بقلم
Almodhe1405@hotmail.com
almodhe@yahoo.com
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا ، أما بعد :
فقد كنت قرأت كتاب ( الدّر النضيد في تخريج كتاب التوحيد ) لمؤلفه الشيخ الفاضل / صالح بن عبد الله العصيمي - حفظه الله - فألفيته كتابًا اجتهد فيه مؤلفه ، وخدم فيه كتاب ( التوحيد ) لشيخ الإسلام / محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى ، وبث فيه من الفوائد الشيء الكثير ، أسأل الله تعالى أن يثيبه وأن يرفع درجته في الدنيا والآخرة .
ولكن كل عمل للبشر معرض للقصور ، فقد أبى الله أن يتم إلا كتابه ، وقد لحظتُ أثناء قراءتي للكتاب بعض ما أردتُ التنبيه عليه ، فكتبتُ عليه ما تيسر ، وقد اطَّلع على ما كتبته بعض الأخوة الأفاضل ، وذكروا أن كتب تخريج التوحيد الأخرى فيها بعض ما نبهتُ عليه ، وأشاروا عليَّ بمراجعتها ، فقمت بمراجعة ما تيسر منها ، ورأيت أن ما كتب في تخريج كتاب التوحيد نوعان :
النوع الأول :
كتب أُلفتْ أساسًا لهذا الغرض - وهو تخريج أحاديث الكتاب وذكر الأقوال فيها والأحكام من صحة أو ضعف - مثل كتاب ( الدّر النضيد ) السابق ذكره ، وكتاب ( النَّهج السديد في تخريج أحاديث تيسير العزيز الحميد ) لجاسم الفهيد الدوسريّ ، وكتاب ( ضعيف كتاب التوحيد ) لصغير بن عليّ الشمريّ .
النوع الثاني :(1/1)
كتب لم تؤلف لهذا الغرض أساسًا ، وإنما جاء التخريج تبعًا ، وهو ما كتب في تحقيق شروح كتاب التوحيد ، كتحقيق كتاب ( فتح المجيد ) للشيخ / الوليد الفريان ، وتحقيق كتاب ( فتح الله الحميد المجيد ) للشيخ / بكر أبو زيد ، وتحقيق كتاب ( القول المفيد ) للشيخ / خالد المشيقح ، وتخريجات هذه الكتب تختلف عن كتب النوع الأول بأنها تكتفي غالبًا بالعزو المجرد لمن أخرج الحديث فقط ، ونقل كلام بعض أهل العلم عليه أحيانًا ، بلا خوض في التفاصيل أو اجتهاد في بيان الحكم .
والمقصود هنا أساسًا هو كتب النوع الأول ، وقد تذكر كتب النوع الثاني أحيانًا إذا اقتضى الأمر ذكرها .
وهذه التنبيهات التي ذكرتها على هذه الكتب تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول :
أن يكونوا قد ضعفوا حديثًا له طرق ، أو شواهد أخرى تصححه أو تقويه لم يذكروها ، ومن أمثلة ذلك :
* حديث عمران بن حصين رضي الله عنه في الذي لبس حلقة من صفر من الواهنة .
* وحديث حذيفة في الذي وضع في يده خيطًا من الحمَّى .
* وحديث ابن مسعود ( لأن أحلف بالله كاذبًا أحبُّ إليَّ من أن أحلف بغيره صادقًا ) .
* وحديث ابن عباس في تسمية آدم لابنه ( عبد الحارث ) .
القسم الثاني :
أن يحصل خلط في أسماء الرجال ، كما وقع فيه صاحب ( الدّر النضيد ) في حديث :
* ( إن الرقى والتمائم والتولة شرك ) .
* وفي حديث ( اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد )
* وفي حديث ( إن الله هو الحكم وإليه الحكم ) .
* وكما وقعوا فيه كلهم في حديث ( ما السماوات السبع والأرضون السبع في كف الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم ) .
القسم الثالث :
أن يكون التضعيف لاستشكال المعنى واستنكاره :
* كحديث ابن عباس في تسمية آدم لابنه ( عبد الحارث )
* وكحديث الذي دخل النار في ذباب .(1/2)
وبما أن مقصد الجميع هو خدمة كتاب ( التوحيد ) فقد رأيت إتمامًا لمقصدهم أن أذكر هذه التنبيهات ، وقد حاولت الاختصار قدر الإمكان ، مع اعترافي بقصوري وقلة علمي ، ولا أزعم أن الصواب حليفي في كل ما ذكرته ، ولكنني اجتهدت وما توفيقي إلا بالله ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
وكتب
ناصر بن حمد بن حميِّن الفهد
تنبيه
قال في ( الدّر النضيد ) ص 12 : وكل ما ضعفته مما أورده الإمام من هذا القسم فقد سبق الإمام حافظ معتمد فقواه وإليك البيان : - ثم أخذ يذكر الأحاديث التي ضعفها ومن قواها من الحافظ - ثم قال :
ولم أجد شيئًا أورده وضعفته ولم يسبق إلى تقويته - فيما علمت - إلا أربعة أحاديث وثلاثة موقوفات :
وأرقام المرفوعات ( 90 ، 106 ، 136 ، 159 ) .
وأرقام الموقوفات ( 88 ، 113 ، 157 ) أ.هـ .
قلت :
* أما الحديث رقم (106) وهو حديث ( الرجلين الذين اختصما فقال أحدهما : نترافع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال الآخر : بل إلى كعب بن الأشرف .. الحديث ) فقد قواه شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ ابن حجر رحمهما الله تعالى كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
( وأما الحديث رقم (159) وهو حديث « ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ... الحديث » ، فقد صححه ابن حبان (1) والحاكم (2) ، وكان الحافظ ابن حجر مال إلى تقويته فإنه قال بعد ذكر تصحيح ابن حبان له (3) : ( وله شاهد عن مجاهد أخرجه سعيد بن منصور في ( التفسير ) بسند صحيح عنه ) أ.هـ .
* وأما الحديث رقم (113) وهو حديث ابن مسعود ( لأن أحلف بالله كاذبًا أحبّ إليَّ أن أحلف بغيره صادقًا ) . فهو صحيح كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
__________
(1) صحيح ابن حبان - ت : الأرناؤوط - (2/76) رقم 361] .
(2) المستدرك (2/598 رقم 4166] .
(3) فتح الباري (13/506) ح 7419] .(1/3)
* وأما الحديث رقم (157) وهو حديث ابن عباس : ( ما السماوات السبع والأرضون السبع في كف الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم ) . فقد أشار إلى صحته شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وهو صحيح كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما
لرفع البلاء أو دفعه
* ( عن عمران بن حصين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى في يده حلقة من صُفر ، فقال : « ما هذا » ؟ قال : من الواهنة ، فقال : « انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنًا ؛ فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدًا » . رواه أحمد بسندٍ لا بأس به ) .
فيه تنبيهات :
الأول :
أنهم جميعًا حكموا بضعف هذا الحديث لعلة الانقطاع بين الحسن البصري وعمران (1) ، بينما حسّنوا حديث
عمران : « ليس منا من تطير أو تطير له » (2) . وهو من رواية الحسن عن عمران أيضًا ، ولم يتعرضوا لهذه العلة هناك مطلقًا ، فإن كان تضعيفهم للحديث هنا بسبب علل أخرى غير الانقطاع بين الحسن وعمران فقد ثبت الحديث عن الحسن من طريق سالمة من العلل كما سيأتي إن شاء الله تعالى ، وإن كان تحسينهم للحديث هناك لشواهد أخرى تقويه ، فها هنا شواهد أيضًا تقويه كما سيأتي إن شاء الله .
الثاني :
ذكر صاحب ( الدر النضيد ) (3) الحديث الذي رواه الطبراني في الكبير : ( حدثنا أسلم بن سهل الواسطي ثنا محمد
__________
(1) النهج السديد (55)] ، [ الدر النضيد (36) ] ، [ ضعيف كتاب التوحيد (14)] .
(2) النهج السديد (151)] ، [ الدر النضيد ) (97)] ، أما صاحب ( ضعيف كتاب التوحيد ) فقد ذكر أن ما لم يذكره في كتابه فهو صحيح عنده .
(3) الدر (ص 37)] ، أما صاحب ( النهج السديد ) وتبعه صاحب [ ضعيف كتاب التوحيد ] فلم يذكرا إلا طريق المبارك بن فضالة عن الحسن ، وطريق أبي عامر الخزاز عن الحسن ، وكلا الطريقين إلى الحسن ضعيفان .(1/4)
ابن خالد بن عبد الله ثنا هشيم عن منصور عن الحسن عن عمران بن حصين أنه رأى في يد رجلٍ حلقة من صفر فقال : ما هذه ؟ قال : من الواهنة ، قال : أما إنها لا تزيدك إلا وهنًا وإنك لو مت وأنت ترى إنها تنفعك لمت على غير الفطرة . قال المؤلف : وفي إسناده محمد بن خالد ضعيف الحديث ) (1) أ.هـ .
قلت : هذا الوجه عن الحسن ثابت من غير رواية محمد بن خالد :
فقد رواه الخلال (2) عن الميموني (3) قال : ( حدثنا أبو عبد الله - وهو الإمام أحمد - ثنا هشيم أخبرنا منصور عن الحسن عن عمران بن حصين أنه رأى في يد رجل حلقة
من صفر ، قال : فقال : ما هذه ؟ قال : من الواهنة . قال : فقال : أما إنها لن تزيدك إلا وهنًا ، ولو مت وأنت ترى أنها نافعتك لمت على غير ملة الفطرة ) .
ورواه ابن بطة أيضًا (4) قال : ( حدثنا إسحاق بن أحمد الكاذي (5) قال : حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثنا هشيم قال أخبرنا منصور عن الحسن عن عمران به ) أ.هـ . وهذا الإسناد صحيح إلى الحسن ، وهذه الرواية لها فائدتان :
الأولى :
صحة الطريق إلى الحسن من هذا الوجه ، ويبقى الكلام بعد ذلك على سماع الحسن من عمران فإن ثبت سماعه منه فهذا الإسناد صحيح إلى عمران رضي الله عنه بلا شك .
الثانية :
تصريح هشيم فيها بالإخبار فزال ما قد يخشى من تدليسه والذي قد يعلل به بعضهم .
فإن قيل : ولكن الحديث بهذا الإسناد - لو ثبت - موقوف ، فالجواب من وجهين :
الوجه الأول :
__________
(1) وقد ذكر هذا الحديث من هذا الوجه الألباني في [ الضعيفة 1029] وضعفه .
(2) السنة (5/64) رقم 1623] .
(3) عبد الملك بن عبد الحميد الميموني صاحب الإمام أحمد ، ثقة فاضل ، انظر ترجمته في التهذيبين وطبقات الحنابلة وغيرها .
(4) الإبانة الكبرى - القسم الأول - ت : معطي - (2/860) رقم 1172] .
(5) وثقه الخطيب البغدادي في [ تاريخ بغداد (6/400 )] ، ووصفه بالزهد .(1/5)
أنه في حكم المرفوع ، فمثله لا يكون إلا عن توقيف لقوله ( لمت على غير ملة الفطرة ) ، وقد ثبت أيضًا معناه مرفوعًا في أحاديث أخرى كأحاديث النهي عن التمائم ونحوها ، فهي تشهد لمعناه .
الوجه الثاني :
أن للحديث شواهد مرفوعة تقوي رفعه كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
التنبيه الثالث :
رجّح صاحب ( الدَر النضيد ) (1) أن أصح الوجوه عن الحسن هي رواية معمر عنه أ.هـ . والصواب أن طريق منصور عن الحسن أصح - والمؤلف لم يقف عليها فيما يظهر - لأن معمرًا في روايته عن العراقيين كلام ، وفي روايته عن الحسن البصري بالذات انقطاع فإنه لم يسمع من الحسن أصلاً ، فقد روى البخاري بإسنادٍ صحيح عنه (2) أنه قال : " خرجت مع الصبيان إلى جنازة الحسن ، فطلبت العلم سنة مات الحسن " . وقال الإمام أحمد : لم يسمع من الحسن ولم يره بينهما رجل ويقال إنه عمرو بن عبيد (3) . أما رواية منصور عنه فهي ثابتة وسالمة من العلل والله أعلم .
