني عبد الرحمن بن عمر - والمحفوظ عن عمر من قوله .
قلنا : عبد الرحمن ثقة ، أخرج عنه البخاري في صحيحه ، ومن وقفه على عمر فقد سمع عمر يقوله ، وإنما كان يقوله اقتداء برسول الله .
ز : عبد الله بن شبيب تكلم فيه غير واحد .
وإسحاق روى عنه البخاري في صحيحه وله مناكير .
وعبد الرحمن بن عمر غير معروف ولم يرو له البخاري .
والصحيح أن عمر كان يقول ذلك ، فروى مسلم في صحيحه : ثنا محمد بن مهران الرازي ، ثنا الوليد بن مسلم ، ثنا الأوزاعي ، عن عبدة ، أن عمر بن الخطاب كان يجهر بهؤلاء الكلمات يقول : سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك .
وهو منقطع فإن عبدة وهو ابن أبي لبابة لم يدرك عمر ، وإنما رواه مسلم ؛ لأنه سمعه من حديث غيره فرواهما جميعا وإن لم يكن هذا على شرطه .
وقال الدار قطني : رواه إبراهيم عن علقمة والأسود عن عمر .
وكذلك رواه يحيى بن أيوب عن عمر بن شبة عن نافع عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنه من قوله وهو الصواب .
____________________
(1/340)
وقد رواه الإمام أحمد من رواية علقمة والأسود ، و أبي وائل وغيرهم عن عمر .
وقد روى سعيد في سننه عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه كان يستفتح بذلك .
ورواه الدار قطني بإسناده عن أبي بكر بن عياش ، عن عاصم ، عن أبي وائل ، عن عثمان .
ورواه ابن المنذر عن عبد الله بن مسعود .
وقال البيهقي : وروي في الاستفتاح بسبحانك اللهم وبحمدك حديث آخر عن ليث عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه مرفوعا .
وليس بالقوي .
وأصح ما روي فيه الأثر الموقوف على عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم رواه من رواية شعبة عن الحكم عن إبراهيم بن الأسود عن عمر ( * ) .
ومنهم أنس بن مالك :
483 - قال الدار قطني : حدثنا ابن صاعد حدثنا الحسين بن علي بن الأسود العجلي حدثنا محمد بن الصلت حدثنا أبو خالد الأحمر عن حميد عن أنس قال : كان رسول الله إذا افتتح الصلاة كبر ، ثم رفع يديه حتى يحاذي بإبهاميه أذنيه ، ثم يقول : ( ( سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ، ولا إله غيرك ) ) .
هذا إسناد كلهم ثقات .
ز : الحسين بن علي بن الأسود ، قال المروزي : سئل عنه أحمد بن حنبل فقال : لا أعرفه . وقال أبو حاتم : صدوق .
وقال ابن عدي : يسرق الحديث وأحاديثه لا يتابع عليها .
وقال الأزدي : ضعيف جدا يتكلمون في حديثه .
وذكره ابن حبان في كتاب الثقات وقال ربما أخطأ ( * ) .
ومنهم أبو سعيد الخدري :
484 - قال الترمذي : حدثنا محمد بن موسى البصري قال : حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي حدثنا علي بن علي الرفاعي عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري قال :
____________________
(1/341)
كان رسول الله إذا قام إلى الصلاة بالليل كبر ثم يقول : ( ( سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك ، وتعالى جدك ، ولا إله غيرك ، ثم يقول : الله أكبر كبيرا ، ثم يقول : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه ) ) .
ز : ورواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة والنسائي ( 1 ) .
وقال الترمذي : قد تكلم في إسناد حديث أبي سعيد ، كان يحيى بن سعيد يتكلم في علي بن علي .
وقال أحمد : لا يصح هذا الحديث .
وقال حرب بن إسماعيل عن أحمد بن حنبل : علي بن علي الرفاعي لم يكن به بأس .
وقال عثمان بن سعيد عن يحيى بن معين : ثقة .
وقال ابن أبي حاتم : سألت أبي عن علي بن علي الرفاعي ، فقال : ليس بحديثه بأس .
قلت : يحتج بحديثه ، قال : لا . ثم قال : حدث وكيع عنه قال : ثنا علي بن علي وكان ثقة .
وقال أبو زرعة : ثقة .
وقال أبو داود في هذا الحديث : يقولون هو عن علي بن علي عن الحسن رحمه الله ، الوهم من جعفر .
وقال عبد الله بن أحمد : حديث أبي سعيد حديث علي بن علي لم يجد أبي إسناده .
قال عبد الله : لم يروه إلا جعفر بن سليمان عن علي بن علي عن أبي المتوكل .
وقال المروزي : سألت أبا عبد الله عن استفتاح الصلاة ، فقال : نذهب إلى حديث عمر .
وقد روي فيه من وجوه ليست بذاك ( * ) .
ومنهم عائشة :
485 - قال الدار قطني : حدثنا محمد بن يحيى بن مرداس حدثنا أبو داود قال : حدثنا الحسين بن عيسى بن طلق بن غنام حدثنا عبد السلام بن حرب عن بديل بن ميسرة عن أبي الجوزاء عن عائشة قالت : كان رسول الله إذا استفتح الصلاة قال : ( ( سبحانك اللهم
____________________
(1/342)
وبحمدك ، وتبارك اسمك ، وتعإلى جدك ، ولا إله غيرك ) ) .
فإن قال الخصم :
قد قال أبو داود : لم يروه عن عبد السلام غير طلق بن غنام .
وليس هذا الحديث بالقوي .
قلنا : طلق ثقة .
قد أخرج عنه البخاري في صحيحه .
فليس لتضعيفه وجه .
وقد روى الترمذي حديث عائشة هذا من طريق حارثة بن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة .
وقال : لا يعرف إلا من هذا الوجه .
وقد ذكرناه من غير ذلك الوجه ونحن لا نرضي طريق حارثة :
فإنه ضعيف عند الكل .
ز : حديث عائشة من رواية عبد السلام .
رواه الترمذي وابن ماجة وأبو داود ، وقال : هذا الحديث ليس بالمشهور عن عبد السلام ، لم يروه إلا طلق بن غنام ، وقد روى قصة الصلاة جماعة غير واحد عن بديل بن ميسرة لم يذكروا فيه شيئا من هذا .
ورواه الحاكم وقال : على شرطهما .
وقال محمد بن سعد : طلق بن غنام ثقة .
وقال أبو عبيد الآجري عن أبي داود : صالح .
وقال أبو حاتم : روى حديثا منكرا .
وذكره ابن حبان في كتاب الثقات .
وقد روى له الجماعة إلا مسلما .
وقد روى الحديث من طريق حارثة : الإمام أحمد وضعفه وابن ماجة والحاكم وصححه ، والبيهقي وضعفه أيضا .
وقد روي عن المعافى بن عمران ، عن عبد الله بن عامر الأسلمي ، عن ابن المنكدر عن ابن عمر قال : ( ( كان النبي إذا استفتح الصلاة قال : وجهت وجهي للذي فطر السماوات .
إلى قوله : وأنا من المسلمين ، سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ) ) .
عبد الله بن عامر ضعفوه .
وقال البيهقي : أنا أبو الحسن بن عبدان ، أنا أحمد بن عبيد بن الصفار ، ثنا ابن ناحية ، ثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني ، ثنا عبد السلام بن محمد الحمصي ، ثنا بشر بن شعيب بن أبي حمزة ، أن أباه حدثه ، أن محمد بن المنكدر أخبره ، أن جابر بن عبد الله أخبره : أن رسول الله كان إذا استفتح الصلاة قال : ( ( سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعإلى جدك ولا إله غيرك وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ) ) .
هذا الحديث والذي قبله فيهما الجمع بين الاستفتاحين والله أعلم .
____________________
(1/343)
احتجوا بحدثين :
486 - الحديث الأول : قال أحمد : حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الماجشون حدثنا عبد الله بن الفضل الهاشمي عن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب : أن رسول الله كان إذا كبر استفتح ، ثم قال : ( ( وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا ، وما أنا من المشركين .
إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين . لا شريك له . وبذلك أمرت . وأنا [ أول ] ( 1 ) المسلمين ) ) .
487 - الحديث الثاني : قال الدار قطني : حدثنا أحمد بن محمد بن زياد القطان حدثنا عبد الكريم بن الهيثم قال حدثنا يزيد بن عبد ربه حدثنا شريح بن يزيد عن شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن رسول الله كان إذا استفتح الصلاة قال : ( ( إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين .
لا شريك له ، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ، اللهم اهدني لأحسن الأخلاق وأحسن الأعمال .
لا يهدي لأحسنها إلا أنت . وقني سييء الأخلاق والأعمال ، لا يقي سيئها إلا أنت ) ) .
والجواب : أن هذه أدعية قد كان الرسول يقولها في وقت أو في أول الأمر ، أو في النافلة ، أو بعد الاستفتاح . وإنما الكلام في المسنون الذي يداوم عليه .
ويوضح هذا : أن ما ذكروه من حديث علي رضي الله عنه طرف منه .
488 - قال الإمام أحمد : حدثنا أبو سعيد حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الماجشون حدثنا عبد الله بن الفضل الهاشمي عن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب : أن رسول الله كان إذا كبر استفتح ، ثم قال : ( ( وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين .
إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين .
لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين . لا إله إلا أنت أنت ربي وأنا عبدك ،
____________________
(1/344)
ظلمت نفسي ، واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا ، لا يغفر الذنوب إلا أنت ، واهدني لأحسن الأخلاق ، لا يهدي لأحسنها إلا أنت .
واصرف عني سيئها ، لا يصرف عني سيئها إلا أنت .
تباركت وتعاليت .
أستغفرك وأتوب إليك ) ) .
وكان إذا ركع قال : ( ( اللهم لك ركعت ، وبك آمنت ، ولك أسلمت .
خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظامي وعصبي ) ) .
وإذا رفع رأسه من الركعة قال : ( ( سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد ملء السموات والأرض وما بينهما ، وملء ما شئت من شيء بعد ) ) .
وإذا سجد قال : ( ( اللهم لك سجدت ، وبك آمنت ، ولك أسلمت ، سجد وجهي للذي خلقه وصوره فأحسن صوره ، وشق سمعه وبصره ، فتبارك الله أحسن الخالقين ) ) .
انفرد بإخراجه مسلم .
وقد اتفقنا على أنه لا يسن قول هذا كله في الاستفتاح .
فدل على ما سبق من الاحتمالات .
ز : حديث جابر رواه النسائي ( 1 ) عن عمرو بن عثمان عن أبي حيوة شريح بن يزيد عن شعيب .
وسئل عنه الدار قطني ، فقال : رواه أبو حيوة شريح بن زيد الحضرمي ، عن شعيب ، عن ابن المنكدر ، عن جابر ، عن النبي ، وغيره يرويه عن شعيب ، عن ابن المنكدر ، عن عبد الرحمن الأعرج عن محمد بن مسلمة ، والمحفوظ عن الأعرج ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن علي بن أبي طالب .
وحديث علي رواه مسلم بطوله وزاد فيه ألفاظا ( * ) .
مسألة [ 135 ]
يتعوذ قبل القراءة .
وقال مالك : لا يتعوذ في المكتوبة .
____________________
(1/345)
لنا : حديث أبي سعيد : أن رسول الله كان يتعوذ .
وقد تقدم بإسناده في مسألة الاستفتاح .
احتج الخصم بما :
489 - رواه الدار قطني : حدثنا محمد بن عثمان الصيدلاني حدثنا عبيد بن عبد الواحد قال حدثنا هشام بن عمار قال : حدثنا الوليد قال : حدثنا الأوزاعي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال : كنا نصلي خلف رسول الله و أبي بكر وعمر وعثمان .
فكانوا يستفتحون بأم القرآن فيما يجهر به .
وفي لفظ أخرجاه في الصحيحين : كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين ( 1 ) .
والجواب : أن هذا لا حجة فيه لأن المراد : أنهم كانوا يستفتحون القراءة بهذا .
يدل عليه ما :
490 - روى أحمد : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس : أن النبي وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يفتتحون القراءة ( ^ بالحمد لله رب العالمين ) .
قال الترمذي : هذا حديث صحيح .
وقال الشافعي : المعنى أنهم كانوا يفتتحون بهذه قبل قراءة السورة .
ز : عن أنس : أن النبي وأبا بكر كانوا يفتتحون الصلاة ( ^ بالحمد لله رب العالمين ) .
رواه البخاري بهذا اللفظ ( * ) .
____________________
(1/346)
[ 136 ] مسألة :
يقرأ بعد التعوذ البسملة سرا .
وقال مالك : لا يقرؤها .
491 - قال الدار قطني : حدثنا إبراهيم بن حماد بن إسحاق قال : حدثني أخي محمد ابن حماد حدثنا سليمان بن عبد العزيز بن أبي ثابت حدثنا عبد الله بن موسى بن عبد الله ابن حسن عن أبيه عن جده عبد الله بن حسن بن الحسن عن أبيه عن الحسن بن علي عن علي ابن أبي طالب قال : كان النبي يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في صلاته .
وقد احتجوا بالحديث المتقدم : ( ( كان يفتتح القراءة بالحمد ) ) . ومعناه فيما يجهر به .
ز : حديث علي قال فيه الدار قطني : هذا إسناد علوي لا بأس به .
وقال شيخنا أبو الحجاج : لا تقوم به حجة ، وسليمان لا اعرفه .
وروى الطبراني : ثنا عبد الله بن وهيب الغزي ، ثنا محمد بن أبي السري ، ثنا معتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن الحسن ، عن أنس : أن النبي كان يسر بسم الله الرحمن الرحيم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما .
ورواه أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن الأرزناتي قال الراوي عنه : الثقة المأمون عن عبد الله بن وهيب بإسناده مثله ( * ) .
____________________
(1/347)
مسألة [ 137 ] :
البسملة ليست آية من كل سورة .
وهل هي آية من الفاتحة ؟ على روايتين .
وقال الشافعي : هي من الفاتحة ، ومن بقية السور على قولين .
لنا ثلاثة أحاديث :
492 - الحديث الأول : حديث أنس : أن النبي وأبا بكر وعمر كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله .
وقد سبق بإسناده .
493 - الحديث الثاني : قال أحمد : حدثنا إسحاق أنبأنا مالك عن العلاء بن عبد الرحمن أنه سمع أبا السائب مولى هشام بن زهرة يقول سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله : ( ( قال الله تعإلى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ) ) . قال رسول الله : ( ( يقول العبد : الحمد لله رب العالمين .
يقول الله : حمدني عبدي ) ) - الحديث . انفرد بإخراجه مسلم .
ز : وقد تكلم بعض المتأخرين في هذا الحديث ، وقال : ولا يغتر بكونه في صحيح مسلم فإنه من رواية العلاء بن عبد الرحمن ، وقد ضعفه يحيى بن معين ، وكلامه في هذا الحديث ليس بشيء ، فإن العلاء صدوق مشهور وقد وثقه جماعة من الأئمة كالإمام أحمد ابن حنبل ، وقال : لم نسمع أحد ذكر العلاء بشر ، وقال : العلاء عندي فوق سهيل .
والذي تكلم في هذا الحديث قد احتج بجماعة مشهورين بالضعف كعبد الله بن عمرو بن حسان وعمر بن هارون البلخي وغيرهما ( * ) .
____________________
(1/348)
494 - الحديث الثالث : قال أحمد : حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن قتادة عن عباس الجشمي عن أبي هريرة عن النبي أنه قال : ( ( إن سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له ، وهي تبارك الذي بيده الملك ) ) .
ولا يختلف العادون أنها ثلاثون آية ، من غير البسملة .
ز : ورواه أبو داود ، والترمذي وحسنه ، وابن ماجة ، والنسائي في اليوم والليلة ( 1 ) والحاكم وصححه ، وابن حبان في صحيحه .
وعباس الجشمي .
يقال إنه [ عباس ] ( 2 ) بن عبد الله ذكره ابن حبان في كتاب الثقات .
ولم يرو له غير هذا الحديث ( * ) .
أما حجتهم : فقد روى لهم الدارقطني والخطيب أحاديث .
تلخيصها في ستة :
495 - الأول : عن أبي هريرة عن النبي أنه قال : ( ( إذا قرأتم الحمد فاقرءوا بسم الله الرحمن الرحيم .
إنها أم القرآن ، وأم الكتاب ، والسبع المثاني ، وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها ) ) .
496 - وفي لفظ عن أبي هريرة عن رسول الله أنه كان يقول : ( ( الحمد لله رب العالمين سبع آيات ، إحداهن : بسم الله الرحمن الرحيم ) ) .
497 - وفي لفظ عن أبي هريرة عن النبي أنه قال : ' بسم الله الرحمن الرحيم ' هي أم القرآن . وهي أم الكتاب . وهي السبع المثاني ' .
498 - الحديث الثاني : عن أبي هريرة أيضا عن النبي قال : ( ( قال الله تعالى : إني قسمت الصلاة بيني وبين عبدي .
يقول عبدي إذا افتتح الصلاة : بسم الله الرحمن الرحيم ، فيذكرني عبدي .
ثم يقول : الحمد لله رب العالمين . فأقول : حمدني عبدي ) ) .
____________________
(1/349)
499 - الحديث الثالث : من رواية طلحة بن عبيد الله عن النبي أنه قال : ( ( من ترك باسم الله الرحمن الرحيم فقد ترك آية من كتاب الله ) ) .
قال : ( ( وقد عد فيما عد علي من أم الكتاب : بسم الله الرحمن الرحيم ) ) .
500 - الحديث الرابع : عن ابن عباس قال : كان رسول الله يفتتح الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم .
ويقول : من تركها فقد ترك آية من كتاب الله تعالى .
من أفضلها .
وقد روى ابن عمر عن النبي : أنه كان إذا افتتح الصلاة يبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم .
501 - الحديث الخامس : عن بريدة قال : قال رسول الله : ( ( لا أخرج من المسجد حتى أخبرك بآية - أو سورة - لم تنزل على نبي بعد سليمان غيري ) ) . فمشى وتبعته حتى انتهى إلى باب المسجد ، فأخرج رجله وبقيت الأخرى .
فقلت : أنسي ؟ فأقبل علي بوجهه . فقال : ( ( بأي شيء تفتتح القرآن إذا افتتحت الصلاة ؟ ) ) قلت : ببسم الله الرحمن الرحيم . قال : ( ( هي هي ) ) .
ثم خرج .
هكذا رواه الدارقطني .
وفي رواية الخطيب : ( ( أنزل علي الليلة آية لم تنزل على نبي غير سليمان وغيري . وهي بسم الله الرحمن الرحيم ) ) .
502 - الحديث السادس : عن أم سلمة قالت : كان رسول الله يقرأ ( ^ بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين ) .
يقطعها آية آية . وعد بسم الله الرحمن الرحيم .
والجواب :
أما الحديث الأول : فيرويه أبو بكر الحنفي عن عبد الحميد بن جعفر عن نوح بن أبي بلال .
____________________
(1/350)
وكان يحيى بن سعيد والثوري يضعفان عبد الحميد .
قال أبو بكر الحنفي : لقيت نوحا ، فحدثني به موقوفا على أبي هريرة .
وأما اللفظ الثاني : فعبد الحميد يرويه أيضا .
والمراد باللفظ الثالث : تعريف الفاتحة بما لا تنفك عنه في الغالب ، وهو البسملة .
وأما الحديث الثاني : فتفرد به عبد الله بن زياد بن سمعان عن العلاء . وقد أجمعوا على ترك حديثه . وقال مالك : كان كذابا .
قال الدارقطني : قد روى هذا الحديث جماعة من الثقات عن العلاء ، منهم مالك وابن جريج وابن عيينة وغيرهم ، ولم يذكر أحد منهم ( ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ) هكذا قال الدارقطني عقيب روايته للحديث .
فأما الخطيب : فإنه احتج به ولم يقل شيئا .
وظن أن الأمر يخفى فيه .
وأما الحديث الثالث : فيرويه سليمان بن مسلم المكي .
قال يحيى بن معين : ليس بثقة .
وأما الرابع : فلفظه الأول يرويه حماد بن أبي سليمان .
وقد كذبه مغيرة .
ولفظه الثاني : يرويه بحر السقاء .
وقال يحيى : ليس بشيء ، لا يكتب حديثه .
وأما لفظ ابن عمر : فيرويه عبد الرحمن بن عبد الله العمري عن أبيه .
قال أحمد : سمعت منه وتركت حديثه ، وكان كذابا .
وقال يحيى : هو وأبوه ضعيفان ، على أنه لا حجة في الحديث .
لأن البداية بها لا تدل على أنها منها .
وأما الخامس : فلفظه الأول : يرويه سلمة بن صالح الأحمر عن يزيد أبي خالد عن عبد الكريم أبي أمية .
فأما سلمة وعبد الكريم : فقال أحمد ويحيى : ليسا بشيء .
وقال النسائي : يزيد متروك الحديث .
____________________
(1/351)
وأما لفظ حديث الخطيب : قيرويه حفص بن سليمان .
قال يحيى : ليس بثقة .
وقال أحمد : هو متروك الحديث .
وأما السادس : فيرويه عمر بن هارون البلخي عن ابن جريج .
وقال يحيى : ليس بشيء .
ز : حديث ابن عباس ذكر المؤلف أن حماد بن أبي سليمان رواه ، وإنما رواه إسماعيل ابن حماد بن أبي سليمان وقد وثقه ابن معين في رواية إسحاق بن منصور .
وقال أبو حاتم : شيخ يكتب حديثه .
وقال ألازدي : يتكلمون فيه .
وقال الترمذي : ثنا أحمد بن عبدة ، ثنا المعتمر بن سليمان ، حدثني إسماعيل بن حماد ، عن أبي خالد ، عن ابن عباس ، قال : كان النبي يفتتح صلاته ببسم الله الرحمن الرحيم .
وقال الترمذي : ليس إسناده بذاك .
وأبو خالد قيل هو الوالبي الكوفي واسمه هرمز ، ويقال : هرم .
وقال أبو حاتم : صالح الحديث .
وذكره ابن حبان في كتاب الثقات .
وقال ابن أبي حاتم في الكنى : أبو خالد روى عن ابن عباس روى عنه إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان ، سمعت أبي يقول : وسئل أبو زرعة عن أبي خالد الذي روى عن ابن عباس عن النبي في الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم .
روى عنه إسماعيل بن حماد بن سليمان قال : لا أدري من هو لا أعرفه .
كذا ذكر ابن أبي حاتم في الكنى ترجمة أبي خالد هذا وذكر في الأسماء ترجمة أبي خالد الوالبي وسماه هرمز .
وقال العقيلي في إسماعيل : حديثه غير محفوظ ويحكيه عن مجهول .
حدثناه علي ابن عبد العزيز ، ثنا محمد بن عبد الله الرقاشي ، ثنا معتمر بن سليمان ، عن إسماعيل بن حماد ، عن أبي خالد عن ابن عباس : أن النبي كان يستفتح الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم .
قال ابن عدي : ثنا خالد بن النضر القرشي ، ثنا يحيى بن حبيب بن عربي ثنا معتمر ، حدثني إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان ، عن أبي خالد .
وعن ابن عباس : أن رسول الله كان يفتتح الصلاة ببسم الله .
قال ابن عدي : كذا قال لنا خالد بن النضر : إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان .
وحدثنا موسى بن هارون التوزي ، ثنا يعقوب بن
____________________
(1/352)
إبراهيم ، ثنا معتمر ، قال : سمعت إسماعيل بن حماد ، يحدث عن عمران بن خالد ، عن ابن عباس : ( ( أن نبي الله كان يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ) ) .
قال ابن عدي : وهذا الحديث لا يرويه غير معتمر وهو غير محفوظ سواء قال عن أبي خالد أو عن عمران بن خالد جميعا مجهولين .
وحديث أم سلمة رواه ابن خزيمة في مختصر المختصر عن الصاغاني عن خالد بن خداش عن عمر بن هارون عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أم سلمة . ورواه الحاكم وقال : عمر بن هارون أصل في السنن ولم يخرجاه .
وقد قال ابن مهدي وأحمد والنسائي : عمر متروك الحديث .
وقال يحيى : كذاب خبيث .
وقال أبو داود : غير ثقة .
وتكلم فيه آخرون .
وما ذكره المؤلف عن النسائي أنه قال في يزيد بن أبي خالد : متروك الحديث وهم فإن قول النسائي إنما هو في يزيد بن عبد الملك النوفلي ، وقد قيل : إن كنيته أبو خالد وهو غير راوي الحديث .
وأما راوي هذا الحديث فيحتمل أن يكون هو الدالاني وهو صدوق لا بأس به وثقه أبو حاتم الرازي وغيره .
وتكلم فيه ابن حبان لكن أخطأ في ترجمته خطأ نبهنا عليه في موضع آخر ويحتمل أن يكون غير الدالاني وهو أشبه وهو غير مشهور .
ويزيد أبو خالد جماعة ذكرهم ابن أبي حاتم وغيره وهم متقاربون في الطبقة والله أعلم .
مسألة [ 138 ] :
لا يسن الجهر بالبسملة .
وقال الشافعي : يسن .
لنا حديثان :
503 - الحديث الأول : قال أحمد : حدثنا وكيع قال حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس قال : صليت خلف رسول الله وخلف أبي بكر وعمر وعثمان ، وكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم . أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين . ولفظ حديثهما : ( ( فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ) ( 1 ) .
____________________
(1/353)
وفي لفظ : كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين .
وقد روينا في لفظ متقدم : كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين .
504 - الحديث الثاني : قال أحمد : حدثنا عفان قال : حدثنا وهيب عن أبي مسعود الجريري سعيد بن إياس عن قيس بن عباية قال : حدثني ابن عبد الله بن مغفل قال : - سمعني أبي ، وأنا أقرأ ( ^ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ) . فلما انصرف قال : يا بني إياك والحدث في الإسلام . فإني صليت خلف رسول الله وخلف أبي بكر وعمر وعثمان . فكانوا لا يستفتحون القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم . ولم أر رجلا قط أبغض إليه الحدث منه .
ورواه الترمذي فقال فيه : صليت مع النبي و أبي بكر وعمر وعثمان . فلم أسمع أحدا منهم يقولها ( 1 ) . ثم إن مذهبنا مروي عن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وابن مسعود ، وعمار بن ياسر ، وعبد الله بن مغفل ، وابن الزبير ، وابن عباس . وقال به من كبراء التابعين ومن بعدهم : الحسن والشعبي وسعيد بن جبير ، وإبراهيم وقتادة ، وعمر بن عبد العزيز ، والأعمش ، والثوري ، ومالك ، وأبو حنيفة ، وأبو عبيد في خلق كثير . وإنما يروى خلاف هذا عن معاوية وعطاء وطاوس ومجاهد . وقد سلك أصحاب الشافعي في الاعتراض على أحاديثنا أربعة مسالك . المسلك الأو : الطعن .
فتعرضوا لحديث أنس بشيئين :
أحدهما : أنه قد نقل عنه ضد هذا . وان رسول الله كان يجهر ، على ما سنذكره في حجتهم .
والثاني : أنه قد روي عنه إنكار هذه في الجملة .
505 - قال أحمد : حدثنا غسان بن مضر حدثنا سعيد بن يزيد أبو مسملة قال :
____________________
(1/354)
سألت أنسا : أكان رسول الله يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ، أو الحمد لله رب العالمين ؟ فقال : إنك لتسألني عن شيء ما أحفظه ، أو ما سألني عنه أحد قبلك . قال الدارقطني : إسناده صحيح .
قالوا : وحديث ابن المغفل يرويه قيس بن عباية . وقد حكى الخطيب أن بعض الفقهاء قال : قيس غير ثابت الرواية . قال الخطيب : وابن عبد الله بن المغفل مجهول .
المسلك الثاني التأويل :
قالوا : أما قوله فكانوا لا يجهرون فليس في الصحيح . ويحتمل : أنهم ما كانوا يجهرون بها كهجرهم ببقية السورة . وهذا لأن القارئ يبتدئ القراءة ضعيف الصوت ثم يرفعه .
يدل عليه قول أنس : ( ( فلم أسمع أحدا منهم يجهر بها ) ) وهذا يدل على أنه سمعها منهم . وإذا سمع المأموم قراءة الإمام فهذا هو الجهر .
ثم قوله : فلم أسمع شهادة منه ومن ابن المغفل على النفي . فيحتمل : أنهما لم يسمعا لبعدهما عن الإمام . وقد كان أنس صبيا حينئذ ، وإنما كان يتقدم الأكابر .
وقوله : ( ( كانوا يفتتحون بالحمد ) ) أي بالسورة .
المسلك الثالث المعارضة :
وقد احتجوا بأحاديث رواها الدارقطني والخطيب . تلخيصها في تسعة ، نسردها من غير إسناد ، لئلا يطول الكتاب . ونبين عللها ، فكأننا بذكر العلل قد ذكرنا الأسانيد . على أننا قد ذكرنا في المسألة قبلها ما يصلح للاحتجاج به ههنا ، وإنما نذكر الآن ما يختص بالجهر .
506 - الحديث الأول : عن نعيم المجمر قال : صليت خلف أبي هريرة فقال - وفي لفظ : فقرأ - بسم الله الرحمن الرحيم . ثم قرأ بأم القرآن . فلما سلم قال : والذي نفسي بيده ، إني لأشبهكم صلاة برسول الله .
____________________
(1/355)
ز : حديث نعميم المجمر أخرجه النسائي وأبو بكر بن خزيمة في صحيحه .
وقال في مصنفة في البسملة :
فأما الجهر بسم الله الرحمن الرحمي في الصلاة فقد ثبت وصح عن النبي بإسناد ثابت متصل لا شك ولا ارتياب عند أهل المعرفة بالأخبار في صحة سنده ، واتصاله فذكره ثم قال : بإن وثبت أن النبي قد كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة .
وأخرجه ابن حبان في صحيحه ، والدار قطني وقال : هذا حديث صحيح وكلهم ثقات . ورواه الحاكم وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه واستدل به البيهيقي في كتاب الخلافيات ثم قال : رواة هذا الحديث كلهم ثقات مجمع على عدالتهم محتج بهم في الصحيح . وقال السنن الكبير : هذا إسناد صحيح . وله شواهد .
واعتمد عليه الخطيب في مسألة الجهر بالبسملة وقال : هذا الحديث ثابت صحيح لا يتوجه عليه تعليل في اتصال إسناده وثقة رجاله . وقد اعتمد أكثر من صنف في الجهر على هذا الحديث وليس هو تصريج في الجهر ، وقد أجيب عنه بعشرة أوجه ذكرناها في موضع آخر .
507 - الحديث الثاني : عن أبي هريرة أيضا : أن النبي كان إذا أم الناس جهر ببسم الله الرحمن الرحيم .
508 - وفي لفظ عن أبي هريرة عن رسول الله قال : ( ( علمني جبريل الصلاة ) ) . فقام فكبر لنا ، ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم فيما يجهر به في كل ركعة ) ) .
509 - وقد رواه النعمان بن بشير عن رسول الله قال : ( ( أمني جبريل عند البيت . فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ) ) .
510 - الحديث الثالث : عن علي وعمار : ( ( أنهما صليا خلف رسول الله فجهر
____________________
(1/356)
ببسم الله الرحمن الرحيم .
511 - الحديث الرابع : عن ابن عباس قال : لم يزل رسول الله يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم .
وفي لفظ : ( ( لم يزل رسول الله يجهر في السورتين ببسم الله ) ) .
512 - وقد رواه علي رضي الله عنه قال : كان رسول الله يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في السورتين جميعا ) ) .
513 - الحديث الخامس : عن أنس قال : كان رسول الله يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم .
وقد روى مثل هذا اللفظ ابن عباس وعائشة .
وفي لفظ عن أنس : سمعت رسول الله يجهر ( ( ببسم الله الرحمن الرحيم ) ) وروى مثله بريدة .
وفي لفظ عن أنس : كان رسول الله وأبو بكر وعمر يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم .
514 - الحديث السادس : عن سمرة قال : كانت للنبي سكتتان ، سكتة إذا قرأ بسم الله الرحمن الرحيم ، وسكتة إذا فرغ من القراءة .
515 - الحديث السابع : عن الحكم بن عمير قال : صليت خلف النبي فجهر [ في الصلاة : ببسم الله الرحمن الرحيم ] في صلاة الليل وصلاة الغداة وصلاة الجمعة .
516 - الحديث الثامن : عن مجالد بن ثور وبشر بن معاوية : أنهما وفدا على رسول
____________________
(1/357)
الله . فعلمهما فيما علمهما الابتداء ببسم الله الرحمن الرحيم ، والجهر بها في الصلاة .
517 - الحديث التاسع : عن عبيد بن رفاعة : أن معاوية قدم المدينة فصلى بالناس صلاة . فجهر فيها بالقراءة . وقرأ أم الكتاب ، ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم . ثم ركع ولم يكبر . ثم قام في الثانية فلم يكبر . فلما صلى وسلم ناداه المهاجرون والأنصار من كل ناحية : يا معاوية ، أسرقت صلاتك أم نسيت ؟ أين بسم الله الرحمن الرحيم حين افتتحت أم القرآن . وأين الله أكبر حين وضعت جبينك وحين قمت ؟ فلما صلى بهم الصلاة الأخرى قرأ بسم الله الرحمن الرحيم ، وكبر حين سجد وحين قام .
قالوا : وأما الصحابة فقد ذكرنا عن أنس رواية الجهر عن أبي بكر وعمر .
وروى ابن المسيب أن أبا بكر وعمر وعثمان وعليا كانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم .
وروى عطاء الخراساني قال : صليت خلف علي بن أبي طالب وعدة من أصحاب رسول الله كلهم يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم .
وروى ضميرة عن علي قال : من لم يجهر في صلاته ببسم الله الرحمن الرحيم فقد خدج صلاته .
وقال صالح بن نبهان : صليت خلف أبي قتادة و أبي سعيد و أبي هريرة وابن عباس فكانوا يجهرون .
وكذلك روي عن ابن عمر .
المسلك الرابع : الترجيح .
فقالوا : نرجح أحاديثنا على أحاديثكم من خمسة أوجه :
أحدها : أن أخباركم رواها صحابيان . وأخبارنا رواها أربعة عشر صحابيان .
والثاني : أن ما رواه الصحابيان يحمل على ما سبق بيانه . وأخبارنا صريحة لا تحتمل .
والثالث : أن أخباركم شهادة على نفي . وكيف يؤخذ حكم من عدم سماع ؟ وأخبارنا
____________________
(1/358)
سئل الدارقطني عن حديث عبد الواحد بن محمد بن عبد الرحمن بن عوف عن جده عن عبد الرحمن أن النبي أطال في سجوده . . . الحديث ، فقال : يرويه عمرو بن أبي عمرو عن عبد الواحد واختلف عنه :
فرواه سعيد بن سلمة بن أبي الحسام ، والدراوردي ، عن عمرو بن أبي عمرو عن عبد الواحد بن محمد عن عبد الرحمن بن عوف .
وخالفهما سليمان بن بلال فرواه عن عمرو بن أبي عمرو ، عن عاصم بن عمر عن قتادة ، عن عبد الواحد زاد في إسناده عاصماً .
ورواه الحماني فجعله عن عبد الواحد عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف ، وليس ذلك بمحفوظ .
والصواب قول سعيد بن سلمة والدراوردي .
وعن عمرو بن أبي عمرو .
وفيه إسناد آخر يرويه الليث ، عن ابن الهاد عن عمرو ، عن عبد الرحمن بن الحويرث ، عن محمد بن جبير ، عن عبد الرحمن بن عوف ، ورواه أبو الزبير المكي واختلف عنه : فرواه عمرو بن الحارث عن أبي الزبير عن سهيل بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن عوف . وخالفه إسحاق بن أبي فروة فرواه عن أبي الزبير عن حميد بن عبد الرحمن عن أبيه ( * ) .
657 - الحديث الثاني : قال الدارقطني ثنا إسماعيل بن العباس الوراق ثنا علي بن حرب ثنا أبو عاصم عن بكار بن عبد العزيز عن أبي بكرة عن أبيه عن أبي بكرة قال : كان النبي إذا أتاه الشي يسره خر ساجداً شكراً لله عز وجل .
ز : رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي ، وابن ماجه ( 1 ) ، والحاكم وصححه ، ولفظ أحمد : أنه شهد النبي أتاه بشير يبشره بظفر جند له على عدوهم ورأسه في حجر عائشة فقام فخر ساجداً .
____________________
(1/358)
شهادة على إثبات . والإثبات مقدم . كما قدمنا قول بلال : دخل رسول الله البيت وصلى على قول أسامة : لم يصل .
والرابع : أن أخبارنا تقتضي الزيادة ، والأخذ بالزائد أولى .
والخامس : أنه يمكننا الجمع بين الأحاديث . فنقول : كان يفتتح بالحمد - أي بالسورة - ولم يسمع منه الجهر من أنكره . وسمعه من رواه . وأنتم لا يمكنكم إثبات روايتنا إلا بإسقاط روايتكم .
والجواب :
أما المسلك الأول : فإن التعرض بالطعن لحديث أنس لا وجه له ، لاتفاق الأئمة على صحته . ومعارضته بما لا يقارب سنده في الصحة قبيح بمن يدعي علم النقل .
وأما حديث أبي مسلمة :
فجوابه من ثلاثة أوجه : أحدها : أن حديثنا في الصحاح بخلافه ، فلا يقوى على المعارضة .
والثاني : أنه يحتمل أن يكون أنس نسي في تلك الحال لكبره . وكم ممن حدث ونسي ؟ وقد صرح أنس بمثل هذا . فسئل يوما عن مسألة ؟ فقال : ( ( عليكم بالحسن ، فسلوه . فإنه حفظ ونسينا ) ) .
والثالث : أنه يحتمل أن يكون مراد السائل : أكان رسول الله يذكرها في الصلاة ، أو يتركها أصلا ؟ فلا يكون هذا سؤالا عن الجهر بها .
وأما حديث ابن مغفل : فرجاله ثقات . وقيس بن عباية قد ذكره البخاري في تاريخه وقال أبو بكر الخطيب : لا أعلم أحدا رماه ببدعة في دينه ولا كذب في روايته .
وأما ابن عبد الله بن مغفل فاسمه : يزيد وقد ذكره البخاري في تاريخه . وأما المسلك الثاني : وقولهم : ليس ذكر الجهر في الصحيح .
قلنا : رجاله رجال الصحيح . فيلزم أن نحكم بصحته . وقولهم : يحتمل أنهم ما كانوا يجهرون بها كالجهر بالسورة . قد ذكرنا في حديث أنس ( ( أنهم ما كانوا يذكرونها ) ) وفي حديث عائشة : ( ( كان يفتتح القراءة بالحمد ) ) .
____________________
(1/359)
وقولهم : هو شهادة على الفني .
قلنا : هذا هو في معنى الإثبات ، لأن رسول الله هاجر إلى المدينة ولأنس عشر سنين ، ومات وله عشرون سنة ، فكيف يتصور أن يصلي خلفه عشر سنين ولا يسمعه يوما من الدهر يجهر ؟
ثم قدروا وقوع هذا في زمن رسول الله ، فكيف وهو رجل في زمن أبي بكر وعمر ، وكهل في زمن عثمان ، مع تقدمه في زمانهم وروايته للحديث .
وأما عبد الله بن المغفل : فإنه كان رجلا في زمن رسول الله . وكان ممن بايع تحت الشجرة ، وكان يومئذ يمد أغصانها يظلل بها على رسول الله ، وهو من البكائين ، وبعثه عمر إلى أهل البصرة يفقههم .
ويؤكد هذا : أن عمر كان جهوري الصوت فلو خفي من الكل لم يخف منه .
وقولهم : لولا سماعهم ما نقلوا الإخفات .
قلنا : يحتمل علمهم بالإخفات أمرين .
أحدهما : أن يكون الراوي قريبا من الإمام ، فيسمع ما يخافت به ، وذلك لا يسمى جهرا .
والثاني : أن يكونوا علموا بقول منفرد وتعليم منفصل عن الصلاة ، كما علموا الاستفتاح والتعوذ .
وقولهم : المراد بقول ( ( يفتتحون بالحمد . أي بالسورة ) ) .
قلنا : البسملة ليست من السورة ، على ما سبق بيانه .
وأما المسلك الثالث : فجوابه أن جميع أحاديثكم ضعاف وأثبتها حديث نعيم ولا حجة فيه ؛ لأنه حكى أن أبا هريرة قرأها ، ولم يقل جهر بها . فجائز أن يكون سمعها في مخافتته ، لقربه منه .
وأما الحديث الثاني : فاللفظ الأول منه : قال فيه أبو أحمد بن عدي الحافظ : لا يعرف إلا بأبي أويس المدني ، قال يحيى بن معين : كان أبو أويس يسرق الحديث .
____________________
(1/360)
وأما اللفظ الثاني : فيرويه خالد بن إياس . وأجمعوا على ترك حديثه .
ثم نحمله على أنه قرأها من غير جهر .
وأما لفظ حديث النعمان : فيرويه فطر بن خليفة . وقال السعدي : هو غير ثقة .
وأما الحديث الثالث : فيرويه إسماعيل بن أبان عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي الطفيل .
أما إسماعيل فقال أحمد : حدث بأحاديث موضوعة .
وقال يحيى : هو كذاب .
قال : ولا يكتب حديث عمرو بن شمر ، ولا حديث جابر .
وأما أبو الطفيل : فكان مغيرة يكره الرواية عنه .
وأما الرابع : فاللفظان عن ابن عباس يرويهما عمر بن حفص ، وقد أجمعوا على ترك حديثه . ولفظ حديث علي يرويه عيسى بن عبد الله بن محمد بن علي ، قال ابن عدي : ولا يتابع عليه .
وأما الخامس فاللفظ الأول : يرويه أحمد بن محمد اليمامي . قال ابن عدي : حدث بأحاديث مناكير عن الثقات ونسخ عجائب .
ولفظ حديث ابن عباس الموافق له : قد رواه سعيد بن خثيم . قال ابن عدي : وأحاديثه ليست بالمستقيمة .
ورواه شريك . وكان يحيى القطان لا يعبأ بشريك .
وقال ابن المبارك : ليس حديثه بشيء .
ورواه أيضا الحسن بن عنبر الوشاء ، قال ابن عدي : حدث بأحاديث أنكرت عليه .
وأما لفظ حديث عائشة الموافق له : فيرويه العباس بن الفضل من حديث أبي الجوزاء ويرويه الحكم بن عبد الله من حديث القاسم كلاهما عنهما .
قال يحيى : العباس والحكم ليسا بثقة .
____________________
(1/361)
وقال ابن عدي : أحاديث الحكم موضوعة منها أن النبي كان يجهر .
وأما اللفظ الثاني : عن أنس فيرويه إسماعيل المكي ، قال ابن المديني : لا يكتب حديثه .
وأما لفظ حديث بريدة المرافق له فيرويه عمرو بن شمر عن جابر . وقد ذكرنا قول يحيى فيهما .
وأما اللفظ الثالث عن أنس : فيرويه الحجاج بن أرطأة . وقد ضعفه يحيى وغيره .
وفي الجملة : لا يثبت عن أنس شيء من هذا . بل قد صحت الأحاديث عنه بخلافه قولا وفعلا .
وأما السادس : فذكر السكتة بعد البسملة غلظ . وقد رواه أحمد وأبو داود والدارقطني على الصحة عن سمرة ، فقال : حفظت سكتتين من رسول الله في الصلاة ، سكتة إذا كبر الإمام ، وسكتة إذا فرغ من الفاتحة .
وأما السابع : فرواه موسى بن أبي حبيب ، وليس بمعروف .
وأما الثامن : فيرويه صاعد بن طالب بن نواس يرفعه كل واحد عن أب إلى أب إلى رسول الله . وكلهم مجاهيل .
وأما التاسع فيرويه عبد الله بن عثمان بن خثيم . وقال يحيى : أحاديثه ليست بالقوية .
وأما الرواية عن أبي بكر وعمر : فقد تكلمنا على رواية أنس عنهما .
وأما رواية ابن المسيب : فيرويها عثمان بن عبد الرحمن عن الزهري . وقد أجمعوا على تضعيف عثمان .
ورواية عطاء يرويها عنه ابنه يعقوب . وقد ضعفه أحمد ويحيى .
وأما رواية ضميرة ففي طريقه حسين بن عبد الله بن ضميرة فقد أجمعوا على تكذيبه .
وأما المروي عن ابن عمر : فهو من طريق أبي سعد البقال وعمر بن نافع . وقد
____________________
(1/362)
ضعفهما يحيى .
وقال النسائي : ليسا بشيء .
وأما المأثور عن ابن عباس : فمن طريق أبي سعد البقال أيضا وشريك ، وقد بينا القدح فيهما . وقول صالح مردود . لأن مالكا قال : ليس بثقة .
وهذه الأحاديث في الجملة لا يحسن بمن له علم بالنقل أن يعارض بها الأحاديث الصحاح . ولولا أن يعرض للمتفقه شبهة عند سماعها ، فيظنها صحيحة لكان الاضراب عن ذكرها أولى . ويكفي في هجرانها إعراض المصنفين للمسانيد والسنن عن جمهورها .
وقد ذكر الدارقطني منها طرفا في سننه . فبين ضعف بعضها . وسكت عن بعضها .
وقد حكى لنا مشايخنا : أن الدارقطني لما ورد مصر سأله بعض أهلها تصنيف شيء في الجهر . فصنف فيه جزءا ، فأتاه بعض المالكية فأقسم عليه أن يخبره بالصحيح من ذلك فقال : كل ما روي عن النبي من الجهر فليس بصحيح . فأما عن الصحابة : فمنه صحيح ومنه ضعيف .
ثم تجرد أبو بكر الخطيب لجمع أحاديث الجهر . فأزرى على علمه بتغطية ما ظن أنه لا ينكشف ، وقد حصرنا ما ذكره وبينا وهنه ووهيه على قدر ما يحتمله التعليق ، ولم نر أحدا ممن صنف تعاليق الخلاف ذكر في تعاليقه ما ذكرنا ، ولعل أكثرهم لا يهتدي إلى ما فعلنا . وإنما بسطنا الكلام بعض البسط لأن هذه المسألة من أعلام المسائل . وهي شعار المذهب من الجانبين . ومبناها على النقل .
ثم إنا بعد هذا نحمل جميع أحاديثهم على أحد أمرين : إما أن يكون جهر بها للتعليم ، أو كما يتفق ، كما روي ( ( أنه كان يصلي بهم الظهر فيسمعهم الآية والآيتين بعد الفاتحة أحيانا ) ) .
والثاني : أن يكون ذلك قبل الأمر بترك الجهر .
فقد روى أبو داود بإسناده عن سعيد بن جبير : أن النبي كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم . وكان مسيلمة يدعى رحمان اليمامة . فقال أهل مكة : إنما يدعو إله اليمامة ، فأمر الله رسوله بإخفائها . فما جهر بها حتى مات . وهذا يدل على نسخ الجهر .
____________________
(1/363)
فأما مسلكهم الرابع : فجوابه :
أن الاعتماد على ما صح لا على ما كثر وراته ، وقد دفعنا وجه الاحتمال ، وبينا أنها شهادة معناها الإثبات ، وإن ظهرت في صورة النفي ، بخلاف حديث بلال . وإنما تقتضي أخبارهم : الزيادة أن لو صحت وهذا جواب قولهم يجمع بين الأحاديث .
ز : وروى عبد الله بن عمرو بن حسان ، ثنا شريك عن سالم هو الأفطس ، عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال : كان رسول الله يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم . رواه الحاكم في المستدرك عن عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم عن أحمد بن إسحاق بن صالح الوزان عن عبد الله بن عمرو بن حسان وقال : صحيح وليس له علة . كذا قال ، وعبد الله بن عمرو ابن حسان قال فيه علي بن المديني : كان يضع الحديث ، وكذبه الدارقطني .
وقال ابن عدي : هو إلى الضعف أقرب .
وقد رواه الدارقطني في سننه من طريق أبي الصلت الهروي عن عباد بن العوام عن شريك ، وقال فيه : يجهر في الصلاة .
وأبو الصلت متروك الحديث .
وقد رواه ابن راهويه في مسنده فقال : أخبرنا يحيى بن آدم ، أنا شريك ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير ، قال كان رسول الله يجهر بسم الله الرحمن الرحيم يمد بها صوته وكان المشركون يهزءون . فذكر الحديث .
وقال الحاكم : ثنا الأصم بن الرببع ، أنا الشافعي ، أنا عبد المجيد ، عن ابن جريج ، أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم ، أن أبا بكر بن حفص بن عمر أخبره أن أنسا قال : صلى معاوية بالمدينة صلاة فجهر فيها بالقراءة فقرأ فيها بسم الله الرحمن الرحيم لأم القرآن ولم يقرأها للسورة التي بعدها ولم يكبر حين يهوي فلما سلم ناداه من سمع ذلك من المهاجرين والأنصار من كل مكان : يا معاوية أسرقت الصلاة أم نسيت ، فلما صلى بعد ذلك قرأ بسم الله الرحمن الرحيم للسورة التي بعد أم القرآن وكبر حين يهوي ساجدا .
قال الحاكم : على شرط البخاري ومسلم ، وليس كما قال .
ثم قال : وهو علة لحديث قتادة عن أنس : ( ( صليت خلف النبي و أبي بكر وعمر
____________________
(1/364)
فلم يجهروا ببسم الله الرحمن الرحيم ، فإن قتادة يدلس .
ورواه الدارقطني وقال فيه : فلم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم لأم القرآن ولم يقرأها للسورة التي بعدها ولم يكبر حين يهوي . وقال في آخره : فلم يصل بعد ذلك إلا قرأ بسم الله الرحمن الرحيم لأم القرآن وللسورة التي بعدها وكبر حين يهوي ساجدا .
ثم رواه الدارقطني من طريق إسماعيل بن عياش فقال : حدثنا القاضي أبو طاهر محمد بن أحمد بن نصر ، وأحمد بن سندي بن الحسن ، قالا : ثنا جعفر بن محمد الفريابي ، ثنا أبو أيوب سليمان بن عبد الرحمن ، ثنا إسماعيل بن عياش ثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة ، عن أبيه ، عن جده : أن معاوية بن أبي سفيان قدم المدينة حاجا أو معتمرا فصلى بالناس فلم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم حين افتتح القرآن وقرأ بأم القرآن فلما قضى الصلاة أتاه المهاجرون والأنصار من ناحية المسجد فقالوا : أتركت صلاتك يا معاوية ، أنسيت بسم الله الرحمن الرحيم . قال : فلما صلى بهم الأخرى قرأ بسم الله الرحمن الرحيم .
وقال الحاكم : وحدثنا أبو علي الحافظ ، ثنا علي بن أحمد بن سليمان بن داود المهري ، ثنا أصبغ بن الفرج ، ثنا حاتم بن إسماعيل ، عن شريك بن عبد الله عن أنس ' سمعت رسول الله يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ' . قال : رواته ثقات .
وقد رواه الدارقطني بإسناده عن حاتم بن إسماعيل عن شريك بن عبد الله عن إسماعيل المكي عن قتادة عن أنس . و إسماعيل متروك .
قال الحاكم : وثنا عبد الرحمن بن حمدان الجلاب ، ثنا عثمان بن خرزاد ثنا محمد بن أبي السري ، قال : صليت خلف المعتمر بن سليمان ما لا أحصي صلاة الصبح والمغرب فكان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم قبل الفاتحة وبعدها ، وسمعته يقول : ما آلو أن أقتدي بصلاة أبي وقال أبي : ما آلو أن أقتدي بصلاة أنس بن مالك ، وقال أنس : ما آلو أن أقتدي بصلاة رسول الله . قال الحاكم رواته ثقات .
ورواه الدارقطني قال : قرأت في أصل كتاب أبي بكر أحمد بن عمرو بن جابر الرملي بخط يده ، ثنا عثمان بن خرزاد فذكره .
وقد تقدم أن الطبراني رواه من حديث المعتمر عن أبيه عن الحسن عن أنس أن النبي
____________________
(1/365)
كان يسر ببسم الله الرحمن الرحيم .
قال الحاكم : وحدثني مكي بن أحمد ، ثنا العباس بن عمران القاضي ، ثنا سيف بن عمرو ثنا محمد بن أبي السري ، ثنا إسماعيل بن أبي أويس ، ثنا مالك ، عن حميد ، عن أنس ، قال : صليت خلف النبي وخلف أبي بكر وخلف عمر وخلف عثمان وخلف علي فكلهم كانوا يجهرون بقراءة بسم الله الرحمن الرحيم . قال الحاكم : إنما ذكرته شاهدا كذا قال .
وقد قيل : إن الحديث صحيح ثابت عن مالك لكن سقط منه لفظة لا .
قال الحاكم : وأنا علي بن محمد بن عقبة الشيباني ، ثنا إبراهيم بن أبي العنبسي القاضي ، ثنا سعيد بن عثمان الخزاز ، ثنا عبد الرحمن بن سعد المؤذن ، ثنا فطر بن خليفة ، عن أبي الطفيل ، عن علي وعمار : أن النبي كان يجهر في المكتوبات ببسم الله الرحمن الرحيم ، ويقنت في الفجر وكان يكبر من يوم عرفة صلاة الغداة ويقطعها صلاة العصر آخر أيام التشريق . قال الحاكم : صحيح ، وهو خبر منكر لأن عبد الرحمن صاحب مناكير وقد ضعفه يحيى بن معين .
وأما سعيد فقال بعضهم : إن كان الكريزي فهو ضعيف وإلا فهو مجهول .
وقال الدارقطني : ثنا عمر بن الحسن بن علي الشيباني ، ثنا جعفر بن محمد بن مروان ، ثنا أبو الطاهر أحمد بن عيسى ، ثنا ابن أبي فديك ، عن ابن أبي ذئب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : صليت خلف النبي و أبي بكر وعمر فكانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم .
قال الدارقطني : أبو طاهر أحمد بن عيسى كذاب .
وقد روى الحاكم إسناده عن يونس بن بكير ، ثنا مسعر ، عن محمد بن قيس ، عن أبي هريرة قال : كان رسول الله يبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم . ورواه الدارقطني من رواية يونس بن بكير عن معشر ، ثم قال : الصواب أبو معشر .
ومحمد بن قيس روى له مسلم في صحيحه ، وقال ابن معين : ليس بشيء .
وأبو معشر ضعفه غير واحد .
____________________
(1/366)
وقد روي في الجهر أحاديث ضعيفه غير هذه لا حاجة إلى ذكرها . وقد ذكرت هذه الأحاديث وغيرها من الأحاديث الواردة في الجهر وذكرت عللها والكلام عليها في كتاب مفرد تتبعت فيه ما ذكره الحافظ أبو بكر الخطيب في مصنفه وهو كتاب متعوب عليه فمن أحب الوقوف عليه فليسارع إليه .
وقد حصل للمؤلف فيما ذكره هنا من الكلام على تضعيف الأحاديث أوهام عديدة وتقصير كثير فإنه ضعف غير واحد من الصادقين ، وترك الكلام على غير واحد من الضعفاء والمجهولين .
كتضعيفه إسماعيل بن أبان وظنه أنه القنوي الكذاب ، وإنما هو الوراق الثقة . وكقدحه في فطر بن خليفه وهو صدوق ، والحديث لم يثبت إليه لجهالة من قبله . وكظنه أن عطاء الخراساني هو والد يعقوب ، وإنما هو والد عثمان ، ويعقوب هو ابن عطاء بن أبي رباح . ولو تتبعنا ما قصر فيه أو وهم لطال الكلام والله الموفق للصواب ( * ) .
مسألة [ 139 ] :
يجهر الإمام والمأموم بآمين .
وقال أبو حنيفة : لا يجهران بها .
لنا حديثان :
518 - الحديث الأول : قال الترمذي : حدثنا بندار حدثنا يحيى بن سعيد وعبد
____________________
(1/367)
الرحمن بن مهدي قالا : حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن حجر بن عنبس عن وائل بن حجر قال : سمعت النبي قرأ غير المغضوب عليهم ولا الظالين . فقال : ' آمين ' . مد بها صوته .
قال الدارقطني : هذا حديث صحيح .
قالوا : قد رواه شعبة ، فقال فيه : ' وأخفى بها صوته ' .
والجواب : أن الدارقطني قال : يقال : إن شعبة وهم فيه . لأن سفيان الثوري ومحمد ابن سلمة بن كهيل وغيرهما رووه عن سلمة فقالوا : ' ورفع صوته بآمين ' . وهو الصواب .
وقال الترمذي : حديث حسن ، قال : وسمعت محمدا يقول : حديث سفيان أصح من حديث شعبة في هذا وأخطأ شعبة في مواضع من هذا الحديث .
وقال : سألت أبا زرعة عن هذا الحديث فقال : حديث سفيان في هذا أصح من حديث شعبة .
ز : وقد روى البيهقي في سننه : أنا أبو عبد الله الحافظ في الفوائد الكبير لأبي العباس وفي حديثه شعبة ، ثنا أبو العباس بن يعقوب ، ثنا بن إبراهيم بن مرزوق البصري ، ثنا أبو الوليد الطيالسي ، ثنا شعبة ، عن سلمة بن كهيل ، قال : سمعت حجرا أبا عنبس يحدث عن وائل الحضرمي : ( ( أنه صلى خلف النبي فلما قال : ولا الضالين ، قال : آمين رافعا بها صوته ' فهذه الرواية عن شعبة توافق رواية سفيان .
وحجر بن العنبس كنيته أبو العنبس ، ويقال : أبو السكن وهو كوفي أدرك الجاهلية ، قال يحيى بن معين : شيخ كوفي ثقة مشهور .
وقال أبو حاتم : كان شرب الدم في الجاهلية وشهد مع علي الجمل وصفين .
وقال أبو بكر الخطيب : كان ثقة احتج به غير واحد من الأئمة ( * ) .
519 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : حدثنا محمد بن إسماعيل الفارسي حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال : حدثني عمرو بن الحارث قال : حدثني عبد الله بن سالم عن الزبيدي قال : أخبرني الزهري عن أبي سلمة وسعيد
____________________
(1/368)
عن أبي هريرة قال : كان النبي إذا فرغ من قراءة أم القرآن : رفع صوته ، وقال ' آمين ' .
قال الدارقطني : هذا إسناد حسن . وقد روي هذا الحديث عن ابن عمر عن رسول الله إلا أن الرواي بحر السقاء . وهو متروك فلا يحتج به .
ز : روى حديث أبي هريرة الحاكم في المستدرك وقال : على شرطهما ولم يخرجاه بهذا اللفظ . وليس كما قال ، وعبد الله بن سالم هو الأشعري ثقة . و إسحاق بن إبراهيم بن [ زبريق ] ( 1 ) . قال أبو حاتم : شيخ لا بأس به . ولكنهم يحسدونه سمعت يحيى بن معين أثنى عليه خيرا . وقال النسائي : ليس يثقة . وقال أبو داود : ليس بشيء . وكذبه محدث حمص محمد بن عوف الطائي . وقال أبو داود : ثنا نصر بن علي ، أنا صفوان بن عيسى ، عن بشر ابن رافع ، عن أبي عبد الله ابن عم أبي هريرة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان رسول الله إذا تلا : ( ^ غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) قال : آمين ، حتى يسمع من يليه من الصف الأول . ورواه ابن ماجة وزاد : فيرتج بها المسجد . وبشر بن رافع هو الحارث أبو الأسباط النجراني إمام أهل نجران ومفتيهم ضعفه غير واحد . قال أحمد : ليس بشيء ضعيف الحديث .
وقال ابن معين : يحدث بمناكير . وقال مرة : ليس به بأس . وقال البخاري : لا يتابع في حديثه . وقال الترمذي : يضعف في الحديث . وكذا ضعفه أبو حاتم والنسائي والحاكم أبو أحمد وابن حبان . وقال ابن عدي : لا بأس بأخباره ولم أجد له حديثا منكرا ( * ) .
مسألة [ 140 ] :
لا تصح الصلاة إلا بفاتحة الكتاب .
____________________
(1/369)
وعنه : تجزئه آية ، كقول أبي حنيفة .
لنا حديثان :
520 - الحديث الأول : قال البخاري : حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت أن رسول الله قال : ( ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) ) . أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
وأخرجه الدارقطني بلفظ آخر : ( ( لا تجزئ صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) ) وقال إسناده صحيح .
ورواه بلفظ آخر ( ( لا تقرأ بشيء من القرآن إذا جهرت إلا بأم القرآن ) ) . وقال : كل إسناده ثقات .
ز : انفرد زياد بن أيوب دلويه بلفظ : ( ( لا تجزي ) ) . ورواه جماعة : ( ( لا صلاة لمن لم يقرأ ) ) . وهو الصحيح . وكأن زيادا رواه بالمعنى ، وقد صحح الحديث أيضا ابن القطان وقال : زياد أحد الثقات .
521 - الحديث الثاني : قال أحمد : حدثنا إسحاق قال حدثنا مالك عن العلاء بن عبد الرحمن أنه سمع أبا السائب مولى هشام بن زهرة يقول سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله : ( ( من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ، هي خداج ، غير تمام ) ) . فقلت : يا أبا هريرة ، أنا أحيانا أكون وراء الإمام ؟ فقال : اقرأ بها في نفسك يا فارسي . انفرد بإخراجه مسلم ( 1 ) .
قالوا : يحمل قوله : ( ( لا صلاة ) ) على الكمال .
____________________
(1/370)
واستدلوا بما :
522 - روى أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد عن جعفر بن ميمون قال : حدثنا أبو عثمان النهدي عن أبي هريرة : أن رسول الله أمره أن يخرج فينادي : لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب ، فما زاد .
523 - وقال أبو بكر الخطيب : أنبأنا القاضي أبو عبد الله الصيمري حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الله المعدل حدثنا أحمد بن عبد الله بن سعيد حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن حاتم الأنباري حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد الكوفي حدثنا نعيم بن حماد قال : حدثنا ابن المبارك قال أنبأنا أبو حنيفة عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة قال : ( ( نادى منادي رسول الله لا صلاة إلا بقراءة ، ولو بفاتحة الكتاب ) ) .
524 - وقال ابن عدي : أنبأنا علي بن سعيد حدثنا جبارة قال : حدثنا شبيب بن شيبة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : قال رسول الله : ( ( كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وآيتين فهي خداج ) ) .
قلنا : قوله : ' لا صلاة ' نفي في سياق نكرة . فهو يعم .
وأما حديث أبي هريرة : ففي طريقه الأول : جعفر بن ميمون . قال يحيى بن معين : ليس بثقة . وطريقه الثاني : تفرد بروايته أحمد بن عبد الله ، وهو مجهول الحال ، ونعيم ابن حماد مجروح .
وحديث عائشة : يعرف بشبيب بن شيبة . قال ابن عدي : هو زاد فيه ' آيتين ' قال يحيى ابن معين : شبيب : ليس بثقة .
ز : حديث أبي هريرة رواه أبو داود ، من رواية جعفر بن ميمون أيضا . ورواه الترمذي تعليقا والحاكم وقال صحيح لا غبار عليه .
وجعفر بن ميمون قال فيه ابن معين في رواية : صالح الحديث ( * ) .
____________________
(1/371)
وقال أحمد : ليس بالقوي في الحديث . وقال أبو حاتم : صالح . وقال النسائي : ليس بالقوي . وقال الدارقطني : يعتبر به . ووثقه الحاكم .
وقال ابن عدي : لم أر له أحاديث منكرة ، وأرجو أنه لا بأس به ويكتب حديثه في الضعفاء .
وأما حديث ابن المبارك عن أبي حنيفة : فرواه الحارث في مسنده عن محمد بن المنذر بن سعيد الهروي ، عن أحمد بن عبد الله بن محمد الكندي - وهو الكوفي وهو اللجلاج وهو كذاب . قال ابن عدي : حدث بأحاديث مناكير لأبي حنيفة وهي بواطيل .
وروى أبو يعلى الموصلي : ثنا زهير ، ثنا عبد الصمد ، ثنا همام ، ثنا قتادة عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد قال : أمرنا نبينا أن نقرأ فاتحة الكتاب وما تيسر .
رواه الإمام أحمد عن عبد الصمد ، ورواه أيضا عن عفان عن همام وعنده : ( ( بفاتحة الكتاب ) ) . ورواه أبو داود عن أبي الوليد الطيالسي عن همام . ورواه أبو حاتم البستي عن أبي يعلى الموصلي .
وسئل عنه الدارقطني فقال : يرويه قتادة وأبو سفيان السعدي عن أبي نضرة مرفوعا . كذلك قال أصحاب شعبة عنه ، ورواه زنبقة عن عثمان عن عمر عن شعبة عن أبي مسلمة مرفوعا ولا يصح رفعه عن شعبة . واحتجوا بما :
525 - روي في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول الله : علم رجلا الصلاة . فقال : ( ( كبر . ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ) ) . وسيأتي بإسناده .
526 - وروواه عن أبي سعيد عن النبي أنه قال : ( ( لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب أو غيرها ) ) .
والجواب : أما حديث الرجل الذي علمه رسول الله ، فجوابه من ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يكون ذلك قبل نزول الفاتحة وتعيينها .
____________________
(1/372)
والثاني : أن يكون وقت الصلاة قد ضاق ، وهو لا يحفظ الفاتحة . فجوز له قراءة ما يحفظ .
والثالث : أن يريد ب ' ما تيسر ' ما بعد الفاتحة ، أو ترك ذكر الفاتحة اتكالا على علمه بوجوبها .
وأما حديث أبي سعيد : فلا يعرف أصلا .
روى أبو محمد الحارثي في مسند أبي حنيفة حديث أبي سعيد هذا بطرق عن أبي حنيفة ، عن أبي سفيان السعدي ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ولفظه : ( ( لا تجزئ صلاة إلا بفاتحة الكتاب ومعها غيرها ) ) .
ثم قال : ثنا محمد بن المنذر بن سعيد الهروي ، ثنا أحمد بن عبد الله بن محمد الكندي ثنا إبراهيم بن الجراح الكوفي قاضي ، ثنا أبو يوسف ، عن أبي حنيفة ، عن أبي سفيان عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري ، وذكر الحديث . وفيه : ( ( لا صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب أو غيرها ) ) كما انفرد به الكندي بهذا اللفظ وقد تقدم قريبا أنه كذاب .
مسألة [ 141 ] :
لا تجب القراءة على المأموم .
وقال الشافعي : تجب إذا أسر الإمام ، فإن جهر فعلى قولين .
____________________
(1/373)
لنا سبعة أحاديث :
527 - الحديث الأول : قال أحمد : حدثنا أسود بن عامر قال : حدثنا حسن بن صالح عن جابر عن أبي الزبير عن جابر عن النبي أنه قال : ( ( من كان له إمام فقراءته له قراءة ) ) .
528 - طريق ثان : قال الدار قطني : حدثنا محمد بن مخلد حدثنا العباس بن محمد الدوري قال حدثنا إسحاق بن منصور عن الحسن بن صالح عن ليث بن أبي سليم وجابر عن أبي الزبير عن جابر : أن النبي قال : ( ( من كان له إمام فقراءته له قراءة ) ) .
529 - طريق ثالث : قال الدار قطني : حدثنا علي بن عبد الله بن مبشر حدثنا محمد بن حرب الواسطي قال : حدثنا إسحاق الأزرق عن أبي حنيفة عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد عن جابر قال : قال رسول الله : ( ( من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة ) ) .
530 - طريق رابع : قال الدار قطني : وحدثنا جعفر بن محمد بن نصير قال : حدثنا محمود بن محمد المروزي حدثنا سهل بن العباس الترمذي حدثنا إسماعيل بن علية عن أيوب عن أبي الزبير عن جابر قال : قال رسول الله : ( ( من صلى خلف الإمام فقراءة الإمام له قراءة ) ) .
531 - طريق خامس : قال الدار قطني : وحدثنا أبو بكر النيسابوري حدثنا بحر بن نصر قال : حدثنا يحيى بن سلام حدثنا مالك بن أنس حدثنا وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله : أن النبي قال : ( ( كل صلاة لا يقرأ فيها بأم الكتاب فهي خداج ، إلا أن يكون وراء الإمام ) ) .
532 - الحديث الثاني : قال الدار قطني : وحدثنا محمد بن مخلد حدثنا محمد بن هشام البختري حدثنا سليمان بن المفضل حدثنا محمد بن الفضل بن عطية عن أبيه عن سالم ابن عبد الله عن أبيه عن النبي قال : ( ( من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة ) ) .
____________________
(1/374)
533 - الحديث الثالث : قال الدار قطني : قرئ على أبي محمد بن صاعد - وأنا أسمع - حدثكم علي بن حرب وأحمد بن يوسف التغلبي قالا : حدثنا غسان بن الربيع عن قيس بن الربيع عن محمد بن سالم عن الشعبي عن الحارث عن علي قال : قال رجل للنبي : أقرأ خلف الإمام ، أو أنصت ؟ قال : ( ( بل أنصت ، فإنه يكفيك ) ) .
534 - الحديث الرابع : قال الدار قطني : وحدثنا محمد بن مخلد حدثنا علي بن زكريا التمار قال حدثنا عاصم بن عبد العزيز عن أبي سهيل عن عون عن ابن عباس عن النبي قال : ( ( تكفيك قراءة الإمام ، خافت أو جاهر ) ) .
535 - الحديث الخامس : قال الدار قطني : وحدثنا أحمد بن نصر حدثنا يوسف بن موسى حدثنا سلمة بن الفضل حدثنا حجاج بن أرطاة عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن عمران ابن حصين قال : كان النبي يصلي بالناس ، ورجل يقرأ خلفه . فلما فرغ قال : ( ( من ذا الذي يخالجني سورتي ؟ ) ) فنهاهم عن القراءة خلف الإمام .
536 - الحديث السادس : قال الدار قطني : وحدثنا محمد بن مخلد حدثنا شعيب بن أيوب حدثنا زيد بن الحباب حدثنا معاوية بن صالح حدثني أبو الزاهرية عن كثير بن مرة عن أبي الدرداء قال : سئل رسول الله : أفي كل صلاة قراءة ؟ قال : نعم . فقال رجل من الأنصار : وجبت هذه ؟ فقال رسول الله لي - وكنت أقرب القوم إليه - : ( ( ما أرى الإمام إذا أم القوم إلا قد كفاهم ) ) .
537 - الحديث السابع : قال الدار قطني : وحدثنا ابن مخلد حدثنا الفضل بن العباس الرازي حدثنا محمد بن عباد حدثنا أبو يحيى التيمي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ( ( من كان له إمام فقراءته له قراءة ) ) .
قالوا : هذه الأحاديث كلها ضعاف .
أما حديث جابر : ففي طريقه الأول جابر الجعفي . قال يحيى بن معين : لا يكتب
____________________
(1/375)
حديثه ، ليس بشيء ، وقال أبو حنيفة : ما لقيت أكذب منه . وأما الطريق الثاني : فهو فيه ، ومعه ليث ، وقد ضعف ابن عيينة ليثا .
قال أحمد : هو مضطرب الحديث .
[ وأما الطريق الثالث : فقال الدار قطني : لم يسنده عن موسى غير أبي حنيفة والحسن ابن عمارة .
وهما ضعيفان ( 1 ) .
وأما الطريق الرابع : ففيه سهل بن العباس ، قال الدار قطني ، هو حديث منكر ، وسهل متروك ليس بثقة .
أما الطريق الخامس : ففيه يحيى بن سلام . قال الدارقطني هو ضعيف .
وأما الحديث الثاني : ففيه محمد بن الفضل .
قال أحمد : ليس بشيء ، حديثه حديث أهل الكذب .
وكذا قال يحيى : ليس بشيء . لا يكتب حديثه . كان كذابا . وقال الفلاس والنسائي : متروك الحديث .
وأما الحديث الثالث : فقال الدارقطني : تفرد به غسان بن الربيع . وهو ضعيف .
وقيس ومحمد بن سالم ضعيفان . والمرسل عن الشعبي عن النبي . وهذا أصح .
وفي الحديث الرابع : عاصم . قال الدار قطني : ليس بالقوي ورفعه وهم .
وقال ابن حبان : كان عاصم يخطئ كثيرا ، فبطل الاحتجاج به إذا انفرد .
وفي الحديث الخامس : حجاج بن أرطاة . قال الدار قطني : لم يروه هكذا إلا حجاج ولا يحتج به .
وفي الحديث السادس : معاوية بن صالح . قال أبو حاتم الرازي : لا يحتج به .
وقال الدار قطني : والصواب : فقال أبو الدرداء : ما أرى الإمام إلا قد كفاهم ، كذلك رواه ابن وهب عن معاوية .
وفي الحديث السابع : أبو يحيى التيمي ، واسمه إسماعيل بن إبراهيم .
____________________
(1/376)
تفرد بهذا الحديث محمد بن عباد عنه . وهما ضعيفان .
والجواب أما جابر الجعفي : فقد وثقه الثوري وشعبة ، وناهيك بهما . وقال أحمد ابن حنبل : لم يتكلم في جابر لحديثه بل لرأيه . وأما ليث : فقال أحمد : قد حدث عنه الناس . وأما أبو حنيفة : فغير متهم . إنما كان يقع في حديثه غلط وخطأ . وأما سهل ، ومحمد بن الفضل وابن سالم : فلعمري إنهم ضعاف . وأما يحيى بن سلام وغسان بن الربيع : فلم نر أحدا ضعفهما قبل الدارقطني .
وأصحاب الحديث يضعفون ما ليس يضعف عند الفقهاء .
وقوله : هو مرسل .
قلنا : المراسيل عندنا حجة .
وأما عاصم : فإن ضعفه محتمل . قال الدارقطني : ليس بالقوي .
وكذلك حجاج ومعاوية بن صالح وأبو يحيى .
ز : هذا الذي أجاب به المؤلف ليس بقوي ، وهو يحتج بجابر الجعفي في موضع ويضعفه في آخر ، بل قد قال في موضع : جابر الجعفي اتفقوا على تكذيبه .
وقد روى ابن ماجة حديث جابر من رواية جابر الجعفي أيضا .
وقال الدارقطني في حديث عبد الله بن شداد عن جابر : وروى هذا الحديث سفيان الثوري وشعبة وإسرائيل وأبو خالد الدالاني وأبو الأحوص وسفيان بن عيينة وجرير بن عبد الحميد وغيرهم عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد مرسلا عن النبي وهو الصواب .
وقال في حديث يحيى بن سلام : الصواب موقوف ثنا أبو بكر ثنا يونس ثنا ابن وهب أن مالكا أخبره عن وهب بن كيسان عن جابر نحوه موقوفا .
وقال أحمد في حديث عون عن أبي عباس : هو حديث منكر .
وقال الدارقطني في حديث قتادة عن زرارة عن عمران : خالف حجاج بن أرطاة أصحاب قتادة منهم شعبة وسعيد وغيرهما فلم يذكروا أنه نهاهم عن القراءة .
وحجاج لا
____________________
(1/377)
يحتج به .
وروي عن أبي الدرداء : أن رجلا قال : يا رسول الله أفي كل صلاة قرآن ؟ فقال : ' نعم ' فقال رجل من الأنصار : وجبت هذه . رواه الإمام أحمد وهذا لفظه . وابن ماجة والنسائي قال : هذا خطأ عن رسول الله وإنما هو من قول أبي الدرداء . وقد ذكره المؤلف من طريق الدارقطني أطول من هذا ( * ) .
احتج الخصم بأربعة أحاديث :
538 - الحديث الأول : قال البخاري في كتاب القراءة خلف الإمام : حدثنا أحمد بن خالد قال : حدثنا محمد بن إسحاق عن مكحول عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت قال : صلى النبي صلاة جهر فيها . فقرأ رجل خلفه . فقال : ( ( لا يقرأن أحدكم والإمام يقرأ ، إلا بأم القرآن ) ) .
539 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : حدثنا محمد بن مخلد حدثنا العباس بن محمد الدوري قال : حدثنا محمد بن عبد الوهاب حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله : ( ( من صلى صلاة مع إمام فجهر فليقرأ بفاتحة الكتاب في بعض سكتاته . فإن لم يفعل فصلاته خداج غير تمام ) ) .
540 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : وحدثنا عبد الرحمن بن أحمد حدثنا عيسى ابن عبد الله الطيالسي قال : حدثنا يزيد بن عمر المدائني حدثنا الربيع بن بدر عن أيوب السختياني عن الأعرج عن أبي هريرة قال : صلى بنا رسول الله . ثم أقبل علينا بوجهه ، فقال : ( ( أتقرأون خلف الإمام ؟ ) ) قلنا : إن فينا من يقرأ . قال ( ( فبفاتحة الكتاب ) ) .
541 - الحديث الرابع : قال الدارقطني : وحدثنا محمد بن إسماعيل الفارسي قال : حدثنا أبو زرعة الدمشقي حدثنا يحيى بن يوسف الزمي قال : حدثنا عبيد الله بن عمرو الرقي عن ايوب عن أبي قلابة عن أنس : أن رسول الله صلى بأصحابه . فلما قضى صلاته أقبل عليهم بوجهه ، فقال : أتقرأون في صلاتكم والإمام يقرأ ؟ فسكتوا - قالها ثلاثا - فقال
____________________
(1/378)
قائل ، أو قائلون : إنا لنفعل . قال : ( ( لا تفعلوا . وليقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب في نفسه ) ) .
والجواب : أما الحديث الأول : فقال أحمد : لم يرفعه إلا ابن إسحاق . قلت : وقد قال مالك وهشام بن عروة وغيرهما : ابن إسحاق كذاب . وقال يحيى بن معين : ليس بحجة وقال ابن المديني : يحدث عن المجهولين بأحاديث باطلة .
فإن قالوا : فقد روي من غير طريق ابن إسحاق .
452 - قال محمود بن إسحاق : حدثنا البخاري حدثنا هشام قال : حدثنا صدقة بن خالد قال : حدثنا زيد بن واقد عن حرام بن حكيم ، ومكحول عن ابن ربيعة الأنصاري عن عبادة عن النبي أنه قال : ( ( لا يقرأن أحدكم إذا جهرت بالقراءة إلا بأم القرآن ) ) .
قلنا : قال أبو زرعة الرازي : زيد بن واقد ليس بشيء ، على أنه قد وثقه الدارقطني .
فإن قالوا : فقد رواه إسماعيل بن عياش عن الأوزاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن قتادة . قلنا : قال النسائي : إسماعيل ضعيف . وقال ابن حبان : لا يحتج به . ثم لا يعلم أن شعيبا لقي عبادة . فإن قالوا : فقد رواه الدارقطني من طريق الوليد بن عتبة ، ومن طريق بقية وطريق إسحاق بن أبي فروة .
قلنا : قال أبو حاتم الرازي : الوليد مجهول : وأما بقية : فمدلس . قال أبو مسهر : أحاديث بقية غير نقية . فكن منها على تقية . وقال ابن حبان : لا يحتج ببقية .
وأما إسحاق ، فقال ابن المديني : هو منكر الحديث . وقال يحيى : ليس بشيء ، كذاب . وقال أحمد : لا تحل الرواية عنه . ثم إن مكحولا ضعيف أيضا . وأما الحديث الثاني : ففيه محمد بن عبد الله بن عبيد . قال يحيى بن معين : هو ضعيف . وقال النسائي والدارقطني : متروك أيضا . وأما الثالث : ففيه الربيع بن بدر . قال النسائي والدارقطني متروك أيضا .
وأما الرابع : فمجهول على أن المأموم يقرأ في نفسه في سكتات الإمام .
ز : حديث عبادة روي بطرق عن محمد بن إسحاق ، فروى الإمام أحمد : ثنا
____________________
(1/379)
يعقوب ، ثنا أبي ، عن ابن إسحاق ، حدثني مكحول ، عن مكحول عن محمود بن ربيع الأنصاري ، عن عبادة بن الصامت ، قال : صلى بنا رسول الله الصبح فثقلت عليه القراءة فلما انصرف رسول الله من صلاته أقبل علينا بوجهه فقال : ( ( إني أراكم تقرؤون خلف إمامكم إذا جهر ) ) ، قال : فقلنا : أجل والله يا رسول الله إنه لهذا ، فقال رسول الله ( ( فلا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها ) ) ورواه الإمام أحمد أيضا عن محمد بن سلمة عن ابن إسحاق .
ورواه الترمذي عن هناد ، عن عبدة ، عن ابن إسحاق وقال وحديث حسن .
ورواه أبو يعلى الموصلي عن جعفر بن مهران السباك ، عن عبد الأعلى عن ابن إسحاق ؛ ورواه الطبراني عن عبيد بن غنام ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن عبد الله بن نمير ، عن ابن إسحاق . ورواه أبو حاتم البستي عن ابن خزيمة ، عن الفضل بن يعقوب الجزري عن عبد الأعلى ، عن ابن إسحاق .
ورواه الدارقطني بطرق عن ابن إسحاق قال : هذا إسناد حسن . وتضعيف المؤلف لابن إسحاق ليس بشيء فإنه صدوق كان شعبة وسفيان يقولان : هو أمير المؤمنين في الحديث ، وهو يحتج يه في موضع ويضعفه في موضع آخر . وكذلك تضعيفه لمكحول فإنه ثقة روى له مسلم في صحيحه .
وحديث زيد بن واقد رواه الطبراني فقال : ثنا أحمد بن المعلى ، ثنا هشام بن عمار ثنا صدقة بن خالد ، ثنا زيد بن واقد ، عن حرام بن حكيم ، ومكحول ، عن نافع بن محمود بن ربيعة الأنصاري ، عن عبادة بن الصامت ، قال : صلى بنا رسول الله بعض الصلوات التي يجهر فيها بالقراءة فقال : ( ( ألا لا يجهر أحد منكم إذا جهرت إلا بأم القرآن ) ) .
رواه أبو داود عن الربيع بن سليمان ، عن عبد الله بن يوسف ، عن الهيثم بن حميد ، عن زيد بن اوقد ، عن مكحول ، عن نافع .
ورواه النسائي عن هشام بن عمار بإسناده ولم يذكر مكحولا .
ورواه الدارقطني وقال : هذا إسناد حسن ورجال ثقات كلهم .
وقال ابن حبان في كتاب التاريخ : نافع بن محمود بن ربيعة سمع عبادة بن الصامت حديث القراءة خلف الإمام موقوفا ، كما سمعه محمود بن الربيع الأنصاري عن عبادة
____________________
(1/380)
مرفوعا ومتناهما متباينان . وزيد بن واقد هو القرشي أبو عمر ويقال أبو عمر الشامي الدمشقي وثقه الإمام أحمد ، ويحيى بن معين ، ودحيم ، والعجلي ، والدارقطني ، وابن حبان وروى له البخاري في صحيحه .
ووهم المؤلف في نقله عن أبي زرعة تضعيفه ، فإنه إنما قال : ضعف زيد بن واقد أبا علي السمني البصري نزيل الري .
ووهم أيضا في قوله وثقه الدارقطني فإنه وثق الدمشقي ، وأما البصري فإن أبا حاتم روى عنه ووثقه وقال : كان شيخا فانيا كبيرا .
ووهم أيضا في قوله : قال أبو حاتم الرازي : الوليد بن عتبة مجهول فإن قول أبي حاتم إنما هو في الوليد بن عتبة الدمشقي الذي روى عن معاوية عن صالح ، وروى عنه محمد بن عبد العزيز الرملي ، وأما راوي حديث القراءة فإنه الوليد بن عتبة الدمشقي أبو العباس ، ولم يذكر فيه أبو حاتم جرحا . روى عن بقية والوليد بن مسلم وغيرهما ( * ) .
مسألة [ 142 ] :
يسن للمأموم أن يقرأ بالحمد وسورة ، فيما يخافت فيه الإمام .
وقال أبو حنيفة : لا تسن القراءة خلف الإمام .
543 - قال الدارقطني : حدثنا ابن صاعد حدثنا عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي حدثنا محمد بن المبارك الصوري قال : حدثنا صدقة بن خالد حدثنا زيد بن واقد عن حرام بن حكيم ومكحول عن نافع بن محمود أنه سمع عبادة بن الصامت يقول : قال رسول الله : ( ( لا يقرأن أحد منكم شيئا من القرآن إذا جهرت بالقراءة إلا بأم القرآن ) ) .
وقال الدارقطني : رجاله كلهم ثقات .
ز : تقدم هذا الحديث والكلام [ عليه ] ( 1 ) .
544 - قال الدارقطني : وحدثنا عمر بن أحمد الجوهري حدثنا أحمد بن سيار حدثنا زكريا بن يحيى الوقار قال حدثنا بشر بن بكر حدثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ( ( إذا أسررت بقراءتي فاقرءوا معي ، وإذا جهرت بقراءتي فلا يقرأن معي أحد ) ) .
قال المؤلف : الاعتماد على الحديث الأول ، لا على هذا . فإن هذا مما تفرد به زكريا . وكان يضع الحديث .
ز : قال العقيلي : زكريا بن يحيى أبو يحيى الوقار مصري . حدثنا زكريا بن يحيى الحلواني ثنا أبو يحيى الوقار ، ثنا بشر بن بكر ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير اليمامي ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى يوما صلاة فلما قضاها قال : ( ( هل قرأ أحد منكم معي بشيء من القرآن ؟ ) ) فقال رجل من القوم : أنا يا رسول الله ، فقال : ( ( إني أقول ما لي أنازع القرآن إذا أسررت بقراءتي فاقرؤا معي ، وإذا جهرت فلا يقرأن معي أحد ) ) . قال أبو يحيى - هو الحلواني - : فصرنا إلى أبي الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح فذكرنا له هذا الحديث فقال : هذا باطل ، ثم قام يجر إزاره حتى دخل إلى بيته فأخرج كتاب بشر بن بكر ، فإذا فيه : حدثنا بشر بن بكر ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير أن رسول الله . أو عن رسول الله قال أبو يحيى : أنا شككت ، فقال : انظروا كيف وصله فجعله عن أبي سلمة عن أبي هريرة واغتاظ من ذلك .
احتجوا : بحديث عمران بن حصين : أن رسول الله نهاهم عن القراءة خلف الإمام . وقد سبق في المسألة التي قبلها .
قلنا : قال الدارقطني : لم يقل كذا غير حجاج . وخالفه أصحاب قتادة ، منهم شعبة وسعيد وغيرهما ، فلم يذكروا أنه نهاهم عن القراءة . وحجاج لا يحتج به ( * ) .
____________________
(1/381)
مسألة [ 143 ] :
تجب القراءة في كل ركعة .
وقال أبو حنيفة : لا تجب إلا في ركعتين .
لنا ثلاثة أحاديث :
545 - الحديث الأول : أن النبي علم الأعرابي الصلاة فأمره بالقراءة ، ثم قال : ( ( افعل ذلك في صلاتك كلها ) ) .
وسيأتي بإسناده من حديث أبي هريرة . وهو في الصحيحين . ويأتي أيضا من حديث رفاعة الزرقي .
546 - الحديث الثاني : قال أحمد : حدثنا يونس قال حدثنا أبان عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه : أن النبي كان يصلي فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين ، وفي الركعيتن الأخريين بأم الكتاب . وكان يطيل أول ركعة من صلاة الفجر ، وأول ركعة من صلاة الظهر . أخرجاه في الصحيحين .
547 - الحديث الثالث : قال أحمد : حدثنا عبد الرحمن عن معاوية بن صالح عن
____________________
(1/383)
أبي الزاهرية كثير بن مرة عنِ أبي الدرداء أن رجلا قال : أن رسول الله ، أفي كل صلاة قراءة ؟ فقال : ' نعم ' . فقال رجل من الأنصار : وجبت هذه .
548 - وقد روى أصحابنا من حديث عبادة و أبي سعيد قالا : أمرنا رسول الله أن نقرأ بالفاتحة في كل ركعة .
ورووا أن النبي قال : ( ( لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة ) ) وما عرفت هذين الحديثين .
ز : حديث عبادة و أبي سعيد رواه إسماعيل بن سعيد الشالنجي ، وروى حديث : ( ( لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب ) ) من حديث أبي سعيد أيضا .
احتج الخصم بثلاثة أحاديث :
أحدها : أن الأشعريين قالوا ل أبي مالك الأشعري : صل بنا صلاة رسول الله . فقرأ في الأوليين ، ولم يقرأ في الآخريين .
459 - والثاني : عن علي عن النبي قال : ( ( القراءة في الأوليين قراءة في الآخريين ) ) .
550 - والثالث : رواه محمد بن مهاجر قال : حدثنا وهب بن جرير عن أبيه عن أبي يزيد المديني عن عكرمة عن ابن عباس قال : ليس في الظهر والعصر قراءة .
وهذه الأحاديث لا تعرف . وقد قيل في الأول : إنه يرويه شهر بن حوشب .
قال ابن عدي : لا يحتج بحديثه . ثم لو صح حمل على الجهر في الأوليين ، أو على ما زاد على الفاتحة .
____________________
(1/384)
وقيل في الثاني : إنه موقوف على علي ، غير مرفوع ، وراويه الحارث الكذاب .
والثالث : من عمل محمد بن مهاجر .
قال ابن حبان : كان يضع الحديث على الثقات فيزيد في الأخبار ألفاظا ، ويسويها على مذهبه .
مسألة [ 144 ] :
لا تسن قراءة السورة في الأخريين .
خلافا لأحد قولي الشافعي .
لنا : حديث أبي قتادة . وقد تقدم بإسناده .
ز : روى أبو سعيد الخدري قال : كنا نحرز قيام رسول الله في الظهر والعصر ، فحرزنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر آلم تنزيل السجدة ، وحرزنا قيامه في الأخريين قدر النصف من ذلك ، وحررنا قيامه في الركعتين الأوليين من العصر على قدر قيامه في الأخريين من الظهر ، وفي الأخريين من العصر على النصف من ذلك .
وفي رواية بدل تنزيل السجدة : قدر ثلاثين آية ، وفي الآخريين قدر خمس عشرة آية ، وفي العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر خمس عشرة ، وفي الأخريين قدر نصف ذلك .
رواه مسلم ( 1 ) وهو حجة لأحد قولي الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد ( * ) .
____________________
(1/385)
مسألة [ 145 ] :
يستحب أن يطيل القراءة في الركعة الأولى من كل صلاة .
وقال أبو حنيفة : في الفجر خاصة .
وقال الشافعي : لا يطيل في الكل .
لنا : حديث أبي قتادة . وقد تقدم .
مسألة [ 146 ] :
لا يكره عد الآي في الصلاة .
وقال أبو حنيفة : يكره .
551 - وقد روى أصحابنا من حديث أنس قال : رأيت رسول الله يعد الآي في الصلاة .
____________________
(1/386)
وإنما يروى هذا عن الحسن وإبراهيم وعروة وعطاء وطاوس : أنهم كانوا لا يرون بعد الآي في الصلاة بأسا .
مسألة [ 147 ] :
إذا لم يحسن القراءة سبح بقدر الفاتحة .
وقال أبو حنيفة ومالك : لا يلزمه الذكر .
552 - قال الترمذي : حدثنا علي بن حجر قال : أنبأنا إسماعيل بن جعفر عن يحيى ابن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع عن جده عن رفاعة : أن رسول الله علم رجلا . فقال : ( ( إن كان معك قرآن فاقرأ ، وإلا فأحمد الله وكبره وهلله ، ثم اركع ) ) .
553 - قال النسائي : أنبأنا يوسف بن عيسى ومحمود بن غيلان عن الفضل بن موسى حدثنا مسعر عن إبراهيم السكسكي عن ابن أبي أوفى قال : جاء رجل إلى النبي ، فقال : إني لا أستطيع أن آخذ شيئا من القرآن . فعلمني شيئا يجزئني من القرآن ، فقال : ( ( قل : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ) ) .
554 - قال الدارقطني : حدثنا ابن صاعد حدثنا محمد بن عبد الملك بن زنجويه حدثنا عبد الرزاق قال : أنبأنا سفيان الثوري عن أبي خالد - وهو الدالاني - عن إبراهيم - وهو السكسكي عن عبد الله بن أبي أوفى : ( ( أن رجلا جاء إلى النبي ، فقال يا رسول الله ، إني لا أستطيع أن أتعلم من القرآن ، فما يجزئني في صلاتي ؟ قال : ( ( تقول ، سبحان الله ،
____________________
(1/387)
والحمد لله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، والله أكبر ، ولا إله إلا الله ) ) . قال هذا لله ، فما لي ؟ قال : تقول : ( ( اللهم اغفر لي ، وارحمني ، وارزقني ، واهدني ، وعافني ) ) .
ز : حديث رفاعة تقدم أصله والكلام عليه . وحديث ابن أبي أوفى رواه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما ( 1 ) . ورواه الحاكم من رواية مسعر عن إبراهيم وقال : على شرط البخاري ، وإبراهيم السكسكي صالح الحديث ، وقد ضعفه شعبة وأحمد بن حنبل وروى له البخاري في صحيحه . وقال النسائي : ليس بذاك القوي يكتب حديثه . وقال ابن عدي : لم أجد له حديثا منكر المتن وهو إلى الصدق أقرب منه إلى غيره ويكتب حديثه كما قال النسائي .
وقال الطبراني : ثنا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق النيسابوري ، ثنا أبو أمية محمد بن إبراهيم ، ثنا الفضل بن موفق ، ثنا مالك بن مغول ، عن طلحة بن مصرف ، عن عبد الله بن أبي أوفى قال : جاء رجل إلى رسول الله فقال : إني لا أستطيع أن أتعلم القرآن فعلمني ما يجزئني من القرآن ؟ فقال : ( ( قل سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ) ) . قال : هذه لله ، فما لي ؟ قال : ( ( قل : رب اغفر لي ، وارحمني ، واهدني وعافني وارزقني ) ) : فقال رسول الله : ( ( لقد ملأ يديه خيرا ) ) .
رواه أبو حاتم البستي عن الحسين بن إسحاق الأصبهاني عن أبي أمية . والفضل بن موفق ضعفه أبو حاتم الرازي وقال : كان شيخا صالحا وكان بروي أحاديث موضوعة ، ومحمد بن إبراهيم أبو أمية حافظ ثقة ، قال الحاكم : صدوق كثير الوهم ( * ) .
مسألة [ 148 ] :
الطمأنينة في الركوع والسجود فرض .
____________________
(1/388)
وقال أبو حنيفة ومالك : لا تجب .
وكذا الخلاف مع أبي حنيفة في الاعتدال من الركوع والسجود .
لنا سبعة أحاديث :
555 - الحديث الأول : قال أحمد : حدثنا يحيى بن عبيد الله قال حدثني سعيد بن أبي سعيد عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : دخل رجل المسجد فصلى ، والنبي في المسجد . ثم جاء إلى النبي فسلم ، فرد عليه السلام . فقال : ( ( ارجع فصل . فإنك لم تصل ) ) - يفعل ذلك ثلاث مرات - فقال : والذي بعثك بالحق نبيا ما أحسن غير هذا ، فعلمني . قال : ( ( إذا قمت إلى الصلاة فكبر ، ، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ، ثم اركع حتى تطمئن راكعا ، ثم ارفع حتى تعتدل قائما ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ، ثم ارفع حتى يطمئن جالسا ، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها ) ) .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
556 - الحديث الثاني : قال أحمد : حدثنا يزيد بن هارون قال : أنبأنا محمد بن عمرو عن علي بن يحيى بن خلاد الزرقي عن أبيه عن رفاعة بن رافع قال : جاء رجل ، ورسول الله جالس في المسجد ، فصلى قريبا منه ، ثم انصرف إلى رسول الله ، فسلم عليه فقال رسول الله : ( ( أعد صلاتك . فإنك لم تصل ) ) . فرجع فصلى كنحو ما صلى . ثم انصرف إلى رسول الله . فقال له : ( ( أعد صلاتك ، فإنك لم تصل ) ) . فرجع فصلى كنحو ما صلى ، ثم انصرف إلى رسول الله . فقال له : ( ( أعد صلاتك ، فإنك لم تصل ) ) فقال : يا رسول الله ، علمني . قال : ( ( إذا استقبلت القبلة فكبر ، ثم اقرأ بأم القرآن ، ثم اقرأ بما شئت ، فإذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيك ، وامدد ظهرك ، ومكن لركوعك ، فإذا رفعت رأسك فأقم صلبك ، حتى ترجع العظام إلى مفاصلها ، فإذا سجدت فمكن لسجودك ، فإذا رفعت رأسك فاجلس على فخذك اليسرى ، ثم اصنع ذلك في كل ركعة وسجدة ) ) .
____________________
(1/389)
557 - طريق آخر : قال الدارقطني : حدثنا الحسين بن إسماعيل قال : حدثنا يوسف ابن موسى حدثنا هشام بن عبد الملك قال : حدثنا همام عن يحيى قال : حدثني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن علي بن يحيى بن خلاد عن أبيه عن عمه رفاعة بن رافع قال : كان رفاعة ومالك بن رافع أخوين من أهل بدر . قال : بينما نحن جلوس عند رسول الله - أو رسول الله جالس ونحن حوله - إذ دخل رجل فاستقبل القبلة وصلى . فلما قضى الصلاة جاء فسلم على رسول الله وعلى القوم . فقال رسول الله : ( ( وعليك . ارجع فصل ، فإنك لم تصل ) ) . فجعل الرجل يصلي . وجعلنا نرمق صلاته ، لا ندري ما يعيب منها . فلما صلى جاء فسلم على النبي وعلى القوم . فقال له النبي : ( ( وعليك ، ارجع فصل ، فإنك لم تصل ) ) قال همام : لا أدري أمره بذلك مرتين أو ثلاثا - فقال الرجل : ما ألوت . وما أدري ما عبت علي من صلاتي . فقال رسول الله : ( ( إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله تعالى ، فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ، ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين ، ثم يكبر الله ويثني عليه . ثم يقرأ أم القرآن ، وما أذن له فيه وتيسر . ثم يكبر فيركع فيضع كفيه على ركبتيه حتى تطمئن مفاصله وتسترخي ، ويقول : سمع الله لمن حمده . ويستوي قائما حتى يقيم صلبه ، ويأخذ كل عظم مأخذه . ثم يكبر ويسجد فيمكن وجهه - قال همام : وربما قال : جبهته - من الأرض حتى تطمئن مفاصله وتسترخي . ثم يكبر ويستوي قاعدا على مقعدته ويقيم صلبه - ووصف الصلاة هكذا أربع ركعات حتى فرغ - ثم قال : لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك ) ) .
558 - الحديث الثالث : قال أحمد : حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن عمارة بن عمير التيمي عن أبي معمر الأزدي عن أبي مسعود عن النبي قال : ( ( لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها ظهره في الركوع والسجود ) ) . قال الترمذي : هذا حديث صحيح ( 1 ) .
