المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
فاعلم _ أخي المسلم _ أنه وردت أحاديث عن رسول الله" صحاح في فضل قراءة سورة الكهف.
منها: ما ورد فيما يعصم من فتنة المسيح الدجال.
ومنها: ما ورد في فضل قراءتها يوم الجمعة.
لذا رغبت في التحقيق فيها أملاً في انتفاعي في العمل بها أولاً، ثم المسلمين ثانياً.
ولما فرغت من الوقوف عليها رأيت أن أجعلها في ثلاثة فصول:
الفصل الأول: فيما يعصم من الدجال.
والفصل الثاني: في فضل قراءتها يوم الجمعة.
والفصل الثالث: فيما ورد في حديث أبي سعيد الخدري÷ من زيادة قوله":
=من قال إذا فرغ من وضوئه: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك، وأتوب إليك+.
وسميته: =تسريح الطرف فيما ورد في فضل سورة الكهف+.
والله أسأل أن يجعله خالصاً لوجهه، نافعاً لعباده إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
قاله كاتبه: فريح بن صالح البهلال
حرر في 1/8/1420هـ
الفصل الأول
فيما يعصم من الدجال
عن أبي الدرداء÷ قال: قال رسول الله":
=من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال+.
أخرجه أحمد(1) ومسلم(2) وأبو نعيم(3) وأبو عوانة(4) وأبو عبيد(5) وأبو داود(6) والنسائي(7) وابن الضريس(8)
__________
(1) مسند أحمد (5/196) و (6/449).
(2) صحيح مسلم (1/556) رقم908.
(3) المستخرج لأبي نعيم (2/405) رقم1835.
(4) مسند أبي عوانة (2/448) رقم3783.
(5) فضائل القرآن لأبي عبيد ص132 رقم7_38.
(6) سنن أبي داود (4/497) رقم4323.
(7) عمل اليوم والليلة ص528 رقم951.
(8) فضائل القرآن لابن الضُريس ص98 رقم209.(1/1)
والحاكم(1) والبيهقي(2) والبغوي(3).
من طريق همام بن يحيى، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة، عن أبي الدرداء به.
وزاد أبو عبيد:
=ومن حفظ خواتيم سورة الكهف كانت له نوراً يوم القيامة+.
وتابع هماماً هشامُ الدستوائي، وسعيدُ بن أبي عروبة، وشيبانُ بن عبدالرحمن أبو معاوية النحوي، عن قتادة.
أما حديث هشام الدستوائي فأخرجه مسلم(4) وأبو عوانة(5) وأبو نعيم(6) بلفظ:
=من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال+.
وأما حديث سعيد بن أبي عروبة فأخرجه أحمد(7) وأبو عوانة(8) وأبو نعيم(9) وابن حبان(10) وابن السني(11).
عن قتادة به، إلا أن لفظه عند ابن حبان وأبي نعيم جاء بلفظ: =من قرأ عشر آيات من سورة الكهف... الخ+.
وأما حديث شيبان بن عبدالرحمن، فأخرجه أحمد(12) وأبو عوانة(13).
عن قتادة به، مثله.
وخالفهم شعبة بن الحجاج حيث رواه عن قتادة بالسند المذكور بلفظ: =من قرأ عشر آيات من آخر الكهف عصم من فتنة الدجال+.
أخرجه أحمد(14) ومسلم(15) والنسائي(16) وابن حبان(17)
__________
(1) المستدرك (2/368).
(2) السنن الكبرى (3/249)، والجامع لشعب الإيمان (5/377) رقم2219.
(3) شرح السنة (4/469) رقم1204، ومعالم التنزيل (3/187).
(4) صحيح مسلم (1/555) رقم809.
(5) مسند أبي عوانة (2/448) رقم3780.
(6) المستخرج لأبي نعيم (2/405) رقم1833.
(7) مسند أحمد (6/449).
(8) مسند أبي عوانة (2/448) رقم3781.
(9) المستخرج لأبي نعيم (2/405) رقم1833.
(10) صحيح ابن حبان (3/65) رقم785.
(11) عمل اليوم والليلة لابن السني ص318 رقم676.
(12) مسند أحمد (6/449).
(13) مسند أبي عوانة (2/448) رقم3782.
(14) مسند أحمد (6/446).
(15) صحيح مسلم (1/556) رقم809.
(16) السنن الكبرى (5/15) رقم8025، وعمل اليوم والليلة ص527 رقم950.
(17) صحيح ابن حبان (3/66) رقم786.(1/2)
وأبو عبيد(1) وأبو نعيم(2) وأبو عوانة(3).
وقال أبو داود×:
=وكذلك قال هشام الدستوائي عن قتادة، إلا أنه قال:
=من حفظ من خواتيم سورة الكهف+.
وقال شعبة، عن قتادة: =من آخر الكهف+(4).
ورواه شعبة عن قتادة بالسند نفسه، عن ثوبان÷ قال:
قال رسول الله":
=من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف، فإنه عصمة له من فتنة الدجال+.
أخرجه النسائي(5) وأبو بكر الخطيب(6) والروياني(7) وعزاه السيوطي لأبي يعلى وابن الضريس(8).
قلت: حديث ثوبان عند ابن الضريس مخالف لهذا سنداً ومتناً، وهذا نصه:
قال×: =أخبرنا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا همام، عن قتادة، عن سالم ابن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة، عن ثوبان، عن النبي" قال: =من حفظ خمس آيات من أول الكهف عصم من فتنة الدجال+(9) إسناده صحيح، موسى بن إسماعيل هو أبو سلمة التبوذكي ثقة ثبت.
وجاء في جامع المسانيد للحافظ ابن كثير× ما لفظه:
=حدثنا عبدالوهاب، حدثنا هشام بن عبيدالله، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان، عن ثوبان، عن النبي" قال:
=من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف، فإنه عصمة له من الدجال+(10).
ظاهره: أنه من حديث المسند للإمام أحمد.
وعبدالوهاب هو ابن عطاء الخفاف، وهشام بن عبيدالله لعله هشام بن أبي عبدالله الدستوائي، وسقط منه قتادة بن دعامة. والله أعلم.