الرابع :
أن هناك شواهد لهذا الحديث تقوي من رفعه :
فقد روى الطبراني في الكبير (4) قال : حدثنا عبد الرحمن بن سهل الرازي ثنا سهل بن عثمان حدثني عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن الأحوص بن حكيم عن أبي سلمة الكلاعي قال سمعت ثوبان رضي الله عنه يقول : ( مر النبي - صلى الله عليه وسلم - برجلٍ من أصحابه وفي يده خاتم من نحاس ، فقال : « ما بال هذا » ؟ قال : من الواهنة ، قال : « انزعه عنك » .
قال الهيثمي في هذا الحديث (5) : ( وأبو سلمة الكلاعي التابعي لم أعرفه والأحوص بن حكيم وثقه ابن المديني وغيره وضعفه ابن معين وغيره وبقية رجاله ثقات ) أ.هـ .
__________
(1) الدر (ص37)] .
(2) التاريخ الصغير (2/107) – ت : المرعشلي - ] .
(3) جامع التحصيل (283)] .
(4) المعجم الكبير (2/99) رقم 1439] .
(5) مجمع الزوائد (5/154)] .(1/6)
وروى الطبراني أيضًا (1) قال : حدثنا أبو زيد الحوطي ثنا أبو اليمان ثنا عفير بن معدان عن سليم بن عامر عن أبي أمامة ( أن رجلاً دخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعليه خاتم من صفر ، فقال : ما هذا الخاتم ؟ قال : من الواهنة . قال : « أما إنها لا تزيدك إلا وهنًا » .
وقال فيه الهيثمي (2) : ( فيه عفير بن معدان وهو ضعيف ) أ.هـ .
فلعل هذه الروايات تجبر الانقطاع الذي في حديث الباب - إن شاء الله - إن قلنا بعدم سماع الحسن من عمران والله أعلم .
* ولابن أبي حاتم عن حذيفة أنه رأى رجلاً في يده خيط من الحمى فقطعه وتلا قوله : ? وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ ? .
قال في ( النهج السديد ) (3) : ( ضعيف ، رواه ابن أبي حاتم من طريق عروة بن الزبير عن حذيفة ، ولا يعرف لعروة سماع من حذيفة ) (4) ، وذكر نحوه صاحب ( الدّر النضيد ) (5) إلا إنه ذكر تصحيح السند وأن الصواب فيه ( عزرة ) وهو ابن عبد الرحمن الخزاعي وروايته مرسلة عن حذيفة أيضًا ، وهو كذلك في ( تفسير ابن أبي حاتم ) .
المطبوع (6) - وهو منقطع في كلا الحالتين .
قلت : والذي يظهر أنه صحيح فقد روي هذا الحديث من وجهٍ آخر بنحوه :
__________
(1) المعجم الكبير (8/167) رقم7700] .
(2) مجمع الزوائد (5/ 154)] .
(3) ص57) .
(4) ونقل محققو [ القول المفيد على كتاب التوحيد ] هذا الكلام في [(1/169)ح2] .
(5) ص40) .
(6) تفسير بن أبي حاتم (7/2208)] ، وقد ذكر في حاشية [ فتح المجيد (1/236) ح5)] (الأصل و(ض) و (هـ ) : عزة تصحيف ) هـ والظاهر أنه هو الصواب لوجوده كذلك في التفسير الأصل موافقًا لما ذكره في الشرح وأن عروة هو التحريف والله أعلم .(1/7)
قال الخلال (1) : ( ثنا أبو بكر المرّوذي - وهو أحمد بن محمد بن الحجاج صاحب الإمام أحمد المشهور - ثنا أبو عبد الله - وهو الإمام أحمد - ثنا وكيع ثنا الأعمش عن أبي ظبيان قال : دخل حذيفة على رجلٍ من عبس يعوده فمس عضده فإذا فيه خيط ، قال : ما هذا ؟ قال : شيئًا رقي لي فيه ، فقطعه ، وقال : لو مت وهو عليك ما صليتُ عليك » أ.هـ .
ورواه أيضًا من وجه آخر عن الأعمش فقال (2) : ( ثنا أبو بكر المرّوذي ثنا أبو عبد الله قال : ثنا عبد الرحمن - وهو ابن مهدي - عن سفيان - وهو الثوري - عن الأعمش عن أبي ظبيان أن حذيفة دخل على رجل يعوده ، فرآه قد جعل في عضده خيطًا قد رقي فيه ، قال : فقال : ما هذا ؟ قال : من الحمى ، فقام وهو غضبان : وقال : لو متَّ ما صليتُ عليك ) أ. هـ .
ورواه ابن بطة أيضًا (3) قال : حدثنا أبو شيبة قال : حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا وكيع قال حدثنا الأعمش به ، وقال أيضًا : حدثنا إسحاق بن أحمد الكاذي قال : حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثنا سفيان (4) عن الأعمش به .
وإسناده صحيح إن شاء الله ، فرجاله رجال الشيخين ،
وأبو ظبيان هو حصين بن جندب الكوفي ، ورواية الأعمش عنه كثيرة ومخرجة في الصحيحين فلا يعلل بتدليسه ، ويبقى سماع أبي ظبيان من حذيفة ، فقد قال الذهبي عنه (5) : ( يروي عن عمر وعلي وحذيفة والظاهر أن ذلك ليس بمتصل ) أ.هـ . وذكر المزي روايته عن حذيفة بصيغة الجزم (6) ، وذكر الدارقطني أنه لقي عمر وعلي (7) .
__________
(1) السنة (5/13) رقم1482] .
(2) السنة (5/64) رقم 1624] .
(3) الإبانة الكبرى ( ق1 ، 2/743 ) رقم 1030و1031] .
(4) هكذا في المطبوع من ( الإبانة ) وهناك سقط بالتأكيد في الإسناد ، فالراوي عن الأعمش هو الثوري ، ولم يدركه عبد الله بن أحمد .
(5) سير أعلام النبلاء (4/363)] .
(6) تهذيب الكمال (6/514)] .
(7) العلل (3/74)] .(1/8)
فإن ثبت أنه لقي عمر كما يقول الدارقطني فمن المؤكد أنه لقي حذيفة فقد بقي حذيفة بعد عمر أكثر من عشر سنين وسكن الكوفة وهي بلد أبي ظبيان ، وجملة القول إنه إن ثبت سماع أبي ظبيان من حذيفة - وهو قريب - فالإسناد صحيح وعلى شرط الشيخين ، وإن لم يثبت سماعه منه فالحديث يصح من الوجهين إن شاء الله تعالى .
باب ما جاء في الرقى والتمائم
* وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : « إن الرقى والتمائم والتولة شرك » .
فيه تنبيهات :
الأول - قال في ( النهج السديد ) (1) : ( أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة والبغوي في شرح السنة من طريق يحيى بن الجزار عن ابن أخي زينب امرأة ابن مسعود عن زينب عن ابن مسعود ، وفيه ابن أخي زينب
مجهول كما قال المنذري في ( الترغيب ) ، وقال الحافظ في التقريب : كأنه صحابي ولم أجده
مسمى ) أ.هـ ، وذكر في ( الدّر النضيد ) قريبًا من هذا (2) .
قلت : قد ذكر أهل العلم أن لزينب ابن أخٍ اسمه عمرو بن الحارث ، واختلفوا في تعينه ، فذهب جماعة إلى أنه هو عمرو بن الحارث بن المصطلق - أخو جويرية أم المؤمنين - الصحابي ، فقد ذكر بعضهم أن أباه هو صهر عبد الله بن مسعود (3) ، وذهب آخرون إلى أنه آخر كما نقل ابن حجر (4) قول بعضهم : ( إن في كثير من الروايات عن عمرو بن الحارث ابن أخي زينب ، وزينب ثقفية فيكون هو ثقفيًا ، اللهم إلا أن يكون ابن أخيها للأم أو الرضاعة ) أ. هـ ، مع اتفاقهم على توثيقه سواء كان الخزاعي أو الثقفي .
قال ابن حجر في التقريب : ( عمرو بن الحارث الثقفي ابن أخي زينب الثقفية ، ثقة ، من الثانية ، وهو غير الخزاعي
__________
(1) ص59) .
(2) ص41)
(3) انظر [ تهذيب الكمال (21/569 ، 570)]
(4) التهذيب (4/313)] .(1/9)
على المرجح ) أ. هـ (1) .
وقد وردت عدة أسانيد قريبة من إسناد الباب وفيها ( عن عمرو بن الحارث ابن أخي زينب امرأة ابن مسعود عن زينب ) (2) فلعله يكون هو المراد في إسناد الباب خصوصًا وأنه ورد بصيغة التعريف لا التنكير ، فإن كان هو المراد فإن الإسناد يصح لذاته مرفوعًا ، والله أعلم .
الثاني - قال في ( الدّر النضيد ) ص 42 : ( ووقع فيه - يعني سنن ابن ماجه - ابن أخت زينب (3) وهو وهم من بعض رواته - إن صحت النسخة ) أ.هـ .
قلت : قد ذكر ذلك المزي في تهذيبه (4) فقال : ( ابن أخي زينب الثقفية ( د) ويقال ابن أخت زينب (ق) أ.هـ ، فرمز له رمز سنن ابن ماجة ، وفي ( تحفة الأشراف ) (5) كذلك ، فنسخة ابن ماجة صحيحة ، وقد وقع كذلك في مسند أبي يعلى أيضًا (6) من طريق أبي خيثمة ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن يحيى بن الجزار عن ابن أخت زينب به أ.هـ . والله تعالى أعلم .
الثالث :
قال أيضًا في ( الدّر النضيد ) ص 42 : ( فرواه ابن حبان والطبراني عن العلاء بن المسيب عن المنهال - وعند الطبراني فضيل وهو غلط - ابن عمرو عن يحيى بن الجزار قال : فذكر القصة والحديث على صورة المرسل ) أ.هـ .
__________
(1) انظر مثلاً [ تهذيب الكمال (21/570)] ، [ تهذيب التهذيب (4/313)] ، [ التقريب 732] ، [ جامع الترمذي (3/28) رقم 636] .
(2) الترمذي (3/28) رقم 635] ، و [ الطبراني في الكبير (24/727)] ، وانظر [ فتح الباري (3/419) 1466] .
(3) وقد وقع في الكتاب ( ابن أخي زينب ) وهو خطأ مطبعي فليصحح .
(4) 31/252) .
(5) 7/170) .
(6) مسند أبي يعلى (9/133) رقم 5208] .(1/10)
قلت : قد غلّط المؤلف ما ورد في إسناد الطبراني من ذكر ( الفضيل بن عمرو ) ولا أدري ما سبب التغليط ؟ ! وجزم أنه ( المنهال بن عمرو ) وهذا هو الغلط ، ولا أدري أيهما أعجب ، تغليطه للصحيح ، أو جزمه بالغلط ؟ ! فقد ورد في صحيح ابن حبان (1) أيضًا كما رواه الطبراني .
قال ابن حبان : ( حدثنا عمران بن موسى بن مجاشع قال حدثنا ابن فضيل عن العلاء بن المسيب عن فضل ابن عمرو عن يحيى بن الجزار به ) أ.هـ .
ورواه الطبراني في الكبير كذلك أيضًا فقال (2) : ( حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة ثنا أبي عن النضر بن محمد عن العلاء بن المسيب عن فضيل بن عمرو عن يحيى بن الجزار به ) أ.هـ .
وفضل بن عمرو هو الفقيمي أبو النضر الكوفي وهو الذي يروي عن يحيى بن الجزار ويروي عنه العلاء بن المسيب (3) ، وهو في الطبراني من رواية النضر بن محمد عن العلاء عنه ، وفي ابن حبان من رواية ابن فضيل - وهو محمد بن فضيل بن غزوان - عن العلاء عنه - فهو من وجهين عن العلاء بن المسيب كما سبق - ، أما المنهال بن عمرو فلم تذكر له رواية أصلاً عن يحيى بن الجزار ولا رواية للعلاء بن المسيب عنه ، فلا وجه للتغليط مطلقًا !! .
وعليه فقول المؤلف بناءً على تغليطه إسناد الطبراني : ( وقد اضطرب فيه المنهال فهكذا رواه عنه العلاء ... ) غلط فإن العلاء لم يروه عن المنهال ، بل رواه عن فضيل بن عمرو ، فهذا وجه آخر عن يحيى بن الجزار من غير رواية المنهال بن عمرو .
الرابع :
__________
(1) انظر [ صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان (13/456) رقم 6090] - ت : الأرناؤوط - أو (7/630) رقم 6058] – ت : الحوت - .
(2) المعجم الكبير (10/213) رقم 10503] .