599 - الحديث الرابع : قال أحمد : حدثنا عبد الصمد وسريج قالا حدثنا ملازم بن عمرو قال : أنبأنا عبد الله بن بدر أن عبد الرحمن بن علي حدثه أن أباه علي بن شيبان حدثه :
____________________
(1/390)
أنه خرج وافدا إلى رسول الله قال : فصلينا خلف النبي . فلمح بمؤخر عينيه إلى رجل لا يقيم صلبه في الركوع والسجود . فلما انصرف رسول الله قال : ( ( يا معشر المسلمين ، إنه لا صلاة لمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود ) ) .
560 - طريق آخر : قال أحمد : وحدثنا أبو النضر قال : حدثنا أيوب بن عتبة قال : حدثنا عبد الله بن بدر عن عبد الرحمن بن علي بن شيبان عن أبيه أن رسول الله قال : ( ( لا ينظر الله عز وجل إلى رجل لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده ) ) .
561 - الحديث الخامس : قال أحمد : حدثنا يحيى بن آدم حدثنا عامر بن يساف قال : حدثني يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن بدر الحنفي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ' لا ينظر الله إلى صلاة رجل لا يقيم صلبه من ركوعه وسجوده '
562 - الحديث السادس : قال أحمد : حدثنا عفان حدثنا مهدي حدثنا واصل الأحدب عن أبي وائل عن حذيفة : أنه رأى رجلا لا يتم ركوعا ولا سجودا . فلما انصرف من صلاته دعاه حذيفة . فقال له : منذ كم صليت هذه الصلاة ؟ فقال : قد صليتها منذ كذا وكذا . فقال حذيفة : ما صليت - أو ما صليت لله صلاة - شك مهدي - وأحسبه قال : ولو مت مت على غير سنة محمد .
انفرد بإخراجه البخاري .
563 - الحديث السابع : قال الترمذي : حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا عبد الحميد بن جعفر قال : حدثنا محمد بن عمرو بن عطاء عن أبي حميد الساعدي قال : سمعته - وهو في عشرة من أصحاب النبي : أحدهم : أبو قتادة بن ربعي - يقول : أنا أعلمكم بصلاة رسول الله . قالوا : ما كنت أقدمنا له صحبة ، ولا أكثرنا له إثباتا له . قال : بلى . قالوا : فاعرض . فقال : كان رسول الله إذا قام
____________________
(1/391)
إلى الصلاة اعتدل قائما ، ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه . ثم يكبر ، فإذا أراد أن يركع رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه . ثم قال : الله أكبر ، وركع ثم اعتدل ، فلم يصوب رأسه ولم يقنعه ، ووضع يديه على ركبتيه . ثم قال : سمع الله لمن حمده ، ورفع يديه . واعتدل حتى يرجع كل عظم في موضعه متعدلا . ثم يهوي إلى الأرض ساجدا . ثم قال : الله أكبر ، ثم جافى عضديه عن إبطيه ، وفتح أصابع رجليه . ثم ثنى رجله اليسرى وقعد عليها . ثم اعتدل حتى يرجع كل عظم في موضعه معتدلا ، ثم هوى ساجدا . ثم قال : الله أكبر ، ثم ثنى رجله وقعد ، فاعتدل حتى يرجع كل عظم في موضعه ، ثم نهض . فصنع في الركعة الثانية مثل ذلك . حتى إذا قام من السجدتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ، كما صنع حين افتتح الصلاة . ثم صنع كذلك حتى كانت الركعة التي تنقضي فيها صلاته : أخر رجله اليسرى وقعد على شقه متروكا . ثم يسلم .
انفرد بإخراجه البخاري .
564 - روى أحمد : حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث عن النبي أنه قال : ( ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) ) .
ز : حديث أبي مسعود رواه أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجة ، والنسائي ( 1 ) ، والدارقطني وقال : إسناده ثابت صحيح ، والبيهقي : وقال : إسناد صحيح .
وروى يحيى بن أبي بكير ، عن إسرائيل ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان عن جابر مرفوعا : ( ( لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود ) ) . رواه البيهقي وقال : تفرد به يحيى بن أبي بكير . وحديث علي بن شيبان رواه ابن ماجة ( 2 ) وعبد الله بن بدر وثقه ابن معين وأبو زرعة والعجلي ، وابن حبان . وعامر بن يساف في حديث أبي هريرة ، قال أبو حاتم : هو صالح . وقال أبو داود : رجل صالح ليس به بأس . وقال ابن عدي : منكر الحديث عن الثقات . وحديث أبي حميد لم يروه البخاري مطولا ( 3 ) ولم يروه من طريق عبد الحميد بن جعفر وحديث مالك رواه البخاري ( 4 ) ( * ) .
احتجوا : بحديث يروى عن ابن أبزى قال : صليت خلف رسول الله . فلم يكبر
____________________
(1/392)
بين السجدتين . قال أحمد : هو منكر . ما أراه محفوظا . قلت : والذي روينا عن ابن أبزى نحو حديث ابن حميد من الطمأنينة .
مسألة [ 149 ] :
يجمع الإمام والمنفرد بين التسميع والتحميد . ويقتصر المأموم على التحميد .
وقال أبو حنيفة ومالك : كقولنا في المأموم . فأما الإمام والمنفرد : فيقتصران على التسميع . وقال الشافعي : يجمع المأمون بينهما أيضا .
565 - قال أحمد : حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الزهري عن أنس قال : قال رسول الله : ( ( إذا قال الإمام : سمع الله لمن حمده . فقولوا : ربنا ولك الحمد ) ) .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
566 - قال أحمد : وحدثنا وكيع قال : حدثنا الأعمش عن عبيد بن الحسن المزني قال : سمعت ابن أبي أوفى يقول : كان رسول الله إذا رفع رأسه من الركوع قال : ( ( سمع الله لمن حمده ، اللهم ربنا لك الحمد . ملء السماء وملء الأرض ، وملء ما شئت من شيء بعد ) ) .
____________________
(1/393)
567 - قال الدارقطني : حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد حدثنا أحمد بن الحسن بن سعيد قال حدثنا أبي حدثنا سعيد بن عثمان حدثنا عمرو بن شمر عن جابر عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : قال لي النبي : ( ( يا بريدة إذا رفعت رأسك من الركوع فقل : سمع الله لمن حمده ، اللهم ربنا لك الحمد ملء السماء ، وملء الأرض ، وملء ما شئت من شيء بعد ) ) .
568 - قال الترمذي : حدثنا محمود بن غيلان حدثنا أبو داود الطيالسي حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن سلمة بن الماجشون حدثنا عمي عن عبد الرحمن الأعرج عن عبيد الله ابن أبي رافع : عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : كان رسول الله إذا رفع رأسه من الركوع قال : ( ( سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد ، ملء السماء ، وملء الأرض ، وملء ما بينهما ، وملء ما شئت من شيء بعد ) ) .
قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .
569 - وقال الترمذي : حدثنا الأنصاري حدثنا معن حدثنا مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله قال : ( ( إذا قال الإمام : سمع الله لمن حمده ، فقولوا : ربنا ولك الحمد ، فمن وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ) ) .
قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .
570 - قال البخاري : حدثنا آدم قال : حدثنا ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال : كان رسول الله إذا قال : سمع الله لمن حمده ، قال : ( ( اللهم ربنا ولك الحمد ) ) .
571 - قال الدارقطني : حدثنا أبو طالب الحافظ قال : حدثنا يزيد بن محمد بن عبد الصمد حدثنا يحيى بن عمرو بن عمارة قال : سمعت عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان يقول
____________________
(1/394)
حدثني عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي قال : ( ( إذا قال الإمام : سمع الله لمن حمده ، فليقل من وراءه اللهم ربنا ولك الحمد ) ) .
572 - وقد رواه أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو عن يحيى عن عبد الرحمن بن ثابت ابن ثوبان عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن أبي هريرة قال : كنا إذا صلينا خلف رسول الله ، فقال سمع الله لمن حمده ، قال من وراءه : سمع الله لمن حمده .
قال الدارقطني : المحفوظ الأول .
ز : حديث ابن أبي أوفى رواه مسلم وأبو داود وابن ماجة ( 1 ) ورواه شعبة عن عبيد .
وحديث بريدة إسناده ساقط ، وعمرو وجابر ضعيفان ، وكذلك سعيد بن عثمان وشيخ ابن عقدة وأبوه لا يعرفان . وحديث علي تقدم بطوله في الاستفتاح .
وروى أبو سعيد الخدري قال : كان رسول الله إذا رفع رأسه من الركوع قال : ( ( اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات والأرض وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والحمد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد ، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ) ) رواه مسلم ( 2 ) .
وعن ابن عباس : أن النبي كان إذا رفع رأسه من الركوع قال : ( ( اللهم ربنا ولك الحمد ملء السموات وملء الأرض وما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد لا مانع لما أعطبت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ) ) رواه مسلم أيضا ( 3 ) ( * ) .
مسألة [ 150 ] :
التكبير بعد الافتتاح ، والتسبيح ، والتحميد ، وقول : رب اغفر لي ، والتشهد
____________________
(1/395)
الأول : واجب . خلافا لأكثرهم في قولهم : إنه سنة .
لنا : أن النبي قد صح عنه : أنه كان يفعل ذلك .
وقد قال : ( ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) ) .
ز : وقد صح عنه أنه كان يقول ويفعل في الصلاة أشياء غير واجبة مع قوله : ( ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) ) ( * ) .
قال المؤلف ولنا : حديث علي وبريدة . وقد سبق ذلك في المسألة قبلها .
573 - قال الإمام أحمد : حدثنا حجاج قال : حدثنا ليث قال : حدثني عقيل عن ابن شهاب قال : أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن أنه سمع أبا هريرة يقول : كان رسول الله إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم . ثم يكبر حين يركع . ثم يقول : سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركعة . ثم يقول وهو قائم : ربنا لك الحمد . ثم يكبر حين يهوي ساجدا ثم يكبر حين يرفع رأسه . ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها . ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس .
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين ( 1 ) .
574 - قال الترمذي : حدثنا قتيبة قال : حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة والأسود عن عبد الله بن مسعود قال : كان رسول الله يكبر في كل خفض ورفع ، وقيام وقعود ، وأبو بكر وعمر .
قال الترمذي هذا حديث صحيح .
575 - قال الترمذي : وحدثنا محمود بن غيلان قال : حدثنا أبو داود قال : أنبأنا شعبة عن الأعمش قال : سمعت سعد بن عبيدة يحدث عن المستورد عن صلة بن زفر عن حذيفة أنه
____________________
(1/396)
صلى مع النبي ، وكان يقول في ركوعه : ' سبحان ربي العظيم ' ، وفي سجوده : ' سبحان ربي الأعلى ' .
قال الترمذي : هذا حديث صحيح .
576 - قال أحمد : حدثنا أبو عبد الرحمن حدثنا موسى بن أيوب الغافقي قال : حدثني عمي إياس بن عامر قال : سمعت عقبة بن عامر الجهني يقول : لما نزلت ( ^ فسبح باسم ربك العظيم ) قال رسول الله : ( ( اجعلوها في ركوعكم ) ) . فلما نزلت . ( ^ سبح اسم ربك الأعلى ) قال : ( ( اجعلوها في سجودكم ) ) .
577 - قال أحمد : وحدثنا عبد الرزاق قال : حدثنا معمر عن قتادة عن يونس بن جبير عن حطاب بن عبد الله الرقاشي عن أبي موسى أن رسول الله قال : ( ( إذا قال الإمام : سمع الله لمن حمده . فقولوا : ربنا ولك الحمد ) ) .
قال معمر عن الزهري عن أنس عن النبي مثله .
وقد سبق في مسألة الطمأنينة حديث رفاعة بن رافع عن النبي أنه قال : ( ( لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء ، ثم يكبر ، ثم يقرأ أم القرآن . ثم يكبر فيركع ، ويقول : سمع الله لمن حمده ثم يكبر ويسجد . ثم يكبر ويستوي قاعدا ) ) .
ذكرناه بإسناده هناك .
ز : حديث ابن مسعود رواه الإمام أحمد ، والنسائي أيضا ( 1 ) . وحديث حذيفة رواه الإمام أحمد ، ومسلم ، وأبو داود ، وابن ماجة ، والنسائي ( 2 ) . وحديث عقبة رواه أبو داود ( 3 ) عن أبي توبة الربيع بن نافع الحلبي وموسى بن إسماعيل البصري . وروى ابن ماجة عن عمرو بن رافع القزويني ثلاثتهم عن ابن المبارك عن موسى ورواه الحاكم وصححه .
وليس لإياس عند أبي داود وابن ماجة غير هذا الحديث . قال أبو سعيد بن يونس :
____________________
(1/397)
كان إياس من شيعة علي والوافدين عليه من أهل مصر وشهد معه مشاهده .
وموسى بن أيوب الغافقي قال إسحاق بن منصور وعباس الدوري عن يحيى بن معين : هو ثقة وثقه أبو داود وابن حبان أيضا . وقال يحيى بن بكير : موسى بن أيوب أول من أحدث القياس بمصر . وحديث أبي موسى رواه جماعة عن قتادة ، وأخرجه مسلم ، وأبو داود والنسائي ، وابن ماجة ( 1 ) ( * ) .
مسألة [ 151 ] :
السنة أن يضع ركبتيه قبل يديه إذا سجد .
وقال مالك : السنة أن يسبق بيديه .
وعن أحمد نحوه .
لنا حديثان :
578 - الحديث الأول : قال الترمذي : حدثنا سلمة بن شبيب حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا شريك عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال : رأيت رسول الله إذا سجد يضع ركبتيه قبل يديه . وإذا نهض يرفع يديه قبل ركبتيه .
____________________
(1/398)
قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب . ورواه همام عن عاصم مرسلا .
وهذا لا يضر . لأن الراوي قد يرفع وقد يرسل .
ز : ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجة ( 1 ) والحاكم وقال : على شرط مسلم ، والدارقطني وقال : تفرد به يزيد بن هارون عن شريك ولم يحدث به عن عاصم بن كليب غير شريك وشريك ليس بالقوي فيما يتفرد به والله أعلم . وقال البيهقي : هذا حديث يعد في أفراد شريك القاضي ، وقال يزيد بن هارون : ولم يرو شريك عن عاصم بن كليب إلا هذا الحديث . وقال الخطابي : حديث وائل أصح من حديث أبي هريرة ( * ) .
579 - الحديث الثاني : قال الدار قطني : حدثنا إسماعيل بن محمد الصفار حدثنا العباس بن محمد قال : حدثنا العلاء بن إسماعيل العطار قال : حدثنا حفص بن غياث عن عاصم الأحول عن أنس . قال : رأيت رسول الله انحط بالتكبير . فسبقت ركبتاه يديه .
ز : قال الدارقطني : تفرد به العلاء بن إسماعيل عن حفص بهذا الإسناد والله أعلم .
ورواه الحاكم في المستدرك وقال : على شرطهما ولا أعرف له علة ( 1 ) . وليس كما قال العلاء بن إسماعيل غير معروف ( * ) .
احتجوا بأحاديث :
580 - قال الدارقطني : حدثنا الحسين بن الحسين بن عبد الرحمن القاضي حدثنا محمد بن الأصبغ بن الفرج قال : حدثنا أبي قال : حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر : أن رسول الله كان إذا سجد يضع يديه قبل ركبتيه .
581 - قال الدارقطني : وحدثنا أبو بكر بن أبي داود حدثنا محمود بن خالد حدثنا مروان بن محمد قال : حدثنا عبد العزيز بن محمد حدثنا محمد بن عبد الله بن الحسن عن أبي
____________________
(1/399)
الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ( ( إذا سجد أحدكم فليضع يديه قبل رجليه ، ولا يبرك بروك البعير ) ) .
ورواه الترمذي عن قتيبة عن عبد الله بن نافع عن محمد بن عبد الله بن الحسن .
582 - قال أحمد : حدثنا سعيد بن منصور حدثنا عبد العزيز بن محمد حدثني محمد ابن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ( ( إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك الجمل ، وليضع يديه قبل ركبتيه ) ) .
والجواب : أن أحاديثنا أشهر في كتب السنن وأثبت . وما ذهبنا إليه أليق بالأدب والخشوع .
ز : حديث عبيد بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال الدارقطني في الأفراد : تفرد به أصبغ بن الفرج عن عبد العزيز الدراوردي عن عبيد الله .
وقد رواه أبو بكر بن خزيمة في صحيحه : ثنا محمد بن عمرو بن تمام المصري ، ثنا أصبغ بن الفرج ، ثنا عبد العزيز بن محمد ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع عن ابن عمر : أنه كان يضع يديه قبل ركبتيه وقال : كان رسول الله يفعل ذلك . وقال بعده : ذكر الدليل على أن الأمر بوضع اليدين قبل الركبتين عند السجود منسوخ . وأن وضع الركتبين قبل اليدين ناسخ . وروي من طريق إبراهيم بن إسماعيل ين يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه ، عن سلمة ، عن مصعب بن سعد : أن سعدا قال : كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا بالركبتين قبل اليدين . وهذا إسناد ضعيف فإن يحيى بن سلمة بن كهيل قال البخاري : أحاديثه مناكير ( 1 ) .
وقال ابن نمير : ليس ممن يكتب حديثه . وقال ابن معين : ليس بشيء لا يكتب حديثه وقال النسائي : متروك الحديث . وقال الدارقطني : ضعيف . وقال ابن عدي : ومع ضعفه يكتب حديثه .
والمشهور عن مصعب بن سعد عن أبيه نسخ التطبيق .
____________________
(1/400)
وقال الحاكم : ثنا محمد بن أحمد بن بطة الأصبهاني ، ثنا عبد الله بن محمد بن زكريا ثنا محرز بن سلمة ثنا الدراوردي ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر : ( ( أنه كان يضع يديه قبل ركبتيه وقال : كان النبي يفعل ذلك ) ) . قال الحاكم على شرط مسلم فلم يتفرد به أصبغ ( 1 ) .
وحديث أبي هريرة رواه أبو داود والنسائي وقال الترمذي : حديث أبي هريرة حديث غريب لا نعرفة إلا من هذا الوجه ( 2 ) . ورواه البخاري في تاريخه في ترجمة محمد بن عبد الله وقال : لا يتابع عليه ولا أدري سمع من أبي الزناد أم لا .
وعن عبد الله بن سعيد المقبري عن جده عن أبي هريرة عن النبي : ( ( إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه ولا يبرك برك الجمل ) ) رواه البيهقي وقال : إلا أن عبد الله بن سعيد المقبري ضعيف .
وقال الترمذي في جامعه : وقد روي هذا الحديث عن عبد الله بن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي . وعبد الله بن سعيد ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره .
قال الترمذي هذا بعد روايته حديث أبي هريرة مختصرا من طريق ابن حسن .
وقال أبو يعلى الموصلي في مسنده : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، ثنا ابن فضيل عن عبد الله بن سعيد عن جده ، عن أبي هريرة ، عن النبي قال : ( ( إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قيل يديه ولا يبرك بروك الفحل ) ) .
مسألة [ 152 ] :
لا يجزئ الاقتصار على الأنف في السجود . وفي الجبهة روايتان .
____________________
(1/401)
وقال أبو حنيفة : يجزئ .
لنا : حديث رفاعة عن النبي : ( ( لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء ويكبر ) ) فوصف الصلاة .
ثم قال : ويسجد ويمكن وجهه - وربما قال : جبهته - من الأرض ، وقد سبق بإسناده في مسألة الطمأنينة .
583 - قال الترمذي : حدثنا بندار قال : حدثنا أبو عامر قال : حدثنا فليح بن سليمان قال : حدثني عباس بن سهل عن أبي حميد الساعدي : أن النبي كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته من الأرض .
قال الترمذي : هذا حديث صحيح .
584 - قال الدار قطني : حدثنا أبو عبد الله بن المهتدي قال : حدثنا الحسين بن علي بن خلف حدثنا سليمان بن عبد الرحمن حدثنا ناشب بن عمرو الشيباني حدثنا مقاتل بن حيان عن عروة عن عائشة قالت : أبصر رسول الله امرأة من أهله تصلي ، ولا تضع أنفها بالأرض ، فقال : ( ( يا هذه ، ضعي أنفك بالأرض . فإنه لا صلاة لمن لم يضع أنفه الأرض مع جبهته في الصلاة ) )
فإن قالوا : قد قال الدار قطني : ناشب ضعيف .
قلنا : ما قدح فيه غيره . ولا يقبل التضعيف حتى يتبين سببه .
____________________
(1/402)
ز : هذا الكلام يدل على قلة علم المؤلف بالدار قطني ، فإن الدار قطني قل أن يضعف رجلا ويكون فيه طب ، ولا يطلب بيان السبب في التضعيف إلا إذا عارضه تعديل .
وقد تكلم البخاري في ناشب أيضا وقال : هو منكر الحديث .
وقال الدار قطني في هذا الحديث : ولا يصح مقاتل عن عروة ( * ) .
585 - قال ابن عدي : حدثنا محمد بن محمد بن سليمان حدثنا يحيى بن عثمان حدثنا محمد بن حمير عن الضحاك بن حمرة عن منصور بن زاذان عن عاصم البجلي عن عكرمة عن ابن عباس عن رسول الله قال : ( ( من لم يلصق أنفه مع جبهته بالأرض إذا سجد لم تجز صلاته ) ) .
قال يحيى : الضحاك بن حمرة ليس بشيء . وقال النسائي : ليس بثقة .
وقد روي حديث يختص بالأنف .
586 - قال الدار قطني حدثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث حدثنا الجراح بن مخلد قال حدثنا أبو قتيبة حدثنا شعبة عن عاصم الأحول عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي قال : ( ( لا صلاة لمن لم يضع أنفه على الأرض ) ) .
وفي لفظ : ( ( لا صلاة لمن لم يصب أنفه من الأرض ما تصيب جبهته ) ) .
فإن قالوا : قال أبو بكر بن أبي داود : لم يرفعه إلا أبو قتيبة .
قلنا : هو ثقة . أخرج له البخاري . والرفع زيادة . وهي من الثقة مقبولة .
ز : وقال الدار قطني في هذا الحديث : الصواب عن عاصم عن عكرمة مرسلا ورواه الحاكم في المستدرك . وروى إسماعيل بن عبد الله المعروف بسمويه في فوائده عن عكرمه عن ابن عباس قال : ( ( إذا سجد أحدكم فليضع أنفه على الأرض فإنكم قد أمرتم بذلك ) ) .
ورواه البيهقي ( 1 ) من رواية سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، وقال : ورواه حرب بن ميمون ، عن خالد عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي : ( ( ضع أنفك
____________________
(1/403)
فليسجد معك ) ) . وقال قال : أبو عيسى الترمذي حديث عكرمة عن النبي مرسل أصح .
احتجوا بما :
587 - روى الدار قطني : حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا الحسن بن عرفة قال : حدثنا إسماعيل بن عياش عن عبد العزيز بن عبيد الله قال : قلت لوهب بن كيسان : مالك لا تمكن جبهتك وأنفك من الأرض ؟ قال : ذاك أني سمعت جابر بن عبد الله يقول : رأيت رسول الله يسجد بأعلى جبهته على قصاص الشعر .
قال الدارقطني : تفرد به عبد العزيز عن وهب . وليس بالقوي .
قلت : قال يحيى بن معين : هو ضعيف .
وقال أبو زرعة : مضطرب الحديث واهي الحديث . وقال النسائي : و إسماعيل بن عياش ضعيف . وقال ابن حبان : خرج عن حد الاحتجاج به . وقد روي حديث لا يثبت .
588 - قال ابن عدي : حدثنا أحمد بن محمد الشرقي حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا حفص بن عبد الله قال : حدثني محمد بن الفضل بن عطية عن محمد بن عجلان عن سعيد ابن أبي سعيد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : السجود على الجبهة فريضة . وعلى الأنف تطوع .
وهذا لا يصح . قال أحمد : محمد بن الفضل . حديثه حديث أهل الكذب . وقال يحيى : كان كذابا .
مسألة [ 153 ] :
لا يجزئ السجود على كور العمامة . وعنه يجزئ .
ولنا : الأحاديث المتقدمة .
____________________
(1/404)
وقد روى من أجاز ذلك : أن النبي كان يسجد على كور العمامة .
ز : روى خباب بن الأرت قال : شكونا إلى رسول الله شدة الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكنا . رواه البيهقي عن أبي عبد الله الحافظ عن أبي بكر بن إسحاق الفقيه عن الحسن بن علي بن زياد ، عن إبراهيم بن موسى ، عن عيسى بن يونس عن زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن وهب ، عن خباب وقد رواه مسلم من رواية زهير وغيره من إسحاق ، وليس فيه : في جباهنا وأكفنا .
وعن علي قال : إذا كان أحدكم يصلي فليحسر العمامة عن جبهته . وعن نافع أن ابن عمر كان إذا سجد وعليه العمامة يرفعها حتى يضع جبهته بالأرض .
وعن عبادة بن الصامت أنه كان إذا قام إلى الصلاة حسر العمامة عن جبهته . رواه البيهقي ( 1 ) ، وقال : وأما ما روي عن النبي من السجود على كور العمامة . فلا يثبت شيء من ذلك . وعن هشام عن الحسن قال : كان أصحاب رسول الله يسجدون وأيديهم في ثيابهم ويسجد الرجل منهم على عمامته . رواه البيهقي ( 2 ) ( * ) .
مسألة [ 154 ] :
لا يجب كشف اليدين في السجود .
____________________
(1/405)
خلافا لأحد قولي الشافعي : يجب .
لنا ما : وروى أحمد من حديث عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري قال : صلى بنا رسول الله في مسجد بني عبد الأشهل فرأيته واضعا يديه في ثوبيه إذا سجد .
589 - قال محمود بن إسحاق : حدثنا البخاري حدثنا محمد بن مقاتل حدثنا عبد الله حدثنا زائدة بن قدامة قال : حدثنا عاصم بن كليب الجرمي قال : حدثنا أبي أن وائل بن حجر أخبره قال : قلت : لأنظرن إلى صلاة رسول الله كيف يصلي ؟ فنظرت إليه . فقام فكبر فرفع يديه . ثم لما أراد أن يركع رفع يديه مثلها . ثم رفع رأسه ، فرفع يديه مثلها . ثم جئت بعد ذلك في زمان فيه برد ، عليهم جل الثياب ، تحرك أيديهم من تحت الثياب .
ز : عن عبد الله بن عبد الرحمن بن ثابت بن الصامت عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى في بني عبد الأشهل وعليه كساء متلفف به يضع يديه عليه يقيه برد الحصا . رواه ابن ماجة عن جعفر بن مسافر ، عن إسماعيل بن أبي أويس عن إبراهيم بن إسماعيل الأشهلي وهو ابن أبي حبيبة وفيه كلام عن عبد الله بن عبد الرحمن . ورواه البيهقي ، وقال : في إسناده بعض الضعف . ورواه الإمام أحمد وابن ماجة أيضا عن عبد الله بن عبد الرحمن قال : ( ( جاءنا النبي في مسجد بني عبد الأشهل فرأيته واضعا يديه على ثوبه إذا سجد ) ) . وعبد الله ليست له صحبة والصواب الأول ( * ) .
مسألة [ 155 ] :
يجب السجود على سبعة أعضاء .
____________________
(1/406)
وقال أبو حنيفة : لا يجب إلا على الجبهة .
وعن الشافعي : - فيما عدا الجبهة - قولان .
لنا حديثان :
590 - الحديث الأول : قال أحمد : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا عبد الله بن جعفر عن إسماعيل بن محمد عن عامر بن سعد عن العباس قال : قال رسول الله : ( ( إذا سجد الرجل سجد معه سبعة آراب : وجهه ، وكفاه ، وركبتاه ، وقدماه ) ) .
انفرد بإخراجه مسلم ( 1 ) .
591 - الحديث الثاني : قال البخاري : حدثنا قبيصة حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس قال : أمر النبي أن يسجد على سبعة أعضاء ، ولا يكف شعرا ولا ثوبا : الجبهة ، واليدين ، والركبتين ، والرجلين .
592 - قال البخاري : وحدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا شعبة عن عمرو عن طاوس عن ابن عباس عن النبي قال : أمرنا أن نسجد على سبعة أعظم ، ولا نكف ثوبا ولا شعرا . الطريقان في الصحيحين .
مسألة [ 156 ] :
المستحب : أن ينهض من السجود على صدور قدميه . معتمدا على ركبتيه .
____________________
(1/407)
وعنه : أنه يجلس جلسة الاستراحة على قدميه وأليتيه . وبه وقال الشافعي إلا أنه قال : صفة الجلسة كالتي بين السجدتين . وقال مالك : ينهض من غير اعتماد ولا جلوس .
593 - قال الترمذي : حدثنا يحيى بن موسى حدثنا أبو معاوية حدثنا خالد بن إلياس عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة قال : كان النبي ينهض في الصلاة على صدور قدميه .
594 - قال الترمذي : وحدثنا علي بن حجر أنبأنا هشيم عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن مالك بن الحويرث أنه : رأى النبي يصلي . فكان إذا كان في وتر من صلاته : لم ينهض حتى يستوي جالسا .
قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . والذي قبله فيه خالد بن إلياس . قال أحمد : خالد متروك الحديث . وقال يحيى : ليس بشيء ولا يكتب حديثه .
ز : حديث مالك بن الحويرث رواه البخاري ( 1 ) .
وعن عبد الرحمن بن يزيد أنه رأى عبد الله بن مسعود يقوم على صدور قدميه في الصلاة ولا يجلس إذا صلى في أول ركعة حين يقضي السجود .
وعن عطية العوفي قال : رأيت ابن عمر ، وابن عباس ، وابن الزبير ، وأبا سعيد الخدري يقومون على صدور أقدامهم في الصلاة .
رواهما البيهقي ( 2 ) وقال : هو عن ابن مسعود صحيح ، وعطية العوفي لا يحتج به .
____________________
(1/408)
مسألة [ 157 ] :
التشهد الأخير فرض .
وقال أبو حنيفة ومالك : تجب الجلسة ، دون الذكر .
لنا : أن النبي علمهم التشهد وأمرهم به . فقال : ( ( قولوا : التحيات لله ) ) وسيأتي مسندا إن شاء الله تعالى .
595 - وروى الدار قطني : حدثنا علي بن عبد الله بن مبشر حدثنا أحمد بن سنان القطان حدثنا موسى بن داود حدثنا زهير بن معاوية عن الحسن بن الحر عن القاسم بن مخيمرة قال : أخذ علقمة بيدي . وزعم أن ابن مسعود أخذ بيده . وزعم أن رسول الله أخذ بيده ، فعلمه التشهد - إلى قوله - وأن محمدا عبده ورسوله . قال : إذا قضيت هذا - أو فعلت هذا - فقد قضيت صلاتك . إن شئت أن تقوم فقم . وإن شئت أن تجلس فاجلس .
قال الدار قطني : الصحيح أن قوله : ( ( إذا قضيت هذا فقد قضيت صلاتك ) ) . من كلام ابن مسعود ، فصله شبابه عن زهير ، وجعله من كلام ابن مسعود . وقوله : أشبه بالصواب ممن أدرجه . وقد اتفق من روى تشهدا ابن مسعود على حذفه .
596 - وقال الدارقطني : أخبرنا محمد بن يحيى بن مرداس قال : حدثنا أبو داود حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير عن عبد الرحمن بن زياد أنعم عن عبد الرحمن بن رافع
____________________
(1/409)
وبكر بن سوادة عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله قال : ( ( إذا قضى الإمام الصلاة وقعد ، فأحدث قبل أن يسلم ، فقد تمت صلاته ومن كان خلفه ممن ائتم به ) ) .
وهذا لا يصح . قال أحمد : عبد الرحمن بن زياد لا يروى عنه شيئا .
وقال يحيى والنسائي : ضعيف .
وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الثقات ويدلس .
ز : حديث ابن مسعود رواه أحمد وأبو داود ( 1 ) .
وحديث عبد الله بن عمرو : رواه أبو داود والترمذي . وقال ليس إسناده بالقوي وقد اضطربوا في إسناده وسيأتي .
وعن عاصم بن ضمرة عن علي عليه السلام قال : إذا جلس مقدار التشهد ثم أحدث فقد تمت صلاته . قال علي بن سعيد : سألت أحمد بن حنبل عمن ترك التشهد . فقال : يعيد . فقلت : فحديث علي : من قعد مقدار التشهد . فقال : لا يصح ( * ) .
مسألة [ 158 ] :
أفضل التشهد : تشهد ابن مسعود .
وقال مالك : تشهد ابن عمر .
____________________
(1/410)
وقال الشافعي : تشهد ابن عباس . ذكر التشهدات تشهد ابن مسعود .
597 - قال أحمد : حدثنا أبو معاوية قال : حدثنا الأعمش عن شقيق عن عبد الله قال : كنا إذا جلسنا مع النبي في الصلاة قلنا : السلام على الله قبل عباده . السلام على جبريل . السلام على ميكائيل . السلام على فلان . فسمعنا رسول الله ، فقال : ( ( إن الله عز وجل هو السلام . فإذا جلس أحدكم في الصلاة فليقل : التحيات لله ، والصلوات والطيبات . السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته . السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين . فإذا قالها أصابت كل عبد صالح في السماء . أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، ثم يتخير بعد من الدعاء أعجبه إليه ) ) .
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح ( 1 ) .
وقال الترمذي : أصح حديث عن النبي في التشهد حديث ابن مسعود . والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين .
598 - قال أحمد : وحدثنا يحيى بن آدم قال : حدثنا شريك عن جامع بن أبي شداد عن أبي وائل عن عبد الله قال : كان رسول الله يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن . وهذا يقوي إيثاره على غيره . ثم فيه الواو في قوله : ( ( والصلوات والطيبات ) ) وهي موجبة للغيرية . فالصلوات شيء . والطيبات شيء .
تشهد ابن عباس :
599 - قال أحمد : وحدثنا يونس قال : حدثنا ليث عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير وطاوس عن ابن عباس قال : كان رسول الله يعلمنا التشهد ، كما يعلمنا القرآن . فكان يقول : ( ( التحيات المباركات الصلوات لله . السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته . السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين . أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده
____________________
(1/411)
ورسوله ) ) .
قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب .
ز : وروى هذا الحديث مسلم وغيره ( 1 ) ( * ) .
تشهد ابن عمر :
600 - قال الدارقطني : حدثنا أبو بكر الشافعي حدثنا محمد بن علي بن إسماعيل السكري حدثنا خارجة بن مصعب بن خارجة عن موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال : كان رسول الله يعلمنا التشهد : التحيات الطيبات الزاكيات لله . السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته . السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين . أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله . هذا لا يصح . قال يحيى : خارجة غير ثقة . وقال أحمد لابنه : لا تكتب عنه . وقال ابن حبان : لا يحل الاحتجاج بخبره . قال أحمد : ولا تحل عندي الرواية عن موسى بن عبيدة . وقال يحيى : لا يحتج بحديثه .
ز : سقط من إسناد حديث ابن عمر رجلان خارجة بن مصعب ومغيث بن بديل .
قال الدار قطني : ثنا أبو بكر الشافعي ، ثنا محمد بن علي بن إسماعيل السكري ثنا خارجة بن مصعب بن خارجة ، وحدثني أحمد بن محمد بن أبي عثمان الغازي أبو سعيد النيسابوري ، ثنا أبو العباس محمد بن عبد الرحمن الدغولي ثنا خارجة بن مصعب بن خارجة ، ثنا مغيث بن بديل ، ثنا خارجة بن مصعب عن موسى بن عبيدة ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، فذكره ثم قال : هذا لفظ ابن أبي عثمان ، وموسى بن عبيدة ، وخارجة بن مصعب ضعيفان ( 1 ) . وخارجة بن مصعب الصغير هو حفيد الكبير . قال ابن الجوزي في كتاب الضعفاء - بعد ذكر خارجة بن مصعب الكبير : وثم خارجة بن مصعب بن خارجة أبو منصور يروي عن مغيث بن بديل لا نعرف فيه طعنا .
وقال الدار قطني : ثنا أبو بكر بن أبي داود ، ثنا نصر بن علي ، قال : أخبرني أبي ، أنا
____________________
(1/412)
شعبة ، عن أبي بشر ، قال : سمعت مجاهدا يحدث عن ابن عمر ، عن رسول الله أنه قال في التشهد : ( ( التحيات لله الصلوات الطيبات . السلام عليك أيها النبي ورحمة الله قال ابن عمر : وزدت فيه وبركاته . السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين . أشهد أن لا إله إلا الله . قال ابن عمر : وزدت فيه : وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ) ) .
قال الدار قطني : هذا إسناد صحيح ، وقد تابعه على رفعه ابن أبي عدي عن شعبة ووقفه غيرهما . ورواه أبو داود وأبو يعلى الموصلي و إسماعيل بن عبد الله سمويه وغيرهم عن نصر بن علي بنحوه .
قال الطبراني : ثنا عبدان بن أحمد ثنا دحيم ، ثنا يحيى بن حسان ، ثنا سليمان ثنا جعفر بن سعد بن سمرة ، حدثني خبيب بن سليمان ، عن أبيه سليمان عن سمرة قال : أمرنا رسول الله إذا كنا في وسط الصلاة وحين انقضائها فابدأوا قبل التسليم بقول التحيات الطيبات الصلوات والسلام والملك لله ، ثم سلموا على النبيين ، ثم سلموا على أقاربكم وعلى أنفسكم .
رواه أبو داود عن محمد بن داود بن سفيان ، عن يحيى بن حسان بنحوه .
وعن جابر بن عبد الله قال : كان رسول الله يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن . بسم الله وبالله التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته . السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين . أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أسأل الله الجنة وأعوذ بالله من النار . رواه ابن ماجة ، والنسائي ، من رواية أيمن بن نائل عن أبي الزبير عن جابر .
وقد أنكره الدار قطني عن أيمن بن نائل ، وقيل : إن المحفوظ ما رواه الليث عن الزبير عن سعيد بن جبير وطاوس عن ابن عباس .
وقال النسائي : ولا نعلم أحدا تابع أيمن على هذا الحديث وخالفه الليث بن سعد في إسناده ، وأيمن عندنا لا بأس به والحديث خطأ ، وبالله التوفيق .
وعن عبد الرحمن بن عبد القارئ أنه سمع عمر بن الخطاب وهو على المنبر وهو يعلم الناس التشهد يقول : ( ( قولوا التحيات لله والزاكيات لله الصلوات الطيبات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله
____________________
(1/413)
إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على آل إبراهيم . إنك حميد مجيد ' .
أخرجاه في الصحيحين . وقد رواه الترمذي وصححه .
فقال فيه : ( ( اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد . وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد ) ) .
602 - الحديث الثاني : قال الدار قطني : حدثنا محمد بن عبد الله الشافعي حدثنا محمد بن غالب حدثنا علي بن بحر حدثنا عبد المهيمن بن عباس عن أبيه عن جده سهل بن سعد : أن النبي قال : ( ( لا صلاة لمن لم يصل على نبيه ) ) .
قال الدار قطني : عبد المهيمن ليس بالقوي .
وقال ابن حبان : لا يحتج به .
ز : قال الطبراني : ثنا عبد الرحمن بن معاوية العتبي المصري ، ثنا عبيد الله بن محمد الكندي ثنا ابن أبي فديك ، عن أبي بن عباس بن سهل بن سعد ، عن أبيه ، عن جده : أن رسول الله قال : ( ( لا صلاة لمن لا وضوء له ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ولا صلاة لمن لا يصلي على نبي الله ولا صلاة لمن لا يحب الأنصار ) ) . وقد روي عن ابن أبي فديك عن عبد المهيمن بن عباس وهو أشبه بالصواب .
و أبي بن عباس بن سهل بن سعد تكلم فيه أيضا الإمام أحمد ، وابن معين ، والدولابي ، والنسائي ، والعقيلي .
وقد روى له البخاري حديثا عن علي بن المديني عن معن بن عيسى ، عن أبي بن عباس ، عن أبيه ، عن جده : كان للنبي فرس يقال اللخيف ( * ) .
____________________
(1/415)
603 - الحديث الثالث : قال الدار قطني : حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد حدثنا جعفر بن علي بن نجيح حدثنا إسماعيل بن صبيح عن سفيان بن إبراهيم عن عبد المؤمن بن القاسم عن جابر عن أبي جعفر عن أبي مسعود الأنصاري قال : قال رسول الله : ( ( من صلى صلاة لم يصل فيها علي ولا على أهل بيتي لم تقبل منه ) ) .
جابر الجعفي ضعيف . وقد اختلف عنه . فوقفه على ابن مسعود تارة ، ورفعة تارة .
604 - الحديث الرابع : موقوف . رواه ابن ماجة من حديث ابن مسعود أنه قال : إذا صليتم على رسول الله ، فقولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم ، إنك حميد مجيد . وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم ، إنك حميد مجيد .
ز : عن يحيى بن السباق عن رجل من بني الحارث عن ابن مسعود عن رسول الله أنه قال : ( ( إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل اللهم صل على محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد وارحم محمدا وآل محمد كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم إنك حميد مجيد ) ) . رواه البيهقي ( 1 ) . وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه ( 2 ) ، وابن حبان في صحيحه من حديث حيوة بن شريح ثنا أبو هانئ الخولاني ، حدثني عمرو بن مالك الجنبي ، سمع فضالة بن عبيد يقول : ( ( سمع رسول الله رجلا يدعو في صلاته فلم يصل على النبي فقال النبي : ( ( عجل هذا ثم دعاه فقال له ولغيره : إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه ثم ليصل على النبي ثم ليدع بعد ما شاء ) ) . رواه الحاكم وقال : وهو على شرط مسلم . وقال في موضع آخر : على شرطهما ( * ) .
مسألة [ 160 ] :
يجلس في التشهد الأول مفترشا . وفي الثاني متوركا .
____________________
(1/416)
وقال مالك : يجلس في الجميع متوركا .
وقال أبو حنيفة : يفترش في الكل .
لنا ثلاثة أحاديث :
605 - الحديث الأول : قال البخاري : حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن خالد عن سعيد عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو بن عطاء أنه كان جالسا مع نفر من أصحاب النبي . فذكرنا صلاة النبي فقال أبو حميد الساعدي : أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله رأيته إذا كبر : جعل يديه حذو منكبيه . وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه . ثم هصر ظهره . وإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه . فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما ، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة . وإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى . وإذا جلس في الركعة الآخرة ، قدم رجله اليسرى ، ونصب الأخرى ، وقعد على مقعده .
انفرد بإخراجه البحاري .
606 - الحديث الثاني : قال الترمذي : حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عبد الله بن إدريس قال حدثنا عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال : قدمت المدينة . فقلت : لأنظرن إلى صلاة رسول الله . فلما جلس - يعني للتشهد - افترش رجله اليسرى ، ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى ، ونصب رجله اليمنى .
____________________
(1/417)
607 - الحديث الثالث : قال الدار قطني : حدثنا ابن صاعد قال أنبأنا بندار حديثا عبد الوهاب حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال : سنة الصلاة : أن تفترش اليسرى وتنصب اليمنى .
مسألة [ 161 ] :
الخروج من الصلاة بالتسليم فرض .
وقال أبو حنيفة : لا يجب . بل يجوز أن يخرج بكل كا ينافيها .
لنا : قوله عليه الصلاة والسلام : ' وتحليلها التسليم ' وقد سبق بإسناده .
احتجوا بحدثيين :
608 - أحدهما : رواه الترمذي : حدثنا أحمد بن محمد حدثنا عبد الله بن المبارك قال : أنبأنا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم أن عبد الرحمن بن نافع وبكر بن سوادة أخبراه عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله : ( ( إذا أحدث - يعني الرجل - وقد جلس في آخر صلاته ، قبل أن يسلم فقد جازت صلاته ) ) .
قال الترمذي : هذا حديث ليس إسناده بالقوي . وقد اضطربوا في إسناده .
____________________
(1/418)
قلت : وهذا الحديث قد سبق بلفظ آخر في مسألة التشهد الأخير . وذكرنا هناك الجرح للأفريقي .
609 - حديثهم الثاني : حديث ابن مسعود : ( ( أن رسول الله علمه التشهد ، وقال : ( ( فإذا قلت ذلك فقد تمت صلاتك ) ) . وقد سبق هناك بإسناده والكلام عليه .
مسألة [ 162 ] :
السلام : من الصلاة .
وقال أبو حنيفة : ليس منها .
لنا : قوله عليه السلام : ( ( وتحليلها التسليم ) ) وقد سبق .
وقول ابن مسعود : لا أنسى تسليم رسول الله في الصلاة .
وقول سهل بن سعد وعائشة : كان رسول الله يسلم في صلاته ، وسيأتي ذلك بأسانيده .
مسألة [ 163 ] :
تجب التسليمة الثانية في المكتوبة .
____________________
(1/419)
وعنه : أنها سنة ، كقول أبي حنيفة والشافعي في الجديد .
وقال مالك : السنة الاقتصار على واحدة .
لنا سبعة أحاديث :
610 - الحديث الأول : حديث جابر بن سمرة عن النبي قال : ( ( ألا يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ، ثم يسلم عن يمينه وشماله ؟ ) ) .
وقد ذكرناه بإسناده في مسألة رفع الأيدي .
611 - الحديث الثاني : قال الدار قطني : حدثنا البغوي حدثنا منصور بن أبي مزاحم قال : حدثنا أبو سعيد المؤدب عن زكريا عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال : ما نسيت من الأشياء ، فلم أنس سلام رسول الله في الصلاة عن يمينه وعن شماله : السلام عليكم ورحمة الله ، والسلام عليكم ورحمة الله .
612 - طريق آخر : قال أحمد : حدثنا وكيع قال : حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله عن النبي : أنه كان يسلم عن يمينه وعن يساره : السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله .
613 - طريق آخر : قال أحمد : وحدثنا حميد بن عبد الرحمن حدثنا الحسن عن أبي إسحاق حدثنا أبو الأحوص عن عبد الله قال : كان رسول الله يسلم عن يمينه وعن
____________________
(1/420)
يساره ، حتى يرى بياض خده .
ز : ورواه أبو داود والنسائي ، وابن ماجة ، والترمذي وقال : حديث حسن صحيح ( 1 ) .
وقال العقيلي : والأسانيد صحاح ثابتة في حديث ابن مسعود في التسليمتين ولا يصح في تسلميه شيء . وعن ابن معمر : أن أميرا كان بمكة يسلم تسليمتين ، فقال عبد الله - يعني ابن مسعود - : أتى علقها إن رسول الله كان يفعل ، رواه مسلم ( * ) .
614 - الحديث الثالث : قال أحمد : وحدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا ابن لهيعة عن محمد بن عبد الله بن مالك عن سهل بن سعد : أن رسول الله كان يسلم في صلاته عن يمينه وعن يساره ، حتى يرى بياض خديه .
615 - الحديث الرابع : قال أحمد : وحدثنا ابن مهدي حدثنا عبد الله بن جعفر الزهري عن إسماعيل بن محمد بن سعد عن عامر بن سعد عن أبيه عن النبي : أنه كان يسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده ، وعن يساره حتى يرى بياض خده .
قال الدار قطني : هذا إسناد صحيح .
قلت : انفرد بإخراجه مسلم .
616 - الحديث الخامس : قال أحمد : حدثنا عبد الصمد حدثنا ملازم . قال : حدثني هوذة بن قيس بن طلق عن أبيه عن جده . قال : كان رسول الله يسلم عن يمينه وعن يساره ، حتى يرى بياضا خده الأيمن ، وبياض خده الأيسر .
ز : ورواه إسماعيل بن عبد الله عن علي بن المديني عن ملازم بن عمرو .
ورواه الإمام أحمد أيضا عن علي بن المديني قبل أن يمتحن ورواه أبو القاسم الطبراني عن العباس بن محمد المجاشعي الأصبهاني ، عن محمد بن أبي يعقوب الكرماني ، عن ملازم ( * ) .
____________________
(1/421)
617 - الحديث السادس : قال الدار قطني : حدثنا ابن صاعد قال : حدثنا فضالة بن الفضل حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن صلة بن زفر عن عمار بن ياسر قال : كان رسول الله إذا سلم عن يمينه يرى بياض خده الأيمن . وإذا سلم عن يساره : يرى بياض خده الأيمن والأيسر . وكان تسلميه : السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله .
ز : رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه أبو بكر بن عياش رواه عن الكوفيين وهو ضعيف فيما رواه عن غير أهل بلده . وبقية رجاله ثقات .
قال ابن أبي حاتم : وفضالة بن الفضل الكوفي روى عن أبي بكر بن عياش كتب عنه أبي وسئل عنه فقال : صدوق .
وصححه النسائي وابن حبان ( * ) .
618 - الحديث السابع : قال الدار قطني : وحدثنا أبو بكر بن أبي داود حدثنا عمرو ابن علي قال : حدثنا عبد الله بن داود عن حريث عن الشعبي عن البراء بن عازب : أن النبي كان يسلم تسليمتين .
ز : حويرث هو ابن أبي مطر ، واسمه عمرو الفزاري أبو عمر الحناط الكوفي وقد تكلم فيه ابن معين والفلاس وأبو حاتم والبخاري . وتركه النسائي وابن الجنيد والدولابي والأزدي . وعن وائل بن حجر قال : صليت مع النبي فكان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وعن شماله السلام عليكم ورحمة الله . ورواه أبو داود ( 1 ) .
وعن أبي موسى قال : صلى بنا علي يوم الجمل صلاة ذكرنا صلاة رسول الله فإما أن نكون نسيناها ، وإما أن نكون تركناها ، فسلم عن يمينه وعن شماله . رواه ابن ماجة وإسناده صحيح ( 2 ) . وعن حذيفة بن اليمان قال : كان رسول الله يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى
____________________
(1/422)
بياض خده السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله . ورواه ابن ماجة أيضا وإسناده صحيح ، وفي بعض النسخ الصحيحة عمار بن ياسر بدل حذيفة وهو سهو ( * ) .
احتجوا بأربعة أحاديث :
619 - الحديث الأول : قال الترمذي : حدثنا محمد بن يحيى النيسابوري قال : حدثنا عمرو بن أبي سلمة عن زهير بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة : أن رسول الله كان يسلم في الصلاة تسليمة واحدة تلقاء وجهه ، ثم يميل إلى الشق الأيمن شيئا .
620 - الحديث الثاني : قال الدار قطني : حدثنا يزداد بن عبد الرحمن قال : حدثنا الزبير بن بكار قال : حدثنا عتيق بن يعقوب حدثنا عبد المهيمن بن عباس عن أبيه عن جده : أنه سمع رسول الله يسلم تسليمة واحدة ، لا يزيد عليها .
621 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : حدثنا محمد بن مخلد ( 1 ) حدثنا الرمادي حدثنا نعيم حدثنا روح بن عطاء عن ابن أبي ميمونة عن أبيه عن الحسن بن سمرة بن جندب قال : كان رسول الله يسلم تسليمه واحدة في الصلاة قبل وجهه فإذا سلم عن يمينه سلم عن يساره .
622 - الحديث الرابع : قال ابن ماجه : حدثنا محمد بن الحارث المصري حدثنا يحيى ابن راشد عن يزيد مولى سلمة عن سلمة بن الأكوع قال : رأيت رسول الله صلى . فسلم مرة واحدة .
والجواب : أن هذه الأحاديث ضعاف . أما الأول : ففيه زهير بن محمد . قال البخاري : هو من أهل الشام . يروي عنه مناكير ( 1 ) . وقال يحيى : ضعيف . وقال الترمذي : لا يعرف هذا الحديث مرفوعا إلا من هذا الوجه . وفي الحديث الثاني : عبد المهيمن . قال الدار قطني : ليس بالقوي .
____________________
(1/423)
وقال ابن حبان : بطل الاحتجاج به . وفي الحديث الثالث : روح . قال أحمد : منكر الحديث . وتركه يحيى .
وفي الرابع : يحيى بن راشد .
قال يحيى : ليس بشيء . وقال النسائي : ضعيف .
ز : حديث عائشة رواه ابن ماجة والدار قطني والحاكم وقال : على شرطهما .
ورواه وهيب بن عبيد الله بن عمر عن القاسم عن عائشة أنها كانت تسلم تسليمة واحدة .
وزهير بن محمد من رجال الصحيحين لكن له مناكير وهذا الحديث منها .
قال أبو حاتم الرازي : هو حديث منكر .
وقال الأثرم : سمعت أبا عبد الله وذكر رواية الشاميين عن زهير بن محمد قال : يروون عنه أحاديث مناكير هؤلاء ثم قال : أما رواية أصحابنا عنه فمستقيمة : عبد الرحمن بن مهدي ، وأبو عامر ، وأما حديث أبي حفص ذاك التنيسي عنه فتلك بواطيل موضوعة ، أو نحو هذا ، فأما بواطيل فقد قاله .
وحديث سهيل بن سعد رواه ابن ماجة أيضا .
ورواه الدار قطني أيضا من رواية عبد الله بن نافع الصائغ عن عبد المهيمن .
وروت عائشة قالت : كان رسول الله إذا أوتر بتسع ركعات لم يقعد إلا في الثامنة فيحمد الله ويذكره ويدعو ثم ينهض ولا يسلم ثم يصلي التاسعة فيجلس فيذكر الله عز وجل ويدعو ويسلم تسليمة يسمعنا ، ثم يصلي ركعتين وهو جالس ، فلما كبر وضعف أوتر بسبع ركعات لا يقعد إلا في السادسة ثم ينهض ولا يسلم ثم يصلي السابعة ثم يسلم تسليمة ثم يصلي ركعتين وهو جالس . رواه الإمام أحمد والنسائي ، وهذا لفظه . وزاد الإمام أحمد : ثم يسلم تسليمة واحدة . السلام عليكم يرفع بها صوته حتى يوقظنا . وإسناده صحيح .
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال : كان رسول الله يفصل بين الشفع والوتر بتسليمة يسمعناها . رواه أحمد ( * ) .
____________________
(1/424)
مسألة [ 164 ] :
وينوي بالسلام ، الخروج من الصلاة .
وقال الحنفية والشافعية : ينوي السلام على الملائكة والمأمومين .
لنا : قوله عليه السلام : ' وتحليلها التسليم ' . وقد سبق .
____________________
(1/425)
مسائل ما يجوز في الصلاة وما لا يجوز
مسألة [ 165 ] :
لا يجوز أن يدعو في صلاته بما ليس فيه قربة إلى الله تعالى ، ولا ورد به الأثر كقوله : ارزقني جارية حسناء وبستانا أنيقا .
وقال مالك والشافعي : يجوز .
623 - لنا قوله عليه السلام : ( ( إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ؟ إنما هي التسبيح والتكبير ، وقراءة القرآن ) ) ، وقد ذكرناه بإسناده في مسألة التكبير وأنه من الصلاة .
ز : احتج لمالك والشافعي بقول النبي في حديث ابن مسعود : ( ( ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه ) ) وفي لفظ : ( ( ثم يتخير من المسألة ما شاء ) ) متفق عليهما .
وحمله من لم يجوز ذلك على أنه يتخير من الدعاء المأثور ( * ) .
مسألة [ 166 ] :
الإغماء لا يسقط فرص الصلاة قل أو كثر .
____________________
(1/427)
وقال أبو حنيفة : إن كان يوما وليلة لم يسقط .
وقال مالك والشافعي : يسقط الصلاة .
وهذه مسألة قد اختلف فيها الصحابة والتابعون .
فأصحابنا يستدلون بما روي عن علي عليه السلام وعمار - رضي الله عنه - أنهما قضيا ما فات حال الإغماء وكذلك قال عمران وسمرة .
وقال عطاء : يقضي صلاته كلها .
وروى نافع عن ابن عمر أنه أغمي عليه ثلاثة أيام فلم يقض شيئا ، وأعاد صلاة يومه الذي أفاق فيه فحسب .
وأغمي علي محمد بن سيرين ستة أيام فلم يقض .
وقال النخعي : ( ( يعيد صلاة يومه وليلته ، ولا يعيد ما كان قبل ذلك .
وقال الحسن : إذا أغمي على رجل صلاتين فلا إعادة فإن أغمي عليه صلاة واحدة أعادها .
ولا يعرف في ذلك حديثا مرفوعا إلا ما :
624 - رواه الدارقطني : حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق ثنا محمد بن الفضل بن سلمة ثنا إسماعيل بن أبي أويس قال : حدثني إسماعيل بن داود بن عبد الله بن مخراق عن سليمان ابن بلال عن أبي حسين عن الحكم بن عبد الله الأيلي ، أن القاسم بن محمد حدثه أن عائشة سألت رسول الله : عن الرجل يغمى عليه فيترك الصلاة ؟ فقالت : قال رسول الله :
____________________
(1/428)
( ( ليس لشيء من ذلك قضاء ، إلا أن يغمى عليه في وقت صلاة فيفيق وهو في وقتها فيصليها ) ) .
وهذا حديث لا يصح .
قال أحمد : لا ينبغي أن يروى عن الحكم بن عبد الله شيء .
وقال يحيى : ليس بشيء .
وقال أبو داود : تركوا حديثه .
ز : هذا الكلام الذي حكاه المؤلف إنما قاله أحمد وابن معين وأبو داود في الحكم بن عبد الله بن مسلمة أبي مطيع البلخي القاضي . وأما راوي هذا الحديث فهو الحكم بن عبد الله ابن سعد الأيلي : قال أحمد : أحاديثه موضوعة .
وقال ابن معين : ليس بثقة ولا مأمون . وكذبه الجوزجاني وأبو حاتم . وتركه النسائي وابن جنيد والدارقطني . وقال البخاري : تركوه . وقال أبو زرعة : اضطربوا على حديثه . وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الأثبات ، ولا يصح إسناد هذا الحديث إلى الحكم فإنه مظلم . وأبو الحسين مجهول . قاله البيهقي . وقد روى ابن عدي هذا الحديث في كتاب الكامل من رواية خارجة بن مصعب - وهو ضعيف - عن عبد الله بن عطاء ، عن الحكم بن عبد الله الأيلي عن القاسم ، عن عائشة . ورواه أيضا من رواية خارجة ، عن عبد الله بن عطاء ، عن الحكم عن نافع عن ابن عمر ، ورواه عن الحكم وهو متهم ( * ) .
مسألة [ 167 ] :
إذا سلم على المصلي رد بالإشارة .
وقال أبو حنيفة : لا يرد .
____________________
(1/429)
لنا ثلاثة أحاديث :
625 - الحديث الأول : قال أحمد : حدثنا حجاج بن محمد قال : ثنا ليث بن سعد قال : حدثني بكير بن عبد الله الأشج عن نابل صاحب العباءة عن عبد الله بن عمر عن صهيب قال : مررت برسول الله وهو يصلي ، فسلمت عليه فرد إلي إشارة ، وقال : لا أعلم إلا أنه قال إشارة بأصبعه .
ز : ورواه أبو داود والنسائي ، والترمذي ( 1 ) ، وقال حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث بكير . ورواه الطبراني وأبو حاتم البستي ( * ) .
626 - الحديث الثاني : قال أحمد : وثنا وكيع ثنا هشام بن سعد عن نافع عن ابن عمر قال : قلت لبلال : كيف كان النبي يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه في الصلاة ؟ قال كان يشير بيديه .
قال الترمذي : كلا الحديثين عندي صحيح . ويحتمل أن يكون ابن عمر سمعه منهما جميعا ؟
ز : ورواه أبو داود عن الحسين بن عيسى الدامغاني ، عن جعفر بن عون ، عن هشام . ورواه الترمذي عن محمود بن غيلان ، عن وكيع قال : حديث حسن صحيح ( 1 ) .
ورواه أبو يعلى الموصلي . ومحمد بن هارون الروياني ، والطبراني .
وروى إسماعيل بن عبد الله العبدي سمويه : ثنا أبو الوليد ، ثنا حماد عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر : ( ( أن رسول الله كان يشير في الصلاة ) ) ( * ) .
627 - الحديث الثالث : قال الدار قطني : ثنا أبو بكر بن أبي داود ثنا سلمة بن شبيب ثنا عبد الرزاق أنبأ معمر عن الزهري عن أنس أن النبي كان يشير في الصلاة .
ز : وروى هذا الحديث الإمام أحمد عن عبد الرزاق عن معمر .
____________________
(1/430)
ورواه أبو داود في سننه عن أحمد بن محمد بن شبويه ومحمد بن رافع عن عبد الرزاق . ورواه ابن خزيمة في صحيحه عن محمد بن رافع . ورواه أبو يعلى الموصلي عن يحيى بن معين عن عبد الرزاق . ورواه أبو القاسم الطبراني عن إسحاق بن إبراهيم الدبري عن عبد الرزاق .
ورواه أبو حاتم بن حبان عن أبي يعلى عن يحيى . قال أبو حاتم الرازي : اختصر عبد الرزاق هذه الكلمة من حديث النبي أنه ضعف فقدم أبا بكر يصلي بالناس ، وقال أخطأ عبد الرزاق في اختصاره هذه الكلمة وأدخله في باب من كان يشير بأصبعه في الصلاة ، وأوهم أن النبي إنما أشار بيده في التشهد وليس كذلك . قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : قلت لأبي فإشارة النبي إلى أبي بكر كان في الصلاة أو قبل دخول الصلاة ؟ فقال : أما في حديث شعيب عن الزهري لا يدل على شيء من هذا ، انتهى كلام ابن أبي حاتم .
وقد روى هذا الحديث غير عبد الرزاق ، فروى الطبراني : ثنا عبد الصمد بن محمد العينوني المقدسي ، ثنا أبو هبيرة الوليد بن محمد الدمشقي ثنا سلامة بن بشر ثنا يزيد بن السمط ، ثنا الأوزاعي ، عن الزهري ، عن أنس بن مالك : ( ( أن النبي كان يشير في الصلاة ) ) قال الطبراني : لم يروه عن الأوزاعي إلا يزيد ، تفرد بن سلامة ( * ) .
احتجوا بما :
628 - روى ابن شاهين : ثنا يوسف بن يعقوب النيسابوري ثنا إسماعيل بن حفص ثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عتبة عن أبي غطفان عن أبي هريرة أن النبي قال : ( ( من أشار في الصلاة إشارة يفقه أو يفهم فقد قطع الصلاة ) ) .
قال المؤلف : وهذا الحديث لا يصح . ابن إسحاق مجروح ، قد كذبه مالك وهاشم بن عروة ، وأبو غطفان مجهول .
ز : روى هذا الحديث أبو داود في سننه ( 1 ) عن عبد الله بن سعيد ، عن يونس بن بكير ، وقال : وهذا الحديث وهم وأبو غطفان هو ابن طريف ويقال ابن مالك المري : قال عباس الدوري : سمعت يحيى بن معين يقول فيه : ثقة .
وقال النسائي في الكنى : أبو غطفان ثقة . قيل : اسمه سعد . وذكره ابن حبان في
____________________
(1/431)
كتاب الثقات . وروى له مسلم في صحيحه وذكر ابن القطان أن راوي هذا الحديث غير المري لا يعرف ، وليس كما قال . وقال إسحاق بن إبراهيم بن هاني : سئل أبو عبد الله عن حديث النبي : ( ( من أشار من صلاته إشارة تفهم عنه فليعد الصلاة ) ) قال : لا يثبت هذا الحديث ، إسناده ليس بشيء .
وقال عبد الغني بن سعيد المصري : أبو غطفان بن طريف المري قبل إن اسمه يزيد .
وقال البيهقي : قال علي - يعني الدارقطني - قال لنا ابن أبي داود : أبو غطفان مجهول ( * ) .
مسألة [ 168 ] :
تنبيه الآدمي بالتسبيح والتكبير والقرآن لا يبطل الصلاة .
وقال أبو حنيفة : يبطل .
وعن أحمد مثله .
لنا حديثان :
629 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا عفان ثنا حماد بن زيد ثنا أبو حازم عن سهل ابن سعد عن النبي أنه قال : ( ( إذا نابكم في صلاتكم شيء فليسبح الرجال ولتصفح النساء ) ) .
____________________
(1/432)
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
630 - الحديث الثاني : قال الترمذي : ثنا هناد ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ( ( التسبيح للرجال والتصفيق للنساء ) ) .
قال الترمذي : هذا حديث صحيح .
ز : حديث أبي هريرة رواه الجماعة ( 1 ) ( * ) .
مسألة [ 169 ] :
والمرأة تصفق . وقال مالك : تسبح كالرجل .
لنا ما تقدم من الحديثين .
مسألة [ 170 ] :
إذا تكلم في الصلاة عامدا بطلت .
وقال مالك : إذا كانت لمصلحة الصلاة لم تبطل وافقه الخرقي في كلام الإمام دون المأموم .
____________________
(1/433)
لنا ما
631 - روى الإمام أحمد : ثنا سفيان عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله قال : كنا نسلم على النبي إن كان بمكة قبل أن نأتي أرض الحبشة - يعني وهو في الصلاة - فلما قدمنا من أرض الحبشة أتيناه فسلمنا عليه فلم يرد فأخذني ما قرب وما بعد حتى قضوا الصلاة فسألته فقال : ( ( إن الله عز وجل يحدث من أمره ما يشاء ، وإنه قد أحدث من أمره أن لا تتكلموا في الصلاة ) ) .
ز : هذا حديث صحيح وقد أخرجاه في الصحيحين بغير هذا اللفظ ، فروى الأعمش عن إبراهيم بن علقمة ، عن عبد الله قال : كنا نسلم على رسول الله وهو في الصلاة فيرد علينا فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا ، فقلنا : يا رسول الله كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا ، فقال : إن في الصلاة شغلا . لفظ مسلم ( * ) .
مسألة [ 171 ] :
إذا تكلم في الصلاة ناسيا لم تبطل صلاته ، وكذلك إذا تكلم مكرها أو جاهلا بتحريم الكلام .
____________________
(1/434)
وهو قول مالك والشافعي .
وقال أبو حنيفة : تبطل : وعن أحمد مثله .
لنا ما :
632 - روى البخاري : حدثني إسحاق قال : ثنا ابن شميل قال : أنبأ ابن عون عن ابن سيرين عن أبي هريرة : صلى بنا رسول الله إحدى صلاتي العشي فصلى بنا ركعتين ثم سلم ، فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان ووضع يده إلى اليمنى على اليسرى وشبك بين أصابعه ، ووضع خده الأيمن على ظهر كفه اليسرى . وخرجت السرعان من أبواب المسجد فقالوا : قصرت الصلاة . وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه ، وفي القوم رجل في يديه طول يقال له : ذو اليدين فقال : يا رسول الله نسيت أم قصرت الصلاة ؟ فقال : ( ( لم أنس ولم تقصر ) ) ، فقال : ( ( أكما يقول ذو اليدين ) ) ، فقالوا : نعم ، فتقدم فصلى وما ترك ثم سلم ، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكبر فربما سألوه : ثم سلم وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه ثم سلم . فيقول نبئت أن عمران بن حصين قال : ثم سلم .
أخرجاه في الصحيحين :
633 - وقال أحمد : ثنا إسماعيل قال : أنبأ خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن النبي سلم في ثلاث ركعات من العصر ، ثم قام فدخل . فقام إليه رجل يقال له الخرباق فكان في يديه طول فقال : يا رسول الله فخرج إليه - فذكر له صنيعه - فجاء فقال : ( ( أصدق هذا ؟ ) ) فقالوا : نعم ، فصلى الركعة التي ترك ثم سلم . ثم
____________________
(1/435)
سجد سجدتين ثم سلم .
انفرد بإخراجه مسلم .
ووجه دليلنا أن النبي تكلم معتقدا أن صلاته قد تمت وأنه ليس في الصلاة وكذلك ذو اليدين تكلم معتقدا أنها قد تمت لإمكان النسخ .
اعترض الخصم على حديث أبي هريرة بشيئين :
أحدهما : طعن فيه ، وذلك من وجهين :
أحدهما : أن رواية أو هريرة ، وإنما أسلم في سنة سبع وذو اليدين قتل يوم بدر وكيف يحكي أبو هريرة حالة ما شاهدها .
والثاني : أن ألفاظه تختلف ، وذلك يدل على وهائه ، فتارة يروى فسلم من ركعتين وتارة من ثلاث .
والثالث : أن هذا كان حين [ كان ] ( 1 ) الكلام مباحا في الصلاة ولهذا تكلم أبو بكر وعمر والناس عامدين .
قلنا : أما الطعن : فلا وجه له لاتفاق الأئمة على صحته ، واسم ذي اليدين الخرباق كما ذكرنا في حديث عمران وعاش بعد رسول الله وإنما المقتول يوم بدر ذو الشمالين واسمه عمير ، وإنما وقع اعتراضهم على رواية الزهري لهذا الحديث فإنه قال في روايته : فقام ذو الشمالين .
قال أبو داود السجستاني : وهم الزهري في هذا الحديث فرواه عن ذي الشمالين ظنا منه أن ذا الشمالين وذا اليدين واحد .
وأما اختلاف ألفاظه : فجوابه من ثلاثة أوجه :
أحدها : أن لفظ حديث أبي هريرة لم يختلف ، وإنما يروي الثلاث عمران وهو من أفراد مسلم . وحديث أبي هريرة أصح .
والثاني : أن الشك في العدد لا يضر مع حفظ أصل الحديث وثبوت الكلام ناسيا .
____________________
(1/436)
والثالث : يحتمل أن يكون من الرواة .
وأما تحريم الكلام ، فقال أبو حاتم بن حبان الحافظ : إنما كان بمكة فلما بلغ المسلمين بالمدينة سكتوا . فقال زيد بن أرقم - وهو من أهل المدينة - يحكي الحال : كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت ( ^ وقوموا لله قانتين ) فأمرنا بالسكوت .
وقال أبو سليمان الخطابي : نسخ الكلام بعد الهجرة بمدة يسيرة وعلى القولين قد كان ذاك قبل إسلام أبي هريرة بسنين .
وأما كلام أبي بكر وعمر والناس فقد ذكر الخطابي فيه وجهين : أحدهما : أن في رواية حماد بن زيد عن أيوب أنه أومأوا بنعم ، فدل ذلك على أن رواية من روى أنهم قالوا : نعم يجوز كما يقول الرجل قلت : بيدي وبرأسي وكقول الشاعر :
فقالت له العينان : سمعا وطاعة
والثاني : أن يكونوا قالوا بألسنتهم لأنه لم ينسخ من الكلام ما كان جوابا لرسول الله لقوله تعالى : ( ^ استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) . وفي أفراد البخاري من حديث أبي سعيد بن المعلى قال : كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله ثم أتيته فقلت : يا رسول الله إني كنت أصلي فقال : ( ( ألم يقل الله : ( ^ استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم ) . وإذا ثبت أن جواب الرسول واجب لم تبطل .
ز : روى حديث ذي اليدين ابن عمر أيضا . قال الدارقطني : ثنا أبو صالح الأصبهاني عبد الرحمن بن سعيد بن هارون ، وآخرون قالوا : ثنا أحمد بن سنان القطان ثنا أبو أسامة ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : ( ( صلى النبي يعني صلاة فسها فيها فسلم في الركعتين ، فقال له رجل يقال له ذو اليدين : يا رسول الله أقصرت الصلاة أو نسيت ؟ فقال : ( ( ما قصرت الصلاة وما نسيت ) ) . فقال : إنك صليت ركعتين ، قال : ( ( أكما يقول ذو اليدين ) ) قالوا : نعم ، فتقدم فصلى ركعتين ثم سلم ثم سجد سجدتي السهو ) ) .
قال الدارقطني : هذا حديث غريب من حديث عبيد الله عن نافع تفرد به أبو أسامة حماد بن [ أسامة ] ( 1 ) عنه ، ولا نعلم حدث به عنه غير أحمد بن سنان القطان وهو من الثقات الأثبات .
____________________
(1/437)
ورواه أبو بكر بن خزيمة في صحيحه عن أبي كريب الهمداني ، وبشر بن خالد العسكري ، عن أبي أسامة . ورواه أبو داود وابن ماجة جميعا عن أبي كريب بنحوه .
رواه أبو داود أيضا عن أحمد بن محمد بن ثابت عن أبي أسامة . ورواه ابن ماجة أيضا عن أحمد بن سنان .
والعجب من الإمام الحافظ الدارقطني مع كثرة حديثه ومعرفته بالحديث قال : لا نعلم حدث به عن أبي أسامة غير أحمد بن سنان وقد رواه عنه أبو كريب وأبو همام وبشر بن خالد العسكري وغيرهم .
وقال أبو بكر الأثرم : قلت لأبي عبد الله حديث السهو حديث ابن عمر يرويه أحد غير أبي أسامة . فقال أبو اسامة وحده ، وكأنه ضعفه . قال أبو عبد الله : زعموا أن يحيى ابن سعيد قال : إنما هو عبيد الله عن نافع مرسل ( * ) .
احتجوا بحديثين :
634 - الحديث الأول : رواه أحمد : ثنا إسماعيل بن إبراهيم ، قال : حدثني الحجاج ابن أبي عثمان قال : حدثني يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم قال بينا نحن نصلي مع رسول الله إذ عطس رجل من القوم فقلت : يرحمك الله . فرماني القوم بأبصارهم فقلت : واثكل أمياه . ما شأنكم تنظرون إلي فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمتوني لكني سكت فلما صلى رسول الله فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه والله ما كهرني ولا شتمني ولا ضربني قال : ( ( إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس هذا إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ) ) .
انفرد بإخراجه مسلم ( 1 ) .
وجوابه :
أنه حجة عليهم من جهة أنه لم يأمره بالإعادة ، وإنما علمه أحكام الصلاة ولا فرق
____________________
(1/438)
بالاتفاق بين من تكلم جاهلا يخطر الكلام ، ومن تكلم ناسيا ، وإنما قال له لا يصلح ؛ لأنه محذور في الصلاة .
الحديث الثاني : حديث جابر عن النبي أنه قال : ( ( الكلام ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء ) ) .
وقد ذكرناه بإسناده والكلام عليه في مسألة القهقهة .
مسألة [ 172 ] :
إذا سبقه الحدث في الصلاة توضأ وابتدأ .
وعنه أنه يبني كقول أبي حنيفة .
وعنه إن كان من السبيلين ابتدء ، وإن كان غيرها بنى .
وعن الشافعي كالروايتين الأوليين .
635 - قال أبو داود : ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا جرير بن عبد الحميد عن عاصم الأحول عن عيسى بن حطان عن مسلم بن سلام عن علي بن طلق قال : قال رسول الله : ( ( إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف فليتوضأ وليعد صلاته ) ) .
ز : ورواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي ( * ) .
احتجوا بحديث :
____________________
(1/439)
أبي سعيد وعائشة : ( ( إذا قاء أحدكم في صلاته فلينصرف فليتوضأ ثم ليبني على ما مضى من صلاته ) ) . وقد ذكرنا إسنادهما في نواقض الوضوء وتكلمنا عليهما .
مسألة [ 173 ] :
إذا سبق الإمام الحدث جاز له الاستخلاف على الرواية التي تقول : إن صلاة المأموم لا تبطل بحدثه .
وقال الشافعي - في القديم - لا يجوز الاستخلاف . وعن أحمد نحوه .
لنا : أن رسول الله خرج وأبو بكر يصلي ، فصلى بالناس تمام صلاة أبي بكر .
636 - قال أحمد : ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت : ( ( وجد رسول الله من نفسه خفة فجاء حتى جلس عن يسار أبي بكر فكان رسول الله يصلي بالناس قاعدا وأبو بكر قائما يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله والناس يقتدون بصلاة أبي بكر ) ) .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
____________________
(1/440)
مسألة [ 174 ] :
إذا تعمد المأموم سبق الإمام بركن بطلت صلاته .
وقال الشافعي : لا تبطل . لنا ما :
637 - روى أحمد : ثنا عبد الرزاق قال ثنا معمر عن الزهري عن أنس قال : قال رسول الله : ( ( إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا ) ) . أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
ز : وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ( ( أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار أو يجعل صورته صورة حمار ) ) أخرجاه في الصحيحين ( 2 ) . قال الإمام أحمد : لو كان لمن سبق الإمام صلاة لرجي له الثواب ولم يخش عليه العقاب . وعن أنس قال : قال رسول الله : ( ( يا أيها الناس إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالقعود ولا بالانصراف ) ) رواه أحمد ومسلم ( 3 ) ( * ) .
مسألة [ 175 ] :
يقطع الصلاة الكلب الأسود البهيم ، وفي المرأة والحمار روايتان وحكى الترمذي قال :
____________________
(1/441)
قال أحمد الذي لا أشك فيه : أن الكلب الأسود يقطع الصلاة ، وفي نفسي من الحمار والمرأة شيء .
وقال أكثر الفقهاء : لا يقطع شيء من ذلك .
638 - قال الإمام أحمد : ثنا عفان قال ثنا شعبة قال أخبرني : حميد بن هلال أنه سمع عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال : قال رسول الله ( ( تقطع صلاة الرجل إذا لم يكن بين يديه كآخرة الرجل : المرأة والحمار والكلب الأسود ) ) . قلت : ما بال الأسود من الأحمر ، قال : ابن أخي سألت رسول الله كما سألتني فقال : ( ( الكلب الأسود شيطان ) ) .
639 - قال أحمد : وثنا معاذ بن هشام قال : ثنا أبي عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن أبي هريرة أن نبي الله قال : ( ( يقطع الصلاة المرأة والكلب والحمار ) ) .
انفرد بإخراج الحديثين مسلم .
640 - قال أحمد : وثنا عبد الأعلى ثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن عبد الله بن مغفل عن النبي قال : ( ( يقطع الصلاة المرأة والكلب والحمار ) ) .
ز : عبد الله بن الصامت وهو ابن أخي أبي ذر الغفاري البصري : استشهد به البخاري في صحيحه ، واحتج به مسلم . وقال أبو حاتم : يكتب حديثه .
قال النسائي : ثقة . وذكره ابن حبان في كتاب الثقات .
وقال البيهقي : وأعرض محمد بن إسماعيل البخاري عن الاحتجاج برواية عبد الله
____________________
(1/442)
ابن الصامت واحتج بها غيره من الحفاظ .
وقد أشار الشافعي إلى تضعيف الحديث في هذا الباب وخلافه ما هو أثبت منه ، فإما أن يكون غير محفوظ أو يكون المراد به أنه يلهو ببعض ما يمر بين يديه فتقطعه عن الاشتغال بها لا أنه يفسد الصلاة .
وقد سئل الدارقطني عن حديث سعد بن هشام عن أبي هريرة عن النبي : ( ( يقطع الصلاة المرأة والكلب والحمار ) ) فقال : يرويه قتادة واختلف عنه ، فرواه هشام الدستوائي ، واختلف عن هشام .
فرواه معاذ بن هشام ومحمد بن أبي عدي عن هشام عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفى ، عن سعد بن هشام ، عن أبي هريرة عن النبي .
وقال يحيى القطان عن هشام عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفى عن أبي هريرة عن النبي ، وخالفه عبد الرحمن بن مهدي وابن علية ومسلم بن إبراهيم رووه عن هشام عن قتادة عن زرارة عن أبي هريرة موقوفا ولم يذكروا فيه سعد بن هشام .
وكذلك رواه معاذ بن معاذ وابن أبي عدي عن أبي عروبة عن قتادة عن زرارة عن أبي هريرة موقوفا .
ورواه ابن علية عن سعيد مخالفهم فقال : عن قتادة عن زرارة عن سعد بن هشام عن أبي هريرة ، وقال فيه : أحسبه ذكره عن النبي .
ورواه عبد الرحمن بن مهدي عن همام عن قتادة عن زرارة عن سعد بن هشام عن أبي هريرة موقوفا .
ورواه الحكم بن عبد الملك عن قتادة فقال : عن الحسن عن عبد الله بن مغفل عن النبي وتابعه الخليل بن مرة عن قتادة .
ورواه شعبة عن قتادة عن عروة عن عائشة موقوفا .
ورواه حوشب عن الحسن عن الحكم بن عمرو الغفاري عن النبي .
والصحيح حديث قتادة عن زرارة عن سعد عن أبي هريرة ، وحديث قتادة عن الحسن عن عبد الله بن المغفل . انتهى كلامه .
____________________
(1/443)
وحديث عبد الله بن مغفل رواه ابن ماجة أيضا عن جميل بن الحسن العتكي عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى وإسناده صحيح .
وروى أبو يعلى الموصلي : ثنا زهير ، ثنا يحيى - هو ابن سعيد - عن شعبة ، ثنا قتادة ، قال : سمعت جابر بن زيد ، يحدث عن ابن عباس .
قال يحيى : لم يرفعه غير شعبة ، قال : ( ( لا يقطع الصلاة المرأة الحائض والكلب ) ) .
ورواه أبو داود وقال : وقفه سعيد وهشام وهمام عن قتادة على ابن عباس .
ورواه النسائي وابن ماجة وأبو حاتم البستي والطبراني .
وروى المحاملي : ثنا محمد بن موسى البصري ، ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ، عن أنس ، مرفوعا : ( ( يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة ) ) يحتمل أن يكون شيخ المحاملي محمد بن يونس بن موسى الكريم وهو ضعيف .
وقال الحافظ أبو بكر الخطيب : حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم الأشناني ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، ثنا أبو حمزة الأنصاري سمع أنسا عن النبي قال : ( ( يقطع الصلاة الحمار والمرأة والكلب ) ) أبو حمزة الأنصاري هو أنس بن خالد .
فإن قال قائل : الحديث واحد في حق المرأة والحمار والكلب ، فما وجه ما حكيتم عن أحمد أنه قال : الذي لا أشك فيه الكلب الأسود وفي قلبي من المرأة والحمار شيء ؟
قلت : لأنه قد صح في الحديث عن عائشة أنها قالت : ( ( كان رسول الله يصلي وأنا معترضة بين يديه كاعتراض الجنازة ) ) .
وصح عن ابن عباس أنه قال : ( ( أتيت رسول الله وهو يصلي فنزلت عن الحمار وتركته أمام الصف فما باله ) ) .
فهذا فهم عجيب من أحمد حين رأى هذا مرويا في الحمار والمرأة ، ولم يجد شيئا في الكلب الأسود ( * ) .
احتجوا بخمسة أحاديث :
____________________
(1/444)
641 - الحديث الأول : قال الدارقطني : ثنا الحسين بن إسماعيل . قال : ثنا إسحاق ابن بهلول . قال : ثنا يحيى بن المتوكل ، قال : ثنا إبراهيم بن يزيد ، ثنا سالم بن عبد الله عن أبيه أن النبي وأبا بكر وعمر قالوا : ( ( لا تقطع صلاة المسلم شيء وادرء ما استطعت ) ) .
642 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : وثنا محمد بن إسماعيل الفارسي ثنا أحمد بن عبد الوهاب قال : ثنا أبي قال ثنا إسماعيل بن عياش عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن النبي قال : ( ( لا تقطع صلاة المرء امرأة ولا كلب ولا حمار وادرء ما بين يديك ما استطعت ) ) .
643 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : وثنا إبراهيم بن حماد قال : حدثنا أحمد بن بديل قال : ثنا أبو أسامة قال : ثنا مجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد عن النبي قال : ( ( لا يقطع الصلاء شيء ) ) .
644 - الحديث الرابع : قال الدارقطني : وثنا أحمد بن الحسين قال : ثنا أيوب بن سليمان قال : ثنا أبو اليمان قال : ثنا عفير بن معدان عن سليم بن عامر عن أبي أمامة عن النبي قال : ( ( لا يقطع الصلاة شيء ) ) .
645 - الحديث الخامس : قال الدارقطني : وحدثنا الحسين بن الحسين الأنطاكي ثنا إبراهيم بن منقذ الخولاني قال : ثنا إرديس بن يحيى الخولاني عن بكر بن مضر عن صخر بن عبد الله بن حرملة أنه سمع عمر بن عبد العزيز يحدث عن أنس عن النبي قال : ( ( لا يقطع الصلاة شيء ) ) .
والجواب : أن هذه الأحاديث كلها ضعاف .
أما الأول : ففيه إبراهيم بن يزيد الخوزي . قال أحمد بن حنبل والنسائي : هو متروك . وقال يحيى : ليس بشيء .
____________________
(1/445)
وأما الثاني : ففيه ابن أبي فروة . قال أحمد : لا تحل عندي الرواية عنه . وقال يحيى كذاب . وقال الفلاس والدارقطني : متروك الحديث .
وأما الثالث : ففيه مجالد وقد ضعفه يحيى والنسائي والدارقطني . وقال أحمد : ليس بشيء . وقال ابن حبان : لا يجوز الاحتجاج به .
وأما الرابع ففيه عفير . قال أحمد : ضعيف منكر الحديث . وقال يحيى : ليس بثقة . وقال أبو حاتم الرازي : ليس بشيء .
وأما الخامس : ففيه صخر بن عبد الله . قال ابن عدي : يحدث عن الثقات بالأباطيل . عامة ما يرويه منكر أو من موضوعاته .
وقال ابن حبان : لا تحل الرواية عنه .
ز : حديث أبي سعيد رواه أبو داود عن محمد بن العلاء عن أبي أسامة ثم قال : ثنا مسدد ، ثنا عبد الواحد بن زياد ، ثنا مجالد ، ثنا أبو الوداك ، قال : مر شاب من قريش بين يدي أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وهو يصلي فدفعه ثم عاد فدفعه ثلاث مرات ، فلما انصرف قال : إن الصلاة لا يقطعها شيء ولكن قال رسول الله : ( ( ادرؤا ما استطعتم فإنه شيطان ) ) ( 1 ) .
وصخر بن عبد الله بن حرملة الراوي عن عمر بن عبد العزيز لم يتكلم فيه ابن عدي ولا ابن حبان ، بل ذكره ابن حبان في الثقات .
وقال النسائي : هو صالح ، وإنما ضعف ابن عدي صخر بن عبد الله الكوفي المعروف بالحاجبي . وهو متأخر عن ابن حرملة ، روى عن مالك والليث وغيرهما . وعلى تقدير ثبوت قول النبي : ( ( لا يقطع الصلاة شيء ) ) لا يعارض به حديث أبي ذر و أبي هريرة وابن مغفل لأنها خاصة فيجب تقديمها على العام ( * ) .
____________________
(1/446)
مسائل سجود التلاوة
مسألة [ 176 ] :
سجود التلاوة سنة .
وقال أبو حنيفة واجب .
646 - قال الإمام أحمد : ثنا يحيى بن سعيد عن ابن أبي ذئب عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن عطاء عن زيد بن ثابت قال : قرأت على النبي النجم فلم يسجد .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
وقد تأوله بعضهم فقال : إنما لم يسجد النبي لأن زيدا لم يسجد .
فيقال له : لو كانت السجدة واجبة لأمره بها .
ز : وعن ربيعة بن عبد الله بن الهدير التيمي - قال أبو بكر هو ابن أبي مليكة : وكان ربيعة من خيار الناس - عما حضر ربيعة من عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ يوم الجمعة على المنبر بسورة النحل حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد وسجد الناس حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاء السجدة قال : يا أيها الناس إنما نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب
____________________
(1/447)
ومن لم يسجد فلا إثم عليه ولم يسجد عمر ، وزاد نافع عن ابن عمر : ( ( إن الله عز وجل لم يفرض السجود إلا أن يشاء ) ) رواه بالزيادة البخاري ( * ) .
مسألة [ 177 ] :
في الحج سجدتان .
وقال أبو حنيفة ومالك : ليس فيها إلا الأولى .
647 - قال أحمد : ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم قال : ثنا ابن لهيعة عن مشرح بن هاعان عن عقبة بن عامر قال : قلت : يا رسول الله : أفضلت سورة الحج فإن فيها سجدتين ؟ قال : ( ( نعم ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما ) ) .
فإن قالوا : ابن لهيعة ضعيف .
قلنا : قال ابن وهب : هو صادق .
ز : ورواه أبو داود والترمذي ، وقال : ليس إسناده بالقوي ( 1 ) . ولفظ أبي داود : قلت لرسول الله في سورة الحج سجدتان [ قال : نعم ] ( 2 ) ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما ) ) .
وعن عمرو بن العاص : أن رسول الله أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن منها ثلاث في المفصل وفي الحج سجدتين ، رواه ابن ماجة وأبو داود وعنده : وفي سورة الحج
____________________
(1/448)
سجدتين ، وسيأتي بإسناده .
وعن عبد الرحمن السلمي عن علي عليه السلام أنه كان يسجد في الحج سجدتين .
وعن ابن عمر أن عمر بن الخطاب سجد في الحج سجدتين وقال : إن هذه السورة فضلت على سائر القرآن بسجدتين . رواهما سعيد بن منصور .
وعن عبد الله بن ثعلبة قال : رأيت عمر سجد في الحج سجدتين ، قلت : في الصبح . قال : في الصبح .
رواه الدارقطني ( 1 ) .
وعن نافع قال : كان ابن عمر يسجد فيها سجدتين . رواه البيهقي . قال : وروي عن علي ، وعبد الله بن مسعود ، وعمار ، و أبي موسى ، و أبي الدرداء أنهم كانوا يسجدون في الجح سجدتين . وروي عن ابن عباس قال : في سورة الحج سجدتان .
مسألة [ 178 ] :
سجدة ( ( ص ) ) سجدة شكر .
وعنه أنها من سجدة التلاوة وهو قول أبي حنيفة ومالك .
____________________
(1/449)
648 - قال الترمذي : ثنا ابن أبي عمر قال : ثنا سفيان عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال : رأيت رسول الله يسجد في ( ( ص ) ) . قال ابن عباس : وليست من عزائم السجود .
قال الترمذي : هذا حديث صحيح .
649 - قال الدارقطني : ثنا أبو بكر النيسابوري قال : ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : ثنا أبي وشعيب بن الليث . قالا : ثنا الليث . قال : ثنا خالد بن يزيد عن سعيد ابن أبي هلال عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح عن أبي سعيد الخدري قال : ( ( خطبنا رسول الله يوماً فقرأ ( ( ص ) ) فلما مر بالسجود نزل فسجد وسجدنا معه ، وقرأها مرة أخرى فلما بلغ السجدة نشرنا للسجود فلما رآنا قال : ( ( إنما هي توبة نبي ، ولكني أراكم قد استعددتم للسجود ) ) فنز فسجد وسجدنا .
ز : حديث ابن عباس رواه البخاري في صحيحه ( 1 ) .
وحديث أبي سعيد رواه أبو داود ( 2 ) عن أحمد بن صالح ، عن ابن وهب عن عمرو بن الحارث ، عن أبي هلال بنحوه .
ورواه أبو حاتم بن حبان البستي عن ابن سلم عن حرملة عن ابن وهب .
ورواه البيهقي عن الحاكم عن أبي العباس محمد بن يعقوب ، عن محمد بن نصر عن ابن وهب ، وقال : هذا حديث حسن الإسناد صحيح .
وعن مجاهد أنه سأل ابن عباس أفي ( ( ص ) ) سجدة ؟ فقال : نعم ، ثم تلا : ( ^ ووهبنا له . . . ) إلى قوله : ( ^ فبهداهم اقتده ) ثم قال : هو منهم . زاد يزيد بن هارون ومحمد بن عبيد وسهل بن يوسف عن العوام عن مجاهد قلت لابن عباس فقال : نبيكم ممن أمر أن
____________________
(1/450)
يقتدى بهم ( * ) .
احتجوا بما :
650 - رواه الدارقطني قال : ثنا عبد الله بن سليمان الأشعث قال : ثنا محمد بن آدم ثنا حفص بن غياث عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن : النبي سجد في ( ( ص ) ) .
651 - قال الدارقطني : وثنا محمد بن نوح الجنديسابوري قال : ثنا جعفر بن محمد ابن حبيب ثنا عبد الله بن رشيد قال : ثنا عبد الله بن بزيع عن عمر بن ذر عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله قال : ( ( سجد بها نبي الله داود ، وسجدناها شكراً ) ) يعني ( ( ص ) ) .
والجواب :
وأما الحديث الأول : فقد ذكرنا أنه سجد وبين في حديثنا أنها ليست من سجود التلاوة .
وأما الحديث الثاني : ففيه ابن بزيع .
قال ابن عدي : ليس مما يحتج به .
ز : حديث أبي هريرة ، قال ابن أبي رواد : لم يروه إلا حفص .
وقال الدارقطني في كتاب العلل : انفرد حفص بن غياث بذلك وخالفه إسماعيل بن جعفر وغيره عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة : أن النبي سجد في ( ^ إذا السماء انشقت ) ، وهو الصواب .
وحديث ابن عباس لم يتفرد به ابن بزيع عن عمر بن ذر ، فقد رواه النسائي عن إبراهيم ابن الحسن المقسمي عن حجاج بن محمد عن عمر .
ورواه الدارقطني من وجه آخر عن عمر عن أبي سعيد الخدري قال : رأيت رؤيا وأنا أكتب سورة ( ( ص ) ) فلما بلغت السجدة رأيت الدواة والقلم وكل شيء تحضرني انقلب
____________________
(1/451)
ساجدا . قال : فقصصتها على رسول الله فلم يزل يسجد بها .
رواه الإمام أحمد ( 1 ) من رواية بكر بن عبد الله المزني عن أبي سعيد .
وسئل عنه الدارقطني فقال : يرويه حميد الطويل وعاصم الأحول ومحمد بن جحادة عن بكر واختلفوا فيه : فرواه حميد الطويل ، واختلف عنه :
قال هشيم : عن حميد عن بكر عن أبي سعيد .
وقال مسدد : عن هشيم عن حميد عن بكر عن رجل عن أبي سعيد ، وأرسله ابن أبي عدي وحماد بن سلمة عن حميد عن بكر أن أبا سعيد رأى فيما يرى النائم .
وقال ابن جحادة : عن بكر أن أبا موسى الأشعري أتى النبي وقال عاصم : عن بكر : إن رجلاً أتى النبي ولم يسمعه . وقول مسدد عن هشيم أشبهها بالصواب ( * ) .
مسألة [ 179 ] :
في المفصل ثلاث سجدات .
وقال مالك في رواية : لا سجود في المفصل .
652 - قال الإمام أحمد : ثنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر الأنصاري عن
____________________
(1/452)
عمر بن عبد العزيز عن أبي بكر المخزومي عن أبي هريرة أن النبي سجد في ( ! ( إذا السماء انشقت و ) ! اقرأ ) .
انفرد بإخراجه مسلم من هذه الطريق ، وقد أخرجاه من طريق آخر ليس فيها اقرأ .
ز : لم أر هذه الطريق في صحيح مسلم ، وأبو بكر الأنصاري هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، وأبو بكر المخزومي هو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام .
وقد روى هذا الحديث الترمذي والنسائي وابن ماجة من رواية سفيان بن عيينة أيضاً .
وقال الذهلي : لا أعلم روى هذا الحديث عن يحيى بن سعيد غير بن عيينة وهو عندي وهم ، إنما روى الناس عن يحيى في هذا الإسناد حديث الإفلاس .
وقد سئل الدارقطني عن حديث أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبي هريرة : سجدنا مع رسول الله في ( ! ( إذا السماء انشقت و ) ! اقرأ باسم ربك ) ، فقال : يرويه عمر بن عبد العزيز ، واختلف عنه .
فرواه ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمر ابن عبد العزيز عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي هريرة ، وكذلك روي عن الثوري وهو غريب عنه . قاله أحمد بن عبيد عن أبي أحمد الزبيري عنه ، وكذلك روي عن مالك عن يحيى قاله أبو يحيى بن أبي مسرة عن محمد بن حرب عن مالك ، ورواه محمد بن قيس القاص عن عمر بن عبد العزيز عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة ، حدثنا محمد ابن عبد الله بن الحسين العلاف ولم نكتبه إلا عنه ، ثنا أحمد بن عبيد بن ناصح ، ثنا أبو أحمد الزبيري ، ثنا سفيان الثوري ، ثنا يحيى بن سعيد ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن عمر بن عبد العزيز ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ، عن أبي هريرة قال : سجدنا مع النبي في ( ! ( إذا السماء انشقت و ) ! اقرأ باسم ربك ) قال أبو أحمد : قلت لسفيان : و ( ^ اقرأ باسم ربك ) ؟ قال : نعم ( * ) .
653 - قال الترمذي : ثنا قتيبة ثنا سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن عطاء بن
____________________
(1/453)
ميناء عن أبي هريرة قال : سجدنا مع رسول الله في ( ^ اقرأ بسم ربك ) و ( ^ إذا السماء انشقت ) .
قال الترمذي : وحدثنا هارون بن عبد الله البزار ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال ثنا أبي أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال : سجد رسول الله فيها - يعني النجم - والمسلمون والمشركون .
قال الترمذي : الحديثان صحيحان .
قال المؤلف : قلت وقد انفرد بهذا الحديث البخاري .
ز : حديث عطاء بن ميناء عن أبي هريرة رواه مسلم ( 1 ) في صحيحه عن أبي بكر بن أبي شيبة ، وعمرو الناقد ، عن ابن عيينة ، عن أيوب بن موسى ورواه الثوري وابن جريج أيضاً عن أيوب بن موسى . واختلف عن الثوري فقيل : عن وكيع ، عن الثوري ، عن أيوب بن موسى عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة . قال الدارقطني : وهذا وهم ، والصحيح عطاء ابن ميناء . حدثنا علي بن عبد الله بن مبشر ، ثنا أحمد بن سنان ح وثنا أحمد بن العباس البغوي ، ثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان ، قالا : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، ثنا سفيان عن أيوب بن موسى ، عن عطاء بن ميناء ، عن أبي هريرة : سجدنا مع رسول الله في ( ! ( إذا السماء انشقت و ) ! اقرأ باسم ربك الذي خلق ) .
وقال مسلم ( 2 ) : وثنا محمد بن رمح ، ثنا الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب عن صفوان ابن سليم ، عن عبد الرحمن الأعرج مولى بني مخزوم عن أبي هريرة أنه قال : سجد رسول الله في ( ! ( إذا السماء انشقت و ) ! اقرأ باسم ربك ) . وعن أبي رافع قال : صليت مع أبي هريرة العتمة فقرأ : ( ^ إذا السماء انشقت ) فسجد فيها . فقلت : ما هذه ؟ قال : سجدت بها خلف أبي القاسم فلا أزال أسجد فيها حتى ألقاه . رواه البخاري ومسلم ( 3 ) وعنه : ما هذه السجدة . وعن عبد الله هو ابن مسعود : عن النبي أنه قرأ والنجم بمكة فسجد فيها وسجد من كان معه غير أن شيخاً أخذ كفاً من حصى وتراب فرفعه إلى جبهته وقال : يكفيني هذا ، قال عبد الله : لقد رأيته بعد قتل كافراً . رواه البخاري ومسلم وهذا لفظه .
