بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القائل : ( اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموت والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون أهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم )(1)1 ) والقائل : ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين )(2)
__________
(1) 1 ) أخرجه مسلم وأبو داوود والنسائي والترمذي وابن ماجة وأحمد وابن حبان وأبو عوانة وأبو نعيم في المستخرج والبغوي في شرح السنة والبيهقي في السنن الكبرى من حديث عائشة رضي الله عنها .
انظر صحيح مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه رقم ( 770 ) 1 / 534 ، وسنن أبي داوود في كتاب الصلاة باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء رقم ( 767 ) 1 / 487 ، وسنن النسائي في كتاب قيام الليل باب بأي شيء يستفتح صلاة الليل رقم ( 1624 ) 3 / 234 ـ 235 ، وسنن الترمذي في كتاب الدعوات باب ما جاء في الدعاء عند استفتاح الصلاة بالليل رقم ( 342 ) 5 / 451 ـ 452 ، وسنن ابن ماجة في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها ، باب ما جاء في الدعاء إذا قام الرجل من الليل رقم ( 1357 ) 1 / 431 ـ 432 ، ومسند أحمد 6 / 156 ، وصحيح ابن حبان رقم ( 2600 ) 6 / 335 ـ 336 ، ومسند أبي عوانة 2 / 304 ـ 305 ، والمسند المستخرج على صحيح مسلم لأبي نعيم رقم ( 1760 ) 2 / 367 ، والبغوي في شرح السنة رقم ( 952 ) 4 / 70 ـ 71 ، والسنن الكبرى للبيهقي 3 / 5 .
(2) 2 ) أخرجه البخاري ومسلم وأحمد والترمذي وابن ماجة ومالك في الموطأ والدارمي وابن حبان والبغوي في شرح السنة و الطبراني في الكبيروابن عبد البر من حديث معاوية وابن عباس وابن عمر وأبي هريرة .
انظر صحيح البخاري في كتاب العلم باب من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ( 71 ) 1 / 24 ، وفي كتاب فرض الخمس باب قوله تعالى فلله خمسه وللرسول ( 3116 ) 2 / 393 ، وفي كتاب الاعتصام باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق وهم أهل العلم رقم ( 7311 ) 4 / 366 ، وصحيح مسلم في كتاب باب النهي عن المسألة رقم ( 1037 ) 2 / 717 ـ 718 ، ومسند أحمد 4 / 92 ـ 93 ، 95 ـ 99 ، 104 ، وسنن الترمذي في كتاب العلم باب إذا أراد الله بعبد خيراً فقهه في الدين رقم ( 2645 ) 4 / 385 ، وسنن ابن ماجة في المقدمة باب فضل العلماء رقم ( 220 ـ 221 ) 1 / 80 ، وموطأ مالك في كتاب القدر باب جامع ما جاء في القدر 2 / 900 ـ 901 ، وسنن الدارمي 1 / 74 ، وصحيح ابن حبان رقم ( 89 ) 1 / 80 ، ورقم ( 310 ) 2 / 8 ، ورقم ( 3401 ) 8 / 193 ـ 194 ، وشرح السنة للبغوي رقم ( 131 ـ 132 ) 1 / 284 ـ 285 ، والمعجم الكبير للطبراني رقم ، ( 729 ، 782 ـ 787 ، 792 ، 797 ، 810 ، 815 ، 860 ، 864 ، 868 ـ 869 ، 871 ، 904 ، 906 ، 911 ـ 912 ، 918 ـ 919 ) ، وجامع العلم وفضله لابن عبد البر 1 / 17 ـ 19.(1/1)
2 ) أسأل الله عز وجل أن يفقهنا في الدين وأن يهدينا لما اختلف فيه من الحق إنه على كل شيء قدير ، وبعد فهذا تلخيص وتخريج لبعض الأحاديث الواردة في النهي عن حلق اللحى والأمر بإعفائها وأقوال العلماء :
عن نافع عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى " ، وفي لفظ : " خالفوا المشركين وفروا اللحى واحفوا الشوارب ، وفي لفظ " انهكوا الشوارب وأعفوا اللحى " ، وفي لفظ " أحفوا الشوارب وأوفوا اللحى " ، وكان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه (1) .
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس (2) " .
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " اعفوا اللحى وخذوا الشوارب وغيروا شيبكم ولا تشبهوا باليهود والنصارى (3) " .
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب اللباس ، باب تقليم الأظفار رقم ( 5553 ) 5 / 2209 ، وفي باب إعفاء اللحى عفواً كثروا وكثرت أموالهم رقم ( 5554 ) 5 / 2209 ، ومسلم في كتاب الطهارة ، باب خصال الفطرة رقم ( 259 ) 1 / 222 ، والنسائي في السنن الكبرى رقم ( 9291 – 9292 ، 9294 ، ) 5 / 406 – 407 ، والبيهقي في السنن الكبرى رقم ( 671 ) 1 / 149 ، وفي شعب الإيمان رقم ( 6433 ) 5 / 220 .
(2) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة ، باب الخصال الفطرة رقم ( 260 ) 1 / 222 ، والبيهقي في معرفة السنن والآثار رقم (225 ) 1 / 246 .