(3) انظر [ تهذيب الكمال (23/278)] .(1/11)
وقال أيضًا في ( الدّر النضيد ) ص 42 : ( أخرجه الطبراني من حديث موسى بن داود الضبي ثنا أبو إسرائيل الملائي عن ميسرة به - يعني عن المنهال عن أبي عبيدة عن ابن مسعود - ، وخولف فيه موسى الضبي عن أبي إسرائيل فأخرجه الحاكم من طريق أخمد بن مهران ثنا عبيد الله ابن موسى ثنا [ أبو إسرائيل عن ميسرة بن حبيب عن المنهال بن عمرو عن قيس بن السكن الأسدي قال : ... فذكر القصة والحديث ] أ.هـ .
قلت : والموجود في المستدرك ( إسرائيل ) لا ( أبو إسرائيل ) فوضع [ أبو ] من تصرف المؤلف - وهذا يظهر من وضع المعقوفتين - وهو غلط ، فالذي في إسناد الحاكم هو إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق لا أبو إسرائيل الملائي لأمرين :
الأول :
أن إسرائيل بن يونس من نفس الطبقة ويروي عن
ميسرة ويروي عنه عبيد الله بن موسى (1) .
الثاني :
أنه ورد من غير طريق عبيد الله بن موسى أيضًا بذكر ( إسرائيل ) لا ( أبي إسرائيل ) فقد روى الطبراني في الأوسط ) . قال : (2)
( ثنا أحمد بن محمد بن صدقة ثنا زيد بن أخزم الطائي ثنا إسرائيل عن ميسرة بن حبيب عن المنهال بن عمرو عن قيس بن السكن أنه سمع عبد الله بن مسعود يقول : ( كان مما حفظنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرقى والتمائم والتولة من الشرك ) ، قالت امرأته : وما التولة ؟ قال : " التهييج " . ثم قال الطبراني : لم يرو هذا الحديث عن ميسرة إلا إسرائيل ) أ.هـ .
وعلى هذا فقول المؤلف ص 43 : ( فإنه غلط - يعني
__________
(1) انظر [ تهذيب الكمال ( 2/515)] .
(2) المعجم الأوسط (2/262) رقم 1465] – ت الطحان - .(1/12)
رواية عبيد الله بن موسى - والصواب حديث الضبي عن أبي إسرائيل به ليس فيه قيس .. ) أ.هـ إنما قاله بناءً على اعتقاده أن الروايتين كلتيهما من طريق أبي إسرائيل ، وهو خطأ ، فرواية الضبي عن أبي إسرائيل الملائي - وهو إسماعيل بن خليفة العبسي - إن ثبتت (1) - فهي وجه آخر عن ميسرة بن حبيب ويكون الترجيح بالنظر إلى الرواة عن ميسرة وهما إسرائيل بن يونس ، وأبو إسرائيل الملائي ، ولا مقارنة بينهما فإسرائيل ثقة من رجال الصحيح ، وأبو إسرائيل ضعيف فالراجح ذكر قيس بن السكن من هذا الوجه لرواية إسرائيل لها .
وعلى ما سبق في التنبيهين الثالث والرابع ، فقول المؤلف في ص 43 : ( وجميع الوجوه عن المنهال فيها ضعف إلا الأول ، وهو الصواب أي عن يحيى بن الجزار (2) بالقصة والحديث ) أ.هـ خطأ ، لأنه جعل رواية فضيل بن عمرو عن
يحيى بن الجزار غلطًا وجعله وجهًا للمنهال بن عمرو- وهو خطأ كما سبق بيانه - .
ومما تقدم يتضح أن الوجوه المذكورة عن المنهال بن عمرو إنما هي وجهان كما يلي :
الوجه الأول :
المنهال عن قيس بن السكن عن عبد الله به - وأخرجها الحاكم والطبراني في الأوسط - عن إسرائيل عن ميسرة بن حبيب عنه .
الوجه الثاني :
المنهال عن أبي عبيدة عن عبد الله به ، وهو عند الطبراني من طريق عاصم بن علي عن المسعودي عنه -وفيها ضعف-، ومن طريق أبي إسرائيل الملائي - وهو ضعيف - عن ميسرة بن حبيب عنه ، وقد خالفه إسرائيل كما تقدم .
والراجح من هذين الوجهين هي رواية إسرائيل بن يونس عن ميسرة بن حبيب عن النهال عن قيس بن السكن عن عبد الله به لأن رجالها ثقات رجال الصحيح ، أما
الوجه الآخر ففيه ضعف في رواته مما يرجح أنهم هم سبب الاضطراب فيه لا المنهال بن عمرو كما قال المؤلف ص 42 والله أعلم .
الخامس :
__________
(1) ففي النفس من ثبوت رواية أبي إسرائيل الملائي عن ميسرة شيء .
(2) ووقع في الكتاب ( يحيى بن الجزاء ) وهو خطأ مطبعي فليصحح .(1/13)
أنه قد ورد وجه آخر عن المنهال أيضًا في ( السنة ) لعبد الله بن أحمد و ( السنة ) للخلال ، حيث رويا جميعًا من طريق الإمام أحمد نا أبو كامل نا زهير عن عمرو بن قيس عن المنهال عن سيرين أخي أبي عبيدة - وعند عبد الله ( سيرين أم أبي عبيدة ) عن عبد الله قال : ( التمائم والرقى والتولة شرك ) .
وفي الإسنادين تصحيف ، ولعل الصواب هو عن ( سيرين أم أبي عبيدة ) فإن أم أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود اسمها ( سيرين ) (1) ، ولكنني لم أجد لها ذكرًا في كتب التراجم ولا بين رواة الآثار ، وروايتها قليلة جدًا ، فالله أعلم .
السادس :
ذكر في ( النهج السديد ) ص 60 ونحوه في الدّر النضيد ) ص 43 : ما أخرجه أبو عبيد في غريب الحديث من طريق إبراهيم عن عبد الله به موقوفًا . أ.هـ .
قلت : وقد رواه أيضًا ابن بطة (2) من طريق وكيع حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن أبي عبيدة عن عبد الله بنحوه ، وروى شاهدًا (3) له أيضًا من طريق عثمان الشحام سمعه من الحسن قال : كان أبو الحسن - يعني علي بن أبي طالب- يقول : ( إن كثيرًا من هذه التمائم والرقى شرك بالله عز وجل فاجتنبوها ) ، ورواه الخلال في ( السنة ) (4) أيضًا من طريق عثمان الشحام به .
وروى الخلال شاهدًا (5) آخر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى مرسلاً قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من تعلق التمائم ، وعقد الرقى ، فهو على شعبة من الشرك » .
باب ما جاء في الذبح لغير الله
__________
(1) انظر [ المحلى لابن حزم (6/189)] ، [ جمهرة أنساب العرب له أيضاً ص 197] . وقد ذكرت لها روايات في بعض كتب السنة ، انظر مثلاً [ المصنف ) لعبد الرزاق (4/310)] ، [ المعجم الأوسط (2/34)] ، و [ الكبير (9/176)] .
(2) الإبانة الكبرى ق (1 ، 2 /742) رقم 1029] .
(3) الإبانة (2/744) رقم 1032] .
(4) السنة (5/14) رقم 1483] .
(5) السنة (4/125) رقم 1326] .(1/14)
* وعن طارق بن شهاب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « دخل النار رجل في ذباب ، قالوا : وكيف ذلك يا رسول الله ؟ قال : مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئًا ، فقالوا لأحدهما : قرب ، قال : ليس عندي شيء أقرب . قالوا : قرب ولو ذبابًا . فقرب ذبابًا ، فخلوا سبيله ، فدخل النار . وقالوا للآخر : قرب . فقال : ما كنت لأقرب لأحد شيئًا دون الله عز وجل ، فضربوا عنقه ، فدخل الجنة » . رواه أحمد .
ذكر من خّرج هذا الحديث أنه صحيح ولكنه موقوف على سلمان الفارسي رضي الله عنه (1) ، وأراد بعضهم
تضعيفه (2) فأعله بأمرين :
الأول :
أنه من رواية طارق بن شهاب مرفوعًا وهو لم يسمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو مرسل .
والثاني :
أنه جاء من طريق الأعمش ، وهو مدلس وقد عنعن .
والجواب عن الأول :
أن الروايات الصحيحة جاءت من طريق طارق بن شهاب عن سلمان الفارسي موقوفًا ، فإن لم يصح مرفوعًا فقد صح موقوفًا والاستدلال به قائم على كلا الحالتين كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
والجواب عن الثاني من وجهين :
الأول : أنه ليس كل ما عنعنه المدلس الثقة يرد ، ولو فعلنا ذلك وطردناه لرددنا أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما في أسانيدها مدلسون ثقات قد عنعنوا ولم يأت تصريحهم بالتحديث من طريق أخرى .
الثاني : أن هذا الحديث قد ورد من طرق غير طريق الأعمش ، ومنها ما رواه ابن أبي شيبة قال : حدثنا وكيع قال ثنا سفيان عن مخارق بن خليفة عن طارق بن شهاب عن سلمان به (3) .
__________
(1) النهج السديد ) (68)] ، [ الدر النضيد (49)] ، [ ضعيف كتاب التوحيد (20)] .
(2) انظر [ القول المفيد على كتاب التوحيد (1/225)] .
(3) وقد ذكره في [ الدر (ص50)] .(1/15)
والمقصود هنا أن بعض من تكلم على هذا الحديث بالتضعيف إنما فعل ذلك لاستشكال معناه لأنه قد ثبت العذر بالإكراه في قوله تعالى : ? مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ? ، وهنا في هذا الحديث ثبت الوعيد لمن كفر بسبب الإكراه ، فإن الرجل
الذي قرَّب ذبابة للصنم إنما فعل ذلك خوفًا من القتل ، ولا إكراه أشد منه ، ومع ذلك دخل النار ، ولا إشكال في ذلك ولله الحمد ، فإنه لم يذكر في هذا الحديث أن هذين الرجلين من هذه الأمة ، والرخصة في الكفر بسبب الإكراه إنما ثبتت لهذه الأمة ولم يَرِدْ أنها ثبتت لغيرها من الأمم ، ومن المعلوم أن هذه الشريعة قد رفعت الآصار والأغلال التي كانت على الأمم قبلنا ، كما قال تعالى : ? رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ? وثبت في الصحيح أن الله سبحانه استجاب هذا الدعاء ، وكما قال تعالى : ? الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ? .
قال الشنقيطي رحمه الله تعالى (1) : - في قوله تعالى: ? إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن
تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً ? - :
__________
(1) أضواء البيان (4/73)] .(1/16)
( مسألة : أخذ بعض العلماء من هذه الآية الكريمة أن العذر بالإكراه من خصائص هذه الأمة ، لأن قوله عن أصحاب الكهف ? إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ ? ظاهر في إكراههم على ذلك وعدم طواعيتهم ، ومع هذا قال عنهم : ? وَلَن تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً ? فدلَّ ذلك على أنَّ ذلك الإكراه ليس بعذر ، ويشهد لهذا المعنى حديث طارق بن شهاب في الذي دخل النار في ذباب قرَّبه مع الإكراه بالخوف من القتل ، لأن صاحبه الذي امتنع أن يقرب ولو ذبابًا قتلوه .
ويشهد لهذا أيضًا دليل الخطاب - أي مفهوم المخالفة - في قوله - صلى الله عليه وسلم - : « إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه » . فإنه يفهم من قوله : « تجاوز لي عن أمتي » أن غير أمته من الأمم لم يتجاوز لهم عن ذلك ، وهذا الحديث وإِنْ أعلَّه الإمام أحمد وابن أبي حاتم فقد تلقاه العلماء قديمًا وحديثًا بالقبول ، وله شواهد ثابتة في القرآن العظيم والسنة الصحيحة ، وقد أوضحنا هذه المسألة في
كتابنا ( دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب ) في سورة الكهف في الكلام على قوله : ? إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ ? ولذلك اختصرناها ها هنا ) .
وقال في كتابه المذكور (1) :
( قوله تعالى : ? إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً ? هذه الآية تدلّ على أن المُكره على الكفر لا يفلح أبدًا ، وقد جاءت آية أخرى تدل على أن المكره على الكفر معذور إذا كان قلبه مطمئن بالإيمان ، وهي قوله تعالى : ? إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً ? الآية .