ورواه شعبة× أيضاً من حديث أبي سعيد الخدري÷ قال:
__________
(1) فضائل القرآن لأبي عبيد ص132 رقم6 _ 38.
(2) المستخرج لأبي نعيم (2/405) رقم1834.
(3) مسند أبي عوانة (2/449) رقم3784.
(4) سنن أبي داود (4/497) رقم4323.
(5) السنن الكبرى (6/236) رقم10788، وعمل اليوم والليلة ص527 رقم948.
(6) تاريخ بغداد (1/290) رقم145.
(7) مسند الروياني (1/404) رقم613.
(8) الدر المنثور للسيوطي (5/355).
(9) فضائل القرآن لابن الضريس ص97 رقم205.
(10) جامع المسانيد لابن كثير (1/638) رقم1330.(1/3)
قال رسول الله": =من قرأ سورة الكهف، كما أنزلت، كانت له نوراً يوم القيامة، من مقامه إلى مكة، ومن قرأ عشر آيات من آخرها، ثم خرج الدجال لم يسلط عليه، ومن توضأ، ثم قال: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك، وأتوب إليك، كتب في رق، ثم طبع بطابع، فلم يكسر إلى يوم القيامة+.
أخرجه النسائي(1) والحاكم(2) والطبراني(3) والبيهقي(4) من طريق يحيى بن كثير أبي غسان، حدثنا شعبة، قال: حدثنا أبو هاشم، عن أبي مجلز، عن قيس بن عُباد، عن أبي سعيد الخدري÷ به.
ومن طريق الطبراني أخرجه الحافظ ابن حجر(5).
قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، وأقره الذهبي.
وقال النسائي: هذا خطأ، والصواب موقوف(6).
وقال الطبراني: =لم يرو هذا الحديث مرفوعاً عن شعبة إلا يحيى بن كثير+.
وقال في موضع آخر: =رفعه يحيى، عن شعبة، ووقفه الناس، وكذلك رواه سفيان الثوري موقوفاً+.
قلت: الحديث خبر، لا يقال مثله بالرأي فله حكم الرفع، وأبو غسان ثقة.
وجه آخر:
قال الإمام النسائي×:
أخبرنا عمرو بن علي، قال: حدثني محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان، عن أبي الدرداء، عن النبي" قال:
=من قرأ عشر آيات من الكهف عصم من فتنة الدجال+(7).
إسناده صحيح، عمرو بن علي هو الفلاس ثقة حافظ.
وجه آخر:
قال الإمام الترمذي×:
=حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة، عن أبي الدرداء، عن النبي" قال:
=من قرأ ثلاث آيات من أول الكهف عصم من فتنة الدجال+.
__________
(1) عمل اليوم والليلة ص173 رقم81، و ص528 رقم952.
(2) المستدرك (1/564).
(3) الدعاء للطبراني (2/975) رقم390، والأوسط (2/271) رقم1478.
(4) الجامع لشعب الإيمان (5/380) رقم2221.
(5) نتائج الأفكار (1/248).
(6) عمل اليوم والليلة رقم81.
(7) عمل اليوم والليلة ص527 رقم949.(1/4)
حدثنا محمد بن بشار، حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة بهذا الإسناد نحوه+.
وقال: هذا حديث حسن صحيح(1).
وجه آخر:
عن أبي سعيد الخدري÷ قال:
=من قرأ سورة الكهف كما أنزلت، ثم أدرك الدجال لم يسلط عليه، ولم يكن له عليه سبيل+.
أخرجه عبدالرزاق(2) والنسائي(3) والحاكم(4).
من طريق سفيان الثوري، عن أبي هاشم، عن أبي مجلز، عن قيس ابن عُباد، عن أبي سعيد الخدري، به.
إسناده صحيح، رجاله ثقات.
أبو هاشم هو يحيى بن دينار الرماني الواسطي، ثقة، وأبو مِجْلَز هو لاحق بن حميد، ثقة، وقيس بن عباد هو الضبعي ثقة مخضرم.
ولهذا قال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.
وجه آخر:
عن النواس بن سمعان÷ قال:
ذكر رسول الله" الدجال ذات يوم غداة، فخفض فيه ورفع، حتى ظنناه في طائفة النخل، قال: غير الدجال أخوف لي عليكم، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم، فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم.
إنه شاب قطط، عينُه قائمة كأنه يشبه بعبدالعزى بن قطن، فمن رآه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة أصحاب الكهف+.
أخرجه أحمد(5) ومسلم(6) والنسائي(7) وأبو داود(8) والترمذي(9) وابن ماجة(10).
__________
(1) سنن الترمذي (5/162) رقم2886.
(2) مصنف عبدالرزاق (1/186) رقم730.
(3) السنن الكبرى (6/236) رقم10790، وعمل اليوم والليلة رقم954.
(4) المستدرك (4/511).
(5) مسند أحمد (4/181).
(6) صحيح مسلم (3/2250) رقم2137.
(7) الكبرى (5/15) رقم8024، وعمل اليوم والليلة ص526 رقم946.
(8) سنن أبي داود (4/496) رقم4321.
(9) سنن الترمذي (4/510) رقم2240.
(10) سنن ابن ماجة (2/1356) رقم4075.(1/5)
وأخرجه أبو داود(1) وابن ماجة(2) والطبراني(3) وعبدالله ابن الإمام أحمد(4) من حديث أبي أمامة÷ قال: =خطبنا رسول الله" فكان أكثر خطبته حديثاً عن الدجال، وحذرناه، فكان من قوله، أن قال:
=إنه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال، وإن الله لم يبعث نبياً إلا حذر أمته الدجال، وأنا آخر الأنبياء، وأنتم آخر الأمم، وهو خارج فيكم لا محالة، وإن يخرج وأنا بين ظهرانيكم، فأنا حجيج لكل مسلم، وأن يخرج من بعدي فكل امرئ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، الحديث وفيه:
=وإن من فتنته أن معه جنة وناراً، فناره جنة، وجنته نار، فمن ابتلي بناره، فليستغث بالله، وليقرأ فواتح الكهف فتكون عليه برداً وسلاماً... الحديث بطوله. هذا لفظ ابن ماجة.