(3) أخرجه أحمد في المسند رقم ( 8657 ) 2 / 356 ، والبيهقي في معرفة السنن والآثار رقم (225 ) 1 / 246 .(1/2)
قال ابن عبد البر : وأما قوله وإعفاء اللحى فقال أبو عبيد يعني توفر وتكثر يقال منه عفا الشعر إذا كثر فهو عاف وقد عفوته وأعفيته لغتان ، قال الله : { حتى عفوا } يعني كثروا وهذه اللفظة متصرفة يقال في غير هذا عفا الشيء إذا درس وامحى قال لبيد : عفت الديار محلها فمقامها هذا كله قول أبي عبيد ، وقال ابن الأنباري : يقال عفا الشيء يعفو عفوا إذا كثر وقد عفوته أعفوه وأعفيته أعفيه إعفاء إذا كثرته وعفا القوم إذا كثروا وعفوا إذا قلوا وهو من الأضداد والعافي الطالب والعافي عن الجرم قال الله عز وجل : { وليعفوا وليصفحوا } ، قال أبو عمر : أما اللغة في اعفوا فمحتملة للشيء وضده كما قال أهل اللغة واختلف أهل العلم في الأخذ من اللحية فكره ذلك قوم وأجازه آخرون ، وأخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال حدثنا أبي قال حدثنا محمد بن فطيس قال : حدثنا يحيى بن إبراهيم قال : حدثنا أصبغ عن ابن القاسم قال : سمعت مالكاً يقول لا بأس أن يؤخذ ما تطايل من اللحية وشذ قال فقيل لمالك : فإذا طالت جداً فإن من اللحى ما تطول قال : أرى أن يؤخذ منها وتقصر وقد روى سفيان عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر أنه كان يعفي لحيته إلا في حج أو عمرة وذكر الساجي حدثنا بندار وابن المثنى قالا حدثنا عبد الوهاب حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا قصر من لحيته في حج أو عمرة كان يقبض عليها ويأخذ من طرفها ما خرج من القبضة ، قال أبو عمر : هذا ابن عمر روى اعفوا اللحى وفهم المعنى فكان يفعل ما وصفنا ، وقال به جماعة من العلماء : في الحج وغير الحج ، وروى ابن وهب قال : أخبرني أبو صخر عن محمد بن كعب في قوله : { ثم ليقضوا تفثهم } ، قال رمي الجمار وذبح الذبيحة وحلق الرأس والأخذ من الشارب واللحية والأظفار والطواف بالبيت وبالصفا والمروة ، وكان قتادة يكره أن يأخذ من لحيته إلا في حج أو عمرة ، وكان يأخذ من عارضيه وكان الحسن يأخذ من طول لحيته ،(1/3)
وكان ابن سيرين لا يرى بذلك بأساً ، وروى الثوري عن منصور عن عطاء أنه كان يعفي لحيته إلا في حج أو عمرة قال منصور : فذكرت ذلك لإبرهيم فقال كانوا يأخذون من جوانب اللحية (1)
قال النووي : وأما إعفاء اللحية فمعناه توفيرها وهو معنى أوفوا اللحى في الرواية الأخرى وكان من عادة الفرس قص اللحية فنهى الشرع عن ذلك وقد ذكر العلماء في اللحية عشر خصال مكروهة بعضها أشد قبحاً من بعض إحداها : خضابها بالسواد إلا لغرض الجهاد ، الثانية خضابها بالصفرة تشبيها بالصالحين لا لاتباع السنة ، الثالثة تبييضها بالكبريت أو غيره استعجالاً للشيخوخة لأجل الرياسة والتعظيم وايهام أنه من المشايخ ، الرابعة نتفها أو حلقها أول طلوعها إيثاراً للمرودة وحسن الصورة ، الخامسة نتف الشيب ، السادسة تصفيفها طاقة فوق طاقة تصنعاً ليستحسنه النساء وغيرهن ، السابعة الزيادة فيها والنقص منها بالزيادة في شعر العذار من الصدغين أو أخذ بعض العذار في حلق الرأس ونتف جانبي العنفقة وغير ذلك ، الثامنة تسريحها تصنعاً لأجل الناس ، التاسعة تركها شعثة ملبدة إظهاراً للزهادة وقلة المبالاة بنفسه، العاشرة النظر إلى سوادها وبياضها إعجاباً وخيلاءً وغرة بالشباب وفخراً بالمشيب وتطاولاً على الشباب ، الحادية عشر عقدها وضفرها ، الثانية عشر حلقها إلا إذا نبت للمرأة لحية فيستحب لها حلقها (2) .
__________
(1) انظر : التمهيد لابن عبد البر 24 / 144 – 146 .