غير أنه لم يقل بمكة ، وهو في البخاري وفيه : وسجد من معه .
____________________
(1/454)
وعن عبد المطلب بن أبي وداعة قال : رأيت رسول الله سجد في النجم وسجد الناس معه ، قال المطلب : ولم أسجد معهم - وهو يومئذ مشرك - قال المطلب : ولا أدع السجود فيها أبدا . رواه الإمام أحمد والنسائي ( * ) .
654 - وقال الدارقطني : ثنا محمد بن أحمد بن عمرو ثنا أحمد بن محمد بن رشدين قال : ثنا ابن أبي مريم ثنا نافع بن يزيد ، عن الحارث بن سعيد عن عبد الله بن منين : - عن عمرو بن العاص : أن رسول الله أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن ثلاث في المفصل ، وفي سورة الحج سجدتين .
وهذا حديث لا يعتمد عليه .
قال ابن عدي : ابن رشدين كذبوه وأنكرت عليه أشياء .
وقال يحيى بن أبي مريم : ليس بشيء .
ز : ابن أبي مريم الذي تكلم فيه يحيى هو أبو بكر ، وأما راوي هذا الحديث فهو سعيد ابن أبي مريم ، وقد احتج به البخاري ومسلم في صحيحيهما ووثقه أبو حاتم الأزدي والعجلي . وقال أبو داود : هو عندي حجة . وقد حدث بهذا الحديث عنه غير أحمد بن محمد بن رشدين ، فرواه أبو داود عن محمد بن عبد الرحيم بن البرقي عنه عن نافع بن يزيد .
ورواه ابن ماجة عن محمد بن يحيى الذهلي عن ابن أبي مريم أيضاً ( 1 ) .
وإسناد الحديث لا بأس به ، لكن عبد الله بن منين فيه جهالة لم يرو عنه غير الحارث ، وقال عبد الحق في الأحكام : عبد الله بن منين لا يحتج به ( * ) .
احتجوا بما :
655 - قال أبو داود : ثنا محمد بن رافع قال : ثنا أزهر بن القاسم قال : ثنا أبو قدامة عن مطر الوراق عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحول إلى المدينة .
____________________
(1/455)
الجواب :
أن هذا لا يصح وأبو قدامة اسمه الحارث بن عبيد .
قال أحمد : وهو مضطرب الحديث .
وقال يحيى : ليس بشيء ولا يكتب حديثه .
ز : الحارث بن عبيد روى له مسلم في صحيحه وتكلم فيه أيضاً أبو حاتم الرازي والنسائي والأزدي وابن حبان . وأزهر بن القاسم وثقه الإمام أحمد بن حنبل والنسائي .
وقال [ أبو حاتم ] ( 1 ) : شيخ يكتب حديثه ولا يحتج به . وذكره ابن حبان في كتاب الثقات وقال : كان يخطئ . وقد رواه أبو داود الطيالسي عن الحارث أبي قدامة عن مطر الوراق أو رجل عن عكرمة عن ابن عباس .
ولو صح هذا الحديث كان حديث ابن مسعود وأبي هريرة مقدما عليه لأنه إثبات والإثبات مقدم ، وأبو هريرة إنما أسلم بعد الهجرة في السنة السابعة .
ويمكن الجمع بين الأحاديث بحمل السجود على الاستحباب ، وتركه السجود يدل على عدم الوجوب فلا تعارض إذن .
وروي عن أبي الدرداء قال : سجدت مع النبي إحدى عشرة سجدة ليس فيها من المفصل شيء ، رواه ابن ماجة هكذا ( 2 ) .
وقال أبو داود : إسناده واه ( 3 ) .
وقال الإمام أحمد في مسنده : حدثنا يحيى بن غيلان ، ثنا رشدين قال : حدثني عمرو بن الحارث ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن عمر الدمشقي ، أن مخبراً أخبره عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء ، أنه قال : سجدت مع النبي إحدى عشرة سجدة منهن النجم ، ( 4 ) وهذا إسناد ضعيف ( * ) .
____________________
(1/456)
مسألة [ 180 ] :
سجود الشكر عند النعم واندفاع النقم سنة .
وقال أبو حنيفة ومالك : ليس بسنة ويكره .
لنا أربعة أحاديث :
656 - الحديث الأول : قال الإمام أحمد : ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم قال : ثنا سليمان بن بلال قال : ثنا عمرو بن أبي عمرو عن عبد الواحد بن محمد بن عبد الرحمن بن عوف عن عبد الرحمن بن عوف قال : خرج رسول الله فتوجه نحو صدقته فدخل فاستقبل القبلة ، فخر ساجداً فأطال السجود حتى ظننت أن الله عز وجل قبض روحه فيها فدنوت منه ثم جلست فرفع رأسه فقال : ( ( من هذا ) ) ، قلت : عبد الرحمن . قال : ( ( ما شأنك ) ) ، قلت : يا رسول الله سجدت سجدة خشيت أن يكون الله عز وجل قد قبض نفسك فيها . فقال : ( ( إن جبريل أتاني فبشرني فقال : إن الله عز وجل يقول لك من صلى عليك صليت عليه ، ومن سلم عليك سلمت عليه فسجدت لله عز وجل شكراً ) ) .
ز : ورواه أحمد بن عمرو بن أبي عاصم : ثنا الحوطي عبد الوهاب بن نجدة ثنا عبد العزيز بن محمد ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن عبد الواحد - هو ابن محمد بن عبد الرحمن بن عوف - عن أبيه ، عن جده ، قال : رأيت رسول الله سجد سجدة فأطال فرفع رأسه فسألته عن ذلك ، فقال : ( ( إن جبريل لقيني فقال : من صلى عليك صلى الله عليه ، ومن سلم عليك سلم الله عليه ) ) . قال : أحسبه عشراً قال : ( ( فسجدت لله شكراً ) ) .
____________________
(1/457)
وبكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة تكلموا فيه .
قال عباس الدوري وغيره عن يحيى بن معين : ليس بشيء .
وقال إسحاق بن منصور عن يحيى : صالح .
وقال ابن عدي : أرجو أنه لا بأس به ، وهو جلة الضعفاء الذين يكتب حديثهم .
وقال الحاكم : بكار صدوق .
658 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : ثنا محمد بن هارون ثنا عبد الرحمن بن واقد ثنا هشيم عن جابر الجعفي عن أبي جعفر : أن النبي رأى رجلاً من النغاشي فخر ساجداً .
قال المؤلف : النغاشي : الرجل القصير .
659 - الحديث الرابع : قال ابن ماجة : ثنا يحيى بن عثمان المصري قال : ثنا أبي قال ثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عمرو بن الوليد عن عبدة السهمي عن أنس بن مالك أن النبي بشر بحاجة فخر ساجداً .
ز : هذا إسناد ضعيف ، فإن ابن لهيعة غير محتج به ، وعمرو لم يرو عنه غير يزيد وهو ابن الوليد بن عبدة القرشي السهمي البصري مولى عمرو بن العاص . ذكره ابن حبان في الثقات .
وقال سعد بن عمير : كان فاضلاً فقيهاً .
وقد روى أبو داود سليمان بن الأشعث ( 1 ) : ثنا أحمد بن صالح ، ثنا ابن أبي فديك ، قال : حدثني موسى بن يعقوب عن ابن عمار - قال أبو داود : وهو يحيى بن الحسن بن عثمان - عن أشعث بن إسحاق بن سعد ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه ، قال : خرجنا مع رسول الله من مكة نريد المدينة ، فلما كنا قريبا من عزور نزل فرفع يديه فدعا الله ساعة ثم خر ساجداً فمكث طويلاً ثم قام فرفع يديه فدعا الله ساعة ثم خر ساجداً ، ذكره أحمد ثلاثاً ،
____________________
(1/459)
قال : ( ( إني سألت ربي وشفعت لأمتي فأعطاني ثلث أمتي ، فخررت ساجداً شكراً لربي ، ثم رفعت رأسي ، فسألت ربي لأمتي فأعطاني ثلث أمتي ، فخررت ساجداً لربي شكراً ، ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي فأعطاني الثلث الآخر فخررت ساجداً لربي ) ) .
قال أبو داود : أشعث بن إسحاق أسقطه أحمد بن صالح حين حدثنا به . فحدثني به عنه موسى بن سهل الرملي . ولم يرو أبو داود لأشعث بن إسحاق بن سعد بن أبي وقاص سوى هذا الحديث الواحد . وسجد أبو بكر رضي الله عنه حين جاءه قتل مسيلمة . رواه سعيد . وسجد علي رضي الله عنه حين وجد ذا الثدية في الخوارج ، رواه أحمد في مسنده .
وسجد كعب بن مالك في عهد رسول الله لما بشر بتوبة الله عليه وقصته في الصحيحين .
وقال الحاكم ( 1 ) بعد أن روى حديث بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة عن أبيه : وله شواهد منها أنه رأى القرد فخر ساجداً ومنها أنه رأى رجلاً به زمانة فخر ساجداً . ومنها أنه رأى نغاشياً فخر ساجداً . ذكرها بلا إسناد .
وروى البيهقي ( 2 ) بإسناده عن حفص بن غياث ، عن مسعر ، عن محمد بن عبيد الله ، عن عرفجة : ( ( أن النبي أبصر رجلاً به زمانة فسجد ) ) . قال محمد بن عبيد الله : وأن أبا بكر رضي الله عنه أتاه فتح فسجد . وأن عمر رضي الله عنه أتاه فتح فسجد ، أو أبصر رجلاً به زمانة فسجد . قال البيهقي : يقال هذا عرفجة السلمي ، ولا يرون له صحبة فيكون مرسلاً . ( * )
مسألة [ 181 ]
إذا مر بالمصلي آية رحمة سأل ذلك . وإذا مرت به آية عذاب استعاذ منه .
____________________
(1/460)
وعنه يجوز ذلك في النقل ويكره في الفرض . وبه قال أبو حنيفة .
وكان شيخنا أبو بكر الدينوري يقول : المراد بمذهبنا أنه يعيد الآية . ونعم ما قال ؛ لأنه لا يجوز الكلام في الصلاة .
دليلنا ما :
660 - روى الإمام أحمد : ثنا محمد بن جعفر قال ثنا شعبة عن الأعمش عن سعد ابن عبيدة عن المستورد عن صلة عن حذيفة قال : صليت مع رسول الله فما مر بآية رحمة إلا ووقف عندها فسأل . ولا آية عذاب إلا تعوذ منها .
ز : رواه مسلم وأصحاب السنن الأربعة ( 1 ) من حديث جماعة عن الأعمش ( * ) .
____________________
(1/461)
مسائل سجود السهو
مسألة [ 182 ] :
إذا شك في عدد الركعات بنى على اليقين وهو الأقل .
وعنه أنه يتحرى فإن لم يكن له رأي بنى على اليقين .
وقال أبو حنيفة : إذا كان ذلك أول مرة بطلت صلاته . وإن تكرر منه تحرى . فإن لم يكن له ظن بنى على اليقين .
لنا على أنه بني على اليقين حديثان :
661 - الحديث الأول : قال الترمذي : ثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن خالد قال : ثنا إبراهيم بن سعد قال : حدثني محمد بن إسحاق عن مكحول عن كريب عن ابن عباس عن عبد الرحمن بن عوف قال : سمعت رسول الله يقول : ( ( إذا سها أحدكم في صلاته فلم يدري أواحدة صلى أم اثنتين فليبن على واحدة ، فإن لم يدر اثنتين صلى أو ثلاثة فليبن على اثنتين ، فإن لم يدر ثلاثاً صلى أو أربعاً فليبن على ثلاثة . وليسجد سجدتين قبل أن يسلم ) ) .
____________________
(1/463)
قال الترمذي : هذا حديث صحيح .
ز : وروى هذا الحديث الإمام أحمد ، وابن ماجة ( 1 ) ، وأبو يعلى الموصلي بنحوه من حديث ابن إسحاق .
ورواه إسماعيل المكي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس .
قال الهيثم بن كليب الشاشي : ثنا العباس الدوري ، ثنا محمد بن عبد الله ، ثنا إسماعيل المكي ، عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، قال : كنت أذاكر عمر شيئا من الصلاة ، قال فأتانا عبد الرحمن بن عوف ، فقال : ألا احدثكما حديثاً سمعته من رسول الله . قال : قلنا بلى . قال : أشهد شهادة الله لسمعت رسول الله يقول : ( ( إذا كان أحدكم في شك من النقصان في صلاته فليصل حتى يكون في شك من الزيادة ) ) .
قال الهيثم : وثنا أبو حاتم الرازي محمد بن إدريس : ثنا الأنصاري ثنا إسماعيل ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس قال : حدثني عبد الرحمن بن عوف ، أن النبي قال : ( ( إذا شك أحدكم في صلاته فلا يدري ثلاثاً صلى أم أربعاً فليصل ركعة ثم ليسجد سجدتين ) ) .
ورواه إسحاق بن راهويه عن عبد الرزاق عن ابن المبارك عن إسماعيل بن مسلم .
وسئل الدارقطني عنه فقال : رواه إبراهيم بن سعد ومحمد بن سلمة وعيسى بن عبد الله الأنصاري وطلحة بن زيد ، عن محمد بن إسحاق عن مكحول ، عن كريب عن ابن عباس ، عن عبد الرحمن بن عوف ، ورواه حماد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن مكحول مرسلاً ، وكذلك سمعه محمد بن إسحاق عن مكحول مرسلاً .
ورواه إسماعيل بن علية ، وعبد الله بن نمير وعبد الرحمن المحاربي عن محمد بن إسحاق ، عن مكحول مرسلاً ، وعن محمد بن إسحاق ، عن حسين بن عبد الله عن مكحول ، عن كريب عن ابن عباس ، عن عبد الرحمن ، فضبط هؤلاء الثلاثة عن ابن عباس ، عن عبد الرحمن ، فضبط هؤلاء الثلاثة عن ابن اسحاق المرسل والمتصل .
وروى هذا الحديث الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس حدث به عنه
____________________
(1/464)
إسماعيل بن مسلم المكي وبحر السقا ورواه محمد بن يزيد الواسطي ، واختلف عنه : فرواه إسماعيل بن هود عنه عن ابن إسحاق عن الزهري . ورواه إسحاق بن بهول ، عن عمار بن سلام ، عن محمد بن يزيد ، عن سفيان بن حسين ، وكلاهما وهم .
ورواه أحمد بن حنبل عن محمد بن يزيد على الصواب عن إسماعيل بن مسلم عن الزهري فرجع الحديث إلى إسماعيل بن مسلم وإسماعيل ضعيف . انتهى كلام الدارقطني .
وفي مسند الإمام أحمد : ثنا إسماعيل ، ثنا محمد بن إسحاق ، حدثني مكحول أن رسول الله قال : ( ( إذا صلى أحدكم فشك ) ) فذكره .
قال محمد بن إسحاق : وقال لي حسين بن عبد الله : هل أسنده لك ؟ فقلت : لا . فقال : لكنه حدثني أن كريباً مولى ابن عباس حدثه عن ابن عباس قال : جلست إلى عمر بن الخطاب فذكر الحديث . وحسين بن عبد الله تكلم فيه غير واحد ( * ) .
662 - الحديث الثاني : قال أحمد : ثنا يونس بن محمد قال : ثنا فليح عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري : أن رسول الله قال : ( ( إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى فليبن على اليقين ، حتى إذا استيقن أن قد أتم فليسجد سجدتين من قبل أن يسلم فإنه إن كانت صلاته وتراً شفعها وإن كان شفعاً كان ذانك ترغيماً للشيطان ) ) .
انفرد بإخراجه مسلم ( 1 ) .
ولنا على أنه يتحرى :
663 - ما روى أحمد : ثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله عن النبي قال : ( ( إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصلاة ، فإذا سلم فليسجد سجدتين ) ) .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
____________________
(1/465)
ولنا على أن صلاته لا تبطل ما قد تقدم من الأحاديث .
ز : المشهور في مذهب الإمام أحمد أن المنفرد يبني على اليقين ، وأن الإمام يبني على غالب ظنه للجمع بين الأحاديث ، ومن جهة المعنى إن الإمام له من ينبهه ويذكره إذا أخطأ فليتأكد عنده صواب نفسه ؛ ولأنه إن أصاب أقره المأمومون وإن أخطأ سبحوا به فرجع إليهم فيحصل له الصواب في الحالتين بخلاف المنفرد إذ ليس له من يذكره فيبني على اليقين ليحصل على إتمام صلاته ، وهذا اختيار الخرقي .
والقول بالبناء على اليقين مطلقا اختاره أبو بكر عبد العزيز ، وروي عن ابن عمر ، وابن عباس ، وابن عمرو ، وغيرهم ، وهو قول ربيعة ، ومالك ، والثوري ، والأوزاعي ، والشافعي ، وإسحاق ، وروي عن أحمد .
والقول بالبناء على غلبة الظن مطلقا رواه الأثرم عن أحمد ، وروي عن علي بن أبي طالب وابن مسعود رضي الله عنهما ، وهو قول النخعي ( * ) .
مسألة [ 183 ] :
سجود السهو قبل السلام إلا في موضعين :
أحدهما : إذا سلم من النقصان .
والثاني : إذا شك الإمام .
وقلنا : تتحرى على رواية ، فأن يسجد بعد السلام استحسانا لمكان الحديث .
____________________
(1/466)
وعنه أن الكل قبل السلام ، وهو قول الشافعي .
وعنه إن كان من نقصان كان قبل السلام ، وإن كان من زيادة كان بعد السلام وهو قول مالك .
وقال أبو حنيفة وداود : كله بعد السلام .
فإذا دللنا على أبي حنيفة قلنا بسبعة أحاديث :
664 - الحديث الأول : قال الترمذي : ثنا ابن قتيبة قال : ثنا الليث عن ابن شهاب عن الأعرج عن عبد الله بن بحينة : أن النبي قام في صلاة الظهر وعليه جلوس فلما أتم صلاته سجد سجدتين وكبر في كل سجدة وهو جالس قبل أن يسلم وسجدها الناس معه مكان ما نسي من الجلوس .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
الحديث الثاني : حديث عبد الرحمن بن عوف .
والثالث : حديث أبي سعيد الخدري .
والرابع : حديث ابن مسعود . وقد تقدموا بأسانيدهم .
665 - الحديث الخامس : قال الترمذي : ثنا محمد بن يحيى قال : ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال : أخبرني أشعث عن ابن سيرين عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن النبي : صلى بهم فسهى فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم .
ز : ورواه أبو داود عن محمد بن يحيى .
____________________
(1/467)
ورواه الحاكم وقال : على شرطهما .
وأشعث هو ابن عبد الملك الحمراني ، قال يحيى القطان : هو عندي ثقة مأمون . ووثقه يحيى بن معين ، والنسائي وغيرهما . ولم يخرجا له في الصحيحين . وقال البيهقي : تفرد بهذا الحديث أشعث الحمراني ، وقد رواه شعبة ، ووهيب ، وابن علية ، والثقفي ، وهشيم وحماد بن زيد ، ويزيد بن زريع وغيرهم عن خالد الحذاء ، لم يذكر أحد منهم ما ذكر أشعث عن محمد عنه ، ورواه أيوب عن محمد قال : أخبرت عن عمران فذكر السلام دون التشهد ، وفي رواية هشيم ذكر التشهد قبل السجدتين ، وذلك يدل عن خطأ أشعث فيما رواه ( * ) .
666 - الحديث السادس : قال الترمذي : ثنا قتيبة ثنا الليث عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ( ( إن الشيطان يأتي أحدكم في صلاته فيلبس عليه حتى لا يدري كم صلى فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس ) ) .
قال الترمذي : هذا حديث صحيح .
ز : ورواه أبو داود وابن ماجة ( 1 ) وفيه : ( ( ليسجد سجدتين قبل أن يسلم ) ) وهو لبقية الجماعة إلا قوله : قبل أن يسلم ( * ) .
667 - الحديث السابع : قال الدراقطني ثنا الحسين بن إسماعيل قال : ثنا عبد الله بن شبيب قال : حدثني ذؤيب بن عمامة قال : ثنا عبد المهيمن بن عباس عن أبيه عن جده عن المنذر بن عمرو : ( ( أن النبي سجد سجدتي السهو قبل التسليم ) ) .
ذؤيب وعبد المهيمن ضعيفان .
ز : وعبد الله بن شبيب ضعفه غير واحد .
____________________
(1/468)
قال أصحاب أبي حنيفة : نعارض أحاديثكم بستة أحاديث :
الحديث الأول : حديث ذي اليدين ، وأن النبي سجد بعد السلام وقد سبق في رواية أبي هريرة وعمران .
668 - الحديث الثاني : قال الترمذي : ثنا إسحاق بن منصور ثنا عبد الرحمن بن مهدي قال ثنا شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله : أن النبي صلى الظهر خمساً ، فقيل له : أزيد في الصلاة . فسجد سجدتين بعدما سلم .
أخرجاه في الصحيحن وفي لفظ متفق عليه : سجد بعد السلام والكلام .
669 - الحديث الثالث : قال أحمد : ثنا حماد بن خالد قال : ثنا مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان عن أبي هريرة قال : سجد رسول الله سجدتي السهو بعد السلام .
670 - الحديث الرابع : قال أحمد : وثنا حجاج قال : قال ابن جريج أخبرني عبد الله بن مسافع أن مصعب بن شيبة أخبره عن عقبة بن محمد بن الحارث عن عبد الله بن جعفر أن رسول الله قال : ( ( من شك في صلاته فيلسجد سجدتين بعدما يسلم ) ) .
671 - الحديث الخامس : قال أحمد : ثنا الحكم بن نافع ثنا إسماعيل بن عياش عن عبيد الله بن عبد الله الكلاعي عن زهير عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه جبير بن نفير عن ثوبان عن النبي قال : ( ( لكل سهو سجدتان بعدما يسلم ) ) .
672 - الحديث السادس : قال أحمد ثنا عبد الرزاق قال : ثنا سفيان عن ابن أبي ليلي عن الشعبي عن المغيرة بن شعبة : أنه قام في الركعتين الأوليين فسبحوا به فلم يجلس فلما
____________________
(1/469)
قضى صلاته سجد سجدتين بعد التسليم ثم قال : هكذا فعل رسول الله .
والجواب :
أما حديث ذي اليدين : فنحن نقول به استحساناً .
وكذلك حديث ابن مسعود بحمله على الإمام إذا شك . وقلنا يتحرى بدليل أن النبي جرى له ذلك في حالة الإمامة . وقال لهم ذلك فإنه علم الأئمة ما يصنعون إذا شكوا ، وهذان الموضوعان اللذان استثنيتاهما في رأس المسألة .
وأما حديث أبي هريرة : ففيه داود بن الحصين وهو ضعيف . وقال ابن حبان : حدث عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات . فيجب مجانبة روايته . وأما حديث ابن جعفر : ففيه مصعب بن شيبة . قال أحمد : روى أحاديث مناكير . وقال الدارقطني ليس بالقوي ولا بالحافظ . وأما حديث ثوبان : فيه إسماعيل بن عياش ، قد سبق القدح فيه . وأما حديث المغيرة : ففيه ابن أبي ليلة وقد ضعفوه . قال أبو بكر الأثرم : لا يثبت حديث ابن جعفر ولا حديث ثوبان ، وحديث المغيرة قد رواه ابن عون موقوفاً وهو أثبت من ابن أبي ليلى .
ثم تحمل أحاديثهم على أحد أمرين :
إما أن تكون منسوخة بدليل قول الزهري : كان آخر الأمرين من رسول الله السجود قبل السلام .
والثاني : على ما إذا كان السهو في أحد الموضعين المستثنين .
ز : داود بن الحصين في حديث أبي هريرة محتج به في الصحيحين ووثقه يحيى بن معين وغيره . وذكره ابن حبان في كتاب الثقات أيضاً وقال : كان يذهب مذهب الشراة وكل من ترك حديث على الإطلاق وهم لأنه لم يكن داعية إلى مذهبه . ويحتمل أن يكون حديث أبي هريرة هذا بعض حديث ذي اليدين ؛ بل الظاهر أنه مختصر منه ، وقد رواه النسائي عن قتيبة عن مالك فذكر قصة ذي اليدين .
وأما حديث عبد الله بن جعفر فرواه إمام الأئمة ابن خزيمة في صحيحه : ثنا أبو موسى ، ثنا روح ثنا ابن جريج ، قال : أخبرني عبد الله بن مسافع أن مصعب بن شيبة أخبره ، عن عقبة بن محمد بن الحارث عن عبد الله بن جعفر ، عن النبي قال : ( ( من
____________________
(1/470)
نسي شيئاً من صلاته فليسجد سجدتين وهو جالس ) ) .
قال ابن خزيمة ( 1 ) : هكذا قال لنا أبو موسى عن عقبة بن محمد بن الحارث ، هذا الشيخ يختلف أصحاب ابن جريج في اسمه . قال حجاج بن محمد وعبد الرزاق عن عتبة بن محمد وهذا هو الصحيح حسب علمي .
وقال الطبراني : ثنا إدريس بن جعفر العطار ، ثنا روح بن عبادة ح قال الطبراني : وثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، ثنا يحيى بن معين ، ثنا حجاج بن محمد كلاهما عن ابن جريج ، أخبرني عبد الله بن مسافع ، عن مصعب بن شيبة عن عقبة بن محمد بن الحارث ، عن عبد الله بن جعفر ، أن النبي قال : ( ( من شك في شيء من صلاته فليسجد سجدتين بعدما يسلم ) ) . ورواه الإمام أحمد أيضاً عن روح بن عبادة ( 2 ) . وعن علي بن إسحاق عن ابن المبارك ولم يذكر مصعب بن شيبة في هذه الرواية . ورواه أبو داود عن أحمد بن إبراهيم عن حجاج بن محمد بإسناده غير أن عنده عتبة بن محمد .
ورواه النسائي عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم عن حجاج ، وعن هارون بن عبد الله عن حجاج وروح ، وعن سويد بن نصر عن عبد الله بن المبارك ، وعن محمد بن هاشم البعلبكي عن الوليد جميعاً عن ابن جريج عن عبد الله بن مسافع عن عتبة بن محمد ولم يذكر مصعباً ، وعتبة بن محمد قال النسائي فيه : ليس بمعروف ، قال : وقيل عقبة ، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات . وقال الإمام أحمد : أخطأ روح في قوله عقبة ، إنما هو عتبة .
ومصعب بن شيبة روى له مسلم في صحيحه وتكلم فيه غير واحد .
وقال البيهقي : إسناد هذا الحديث لا بأس به ( 3 ) .
وأما حديث ثوبان فرواه أبو داود عن عمرو بن عثمان ، والربيع بن نافع ، وعثمان ابن أبي شيبة ، وشجاع بن مخلد ، أربعتهم عن إسماعيل بن عياش ، عن عبيد الله بن عبيد الكلاعي عن زهير بن سالم العنسي ، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير . قال : عمرو وحده عن أبيه عن ثوبان ، ولم يقل عن أبيه غير عمرو . ورواه ابن ماجة عن عثمان بن أبي شيبة بإسناده ولم يقل عن أبيه ، وزهير بن سالم العنسي بالنون كنيته أبو المخارق وهو
____________________
(1/471)
شامي ذكره أبو حاتم بن حبان في كتاب الثقات . ولم يرو له أبو داود وابن ماجة غير هذا الحديث .
وقال البيهقي : في إسناده ضعف .
وقد رواه عبد الرزاق عن إسماعيل بن عياش عن عبيد الله الكلاعي عن زهير بن سالم عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن ثوبان ( 1 ) .
وأما ابن أبي ليلى في حديث المغيرة فلم يضعفه الكل بل ضعفه غير واحد كالقطان .
وقال أبو حاتم : محله الصدق كان سيىء الحفظ ، وقال أبو زرعة : صالح ليس بالقوي ، وقد روى حديثه هذا أبو عيسى الترمذي عن أحمد بن منيع عن هشيم عنه ، ولفظه : ( ( ثم سجد سجدتي السهو وهو جالس ) ) ولم يقل : ( ( بعد التسليم ) ) .
ثم قال الترمذي : قد تكلم بعض أهل العلم في ابن أبي ليلى من قبل حفظه .
قال أحمد : لايحتج بحديث ابن أبي ليلى .
وقال محمد بن إسماعيل : ابن أبي ليلى صدوق ولا أروي عنه لأنه لا يدري صحيح حديثه من سقيمه ( * ) .
____________________
(1/472)
مسألة [ 184 ]
إذا سبح للإمام ثقتان من المأمومين لزمه الرجوع إلى قولهم بكل حال .
وقال الشافعي : لا يرجع ، ويبني على يقين نفسه .
وقال أبو حنيفة : يرجع إلى قول واحد .
لنا : حديث ذي اليدين . وقد تقدم بإسناده وأن رسول الله لم يرجع إلى قوله وحده ورجع إلى قول أبي بكر وعمر .
ز : قوله : بكل حال يعني سواء غلب على ظنه صواب قولهما أو خلافه فأما إن كان الإمام على يقين من صواب نفسه لم يجز له متابعتهم .
وقال أبو الخطاب : يلزم الرجوع كالحاكم يحكم بالشاهدين ويترك يقين نفسه .
قال صاحب المغني : وليس بصحيح لأنه يعلم خطأهم فلا يتبعهم في الخطأ وكذا نقول في الشاهدين : متى علم الحاكم كذبهما لم يجز له الحكم بقولهما لعلمه أنهما شاهدا زور ولا يحل الحكم بقول الزور ، ولأن العدالة اعتبرت في الشهادة ليغلب على الظن صدق الشهود وردت شهادة غيرهم لعدم ذلك فمع يقين الكذب أولى أن لا يقبل ( * ) .
مسألة [ 185 ] :
إذا قام إلى خامسة ساهياً ثم ذكر . عاد إلى ترتيب صلاته .
وقال أبو حنيفة : إن سجد في الخامسة أتمها وأضاف إليها أخرى فإن كان قعد في
____________________
(1/473)
الرابعة وقد تم طهره والركعتان نافلة ، وإن لم يكن قعد فالجميع نفل .
لنا حديث ابن مسعود أن النبي صلى خمساً فقيل له فسجد وقد سبق بإسناده . والحجة فيه : أنه لم يضف إلى الخامسة شيئا ولا أعاد .
مسألة [ 186 ] :
إذا سهى عن واجب سجد السهو .
وقال أبو حنيفة والشافعي : لايسجد إلا للتشهد الأول والقنوط .
لنا : حديث ثوبان أن : ( ( لكل سهو سجدتان ) ) ، وقد سبق بإسناده .
مسألة [ 187 ] :
إذا قرأ في الركعتين الأخرتين بالحمد وسورة ، أو صلى على النبي في التشهد الأول أو قرأ في موضع بتشهد أو تشهد في قيامه سجد في جميع ذلك للسهو .
____________________
(1/474)
وعنه لا يسجدكقول أكثرهم . لنا حديث ثوبان المتقدم .
مسألة [ 188 ] :
إذا تعمد ترك ما يسجد لأجله لم يسجد .
وقال الشافعي : يسجد .
لنا : أن رسول الله جعل سجود السهو ترغيما للشيطان على ما ذكرناه في حديث أبي سعيد . وقد تقدم بإسناده وهذا يختص بالسهو لا بالعمد .
مسألة [ 189 ] :
سجود السهو واجب ، ووافقنا مالك إذا كان عن نقصان .
وقال الشافعي : هو مسنون .
لنا : أن رسول الله أمر به بقوله : ( ( من شك في صلاته فليسجد ) ) وقد ذكرناه في حديث عبد الرحمن بن عوف وابن مسعود .
____________________
(1/475)
مسألة [ 190 ] :
إذا نسى السجود في محل سجدها ما لم يتطاول الزمان ، أو يخرج من المسجد وإن يتكلم ، وعنه : يسجد وإن خرج وتباعد .
وقال أبو حنيفة : لا يسجد بعد الكلام والخروج .
وقال الشافعي : إن ذكر قريبا سجد ، وإن تباعد فعلى قولين .
لنا : حديث ابن مسعود أن رسول الله سجد بعد السلام والكلام ، وقد سبق .
____________________
(1/476)
مسائل أوقات النهي
مسألة [ 191 ] :
يجوز قضاء الفوائت في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها .
وقال أبو حنيفة : لا يجوز عند طلوع الشمس وزوالها وغروبها .
لنا ثلاثة أحاديث :
673 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا يزيد بن هارون قال : أنبأ شعبة عن قتادة : عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله : ( ( من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها ) ) .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
674 - الحديث الثاني : قال مسلم بن الحجاج : ثنا حرملة بن يحيى قال : أنبأ ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله قال : ( ( من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها ) ) .
انفرد بإخراجه مسلم .
____________________
(1/477)
675 - الحديث الثالث : قال الترمذي : ثنا قتيبة قال : ثنا حماد بن زيد عن ثابت البناني عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة قال : قال رسول الله : ( ( إذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها ) ) . قال الترمذي : هذا حديث صحيح .
ز : عن أبي قتادة قال : ذكروا للنبي نومهم عن الصلاة قال : ( ( إنه ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الأخرى ، فمن فعل ذلك فليصلها حين ينتبه لها فإذا كان الغد فليصلها عند وقتها ) ) رواه مسلم هكذا .
وقيل : إن قوله : ( ( إذا كان الغد فليصلها عند وقتها ) ) وهم من عند عبد الله بن رباح الذي ورى عن أبي قتادة ، أو من أحد الرواة في إسناد حديثه والله أعلم . وفي آخر حديث أبي قتادة قال عبد الله بن رباح : إني لأحدث هذا الحديث في مسجد الجامع إذ عمران بن حصين : انظر أيها الفتى كيف تحدث فإن أحد الركب تلك الليلة . قال : قلت فأنت أعلم بالحديث ، فقال : ممن أنت ؟ قلت : من الأنصار . قال : حدث فأنتم أعلم بحديثكم . قال : فحدث القوم . فقال عمران : لقد شهدت تلك الليلة وما شعرت أن أحدا حفظ كما حفظته . وحكي عن البخاري أنه قال : لا يتابع في قوله : ( ( فليصل إذا ذكرها ولوقتها من الغد ) ) ( * ) .
احتجوا بخمسة أحاديث :
676 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا بهز ثنا أبان عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس قال : شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر أن نبي الله كان يقول : ( ( لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس ، ولا صلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس ' .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
____________________
(1/478)
677 - الحديث الثاني : قال أحمد وثنا هشام بن عروة قال أخبرني أبي قال أخبرني ابن عمر قال : قال رسول الله : ( ( لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها فإنها تطلع بين قرني شيطان ، فإذا طلع حاجب الشمس فلا تصلوا حتى تبرز ، وإذا غاب حاجب الشمس فلا تصلوا حتى تغيب ) ) .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
678 - الحديث الثالث : قال يحيى بن يحيى قال أنا عبد الله بن وهب عن موسى بن علي عن أبيه قال سمعت عقبة بن عامر يقول : ثلاث ساعات كان رسول الله ينهانا أن نصلي فيها أو نقبر فيهن موتانا ، حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع ، وحين تقوم قائمة الظهيرة حتى تميل الشمس ، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب .
انفرد بإخراجه مسلم عن يحيى بن معين ( 1 ) .
679 - الحديث الرابع : أخرجه في أفراده أيضا من حديث عمرو بن عبسة أن رسول الله قال له : ( ( صل الصبح ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس فإذا طلعت فلا تصل حتى ترتفع فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار ، ثم صل حتى تصلى العصر ، ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس فإنها تغرب بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار ) ) .
680 - الحديث الخامس : أخرجه في أفراده من حديث أبي هريرة أن رسول الله نهى عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس .
____________________
(1/479)
وهذا كله محمول على النافلة بأدلتنا .
ز : حديث أبي هريرة لم ينفرد بإخراجه مسلم ، بل رواه البخاري أيضا .
وأخرجا في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري أيضا قال : سمعت رسول الله يقول : ( ( لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس ) ) ( * ) .
مسألة [ 192 ] :
لا يجوز فعل النافلة في أوقات النهي ، وإن كان لها سبب .
وعنه : الجواز فيما لها سبب كقول الشافعي .
لنا الأحاديث المتقدمة :
681 - قال الترمذي : ثنا عقبة بن مكرم العمي قال : ثنا عمرو بن عاصم قال : ثنا همام عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك أن أبا هريرة قال : قال رسول الله : ( ( من لم يصل ركعتيه الفجر فليصلهما بعدما تطلع الشمس ) ) .
فإن قالوا : قد قال الترمذي : هذا الحديث لا نعرفه إلا من حديث عمرو بن عاصم .
قلنا : عمرو ثقة أخرج عنه البخاري في صحيحه .
ز : ورواه الحاكم وقال : على شطرهما ، ولفظه : ( ( من لم يصل ركعتي الفجر حتى
____________________
(1/480)
تطلع الشمس فليصلهما ) ) ( 1 ) ( * ) .
احتجوا بما :
682 - روى الترمذي : ثنا محمد بن عمرو السواق قال ثنا عبد العزيز بن محمد عن سعد بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن جده قيس - وهو ابن عمرو بن سهل - قال : خرج رسول الله فأقيمت الصلاة فصليت معه الصبح ثم انصرف فوجدني أصلي فقال : ( ( مهلا يا قيس أصلاتان معا ) ) . قلت : يا رسول الله إني لم أكن ركعت ركعتي الفجر . قال : ' فلا إذن ' .
والجواب :
قال الترمذي : هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث سعد بن سعيد ، وإسناده ليس بمتصل ومحمد بن إبراهيم لم يسمع من قيس .
قلت : قال أحمد بن حنبل : سعد بن سعيد ضعيف .
وقال ابن حبان لا يحل الاحتجاج به .
ز : وروى هذا الحديث الإمام أحمد ، وابن ماجة ، وأبو داود ( 1 ) ، ولفظه : رأى رسول الله رجلا يصلي بعد صلاة الصبح ركعتين ، فقال رسول الله : ( ( صلاة الصبح ركعتان ) ) . فقال الرجل : إني لم أكن صليت الركعتين اللتين قبلهما فصليتهما الآن فسكت رسول الله . وإسناد الحديث ليس بمتصل قال الإمام أحمد والترمذي . وسعد ابن سعيد هو أخو يحيى وعبد ربه ، وقد روى له مسلم في صحيحه .
وقال ابن معين : صالح . وقال محمد بن سعد : كان ثقة قليل الحديث . وقال النسائي : ليس بالقوي . ولم يتكلم فيه ابن حبان بل ذكره في كتاب الثقات ، وقال : كان يخطئ وإنما تكلم في سعد بن أبي سعيد المقبري ( * ) .
____________________
(1/481)
مسألة [ 193 ] :
يكره النفل في أوقات النهي بمسجد مكة كغيره إلا ركعة الطواف .
وقال الشافعي : لا يكره . لنا عموم النهي في الأحاديث المتقدمة . ولهم ما :
683 - روى الدارقطني : ثنا محمد بن مخلد ثنا علي بن حرب ثنا سعيد بن سالم القداح عن عبد الله المؤمل المخزومي عن حميد مولى عفراء عن قيس بن سعد عن مجاهد قال قدم أبو ذر فأخذ بعضادة باب الكعبة ثم قال : سمعت رسول الله يقول : ( ( لا يصلين أحد بعد الصبح إلى طلوع الشمس ، ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس إلا بمكة يقول ذلك ثلاثا ) ) .
والجواب :
أن هذا الحديث لا يصح .
قال أحمد : أحاديث ابن المؤمل مناكير . وقال يحيى : هو ضعيف الحديث .
ز : روى هذا الحديث الشافعي ، وغيره عن عبد الله بن المؤمل .
وقال البيهقي ( 1 ) : وهذا الحديث يعد في أفراد عبد الله بن المؤمل وهو ضعيف ، إلا أن إبراهيم بن طهمان قد تابعه في ذلك عن حميد وأقام إسناده ، أخبرنا أبو نصر عمر بن عبد العزيز بن قتادة ، أنا أبو محمد أحمد بن إسحاق بن سنان بن البغدادي الهروي بها ، أنا معاذ بن نجدة ، ثنا خلاد بن يحيى ، ثنا إبراهيم هو ابن طهمان ، ثنا حميد مولى عفراء ، عن قيس بن سعد ، عن مجاهد ' ، قال : جاءنا أبو ذر فأخذ بحلقة الباب ثم قال : سمعت رسول
____________________
(1/482)
الله يقول بإذني هاتين : ( ( لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ولا بعد الفجر حتى تطلع الشمس إلا بمكة إلا بمكة إلا بمكة ) ) .
قال البيهقي : حميد الأعرج ليس بالقوي ، ومجاهد لا يثبت له سماع من أبي ذر .
وقوله : جاءنا ، يعني جاء بلدنا والله أعلم .
وقد روي من وجه آخر عن مجاهد أنا أبو سعد الماليني ، أنا أبو أحمد بن عدي ، ثنا محمد بن يونس العصفري ثنا محمد بن موسى الجرشي ، حدثني اليسع بن طلحة القرشي من أهل مكة ، قال : سمعت مجاهد يقول : بلغنا أن أبا ذر قال : رأيت رسول الله أخذ بحلقتي الكعبة يقولها ثلاثا : ( ( لا صلاة بعد العصر إلا بمكة ) ) .
قال البيهقي اليسع بن طلحة ضعفوه ، والحديث منقطع . مجاهد لم يدرك أبا ذر والله أعلم .
وسيأتي حديث جبير بن مطعم في المسألة التي بعد هذه ، وهو حجة للشافعي على أن النفل في أوقات النهي بمكة لا يكره .
وعن جابر قال : قال رسول الله : ( ( يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا صلى عند هذا البيت أية ساعة شاء من ليل أو نهار ) ) . رواه الدارقطني .
وروي أيضا من رواية أبي الوليد العدني عن رجاء أبي سعيد عن مجاهد عن ابن عباس أن النبي قال : ( ( يا بني عبد المطلب أو يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا يطوف بالبيت ويصلي فإنه لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس إلا عند هذا البيت يطوفون ويصلون ) ) .
قال الشيخ أيضا : أبو الوليد العدني لم أر له ذكرا في الكنى لأبي أحمد الحاكم . ورجاء بن الحارث أبو سعيد المكي ضعفه يحيى بن معين ( * ) .
____________________
(1/483)
مسألة [ 194 ] :
ولا يكره ركعتا الطواف إلا في أوقات النهي .
وقال أبو حنيفة تكره .
684 - قال النسائي : أنبأ محمد بن منصور . وقال الترمذي : ثنا علي بن خشرم قالا : أنبأ سفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن عبد الله بن باباه عن جبير بن مطعم أن النبي قال : ( ( يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار ) ) قال الترمذي هذا حديث صحيح .
ز : ورواه الإمام أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجة ( 1 ) ، وأبو حاتم البستي ، من وراية أبي الزبير عن عبد الله بن باباه ورواه الإمام أحمد أيضا عن يعقوب ، عن أبيه ، عن محمد ابن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن عبد الله بن باباه .
ويقال فيه : ابن بابيه ، ويقال : ابن بابي وهو مكي .
قال أبو الحسن محمد بن أحمد بن البراء قال علي بن المديني : عبد الله بن بابيه من أهل مكة معروف .
ويقال له أيضا ابن باباه . وقال البخاري : عبد الله بن باباه ، ويقال ابن بابي .
وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين : هؤلاء ثلاثة مختلفون .
____________________
(1/484)
قال ابن البراء : القول عندي ما قال ابن المديني ، والبخاري لا ما قال يحيى بن معين وقال النسائي : عبد الله بن باباه ثقة .
وقال ابن عدي : ثنا جعفر بن أحمد بن عاصم ، ثنا هشام بن عمار ، ثنا مروان بن معاوية ثنا سعيد بن أبي راشد ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن أبي هريرة مرفوعا : ( ( لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس ، ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس ، من طاف فليصل أي حين طاف ) ) .
قال ابن عدي : وهذا يرويه عن عطاء سعيد وزاد في متنه : ( ( من طاف فليصل أي حين طاف ) ) قال : وهو يحدث عن عطاء وغيره بما لا يتابع عليه .
وقال البيهقي ( 1 ) : وذكره البخاري في التاريخ ، وقال : لا يتابع عليه ( * ) .
مسألة [ 195 ] :
يكره التنفل يوم الجمعة عند الزوال .
وقال الشافعي : لا يكره .
لنا عموم النهي في الأحاديث المتقدمة . وللشافعي حديث :
685 - قال أبو داود : ثنا محمد بن عيسى ، قال : ثنا حسان بن إبراهيم عن ليث ، عن مجاهد ، عن أبي خليل عن أبي قتادة : عن النبي أنه كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة ، وقال : إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة .
____________________
(1/485)
قال أبو داود : هو مرسل ، أبو خليل لم يسمع من أبي قتادة .
قلت : وليث ضعيف بمرة .
ز : وعن أبي خالد الأحمر عن شيخ من أهل المدينة يقال له عبد الله ، عن سعيد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ( ( تحرم يعني الصلاة إذا انتصف النهار كل يوم إلا يوم الجمعة ) ) .
رواه البيهقي ( 1 ) ، ورواه أيضا من رواية الإمام الشافعي عن إبراهيم بن محمد ، عن إسحاق بن عبد الله ، عن سعيد عن أبي هريرة ، وإبراهيم بن محمد هو ابن أبي يحيى الأسلمي وقد كذبه مالك ويحيى القطان ويحيى بن معين وغيرهم ( * ) .
مسألة [ 196 ] :
تحريم النوافق بطلوع الفجر إلا ركعتي الفجر .
وقال أكثرهم : لا تحرم إلا بعد صلاة الفجر . ولنا حديثان :
686 - الحديث الأول : قال الترمذي : ثنا أحمد بن عبدة الضبي ثنا عبد العزيز بن محمد ، عن قدامة بن موسى ، عن محمد بن الحصين ، عن أبي علقمة ، عن يسار مولى ابن عمر عن ابن عمر ، أن رسول الله قال : ( ( لا صلاة بعد الفجر إلا سجدتين ) ) .
687 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : ثنا يزيد بن الحسن البزار ثنا محمد بن إسماعيل الحساني قال : ثنا وكيع قال : ثنا سفيان قال ثنا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ، عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله : ( ( لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتين ) ) .
____________________
(1/486)
قالوا :
أما الحديث الأول : فقد قال الترمذي : هو غريب لا نعرفه إلا من حديث قدامة .
وأما الثاني : فابن أنعم هو الأفريقي .
قال الدارقطني : ليس بالقوي .
قلنا : أما قدامة فمعروف ذكره البخاري في تاريخه ، وأخرج عنه مسلم في صحيحه .
وأما الأفريقي فقد قال يحيى بن معين : لا يسقط حديثه .
ز : حديث ابن عمر رواه الإمام أحمد : ثنا عفان ، ثنا وهيب ، ثنا قدامة بن موسى ، ثنا أيوب بن حصين التميمي ، عن أبي علقمة مولى عبد الله بن عباس ، عن يسار مولى عبد الله بن عمر ، قال : رآني ابن عمر وأنا أصلي بعدما طلع الفجر ، فقال : يا يسار : كم صليت ؟ قلت : لا أدري . قال : لا دريت أن رسول الله خرج علينا ونحن نصلي هذه الصلاة ، فقال : ( ( ألا ليبلغ شاهدكم غائبكم ألا لا صلاة بعد الصبح إلا سجدتان ) ) ( 1 ) .
ورواه أبو داود عن مسلم بن إبراهيم عن وهيب .
وروي عن ابن ماجة : ( ( ليبلغ شاهدكم غائبكم ) ) عن أحمد بن عبدة بإسناد الترمذي ، قال ابن أبي حاتم : محمد بن حصين التميمي ، وقال بعضهم : أيوب بن حصين ، ومحمد أصح . وسئل الدارقطني : فقال يرويه الدراوردي عن قدامة بن موسى عن محمد بن الحصين عن أبي علقمة مولى ابن عباس عن يسار مولى ابن عمر عن ابن عمر وتابعه عمر بن علي المقدمي .
وخالفهم سليمان بن بلال ، ووهيب فروياه عن قدامة بن موسى عن أيوب بن الحصين عن أبي علقمة عن يسار عن ابن عمر ، ويشبه أن يكون القول قول سليمان بن بلال ووهيب لأنهما ثبتان فقد اختلف قول ابن أبي حاتم ، وقول الدارقطني ، والله أعلم بالصواب .
وقال الطبراني : ثنا يحيى بن أيوب العلاف ، ثنا سعيد بن أبي مريم ، أنا يحيى بن أيوب ، حدثني محمد بن النبيل ، أن أبا بكر بن يزيد بن سرجس حدثه أن عبد الله بن عمر رأى مولى له يقال له يسار يصلي بعد طلوع الفجر فقال : ما هذه الصلاة ؟ فقال : شيء بقي
____________________
(1/487)
علي من حزبي ، فقال ابن عمر : خرج علينا رسول الله بعد صلاة الفجر فقال : ( ( إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا ركعتين وليبلغ الشاهد الغائب ) ) .
محمد بن النبيل وشيخه لا يعرفان .
وقال أبو يعلى الموصلي في مسنده : حدثنا هارون بن معروف ثنا ابن وهب ، ثنا يحيى بن أيوب ، عن عبيد الله بن زحر ، عن محمد بن أبي أيوب ، عن أبي علقمة مولى بني هاشم ، عن عبد الله بن عمر ، أنه رأى مولى له يقال له يسار يصلي بعد الفجر فنهاه فقال : إنه بقي من حزبي ، فقال له عبد الله : أفلا أخرته حتى يكون ذلك من النهار . ثم قال عبد الله : خرج علينا رسول الله والناس يصلون بعد طلوع الفجر فقال : ( ( إنه لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتان ) ) .
وقال أبو أحمد بن عدي في ترجمة محمد بن الحارث الحارثي : حدثنا عمران بن موسى بن فضالة ، ثنا بندار ، ثنا محمد بن الحارث ، حدثني محمد بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله : ( ( إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا الركعتين قبل المكتوبة ) ) .
هذا إسناد ضعيف فإن محمد بن الحارث الحارثي ، ومحمد بن عبد الرحمن البيلماني مجمع على ضعفهما ، وقد استوفيت الكلام على طرق حديث ابن عمر هذا جزء مفرد .
وأما حديث عبد الله بن عمرو فلا يصح ، والأكثر على تضعيف الأفريقي .
وقد رواه جعفر بن عون عنه ، عن عبد الله بن يزيد ، عن عبد الله بن عمرو موقوفا ولفظه : ( ( لا صلاة بعد أن يصلى الفجر إلا ركعتين ) ) .
وروى الحسين بن حفص ، عن سفيان عن عبد الرحمن بن حرملة ، عن سعيد بن المسيب قال : قال رسول الله : ( ( لا صلاة بعد النداء إلا سجدتين يعني الفجر ) ) . رواه البيهقي وقال : روي موصولا بذكر أبي هريرة فيه ولا يصح وصله .
والصحيح أن النهي في الفجر لا يتعلق بطلوعه بل يفضل الصلاة كالعصر . وهذا مذهب الشافعي وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد .
والدليل على ذلك ما أخرجا في الصحيحين واللفظ لمسلم عن أبي سعيد الخدري
____________________
(1/488)
رضي الله عنه أن النبي قال : ( ( لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس ، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس ) ) .
وروى البخاري عن عمر رضي الله عنه أن النبي قال : ( ( لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ، ولا بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس ) ) . ورواه الإمام أحمد وأبو داود قالا فيه : ' بعد صلاة العصر ' .
وقد تقدم حديث عمرو بن عبسة وفيه أن رسول الله قال : ( ( صل الصبح ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس ) ) . رواه مسلم .
وفي رواية للإمام أحمد وهذا لفظه و أبي داود وابن ماجة : يا رسول الله علمني مما تعلم وأجهل ، وهل من الساعات ساعة أفضل من الأخرى ؟ . قال : ( ( جوف الليل الآخر أفضل فإنها مشهودة متقبلة حتى تصلي الفجر ثم انهه حتى تطلع الشمس وما دامت كالحجفة حتى تنتشر ) ) ( * ) .
مسألة [ 197 ] :
إذا طلعت الشمس وهو في صلاة الصبح أتم .
وقال أبو حنيفة : تبطل صلاته .
لنا ثلاثة أحاديث .
688 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا عبد الرزاق ، قال : ثنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله قال : ( ( من أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها ومن أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها ومن أدرك
____________________
(1/489)
ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ) ) .
أخرجاه في الصحيحين .
689 - الحديث الثاني : قال أحمد وثنا زكريا بن عدي قال ثنا أبن المبارك عن يونس عن الزهري قال حدثني عروة عن عائشة قالت : قال رسول الله : ( ( من أدرك سجدة من العصر قبل أن تغرب الشمس ومن الفجر قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها ) ) .
انفرد بإخراجه مسلم ( 1 ) وليس في حديثه ذكر الفجر .
690 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : ثنا محمد بن مخلد ثنا العباس بن يزيد قال : ثنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن قتادة عن عزرة ( 1 ) بن غنم عن أبي هريرة أن نبي الله قال : ( ( إذا صلى أحدكم ركعة من صلاة الصبح ثم طلعت الشمس فليصل إليها أخرى ) ) .
ز : ورواه النسائي ( 2 ) عن عمرو بن علي عن معاذ ( * ) .
احتجوا بما :
691 - رواه الدارقطني : ثنا عمر بن أحمد بن علي المروذي ثنا أحمد بن عتيق ثنا محمد بن سنان ثنا همام قال : سمعت قتادة يحدث عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة أن النبي قال : ( ( من صلى ركعة من الصبح ثم طلعت الشمس فليصل الصبح ) ) . وهذا لا حجة فيه لأن معناه فليتم صلاة الصبح ، بيانه إنا قد روينا بهذا الإسناد إلى قتادة عن خلاس عن أبي رافع ، عن أبي هريرة أن النبي قال : ( ( من صلى ركعة من صلاة الصبح ثم طلعت الشمس فليتم صلاته ) ) .
ز : وروى هذا الحديث الحاكم فقال : أنا المحبوبي ، ثنا أبو النضر أحمد بن عتيق
____________________
(1/490)
المروزي ، ثنا محمد بن سنان العوفي ، ثنا همام ، ثنا قتادة ، عن النضر بن أنس ، عن بشير ابن نهيك ، عن أبي هريرة ، عن النبي قال : ( ( من صلى ركعة من الصبح ثم طلعت الشمس فليصل الصبح ) ) .
قال الحاكم : على شرطهما إن كان ابن عتيق حفظه وهو ثقة ، لكن نفاه أبو إسحاق المزكي ثنا عمر بن علي الجوهري ، ثنا أحمد بن عتيق ، ثنا محمد ، ثنا همام ، عن قتادة ، عن خلاس ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة مرفوعا والإسنادان صحيحان .
وقال الدارقطني : ثنا أحمد بن العباس البغوي ، ثنا عباد بن الوليد ، ثنا عفان ، ثنا همام ، قال : سئل قتادة عن رجل صلى ركعة من صلاة الصبح ثم طلعت الشمس ، فقال : حدثني خلاس ، عن أبي رافع عن أبي هريرة أن رسول الله قال : ' يتم صلاته ' .
ورواه النسائي عن أبي داود عن أبي الوليد عن همام ( * ) .
مسألة [ 198 ] :
إذا صلى فريضة ثم أدركها في جماعة استحب له إعادتها إلا المغرب . وعنه أنه يفعل المغرب إلا أن يشفعها برابعة .
وقال أبو حنيفة : لا يعد إلا الظهر وعشاء الآخرة .
وقال الشافعي : يعيد الجميع والمغرب ولا يشفعها .
692 - قال الإمام أحمد : ثنا هشيم قال : أنبأ يعلى بن عطاء قال : حدثني جابر بن
____________________
(1/491)
يزيد بن الأسود العامري عن أبيه قال : شهدت مع رسول الله حجته قال : ( ( فصليت معه صلاة الفجر في مسجد الخيف فلما قضى صلاته إذا هو برجلين في آخر المسجد لم يصليا معه ، فقال : ' علي بهما ' . فأتي بهما ترعد فرائصهما . قال : ( ( ما منعكما أن تصليا معنا ؟ ) ) قالا : يا رسول الله قد صلينا في رجالنا . قال : ( ( فلا تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكم نافلة ) ) .
قال الترمذي : هذا حديث صحيح .
693 - قال أحمد : وثنا وكيع ، قال : ثنا سفيان ، عن زيد بن أسلم ، عن ابن محجن عن أبيه قال : أتيت النبي وهو في المسجد فحضرت الصلاة فصلى وقال لي : ( ( ألا صليت ) ) . قلت : يا رسول الله إني قد صليت في الرحل ثم أتيتك . قال : ( ( فإذا جئت فصل معهم واجعلها نافلة ) ) .
وقد روى قوم حديث العامري فقالوا : ' أو ليجعل التي صلى في بيته نافلة ' .
والصحيح جعل هذه نافلة كذلك رواه المتقنون .
ز : حديث يزيد بن الأسود رواه أبو داود والترمذي والنسائي .
وجابر بن يزيد وثقه النسائي . وحديث محجن رواه النسائي ( 1 ) بنحوه .
عن أبي ذر قال : قال رسول الله : ( ( كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها أو يبيتون الصلاة عن وقتها ) ) . قال : قلت : فما تأمرني ؟ . قال : ( ( صل الصلاة لوقتها فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة ) ) .
رواه مسلم ، وفي الباب عن جماعة من الصحابة ( * ) .
احتجوا بما :
694 - رواه الإمام أحمد : ثنا يحيى عن حسين بن ذكوان ، ثنا عمرو بن شعيب قال ثنا سليمان مولى ميمونة قال أتيت على ابن عمر ذات يوم وهو بالبلاط والناس يصلون في
____________________
(1/492)
المسجد . فقلت : ما يمنعك أن تصلي مع الناس ؟ فقال إني : قد صليت ، إني سمعت رسول الله يقول : ( ( لا تصلي صلاة في يوم مرتين ) ) .
وجواب هذا : أنه لا يعتقد وجوب فريضتين إنما تقع الثانية نافلة .
ز : وروى هذا الحديث أبو داود ( 1 ) ، والنسائي ، وأبو بكر بن خزيمة في صحيحه وأبو حاتم بن حبان البستي ، وأبو القاسم الطبراني ، والدارقطني بطرق عن حسين المعلم .
وقال الدارقطني : تفرد به حسين المعلم عن عمرو بن شعيب والله أعلم ( * ) .
____________________
(1/493)
مسائل التطوع
مسألة [ 199 ] :
النوافل الراتبة تقضى .
وقال مالك : لا تقضى .
وعن الشافعي : كالمذهبين .
وقال أبو حنيفة : لا تقضى إلا إذا فاتت مع الفرائض . لنا أربعة أحاديث .
الحديث الأول : حديث أبي هريرة : ( ( من لم يصل ركعتي الفجر فليصلهما بعدما تطلع الشمس ) ) .
والحديث الثاني : حديث قيس ، وقد سبقا بإسنادهما في مسائل فعل النافلة في أوقات النهي .
695 - الحديث الثالث : : قال الإمام أحمد : ثنا يزيد قال أنبأ هشام عن الحسن عن عمران بن حصين قال : سرنا مع رسول الله فلما كان من آخر الليل عرسنا فلم نستيقظ حتى أيقظتنا حر الشمس فجعل الرجل منا يقوم دهشا إلى طهوره فأمرهم النبي أن يسكنوا ، ثم ارتحلنا فسرنا حتى إذا ارتفعت الشمس نزلنا ثم أمر بلالا فأذن ثم صلى الركعتين قبل الفجر ثم أقام فصلينا . فقالوا : يا رسول الله ألا نعيدها في وقتها من الغد ؟ قال : أينهاكم ربكم تعالى عن الربا ويقبله منكم ) ) .
____________________
(1/495)
ز : قال علي بن المديني ، وأبو حاتم الرازي وغيرهما : الحسن لم يسمع من عمران ( * ) .
696 - الحديث الرابع : قال أحمد : وثنا عفان ثنا حماد بن سلمة بن عمرو بن دينار عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه قال : كان النبي في سفر فقال : ' من يكلؤنا الليلة ؟ ' فقال بلال : أنا ، فاستقبل مطلع الشمس فما أيقظهم إلا حر الشمس فقاموا فأذن بلال وصلوا الركعتين ثم صلوا الفجر .
ز : ورواه النسائي ( 1 ) ، ومحمد بن هارون الروياني ، وأبو القاسم الطبراني ، بطرق من حماد بن سلمة .
وسئل عنه الدارقطني فقال : رواه حماد بن سلمة ، عن عمرو بن دينار ، عن نافع بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، وخالفه ابن عيينة ، فرواه عن عمرو عن نافع بن جبير ، عن رجل من أصحاب النبي لم يسمه ، وخالفه إبراهيم بن يزيد الخوزي فرواه عن عمرو بن نافع بن جبير عن أبي شريح الخزاعي عن النبي ووهم فيه وأشبهها بالصواب قول ابن عيينة ( * ) .
مسألة [ 200 ] :
إذا أدرك الإمام وهو في فرض الصبح ، ولم يصل سنة الفجر دخل معه في الفرض .
وقال أبو حنيفة : إن كان خارج المسجد ولم يخش فوات الركوع في الثانية فصلى ركعتي الفجر .
____________________
(1/496)
697 - قال الإمام أحمد : ثنا محمد بن جعفر ، ثنا شعبة ، عن ورقاء ، عن عمرو ابن دينار ، عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة ، عن النبي أنه قال : ( ( إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة ) ) .
انفرد بإخراجه مسلم ( 1 ) .
مسألة [ 201 ] :
الأفضل في التطوع أن يسلم من كل ركعتين .
وقال أبو حنيفة : من كل أربع . ولنا أربعة أحاديث .
698 - قال أحمد : ثنا إسماعيل ، ثنا أيوب ، عن نافع عن ابن عمر قال : قال رجل : يا رسول الله كيف تأمرنا أن نصلي من الليل ؟ قال : ( ( يصلي أحدكم مثنى مثنى فإذا خشي الصبح صلى واحدة فأوترت له ما صلى من الليل ) ) .
أخرجاه في الصحيحن ( 1 ) .
699 - الحديث الثاني : قال أحمد : وثنا وكيع قال : ثنا شعبة ، عن يعلى بن عطاء ، عن علي الأزدي عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله : ( ( صلاة الليل والنهار مثنى
____________________
(1/497)
مثنى ) )
ز : ورواه أبو داود والترمذي ، وابن ماجة ، والنسائي ، وابن خزيمة في صحيحه ( 1 ) ، وأبو حاتم البستي ، والدارقطني ، بطرق عن شعبة . وقال الترمذي : اختلف أصحاب شعبة في حديث ابن عمر فرفعه بعضهم ووقفه بعضهم . وسئل البخاري عن هذا الحديث : أصحيح هو ؟ فقال : نعم وقال النسائي : هذا الحديث عندي خطأ والله أعلم . وقال أبو داود : هذه سنة تفرد بها أهل مكة ( * ) .
700 - الحديث الثالث : قال أحمد ثنا روح ، ثنا شعبة ، قال سمعت عبد ربه بن سعيد ، يحدث عن أنس بن أبي أنس ، عن عبد الله بن نافع بن العمياء ، عن عبد الله بن الحارث عن المطلب بن ربيعة ، عن النبي أنه قال : ( ( الصلاة مثنى مثنى وتشهد في كل ركعتين ) ) .
ز : ورواه أبو داود والنسائي ، وابن ماجة ( 1 ) إلا أنه قال : المطلب بن أبي وداعة وهو وهم . وقال الترمذي : سمعت محمد بن إسماعيل يقول : روى شعبة هذا الحديث عن عبد ربه فأخطأ في مواضع فقال : عن أنس بن أبي أنس وهو عمران بن أبي أنس . وقال : عن عبد الله بن الحارث ، وإنما هو عبد الله بن نافع بن العمياء عن ربيعة بن الحارث . وقال : عن عبد الله بن الحارث عن المطلب ، وإنما هو ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب عن الفضل بن عباس . قال : وحديث الليث بن سعد أصح من حديث شعبة ( * ) .
701 - الحديث الرابع : قال أحمد ، وثنا علي بن إسحاق ، ثنا ابن المبارك ، ثنا ليث ابن سعد ، ثنا عبد ربه بن سعيد ، عن عمران بن أبي أنس ، عن عبد الله بن نافع عن ربيعة ابن الحارث عن الفضل بن العباس قال : قال رسول الله : ( ( الصلاة مثنى مثنى تشهد في كل ركعتين ) ) .
____________________
(1/498)
ز : ورواه الترمذي والنسائي ( 1 ) عن سويد بن نصر عن ابن المبارك ( * ) .
احتجوا بما :
702 - روى أحمد : ثنا أبو معاوية ، عن عبيدة ، عن إبراهيم ، عن سهم بن منجاب عن قزعة ، عن القرثع عن أبي أيوب الأنصاري قال : أدمن رسول الله أربع ركعات عن زوال الشمس . فقلت : يا رسول الله ما هذه الركعات التي أراك قد أدمنتها ؟ قال : ( ( إن أبواب السماء تفتح عند زوال الشمس فلا ترتج حتى تصلى الظهر فأحب أن يصعد لي فيها خير ) ) . قلت : يا رسول الله : تقرأ فيهن كلهن . قال : ' نعم ' . فقلت : ففيها سلام فاصل . قال : ' لا ' .
فالجواب ( 1 ) : أن هذا الحديث ضعيف ، أما عبيدة فهو ابن متعب ، قال يحيى : ليس بشيء . وقال أحمد : ترك الناس حديثه . وقال محمد بن سعد : كان ضعيفا جدا . وقال الفلاس : متروك . وقال النسائي : كان قد تغير . وقال ابن حبان : اختلط بآخره فبطل الاحتجاج به وأما قزعة : فهو ابن سويد . قال أحمد : هو مضطرب الحديث . وقال الرازي : لا يحتج به . قال أحمد بن حازم : رأيت أحمد بن حنبل و إسحاق بن أبي إسرائيل جاءا إلى الجامع قبل الصلاة فصلى أبو عبد الله قبل الصلاة عشر ركعات : ركعتين ، ركعتين ، وصلى إسحاق ثمان ركعات أربعا أربعا لم يفصل بينهن بسلام فقلت لإسحاق : صليت أربعا . فقال : حديث أبي أيوب . فجئت إلى أبي عبد الله فقلت له : صليت مثنى ، مثنى . فقال : حديث ابن عمر : ' صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ' . فقلت له : حديث أبي أيوب . فقال : رواه قزعة وقرثع ومن قزعه ؟ ومن قرثع ؟ ثم نحمله على الجواز لا على الأفضل .
ز : روى هذا الحديث أبو داود ( 2 ) عن ابن مثنى عن محمد بن جعفر ، عن شعبة ، عن عبيدة ، عن إبراهيم ، عن ابن منجاب ، وهو سهم ، عن قرثع ، وقال عبيدة : ضعيف . ورواه الترمذي في الشمائل عن أحمد بن منيع ، عن هشيم ، عن عبيدة ، عن إبراهيم عن سهم ، عن قرثع ، أو قزعة عن قرثع . وعن أحمد بن منيع عن أبي معاوية عن عبيدة به عن
____________________
(1/499)
قزعة ، عن قرثع ، بلا شك .
ورواه ابن ماجة عن علي بن محمد الطنافسي ، عن وكيع ، عن عبيدة بن معتب الضبي . وقزعة هو ابن يحيى ويقال ابن الأسود أبو الغادية البصري ، تابعي روى عن ابن عمر ، وأبو سعيد وغيرهما ، واحتج به البخاري ومسلم في صحيحيهما .
وقال العجلي : بصري تابعي ثقة . وقال ابن خراش : صدوق ، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات . وأما قزعة بن سويد بن حجير الباهلي أبو محمد البصري فمتأخر عن ابن يحيى روى عن ابن المنكدر وأبي الزبير وغيرهما . وروى له الترمذي وابن ماجة وتكلم فيه الإمام أحمد ويحيى في رواية الرازي والبخاري وأبو داود والنسائي ووثقه ابن معين في رواية الدارمي . وقال ابن عدي : أرجو أنه لا بأس به .
وأما قرثع فهو الضبي الكوفي وقد روى عنه أربعة نفر . وقال أبو معشر : ثنا إبراهيم ابن علقمة عن القرثع الضبي وكان من القراء الأولين . وقد سئل الدارقطني عن حديث قرثع هذا فتكلم عليه وذكر الاختلاف فيه . ثم قال : وقول أبي معاوية أشبه بالصواب .
وذكره ابن خزيمة في مختصر المختصر بإسناده ثم ضعفه وقال : عبيدة بن معتب ليس ممن يجوز الاحتجاج بخبره عند من له معرفة برواية الأخبار .
وسمعت أبا موسى يقول : ما سمعت يحيى بن سعيد ولا عبد الرحمن بن مهدي حدثا عن سفيان عن عبيدة بن معتب بشيء قط .
وسمعت أبا قلابة يحكي عن هلال بن يحيى قال : سمعت يوسف بن خالد السمتي يقول : قلت لعبيدة بن معتب هذا الذي ترويه عن إبراهيم سمعته كله ؟ قال : منه ما سمعته ، ومنه ما أقيس عليه . قال : قلت : حدثني بما سمعت فإني أعلم بالقياس منك .
قال ابن خزيمة وروى شبيها بهذا الخبر الأعمش عن المسيب بن رافع عن علي بن الصلت عن أبي أيوب عن النبي ، إلا أنه ليس فيه : ( ( لا يسلم بينهن ) ) حدثنا أبو موسى ، ثنا أبو أحمد ، ثنا شريك ، عن الأعمش . ح وحدثنا أبو موسى ثنا المؤمل بن إسماعيل ، ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن المسيب بن رافع عن رجل من الأنصار ، عن أبي أيوب ، قال ابن خزيمة : ولست أعرف علي بن الصلت هذا ، ولا أدري من أي بلاد الله هو ، ولا أدري ألقي أبا أيوب أم لا ؟ ولا يحتج بمثل هذه الأسانيد علمي إلا معاند أو جاهل ( * ) .
____________________
(1/500)
مسألة [ 202 ] :
الوتر سنة .
وقال أبو حنيفة : واجب . لنا أحاديث :
703 - قال الإمام أحمد : ثنا علي بن بحر ، ثنا عيسى بن يونس ، ثنا زكريا ، عن أبي إسحاق ، عن عاصم بن ضمرة عن علي قال : قال رسول الله : ( ( يا أهل القرآن أوتروا فإن الله يحب الوتر ) ) .
وقد روى أبو داود من حديث ابن مسعود عن رسول الله نحوه .
وقال فيه . فقال أعرابي ما تقول ؟ قال : ليس لك ولا لأصحابك .
704 - قال أحمد : وثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عاصم ابن ضمرة عن علي قال : الوتر ليس بحتم كهيئة الصلاة ولكن سنة سنها رسول الله .
ز : حديث عاصم بن مضرة عن علي رواه أبو داود ، والترمذي وحسنه ، وابن ماجة والنسائي ( 1 ) ، وابن خزيمة في صحيحه ، وأبو يعلى الموصلي ، وأبو القاسم الطبراني وغيرهم وحديث ابن مسعود رواه ابن ماجة أيضا .
وقد روي مرسلا ذكره الدارقطني في كتاب العلل وبين الاختلاف فيه ( * ) .
705 - قال أحمد : وثنا يزيد أنا يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان أن ابن
____________________
(1/501)
محيريز القرشي أخبره أن المخدجي رجل من بني كنانة أخبره أن رجلا من الأنصار بالشام يكنى أبا محمد أخبره أن الوتر واجب ، فذكر له المخدجي أنه راح إلى عبادة بن الصامت فذكر أن أبا محمد يقول إن الوتر واجب ، فقال : كذب أبو محمد . سمعت رسول الله يقول : ( ( خمس صلوات كتبهن الله على العباد فمن أتى بهن كان له عند الله تعالى عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء غفر له ) ) .
قال الخطابي : أراد بقوله كذب أخطأ في الفتوى ؛ لأن الكذب مما يكون في الأخبار ولم يجيز عن غيره . قال : وأبو محمد صحابي اسمه مسعود بن زيد بن سبيع . كذا قال ولا نعرفه في الصحابة .
ز : روى هذا الحديث أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجة ( 1 ) ، والروياني ، والطبراني ، وأبو حاتم البستي ، وقال المخدجي : هو أبو رفيع ، وذكره في كتاب الثقات . وقيل إن المخدجي رفيع ( * ) .
706 - قال أحمد : وثنا عبد الرحمن بن مهدي عن مالك عن أبي بكر بن عمر بن عبد الرحمن عن سعيد بن يسار عن ابن عمر أن رسول الله أوتر على البعير .
أخرجاه في الصحيحين .
707 - وقال الترمذي : ثنا قتيبة قال : ثنا مالك بن أنس ، عن أبي بكر بن عمر بن عبد الرحمن عن سعيد بن يسار قال : كنت مع ابن عمر في سفر فتخلف عنه فقال : أين كنت ؟ فقلت : أوترت ، فقال : أليس لك في رسول الله أسوة . رأيت رسول الله يوتر على راحلته . أخرجاه في الصحيحين .
وقد استدل أصحابنا بأحاديث أخر فيها ضعف .
708 - قال الإمام أحمد : أنبأ شجاع بن الوليد عن أبي جناب الكلبي عن عكرمة عن
____________________
(1/502)
ابن عباس قال : سمعت رسول الله يقول : ( ( ثلاث هن علي فرائض وهن لكم تطوع الوتر والنحر وصلاة الضحى ) ) .
709 - قال أحمد : وثنا وكيع عن إسرائيل عن جابر عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله : ( ( أمرت بركعتي الضحى والوتر ولم يكتب ) ) .
710 - وقال ابن شاهين : ثنا أحمد بن محمد بن سعيد ، ثنا محمد بن أحمد بن زياد ، ثنا وضاح بن يحيى ثنا مندل ، عن يحيى بن سعيد عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله : ( ( ثلاث علي فريضة وهن لكم تطوع : الوتر وركعتا الفجر وركعتا الضحى ) ) .
711 - قال ابن شاهين : وثنا محمد بن عيسى البروجردي قال : أنبأ عمير بن مرداس ثنا محمد بن بكير ثنا مروان بن معاوية ثنا عبد الله بن محرر عن قتادة عن أنس قال : قال رسول الله : ( ( أمرت بالضحى والوتر ولم يفرض علي ) ) .
أما أبو جناب : فاسمه يحيى بن أبي حية . قال يحيى القطان : لا أستحل الرواية عنه . وقال الفلاس : متروك الحديث . وأما جابر الجعفي فقد سبق جرحه في مواضع . وأما الوضاح . فقال ابن حبان : لا يحتج به . قال : وابن محزر كان يكذب .
احتج الخصم بأحاديث :
712 - قال أحمد : ثنا الحسن بن يحيى قال : ثنا الفضل بن موسى عن عبيد الله العتكي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : قال رسول الله : ( ( الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا ) ) .
713 - قال أحمد : وثنا وكيع قالا حدثني خليل بن مرة عن معاوية بن قرة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ( ( من لم يوتر فليس منا ) ) .
____________________
(1/503)
714 - وقال الدارقطني : ثنا إسماعيل بن العباس الوراق ثنا محمد بن حسان الأزرق قال : ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري ، عن عطاء بن يزيد عن أبي أيوب عن النبي قال : ( ( الوتر حق واجب فمن شاء أن يوتر بثلاثة فليوتر ومن شاء أن يوتر بواحدة فليوتر بواحدة ) ) .
715 - وقال الدارقطني : وثنا محمد بن مخلد ثنا حمزة بن العباس ثنا عبدان ثنا أبو حمزة قال : سمعت محمد بن عبيد الله يحدث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : مكثنا زمانا لا نزيد على الصوات الخمس فأمرنا رسول الله فاجتمعنا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ( ( إن الله قد زادكم صلاة فأمرنا بالوتر ) ) .
716 - قال أحمد : وثنا يزيد بن هارون قال : ثنا الحجاج بن أرطاة ، عن عمرو بن سعد عن أبيه عن جده أن رسول الله قال : ( ( إن الله قد زادكم صلاة وهي الوتر ) ) .
717 - وقد روي هذا الحديث عن النضر بن عمر وعن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله قال : ( ( إن الله قد أمدكم بصلاة وهي الوتر ) ) .
718 - قال أحمد : وثنا يزيد بن هارون قال : أنبأ محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن راشد عن عبد الله بن أبي مرة عن خارجة بن حذافة ، قال : خرج علينا رسول الله ذات غداة فقال : ( ( لقد أمركم الله بصلاة هي خير لكم من حمر النعم ) ) . قلنا : وما هي يا رسول الله . قال : ( ( الوتر فيما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر ) ) .
719 - قال أحمد : وثنا يحيى بن إسحاق ، ثنا ابن لهيعة . قال : ثنا عبد الله بن هبيرة قال : سمعت أبا تميم الجيشاني يقول سمعت عمرو بن العاص يقول : أخبرني رجل من أصحاب النبي أن رسول الله قال : ( ( إن الله عز وجل زادكم صلاة فصلوها فيما بين صلاة العشاء وصلاة الصبح . الوتر الوتر ) ) .
____________________
(1/504)
إلا أنه أبو بصرة الغفاري ، قال أبو تميم : فكنت أنا وأبو ذر قاعدين فأخذ بيدي أبو ذر فانطلقنا إلى أبي بصرة ، فقال أبو ذر : يا أبا بصرة أنت سمعت النبي يقول : ( ( إن الله زادكم صلاة فصلوها فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح . الوتر الوتر ) ) . قال : نعم . قال : أنت سمعته . قال : نعم . قال : أنت سمعته . قال : نعم .
720 - وقال عبد الله بن الإمام أحمد : ثنا هارون بن معروف ، ثنا ابن وهب قال : أخبرني يحيى بن أيوب ثنا عبيد الله بن زحر ، عن عبد الرحمن بن رافع التنوخي القاضي أن معاذ بن جبل قدم الشام وأهل الشام لايوترون . فقال لمعاوية : مالي أرى أهل الشام لا يوترون . فقال معاوية : وواجب ذلك عليهم . قال : نعم . سمعت رسول الله يقول : ( ( زادني ربي عز وجل صلاة وهي الوتر ووقتها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر ) ) .
721 - قالوا : وقد روى أحمد بن عبد الرحمن بن وهب عن عمه ابن وهب عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال عن النبي أنه قال : ( ( إن الله زادكم صلاة إلى صلاتكم وهي الوتر ) ) .
والجواب :
أما حديث بريدة : ففي إسناده عبيد الله العتكي ، قال البخاري : عنده مناكير . وقال النسائي : ضعيف . وقد وثقه يحيى في رواية .
وأما حديث أبي هريرة : ففيه الخليل بن مرة . ضعفه يحيى والنسائي . وقال البخاري : منكر الحديث .
وأما حديث أبي أيوب : ففيه محمد بن حسان وقد ضعفوه . قال الدارقطني : قوله واجب ليس بمحفوظ لا أعلم أحدا تابع محمد بن حسان عليه . إنما يروى الوتر حق .
وقال أصحابنا : لو ثبت لفظه ( ( حق ) ) فمعناها أنه مشروع في السنة .
وقوله : ( ( ليس منا ) ) إذا صح كان المراد به لم يتخلق بأخلاقنا .
وقد روى حديث أبي أيوب أبو داود فقال فيه : ( ( حق على كل مسلم ) ) . ويتأول أنه
____________________
(1/505)
حق في باب الاستحباب .
وأما حديث عمرو بن شعيب ، ففيه محمد بن عبيد الله العرزمي . قال أحمد : ترك الناس حديثه . وطريقه الآخر فيه من الحجاج بن أرطاة . قال أحمد : لا يحتج به .
وأما حديث ابن عباس : ففيه النضر . قال أحمد : ليس بشيء . وقال يحيى : لا يحل لأحد أن يروي عنه .
وأما حديث خارجة : ففيه ابن إسحاق . وقد كذبه مالك . وفيه عبد الله بن راشد . وقد ضعفه الدارقطني . وقال البخاري : لا يعرف إلا بحديث الوتر ولا يعرف سماع ابن راشد من ابن أبي مرة .
وأما حديث أبي تميم : فيه ابن لهيعة ، وهو متروك . وأما حديث معاذ : ففيه عبيد الله بن زحر ، قال يحيى : ليس بشيء . وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الاثبات . وفيه عبد الرحمن بن رافع . قال البخاري : في حديثه مناكير .
وأما حديث ابن عمر : فقال ابن حبان : لا يخفى على من كتب حديث ابن وهب أن هذا الحديث ، موضوع . وأحمد بن عبد الرحمن كان يأتي عن عمه بما لا أصل له .
ز : حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه رواه أبو داود عن محمد بن المثنى عن أبي إسحاق الطالقاني عن الفضل بن موسى .
ورواه الحاكم وصححه وقال : أبو المنيب ثقة ، يعني عبيد الله العتكي ووثقه يحيى بن معين . أيضا . وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سمعت أبي يقول : هو صالح الحديث وأنكر على البخاري إدخاله في كتاب الضعفاء ، وقال : يحول . وقد تكلم فيه أيضا النسائي وابن حبان والعقيلي . وقال ابن عدي : هو عندي لا بأس به .
وأما حديث معاوية بن قرة عن أبي هريرة فإنه منقطع قال أحمد : لم يسمع معاوية بن قرة من أبي هريرة ولا لقيه .
وأما حديث أبي أيوب فرواه الطبراني : ثنا معاذ بن المثنى ، ثنا عبد الرحمن بن المبارك ، ثنا قريش بن حيان ، عن بكر بن وائل ، عن الزهري عن عطاء بن يزيد ، عن أبي أيوب ، قال : قال النبي : ( ( الوتر حق فمن أحب أن يوتر بخمس فليوتر ومن أحب أن يوتر بواحدة فليوتر ) ) .
____________________
(1/506)
ورواه من طريق أخرى عن عطاء عن أبي أيوب مرفوع ولفظه : ( ( من شاء يوتر بسبع ، ومن شاء يوتر بخمس ، ومن شاء يوتر بثلاث ، ومن شاء أن يوتر بواحدة ) ) .
ورواه الإمام أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجة ، والنسائي ، وأبو حاتم البستي ، والحاكم وقال : على شرطهما .
وسئل عنه الدارقطني فقال : رواه أبو بكر بن وائل والأوزاعي والزبيدي ومحمد بن أبي حفصة وسفيان بن حسين ومحمد بن إسحاق عن الزهري مرفوعا إلى النبي ، واختلف عن يونس فرواه حرملة عن ابن وهب عن يونس مرفوع ، وخالفه ابن أخي ابن وهب عن عمه عن يونس فوقفه وتابعه عثمان بن عمر عن يونس ، واختلف عن معمر فرفعه عدي بن الفضل عن معمر ووقفه حماد بن زيد وابن علية وعبد الأعلى وعبد الرزاق واختلف عن ابن عيينة فرفعه محمد بن حسان الأزرق عنه ووقفه الحميدي وقتيبة وسعيد بن منصور والذين وقفوه عن معمر أثبت ممن رفعه .
وأما قوله في حديث أبي أيوب : ففيه محمد بن حسان وقد ضعفوه فليس بصحيح ، ولا نعلم أحدا ضعف محمد بن حسان ، بل قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سمعت منه مع أبي وهو صدوق ثقة .
وأما حديث خارجة فرواه أبو داود ، وابن ماجة ، والترمذي ، وقال : حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث يزيد ورواه الحاكم وصححه وقال : تركاه لتفرد التابعي عن الصحابي . وتضعيف المؤلف لابن اسحاق ليس بشيء ، وقد تابعه الليث بن سعد عن يزيد ابن أبي حبيب . وقوله في عبد الله بن راشد ضعفه الدارقطني وهم بين ، فإنه إنما ضعف عبد الله بن راشد البصري مولى عثمان بن عفان الراوي عن أبي سعيد الخدري .
وأما راوي حديث خارجة فهو الزوفي أبو الضحاك المصري ، قال ابن إسحاق : الزوفي من حمير ، وليس [ له ] ( 1 ) إلا حديثه في الوتر ، ولا يعرف سماعه من ابن أبي مرة . وكذلك قال البخاري : لا يعرف سماعه منه وذكره أبو حاتم بن حبان في كتاب الثقات .
وأما حديث أبي تميم فرواه غير ابن لهيعة عن أبي هبيرة .
قال الإمام أحمد : ثنا علي بن إسحاق ، ثنا عبد الله - يعني ابن المبارك - أنا سعيد
____________________
(1/507)
ابن يزيد ، حدثني ابن هبيرة ، فذكره ، وسعيد بن يزيد من الثقات ، ورواه يحيى الحماني عن ابن المبارك .
وأما حديث معاذ : فلا يثبت لأن في إسناده ضعف وانقطاعا ، فإن عبد الرحمن بن رافع التنوخي قاضي أفريقية لم يدرك معاذا والله أعلم . وقد روي في ركعتي الفجر حديث صحيح كما روي في الوتر . قال البيهقي : أنا عبد الله الحافظ ، حدثني أبو الحسن بن محتاج الكشاني ببخارى من أصل كتابه ، ثنا عمر بن محمد بن بجير ثنا العباس بن الوليد الخلال بدمشق ، ثنا مروان بن محمد الدمشقي ، ثنا معاوية بن سلام ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي نضرة العبدي ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله : ( ( إن الله عز وجل زادكم صلاة إلى صلاتكم هي خير من حمر النعم ألا وهي الركعتان قبل الفجر ) ) .
قال العباس بن الوليد : قال لي يحيى بن معين : هذا حديث غريب من حديث معاوية بن سلام ، ومعاوية بن سلام محدث أهل الشام وهو صدوق الحديث ، ومن لم يكتب حديثه مسنده ومنقطعه فلس بصاحب حديث . وقال ابن خزيمة : لو أمكنني أن أرحل إلى ابن بجير لرحلت إليه في هذا الحديث ( * ) .
مسألة [ 203 ] :
يجوز الوتر بركعة فإن أوتر بثلاث فصل بسلام .
وقال أبو حنيفة : الوتر ثلاث بسلام واحد لا تزيد ولا تنقص .
____________________
(1/508)
وقال مالك : بل يسلم عقب الثانية . لنا أحاديث :
722 - قال البخاري : ثنا أبو النعمان قال : حدثنا حماد بن زيد قال ثنا أنس بن سيرين عن ابن عمر قال : كان رسول الله يصلي من الليل مثنى مثنى ويوتر بركعة .
قال البخاري : وحدثنا عبد الله بن موسى . قال أنبأ حنظلة عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت : كان رسول الله يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر وركعتا الفجر . الحديثان في الصحيحين ( 1 ) .
723 - قال الإمام أحمد : ثنا عبد الصمد قال : ثنا همام ، ثنا قتادة ، عن أبي مجلز ، قال سألت ابن عباس عن الوتر فقال : سمعت رسول الله يقول : ( ( ركعة من آخر الليل ) ) .
وقد ذكرنا في مسألة التطوع بركعتين من حديث ابن عمر : ( ( فإذا خشي الصبح صلى واحدة فأوتر وله ما صلى من الليل ) ) . وهو في الصحيحين .
724 - قال النسائي : أنبأ الحسن بن محمد بن عفان قال : ثنا همام قال : ثنا قتادة عن عبد الله بن شقيق عن ابن عمر أن رجلا سأل رسول الله عن صلاة الليل . قال : ( ( مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل ) ) .
725 - قال النسائي : وثنا قتيبة ثنا خالد بن زياد عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله : ( ( صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة واحدة ) ) .
ز : روى حديث عبد الله بن شقيق عن ابن عمر أبو داود عن محمد بن كثير عن همام . وخالد بن زياد وثقه ابن حبان وغيره وكان على القضاء بترمذ ( * ) .
____________________
(1/509)
فصل
ويدل على الفصل بالسلام :
726 - ما روى أحمد : ثنا أبو المغيرة قال : ثنا الأوزاعي قال : حدثني أسامة بن زيد قال : حدثني أبان بن عبد العزيز قال : حدثني عمر بن عبد العزيز عن عائشة قالت : كان رسول الله يصلي في الحجرة وأنا في البيت ففصل بين الوتر والشفع بتسليم يسمعناه .
727 - قال أحمد : وثنا عتاب بن زيد قال : ثنا أبو حمزة السكري عن إبراهيم الصائغ عن نافع عن ابن عمر قال : كان رسول الله يفصل بين الوتر والشفع بتسليمة يسمعناها .
أما الحديث الأول : فمنقطع . عمر ( 1 ) لم يسمع من عائشة . وأسامة ضعيف .
والثاني : أصلح .
ز : أسامة بن زيد هو الليثي المدني روى له مسلم في صحيحه ، ووثقه ابن معين وغيره . وتكلم فيه الإمام أحمد وغيره . وزبان بن عبد العزيز هو أبو عمر ذكره ابن أبي حاتم في كتابه وقال : روى عنه الليث بن سعد . وفي ذلك نظر . وروى حديث نافع عن ابن عمر أبو حاتم ابن حبان البستي ، والطبراني ، وقال : لم يرو هذا الحديث عن إبراهيم الصائغ إلا أبو حمزة السكري . وإبراهيم بن ميمون الصائغ وثقه ابن معين ، والنسائي في رواية ، وقال مرة : ليس به بأس . وقال أحمد : ما أقرب حديثه . وقال أبو زرعة : لا بأس به . وقال أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به .
وقد روى ابن حبان هذا الحديث من رواية الوليد بن مسلم عن الوضين بن عطاء عن سالم عن أبيه والوضين فيه كلام ( * ) .
____________________
(1/510)
فصل
ويدل على جواز الزيادة على الثلاث :
728 - ما روى أحمد : ثنا جرير بن عبد الحميد ، عن منصور ، عن الحكم ، عن مقسم عن أم سلمة ، قال : كان رسول الله يوتر بسبع وبخمس لا يفصل بينهن بسلام ولا كلام .
ز : رواه النسائي ( 1 ) من حديث جرير وسفيان . ورواه ابن ماجة من حديث زهير كلهم عن منصور . ورواه النسائي أيضا من رواية إسرائيل عن منصور فزاد فيه ابن عباس . وروى عن إسماعيل بن مسعود ، عن يزيد وهو ابن زريع ، عن شعبة ، عن الحكم ، قال : قلت لمقسم : إني أسمع الأذان فأوتر بثلاث ثم أخرج إلى الصلاة خشية أن يفوتني ، فقال : إن ذلك لا يصلح إلا بسبع أو خمس . فحدثت بذلك مجاهدا ويحيى بن الجزار فقالا : سله عمن ، فسألته ، فقال : عن الثقة عن الثقة عن عائشة وميمونة عن النبي .
729 - وقال الترمذي : ثنا إسحاق قال : أنبأ عبد الله بن نمير قال : ثنا همام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : كانت صلاة رسول الله من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس إلا في آخرهن .
ز : أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) ( * ) .
احتج الخصم بأربعة أحاديث :
730 - الحديث الأول : قال الترمذي : ثنا هناد ثنا أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي قال : كان رسول الله يوتر بثلاث .
____________________
(1/511)
731 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : ثنا الحسن بن رشيق ، ثنا محمد بن أحمد ابن حماد ، ثنا أبو خالد يزيد بن سنان ، ثنا يحيى بن زكريا الكوفي ، ثنا الأعمش ، عن مالك بن الحارث ، عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي - عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله : ( ( وتر الليل ثلاث كوقت النهار صلاة المغرب ) ) .
732 - الحديث الثالث : قال أبو حاتم بن حبان : أنا أحمد بن يحيى بن زهير ، ثنا عبد الله بن الصباح ، ثنا أبو بحر البكراوي ، عن إسماعيل بن مسلم ، عن الحسن ، عن سعد بن هشام عن عائشة ، قالت : قال رسول الله : ( ( الوتر ثلاث كصلاة المغرب ) ) .
733 - الحديث الرابع : رووا : أن رسول الله نهى عن البتيراء قالوا : وهي الوتر بركعة .
والجواب :
أما الحديث الأول : ففيه الحارث الأعور . قال الشعبي وابن المديني : هو كذاب .
ثم لاحجة في الحديث فإنا لا نمنع من الوتر بثلاث .
وأما حديث ابن مسعود : ففيه يحيى بن زكريا .
قال الدارقطني : لم يروه عن الأعمش مرفوع غيره وهو ضعيف .
وأما حديث عائشة : ففيه إسماعيل المكي .
قال يحيى : ليس بشيء . وقال ابن المديني : لا يكتب حديثه . وقال النسائي : متروك .
وأما الحديث الرابع : فالمروي عن ابن عمر أنه فسر البتيراء أن يصلي بركوع ناقص وسجود ناقص .
وقد قابل أصحابنا هذين الحديثين بحديث رواه الدارقطني :
____________________
(1/512)
734 - ثنا أبو بكر النيسابوري ، ثنا موهب بن يزيد بن خالد ثنا عبد الله بن وهب ، قال حدثني سليمان بن بلال عن صالح بن كيسان عن عبد الله بن الفضل ، عن أبي سلمة والأعرج عن أبي هريرة ، عن رسول الله قال : ( ( لا توتروا بثلاث أوتروا بخمس أو بسبع ولا تشبهوا بصلاة المغرب ) ) . قال الدارقطني : كلهم ثقات .
ز : ورواه الدارقطني أيضا عن ابن أبي داود عن أحمد بن صالح عن ابن وهب ورواه الحاكم وقال : على شرطهما . وروى الحاكم أيضا من رواية عمرو بن الربيع بن طارق ، ثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عراك ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله : ( ( لا توتروا بثلاث تشبهوا بصلاة المغرب ولكن أوتروا بخمس أو بسبع أو بتسع أو بإحدى عشرة ركعة أو أكثر ) ) ( 1 ) ( * ) .
____________________
(1/513)
فصل
واحتج الخصم على أنه لا يسلم من ركعتين بما :
735 - رواه الدارقطني : أنبأ الحسين بن إسماعيل قال : أنبأ أحمد بن منصور قال : أنبأ شجاع بن الوليد قال : أنبأ سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ، عن زرارة بن أبي أوفى ، عن سعد بن هشام عن عائشة ، قالت : كان النبي لا يسلم في ركعتي الوتر .
وهذا لا حجة لهم فيه ؛ لأنه جائز عندنا أن يوتر بثلاث بسلام واحد ولكن يجلس عقيب الثانية .
ز : روى هذا الحديث الإمام أحمد بغير هذا اللفظ . ورواه النسائي بهذا اللفظ عن إسماعيل بن مسعود عن بشر بن المفضل عن سعيد . وروه الحاكم ولفظه : ( ( لا يسلم في الركعتين الأوليين من الوتر ) ) . وقال : على شرطهما . وقد نقل عن الإمام أحمد أنه ضعف إسناد هذا الحديث . وقال شيبان بن فروخ : ثنا أبان بن يزيد ، عن قتادة ، عن زرارة عن سعد ، عن عائشة : ( ( كان رسول الله يوتر بثلاث لا يقعد إلا في آخرهن ) ) رواه الحاكم ( * ) .
مسألة [ 204 ] :
يجوز التنفل بركعة .
وعنه لا يجوز كقول أبي حنيفة .
لنا : ما تقدم من أن رسول الله كان يوتر بركعة .
____________________
(1/514)
مسألة [ 205 ] :
المستحب لمن أوتر بثلاث أن يقرأ في الأولى ب ( ^ سبح اسم ربك الأعلى ) ، وفي الثانية ب ( ^ قل يا أيها الكافرون ) . وفي الثالثة ب ( ^ قل هو الله أحد .
وقال مالك والشافعي : يضم إلى سورة الإخلاص المعوذتين . لنا حديثان :
736 - قال الإمام أحمد : ثنا إسحاق بن عيسى قال : ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال : كان رسول الله يقرأ في الوتر ب ( ^ سبح اسم ربك الأعلى ) ، و ( ^ قل يا أيها الكافرون ) ، و ( ^ قل هو الله أحد ) .
ز : رواه الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة ( 1 ) ، وكذلك رواه شريك ، وزكريا بن أبي زايدة ، ويونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق ورواه أبو نعيم عن أبي إسحاق ولم يرفعه ( * ) .
737 - قال أحمد : وثنا عبد الرزاق ، أنا سفيان ، عن زبيد ، عن ذر بن عبد الله المرهبي ، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه ، قال : كان رسول الله يوتر بسبح اسم ربك الأعلى ، و ( ^ قل يا أيها الكافرون ) و ( ^ قل هو الله أحد ) . وإذا أراد أن ينصرف من الوتر قال : سبحان الملك القدوس . ثلاث مرات ثم يرفع صوته في الثالثة .
ز : رواه النسائي بطرق كثيرة وقد أرسله بعضهم ( * ) .
احتجوا بما :
____________________
(1/515)
738 - رواه الدارقطني : ثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل الآدمي ثنا أحمد بن منصور ثنا سعيد بن عفير ، ثنا يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة عن عائشة : ( ( أن رسول الله كان يقرأ في الركعتين اللتين يوتر بعدهما ب ( ^ سبح اسم ربك الأعلى ) . و ( ^ قل يا أيها الكافرون ) ويقرأ في الوتر ( ^ قل هو الله أحد ) ، و ( ^ قل أعوذ برب الفلق ) و ( ^ قل أعوذ برب الناس ) . وقد رواه الدارقطني من طريق محمد بن سلمة .
والطريقان لا يصحان :
أما الأول : فإن يحيى بن أيوب لا يحتج به قاله أبو حاتم الرازي .
وأما محمد بن سلمة فضعيف . وقد أنكر أحمد ويحيى بن معين زيادة المعوذتين .
ز : يحيى بن أيوب من رجال الصحيح ، وقد روى حديثه هذا الحاكم في المستدرك وقال : على شرطهما . ورواه ابن أبي مريم عن يحيى بن أيوب .
وقال الخلال في العلل : ثنا محمد بن إسماعيل ثنا ابن أبي مريم قال : أخبرني عثمان ابن الحكم - وكان من أفضل من بمصر - قال : سألت يحيى بن سعيد عن هذا الحديث فقال : لا أعرفه - يعني حديث الوتر .