وفي لفظ للطبراني:
=فمن لقيه منكم فليتفل في وجهه، وليقرأ عليه بقوارع سورة أصحاب الكهف+.
الحاصل: أن الروايات قد اختلفت _ كما ترى _ فيما يعصم من فتنة الدجال، من حفظ أو قراءة آيات من سورة الكهف، وذلك فيما يزيد على عشر روايات، وإليك مجملها:
1_ من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال.
2_ من حفظ من خواتيم سورة الكهف... الخ.
3_ من حفظ خمس آيات من أول الكهف... الخ.
4_ من قرأ عشر آيات من آخر الكهف... الخ.
5_ من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف... الخ.
6_ فمن رآه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة أصحاب الكهف.
7_ فمن لقيه منكم فليتفل في وجهه، وليقرأ عليه بقوارع سورة أصحاب الكهف.
8_ من قرأ ثلاث آيات من أول الكهف عصم من فتنة الدجال.
9_ من قرأ عشر آيات من سورة الكهف... الخ.
10_ من قرأ سورة الكهف كما أنزلت... الخ.
__________
(1) سنن أبي داود رقم4322.
(2) سنن ابن ماجة رقم4077.
(3) الكبير للطبراني (8/171) رقم7644، 7645.
(4) السنة (2/449) رقم1008.(1/6)
هذا، وقد أشكل عليَّ الجمع بين هذه الروايات، ورأيت بعض المتأخرين حكم بشذوذ رواية: =من قرأ العشر الأواخر... الخ، وهذا نصه:
حديث أبي الدرداء =من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف عصم من فتنة الدجال+ أخرجه أحمد والنسائي وغيرهما، وهو بهذا اللفظ شاذ.
والمحفوظ: =من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف+اهـ(1).
والذي يظهر لي عدم الشذوذ فيها؛ لما يعضدها من الروايات المتقدمة.
ولهذا ترجم الإمام ابن حبان بقوله:
=ذكر البيان بأن الذي يعتصم المرء بقراءتها من الدجال هي آخر سورة الكهف+.
ثم ساق حديث شعبة، عن قتادة:
=من قرأ عشر آيات من آخر الكهف عصم من الدجال+(2).
وترجم الإمام الحافظ ابن كثير لهذه الأحاديث بقوله:
=حفظ عشر آيات من آخر سورة الكهف حفظاً عملياً يَعْصمُ من فتنة الدجال+(3).
وقد جمع بعض شراح الحديث بين هذه الروايات، ومنه ما يلي:
قال القاضي عياض×:
=وقوله: =من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف+.
قيل: لما في قصة أصحاب الكهف من العجب والآيات.
فمن علمها لا يستغرب أمر الدجال، ولا فتن به أو يكون هذا من خصائص الله لمن حفظ ذلك فقد روي: =من حفظ سورة الكهف، ثم أدرك الدجال لم يسلط عليه+.
وعلى هذا تنزل الرواية الأخرى =من آخر سورة الكهف+.
وقيل: لما في قوله: [أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء]، وما بعدها.
فيه من التنبيه على أمر الدجال، والتنبيه على المفتونين والأخسرين أعمالاً، وفي آخر الآيات من ذكر التوحيد، وأن لا يشرك بالله أحداً+اهـ(4).
وقال القرطبي×:
=واختلف المتأولون في سبب ذلك.
فقيل: لما في قصة أصحاب الكهف من العجائب والآيات، فمن علمها لم يستغرب أمر الدجال، ولم يَهُلْهُ ذلك، فلا يفتتن به.
__________
(1) تنقيح الأحاديث الصحيحة من الألفاظ المدرجة والضعيفة لخالد العنبري ص138 رقم242.
(2) صحيح ابن حبان (3/76) رقم786.
(3) الفتن والملاحم (1/154).
(4) شرح مسلم للقاضي عياض (3/177) رقم809.(1/7)
وقيل: لما في قوله تعالى: [أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء] (الكهف:102) إلى آخر السورة، من المعاني المناسبة لحال الدجال.
وهذا على رواية من روى: =من آخر الكهف+.
وقيل: لقوله تعالى: [قيماً لينذر بأساً شديداً من لدنه] (الكهف:2) تمسكاً بتخصيص البأس بالشدة واللَّدُنِيَة.
وهو مناسب لما يكون من الدجال من دعوى الإلهية، واستيلائه وعظيم فتنته؛ ولذلك عظم النبي" أمره، وحذر منه، وتعوذ من فتنته، فيكون معنى هذا الحديث: أن من قرأ هذه الآيات وتدبرها ووقف على معناها حذره فأمن ذلك.
وقيل: هذا من خصائص هذه السورة كلها، فقد روي =من حفظ سورة الكهف، ثم أدرك الدجال لم يسلط عليه+(1).
وعلى هذا تجتمع رواية من روى: =من أول سورة الكهف+، ورواية من روى: =من آخرها+ ويكون ذكر العشر على جهة الاستدراج في حفظها كلها.
وقيل: إنما كان ذلك لقوله تعالى: [قيماً لينذر بأساً شديداً من لدنه] (الكهف:2) فإنه يهون بأس الدجال.
وقوله: [ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً حسناً] (الكهف:2) فإنه يهون الصبر على فتن الدجال بما يظهر من جنته وناره، وتنعيمه وتعذيبه.
ثم ذمه تعالى لمن اعتقد الولد، يفهم منه: أن من ادعى الإلهية أولى بالذم، وهو الدجال.
ثم قصة أصحاب الكهف فيها عبرة تناسب العصمة من الفتن وذلك أن الله تعالى حكى عنهم أنهم قالوا: [ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشداً] (الكهف:10) فهؤلاء قوم ابتلوا فصبروا، وسألوا إصلاح أحوالهم، فأصلحت لهم، وهذا تعليم لكل مدعو إلى الشرك.
ومن روى من آخر الكهف، فلما في قوله تعالى: [وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضاً] (الكهف:100) فإن فيه ما يهون ما يظهره الدجال من ناره.