(2) انظر : شرح النووي على صحيح مسلم 3 / 149 ، والمجموع للنووي 1 / 357 – 358 .(1/4)
وقال النووي أيضاً : فرع ذكر أبو طالب المكي في قوت القلوب ثم الغزالي في الإحياء في اللحية عشر خصال مكروهة إحداها خضابها بالسواد إلا لغرض الجهاد إرعابا للعدو بإظهار الشباب والقوة فلا بأس إذا كان بهذه النية لا لهوى وشهوة وهذا كلام الغزالي وسأفرد فرعاً للخضاب بالسواد قريباً إن شاء الله تعالى الثانية تبييضها بالكبريت أو غيره استعجالاً للشيخوخة وإظهاراً للعلو في السن لطلب الرياسة والتعظيم والمهابة والتكريم ولقبول حديثه وإيهاما للقاء المشايخ ونحوه الثالثة خضابها بحمرة أو صفرة تشبها بالصالحين ومتبعي السنة لا بنية اتباع السنة الرابعة نتفها أول طلوعها وتخفيفها بالموسى إيثارا للمرودة واستصحابا للصبا وحسن الوجه وهذه الخصلة من أقبحها الخامسة نتف الشيب وسيأتي بسطه إن شاء الله تعالى السادسة تصفيفها وتعبيتها طاقة فوق طاقة للتزين والتصنع ليستحسنه النساء وغيرهن السابعة الزيادة فيها والنقص منها كما سبق الثامنة تركها شعثة منتفشة إظهارا للزهادة وقلة المبالاة بنفسه التاسعة تسريح تصنعا العاشرة النظر إليها إعجاباً وخيلاءً وغرة بالشباب وفخرا بالمشيب وتطاولا على الشباب وهاتان الخصلتان في التحقيق لا تعود الكراهة فيهما إلى معنى في اللحية بخلاف الخصال السابقة والله أعلم (1) .
__________
(1) انظر : المجموع للنووي 1 / 357 – 358 .(1/5)
وقال النووي أيضاً : فرع يستحب دفن ما أخذ من هذه الشعور والأظفار ومواراته في الأرض نقل ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما واتفق عليه أصحابنا وسنبسطه في كتاب الجنائز حيث ذكره الأصحاب إن شاء الله تعالى فرع سبق في الحديث أن إعفاء اللحية من الفطرة فالإعفاء بالمد قال الخطابي وغيره هو توفيرها وتركها بلا قص كره لنا قصها كفعل الأعاجم قال وكان من زي كسرى قص اللحى وتوفير الشوارب قال الغزالي في الإحياء اختلف السلف فيما طال من اللحية فقيل لا بأس أن يقبض عليها ويقص ما تحت القبضة فعله ابن عمر ثم جماعة من التابعين واستحسنه الشعبي وابن سيرين وكرهه الحسن وقتادة وقالوا يتركها عافية لقوله - صلى الله عليه وسلم - واعفوا اللحى قال الغزالي والأمر في هذا قريب إذا لم ينته إلى تقصيصها لأن الطول المفرط قد يشوه الخلقة هذا كلام الغزالي والصحيح كراهة الأخذ منها مطلقا بل يتركها على حالها كيف كانت للحديث اعفوا اللحى وأما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها فرواه الترمذي بإسناد ضعيف لا يحتج به وأما المرأة إذا نبت لها لحية فيستحب حلقها صرح به القاضي حسين وغيره وكذا الشارب والعنفقة لها هذا مذهبنا وقال محمد بن جرير لا يجوز لها حلق شيء من ذلك ولا تغيير شيء من خلقتها بزيادة ولا نقص وأما الأخذ من الحاجبين إذا طالا فلم أر شيئا لأصحابنا وينبغي أن يكره لأنه تغيير لخلق الله لم يثبت فيه شيء فكره وذكر بعض أصحاب أحمد أنه لا بأس به قال وكان أحمد يفعله وحكى أيضا عن الحسن البصري قال الغزالي تكره الزيادة في اللحية والنقص منها وهو أن يزيد في شعر العذارين من شعر الصدغين إذا حلق رأسه أو ينزل فيحلق بعد العذارين قال وكذلك نتف جانبي العنفقة وغير ذلك فلا يغير شيئا وقال أحمد بن حنبل لا بأس بحلق ما تحت حلقه من لحيته ولا يقص ما زاد منها على قبضه اليد وروى نحوه عن ابن عمر وأبي(1/6)
هريرة وطاوس وما ذكرناه أولا هو الصحيح والله أعلم (1) .
وقال زين الدين العراقي : من خصال الفطرة إعفاء اللحية وهو توفير شعرها وتكثيره وأنه لا يأخذ منه كالشارب من عفا الشيء إذا كثر وزاد وهو من الأضداد وفي الفعل المتعدي لغتان أعفاه وعفاه وجاء المصدر هنا على الرباعي وفي الصحيحين من حديث ابن عمر الأمر بذلك أعفوا اللحى وفي رواية أوفوا وفي رواية وفروا وفي رواية أرخوا وهي بالخاء المعجمة على المشهور وقيل بالجيم من الترك والتأخير وأصله الهمزة فحذف تخفيفا كقوله ترجي من تشاء منهن واستدل به الجمهور على أن الأولى ترك اللحية على حالها وأن لا يقطع منها شيء وهو قول الشافعي وأصحابه وقال القاضي عياض يكره حلقها وقصها وتحريقها وقال القرطبي في المفهم : لا يجوز حلقها ولا نتفها ولا قص الكثير منها قال القاضي عياض وأما الأخذ من طولها فحسن قال وتكره الشهرة في تعظيمها كما يكره في قصها وجزها قال وقد اختلف السلف هل لذلك حد فمنهم من لم يحدد شيئا في ذلك إلا أنه لا يتركها لحد الشهرة ويأخذ منها وكره مالك طولها جدا ومنهم من حدد بما زاد على القبضة فيزال ومنهم من كره الأخذ منها إلا في حج أو عمرة انتهى وقال النووي ذكر العلماء في اللحية عشر خصال مكروهة بعضها أشد من بعض إحداها خضابها بالسواد لا لغرض الجهاد الثانية خضابها بالصفرة تشبها بالصالحين لا لاتباع السنة الثالثة تبييضها بالكبريت استعجالا للشيخوخة لأجل الرياسة والتعظيم وإيهام لقي المشايخ الرابعة نتفها أول طلوعها إيثارا للمرودة وحسن الصورة الخامسة نتف الشيب السادسة تصفيفها طاقة فوق طاقة تصنعا ليستحسنه النساء وغيرهن السابعة الزيادة فيها والنقص فيها بالزيادة في شعر العذارين من الصدغين أو أخذ بعض العذار في حلق الرأس ونتف جانبي العنفقة وغير ذلك الثامنة تسريحها تصنعا لأجل الناس التاسعة تركها شعثة منتفشة إظهارا للزهادة
__________
(1) انظر : المجموع للنووي 1 / 357 – 358 .(1/7)
وقلة المبالاة بنفسه العاشرة النظر إلى سوادها أو بياضها إعجابا وخيلاء وغرة بالشباب وفخرا بالمشيب وتطاولا على الشباب ثم قال الحادية عشر عقدها وطفرها ، الثانية عشر حلقها إلا إذا نبتت للمرأة لحية فيستحب حلقها والله أعلم (1) .