وقال الأثرم : سمعت أبا عبد الله يسأل عن يحيى بن أيوب المصري ، فقال : كان يحدث من حفظه وكان لا بأس به ، وكان كثير الوهم في حفظه ، فذكرت له من حديثه عن يحيى عن عمرة عن عائشة أن رسول الله كان يقرأ في الوتر الحديث ، فقال : ها ، من يحتمل هذا ، وقال مرة : كم قد روى هذا عن عائشة من الناس ليس فيه هذا وأنكر حديث يحيى خاصة . انتهى ما ذكره .
وأما محمد بن سلمة الخزاعي ، فصدقه أحمد وغيره .
وروى له مسلم في صحيحه ، وقد روى حديثه أبو داود ، وابن ماجة ، والترمذي وقال : حسن غريب . رواه محمد بن سلمة عن خصيف عن عبد العزيز بن جريج عن عائشة .
وقال البخاري : عن عبد العزيز بن جريج عن عائشة في الوتر لا يتابع في
____________________
(1/516)
حديثه . ( * )
مسألة [ 206 ] :
يسن القنوت في الوتر في جميع السنة .
وقال مالك والشافعي : لا يسن إلا في النصف الأخير من رمضان .
لنا ما :
739 - قال أحمد : ثنا يزيد ، عن حماد بن سلمة عن هشام بن عمرو عن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن علي : أن النبي كان يقول في آخر وتره : ( ( اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك ، وأعوذ بك منك لا أحصي ثنا عليك أنت كما أثنيت على نفسك ) ) .
ز : رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والنسائي من حديث حماد ( 1 ) . وقال الترمذي : حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث حماد بن سلمة . وهشام بن عروة الفزاري وثقه الإمام أحمد ويحيى بن معين وأبو حاتم الرازي وغيرهم .
وقال أبو داود : هشام أقدم شيخ لحماد . وبلغني عن يحيى بن معين أنه قال : لم يرو عنه غير حماد بن سلمة .
وسئل الدارقطني عن هذا الحديث فقال : روي عن إبراهيم بن الحجاج عن حماد بن
____________________
(1/517)
سلمة عن هشام بن عروة ، عن عبد الرحمن بن الحارث عن علي وهو وهم ، وقال أسود بن عامر شاذان ، عن حماد بن سلمة عن هشام بن عمرو عن عبد الرحمن بن الحارث عن علي وهو الصحيح .
وقد رواه عبد الله بن أحمد عن إبراهيم بن الحجاج عن حماد على الصواب فلعل بعض الرواة عن إبراهيم غلط فيه ، والله أعلم ( * ) .
احتجوا بما :
740 - روى الجوهري : أنا الحسين بن عمر الضراب ثنا حامد بن محمد بن شعيب ، ثنا شريح بن يونس ، ثنا هشيم ، أنا يونس ، عن الحسن أن عمر بن الخطاب جمع الناس علي أبي بن كعب فكان يصلي بهم عشرين ليلة من الشهر ، ولا يقنت بهم إلا في النصف الثاني فإذا كان العشر الأواخر تخلف فصلى في بيته .
والجواب :
أن هذا الحديث منقطع فإن الحسن لم يدرك عمر .
ثم هو فعل صحابي وما روينا فعل رسول الله فهو مقدم .
ز : قال أبو داود : ثنا أحمد بن حنبل ثنا محمد بن بكر ، أنا هشام عن محمد عن بعض أصحابه أن أبي بن كعب أمهم - يعني في رمضان - وكان يقنت في النصف الآخر من رمضان .
قال أبو داود : ثنا شجاع بن مخلد ، ثنا هشيم ، أنا يونس بن عبيد عن الحسن : أن عمر بن الخطاب جمع الناس على أبي بن كعب فكان يصلي بهم عشرين ليلة ولا يقنت بهم إلا في النصف الثاني فإذا كانت العشر الأواخر تخلف فصلى في بيته فكانوا يقولون : أبق أبي .
قال أبو داود : وهذا الحديثان يدلان على ضعف حديث أبي أن النبي قنت في الوتر .
وقال ابن عدي : ثنا الحسين بن عبد الله القطان ، ثنا أيوب الوزان ، ثنا غسان بن
____________________
(1/518)
عبيدة ، ثنا أبو عاتكة ، عن أنس قال : كان رسول الله يقنت في النصف من رمضان إلى آخره . أبو عاتكة طريف بن سلمان وهو ضعيف .
وقال البيهقي ( 1 ) : هذا حديث ضعيف لا يصح إسناده ( * ) .
مسألة [ 207 ] :
لا يسن القنوت في الفجر .
وقال مالك والشافعي : يسن .
ولنا تسعة أحاديث :
741 - الحديث الأول : قال الإمام أحمد : ثنا يزيد بن هارون ، أنا أبو مالك قال : ( ( يا أبت إنك قد صليت خلف رسول الله وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي هاهنا بالكوفة قريبا من خمس سنين أكانوا يقنتون فقال : أي بني محدث ) ) .
742 - وقال النسائي أنبأ قتيبة عن خلف عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه قال : ( ( صليت خلف النبي فلم يقنت وصليت خلف أبي بكر فلم يقنت ، وصليت خلف عمر فلم يقنت ، وخلف عثمان ، فلم يقنت ، وصليت خلف علي فلم يقنت ، ثم قال : يا بني
____________________
(1/519)
إنها بدعة ) ) .
اسم أبي مالك : سعد بن طارق بن الأشيم .
قال البخاري : طارق بن الأشيم له صحبة .
وهذا الإسناد صحيح ، وقد تعصب أبو بكر الخطيب فقال : في صحبة طارق نظر .
قال : وإن صح الحديث حملناه على دعاء أحدثه أهل ذلك العصر . وهذا منه تعصب بارد إذ لا وجه للنظر بعد ثبوت صحبته عند البخاري .
ومحمد بن سعد وغيرهما ممن ذكر الصحابة ، وأما حمله فحمل من لا يفهم لأن الإنكار كان للدعاء في ذلك الوقت لا لنفس الدعاء .
ز : روى هذا الحديث أيضا ابن ماجة ، والترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح ( 1 ) .
وقد وثق أبا مالك الإمام أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وأحمد بن عبد الله العجلي . وقال أبو حاتم : صالح الحديث يكتب حديثه .
وقال النسائي : ليس به بأس .
وقال العقيلي : لا يتابع على حديثه عن أبيه في القنوت .
وذكره أبو حاتم بن حبان في كتاب الثقات .
وقال أبو العباس أحمد بن محمد بن مفرج الأشبيلي البناني يقال أمسك يحيى القطان عن الرواية عنه . وقد روى مسلم في صحيحه حديثين من رواية يزيد بن هارون عن أبي مالك عن أبيه سوى هذا . وقال البيهقي : طارق بن أشيم الأشجعي لم يحفظه عمن صلى خلفه فرآه محدثا وقد حفظه غيره فالحكم له دونه . كذا قال .
وقال غيره : ليس في هذا الحديث دليل على أنهم ما قنتوا قط ، بل اتفق أن طارقا صلى خلف كل منهم وأخبر بما رأى ومن المعلوم أنهم كانوا يقنتون في النوزال وهذا يدل على أنهم ما كانوا يحافظون على قنوت راتب ( * ) .
____________________
(1/520)
743 - الحديث الثاني : قال الخطيب في كتاب القنوت له : أخبرني عبيد الله بن أبي الفتح قال : ثنا المعافي بن زكريا قال حدثنا محمد بن مرزوق قال : ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال : ثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة عن أنس : أن النبي كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم .
ز : هذا إسناد صحيح والحديث نص في أن القنوت مختص بالنازلة .
وروى أبو حاتم بن حبان من حديث إبراهيم بن سعد ، عن الزهري ، عن سعيد وأبي سلمة ، عن أبي هريرة : أن رسول الله كان لا يقنت إلا أن يدعو لأحد أو يدعو على أحد رواته ثقات ( * ) .
744 - الحديث الثالث : قال الخطيب : أخبرني الحسين بن أبي الحسن ، ثنا عمر بن أحمد الواعظ ، ثنا أحمد بن محمد بن سعيد ، ثنا الحسين بن علي بن عفان ، ثنا عبد الحميد الحماني ، عن سفيان ، عن عاصم عن أنس بن مالك أن النبي لم يقنت إلا شهرا واحدا حتى مات .
ز : عبد الحميد بن عبد الرحمن أيو يحيى الحماني روى له البخاري في صحيحه . وابن سعيد هو ابن عقدة الحافظ وهو صاحب مناكير ( * ) .
فإن قالوا : إن عبد الحميد قد ضعفه أحمد .
قلنا : قد وثقه يحيى بن معين .
745 - الحديث الرابع : قال أبو بكر أحمد بن علي : وأنا أحمد بن أبي جعفر ثنا عبيد الله بن أحمد بن يعقوب أنبأ إسحاق بن بيان ، قال : أنبأ أبو همام ، ثنا عمر بن عبد الواحد ، عن ابن ثوبان ، عن الحسن بن الحر ، عن إبراهيم ، عن الأسود عن عمر بن الخطاب : أنه لم يكن يقنت إلا أن يستنصر ، قال : ولا رسول الله ولا أبو بكر .
فإن قالوا : ابن ثوبان ضعيف .
____________________
(1/521)
قلنا : قد قال يحيى ليس به بأس .
ووثقه أبو حاتم وغيره . وقال أبو زرعة : لا بأس به . وقال النسائي : ليس بالقوي .
ز : ابن ثوبان هو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ، قال الإمام أحمد : أحاديث مناكير . ووثقه أبو حاتم وغيره . وقال أبو زرعة : لا بأس به . وقال النسائي : ليس بالقوي ( * ) .
746 - الحديث الخامس : قال أحمد بن علي بن ثابت : أنبأ الحسين بن عمر بن برهان ثنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا عبد الرحمن بن مرزوق ، ثنا شبابة ، ثنا قيس بن الربيع ، عن عاصم بن سليمان قال قلنا لأنس : إن قوما يزعمون أن النبي لم يزل يقنت بالفجر . فقال : كذبوا إنما قنت رسول الله شهرا واحدا يدعو على حي من أحياء المشركين .
فإن قالوا تفرد به قيس بن الربيع وقد ضعفه يحيى . قلنا : قد كان شعبة يثني عليه .
747 - الحديث السادس : قال الإمام أحمد : ثنا يحيى عن هشام ، ثنا قتادة عن أنس ، قال : قنت رسول الله شهرا بعد الركوع يدعو على حي من أحياء العرب ثم تركه .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
748 - الحديث السابع : قال الحافظ أبو بكر الخطيب : ثنا الحسن بن الحسن بن المنذر ، ثنا عثمان بن أحمد ، ثنا إبراهيم بن الهيثم ، ثنا أبو غسان ، ثنا شريك ، عن أبي حمزة ، عن إبراهيم ، عن علقمة عن عبد الله ، عن النبي أنه لم يكن يقنت في شيء من الصلوات إلا الوتر وكان إذا حارب يقنت في الصلوات كلها يدعو على المشركين .
749 - وفي لفظ يرويه أبو حمزة أيضا عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله . قال : ما قنت رسول الله في صلاة الغد إلا ثلاثين ليلة كان يدعو على حي من بني سليم ثم تركه .
أبو حمزة اسمه ميمون . قال أحمد بن حنبل : هو متروك الحديث .
____________________
(1/522)
وقال يحيى بن معين : لا يكتب حديثه ليس بشيء . وقال النسائي : ليس ثقة :
750 - الحديث الثامن : قال أبو بكر بن ثابت : ثنا علي بن أبي علي المعدل . أنبأنا أبو زرعة أحمد بن الحسين الرازي ، ثنا عبد الرحمن بن محمد الحنظلي ، ثنا أبي ، ثنا هشام بن عبيد الله ، ثنا ابن جابر ، عن حماد ، عن إبراهيم ، وعن علقمة والأسود ، قالا قال عبد الله : ما قنت رسول الله في شيء من الصلوات إلا في الوتر وإنه كان إذا حارب يقنت في الصلاة كلها يدعو على المشركين وما قنت أبو بكر ولا عمر ولا عثمان حتى ماتوا ولا قنت علي حتى حارب أهل الشام .
ابن جابر : اسمه محمد . وقد ضعفه يحيى والنسائي .
وقال أحمد بن حنبل : لا يحدث عنه إلا من هو شر منه .
وقال الفلاس : متروك الحديث .
751 - الحديث التاسع : قال الخطيب : أنبأ محمد بن عبد الملك قال : ثنا علي بن عمر ، قال أنبأ أحمد بن إسحاق بن البهلول . قال : حدثني أبي ، ثنا محمد بن يعلى السلمي ، عن عنبسة بن عبد الرحمن ، عن ابن نافع ، عن أبيه عن أم سلمة ، قالت : نهى رسول الله على القنوت في الفجر .
محمد بن يعلى ليس بشيء .
قال أبو حاتم الرازي : هو متروك .
وقال ابن حبان : لا يحوز الاحتجاج به فيما خالف الثقات .
وقد روى هذا الحديث هياج بن بسطام عن عنبسة ، عن ابن نافع عن أبيه ، عن صفية بنت أبي عبيد عن النبي .
قال احمد : هياج متروك الحديث . وقال يحيى : ليس بشيء . وقال ابن حبان : يروي المعضلات عن الثقات . وقال يحيى : وعنبسة ليس بشيء .
وقال النسائي : متروك . وقال أبو حاتم الرازي : كان يضع الحديث .
____________________
(1/523)
وقال ابن حبان : هو صاحب أشياء موضوعة لا يحل الاحتجاج به . وأما ابن نافع : فاسمه عبد الله . قال يحيى : ليس بشيء . وقال علي : يروي أحاديث منكرة . وقال النسائي : متروك الحديث ونافع لم يصح له سماع من أم سلمة .
وصفية بنت أبي عبيد لم تدرك رسول الله . والاعتماد على الأحاديث الأول دون هذه المتأخرة . وإنما ذكرناها بعدها لئلا يظن ظان أنا تركنا ما يحتج به .
ز : روى حديث أم سلمة ابن ماجة عن حاتم بن بكر الضبي عن محمد بن يعلى زنبور ( * ) .
وقد احتج الخصم بأحاديث وأحاديثهم تنقسم إلى أربعة أقسام :
أحدها : ما هو مطلق ، وأن رسول الله قنت ، وهذا لا ينازع فيه لأنه قد ثبت أنه قنت .
والثاني : مقيد بأنه قنت في صلاة الصبح ، وهذا لا نزاع فيه لأنه قد فعل ذلك شهرا .
والثالث : لفظ محتمل كان يقنت في الصبح فنحمله على ما فعله شهرا بأدلتنا ومنه ما :
752 - روى الترمذي : ثنا قتيبة قال : ثنا محمد بن جعفر ، عن شعبة عن عمرو بن مرة عن ابن أبي ليلى عن البراء بن عازب : أن النبي كان يقنت في صلاة الصبح والمغرب .
ز : رواه الإمام أحمد ، ومسلم ، وأبو داود ، والنسائي ، وقال الترمذي : صحيح ولم يذكر بعض الرواة المغرب .
وقال أحمد بن حنبل : ليس يروي عن النبي أنه قنت في المغرب إلا في هذا الحديث ( * ) .
753 - أنبأنا محمد بن عبد الباقي قال : أنبأنا أبو محمد الجوهري ، أن علي بن لولو ، أنا أحمد بن الوليد بن إبراهيم الأزدي ، ثنا عبد الله بن عبد المؤمن ثنا عمر بن حبيب ، عن هشام ، عن الحسن عن أنس : أن النبي كان يقنت بعد الركوع في صلاة الصبح في الركعة
____________________
(1/524)
حتى فارق الدنيا .
757 - قال الخطيب : وأنبأ إبراهيم بن عمر البرمكي ، أنبأ أبو الفتح محمد بن الحسين الحافظ ، أنبأ إبراهيم بن عبد العزيز ثنا أحمد بن هارون ، ثنا ابن عمار ، ثنا عمرو بن أيوب ، عن قيس بن الربيع عن أبي حصين ، قال : قلت لأنس بن مالك : أكان رسول الله ترك القنوت ؟ قال : والله ما زال يقنت حتى لحق بالله .
758 - قال الخطيب : وأخبرنا ابن الفضل ، أنبأ أحمد بن عثمان الأدمي ، ثنا الحسين ابن الفضل الزعفراني ، ثنا أبو معمر ، ثنا عبد الوارث بن سعيد ، عن عمرو بن عبيد ، عن الحسن ، قال : قيل لأنس بن مالك إنما قنت رسول الله شهرا . قال : ما زال رسول الله يقنت حتى مات وأبو بكر حتى مات وعمر حتى مات .
759 - قال الخطيب : وأنبأ محمد بن أحمد بن رزق ، أنبأ أحمد بن كامل القاضي ، ثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن غالب ، ثنا دينار بن عبد الله خادم أنس بن مالك عن أنس قال : مازال رسول الله يقنت في صلاة الصبح حتى مات .
760 - قال الخطيب : وأنبأ البرقاني ، أنبأ أبو بكر الإسماعيلي ، ثنا موسى بن عيسى ابن محمد بن حكيم ، ثنا صهيب بن محمد بن عابد ، ثنا حسين بن حكيم البصري ، ثنا السري بن عبد الرحمن ، عن أيوب ، عن الحسن ومحمد عن أنس قال : ما زال رسول الله يقنت حتى مات .
والجواب :
أن جميع هذه الأحاديث الصريحة ضعاف : أما الأربعة الأوائل : فراويها أبو جعفر الرازي واسمه عيسى بن ماهان . قال علي بن المديني : كان يخلط . وقال يحيى : كان يخطئ .
وقال أحمد بن حنبل : ليس بقوي في الحديث . وقال أبو زرعة : كان يهم كثيرا .
____________________
(1/526)
وقال ابن حبان : كان ينفرد بالمناكير عن المشاهير . وأما حديث ابن حصين : فيرويه قيس بن الربيع . وقال يحيى : ليس بشيء ، وقال أحمد : كان كثير الخطأ في الحديث وروى أحاديث منكرة .
ثم إن الراوي عنه عمر بن أيوب . وقال ابن حبان : لا يحل الاحتجاج به .
وأما حديث عمرو بن عبيد : فقال أيوب السختياني ويونس : كان عمرو يكذب في الحديث . وقال ابن المديني : ليس بشيء . وقال النسائي : متروك .
وأما حديث دينار . فإيراد الخطيب له محتجا به مع السكوت عن القدح فيه وقاحة عند علماء النقل وعصبية باردة وقلة دين لأنه يعلم أنه باطل .
قال أبو حاتم بن حبان : دينار يروي عن أنس أشياء موضوعة لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل القدح فيه .
فواعجبا للخطيب أما سمع من الحديث الصحيح عن رسول الله : ( ( من حدث عني حديثا يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين ) ) وهل مثله إلا كمثل من أنفق بهرجا ودلسه .
فإن أكثر الناس لا يعرفون الكذب من الصحيح وإذ أورد الحديث محدث حافظ وقع في النفوس أنه ما احتج به إلا وهو صحيح .
ولكن عصبيته معروفه ومن نظر من علماء النقل في كتابه الذي صنفه في القنوت وكتابه الذي صنفه في الجهر . ومسألة الغيم . واحتجاجه بالأحاديث التي يعلم وهاها علم فرط عصبيته .
وقد روى في كتاب القنوت من حديث حماد بن زيد عن العوام رجل من بني مازن : أن أبا بكر وعمر قنتا . أترى هذا يثبت برجل مجهول .
وروى من طريق جابر الجعفي عن عمر وعلي . وجابر كذاب .
وروي عن علي من طريق فطر وهو ضعيف .
وعن ابن عباس : من طريق عمر بن حبيب ، وقال يحيى : كان عمر يكذب ، ومن طريق خلاس بن عمر وكانوا لا يعبأون بحديثه . والبهارج لا تخفى على النقاد .
____________________
(1/527)
وأما حديث السري ففيه مجاهيل . ثم جميع هذه الأحاديث محمولة على أنه لا يترك الدعاء عند النوازل والكلام في غير النوازل .
ز : أجود هذه الأحاديث حديث أبي جعفر الرازي وله طرق عدة في كتاب القنوت للحافظ أبي موسى المديني .
قال المحاملي : ثنا أحمد بن منصور ، وأحمد بن عيسى ، قالا : ثنا أبو نعيم . ثنا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، قال : كنت جالسا عند أنس ، فقيل له : إنما قنت رسول الله شهر فقال : ما زال يقنت في صلاة الغداة حتى فارق الدنيا .
وقال الحافظ أبو موسى : أنا الجواد ، أنا أبو نعيم ، ثنا فارق أبو مسلم ثنا أبو عمر الضرير ، ثنا النعمان بن عبد السلام ، عن أبي جعفر الرازي عن الربيع عن أنس : أن رسول الله قنت حتى مات .
وقال ابن المقري : ثنا أبو يعلى ، ثنا زهير ، ثنا وكيع ، ثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع ، عن أنس : أن رسول الله قنت في الفجر .
قال الحاكم : هذا حديث صحيح سنده ووثقه رواته ، ذاكرت به بعض الحفاظ فقال : غير الربيع بن أنس ، فمازلت أتأمل التواريخ وأقاويل الأئمة في الجرح والتعديل فلم أجد أحد طعن فيه . وقال أبو حاتم الرازي : الربيع بن أنس صدوق ، وهو أحب إلي في أبي العالية من أبي خالد .
وقال العجلي : بصري صدوق . وقال النسائي : ليس به بأس .
وقال الإمام أحمد بن حنبل في أبي جعفر الرازي : صالح الحديث . رواه حنبل عنه .
وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه : ليس بقوي في الحديث .
وقال إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين : كان ثقة خراسانياً انتقل إلى الري ومات بها . وقال أحمد بن سعد بن أبي مريم عن يحيى بن معين : يكتب حديثه ولكنه يخطئ .
وقال أبو بكر بن أبي خيثمة عن يحيى بن معين : صالح .
وقال عباس الدوري عن يحيى بن معين : ثقة ، وهو يغلط فيما يروي عن مغيرة
وقال عبد الله بن علي بن المديني عن أبيه : هو نحو موسى بن عبيدة وهو يغلط فيما
____________________
(1/528)
روى عن مغيرة ونحوه .
وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة عن علي بن المديني : كان عندنا ثقة . وقال محمد ابن عبد الله بن عمار الموصلي : ثقة . وقال عمرو بن علي : فيه ضعف وهو من أهل الصدق سيىء الحفظ . وقال أبو زرعة : شيخ يهم كثيراً . وقال أبو حاتم : ثقة صدوق صالح الحديث . وقال زكريا بن يحيى الساجي : صدوق ليس بمتقن .
وقال النسائي : ليس بقوي . وقال ابن خراش : سيىء الحفظ صدوق .
وقال ابن عدي : له أحاديث صالحة ، وقد روى عنه الناس وأحاديثه عامتها مستقيمة وأرجو أنه لا بأس به .
وقال محمد بن سعد : كان أصله من مرو من قرية يقال لها برز وهي التي نزلها الربيع ابن انس ، ثم تحول أبو جعفر بعد ذلك إلى الري فمات بها ، فقيل له الرازي وكان ثقة وكان يقدم بغداد فيسمعون منه .
وإن صح الحديث فهو محمول على أنه ما زال يطول في صلاة الفجر فإن القنوت لفظ مشترك بين الطاعة والقيام والسكوت والخشوع وغير ذلك . قال الله تعالى : ( ^ إن إبراهيم كان أمة قانتا لله ) وقال تعالى : ( ^ أمن هو قانت آناء الليل ) وقال تعالى : ( ^ ومن يقنت منكن لله ورسوله 000 ) الآية وقال تعالى : ( ^ يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ) وقال : ( ^ وقوموا لله قانتين ) وقال : ( ^ كل له قانتون ) وقال النبي : ( ( أفضل الصلاة طول القنوت ) ) .
وقال الحسن بن سفيان في مسنده : ثنا جعفر بن مهران السباك ، ثنا عبد الوارث بن سعيد ، ثنا عوف ، عن الحسن ، عن أنس ، قال : ( ( صليت مع رسول الله فلم يزل يقنت في صلاة الغداة حتى فارقته ، وخلف عمر فلم يزل يقنت في صلاة [ الغداة ] حتى فارقته ) ) . رواه أبو سعيد النقاش ، عن بشر بن أحمد ، ومنصور بن العباس ، ومحمد بن أحمد العمري ، ومحمد بن أحمد بن القاسم الدهساني ، قالوا : ثنا الحسن بهذا .
قال الحافظ أبو موسى : وجعفر بن مهران من جملة الثقاة فلم يبق في هذا الإسناد إشكال يطعن به عليه .
وقال أبو خليفة : ثنا أبو معمر ، ثنا عبد الوارث عن عمرو عن الحسن عن أنس قال :
____________________
(1/529)
صليت مع رسول الله فلم يزل يقنت بعد الركوع حتى فارقته ، وصليت مع أبي بكر وعمر فلم يزالا يقنتان بعد الركوع في صلاة الغداة حتى فارقتهما .
وكذا رواه أبو عمر الحوضي ، عن عبد الوارث ، فقال : عن عمرو ، وهو ابن عبيد رأس الاعتزال ، وهذا هو المحفوظ عن عبد الوارث وهو علة لحديث السباك ولعله عند عبد الوارث عن هذا ، وعن هذا ولكنه بعيد ، ولو كان عند أبي معمر عن عبد الوارث عن عوف ما تأخر البخاري عن إخراجه ، والسباك ثقة لكن الثقة يغلط .
وقال سفيان بن منصور ، عن إبراهيم ، عن أبي الشعثاء - وهو من أئمة التابعين قال : سألت ابن عمر عن القنوت في الفجر ، فقال : ما شعرت أن أحد يفعله .
وقال مالك عن نافع : كان ابن عمر لا يقنت في الفجر .
وقال عبد الله بن أبي نجيح : سألت سالم بن عبد الله : هل كان عمر يقنت في الصبح ؟ قال : لا إنما هو شيء أحدثه الناس .
وقال معمر : كان الزهري يقول : من أين أخذ الناس القنوت ، ويعجب وإنما قنت رسول الله أيام ثم ترك ذلك .
قال أبو محمد بن حزم : صح عن النبي وعن أصحابه أنهم قنتوا وتركوا كل مباح ، فأما قول مالك الأشجعي : أنه بدعة فمراده الراتب وأخبر بما رأى من الترك ، وجهل الفعل في وقت . قال : والعجب من المالكية يحتجون بابن عمر قولا وفعلا ثم سهل عليهم مخالفته ومخالفة أبيه وابنه ، قال : والقنوت يمكن أن يخفى لأنه سكوت متصل بقيام ، وقد قنت نبي الله مرات في أوقات مختلفة قنت للقراء ، وقنت يدعو بالنجاة للمستضعفين بمكة ، وقنت يوم أحد .
واعلم أن قول المؤلف في حديث قيس بن الربيع : ثم إن الراوي عنه عمر بن أيوب قال ابن حبان : لا يحل الاحتجاج به - وهم ، فإن ابن حبان إنما ضعف عمر بن أيوب المزني .
وأما الراوي عن قيس فهو الموصلي أبو حفص العبدي ، وقد روى له مسلم في صحيحه ، وروى عنه الإمام أحمد بن حنبل وأثنى عليه .
وقال يحيى بن معين : ثقة مأمون . وقال أبو داود : ثقة .
____________________
(1/530)
وقد ترك المؤلف الكلام على غير واحد من الضعفاء والمجاهيل ونكل ممن هو أحسن حالا منهم ، فممن لم ينبه عليه من الضعفاء : أبو عبد الله أحمد بن محمد بن غالب الراوي عن دينار ويعرف بغلام خليل وكان كذابا .
وقال أبو داود : أخشى أن يكون دجال بغداد ، ولما مات لم يصل عليه أبو داود .
وقال الدارقطني : متروك . وقال ابن عدي : هو بين الأمر في الضعفاء ( * ) .
مسألة [ 208 ] :
الأفضل في القنوت بعد الركوع .
وقال مالك وأبو حنيفة : قبله .
لنا حديثان :
أحدهما : حديث أنس : قنت رسول الله بعد الركوع شهرا .
وقد تقدم بإسناده وهو في الصحيحين .
761 - وقال الإمام أحمد : ثنا يحيى أنبأ التيمي عن أبي مجلز عن أنس قال : قنت رسول الله شهرا بعد الركوع يدعو على رعل وذكوان .
انفرد بإخراجه مسلم ( 1 ) .
____________________
(1/531)
762 - الحديث الثاني : قال الخطيب : أنبأ محمد بن أحمد الدقاق ، أنبأ محمد بن عبد الله الشافعي ، ثنا أبو الوليد محمد بن أحمد الأنطاكي ، ثنا محمد بن كثير عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة عن أبي هريرة : أن النبي قنت في صلاة العشاء الآخرة في الركعة الأخيرة بعد الركوع .
احتجوا بحديثين :
763 - الحديث الأول : قال الإمام أحمد : ثنا أبو معاوية ، ثنا عاصم الأحول عن أنس قال : سألته عن القنوت أقبل الركوع أو بعد الركوع ؟ فقلت : إنهم يزعمون أن رسول الله قنت بعد الركوع ، فقال : كذبوا .
أخرجاه في الصحيحين ( 1 ) .
764 - الحديث الثاني : قال الخطيب : أنبأ أبو الحسن أحمد بن محمد الأهوازي أنبأ أحمد بن محمد بن سعيد ، ثنا احمد بن الحسين بن عبد الملك ، ثنا منصور بن أبي نويرة ، عن شريك ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة عن عبد الله : أن النبي كان يقنت في الوتر قبل الركوع .
والجواب :
أن حفاظ الحديث قدموا أحاديثنا .
فقال أبو بكر الخطيب : الأحاديث التي جاء فيها قبل الركوع كلها معلولة .
ز : خبر عاصم في الصحيحين ، وقد نقل أنه محمول على طول القيام وتطويل الصبح . وروى عبد العزيز بن صهيب عن أنس أنه سئل عن القنوت بعد الركوع أو عند الفراغ من القراءة ، قال : لا بل عند فراغ من القراءة . رواه البخاري .
وقال الأثرم : قلت لأحمد ، يقول أحد في حديث أنس : ( ( أن النبي قنت قبل
____________________
(1/532)
الركوع ) ) غير عاصم الأحول . فقال : ما علمت أحدا يقوله غيره خالفهم كلهم هشام عن قتادة ، والتيمي عن أبي مجلز ، وأيوب عن ابن سيرين وغير واحد عن حنظلة السدوسي كلهم عن أنس : أن النبي قنت بعد الركوع .
قيل لأحمد بن حنبل : سائر الأحاديث في القنوت قبل الركوع . وإنما صح بعده ، فقال : القنوت في الفجر بعد الركوع ، وفي الوتر يختار بعد الركوع ، ومن قنت قبل الركوع فلا بأس لفعل الصحابة واختلافهم ، فأما في الفجر فبعد الركوع .
وقال أبو همام السكوني : ثنا إسماعيل بن جعفر ، عن حميد ، عن أنس ، وسئل عن القنوت في صلاة الصبح أقبل الركوع أم بعد ؟ فقال : كل أدركنا يفعل قبل وبعد . رواه ابن ماجة عن نصر بن علي ، عن سهل بن يوسف عن حميد .
وقال أبو موسى المديني : هذا إسناد صحيح لا مطعن على أحد من رواته بوجه ( * ) .
____________________
(1/533)
مسائل والجماعة والإمامة
مسألة [ 209 ] :
الجماعة واجبة على الأعيان .
وزاد داود فجعلها شرطا .
وقال أكثرهم لا تجب لنا ثلاثة أحاديث :
765 - الحديث الأول : قال الإمام أحمد : ثنا أبو معاوية قال : ثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' لقد هممت أن آمر المؤذن فيؤذن ثم آمر رجلا يصلي بالناس ثم انطلق معي رجال معهم حزم من الحطب إلى قوم يتخلفون عن الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار ' .
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين .
766 - الحديث الثاني : قال أحمد : وثنا يحي بن آدم قال : ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال : قال رسول الله لقد هممت أن آمر رجلا
____________________
(2/5)
فيصلي بالناس ثم آمر بأناس لا يصلون معنا فنحرق عليهم بيوتهم ' .
ز : هذا الحديث رواه مسلم بغير هذا اللفظ فقال : ثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، ثنا زهير ثنا أبو إسحاق ، عن أبي الأحوص ، سمعه منه عن عبد الله : أن النبي قال لقوم يتخلفون عن الجمعة : ' لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم أحرق عن رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم ' .
قال مسلم : وثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، ثنا محمد بن بشر العبدي ثنا زكريا بن أبي زائدة ، ثنا عبد الملك بن عمير ، عن أبي الأحوص ، قال : قال عبد الله لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد علم نفاقه أو مريض إن كان المريض ليمشي بين رجلين حتى يأتي الصلاة . وقال : إن رسول الله علمنا سنن الهدى وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه .
قال مسلم : وثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، ثنا الفضل بن دكين ، عن أبي العميس ، عن علي بن الأقمر ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله قال : من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن ، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى ، وإنهن من سنن الهدى ، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم ، لضللتم وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ، ويرفعه بها درجة ، ويحط عنه بها سيئة ، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف .
767 - الحديث الثالث : قال أحمد : وثنا أبو النضر قال : ثنا سفيان عن عاصم عن أبي رزين عن عمر بن أم مكتوم ، قال : جئت رسول الله فقلت : يا رسول الله أنا ضرير شاسع الدار ولي قائد لا يلائمني فهل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي ؟ قال : ' أتسمع النداء ؟ ' قلت : نعم قال : ' ما أجد لك رخصة ' .
ز : ورواه أبو داود من حديث حماد عن زيد بن عاصم بن بهدلة ، وابن ماجة من رواية زائدة عن عاصم ، والحاكم في المستدرك من طريق حماد بن سلمة عن عاصم .
____________________
(2/6)
وروى سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن عابس ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن ابن أم مكتوم أنه قال : يا رسول الله إن المدينة كثيرة الهوام والسباع ، فقال النبي : ' تسمع حي على الصلاة حي على الفلاح ؟ ' . قال : نعم . قال : ' فحي هلا ' رواه أبو داود ، والنسائي ، والحاكم أبو عبد الله وصححه . قال النسائي : وقد اختلف على ابن أبي ليلى في هذا الحديث فرواه بعضهم عنه مرسلا .
768 - طريق آخر : قال أحمد : ثنا عبد الصمد ثنا عبد العزيز بن مسلم قال : حدثنا الحصين ، عن عبد الله بن شداد بن الهاد عن ابن أم مكتوم : أن رسول الله أتى المسجد فرأى في القوم رقة ، فقال : ' إني لأهم أن أجعل للناس إماما ثم أخرج فلا أقدر على إنسان . تخلف عن الصلاة في بيته إلا أحرقته عليه ' . فقال ابن أم مكتوم : يا رسول الله بيني وبين المسجد نخلا وشجرا ولا أقدر على قائد كل ساعة ، أيسعني أن أصلي في بيتي ؟ قال : ' أتسمع الإقامة ؟ ' قال : نعم . قال : ' فأتها ' .
ز : رواه الحاكم في مستدركه بمعناه من رواية أبي جعفر الرازي ، عن حصين بن عبد الرحمن وصححه .
احتج داود بما :
769 - رواه الدارقطني : ثنا محمد بن يحي بن مرداس ثنا أبو داود ، ثنا قتيبة ، ثنا جرير ، عن أبي جناب ، عن مغراء العبدي ، عن عدي بن ثابت ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله : ' من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر ' . قالوا : وما العذر ؟ قال : ' خوف أو مرض - لم يقبل منه الصلاة التي صلى ' .
أبو جناب اسمه : يحي بن أبي حية . كان يحي القطان يقول : لا أستحل أن أروي عنه . وقال الفلاس : متروك الحديث . وقال يحي بن معين : هو صدوق لكنه يدلس .
ز : روى هذا الحديث أبو داود في سننه بهذا الإسناد وأبو حاتم البستي ، والحاكم
____________________
(2/7)
بنحوه .
وأبو جناب ضعفه عثمان بن سعيد الدارمي ، ومحمد بن سعد كاتب الواقدي ، وأحمد بن عبد الله العجلي ، ويعقوب بن سلمان الفارسي ، والنسائي .
والدارقطني ، وغيرهم .
وقال أبو زرعة الرازي وابن خراش : كان صدوقا وكان يدلس .
وقال ابن عدي : هو من جلة الشيعة .
وقال ابن ماجه في سننه : ثنا عبد الحميد بن بيان الواسطي ، أنا هشيم عن شعبة ، عن عدي بن ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبي قال : ' من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر ' .
ورواه بقي بن مخلد عن عبد الحميد .
ورواه الدارقطني عن علي بن عبد الله بن مبشر عن عبد الحميد وهو ثقة من شيوخ مسلم . وقال قاسم بن أصبغ : ثنا إسماعيل بن إسحاق ، ثنا حفص بن عمر وسليمان بن حرب ، وعمرو بن مرزوق ، قالوا ثنا شعبة ، عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : ' من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر ' .
قال إسماعيل : فبهذا الإسناد رواه الناس عن شعبة .
وحدثنا أيضا سليمان عنه ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، عن النبي قال : ' من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له ' . ثنا بهذا سليمان مرفوعا وبالأول موقوفا .
وروى الدارقطني والحاكم من رواية عبد الرحمن بن غزوان ، فزاد : عن شعبة ، عن عدي بن ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أن النبي قال : ' من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له ' ورواه الحاكم أيضا من رواية عبد الحميد وغيره عن هشيم ثنا شعبة فذكره ، وقال : عن شرطهما ، وقد وقفه غندر وأكثر أصحاب شعبة ، وهشيم وقراد ثقتان .
وروى الحاكم من رواية سوار بن سهل البصري ، ثنا سعيد بن عامر عن شعبة ، عن عدي ، عن سعيد ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله : ' من سمع النداء ' وداود وسوار لا يعرفان قاله شيخنا أبو الحجاج .
____________________
(2/8)
وروى أيضا من رواية أبي بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن أبي بردة عن أبيه ، قال رسول الله : ' من سمع النداء فارغا صحيحا فلم يجب فلا صلاة له ' وقال صحيح :
كذا مرفوعا والمعروف أنه موقوف على أبي موسى وقد رواه البيهقي من رواية أبي بكر ابن عياش عن أبي ابن حصين مرفوعا من رواية مسعر ، وزائدة بن قدامة ، عن أبي حصين موقوفا .
والله أعلم
مسألة [ 210 ] :
يكبر المأموم بعد فراغ الإمام من التكبير .
وقال أبو حنيفة : إن شاء كبر معه وإن شاء كبر بعده .
لنا أربعة أحاديث :
770 - الحديث الأول : قال الإمام أحمد : ثنا عبد الرزاق ، ثنا معمر ، عن الزهري عن أنس ، قال : قال رسول الله : ' إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا سجد فاسجدوا ' .
771 - الحديث الثاني : قال أحمد : وثنا يحي قال ثنا هشام قال : أخبرني أبي عن
____________________
(2/9)
عائشة ، عن النبي : أنه قال : ' إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا ' .
772 - الحديث الثالث : قال أحمد : وثنا عبد الرحمن ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن يزيد ثنا البراء بن عازب ، قال : كنا إذا صلينا خلف رسول الله فرفع رأسه من الركوع لم يحن رجل منا ظهره حتى يسجد رسول الله فنسجد .
الأحاديث الثلاثة في الصحيحين .
773 - الحديث الرابع : قال أحمد : وثنا يحي بن سعيد ، ثنا هشام ، ثنا قتادة عن يونس بن جبير ، عن حطان بن عبد الله عن أبي موسى ، عن النبي أنه قال : ' أقيموا صفوفكم وليؤمكم أقرؤكم فإذا كبر وركع فكبروا واركعوا فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم وإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم ' .
انفرد بإخراجه مسلم .
مسألة [ 211 ] :
لا يكره للعجوز حضور الجماعة .
وقال أبو حنيفة : يكره إلا الفجر والعشاء والعيد .
____________________
(2/10)
774 - قال الإمام أحمد : ثنا يحي عن عبيد الله قال : أخبرني نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله : ' لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ' .
775 - قال أحمد : وثنا عبد الأعلى ، عن معمر ، عن الزهري ، عن سالم عن أبيه ، قال : قال رسول الله : ' إذا استأذنت أحدكم امرأته أن تأتي المسجد فلا يمنعها ' .
776 - قال أحمد : وثنا معاوية بن عمرو ، ثنا زائدة ، عن الأعمش ، ثنا مجاهد ، قال قال عبد الله بن عمر : قال رسول الله : ' ائذنوا للنساء إلى المسجد بالليل ' .
الطرق الثلاثة في الصحيحين .
مسألة [ 212 ] :
يستحب للنساء أن يصلين جماعة .
وعنه : لا يستحب كقول أبي حنيفة ومالك .
ولنا :
777 - حديث أم ورقة : أن رسول الله أذن لها أن تؤم نساءها .
وقد سبق في مسائل الأذان .
وروي في حديث : وتصلي معهن في الصف .
____________________
(2/11)
مسألة [ 213 ] :
إذا صلت امرأة في صف الرجال لم تبطل صلاتها ، ولا صلاة من يليها .
وقال أبو حنيفة : تبطل صلاة من يلي جانبيها ومن يحاذيها ومن ورائها .
وقال داود : تبطل صلاتها دون الرجال .
لنا ما :
778 - روى الإمام أحمد : ثنا سفيان ، عن الزهري ، عن عروة عن عائشة ، قالت : كان رسول الله يصلي صلاته من الليل وأنا معترضة بينه وبين القبلة كاعتراض الجنازة .
أخرجاه في الصحيحين .
احتجوا بحديثين :
779 - الحديث الأول : قوله عليه السلام : ' يقطع الصلاة المرأة والكلب والحمار ' .
وقد ذكرناه بإسناده فيما يقطع الصلاة .
قلنا إنما هذا إذا مرت بين يدي المصلي ولهذا في أول حديث أبي ذر : تقطع صلاة الرجل إذا لم يكن بين يديه كآخرة الرحل : ' المرأة والحمار والكلب الأسود ' .
وقد ذكرناه بإسناده .
____________________
(2/12)
780 - الحديث الثاني : قال مسلم بن الحجاج : ثنا يحي بن يحي ، قال : قرأت على مالك ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك : أن جدته مليكة دعت رسول الله لطعام صنعته . فأكل منه ثم قال رسول الله ، قوموا فأصلي لكم قال أنس : فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس . فنضحته بماء فقام عليه رسول الله وقمت أنا واليتيم وقامت العجوز من ورائنا فصلى بنا رسول الله ركعتين ثم انصرف .
أخرجاه في الصحيحين .
قالوا : وهذا يدل على أنه ليس لها في الصف موقف .
قلنا : لا ننكر أن موقفها متأخر لكن ندبا ولا وجوبا .
مسألة [ 214 ] :
القارئ الخاتم إذا كان يعرف أحكام الصلاة أولى من الفقيه الذي لا يحسن إلا الفاتحة خلافا لهم .
لنا أربعة أحاديث :
781 - الحديث الأول : حديث أبي موسى ' وليؤمكم أقرؤكم '
وقد تقدم بإسناده .
____________________
(2/13)
782 - الحديث الثاني : قال الإمام أحمد ثنا أبو معاوية ، ثنا الأعمش ، عن إسماعيل بن رجاء ، عن أوس بن ضمعج عن أبي مسعود الأنصاري ، قال : قال رسول الله : ' يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ، فإن كانوا في السنة سواء ، فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنا ولا يؤمن رجلا في سلطانه ولا يجلس على تكرمته في بيته حتى يأذن له '
ز : إسماعيل بن رجاء الزبيدي الكوفي وثقة يحي بن معين ، وأبو حاتم والنسائي .
وقال الأعمش : كان يجمع صبيان المكاتب لكي لا ينسى حديثه .
أوس بن ضمعج الحضرمي ، ويقال النخعي الكوفي وروى له الجماعة سوى البخاري هذا الحديث الواحد .
وقال ابن أبي حاتم : ثنا محمد بن سعيد المقرئ قال : قيل لعبد الرحمن - يعني ابن الحكم بن بشير - من أوس بن ضمعج ؟ فقال قال إسماعيل بن أبي خالد : كان من القراء الأول وذكر منه فضلا .
وقال محمود بن غيلان : ثنا شبابة وثنا شعبة وذكر عنده أوس بن ضمعج فقال : والله ما أراه إلا كان شيطانا يعني لجودة حديثه . وقال أبو معين الحسين بن الحسن الرازي : قيل ليحي بن معين أوس بن ضمعج الذي روى عن سليمان وروى عنه أبو إسحاق الهمداني ، قال لا أعرفه .
قال شيخنا أبو الحجاج : كأنه أراد أنه غير الذي روى عنه إسماعيل بن رجاء ، وأما الذي روى عنه إسماعيل بن رجاء فإنه معروف مشهور والله أعلم .
783 - الحديث الثالث : قال أحمد وثنا يحي قال : ثنا همام وشعبة قالا ثنا قتادة عن
____________________
(2/14)
أبي نضرة عن أبي سعيد عن النبي قال : ' إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمامة أقرؤهم ' .
انفرد مسلم بإخراج هذه الأحاديث الثلاثة .
784 - الحديث الرابع : قال أحمد : وثنا إسماعيل قال : أنبأ أيوب عن عمرو بن سلمة قال : كان الركبان يمرون بنا راجعين من عند رسول الله أدنوا منهم فأسمع حتى حفظت قرآنا ، فانطلق أبى بإسلام قومه فقال : قال رسول الله : ' قدموا أكثركم قرآنا فنظروا فما وجدوا فيهم أحدا أكثر قرآنا مني فقدموني وأنا غلام فصليت بهم ' .
انفرد بإخراجه البخاري .
مسألة [ 215 ] :
لا تصح إمامة الفاسق .
وعنه تصح كقول أبي حنيفة والشافعي .
لنا ثلاثة أحاديث :
785 - الحديث الأول : قال أبو بكر أحمد بن الخطيب : أنبأ أبو الحسن علي بن أحمد البراز ، ثنا أبو الحسين محمد بن إسماعيل بن موسى الرازي ، ثنا عمرو بن تميم الطبري ، ثنا هوذة بن خليفة ، عن ابن جريج ، عن عطاء عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله : ' إن سركم أن تزكوا صلاتكم فقدموا خياركم ' .
____________________
(2/15)
قال الخطيب : هذا حديث منكر بهذا الإسناد ورجاله كلهم ثقات والحمل فيه على الرازي .
ز : هذا الحديث ليس بصحيح ، ولو صح لم يكن فيه دليل على أن إمامة الفاسق لا تصح .
ومحمد بن إسماعيل بن موسى بن هارون أبو الحسين الرازي المكتب ذكره في الخطيب في التاريخ وروى له أحاديث باطلة غير هذا الحديث ، وقال : كان غير ثقة .
وقال حمزة السهمي : سمعت أبا محمد بن غلام الزهري يقول : محمد بن إسماعيل ابن موسى الرازي المكتب ضعيف ، وكذبه هبة الله الحسين الطبري اللالكائي الحافظ .
786 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : ثنا محمد بن أحمد بن أسد الهروي ، ثنا الحسين بن نصر المؤدب ، ثنا سلام بن سليمان ، ثنا عمر قال الدارقطني : هو عندي عمرو بن يزيد قاضي المدائن ، عن محمد بن واسع ، عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال : قال رسول الله ' اجعلوا أئمتكم خياركم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم '
ز : هذا الحديث منكر ، ولو صح حمل على الأولوية . وسلام بن سليمان هو أبو العباس المدائني الضرير ، وقد تكلم فيه أبو حاتم والعقيلي وابن عدي .
والحسين بن نصر هو المؤدب أبو علي الفارسي ويعرف بالخرشي ذكره الخطيب في التاريخ ولم يتكلم فيه بجرح ولا تعديل ، وشيخ الدارقطني وثقه الخطيب ووصفه بالحفظ ويعرف بابن البستنبان .
وقد روى البيهقي هذا الحديث في السنن الكبير عن أبي حازم الحافظ عن أبي أحمد الحافظ ، عن أبي بكر محمد بن أحمد بن أسد الهروي ، عن حسين بن نصر ، عن سلام بن سليمان ، عن عمر بن عبد الرحمن بن يزيد ، عن ابن واسع ، وقال : إسناد هذا الحديث ضعيف .
787 - الحديث الثالث : رواه أصحابنا من حديث علي عليه السلام عن النبي أنه
____________________
(2/16)
قال : ' لا تقدموا صبيانكم ولا سفهاءكم في صلاتكم فإنهم وفدكم إلى الله تعالى ' .
ز : هذا حديث لا يصح ، ولا يعرف له إسناد صحيح ، بل روي بعضه بإسناد مظلم .
قال عبد الله بن زيدان البجلي الكوفي : ثنا أبي ، موسى بن هشام البجلي ، عن يحي بن يعلى ، ثنا عبد الله بن زيد ، عن حرملة بن عمر ، عن عبد العزيز بن حكيم ، عن علي بن أبي طالب ، قال : قال رسول الله ' لا تقدموا سفهاءكم في صلاتكم ولا على جنائزكم فإنهم وفدكم إلى ربكم ' .
قال شيخنا أبو الحجاج : في إسناده غير واحد من المجهولين .
وقد روي عن جابر عن النبي أنه قال : ' ولا تؤمن امرأة رجلا ولا أعرابي مهاجرا ولا يؤمن فاجر مؤمنا إلا أن يقهره بسلطان يخاف سوطه وسيفه ' رواه ابن ماجه عن محمد ابن عبد الله بن نمير ، عن الوليد بن بكير ، عن عبد الله بن محمد ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن سعيد بن المسيب ، عن جابر .
ورواه موسى بن داود ، عن الوليد بن بكير ، فقال عن محمد بن عبد الله وابن جدعان تكلم فيه غير واحد من الأئمة ، والحمل في هذا الحديث على عبد الله بن محمد العدوي التميمي ويكنى أبا الحباب ، قال وكيع : يضع الحديث ، رواه ابنه سفيان عنه .
وقال البخاري : منكر الحديث لا يتابع في حديثه .
قال أبو حاتم منكر الحديث شيخ مجهول .
وقال الدارقطني : متروك وقال ابن حيان : لا يجوز الاحتجاج بخبره .
وقال ابن عدي : له من الحديث شيء يسير .
احتجوا بستة أحاديث :
788 - الحديث الأول : قال عمر بن شاهين قال : ثنا أحمد بن محمد بن شيبة ثنا محمد بن عمرو ابن حنان ثنا بقية ، ثنا أبو إسحاق القنسريني قال : حدثني فرات بن سليمان عن محمد بن علوان عن الحارث عن علي قال : قال رسول الله ' من أصل الدين الصلاة خلف كل بر وفاجر والصلاة على من مات من أهل القبلة ' .
____________________
(2/17)
789 الحديث الثاني - قال الدارقطني : ثنا محمد بن أحمد بن أسد الهروي ثنا أبو الأحوص محمد بن نصر المخرمي ثنا محمد بن أحمد الحراني ، ثنا مخلد بن يزيد عن عمر ابن صبح ، عن منصور عن إبراهيم عن علقمة والأسود عن عبد الله عن النبي قال : ' ثلاث من السنة الصف خلف كل إمام لك صلاتك وعليه أئمة ، والجهاد مع كل أمير لك جهادك وعليه شره ، والصلاة على كل ميت من أهل التوحيد وإن كان قاتل نفسه ' .
790 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : وثنا أبو حامد محمد بن هارون الحضرمي ثنا علي بن مسلم ثنا ابن أبي فديك ، ثنا عبد الله بن محمد بن يحي بن عروة ، عن هشام بن عروة ، عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة ، أن رسول الله قال ' سيليكم بعدي ولاة فيليكم البر ببره والفاجر بفجوره فاسمعوا لهم وأطيعوا فيما وافق الحق ، وصلوا وراءهم فإن أحسنوا فلكم ولهم وإن أساؤوا فلكم وعليهم ' .
طريق ثان : قال الدارقطني : وثنا محمد بن سليمان النعماني ، ثنا محمد بن عمرو بن حنان ، ثنا بقية ، ثنا الأشعث ، عن يزيد بن يزيد بن جابر ، عن مكحول عن أبي هريرة ، قال قال رسول الله : ' الصلاة واجبة عليكم مع كل مسلم برا كان أو فاجرا وإن هو عمل بالكبائر ، والجهاد واجب عليكم مع كل أمير برا كان أو فاجرا وإن عمل بالكبائر ' .
طريق ثالث : قال الدارقطني : وثنا أبو روق الهزاني ، ثنا بحر بن نصر ، ثنا ابن وهب ، قال حدثني معاوية بن صالح ، عن العلاء بن الحارث ، عن مكحول عن أبي هريرة ، أن رسول الله قال : ' صلوا خلف كل بر وفاجر وصلوا على كل بر وفاجر وجاهدوا مع كل بر وفاجر ' .
791 - الحديث الرابع : قال الدارقطني : وثنا محمد بن عبد الله الشافعي ، ثنا محمد ابن حماد بن ماهان ، ثنا عيسى بن إبراهيم البركي ، ثنا الحارث بن نبهان ، ثنا عتبة بن اليقظان ، عن أبي سعيد عن مكحول عن واثلة بن الأسقع قال : قال رسول الله ' لا
____________________
(2/18)
تكفروا أهل قبلتكم وإن عملوا بالكبائر وصلوا مع كل إمام وجاهدوا مع كل أمير وصلوا على كل ميت من أهل القبلة ' .
792 - الحديث الخامس : قال الدارقطني : وثنا إسماعيل بن العباس الوراق ، ثنا عباد بن الوليد ، ثنا الوليد بن [ الفضل أخبرني عبد الجبار بن ] الحجاج الخراساني عن مكرم بن حكيم الخثعمي ، عن سيف بن منير عن أبي الدرداء ، قال أربع خصال سمعتهن من رسول الله يقول : ' لا تكفروا أحدا من أهل قبلتي بذنب ، وإن عملوا الكبائر ، وصلوا خلف كل إمام ، وجاهدوا مع كل أمير . والرابعة : لا تقولوا في أبي بكر الصديق ولا في عمر ولا في عثمان بن عفان ولا في علي إلا خيرا قولوا تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ' .
طريق ثان : قال العقيلي : ثنا إبراهيم بن عبد الوهاب الأبزاري ، ثنا إسحاق بن وهب العلاف ، ثنا وليد بن الفضل العنزي ، ثنا عبد الجبار بن الحجاج بن ميمون ، عن مكرم بن حكيم ، عن [ سيف بن منير ] عن أبي الدرداء ، قال سمعت رسول الله يقول : ' صلوا خلف كل إمام وقاتلوا مع كل أمير ' .
793 - الحديث السادس : قال الدارقطني : وثنا محمد بن إسماعيل الفارسي ، ثنا محمد بن عبد الله البصري ، ثنا حجاج بن نصير ، ثنا عثمان بن عبد الرحمن ، عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله ' صلوا على من قال لا إله إلا الله وصلوا خلف من قال لا إله إلا الله ' .
طريق ثان : قال الدارقطني : وثنا محمد بن عمرو [ بن ] البختري ، ثنا محمد بن عيسى بن حيان ، ثنا محمد بن الفضل ثنا سالم الأفطس ، عن مجاهد عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله ' صلوا على من قال لا إله إلا الله وصلوا وراء من قال لا إله إلا الله ' .
طريق ثالث : قال الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب : ثنا محمد بن علي ابن يعقوب القاضي ، ثنا إسحاق بن إبراهيم بن أحمد الجرجاني ثنا أبو جعفر محمد بن
____________________
(2/19)
أحمد بن سعيد الرازي ، ثنا العباس بن حمزة ، ثنا عبد السلام بن مسلم الدمشقي ، ثنا وهب ابن وهب ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع عن ابن عمر ، أن رسول الله قال : ' صلوا خلف من قال لا إله إلا الله وصلوا على من قال لا إله إلا الله ' .
طريق رابع : قال الخطيب : وأنا محمد بن علي بن مخلد ، ثنا أبو حفص عمر بن محمد الناقد ، ثنا علي بن إسحاق بن زاطيا ، ثنا عثمان بن عبد الله العثماني ، ثنا مالك بن أنس عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله قال : ' صلوا خلف من قال لا إله إلا الله وصلوا على من مات من أهل لا إله إلا الله ' .
طريق خامس : قال الخطيب : وأنا أبو الحسين محمد بن عبد الرحمن بن عثمان التيمي ، أنا القاضي أبو بكر يوسف بن القاسم الميانجي ، ثنا عثمان بن نصر الطائي ، ثنا العلاء ابن سالم الواسطي ، ثنا أبو الوليد المخزومي ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله ' صلوا على من قال لا إله إلا الله وصلوا وراء من قال لا إله إلا الله ' .
والجواب : أما الحديث الأول : ففيه الحارث الأعور ، قال الشعبي ، وابن المديني : كان كذابا .
وفيه فرات بن سليمان ، قال ابن حبان ، : منكر الحديث جدا بما لا يشك أنه معمول .
وأما حديث ابن مسعود ففيه عمر بن صبح ، قال ابن حبان : كان يضع الحديث .
وأما حديث أبي هريرة ففي طريقه الأول عبد الله بن محمد ين يحي ، قال أبو حاتم هو الرازي : هو متروك الحديث .
وقال ابن حبان لا يحل كتب حديثه .
وفي طريقه الثاني : أشعث وهو مجروح ، وبقية مدلس لا يعول على روايته .
قال الدارقطني : مكحول لم يلحق أبا هريرة .
وقد روى محمد بن سعد أن جماعة من العلماء ضعفوا رواية مكحول .
وأما طريقه الثالث : ففيه معاوية بن صالح ، قال الرازي : لا يحتج به .
____________________
(2/20)
وأما حديث واثلة : ففيه مكحول ، وقد قلنا فيه ، قال الدارقطني وأبو سعيد : مجهول .
وفيه عتبة قال علي بن الحسين بن الجنيد : لا يساوي شيئا . ً
وفيه الحارث بن نبهان ، قال يحيى ليس بشيء .
وقال النسائي متروك .
وقال ابن حبان : لا يحتج به .
وأما حديث أبي الدرداء : فقال العقيلي في الطريق الثاني : إسناده مجهول غير محفوظ .
وقال الدارقطني في الطريق الأول : لا يثبت إسناده ، ما بين عباد وأبي الدرداء ضعفاء .
وأما حديث ابن عمر : ففي طريقه الأول : عثمان بن عبد الرحمن .
قال يحيى : ليس بشيء كان يكذب .
وقال البخاري والنسائي والرازي وأبو داود : ليس بشيء .
وقال الدارقطني : متروك .
وفي طريقه الثاني محمد بن الفضل ، قال أحمد : ليس حديثه بشيء حديثه حديث أهل الكذب .
وقال يحيى كان كذابا .
وقال النسائي : متروك الحديث .
وأما الطريق الثالث : ففيه وهب بن وهب وكان كذابا يضع الحديث بإجماعهم .
وأما الطريق الرابع : ففيه عثمان بن عبد الله ، قال ابن حبان : كان يضع الحديث على الثقات لا يحل كتب حديثه إلا على سبيل الاعتبار .
وقال ابن عدي : وله أحاديث موضوعات .
وفي طريقه الخامس أبو الوليد المخزومي واسمه خالد بن إسماعيل ، قال ابن عدي : كان يضع الحديث على الثقات .
قال أبو جعفر العقيلي : وليس في هذا المتن إسناد يثبت .
وقال الدارقطني ليس فيها ما يثبت .
وسئل أحمد بن حنبل عن هذا الحديث : ' صلوا خلف كل بر وفاجر ' فقال : ما سمعنا بهذا .
ثم لو قدرنا الصحة ولا وجه لها حملناه على الأمراء والذين يخاف منهم فيصلي وراءهم مالا يكون إلا بهم كالجمعة والعيدين .
____________________
(2/21)
ز : هذه الأحاديث في بعض أسانيدها مجاهيل وضعفاء لم يتكلم عليهم المؤلف ، وقد نبه على بعضهم في الحواشي ، وما نقله من الكلام في غير واحد من الضعفاء تشتمل على عدة أوهام قد نبه أيضا على بعضها في الحواشي ثم إنه أخذ يتكلم في مكحول ومعاوية بن صالح وهما من رجال الصحيح .
وقد روى حديث مكحول عن أبي هريرة أبو داود في سننه عن أحمد بن صالح عن ابن وهب عن معاوية بن صالح . وقال الترمذي وغيره : مكحول لم يسمع من أبي هريرة .
وروى حديث مكحول عن واثلة بن الأسقع ابن ماجة في سننه عن أحمد بن يوسف السلمي ، عن مسلم بن إبراهيم ، عن الحارث بن نبهان ، عن عتبة بن يقظان .
وروى حديث عثمان بن عبد الله العثماني عن مالك عن نافع عن ابن عمر : تمام في فوائده عن أبي الحسن علي بن الحسين بن محمد بن هشام الوراق البغدادي عن أبي العباس أحمد بن عمر بن موسى بن زنجويه عن عثمان . وروى حديث أبي الوليد المخزومي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر : الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد في كتاب المختارة ، من طريق الدارقطني ثنا يحيى بن محمد بن صاعد ومحمد بن مخلد قالا : ثنا العلاء بن سالم ، ثنا أبو الوليد المخزومي فذكره ، وأبو الوليد اسمه خالد بن إسماعيل وهو كذاب وضاع وكأن الحافظ أبا عبد الله لم يعرف اسمه وفي المختارة أحاديث كثيرة ضعيفة وهذا الحديث منها .
مسألة [ 216 ] :
لا تصح إمامة الصبي في الفرض . وفي النفل روايتان .
____________________
(2/22)
وقال الشافعي : تصح في الموضعين .
وقد ذكرنا أن أصحابنا قد رووا عن النبي أنه قال : ' لا تقدموا صبيانكم ' .
احتج الخصم بما :
794 - رواه البخاري : ثنا سليمان بن حرب ، ثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن عمرو بن سلمة ، قال : كنا بممر الناس ، وكان يمر بنا الركبان فنسألهم : ما للناس ما للناس ؟ ما هذا الرجل ؟ فيقولون : يزعم أن الله أرسله وأوحى إليه بكذا ، وكنت أحفظ ذلك الكلام وكانت العرب تلوم بإسلامها الفتح فيقولون : اتركوه وقومه فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق فلما كانت وقعة الفتح بادر كل قوم بإسلامهم ، وبادر أبي قومي بإسلامهم فلما قدم . قال : جئتكم من عند النبي حقا . قال : صلوا صلاة كذا في حين كذا وصلاة كذا في حين كذا ، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآنا . فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنا مني ، لما كنت أتلقى من الركبان فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين ، وكانت علي بردة كنت إذا سجدت تقلصت عني ، فقالت امرأة من الحي : ألا تغطوا عنا است قارئكم ، فقطعوا لي قميصا فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص .
انفرد بإخراجه البخاري .
والجواب :
أنه لا حجة في هذا لأنه كان أول إسلام القوم ، ولم يعلموا بجميع الواجبات ، وليس فيه أن الرسول أقر على ذلك .
ز : قال أبو داود : قيل لأحمد : حديث عمرو بن سلمة . قال : لا أدري أي شيء هذا . وقال الخطابي : كان أحمد يضعف أمر عمرو بن سلمة ، وقال مرة : دعه ليس بشيء .
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم في عمرو بن سلمة : وروى بعضهم أن أباه ذهب به إلى النبي .
وقال الحافظ عبد الغني المقدسي : هو معدود فيمن نزل البصرة ولم يلق النبي .
ولم يثبت له سماع منه ، وقد وفد [ أبوه ] سلمة على النبي وقد روي من وجه غريب
____________________
(2/23)
أن عمرا أيضا قدم على النبي .
وقد روى الأثرم في سننه عن ابن مسعود أنه قال : لا يؤم الغلام حتى يجب عليه الحدود .
وعن ابن عباس : لا يؤم الغلام حتى يحتلم .
وذكر أبو الخطاب رواية عن الإمام أحمد في صحة إمامة الصبي في الفرض .
وقال ابن عقيل : يخرج في صحة إمامة ابن عشر سنين وجه ، بناء على القول بوجوب الصلاة عليه .
مسألة [ 217 ] :
لا يصح اقتداء المفترض بالمتنفل ، ولا من يصلي الظهر بمن يصلي العصر .
وقال الشافعي : يصح .
وعن أحمد نحوه .
لنا ما :
795 - روى أحمد : ثنا عبد الرزاق قال : ثنا معمر عن الزهري عن أنس قال : قال رسول الله : ' إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه ' .
أخرجاه في الصحيحين .
ز : هذا الحديث لا دليل فيه على عدم جواز ائتمام المفترض بالمتنفل بل المراد به عدم الاختلاف في الأفعال لأنه إنما ذكر في الحديث الأفعال ، فقال : ' فإذا سجد فاسجدوا ' ولهذا صح ائتمام المتنفل بالمفترض .
____________________
(2/24)
احتجوا بثلاثة أحاديث :
796 - الحديث الأول : قال الإمام أحمد : ثنا سفيان عن عمرو سمعه من جابر قال : ' كان معاذ يصلي مع رسول الله ثم يرجع فيؤمنا ، وقال مرة : فيصلي بقومه ' .
أخرجاه في الصحيحين .
وجوابه :
أن يقال : هذه قضية عين فيحتمل أن يكون معاذ يصلي مع رسول الله نافلة .
فإن قالوا : فقد جاء في الحديث : ' فتكون له تطوعا ' .
قلنا : هذا ظن من الراوي .
797 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : ثنا الحسين بن إسماعيل قال : أنبأ محمد بن عمرو بن أبي مذعور ، ثنا عبد الوهاب الثقفي ، ثنا عنبسة عن الحسن عن جابر : ' أن نبي الله كان محاصرا بني محارب ثم نودي للصلاة : إن الصلاة جامعة ، فجعلهم رسول الله طائفتين طائفة مقبلة على العدو ، وصلى بطائفة ركعتين ثم انصرفوا فكانوا مكان إخوانه ، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم رسول الله ركعتين ، فكان للنبي أربع ركعات ولكل طائفة ركعتين .
فحجتهم : أنه كان بالركعتين الأخريين متنفلا .
وجواب هذا : أنه لا يصح .
قال يحيى ابن معين : عنبسة ليس بشيء . وقال النسائي : متروك .
وقال أبو حاتم الرازي : كان يضع الحديث . وقال ابن حبان : لا يحل الاحتجاج به .
ز : عنبسة الذي ذكر المؤلف فيه الجرح هو عنبسة بن عبد الرحمن بن عنبسة بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي وقد تركوه قاله البخاري ، روى له من أصحاب السنن : الترمذي وابن ماجه .
وأما راوي هذا الحديث فهو عنبسة بن سعيد القطان الواسطي ويقال البصري أخو أبي
____________________
(2/25)
الربيع السمان أشعث بن سعيد وقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة .
قال ابن عباس الدوري عن يحيى بن معين : ضعيف .
قال أبو حاتم : ضعيف الحديث يأتي بالطامات .
وقال الفلاس : كان مختلطا لا يروى عنه قد سمعت منه وجلست إليه متروك الحديث وكان صدوقا لا يحفظ .
وقال أبو عبيد الاجري عن أبي داود : ثقة .
وقال ابن عدي : بعض أحاديثه مستقيمة وبعضها لا يتابع عليه .
وقد روى له أبو داود حديثا واحدا مقرونا بحميد الطويل .
قال النسائي في سننه أخبرني إبراهيم بن يعقوب ، ثنا عمر بن عاصم ، ثنا حماد بن سلمة ، عن قتادة عن الحسن ، عن جابر بن عبد الله : أن النبي صلى بطائفة من أصحابه ركعتين ثم سلم ثم صلى بآخرين ايضا ركعتين ثم سلم .
وروى هشام الدستوائي ، عن قتادة عن سليمان اليشكري ، عن جابر قال : ' فصلى رسول الله بالذين يلونه ركعتين ثم سلم بآخر الذين يلونه على أعقابهم فوقفوا مقام أصحابه وجاء آخرين فصلى بهم ركعتين والأخرى تحرس ثم سلم ' .
تابعه أبو بشر عن سليمان ، وقد اعتمد على هذا الحديث أبو محمد بن حزم وقال الترمذي : سمعت محمدا يقول : سليمان اليشكري يقال : إنه مات في حياة جابر ولا يسمع منه قتادة ولا أبو بشر قال : ولا أعرف لأحد منه سماعا إلا أن يكون عمرو بن دينار فلعله سمع منه في حياة جابر وإنما يحدث قتادة عن صحيفة سليمان .
وقال أبو زرعة والنسائي سليمان ثقة .
وقال أبو حاتم : جالس جابرا وسمع منه وكتب عنه صحيفة وتوفي وبقيت الصحيفة عند امرأته .
وروى أبو الزبير وأبو سفيان والشعبي عن جابر وهم قد سمعوا من جابر وأكثره من الصحيفة وكذلك قتادة قال أبو داود : مات قبل جابر في فتنة ابن الزبير وقال ابن حبان في
____________________
(2/26)
كتاب الثقات يقال : إنه مات في فتنة ابن الزبير قبل جابر .
798 - الحديث الثالث : رواه عن أبي بكرة : ' أن النبي صلى بقوم المغرب ثلاث ركعات ثم جاء آخرون فصلى بهم ثلاث ركعات : .
وهذا لا يعرف .
ز : قال أبو داود في سننه : ثنا عبيد الله بن معاذ ، ثنا أبي ، ثنا الأشعث عن الحسن ، عن أبي بكرة : صلى رسول الله في خوف الظهر فصف بعضهم خلفه وبعضهم بإزاء العدو ، فصلى ركعتين ثم سلم ، فانطلق الذين صلوا معه فوقفوا موقف أصحابه ثم جاء أولئك فصلوا خلفه فصلى بهم ركعتين ثم سلم ، فكانت لرسول الله أربعا ولأصحابه ركعتين ركعتين .
وبذلك كان يفتي الحسن . قال أبو داود : كذلك في المغرب يكون للإمام ست ركعات وللقوم ثلاث ثلاث قال : وكذلك رواه يحيى بن أبي سلمة عن جابر عن النبي ، وكذلك قال سليمان اليشكري عن جابر عن النبي .
وقال النسائي : أنا محمد بن عبد الأعلى ، وإسماعيل بن مسعود ، واللفظ له قالا : ثنا خالد ، عن اشعث ، عن الحسن ، عن أبي بكرة أن رسول الله صلى بالقوم في الخوف ركعتين ثم سلم ثم صلى بالقوم الآخرين ركعتين ثم سلم فصلى النبي أربعا .
قال : وأنا عمرو بن علي ثنا يحيى بن سعيد ثنا الأشعث ، عن الحسن عن أبي بكرة عن النبي في صلاة الخوف صلى بهم ركعتين فكانت للنبي أربعا ولهم ركعتان ركعتان .
وقد روى ابن حزم حديث أبي بكر من رواية القطان ومعاذ بن معاذ عن أشعث الحمراني ، وساق أحاديث في هذا ثم قال : وفي هذا دليل على أنه صلى تطوعا بقوم ، وهذا قول جمهور الصحابة ، وطاوس ، وعطاء ، والشافعي ، وأبي ثور ، وداود ، لأنهم صح عندهم جواز صلاة الإمام الفرض بجماعة ثم يصلي تلك الصلاة بطائفة أخرى في حال الأمن وبغير ضرورة .
____________________
(2/27)
مسألة [ 218 ] :
لا يصح أن يأتم القادر على القيام بالعاجز إلا إذا كان إمام الحي مريضا ، وكان يرجى برؤه .
وقال أبو حنيفة : يجوز بكل حال .
وعن مالك كمذهبهم ، وعنه المنع على الإطلاق .
799 - قال الإمام أحمد : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، ثنا زائدة ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن عبيد الله بن عبد الله عن عائشة : ' أن رسول الله وجد خفة فخرج وجلس إلى جنب أبي بكر فجعل أبو بكر يصلي قائما ورسول الله قاعداً ' .
800 - قال أحمد : وثنا أبو معاوية ، ثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود عن عائشة قالت : وجد رسول الله من نفسه خفة فجاء وأبو بكر يصلي بالناس ، فجلس عن يسار أبي بكر فكان رسول الله يصلي بالناس قاعداً وأبو بكر قائما يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله والناس يقتدون بصلاة أبي بكر .
الحديثان في الصحيحين .
____________________
(2/28)
مسألة [ 219 ] :
فإن صلى بهم جالسا من أول الصلاة فمذهب أحمد أنهم يصلون خلفه جلوسا خلافا لأكثر الفقهاء .
ويستدل أحمد بثلاثة أحاديث :
801 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا عبد الرزاق ، قال : ثنا معمر عن الزهري عن أنس قال : سقط رسول الله من فرس فجحش شقه الأيمن فدخلوا عليه فصلى بهم قاعدا وأشار إليهم أن اقعدوا فلما سلم قال : ' إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا : ربنا ولك الحمد ، وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون ' .
802 - الحديث الثاني : قال أحمد : وثنا يحيى قال : ثنا هشام قال : أخبرنا أبي عن عائشة أن رسول الله دخل عليه الناس في مرضه يعودونه فصلى بهم جالسا فجعلوا يصلون قياما فاشار إليهم أن اجلسوا ، فلما فرغ قال : ' إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا ' .
803 - الحديث الثالث : قال أحمد : وثنا وكيع قال : ثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله قال : صرع النبي من فرس على جذع نخلة فانفكت قدمه فدخلنا عليه
____________________
(2/29)
نعوده فوجدناه يصلي فصلينا بصلاته ونحن قيام فلما صلى قال : ' إنما جعل الإمام ليؤتم به .
فإن صلى قائما فصلوا قياما وإن صلى جالسا فلا تقوموا وهو جالس كما يفعل أهل فارس بعظمائها ' .
انفرد بإخراج هذا مسلم .
واللذان قبله في الصحيح .
وقد حكى البخاري عن الحميدي أنه قال : هذا كان في مرضه القديم ثم صلى بعد جالسا والناس خلفه قياما لم يأمرهم بالقعود ، وإنما يؤخذ بالآخر فالآخر من فعل النبي .
قال المؤلف : وهذا عندي هو الصحيح .
ز : قد روي أن أبا بكر كان هو الإمام في آخر الأمر .
قال الترمذي : حدثنا عبد الله بن أبي زياد ، ثنا شبابة بن سوار ، ثنا محمد بن طلحة ، عن حميد عن ثابت ، عن أنس ، قال : صلى رسول الله في مرضه خلف أبي بكر قاعدا في ثوب متوشحا به ، قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .
وهكذا رواه يحيى بن أيوب عن حميد عن ثابت عن أنس ، وقد رواه غير واحد عن حميد عن أنس ولم يذكروا فيه عن ثابت ، ومن ذكر فيه عن ثابت فهو أصح .
وقال محمد بن إسماعيل الترمذي : ثنا أيوب بن سليمان حدثني أبو بكر بن أبي أويس عن سليمان عن حميد عن ثابت البناني عن أنس قال : آخر صلاة صلاها رسول الله مع القوم صلى في ثوب واحد متوشحا به خلف أبي بكر الصديق رضي الله عنه .
ورواه أبو حاتم محمد بن حبان البستي عن عمر بن محمد بن بجير الهمداني ، عن إسحاق بن إبراهيم بن سويد الرملي ، عن أيوب بن سليمان .
وقال خيثمة بن سليمان : ثنا إسحاق بن سيار أبو يعقوب النصيبي ، ثنا عمر بن الربيع ، قال : حدثني يحيى بن أيوب ، عن حميد ، قال : حدثني ثابت البناني ، عن أنس : ' أن رسول الله صلى خلف أبي بكر في ثوب واحد مخالف بين طرفيه فلما أراد أن يقوم قال : ادعوا لي أسامة فجاءه فاسند ظهره إلى نحره فكانت آخر صلاة صلاها رسول الله مع القوم صلى في ثوب واحد متوشحا به خلف أبي بكر ' هكذا رواه النسائي في سننه ولم يذكر ثابتا .
____________________
(2/30)
وقال الترمذي : ثنا محمود بن غيلان ، ثنا شبابة ، عن شعبة ، عن نعيم بن أبي هند ، عن أبي وائل ، عن مسروق ، عن عائشة قالت : ' صلى النبي خلف أبي بكر في مرضه الذي مات فيه قاعدا ' قال الترمذي : حديث حسن غريب صحيح .
وقال النسائي : أنا محمد بن المثنى ، ثنا بكر بن عيسى ، سمعت شعبة يذكر عن نعيم ابن أبي هند ، عن أبي وائل ، عن مسروق ، عن عائشة : أن أبا بكر صلى بالناس ورسول الله في الصف .
قال الترمذي : وقد روي عن عائشة عن النبي أنه قال : ' إذا صلى الإمام جالسا فصلوا جلوسا ' وروي عنها : ' أن النبي خرج في مرضه وأبو بكر يصلي بالناس فصلى إلى جنب أبي بكر ، الناس يأتمون بأبي بكر ، وأبو بكر يأتم بالنبي ' وروي عنها : أن النبي صلى خلف أبي بكر قاعدا .
مسألة [ 220 ] : يجوز أن ينفرد [ المأموم ] لعذر فإن لم يكن عذر فعلى روايتين .
وقال أبو حنيفة : لا يجوز بحال . فإن فعل بطلت الصلاة .
لنا :
804 - أن النبي صلى بهم ركعة في الخوف ثم انتظرهم حتى أتموا لأنفسهم .
وسيأتي مسندا إن شاء الله تعالى .
____________________
(2/31)
[ مسألة [ 221 ] :
يكره للإمام أن يكون موضعه أعلى من المأموم .
وقال الشافعي : إذا كان يعلمهم الصلاة استحب ذلك .
لنا حديثان :
805 - قال الدارقطني : حدثنا أحمد بن زياد ، حدثنا محمد بن غالب ، حدثنا زكريا ابن يحيى بن حمويه ، حدثنا زياد بن عبد الله بن الطفيل ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن همام ، عن أبي مسعود الأنصاري قال نهى رسول الله أن يقوم الإمام فوق شيء والناس خلفه .
يعني اسفل منه
فإن قالوا : قد قال الدارقطني : لم يروه غير زياد ، ولم يروه غير همام فيما أعلم ، وقد ضعف ابن المديني ويحيى : زياد .
قلنا : قال أحمد : هو ثقة .
وقال أبو زرعة صدوق ] .
ز : قال : ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلك ؟ قال : بلى قد ذكرت حين مددتني .
806 - الحديث الثاني : قال أبو داود : ثنا أحمد بن إبراهيم ، ثنا حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني أبو خالد ، عن عدي بن ثابت الانصاري ، قال حدثني رجل : أنه كان مع عمار بن ياسر بالمدائن فأقيمت الصلاة ، فتقدم عمار ، فقام على دكان وكان يصلي والناس أسفل منه ، فتقدم حذيفة فأخذ على يديه فاتبعه عمار حتى أنزله حذيفة فلما فرغ عمار من صلاته قال له حذيفة : ألم تسمع رسول الله يقول : ' إذا أم الرجل القوم فلا يقم في مكان أرفع من مقامهم ' .
أو نحو ذلك ؟ قال عمار : لذلك اتبعتك حين أخذت على يدي .
____________________
(2/32)
ز : في إسناد هذا الحديث رجل مبهم ، وأبو خالد ليس بمعروف ويحتمل أن يكون الدالاني وفيه كلام .
مسألة [ 222 ] :
صلاة الفذ خلف الصف باطلة .
خلافا لأكثرهم .
لنا حديثان :
807 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا محمد بن جعفر ، ثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن هلال بن يساف ، عن عمرو بن أسد عن وابصة بن معبد : أن رسول الله رأى رجلا يصلي وحده خلف الصف فأمره أن يعيد الصلاة .
ز : روى هذا الحديث أبو داود والترمذي ، وقال : حديث حسن .
وقال الإمام أحمد : حديث وابصة حديث حسن ، وقال ابن المنذر : ثبته أحمد وإسحاق .
وقد رواه الترمذي أيضا من رواية حصين عن هلال بن يساف قال : أخذ زياد بن أبي الجعد بيدي ونحن بالرقة فقام بي على شيخ يقال له وابصة فقال زياد : حدثني هذا الشيخ والشيخ يسمع أن رجلا صلى فذكر معناه .
قال : واختلف أهل العلم في هذا ، فقال بعضهم : حديث عمرو بن مرة اصح ، وقال بعضهم : حديث حصين أصح وهو عندي أصح من حديث عمرو . ورواه ابن ماجة من حديث حصين عن هلال بن يساف قال : أخذ بيدي
____________________
(2/33)
زياد بن أبي الجعد فأوقفني على شيخ بالرقة يقال له : وابصة بن معبد ، فقال : صلى رجل خلف الصف وحده فأمره النبي أن يعيد ولم يذكر حدثني هذا الشيخ ، فكأن هلالا رواه عن وابصة نفسه .
808 - الحديث الثاني : قال أحمد : وثنا عبد الصمد ، ثنا ملازم بن عمرو ، أنا عبد الله ابن براد ، أن عبد الرحمن بن علي حدثه ، أن أباه علي بن شيبان حدثه ، أنه خرج وافدا إلى رسول الله قال : فصلينا خلف رسول فرأى رسول رجلا يصلي خلف الصف فوقف حتى انصرف الرجل ، فقال رسول الله : ' استقبل صلاتك فلا صلاة لفرد خلف الصف ' .
ز : روى هذا الحديث ابن ماجة في سننه بنحوه عن أبي بكر عن ملازم وإسناده قوي . وقال الأثرم : قلت لأبي عبد الله حديث ملازم بن عمرو يعني هذا الحديث في هذا أيضا حسن .
قال : نعم .
مسألة [ 223 ] :
إذا أحس الإمام بداخل استحب له الانتظار ما لم يشق .
وقال أبو حنيفة ومالك : يكره .
لنا : أن النبي انتظر الناس في صلاة الخوف لإدراك فضيلة الجماعة ، وسيأتي مسندا .
____________________
(2/34)
مسألة [ 224 ] :
إذا صلى الكافر حكم بإسلامه .
وقال أبو حنيفة : إن صلى في جماعة .
وقال مالك والشافعي وداود : لا يحكم بإسلامه .
وقد استدل أصحابنا بما رووا أن النبي قال : ' من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فهو مسلم ' .
وهذا الحديث إنما نعرفه بتمام يمنع الاستدلال به .
809 - قال الإمام أحمد : ثنا علي بن إسحاق ، ثنا عبد اللهبن المبارك ، ثنا حميد الطويل عن أنس أن رسول الله قال : ' أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله واستقبلوا قبلتنا وأكلوا ذبيحتنا وصلوا صلاتنا فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم ' . انفرد بإخراجه البخاري .
مسألة [ 225 ] :
إذا صلى بقوم وهو محدث فإن كان عالما يحدث نفسه أعاد وأعادوا بكل حال ، وإن
____________________
(2/35)
كان ناسيا فذكر في أثناء الصلاة فعليه الإعادة وفي المأمومين روايتان .
وإن ذكر بعد الفراغ أعاد وحده .
وقال مالك : إن تعمدوا أعاد وأعادوا وإن كان ناسيا أعاد وحده .
وقال الشافعي : يعيد ولا يعيدون بكل حال .
وقال أبو حنيفة : يعيد ويعيدون بكل حال .
810 - قال أبو الحسن الدارقطني : ثنا الحسين بن محمد بن سعيد البزار ثنا جحدر بن الحارث قال : ثنا بقية بن الوليد عن عيسى بن إبراهيم ، عن جويبر ، عن الضحاك عن البراء ابن عازب ، عن النبي قال : أيما إمام سها فصلى بالقوم وهو جنب فقد مضت صلاتهم ثم يغتسل هو ثم ليعد صلاته فإن صلى بغير وضوء فمثل ذلك ' .
811 - قال الدارقطني : وثنا عبد الله بن أحمد بن عتاب ، ثنا أحمد بن الفرج الحمصي ، ثنا بقية بن الوليد ، ثنا عيسى بن عبد الله الأنصاري ، عن جويبر ، عن الضحاك عن البراء قال : صلى رسول الله بقوم وليس هو على وضوء فتمت للقوم صلاتهم وأعاد النبي .
هذا حديثان لا يصحان .
بقية مدلس ، وعيسى ضعيف ، وجويبر متروك ، والضحاك لم يلق البراء .
ز : عيسى بن عبد الله الأنصاري .
قال ابن عدي : عامة ما يرويه لا يتابع عليه .
وروى هذا الحديث في ترجمته ولم يذكر جويبرا في الإسناد ، فقال :
حدثنا أبو عروبة ، ثنا ابن مصفى ، ثنا بقية ، عن عيسى بن عبد الله الأنصاري ، عن الضحاك بن مزاحم ، عن البراء قال : صلى النبي بأصحابه على غير وضوء فأعاد ولم يعيدوا .
____________________
(2/36)
احتجوا بثلاثة أحاديث :
812 - الحديث الأول : قال الدارقطني : ثنا يعقوب بن إبراهيم البزاز ، ثنا أحمد بن محمد بن يحي الجلاب ، ثنا أبو معاوية ، ثنا ابن أبي ذئب ، عن أبي جابر البياضي عن سعيد ابن المسيب : ' أن رسول الله صلى بالناس وهو جنب فأعاد وأعادوا ' .
813 - الحديث الثاني : رووه عن علي عن النبي : ' أنه صلى بهم ثم انصرف ثم جاء ورأسه يقطر فأعاد بنا ' .
814 - الحديث الثالث : رووه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' إذا فسدت صلاة الإمام فسدت صلاة من خلفه ' .
والجواب :
أما الحديث الأول : فقال الدارقطني : هو مرسل ، وأبو جابر متروك الحديث .
وأما الحديثان الآخران : فلا يعرفان .
ز : روى ابن المنكدر عن الشريد الثقفي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه صلى بالناس وهو جنب فأعاد ولم يأمرهم أن يعيدوا .
وعن عبد الرحمن بن مهدي ، عن هشيم ، عن خالد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو بن الحارث بن أبي ضرار ، أن عثمان بن عفان رضي الله عنه صلى بالناس وهو جنب فلما أصبح نظر في ثوبه احتلاما ، فقال : كبرت والله لا أراني أجنب ثم لا أعلم ثم أعاد ولم يأمرهم أن يعيدوا .
قال عبد الرحمن : وهذا المجتمع عليه الجنب يعيد ولا يعيدون ما أعلم فيه اختلافا .
وعن عبد الرزاق عن معمر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر أنه صلى بهم وهو على غير وضوء ، فأعاد ولم يأمرهم بالإعادة .
وعن عمرو بن خالد عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عاصم بن ضمرة ، عن علي رضي الله عنه أنه صلى بالقوم وهو جنب فأعاد ثم أمرهم فأعادوا .
روى هذا كله البيهقي ، وقال في حديث علي : إنما يرويه عمرو بن خالد أبو
____________________
(2/37)
خالد الواسطي وهو متروك رماه الحفاظ بالكذب .
وقال وكيع : كان كذابا فلما عرفناه بالكذب تحول إلى مكان آخر .
حدث عن حبيب بن أبي ثابت عن عاصم بن ضمرة عن علي : أنه صلى بهم وهو على غير طهارة فأعاد وأمرهم بالإعادة . وقال عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري حبيب بن أبي ثابت لم يرو عن عاصم بن ضمرة شيئا قط . وقال عبد الله بن المبارك : ليس في الحديث قوة لمن يقول : إذا صلى الإمام بغير وضوء أن أصحابه يعيدون ، والحديث الآخر أثبت أن لا يعيد القوم ، هذا لمن أراد الإنصاف بالحديث . وقال علي بن المديني : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان وشعبة ، عن مغيرة ، عن إبراهيم في الرجل يصلي بقوم وهو على غير وضوء قال : يعيد ولا يعيدون .
قال عبد الرحمن : قلت لسفيان : تعلم أحدا قال : يعيد ويعيدون غير حماد .
قال : لا .
ويحتج على الشافعي بما :
815 - روى أحمد : ثنا قتيبة قال : ثنا عبد العزيز بن محمد عن سهيل ، عن أبيه عن أبي هريرة ، أن رسول الله قال : ' الإمام ضامن ' .
ز : روى مسلم بهذا الإسناد نحوا من أربعة عشر حديثا .
وروى أبو داود هذا الحديث عن الحسن بن علي عن ابن نمير عن الأعمش قال : نبئت عن أبي صالح ، ولا أراني إلا وقد سمعته منه ، وعن أحمد بن حنبل عن ابن فضيل عن الأعمش عن رجل عن أبي صالح .
ورواه الترمذي عن هناد ، عن أبي الأحوص ، وأبي معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، وقال : رواه سفيان الثوري وحفص بن غياث وغير واحد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة ، وروى أسباط عن الأعمش قال : حدثت عن أبي صالح عن أبي هريرة .
وروى [ نافع بن سليمان ] عن محمد بن أبي صالح عن أبيه عن عائشة عن النبي
____________________
(2/38)
الحديث وسمعت أبا زرعة يقول : حديث أبي صالح عن أبي هريرة أصح من حديث أبي صالح عن عائشة ، وذكر عن علي بن المديني أنه لم يثبت حديث أبي صالح عن أبي هريرة ولا حديث أبي صالح عن عائشة في هذا .
مسألة [ 226 ] :
ما يدركه المأموم آخر صلاته .
وعنه : أولها كقول الشافعي .
816 - قال محمود بن إسحاق الخزاعي : ثنا البخاري قال : ثنا أبو نعيم قال ثنا ابن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي أنه قال : ' ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا ' .
أخرجاه في الصحيحين .
وفي لفظ أخرجه مسلم : ' واقض ما سبقك ' .
وكذلك روى أبو ذر وأنس عن رسول الله : ' واقضوا ' .
وقد روى جماعة عن أبي هريرة : ' وما فاتكم فأتموا ' .
منهم ابن أبي ذئب وإبراهيم ابن سعد ومعمر وشعيب عن الزهري . وما ذهبنا إليه أكثر وأقوى ، ثم نحمله على أن يكون المعنى فأتموا قضاء .
____________________
(2/39)
ز : لم يخرج البخاري ومسلم قوله : ' وما فاتكم فاقضوا ' في صحيحيهما ، وإنما لفظهما : ' وما فاتكم فأتموا ' فعن أبي قتادة قال : بينما نحن نصلي مع رسول الله إذ سمع جلبة رجال فلما صلى قال : ' ما شأنكم ' قالوا : استعجلنا إلى الصلاة .
قال : ' فلا تفعلوا إذا أتيتم الصلاة فعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا ' متفق عليه .
وعن أبي هريرة عن النبي قال : ' إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا ' متفق عليه هذا لفظ البخاري .
وفي لفظ مسلم : ' صل ما أدركت واقض ما سبقك ' .
ورواه الإمام أحمد عن سفيان بن عيينة عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة : ' وما فاتكم فأقضوا ' .
ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد ، وزهير بن حرب عن سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن سعيد ، عن أبي هريرة ، ولم يذكر لفظه ثم ساقه من طريق إبراهيم ابن سعد عن الزهري ولم يذكر لفظه أيضا . ثم ذكره من طريق يونس عن الزهري ولفظه : ' وما فاتكم فأتموا ' .
وقال أبو داود : قال يونس ، والزبيدي ، وابن أبي ذئب ، وإبراهيم بن سعد ، ومعمر ، وشعيب بن أبي حمزة ، عن الزهري : ' وما فاتكم فأتموا ' .
وقال ابن عيينة عن الزهري وحده ' فاقضوا ' .
وقال محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة ، وجعفر ابن ربيعة عن الأعرج عن أبي هريرة : ' فأتموا ' .
وابن مسعود عن النبي ، وأبو قتادة ، وأنس عن النبي : ' فأتموا ' .
وروى البيهقي من طريق أحمد بن سلمة قال : سمعت مسلم بن الحجاج يقول : لا أعلم هذه اللفظة رواها عن الزهري غير ابن عيينة : ' واقضوا ما فاتكم ' ، قال مسلم : أخطأ ابن عيينة في هذه اللفظة .
قال البيهقي : والذين قالوا : ' فأتموا ' أكثر وأحفظ وألزم لأبي هريرة فهو أولى والله أعلم .
قال أبو داود : ثنا أبو الوليد الطيالسي ، ثنا شعبة ، عن سعد بن إبراهيم قال : سمعت أبا سلمة عن أبي هريرة عن النبي قال : ' أئتوا الصلاة وعليكم السكينة فصلوا ما أدركتم واقضوا ما سبقكم '
قال أبو داود : وكذا قال ابن سيرين عن أبي هريرة : ويقضي ، وكذا قال أبو رافع عن أبي هريرة ، وأبو ذر روي عنه ' فأتموا واقضوا ' اختلف عنه .
____________________
(2/40)
والتحقيق أنه ليس بين اللفظتين فرق فإن القضاء هو الإتمام في عرف الشرع ، قال الله تعالى : ( ^ فإذا قضيتم مناسككم ) وقال تعالى ( ^ فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض )
مسألة [ 227 ] :
يجوز إعادة الجماعة في مسجد له إمام راتب .
وقال أبو حنيفة : لا تجوز .
وقال أبو يوسف : تجوز لكن لا تجوز إعادة الأذان والإقامة .
وقال أصحاب الشافعي : لا يجوز ذلك في المسجد الذي لا تتكرر فيه الجماعة مثل مساجد الدروب ويجوز ذلك في مساجد الأسواق التي تتكرر فيها .
لنا ثلاثة أحاديث
817 - الحديث الأول : قال الإمام أحمد : ثنا محمد بن أبي عدي ، عن سعيد بن أبي عروبة ، قال : حدثني سليمان الناجي ، عن أبي المتوكل عن أبي سعيد : ' أن النبي صلى بأصحابه ثم جاء رجل فقال نبي الله : ' من يتجر على هذا ؟ أو من يتصدق على هذا فيصلي معه ؟ ' قال : فصلى معه رجل .
ز : روى هذا الحديث أبو داود ، والترمذي ، وقال حديث حسن ، وأبو بكر بن خزيمة في صحيحه ، وابن حبان ، والحاكم وقال : على شرط مسلم .
818 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : ثنا محمد بن مخلد ، ثنا إسحاق بن داود ابن عيسى ، ثنا خالد بن عبد السلام الصدفي ، ثنا الفضل بن مختار عن عبيد الله بن موهب
____________________
(2/41)
عن عصمة بن مالك ، قال : كان رسول الله قد صلى الظهر وقعد في المسجد ، إذ دخل رجل يصلي ، فقال رسول الله : ' ألا رجل يقوم فيتصدق على هذا فيصلي معه ' .
وهذا الحديث ضعيف من جهة الفضل بن المختار قال الرازي : هو مجهول وأحاديثه منكرة يحدث بالأباطيل .
ز : عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس : أن رجلا جاء وقد صلى النبي فقام يصلي وحده فقال رسول الله : ' من يتجر على هذا فيصلي معه ' .
رواه الدارقطني عن ابن صاعد ، عن عمر بن محمد بن الحسن الأسدي ، عن أبيه ، عن حماد .
ورواه الطبراني عن محمد بن العباس الأخرم ، عن عمر بن محمد ، وقال لم يروه عن حماد بن سلمة إلا محمد بن الحسن الأسدي .
ومحمد بن الحسن بن الزبير الأسدي المعروف بالتل ، قال يحيى بن معين : ليس بشيء حكاه ابن عدي وغيره عنه . وحكى ابن أبي حاتم عن يحيى أنه قال : هو شيخ .
وقال أبو حاتم : شيخ . وقال أبو عبيد الآجري عن أبي داود : صالح يكتب حديثه .
وقال أبو جعفر العقيلي : لا يتابع على حديثه . وقال ابن عدي : حدث عنه الثقات من الناس ولم أر بحديثه بأسا . وقال أبو حاتم في ابنه عمر ، محله الصدق .
وقال النسائي : صدوق . وقد روى البخاري عن عمر بن محمد عن أبيه .
819 - الحديث الثالث : حديث محجن أن رسول الله قال له : ' صل وإن كنت قد صليت ' .
وقد سبق بإسناده في مسائل أوقات النهي .
احتج الخصم بقوله :
820 - : ' لا تصلوا صلاة في يوم مرتين ' .
____________________
(2/42)
وقد سبق في مسائل أوقات النهي وجوابه .
مسألة [ 228 ] :
الترتيب مستحق في قضاء الفوائت ، وإن كثرت .
وقال الشافعي : لا يستحق .
وقال أبو حنيفة ومالك : في الخمس فما دون كقولنا ، وفيما زاد كقوله .
لنا ثلاثة أحاديث :
821 - الحديث الأول : قال البخاري : ثنا المكي بن إبراهيم قال : ثنا هشام عن يحيى عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله : أن عمر جاء يوم الخندق بعدما غربت الشمس فجعل يسب كفار قريش وقال : يا رسول الله ما كدت أصلي حتى كادت الشمس تغرب . فقال النبي : ' والله ما صليتها ' فنزلنا مع النبي بطحان فتوضأ وتوضأنا فصلى العصر بعدما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب .
أخرجاه في الصحيحين .
822 - الحديث الثاني : قال الإمام أحمد : ثنا موسى بن داود ، ثنا ابن لهيعة عن يزيد ابن أبي حبيب عن محمد بن يزيد ، أن عبد الله بن يزيد ، أن عبد الله بن عوف حدثه أن أبا جمعة حبيب بن سباع حدثه : أن النبي عام الأحزاب صلى المغرب فلما فرغ قال : ' هل علم أحد منكم أني صليت العصر ؟ ' قالوا : لا يا رسول الله ما صليتها ، فأمر المؤذن فأقام
____________________
(2/43)
فصلى العصر ثم أعاد المغرب .
ز : ابن لهيعة فيه وهو ضعيف لا يحتج به إذا انفرد ، ومحمد بن يزيد هو ابن أبي زياد الفسطيني صاحب حديث الصور روى عنه جماعة ، لكن قال أبو حاتم : هو مجهول .
وقال ابن يونس : كان يجالس زيد بن أبي حبيب .
وعبد الله بن عوف هو القاري روى عنه الزهري وغيره وكان عامل عمر بن عبد العزيز على ديوان فلسطين .
823 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : روى أبو إبراهيم الترجماني عن سعيد بن عبد الرحمن الجمحي ، عن عبيد الله ، عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله : ' من نسي صلاة فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فليصل مع الإمام فإذا فرغ من صلاته فليعد الصلاة التي نسي ثم ليعد الصلاة التي صلاها مع الإمام ' .
قال الدارقطني : وهم في رفعه الترجماني .