__________
(1) لم أجده بهذا اللفظ، ولكن تقدم حديث أبي سعيد الخدري÷ بلفظ: =من قرأ سورة الكهف كما أنزلت، ثم أدرك الدجال لم يسلط عليه+.(1/8)
وقوله: [الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري] (الكهف: 101) تنبيه على أحوال تابعي الدجال، إذ قد عموا عن ظهور الآيات التي تكذبه، والله أعلم+اهـ(1).
وقال الإمام الشوكاني×:
=ولا منافاة بين روايات الثلاث الآيات، والعشر الآيات؛ لأن الواجب العمل بالزيادة، فيقرأ عشر آيات من أولها.
وأما اختلاف الروايات بين أن تكون العشر من أولها، أو من آخرها فينبغي الجمع بينهما بقراءة العشر الأوائل والعشر الأواخر.
ومن أراد أن يحصل على الكمال ويتم له ما تضمنته هذه الأحاديث كلها فليقرأ سورة الكهف كلها يوم الجمعة، ويقرأها كلها ليلة الجمعة+(2).
قلت: أما قراءة سورة الكهف يوم الجمعة أو ليلتها، فسيأتي تحقيقها في الفصل الآتي قريباً _ إن شاء الله تعالى _.
وأما ما تقدم من الجمع بين قراءة عشر آيات من أولها، وبين قراءة عشر من آخرها، فلم أجد فيه ما يزيل الإشكال ويشفي الغليل.
وعليه، فالأحوط الجمع بين قراءة العشرين معاً، وذلك بأن يقرأ عشر آيات من أولها، وعشر آيات من آخرها، أو يقرأ السورة كاملة، وذلك أن الأخذ بالأحوط يشرع إذا لم تتبين السنة(3). والعلم عند الله.
الفصل الثاني
في فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة
عن أبي سعيد الخدري÷ قال:
=من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق+.
__________
(1) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (2/439) رقم683.
(2) تحفة الذاكرين ص270.
(3) انظر مجموع الفتاوى شيخ الإسلام (26/54).(1/9)
أخرجه أبو عبيد(1) والبيهقي(2) _ من طريق سعيد ابن منصور_ وابن الضريس(3) وأبو بكر الخطيب(4) من طريق أحمد بن خلف البغدادي، ثلاثتهم عن هشيم بن بشير، أخبرنا أبو هاشم، عن أبي مجلز، عن قيس بن عباد، عن أبي سعيد الخدري به، رمز لحسنه السيوطي(5).
وقال البيهقي: هذا هو المحفوظ موقوف.
قلت: الحديث موقوف صحيح، رجاله ثقات، رجال الشيخين، غير أبي عبيد القاسم بن سلام الإمام المشهور المصنف الثقة الفاضل، وغير أحمد بن خلف البغدادي، فقد قال فيه الخطيب البغدادي: هو شيخ غير مشهور.
وقال الحافظ ابن حجر: حديثه مستقيم(6).
وأخرجه الحاكم(7) والبيهقي(8) مرفوعاً من طريق نعيم ابن حماد، ثنا هشيم به، ولفظه:
=من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين+.
قال الحاكم: صحيح الإسناد، وتعقبه الذهبي بقوله: نعيم بن حماد ذو مناكير.
قلت: نعيم من رجال البخاري، وقد ذكر ابن عدي ما أنكر عليه من الأحاديث وليس هذا الحديث منها، ثم قال: وعامة ما أنكر عليه هو هذا الذي ذكرته وأرجو أن يكون باقي حديثه مستقيماً+(9) وصححه الألباني(10).
وقال ابن عراق:
=وقد صح الحديث في العصمة من الدجال بحفظ بعض سورة الكهف من غير تقييد بيوم الجمعة رواه مسلم من حديث أبي الدرداء.
فالمستنكر من الحديث ما سوى ذلك والله أعلم+اهـ(11).
__________
(1) فضائل القرآن لأبي عبيد ص131 رقم2_38.
(2) الجامع لشعب الإيمان (5/378) رقم2220.
(3) فضائل القرآن لابن الضريس ص99 رقم211.
(4) تاريخ بغداد (4/135) رقم1812.
(5) فيض القدير شرح الجامع الصغير (6/199) رقم8932.
(6) لسان الميزان (1/167) رقم537.
(7) المستدرك (2/368).
(8) السنن الكبرى (3/249) والصغرى (1/235) رقم606.
(9) الكامل لابن عدي (7/2485).
(10) صحيح الترغيب والترهيب ص310 رقم738.
(11) تنزيه الشريعة (1/302).(1/10)
قلت: الحديث رمز لصحته السيوطي(1).
وقال المناوي: =قال ابن حجر في تخريج الأذكار: حديث حسن، وهو أقوى ما ورد في سورة الكهف+اهـ(2).
قلت: ولم يتفرد نعيم برفعه، فقد تابعه يزيد بن خالد ابن يزيد.
قال البيهقي بعد إخراج حديث نعيم: =ورواه يزيد بن مخلد بن يزيد+ ثم أسنده في موضع آخر: =أخبرنا أبو عبدالرحمن السلمي، وأبو نصر بن قتادة، قالا: =أخبرنا أبو علي حامد بن محمد الرفاء، حدثنا أبو منصور سليمان بن محمد بن الفضل بن جبريل البجلي بنهروان، حدثنا يزيد بن خالد بن يزيد، حدثنا هشيم، فذكره بإسناد مثله مرفوعاً+ا.هـ(3) إسناده حسن لغيره.
سليمان بن محمد بن الفضل قال فيه الدارقطني: ضعيف(4) ويزيد بن مخلد هو يزيد بن خالد بن يزيد الرملي أبو خالد ثقة قاله الحافظ في التقريب.
والموقوف منه له حكم الرفع؛ لأنه مما لا يقال بالرأي كما هو ظاهر، ويؤيده المرفوع منه.
فهؤلاء خمسة من أصحاب هشيم بن بشير: أبو عبيدٍ القاسم بن سلاّم، وسعيد بن منصور، وأحمد بن خلف، ونعيمُ بن حماد، ويزيد بن خالد بن يزيد الرملي رووا عنه هذا الحديث بقيد يوم الجمعة، وخالفهم أبو النعمان فرواه عن هشيم بقيد ليلة الجمعة عند الدارمي(5).