__________
(1) انظر : طرح التثريب في شرح التقريب لزين لدين العراقي 2 / 78 .(1/8)
وقال الحافظ ابن حجر : قوله عمر بن محمد بن زيد أي بن عبد الله بن عمر قوله خالفوا المشركين في حديث أبي هريرة عند مسلم خالفوا المجوس وهو المراد في حديث بن عمر فإنهم كانوا يقصون لحاهم ومنهم من كان يحلقها قوله أحفوا الشوارب بهمزة قطع من الاحفاء للأكثر وحكى بن دريد حفى شاربه حفوا إذا استأصل أخذ شعره فعلى هذا فهي همزة وصل قوله ووفروا اللحى أما قوله وفروا فهو بتشديد الفاء من التوفير وهو الإبقاء أي اتركوها وافرة وفي رواية عبيد الله بن عمر عن نافع في الباب الذي يليه اعفوا وسيأتي تحريره وفي حديث أبي هريرة عند مسلم أرجئوا وضبطت بالجيم والهمزة أي أخروها وبالخاء المعجمة بلا همز أي أطيلوها وله في رواية أخرى أوفوا أي اتركوها وافية ، قال النووي وكل هذه الروايات بمعنى واحد واللحى بكسر اللام وحكى ضمها وبالقصر والمد جمع لحية بالكسر فقط وهي اسم لما نبت على الخدين والذقن قوله وكان بن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه هو موصول بالسند المذكور إلى نافع وقد أخرجه مالك في الموطأ عن نافع بلفظ كان بن عمر إذا حلق رأسه في حج أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه وفي حديث الباب مقدار المأخوذ وقوله فضل بفتح الفاء والضاد المعجمة ويجوز كسر الضاد كعلم والأشهر الفتح قاله بن التين وقال الكرماني لعل بن عمر أراد الجمع بين الحلق والتقصير في النسك فحلق رأسه كله وقصر من لحيته ليدخل في عموم قوله تعالى محلقين رءوسكم ومقصرين وخص ذلك من عموم قوله وفروا اللحى فحمله على حالة غير حالة النسك قلت الذي يظهر أن بن عمر كان لا يخص هذا التخصيص بالنسك بل كان يحمل الأمر بالاعفاء على غير الحالة التي تتشوه فيها الصورة بافراط طول شعر اللحية أو عرضه فقد قال الطبري ذهب قوم إلى ظاهر الحديث فكرهوا تناول شيء من اللحية من طولها ومن عرضها وقال قوم إذا زاد على القبضة يؤخذ الزائد ثم ساق بسنده إلى بن عمر أنه فعل ذلك وإلى عمر أنه فعل ذلك(1/9)
برجل ومن طريق أبي هريرة أنه فعله وأخرج أبو داود من حديث جابر بسند حسن قال كنا نعفي السبال إلا في حج أو عمرة وقوله نعفي بضم أوله وتشديد الفاء أي نتركه وافرا وهذا يؤيد ما نقل عن بن عمر فإن السبال بكسر المهملة وتخفيف الموحدة جمع سبلة بفتحتين وهي ما طال من شعر اللحية فأشار جابر إلى أنهم يقصرون منها في النسك ثم حكى الطبري اختلافا فيما يؤخذ من اللحية هل له حد أم لا فأسند عن جماعة الاقتصار على أخذ الذي يزيد منها على قدر الكف وعن الحسن البصري أنه يؤخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش وعن عطاء نحوه قال وحمل هؤلاء النهي على منع ما كانت الأعاجم تفعله من قصها وتخفيفها قال وكره آخرون التعرض لها إلا في حج أو عمرة وأسنده عن جماعة واختار قول عطاء وقال إن الرجل لو ترك لحيته لا يتعرض لها حتى أفحش طولها وعرضها لعرض نفسه لمن يسخر به واستدل بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها وهذا أخرجه الترمذي ونقل عن البخاري أنه قال في رواية