والصحيح أنه موقوف من قول ابن عمر .
كذلك رواه مالك عن نافع عن ابن عمر قوله .
ز : روى هذا الحديث أبو يعلى الموصلي عن إسماعيل بن إبراهيم أبي إبراهيم الترجماني مرفوعا .
ورواه الدارقطني عن جعفر بن محمد الواسطي ، عن موسى بن هارون عن يحي بن أيوب ، عن سعيد بن عبد الرحمن ، عن عبيد الله ، عن نافع عن ابن عمر قال : إذا نسي أحدكم ، موقوف .
قال أبو موسى : وحدثناه أبو إبراهيم الترجماني ثنا سعيد ورفعه إلى النبي ووهم في رفعه ، والصحيح موقوف من قول ابن عمر .
ورواه البيهقي وقال : تفرد أبو إبراهيم الترجماني برواية هذا الحديث مرفوعا والصحيح أنه من قول ابن عمر موقوفا ، كذا رواه غير أبي إبراهيم عن سعيد ، ورواه من طريق مالك بن أنس وعبيد الله بن عمر موقوفا .
____________________
(2/44)
مسائل القصر والجمع
مسألة [ 229 ] :
يجوز القصر والفطر في ستة عشر فرسخا .
وقال أبو حنيفة : لا يجوز في أقل من مسافة ثلاثة أيام سير الإبل .
وقال داود : يجوز في السفر القصير والطويل .
824 - قال الدارقطني : حدثني أحمد بن محمد بن زياد ، ثنا أبو إسماعيل الترمذي ثنا إبراهيم بن العلاء ، ثنا إسماعيل بن عياش ، عن عبد الوهاب بن مجاهد ، عن أبيه ، وعطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس : أن رسول الله قال : ' يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان ' .
إسماعيل بن عياش ضعيف ، وعبد الوهاب أشد ضعفا ، قال أحمد ويحي : ليس عبد الوهاب بشيء . وقال الثوري : هو كذاب .
وقال النسائي : متروك الحديث .
ز : روي عن جماعة من السلف جواز القصر في أقل من يوم ، والصحيح جواز القصر
____________________
(2/45)
في السفر الطويل والقصير ، قال صاحب المغني : ولا أري لما صار إليه الأئمة حجة ، لأن أقوال الصحابة مختلفة متعارضة ، ولا حجة فيها مع الاختلاف .
ثم [ لو ] لم يوجد ذلك لم يكن قولهم حجة على قول النبي وفعله ، وإذا لم تثبت أقوالهم امتنع المصير إلى التقدير الذي ذكروه لوجهين :
أحدهما : أنه مخالف للسنة التي رويناها ، ولظاهر القرآن .
فإن ظاهر القرآن إباحة القصر لمن ضرب في الأرض .
والثاني : أن التقدير بابه التوقيف فلا يجوز المصير إليه برأي مجرد ، سيما وليس له أصل يرد إليه ولا نظير يقاس عليه والحجة مع من أباح القصر لكل مسافر إلا أن ينعقد الإجماع على خلافه .
مسألة [ 230 ] :
القصر رخصة .
وقال أبو حنيفة : عزيمة .
وعن أصحاب مالك كالمذهبين .
لنا أربعة أحاديث :
825 - الحديث الأول : قال الإمام أحمد : ثنا ابن إدريس ن أنا ابن جريج ، عن ابن أبي عمار ، عن عبد الله بن باباه ، عن يعلى بن أمية ، قال : سألت عمر بن الخطاب قلت :
____________________
(2/46)
( ^ ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ) وقد أمن الناس .
فقال لي عمر : عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله عن ذلك فقال : ' صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ' .
انفرد به مسلم .
826 - الحديث الثاني : قال الترمذي : ثنا أبو كريب ، ثنا وكيع ، ثنا أبو هلال ، عن عبد الله بن سوادة ، عن أنس بن مالك - رجل من بني عبد الله بن كعب - قال : أغارت علينا خيل رسول الله فأتيت رسول الله فوجدته يتغدى فقال : ' ادن فكل ' ؟ فقلت : إني صائم ، فقال : ' ادن أحدثك عن الصوم : إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة وعن الحامل أو المرضع الصوم ' .
فيا لهف نفسي ، أن لا أكون طعمت من طعام رسول الله .
ليس لأن غير هذا الحديث وهو يدل على أن فرض المسافر أربع .
ز : روى هذا الحديث أبو داود ، وابن ماجه والنسائي من طرق كثرة ، وقال الترمذي : حسن ولا نعرف لأنس بن مالك هذا عن النبي غير هذا الحديث .
827 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : ثنا الحسين بن إسماعيل ، ثنا سعيد بن محمد ابن ثواب ، ثنا أبو عاصم ، ثنا عمر بن سعيد ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن عائشة : ' أن النبي كان يقصر في السفر ويتم ويفطر ويصوم ، قال الدارقطني : إسناد صحيح .
وقد اعترض على هذا الحديث بعض الفقهاء فقال : يرويه مغيرة بن زياد وقد ضعفه أحمد .
وقال أبو زرعة : لا يحتج بحديثه .
ولعمري أنه قد رواه مغيرة عن عطاء .
غير أنا لم نخرجه من تلك الطريق ، ثم إن المغيرة قد وثقه وكيع ويحي بن معين .
____________________
(2/47)
ز : هذا الحديث من طريق المغيرة أشهر ، قال عبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل : سألت أبي عن حديث المغيرة بن زياد عن عطاء عن عائشة قالت : قصر رسول الله في السفر وأتم وصام وأفطر ، فأنكره وقال : المغيرة ضعيف ، وسألت يحيى عنه فقال : ليس به بأس .
وقد رواه البيهقي من رواية دلهم بن صالح والمغيرة بن زياد وطلحة بن عمرو ، ثلاثتهم ضعفاء - عن عطاء عن عائشة - والصحيح عن عائشة أنها كانت تتم موقوفا .
قال البيهقي : أنا أبو حامد أحمد بن علي الرازي الحافظ ، أنا زاهر بن أحمد ، ثنا أبو بكر النيسابوري ، ثنا محمد بن يحيى ، وإبراهيم بن مرزوق ، ومحمد بن عبيد الله ، قالوا : ثنا وهب بن جرير ، ثنا شعبة ن عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة : أنها كانت تصلي في السفر أربعا فقلت لها : لو صليت ركعتين فقالت : يا ابن أختي إنه لا يشق علي .
828 - الحديث الرابع : قال الدارقطني : وثنا أبو بكر النيسابوري ، ثنا عبد الله بن محمد بن عمرو الخزي ، ثنا محمد بن يوسف الفريابي ، ثنا العلاء بن زهير ، عن عبد الرحمن ابن الأسود ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : خرجت مع رسول الله في عمرة في رمضان فأفطر وصمت وقصر وأتممت .
فقلت : بأبي وأمي أفطرت وصمت وقصرت وأتممت .
قال : ' أحسنت يا عائشة ' قال الدارقطني : هذا إسناد حسن .
ز : هذا حديث منكر ، وقوله : ' في عمرة في رمضان ' باطل فإن نبي الله لم يعتمر في رمضان قط ، والعلاء بن زهير قال فيه ابن حبان : يروى عن الثقات مالا يشبه حديث الأثبات فبطل الاحتجاج به فيما لم يوافق الثقات .
كذا قال في كتاب الضعفاء ، وذكره أيضا في كتاب الثقات فتناقض ، وقد وثقه يحيى بن معين في رواية إسحاق بن منصور .
وقد روى هذا الحديث النسائي في سننه فقال : أخبرنا أحمد بن يحيى الصوفي ، أنا أبو نعيم ، ثنا العلاء بن زهير الأزدي ، ثنا عبد الرحمن بن الأسود عن عائشة : أنها اعتمرت مع رسول الله من المدينة إلى مكة حتى إذا قدمت مكة قالت : يا رسول الله بأبي وأمي قصرت وأتممت وأفطرت وصمت .
قال : ' أحسنت يا عائشة ' وما عاب علي .
لم يذكر الأسود ، وقال أبو بكر النيسابوري : هكذا قال أبو نعيم عن عبد الرحمن عن عائشة ، ومن قال عن أبيه في هذا الحديث فقد أخطأ . وقد روى البيهقي هذا الحديث من رواية عبد الرحمن عن أبيه عن عائشة وقال : إسناده صحيح . ومن رواية عبد الرحمن عن عائشة
____________________
(2/48)
كما رواه النسائي وقال علي - يعني الدارقطني - الأول متصل وهو إسناد حسن ، وعبد الرحمن قد أدرك عائشة فدخل عليها وهو مراهق .
وقد احتج أصحابنا بحديث خامس ذكره أبو بكر الأثرم من حديث أنس بن مالك قال : كنا نسافر فمنا المتمم ومنا المقصر لا يعيب بعضنا على بعض .
غير أن هذا الحديث لا يصح ، تفرد به زيد العمي وليس بشيء ، وإنما الحديث المعروف : فمنا الصائم ومنا المفطر .
احتجوا بحديث وبثلاثة آثار :
أما الحديث فرواه الدارقطني : ثنا أحمد بن المغلس ، ثنا أبو همام .
قال : حدثني بقية بن الوليد ، عن أبي يحيى المدني ، عن عمرو بن شعيب .
وقال العقيلي : ثنا الحسن بن علي بن زياد ، ثنا موسى بن إبراهيم الفراء ، ثنا بقية بن الوليد ، عن عبد العزيز بن عبيد الله ، عن عمر بن سعيد ، كلاهما عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ' المتمم الصلاة في السفر كالمفطر في الحضر ' .
وأما الآثار فروى الإمام أحمد : ثنا وكيع ، ثنا سفيان ، عن زبيد الأيامي ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن عمر قال : صلاة الصبح ركعتان وصلاة الأضحى ركعتان وصلاة الفطر ركعتان وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان محمد .
ز : روى هذا الحديث النسائي ، وابن ماجة ، وأبو حاتم بن حبان . وقال النسائي : ابن أبي ليلى لم يسمعه من عمر .
ويدل على صحة قول النسائي رواية ابن ماجه له عن محمد بن عبد الله بن نمير عن محمد بن بشر ، عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد ، عن زبيد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة ، عن عمر .
وقال أبو محمد بن أبي حاتم : سألت أبي عن حديث رواه أحمد بن بشر عن يزيد بن زياد بن أبي الجعد عن زبيد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن عمر قال : صلاة السفر ركعتان على لسان النبي .
ورواه الثوري عن زبيد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ابن عمر ليس فيه كعب قال : صلاة السفر ركعتان .
قال أبي : الثوري أحفظ .
انتهى كلامه .
____________________
(2/49)
وقد رواه الهيثم بن كليب : ثنا عيسى بن أبي أحمد العسقلاني ، انا يزيد بن هارون ، أنا سفيان ، عن زبيد اليامي ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول فذكره .
ورواه أبو خيثمة زهير بن حرب وإسحاق بن أبي إسرائيل عن يزيد بن هارون .
قال الدارقطني : ولم يتابع يزيد بن هارون على هذا .
ورواه أبو يعلى الموصلي عن القواريري عن يحي بن سعيد عن سفيان عن زبيد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الثقة عن عمر .
وقال مسلم بن الحجاج في خطبة كتابه : وأسند عبد الرحمن بن أبي ليلى وقد حفظه عن عمر بن الخطاب .
وقد روى أبو يعلى الموصلي عن محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال : سمعت أبي يقول ثنا الحسين بن واقد عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت أن عبد الرحمن بن أبي ليلى حدثه قال : خرجت مع عمر بن الخطاب إلى مكة فاستقبلنا أمير مكة نافع بن علقمة فقال : من استخلف على مكة ؟ قال : استخلف عليها عبد الرحمن بن أبزى .
والحديث مذكور في مسلم من طريق أبي الطفيل ، وهذا الطريق الذي ذكره أبو يعلى فيه دليل على صحبة عبد الرحمن بن أبي ليلى لعمر - رضي الله عنه .
وقال الدارقطني : ثنا أبو بكر النيسابوري ، قال : قال محمد بن علي الوراق : قلت لأبي نعيم : سمع ابن أبي ليلى من عمر ؟ قال : لا أدري .
قال محمد بن علي : قلت ليحي ابن معين سمع ابن أبي ليلى من عمر ؟ فلم يثبت ذلك .
وقال العباس بن محمد الدوري : سئل يحي بن معين عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عمر فقال : لم يره ، فقلت له : الحديث الذي يروى كنا مع عمر نترايا الهلال ، فقال : ليس بشيء .
قال : والثاني من أفراد مسلم من قول ابن عباس : فرض الله الصلاة على نبيكم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة .
والثالث في الصحيحين عن عائشة قالت : فرضت الصلاة ركعتين فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر .
____________________
(2/50)
والجواب :
أما الحديث الأول : فلا يصح في طريقه الأول ابن المغلس وكان كذابا .
وفي طريقه الثاني : عبد العزيز ، قال أبو زرعة : هو واهي الحديث وقال النسائي متروك .
وقال العقيلي : عمر مجهول في النقل .
وليس في هذا المتن شيء يثبت وإنما روي هذا الحديث بلفظ آخر : ' الصائم في السفر كالمفطر في الحضر ' .
مع ضعف الرواية فيه .
وأما قول عمر فالمراد أنها مجزئة تامة لا تقصر عن إدراك الثواب بالأربع وكيف يدعي إنها غير مقصورة ولفظ القرآن والإجماع يخالفه .
وأما قول ابن عباس فجوابه من وجهين :
أحدهما : أنه رأيه .
والثاني : إنا نحمله على من اختار القصر فإنه فرضه .
وجواب حديث عائشة من وجهين :
أحدهما : أنه رأي لا رواية .
والثاني : أنها تشير إلى المفروض الأول ، يدل عليه أن عائشة كانت تتم في السفر .
ز : أحمد بن محمد بن المغلس شيخ الدارقطني ثقة اشتبه على المؤلف بأحمد بن محمد ابن الصلت بن المغلس الحماني وهو كذاب وضاع ، والحديث لا يصح لأن راويه مجهول .
وما أجاب به المؤلف عن حديث عمر وابن عباس وعائشة فيه نظر والله أعلم .
____________________
(2/51)
مسألة [ 231 ] :
القصر أفضل من الإتمام .
خلافا لأحد قولي الشافعي .
829 - قال الإمام أحمد : ثنا قتيبة ، ثنا عبد العزيز بن محمد ، عن عمارة بن غزية ، عن نافع عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله : ' إن الله تبارك وتعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته ' .
ز : روي عن عمارة بن غزية عن حرب بن قيس عن نافع .
قال عبد الله : ثنا أبي : ثنا علي بن المديني ، ثنا أبي وعبد العزيز - يعني ابن الجعد - عن عمارة بن غزية ، عن حرب بن قيس ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله : ' إن الله عز وجل يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته ' .
وقال إسماعيل بن عبد الله : ثنا سعيد بن الحكم بن أبي مريم ن ثنا يحي بن أيوب ، ثنا ابن غزية عن حرب بن قيس ، عن نافع ، عن ابن عمر قال إسماعيل : وثنا سعيد بن منصور ، ثنا عبد العزيز ، عن عمارة بن غزية عن حرب بن قيس ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن رسول الله قال : ' إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته ' .
وقال أبو يعلى : ثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ، ثنا عبد العزيز بن محمد ثنا عمارة بن غزية ، عن حرب بن قيس ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : قال : رسول الله : ' إن الله عز وجل يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه ' .
ورواه محمد بن إسحاق بن خزيمة في صحيحه عن أحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن البرقي عن ابن أبي مريم .
____________________
(2/52)
ورواه أبو حاتم بن حبان البستي عن محمد بن إسحاق الثقفي عن قتيبة بن سعيد .
وسئل عن الدارقطني : فقال : راويه ابن لهيعة وإبراهيم بن أبي يحي عن عمارة بن غزيه عن نافع ، وكذلك قال قتيبة بن سعيد عن الدراوردي وخالفه سعيد بن منصور ، وعلي ابن المديني وإسحاق بن أبي إسرائيل رووه عن الدراوردي عن عمارة بن غزية عن حرب بن قيس عن نافع عن ابن عمر وكذلك رواه يحي بن عبد الله بن سالم ويحي بن أيوب المصري وعبد الله بن جعفر المديني عن عمارة بن غزية عن حرب بن قيس وهو الصواب ، انتهى كلامه .
وعمارة بن غزية احتج به مسلم .
ووثقه أبو زرعة وأحمد .
وقال يحي بن معين : صالح .
وقال أبو حاتم : ما بحديثه بأس كان صدوقا .
وقال محمد بن سعد : كان ثقة كثير الحديث .
وضعفه ابن حزم وحده .
وحرب بن قيس ذكره ابن أبي حاتم في كتابه ولم يذكر فيه جرحا .
وقال ابن عدي : ثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ، ثنا الحكم بن موسى ثنا يحي ابن حمزة عن الحكم بن عبد الله الأيلي أنه سمع القاسم عن عائشة أن رسول الله قال : ' إن الله عز وجل يحيى أن يعمل برخصه كما يحب أن يعمل بفرائضه ' .
الحكم بن عبد الله بن سعد الأيلي تركوه ، وقال السعدي : جاهل كذاب وأمره أوضح من ذلك .
وروى أبو بكر بن أبي شيبة بإسناده عن أبي هريرة : أن رجلا قال لرسول الله أقصر الصلاة في سفري .
قال : ' نعم إن الله يحب أن يؤخذ برخصه كما يحب أن يؤخذ بفريضته ' .
قال : يا رسول الله فما الطهور على الخفين ؟ قال : ' للمقيم يوم وليلة وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن ' .
ورواه أبو أحمد بن عدي أيضا وهو من رواية عمر بن عبد الله بن أبي خثعم وهو ضعيف الحديث .
830 - قال أحمد ، وثنا أبو معاوية ، ثنا الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق عن عائشة ، قالت : رخص لنا رسول الله في أمر فتنزه عنه ناس من الناس فبلغ ذلك النبي فغضب حتى أبان الغضب في وجهه ثم قال : ' ما بال أقوام يرغبون عما رخص لي فيه
____________________
(2/53)
فو الله لأنا أعلمهم بالله عز وجل وأشدهم له خشية ' .
أخرجاه في الصحيحين .
مسألة [ 232 ] :
سفر المعصية لا تبيح الرخص .
وقال أبو حنيفة وداود : يجوز له الترخص .
وأصحابنا يستدلون بقوله تعالى ( ^ فمن اضطر غير باغ ولا عاد ) ، وبالقياس .
إلا أني رأيت القاضي أبا يعلى محمد بن الحسين بن الفراء قد استدل في تعليقته الكبرى بحديث استطرفت استدلاله به فإنه قال :
831 - أنبأ أبو محمد عبد الله بن محمد الضرير المقرىء - بانتقاء أبي الحسن الدارقطني - ، أنا محمد بن الحسن بن زياد المقري ثنا عبد الرحمن بن يحي الزبيدي ، ثنا عبد الله بن عبد الجبار الخبابزي ، ثنا الحكم بن عبد الله ، قال : حدثني الزهري ، عن سعيد بن المسيب عن عائشة ، أن النبي قال : ' ثلاثة لا يقصرون الصلاة : الفاجر في أفقه الفقه ، والمرأة تزور غير أهلها ، والراعي ' . قال : معه نص على أن الفاجر لا يقصر .
وهذا تصحيف قد أضيف إليه كلمة ولا معنى له لأن ذكر ' أفقه الفقه ' لا معنى له في حق الفاجر ، 4 ولا أدري هذا التصحيف من أي
____________________
(2/54)
الرواة هو ، وإنما الحديث غير هذا .
832 - قال أبو أحمد بن عدي : أنبأ هنبل بن محمد ، ثنا عبد الله بن عبد الجبار ، ثنا الحكم بن عبد الله ، قال : حدثني الزهري ، عن سعيد بن المسيب عن عائشة قالت : قال رسول الله : ' ثلاثة لا يقصرون الصلاة : التاجر في أفقه ، والمرأة تزور أهلها ، والراعي ' .
هذا هو الحديث وليس بصحيح ، والمتهم به الحكم .
قال أحمد بن حنبل : كل أحاديثه موضوعة .
وقال أبو حاتم الرازي : هو كذاب .
وإنما ذكرت هذا ليعرف .
ز : الظاهر أن التخليط في اللفظ الأول من محمد بن الحسن بن أبي بكر النقاش المقري ، فأنه لا يعتمد عليه وهو ضعيف عندهم وقد اتهمه بعضهم بالكذب .
وقال البرقاني : كل حديثه منكر .
وقال الخطيب : احاديث مناكير بأسانيد مشهورة .
واللفظ الثاني رواه ابن عدي في ترجمة الحكم بن عبد الله بن سعد الأيلي وفيه : ' والمرأة تزور غير أهلها ' ثم قال : وبهذا الإسناد ثنا هنبل غير ما ذكرت بموضوعه ، والحكم ضعفه بين .
مسألة [ 233 ] :
إذا أقام في بلد على تنجز حاجة ولم ينو الإقامة قصر أبدا .
وقال الشافعي : يقصر إلى سبعة عشر أو ثمانية عشر يوما .
833 - قال الإمام أحمد ثنا عبد الرزاق قال : ثنا معمر ، عن يحي بن أبي كثير ،
____________________
(2/55)
عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر بن عبد الله بن جابر قال : أقام رسول الله بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة .
ز : رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل عن عبد الرزاق وقال : غير معمر لا يسنده ، وقال البيهقي : تفرد معمر بروايته مسندا ، ورواه علي بن المبارك وغيره عن يحي عن ابن ثوبان عن النبي مرسلا وروي عن الأوزاعي عن يحي عن أنس وقال : بضع عشرة ولا أراه محفوظا . وقد روي من وجه آخر عن جابر بضع عشرة .
احتجوا بما :
834 - رواه الترمذي : ثنا هناد ثنا أبو معاوية ، عن عاصم الأحول ، عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : سافر رسول الله سفرا فصلى سبعة عشر يوما ركعتين .
قال ابن عباس : فنحن نصلي فيما بيننا وبين سبعة عشر ركعتين ركعتين ، فإذا أقمنا أكثر من ذلك صلينا أربعا .
قال الترمذي : هذا حديث صحيح .
ولا حجة لهم فيه : اتفقت الإقامة تلك المدة وظاهر الحال أنها لو زادت دام على القصر .
ز : عن ابن عباس قال : قام النبي تسعة عشرة يقصر ، فنحن إذا سافرنا تسعة عشر قصرنا وإن زدنا أتممنا .
رواه البخاري .
وقال البيهقي : اختلفت الروايات في تسع عشرة وسبع عشرة وأصلها عندي والله أعلم رواية من روى تسع عشرة ، وهي الرواية التي أودعها محمد بن إسماعيل الجامع الصحيح فأخذ من رواها .
ولم يختلف عليه على عبد الله المبارك وهو أحفظ من رواه عن عاصم الأحول والله أعلم .
____________________
(2/56)
مسائل الجمع
مسألة [ 234 ] :
يجوز الجمع في السفر .
وقال أبو حنيفة : لا يجوز .
لنا أحاديث :
835 - قال أحمد : ثنا يحي بن غيلان ، ثنا المفضل بن فضالة ، قال حدثني عقيل ، عن ابن شهاب عن أنس بن مالك ، قال : كان رسول الله إذا أراد أن يرتحل قبل أن تزيغ الشمس آخر الظهر إلى وقت العصر ثم ينزل فيجمع بينهما وإذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب .
836 - قال أحمد : وثنا محمد بن فضيل ، عن زيد ، عن عطاء عن ابن عباس قال : ' كان رسول الله يجمع بين صلاتين في السفر المغرب والعشاء ، والظهر والعصر .
الحديثان في الصحيحين .
837 - قال أحمد : وثنا عبد الرزاق ، أنا ابن جريج قال : أخبرني حسين بن عبد
____________________
(2/57)
الله بن عبيد الله بن عباس ، عن عكرمة ، وكريب ، أن ابن عباس قال : ألا أحدثكم عن صلاة رسول الله في السفر ؟ قلنا : بلى ، قال : كان إذا زاغت الشمس في منزله جمع بين الظهر والعصر قبل أن يركب وإذا لم تزغ له في منزله سار حتى إذا حانت العصر نزل فجمع بين الظهر والعصر وإذا حانت المغرب له في منزله جمع بينها وبين العشاء ، وإذا لم تحن في منزله ركب حتى إذا حانت العشاء نزل فجمع بينهما .
ز : حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس المدني تكلم فيه غير واحد من الأئمة .
قال أبو بكر الأثرم عن أحمد : له أشياء منكرة . وقال أبو بكر بن أبي خيثمة عن يحي بن معين : ضعيف .
وقال أحمد بن سعد بن أبي مريم عن يحي : ليس به بأس يكتب حديثه .
وقال البخاري : قال علي : تركت حديثه .
وتركه أحمد أيضا .
وقال أبو زرعة : ليس بالقوي .
وقال أبو حاتم : ضعيف وهو أحب إلي من حسين بن قيس يكتب حديثه ولا يحتج به وقال الجوزجاني : لا يشتغل بحديثه وقال النسائي : متروك . وقال مرة : ليس بثقة . وقال العقيلي : له غير حديث لا يتابع عليه .
وقال أيضا ثنا آدم : سمعت البخاري يقول يقال : حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس وعبد الله بن يزيد بن فنطس متهمان بالزندقة .
وقال محمد بن سعد : كان كثير الحديث ولم أراهم يحتجون بحديثه .
وروي ابن عدي هذا الحديث في ترجمته وقال : أحاديثه يشبه بعضها بعضا وهو ممن يكتب حديثه فإني لم أجد في أحاديثه حديثا منكرا قد جاوز المقدار .
838 - قال مسلم بن الحجاج : ثنا يحي بن حبيب ، ثنا خالد بن الحارث ، ثنا قرة بن خالد ، ثنا أبو الزبير ، ثنا عامر بن واثلة أبو الطفيل ، ثنا معاذ بن جبل ، قال : جمع رسول الله في غزوة تبوك بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء .
قال : فقلت : ما حمله على ذلك ؟ قال : أراد أن لا لا يحرج أمته .
انفرد بإخراجه مسلم .
____________________
(2/58)
839 - وقال الترمذي : ثنا قتيبة ، ثنا الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الطفيل عن معاذ بن جبل : أن النبي كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل زيغ الشمس آخر الظهر إلى أن يجمعها إلى العصر فيصليهما جميعا ، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس عجل العصر إلى الظهر ويصلي الظهر والعصر جميعا وإذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب .
وقد روى عن رسول الله الجمع بين الصلاتين : علي بن أبي طالب ، وابن عمر ، وعائشة رضي الله عنهم .
ز : روي هذا الحديث أيضا الإمام أحمد ، وأبو داود ، عن قتيبة وقال أبو داود : لم يرو هذا الحديث إلا قتيبة وحده .
وقال الترمذي : حديث معاذ حديث حسن غريب تفرد به قتيبة لا نعرف أحدا رواه عن الليث غيره .
والمعروف عند أهل العلم ما روى أبو الزبير المكي عن أبي الطفيل عن معاذ ابن جبل أن النبي جمع في غزوة تبوك بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء .
روى هذا الحديث قرة بن خالد وسفيان الثوري ومالك بن أنس وغير واحد من الأئمة عن أبي الزبير المكي .
وروي عن علي بن المديني عن أحمد بن حنبل عن قتيبة هذا الحديث حدثنا بذلك عبد الصمد بن سليمان ثنا زكريا بن يحي اللؤلؤي ثنا أبو بكر الأعين عن علي بن المديني .
وقال البيهقي : تفرد به قتيبة بن سعيد عن ليث عن يزيد ، أنا محمد بن عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا الحسن محمد بن موسى بن عمران الفقيه الصيدلاني يقول : سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول : سمعت صالح بن حفصويه بنيسابور صاحب حديث يقول : سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول : قلت لقتيبة بن سعيد مع من كتبت عن الليث بن سعد حديث يزيد بن أبي حبيب عن أبي الفضل ؟ فقال كتبته مع خالد المدائني ، قال محمد بن إسماعيل وكان خالد المدائني هذا يدخل الأحاديث على الشيوخ .
قال البيهقي : وإنما أنكروا من هذا رواية يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل فأما رواية أبي الزبير عن أبي الطفيل فهي محفوظة صحيحة .
وقال أبو داود في سننه : ثنا يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب الرملي ، ثنا المفضل بن فضالة .
والليث بن سعد ، عن هشام بن سعد ، عن أبي الزبير ، عن أبي
____________________
(2/59)
الطفيل ، عن معاذ بن جبل أن رسول الله كان في عزوة تبوك إذ زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر ، وإن ترحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى ينزل العصر .
وفي المغرب مثل ذلك إن غابت الشمس آخر المغرب حتى ينزل العشاء ثم جمع بينهما .
قال أبو داود : رواه هشام بن عروة عن حسين بن عبد الله عن كريب عن ابن عباس عن النبي نحو حديث المفضل والليث وقد بسطنا الكلام على الأحاديث الواردة في جمع التقديم في كتاب الأحكام الكبير والله أعلم .
احتجوا بما :
840 - روى الترمذي : ثنا يحي بن خلف ثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن حنش ، عن عكرمة عن ابن عباس ، عن النبي أنه قال : ' من جمع بين صلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من الكبائر ' .
وهذا لا يصح ، وحنش هو أبو علي الرحبي واسمه حسين بن قيس .
وإنما حنش لقبه .
كذبه أحمد .
وقال مرة : هو متروك الحديث .
وكذلك قال النسائي والدارقطني .
وقال يحي : ليس بشيء .
وقال العقيلي : وهذا الحديث لا أصل له .
ز : روى هذا الحديث الحاكم في المستدرك وقال : حنش هو ابن قيس ثقة .
ولم يتابع الحاكم على توثيقه .
وقال البيهقي : تفرد به حسين بن قيس أبو علي الرحبي المعروف بحنش وهو ضعيف عند أهل النقل لا يحتج بخبره ، قال : وأنا أبو عبد الله الحافظ ، وأبو سعيد بن أبي عمرو ، قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا أسيد بن عاصم ، ثنا الحسين بن حفص ، عن سفيان عن سعيد عن قتادة ، عن أبي العالية ، عن عمر قال : ' جمع الصلاتين من غير عذر من الكبائر ' .
قال الشافعي رحمه الله في سنن حرملة : العذر يكون بالسفر والمطر وليس هذا بثابت عن عمر هو مرسل .
قال البيهقي : هو كما قال الشافعي رحمه الله فالإسناد المشهور لهذا الأثر ما ذكرنا وهو مرسل ، أبو العالية لم يسمع من عمر رضي الله عنه .
وقد روي ذلك بإسناد آخر قد أشار الشافعي إلى متنه في بعض كتبه أنا أبوالحسن محمد بن
____________________
(2/60)
الحسين العلوي ، أنا عبد الله بن محمد بن الحسن الرمجاري ، ثنا عبد الله بن بشر ثنا يحي ابن سعيد ، عن يحي بن صبيح قال : حدثني حميد بن هلال ، عن أبي قتادة - يعني العدوي - أن عمر رضي الله عنه كتب إلى عامل له ، ثلاث من الكبائر : الجمع بين الصلاتين إلا من عذر والفرار من الزحف والنهبى .
أبو قتادة العدوي أدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فإن كان شهده كتب فهو موصول ، وإلا فهو إذا انضم إلى الأول صار قويا .
مسألة [ 235 ] :
يجوز الجمع لأجل المطر .
وقال أبو حنيفة : لا يجوز .
841 - قال أحمد : ثنا أبو معاوية قال : ثنا الأعمش عن حبيب : عن ابن عباس قال : جمع رسول الله بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر .
وفي هذا دليل على أنه يكون الجمع في المطر .
842 - وقد روى أصحابنا : أن النبي جمع بين العشاءين في ليلة مطيرة .
ز : قال مسلم في صحيحه : ثنا يحي بن يحي ، قال قرأت على مالك عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال صلى رسول الله الظهر والعصر
____________________
(2/61)
جميعا والمغرب والعشاء جميعا في غير خوف ولا سفر .
قال وثنا أحمد بن يونس ، وعون بن سلام جميعا ، عن زهير ، قال ابن يونس : ثنا زهير ، ثنا أبو الزبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : ' صلى رسول الله الظهر والعصر جميعا بالمدينة في غير خوف ولا سفر ' .
قال أبو الزبير : فسألت سعيدا لم فعل ذلك ؟ فقال : سألت ابن عباس كما سألتني فقال : أراد أن لا يحرج أحدا من أمته قال وثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وأبو كريب ، قالا .
ثنا أبو معاوية ( ح ) وثنا أبو كريب ، وأبو سعيد الأشج واللفظ لأبي كريب قالا ثنا وكيع .
كلاهما عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : : جمع رسول الله بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر ' .
في حديث وكيع قال : قلت لابن عباس لم فعل ذلك ؟ قال : كي لا يحرج أمته .
وفي حديث أبي معاوية : قيل لابن عباس ما أراد إلى ذلك ؟ قال : أراد أن لا يحرج أمته .
قال البيهقي : ولم يخرج هذا الحديث البخاري مع كون حبيب بن أبي ثابت من شرطه ولعله إنما أعرض عنه والله أعلم لما فيه من الاختلاف على سعيد بن جبير في متنه .
وقال مالك في قوله ' ولا سفر ' أرى ذلك كان في مطر ، وروي عن نافع أن عبد الله ابن عمر كان إذا جمع الأمراء ، بين المغرب والعشاء في المطر جمع معهم . وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال : إن من السنة إذا كان يوم مطر أن يجمع بين المغرب والعشاء . رواه أبو بكر الأثرم في سننه .
مسألة [ 236 ] : 843 - وهذا الجمع يختص العشاءين .
وقال الشافعي : يجوز الجمع في المطر في الظهر والعصر والعشاءين .
____________________
(2/62)
لنا : الحديث المتقدم .
ز : ذهب جماعة من أصحابنا إلى جواز الجمع لأجل المطر بين الظهر والعصر منهم القاضي وأبو الخطاب ، واحتجوا بما روي عن يحي بن واضح عن موسى بن عقبة ، عن ابن عمر : ' أن النبي جمع في المدينة بين الظهر والعصر في المطر ' وهذا الحديث لا يعرف ولا يصح قال أبو الأثرم : قيل لأبي عبد الله الجمع بين الظهر والعصر في المطر .
قال ما سمعته .
مسألة [ 237 ] :
يجوز الجمع لأجل المرض .
خلافا لأصحاب الشافعي .
لنا :
844 - أن رسول الله أجاز لحمنة بنت جحش لما استحيضت أن تجمع بين الصلاتين .
وقد ذكرناه بإسناده في كتاب الحيض .
____________________
(2/63)
مسائل الجمعة
مسألة [ 238 ] :
تجب الجمعة على من سمع النداء من المصر إذا كان المؤذن صيتا والريح ساكنة .
وقد حده مالك بفرسخ .
ولم يحده الشافعي ، وعن أحمد في التحديد نحو قولهما .
وقال أبو حنيفة : لا يجب على من بينه وبين المصر فرجة .
845 - قال الدارقطني : ثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث ثنا هشام بن خالد ثنا الوليد ، عن زهير بن محمد ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جده ، عن رسول الله قال : ' إنما الجمعة على من سمع النداء ' .
ز : قال البيهقي هكذا ذكره الدارقطني رحمه الله في كتابه بهذا الإسناد مرفوعا ، وروي عن حجاج بن أرطأة عن عمرو ، كذلك مرفوعا ، وقد أنا أحمد بن محمد بن أحمد ابن الحارث الأصبهاني ، أنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن الحسن ، ثنا أبو عامر موسى بن عامر ثنا الوليد هو ابن مسلم قال وأخبرني : زهير بن محمد ، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو ، قال : إنما تجب الجمعة على من سمع النداء فمن سمعه فلم يأته فقد عصى ربه وهذا موقوف .
____________________
(2/65)
846 - قال أبو داود : ثنا محمد بن يحي بن فارس ، ثنا قبيصة ، ثنا سفيان ، عن محمد بن سعيد ، عن أبي سلمة بن نبيه ، عن عبد الله بن هارون ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي قال : ' الجمعة على من سمع النداء ' .
قال أبو داود : روى هذا الحديث عن سفيان مقصورا على عبد الله بن عمرو لم يرفعوه ، أسنده قبيصة .
ز : هذا الإسناد فيه جهالة فإن أبا سلمة وعبد الله بن هارون غير مشهورين .
وقال ابن أبي داود : محمد بن سعيد الطائفي ثقة وهذه سنة تفرد بها أهل الطائف وقال البيهقي : قبيصة بن عقبة من الثقات ، ومحمد بن سعيد هذا هو الطائفي ثقة .
847 - قال الترمذي : سمعت أحمد بن الحسن يقول : كنا عند أحمد فذكروا على من تجب الجمعة ، فلم يذكر فيه أحمد عن النبي شيئا .
فقلت لأحمد : فيه عن أبي هريرة عن النبي ، ثنا معارك بن عباد ، عن عبد الله بن سعيد المقبري ، عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي قال : ' الجمعة على من آواه الليل إلى أهله ' .
قال : فغضب علي أحمد بن حنبل وقال : استغفر ربك ، استغفر ربك .
قال الترمذي : وإنما فعل به أحمد هذا لأنه لم يعد هذا الحديث شيئا لحال إسناده .
قلت : أما معارك فقد ضعفه الدارقطني .
وقال أبو زرعة : واهي الحديث .
وقال أبو حاتم الرازي : أحاديثه منكرة .
وأما عبد الله بن سعيد فقال أحمد والفلاس : منكر الحديث متروك .
وقال يحي بن سعيد : استبان لي كذبه في مجلس . وقال يحي بن معين : ليس بشيء ولا يكتب حديثه . وقال أبو حاتم الرازي وأبو داود السجستاني : تركوا حديثه .
ز : رواه غير حجاج عن معارك ، قال ابن عدي : أنا أبو يعلى ، ثنا محمد بن أبي بكر ثنا مسلم - يعني ابن إبراهيم ، عن المعارك بن عباد عن عبد الله بن سعيد ، عن أبيه ، عن أبي هريرة عن النبي قال : ' من علم أن الليل يأويه إلى أهله فليشهد الجمعة ' .
قال البيهقي : تفرد به معارك بن عباد عن عبد الله بن سعيد .
____________________
(2/66)
وقد قال أحمد بن حنبل : معارك لا أعرفه .
وعبد الله متروك .
مسألة [ 239 ] :
لا تنعقد الجمعة بأقل من أربعين رجلا ، وعنه خمسون ، وعنه ثلاثة . وقال أبو حنيفة : ثلاثة والإمام .
وقال مالك : يعتبر عدد يقرى بهم قرية في العادة .
لنا حديث ، وللخصم : حديث ، ولا تعويل عليهما .
لنا حديث ، وللخصم : حديث ، ولا تعويل عليهما .
848 - قال الدارقطني : قرئ على عبد الرحمن بن عبد الله بن هارون الأنباري وأنا أسمع : حدثكم إسحاق بن خالد بن يزيد ، ثنا عبد العزيز بن عبد الرحمن ، ثنا خصيف ، عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله قال : مضت السنة أن في كل أربعين فما فوق ذلك جمعة وأضحى وفطر .
849 - قال الدارقطني : وثنا أبو عبد الله محمد بن علي الأبلي ، ثنا يحي بن عثمان ، ثنا عمرو بن الربيع بن طارق ، ثنا سلمة بن علي ، عن محمد بن مطرف ، عن الحكم بن عبد الله بن سعد ، عن الزهري عن أم عبد الله الدوسية ، قالت : سمعت رسول الله يقول : ' الجمعة واجبة على اهل كل قرية وإن لم يكونوا إلا ثلاثة رابعهم إمامهم ' .
850 - قال الدارقطني : وثنا أبو عبد الله الأبلي ، ثنا عبيد الله بن محمد بن خنيس ،
____________________
(2/67)
ثنا موسى بن محمد بن عطاء ، ثنا الوليد بن محمد ، ثنا الزهري ، قال : حدثتني أم عبد الله الدوسية قالت : قال رسول الله : ' الجمعة واجبة على كل قرية فيها إمام وإن لم يكونوا إلا أربعة ' .
أما الحديث الأول : ففيه عبد العزيز .
قال أحمد : اضرب على أحاديثه فإنها كذب ، أو قال موضوعة .
وقال الدارقطني : هو منكر الحديث .
وأما الثاني : فإن الزهري لم يسمع من الدوسية .
قال الدارقطني : لا يصح هذا عن الزهري .
كل من رواه عنه متروك .
والوليد الموقري متروك .
والحكم متروك .
قال أحمد : أحاديث الحكم كلها موضوعة .
وقال يحي : ليس بثقة ولا مأمون .
وأبو حاتم الرازي : هو كذاب .
وقال النسائي والدارقطني : متروك .
وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الأثبات .
وأما مسلمة بن علي .
فقال يحي : ليس بشيء .
وقال النسائي والدارقطني : متروك .
ز : ترك المؤلف على موسى بن محمد بن عطاء البلقاوي وهو كذاب كذبه أبو زرعة وأبو حاتم وغيرهما .
وقال النسائي : ليس بثقة .
وقال الدارقطني : متروك .
وقال ابن حبان : لا تحل الرواية عنه كان يضع الحديث .
وقال ابن عدي : كان يسرق الحديث .
وقد احتج من قال : لا تنعقد الجمعة إلا بخمسين بما روى ابن عدي : أنا أبو خولة البهراني ، ثنا محمد بن آدم ، ثنا مروان / عن جعفر بن الزبير ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ، قال : قال رسول الله ' الجمعة واجبة على خمسين رجلا وليست على من دون الخمسين جمعة ' . وقال الدارقطني : ثنا محمد بن الحسن النقاش ، ثنا محمد بن عبد الرحمن الشامي ن والحسين بن إدريس ، قالا : ثنا خالد بن الهياج ، حدثني أبي عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة ، أن نبي الله قال : ' على الخمسين جمعة وليس فيما دون ذلك ' .
هذا حديث لا يصح وجعفر بن الزبير تركوه .
____________________
(2/68)
مسألة ] 240 ] :
لا تجب الجمعة على العبيد .
وعنه تجب كقول داود .
لنا حديثان :
851 - الحديث الأول : قال الدارقطني : ثنا عبيد الله بن عبد الصمد بن المهتدي ، ثنا يحي بن نافع بن خالد ، ثنا سعيد بن أبي مريم ، ثنا أبو لهيعة ، قال : حدثني معاذ بن محمد الأنصاري ، عن أبي الزبير عن جابر ، أن رسول الله قال : ' من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة إلا على مريض أو مسافر أو امرأة أو صبي أو مملوك ' .
ز : هذا حديث لا يصح وابن لهيعة فيه ضعف .
وقد رواه ابن عدي عن البغوي عن كامل بن طلحة عن ابن لهيعة وليس فيه : ' أو امرأة ' .
852 - الحديث الثاني : رواه أبو داود من حديث طارق بن شهاب أن رسول الله قال : ' الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة عبد مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض ' .
قال أبو داود : طارق رأى رسول الله ولم يسمع منه .
ز : رواه أبو داود عن عباس بن عبد العظيم ، عن إسحاق بن منصور عن هريم بن سفيان ، عن إبراهيم بن محمد المنتشر ، عن قيس بن مسلم عن طارق .
____________________
(2/69)
ورواه الطبراني عن محمد بن عبد الله الحضرمي ، عن أبي بكر بن أبي شيبة عنإسحاق بن منصور .
ورواه الحاكم في مستدركه وصححه ، وذكر أن هريم بن سفيان رواه عن إبراهيم فزاد في إسناده عن أبي موسى وقال البيهقي : رواه عبيد بن محمد العجلي عن العباس بن عبد العظيم فوصله بذكره أبي موسى الأشعري فيه ، وليس بمحفوظ فقد رواه غير العباس أيضا عن إسحاق دون ذكر أبي موسى فيه وقال في موضع آخر : وهذا الحديث وإن كان فيه إرسال فهو مرسل جيد فطارق من كبار التابعين وممن رأى النبي وأن لم يسمع منه .
ولحديثه هذا شواهد منها : ما أنا علي بن أحمد بن عبدان ، أنا أحمد بن عبيد الصفار ، ثنا علي بن الحسن بن بيان ، ثنا سعيد بن سليمان ثنا محمد بن طلحة بن مصرف ح وأنا أبو حازم الحافظ ، أنا أبو أحمد الحافظ - يعني النيسابوري - أنا أبو أحمد محمد بن سليمان بن فارس ثنا محمد يعني ابن إسماعيل البخاري ، حدثني إسماعيل بن أبان ، ثنا محمد بن طلحة عن الحكم أبي عمرو ، عن ضرار بن عمرو ، عن أبي عبد الله الشامي عن تميم الداري ، عن النبي قال : ' الجمعة واجبة إلا على صبي أو مملوك أو مسافر ' ، وفي رواية ابن عبدان : ' إن الجمعة واجبة على كل حالم إلا على أربعة على الصبي والمملوك والمرأة والمريض ' .
ومنها : ما أنا أبو عبد الله الحافظ ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا الحسن بن علي بن عفان ، ثنا يحيى بن فضيل ، ثنا حسن - يعني ابن صالح بن حيي - حدثني أبي حدثني أبو حازم ، عن مولى لآل الزبير ، يرفعه إلى النبي أنه قال : ' الجمعة واجبة على كل حالم إلا على أربعة : الصبي والمملوك والمرأة والمريض ' .
ومنها : ما أنا أبو الحسين بن بشران ببغداد ، أنا أبو جعفر الرزاز ، ثنا عيسى بن عبد الله ، الطيالسي ، ثنا أسيد بن زيد ، ثنا خلف بن السري ، عن أبي البلاد ، عن ابن عمر ، قال : سمعت رسول الله يقول : ' الجمعة واجبة إلا على ما ملكت أيمانكم أو ذي علة ' .
وقال الشافعي : أنا إبراهيم بن محمد ، حدثني سلمة بن عبد الله الخطمي عن محمد ابن كعب ، أنه سمع رجلا من بني وائل يقول : قال النبي : ' تجب الجمعة على كل مسلم إلا امرأة أو صبيا أو مملوكا ' .
____________________
(2/70)
مسألة [ 241 ] :
تجب على الأعمى إذا وجد قائداً .
وقال أبو حنيفة : لا تجب عليه . لنا الحديث المتقدم في التي قبلها .
مسألة [ 242 ] :
يجوز عند أحمد إقامة الجمعة قبل الزوال .
خلافا لأكثرهم . لنا ثلاثة أحاديث :
853 - الحديث الأول : قال البخاري : ثنا يحيى بن بكير ، ثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم عن سهل بن سعد ، قال : ما كنا نتغدى ولا نقيل إلا بعد الجمعة .
854 - الحديث الثاني : قال أحمد : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا معلى بن الحارث ، قال سمعت إياس بن سلمة بن الأكوع ، يحدث عن أبيه قال : كنا نصلي مع رسول الله
____________________
(2/71)
الجمعة ثم نرجع فلا نجد للحيطان في ستظل به .
الحديثان في الصحيحين .
855 - الحديث الثالث : قال أحمد وثنا يعقوب ، ثنا أبي عن ابن إسحاق ، قال حدثني عاصم بن عمرو بن قتادة عن أنس بن مالك ، قال : كنا نصلي مع رسول الله الجمعة ثم نرجع إلى القائلة فنقيل .
انفرد بإخراجه البخاري .
ز : لم يروه البخاري من هذه الطريق ولفظه : كنا نبكر بالجمعة ونقيل بعد الجمعة .
وقال الدارقطني : ثنا يزيد بنالحسن بن يزيد البزاز أبو الطيب ، ثنا محمد بن إسماعيل الحساني ، ثنا وكيع ، ثنا جعفر بن برقان ، عن ثابت بن الحجاج الكلابي ، عن عبد الله بن سيدان السلمي ، قال : شهدت الجمعة مع أبي بكر رضي الله عنه فكانت صلاته وخطبته قبل نصف النهار ثم شهدتها مع عمر رضي الله عنه فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول انتصف النهار ثم شهدتها مع عثمان فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول زال النهار فما رأيت أحدا عاب ذلك ولا أنكره . رواه الإمام أحمد عن وكيع واحتج به . وثابت بن الحجاج ذكره البخاري في تاريخه وابن أبي حاتم في كتابه ، ولم يذكرا فيه جرحا .
وعبد الله بن سيدان السلمي من أهل الربذة ، قال البخاري : لا يتابع في حديثه .
وقال ابن عدي : شبه المجهول ، وقال هبة الله الطبري : مجهول لا تقوم بروايته حجة .
احتج الخصم بثلاثة أحاديث :
856 - الحديث الأول : قال الترمذي ثنا أحمد بن منيع ، ثنا سريج بن النعمان ، ثنا فليح بن سليمان ، عن عثمان بن عبد الرحمن التيمي عن أنس بن مالك أن النبي كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس .
____________________
(2/72)
قال الترمذي : هذا حديث صحيح .
ز : رواه البخاري عن سريج ، ورواه أبو داود عن الحسن بن علي عن زيد بن الحباب عن فليح .
8557 - الحديث الثاني : قال مسلم بن الحجاج : ثنا عبد الله بن عبد الرحمن ، ثنا يحي بن حسان ، ثنا سليمان بن بلال ، عن جعفر بن محمد عن أبيه ، أنه سأل جابر بن عبد الله : متى كان رسول الله يصلي الجمعة ؟ قال : كان يصلي ثم نذهب إلى جمالنا فتريحها حين تزول الشمس .
انفرد بإخراجه مسلم .
858 - الحديث الثالث : قال الشافعي : أنبأ سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن يوسف بن ماهك ، قال : قدم معاذ بن جبل على أهل مكة وهم يصلون الجمعة والفيء في الحجر ، فقال : ' لا تصلوا حتى تفيء الكعبة من وجهها ' .
ز : هذا مرسل فإن يوسف بن ماهك لم يدرك معاذا .
مسألة [ 243 ] :
إذا وقع العيد يوم الجمعة أجزأ حضوره عن الجمعة .
خلافا لأكثرهم .
لنا ثلاثة أحاديث :
859 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا عبد الرحمن ثنا ابن إسرائيل عن عثمان بن
____________________
(2/73)
المغيرة عن إياس بن أبي رملة قال : شهدت معاوية سأل زيد بن أرقم : شهد مع رسول الله عيدين اجتمعا ؟ قال : نعم صلى العيد أول النهار ثم رخص في الجمعة . ثم قال : من شاء أن يجمع فليجمع .
ز : رواه أبو داود والنسائي ، وابن ماجه والحاكم وصححه .
وليس لإياس في المسند غير هذا الحديث .
860 - الحديث الثاني : قال يوسف بن يعقوب بن البهلول ، ثنا محمد بن عمرو بن حنان ، ثنا بقية ، ثنا شعبة ، عن المغيرة الضبي ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن أبي صالح عن أبي هريرة ، عن رسول الله أنه قال : ' قد اجتمع في يومكم عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون إن شاء الله ' .
رواه الخطيب عن محمد بن أحمد بن حماد عن يوسف . ز : رواه أبو داود عن محمد بن مصفى وعمر بن حفص الوصابي عن بقية .
وقال ابن عساكر في الأطراف : ورواه النسائي عن محمد بن يحي عن يزيد بن عبد ربه عن بقية بنجوه .
ولم أره في كتاب النسائي ، وإنما رواه ابن ماجه عن محمد بن يحي ولم يذكره .
ورواه الحاكم في المستدرك وقال : صحيح غريب على شرط مسلم ، وقد رواه ابن ماجه من حديث ابن عباس فقال : حدثنا محمد بن المصفى ثنا بقية ، ثنا شعبة ، حدثني المغيرة الضبي ، عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن ابن عباس ، عن رسول الله قال : ' اجتمع عيدان في يومكم هذا فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون إن شاء الله ' .
861 - الحديث الثالث - قال ابن ماجه قال : ثنا جبارة بن المغلس ، ثنا مندل بن علي عن عبد العزيز بن عمر ، عن نافع عن ابن عمر ، قال : اجتمع عيدان على عهد رسول الله فصلى بالناس ثم قال : ' من شاء أن يأتي الجمعة فليأتها ومن شاء أن يتخلف فليتخلف ' .
____________________
(2/74)
الاعتماد على الحديث الأول .
فأما حديث أبي هريرة : فقال الدارقطني : هو غريب من حديث مغيرة ، ولم يرفعه عنه غير شعبة ، وهو أيضا غريب عن شعبة لم يروه عنه غير بقية ، وقد رواه زياد البكائي وصالح بن موسى الطلحي ، عن عبد العزيز بن رفيع متصلا ، وروي عن الثوري عن عبد العزيز متصلا ، وهو غريب عنه ، ورواه جماعة عن عبد العزيز بن أبي صالح عن رسول الله مرسلا ولم يذكروا أبا هريرة .
قلت : وكذا قال أحمد بن حنبل : إنما رواه الناس عن أبي صالح مرسلا ، وتعجب من بقية كيف رفعه .
وقد كان بقية يروي عن ضعفاء ويدلس .
وأما حديث ابن عمر : فإن مندل بن علي ضعيف .
وجبارة ليس بشيء أصلا .
قال يحي بن معين : هو كذاب .
وقال ابن نمير : كان يوضع له الحديث فيحدث به .
ز : قال النسائي في سننه : أنا محمد بن بشار ، ثنا يحي ثنا عبد الحميد بن جعفر ، حدثني وهب بن كيسان ، قال : اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير فأخر الخروج حتى تعالى النهار ثم خرج فخطب ، فأطال الخطبة ثم نزل فصلى ركعتين ولم يصل الناس يومئذ الجمعة فذكر لذلك ابن عباس ، فقال : أصاب السنة .
ورواه الحاكم في مستدركه وقال : على شرطهما ، ولفظه : قال وهب بن كيسان : شهدت ابن الزبير بمكة وهو أمير فوافقيوم فطر أو أضحى يوم الجمعة فأخر الخروج حتى ارتفع النهار فخرج وصعد المنبر فخطب فأطال ثم صلى ركعتين فلم يصل الجمعة فعاتبه عليه الناس من بني امية فبلغ ذلك ابن عباس فقال : أصاب ابن الزبير السنة ، فبلغ ابن الزبير فقال : رأيت عمر إذا اجتمع عيدان صنع مثل هذا .
وقال أبو داود : ثنا محمد بن طريف البجلي ، ثنا أسباط ، عن الأعمش عن عطاء بن أبي رباح ، قال : صلى بنا ابن الزبير في يوم عيد في يوم جمعة أول النهار ثم رحنا إلى الجمعة فلم يخرج إلينا فصلينا وحدانا وكان ابن عباس بالطائف فلما قدم ذكرنا ذلك له فقال : أصاب السنة .
قال أبو داود : وثنا يحي بن خلف ثنا أبو عاصم عن ابن جريج قال : قال عطاء :
____________________
(2/75)
اجتمع يوم جمعة ويوم فطر على عهد ابن الزبير فقال : عيدان اجتمعا في يوم واحد فجمعهما فصلاهما ركعتين بكرة ، لم يزد عليهما حتى صلى العصر .
وهذا الذي فعله ابن الزبير يدل على جواز فعل الجمعة في وقت العيد وأنها تجزي عن العيد والظهر .
[ 244 ] مسألة :
إذا صلى الظهر من عليه الجمعة قبل الفراغ من صلاة الجمعة لم تصح صلاته .
وقال أبو حنيفة : تصح ، فإن خرج يريد الجمعة انتقضت صلاته .
وقال مالك : إن صلى في وقت لو سعى إلى الجمعة لأدرك منها ركعة لم تجزه .
وقال الشافعي في الجديد : كقولنا ، وفي القديم : لم يجزئه بكل حال .
والمسألة مبنية على أن فرض الوقت الجمعة وعندهم الظهر وله إسقاطها بالجمعة .
لنا على هذا الأصل حديث جابر : ' من كان يؤمن بالله فعليه الجمعة ' .
وقد تقدم بإسناده .
مسألة [ 245 ] :
الخطبة شرط في الجمعة .
وقال داود : مستحبة .
____________________
(2/76)
لنا قوله : ' صلوا كما رأيتموني أصلي ' .
وقد سبق بإسناده .
مسألة [ 246 ] :
لا تجب القعدة بين الخطبتين .
وقال الشافعي : تجب .
واحتج بما :
862 - روى أحمد : ثنا أبو كامل ، ثنا زهير ، ثنا سماك بن حرب قال : نبأني جابر بن سمرة : أنه رأى رسول الله يخطب قائما على المنبر ثم يجلس ثم يقوم فيخطب قائما . قال جابر : فمن نبأك أنه كان يخطب قاعدا فقد كذب ، فقد والله صليت معه أكثر من ألفي صلاة .
863 - قال أحمد : وثنا عبد الرزاق ، ثنا معمر ، أنا عبيد الله بن عمر ، عن نافع عن ابن عمر قال : ' كان النبي يخطب يوم الجمعة مرتين بينهما جلسة ' .
أخرجاه في الصحيحين . وانفرد بالذي قبله مسلم .
وأصحابنا قد حملوا هذا على الاستحباب ، ورووا عن ابن عباس أنه قال : ' لما ثقل رسول الله جلس ' .
____________________
(2/77)
مسألة [ 247 ] :
السنة إذا صعد المنبر أن يسلم .
وقال مالك وأبو حنيفة : لا يسلم .
864 - قال الأثرم ، ثنا عمرو بن خالد المصري ، ثنا ابن لهيعة ، عن محمد بن يزيد عن محمد بن المنكدر عن جابر ، قال : كان النبي إذا صعد المنبر سلم .
865 - قال الأثرم : وثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، ثنا أبو أسامة ، ثنا مجالد عن الشعبي ، قال : كان رسول الله إذا صعد المنبر يوم الجمعة استقبل الناس فقال : ' السلام عليكم ويحمد الله ويثني عليه ويقرأ سورة ثم يجلس ثم يقوم فيخطب ثم ينزل ، وكان أبو بكر وعمر يفعلانه ' .
ز : حديث جابر رواه ابن ماجة عن محمد بن يحيى عن عمرو بن خالد . وابن لهيعة ضعيف ومجالد لين ، وحديثه مرسل .
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سالت أبي عن حديث رواه عمرو بن خالد الحراني عن ابن لهيعة عن محمد بن زيد بن المهاجر عن محمد بن المنكدر عن جابر : ' أن النبي كان إذا صعد المنبر سلم ' قال أبي : هذا حديث موضوع .
وقال أبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان : أنا أبو محمد عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم الخراساني ، ثنا إبراهيم - هو ابن الهيثم - ، ثنا محمد بن أبي السري ، ثنا الوليد بن مسلم ، ثنا عيسى بن عبد الله الأنصاري عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : ' كان
____________________
(2/78)
النبي إذا دخل المسجد يوم الجمعة يسلم على من عند المنبر فإذا صعد المنبر سلم على الناس ' .
رواه الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد في كتاب المختارة ولم يتكلم عليه وعيسى بن عبد الله الأنصاري قال ابن عدي : عامة ما يرويه لا يتابع عليه ، وروى هذا الحديث في ترجمته فقال : حدثنا أبو عروبة ، ثنا عبد الوهاب بن الضحاك ، وثنا الفضل بن عبد الله بن سليمان ، ثنا الوليد بن عتبة ، قالا : ثنا الوليد بن مسلم ، عن عيسى بن عبد الله الأنصاري ، وقال الوليد : حدثني عيسى بن ميمون بن أبي عون القرشي عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : ' كان النبي إذا دنا من منبره يوم الجمعة سلم على من عنده من الجلوس فإذا صعد المنبر استقبل الناس بوجهة ثم سلم ' .
مسألة [ 248 ] :
يحرم الكلام حين سماع الخطبة . وعنه لا يحرم .
وعن الشافعي : كالروايتين .
لنا حديثان :
866 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا حماد بن خالد عن مالك وابن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب بن أبي هريرة ، عن النبي قال : ' إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب يوم الجمعة أنصت فقد لغوت ' .
أخرجاه في الصحيحين .
____________________
(2/79)
867 - الحديث الثاني : قال أحمد : ثنا ابن نمير ، عن مجالد ، عن الشعبي عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله : ' من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا ' .
ز : هذا الحديث لم يخرجه أصحاب السنن ، ومجالد ليس بالقوي .
____________________
(2/80)
فصل
مسألة [ 249 ] :
ويحرم الكلام على المستمع دون الخاطب .
خلافا لأكثرهم في قولهم : أنهما سواء .
لنا ثلاثة أحاديث :
868 - الحديث الأول : قال الإمام أحمد : ثنا محمد بن جعفر ، ثنا سعيد عن الوليد أبي بشر عن طلحة ، أنه سمع جابر بن عبد الله يحدث : أن سليكا جاء ورسول الله يخطب فجلس فأمره النبي أن يصلي ركعتين ثم أقبل على الناس .
فقال : ' إذا جاء أحدكم والإمام يخطب فليصل ركعتين يتجوز فيهما ' .
أخرجاه في الصحيحين .
869 - الحديث الثاني : قال أحمد : ثنا زيد الحباب ، قال : حدثني حسين بن واقد ، قال : حدثني عبد الله بن بريدة ، قال سمعت أبي يقول : كان رسول الله يخطبنا فجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل رسول الله فحملهما فوضعهما بين يديه ثم قال : ' صدق الله ورسوله ( ^ إنما أموالكم وأولادكم فتنة ) نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما ' .
ز : إسناد هذا الحديث على شرط مسلم .
وقد رواه أبو داود ، وابن ماجة ، والنسائي وابن خزيمة في صحيحه ، والترمذي وقال : حديث غريب لا نعرفه إلى من حديث الحسين
____________________
(2/81)
ابن واقد .
870 - الحديث الثالث : قال أبو داود : ثنا يعقوب بن كعب الأنطاكي ، ثنا مخلد بن يزيد ، قال : أنبأ ابن جريج عن عطاء عن جابر قال : لما استوى رسول الله يوم الجمعة قال : ' اجلسوا ' ، فسمع ذلك ابن مسعود فجلس على باب المسجد فرآه رسول الله فقال : ' تعال با عبد الله بن مسعود ' .
ز : رواه الحاكم أبو عبد الله في المستدرك وقال : على شرطهما .
وقال أبو داود : هذا يعرف مرسلا إنما رواه الناس عن عطاء عن النبي وقال : ومخلد هو شيخ .
وسئل عنه الدارقطني فقال : رواه معاذ بن معاذ ومخلد بن يزيد ، وأبو زيد النحوي عن ابن جريج عن عطاء عن جابر ، وخالفهم إسماعيل بن عياش فرواه عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس ، ورواه عمرو بن دينار عن عطاء مرسلا ، والمرسل أشبه .
مسألة [ 250 ] :
لا يكره الكلام قبل لابتداء بالخطبة وبعد الفراغ منها .
وقال أبو حنيفة : يكره .
871 - قال البخاري : ثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو وقال ثنا عبد الوارث قال ثنا عبد
____________________
(2/82)
العزيز عن أنس ، قال : أقيمت الصلاة والنبي يناجي [ رجلا ] في جانب المسجد فما قام إلى الصلاة حتى نام القوم .
أخرجاه .
872 - قال أحمد : ثنا وكيع ، ثنا جرير بن حازم ، عن ثابت البناني عن أنس قال : كان رسول الله ينزل من المنبر يوم الجمعة فيكلم الرجل في الحاجة فيكلمه ثم يتقدم إلى مصلاه فيصلي .
ز : رواه أبو داود عن مسلم بن إبراهيم عن جرير وقال : والحديث ليس بمعروف عن ثابت .
هو مما تفرد به جرير بن حازم .
ورواه الترمذي عن بندار عن أبي داود عنه وقال : غريب لا نعرفه إلا من حديث جرير .
سمعت محمدا يقول : وهم جرير في هذا والصواب ما روي عن ثابت عن أنس قال : ' أقيمت الصلاة فأخذ رجل بيد النبي ' الحديث هو هذا ، وجرير ربما يهم في الشيء وهو صدوق .
ورواه النسائي عن محمد بن علي بن ميمون عن الفريابي عنه ورواه ابن ماجه عن بندار .
مسألة [ 251 ] :
السنة أن يقرأ في الجمعة بالجمعة والمنافقين .
وهو قول الشافعي .
وقال مالك : يسبح .
والغاشية .
____________________
(2/83)
وقال أبو حنيفة : ليس فيها معين .
873 - قال مسلم بن الحجاج : ثنا قتيبة ، ثنا حاتم بن إسماعيل ، عن جعفر ، عن أبيه عن عبيد الله بن أبي رافع ، قال : استخلف مروان أبا هريرة على المدينة ، وخرج إلى مكة وصلى لنا أبو هريرة يوم الجمعة فقرأ بسورة الجمعة في السجدة الأولى ، وفي الآخرة : ( ^ إذا جاءك المنافقون ) قال : فأدركت أبا هريرة حين انصرف ، فقلت : إنك قرأت بسورتين كان علي يقرأ بهما بالكوفة .
فقال أبو هريرة : فإني سمعت رسول الله يقرأ بهما يوم الجمعة .
انفرد بإخراجه مسلم .
874 - ولمالك ما روى أحمد : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، ثنا مالك ، عن ضمرة ابن سعيد عن عبيد الله بن عبد الله : أن الضحاك بن قيس سأل النعمان بن بشير بما كان رسول الله يقرأ في الجمعة مع سورة الجمعة ؟ قال : ( ^ هل أتاك حديث الغاشية ) .
875 - قال أحمد : وثنا سفيان ، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر ، عن أبيه ، عن حبيب بن سالم ، عن أبيه عن النعمان بن بشير : أن النبي قرأ في العيدين ب ( ^ سبح اسم ربك الأعلى ) ، و ( ^ هل أتاك حديث الغاشية ) ، وإن وافق الجمعة قرأهما جميعا .
انفرد بهذه الطريق مسلم واتفقا على التي قبلها .
ز : حديث ضمرة بن سعيد عن عبيد الله لم يتفقا عليه 9 ، وإنما رواه منفردا به عمرو الناقد عن سفيان بن عيينة عنه بنحوه .
ورواه أبو داود عن القعنبي ، والنسائي عن قتيبة كلاهما عن مالك .
____________________
(2/84)
وحديث النعمان رواه مسلم من رواية أبي عوانة وجرير كلاهما عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه عن حبيب بن سالم عن النعمان وليس فيه عن أبيه وهو الصواب ، ولم يروه من حديث سفيان .
وقال الترمذي : وهكذا روى الثوري ومسعر عن إبراهيم ، وأما سفيان بن عيينة فيختلف عليه : يروى عنه عن إبراهيم عن أبيه عن حبيب عن أبيه عن حبيب النعمان ، ولا يعرف لحبيب رواية عن أبيه .
وقال أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن حنبل : حبيب بن سالم سمعه من النعمان ، وكان كاتبه وسفيان يخطئ فيه يقول : حبيب بن سالم عن أبيه وهو سمعه من النعمان .
مسألة [ 252 ] :
إذا أدرك المسبوق دون الركعة من الجمعة صلى ظهرا .
وقال أبو حنيفة ك يصلي ركعتين .
لنا : حديث أبي هريرة : ' من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ' .
وعن عائشة بنحوه .
وقد ذكرناهما بإسنادهما فيما تقدم .
876 - وقال الدارقطني : ثنا البغوي ، قال : ثنا الحكم بن موسى ، ثنا عبد الرزاق ابن عمر الدمشقي ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة : أن رسول الله قال : ' من أدرك من الجمعة ركعة فليضف إليها أخرى ' .
____________________
(2/85)
إلا أن هذا الحديث لا يصلح الاحتجاج به لأجل عبد الرزاق بن عمر .
قال يحي : ليس بشيء كذاب .
وقال البخاري : منكر الحديث .
وقال أبو حاتم الرازي : لا يكتب حديثه .
وقال ابن حبان : يقلب الأخبار فاستحق الترك .
877 - وقد روى إبراهيم بن عطية الثقفي عن يحي بن سعيد ، عن الزهري ، عن سالم عن أبيه ، عن النبي أنه قال : : من أدرك من الجمعة ركعة فليصل إليها أخرى ' .
وهذا الحديث لا يصح أيضا .
قال أبو حاتم بن حبان الحافظ : إبراهيم بن عطية بن منكر الحديث .
خطأ .
إنما الخبر : من أدرك من الصلاة ركعة .
وذكر الجمعة قال أربعة أنفس عن الزهري عن أبي سلمة كلهم ضعفاء .
ز : حديث أبي هريرة رواه ابن ماجه عن محمد بن الصباح ، عن عمر بن حبيب ، عن ابن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن سعيد ، وأبي سلمة ، عن أبي هريرة ولفظه : ' من أدرك من الجمعة ركعة ، فليصل إليها أخرى ' وعمر بن حبيب ضعيف .
وقد رواه الحاكم وصححه من حديث الوليدبن مسلم ، عن الأوزاعي ، حدثني الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي قال : ' من أدرك من صلاة الجمعة ركعة فقد أدرك الصلاة ' .
ورواه من حديث يحيى بن أيوب ، ثنا أسامة بن زيد الليثي ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة مرفوعاً : ' من أدرك من الجمعة ركعة فليصل إليها أخرى ' .
وقد روى الدارقطني حديث أبي هريرة بطرق أخرى كثيرة ، وروى حديث ابن عمر أيضا فقال : حدثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث ، ثنا محمد بن مصفى وعمرو بن عثمان ، قالا : ثنا بقية ، حدثني يونس بن يزيد الأيلي ، عن الزهري عن سالم بن عبد الله ابن عمر ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله : ' من أدرك ركعة من صلاة الجمعة وغيرها فليضف إليها أخرى وقد تمت صلاته ' . وقال عمرو : قد أدرك الصلاة .
____________________
(2/86)
قال الدارقطني : قال لنا أبو بكر - يعني عبد الله بن سليمان - : لم يروه عن يونس إلا بقية .
وقال النسائي : أخبرني موسى بن سليمان بن إسماعيل بن القاسم ، ثنا بقية ، عن يونس ، حدثني الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، عن النبي قال : ' من أدرك ركعة من الجمعة أو غيرها ، فقد تمت صلاته ' كذا رواه في سننه .
وروى بعده عن محمد بن إسماعيل الترمذي ، عن أيوب بن سليمان ، عن أبي بكر ابن أبي أويس ، عن سليمان بن بلال ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، أن رسول الله قال : ' من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها إلا أنه يقضي ما فاته ' .
ورواه النسائي أيضا وابن ماجة جميعا عن عمرو بن عثمان بن كثير عن بقية كما تقدم .
وقال الطبراني : ثنا علي بن عبد الصمد الطيالسي علان ما غمة ، ثنا الجراح بن مخلد ، ثنا إبراهيم بن سليمان الدباسي ، ثنا عبد العزيز بن مسلم القسملي عن يحي عن يحي بن سعيد الأنصاري ، عن نافع ، عن ابن عمر أن النبي قال : ' من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك ' .
قال الطبراني : لم يروه عن يحي إلا عبد العزيز تفرد به إبراهيم بن سليمان .
وقد رواه الدارقطني من رواية عيسى بن إبراهيم عن عبد العزيز ، وقد رواه محمد بن هارون الحضرمي عن يعيش بن الجهم عن عبد الله بن نمير ، عن يحي بن سعيد .
وسئل عنه الدارقطني فقال : يرويه يحي بن سعيد الأنصاري ، واختلف عنه فرواه ابن نمير وعبد العزيز بن مسلم القسملي عن يحي بن سعيد عن نافع عن ابن عمر عن النبي كذلك قال يعيش بن الجهم عن ابن نمير وغيره عن ابن نمير موقوفا ، وكذلك رواه زهير بن معاوية ويحي القطان وهشيم عن يحي عن نافع عن ابن عمر موقوفا وهو الصواب ، وكذلك رواه عبيد الله بن عمر وعلي بن الحكم عن نافع عن ابن عمر موقوفا وقد روى مطر الوراق عن نافع عن ابن عمر عن النبي ولا يصح . مسائل العيد
____________________
(2/87)
مسألة [ 253 ] :
التكبيرات الزوائد في الأولى ست وفي الثانية خمس .
وقال أبو حنيفة : ثلاث في الأولى ، وثلاث في الثانية .
وقال الشافعي : في الأولى سبع ، وفي الثانية خمس .
لنا ستة أحاديث :
878 - الحديث الأول : قال الإمام أحمد : ثنا وكيع قال : ثنا عبد الله بن عبد الرحمن ، سمعه من عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : أن رسول الله كبر في عيد اثنتي عشرة تكبيرة سبعا في الأولى وخمسا في الآخرة ولم يصل قبلها ولا بعدها .
قال أحمد : أنا أذهب إلى هذا .
ز : رواه أبو داود ولفظه قال : قال نبي الله : ' التكبير في الفطر سبع في الأولى ، وخمس في ألآخرة ، والقراءة بعدهما كلتيهما ' .
ورواه ابن ماجه ولفظه : ' كبر في صلاة العيدين سبعا وخمسا ' .
وعبد الله بن عبد الرحمن الطائفي روى له مسلم .
وقال يحيى بن معين : صالح .
وقال مرة : ضعيف ، وقال مرة : ليس به بأس
____________________
(2/89)
يكتب حديثه .
وقال أبو حاتم : ليس بقوي لين لحديث ، بابه طلحة بن عمرو وعمر بن راشد وعبد الله بن المؤمل . وقال النسائي : ليس بذاك القوي ويكتب حديثه .
وذكره ابن حبان في كتاب الثقات .
879 - الحديث الثاني : قال أحمد وثنا يحي قال : ثنا ابن لهيعة قال : ثنا الأعرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' التكبير في العيدين سبع قبل القراءة وخمس بعد القراءة ' .
880 - الحديث الثالث : قال أحمد وثنا أبو سعيد مولى بني هاشم قال : ثنا ابن لهيعة عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة : أن رسول الله كان يكبر في العيدين سبعا وخمسا قبل القراءة .
881 الحديث الرابع : قال الترمذي : ثنا مسلم بن عمرو الحذاء ، ثنا عبد الله بن نافع ، عن كثير بن عبد الله ، عن أبيه عن جده : أن النبي كبر في العيدين في الأولى سبعا قبل القراءة وفي الآخرة خمسا قبل القراءة .
ز : رواه ابن ماجه عن أبي مسعود محمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل عن محمد بن خالد بن عثمة عن كثير ولفظه : ' كبر في العيدين سبعا في الأولى وخمسا في الآخرة ' قال الترمذي : سألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث فقال : ليس في هذا الباب شيء أصح من هذا وبه أقول ، قال : وحديث عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في هذا الباب هو صحيح أيضا .
882 - الحديث الخامس : قال الدارقطني : ثنا عثمان بن أحمد الدقاق ، ثنا أحمد بن علي الخراز ، ثنا سعيد بن عبد المجيد ، ثنا فرج بن فضالة ، عن يحي بن سعيد عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله : التكبير في العيدين في الركعة الأولى سبع تكبيرات وفي
____________________
(2/90)
الآخرة خمس تكبيرات .
ز : كذا فيه سعيد بن عبد الحميد ، والمعروف سعد وهو صدوق تكلم فيه ابن حبان .
883 - الحديث السادس : قال الدارقطني : وثنا إسماعيل بن محمد الصفار ، ثنا محمد بن علي الوراق ، ثنا أحمد بن الحجاج ، ثنا عبد الرحمن بن سعيد بن عمار ، عن عبد الله بن محمد بن عادر ، عن أبيه عن جده ، قال : كان رسول الله يكبر في العيدين في الأولى سبعا وفي الآخرة خمسا .
ز : روى ابن ماجه عن هشام بن عمار عن عبد الرحمن بن سعيد بن عمار بن سعيد مؤذن رسول الله قال : حدثني أبي عن أبيه عن جده : ' أن رسول اله كان يكبر في العيدين في الأولى سبعا قبل القراءة وفي الآخرة خمسا قبل القراءة ' [ هذا الحديث ليس إسناده بالقوي ] .
قال المؤلف : أصلح هذه الأحاديث الأول .
وهو حديث عمرو بن شعيب .
وفي إسناده عبد الله بن عبد الرحمن وهو الطائفي .
وقد ضعفه ابن معين .
وقال مرة : ليس به بأس .
وقال مرة : صويلح .
وأما حديث أبي هريرة وعائشة : ففيهما ابن لهيعة وهو ضعيف جدا . وأما حديث كثير بن عبد الله : فقد قال الترمذي : هو أحسن شيء في هذا الباب .
وقد تعجبت من قوله هذا ؛ فإنه قد قال أحمد بن حنبل : لا تحدث عن كثير بن عبد الله لا يساوي شيئا . وضرب على حديثه في المسند ولم يحدث به .
وقال يحي : ليس حديثه بشيء ، ولا يكتب .
وقال النسائي والدارقطني : متروك الحديث .
وقال أبو زرعة : واهي الحديث .
وقال الشافعي : هو ركن من أركان الكذب .
وقال أبو حاتم بن حبان الحافظ : روى عن أبيه عن جده نسخة موضوعة لا يحل ذكرها في الكتب ولا في الرواية عنه إلا عن جهة التعجب .
وأما الحديث الخامس : ففيه فرج بن فضالة .
قال يحي : ضعيف . وقال ابن حبان : لا يحل الاحتجاج به .
____________________
(2/91)
وأما السادس : ففيه عبد الله بن محمد بن عمار ، قال يحي : ليس بشيء .
قال أصحاب الشافعي : إنما التكبيرات السبع غير تكبيرة الإحرام . واستدلوا بحديثين :
884 - الحديث الأول : قال الدارقطني : ثنا أبو بكر النيسابوري قال : ثنا محمد بن إسحاق قال : أنبأ إسحاق بن عيسى قال : حدثني ابن لهيعة قال : ثنا خالد بن يزيد عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : كان رسول الله يكبر في العيدين اثنتي عشرة تكبيرة سوى الافتتاح ويقرأ ب : ( ^ ق والقرآن المجيد ) و ( ^ اقتربت الساعة ) .
885 - الحديث الثاني : قال الدارقطني وثنا عثمان بن أحمد الدقاق قال : ثنا الحسن ابن سلام ثنا أبو نعيم ، ثنا عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي .
قال سمعت عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : أن رسول الله كبر في العيد يوم الفطر سبعا في الأولى ، وفي الأخرى خمسا سوى تكبيرة الإحرام .
والجواب :
أما الحديث الأول : فيرويه ابن لهيعة - وهو ذاهب الحديث - .
عن خالد بن يزيد ، وقد قال أحمد : خالد ليس بشيء .
وقال النسائي : ليس بثقة .
وأما الحديث الثاني : فيحمل قوله : ' سوى تكبيرة الصلاة ' على أنها تكبيرة الركوع ، يدل عليه أن :
886 - روى الدارقطني .
قال : ثنا ابن أبي داود قال : ثنا أبو الطاهر قال أنبأنا ابن وهب قال أخبرني ابن لهيعة عن خالد بن يزيد عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة : أن النبي كبر في الفطر والأضحى سبعا وخمسا سوى تكبيرة في الركوع .
ز : روى هذا الحديث أبو داود عن أبي الطاهر وابن ماجة عن حرملة بن يحيى عن ابن وهب عن ابن لهيعة عن خالد بن يزيد وعقيل عن ابن شهاب .
وخالد بن يزيد هو الجمحي أبو عبد الرحمن المصري وقد روى له البخاري ومسلم في صحيحه ، ووثقه أبو زرعة
____________________
(2/92)
والنسائي والذي تكلم فيه أحمد والنسائي وغيرهما هو الدمشقي والله أعلم .
واحتج الحنفيون بما :
887 - روى أبو داود ثنا محمد بن العلاء ثنا زيد بن الحباب عن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبيه عن مكحول ، قال : أخبرني أبو عائشة - جليس لأبي هريرة - ك أن سعيد بن العاص سأل أبا موسى وحذيفة : كيف كان رسول الله يكبر في الأضحى والفطر ؟ فقال أبو موسى : كان يكبر أربعا تكبيره على الجنائز .
فقال حذيفة : صدق .
والجواب :
قال يحي : ثوبان ضعيف .
وقال أحمد : لم يكن بالقوي وأحاديثه مناكير . قال : وليس يروي في التكبير في العيدين عن النبي حديث صحيح .
ز : وقد روى هذا الحديث الإمام أحمد في مسنده عن زيد بن الحباب وعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان وثقه غير واحد ، وقال يحي بن معين في رواية : ليس به بأس .
وقال بعضهم : حديث أبي موسى ضعيف ، وأبو عائشة غير معروف .
وقال أبو محمد بن حزم : أبو عائشة مجهول .
وقال ابن القطان : لا يعرف حاله .
مسألة [ 254 ] :
القراءة بعد التكبيرات في الركعتين .
وعنه يوالي بين القراءتين فيكبر في الأولى قبل القراءة وفي الثانية بعد القراءة كقول أبي حنيفة .
لنا :
حديث عائشة : ' أنه كان يكبر قبل القراءة ' وقد سبق .
____________________
(2/93)
مسألة [ 255 ] :
السنة أن يقرأ في الأولى بسبح ، وفي الثانية بالغاشية .
وعنه : ليس فيه معين كقول أبي حنيفة .
وقال مالك : يقرأ بسبح والشمس .
وقال الشافعي : يقرأ في الأولى قاف ، وفي الثانية اقتربت .
لنا حديثان :
888 - الحديث الأول : حديث النعمان بن بشير وقد سبق بإسناده في مسائل الجمعة .
889 - الحديث الثاني : قال أحمد : ثنا محمد بن جعفر أنبأنا شعبة قال : سمعت معبد بن خالد ، يحدث بن زيد بن عقبة عن سمرة بن جندب : أن رسول الله كان يقرأ في العيدين ب ( ^ سبح اسم ربك الأعلى ) ، و ( ^ هل أتاك حديث الغاشية ) .
ز : لم يخرج هذا الحديث بهذا الإسناد في الصحيح ولا في السنن ، وقد روى أبو داود والنسائي من رواية زيد بن عقبة عن سمرة : ' أن النبي كان يقرأ بهما في الجمعة ' .
____________________
(2/94)
وعن ابن عباس ' أن النبي كان يقرأ في العيد بسبح اسم ربك الأعلى ، وهل أتاك حديث الغاشية ' رواه ابن ماجه من رواية موسى بن عبيدة وقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة .
ولأصحاب الشافعي حديثان :
الحديث الأول : حديث عائشة .
وقد تقدم بإسناده .
890 - الحديث الثاني : قال أحمد : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، ثنا مالك عن ضمرة ابن سعيد عن عبيد الله بن عبيد الله : ' أن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثي بما كان رسول الله يقرأ في العيد ؟ قال : بقاف ، واقتربت ' .
انفرد بإخراجه مسلم .
مسألة [ 256 ] :
لا يسن التطوع قبل صلاة العيد ولا بعدها .
وقال الشافعي : يسن .
وقال مالك : كقولنا إن كان في المصلى .
وإن كان في المسجد فعلى روايتين .
وقال أبو حنيفة : يتنفل بعدها إن شاء .
لنا ثلاثة أحاديث :
الحديث الأول : حديث عبد الله بن عمرو .
وقد سبق بإسناده في تكبيرات الزوائد .
____________________
(2/95)
891 - الحديث الثاني : قال الترمذي : ثنا محمود بن غيلان ، ثنا أبو داود الطيالسي ، ثنا شعبة ، عن عدي بن ثابت ، قال : سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس : أن النبي خرج يوم الفطر فصلى ركعتين ثم لم يصل قبلها ولا بعدها .
ز : روى هذا الحديث البخاري ومسلم من رواية شعبة .
892 - الحديث الثالث : قال الترمذي : وثنا الحسين بن حريث ، ثنا وكيع ، عن أبان بن عبد الله البجلي ، عن أبي بكر بن حفص عن ابن عمر : أنه خرج يوم عيد ولم يصل قبلها ولا بعدها ، وذكر أن النبي كان يفعله .
قال الترمذي : الحديثان صحيحان .
ز : روى هذا الحديث أيضاً الإمام أحمد والحاكم وصححه وأبان بن عبد الله وثقه يحي بن معين .
وقال الفلاس : كان ابن مهدي يحدث عن سفيان عنه وما سمعت يحي بن سعيد يحدث عنه قط . وقال أحمد : صدوق صالح الحديث .
وقال ابن حبان : كان ممن فحش خطؤه وانفرد بالمناكير .
وقال ابن عدي : لم أجد له حديثا منكر المتن فأذكره وأرجو أنه لا بأس به .
مسألة [ 257 ] :
يبتدئ التكبير في الأضحى من صلاة الفجر يوم عرفة فإن كان محرما فمن صلاة الظهر يوم النحر ، ويقطعه آخر أيام التشريق .
____________________
(2/96)
ووافق أبو حنيفة في الابتداء ، وقال : يقطع العصر من يوم النحر .
وقال مالك : يكبر من الظهر يوم النحر إلى الصبح من آخر أيام التشريق .
وعن الشافعي ثلاثة أقوال : أحدها كقولنا ولميفرق بين المحل والمحرم .
والثاني : كمذهب مالك .
والثالث : من صلاة المغرب ليلة النحر إلى الصبح من آخر أيام التشريق .
893 - قال الدارقطني : ثنا أبو بكر عبد الله بن يحي الطلحي ، ثنا عبيد بن كثير ، ثنا محمد بن جنيد ، ثنا مصعب بن سلام ، عن عمرو ، عن جابر ، عن أبي جعفر بن علي بن حسين عن جابر بن عبد الله قال : كان رسول الله يكبر في صلاة الفجر من يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق حين سلم من المكتوبات .
894 - قال الدارقطني : وثنا عثمان بن السماك ، ثنا أبو قلابة ، قال : حدثني نائل بن نجيح ، ثنا عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر ، وعبد الرحمن بن سابط : - عن جابر بن عبد الله ، قال : كان رسول الله إذا صلى الصبح من غداة عرفة أقبل على أصحابه يقول : على مكانكم ويقول : ' الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد ' .
فيكبر من غداة عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق .
هذا حديث لا يثبت .
قال يحي : عمرو بن شمر ليس بشيء لا يكتب حديثه .
وقال السعدي : كذاب .
وقال النسائي والرازي والدارقطني : متروك وجابر هو الجعفي .
قال يحي : لا يكتب حديثه وقد وثقه الثوري وشعبة وقد روى هذا الحديث عمرو بن شمر عن
____________________
(2/97)
جابر عن أبي الطفيل عن علي وعمار : أن رسول الله كان يفعل ذلك .
مسألة [ 258 ] :
والسنة أن يكبر شفعا .
وقال الشافعي : يكبر ثلاثا في آخره .
وقال أبو حنيفة : واحدة .
ولنا حديث جابر المتقدم .
مسألة [ 259 ] :
إذا غم هلال الفطر ثم علم به بعد الزوال صلوا من الغد وكذلك في الأضحى .
وقال مالك : لا يصلي العيد في غير يومه .
وعن الشافعي كالمذهبين .
____________________
(2/98)
895 - قال أحمد : ثنا حمد بن جعفر ثنا عن شعبة ، عن أبي بشر ، عن أبي عمير بن أنس عن عمومته من أصحاب النبي : أنه جاء ركب إلى النبي : فشهدوا أنهم رأوه بالأمس - يعني الهلال - : فأمرهم فأفطروا وأن يخرجوا من الغد .
ز : رواه أبو داود وابن ماجه والنسائي ، وصححه الخطابي وغيره وقال ابن حزم : سنده صحيح .
وقال أبو بكر بن المنذر : هو حديث ثابت يجب العمل به .
وقال ابن القطان : عندي أنه حديث ينبغي أن ينظر فيه ولا يقبل به إلا أن تثبت عدالة أبي عمير .
____________________
(2/99)
مسائل صلاة الخوف
مسألة [ 260 ] :
إذا كان العدو في غير جهة القبلة فرق الإمام الناس طائفتين : طائفة بإزاء العدو وطائفة خلفه فيصلي بها ركعة ويثبت قائما حتى تتم لأنفسها وتسلم وتنصرف إلى وجاه العدو ، ثم تجيء الطائفة الأخرى فتحرم خلفه فيصلي بها الركعة الثانية .
ويجلس للتشهد وتقوم الطائفة فتصلي ركعة ثانية ويجلس فيتشهد ويسلم بهم .
وقال أبو حنيفة : يصلي بالأولى ركعة وتنصرف وتجيء الأخرى فتحرم معه فيصلي بها ركعة ويتشهد ويسلم وتنصرف إلى مقامها وتجيء الأولى فيصلي ركعة بغير قراءة وتنصرف إلى مقامها وتجيء الثانية فتصلي ركعة بقراءة وتشهد وتسلم .
وعن مالك كمذهبنا ، وعنه : أن الإمام يسلم ولا ينتظر الثانية .
وقال داود : جميع ما روي عن النبي في صلاة الخوف جائز لا يرجح بعضه على بعض .
لنا : حديث سهل بن أبي حثمة أن النبي صلى كما وصفنا وحديثه مخرج في الصحيحين .
وقد روى ابن عمر كما وصفوا وخبرنا موافق للكتاب والأصول أما الكتاب فقوله تعالى : ( ^ فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ) .
والمراد سجود الأولى .
وأما الأصول : فإن العمل الكثير من غير ضرورة يبطل الصلاة . قال أحمد بن حنبل : ما أعلم في هذا الباب إلا حديثا صحيحا . واختار حديث سهل بن أبي حثمة .
____________________
(2/101)
مسألة [ 261 ]
إذا كان العدو في جهة القبلة أحرم بهم أجمعين وقرأ وركع بهم فإذا سجد سجدوا معه أجمعون إلا الصف الذي يلي الإمام فإنهم يقفون يحرسونهم فإذا قاموا من الركعة سجد الذين حرسوا ولحقوا بهم ثم يصلي بهم أجمعين حتى يرفع من الركوع فإذا سجد سجد معه الذين حرسوا في الركعة الأولى وحرس الآخرون فإذا صلى الركعة وجلس سجدوا ولحقوه في الجلوس ثم يسلم بالجميع .
وقال أبو حنيفة : لا يصلي إلا كصلاته إذا كان العدو في غير جهة القبلة .
لنا : أن رسول الله صلى بعسفان كما وصفنا .
896 - قال أحمد : ثنا عبد الرزاق ، ثنا الثوري عن منصور عن مجاهد عن أبي عياش الزرقي ، قال : ' كنا مع رسول الله بعسفان فاستقبلنا المشركون عليهم خالد بن الوليد وهم بيننا وبين ا لقبلة فصلى بنا النبي الظهر ، فقالوا : قد كانوا على حالة لو أصبنا غرتهم .
ثم قالوا : تأتي الآن عليهم صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم .
قال : فنزل جبريل عليه السلام بهذه الآيات بين الظهر والعصر ( ^ وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة . . ) قال : فحضرت فأمرهم رسول الله فأخذوا السلاح قال : فصففنا خلفه صفين .
قال : ثم ركع فركعنا جميعا ، ثم رفع فرفعنا جميعا ، ثم سجد النبي بالصف الذي يليه والآخرين قيام يحرسونهم فلما سجدوا وقاموا جلس الآخرون فسجدوا في مكانهم ثم تقدم هؤلاء إلى مصاف هؤلاء وجاء هؤلاء إلى مصاف هؤلاء .
قال : ثم ركع فركعوا جميعا ثم رفع فرفعوا جميعا ثم سجد النبي ثم سلم ثم انصرف فصلاها رسول الله مرتين مرة بعسفان ومرة بأرض بني سليم .
ز : رواه الإمام أحمد أيضا عن محمد بن جعفر بن شعبة عن منصور ورواه أبو داود
____________________
(2/102)
عن سعيد بن منصور ، عن جرير بن عبد الحميد عن منصور ورواه النسائي عن محمد بن مثنى ومحمد بن بشار عن غندر عن شعبة ، عن عمرو بن علي بن عبد العزيز بن عبد الصمد عن منصور بنحوه .
ورواه أبو حاتم البستي عن أبي يعلى الموصلي عن أبي خيثمة عن جرير بن عبد الصمد عن منصور عن مجاهد ثنا أبو عياش الزرقي قال : كنا مع رسول الله وقال قبل هذه الرواية : ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن مجاهدا لم يسمع هذا الخبر من أبي عياش الزرقي ، ولا لأبي عياش الزرقي صحبة فيما زعم . ورواه الحسن بن سفيان عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان رواه الحاكم وقال : على شرطهما .
مسألة [ 262 ] : تصح الصلاة في حالة المسايفة ولا يجوز تأخيرها عن وقتها .
قال أبو حنيفة : يجوز تأخيرها وإن فعلها لم تصح .
897 - قال البخاري : ثنا عبد الله بن يوسف ثنا مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر : كان إذا سئل عن صلاة الخوف وصفها ثم قال : إذا كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالا قياما على أقدامهم أو ركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبليها قال نافع : لا أرى عبد الله بن عمر ذكر ذلك إلا عن رسول الله .
____________________
(2/103)
مسألة [ 263 ] :
لا يجوز الجلوس على الحرير ولا الإستناد إليه .
وقال أبو حنيفة : يجوز .
898 - قال البخاري : ثنا آدم ، ثنا شعبة قال : ثنا قتادة قال سمعت أبا عثمان النهدي يقول : أتانا كتاب عمر ونحن مع عتبة بن فرقد أن رسول الله نهى عن الحرير إلا هكذا وأشار بأصبعيه اللتين تليان الإبهام .
أخرجاه في الصحيحين .
وهذا النهي يعم لبسه والجلوس عليه والإستناد إليه .
899 - وقد روى أصحابنا من حديث حذيفة أن النبي نهى عن لبس الحرير وأن يجلس عليه .
ز : حديث حذيفة هذا الذي عزاه إلى رواية الأصحاب قد رواه البخاري في صحيحه ولفظه قال : ' نهانا النبي أن نشرب في آنية الذهب والفضة ، وأن نأكل فيها وعن لبس الحرير والديباج وأن يجلس عليه .
____________________
(2/104)
مسألة [ 264 ] :
ولا يجوز لبس الحرير في الحرب ولا الركوب عليه في إحدى الروايتين .
وعنه : يجوز كقول أبي حنيفة ، والشافعي .
لنا : ما تقدم من الحديث .
____________________
(2/105)
مسائل صلاة الكسوف
مسألة [ 265 ] :
صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان .
وعنه في كل ركعة أربع ركوعات .
وقال أبو حنيفة : صفتها كصلاتنا هذه ثم الدعاء حتى تنجلي لنا حديثان :
900 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا إسحاق أبو عيسى ، قال : ثنا مالك عن يزيد ابن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس قال : ' خسفت الشمس فصلى رسول الله والناس معه فقام قياما طويلا نحوا من سورة البقرة ثم ركع ركوعا طويلا ثم رفع فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ثم ركع طويلا وهو دون الركوع الأول ثم سجد ثم قام فقام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ' .
قال أحمد : وفيما قرأت على عبد الرحمن قال : ' ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ثم سجد ثم انصرف ' .
901 - الحديث الثاني : قال أحمد وثنا بشر بن شعيب قال : حدثني أبي عن
____________________
(2/107)
الزهري قال أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة قالت : كسفت الشمس على حياة رسول الله فخرج إلى المسجد فقام فكبر وصف الناس ورواءه فكبروا فقرأ قراءة طويلة هي أدنى من القراءة الأولى ثم كبر وركع ركوعا طويلا هو أدنى من الركوع الأول ثم قال : سمع الله لمن حمده فقام ولم يسجدها فقرأ قراءة طويلة هي أدنى من القراءة الأولى ثم كبر وركع ركوعا طويلا هو أدنى من الركوع الأول ثم قال : سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد .
ثم سجد ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك فاستكمل أربع ركعات وأربع سجدات .
وانجلت الشمس قبل أن ينصرف .
وكان كثير بن عياش يحدث : أن عبد الله بن عباس كان يحدث عن صلاة رسول الله يوم كسفت الشمس ما حدث عروة عن عائشة فقلت لعروة : إن أخاك لم يزد على ركعتين مثل صلاة الصبح ، فقال : أنه أخطأ السنة .
الحديثان في الصحيحين .
902 - وأما حجتهم فقال أحمد : [ ثنا زيد بن الحباب ] ثنا عبد الوهاب ، ثنا أيوب عن أبي قلابة عن النعمان بن بشير قال : انكسفت الشمس على عهد رسول الله فخرج فكان يصلي ركعتين ويسلم ويصلي ركعتين ويسلم حتى انجلت .
903 - قال أحمد : وثنا حجاج ، أنا شعبة ، عن عاصم الأحول ، عن أبي قلابة عن النعمان بن بشير قال : انكسفت الشمس على عهد رسول الله فصلى فكان رسول الله يركع ويسجد .
قال حجاج : مثل صلاتنا .
والجواب :
إن أحاديثنا أكثر وأصح ، ثم إن قوله : ' كان يصلي ركعتين ' لا ينافي مذهبنا وأنه كان في كل ركعة ركوعان ، وقول حجاج : مثل صلاتنا ظن منه .
ز : روى حديث النعمان أبو داود والنسائي ، وابن ماجه ، والحاكم وقال : على شرطهما ولم يخرجاه .
وأبو قلابة لم يسمع من النعمان فيما قيل ، قال ابن أبي حاتم : قال أبي : أبو قلابة عن النعمان بن بشير قال يحي بن معين هو مرسل ، قال أبي : قد أدرك أبو
____________________
(2/108)
قلابة النعمان بن بشير ولا أعلم سمع منه وقد رواه عفان عن عبد الوارث عن أيوب عن أبي قلابة عن قبيصة بن المخارق ، ورواه عباد بن منصور عن أيوب بن أبي قلابة عن هلال بن عامر عن قبيصة .
مسألة [ 266 ] :
ويسن الجهر فيها بالقراءة ، وبه قال أبو يوسف ومحمد .
خلافا لأكثرهم .
904 - قال أبو داود : ثنا العباس بن الوليد بن مزيد ، قال : أخبرني أبي ، ثنا الأوزاعي ، قال : أخبرني الزهري ، أخبرني عروة عن عائشة : أن رسول الله قرأ قراءة طويلة يجهر بها - يعني في صلاة الكسوف .
ز : رواه الحاكم وقال : على شرطهما ولم يخرجاه هكذا .
وقال مسلم في صحيحه : حدثنا محمد بن مهران ، ثنا الوليد بن مسلم ، أنا عبد الرحمن بن نمر ، أنه سمع ابن شهاب يخبر عن عروة عن عائشة : ' أن النبي جهر في صلاة الخسوف بقراءته فصلى أربع ركعات في ركعتين بأربع سجدات ' .