وأبو النعمان هو محمد بن الفضل السدوسي الملقب بعارم، وهو ثقة ثبت إلا أنه تغير في آخر عمره.
فتحصل من هذا رجحان رواية قراءة سورة الكهف يوم الجمعة، لا ليلة الجمعة وذلك للأمور الآتية:
1_ كثرة عدد الذين رووا عن هشيم =يوم الجمعة+.
2_ سلامة كل واحد منهم من الخدش، ما عدى نعيماً.
3_ تفرد أبي النعمان برواية =ليلة الجمعة+.
__________
(1) انظر فيض القدير شرح الجامع الصغير (6/198) رقم8929.
(2) انظر فيض القدير شرح الجامع الصغير (6/198) رقم8929.
(3) الجامع لشعب الإيمان (5/378) رقم2220.
(4) سؤالات الحاكم للدارقطني ص168 رقم105.
(5) سنن الدارمي (2/911) رقم3283.(1/11)
4_ كونه تغير في آخره ولم يتميز هل رواها الدارمي عنه قبل تغيره أم بعده؟.
5_ ورود أحاديث مرفوعة جاءت بقيد يوم الجمعة، منها حديث عبدالله بن عمر _رضي الله عنهما_ بلفظ قال:
قال رسول الله":
=من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة، سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء يضيء له يوم القيامة، وغفر له ما بين الجمعتين+ رواه الحافظ أبو بكر بن مردويه(1) والضياء المقدسي(2).
قال المنذري: إسناده لا بأس به(3).
وقال الألباني: إسناده لا بأس به(4).
وقال الحافظ ابن كثير: =إسناده غريب، وفي رفعه نظر، وأحسن أحواله الوقف(5).
وقال المناوي:
=فيه محمد بن خالد تكلم فيه ابن منده وغيره، وقد خفي حاله على المنذري حيث قال في الترغيب: لا بأس به، ويحتمل أنه مشَّاه لشواهده+اهـ(6).
وذكر الإمام ابن القيم× من خواص أعمال يوم الجمعة قراءة هذه السورة، فقال ما نصه:
=الخاصة العاشرة: قراءة سورة الكهف في يومها، فقد روي عن النبي":
=من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء، يضيء به يوم القيامة، وغفر له ما بين الجمعتين+اهـ(7).
ومنها: حديث علي بن أبي طالب÷ قال: قال رسول الله":
=من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة فهو معصوم إلى ثمانية أيام من كل فتنة تكون، فإن خرج الدجال عصم منه+.
أخرجه الضياء المقدسي(8) وابن مردويه(9).
__________
(1) عزاه إليه الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب (2/97)، والحافظ ابن كثير في التفسير (3/69).
(2) عزاه إليه المناوي في فيض القدير (6/199) رقم8932.
(3) الترغيب والترهيب (2/97).
(4) إرواء الغليل (3/95) رقم626.
(5) تفسير ابن كثير (3/69).
(6) فيض القدير (6/199) رقم8932.
(7) زاد المعاد (1/377).
(8) المختارة (2/50) رقم429، 430.
(9) عزاه إليه السيوطي في الدر المنثور (5/355).(1/12)
من طريق عبدالله بن مصعب بن منظور بن زيد بن خالد الجهني أبي ذؤيب، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب به.
وفيه رواية أخرى عند الضياء:
قال عبدالله بن مصعب: =عن أبيه، عن جده، وحدثنا علي بن الحسين+ به.
قال الضياء المقدسي: عبدالله بن مصعب، لم يذكره البخاري، ولا ابن أبي حاتم في كتابيهما+.
وقال أبو الحسن بن القطان: مصعب وابنه غير معروفين(1).
وقال الذهبي:
=عبدالله بن مصعب بن خالد الجهني: عن أبيه، عن جده، رفع خطبة منكرة، وفيهم جهالة+(2).
قلت: وعلى فرض ثبوت رواية =ليلة الجمعة+ فيجمع بينها وبين روايات =يوم الجمعة+ بأن المراد: اليوم بليلته، والليلة بيومها+.
قاله الحافظ ابن حجر×(3).
لكن الصحيح عندي هو قراءتها يوم الجمعة لا ليلتها؛ لما تقدم، والعلم عند الله.
الفصل الثالث
عوداً على حديث أبي سعيد الخدري÷
تقدم بعض ألفاظ هذا الحديث في الفصلين السابقين، وبقي فيه لفظ آخر، من المناسب ختم هذا البحث به، وذلك ما يلي:
عن أبي سعيد الخدري÷ قال:
=من قال إذا فرغ من وضوئه: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك، وأتوب إليك، ختمت بخاتم، ثم رفعت تحت العرش، فلم تكسر إلى يوم القيامة+.
أخرجه النسائي(4) وابن أبي شيبة(5) والحاكم(6) وأبو القاسم الأصفهاني(7) من طرق، عن سفيان الثوري، عن أبي هاشم الواسطي، عن أبي مجلز، عن قيس بن عباد، عن أبي سعيد الخدري به.
وهذا حديث موقوف، صحيح، رجاله رجال الشيخين.
__________
(1) الوهم والإيهام (4/605) رقم2149.
(2) ميزان الاعتدال (2/506) رقم4610.
(3) عزاه إليه المناوي في فيض القدير (6/199) رقم8932.
(4) عمل اليوم والليلة ص174 رقم83، والكبرى (6/25) رقم9911.
(5) المصنف (1/3) و (10/450) رقم9942.
(6) المستدرك (1/565).
(7) الترغيب والترهيب (2/834) رقم2042.(1/13)
وتقدم في الفصل الأول مجيئه مرفوعاً من رواية يحيى بن كثير العنبري أبي غسان، عن شعبة، عن أبي هاشم به.
وذلك عند النسائي، والحاكم، والطبراني، والبيهقي، والحافظ ابن حجر.
وتقدم أيضاً قول النسائي: أنه خطأ والصواب موقوف، وقول الطبراني: رفعه يحيى عن شعبة، ووقفه الناس.