عمر بن هارون لا أعلم له حديثا منكرا إلا هذا ، وقد ضعف عمر بن هارون مطلقاً جماعة وقال عياض يكره حلق اللحية وقصها وتحذيفها وأما الأخذ من طولها وعرضها إذا عظمت فحسن بل تكره الشهرة في تعظيمها كما يكره في تقصيرها كذا قال وتعقبه النووي بأنه خلاف ظاهر الخبر في الأمر بتوفيرها قال والمختار تركها على حالها وأن لا يتعرض لها بتقصير ولا غيره وكأن مراده بذلك في غير النسك لأن الشافعي نص على استحبابه فيه وذكر النووي عن الغزالي وهو في ذلك تابع لأبي طالب المكي في القوت قال يكره في اللحية عشر خصال خضبها بالسواد لغير الجهاد وبغير السواد إيهاماً للصلاح لا لقصد الأتباع وتبييضها استعجالا للشيخوخة لقصد التعاظم على الأقران ونتفها إبقاء للمرودة وكذا تحذيفها ونتف الشيب ورجح النووي تحريمه لثبوت الزجر عنه كما سيأتي قريبا وتصفيفها طاقة طاقة(1/10)
تصنعا ومخيلة وكذا ترجيلها والتعرض لها طولا وعرضا على ما فيه من اختلاف وتركها شعثة إيهاما للزهد والنظر إليها إعجابا وزاد النووي وعقدها لحديث رويفع رفعه من عقد لحيته فإن محمدا منه بريء الحديث أخرجه أبو داود قال الخطابي قيل المراد عقدها في الحرب وهو من زى الأعاجم وقيل المراد معالجة الشعر لينعقد وذلك من فعل أهل التأنيث تنبيه أنكر بن التين ظاهر ما نقل عن بن عمر فقال ليس المراد أنه كان يقتصر على قدر القبضة من لحيته بل كان يمسك عليها فيزيل ما شذ منها فيمسك من أسفل ذقنه بأصابعه الأربعة ملتصقة فيأخذ ما سفل عن ذلك ليتساوى طول لحيته قال أبو شامة وقد حدث قوم يحلقون لحاهم وهو أشد مما نقل عن المجوس أنهم كانوا يقصونها وقال النووي : يستثنى من الأمر باعفاء اللحى ما لو نبتت للمرأة لحية فإنه يستحب لها حلقها وكذا لو نبت لها شارب أو عنفقة وسيأتي البحث فيه في باب المتنمصات قوله باب اعفاء اللحى كذا استعمله من الرباعي وهو بمعنى الترك ثم قال عفوا كثروا وكثرت أموالهم وأراد تفسير قوله تعالى في الأعراف حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فقد تقدم هناك بيان من فسر قوله عفوا يكثروا فأما أن يكون أشار بذلك إلى أصل المادة أو إلى أن لفظ الحديث وهو اعفوا اللحى جاء بالمعنيين فعلى الأول يكون بهمزة قطع وعلى الثاني بهمزة وصل وقد حكى ذلك جماعة من الشراح منهم بن التين قال وبهمزة قطع أكثر وقال بن دقيق العيد : تفسير الاعفاء بالتكثير من إقامة السبب مقام المسبب لأن حقيقة الاعفاء الترك وترك التعرض للحية يستلزم تكثيرها وأغرب بن السيد فقال حمل بعضهم قوله أعفوا اللحى على الأخذ منها بإصلاح ما شذ منها طولا وعرضا واستشهد بقول زهير على آثار من ذهب العفاء وذهب الأكثر إلى أنه بمعنى وفروا أو كثروا وهو الصواب قال بن دقيق العيد لا أعلم أحدا فهم من الأمر في قوله أعفوا اللحى تجويز معالجتها بما يغزرها كما يفعله بعض الناس قال(1/11)
وكأن الصارف عن ذلك قرينة السياق في قوله في بقية الخبر وأحفوا الشوارب انتهى ويمكن أن يؤخذ من بقية طرق ألفاظ الحديث الدالة على مجرد الترك والله أعلم تنبيه في قوله أعفوا وأحفوا ثلاثة أنواع من البديع الجناس والمطابقة والموازنة (1) .