وروى البخاري نحوه عن محمد بن مهران وقال : تابعه سفيان بن حسين وسليمان بن كثير عن الزهري في الجهر .
____________________
(2/109)
واحتجوا بما :
905 - روى أحمد : ثنا أبو كامل ، ثنا زهير ، ثنا الأسود بن قيس ، قال : حدثني ثعلبة بن عباد عن سمرة قال : اسودت الشمس فقام رسول الله كأطول ما قام بنا في صلاة قط لا نسمع له صوتا .
وهذا يحتمل أن يكون لبعده منه ؛ لأنه قال في الحديث : أتينا والمسجد قد امتلأ .
ز : حديث سمرة هذا بعض حديث طويل رواه أبو داود ورواه الترمذي مختصرا ، ' صلى بنا في كسوف لا نسمع له صوتا ' وقال : حديث حسن صحيح ، ورواه ابن ماجه ، والنسائي وأبو حاتم بن حبان البستي ، والحاكم ، وقال : على شرطهما واختصره بعضهم .
وثعلبة بن عباد العبدي البصري ذكره ابن المديني في جملة المجهولين والله أعلم .
وقال البخاري فيما حكاه عنه الترمذي : حديث عائشة ' أن النبي جهر بالقراءة في صلاة الكسوف ' أصح عندي من حيث سمرة أن النبي ' أسر القراءة فيها ' .
وقال الإمام أحمد : حديث عائشة في الجهر ينفرد به الزهري .
مسألة [ 267 ] :
ولا يسن في الكسوفين خطبة .
وقال الشافعي : يسن كخطبتي العيد . لنا ثلاثة أحاديث :
906 - الحديث الأول : قال الإمام أحمد : ثنا يزيد بن هارون ، أنبأ إسماعيل ، عن
____________________
(2/110)
قيس عن أبي مسعود ، قال : قال رسول الله : ' إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكنهما آيتان من آيات الله فإذا رأيتموهما فصلوا ' .
907 - الحديث الثاني : قال أحمد : وثنا هارون بن معروف ، ثنا عبد الله بن وهب ، قال أخبرني عمرو بن الحارث ، أن عبد الرحمن بن القاسم حدثه عن أبيه : - عن عبد الله بن عمر ، عن رسول الله أنه قال : ' إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكنهما آية من ى يات تعالى فإذا رأيتموهما فصلوا ' .
908 - الحديث الثالث : قال أحمد : وثنا بشر بن شعيب ، قال : حدثني أبي ، عن الزهري ، قال : أخبرني عروة عن عائشة قالت : كسفت الشمس فقال رسول الله ' إنما هما آيتان من آيات الله فإذا رأيتموهما فانزعوا إلى الصلاة ' .
الأحاديث الثلاثة في الصحيحين .
فإن قيل : ففي بعض ألفاظ الصحيحين من حديث عائشة : ' أنه خطب ' .
فالجواب : المراد منه أنه خط بعدها لا لها ليحذر الناس من قولهم : إن الشمس كسفت لموت إبراهيم .
ولهذا في بعض ألفاظه ، إنه خطب فقال : ' إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ' .
____________________
(2/111)
مسائل صلاة الاستسقاء
مسألة [ 268 ] :
تسن الصلاة للاستسقاء .
وقال أبو حنيفة : لا تسن .
لنا حديثان :
909 - الحديث الأول : قال الإمام أحمد : ثنا أبو نعيم ثنا ابن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن عباد بن تميم عن عمه : أن رسول الله خرج فتوجه إلي القبلة يدعوا ، وحول رداءه ثم صلى ركعتين جهر فيها بالقراءة .
أخرجاه في الصحيحين .
910 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : ثنا أبو بكر النيسابوري ثنا على بن سعيد بن جرير ، ثنا سهل بن بكار ، وثنا محمد بن عبد العزيز ، عن أبيه عن طلحة قال : أرسلني مروان إلى ابن عباس أسأله عن سنة الاستسقاء . فقال : سنة الاستسقاء سنة الصلاة في العيدين ، إلا أن رسول الله قلب رداءه ، وجعل يمينه على يساره ، ويساره على يمينه ، وصلي ركعتين ، كبر في الأولى سبع تكبيرات وقرأ : سبح اسم ربك الأعلى ، وقرأ في
____________________
(2/113)
الثانية : ( ^ هل أتاك حديث الغاشية ) .
وكبر فيها خمس تكبيرات .
ز : رواه الحاكم وصححه وهو حديث منكر ، ومحمد بن عبد العزيز هو ابن عمر بن عبد الرحمن بنعوف الزهري القرشي المدني وهو ضعيف ، قال البخاري : منكر الحديث .
وقال النسائي : متروك الحديث .
وقال أبو حاتم : ضعيف الحديث ليس له حديث مستقيم ز
وقد تكلم فيه أيضا ابن حبان وغيره .
وروي هذا الحديث غير سهل .
مسألة [ 269 ] :
ولا تسن خطبه للأستسقاء وعنه تسن كقول الشافعي ، إلا أنه قال : يخطب خطبتين بعد الصلاة يدعو في الثانية مستقبل القبله .
911 - قال أحمد : ثنا وكيع ، ثنا سفيان ، عن هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة عن أبيه عن ابن عباس : أن رسول الله خرج متخشعا متضرعا متواضعا متبذلا فصلى بالناس ركعتين كما يصلى في العيد لم يخطب كخطبتكم هذه .
ز : رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح ، وابن ماجة ، والنسائي ، وأبو حاتم البستي وأبو عوانة الأسفرايني في صحيحه ، والحاكم في مستدركه .
وذكر أبو حاتم الرازي أن رواية إسحاق بن عبد الله عن ابن عباس مرسلة ، وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سئل أبو زرعة عن إسحاق بن عبد الله بن كنانة فقال : مدني ثقة ، وقال النسائي : ليس به بأس .
____________________
(2/114)
احتجوا بما :
912 - روى أحمد : ثنا إسحاق ثنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر ، أنه سمع عباد ابن تميم يقول : سمعت عبد الله بن زيد يقول : خرج رسول الله إلى المصلى واستسقى وحول رداءه حين استقبل القبلة وبدأ بالصلاة قبل الخطبة ثم استقبل القبلة فدعا .
والجواب : أن قوله : قبل الخطبة محمول على أنه أراد قبل أن يتشاغل بالدعاء والاستغفار فسمي بذلك خطبة .
مسألة [ 270 ] :
والإمام مخير بين أن يدعو قبل الصلاة أو بعدها .
وقال الشافعي : يدعو بعد الصلاة ، وعن أحمد نحوه لنا : أن الأخبار مختلفة فقد ذكرنا في حديث عبد الله بن زيد الذي ذكرناه في دليلنا أنه دعا ثم صلى ، وفي حديثه الذي في حجتهم أنه صلى ثم دعا . وقد ذكرنا في حديث ابن عباس مثل اللفظ الأول ، وقد روى جابر وأبو هريرة ، وأبو سعيد ، مثل اللفظ الثاني .
مسألة [ 271 ] :
تحويل الرداء وقلبه في أثناء الدعاء سنة .
____________________
(2/115)
وقال أبو حنيفة : لا يسن . لنا ما تقدم من الأحاديث .
مسألة [ 272 ] :
مذهب أحمد رضي الله عنه أن يكفر تارك الصلاة عمدا ، وعنه لا يكفر ولكن يستتاب فإن تاب وإلا قتل .
وبه قال مالك والشافعي .
وقال أبو حنيفة : يستتاب ويحبس ولا يقتل .
ووجه الرواية الأولى ثلاثة أحاديث :
913 - الحديث الأول : قال الترمذي : ثنا هناد ، ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي الزبير عن جابر ، قال : قال رسول الله : ' بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة ' .
وانفرد بإخراجه مسلم .
____________________
(2/116)
914 - الحديث الثاني : قال أحمد : ثنا زيد بن الحباب ، قال : حدثني حسين بن واقد ، قال : حدثني عبد الله بن بريدة ، قال سمعت أبي يقول : قال رسول الله : ' بيننا وبينهم ترك الصلاة فمن تركها فقد كفر ' .
ز : رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح غريب ، رواه ابن ماجة والنسائي ، ابن حبان والحاكم وقال : صحيح ولا يعرف له علة .
915 - الحديث الثالث : قال أحمد وثنا أبو عبد الرحمن ثنا سعيد حدثني كعب بن علقمة عن عيسى بن هلال الصدفي عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي أنه ذكر الصلاة يوما فقال : ' من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نور ولا برهان ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف ' .
ز : إسناد هذا الحديث جيد ، ولم يخرجوه في السنن ، وعيسى بن هلال لم يذكر فيه ابن أبي حاتم جرحا ، بل روي عن غير واحد ، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات .
وقد روى الإمام أحمد من رواية مكحول عن أم أيمن أن رسول الله قال : ' لا يترك الصلاة متعمدا فإنه من ترك الصلاة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله ورسوله ' .
وهذا منقطع فإن مكحول لم يدرك أم أيمن .
وقال الحاكم : أنا أحمد بن سهل الفقيه ببخاري : أنا قيس بن انيف ثنا قتيبة ، ثنا بشر بن المفضل ، عن الجريري ، عن عبد الله بن شقيق ، عن أبي هريرة ، قال : كان أصحاب رسول الله لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر عير الصلاة . ورواه الترمذي دون ذكر أبي هريرة عن قتيبة .
وقال البيهقي : روينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : ' لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة ' .
وعن علي رضي الله عنه : من لم يصل فهو كافر .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، من لم يصل فلا دين له .
____________________
(2/117)
مسائل الجنائز
مسألة [ 273 ] :
الأفضل أن يغسل الميت في قميص .
وقال أبو حنيفة ومالك : الأفضل أن يغسل مجردا إلا أنه تستر عورته .
916 - قال أحمد : ثنا يعقوب ، ثنا أبي عن أبي إسحاق ، قال : حدثني حسين بن عبد الله ، عن عكرمة عن ابن عباس : أن عليا غسل رسول الله فأسنده إلى صدره وعليه قميصه وكان أسامة وصالح يصبان الماء وعلي يغسله . ز : حسين ضعفه واحد من الأئمة .
وقال أبو معاوية : ثنا أبو بردة ، عن علقمة بن مرثد ، عن أبي بريدة عن أبيه ، قال : ' لما أخذوا في غسل رسول الله ناداهم مناد من الداخل لا تنزعوا عن رسول الله قميصه ' رواه ابن ماجه عن سعيد بن يحي بن الأزهر عن أبي معاوية .
وابن بريدة هو سليمان وهو ثقة روي له مسلم في صحيحه ، وأبو بردة هو عمرو بن يزيد وهو ضعيف تكلم فيه ابن معين وأبو حاتم وأبو داود وغيرهم .
وذكر الحاكم أن هذا الحديث على شرط الشيخين وهو واهم في ذلك وكأنه ظن أن أبا بردة هو بريدة بن عبد الله بن بردة أحد الثقات المشهورين المخرج لهم في الصحيحين وليس به وإن كان أبو معاوية يروي
____________________
(2/119)
عن بريد فإن بريدا لا تعرف له رواية عن علقمة بن مرثد والله أعلم .
مسألة [ 274 ] :
يستحب في الغسلة الأخيرة شيء من كافور .
وقال أبو حنيفة : لا يستحب .
917 - قال أحمد : ثنا إسماعيل ، ثنا أيوب ، عن محمد عن أم عطية قالت : أتانا رسول الله ونحن نغسل ابنته فقال : ' اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر ، واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور فإذا فرغتن فآذنني ' .
قالت : فلما فرغنا آذناه فألقى إلينا حقوه وقال : ' أشعرنها إياه ' .
أخرجاه في الصحيحين .
مسألة [ 275 ] :
يضفر شعر المرأة بثلاث قرون .
وقال أبو حنيفة : يكره ذلك ولكن ترسله الغاسلة غير مضفور بين يديها من الجانبين .
____________________
(2/120)
وتسدل خمارها عليه .
918 - قال البخاري : ثنا قبيصة ، عن سفيان ، عن هشام ، عن أم الهذيل عن عطية قالت : ضفرنا شعر بنت النبي ثلاثة قرون .
919 - وقال سعيد بن منصور : أنبأ أبو معاوية ، عن رجل ، عن هشام ، عن حفصة عن أم عطية قالت : لما ماتت زينة نت رسول الله قال لنا رسول الله : ' اغسلنها وترا واجعلن شعرها ضفائر ' .
مسألة [ 276 ] :
إذا غسل الميت وخرج منه شيء بعد الغسل وجبت إعادة الغسل .
وقال أبو حنيفة : لا يجب غسل ما عدا النجاسة .
لنا : قوله : ' اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر إن رأيتن '
يعني إن حدث بها حدث .
مسألة [ 277 ] :
لا ينجس الآدمي بالموت .
____________________
(2/121)
وعنه : ينجس كقول أبي حنيفة .
وعن الشافعي : كالمذهبين .
لنا حديثان :
920 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا ابن أبي عدي عن حميد ، عن بكر ، عن أبي رافع عن أبي هريرة قال : لقيت النبي وأنا جنبا فانسللت فاغتسلت .
فقال أين كنت .
فأخبرته .
فقال : ' إن المؤمن لا ينجس ' .
أخرجاه في الصحيحين .
921 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : ثنا أبو سهل بن زياد قال : ثنا عبيد العجلي ، ثنا يحي بن معلى بن منصور ، ثنا عبد الرحمن بن يحي بن إسماعيل بن عبيد الله المخزومي ، ثنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال : قال رسول الله : ' لا تنجسوا موتاكم فإن المسلم ليس بنجس حيا ولا ميتا ' .
عبد الرحمن بن يحي فيه ضعف .
ز : روي هذا الحديث الحاكم في المستدرك من رواية أبي بكر وعثمان ابنا أبي شيبة عن ابن عيينة وقال : صحيح على شرطهما ولم يخرجاه .
وقال الحافظ محمد بن عبد الواحد : إسناده عندي على شرط الصحيح .
وقال البخاري : قال ابن عباس : المسلم لا ينجس حيا ولا ميتا .
وعبد الرحمن بن يحي لا نعلم أحدا ضعفه بل صدقة أبو حاتم وروى عنه .
مسألة [ 278 ] :
لا ينقطع حكم الإحرام بالموت .
____________________
(2/122)
وقال أبو حنيفة ومالك : ينقطع .
922 - قال أحمد : ثنا هشيم ، أنبأ أبو بشر ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رجلا كان مع رسول الله فوقصته ناقة وهو محرم فمات ، فقال رسول الله : ' اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبه ولا تمسوه طيبا ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا ' .
أخرجاه في الصحيحين .
احتجوا بما :
923 - رواه الدارقطني : ثنا أبو بكر النيسابوري ، ثنا محمد بن علي السرخسي ، ثنا علي بن عاصم ، عن ابن جريج ، عن عطاء عن ابن عباس ، عن النبي في المحرم يموت قا : ' خمروهم ولا تشبهوا باليهود ' .
هذا حديث لا يصح . قال يزيد بن هارون : ما زلنا نعرف علي بن عاصم بالكذب .
وكان أحمد سيء الرأي فيه . وقال يحي : ليس بشيء . وقال النسائي : متروك الحديث .
قلت : بل قد روي هذا الحديث مرسلا .
924 - قال سعيد بن منصور : ثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن ابن جريج عن عطاء ، قال : ' إذا مات المحرم خمروا وجهه فإن رسول الله قال : ' خمروا وجوههم ولا تشبهوا بأهل الكتاب ' .
____________________
(2/123)
مسألة [ 279 ] :
يجوز للزوج أن يغسل زوجته .
وقال أبو حنيفة : لا يجوز .
925 - قال الإمام أحمد : ثنا محمد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق عن يعقوب ابن عتبة ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله عن عائشة قالت : رجع إلي رسول الله ذات يوم من جنازة بالبقيع وأنا أجد صداعا في رأسي ، وأنا أقول وارأساه .
فقال : بل ' بل أنا وارأساه ' ثم قال : ' ما ضرك لو مت قبلي فغسلتك وكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك ' .
قلت : ' لكأني بك والله لو فعلت ذلك رجعت إلى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك ' فتبسم رسول الله ثم بدأ في وجعه الذي مات فيه .
ز : رواه ابن ماجه عن الذهلي عن أحمد بن حنبل . ورواه النسائي عن عمرو بن هشام عن محمد بن سلمة نحوه .
فإن قيل : قد روى هذا الحديث البخاري في صحيحه فقال فيه : ' قلت : وارأساه ، فقال : ' ذلك لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك ' .
ورواه صالح بن كيسان عن الزهري فقال فيه : ' وددت أن ذلك كان وأنا حي فهيأتك ودفنتك ' ، ولم يقل : ' غسلتك ' إلا محمد بن إسحاق وقد كذبه مالك .
قلنا : إنما كذبه مالك بقول هشام بن عروة إنه حدث عن امرأتي وما رآها رجل قط .
وقد تأول هذا أحمد بن حنبل فقال : يمكن أن يكون خرجت إلى المسجد فسمع منها .
وقال يحي بن معين : محمد بن إسحاق ثقة .
وقال شعبة : صدوق .
____________________
(2/124)
926 - قال الدارقطني ثنا عبد الباقي بن قانع ثنا عبد الله بن احمد بن حنبل ، ثنا عبد الله بن جندل ، ثنا عبد الله بن نافع المدني ، عن محمد بن موسى ، عن عون بن محمد ، عن أمه عن أسماء بنت عميس : أن فاطمة عليها السلام أوصت أن يغسلها زوجها علي وأسماء ، فغسلاها .
وقد رواه هبة الله الطبري عن أسماء : ' أن عليا غسل فاطمة ، قالت أسماء : وأعنته عليها ' . ولم ينكر عليه أحد من الصحابة فصار كالإجماع .
فإن قيل : قد أنكر أحمد هذا الحديث ، ثم في الإسناد عبد الله بن نافع .
قال يحيى : ليس بشيء .
وقال النسائي : متروك .
قلنا : قد قال يحيى في رواية : يكتب حديثه ,
قال بعض المتفقهة : لو صح هذا الحديث قلنا : إنما غسلها لأنها زوجته في الآخرة فما انقطعت الزوجية .
قلنا : لو بقيت الزوجية لما تزوج بنت أختها أمامة بنت زينب بعد موتها ، وقد مات عن أربع حرائر .
قالوا : فقد روي أنها اغتسلت وماتت فاكتفوا بغسلها ذلك .
927 - أخبرنا عبد الله بن علي المقرئ ، أنا أبا منصور محمد بن أحمد بن عبد الرزاق ، أنا عبد الملك بن محمد ، أنا أبو علي أحمد بن الفضل بن خزيمة ، ثنا محمد بن سويد الطحان ، ثنا عاصم بن علي ، ثنا إبراهيم بن سعد ، عن محمد بن إسحاق ، عن عبيد الله بن علي بن أبي رافع ، عن أبيه عن أمه سلمى قالت : ' اشتكت فاطمة فمرضتها ، فقالت لي يوما وخرج علي عليه السلام : يا أمتاه اسكبي لي غسلا .
فسكبت ثم قامت فاغتسلت كأحسن ما كنت أراها تغتسل ثم قالت : هاتي لي ثيابي الجدد ، فأتيتها بها ، فلبستها ثم جاءت إلى البيت الذي كانت فيه فقالت لي : الفراش إلى وسط البيت ثم اضطجعت ، ووضعت يدها تحت خدها واستقبلت القبلة ثم قال : يا أمتاه إني مقبوضة اليوم وإني قد اغتسلت فلا يكشفني أحد . قال : فقبضت مكانها فجاء علي عليه السلام فأخبرته فقال : لا .
____________________
(2/125)
والله لا يكشفها أحد فدفنها بغسلها بذلك ' .
قلنا : هذا حديث لا يصح .
في إسناده ابن إسحاق وعلي بن عاصم وقد سبق جرحهما . وقد رواه نوح بن يزيد عن إبراهيم بن سعد بهذا الإسناد . ورواه الحكم بن أسلم عن إبراهيم أيضا .
ورواه عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن محمد بن عقيل : أن فاطمة اغتسلت ، هكذا ذكره مرسلا . ونوح ، والحكم كلاهما متشيع .
وابن عقيل : ضعيف ، وحديثه مرسل ، والتخليط فيه من بعض الرواة .
وكيف يكون صحيحا والغسل إنما شرع لحدث الموت فكيف يقع قبله ، وحاشا علي وفاطمة أن يخفى عليهما مثل هذا .
ز : هذا الحديث منكر جدا أنكره الإمام أحمد وغيره ، وإن كان قد رواه في مسنده عن أبي النضر عن إبراهيم بن سعد ، قال حنبل وسمعت أبا عبد الله أنكر حديث إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق أن فاطمة غسلت نفسها وكفنتها .
وعبيد الله بن علي بن أبي رافع شيخ مقل ، قال ابن أبي حاتم : سألت أبي عن عبيد الله بن علي بن رافع قال : هو ابن أخي عبيد الله بن أبي رافع كاتب علي روى عنه سعيد بن أبي هلال ومحمد بن إسحاق لا بأس بحديثه ليس بمنكر الحديث .
قلت : يحتج بحديثه ، قال : لا لا هو يحدث بشيء ؟ يسير وهو شيخ ، وقول المؤلف في إسناده وابن إسحاق وعلي بن عاصم وقد سبق جرحهما ، فيه نظر ، وقد تقدم قريبا احتجاج المؤلف بابن إسحاق .
وراوي هذا الحديث إنما هو عاصم بن علي الواسطي لا أبوه علي بن عاصم ، وعاصم روى عنه البخاري في صحيحه .
وقوله نوح والحكم كلاهما متشيع - فيه نظر أيضا - فإن نوح بن يزيد هو المؤدب وهو صدوق ثقة من أصحاب إبراهيم بن سعد ، ولا نعلم أحدا رماه بالتشيع والحكم بن اسلم قال فيه أبو حاتم الرازي : قدري بصري صدوق ، والله أعلم .
قالوا : نعارض حجتكم بما روي عن النبي أنه قال : لا ينظر الله عز وجل إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وابنتها ' .
____________________
(2/126)
قالوا : وعندكم أنه إذا ماتت الزوجة قبل الدخول فلزوجها أن يتزوج ابنتها ويغسل الزوجة فنيظر إلى فرجها .
قلنا : لا يعرف صحة هذا الحديث ، ولو أصح فنقول : متى ماتت الزوجة قبل الدخول جرى الموت مجرى الدخول فلا يجوز للرجل أن يتزوج ابنتها في رواية ، ولو سلمنا قلنا المراد بالحديث النظر على وجه الاستمتاع ، وذلك لا يحل بعد الموت ، ثم ليس من ضرورة الغسل النظر إلى
مسألة [ 280 ] :
لا يجوز للمسلم غسل قريبه الكافر ولا دفنه .
وقال أبو حفص العكبري : لا بأس بذلك وزعم أنه قول أحمد .
928 - قال الخطيب : أخبرني محمد بن عبد الواحد قال : ثنا عبيد الله بن أحمد بن يعقوب المقرىء ، ثنا العباس بن علي النسائي ، ثنا يحيى بن معلى ، ثنا سهل بن المغيرة ، ثنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه قال : جاء ثابت بن قيس بن شماس إلى رسول الله فقال : إن أمه توفيت وهي نصرانية وهو يحب أن تحضرها ، فقال رسول الله : ' اركب دابتك وسر أمامك فإنك إذا كنت أمامها لم تكن معها ' .
ز : هذا حديث لا يصح ، وأبو معشر ضعيف .
احتجوا بما :
929 - روى النسائي قال : أخبرني عبيد الله بن سعيد ، قال : ثنا يحيى ، عن
____________________
(2/127)
سفيان ، قال : حدثني أبو إسحاق ، عن ناجية بن كعب عن علي قال : قلت للنبي : إن عمك الشيخ الضال مات فمن يواريه ؟ قال : ' اذهب فوار أباك ولا تحدثن حدثا حتى تأتيني ' . فواريته ثم جئت فأمرني فاغتسلت ودعا لي .
وبالجواب : إن هذا كان في أول الإسلام .
ز : رواه الإمام أحمد عن وكيع عن سفيان . ورواه أبو داود عن يحيى بن سعيد عن سفيان . ورواه النسائي أيضا عن ابن مثنى عن غندر عن شعبة عن أبي إسحاق وسئل الدارقطني عن هذا الحديث فقال . رواه شعبة والثوري وإسرائيل وشريك وزهير وقيس وورقاء وإبراهيم بن طهمان عن أبي إسحاق عن ناجية بن كعب : عن علي ، وخالفهم الحسين ابن واقد وأبو حمزة السكري فروياه عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي ، ووهما في ذكر الحارث وذكر فيه من الاختلاف غير هذا ، وقال : والمحفوظ قول الثوري وشعبة ومن تابعهما عن أبي إسحاق عن ناجية بن كعب عن علي وكذلك رواه فرأت القزاز عن ناجية بن كعب أيضا إلا أن يسهل . وقال الشافعي : يغسل ، وفي الصلاة عليه ، وروي نحوه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي ، والله أعلم .
مسالة [ 281 ] :
يغسل ويصلى عليه إذا استكمل أربعة اشهر .
وقال أبو حنيفة ومالك : لا يغسل ولا يصلى عليه قولان .
لنا حديثان :
930 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا هاشم بن القسم ثنا المبارك ، قال : أخبرني
____________________
(2/128)
زياد بن جبير ، قال : أخبرني أبي عن المغيرة بن شعبة ، عن النبي قال : ' والسقط يصلى عليه ويدعوا لوالديه بالمغفرة والرحمة ' .
قال الترمذي : هذا حديث صحيح .
ز : روى هذا الحديث أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه بنحوه ، واختصره بعضهم ، وقد روي موقوفا ، ورواه الحاكم وقال : على شرط البخاري .
931 - الحديث الثاني : قال ابن ماجه : ثنا هشام بن عمار ، ثنا البختري بن عبيد عن أبيه عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله : ' صلوا على أطفالكم فإنهم من أفراطكم ' .
قال الدارقطني : البختري ضعيف وأبوه مجهول .
احتجوا بما :
932 - روى الترمذي : ثنا أبو عمار قال : ثنا محمد بن يزيد ، عن إسماعيل بن مسلم ، عن أبي الزبير عن جابر ، عن النبي قال : ' الطفل لا يصلى عليه ولا يورث ولا يرث حتى يستهل ' .
والجواب :
أن هذا لا يصح .
قال أحمد : إسماعيل بن مسلم منكر الحديث .
وقال يحيى : ليس بشيء لم يزل مختلطاً .
وقال ابن المديني : لا يكتب حديثه .
وقال الترمذي : قد روي مرفوعا وموقوفا وكأن الموقوف أصح .
ز : روى البيهقي من رواية يحيى بن أبي طالب عن يزيد بن هارون ، عن محمد بن إسحاق ، عن عطاء ، عن جابر بن عبد الله قال : إذا استهل الصبي ورث وصلي عليه .
وهكذا رواه موقوفا ثم رواه من رواية إسماعيل المكي عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا ، وقال إسماعيل بن مسلم المكي : غيره أوثق منه .
____________________
(2/129)
وروى النسائي من رواية المغيرة بن مسلم عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا : ' الصبي إذا استهل ورث وصلي عليه ' ثم قال : وعند المغيرة بن مسلم عن أبي الزبير غير حديث منكر .
وروى الحاكم أبو عبد الله عن أحمد بن سليمان الفقيه عن هلال بن العلاء الرقي عن أبيه عن بقية عن الأوزاعي عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا : ' إذا استهل المولود صلي عليه وورث وورث ' .
وروى أبو القاسم الطبراني عن محمد بن عبد الرحيم الديباجي ، عن محمد بن أحمد بن أبي خلف ، عن إسحاق الأزرق ، عن سفيان ، عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا : ' إذا استهل الصبي ورث وورث وصلي عليه ' .
وروى ابن ماجة عن هشام بن عمار عن الربيع بن بدر عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله مرفوعا : ' إذا استهل الصبي صلي عليه وورث ' .
والربيع بن بدر يعرف بعليلهة ، وقد ضعفوه ، وقال النسائي وغيره : متروك الحديث .
مسألة [ 282 ] :
الشهيد لا يصلي عليه .
وهو قول الشافعي .
وعنه يصلى .
وهو قول أبي حنيفة ومالك .
لنا حديثان :
933 - الحديث الأول : قال الترمذي : ثنا قتيبة ، ثنا الليث ، عن ابن شهاب عن عبد
____________________
(2/130)
الرحمن بن كعب بن مالك ، أن جابر بن عبد الله أخبره : أن النبي كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في الثوب الواحد .
ثم يقول : ' أيهما اكثر أخذا للقرآن ؟ ' فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحمد وقال : ' أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة ' . وأمر بدفنهم في ثيابهم ، ولم يصل عليهم ولم يغسلوا .
انفرد بإخراجه البخاري .
934 - الحديث الثاني : قال الإمام أحمد : ، ثنا صفوان بن عيسى قال : ثنا أسامة بن زيد عن الزهري عن أنس : أن رسول الله كان يوم أحد يكفن الرجلين والثلاثة في الثوب الواحد ودفنهم ولم يصل عليهم .
ز : رواه أبو داود عن أحمد بن صالح وسليمان بن داود المهري عن ابن وهب عن أسامة بن زيد .
ورواه الحاكم من رواية ابن وهب أيضا وقال : على شرط مسلم . وقال الدارقطني : يشبه أن يكون حديث أسامة بن زيد محفوظا . وقال البخاري فيما حكاه عنه الترمذي : حديث عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن جابر بن عبد الله هو حديث حسن ، وحديث أسامة بن زيد هو غير محفوظ غلط فيه أسامة بن زيد .
احتجوا بما :
935 - رواه الدارقطني : ثنا ابن صاعد ، ثنا بندار ، ثنا ابن أبي عدي ، ثنا شعبة ، عن حصين عن أبي مالك قال : كان يجاء بقتلى أحد تسعة وحمزة عاشرهم فيصلي عليهم النبي ثم يدفنون التسعة ويدعون حمزة ، ويجيء بتسعة وحمزة عاشرهم فيصلي عليهم فيرفعون التسعة ويدعون حمزة .
936 - قال أحمد بن محمد بن النقور ك ثنا عيسى بن علي ، أنبأ البغوي ، ثنا محمد ابن جعفر الوركاني ، ثنا سعيد بن ميسرة عن أنس قال : كان النبي إذا صلى على جنازة كبر عليها أربعا وأنه كبر على حمزة سبعين تكبيرة .
937 - قال ابن ماجه .
ثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، ثنا أبو بكر بن عياش ، عن يزيد
____________________
(2/131)
ابن أبي زياد ، عن مقسم عن ابن عباس قال : أتي بهم رسول الله يوم أحد فجعل يصلي على عشرة عشرة ، وحمزة كما هو يرفعون وهو كما هو موضوع . ثم قد روي لنا : إنه لم يصل على غير حمزة .
938 - وقال الدارقطني : ثنا عبد الملك أحمد الرقاق ، ثنا يعقوب الدورقي ، ثنا عثمان بن عمر ، ثنا أسامة بن زيد ، عن الزهري عن أنس بن مالك : أن رسول الله مر بحمزة فكفنه بنمرة ولم يصل على أحد من الشهداء غيره .
فإن قيل : قال الدارقطني : لم يقل في هذه اللفظة غير عثمان بن عمر وليست بمحفوظة .
قلنا : عثمان مخرج عنه في الصحيحين والزيادة من الثقة مقبولة .
وأما حديثهم الأول : فإن حصينا ضعيف . قال يزيد بن هارون : كان قد نسي .
وقال النسائي : تغير .
وأما الثاني : فقال البخاري : سعيد بن ميسرة عنده مناكير .
وقال ابن عدي : هو مظلم الأمر . وقال ابن حبان : يروي الموضوعات .
وأما الثالث : ففيه يزيد بن أبي زياد .
قال ابن المبارك : ارم به .
وقال البخاري : منكر الحديث ذاهب .
وقال النسائي : متروك الحديث .
ز : حصين في الحديث الأول هو ابن عبد الرحمن الكوفي .
أحد الثقات المخرج لهم في الصحيحين ، والحديث مرسل جيد .
قال البيهقي : هو أصح ما في هذا الباب .
وقد رواه أبو داود في المراسيل عن محمد بن كثير عن سليمان يعني ابن كثير عن حصين عن أبي مالك ولفظه : أمر رسول الله بحمزة فوضع وجيء بتسعة فوضعوا فصلى عليهم سبع صلوات حتى صلوا على سبعين رجلا وفيهم حمزة في كل صلاة صلاها .
وأبو مالك هو الغفاري الكوفي واسمه غزوان وهو تابعي روى عن جماعة من الصحابة ، ووثقه يحي بن معين وغيره .
وحديث سعيد بن ميسرة عن أنس لم يخرجوه ، وسعيد متهم بالوضع .
قال الحاكم : روى عن أنس بن مالك أحاديث موضوعة ، وكذبه يحي بن سعيد
____________________
(2/132)
القطان .
وأخطأ ابن حبان في قوله : روى عنه يحي القطان فإن الراوي عنه إنما هو يحي بن سعيد العطار الحمصي وهو شيخ متكلم فيه يروي عن الضعفاء كثيرا .
ويحي بن سعيد القطان أجل قدرا من أن يروي عنه ، وقد كذبه هو وغيره ، وحديث مقسم عن ابن عباس من أفراد ابن ماجه .
وقد قال البيهقي : لا أحفظه إلا من حديث أبي بكر بن عياش عن يزيد بن أبي زياد وكانا غير حافظين .
وقد وهم المؤلف في كلامه على يزيد بن أبي زياد فإن ما حكاه عن البخاري والنسائي إنما هو في يزيد بن زياد ، وقال ابن أبي زياد الشامي الراوي عن الزهري وهو ضعيف بلا خلاف .
وأما راوي هذا الحديث فهو الكوفي ، ولا يقال فيه ابن زياد وهو ممن يكتب حديثه على لينه ، وقد روى له مسلم مقرونا بغيره ، وروى له أصحاب السن وقال أبو داود : لا أعلم أحدا ترك حديثه .
وقد جعل المؤلف هذين واحدا الرجلين في كتاب الضعفاء ، وقد نبهنا على وهمه هناك والله الموفق .
وحديث الزهري عن أنس رواه أبو داود عن عباس العنبري عن عثمان بن عمر .
ورواه الحاكم من رواية عثمان بن عمر وروح عن أسامة .
وقد روى الحسن بن عمارة - وهو ضعيف لا يحتج بروايته - عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس : ' أن النبي صلى على قتلى أحد ' .
وفي الصحيح من رواية عقبة بن عامر : ' أنه صلى عليهم بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات ' وفي لفظ : ' صلى عليهم صلاته على الميت ' .
____________________
(2/133)
مسألة [ 283 ] :
إذا استشهد الجنب غسل .
وقال مالك والشافعي : لا يغسل .
939 - قال محمد بن سعد : لما قتل حنظلة بن أبي عامر قال رسول الله : ' إني رأيت الملائكة تغسل حنظلة بن أبي عامر بين السماء والأرض بماء المزن في صحاف الفضة ' قال أبو أسيد الساعدي فذهبنا فنظرنا إليه فإذا رأسه يقطر ماء فرجعت إلى رسول الله فأخبرته فأرسل إلى امرأته فسألها فأخبرته أنه خرج وهو جنب فولده يقال لهم بنو غسيل الملائكة .
ز : وروى محمد بن إسحاق في المغازي عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد أن النبي قال : ' إن صاحبكم لتغسله الملائكة - يعني حنظلة - فاسألوا أهله ما شأنه ' فسألت صاحبته فقالت : خرج وهو جنب حين سمع الهايعة فقال رسول الله : ' لذلك غسلته الملائكة ' .
وروى أبو شيبة عن الحكم عن مقسم ، عن ابن عباس ، قال : ' نظر رسول الله إلى حنظلة الراهب وحمزة بن عبد المطلب تغسلهما الملائكة ' رواه البيهقي وقال : أبو شيبة ضعيف .
مسألة [ 284 ] :
يكره أن يكفن الميت في قميص وعمامة .
____________________
(2/134)
وقال أبو حنيفة : يستحب ذلك .
940 - قال البخاري : ثنا إسماعيل ، قال : حدثني مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه عن عائشة : أن رسول الله كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة .
أخرجاه في الصحيحين .
941 - وقال الترمذي : ثنا قتيبة ، ثنا حفص بن غياث ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه عن عائشة قالت : كفن رسول الله في ثلاثة أثواب بيض يمانية ليس فيها قميص ولا عمامة .
قال : فذكروا لعائشة قولهم : في ثوبين وبرد حبرة فقالت : ' قد أتي بالبرد ولكنهم ردوه لم يكفنوا فيه ' .
قال الترمذي : هذا حديث صحيح . وهو أصح الروايات في كفن رسول الله .
مسألة [ 285 ] :
ويستحب أن يكون الكفن ثلاثة أثواب ولفائف بيضا كلها .
وقال أبو حنيفة : ثوبان وحبرة .
لنا ثلاثة أحاديث :
____________________
(2/135)
الحديث الأول : حديث عائشة المتقدم .
942 - الحديث الثاني : قال أحمد : ثنا علي بن عاصم ، أنبأ عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله : ' البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم ' .
ز : رواه أبو داود والترمذي وقال : حسن صحيح ، وابن ماجه ، والحاكم ، وقال : على شرط مسلم .
943 - الحديث الثالث : قال أحمد : وثنا يحي بن سعيد ، عن سفيان ، قال : حدثني حبيب بن أبي ثابت ، عن ميمون بن أبي شبيب عن سمرة بن جندب ، عن النبي قال : ' البسوا الثياب البيض فإنها أطهر وأطيب وكفنوا فيها موتاكم ' .
قال الترمذي : الحديثان صحيحان .
ز : رواه الترمذي والنسائي ، والحاكم ، وصححه ، ورواه ابن ماجه ولم يقل : ' وكفنوا فيها موتاكم ' .
مسألة [ 286 ] :
يكره أن تكفن المرأة في المعصفر .
وقال أبو حنيفة : لا يكره .
____________________
(2/136)
لنا : قوله : ' خير ثيابكم البيض ' .
مسألة [ 287 ] :
المشي أمام الجنازة أفضل ، وفي حق الراكب خلفها .
وقال أبو حنيفة : خلفها أفضل بكل حال .
وقال الشافعي : أمامها بكل حال .
944 - قال الإمام أحمد : ثنا سفيان ، عن الزهري ، عن سالم عن أبيه : أنه رأى رسول الله وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة ' .
هذا إسناد صحيح .
فإن قالوا : قد رواه جماعة من الحفاظ عن الزهري عن النبي والمرسل أصلح .
قلنا : الراوي قد يسند الحديث وقد يرسله ، ومن رواه مرفوعا فقد أتى بزيادة على من أرسل فوجب تقديم قوله .
ز : روى هذا الحديث أبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، وغيرهم .
وقال الطبراني : ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، ثنا حجاج بن محمد
____________________
(2/137)
قال : قرأت على ابن جريج ، ثنا زياد بن سعد ، أن ابن شهاب أخبره : حدثني سالم ، عن ابن عمر : أنه كان يمشي بين يدي الجنازة ، وقد كان رسول الله وأبو بكر وعمر يمشون أمامها .
قال أبي : هذا الحديث وإن رسول الله إنما هو عن الزهري مرسل ، وحديث سالم فعل ابن عمر ، وحديث ابن عيينة كأنه وهم .
ورواه أبو حاتم البستي من رواية سفيان عن الزهري ثم قال : ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذا الحديث أخطأ فيه سفيان .
ورواه عن محمد بن عبد الله بن الفضل الكلاعي عن عمرو بن عثمان بن سعيد عن ابيه عن شعيب بن أبي حمزة عن الزهري عن سالم عن أبيه وفيه : ذكر عثمان ، وقال النسائي في هذا الحديث : الصواب مرسل .
وسئل عنه الدارقطني : فذكر فيه كلاما كثيرا واختلافا وذكر رواية شعيب بن أبي حمزة وغيره عن الزهري ثم قال : والصحيح عن الزهري قول من قال : عن سالم عن أبيه أنه كان يمشي وقد مشى رسول الله وأبو بكر وعمر .
وقال أيضا : وروي عن شريك عن خالد بن ذؤيب عن الزهري رأيت ابن عمر يمشي أمام الجنازة .
قال : والزهري وإن كان لقي ابن عمر فإن هذا القول وهم ؛ لأن الحفاظ رووه عن الزهري عن سالم أنه رأى ابن عمر وهو الصواب . وروى المغيرة بن شعبة عن النبي أنه قال : ' الراكب يسير خلف الجنازة والماشي أمامها قريبا منها عن يمينها أو عن يسارها ' رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن والحاكم وقال : على شرط البخاري .
احتجوا بخمسة أحاديث :
الحديث الأول : حديث كعب بن مالك وقول رسول الله : ' إنك إذا كنت أمامها لم تكن معها ' .
وقد سبق بإسناده آنفا .
945 - الحديث الثاني : قال الإمام أحمد : ثنا أبو كامل قال : ثنا زهير ثنا يحي الجابر ،
____________________
(2/138)
عن أبي ماجد عن عبد الله بن مسعود قال : سألنا رسول الله عن المشي خلف الجنازة .
فقال : ' الجنازة متبوعة ولا تتبع ، ليس منها من تقدمها ' .
946 - الحديث الثالث : قال أحمد ، وثنا عبد الواحد الحداد ، قال ثنا سعيد بن عبيد الله الثقفي ، عن زياد بن جبير عن أبيه عن المغيرة بن شعبة ، قال قال رسول الله : ' الراكب خلف الجنازة والماشي حيث شاؤوا منها ' .
947 - الحديث الرابع : قال أحمد وثنا يزيد ، ثنا حماد بن سلمة ، عن يعلى بن عطاء عن عبد الله بن يسار ، أن عمرو بن حريب قلا لعلي : كيف تقول في المشي في الجنازة ؟ فقال : إن فضل المشي خلفها على بين يديها كفضل صلاة المكتوبة في جماعة على الواحدة .
قال عمرو : فإني رأيت أبا بكر وعمر يمشيان أمام الجنازة .
قال علي : أنهما كرها أن يحرجا الناس .
948 - طريق آخر : قال ابن شاهين ثنا الحسين بن القاسم ، ثنا علي بن حرب ، ثنا المحاربي ، ثنا مطرح أبو مطرح أبو المهلب ، عن عبيد الله بن زحر ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم عن أبي سعيد ، قال : قلت لعلي بن أبي طالب المشي أمام الجنازة أفضل ؟ فقال : إن فضل الماشي خلفها على الماشي أمامها كفضل صلاة المكتوبة على التطوع .
قلت : برأيك تقول .
قال : بل سمعته من رسول الله غير مرة ولا مرتين حتى بلغ سبع مرات .
949 - الحديث الخامس : قال أحمد : ثنا أبو سعيد قال : ثنا حرب ، ثنا يحي ، ثنا باب بن عمير ، قال : حدثني رجل من أهل المدينة أن أباه أخبره عن أبي هريرة أن رسول الله قال : ' لا تتبع الجنازة بصوت ولا يمشى بين يديها ' .
والجواب :
أما حديث كعب : ففيه أبو معشر .
وقد ضعفه يحي .
____________________
(2/139)
وقال النسائي : ليس إسناده بشيء .
وأما حديث ابن مسعود : ففيه يحي الجبابر قال يحي بن معين : ليس بشيء .
وقال ابن حبان : يروي المناكير لا يجوز الاحتجاج به بحال .
قال الدارقطني : وأبو ماجد مجهول .
وأما حديث المغيرة : فقد صححه الترمذي ، وغايته الجواز لا المسنون ، على أنه قد روي بلفظ آخر يقوي ما نقول .
950 - قال الإمام أحمد : ثنا هاشم بن القاسم ، ثنا المبارك ، قال : أخبرني زياد بن جبير ، قال أخبرني أبي عن المغيرة بن شعبة عن النبي قال : ' الراكب خلف الجنازة والماشي أمامها قريبا عن يمينها أو عن يسارها ' .
وأما حديث عمرو بن حريث : فإنه رأي لعلي عليه السلام لا رواية .
وأما حديث أبي سعيد عنه : فحديث باطل .
في إسناده جماعة متروكين .
قال يحي بن معين : مطرح ليس بشيء ولا عبيد الله بن زحر .
وقال النسائي والدارقطني : علي بن يزيد متروك .
وقال أبو حاتم بن حبان : القاسم كان يروي عن أصحاب رسول الله المعضلات ، فإذا اجتمع في إسناد خبر عبيد الله بن زحر وعلي بن يزيد والقاسم لم يكن ذلك الخبر إلا مما عملته أيديهم .
وأما حديث أبي هريرة : ففيه رجلان مجهولان .
ز : حديث كعب لا يصح كما تقدم لكن المؤلف احتج به ثم ضعفه .
وحديث أبي ماجد عن ابن مسعود رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال غريب وسمعت محمد بن إسماعيل يضعف حديث أبي ماجد هذا .
وقال البيهقي : هو حديث ضعيف ، يحي بن عبد الله الجابر ضعيف ، وأبو ماجدة ،
____________________
(2/140)
وقيل : أبو ماجد مجهول .
وقال البرقاني : قال الدارقطني : أبو ماجد وقيل أبو ماجدة عن أبن مسعود مجهول متروك .
وقال البخاري : قال الحميدي عن ابن عيينة قال : قلت ليحي : من أبو ماجد ؟ قال : طار طير علينا فحدثنا وهو منكر الحديث .
وقال الترمذي : أبو ماجد رجل مجهول .
وأما حديث المغيرة : فقد رووه في السنن بطرق ، وفي لفظه اختلاف .
وأما عمرو بن حريث عن علي : فإنه مختصر من حديث فيه طول ، روى ابن حبان البستي بعضه .
ورواه إسحاق بن راهويه في مسنده عن النضر بن شميل عن حماد بن سلمة .
أما حديث أبي هريرة : فرواه أبو داود عن هارون بن عبد الله عن عبد الصمد ، وعن ابن مثنى عن أبي داود جميعا عن حرب بن شداد عن يحي بن أبي كثير عن باب عمير .
وسئل عنه الدارقطني : فذكر الاختلاف فيه ثم قال : وقول حرب بن شداد أشبه بالصواب .
مسألة [ 288 ] :
الوالي أحق بالصلاة من الولي .
وقال الشافعي في الجديد : الولي .
لنا : حديث أبي مسعود عن النبي : لا يؤم الرجل في سلطانه ' .
ود سبق بإسناده في مسألة تقديم القارئ على الفقيه .
____________________
(2/141)
مسألة [ 289 ] :
لا يصلى على الجنازة عند طلوع الشمس وقيامها وغروبها .
خلافا للشافعي .
951 - قال أحمد : ثنا وكيع وعبد الرحمن بن مهدي قالا : ثنا موسى بن علي بن رباح اللخمي قال : سمعت أبي يقول سمعت عقبة بن عامر يقول : ثلاث ساعات كان رسول الله ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا : حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وعند قيام الظهيرة حتى تميل الشمس وحين تضيف للغروب حتى تغرب .
انفرد بإخراجه مسلم .
مسألة [ 290 ] :
لا تكره الصلاة على الميت في المسجد .
وقال أبو حنيفة ومالك : تكره .
____________________
(2/142)
952 - قال أحمد : ثنا يونس ثنا فليح عن صالح بن عجلان ، عن عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة ، قالت : لما توفي سعد وأتي بجنازته أمرت بها عائشة أن يمر به عليها ، فمر به في المسجد فدعت له فأنكر ذلك عليها . فقالت : ما أسرع الناس إلى القول ، ما صلى رسول الله على ابن بيضاء إلا في المسجد .
انفرد بإخراجه مسلم .
ز : قال سعيد بن منصور : ثنا عبد العزيز بن محمد ، عن هشام بن عروة عن أبيه قال : صلي على أبي بكر في المسجد .
وقال : ثنا مالك عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : صلي على عمر في المسجد .
وعن إسماعيل بن أبان الغنوي ، عن هشام ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : ما ترك أبو بكر دينارا ولا درهما ودفن ليلة الثلاثاء وصلي عليه في المسجد . رواه البيهقي وقال : إسماعيل الغنوي متروك .
وروي من رواية عبد الله بن الوليد عن سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر رضي الله عنه صلي عليه في المسجد وروي من رواية وهيب عن عبيد الله بن عمر بن نافع ، عن ابن عمر : أن عمر رضي الله عنه صلي عليه في المسجد وصلى عليه صهيب .
احتجوا بما :
953 - روى أحمد : ثنا وكيع ، ثنا أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' من صلى على جنازة في المسجد فليس له شيء ' .
والجواب :
أن صالحاً مجروح كان شعبة لا يروي عنه وينهي عنه .
وقال مالك ويحي : ليس بثقة .
____________________
(2/143)
وقال ابن حبان : تغير فجعل يأتي بالأشياء التي تشبه الموضوعات عن الثقات ، فاختلط حديثه الأخير بحديثه القديم ولم يتميز فاستحق الترك .
ز : روى هذا الحديث أبو داود عن مسدد عن يحي بن أبي ذئب .
ورواه ابن ماجه عن علي بن محمد عن وكيع .
وصالح بن نبهان مولى التوأمة قال يحي بن معين : هو ثقة حجة وابن أبي ذئب سمع منه قبل أن يخرف .
وقال الجوزجاني : تغير أخيرا فحديث ابن أبي ذئب عنه مقبول لسنه وسماعه القديم عنه .
وقال أبو زرعة والنسائي وغيرهما : ضعيف .
وقال ابن عدي : لا بأس برواياته وحديثه .
وقال أبو عمر بن عبد البر : من أهل العلم من لا يحتج بحديثه أصلا لضعفه ومنهم من يقبل منه ما رواه ابن أبي ذئب خاصة ، وقال البيهقي في هذا الحديث : رواه جماعة عن ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة وهو ما يعد في أفراد صالح ، وحديث عائشة رضي الله عنها أصح منه ، وصالح مولى التوأمة مختلف في عدالته ، كان مالك بن أنس يجرحه .
وقال أبو زكريا النواوي : أجابوا عن هذا الحديث بأجوبة :
أحدها : أنه ضعيف لا يصح الاحتجاج به .
قال أحمد بن حنبل : هذا حديث ضعيف تفرد به صالح مولى التوأمة وهو ضعيف .
والثاني : أن الذي في النسخ المشهورة المحققة المسموعة في سنن أبي داود : ' من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء عليه ' فلا حجة فيه حينئذ .
الثالث : أنه لو ثبت الحديث وثبت : ' أنه فلا شيء له ' لوجب تأويله على : ' فلا شيء عليه ' ليجمع بين الروايتين وبين هذا الحديث وحديث سهيل بن بيضاء وقد جاء له بمعنى عليه ، كقوله تعالى : ( ^ وإن أسأتم فلها ) الآية .
الرابع : أنه محمول على نقص الأجر في حق من صلى في المسجد ورجع ولم يشيعها إلى المقبرة لما فاته من تشييعه إلى المقبرة وحضور دفنه والله أعلم .
____________________
(2/144)
مسألة [ 291 ] :
السنة أن يقف الإمام عند صدر الرجل ووسط المرأة .
وقال أبو حنيفة : بحذاء صدرها .
وقال الشافعي : كقولنا في المرأة ، واختلف أصحابه في الرجل ، قال بعضهم كقولنا ، وبعضهم عند رأسه .
لنا حديثان :
954 - الحديث الأول : قال الترمذي : ثنا عبد الله بن منير عن سعيد بن عامر عن همام عن أبي غالب قال : صليت مع أنس بن مالك على جنازة رجل . فقام حيال رأسه .
ثم جاءوا بجنازة امرأة فقام حيال وسط السرير .
فقال له العلاء بن زياد : : هكذا رأيت رسول الله قام على الجنازة مقامك منها ، ومن الرجل مقامك منه ؟ قال : نعم .
فلما فرغ قال : احفظوا .
ز : رواه الإمام أحمد بن حنبل وأحمد بن منيع جميعا عن يزيد بن هارون عن همام .
ورواه أبو داود عن داود بن معاذ عن عبد الوارث عن نافع أبي غالب .
ورواه ابن ماجه عن نصر بن علي عن سعيد بن عامر .
وقد رواه عبد الرحمن بن أبي الصهباء عن نافع أيضا .
____________________
(2/145)
وقد تكلم بعضهم في نافع أبي غالب وهو الباهلي الخياط البصري ، وقال يحي بن معين : هو صالح .
وقال أبو حاتم الرازي : شيخ ، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات .
955 - الحديث الثاني : قال أحمد : ثنا عبد الصمد ثنا حسين المعلم ثنا عبد الله بن بريدة ، أنه سمع سمرة بن جندب يقول : صلى رسول الله على أم كعب ماتت نفساء فقام رسول الله للصلاة عليها وسطها .
أخرجاه في الصحيحين .
مسألة [ 292 ] :
يصلى على الميت الغائب بالنية .
خلافا لأبي حنيفة ومالك .
956 - قال أحمد : ثنا هشيم ، أنا يونس ، عن أبي قلابة ، عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن رسول الله قال : ' إن أخاكم النجاشي مات فصلوا عليه ، فقام فصففنا خلفه فصلى عليه .
انفرد بإخراجه مسلم .
____________________
(2/146)
ز : قد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث جابر وأبي هريرة : أن النبي صلى على النجاشي .
وقد يقال : لا حجة في هذا على جواز الصلاة على الغائب بالنية مطلقا لاحتمال أن يكون النجاشي لم يصل عليه بالحبشة .
وفي المسألة ثلاثة أقوال ، أعدلها الصلاة عليه إذا لم يكن قد صلي عليه والله أعلم .
مسألة [ 293 ] :
يجب قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة .
وقال أبو حنيفة : لا يقرأ ولكن يذكر الله ويثني عليه في الأولى .
لنا حديثان :
957 - الحديث الأول : قال الترمذي : ثنا محمد بن بشار ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، ثنا سفيان ، عن سعد بن إبراهيم ، عن طلحة بن عبد الله بن عوف ' أن ابن عباس صلى على جنازة فقرأ بفاتحة الكتاب ، فقلت له ، فقال : إنه من السنة أو من تمام السنة ' .
قال الترمذي : وثنا أحمد بن منيع ، ثنا زيد بن الحباب ، أنبأ إبراهيم بن عثمان ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس : ' أن النبي قرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب ' .
958 - الحديث الثاني : ابن ماجه ، قال ثنا إبراهيم بن المستمر ، ثنا أبو عاصم ، ثنا حماد بن جعفر العبدي ، قال : حدثني شهر بن حوشب ، قال : حدثتني أم شريك
____________________
(2/147)
الأنصارية قالت : ' أمرنا رسول الله أن نقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب ' .
أما حديث ابن عباس الأول فعليه الاعتماد ، وقد صححه الترمذي .
وأما حديثه الثاني فلا يثبت ؛ لأن فيه إبراهيم بن عثمان وقد كذبه شعبة .
وقال ابن المبارك : ارم به .
وقال النسائي : متروك الحديث .
وأما حديث أم شريك ففيه شهر وقد ضعفوه .
: حديث ابن عباس الأول رواه البخاري وأبو داود والنسائي والحاكم وقال : على شرطهما .
وحديثه الثاني : رواه ابن ماجه أيضا عن أحمد بن منيع .
وقال الترمذي : ليس إسناده بذاك القوي . إبراهيم بن عثمان هو أبو شيبة الواسطي منكر الحديث .
وحديث أم شريك انفرد ابن ماجه بإخراجه .
وحماد بن جعفر العبدي البصري قال يحيى بن معين : ثقة .
وذكره ابن حبان في الثقات .
وقال ابن عدي : منكر الحديث .
وروي هذا الحديث من رواية أبي عاصم النبيل ومرزوق أبي عبد الله الشامي عن حماد ، عن شهر بن حوشب .
وروى له حديثا آخر وقال : لم أجد لحماد بن جعفر غير هذين الحديثين .
وقال شيخنا أبو الحجاج في هذا الحديث : رواه حماد بن بشير الجهضمي وأبو عبيدة الحداد عن مرزوق أبي عبد الله الشامي عن شهر ، وروى عبد المنعم السقاء عن الصلت بن دينار ، عن أبي يزيد المدني ، عن امرأة منهم يقال لها ابنة عفيف عن النبي مثله .
____________________
(2/148)
وفي قول المؤلف : وأما حديث أم شريك ففيه شهر وقد ضعفوه .
نظر فإن شهرا لم يضعفه الكل بل ضعفه جماعة ووثقه آخرون ، وممن وثقه الإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ويعقوب بن شيبة ، وأحمد بن عبد الله العجلي والله أعلم .
وقال الشافعي : ثنا إبراهيم بن أبي يحيى ، ثنا عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال : ' كان رسول الله يكبر على جنائزنا أربعا ويقرأ بفاتحة الكتاب في الأولى ' .
وروى الشافعي أيضا من حديث أبي أمامة بن سهل أنه أخبره رجل من أصحاب النبي أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سرا في نفسه ثم يصلي على النبي ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات لا يقرأ في شيء منهن ثم يسلم سرا في نفسه . وروى البخاري في تاريخه من رواية فضالة بن أبي أمية قال : قرأ الذي صلى على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بفاتحة الكتاب .
وقد ذكر ابن حاتم في كتابه فضالة وذكر له هذا الحديث ، وقال : هو والد المبارك .
مسألة [ 294 ] :
يسن قضاء ما فات من التكبير .
وعنه يجب ذلك ، وبه قال أكثرهم .
959 - روى أصحابنا من حديث عائشة أنها قالت : يا رسول الله إني أصلي على الجنازة ، ويخفى علي بعض التكبير ، فقال : ' ما سمعت فكبري ، وما فاتك فلا قضاء عليك ' .
____________________
(2/149)
ويحتج الخصم : بقوله عليه السلام : ' وما فاتكم فاقضوا ' .
وهو احتجاج حسن إلا أنا نحمله على المفروضات غير الجنازة .
مسألة [ 295 ] :
يجوز أن يصلي على الجنازة من لم يصل مع الإمام .
وقال أبو حنيفة ومالك : لا تعاد الصلاة إلا أن يكون الولي حاضرا فيصلي غيره .
لنا أربعة أحاديث :
960 - الحديث الأول : قال البخاري : ثنا سليمان بن حرب ، ثنا حماد بن زيد ، عن ثابت ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة : أن رجلا أسود أو امرأة سوداء كان يقم المسجد فمات فسأل عنه النبي فقالوا : مات ، فقال : ' أفلا كنتم آذنتموني به دلوني على قبره ' .
أو قال ' قبرها ' .
فأتى قبره فصلى عليه .
أخرجاه في الصحيحين .
961 - الحديث الثاني : قال أحمد : ثنا أبو معاوية ، ثنا الشيباني ، عن الشعبي عن ابن عباس : أن رسول الله صلى على قبر بعد ما دفن .
962 - طريق آخر : قال الدارقطني : ثنا ابن صاعد ، ثنا عبدة بن عبد الله ، ثنا يزيد ابن هارون أنبأ شريك ، عن أبي إسحاق ، عن الشعبي عن ابن عباس ، قال : ابصر رسول
____________________
(2/150)
الله قبرا حديثا .
فقال : ' ألا آذنتموني بهذا ' .
قالوا : كنت نائما فكر هنا أن نوقظك ، فقام فصلى عليه فقمت عن يساره فجعلني عن يمينه .
963 - طريق آخر : قال الترمذي : ثنا أحمد بن منيع ثنا هشيم ثنا الشيباني ، أنبأ الشعبي ، قال : أخبرني من رأى النبي رأى قبرا منتبذا فصف أصحابه فصلى عليه . فقيل له : من أخبرك ؟ فقال : ابن عباس .
964 - الحديث الثالث : قال أحمد : ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن حبيب بن الشهيد ، عن ثابت ، عن أنس : أن رسول الله صلى على قبر امرأة قد دفنت .
965 - الحديث الرابع : قال الترمذي : ثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا يحي بن سعيد ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة عن سعيد بن المسيب ، أن أم سعد ماتت والنبي غائب فلما قدم صلى عليها وقد مضى لذلك شهر .
ز : حديث ابن عباس أخرجاه في الصحيحين قال مسلم : ثنا حسن بن الربيع ، ومحمد بن عبد الله بن نمير ، قالا : ثنا عبد الله بن إدريس عن الشيباني ، عن الشعبي : ' أن رسول الله صلى على قبر بعدما دفن ، فكبر عليه أربعا ' .
قال الشيباني : فقلت للشعبي من حدثك بهذا ؟ قال : الثقة عبد الله بن عباس ، هذا لفظ حديث حسن .
وفي رواية ابن نمير : قال : انتهى رسول الله إلى قبر فصلى عليه وصفوا خلفه وكبر أربعا قلت لعامر : من حدثك ؟ قال : الثقة من شهده ابن عباس .
ورواه البخاري من رواية شعبة ، وأبي معاوية وجماعة عن أبي إسحاق الشيباني .
وأما حديث أنس فرواه مسلم في صحيحه فقال : حدثني إبراهيم بن محمد بن عرعرة الشامي ، ثنا غندر ، ثنا شعبة ، عن حبيب بن الشهيد ، عن ثابت ، عن أنس : ' أن
____________________
(2/151)
النبي صلى على قبر .
ورواه ابن ماجه عن عباس بن عبد العظيم العنبري ومحمد بن يحي الذهلي كلاهما عن أحمد بن حنبل وزاد ' بعد ما دفن ' .
وأما حديث سعيد بن المسيب فمرسل صحيح ، وهو من أفراد الترمذي : وقد رواه سويد بن سعيد ، عن يزيد بن زريع ، عن شعبة ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس موصولا .
قال : قال رسول الله : ' هذه وهذه في الدية سواء ' يعني الخنصر والإبهام ، فقيل له : لو صليت على أم سعد فصلى عليها وقد أتى لها شهر ، وقد كان النبي غائبا .
قال البيهقي : وهذا الكلام في صلاته عن أم سعد في هذا الإسناد تفرد به سويد بن سعيد والمشهور عن قتادة عن ابن المسيب عن النبي مرسلا وحكى أبو داود أنه قيل لأحمد ابن حنبل حدث به سويد عن يزيد ؟ قال : لا تحدث بمثل هذا .
احتج أبو زيد بما :
966 - روي : أن عمر أتي بجنازة قد صلى عليها رسول الله فأراد أن يصلي عليها ثانيا فأخبره رسول الله أن الصلاة على الجنازة لا تعاد .
وهذا شيء لا يعرف .
مسألة [ 296 ] :
لا يصلي الإمام على الغال ولا على من قتل نفسه .
خلافا لأكثرهم .
لنا حديثان :
____________________
(2/152)
967 - الحديث الأول : قال الإمام أحمد : ثنا يحي بن سعيد ، عن محمد بن يحي ابن حبان ، عن أبي عمرة عن زيد بن خالد الجهني : ' أن رجلا من أشجع من أصحاب النبي توفي يوم خيبر فذكر ذلك للنبي فقال : ' صلوا على صاحبكم ' فتغيرت وجوه الناس من ذلك .
فقال : ' إن صاحبكم غل في سبيل الله : ، ففتشنا متاعه فوجدنا خرزا من خرز يهود ما يساوي درهمين ' .
ز : رواه أبو داود وبن ماجه والنسائي والحاكم وقال : أبو عمرة جهني صدوق واحتج به الإمام أحمد .
968 - الحديث الثاني : قال أحمد وثنا أبو كامل ، ثنا شريك عن سماك ، عن جابر ابن سمرة : ' أن رجلا قتل نفسه فلم يصل عليه النبي ' .
ز : رواه الترمذي عن يوسف بن عيسى ، عن وكيع ، عن إسرائيل وشريك كلاهما عن سماك وقال : حسن .
ورواه ابن ماجه عن عبد الله بن عامر بن زرارة عن شريك أتم منه .
ورواه الحاكم من رواية إسرائيل عن سماك وقال : على شرط مسلم .
وروي من رواية بكر بن بكار ، ثنا شريك ، ثنا سماك عن جابر : مات رجل على عهد النبي فأتاه رجل فقال : مات فلان ، قال : لم يمت ، ثم أتاه الثانية فقال : مات فلان ، فقال : ' لم يمت : .
ثم أتاه الثالثة فقال : مات فقال النبي ' كيف مات ؟ ' قال : قتل نفسه بمشقص كان معه ، فلم يصل عليه النبي 969 - طريق آخر : قال النسائي : أنبأ إسحاق بن منصور قال : أنبأ أبو الوليد قال : ثنا أبو خيثمة زهير قال : ثنا سماك ، عن جابر بن سمرة أن رجلا قتل نفسه بمشاقص ، فقال
____________________
(2/153)
رسول الله : ' أما أنا فلا أصلي عليه ' .
ز : رواه مسلم في صحيحه فقال : حدثنا عون بن سلام الكوفي ، أنا زهير ، عن سماك ، عن جابر بن سمرة قال : أتي النبي برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه .
مسألة [ 297 ] :
يصلي الإمام على من قتل حدا .
وقال مالك : لا يصلى عليه .
970 - قال الإمام أحمد : ثنا عبد الرزاق : قال ثنا معمر عن يحي بن أبي كثير عن أبي قلابة ، عن أبي المهلب ، عن عمران بن حصين أن امرأة من جهينة اعترفت عند النبي بزنا ، وقالت : إني حبلى ، فدعا النبي وليها ، فقال : ' أحسن إليها فإذا وضعت فأخبرني ' ، ففعل فأمر بها النبي فشدت عليها ثيابها ثم أمر برجمها فرجمت ثم صلى عليها .
فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله رجمتها ثم تصلي عليها ؟ .
فقال : ' لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم ، وهل وجدت شيئا أفضل من أن جادت بنفسها لله تبارك وتعالى ' .
انفرد بإخراجه مسلم .
احتجوا بما :
____________________
(2/154)
971 - روى أبو داود : ثنا أبو كامل ، ثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، حدثني نفر من أهل البصرة ، عن أبي برزة الأسلمي أن رسول الله لم يصل على ماعز بن مالك ، ولم ينه عن الصلاة عليه .
والجواب :
أن هذا الحديث يرويه مجاهيل .
ثم لو صح فصلاته على تلك المرأة كانت بعد ذلك ، لأن أول مرجوم كان ماعزا ولهذا قالت له : تريد أن تردني كما رددت ماعزا .
ز : انفرد أبو داود برواية هذا الحديث وقال الإمام أحمد : ما نعلم أن النبي ترك الصلاة على أحد إلا على الغال وقاتل نفسه وعن جابر ' أن رجلا من أسلم جاء النبي فاعترف بالزنا وأعرض عنه حتى شهد على نفسه أربع مرات . فقال له : ' ابك جنون ؟ ' قال : لا ، قال : ' أحصنت ؟ ' قال : نعم ، فأمر به فرجم بالمصلى ، فلما أذلقته الحجارة فر فأدرك فرجم حتى مات ، فقال له النبي خيرا وصلى عليه .
رواه البخاري في صحيحه .
ورواه أحمد ، والنسائي والترمذي وصححه وقالوا : ' ولم يصل عليه ' .
قال بعض العلماء : ورواية الإثبات أولى وخالفه غيره والله أعلم بالصواب .
رواية الإثبات رواها البخاري عن محمود ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن جابر ، وقال : لم يقل يونس وابن جريج عن الزهري ' فصلى عليه ' وسئل عن قوله ' فصلى عليه ' تصح ، قال : رواه معمر قيل له رواه غير معمر ؟ قال لا . ورواه .
ورواه الترمذي عن الحسن بن علي الخلال ، عن عبد الرزاق ، عن معمر عن الزهري وفيه ' ولم يصل عليه ' فقد اختلف على عبد الرزاق عن معمر وكذلك رواه النسائي عن محمد بن يحي ، ونوح بن حبيب ، عن عبد الرزاق كراوية الترمذي ، وكذلك رواه إسحاق بن راهويه وغيره عن عبد الرزاق .
وقال البيهقي : رواية محمود بن غيلان خطأ لإجماع أصحاب عبد الرزاق على خلافه ، ثم إجماع أصحاب الزهري على خلافه .
____________________
(2/155)
مسألة [ 298 ] :
السنة تسنيم القبور .
وقال الشافعي : تسطيحها .
لنا : أن قبر رسول الله مسنم .
روى البخاري في صحيحه من حديث أبي بكر بن عياش ، عن سفيان التمار قال : ' رأيت قبر النبي مسنما ' .
972 - قال أبو داود : ثنا محمد بن العلاء ، أن أبا بكر بن عياش حدثهم ، ثنا صالح ابن صالح قال : ' رأيت قبر النبي شبرا أو نحوا من شبر ' .
973 - قال أبو داود : ثنا محمد بن بشار ، ثنا عبد الرحمن ، ثنا سفيان ، عن أبي حصين عن الشعبي قال : رأيت قبور الشهداء مسنمة .
احتجوا بثلاثة أحاديث :
974 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا وكيع ، ثنا سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي وائل عن أبي الهياج ، قال : ' قال لي علي أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله .
' أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته ' .
____________________
(2/156)
975 - الحديث الثاني : قال أحمد : وثنا عبد الرزاق أنبأ ابن جريج ، قال : أخبرني أبو الزبير ، عن جابر قال : سمعت رسول الله ينهى أن يقعد على القبر وأن يجصص أو يبنى عليه .
976 - الحديث الثالث : قال مسلم بن الحجاج : حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو ثنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، أن أبا علي بن الهمذاني حدثه قال : ' كنا مع فضالة بن عبيد برودس فتوفي صاحب لنا فأمر فضالة بقبره فسوي ثم قال سمعت رسول الله يأمر بتسويتها ' .
انفرد بإخراج هذه الأحاديث الثلاثة مسلم .
والجواب : أن هذا محمول على ما كانوا يفعلونه من تعلية القبور بالبناء المستحسن العالي ، وبيانه ما :
977 - روى البخاري .
ثنا إسماعيل ، قال : حدثني مالك ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : لما اشتكى رسول الله ذكرت له بعض نسائه كنيسة رأتها بأرض الحبشة وكانت أم سلمة وأم حبيبة أتتا أرض الحبشة فذكرنا من حسنها وتصاوير فيها .
فقال : ' أولئك إذا مات منهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا ثم صوروا فيه تلك الصور وأولئك شرار الخلق عند الله تعالى ' .
مسألة [ 299 ] : يجوز تطيين القبور .
وقال أبو حنيفة : لا تطين .
لنا حديثان :
____________________
(2/157)
978 - الحديث الأول : قال أبو داود : ثنا عبد الله بن مسلمة ، أن عبد العزيز بن محمد حدثهم ، عن عبد الله بن محمد بن عمر - عن أبيه : ' أن رسول الله رش على قبر إبراهيم عليه السلام ، وأنه قال حين دفن وفرغ منه : ' سلام عليكم ' .
979 - الحديث الثاني : قال : ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول الله رش على قبره وجعل عليه حصباء من حصباء الغابة ورفع قدر شبر .
ز : الحديثان منقطعان وليس فيهما دليل على المسألة والله أعلم .
مسألة [ 300 ] :
يكره المشي في المقبرة بنعلين .
خلافا لأكثرهم .
980 - قال الإمام أحمد : ثنا يزيد بن هارون ، قال : أنبأ أسود بن شيبان ، عن خالد ابن سمير ، عن بشير بن نهيك ، عن بشير بن الخصاصية قال : ' كنت أماشي رسول الله فأتينا على قبور المشركين فقال : ' لقد سبق هؤلاء خيرا كثيرا ' ثلاث مرات ، ثم أتينا على قبور المسلمين فقال : ' لقد أدرك هؤلاء خيرا كثيرا ' ثلاث مرات ، فبصر برجل يمشي بين المقابر في نعليه ، فقال : ' ويحك يا صاحب السبتيتين ' ، ألق سبتيتيك مرتين أو ثلاثا ، فنظر الرجل فلما رأى رسول الله خلع نعليه ' .
ز : رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم وصححه ، وقال الإمام أحمد :
____________________
(2/158)
إسناده جيد .
وقال ابن ماجه : ثنا محمد بن بشار ، ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : كان عبد الله ابن عثمان يقول : حديث جيد ورجل ثقة .
وخالد بن سمير وثقه النسائي وابن حبان ولم يرو عنه غير الأسود بن شيبان .
والأسود وثقه يحي بن معين . وقال أبو حاتم : صالح الحديث .
وروى له مسلم في صحيحه .
وقال الإمام أحمد كان من عباد الله الصالحين وكان يحج على ناقة فلا يتزود شيئا يشرب من لبنها حتى يرجع وقال الأثرم : قال لي أبو عبد الله : الأسود بن شيبان ثقة ثقة ، وبشير بن نهيك ، روى عن عروة .
قلت : روى عنه النضر بن أنس وأبو مجلز وبركة ؟ قال : نعم .
وقال عبد الله بن أحمد : سمعت بعض المشايخ وأظنه أبي يقول كان يزيد بن زريع في جنازة فأراد أن يدخل المقابر فوقف فقال : حديث حسن وشيخ ثقة وخلع نعليه ودخل .
مسألة [ 301 ] :
يكره الجلوس على القبر والاتكاء إليه .
وقال مالك لا يكره .
لنا أربعة أحاديث :
الحديث الأول : حديث جابر المتقدم .
981 - الحديث الثاني : قال أحمد : ثنا عبد الصمد ، قال : أنبأ حماد حدثني سهيل ابن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله قال : ' لأن يجلس أحدكم على جمرة تحرق ثيابه وتخلص إليه خيرا له من أن يطأ على قبر ' .
____________________
(2/159)
982 - طريق آخر : قال أحمد : وثنا وكيع ، ثنا سفيان ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله : ' لأن يجلس أحدكم على جمرة حتى تحرق ثيابه خير من أن يجلس أحدكم على قبر ' .
983 - الحديث الثالث : قال أحمد : وثنا الوليد بن مسلم ، قال : سمعت عبد الرحمن بن يزيد بن جابر يقول حدثني بسر بن عبيد الله الحضرمي ، أنه سمع واثلة بن الأسقع ، يقول حدثني .
أبو مرثد الغنوي أنه سمع رسول الله يقول : ' لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها ' .
انفرد بإخراج هذا الحديث والذي قبله مسلم .
984 - الحديث الرابع : قال أحمد : ثنا علي بن عبد الله ، ثنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، عن بكر بن سوادة الجذامي ، عن زياد بن نعيم الحضرمي ، عن عمرو بن حزم قال : رآني رسول الله وأنا متكئ على قبر . فقال : : ' لا تؤذ صاحب القبر ' . 985 - طريق آخر : قال محمد : وثنا معاوية بن عمرو ، ثنا عبد الله بن وهب ، عن عمرو عن سعيد بن أبي هلال ، عن أبي بكر بن حزم ، أن النضر بن عبد الله أخبره ، عن عمرو بن حزم أنه سمع رسول الله يقول : ' لا تقعدوا على القبور ' .
ز : حديث زياد بن نعيم عن عمرو انفرد به الإمام أحمد وإسناده صحيح وزياد بن نعيم هو ابن ربيعة بن نعيم وقد وثقه العجلي وابن حبان وحديث النضر عن عمرو رواه النسائي عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن شعيب بن الليث عن أبيه ، عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، والنضر غير مشهور ولم يرو له النسائي غير هذا الحديث والله أعلم .
____________________
(2/160)
مسألة [ 302 ] :
يكره الجلوس قبل أن توضع الجنازة .
وقال مالك والشافعي : لا يكره .
986 - قال البخاري : ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا هشام ، ثنا يحي عن أبي سلمة ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي قال : ' إذا رأيتم الجنازة فقوموا ، فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع ' .
أخرجاه في الصحيحين .
مسألة [ 303 ] :
لا يكره البكاء بعد الموت .
وقال : الشافعي : يكره .
987 - قال أحمد : ثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرني ابن جريج ، قال : أخبرني هشام ابن عروة ، عن وهب بن كيسان ، عن محمد بن عمرو ، أنه أخبره : أن سلمة بن الأزرق كان جالسا مع عبد الله بن عمر فمر بجنازة يبكى عليها ، فعاب ذلك عبد الله بن عمر وانتهرهن .
____________________
(2/161)
فقال له سلمة بن الأزرق إلا تقل هذا فإني لأشهد على أبي هريرة لسمعته يقول : وتوفيت امرأة من كنائن مروان وشهدها وأمر مروان بالنساء اللاتي يبكين يطردن فقال أبو هريرة : دعهن يا أبا عبد الملك فإنه مر على النبي بجنازة يبكى عليها وأنا معه ومعه عمر بن الخطاب فانتهر عمر النساء اللاتي يبكين مع الجنازة فقال رسول الله : ' دعهن يا ابن الخطاب فإن النفس مصابة والعين دامعة وإن العهد حديث ' .
قال : أنت سمعته : قال : نعم .
قال : فالله ورسوله أعلم .
ز : روى بعض هذا الحديث النسائي وابن ماجه ، فرواه النسائي عن علي بن حجر عن إسماعيل بن جعفر ، عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو بن عطاء ، عن سلمة بن الأزرق .
ورواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن [ عفان ] عن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة ، وعن علي بن محمد وأبي بكر عن وكيع عن هشام ولم يذكر سلمة في إسناده .
ورواه الحاكم من رواية عبدة ، عن هشام بن عروة ، ولم يذكر سلمة وقال على شرطهما وقد ذكر الدارقطني هذا الحديث في كتاب العلل وذكر الاختلاف في إسناده .
988 - قال أحمد : وثنا محمد بن الطنافسي عبيد ، ثنا يزيد بن كيسان ، عن أبي حازم عن أبي هريرة قال : ' زار رسول الله قبر أمه فبكى وأبكى من حوله ، ثم قال : ' استأذنت ربي عز وجل أن أزور قبرها فأذن لي واستأذنته أن أستغفر لها فلم يأذن لي '
انفرد بإخراجه مسلم .
احتجوا بما :
989 - روى أحمد : ثنا صفوان بن عيسى ، ثنا أسامة بن زيد ، عن نافع عن ابن عمر
____________________
(2/162)
أن رسول الله لما رجع من أحد سمع نساء الأنصار يبكين على أزواجهن ، فقال : ' لكن حمزة لا بواكي له ' ، فبلغ ذلك نساء الأنصار .
فجئن يبكين على حمزة ، قال : فانتبه رسول الله من الليل فسمعهن وهن يبكين ، فقال : ' ويحهن لم يزلن يبكين بعد منذ الليلة مروهن فليرجعن ولا يبكين على هالك بعد اليوم ' .
ز : رواه الإمام أحمد أيضا عن عثمان بن عمر وزيد بن الحباب ، عن أسامة . ورواه ابن ماجة عن هارون بن سعيد المصري عن ابن وهب عن أسامة
ورواه أبو يعلى الموصلي عن زكريا بن يحي الواسطي عن روح ، عن أسامة عن نافع ، عن ابن عمر ؛ عن الزهري ، عن أنس .
وروى الحاكم من حديث انس وقال : على شرط مسلم ، وهو أشهر حديث بالمدينة فإن نساء الأنصار لا يندبن موتاهن حتى يبكين حمزة وإلى يومنا هذا .
الجواب :
من ثلاثة أوجه : ' أحدها ' : أنه ضعيف ، قال أحمد : أسامة روى عن نافع أحاديث مناكير ترك يحي بن سعيد حديثه .
وقال يحي بن معين . ترك حديثه بآخرة .
ز : الذي ترك حديثه بآخرة هو يحي بن سعيد ، لا يحي بن معين وقد وثقه ابن معين في رواية غير واحد عنه والله أعلم .
الثاني : أنه لما رأى كثرة بكائهن ودوامهن على ذلك نهاهن ، وعلى هذا يحمل ما يحتجون به أيضا وهو ما :
990 - رواه أحمد : ثنا ابن نمير ثنا يحي ، عن عمرة عن عائشة ، قالت : لما جاء نعي جعفر بن أبي طالب وزيد وابن رواحة جلس رسول الله يعرف في وجهه الحزن فأتى رجل ، فقال : يا رسول الله إن نساء جعفر ، فذكر من بكائهن ، فأمره رسول الله أن
____________________
(2/163)
ينهاهن ، فذهب ، ثم جاء فقال : قد نهيتهن أو إنهن لم يطعنه حتى كان في الثالثة فزعمت أن رسول الله قال : ' احث في أفواههن التراب ' .
ز : هذا الحديث مخرج في الصحيحين من حديث يحي ، وهو ابن سعيد الأنصاري .
والثالث : أن المراد بالبكاء الذي نهى عنه البكاء الذي معه ندب على الميت لا مجرد الدمع ، سمعت شيخنا أبا منصور اللغوي يقول : يقال للبكاء الذي يتبعه الندب بكاء .
مسألة [ 304 ] : تسن التعزية قبل الدفن وبعده .
وقال أبو حنيفة : لا تسن بعده .
991 - قال ابن ماجه : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، ثنا خالد بن مخلد ، قال : حدثني قيس أبو عمارة مولى الأنصار ، قال : سمعت عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم يحدث عن أبيه عن جده عن النبي أنه قال : ' ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله من حلل الكرامة يوم القيامة ' .
992 - قال أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ : ثنا محمد بن حميد : ثنا عبد الله بن ناجية ثنا الحسين بن علي الصدائي ، ثنا حماد بن الوليد ، عن سفيان الثوري ، عن محمد بن سوقة ، عن إبراهيم ، عن الأسود عن عبد الله ، قال : قال رسول الله : ' من عزى مصابا
____________________
(2/164)
كان له مثل أجره ' .
تفرد به حماد بن الوليد عن الثوري وهو ضعيف جدا .
وقد روي هذا الحديث من طرق لا تثبت .
ز : الحديث الأول انفرد به ابن ماجه وفيه إرسال ومحمد بن عمرو بن حزم ولد في حياة الرسول سنة عشرة من الهجرة .
وقيس أبو عمارة ذكره ابن أبي حاتم في كتابه ولم يذكر فيه جرحا .
وقال ابن عدي : سمعت ابن حماد يقول : قال البخاري فيه نظر ، قال ابن عدي : وإنما له حديث واحد .
وذكره ابن حبان في كتاب الثقات .
والحديث الثاني رواه الترمذي ، عن يوسف بن عيسى ، عن علي بن عاصم ثنا والله محمد بن سوقة وقال : غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث علي بن عاصم .
ورواه ابن ماجه عن عمرو بن رافع عن علي بن عاصم .
وقال البيهقي : تفرد به علي بن عاصم وهو أحد ما أنكر عليه ، وقد روى ايضا عن غيره والله أعلم .
وقد تكلم في علي غير واحد من الأئمة ، وقال ابن عدي في ترجمته : وروى عن محمد بن سوقة ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عبد الله ، عن النبي قال : ' من عزى مصابا فله مثل أجره ' قال : وقد رواه مع علي بن عاصم عن ابن سوقة : محمد بن الفضل بن عطية وعبد الرحمن بن مالك بن مغول وقد روي عن الثوري وإسرائيل وقيس وغيرهم عن ابن سوقة ومنهم من يزيد في الإسناد : علقمة ، وأنكر الناس على علي بن عاصم حديث ابن سوقة هذا ، قال : والضعف على حديث علي بن عاصم بين .
____________________
(2/165)
وقال الخطيب : وقد روي حديث ابن سوقة عبد الحكيم بن منصور مثل ما رواه علي ابن عاصم ، روي كذلك عن سفيان الثوري وشعبة وإسرائيل ومحمد بن الفضل بن عطية وعبد الرحمن بن مالك بن مغول والحارث بن عمران الجعفري كلهم عن ابن سوقة وليس شيء منها بأسا .
مسألة [ 305 ] : إذ تطوع الإنسان بقربة كالصلاة والصدقة والقراءة ، وجعل ثواب ذلك للميت صح وانتفع به .
خلافا لأكثرهم .
993 - قال الترمذي : ثنا أحمد بن منيع ، ثنا روح بن عبادة ، ثنا زكريا بن إسحاق ، قال : حدثني عمرو بن دينار ، عن عكرمة عن ابن عباس : أن رجلا قال : يا رسول الله ، إن أمي توفيت أفينفعها إن تصدقت ؟ قال : ' نعم ' .
قال : فإني لي مخرفا فأشهدك أني قد تصدقت به عنها ' .
994 - قال أحمد : ثنا عبد الرزاق ، أنبأ ابن جريج ، قال : أخبرني يعلى ، أنه سمع عكرمة ، يقول أنبأنا ابن عباس : أن سعد بن عبادة توفيت أمه وهو غائب عنها ، فقال : يا رسول الله إن أمي توفيت وأنا غائب عنها فهل ينفعها إن تصدقت بشيء عنها ؟ قال : ' نعم ' ، قال : فإني أشهدك أن حائطي المخرف صدقة عنها ' .
انفرد بإخراجه البخاري .
995 - قال أحمد : وثنا حجاج ، قال : سمعت شعبة .
يحدث عن قتادة ، قال :
____________________
(2/166)
سمعت الحسن يحدث عن سعد بن عبادة : أن أمة ماتت أفأتصدق عنها ؟ قال : نعم .
قال : فأي الصدقة أفضل ؟ قال : ' سقي الماء ' .
فقال تلك سقاية آل سعد بالمدينة .
قال شعبة : فقلت لقتادة : من يقول : متلك تلك سقاية آل سعد ؟ قال الحسن ' .
ز : روى هذا الحديث النسائي عن إبراهيم بن الحسن ، عن حجاج والحسن عن سعد مرسل .
وقال أبو مصعب أحمد بن بكر الزهري : ثنا مالك ، عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل ابن سعيد بن سعد بن عبادة ، عن أبيه ، عن جده أنه قال : ' خرج سعد بن عبادة مع رسول الله في بعض مغازيه وحضرت أمه الوفاة بالمدينة فقيل لها أوصي ، فقالت : فيم أوصي ؟ ! إنما المال مال سعد ، فتوفيت قبل أن يقدم سعد ، فلما قدم سعد وذكر له ذلك ، فقال سعد : يا رسول الله ينفعها أن أتصدق عنها ؟ فقال رسول الله : ' نعم ' قال سعد : حائط كذا وكذا صدقة عنها لحائط سماه ' .
رواه النسائي عن الحارث بن مسكين عن ابن القاسم عن مالك .
ورواه ابن حبان البستي عن عمر بن سعيد بن سنان ، عن أحمد بن أبي بكر ورواه الحاكم وصححه .
وسعيد بن عمرو وثقه النسائي وابن حبان وأبوه عمرو بن شرحبيل روى عنه غير واحد ، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات .
وجده شرحبيل بن سعيد ذكره ابن حبان أيضا في الثقات ، والحديث فيه إرسال والله أعلم .
996 - قال أحمد : وثنا سليمان بن داود ، إنا إسماعيل ، قال : أخبرني العلاء ، عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي قال : ' إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ' .
____________________
(2/167)
انفرد بإخراجه مسلم .
وفي أفراده من حديث أبي هريرة : أن رجلا قال للنبي : إن أبي مات ولم يوص أفينفعه أن أتصدق به ؟ قال : ' نعم ' .
____________________
(2/168)
كتاب الزكاة
مسألة [ 306 ] :
إذا زادت الإبل عن عشرين ومائة واحدة استقرت الفريضة ففي كل خمسين حقة ، وفي كل أربعين بنت لبون .
وعنه : لا يتغير الفرض حتى تبلغ ثلاثين ومائة فيستقر ما ذكرنا .
وعن مالك كالروايتين .
وقال أبو حنيفة : في مائة وعشرين حقتان ، ويستأنف لما بعدها ، فتجب في كل خمس شاة .
لنا ما :
997 - روى البرقاني : ثنا أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي ، قال : أخبرني الحسن بن سفيان ، ثنا محمد بن المثنى ، ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني ثمامة أن أنسا حدثه ، أن أبا بكر الصديق لما استخلف أنس بن مالك على البحرين كتب هذا الكتاب ، فكتب : ' هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله على المسلمين ، في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم في كل خمس شاه ، فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين : ففيها ابنة مخاض أنثى ، فإن لم يكن فيها ابنة مخاض فابن لبون ذكر ، فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين : ففيها ابنة لبون ، فإذا بلغت ستا
____________________
(2/169)
وأربعين إلى ستين : ففيها حقة طروقة الجمل ، فإذا بلغت إحدى وستين إلى خمس وسبعين .
ففيها جذعة فإذا بلغت سبعا وسبعين إلى التسعين : ففيها ابنتا لبون ، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة : ففيها حقتان طروقتا الجمل ، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين : ابنة لبون وفي كل خمسين : حقة ، ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة ، وعنده حقه : فإنها تقبل منه الحقة ، ويجعل معها شاتان إن تيسرتا ، أو عشرين درهما ، ومن بلغت عنده صدقته الحقه ، وليست عنده حقة ، وعنده جذعة : فإنها تقبل منه الجذعة ، ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين ومن بلغت صدقة الحقة ، وعنده ابنة لبون : فإنها تقبل منه ، ويعطي معها شاتين أو عشرين درهما ، ومن بلغت صدقته ابنة لبون وليست عنده ، وعنده حقة : فإنها تقبل منه ، ويعطيه المصدق عشرين درهما ، أو شاتين ' .
انفرد بإخراجه البخاري .
998 - وقال الترمذي : ثنا زياد بن أيوب ، ثنا عباد بن العوام ، عن سفيان بن حسين ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه : أن رسول الله كتب كتاب الصدقة .
فلم يخرج إلى عماله حتى قبض فلما قبض عمل به أبو بكر رضي الله عنه حتى قبض ، وعمر رضي الله عنه حتى قبض ، وكان فيه : فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل خمسين حقة ، وفي كل أربعين بنت لبون وكان فيه : فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل خمسين حقة ، وفي كل أربعين بنت لبون .
وكان فيه : ولا يجمع بين متفرق ، ولا يفرق بين مجتمع ، مخافة الصدقة ، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية .
قال الترمذي : هذا حديث صحيح .
فإن قيل : قد رواه جماعة عن الزهري ، عن سالم ، فلم يرفعوه .
وما رفعه إلا سفيان ابن حسين .
قلنا : سفيان ثقة ، أخرج عنه مسلم .
999 - وقد روى أبو سعيد عن النبي أنه قال : ' فإذا بلغت عشرين ومائة ففي كل خمسين حقة ، وفي كل أربعين ابنة لبون ' .
ز : حديث ابن عمر رواه الإمام أحمد ، وأبو داود والحاكم ، وقال الترمذي : حديث
____________________
(2/170)
حسن .
وقال في كتاب العلل : سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث ، فقال : أرجو أن يكون محفوظا ، وسفيان بن حسين صدوق .
وقال ابن عدي : وقد وافق سفيان بن حسين على هذه الرواية عن سالم عن أبيه حديث الصدقات ، سليمان بن كثير أخو محمد بن كثير ، ثنا ابن صاعد ، عن يعقوب الدورقي ، عن عبد الله بن مهدي ، عن سليمان كذلك ، قال : وقد رواه عن الزهري ، عن سالم عن أبيه جماعة فأوقفوه ، وسفيان بن حسين وسليمان بن كثير رفعاه إلى النبي .
وقال ابن عبد البر : هو أحسن شيء روي في أحاديث الصدقات ، وسفيان بن حسين روى له مسلم في مقدمة كتابه .
وتكلم الحفاظ في روايته عن الزهري .
قال أحمد بن حنبل : ليس بذاك في حديثه عن الزهري .
قال يحي بن معين : ثقة وهو في الزهري ضعيف .
وقال العجلي وغيره : ثقة ، وقال النسائي : ليس به بأس إلا في الزهري .
وقال ابن عدي : هو في غير الزهري صالح الحديث ، وفي الزهري روى أشياء خالف الناس .
احتجوا بما :
1000 - رواه أبو داود في ' المراسيل ' : ثنا موسى بن إسماعيل قال : قال حماد بن سلمة قلت لقيس بن سعد : خذ لي كتاب محمد بن عمرو بن حزم ؟ فأعطاني كتابا أخبر أنه أخذه من أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن النبي كتبه لجده ، فقرأته فكان فيه ذكر ما يخرج من فرائض الإبل ، فقص الحديث : ' إلى أن تبلغ عشرين ومائة ، فإذا كانت أكثر من عشرين ومائة فعد في كل خمسين حقة ، وما فضل فإنه يعاد إلى أول فريضة الإبل ، وما كان أقل من خمس وعشرين ففيه الغنم في كل خمس ذود شاة ' .
وقال أحمد بن حنبل : كتاب عمرو بن حزم في الصدقات صحيح .
قلت : هذا حديث مرسل ذكره أبو داود في المراسيل .
____________________
(2/171)
قال هبة الله الطبري : وهذا الكتاب صحيفة ليست بسماع ، ولا يعرف أهل المدينة كلهم عن كتاب عمرو بن حزم إلا مثل روايتنا ، رواها الزهري وابن المبارك وأبو أويس ، كلهم عن أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه ، عن جده ، مثل قولنا ، وإليها أشار أحمد بالصحة .
ثم لو تعارضت الروايتان عن عمرو بن حزم بقيت روايتنا عن أبي بكر الصديق ، وهي في الصحيح ، وبها عمل الخلفاء الأربعة .
ز : قال البيهقي في هذا الحديث : هو منقطع بين أبي بكر بن حزم إلى النبي وقيس بن سعد أخذه عن كتاب لا عن سماع ، وكذلك حماد بن سلمة أخذه عن كتاب لا عن سماع ، وقيس بن سعد وحماد بن سلمة وإن كانا من الثقات فروايتهما هذه تخالف رواية الحفاظ عن كتاب عمرو بن حزم وغيره وحماد بن سلمة ساء حفظه في آخر عمره فالحفاظ لا يحتجون بما يخالف فيه ويتجنبون بما ينفرد به عن قيس بن سعد خاصته وأمثاله ، وهذا الحديث قد جمع الأمرين مع ما فيه من الانقطاع وبالله التوفيق .
مسألة [ 307 ] :
لا زكاة في الأوقاص .
وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف .
خلافا لأحد قولي مالك .
وأحد قولي الشافعي في أنها تتعلق بالنصاب والوقص حتى إنه لو تلف من تسعة أربعة وجب عند الخصم خمسة أتساع شاة .
وهذه الفائدة لا تتحقق عندنا ؛ لأنا نقول : لو تلف جميع المال قبل إمكان الأداء لم تسقط الزكاة ؛ لأن إمكانه ليس بشرط عندنا في وجوب الزكاة .
____________________
(2/172)
1001 - قال الدارقطني : ثنا عثمان بن أحمد الدقاق ، ثنا محمد بن عبد الله بن المنادي ، ثنا أبو بدر ، ثنا الحسن بن عمارة ، ثنا الحكم ، عن طاوس : عن ابن عباس قال : لما بعث رسول الله معاذا إلى اليمن ، قيل له : بما أمرت ؟ قال : أمرت أن آخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعا أو تبيعة ، ومن كل أربعين مسنة .
قيل له : أمرت في الأوقاص بشيء ؟ فقال : لا ، وسأسأل النبي فسأله فقال : ' نعم ' .
ز : الحسن بن عمارة ضعفوه وتركوه وقال الساجي : أجمع أهل الحديث على ترك حديثه .
وقال ابن عدي : هو إلى الضعف أقرب .
وقال الدارقطني : ثنا أبو سهل بن زياد ، ثنا جعفر بن محمد الفريابي ، ثنا عمرو ابن عثمان ، ثنا بقية ، حدثني المسعودي ، عن الحكم ، عن طاوس عن ابن عباس قال : ' لما بعث رسول الله معاذا إلى اليمن أمره أن يأخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعا أو تبيعه جذع أو جذعة ، ومن كل أربعين بقرة بقرة مسنة .
فقالوا : فالأوقاص ؟ ما أمرني فيها بشيء وسأسأل رسول الله إذا قدمت عليه .
فلما قدم على رسول الله سأله عن الأوقاص ، فقال : ' ليس فيها شيء ' .
وقال المسعودي : والأوقاص ما دون الثلاثين وما بين الأربعين إلى الستين فإذا كانت ستين ففيها تبيعان فإذا كانت سبعون ففيها مسنة وتبيع ، فإذا كانت ثمانون ففيها مسنتان فإذا كانت تسعون ففيها ثلاث تبايع .
قال بقية : قال المسعودي : الأوقاص هي بالسين الأوقاس ، فلا تجعلها بصاد .
وقال الشافعي : أنا مالك ، عن حميد بن قيس ، عن طاوس اليماني ' أن معاذ بن جبل أخذ من ثلاثين بقرة تبيعا ، ومن أربعين بقرة مسنة ، وأتى بما دون ذلك فأبى أن يأخذ منه شيئا ، وقال : لم أسمع من رسول الله فيه شيئا حتى ألقاه وأسأله ، فتوفي رسول الله قبل أن يقدم معاذ بن جبل ' .
قال الشافعي : وأنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن طاوس : أن معاذ بن جبل أتى بوقس البقر ، فقال : لم يأمرني النبي فيه بشيء .
____________________
(2/173)
قال الشافعي : والوقس ما لم يبلغ الفريضة .
1002 - وقال أحمد : ثنا معاوية بن عمرو عن حيوة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن سلمة بن أسامة ، عن يحي بن الحكم أن معاذ قال : ' بعثني رسول الله أصدق أهل اليمن أن آخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعا ومن كل أربعين مسنة .
قال : فعرضوا علي أن آخذ ما بين الأربعين والخمسين ، وبين الستين والسبعين فأبيت ذلك ، وقلت لهم : حتى أسأل رسول الله عن ذلك ، فقدمت فأخبرت النبي فأمرني أن لا آخذ بين ذلك ، وزعم أن الأوقاص لا فريضة فيها ' .
قال أبو عبيد : وكان في كتاب رسول الله إلى عمرو بن حزم : ' فإذا بلغت الإبل عشرين ومائة فليس فيما زاد مما دون العشر شيء ' .
1003 - وقد روى القاضي أبو يعلى وأبو إسحاق الشيرازي في كتابيهما : أن النبي قال : ' في خمس من الإبل شاة ، ولا شيء في الزيادة حتى تبلغ عشرا ' .