وقوله أيضاً: لم يرو هذا الحديث مرفوعاً عن شعبة إلا يحيى بن كثير.
قلت: لم يتفرد به يحيى بن كثير عن شعبة فقد تابعه روح بن القاسم.
قال الحافظ ابن حجر:
قلت: =رواه أبو إسحاق المزكي في الجزء الثاني، تخريج الدارقطني له من طريق روح بن القاسم، عن شعبة+.
وقال: تفرد به عيسى بن شعيب، عن روح بن القاسم+اهـ(1).
وقال الحافظ في موضع آخر:
=ووجدت لحديث أبي سعيد المذكور قبل طريقاً أخرى مرفوعة أخبرني أبو العباس أحمد بن الحسن المقدسي أنا أبو العباس أحمد بن منصور بن الجوهري، قال:
قرئ على فاطمة بنت علي بن القاسم بن عساكر، ونحن نسمع، عن عمر بن محمد بن مُعَمَّر سماعاً، قال:
أنا هبة الله بن محمد بن عبدالواحد، أنا أبو طالب بن غيلان، أنا أبو إسحاق بن محمد بن يحيى، ثنا أبو الأزهر، ثنا إسماعيل بن بشر بن منصور، ثنا عيسى بن شعيب، ثنا روح بن القاسم، عن أبي هاشم الرماني عن أبي مجلز، عن قيس بن عباد، عن قتادة، عن أبي سعيد الخدري÷ قال: قال رسول الله":
=من قال حين يفرغ من وضوئه: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، كتب في رق وطبع بطابع، ووضع تحت العرش، حتى تدفع إليه يوم القيامة+.
قال الدارقطني بعد تخريجه في فوائد المزكى: تفرد به عيسى بن شعيب عن روح بن القاسم.
قلت: وعيسى صدوق، نقل ذلك البخاري عن الفلاس.
__________
(1) التلخيص الحبير (1/102).(1/14)
وأما ابن حبان فذكره في الضعفاء، وساق من رواية حجاج بن ميمون عنه شيئاً أنكره، وحجاج ضعيف، فإلصاق الوهم به أولى+(1).
وقال في موضع آخر في شيخ عيسى بن شعيب:
قلت: =وشيخه ضعيف مجهول، وليس إلصاق الوهن به بأولى من إلصاق الوهن بالآخر، وشيخ شيخه ضعيف أيضاً+اهـ(2).
قلت: عيسى بن شعيب هو أبو الفضل النحوي البصري الضرير.
قال فيه عمرو بن علي الفلاس: صدوق كما نص عليه الحافظ آنفاً.
وأما روح بن القاسم فهو ثقة نص على ذلك الإمام أحمد، وابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة الرازيان(3).
تنبيهان:
الأول: جاء في هذا السند أن قيس بن عباد روى هذا الحديث عن قتادة، عن أبي سعيد الخدري÷، ولعله مقحم سهواً، لأن الحديث معروف سنده بقيس بن عباد، عن أبي سعيد من غير واسطة كما سلف، ولأن قتادة بن دعامة لم يسمع ولم يدرك أبا سعيد وذلك أن أبا سعيد توفي سنة 64هـ، ومولد قتادة سنة61هـ.
الثاني: أنه جاء في هذا السند أن روحاً رواه عن أبي هاشم، وكذلك جاء عند ابن دقيق العيد(4).
وهذا يشكل عليه ما تقدم عن الحافظ ابن حجر نفسه أن روحاً رواه عن شعبة.
ولم أجد الأصل من فوائد أبي إسحاق المزكي؛ لمعرفة الصواب منهما.
لكن لا يمتنع أن يكون روح هو الراوي عن أبي هاشم بلا واسطة شعبة؛ لأن روح بن القاسم من الطبقة السادسة وشعبة من الطبقة السابعة، كما في التقريب للحافظ.
وكل منهما بصري، إلا أن شعبة بصري واسطي، وأبا هاشم واسطي، فيكون شعبة أولى بالرواية عنه، والعلم عند الله.
__________
(1) نتائج الأفكار (1/258) وانظر الإمام في معرفة أحاديث الأحكام لابن دقيق العيد (2/68).
(2) تهذيب التهذيب (8/213).
(3) الجرح والتعديل (3/495) رقم2244.
(4) الإمام في معرفة أحاديث الأحكام (2/68).(1/15)
وجاء مرفوعاً أيضاً عند ابن السني(1) والبيهقي(2) وابن حجر(3) من رواية يوسف بن أسباط الشيباني، عن سفيان الثوري، عن أبي هاشم به.
ويوسف هذا قال البخاري: =قال صدقة: دفن يوسف كتبه، فكان بعد يقلب عليه فلا يجيء به، كما ينبغي+(4).
وقال أبو حاتم الرازي: =هو رجل صالح، لا يحتج بحديثه+(5).
وقال ابن عدي: وقال يحيى بن معين: ثقة، إلى أن قال:
قال حجاج _أي ابن محمد_: ما رأينا أحداً وصف يحيى إلا رأيته دون ما وصف إلا يوسف بن أسباط.
ثم قال ابن عدي: ويوسف هذا هو عندي من أهل الصدق، إلا أنه لما عدم كتبه كان يحمل على حفظه فيغلط ويشتبه عليه، ولا يتعمد الكذب+(6).
وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: مستقيم الحديث ربما أخطأ(7).
وقال العجلي: كوفي ثقة صاحب سنة وخير(8).
وذكره ابن شاهين في الثقات، وقال: وسمعت يحيى يقول: =يوسف بن أسباط الذي كان بالشام رجل صدوق+(9).
وأخرجه الطبراني(10) من طريق يحيى بن عبدالحميد بن عبدالرحمن الحماني، والبزار(11) من طريق يحيى بن آدم كلاهما عن قيس بن الربيع الأسدي عن أبي هاشم به مرفوعاً.
ومن طريق الطبراني أخرجه الحافظ ابن حجر(12) كذلك.
وقيس بن الربيع كثر الكلام فيه بين موثق ومعدل ولعل أقرب الأقوال فيه إلى الصواب قول ابن عدي:
=وعامة رواياته مستقيمة، والقول فيه ما قاله شعبة، وأنه لا بأس به+(13).