والجواب عن هذا من وجهين :
الأول :
__________
(1) دفع إيهام الاضطراب (189)] .(1/17)
أن رفع المؤاخذة مع الإكراه من خصائص هذه الأمة فهو داخل في قوله تعالى : ? َيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ? ويدل لهذا قوله - صلى الله عليه وسلم - : « إن
الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه » فهو يدل بمفهومه على خصوصه بأمته - صلى الله عليه وسلم - ، وليس مفهوم لقب لأن مناط التخصيص هو اتصافه - صلى الله عليه وسلم - بالأفضلية على من قبله من الرسل ، واتصاف أمته بها على من قبلها من الأمم ، والحديث وإن أعله أحمد وابن أبي حاتم فقد تلقاه العلماء قديمًا وحديثًا بالقبول ، ومِنْ أصرح الأدلة في أنَّ من قبلنا ليس لهم عذر بالإكراه حديث طارق بن شهاب في الذي دخل النار في ذباب قربه لصنم ، مع أنه قربه ليتخلص من شر عبدة الصنم ، وصاحبه الذي امتنع من ذلك قتلوه ، فعلم أنه لو لم يفعل لقتلوه كما قتلوا صاحبه ، ولا إكراه أكبر من خوف القتل ، ومع هذا دخل النار ولم ينفعه الإكراه ، وظواهر الآيات تدل على ذلك ، فقوله : ? وَلَن تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً ? ظاهر في عدم فلاحهم مع الإكراه ، لأن قوله : ? يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ ? صريح في الإكراه ، وقوله : ? رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ? مع أنه تعالى قال : قد فعلت ، كما ثبت في صحيح مسلم يدل بظاهره على أن التكليف بذلك كان معهودًا قبل ، وقوله
تعالى : ? وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ ? مع قوله : ? وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ? فأسند إليه النسيان والعصيان معًا يدل في الآية ، وقوله : ? رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ? مع قوله : ? كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ? ويستأنس بما ذكره البغوي في تفسيره عن الكلبي من أن المؤاخذة بالنسيان كانت من الإصر على من قبلنا ) أ.هـ .(1/18)
فإن قيل : فإن كان هذا الأمر منسوخًا في شريعتنا فكيف يتم الاستدلال به في الباب ؟
فالجواب : أن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى إنما استدل بالحديث هذا على أن الذبح لغير الله شرك ، وهذا باقٍ لم ينسخ ، والاستدلال به باقٍ أيضًا ، ومناسبة الحديث للباب واضحة جدًا ، فالباب هو ( باب ما جاء في الذبح لغير الله ) ، والحديث ظاهر في دلالته على تحريم الذبح لغير الله ، والمرفوع في هذه الأمة هو عدم العذر بالإكراه فقط ، فلا إشكال مطلقًا في الاستدلال به . والله تعالى أعلم .
باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين
يصيرها أوثانًا تعبد من دون الله
* روى مالك في الموطأ : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد ، اشتد غضب الله على قومٍ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » .
- قال في ( الدّر النضيد ) (ص72) : ( أخرجه مالك - وعنه ابن سعد في ( الطبقات الكبرى ) - عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار مرسلاً ، وهذا إسناد مرسل صحيح .
ورواه ابن عجلان عن زيد بن أسلم مرسلاً لم يذكر عطاء ، أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة ، وحديث مالك هو الصواب .
ثم قال : ورواه عمر بن محمد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري مثله مرفوعًا ... وهذا إسناد حسن ، وعمر بن محمد ثقة معروف ، ووصله للحديث ليس مخالفة لمالك لما عرف عن مالك من قصرٍ
للإسناد فيرسل أو يوقف ما يصله أو يرفعه غيره تحرزًا رحمه الله ) (1) أ.هـ .
قلت : هذا قاله بناءً على أن الذي في الإسناد هو عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العمري الثقة ، من رجال الصحيحين ، وقد تبع فيه ابن عبد البر رحمه الله تعالى في ( التمهيد ) (5/43) حيث قال : ( وقد أسند حديثه - أي مالك - هذا عمر بن محمد ، وهو من ثقات أشراف أهل المدينة ) أ.هـ .
__________
(1) وذكر نحو هذا في حاشية [ فتح الله الحميد المجيد ( 297ح1)] .(1/19)
وقد قال ابن رجب رحمه الله تعالى(1) : ( وروى مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : « اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد ، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » . ورواه محمد بن سليمان بن أبي داود الحراني حدثنا عمر بن محمد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن
النبي - صلى الله عليه وسلم - ، خرجه من طريقه البزار .
وعمر هذا هو ابن صهبان ، جاء منسوبًا في بعض نسخ مسند البزار ، وظن ابن عبد البر أنه عمر بن محمد ابن العمري ، والظاهر أنه وهم ) . أ.هـ .
وذكره أيضًا الهيثمي رحمه الله تعالى من رواية البزار عن أبي سيعد رضي الله عنه ثم قال :
( رواه البزار ، وفيه عمر بن صهبان وقد اجتمعوا على ضعفه ) . أ.هـ . وعمر بن صهبان ويقال بن محمد بن صهبان : ضعيف ، ضعفه أحمد وابن معين وابن المديني والبخاري والنسائي وأبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني وابن عدي وغيرهم (2) ، وهو يروي عن زيد بن أسلم كعمر بن محمد العمري الثقة ، فإن كان الذي في السند هو ابن صهبان كما ذكر ابن رجب والهيثمي فوصله للحديث ضعيف ، إذ لا مقارنة بين مالك الذي أرسله وابن صهبان الذي وصله .
وهذا لا يعني ضعف هذا الحديث لأنه ورد من وجه آخر عن أبي هريرة فقد رواه أحمد (3) قال : ( ثنا سيفان - هو ابن عيينة - عن حمزة بن المغيرة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : « اللهم لا تجعل قبري وثنًا ، لعن الله قومًا اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » أ.هـ . ورجاله رجال مسلم إلا حمزة بن المغيرة وقد قال عنه ابن معين : لا بأس به (4) .
__________
(1) فتح الباري لابن رجب (3/246)] .
(2) انظر [ تهذيب الكمال (21/399)] ، و [ تهذيب التهذيب (4/279)] .
(3) المسند (2/246) رقم 7350] .
(4) تهذيب الكمال (7/340)] .(1/20)
وذكر ابن رجب (1) أيضًا أنه قد روي نحوه من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة بإسناد فيه نظر ، فهذا الطرق كلها تصحح الحديث إن شاء الله تعالى .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : « لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج » .
قال في ( النهج السديد ) (2) ( ضعيف جدًا بهذا التمام ) أ.هـ .
قلت : أما لعن زائرات القبور ، ولعن المتخذين عليها المساجد ، فقد وردتْ في روايات أخرى وقد ذكرها في ( الدر النضيد ) وغيره .
وأما لعن المتخذين عليها السراج : فقد قال في ( الدر النضيد ) ص 76 : ( وأما جملة لعن متخذي السراج فلا تصح ) ، وذكر غيره أنه لم يقف لها على شاهد (3) ، فإن قلنا بأن هذا
الحديث صحيح كما صححه الترمذي (4) والحاكم وابن حبان وتبعهم شيخ الإسلام (5) فلا كلام .
وإن قلنا بضعفه فلعل الإجماع على تحريم اتخاذ السرج على القبور مما يقويه - فإن الإجماع لا بد أن يستند إلى نصٍ كما هو معلوم - فقد قال شيخ الإسلام (6) : ( وبناء المسجد وإسراج المصابيح على القبور مما لم أعلم فيه خلافًا أنه معصية لله ورسوله ) أ.هـ . وقال (7) : ( وكذلك إيقاد المصابيح في هذه المشاهد مطلقًا لا يجوز بلا خلافٍ أعلمه للنهي الوارد ) أ.هـ . والله تعالى أعلم .
باب ما جاء في السحر
__________
(1) الفتح (3/246)] .
(2) ص (116) ، ونحوه في [ الدر النضيد (37)] ، [ ضعيف كتاب التوحيد ( ص 22)] .
(3) انظر ( إرواء الغليل ) (3/211) ، ( ضعيف كتاب التوحيد (ص 24)] .
(4) وقد صححه الترمذي في نسخة كما ذكره شيخ الإسلام [ الفتاوى (24/348)] ، [ الاقتضاء (1/299)] ، وذكره ابن رجب [ الفتح (3/200)] .
(5) وقد أطال في الرد على من علله في [ الفتاوى (24/348 - 352) ] .
(6) الفتاوى (31/45 ، 60)] .
(7) الاقتضاء (2/677)] .(1/21)
* وفي صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة قال : كتب عمر بن الخطاب أن اقتلوا كل ساحرٍ وساحرةٍ . قال : فقتلنا ثلاث سواحر .
- قال في ( النهج السديد ) : ( والحديث ليس عند البخاري بهذا اللفظ ) أ.هـ . ونحوه قال في ( الدر النضيد ) (1) .
قلت : الحديث مروي بنفس إسناد البخاري المخرج في الصحيح ، فقد أخرجه البخاري في ( باب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب ) من ( كتاب الجزية ) مختصرًا بلفظ (2) :
( أتانا كتاب عمر بن الخطاب قبل موته بسنة : فرّقوا بين كل ذي محرم من المجوس ، ولم يكن أخذ الجزية من المجوس
حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذها من مجوس هجر ) . أ.هـ .
وهذا نص كامل الحديث وهو من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار سمع بجالة بن عبدة يقول :
( كنت كاتبًا لجزء بن معاوية عم الأحنف بن قيس ، فأتانا كتاب عمر قبل موته بسنه ( أن اقتلوا كل ساحر وساحرة ، وفرقوا بين كل ذي محرم من المجوس ، وانهوهم عن الزمزمة ) ، فقتلنا ثلاث سواحر ، وجعلنا نفرق بين الرجل وحريمته في كتاب الله ، وصنع لهم طعامًا كثيرًا ، ودعا المجوس ، وعرض السيف على فخذه ، وألقى وقر بغل أو بغلين من ورق ، وأكلوا بغير زمزمة ، ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذها من مجوس هجر ) .
وقد ذكر الذهبي رحمه الله تعالى هذا النص كاملاً - وفيه النص المذكور في الباب وهو ( أن اقتلوا كل ساحرٍ
وساحرة ) - ثم قال (3) : ( هذا حديث غريب مخرج في صحيح البخاري وسنن أبي داود والنسائي والترمذي من طريق سفيان ) . أ.هـ .
__________
(1) النهج السديد (ص 143)] ، [ الدر النضيد (ص 86)] .
(2) انظر [ الفتح (6/316) ك 58 ، ب 1 ، ح 3156] .
(3) سير أعلام النبلاء (1/69 ، 70)] .(1/22)
فقد ذكر هو أيضًا - كالشيخ رحمه الله - أن هذا الحديث مروي بهذا النص في صحيح البخاري ، فيحتمل أن يكون هذا الحديث موجود بكامله في بعض نسخ صحيح البخاري ومختصرٌ في بعضها الآخر ويحتمل أنه قد جعل المتن كله على شرط البخاري وروايته - وإن لم يخرجه البخاري كله - لأن الإسناد والمتن واحد ، والله تعالى أعلم .
باب قول الله تعالى ? أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ ? الآية
* وقال الشعبي : كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة ، فقال اليهودي : نتحاكم إلى محمد ، عرف أنه لا يأخذ الرشوة ، وقال المنافق : نتحاكم إلى اليهود ، لعلمه أنهم يأخذون الرشوة ، فاتفقا أن يأتيا كاهنًا في جهينة فيتحاكما إليه ، فنزلت : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ } ... الآية ) .
وقيل نزلت في رجلين اختصما فقال أحدهما : نترافع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقال الآخر : إلى كعب بن الأشرف ، ثم ترافعا إلى عمر ، فذكر له أحدهما القصة ، فقال للذي لم يرض برسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكذلك ؟ قال : نعم ، فضربه بالسيف فقتله .
- قال في ( النهج السديد ) ص 216 - عن أثر الشعبي : ( ضعيف بهذا اللفظ ، رواه ابن جرير عن الشعبي مرسلاً فهو
ضعيف لإرساله ) .
وقال عن الأثر الثاني : ( موضوع مختلق ، فقد علقه الواحدي في أسباب النزول ، والبغوي في تفسيره من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، وهذا سند تالف ، الكلبي كذاب ، وأبو صالح متروك ، ولم يسمع من ابن عباس (1) .
وقال في ( الدر النضيد ) ص 132 عن الأثر الثاني : ( ضعيف جدًا ، ثم ذكر أنه من رواية الكلبي عن أبي صالح باذام عن ابن عباس به قال : وهذه سلسلة الكذب ) . أ.هـ .