__________
(1) انظر : فتح الباري شرح صحيح البخاري 10/349 – 351 .(1/12)
وقال العيني : قوله : خالفوا المشركين أراد بهم المجوس يدل عليه رواية مسلم خالفوا المجوس لأنهم كانوا يقصرون لحاهم ومنهم من كان يحلقها وقوله وفروا بتشديد الفاء أمر من التوفير وهو الإبقاء أي اتركوها موفرة واللحى بكسر اللام وضمها بالقصر والمد جمع لحية بالكسر فقط وهي إسم لما نبت على الخدين والذقن قاله بعضهم قلت على الخدين ليس بشيء ولو قال على العارضين لكان صواباً قوله : واحفوا أمر من الإحفاء في القص قد مر عن قريب وقال الطبري فإن قلت ما وجه قوله اعفوا اللحى وقد علمت أن الإعفاء الإكثار وأن من الناس من إذا ترك شعر لحيته اتباعاً منه لظاهر قوله اعفوا اللحى فيتفاحش طولاً وعرضاً ويسمج حتى يصير للناس حديثاً ومثلاً قيل قد ثبتت الحجة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على خصوص هذا الخبر وأن اللحية محظور إعفاؤها وواجب قصها على اختلاف من السلف في قدر ذلك وحده فقال بعضهم حد ذلك أن يزاد على قدر القبضة طولاً وأن ينتشر عرضاً فيقبح ذلك وروي عن عمر - رضي الله عنه - أنه رأى رجلاً قد ترك لحيته حتى كبرت فأخذ يجذيها ثم قال ائتوني بحلمتين ثم أمر رجلاً فجزما تحت يده ثم قال إذهب فأسلح شعرك أو أفسده يترك أحدكم نفسه حتى كأنه سبع من السباع وكان أبو هريرة يقبض على لحيته فيأخذ ما فضل وعن ابن عمر مثله وقال آخرون يأخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش ولم يجدوا في ذلك حداً غير أن معنى ذلك عندي ما لم يخرج من عرف الناس وقال عطاء لا بأس أن يأخذ من لحيته الشيء القليل من طولها وعرضها إذا كبرت وعلت كراهة الشهرة وفيه تعريض نفسه لمن يسخر به واستدل بحديث عمر بن هارون عن أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها أخرجه الترمذي وقال هذا حديث غريب وسمعت محمد بن إسماعيل يقول عمر بن هارون مقارب الحديث لا أعرف له حديثاً ليس له أصل أو قال ينفرد به إلاَّ هذا الحديث(1/13)
قال ورأيته حسن الرأي في عمر بن هارون وسمعت قتيبة يقول عمر بن هارون كان صاحب حديث وكان يقول الإيمان قول وعمل ، وقوله : وكان ابن عمر إذا حج إلى آخره موصول بالسند المذكور إلى نافع وقد أخرجه مالك في الموطأ عن نافع بلفظ كان ابن عمر إذا حلق رأسه في حج أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه قوله فما فضل بفتح الفاء والضاد المعجمة وحكى كسر الصاد كعلم والفتح أشهر وقال الكرماني : وما فضل أي من قبضة اليد قطعه تقصيراً ولعل ابن عمر جمع بين حلق الرأس وتقصير اللحية اتباعاً لقوله تعالى { محلقين رؤوسكم ومقصرين } الفتح 27 هذا هو المقدار الذي قاله الكرماني : وقد نقل عنه بعضهم ما لم يقله ثم طول الكلام بما لا يستحق سماعه فذلك تركته وقال النووي يستثني من الأمر بإعفاء اللحى ما لو نبتت للمرأة لحية فإنه يستحب لها حلقها وكذا لو نبت لها شارب أو عنفقة ، بابُ إعْفاءِ اللِّحَى أي هذا باب في بيان إعفاء اللحى قال بعضهم استعمله من الرباعي وهو بمعنى الترك قلت لا يسمى هذا رباعياً في الاصطلاح وإنما يسمى مزيد الثلاثي عَفَوْا كَثُرُوا وَكَثُرَتْ أمْوالهُمْ ليس هذا بموجود في بعض النسخ وأشار به إلى تفسير قوله تعالى في الأعراف 7 { حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء } الأعراف 95 وفسر قوله : { عفوا } بمعنى كثروا وكثرت أموالهم وذكر في الترجمة الإعفاء وهو من المزيد كما قلنا ثم ذكر عفوا وهو من الثلاثي المجرد فكأنه أشار بهذا إلى أن هذه المادة في الحديث جاءت لمعنيين فعلى الأول تكون همزة إعفوا همزة قطع وعلى الثاني همزة وصل وقال ابن التين وبهمزة قطع أكثر ، " حدَّثني مُحَمَّدٌ أخبرنا عَبْدَةُ أخبرنا عُبَيْدُ الله بنُ عُمَرَ عَنْ نافِعٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - انْهَكُوا الشَّوَارِبَ وأعْفَوا اللِّحَى " انظر الحديث مطابقته للترجمة في قوله واعفوا اللحى ومحمد هو ابن سلام وعبدة بفتح(1/14)
العين وسكون الباء ابن سليمان وعبيد الله بن عمر العمري وقد مر عن قريب ، والحديث أخرجه مسلم ولفظه احفوا الشوارب واعفو مأموراً به فلما أخذ ابن عمر من لحيته وهو راوي الحديث وأجيب بأنه لعله خصص بالحج أو أن المنهي هو قصها كفعل الأعاجم (1) .
قال المباركفوي : قوله كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها بدل بإعادة العامل قال الطيبي : هذا لا ينافي قوله - صلى الله عليه وسلم - اعفوا اللحى لأن المنهي هو قصها كفعل الأعاجم أو جعلها كذنب الحمام والمراد بالإعفاء التوفير منها كما في الرواية الأخرى والأخذ من الأطراف قليلا لا يكون من القص في شيء انتهى قلت كلام الطيبي هذا حسن إلا أن حديث عمرو بن شعيب هذا ضعيف جدا قوله هذا حديث غريب وهو حديث ضعيف لأن مداره على عمر بن هارون وهو متروك كما عرفت قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث أخرجه الترمذي ونقل عن البخاري أنه قال في رواية عمر بن هارون لا أعلم له حديثا منكرا إلا هذا (2) .
__________
(1) انظر : عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني 22 / 46 – 47 .