__________
(1) عمل اليوم والليلة ص17 رقم30.
(2) الدعوات الكبرى ص42 رقم59.
(3) نتائج الأفكار (1/247).
(4) التاريخ الكبير (6/385) رقم3414.
(5) الجرح والتعديل (9/218) رقم910.
(6) الكامل لابن عدي (7/2614).
(7) الثقات (7/638).
(8) ثقات العجلي (2/374) رقم2055.
(9) الثقات لابن شاهين ص267 رقم1640.
(10) الدعاء للطبراني (2/975) رقم388.
(11) عزاه إليه الحافظ ابن كثير في جامع المسانيد (مسند أبي سعيد) رقم481.
(12) نتائج الأفكار (2/248).
(13) الكامل لابن عدي (6/2070).(1/16)
وأما يحيى بن عبدالحميد الحماني فقد أخرج له مسلم، وقال الحافظ في التقريب: حافظ إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث.
ولكن لا يضر السند ذلك لمتابعة يحيى بن آدم له، ويحيى بن آدم قد خرج له الجماعة.
وقال فيه الحافظ في التقريب: ثقة، حافظ، فاضل.
وأخرجه مرفوعاً أيضاً الطبراني(1).
من طريق الوليد بن مروان، عن أبي هاشم به.
والوليد هذا مجهول قاله أبو حاتم الرازي(2).
وهذا الحديث صححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه الحافظ ابن حجر، وأجاب عن مجيئه موقوفاً في بعض الروايات، فقال:
=هذا حديث صحيح الإسناد من طريق شعبة+.
ثم أجاب عن قول الطبراني: =لم يروه عن شعبة مرفوعاً إلا يحيى بن كثير+ بقوله:
=قلت: وهو ثقة من رجال الصحيحين، وكذا من فوقه إلى الصحابي، وأما شيخ النسائي _يعني يحيى بن محمد ابن السكن_ فهو ثقة أيضاً من شيوخ البخاري، ولم ينفرد به، فقد أخرجه الحاكم من وجه آخر، عن يحيى بن كثير، فالسند صحيح بلا ريب، وإنما اختلف في رفع المتن ووقفه، فالنسائي جرى على طريقته في الترجيح بالأكثر والأحفظ، فلذلك حكم عليه بالخطأ.
وأما على طريقة المصنف _يعني النووي_ تبعاً لابن الصلاح وغيره، فالرفع عندهم مقدم؛ لما مع الرافع من زيادة العلم.
وعلى تقدير العمل بالطريقة الأخرى، فهذا مما لا مجال للرأي فيه فله حكم الرفع، والله أعلم+اهـ(3).
وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح، إلا أن النسائي قال بعد تخريجه في اليوم والليلة: هذا خطأ والصواب موقوف ثم رواه من رواية الثوري وغندر عن شعبة موقوفاً+(4)اهـ.
وقال الدمياطي: =رواه الطبراني بإسناد جيد والنسائي.
وقال: الصواب موقوف.
__________
(1) الدعاء للطبراني (2/975) رقم389.
(2) الجرح والتعديل (9/18) رقم76.
(3) نتائج الأفكار (1/248، 249، 250).
(4) مجمع الزوائد (1/239).(1/17)
قلت: وإن كان موقوفاً فسبيله سبيل المرفوع؛ لأن مثل هذا لا يقال من قبل الرأي والاجتهاد+(1).
وقال الحافظ أبو بكر الخطيب×:
=اختلاف الروايتين في الرفع والوقف، لا يؤثر في الحديث ضعفاً لجواز أن يكون الصحابي يسند الحديث مرة، ويرفعه إلى النبي" ويذكره مرة أخرى على سبيل الفتوى، ولا يرفعه.
فحفظ الحديث عنه على الوجهتين جميعاً، وقد كان سفيان بن عيينة يفعل هذا كثيراً في حديثه، فيرويه تارة مسنداً مرفوعاً، ويقفه مرة أخرى قصداً واعتماداً.
وإنما لم يكن هذا مؤثراً في الحديث ضعفاً، مع ما بيناه؛ لأن إحدى الروايتين ليست مكذبة للأخرى.
والأخذ بالمرفوع أولى؛ لأنه أزيد، كما ذكرنا في الحديث الذي يروى موصولاً ومقطوعاً، وكما قلنا في الحديث الذي ينفرد به بزيادة لفظ يوجب حكماً لا يذكره غيره أن ذلك مقبول، والعمل به لازم، والله أعلم.
أخبرني أبو عبدالله الحسين بن عمر بن محمد بن عبدالله القصاب، قال: حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان إملاءً، قال: ثنا الفضل بن الحباب الجمحي بالبصرة، قال: ثنا بندار، قال: ثنا عبدالرحمن بن مهدي، قال: ثنا شعبة، عن مرة عن عبدالله، قال: [وإن منكم إلا واردها] قال:
يردونها، ثم يصدرون بأعمالهم، قال عبدالرحمن: فقلت لشعبة: إن إسرائيل حدثني عن السدي، عن مرة، عن عبدالله، عن النبي"؟ فقال شعبة:
قد سمعته من السدي مرفوعاً، ولكني عمداً أدعه+اهـ(2).
قلت: الموقوف من حديث أبي سعيد الخدري÷ رواه عن أبي هاشم ثلاثة من أصحابه وهم:
سفيان الثوري، وشعبة، وهشيم.
ورواه عن الثوري أربعة من أصحابه، وهم:
عبدالرزاق بن همام الصنعاني، وعبدالرحمن بن مهدي، وعبدالله بن المبارك، ووكيع بن الجراح.
ورواه عن شعبة: محمد بن جعفر غندر.
ورواه عن هشيم أربعة من أصحابه، وهم:
أبو عبيد القاسم بن سلام، وسعيد بن منصور، وأبو النعمان عارم، وأحمد بن خلف البغدادي.
__________
(1) المتجر الرابح ص34 رقم30.