ز : حديث يحي بن الحكم عن معاذ فيه إرسال ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة ، وسلمة بن أسامة ويحي غير مشهورين ولم يذكرهما ابن أبي حاتم في كتابه ، وقد اختصر المؤلف لفظ الحديث ، وأسقط من الإسناد رجلا ، فإن الإمام أحمد رواه مطولا عن شخصين : أحدهما معاوية بن عمرو ، والآخر هارون بن معروف كلاهما عن عبد الله بن وهب عن حيوة ، وهو ابن شريح المصري ، فأسقط المؤلف ابن وهب من الإسناد ، لأمر ذكره الإمام أحمد يشتبه على من لم يتبحر في العلم ، واختصر الحديث وذكره عن أحد الشيخين وهو معروف بن عمرو مع أن بعض الألفاظ التي ذكرها من رواية هارون بن معروف وحده والله الموفق للصواب .
وقوله في الحديث : ' فقدمت فأخبرت النبي ليس بصحيح ، فإن رسول الله توفي قبل أن يقدم معاذ بن جبل ، والله أعلم .
____________________
(2/174)
مسألة [ 308 ] :
إذا خرج حاملا أو شيئا أعلى مكان أدنى أجزأه .
وقال داود : لا يجزئ .
1004 - قال أحمد : ثنا يعقوب ثنا أبي عن محمد بن إسحاق ، ثنا عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن يحي بن عبد الله بن عبد الرحمن ، عن عمارة بن عمرو بن حزم عن أبي بن كعب قال : ' بعثني رسول الله مصدقا فمررت برجل فلم أجد عليه في ماله إلا ابنة مخاض فأخبرته أنها صدقته ، فقال : ذاك ما لا لبن فيه ولا ظهر ، وما كنت لأقرض الله تعالى من مالي ما لا لبن فيه ولا ظهر ، ولكن هذه ناقة سمينة فخذها ؟ فقلت : ما أنا بآخذ ما لم أومر به فهذا رسول الله منك قريب ، فخرج معي وخرج بالناقة حتى قدمنا رسول الله فأخبره الخبر ، فقال رسول الله : ' ذاك الذي عليك ، وإن تطوعت بخير قبلناه منك ، وآجرك الله فيه ' ، قال فخذها ؟ فأمر رسول الله بقبضها ودعا له بالبركة ' .
ز : رواه أبو داود ، عن محمد بن منصور الطوسي ، عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد .
رواه أبو حاتم بن حبان البستي .
والحاكم في المستدرك وقال : على شرط مسلم .
مسألة [ 309 ] :
لا يجب فيما زاد على الأربعين من البقر شيء حتى يبلغ ستين .
____________________
(2/175)
وعن أبي حنيفة : يجب فيها بالحساب .
وعنه لا شيء فيها حتى تبلغ خمسين فتجب مسنة وربع .
لنا : حديث معاذ الذي تقدم ، وأنه لم يأخذ من الأوقاص شيئا .
مسألة [ 310 ] :
المال المستفاد في أثناء الحول بابتياع أو هبة أو إرث لا يضم إلى نصاب الحول .
وعنه : المستفاد من جنس النصاب يضم إلى النصاب في حكم الحول .
وعن مالك : كالمذهبين .
لنا أربعة أحاديث :
1005 - الحديث الأول : قال الترمذي : ثنا يحي بن موسى ، ثنا هارون بن صالح الطلحي ، ثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، عن أبيه عن ابن عمر قال : قال رسول الله : ' من استفاد مالا ، فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول ' .
عبد الرحمن بن زيد قد ضعفه الكل .
وقد رواه إسحاق بن إبراهيم الحنيني عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر .
قال الدارقطني : والصحيح عن مالك موقوف .
____________________
(2/176)
قلت : والحنيني ليس بمرضي عندهم .
وقال الترمذي : وقد روي هذا الحديث موقوفا على ابن عمر وهو أصح .
ز : رواه الترمذي موقوفا عن ابن بشار عن الثقفي ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، ورفعه وهم ، والله أعلم .
1006 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : ثنا الحسن بن أحمد بن صالح الحلبي ، ثنا سعيد بن عثمان الوراق ، ثنا هشام بن عبد الملك ، ثنا بقية ، عن إسماعيل ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله : ' لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول ' .
قال الدارقطني : قد رواه معتمر وغيره موقوفا .
ز : إسماعيل هو ابن عياش وهو ضعيف في روايته عن غير الشاميين .
روي البيهقي من رواية ابن نمير عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال : ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول ، وقال : هذا هو الصحيح موقوف .
ورواه بقية عن إسماعيل بن عياش عن عبيد الله بن عمر مرفوعا وليس بصحيح .
1007 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : وثنا الحسن بن الخضر المعدل ، ثنا إسحاق ابن إبراهيم بن يونس ، ثنا محمد بن سليمان الأسدي ، ثنا حسان بن سياه ، عن ثابت عن أنس ، أن النبي قال : ' ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول ' .
قال الدارقطني : حسان ضعيف .
ز : حسان ضعفه ابن عدي ، وابن حبان ، والحاكم أيضا . وروى ابن عدي هذا الحديث في ترجمته عن إسحاق بن إبراهيم بن يونس وغير واحد عن لوين ، وهو محمد بن سليمان ، وقال : وهذا الحديث لا أعلم يرويه عن ثابت غير حسان بن سياه .
1008 - الحديث الرابع : قال الدارقطني : وثنا علي بن عبد الله بن مبشر ، ثنا علي
____________________
(2/177)
ابن أحمد الجواربي ، ثنا إسحاق بن منصور ، ثنا هريم ، عن حارثة ، عن عمرة عن عائشة قالت : قال رسول الله : ' ليس في المال زكاة حتى يحول عليه الحول ' .
حارثة ضعيف جدا ، قال أحمد بن حنبل : ليس بشيء .
وقال يحي : ليس بثقة لا يكتب حديثه .
. : روى هذا الحديث ابن ماجه عن نصر بن علي الجهضمي عن أبي بدر شجاع بن الوليد السكوني ، عن حارثة بن محمد .
وروى الثوري عن حارثة ، عن عمرة ، عن عائشة موقوفا : ليس في مال مستفاد زكاة حتى يحول عليه الحول ، وهذا أصح من المرفوع .
وروى أبو داود ثنا سليمان بن داود المهري ، أنا ابن وهب قال : أخبرني جرير بن حازم ، وسمى آخر ، عن أبي إسحاق ، عن عاصم بن ضمرة ، والحارث الأعور ، عن علي رضي الله عنه عن النبي قال : ' إذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم ، وليس عليك شيء - يعني في الذهب - حتى يكون لك عشرون ديناراً ، فإذا كانت لك عشرون دينارا وحال عليها الحول ففيها نصف دينار ، فما زاد فبحساب ذلك - قال : لا أدري أعلي يقول بحساب ذلك ، أو رفعه إلى النبي ، وليس ذلك في مال زكاة حتى يحول عليه الحول ' .
إلا أن جريرا قال : ابن وهب يزيد في الحديث عن النبي : ' ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول ' كذا أخرجه أبو داود ، وقال : رواه شعبة وسفيان وغيرهما عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي ولم يرفعوه .
وقال الشافعي : أنا مالك ، عن أبي عقبة ، عن القاسم بن محمد قال : لم يكن أبو بكر رضي الله عنه يأخذ من مال زكاة حتى يحول عليه الحول .
وقال البيهقي : والاعتماد في هذا على الآثار الصحيحة فيه عن أبي بكر الصديق وعثمان بن عفان ، وعبد الله بن عمر وغيرهم رضي الله عنهم .
____________________
(2/178)
مسألة [ 311 ] :
تجب الزكاة في صغار النعم إذا انفردت وبلغت نصابا ، ويخرج منها سواء ابتداء ملكها من أول الحول ، أو نتجت عنده وهلكت الأمهات قبل الحول .
وهو قول مالك والشافعي .
وأبي يوسف وزفر .
إلا أن مالكا وزفر يقولان : تجب فيها كبيرة من جنسها .
وعن أحمد : لا تجب ، وهو قول أبي حنيفة .
لنا ما :
1009 - روى الإمام أحمد : ثنا أبو اليمان ، عن شعيب ، عن الزهري قال : حدثني عبيد الله بن عبد الله : أن أبا هريرة قال : لما توفي رسول الله واستخلف أبو بكر ، وكفر من كفر من العرب ، قال قائل لأبي بكر : كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله : ' أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ' ، فقال أبو بكر : والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم عليها .
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين .
أما حجتهم :
1010 - قال أحمد : ثنا هشيم ، ثنا هلال بن خباب ، عن ميسرة أبي صالح عن سويد ابن غفلة ، قال أتانا مصدق رسول الله فجلست إلى جنبه قال : فسمعته يقول : ' إن في
____________________
(2/179)
عهدي أن لا آخذ من راضع لبن شيئا ' وأتاه رجل بناقة ، كوماء ، فقال : خذ هذه ؟ فأبى أن يأخذها .
قالوا : وقد روى الشعبي أن النبي قال : ' لا زكاة في السخال ' .
وروى أبو عبيد أن النبي قال : ' ليس في الكسعة صدقة ' .
قالوا : وهي صغار الغنم .
والجواب :
أما حديث سويد : ففيه هلال بن خباب ، وهو ضعيف .
قال أبو حاتم بن حبان : اختلط في آخر عمره .
وكان يحدث بالشيء على التوهم ، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد .
والكوماء المشرفة السنام .
وأما حديث الشعبي : فمرسل ، ثم إن راويه جابر الجعفي قد كذبوه .
وأما الكسعة ، فقال أبو عبيد : هي الحمير سميت كسعة لأنها تكسع في أدبارها .
وقال ابن الأعرابي : الكسعة الرقيق لأنك تكسعها في طلب حاجتك .
وقال ابن قتيبة : هي العوامل من الإبل .
وأما تفسيرهم فلا يعرف .
ز : هلال بن خباب وثقه أحمد بن حنبل ويحي بن معين ، وأبو حاتم الرازي وغيرهم .
وذكره ابن حبان في كتاب الثقات ، وقال : يخطئ ويخالف .
وذكره أيضا في كتاب الضعفاء كما ذكر المؤلف وهكذا يفعل ابن حبان كثيرا يذكر الرجل في كتابيه الثقات والضعفاء .
وميسرة أبو صالح كوفي روى غير واحد ، ولا نعلم أحدا تكلم فيه .
بل ذكره ابن حبان في كتاب الثقات .
وقد روى الحديث أبو داود عن مسدد عن أبي عوانة عن هلال بن خباب .
ورواه النسائي عن هناد بن السري عن هشيم .
____________________
(2/180)
مسألة [ 312 ] :
تجزئ الجذعة من الضأن والثني من المعز .
وقال أبو حنيفة : لا يجزئ إلا الثني فيهما .
وقال مالك : يجزئ الجذع فيهما .
1011 - قال أحمد : ثنا روح .
قال : ثنا زكريا بن إسحاق قال : حدثني عمرو بن أبي سفيان عن مسلم بن شعبة عن سعر قال جاءني رجلان مرتدفان ، فقالا : إنا رسول رسول الله بعثنا إليك لتؤتينا صدقة غنمك .
قلت : وما هي ؟ قالا : شاة . فعمدت إلى شاة ممتلئة محاضا وشحما ، فقالا : هذه شافع ، وقد نهانا رسول الله أن نأخذ شافعا ، والشافع التي في بطنها ولدها .
قلت : فأي شيء تأخذان ؟ قالا : عناقا جذعة أو ثنية .
فأخرجت إليهما عناقا فتناولاها .
ز : روى هذا الحديث أبو داود عن الحسن بن علي ، عن وكيع ، عن زكريا بن إسحاق ، وقال مسلم بن شعبة : قال أبو داود : أبو عاصم رواه عن زكريا قال أيضا : مسلم ابن شعبة ، كما قال روح .
ورواه النسائي عن محمد بن عبد الله بن المبارك عن وكيع ، وعن هارون بن عبد الله عن روح وقال : لا أعلم أحدا تابع وكيعا في قوله : ابن ثفنة .
وقال الإمام أحمد : إنما هو مسلم بن شعبة أخطأ فيه وكيع ثنا روح .
فقال مسلم بن شعبة .
____________________
(2/181)
وقال الدارقطني : مسلم بن ثفنة قاله وكيع ووهم والصواب مسلم بن شعبة .
وقال البيهقي : الصواب مسلم بن شعبة قاله يحي بن معين وغيره من الحفاظ .
مسألة [ 313 ] :
للخلطة تأثير في الزكاة .
وقال أبو حنيفة : لا تأثير لها .
لنا أربعة أحاديث :
1012 - الحديث الأول : حديث أنس أن أبا بكر كتب له فريضة الصدقة ، وفيها : ' وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية ' .
والثاني : حديث ابن عمر وفيه ذكر التفريط والخليطين .
وقد سبقا بإسنادهما .
1013 - الحديث الثالث : رواه الدارقطني : ثنا البغوي قال : ثنا داود بن رشيد ، ثنا الوليد عن ابن لهيعة ، عن يحي بن سعيد ، عن السائب بن يزيد عن سعد بن أبي وقاص ، قال : قال رسول الله : ' لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق ، الخليطان ما اجتمعا على الحوض ، والراعي والفحل ' .
1013 / م - والرابع : رواه أبو داود من حديث سويد بن غفلة قال : أتانا مصدق رسول الله فقرأت في عهده : ' ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة ' .
____________________
(2/182)
مسألة [ 314 ] :
تجب الزكاة في مال الصبي والمجنون .
وقال أبو حنيفة : لا تجب .
لنا : ثلاثة أحاديث :
1014 - الحديث الأول : قال الدارقطني : ثنا علي بن محمد بن أحمد المصري قال : ثنا الحسن بن المثنى بن الصباح ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص : أن رسول الله قام فخطب الناس فقال : ' من ولي يتيما له مال فليتجر له ، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة ' .
1015 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : وثنا ابن صاعد ثنا أحمد بن عبيد بن إسحاق العطار ، ثنا أبي ، ثنا مندل ، عن أبي إسحاق الشيباني عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله : ' احفظوا اليتامى في أموالهم لا تأكلها الزكاة ' .
1016 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : وثنا محمد بن الحسن بن علي البزار ، ثنا الحسين بن عبد الله بن يزيد القطان ، ثنا أيوب بن محمد الوزان ، ثنا داود بن الجراح ، ثنا محمد بن عبد الله ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جده ، قال : قال رسول الله : ' في مال اليتيم زكاة ' .
قالوا : أما الحديث الأول : ففيه المثنى بن الصباح ، قال أحمد : لا يساوي شيئا .
وأما الثاني : ففيه مندل .
قال ابن حبان : كان يرفع المراسيل ويسند الموقوفات من سوء
____________________
(2/183)
حفظه فلما فحش ذلك منه استحق الترك . وقال الدارقطني : كان ضعيفا .
ثم إن أحاديث عمرو عن أبيه عن جده في الجملة ضعاف ، قال يحيى بن سعيد : حديث عمرو واه عندنا .
وقال أبو حاتم بن حبان الحافظ : لا يجوز الاحتجاج عندي بما رواه عمرو عن أبيه عن جده ؛ لأن هذا الإسناد لا يخلو من أن يكون مرسلا أو منقطعا ؛ لأنه عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو ، فإذا روى عن أبيه عن جده فأراد بجده محمدا فمحمد - لا صحبة له ، وإن أراد عبد الله فأبوه شعيبا لم يلق عبد الله ، والمنقطع والمرسل لا يقوم بهما حجة لأن الله تعالى لم يكلف عباده أخذ الدين عمن لا يعرف .
قلنا : أما المثنى .
فقد يحيى بن معين : يكتب حديثه ولا يترك .
وقال يحيى بن سعيد : اختلط في عطاء .
وهذا يدل على أن اختلاطه في الإسناد في شخص واحد .
وأما مندل : فقال يحيى بن معين : ليس به بأس .
وقال ابن حبان : هو عابد ورع .
ثم لو صح أنه موقوف على عمر فإن عمر لا يقول مثل هذا برأيه .
وأما العرزمي فقد روى عنه سفيان وشعبة وشريك .
وقال ابن حبان : كان صدوقا إلا أن كتبه ذهبت فكان يحدث من حفظه فيهم .
وأما حديث عمرو بن شعيب فإنهم لا يختلفون في توثيق عمرو ، قال ابن راهوية : عمرو بن شعيب . عن أبيه ، عن جده ، كأيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر .
وقال البخاري : رأيت أحمد بن حنبل ، وعلي بن عبد الله ، وابن راهويه ، و الحميدي يحتجون بحديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، فمن الناس بعدهم ؟ !
وأما قول ابن حبان : لم يصح سماع شعيب من جده عبد الله .
فقال الدارقطني : جده الأدنى محمد لم يدرك رسول الله ، وجده الأعلى عمرو ابن العاص ولم يدركه شعيب ، وجده الأوسط عبد الله وقد أدركه عمرو بن العاص لم يدركه شعيب ، وجده الأوسط عبد الله قد أدركه ، فإذا لم يسم جده احتمل أن يكون محمداً ، واحتمل أن يكون عمرا فيكون في الحالين مرسلا ، واحتمل أن يكون عبد الله الذي أدركه فلا يصح الحديث ويسلم من الإرسال إلا أن يقول فيه عن جده عبد الله بن عمرو .
قلت : والحديث الذي احتججنا به قد سمى فيه جده عبد الله ، فسلم من الإرسال ، على أن المرسل عندنا حجة .
____________________
(2/184)
ز : هذه الأحاديث الثلاثة ضعاف لا تقوم بها حجة .
والحديث الأول رواه الترمذي عن محمد بن إسماعيل عن إبراهيم بن موسى عن الوليد بن مسلم ، عن المثنى بن الصباح ، وقال في إسناده ، مقال لأن المثنى يضعف في الحديث . وقد روى الشافعي عن عبد الحميد ، عن ابن جريج ، عن يوسف بن ماهك : أن رسول الله قال : ' ابتغوا في مال اليتيم أو في مال اليتامى لا تذهبها أو لا تستهلكها الصدقة ' هذا مرسل .
وقال الدارقطني : ثنا محمد بن إسماعيل الفارسي ، ثنا يحيى بن أبي طالب ، أنا عبد الوهاب ، ثنا حسين المعلم ، عن عمرو بن شعيب ، عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : ' ابتغوا بأموال اليتامى لا تأكلها الصدقة ' .
قال البيهقي : هذا إسناد صحيح وله شواهد عن عمر رضي الله عنه ، أنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا الحسين بن مكرم ، ثنا يزيد بن هارون ثنا شعبة ، عن حميد بن هلال ، قال : سمعت أبا محجن أو ابن محجن ، وكان خادما لعثمان ابن أبي العاص ، قال : قدم عثمان بن أبي العاص على عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقال له عمر رضي الله عنه : كيف متجر أرضك ؟ فإن عندي مال اليتيم قد كادت الزكاة أن تفنيه .
قال : فدفعه إليه ، كذا في هذه الرواية ، ورواه معاوية بن قرة عن الحكم بن أبي العاص عن عمر ، وكلاهما محفوظ ، ورواه الشافعي من حديث عمرو بن دينار ، وابن سيرين ، عن عمر مرسلا .
وقال يعقوب بن سفيان : ثنا أبو نعيم ، ثنا سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن بعض ولد أبي رافع قال : كان علي رضي الله عنه يزكي أموالنا ونحن يتامى .
وقال الدارقطني : ثنا محمد بن مخلد ، ثنا بشر بن مطر ، ثنا يزيد بن هارون ، أنا أشعث ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن صلت المكي ، عن أبي رافع أن رسول الله كان أقطع أبا رافع أرضا فلما مات أبو رافع باعها عمر رضي الله عنه بثمانين ألفا ، فدفعها إلى علي ابن أبي طالب رضي الله عنه فكان يزكيها ، فلما قبضها ولد أبي رافع عدوا مالهم فوجدوها ناقصة ، فأتوا عليا رضي الله عنه فأخبروه فقال : أحسبتم زكاتها ؟ قالوا : لا قال فحسبوا
____________________
(2/185)
زكاتها فوجدوها سواء ، فقال علي رضي الله عنه : أكنتم ترون يكون عندي مالا لا أؤدي زكاته .
قال البيهقي : رواه حسن بن صالح وجرير بن عبد الحميد عن أشعث وقالا : عن أبي رافع ، وهو الصواب .
وقال الدارقطني : ثنا محمد بن مخلد ، ثنا علي بن سهل بن المغيرة ، ثنا محمد بن سعيد الأصبهاني ، ثنا شريك ، عن أبي اليقظان ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عليا رضي الله عنه زكى أموال بني أبي رافع ، فلما دفعها إليهم وجدوها بنقص ، فقالوا : إنا وجدناها بنقص ، فقال علي رضي الله عنه : أترون أن يكون عندي مال لا أزكيه ؟ ! .
قال الشافعي : أنا مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه قال : كانت عائشة رضي الله عنها تليني وأخا لي يتيم في حجرها وكانت تخرج من أموالنا الزكاة .
قال الشافعي : وثنا سفيان ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه كان يزكي مال اليتيم .
قال البيهقي : وروي ذلك عن الحسن بن علي ، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم .
فأما ما أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله بن بشران ، أنا إسماعيل بن محمد الصفار ، ثنا سعدان بن نصر ، ثنا معمر بن سليمان ، عن عبد الله بن بشير ، عن ليث بن أبي سليم ، عن مجاهد ، عن ابن مسعود قال : من ولي مال يتيم فليحص عليه السنين ، فإذا دفع إليه ماله يخبره بما فيه من زكاة ، فإن شاء زكى وإن شاء ترك ، وكذلك رواه ابن علية وغيره عن ليث وقد أنبأه أبو عبد الله الحافظ ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أنا الربيع بن سليمان ، قال : قال الشافعي رحمه الله في مناظرة جرت بينه وبين من خالفه وجوابه عن هذا الأثر مع أنك تزعم أن هذا ليس بثابت عن ابن مسعود أحدهما أنه منقطع ، وأن الذي رواه ليس بحافظ .
وقال البيهقي : وجهة انقطاعه أن مجاهدا لم يدرك ابن مسعود ورواية الذي ليس بحافظ هو ليث بن أبي سليم ، وقد ضعفه أهل العلم بالحديث وروى عن ابن عباس ، إلا أنه ينفرد بإسناده ابن لهيعة ، وابن لهيعة لا يحتج به ، والله أعلم .
____________________
(2/186)
وقال المروزي : قال أبو عبد الله : عن خمسة من أصحاب النبي أنه يزكون مال اليتيم . وقال مهنأ : سألت أحمد عن حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جده أن رسول الله ' اتجروا بأموال اليتامى لا تأكلها الزكاة ' فقال ليس بصحيح ، هذا يرويه المثنى بن الصباح عن عمرو .
احتجوا بما :
روى أحمد : ثنا عفان ، ثنا حماد ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة ، عن النبي أنه قال : ' رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يحتلموا عن المجنون حتى يعقل ' .
والجواب :
أن المراد به قلم الإثم ، أو قلم الأداء .
ز : روى هذا الحديث أبو داود ، وابن ماجه ، والنسائي ، والحاكم وقال : على شرط مسلم . وهو من رواية حماد بن سلمة ، عن حماد أيضا - هو ابن أبي سليمان - وقد روى له مسلم مقرونا بغيره ، ووثقه يحي بن معين ، والعجلي ، والنسائي ، وغيرهم .
وتكلم فيه الأعمش ، ومحمد بن سعد .
وقد روي هذا الحديث من غير رواية عائشة ، والله أعلم .
مسألة [ 315 ] :
لا يجوز إخراج القيم في الزكاة ، وهو قول مالك والشافعي .
وقال أبو حنيفة : يجوز ، وعن أحمد نحوه .
____________________
(2/187)
لنا حديثان :
الحديث الأول : حديث الصدقة المتقدم : ' في كل خمس شاة فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها بنت مخاض ' .
الحديث الثاني : قال الدارقطني : ثنا أبو بكر النيسابوري ، ثنا الربيع بن سليمان ، ثنا ابن وهب ، قال ، قال حدثني سليمان بن بلال ، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، عن عطاء بن يسار ، عن معاذ بن جبل : أن رسول الله بعثه إلى اليمن فقال : ' خذ الحب من الحب ، والشاة من الغنم ، والبعير من الإبل ، والبقرة من البقر ' .
ز : رواه أبو داود عن الربيع بن سليمان .
ورواه ابن ماجه عن عمرو بن سواد المصري كلاهما عن ابن وهب .
ورواه الحاكم وقال : على شرطهما ، إن صح سماع عطاء من معاذ ، فإني لا أتقنه ، كذا قال ، وعطاء لم يسمع معاذا ولم يلقه .
احتجوا بثلاثة أحاديث :
الحديث الأول : حديث الصدقة المتقدم ، وفيه : ' ومن بلغت صدقته الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة ، ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما ، ومن بلغت صدقته الحقة وليست عنده الحقة وعنده الجذعة فإنها تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين ' .
قالوا : هذا يدل على التعادل في القيمة .
وجواب عن هذا أن نقول :
____________________
(2/188)
ليس هذا على وجه القيمة إنما هي أصول بدليل أن القيمة تختلف بالأزمنة والأمكنة ، فقدر الشرع شيئا يزيل الاختلاف .
الحديث الثاني : قال أحمد : ثنا عتاب بن زياد ، ثنا ابن المبارك ، أنا مجالد بن سعيد ، عن قيس بن أبي حازم ، عن الصنابحي قال : رأى رسول الله في إبل الصدقة ناقة مسنة فغضب ، وقال : ' ما هذا ؟ ' فقال : يا رسول الله ارتجعتها ببعيرين من حاشية الصدقة فسكت .
قالوا : الارتجاع أن يأخذ شيئا مكان سن ، كذلك فسره أبو عبيد فقال : إذا وجبت على رب المال أسنان من الإبل فأخذ المصدق مكانها أسنانا فوقها أو دونها فتلك الذي أخذ رجعه - بكسر الراء - لأنه ارتجعها من التي وجبت على ربها .
وجواب هذا الحديث أنه مرسل ، ثم هو محمول على أنه لما قبضها اشترى بها من رب المال وذلك يسمى ارتجاعا أيضا .
وقد قال أبو عبيد : الارتجاع أن يقدم الرجل المصر بإبله فيبيعها ويشتري بثمنها مثلها أو غيرها .
. : قال الترمذي في هذا الحديث : سألت البخاري عنه ، فقال : روى هذا الحديث إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم أن النبي رأى في إبل الصدقة ، مرسلا ، وضعف مجالدا .
الحديث الثالث : قال الدارقطني : ثنا أبو روق الهزاني ، ثنا أحمد بن روح ، ثنا سفيان ابن عيينة ، عن إبراهيم بن ميسرة وعمرو بن دينار ، عن طاوس قال : قال معاذ بن جبل لأهل اليمن : أتوني بخميس أو لبيس ، آخذه منكم في الصدقة ، فهو أهون عليكم وخير للمهاجرين بالمدينة .
وجوابه من وجهين :
أحدهما : أن هذا مرسل ، وطاوس لم يلق معاذا قاله الدارقطني .
____________________
(2/189)
والثاني : أنه محمول على الجزية ، لأن مذهب معاذ لا يجوز نقل الزكاة من بلد إلى بلد ، وإنما سماها صدقة تجوزا ، يدل عليه ما :
روى أحمد : ثنا عبد الرزاق ، ثنا معمر والثوري ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن مسروق ، عن معاذ بن جبل قال : بعثه رسول الله إلى اليمن فأمره أن يأخذ من كل ثلاثين بقرة تبيعا - أو تبيعة - ومن كل أربعين مسنة ، ومن كل حالم دينارا أو عدله معافر .
ز : روى هذا الحديث أبو داود ، والترمذي وقال : حديث حسن ، وابن ماجة ، والنسائي ، والحاكم وقال : على شرطهما . وقال الإسماعيلي : حديث طاوس عن معاذ إذا كان مرسلا فلا حجة فيه ، وقد قال فيه بعضهم : من الجزية بدل الصدقة .
قال البيهقي : هذا هو الأليق بمعاذ و الأشبه بما أمره النبي من أخذ الجنس من الصدقات وأخذ الدينار أو عدله معافر ثياب باليمن في الجزية ، وأن ترد الصدقات على فقرائهم لا أن ينقلها إلى المهاجرين بالمدينة الذين أكثرهم أهل فيء لا أهل صدقة ، والله أعلم .
مسألة [ 316 ] :
لا زكاة في الخيل .
وقال أبو حنيفة : تجب .
____________________
(2/190)
لنا أربعة أحاديث :
1017 - الحديث الأول : قال الترمذي : ثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، ثنا أبو عوانة ، عن أبي إسحاق ، عن عاصم بن ضمرة ، عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله : ' قد عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق فهاتوا صدقة الرقة ' .
ز : رواه الإمام أحمد ، وأبو داود ، والنسائي .
وقال أبو داود : روى هذا الحديث الأعمش عن أبي إسحاق كما قال أبو عوانة ، ورواه شيبان أبو معاوية ، وإبراهيم بن طهمان ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي عن النبي وقال الترمذي : سألت محمدا عن هذا الحديث فقال : كلاهما عندي صحيح عن أبي إسحاق يحتمل أن يكون روي عنهما .
1018 - الحديث الثاني : قال الترمذي : وثنا أبو كريب ، ومحمود بن غيلان قالا : ثنا وكيع ، عن سفيان ، وشعبة ، عن عبد الله بن دينار ، عن سليمان بن يسار ، عن عراك بن مالك ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' ليس على المسلم في فرسه ، ولا عبده صدقة ' .
ز : أخرجاه في الصحيحين ، عن عبد الله بن دينار .
1019 - طريق آخر : قال أحمد : ثنا سفيان ، عن أيوب بن موسى ، عن مكحول ، عن سليمان بن يسار ، عن أبي هريرة عن النبي قال : ' ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة ' .
ز : روى هذا الحديث مسلم في صحيحه عن عمرو الناقد وزهير بن حرب عن سفيان بن عيينة ، وقال فيه : عن سليمان بن يسار ، عن عراك بن مالك ، عن أبي هريرة .
ورواه النسائي من رواية إسماعيل بن أمية ، عن مكحول عن عراك ، ولم يذكر سليمان بن
____________________
(2/191)
يسار .
1020 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : ثنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ، ثنا يعقوب بن سفيان ، ثنا أحمد بن الحارث البصري ، ثنا صقر بن حبيب ، قال : سمعت أبا رجاء العطاردي ، يحدث عن ابن عباس ، عن علي بن أبي طالب أن النبي قال : ' ليس في العوامل صدقة ، ولا في الجبهة صدقة '
قال صقر : الجبهة الخيل والبغال والعبيد .
وقال أبو عبيد : الجبهة الخيل .
الصقر ضعيف ، قال ابن حبان : ليس هو من كلام رسول الله وإنما هو يعرف بإسناد منقطع ، فقلبه الصقر على أبي رجاء ، وهو يأتي بالمقلوبات .
ز : أبو حاتم بن حبان : يسمى هذا الشيخ الصعق بن حبيب .
وقال الدارقطني : إنما هو الصقر بن حبيب .
وأحمد بن الحارث الراوي عنه هو الغساني ، قال أبو حاتم الرازي : هو متروك الحديث .
1021 - الحديث الرابع : قال الدارقطني : وثنا ابن صاعد ، ثنا علي بن داود ، ثنا يزيد ابن خالد بن موهب ، ثنا يحي بن زكريا بن أبي زائدة ، عن عبيد الله بن عمر ، عن أبي زناد عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' ليس في الخيل والرقيق صدقة ، إلا أن الرقيق صدقة الفطر ' .
احتجوا بحديثين :
1022 - الحديث الأول : قال البخاري : ثنا عبد الله بن يوسف ، أنا مالك بن أنس ، عن زيد بن أسلم ، عن أبي صالح السمان ، عن أبي هريرة أن رسول الله ذكر الخيل فقال : ' ورجل ربطها تغنيا وتعففا ، ثم لم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها فهي لذلك ستر ' .
أخرجاه في الصحيحين .
وجواب هذا من وجهين :
أحدهما : أن يريد بالحق إعارتها وحمل المنقطعين عليها ، وذلك يكون على وجه الندب .
____________________
(2/192)
والثاني : أن يكون ذلك قد كان واجبا ثم نسخ ، بدليل قوله : ' عفوت لكم عن صدقة الخيل ' والعفو إنما يكون عن لازم .
1023 - الحديث الثاني : قال الخطيب : أنا أبو محمد الخلال ، ثنا الحسن بن العباس بن الفضل الشيرازي ، ثنا محمد بن علي بن مهران ، ثنا إسماعيل بن يحي بن بحر الكرماني ، ثنا الليث بن حماد الاصطخري ، ثنا أبو يوسف ، عن غورك بن الخضرم أبي عبد الله ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر قال : قال رسول الله : ' في الخيل السائمة في كل فرس دينار ' .
قال الدارقطني : تفرد به غورك عن جعفر ، وهو ضعيف جدا ، ومن دونه ضعفاء .
مسألة [ 317 ] :
لا تجب الزكاة في العوامل والمعلوفة .
وقال مالك : تجب .
لنا أربعة أحاديث :
1024 - الحديث الأول : قال البخاري : ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، قال حدثني أبي ، قال : حدثني ثمامة بن عبد الله ، أن أنسا حدثه أن أبا بكر كتب له هذا الكتاب لما رجهه إلى البحرين : هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله على المسلمين ، والتي أمر الله بها رسوله ، - ذكر فيه - : وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعون إلى عشرين
____________________
(2/193)
ومائة شاة ، فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين شاتان ' .
فوجه الحجة أنه اعتبر السوم ، فدل على أن عدمه يمنع الوجوب .
1025 - الحديث الثاني : حديث علي عليه السلام : ليس في العوامل صدقة ، سبق إسناده . وقد روى الحارث عن علي عليه السلام عن النبي أنه قال : ' ليس في العوامل شيء ' . إلا أن الحارث كذاب .
ز : قال أبو داود : ثنا عبد الله بن محمد النفيلي ، ثنا زهير ، ثنا أبو إسحاق ، عن عاصم بن ضمرة ، عن الحارث الأعور ، عن علي - قال زهير : أحسبه عن النبي - أنه قال : هاتوا ربع العشور ، من كل أربعين درهما درهم . . . . فذكر الحديث ، وقال فيه : ليس على العوامل شيء .
وقال ابن القطان : إسناده صحيح ، قال : ولم أعن إلا رواية عاصم لا رواية الحارث .
1026 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : ثنا عثمان بن أحمد بن سمعان ، ثنا محمود ابن محمد الواسطي ، ثنا زكريا بن يحي الواسطي ، ثنا سوار ، عن ليث ، عن مجاهد ، وطاوس ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله : ' ليس في البقر العوامل صدقة ' .
ليث ضعيف ، قال أحمد : هو مضطرب الحديث ، ولكن قد حدث عنه الناس .
وقد روي هذا الحديث من حديث غالب بن عبيد الله بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي ، إلا أن غالبا لا يعتمد عليه ، قال يحي : ليس بثقة .
وقال الرازي والدارقطني : متروك .
ز : حديث ابن عباس رواه أبو أحمد بن عدي ، عن محمود بن محمد الواسطي .
وقال البيهقي : في إسناده ضعف .
وسوار الراوي عن ليث هو ابن مصعب ، وقد تركه الإمام أحمد ويحي بن معين وأبو حاتم الرازي والنسائي والدارقطني وغيرهم .
____________________
(2/194)
وقال ابن عدي : ثنا أحمد بن الحسن الصوفي ، ثنا إبراهيم بن موسى المروزي ، ثنا محمد بن حمزة الرقي ، عن غالب القطان ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده عن النبي قال : ليس في الإبل العوامل صدقة ' كذا قال غالب القطان .
وقال الدارقطني : وهو عندي غالب بن عبيد الله .
1027 - الحديث الرابع : قال الدارقطني : ثنا الحسن بن أحمد بن صالح ، ثنا عبد الله ابن محمد بن إسحاق بن أبي مسلم ، ثنا محمد بن أبي موسى ، ثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن زياد بن سعد ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، أن النبي قال : ' ليس في المثيرة صدقة '
ز : هذا الحديث في إسناده ضعف قاله البيهقي ، وقال : والصحيح موقوف ، وروي من رواية ابن أبي مريم ، عن يحي بن أيوب أن خالد بن يزيد حدثه أن أبا الزبير حدثه أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : ليس على المثيرة الأرض زكاة .
قال : وروى عن يحي بن سعيد عن أبي الزبير بمعناه .
مسألة [ 318 ] :
لا يجب العشر فيما دون خمسة أوسق .
وقال أبو حنيفة : يجب .
لنا حديثان :
____________________
(2/195)
1028 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا حماد بن خالد ، ثنا عبد الله العمري ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي سعيد قال : قال النبي : ' ليس فيما دون خمس ذود صدقة ، وليس فيما دون خمس أواق صدقة ، وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ' .
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين .
ز : لم يخرجه البخاري ومسلم من رواية العمري عن العلاء عن أبيه ، عن أبي سعيد ، بل ولا أحد من أصحاب السنن ، إنما رواه الجماعة كلهم من حديث يحي بن عمارة بن أبي حسن المازني الأنصاري المدني ، عن أبي سعيد ، والله أعلم .
1029 - الحديث الثاني : قال أحمد : وثنا علي بن إسحاق ، أنا ابن المبارك ، أنا معمر ، قال : حدثني سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة عن النبي : ' ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ، وليس فيما دون خمس ذود صدقة ' .
ز : هذا إسناد صحيح .
احتجوا بما :
روى أبو المطيع عن أبي حنيفة ، عن أبان بن أبي عياش ، عن رجل عن رسول الله قال : ' فيما سقت السماء العشر ، وفيما سقي بنضح أو غرب نصف العشر قليلة وكثيرة ' .
وهذا إسناد لا يساوي شيئا ، أما أبو المطيع فقال يحي بن معين : ليس بشيء .
وقال أحمد : لا ينبغي أن يروى عنه .
وقال أبو داود : تركوا حديثه .
وأما أبان فكان شعبة يقول : لأن أزني أحب إلي من أن أحدث عنه .
مسألة [ 319 ] :
لا يجب العشر في الخضروات .
____________________
(2/196)
وقال أبو حنيفة : يجب .
لنا أحاديث ، إلا أن كلها ضعاف :
1030 - الحديث الأول : قال الترمذي : ثنا علي بن خشرم ، ثنا عيسى بن يونس ، عن الحسن ، عن محمد بن عبد الرحمن بن عبيد ، عن عيسى بن طلحة ، عن معاذ أنه كتب إلى النبي يسأله عن الخضروات وهي البقول ، فقال : ' ليس فيهما شيء '
قال الترمذي : إسناده هذا الحديث ليس بصحيح ، وليس يصح عن رسول الله في هذا الباب شيء ، وإنما يروى هذا عن موسى بن طلحة عن النبي مرسلا .
ز : الحسن هو ابن عمارة ، وهو متروك الحديث ، وقال الترمذي : هو ضعيف عند أهل الحديث ضعفه شعبة وغيره ، وتركه عبد الله بن المبارك .
1031 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : ثنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ، ثنا يعقوب بن سفيان ، ثنا أحمد بن الحارث البصري ، ثنا الصقر بن حبيب ، قال : سمعت أبا رجاء العطاردي ، يحدث عن ابن عباس ، عن علي بن أبي طالب ، عن النبي قال : ' ليس في الخضروات صدقة '
الصقر ضعيف ، قال ابن حبان : يأتي بالمقلوبات عن الثقات .
1032 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : وثنا أبو حامد محمد بن هارون الحضرمي ثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، ثنا عبد الرحمن بن عمرو ، عن الحارث بن نبهان ، عن عطاء ابن السائب .
قال : وثنا أحمد بن محمد بن الجراح ، ثنا عبد الله بن أحمد الدورقي ، ثنا محمد بن معاوية ، ثنا محمد بن جابر ، عن الأعمش .
قال : وثنا أبو طالب الحافظ ، ثنا محمد بن نصر ابن حماد ، ثنا أبي ، عن شعبة ، عن
____________________
(2/197)
الحكم - كلهم - عن موسى بن طلحة ، عن أبيه ، أن رسول الله قال : ' ليس في الخضروات زكاة ' .
قال يحيى بن معين : الحارث بن نبهان لا يكتب حديثه ليس بشيء .
وقال أحمد : منكر الحديث .
وقال النسائي : كمتروك الحديث .
قال الدارقطني : وعبد الرحمن بن عمرو متروك الحديث ، والصحيح أنه مرسل عن موسى بن طلحة عن النبي .
قال يحيى : وأما محمد بن جابر فليس بشيء .
وقال أحمد : لا يحدث عنه إلا شر منه . وأما نصر بن حماد ، فقال يحيى : كذاب .
وقال يعقوب بن شيبة : ليس بشيء .
وقال مسلم بن الحجاج : ذاهب الحديث .
ز : قال تمام في ' فوائده ' : انا أبو الميمون عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن راشد ، ثنا أبو محمد مضر بن محمد البغدادي ، ثنا أبو كامل الجحدري ، ثنا الحارث بن نبهان ، عن عطاء بن السائب ، عن موسى بن طلحة ، عن أبيه قال : قال رسول الله : ليس في الخضروات صدقة ' .
الحارث بن نبهان ضعفه جماعة من الأئمة .
وقد روى ابن عدي هذا الحديث في ترجمته عن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز عن أبي كامل ، وقال : لا أعلم يرويه عن عطاء غير عطاء الحارث ، وله أحاديث حسان ، وهو ممن يكتب حديثه .
وقد سئل الدارقطني في كتاب ' العلل ' عن هذا الحديث فقال : اختلف فيه عن موسى بن طلحة ، فروي عن عطاء بن السائب ، فقال : الحارث بن نبهان عن عطاء عن موسى بن طلحة ، عن أبيه ، وقال خالد الواسطي : عن عطاء ، عن موسى بن طلحة مرسل أن النبي . .
وروي عن الأعمش عن موسى بن طلحة ، عن أبيه .
ورواه الحكم بن قتيبة ، وعبد الملك بن عمير ، وعمرو بن عثمان ، عن موهب ، عن موسى بن طلحة ، عن معاذ بن جبل ، وقيل عن موسى بن طلحة ، عن عمر .
وقيل عن موسى بن طلحة ، عن أنس .
وقيل عن موسى بن طلحة مرسل ، وأصحها كلها المرسل والله أعلم .
1033 - الحديث الرابع : قال الدارقطني : وثنا محمد بن أحمد بن أبي الثلج ، ثنا نصر ابن عبد الملك السنجاري ، ثنا مروان بن محمد السنجاري ، ثنا جرير ، عن عطاء بن السائب ،
____________________
(2/198)
عن موسى بن طلحة ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله : ' فليس في الخضروات صدقة ' .
قال ابن حبان : مروان بن محمد السنجاري لا يحل الاحتجاج به .
وقال الدارقطني : ذاهب الحديث .
1034 - الحديث الخامس : قال الدارقطني : وثنا الحسين بن إسماعيل ، ثنا عبد الله بن شبيب قال : حدثني عبد الجبار بن سعيد ، قال : حدثني حاتم بن إسماعيل ، عن محمد بن أبي يحي ، عن أبي كثير - مولى ابن جحش - عن محمد بن عبد الله بن جحش ، عن رسول الله أنه أمر معاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن أن يأخذ من كل أربعين دينارا دينار ، وليس في الخضروات صدقة .
عبد الله بن شبيب ضعيف جدا ، قال ابن حبان : يقلب الأخبار ويسرقها لا يجوز الاحتجاج به .
1035 - الحديث السادس : قال الدارقطني : وثنا علي بن أحمد بن الأزرق ، ثنا محمد ابن محمد بن النفاح الباهلي ، ثنا يحي بن المغيرة ، ثنا ابن نافع قال : حدثني إسحاق بن يحي بن طلحة ، عن عمه موسى بن طلحة ، عن معاذ بن جبل ، أن رسول الله قال : ' فيما سقت السماء والبعل والسيل العشر ، وفيما يسقى بالنضح نصف العشر ، يكون ذلك في التمر والحنطة والحبوب فيما القثاء والبطيخ والرمان والقصب والخضر فعفوه ' ، عفا عنه رسول الله .
ابن نافع وإسحاق ضعيفان ، قال يحي بن سعيد : إسحاق شبه لا شيء .
وقال يحي بن معين : ليس بشيء لا يكتب حديثه .
وقال أحمد والنسائي : متروك الحديث .
ز : روى هذا الحديث الحاكم في المستدرك وصححه ، وهو حديث ضعيف ، وإسحاق تركه غير واحد .
____________________
(2/199)
وعبد الله بن نافع هو الصائغ وهو صدوق في حفظه شيء ، وقد روى له مسلم في صحيحه .
وزعم الحاكم أن موسى بن طلحة تابعي كبير لا ينكر أن يدرك معاذا ، وفي قوله نظر ، وقد ذكر أبو زرعة أن رواية موسى عن عمر مرسلة ، ومعاذ توفي في خلافة عمر ، فرواية موسى عنه أولى بالإرسال ، والله أعلم .
1036 - الحديث السابع : قال الدارقطني : ثنا أحمد بن إسحاق بن وهب ، ثنا موسى ابن إسحاق ، ثنا محمد بن عبيد المحاربي ، ثنا صالح بن موسى ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة قالت : قال رسول الله : ' ليس فيما أنبتت الأرض من الخضر زكاة ' .
قال يحي بن معين : صالح بن موسى ليس حديثه بشيء .
وقال البخاري : منكر الحديث .
وقال النسائي : متروك الحديث .
1037 - الحديث الثامن : قال الدارقطني : وثنا محمد بن إسماعيل الفارسي ، ثنا يحي بن أبي طالب ، أنا عبد الوهاب ، أنا هشام الدستوائي ، عن عطاء بن السائب ، عن موسى بن طلحة : أن رسول الله نهى أن يؤخذ من الخضروات صدقة .
عبد الوهاب ضعيف ، والحديث مرسل .
ز : عبد الوهاب هو ابن عطاء الخفاف ، وهو صدوق روى له مسلم في صحيحه .
والحديث مرسل حسن ، وعطاء بن السائب وثقة الإمام [ . . . . ]
وقال الدارقطني : اختلط ولا يحتج من حديثه إلا بما رواه عنه الأكابر شعبة والثوري ووهيب ونظراؤهم ، وأما ابن علية والمتأخرون ففي حديثهم عنه نظر ، والله أعلم .
____________________
(2/200)
مسألة [ 320 ] :
لا يحتسب على صاحب الأرض بزكاة ما يأكله من الثمرة .
وقال أبو حنيفة والشافعي : يحتسب .
1038 - قال الترمذي : ثنا محمود بن غيلان ، ثنا أبو داود الطيالسي ، أنا شعبة ، أنا خبيب بن عبد الرحمن ، قال : سمعت عبد الرحمن بن مسعود يقول : جاء سهل بن أبي حثمة إلى مجلسنا يحدث أن رسول الله كان يقول : ' إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث ، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع ' .
ز : روى هذا الحديث أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، وأبو حاتم بن حبان البستي ، والحاكم أبو عبد الله وصححه .
مسألة [ 321 ] :
يجب العشر في أرض الخراج .
وقال أبو حنيفة : لا يجب .
____________________
(2/201)
1039 - قال الترمذي : ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا سعيد بن أبي مريم ، ثنا ابن وهب ، قال : حدثني يونس ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، عن ابيه ، عن رسول الله : أنه سن فيما سقت السماء والعيون ، أو كان عثريا العشور ، وفيما سقي بالنضح نصف العشر .
انفرد بإخراجه البخاري .
وهو عام في الأرض الخراجية وغيرها .
قال ابن قتيبة : العثري الذي يؤتى بماء المطر إليه حتى يسقيه ، وإنما سمى عثريا لأنهم يجعلون في مجرى السيل عاثورا ، فإذا صدمه الماء تراد فدخل في تلك المجاري حتى يبلغ النخل ويسقيه .
أما حجتهم :
1040 - قال الخطيب : أنا القاضي أبو الفرج محمد بن احمد بن الحسن الشافعي ، ثنا محمد بن حامد المعدل ، ثنا محمد بن أحمد بن أبي مهزول المصيصي ، ثنا يوسف بن سعيد بن مسلم ، ثنا يحي بن عنبسة ، ثنا أبو حنيفة ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : قال رسول الله : ' لا يجتمع على مؤمن خراج وعشر ' .
والجواب :
قال أبو حاتم بن حبان الحافظ : ليس هذا الكلام من كلام رسول الله ، ويحي بن عنبسة يضع الحديث لا تحل الرواية عنه .
وقال الدارقطني : يحي دجال يضع الحديث ، وهو كذاب على أبي حنيفة ، ومن بعده رسول الله .
وقال أبو أحمد بن عدي الحافظ : لا يروي هذا الحديث غير يحي بهذا الإسناد ، وإنما يروي هذا من قول إبراهيم ، ويحكيه أبو حنيفة عن حماد ، عن إبراهيم من قوله فجاء يحي فوصله إلى النبي وأبطل فيه ، ويحي مكشوف الأمر لرواياته عن الثقات الموضوعات .
____________________
(2/202)
مسألة [ 322 ] :
يجب العشر من العسل .
وقال مالك والشافعي : لا يجب .
لنا ثلاثة أحاديث :
1041 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا عبد الرحمن ، عن سعيد بن عبد العزيز ، عن سليمان بن موسى ، عن أبي سيارة المتعي ، قال : قلت يا رسول الله إن لي نحلا ، قال : ' أد العشور ' قال : قلت يا رسول الله احم لي جبلها ؟ قال فحمى لي جبلها .
ز : رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة ، وعلي بن محمد ، عن وكيع ، عن سعيد بن عبد العزيز ، وإسناده منقطع ، لأن سليمان لم يلق أبا سيارة .
وقال البيهقي : هذا أصح ما روي في وجوب العشر فيه ، وهو منقطع .
قال أبو عيسى الترمذي : سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا ، فقال : هذا حديث مرسل ، وسليمان بن موسى لم يدرك أحدا من أصحاب النبي وليس في زكاة العسل شيء يصح .
وقال الأحوص بن المفضل بن غسان الغلابي ، عن أبيه قال أبو مسهر : لم يدرك سليمان بن موسى أبا سيارة ، والحديث مرسل ، وأبو سيارة مدني .
وقال الحافظ عبد الغني في ' الكمال ' : أبو سيارة المتعي القيسي قيل اسمه عميرية بن الأعلم ، وقيل شامي وحديثه في الشاميين ، روى عن النبي حديثا في زكاة العسل .
____________________
(2/203)
وليس له سواه .
وقال ابن المنذر : ليس في وجوب الصدقة في العسل خبر يثبت . وقال الزعفراني : قال أبو عبد الله الشافعي : الحديث في أن في العسل العشر ضعيف ، وفي أن لا يؤخذ منه العشر ضعيف إلا عن عمر بن عبد العزيز ، واختياري : أن لا يؤخذ منه ، لأن السنن والآثار ثابتة فيما يؤخذ منه ، وليست فيه ثابتة فكأنه عفو ز
وقال عبيد الله بن عمر عن نافع سألني عمر بن عبد العزيز عن صدقة العسل ؟ فقلت : ما عندنا عسل ، ولكن أخبرني المغيرة بن حكيم أنه قال : ليس في العسل زكاة ، فقال : عدل مرضي ، فكتب إلى الناس أن يوضع عنهم .
وقال الأثرم : سئل أبو عبد الله أنت تذهب إلى أن في العسل زكاة ؟ قال : نعم أذهب إلى أن في العسل زكاة العشر .
1042 - الحديث الثاني : قال النسائي : ثنا المغيرة بن عبد الرحمن ، ثنا أحمد بن أبي شعيب ، عن موسى بن أعين ، عن عمرو بن الحارث ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال جاء هلال إلى رسول الله بعشور نحله ، وسأله أن يحمي له واديا يقال له : سلبة ، فحمى له رسول الله ذلك الوادي ، فلما ولي عمر بن الخطاب كتب سفيان بن وهب إلى عمر بن الخطاب يسأله ، فكتب عمر : إن أد إلي ما كان يؤدي إلى رسول الله من عشر نحله ، فاحم له سلبة ، وإلا فإنما هي ذباب غيث يأكله من شاء .
ز : رواه أبو داود عن أحمد بن أبي شعيب الحراني ، عن موسى ، وعن أحمد بن عبده الضبي ، عن المغيرة ، - نسبه عبد الرحمن - ابن الحارث المخزومي ، عن أبيه ، عن عمرو ، بنحوه ، وعن الربيع بن سليمان المؤذن ، عن ابن وهب ، عن أسامة بن زيد ، عن عمرو بن شعيب ، بمعنى حديث المغيرة .
ورواه ابن ماجه عن محمد بن يحي ، عن نعيم بن حماد ، عن ابن المبارك عن أسامة بن زيد ، عن عمرو به مختصرا : أن النبي أخذ من العسل العشر .
____________________
(2/204)
1043 - الحديث الثالث : قال الترمذي : ثنا محمد بن يحي ، ثنا عمرو بن أبي سلمة التنيسي ، عن صدقة بن عبد الله ، عن موسى بن يسار ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله : ' في العسل في كل عشرة أزق زق ' .
قال الترمذي : في هذا الإسناد مقال ، ولا يصح عن النبي في هذا الباب كبير شيء .
قلت : قال أحمد بن حنبل : صدقة ليس يساوي حديثه شيئا . وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الثقات .
وقال أبو عبد الرحمن النسائي : صدقة ليس بشيء ، وهذا الحديث منكر .
وقال الرازي : وعمرو لا يحتج به .
وقد رواه إسماعيل بن محمد بن يوسف عن عمرو بن أبي سلمة ، عن زهير بن محمد ، عن موسى بن يسار .
قال ابن حبان : إسماعيل يقلب الأسانيد ، ويسرق الحديث ، لا يجوز الاحتجاج به .
قال يحي بن معين : وعمرو بن أبي سلمة وزهير بن محمد ضعيفان .
ز : عمرو بن أبي سلمة وزهير بن محمد كلاهما من رجال الصحيحين ، وهذا الحديث إنما تكلم فيه من جهة صدقة ، وذكره ابن عدي في مناكيره .
وقال البيهقي : تفرد به صدقة بن عبد الله السمين ، هو ضعيف ، وقد ضعفه أحمد ابن حنبل ويحي بن معين وغيرهما .
وقال أبو عيسى الترمذي : سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال : هو عن نافع عن النبي .
____________________
(2/205)
مسائل الأثمان
مسألة [ 323 ] :
ما زاد على نصاب الأثمان يجب فيه بحسابه .
وقال أبو حنيفة : لا يجب فيما زاد على مائتي درهم حتى تبلغ أربعين ، ولا فيما زاد على عشرين دينارا حتى يبلغ أربع مثاقيل .
1044 - قال الدارقطني : ثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم الكاتب ، ثنا جعفر بن محمد الصائغ ، ثنا إسحاق بن المنذر ، ثنا أيوب بن جابر الحنفي ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي قال : قال رسول الله : ' هاتوا ربع العشور من كل أربعين درهما [ درهم ] ، وليس فيما دون المائتين شيء ، فإذا كانت مائتين ففيها خمسة دراهم فما زاد فعلى حساب ذلك ' .
ز : قال أبو داود : ثنا عبد الله بن محمد النفيلي ، ثنا زهير ، ثنا أبو إسحاق ، عن عاصم بن ضمرة ، وعن الحارث الأعور ، عن علي قال زهير : أحسبه عن النبي - أنه قال : ' هاتوا ربع العشور من كل أربعين درهما درهم ، وليس عليكم شيء حتى تتم مائتي درهم ، فإذا كانت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم فما زاد فعلى حساب ذلك ' .
____________________
(2/207)
أما حجتهم :
1045 - فروى الدارقطني : ثنا أبو سعيد الحسن بن أحمد الاصطخري ، ثنا محمد ابن عبد الله بن نوفل ، ثنا أبي ، ثنا يونس بن بكير ، ثنا ابن إسحاق ، عن المنهال بن الجراح ، عن حبيب بن نجيح ، عن عبادة بن نسي ، عن معاذ : أن رسول الله أمره حين وجهه إلى اليمن أن لا يأخذ من الكسر شيئا ، أذا كانت الورق مائتي درهم فخذ منها خمسة دراهم ، ولا يأخذ مما زاد شيئا حتى تبلغ أربعين درهما ، فإذا بلغت أربعين درهما فخذ منها درهما ' .
قال الدارقطني : المنهال بن الجراح متروك الحديث ، وهو أبو العطوف واسمه الجراح ابن المنهال ، وكان ابن إسحاق يقلب اسمه إذا روى عنه ، وعبادة بن نسي لم يسمع من معاذ .
قلت : قال يحي بن معين : ليس حديث الجراح بن المنهال بشيء . وقال ابن المديني : لا يكتب حديثه .
وقال النسائي : متروك الحديث .
وقال ابن حبان : كان يكذب .
مسألة [ 324 ] :
يضم الذهب إلى الفضة في إكمال النصاب ، وعنه لا يضم كقول الشافعي .
احتجوا بحديثين :
____________________
(2/208)
1046 - الحديث الأول : حديث أبي سعيد الخدري عن النبي ' ليس فيما دون خمس أواق صدقة ' وهو في الصحيحين ، وقد سبق بإسناده .
1047 - الثاني : رواه الدارقطني : ثنا عثمان بن أحمد الدقاق ، ثنا محمد بن الفضل ابن سلمة ، ثنا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة ، ثنا علي بن هاني ، عن ابن أبي ليلى ، عن عبد الكريم ، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، عن النبي أنه قال : ' ليس في أقل من خمس زود ولا في أقل من عشرين مثقالا من الذهب شيء ، ولا في أقل من مائتي درهم شيء ' .
ز : هذا الحديث لم يخرجه أحد من أصحاب السنن ، وقوله في الإسناد علي بن هاني تصحيف ، والصواب علي بن هاشم ، وهو ابن البريد ، وهو صدوق شيعي روى له مسلم في صحيحه .
وابن أبي ليلى هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه القاضي وهو صدوق لكن سيىء الحفظ وفي حديثه اضطراب .
وعبد الكريم هو ابن مالك الجزري ، وهو ثقة من رجال الصحيحين ، ويحتمل أن يكون ابن أبي المخارق وقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة ، والله أعلم .
مسألة [ 325 ] :
لا تجب الزكاة في الحلي المباح ، وعنه فيه الزكاة كقول أبي حنيفة .
وعن الشافعي كالمذهبين .
1048 - أنبأنا أحمد بن الحسين بن البنا قال : أنبأنا أبو الطيب الطبري ، ثنا أبو محمد
____________________
(2/209)
عبد الله بن محمد ، ثنا أحمد بن المظفر ، ثنا أحمد بن عمير بن جوصا ، ثنا إبراهيم بن أيوب ، ثنا عافية بن أيوب ، عن ليث بن سعد ، عن أبي الزبير ، عن جابر عن النبي : ' ليس في الحلي زكاة ' .
قالوا : عافية ضعيف .
قلنا : ما عرفنا أحدا طعن فيه .
قالوا : فقد روى الحديث موقوفا عن جابر .
قلنا : الراوي قد يسند الشيء تارة ، ويفتي به أخرى .
ز : الصواب وقف هذا الحديث على جابر ، وعافية لا نعلم أحدا تكلم فيه ، وهو شيخ محله الصدق ، قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سئل أبو زرعة عن عافية بن أيوب ؟ فقال : أبو عبيدة عافية بن أيوب مصري ، ليس به بأس .
وقد روى الشافعي عن سفيان ، عن عمرو بن دينار ، قال : سمعت رجلا يسأل جابر ابن عبد الله عن الحلي ، أفيه زكاة ؟ فقال جابر : لا فقال : وإن كان يبلغ ألف دينار ؟ فقال جابر : كثير .
وقال الأثرم : سمعت أبا عبد الله يقول في زكاة الحلي عن خمسة من أصحاب النبي لا يرون فيه زكاة ، وهم أنس ، وجابر ، وابن عمر ، وعائشة ، وأسماء .
أما حجتهم ، فلهم أحاديث ، وهي على ضربين : عامة وخاصة .
فالعامة ثلاثة أحاديث :
1049 - الحديث الأول : قوله : ' ليس فيما دون خمس أواق صدقة ' ، وقد سبق بإسناده من حديث أبي سعيد ، وأخرجه مسلم في أفراده من حديث جابر عن النبي 1050 - الحديث الثاني : قوله : ' هاتوا صدقة الرقة ' ، وقد ذكرناه بإسناده في مسألة الخيل .
____________________
(2/210)
قال ابن قتيبة : الرقة الفضة دراهم كانت أو غيرها .
1051 - الحديث الثالث : قوله : ' ليس في أقل من عشرين مثقالا من الذهب شيء ، ولا في أقل من مائتي درهم شيء ' ، وقد ذكرناه بإسناده في المسألة قبلها .
وأما الأحاديث الخاصة فثمانية :
1052 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا أبو معاوية ، ثنا حجاج ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : أتت رسول الله امرأتان في أيديهما أساور من ذهب ، فقال : لهما النبي : ' أتحبان أن يسوركما الله عز وجل يوم القيامة أساور من نار ' ، قالتا : لا ، قال : ' فأديا حق الله في الذي في أيديكما ' .
طريق ثان : رواه المثنى بن الصباح ، عن عمرو بن شعيب كما ذكرنا .
طريق ثالث : رواه ابن لهيعة عن عمرو وكذلك .
1053 - طريق رابع : قال الدارقطني : ثنا الحسين بن إسماعيل ، ثنا يوسف بن موسى ، ثنا أبو أسامة ، عن حسين بن ذكوان ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : جاءت امرأة وابنتها من أهل اليمن إلى رسول الله وفي يدها مسكتان غليظتان من ذهب ، فقال : ' هل تعطين زكاة هذا ؟ ' قالت : لا ، قال : ' فيسرك أن يسورك الله بسوارين من نار ؟ ' قال : فخلعتهما ، وقالت : هما لله ولرسوله .
1054 - الحديث الثاني : قال أحمد : ثنا علي بن عاصم ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن شهر بن حوشب ، عن أسماء بنت يزيد ، قالت : دخلت أنا وخالتي على النبي وعلينا أسورة من ذهب ، فقال لنا : ' تعطيان زكاته ؟ ' فقلنا : لا ، فقال : ' أما تخافان أن يسوركما الله أسورة من نار ، أديا زكاته ' .
1055 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : ثنا محمود بن سليمان النعماني ، ثنا أبو
____________________
(2/211)
عتبة أحمد بن الفرج ، ثنا عثمان بن سعيد بن كثير ، ثنا محمد بن مهاجر ، عن ثابت بن عجلان ، قال : حدثني عطاء عن أم سلمة أنها كانت تلبس أوضاحا من ذهب ، فسألت عن ذلك النبي فقالت : أكنز هو ؟ فقال : ' إذا أديت زكاته فليس بكنز ' .
1056 - الحديث الرابع : قال الدارقطني : وثنا البغوي ، ثنا محمد بن هارون أبو نشيط ، ثنا عمرو بن الربيع بن طارق ، ثنا يحيى بن أيوب ، عن عبيد الله بن أبي جعفر ، عن محمد بن عطاء أخبره عن عبد الله بن شداد بن الهاد ، أنه قال : دخلنا على عائشة زوج النبي فقالت : دخل علي رسول الله فرأى في يدي فتخات من ورق ، فقال : ' ما هذا يا عائشة ؟ ' . فقلت : صنعتهن أتزين لك بهن ، قال : ' أتؤدين زكاتهن ؟ ' قلت : لا أو ما شاء الله من ذلك ، قال : ' هن حسبك من النار ' .
1057 - الحديث الخامس : قال الدارقطني : وثنا أحمد بن محمد بن سعيد ، ثنا يعقوب بن يوسف ين زياد ، ثنا نصر بن مزاحم ، ثنا أبو بكر الهذلي ، قال : حدثني شعيب ابن الحبحاب ، عن الشعبي ، قال : سمعت فاطمة بنت قيس تقول : أتيت رسول الله بطوق فيه سبعون مثقالا من ذهب ، فقلت يا رسول الله خذ منه الفريضة ، فأخذ منه مثقالا وثلاثة أرباع مثقال .
____________________
(2/212)
ابن محمد بن مقاتل الرازي ، ثنا محمد بن الأزهر ، ثنا قبيصة ، عن سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله أن امرأة أتت النبي فقالت : إن لي حليا ، وإن زوجي خفيف ذات اليد ، وإن لي بني أخ أفيجزىء عني أن أجعل زكاة الحلي فيهم ؟ قال : ' نعم ' .
والجواب :
أما الأحاديث العامة : فمحمولة على المال المرصد للتجارة ، وهو غير الحلي بأدلتنا .
وأما الخاصة فكلها ضعاف :
أما حديث عمرو بن شعيب : ففي طريقه الأول حجاج بن أرطأة ، قال أحمد بن حنبل : حجاج يزيد في الأحاديث ، ويروي عن من لم يلقه لا يحتج به ، وكذا قال يحي والدارقطني : لا يحتج بحديثه .
وأما طريقه الثاني : ففيه المثنى بن الصباح ، قال أحمد وأبو حاتم الرازي : لا يساوي شيئا هو مضطرب الحديث .
وقال النسائي : متروك الحديث .
وقال يحي : ليس بشيء . وقال ابن حبان : تركه ابن المبارك ويحي القطان ، وابن مهدي ويحي بن معين ، وأحمد بن حنبل .
وأما طريقه الثالث : ففيه ابن لهيعة ، وكان يحي بن سعيد لا يراه شيئا .
وقال أبو زرعة : ليس ممن يحتج به .
وأما طريقه الرابع : ففيه حسين بن ذكوان ، وقد أخرج عنه في الصحاح ، لكن قال يحي بن معين : فيه اضطراب .
وقال العقيلي : هو ضعيف .
وأما حديث أسماء بنت يزيد : ففيه شهر بن حوشب .
قال ابن عدي : لا يحتج بحديثه .
وقال ابن حبان : كان يروي عن الثقات المعضلات .
وفيه عبد الله بن عثمان بن خثيم ، قال يحي بن معين : أحاديثه ليست بالقوية .
وفيه علي بن عاصم ، قال يزيد بن هارون : ما زلنا نعرفه بالكذب ، وكان أحمد سيئ الرأي فيه .
وقال يحي : ليس بشيء .
وقال النسائي : متروك الحديث .
وأما حديث أم سلمة : ففيه محمد بن مهاجر ، قال صالح بن محمد الأسدي : هو أكذب خلق الله .
وقال ابن عقدة : ليس بشيء ضعيف ذاهب .
وقال ابن حبان : يضع
____________________
(2/213)
الحديث على الثقات ، ويزيد في الأخبار ألفاظا يسويها على مذهبه .
وقد رواه أبو داود من حديث عتاب بن بشير ، قال ابن المديني : ضربنا على حديثه .
وأما حديث عائشة ففيه محمد بن عطاء ، قال الدارقطني : هو مجهول .
وفيه يحي ابن أيوب ، قال أبو حاتم الرازي : لا يحتج به .
وأما حديث فاطمة بنت قيس : الأول ففيه أبو بكر الهذلي ، قال الدارقطني : لم يأت بهذا الحديث غيره ، وهو متروك الحديث .
وقال غندر : هو كذاب ، وقال يحي وابن المديني : ليس بشيء . وفيه نصر بن مزاحم ، قال أبو خيثمة : كان كذابا .
وقال يحي : ليس بشيء .
وقال أبو حاتم الرازي : متروك الحديث .
وأما حديثها الثاني : ففيه ميمون ، قال أحمد : متروك الحديث .
وقال يحي : ليس حديثه بشيء لا يكتب حديثه .
وقال النسائي : ليس بثقة .
وأما حديث ابن مسعود : ففيه يحي بن أبي أنيسة ، قال أحمد : هو متروك .
وقال علي ويحي : لا يكتب حديثه .
وقال ابن حبان : لا يجوز الاحتجاج به بحال .
قال الدارقطني : يحي متروك ورفع هذا الحديث وهم ، والصواب أنه مرسل موقوف .
وأما حديثه الثاني : فقال الدارقطني : هو وهم ، والصواب عن إبراهيم عن عبد الله مرسل موقوف .
ز : حديث عمرو بن شعيب رواه أبو داود عن أبي كامل وحميد ين مسعدة ، عن خالد بن الحارث عن حسين المعلم .
وقال البيهقي : يتفرد به عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده .
ورواه الترمذي عن قتيبة ، عن ابن لهيعة ، عن عمرو بنحوه : أن امرأتين أتتا النبي وفي أيديهما سواران . . . . الحديث ، وقال : لا يصح في هذا الباب عن النبي .
ورواه النسائي عن إسماعيل بن مسعود ، عن خالد ، عن حسين ، وعن محمد بن عبد الأعلى ، عن المعتمر بن سليمان ، عن حسين المعلم ، عن عمرو قال : جاءت امرأة
____________________
(2/214)
. . . . فذكره مرسلا .
وقال : خالد بن الحارث أثبت عندنا من معتمر ، وحديث معتمر أولى بالصواب ، والله أعلم .
وقال أبو عبيد : لا نعلم هذا الحديث إلا من هذا الوجه ، قد تكلم الناس فيه قديما وحديثا .
وحسين بن ذكوان المعلم روى له البخاري ومسلم في صحيحيهما ، ووثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائي .
وقال أبو زرعة : ليس به بأس .
ووهم المؤلف في قوله : قال يحي بن معين : فيه اضطراب ، فإن الذي قال ذلك هو يحي بن سعيد .
ووهم أيضا في قوله في المثنى بن الصباح : قال ابن حبان : تركه ابن المبارك . . . . إلى آخره ، فإنما قال ذلك في العرزمي ، ولم يذكر من الجماعة أحمد بن حنبل ، وإن كان أحمد قد قال في العرزمي : ترك الناس حديثه ، لكن ابن حبان لم يحك عنه ذلك ، ثم رأيت ابن حبان قد ذكر هذا الكلام الذي حكاه عنه المؤلف بعينه في الحجاج بن أرطأة .
وفي قول ابن حبان نظر ، فإن هؤلاء الذين ذكرهم لم يتركوا كلهم الحجاج ، بل تركه بعضهم ، والله الموفق .
وقد وهم المؤلف أيضا وهما قبيحا في تضعيفه محمد بن مهاجر الراوي عن ثابت بن عجلان ، فإنه ثقة شامي ، وثقه أحمد وابن معين وأبو زرعة الدمشقي ودحيم وأبو داود وغيرهم .
وقال النسائي : ليس به بأس .
وذكره ابن حبان في كتاب ' الثقات ' ، وقال : كان متقنا .
وروى له مسلم في صحيحه .
وأما محمد بن مهاجر الكذاب فإنه متأخر في زمان ابن معين .
وقد روى حديث أم سلمة أبو داود عن محمد بن عيسى عن عتاب بن بشير ، عن
____________________
(2/215)
ثابت بن عجلان ، عن عطاء .
ورواه الحاكم وقال : صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه .
وقال البيهقي : تفرد به ثابت بن عجلان ، وعتاب بن بشير وثقه يحي بن معين ، وروى له البخاري في المتابعات .
وقال الإمام : أرجو أن لا يكون به بأس ، وقال ابن عدي : أرجو أنه لا بأس به .
وثابت بن عجلان روى له البخاري ، ووثقه ابن معين .
وقال عبد الله بن أحمد : قلت لأبي هو ثقة ، فسكت ، كأنه مرض في أمره .
وروى حديث عبد الله بن شداد عن عائشة ، أبو داود عن أبي حاتم الرازي ، عن عمرو بن الربيع بن طارق ، عن يحي بن أيوب ، عن عبيد الله بن أبي جعفر ، عن محمد بن عمرو بن عطاء ، عن عبد الله بن شداد .
ومحمد بن عمرو بن عطاء ليس بمجهول ، لكنه لما نسب إلى جده ظن الدارقطني أنه مجهول ، وليس كذلك .
وقد قيل إن الحديث من مناكير يحي بن أيوب وإن كان من رجال الصحيحين .
مسألة [ 326 ] :
الدين يمنع وجوب الزكاة في الأموال الباطنة ، وهل يمنع في الظاهرة ؟ على روايتين : أصحهما المنع ، والأخرى لا يمنع ، وبها قال مالك .
____________________
(2/216)
وعن الشافعي : أنه يمنع كل حال ، وعنه لا يمنع بحال .
لنا ثلاثة أحاديث :
1061 - الحديث الأول : قال أحمد : ثنا وكيع ، ثنا زكريا بن إسحاق ، عن يحي بن عبد الله بن صيفي ، عن أبي معبد ، عن ابن عباس : أن رسول الله لما بعث معاذ بن جبل إلى اليمن ، قال : ' إنك تأتي قوما أهل كتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله عز وجل فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم ' أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين .
ووجه الحجة منه : إن من عليه مثل ما معه فهو فقير .
1062 - الحديث الثاني : أنا محمد بن عبد الباقي ، أنا أبو القاسم علي بن أحمد ، أنا أبو سهل محمود بن عمر العكبري ، أنا أبو طالب عبد الله بن محمد بن شهاب ، ثنا موسى ابن حمدون ، ثنا حامد بن يحي البلخي ، ثنا سفيان ، عن الزهري ، قال : سمعت السائب ابن يزيد يقول : سمعت عثمان بن عفان يقول : هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليقضه ، وزكوا بقية أموالكم .
ز : رواه أبو عبيد في ' الأموال ' عن إبراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب ، ورواه البخاري عن أبي اليمان عن شعيب ، عن الزهري .
1063 - الحديث الثالث : قال أصحابنا : روى ابن نصر المالكي عن ابن جريج ، عن نافع ، عن ابن عمر عن النبي أنه قال : ' إذا كان للرجل ألف درهم وعليه ألف درهم فلا زكاة فيه ' .
ز : هذا الحديث منكر يشبه أن يكون موضوعا ، وقال صاحب ' المغني ' : وروى أصحاب مالك عن عمير بن عمران ، عن شجاع ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله : ' إذا كان لرجل ألف درهم ، وعليه ألف درهم فلا زكاة عليه ' .
____________________
(2/217)
مسائل زكاة التجارة
مسألة [ 327 ] :
تجب الزكاة في عروض التجارة ، يخرجها عند كل حول .
وقال مالك : إن كان ممن يتربص بسلعته النفاق والأسواق لم يجب تقويمها حتى يبيعها بذهب أو ورق ، ويزكي لسنة واحدة ، وإن كان مديرا لا يعرف حول ما يشتري ويبيع جعل لنفسه شهرا في السنة يقوم ما عنده ويزكيه .
وقل داود : لا زكاة في العروض بحال .
لنا حديثان :
1064 - الحديث الأول : قال أبو داود السجستاني : ثنا محمد بن داود بن سفيان ، ثنا يحي بن حسان ، ثنا سليمان بن موسى أبو داود ، ثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب قال : حدثني خبيب بن سليمان ، عن أبيه سليمان بن سمرة عن سمرة بن جندب قال : كان رسول الله يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي يعد للبيع .
ز : انفرد أبو داود بإخراج هذا الحديث ، وإسناده حسن غريب ، وقد روى به أبو داود أحاديث .
وروى هذا الحديث الطبراني مطولا فقال : ثنا عبدان بن أحمد ، ثنا دحيم ، ثنا يحي ابن حسان ، حدثني سليمان بن موسى ، ثنا جعفر بن سعد ، حدثني خبيب بن سليمان ، عن أبيه ، عن سمرة بن جندب : أن رسول الله كان يأمر برقيق الرجل والمرأة الذي هو قلادة وهم في عمله لا يريد بيعهم ، وكان يأمرنا أن لا نخرج عنهم من الصدقة شيئا ، وكان يأمرنا
____________________
(2/219)
أن نخرج الصدقة من الذي نعد للبيع .
1065 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : ثنا أبو بكر النيسابوري ، ثنا أحمد بن منصور ، ثنا أبو عاصم ، عن موسى بن عبيدة ، قال : حدثني عمران بن أبي أنس ، عن مالك بن أوس بن الحدثان ، قال : بينا أنا جالس عند عثمان جاءه أبو ذر فسلم عليه ، فقال له عثمان : كيف أنت يا أبا ذر ؟ قال : بخير ، ثم قام إلى سارية ، فقام الناس إليه ، فأحتوشوه ، فكنت فيمن احتوشه ، فقالوا : يا أبا ذر حدثنا عن رسول الله ، فقال : سمعت رسول الله يقول : ' في الإبل صدقتها ، وفي الغنم صدقتها ، وفي البقر صدقتها ، وفي البز صدقته ' قالها ثلاثا بالزاي .
قال أبو بكر النيسابوري : وحدثنا جعفر بن محمد بن الحجاج ، ثنا عبد الله بن معاوية ، ثنا محمد بن بكر ، عن ابن جريج ، عن عمران بن أبي أنس ، عن مالك بن أوس بن الحدثان ، عن أبي ذر قال : قال رسول الله : ' في الإبل صدقتها ، وفي البقر صدقتها ، وفي الغنم صدقتها وفي البز صدقته ' .
قال المؤلف : هذا الإسناد أصلح من الذي قبله ، وإن كان فيه عبد الله بن معاوية ، وقد ضعفه النسائي .
وقال البخاري : هو منكر الحديث .
فأن الإسناد الذي قبله فيه موسى بن عبيدة ، وكان أشد ضعفا ، قال يحي : ليس بشيء .
وقال أحمد بن حنبل : لا يحل عندي الرواية عنه .
: عبد الله بن معاوية الذي تكلم فيه البخاري والنسائي هو الزبيري من ولد الزبير بن العوام ، يروي عن هشام بن عروة وأما راوي هذا الحديث فهو الجمحي وهو صالح الحديث .
وقال ابن القطان : لا يعرف حاله .
وليس كما قال ، بل هو مشهور روى عنه أبو داود وابن ماجه وغيرهما ، وذكره ابن حبان في كتاب الثقات ، من المعمرين .
وقد روى هذا الحديث عن محمد بن بكر : يحي بن موسى البلخي خت ، والإمام أحمد بن حنبل ، لكنه منقطع لم يسمعه ابن جريج من عمران بن أبي أنس .
____________________
(2/220)
قال الترمذي في كتاب ' العلل ' : ثنا يحي بن موسى ، ثنا محمد بن بكر ، ثنا ابن جريج ، عن عمران بن أبي أنس ، عن مالك بن أوس بن الحدثان البصري ، عن أبي ذر قال : سمعت رسول الله يقول : ' في الإبل صدقتها ، وفي الغنم صدقتها ، وفي البقر صدقتها ، وفي البز صدقته ' .
ثم قال : سألت محمدا عن هذا الحديث ، فقال : ابن جريج لم يسمع من عمران بن أبي أنس ، يقول : حدثت عن عمران بن أبي أنس .
وقال الإمام أحمد في المسند : ثنا محمد بن بكر ، أنا ابن جريج ، عن عمران بن أبي أنس ، عن مالك بن أوس بن الحدثان البصري ، عن أبي ذر قال : سمعت رسول لله يقول : ' في الإبل صدقتها ، وفي الغنم صدقتها ، وفي البقر صدقتها ، وفي البز صدقته ' ويحتمل أن يكون ابن جريج سمعه من موسى بن عبيدة .
وقد روى سعيد بن منصور والشافعي والإمام أحمد وأبو عبيد عن أبي عمرو بن حماس عن أبيه قال : أمرني عمر فقال : أد زكاة مالك ، فقلت : مالي مال إلا جعاب وأدم ، فقال : قومها ثم أد زكاتها .
وقال الحاكم في المستدرك : أخبرني دعلج بن أحمد السنجزي ببغداد ، ثنا هشام بن علي السدوسي ، ثنا عبد الله بن رجاء ، ثنا سعيد بن سلمة بن أبي الحسام ، ثنا عمران بن أبي أنس بلغه عنه ، عن مالك بن أوس بن الحدثان ، عن أبي ذر : أن رسول الله قال : ' في الإبل صدقتها ، وفي الغنم صدقتها ، وفي البقر صدقتها ، وفي البز صدقته ' ومن دفع دنانير أو دراهم أو تبرا أو فضة لا يعدها لغريم ولا ينفقها في سبيل الله فهو كنز يكوى به يوم القيامة ' تابعه ابن جريج عن عمران بن أبي أنس أخبرناه أبو قتيبة مسلم بن الفضل الآدمي بمكة ، ثنا موسى بن هارون ، ثنا زهير بن حرب ، ثنا محمد بن بكر ، عن ابن جريج ، عن عمران بن أبي أنس ، عن مالك بن أوس بن الحدثان ، عن أبي ذر قال : سمعت رسول الله يقول : ' في الإبل صدقتها ، وفي الغنم صدقتها ، وفي البز صدقته ' قال الحاكم : كلا الإسنادين صحيحان على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه .
كذا قال وفيه نظر ، والله أعلم .
____________________
(2/221)
مسألة [ 328 ] :
الواجب في المعدن ربع العشر .
وقال أبو حنيفة : الخمس ، وعن الشافعي كالمذهبين ، وعنه أنه أن أصاب المال مجتمعا ففيه الخمس ، وإن كان متفرقا ولزمته مؤنة فربع العشر ، وعن مالك كقولنا ، وعنه كالقول الأخير للشافعي .
لنا ما :
1066 - روى مالك عن ربيعة عن غير واحد أن النبي أقطع بلال بن الحارث المعادن القبلية ، وأخذ منه زكاتها .
والزكاة لا تكون خمسا بحال .
فإن قيل قوله عن غير واحد يقتضي الإرسال .
قلنا : ربيعة قد لقي الصحابة ، والجهل بالصحابة لا يضر ، ولا يقال هو مرسل .
ثم قد رواه الدراوردي عن ربيعة ، عن الحارث بن بلال عن بلال أن رسول الله أخذ منه زكاة المعادن القبلية ، قال ربيعة : وهذه المعادن تؤخذ منها الزكاة إلى هذا الوقت .
ورواه الثوري عن عكرمة عن ابن عباس ، مثل حديث بلال .
ز : قال الشافعي : أنا مالك ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن غير واحد من علمائهم أن النبي قطع لبلال بن الحارث المزني معادن القبلية ، وهي من ناحية الفرع ، فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الزكاة إلى اليوم .
____________________
(2/222)
قال الشافعي : ليس هذا مما يثبت أهل الحديث ، ولو ثبتوه لم يكن فيه رواية عن النبي إلا أقطاعه ، فأما الزكاة في المعادن دون فليست مروية عن النبي وفيه .
قال البيهقي : هو كما قال الشافعي في رواية مالك ، وقد روي عن عبد العزيز الدراوردي عن ربيعة موصولا ، أخبرناه أبو عبد الله الحافظ ثنا محمد بن صالح بن هانئ ، ثنا الفضل بن محمد بن المسيب ، ثنا نعيم بن حماد ، ثنا عبد العزيز بن محمد ، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، عن الحارث بن بلال بن الحارث ، عن أبيه أن رسول الله أخذ من المعادن القبلية الصدقة ، وأنه أقطع بلال بن الحارث العقيق أجمع ، فلما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لبلال : إن رسول الله لم يعطعك إلا لتعمل ، قال : فأقطع عمر بن الخطاب رضي الله عنه للناس العقيق .
قال الحاكم أبو عبد الله : هذا حديث صحيح لم يخرجاه ، وقد احتج البخاري بنعيم بن حماد ، ومسلم بالدراوردي ، كذا قال ، ونعيم والدراوردي لهما ما ينكر ، والحارث لا يعرف حاله ، وقد تكلم الإمام أحمد بن حنبل في حديث رواه الدراوردي عن ربيعة عن الحارث ، والصواب في هذا الحديث رواية مالك ، والله أعلم .
والقبلية - بفتح القاف والباء - قيل هي منسوبة إلى ناحية من ساحل البحر بينها وبين المدينة خمسة أيام ، وقال أبو عبيد : القبلية بلاد معروفة بالحجاز .
وقد احتج من أوجب الخمس في المعدن بما روى البيهقي قال أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان ن أنا أحمد بن عبدان ، أنا أحمد بن عبيد الصفار ، ثنا علي بن صقر ، ثنا داود بن عمرو ، ثنا حبان بن علي ، عن عبد الله بن سعيد ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' الركاز الذهب الذي نبت في الأرض ' .
قال : ورواه أبو يوسف عن عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : ' في الركاز الخمس ' قيل وما الركاز يا رسول الله ؟ قال : ' الذهب والفضة الذي خلقه الله في الأرض يوم خلقت ' .
حدثناه أبو سعد الزاهد ، ثنا أبو العباس بن مكيال ، ثنا إسماعيل بن إبراهيم الفقيه
____________________
(2/223)
بفارس ، ثنا محمد بن الحسن ، ثنا بشر بن الوليد الكندي ، ثنا أبو يوسف فذكره .
وقد رواه سعيد والجوزجاني بإسنادهما ، وهو حديث لا يصلح للاحتجاج به ، لأن عبد الله بن سعيد المقبري تفرد به وهو ضعيف جدا ، جرحه يحيى بن سعيد القطان وأحمد ابن حنبل ويحيى بن معين وجماعة من أئمة الحديث .
وروى مكحول أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جعل المعدن بمنزلة الركاز فيه الخمس ، وهو منقطع فإن مكحولا لم يدرك زمان عمر .
____________________
(2/224)
مسائل زكاة الفطر
مسألة [ 329 ] :
تجب صدقة الفطر على الإنسان عن غيره .
وقال داود : لا تجب إلا فطرة نفسه .
1067 - قال الدارقطني : ثنا أحمد بن محمد بن سعيد ، ثنا القاسم بن عبد الله بن عامر بن زرارة ، ثنا عمير بن عمار الهمداني ، ثنا الأبيض بن الأغر ، قال : حدثني الضحاك ابن عثمان ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : أمر رسول الله بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون .
ز : هذا إسناد لا يثبت لجهالة بعض رواته ، فإن القاسم وعميرا غير مشهورين بعدالة ولا جرح ، وكلاهما من أولاد المحدثين ، فإن والد القاسم مشهور بالحديث ، وجد عمير هو أبو الغريف الهمداني الكوفي مشهور ، والأبيض بن الأغر له مناكير ، والله أعلم .
ثم رأيت الدارقطني قد تكلم عليه فقال : رفعه هذا الشيخ القاسم وليس بالقوي ، والصواب موقوف .
وقال الشافعي : أخبرنا إبراهيم بن محمد ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه أن رسول الله فرض زكاة الفطر على الحر والعبد والذكر والأنثى ممن تمونون .
____________________
(2/225)
قال البيهقي : ورواه حاتم بن إسماعيل ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن علي قال : فرض رسول الله على كل صغير أو كبير حر أو عبد ممن تمونون صاعا من شعير ، أو صاعا من تمر ، أو صاعا من زبيب ، عن كل إنسان .
وهذا الإسناد منقطع ، والأول مرسل ، والله أعلم .
قال الشافعي : يعضده حديث ابن عمر والإجماع .
وقال الدارقطني : ثنا أحمد بن محمد بن سعيد ، ثنا محمد بن المفضل بن إبراهيم الأشعري ، ثنا إسماعيل بن همام ، حدثني علي بن موسى الرضا ، عن أبيه ، عن جده ، عن آبائه أن النبي فرض زكاة الفطر على الصغير والكبير والذكر والأنثى ممن تمونون .
قال الدارقطني : لا يثبت .
وقال البيهقي : إسناده غير قوي .
مسألة [ 330 ] :
لا تلزمه فطرة عبده الكافر .
وقال أبو حنيفة : تلزمه .
1068 - قال أبو عيسى الترمذي : ثنا إسحاق بن موسى الأنصاري ، ثنا معن ، ثنا مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله فرض زكاة الفطر في رمضان صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر وعبد ذكر أو أنثى من المسلمين .
____________________
(2/226)
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين .
ز : ذكر أبو عيسى الترمذي أن مالكا تفرد من بين الثقات بزيادة قوله : من المسلمين .
وروى عبد الله بن عمر وأيوب وغيرهما هذا الحديث عن نافع ، عن ابن عمر دون هذه الزيادة .
وقد تبع الترمذي على قوله هذا غير واحد ، وليس الأمر كما قالوا بل قد وافق مالكا فيها ثقتان وهما : الضحاك بن عثمان ، وعمر بن نافع ، فرواية الضحاك في مسلم ، ورواية عمر رفي البخاري ، وقد وافقه غيرهما أيضا ، والله أعلم .
احتجوا بما :
1069 - روى الدارقطني : ثنا أبو ذر أحمد بن محمد الواسطي ، ثنا سعدان بن نصر ، ثنا هاشم بن القاسم ، ثنا سلام الطويل ، عن زيد العمي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله : ' صدقة الفطر عن كل صغير وكبير ذكر وأنثى يهودي أو نصراني حر أو عبد مملوك نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير ' .
قال المؤلف : قال الدارقطني : لم يسنده غير سلام الطويل وهو متروك .
قلت قال يحي بن معين : لا يكتب حديثه ، وضعفه ابن المديني جدا .
وقال النسائي : متروك الحديث .
وقال ابن حبان : يروي عن الثقات الموضوعات .
وقد روى عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه كان يخرج عن كل كافر ومسلم .
قال يحي بن معين : الوقاصي يكذب .
____________________
(2/227)
مسألة [ 331 ] :
لا يعتبر ملك النصاب في الفطرة .
وقال أبو حنيفة : يعتبر .
1070 - قال الدارقطني : ثنا العباس بن العباس بن المغيرة ، ثنا أحمد بن منصور الرمادي ، ثنا سليمان بن حرب ، ثنا حماد بن زيد ، عن النعمان بن راشد ، عن الزهري ، عن ثعلبة بن صعير ، عن أبيه : أن رسول الله قال : ' أدوا صاعا من قمح ، أو قال : من بر ، عن الصغير والكبير ، والذكر والأنثى ، والحر والمملوك ، والغني والفقير ، فأما الغني فيزكيه الله ، وأما الفقير فيرد الله عليه أكثر مما أعطى ' .
رواه الدارقطني من طريق آخر عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير ، وهو الصحيح لأن ثعلبة هو الصحابي لا صعير .
ز : هذا حديث مضطرب الإسناد والمتن ، وقد تكلم فيه الإمام أحمد بن حنبل وغيره وأنا أذكر بعض ألفاظه ، وبعض ما قيل فيه :
قل الحافظ أبو حامد أحمد بن محمد بن الشرقي : حدثنا محمد بن يحي الذهلي ، ثنا موسى بن إسماعيل المنقري أبو سلمة ، ثنا همام ، عن بكر الكوفي : أن الزهري حدثهم عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير عن أبيه : أن رسول الله قام خطيبا فأمر بصدقة الفطر صاع تمر / أو صاع شعير عن كل واحد أو عن كل راس عن الصغير والكبير والحر والعبد .
قال محمد - هو ابن يحي الذهلي - : لم يقم أحد هذا الحديث عن الزهري ، عن
____________________
(2/228)
عبد الله بن ثعلبة إلا همام عن بكر ، وبكر هو ابن وائل ، فوافق روايته رواية ابن عمر عن رسول الله .
وقال أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني الحافظ : ثنا محمد بن أبان الأصبهاني ، ثنا محمد بن عبد الملك الواسطي ، ثنا عمرو بن عاصم ، ثنا همام ، عن بكر بن وائل ، عن الزهري ، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير ، عن أبيه : أن رسول الله قام خطيبا فأمر بصدقة الفطر على الصغير والكبير والحر والعبد ، صاع تمر أو صاع شعير عن كل واحد ، أو عن كل رأس صاع قمح بين اثنين .
وقال أبو إسحاق الجوزجاني : ثنا سليمان بن حرب ، ثنا حماد بن زيد ، عن النعمان ، عن الزهري ، عن ثعلبة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله : ' أدوا صدقة الفطر صاعا من قمح ، أو قال : بر ، عن كل إنسان صغير أو كبير ' .
وقال الإمام أحمد بن حنبل : ثنا عفان قال : سألت حماد بن زيد عن صدقة الفطر فحدثني عن نعمان بن راشد ، عن الزهري ، عن ابن ثعلبة بن أبي صعير ، عن أبيه أن رسول الله قال : ' أدوا صاعا من قمح أو صاعا من تمر - شك حماد - عن كل اثنين صغير أو كبير ذكر أو أنثى حر أو مملوك غني أو فقير ، أما غنيكم فيزكيه الله ، وأما فقيركم فيرد عليه أكثر مما يعطيه ' .
رواه أبو داود : عن محمد بن يحي النيسابوري ، وعن علي بن الحسن الدرابجردي ، عن عبد الله بن يزيد ، عن همام ، عن بكر ، عن الزهري ، عن ثعلبة بن عبد الله ، أو قال : عبد الله بن ثعلبة ، عن النبي .
وعن مسدد ، وسليمان بن داود العتكي ، عن حماد بن زيد ، عن النعمان بن راشد ، عن الزهري ، قال مسدد : عن ثعلبة بن عبد الله بن أبي صعير ، عن أبيه وقال سليمان : عبد الله بن ثعلبة ، أو ثعلبة بن عبد الله بن أبي صعير ، عن أبيه بمعناه .
وعن أحمد بن صالح ، عن عبد الرزاق ، عن ابن جريج قال : وقال ابن شهاب قال عبد الله بن ثعلبة : خطب رسول الله قبل الفطر بيومين - بمعناه .
ورواه الإمام أحمد عن عبد الرزاق أيضا هكذا .
____________________
(2/229)
ورواه الإمام أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة في صحيحه عن محمد بن يحي ، عن موسى بن إسماعيل المنقري ، عن همام ، عن بكر الكوفي .
قال مهنأ : ذكرت لأحمد حديث ثعلبة بن أبي صعير في صدقة الفطر نصف صاع من بر ، فقال : ليس بصحيح ، إنما هو مرسل يرويه معمر وابن جريج عن الزهري مرسلا ، قلت : من قبل من هذا ؟ قال : من قبل النعمان بن راشد ليس بقوي في الحديث ، وضعف حديث ابن أبي صعير ، وسألته عن ابن أبي صعير أمعروف هو ؟ قال : من يعرف ابن أبي صعير ، ليس هو بمعروف .
وذكر أحمد وعلي بن المديني : ابن أبي صعير فضعفاه جميعا .
وقال ابن عبد البر : ليس دون الزهري من يقوم به حجة .
وقال الجوزجاني : والنصف صاع ذكره عن النبي ، وروايته ليست تثبت ، وكذلك تكلم فيه ابن المنذر .
والنعمان بن راشد ، قال معاوية عن يحي بن معين : ضعيف .
وقال عباس عن يحي : ليس بشيء .
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه : مضطرب الحديث .
وقال البخاري : في حديثه وهم كثير وهو صدوق في الأصل . وقال ابن عدي : والنعمان بن راشد قد احتمله الناس ، روى عنه الثقات مثل حماد بن زيد ، وجرير بن حازم ، ووهيب بن خالد ، وغيرهم من الثقات ، وله نسخة عن الزهري لا بأس به .
وقال شيخنا أبو الحجاج في التهذيب :
خ ، د ، س : عبد الله بن ثعلبة بن صعير ، ويقال بن أبي صعير العذري أبو محمد المدني الشاعر حليف بني زهرة ، ويقال : ثعلبة بن عبد الله بن صعير ، وأمه من بني زهرة مسح رسول الله وجهه ورأسه زمن الفتح ودعا له ، روى عن النبي ، وعن أبي ثعلبة بن صعير ( د ) ، وجابر بن عبد الله ، وسعد بن أبي وقاص ( خ ) ، وعلي بن أبي طالب ، وعمر بن الخطاب ، وأبي هريرة ( س ) .
____________________
(2/230)
روى عنه سعد بن إبراهيم ، وعبد الله بن مسلم أخو الزهري ، وعبد الحميد بن جعفر ولم يدركه ، ومحمد بن مسلم ( خ ) بن شهاب الزهري ( س ) .
قال سعد بن إبراهيم ثنا عبد الله بن ثعلبة بن الأصعر ابن أخت لنا بن سعد : كان أبوه ثعلبة بن صعير شاعرا ، وكان حليفا لبني زهرة .
وقال أبو أحمد الحاكم : أبو محمد عبد الله بن ثعلبة بن صعير العذري ابن عم خالد ابن عرفطة بن صعير ، حليف بني زهرة ، قيل إنه ولد قبل الهجرة وقيل بعد الهجرة ، وتوفي سنة سبع ، وقيل سنة تسع وثمانين وهو ابن ثلاث وثمانين ، وقيل ثلاث وتسعين ، وقيل غير ذلك في تاريخ وفاته ، ومبلغ سنه .
مسألة [ 332 ] :
تجب صدقة الفطر لغروب الشمس من ليلة الفطر .
وقال أبو حنيفة : تجب بطلوع الفجر من يوم الفطر .
وعن مالك والشافعي : كالمذهبين .
لنا : حديث ابن عمر المتقدم : أن رسول الله فرض زكاة الفطر .
وفي الصحيحين من حديثه أيضا : أن رسول الله أمر بزكاة الفطر ، فعلق الوجوب بالفطر ، وإنما يكون ذلك بغروب الشمس .
____________________
(2/231)
والحديث الثاني : رواه أبو داود عن محمود بن خالد ، وعبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي عن مروان بن محمد ، عن أبي يزيد الخولاني ، وكان شيخ صدق ، وكان ابن وهب يروي عنه ، عن سيار بن عبد الرحمن .
ورواه ابن ماجه أيضا عن عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان عن مروان .
وقال الدارقطني في رواته : ليس فيهم مجروح .
وقال صاحب ' المغني ' : هذا إسناد حسن .
وزعم الحاكم في المستدرك أنه صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه .
قال أبو الفتح القشيري : وفيما قال نظر ، فإن يزيد وسيارا لم يخرج لهما الشيخان ، وكأن الحاكم أشار إلى عكرمة ، فإن البخاري احتج به ، هذا الذي قاله صحيح فإن سيارا وأبا يزيد لم يخرج لهما إلا أبو داود وابن ماجه .
وأبو يزيد الخولاني هو الصغير ، وقد أثنى عليه مروان بن محمد كما تقدم .
وسيار بن عبد الرحمن ، قال أبو زرعة : لا بأس به ، وقال أبو حاتم : شيخ .
وذكره ابن حبان في الثقات ، وهذان الحديثان لا حجة فيهما لما ذكره المؤلف من التقديم بيوم أو يومين وقد احتج أصحابنا على ذلك بما روى البخاري بإسناده عن ابن عمر قال : فرض رسول الله صدقة الفطر من رمضان ، وقال في آخره : وكان يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين .
قالوا : وهذا إشارة إلى جميعهم ، فيكون إجماعا .
واحتجوا على أنه لا يجوز قبل ذلك بما :
1073 - روى الجوزاني : حدثنا يزيد بن هارون ، أنا أبو معشر ، عن نافع ، عن ابن
____________________
(2/233)
عمر قال : كان رسول الله يأمرنا فيقسم ، قال يزيد : أظن قال : يوم الفطر ويقول : ' أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم ' .