__________
(1) ونحوه في [ ضعيف كتاب التوحيد ( ص 46)] .(1/23)
قلت : الأثر المذكور له شواهد ، وقد قوّاه الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى حيث قال (1) :
( وقد روى الكلبي في تفسيره عن أبي صالح عن ابن عباس قال : " نزلت هذه الآية في رجلٍ من المنافقين كان
بينه وبين يهودي خصومة ، فقال اليهودي : انطلق بنا إلى محمد ، وقال المنافق : بل نأتي إلى كعب بن الأشراف فذكر القصة . وفيه أن عمر قتل المنافق وأن ذلك سبب نزول هذه الآيات وتسمية عمر ( الفاروق ) .
ثم قال الحافظ : وهذا الإسناد وإن كان ضعيفًا لكن تقوَى بطريق مجاهد ولا يضره الاختلاف لإمكان التعدد ، وأفاد الواحدي بإسناد صحيح عن سعيد عن قتادة أن اسم الأنصاري المذكور ( قيس ) ، ورجح الطبري في تفسيره وعزاه إلى أهل التأويل في تهذيبه أن سبب نزولها هذه القصة ليتسق نظام الآيات كلها في سبب واحد ، قال : ولم يعرض بينها ما يقتضي خلاف ذلك ، ثم قال : ولا مانع أن تكون قصة الزبير وخصمه وقعت في أثناء ذلك فيتناولها لعموم الآية والله أعلم ) .
وكان الحافظ ابن حجر قد ذكر طرق القصة قبل هذا فقال :
( روى إسحاق بن راهويه في تفسيره بإسناد صحيح عن الشعبي قال : ( كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين
خصومة ، فدعا اليهودي المنافق إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه علم أنه لا يأخذ الرشوة ، ودعا المنافق اليهودي إلى حكامهم لأنه علم أنهم يأخذونها ، فأنزل الله هذه الآيات إلى قوله : ( ويسلموا تسليمًا ) ، وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد نحوه ، وروى الطبري بإسناد صحيح إلى ابن عباس : ( أن حاكم اليهود يومئذ كان أبا برزة الأسلمي قبل أن يسلم ويصحب ) وروى بإسناد آخر صحيح إلى مجاهد أنه كعب بن الأشراف ) أ.هـ .
__________
(1) الفتح (5/48) ح2360] .(1/24)
وهذا القول الذي ذكره شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في سبب نزول الآية - وهو أنها نزلت بسبب المتحاكمَين إلى الطاغوت هو ما رجحه شيخ المفسرين ابن جرير رحمه الله تعالى (1) حيث روى هذه القصة عن الشعبي ومجاهدة وقتادة وغيرهم ثم رجح أن تكون هي سبب نزول الآية كما ذكره الحافظ فيما سبق .
وقد قواها أيضًا شيخ الإسلام رحمه الله تعالى حيث قال (2) : ( ويؤيد ذلك ما رواه أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن دحيم في تفسيره حدثنا شعيب بن شعيب حدثنا أبو المغيرة حدثنا عتبة بن ضمرة حدثني أبي أن رجلين اختصما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقضى للمحق على المبطل ، فقال المقضي عليه : لا أرضى ، فقال صاحبه : فما تريد ؟ قال : أن نذهب إلى أبي بكر الصديق ، فذهب إليه ، فقال الذي قضي له : قد اختصمنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقضى لي عليه ، فقال أبو بكر : فأنتما على ما قضى به النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأبى صاحبه أن يرضى ، قال : نأتي عمر بن الخطاب ، فأتياه ، فقال المقضي له : قد اختصمنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقضى لي عليه فأبى أن يرضى ، ثم أتينا أبا بكرٍ الصديق فقال : أنتما على ما قضى به النبي - صلى الله عليه وسلم - فأبى أن يرضى ، فسأله
عمر فقال : كذلك ، فدخل منزله ، فخرج والسيف بيده قد سله فضرب به رأس الذي أبى أن يرضى فقتله ، فأنزل الله تبارك وتعالى : ? فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ? .
__________
(1) جامع البيان (4/162)] .
(2) الصارم المسلول (2/81 : 85)] .(1/25)
ثم قال الشيخ : وهذا المرسل له شاهد من وجهٍ آخر يصلح للاعتبار . قال ابن دحيم : حدثنا الجوزجاني حدثنا أبو الأسود حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير قال : اختصم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلان فقضى لأحدهما ، فقال الذي قُضِيَ عليه : ردنا إلى عمر ، فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : « نعم انطلقوا إلى عمر » . فانطلقا فلما أتيا عمر قال الذي قُضِيَ له : يا ابن الخطاب إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى لي ، وإنَّ هذا قال : ردنا إلى عمر . فردنا إليك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال عمر : أكذلك ؟ للذي قُضِيَ عليه ، قال : نعم ، فقال عمر : مكانك حتى أخرج فأقضي بينكما ، فخرج مشتملاً على سيفه
فضرب الذي قال : ردنا إلى عمر فقتله ، وأدبر الآخر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، قتل عمر صاحبي ، ولولا ما أعجزته لقتلني ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « ما كنت أظن أن عمر يجتري على قتل مؤمن » ، فأنزل الله تعالى : ? فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ? فبرَّأ الله عمر من قتله ، ثم قال الشيخ : وقد رويت هذه القصة من غير هذين الوجهين ، قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل : ما أكتب حديث ابن لهيعة إلا للاعتبار والاستدلال وقد أكتب حديث هذا الرجل على هذا المعنى كأني استدل به مع غيره يشدّه ، لا أنه حجة إذا انفرد ) . أ.هـ .
باب قول الله تعالى : ? فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً ? الآية .
* وقال ابن مسعود : لأن أحلف بالله كاذبًا أحب إليَّ من أن أحلف بغيره صادقًا .
* قال في ( الدّر النضيد ) ص 137 : ( ضعيف ، أخرجه عبد الرازق والطبراني في الكبير من طريق مسعر بن كدام عن وبرة بن عبد الرحمن قال : قال ابن مسعود .. فذكره . ثم قال المؤلف : وإسناده منقطع ) أ.هـ .
قلت : والكلام على هذا من وجهين :(1/26)
الوجه الأول : أن عبد الرزاق لم يروه من طريق مسعر كما ذكر صاحب ( الدّر ) بل رواه من طريق الثوري عن أبي سلمة عن وبرة ، وإنما الذي رواه من طريق مسعر عن وبرة هو الطبراني .
الوجه الثاني : أن هذا الحديث له طرق منها :
الأول : ما رواه الطبراني في الكبير - وهو الذي ذكره المؤلف - من وجهين عن مسعر بن كدام عن وبرة بن عبد
الرحمن قال : قال ابن مسعود : ( لأن أحلف بالله كاذبًا أحبّ إلي من أن أحلف بغيره صادقًا ) .
وقال فيه الهيثمي في المجمع (4/177) : ( ورجاله رجال الصحيح ) أ.هـ .
ومسعر ووبرة من رجال الشيخين ، ولكن يبقى الكلام في العلة التي ذكرها المؤلف وهو الانقطاع بين وبرة وابن مسعود فيقال :
لعل هذا المتن محفوظ عن عبد الله بن عمر لا عبد الله بن مسعود لأمرين :
الأول : أن وبرة بن عبد الرحمن إنما يروي عن ابن عمر ، ولم أر له رواية عن ابن مسعود ، وأكثر روايات الباب فيها عن ( عبد الله ) فربما جعلها بعض الرواة عن ابن مسعود لأنه المراد غالبًا عند الإطلاق ، ويؤيد هذا أنه مروي عن أبي بردة الأشعري كما سيأتي إن شاء الله ، وهو كذلك يروي عن ابن عمر لا ابن مسعود .
الثاني : أن عبد الرزاق (1) ، رواه عن الثوري عن أبي سلمة عن وبرة قال : ( قال عبد الله - لا أدري ابن مسعود أو ابن عمر - ) أ.هـ ، وكذلك رواه ابن حزم (2) من طريق عبد الرزاق عن الثوري كذلك .
فإن كان الأمر كذلك ، وكان هذا المتن محفوظًا عن ابن عمر لا عن ابن مسعود ، فالمتن صحيح متصل ولا إشكال فيه بحمد الله ، وإن لم يكن كذلك ، بل كان مرويًا فعلاً عن ابن مسعود فإنه يصح إن شاء الله تعالى بطرقه الأخرى .
__________
(1) المصنف (8/469)] .
(2) المحلى (6/284)] .(1/27)
الطريق الثاني : ما رواه ابن أبي شيبة في المصنف (1) قال : حدثنا وكيع عن مسعر عن عبد الملك بن ميسرة عن أبي بردة (2) قال : قال عبد الله : ( لأن أحلف بالله كاذبًا أحب إليّ
من أن أحلف بغيره صادقًا ) .
قال في ( الدّر النضيد ) ص 138 : ( عن أبي بردة هكذا ، ويغلب على ظني أنه محرف من وبرة ) أ.هـ . ولا يظهر أبدًا أن السند هذا فيه تحريف لأمور :
الأول :
عدم وجود أي سبب للحكم بالتحريف على هذا السند إلا رواية وبرة الأخرى ، وهذا لا يكفي في ذلك ، بل يكون هذا سند آخر .
الثاني :
أن رواية وبرة عن عبد الله يرويها عنه مسعر بلا واسطة ، وهنا بين مسعر وبين أبي بردة عبد الملك بن ميسرة ، فالاختلاف ليس فقط بين ( وبرة ) و ( أبي بردة ) حتى يقال بأن السند تصحف .
الثالث :
أنه من البعيد أن يروي عبد الملك بن ميسرة عن وبرة - وإن كان واردًا - لأنهما من طبقة واحدة بينما أبو بردة من طبقة أعلى .
فعلى هذا ، فهذا طريق آخر غير الطريق الأول ، ويبقى البحث في ( عبد الله ) هل هو ابن مسعود أو ابن عمر ؟ وقد سبق البحث في ذلك ، وأبو بردة هذا هو أبو بردة الأشعري وهو يروي عن ابن عمر ولم يدرك ابن مسعود ، فإن كان المراد هو ابن عمر فالمتن صحيح بهذا السند أيضًا والله تعالى أعلم .
الطريق الثالث : وهو ما رواه ابن حزم (3) من طريق ليث عن مجاهد عن ابن مسعود قال : ( لأن أحلف بالله كاذبًا أحب إليّ من أن أحلف بغير الله صادقًا ) .
باب قول ما شاء الله وشئت
__________
(1) المصنف (3/79) رقم 12281] – ت : الحوت .
(2) هكذا في المصنف بتحقيق الحوت ، والمؤلف نقله في [ الدر النضيد ] عن غيره باسم ( أبي وبرة ) ، و ( أبي بردة ) .
(3) المحلى (6/248)] – ت : البندراوي - .(1/28)
* عن قتيلة أن يهوديًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إنكم تشركون تقولون ما شاء الله وشئت ، وتقولون والكعبة ، فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا : " ورب الكعبة ، وأن يقولوا : ما شاء الله ثم شئت " . رواه النسائي وصححه .
- قال في ( الدّر النضيد ) ص 141 : ( صحيح الإسناد إلا أن له علة أخرجه النسائي من طريق مسعر بن كدام عن معبد بن خالد عن عبد الله بن يسار عن قتيلة بنت صيفي امرأة من جهينة قالت : ... فذكره ، وإسناده صحيح ، ثم قال المؤلف : وتقدم من حديث عبد الله بن يسار عن حذيفة - يعني حديث : (( لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان ، ولكن قولوا : ما شاء الله ثم شاء فلان )) - فيحتمل أن لعبد الله في الباب حديثين ، أو يكون حديثه عن قتيلة وهمًا ، فمنصور بن المعتمر - يعني الراوي عن عبد الله بن يسار حديث
حذيفة - أثبت من معبد بن خالد الجدلي ) أ.هـ .
قلت : لعل هذا الكلام مأخوذ من كلام المزي - رحمه الله تعالى - في ( تحفة الأشراف ) فإنه قال (1) : عندما ذكر حديث قتيلة : ( ورواه شعبة عن منصور عن عبد الله بن يسار عن حذيفة وقد مضى ) أ.هـ ، أو من قول النسائي رحمه الله تعالى في ( الكبرى ) فإنه قال (2) في حديث الباب : ( ذكر الاختلاف على عبد الله بن يسار فيه - ثم ذكر الروايتين - ) أ.هـ أو من غيرهما .