(2) انظر : تحفة الأحوذي شرح الترمذي للمباركفوري 8 / 36 – 37.(1/15)
قال الشوكاني : وقد اختلف الناس في حد ما يقص من الشارب وقد ذهب كثير من السلف إلى استئصاله وحلقه لظاهر ، قوله احفوا وأنهكوا وهو قول الكوفيين وذهب كثير منهم إلى منع الحلق والاستئصال وإليه ذهب مالك وكان يري تأديب من حلقه وروى عنه بن القاسم أنه قال إحفاء الشارب مثله قال النووي المختار أنه يقص حتى يبدو طرف الشفة ولا يحفيه من أصله قال وأما رواية احفوا الشوارب فمعناها احفوا ما طال عن الشفتين وكذلك قال مالك في الموطأ يؤخذ من الشارب حتى يبدو أطراف الشفة قال بن القيم وأما أبو حنيفة وزفر وأبو يوسف ومحمد فكان مذهبهم في شعر الرأس والشوارب أن الإحفاء أفضل من التقصير وذكر بعض المالكية عن الشافعي أن مذهبه كمذهب أبي حنيفة في حلق الشارب قال الطحاوي ولم أجد عن الشافعي شيئا منصوصا في هذا وأصحابه الذين رأيناهم المزني والربيع كانا يحفيان شواربهما ويدل ذلك أنهما أخذاه عن الشافعي وروى الأثرم عن الإمام أحمد أنه كان يحفي شاربه إحفاء شديدا وسمعته يسأل عن السنة في إحفاء الشارب فقال يحفى وقال حنبل قيل لأبي عبد الله ترى للرجل يأخذ شاربه ويحفيه أم كيف يأخذه قال إن أحفاه فلا بأس وإن أخذه قصا فلا بأس وقال أبو محمد في المغني هو مخير بين أن يحفيه وبين أن يقصه وقد روى النووي في شرح مسلم عن بعض العلماء أنه ذهب إلى التخيير بين الأمرين الإحفاء وعدمه وروى الطحاوي الإحفاء عن جماعة من الصحابة أبي سعيد وأبي أسيد ورافع بن خديج وسهل بن سعد وعبد الله بن عمر وجابر وأبي هريرة ، قال بن القيم واحتج من لم ير إحفاء الشارب بحديث عائشة وأبي هريرة المرفوعين عشر من الفطرة فذكر منها قص الشارب وفي حديث أبي هريرة أن الفطرة خمس وذكر منها قص الشارب واحتج المحفون بأحاديث الأمر بالإحفاء وهي صحيحة وبحديث بن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يحفي شاربه انتهى والإحفاء ليس كما ذكره النووي من أن معناه احفوا ما طال عن الشفتين بل(1/16)
الإحفاء الاستئصال كما في الصحاح والقاموس والكشاف وسائر كتب اللغة ورواية القص لا تنافيه لأن القص قد يكون على جهة الإحفاء وقد لا يكون ورواية الإحفاء معينة للمراد وكذلك حديث الباب الذي فيه من لم يأخذ من شاربه فليس منا لا يعارض رواية الإحفاء لأن فيها زيادة يتعين المصير إليها ولو فرض التعارض من كل وجه لكانت رواية الإحفاء أرجح لأنها في الصحيحين وروى الطحاوي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ من شارب المغيرة على سواكه قال وهذا لا يكون معه إحفاء ويجاب عنه بأنه محتمل ودعوى أنه لا يكون معه إحفاء ممنوعة وهو إن صح كما ذكر لا يعارض تلك الأقوال منه - صلى الله عليه وسلم - قوله وأرخوا اللحى قال النووي هو بقطع الهمزة والخاء المعجمة ومعناه اتركوا ولا تتعرضوا لها بتغيير قال القاضي عياض وقع في رواية الأكثرين بالخاء المعجمة ووقع عند بن ماهان أرجوا بالجيم قيل هو بمعنى الأول وأصله أرجئوا بالهمزة فحذفت تخفيفا ومعناه أخروها واتركوها قوله وفروا اللحى هي إحدى الروايات وقد حصل من مجموع الأحاديث خمس روايات اعفوا وأوفوا وأرخوا وأرجوا ووفروا ومعناها كلها تركها على حالها قال ابن السكيت وغيره : يقال في جمع اللحية لحى ولحى بكسر اللام وضمها لغتان والكسر أفصح قوله خالفوا المجوس قد سبق أنه كان من عادة الفرس قص اللحية فنهى الشرع عن ذلك قوله فما فضل بفتح الفاء والضاد المعجمة ويجوز كسر الضاد كعلم والأشهر الفتح وقد استدل بذلك بعض أهل العلم والروايات المرفوعة ترده ولكنه قد أخرج الترمذي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها وقال غريب قال سمعت محمد بن إسماعيل يعني البخاري يقول عمر بن هارون يعني المذكور في إسناده مقارب الحديث لا أعرف له حديثا ليس له أصل أو قال ينفرد به إلا هذا الحديث لا نعرفه إلا من حديثه انتهى وقال في التقريب إنه متروك وكان حافظا(1/17)
من كبار التاسعة انتهى فعلى هذا أنها لا تقوم بالحديث حجة فائدة قال النووي وقد ذكر العلماء في اللحية عشر خصال مكروهة بعضها أشد من بعض الخضاب بالسواد لا لغرض الجهاد والخضاب بالصفرة تشبها بالصالحين لا لاتباع السنة وتبييضها بالكبريت أو غيره استعجالا للشيخوخة لأجل الرياسة والتعظيم وإيهام لقي المشايخ ونتفها أول طلوعها إيثارا للمردودة وحسن الصورة ونتف الشيب وتصفيفها طاقة فوق طاقة تصنعا لتستحسنه النساء وغيرهن والزيادة فيها والنقص منها بالزيادة في شعر العذارين من الصدغين أو أخذ بعض العذار في حلق الرأس ونتف جانبي العنفقة وغير ذلك وتسريحها تصنعا لأجل الناس وتركها شعثة منتفشة إظهارا للزهادة وقلة المبالاة بنفسه هذه عشر والحادية عشرة عقدها وضفرها والثانية عشرة حلقها إلا إذا نبت للمرأة لحية فيستحب لها حلقها (1) .