(2) الكفاية في علم الرواية ص417.(1/18)
وأما المرفوع منه فقد رواه عن أبي هاشم خمسة من أصحابه، وهم:
سفيان الثوري، وشعبة، وهشيم، وقيس بن الربيع، والوليد بن مروان.
ورواه عن الثوري: يوسف بن أسباط.
ورواه عن شعبة: يحيى بن كثير أبو غسان، وروح بن القاسم.
ورواه عن هشيم بن بشير: نعيم بن حماد، ويزيد بن خالد بن يزيد.
ورواه عن قيس بن الربيع اثنان من أصحابه، وهما:
يحيى بن آدم، ويحيى بن عبدالحميد الحماني.
ورواه عن الوليد بن مروان: عمرو بن عاصم الكلابي.
وعلى هذا أقول: رواة الموقوف _في الجملة_ أحفظ، وأثبت من رواة المرفوع، إلا أن الموقوف لا ينافي المرفوع بل يؤيده لأمور:
الأول: أن الموقوف خبر، لا يقال مثله بالرأي _كما تقدم_ فله حكم الرفع.
الثاني: أن الذين رووه موقوفاً رووه مرفوعاً.
الثالث: كثرة طرق المرفوع، وأكثرها صحيح، والبقية منها حسن.
والعلم عند الله.
الخاتمة
اعلم أيها المسلم الكريم أن الأحاديث الواردة في فضل سورة الكهف اشتملت على مبحثين هامين:
الأول: الاعتصام بها من الدجال.
والثاني: قراءتها يوم الجمعة.
أما الأول: فقد جاء عن الرسول" أخبار بأن من حفظ وفي رواية:
=من قرأ عشر آيات من أول سورة الكهف، فإنه يعصم من الدجال إلا أن النقلة لتلك الأخبار اختلفوا في قدر الآيات المحفوظة أو المقروءة فقد نقل بعضهم أنها عشر آيات، وبعضهم نقل أنها خمس، وبعضهم نقل أنها ثلاث.
وروى بعضهم قراءة كامل السورة كما أنزلت، وروى بعضهم أن العشر من أولها، وبعضهم روى أنها من آخرها، ونقل بعضهم عشر آيات منها، ونقل بعضهم أن من رآه فليقرأ عليه فواتح السورة، وبعضهم نقل أن من لقيه فليتفل في وجهه، وليقرأ عليه بقوارع سورة أصحاب الكهف.
والجمع بين هذه الروايات لا يتأتى إلا بحفظها كاملة؛ لأن من حفظها كلها صدق عليه أنه قرأ عشر آيات من أولها، وعشر آيات من آخرها، وصدق على أقل من ذلك.
فإذا خرج الدجال ولقيه المسلم فقرأها عليه صدق عليه أنه قرأ بفواتحها، وخواتيمها وقوارعها.(1/19)
وأما المبحث الثاني فقد ورد فيه حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً وموقوفاً والموقوف له حكم الرفع _بلفظ:
=من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق+، وفي رواية: =أضاء له من النور ما بين الجمعتين+.
صححه جمع من أهل العلم وحسنه بعضهم، رواه خمسة من أصحاب هشيم بن بشير عنه بقيد يوم الجمعة، وهم:
أبو عبيدٍ القاسمُ بن سلاّم، وسعيد بن منصور، وأحمد بن خلف، ونعيم بن حماد، ويزيد بن خالد بن يزيد الرملي, وخالفهم أبو النعمان محمد بن الفضل الملقب بعارم فرواه عن هشيم بقيد ليلة الجمعة وقد تغير في آخر عمره.
ومما يقوي رواية الجماعة أيضاً مجيئه مقيداً باليوم في حديث ابن عمر وعلي بن أبي طالب _رضي الله عنهم_.
فائدة: جاء في حديث أبي سعيد المذكور زيادة: =من قال إذا فرغ من وضوئه: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك، وأتوب إليك، ختمت بخاتم، ثم رفعت تحت العرش، فلم تكسر إلى يوم القيامة+.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
فهرس الموضوعات
الموضوع ... الصفحة
المقدمة ... 3
الفصل الأول: فيما يعصم من الدجال ... 5
حديث أبي الدرداء: =من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف... الخ ... 5
حديث أبي الدرداء: =ومن حفظ خواتيم سورة الكهف ... 6
حديث أبي الدرداء: =من قرأ عشر آيات من سورة الكهف ... 8
حديث أبي الدرداء: =من قرأ عشر آيات من آخر سورة الكهف ... 8
حديث ثوبان: =من قرأ العشر الأواخر من سورة الكهف ... 9
حديث ثوبان: =من حفظ خمس آيات من أول الكهف ... 10
حديث أبي سعيد الخدري: =من قرأ سورة الكهف كما أنزلت... الخ ... 11
حديث أبي الدرداء: =من قرأ عشر آيات من الكهف ... 14
حديث أبي الدرداء" =من قرأ ثلاث آيات من أول سورة الكهف ... 14
حديث النواس بن سمعان: =غير الدجال أخوف لي عليكم... فمن رآه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف ... 16(1/20)
حديث أبي أمامة: =فمن لقيه منكم فليتفل في وجهه، وليقرأ عليه بقوارع سورة أصحاب الكهف ... 18
اختلاف الروايات فيما يعصم من الدجال منها ... 18
عدم شذوذ رواية: =من قرأ عشر آيات من آخر سورة الكهف ... 20
الجمع بين الروايات ... 21
الفصل الثاني: في فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة ... 28
حديث أبي سعيد: =من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة... الخ ... 28
تفرد عارم برواية قراءتها ليلة الجمعة ... 32
ترجيح رواية قراءتها يوم الجمعة ... 33
حديث ابن عمر: =من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة ... 33
حديث علي بن أبي طالب: =من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة ... 35
الفصل الثالث: عوداً على حديث أبي سعيد الخدري÷ ... 38
حديث أبي سعيد: =من قال إذا فرغ من وضوئه: سبحانك اللهم... الخ ... 38
قول الحافظ أبي بكر الخطيب: اختلاف الروايتين في الرفع والوقف لا يؤثر في الحديث ضعفاً..الخ ... 50
الخاتمة ... 54
الفهرس ... 57(1/21)