وهذه طريقة بعض المحدثين في تعليل بعض الأحاديث إذا رأوا اتفاقها في كثير من الألفاظ ورجعت إلى معنى متقارب ، وقد قال ابن رجب رحمه الله تعالى بعد كلامٍ له على التعليل باختلاف الأسانيد في ( قاعدة : إذا روى الحفاظ الأثبات حديثًا بإسناد واحد ، وانفرد واحد منهم
بإسناد آخر ) قال (3) :
__________
(1) التحفة (12/476)] .
(2) السنن الكبرى (6/245) رقم 10821].
(3) شرح العلل (ص 380)] - ت : السامرائي - .(1/29)
( واعلم أن هذا كله إذا علم أن الحديث الذي اختلف في إسناده حديث واحد ، فإن ظهر أنه حديثان بإسنادين لم يحكم بخطأ أحدهما ، وعلامة ذلك أن يكون في أحدهما زيادة على الآخر أو نقص منه أو تغير يستدل به على أنه حديث آخر فهذا كقول ابن المديني وغيره من أئمة الصنعة هما حديثان بإسنادين ... وكثير من الحفاظ كالدارقطني (1) وغيره لا يراعون ذلك ويحكمون بخطأ أحد الإسنادين وإن اختلف لفظ الحديثين إذا رجع إلى معنى متقارب ، وابن المديني ونحوه إنما يقولون هما حديثان بإسنادين إذا احتمل ذلك وكان متن ذلك الحديث يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه متعددة كحديث الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ) أ.هـ .
ومنه قول أبي حاتم رحمه الله تعالى وهو من أئمة الصنعة (2) في بعض الأحاديث التي ترجع إلى معنى متقارب : ( اللفظان ليسا متفقين وأرجو أن يكونا جميعًا صحيحين ) أ.هـ .
وحديثنا هنا هو من هذا الباب ، فإن المتنين بينهما اختلاف ظاهر ، فحديث حذيفة رضي الله عنه فيه النهي عن قول ما شاء الله وشاء فلان فقط ، وأما حديث قتيلة ففيه هذا وفيه النهي عن الحلف بغير الله ، بالإضافة إلى أن حديث قتيلة قصة وهي إنكار اليهودي كلام المسلمين في هذا قبل النهي وليس هذا في حديث حذيفة ، والله تعالى أعلم .
باب احترام أسماء الله تعالى
وتغيير الاسم لأجل ذلك .
__________
(1) وقد علل بعض الأحاديث الصحيحة بمثل هذا ، ورد عليه الحافظ وغيره باختلاف الألفاظ انظر مثلاً [ الإلزامات والتتبع 224 ، 302 ، 320 ، 351] .
(2) انظر [ العلل لابن أبي حاتم (1/283)] .(1/30)
* عن أبي شريح أنه كان يكنى أبا الحكم ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : « إن الله هو الحكم وإليه الحكم » . فقال : إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فأحكم بينهم فرضي كلا الفريقين ، فقال : « ما أحسن هذا ، فما لك من الولد » ؟ قلت : شريح ، ومسلم ، وعبد الله ، قال : « فمن أكبرهم )) ؟ قلت : شريح ، قال : « فأنت أبو شريح » . رواه أبو داود وغيره .
- قال في ( الدّر النضيد ) ص 147 : ( أخرجه أبو داود ، والنسائي ، والبخاري في التاريخ الكبير ، وفي الأدب المفرد ، والدولابي في الكنى ، والبيهقي عن يزيد بن مقدام بن شريح عن أبيه شريح عن أبيه هانئ أبي شريح الخزاعي به ) أ.هـ .
وفيه تنبيهان :
الأول : أن الإسناد هو : يزيد بن المقدام بن شريح عن أبيه عن جده عن أبيه هانئ به ، وهنا في الإسناد حصل فيه وهمان :
الأول : أنه جعل أبا يزيد بن مقدام شريحًا ، وهو خطأ ، فأبوه الذي يروي عنه هو مقدام بن شريح .
الثاني : أنه سقط في الإسناد ( عن جده ) وهو الواسطة بين مقدام وبين أبي شريح .
وعليه فقول المؤلف في حاشية الصفحة : ( إنه قد وقع في إسناد سنن النسائي تخليط يصحح من هنا ) فيه نظر فإن الإسناد الذي ذكره هو نفسه الموجود هناك ، فلعله قد حصل سقط أثناء الطباعة والله أعلم .
الثاني أن أبا شريح هذا هو الحارثي وليس الخزاعي ، والحارثي هذا هو هانئ بن يزيد وليس له في الكتب الستة إلا هذا الحديث عند أبي داود والنسائي فقط كما ذُكِرَ في
ترجمته (1) ، وأما أبو شريح الخزاعي فهو صحابي آخر أشهر من هذا ، وقد اختلف في اسمه اختلافًا كثيرًا ، وحديثه في الكتب الستة والله أعلم .
باب قول الله تعالى : ? فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً
جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء ? الآية .
__________
(1) انظر [ تهذيب الكمال (30/146)] .(1/31)
* وعن ابن عباس في الآية قال : لما تغشاها آدم حملت ، فأتاهما إبليس فقال : إني صاحبكما الذي أخرجتكما من الجنة لتطيعاني ، أو لأجعلن له قرني إيل فيخرج من بطنك فيشقه ، ولأفعلن ، ولأفعلن ، يخوفهما ، سمياه ( عبد الحارث ) ، فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتًا ، ثم حملت فأتاهما ، فقال مثل قوله ، وأبيا أن يطيعاه ، ثم حملت ، فأتاهما فذكر لهما فأدركهما حب الولد فسمياه ( عبد الحارث ) ، فذلك قوله تعال ? جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا ? .
- قال في ( النهج السديد ) ص 236 : ( ضعيف رواه أحمد والترمذي وحسنه ، وابن جرير والطبراني في الكبير والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وابن بشران في الأمالي من طريق عمر بن إبراهيم عن قتادة عن الحسن عن سمرة مرفوعًا ، وسنده ضعيف ، عمر ضعفوه في روايته عن قتادة ، والحسن
مدلس وقد عنعنه ، وفي سماعه من سمرة خلاف ، وقال الذهبي في الميزان : ( حديث منكر ) . أ .هـ . (1) .
- وقال في ( الدّر النضيد ) ص 150 : ضعيف ، أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن المبارك عن شريك عن خصيف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به ، وإسناده ضعيف ) .
قلت : والكلام على هذا من وجوه :
الوجه الأول :
__________
(1) وذكر نحوه في [ ضعيف كتاب التوحيد (ص 48)] .(1/32)
أن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى ذكر في الباب رواية ابن عباس الموقوفة عليه ، فذهب صاحب ( النهج السديد ) إلى تخريج رواية سمرة بن جندب المرفوعة وضعفها ، ولم يتعرض لرواية ابن عباس مطلقًا ، وتبعه على ذلك صاحب ( ضعيف كتاب التوحيد ) (1) ، وأما
صاحب ( الدر النضيد ) فإنه اقتصر على طريق واحد عن ابن عباس وضعفه ، ولم يتقص الطرق عنه كما هي عادته .
الوجه الثاني :
أن هذا الحديث ثابت صحيح بلا ريب ، فقد روي عن ابن عباس من وجوه ذكرها ابن جرير وغيره كما يلي :
1- فمنه ما ذكره صاحب ( الدر ) وهو ما رواه ابن أبي حاتم (2) وسعيد بن منصور من حديث خصيف عن سعيد بن جبير عن ابن عباسٍ به .
2- ومنها ما رواه ابن جرير (6/144) من طريق ابن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس بنحوه .
3- ومنها ما رواه أيضًا (6/145) من طريق محمد بن سعد حدثني أبي حدثني عمي حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس بنحوه .
4- ومنه ما رواه أيضًا (6/145) من طريق حجاج عن ابن جريج عن ابن عباس بنحوه .
5- وذكر ابن كثير في تفسيره (3) أنه روي من طريق العوفي عن ابن عباس بنحوه .
__________
(1) وذكر في [ ضعيف كتاب التوحيد (ص 49)] أن الحديث له علل أربع : ( الأولى : ضعف عمر ابن إبراهيم في قتادة ، والثانية : عنعنة الحسن ، والثالثة : الخلاف في سماع الحسن من سمرة ، والرابعة:= أن الحسن فسر الآية بخلاف روايته ) . وهذه العلل كما ترى كلها في حديث سمرة المرفوع ، ولم يتعرض للرواية التي ذكرها شيخ الإسلام مطلقًا ولم يخرجها !! ، مع أن هذه العلل مدفوعة أيضًا بالروايات الأخرى عن ابن عباس وأبي بن كعب ، وبما صح عن سمرة موقوفًا وبما صح عن مفسري السلف كمجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، وغيرهم .
(2) تفسير ابن أبي حاتم (5/1634)] .
(3) تفسير ابن كثير (3/527)] - ت : السلامة - .(1/33)
6- ورواه ابن جرير أيضًا عن عكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد وهؤلاء هم أشهر من أخذ التفسير عن ابن عباس رضي الله عنهما ، والحديث يصح بأقل من هذه الطرق .
الوجه الثالث :
أن هذا الحديث مروي عن غير ابن عباس أيضًا ، فقد
جاء من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه مرفوعًا وموقوفًا :
فرواه الإمام أحمد (5/11) ، والترمذي (5/267) رقم 3077 ، وابن جرير (6/146) ، وابن أبي حاتم (5/1631) ، والطبراني في الكبير (7/215) ، والحاكم (2/594) من طريق عمر بن إبراهيم عن قتادة عن الحسن عن سمرة به مرفوعًا وحسنه الترمذي وصححه الحاكم ووافقه الذهبي .
والإسناد هذا ضعيف ففيه علتان : ضعف رواية عمر عن قتادة خاصة ، والانقطاع بين الحسن وسمرة .
وذكر ابن كثير رحمه الله تعالى في التفسير (3/526) - السلامة - أن ابن مردويه رواه من حديث المعتمر - وهو ابن سليمان التيمي - عن أبيه عن الحسن عن سمرة مرفوعًا أيضًا ، وهذه متابعة جيدة ، رجالها ثقات ، إلا أنه يبقى سماع الحسن من سمرة ، فقد ذهب كثير من أهل العلم إلى أنه لم يسمع منه .
إلا أنه روي من وجهٍ آخر أيضًا عن سمرة موقوفًا رواه ابن جرير (6/144) قال :
( حدثني محمد بن عبد الأعلى قال حدثنا معتمر - وهو ابن سليمان التيمي - عن أبيه قال حدثنا أبو العلاء - وهو يزيد بن عبد الله بن الشخِّير - عن سمرة بن جندب أنه حدث أن آدم عليه السلام سمى ابنه عبد الحارث ) أ.هـ .
وهذا إسناد صحيح متصل ، رجاله ثقات أثبات ، أخرج لهم الجماعة إلا محمد بن عبد الأعلى وهو ثقة أخرج له مسلم .
أضف إلى ذلك أنه قد رواه ابن أبي حاتم (5/1633) وغيره عن أُبَيِّ بن كعب موقوفًا ، فكل هذه الطرق والروايات تجعل المنصف لا يستريب في ثبوت هذا الحديث : لذلك قال ابن جرير رحمه الله تعالى (6/147) :(1/34)
( وأولى القولين بالصواب قول من قال : عني بقوله ? فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء ? في الاسم لا في العبادة ، وأن المعني بذلك آدم وحواء لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك . أ.هـ .
ولهذا أيضًا صححه الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله تعالى .
الوجه الرابع :
أن جميع الذين خرَّجوا هذا الحديث من كتاب التوحيد - فيما وقفت عليه - قد أحالوا في رد ذلك على تفسير ابن كثير (1) ، وقد رد الحافظ ابن كثير هذه الآثار وعللها بعلل ترجع إلى أربع علل هي (2) :
1 . القدح في ( عمر بن إبراهيم ) راوي الحديث المرفوع عن سمرة .
2 . أنه مروي من قول سمرة نفسه .
3 . أن الحسن وهو الراوي عن سمرة فسر الآية بغير هذا
ولو كان هذا عنده عن سمرة مرفوعًا لما عدل عنه .
4. أن الظاهر في هذه الآثار أنها مأخوذة من أهل الكتاب ، قال : ( وكأنه- والله أعلم - أصله مأخوذ من أهل الكتاب ، فإن ابن عباس رواه عن أُبَيِّ بن كعب ) أ.هـ .