قال ابن القيم في زاد المعاد : فصل في هديه - صلى الله عليه وسلم - في قص الشارب
__________
(1) نيل الأوطار للشوكاني 1 / 141- 143 .(1/18)
قال أبو عمر بن عبد البر : روى الحسن بن صالح عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقص شاربه ويذكر أن إبراهيم كان يقص شاربه ووقفه طائفة على ابن عباس وروى الترمذي من حديث زيد بن أرقم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يأخذ من شاربه فليس منا وقال حديث صحيح وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قصوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس وفي الصحيحين عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خالفوا المشركين ووفروا اللحى وأحفوا الشوارب وفي صحيح مسلم عن أنس قال وقت لنا النبي صلى الله عليه وسلم في قص الشارب وتقليم الأظفار ألا نترك أكثر من أربعين يوما وليلة واختلف السلف في قص الشارب وحلقه أيهما أفضل فقال مالك في موطئه يؤخذ من الشارب حتى تبدو أطراف الشفة وهو الإطار ولا يجزه فيمثل بنفسه وذكر ابن عبد الحكم عن مالك قال يحفي الشارب ويعفي اللحى وليس إحفاء الشارب حلقه وأرى أن يؤدب من حلق شاربه وقال ابن القاسم عنه إحفاء الشارب وحلقه عندي مثلة قال مالك وتفسير حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في إحفاء الشارب إنما هو الإطار وكان يكره أن يؤخذ من أعلاه وقال أشهد في حلق الشارب أنه بدعة وأرى أن يوجع ضربا من فعله قال مالك وكان عمر بن الخطاب إذا كربه أمر نفخ فجعل رجله بردائه وهو يفتل شاربه وقال عمر بن عبد العزيز السنة في الشارب الإطار وقال الطحاوي ولم أجد عن الشافعي شيئا منصوصا في هذا وأصحابه الذين رأينا المزني والربيع كانا يحفيان شواربهما ويدل ذلك على أنهما أخذاه عن الشافعي رحمه الله قال وأما أبو حنيفة وزفر وأبو يوسف ومحمد فكان مذهبهم في شعر الرأس والشوارب أن الإحفاء أفضل من التقصير وذكر ابن خويز منداد المالكي عن الشافعي أن مذهبه في حلق الشارب كمذهب أبي حنيفة وهذا قول أبي عمر وأما الإمام أحمد فقال الأثرم رأيت الإمام(1/19)
أحمد بن حنبل يحفي شاربه شديدا وسمعته يسأل عن السنة في إحفاء الشارب فقال يحفى كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أحفوا الشوارب ، وقال حنبل قيل لأبي عبد الله ترى الرجل يأخذ شاربه أو يحفيه أم كيف يأخذه قال : إن أحفاه فلا بأس وإن أخذه قصا فلا بأس ، وقال أبو محمد بن قدامة المقدسي في المغني : وهو مخير بين أن يحفيه وبين أن يقصه من غير إحفاء قال الطحاوي وروى المغيرة ابن شعبة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ من شاربه على سواك وهذا لا يكون معه إحفاء واحتج من لم ير إحفاءه بحديثي عائشة وأبي هريرة المرفوعين عشر من الفطرة فذكر منها قص الشارب وفي حديث أبي هريرة عليه الفطرة خمس وذكر منها قص الشارب ، واحتج المحفون بأحاديث الأمر بالإحفاء وهي صحيحة وبحديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجز شاربه قال الطحاوي وهذا الأغلب فيه الإحفاء وهو يحتمل الوجهين وروى العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة يرفعه جزوا الشوارب وأرخوا اللحى قال وهذا يحتمل الإحفاء أيضا وذكر بإسناده عن أبي سعيد وأبي أسيد ورافع بن خديج وسهل ابن سعد وعبد الله بن عمر وجابر وأبي هريرة أنهم كانوا يحفون شواربهم وقال إبراهيم بن محمد بن حاطب رأيت ابن عمر يحفي شاربه كأنه ينتفه وقال بعضهم : حتى يرى بياض الجلد قال الطحاوي : ولما كان التقصير مسنوناً عند الجميع كان الحلق فيه أفضل قياساً على الرأس وقد دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - للمحلقين ثلاثاً وللمقصرين واحدة فجعل حلق الرأس أفضل من تقصيره فكذلك الشارب (1) .
جمعه وكتبه أبو عبد الله محمد بن محمد المصطفى
المدينة النبوية
__________
(1) انظر : زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم 1 / 178 – 181 .(1/20)