قالوا : والأمر للوجوب متى قدمها بالزمان الكثير لم يحصل إغناؤهم بها يوم العيد .
لكن راوي هذا الحديث أبو معشر ، ولا يحتج بحديثه ، والله أعلم .
مسألة [ 334 ] :
لا يجزىء في الفطرة أقل من صاع .
وقال أبو حنيفة : يجزىء نصف صاع بر .
لنا سبعة أحاديث :
1074 - الحديث الأول : قال البخاري : ثنا عبد الله بن يوسف ، أنا مالك ، عن زيد ابن أسلم ، عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري ، أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول : كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من أقط ، أو صاعا من زبيب .
أخرجاه في الصحيحين .
وفي لفظ : فلما جاء معاوية وجاءت السمراء ، قال : أرى مدا من هذا يعدل مدين .
____________________
(2/234)
1075 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : ثنا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن بهلول ، ثنا جدي ، ثنا أبي ، ثنا مبارك بن فضالة ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول الله فرض على الذكر والأنثى والحر والعبد صدقة رمضان ، صاعا من تمر أو صاعا من طعام .
1076 - طريق آخر : قال الدارقطني : وثنا الحسين بن حمزة ، ثنا محمد بن عبد الله ابن سليمان ثنا زكريا بن يحي بن صبيح ، ثنا سعيد بن عبد الرحمن الجمحي ، ثنا عبد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر : أن رسول الله فرض زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من طعام .
قال المؤلف : أما الطريق الأول ففيه مبارك ، كان أحمد بن حنبل يضعفه ، ولا يعبأ به ، وضعفه ، يحي والنسائي .
وفي الثاني سعيد بن عبد الرحمن ، قال ابن حبان : كان يروي عن الثقات موضوعات كأنه المتعمد لها .
ز : هذا الحديث حسن أو صحيح ، ومبارك بن فضالة حسن أمره غير واحد من الأئمة .
قال عمرو بن علي : سمعت عفان يقول : كان مبارك ثقة ، وكان وكان ، قال عمرو : وسمعت يحي بن سعيد القطان يحسن الثناء على مبارك بن فضالة ، وسئل أبو زرعة عن مبارك بن فضالة ، فقال : يدلس كثيرا ، فإذا قال : ثنا فهو ثقة .
وقال ابن عدي : عامة أحاديثه أرجو أن تكون مستقيمة ، وأما سعيد بن عبد الرحمن الجمحي فروى له مسلم في صحيحه ، ووثقه من هو أعلم من ابن حبان كيحي بن معين .
وقال أحمد : ليس به بأس .
وقال النسائي : لا بأس به .
وقال ابن عدي : له أحاديث غرائب حسان ، وأرجو أنها مستقيمة ، وإنما يهم عندي في الشيء بعد الشيء ، فيرفع موقوفا ويصل مرسلا لا عن تعمد .
وقد روى الحاكم حديث سعيد عن أبي بكر محمد بن أحمد بن بالويه ، عن أحمد ابن علي الخزاز ، عن إسماعيل بن إبراهيم الترجماني عنه ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن
____________________
(2/235)
ابن عمر .
وصححه ، ولفظه : أن رسول الله فرض زكاة الفطر صاعا من شعير أو صاعا من تمر على كل حر أو عبد أو ذكر أو أنثى من المسلمين .
وقال البيهقي : كذا قاله سعيد بن عبد الرحمن الجمحي ، وذكر البر فيه ليس بمحفوظ .
1077 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : حدثنا الحسين بن إسماعيل ، ومحمد بن مخلد قالا : ثنا أبو يوسف القلوسي ، ثنا بكر بن الأسود ، ثنا عباد بن العوام ، عن سفيان بن حسين عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة : ' أن النبي حض على صدقة رمضان على كل إنسان صاع من تمر أو صاع من شعير أو صاع من قمح ' .
قال يحي : سفيان بن حسين لم يكن بالقوي .
وقال ابن حبان : يروي عن الزهري المقلوبات .
قلت : وقد أخرج عنه مسلم .
ز : سفيان بن حسين الأكثر على تضعيفه في روايته عن الزهري .
وقال ابن حبان : يروي عن الزهري المقلوبات . قال النسائي : ليس به بأس إلا في الزهري . وقال ابن عدي : هو في غير الزهري صالح الحديث ، وفي الزهري يروي أشياء خالف [ فيها ] الناس .
وقد استشهد به البخاري في الصحيح ، وروى له في القراءة خلف الإمام ، وفي الأدب ، وروى له مسلم في مقدمة كتابه .
وقال ابن أبي حاتم : سألت أبي عنه ، فقال : صدوق .
وقد روى الحاكم هذا الحديث وصححه من هذا الطريق ، وفي كونه حسنا نظر .
1078 - الحديث الرابع : قال الدارقطني : وثنا الحسين بن إسماعيل ، ثنا أبو الأشعث ، ثنا الثقفي ، ثنا هشام عن محمد بن سيرين عن ابن عباس ، قال : ' أمرنا رسول الله أن نعطي صدقة رمضان عن الصغير والكبير والحر والمملوك صاعا من طعام ، من
____________________
(2/236)
أدى برا قبل منه ، ومن أدى شعيرا قبل منه ، ومن أدى زبيبا قبل منه ، ومن أدى سلتا قبل منه ' .
ز : هذا إسناد جيد ورجاله ثقات مشهورين ، ولكنه غير مخرج في السنن وفيه إرسال .
وقد قال أبو محمد بن أبي حاتم : سألت أبي عن حديث رواه نصر بن علي ، عن عبد الأعلى ، عن هشام ، عن محمد ، عن ابن عباس قال : ' أمرنا رسول الله أن نؤدي زكاة رمضان صاعا من طعام عن الصغير والكبير والحر والمملوك من أدى سلتا قبل منه ، وأحسبه قال : ومن أدى دقيقا قبل منه ، ومن أدى سويقا قبل منه ' قال أبي : هذا حديث منكر .
وقال الإمام أحمد وابن المديني ، وابن معين ، والبيهقي : محمد بن سيرين لم يسمع من بن عباس شيئا .
وقد روى النسائي حديث ابن سيرين عن ابن عباس من قوله : صاعا من بر النسائي من حديث الحسن بن علي على قوله .
وقال البيهقي : أنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان ، أنا أحمد بن عبيد الصفار ، ثنا إسماعيل بن إسحاق ، ثنا سليمان بن حرب ، ثنا حماد بن زيد عن أيوب ، قال : سمعت أبا رجاء يقول : سمعت ابن عباس يخطب على المنبر وهو يقول في صدقة الفطر : صاعا من طعام .
قال البيهقي : هذا هو الصحيح موقوف .
وقد أخبرنا أبو نصر بن قتادة ، وأبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي قالا : أنا أبو عمرو بن مطر ، أنا محمد بن أيوب ، أنا عبد الله بن الجراح ثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن أبي رجاء العطاردي عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله : ' أدوا صاعا من طعام ' - يعني في الفطر .
1079 - الحديث الخامس : ثنا الدارقطني : وحدثنا ابن مخلد ، ثنا أحمد بن إسحاق ابن يوسف ، ثنا إسحاق بن إبراهيم الحنيني ، عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ، عن أبيه عن جده ، قال : ' فرض رسول الله زكاة الفطر عن كل صغير وكبير صاعا من تمر أو صاعا من طعام أو صاعا من زبيب ' .
قال أحمد : كثير بن عبد الله ليس بشيء .
____________________
(2/237)
وقال يحي : ليس حديثه بشيء .
وقال النسائي والدارقطني : متروك الحديث .
وقال الشافعي : هو ركن من أركان الكذاب .
وكان أحمد لا يرضى عن إسحاق الحنيني .
ز : هذا حديث ضعيف ، وكثير مجمع على ضعفه ، ولم يوافق الترمذي على تصحيح حديثه في موضع وتحسينه في آخر .
وإسحاق بن إبراهيم الحنيني وثقه ابن حبان ، وكان مالك يعظمه ويكرمه وتكلم فيه البخاري والنسائي وابن عدي والأزدي .
وأحمد الذي كان لا يرضاه هو أحمد بن صالح لا أحمد بن حنبل فلا ينبغي إطلاقه .
1080 - الحديث السادس : به وقال الدارقطني : ثنا علي بن محمد بن أحمد المصري ، ثنا أحمد بن داود المكي ، ثنا مسدد ، ثنا حماد بن زيد ، عن النعمان بن راشد ، عن الزهري ، عن ابن أبي صعير عن أبيه ، قال : قال رسول الله : ' أدوا صدقة الفطر صاعا من بر أو قمح عن كل رأس صغير أو كبير ' .
قال أحمد : النعمان مضطرب الحديث ، وروى أحاديث مناكير .
وقال يحي : ليس بشيء .
ز : قد تقدم هذا الحديث والكلام عليه بما فيه كفاية .
1081 - الحديث السابع : قال الدارقطني : وحدثنا عبد العزيز بن جعفر الخوارزمي ، ثنا محمد بن مرزوق ، ثنا محمد بن بكر ، ثنا عمر بن محمد بن صهبان ، قال : أخبرني ابن شهاب الزهري ، عن مالك بن أوس بن الحدثان عن أبيه ، قال : قال رسول الله : ' أخرجوا زكاة الفطر صاعا من طعام ' .
قال أحمد : عمر بن صهبان ليس بشيء .
وقال يحي : لا يساوي فلسا .
وقال الرازي والنسائي والدارقطني : متروك .
ز : روى الحاكم في المستدرك من حديث ابن علية ، عن ابن إسحاق عن عبد الله ابن عبد الله بن عدي بن حكيم بن حزام ، عن عياض بن عبد الله ، قال : قال أبو سعيد
____________________
(2/238)
الخدري - وذكر عنده صدقة الفطر - فقال : لا أخرج إلا ما كنت أخرجه في عهد رسول الله صاعا من تمر أو صاعا من حنطة أو صاعا من شعير أو صاعا من أقط .
فقال له رجل من القوم : أو مدين من قمح ، فقال : لا تلك قيمة معاوية لا أقبلها ولا أعمل بها ، كذا فيه ، والصواب عبد الله بن عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام .
قال أبو داود بعد أن روى الحديث عن القعنبي عن داود بن قيس عن عياض : ورواه ابن عليه وعبدة وغيرهما عن ابن إسحاق ، عن عبد الله بن عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام ، عن عياض عن أبي سعيد بمعناه ، حدثنا مسدد عن إسماعيل ، وليس فيه ذكر الحنطة ، وقال : في صاع الحنطة ، وليس بمحفوظ .
وقال الحاكم بعد ذكر حديث أبي سعيد وغيره : فهذه أحاديث صحيحة في صاع البر ، وأشهرها حديث أبي معشر ، عن نافع عن ابن عمر ، وتركه لأنه ليس من شرط الكتاب ، وحدثنا أبو الفضل المزكي ، ثنا أحمد بن سلمة ، ثنا الحسين بن الصباح ، ثنا أبو بكر ابن عياش ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث عن علي ، عن النبي أنه قال : ' في صدقة الفطر عن كل صغير وكبير وحر أو عبد صاع من بر أو صاع من شعير ' الحارث لا يحتج به ، وقد رواه سلامة بن روح ثنا عقيل بن خالد ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث عن علي موقوفا ، رواية عقيل بن أبي إسحاق غريبة جدا .
وقال البيهقي : أنا أبو بكر بن الحارث ، أنا علي بن عمر الحافظ ، ثنا أبو بكر النيسابوري ثنا محمد بن عزيز ، ح وأنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرني أبو الحسن محمد بن عبد الله العنبري ، ثنا محمد بن إسحاق ، أنا محمد بن عزيز الأيلي ، حدثني سلامة بن روح ، عن عقيل بن خالد ، عن عتبة بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن أبي إسحاق الهمداني ، عن الحارث ، أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه يأمر بزكاة الفطر ، فيقول : هي صاع من تمر أو صاع من شعير أو صاع من حنطة أو سلت ، أو زبيب .
هذا حديث أبي بكر ، ولم يذكر أبو عبد الله في إسناده عتبة بن عبد الله .
قال البيهقي : وروي ذلك مرفوعا ، والموقوف أصح .
____________________
(2/239)
وقد روى الحاكم من رواية عباد بن زكريا ، ثنا سليمان بن أرقم ، عن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب ، عن زيد بن ثابت : خطبنا رسول الله فقال : ' من كان عنده طعام فليتصدق بصاع من بر أو صاع من شعير أو صاع من تمر أو صاع من دقيق أو صاع من زبيب أو صاع من سلت ' .
سليمان بن أرقم أجمعوا على ضعفه .
احتجوا بثمانية أحاديث :
1082 - الحديث الأول : قال الإمام أحمد : حدثنا عتاب بن زيد ، ثنا عبد الله بن المبارك ، أنبأ ابن لهيعة ، عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل ، عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر قالت : ' كنا نؤدي زكاة الفطر على عهد رسول الله مدين من قمح ، بالمد الذي يقتاتون به ' .
1083 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : ثنا محمد بن عبد الله بن غيلان ، ثنا الحسين بن الصباح البزاز ، ثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث عن علي ، عن النبي أنه قال : ' في صدقة الفطر نصف صاع من بر أو صاعا من تمر ' .
1084 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : ثنا إبراهيم بن محمد بن يحي ، ثنا مكي ابن عبدان ، ثنا أبو الأزهر ، ثنا محمد بن شرحبيل الصنعاني ، ثنا ابن جريج ، عن سليمان ابن موسى ، عن نافع أنه أخبره عن ابن عمر أنه قال : ' أمر رسول الله عمرو بن حزم في زكاة الفطر نصف صاع من حنطة أو صاع من تمر ' .
1085 - طريق آخر : قال الدارقطني : وحدثنا أحمد بن محمد بن علي الديباجي ، ثنا أيوب بن سليمان الصفدي ، ثنا يزيد بن عبد ربه ، ثنا بقية ، عن داود بن الزبرقان ، عن أيوب ، عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله : ' صدقة الفطر صاع من تمر أو صاع من شعير أو مدان من حنطة ' .
____________________
(2/240)
1086 - طريق آخر : قال الدارقطني : وثنا أحمد بن محمد بن سعدان ، ثنا شعيب ابن أيوب ، ثنا حسين بن علي ، عن زائدة ، عن عبد العزيز بن أبي رواد ، عن نافع عن ابن عمر قال : ' كان الناس يخرجون صدقة الفطر على عهد رسول الله صاع من شعير أو صاع من تمر أو زبيب فلما كان عمر وكثرت الحنطة جعل نصف صاع حنطة مكانا من تلك الأشياء ' .
1087 - الحديث الرابع : قال الدارقطني : وحدثنا ابن مخلد ، ثنا أحمد بن عبد الله الحداد ، ثنا داود بن شبيب ، ثنا يحي بن عباد السعدي ، ثنا ابن جريج ، عن عطاء عن ابن عباس : ' أن رسول الله بعث صارخا ببطن مكة ، صاح : أن صدقة الفطر حق واجب ، مدان من قمح أو صاع من شعير أو تمر ' .
1088 - طريق آخر : قال الدارقطني : وثنا محمد بن أحمد بن أبي الثلج ، قال حدثني جدي ، ثنا محمد بن عمر الواقدي ، ثنا عبد الحميد بن عمران بن أبي أنس ، عن أبيه ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن ابن عباس ، عن رسول الله : ' أنه أمر بزكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو مدين من قمح ' .
1089 - طريق آخر : قال الدارقطني : وثنا أبو ذر الواسطي ، ثنا سعدان بن نصر ، ثنا هشام بن القاسم ، ثنا سلام الطويل ، عن زيد العمي ، عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله : ' صدقة الفطر عن كل صغير وكبير وذكر وأنثى نصف صاع من بر أو صاع من تمر أو صاع من شعير ' .
1090 - طريق آخر : قال الدارقطني : وحدثنا علي بن عبد الله بن مبشر ، ثنا أحمد ابن سفيان ، ثنا يزيد بن هارون ، أنبأ حميد الطويل ، عن الحسن ، قال ' خطب ابن عباس الناس في آخر رمضان ، فقال : يا أهل البصرة إن رسول الله فرض صدقة رمضان نصف صاع من بر أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر ' .
____________________
(2/241)
1091 - الحديث الخامس : قال الدارقطني : وحدثنا أحمد بن العباس البغوي ، ثنا عباد بن الوليد ، ثنا عباد بن زكريا الصريمي ، ثنا ابن أرقم ، عن الزهري ، عن قبيصة عن بن ذؤيب عن زيد بن ثابت ، قال : ' خطبنا رسول الله فقال : من كان عنده فليتصدق بنصف صاع من بر أو صاع من شعير أو صاع من تمر أو صاع من دقيق أو صاع من زبيب أو صاع من سلت ' .
1092 - الحديث السادس : قال الدارقطني : وحدثنا يوسف بن يعقوب بن إسحاق ابن البهلول ، ثنا جدي ، ثنا سالم بن نوح ، عن ابن جريج ، عن عمرو بن شعيب ، شعيب عن أبيه عن جده ' أن النبي بعث مناديا ينادي في فجاج مكة : ألا إن زكاة الفطر واجبة على كل مسلم مدان من قمح أو صاع مما سواه من الطعام ' .
1093 - طريق آخر : وبه قال الدارقطني : وحدثنا أبو سهل بن زياد ، ثنا عبد الكريم ابن الهيثم ، ثنا إبراهيم بن مهدي ، ثنا المعتمر ، قال : أنبأني علي بن صالح ، عن ابن جريج ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جده : ' أن رسول الله أمر صائحا فصاح : إن صدقة الفطر حق واجب على كل مسلم مدان من قمح أو صاع من شعير أو تمر ' .
1094 - الحديث السابع : قال الدارقطني : وثنا عثمان بن أحمد ، ثنا إبراهيم بن الهيثم ، ثنا إبراهيم بن مهدي ثنا المعتمر ، قال : أنبأني علي بن صالح ، عن يحي بن جرجة ، عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير : ' أن رسول الله خطب فقال : إن صدقة الفطر مدان من بر عن كل إنسان أو صاع مما سواه من الطعام ' .
1095 - الحديث الثامن : قال الدارقطني : وثنا محمد بن أحمد بن عمرو بن عبد الخالق ، ثنا أحمد بن رشدين ، ثنا سعيد بن عفير ، ثنا الفضل بن المختار ، قال : حدثني عبيد الله بن موهب عن عصمة بن مالك ، عن النبي : ' في صدقة الفطر مدان من قمح أو صاع من شعير أو تمر أو زبيب ' .
____________________
(2/242)
والجواب :
ليس في هذه الأحاديث ما يثبت .
أما حديث أسماء : فيرويه ابن لهيعة ، وقد قال السعدي : لا ينبغي أن يحتج بروايته .
وأما حديث علي عليه السلام : فروايه الحارث الأعور ، قال الشعبي وابن المديني : الحارث كذاب .
وأما حديث ابن عمر رضي الله عنهما :
ففي طريقه الأول : سليمان بن موسى ، قال ابن المديني : سليمان مطعون عليه .
وقال البخاري : عنده مناكير .
وفي طريقه الثاني : داود بن الزبرقان ، قال أحمد : ليس حديثه بشيء .
وقال يحي : ليس بشيء .
وقال ابن المديني : كتبت عنه شيئا ثم رميت به .
وقال النسائي : ليس بثقة .
وفي طريقه الثالث : ابن أبي رواد ، قال ابن حبان : كان يحدث على التوهم والحسبان فسقط الاحتجاج به .
قال المؤلف : وقد ذكرنا في حديث أبي سعيد أنه إنما عدل القيمة في الصاع معاوية .
فأما عمر فإنه كان أشد اتباعا للأثر من أن يفعل ذلك .
وأما حديث ابن عباس :
ففي طريقه الأول : يحي بن عباد .
قال العقيلي : حديث يحي بن عباد يدلك على الكذب .
وفي طريقه الثاني : الواقدي ، قال أحمد : هو كذاب .
وقال البخاري والرازي والنسائي : متروك .
____________________
(2/243)
وفي طريقه الثالث : سلام الطويل .
فلم يسند هذا الطريق غير سلام وهو متروك ، وقد ذكرنا القدح في سلام آنفا .
وأما الحديث الخامس : فقال الدارقطني : لم يروه بهذا الإسناد غير سليمان بن أرقم وهو متروك الحديث .
وقال أحمد بن حنبل : لا يروى عن سليمان الحديث .
وقال يحيى : لا يساوي فلسا .
وقال الفلاس : ليس بثقة .
وأما الحديث السادس : ففي طريقه الأول : سالم بن نوح .
قال يحيى بن معين : ليس بشيء .
وفي طريقه الثاني : علي بن صالح .
وقد ضعفوه .
وأما الحديث السابع : ففيه علي بن صالح أيضا ، وفيه إبراهيم بن مهدي .
قال أبو بكر الخطيب : كان ضعيف الحديث .
وفيه إبراهيم بن الهيثم : قال ابن عدي : حدث ببغداد فكذبه الناس .
قال أحمد بن حنبل : وهذا الحديث يرويه النعمان بن راشد فيقول : ثعلبة بن أبي صعير عن أبيه ، وغيره لا يرفعه ولا يقول عن أبيه ، وليس بمحفوظ .
وعامة الحديث ليس فيه عن رسول الله .
هذا ولا يعطي قيمته .
وأما الحديث الثامن : ففيه الفضل بن المختار .
قال أبو حاتم الرازي : يحدث بالأباطيل وهو مجهول .
وفيه أحمد بن رشدين ، قال ابن عدي : كذبوه وأنكرت عليه أشياء .
بل قد روى لهم حديثا مرسلا .
1096 - فأنبأنا أحمد بن الحسن بن البنا ، وأنبأ علي بن الحسن بن العبد ، ثنا أبو داود السجستاني ، ثنا قتيبة ، أنبأ الليث عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب قال : ' فرض رسول الله زكاة الفطر مدين من حنطة ' .
____________________
(2/244)
وهذا مع إرساله يحتمل أن يكون آخر الخبر .
فرض زكاة الفطر ، ثم يكون الباقي تفسيرا من سعيد .
ز : القول بإيجاب نصف صاع من بر قول قوي ، وأدلته كثيرة منها ما ذكره المؤلف وفي بعض كلامه وهم ، وفي بعضه نظر ، فأما حديث أسماء فهو من رواية إمام عن ابن لهيعة وهو ابن المبارك وحديث ابن لهيعة يصلح للمتابعة .
وأما حديث علي فهو من رواية الحارث عنه ، وقد روي مرفوعا وموقوفا وهو أشبه وقد اختلف في لفظ ، فقيل : نصف صاع من بر ، كرواية الدارقطني ، وقيل : نصف صاع كرواية الحاكم .
وقد سئل عنه الحافظ أبو الحسن الدارقطني في العلل ، فقال : يرويه أبو إسحاق واختلف عنه ، فرواه أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي وقال فيه : نصف صاع من بر ، واختلف عنه في رفعه . فرفعه أبو بكر محمد بن عبد الله بن غيلان الخزاز ، عن الحسن بن الصباح البزار عن أبي بكر بن عياش ، ووهم في رفعه ، وغيره يرويه موقوفا ، ورواه أبو عميس واسمه عتبة بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي وقال فيه : صاعا من حنطة ، ووقفه أيضا ، والصحيح موقوف .
وأما حديث ابن عمر فمن رواية سليمان بن موسى ، عن نافع ، ومن رواية داود بن الزبرقان عن أيوب ، فمنكر جدا ، وقد روى البيهقي في السنن الكبرى حدثنا في هذا من رواية نافع فقال : أخبرنا أبو طاهر الفقيه ، أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ، ثنا أبو الأزهر ، ثنا محمد بن شرحبيل ، ثنا ابن جريج ، قال : أخبرني أيوب بن موسى ، أن نافعا أخبره عن ابن عمر قال : ' أمر رسول الله لعمرو بن حزم في زكاة الفطر نصف صاع من حنطة أو صاع من تمر ' قال البيهقي : وهذا لا يصح وكيف يكون ذلك صحيحا ورواية الجماعة عن نافع عن ابن عمر أن تعديل الصاع مدين من حنطة كان بعد رسول الله وأما حديث ابن عمر من رواية عبد العزيز بن أبي رواد ، عن نافع فرواه أبو داود عن الهيثم بن خالد الجهني ، عن حسين بن علي الجعفي .
ورواه النسائي عن موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، عن الحسين الجعفي وروى
____________________
(2/245)
الحاكم من رواية مكي بن إبراهيم ، عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع ، عن ابن عمر قال : ' كانوا يخرجون صدقة الفطر على عهد رسول الله صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو سلت أو زبيب ' صححه الحاكم ، وقال : وعبد العزيز بن أبي رواد ثقة عابد .
وقال صاحب الإلمام فيه : وأبو عمر خالفه في التصحيح ، كما دل عليه كلامه وقد تكلم في ابن أبي رواد : ابن الجنيد ، وابن حبان .
ووثقه يحيى بن سعيد القطان ويحيى بن معين ، وأبو حاتم الرازي وغيرهم والموثقون له أعرف من المضعفين والله أعلم .
وقد أخرج له البخاري استشهادا .
وأما حديث ابن عباس : من رواية يحيى بن عباد ، فرواه البيهقي قال أخبرنا محمد ابن عبد الله الحافظ ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا محمد بن الوراق ، ولقبه حمدان ، ثنا داود بن شبيب ، ثنا يحيى بن عباد وكان من خيار الناس ، ثنا ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس : ' أن رسول الله أمر صارخا ببطن مكة ينادي : إن صدقة الفطر حق واجب على كل مسلم صغير أو كبير ذكر أو أنثى حر أو مملوك حاضر أوباد صاع من شعير أوتمر ' ورواه محمد بن مخلد عن حمدان فزاد عليه ' مدان من قمح ' وقاله الكديمي أيضا عن داود بن شبيب .
قال : وهذا حديث ينفرد به يحيى بن عباد ، عن ابن جريج هكذا ، وإنما رواه غيره عن ابن جريج ، عن عطاء من قوله في المدين ، وعن ابن جريج عن عمرو بن شعيب مرفوعا إلى النبي في سائر ألفاظه أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه ، أنا علي بن عمر الحافظ ، ثنا محمد بن إسماعيل الفارسي ثنا يحيى بن أبي طالب ، ثنا عبد الوهاب بن عطاء ، أنا ابن جريج ، قال : قال : عمرو بن شعيب : بلغني أن النبي أمر صارخا يصرخ على كل مسلم ، قال : فذكره قال : وثنا ابن جريج قال : قال عطاء : مدين من قمح أو صاع من تمر أو شعير الحر والعبد فيه سواء .
وكذلك رواه عبد الرزاق عن ابن جريج ، عن عمرو منقطعا ، أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو الحسين أحمد بن عثمان الأودي ببغداد ثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي ، ثنا مالك بن عبد الواحد ، ثنا المعتمر بن سليمان ، عن علي بن صالح ، عن ابن
____________________
(2/246)
جريج ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جده ، قال : قال رسول الله : ' زكاة الفطر على الحاضر والبادي ' ورواه إبراهيم بن مهدي عن المعتمر ، وساق الحديث بطوله .
ورواه سالم بن نوح عن ابن جريج ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جده مرفوعا ، إلا إنه لم يذكر ' الحاضر والبادي ' .
قال أبو عيسى الترمذي : سألت محمدا - يعني البخاري - عن هذا الحديث ، فقال : ابن جريج لم يسمع من عمرو بن شعيب ، انتهى ما ذكره البيهقي .
وقد صحح حديث يحي بن عباد الحاكم في مستدركه وتكلم العقيلي في يحي كما تقدم ، وكذلك ضعفه الدارقطني .
وقال الأزدي : منكر الحديث جدا عن ابن جريج .
وقد روى الدارقطني حديث من غير رواية حمدان كما تقدم والله أعلم .
أما حديث ابن عباس ، من رواية الحسن عنه ، فلم يتكلم عليه المؤلف ورواته ثقات مشهورون لكن فيه إرسالا فإن الحسن لم يسمع من ابن عباس فيما قيل .
وقد جاء في مسند أبي يعلى الموصلي في حديث أنه قال : أخبرني ابن عباس ، وهو إن ثبت يدل على سماعه منه .
وقد روى حديث الحسن عن ابن عباس في إخراج الصدقات أبو داود عن ابن مثنى ، عن سهل بن يوسف قال حميد إنما عن الحسن به .
ورواه النسائي عن علي بن حجر عن يزيد بن هارون عن حميد بنحوه .
ورواه عن ابن مثنى أيضا ، وقال : الحسن لم يسمع من ابن عباس وقال الحاكم : أنا الحسن بن محمد الاسفرائيني ، ثنا محمد بن أحمد بن البراء قال : سمعت علي بن عبد الله المدني ، وسئل عن حديث ابن عباس عن النبي في زكاة الفطر فقال : حديث بصري وإسناده مرسل ، قال : وقال علي : الحسن لم يسمع من ابن عباس وما رآه قط ، كان بالمدينة أيام كان ابن عباس على البصرة .
وقال : قال لي على في حديث الحسن : خطبنا ابن عباس
____________________
(2/247)
بالبصرة وإنما هو كقول ثابت : قدم علينا عمران بن حصين ومثل قول مجاهد : خرج علينا علي ، وكقول الحسن : أن سراقة بن مالك بن جعشم حدثهم الحسن لم يسمع من ابن عباس .
قال البيهقي : حديث الحسن عن ابن عباس مرسل ، وقد روينا عن أبي رجاء العطاردي سماعا من ابن عباس في هذه الخطبة في صدقة الفطر صاع من طعام .
وأما الحديث الخامس الذي من رواية سليمان بن أرقم فإسناده ساقط ولفظه مختلف ، ففي الدارقطني : نصف صاع ، وفي كتاب الحاكم : صاع ، كما تقدم ذكره .
وأما الحديث السادس فقد تكلم عليه البيهقي كما تقدم ، ورواه الترمذي عن عقبة ابن مكرم ، عن سالم بن نوح ، عن ابن جريج ، عن عمرو وقال : حسن غريب .
وتضعيف المؤلف سالم بن نوح ليس بشيء ، فإنه صدوق روى له مسلم في صحيحه ، وقال أبو زرعة : لا بأس به صدوق ثقه .
وقال النسائي : ليس بالقوي .
وقال الدارقطني : فيه شيء .
ووثقه أبو حاتم بن حبان .
وقال ابن عدي : وعنده غرائب وأفراد ، أحاديثه محتملة متقاربة .
وكذلك قول المؤلف : وفي طريقه الثاني علي بن صالح وقد ضعفوه .
خطأ منه أو لم في كتاب الضعفاء في ترجمة علي على هذا القول ولم يذكر أحدا ضعفه ، ولا نعلم أحدا ضعفه ، لكنه غير مشهور الحال ولا معروف عند أبي حاتم الرازي ، وهو غير ابن حي ، قال ابن أبي حاتم : علي بن صالح روى عنه ابن جريج روى عنه معتمر بن سليمان سألت أبي عنه ، فقال : لا أعرفه مجهول ، وذكر غير أبي حاتم أنه مكي معروف وأنه أحد العباد كنيته أبو الحسن وروى عن عمرو بن دينار ، وعبد الله بن عثمان بن خثيم ، ويحي بن جرجة ، والأوزاعي ، وعبيد الله بن عمر وجماعه ، وروى عنه سعيد بن سالم القداح ، ومعتمر بن سليمان الرقي ، والنعمان بن عبد السلام الأصبهاني ، وسفيان الثوري .
وذكره ابن حبان في كتاب الثقات وقال : يغرب وتوفي سنة إحدى وخمسين ومائة .
روى له الترمذي في جامعه .
وفي كلام المؤلف في إبراهيم بن مهدي في الحديث السابع ونقله عن الخطيب تضعيفه ،
____________________
(2/248)
فخطأ منه ، فإن الخطيب إنما ضعف إبراهيم بن مهدي ين عبد الرحمن بن سعيد بن جعفر الأيلي البصري يكنى أبا سعيد ، ومات سنة ثمانين ومائتين .
وأما راوي الحديث عن معتمر بن سليمان فهو أقدم من هذا ، وهو صدوق : مات سنة خمس وعشرين ومائتين ، ويقال له المصيصي وهو بغدادي الأصل سكن المصيصة وذكر البخاري أنه من الأبناء ، ووثقه أبو حاتم وغيره وكذلك كلام المؤلف في إبراهيم بن الهيثم البلدي ليس بشيء ، فإنه صدوق وثقه الدارقطني وغيره ، وأما ابن عدي فإنه قال فيه : حدث ببغداد بحديث الغار عن الهيثم بن جميل عن مبارك بن فضالة ، عن الحسن ، عن أنس عن النبي فكذبه فيه الناس وواجهوه ، وأحاديثه مستقيمة سوى هذا الحديث الواحد الذي أنكروه عليه .
ويحي بن جرجة الذي في الحديث السابع ، روى عنه ابن جريج وقزعة بن سويد ، قال أبو حاتم الرازي : هو شيخ .
وقال الدارقطني : ليس بقوي .
وأما حديث سعيد بن المسيب الذي رواه أبو داود فإسناده صحيح كالشمس لكنه مرسل ، ومرسل سعيد حجة .
وحمل المؤلف آخر الحديث على أنه من تفسير سعيد خطأ وقد روي عن سعيد من غير وجه ما يدل على ذلك .
قال سعيد بن منصور : حدثنا هشيم عن عبد الخالق الشيباني قال سمعت سعيد بن المسيب يقول : ' كانت الصدقة تدفع على عهد رسول الله وأبي بكر نصف صاع بر ' .
وقال هشيم : أخبرني سفيان بن حسين عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب قال : خطب رسول الله ثم ذكر صدقة الفطر فحض عليها .
وقال : ' نصف صاع من بر أو صاع من تمر أو شعير عن كل حر وعبد ذكر أو أنثى ' .
وقال الطحاوي : ثنا المزني ، ثنا الشافعي ، عن يحي بن حسان عن الليث بن سعد ، عن عقيل بن خالد ، عن عبد الرحمن بن خالد بن مسافر ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب : ' أن رسول الله فرض زكاة الفطر مدين من حنطة ' .
قال الشافعي : حديث مدين خطأ ، قال البيهقي : هو كما قال : فالأخبار الثابتة تدل على أن التعديل بمدين كان بعد رسول الله ، وروينا في جواز نصف صاع من بر في صدقة
____________________
(2/249)
الفطر عن أبي بكر الصديق ، وعثمان بن عفان ، وعبد الله بن مسعود ، وجابر بن عبد الله ، وأبي هريرة ، وهي إحدى الروايتين عن علي وابن عباس رضي الله عنهم ، قال ابن المنذر : لا يثبت ذلك عن أبي بكر وعثمان .
قال البيهقي : هو عن أبي بكر منقطع ، وعن عثمان موصول والله أعلم .
وقد وردت أخبار عن النبي في صاع من بر ، ووردت أخبار في نصف صاع ، ولا يصح شيء من ذلك ، قد بينت علة كل واحد منهما في الخلافيات ، وروينا في حديث أبي سعيد الخدري ، وفي الحديث الثابت عن ابن عمر أن تعديل مدين من بر وهو نصف صاع بصاع من شعير وقع بعد النبي ، وبالله التوفيق .
مسألة [ 335 ] :
يجوز إخراج الدقيق والسويق على أنه اصل لا قيمة .
وقال مالك والشافعي : لا يجوز .
1097 - قال الدارقطني : حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق ، ثنا أحمد بن العباس بن عم شرسل ، ثنا سعيد بن الأزهر ، ثنا ابن عيينة ، عن ابن عجلان ، عن عياض بن عبد الله ، عن أبي سعيد الخدري أن النبي قال له : ' في صدقة الفطر صاع من زبيب ، صاع من تمر ، صاع من أقط ، صاع من دقيق ' وقال الدارقطني : حدثني إبراهيم بن حماد ، ثنا العباس بن يزيد ثنا سفيان بن عيينة ، ثنا ابن عجلان ، عن عياض بن عبد الله أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول : ' ما أخرجنا على عهد رسول الله إلا صاعا من دقيق ، أو صاعا من تمر ، أو صاعا من سلت ، أو صاعا ، من شعير ، أو صاعا من أقط ، فقال له علي بن المديني : يا أبا محمد ، أحد لا يذكر في هذا الدقيق ، قال : بلى هو فيه ' .
____________________
(2/250)
ز : هذا إسناد حسن ، لكن ذكر الدقيق قد أنكر على سفيان ، قال أبو داود : حدثنا حامد بن يحيى ثنا سفيان ، وحدثنا مسدد ، ثنا يحيى ، عن عجلان ، سمع عياضا قال : سمعت أبا سعيد الخدري يقول : ' لا أخرج أبدا إلا صاعاً ، إنا كنا نخرج على عهد رسول الله صاع تمر أو شعير أو أقط أو زبيب ' هذا حديث يحيى ، زاد سفيان بن عيينة فيه : أو صاعا من دقيق ، قال حامد : فأنكروا عليه ، فتركه سفيان ، قال أبو داود : فهذه الزيادة وهم من ابن عيينة .
قال البيهقي : ورواه جماعة عن ابن عجلان منهم : حاتم بن إسماعيل ومن ذلك الوجه أخرجه مسلم في الصحيح - ويحيى القطان - وأبو خالد الأحمر ، وحماد بن مسعدة ، وغيرهم فلم يذكر أحد منهم الدقيق غير سفيان ، وقد أنكروا عليه فتركه ، وروي عن محمد ابن سيرين عن ابن عباس مرسلا موقوفا على طريق التوهم وليس بثابت ، وروى من أوجه ضعيفة لا تساوي ذكرها .
وقال النسائي في السنن الكبير : أنا محمد بن منصور ، ثنا سفيان ثنا ابن عجلان قال : سمعت عياض بن عبد الله ، يخبر عن أبي سعيد الخدري قال : ' لم نخرج على عهد رسول الله إلا صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير ، أو صاعا من زبيب ، أو صاعا من دقيق ، أو صاعا من أقط أو صاعا من سلت ' ثم شك سفيان فقال : دقيق أو سلت .
قال النسائي : لا أعلم أحدا قال في هذا الحديث : دقيق ، غير ابن عيينة .
مسألة [ 336 ] :
يجوز إخراج الأقط على أنه أصل .
وقال أبو حنيفة : بالقيمة .
____________________
(2/251)
وعن الشافعي : قولان .
لنا : أنه منصوص عليه فيما تقدم .
مسألة [ 337 ] :
الصاع خمسة أرطال وثلث .
وقال أبو حنيفة : ثمانية .
لنا ما :
1098 - روى البخاري : قال : ثنا أبو الوليد ، ثنا شعبة ، عن عبد الرحمن بن الأصبهاني ، عن عبد الله بن معقل ، قال ' جلست إلى كعب بن عجرة ، فسألته عن الفدية ، فقال : نزلت في خاصة ، وهي لكم عامة ، حملت إلى رسول الله والقمل يتناثر على وجهي ، فقال : ' ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى ' أو : ' ما كنت أرى الجهد بلغ بك ما أرى ، أتجد شاة ؟ ' فقلت : لا .
فقال : ' صم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين ، لكل مسكين نصف صاع ' .
1099 - قال البخاري : وحدثنا إسحاق ، ثنا روح ، ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : حدثني عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة : ' أن رسول الله
____________________
(2/252)
رآه والقمل يسقط على وجهه ، فقال ' أيؤذيك هوامك ؟ ' قال : نعم .
فأمره أن يحلق . فأنزل الله تعالى الفدية .
فأمره رسول الله أن يطعم فرقا بين ستة أو يهدي شاة ، أو يصم ثلاثة أيام ' .
الحديثان في الصحيحين .
وقوله : ' نصف صاع ' حجة لنا .
قال ثعلب : والفرق اثني عشر مدا .
وقال ابن قتيبة : ستة عشر رطلا .
والصاع ثلث الفرق خمسة أرطال وثلث ، والمد رطل وثلث .
1100 - وقال الدارقطني : ثنا محمد بن مخلد ، ثنا أحمد بن محمد بن نصر بن الأشقر ، ثنا محمود بن موسى الطائي .
ثنا إسماعيل بن سعيد الخراساني ، ثنا إسحاق بن سليمان الرازي قال قلت لمالك بن أنس : ' يا أبا عبد الله ، كم قدر صاع النبي ؟ قال : خمسة أرطال وثلث بالعراقي ، أنا حزره .
فقلت : يا أبا عبد الله خالفت شيخ القوم ، قال : من هو ؟ قلت : أبو حنيفة ، يقول : ثمانية أرطال فغضب غضبا شديدا .
ثم قال لبعض جلسائه .
يا فلان هات صاع جدك ، ويا فلان هات صاع عمك ، ويا فلان هات صاع جدتك
قال إسحاق : فاجتمعت آصع ، فقال مالك : ما تحفظون في هذا ؟ فقال هذا : حدثني أبي عن أبيه أنه كان يؤدي بهذا الصاع إلى رسول الله .
وقال الآخر : حدثني أبي عن أخيه أنه كان يؤدي بهذا الصاع إلى رسول الله .
وقال الآخر : حدثني أبي عن أمه أنها أدت بهذا الصاع إلى رسول الله .
فقال مالك : أنا حزرت هذه فوجدتها خمس أرطال وثلث .
قلت : يا أبا عبد الله أحدثك بأعجب من هذا عنه .
إنه يدعي أن صدقة الفطر نصف صاع والصاع ثمانية أرطال .
فقال : هذه أعجب من الأولى ، لا بل صاع تام عن كل إنسان ، هكذا أدركنا علماءنا ببلدنا هذه ' .
____________________
(2/253)
ز : هذا إسناد مظلم ، وبعض رجاله غير مشهور ، والمشهور ما رواه البيهقي من حديث الحسين بن الوليد القرشي - وهو ثقة مأمون - قال : قدم علينا أبو يوسف من الحج ، فقال : إني أريد أن أفتح عليكم بابا من العلم أهمني ، ففحصت عنه ، فقدمت المدينة ، فسألت عن الصاع فقالوا : صاعنا هذا صاع رسول الله قلت لهم : ما حجتكم في ذلك ؟ فقالوا : نأتيك بالحجة غدا . فلما أصبحت أتاني نحو من خمسين شيخا من أبناء المهاجرين والأنصار مع كل رجل منهم الصاع تحت ردائه كل رجل منهم يخبر عن أبيه وأهل بيته أن هذا صاع رسول الله فنظرت فإذا هي سواء ، قال : فعيرته ، فإذا هو خمسة أرطال وثلث ينقصان معه يسير فرأيت أمرا قويا ، فقد تركت قول أبي حنيفة في الصاع ، وأخذت بقول أهل المدينة ، هذا هو المشهور من قول أبي يوسف رحمه الله .
وقد روي أن مالكا ناظره في ذلك ، واستدل عليه بالصيعان التي جابها أولئك الرهط فرجع أبو يوسف إلى قوله .
وقال عثمان بن سعيد الدارمي سمعت علي بن المديني يقول : عيرت صاع النبي فوجدته خمسة أرطال وثلث رطل بالتمر .
احتجوا بحديثين :
1101 - الحديث الأول : قال الدارقطني : قال : ثنا أحمد بن محمد بن زياد القطان وعلي بن الحسين السواق قالا : ثنا محمد بن غالب ، ثنا أبو عاصم موسى بن نصر الحنفي ، ثنا عبدة بن سليمان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن جرير بن يزيد عن أنس بن مالك : ' أن النبي كان يتوضأ برطلين ، ويغتسل بالصاع ثمانية أرطال ' .
1102 - [ الحديث الثاني ] : قال الدارقطني : وثنا محمد بن الحسن النقاش ، ثنا أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين ، ثنا يحيى بن سليمان الجعفي . ثنا صالح بن موسى الطلحي ثنا منصور ، عن إبراهيم ، عن الأسود عن عائشة قالت : ' جرت السنة من رسول الله في الغسل من الجنابة صاع والوضوء رطلين ، والصاع ثمانية أرطال ' .
قال المؤلف : هذان حديثان لا يصحان .
أما الأول : ففيه جرير بن يزيد .
قال أبو زرعة : منكر الحديث .
____________________
(2/254)
وأما الثاني : فقال الدارقطني : لم يروه عن منصور غير صالح الطلحي وهو ضعيف .
قلت : قال يحيى بن معين : صالح الطلحي ليس حديثه بشيء .
وقال النسائي : متروك الحديث .
وقال ابن حبان : يروي عن الثقات مالا يشبه حديث الأثبات .
قال المؤلف : وقد قال أصحابنا : صاع الوضوء غير صاع الزكاة .
قال ابن قتيبة : لما سمع العراقيون أن النبي كان يغتسل بالصاع ، وسمعوا في حديث آخر أنه كان يغتسل بثمانية أرطال توهموا أن الصاع ثمانية . ولا اختلاف بين أهل الحجاز أن الصاع خمسة أرطال وثلث .
ز : الحمل في حديث أنس على موسى بن نصر ، فإنه غير ثقه قاله الخطيب .
وقال أبو سعيد الإدريسي : حدث عن الثوري ومالك وغيرهما بالطامات وضعفه الدارقطني ، ولم يتكلم في إسناد الحديث إلا فيه كما سيأتي كلامه .
وقد ذهب غير واحد من أصحابنا إلى أن صاع الماء ثمانية أرطال كالقاضي أبي يعلي ، قال صاحب المحرر : وهو الأقوى ، وقد أومىء إليه أحمد ، واحتجوا على ذلك بما روى أحمد : ثنا وكيع ، ثنا شريك ، عن عبد الله بن عيسى ، عن ابن جبر بن عتيك ، عن أنس عن النبي قال : ' يجزئ في الوضوء رطلان من ماء ' .
وحدثنا اسود بن عامر شاذان ، ثنا شريك ، عن عبد الله بن عيسى عن عبد الله بن جبر ، عن أنس قال : ' كان رسول الله يتوضأ بإناء يكون رطلين ويغتسل بالصاع ' .
ورواه أبو داود عن محمد بن الصباح ، عن شريك ، عن عبد الله بن عيسى عن عبد الله بن جبر ، قال : رواه يحيى بن آدم عن شريك قال : عن ابن جبر بن عتيك ، ورواه شعبة ثنا عبد الله بن عبد الله بن جبر ، ورواه سفيان عن عبد الله بن عيسى ، قال : أخبرني جبر بن عبد الله .
ورواه الترمذي عن هناد ، عن وكيع ، عن شريك ، عن عبد الله بن عيسى ، عن
____________________
(2/255)
ابن جبر ، عن أنس ، أن النبي قال : ' يجزىء في الوضوء رطلان من ماء ' ولم يسم ابن جبر ، وقال : غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك بهذا اللفظ .
ورواه النسائي عن عمرو بن علي عن يحيى ، عن شعبة ، حدثني عبد الله بن عبد الله بن جبر قال سمعت أنسا قال : ' كان النبي يتوضأ بمكوك ، ويغتسل بخمس مكاكي ' وعن سويد بن نصر ، عن عبد الله بن المبارك عن شعبة به .
قال أصحابنا وهذا الحديث يفسر روايته المتفق على صحتها ' أن رسول الله كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع ' إلى خمس أمداد .
وعن موسى الجهني قال : ' أتي مجاهد بقدح حزرته ثمانية أرطال ، فقال حدثتني عائشة أن النبي كان يغتسل مثل هذا ' رواه النسائي عن محمد بن عبيد ، عن يحيى بن زكريا ، عن موسى وهذا إسناد صحيح وموسى بن عبد الله الجهني وثقوه .
وقد سئل الدارقطني في العلل عن حديث أنس المتقدم فقال : يرويه عبد الله بن عيسى ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى واختلف عنه : فرواه عمار بن رزيق عن عبد الله بن عيسى فقال : عن ابن جبر بن عبد الله بن عتيك عن أنس وإنما أراد عبد الله بن عتيك عن أنس وهو عبد الله بن عبد الله بن جبر ، ورواه أبو خالد الدالاني عن عبد الله بن عيسى فقال عن عبد الله بن فلان الأنصاري عن أنس ، وأصاب في هذا الإسناد ووهم في متنه ، فقال : عن النبي أنه قال : ' يكفي في الوضوء رطلان من ماء ' وإنما ذكره شريك على المعنى عنده أن الصاع ثمانية أرطال ، والقول قول أبي خالد وعمار بن رزق أن النبي قال : ' يكفي أحدكم من الوضوء مد ' وروى هذا الحديث شيخ يعرف بموسى بن نصر الحنفي ولم يكن بالحافظ ولا القوي ، رواه عن عبده بن سليمان عن أبي خالد ، عن جرير بن يزيد عن أنس وتابع شريكا على قوله : أن النبي ' كان يتوضأ برطلين ' .
وهذا غير محفوظ المتن والإسناد جميعا ، وموسى بن نصر هذا ضعيف ليس بقوي .
____________________
(2/256)
مسائل قبض الصدقات وقسمتها
مسألة [ 338 ] :
إذا امتنع رب المال أداء الزكاة أخذت من ماله .
وقال أبو حنيفة : يجبر على الدفع .
1103 - قال الإمام أحمد بن حنبل : ثنا يحيى بن سعيد ، ثنا بهز ، قال حدثني أبي ، عن جدي ، قال : سمعت رسول الله يقول : ' في كل إبل سائمة ، في كل أربعين ابنة لبون من أعطاها مؤتجرا فله أجرها ، ومن منعها أخذوها وشطر إبله ، عزمة من عزمات ربنا لا تحل لآل محمد منها شيء ' .
ز : هذا حديث حسن بل صحيح وقد رواه أبو داود عن موسى بن إسماعيل عن حماد وعن محمد بن العلاء ، عن أبي أسامة ، جميعا عن بهز بن حكيم .
ورواه النسائي عن عمرو بن علي ، عن يحيى ، وعن محمد وعن محمد بن عبد الأعلى عن معتمر جميعا عن بهز .
وذكر صاحب الإلمام فيه أن الترمذي رواه ، وهو خطأ وقد رواه الحاكم في مستدركه وقال : هذا حديث صحيح الإسناد على ما قدمنا ذكره في تصحيح هذه الصحيفة ولم يخرجاه .
____________________
(2/257)
وقد ذكر هذا الحديث الإمام أحمد بن حنبل فقال : ما أدري ما وجهه ، وسئل عن إسناده ، فقال : هو عندي صالح الإسناد .
وقال الشافعي : هذا لا يثبته أهل العلم بالحديث ولوثبت لقلت به .
وقال البيهقي : هذا حديث قد أخرجه أبو داود في كتاب السنن ، فأما البخاري ومسلم فإنهما لم يخرجاه ، جريا على عادتهما في أن الصحابي أو التابعي إذا لم يكن له إلا راو واحد لم يخرجا حديثه في الصحيحين ، ومعاوية بن حيدة القشيري لم يثبت عندهما رواية ثقة عنه غير ابنه فلم يخرجا حديثه في الصحيح والله أعلم . وقال أبو حاتم بن حبان في بهز بن حكيم : كان يخطئ كثيرا ، فأما أحمد بن حنبل وإسحاق ابن إبراهيم رحمهما الله فهما يحتجان به ويرويان عنه وتركه جماعة من أئمتنا ولولا حديث ' إنا آخذوه وشطر إبله عزمة من عزمات ربنا ' لأدخلناه في الثقات ، وهو ممن استخير الله فيه .
كذا قال ابن حبان ، وفي قوله نظر ، وقد وثق بهزا أكثر العلماء كيحي بن معين وابن المديني ، والترمذي ، والنسائي وأبو داود ، وابن الجارود وغيرهم .
مسألة [ 339 ] :
إذا امتنع من أداء الزكاة مع اعتقاد وجوبها استتيب ثلاثا ، فإن تاب وإلا قتل .
وقال أكثرهم : لا يقتل .
1104 - قال البخاري : ثنا عبد الله بن محمد المسندي ، ثنا الحرمي بن عمارة ، ثنا شعبة ، عن واقد بن محمد ، قال سمعت أبي يحدث عن ابن عمر : أن رسول الله قال : ' أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله ' .
أخرجاه في الصحيحين .
____________________
(2/258)
مسألة [ 340 ] :
يجوز تعجيل الزكاة قبل الحول .
وقال مالك وداود : لا يجوز .
1105 - قال أحمد بن حنبل : ثنا سعيد بن منصور ثنا إسماعيل بن زكريا ، عن حجاج بن دينار ، عن الحكم ، عن حجية بن عدي عن علي : ' أن العباس بن محمد بن عبد المطلب سأل النبي في تعجيل صدقته قبل أن تحل فرخص له في ذلك ' .
1106 - وقال الدارقطني : ثنا محمد بن مخلد ، ثنا عباس بن محمد ، ثنا إسرائيل عن حجاج بن دينار عن الحكم ، عن حجر العدوي ، عن علي ، قال : قال رسول الله لعمر : ' إنا قد أخذنا من العباس زكاة العام عام أول ' .
قال المؤلف : هذا الحديث أقوى من الأول ، لأن في الحديث الأول حجية .
قال أبو حاتم الرازي : لا يحتج بحديثه ، هو شبه مجهول .
ز : الحكم في الإسناد الأول هو ابن عتيبة وفي الثاني ابن جحل قال الترمذي : حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن ، أنا سعيد بن منصور ، ثنا إسماعيل بن زكريا ، عن الحجاج ابن دينار ، عن الحكم بن عتيبة عن حجية بن عدي عن علي : ' أن العباس سأل رسول الله في تعجيل صدقته قبل أن تحل ، فرخص له في ذلك ' .
حدثنا القاسم بن دينار الكوفي ،
____________________
(2/259)
ثنا إسحاق بن منصور ، عن إسرائيل ، عن الحجاج بن دينار ، عن الحكم بن جحل ، عن حجر العدوي ، عن علي : أن النبي قال لعمر : ' إنا قد أخذناه زكاة العباس على الأول للعام ' .
قال الترمذي : وفي الباب عن ابن عباس ، ولا أعرف حديث تعجيل الزكاة من حديث إسرائيل ، عن الحجاج بن دينار إلا من هذا الوجه .
وحديث إسماعيل بن زكريا عن الحجاج عندي أصح من حديث إسرائيل عن حجاج بن دينار وقد روي هذا الحديث عن الحكم بن عتيبة عن النبي مرسلا ، وقد روى حديث حجية أبو داود عن سعيد بن منصور ، وقال : رواه هشيم عن منصور بن زاذان ، عن الحكم ، عن الحسن بن مسلم عن النبي ، وحديث هشيم أصح .
ورواه ابن ماجه عن محمد بن يحي ، عن سعيد .
وأما حديث حجر فقد تفرد به الترمذي ، وحجر غير معروف ، ولم يرو له الترمذي غير هذا الحديث .
وحجية بن عدي الكندي الكوفي أشهر منه ، قال أبو حاتم الرازي : شيخ لا يحتج بحديثه شبيه المجهول ، شبيه بشريح بن النعمان الصايدي ، وهبيرة بن يريم ، وقال علي بن المديني ، لا أعلم روى عن حجية إلا سلمة بن كهيل ، روى عنه أحاديث وقال العجلي : كوفي تابعي ثقه .
وقال ابن القطان : هو رجل مشهور ، وقد روى عنه سلمة بن كهيل وأبو إسحاق والحكم بن عتيبة ، رووا عنه عدة أحاديث ، وهو فيها مستقيم لم يعمد منه خطأ ولا اختلاط ولا مكاره .
وأما الحكم بن جحل فهو الأزدي البصري وثقه ابن معين في رواية إسحاق بن منصور عنه ، ولا نعلم أحدا تكلم فيه .
وأما الحجاج بن دينار فهو الأشجعي الواسطي وثقه ابن المبارك ، وأبو خيثمة زهير بن حرب ، ويعقوب بن شيبة ، والعجلي ، والترمذي وغيرهم وقال أبو زرعة صالح صدوق مستقيم الحديث لا بأس به .
وقال أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به .
وقد سئل الحافظ أبو الحسن الدارقطني ، في كتاب العلل عن حديث حجية بن عدي عن علي : أن النبي تعجل صدقة العباس ، فقال : هو حديث يرويه الحكم بن عتيبة ، واختلف عنه ، فرواه الحجاج بن دينار واختلف عن الحجاج ، فقال : إسماعيل بن زكريا عنه عن الحكم ، عن حجية بن عدي عن علي ، وقال إسرائيل عن الحجاج بن دينار عن الحكم ، عن حجر العدوي ، عن علي ، وقال محمد بن عبد الله العرزمي عن الحكم عن مقسم ، عن ابن عباس ، وكلهم وهم ، والصواب ما رواه منصور عن الحكم ، عن الحسن بن مسلم بن يناق مرسلا عن النبي وقال الحسن بن عمارة عن موسى بن طلحة ، عن أبيه أن النبي تعجل صدقة العباس .
وقال الشافعي : يروي عن النبي ولا أدري أثبت أم لا أن النبي تسلف صدقة مال العباس قبل أن تحل .
____________________
(2/260)
فصل
مسألة [ 341 ] :
فإن عجل زكاة عامين جاز .
وعنه لا يجوز وهو قول زفر .
وعن الشافعي كالروايتين .
لنا حديثان ضعيفان :
1107 - الحديث الأول : [ قال الدارقطني ] : ثنا أحمد بن محمد بن سعيد ، ثنا محمد بن عبيد بن عتبة ، ثنا وليد بن حماد ، ثنا الحسن بن زياد ، عن الحسن بن عمارة عن الحكم بن موسى بن طلحة ، - عن طلحة ، أن النبي قال : ' إنا كنا احتجنا إلى مال فتعجلنا من العباس صدقة ماله لسنتين ' .
1108 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : وثنا محمد بن أحمد بن عمرو بن عبد الخالق ، ثنا إبراهيم بن محمد بن نائلة الأصبهاني ، ثنا محمد بن المغيرة ، ثنا النعمان بن عبد السلام ، عن محمد بن عبيد الله عن الحكم عن مقسم ، عن ابن عباس قال : ' بعث رسول الله عمرا ساعيا ، قال : فأتى العباس يطلب صدقة ماله ، فأغلظ له ، فخرج إلى النبي فأخبره ، فقال رسول الله : ' إن العباس قد سلفنا زكاة ماله العام والعام المقبل ' .
قال المؤلف : في الحديث الأول : الحسن بن زياد .
قال أحمد بن حنبل : هو كذوب ليس بشيء . وقال مرة : كذاب خبيث .
وقال أبو حاتم الرازي : ليس بثقة ولا مأمون وقال الدراقطني : ضعيف متروك .
____________________
(2/261)
وفيه الحسن بن عمارة : قال شعبة : هو كذاب يحدث بأحاديث قد وضعها .
وقال أحمد ويحي والرازي والنسائي : هو متروك . وفي الحديث الثاني : محمد بن عبيد الله العرزمي . قال أحمد : ترك الناس حديثه . وقال يحيى وأبو زرعة : لا يكتب حديثه .
وقال ابن حبان : كان رديء الحفظ وذهبت كتبه فجعل يحدث من حفظه فيهم فكثرت المناكير في روايته .
وقد رواه مندل فقال : عن عبيد الله عن الحكم ، وإنما أراد محمد بن عبيد الله ، ومندل ضعيف أيضا .
ز : روى البيهقي من حديث الأعمش عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري عن علي ، فذكر قصة في بعث رسول الله عمر رضي الله عنه ساعيا ومنع العباس صدقته ، وأنه ذكر للنبي ما صنع العباس فقال : ' وأما علمت يا عمر أن عم الرجل صنو أبيه ، إنا كنا احتجنا فاستسلفنا العباس صدقة عامين ' .
قال البيهقي : وفي هذا إرسال بين أبي البختري ، وعلي رضي الله عنه ، قال : وقد ورد هذا المعنى في حديث أبي هريرة من وجه ثابت عنه ثم ذكر الحديث المشهور الذي فيه ، وأما العباس فهي علي ومثلها أو ذكر اختلاف ألفاظه .
مسألة [ 342 ] :
يجوز صرف الزكاة إلى صنف واحد .
وقال الشافعي : لا يجوز .
لنا :
1109 - حديث معاذ : ' أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد
____________________
(2/262)
على فقرائهم ' .
وقد سبق إسناده .
ز : حديث معاذ متفق على صحته وثبوته ، وهو دال على جواز صرفها إلى صنف واحد فإنه أخبر أنه مأمور برد جملتها ، وفي الفقراء وهم صنف واحد ولم يذكر سواهم ، ومما يدل على جواز صرفها إلى صنف واحد أن النبي أتاه بعد ذلك فجعله في صنف واحد سوى صنف الفقراء وهم المؤلفة قلوبهم الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن ، وعلقمة بن علاثه ، وزيد الخيل ، قسم فيهم الذهبية التي بعث بها إليه علي من اليمن وإنما تؤخذ من أهل اليمن الصدقة ، ثم أتاه مال آخر فجعل في صنف آخر ، كقوله لقبيصة بن المخارق ، حين تحمل حمالة فأتى النبي يسأله ، فقال : ' قم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها ' .
وفي حديث سلمة بن صخر البياضي : ' أنه أمر له بصدقة قومه ' ولو وجب صرفها إلى جميع الأصناف لم يجز دفعها إلى واحد .
وقد احتج الشافعي ومن وافقه بأن الله تعالى جعل الصدقة لجميع الأصناف وشرك بينهم فيها ، فلا يجوز الاقتصار على بعضهم كأهل الخمس ، وأجيب عن ذلك بأن المراد بالآية بيان الأصناف الذين يجوز الدفع إليهم دون غيرهم ، وكذلك المراد بآية الغنيمة بيان المصرف على الصحيح كما عرف في موضعه والله أعلم .
مسألة [ 343 ] :
لا يجوز نقل الزكاة إلى بلد تقصر فيه الصلاة .
وعنه : يجوز كقول أبي حنيفة ومالك .
وعن الشافعي كالمذهبين .
لنا :
1110 - قوله : ' تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم ' .
____________________
(2/263)
ز : قال سعيد : ثنا سفيان ، عن معمر ، عن ابن طاوس عن أبيه قال : في كتاب معاذ ابن جبل : من أخرج من مخلاف إلى مخلاف فإن صدقته وعشره يرد إلى مخلافه .
مسألة [ 344 ]
يجوز للمرأة دفع زكاتها إلى زوجها ، عنه لا يجوز كقول أبي حنيفة .
1111 - قال الإمام أحمد بن حنبل : ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن سليمان ، عن أبي وائل ، عن عمرو بن الحارث عن زينب امرأة عبد الله أنها قالت : قال رسول الله : ' تصدقن ولو من حليكن ' ، قلت : وكان عبد الله خفيف ذات اليد ، فقالت له : أيسعني أن أضع صدقتي فيك وفي بني أخ لي يتامى ؟ فقال عبد الله : سلي عن ذلك رسول الله ، قالت : فأتيت رسول الله فإذا على بابه امرأة من الأنصار ، يقال لها : زينب ، تسأل عما أسأل عنه ، فخرج إلينا بلال ، فقلنا : انطلق إلى رسول الله ، فسله عن ذلك ، ولا تخبر من نحن فانطلق إلى رسول الله فقال : من هما ؟ فقال : زينب امرأة عبد الله وزينب الأنصارية ، فقال : ' نعم لها أجران أجر القرابة وأجر الصدقة ' .
أخرجاه في الصحيحين .
وفي لفظ : ' أيجزئ عني ' وإنما يستعمل لفظ الأجزاء في الواجب .
مسألة [ 345 ] :
لا يجوز دفع الزكاة إلى موالي بني هاشم ، خلافا لأكثرهم .
____________________
(2/264)
1112 - قال الإمام أحمد بن حنبل : ثنا يحي عن شعبة ، ثنا الحكم بن عيينة ، عن ابن أبي رافع ، عن أبي رافع : ' أن النبي بعث رجلا من بني مخزوم على الصدقة ، فقال لأبي رافع : ألا تصحبني نصيب منها ، قال : قلت : حتى أذكر ذلك لرسول الله . فذكرت ذلك له فقال : ' إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة ، وإن موالي القوم من أنفسهم ' .
قال الترمذي : هذا حديث صحيح .
ز : رواه أبو داود عن محمد بن كثير عن شعبة .
ورواه الترمذي عن ابن مثنى ، عن غندر ، عن شعبة ، وقال : حسن صحيح وهو عبيد الله بن أبي رافع كاتب علي .
ورواه النسائي عن عمرو بن علي ، عن يحي ، عن شعبة ، وعن محمد بن حاتم ، عن حبان بن موسى ، عن عبد الله بن المبارك ، عن حمزة الزيات ن عن الحكم بن عتيبة ، عن بعض أصحابه : ' أن النبي بعث أرقم بن أبي أرقم على الصدقة ، فقال لأبي رافع : هل لك أن تتبعني . . . . فذكره ' .
ورواه ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم ، عن ابن عباس .
مسألة [ 346 ] :
المانع من أخذ الزكاة أن يكون له كفاية على الدوام .
وهو قول الشافعي .
____________________
(2/265)
وعن أحمد اعتبار الكفاية أو أن يملك خمسين درهما أو قيمتها من الذهب .
وقال أبو حنيفة : إذا ملك نصابا لم تحل له .
لنا على الرواية الأولى ما :
1112 / م - روى الإمام أحمد بن حنبل : ثنا إسماعيل قال : ثنا أيوب ، عن هارون ابن رئاب ، عن كنانة بن نعيم عن قبيصة بن المخارق ، عن رسول الله أنه قال : ' إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة : رجل تحمل حمالة قوم فيسأل فيها حتى يؤديها ثم يمسك ، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فيسأله فيها حتى يصيب قواما من عيش أو سدادا من عيش ثم يمسك ، ورجل أصابته فاقة فيسأل حتى يصيب قواما من عيش أو سدادا من عيش ثم يمسك ' .
انفرد بإخراجه مسلم .
1113 - قال أحمد : ثنا عبد الرحمن ، ثنا سفيان عن مصعب بن محمد عن يعلي ابن أبي يحيى عن فاطمة بنت حسين ، عن أبيها حسين بن علي ، قال : قال رسول الله : ' للسائل حق وإن جاء على فرس '
ز : رواه الإمام أحمد عن وكيع عن سفيان .
ورواه أبو داود عن محمد بن كثير ، عن سفيان ، عن مصعب بن محمد بن شرحبيل .
ورواه الطبراني عن أبي مسلم الكشي عن محمد بن كثير ، ورواه زهير عن شيخ
____________________
(2/266)
رأى سفيان عنده عن فاطمة بنت حسين ، عن أبيه عن علي عن النبي .
وهو حديث لا يثبت عن النبي ، ومصعب هو ابن محمد بن عبد الرحمن بن شرحبيل العبدري ، من عبد الدار ، قال أبو طالب : سألت أحمد بن حنبل عنه ، فقال : لا أعلم إلا خيرا ، ووثقه يحيى بن معين ، في رواية أبي خيثمة عنه .
وقال أبو حاتم : صالح يكتب حديثه ولا يحتج به .
ويعلى بن أبي يحيى ، ويقال بالعكس غير معروف ، قال ابن أبي حاتم : سئل أبي عنه ، فقال : مجهول .
وروي عن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال : أربعة أحاديث تدور عن رسول الله في الأسواق ليس لها أصل ، من بشرني بخروج إذا بشرته بالجنة ، ومن آذى ذميا فأنا خصمه يوم القيامة ، ونحركم يوم صومكم ، وللسائل حق وإن جاء على فرس ، ذكر هذا أبو عمرو بن الصلاح .
ووجه الرواية الأخرى ما :
1114 - روى الإمام أحمد : ثنا وكيع قال : ثنا سفيان ، عن حكيم بن جبير ، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه ، عن عبد الله قال : قال رسول الله ' من سأل وله ما يغنيه جاءت يوم القيامة خدوشا أو : كدوحا في وجهه ' ، قالوا : يا رسول الله : وما غناه ؟ قال : ' خمسون درهما أو حسابها من الذهب ' .
قال المؤلف : حكيم بن جبير مجروح قال أحمد بن حنبل : هو ضعيف .
الحديث مضطرب .
وقال يحيى والنسائي : ضعيف .
وقال يحيى مرة : ليس بشيء وقال السعدي : كذاب .
وقد احتج من صحح هذا الحديث بما حكاه الترمذي قال : حدثنا محمود بن غيلان ، حدثنا يحيى بن آدم ، حدثنا سفيان ، عن حكيم بن جبير بهذا الحديث .
فقال عبد الله بن عثمان صاحب شعبة : لو غير حكيم حدث بهذا ، فقال له : وما لحكيم لا يحدث عنه شعبة ؟ .
قال : نعم .
قال سفيان : سمعت زبيدا يحدث بهذا عن محمد ابن عبد الرحمن فأجبت من قال هذا .
فقيل له : ليس في هذا حجة فإن سفيان ما أسنده إنما قال حدثنا زبيد عن محمد ابن
____________________
(2/267)
عبد الرحمن فحسب ولم يرفعه .
وقد روى هذا الحديث عبد الله بن سلمة بن أسلم - بضم اللام - عن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة ، عن أبيه ، عن ابن مسعود ، عن النبي .
قال الدارقطني : ابن أسلم ضعيف .
ورواه بكر بن خنيس ، عن أبي شيبة عبد الرحمن بن إسحاق ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن ابن مسعود ، عن النبي .
وبكر وأبو شيبة ضعيفان بمرة .
ثم ليس في الحديث أن من ملك خمسين درهما لم تحل له الصدقة ، وإنما فيه أنه كره له المسألة فقط ، والمسألة إنما تكون مع الضرورة ، ولا ضرورة لمن يجد ما يكفيه في وقته .
ز : وقد روي حديث حكيم بن جبير أبو داود ، عن الحسين بن علي ، عن يحيى ابن آدم ، عن سفيان عنه ، قال يحيى : فقال عبد الله عثمان لسفيان حفظي أن شعبة لا يروى عن حكيم بن جبير ، فقال سفيان : فقد حدثناه زبيد عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد .
ورواه الترمذي عن قتيبة وعلي بن حجر ، عن شريك ، عن حكيم بن جبير وقال ك حديث ابن مسعود حسن ، وقد تكلم شعبة في حكيم بن جبير من أجل هذا الحديث ، ثم ذكر ما حكاه عنه المؤلف .
ورواه النسائي عن أحمد بن سليمان ، عن يحيى بن آدم ، وقال : لا نعلم أحدا قال في هذا عن زبيد غير يحيى بن آدم ، ولم يذكر عبد الله بن عثمان ورواه ابن ماجة عن الحسن بن علي به سواء .
وقال علي بن المديني : سألت يحيى بن سعيد ، عن حكيم بن جبير فقال : كم روى : إنما روى شيئا يسيرا قلت : من تركه ؟ قال : شعبة من أجل حديث الصدقة ، وكان يحدث عمن دونه .
____________________
(2/268)
وقال أحمد بن سنان القطان : قلت لعبد الرحمن بن مهدي : لم تركت حديث حكيم بن جبير ؟ فقال : حدثني يحيى القطان قال : سألت شعبة عن حديث حكيم بن جبير ، فقال : أخاف النار .
وقال معاذ بن معاذ : قلت لشعبة : حدثني بحديث حكيم بن جبير فقال : أخاف النار .
وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سألت أبا زرعة عن حكيم بن جبير ، فقال : في رأيه شيء ، قلت : ما محله ؟ قال : الصدق إن شاء الله . وسألت أبي عنه فقال : ما أقربه من يونس بن خباب في الضعف والرأي ، وهو ضعيف الحديث منكر الحديث له رأي غير محمود نسأل الله السلامة .
قلت : هو أحب إليك أو ثوير ؟
قال : ما فيهما إلا ضعيف غال في التشيع وهما متقاربان .
وقال البخاري : كان شعبة يتكلم فيه . وقال يعقوب بن شيبة : ضعيف الحديث .
وقال النسائي : ليس بالقوي .
وقال الدارقطني : متروك .
وقال ابن عدي : حدثنا ابن حماد وقال : حدثني أبو الحسين محمد بن عبد الله ابن مخلد ، ثنا إسحاق بن راهويه ، قال : قال يحيى بن آدم : قال سفيان الثوري : شعبة ينكر على حكيم بن جبير حديث الصدقة أما أني قد سمعته من زبيد .
قال : وثنا ابن أبي بكر ، ثنا عباس قال : سمعت يحيى يقول - وسألته عن حديث حكيم بن جبر : حديث ابن مسعود : لا تحل الصدقة لمن كان عنده خمسون درهما ، يرويه أحد غير حكيم ، فقال يحيى : نعم يرويه يحيى بن آدم عن سفيان ، عن زبيد ، ولا أعلم أحدا يرويه إلا يحيى بن آدم وهذا وهم ، ولو كان هذا كذا لحدث به الناس جميعا عن سفيان ولكنه حديث منكر .
هذا الكلام قاله يحيى أو نحوه .
وقال عمرو بن علي : كان عبد الرحمن لا يحدث عن حكيم بن جبير ، و كان يحيى يحدث عنه .
وقال محمد بن عبد الرحمن العنبري : سئل عبد الرحمن بن مهدي عن حكيم بن جبير ، فقال : إنما روى أحاديث يسيرة وفيها أحاديث منكرات .
____________________
(2/269)
وقال أبو بكر الأثرم : قلت لأحمد بن حنبل حديث حكيم بن جبير في الصدقة رواه زبيد أيضا ، فقال : كذا يحيى بن آدم قال : سمعت سفيان يقول لعبد الله بن عثمان : أبو بسطام - يعني شعبة - يروي عن حكيم بن جبير شيئا ، فقال : لا ، فقال سفيان : فحدثنا زبيد عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد .
وقال : ابن عدي : سمعت أحمد بن حفص يقول : سئل أحمد بن حنبل - يعني وهو حاضر - : متى تحل الصدقة ؟ قال : إذا لم يكن خمسون درهما أو حسابها من الذهب ، قيل له : حديث حكيم بن جبير ، قال نعم .
ثم حكى عن يحيى بن آدم أن الثوري قال يوما : قال ابن بسطام يحدث يعني شعبة هذا الحديث عن حكيم بن جبير ، قيل له لا ، قال : حدثني زبيد عن محمد بن عبد الرحمن ولم يزد عليه ، قال أحمد : كأنه أرسله أو كره أن يحدث به ، ما تعرف الرجل ، كلاما نحو ذا .
وذكر ابن عدي لحكيم أحاديث ، ثم قال : وله غير ما ذكرت من الحديث شيء يسير والغالب في الكوفيين التشيع .
وقال أبو حاتم بن حبان ، في كتاب الضعفاء : حكيم بن جبير الأسدي من أهل الكوفة ، يروي عن سعيد بن جبير والنخعي ، روي عنه الثوري وشريك كان غاليا بالتشيع كثير الوهم فيما يروي ، كان أحمد بن حنبل لا يرضاه ، وهو الذي يروي عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه ، عن عبد الله أن رسول الله قال : ' من سال الناس وهو غني جاء يوم القيامة كدوحا وخدوشا في وجهه ' قيل يا رسول الله : ما غناؤه ؟ قال : ' خمسون درهما أو قيمتها من الذهب ' أخبرنا زكريا بن يحيى الساجي ، ثنا عبد الواحد بن غياث ، ثنا حماد ابن سلمة ، ثنا إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق ، عن حكيم بن جبير عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد هكذا ، ابنا الساجي ، عن إسرائيل عن حكيم بن جبير نفسه ، ولقد أخبرنا خالد بن النضر بن عمرو القرشي ثنا عبد الواحد بن غياث ، ثنا حماد بن سلمة ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن حكيم بن جبير ، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد ، عن عبد الله بن مسعود ، مثله ، وهذا أشبه .
قال ابن حبان : وليس له طريق يعرف ولا رواية إلا من حديث حكيم بن جبير
كذا وجدته وليس فيه عن أبيه .
قال البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا
____________________
(2/270)
الحسن بن علي بن عفان العامري ثنا يحيى بن آدم ، ثنا سفيان بن سعيد ، عن حكيم بن جبير ، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد ، عن أبيه ، عن عبد الله قال : قال رسول الله : ' من سأل وله ما يغنيه جاء يوم القيامة خموش أو خدوش أو كدوح في وجهه ' ، فقيل يا رسول الله ، وما الغنى ؟ قال ' خمسون درهما أو قيمتها من الذهب ' .
قال يحي ابن آدم : فقال عبد الله بن عثمان لسفيان : حفظي أن شعبة كان لا يروي عن حكيم بن جبير ، فقال سفيان : فقد ثنا زبيد ، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد .
قال البيهقي : وأنا أبو الحسن بن الفضل أنا عبد الله بن جعفر ، ثنا يعقوب بن سفيان ، فذكر معنى هذه الحكاية بلاغا عن يحي بن آدم عن سفيان ، ثم قال يعقوب : هي حكاية بعيدة ، لو كان حديث حكيم بن جبير عن زبيد ، ما خفي على أهل العلم .
وقد سئل الحافظ الدارقطني عن هذا الحديث في العلل فقال : يرويه حكيم بن جبير ، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد ، عن أبيه ، حدث عنه الثوري وشريك وإسرائيل وحماد بن شعيب ، ورواه محمد بن مصعب القرقساني عن حماد بن سلمة ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد ووهم في قوله : عن أبي إسحاق ، وإنما رواه إسرائيل عن حكيم بن جبير ، ورواه شعبة عن حكيم بن جبير أيضا ، حدث به عنه إبراهيم بن طهمان ويحي القطان ، ورواه زبيد ومنصور بن المعتمر ، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد لم يجاوزا به محمدا وقولهما أولى بالصواب ثنا يحي بن محمد بن صاعد ، ثنا أبو هشام الرفاعي ، وعبد الأعلى بن واصل قالا : ثنا يحي بن آدم ثنا سفيان .
وحدثنا ابن غيلان ، ثنا أبو هشام الرفاعي ، ثنا يحي بن آدم ، ثنا سفيان ، عن حكيم بن جبير ، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه ، عن عبد الله بن مسعود ، قال قال رسول الله : ' لا يسأل عبد مسألة وله ما يغنيه إلا جاءت يوم القيامة شيئا أو خدوشا أو كدوحا في وجهه ' .
قالوا يا رسول الله وماذا اغناه ، أو ماذا يغنيه ؟ ، قال ' خمسون درهما أو حسابها من الذهب . قال أبو هشام في حديثه في هذا الموضع : قال يحيى بن آدم : قيل لسفيان لو كان غير حكيم بن جبير ، فقال حدثناه زبيد بن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد ، وقال عبد الأعلى بن واصل في حديثه ، قال : يحي بن آدم : قال سفيان : وقد سمعت زبيدا يحدث عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد نحوه أو شبهه ، انتهى كلام الدارقطني .
وقد روى الإمام أحمد بن حنبل هذا الحديث في مسنده من وجه آخر ضعيف
____________________
(2/271)
فقال : حدثنا نصر بن باب ، عن الحجاج ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عبد الله بن مسعود ، أنه قال : قال رسول الله : ' من سأل مسألة وهو عنها غني جاءت يوم القيامة كدوحا في وجهه لا تحل الصدقة لمن له خمسون درهما أو عوضها من الذهب ' .
حجاج هو ابن أرطأة وقد اشتهر بالكلام فيه والحمل في هذا الحديث على نصر بن باب فإنه مشهور بالضعف ، قال يحي بن معين ، ليس بثقة وقال مرة : ليس حديثه بشيء .
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل : سألت أبي عنه فقال : إنما أنكر الناس عليه حين حدث عن إبراهيم الصايغ ، وما كان به بأس .
قلت له : إن أبا خيثمة قال : نصر بن باب كذاب ، فقال : ما اجترئ على هذا أن أقوله استغفر الله .
وقال السعدي : لا يساوي حديثه شيئا .
وقال أبو حاتم الرازي والنسائي : متروك الحديث .
وقال البخاري : يرمونه بالكذب .
وقال ابن عدي : وهو مع ضعفه يكتب حديثه .
وقال ابن حبان : كان ممن ينفرد عن الثقات بالمقلوبات ويروي عن الأثبات ما لا يشبه حديث الثقات فلما كثر ذلك في رواياته بطل الاحتجاج به .
مسألة [ 347 ] :
لا يجوز لمن يقدر على الكفاية بالكسب أخذ الصدقة .
وقال أبو حنيفة ومالك : يجوز .
1115 - قال الإمام أحمد : حدثنا أسود بن عامر ، قال حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي حصين ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله : ' لا
____________________
(2/272)
تحل الصدقة لغني ، ولا لذي مرة سوي ' .
1116 - طريق آخر : قال الدارقطني : ثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثنا علي بن ثابت ، عن الوازع بن نافع ، عن أبي سلمة عن جابر ، قال : جاءت رسول الله - صدقة فركبه الناس - فقال : ' إنها لا تصلح لغني ، ولا لصحيح سوي ، ولا لعامل قوي ' .
1117 - طريق آخر : قال الترمذي : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا أبو داود الطيالسي ، قال : حدثنا سفيان ، عن سعد بن إبراهيم ، عن ريحان بن يزيد ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي قال : ' لا تحل الصدقة لغني ، ولا لذي مرة سوي ' .
قالوا قد قال أبو حاتم الرازي : ريحان شيخ مجهول .
ثم إن الحديث إنما هو المسألة لا تحل .
1118 - قال الترمذي : حدثنا علي بن سعيد الكندي ، حدثنا عبد الرحيم بن سليمان ، عن مجالد ، عن عامر ، عن حبيش بن جنادة ، قال : سمعت رسول الله يقول : ' إن المسألة لا تحل لغني ولا لذي مرة سوي ، إلا لذي فقر مدقع ، أو غرم مفظع ' .
قلنا : أما ريحان فإن جهله أبو حاتم ، فقد عرفه يحي بن معين ووثقه .
وأما هذا الحديث الذي ذكروه فجوابه من وجهين : أحدهما أنه ضعيف .
قال يحي : لا يحتج بحديث مجالد .
والثاني : أنا نقول به ، وأن المسألة لا تحل له ولا أخذ الصدقة .
1119 - طريق آخر لحديثنا : قال الإمام أحمد : حدثنا يحي بن سعيد ، عن هشام ، قال : حدثني أبي ، أن عبيد الله بن عدي حدثه أن رجلين أخبراه أنهما أتيا النبي - يسألانه عن الصدقة - فقلب فيهما البصر ورآهما جلدين ، فقال : ' إن شئتما أعطيتكما ، ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب ' .
____________________
(2/273)
ز : حديث سالم بن أبي الجعد ، عن أبي هريرة رواه النسائي عن هناد بن السري .
ورواه ابن ماجه عن محمد بن الصباح كلاهما عن أبي بكر بن عياش ، ورواته ثقات ، لكن قال الإمام أحمد بن حنبل : سالم بن أبي الجعد لم يسمع من أبي هريرة .
وروى الحاكم في المستدرك من رواية ابن عيينة عن منصور ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة يبلغ به ، : ' لا يحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي ' .
وقال : على شرطهما .
وأما حديث جابر ففيه الوازع بن نافع ، وقد ضعفوه .
وأما حديث عبد الله بن عمرو فرواه أبو داود ، عن عباد بن موسى الختلي ، عن إبراهيم بن سعد ، عن أبيه .
ورواه الترمذي أيضا ، عن محمود بن غيلان ، عن عبد الرزاق ، عن سفيان ، عن سعد بن إبراهيم ، هذا الحديث بهذا الإسناد ولم يرفعه .
ورواه الحاكم في المستدرك من رواية شعبة وسفيان عن سعد ، عن ريحان ، عن عبد الله بن عمرو مرفوعا .
وريحان وثقه ابن حبان أيضا ، وقال حجاج : عن شعبة ، عن سعد بن إبراهيم سمع ريحان بن يزيد ، وكان أعرابيا صدوقا .
وأما حديث حبشي فرواه الترمذي أيضا ، عن محمود بن غيلان ، عن يحي بن آدم ، عن عبد الرحيم بن سليمان بنحوه ، وقال : هذا حديث غريب من هذا الوجه .
وأما حديث عبد الله بن عدي بن الخيار فرواه أبو داود عن مسدد ، عن عيسى بن يونس عن هشام بن عروة .
ورواه النسائي عن عمرو بن علي ، ومحمد بن المثنى ، عن يحي بن سعيد
____________________
(2/274)
القطان .
وهو حديث إسناده صحيح رواته ثقات ، قال الإمام أحمد : ما أجوده من حديث ، وقال : هو أحسنها إسنادا .
مسألة [ 348 ] :
حكم المؤلفة باق .
وقال أبو حنيفة والشافعي : حكمهم منسوخ .
قال الزهري : لا أعلم شيئا نسخ حكم المؤلفة .
واحتجوا بقوله : ' عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد إلى فقرائهم '
وهذا محمول على أنه في وقت لم يكن محتاجا إلى التالف .
مسألة [ 349 ] :
يعطى الغازي مع الغني .
وقال أبو حنيفة : لا يأخذ إلا مع الفقراء .
1120 - قال الدارقطني : حدثنا عبد الله بن أحمد بن إبراهيم المارستاني ، حدثنا
____________________
(2/275)
محمد بن سهل بن عسكر ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر والثوري جميعا عن زيد ابن أسلم ، عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله : ' لا تحل المسألة لغني إلا بخمسة : العامل عليها ، والغازي في سبيل الله ، والغارم ، أو لرجل اشتراها بماله ، أو مسكين تصدق عليه فأهدى لغني ' .
وقد رواه أبو داود .
فقال : ' لا تحل الصدقة ' مكان قوله : ' المسألة ' وإسناده ثقات .
ز : قال إسماعيل بن عبد الله بن سمويه : ثنا عثمان بن صالح ، أنا ابن وهب ، حدثني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد : أن رسول الله قال : ' إن الصدقة لا تحل لغني إلا لخمسة : لمشتريها ، والعامل عليها ، والغازي في سبيل الله ، والغارم ، ورجل كان له جار مسكين فأعطي منها فأهدى له منها ' .
وقال الإمام أحمد بن حنبل : حدثنا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله : ' لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة : لعامل عليها ، أو رجل اشتراها بماله ، أو غارم ، أو غاز في سبيل الله ، أو مسكين يصدق عليه منها فأهدى منها الغني ' .
ورواه إسحاق بن راهويه في مسنده عن سفيان ، عن زيد بن أسلم .
ورواه عن عبد الرزاق عن معمر ، عن زيد .
ورواه أبو داود عن الحسن بن علي .
ورواه ابن ماجه عن محمد بن يحي الذهلي كلاهما عن عبد الرزاق ، بإسناده متصلا .
ورواه أبو داود عن القعنبي ، عن مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار : أن رسول الله قال . . . مرسلا ، وقال : رواه ابن عيينة ، عن زيد كما قال مالك .
ورواه الثوري عن زيد قال : حدثني الثبت عن النبي .
وسئل عنه الدارقطني فقال : حدث به عبد الرزاق ، عن معمر والثوري ، عن زيد ابن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد ، قاله ابن عساكر عنه ، وقال غيره : عن عبد الرزاق ، عن معمر وحده ، وهو الصحيح ، وروى هذا الحديث عبد الرحمن بن مهدي ،
____________________
(2/276)
عن الثوري عن زيد بن اسلم قال : حدثني الثبت عن النبي ولم يسم الرجل ، وهو الصحيح .
مسألة [ 350 ] :
الحج من السبيل ، فيجوز دفع الزكاة فيه .
وعنه لا يجوز كقول أكثرهم .
1121 - قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، قال : حدثنا أبو عوانة ، حدثنا إبراهيم بن مهاجر ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، قال أخبرني رسول مروان الذي أرسل إلى أم معقل ، قال : قالت : قلت : يا رسول الله ، إن علي حجة وإن لأبي معقل بكرا ، فقال : صدقة جعلته في سبيل الله ، قال : ' أعطها فلتحج عليه فإنه سبيل الله ' .
1122 - وقال أبو داود : حدثنا محمد بن عوف الطائي ، قال : حدثنا أحمد بن خالد الوهبي ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن عيسى بن معقل الأسدي ، قال : حدثني يوسف بن سلام ، عن جدته أم معقل ، قالت : لما حج رسول الله - حجة الوداع ، وكان لنا جمل فجعله أبو معقل في سبيل الله ، فأصابنا مرض وهلك أبو معقل ، وخرج النبي ، فلما فرغ من حجته جئته ، فقال : ما منعك أن تخرجي معنا ؟ فقالت : لقد تهيأنا فهلك أبو معقل ، وكان لنا جمل فأوصى به أبو معقل في سبيل الله . قال : ' فهلا خرجت عليه فإن الحج في سبيل الله ' .
ز : روى حديث أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، أبو داود : عن أبي كامل ، عن أبي عوانة .
ورواه النسائي عن محمد بن رافع ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ،
____________________
(2/277)
عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن امرأة من بني أسد يقال لها : أم معقل نحوه .
وقد رواه النسائي أيضا ، من رواية أبي بكر عن أبي معقل ، فيكون مرسلا ، والله أعلم .
مسألة [ 351 ] :
الزكاة إذا وجبت في الحياة لم تسقط الموت .
وقال أبو حنيفة ومالك : تسقط بالموت ولا يلزم الورثة إخراجها .
لنا : قوله عليه السلام : ' فدين الله أحق بالقضاء ' .
وسيأتي بإسناده في الحج وغيره إن شاء الله .
____________________
(2/278)
مسائل الصيام
مسألة [ 352 ] :
لا يجوز صوم رمضان بنية من النهار .
وقال أبو حنيفة : يجوز .
لنا ثلاثة أحاديث :
1123 - الحديث الأول : قال الدارقطني : قال : ثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن موسى بن أبي حامد ثنا روح بن الفرج ثنا عبد الله بن عباد ثنا المفضل بن فضالة حدثني يحي بن أيوب عن يحي بن سعيد عن عمرة عن عائشة : أن النبي قال : ' من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له ' .
قال الدارقطني : كلهم ثقات .
1124 - الحديث الثاني : قال الدارقطني : وثنا أبو بكر النيسابوري ثنا يونس بن عبد الأعلى قال : ثنا بن وهب قال : ثنا يحي بن أيوب عن عبد الله بن أبي بكر عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه : عن حفصة عن النبي قال : ' من لم يجمع الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له '
فإن قالوا : هذا الحديث قد رواه جماعة موقوفا ، وإنما رفعه عبد الله بن أبي بكر .
____________________
(2/279)
قلنا : الراوي قد يسند الحديث ، وقد يفتي به ، وقد يرسله ، وعبد الله من الثقات الرفعاء ، والرفع زيادة ؛ فهي من الثقة مقبولة .
ز : قالوا : الحديث الأول غريب ، لا يثبت مرفوعا .
قال الدارقطني : تفرد به عبد الله بن عباد عن مفضل بهذا الإسناد ، وقوله : كلهم ثقات فيه نظر ؛ فإن عبد الله بن عباد غير مشهور ، ويحي بن أيوب ليس بالقوي ، وقد اختلف عليه فيه كما سيأتي .
وقال ابن حبان : عبد الله بن عباد البصري شيخ سكن مصر ، يقلب الأخبار ، روى عن المفضل بن فضالة عن يحي بن أيوب عن يحي بن سعيد عن عمرة عن عائشة عن النبي قال : ' من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له ' .
وهذا مقلوب ، وإنما هو عن يحي بن أيوب عن عبد الله بن أبي بكر عن الزهري عن سالم عن أبيه عن حفصة فيما يشبه هذا ، قال شيخنا الحافظ رحمه الله .
قيل : قد روى عنه روح بن الفرج أبو الزنباع موضوعه .
قلنا : والحديث الثاني ؛ حديث حفصة صحيح وقفه كما نص على ذلك الحذاق من الأئمة .
قال البيهقي فيه : هذا حديث قد اختلف على الزهري في إسناده ، وفي رفعه إلى النبي ، وعبد الله بن أبي بكر أقام إسناده ، ورفعه ، وهو من الثقات الأثبات .
وقال الدارقطني : رفعه عبد الله بن أبي بكر وهو من الثقات الرفعاء .
وقال الإمام في المسند : ثنا حسن بن موسى ثنا ابن لهيعة حدثنا عبد الله بن أبي بكر عن ' ابن شهاب ' عن سالم عن حفصة عن النبي أنه قال : ' من لم يجمع الصيام مع الفجر فلا صيام له ' .
وقال النسائي في السنن الكبير : وقد ذكر اختلاف الناقلين لخبر حفصة ، فقال : أخبرنا القاسم بن زكريا بن دينار ، حدثنا سعيد بن شرحبيل ، ثنا الليث عن يحي بن أيوب عن عبد الله بن أبي بكر عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر عن حفصة عن النبي قال : ' من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له ' ثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث ابن سعد قال : حدثني أبي عن جدي قال : حدثني يحي بن أيوب عن عبد الله ، وثنا أبو بكر عن ابن شهاب عن سالم عن عبد الله عن حفصة عن النبي قال : ' من لم يبيت
____________________
(2/280)
إسماعيل بن عبد الله بن زائدة قال : ثنا عبد الملك بن زياد النصيبي ] ثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبي الزبير وعمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله قال : لما نزلت : ( ^ ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) قام رجل فقال : يا رسول الله : ما السبيل ؟ فقال : ' الزاد والراحلة ' .
ز : عبد الملك بن زياد النصيبي قال فيه الأزدي : منكر الحديث غير ثقة .
ومحمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير ضعفه يحي بن معين ، وقال مرة : ليس بثقة ، ومرة ليس حديثه بشيء .
وقال البخاري : منكر الحديث .
وقال النسائي : متروك الحديث .
وقد روى الدارقطني ، وغيره هذا الحديث من عدة طرق ، وهو مشهور من رواية إبراهيم بن يزيد الخوري وهو ضعيف ، عن محمد بن عباد عن ابن عمر عن النبي .
مسألة [ 382 ] :
إذا كان للمغضوب مال لزمه أن يستنيب من يحج عنه .
وقال مالك ، وداود [ الظاهري ] : لا يلزمه .
1256 - قال الإمام أحمد : ثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير قال : ثنا سفيان عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش عن زيد بن علي عن أبيه عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب قال : قالت جارية من خثعم : يا رسول الله : إن أبي شيخ كبير ، وقد أفند
____________________
(2/280)
الصيام قبل الفجر فلا صيام له ' .
أخبرني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن أشهب قال : أخبرني يحي بن أيوب ، وذكره .
وعن محمد بن عمر بن حزم يرفعه قال : ' من لم يبيت بجمع الصيام قبل الفجر فلا يصم ' .
وهو أيضا من طريق عبد الله عن حفصة .
وقال عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر عن حفصة أن النبي قال : ' من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له ' .
وأخبرنا محمد بن عبد الأعلى ثنا معمر قال : سمعت عبيد الله عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن حفصة أنها كانت تقول : ' من لم يجمع الصوم من الليل فلا يصم ' .
أخبرنا الربيع بن سليمان ثنا ابن وهب قال : أخبرني يونس عن ابن شهاب قال : أخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال : قالت حفصة زوج النبي : ' لا صيام لمن لم يجمع قبل الفجر ' .
وعن أبي حاتم محمد قال : ثنا حبان ثنا عبد الله عن سفيان بن عتبة عن الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن حفصة قالت : ' لا صيام لمن لم يجمع الصيام قبل الفجر ' وذكر بهذا الإسناد أحاديث أخر .
قال أبو عبد الرحمن النسائي : والصواب عندنا أنه موقوف ولم يصح رفعه ، والله أعلم ؛ لأن يحي بن أيوب ليس بذاك القوي .
وحديث ابن جريج عن الزهري غير محفوظ ، والله أعلم ، أرسله مالك الحارث بن مسكين قرأه عليه عن ابن القاسم قال : حدثني مالك عن ابن شهاب عن عائشة وحفصة .
' لا يصوم إلا من جمع الصيام قبل الفجر ' .
ورواه نافع عن ابن عمر .
قوله : الحارث بن مسكين قرأه عليه عن ابن القاسم ، قال : حدثني مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول : ' لا يصوم إلا من جمع الصيام قبل الفجر ' .
أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا معتمر قال : سمعت عبيد الله عن نافع عن عبد الله قال : ' إذا لم يجمع الرجل الصوم من الليل فلا يصوم ' .
____________________
(2/281)
وقد روى حديث عبد الله عن حفصة مرفوعا أبو داود في سننه بإسناده مثله ، وقال لا نعرفه مرفوعا إلا عن أحمد بن صالح عن ابن وهب عن ابن لهيعة ، ويحي بن أيوب عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه .
ورواه الترمذي عن إسحاق بن منصور عن سعيد بن أبي مريم عن يحي بن أيوب عن عبد الله بن أبي بكر بإسناده مثله ، وقال : لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه .
ورواه أيضا ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن خالد بن مخلد عن إسحاق بن حازم بن عبد الله بن أبي بكر بن عمر بن حزم عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر عن حفصة مرفوعا .
وقال النميري : قلت لأبي عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - كيف إسناد حديث النبي : ' لا صوم لمن لم يجمع الصوم ' قال : أخبرك ، ما له عندي ذلك الإسناد ؛ لأنه عن ابن عمر وحفصة إسنادان جيدان .
وقال الأثرم : سمعت أبا عبد الله وذكر قول ابن عمر وحفصة : ' لا صيام لمن لم يجمع الصيام قبل الفجر ' .
قلت له : لقد رفعه يحي بن ايوب المصري عن عبد الله بن أبي بكر عن الزهري عن سالم عن أبيه عن حفصة عن النبي ، وكأنه لم يثبته .
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سألت أبي عن حديث رواه معن القزاز عن إسحاق بن حازم عن عبد الله بن أبي بكر عن سالم عن أبيه عن حفصة عن النبي قال : ' لا صيام لمن لم ينو من الليل ' .
ورواه يحي بن أيوب عن عبد الله بن أبي بكر عن الزهري عن سالم عن أبيه عن حفصة عن النبي .
قلت لأبي : أيهما أصح ؟ قال : لا أدري ، لأن عبد الله بن أبي بكر قد أدرك سالما ، وروى عنه ، ولا أدري هذا الحديث مما سمع من سالم أو سمعه من الزهري عن سالم ؛ فقد روي عن الزهري عن حمزة عن حفصة غير مرفوع وهذا عندي اشبه .
1025 - الحديث الثالث : قال الدارقطني : وثنا محمد بن مخلد ثنا إسحاق بن أبي إسحاق قال : ثنا الواقدي ثنا محمد بن هلال عن أبيه : أنه سمع ميمونة بنت سعد تقول : سمعت رسول الله يقول : ' من أجمع الصوم من الليل فليصم ، ومن أصبح ، ولم يجمعه فلا يصم ' .
الواقدي : ضعيف .
____________________
(2/282)