والجواب عن هذه العلل كما يلي :
أما العلة الأولى فردها : أنه قد ورد هذا الحديث عن سمرة رضي الله عنه مرفوعًا من غير طريق عمر بن إبراهيم هذا كما قاله ابن كثير نفسه حيث قال : ( ولكن رواه ابن مردويه من حديث المعتمر عن أبيه عن الحسن عن سمرة مرفوعًا ) أ.هـ . وهذا إسناد صحيح إلى الحسن فسقطت هذه العلة .
__________
(1) انظر [ الدر النضيد (150)] ، و [ ضعيف كتاب التوحيد (48 ، 49)] ، و [ فتح الله الحميد المجيد (418) ، ح 1] ، و [ فتح المجيد (2/732) ح 1] ، و [ القول المفيد (3/66)] ، و [ النهج السديد (ص 236)] ، وقال فيه ( وأما الآثار المروية في هذا المعنى فهي مأخوذة من الإسرائيليات كما قال الحافظ ابن كثير ) أ.هـ . وابن كثير رحمه الله تعالى لم يجزم بذلك كما جزم صاحب النهج السديد ، وأحال عليه بل قال : ( وكأنه والله أعلم أصله مأخوذ من أهل الكتاب ) أ.هـ .
(2) تفسير ابن كثير (3/526 ، 528)] .(1/35)
وأما العلة الثانية : فردها من وجهين :
الأول :
أن الموقف من حديث سمرة مختصر بخلاف المرفوع وإسناد المرفوع غير إسناد الموقوف ، وكلا الإسنادين صحيحان
إلى الحسن ، فالمتنان ليس نصهما واحدًا ، والإسنادان غير متفقين حتى يقال أخطأ بعضهم فرفع الموقوف .
الثاني :
أن الموقوف لا يعلل به المرفوع دائمًا بل بحسب القرائن ، وهنا لا يعتبر الموقوف علة يعلل بها المرفوع لأن الموقوف على سمرة رضي الله عنه في حكم المرفوع أصلاً ، فإن مثل هذا من أخبار الغيب فلا يتلقى إلا بالوحي .
وأما الجواب عن العلة الثالثة فمن وجوه :
الوجه الأول :
عدم التسليم بثبوت ذلك عن الحسن رحمه الله تعالى وأما قول ابن كثير رحمه الله - بعد ما ذكر الأسانيد عن الحسن في ذلك - : ( وهذه أسانيد صحيحة عن الحسن رحمه الله أنه فسر الآية بذلك ) أ.هـ . ففيه نظر ، بيانه كما يلي :
أما الإسناد الأول فهو من طريق ابن وكيع ثنا سهل بن يوسف عن عمرو عن الحسن ، وهذا إسناد تالف فيه ( عمرو
ابن عبيد ) المبتدع وهو متهم في روايته ، وكذبه غير واحدٍ فيما يرويه عن الحسن كما في كتب الرجال (1) .
وأما الإسناد الثاني فمن طريق معمر عن الحسن ، وهذا إسناد منقطع فإن معمرًا لم يسمع من الحسن شيئًا كما ثبت بإسناد صحيح في ( التاريخ الصغير ) (2) للبخاري عنه أنه قال : " خرجت مع الصبيان إلى جنازة الحسن ، فطلبت العلم سنة مات الحسن " . أ.هـ ، وقال الإمام أحمد : " لم يسمع من الحسن ولم يره ، بينهما رجل ويقال إنه عمرو بن عبيد " (3) . أ.هـ. ، والإسناد الأول - كما سبق - من طريق عمرو بن عبيد فمن الوارد جدًا أن يكون هو الواسطة بين معمر والحسن كما ذكر الإمام أحمد والله أعلم .
__________
(1) انظر [ الجرح والتعديل (6/246)] ، [ تهذيب الكمال (22/123)] .
(2) التاريخ الصغير (2/107)] .
(3) جامع التحصيل (283)] .(1/36)
وأما الإسناد الثالث فهو من طريق قتادة قال : كان الحسن يقول ، وقد ثبت عن شعبة رحمه الله تعالى أنه
قال : ( كنت أعرف إذا جاء ما سمع قتادة مما لم يسمع ، إذا جاء ما سمع يقول : " حدثنا أنس بن مالك وحدثنا الحسن وحدثنا سعيد وحدثنا مطرف " ، وإذا جاء ما لم يسمع يقول : " قال سعيد بن جبير ، قال أبو قلابة " ) أ.هـ (1) .
وهنا قال : كان الحسن يقول ، ولم يصّرح بالسماع وهذه علة قادحة فإن الإسنادين الأولين ضعيفان مدارهما على هالك هو عمرو بن عبيد - إن كان هو الواسطة بين معمر والحسن - وهنا لا ندري من الواسطة بين قتادة والحسن وقد يكون متلقى عن عمرو بن عبيد . والله أعلم .
الوجه الثاني :
أن تعليل ما رواه مرفوعًا بما روي عن من قوله ليس أولى من تعليل ما روي عنه بما رواه مرفوعًا والإسناد عنه في روايته عن سمرة أصح مما روي عنه من قوله .
الوجه الثالث :
أن الصحيح من أقوال أهل العلم أنه إذا تعارضت رواية المحدث مع رأيه يكون الحكم لروايته ، إن صحت ولو عللت الروايات المرفوعة بآراء الرواة لها لرددنا أحاديث كثيرة .
الوجه الرابع :
أن قول الحسن هذا . لو ثبت . فإنه معارض بما ثبت عن سمرة وابن عباس وغيرهم ، وبما ثبت عن مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وهم أعلم منه بالتفسير ، بل قد ذكر ابن جرير رحمه الله - كما سبق - أن هذا القول إجماع لأهل الحجة في التأويل .
وأما العلة الرابعة فالجواب عنها من وجهين :
الوجه الأول :
أن يقال : كيف يتفق المفسرون من الصحابة والتابعين والذين يرجع إليهم في تأويل القرآن على هذا التفسير ويروون فيه الأحاديث المرفوعة والموقوفة ، ويتناقلونه بينهم ، ولا يستنكرونه ، وينقضي عصرهم على هذا ، ثم يأتي من
__________
(1) المعرفة والتاريخ للفسوي (3/209)] ، [ العلل ومعرفة الرجال (3/242)] ، وانظر [ تهذيب الكمال (23/510)] .(1/37)
بعدهم بقرون من يكتشف أنهم ضالون في هذا التفسير ، وأنه في الأصل مأخوذ من الإسرائيليات ، وهل هذا إلا قدح في علماء الصحابة والتابعين ؟!
الوجه الثاني :
أنه لا يوجد أي دليل يدل على ما ذهب إليه ابن كثير في أنه مأخوذ من الإسرائيليات - لذلك لم يجزم به - ، وأما قوله : ( وكأنه والله أعلم أصله مأخوذ من أهل الكتاب ، فإن ابن عباس رواه عن أُبّيِّ بن كعب ) أ.هـ . فأي دليل في هذا ؟ فإن أُبّيِّ بن كعب رضي الله عنه من علماء الصحابة ولم يذكر من رواة الإسرائيليات ، ولعل ابن كثير رحمه الله تعالى سهى في ذلك وظنه كعب الأحبار فإنه قد قال في تاريخه : (1) ( وهكذا روي موقوفًا على ابن عباس ، والظاهر أن هذا متلقى عن كعب الأحبار ودونه والله أعلم ) أ.هـ ، وفي الجملة فكل هذه ظنون ولا حجة تحتها إلا استنكارهم للمعنى وسوف يأتي الكلام عن ذلك مفصلاً إن شاء الله تعالى .
وأما قول ابن كثير رحمه الله تعالى : (2) ( ليس المراد من هذا السياق آدم وحواء ، وإنما المراد من ذلك المشركون من ذريته ولهذا قال الله ? فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ? أ.هـ فلا حجة فيه أيضًا فإن هذا انتقال من أسلوب إلى أسلوب وهو المسمى بالالتفات وهو كثير في القرآن .
الوجه الخامس :
أن قول الذهبي فيه ( منكر ) ، واستنكار غيره له ، إنما يعود لاستشكالهم معناه ، وهو وقوع آدم عليه السلام في الشرك وهو من الأنبياء ، والحقيقة أنه لا إشكال فيه مطلقًا لأمرين :
الأول :
أن هؤلاء الذين استنكروا معناه ، وأرادوا تنزيه آدم عليه السلام عن هذا ، ليسوا أكثر توقيرًا للأنبياء ولا معرفة لحقوقهم من الصحابة والسلف رضوان الله عليهم ، وقد ثبت
هذا عنهم بما لا مجال للشك فيه - لو سلمنا أنه لم يثبت مرفوعًا - ، بل ذكر ابن جرير رحمه الله تعالى أن هذا إجماع لأهل التأويل .
الثاني :
__________
(1) البداية والنهاية (1/96)] .
(2) التفسير (3/528)] .(1/38)
أن هذا الأمر لم يكن شركًا في العبادة ، بل في الأسماء كما ذكر قتادة وغيره من السلف ، وكما تدل عليه الآثار ، وكما رجحه ابن جرير ، وكما قاله شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في مسائل الباب : ( الثالثة أن هذا الشرك في مجرد تسمية لم تقصد حقيقتها ) أ.هـ ، وهذا الأمر غايته أن يكون معصية ، والمعصية جائزة على الأنبياء - على الصحيح - إلا أنهم يتوبون منها كما ثبت ذلك في الكتاب والسنة ، وقد أثبت الله سبحانه المعصية لآدم عليه السلام في قوله تعالى : ? وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى ? وغيرها من الآيات .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى (1) :
( جمهور المسلمين على أن النبي لا بد أن يكون من أهل البر والتقوى ، متصفًا بصفات الكمال ، ووجوب (2) بعض الذنوب أحيانًا مع التوبة الماحية الرافعة لدرجته إلى أفضل مما كان عليه لا ينافي ذلك .
وأيضًا فوجوب كون النبي لا يتوب إلى الله فينال محبة الله وفرحه بتوبته وترتفع درجته بذلك ويكون بعد التوبة التي يحبها الله منه خيرًا مما كان قبلها ، فهذا مع ما فيه من التكذيب للكتاب والسنة غض من مناصب الأنبياء ، وسلبهم هذه الدرجة ، ومنع إحسان الله إليهم وتفضله عليهم بالرحمة والمغفرة .
ومن اعتقد أن كل من لم يكفر ولم يذنب أفضل من كل من آمن بعد كفره وتاب بعد ذنبه ، فهو مخالف لما علم
بالاضطرار من دين الإسلام ، فإنه من المعلوم أن الصحابة الذين آمنوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد كفرهم وهداهم الله به بعد ضلالهم ، وتابوا إلى الله بعد ذنوبهم أفضل من أولادهم الذين ولدوا على الإسلام .
__________
(1) منهاج السنة (2/393-451)] .
(2) هكذا في الأصل ، ولعل الصواب ( ووجود ) .(1/39)
وهل يشبّه بني الأنصار بالأنصار ، أو بني المهاجرين بالمهاجرين إلا من لا علم له ، وأين المنتقل بنفسه من السيئات إلى الحسنات بنظره واستدلاله وصبره واجتهاده ومفارقته عاداته ومعاداته لأوليائه وموالاته لأعدائه إلى آخر ما يحصل له مثل هذه الحال ؟ ) إلى أن قال (1) :
( فأين من يبدل الله سيئاته حسنات إلى من لم تحصل له تلك الحسنات ؟ ولا ريب أن السيئات لا يؤمر بها ، وليس للعبد أن يفعلها ليقصد بذلك التوبة منها ، فإن هذا مثل من يريد أن يحرك العدو عليه ليغلبهم بالجهاد ، أو يثير الأسد عليه ليقتله ، ولعل العدو يغلبه والأسد يفترسه ، بل مثل من يريد أن يأكل السم ثم يشرب الترياق ، وهذا جهل ، بل
إذا قدر من ابتلي بالعدو فغلبه كان أفضل ممن لم يكن كذلك ، وكذلك من صادفه الأسد ، وكذلك من اتفق أن شرب السم فسقي ترياقًا يمنع نفوذ سائر السموم فيه كان بدنه أصح من بدن من لم يشرب ذلك الترياق .
والذنوب إنما تضر أصحابها إذا لم يتوبوا منها ، والجمهور الذين يقولون بجواز الصغائر عليهم - أي على الأنبياء - يقولون إنهم معصومون من الإقرار عليها ، وحينئذٍ فما وصفوهم إلا بما فيه كمالهم ، فإن الأعمال بالخواتيم ، مع أن القرآن والحديث وإجماع السلف معهم في تقرير هذا الأصل .
فالمنكرون لذلك يقولون في تحريف القرآن ما هو من جنس قول أهل البهتان ، ويحرفون الكلم عن مواضعه كقولهم في قوله تعالى ? ِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ? أي : ذنب آدم وما تأخر من ذنب أمته ، فإن هذا ونحوه من تحريف الكلم عن مواضعه ) إلى أن قال (2) :
__________
(1) المنهاج ( ص400)] .
(2) المنهاج (ص403)] .(1/40)
( بل إذا اعترف الرجل الجليل القدر بما هو عليه من الحاجة إلى توبته واستغفاره ومغفرة الله له ورحمته دلّ ذلك على صدقه وتواضعه وعبوديته لله وبعده عن الكبر والكذب ، بخلاف من يقول ما بي حاجة إلى شيء من هذا ، ولا يصدر مني ما يحوجني إلى مغفرة الله لي ، وتوبته عليَّ ، ويصر على ما يقوله ويفعله بناء على أنه لا يصدر منه ما يرجع عنه ، فإن مثل هذا إذا عرف من رجل نسبه الناس إلى الكذب والكفر والجهل .
وقد ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله » . قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : « ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل » . فكان هذا من أعظم ممادحه .
وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : « لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم ، فإنما أنا عبد ، فقولوا : عبد الله ورسوله » . وكل من سمع هذا عظمه بمثل هذا الكلام .
وفي الصحيحين عنه أنه كان يقول : « اللهم اغفر لي خطيئتي ، وجهلي ، وإسرافي في أمري ، وما أنت أعلم به مني ، اللهم اغفر هزلي ، وجدي ، وخطئي ، وعمدي ، وكل ذلك عندي ، اللهم اغفر لي ما قدمت ، وما أخرت ، وما أسررت ، وما أعلنت ، وما أنت أعلم به مني ، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على شيء قدير » .
والغنى عن الحاجة من خصائص الربوبية ، فأما العبد فكماله في حاجته إلى ربه وعبوديته وفقره وفاقته ، فكلما كانت عبوديته أكمل كان أفضل ، وصدور ما يحوجه إلى التوبة والاستغفار مما يزيده عبودية وفقرًا وتواضعًا .
ومن المعلوم أن ذنوبهم ليست كذنوب غيرهم ، بل كما يقال ( حسنات الأبرار سيئات المقربين ) ، لكن كل يخاطب على قدر مرتبته ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : « كل بني آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون » . أ.هـ .
وكلامه رحمه الله تعالى في هذا الباب كثير ونفيس ولولا الإطالة لنقلته برمته فراجعه هناك ، والله تعالى أعلم .
باب ما جاء في قوله تعالى :(1/41)
? وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ? الآية
* وروي عن ابن عباس قال : « ما السماوات السبع والأرضون السبع في كف الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم » .
قال في النهج السديد ص281 : ( ضعيف ، رواه ابن جرير من طريق عمرو بن مالك النكري عن أبي الجوزاء عن ابن عباس ، وعمرو فيه جهالة ، ذكره ابن حبان في الثقات وقال : ( يخطئ ويغرب » . أ.هـ .
وقال في ( الدر النضيد ) ص 181 : ( ضعيف أخرجه ابن جرير عن عمرو بن مالك النكري عن ابن عباس رضي الله عنهما به ، وعمرو بن مالك المذكور في ترجمته من التهذيب
أن ابن حبان أورده في الثقات وقال : ( يخطئ ويغرب » (1) . أ.هـ .
وقال في ( ضعيف كتاب التوحيد ) ص 54 : ( في سنده عمرو بن مالك النكري ترجم له البخاري في التاريخ الكبير وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل وابن حبان في الثقات والذهبي في الميزان وابن حجر في التهذيب ولم يذكروا فيه جرحًا ولا تعديلاً ، وأما ابن عدي فقال في الكامل : منكر الحديث عن الثقات ، ويسرق الحديث ، وسمعت أبا يعلى يقول : عمرو بن مالك النكري كان ضعيفًا ، ثم ذكر ابن عدي له أحاديث مناكير ، ثم قال : ولعمرو غير ما ذكرت أحاديث مناكير بعضها سرقها من قوم ثقات ) . أ.هـ .
قلت والكلام على هذا من وجهين :
الوجه الأول :
أن هذا الحديث حسن على أقل الأحوال ، وقد أخطأ الثلاثة جميعًا في تضعيفه ، وأخطئوا جميعًا في كلامهم على
عمرو بن مالكٍ هذا ، وسبب هذا - والله أعلم - نقل بعضهم من بعض .
__________
(1) وذكروا نحو هذا في حاشية [ القول المفيد على كتاب التوحيد (3/297ح1)] .(1/42)
فإن عمرو بن مالك النكري هذا قد قال عنه ابن حبان في ( مشاهير علماء الأمصار ) ص 155 : ( وقعت المناكير في حديثه من رواية ابنه عنه وهو في نفسه صدوق اللهجة ) . أ.هـ ، وذكره أيضًا في ( الثقات ) (1) فقال : ( عمرو بن مالك النكري كنيته أبو مالك ، من أهل البصرة ، يروي عن أبي الجوزاء ، روى عنه حماد بن زيد وجعفر بن سليمان وابنه يحيى بن عمرو ، ويعتبر حديثه من غير رواية ابنه عنه ، مات سنة تسع وعشرين ومائة ) . أ.هـ .
وهذا توثيق معتبر مقبول من ابن حبان رحمه الله تعالى لأنه عن علم ومعرفة به واعتبار لأحاديثه ، ومثل هذا يقبل من ابن حبان كتوثيق غيره من الحفاظ ، بخلاف توثيق المستورين الذين لا يعرفون ، ولا يعرفهم هو أيضًا فإنه هو المردود ، فلا يقول قائل هنا : إن هذا توثيق ابن حبان وهو
يوثق المجهولين (2) .
__________
(1) الثقات (7/228)] .
(2) قال المعلمي رحمه الله تعالى في [ التنكيل (1/437)] : ( والتحقيق أن توثيقه – أي ابن حبان – على درجات :
الأولى : أن يصرح به كأن يقول ( كان متقنًا ) أو ( مستقيم الحديث ) أو نحو ذلك .
الثانية : أن يكون الرجل من شيوخه الذين جالسهم وخبرهم .
الثالثة : أن يكون من المعروفين بكثرة الحديث بحيث يُعلم أن ابن حبان وقف له على أحاديث كثيرة .
الرابعة : أن يظهر من سياق كلامه أنه قد عرف ذاك الرجل معرفة جيدة .
الخامسة : ما دون ذلك .
فالأولى لا تقل عن توثيق غيره من الأئمة بل لعلها أثبت من توثيق كثير منهم ، والثانية قريب منها ، والثالثة مقبولة ، والرابعة صالحة ، والخامسة لا يؤمن فيها الخلل ) أ.هـ ، وهنا توثيقه من الأولى فإنه ذكر أنه صدوق اللهجة .(1/43)
وقال عنه ابن حجر في تقريبه : ( صدوق له أوهام )(1)، وقال الذهبي في كاشفه : ( وُثّق ) (2) ، وقال عنه في ( ميزان الاعتدال ) (3) : ( ثقة ) وأخرج له أيضًا ابن خزيمة وابن حبان
في صحيحيهما .
فحديثه حسن على أقل الأحوال ، والحديث المذكور ليس في متنه نكارة ، بل له شواهد في معناه مرفوعة وموقوفة ، وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى إلى صحته فقال (4) :
( مثل ما في الصحاح في تفسير قوله تعالى ? وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ? قال ابن عباس : ( ما السماوات السبع والأرضون السبع ومن فيهن في يد الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم ) . أ.هـ ، ومن هنا يُعلم مدى علم الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله تعالى بالحديث والرجال عندما صححه .
الوجه الثاني :
أن قوله في ( الدّر النضيد ) : ( وعمرو بن مالك في ترجمته من التهذيب أن ابن حبان أورده في الثقات ثم قال : ( يخطئ ويغرب ) . أ.هـ ، وكذلك قوله في ( النهج السديد ) - وهو قد نقله من التهذيب قطعًا لا من الثقات : ( ذكره ابن حبان في الثقات وقال : ( يخطئ ويغرب ) . أ.هـ . وهذا الكلام وَهمٌ من ابن حجر رحمه الله تعالى تبعه عليه هؤلاء ولم يرجعوا إلى الأصل !! فإن ابن حبان رحمه الله إنما قال ذلك في عمرو بن مالك النكري البصري وهو من شيوخ شيوخه ، ومن شيوخ أبي يعلى الموصلي صاحب المسند ، حيث قال (5) :
__________
(1) والتقريب كما هو معروف مختصر من التهذيب ، وقد وهم ابن حجر رحمه الله تعال في الأصل وهو التهذيب في نقله عن ابن حبان - كما سيأتي إن شاء الله - ، لذا فإنني أعتقد بأن قوله في التقريب ( له أوهام ) هو بناءً على هذا الوهم والله أعلم .
(2) الكاشف (2/294)] .
(3) الميزان (3/286) رقم 6436] .
(4) الفتاوى (16/439)] .
(5) الثقات (8/487)] .(1/44)
( عمرو بن مالك النكري ، من أهل البصرة يروي عن الفضيل بن سليمان ، ثنا عنه إسحاق بن إبراهيم القاضي وغيره من شيوخنا ، يغرب ويخطئ ) . أ.هـ .
وهذا الرجل هو الذي أورده ابن عدي في الكامل (1) واتهمه بسرقة الأحاديث ، وظن صاحب ( ضعيف كتاب التوحيد ) أنه عمرو بن مالك الموجود في سند حديث الباب ، مع أنه بقليل من التأمل في الأسانيد التي ذكرها ابن عدي في الكامل يتضح البون الشاسع بين الرجلين .
أما عمرو بن مالك النكري الذي يروي عن أبي الجوزاء هنا فهو من طبقةٍ متقدمة يروي عن التابعين ، وقد فرق بينهم ابن أبي حاتم فسكت عن عمرو بن مالك النكري ، وضعّف عمرو بن مالك الراسبي (2) ، وكذلك فرق بينهم الذهبي في الميزان (3) فقال :
( عمرو بن مالك الراسبي البصري لا النكري ، هو شيخ ، حدث عن الوليد بن مسلم ، ضعفه أبو يعلى ، وقال ابن
عدي : يسرق الحديث ، وتركه أبو زرعة ، وأما ابن حبان فذكره في الثقات . ... أما :
عمرو بن مالك النكري عن أبي الجوزاء
عمرو بن مالك الجنبي عن أبي سعيد الخدري وغيره - تابعي - ، فثقتان (4) . أ.هـ .
ولا أدري كيف تداخلت الترجمتان في ثقات ابن حبان على ابن حجر فإنه أخذ من ترجمة عمرو بن مالك النكري المتقدم ( يعتبر حديثه من غير رواية ابنه عنه ) ، ومن ترجمة عمرو بن مالك النكري المتأخر ( يغرب ويخطئ ) ، وجعلها كلها في ترجمة المتقدم ، ونقل هؤلاء هذا الكلام عنه وحكموا بضعف الحديث بناءً على ذلك ، وهو خطأ كما تقدم والله تعالى أعلم .
هذا آخر ما أردت التنبيه عليه .
__________
(1) الكامل (5/150)] .
(2) الجرح والتعديل (6/259)] .
(3) الميزان (3/285)] .
(4) تجد الذهبي هنا وثّق عمرو بن مالك النكري ، بخلاف ما يقوله صاحب [ ضعيف كتاب التوحيد ] حيث قال : ( ترجم له الذهبي في الميزان ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً ) وهذا وهم ، فإنه إن كان يقصد المتقدم فقد وثقه ، وإن كان يقصد المتأخر فقد ضعفه .(1/45)
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
الفهرس
موضوع ... رقم الصفحة
المقدمة ............................... ... 3
تنبيه .................................. ... 5
باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه ........................ ... 6
باب ما جاء في الرقى والتمائم ............. ... 14
باب ما جاء في الذبح لغير الله .............. ... 20
باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانًا تعبد من دون الله ............. ... 25
باب ما جاء في السحر .................... ... 29
باب قول الله تعالى : ? أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ ? الآية ................ ... 31
باب قول الله تعالى : ? فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً ? الآية .................................. ... 35
باب قول ما شاء الله وشئت ............... ... 38
باب احترام أسماء الله تعالى وتغير الاسم لأجل ذلك .................................... ... 40
باب قول الله تعالى : ? فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء ? الآية .................. ... 42
باب ما جاء في قوله تعالى ? وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ? الآية ........................ ... 53
الفهرس .................................. ... 58(1/46)